Professional Documents
Culture Documents
عظة
ترمجة
اعدل زكري
2
مقدمة
يف هذه العظة القصرية ،واليت ألقيت يف عيد للشهداء لم يذكر أسماؤهم،
حييك القديس باسليوس أنه اتهم بأنه ينادي بثالثة آهلة ،Tritheismألنه
يرفض تصنيف الروح القدس بني املخلوقات .بكلمات أخرى ،أساء خصومه
فهم وتفسري عقيدته اثلالوثية اليت تنادي بثالثة أقانيم متساويني غري خمتلطني
-اآلب واالبن والروح القدس -واعتربوها منادة رصحية بتعدد اآلهلة
.Polytheismال خييف ق باسليوس ضيقه وحزنه ىلع هذه املماحكة ،ويفيد
آسفا بأنه تم اخرتاق سامعيه جبواسيس ال يهتمون بيشء سوى اإلمساك به وهو
يقول شيئا يمكن استغالهل ضده للتشنيع به.
يؤكد ق باسليوس بأن عقيدته ال تكافئ القول بثالثة آهلة ،بل وحيرم من
يقول بإن الروح القدس خملوق .ويقول أيضا بكل ثقة يف أرثوذكسية آرائه
وببالغة ليست قليلة يظهر استعداده تلحمل صنوف اتلعذيب من أجل إيمانه،
كما فعل الشهداء اذلين يليق عظته يف حضور رفاتهم .وهكذا حنن نتقابل يف
هذه العظة مع ق باسليوس يف أواخر أيامه -مفصال ومدافعا عن عقيدته ،ويف
سخونة املعركة ،إن جاز اتلعبري ،ومن ثم يقدم نلا ديلال ىلع تطور ونضوج فكره
الالهويت.
قدمت هذه العظة ىلع األرجح يف الفرتة من منتصف إىل أواخر سبعينيات
القرن الرابع .وىلع األرجح فاذلين وجهوا تهمة القول بثالثة آهلة بلاسليوس هم
أتباع أوسطاثيوس من سبسطية ،وهو مرشده الرويح السابق يف األمور
النسكية 1.لكن عالقة باسليوس بأوسطاثيوس بدأت تشلك إشاكيلة كبرية يف
1
On Basil’s relationship and conflict with Eustathius of Sebasteia, see Philip Rousseau, Basil
of Caesarea (Berkeley: Univeristy of California Press, 1994), 239- 54; Lewis Ayres, Nicaea
3
السنوات من 375 -372م ،حني بدأ حلفاء مثل ميليتوس األنطايك وثيؤدوتوس
من نيكوبوليس يف التشكيك يف عقيدة أوسطاثيوس عن الروح القدس .ويف
صيف اعم 372أو 373م تقابل ق باسليوس مع أوسطاثيوس وبطريقة ما أجربه
ىلع توقيع اعرتاف بإيمان أرثوذكيس 2.لكن بعد ذلك تنصل أوسطاثيوس من
هذا االعرتاف اذلي وقعه ،وافرتق باسليوس وأوسطاثيوس عن بعضهما ابلعض
بينما أصبح خالفهما أكرث حدة.
ويف انلهاية قام أوسطاثيوس باتهام باسليوس بالسابلية ،اليت تنادي بوحدة
اهلل اثلالوث بطريقة تفشل يف احلفاظ ىلع اتلمايز احلقييق وادلائم بني اآلب
واالبن والروح القدس .ثم حدثت القطيعة الاكملة بينهما اعم 375م ،ووصفه
باسليوس بأنه من أتباع انليوماتيكوي أو ”حماريب الروح القدس“ 3.وبرغم أن
أوسطاثيوس مات ىلع ما يبدو يف اعم 377م ،إال أن عداوته مع باسليوس ظلت
حية يف نفوس أتباع أوسطاثيوس.
