You are on page 1of 57

‫أثر مشروع السنهوري فى القوانين المدنية العربية‬

‫الجزء اﻷول‬
‫اﻷستاذ الدكتور‬
‫فايز محمد حسين محمد‬
‫استاذ ورئيس قسم فلسفة القانون وتاريخه‬
‫كلية الحقوق – جامعة اﻹسكندرية‬
‫‪fayezmohammed@hotmail.com‬‬
‫مقـدمــة‬
‫ﻻ ينك ر أح د دور اﻷس تاذ الكبي ر والفقي ه العظ يم عب د ال رازق أحم د‬
‫السنهوري‪ ،‬في الفك ر والنظ ام الق انوني العرب ي‪ ،‬وحرك ة التقن ين وفلس فة التش ريع‬
‫ومنهجه فى البﻼد العربية‪ .‬فيرجع الفضل لﻼستاذ الفقيه السنهوري فى إحداث نقل ة‬
‫نوعية كبري فى القوانين المدنية العربية )‪.(1‬‬
‫لق د ك ان اﻻس تاذ الس نهوري ص احب رس الة ورؤي ة فيم ا يتعل ق بالق انون‬
‫المدني فى البﻼد العربية‪ ،‬وعﻼقته بالقوانين المقارنة والتطورات القانونية الكب ري‬
‫التى بدأت فى خطواتها اﻷولي بعد صدور القانون المدني الفرنس ي ‪ ،1804‬فض ﻼ‬
‫عن النهضة الكبري للقانون المقارن‪ .‬ومن جهة أخري‪ ،‬كان ي ري إن اﻹتج اه نح و‬
‫الغ رب‪ ،‬والنه ل م ن علوم ه‪ ،‬دون ت دبر ومراع اة التقالي د والت راث الق انوني‬
‫واﻹسﻼمي العربي‪ ،‬غير صحيح )‪.(2‬‬
‫وبج ه ع ام تتمث ل المح اور اﻷساس ية لمش روع اﻷس تاذ الس نهوري فيم ا‬
‫يلي‪:‬أوﻻً‪ :‬إدراج الشريعة اﻹسﻼمية في التقنيات المدنية العربية‪ ،‬حيﺚ إن الش ريعة‬

‫)‪ (1‬ملحوظة‪:‬تم اعداد هذه المقالة ونشرت فى مجموعة اعمال م ؤتمر الفق ه اﻹس ﻼمي‬
‫– فى ‪ / 8-5‬ابريل‪ - 2014 /‬بسلطنة عمان – وزارة اﻷوقاف والشئون الدينية‪.‬‬
‫)‪ (2‬ملحوظ ة‪ :‬لق د قام ت إدارة كلي ة الحق وق جامع ة الق اهرة مش كورة‪ ،‬بجه د عظ يم‬
‫ومشكور فى تجميع مقاﻻت اﻷس تاذ الس نهوري ونش رتها ف ى ع دد خ اص م ن مجل ة‬
‫الق انون واﻷقتص اد والت ى تص درها الكلي ة‪ ،‬وذل ك ع ام ‪ 1992‬ف ى مجل دين‪ .‬ولق د‬
‫استفدت كثيرا من ه ذيين المجل دين‪ .‬فخ الص التحي ة والتق دير والش كر لكلي ة الحق وق‬
‫جامعة القاهرة على هذا العمل العلمي الجليل‪.‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(13) 2014‬‬
‫اﻹسﻼمية من التقالي د القانوني ة لمص ر والت راث الق انوني المش ترك لل دول العربي ة‬
‫وثاني ا ً‪ :‬أتخ اذ الش ريعة اﻹس ﻼمية كأس اس لتوحي د الق وانين المدني ة العربي ة‪.‬ثالثا ً‪:‬‬
‫تأسيس فقه قانوني مدنى يماثل الفقه القانوني اﻷجنبي؛ حتى ﻻ يظل الفق ه الق انوني‬
‫العربي عالة عل ى الف ه الق انوني اﻷجنبي ى‪ ،‬رابع ا ً‪ :‬دراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ى‬
‫ضوء القانون المقارن والنهوض بدراس ة الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬خامس ا‪ :‬اﻷعتم اد عل ى‬
‫اﻷجماع كمصدر هام للوصول إلى حكم فى الوقائع المستحدثة التى يفرزها التغي ر‬
‫اﻹجتماعي‪.‬سادسا ً‪ :‬وضع أسس ص حيحة لحرك ة التقن ين ف ى المس ائل المدني ة‪ ،‬ف ى‬
‫مصر واليﻼد العربية‪ ،‬تقوم على مجموعة قواع د موض وعية وش كلية‪ ،‬ت ؤدى إل ى‬
‫وض ع تقنين ات مدني ة حديث ة‪.‬س ابعا ً‪ :‬وض ع ق انون م دني عرب ي ق ائم عل ى التقالي د‬
‫القانوني ة العربي ة والش ريعة اﻹس ﻼمية‪.‬ثامنا ً‪ :‬تط وير دراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية‬
‫وإظهارها حتى تقوم بدورها ف ي ت دعيم الق انون المق ارن ف ي ع الم الفق ه الق انوني‪،‬‬
‫حيﺚ يجب العناية بدراسة الفقه اﻹس ﻼمي بأس لوب علم ي عص ري‪ ،‬ثامن ا ً‪ :‬إدراج‬
‫الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي التقني ات المدني ة العربي ة بص ورة تدريجي ة واقتب اس‬
‫التشريعات العربية من بعضها البعض اﻵخر‪ ،‬حتى نص ل ف ي النهاي ة إل ى الق انون‬
‫المدني العربي الموحد المأخوذ من الشريعة اﻹسﻼمية بعد النه وض ب ه وتط ويره‪.‬‬
‫عاش را‪ :‬التركي ز عل ى دور الجامع ة العربي ة توحي د التش ريعات المدني ة ف ى ال بﻼد‬
‫العربية لتدعيم الوحدة السياسية‪.‬‬

‫)‪ (14‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫ونعالج فيما يلي‪ ،‬ت أثير مش روع الس نهوري ف ى الق وانين المدني ة العربي ة‬
‫على النحو اﻵتي‪:‬‬
‫المبحﺚ اﻷول‬
‫السنهوري وفلسفة علم التقنين وأسس صناعة التشريع فى البﻼد العربية‬
‫لقد اهتم السنهوري اهتماما ً كبيرا ً بعلم التقن ين‪ ،‬ودرس الق وانين اﻷجنبي ة‬
‫المقارن ة دراس ة ج ادة‪ ،‬فض ﻼً ع ن إن ه ك ان ل ه فض ل الس بق ف ي دراس ة الق انون‬
‫المقارن‪ ،‬تحت إشراف عالم كبير من أعﻼم القانون المق ارن‪ ،‬وه و اﻷس تاذ ادوارد‬
‫ﻻمبير‪ .‬ومن خﻼل هذه المعارف الكبري‪ ،‬وض ع الس نهوري مش روعه الكبي ر ف ى‬
‫القوانين المدنية العربي ة‪ ،‬حي ﺚ أرس ي أس س ص ناعة التش ريع ف ي ال بﻼد العربي ة‪،‬‬
‫والتى ابتدأت خطواتها اﻷولى بواسطته بوضع القانون المدني المصري ‪.1948‬‬
‫وفض ﻼ عم ا س بق‪ ،‬فم ن المع روف إن الس نهوري ع اش ف ي الفت رة الت ي‬
‫كانت حركة التفنينات في أوربا ف ي أوج عه دها‪ ،‬إذ باﻹض افة إل ى الق انون الم دني‬
‫الفرنس ي ‪1804‬م ‪ ،‬حي ﺚ أتجه ت الكثي ر م ن دول أورب ا إل ى اقتب اس تقنيني ات‬
‫نابليون‪ .‬وتطورت حركة التقنين مع مروور الزمن‪ ،‬ولكن ظل التقنين الفرنسي هو‬
‫رائدها‪ ،‬ويشاركه فى الريادة التقنينات الجرمانية‪ ،‬ثم المشروع الفرنس ي اﻹيط الي‬
‫المشترك‪.‬‬
‫اﻷمر الذي ﻻ مراء فيه إن السنهوري هو مؤسس عل م التقن ين ف ي ال بﻼد‬
‫العربية‪ ،‬فهو الذي قام بتح ديﺚ وتط وير الق انون ف ي مص ر‪ ،‬عن دما وض ع الق انون‬
‫الم دني المص ري الص ادر ع ام ‪ 1948‬وه و الق انون – ال ذي انتق ل إل ى ال بﻼد‬
‫العربية‪ ،‬فيما بعد؛ ولذا يعد القانون المدني المصري هو مصدر حرك ة التقن ين ف ي‬
‫مج ال الق انون الم دني ف ي ال بﻼد العربي ة‪ ،‬واﻷس اس الت ى بنتي ت علي ه الحرك ة‬
‫التشريعية فى البﻼد العربية‪.‬‬
‫وق د ب ين الس نهوري اﻷط ر الموض وعية واﻷط ر الش كلية للتقن ين‪ ،‬وب ين‬
‫العيوب الموضوعية والعيوب الشكلية وأسبابها وصورها في التقنين المدني الق ديم‬
‫والتقني ات اﻷوربي ة القديم ة والحديث ة‪ .‬وم ن مجم ل اﻷفك ار والمب ادئ والتحل يﻼت‬
‫التي جاءت في كتابات السنهوري من خﻼل استخدام المنهج اﻻستقرائي تم الم نهج‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(15) 2014‬‬
‫التحليل ي يمك ن الق ول أن القواع د اﻷساس ية للتقن ين – م ن وجه ة نظ ر الس نهوري‬
‫تنقسم إلى نوعين‪ :‬قواعد متعلقة بالموضوع وهي التي تتعلق بأحكام التقنين وم دى‬
‫حداثته ومدى شموله والوض وح والمعالج ة المنطقي ة‪ ،‬وعﻼقت ه ب القوانين اﻷخ رى‬
‫التي بنى عليه ا‪ ...‬ال خ‪ .‬والن وع الث اني قواع د متعلق ة بالش كل‪ ،‬مث ل تقس يم وتبوي ب‬
‫وتنظيم النصوص واللغة ومراع اة أص ول الص ياغة الش ريعية والترتي ب المنطق ي‬
‫للموضوعات التي يعالجها التقنين‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫المطلب اﻷول‬
‫فلسفة التقنين‬
‫أوﻻ ً‪ :‬مفهوم التقنين‪:‬‬
‫يقص د ب التقنين ‪ Codification‬جم ع القواع د القانوني ة بف رع بأكمل ه م ن‬
‫فروع القانون مبوبة ومرتبة ومرقمة‪ ،‬في كتاب واحد بواسطة المشرع مثل التقنين‬
‫الم دني والتقن ين التج اري( )‪ (1‬ويقص د ب ه أيض ا ً )تجمي ع رس مي م ن جان ب الدول ة‬
‫للنصوص التشريعية الخاصة بفرع م ن ف روع الق انون‪ ،‬أو ه و تش ريع ج امع له ذا‬
‫الفرع صادر م ن المش رع نفس ه به ذا الش كل الج امع( )‪ .(2‬وبن اء علي ه ف التقنين ه و‬
‫)جم ع القواع د القانوني ة الخاص ة بأح د ف روع الق انون‪ ،‬بع د ترتيبه ا وتبويبه ا ف ي‬
‫مدونة واحدة تصدرها في شكل قانون السلطة التشريعية في الدولة( )‪.(3‬‬
‫وبالرغم من العيوب الكثي رة واﻻنتق ادات الت ي وجه ت إل ى حرك ة التقن ين‬
‫القانوني‪ ،‬إﻻ أن هذا لم يؤثر ف ي انتش ار وض ع التقني ات‪ .‬وم ن الوظ ائف اﻷساس ية‬
‫التي اقترنت بحركة التقنين هو أن التقنين سهل دور وظيفة القانون المقارن‪ ،‬فضﻼ‬
‫عن إنه يتخذ كوسيلة لﻼقتباس من القوانين اﻷجنبية)‪ ،(4‬كما حدث في مصر‪ ،‬حي ﺚ‬
‫ثم اقتباس تقنيات نابليون‪ .‬وفضﻼ عما سبق‪ ،‬فمن المسلم به أن التقن ين ي ؤدي إل ى‬
‫التوحيد‪ ،‬فقد أدت تقنيات نابليون إلى توحيد القانون فى فرنسا‪ ،‬فضﻼ عن إنها ه ى‬

‫)‪ (1‬د‪ .‬نزيه المهدي‪ :‬المدخل لدراسة القانون‪ ،‬ج ‪ ،1‬نظرية القانون‪ ،1992 ،‬ص ‪.150‬‬
‫)‪ (2‬د‪ .‬حسن كيره‪ :‬الم دخل إل ى الق انون‪ ،‬اﻹس كندرية‪ ،‬منش أة المع ارف‪ ،‬ط ‪ ،1971‬ص‬
‫‪.259‬‬
‫)‪ (3‬د‪ .‬محمود جمال الدين زك ي‪ :‬دروس ف ي مقدم ة الدراس ات القانوني ة‪ ،‬ط ‪،1969 ،2‬‬
‫ص ‪.96‬‬
‫)‪ ،(4‬د‪ .‬نزيه المهدي‪،‬المدخل لدراسة القانون‪ ،‬ج ‪ ،1‬نظرية القانون‪ ،1995 ،‬ص ‪.152‬‬

‫)‪ (16‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫مه د حرك ة التنق ين ف ى اورب ا وغيره ا‪.‬وتعتب ر المجموع ة المدني ة الفرنس ية الت ي‬
‫صدرت في سنة ‪ 1804‬أول تقنين في العصر الح ديﺚ ب المعنى ال دقيق‪ ،‬وانتش رت‬
‫بعدها حركة التقنين في أوربا وخارج أوربا ً)‪ .(5‬وك ان لص دور التقني ات الفرنس ية‪،‬‬
‫وخصوصا ً التقنين المدني الفرنسي في بدايات القرن التاسع عشر ‪ 1804‬أثر كبي ر‬
‫في أورب ا وخارجه ا ودف ع الحرك ة القانوني ة إل ى اتج اه جدي د‪ ،‬يق وم عل ى التش ريع‬
‫كمصدر أول للقانون‪.‬‬
‫ولعل الس بب ف ي انتش ار التقني ات الفرنس ية واس تقبالها خ ارج فرنس ا‪ ،‬ف ي‬
‫الكثير من الدول اﻷوربية وغي ر اﻷوربي ة يرج ع ف ي اعتقادن ا إل ى إنه ا كان ت أول‬
‫عمل تشريعي ضخم تولته دولة في العصر الحديﺚ‪ ،‬فه و أول مظه ر ج دي علم ي‬
‫لحركة التقنين)‪.(6‬‬
‫ومع حركة اﻷصﻼح القضائي فى مصر في عهد الخديوى إسماعيل‪ ،‬فى‬
‫الرب ع اﻷخي ر م ن الق رن التاس ع عش ر‪ ،‬التحق ت مص ر بحرك ة التقن ين العالمي ة‪،‬‬
‫بإنش اء المح اكم المختلط ة س نة ‪ ،1875‬ووض ع التقنيين ات المختلط ة؛ إذ وض عت‬
‫س تة تقني ات أخ ذت م ع إخ تﻼف يس ير ع ن التقني ات الفرنس ية لتطبيقه ا المح اكم‬
‫المختلط ة‪ ،‬ث م وض عت التقني ات اﻷهلي ة س نة ‪ 1883‬لتطبقه ا المح اكم اﻷهلي ة‪ ،‬ث م‬
‫توال ت حرك ة التقن ين ف ى تطوره ا‪ ،‬ولم ا أظه ر العم ل قص ور ه ذه‬
‫التقنيات‪،‬وتخلص ت مص ر م ن اﻻمتي ازات اﻷجنبي ة‪ ،‬ب دأ التفكي ر ف ي وض ع ق انون‬
‫مدني مصري‪ ،‬والذى ص در‪.(7) 1948‬ولق د أث ر الق انون الم دني المص ري – دون‬
‫شك ‪ -‬تأثيرا كبيرا على حركة التقنين المدني فى البﻼد العربية‪.‬‬

‫)‪ (5‬انظر‪:‬‬
‫‪Konrad Zmeigert and Hien Kotz: Introduetion to comparative law, 1998, p.‬‬
‫‪100 – 101.‬‬
‫)‪ (6‬د‪ .‬حسن كيره‪ :‬المرج ع الس ابق‪ ،‬ص ‪ ،261‬د‪ .‬نزي ه المه دي‪ ،‬ص ‪ ،154‬د‪ .‬محم ود‬
‫جمال الدين زكي‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫)‪ (7‬د‪ .‬حسن كيره‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.261‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(17) 2014‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬طرق التقنين‪:‬‬
‫تنقسم طرق التقنين إلى طريقين‪ :‬الطريق الفلسفي والطريق التاريخي )‪:(8‬‬
‫الطري ق الفلس في‪ :‬ويقص د به ذه الطريق ة أن يق وم المش رع بوض ع تش ريع‬
‫مث الي‪ ،‬أي وض ع قواع د قانوني ة مثالي ة‪ ،‬أي قواع د جدي دة تتف ق م ع م ا يتص وره‬
‫المشرع أن يكون مثﻼً أعلى للتنظ يم الق انوني‪ .‬الطري ق الت اريخي‪ :‬وه و ق ائم عل ى‬
‫مذهب المدرسة التاريخية‪ ،‬ويقوم على إصدار تقنين مﻼئم لحاجات الجماع ة وق ت‬
‫وضعه‪ ،‬متفق مع حالتها اﻻجتماعية ويعتم د بالت الي عل ى القواع د القانوني ة الناف ذة‬
‫وعلى ما يكون صالحا ً من التقاليد التاريخية‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬فالطريق الفلسفي يركز على ما يجب أن يك ون علي ه‬
‫التقن ين ف ى ض وء فلس فة معين ة يتبانه ا المش رع مس بقا‪ ،‬إذ يص در تح ت ت أثير‬
‫اتجاهات فلسفية معينة ورؤى مثالية‪ ،‬قد ﻻ تتفق مع الواقع اﻻجتماعي‪ .‬أما الطريق‬
‫التاريخي‪ ،‬فهو طريق واقعى بالدرجة اﻷولي ويقوم على أن المشرع يصدر تقنينا‬
‫لما هو عليه الواقع اﻻجتماعي‪ .‬ومن الواضح إن الطريق اﻷول يتأسس على فلسفة‬
‫مدرس ة الق انون الطبيع ي‪ ،‬بينم ا الطري ق الث اني‪ :‬يتأس س عل ى فلس فة المدرس ة‬
‫التاريخية‪.‬‬
‫ولكن السنهوري قد نهج طريقا ً ثالثا ً وهو إنه جمع بين الطريقتين‪ ،‬فهو من‬
‫ناحية وضع تقنين لما يجب أن يكون عليه التنظيم الق انوني للمع امﻼت المدني ة ف ي‬
‫مص ر‪ ،‬وف ي نف س الوق ت ل م يبتع د ع ن الواق ع وم ا اس تقر علي ه العم ل‪ ،‬والثواب ت‬
‫القانوني ة الت ي اس تقر عليه ا الفق ه والقض اء والش ريعة ف ي فت رة س ريان الق انونين‬
‫المختلط ‪ 1883‬واﻷهل ي ‪1883‬م‪ .‬فه و ق د جم ع ب ين اﻹص الة والتجدي د والتط وير‬
‫واستشراف المستقبل‪ .‬وخلص إلى وضع قانون مدني عام ‪ 1948‬مستمد من ثﻼث ة‬
‫اص ول‪ :‬الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬الق انون المق ارن‪ ،‬الفق ه والقض اء المص ري والتقالي د‬
‫القانونية المصرية المستقرة‪ .‬وهو القانون الذى ﻻقى ترحابا كبيرا ل يس ف ى مص ر‬
‫فقط بل فى الدول العربي ة أيض ا؛ إذ ه و المص در الت اريخي لكاف ة الق وانين المدني ة‬
‫العربية‪.‬‬

‫)‪ (8‬د‪ .‬محمود جمال الدين زكي‪ :‬دروس في مقدم ة الدراس ات القانوني ة‪ ،‬ط ‪ ،2‬الق انون‪،‬‬
‫‪ ،1969‬ص ‪.98‬‬

‫)‪ (18‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫المطلب اﻷول‬
‫القواعد الموضوعية للتقنين‬
‫تتمث ل القواع د الموض وعية الت ى يج ب عل ى المش رع إن يراعيه ا عن د‬
‫وض ع التقن ين – ف ى رأى اﻻس تاذ الفقي ه الس نهوري ‪ -‬ف ي مجموع ة م ن الش روط‬
‫الواجب توافرها ف ى مض مون التقن ين‪ .‬ويتب ين م ن ه ذه القواع د كم ا س نري إنه ا‬
‫تعك س دراي ة الس نهوري‪ ،‬بعل م التقن ين المق ارن وفلس فة التش ريع وعل م اﻻجتم اع‬
‫القانوني والمنطق القانوني‪ .‬ونوضح فيما يلي هذه القواعد على النحو اﻷتي‪:‬‬
‫أوﻻً‪ :‬اﻻ يكون التقنين مقتضباً‪:‬‬
‫يشترط في التقنين الدقيق‪ ،‬أن تكون أحكامه غير مقتضبه‪ ،‬فإذا تناول أم را ً‬
‫تناوله بطريقة علمية سليمة وشاملة‪ ،‬دون غموض أو استطراد أو قصور‪ ،‬ويعتب ر‬
‫هذا العيب من اشد عيوب التقنين خطورة‪ ،‬إذ يكون التقنين المقتض ب قاص را ً عل ى‬
‫وضع تنظيم قانوني شامل للمسائل‪ ،‬التي من المفت رض أن ينظمه ا ويب ين حكمه ا؛‬
‫ولذا ﻻ يكون التقنين غير مﻼئم للواقع اﻹجتماعي‪.‬‬
‫وفي غالب اﻷح وال ي أتي عي ب اﻻقتض اب ف ي التقن ين ف ي حال ة اﻻعتم اد‬
‫على تقنين أجنبي واحد والنقل واﻻقتباس منه عن د وض ع التقن ين‪ ،‬أو أن واض عوا‬
‫التقنين لم يقوموا بدراسة كافي ة للبيئ ة الت ي س يطبق فيه ا التقن ين‪ ،‬للوص ول إل ى م ا‬
‫تحتاجه من نصوص قانونية‪ ،‬مناسبة للوقائع اﻹجتماعية‪ ،‬وحتى ف ي المس ائل الت ي‬
‫نظمها‪ ،‬لم يكن تنظيمه لها شامﻼً‪.‬‬
‫ولقد أشار السنهوري إلى أن التقنين المدني اﻷهل ي ‪ 1883‬كان ت أحكام ه‬
‫غامض ة ومقتض بة‪ ،‬إذ ل م يتض من تنظيم ا ً لمس ائل كثي رة هام ة مث ل النياب ة ف ي‬
‫التعاقد‪ ،‬عقود اﻹذعان‪ ،‬الحق في الحبس‪ ،‬الدفع بع دم التنفي ذ‪ ،‬تك وين العق د‪ ،‬اﻹرادة‬
‫المنفردة)‪.(9‬‬
‫وفسر ذلك اﻻقتضاب والغموض الس نهوري ب أن الق انون الم دني اﻷهل ي‪،‬‬
‫ك ان مج رد تقلي د منق ول م ن التقن ين الفرنس ي ال ذي وض ع ع ام ‪ ،1804‬متج اهﻼً‬
‫التط ورات الت ي ح دثت ف ي حرك ة التقن ين الحديث ة ف ي أورب ا‪ .‬وال نظم القانوني ة‬

