Professional Documents
Culture Documents
الجزء اﻷول
اﻷستاذ الدكتور
فايز محمد حسين محمد
استاذ ورئيس قسم فلسفة القانون وتاريخه
كلية الحقوق – جامعة اﻹسكندرية
fayezmohammed@hotmail.com
مقـدمــة
ﻻ ينك ر أح د دور اﻷس تاذ الكبي ر والفقي ه العظ يم عب د ال رازق أحم د
السنهوري ،في الفك ر والنظ ام الق انوني العرب ي ،وحرك ة التقن ين وفلس فة التش ريع
ومنهجه فى البﻼد العربية .فيرجع الفضل لﻼستاذ الفقيه السنهوري فى إحداث نقل ة
نوعية كبري فى القوانين المدنية العربية ).(1
لق د ك ان اﻻس تاذ الس نهوري ص احب رس الة ورؤي ة فيم ا يتعل ق بالق انون
المدني فى البﻼد العربية ،وعﻼقته بالقوانين المقارنة والتطورات القانونية الكب ري
التى بدأت فى خطواتها اﻷولي بعد صدور القانون المدني الفرنس ي ،1804فض ﻼ
عن النهضة الكبري للقانون المقارن .ومن جهة أخري ،كان ي ري إن اﻹتج اه نح و
الغ رب ،والنه ل م ن علوم ه ،دون ت دبر ومراع اة التقالي د والت راث الق انوني
واﻹسﻼمي العربي ،غير صحيح ).(2
وبج ه ع ام تتمث ل المح اور اﻷساس ية لمش روع اﻷس تاذ الس نهوري فيم ا
يلي:أوﻻً :إدراج الشريعة اﻹسﻼمية في التقنيات المدنية العربية ،حيﺚ إن الش ريعة
) (1ملحوظة:تم اعداد هذه المقالة ونشرت فى مجموعة اعمال م ؤتمر الفق ه اﻹس ﻼمي
– فى / 8-5ابريل - 2014 /بسلطنة عمان – وزارة اﻷوقاف والشئون الدينية.
) (2ملحوظ ة :لق د قام ت إدارة كلي ة الحق وق جامع ة الق اهرة مش كورة ،بجه د عظ يم
ومشكور فى تجميع مقاﻻت اﻷس تاذ الس نهوري ونش رتها ف ى ع دد خ اص م ن مجل ة
الق انون واﻷقتص اد والت ى تص درها الكلي ة ،وذل ك ع ام 1992ف ى مجل دين .ولق د
استفدت كثيرا من ه ذيين المجل دين .فخ الص التحي ة والتق دير والش كر لكلي ة الحق وق
جامعة القاهرة على هذا العمل العلمي الجليل.
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (13) 2014
اﻹسﻼمية من التقالي د القانوني ة لمص ر والت راث الق انوني المش ترك لل دول العربي ة
وثاني ا ً :أتخ اذ الش ريعة اﻹس ﻼمية كأس اس لتوحي د الق وانين المدني ة العربي ة.ثالثا ً:
تأسيس فقه قانوني مدنى يماثل الفقه القانوني اﻷجنبي؛ حتى ﻻ يظل الفق ه الق انوني
العربي عالة عل ى الف ه الق انوني اﻷجنبي ى ،رابع ا ً :دراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ى
ضوء القانون المقارن والنهوض بدراس ة الفق ه اﻹس ﻼمي ،خامس ا :اﻷعتم اد عل ى
اﻷجماع كمصدر هام للوصول إلى حكم فى الوقائع المستحدثة التى يفرزها التغي ر
اﻹجتماعي.سادسا ً :وضع أسس ص حيحة لحرك ة التقن ين ف ى المس ائل المدني ة ،ف ى
مصر واليﻼد العربية ،تقوم على مجموعة قواع د موض وعية وش كلية ،ت ؤدى إل ى
وض ع تقنين ات مدني ة حديث ة.س ابعا ً :وض ع ق انون م دني عرب ي ق ائم عل ى التقالي د
القانوني ة العربي ة والش ريعة اﻹس ﻼمية.ثامنا ً :تط وير دراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية
وإظهارها حتى تقوم بدورها ف ي ت دعيم الق انون المق ارن ف ي ع الم الفق ه الق انوني،
حيﺚ يجب العناية بدراسة الفقه اﻹس ﻼمي بأس لوب علم ي عص ري ،ثامن ا ً :إدراج
الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي التقني ات المدني ة العربي ة بص ورة تدريجي ة واقتب اس
التشريعات العربية من بعضها البعض اﻵخر ،حتى نص ل ف ي النهاي ة إل ى الق انون
المدني العربي الموحد المأخوذ من الشريعة اﻹسﻼمية بعد النه وض ب ه وتط ويره.
عاش را :التركي ز عل ى دور الجامع ة العربي ة توحي د التش ريعات المدني ة ف ى ال بﻼد
العربية لتدعيم الوحدة السياسية.
) (14مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
ونعالج فيما يلي ،ت أثير مش روع الس نهوري ف ى الق وانين المدني ة العربي ة
على النحو اﻵتي:
المبحﺚ اﻷول
السنهوري وفلسفة علم التقنين وأسس صناعة التشريع فى البﻼد العربية
لقد اهتم السنهوري اهتماما ً كبيرا ً بعلم التقن ين ،ودرس الق وانين اﻷجنبي ة
المقارن ة دراس ة ج ادة ،فض ﻼً ع ن إن ه ك ان ل ه فض ل الس بق ف ي دراس ة الق انون
المقارن ،تحت إشراف عالم كبير من أعﻼم القانون المق ارن ،وه و اﻷس تاذ ادوارد
ﻻمبير .ومن خﻼل هذه المعارف الكبري ،وض ع الس نهوري مش روعه الكبي ر ف ى
القوانين المدنية العربي ة ،حي ﺚ أرس ي أس س ص ناعة التش ريع ف ي ال بﻼد العربي ة،
والتى ابتدأت خطواتها اﻷولى بواسطته بوضع القانون المدني المصري .1948
وفض ﻼ عم ا س بق ،فم ن المع روف إن الس نهوري ع اش ف ي الفت رة الت ي
كانت حركة التفنينات في أوربا ف ي أوج عه دها ،إذ باﻹض افة إل ى الق انون الم دني
الفرنس ي 1804م ،حي ﺚ أتجه ت الكثي ر م ن دول أورب ا إل ى اقتب اس تقنيني ات
نابليون .وتطورت حركة التقنين مع مروور الزمن ،ولكن ظل التقنين الفرنسي هو
رائدها ،ويشاركه فى الريادة التقنينات الجرمانية ،ثم المشروع الفرنس ي اﻹيط الي
المشترك.
اﻷمر الذي ﻻ مراء فيه إن السنهوري هو مؤسس عل م التقن ين ف ي ال بﻼد
العربية ،فهو الذي قام بتح ديﺚ وتط وير الق انون ف ي مص ر ،عن دما وض ع الق انون
الم دني المص ري الص ادر ع ام 1948وه و الق انون – ال ذي انتق ل إل ى ال بﻼد
العربية ،فيما بعد؛ ولذا يعد القانون المدني المصري هو مصدر حرك ة التقن ين ف ي
مج ال الق انون الم دني ف ي ال بﻼد العربي ة ،واﻷس اس الت ى بنتي ت علي ه الحرك ة
التشريعية فى البﻼد العربية.
وق د ب ين الس نهوري اﻷط ر الموض وعية واﻷط ر الش كلية للتقن ين ،وب ين
العيوب الموضوعية والعيوب الشكلية وأسبابها وصورها في التقنين المدني الق ديم
والتقني ات اﻷوربي ة القديم ة والحديث ة .وم ن مجم ل اﻷفك ار والمب ادئ والتحل يﻼت
التي جاءت في كتابات السنهوري من خﻼل استخدام المنهج اﻻستقرائي تم الم نهج
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (15) 2014
التحليل ي يمك ن الق ول أن القواع د اﻷساس ية للتقن ين – م ن وجه ة نظ ر الس نهوري
تنقسم إلى نوعين :قواعد متعلقة بالموضوع وهي التي تتعلق بأحكام التقنين وم دى
حداثته ومدى شموله والوض وح والمعالج ة المنطقي ة ،وعﻼقت ه ب القوانين اﻷخ رى
التي بنى عليه ا ...ال خ .والن وع الث اني قواع د متعلق ة بالش كل ،مث ل تقس يم وتبوي ب
وتنظيم النصوص واللغة ومراع اة أص ول الص ياغة الش ريعية والترتي ب المنطق ي
للموضوعات التي يعالجها التقنين ...الخ.
المطلب اﻷول
فلسفة التقنين
أوﻻ ً :مفهوم التقنين:
يقص د ب التقنين Codificationجم ع القواع د القانوني ة بف رع بأكمل ه م ن
فروع القانون مبوبة ومرتبة ومرقمة ،في كتاب واحد بواسطة المشرع مثل التقنين
الم دني والتقن ين التج اري( ) (1ويقص د ب ه أيض ا ً )تجمي ع رس مي م ن جان ب الدول ة
للنصوص التشريعية الخاصة بفرع م ن ف روع الق انون ،أو ه و تش ريع ج امع له ذا
الفرع صادر م ن المش رع نفس ه به ذا الش كل الج امع( ) .(2وبن اء علي ه ف التقنين ه و
)جم ع القواع د القانوني ة الخاص ة بأح د ف روع الق انون ،بع د ترتيبه ا وتبويبه ا ف ي
مدونة واحدة تصدرها في شكل قانون السلطة التشريعية في الدولة( ).(3
وبالرغم من العيوب الكثي رة واﻻنتق ادات الت ي وجه ت إل ى حرك ة التقن ين
القانوني ،إﻻ أن هذا لم يؤثر ف ي انتش ار وض ع التقني ات .وم ن الوظ ائف اﻷساس ية
التي اقترنت بحركة التقنين هو أن التقنين سهل دور وظيفة القانون المقارن ،فضﻼ
عن إنه يتخذ كوسيلة لﻼقتباس من القوانين اﻷجنبية) ،(4كما حدث في مصر ،حي ﺚ
ثم اقتباس تقنيات نابليون .وفضﻼ عما سبق ،فمن المسلم به أن التقن ين ي ؤدي إل ى
التوحيد ،فقد أدت تقنيات نابليون إلى توحيد القانون فى فرنسا ،فضﻼ عن إنها ه ى
) (1د .نزيه المهدي :المدخل لدراسة القانون ،ج ،1نظرية القانون ،1992 ،ص .150
) (2د .حسن كيره :الم دخل إل ى الق انون ،اﻹس كندرية ،منش أة المع ارف ،ط ،1971ص
.259
) (3د .محمود جمال الدين زك ي :دروس ف ي مقدم ة الدراس ات القانوني ة ،ط ،1969 ،2
ص .96
) ،(4د .نزيه المهدي،المدخل لدراسة القانون ،ج ،1نظرية القانون ،1995 ،ص .152
) (16مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
مه د حرك ة التنق ين ف ى اورب ا وغيره ا.وتعتب ر المجموع ة المدني ة الفرنس ية الت ي
صدرت في سنة 1804أول تقنين في العصر الح ديﺚ ب المعنى ال دقيق ،وانتش رت
بعدها حركة التقنين في أوربا وخارج أوربا ً) .(5وك ان لص دور التقني ات الفرنس ية،
وخصوصا ً التقنين المدني الفرنسي في بدايات القرن التاسع عشر 1804أثر كبي ر
في أورب ا وخارجه ا ودف ع الحرك ة القانوني ة إل ى اتج اه جدي د ،يق وم عل ى التش ريع
كمصدر أول للقانون.
ولعل الس بب ف ي انتش ار التقني ات الفرنس ية واس تقبالها خ ارج فرنس ا ،ف ي
الكثير من الدول اﻷوربية وغي ر اﻷوربي ة يرج ع ف ي اعتقادن ا إل ى إنه ا كان ت أول
عمل تشريعي ضخم تولته دولة في العصر الحديﺚ ،فه و أول مظه ر ج دي علم ي
لحركة التقنين).(6
ومع حركة اﻷصﻼح القضائي فى مصر في عهد الخديوى إسماعيل ،فى
الرب ع اﻷخي ر م ن الق رن التاس ع عش ر ،التحق ت مص ر بحرك ة التقن ين العالمي ة،
بإنش اء المح اكم المختلط ة س نة ،1875ووض ع التقنيين ات المختلط ة؛ إذ وض عت
س تة تقني ات أخ ذت م ع إخ تﻼف يس ير ع ن التقني ات الفرنس ية لتطبيقه ا المح اكم
المختلط ة ،ث م وض عت التقني ات اﻷهلي ة س نة 1883لتطبقه ا المح اكم اﻷهلي ة ،ث م
توال ت حرك ة التقن ين ف ى تطوره ا ،ولم ا أظه ر العم ل قص ور ه ذه
التقنيات،وتخلص ت مص ر م ن اﻻمتي ازات اﻷجنبي ة ،ب دأ التفكي ر ف ي وض ع ق انون
مدني مصري ،والذى ص در.(7) 1948ولق د أث ر الق انون الم دني المص ري – دون
شك -تأثيرا كبيرا على حركة التقنين المدني فى البﻼد العربية.
) (5انظر:
Konrad Zmeigert and Hien Kotz: Introduetion to comparative law, 1998, p.
100 – 101.
) (6د .حسن كيره :المرج ع الس ابق ،ص ،261د .نزي ه المه دي ،ص ،154د .محم ود
جمال الدين زكي ،ص .98
) (7د .حسن كيره :المرجع السابق ،ص .261
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (17) 2014
ثانيا ً :طرق التقنين:
تنقسم طرق التقنين إلى طريقين :الطريق الفلسفي والطريق التاريخي ):(8
الطري ق الفلس في :ويقص د به ذه الطريق ة أن يق وم المش رع بوض ع تش ريع
مث الي ،أي وض ع قواع د قانوني ة مثالي ة ،أي قواع د جدي دة تتف ق م ع م ا يتص وره
المشرع أن يكون مثﻼً أعلى للتنظ يم الق انوني .الطري ق الت اريخي :وه و ق ائم عل ى
مذهب المدرسة التاريخية ،ويقوم على إصدار تقنين مﻼئم لحاجات الجماع ة وق ت
وضعه ،متفق مع حالتها اﻻجتماعية ويعتم د بالت الي عل ى القواع د القانوني ة الناف ذة
وعلى ما يكون صالحا ً من التقاليد التاريخية.
وبناء على ما سبق ،فالطريق الفلسفي يركز على ما يجب أن يك ون علي ه
التقن ين ف ى ض وء فلس فة معين ة يتبانه ا المش رع مس بقا ،إذ يص در تح ت ت أثير
اتجاهات فلسفية معينة ورؤى مثالية ،قد ﻻ تتفق مع الواقع اﻻجتماعي .أما الطريق
التاريخي ،فهو طريق واقعى بالدرجة اﻷولي ويقوم على أن المشرع يصدر تقنينا
لما هو عليه الواقع اﻻجتماعي .ومن الواضح إن الطريق اﻷول يتأسس على فلسفة
مدرس ة الق انون الطبيع ي ،بينم ا الطري ق الث اني :يتأس س عل ى فلس فة المدرس ة
التاريخية.
ولكن السنهوري قد نهج طريقا ً ثالثا ً وهو إنه جمع بين الطريقتين ،فهو من
ناحية وضع تقنين لما يجب أن يكون عليه التنظيم الق انوني للمع امﻼت المدني ة ف ي
مص ر ،وف ي نف س الوق ت ل م يبتع د ع ن الواق ع وم ا اس تقر علي ه العم ل ،والثواب ت
القانوني ة الت ي اس تقر عليه ا الفق ه والقض اء والش ريعة ف ي فت رة س ريان الق انونين
المختلط 1883واﻷهل ي 1883م .فه و ق د جم ع ب ين اﻹص الة والتجدي د والتط وير
واستشراف المستقبل .وخلص إلى وضع قانون مدني عام 1948مستمد من ثﻼث ة
اص ول :الفق ه اﻹس ﻼمي ،الق انون المق ارن ،الفق ه والقض اء المص ري والتقالي د
القانونية المصرية المستقرة .وهو القانون الذى ﻻقى ترحابا كبيرا ل يس ف ى مص ر
فقط بل فى الدول العربي ة أيض ا؛ إذ ه و المص در الت اريخي لكاف ة الق وانين المدني ة
العربية.
) (8د .محمود جمال الدين زكي :دروس في مقدم ة الدراس ات القانوني ة ،ط ،2الق انون،
،1969ص .98
) (18مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
المطلب اﻷول
القواعد الموضوعية للتقنين
تتمث ل القواع د الموض وعية الت ى يج ب عل ى المش رع إن يراعيه ا عن د
وض ع التقن ين – ف ى رأى اﻻس تاذ الفقي ه الس نهوري -ف ي مجموع ة م ن الش روط
الواجب توافرها ف ى مض مون التقن ين .ويتب ين م ن ه ذه القواع د كم ا س نري إنه ا
تعك س دراي ة الس نهوري ،بعل م التقن ين المق ارن وفلس فة التش ريع وعل م اﻻجتم اع
القانوني والمنطق القانوني .ونوضح فيما يلي هذه القواعد على النحو اﻷتي:
أوﻻً :اﻻ يكون التقنين مقتضباً:
يشترط في التقنين الدقيق ،أن تكون أحكامه غير مقتضبه ،فإذا تناول أم را ً
تناوله بطريقة علمية سليمة وشاملة ،دون غموض أو استطراد أو قصور ،ويعتب ر
هذا العيب من اشد عيوب التقنين خطورة ،إذ يكون التقنين المقتض ب قاص را ً عل ى
وضع تنظيم قانوني شامل للمسائل ،التي من المفت رض أن ينظمه ا ويب ين حكمه ا؛
ولذا ﻻ يكون التقنين غير مﻼئم للواقع اﻹجتماعي.
وفي غالب اﻷح وال ي أتي عي ب اﻻقتض اب ف ي التقن ين ف ي حال ة اﻻعتم اد
على تقنين أجنبي واحد والنقل واﻻقتباس منه عن د وض ع التقن ين ،أو أن واض عوا
التقنين لم يقوموا بدراسة كافي ة للبيئ ة الت ي س يطبق فيه ا التقن ين ،للوص ول إل ى م ا
تحتاجه من نصوص قانونية ،مناسبة للوقائع اﻹجتماعية ،وحتى ف ي المس ائل الت ي
نظمها ،لم يكن تنظيمه لها شامﻼً.
ولقد أشار السنهوري إلى أن التقنين المدني اﻷهل ي 1883كان ت أحكام ه
غامض ة ومقتض بة ،إذ ل م يتض من تنظيم ا ً لمس ائل كثي رة هام ة مث ل النياب ة ف ي
التعاقد ،عقود اﻹذعان ،الحق في الحبس ،الدفع بع دم التنفي ذ ،تك وين العق د ،اﻹرادة
المنفردة).(9
وفسر ذلك اﻻقتضاب والغموض الس نهوري ب أن الق انون الم دني اﻷهل ي،
ك ان مج رد تقلي د منق ول م ن التقن ين الفرنس ي ال ذي وض ع ع ام ،1804متج اهﻼً
التط ورات الت ي ح دثت ف ي حرك ة التقن ين الحديث ة ف ي أورب ا .وال نظم القانوني ة
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (19) 2014
الحديث ة ،مث ل نظ ام المؤسس ات ،عق ود الت زام المراف ق العام ة ،حوال ة ال دين ،عق د
التأمين) .(10وم ن مظ اهر اﻻقتض اب أيض ا ً اﻹغف ال ع ن بع ض المس ائل اﻷساس ية
الت ي يفت رض تنظيمه ا .اﻷم ر ال ذى ي ؤدى إل ى إن التقن ين ناقص ا م ن الناحي ة
الموضوعية للفروض المختلفة للمسائل الت ى ت دخل ف ى نطاق ه ،وتمث ل ه ذه الحال ة
اقصى درجات النقص التشريعي.
ثانيا ً :عدم تناقض أحكام التقنين مع بعضها أو مع غيرها من التقنينات اﻷخرى.