4
السابلية أو بطريقة أخرى تؤدي إىل تعدد اآلهلة ،وذلك بسبب إرصار ق
باسليوس ىلع التشاركية الاكملة واملساواة الاكملة بني األقانيم 5.بكلمات
أخرى ،لقد حدد ق باسليوس مبدأ الوحدة يف اثلالوث -حبسب زاكوبر -يف
املساواة بتطابق اجلوهر ،وليس بنوع من االشتقاق من اجلوهر كما فعل
الهوتيون سابقون .أقانيم اثلالوث -حبسب باسليوس -دليهم نفس ”ماهية أو
تعريف اجلوهر“ ( )λόγος τῆς οὐσίαςومن ثم يتشاركون يف ”عمومية
اجلوهر“ ( 6.)commonality of substanceوهذا يعين أن الصفات املشرتكة
اليت تنسب لألقانيم ،مثل ”الصالح“ و”انلور“ ،فيه تسيم عمومية اجلوهر،
وجيب أن تفهم بنفس املعىن عن األقانيم اثلالثة .يف املقابل الصفات اليت
تنسب بشلك حرصي للك أقنوم فيه تسيم العالقات املمّية للك أقنوم.
حبسب زاكوبر ،إذا اكن فهم باسليوس للمساواة اثلالوثية بتطابق اجلوهر ال
يصاحبه اتلميّي بني اجلوهر واألقنوم ”فإن هذا سيؤدي بالرضورة إما إىل القول
بثالثة آهلة أو السابلية .يف احلالة األوىل سيكون األقانيم اثلالثة بمثابة مبادئ
مستقلة ،ويف احلالة األخرى سيكون اثلالثة جمرد أوجه للكينونة اإلهلية
الواحدة“ 7.وباتلايل فإن اتهامات أتباع أوسطاثيوس ضد باسليوس قد تكون
مبنية ىلع فهم ناقص للفكر اثلالويث اذلي قال به باسليوس.
يبدأ باسليوس عظته ”ليسوا ثالثة آهلة“ برثاء ىلع اتلفكك احلادث
للكنيسة ،مشجعا سامعيه للسيع إىل الوحدة .لقد منحنا الرب احلب والسالم،
5
Johannes Zachhuber, Human Nature in Gregory of Nyssa: Philosophical Background and
Theological Significance, VCS 46 (Leiden: Brill, 2000), 57- 61.
6
قارن ق باسليوس ،ضد أفنوميوس .19 :1يمكنك الرجوع لنسخة إلكرتونية اكملة جمانية نلص ”ضد إفنوميوس“ للقديس
باسليوس ،ترمجة اعدل زكري ،ىلع املدونة اآلتية (https://christopraxy.blogspot.com/2023/05/blog-
.)post.html
7
Zachhuber, Human Nature, 58.
5
لكنهما استبدال اآلن بالكراهية .لك واحد مهتم بالسيع تلحقيق مصاحله
اخلاصة أكرث من املصاحلة .غري أن باسليوس يمتدح اذلين اجتمعوا يف وحدة،
ألنه من املستحيل أن تبىن الكنيسة بدون روابط السالم واملحبة ،وهو جيد
سلوى يف دعمهم هل .يقول باسليوس إن العيد احلايل -وهو لشهداء لم يذكر
أسماؤهم -قد وضعه اآلباء من أجل تعزيز املحبة والوحدة؛ إذ يسمح العيد
بتجديد الصداقات القديمة وتوفري فرصة لصداقات جديدة .لكن هذا اتلقليد
قد هجر اآلن بشلك أو بآخر؛ ألن معظم احلارضين اكنوا ”جواسيس“ يسعون
لإلمساك بباسليوس وهو يقول شيئا يمكن استغالهل يف التشنيع به.