‫)‪ (9‬د‪ .‬السنهوري‪ :‬الوسيط‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.5 – 4‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(19) 2014‬‬
‫الحديث ة‪ ،‬مث ل نظ ام المؤسس ات‪ ،‬عق ود الت زام المراف ق العام ة‪ ،‬حوال ة ال دين‪ ،‬عق د‬
‫التأمين)‪ .(10‬وم ن مظ اهر اﻻقتض اب أيض ا ً اﻹغف ال ع ن بع ض المس ائل اﻷساس ية‬
‫الت ي يفت رض تنظيمه ا‪ .‬اﻷم ر ال ذى ي ؤدى إل ى إن التقن ين ناقص ا م ن الناحي ة‬
‫الموضوعية للفروض المختلفة للمسائل الت ى ت دخل ف ى نطاق ه‪ ،‬وتمث ل ه ذه الحال ة‬
‫اقصى درجات النقص التشريعي‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬عدم تناقض أحكام التقنين مع بعضها أو مع غيرها من التقنينات اﻷخرى‪.‬‬
‫يشترط في التقنين إﻻ تكون أحكامه متناقضة مع بعضها في داخ ل التقن ين‬
‫نفسه‪ ،‬أو أن يتضمن أحكاما ً تتناقض مع تقنينات أخ رى س ارية ف ي المجتم ع‪ .‬وب ﻼ‬
‫ش ك‪ ،‬إن الص ياغة التش ريعية الجي دة والمراجع ات القانوني ة لمض مون اﻷحك ام‬
‫الواردة في التقنين قبل إص داره‪ ،‬ت ؤدى إل ى كش ف من اطق التن اقض وإزالته ا فيم ا‬
‫ب ين نص وص التقن ين الواح د ه ذا م ن جه ة‪ .‬وم ن جه ة أخ رى فم ن المتطلب ات‬
‫اﻷساسية في المنظومة القانوني ة ف ي الدول ة أﻻ تتن اقض التقنين ات م ع بعض ها‪ ،‬ي ل‬
‫يج ب أن تتكام ل فيم ا بينه ا‪ ،‬لتحقي ق النظ ام ف ي المجتم ع وحت ى تس ير ف ي انتظ ام‬
‫وانسجام وﻻ تثي ر مش اكل ف ي التطبي ق العمل ي‪ .‬وه و اﻷم ر ال ذى ي ؤثر عل ى س ير‬
‫العدالة فى المجتمع‪.‬‬
‫ولق د ض رب الس نهوري أمثل ة كثي رة لعي ب التن اقض ف ي التقن ين الم دني‬
‫الق ديم‪ ،‬إذ أش ار إل ى تن اقض بع ض النص وص م ع بع ض م ن جه ة‪ ،‬وإل ى تن اقض‬
‫بعض النصوص مع نص وص أخ رى ف ي التقن ين الم دني المخ تلط ‪ ،1875‬وأيض ا ً‬
‫تناقض بعض النصوص مع أحكام الشريعة اﻹسﻼمية‪ ،‬فضﻼ عما شاب التقنين من‬
‫أخطاء علمية قانونية )‪.(11‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬ضرورة اﻻقتباس من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي‪:‬‬
‫تعتبر هذه القاعدة خاصة بمنهجية التقن ين ف ي ال بﻼد العربي ة‪ ،‬والت ى تتخ ذ‬
‫الش ريعة اﻹس ﻼمية مص درا للتش ريع‪ ،‬إذ ف ي حال ة اﻻتج اه نح و اﻷخ ذ م ن الفق ه‬
‫اﻹسﻼمي‪ ،‬ينبغي اﻻقتباس من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬حت ى ﻻ يك ون التقن ين‬
‫مبني ا عل ى م ذهب واح د‪ ،‬ف ﻼ يك ون تقنين ا م ذهبيا‪ .‬ولق د أك د الس نهوري عل ى ذل ك‬

‫)‪ (10‬د‪ .‬السنهوري‪ :‬الوسيط‪ ،‬ج‪ 1،‬ص ‪.5 – 4‬‬


‫)‪ (11‬السنهوري‪ :‬الوسيط‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.7 – 6‬‬

‫)‪ (20‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫كثي را‪ .‬فالس نهوري عن دما ق ام بوض ع التش ريعات المدني ة العربي ة‪ ،‬ل م يعتم د عل ى‬
‫مذهب واحد‪ ،‬بل استمد الكثير من اﻻحكام من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬ويمث ل‬
‫ذلك نقلة نوعية كبري فى التنقنينات العربية‪ ،‬إذ كان ت بع ض ال دول اس تندا أساس ا‬
‫على الفقه الحنفي‪ ،‬تاركة الم ذاهب اﻷخ ري‪ ،‬إذ اس تندت أساس ا إل ى مجل ة اﻻحك ام‬
‫العدلية‪ ،‬وهى مأخوذة من الفقه الحنفي‪ .‬ولكن السنهوري وس ع ه ذا اﻷف ق الض يق‪،‬‬
‫فعلى سبيل المثال فالقانون المدنى العراقي أخذ من القانون المدنى المصري فض ﻼ‬
‫ع ن قواع د مجل ة اﻷحك ام العدلي ة‪ ،‬واس تمد الق انون الم دني المص ري أحكام ه‬
‫الم أخوذة م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن كاف ة م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬دون التقي د‬
‫بمذهب معين‪.‬‬
‫ولكن ما نادى به السنهوري‪ ،‬لم تلتلزم به كافة ال دول العربي ة ف ى قوانينه ا‬
‫المدني ة‪ ،‬حي ﺚ بع ض ال دول‪ ،‬ق د تبن ت اﻹتج اه نح و اﻹس تناد إل ى رب ط اﻷس تدﻻل‬
‫القضائي بمذاهب فقيه معينة‪ ،‬وهو اﻷمر الذى جاء فى الق انون الم دني اﻷم اراتي‪،‬‬
‫كما سنري‪.‬‬
‫رابعا ً‪ :‬اﻻستفادة بنتائج ودراسات علم اﻻجتماع القانوني‪:‬‬
‫يق وم م نهج عل م اﻻجتم اع الق انوني عل ى نف س من اهج البح ﺚ ف ي عل م‬
‫اﻻجتماع العام‪ ،‬مث ل اﻹحص ائيات‪ ،‬اﻻس تبيانات‪ ،‬دراس ات الحال ة‪ ،‬دراس ة الوق ائع‬
‫الس ابقة‪ ،‬اﻻس تعانة ب رأي الخب راء والتج ارب التاريخي ة‪ ...‬ال خ)‪ .(12‬وق د أوص ى‬
‫السنهوري بضرورة اﻻستعانة ببعض الوسائل المشار اليه ا‪ ،‬عن د وض ع التقنين ات‬
‫أو تنقيحها‪ ،‬والوسائل التي أشار إليها تدخل ضمن وسائل علم اﻻجتماع القانوني‪.‬‬
‫ويق ول ف ي ه ذا الص دد م ا يل ي )‪ ...‬ل ذلك نس تطيع أن نس تخلص م ن ه ذا‬
‫القضاء ‪-‬يقصد القضاء السابق‪ -‬عند مراجعة تقنينا‪ ،‬كثيرا م ن ال دروس النافع ة‪ ،‬ﻻ‬
‫يج وز أن نغف ل عنه ا‪ ،‬فه ي مس تمدة م ن تجاربن ا الخاص ة وم ن حياتن ا اليومي ة(‪،‬‬
‫ويضيف أيضا ً فيقول )‪ ...‬ومن المفيد أيضا ً أن نرجع إلى التوثيق ات القانوني ة‪ ،‬وم ا‬
‫جرت عليه الناس في معامﻼتهم‪ ،‬وما اعتادوه من الوسائل لتنفيذ أحكام القانون‪ ،‬بل‬
‫ولله رب م ن ه ذه اﻷحك ام ف ي بع ض اﻷحي ان‪ .‬فتحاي ل الن اس عل ى حك م ق انوني‬

‫)‪ (12‬انظ ر مؤلفن ا‪ :‬د‪ .‬ف ايز محم د حس ين محم د‪ :‬مب ادئ عل م اﻹجتم اع الق انوني‪،‬‬
‫اﻹسكندرية‪.2012 ،‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(21) 2014‬‬
‫ومضيهم في ذلك دليل على فساد هذا الحكم‪ ،‬فأولى بالمشرع إعادة النظ ر في ه عن د‬
‫تنقيح تشريعه وﻻ شك أن هناك كثيرا ً م ن ال دروس النافع ة يمك ن استخﻼص ها م ن‬
‫الوقفيات وعقود التأمين وعقود الشركات المختلفة وعقود اﻹيج ار وغي ر ذل ك مم ا‬
‫جرى به العمل واستقر عليه العرف( )‪.(13‬‬
‫ومما يرتبط بنفس القواعد‪ ،‬ينبغي عن د التقن ين وض ع النظري ات والمب ادئ‬
‫المستقر عليها‪ ،‬أما النظريات اﻻجتماعية واﻻقتصادية التي ﻻ ت زال مح ﻼً للن زاع‪،‬‬
‫ولم يستقر عليها الرأي‪ ،‬فﻼ داعي ﻹدراجها في التقنين)‪.(14‬‬
‫وي ؤدى اﻻس تفادة بدراس ات ونت ائج عل م اﻻجتم اع الق انوني عن د وض ع‬
‫التقنينيات إلى جعل نصوص التقنين موافقه لمتغيرات الواقع اﻹجتماعي‪ ،‬وانعكاسا‬
‫له‪ ،‬ويؤدى ذلك إلى جعلها أكثر فعالية وقبوﻻ لدى اﻻفراد فى المجتمع‪ ،‬ولذا ت ؤدى‬
‫دورها فى تحقيق الضبط اﻹجتماعي‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬اﻻستعانة بالتشريعات المقارنة الحديثة‪:‬‬
‫من المسلم به‪ ،‬إن المشرع الجيد‪ ،‬يجب عليه أن ﻻ يغفل ما جاء من أحكام‬
‫ومب ادئ وقواع د ف ي التش ريعات الس ابقة علي ه‪ ،‬س واء التش ريعات الوطني ة أو‬
‫التش ريعات اﻹجنبي ة المقارن ة‪ ،‬إذ أن اﻷس تفادة م ن التج ارب التش ريعة الحديث ة‬
‫الس ابقة‪ ،‬ي ؤدى إل ى إنت اج تقن ين عص ري متمي ز‪ ،‬مواف ق لظ روف تط ور حرك ة‬
‫التقنين‪ ،‬وفى نفس الوقت انعكاس لظروف المجتمع‪ ،‬الذى يطبق عليه ه ذا التقن ين‪،‬‬
‫ولكن يجب أن يكون اﻷستفادة من التشريعات المقارنة‪ ،‬فى ضوء مراعاة متطلبات‬
‫عل م اﻻجتم اع الق انوني‪ ،‬وض وابط اﻷقتب اس م ن الق وانين اﻷجنبي ة‪ ،‬حي ﺚ إن‬
‫الق انون ظ اهرة إجتماعي ة‪ ،‬وم ا ق د يك ون ص الحا لمجتم ع م ا ق د ﻻ يك ون ص الح‬
‫لمجتمع أخر أو نفس المجتم ع‪ ،‬إذا تغي رت ظ روف المجتم ع‪ ،‬ه ذا م ن جه ة‪ .‬وم ن‬
‫جه ة أخ ري يج ب مراع اة الض وابط المتعلق ة‪ ،‬بأس تقبال التش ريعات اﻻجنبي ة ف ى‬
‫النظام القانوني الوطني‪.‬‬

‫)‪ (13‬الس نهوري‪ :‬وج وب تنق يح الق انون الم دني وعل ى أي أس اس يك ون ه ذا التنق يح‪،‬‬
‫الكتاب الذهبي للمحاكم اﻷهلية‪ ،‬ص ‪47‬‬
‫)‪ (14‬السنهوري‪ ،‬المقالة السابقة‪ ،‬ص ‪.47‬‬

‫)‪ (22‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫ويقول السنهوري في هذا الصدد )‪ ...‬وأهم ما ينبغي أن يقف عنده المق نن‬
‫إذا أراد أن يك ون تقنين ه م رآه ص ادقة للق انون ف ي عص ره‪ ،‬وأن يس تجمع ف ي ه ذا‬
‫التقنين مزاي ا ك ل التقني ات الت ي س بقته‪ .‬فيج ب إذن أن يك ون الق انون المق ارن ه و‬
‫المصدر اﻷول بين المصادر التي يستمد منها التنقيح‪ .‬وينبغي أن نقف من الق انون‬
‫المق ارن عن د التش ريع المق ارن‪ ،‬فإنن ا بص دد عم ل تش ريعي‪ .‬ونس تخلص حال ة‬
‫التشريع المقارن من حركة التقنينات العالمية‪.(15)(..‬‬
‫سادسا ً‪ :‬مراعاة الواقع اﻻجتماعي واقتباس ما يتفق معه‪:‬‬
‫يجب المشرع عن د اللج وء إل ى اﻻس تقبال الق وانين اﻷجنبي ة‪ ،‬واﻷخ ذ منه ا‬
‫لتطوير القانون الوطني‪ ،‬إن يراعي خصوص ية الواق ع اﻻجتم اعي وأن ينق ل منه ا‬
‫من النظم القانونية‪ ،‬التي تتناقض مع ظروف المجتمع‪ ،‬حتى يبدو التش ريع الجدي د‬
‫غير موافق لظروف المجتمع‪ .‬ومن أمثلة النقل دون وعي عن قوانين أجنبية‪ ،‬حالة‬
‫الق انون الم دني اﻷهل ي ف ي مص ر ‪ 1883‬وال ذي تض من تنظيم ا ً مستفيض ا ً لح ق‬
‫اﻻنتفاع نقﻼً عن القانون الفرنسي‪ ،‬ونظم باقتضاب حق الملكية‪ .‬مع إن ه ف ي مص ر‬
‫تطبيق ات ح ق اﻻنتف اع ض ئيلة ج دا ً وه و اق ل الحق وق العيني ة خط را ً وأض يقها‬
‫انتشارا ً)‪.(16‬ويؤكد ما سبق‪ ،‬إن المشرع لم يطلع جيدا ً على ظ روف المجتم ع وغي ر‬
‫مدرك بها‪ ،‬فنق ل نظ م أجنبي ة ﻻ يحت اج إليه ا المجتم ع‪ ،‬وأهم ل تنظ يم نظ م قانوني ة‬
‫موجودة فى المجتمع‪ ،‬فأحدث فجوة بين نصوص القانون والواقع اﻹجتماعي‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬فمن اﻷهمية بمكان اﻻسترشاد بظروف المجتم ع عن د‬
‫اﻻقتباس م ن نص وص الق وانين اﻷجنبي ة‪ ،‬م ن خ ﻼل جع ل ه ذه الظ روف المعي ار‬
‫الح اكم‪ ،‬ف ي المفاض لة فيم ا ب ين النص وص اﻷجنبي ة‪ ،‬بحي ﺚ ي تم اقتب اس أفض ل‬
‫النصوص‪ ،‬التى تتوافق مع ظ روف المجتم ع‪ .‬ولك ن يج ب ﻻ نغف ل ع ن ض رورة‬
‫المحافظ ة عل ى تماس ك وانس جام نص وص الق انون كله ا م ع بعض ها‪ ،‬بحي ﺚ تب دو‬
‫نصوص التشريع الجديد‪ ،‬كبنيان واحد ﻻ انحراف فيه وﻻ شذوذ)‪.(17‬‬

‫)‪ (15‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ....‬مقالة سابق اﻹشارة إليها‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫)‪ (16‬السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫)‪ (17‬وتج در اﻹش ارة إل ى م ا ج اء ف ي تقري ر لجن ة الق انون الم دني المص ري بمجل س‬
‫الشيوخ‪ ،‬عندما تحدثت عن ما اقتبسه مشروع القانون المدني من القوانين اﻷجنبي ة إذ‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(23) 2014‬‬
‫ومن اﻷمثلة الواض حة عل ى إن التقن ين الم دني الق ديم ل م ي راع الكثي ر م ن‬
‫متطلبات الواقع اﻻجتماعي‪ ،‬وبيئة المجتمع المص ري‪ ،‬حي ﺚ إن ه مجتم ع إس ﻼمي‪،‬‬
‫ويتمثل عدم المراعاة فى إنه هذا الق انون ق د نق ل بع ض النص وص الت ى ﻻ تتواف ق‬
‫مع ظروف المجتمع المصري وإنم ا ه ى موافق ه للبئي ة الفرنس ية‪ ،‬وم ن أمثل ة ه ذه‬
‫النص وص م ا ه و متعل ق بتظ يم النفق ات وحق وق اﻹنتف اع‪.‬ومرج ع تن اقض ه ذه‬
‫النصوص مع الواقع يتمثل فى إنه من جهة إن تنظيم النفقة في مصر من المس ائل‬
‫المتعلقة باﻷحوال الشخصية وه ي تخض ع ﻷحك ام الش ريعة اﻹس ﻼمية‪ .‬وم ن جه ة‬
‫أخرى‪ ،‬إن التقنين المدني القديم‪ ،‬هو تقنين لمسائل اﻷحوال العينية فقط‪ ،‬والنفقة من‬
‫مسائل اﻷحوال الشخصية‪ ،‬ولذا فقد جاء النقل‪ ،‬تقليد ونقﻼً حرفيا ً أعم ى غي ر دقي ق‬
‫من القانون الفرنسي الذي تنظم فيه مسائل النفق ة بص ورة تتف ق م ع تقالي د المجتم ع‬
‫الفرنسي‪ ،‬ونظرا ً ﻷن القانون الفرنسي يتضمن تنظيما ً لمس ائل اﻷح وال الشخص ية‬
‫كالزواج وغيرها‪.‬‬
‫سابعا ً‪ :‬دمج النصوص المنقولة من تشريعات أجنبية في جسم النصوص الوطنية‪:‬‬
‫من أهم ضوابط استقبال القوانين والنظم اﻷجنبية واستزراعها في الق انون‬
‫الوطني‪ ،‬هو ض ابط ض رورة العم ل عل ى اتح اد وذوب ان النص وص الم أخوذة م ن‬
‫تشريعات أجنبية مع مجمل نص وص الق انون ال وطني‪ ،‬بحي ﺚ تنفص ل ع ن أص لها‬
‫اﻷجنبي وتنعزل عنه وﻻ تظل مرتبطة به حتى ﻻ يظ ل القاض ي مرتهن ا بالمص در‬
‫اﻷجنبي للنصوص الوطنية التي يلتزم بتطبيقها‪.‬‬
‫ولقد حرص القانون المدني المصري‪ ،‬وهو ينقل م ن تش ريعات أجنبي ة إن‬

‫قال ت ف ي ه ذا الص دد م ا يل ي‪ ..) :‬أم ا النص وص الت ي اقتبس ت أحكامه ا م ن تقني ات‬
‫أجنبي ة م ن حي ﺚ الموض وع فه ي قليل ة إذا قيس ت بس ائر نص وص المش روع‪ ،‬وه ي‬
‫تعالج أوضاعا ً مس تقلة أو مس ائل تفص يلية تص لح ﻷن يفص ل فيه ا ب رأي أو أخ ر ف ي‬
‫أي تقن ين م ن التقنين ات‪ ،‬دون أن يخ ل ذل ك بتناس ق قواع ده العام ة أو تماس كها ول م‬
‫يت وخ المش روع ف ي ذل ك مج رد النق ل أو التقلي د دون نظ ر إل ى ظ روف البيئ ة‬
‫المصرية‪ ،‬ولكنه جعل من ظروف هذه البيئة رائدة‪ ،‬بين غيره مما في تقنينات أخرى‬
‫وأدخل في كثي ر م ن الح اﻻت عل ى م ا اقت بس م ن أحك ام وتع ديﻼت جوهري ة ن زوﻻً‬
‫عل ى م ا تقض ي تل ك الظروف‪...‬انظ ر مجموع ة اﻷعم ال التحض يرية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‬
‫‪.133‬‬

‫)‪ (24‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫يجع ل ه ذه النص وص عن دما انتقل ت إل ى التش ريع ال وطني له ا كي ان ذات ي مس تقل‬
‫ومنفص ل ع ن مص ادرها اﻷص لية حت ى ﻻ يك ون القاض ي وﻻ النص وص تظ ل‬
‫مرتبطة بأصلها اﻷجنبي‪ ،‬بل تكون مستقلة تمام اﻻستقﻼل عنه‪ ،‬وتذوب في مجم ل‬
‫نصوص التشريع الوطني‪ .‬وبق ول أخ ر ض رورة دم ج وص هر مب ادئ ونص وص‬
‫القانون اﻷجنبي في الق انون ال داخلي‪ ،‬بحي ﺚ تنفص ل ع ن أهله ا‪ ،‬اﻷم ر ال ذي ع دم‬
‫الحاج ة إل ى الرج وع إل ى التقني ات اﻷجنبي ة الت ي نقل ت منه ا حت ى يمك ن تفس يرها‬
‫وتطبيقها)‪.(18‬‬
‫ويقول السنهوري في هذا الصدد وبمناسبة كيفية تتفس ير النص وص‪ ،‬الت ي‬
‫استقيت من التقنيات الحديثة ما يلي )أهم مبدأ ينبغي أن ننب ه ل ه الباح ﺚ ف ي تفس ير‬
‫التقن ين الم دني الجدي د ه و أن النص وص ه ذا التقن ين الت ي اس تمدت م ن التقني ات‬
‫اﻷجنبي ة يج ب أن تفص ل فص ﻼً تام ا ً ع ن مص ادرها وتفس يرها‪ .‬ه ذه النص وص‬
‫التشريعية قد اندمجت في تقنين قائم بذاته‪ ،‬فأصبح لها من الكيان ال ذاتي م ا يجعله ا‬
‫مس تقلة ك ل اﻻس تقﻼل ع ن المص ادر الت ي أخ ذت منه ا‪ .‬وإنم ا يج ب الرج وع ف ي‬
‫تفسير هذه النصوص إلى مص ادرها الموض وعية م ن قض اء مص ري س ابق وم ن‬
‫فقه مصري تقليدي ومن نصوص تشريعية قديمة‪.(19) (...‬‬
‫ومرجع ما سبق كما تقول المذكرة اﻹيضاحية إنه من المقط وع ب ه أن ك ل‬
‫نص تشريعي ينبغي أن يعيش في البيئة التي يطبق فيه ا‪ ،‬ويحي ا حي اة قومي ة توث ق‬
‫صلته بما يحيط به من مﻼبسات‪ ،‬وما يخضع له م ن مقتض يات‪ ،‬فينفص ل انفص اﻻً‬
‫تاما ً عن المصدر التاريخي الذي أخذ منه‪ ،‬أيا ً كان هذا المصدر )‪.(20‬‬
‫ثامنا ً‪ :‬المحافظة على التراث القانوني الوطني‪:‬‬
‫يشترط ضرورة المحافظة على التراث القانوني الوطني بحيﺚ إن التقن ين‬
‫الجدي د امت دادا ل ه‪ ،‬ل يس منبت ا الص لة به ذا الت راث‪ .‬ويعتب ر مب دأ المحافظ ة عل ى‬
‫الت راث الق انوني ال وطني‪ ،‬وأن يك ون الق انون الجدي د امت دادا ً ل ه ف ي آن واح د م ن‬

‫)‪ (18‬السنهوري‪ :‬الوسيط‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.52‬‬


‫)‪ (19‬السنهوري‪ :‬الوسيط‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.52‬‬
‫)‪ (20‬تقري ر لجن ة الش ئون التش ريعية بمجل س الن واب ف ي ‪ 1945/12/17‬منش ور ف ي‬
‫اﻷعمال التحضيرية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،‬ك‪1‬لك منشور في السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬ص ‪.20‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(25) 2014‬‬
‫المب ادئ الواج ب مراعاته ا عن د اﻻقتب اس م ن الق وانين اﻷجنبي ة‪ ،‬ﻷن ه يمث ل قي دا ً‬
‫أساسيا ً عل ى الرغب ة ف ي النق ل منه ا باستفاض ة‪ .‬وف ي نف س الوق ت يعتب ر م ن جه ة‬
‫ثانية‪ ،‬من الموجه ات اﻷساس ية للض وابط المنهجي ة ف ي عل م التش ريع طبق ا ً لتع اليم‬
‫المدرسة التاريخية‪.‬‬
‫ولقد كان السنهوري مؤمن بتعاليم المدرسة التاريخية‪ ،‬وخير ما يؤكد ذل ك‬
‫إنه قال ما يلي‪ ...) :‬فكل من يعرض للتشريع ومس ائله يج ب أن يع رف أن الق انون‬
‫ليس هو كلمة المشرع يقول له كن فيكون‪ .‬وقد مضي ذلك ال زمن ال ذي ك ان تس ود‬
‫فيه هذه النظريات السطحية‪ .‬والقانون كائن حي‪ ،‬ينشأ ويترعرع وينمو‪ ،‬حتى يبل غ‬
‫أش ده‪ ،‬ول يس ه و خل ق الس اعة وﻻ ه ي اﻹرادة وإذا كان ت المدرس ة التاريخي ة ق د‬
‫بالغت في هذا المعنى‪ ،‬فإن ه ذا ﻻ يمن ع م ن أن الم ذهب ف ي ج وهره ص حيح‪ .‬ف إذا‬
‫أري د وض ع ق انون م دني للع راق وج ب أن يراع ي في ه أن يك ون متص ل الحلق ات‬
‫بالماضي بالقدر الذي ينبغي أن يتطلع فيه للمستقبل()‪.(21‬‬
‫ولق د روع ي المحافظ ة عل ى الت راث الق انوني ال وطني‪ ،‬وض ع الق انون‬
‫الم دني المص ري‪ ،‬حي ﺚ ج اء ف ي الم ذكرة اﻹيض احية م ا يل ي‪ ...) :‬وم ا يج ب أن‬
‫أش ير إلي ه ف ي ه ذا المق ام أن المش روع المع روض ق ام عل ى دع امتين رئيس يتين‪:‬‬
‫اﻷول‪ :‬اﻻحتفاظ بالصالح من أحكام التقنين القائم ﻷبعد الحدود‪ ،‬فما من حكم صالح‬
‫من هذه اﻷحك ام إﻻ وأخ ذ ب ه م ع تهذيب ه الته ذيب الواج ب‪ ....‬تقن ين م ا اس تقر م ن‬
‫المبادئ في أحكام القضاء المصري مع ترجيح ما ك ان منه ا خليق ا ً بالرجح ان عن د‬
‫اخ تﻼف المح اكم‪ .‬وعل ى ه ذين اﻷساس ين أق ام المش روع أكث ر م ن ثﻼث ة أرب اع‬
‫القواعد الواردة فيه‪ ،‬فانتفع بتراث الماضي وجع ل اﻻنتق ال م ن الوض ع الق ديم إل ى‬
‫الوضع الجديد مجرد تطور طبيعي ﻻ يختلف أمره من هذا الوج ه ع ن أي إص ﻼح‬
‫يس تبدل الخي ر بال ذي ه و أدن ى ف ي غي ر تط رف أو عن ف‪ .‬وعل ى ه ذا ﻻ يقط ع‬
‫المشروع الصلة بين الحاضر والماض ي‪ ،‬وإنم ا ه و ييس ر اﻻنتف اع بم ا اس تقر م ن‬
‫ص الح اﻷحك ام ف ي التقن ين الح الي وف ي أحك ام القض اء‪ ،‬ويص قلها ص قﻼً يجعله ا‬
‫اقرب مثاﻻً وأوض ح نهج اً‪ .‬وق د عم د المش روع ف وق ذل ك إل ى إحك ام ال تﻼءم ب ين‬