يشترط في التقنين إﻻ تكون أحكامه متناقضة مع بعضها في داخ ل التقن ين
نفسه ،أو أن يتضمن أحكاما ً تتناقض مع تقنينات أخ رى س ارية ف ي المجتم ع .وب ﻼ
ش ك ،إن الص ياغة التش ريعية الجي دة والمراجع ات القانوني ة لمض مون اﻷحك ام
الواردة في التقنين قبل إص داره ،ت ؤدى إل ى كش ف من اطق التن اقض وإزالته ا فيم ا
ب ين نص وص التقن ين الواح د ه ذا م ن جه ة .وم ن جه ة أخ رى فم ن المتطلب ات
اﻷساسية في المنظومة القانوني ة ف ي الدول ة أﻻ تتن اقض التقنين ات م ع بعض ها ،ي ل
يج ب أن تتكام ل فيم ا بينه ا ،لتحقي ق النظ ام ف ي المجتم ع وحت ى تس ير ف ي انتظ ام
وانسجام وﻻ تثي ر مش اكل ف ي التطبي ق العمل ي .وه و اﻷم ر ال ذى ي ؤثر عل ى س ير
العدالة فى المجتمع.
ولق د ض رب الس نهوري أمثل ة كثي رة لعي ب التن اقض ف ي التقن ين الم دني
الق ديم ،إذ أش ار إل ى تن اقض بع ض النص وص م ع بع ض م ن جه ة ،وإل ى تن اقض
بعض النصوص مع نص وص أخ رى ف ي التقن ين الم دني المخ تلط ،1875وأيض ا ً
تناقض بعض النصوص مع أحكام الشريعة اﻹسﻼمية ،فضﻼ عما شاب التقنين من
أخطاء علمية قانونية ).(11
ثالثا ً :ضرورة اﻻقتباس من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي:
تعتبر هذه القاعدة خاصة بمنهجية التقن ين ف ي ال بﻼد العربي ة ،والت ى تتخ ذ
الش ريعة اﻹس ﻼمية مص درا للتش ريع ،إذ ف ي حال ة اﻻتج اه نح و اﻷخ ذ م ن الفق ه
اﻹسﻼمي ،ينبغي اﻻقتباس من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي ،حت ى ﻻ يك ون التقن ين
مبني ا عل ى م ذهب واح د ،ف ﻼ يك ون تقنين ا م ذهبيا .ولق د أك د الس نهوري عل ى ذل ك
) (20مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
كثي را .فالس نهوري عن دما ق ام بوض ع التش ريعات المدني ة العربي ة ،ل م يعتم د عل ى
مذهب واحد ،بل استمد الكثير من اﻻحكام من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي ،ويمث ل
ذلك نقلة نوعية كبري فى التنقنينات العربية ،إذ كان ت بع ض ال دول اس تندا أساس ا
على الفقه الحنفي ،تاركة الم ذاهب اﻷخ ري ،إذ اس تندت أساس ا إل ى مجل ة اﻻحك ام
العدلية ،وهى مأخوذة من الفقه الحنفي .ولكن السنهوري وس ع ه ذا اﻷف ق الض يق،
فعلى سبيل المثال فالقانون المدنى العراقي أخذ من القانون المدنى المصري فض ﻼ
ع ن قواع د مجل ة اﻷحك ام العدلي ة ،واس تمد الق انون الم دني المص ري أحكام ه
الم أخوذة م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن كاف ة م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي ،دون التقي د
بمذهب معين.
ولكن ما نادى به السنهوري ،لم تلتلزم به كافة ال دول العربي ة ف ى قوانينه ا
المدني ة ،حي ﺚ بع ض ال دول ،ق د تبن ت اﻹتج اه نح و اﻹس تناد إل ى رب ط اﻷس تدﻻل
القضائي بمذاهب فقيه معينة ،وهو اﻷمر الذى جاء فى الق انون الم دني اﻷم اراتي،
كما سنري.
رابعا ً :اﻻستفادة بنتائج ودراسات علم اﻻجتماع القانوني:
يق وم م نهج عل م اﻻجتم اع الق انوني عل ى نف س من اهج البح ﺚ ف ي عل م
اﻻجتماع العام ،مث ل اﻹحص ائيات ،اﻻس تبيانات ،دراس ات الحال ة ،دراس ة الوق ائع
الس ابقة ،اﻻس تعانة ب رأي الخب راء والتج ارب التاريخي ة ...ال خ) .(12وق د أوص ى
السنهوري بضرورة اﻻستعانة ببعض الوسائل المشار اليه ا ،عن د وض ع التقنين ات
أو تنقيحها ،والوسائل التي أشار إليها تدخل ضمن وسائل علم اﻻجتماع القانوني.
ويق ول ف ي ه ذا الص دد م ا يل ي ) ...ل ذلك نس تطيع أن نس تخلص م ن ه ذا
القضاء -يقصد القضاء السابق -عند مراجعة تقنينا ،كثيرا م ن ال دروس النافع ة ،ﻻ
يج وز أن نغف ل عنه ا ،فه ي مس تمدة م ن تجاربن ا الخاص ة وم ن حياتن ا اليومي ة(،
ويضيف أيضا ً فيقول ) ...ومن المفيد أيضا ً أن نرجع إلى التوثيق ات القانوني ة ،وم ا
جرت عليه الناس في معامﻼتهم ،وما اعتادوه من الوسائل لتنفيذ أحكام القانون ،بل
ولله رب م ن ه ذه اﻷحك ام ف ي بع ض اﻷحي ان .فتحاي ل الن اس عل ى حك م ق انوني
) (12انظ ر مؤلفن ا :د .ف ايز محم د حس ين محم د :مب ادئ عل م اﻹجتم اع الق انوني،
اﻹسكندرية.2012 ،
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (21) 2014
ومضيهم في ذلك دليل على فساد هذا الحكم ،فأولى بالمشرع إعادة النظ ر في ه عن د
تنقيح تشريعه وﻻ شك أن هناك كثيرا ً م ن ال دروس النافع ة يمك ن استخﻼص ها م ن
الوقفيات وعقود التأمين وعقود الشركات المختلفة وعقود اﻹيج ار وغي ر ذل ك مم ا
جرى به العمل واستقر عليه العرف( ).(13
ومما يرتبط بنفس القواعد ،ينبغي عن د التقن ين وض ع النظري ات والمب ادئ
المستقر عليها ،أما النظريات اﻻجتماعية واﻻقتصادية التي ﻻ ت زال مح ﻼً للن زاع،
ولم يستقر عليها الرأي ،فﻼ داعي ﻹدراجها في التقنين).(14
وي ؤدى اﻻس تفادة بدراس ات ونت ائج عل م اﻻجتم اع الق انوني عن د وض ع
التقنينيات إلى جعل نصوص التقنين موافقه لمتغيرات الواقع اﻹجتماعي ،وانعكاسا
له ،ويؤدى ذلك إلى جعلها أكثر فعالية وقبوﻻ لدى اﻻفراد فى المجتمع ،ولذا ت ؤدى
دورها فى تحقيق الضبط اﻹجتماعي.
خامسا :اﻻستعانة بالتشريعات المقارنة الحديثة:
من المسلم به ،إن المشرع الجيد ،يجب عليه أن ﻻ يغفل ما جاء من أحكام
ومب ادئ وقواع د ف ي التش ريعات الس ابقة علي ه ،س واء التش ريعات الوطني ة أو
التش ريعات اﻹجنبي ة المقارن ة ،إذ أن اﻷس تفادة م ن التج ارب التش ريعة الحديث ة
الس ابقة ،ي ؤدى إل ى إنت اج تقن ين عص ري متمي ز ،مواف ق لظ روف تط ور حرك ة
التقنين ،وفى نفس الوقت انعكاس لظروف المجتمع ،الذى يطبق عليه ه ذا التقن ين،
ولكن يجب أن يكون اﻷستفادة من التشريعات المقارنة ،فى ضوء مراعاة متطلبات
عل م اﻻجتم اع الق انوني ،وض وابط اﻷقتب اس م ن الق وانين اﻷجنبي ة ،حي ﺚ إن
الق انون ظ اهرة إجتماعي ة ،وم ا ق د يك ون ص الحا لمجتم ع م ا ق د ﻻ يك ون ص الح
لمجتمع أخر أو نفس المجتم ع ،إذا تغي رت ظ روف المجتم ع ،ه ذا م ن جه ة .وم ن
جه ة أخ ري يج ب مراع اة الض وابط المتعلق ة ،بأس تقبال التش ريعات اﻻجنبي ة ف ى
النظام القانوني الوطني.
) (13الس نهوري :وج وب تنق يح الق انون الم دني وعل ى أي أس اس يك ون ه ذا التنق يح،
الكتاب الذهبي للمحاكم اﻷهلية ،ص 47
) (14السنهوري ،المقالة السابقة ،ص .47
) (22مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
ويقول السنهوري في هذا الصدد ) ...وأهم ما ينبغي أن يقف عنده المق نن
إذا أراد أن يك ون تقنين ه م رآه ص ادقة للق انون ف ي عص ره ،وأن يس تجمع ف ي ه ذا
التقنين مزاي ا ك ل التقني ات الت ي س بقته .فيج ب إذن أن يك ون الق انون المق ارن ه و
المصدر اﻷول بين المصادر التي يستمد منها التنقيح .وينبغي أن نقف من الق انون
المق ارن عن د التش ريع المق ارن ،فإنن ا بص دد عم ل تش ريعي .ونس تخلص حال ة
التشريع المقارن من حركة التقنينات العالمية.(15)(..
سادسا ً :مراعاة الواقع اﻻجتماعي واقتباس ما يتفق معه:
يجب المشرع عن د اللج وء إل ى اﻻس تقبال الق وانين اﻷجنبي ة ،واﻷخ ذ منه ا
لتطوير القانون الوطني ،إن يراعي خصوص ية الواق ع اﻻجتم اعي وأن ينق ل منه ا
من النظم القانونية ،التي تتناقض مع ظروف المجتمع ،حتى يبدو التش ريع الجدي د
غير موافق لظروف المجتمع .ومن أمثلة النقل دون وعي عن قوانين أجنبية ،حالة
الق انون الم دني اﻷهل ي ف ي مص ر 1883وال ذي تض من تنظيم ا ً مستفيض ا ً لح ق
اﻻنتفاع نقﻼً عن القانون الفرنسي ،ونظم باقتضاب حق الملكية .مع إن ه ف ي مص ر
تطبيق ات ح ق اﻻنتف اع ض ئيلة ج دا ً وه و اق ل الحق وق العيني ة خط را ً وأض يقها
انتشارا ً).(16ويؤكد ما سبق ،إن المشرع لم يطلع جيدا ً على ظ روف المجتم ع وغي ر
مدرك بها ،فنق ل نظ م أجنبي ة ﻻ يحت اج إليه ا المجتم ع ،وأهم ل تنظ يم نظ م قانوني ة
موجودة فى المجتمع ،فأحدث فجوة بين نصوص القانون والواقع اﻹجتماعي.
وبناء على ما سبق ،فمن اﻷهمية بمكان اﻻسترشاد بظروف المجتم ع عن د
اﻻقتباس م ن نص وص الق وانين اﻷجنبي ة ،م ن خ ﻼل جع ل ه ذه الظ روف المعي ار
الح اكم ،ف ي المفاض لة فيم ا ب ين النص وص اﻷجنبي ة ،بحي ﺚ ي تم اقتب اس أفض ل
النصوص ،التى تتوافق مع ظ روف المجتم ع .ولك ن يج ب ﻻ نغف ل ع ن ض رورة
المحافظ ة عل ى تماس ك وانس جام نص وص الق انون كله ا م ع بعض ها ،بحي ﺚ تب دو
نصوص التشريع الجديد ،كبنيان واحد ﻻ انحراف فيه وﻻ شذوذ).(17
) (15السنهوري :وجوب تنقيح القانون المدني ....مقالة سابق اﻹشارة إليها ،ص .173
) (16السنهوري ،الوسيط ،ص .5
) (17وتج در اﻹش ارة إل ى م ا ج اء ف ي تقري ر لجن ة الق انون الم دني المص ري بمجل س
الشيوخ ،عندما تحدثت عن ما اقتبسه مشروع القانون المدني من القوانين اﻷجنبي ة إذ
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (23) 2014
ومن اﻷمثلة الواض حة عل ى إن التقن ين الم دني الق ديم ل م ي راع الكثي ر م ن
متطلبات الواقع اﻻجتماعي ،وبيئة المجتمع المص ري ،حي ﺚ إن ه مجتم ع إس ﻼمي،
ويتمثل عدم المراعاة فى إنه هذا الق انون ق د نق ل بع ض النص وص الت ى ﻻ تتواف ق
مع ظروف المجتمع المصري وإنم ا ه ى موافق ه للبئي ة الفرنس ية ،وم ن أمثل ة ه ذه
النص وص م ا ه و متعل ق بتظ يم النفق ات وحق وق اﻹنتف اع.ومرج ع تن اقض ه ذه
النصوص مع الواقع يتمثل فى إنه من جهة إن تنظيم النفقة في مصر من المس ائل
المتعلقة باﻷحوال الشخصية وه ي تخض ع ﻷحك ام الش ريعة اﻹس ﻼمية .وم ن جه ة
أخرى ،إن التقنين المدني القديم ،هو تقنين لمسائل اﻷحوال العينية فقط ،والنفقة من
مسائل اﻷحوال الشخصية ،ولذا فقد جاء النقل ،تقليد ونقﻼً حرفيا ً أعم ى غي ر دقي ق
من القانون الفرنسي الذي تنظم فيه مسائل النفق ة بص ورة تتف ق م ع تقالي د المجتم ع
الفرنسي ،ونظرا ً ﻷن القانون الفرنسي يتضمن تنظيما ً لمس ائل اﻷح وال الشخص ية
كالزواج وغيرها.
سابعا ً :دمج النصوص المنقولة من تشريعات أجنبية في جسم النصوص الوطنية:
من أهم ضوابط استقبال القوانين والنظم اﻷجنبية واستزراعها في الق انون
الوطني ،هو ض ابط ض رورة العم ل عل ى اتح اد وذوب ان النص وص الم أخوذة م ن
تشريعات أجنبية مع مجمل نص وص الق انون ال وطني ،بحي ﺚ تنفص ل ع ن أص لها
اﻷجنبي وتنعزل عنه وﻻ تظل مرتبطة به حتى ﻻ يظ ل القاض ي مرتهن ا بالمص در
اﻷجنبي للنصوص الوطنية التي يلتزم بتطبيقها.
ولقد حرص القانون المدني المصري ،وهو ينقل م ن تش ريعات أجنبي ة إن
قال ت ف ي ه ذا الص دد م ا يل ي ..) :أم ا النص وص الت ي اقتبس ت أحكامه ا م ن تقني ات
أجنبي ة م ن حي ﺚ الموض وع فه ي قليل ة إذا قيس ت بس ائر نص وص المش روع ،وه ي
تعالج أوضاعا ً مس تقلة أو مس ائل تفص يلية تص لح ﻷن يفص ل فيه ا ب رأي أو أخ ر ف ي
أي تقن ين م ن التقنين ات ،دون أن يخ ل ذل ك بتناس ق قواع ده العام ة أو تماس كها ول م
يت وخ المش روع ف ي ذل ك مج رد النق ل أو التقلي د دون نظ ر إل ى ظ روف البيئ ة
المصرية ،ولكنه جعل من ظروف هذه البيئة رائدة ،بين غيره مما في تقنينات أخرى
وأدخل في كثي ر م ن الح اﻻت عل ى م ا اقت بس م ن أحك ام وتع ديﻼت جوهري ة ن زوﻻً
عل ى م ا تقض ي تل ك الظروف...انظ ر مجموع ة اﻷعم ال التحض يرية ،ج ،1ص
.133
) (24مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
يجع ل ه ذه النص وص عن دما انتقل ت إل ى التش ريع ال وطني له ا كي ان ذات ي مس تقل
ومنفص ل ع ن مص ادرها اﻷص لية حت ى ﻻ يك ون القاض ي وﻻ النص وص تظ ل
مرتبطة بأصلها اﻷجنبي ،بل تكون مستقلة تمام اﻻستقﻼل عنه ،وتذوب في مجم ل
نصوص التشريع الوطني .وبق ول أخ ر ض رورة دم ج وص هر مب ادئ ونص وص
القانون اﻷجنبي في الق انون ال داخلي ،بحي ﺚ تنفص ل ع ن أهله ا ،اﻷم ر ال ذي ع دم
الحاج ة إل ى الرج وع إل ى التقني ات اﻷجنبي ة الت ي نقل ت منه ا حت ى يمك ن تفس يرها
وتطبيقها).(18
ويقول السنهوري في هذا الصدد وبمناسبة كيفية تتفس ير النص وص ،الت ي
استقيت من التقنيات الحديثة ما يلي )أهم مبدأ ينبغي أن ننب ه ل ه الباح ﺚ ف ي تفس ير
التقن ين الم دني الجدي د ه و أن النص وص ه ذا التقن ين الت ي اس تمدت م ن التقني ات
اﻷجنبي ة يج ب أن تفص ل فص ﻼً تام ا ً ع ن مص ادرها وتفس يرها .ه ذه النص وص
التشريعية قد اندمجت في تقنين قائم بذاته ،فأصبح لها من الكيان ال ذاتي م ا يجعله ا
مس تقلة ك ل اﻻس تقﻼل ع ن المص ادر الت ي أخ ذت منه ا .وإنم ا يج ب الرج وع ف ي
تفسير هذه النصوص إلى مص ادرها الموض وعية م ن قض اء مص ري س ابق وم ن
فقه مصري تقليدي ومن نصوص تشريعية قديمة.(19) (...
ومرجع ما سبق كما تقول المذكرة اﻹيضاحية إنه من المقط وع ب ه أن ك ل
نص تشريعي ينبغي أن يعيش في البيئة التي يطبق فيه ا ،ويحي ا حي اة قومي ة توث ق
صلته بما يحيط به من مﻼبسات ،وما يخضع له م ن مقتض يات ،فينفص ل انفص اﻻً
تاما ً عن المصدر التاريخي الذي أخذ منه ،أيا ً كان هذا المصدر ).(20
ثامنا ً :المحافظة على التراث القانوني الوطني:
يشترط ضرورة المحافظة على التراث القانوني الوطني بحيﺚ إن التقن ين
الجدي د امت دادا ل ه ،ل يس منبت ا الص لة به ذا الت راث .ويعتب ر مب دأ المحافظ ة عل ى
الت راث الق انوني ال وطني ،وأن يك ون الق انون الجدي د امت دادا ً ل ه ف ي آن واح د م ن
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (25) 2014
المب ادئ الواج ب مراعاته ا عن د اﻻقتب اس م ن الق وانين اﻷجنبي ة ،ﻷن ه يمث ل قي دا ً
أساسيا ً عل ى الرغب ة ف ي النق ل منه ا باستفاض ة .وف ي نف س الوق ت يعتب ر م ن جه ة
ثانية ،من الموجه ات اﻷساس ية للض وابط المنهجي ة ف ي عل م التش ريع طبق ا ً لتع اليم
المدرسة التاريخية.
