You are on page 1of 173

‫الموجز‬

‫في الحقوق العينية‬


‫وفق أحكام المدونة واألصول الفقهية‬

‫الدكتور حسن القصاب‬


‫الموجز في الحقوق العينية‬
‫وفق أحكام المدونة واألصول الفقهية‬

‫المؤلف‪ :‬الدكتور حسن القصاب‬

‫الطبعة األوىل‪2019 :‬‬

‫الناشر‪ :‬مكتبة دار العرفان للنشر والتوزيع‬


‫املطبعة‪ :‬قرطبة حي السالم أكادير‬
‫اهلاتف‪05.28.23.88.55 :‬‬
‫القانوني‪2019MO5392 :‬‬ ‫رقم اإليداع‬
‫ردمك‪978-9920-38-705-7 :‬‬

‫مجيع احلقوق حمفوظة للمؤلف ©‬


‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬
‫ليست ختفى ما للعقار وأحكامه من أمهية ابلغة يف التنمية االقتصادية‬
‫لكل دولة أو جتمع اقتصادي‪ ،‬حىت إنه لتستحضر قواعد السيادة حني‬
‫صياغته تشريعا‪ ،‬وهي قواعد مرتبطة يف بلدان املغرب ابلفقه اإلسالمي‬
‫و ابملذهب الفقهي املعتمد قضاء‪ ،‬وهو األمر املطرد يف جل البالد املسلمة‪.‬‬
‫وعدا تلك االمهية البدهية‪ ،‬فإنه يلحظ أيضا اهتمام متزايد من األفراد أبحكام‬
‫احلق العيين لصلته ابالهتمام اجلبلي ابلعقار‪ ،‬مبا له من صولة يف الغرازز ومبا‬
‫يبعثه من أمان فيما ُزين هلا من حب للتملك‪.‬‬
‫فيلزم لذلك الشغف التصدي حلل عويص ما يعرض هلم من قضاايه‪،‬‬
‫وهو ما ابتدره املقنن املغريب ابلرجوع إىل تلك القاعدة االقرتاحية اليت‬
‫يبسطها الفقه اإلسالمي واملذهب املالكي خباصة‪ ،‬ملا قلناه من ارتباط العقار‬
‫مبفهوم السيادة للدولة‪.‬‬
‫ولقد شاع بني العامة أن منتهى ما بقي من الفقه اإلسالمي‪ ،‬مما له‬
‫مبثوت يف مدونة األسرة‪ ،‬لكننا ما نزال نردد صدحا إن‬
‫ٌ‬ ‫صلة مبعيش الناس‪،‬‬
‫احلقوق العينية مبدونتها احلالية أقرب وألصق نسبا ابلفقه اإلسالمي من مدونة‬
‫األسرة‪ ،‬بسبب وضوح أحكام االلتزام ابحلق العيين يف ذلك الفقه وتضخمه‬
‫فيه ويسر التقنني منه‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫وإن تلك السمة ودافع بياهنا برفق هو ما ارأتينا تقريبه يف هذه‬
‫اخلالصة عن احلقوق العينية‪ ،‬كما قننت يف التشريع املغريب أبصوهلا الفقهية‬
‫تقريبا خمتزال غري مبتسر ما أمكن دون تطويل ال فرط عناية بتحقيق املسازل‬
‫وتوثيقها التوثيق املستفيض إال ما لزم؛ ألن ذلك حمله الطبعة املطولة املسبوكة‬
‫بشواهد النوازل الفقهية من مشهور ما صنفه املالكية ومتوجة مبا استقر عليه‬
‫اجتهاد حمكمة النقض‪.‬‬
‫اكتفاء من كل ذلك يف هذه اخلالصة ببيان صلة الفقه االسالمي‬
‫مبعيش الناس وإسعافا للمشرع الحقا حبلول من حياض الفقه كلما عز ذلك‬
‫أو ظهر اضطراب يف التقنني ‪.‬‬
‫وإننا وإن كنا موقنني بتعذر فصل تقنني احلقوق العينية عن قانون‬
‫التحفيظ العقاري وعن التوثيق عموما‪ .1‬فاحلقوق العينية ومسطرة التحفيظ‬
‫متالزمان ال ينفكان؛ فلئن كان التحفيظ توثيقا للعقار بشكل من األشكال‬
‫وضبطا له‪ ،‬وكان التوثيق خارج عن احلق سواء عند فقهاء الشريعة أو فقهاء‬
‫القانون‪ ،‬إال أن هذه القاعدة ال تنطبق على التحفيظ‪ ،‬فهو ليس إجراء‬
‫شكليا كعموم التوثيقات يشرتط فقط لتمام الصحة‪ ،‬فهو أقوى من شرط‬
‫الكتابة‪ ،‬فكل واحد منهما داخل يف ماهية اآلخر وليس خارجا عنها‪.‬‬

‫‪ 1‬بل إن بعض التشريعات تنظمهم مجيعا يف تقنني مد ي جامع‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫إال أننا آثران صنيع املقنن املغريب‪ ،‬لذلك خنصها ببحث مستقل‬
‫حفاظا على مقاصد اإلحاطة اجمللة هلذه احلقوق العينية‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫نبذة عن األصول‬
‫ومراحل التقنين بالمغرب‪:‬‬
‫لئن كان املقرر الثابت أن هذه املادة مستندة إىل الفقه اإلسالمي‬
‫لتضخم أحكامها فيه‪ ،‬إال أن ذلك ال يعين أن الفقهاء رمحهم هللا عربوا عنها‬
‫بذات االصطالح وإن سبقوا إىل تقريرها والتوسع فيها‪ ،‬بل كانوا يستعملون‬
‫عبارات من مثل " احلق الثابت يف املال " لتفيد ذات املضمون‪ .‬وهكذا فإن‬
‫مسمى احلقوق العينية إمنا هو اصطالح قانو ي استعاره فقهاء املسلمني يف‬
‫العصر احلديث‪ 2‬لِ َما رأوا فيه من فوازد منهجية وصالحية لتقدمي الفقه‬
‫االسالمي يف ثوب جديد دون املساس جبوهره‪ .‬لكننا نظن أن هذا التوجه‬
‫وإن صح من جهة اجلمع والتنظيم‪ 3‬إال أن ذلك يلزم منه احلذر الشديد من‬
‫احلكم ابلتماهي‪ ،‬خاصة واحلقوق العينية أتيت مقابلة للحقوق الشخصية‪ ،‬وقد‬
‫سبق أن نبهنا يف نظرية االلتزام إىل أهنا ليست يف الفقه اإلسالمي على ذات‬
‫القواعد املقررة يف القانون‪ ،‬مث إن كثريا من احلقوق اليت تعترب عينية يف القانون‬
‫والتقنني املعاصر مبا فيها التقني املغريب ال ميكن إسنادها إىل أصل فقهي‬
‫كالعقار ابلتخصيص أو بعض احلقوق التبعية كحق االمتياز يف معانيه‬
‫اخلاصة‪.‬‬

‫‪ 2‬من أمثال الشيخ علي اخلفيف والشيخ أيب زهرة والشيخ الزرقا وغريهم‬
‫‪ 3‬خصوصا ملا نعلمه من عدم اهتمام الفقهاء املتقدمني ابلصياغات النظرية فجاء فقههم رمحهم هللا‬
‫متشعب األطراف يصعب على قارئ العصر احلديث ذي اهلمة اخلافتة أن يستجمع نظرهم املنسجم يف‬
‫املسازل الفقهية ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ولعل هذا قد استوجب أن نذكر تذكريا عابرا مبراحل تقنني هذه املادة‬
‫يف التشريع املغريب الذي هو االختيار الواجب الدراسة ‪.‬‬
‫إان ملا قلنا إن احلقوق العينية هي احلقوق اليت أمثرت وأينعت عند‬
‫ّ‬
‫الفقهاء املسلمني وسبقوا إىل تفريعها ومتييزها كما يف حقوق اإلجارة مثال‪،‬‬
‫وحبكم أن املذهب املالكي هو املذهب املقضى به يف بالدان املغرب منذ أن‬
‫ُ‬
‫من هللا تعاىل عليها ابإلسالم فقد كان هذا املذهب هو عمدة القضاة حىت‬
‫جميء االستعمار وبعيده ‪.‬‬
‫فرغم إسراع املستعمر تعزيز وجوده واستغالله منذ فرض االستعمار‬
‫على املغرب سنة ‪ ،1912‬بسن قوانني حتميه و أتسيس حماكم ترعاها‪ ،‬كما يف‬
‫ظهري ‪ 9‬رمضان ‪ 1331‬املوافق ‪ 12‬غشت ‪ ،1913‬إال أنه أبقى أحكام العقار –‬
‫يف مرحلة أوىل– خاضعة ألحكام الفقه املالكي سواء يف اختصاص احملاكم‬
‫الشرعية يف منازعات العقار غري احملفظ أو يف اختصاص احملاكم العصرية يف‬
‫منازعات العقارات احملفظة أو تلك اليت يف طور التحفيظ مبقتضى الفصل‬
‫الثالث من ظهري آخر صادر يف التاريخ نفسه وهو املتعلق ابلتحفيظ‬
‫العقاري(أي أيضا بتاريخ ‪ 9‬رمضان ‪ ،)1331‬مبعىن أن إحداث هذه احملاكم‬
‫العصرية وتوزيع االختصاص بينها وبني احملاكم الشرعية مل يلغ تطبيق أحكام‬
‫الفقه اإلسالمي على مجيع أنواع العقارات ابلبلد‪ ،‬اللهم ما تعلق يف‬
‫املنازعات العقارية الناشئة بني الفرنسيني‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫لكن مل يطل ذلك الوضع العام‪ ،‬إذ بصدور ظهري ‪ 19‬رجب ‪1333‬‬
‫موافق ‪ 2‬يونيو ‪ 1915‬املنشئ للتشريع املطبق على العقارات احملفظة استقل‬
‫الفقه املالكي يف مصادره العامة ابالنطباق على العقارات غري احملفظة وتلك‬
‫اليت يف طور التحفيظ‪ ،‬ومع ذلك فقد ظلت احملاكم العصرية ترجع إىل أحكام‬
‫الفقه املالكي كلما أعوزها النص‪ .‬غري أن بصدور قانون التوحيد واملغربة‬
‫والتعريب بتاريخ ‪ 26‬يناير ‪ 1965‬امللغي للمحاكم العصرية ازداد البعد عن الفقه‬
‫املالكي يف جمال الفقه العقاري‪ ،‬إذ صار يتوجب مبقتضى الفصل ‪ 3‬من هذا‬
‫القانون أن تطبق أمام مجيع احملاكم ‪ -‬بعد إلغاء احملاكم العصرية والشرعية‪-‬‬
‫مقتضيات ظهري ‪ 19‬رجب ‪ 1333‬يف العقار احملفظ وأحكام الفقه اإلسالمي‬
‫يف العقار غري احملفظ ومقتضيات ظهري االلتزامات والعقود يف الدعاوى العينية‬
‫املتعلقة مبنقول فضال عن القضااي املدنية‪ .‬وهكذا صران أمام تشريعات خمتلفة‬
‫تطبق على جمال واحد‪ ،4‬واألدهى من ذلك أن الفقه املالكي وإن كان حاضرا‬
‫ومراعى يف كل تلك القوانني إال أن درجة الرجوع إليه توارت خلف قانون‬
‫االلتزامات والعقود فلم يعد مصدرا تكميليا بل احتياطيا‪.‬‬
‫يف هذا اخلضم وبعد طول انتظار أصدر املشرع املغريب قانون جديدا‬
‫حتت رقم ‪ 39.08‬املتعلق مبدونة احلقوق العينية‪ 5‬بغية توحيد األحكام على‬

‫‪ -4‬بغض النظر عن قوانني أخرى كأمالك الدولة وقانون نزع امللكية وظهري ‪ 1914‬املتعلق أبراضي‬
‫اجلموع وغريها‪....‬‬
‫‪ -5‬الصادر بتنفيذه الظهري الشريف رقم ‪ 1.11.178‬صادر يف ‪ 25‬من ذي احلجة ‪ 22(1432‬نوفمرب ‪(2011‬‬

‫‪8‬‬
‫العقارات سواء كانت حمفظة أو غري حمفظة‪ ،‬وابلتايل فإن كثريا من األحكام مل‬
‫تعد تُقصر على العقار احملفظ كأحكام العقار ابلتخصيص‪ ،‬وابملقابل أيضا‬
‫فإن بعض األحكام مما جرى به العمل على مذهب مالك قبيل حق اجللسة‬
‫مل تعد من احلقوق العينية قازمة من املقرر إال ما كان قازما قبل صدور‬
‫املدونة‪.‬‬
‫‪ -‬مرتبة املذهب املالكي وقانون االلتزامات والعقود يف تقنني املدونة‪:‬‬

‫أحىي حسم املدونة يف مادهتا األوىل‪ 6‬رتبة املذهب املالكي جدال قدميا‬
‫خبصوص درجة االعتماد على هذا الفقه‪ ،‬ويكاد يتأكد لكثري من الباحثني أن‬
‫هذا الفقه توارى بصفة رمسية اىل درجة املصدر االحتياطي والتارخيي‪ .‬لكننا‬
‫نظنه مع ذلك استنتاجا متسرعا؛ ألن ذلك التأخري ال يعين أن القانون غري‬
‫مؤسس على الفقه املالكي‪ ،‬فما هو على احلقيقة إال ترجيح واختيار ألرجح‬
‫األقوال يف املذهب‪ ،‬وأما تقدمي ظهري االلتزامات والعقود عليه ليس إال تقدميا‬
‫بعد‪.‬‬
‫فقه راجح‪ ،‬كما سنشري إليه ُ‬

‫املادة ‪ : 1‬تسري مقتضيات هذا القانون على امللكية العقارية واحلقوق العينية ما مل تتعارض مع‬ ‫‪6‬‬

‫تشريعات خاصة ابلعقار‪ .‬تطبق مقتضيات الظهري الشريف الصادر يف ‪ 9‬رمضان ‪ 12( 1331‬أغسطس‬
‫‪ ) 1913‬مبثابة قانون االلتزامات والعقود يف ما مل يرد به نص يف هذا القانون‪ .‬فإن مل يوجد نص يرجع إىل‬
‫الراجح واملشهور وما جرى به العمل من الفقه املالكي‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ولتوضيح هذه الرتبة ال أبس أن نلحظ ملحوظة مساعدة يف تقدير‬
‫صنيع التقنني‪ ،‬ذلك أننا نثري االنتباه إىل مقابلة مهمة‪ ،‬وهي رتبة االحالة يف‬
‫مدونة االسرة‪.7‬‬
‫إن مدونة االسرة أخرت قاعدة االحالة اىل املادة ‪ 400‬أي املادة‬
‫االخرية من املدونة‪ ،‬بينما ُجعلت أول املواد يف مدونة احلقوق العينية‪ ،‬التقدمي‬
‫اهتمام كما هي القاعدة عند البالغيني‪.‬‬
‫مث إن مقنن مدونة احلقوق العينية أحال على بعض املذهب املالكي‬
‫وليس على كله‪ ،‬خبالف مدونة االسرة‪ .‬وهي قضية بنتيجة مؤثرة؛ إذ إن‬
‫مدونة االسرة مسحت بتخطي املذهب املالكي كلما دعت الضرورة‬
‫والتطورات إىل ذلك‪ ،‬خبالف مدونة احلقوق العينية اليت متسكت مبفهوم‬
‫النظام العام وابلسيادة الشديدة الصلة بقضااي العقار‪ ،‬فلم ُِحتل إال على‬
‫الراجح واملشهور وما جرى به العمل‪ ،‬وهذا متسك هبذا املذهب وليس إهدارا‬
‫له‪.‬‬
‫مث إن االنسجام اقتضى أن ُيعل ظهري االلتزامات والعقود اثنيا‬
‫لسببني كبريين‪:‬‬