ثم يفيد باسليوس بأن خصومه ،اذلين دليهم جواسيس بني سامعيه ،يتهمونه
بالقول بثالثة آهلة .يف بقية العظة ،يفند باسليوس هذه اتلهمة ،اليت وجهها هل
حماربو الروح القدس ،ليس بتقديم دفاع عن ألوهية الروح القدس كما هو
متوقع ،بل بتقديم دفاع عن فكره الالهويت اثلالويث ال يتبىن فكر القائلني بإن
اآلب واالبن خمتلفان يف اجلوهر .Heterousians
يذكر باسليوس يف ابلداية أنه ببساطة يتبع إيمان اآلباء ،اذلين يتبعون
بدورهم املسيح ،ملمحا إىل وصية املعمودية يف مىت .19 :28وباتلايل يصبح من
يتهمونه بالقول بثالثة آهلة كمن يطعن يف الرب نفسه .كذلك كما قال بولس يف
أف ،5 :4يوجد رب واحد .غري أن وصف لك من اآلب واالبن بلقب ”رب“ ال
يقسم الربوبية اإلهلية بني إهلني .وهنا يفرتض باسليوس اتلميّي بني
املصطلحات اليت تنسب بالتساوي لآلب أو االبن ،واملصطلحات اليت تنسب
بشلك متفرد للك من اآلب واالبن .وقد أسهب يف هذه انلقطة يف كتابه ”ضد
إنوميوس“ .ويف كتابه هذا يرص ىلع أن املصطلحات اليت تنسب بالتساوي
لآلب واالبن هلا نفس ادلاللة ،ويه تصف ما يسيمه ”عمومية اجلوهر“ ( το
6
8.)κοινόν τῆς οὐσίαςعمومية اجلوهر ال تعين وجود ”نوع من املحاصصة
(أو توزيع) وتقسيم ملادة موجودة سابقا يف املوجودات اليت ستأيت منها“ .وإنما
9
باألحرى ”نفس تعريف الكينونة الواحد يالحظ يف لك من اآلب واالبن“.
ثم يكشف ق باسليوس انلقاب ىلع األساس اذلي بين عليه اتهام خصومه.
واكن السبب أنه يرفض تصنيف الروح القدس ىلع أنه خملوق وخاضع كعبد.
بالفعل يقول باسليوس إنه يرفض الزتحزح عن موقفه .وهو سيدافع بال هوادة
عن معتقداته كما فعل الشهداء اذلين ترقد أجسادهم يف الكنيسة .لكن هذا
ال جيعله مناديا بثالثة آهلة .ثم يفيد باسليوس بأن خصومه يقرأون اسم
”ابلاراقليط“ -كما ورد يف يو -26 :15كإشارة إىل احلالة الوضيعة للروح القدس
(ىلع أساس أن باراقليط تعين شفيع أو حمايم) .يفند باسليوس هذه الفكرة
8
قارن ق باسليوس ،ضد إفنوميوس .27 ،19 :1
9
قارن ق باسليوس ،ضد إفنوميوس .19 :1
10
قارن ق باسليوس ،رسالة .261
11
قارن ق باسليوس ،ضد إفنوميوس .3 :2السيادة يه صفة للطبيعة اإلهلية .قارن ضد إفنوميوس .2 :3
7
السخيفة باالستشهاد بيوحنا 16 :14حيث حيمل املسيح نفس اللقب
”باراقليط“ أيضا .وهو هنا يعتمد ىلع نفس منطق األلقاب املشرتكة .اللقب ال
يشري إىل احلالة الوضيعة للروح القدس ألن االبن أيضا يوصف بنفس اللقب
أيضا .وباتلايل فهو لقب يشري إىل اجلوهر اإلليه املشرتك ،واذلي يتشارك فيه
االبن والروح القدس.
بقية العظة تتعرض إىل اعرتاضات متنوعة حمتملة ىلع رشح باسليوس
للوحدانية اإلهلية ،أقصد أن اآلب واالبن هما اهلل بالتساوي ،ويف نفس الوقت
هلإ واحد .االعرتاض املحتمل األكرب اذلي حيدده باسليوس يتعلق بالوالدة
اإلهلية .كما جادل أفنوميوس وآخرون قبله ،فإن حقيقة الوالدة اإلهلية قد تويح
بأن ألوهية االبن أدىن من ألوهية اآلب .بكلمات أخرى ،حيافظ أفنوميوس ىلع
12
On “distinguishing marks” see Radde-Gallwitz, Divine Simplicity, 132- 7; and Mark
DelCogliano, Basil of Caesarea’s Anti-Eunomian Theory of Names, 189- 260.
8
الوحدة اإلهلية بأنه ينسب األلوهة الاكملة لآلب غري املولود وحده ،وحيرم االبن
املولود من املشاركة فيها.