ولقد كان السنهوري مؤمن بتعاليم المدرسة التاريخية ،وخير ما يؤكد ذل ك
إنه قال ما يلي ...) :فكل من يعرض للتشريع ومس ائله يج ب أن يع رف أن الق انون
ليس هو كلمة المشرع يقول له كن فيكون .وقد مضي ذلك ال زمن ال ذي ك ان تس ود
فيه هذه النظريات السطحية .والقانون كائن حي ،ينشأ ويترعرع وينمو ،حتى يبل غ
أش ده ،ول يس ه و خل ق الس اعة وﻻ ه ي اﻹرادة وإذا كان ت المدرس ة التاريخي ة ق د
بالغت في هذا المعنى ،فإن ه ذا ﻻ يمن ع م ن أن الم ذهب ف ي ج وهره ص حيح .ف إذا
أري د وض ع ق انون م دني للع راق وج ب أن يراع ي في ه أن يك ون متص ل الحلق ات
بالماضي بالقدر الذي ينبغي أن يتطلع فيه للمستقبل().(21
ولق د روع ي المحافظ ة عل ى الت راث الق انوني ال وطني ،وض ع الق انون
الم دني المص ري ،حي ﺚ ج اء ف ي الم ذكرة اﻹيض احية م ا يل ي ...) :وم ا يج ب أن
أش ير إلي ه ف ي ه ذا المق ام أن المش روع المع روض ق ام عل ى دع امتين رئيس يتين:
اﻷول :اﻻحتفاظ بالصالح من أحكام التقنين القائم ﻷبعد الحدود ،فما من حكم صالح
من هذه اﻷحك ام إﻻ وأخ ذ ب ه م ع تهذيب ه الته ذيب الواج ب ....تقن ين م ا اس تقر م ن
المبادئ في أحكام القضاء المصري مع ترجيح ما ك ان منه ا خليق ا ً بالرجح ان عن د
اخ تﻼف المح اكم .وعل ى ه ذين اﻷساس ين أق ام المش روع أكث ر م ن ثﻼث ة أرب اع
القواعد الواردة فيه ،فانتفع بتراث الماضي وجع ل اﻻنتق ال م ن الوض ع الق ديم إل ى
الوضع الجديد مجرد تطور طبيعي ﻻ يختلف أمره من هذا الوج ه ع ن أي إص ﻼح
يس تبدل الخي ر بال ذي ه و أدن ى ف ي غي ر تط رف أو عن ف .وعل ى ه ذا ﻻ يقط ع
المشروع الصلة بين الحاضر والماض ي ،وإنم ا ه و ييس ر اﻻنتف اع بم ا اس تقر م ن
ص الح اﻷحك ام ف ي التقن ين الح الي وف ي أحك ام القض اء ،ويص قلها ص قﻼً يجعله ا
اقرب مثاﻻً وأوض ح نهج اً .وق د عم د المش روع ف وق ذل ك إل ى إحك ام ال تﻼءم ب ين
) (21السنهوري :من مجلة اﻷحكام العدلية إلى الق انون الم دني العراق ي وحرك ة التقن ين
في العصور الحديثة ،مجلة القضاء العراقية ،س ،2ع ،2 ،1مايو.1936 ،
) (26مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
القدر الذي استحدثه من القواعد وبين المبادئ العامة الت ي ألفه ا الن اس ف ي التعام ل
من قبل .وبهذا يسر سبيل اﻻنتفاع من اﻹصﻼح( ).(22
وترتيبا ً على ما سبق ،فقد كان من المنطقي ،أن نجد الناس فى مصر -كم ا
يقول السنهوري -وقد قبلت القانون المدني الجديد 1948وامتثل ت ﻷحكام ه ،دون
أن تشعر بقلق أو بشئ غريب ،إذ هو يمثل مرحلة تطور طبيعي للتنظ يم الش ريعي
في مسائل القانون المدني؛ ولذا قيل ) ..ومن ثم نرى أن هذا الق انون – أي الق انون
المدني الجديد – لم يحدث انقﻼبا ً في المعامﻼت المدني ة ،ف ﻼ ت زال القواع د المدني ة
القديمة ،كما بسطها التقنين القديم وقررها القضاء ،هي السائرة في التقن ين الجدي د(
).(23
تاسعا :تعدد المصادر اﻷجنبية وعدم اﻻكتفاء بمصدر واحد:
م ن ض وابط اﻻس تعانة ب النظم والق وانين اﻷجنبي ة حت ى ﻻ يك ون التش ريع
الوطني معتمدا ً اعتم ادا ً كلي ا ً عل ى ق انون أجنب ي واح د فق ط وه و العي ب ال ذي ك ان
يشوب التقنين المدني المختلط حيﺚ كان منقوﻻً حرفيا ً من القانون المدني الفرنس ي
.1804وعل ى خ ﻼف ذل ك فق د عم د واض عو الق انون الم دني الجدي د 1948إل ى
تجنب هذا العيب الكبير ،فقد استعانوا بالكثير من التشريعات اﻷجنبية والتي تنتم ي
إلى شرائع قانونية مختلفة ،حيﺚ أخذوا منها معا).(24
) (22مجموع ة اﻷعم ال التحض يرية للق انون الم دني المص رية ،ج ،1ص 141وم ا
بعدها.
) (23السنهوري ،الوسيط ،ج ،1ص .34
) (24السنهوري :الوسيط ،ج ،1ص ) ،51ويقول في ه ذا الص دد م ا يل ي ........إذ ق ال
عندما تكلم عن التقنيات الحديثة والتقنين المدني المصري ما يل ي) :ولك ل م ن ه ذه=
=التقنيات مزاي ا وعي وب ،وق د ت وحي التقن ين الجدي د أن ينتف ع بمزاياه ا وأن يت وخى
عيوبها .وهذا كله في حدود تقاليدنا القانونية وما اس تقر علي ه قض اؤها وفقهن ا وأكث ر
ما رجع إليه التقن ين الجدي د م ن ه ذه التقني ات خمس ة :المش روع الفرنس ي اﻹيط الي،
التقن ين اﻹيط الي الجدي د ،التقن ين السويس ري والتقن ين اﻷلم اني ،والتقن ين البول وني.
ف التقنين الجدي د ،وإن ك ان ق د اتخ ذ التقني ات الﻼتيني ة أساس ا ً ل ه ،إﻻ أن ه ل م يلتزمه ا
وح دها ،ب ل رج ع أيض ا ً إل ى التقني ات الجرماني ة وق د رج ع التقن ين الجدي د إل ى ه ذه
التقنيات الحديثة في بعض النواحي الموضوعية ،ولكنه رجع إليها أكثر ما رج ع ف ي
نواحي الصياغة واﻷسلوب(.
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (27) 2014
ترتيبا ً على ما س بق فق د ك ان ي رى إن ه م ن اﻷهمي ة بمك ان اﻹس تفادة م ن
حركة التقنين الحديثة التي تم ت ف ي الق رن التاس ع عش ر والق رن العش رين ،وت أثر
التقيينات ببعضها ،اﻷمر الذى يؤدى إلى وضع قانون حديﺚ متطور ،ليس مستندا
على ق انون واح د ،ب ل ق وانين متع ددة ،مواك ب لحرك ة التقن ين الحديث ة وف ى نف س
الوقت ﻻ يهمل التراث والتقاليد القانونية الوطنية.
ولق د ق ال ف ي ه ذا الص دد العب ارات اﻵتي ة )وﻻ تنس ى أن حرك ة التقن ين
الحديثة تن تظم جمي ع ال بﻼد ،وإن ك ل تقن ين ح ديﺚ يظه ر عم ل أث ر التقني ات الت ي
سبقته ،فالتقنين السويسري أخذ عن التقنين اﻷلماني ،والمشروع الفرنسي اﻹيطالي
أخذ عن كل من التقنين وعن هذه التقنيات أخذ غيرها من التقنيات اﻷخرى .فهن اك
ارتباط ﻻ ينكر بين التقنيات الحديثة بعضها بالبعض اﻵخر .وﻻ يسع أمة أن تنعزل
في تقنينها عن تقنيات غيرها من اﻷمم ،وإﻻ حرمت نفسها من ثمرات تجارب هذه
اﻷم م دون أن تس تفيد م ن عزلته ا ش يئاً .وإنم ا يطل ب م ن اﻷم ة الرش يدة أﻻ تقل د
غيرها تقليدا ً أعمى ،فﻼ تنقل عن تشريع أجنبي إﻻ ما يتﻼئم مع حالتها( ).(25
وتج در اﻹش ارة إل ى أن اﻷس تاذ الس نهوري ،نب ه كثي را عل ى ض رورة
مﻼحظة ما جرى عليه التعامل فيما بين الناس في الواقع اﻻجتم اعي ،عن د تش ريع
اﻷحكام ،وخصوصا ً في المسائل ،التي نجد فيها إن الظروف العملية ،بمقتض ى م ا
ج رى علي ه التعام ل فيم ا ب ين اﻷف راد ،تمث ل حاج ة عملي ة تغلب ت عل ى اﻷحك ام
القانونية،كما هي مأخوذة من أحكام الش ريعة اﻹس ﻼمية .فالنص وص المقتبس ة م ن
قوانين أجنبية ،فيجب أن يأخذ منها ما هو متوافق مع ظروف المجتمع المصري.
ونفس اﻷمر بالنسبة لم ا ه و م أخوذ م ن الفق ه اﻹس ﻼمي ،نظ را ﻷن ه م ن
المعروف إنه في مسائل نظرية اﻻلتزامات يفقد التشريع اﻹس ﻼمي ص بغته الديني ة
إذ إنها أحكام مدنية بحتة ،ﻻ أثر للدين اﻹسﻼمي فيها ).(26
) (25د .السنهوري :وجوب تنقيح القانون المدني ،مقالة سابقة ،ص .140
) (26يقول اﻹستاذ الدكتور شفيق شحاتة ف ى ه ذا الص دد م ا يل ي ) ....يتض ح م ن ذل ك
أن التشريع افسﻼمي فى موضوع اﻻلتزمات يفقد صبغته الدينية ..ونذكر هنا أن ه ذا
التشريع ﻻ يمنع مص دره ال دينى م ن اعتب اره تش ريعا ب المعنى الص حيح .ذل ك إن ا إذا
نظرا إلى ماهي ة القاع دة القانوني ة ف ى ه ذا التش ريع ألفيناه ا تتض من جمي ع العناص ر
التى تﻼحظ فى القاع دة القانوني ة (.ز د .ش فيق ش حاتة :النظري ة العام ة للتزم ات ف ى
) (28مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
خﻼصة القول ،فيما يتعل ق بالقواع د الموض وعية ف ى عل م التقن ين وفلس فة
التشريع عن د الس نهوري ،ه و إن ه م ن خ ﻼل دع ائم فلس فة التش ريع وتط ور ال نظم
القانونية ومتغيرات الواق ع اﻻجتم اعي ،خل ص إل ى أم رين اولهم ا :التركي ز عل ى
ضرورة أن يك ون المش رع محيط ا ً بكاف ة ظ روف المجتم ع ومعطيات ه حت ى يض ع
تشريعا ً موافقا ً له ذا المجتم ع .وثانيهم ا :اﻻ يتجاه ل المش رع الت راث الق انوني ف ي
المجتم ع ،م ن أحك ام قض ائية وفق ه ،وتش ريعات ت م اس تقرار العم ل به ا ،وتثب ت
ص ﻼحيتها ،وذل ك ﻻ يح دث التش ريع الجدي د ه زه ف ي المجتم ع ،وه و اﻷم ر ال ذى
يؤثر على تحقيق العدل والنظام واﻷستقرار القانوني وهى الغايات اﻷولى للقانون.
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (29) 2014
المطلب الثاني
القواعد الشكلية للتقنين
يقصد بالقواعد الشكلية للتقنين ،مجموع ة المس ائل المتعلق ة بالمص طلحات
المس تخدمة واللغ ة وتقس يم وتبوي ب التقن ين وكاف ة المس ائل الت ي له ا عﻼق ة ب الفن
التشريعي والصياغة التشريعية .ومجموعة القواعد الشكلية للتقنين – لو استعرنا -
تقسيم اﻷستاذ الفرنسي فرانسو جينى هي التي تتعلق بالفن القانوني.ومن المسلم ب ه
إنه،ﻻ تقل أهمية مراعاة القواعد الشكلية للتقنين عن مراعاة القواع د الموض وعية،
فالشكل والمضمون كﻼهما يكمل اﻵخر ،ويؤثر فيه ،وي ؤثران مع ا ً ف ي دق ة وقيم ة
النصوص القانونية في المنظومة القانونية في المجتمع.
ولقد عالج السنهوري -أهم القواعد الشكلية الواجب مراعاتها عند وض ع
التقنيات وهى ما يلي:
أوﻻً :ضرورة وضوح نصوص التقنين:
يشترط في التقنين أن تكون أحكامه واضحة وجلية يسهل فهمه ا وتطبيقه ا
واﻻس تدﻻل منه ا عل ى حك م الوق ائع الت ي تخض ع له ا بمنطوقه ا أو بفحواه ا.
فالمش رع ال دقيق،هو م ن يب ين بوض وح الف رض والحك م ف ى ك ل قاع دة قانوني ة،
تتضمنها النصوص التشريعية .وم ن المس لم ب ه إن وض وح النص وص ي ؤثر عل ى
تطبيق وإعمال النصوص على الوقائع ،حيﺚ يؤثر على طرق اﻷستدﻻل القض ائي
وتدرجها.
ثانيا ً :سﻼمة تبويب التقنين:
يشترط أن يك ون تبوي ب الق انون منطقي ا ً ومتماس كا ً ،ﻷن ه ذا يس اعد عل ى
حسن فهم التقنين وبالتالي تطبيقه تطبيقا ً ص حيحاً .والتبوي ب ال دقيق للتقن ين ه و أن
نقس مه إل ى أب واب وفص ول تب ين اﻷهمي ة العملي ة لﻸحك ام القانوني ة ،وبش رط أن
ترتبط اﻷبواب بالفصول برباط منطقي متماس ك مت درج ومنطق ي محك م ،ويفض ل
أن يكون هناك باب تمهيدي لﻸحكام العامة للتقنين يضم المسائل التي تتمش ى عل ى
جميع نواحي القانون وليس خاصة بباب أو فصل منه).(27
) (30مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
ثالثا ً :عدم اﻹفراط في التعريفات:
بالرغم من أهمية التعريفات التشريعية ،وخصوصا ً ف ي التقني ات الحديث ة،
إﻻ إنه من الناحية الشكلية يجب أن يبتعد المشرع بقدر اﻹمكان عن وضع تعريفات
في التقنين ،إذ أن التعريفات التشريعية ،مع مرور الوقت تجمد جم ودا ً ﻻ يتف ق م ع
تطور النظم القانونية ويعاني الفقه عناء كبي را ً م ن جموده ا ويتحاي ل ف ي التخفي ف
من هذا الجمود).(28
ولكن بالرغم مما س بق قول ه ،فإن ه م ن اﻷهمي ة بمك ان ،أن يض ع المش رع
تعريفات للمصطلحات التي استقر العم ل به ا اص طﻼحا ً مث ل مص طلح عق د البي ع،
عقد اﻹيجار ،عقد العمل ،الوكالة ...ال خ ،فض ﻼً ع ن ض رورة تعري ف المص لحات
الجديدة التي ظهرت م ع تط ور حرك ة التقن ين ،واﻻحتكاك ات الحض ارية الحديث ة،
واﻻتجاه نحو وضع تقنينات لتنظيم مس ائل دقيق ة وفني ة ،مث ل التوقي ع اﻻلكترون ي،
نقل اﻷعضاء ،اﻻتجار بالبشر.
ونجد هذا في التقنينات الحديث ة حي ﺚ إنه ا دائم ا ً تب دأ بفص ل تمهي دي ع ن
تعريف بعض المصطلحات الواردة في القانون) .(29وفضﻼً عما سبق ،م ن الناحي ة
الش كلية يج ب أن يتجن ب المش رع إدراج النظري ات الفقهي ة وﻻ أن يعل ن انض مامه
للمذهب المادي أو المذهب الشخصي في اﻻلتزام؛ ﻷن هذه المسائل يجب أن تت رك
للفقه) .(30وبوجه ع ام ،ف إيراد المش رع للتعريف ات ف ى ص لب التش ريع ،ه ى مس ألة
ضرورة ،والضرورة يجب أن تقدر بقدرها.
) (28انظر قانون 64لسنة 2010بشأن مكافحة اﻻتج ار بالبش ر ،ق انون 5لس نة 2010
بش أن تنظ يم زرع اﻷعض اء البش رية ،ق انون اﻻتص اﻻت رق م ،ق انون التوقي ع
اﻻلكتروني رقم ،قانون الطفل
) (29السنهوري :وجوب تنقيح القانون المدني ،ص .103
) (30السنهوري :المرجع السابق ،ص .45
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (31) 2014
رابعا ً :عدم اﻻستغراق في اﻷمور التفصيلية:
يجب على المشرع أن يتجنب الرغبة ف ي وض ع تنظ يم ق انوني لك ل ش ئ،
في القانون الذي يقوم بوضعه ،إذ من المنطقي عدم القدرة على اﻹحاط ة مس تقبﻼً،
بكل ما قد يطرأ في المستقبل مهم ا ك ان المش رع بص يراً ،ول ذلك فيج ب اﻻقتص ار
على وضع تنظيم قانوني للكليات واﻷساس يات تارك ا ً التفص يﻼت لﻼجته اد الفقه ي
والقضائي.
وق د ق ال اﻷس تاذ الس نهوري ف ي ذل ك م ا يل ي ...) :ال ذي يمت از ب ه التقن ين
الصالح هو أﻻ يحاول اﻹحاط ة بك ل ش ئ .ف إن ه ذه المحاول ة عقيم ة :وﻻ يس تطيع
المقنن ،مهما كان بصيرا ً باﻷمور ،أن يتنبأ بكل أمر ليضع له الحكم الذي يقتض يه،
فهو عاجز عن ذلك ﻻ محالة .بل هو عاجز في اﻷمور الت ي يعرفه ا ،أن يض ع له ا
أحكاما ً صالحة لكل زمان ومكان .والمش رع الحك يم ه و ال ذي يت رك مج اﻻً فس يحا ً
لتطور القانون ،فﻼ يحكم علي ه ب الجهود بحبس ه ف ي ألف اظ مح دودة وأحك ام معين ة.
وخي ر طري ق يس لكه ه و أن يت رك المس ائل التفص يلية ﻻجته اد الفقه اء ولتق دير
القضاء (.
خامسا :مرونة عبارات التقنين:
يقول اﻷستاذ السنهوري في هذا الصدد ما يل ي )والمش رع الحك يم ه و م ن
يجعل عبارته مرنة يتغير تفسيرها بتغير الظروف دون أن يذهب في ذلك إل ى ح د
الغم وض وع دم الدق ة .وخي ر وس يلة للجم ع ب ين الدق ة والمرون ة ه ي أن يع دل
المشرع في المسائل التي تكون سريعة التطور ،ع ن القواع د الجام دة الض يقة إل ى
المعايير المرنة الواسعة ،معايير يسترشد بها القاضي دون أن يتقيد ،ويطبقها عل ى
اﻻقضية التي تعرض له ،فيصل من ذل ك إل ى حل ول تختل ف ب اختﻼف ك ل قض ية،
وما يحيطها من مﻼبسات( ).(31
ولق د طب ق اﻷس تاذ الس نهوري م ا س بق عن د وض عه للق انون الم دني
المصري ،إن جمع بين المعيار والقاعدة والمعايير المرنة والمعايير الجامدة ).(32
سادسا ً :ترشيد اﻹحالة التشريعية
) (32مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
اﻹحال ة التش ريعية وس يلة منهجي ة ف ى الص ياغة التش ريعية ،وه ى عل ى
نوعين اﻹحالة الداخلية ،واﻹحال ة الخارجي ة ،وتعتب ر اﻹحال ة التش ريعية بنوعيه ا،
من المتطلبات اﻷساسية التى يجب مراعاته ا عن د وض ع التقنيني ات ،إذ أنه ا ت ؤدي
إلى تجنب التكرار ،فضﻼ عن تق وم ب دور ه ام ف ى تحقي ق التكام ل التش ريعي فيم ا
بين التشريعات النافذة فى الدولة ) .(33ولكن اﻷكثار م ن اﻹحال ة التش ريعية ،ت ؤثر
فى تطبيق التشريع ،إذ تجعله معق دا؛ ول ذا ينبغ ي اﻹق ﻼل منه ا ق در اﻹمك ان .وم ن
أخطر أنواع اﻹحالة ،هو اﻹحالة المركبة ،واﻹحالة الناقصة .واﻹحالة المركبة هي
– كما فعل القانون المدني اﻷلماني – اﻹحالة إلى نص من ن ص ث اني وم ن ال نص
اﻷخي ر إل ى ن ص ثال ﺚ وهك ذا) .(34ولق د تجن ب الس نهوري عن د وض عه للتقين ات
المدني ة العربي ة ،م ن اﻷكث ار م ن اللج وء إل ى اﻹحال ة التش ريعية ،وبوج ه خ اص
اﻹحالة التشريعية المركبة.