‫‪ 7‬اليت يعتربها كما أشران كثري من العامة وغري قليل من املتخصصني بقية البقية من املذهب املالكي يف‬
‫املدوانت القانونية املغربية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -‬أتسيسه على املذهب املالكي كلية‪ ،‬فهو يف حكم الراجح ابعتبار‬
‫عرضه على جلنة توجيه النظر الشرعي‪ ،‬وإن مت ذلك يف مرحلة استعمارية‪,‬‬
‫فهذه قضية مسلمة معروفة سواء يف أحكامها االصولية أو الفقهية‪.‬‬
‫‪ -‬استثمار تنظيم هذا الظهري لكثري من األحكام املطبقة على‬
‫املنقوالت كالشفعة واحكام احليازة واهلبة وعموم ما تنتقل به امللكية‪ ،‬فكان‬
‫من التوفيق واالنسجام املطلوب يف جودة التقنينات تلك الرتبة اليت اعطيت‬
‫ل ق‪ .‬ع ‪.‬‬
‫وليس يف ذلك‪ ،‬إذن‪ ،‬إساءة أو أتخري للمذهب املالكي إال عند من‬
‫مل يستجمع هذه االحكام واالعتبارات‪ ،‬ومل يتمرس أصال ابلنوازل مما يتخبط‬
‫فيه عموم املرتفقني‪ ،‬وال تلظى بصعوبة التنزيل والتحقيق فيما هو راجح يف‬
‫املذهب‪.‬‬
‫وبناء على هذا الواقع‪ ،‬فإننا سندرس هذه األحكام وفق مدونة‬
‫احلقوق العينية مادامت هي األحكام املقضى هبا يف نظام العقارات املدنية‬
‫حمفظة أو غري حمفظة أو كانت يف طور التحفيظ‪ .‬علما أن هذه املدونة ال‬
‫تنطبق على أنظمة عقارية عديدة كأمالك الدولة اخلاصة – سواء منها‬
‫األمالك املخزنية أو مللك الغابوي‪ -‬و أمالكها العامة و األمالك‬
‫اجلماعية و أراضي الكيش و أراضي اجلماعات الساللية و العقارات‬

‫‪11‬‬
‫احلبسية‪ .8‬لكن نا وإن اخرتان االقتصار على ما نظمته مدونة احلقوق العينية‬
‫إال أن نستنري ونستأنس آبراء الفقهاء املسلمني واملالكية حتديدا يف بيان‬
‫أصول املسازل ومواطن الوفاق واخلالف ‪.‬‬

‫‪ 8‬ارأتينا خالفا لكثري من املؤلفات اجلامعية أن نشري إليها دون تفصيل لكوهنا موضوع مؤلف مستقل‬
‫عن األنظمة العقارية يف أصوهلا الفقهية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الحقوق العينية‪ :‬المفهوم والخصائص‬

‫‪ -1‬مفهوم احلق العيين‪:‬‬


‫احلق العيين"سلطة مباشرة ميارسها الشخص على شيء معني‪ ،‬فهو‬
‫استئثار من شخص ‪ -‬طبيعيا كان أم اعتباراي‪ -‬بشيء مادي معني مي ّكنه من‬
‫استعمال هذا الشيء واالنتفاع به دون وساطة شخص أخر"‪ .‬وليتضح هذا‬
‫احلق يلزم أن َمنِيزه من احلق الشخصي‪ 9‬الذي يقابله‪.10‬‬
‫وال منل أن نذكر ابلفارق املهم بني احلقني وهو ما يقع عليه‬
‫االلتزام‪،‬وان االلتزام ابلعني شهادة كشهادة التواتر إذا ما قورنت اباللتزام‬
‫الشخصي الذي ال يلزم اال عاقديه‪ .‬وهي مسالة تظهر آاثرها الفاصلة يف‬
‫أسباب كسب احلقوق العينية‪ ،‬وعند املنازعة بتعارض احلقني‪ .‬ومن لواحق‬

‫‪ 9‬يعرف بكونه "رابطة بني شخصني دازن ومدين يطالب مبقتضاها الدازن مدينه أبن يقوم أو ميتنع عن‬
‫القيام بعمل أو أعطاء شيء"‪ .‬ولقد كان هذا احلق موضوع مادة كاملة يف الفصل الثا ي من سلك هذه‬
‫اإلجازة حتت مسمى "نظرية االلتزام يف الفقه االسالمي" وقد كنا نبهنا هناك إىل صعوبة احلديث عن‬
‫وضوح تلك احلقوق الشخصية يف الفقه االسالمي ابملعىن الضيق الوارد يف نظرية االلتزام يف القانون‪،‬‬
‫كما ذكران هناك أيضا أبن األمر على خالف ذلك فيما يتعلق ابحلقوق العينية اليت صار فيها الفقه‬
‫القانو ي عالة على الفقه االسالمي‪.‬‬
‫‪10‬مع أن هناك من يضيف حقوقا اثلثة وهي احلقوق الفكرية ابعتبارها ذات طبيعة مستقلة تنطوي على‬
‫عنصرين أحدمها مايل واآلخر معنوي (كحق املؤلف واملخرتع)‪ ،‬وأهنا بذلك ال تندرج حتت طازفة‬
‫احلقوق العينية ألهنا ليست سلطة لشخص على شيء مادي وال تندرج حتت طازفة احلقوق الشخصية‬
‫ألهن ا ال ختول صاحبها مطالبة الغري ابلقيام بعمل أو االمتناع عن القيام بعمل ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫ذلك الفارق التبعية أن احلق العيين واحلق الشخصي وإن مشلهما املراد ابملال‬
‫وتفرعا عنه‪ ،11‬إال أهنما خمتلفان من جهة ما يقعان عليه‪.‬‬
‫إن حمل احلق العيين شيء من األشياء املادية بينما حمل احلق‬
‫الشخصي هو القيام بعمل أو االمتناع عن القيام بعمل ‪ .‬وتبعا لذلك فاحلق‬
‫العيين حق مؤبد‪ ،‬ألنه يرد على شيء معني فيدوم بدوام احملل يف حني أن‬
‫يع ال يسمح ابحلد من حرية األشخاص‬ ‫احلق الشخصي حق وقيت‪ ،‬فال تشر َ‬
‫إىل األبد ‪ .‬مث إن احلق العيين‪ -‬بسبب االختالف املذكور ‪ -‬يُكتسب‬
‫ابلتقادم ألن حمله شيء مادي ميكن للشخص أن يضع يده عليه وميتلكه‬
‫مبرور الزمن‪ ،‬بينما ال يتصور اكتساب احلق الشخصي ابلتقادم ‪.‬‬
‫ويساعد هذا الفرق األساس يف احملل على التمثل الواضح ألهم‬
‫خصازص احلقوق العينية ومها‪:‬‬
‫‪ -‬يتيح احلق العيين لصاحبه "حق التتبع" أي حق تتبع الشيء يف أي‬
‫يد كان‪ ،‬فمن ثبتت ملكيته لعقار مثال ُحق له أن يتتبعه وحيتج حبقه ذاك‬
‫ضد أي حازز مهما كانه‪ ،‬لكن هذا االمتياز غري خمول يف احلقوق الشخصية‪.‬‬

‫‪ 11‬ابعتبار املال يف عرف الفقهاء هو "كل ما له قيمة يلزم متلفه ضمانه"‪ .‬ويقرب منه تعبري القانونيني‬
‫"هو احلق ذي القيمة املالية"‪ ،‬ومن مثة فإن ما يستأثر به وليست له قيمة مالية حمددة أو ال يقبل‬
‫التعيري ال يسمى ماال فمن ملك ورقة مالية إنتهى العمل هبا ‪ ,‬مامل تكن هلا قيمة اترخيية‪ ،‬وعليه فاحلقوق‬
‫الفكرية ال تعترب حقوقا إال إذا قيمت تقييما ينشئ يف الذمة‪ .‬وملا كان هذا املال يف احلقوق اليت تعنينا‬
‫مما يقع على الشيء‪ ،‬فإن احلقوق الفكرية وإن عريت فإهنا تبقى خارجة عن نطاقنا‬

‫‪14‬‬
‫‪ -‬يتمتع صاحب احلق العيين ب "حق األفضلية" يف استيفاء حقه‬
‫مقدماً على مجيع الدازنني الشخصيني من قيمة الشيء الذي أنصب عليه‬
‫حقه‪ ،‬بينما يتساوى أصحاب احلقوق الشخصية يف التخلف مرتبةً عن مرتبة‬
‫ذي احلق العيين‪ ،‬إن مل تكن أموال املدين كافية لسداد مجيع الديون‪.‬‬
‫إن هذين احلقني مها عنوان احلق العيين‪ ،‬فكل حق ال يتيح هاتني‬
‫امليزتني فليس عينيا بيقني‪.‬‬
‫‪ -2‬نطاق احلقوق العينية‪:‬‬
‫لقد انبىن التمييز السابق بني احلقني الشخصي والعيين على رازز احملل‪،‬‬
‫احلقوق الناشئة عليه خمصصة عند الفقهاء مبا يصح التعامل‬
‫لكن هذا احملل و َ‬
‫ويصلح له‪ .‬لذلك نشري إشارة عجلى للمعىن الضيق ملصطلح "الشيء"‬
‫وكيف تفرع عنه مفهوما (العقار واملنقول)‪ ،‬قبل توضيحهما بيان طبيعة‬
‫احلقوق الناشئة عليهما ‪.‬‬
‫‪ –1-2‬مفهوم العقار واملنقول‪:‬‬
‫يتفرع مفهوما العقار واملنقول عن مفهوم الشيء فلزم أن يعرف‬
‫قبلهما‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫أ‪ -‬مفهوم الشيء‪:‬‬
‫الشيء يف االصطالح "هو ما يقع عليه احلق مادايً كان ذلك الشيء‬
‫أم غري مادي"‪ ،‬ولقد قرر الفقهاء قدميا –مث تبعهم التقنني ‪ -‬أن يقصر لفظ‬
‫الشيء على ما يصلح للتعامل‪ ،‬وعليه ال تعترب املوجودات أشياء ابملعىن‬
‫الفقهي إذا ما كانت خارجة عن دازرة التعامل‪ ،‬سواء كان ذلك حبكم‬
‫طبيعتها كاالستئثار ابهلواء وأشعة الشمس أو كان حبكم التقنني كحيازة‬
‫األسلحة أو كحيازة املعادن النفيسة‪. .‬‬
‫وملا كان الشيء القابل للتعامل ال خيرج عن أن يكون مملوكا يستطيع‬
‫مالكه أن ينقله أوال يستطيع‪ ،‬فقد استقر تقسيم األشياء أساسا‪ 12‬إىل عقار‬
‫ومنقول‪ .‬وهو تقسيم له أمهية تستفاد من مجلة فروق‪ ،‬نشري إىل بعضها قبل‬
‫التفصيل يف أقسام كليهما‪.‬‬
‫‪ -‬ختتص احملكمة اليت يوجد يف دازرهتا العقار يف نظر الدعاوي اليت‬
‫تثار بشأنه يف حني احملكمة املختصة يف نظر دعاوى املنقول هي حمكمة حمل‬
‫إقامة املدعى عليه ‪.‬‬

‫‪ 12‬إن ختصيص الشيء مبا يقبل التعامل يغين عن كل التفريعات اليت اعتادها الكاتبون يف أقسام الشيء‬
‫من مثل‪ ،‬التقسيم إىل أشياء مثلية وأشياء متقومة‪ -‬األشياء القابلة لالستهالك واألشياء اليت ال تقبله‪-‬‬
‫األشياء اململوكة واألشياء غري اململوكة ‪..‬إىل غريها من التقسيمات اليت ال تعدو أن تكون مدرسيةُ ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ -‬ال خيضع املنقول إال استثناء إلجراءات التسجيل ملا يتميز به من‬
‫حركة وعدم استقرار خبالف العقارات اخلاضعة إلجراءات التسجيل يف‬
‫السجل العقاري‪.‬‬
‫‪ -‬احليازة سند يف ملكية املنقول وليست كذلك يف العقار ‪.‬‬
‫‪ -‬تتشدد الدول يف ملكية األجانب للعقارات دون املنقوالت حيث‬
‫ال وجود هلذا التشدد إال ما استثين بنص خاص ‪.‬‬
‫ب‪ -‬مفهوم العقار وأقسامه‪:‬‬
‫تقاربت تعريفاته اللغوية عند الفقهاء‪ 13‬لكن اختلفوا يف املراد‬
‫‪14‬‬
‫ابالصطالح خالفا له أتثري على ما ينسحب عليه‪ ،‬فريى املالكية‬
‫والشافعية‪ 15‬أن العقار"اسم لألرض وما اتصل هبا من بناء وشجر"ومن مثة‬
‫فإن العقار" هو كل شيء ال ميكن نقله من غري تغيري هيئته"‪ ،‬بينما قصره‬
‫احلنفية على" كل شيء ال ميكن نقله وحتويله من مكانه أبدا"‪.16‬‬

‫العقار بفتح العـني‪ :‬كل ملك له أصل وقرار اثبت كاألرض والدور والشجر والنخل‪ ،‬وهو مأخوذ من‬‫َ‬
‫‪13‬‬

‫ُعقر الدار ‪ -‬أصله ‪ ،-‬ومجعه عقارات‪ ،‬ويقابله املنقول (انظر مادة عقر من لسان العرب ‪.)579/4‬‬
‫‪ 14‬انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبري ‪ ،479/3‬وقال التسويل يف شرح قول املتحف‪ ":‬ويف‬
‫األصول شفعة" ‪ :‬األصول األرض وما اتصل هبا من بناء وشجر (البهجة على حتفة ابن عاصم‪:‬‬
‫‪)178/2‬‬
‫‪ 15‬مغين احملتاج‪80/2 :‬‬
‫‪ 16‬فتح القدير ‪ ،215 /6‬درر احلكام شرح جملة األحكام ‪،101 /1‬‬

‫‪17‬‬
‫ومثرة اخلالف أن تعريف احلنفية ال ينسحب إال على ما اتصل‬
‫ابألرض اتصال قرار‪ ،‬بينما يشمل العقار يف تعريف املالكية ما اتصل ابألرض‬
‫وما اندمج فيها حبيث ينسحب على األرض واألشجار املتصلة هبا أو‬
‫البناءات الواقعة عليها‪.‬‬
‫ولعل تعريف املالكية هو الذي رجح عند املشرع املغريب ‪ -‬بل وعند‬
‫أغلب التقنينات يف البالد املسلمة وغريها‪ ،-‬وهو االختيار الظاهر من أقسام‬
‫العقار يف مدونة احلقوق العينية اليت ال تستقيم إال على مفهوم املالكية‪ ،‬مع‬
‫اختالف نشري إليه يف حمله‪.‬‬
‫‪ -‬العقار بطبيعته‪ :‬وهو العقار أصالة حبسب ما ميتد إليه تعريف‬
‫املالكية واختيار التشريع املغريب الوارد يف املادة ‪ 6‬من م‪.‬ح‪.‬ع "العقار بطبيعته‬
‫هو كل شيء مستقر حبيزه اثبت فيه ال ميكن نقله من دون تلف أو تغيري يف‬
‫هيئته"‪ .‬ويشمل هذا القسم من العقار(األراضي بكل أنواعها الفالحية‬
‫والعارية واملنجمية؛ األبنية سواء منها ما كان فوق األرض أو حتتها؛ اآلالت‬
‫واملنشآت املثبتة؛ النبااتت)‪.‬‬
‫‪ -‬العقار ابلتخصيص‪ :‬هو ما كان منقوال بطبيعته – أي مما ينقل من‬
‫غري تلف وال تغيري يف هيئته‪ -‬لكن يرصده مالكه خلدمة عقار مملوك له أيضا‬
‫ضماانً الستمرار استغالله( كاآلالت واحليواانت اليت يرصدها أو خيصصها‬
‫صاحبها خلدمة مزرعته)‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫ومسي هذا النوع من املنقول عقارا ألخذه ذات األحكام اليت للعقار‬
‫ابألصالة‪ ،‬لكن ذلك مشروط بشرطني‪:‬‬
‫‪ -‬وحدة املالك هلما معا‪ ،‬احرتازا من إمكان اسرتداد املنقول من‬
‫صاحبه لو كاان يف ملك يدين خمتلفتني‪.‬‬
‫‪ -‬أن يرصد هذا املنقول بصفة دازمة خلدمة العقار ال خلدمة املالك‪.‬‬
‫وتزول صفة العقار ابلتخصيص ابنقطاع العالقة بينه وبني العقار الذي‬
‫خصص خلدمته وهذا أما يكون إبرادة املالك كما لو ابع املنقول دون العقار‬
‫أو العكس ‪ .‬أو أن يكون أبسباب خارجة عن إرادة املالك كما لو هلك‬
‫العقار الذي خصص املنقول خلدمته‪.‬‬
‫ومما جتب اإلشارة إليه هنا أن "العقار ابلتخصيص" ليس من اصطالح‬
‫الفقهاء‪ ،‬وإن كنّا ال نعدم للمالكية إشارات إىل ما يقرب من فكرة‬
‫العقار ابلتخصيص‪ ،‬وذلك ملا اعتربوه من لواحق امللك مما يب أن‬
‫يلحق به عند البيع والشفعة كالواثزق واخلرازط وغريمها‪...‬فقد جاء‬
‫يف املنتقى يف شرح املوطأ "‪...‬إﻥ ما ينقل ﻭيحوﻝ من ﺍلحيوﺍﻥ‬
‫ﻭﺍلعرﻭﺽ ال شفعة فيه؛ لما قدمناه من أن غلبة الشفعة معدومة فيه‬
‫هذا إذا بيعت مفردة ﻭﺃما ﺇﺫﺍ كانت تابعة لغريها من الرقيق‬
‫والدواب لتعمري األرض واحلازط ففي ﺍلعتبية من ﺭﻭﺍية عيسى فيمن‬
‫‪19‬‬
‫ﺍشترى شقصا من حازط ﻭفيه ﺭقيق ﻭﺩﻭﺍﺏ فليأخذه ﺍلشفيع مع‬
‫ﺭقيقه ﻭﺩﻭﺍبه ﺇﺫﺍ لم يكن للحازط من بد "‪.17‬‬
‫و إن هذه اإلشارة وغريها ال حتجب أبدا الفرق بني النظرين الفقهي‬
‫والقانو ي؛ فما يعترب عقارا ابلتخصيص يف القانون ال تزول عنه صفة املنقول‬
‫عند الفقهاء‪ .‬هذا فضال عن أن فكرة العقار ابلتخصيص ليست حمل اتفاق‬
‫بني فقهاء القانون أنفسهم وإن اختارها املشرع املغريب كما هو واضح من‬
‫املادة ‪ 7‬من م‪.‬ح‪.‬ع‪ .‬ونستطيع أن نقول دون أن خنشى تعقيبا‪ ،‬إن فكرة‬
‫العقار ابلتخصيص إمنا هي فكرة مشوشة تزينت هبا املؤلفات األكادميية يف‬
‫املوضوع‪ ،‬على قليل فازدهتا العملية والواقعية؛ إذ إن التنازع يف مشموالت‬
‫العقار ال يفيد صاحبه سواء كان من ِّفذا أو منفذا عليه ‪ -‬كما يف احلجز‬
‫مثال‪ -‬إال إذ وقع التنصيص عليها‪ ،‬حبيث يكون االشرتاط يف أصل العقد‬
‫كافيا ومغنيا عن فكرة التخصيص برمتها‪.‬‬