‫)‪ (21‬السنهوري‪ :‬من مجلة اﻷحكام العدلية إلى الق انون الم دني العراق ي وحرك ة التقن ين‬
‫في العصور الحديثة‪ ،‬مجلة القضاء العراقية‪ ،‬س ‪ ،2‬ع ‪ ،2 ،1‬مايو‪.1936 ،‬‬

‫)‪ (26‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫القدر الذي استحدثه من القواعد وبين المبادئ العامة الت ي ألفه ا الن اس ف ي التعام ل‬
‫من قبل‪ .‬وبهذا يسر سبيل اﻻنتفاع من اﻹصﻼح( )‪.(22‬‬
‫وترتيبا ً على ما سبق‪ ،‬فقد كان من المنطقي‪ ،‬أن نجد الناس فى مصر‪ -‬كم ا‬
‫يقول السنهوري ‪ -‬وقد قبلت القانون المدني الجديد ‪ 1948‬وامتثل ت ﻷحكام ه‪ ،‬دون‬
‫أن تشعر بقلق أو بشئ غريب‪ ،‬إذ هو يمثل مرحلة تطور طبيعي للتنظ يم الش ريعي‬
‫في مسائل القانون المدني؛ ولذا قيل )‪ ..‬ومن ثم نرى أن هذا الق انون – أي الق انون‬
‫المدني الجديد – لم يحدث انقﻼبا ً في المعامﻼت المدني ة‪ ،‬ف ﻼ ت زال القواع د المدني ة‬
‫القديمة‪ ،‬كما بسطها التقنين القديم وقررها القضاء‪ ،‬هي السائرة في التقن ين الجدي د(‬
‫)‪.(23‬‬
‫تاسعا‪ :‬تعدد المصادر اﻷجنبية وعدم اﻻكتفاء بمصدر واحد‪:‬‬
‫م ن ض وابط اﻻس تعانة ب النظم والق وانين اﻷجنبي ة حت ى ﻻ يك ون التش ريع‬
‫الوطني معتمدا ً اعتم ادا ً كلي ا ً عل ى ق انون أجنب ي واح د فق ط وه و العي ب ال ذي ك ان‬
‫يشوب التقنين المدني المختلط حيﺚ كان منقوﻻً حرفيا ً من القانون المدني الفرنس ي‬
‫‪ .1804‬وعل ى خ ﻼف ذل ك فق د عم د واض عو الق انون الم دني الجدي د ‪ 1948‬إل ى‬
‫تجنب هذا العيب الكبير‪ ،‬فقد استعانوا بالكثير من التشريعات اﻷجنبية والتي تنتم ي‬
‫إلى شرائع قانونية مختلفة‪ ،‬حيﺚ أخذوا منها معا)‪.(24‬‬

‫)‪ (22‬مجموع ة اﻷعم ال التحض يرية للق انون الم دني المص رية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 141‬وم ا‬
‫بعدها‪.‬‬
‫)‪ (23‬السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.34‬‬
‫)‪ (24‬السنهوري‪ :‬الوسيط‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪) ،51‬ويقول في ه ذا الص دد م ا يل ي‪ ........‬إذ ق ال‬
‫عندما تكلم عن التقنيات الحديثة والتقنين المدني المصري ما يل ي‪) :‬ولك ل م ن ه ذه=‬
‫=التقنيات مزاي ا وعي وب‪ ،‬وق د ت وحي التقن ين الجدي د أن ينتف ع بمزاياه ا وأن يت وخى‬
‫عيوبها‪ .‬وهذا كله في حدود تقاليدنا القانونية وما اس تقر علي ه قض اؤها وفقهن ا وأكث ر‬
‫ما رجع إليه التقن ين الجدي د م ن ه ذه التقني ات خمس ة‪ :‬المش روع الفرنس ي اﻹيط الي‪،‬‬
‫التقن ين اﻹيط الي الجدي د‪ ،‬التقن ين السويس ري والتقن ين اﻷلم اني‪ ،‬والتقن ين البول وني‪.‬‬
‫ف التقنين الجدي د‪ ،‬وإن ك ان ق د اتخ ذ التقني ات الﻼتيني ة أساس ا ً ل ه‪ ،‬إﻻ أن ه ل م يلتزمه ا‬
‫وح دها‪ ،‬ب ل رج ع أيض ا ً إل ى التقني ات الجرماني ة وق د رج ع التقن ين الجدي د إل ى ه ذه‬
‫التقنيات الحديثة في بعض النواحي الموضوعية‪ ،‬ولكنه رجع إليها أكثر ما رج ع ف ي‬
‫نواحي الصياغة واﻷسلوب(‪.‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(27) 2014‬‬
‫ترتيبا ً على ما س بق فق د ك ان ي رى إن ه م ن اﻷهمي ة بمك ان اﻹس تفادة م ن‬
‫حركة التقنين الحديثة التي تم ت ف ي الق رن التاس ع عش ر والق رن العش رين‪ ،‬وت أثر‬
‫التقيينات ببعضها‪ ،‬اﻷمر الذى يؤدى إلى وضع قانون حديﺚ متطور‪ ،‬ليس مستندا‬
‫على ق انون واح د‪ ،‬ب ل ق وانين متع ددة‪ ،‬مواك ب لحرك ة التقن ين الحديث ة وف ى نف س‬
‫الوقت ﻻ يهمل التراث والتقاليد القانونية الوطنية‪.‬‬
‫ولق د ق ال ف ي ه ذا الص دد العب ارات اﻵتي ة )وﻻ تنس ى أن حرك ة التقن ين‬
‫الحديثة تن تظم جمي ع ال بﻼد‪ ،‬وإن ك ل تقن ين ح ديﺚ يظه ر عم ل أث ر التقني ات الت ي‬
‫سبقته‪ ،‬فالتقنين السويسري أخذ عن التقنين اﻷلماني‪ ،‬والمشروع الفرنسي اﻹيطالي‬
‫أخذ عن كل من التقنين وعن هذه التقنيات أخذ غيرها من التقنيات اﻷخرى‪ .‬فهن اك‬
‫ارتباط ﻻ ينكر بين التقنيات الحديثة بعضها بالبعض اﻵخر‪ .‬وﻻ يسع أمة أن تنعزل‬
‫في تقنينها عن تقنيات غيرها من اﻷمم‪ ،‬وإﻻ حرمت نفسها من ثمرات تجارب هذه‬
‫اﻷم م دون أن تس تفيد م ن عزلته ا ش يئاً‪ .‬وإنم ا يطل ب م ن اﻷم ة الرش يدة أﻻ تقل د‬
‫غيرها تقليدا ً أعمى‪ ،‬فﻼ تنقل عن تشريع أجنبي إﻻ ما يتﻼئم مع حالتها( )‪.(25‬‬
‫وتج در اﻹش ارة إل ى أن اﻷس تاذ الس نهوري‪ ،‬نب ه كثي را عل ى ض رورة‬
‫مﻼحظة ما جرى عليه التعامل فيما بين الناس في الواقع اﻻجتم اعي‪ ،‬عن د تش ريع‬
‫اﻷحكام‪ ،‬وخصوصا ً في المسائل‪ ،‬التي نجد فيها إن الظروف العملية‪ ،‬بمقتض ى م ا‬
‫ج رى علي ه التعام ل فيم ا ب ين اﻷف راد‪ ،‬تمث ل حاج ة عملي ة تغلب ت عل ى اﻷحك ام‬
‫القانونية‪،‬كما هي مأخوذة من أحكام الش ريعة اﻹس ﻼمية‪ .‬فالنص وص المقتبس ة م ن‬
‫قوانين أجنبية‪ ،‬فيجب أن يأخذ منها ما هو متوافق مع ظروف المجتمع المصري‪.‬‬
‫ونفس اﻷمر بالنسبة لم ا ه و م أخوذ م ن الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬نظ را ﻷن ه م ن‬
‫المعروف إنه في مسائل نظرية اﻻلتزامات يفقد التشريع اﻹس ﻼمي ص بغته الديني ة‬
‫إذ إنها أحكام مدنية بحتة‪ ،‬ﻻ أثر للدين اﻹسﻼمي فيها )‪.(26‬‬

‫)‪ (25‬د‪ .‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،‬مقالة سابقة‪ ،‬ص ‪.140‬‬
‫)‪ (26‬يقول اﻹستاذ الدكتور شفيق شحاتة ف ى ه ذا الص دد م ا يل ي )‪ ....‬يتض ح م ن ذل ك‬
‫أن التشريع افسﻼمي فى موضوع اﻻلتزمات يفقد صبغته الدينية‪ ..‬ونذكر هنا أن ه ذا‬
‫التشريع ﻻ يمنع مص دره ال دينى م ن اعتب اره تش ريعا ب المعنى الص حيح‪ .‬ذل ك إن ا إذا‬
‫نظرا إلى ماهي ة القاع دة القانوني ة ف ى ه ذا التش ريع ألفيناه ا تتض من جمي ع العناص ر‬
‫التى تﻼحظ فى القاع دة القانوني ة (‪.‬ز د‪ .‬ش فيق ش حاتة‪ :‬النظري ة العام ة للتزم ات ف ى‬

‫)‪ (28‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫خﻼصة القول‪ ،‬فيما يتعل ق بالقواع د الموض وعية ف ى عل م التقن ين وفلس فة‬
‫التشريع عن د الس نهوري‪ ،‬ه و إن ه م ن خ ﻼل دع ائم فلس فة التش ريع وتط ور ال نظم‬
‫القانونية ومتغيرات الواق ع اﻻجتم اعي‪ ،‬خل ص إل ى أم رين اولهم ا‪ :‬التركي ز عل ى‬
‫ضرورة أن يك ون المش رع محيط ا ً بكاف ة ظ روف المجتم ع ومعطيات ه حت ى يض ع‬
‫تشريعا ً موافقا ً له ذا المجتم ع‪ .‬وثانيهم ا‪ :‬اﻻ يتجاه ل المش رع الت راث الق انوني ف ي‬
‫المجتم ع‪ ،‬م ن أحك ام قض ائية وفق ه‪ ،‬وتش ريعات ت م اس تقرار العم ل به ا‪ ،‬وتثب ت‬
‫ص ﻼحيتها‪ ،‬وذل ك ﻻ يح دث التش ريع الجدي د ه زه ف ي المجتم ع‪ ،‬وه و اﻷم ر ال ذى‬
‫يؤثر على تحقيق العدل والنظام واﻷستقرار القانوني وهى الغايات اﻷولى للقانون‪.‬‬

‫الشريعة اﻹسﻼمية‪ ،‬جذ طرفا اﻻلتزام‪ ،‬ص ‪ 65‬فقرة ‪.15‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(29) 2014‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫القواعد الشكلية للتقنين‬
‫يقصد بالقواعد الشكلية للتقنين‪ ،‬مجموع ة المس ائل المتعلق ة بالمص طلحات‬
‫المس تخدمة واللغ ة وتقس يم وتبوي ب التقن ين وكاف ة المس ائل الت ي له ا عﻼق ة ب الفن‬
‫التشريعي والصياغة التشريعية‪ .‬ومجموعة القواعد الشكلية للتقنين – لو استعرنا ‪-‬‬
‫تقسيم اﻷستاذ الفرنسي فرانسو جينى هي التي تتعلق بالفن القانوني‪.‬ومن المسلم ب ه‬
‫إنه‪،‬ﻻ تقل أهمية مراعاة القواعد الشكلية للتقنين عن مراعاة القواع د الموض وعية‪،‬‬
‫فالشكل والمضمون كﻼهما يكمل اﻵخر‪ ،‬ويؤثر فيه‪ ،‬وي ؤثران مع ا ً ف ي دق ة وقيم ة‬
‫النصوص القانونية في المنظومة القانونية في المجتمع‪.‬‬
‫ولقد عالج السنهوري ‪ -‬أهم القواعد الشكلية الواجب مراعاتها عند وض ع‬
‫التقنيات وهى ما يلي‪:‬‬
‫أوﻻً‪ :‬ضرورة وضوح نصوص التقنين‪:‬‬
‫يشترط في التقنين أن تكون أحكامه واضحة وجلية يسهل فهمه ا وتطبيقه ا‬
‫واﻻس تدﻻل منه ا عل ى حك م الوق ائع الت ي تخض ع له ا بمنطوقه ا أو بفحواه ا‪.‬‬
‫فالمش رع ال دقيق‪،‬هو م ن يب ين بوض وح الف رض والحك م ف ى ك ل قاع دة قانوني ة‪،‬‬
‫تتضمنها النصوص التشريعية‪ .‬وم ن المس لم ب ه إن وض وح النص وص ي ؤثر عل ى‬
‫تطبيق وإعمال النصوص على الوقائع‪ ،‬حيﺚ يؤثر على طرق اﻷستدﻻل القض ائي‬
‫وتدرجها‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬سﻼمة تبويب التقنين‪:‬‬
‫يشترط أن يك ون تبوي ب الق انون منطقي ا ً ومتماس كا ً‪ ،‬ﻷن ه ذا يس اعد عل ى‬
‫حسن فهم التقنين وبالتالي تطبيقه تطبيقا ً ص حيحاً‪ .‬والتبوي ب ال دقيق للتقن ين ه و أن‬
‫نقس مه إل ى أب واب وفص ول تب ين اﻷهمي ة العملي ة لﻸحك ام القانوني ة‪ ،‬وبش رط أن‬
‫ترتبط اﻷبواب بالفصول برباط منطقي متماس ك مت درج ومنطق ي محك م‪ ،‬ويفض ل‬
‫أن يكون هناك باب تمهيدي لﻸحكام العامة للتقنين يضم المسائل التي تتمش ى عل ى‬
‫جميع نواحي القانون وليس خاصة بباب أو فصل منه)‪.(27‬‬

‫)‪ (27‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ..‬ص ‪ 18‬وما بعدها‪.‬‬

‫)‪ (30‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬عدم اﻹفراط في التعريفات‪:‬‬
‫بالرغم من أهمية التعريفات التشريعية‪ ،‬وخصوصا ً ف ي التقني ات الحديث ة‪،‬‬
‫إﻻ إنه من الناحية الشكلية يجب أن يبتعد المشرع بقدر اﻹمكان عن وضع تعريفات‬
‫في التقنين‪ ،‬إذ أن التعريفات التشريعية‪ ،‬مع مرور الوقت تجمد جم ودا ً ﻻ يتف ق م ع‬
‫تطور النظم القانونية ويعاني الفقه عناء كبي را ً م ن جموده ا ويتحاي ل ف ي التخفي ف‬
‫من هذا الجمود)‪.(28‬‬
‫ولكن بالرغم مما س بق قول ه‪ ،‬فإن ه م ن اﻷهمي ة بمك ان‪ ،‬أن يض ع المش رع‬
‫تعريفات للمصطلحات التي استقر العم ل به ا اص طﻼحا ً مث ل مص طلح عق د البي ع‪،‬‬
‫عقد اﻹيجار‪ ،‬عقد العمل‪ ،‬الوكالة‪ ...‬ال خ‪ ،‬فض ﻼً ع ن ض رورة تعري ف المص لحات‬
‫الجديدة التي ظهرت م ع تط ور حرك ة التقن ين‪ ،‬واﻻحتكاك ات الحض ارية الحديث ة‪،‬‬
‫واﻻتجاه نحو وضع تقنينات لتنظيم مس ائل دقيق ة وفني ة‪ ،‬مث ل التوقي ع اﻻلكترون ي‪،‬‬
‫نقل اﻷعضاء‪ ،‬اﻻتجار بالبشر‪.‬‬
‫ونجد هذا في التقنينات الحديث ة حي ﺚ إنه ا دائم ا ً تب دأ بفص ل تمهي دي ع ن‬
‫تعريف بعض المصطلحات الواردة في القانون)‪ .(29‬وفضﻼً عما سبق‪ ،‬م ن الناحي ة‬
‫الش كلية يج ب أن يتجن ب المش رع إدراج النظري ات الفقهي ة وﻻ أن يعل ن انض مامه‬
‫للمذهب المادي أو المذهب الشخصي في اﻻلتزام؛ ﻷن هذه المسائل يجب أن تت رك‬
‫للفقه)‪ .(30‬وبوجه ع ام‪ ،‬ف إيراد المش رع للتعريف ات ف ى ص لب التش ريع‪ ،‬ه ى مس ألة‬
‫ضرورة‪ ،‬والضرورة يجب أن تقدر بقدرها‪.‬‬

‫)‪ (28‬انظر قانون ‪ 64‬لسنة ‪ 2010‬بشأن مكافحة اﻻتج ار بالبش ر‪ ،‬ق انون ‪ 5‬لس نة ‪2010‬‬
‫بش أن تنظ يم زرع اﻷعض اء البش رية‪ ،‬ق انون اﻻتص اﻻت رق م ‪ ،‬ق انون التوقي ع‬
‫اﻻلكتروني رقم ‪ ،‬قانون الطفل‬
‫)‪ (29‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،‬ص ‪.103‬‬
‫)‪ (30‬السنهوري‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(31) 2014‬‬
‫رابعا ً‪ :‬عدم اﻻستغراق في اﻷمور التفصيلية‪:‬‬
‫يجب على المشرع أن يتجنب الرغبة ف ي وض ع تنظ يم ق انوني لك ل ش ئ‪،‬‬
‫في القانون الذي يقوم بوضعه‪ ،‬إذ من المنطقي عدم القدرة على اﻹحاط ة مس تقبﻼً‪،‬‬
‫بكل ما قد يطرأ في المستقبل مهم ا ك ان المش رع بص يراً‪ ،‬ول ذلك فيج ب اﻻقتص ار‬
‫على وضع تنظيم قانوني للكليات واﻷساس يات تارك ا ً التفص يﻼت لﻼجته اد الفقه ي‬
‫والقضائي‪.‬‬
‫وق د ق ال اﻷس تاذ الس نهوري ف ي ذل ك م ا يل ي‪ ...) :‬ال ذي يمت از ب ه التقن ين‬
‫الصالح هو أﻻ يحاول اﻹحاط ة بك ل ش ئ‪ .‬ف إن ه ذه المحاول ة عقيم ة‪ :‬وﻻ يس تطيع‬
‫المقنن‪ ،‬مهما كان بصيرا ً باﻷمور‪ ،‬أن يتنبأ بكل أمر ليضع له الحكم الذي يقتض يه‪،‬‬
‫فهو عاجز عن ذلك ﻻ محالة‪ .‬بل هو عاجز في اﻷمور الت ي يعرفه ا‪ ،‬أن يض ع له ا‬
‫أحكاما ً صالحة لكل زمان ومكان‪ .‬والمش رع الحك يم ه و ال ذي يت رك مج اﻻً فس يحا ً‬
‫لتطور القانون‪ ،‬فﻼ يحكم علي ه ب الجهود بحبس ه ف ي ألف اظ مح دودة وأحك ام معين ة‪.‬‬
‫وخي ر طري ق يس لكه ه و أن يت رك المس ائل التفص يلية ﻻجته اد الفقه اء ولتق دير‬
‫القضاء (‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬مرونة عبارات التقنين‪:‬‬
‫يقول اﻷستاذ السنهوري في هذا الصدد ما يل ي )والمش رع الحك يم ه و م ن‬
‫يجعل عبارته مرنة يتغير تفسيرها بتغير الظروف دون أن يذهب في ذلك إل ى ح د‬
‫الغم وض وع دم الدق ة‪ .‬وخي ر وس يلة للجم ع ب ين الدق ة والمرون ة ه ي أن يع دل‬
‫المشرع في المسائل التي تكون سريعة التطور‪ ،‬ع ن القواع د الجام دة الض يقة إل ى‬
‫المعايير المرنة الواسعة‪ ،‬معايير يسترشد بها القاضي دون أن يتقيد‪ ،‬ويطبقها عل ى‬
‫اﻻقضية التي تعرض له‪ ،‬فيصل من ذل ك إل ى حل ول تختل ف ب اختﻼف ك ل قض ية‪،‬‬
‫وما يحيطها من مﻼبسات( )‪.(31‬‬
‫ولق د طب ق اﻷس تاذ الس نهوري م ا س بق عن د وض عه للق انون الم دني‬
‫المصري‪ ،‬إن جمع بين المعيار والقاعدة والمعايير المرنة والمعايير الجامدة )‪.(32‬‬
‫سادسا ً‪ :‬ترشيد اﻹحالة التشريعية‬

‫)‪ (31‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،‬ص ‪.104‬‬


‫)‪ (32‬السنهوري‪ :‬الوسيط‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ 78‬وما بعدها‪.‬‬

‫)‪ (32‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫اﻹحال ة التش ريعية وس يلة منهجي ة ف ى الص ياغة التش ريعية‪ ،‬وه ى عل ى‬
‫نوعين اﻹحالة الداخلية‪ ،‬واﻹحال ة الخارجي ة‪ ،‬وتعتب ر اﻹحال ة التش ريعية بنوعيه ا‪،‬‬
‫من المتطلبات اﻷساسية التى يجب مراعاته ا عن د وض ع التقنيني ات‪ ،‬إذ أنه ا ت ؤدي‬
‫إلى تجنب التكرار‪ ،‬فضﻼ عن تق وم ب دور ه ام ف ى تحقي ق التكام ل التش ريعي فيم ا‬
‫بين التشريعات النافذة فى الدولة )‪ .(33‬ولكن اﻷكثار م ن اﻹحال ة التش ريعية‪ ،‬ت ؤثر‬
‫فى تطبيق التشريع‪ ،‬إذ تجعله معق دا؛ ول ذا ينبغ ي اﻹق ﻼل منه ا ق در اﻹمك ان‪ .‬وم ن‬
‫أخطر أنواع اﻹحالة‪ ،‬هو اﻹحالة المركبة‪ ،‬واﻹحالة الناقصة‪ .‬واﻹحالة المركبة هي‬
‫– كما فعل القانون المدني اﻷلماني – اﻹحالة إلى نص من ن ص ث اني وم ن ال نص‬
‫اﻷخي ر إل ى ن ص ثال ﺚ وهك ذا)‪ .(34‬ولق د تجن ب الس نهوري عن د وض عه للتقين ات‬
‫المدني ة العربي ة‪ ،‬م ن اﻷكث ار م ن اللج وء إل ى اﻹحال ة التش ريعية‪ ،‬وبوج ه خ اص‬
‫اﻹحالة التشريعية المركبة‪.‬‬
‫سابعا ً‪ :‬سﻼمة اللغة القانونية‪:‬‬
‫يشترط أن تكون لغة القانون واضحة دقيقة‪ :‬إذ إنه م ن المس لم ب ه أن اللغ ة‬
‫المعقدة تجعل القانون مغلقاً‪ ،‬كما أن اللغة غير الدقيقة تجعل القانون مبهماً‪ .‬هذا من‬
‫جهة‪ .‬ومن جهة ثانية‪ ،‬يجب إﻻ يتغير معنى اللفظ المستخدم من نص إلى أخر‪ .‬فإذا‬
‫عبر عن معن ى بلف ظ مع ين‪ .‬وج ب أﻻ يتغي ر ه ذا اللف ظ‪ ،‬إذا أري د التعبي ر ع ن ه ذا‬
‫المعنى مرة أخرى)‪.(35‬‬
‫اللغ ة القانوني ة ه ي ف رع م ن ف روع اللغ ة العام ة‪ ،‬وه ي مجموع ة‬
‫المصطلحات والمفاهيم المستخدمة في مجال علم القانون‪ ،‬وتتمي ز اللغ ة التش ريعية‬
‫وه ي أح د ص ور اللغ ة القانوني ة‪ ،‬ب أن النص وص التش ريعية ﻻ تتض من أمثل ة أو‬
‫ش روح لتعريف ات‪ ،‬إذ أن مهم ة المش رع أن يض ع قواع د عام ة عملي ة‪ ،‬ﻷن مهم ة‬
‫المشرع غير مهمة الفقه الذي يقوم بتعليم القانون‪ ،‬بينما مهم ة المش رع ه ي وض ع‬
‫القواعد القانونية التي تأمر اﻷفراد والتي يجب أن يطابق اﻷفراد سلوكهم طبقا ً لها‪،‬‬