سابعا ً :سﻼمة اللغة القانونية:
يشترط أن تكون لغة القانون واضحة دقيقة :إذ إنه م ن المس لم ب ه أن اللغ ة
المعقدة تجعل القانون مغلقاً ،كما أن اللغة غير الدقيقة تجعل القانون مبهماً .هذا من
جهة .ومن جهة ثانية ،يجب إﻻ يتغير معنى اللفظ المستخدم من نص إلى أخر .فإذا
عبر عن معن ى بلف ظ مع ين .وج ب أﻻ يتغي ر ه ذا اللف ظ ،إذا أري د التعبي ر ع ن ه ذا
المعنى مرة أخرى).(35
اللغ ة القانوني ة ه ي ف رع م ن ف روع اللغ ة العام ة ،وه ي مجموع ة
المصطلحات والمفاهيم المستخدمة في مجال علم القانون ،وتتمي ز اللغ ة التش ريعية
وه ي أح د ص ور اللغ ة القانوني ة ،ب أن النص وص التش ريعية ﻻ تتض من أمثل ة أو
ش روح لتعريف ات ،إذ أن مهم ة المش رع أن يض ع قواع د عام ة عملي ة ،ﻷن مهم ة
المشرع غير مهمة الفقه الذي يقوم بتعليم القانون ،بينما مهم ة المش رع ه ي وض ع
القواعد القانونية التي تأمر اﻷفراد والتي يجب أن يطابق اﻷفراد سلوكهم طبقا ً لها،
) (33انظر مؤلفنا :الت دريبات الق انون العملي ة ،اﻹس كندرية ،دار المطبوع ات الجامعي ة،
.2012
) (34السنهوري :وجوب تنقيح القانون المدني ،ص .104
) (35السنهوري :وجوب تنقيح القانون المدني ،ص .105 - 104
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (33) 2014
القانون يأمر وﻻ يشرح ،وﻻ يعلم).(36
ولق د لع ب الس نهوري دورا ً كبي را ً ف ي مي دان اللغ ة القانوني ة وتق دمها
ويتلخص أهم إسهاماته ،فى إنه من جه ة أول ى ،أول م ن ب دأ ف ى مش روع التقري ب
الدقيق بين مصطلحات الفقه اﻹسﻼمي ومص طلحات الفق ه الق انوني الغرب ي ،وم ن
جهة ثانية ،وضع الترجمة الدقيقة للمصطلحات القانونية اﻷجنبية عند ترجمتها إلى
اللغة العربي ة وخي ر اﻷمثل ة مص طلح "عق د اﻹذع ان" ،وم ن جه ة ثالث ة ،أدى إل ى
وح دة اللغ ة القانوني ة ف ي ال بﻼد العربي ة .وه ى الت ى س اعدت عل ى توحي د
المصطلحات القانونية فى التشريعات المدنية العربية.
ولقد استفاد السنهوري من تق دم عل م اللغ ة القانوني ة والص ياغة التش ريعية
فى التقنينيات اﻷوربية ،حيﺚ إنه – كما ق ال ) -نس تخلص منه ا دروس ا ً نافع ة ف ي
فن التقنين وأسلوب الصياغة التشريعية( ).(37
ثامنا ً :مراعاة التطور في الصياغة التشريعية والفن التشريعي:
يجب على المشرع وهم يهم بالنقل من ق وانين أجنبي ة ،إن يراع ي أن يلج أ
إلى أحدث القوانين اﻷجنبية وأكث ر تط ورا ً وتنظيم اً ،ويأخ ذ منه ا م ا يواف ق الواق ع
اﻻجتماعي ،وأن يسند قيد في التقدم في الصياغة ورقى اﻷسلوب التش ريعي ،حت ى
يكون التشريع الجديد متميزا ً وحديثا ً ومواكبا ً للتقدم التشريعي العالمي.
وم ن اﻷهمي ة بمك ان مراع اة التط ور ف ي اللغ ة القانوني ة اﻻص طﻼحية
وأساليب الصياغة التشريعية عند وضع التشريعات ،إذ يرجع الفضل إل ى اﻷس تاذ
الس نهوري ف ي عل م التش ريع إل ى نق ل اﻷس اليب الحديث ة ف ي الص ياغة التش ريعية
واﻻس تخدام ال دقيق للمص طلحات القانوني ة الحديث ة – عن د وض ع الق انون الم دني
المص ري -الت ي ﻻ يوج د بص ددها قض اء أو فق ه مس تقر ف ي القض ائيين المخ تلط
واﻷهلي.
ويرج ع الس ر ف ي تمي ز ودق ة الق انون الم دني المص ري ال ذي وض عه
) (36السنهوري :عن مجلة اﻷحكام العدلية إلى القانون الم دني العراق ي ،س ابق اﻹش ارة
إليها ،ص .315
) (37الس نهوري ،م ن مجل ة اﻷحك ام العدلي ة إل ى الق انون الم دني العراق ي ،...مرج ع
سابق ،ص .310
) (34مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
الس نهوري إل ى إن ه لج أ إل ى الق وانين المدني ة الحديث ة ،إذ إن ه م ن جه ة أخ ذ منه ا
الموضوعات الحديثة ،وم ن جه ة ثاني ة اس تئناس به ا ف ي موض وعات أخ رى بم ا
تمي زت ب ه ه ذه التقني ات م ن تق دم ف ي الص ياغة ورق ي ف ي اﻷس لوب التش ريعي،
فانتفع بها إلى مدى بعيد بالتقدم العظيم الذي بلغه فن التقنين المدني الحديﺚ).(38
تاسعا :التجانس والوحدة:
م ن أه م فلس فة التقن ين تحقي ق التج انس ف ي التنظ يم الق انوني للمس ائل،
ويتحق ق ذل ك م ن خ ﻼل التنس يق الج امع ب ين نص وص التش ريع ،بحي ﺚ تتماس ك
بفضله اﻷصول العامة ،ويتم تهذيب اﻷحكام التفصيلية ته ذيبا ً يحك م ارتباطه ا فيم ا
بينها ويحلها المحل المناسب في كنف هذه اﻷصول وجميعها في تقنين واحد ج امع
لها).(39
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (35) 2014
المطلب الثالﺚ
إدراج الشريعة اﻹسﻼمية فى القوانين المدنية العربية
أوﻻً :معهد الفقه اﻹسﻼمي المقارن والنهوض بدراسة الفقه اﻹسﻼمي
نادي اﻷستاذ السنهوري بضرورة النهوض بدراسة الفقه اﻹس ﻼمي ،وم ن
اقتراحاته بشأن ذلك هو إنشاء معهد للفقه اﻹس ﻼمي المق ارن ،يت ولى تط وير الفق ه
اﻹسﻼمي فى إطار الدراسات المقارنة بالفقه القانوني الغربي.
ويق وم معه د الفق ه اﻹس ﻼمي المق ارن به دف إيج اد بيئ ة علمي ة عالي ة
لدراس ات ف ي الفق ه اﻹس ﻼمي وقواع ده العام ة عل ى اخ تﻼف الم ذاهب مقارن ة
بالقواع د القانوني ة الحديث ة وتعري ف ع الم الق انون الغرب ي بالفق ه اﻹس ﻼمي وم ا
ينطوي عليه من حسن الصياغة ودقة التحليل ،وأن يكون معه دا ً لتك وين الب احثين
في الفقه اﻹسﻼمي المقارن والبحوث الفقهية اﻹسﻼمية المقارنة هذا م ن جه ة).(40
ومن جهة ثانية ،نظرا ً للمكانة السامية للفقه اﻹسﻼمي بين النظم القانونية العالمية،
كالفق ه الروم اني واﻻنجلي زي ،فض ﻼ ع ن إن ه م ن الت راث الق انوني للش رق
العربي).(41
وس وف يس اعد ه ذا المعه د ف ي الخ روج م ن أزم ة الفق ه اﻹس ﻼمي الت ي
حدثت منذ أواخر القرن الثامن عشر واشتدت مع أوائل الق رن التاس ع عش ر ،وه و
عص ر التقن ين ف ي أورب ا ،وعص ر الجه ود والتوق ف ف ي دراس ة وتجدي د وتح ديﺚ
الفق ه اﻹس ﻼمي ،وله ذا ف إن دراس ة الفق ه اﻹس ﻼمي ف ي ض وء الق انون المق ارن،
يس تطيع الفق ه اﻹس ﻼمي أن يع الج مش اكل الحي اة المتط ورة وأن يس اير الحاج ات
العملية).(42
ومن جهة ثانية ،سوف تؤدى دراس ات ه ذا المعه د إل ى نتيج ة هام ة فيم ا
) (40ذكر اﻷستاذ الس نهوري ف ي مذكرات ه الشخص ية – الم ذكرة رق م ،306ص ،226
دمش ق 1944/3/12خطت ه ف ي إنش اء معه د للفق ه اﻹس ﻼمي المق ارن ،نق ﻼً ع ن د.
محمد زكي عبد البر ،المقالة المشار إليها ،ص .137
) (41انظر نص المادة اﻷولى والثالث ة م ن النص وص المقترح ة م ن اﻷس تاذ الس نهوري
بشأن التنظيم القانوني ﻹنشاء معهد الفقه اﻹسﻼمي المقارن ،نقﻼً عن د .محم د زك ي
عبد البر ،المقالة المشار إليها ،ص ،144وما بعدها.
) (42مشروع إنشاء المعهد ،د .محمد زكي عبد البر ،ص ،144وما بعدها.
) (36مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
يتعلق بوضع القانون المدنى العربي على أساس الفقه اﻹس ﻼمي ،ويك ون ذل ك م ن
خﻼل توحيد قانون اﻻلتزامات والعقود لجمي ع ال بﻼد العربي ة عل ى أس اس مش ترك
من الفقه اﻹسﻼمي ،بحيﺚ يتم وضع تقنين ات مدني ة م ن خ ﻼل اﻻتج اه نح و اﻷخ ذ
من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي.
ثانيا ً :الجوانب القانونية فى الشريعة اﻹسﻼمية
أكد السنهوري على إن اﻹسﻼم يمتاز بأنه دين ودولة معاً ،ولكنه أشار إلى
ضرورة التمييز ب ين ال دين اﻹس ﻼمي والدول ة اﻹس ﻼمية ،ﻷن ه ذا التميي ز ل ه أث ر
كبير من الناحية العلمية؛ إذ مسائل الدولة ،فالنظر فيه ا نظ ر مص لحة وت دبير ول ذا
فإنها تتميز ب أمرين ه امين هم ا :اﻷم ر اﻷول :إن ه خاض عة لحك م العق ل؛ فاﻷحك ام
الدنيوية تنزل على حكم العق ل ،وتبن ى عل ى المص لحة وإن العق ل ه و ال ذي يه دينا
إل ى المص لحة .ف العلوم ﻻ ت درك إﻻ بالعق ل) .(43واﻷم ر الث اني :أن اﻷحك ام ف ي
مسائل الدولة تتطور عل ى الزم ان والمك ان ،فه ي تابع ة للتط ور اﻻجتم اعي ال ذي
نصل إليه عن طريق العلم المبني على العقل).(44
وتتمثل أهمية وجهة نظ ر الس نهوري فيم ا س بق م ن أم ور ف ي إنه ا ت ؤدي
إلى نتائج هامة ،فمن جه ة ،اﻷخ ذ ف ى اﻷعتب ار إن اﻷحك ام الدنيوي ة قابل ة للتط ور
بتط ور الواق ع اﻻجتم اعي ،فاﻷحك ام – كم ا يق ول – تط ورت تبع ا ً للمقتض يات
اﻻجتماعية واﻻقتصادية .وم ن جه ة ثاني ة ،إن الفقي ه الس نهوري ق د أعط ى للعق ل
دورا ً كبيرا ً في مجال استنباط اﻷحكام ،حيﺚ إن الن وازل متغي رة بتغي ر الظ روف،
ويتفق ذلك م ع خاص ة م ن خص ائص الش ريعة اﻹس ﻼمية وه ي إنه ا ص الحة لك ل
زم ان ومك ان .وم ن جه ة ثالث ة ،أب راز دور المص لحة كأس اس للتش ريع ،وي تم
اﻻستدﻻل على هذه المصلحة بالعقل ،ومن جهة ثالثة ،العم ل بقاع دة ﻻ ينك ر تغي ر
اﻷحكام اﻷجتهادية بتغير الزمان.
وباﻷضافة إلى ما سبق ،فمن المسلم به ص ﻼحية الش رعية اﻹس ﻼمية لك ل
) (43السنهوري :الدين والدولة ف ي اﻹس ﻼم ،مق ال ،المحام اة الش رعية الع دد اﻷول ،س
1929 ،1معاد نشره في مقاﻻت وأبحاث اﻷستاذ الدكتور /عبد ال رزاق الس نهوري
مجلة القانون واﻻقتصاد ،عدد خاص ،1992 ،ص 10وما بعدها.
) (44د .السنهوري ،المقالة السابقة ،ص 11وما بعدها.
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (37) 2014
مك ان وك ل زم ان ،وأحكامه ا مرن ة ودقيق ة يمك ن اس تخدامها لوض ع ق انون م دني
دقيق ومحكم ،ولهذا فمن الناحية العلمية ،فمن اﻷهمية بمكان اﻻستناد إلى الش ريعة
اﻹسﻼمية في الكثي ر م ن الموض وعات إذا أنه ا تتض من مب ادئ ونظري ات قانوني ة
تفوق المبادئ والنظريات القانونية التي عرفه ا الفق ه الق انوني الع المي )(45؛ ول يس
ما سبق عرضه هي كﻼم مبنى على العواطف إنما مؤسس عل ى حق ائق ،ش هد به ا
كب ار الفقه اء الغ ربيين مث ل ويجم ور ،دليفيش و ،أنس اباتو ،وغي رهم) .(46ف ﻼ ينك ر
أحد) :إن الشريعة اﻹسﻼمية تعد في نظر المنصفين م ن أرق ى ال نظم القانوني ة ف ي
العالم – وهي تصلح أن تك ون دعام ة م ن دع ائم الق انون المق ارن .وﻻ نع رف ف ي
تاريخ القانون نظام ا ً قانوني ا ً قائم ا ً عل ى دع ائم ثابت ة م ن المنط ق الق انوني ال دقيق،
يضاهي منطق القانون الروماني ،إﻻ الشريعة اﻹسﻼمية( ).(47
ثالثا ً :دور الفقه اﻹسﻼمي في توحيد التشريعات العربية تحقي ق الوح دة التش ريعية
لتدعيم الوحدة السياسية:
لقد حلم السنهوري كثيرا ً بالوحدة العربية ،وتمنى وجودها على المستويين
السياسي والقانوني .فمنذ إعداد رسالته الثانية للدكتوراه عن الخﻼفة ،وي درك م دى
اهتمام السنهوري ورغبته في رؤية الدول العربية موحدة سياسيا ً وقانونياً.
ففي المجال القانوني ،كان ينادي دائما ً ض رورة الرج وع إل ى أحك ام الفق ه
اﻹسﻼمي باعتباره اﻷساس المشترك فيما بين الدول العربية .ولقد سعى م ن جانب ه
في طريق تحقيق الوحدة التشريعية بين البﻼد العربية من خﻼل توحي د التش ريعات
المدنية فيما بينها .وبدأ خطوات تنفيذ مشروعه في وضع القانون المدني المص ري
ثم ما تﻼه من قوانين – ولقد قال في هذا الصدد ما يلي ...) :وأحب أن أوجه النظر
إلى القانون بنوع خاص فللبﻼد العربية جميعها تراث مش ترك ه و الفق ه اﻹس ﻼمي
) (45د .الس نهوري :الق انون الم دني العربي،مجل ة القض اء العراق ي ،ع 1962 ،2 ،1؛
د .محمد يوسف موسي :الفقه اﻹسﻼمي مدخل لدراس ته ،نظ ام المع امﻼت في ه ،ط،2
1956؛ ص 62وما بعدها؛ د .عبد ال رحمن الص ابوني؛ د .خليف ة ب ابكر؛ د .محم ود
محمد طنطاوي :المدخل الفقهي وت اريخ التش ريع اﻹس ﻼمي ،الق اهرة ،مكتب ة وهب ة،
،1982ص 18-17؛؛.
) (46السنهوري :وجوب تنقيح القانون المدني ،...،ص .141
) (47السنهوري :وجوب تنقيح القانون المدني ،...،ص .141
) (38مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
وعندي أن الشريعة اﻹسﻼمية مص در خص ب يم دنا ب الكثير م ن اﻷحك ام القانوني ة
التي تتمشى مع أحدث المبادئ وأرقى النظريات وقد جربت ذلك بنفس عن د وض ع
مش روع الق انون الم دني ف ي الع راق ،وأن ي عظ يم اﻹيم ان بإمك ان توحي د ق انون
اﻻلتزامات والعقود لجميع البﻼد العربية على أساس مش ترك م ن الفق ه اﻹس ﻼمي(
).(48
قال السنهوري – أيضا فى هذا الصدد ما يلي ...) :والقانون النهائي ال دائم
لكل من مصر والعراق بل ولجميع البﻼد العربية أنم ا ه و الق انون الم دني العرب ي
الذي نشتقه من الش ريعة اﻹس ﻼمية بع د أن ي تم تطوره ا وق د تك ون ال بﻼد العربي ة
عند ظهور هذا القانون قد توحدت فيأتي القانون لي دعم م ن وح دتها وق د يك ون ف ي
طريقها إلى التوحيد ،فيك ون الق انون ع امﻼً م ن عوام ل توحي دها ويبق ى عل ى ك ل
حال رمزا ً لهذه الوحدة( ).(49
ومن جهة ثاني ة ،فم ن الناحي ة السياس ية ،م ن المس لم ب ه إن تحقي ق الوح دة
القانونية ،فى مج ال التنقيني ات المدني ة ،ي ؤدى إل ى ت دعيم الوح دة السياس ية ،نظ را
ﻷن الش ريعة اﻹس ﻼمية ه ي الت راث الق انوني المش ترك فيم ا ب ين ال دول العربي ة،
فإنها اﻷساس الوحدة الذي يمكن توحيد القوانين المدنية العربية استنادا ً إليها ،ودون
شك إن توحيد القوانين وخصوصا ً المدنية ،يدعم الوحدة السياسية.
رابعا ً :أهمية إدراج الشريعة اﻹسﻼمية في التقنيات المدنية العربية
قام الجزء اﻷكبر من مشروع السنهوري خصوصا ً في مرحلته اﻷولى هو
الوصول إلى إدراج الشريعة اﻹسﻼمية – في التقني ات المدني ة العربي ة وق د وص ل
فعﻼً إلى تحقيق هذا الجزء من مشروعه ،إذ إدراج الكثير من النظريات واﻷح وال
الفقهية الشكلية والكثير من مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية في القوانين المدنية في العالم
العربي.
) (48السنهوري :اﻹمبراطورية العربية التي نبشر بها ،بيان ال دكتور الس نهوري ،نش ر
في مجلة الرابطة العربية ،العدد ،1س .1936/8/15 ،1
) (49د .السنهوري :القانون المدني العربي،مجلة القضاء العراقي ،ع .1962 ،2 ،1
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (39) 2014
ولق د ك ان ه ذا الج زء م ن مش روع الس نهوري مبن ي عل ى أس س تاريخي ة
وأسس علمية ،وليس فقط على مجرد العاطفة نحو الشريعة اﻹسﻼمية .ولقد أس تند
اﻷس تاذ الس نهوري إل ى ض رورة إدراج الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي التقني ات المدني ة
العربية لمجموعة اسباب أساسية أهما أن الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن التقالي د القانوني ة
لمص ر والت راث الق انوني المش ترك لل دول العربي ة؛ ول ذا ن ادى الس نهوري كثي را ً
بض رورة أن تن درج الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي الق وانين المدني ة العربي ة ،كمرحل ة
أولى ،على أن نصل فيما بعد إلى وضع قوانين مدنية استنادا ً إليها بعدما يتم تطوير
دراسة الفقه اﻹسﻼمي في ضوء علم القانون المقارن.
فم ن جه ة نج د أن الش ريعة اﻹس ﻼمية ه ي الق انون ال ذي ك ان مطبق ا ً ف ي
مصر والعالم العرب ي قب ل اقتب اس الق وانين اﻷجنبي ة ف ي الق رن التاس ع عش ر .وم ا
زال ت تطب ق ف ي مس ائل اﻷح وال الشخص ية .وبن اء عل ى م ا س بق ،كم ا يقل ة
الس نهوري -ف إن اس تمداد الق انون الم دني بق در اﻹمك ان م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية،
عمل يتفق مع تقاليدنا القانونية القديمة ،ويستقيم مع النظر الصحيح م ن إن الق انون
ﻻ يخلق خلقاً ،بل ينمو يتطور ويتصل حاضره بماضيه).(50
ومن الجدير بالذكر ،نرى م ن المقول ة الس ابقة للس نهوري إن ه اس تند عل ى
وجهة نظر المدرسة التاريخية ف ي الق انون والت ي ت رى إن الق انون ولي د المجتم ع،
وأنه نتاج تطور تاريخي ﻻ تستطيع أمه أن تنفصل ع ن ماض يها المتض من تراثه ا
القانوني ،وذلك من أجل التأكيد واﻻستدﻻل على ض رورة قي ام الق وانين ف ي مص ر
والع الم العرب ي عل ى الش ريعة اﻹس ﻼمية ،ﻷنه ا تمث ل التقالي د القانوني ة والت راث
القانوني المشترك في العالم العربي.