فيما ييل يهتم باسليوس بتقديم رشح للوالدة اإلهلية حيافظ ىلع الوحدة
اإلهلية لآلب واالبن .يبدأ باسليوس بالتشديد ىلع عدم إدراكية الوالدة اإلهلية،
وقائال بأنه ال يوجد مصدر بني املوجودات املخلوقة يمكن للمرء أن حيصل
منه ىلع معرفة بالوالدة اإلهلية .وبالتشديد ىلع عدم إدراكية الوالدة اإلهلية
يسىع باسليوس إىل إزالة أساس اداعء القائلني باالختالف يف اجلوهر بني اآلب
واالبن ،عندما يزعمون بأنه بطريقة مماثلة للوالدة البرشية ،فإن الوالدة اإلهلية
تتضمن بالرضورة تدنيا لالبن .ثم حيتكم باسليوس إىل يوحنا 1 :1كربهان ىلع
أن اللكمة هو اهلل دائما ،ومؤكدا مرة أخرى ىلع أزيلة االبن .هذا هو انلص
13
املفضل بلاسليوس تلأكيد هذه الفكرة.
13
قارن ق باسليوس ،ضد إفنوميوس .15 -14 :2وعن الروح القدس .14 :6
9
باسليوس حجة أخرى من احلجج األساسية دلى الفريق القائل باختالف
اجلوهر بني اآلب واالبن عن اتلدنوية اجلوهرية لالبن ،أي مسألة اتلجسد.
بعد مناقشة اتلجسد ،يعود باسليوس باختصار إىل موضوع الوالدة اإلهلية
غري املوصوفة قبل أن يتصدى إىل اعرتاضني آخرين عن الوحدة اإلهلية بني
اآلب واالبن .االعرتاض األول يتعلق بهل يكرم االبن أكرث من اآلب ألنه
جيلس عن يمني اآلب .هذه القضية تشبه رأيا رفضه باسليوس يف بيان اإليمان
اذلي ألفه وجعل أوسطاثيوس يوقع عليه يلؤكد ىلع أرثوذكسية عقيدته بشأن
الروح القدس 14.يؤكد باسليوس ىلع أن اآلب واالبن يتشاراكن نفس الكرامة
ألن االبن حصل ىلع اإلكرام من أبيه ،واآلب منح اإلكرام جمانا لالبن .مرة
أخرى ،يردد صدى جزء سابق من العظة حيث يؤكد باسليوس أن ”اهلل“ هو
اسم ينسب بالتساوي لآلب واالبن ،مما يثبت وحدتهما اإلهلية.
يف اجلزء األخري من العظة يتعرض إىل اعرتاض آخر لرشح باسليوس للوحدة
اإلهلية بناء ىلع معىن االسم ”آب“ .يعرتف باسليوس أن األبوة البرشية ال تنفك
عن الزمنية واجلهد واجلهل والعجز عن تنفيذ إرادة املرء ،لكنه يؤكد ىلع أن
األبوة اإلهلية ال تتسم بهذه السمات .هذه السمات اخلاصة باألبوة البرشية ال
ينبيغ أن تستخدم لفهم األبوة اإلهلية ،وال لإلحياء بأن اآلب واالبن ليسا
متوحدين يف ألوهيتهما .وعند هذه انلقطة تنتيه العظة بشلك مفائج.
14
قارن ق باسليوس ،رسالة 3 :125حيث يقول ”البد أن يهرب املرء ...من اذلين يبدلون الرتتيب اذلي سلمه نلا الرب ،ورتبة
االبن قبل اآلب ،ويضعون الروح القدس قبل االبن“ .قارن أيضا الرسالة .4 :52
10
15
ترمجة انلص
من سيمنحين لك العالم املعمور كمرسح يل ،وصوتا أىلع من ابلوق ،ومرايث
إرميا ،وغزارة من ادلموع ،حبيث بهذه ادلموع أستطيع أن أحطم القلب اذلي
سحق باحلزن ،وأكوم الرتاب اذلي تكوم علينا اآلن بشلك مهني ،وأنوح بلليتنا
املشرتكة ،أي سقوط املحبة اليت يه جذر الوصايا؟ لكين أضم هؤالء احلارضين
حبضن ال يتوقف للروح هلذا السبب :لقد أظهرتم بصرية غري اعدية باحتادكم
معا ،ببعضكم ابلعض .ألن لك منا صار لآلخر مثل حبة رمل ،غري مندجمني
15
ترمجت هذه العظة عن الرتمجة اإلجنلّيية الواردة يف هذا الكتاب:
St. Basil the Great, On Christian Doctrine and Practice, ed. John Behr and Augustine Casiday,
trans. Mark DelCogliano, vol. 47, Popular Patristics Series (Yonkers, NY: St Vladimir’s
Seminary Press, 2012).