‫)‪ (33‬انظر مؤلفنا‪ :‬الت دريبات الق انون العملي ة‪ ،‬اﻹس كندرية‪ ،‬دار المطبوع ات الجامعي ة‪،‬‬
‫‪.2012‬‬
‫)‪ (34‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،‬ص ‪.104‬‬
‫)‪ (35‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،‬ص ‪.105 - 104‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(33) 2014‬‬
‫القانون يأمر وﻻ يشرح‪ ،‬وﻻ يعلم)‪.(36‬‬
‫ولق د لع ب الس نهوري دورا ً كبي را ً ف ي مي دان اللغ ة القانوني ة وتق دمها‬
‫ويتلخص أهم إسهاماته‪ ،‬فى إنه من جه ة أول ى‪ ،‬أول م ن ب دأ ف ى مش روع التقري ب‬
‫الدقيق بين مصطلحات الفقه اﻹسﻼمي ومص طلحات الفق ه الق انوني الغرب ي‪ ،‬وم ن‬
‫جهة ثانية‪ ،‬وضع الترجمة الدقيقة للمصطلحات القانونية اﻷجنبية عند ترجمتها إلى‬
‫اللغة العربي ة وخي ر اﻷمثل ة مص طلح "عق د اﻹذع ان"‪ ،‬وم ن جه ة ثالث ة‪ ،‬أدى إل ى‬
‫وح دة اللغ ة القانوني ة ف ي ال بﻼد العربي ة‪ .‬وه ى الت ى س اعدت عل ى توحي د‬
‫المصطلحات القانونية فى التشريعات المدنية العربية‪.‬‬
‫ولقد استفاد السنهوري من تق دم عل م اللغ ة القانوني ة والص ياغة التش ريعية‬
‫فى التقنينيات اﻷوربية‪ ،‬حيﺚ إنه – كما ق ال ‪ ) -‬نس تخلص منه ا دروس ا ً نافع ة ف ي‬
‫فن التقنين وأسلوب الصياغة التشريعية( )‪.(37‬‬
‫ثامنا ً‪ :‬مراعاة التطور في الصياغة التشريعية والفن التشريعي‪:‬‬
‫يجب على المشرع وهم يهم بالنقل من ق وانين أجنبي ة‪ ،‬إن يراع ي أن يلج أ‬
‫إلى أحدث القوانين اﻷجنبية وأكث ر تط ورا ً وتنظيم اً‪ ،‬ويأخ ذ منه ا م ا يواف ق الواق ع‬
‫اﻻجتماعي‪ ،‬وأن يسند قيد في التقدم في الصياغة ورقى اﻷسلوب التش ريعي‪ ،‬حت ى‬
‫يكون التشريع الجديد متميزا ً وحديثا ً ومواكبا ً للتقدم التشريعي العالمي‪.‬‬
‫وم ن اﻷهمي ة بمك ان مراع اة التط ور ف ي اللغ ة القانوني ة اﻻص طﻼحية‬
‫وأساليب الصياغة التشريعية عند وضع التشريعات‪ ،‬إذ يرجع الفضل إل ى اﻷس تاذ‬
‫الس نهوري ف ي عل م التش ريع إل ى نق ل اﻷس اليب الحديث ة ف ي الص ياغة التش ريعية‬
‫واﻻس تخدام ال دقيق للمص طلحات القانوني ة الحديث ة – عن د وض ع الق انون الم دني‬
‫المص ري ‪ -‬الت ي ﻻ يوج د بص ددها قض اء أو فق ه مس تقر ف ي القض ائيين المخ تلط‬
‫واﻷهلي‪.‬‬
‫ويرج ع الس ر ف ي تمي ز ودق ة الق انون الم دني المص ري ال ذي وض عه‬

‫)‪ (36‬السنهوري‪ :‬عن مجلة اﻷحكام العدلية إلى القانون الم دني العراق ي‪ ،‬س ابق اﻹش ارة‬
‫إليها‪ ،‬ص ‪.315‬‬
‫)‪ (37‬الس نهوري‪ ،‬م ن مجل ة اﻷحك ام العدلي ة إل ى الق انون الم دني العراق ي‪ ،...‬مرج ع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪.310‬‬

‫)‪ (34‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫الس نهوري إل ى إن ه لج أ إل ى الق وانين المدني ة الحديث ة‪ ،‬إذ إن ه م ن جه ة أخ ذ منه ا‬
‫الموضوعات الحديثة‪ ،‬وم ن جه ة ثاني ة اس تئناس به ا ف ي موض وعات أخ رى بم ا‬
‫تمي زت ب ه ه ذه التقني ات م ن تق دم ف ي الص ياغة ورق ي ف ي اﻷس لوب التش ريعي‪،‬‬
‫فانتفع بها إلى مدى بعيد بالتقدم العظيم الذي بلغه فن التقنين المدني الحديﺚ)‪.(38‬‬
‫تاسعا‪ :‬التجانس والوحدة‪:‬‬
‫م ن أه م فلس فة التقن ين تحقي ق التج انس ف ي التنظ يم الق انوني للمس ائل‪،‬‬
‫ويتحق ق ذل ك م ن خ ﻼل التنس يق الج امع ب ين نص وص التش ريع‪ ،‬بحي ﺚ تتماس ك‬
‫بفضله اﻷصول العامة‪ ،‬ويتم تهذيب اﻷحكام التفصيلية ته ذيبا ً يحك م ارتباطه ا فيم ا‬
‫بينها ويحلها المحل المناسب في كنف هذه اﻷصول وجميعها في تقنين واحد ج امع‬
‫لها)‪.(39‬‬

‫)‪ (38‬السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.34‬‬


‫)‪ (39‬ولقد أشار إل ى ه ذه الخاص ية اﻷس تاذ الس نهوري ف ي الم ذكرة اﻹيض احية للق انون‬
‫الم دني العراق ي ال ذي ق ام بوض عه‪ ،‬حي ﺚ إن التنظ يم الق انوني ﻷحك ام المع امﻼت‬
‫المدني ة ف ي الع راق قب ل ص دور الق انون الم دني العراق ي كان ت متن اثرة ب ين ع دة‬
‫قوانين‪ ،‬كمجل ة اﻷحك ام العدلي ة‪ ،‬وق وانين الش هر العق اري والتس جيل )نظ ام الط ابو(‬
‫وقانون اﻹجراءات‪ ،‬وق انتون اﻷراض ي‪ ،‬ق انون ال رهن الت أميني‪ ،‬ولكن ه ق ام بتجمي ع‬
‫ه ذه اﻷم ور ف ي تقن ين واح د بع د التنس يق بينه ا‪ ،‬ف ألف ب ين م ا اس تمد م ن الفق ه‬
‫اﻹس ﻼمي‪ ،‬وب ين م ا اش تق م ن غي ره م ن المص ادر‪ ...‬الس نهوري‪ ،‬الق انون الم دني‬
‫العراقي‪ ،...‬ص ‪.499‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(35) 2014‬‬
‫المطلب الثالﺚ‬
‫إدراج الشريعة اﻹسﻼمية فى القوانين المدنية العربية‬
‫أوﻻً‪ :‬معهد الفقه اﻹسﻼمي المقارن والنهوض بدراسة الفقه اﻹسﻼمي‬
‫نادي اﻷستاذ السنهوري بضرورة النهوض بدراسة الفقه اﻹس ﻼمي‪ ،‬وم ن‬
‫اقتراحاته بشأن ذلك هو إنشاء معهد للفقه اﻹس ﻼمي المق ارن‪ ،‬يت ولى تط وير الفق ه‬
‫اﻹسﻼمي فى إطار الدراسات المقارنة بالفقه القانوني الغربي‪.‬‬
‫ويق وم معه د الفق ه اﻹس ﻼمي المق ارن به دف إيج اد بيئ ة علمي ة عالي ة‬
‫لدراس ات ف ي الفق ه اﻹس ﻼمي وقواع ده العام ة عل ى اخ تﻼف الم ذاهب مقارن ة‬
‫بالقواع د القانوني ة الحديث ة وتعري ف ع الم الق انون الغرب ي بالفق ه اﻹس ﻼمي وم ا‬
‫ينطوي عليه من حسن الصياغة ودقة التحليل‪ ،‬وأن يكون معه دا ً لتك وين الب احثين‬
‫في الفقه اﻹسﻼمي المقارن والبحوث الفقهية اﻹسﻼمية المقارنة هذا م ن جه ة)‪.(40‬‬
‫ومن جهة ثانية‪ ،‬نظرا ً للمكانة السامية للفقه اﻹسﻼمي بين النظم القانونية العالمية‪،‬‬
‫كالفق ه الروم اني واﻻنجلي زي‪ ،‬فض ﻼ ع ن إن ه م ن الت راث الق انوني للش رق‬
‫العربي)‪.(41‬‬
‫وس وف يس اعد ه ذا المعه د ف ي الخ روج م ن أزم ة الفق ه اﻹس ﻼمي الت ي‬
‫حدثت منذ أواخر القرن الثامن عشر واشتدت مع أوائل الق رن التاس ع عش ر‪ ،‬وه و‬
‫عص ر التقن ين ف ي أورب ا‪ ،‬وعص ر الجه ود والتوق ف ف ي دراس ة وتجدي د وتح ديﺚ‬
‫الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬وله ذا ف إن دراس ة الفق ه اﻹس ﻼمي ف ي ض وء الق انون المق ارن‪،‬‬
‫يس تطيع الفق ه اﻹس ﻼمي أن يع الج مش اكل الحي اة المتط ورة وأن يس اير الحاج ات‬
‫العملية)‪.(42‬‬
‫ومن جهة ثانية‪ ،‬سوف تؤدى دراس ات ه ذا المعه د إل ى نتيج ة هام ة فيم ا‬

‫)‪ (40‬ذكر اﻷستاذ الس نهوري ف ي مذكرات ه الشخص ية – الم ذكرة رق م ‪ ،306‬ص ‪،226‬‬
‫دمش ق ‪ 1944/3/12‬خطت ه ف ي إنش اء معه د للفق ه اﻹس ﻼمي المق ارن‪ ،‬نق ﻼً ع ن د‪.‬‬
‫محمد زكي عبد البر‪ ،‬المقالة المشار إليها‪ ،‬ص ‪.137‬‬
‫)‪ (41‬انظر نص المادة اﻷولى والثالث ة م ن النص وص المقترح ة م ن اﻷس تاذ الس نهوري‬
‫بشأن التنظيم القانوني ﻹنشاء معهد الفقه اﻹسﻼمي المقارن‪ ،‬نقﻼً عن د‪ .‬محم د زك ي‬
‫عبد البر‪ ،‬المقالة المشار إليها‪ ،‬ص ‪ ،144‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (42‬مشروع إنشاء المعهد‪ ،‬د‪ .‬محمد زكي عبد البر‪ ،‬ص ‪ ،144‬وما بعدها‪.‬‬

‫)‪ (36‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫يتعلق بوضع القانون المدنى العربي على أساس الفقه اﻹس ﻼمي‪ ،‬ويك ون ذل ك م ن‬
‫خﻼل توحيد قانون اﻻلتزامات والعقود لجمي ع ال بﻼد العربي ة عل ى أس اس مش ترك‬
‫من الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬بحيﺚ يتم وضع تقنين ات مدني ة م ن خ ﻼل اﻻتج اه نح و اﻷخ ذ‬
‫من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬الجوانب القانونية فى الشريعة اﻹسﻼمية‬
‫أكد السنهوري على إن اﻹسﻼم يمتاز بأنه دين ودولة معاً‪ ،‬ولكنه أشار إلى‬
‫ضرورة التمييز ب ين ال دين اﻹس ﻼمي والدول ة اﻹس ﻼمية‪ ،‬ﻷن ه ذا التميي ز ل ه أث ر‬
‫كبير من الناحية العلمية؛ إذ مسائل الدولة‪ ،‬فالنظر فيه ا نظ ر مص لحة وت دبير ول ذا‬
‫فإنها تتميز ب أمرين ه امين هم ا‪ :‬اﻷم ر اﻷول‪ :‬إن ه خاض عة لحك م العق ل؛ فاﻷحك ام‬
‫الدنيوية تنزل على حكم العق ل‪ ،‬وتبن ى عل ى المص لحة وإن العق ل ه و ال ذي يه دينا‬
‫إل ى المص لحة‪ .‬ف العلوم ﻻ ت درك إﻻ بالعق ل)‪ .(43‬واﻷم ر الث اني‪ :‬أن اﻷحك ام ف ي‬
‫مسائل الدولة تتطور عل ى الزم ان والمك ان‪ ،‬فه ي تابع ة للتط ور اﻻجتم اعي ال ذي‬
‫نصل إليه عن طريق العلم المبني على العقل)‪.(44‬‬
‫وتتمثل أهمية وجهة نظ ر الس نهوري فيم ا س بق م ن أم ور ف ي إنه ا ت ؤدي‬
‫إلى نتائج هامة‪ ،‬فمن جه ة‪ ،‬اﻷخ ذ ف ى اﻷعتب ار إن اﻷحك ام الدنيوي ة قابل ة للتط ور‬
‫بتط ور الواق ع اﻻجتم اعي‪ ،‬فاﻷحك ام – كم ا يق ول – تط ورت تبع ا ً للمقتض يات‬
‫اﻻجتماعية واﻻقتصادية‪ .‬وم ن جه ة ثاني ة‪ ،‬إن الفقي ه الس نهوري ق د أعط ى للعق ل‬
‫دورا ً كبيرا ً في مجال استنباط اﻷحكام‪ ،‬حيﺚ إن الن وازل متغي رة بتغي ر الظ روف‪،‬‬
‫ويتفق ذلك م ع خاص ة م ن خص ائص الش ريعة اﻹس ﻼمية وه ي إنه ا ص الحة لك ل‬
‫زم ان ومك ان‪ .‬وم ن جه ة ثالث ة‪ ،‬أب راز دور المص لحة كأس اس للتش ريع‪ ،‬وي تم‬
‫اﻻستدﻻل على هذه المصلحة بالعقل‪ ،‬ومن جهة ثالثة‪ ،‬العم ل بقاع دة ﻻ ينك ر تغي ر‬
‫اﻷحكام اﻷجتهادية بتغير الزمان‪.‬‬
‫وباﻷضافة إلى ما سبق‪ ،‬فمن المسلم به ص ﻼحية الش رعية اﻹس ﻼمية لك ل‬

‫)‪ (43‬السنهوري‪ :‬الدين والدولة ف ي اﻹس ﻼم‪ ،‬مق ال‪ ،‬المحام اة الش رعية الع دد اﻷول‪ ،‬س‬
‫‪ 1929 ،1‬معاد نشره في مقاﻻت وأبحاث اﻷستاذ الدكتور ‪ /‬عبد ال رزاق الس نهوري‬
‫مجلة القانون واﻻقتصاد‪ ،‬عدد خاص‪ ،1992 ،‬ص ‪ 10‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (44‬د‪ .‬السنهوري‪ ،‬المقالة السابقة‪ ،‬ص ‪ 11‬وما بعدها‪.‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(37) 2014‬‬
‫مك ان وك ل زم ان‪ ،‬وأحكامه ا مرن ة ودقيق ة يمك ن اس تخدامها لوض ع ق انون م دني‬
‫دقيق ومحكم‪ ،‬ولهذا فمن الناحية العلمية‪ ،‬فمن اﻷهمية بمكان اﻻستناد إلى الش ريعة‬
‫اﻹسﻼمية في الكثي ر م ن الموض وعات إذا أنه ا تتض من مب ادئ ونظري ات قانوني ة‬
‫تفوق المبادئ والنظريات القانونية التي عرفه ا الفق ه الق انوني الع المي )‪(45‬؛ ول يس‬
‫ما سبق عرضه هي كﻼم مبنى على العواطف إنما مؤسس عل ى حق ائق‪ ،‬ش هد به ا‬
‫كب ار الفقه اء الغ ربيين مث ل ويجم ور‪ ،‬دليفيش و‪ ،‬أنس اباتو‪ ،‬وغي رهم)‪ .(46‬ف ﻼ ينك ر‬
‫أحد‪) :‬إن الشريعة اﻹسﻼمية تعد في نظر المنصفين م ن أرق ى ال نظم القانوني ة ف ي‬
‫العالم – وهي تصلح أن تك ون دعام ة م ن دع ائم الق انون المق ارن‪ .‬وﻻ نع رف ف ي‬
‫تاريخ القانون نظام ا ً قانوني ا ً قائم ا ً عل ى دع ائم ثابت ة م ن المنط ق الق انوني ال دقيق‪،‬‬
‫يضاهي منطق القانون الروماني‪ ،‬إﻻ الشريعة اﻹسﻼمية( )‪.(47‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬دور الفقه اﻹسﻼمي في توحيد التشريعات العربية تحقي ق الوح دة التش ريعية‬
‫لتدعيم الوحدة السياسية‪:‬‬
‫لقد حلم السنهوري كثيرا ً بالوحدة العربية‪ ،‬وتمنى وجودها على المستويين‬
‫السياسي والقانوني‪ .‬فمنذ إعداد رسالته الثانية للدكتوراه عن الخﻼفة‪ ،‬وي درك م دى‬
‫اهتمام السنهوري ورغبته في رؤية الدول العربية موحدة سياسيا ً وقانونياً‪.‬‬
‫ففي المجال القانوني‪ ،‬كان ينادي دائما ً ض رورة الرج وع إل ى أحك ام الفق ه‬
‫اﻹسﻼمي باعتباره اﻷساس المشترك فيما بين الدول العربية‪ .‬ولقد سعى م ن جانب ه‬
‫في طريق تحقيق الوحدة التشريعية بين البﻼد العربية من خﻼل توحي د التش ريعات‬
‫المدنية فيما بينها‪ .‬وبدأ خطوات تنفيذ مشروعه في وضع القانون المدني المص ري‬
‫ثم ما تﻼه من قوانين – ولقد قال في هذا الصدد ما يلي‪ ...) :‬وأحب أن أوجه النظر‬
‫إلى القانون بنوع خاص فللبﻼد العربية جميعها تراث مش ترك ه و الفق ه اﻹس ﻼمي‬

‫)‪ (45‬د‪ .‬الس نهوري‪ :‬الق انون الم دني العربي‪،‬مجل ة القض اء العراق ي‪ ،‬ع ‪1962 ،2 ،1‬؛‬
‫د‪ .‬محمد يوسف موسي‪ :‬الفقه اﻹسﻼمي مدخل لدراس ته‪ ،‬نظ ام المع امﻼت في ه‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1956‬؛ ص ‪ 62‬وما بعدها؛ د‪ .‬عبد ال رحمن الص ابوني؛ د‪ .‬خليف ة ب ابكر؛ د‪ .‬محم ود‬
‫محمد طنطاوي‪ :‬المدخل الفقهي وت اريخ التش ريع اﻹس ﻼمي‪ ،‬الق اهرة‪ ،‬مكتب ة وهب ة‪،‬‬
‫‪ ،1982‬ص ‪18-17‬؛؛‪.‬‬
‫)‪ (46‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،...،‬ص ‪.141‬‬
‫)‪ (47‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،...،‬ص ‪.141‬‬

‫)‪ (38‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫وعندي أن الشريعة اﻹسﻼمية مص در خص ب يم دنا ب الكثير م ن اﻷحك ام القانوني ة‬
‫التي تتمشى مع أحدث المبادئ وأرقى النظريات وقد جربت ذلك بنفس عن د وض ع‬
‫مش روع الق انون الم دني ف ي الع راق‪ ،‬وأن ي عظ يم اﻹيم ان بإمك ان توحي د ق انون‬
‫اﻻلتزامات والعقود لجميع البﻼد العربية على أساس مش ترك م ن الفق ه اﻹس ﻼمي(‬
‫)‪.(48‬‬
‫قال السنهوري – أيضا فى هذا الصدد ما يلي‪ ...) :‬والقانون النهائي ال دائم‬
‫لكل من مصر والعراق بل ولجميع البﻼد العربية أنم ا ه و الق انون الم دني العرب ي‬
‫الذي نشتقه من الش ريعة اﻹس ﻼمية بع د أن ي تم تطوره ا وق د تك ون ال بﻼد العربي ة‬
‫عند ظهور هذا القانون قد توحدت فيأتي القانون لي دعم م ن وح دتها وق د يك ون ف ي‬
‫طريقها إلى التوحيد‪ ،‬فيك ون الق انون ع امﻼً م ن عوام ل توحي دها ويبق ى عل ى ك ل‬
‫حال رمزا ً لهذه الوحدة( )‪.(49‬‬
‫ومن جهة ثاني ة‪ ،‬فم ن الناحي ة السياس ية‪ ،‬م ن المس لم ب ه إن تحقي ق الوح دة‬
‫القانونية‪ ،‬فى مج ال التنقيني ات المدني ة‪ ،‬ي ؤدى إل ى ت دعيم الوح دة السياس ية‪ ،‬نظ را‬
‫ﻷن الش ريعة اﻹس ﻼمية ه ي الت راث الق انوني المش ترك فيم ا ب ين ال دول العربي ة‪،‬‬
‫فإنها اﻷساس الوحدة الذي يمكن توحيد القوانين المدنية العربية استنادا ً إليها‪ ،‬ودون‬
‫شك إن توحيد القوانين وخصوصا ً المدنية‪ ،‬يدعم الوحدة السياسية‪.‬‬
‫رابعا ً‪ :‬أهمية إدراج الشريعة اﻹسﻼمية في التقنيات المدنية العربية‬
‫قام الجزء اﻷكبر من مشروع السنهوري خصوصا ً في مرحلته اﻷولى هو‬
‫الوصول إلى إدراج الشريعة اﻹسﻼمية – في التقني ات المدني ة العربي ة وق د وص ل‬
‫فعﻼً إلى تحقيق هذا الجزء من مشروعه‪ ،‬إذ إدراج الكثير من النظريات واﻷح وال‬
‫الفقهية الشكلية والكثير من مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية في القوانين المدنية في العالم‬
‫العربي‪.‬‬

‫)‪ (48‬السنهوري‪ :‬اﻹمبراطورية العربية التي نبشر بها‪ ،‬بيان ال دكتور الس نهوري‪ ،‬نش ر‬
‫في مجلة الرابطة العربية‪ ،‬العدد ‪ ،1‬س ‪.1936/8/15 ،1‬‬
‫)‪ (49‬د‪ .‬السنهوري‪ :‬القانون المدني العربي‪،‬مجلة القضاء العراقي‪ ،‬ع ‪.1962 ،2 ،1‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(39) 2014‬‬
‫ولق د ك ان ه ذا الج زء م ن مش روع الس نهوري مبن ي عل ى أس س تاريخي ة‬
‫وأسس علمية‪ ،‬وليس فقط على مجرد العاطفة نحو الشريعة اﻹسﻼمية‪ .‬ولقد أس تند‬
‫اﻷس تاذ الس نهوري إل ى ض رورة إدراج الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي التقني ات المدني ة‬
‫العربية لمجموعة اسباب أساسية أهما أن الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن التقالي د القانوني ة‬
‫لمص ر والت راث الق انوني المش ترك لل دول العربي ة؛ ول ذا ن ادى الس نهوري كثي را ً‬
‫بض رورة أن تن درج الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي الق وانين المدني ة العربي ة‪ ،‬كمرحل ة‬
‫أولى‪ ،‬على أن نصل فيما بعد إلى وضع قوانين مدنية استنادا ً إليها بعدما يتم تطوير‬
‫دراسة الفقه اﻹسﻼمي في ضوء علم القانون المقارن‪.‬‬
‫فم ن جه ة نج د أن الش ريعة اﻹس ﻼمية ه ي الق انون ال ذي ك ان مطبق ا ً ف ي‬
‫مصر والعالم العرب ي قب ل اقتب اس الق وانين اﻷجنبي ة ف ي الق رن التاس ع عش ر‪ .‬وم ا‬
‫زال ت تطب ق ف ي مس ائل اﻷح وال الشخص ية‪ .‬وبن اء عل ى م ا س بق‪ ،‬كم ا يقل ة‬
‫الس نهوري ‪ -‬ف إن اس تمداد الق انون الم دني بق در اﻹمك ان م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية‪،‬‬
‫عمل يتفق مع تقاليدنا القانونية القديمة‪ ،‬ويستقيم مع النظر الصحيح م ن إن الق انون‬
‫ﻻ يخلق خلقاً‪ ،‬بل ينمو يتطور ويتصل حاضره بماضيه)‪.(50‬‬
‫ومن الجدير بالذكر‪ ،‬نرى م ن المقول ة الس ابقة للس نهوري إن ه اس تند عل ى‬
‫وجهة نظر المدرسة التاريخية ف ي الق انون والت ي ت رى إن الق انون ولي د المجتم ع‪،‬‬
‫وأنه نتاج تطور تاريخي ﻻ تستطيع أمه أن تنفصل ع ن ماض يها المتض من تراثه ا‬
‫القانوني‪ ،‬وذلك من أجل التأكيد واﻻستدﻻل على ض رورة قي ام الق وانين ف ي مص ر‬
‫والع الم العرب ي عل ى الش ريعة اﻹس ﻼمية‪ ،‬ﻷنه ا تمث ل التقالي د القانوني ة والت راث‬
‫القانوني المشترك في العالم العربي‪.‬‬
‫ولتحقي ق م ا س بق فق د أدرج الس نهوري الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي الق وانين‬
‫المدنية العربية من خﻼل إدراجها أوﻻً في القانون المدني المصري‪ ،‬ثم انتقلت فيما‬
‫بعد إلى القوانين المدنية العربية اﻷخرى بداية م ن الق انون المجن ي العراق ي وبن اء‬
‫علي ه‪ ،‬فالق انون الم دني المص ري ه و القنط رة الت ي م ن خﻼله ا دخل ت الش ريعة‬
‫اﻹسﻼمية إلى القوانين المدنية العربية‪.‬‬