ولتحقي ق م ا س بق فق د أدرج الس نهوري الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي الق وانين
المدنية العربية من خﻼل إدراجها أوﻻً في القانون المدني المصري ،ثم انتقلت فيما
بعد إلى القوانين المدنية العربية اﻷخرى بداية م ن الق انون المجن ي العراق ي وبن اء
علي ه ،فالق انون الم دني المص ري ه و القنط رة الت ي م ن خﻼله ا دخل ت الش ريعة
اﻹسﻼمية إلى القوانين المدنية العربية.
) (40مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
المطلب الرابع
أسس إدراج الفقه اﻹسﻼمي في القوانيـن المدنية العربية
أش ار اﻷس تاذ الس نهوري إل ى مجموع ة م ن اﻷس س الت ى تعتب ر م ن
متطلبات كيفية إدراج الفقه اﻹسﻼمي فى القوانين المدني ة العربي ة ،وه ى مجموع ة
من المتطلبات اﻷساسية العلمية التي يجب أن تؤخذ في اﻻعتب ار عن د دراس ة الفق ه
اﻹسﻼمي ،بهدف تطويره ليكون أساسا ً للقوانين المدنية العربية هذا من جهة .ومن
جهة ثاني ة أش ار الس نهوري إل ى إن ه م ن اﻷهمي ة بمك ان ،وف ي إط ار دراس ة الفق ه
اﻹسﻼمي ضرورة دراس ة تجرب ة الق انون الم دني المص ري حي ﺚ كان ت الش ريعة
اﻹسﻼمية مصدرا ً ﻷحكامه ،فض ﻼ ع ن الق انون الم دني العراق ي ،بوص فه الق انون
الذي تﻼق ى في ه الق وانين الغربي ة )كم ا اقتبس ها الق انون الم دني المص ري( والفق ه
اﻹسﻼمي )كما أخذ م ن مجل ة اﻷحك ام العدلي ة والم ذاهب اﻷخ رى ،وتقن ين مرش د
الحيان لقدري باشا.
وتتلخص هذه اﻷسس فيما يلي:
أوﻻً :يج ب دراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية دراس ة علمي ة دقيق ة وفق ا ً ﻷص ول
صناعتها ،وﻻ يجوز أن نخرج على هذه اﻷصوال ،بدعوى أن التطور يقتضى هذا
الخروج ،وﻻ ينبغي أن نخشى من أن دراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية عل ى ه ذا الوج ه
العلمي الصحيح قد يؤدي إلى أن نكشف قصورها عن أن تتطور وأنه ا تض يق بم ا
استجد من حاجات المدني ة) .(51واله دف م ن ذل ك ه و تط وير الفق ه اﻹس ﻼمي وفق ا ً
ﻷصول صناعته ،حتى نشتق منه قانونا ً حديثاً.
ثانيا ً :اﻻهتمام بدراس ة "اﻹجم اع" كمص در م ن مص ادر الفق ه اﻹس ﻼمي:
نظرا ً ﻷنه مفتاح تطور الشريعة إذ عن طريقه يمك ن للفقه اء اﻻجته اد ف ي اس تنباط
الكثي ر م ن اﻷحك ام الت ي ت ﻼءم العص ر وتلب ي حاج ات المجتم ع المتج ددة وفق ا ً
ﻷصول الصناعة الفقهية اﻹسﻼمية ،وبذلك يصبح اﻹجماع مصدرا ً لقابلية الشريعة
للتجديد وش مول أحكامه ا لوق ائع متج ددة ،دون أدن ى إخ ﻼل بأص ول الش ريعة).(52
) (51د .الس نهوري :الق انون الم دني العرب ي ،مجل ة القض اء العراقي ة ،ع ،2 ،1س
،1962ص .506
) (52د .الس نهوري :الق انون الم دني العرب ي ،مجل ة القض اء العراقي ة ،ع ،2 ،1س
،1962ص .507
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (41) 2014
وتتجل ى أهمي ة اﻷجم اع كمص در م ن مص ادر تش ريع اﻷحك ام ف ى أن اﻷحك ام
الدنيوي ة تتط ور تبع ا ً لتط ور المدني ة ،ولم ا ك ان ال وحي ق د انقط ع بوف اة الرس ول
"ص" فق د أص بح محتم ا ً أن يك ون ل دى المس لمين مص در ثال ﺚ للتش ريع )أي يع د
القرآن والسنة( ،هو الذي يضمن لﻸحكام الدنيوية حريتها وتمشيها مع روح الزمن
وه ذا المص در ه و اﻹجم اع ،وال ذي يقص د ب ه اتف اق المجته دين ف ي عص ر م ن
العصور على حكم شرعي.
ومعن ى إن اﻹجم اع ق انون – ف ى نظ ر الس نهوري -ه و أن طائف ة م ن
المس لمين ينوب ون ع ن اﻷم ة اﻹس ﻼمية ،وني ابتهم آتي ة ﻻ بطري ق التص ويت ،ب ل
بطري ق العل م وه ذه الطائف ة تمل ك ق وة التش ريع ف ي ح دود الكت اب والس نة؛ ول ذا
فحكومة المسلمين حكومة علماء .فاﻷمة اﻹسﻼمية صاحبة السلطان في شئونها م ا
دامت تستعمل في حدود الكتاب والسنة.
خﻼصة القول ،فقد نادى اﻷس تاذ الس نهوري ،بوج وب اﻷهتم ام باﻹجم اع
كمصدر من مص ادر اﻷحك ام الش رعية ف ي الفق ه اﻹس ﻼمي اهتمام ا ً كبي را ً اس تنادا ً
إلى انه عامل من عوامل التطور في الشريعة اﻹسﻼمية ،إذ يمك ن اﻻنتف اع ب ه إل ى
مدى بعيد في تطوير الفقه اﻹسﻼمي ،فالق ائمون بدراس ة ه ذا الفق ه عل يهم اﻻجته اد
في استنباط اﻷحكام التي تﻼئم العصر وفقا ً ﻷصول الصناعة الفقهية اﻹسﻼمية.
ثالثا ً :مﻼحظة التاريخ اﻹجتماعي للفقه اﻹسﻼمي والمتغيرات اﻹجتماعية
أه تم الس نهوري بمس ألة أساس ية فيم ا يتعل ق ب النظر إل ى اﻹس تناد إل ى
الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ى وض ع وتط وير التقنيني ات المدني ة العربي ة ،وه ى مس ألة
مﻼحظة ما جرى عليه التعامل فيما بين الن اس ف ي الواق ع اﻻجتم اعي ،ف ى ض وء
المتغيرات اﻹجتماعية.
فق د أش ار م ن ح ين ﻵخ ر الس نهوري بض رورة مﻼحظ ة م ا ج رى علي ه
التعامل فيما بين الناس في الواقع اﻻجتماعي ،عند تشريع اﻷحكام ،وخصوصا ً في
المسائل التي نجد فيها إن الظروف العملية ،بمقتض ى م ا ج رى علي ه التعام ل فيم ا
بين اﻷفراد تمثل حاجة عملية تغلب ت عل ى اﻷحك ام القانوني ة كم ا ه ي م أخوذة م ن
أحكام الشريعة اﻹسﻼمية ).(53
) (53ومن المسلم به أن الفقه اﻹسﻼمي لم يتكون دفعة واح دة ،ب ل إن ه س ار مت درجا ف ي
) (42مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
ولق د ض رب الس نهوري ل ذلك أمثل ة كثي رة ،منه ا نش ير إل ى مث الين فق ط،
المثال اﻷول :تنظيم القوانين فقي التقنيات العربية ،والمث ال الث اني :إخف اء الوص ية
لوارث في صورة عقد بيع.
المثال اﻷول :أشار السنهوري إن الربا محرم دون شك ف ي ذل ك بمقتض ى
القرآن والسنة .ولكن الحاجة الفردية والعامة هي التي على أساسها تم وضع تنظيم
قانوني للقواعد في التقنيات المدنية العربية ،نظرا ً لوج ود النظ ام الرأس مالي ،ال ذي
جعل رؤوس اﻷموال بين اﻷفراد ،وليس الدولة ،أوجد حاجة إلى لجوء اﻷفراد إلى
التعامﻼت الت ي تتض من فوائ د .ولك ن ه ذه الحاج ة كم ا إنه ا أس اس تش ريع الفوائ د
فإنها أيضا ً إذا انتفت أو تغيرت ضيقا ً واتساعا ً وإلغاء).(54
المثال الثاني :إخف اء الوص ية ف ي ص ورة عق د بي ع :أش ار الس نهوري إل ى
مثال واقعي يحدث كثيرا ً في الواقع العملي ،حيﺚ إن الحاجات العملية تدفع البعض
إلى إخفاء الوصية للورثة في صورة عق د بي ع ،وذل ك بالتحاي ل عل ى من ع الوص ية
للوارث.
فقد رأى السنهوري إن القضاء قام بالتوفيق ب ين أحك ام الق انون الت ي يمن ع
الوصية للوارث ،وبين المقتضيات العملية التي تدفع بعض الناس إل ى إب رام عق ود
بي ع للورث ة ﻹخف اء الوص ية ،وخصوص ا ً إذا ك ان البي ع ﻻ تش وبه ش ائبه .وتتمث ل
المشكلة التي رصد وجودها السنوري في أن المح اكم تواج ه ك ل ي وم عق ود تب رع
تفرغ عادة في شكل عقود البيع ،وتصدر من اﻷب ﻷوﻻًده ،أو من الزوج لزوجته
ويكاد من يتتبع ظروف هذه العق ود أن يج زم إنه ا وص ايا ﻻ بي وع ،ف القرائن تؤك د
إننا بصدد وصية وليس بيع؛ والسبب في ذلك إن الشخص لجأ إلى البيع ﻷنه ضاق
بأحكام الوصية ،فهي ﻻ تجيز الوصية لوارث ،ولك ن ق د تك ون هن اك أس باب قوي ة
تدعو المورث أن يؤثر بعض الورثة بش ئ م ن مآل ه ،فيض طر إل ى اس تعمال عق د
البيع والذى يخفى وصية.
الحي اة متس عا بإتس اعها ،ش امﻼ لش مولها ،وكلم ا تعاقب ت العص ور اتس عت آف اق
اﻹجتهاد الفقهي ،وكثرت ف روع المس ائل ،وتنوع ت م ن غي ر أن تخ رج ع ن أص لها
من هذين الينوبعين الصافين ...أنظر :موس وعة الفق ه اﻹس ﻼمي ،ج1387 ،1ه ،ص
.7
) (54انظر مصادر الحق في الفقه اﻹسﻼمي ،ج ،6ص 242وما بعدها.
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (43) 2014
ولقد خلص السنهوري إلى أمرين ه امين هم ا :اﻷم ر اﻷول :إن اض طراد
القضاء عل ى ص حة عق ود البي ع الت ي تخف ي وص ايا ،يؤك د إن الحاج ة العملي ة هن ا
تغلب ت عل ى اﻷحك ام القانوني ة ،فتكس رت ه ذه اﻷحك ام ،وأخض عتها المح اكم
لمقتضيات الظروف بطريق الحيلة .اﻷم ر الث اني :ض رورة عناي ة المش رع ببح ﺚ
ما تلجأ له الناس من الحيل للهروب من أحكام تضيق به م ،فيعي د النظ ر فيه ا حت ي
يوفق بينها وبين الواقع).(55
وقد اقترح السنهوري في هذا الصدد ،إنه عند تقن ين أحك ام الوص ية يج ب
التفكير عند بحﺚ الموض وع ف ي الش ريعة اﻹس ﻼمية ،فه ل يج د الباح ﺚ فيه ا ش يئا ً
يعين على مجاراة مثل هذه الظروف العملية ،فتباح الوصية لوارث ،ولو في حدود
ضيقة).(56
ويس تخلص مم ا س بق إن الس نهوري ك ان مؤمن ا ً إيمان ا ً كبي را ً بض رورة
مراعاة العﻼقة بين القانون والواقع اﻻجتم اعي واﻻس تفادة مم ا ج رى علي ه العم ل
في هذا الواقع بالنسبة لبعض النظم القانونية ،إذ إن اﻻعتبارات العملية الت ي يقره ا
الواقع اﻻجتماعي قد تظهر عدم مﻼئمة الحكم الق انوني وبالت الي تلج أ إل ى التحاي ل
على أحكامه ،ولذا فمن اﻷهمية بمكان وصول المشرع إلى وسيلة للتوفيق بين حكم
القانون واﻻعتبارات العملية ،حتى يكون سلوك اﻷفراد مطابقا ً لما يقضي به حك م
القانون.
ومن الجدير بالذكر اﻹشارة إلى أن السنهوري قد ن ادي بض ورة مﻼحظ ة
تطور الفقه اﻹسﻼمي؛ نظرا ﻷن الفقه اﻹسﻼمي – كم ا ق ال -ل م يلب ﺚ جام دا ً عن د
المرحل ة اﻷول ى للفك ر الق انوني ،ب ل خط أ خط وات واس عة ف ي ط رق التط ور.
وتط ور ف ي الم ذهب الحنف ي نفس ه وف ي الم ذهب الش افعي ،وتط ور أس رع ف ي
المذهبين المالكي والحنبلي ) .(57وهو بهذا يفتح الطريق نحو وجوب اﻷهتم ام بم ا
يطلق عليه ) دراسة التاريخي اﻹجتماعي للفقه اﻹسﻼمي(.
) (44مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
رابع ا ً :اﻻس تدﻻل م ن كاف ة م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي :رأى الس نهوري
بضرورة التأكيد على أخذ أحكام التقينينات من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي ،ومنح
القاضي السلطة التقديرية الكاملة ف ي اﻻس تدﻻل م ن كاف ة م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي
) .(58ه ذا م ن جه ة .وم ن جه ة ثاني ة ،يج ب أن يراع ى ف ي اﻷخ ذ بأحك ام الفق ه
اﻹسﻼمي التنسيق ما بين هذه اﻷحكام والمب ادئ العام ة الت ي يق وم عليه ا التش ريع
المدني في جملته بمعنى إنه ﻻ يجوز اﻷخذ بحكم في الفقه اﻹسﻼمي ،يتعارض مع
مب دأ م ن ه ذه المب ادئ ،حت ى ﻻ يفق د التقن ين الم دني تجانس ه وانس جامه ،ول ذا
فللقاضي الرجوع إل ى كاف ة م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي دون تميي ز للوص ول إل ى م ا
يتفق مع المبادئ العامة للتشريع المدني ).(59
ولقد اعتقد اﻷستاذ السنهوري اعتقادا جازما بإن المدخل الرئيس ي؛ لتك ون
الشريعة هى أساس التقنين فى البﻼد العربية ،يقوم على دراسة الشريعة اﻹس ﻼمية
فى ضوء القانون المقارن .ولق د اش ار إل ى م ا س بق اﻷس تاذ الس نهوري بالعب ارات
اﻷتي ة ... ) :أم ا جع ل الش ريعة اﻹس ﻼمية ه ي اﻷس اس اﻷول ال ذي يبن ى علي ه
تش ريعنا الم دني ،ف ﻼ ي زال أمني ة م ن أع ز اﻷم اني الت ي تخ تلج به ا الص دور،
وتنطوي عليها الجوانح ،ولكن قب ل أن تص بح ه ذه اﻷمني ة حقيق ة واقع ة ينبغ ي أن
تق وم نهض ة علمي ة قوي ة لدراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي ض وء الق انون المق ارن.
ونرجو أن يكون من وراء جعل الفقه اﻹسﻼمي مص درا ً رس ميا ً للق انون م ا يع اون
على قيام هذه النهضة( ).(60
وهو الحلم ال ذى راود الس نهوري مبك را ،إذ كت ب الس نهوري ف ي أوراق ه
الشخصية ع ام 1923م ا يل ي )يخط ر ل ي ﻷول وهل ه أن الش ريعة اﻹس ﻼمية ه ي
القانون العام في التشريع المصري الحاضر .فكل ما لم يتعرض له المش رع ب نص
يرجع فيه إلى الشريعة اﻹس ﻼمية .أدون ه ذه الفك رة عل ى أم ل أن أرج ع إليه ا ف ي
بحﺚ قانوني مفصل().(61
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (45) 2014
لقد وضع السنهوري بالفعل الفكرة الت ي تحمله ا س طوره الس الف اﻹش ارة
إليه ا عن د وض ع الق انون الم دني المص ري وم ا ت ﻼه م ن ق وانين غربي ة ،إذ جع ل
الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن المص ادر الرس مية للق انون يلج أ إليه ا القاض ي إذا ل م يج د
حكما ً في الشريعة والعرف.
وبﻼ شك إن عدم تخصيص رجوع القاضي إلى م ذهب مع ين م ن م ذاهب
الفقه اﻹسﻼمي ،يعتبر من أه م أساس يات حرك ة تقن ين الفق ه اﻹس ﻼمي ،إذ أن ه كم ا
يقول الفقهاء ينبغي عند التقنين عدم التقيد بمذهب معين من مذاهب الفقه اﻹس ﻼمي
وذلك خروجا ً من ضيق المذهب الواحد إلى اتساع الفق ه بمذهب ه المختلف ة ،إذ الفق ه
وح ده متكامل ة ف ي ض وء منهجي ة التقن ين ،خاص ة وأن الم ذهب اﻹس ﻼمية ه ي
اجتهادات ﻷصحابها ﻻ تقيد غي رهم ،إﻻ بق در م ا يق وم ال دليل عل ى ص حتها ،عل ى
تحقيقها للمصلحة المعتبرة شرعا ً).(62
) (62د .محم د كم ال ال دين إم ام :مقدم ة لدراس ة الفق ه اﻹس ﻼمي ،ونظريات ه العام ة،
اﻹسكندرية ،دار المطبوعات الجامعية ،2011 ،ص .294
) (46مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
المبحﺚ الثاني
الشريعة اﻹسﻼمية فى القوانين المدنية العربية
أك د الس نهوري عل ى ض رورة أن يتأس س الق وانين المدني ة العربي ة عل ى
الشريعة اﻹسﻼمي ،ولقد جاهد كثي را عل ى تحقي ق ذل ك ،بداي ة م ن إدراج الش ريعة
اﻹسﻼمية كمصدر رسمي ثالﺚ للق انون ف ى ن ص الم ادة 2/1م ن الق انون الم دني
المصري عام ،1948ث م ت والى بع د ذل ك اﻷهتم ام بالش ريعة ف ى الق وانين المدني ة
العربية بمجهودات السنهوري ،وبتأثير القانون المدني المصري والق انون الم دني
العراقي.
كتب السنهوري في أوراقه الشخصية عام 1923ما يلي )يخطر ل ي ﻷول
وهله أن الشريعة اﻹسﻼمية هي القانون العام في التشريع المصري الحاضر .فك ل
م ا ل م يتع رض ل ه المش رع ب نص يرج ع في ه إل ى الش ريعة اﻹس ﻼمية ،أدون ه ذه
الفكرة على أمل أن أرجع إليها في بحﺚ قانوني مفصل().(63
لقد وضع السنهوري بالفعل الفكرة التي تتضمنها سطوره السالف اﻹش ارة
إليه ا عن د وض ع الق انون الم دني المص ري وم ا ت ﻼه م ن ق وانين غربي ة ،إذ جع ل
الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن المص ادر الرس مية للق انون يلج أ إليه ا القاض ي إذا ل م يج د
حكما ً في الشريعة والعرف.
ويتضح من خﻼل اس تقراء نص وص الق وانين المدني ة العربي ة بخص وص
مرك ز الش ريعة اﻹس ﻼمية فيه ا م ن ب ين مص ادر الق انون الرس مية نج د إنه ا كله ا
اتفق ت عل ى إن الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن المص ادر الرس مية للق انون الت ي للقاض ي
اللج وء إليه ا ،إذا ل م يج د حكم ا ً لم ا يع رض علي ه م ن منازع ات ،بش رط مراع اة
التدرج التشريعي المنصوص عليه في النص المنظم لمصادر القانون هذا من حقه.
ولكن من جهة ثانية ،فبخصوص ترتيب مصادر القانون ومرك ز الش ريعة
اﻹسﻼمية ،وكيفية استنباط الحكم منها نجد تفاوت كبير ومؤثر في القوانين المدني ة
العربية.