11
ببعضنا ابلعض بل منفصلني عن بعضنا ابلعض 16.يف انلهاية من املستحيل
تشييد بناية يف غياب ما جيعلها متماسكة ،أو بناء كنيسة مرتفعة عندما ال
تمسك معا بروابط السالم واملحبة.
( )2بآذان صبورة اتلفتوا إيلنا حلظات ،ليس ألننا نسىع إلبهاركم حبديثنا،
بل ألننا نشعر أننا جمربون بأن نضمكم إىل رفقة هؤالء اذلين حيزنون .ألن
الرفقة مع احلزاىن اآلخرين جتلب اتلعزية للبائسني .ربما عندما تتحد أحزاننا
فإنها تصل إىل الرب بقوة عظيمة .أم هل سيسمع لك واحد منا بمفرده بفضل
جهودنا الضعيفة؟
املشهد احلايل ليس إال بقية املحبة القديمة لآلباء .ومن أجله دشن اآلباء
ممارسة إقامة هذه االجتمااعت االحتفايلة ،يلكما يتبدد اتلغرب اذلي ينشأ
بمرور الوقت من خالل اتلفاعل الشخيص ىلع فرتات حمددة ،واذلين يعيشون
بعيدا عندما جيتمعون يف هذه املاكن الواحد ،يمكنهم استغالل احلدث بلدء
عالقات صداقة وحمبة .هذا اجتماع رويح جيدد العالقات القديمة ،ويوفر
نقطة انطالق لعالقات آتية .ألننا لم نأت نلتبادل بضائع قابلة للبيع ،بل نلمنح
بعضنا ابلعض مقايضة للمحبة املتبادلة ،ليك نمنح املحبة الاكملة ،ونستقبل
املحبة الاكملة .لك هذا أسسه آباؤنا .وبرغم أن هذا هو اتلقليد اذلي قبلناه ،فإن
املشهد احلايل يشهد أسباب نهاية هذا اتلقليد .معظم املوجودين هنا هم
جواسيس مهتمون باألحرى بتمحيص عبارايت أكرث من أن يتتلمذوا للعقائد
اليت أعلمها.
16
الفكرة من هذا التشبيه الغريب ىلع ما يبدو أنه برغم أن حبات الرمل مرتاصة بشلك قريب جدا ،فيه تظل متمايزة فيما
بينها وغري خمتلطة معا حبيث تفقد هويتها اخلاصة.
12
بالفعل هم حيرضون حدييث ليس يلبنوا أنفسهم حبضورهم ،وإنما يلنصبوا
يل كمينا بإهانات وشتم .فإذا ربما قلت أي يشء ينسجم مع ما يريده الرافضون
لرأيي إمساكه لع وأنا أقوهل ،فإن من يسمعه يغادر كما لو اكن قد حصل مين ما
خيصه فعال .تلدعوا هذه االعتبارات تكتب ىلع قلوبكم .اشهدوا للحق ،ونلا
ضد اذلين يسببون مثل هذه االضطرابات ،شاهدين ىلع أننا جددنا العطية
القديمة.