‫ج‪ -‬مفهوم املنقول وأقسامه‪:‬‬


‫يطلق على"كل ما ميكن نقله وحتويله من مكان إىل أخر دون تلف"‪.‬‬
‫ومن الفقهاء من اختصر تعريفه يف كل ما ليس عقارا‪ ،‬ويقسم املنقول عند‬

‫‪17‬ابو الوليد الباجي املنتقى على شرح املوطأ‪.222/6:‬‬

‫‪20‬‬
‫الفقهاء إىل منقول بطبيعته ومنقول مبآله‪ ،‬وزاد التقنني املعاصر قسما اثلث‬
‫وهو الدعاوى املنقولة‪.‬‬
‫‪ -‬املنقول بطبيعته‪ :‬يصح اختزاله فيما " كل ما ليس عقار" ليشمل‬
‫اململوك املتحرك من حيوان ومركبات كما يشمل العروض من أدوات وأاثث‬
‫وغريه‪ ،‬وليس خيرج عن وصف املنقول بعض كاملنقوالت اليت تعامل معاملة‬
‫العقار فاشرتاط التسجيل لنقل ملكية السيارات ال يكسبها صفة العقار وال‬
‫يزيل عنها صفة املنقول‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة هبذا الصدد إىل أن من ال يعترب احلقوق الفكرية صنفا‬
‫اثلثا يضاف إىل احلقوق العينية والشخصية‪ ،‬فإنه يعلها من ضمن املنقوالت‬
‫على أساس قاعدة" كل ما ليس عقارا فهو منقول"‪.‬‬
‫‪ -‬املنقول ابملآل‪ :‬وهو ما كان عقارا بطبيعته لكنه اعترب منقوالً من‬
‫جهة احلكم ابلنظر إىل ما سيؤول إليه استقباال‪ ،‬كما لو بيع بناء معد للهدم‬
‫أو أشجار معدة للقطع‪ .‬ويشرتط ليأخذ العقار حكم املنقول مآال أن يتم‬
‫ذلك إبرادة الطرفني املتعاقدين ال إبرادة منفردة ألحدمها يلزم هبا اآلخر‪.‬‬
‫ويرتتب على اعتبار العقار منقوالً ابملآل إخضاعه للقواعد اليت حتكم‬
‫املنقوالت ال تلك اليت حتكم العقارات‪.‬‬
‫بعد التعرف على الفرق بني العقار واملنقول ابعتبارمها أشياء أمكننا‬
‫التطرق للحقوق العينية الواقعة عليها ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ 2-2‬طبيعة احلقوق الناشئة على األشياء (العقار واملنقول)‬
‫كان مييل بعض املؤلفني يف احلقوق العينية إىل أن يضموا إىل أقسام‬
‫احلقوق املتعلقة أبحدمها؛ ويقدمون‬
‫العقار أو إىل أقسام املنقول الدعاوى و َ‬
‫على ذلك بعلة أن هذه احلقوق تنطبع بطبيعة موضوعها‪ ،‬وأن العقار– مثال‪-‬‬
‫وإن كان مستقرا فإن الدعاوى العقارية واحلقوق املرتبطة به هي احلق الواقع‬
‫عليها واحلق الساعي حلمايتها فتأخذ لذلك صفتها‪ .‬وهو أمر كان واضحا‬
‫عند الفقهاء رمحهم هللا فموضوع الدعوى ال يكسبها ميزة وال يلحقها بطبيعة‬
‫املدعى فيه إال من جهة تنوع اإلجراء اخلاص هبا‪ ،‬ألن شروط الدعوى واحدة‬
‫أاي كان موضوعها‪ ،‬على حد قول املتحف‪:‬‬
‫‪18‬‬
‫واملدعى فيه له شرطان *** حتقق الدعوى مع البيان‬
‫وعموما فهذا الرأي الذي انتصر له املشرع أخريا يف مدونة احلقوق‬
‫العينية‪ 19‬قد جاء منسجما مع نظر الفقه اإلسالمي من جهة استصحاب‬
‫‪20‬‬
‫الصفة العقارية ‪.‬‬

‫‪ 18‬أنظر أيضا ما قرره شارحه يف موضع آخر يظهر منه متييزهم قدميا بني ما موضوع دعواه العني وبني‬
‫ما موضوعها دين يف الذمة‪ ،‬قال التسويل رمحه هللا "فتحصل أن املدعى عليه إذا مل خيرج من بلده‬
‫فليست الدعوى إال هنالك كان املتنازع فيه هناك أم ال‪ ،‬وإن خرج من بلده فإما أن يلقاه يف حمل‬
‫األول دون الثا ي‪ ،‬وأما‬
‫األصل املتنازع فيه‪ ،‬أو يكون املال املعني معه أو ال‪ ،‬فيجيبه ملخاصمته هناك يف ّ‬
‫ما يف الذمة فيخاصمه حيثما لقيه" البهجة شرح التحفة‪.56 / 1 :‬‬
‫‪ 19‬تنص املادة ‪ 5‬من م‪.‬ح‪.‬ع‪ :‬األشياء العقارية إما عقارات بطبيعتها أو عقارات ابلتخصيص‪ .‬خالفا‬
‫ملا كان عليه احلال مبقتضى املادة ‪ 8‬من ظهري ‪ 19‬رجب‪.1333‬‬

‫‪22‬‬
‫لكن هذا التنبيه ال يلغي الفرق بني طبيعة احلقوق الواقعة على العقار‬
‫وتلك الواقعة على املنقول‪ .‬وبيان ذلك أن احلقوق والتصرفات الواقعة على‬
‫العني ال خيلو أن يرد بعضها على العقار حصرا فال ترد على املنقول مطلقا‬
‫(كحقوق االرتفاق والكراء الطويل األمد واالستعمال والسكىن والسطحية‬
‫كما سنرى)‪ ،‬أو أن يرد بعضها يف الغالب على العقار وقد يرد استثناء على‬
‫املنقول (كالوقف مثال) أو أهنا ترد عليهما معا على حد سواء (كحقوق‬
‫امللكية والرهن واالنتفاع)‪ .‬فيظهر من ذلك أن احلقوق العينية يغلب عليها‬
‫الوقوع على العقار‪ ،‬لذلك فقد أخذت هذه احلقوق وصفها ابلتغليب‪.21‬‬
‫وهكذا فإن احلقوق العينية إذا أطلقت يقصد هبا احلقوق العينية‬
‫العقارية أما احلقوق املرتبطة ابملنقول فإهنا تعترب حقوقا شخصية‪ ،‬وابلتايل‬
‫تسري عليها القواعد العامة ملقتضيات قانون االلتزامات والعقود ابعتبارها من‬
‫االلتزامات املتعلقة ابلذمة ‪.‬‬

‫‪ 20‬ولعل من ألصق املشكالت هبذه القضية املثارة‪ ،‬حتديد طبيعة احلق والدعوى – ابلتبع‪ -‬يف املنازعات‬
‫الناشئة بني الزوجني يف قسمة ما استحق من عقار منا اثناء قيام الزوجية وطبقا ملقتضيات املادة ‪ 49‬من‬
‫مدونة األسرة‪ ،‬برتدد القضاء بني اعتبارها دعوى شخصية ودعوى عقارية‪ ،‬وهي تردد تضيع به حقوق‬
‫املطلقة إذا ما اعتربت دعاوى شخصية‪ ،‬حبيث يكون استقالل ذمتها املالية عيبا ال ميزة‪.‬‬

‫‪ 21‬وأنبه أن هذه الصفة هي اليت شوشت على من ذكران خالطا بني املوضوع واحلق املتعلق هبا‪ ،‬أي‬
‫يعل الدعوى العقارية عقارا ابعتبارها عقارا حبسب املوضوع‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وهبذا االعتبار فإن احلقوق اليت نظمها املشرع يف مدونة احلقوق العينية‬
‫هي احلقوق العينية العقارية (وهو الواضح من تسمية الكتاب الثا ي منها)‪.‬‬
‫‪ :3-2‬خصوصية احلقوق العينية العقارية‬
‫عناصر هذه اخلصوصية‪ :‬ورود احلقوق العينية العقارية على سبيل‬
‫احلصر‪ ،‬وانقسامها إىل أصلية وتبعية‪.‬‬
‫‪ -‬احلقوق العينية واردة على سبيل احلصر‬
‫ينبين على التمييز املتقدم للحقوق العينية العقارية من احلقوق املتعلقة‬
‫ابألموال املنقولة‪ ،‬أن هذه األخرية تبقى مطلقة حبيث ميكن ألطرافها إحداث‬
‫ما يشاءون من االلتزامات عليها من غري حتجري وال حصر‪ ،‬شريطة أن تكون‬
‫مما يصح فيه التعامل‪ .‬ولعل لذلك ما جعل ظهري االلتزامات والعقود بقواعده‬
‫العامة حمط احلكم عليها والفصل يف منازعاهتا ‪ .‬بينما احلقوق املتعلقة‬
‫ابألصول (أي العقار) اتفقت جل التشريعات على جعلها حمصورة معلومة ال‬
‫يزاد عليها‪ ،‬ومنها املشرع املغريب الذي حصر احلقوق العينية بنوعيها األصلية‬
‫والتبعية‪ ،‬فجعلها أربعة عشر حقا (‪ .)14‬فيها أحد عشر (‪ )11‬حقا عينيا‬
‫أصليا وهي حق امللكية وما يتفرع عنه وثالثة (‪)3‬حقوق عينية تبعية‪ ،‬كما‬
‫سنرى‪.‬‬
‫وفلسفة هذا احلصر التميز السابق عند القانونيني بني احلق الشخصى‬
‫واحلق العيىن‪, ،‬فاحلقوق الشخصية – كما ذكران سلفاً – ال ختضع حلصر وال‬

‫‪24‬‬
‫لعد‪ ،‬بعلة أن اإلرادة قادرة على إنشاء ما تشاء من التزامات شخصية إال ما‬
‫خالف النظام العام أو اآلداب‪ ،‬وليس ذلك للحقوق العينية‪ .‬ألن احلق العيين‬
‫أثره مطلق فيحتج به على الكافة كما مينح لصاحبه حق التقدم والتتبع ىف‬
‫مواجهة اجلميع‪ ،‬فكان من الالزم حصره يف حقوق حمددة تربط ابلنظام العام‬
‫حبيث ال يوز لإلرادة إنشاء حقوق عينية أخرى إال مبقتضى التشريع‪.‬‬
‫وفكرة احلصر هذه مل تفت فقهاء املذاهب‪ ،‬وإن كان الغالب عليهم‬
‫عدم االلتفات إليها ابلذكر والتنصيص‪22‬؛ فمذهب احلنفية رازد املنتصرين‬
‫لفكرة احلصر‪ ،‬إذ يرى احلنفية أن هذه احلقوق إذا مل حتصر ضاعت فازدهتا‬
‫على أصحاهبا‪ .‬وذهب املالكية إىل أن هذه احلقوق غري حمصورة وميكن إنشاء‬
‫ما ال حيصر منها‪.‬‬
‫وقد يبدو هذا اخلالف الفقهي مشوشا على فكرة احلصر مشككا يف‬
‫جناعتها‪ ،‬إال أن التحقيق يف رأي املالكية يعل املتسرع حيجم عن ذلك‪ ،‬إذ‬
‫إهنم قد قيدوا ذلك االطالق بلزوم قياس ما يستحدث من حقوق على‬
‫احلقوق العينية املعهودة‪ .‬فيعود األمر إىل وفاق‪ ,‬بل إن الرأي املالكي هو‬
‫األوفق للتشريعات املعاصرة؛ حبيث لو جعلت احلقوق حمصورة مبا يف الكتب‬
‫كما عند احلنفية‪ ،‬لكانت الشقة واسعة‪ ،‬والعترب التقنني مقتبسا من غري‬
‫أصل‪ ,‬علما أن مفاد الراي املالكي أن هذا االنشاء للحاكم وليس للعاقدين‪,‬‬

‫‪ 22‬تستشف معاملها فيما ورد عرضا‪ ،‬كما يف الشرح الصغري للدردير‪ ،463 /4 :‬مغين احملتاج‪- 11/3:‬‬
‫‪ ،15‬الدر املختار‪ ،535/5 :‬املغين البن قدامة‪530 /6 :‬‬

‫‪25‬‬
‫ومن مثرة هذا اإلسناد الفقهي بعد التمحيص أن كثريا من احلقوق العينة مل‬
‫تعد كذلك يف املدونة احلقوق مقارنة بظهري ‪ 19‬رجب‪ ،1333‬كحق اجللسة‬
‫واجلزاء مثال‪.‬‬
‫أنواع احلقوق العينية‪:‬‬
‫تقسم احلقوق العينية العقارية إىل حقوق أصلية وأخرى تبعية‪ ،‬وهو‬
‫التقسيم املشار إليه مبقتضى املادتني ‪ 9‬و‪ 10‬من م ح ع ‪.‬‬
‫‪ -‬احلقوق العينية األصلية‪ :‬وهي احلقوق القازمة بذاهتا من دون حاجة‬
‫إىل غريها‪ ،‬مبعىن أهنا أنشئت أصالة لتكون سلطة لشخص على شيء‪،‬‬
‫وتشمل امللكية واحلقوق املتفرعة عنها امللكية وهي حبسب املادة ‪ 9‬من‬
‫م‪.‬ح‪.‬ع‪ :‬حق امللكية؛ حق االرتفاق والتحمالت العقارية؛ حق االنتفاع؛ حق‬
‫العمرى؛ حق االستعمال؛ حق السطحية؛ حق الكراء الطويل األمد؛ حق‬
‫احلبس؛ حق الزينة؛ حق اهلواء والتعلية؛ احلقوق العرفية املنشأة بوجه صحيح‬
‫قبل دخول مدونة احلقوق العينية حيز التنفيذ‪.‬‬
‫ويلحظ على هذه املادة أن املشرع قد عمد إىل إلغاء حقي اجللسة‬
‫واجلزاء‪ 23‬من معدود احلقوق العينية‪ ،‬خاصة يستفيد مبقتضامها املنتفع‬
‫ابجللسة على اللذان كان مقررين يف ظهري ‪ 19‬رجب ‪ .1333‬ولعل املشرع قد‬