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (47) 2014
وتق وم الش ريعة اﻹس ﻼمية ب ادوار متع ددة ومتنوع ة ف ي الق وانين العربي ة
المدنية تتمثل في -1 :أن الشريعة اﻹس ﻼمية م ن ناحي ة ه ي المص در الموض وعي
)أو التاريخي( للكثير من المبادئ العامة والمس ائل التفص يلية وال نظم القانوني ة ف ي
الق وانين المدني ة العربي ة -2 .ويتمث ل ال دور الث اني للش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي إنه ا
المصدر الرسمي للقانون المدني إذا لم يجد القاضي حكما ً للمسألة المطروحة أمامه
في نصوص القانون المدني ،مع اخ تﻼف فيم ا ب ين الق وانين المدني ة العربي ة ح ول
ترتيب مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية من بين مص ادر الق انون اﻷخ رى وبوج ه خ اص
العرف ،إذ قدمت بعض القوانين العرف على مبادئ الشريعة اﻹس ﻼمية )كالق انون
المدني المصري( ،وبعض لقوانين قدمت الشريعة عل ى الع رف )كالق انون الم دني
اليمين ،اﻷردن ،اﻹمارات -3 .(..،الدور الثال ﺚ :ال دور التفس يري ،ويتمث ل ف ي إن
بعض القوانين المدنية العربية ،نصت عل ى إعم ال قواع د التفس ير وأص ول الفق ه،
فضﻼً عن إدراج نصوص تتضمن القواعد الكلي ة ف ي الفق ه اﻹس ﻼمي .وم ن أمثل ة
ه ذه الق وانين الق انون الم دني اﻹم اراتي ،الق انون الم دني اليمن ى والق انون الم دنى
العماني -4الدور الرابع :الدور الرق ابي لتطبي ق التش ريعات اﻷجنبي ة ،إذ خالف ت
النصوص القانونية اﻻجنبية،مكونات النظام العام في الدولة ،والتى تعتبر الش ريعة
جزءا منه ،وبالتالي فﻼ يجوز تطبيق قانون أجنبي يخالفها.
وبناء على ما سبق نﻼحظ ما يلي :من ناحية ،زيادة واتس اع حج م ال دور
الذي تقوم به الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي الق وانين المدني ة العربي ة ،م ع م رور الوق ت.
وم ن ناحي ة ثاني ة ،إن اﻹدراج التش ريعي لمب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية كمص در
للقانون المدني في كل دولة اتخذ طابعا ً خاصاً ،إذ يتأرجح بين المذهبية والعمومي ة
والخصوصية اﻻجتماعية.
وبن اء عل ى م ا س بق ،فالش ريعة اﻹس ﻼمية ف ى الق وانين المدني ة العربي ة
ت تلخص ،ف ى إن ه م ن جه ة نج د الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن المص ادر الموض وعية
للق انون ،وم ن جه ة ثاني ة ،م ن المص ادر الرس مية للق انون ف ي الق وانين المدني ة
العربية ،ومن جهة ثالثة ،تلعب الشريعة اﻹس ﻼمية دورا كبي را ف ى قواع د التفس ير
واﻻستدﻻل القضائي على اﻷحكام ،ومن جهة رابعة ،تق وم ب دور كبي ر ف ى تطبي ق
القانون المدني واستبعاد القوانين اﻷجنبية.
) (48مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
المطلب اﻷول
الشريعة اﻹسﻼمية في القانونين المدني المصري والعراقي
أوﻻً :الشريعة اﻹسﻼمية فى القانون المدني المصري:
قال السنهوري عن أهمية الشريعة اﻹسﻼمية فى القانون المدني المص ري
م ا يل ي ...) :يج ب أن تن ال الش ريعة اﻹس ﻼمية نص يبا ً كبي را ً م ن عناي ة المش رع
المصري عند تنقيح التقنين ،فقد كانت شريعة البلد قبل العمل ب القوانين الحالي ة وﻻ
تزال شريعة البلد في قسم كبير م ن الق انون الم دني .ه و قس م اﻷح وال الشخص ية،
وفي موضوعات من قانون المعامﻼت .واستقاء تشريعنا بقدر اﻹمكان من مص در
الش ريعة اﻹس ﻼمية عم ل يتف ق م ع تقالي دنا القانوني ة القديم ة ،ويس تقيم م ع النظ ر
الصحيح من إن القانون ﻻ يخلق خلقاً ،بل ينمو ويتطور ،ويتصل حاضره بما في ه(
).(64
وقال السنهوري ...) :والقانون النهائي الدائم لك ل م ن مص ر والع راق ب ل
ولجمي ع ال بﻼد العربي ة أنم ا ه و الق انون الم دني العرب ي ال ذي نش تقه م ن الش ريعة
اﻹسﻼمية بعد أن يتم تطورها وقد تكون البﻼد العربية عن د ظه ور ه ذا الق انون ق د
توحدت فيأتي القانون ليدعم من وحدتها وقد يكون في طريقها إلى التوحيد ،فيك ون
القانون عامﻼً من عوامل توحيدها ويبقى على كل حال رمزا ً لهذه الوحدة( ).(65
ولقد استعمل السنهوري بدقة كبيرة دقة اﻷستاذ والعالم الفقيه منهج التلفي ق
التشريعي من القوانين المدنية المقارنة والفقه اﻹسﻼمي ،والقضاء المصري الق ديم
في وضع القانون المدني المصري .ويتض ح م نهج التلفي ق التش ريعي ف ي التقري ب
بين مبادئ ونظريات وقواعد ذات اﻷصول الﻼتيني ة والجرماني ة واﻹس ﻼمية مع اً.
ولكن من الجدير بالذكر اﻹشارة إلى أن منهج التلفيق التشريعي لم يؤثر على وحدة
وتماسك وانسجام نصوص القانون المدني المصري.
) (64د .السنهوري :وجوب تنقيح القانون المدني ....،مرجع سابق ،ص .141
) (65د .السنهوري :القانون المدني العربي،مجلة القضاء العراقي ،ع .1962 ،2 ،1
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (49) 2014
ولقد ق دم الس نهوري مث اﻻ عملي ا لكيفي ة اﻷقتب اس م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية
وإدراجه ا ف ى الق وانين المدني ة م ن خ ﻼل تجرب ة الق انون الم دني المص ري حي ﺚ
كانت الش ريعة اﻹس ﻼمية مص درا ً ﻷحكام ه ،فض ﻼ ع ن الق انون الم دني العراق ي،
بوص فه الق انون ال ذي تﻼق ى في ه الق وانين الغربي ة )كم ا اقتبس ها الق انون الم دني
المصري( والفقه اﻹسﻼمي )كما أخذ من مجلة اﻷحكام العدلية والمذاهب اﻷخرى(
وتقنين مرشد الحيران لقدري باشا.
نصت الم ادة اﻷول ى م ن الق انون الم دني المص ري عل ى ) ...إذا ل م يوج د
نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف ف إذا ل م يوج د فبمقتض ى
مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية ،فإذا لم توجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيع ي وقواع د
العدال ة( .وطبق ا ً له ذا ال نص فالش ريعة اﻹس ﻼمية ه ي المص در الرس مي الثال ﺚ
للقانون المدني في مصر التشريع والعرف.ولكن اﻵن تثور مجموعة أسئلة هي :ما
المقصود بمبادئ الشريعة اﻹسﻼمية؟ والسؤال الثاني :كيف نستخلص اﻷحكام م ن
مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية باعتبارها مصدرا ً رسميا ً.
فم ن جه ة أوج ب المش رع عل ى القاض ي الرج وع إل ى مب ادئ الش ريعة
اﻹسﻼمية إذا لم يجد ما يستدل منه على حكم الق انون فيم ا ه و مع روض علي ه م ن
مناع ات ف ي الش ريعة والع رف .ونظ را ً ﻷن اص طﻼح مب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية
اصطﻼح عام ،وخصوصا ً إن الشريعة اﻹسﻼمية كنظام قانوني ،له طبيعة خاصة،
حيﺚ تتحدد م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي ،وتتع دد اﻵراء ف ي داخ ل ك ل م ذهب ،فمهم ة
القاضي أمامها كثير من العوائق في حالة رجوع ه إل ى مب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية
طبقا ً لنص المادة اﻷولى من القانون المدني المصري.
وترتيب ا ً عل ى م ا س بق ،فق د خل ص ش راح الق انون الم دني إل ى أن قواع د
اﻻستدﻻل القضائي على اﻷحكام المدنية من مبادئ الشريعة اﻹس ﻼمية طبق ا ً ل نص
المادة اﻷولى من القانون المدني المصري هي:القاعدة اﻷولى :اﻻستدﻻل القض ائي
م ن جمي ع م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي دون قيود.اتف ق الش راح ف ي مص ر عل ى إن
القاض ي ف ي حال ة تطبيق ه لمب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية بوص فها مص درا ً رس ميا ً
للقانون المدني بعد التشريع والعرف عليه يتمتع بالتقديري ة الكامل ة ف ي اﻻس تدﻻل
من كافة مذاهب الفقه اﻹسﻼمي ،فهو غير مقيد باﻻستدﻻل م ن الم ذهب الحنف ى أو
) (50مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
غيره ،بل له الرجوع إلى كل مذاهب الفقه اﻹسﻼمي بحسب اختياره).(66
القاعدة الثانية :أن يراعى في اﻷخذ بأحكام الفقه اﻹسﻼمي التنسيق ما ب ين
هذه اﻷحكام والمبادئ العامة التي يقوم عليها التشريع المدني في جملته بمعن ى إن ه
ﻻ يجوز اﻷخذ بحكم في الفقه اﻹسﻼمي يتعارض مع مب دأ م ن ه ذه المب ادئ ،حت ى
ﻻ يفقد التقنين المدني تجانسه وانسجامه ،ولذا فللقاض ي الرج وع إل ى كاف ة م ذاهب
الفق ه اﻹس ﻼمي دون تميي ز للوص ول إل ى م ا يتف ق م ع المب ادئ العام ة للتش ريع
المدني( ).(67
وم ن الج دير بال ذكر اﻹش ارة إل ى م ا قال ه الس نهوري دور الش ريعة
اﻹسﻼمية فى القانون المدني المصري ..قال ما يلي ) ...هذا الحد الذي وص ل إلي ه
التقن ين الجدي د ف ي اﻷخ ذ بأحك ام الش ريعة اﻹس ﻼمية ،ع دا المس ائل اﻷخ رى الت ي
أخذها بالذات من القفه اﻹسﻼمي ...أما جعل الشريعة اﻹسﻼمية هي اﻷساس اﻷول
الذي يبنى عليه تشريعنا المدني ،فﻼ يزال أمني ة م ن أع ز اﻷم اني الت ي تخ تلج به ا
الصدور ،وتنطوي عليها الجوانح ،ولكن قب ل أن تص بح ه ذه اﻷمني ة حقيق ة واقع ة
ينبغي أن تق وم نهض ة علمي ة قوي ة لدراس ة الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ي ض وء الق انون
المقارن .ونرجو أن يكون من وراء جعل الفقه اﻹسﻼمي مصدرا ً رسميا ً للقانون ما
يعاون على قيام هذه النهضة( ).(68
ثانيا ً :القانون المدني المصري وانتق ال الش ريعة اﻹس ﻼمية إل ى القواني ـن المدني ة
في البﻼد العربية
أدرج السنهوري الشريعة اﻹسﻼمية في القوانين المدنية العربية من خ ﻼل
إدراجها أوﻻً في القانون المدني المصري ،ثم انتقلت فيما بعد إل ى الق وانين المدني ة
العربي ة اﻷخ رى بداي ة م ن الق انون الم دني العراق ي وبن اء علي ه ،فالق انون الم دني
المص ري ه و القنط رة الت ي م ن خﻼله ا انتقل ت الش ريعة اﻹس ﻼمية إل ى الق وانين
المدنية العربية.
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (51) 2014
وقد ساعد اﻻقتباس من الش ريعة اﻹس ﻼمية وإدراجه ا ف ي الق انون الم دني
المصري إلى من جهة ترقية مبادئ القانون المصري) .(69هذا من جهة .ومن جه ة
ثاني ة :س د ال نقص ف ي الق انون الم دني الق ديم).(70وم ن جه ة ثالث ة :تط وير الق انون
الم دني ف ي مص ر ليك ون النم وذج ال ذي احت ذى ب ه لق وانين المدني ة العربي ة الت ي
وضعت بعده مثل القانون المدني العراقي والليبي ..الخ.
ومن المسلم ب ه لق د اس تقى الق انون الم دني الجدي د م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية
بطرق ثﻼث :تنقيح وتوضيح واستكمال م ا اش تمل علي ه التقن ين الم دني الق ديم م ن
أحكام أخذها عن الفقه اﻹسﻼمي ،والطريقة الثانية إن ه اس تمدت أحكام ا ً جدي دة م ن
الفقه اﻹسﻼمي ،ومن ناحية ثالث ة م ن خ ﻼل جع ل الفق ه اﻹس ﻼمي مص درا ً رس ميا ً
للق انون بع د التش ريع والع رف ،ويق دم مب ادئ الق انون الطبيع ي وقواع د العدال ة،
حسبما نصت المادة 2/1من القانون المدني المصري الجديد .1948
وق د ك ان الق انون الم دني الق ديم ب الرغم م ن إن ه ك ان منق وﻻً م ن التقن ين
الم دني الفرنس ي ،إﻻ إن ه م ع ذل ك فق د ح اول ،المش رع إض افة بع ض أحك ام الفق ه
اﻹسﻼمي فيه ،ولذا فقد تضمن بعض النظم والمبادئ المأخوذة من الفق ه اﻹس ﻼمي
ولكنها نقلت على عجل ودون دراسة كافية ولذلك شابها الكثير من العيوب كالخطأ
العلمي واﻻقتضاب ).(71
ولكن في القانون المدني الجديد ،1948قام السنهوري باﻻحتفاظ بما أخذه
القانون المدني القديم من الفقه اﻹسﻼمي ولكن بعد تهذيبه وإص ﻼحه وإزال ة م ا ب ه
من اقتضاب وعيوب وعدم دقه في النقل والتنظيم هذا من جهة ومن جهة ثانية قام
باس تحداث أحك ام أخ رى أخ ذها م ن الفق ه اﻹس ﻼمي ،وه ذه اﻷحك ام الجدي دة ك ان
.
بعضها مبادئ عامة والبعض اﻵخر مسائل تفصيلية
وبناء على ما سبق ،فمقدار اﻷحك ام والمب ادئ العام ة والمس ائل التفص يلية
التي أخذها القانون المدني الجديد الذي 1948ال ذي ق ام بوص فه الس نهوري جع ل
من الفقه اﻹسﻼمي أساسا ً من أسس القانون المدني مع القضاء والتقنيات المقارنة.
) (69د .السنهوري :وجوب تنقيح القانون المدني ،مقالة سابقة ،ص .157
) (70د .السنهوري :وجوب تنقيح القانون المدني ،مقالة سابقة ،ص .157
)(71السنهوري ،الوسيط ،الجزء اﻷول ،ص .48
) (52مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
وإجم اﻻً – ودون تفص يﻼت – فاﻷحك ام والمب ادئ العام ة والمس ائل
التفص يلية الت ي ف ي الق انون الم دني الجدي د ،والمس تمدة م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية -
ه ي) :(72النزع ة الموض وعية ،نظري ة التعس ف ف ي اس تعمال الح ق – المع ايير
الموض وعية ،حوال ة ال دين ،نظري ة الظ روف الطارئ ة ،اﻷحك ام الخاص ة بمجل س
العقد ،إيجار الوقف ،الحك ر ،إيج ار اﻷراض ي الزراعي ة ،ه ﻼك ال زرع ف ي الع ين
المؤجرة ،انقضاء اﻹيجار بموت المستأجر ،فسخ اﻹيجار للعذر ،وقوع اﻹبراء من
الدين بإرادة الدائن وحده ،بعض أحكام عقد الهبة ،التنظيم الدقيق لمب دأ ﻻ ترك ة إﻻ
بعد سداد الديون ،تصرفات المريض مرض الموت ،سداد الدين قبل أيلول ة الترك ة
للورثة ،اﻷهلي ة ،الش فعة ،الغ بن ف ي بي ع القاص ر ،خي ار الرؤي ة ،تبع ة اله ﻼك ف ي
البيع ،عرس اﻷشجار في العين المؤجرة ،اﻷحك ام المتعلق ة ب العلو والس فل ،أحك ام
الحائط المشترك مرة بالتقادم.
ثالث ا ً :الق انون الم دني العراق ي – خط وة نح و توحي د الق وانين المدني ة ف ى ال بﻼد
العربية:
نصت المادة اﻷولى 2 /من القانون المدني العراقي عل ى م ا يل ي ) ف إذا ل م
يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم ت المحكم ة بمقتض ى الع رف ف إذا ل م يوج د
فبمقتض ى مب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية اﻷكث ر مﻼئم ة لنص وص ه ذا الق انون دون
التقيد بمذهب معين فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة .ونصت الفقرة الثالثة م ن
نفس المادة على )وتسترشد المحاكم في كل ذلك باﻷحكام التي أقرها القضاء والقفه
في العراق ثم في البﻼد اﻷخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العربية(.
وبالنظر إلى الفقرتين السابق اﻹشارة إليهما نجد ما يلي:
-1إن مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية هي المصدر الرسمي الثالﺚ بعد التشريع
والعرف ،وفي هذا يتفق القانون المدني العراقي القانون المدني المصري.
-2إن النص يتضمن تفس يرا ً معين ا ً لمب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية الت ي يلج أ
إليه ا القاض ي ،إذ يقص د بمب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية ،المب ادئ اﻷكث ر مﻼئم ة
لنصوص القانون المدني العراقي هذا من ناحية وذل ك حت ى ينس جم كلي ات الق انون
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (53) 2014
مع جزئياته وإﻻ ي تم تطبي ق مب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية إﻻ المﻼءم ة لﻼتج اه الع ام
وروح وفلسفة النصوص القانونية .ومن ناحية ثانية ،لم يقص ر دور القاض ي عل ى
استنباط مبادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية م ن م ذهب فقه ي واح د دون اﻵخ ر ،ب ل م نهج
القاضي سلطة تقديرية كبيرة في هذا الصدد – إذ للقاضي استنباط لمبادئ الشريعة
اﻹسﻼمية من جمي ع م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي دون التقي د بم ذهب مع ين ،بش رط إن
يكون ما يستخلصه مﻼئما ً لنصوص القانون.
ودون ش ك إن ه ذا تجدي د كبي ر – بالنس بة للع راق منش أ الم ذهب الحنف ي،
والتي طبقت فيها مجلة اﻷحكام العدلية فت رة طويل ة ،وه ي تقن ين للفق ه الحنف ي ف ي
مجال المعامﻼت المدنية.
-3إذا ل م ي ذكر ال نص مب ادئ الق انون الطبيع ي وقواع د العدال ة كمص در
رسمي للقانون يلجأ إليه القاضي بعد مبادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية ،عل ى النح و ال ذي
عليه الحال في القانون المدني المصري في المادة 2/1والتي جاء فيها ذكر مبادئ
القانون الطبيع ي وقواع د العدال ة ،وإنم ا اكتف ى المش رع العراق ي عل ى ال نص فق ط
على قواعد العدالة.
-4إن الفقرة الثالثة من المادة اﻷولى ﻻ يوجد لها مثيل في التقنيات المدنية
في البﻼد العربية من نواح عدة على النحو اﻵتي :فم ن ناحي ة أنه ا منح ت القاض ي
اﻻسترشاد باﻷحكام التي أقرها القضاء والفقه في العراق ،ف إذا ل م يج د ،فل ه س لطة
اﻻسترشاد باﻷحكام التي استقر عليها القضاء والفقه في البﻼد اﻷخ رى طالم ا إنه ا
تتقارب قوانينها مع القوانين العربية .ومن جه ة ثاني ة ،ف إن ال نص أعط ى للقاض ي
دورا ً كبيرا ً لمجابهة حاﻻت النقص التشريعي ،إذ وضع أمامه ط رق كثي رة ،يمك ن
من خﻼلها مجابهة كل ما سيعرض عليه من منازعات تتضمن وقائع قد ﻻ يجد لها
حكما ً ص ريحا ً ف ي نص وص الق انون الم دني العراق ي .وم ن جه ة ثالث ة ،أش ار إل ى
التقارب القانوني في عجز الفقرة الثالثة ومن المس لم ب ه ،ل م ت درج ه ذه العب ارة إﻻ
بمقصد التوحيد التشريعي في البﻼد العربية ،وفي نفس الوقت فتح الباب جلي ا ً أم ام
التوحيد في اﻷحكام القضائية في البﻼد العربية ،بعد تحقيق الوحدة التشريعية.