‫)‪ (50‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،...،‬ص ‪.141‬‬

‫)‪ (40‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫أسس إدراج الفقه اﻹسﻼمي في القوانيـن المدنية العربية‬
‫أش ار اﻷس تاذ الس نهوري إل ى مجموع ة م ن اﻷس س الت ى تعتب ر م ن‬
‫متطلبات كيفية إدراج الفقه اﻹسﻼمي فى القوانين المدني ة العربي ة‪ ،‬وه ى مجموع ة‬
‫من المتطلبات اﻷساسية العلمية التي يجب أن تؤخذ في اﻻعتب ار عن د دراس ة الفق ه‬
‫اﻹسﻼمي‪ ،‬بهدف تطويره ليكون أساسا ً للقوانين المدنية العربية هذا من جهة‪ .‬ومن‬
‫جهة ثاني ة أش ار الس نهوري إل ى إن ه م ن اﻷهمي ة بمك ان‪ ،‬وف ي إط ار دراس ة الفق ه‬
‫اﻹسﻼمي ضرورة دراس ة تجرب ة الق انون الم دني المص ري حي ﺚ كان ت الش ريعة‬
‫اﻹسﻼمية مصدرا ً ﻷحكامه‪ ،‬فض ﻼ ع ن الق انون الم دني العراق ي‪ ،‬بوص فه الق انون‬
‫الذي تﻼق ى في ه الق وانين الغربي ة )كم ا اقتبس ها الق انون الم دني المص ري( والفق ه‬
‫اﻹسﻼمي )كما أخذ م ن مجل ة اﻷحك ام العدلي ة والم ذاهب اﻷخ رى‪ ،‬وتقن ين مرش د‬
‫الحيان لقدري باشا‪.‬‬
‫وتتلخص هذه اﻷسس فيما يلي‪:‬‬
‫أوﻻً‪ :‬يج ب دراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية دراس ة علمي ة دقيق ة وفق ا ً ﻷص ول‬
‫صناعتها‪ ،‬وﻻ يجوز أن نخرج على هذه اﻷصوال‪ ،‬بدعوى أن التطور يقتضى هذا‬
‫الخروج‪ ،‬وﻻ ينبغي أن نخشى من أن دراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية عل ى ه ذا الوج ه‬
‫العلمي الصحيح قد يؤدي إلى أن نكشف قصورها عن أن تتطور وأنه ا تض يق بم ا‬
‫استجد من حاجات المدني ة)‪ .(51‬واله دف م ن ذل ك ه و تط وير الفق ه اﻹس ﻼمي وفق ا ً‬
‫ﻷصول صناعته‪ ،‬حتى نشتق منه قانونا ً حديثاً‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬اﻻهتمام بدراس ة "اﻹجم اع" كمص در م ن مص ادر الفق ه اﻹس ﻼمي‪:‬‬
‫نظرا ً ﻷنه مفتاح تطور الشريعة إذ عن طريقه يمك ن للفقه اء اﻻجته اد ف ي اس تنباط‬
‫الكثي ر م ن اﻷحك ام الت ي ت ﻼءم العص ر وتلب ي حاج ات المجتم ع المتج ددة وفق ا ً‬
‫ﻷصول الصناعة الفقهية اﻹسﻼمية‪ ،‬وبذلك يصبح اﻹجماع مصدرا ً لقابلية الشريعة‬
‫للتجديد وش مول أحكامه ا لوق ائع متج ددة‪ ،‬دون أدن ى إخ ﻼل بأص ول الش ريعة)‪.(52‬‬

‫)‪ (51‬د‪ .‬الس نهوري‪ :‬الق انون الم دني العرب ي‪ ،‬مجل ة القض اء العراقي ة‪ ،‬ع ‪ ،2 ،1‬س‬
‫‪ ،1962‬ص ‪.506‬‬
‫)‪ (52‬د‪ .‬الس نهوري‪ :‬الق انون الم دني العرب ي‪ ،‬مجل ة القض اء العراقي ة‪ ،‬ع ‪ ،2 ،1‬س‬
‫‪ ،1962‬ص ‪.507‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(41) 2014‬‬
‫وتتجل ى أهمي ة اﻷجم اع كمص در م ن مص ادر تش ريع اﻷحك ام ف ى أن اﻷحك ام‬
‫الدنيوي ة تتط ور تبع ا ً لتط ور المدني ة‪ ،‬ولم ا ك ان ال وحي ق د انقط ع بوف اة الرس ول‬
‫"ص" فق د أص بح محتم ا ً أن يك ون ل دى المس لمين مص در ثال ﺚ للتش ريع )أي يع د‬
‫القرآن والسنة(‪ ،‬هو الذي يضمن لﻸحكام الدنيوية حريتها وتمشيها مع روح الزمن‬
‫وه ذا المص در ه و اﻹجم اع‪ ،‬وال ذي يقص د ب ه اتف اق المجته دين ف ي عص ر م ن‬
‫العصور على حكم شرعي‪.‬‬
‫ومعن ى إن اﻹجم اع ق انون – ف ى نظ ر الس نهوري ‪ -‬ه و أن طائف ة م ن‬
‫المس لمين ينوب ون ع ن اﻷم ة اﻹس ﻼمية‪ ،‬وني ابتهم آتي ة ﻻ بطري ق التص ويت‪ ،‬ب ل‬
‫بطري ق العل م وه ذه الطائف ة تمل ك ق وة التش ريع ف ي ح دود الكت اب والس نة؛ ول ذا‬
‫فحكومة المسلمين حكومة علماء‪ .‬فاﻷمة اﻹسﻼمية صاحبة السلطان في شئونها م ا‬
‫دامت تستعمل في حدود الكتاب والسنة‪.‬‬
‫خﻼصة القول‪ ،‬فقد نادى اﻷس تاذ الس نهوري‪ ،‬بوج وب اﻷهتم ام باﻹجم اع‬
‫كمصدر من مص ادر اﻷحك ام الش رعية ف ي الفق ه اﻹس ﻼمي اهتمام ا ً كبي را ً اس تنادا ً‬
‫إلى انه عامل من عوامل التطور في الشريعة اﻹسﻼمية‪ ،‬إذ يمك ن اﻻنتف اع ب ه إل ى‬
‫مدى بعيد في تطوير الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬فالق ائمون بدراس ة ه ذا الفق ه عل يهم اﻻجته اد‬
‫في استنباط اﻷحكام التي تﻼئم العصر وفقا ً ﻷصول الصناعة الفقهية اﻹسﻼمية‪.‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬مﻼحظة التاريخ اﻹجتماعي للفقه اﻹسﻼمي والمتغيرات اﻹجتماعية‬
‫أه تم الس نهوري بمس ألة أساس ية فيم ا يتعل ق ب النظر إل ى اﻹس تناد إل ى‬
‫الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ى وض ع وتط وير التقنيني ات المدني ة العربي ة‪ ،‬وه ى مس ألة‬
‫مﻼحظة ما جرى عليه التعامل فيما بين الن اس ف ي الواق ع اﻻجتم اعي‪ ،‬ف ى ض وء‬
‫المتغيرات اﻹجتماعية‪.‬‬
‫فق د أش ار م ن ح ين ﻵخ ر الس نهوري بض رورة مﻼحظ ة م ا ج رى علي ه‬
‫التعامل فيما بين الناس في الواقع اﻻجتماعي‪ ،‬عند تشريع اﻷحكام‪ ،‬وخصوصا ً في‬
‫المسائل التي نجد فيها إن الظروف العملية‪ ،‬بمقتض ى م ا ج رى علي ه التعام ل فيم ا‬
‫بين اﻷفراد تمثل حاجة عملية تغلب ت عل ى اﻷحك ام القانوني ة كم ا ه ي م أخوذة م ن‬
‫أحكام الشريعة اﻹسﻼمية )‪.(53‬‬

‫)‪ (53‬ومن المسلم به أن الفقه اﻹسﻼمي لم يتكون دفعة واح دة‪ ،‬ب ل إن ه س ار مت درجا ف ي‬

‫)‪ (42‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫ولق د ض رب الس نهوري ل ذلك أمثل ة كثي رة‪ ،‬منه ا نش ير إل ى مث الين فق ط‪،‬‬
‫المثال اﻷول‪ :‬تنظيم القوانين فقي التقنيات العربية‪ ،‬والمث ال الث اني‪ :‬إخف اء الوص ية‬
‫لوارث في صورة عقد بيع‪.‬‬
‫المثال اﻷول‪ :‬أشار السنهوري إن الربا محرم دون شك ف ي ذل ك بمقتض ى‬
‫القرآن والسنة‪ .‬ولكن الحاجة الفردية والعامة هي التي على أساسها تم وضع تنظيم‬
‫قانوني للقواعد في التقنيات المدنية العربية‪ ،‬نظرا ً لوج ود النظ ام الرأس مالي‪ ،‬ال ذي‬
‫جعل رؤوس اﻷموال بين اﻷفراد‪ ،‬وليس الدولة‪ ،‬أوجد حاجة إلى لجوء اﻷفراد إلى‬
‫التعامﻼت الت ي تتض من فوائ د‪ .‬ولك ن ه ذه الحاج ة كم ا إنه ا أس اس تش ريع الفوائ د‬
‫فإنها أيضا ً إذا انتفت أو تغيرت ضيقا ً واتساعا ً وإلغاء)‪.(54‬‬
‫المثال الثاني‪ :‬إخف اء الوص ية ف ي ص ورة عق د بي ع‪ :‬أش ار الس نهوري إل ى‬
‫مثال واقعي يحدث كثيرا ً في الواقع العملي‪ ،‬حيﺚ إن الحاجات العملية تدفع البعض‬
‫إلى إخفاء الوصية للورثة في صورة عق د بي ع‪ ،‬وذل ك بالتحاي ل عل ى من ع الوص ية‬
‫للوارث‪.‬‬
‫فقد رأى السنهوري إن القضاء قام بالتوفيق ب ين أحك ام الق انون الت ي يمن ع‬
‫الوصية للوارث‪ ،‬وبين المقتضيات العملية التي تدفع بعض الناس إل ى إب رام عق ود‬
‫بي ع للورث ة ﻹخف اء الوص ية‪ ،‬وخصوص ا ً إذا ك ان البي ع ﻻ تش وبه ش ائبه‪ .‬وتتمث ل‬
‫المشكلة التي رصد وجودها السنوري في أن المح اكم تواج ه ك ل ي وم عق ود تب رع‬
‫تفرغ عادة في شكل عقود البيع‪ ،‬وتصدر من اﻷب ﻷوﻻًده‪ ،‬أو من الزوج لزوجته‬
‫ويكاد من يتتبع ظروف هذه العق ود أن يج زم إنه ا وص ايا ﻻ بي وع‪ ،‬ف القرائن تؤك د‬
‫إننا بصدد وصية وليس بيع؛ والسبب في ذلك إن الشخص لجأ إلى البيع ﻷنه ضاق‬
‫بأحكام الوصية‪ ،‬فهي ﻻ تجيز الوصية لوارث‪ ،‬ولك ن ق د تك ون هن اك أس باب قوي ة‬
‫تدعو المورث أن يؤثر بعض الورثة بش ئ م ن مآل ه‪ ،‬فيض طر إل ى اس تعمال عق د‬
‫البيع والذى يخفى وصية‪.‬‬

‫الحي اة متس عا بإتس اعها‪ ،‬ش امﻼ لش مولها‪ ،‬وكلم ا تعاقب ت العص ور اتس عت آف اق‬
‫اﻹجتهاد الفقهي‪ ،‬وكثرت ف روع المس ائل‪ ،‬وتنوع ت م ن غي ر أن تخ رج ع ن أص لها‬
‫من هذين الينوبعين الصافين‪ ...‬أنظر‪ :‬موس وعة الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬ج‪1387 ،1‬ه‪ ،‬ص‬
‫‪.7‬‬
‫)‪ (54‬انظر مصادر الحق في الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ 242‬وما بعدها‪.‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(43) 2014‬‬
‫ولقد خلص السنهوري إلى أمرين ه امين هم ا‪ :‬اﻷم ر اﻷول‪ :‬إن اض طراد‬
‫القضاء عل ى ص حة عق ود البي ع الت ي تخف ي وص ايا‪ ،‬يؤك د إن الحاج ة العملي ة هن ا‬
‫تغلب ت عل ى اﻷحك ام القانوني ة‪ ،‬فتكس رت ه ذه اﻷحك ام‪ ،‬وأخض عتها المح اكم‬
‫لمقتضيات الظروف بطريق الحيلة‪ .‬اﻷم ر الث اني‪ :‬ض رورة عناي ة المش رع ببح ﺚ‬
‫ما تلجأ له الناس من الحيل للهروب من أحكام تضيق به م‪ ،‬فيعي د النظ ر فيه ا حت ي‬
‫يوفق بينها وبين الواقع)‪.(55‬‬
‫وقد اقترح السنهوري في هذا الصدد‪ ،‬إنه عند تقن ين أحك ام الوص ية يج ب‬
‫التفكير عند بحﺚ الموض وع ف ي الش ريعة اﻹس ﻼمية‪ ،‬فه ل يج د الباح ﺚ فيه ا ش يئا ً‬
‫يعين على مجاراة مثل هذه الظروف العملية‪ ،‬فتباح الوصية لوارث‪ ،‬ولو في حدود‬
‫ضيقة)‪.(56‬‬
‫ويس تخلص مم ا س بق إن الس نهوري ك ان مؤمن ا ً إيمان ا ً كبي را ً بض رورة‬
‫مراعاة العﻼقة بين القانون والواقع اﻻجتم اعي واﻻس تفادة مم ا ج رى علي ه العم ل‬
‫في هذا الواقع بالنسبة لبعض النظم القانونية‪ ،‬إذ إن اﻻعتبارات العملية الت ي يقره ا‬
‫الواقع اﻻجتماعي قد تظهر عدم مﻼئمة الحكم الق انوني وبالت الي تلج أ إل ى التحاي ل‬
‫على أحكامه‪ ،‬ولذا فمن اﻷهمية بمكان وصول المشرع إلى وسيلة للتوفيق بين حكم‬
‫القانون واﻻعتبارات العملية‪ ،‬حتى يكون سلوك اﻷفراد مطابقا ً لما يقضي به حك م‬
‫القانون‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر اﻹشارة إلى أن السنهوري قد ن ادي بض ورة مﻼحظ ة‬
‫تطور الفقه اﻹسﻼمي؛ نظرا ﻷن الفقه اﻹسﻼمي – كم ا ق ال ‪ -‬ل م يلب ﺚ جام دا ً عن د‬
‫المرحل ة اﻷول ى للفك ر الق انوني‪ ،‬ب ل خط أ خط وات واس عة ف ي ط رق التط ور‪.‬‬
‫وتط ور ف ي الم ذهب الحنف ي نفس ه وف ي الم ذهب الش افعي‪ ،‬وتط ور أس رع ف ي‬
‫المذهبين المالكي والحنبلي )‪ .(57‬وهو بهذا يفتح الطريق نحو وجوب اﻷهتم ام بم ا‬
‫يطلق عليه ) دراسة التاريخي اﻹجتماعي للفقه اﻹسﻼمي(‪.‬‬

‫)‪ (55‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،‬ص ‪.119‬‬


‫)‪ (56‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫)‪ (57‬السنهوري‪ :‬مصادر الحق في الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬ص ‪.150‬‬

‫)‪ (44‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫رابع ا ً‪ :‬اﻻس تدﻻل م ن كاف ة م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي‪ :‬رأى الس نهوري‬
‫بضرورة التأكيد على أخذ أحكام التقينينات من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬ومنح‬
‫القاضي السلطة التقديرية الكاملة ف ي اﻻس تدﻻل م ن كاف ة م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي‬
‫)‪ .(58‬ه ذا م ن جه ة‪ .‬وم ن جه ة ثاني ة‪ ،‬يج ب أن يراع ى ف ي اﻷخ ذ بأحك ام الفق ه‬
‫اﻹسﻼمي التنسيق ما بين هذه اﻷحكام والمب ادئ العام ة الت ي يق وم عليه ا التش ريع‬
‫المدني في جملته بمعنى إنه ﻻ يجوز اﻷخذ بحكم في الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬يتعارض مع‬
‫مب دأ م ن ه ذه المب ادئ‪ ،‬حت ى ﻻ يفق د التقن ين الم دني تجانس ه وانس جامه‪ ،‬ول ذا‬
‫فللقاضي الرجوع إل ى كاف ة م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي دون تميي ز للوص ول إل ى م ا‬
‫يتفق مع المبادئ العامة للتشريع المدني )‪.(59‬‬
‫ولقد اعتقد اﻷستاذ السنهوري اعتقادا جازما بإن المدخل الرئيس ي؛ لتك ون‬
‫الشريعة هى أساس التقنين فى البﻼد العربية‪ ،‬يقوم على دراسة الشريعة اﻹس ﻼمية‬
‫فى ضوء القانون المقارن‪ .‬ولق د اش ار إل ى م ا س بق اﻷس تاذ الس نهوري بالعب ارات‬
‫اﻷتي ة‪ ... ) :‬أم ا جع ل الش ريعة اﻹس ﻼمية ه ي اﻷس اس اﻷول ال ذي يبن ى علي ه‬
‫تش ريعنا الم دني‪ ،‬ف ﻼ ي زال أمني ة م ن أع ز اﻷم اني الت ي تخ تلج به ا الص دور‪،‬‬
‫وتنطوي عليها الجوانح‪ ،‬ولكن قب ل أن تص بح ه ذه اﻷمني ة حقيق ة واقع ة ينبغ ي أن‬
‫تق وم نهض ة علمي ة قوي ة لدراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي ض وء الق انون المق ارن‪.‬‬
‫ونرجو أن يكون من وراء جعل الفقه اﻹسﻼمي مص درا ً رس ميا ً للق انون م ا يع اون‬
‫على قيام هذه النهضة( )‪.(60‬‬
‫وهو الحلم ال ذى راود الس نهوري مبك را‪ ،‬إذ كت ب الس نهوري ف ي أوراق ه‬
‫الشخصية ع ام ‪ 1923‬م ا يل ي )يخط ر ل ي ﻷول وهل ه أن الش ريعة اﻹس ﻼمية ه ي‬
‫القانون العام في التشريع المصري الحاضر‪ .‬فكل ما لم يتعرض له المش رع ب نص‬
‫يرجع فيه إلى الشريعة اﻹس ﻼمية‪ .‬أدون ه ذه الفك رة عل ى أم ل أن أرج ع إليه ا ف ي‬
‫بحﺚ قانوني مفصل()‪.(61‬‬

‫)‪ (58‬الوسيط‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪50 - 49‬‬


‫)‪ (59‬الوسيط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫)‪ (60‬السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬الجزء اﻷول‪ ،‬ص ‪ .48‬هامش "‪."1‬‬
‫)‪ (61‬المذكرة رقم ‪ 120‬ص ‪ – 119‬ليون في ‪ 1923/10/19‬مذكرات السنهوري‪ ،‬نق ﻼً‬
‫عن د‪ .‬محمد زكي عبد البر أستاذنا السنهوري والشريعة اﻹسﻼمية‪.‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(45) 2014‬‬
‫لقد وضع السنهوري بالفعل الفكرة الت ي تحمله ا س طوره الس الف اﻹش ارة‬
‫إليه ا عن د وض ع الق انون الم دني المص ري وم ا ت ﻼه م ن ق وانين غربي ة‪ ،‬إذ جع ل‬
‫الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن المص ادر الرس مية للق انون يلج أ إليه ا القاض ي إذا ل م يج د‬
‫حكما ً في الشريعة والعرف‪.‬‬
‫وبﻼ شك إن عدم تخصيص رجوع القاضي إلى م ذهب مع ين م ن م ذاهب‬
‫الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬يعتبر من أه م أساس يات حرك ة تقن ين الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬إذ أن ه كم ا‬
‫يقول الفقهاء ينبغي عند التقنين عدم التقيد بمذهب معين من مذاهب الفقه اﻹس ﻼمي‬
‫وذلك خروجا ً من ضيق المذهب الواحد إلى اتساع الفق ه بمذهب ه المختلف ة‪ ،‬إذ الفق ه‬
‫وح ده متكامل ة ف ي ض وء منهجي ة التقن ين‪ ،‬خاص ة وأن الم ذهب اﻹس ﻼمية ه ي‬
‫اجتهادات ﻷصحابها ﻻ تقيد غي رهم‪ ،‬إﻻ بق در م ا يق وم ال دليل عل ى ص حتها‪ ،‬عل ى‬
‫تحقيقها للمصلحة المعتبرة شرعا ً)‪.(62‬‬

‫)‪ (62‬د‪ .‬محم د كم ال ال دين إم ام‪ :‬مقدم ة لدراس ة الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬ونظريات ه العام ة‪،‬‬
‫اﻹسكندرية‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،2011 ،‬ص ‪.294‬‬

‫)‪ (46‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫المبحﺚ الثاني‬
‫الشريعة اﻹسﻼمية فى القوانين المدنية العربية‬
‫أك د الس نهوري عل ى ض رورة أن يتأس س الق وانين المدني ة العربي ة عل ى‬
‫الشريعة اﻹسﻼمي‪ ،‬ولقد جاهد كثي را عل ى تحقي ق ذل ك‪ ،‬بداي ة م ن إدراج الش ريعة‬
‫اﻹسﻼمية كمصدر رسمي ثالﺚ للق انون ف ى ن ص الم ادة ‪ 2/1‬م ن الق انون الم دني‬
‫المصري عام ‪ ،1948‬ث م ت والى بع د ذل ك اﻷهتم ام بالش ريعة ف ى الق وانين المدني ة‬
‫العربية بمجهودات السنهوري‪ ،‬وبتأثير القانون المدني المصري والق انون الم دني‬
‫العراقي‪.‬‬
‫كتب السنهوري في أوراقه الشخصية عام ‪ 1923‬ما يلي )يخطر ل ي ﻷول‬
‫وهله أن الشريعة اﻹسﻼمية هي القانون العام في التشريع المصري الحاضر‪ .‬فك ل‬
‫م ا ل م يتع رض ل ه المش رع ب نص يرج ع في ه إل ى الش ريعة اﻹس ﻼمية‪ ،‬أدون ه ذه‬
‫الفكرة على أمل أن أرجع إليها في بحﺚ قانوني مفصل()‪.(63‬‬
‫لقد وضع السنهوري بالفعل الفكرة التي تتضمنها سطوره السالف اﻹش ارة‬
‫إليه ا عن د وض ع الق انون الم دني المص ري وم ا ت ﻼه م ن ق وانين غربي ة‪ ،‬إذ جع ل‬
‫الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن المص ادر الرس مية للق انون يلج أ إليه ا القاض ي إذا ل م يج د‬
‫حكما ً في الشريعة والعرف‪.‬‬
‫ويتضح من خﻼل اس تقراء نص وص الق وانين المدني ة العربي ة بخص وص‬
‫مرك ز الش ريعة اﻹس ﻼمية فيه ا م ن ب ين مص ادر الق انون الرس مية نج د إنه ا كله ا‬
‫اتفق ت عل ى إن الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن المص ادر الرس مية للق انون الت ي للقاض ي‬
‫اللج وء إليه ا‪ ،‬إذا ل م يج د حكم ا ً لم ا يع رض علي ه م ن منازع ات‪ ،‬بش رط مراع اة‬
‫التدرج التشريعي المنصوص عليه في النص المنظم لمصادر القانون هذا من حقه‪.‬‬
‫ولكن من جهة ثانية‪ ،‬فبخصوص ترتيب مصادر القانون ومرك ز الش ريعة‬
‫اﻹسﻼمية‪ ،‬وكيفية استنباط الحكم منها نجد تفاوت كبير ومؤثر في القوانين المدني ة‬
‫العربية‪.‬‬

‫)‪ (63‬المذكرة رقم ‪ 120‬ص ‪ – 119‬ليون في ‪ 1923/10/19‬مذكرات السنهوري‪ ،‬نق ﻼً‬