( ) 3ألن هذا ما يقوهل هؤالء اذلين ال خيافون اهلل ،شاغرين أفواههم ضدنا
باداعء أننا ننادي بوجود ثالثة آهلة ،ويقولون” :ماذا يريد هذا الرجل اذلي
يكرز بثالثة آهلة يف كنيسة الرب؟ يف ماكن آخر يمكننا أن جند تعدد اآلهلة،
لكن هنا توجد تقوى جتاه اهلل .إذا قال ثالثة ،فلماذا ال يتجارس ىلع القول
بأربعة أيضا؟ وملاذا ال يوسع العدد إىل اثين عرش؟“ 17وباتلايل انظروا جنون هؤالء
اذلين شحذوا ألسنتهم ضد احلق! أنا ال أرتاع حني يتعلق األمر باتلفنيد ،لكين
أنتظر كريس دينونة املسيح .وهناك سأواجه هؤالء اذلين يلفقون هذه اإلهانات
والشتم” .يعلم الرب اذلين هم هل“ (2يت .)19 :2و”ظالم الفقري يعري خالقه“ (أم
.)31 :14
إذا كنت أقوم بتسليم إيمان اآلباء ،فلماذا ترتكون اآلباء وتطعنون يف أنا؟
إذا كنت أؤمن باآلب ،وإذا كنت أعرتف باالبن ،وإذا كنت ال أقلل من الروح
القدس .غري أنه إذا اكن أحد يعرتف باثلالوث يسيم ثالثة آهلة ،فهو ينتقص من
املعمودية ويطعن يف اإليمان .ملاذا تفرتضون أنين مصدر هذا االعرتاف؟ أال
تدركون أنكم بهذا تطعنون يف الرب؟ وهو اذلي أوصانا بأن نعمد ”باسم اآلب
واالبن والروح القدس“ (مت )19 :28؟ فهل أنا ،أم املعلم؟ لكمات من هذه؟ هل
17
قارن ق باسليوس ،رسالة .131
13
يه لكمات اذلي أعلنها أم امللكف بها؟ ملاذا جتدونين متهما بافرتاءاتكم عندما
أكرر هذا االعرتاف؟ أال تدركون بأن تهكمكم لع يهز معقل اإليمان؟ لكنين
حىت وإن اكن ممكنا أن أقع يف فخكم بسهولة ،فإن اإليمان يبىق غري مزتعزع.
”رب واحد“ (أف .)5 :4تعلموا من بولس .لم يقل ”ربني“ أو ”ثالثة“.
وحىت إذا سميت االبن ”ربا“ ،فال أوزع الربوبية ىلع ربني أو أرباب كثريين.
اآلب رب .واالبن رب ،و”إيمان واحد“ (أف )5 :4؛ ألن الرب واحد ،ومعمودية
واحدة تتبع إيمانا واحدا .ذللك يوجد تأكيد لواحد من واحد من خالل الواحد.
إذا كنت ال أنتقص من الروح القدس ،وال أضعه يف فئة العبيد ،فإنين أصري
هلذا السبب هدفا الفرتاءاتكم .ال تتقولوا لع بيشء ال أقول به .دعونا ننظر
يف مدى موضوعية افرتاءاتكم .ملاذا ختفون إهانتكم وشتمكم؟ أيها
امللعون 18،أنت تكذب حني تقول إننا ننادي بثالثة آهلة ،وحني ال تعرتف
عالنية بأننا من حنرم لك من يزعم بأن الروح القدس خملوق .أما بالنسبة هلذا
االتهام ،فأنا (غري) مذنب بهذه اتلهمة .ألنين مستعد أن أسلم نفيس للنار
والسيف احلاد .فحىت إذا مزقين اهلنبازين ،فإنين سأقبل هذه أدوات اتلعذيب
بنفس اثلقة اليت أظهرها الشهداء اذلين يرقدون هنا ،وبمقتىض هذا حسبوا
مستحقني لألكايلل .ذللك قولوا هذا االتهام ضدي ،طاملا أنين ال أعد الروح
القدس مع املخلوقات .لكن إذا لم تقولوا أي يشء أكرث من هذا ،سيكون
عليكم أن تقدموا مربراتكم للقايض.
قرئ للتو ”مىت جاء المعزي (ابلاراقليط)“ (يو .)26 :15لكنكم فهمتهم
هذا انلص أيضا كفرصة إلهانيت وشتيم بافرتاءاتكم .أحدكم يقول
”ابلاراقليط هو اذلي يتشفع من أجلك“ .أنتم تظهرون عدم االحرتام ذلات
18
قارن مت .41 :25
14
الوسيلة اليت يمنح بها الرب اإلحسانات! ألم حتصلوا من قبل ىلع إحسانات
ابلاراقليط؟ ألم يقر الرب أن هذا الوصف يليق به؟ لقد قال سأرسل لكم معزيا
(باراقليط) آخر 19.وبقوهل ”آخر“ ،أال يشري إىل أنه ديع هو أيضا باراقليط إذا
اكن يوجد آخر؟ إذا كنت أحتدث من مرجعييت ،ال تسمعوا يل .وإذا كنت أقرأ مما
20
هو مكتوب ،فلتنحنوا إىل احلقيقة.