) (54مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
المطلب الثاني
الشريعة اﻹسﻼمية والقوانين المدنية فى دول مجلس التعاون الخليجي
أوﻻً :في القانون المدني الكويتي:
فقد نصت المادة اﻷول ى من ه عل ى م ا يل ي) :تس ري النص وص التش ريعية
على المسائل التي تتناولها هذه النصوص بمنطوقها أو بمفهومها فإن لم يوجد نص
تشريعي ،حكم القاضي وفق ا ً ﻷحك ام الفق ه اﻹس ﻼمي اﻷكث ر اتفاق ا ً م ع واق ع ال بﻼد
ومصالحها فإن لم يوجد حكم بمقتضى العرف(.
وبﻼ شك إن عدم تخصيص رجوع القاضي إلى م ذهب مع ين م ن م ذاهب
الفقه اﻹسﻼمي ،يعتبر من أه م أساس يات حرك ة تقن ين الفق ه اﻹس ﻼمي ،إذ أن ه كم ا
يقول الفقهاء ينبغي عند التقنين عدم التقيد بمذهب معين من مذاهب الفقه اﻹس ﻼمي
وذلك خروجا ً من ضيق المذهب الواحد إلى اتساع الفق ه بمذهب ه المختلف ة ،إذ الفق ه
وح ده متكامل ة ف ي ض وء منهجي ة التقن ين ،خاص ة وأن الم ذهب اﻹس ﻼمية ه ي
اجتهادات ﻷصحابها ﻻ تقيد غي رهم ،إﻻ بق در م ا يق وم ال دليل عل ى ص حتها ،عل ى
تحقيقها للمصلحة المعتبرة شرعا ً).(73
ثانيا ً :القانون المدني العماني -المرسوم السلطاني 29لسنة 2013بإصدار قانون
المعامﻼت المدنية:
نصت المادة اﻷولي من القانون المدني العماني على ) تسري أحكام ه ذا
القانون على جميع المسائل التى تتناولها نصوصه فى لفظه ا ومعناه ا ول م تنظمه ا
قوانين خاصة ،فإذا لم يوجد نص في هذا القانون حكمت المحكم ة بمقتض ى أحك ام
الفقه افسﻼمي ،فإذا لم توجد فبمقتضى المبادئ العام ة للش ريعة اﻹس ﻼمية ،ف إذا ل م
توج د فبمقتض ى الع رف ( .ويس تخلص م ن ه ذا ال نص أن المص ادر الرس مية
للقانون هى:التشريع – أحكام الفقه اﻹسﻼمي – المبادئ العامة للش ريعة اﻹس ﻼمية
– العرف .هذا من جهة.
وم ن جه ة ثاني ة ،فطبق ا للم ادة الثاني ة ،يرج ع ف ي فه م ال نص وتفس يره
وتأويل ه ودﻻلت ه إل ى قواع د الفق ه اﻹس ﻼمي وأص وله ،.ودون ش ك إن ن ص الم ادة
) (73د .محم د كم ال ال دين إم ام :مقدم ة لدراس ة الفق ه اﻹس ﻼمي ،ونظريات ه العام ة،
اﻹسكندرية ،دار المطبوعات الجامعية ،2011 ،ص .294
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (55) 2014
الثاني ة ،يمث ل عﻼم ة ممي زة ف ى اس تعانة المش رع بالفق ه اﻹس ﻼمي واص وله ف ى
مسألة تطبيق نصوص القانون إذ إنه جعل قواعد الفقه اﻹسﻼمي وأصوله المرجع
في الفهم وتفسير النصوص التشريعية الواردة في القانون.
وم ن جه ة ثالث ة ،ﻻ يج وز تطبي ق أحك ام الق انون اﻷجنب ي إذ كان ت ه ذه
اﻷحك ام تخ الف الش ريعة اﻹس ﻼمية أو النظ ام أو اﻵداب ف ي س لطنة عم ان ،وه ذا
طبق ا ل نص الم ادة 28والت ى ت نص عل ى ) ﻻ يج وز تطبي ق أحك ام ق انون أجنبي ى
عينت ه النص وص الس ابقة؛ إذا كان ت ه ذه اﻷحك ام تخ الف الش ريعة اﻹس ﻼمية أو
النظام العام أو اﻵداب فى سلطنة عمان (.
ثالثا ً :القانون المدني البحريني )رقم 19لسنة (2001
نص ت الم ادة اﻷول ى عل ى )أ( تس رى النص وص التش ريعية عل ى جمي ع
المسائل التي تحكمها ه ذه النص وص بلفظه ا أو بمفهومه ا .ب( ف إذا ل م يوج د ن ص
تش ريعي يحك م ب ه القاض ي ،حك م بمقتض ى الع رف ،ف إذا ل م يوج د حك م بمقتض ى
الشريعة اﻹسﻼمية مستهديا ً بأصلح اﻷراء فيها بالنظر لواقع البلد وأحوالها ،فإذا ل م
يوجد ،حكم بمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة(.
وطبقا له ذا ال نص ،ف الرجوع إل ى الش ريعة اﻹس ﻼمية يقص د ب ه الرج وع
إلى المبادئ العامة المسلم بها فى فقه الشريعة اﻹسﻼمية ،وهى القواع د واﻷص ول
الكلية التى ﻻ تختلف باختﻼف المذاهب الفقهيه .ولكن ف ى حال ة اﻷس تعانة ب الحلول
التفصيلية أو اﻻحكام الجزئية التى تختلف فيها المذاهب اﻹسﻼمية فيجب اﻷستهداء
بأنسب اﻵراء فيها فى ضوء ظروف البﻼد ،بمعنى اﻷستهداء – كما يقول النص –
بأصلح اﻷراء ،وذلك فى ضوء ظروف البﻼد.
وم ن جه ة ثاني ة ،فم ن المس لم ب ه إن ه ف ى حال ة الرج وع إل ى الش ريعة
اﻹسﻼمية ،فى إطار الضوابط المش ار اليه ا ف ى ال نص ،فيج ب كم ا يق ول الفق ه أن
يراع ي التنس يق بينه ا وب ين المب ادئ العام ة الساس ية الت ى يق وم عليه ا الق انون
الوض عي البحرين ى ف ى جملت ه ،وبن اء علي ه ،ف ﻼ يج وز اﻷخ ذ بحك م م ن أحك ام
الشريعة اﻹسﻼمية ،يتعارض مع مبدأ من هذه المبادئ ،وذلك حتى ﻻ يفقد القانون
) (56مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
الوضعي تجانسه وإنسجامه ).(74
ومن جهة رابعة ،فطبقا للترتيب الذى وضعه ال نص للش ريعة اﻹس ﻼمية،
حيﺚ إنها تأتى فى الرمتبة الثالثة بعد التشريع والعرف ،فإنه م ن الناحي ة الواقعي ة،
فالقاض ى ﻻ يلج أ اليه ا ،إﻻ ن ادرا ) .(75وه و نف س اﻷم ر ال ذى يص دق عل ى دور
مبادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية كمص در للق انون ف ى الق انون الم دنى المص ري ،حي ﺚ
إنها تأتى فى المرتبة الثالثة بعد التشريع والعرف.
رابعا ً :القانون المدني القطري رقم 22لسنة :2004
نصت المادة اﻷولى من القانون المدني القطري رقم 22لسنة 2004على
ما يلي -1) :تسرى النصوص التشريعية على المسائل التي تتناولها هذه النصوص
بمنطوقه ا أو بمفهومه ا -2 .إذا ل م يوج د ن ص تش ريعي حك م القاض ي بمقتض ى
الش ريعة اﻹس ﻼمية ،ف إذا ل م يج د ،حك م بمقتض ى الع رف ،وإﻻ فبمقتض ى قواع د
العدالة(.
ومن النص نستخلص م ا يل ي -1 :بن اء عل ى م ا ج اء ف ي ال نص فمص ادر
الق انون ه ي التش ريع – الش ريعة اﻹس ﻼمية – الع رف – قواع د العدال ة؛ -2إن
المشرع استعمل اصطﻼح "بمقتضى الشريعة اﻹسﻼمية" وهن ا ف تح الطري ق أم ام
القاض ي ﻻس تنباط الحك م م ن الش ريعة اﻹس ﻼمية دون قي ود مذهبي ة -3 .ل م يش ر
النص إلى مبادئ القانون الطبيعي.
خامساً :قانون المعامﻼت المدنية اﻹماراتي :1985
نص ت الم ادة اﻷول ى عل ى ) تس رى النص وص التش ريعية عل ى جمي ع
المسائل التي تتناولها هذه النصوص ف ي لفظه ا وفحواه ا .وﻻ مس اغ لﻼجته اد ف ي
م ورد ال نص القطع ي الدﻻل ة .ف إذا ل م يج د القاض ي نص ا ً ف ي ه ذا الق انون حك م
بمقتض ى الش ريعة اﻹس ﻼمية ،عل ى أن يراع ى تخي ر أنس ب الحل ول م ن م ذهبي
اﻹمام مالك واﻹمام أحمد بن حنبل ،فإذا لم يجد فمن مذهبي اﻹمام الشافعي واﻹم ام
) (74د .محم د حس ين عب د الع ال :الم دخل لدراس ة الق انون الم دني البحرين ي ،ط،1
،2004ص .194
) (75د .محم د حس ين عب د الع ال :الم دخل لدراس ة الق انون الم دني البحرين ي ،ط،1
،2004ص .194
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (57) 2014
أبي حنيفة حس بما تقتض يه المص لحة ،ف إذا ل م يج د حك م القاض ي بمقتض ى الع رف
على أﻻ يكون متعارضا ً مع النظام العام أو اﻵداب ،وإذا كان العرف خاصا ً بإمارة
معينة فيسري حكمه على هذه اﻹمارة(.
ونصت المادة الثانية على ما يلي )يرجع ف ي فه م ال نص وتفس يره وتأويل ه
إلى قواع د وأص ول الفق ه اﻹس ﻼمي( .وه ذا ال نص ممث ال ل نص الم ادة الثالث ة م ن
القانون المدني اﻷردني.
نصت المادة الثالثة على ما يلي) :يعتبر من النظ ام الع ام اﻷحك ام المتعلق ة
ب اﻷحوال الشخص ية ك الزواج والمي راث والنس ب واﻷحك ام المتعلق ة ب نظم الحك م
وحري ة التج ارة وت داول الث روات وقواع د الملكي ة الفردي ة وغيره ا م ن القواع د
واﻷسس التي يقوم عليها المجتمع وذل ك بم ا ﻻ يخ الف اﻷحك ام القطعي ة والمب ادئ
اﻷساسية للشريعة اﻹسﻼمية(.
نص ت الم ادة 27عل ى ) ﻻ يج وز تطبي ق أحك ام ق انون عينت ه النص وص
السابقة إذا كانت هذه اﻷحكام تخالف الشريعة اﻹس ﻼمية أو النظ ام الع ام أو اﻵداب
في دولة اﻹمارات العربية المتحدة(.
وتضمن الفصل الثاني بعض قواعد اﻷص ول الفقهي ة التفس يرية وذل ك ف ي
الم واد م ن 270 – 29وم ن القواع د الت ي ن ص عليه ا ن ذكر :الجه ل باﻷحك ام
الش رعية ل يس ع ذرا ً )الم ادة (29اﻻس تثناء ﻻ يق اس علي ه وﻻ يتوس ع ف ي تفس يره
)المادة ،(3ما ثبت بنص آمر يقدم على ما وجب بالشرط )المادة ،(31المثليات ﻻ
تستهلك )الم ادة ،(34اليق ين ﻻ ي زول بالش ك ،اﻷص ل ب راءة الذم ة ،ﻻ ض رر وﻻ
ض رار ،الض رر ي زال ،الض رر ﻻ ي زال بمثل ه ،الض رورات تب يح المحظ ورات،
درء المفاس د أول ى م ن جل ب المن افع ،اس تعمال الن اس حج ة يج ب العم ل به ا،
التصرف على الرعية منوط بالمصلحة ،الخراج بالضمان ،الغرم بالغنم.
) (58مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
المطلب الرابع
الشريعة اﻹسﻼمية والقانون المدني اﻷردني والقانون المدني اليمنى والقانون
المدني الليبي
أوﻻً :القانون المدني اليمنى قانون رقم 14لسنة :2002
تض من الكت اب اﻷول – اﻷحك ام العام ة للمع امﻼت ف ي الب اب اﻷول من ه
والذي بعنوان )القواعد اﻷصولية والعامة والكلية في تطبيق القانون(.نصت الم ادة
اﻷول على )يسري هذا القانون المأخوذ من أحكام الش ريعة اﻹس ﻼمية عل ى جمي ع
المعامﻼت والمسائل التي تتناولها نصوص ه لفظ ا ً ومعن ى ،ف إذا ل م يوج د ن ص ف ي
هذا القانون يمكن تطبيقه يرج ع إل ى مب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية الم أخوذ منه ا ه ذا
القانون ف إذا ل م يوج د حك م القاض ي بمقتض ى الع رف الج ائز ش رعا ً ف إذا ل م يوج د
عرف فبمقتضى مبادئ العدالة الموافقة ﻷصول الشريعة اﻹسﻼمية جملة ويستأنس
برأي من سبق لهم اجتهاد من علماء فق ه الش ريعة اﻹس ﻼمية ويش ترط ف ي الع رف
أن يكون ثابتا ً وﻻ يتعارض مع مبادئ الشريعة اﻹسﻼميـ ـة والنظ ام الع ام واﻵداب
العامة (.
ونصت المادة 18على م ا يل ي) :المرج ع ف ي تفس ير نص وص الق وانين
وتطبيقها هو الفقه اﻹسﻼمي والمذكرات اﻹيضاحية والكتب الشارحة الصادرة من
الهيئة التشريعية المختصة (
وطبقا ً لمجموعة النصوص التي جاءت في الباب اﻷول في الم واد 19 -1
من القانون المدني اليمين نجد ما يلي :من جهة أول ى ،أن المش رع أثب ت المص در
الموضوعي ﻷحكام الواردة في القانون ،إذ نص صراحة ف ي ص در الم ادة اﻷول ى
على يسري هذا القانون المأخوذ من أحكام الشريعة اﻹسﻼمية على ....وهي عبارة
غير دقيقة نظرا ً ﻷن ه تض من أحكام ا ً م أخوذة م ن الفق ه الق انوني الغرب ي نق ﻼً ع ن
القانون المدني المصري .ونعتق د إن المش رع يقص د إن ه ذا الق انون ف ى مجموع ه
يتضمن اﻷحكام التي تتطابق مع أحكام الشريعة اﻹسﻼمية.
ومن جهة ثانية ،أن مصادر القانون هي :النصوص الواردة ف ي الق انون،
ومب ادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية – الع رف الج ائز ش رعا – مب ادئ العدال ة الموافق ة
ﻷصول الشريعة جملة ويستأنس برأي من سبق لهم اجتهاد من علماء فقه الش ريعة
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (59) 2014
اﻹسﻼمية ويشترط في العرف أن يكون جائزا ً شرعا ً وأن يكون ثابت ا ً وﻻ تع ارض
مع مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية والنظام العام واﻵداب.
ومن جهة ثالثة ،اشار القانون إلى أن مجموعة قواعد لﻺلغاء والتعديل التش ريعي
ﻻ نظير لها مطلقا ً في القوانين المدنية في البﻼد العربية ،حيﺚ نصت المادة الثانية
على ما يلي ):يجوز إلغــاء أو تعديل القوانين الشرعية في اﻷح وال اﻵتي ة -1:إذا
ك ان دلي ل الحك م نص ا ً ص ريحا ً م ن الكت اب أو الس نة النبوي ة الص حيحة ﻻ يحتم ل
التأويل أو الترجيح -2.إذا كان دليل الحكم إجماع اً -3.إذا ك ان اله دف م ن اﻹلغ اء
أو التع ديل الع دول ع ن الحك م الش رعي إل ى حك م يتع ارض م ع مب ادئ الش ريعة
اﻹس ﻼمية ،وفيم ا ع دا ذل ك يج وز اﻹلغ اء أو التع ديل ابتغ اء الوص ول إل ى حك م
شرعي أخر أقوى دليﻼً وأوفى بالمصلحة (.
ومن جهة رابعة ،لقد أدرج القانون في نصوص الم واد 16 – 3مجموع ة
من القواعد الكلية الفقهية ،كم ا وردت ف ي مجل ة اﻷحك ام العدلي ة ولك ن يﻼح ظ إن ه
جم ع ب ين قاع دتين أو أكث ر مع ا ً ف ي ن ص واح د فم ثﻼً نص ت الم ادة 15عل ى )
تصرف الدولة منوط بالمصلحة ،والوﻻية الخاصة أقوى من الوﻻة العامة(.
ومن جهة خامسة ،جعل المرجع في تفس ير النص وص وتطبيقه ا م ا يل ي
الفق ه اﻹس ﻼمي والم ذكرات اﻹيض احية والكت ب الش ارحة الص ادرة م ن الهيئ ة
التشريعية المختصة .وم ن جه ة سادس ة ،نص ت الم ادة 35عل ى ﻻ يج وز تطبي ق
أحك ام ق انون أجنب ي تع ين تطبيق ه طبق ا ً للنص وص الس ابقة إذا كان ت ه ذه اﻷحك ام
تخالف أحكام الشريعة اﻹسﻼمية أو اﻵداب العامة في الجمهورية.
) (60مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
مصر .لقد كان ت التقني ات الرئيس ية ف ي ليبي ا ه ي التقني ات اﻹيطالي ة وكان ت س ائر
التشريعات كذلك .وكانت اللغة اﻹيطالية هي لغة القضاة ولغة الحاكم ولغة اﻷحكام
وسائر اﻹجراءات القض ائية .وم ن جه ة ثاني ة ،وض ع الق انون الم دني الليب ي وه و
يط ابق الق انون الم دني المص ري م ع إض افة بع ض النص وص وإدخ ال بع ض
التعديﻼت التي اقترحها القضاة اﻹيطاليون في ليبيا ،واقتنع هو ب أن ظ روف ال بﻼد
تقتضيها وصور القانون المدني الليبي في نوفمبر سنة .(76)1953
وق د نص ت الم ادة اﻷول ى عل ى )م ادة ) (1أص ول الق انون – – 1تس رى
النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظه ا أو
فحواه ا -2 .ف إذا ل م يوج د ن ص تش ريعي يمك ن تطبيق ه ،حك م القاض ي بمقتض ى
مبادئ الشريعة اﻹسﻼمية ،فإذا لم توجد ،فبمقتضى العرف ،فإذا لم يوجد فبمقتضى
مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة( .ومن الواض ح أن الفق رة اﻷول ى م ن ه ذا
النص تماث ل الف رة اﻷول ة م ن الم ادة اﻷول ي م ن الق انون الم دني المص ري .ولك ن
على خﻼف ترتيب مصادر القانون ف ى مص ر ،فالق انون الم دني الليب ي ،جع ل م ن
مبادئ الش ريعة اﻹس ﻼمية ف ى المرتب ة الثاني ة بع د النص وص التش ريعية ،ث م يليه ا
العرف ،ومبادئ القانون الطبيعيى وقواعد العدالة.
ثالثا ً :القانون المدني اﻻردني:
نصت المادة الثاني ة عل ى ) -1تس ري نص وص ه ذا الق انون عل ى المس ائل الت ي
تتناولها هذه النصوص بألفاظها ومعانيها وﻻ مساغ لﻼجتهاد ف ي م ورد ال نص-2.
فإذا لم تجد المحكمة نص ا ً ف ي ه ذا الق انون حكم ت بأحك ام الفق ه اﻹس ﻼمي اﻷكث ر
موافق ة لنص وص ه ذا الق انون ،ف ان ل م توج د فبمقتض ى مب ادئ الش ريعة
اﻹسﻼمية -3.فان لم توجد حكمت بمقتضى العرف ،فان لم توجد حكمت بمقتض ى
قواع د العدال ة ،ويش ترط ف ي الع رف أن يك ون عام ا وق ديما ثابت ا ومط ردا وﻻ
يتعارض مع أحكام القانون أو النظ ام الع ام أو اﻵداب .أم ا إذا ك ان الع رف خاص ا
ببل د مع ين فيس ري حكم ه عل ى ذل ك البل د؛ -4ويسترش د ف ي ذل ك كل ه بم ا أق ره
) (76انظر حول جهود السنهوري في النهضة القانونية ف ي ليبي ا :م /عثم ان حس ين عب د
ﷲ ،الفقيه والرائد والمش رع العظ يم الس نهوري ،مجل ة هيئ ة قض ايا الدول ة،1989 ،
ص 99وما بعدها.