‫‪ 23‬ومها حقان مقران بتأبيد االنتفاع ملكرتي األمالك احلبسية مادام حمافظا صازنا هلا (اجللسة على‬
‫الدكاكني واجلزاء على األراضي الفالحية احلبسية أو ما كان يسمى أمالك املخزن) ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫أحسن صنعا بذلك من جهتني؛ أوال لينسجم استقالل مدونة األوقاف عن‬
‫مدونة احلقوق العينية‪ ،‬اثنيا ‪-‬وهو األهم‪ -‬أن هذين احلقني ال أصل هلما من‬
‫شرع وال قياس صحيح‪ ،‬لذلك كانت حمل انتقاد من كثري من الفقهاء ‪ .‬بل‬
‫إن اجمليزين إمنا عللوا ذلك مبا جرى به العمل وترجيح القضاء‪ ،‬وهو ما ينم‬
‫عنه قول السجلماسي صاحب العمل الفاسي‪:‬‬
‫وهكذا اجللسة واجلزاء *** جرى على التبقية القضاء‬
‫‪ -‬احلقوق العينية التبعية‪ :‬هي احلقوق اليت تكون شخصية يف أصلها‬
‫أي التزامات متعلقة ابلذمة‪ ،‬حبيث ال يتصور وجودها من غري التزام أصلي‬
‫ترتكز عليه‪ ،‬فوجود الرهن املخصص‪ -‬مثال‪ -‬لضمان الوفاء مبال حيتاج إىل‬
‫إثبات قيام التزام سابق بتأديته ‪ .‬ولقد نظمت هذا احلقوق املادة ‪ 10‬من م ح‬
‫ع مؤكدة أن احلق العيين التبعي هو احلق الذي ال يقوم بذاته‪ ،‬وإمنا يستند يف‬
‫قيامه إىل وجود حق شخصي‪ ،‬ويكون ضماان للوفاء به‪ .‬واحلقوق العينية‬
‫التبعية حبسب املادة هي‪ :‬االمتيازات؛ الرهن احليازي؛ الرهون الرمسية‪.‬‬
‫وال خيفى أن الفقه اإلسالمي يعرف الرهن احليازي دون الرهن الرمسي‬
‫فاألول يشرتط حيازة املرهون بينما الثا ي يقع الرهن دون خروج املرهون من‬
‫يد الراهن‪ .‬على أن هناك من حاول تقريب هذا الرهن املسطري القانو ي من‬
‫حق احلبس املعروف عند الفقهاء ابعتباره حبسا ملال املدين إىل حني الوفاء‬
‫ابلتزامه‪ .‬أما حق االمتياز فإن الفقه اإلسالمي يقر البعض منها وينكر أخرها‪،‬‬
‫املورث‪.‬‬
‫فمما يقره حق االمتياز للدازنني وللزوجة من مال ّ‬
‫‪27‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬فإن لتقسيم احلقوق العينية إىل أصلية وتبعية أمهية تظهر‬
‫يف قوة احلقوق األصلية لقيامها بذاهتا من غري حاجة إىل التزام آخر تستند‬
‫إليه أو يؤثر يف صحتها وبطالهنا‪ ،‬بينما احلق التبعي يدور مع االلتزام الذي‬
‫يرتكز عليه وجودا وعدما‪ ،‬فلو كان‪ -‬مثال ‪ -‬االلتزام األصلي املضمون ابلرهن‬
‫ابطال لتبعه لزوما يف ذلك حق الرهن العيين املنشئ عليه ‪.‬‬
‫ولعل أمهية ذلك التقسيم هي ما فرض أن درس كل نوع على حدة‪،‬‬
‫مقدمني احلقوق العينية األصلية لقوهتا وأصالتها‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫حق الملكية‬
‫الملكية المنفردة والملكية الشائعة وأسباب الملكية‬

‫حق امللكية هو احلق العيين األصل؛ وما بقية احلقوق إال مما تفرع منه‬
‫أو انتسب إليه بنسب‪ .‬ولقد أمجعت التشريعات على اختالف مصاردها‬
‫(الرابنية أو الوضعية) على تقدميه والعناية أبحكامه؛ لذلك جند كثريا من‬
‫الدساتري تعرب عن تعظيمه بعبارة تكاد تتكرر يف جلها وهي "حق امللكية حق‬
‫مقدس"‪.‬‬
‫لكن التعبري القرآ ي أواله ذلك االهتمام من جهة االستخالف يف‬
‫املال اململوك و ِعظم التكليف به‪ ،‬ال لقدسية يف ذات احلق‪ .‬من ذلك قول هللا‬
‫ين َآمنُوا‬ ‫َّلل ورسولِِه وأَنِْف ُقوا ِممها جعلَ ُكم مستخلَ ِف ِ ِ ه ِ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ني فيه فَالذ َ‬ ‫َ َ ْ ُ َْ ْ َ‬ ‫تعاىل ﴿ آمنُوا اب ه َ َ ُ َ‬
‫َجٌر َكبِريٌ﴾‪ 24‬فاملال مال هللا تعاىل‪ ،‬وما أبيدي الناس إمنا‬ ‫ِ‬
‫مْن ُك ْم َوأَنْـ َف ُقوا َهلُْم أ ْ‬
‫اَّلل اله ِذي آَ َات ُك ْم﴾‪.25‬‬
‫ميلكونه جمازا بدليل قول هللا عز وجل ﴿وآَتُوهم ِمن م ِال هِ‬
‫َ ُْ ْ َ‬
‫بل إن الدنيا كلها مملّكة للمكلفني استخالفا وابتالء للحديث الصحيح عن‬

‫‪ 24‬سورة احلديد آية ‪.7‬‬


‫‪ 25‬سورة النور آية ‪.33‬‬

‫‪29‬‬
‫أيب سعيد اخلدري عن رسول هللا صلى هللا عليه سلم أنه قال إِ هن ُّ‬
‫الدنْـيَا ُح ْل َوةٌ‬
‫ف تَـ ْع َملُو َن)‪.26‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫خِ‬
‫ضَرةٌ‪َ ،‬وإِ هن ه‬
‫اَّللَ ُم ْستَ ْخل ُف ُك ْم ف َيها فَـيَـْنظُُر َكْي َ‬ ‫َ‬
‫فعلى هذا النظر املختلف يف الشريعة اإلسالمية تفهم أحكام امللكية‪،‬‬
‫كما أن عليها يبىن النظر إىل أصل امللكية‪ .27‬فال يستقيم يف الشريعة‪ ،‬وال هو‬
‫مسلم فيها‪ ،‬ما يعترب قناعة راسخة يف الفقه القانو ي من كون امللكية ابتدأت‬
‫مفهوم‬
‫ٌ‬ ‫مجاعية شازعة بني الناس مث تطورت لتصري فردية‪ .‬فهذا التصور القانو ي‬
‫سياقُه وهو التمكني ملفهوم الدولة احلديثة بتعزيز مواردها واستقالهلا وجعلها‬
‫املانح والضامن للملكية يف شكلها الفردي‪ .‬بينما الدولة يف املفهوم اإلسالمي‬
‫ال متلك ابألصالة ومن مثة فإن من متلك مجاعة أو على الشياع فإمنا‬
‫ابالستثناء وال بد له من مدخل فإما ابإلقطاع من احلاكم لِ َما ملك َعنوة‬
‫متليكا انقصا أو ابلعقد والوصية والشفعة وما شابه يف امللكية التامة من عموم‬
‫األفراد‪.28‬‬

‫‪ 26‬صحيح االمام مسلم‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬ابب أكثر أهل اجلنة الفقراء‪ ،‬رقم احلديث ‪. 5054‬‬
‫‪ 27‬وإهنا ليس ت قضية هامشية أو أن اخلالف بصددها عقيم‪ ،‬بل ولود جلملة تناقضات وسوء فهم‬
‫ملقاصد الفقهاء املتقدمني‪ .‬فأن يلح الفقهاء على أن اصل امللكية فردي مث تطور ليصري مجاعيا‪ ،‬فكرة‬
‫معاكسة لفلسفة التطور يف بنية التفكري القانو ي‪ ،‬املتكئ على فلسفة مادية متحجرة يف تفسري التاريخ‪.‬‬
‫وإن كان – لألسف‪ -‬كثري من شباب الباحثني االكادمييني يف الفقه االسالمي يتلقفون هذه الفكرة‬
‫تلقفا ‪-‬على األقل‪ -‬من غري متحيص للفقهاء وال أتكد من التوثيق بنسبتها‪ ،‬فضال عن ملكة التقدير‬
‫لتناقضهم بصددها‪.‬‬
‫‪ 28‬وعلى كل حال فهذه مسألة يف غاية األمهية لكن نقنع يف هذا املقام مبجرد التنبيه ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وإن التصور السالف للملكية لتنم عنه تعريفات الفقهاء‪ ،‬ولعل من‬
‫أدق ما جاء عن أيب الشهاب القرايف املالكي "إ هن املِْلك‪ :‬إابحة شرعية يف‬
‫ني أو ٍ‬
‫منفعة‪ ،‬تقتضي متََ ُّكن صاحبها من االنتفاع بتلك العني أو املنفعة‪ ،‬أو‬ ‫عٍ‬
‫ض عنهما من حيث هي كذلك"‪ ،29‬وعرفه تقنني جملة األحكام‬ ‫أخذ العِ َو ِ‬
‫العدلية احلنفية مبا نصه "امللك ما ملكه اإلنسان سواء كان أعياانً أو منافع‬
‫"‪ .30‬فيتضح أن حق امللكية مينح لصاحبه سلطات متكاملة على حمل احلق‪،‬‬
‫عقاراً كان أو منقوالً‪.‬‬
‫وملا كانت عناية املشرع املغريب يف املدونة ابحلقوق العينية الواقعة على‬
‫حصر تلك اخلصازص عليه بنص املادة ‪ " :14‬خيول‬ ‫العقار دون املنقول‪ ،‬فإنه َ‬
‫حق امللكية مالك العقار دون غريه سلطة استعماله واستغالله والتصرف فيه‪،‬‬
‫وأنه ال يقيده يف ذلك إال القانون أو االتفاق"‪.‬‬
‫لكن قبل التعرف على سلطات املالك يلزم التنبيه إىل أن امللكية‬
‫املقصودة هي دازما امللكية الفردية املمنوحة لألشخاص‪ ،‬بشقيها امللكية‬
‫الفردية املفردة أو امللكية الفردية على الشيوع‪ .‬فتخرج بذلك عن نطاق‬
‫دراستنا امللكية العامة للدولة أبمالكها العامة أو اخلاصة‪ ،‬فهذه هلا موضعها‬
‫ىف القانون اإلدارى خاصة‪ .‬اللهم إذا فقدت هذه األموال صفتها العامة ابنتهاء‬
‫ختصيصها للمنفعة العامة‪ ،‬فإهنا تعود لتنطبق عليها هذه القواعد‪ ،‬سواء حصل‬

‫‪ 29‬الفروق؛ الفرق الثمانون بعد املازة‪.216/3 :‬‬


‫‪ 30‬املادة ‪125‬‬

‫‪31‬‬
‫ذلك مبقتضى تشريع خاص يفيد انتهاء الغرض الذي من أجله خصصت‬
‫تلك األموال للمنفعة العامة أو مبقتضى واقعة كتغيري هنر جملراه فتعود األراضي‬
‫اليت احنسر عنها إىل صفة قبوهلا متلكها ملكية فردية‪.‬‬
‫سلطات املالك‪:‬‬
‫إن حق امللكية هو أقوى احلقوق العينية وأوسعها نطاقاً حيث يعطي‬
‫للمالك وحده كل السلطات املمكنة على احلق وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬سلطة االستعمال‪ :‬وهي سلطة القيام أبعمال مادية للحصول‬
‫على منافع الشيء اليت تسمح هبا طبيعته‪ ،‬وميتد هذا احلق للمالك ألن‬
‫يستعمل الشيء كيفما شاء حىت لو يف غري املعتاد شرط أال يتعسف يف‬
‫استعمال الشيء مبا يلحق الضرر ابلغري‪ .‬كما حيق للمالك له ابملقابل دون‬
‫غريه أال يستعمل الشيء إن أراد دون أن يرتتب على ذلك سقوط حقه عليه‪.‬‬
‫كما له أن يتنازل عن سلطة االستعمال لشخص آخر حينها يكون قد انتقل‬
‫املالك إىل سلطة االستغالل ‪.‬‬
‫‪ -2‬سلطة االستغالل‪ :‬وهو سلطة القيام ابألعمال الالزمة للحصول‬
‫على غلة الشيء دون املساس أبصله أي االنتفاع به بطريق غري مباشر‬
‫ابحلصول على مثاره‪ ،.‬ومتتد هذه السلطة جلميع ما يشمله حق امللكية من‬
‫عناصره اجلوهرية مع العلو والعمق كما يشمل ملحقاته اليت يفرق الفقه‬
‫بصددها بني الثمار واملنتجات مبا فيها الثمار واملنتجات‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫أ‪ -‬الثمار‪ :‬هي ما ينتج دورايً دون االنتقاص من أصل الشيء وهى إما‬
‫طبيعية أو صناعية مستحدثة أو مدنية ‪.‬‬
‫‪ -‬الثمار الطبيعية‪ :‬هي اليت تنتج دون تدخل من اإلنسان‪ ،‬وهي اليت‬
‫تتولد عن الشيء يف مواعيد دورية اثبتة دون تدخل من اإلنسان كالكأل ونتاج‬
‫احليوان‪..‬‬
‫‪ -‬الثمار الصناعية‪ :‬فهي الىت يتدخل اإلنسان يف زراعتها وتعهدها‬
‫ابلرعاية حىت موسم اجلين واحلصاد‪ ،‬كزراعة احملاصيل املومسية املختلفة أو‬
‫أشجار الفاكهة املتنوعة‪.‬‬
‫‪ -‬الثمار املدنية‪ :‬هي ما يغله الشيء من دخل اثبت نتيجة استغالله‪،‬‬
‫كتأجري املنازل وأرابح األسهم‪.‬‬
‫ب‪ -‬املنتجات‪ :‬ما ينتقص اقتطاعها من أصل الشيء دون أن‬
‫ينتجها يف مواعيد دورية كما يف املقالع واملناجم وأشجار الغاابت املعدة‬
‫للقطع‪ .‬وخبالف الثمار‪ ،‬فإن الغالب يف احملاصيل أن تكون غري متجددة‬
‫لنفوقها ابالستهالك‪ ،‬كما يغلب لذلك على العالقة بني مالك املنتجات‬
‫والعاقد الثا ي أحكام عقد البيع ال أحكام اإليار الذي ال يرد إال على‬
‫األشياء غري القابلة لالستهالك ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ - 3‬سلطة التصرف‪ :‬وهي سلطة إخراج الشيء من الذمة هنازيا سواء‬
‫كان بعوض أو بدونه‪ .‬هذه السلطة خالصة للمالك دون غريه من ذوي‬
‫احلقوق‪ ،‬بل هي ما مييز حق امللكية عن غريه من احلقوق العينية األصلية‪.‬‬
‫فمقتضاها حيق للمالك التصرف فيما ميلك بكل أوجه التصرف مادام‬
‫كامل األهلية غري حمجور عليه ألى من موانع األهلية‪ ،‬كما تنفذ تلك‬
‫التصرفات من بيع أو هبة أو وصية ىف حق اجلميع وأوهلم الورثة‪ ،‬ما مل تكن ىف‬
‫مرض املوت أو يف وصية أبكثر من الثلث‪.‬‬
‫والتصرف يف الشيء يكون إما مبقتضى عقد (إبرادة واحدة كما يف‬
‫التربع أو إبرادتني كما يف املعاوضة) ينجم عنه خروج ملكية الشيء هنازياً من‬
‫ذمة املالك أو مبقتضى تصرف مادي حمض ينتج عنه إهالك الشيء مبا‬
‫تقتضيه طبيعته كذبح احليوان اململوك احليواانت واستهالك األطعمة‪.‬‬
‫‪ -‬خصائص حق امللكية‪:‬‬
‫إن اجتماع السلطات الثالث يف يد املالك خص حق امللكية بثالث‬
‫خصازص عامة‪:‬‬
‫‪-‬حق جامع‪ :‬ألنه خيول املالك مجيع السلطات اليت من شأهنا أن‬
‫متكنه من احلصول على مزااي الشيء حمل احلق‪ ،‬فهو لذلك حق مطلق ميكن‬
‫االحتجاج به يف مواجهة الكافة‪ .‬ويرتتب على ذلك ما يلي‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -‬إن احلقوق املتفرعة عن حق امللكية كحق االنتفاع والسكىن تكون‬
‫مؤقتة ال دازمة‪. .‬‬
‫‪ -‬إن القيود الواردة على امللكية استثناء ال أصل‪.‬‬
‫‪ -‬حق مانع‪ :‬معناه أن امللكية قاصرة على املالك فال يوز للغري‬
‫االنتفاع ابلشيء أو استعماله إال إبذنه ورضاه‪ ،‬دون أن يعين ذلك امتناع‬
‫تعدد مالك الشيء الواحد فيما يعرف ابمللكية الشازعة‪ .‬كما يعين أيضا أن‬
‫احلق ال يسقط أبداً لعدم االستعمال فرتًة من الزمن طالت تلك الفرتة أم‬
‫قصرت‪ ،‬خبالف احلقوق العينية األخرى املتفرعة ‪.‬‬
‫‪-‬حق مؤبد‪ :‬يعىن أتبيد امللكية أنه احلق العيىن الوحيد الذى ال يسقط‬
‫أبداً بعدم االستعمال؛ فيبقى مادام حمله ابقياً وال يسقط ابلتقادم وال يزول‬
‫بعدم االستعمال فكل احلقوق املتفرعة عنه تسقط مبجرد عدم إستعماهلا فرتة‬
‫معينة‪.‬‬
‫نطاق امللكية‪:‬‬
‫يعرب الفقهاء عن النطاق ابألموال القابلة للتملك‪ .‬ويقصد هبا التقنني‬
‫املعاصر متلك عناصر الشيء اجلوهرية وما امتدت إليه يف جهاته الثالثة‪:31‬‬
‫وما تفرع عنها سطحا؛ وما امتد إليه عمقا؛ وما امتد إليه علوا‪ .‬فملكية أرض‬