‫عن د‪ .‬محمد زكي عبد البر أستاذنا السنهوري والشريعة اﻹسﻼمية‪.‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(47) 2014‬‬
‫وتق وم الش ريعة اﻹس ﻼمية ب ادوار متع ددة ومتنوع ة ف ي الق وانين العربي ة‬
‫المدنية تتمثل في‪ -1 :‬أن الشريعة اﻹس ﻼمية م ن ناحي ة ه ي المص در الموض وعي‬
‫)أو التاريخي( للكثير من المبادئ العامة والمس ائل التفص يلية وال نظم القانوني ة ف ي‬
‫الق وانين المدني ة العربي ة‪ -2 .‬ويتمث ل ال دور الث اني للش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي إنه ا‬
‫المصدر الرسمي للقانون المدني إذا لم يجد القاضي حكما ً للمسألة المطروحة أمامه‬
‫في نصوص القانون المدني‪ ،‬مع اخ تﻼف فيم ا ب ين الق وانين المدني ة العربي ة ح ول‬
‫ترتيب مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية من بين مص ادر الق انون اﻷخ رى وبوج ه خ اص‬
‫العرف‪ ،‬إذ قدمت بعض القوانين العرف على مبادئ الشريعة اﻹس ﻼمية )كالق انون‬
‫المدني المصري(‪ ،‬وبعض لقوانين قدمت الشريعة عل ى الع رف )كالق انون الم دني‬
‫اليمين‪ ،‬اﻷردن‪ ،‬اﻹمارات‪ -3 .(..،‬الدور الثال ﺚ‪ :‬ال دور التفس يري‪ ،‬ويتمث ل ف ي إن‬
‫بعض القوانين المدنية العربية‪ ،‬نصت عل ى إعم ال قواع د التفس ير وأص ول الفق ه‪،‬‬
‫فضﻼً عن إدراج نصوص تتضمن القواعد الكلي ة ف ي الفق ه اﻹس ﻼمي‪ .‬وم ن أمثل ة‬
‫ه ذه الق وانين الق انون الم دني اﻹم اراتي‪ ،‬الق انون الم دني اليمن ى والق انون الم دنى‬
‫العماني ‪ -4‬الدور الرابع‪ :‬الدور الرق ابي لتطبي ق التش ريعات اﻷجنبي ة‪ ،‬إذ خالف ت‬
‫النصوص القانونية اﻻجنبية‪،‬مكونات النظام العام في الدولة‪ ،‬والتى تعتبر الش ريعة‬
‫جزءا منه‪ ،‬وبالتالي فﻼ يجوز تطبيق قانون أجنبي يخالفها‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق نﻼحظ ما يلي‪ :‬من ناحية‪ ،‬زيادة واتس اع حج م ال دور‬
‫الذي تقوم به الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي الق وانين المدني ة العربي ة‪ ،‬م ع م رور الوق ت‪.‬‬
‫وم ن ناحي ة ثاني ة‪ ،‬إن اﻹدراج التش ريعي لمب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية كمص در‬
‫للقانون المدني في كل دولة اتخذ طابعا ً خاصاً‪ ،‬إذ يتأرجح بين المذهبية والعمومي ة‬
‫والخصوصية اﻻجتماعية‪.‬‬
‫وبن اء عل ى م ا س بق‪ ،‬فالش ريعة اﻹس ﻼمية ف ى الق وانين المدني ة العربي ة‬
‫ت تلخص‪ ،‬ف ى إن ه م ن جه ة نج د الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن المص ادر الموض وعية‬
‫للق انون‪ ،‬وم ن جه ة ثاني ة‪ ،‬م ن المص ادر الرس مية للق انون ف ي الق وانين المدني ة‬
‫العربية‪ ،‬ومن جهة ثالثة‪ ،‬تلعب الشريعة اﻹس ﻼمية دورا كبي را ف ى قواع د التفس ير‬
‫واﻻستدﻻل القضائي على اﻷحكام‪ ،‬ومن جهة رابعة‪ ،‬تق وم ب دور كبي ر ف ى تطبي ق‬
‫القانون المدني واستبعاد القوانين اﻷجنبية‪.‬‬

‫)‪ (48‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫المطلب اﻷول‬
‫الشريعة اﻹسﻼمية في القانونين المدني المصري والعراقي‬
‫أوﻻً‪ :‬الشريعة اﻹسﻼمية فى القانون المدني المصري‪:‬‬
‫قال السنهوري عن أهمية الشريعة اﻹسﻼمية فى القانون المدني المص ري‬
‫م ا يل ي‪ ...) :‬يج ب أن تن ال الش ريعة اﻹس ﻼمية نص يبا ً كبي را ً م ن عناي ة المش رع‬
‫المصري عند تنقيح التقنين‪ ،‬فقد كانت شريعة البلد قبل العمل ب القوانين الحالي ة وﻻ‬
‫تزال شريعة البلد في قسم كبير م ن الق انون الم دني‪ .‬ه و قس م اﻷح وال الشخص ية‪،‬‬
‫وفي موضوعات من قانون المعامﻼت‪ .‬واستقاء تشريعنا بقدر اﻹمكان من مص در‬
‫الش ريعة اﻹس ﻼمية عم ل يتف ق م ع تقالي دنا القانوني ة القديم ة‪ ،‬ويس تقيم م ع النظ ر‬
‫الصحيح من إن القانون ﻻ يخلق خلقاً‪ ،‬بل ينمو ويتطور‪ ،‬ويتصل حاضره بما في ه(‬
‫)‪.(64‬‬
‫وقال السنهوري‪ ...) :‬والقانون النهائي الدائم لك ل م ن مص ر والع راق ب ل‬
‫ولجمي ع ال بﻼد العربي ة أنم ا ه و الق انون الم دني العرب ي ال ذي نش تقه م ن الش ريعة‬
‫اﻹسﻼمية بعد أن يتم تطورها وقد تكون البﻼد العربية عن د ظه ور ه ذا الق انون ق د‬
‫توحدت فيأتي القانون ليدعم من وحدتها وقد يكون في طريقها إلى التوحيد‪ ،‬فيك ون‬
‫القانون عامﻼً من عوامل توحيدها ويبقى على كل حال رمزا ً لهذه الوحدة( )‪.(65‬‬
‫ولقد استعمل السنهوري بدقة كبيرة دقة اﻷستاذ والعالم الفقيه منهج التلفي ق‬
‫التشريعي من القوانين المدنية المقارنة والفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬والقضاء المصري الق ديم‬
‫في وضع القانون المدني المصري‪ .‬ويتض ح م نهج التلفي ق التش ريعي ف ي التقري ب‬
‫بين مبادئ ونظريات وقواعد ذات اﻷصول الﻼتيني ة والجرماني ة واﻹس ﻼمية مع اً‪.‬‬
‫ولكن من الجدير بالذكر اﻹشارة إلى أن منهج التلفيق التشريعي لم يؤثر على وحدة‬
‫وتماسك وانسجام نصوص القانون المدني المصري‪.‬‬

‫)‪ (64‬د‪ .‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ....،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫)‪ (65‬د‪ .‬السنهوري‪ :‬القانون المدني العربي‪،‬مجلة القضاء العراقي‪ ،‬ع ‪.1962 ،2 ،1‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(49) 2014‬‬
‫ولقد ق دم الس نهوري مث اﻻ عملي ا لكيفي ة اﻷقتب اس م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية‬
‫وإدراجه ا ف ى الق وانين المدني ة م ن خ ﻼل تجرب ة الق انون الم دني المص ري حي ﺚ‬
‫كانت الش ريعة اﻹس ﻼمية مص درا ً ﻷحكام ه‪ ،‬فض ﻼ ع ن الق انون الم دني العراق ي‪،‬‬
‫بوص فه الق انون ال ذي تﻼق ى في ه الق وانين الغربي ة )كم ا اقتبس ها الق انون الم دني‬
‫المصري( والفقه اﻹسﻼمي )كما أخذ من مجلة اﻷحكام العدلية والمذاهب اﻷخرى(‬
‫وتقنين مرشد الحيران لقدري باشا‪.‬‬
‫نصت الم ادة اﻷول ى م ن الق انون الم دني المص ري عل ى )‪ ...‬إذا ل م يوج د‬
‫نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف ف إذا ل م يوج د فبمقتض ى‬
‫مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية‪ ،‬فإذا لم توجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيع ي وقواع د‬
‫العدال ة(‪ .‬وطبق ا ً له ذا ال نص فالش ريعة اﻹس ﻼمية ه ي المص در الرس مي الثال ﺚ‬
‫للقانون المدني في مصر التشريع والعرف‪.‬ولكن اﻵن تثور مجموعة أسئلة هي‪ :‬ما‬
‫المقصود بمبادئ الشريعة اﻹسﻼمية؟ والسؤال الثاني‪ :‬كيف نستخلص اﻷحكام م ن‬
‫مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية باعتبارها مصدرا ً رسميا ً‪.‬‬
‫فم ن جه ة أوج ب المش رع عل ى القاض ي الرج وع إل ى مب ادئ الش ريعة‬
‫اﻹسﻼمية إذا لم يجد ما يستدل منه على حكم الق انون فيم ا ه و مع روض علي ه م ن‬
‫مناع ات ف ي الش ريعة والع رف‪ .‬ونظ را ً ﻷن اص طﻼح مب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية‬
‫اصطﻼح عام‪ ،‬وخصوصا ً إن الشريعة اﻹسﻼمية كنظام قانوني‪ ،‬له طبيعة خاصة‪،‬‬
‫حيﺚ تتحدد م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬وتتع دد اﻵراء ف ي داخ ل ك ل م ذهب‪ ،‬فمهم ة‬
‫القاضي أمامها كثير من العوائق في حالة رجوع ه إل ى مب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية‬
‫طبقا ً لنص المادة اﻷولى من القانون المدني المصري‪.‬‬
‫وترتيب ا ً عل ى م ا س بق‪ ،‬فق د خل ص ش راح الق انون الم دني إل ى أن قواع د‬
‫اﻻستدﻻل القضائي على اﻷحكام المدنية من مبادئ الشريعة اﻹس ﻼمية طبق ا ً ل نص‬
‫المادة اﻷولى من القانون المدني المصري هي‪:‬القاعدة اﻷولى‪ :‬اﻻستدﻻل القض ائي‬
‫م ن جمي ع م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي دون قيود‪.‬اتف ق الش راح ف ي مص ر عل ى إن‬
‫القاض ي ف ي حال ة تطبيق ه لمب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية بوص فها مص درا ً رس ميا ً‬
‫للقانون المدني بعد التشريع والعرف عليه يتمتع بالتقديري ة الكامل ة ف ي اﻻس تدﻻل‬
‫من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬فهو غير مقيد باﻻستدﻻل م ن الم ذهب الحنف ى أو‬

‫)‪ (50‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫غيره‪ ،‬بل له الرجوع إلى كل مذاهب الفقه اﻹسﻼمي بحسب اختياره)‪.(66‬‬
‫القاعدة الثانية‪ :‬أن يراعى في اﻷخذ بأحكام الفقه اﻹسﻼمي التنسيق ما ب ين‬
‫هذه اﻷحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته بمعن ى إن ه‬
‫ﻻ يجوز اﻷخذ بحكم في الفقه اﻹسﻼمي يتعارض مع مب دأ م ن ه ذه المب ادئ‪ ،‬حت ى‬
‫ﻻ يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه‪ ،‬ولذا فللقاض ي الرج وع إل ى كاف ة م ذاهب‬
‫الفق ه اﻹس ﻼمي دون تميي ز للوص ول إل ى م ا يتف ق م ع المب ادئ العام ة للتش ريع‬
‫المدني( )‪.(67‬‬
‫وم ن الج دير بال ذكر اﻹش ارة إل ى م ا قال ه الس نهوري دور الش ريعة‬
‫اﻹسﻼمية فى القانون المدني المصري‪ ..‬قال ما يلي )‪ ...‬هذا الحد الذي وص ل إلي ه‬
‫التقن ين الجدي د ف ي اﻷخ ذ بأحك ام الش ريعة اﻹس ﻼمية‪ ،‬ع دا المس ائل اﻷخ رى الت ي‬
‫أخذها بالذات من القفه اﻹسﻼمي‪ ...‬أما جعل الشريعة اﻹسﻼمية هي اﻷساس اﻷول‬
‫الذي يبنى عليه تشريعنا المدني‪ ،‬فﻼ يزال أمني ة م ن أع ز اﻷم اني الت ي تخ تلج به ا‬
‫الصدور‪ ،‬وتنطوي عليها الجوانح‪ ،‬ولكن قب ل أن تص بح ه ذه اﻷمني ة حقيق ة واقع ة‬
‫ينبغي أن تق وم نهض ة علمي ة قوي ة لدراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي ض وء الق انون‬
‫المقارن‪ .‬ونرجو أن يكون من وراء جعل الفقه اﻹسﻼمي مصدرا ً رسميا ً للقانون ما‬
‫يعاون على قيام هذه النهضة( )‪.(68‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬القانون المدني المصري وانتق ال الش ريعة اﻹس ﻼمية إل ى القواني ـن المدني ة‬
‫في البﻼد العربية‬
‫أدرج السنهوري الشريعة اﻹسﻼمية في القوانين المدنية العربية من خ ﻼل‬
‫إدراجها أوﻻً في القانون المدني المصري‪ ،‬ثم انتقلت فيما بعد إل ى الق وانين المدني ة‬
‫العربي ة اﻷخ رى بداي ة م ن الق انون الم دني العراق ي وبن اء علي ه‪ ،‬فالق انون الم دني‬
‫المص ري ه و القنط رة الت ي م ن خﻼله ا انتقل ت الش ريعة اﻹس ﻼمية إل ى الق وانين‬
‫المدنية العربية‪.‬‬

‫)‪ (66‬الوسيط‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪50 - 49‬‬


‫)‪ (67‬الوسيط‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫)‪ (68‬السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬الجزء اﻷول‪ ،‬ص ‪ .48‬هامش "‪."1‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(51) 2014‬‬
‫وقد ساعد اﻻقتباس من الش ريعة اﻹس ﻼمية وإدراجه ا ف ي الق انون الم دني‬
‫المصري إلى من جهة ترقية مبادئ القانون المصري)‪ .(69‬هذا من جهة‪ .‬ومن جه ة‬
‫ثاني ة‪ :‬س د ال نقص ف ي الق انون الم دني الق ديم)‪.(70‬وم ن جه ة ثالث ة‪ :‬تط وير الق انون‬
‫الم دني ف ي مص ر ليك ون النم وذج ال ذي احت ذى ب ه لق وانين المدني ة العربي ة الت ي‬
‫وضعت بعده مثل القانون المدني العراقي والليبي‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫ومن المسلم ب ه لق د اس تقى الق انون الم دني الجدي د م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية‬
‫بطرق ثﻼث‪ :‬تنقيح وتوضيح واستكمال م ا اش تمل علي ه التقن ين الم دني الق ديم م ن‬
‫أحكام أخذها عن الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬والطريقة الثانية إن ه اس تمدت أحكام ا ً جدي دة م ن‬
‫الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬ومن ناحية ثالث ة م ن خ ﻼل جع ل الفق ه اﻹس ﻼمي مص درا ً رس ميا ً‬
‫للق انون بع د التش ريع والع رف‪ ،‬ويق دم مب ادئ الق انون الطبيع ي وقواع د العدال ة‪،‬‬
‫حسبما نصت المادة ‪ 2/1‬من القانون المدني المصري الجديد ‪.1948‬‬
‫وق د ك ان الق انون الم دني الق ديم ب الرغم م ن إن ه ك ان منق وﻻً م ن التقن ين‬
‫الم دني الفرنس ي‪ ،‬إﻻ إن ه م ع ذل ك فق د ح اول‪ ،‬المش رع إض افة بع ض أحك ام الفق ه‬
‫اﻹسﻼمي فيه‪ ،‬ولذا فقد تضمن بعض النظم والمبادئ المأخوذة من الفق ه اﻹس ﻼمي‬
‫ولكنها نقلت على عجل ودون دراسة كافية ولذلك شابها الكثير من العيوب كالخطأ‬
‫العلمي واﻻقتضاب )‪.(71‬‬
‫ولكن في القانون المدني الجديد ‪ ،1948‬قام السنهوري باﻻحتفاظ بما أخذه‬
‫القانون المدني القديم من الفقه اﻹسﻼمي ولكن بعد تهذيبه وإص ﻼحه وإزال ة م ا ب ه‬
‫من اقتضاب وعيوب وعدم دقه في النقل والتنظيم هذا من جهة ومن جهة ثانية قام‬
‫باس تحداث أحك ام أخ رى أخ ذها م ن الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬وه ذه اﻷحك ام الجدي دة ك ان‬
‫‪.‬‬
‫بعضها مبادئ عامة والبعض اﻵخر مسائل تفصيلية‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬فمقدار اﻷحك ام والمب ادئ العام ة والمس ائل التفص يلية‬
‫التي أخذها القانون المدني الجديد الذي ‪ 1948‬ال ذي ق ام بوص فه الس نهوري جع ل‬
‫من الفقه اﻹسﻼمي أساسا ً من أسس القانون المدني مع القضاء والتقنيات المقارنة‪.‬‬

‫)‪ (69‬د‪ .‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،‬مقالة سابقة‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫)‪ (70‬د‪ .‬السنهوري‪ :‬وجوب تنقيح القانون المدني‪ ،‬مقالة سابقة‪ ،‬ص ‪.157‬‬
‫)‪(71‬السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬الجزء اﻷول‪ ،‬ص ‪.48‬‬

‫)‪ (52‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫وإجم اﻻً – ودون تفص يﻼت – فاﻷحك ام والمب ادئ العام ة والمس ائل‬
‫التفص يلية الت ي ف ي الق انون الم دني الجدي د‪ ،‬والمس تمدة م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية ‪-‬‬
‫ه ي)‪ :(72‬النزع ة الموض وعية‪ ،‬نظري ة التعس ف ف ي اس تعمال الح ق – المع ايير‬
‫الموض وعية‪ ،‬حوال ة ال دين‪ ،‬نظري ة الظ روف الطارئ ة‪ ،‬اﻷحك ام الخاص ة بمجل س‬
‫العقد‪ ،‬إيجار الوقف‪ ،‬الحك ر‪ ،‬إيج ار اﻷراض ي الزراعي ة‪ ،‬ه ﻼك ال زرع ف ي الع ين‬
‫المؤجرة‪ ،‬انقضاء اﻹيجار بموت المستأجر‪ ،‬فسخ اﻹيجار للعذر‪ ،‬وقوع اﻹبراء من‬
‫الدين بإرادة الدائن وحده‪ ،‬بعض أحكام عقد الهبة‪ ،‬التنظيم الدقيق لمب دأ ﻻ ترك ة إﻻ‬
‫بعد سداد الديون‪ ،‬تصرفات المريض مرض الموت‪ ،‬سداد الدين قبل أيلول ة الترك ة‬
‫للورثة‪ ،‬اﻷهلي ة‪ ،‬الش فعة‪ ،‬الغ بن ف ي بي ع القاص ر‪ ،‬خي ار الرؤي ة‪ ،‬تبع ة اله ﻼك ف ي‬
‫البيع‪ ،‬عرس اﻷشجار في العين المؤجرة‪ ،‬اﻷحك ام المتعلق ة ب العلو والس فل‪ ،‬أحك ام‬
‫الحائط المشترك مرة بالتقادم‪.‬‬
‫ثالث ا ً‪ :‬الق انون الم دني العراق ي – خط وة نح و توحي د الق وانين المدني ة ف ى ال بﻼد‬
‫العربية‪:‬‬
‫نصت المادة اﻷولى‪ 2 /‬من القانون المدني العراقي عل ى م ا يل ي ) ف إذا ل م‬
‫يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم ت المحكم ة بمقتض ى الع رف ف إذا ل م يوج د‬
‫فبمقتض ى مب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية اﻷكث ر مﻼئم ة لنص وص ه ذا الق انون دون‬
‫التقيد بمذهب معين فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة‪ .‬ونصت الفقرة الثالثة م ن‬
‫نفس المادة على )وتسترشد المحاكم في كل ذلك باﻷحكام التي أقرها القضاء والقفه‬
‫في العراق ثم في البﻼد اﻷخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العربية(‪.‬‬
‫وبالنظر إلى الفقرتين السابق اﻹشارة إليهما نجد ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬إن مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية هي المصدر الرسمي الثالﺚ بعد التشريع‬
‫والعرف‪ ،‬وفي هذا يتفق القانون المدني العراقي القانون المدني المصري‪.‬‬
‫‪ -2‬إن النص يتضمن تفس يرا ً معين ا ً لمب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية الت ي يلج أ‬
‫إليه ا القاض ي‪ ،‬إذ يقص د بمب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية‪ ،‬المب ادئ اﻷكث ر مﻼئم ة‬
‫لنصوص القانون المدني العراقي هذا من ناحية وذل ك حت ى ينس جم كلي ات الق انون‬

‫)‪(72‬السنهوري‪ ،‬الوسيط‪ ،‬الجزء اﻷول‪ ،‬ص ‪ 48‬وما بعدها‪.‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(53) 2014‬‬
‫مع جزئياته وإﻻ ي تم تطبي ق مب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية إﻻ المﻼءم ة لﻼتج اه الع ام‬
‫وروح وفلسفة النصوص القانونية‪ .‬ومن ناحية ثانية‪ ،‬لم يقص ر دور القاض ي عل ى‬
‫استنباط مبادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن م ذهب فقه ي واح د دون اﻵخ ر‪ ،‬ب ل م نهج‬
‫القاضي سلطة تقديرية كبيرة في هذا الصدد – إذ للقاضي استنباط لمبادئ الشريعة‬
‫اﻹسﻼمية من جمي ع م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي دون التقي د بم ذهب مع ين‪ ،‬بش رط إن‬
‫يكون ما يستخلصه مﻼئما ً لنصوص القانون‪.‬‬
‫ودون ش ك إن ه ذا تجدي د كبي ر – بالنس بة للع راق منش أ الم ذهب الحنف ي‪،‬‬
‫والتي طبقت فيها مجلة اﻷحكام العدلية فت رة طويل ة‪ ،‬وه ي تقن ين للفق ه الحنف ي ف ي‬
‫مجال المعامﻼت المدنية‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا ل م ي ذكر ال نص مب ادئ الق انون الطبيع ي وقواع د العدال ة كمص در‬
‫رسمي للقانون يلجأ إليه القاضي بعد مبادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية‪ ،‬عل ى النح و ال ذي‬
‫عليه الحال في القانون المدني المصري في المادة ‪ 2/1‬والتي جاء فيها ذكر مبادئ‬
‫القانون الطبيع ي وقواع د العدال ة‪ ،‬وإنم ا اكتف ى المش رع العراق ي عل ى ال نص فق ط‬
‫على قواعد العدالة‪.‬‬
‫‪ -4‬إن الفقرة الثالثة من المادة اﻷولى ﻻ يوجد لها مثيل في التقنيات المدنية‬
‫في البﻼد العربية من نواح عدة على النحو اﻵتي‪ :‬فم ن ناحي ة أنه ا منح ت القاض ي‬
‫اﻻسترشاد باﻷحكام التي أقرها القضاء والفقه في العراق‪ ،‬ف إذا ل م يج د‪ ،‬فل ه س لطة‬
‫اﻻسترشاد باﻷحكام التي استقر عليها القضاء والفقه في البﻼد اﻷخ رى طالم ا إنه ا‬
‫تتقارب قوانينها مع القوانين العربية‪ .‬ومن جه ة ثاني ة‪ ،‬ف إن ال نص أعط ى للقاض ي‬
‫دورا ً كبيرا ً لمجابهة حاﻻت النقص التشريعي‪ ،‬إذ وضع أمامه ط رق كثي رة‪ ،‬يمك ن‬
‫من خﻼلها مجابهة كل ما سيعرض عليه من منازعات تتضمن وقائع قد ﻻ يجد لها‬
‫حكما ً ص ريحا ً ف ي نص وص الق انون الم دني العراق ي‪ .‬وم ن جه ة ثالث ة‪ ،‬أش ار إل ى‬
‫التقارب القانوني في عجز الفقرة الثالثة ومن المس لم ب ه‪ ،‬ل م ت درج ه ذه العب ارة إﻻ‬
‫بمقصد التوحيد التشريعي في البﻼد العربية‪ ،‬وفي نفس الوقت فتح الباب جلي ا ً أم ام‬
‫التوحيد في اﻷحكام القضائية في البﻼد العربية‪ ،‬بعد تحقيق الوحدة التشريعية‪.‬‬