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (61) 2014
القض اء والفق ه عل ى أن ﻻ يتع ارض م ع م ا ذك ر( .ونص ت الم ادة الثالث ة عل ى )
يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودﻻلته إلى قواعد أصول الفقه اﻹسﻼمي(.
ويتبين من النص ما يلي :م ن جه ة ان ه يمي ز ب ين احك ام الفق ه اﻻس ﻼمي
ومبادئ الشريعة اﻻسﻼمية؛ ومن جهة ثانية ،لم يشر الى مب ادئ الق انون الطبيع ي
وقواع د العدال ة ،وم ن ناحي ة ثالث ة ،لق د أش ار إل ى اﻷس تعانة ف ى فه م النص وص
وتفسيرها وتأؤيله ا إل ى قواع د أص ول الفق ه اﻹس ﻼمي ،وه ى اكث ر انض باطا م ن
قواعد التفسير الوضعية ،فضﻼ عن إنها تمثل خطوة هام ة لﻼس تفادة م ن قواع د
أصول الفقه اﻹسﻼمي ،فى مجال تطبيق النصوص القانونية الوض عية ،حي ﺚ إن
علم اصول الفقه اﻹسﻼمي ،من العلوم اﻹسﻼمية الخالصة ،ولم ﻻ يوجد لها نظي ر
فى النظم القانونية الوضعية .ولقد أثر القانون المدني اﻷردني فى الق انون الم دنى
اليمنى والقانون المدني اﻷماراتي.
) (62مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
المطلب الرابع
دور السنهوري في أستحداث منهج التزاوج فيما بين الشرائع القانونية
أوﻻً :أسس منهج التزواج بين النظم القانونية عند السنهوري:
ق ام اﻷس تاذ الفقي ه الس نهوري باس تبدال م نهج اس تقبال الق وانين اﻷجنبي ة
واستزراعها في النظام القانوني الداخلي بمنهج أخر أكث ر دق ة وفعالي ة وه و م نهج
التزاوج فيما بين القوانين اﻷجنبية والقوانين الوطنية.
ونعتقد إن منهج التزاوج فيما بين التشريعات الوطنية واﻷجنبية ،قد اقتبسه
السنهوري من منهج التلفيق الفقهي في الفقه اﻹسﻼمي ومعطيات الفقه المقارن.
فف ي الفت رة اﻷول ى ف ي النص ف اﻷخي ر م ن الق رن التاس ع عش ر وأوائ ل
الق رن العش رين ،ج اءت التش ريعات الوطني ة ف ي مص ر ،تطبيق ا ً عملي ا ً لظ اهرة
استقبال القوانين اﻷجنبية واستزراعها في مصر .فقد تم استقبال واستزراع تقنيات
ن ابليون ف ي مص ر ف ي بن اء عل ى حرك ة اﻹص ﻼح القض ائي الت ي تم ت ف ي عه د
الخ ديوي إس ماعيل لتط وير وإص ﻼح النظ ام الق انوني ف ي مص ر ،ليك ون نموذج ا ً
لل نظم القانوني ة اﻷجنبي ة ،ول ذا وض عت التقني ات المختلط ة ع ام 1875والتقني ات
اﻷهلية 1883فضﻼً عن تقنيات نابليون.
ومرج ع م ا س بق ،ه و الرغب ة ف ى تط وير وتح ديﺚ النظ ام الق انوني ف ى
مصر وعلى أثر حركة اﻷصﻼح القضائي فضﻼ عن أثر الحملة الفرنسية وحرك ة
البعثات والترجمة ،وعموما فالتقاء الثقافات القانونية المصرية واﻷجنبية ،أدى إلى
حدوث استقبال قانوني للتقنيات اﻷجنبية في مصر).(77
ويتمث ل دور الس نهوري ف ي الت زواج ب ين الثقاف ات القانوني ة المختلف ة ف ي
القانون الم دني ف ي ال بﻼد العربي ة ،م ن خ ﻼل إح داث ت زواج ب ين الثقاف ة القانوني ة
اﻹسﻼمية والثقافة القانونية اﻷوربية ،والتقاليد والتراث القانوين الوطنى ،وت م ذل ك
فى اﻷطر اﻷتية:
-1إجراء تزاوج بين الثقافات القانونية.
-2اﻻحتفاظ بخصوصيات الثقافة القانونية اﻹسﻼمية.
) (77د .حسن عبد الحميد :ظاهرة استقبال القوانين اﻷجنبية فى مصر )دراس ة ف ى عل م
اﻹجتماع القانوني ( القاهرة ،1995ص .35
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (63) 2014
-3اﻻحتفاظ بالتقاليد والثوابت القانونية المستقرة في البﻼد العربية.
-4بي ان أوج ه التق ارب ب ين الفق ه اﻹس ﻼمي والنظ ام الق انوني الغرب ي دون
اﻹخ ﻼل أو الح ط م ن قيم ة م ا يتض منه الفق ه اﻹس ﻼمي م ن مب ادئ ونظ م
أصيلة.
-5اﻻس تفادة م ن الثقاف ات القانوني ة اﻷجنبي ة ف ي دراس ة الفق ه اﻹس ﻼمي طبق ا ً
للمناهج العلمية التي يدرس بها النظام القانوني الغرب ي ،وذل ك لتقري ب الفق ه
اﻹسﻼمي إلى اﻷذهان.
-6اﻻقتب اس م ن الثقاف ات القانوني ة اﻷجنبي ة للغ ة والمص طلحات القانوني ة م ع
تعريبها بدقة.
-7التعري ب ال دقيق للمص طلحات القانوني ة ،لتقريبه ا إل ى الفك ر العرب ي ،دون
اﻷخ ﻼل بمض مونها العلم ي الق انوني ال دقيق .وتح ديﺚ نظ م الص ياغة
التشريعية ،من خﻼل اﻻسترشاد بالقوانين المقارنة ،وأش ار الس نهوري إل ى
أن عن د اﻻقتب اس م ن الق وانين اﻷجنبي ة ينبغ ي اﻷقتب اس المس ائل المتعلق ة
بالشكل ،مثل التبويب والتنظيم والتقسيم والصياغة وأساليبها والمصطلحات،
أن يك ون اﻻقتب اس م ن أح دث التقني ات ،حت ى تج اري م ا وص ل إلي ه م آل
حرك ة التقن ين م ن رق ى ف ي التنظ يم والتبوي ب والص ياغة واللغ ة القانوني ة.
ويؤدي ما سبق إلى أن تبويب القانون يكون منطقيا ً).(78
وبتطبي ق م ا س بق عل ى الق انون الم دني المص ري نج د إن ه كم ا أش ارت
اﻷعمال التحضيرية – قد اقتبس م ن الق وانين المدني ة اﻷجنبي ة الكثي ر م ن القواع د
المتعلقة بالشكل والصياغة كالتبويب والتقسيم واللغة اﻻصطﻼحية .وبوجه ع ام ق د
استفاد السنهوري من حركة التقنين خصوصا ً في مجال الق انون الم دني ف ي أورب ا
وغيرها في إنها – كما قال ) نستخلص منها دروسا ً نافعة ف ي ف ن التقن ين وأس لوب
الصياغة التشريعية( ).(79
ثانيا ً :تزواج القوانين فى القانون المدني المصري والقانون المدني العراقي:
قال السنهوري) :يتميز الق انون الم دني العراق ي ،باتج اه خ اص ينف رد ب ه
)(78السنهوري ،من مجلة اﻷحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي،..ص .311
) (79السنهوري ،من مجلة اﻷحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي ،.ص .310
) (64مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
عن القانون المدني المص ري وع ن س ائر الق وانين الحديث ة .فه و أول ق انون م دني
حديﺚ يتﻼقى فيه الفق ه اﻹس ﻼمي والق وانين الغربي ة الحديث ة جنب ا ً إل ى جن ب بق در
متساو في الحكم والكيف وهذه تجربة من أخطر التجارب في تاريخ التقنين المدني
الحديﺚ( ).(80
وقال – أيضا السنهوري ) -وضع هذه اﻷحكام المقننة من الفق ه اﻹس ﻼمي
إلى جانب القوانين الغربية ممتلكة ف ي الق انون المص ري الجدي د ،فلس نا مغ الين إذا
قلنا أن تجربة القانون المدني العراقي تعد م ن أخط ر التج ارب ف ي ت اريخ التقن ين.
فهذه أحكام الفقه اﻹسﻼمي قننت في نصوص واضحة وضعت إلى جانب نصوص
الق وانين الغربي ة ،وب ذلك ت م جم ع الفق ه اﻹس ﻼمي والق وانين الغربي ة عل ى ص عيد
واحد ،فمكن لعوامل المقارنة والتعريب من أن تنتج أثرها ومه د الطري ق للمرحل ة
الثالثة واﻷخيرة في نهضة الفقه اﻹسﻼمي( ).(81
يمثل القانون المدنى المصري والقانون المدنى العراقي – وهما قد وض عا
بيد السنهوري – أكثر النماذج القانونية ،لدور الس نهوري ف ى إح داث ت زواج فيم ا
بين القانون الوطنى والقوانين اﻷجنبية والفقه اﻹسﻼمي ،فض ﻼ ع ن إنهم ا يتض ح
مدى تأثر السنهوري بالمدرسة التاريخية للقانون وبتعاليم علم اﻷجتماع الق انوني،
فضﻼ عن علم القانون المقارن.
اس تقى الس نهوري مص ادر الق انون الم دنى العراق ي أوﻻً:م ن نص وص
مجلة اﻷحكام العدلي ة؛ بأعتباره ا نموذج ا للفق ه اﻹس ﻼمية وف ى نف س الوق ت نظ را
ﻷنها كانت تطبق فى العراق ،فاﻻحتفاظ ببعض احكامها يتوافر مع ضورة مراع اة
المورث القانوني وما جري عليه العمل ،وطبقا لمنطق التطور التدريجي فى فلسفة
التشريع .وثانيا ً من نصوص التشريعات العراقي ة الخاص ة ،حي ﺚ إن ال بعض م ن
أحك ام الق انون الم دني كان ت متن اثرة ف ي ق وانين خاص ة ،وثالث ا ً :م ن نص وص
الق انون الم دني المص ري ،نظ را ﻷن ه أح دث التش ريعات المدني ة العربي ة ،الت ى
صدرت قبل إصدار القانون المدني العراقي هذا من جه ة ،وم ن جه ة ثاني ة نظ را
ﻻنه من التقنينيات المتخيرة التى جمعت بين أحدث ما وصل اليه علم التش ريع ف ى
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (65) 2014
اوربا حينذاك ،فضﻼ عن ما تضمنه من احكام مستمدة من الشريعة اﻹسﻼمية.
ثالثا ً :فلسفة القانون المدني العراقي وإرهاصات القانون المدني العربي
يتفق القانون المدني العراقي مع القانون المدني المصري ف ي اﻻتجاه ات
العام ة ،مث ل ط ابع اﻻعت دال والتوس ط ب ين اﻻس تقرار والتط ور ب ين حماي ة الف رد
وحماية الجماعة .وم ن جه ة أخ ري ،أخ ذ الق انون الم دني العراق ي ب نفس الترتي ب
والتبوي ب متابع ة تام ة ،حت ى يمك ن الق ول إن الب اب التمهي دي ف ي الق انون الم دني
العراقي يكاد أن يكون منقوﻻً نقﻼً حرفي ا ً م ن الق انون الم دني المص ري ،فيم ا ع دا
بعض القواعد الكلية التي نقلت عن المجلة).(1
ولكن من ناحية ثانية ،نجد إن القانون المدني العراقي ينفرد بخص ائص ﻻ
يشترك فيها مع غيره في الق وانين الحديث ة العربي ة اﻷخ رى ،وه ي إن ه أول ق انون
م دني ح ديﺚ يتﻼق ى في ه الفق ه اﻹس ﻼمي والق وانين الغربي ة مع ا ً ف ي تقن ي واح د،
وبقدر متساو في الكم والكيف).(2
وم ن ناحي ة ثالث ة ،أدى الق انون الم دني العراق ي إل ى تحقي ق الوح دة
التش ريعية للقواع د المنظم ة للمع امﻼت المدني ة ف ي تقن ين واح د ،حي ﺚ إن ه جم ع
شتات المسائل المدنية التي كانت موجودة في قوانين خاصة ،وهي المسائل التي لم
تتناوله ا مجل ة اﻷحك ام العدلي ة ،وله ذا فه و ح ق اﻻنس جام والتكام ل ف ي التنظ يم
والتجانس القانوني للمعامﻼت المدنية في العراق).(3
ومن جهة رابعة ،فإن من أه م خص ائص الق انون الم دني العراق ي ه و إن ه
وضع ليكون – كما يقول اﻷستاذ السنهوري – تمهيدا ً للقانون المدني العربي) ،(4إذ
إذ إن ه تض من أحك ام م أخوذة م ن الفق ه اﻹس ﻼمي م ع أحك ام م أخوذة م ن الق وانين
الغربية متمثل ة ف ي الق انون الم دني المص ري ،وب ذلك فه و يجم ع مع ا ً ب ين اﻹحال ة
متمثلة في الفقه اﻹسﻼمي والمعاصرة متمثلة ف ي النص وص الم أخوذة م ن الق انون
المدني المصري والذي بدوره م أخوذ م ن ق وانين أجنبي ة متخي رة ،وله ذا فالق انون
) (66مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
المدني العراقي تطبيق عملي للجميع بين نظم قانونية متع ددة مع اً ،ول ذا فه و يؤك د
وجود نظم قانونية مختلطة Mixed legal systemsهذا من جهة.
وم ن جه ة خامس ة ،فق د ف تح الق انون الم دني العراق ي الب اب نح و اختب ار
مص ير تجرب ة المقارن ة والتعري ب ب ين الفق ه اﻹس ﻼمي ،والفق ه الق انوني الغ ري
ومآلها) ،(1فإذا نجحت ،كانت الخطوات أخرى أفضل ومتقدم ة وه ي وض ع ق انون
مدني عربي مؤسس على نهضة حقيقية مدنية ﻷحكام الفقه اﻹسﻼمي.
ومن جهة سادس ة ،نج د إن ه بالنس بة للق انون الم دني العراق ي وبخص وص
اﻻقتباس من مجلة اﻷحكام العدلية ،فهي بالنسبة للقانون المدني العراقي له ا عﻼق ة
وثيقة به من ناحيتين ،الناحية اﻷولى باعتبارها مدونة معامﻼت مدنية م أخوذة م ن
الشريعة اﻹسﻼمية وبوجه الخ اص الم ذهب الحنف ي واﻻعتب ار الث اني فه ي طبق ت
عليها في تنظيم معامﻼتهم المدنية طبقا ً للنصوص الواردة بها.
وبناء على ما سبق ،فقد كان م ن المنطق ي أن ي تم اﻻحتف اظ به ا أساس ا ً م ع
استكمال ما ل م تتض منه م ن مص ادر أخ رى ،بش رط أﻻ يتع ارض معه ا س واء م ن
القوانين الغربية نقﻼً عن القانون الم دني المص ري أو م ن م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمي
اﻷخرى غير الفقه الحنفي.
وترتيبا ً على ما سبق ،فقد ك ان م ن المنطق ي أن تب رز لجن ة وض ع التقن ين
المدني العراقي والسنهوري فيها تقرر ضرورة اﻻستناد إلى مجلة اﻷحك ام العدلي ة
أساسا ً نظرا ً ﻷنه ا مألوف ة ،ولض رورة اس تقرار التعام ل ،فض ﻼً ع ن اﻻقتب اس م ن
الفق ه اﻹس ﻼمي ﻷن ه يتض من مب ادئ وأحك ام ت داني وتف وق أح دث الق وانين
اﻷجنبية).(2
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (67) 2014
وبوج ه ع ام يتض ح م ن خ ﻼل الس مات العام ة للتقن ين الم دنى العراق ي )
وك ذلك م ن ب اب أول ى الق انون الم دني المص ري ( م ا اش ار الي ه الس نهوري
بخص وص قواع د اس تقبال الق وانين اﻷجنبي ة وتط وير الق انون ال وطني وعل م
التش ريع ،ومنه ا بوج ه خ اص قاع دة ف ي إن يراع ي عن د اﻻقتب اس م ن الق وانين
اﻷجنبية ،حتى ولو كان ت تنتم ي إل ى ج نس الق انون ال وطني )مث ل الق انون الم دني
المص ري بالنس بة للق انون الم دني العراق ي م ثﻼ( ،أن ي تم دم ج مجموع ة القواع د
والمبادئ والنظريات التي تم استعارتها مع جسم التقنين على نحو ﻻ يحدث تنافرا ً
بين أجزاء التقنين وأن يتم تنسيق النصوص وتنجسم اﻷحكام مع اً ،بحي ﺚ ﻻ ت ؤدي
اﻻستعارة من القوانين اﻷجنبية مصدرا ً لوجود تعارض بين ن واحي التقن ين الم راد
وضعه).(1
ويعني ما سبق ،بقول أخر ،في حالة اﻻستعارة من قوانين أجنبي ة أو حت ى
وطنية أخرى عند وضع تقنين ما ،يجب صهر هذه القواعد كلها مع بعض ها ،حت ى
يصدر التقنين متكامل متناسق وملتحم اﻷجزاء كﻼ واحدا ً ﻻ تعارض ب ين قواع ده،
ب ل تتكام ل كله ا م ع بعض ها لتحقي ق اله دف المتبق ى من ه ،وذل ك م ا نﻼحظ ة ف ى
التقنيين المدنى المصري والعراقي.
الخاتمة
خﻼصة القول :أن مش روع الس نهوري ق د أث ر ت أثيرا كبي را ف ى الق وانين
المدنية العربية ،ويتمثل هذا التأثير فيما يلي بإيجاز:
-تطوير حركة التقنين فى مجال القانون المدني فى البﻼد العربية.
-تأثير القانون المدنى المصري 1948فى القوانين المدنية العربية.
-توحيد اللغة القانونية والمصطلحات القانونية فى البﻼد العربية.
-اﻹستفادة من القانون المقارن فى تطوير القوانين المدنية العربية.
-2ﻻ يق ل الفق ه اﻹس ﻼمي ،م ن حي ﺚ رق ى المب ادئ وس مو المنط ق الق انوني ،ع ن
أعظم النظم القانونية مقدما ،وهو قاب ل للتح وير بحي ﺚ يتمش ى م ع أح دث النظري ات
القانونية ،وما داع لنا هذا التراث العظيم .فمن السفه أن نبدده ،ثم نلتمس ما ف ي أي دي
الغير(.
) (1السنهوري :القانون المدني العربي ،ص .499
) (68مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى 2014
إدم اج الش ريعة اﻹس ﻼمية كمص در رس مي للق انون ف ى الق وانين المدني ة -
العربية ،حي ﺚ اقتب اس الكثي ر م ن اﻷحك ام والمب ادئ والقواع د القانوني ة م ن
الشريعة اﻹسﻼمية وإدرجها فى القوانين المدنية العربية.
التركي ز عل ى اﻻقتب اس م ن كاف ة التش ريعات العالمي ة ،دون اﻷعتم اد عل ى -
تشريع واحد؛ ولهذا فهو بحق من جعل النظم القانونية العربي ة نظ م قانوني ة
مختلط ة Mixed legal systemsوه و اح د ال نظم القانوني ة العالمي ة
المقارنة ،طبقا لبعض علماء القانون المقارن الجدد.
تأسيس علم التقنين الحديﺚ وفلسفة التشريع الحديﺚ فى البﻼد العربية. -
فتح الطريق نحو التقريب بين الفقه اﻹسﻼمي والقانون الغربي ،مع اﻹحتفاظ -
بخصوصية وصناعة الفقه اﻹس ﻼمى ،ودون ش ك إن مؤلف ه الق يم ) مص ادر
الحق فى الفقه اﻹسﻼمي( خير مثال على هذا.
اﻻس تفادة م ن كاف ة م ذاهب الفق ه اﻹس ﻼمى مع ا ،دون التقيي د بم ذهب فقه ى -
واحد.
المحافظ ة عل ى التقالي د والت راث الق انوني ال وطنى ،وجعل ه أس اس التقن ين، -
فضﻼ عن اﻻستفادة من القوانين المقارنة ،وذلك أنطﻼقا من تأثر الس نهوري
بفلسفة المدرسة التاريخية للقانون.
مجلة الحقوق للبحوث القانونية واﻻقتصادية بكلية الحقوق ،جامعة اﻹسكندرية ،العدد الثانى (69) 2014