‫‪ 31‬تنص املادة ‪ 16‬من م‪.‬ح‪.‬ع على‪" :‬مالك العقار ميلك كل ملحقاته وما يدره من مثار أو منتجات‬
‫وما يضم إليه أو يدمج فيه اباللتصاق"‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وتوابعه كما متتد إىل الفضاء الذى‬ ‫– مثال‪ -‬تشمل مثار الشيء وحملقاته‬
‫يعلو املكان والعمق الالزم للتمتع مبزااي األرض أو املبىن‪.‬‬
‫عناصر الشيء اجلوهرية‪:‬‬
‫يدخل ضمن نطاق الشيء اململوك ابلضرورة ما يعد من عناصره‬
‫يكون ماهية الشيء ووجوده مما ال ميكن االستغناء‬
‫اجلوهرية‪ ،‬ويقصد هبا ما ّ‬
‫عنه‪ ،‬حبيث لوالها يفىن الشيء أو يتلف أو يتحول إىل شيء آخر‪ .‬فالضيعة‬
‫الفالحية – مثال‪ -‬يعد ما ال ميكن فيعد من عناصرها اجلوهرية الىت ال ميكن‬
‫اإلستغناء عنها مصادر الرى واملياة وآالت الرى وأشجار الزراعة وحظازر‬
‫املاشية وخمازن السماد واحلبوب وأدوات الزراعة املختلفة‪ .‬وبغري هذه العناصر‬
‫تتحول املزرعة ألرض بوار ال خري فيها ‪ ,‬وميكن إعدادها للبناء إن جاز القانون‬
‫ذلك ‪ ,‬أو تركها على حاهلا حىت تعود هلا احلياة‪.‬‬
‫نطاق امللكية من جهة التفرعات‪:‬‬
‫يقصد هبا ما تقدم يف معىن سلطة االستغالل اليت متتد إىل مثار الشيء‬
‫أبنواعها الثالثة وإىل منتجاته‪ ،‬كما قد متتد إىل كل ما يتواجد على الشيء مما‬
‫ال مالك له ومن ذلك ما نصت عليه املادة ‪ 17‬من م ح ع بقوهلا " حيق‬
‫ملالك األرض قنص ما هبا من الوحيش على أن يراعي يف ممارسته هلذا احلق‬
‫الضوابط اليت يفرضها القانون"‪ .‬دون أن مينع ذلك االستثناءات اليت قد ترد‬
‫على متلك تلك التفرعات‪ ،‬كما يف احلالة اليت تتساقط فيها الثمار طبيعيا من‬

‫‪36‬‬
‫أغصان األشجار اليت تتجاوز علو أرض اجلار‪ ،‬فإهنا تعود ملن سقطت على‬
‫أرضه ال ملن تفرعت عن ملكه‪.‬‬
‫لكن يضاف إىل تلك السلطة يف نطاق ملكية الفروع ما التصق‬
‫ابلشيء واحتد به‪ ،‬سواء كان ذلك االلتصاق طبيعيا أو صناعيا كما سيأيت‬
‫تفصيله يف ابب أسباب كسب امللكية‪ .‬وليس من تلك التفرعات حقوق‬
‫االرتفاق ‪ -‬كما سنرى يف موضعه أيضا‪ -‬ألهنا ليست ملكية اتمة عند‬
‫الفقهاء وال عند القانونيني‪ ،‬على اختالف بينهما يف التكييف‪.‬‬
‫نطاق ملكية العلو‪:‬‬
‫متتد ملكية العلو ىف األرض للطبقات اهلوازية العليا إىل احلد الذى ميكن‬
‫أن يصل إليه االنتفاع املرخص لألرض؛ فمالك األرض له حق االرتفاع مببناه‬
‫إىل احلد املسموح به والعلو مبا يساوى مساحة أرضه‪ ،‬كذلك ابلنسبة ألشجار‬
‫املزرعة فتنمو وتعلو ومتتد لكل الفضاء الذى يعلو ويوازى املزرعة متاماً‪ .‬ومن‬
‫نطاق هذا العلو أن مينع املالك الغري من التجاوز عليه إال إبذنه‪ ،‬كما لو‬
‫جتاوزه جاره أبغصان أشجاره أو ببناء حاجب فله بسبب نطاق العلو أن‬
‫يرغمه على قطع األغصان أو هدم البناء املمتد على علوه‪ .‬بل إن من ذلك‬
‫النطاق أن يفصل املالك علو الشيء اململوك عن أصله وجوهره ابلتفويت أو‬
‫االستغالل كأن يبيع العلو أو يسمح إبنشاء حق السطحية إبرادته‪.‬‬
‫لكن ذلك ال مينع أن يقيد نطاق العلو‪ ،‬وذلك من طريقني األوىل‬
‫اشرتاط أن ميارس ذلك احلق دون تعسف ىف االستعمال احلق‪ ،‬والثانية‬
‫‪37‬‬
‫ممارسته مع مراعاة مقتضيات التشريعات اخلاصة ابلقوانني املنظمة للمالحة‬
‫اجلوية وخطوط اهلاتف والكهرابء وكذا مراعاة قيود اجلوار من جهة العلو سواء‬
‫يف الزراعة أو البناء‪.‬‬
‫نطاق ملكية العمق‪:‬‬
‫متتد ملكية الشيء للعمق الالزم للتمتع به واالستفادة منه حبسب‬
‫الغرض املخصصة له‪ ،‬فيمتد العمق يف األرض الزراعية إىل احلد الالزم لنمو‬
‫النبااتت واألشجار ولألعماق الالزمة الستخراج املياه اجلوفية‪ ،‬كما ميتد يف‬
‫البناايت الشاهقة إىل احلد الالزم لوضع األساسات احلاملة للمبىن‪ ،‬مبا فيها‬
‫املخابئ واملخازن املياه وغريها‪.‬‬
‫ومن مشموالت هذا النطاق أحقية املالك يف استغالل العمق من‬
‫استخراج األتربة و االنتفاع مبقالعه استعماال واستغالال‪ .‬لكن ذلك كله ال‬
‫مينع من تقييد هذا احلق كغريه بقيدين‪ :‬األول أن يستعمل دون تعسف وال‬
‫إضرار ابلغري فال حيفر أسفل ملكه مبا يضر أبساسات جريانه أو أبساسات‬
‫البناية اليت يسكنها إن كان العلو ملالك آخر حيق ملن ملالك بناية أو شقة أن‬
‫حا يعد ذلك تعسفاً منه‪ .‬والثا ي أن حيد منه التشريع كالقيود القانونية اخلاصة‬
‫ابلنفيس مما حتت األرض كاملعادن واآلاثر والكنوز‪ ،‬دون املقالع اليت حيق‬
‫متلكها لكوهنا منتجا ال عمقا ‪ .‬لذلك نشري بعجالة إىل حكم املعادن والكنز‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ -‬املعادن‪ :‬لقد املسألة حمل خالف بني الفقهاء؛ إذ يرى احلنفية أن‬
‫وجود املعادن ال نفيسة صلبة كانت أم مازعة ال حيد من ملكية املالك لعمق‬
‫الشيء‪ ،‬بينما يرى املالكية يف أشهر أقواهلم أن املعادن الكامنة ىف ابطن‬
‫األرض ليست ملكاً لصاحب األرض‪ ،‬بل هي ملك للمسلمني عامة‪. 32‬‬
‫ولقد اختارت جل التشريعات اختيار املالكية ‪ -‬ومنها مدونة احلقوق العينية‬
‫املغربية حبسب القيد الوارد يف املادة ‪ -19‬التساق ذاك الرأي وفلسفات‬
‫التقنني املعاصر مع اختالف يف العلة ألن املالكية ال ينسبون ملكية املعادن‬
‫للدولة بل لعامة املسلمني واحلاكم وكيل فيها ال غري‪ ،‬وال خيفى ما يف ذلك‬
‫من املخالفة ملنطق التقنني الذي يعل الدولة شخصا اعتباراي مستقلة عن‬
‫مواطنيها‪.‬‬

‫‪ 32‬اختلف الفقهاء يف حكم ملكية املعادن فقال احلنفية‪ :‬إذا ٌوجد معدن ذهب أو فضة أو حديد ‪..‬‬
‫يف أرض خراج أو ٌعشر أٌخذ منه اخلمس وابقيه لواجده وكذا إذا وجد يف الصحراء اليت ليست بعشرية‬
‫وال خراجية ‪ .‬وأما املازع كالقري والنفط وما ليس مبنطبع وال مازع كالنورة واجلص واجلواهر فال شيء فيها‬
‫وكلها لواجدها ‪.‬‬
‫وذهب املالكي ة يف قول إىل أن املعادن أمرها لإلمام يتصرف فيها مبا يرى أنه املصلحة وليست بتبع‬
‫لألرض اليت هي فيها ‪ ،..‬ولإلمام أن يقطعها ملن يعمل فيها بوجه االجتهاد حياة املقطع له أو مدة ما‬
‫من الزمان من غري أن ميلك أصلها‪ ،‬وأيخذ منها الزكاة على كل حال ‪.‬‬
‫وقال الشافعية‪ :‬املعدن الظاهر ال ميلك ابإلحياء وال يثبت فيه اختصاص بتحجر وال إقطاع‪.‬‬
‫وقال احلنابلة‪ :‬إن املعادن اجلامدة متلك مبلك األرض اليت هي فيها‪ ،‬ألهنا جزء من أجزاء األرض فهي‬
‫كالرتاب واألحجار الثابتة‪.‬‬
‫(تنظر أقوال املذاهب يف‪ :‬رد احملتار على الدر املختار‪ .46 / 2:‬حاشية الدسوقي على الشرح الكبري ‪/1‬‬
‫‪ . 487‬املغين البن قدامة‪)36-30 /3 :‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ -‬الكنز‪ :‬من الفقهاء من َمييز الركاز من الكنز ابعتبار األول مما دفن‬
‫يف اجلاهلية والثا ي مما دفن بعدها‪ ،‬ومنهم من يعل الركاز امسا للمدفون الذي‬
‫ال مالك له على أصل الوضع لغة وال يطلق على الكنز الذي يعلم صاحبه‬
‫همهَا َويَ ْستَ ْخ ِر َجا‬ ‫ك أَ ْن يـَْبـلُغَا أ ُ‬
‫َشد ُ‬ ‫إال جمازا‪ ،‬مستدلني بقوله تعاىل (فَأ ََر َاد َربُّ َ‬
‫ك)‪ 33‬فلما نسب الكنز للغالمني أفاد العلم أبصحابه‪.‬‬ ‫َكْنـَزُمهَا َر ْمحَةً ِم ْن َربِّ َ‬
‫وعليه قرروا أن الكن ملالكه الذى خبأه إن استطاع اإلثبات‪ ،‬وإال فلصاحب‬
‫األرض اليت وجد فيها أو ملالك الرقبة إن توزعت امللكية بني مالك رقبة‬
‫وصاحب منفعة‪ ،‬فإن كانت األرض موقوفة فيكون الكنز ملكاً للواقف أو‬
‫لورثته‪ ،‬وليس جلهة الوقف‪.‬‬
‫وأما اختيار التقنني املعاصر فهو ضمها إىل أمالك الدولة وفق مساطر‬
‫خاصة أو اإلذن لواجدها بتملكها وفق مساطر وآجال خاصة حبسب أمهية‬
‫ما وجد‪ .‬ولقد عدل املشرع املغريب عن ذلك يف مدونة احلقوق العينية ليوافق‬
‫أحكام الفقه اإلسالمي حني اقتضت املادة ‪ 18‬أن " الكنز الذي يعثر عليه‬
‫يف عقار معني يكون ملكا لصاحبه وعليه اخلمس للدولة "‪.‬‬
‫فهذا عموما نطاق امللكية من جهاته الثالث‪ ،‬ومنها وقفنا على بعض‬
‫القيود اليت ترد بصددها مما استوجب احلديث عن القيود العامة الواردة على‬
‫امللكية‪.‬‬

‫‪ 33‬من اآلية ‪ 82‬من سورة الكهف‬

‫‪40‬‬
‫القيود على حق امللكية‪:‬‬
‫األصل يف امللكية أهنا حق حممي ال تنزع إال للمنفعة العامة‪ ،‬أو‬
‫ملصلحة أعلى من مصلحة املالك‪ .‬وعن هذين االستثناءين تتفرع القيود‬
‫الواردة على امللكية؛ فهي إما قيود مبقتضى التشريع أو ابالتفاق أي قيود‬
‫تكون ابختيار املالك أو يرب عليها ‪.‬‬
‫وقبل اإلشارة إىل أنواع القيود نذكر أن القيد قد يرد على املالك‬
‫نفسه‪ ،‬ومن ذلك أن تضع بعض التشريعات قيودا على متلك األجانب‬
‫للعقارات على أراضيها أو تفرض شروطا خاصا لتفويت بعض العقارات‬
‫كاشرتاط اخلربة يف عمليات اخلصصة مثال‪.‬‬
‫أ‪ -‬القيود على امللكية مبقتضى التشريع‬
‫القيود التشريعية قد تكون مقررة ملصلحة عامة أو مقررة ملصلحة‬
‫خاصة جديرة ابالعتبار وهى دازماً ما تكون بني العقارات املتجاورة منعا‬
‫للضرر أو على األقل التقليل من‬
‫املضايقات الناشئة بني املالك بسبب اجلوار ‪.‬‬
‫‪ -‬القيود التشريعية املقررة للمصلحة العامة‪:‬‬
‫قد تتقرر هذه القيود على مبدأ احلق يف التملك من أساسه‪ ،‬كما رأينا‬
‫من منع بعض التشريعات متلك األجانب لألراضي الفالحية‪ .‬لكن الغالب‬

‫‪41‬‬
‫عليها أن تتقرر القيود على حق امللكية بعد توافره‪ ،‬كنزع امللكية للمنفعة العامة‬
‫أو احلرمان من االستغالل لالحتالل املؤقت ‪.‬‬
‫‪ -‬نزع امللكية للمنفعة العامة‪:‬القاعدة الفقهية املعتمدة يف هذا التقييد‬
‫هو تقدمي املصلحة العامة على املصلحة اخلاصة إذا تعارضتا‪ ،‬وهو مبدأ كو ي‬
‫يف مجيع التشريعات‪ .‬لكن الشرط يف هذا القيد أن ميارس بال شطط‪ ،‬لذلك‬
‫تقرر مجيع التشريعات من حيث املبدأ أن نزع امللكية للمصلحة العامة‬
‫يستوجب التعويض العادل ملالءة ذمة النازع ‪.‬‬
‫ومل حيذ املشرع املغريب يف مدونة احلقوق العينية عن هذا االجتاه ملا قرر‬
‫يف املادة ‪" :23‬ال حيرم أحد من ملكه إال يف األحوال اليت يقررها القانون‪ .‬وال‬
‫تنزع ملكية أحد إال ألجل املنفعة العامة ووفق اإلجراءات اليت ينص عليها‬
‫‪.34‬‬
‫القانون‪ ،‬ومقابل تعويض مناسب"‬
‫لكن مما يعاب على هذا التقرير الذي حييل على قانون آخر هو عدم‬
‫التعبري بصدد التعويض مبا توافقت عليه التشريعات من عبارة "تعويض‬
‫عادل"‪ ،‬فاختيار عبارة التعويض املناسب يبقي أفضلية أشخاص القانون‬
‫العام‪ ،‬وهو أمر ختلت عنه كثري من الدول املتقدمة ابعتبار الدولة مليئةٌ ذمتُها‬
‫غري مفتقرة فال حتتاج إىل محاية أو ميز قانونيا‪.‬‬