‫)‪ (54‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫الشريعة اﻹسﻼمية والقوانين المدنية فى دول مجلس التعاون الخليجي‬
‫أوﻻً‪ :‬في القانون المدني الكويتي‪:‬‬
‫فقد نصت المادة اﻷول ى من ه عل ى م ا يل ي‪) :‬تس ري النص وص التش ريعية‬
‫على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بمنطوقها أو بمفهومها فإن لم يوجد نص‬
‫تشريعي‪ ،‬حكم القاضي وفق ا ً ﻷحك ام الفق ه اﻹس ﻼمي اﻷكث ر اتفاق ا ً م ع واق ع ال بﻼد‬
‫ومصالحها فإن لم يوجد حكم بمقتضى العرف(‪.‬‬
‫وبﻼ شك إن عدم تخصيص رجوع القاضي إلى م ذهب مع ين م ن م ذاهب‬
‫الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬يعتبر من أه م أساس يات حرك ة تقن ين الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬إذ أن ه كم ا‬
‫يقول الفقهاء ينبغي عند التقنين عدم التقيد بمذهب معين من مذاهب الفقه اﻹس ﻼمي‬
‫وذلك خروجا ً من ضيق المذهب الواحد إلى اتساع الفق ه بمذهب ه المختلف ة‪ ،‬إذ الفق ه‬
‫وح ده متكامل ة ف ي ض وء منهجي ة التقن ين‪ ،‬خاص ة وأن الم ذهب اﻹس ﻼمية ه ي‬
‫اجتهادات ﻷصحابها ﻻ تقيد غي رهم‪ ،‬إﻻ بق در م ا يق وم ال دليل عل ى ص حتها‪ ،‬عل ى‬
‫تحقيقها للمصلحة المعتبرة شرعا ً)‪.(73‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬القانون المدني العماني ‪ -‬المرسوم السلطاني ‪ 29‬لسنة ‪ 2013‬بإصدار قانون‬
‫المعامﻼت المدنية‪:‬‬
‫نصت المادة اﻷولي من القانون المدني العماني على ) تسري أحكام ه ذا‬
‫القانون على جميع المسائل التى تتناولها نصوصه فى لفظه ا ومعناه ا ول م تنظمه ا‬
‫قوانين خاصة‪ ،‬فإذا لم يوجد نص في هذا القانون حكمت المحكم ة بمقتض ى أحك ام‬
‫الفقه افسﻼمي‪ ،‬فإذا لم توجد فبمقتضى المبادئ العام ة للش ريعة اﻹس ﻼمية‪ ،‬ف إذا ل م‬
‫توج د فبمقتض ى الع رف (‪ .‬ويس تخلص م ن ه ذا ال نص أن المص ادر الرس مية‬
‫للقانون هى‪:‬التشريع – أحكام الفقه اﻹسﻼمي – المبادئ العامة للش ريعة اﻹس ﻼمية‬
‫– العرف‪ .‬هذا من جهة‪.‬‬
‫وم ن جه ة ثاني ة‪ ،‬فطبق ا للم ادة الثاني ة‪ ،‬يرج ع ف ي فه م ال نص وتفس يره‬
‫وتأويل ه ودﻻلت ه إل ى قواع د الفق ه اﻹس ﻼمي وأص وله‪ ،.‬ودون ش ك إن ن ص الم ادة‬

‫)‪ (73‬د‪ .‬محم د كم ال ال دين إم ام‪ :‬مقدم ة لدراس ة الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬ونظريات ه العام ة‪،‬‬
‫اﻹسكندرية‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،2011 ،‬ص ‪.294‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(55) 2014‬‬
‫الثاني ة‪ ،‬يمث ل عﻼم ة ممي زة ف ى اس تعانة المش رع بالفق ه اﻹس ﻼمي واص وله ف ى‬
‫مسألة تطبيق نصوص القانون إذ إنه جعل قواعد الفقه اﻹسﻼمي وأصوله المرجع‬
‫في الفهم وتفسير النصوص التشريعية الواردة في القانون‪.‬‬
‫وم ن جه ة ثالث ة‪ ،‬ﻻ يج وز تطبي ق أحك ام الق انون اﻷجنب ي إذ كان ت ه ذه‬
‫اﻷحك ام تخ الف الش ريعة اﻹس ﻼمية أو النظ ام أو اﻵداب ف ي س لطنة عم ان‪ ،‬وه ذا‬
‫طبق ا ل نص الم ادة ‪ 28‬والت ى ت نص عل ى ) ﻻ يج وز تطبي ق أحك ام ق انون أجنبي ى‬
‫عينت ه النص وص الس ابقة؛ إذا كان ت ه ذه اﻷحك ام تخ الف الش ريعة اﻹس ﻼمية أو‬
‫النظام العام أو اﻵداب فى سلطنة عمان (‪.‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬القانون المدني البحريني )رقم ‪ 19‬لسنة ‪(2001‬‬
‫نص ت الم ادة اﻷول ى عل ى )أ( تس رى النص وص التش ريعية عل ى جمي ع‬
‫المسائل التي تحكمها ه ذه النص وص بلفظه ا أو بمفهومه ا‪ .‬ب( ف إذا ل م يوج د ن ص‬
‫تش ريعي يحك م ب ه القاض ي‪ ،‬حك م بمقتض ى الع رف‪ ،‬ف إذا ل م يوج د حك م بمقتض ى‬
‫الشريعة اﻹسﻼمية مستهديا ً بأصلح اﻷراء فيها بالنظر لواقع البلد وأحوالها‪ ،‬فإذا ل م‬
‫يوجد‪ ،‬حكم بمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة(‪.‬‬
‫وطبقا له ذا ال نص‪ ،‬ف الرجوع إل ى الش ريعة اﻹس ﻼمية يقص د ب ه الرج وع‬
‫إلى المبادئ العامة المسلم بها فى فقه الشريعة اﻹسﻼمية‪ ،‬وهى القواع د واﻷص ول‬
‫الكلية التى ﻻ تختلف باختﻼف المذاهب الفقهيه‪ .‬ولكن ف ى حال ة اﻷس تعانة ب الحلول‬
‫التفصيلية أو اﻻحكام الجزئية التى تختلف فيها المذاهب اﻹسﻼمية فيجب اﻷستهداء‬
‫بأنسب اﻵراء فيها فى ضوء ظروف البﻼد‪ ،‬بمعنى اﻷستهداء – كما يقول النص –‬
‫بأصلح اﻷراء‪ ،‬وذلك فى ضوء ظروف البﻼد‪.‬‬
‫وم ن جه ة ثاني ة‪ ،‬فم ن المس لم ب ه إن ه ف ى حال ة الرج وع إل ى الش ريعة‬
‫اﻹسﻼمية‪ ،‬فى إطار الضوابط المش ار اليه ا ف ى ال نص‪ ،‬فيج ب كم ا يق ول الفق ه أن‬
‫يراع ي التنس يق بينه ا وب ين المب ادئ العام ة الساس ية الت ى يق وم عليه ا الق انون‬
‫الوض عي البحرين ى ف ى جملت ه‪ ،‬وبن اء علي ه‪ ،‬ف ﻼ يج وز اﻷخ ذ بحك م م ن أحك ام‬
‫الشريعة اﻹسﻼمية‪ ،‬يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ‪ ،‬وذلك حتى ﻻ يفقد القانون‬

‫)‪ (56‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫الوضعي تجانسه وإنسجامه )‪.(74‬‬
‫ومن جهة رابعة‪ ،‬فطبقا للترتيب الذى وضعه ال نص للش ريعة اﻹس ﻼمية‪،‬‬
‫حيﺚ إنها تأتى فى الرمتبة الثالثة بعد التشريع والعرف‪ ،‬فإنه م ن الناحي ة الواقعي ة‪،‬‬
‫فالقاض ى ﻻ يلج أ اليه ا‪ ،‬إﻻ ن ادرا )‪ .(75‬وه و نف س اﻷم ر ال ذى يص دق عل ى دور‬
‫مبادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية كمص در للق انون ف ى الق انون الم دنى المص ري‪ ،‬حي ﺚ‬
‫إنها تأتى فى المرتبة الثالثة بعد التشريع والعرف‪.‬‬
‫رابعا ً‪ :‬القانون المدني القطري رقم ‪ 22‬لسنة ‪:2004‬‬
‫نصت المادة اﻷولى من القانون المدني القطري رقم ‪ 22‬لسنة ‪ 2004‬على‬
‫ما يلي‪ -1) :‬تسرى النصوص التشريعية على المسائل التي تتناولها هذه النصوص‬
‫بمنطوقه ا أو بمفهومه ا‪ -2 .‬إذا ل م يوج د ن ص تش ريعي حك م القاض ي بمقتض ى‬
‫الش ريعة اﻹس ﻼمية‪ ،‬ف إذا ل م يج د‪ ،‬حك م بمقتض ى الع رف‪ ،‬وإﻻ فبمقتض ى قواع د‬
‫العدالة(‪.‬‬
‫ومن النص نستخلص م ا يل ي‪ -1 :‬بن اء عل ى م ا ج اء ف ي ال نص فمص ادر‬
‫الق انون ه ي التش ريع – الش ريعة اﻹس ﻼمية – الع رف – قواع د العدال ة؛ ‪ -2‬إن‬
‫المشرع استعمل اصطﻼح "بمقتضى الشريعة اﻹسﻼمية" وهن ا ف تح الطري ق أم ام‬
‫القاض ي ﻻس تنباط الحك م م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية دون قي ود مذهبي ة‪ -3 .‬ل م يش ر‬
‫النص إلى مبادئ القانون الطبيعي‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬قانون المعامﻼت المدنية اﻹماراتي ‪:1985‬‬
‫نص ت الم ادة اﻷول ى عل ى ) تس رى النص وص التش ريعية عل ى جمي ع‬
‫المسائل التي تتناولها هذه النصوص ف ي لفظه ا وفحواه ا‪ .‬وﻻ مس اغ لﻼجته اد ف ي‬
‫م ورد ال نص القطع ي الدﻻل ة‪ .‬ف إذا ل م يج د القاض ي نص ا ً ف ي ه ذا الق انون حك م‬
‫بمقتض ى الش ريعة اﻹس ﻼمية‪ ،‬عل ى أن يراع ى تخي ر أنس ب الحل ول م ن م ذهبي‬
‫اﻹمام مالك واﻹمام أحمد بن حنبل‪ ،‬فإذا لم يجد فمن مذهبي اﻹمام الشافعي واﻹم ام‬

‫)‪ (74‬د‪ .‬محم د حس ين عب د الع ال‪ :‬الم دخل لدراس ة الق انون الم دني البحرين ي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2004‬ص ‪.194‬‬
‫)‪ (75‬د‪ .‬محم د حس ين عب د الع ال‪ :‬الم دخل لدراس ة الق انون الم دني البحرين ي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2004‬ص ‪.194‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(57) 2014‬‬
‫أبي حنيفة حس بما تقتض يه المص لحة‪ ،‬ف إذا ل م يج د حك م القاض ي بمقتض ى الع رف‬
‫على أﻻ يكون متعارضا ً مع النظام العام أو اﻵداب‪ ،‬وإذا كان العرف خاصا ً بإمارة‬
‫معينة فيسري حكمه على هذه اﻹمارة(‪.‬‬
‫ونصت المادة الثانية على ما يلي )يرجع ف ي فه م ال نص وتفس يره وتأويل ه‬
‫إلى قواع د وأص ول الفق ه اﻹس ﻼمي(‪ .‬وه ذا ال نص ممث ال ل نص الم ادة الثالث ة م ن‬
‫القانون المدني اﻷردني‪.‬‬
‫نصت المادة الثالثة على ما يلي‪) :‬يعتبر من النظ ام الع ام اﻷحك ام المتعلق ة‬
‫ب اﻷحوال الشخص ية ك الزواج والمي راث والنس ب واﻷحك ام المتعلق ة ب نظم الحك م‬
‫وحري ة التج ارة وت داول الث روات وقواع د الملكي ة الفردي ة وغيره ا م ن القواع د‬
‫واﻷسس التي يقوم عليها المجتمع وذل ك بم ا ﻻ يخ الف اﻷحك ام القطعي ة والمب ادئ‬
‫اﻷساسية للشريعة اﻹسﻼمية(‪.‬‬
‫نص ت الم ادة ‪ 27‬عل ى ) ﻻ يج وز تطبي ق أحك ام ق انون عينت ه النص وص‬
‫السابقة إذا كانت هذه اﻷحكام تخالف الشريعة اﻹس ﻼمية أو النظ ام الع ام أو اﻵداب‬
‫في دولة اﻹمارات العربية المتحدة(‪.‬‬
‫وتضمن الفصل الثاني بعض قواعد اﻷص ول الفقهي ة التفس يرية وذل ك ف ي‬
‫الم واد م ن ‪ 270 – 29‬وم ن القواع د الت ي ن ص عليه ا ن ذكر‪ :‬الجه ل باﻷحك ام‬
‫الش رعية ل يس ع ذرا ً )الم ادة ‪ (29‬اﻻس تثناء ﻻ يق اس علي ه وﻻ يتوس ع ف ي تفس يره‬
‫)المادة ‪ ،(3‬ما ثبت بنص آمر يقدم على ما وجب بالشرط )المادة ‪ ،(31‬المثليات ﻻ‬
‫تستهلك )الم ادة ‪ ،(34‬اليق ين ﻻ ي زول بالش ك‪ ،‬اﻷص ل ب راءة الذم ة‪ ،‬ﻻ ض رر وﻻ‬
‫ض رار‪ ،‬الض رر ي زال‪ ،‬الض رر ﻻ ي زال بمثل ه‪ ،‬الض رورات تب يح المحظ ورات‪،‬‬
‫درء المفاس د أول ى م ن جل ب المن افع‪ ،‬اس تعمال الن اس حج ة يج ب العم ل به ا‪،‬‬
‫التصرف على الرعية منوط بالمصلحة‪ ،‬الخراج بالضمان‪ ،‬الغرم بالغنم‪.‬‬

‫)‪ (58‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫الشريعة اﻹسﻼمية والقانون المدني اﻷردني والقانون المدني اليمنى والقانون‬
‫المدني الليبي‬
‫أوﻻً‪ :‬القانون المدني اليمنى قانون رقم ‪ 14‬لسنة ‪:2002‬‬
‫تض من الكت اب اﻷول – اﻷحك ام العام ة للمع امﻼت ف ي الب اب اﻷول من ه‬
‫والذي بعنوان )القواعد اﻷصولية والعامة والكلية في تطبيق القانون(‪.‬نصت الم ادة‬
‫اﻷول على )يسري هذا القانون المأخوذ من أحكام الش ريعة اﻹس ﻼمية عل ى جمي ع‬
‫المعامﻼت والمسائل التي تتناولها نصوص ه لفظ ا ً ومعن ى‪ ،‬ف إذا ل م يوج د ن ص ف ي‬
‫هذا القانون يمكن تطبيقه يرج ع إل ى مب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية الم أخوذ منه ا ه ذا‬
‫القانون ف إذا ل م يوج د حك م القاض ي بمقتض ى الع رف الج ائز ش رعا ً ف إذا ل م يوج د‬
‫عرف فبمقتضى مبادئ العدالة الموافقة ﻷصول الشريعة اﻹسﻼمية جملة ويستأنس‬
‫برأي من سبق لهم اجتهاد من علماء فق ه الش ريعة اﻹس ﻼمية ويش ترط ف ي الع رف‬
‫أن يكون ثابتا ً وﻻ يتعارض مع مبادئ الشريعة اﻹسﻼميـ ـة والنظ ام الع ام واﻵداب‬
‫العامة (‪.‬‬
‫ونصت المادة ‪ 18‬على م ا يل ي‪) :‬المرج ع ف ي تفس ير نص وص الق وانين‬
‫وتطبيقها هو الفقه اﻹسﻼمي والمذكرات اﻹيضاحية والكتب الشارحة الصادرة من‬
‫الهيئة التشريعية المختصة (‬
‫وطبقا ً لمجموعة النصوص التي جاءت في الباب اﻷول في الم واد ‪19 -1‬‬
‫من القانون المدني اليمين نجد ما يلي‪ :‬من جهة أول ى‪ ،‬أن المش رع أثب ت المص در‬
‫الموضوعي ﻷحكام الواردة في القانون‪ ،‬إذ نص صراحة ف ي ص در الم ادة اﻷول ى‬
‫على يسري هذا القانون المأخوذ من أحكام الشريعة اﻹسﻼمية على‪ ....‬وهي عبارة‬
‫غير دقيقة نظرا ً ﻷن ه تض من أحكام ا ً م أخوذة م ن الفق ه الق انوني الغرب ي نق ﻼً ع ن‬
‫القانون المدني المصري‪ .‬ونعتق د إن المش رع يقص د إن ه ذا الق انون ف ى مجموع ه‬
‫يتضمن اﻷحكام التي تتطابق مع أحكام الشريعة اﻹسﻼمية‪.‬‬
‫ومن جهة ثانية‪ ،‬أن مصادر القانون هي‪ :‬النصوص الواردة ف ي الق انون‪،‬‬
‫ومب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية – الع رف الج ائز ش رعا – مب ادئ العدال ة الموافق ة‬
‫ﻷصول الشريعة جملة ويستأنس برأي من سبق لهم اجتهاد من علماء فقه الش ريعة‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(59) 2014‬‬
‫اﻹسﻼمية ويشترط في العرف أن يكون جائزا ً شرعا ً وأن يكون ثابت ا ً وﻻ تع ارض‬
‫مع مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية والنظام العام واﻵداب‪.‬‬
‫ومن جهة ثالثة‪ ،‬اشار القانون إلى أن مجموعة قواعد لﻺلغاء والتعديل التش ريعي‬
‫ﻻ نظير لها مطلقا ً في القوانين المدنية في البﻼد العربية‪ ،‬حيﺚ نصت المادة الثانية‬
‫على ما يلي‪ ):‬يجوز إلغــاء أو تعديل القوانين الشرعية في اﻷح وال اﻵتي ة‪ -1:‬إذا‬
‫ك ان دلي ل الحك م نص ا ً ص ريحا ً م ن الكت اب أو الس نة النبوي ة الص حيحة ﻻ يحتم ل‬
‫التأويل أو الترجيح‪ -2.‬إذا كان دليل الحكم إجماع اً‪ -3.‬إذا ك ان اله دف م ن اﻹلغ اء‬
‫أو التع ديل الع دول ع ن الحك م الش رعي إل ى حك م يتع ارض م ع مب ادئ الش ريعة‬
‫اﻹس ﻼمية‪ ،‬وفيم ا ع دا ذل ك يج وز اﻹلغ اء أو التع ديل ابتغ اء الوص ول إل ى حك م‬
‫شرعي أخر أقوى دليﻼً وأوفى بالمصلحة (‪.‬‬
‫ومن جهة رابعة‪ ،‬لقد أدرج القانون في نصوص الم واد ‪ 16 – 3‬مجموع ة‬
‫من القواعد الكلية الفقهية‪ ،‬كم ا وردت ف ي مجل ة اﻷحك ام العدلي ة ولك ن يﻼح ظ إن ه‬
‫جم ع ب ين قاع دتين أو أكث ر مع ا ً ف ي ن ص واح د فم ثﻼً نص ت الم ادة ‪ 15‬عل ى )‬
‫تصرف الدولة منوط بالمصلحة‪ ،‬والوﻻية الخاصة أقوى من الوﻻة العامة(‪.‬‬
‫ومن جهة خامسة‪ ،‬جعل المرجع في تفس ير النص وص وتطبيقه ا م ا يل ي‬
‫الفق ه اﻹس ﻼمي والم ذكرات اﻹيض احية والكت ب الش ارحة الص ادرة م ن الهيئ ة‬
‫التشريعية المختصة‪ .‬وم ن جه ة سادس ة‪ ،‬نص ت الم ادة ‪ 35‬عل ى ﻻ يج وز تطبي ق‬
‫أحك ام ق انون أجنب ي تع ين تطبيق ه طبق ا ً للنص وص الس ابقة إذا كان ت ه ذه اﻷحك ام‬
‫تخالف أحكام الشريعة اﻹسﻼمية أو اﻵداب العامة في الجمهورية‪.‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬القانون المدني الليبي‪:‬‬


‫أم ا فيم ا يتعل ق بالش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي الق انون الم دني الليب ي ودور‬
‫السنهوري‪ ،‬فقد سافر السنهوري إلى ليبيا في عام ‪ ،1953‬وعاد في سبتمبر ‪1953‬‬
‫ولكن في هذه الفترة القصيرة أنجز انجازات ضخمة كما يذكرها المستش ار عثم ان‬
‫حسين عبد ﷲ في مقالته عن السنهوري‪ ،‬حيﺚ ذكر م ا يل ي بش أن دور الس نهوري‬
‫ف ي الحرك ة الش رعية ف ي ليبي ا‪ ،‬فم ن ناحي ة‪ ،‬إن الس نهوري وض ع حج ر اﻷس اس‬
‫لتعريب القانون في ليبيا وللتقريب بين العمل التشريعي فيها والعمل التش ريعي ف ي‬

‫)‪ (60‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫مصر‪ .‬لقد كان ت التقني ات الرئيس ية ف ي ليبي ا ه ي التقني ات اﻹيطالي ة وكان ت س ائر‬
‫التشريعات كذلك‪ .‬وكانت اللغة اﻹيطالية هي لغة القضاة ولغة الحاكم ولغة اﻷحكام‬
‫وسائر اﻹجراءات القض ائية‪ .‬وم ن جه ة ثاني ة‪ ،‬وض ع الق انون الم دني الليب ي وه و‬
‫يط ابق الق انون الم دني المص ري م ع إض افة بع ض النص وص وإدخ ال بع ض‬
‫التعديﻼت التي اقترحها القضاة اﻹيطاليون في ليبيا‪ ،‬واقتنع هو ب أن ظ روف ال بﻼد‬
‫تقتضيها وصور القانون المدني الليبي في نوفمبر سنة ‪.(76)1953‬‬
‫وق د نص ت الم ادة اﻷول ى عل ى )م ادة )‪ (1‬أص ول الق انون – ‪ – 1‬تس رى‬
‫النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظه ا أو‬
‫فحواه ا‪ -2 .‬ف إذا ل م يوج د ن ص تش ريعي يمك ن تطبيق ه‪ ،‬حك م القاض ي بمقتض ى‬
‫مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية‪ ،‬فإذا لم توجد‪ ،‬فبمقتضى العرف‪ ،‬فإذا لم يوجد فبمقتضى‬
‫مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة(‪ .‬ومن الواض ح أن الفق رة اﻷول ى م ن ه ذا‬
‫النص تماث ل الف رة اﻷول ة م ن الم ادة اﻷول ي م ن الق انون الم دني المص ري‪ .‬ولك ن‬
‫على خﻼف ترتيب مصادر القانون ف ى مص ر‪ ،‬فالق انون الم دني الليب ي‪ ،‬جع ل م ن‬
‫مبادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ى المرتب ة الثاني ة بع د النص وص التش ريعية‪ ،‬ث م يليه ا‬
‫العرف‪ ،‬ومبادئ القانون الطبيعيى وقواعد العدالة‪.‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬القانون المدني اﻻردني‪:‬‬
‫نصت المادة الثاني ة عل ى ) ‪ -1‬تس ري نص وص ه ذا الق انون عل ى المس ائل الت ي‬
‫تتناولها هذه النصوص بألفاظها ومعانيها وﻻ مساغ لﻼجتهاد ف ي م ورد ال نص‪-2.‬‬
‫فإذا لم تجد المحكمة نص ا ً ف ي ه ذا الق انون حكم ت بأحك ام الفق ه اﻹس ﻼمي اﻷكث ر‬
‫موافق ة لنص وص ه ذا الق انون‪ ،‬ف ان ل م توج د فبمقتض ى مب ادئ الش ريعة‬
‫اﻹسﻼمية‪ -3.‬فان لم توجد حكمت بمقتضى العرف‪ ،‬فان لم توجد حكمت بمقتض ى‬
‫قواع د العدال ة‪ ،‬ويش ترط ف ي الع رف أن يك ون عام ا وق ديما ثابت ا ومط ردا وﻻ‬
‫يتعارض مع أحكام القانون أو النظ ام الع ام أو اﻵداب‪ .‬أم ا إذا ك ان الع رف خاص ا‬
‫ببل د مع ين فيس ري حكم ه عل ى ذل ك البل د؛ ‪ -4‬ويسترش د ف ي ذل ك كل ه بم ا أق ره‬

‫)‪ (76‬انظر حول جهود السنهوري في النهضة القانونية ف ي ليبي ا‪ :‬م‪ /‬عثم ان حس ين عب د‬
‫ﷲ‪ ،‬الفقيه والرائد والمش رع العظ يم الس نهوري‪ ،‬مجل ة هيئ ة قض ايا الدول ة‪،1989 ،‬‬
‫ص ‪ 99‬وما بعدها‪.‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(61) 2014‬‬
‫القض اء والفق ه عل ى أن ﻻ يتع ارض م ع م ا ذك ر(‪ .‬ونص ت الم ادة الثالث ة عل ى )‬
‫يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودﻻلته إلى قواعد أصول الفقه اﻹسﻼمي(‪.‬‬
‫ويتبين من النص ما يلي‪ :‬م ن جه ة ان ه يمي ز ب ين احك ام الفق ه اﻻس ﻼمي‬
‫ومبادئ الشريعة اﻻسﻼمية؛ ومن جهة ثانية‪ ،‬لم يشر الى مب ادئ الق انون الطبيع ي‬
‫وقواع د العدال ة‪ ،‬وم ن ناحي ة ثالث ة‪ ،‬لق د أش ار إل ى اﻷس تعانة ف ى فه م النص وص‬
‫وتفسيرها وتأؤيله ا إل ى قواع د أص ول الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬وه ى اكث ر انض باطا م ن‬
‫قواعد التفسير الوضعية‪ ،‬فضﻼ عن إنها تمثل خطوة هام ة لﻼس تفادة م ن قواع د‬
‫أصول الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬فى مجال تطبيق النصوص القانونية الوض عية‪ ،‬حي ﺚ إن‬
‫علم اصول الفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬من العلوم اﻹسﻼمية الخالصة‪ ،‬ولم ﻻ يوجد لها نظي ر‬
‫فى النظم القانونية الوضعية‪ .‬ولقد أثر القانون المدني اﻷردني فى الق انون الم دنى‬
‫اليمنى والقانون المدني اﻷماراتي‪.‬‬