الاكمل ال ينقص وال يزيد .يوجد غري مولود واحد هو اهلل .ويوجد مولود
وحيد هل ،اهلل االبن .وكما أنه ال يوجد هلإ غري مولود آخر مع غري املولود الواحد،
كذلك أيضا ال يوجد ابن مولود آخر .وكما أن اآلب ليس هو اآلب باالسم فقط،
كذلك االبن ليس هو االبن باالسم فقط .اآلب هو اهلل ،واالبن هو اهلل .اآلب
هو اهلل الاكمل ،واالبن هو اهلل الاكمل .اآلب غري مادي ،واالبن غري مادي ،وهو
22
”رسمه“ 21غري املادي ،وهو الصورة غري املادية.
هل تؤمنون إنه ودل؟ ال تفحصوا كيف ودل .ألنه إذا اكن ممكنا أن تفحصوا
كيف يكون غري املولود غري مولود ،سيكون من املمكن أن تفحصوا كيف
ودل املولود .لكن إذا اكن غري املولود ال يسمح بالفحص يف كيف هو غري مولود،
هكذا ال يسمح املولود بفحص كيف ودل .ال تفحص ما ال يمكن اكتشافه،
ألنك لن جتده .ألنك إذا فحصت ،فمن أين يمكنك أن تتعلم؟ هل من األرض؟
لم تكن موجودة .هل من ابلحر؟ لم توجد مياه .هل من السماء؟ لم تكن قد
رفعت .هل من الشمس والقمر وانلجوم؟ لم تكن جبلت .ربما من ادلهور؟
االبن الوحيد هو قبل ادلهور .ال تفحص اللوايت لم توجد ىلع ادلوام تلتعلم منها
19
قارن يو 16 :14؛ .7 :16
20
نفس احلجة اعتمدها العالمة ديدموس الرضير يف كتابه ”عن الروح القدس“ فقرة .120
21
قارن عب .3 :1
22
قارن كو .15 :1
15
عن املوجود ىلع ادلوام .لكن إذا لم ترد (أن تكف عن مسار الفحص هذا)،
لكنك باألحرى تطلبه بمشاكسة ،فإنين سأهزأ بغبائك أو باألحرى سأريث
جلسارتك.
(” )4يف ابلدء اكن اللكمة ،واللكمة اكن عند اهلل ،واكن اللكمة اهلل“ (يو :1
.)1لكمة ”اكن“ تستبعد ”لم يكن“ ،ولكمة ”اهلل“ تستبعد ”ليس إلها“ .آمنوا
بما هو مكتوب يف األسفار املقدسة .هذا اللكمة ،ابن اهلل” ،صار“ (يو )14 :1
إنسانا من أجل اإلنسان الساقط ،آدم .من أجل آدم جاء غري املادي يف جسد.
ومن أجل اجلسد 23،اختذ اللكمة جسدا كسحابة ،ئلال حيرق الاكئنات املنظورة.
تنازل إىل اجلسد ،حىت يرفع اجلسد معه .غري املنظور جاء يف املنظور ،حىت
يدخل يف الاكئنات املنظورة .كإنسان خيضع للزمن ،وكإهل فهو قبل الزمن .يف لكتا
احلاتلني البد أن تفهم عباريت ”كإنسان“ و”كإهل“ ليس ىلع سبيل التشبيه ،بل
ىلع سبيل الواقع احلقييق” .اكن اهلل“ (يو ،)1 :1و”صار“ إنسانا من أجل اتلدبري.
لم تأت لكمة ”صار“ أوال ثم لكمة ”اكن“ .ىلع العكس جاءت لكمة ”اكن“
أوال ثم ”صار“ .ومن ثم ال تلغ ألوهية االبن الوحيد بسبب أحداث تتعلق
باتلدبري .ألن رأيا مثل هذا ليس أكرث من حتريفات اهلراطقة وجنون املانويني؛
”فإنه ال يستطيع أحد أن يضع أساسا آخر غري اذلي وضع ،اذلي هو يسوع
المسيح“ (1كو .)11 :3لقد ودل من امرأة ،حىت حيرض لك املولودين إىل الوالدة
اثلانية 24.لقد صلب طواعية ،حىت يزنل من (ىلع الصليب) املصلوبني قهرا.