‫‪ -34‬القانون رقم ‪ 7.81‬املتعلق بنزع امللكية ألجل املنفعة العامة وابالحتالل املؤقت؛ اجلريدة الرمسية عدد‬
‫‪ 3685‬بتاريخ ‪ 3‬رمضان ‪ 15( 1403‬يونيه ‪ ،)1983‬ص ‪980‬؛ كما مت تغيريه وتتميمه‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫‪-‬االحتالل املؤقت واحلرمان من االستغالل‪ :‬قد تعمد الدولة إىل‬
‫حرمان املالك من استغالل ملكه دون نية نزعه ‪ -‬على األقل يف مرحلة‬
‫أوىل‪ ،-‬ويكون ذلك لطبيعة النشاط الذي تزمع القيام به يف أحوال طارزة أو‬
‫مستعجلة؛ كأن ٌأيمر ابالحتالل املؤقت على العقارات الالزمة إلجراء أعمال‬
‫الرتميم أو الوقاية أو غريها لقطع جسر أو تفشى وابء‪ .‬وقد تلج اجلهات‬
‫للحرمان لعدم توافر املوارد املالية الكافية نزع امللكية أو لتعقيدات قد تطول‬
‫فيضيع بطوهلا العقار من يدها بتفويت أو تغيري أو تشييد‪ .‬ويشرتط يف‬
‫االحتالل أن يكون مؤقتا أبن ينتهي يف أجل حمدد غالبا ما جتعله التشريعات‬
‫ثالث سنوات أو ابنتهاء الغرض‪ ،‬فإذا دعت الضرورة مد املدة احملددة وتعذر‬
‫االتفاق مع ذوى احلقوق حينها يلزم اجلهةَ املانعة مباشرةُ إجراءات نزع امللكية‬
‫‪ .‬وجتدر اإلشارة أن تقدير التعويض عن احلرمان يتم وفقا للقانون ‪ 7.81‬اآلنف‬
‫الذكر‪ ،‬وملقتضيات املادة الثامنة من قانون ‪ 90/41‬احملددة الختصاص احملاكم‬
‫يف البت يف النزاعات املتعلقة ابلعقود اإلدارية والتعويض عن األضرار الناشئة‬
‫عن أعمال وأنشطة أشخاص القانون العام‪.‬‬
‫‪ -‬القيود املقررة للمصلحة اخلاصة‬
‫جتتمع هذه القيود يف التزامات اجلوار؛ فهي من احلقوق املشددة يف‬
‫اَّللَ‬
‫(و ْاعبُ ُدوا ه‬
‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬لشدة الوصية هبا يف األصلني كما يف هللا تعاىل َ‬
‫اان وبِ ِذي الْ ُقرَ َٰب والْيَـتَ َام ٰى والْمساكِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ني‬ ‫َ ََ‬ ‫ْ َ‬ ‫َوَال تُ ْش ِرُكوا به َشْيـئًا َوابلْ َوال َديْ ِن إ ْح َس ً َ‬
‫ت‬‫نب َوابْ ِن ال هسبِ ِيل َوَما َملَ َك ْ‬‫ب ِاب ْجلَ ِ‬ ‫صِ‬
‫اح ِ‬ ‫ب َوال ه‬‫اجلُنُ ِ‬
‫اجلَا ِر ْ‬ ‫اجلَا ِر ِذي الْ ُق ْرَ َٰب َو ْ‬
‫َو ْ‬

‫‪43‬‬
‫ورا)‪ 35‬وللحديث الصحيح املشهور‬ ‫اَّللَ َال ُِحي ُّ‬
‫ب َمن َكا َن خمُْتَ ًاال فَ ُخ ً‬ ‫أَْميَانُ ُك ْم إِ هن ه‬
‫عن عازشة رضي هللا عنها عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪( :‬ما زال جربيل‬
‫يوصيين ابجلار حىت ظننت أنه سيورثه)‪.36‬‬
‫وحيرص التقنني املعاصر بدوره على حفظ هذه احلقوق ابلعمل على‬
‫إهناء أو تقليل أسباب النزاع بني احلقوق املتجاورة‪ ،‬فنص على جمموعة من‬
‫القيود القانونية احململ هبا حق امللكية لصاحل امللكيات األخرى املتجاورة‪،‬‬
‫وذلك بشكل عام وعلى مجيع امللكيات‪ .‬ويف هذا وردت املادة ‪ 21‬من م ح‬
‫ع منبهة أنه "ال يسوغ ملالك العقار أن يستعمله استعماال مضرا جباره ضررا‬
‫بليغا‪ ،‬والضرر البليغ يزال"‪ .‬ويالحظ أن التقنني يؤخذ بنظرية خمصوصة يف‬
‫حقوق اجلوار وهي " نظرية الضرر البليغ" ويسمى عند البعض ابلضرر غري‬
‫املألوف متييزا من الضرر املعتاد الذي ال ميكن تالفيه‪ .‬وسنشري مرة أخرى‬
‫على هذه القضااي إشارة عجلى‪.‬‬
‫‪ -‬أضرار اجلوار غري املألوفة‪ :‬ملا كانت طبيعة الضرر من أصعب شيء‬
‫حيدد الختالف الناس يف تصوره‪ ،‬فإن القاعدة أن أال يغلو املالك يف استعمال‬
‫حقه إىل حد يضر مبلك اجلار‪ .‬وابملقابل ليس للجار أن يرجع على جاره يف‬
‫مضار اجلوار املألوفة الىت ال ميكن تالفيها إال إذا جتاوزت احلد املألوف‪ ،‬فرياعى‬

‫‪ 35‬أية ‪ 36‬من سورة النساء‬


‫‪ 36‬أخرجه البخاري يف كتاب األدب ابب الوصاة ابجلار وهذا لفظه‪ ،‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة‬
‫واآلداب‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫يف ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها ابلنسبة لآلخر والغرض‬
‫الذي خصصت له‪ ،‬فإذا ما احتفت كل هذه القرازن منع املالك من اإلضرار‬
‫ولو حصل على ترخيص مسبق صادر عن السلطات املختصة‪.‬‬
‫‪ -‬قيود املطالت‪ :‬هي من األحكام املعلومة يف الفقه االسالمي وقد‬
‫كان يقع التمييز بني املطالت واملناور‪ ،‬أما يف مدونة احلقوق العينية فلم‬
‫تفصل يف هذه الفروع لعموم املادة ‪ 21‬يف إزالة كل أنواع الضرر‪ ،‬وإن أشار‬
‫إىل تلك القيود بشكل عام يف حقوق اجلوار اخلاصة ابحلازط املشرتك يف املادة‬
‫‪ . 30‬ومع ذلك فال أبس من إشارة مقتضبة إىل الفرق وبعض األحكام يف‬
‫الفرق بني املناور واملطالت‪.‬‬
‫فاملناور هي" ما يقصد هبا نفاذ اهلواء والنور بعلو قاعدهتا عن قامة‬
‫اإلنسان املعتادة دون السماح ابإلطالل منها على العقار اجملاور"‪ .‬ومبفهوم‬
‫املخالفة فإن املطل" ما يقصد بفتحه وإنشازه نفاذ اهلواء والنور واإلطالل على‬
‫العقار اجملاور وتكون قاعدته ىف مستوى قامة اإلنسان املعتادة"‪.‬‬
‫وفازدة التمييز أن ما ابلدار من فتحات يسمى مطالً وختضع حلكمه‬
‫من عدم جواز الفتح إال إن ثبت أهنا تعلو معتاد القامة فتعترب منوراً جاززا‪.‬‬
‫كما أن املطل حتكمه أحكام املسافة املقررة خبالف املنور الذي ال يشرتط فيه‬
‫هذا الشرط ‪7.‬‬

‫‪45‬‬
‫ب‪ -‬القيود االتفاقية على حق امللكية‪:‬‬
‫قد تدعو احلاجةُ املتعاقدين أثناء ممارسة حقوق التصرف من نقل‬
‫ملكية أو تفويت منفعة إىل االتفاق على تضمني العقود تقضى مبنع احلازز‬
‫اجلديد من التصرف لفرتة قد تطول أو تقصر‪ .‬وقد يثار هبذا الصدد اعرتاض‬
‫بكون غل سلطة األفراد يف التصرف ىف ملكياهتم مناقض خلصازص حق‬
‫امللكية من كونه حقا جامع مانعا مؤبدا بسلطاته الثالث‪ :‬االستعمال‬
‫واالستغالل والتصرف‪.‬‬
‫لذلك فإن الفقه والتقنني فتحا ابب االستثناء ب َق َدر‪ ،‬ويف حدود ضيقة‬
‫وبشروط معينة خاصة من جهة التأقيت وحتقيق املصاحل املشروعة‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فعدا الشرط البدهي املعروف من عدم مساس االتفاق جلوهر‬
‫حق امللكية مبخالفة النظام العام‪ ،‬فإن صحة تلك االتفاقات مشروط بشرطني‬
‫أساسني‪:‬‬
‫‪ -‬أن تكون االتفاقات مؤقتة ومشروعة‪.‬‬
‫‪ -‬أن ال تشمل كل سلطات املالك‪.‬‬
‫فيحق‪-‬مثال ‪-‬بيع عقار مع اشرتاط شرط يف العقد يقضي بعدم متكني‬
‫املالك اجلديد من االنتفاع مبلكه إال بعدم مرور أجل سنة‪ ،‬فإذا كان الشرط‬
‫غري حمدد بطل الشرط بطالن مطلقا‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫ويلزم التنبيه بعد هذه االمجال يف أنواع القيود إىل كون االطمئنان اىل‬
‫متييزها عما يعرتي احلقوق مايزال بعيدا‪ ،‬فقلما مييز املتخصصون القيود الوارد‬
‫على امللكية عن التحمالت اليت تعرتيها وعن االتفاقات بل وعن امللك‬
‫الناقص وهو تعبري الفقهاء عن ابقي العينية االصلية غري امللكية التامة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫امللكية ابالشرتاك‪:‬‬
‫أشران بصدد امللكية الفردية أن ورودها قد يكون على االنفراد أو على‬
‫االشرتاك دون أن يلحقها ذلك أبمالك الدولة وال أبمالك اجلماعات‪.‬‬
‫وللسبب نفسه جند مقنن مدونة احلقوق العينية قد جعل االشرتاك من أنواع‬
‫امللكية ووضع حتتها ثالثة فروع‪ :‬الشياع واحلازط املشرتك والطريق اخلاص‬
‫املشرتك‪.‬‬
‫يالحظ أن املشرع قد أخرج من نطاق املراد ابمللكية املشرتكة يف‬
‫احلقوق العينية ملكية الشقق ابعتبارها خاضعة لقانون خاص هو قانون‬
‫‪ 18.00‬املتعلق ابمللكية املشرتكة للعقارات املبنية‪ ،‬حبيث مل تعد تشمل األحكام‬
‫العامة لالشرتاك يف م ح ع إال تلك املتعلقة ابلعقارات غري املبنية‪ .‬ويالحظ‬
‫أيضا خروج امللك العازلي من مقتضيات أحكام االشرتاك بسبب إلغازه‪. 37‬‬
‫وبناء على ذلك فلن نُعىن بغري الفروع الثالثة املقررة‪ ،‬على أن نقدم ‪-‬‬
‫خالفا للمعتاد‪ -‬أحكام احلازط املشرتك واملمر املشرتك لقلة مقتضياهتما‬
‫وعدم تشعبهما ونؤخر امللكية الشازعة حلاجتنا إىل تفصي ما ينقضي به‪.‬‬

‫‪ 37‬مبقتضى ظهري شريف رقم ‪ 1.95.131‬صادر يف ‪ 19‬من صفر ‪ 18( 1416‬يوليو ‪ )1995‬بتنفيذ القانون‬
‫رقم ‪ 21.95‬إبلغاء الظهري الشريف الصادر يف ‪ 22‬من مجادى األوىل ‪ 7( 1372‬فرباير ‪ )1953‬بشأن امللك‬
‫العازلي‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫لكن قبل ذلك نقيم الفروق التالية‪:‬‬
‫‪ -‬تعىن امللكية اجلماعية ملكية جمموعة من األشخاص ىف شكل قبيلة‬
‫أو عشرية ماال ملكية مجاعية هلم على السواء‪ ،‬ويعترب الفقه اإلسالمي هذه‬
‫امللكية انقصة ابعتبارها ملكية منفعة ألن مصدر التملك اجلماعي حمدودة يف‬
‫اإلقطاع أما القانون فيصر على أهنا ملكية مجاعية امتدت من عصور قدمية‬
‫وأجلى مثال هلا يف التشريع املغريب ما يطلق عليه" أراضي اجلماعات الساللية‬
‫"‪ .‬واملهم من جهة األحكام أن امللكية تسند للجماعة ال لشخص معني فيها‪،‬‬
‫وأن صالحيات رزيس اجلماعة املالكة مفوض لتنظيم االنتفاع ال غري‪ ،‬فيمتنع‬
‫على هؤالء الشركاء تفويت احلق تفويت متليك ولو وقع فرز حقوق االنتفاع‪.‬‬
‫‪ -‬امللكية املشرتكة مبعناها اخلاصة سواء يف العقارات املبنية مبقتضى‬
‫قانون ‪ 18.00‬أو مبقتضى م ح ع يف احلازط واملمر املشرتكني أو حىت يف‬
‫توزيع سلطات امللكية بني أكثر من شخص‪ ,‬كما يف احتفاظ املالك مبلكية‬
‫الرقبة مع منح شخص آخر حق االنتفاع بسلطتيه االستعمال واالستغالل‬
‫فإن امللكية يف هذه األحوال تكون مفرزة يف بعض األجزاء ومشرتكة يف‬
‫بعضها اآلخر‪ ،‬لكن يبقى الشركاء يف املشرتك جمربين على البقاء يف الشياع‬
‫جربا ‪.‬‬
‫‪ -‬امللكية الشازعة يكون حملها حصة معنوية و الشيء ليس إال حمال‬
‫جملموع حقوق املالك املشاعني‪ ،‬فامللكية الشازعة وسط بني امللكية املفرزة‬
‫وامللكية املشرتكة ‪ .‬وبذلك فإن امللكية على الشياع ملكية يف الكل ويف اجلزء‬
‫‪49‬‬
‫فيكون كل شريك مالكاً لكل السلطات على كل ذرة من أجزاء الشيء‬
‫الشازع‪ ،‬و ذلك بقدر حصته يف املال‪ ،‬ولآلخرين مثله متاماً يف حدود‬
‫حصصهم وأنصبتهم‪ .‬لكن أهم ما مييز هذه امللكية عن غريها أن أصحاهبا ال‬
‫يربون على البقاء يف الشياع ‪.‬‬
‫وبسبب هذا الفرق الكبري نقسم أحكام االشرتاك على فرعني فقط‪:‬‬
‫فرع الشيوع االجباري؛ وفرع الشيوع ابالختيار الذي هو امللكية على الشياع‬
‫حتقيقا‪.‬‬
‫‪ -1‬الشيوع اإلجباري‪:‬‬
‫القاعدة األساسية اليت متيز الشيوع اإلجباري (وحندده هنا يف احلازط‬
‫واملمر املشرتكني) هي عدم جواز التصرف تصرفاً يضر ابلشركاء أو يتعارض‬
‫مع الغرض الذي خصص له هذا الشيء مبا يف ذلك عدم طلب قسمته‪ .‬كما‬
‫أن الشركاء ال يتحملون يف الشيء املشرتك نفقاته على قدر حصصهم كما يف‬
‫الشياع بل على أساس قيمة ما ميلكونه من ملكيات مفرزة‪ ،‬واليت أعد الشيء‬
‫الشازع خلدمتها ‪.‬‬
‫– أحكام احلائط املشرتك‪:‬‬
‫احلازط الفاصل بني عقارين قد يكون مشرتكاً وقد ملكية خالصة‬
‫لصاحب أحد العقارين‪ .‬حبيث تنشأ أسباب االشرتاك إبقامته من اجلارين‬
‫اتفاقا أو أبن يقيمه أحدمها أوال مث يشاركه فيه األخر الحقا ‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫ع املغريب احلاز َط املشرتك مبا كان بني بنازني كما تشرتط‬
‫ومل خيص املشر ُ‬
‫ببعض التشريعات‪ ،‬بل جعلها مطلقة بعبارة "بني عقارين" ‪ ،38‬فيستوي‬
‫لذلك أن يكون االشرت ُاك يف احلازط بني بناءين أو بني أرضني‪.‬‬
‫وتتلخص جممل أحكام هذا االشرتاك يف التايل‪:‬‬
‫‪ -‬لكل من الشريكني يف احلازط املشرتك أن يضع عليه خشاابً أو‬
‫غريها بقدر ما لشريكه بشرط أال ياوز كل منهما ما يتحمله احلازط وليس‬
‫ألحد منهما أن يزيد يف ذلك بدون أذن األخر وإذا مل يعد احلازط املشرتك‬
‫صاحلاً للغرض الذي خصص له عادة فنفقة إصالحه أو جتديده على‬
‫الشريكني مناصفة ‪.‬‬
‫‪ -‬ال حيق للشريك التصرف يف احلازط إبقامة بناء أو منشآت عليه إال‬
‫مبوافقة شريكه‪ ،‬لكنه ال حيتاج تلك املوافقة يف حالة الرغبة يف تعلية احلازط‬
‫املشرتك‪ ،‬شريطة أن يثبت جدية وجدوى تلك التعلية‪ ،‬وأن يتحمل وحده‬
‫نفقات التعلية وصيانة اجلزء املعلى‪ ،‬وأن يقوم قام بكل ذلك دون اإلضرار‬
‫ابجلار وال مبتانة احلازط املشرتك‪.‬‬
‫‪ -‬فإذا مل يكن احلازط املشرتك صاحلا لتحمل التعلية فعلى من يرغب‬
‫فيها من الشركاء أن يعيد بناءه كله على نفقته وحده بشرط أن تقع زايدة‬