‫)‪ (62‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫دور السنهوري في أستحداث منهج التزاوج فيما بين الشرائع القانونية‬
‫أوﻻً‪ :‬أسس منهج التزواج بين النظم القانونية عند السنهوري‪:‬‬
‫ق ام اﻷس تاذ الفقي ه الس نهوري باس تبدال م نهج اس تقبال الق وانين اﻷجنبي ة‬
‫واستزراعها في النظام القانوني الداخلي بمنهج أخر أكث ر دق ة وفعالي ة وه و م نهج‬
‫التزاوج فيما بين القوانين اﻷجنبية والقوانين الوطنية‪.‬‬
‫ونعتقد إن منهج التزاوج فيما بين التشريعات الوطنية واﻷجنبية‪ ،‬قد اقتبسه‬
‫السنهوري من منهج التلفيق الفقهي في الفقه اﻹسﻼمي ومعطيات الفقه المقارن‪.‬‬
‫فف ي الفت رة اﻷول ى ف ي النص ف اﻷخي ر م ن الق رن التاس ع عش ر وأوائ ل‬
‫الق رن العش رين‪ ،‬ج اءت التش ريعات الوطني ة ف ي مص ر‪ ،‬تطبيق ا ً عملي ا ً لظ اهرة‬
‫استقبال القوانين اﻷجنبية واستزراعها في مصر‪ .‬فقد تم استقبال واستزراع تقنيات‬
‫ن ابليون ف ي مص ر ف ي بن اء عل ى حرك ة اﻹص ﻼح القض ائي الت ي تم ت ف ي عه د‬
‫الخ ديوي إس ماعيل لتط وير وإص ﻼح النظ ام الق انوني ف ي مص ر‪ ،‬ليك ون نموذج ا ً‬
‫لل نظم القانوني ة اﻷجنبي ة‪ ،‬ول ذا وض عت التقني ات المختلط ة ع ام ‪ 1875‬والتقني ات‬
‫اﻷهلية ‪ 1883‬فضﻼً عن تقنيات نابليون‪.‬‬
‫ومرج ع م ا س بق‪ ،‬ه و الرغب ة ف ى تط وير وتح ديﺚ النظ ام الق انوني ف ى‬
‫مصر وعلى أثر حركة اﻷصﻼح القضائي فضﻼ عن أثر الحملة الفرنسية وحرك ة‬
‫البعثات والترجمة‪ ،‬وعموما فالتقاء الثقافات القانونية المصرية واﻷجنبية‪ ،‬أدى إلى‬
‫حدوث استقبال قانوني للتقنيات اﻷجنبية في مصر)‪.(77‬‬
‫ويتمث ل دور الس نهوري ف ي الت زواج ب ين الثقاف ات القانوني ة المختلف ة ف ي‬
‫القانون الم دني ف ي ال بﻼد العربي ة‪ ،‬م ن خ ﻼل إح داث ت زواج ب ين الثقاف ة القانوني ة‬
‫اﻹسﻼمية والثقافة القانونية اﻷوربية‪ ،‬والتقاليد والتراث القانوين الوطنى‪ ،‬وت م ذل ك‬
‫فى اﻷطر اﻷتية‪:‬‬
‫‪ -1‬إجراء تزاوج بين الثقافات القانونية‪.‬‬
‫‪ -2‬اﻻحتفاظ بخصوصيات الثقافة القانونية اﻹسﻼمية‪.‬‬

‫)‪ (77‬د‪ .‬حسن عبد الحميد‪ :‬ظاهرة استقبال القوانين اﻷجنبية فى مصر )دراس ة ف ى عل م‬
‫اﻹجتماع القانوني ( القاهرة ‪ ،1995‬ص ‪.35‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(63) 2014‬‬
‫‪ -3‬اﻻحتفاظ بالتقاليد والثوابت القانونية المستقرة في البﻼد العربية‪.‬‬
‫‪ -4‬بي ان أوج ه التق ارب ب ين الفق ه اﻹس ﻼمي والنظ ام الق انوني الغرب ي دون‬
‫اﻹخ ﻼل أو الح ط م ن قيم ة م ا يتض منه الفق ه اﻹس ﻼمي م ن مب ادئ ونظ م‬
‫أصيلة‪.‬‬
‫‪ -5‬اﻻس تفادة م ن الثقاف ات القانوني ة اﻷجنبي ة ف ي دراس ة الفق ه اﻹس ﻼمي طبق ا ً‬
‫للمناهج العلمية التي يدرس بها النظام القانوني الغرب ي‪ ،‬وذل ك لتقري ب الفق ه‬
‫اﻹسﻼمي إلى اﻷذهان‪.‬‬
‫‪ -6‬اﻻقتب اس م ن الثقاف ات القانوني ة اﻷجنبي ة للغ ة والمص طلحات القانوني ة م ع‬
‫تعريبها بدقة‪.‬‬
‫‪ -7‬التعري ب ال دقيق للمص طلحات القانوني ة‪ ،‬لتقريبه ا إل ى الفك ر العرب ي‪ ،‬دون‬
‫اﻷخ ﻼل بمض مونها العلم ي الق انوني ال دقيق‪ .‬وتح ديﺚ نظ م الص ياغة‬
‫التشريعية‪ ،‬من خﻼل اﻻسترشاد بالقوانين المقارنة‪ ،‬وأش ار الس نهوري إل ى‬
‫أن عن د اﻻقتب اس م ن الق وانين اﻷجنبي ة ينبغ ي اﻷقتب اس المس ائل المتعلق ة‬
‫بالشكل‪ ،‬مثل التبويب والتنظيم والتقسيم والصياغة وأساليبها والمصطلحات‪،‬‬
‫أن يك ون اﻻقتب اس م ن أح دث التقني ات‪ ،‬حت ى تج اري م ا وص ل إلي ه م آل‬
‫حرك ة التقن ين م ن رق ى ف ي التنظ يم والتبوي ب والص ياغة واللغ ة القانوني ة‪.‬‬
‫ويؤدي ما سبق إلى أن تبويب القانون يكون منطقيا ً)‪.(78‬‬
‫وبتطبي ق م ا س بق عل ى الق انون الم دني المص ري نج د إن ه كم ا أش ارت‬
‫اﻷعمال التحضيرية – قد اقتبس م ن الق وانين المدني ة اﻷجنبي ة الكثي ر م ن القواع د‬
‫المتعلقة بالشكل والصياغة كالتبويب والتقسيم واللغة اﻻصطﻼحية‪ .‬وبوجه ع ام ق د‬
‫استفاد السنهوري من حركة التقنين خصوصا ً في مجال الق انون الم دني ف ي أورب ا‬
‫وغيرها في إنها – كما قال ) نستخلص منها دروسا ً نافعة ف ي ف ن التقن ين وأس لوب‬
‫الصياغة التشريعية( )‪.(79‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬تزواج القوانين فى القانون المدني المصري والقانون المدني العراقي‪:‬‬
‫قال السنهوري‪) :‬يتميز الق انون الم دني العراق ي‪ ،‬باتج اه خ اص ينف رد ب ه‬

‫)‪(78‬السنهوري‪ ،‬من مجلة اﻷحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي‪،..‬ص ‪.311‬‬
‫)‪ (79‬السنهوري‪ ،‬من مجلة اﻷحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي‪ ،.‬ص ‪.310‬‬

‫)‪ (64‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫عن القانون المدني المص ري وع ن س ائر الق وانين الحديث ة‪ .‬فه و أول ق انون م دني‬
‫حديﺚ يتﻼقى فيه الفق ه اﻹس ﻼمي والق وانين الغربي ة الحديث ة جنب ا ً إل ى جن ب بق در‬
‫متساو في الحكم والكيف وهذه تجربة من أخطر التجارب في تاريخ التقنين المدني‬
‫الحديﺚ( )‪.(80‬‬
‫وقال – أيضا السنهوري ‪) -‬وضع هذه اﻷحكام المقننة من الفق ه اﻹس ﻼمي‬
‫إلى جانب القوانين الغربية ممتلكة ف ي الق انون المص ري الجدي د‪ ،‬فلس نا مغ الين إذا‬
‫قلنا أن تجربة القانون المدني العراقي تعد م ن أخط ر التج ارب ف ي ت اريخ التقن ين‪.‬‬
‫فهذه أحكام الفقه اﻹسﻼمي قننت في نصوص واضحة وضعت إلى جانب نصوص‬
‫الق وانين الغربي ة‪ ،‬وب ذلك ت م جم ع الفق ه اﻹس ﻼمي والق وانين الغربي ة عل ى ص عيد‬
‫واحد‪ ،‬فمكن لعوامل المقارنة والتعريب من أن تنتج أثرها ومه د الطري ق للمرحل ة‬
‫الثالثة واﻷخيرة في نهضة الفقه اﻹسﻼمي( )‪.(81‬‬
‫يمثل القانون المدنى المصري والقانون المدنى العراقي – وهما قد وض عا‬
‫بيد السنهوري – أكثر النماذج القانونية‪ ،‬لدور الس نهوري ف ى إح داث ت زواج فيم ا‬
‫بين القانون الوطنى والقوانين اﻷجنبية والفقه اﻹسﻼمي‪ ،‬فض ﻼ ع ن إنهم ا يتض ح‬
‫مدى تأثر السنهوري بالمدرسة التاريخية للقانون وبتعاليم علم اﻷجتماع الق انوني‪،‬‬
‫فضﻼ عن علم القانون المقارن‪.‬‬
‫اس تقى الس نهوري مص ادر الق انون الم دنى العراق ي أوﻻً‪:‬م ن نص وص‬
‫مجلة اﻷحكام العدلي ة؛ بأعتباره ا نموذج ا للفق ه اﻹس ﻼمية وف ى نف س الوق ت نظ را‬
‫ﻷنها كانت تطبق فى العراق‪ ،‬فاﻻحتفاظ ببعض احكامها يتوافر مع ضورة مراع اة‬
‫المورث القانوني وما جري عليه العمل‪ ،‬وطبقا لمنطق التطور التدريجي فى فلسفة‬
‫التشريع‪ .‬وثانيا ً من نصوص التشريعات العراقي ة الخاص ة‪ ،‬حي ﺚ إن ال بعض م ن‬
‫أحك ام الق انون الم دني كان ت متن اثرة ف ي ق وانين خاص ة‪ ،‬وثالث ا ً‪ :‬م ن نص وص‬
‫الق انون الم دني المص ري‪ ،‬نظ را ﻷن ه أح دث التش ريعات المدني ة العربي ة‪ ،‬الت ى‬
‫صدرت قبل إصدار القانون المدني العراقي هذا من جه ة‪ ،‬وم ن جه ة ثاني ة نظ را‬
‫ﻻنه من التقنينيات المتخيرة التى جمعت بين أحدث ما وصل اليه علم التش ريع ف ى‬

‫)‪ (80‬السنهوري‪ :‬القانون المدني العربي‪ ،‬ص ‪.500‬‬


‫)‪ (81‬السنهوري‪ :‬القانون المدني العربي‪ ،‬ص ‪.501 - 500‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(65) 2014‬‬
‫اوربا حينذاك‪ ،‬فضﻼ عن ما تضمنه من احكام مستمدة من الشريعة اﻹسﻼمية‪.‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬فلسفة القانون المدني العراقي وإرهاصات القانون المدني العربي‬
‫يتفق القانون المدني العراقي مع القانون المدني المصري ف ي اﻻتجاه ات‬
‫العام ة‪ ،‬مث ل ط ابع اﻻعت دال والتوس ط ب ين اﻻس تقرار والتط ور ب ين حماي ة الف رد‬
‫وحماية الجماعة‪ .‬وم ن جه ة أخ ري‪ ،‬أخ ذ الق انون الم دني العراق ي ب نفس الترتي ب‬
‫والتبوي ب متابع ة تام ة‪ ،‬حت ى يمك ن الق ول إن الب اب التمهي دي ف ي الق انون الم دني‬
‫العراقي يكاد أن يكون منقوﻻً نقﻼً حرفي ا ً م ن الق انون الم دني المص ري‪ ،‬فيم ا ع دا‬
‫بعض القواعد الكلية التي نقلت عن المجلة)‪.(1‬‬
‫ولكن من ناحية ثانية‪ ،‬نجد إن القانون المدني العراقي ينفرد بخص ائص ﻻ‬
‫يشترك فيها مع غيره في الق وانين الحديث ة العربي ة اﻷخ رى‪ ،‬وه ي إن ه أول ق انون‬
‫م دني ح ديﺚ يتﻼق ى في ه الفق ه اﻹس ﻼمي والق وانين الغربي ة مع ا ً ف ي تقن ي واح د‪،‬‬
‫وبقدر متساو في الكم والكيف)‪.(2‬‬
‫وم ن ناحي ة ثالث ة‪ ،‬أدى الق انون الم دني العراق ي إل ى تحقي ق الوح دة‬
‫التش ريعية للقواع د المنظم ة للمع امﻼت المدني ة ف ي تقن ين واح د‪ ،‬حي ﺚ إن ه جم ع‬
‫شتات المسائل المدنية التي كانت موجودة في قوانين خاصة‪ ،‬وهي المسائل التي لم‬
‫تتناوله ا مجل ة اﻷحك ام العدلي ة‪ ،‬وله ذا فه و ح ق اﻻنس جام والتكام ل ف ي التنظ يم‬
‫والتجانس القانوني للمعامﻼت المدنية في العراق)‪.(3‬‬
‫ومن جهة رابعة‪ ،‬فإن من أه م خص ائص الق انون الم دني العراق ي ه و إن ه‬
‫وضع ليكون – كما يقول اﻷستاذ السنهوري – تمهيدا ً للقانون المدني العربي)‪ ،(4‬إذ‬
‫إذ إن ه تض من أحك ام م أخوذة م ن الفق ه اﻹس ﻼمي م ع أحك ام م أخوذة م ن الق وانين‬
‫الغربية متمثل ة ف ي الق انون الم دني المص ري‪ ،‬وب ذلك فه و يجم ع مع ا ً ب ين اﻹحال ة‬
‫متمثلة في الفقه اﻹسﻼمي والمعاصرة متمثلة ف ي النص وص الم أخوذة م ن الق انون‬
‫المدني المصري والذي بدوره م أخوذ م ن ق وانين أجنبي ة متخي رة‪ ،‬وله ذا فالق انون‬

‫)‪ (1‬السنهوري‪ :‬القانون المدني العربي‪ ،‬ص ‪.499‬‬


‫)‪ (2‬السنهوري‪ :‬القانون المدني العربي‪ ،‬ص ‪.501‬‬
‫)‪ (3‬السنهوري‪ :‬القانون المدني العربي‪ ،‬ص ‪.499‬‬
‫)‪ (4‬السنهوري‪ :‬القانون المدني العربي‪ ،‬ص ‪.499‬‬

‫)‪ (66‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫المدني العراقي تطبيق عملي للجميع بين نظم قانونية متع ددة مع اً‪ ،‬ول ذا فه و يؤك د‬
‫وجود نظم قانونية مختلطة ‪ Mixed legal systems‬هذا من جهة‪.‬‬
‫وم ن جه ة خامس ة‪ ،‬فق د ف تح الق انون الم دني العراق ي الب اب نح و اختب ار‬
‫مص ير تجرب ة المقارن ة والتعري ب ب ين الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬والفق ه الق انوني الغ ري‬
‫ومآلها)‪ ،(1‬فإذا نجحت‪ ،‬كانت الخطوات أخرى أفضل ومتقدم ة وه ي وض ع ق انون‬
‫مدني عربي مؤسس على نهضة حقيقية مدنية ﻷحكام الفقه اﻹسﻼمي‪.‬‬
‫ومن جهة سادس ة‪ ،‬نج د إن ه بالنس بة للق انون الم دني العراق ي وبخص وص‬
‫اﻻقتباس من مجلة اﻷحكام العدلية‪ ،‬فهي بالنسبة للقانون المدني العراقي له ا عﻼق ة‬
‫وثيقة به من ناحيتين‪ ،‬الناحية اﻷولى باعتبارها مدونة معامﻼت مدنية م أخوذة م ن‬
‫الشريعة اﻹسﻼمية وبوجه الخ اص الم ذهب الحنف ي واﻻعتب ار الث اني فه ي طبق ت‬
‫عليها في تنظيم معامﻼتهم المدنية طبقا ً للنصوص الواردة بها‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬فقد كان م ن المنطق ي أن ي تم اﻻحتف اظ به ا أساس ا ً م ع‬
‫استكمال ما ل م تتض منه م ن مص ادر أخ رى‪ ،‬بش رط أﻻ يتع ارض معه ا س واء م ن‬
‫القوانين الغربية نقﻼً عن القانون الم دني المص ري أو م ن م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي‬
‫اﻷخرى غير الفقه الحنفي‪.‬‬
‫وترتيبا ً على ما سبق‪ ،‬فقد ك ان م ن المنطق ي أن تب رز لجن ة وض ع التقن ين‬
‫المدني العراقي والسنهوري فيها تقرر ضرورة اﻻستناد إلى مجلة اﻷحك ام العدلي ة‬
‫أساسا ً نظرا ً ﻷنه ا مألوف ة‪ ،‬ولض رورة اس تقرار التعام ل‪ ،‬فض ﻼً ع ن اﻻقتب اس م ن‬
‫الفق ه اﻹس ﻼمي ﻷن ه يتض من مب ادئ وأحك ام ت داني وتف وق أح دث الق وانين‬
‫اﻷجنبية)‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬السنهوري‪ :‬القانون المدني العربي‪ ،‬ص ‪.501‬‬


‫)‪ (2‬ولقد جاء ما يلي في تقرير بجنة التقنين المدني العراقي – كما أشار إليها الس نهوري‬
‫في مقالته من مجلة اﻷحكام العدلية إلى القانون العراقي – مقالة سابق اﻹشارة إليه ا‪،‬‬
‫ص ‪) ...) ،371‬أوﻻً( تك ون مجل ة اﻷحك ام العدلي ة أساس ا ً للق انون الم دني الجدي د‪=،‬‬
‫=وﻻ يجوز العدول عنها إلى غيره ا م ن الق وانين المدني ة لس ببين‪ -1 :‬أن في ه ق انون‬
‫يوض ع لبل د ه و الق انون ال ذي يألف ه ه ذا البل د‪ ،‬ويتف ق م ع مزاج ه وينش أ ف ي تربيت ه‪،‬‬
‫ويستقر عليه التعامل‪ .‬وقد ترع رع الفق ه اﻹس ﻼمي ف ي الع راق‪ ،‬واس تقر في ه ده ورا ً‬
‫طويلة‪.‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(67) 2014‬‬
‫وبوج ه ع ام يتض ح م ن خ ﻼل الس مات العام ة للتقن ين الم دنى العراق ي )‬
‫وك ذلك م ن ب اب أول ى الق انون الم دني المص ري ( م ا اش ار الي ه الس نهوري‬
‫بخص وص قواع د اس تقبال الق وانين اﻷجنبي ة وتط وير الق انون ال وطني وعل م‬
‫التش ريع‪ ،‬ومنه ا بوج ه خ اص قاع دة ف ي إن يراع ي عن د اﻻقتب اس م ن الق وانين‬
‫اﻷجنبية‪ ،‬حتى ولو كان ت تنتم ي إل ى ج نس الق انون ال وطني )مث ل الق انون الم دني‬
‫المص ري بالنس بة للق انون الم دني العراق ي م ثﻼ(‪ ،‬أن ي تم دم ج مجموع ة القواع د‬
‫والمبادئ والنظريات التي تم استعارتها مع جسم التقنين على نحو ﻻ يحدث تنافرا ً‬
‫بين أجزاء التقنين وأن يتم تنسيق النصوص وتنجسم اﻷحكام مع اً‪ ،‬بحي ﺚ ﻻ ت ؤدي‬
‫اﻻستعارة من القوانين اﻷجنبية مصدرا ً لوجود تعارض بين ن واحي التقن ين الم راد‬
‫وضعه)‪.(1‬‬
‫ويعني ما سبق‪ ،‬بقول أخر‪ ،‬في حالة اﻻستعارة من قوانين أجنبي ة أو حت ى‬
‫وطنية أخرى عند وضع تقنين ما‪ ،‬يجب صهر هذه القواعد كلها مع بعض ها‪ ،‬حت ى‬
‫يصدر التقنين متكامل متناسق وملتحم اﻷجزاء كﻼ واحدا ً ﻻ تعارض ب ين قواع ده‪،‬‬
‫ب ل تتكام ل كله ا م ع بعض ها لتحقي ق اله دف المتبق ى من ه‪ ،‬وذل ك م ا نﻼحظ ة ف ى‬
‫التقنيين المدنى المصري والعراقي‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫خﻼصة القول‪ :‬أن مش روع الس نهوري ق د أث ر ت أثيرا كبي را ف ى الق وانين‬
‫المدنية العربية‪ ،‬ويتمثل هذا التأثير فيما يلي بإيجاز‪:‬‬
‫‪ -‬تطوير حركة التقنين فى مجال القانون المدني فى البﻼد العربية‪.‬‬
‫‪ -‬تأثير القانون المدنى المصري ‪ 1948‬فى القوانين المدنية العربية‪.‬‬
‫‪ -‬توحيد اللغة القانونية والمصطلحات القانونية فى البﻼد العربية‪.‬‬
‫‪ -‬اﻹستفادة من القانون المقارن فى تطوير القوانين المدنية العربية‪.‬‬

‫‪ -2‬ﻻ يق ل الفق ه اﻹس ﻼمي‪ ،‬م ن حي ﺚ رق ى المب ادئ وس مو المنط ق الق انوني‪ ،‬ع ن‬
‫أعظم النظم القانونية مقدما‪ ،‬وهو قاب ل للتح وير بحي ﺚ يتمش ى م ع أح دث النظري ات‬
‫القانونية‪ ،‬وما داع لنا هذا التراث العظيم‪ .‬فمن السفه أن نبدده‪ ،‬ثم نلتمس ما ف ي أي دي‬
‫الغير(‪.‬‬
‫)‪ (1‬السنهوري‪ :‬القانون المدني العربي‪ ،‬ص ‪.499‬‬

‫)‪ (68‬مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪2014‬‬
‫إدم اج الش ريعة اﻹس ﻼمية كمص در رس مي للق انون ف ى الق وانين المدني ة‬ ‫‪-‬‬
‫العربية‪ ،‬حي ﺚ اقتب اس الكثي ر م ن اﻷحك ام والمب ادئ والقواع د القانوني ة م ن‬
‫الشريعة اﻹسﻼمية وإدرجها فى القوانين المدنية العربية‪.‬‬
‫التركي ز عل ى اﻻقتب اس م ن كاف ة التش ريعات العالمي ة‪ ،‬دون اﻷعتم اد عل ى‬ ‫‪-‬‬
‫تشريع واحد؛ ولهذا فهو بحق من جعل النظم القانونية العربي ة نظ م قانوني ة‬
‫مختلط ة ‪ Mixed legal systems‬وه و اح د ال نظم القانوني ة العالمي ة‬
‫المقارنة‪ ،‬طبقا لبعض علماء القانون المقارن الجدد‪.‬‬
‫تأسيس علم التقنين الحديﺚ وفلسفة التشريع الحديﺚ فى البﻼد العربية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫فتح الطريق نحو التقريب بين الفقه اﻹسﻼمي والقانون الغربي‪ ،‬مع اﻹحتفاظ‬ ‫‪-‬‬
‫بخصوصية وصناعة الفقه اﻹس ﻼمى‪ ،‬ودون ش ك إن مؤلف ه الق يم ) مص ادر‬
‫الحق فى الفقه اﻹسﻼمي( خير مثال على هذا‪.‬‬
‫اﻻس تفادة م ن كاف ة م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمى مع ا‪ ،‬دون التقيي د بم ذهب فقه ى‬ ‫‪-‬‬
‫واحد‪.‬‬
‫المحافظ ة عل ى التقالي د والت راث الق انوني ال وطنى‪ ،‬وجعل ه أس اس التقن ين‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫فضﻼ عن اﻻستفادة من القوانين المقارنة‪ ،‬وذلك أنطﻼقا من تأثر الس نهوري‬
‫بفلسفة المدرسة التاريخية للقانون‪.‬‬

‫مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق‪ ،‬جامعة اﻹسكندرية‪ ،‬العدد الثانى ‪(69) 2014‬‬

You might also like