مات طواعية ،حىت يقيم (من القرب) اذلين ماتوا بال إرادتهم .قبل موتا لم يكن
حمتاجا لقبوهل ،لكيما يمنح احلياة ملن أخضعوا للموت” .ابتلعه املوت“ 25يف جهل،
23
أي جسد آدم واملقصود به البرش.
24
قارن يو .3 :3
25
قارن إش .8 :25
16
لكن بعد أن افرتسه أدرك املوت ما قد افرتسه .لقد افرتس احلياة .ذلا ابتلعته
احلياة 26.لقد افرتس الواحد مع لك ابلقية ،فخرس لك ابلقية بسبب الواحد.
”افرتسه كأسد“ 27.فأسنانه تهشمت .وهلذا السبب استهزئ باملوت كضعيف.
ألنه لم نعد خناف منه كما اعتدنا اخلوف من األسد ،لكننا ندوسه كما اعتدنا
أن ندوس جدل األسد.
فلنوقر والدة االبن الوحيد من اآلب يف صمت .ألنه ال يدركها سوى اذلي
ودله واذلي ودل .باحلقيقة جيدر بنا أن نعرف ما باستطاعتنا أن نتحدث به ،وما
جيب أن نلزتم الصمت جتاهه .ليس لك الالكم يقدر اللسان ىلع انلطق بها،
خشية أن يفقد عقلنا انلور اذلي دليه -مثل عني تريد أن تستوعب الشمس
لكها .ألن املعرفة تتعلق بمعرفة ما ال تدركه تماما .وباتلايل بالنسبة هلذه الوالدة
غري املوصوفة فلنوقرها يف صمت .وإن وجدنا أن هذا ينهكنا ،فال حنزن؛ ألن
هذه الوالدة غري املوصوفة مهيبة بسبب طبيعتها ،وهذه الطبيعة يصعب رشحها
بسبب غرييتها .قيل عن يوحنا إنه ”صوت صارخ يف الربية“ (مت 28،)3 :3لكنه
اكن إنسانا بالطبيعة .هكذا أيضا ال تبطل أقنوم (هيبوستاسيس) االبن الوحيد
29
بسبب لقب ”اللكمة“.
لكن ربما تقول ”ملاذا يكرم أكرث اجلالس عن ايلمني؟“ .إذا اكن إكرامه
من ذاته ،فهو مكرم أكرث .لكن إذا اكن قد قبله من اذلي ودله ،فهو خيص اذلي
أعطى العطية جمانا .لم يوجد ابن آخر حىت جيلس ىلع ايلمني .غري مولود واحد،
26
قارن 1كو .54 :15
27
قارن مز .2 :7
28
قارن أيضا مر 3 :1؛ لو 4 :3؛ يو 23 :1؛ إش .3 :40
29
ق باسليوس يقصد هنا أن يوحنا وصف بأنه ”صوت“ ومع ذملك فهو إنسان ،هكذا االبن ديع اللكمة ،وهذا ال يبطل أقنوميته.
(املرتجم)
17
هو اهلل .ومولود وحيد واحد هل ،هو اهلل االبن .وباتلايل اكن مالئما لالبن أال
يرتك املوضع ىلع ايلمني لآلب ،بل أن اآلب يرتكه لالبن.
من الواضح أنه حني تكون الطبيعة بعيدة جدا عنا ،فإن إدراكها يكون
بعيدا جدا أيضا عنا .ألنه بينما األب يكون من آب آخر ،ويتضمن األمر وقتا،
وتربية ،ونضوجا ،وأنوااع أخرى من الراعية ،وال يدل األب لك ما يريده .لكن
اهلل اذلي تزتامن قوته مع إرادته 30،ودل من يليق به ،ودل كما يعرف هو” ،هل
المجد والسلطان إىل أبد اآلبدين .آمني“ (1بط .)11 :4
30
بالنسبة لوالدة االبن بإرادة اآلب ،يمكنك الرجوع إىل ” والدة االبن :باإلرادة أم بالطبيعة؟“ إعداد اعدل زكري ،ىلع املدونة
اآلتية.)https://christopraxy.blogspot.com/2023/10/blog-post_9.html( :
18