‫‪ 38‬املادة ‪ 28‬من م‪.‬ح‪.‬ع "احلازط الفاصل بني عقارين يعد مشرتكا بينهما إىل هناية خط االشرتاك ما مل‬
‫يقم الدليل على خالف ذلك"‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫مسكه يف أرضه‪ ،‬ويظل احلازط اجملدد يف غري اجلزء املعلى مشرتكا دون أن‬
‫يكون ملن أحدث التعلية أي حق يف التعويض‪.‬‬
‫‪ -‬ال يرب اجلار على التنازل عن حصته يف احلازط املشرتك أو األرض‬
‫اليت أقيم عليها‪ .‬وابملقابل ميكن للجار يف حالة التعلية اليت مل يساهم يف‬
‫نفقاهتا أن يصبح شريكا يف اجلزء املعلى إذا دفع نصيبه يف نفقات التعلية ويف‬
‫قيمة األرض اليت تقع عليها زايدة السمك‪.‬‬
‫– أحكام الطريق اخلاص املشرتك‪:‬‬
‫يقصد ابلطريق اخلاص املشرتك "الطريق الذي يكون ملكاً ألصحابه‬
‫الشركاء فيه وخيصص خلدمة العقارات اليت تقع عليه" وال يشرتط يف هذه‬
‫الطريق أن تكون مغلقة‪ .‬فال يطلق على الزقاق حصرا‪ ،‬ألن العربة ليست‬
‫ابالحنباس عن الطريق العام‪ ،‬وإمنا خبدمة هذا الزقاق للعقارات اليت تقع عليه‪.‬‬
‫وهذا التوسيع يفهم من مقتضيات املادة ‪ 32‬من م ع‪ .39‬وعلى ذلك ترتتب‬
‫األحكام التالية‪:‬‬
‫‪ -‬ال يوز للشركاء يف الطريق املشرتك أن يطلبوا قسمته وال أن يتفقوا‬
‫على تفويته مستقال وليس هلم أن يسدوا مدخله ما مل يقع االستغناء عنه‪.‬‬

‫ث‪ 39‬املادة ‪ " 32‬الطريق اخلاص املشرتك ملك مشاع بني من هلم حق املرور فيه‪ ،‬وال يوز ألحدهم أن‬
‫حيدث فيه شيئا‪ ،‬سواء كان مضرا أو غري مضر‪ ،‬إال إبذن من ابقي شركازه"‬

‫‪52‬‬
‫‪ -‬الطريق اخلاص ملك ألصحابه فال يوز لغريهم التصرف فيه بغري‬
‫أذهنم وعليه ال يكون لغري الشركاء حق املرور إال يف حاالت الضرورة مثل‬
‫حاالت االزدحام فيكون للغري حق املرور فيه من غري منع ‪.‬‬
‫‪ -‬ألصحاب الطريق أن يفتحوا إليه من األبواب ما شاءوا‪ ،‬فإذا سد‬
‫احدهم اببه الذي له عليه وفتح مثال ابابً على الطريق العام فإن حقه يف‬
‫األول ال يسقط بعدم االستعمال‪ ،‬وهله وخللفه العام واخلاص ولو طالت املدة‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬املصاريف الضرورية إلصالح وتعمري الطريق املشرتك يتحملها‬
‫الشركاء فيه كل منهم بنسبة حصته فيه‪ .‬لكن إذا ذا رفض أحد الشركاء‬
‫املسامهة يف هذه املصاريف جاز لباقي الشركاء القيام إبصالح الطريق‬
‫ومطالبته قضاء أبداء منابه‪.‬‬

‫‪ -2‬امللكية الشائعة‪:‬‬
‫يراد ابلشياع تعدد املالك لشيء واحد دون أن يكون ألي منهم‬
‫نصيب مفرز‪ ،‬إذ أن احلصة اليت ميلكها الشريك يف الشياع تقع على الشيء‬
‫كله وإن كانت تقتصر يف الوقت نفسه على نسبة معينة حمددة فيه حبسب‬
‫سبب نشوء الشيوع؛ فإما ابلتساوي على األصل كما لو اشرتك عاقدان يف‬
‫شراء عني أو يف أحوال الوصية ابملنفعة ملتعدد‪ ،‬وإما مبقدار حصة كل واحد‬
‫كما يف اإلرث مثال ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ويكيف الفقهاء رمحهم هللا تعاىل أحكام على أحكام الشركة‪ ،‬وهو‬
‫الواضح من اختيار املشرع املغريب قبل مدونة احلقوق العينية إذ مساها يف ق‬
‫ل‪.‬ع‪.‬ب " شبه الشركة" ‪ 40‬وسنعرض خبصوص هذه امللكية إىل ثالث‬
‫قضااي‪ :‬االنتفاع ابمللك الشازع‪ ،‬إدارة امللك الشازع‪ ،‬وما ينقضي به الشياع‬
‫مادام على االختيار كما نبهنا‪.‬‬
‫‪ -‬االنتفاع ابلشيء الشائع‪:‬‬
‫االنتفاع ابلشيء املشاع هو مباشرة سلطة االستعمال فيما أُعد له‬
‫كل‬
‫الشيء وسلطة االستغالل ابحلصول على مثاره وغالته‪ .‬غري أن حق ّ‬
‫شريك مقيّد حبقوق الشركاء اآلخرين‪ ،‬حبيث ال ينجم عن ممارسة حقه‬
‫املساس حبقوقهم‪ .‬حبيث فلو انتفع أحدهم دوهنم اعترب متعداي‪ .‬وملا كان‬
‫يرتبط االنتفاع حبسن إدارة املال الشازع‪ ،‬فإننا سنشري إليهما خمتلطني‬
‫ابعتبارمها شيئا واحدا‪. .‬‬
‫ال يثري هذا االنتفاع أي إشكال إذا حصل ابتفاق مجيع الشركاء عليه‬
‫أو وكلوا أحدهم إلدارته صراحة أو ضمناً أو عينوا للمال مديراً مبقابل أو من‬
‫دونه‪ .‬وأما إذا مل يتفقوا فألحواله أحكام جنملها فيما يلي‪:‬‬

‫انظر أحكام الشياع يف القسم السابع من ظهري االلتزامات والعقود يف الفصول من ‪ 960‬إىل ‪981‬‬ ‫‪40‬‬

‫‪54‬‬
‫‪ -‬إذا توىل أحد الشركاء إدارة املال الشازع دون اعرتاض من الشركاء‬
‫اآلخرين‪ ،‬فإن يصري بذلك أصيالً عن نفسه ابالنتفاع ىف حدود حصته من‬
‫املال‪ ،‬ووكيالً عن الباقني فيما خيصهم من ابقي املال ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا مل يقع االتفاق على تويل أحدهم تلك اإلدارة جاز للشركاء‬
‫تعيني مدير مبقابل يف الغالب ليتوىل إدارة املال نيابة عنهم مجيعاً‪ ،‬وقد يكون‬
‫املعني من بني الشركاء أو خارجا عنهم ‪ .‬وال يشرتط التقنني أن يوافق مجيع‬
‫الشركاء على التعيني بل يتم فيه ذلك ابألغلبية‪ ،‬وإن كان الفقه اإلسالمي‬
‫يلزم فيه موافقة مجيع الشركاء على ما يرى على الشيء الشازع ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا مارس الفرد أو األقلية إدارة الشيء الشازع من غري إذن البقية‬
‫الغالبة فتصرفه صحيح فيما ال يضر حقوقهم‪ ،‬لكنه ملزم دون الرجوع إليهم‬
‫ابختاذ ما يلزم حلفظ الشيء ومباشرة األعمال املادية الالزمة حلفظ املال الشازع‬
‫وصيانته مبا فيها مباشرة األعمال القانونية الالزمة للحفاظ على املال كرفع‬
‫دعوى على املعتدي على امللك الشازع‪.‬‬
‫التصرف ابلشيء الشازع‪ :‬هذا احلق هو الذي يعل املالك على‬
‫‪ّ -‬‬
‫الشياع مالكا ملكية كاملة؛ فقيام حالة الشيوع ال يعىن تعطيل سلطة‬
‫التصرف‪ .‬ولكن وجود الشيوع يفرض شكالً معيناً أو إطاراً حمدداً يصح‬
‫التصرف ىف نطاق‪ .‬لذلك سنشري إىل أحوال هذا التصرف على غرار ما رأينا‬
‫يف أحوال االنتفاع ـ فإما أن يصدر التصرف من مجيع الشركاء أو من أغلبهم‬
‫أو قد يصدر من الشريك املنفرد‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫تصرفا انقالً‬
‫التصرف ابلشيء الشازع ّ‬‫ّ‬ ‫‪ -‬إذا أمجع الشركاء على‬
‫لتصرف صحيحاً‬ ‫للملكية أو مرتّباً حلق عيين آخر علي الشيء املشاع‪ ،‬كان ا ّ‬
‫انفذاً يف حق اجلميع‪.‬‬
‫حصته الشازعة أو بعضها‬
‫تصرف أحد الشركاء منفرداً يف كل ّ‬ ‫‪ -‬إذا ّ‬
‫تصرفه انفذاً يف حق بقية الشركاء ما مل ميس حبقوقهم‪ ،‬مع ختويلهم شرعا‬
‫كان ّ‬
‫حق شفعة احلصة إذا فوتت إىل أجنيب عن الشركاء كما سيأيت ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا تصرف الشريك يف الشيء الشازع كلّه أو يف مقدار شازع يزيد‬
‫حلصته ابعتباره‬
‫تصرفه تفصيل؛ فيكون انفذا ابلنسبة ّ‬
‫حصته فيه‪ ،‬فإن يف ّ‬
‫عن ّ‬
‫احلصة‪ ,‬وابلتايل غري انفذ يف‬
‫صادراً عن مالك‪ ،‬وغري انفذ فيما زاد عن هذه ّ‬
‫حق الشركاء وقابال لإلبطال يف املشرتي‪ .‬وعلى هذا التكييف يبىن بيع‬
‫الصفقة ألن الباحث عن اخلروج من الشياع به إمنا جتنب عدم النفاذ بعرضه‬
‫على بقية الشركاء ووقفه يف حق املشرتي كما سنشري الحقا‪.‬‬
‫‪ -‬إذا تصرف الشريك يف جزء مفرز من الشيء الشازع مبا يعادل‬
‫حصته فال خيلو؛ إما أن يكون بعد القسمة يف نصيبه فينفذ البيع األول وال‬
‫التصرف وارداً يف ملك الغري‬
‫يبطل‪ ،‬وإما أن يقع يف نصيب شريك آخر فيعد ّ‬
‫فال ينفذ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫‪ -‬انقضاء الشيوع‪:‬‬
‫سبقت اإلشارة إىل أن أهم ما مييز امللكية الشازعة عن غريها من‬
‫امللكيات املشرتكة كون الشريك فيها يبقى يف الشياع ابختياره‪ .‬لذلك قرر‬
‫الفقهاء قاعدة "ال يرب أحد على البقاء يف الشياع" ومعناها أن انقضاء‬
‫الشياع يكفي فيه التعبري عن إرادة االستقالل ابملناب من أحد الشركاء دون‬
‫أغلبيتهم وال أقليتهم‪ ،‬وهي القاعدة اليت استعارها املشرع املغريب لفظا يف املادة‬
‫‪ 27‬من م ح ع ‪.‬‬
‫إن الشيوع ‪-‬على التحقيق‪ -‬ينقضي ابألسباب ذاهتا اليت تكتسب به‬
‫امللكية من بيع وتربع وغريمها‪ ،‬لكن ملا كانت بعض األسباب الصق بطيعة‬
‫القسمة فإن الفقهاء دأبوا على التفصيل يف أنواع خمصوصة أمهها القسمة‬

‫‪57‬‬
‫الشفعة‪ ،‬ومنهم من يفصل يف انقضازه وببيع الصفقة‪ 41‬ويف حاالت خاصة‬
‫ابلبيع جربا‪.42‬‬
‫وحنن نكتفي ابإلشارة إىل القسمة والشفعة ابالعتبار الذي درج عليه‬
‫الفقهاء‪ ،‬ألنه األنسب يف نظران لطبيعة الشيوع‪ ،‬وإن كان املشرع املغريب قد‬
‫أشار إليهما ضمن ما تكتسب به امللكية ال مما ينقضي به الشيوع؛ فلن نعرج‬
‫على البيع اجلربي ألنه من املساطر القضازية اليت تدرس يف موضعها‪ .‬كما لن‬
‫نعرض لبيع الصفقة ألنه يعد يف التشريع املغريب من احلقوق الشخصية‬
‫ابعتباره دينا ترتب يف ذمة املصفق‪ ،‬ال حقا عينيا حبسب املفهوم من املادة‬
‫‪ 318‬من م ح ع‪ .‬وإن كان الفقهاء يعرضون له مقابال للشفعة من جهة‬
‫الشبه يف الشروط األساس اليت هي احتاد املدخل وعدم تبعيض احلصة ومن‬
‫جهة أن الداعي إليه هو جتنب الضرر مع اخلروج من الشياع‪.‬‬

‫‪ 41‬بيع الصفقة مما جرى به العمل عند املتأخرين من املالك وصورته أن يقدم شريك بعرض املال‬
‫املشرتك بني وبني غريه من الشركاء للبيع كال من غري تبعيض وال فرز حقوق فإذا مت عقد البيع خري‬
‫الشركاء بني إمضاء العقد وإما برده جمربين على ضم نصيبه مبقداره من الثمن الذي وقع به البيع‪ .‬فهو‬
‫إذن حق للشريك الذي يريد البيع‪ ،‬يقضي له به إذا طلبه لينتفي عنه الضرر الالحق بنقص مثن حصته‬
‫اذا بيعت مفردة فان مل يطلب هذا احلق سقط فال صفقة ‪ .‬وله شروط أشار إليها الفقهاء وخاصة‬
‫شراح التحفة عند قوله صاحبها‪:‬‬
‫(ومن دعا لبيع ماال ينقسم *** مل يسمع إال حيث إضرارا علم)‬
‫‪ 42‬بينما البيع اجلربي يف استعمال الفقهاء هو‪ :‬البيع احلاصل من مكره حبق‪ ،‬أو البيع عليه نيابة عنه‬
‫إليفاء حق وجب عليه أو لدفع ضرر‪ ،‬أو حتقيق مصلحة عامة‪ .‬املصباح املنري –جرب‪ ،-‬ص‪89 :‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ -‬انقضاء الشيوع ابلقسمة‪:‬‬
‫عرفها ابن عرفة "القسمة تصيري مشاع من مملوك مالكني معينا ولو‬
‫ابختصاص تصرف فيه بقرعة أو تراض" ‪ ،43‬فهي إذن اختصاص كل شريك‬
‫جبزء مفرز من املال الشازع يتناسب مع حصته فيه‪ ،‬فيملكه مالكاً له ملكية‬
‫اتمة على سبيل االستئثار واالنفراد‪.‬‬
‫ولقد تردد الفكر القانو ي يف تكييف طبيعة القسمة‪ :‬هل هي كاشفة‬
‫عن احلق أم منشئة له؟ مع ما يرتتب عن ذلك من أحكام خبصوص‬
‫التصرفات السابقة على القسمة هل تنفذ أم ال؟‬
‫أما ابلنسبة للفقهاء فقد كانت النظرة منسجمة اثبتة عميقة؛ إذ قرروا‬
‫من غري تردد أن القسمة ذات طبيعة مزدوجة ألن فيها معىن املبادلة وهو‬
‫النقل ومعىن اإلفراز وهو الكشف‪.‬‬
‫لذلك اعترب املشرع امللكية الشازعة حالة مؤقتة؛ حيق للشركاء اخلروج‬
‫منها مىت شاءوا‪ .‬وأبعد من ذلك أن قرر الفقهاء جواز اخلروج من الشياع‬
‫حىت قبل حلول األجل يف حالة اتفاق مبقتضى عقد على البقاء فيه مدة‬
‫معينة ‪.‬‬

‫‪ 43‬الرصاع‪ ،‬شرح حدود ابن عرفة‪373/3 :‬‬

‫‪59‬‬
‫أ‪ -‬أنواع القسمة‪:‬‬
‫درج الفقهاء رمحهم هللا على جعل القسمة ثالثة أنواع‪ ،‬فيميزون‬
‫قسمة قرعة وقسمة مراضاة وقسمة مراضاة مع التعديل‪ .44‬لكن من أحسن‬
‫من نظم القسمة ابن رشد احلفيد يف بداية اجملتهد ملا قال" والنظر يف القسمة‬
‫ينقسم إىل قسمني‪ :‬قسمة رقاب األموال وقسمة منافع الرقاب‪ ،45‬وهو‬
‫التقسيم الذي أخذت به التقنينات احلديثة جلزالته وانتظامه ‪.‬‬
‫ولقد وفق املشرع املغريب توفيقا كبريا يف مدونة احلقوق العينية‪،‬‬
‫فتجاوز خلط فقهاء القانون بني أنواع القسمة وطرقها حىت جعلوها أنواعا‬
‫متعددة‪ :‬رضازية وقضازية وبتية ومهاأية‪ .‬ليأخذ برأي ابن رشد يف التمييز بني‬
‫أنواع القسمة (بتية ومهاأية) وبني طرق القسمة ووسازلها (رضازية وقضازية)‪.‬‬
‫جاء يف املادة ‪ 313‬م‪.‬ح‪.‬ع‪" :‬القسمة إما بتية أو قسمة مهاأية‪:‬‬

‫‪ -‬القسمة البتية أداة لفرز نصيب كل شريك يف امللك وينقضي هبا‬


‫الشياع‪.‬‬
‫‪ -‬قسمة املهاأية تقتصر على املنافع وهي إما زمانية وإما مكانية‪.‬‬
‫تتم القسمة إما ابلرتاضي وإما حبكم قضازي مع مراعاة القوانني‬
‫والضوابط اجلاري هبا العمل"‪.‬‬

‫ثالث القسمةُ يف األصول وغريها جتوز مع التفصيل‬


‫‪ 44‬من ذلك قول املتحف‪ٌ :‬‬
‫‪ 45‬بداية اجملتهد‪611 / 3 :‬‬

‫‪60‬‬
‫ويعين هذا أن القسمة البتية قد تكون رضازية وقد تكون قضازية‪،‬‬
‫وكذلك قسمة املهاأية‪ .‬وعلى ذلك نكتفي حنن أيضا ابلتقسيم الثنازي‪:‬‬
‫قسمة أصول وهي البتية‪ ،‬وقسمة منافع وهي املهاأية ‪ .‬لكن قبل ذلك نشري‬
‫إىل الشروط الالزمة إلجراء القسمة ‪.‬‬

‫‪ -‬شروط القسمة‪:‬‬
‫لتصح القسمة يشرتط توافر ثالثة شروط‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الشيء املراد قسمته مملوكا على الشياع للشركاء‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون قابال للقسمة‪ ،‬وال يشرتط يف ذلك قسمته قسمة أعيان‬
‫بل يكفي قَبول ابلتقدير‪.‬‬
‫‪ -‬أن ال تزول املنفعة املقصودة منه ابلنسبة لكل جزء من أجزازه بعد‬
‫القسمة‪ ،‬فلو تبني أن الغرض الذي أعد له الشيء يستوجب بقاءه على‬
‫الشياع امتنعت القسمة‪.‬‬
‫‪ -‬القسمة البتية (قسمة األصول)‪:‬‬
‫هبذه القسمة يزول الشياع لزوما‪ ،‬وفيها يعترب كل متقاسم مالكا على‬
‫وجه االستقالل للحصة املفرزة اليت آلت إليه نتيجة القسمة‪ ،‬وتكون ملكيته‬
‫خالصة من كل حق عيين رتبه غريه من الشركاء إال إذا رتب هذا احلق‬
‫الشركاء جمتمعون‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫ومما يُظهر ازدواجية طبيعة هذه القسمة كما سبق إىل ذلك الفقهاء‬
‫(أي كاشفة ومنشئة) أن املتقامسني يضمن بعضهم لبعض أنصبتهم مما قد يقع‬
‫عليها من تعرض أو استحقاق بسبب سابق عن القسمة‪ ،‬إال إذا مت االتفاق‬
‫صراحة على اإلعفاء منه أو نشأ بسبب خطأ املتقاسم نفسه‪ .‬كما أن حصة‬
‫أحد الشركاء إذا كانت مثقلة حبق عيين قبل القسمة فإن هذا احلق ينتقل‬
‫ليثقل اجلزء املفرز الذي آل إىل هذا الشريك‪.‬‬
‫ونبه املشرع هبذا الصدد أن العقار إذا كان غري حمفظ ُحق للمتضرر‬
‫طلب فسخ القسمة وإجراء أخرى جديدة‪ ،‬أما إذا كان حمفظا واستحقت‬
‫حصة املتقاسم كال أو بعضا فليس له سوى الرجوع على املتقامسني‬
‫ابلتعويض‪.‬‬
‫قسمة املهاأية (قسمة املنافع)‪:‬‬
‫يكيف الفقهاء هذه القسمة على أحكام اإلجارة سواء كانت تلك‬
‫قسمة زمانية أو مكانية‪ ،‬وهي أحكام مناسبة لطبيعة هذه القسمة مادامت‬
‫نصبة على املنافع دون املساس بطبيعة الشياع يف األصول ‪.‬‬
‫و من خصازصها أن ال يلزم أي متقاسم جتاه املتقامسني اآلخرين‬
‫بتقدمي أي حساب عما قبضه خالل مدة انتفاعه‪ ،‬كما تنتقل احلقوق‬
‫وااللتزامات املتعلقة ابملهاأية إىل اخللف الذي آلت إليه ملكية احلصة املشاعة‬

‫‪62‬‬
‫سواء كان عاما أو خاصا‪ .‬لكن يف كل ذلك تبقى هذه القسمة قابلة ألن‬
‫تصري بتية إبرادة الشركاء أو أحدهم‪.‬‬
‫‪ -‬قسمة املهاأية الزمانية‪ :‬تكون املهاأية زمانية ابتفاق الشركاء على أن‬
‫يتناوبوا االنتفاع جبميع العقار املشاع كل منهم مدة تتناسب مع حصته فيه‪،‬‬
‫ويب فيها تعيني املدة اليت خيتص هبا كل منهم‪ .‬فإذا وقع خالف بني‬
‫الشركاء يف املدة كان للمحكمة اتريخ الشروع فيها ومن يبدأ منهم ابالنتفاع‬
‫تعينها تبعا لطبيعة العقار‪.‬‬
‫‪ -‬قسمة املهاأية املكانية‪ :‬تكون املهاأية مكانية عندما يتفق الشركاء‬
‫على أن خيتص كل واحد منهم ابالنتفاع جبزء مفرز من العقار املشاع يتناسب‬
‫مع حصته فيه على أن يتنازل لشركازه يف مقابل ذلك عن االنتفاع بباقي‬
‫أجزازه األخرى‪ .‬ويب فيها تعيني اجلزء الذي يستقل به كل منهم وإال عينته‬
‫احملكمة كذلك‪.‬‬
‫ج‪ -‬طرق إجراء القسمة‪:‬‬
‫القسمة البتية أو قسمة املهااية قد تكون رضازية أو قضازية كما‬
‫سلف‪ ،‬مع اإلشارة إىل أن القسمة الرضازية قد تؤول قضازية إذا مل يوافق‬
‫عليها أحد الشركاء أو بعضهم‪ .‬وقد يري الشركاء القسمة قضازيا رأسا إذا‬
‫امتنع أحدهم أو بعضهم أو جلهم عن إجراء القسمة واختار شريك ولو كان‬
‫منفردا اخلروج من الشياع لقاعدة ال يرب أحد على البقاء يف الشياع‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫أحكام إجراء القسمة رضاء‪:‬‬
‫ال تصح هذه القسمة إال إذا أدخل الشركاء فيها مجيع األطراف‪ ،‬كما‬
‫ال تصري انفذة إال إذا صادق عليها مجيع أصحاب احلقوق العينية املرتتبة على‬
‫العقار‪.‬‬
‫مث إن صفة البتية يف قسمة الرتاضي ال متنع الشركاء من طلب إبطاهلا‬
‫كلما شاب إرادة أحدهم عيب من عيوب الرضى‪ -‬الغلط والتدليس واإلكراه‬
‫‪ -‬أو حلقه غنب ال يقل عن الثلث‪ 46‬بني قيمة ما آل إليه مبقتضى القسمة‬
‫وبني القيمة احلقيقية حلصته يف العقار املقسوم‪ .‬ولقد وقت املشرع هذا احلق‬
‫يف اإلبطال أبن يكون قبل مضي سنة من اتريخ إجراء القسمة‪ ،‬وإال‬
‫تقادمت وكانت القسمة ابتة ‪.‬‬
‫قضاء‪:‬‬ ‫‪-‬إجراء القسمة‬
‫يشرتط فيها أن يدخل املدعي يف دعواها مجيع أصحاب احلقوق‬
‫العينية املرتتبة على العقار؛ فال تقبل إال إذا وجهت ضد مجيع الشركاء ومت‬
‫تقييدها تقييدا احتياطيا إذا تعلقت بعقار حمفظ‪.‬‬
‫تعمد احملكمة ابتداء إىل قسمة العقار املشاع قسمة عينية كلما كانت‬
‫هذه القسمة ممكنة‪ .‬وبناء على تصميم ينجزه خبري يف املسح الطوبغرايف يعني‬
‫موقع وحدود ومساحة كل نصيب مفرز‪ ،‬تقوم بفرز احلصص وتكوين األنصبة‬

‫احلكم ابلثلث من األحكام اليت ينفرد هبا املالكية‪ ،‬وتصلح أن تكون حبثا مستقال ومتميزا !‬ ‫‪46‬‬

‫‪64‬‬
‫على أساس أصغر حصة عن طريق التقومي والتعديل‪ ،‬مث تصدر حكمها بعد‬
‫توزيع األنصبة املفرزة بني الشركاء ابلقرعة‪.‬‬
‫لكن إذا كان العقار املشاع غري قابل للقسمة العينية‪ ،‬أو كان من‬
‫شأن قسمته خمالفة القوانني والضوابط اجلاري هبا العمل أو إحداث نقص‬
‫كبري يف قيمته‪ ،‬فإن احملكمة حتكم ببيعه ابملزاد العلين‪.‬‬
‫وال يتم ذلك البيع إال بعد أن حيوز احلكم قوة الشيء املقضى به‬
‫ُ‬
‫(أي بعد استنفاذ مجيع طرق الطعن العادية والنقض عند االقتضاء)‪ ،‬كما ال‬
‫تقبل أي مزايدة يف مثن العقار بعد بيعه ابلرتاضي‪ .‬أما ما تعلق مصروفات‬
‫وتكاليف القسمة‪ ،‬فإن املتقامسني يتحملوهنا مجيعا وتوزع بينهم على أساس‬
‫حصة كل واحد منهم‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ -‬انقضاء الشيوع ابلشفعة‬

‫‪-‬الشفعة‪ :‬التعريف والنطاق‪.‬‬


‫اختلف الفقهاء رمحهم هللا تعاىل يف تعريف الشفعة تبعا الختالفهم‬
‫فيمن هلم احلق فيها ويف موجباهتا وشروطها؛ فعرفها احلنفية أبهنا‪" :‬حق متلك‬
‫العقار جربا عن املشرتي مبا قام عليـه لـدفع ضـرر اجلوار"‪ 47‬بينما عرفها‬
‫املالكية ومجهور الفقهاء أبهنا "استحقاق شريك أخذ ما عاوض به شريكه‬
‫‪48‬‬
‫من عقار بثمنـه أو قيمته بصيغة"‬
‫فجعل احلنفية الشفعة تعم الشريك واجلار واخلليط‪ 49‬على اعتبار‬
‫الشفعة حق متلك املرء ما بيع من عقار أو ما هو يف حكم العقار مما هو‬
‫متصل بعقاره من شركة أو جوار مبثل الثمن الذي قام عليه املشرتي؛ وذلك‬
‫لدفع ضرر الشراكة أو اجلوار‪.‬‬
‫وذهب مجهور الفقهاء يتقدمهم املالكية إىل أن الشفعة استحقاق‬
‫لشريك أخذ مبيع شريكه بثمنه‪ ،‬واحتجوا حبديث جابر رضي هللا (قضى‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ابلشفعة فيما مل يقسم فإذا وقعت احلدود‬

‫‪ 47‬اهلداية للمرغينا ي‪24 /4 :‬‬


‫‪ 48‬الشرح الصغري للدردير حباشية الصاوي‪206 /2 :‬‬
‫‪ 49‬وهو املشارك يف حقوق االرتفاق اخلاص‪ ،‬وحتديدا يف احلازط واملمر املشرتكني‪ .‬وقد سبق أن نبهنا‬
‫إىل عدم جوزا إهناء الشياع يف هذه على مذهب املالكية واختيار املشرع املغريب‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫وصرفت الطرق فال شفعة)‪ ،50‬فلم يعلوها للجار‪ .‬ويف ذلك قال صاحب‬
‫التحفة‪:‬‬
‫ومل تُبِ ْح للجار عند األكثر *** ويف طريق ُمنِ َعت َوأَنْ َد ِر‬
‫بينما متسك احلنفية ابلشاهد من حديث أيب رافع(اجلار أحق‬
‫بصقبه)‪ 51‬فجعلوا الشفعة ابلتقدمي؛ حبيث يقدم الشريك يف املنزل مث الشريك‬
‫يف الطريق مث اجلار‪.‬‬
‫ولقد اختيار املشرع املغريب اختيار املالكية حبسب ما هو ّبني من املادة‬
‫‪ 292‬بقوهلا "الشفعة أخذ شريك يف ملك مشاع أو حق عيين مشاع حصة‬
‫شريكه املبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات العقد الالزمة واملصروفات‬
‫الضرورية النافعة عند االقتضاء"‪.‬‬

‫أخرجه البخاري ومسلم يف صحيحيهما واللفظ للبخاري؛ كتاب الشفعة ابب الشفعة فيما مل يقسم‬
‫فإذا وقعت احلدود فال شفعة‬
‫ومسلم‬
‫‪ -‬قال ابن أيب حامت يف العلل‪ ،‬عن أبيه‪ :‬عندي إن من قوله (إذا وقعت إىل آخره) من قول جابر (‬
‫تلخيص احلبري‪)123/3:‬‬
‫‪ 51‬أخرجه البخاري يف كتاب احليل ابب اهلبة والشفعة‪ ،‬واحلديث له قصة بني املسور ورافع وسعد رضي‬
‫هللا عن اجلميع تنظر يف الصحيح ‪ .‬والصقب معناه القرب‬

‫‪67‬‬
‫‪ -‬شروط استحقاق الشفعة‪:‬‬
‫إن الشفعة عند الفقهاء رمحهم هللا حق ضعيف‪ ،‬لذلك ال يُستحق من‬
‫غري قيد وال يف كل حال‪ .‬بل يلزم اجتماع شروط يف طالبها‪ .‬جنمل تلك‬
‫الشروط اخلاص ابلعقار فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الشفيع شريكا يف امللك املشاع وقت بيع احلصة‬
‫املشفوعة سواء كانت يف العقار أو حقا عينا على عقار‪.‬‬
‫مالءة ذمة الشفيع بقيمة املشفوع وما زاد عليها من مصاريف حتملها‬
‫املشفوع منه بني التصرفني‪.‬‬
‫لزوم أخذ الشفيع للحصة كاملة من غري تبعيض وإال تركها‪ ،‬فيجب‬
‫على الشريك أن أيخذ احلصة املبيعة بكاملها أو أن يرتكها‪.‬‬
‫متلك املشفوع منه احلصة املبيعة بعوض؛ فال يُشفع ما فُوت هببة أو‬
‫بصدقة‪ .‬وألزمت مدونة احلقوق العينية يف حالة العقار احملفظ إبثبات بيع‬
‫احلصة وتقييده ابلرسم العقاري‪.‬‬
‫ونستطيع من هذه الشروط العامة أن حندد خصازص حق الشفعة يف‬
‫أهنا‪:‬‬
‫‪ -‬حق غري قابل للتجززة‪ :‬فال يوز أخذ جزء من العقار املشفوع‬
‫وترك جزء منه لكن إذا تعدد املشرتون واحتد البازع بعقد واحد أو بعدة عقود‬
‫جاز للشفيع أخذ نصيب بعضهم وترك الباقي ‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫‪ -‬حق قابل لإلرث‪ :‬مادامت الشفعة ال تبطل مبوت البازع أو‬
‫املشرتي أو الشفيع‪ .‬ويرتتب على ذلك أنه إذا ثبتت الشفعة مث مات الشفيع‬
‫فأن لورثته أن يطلبوها خالل املدة الباقية من املدة اليت يقررها القانون لطلب‬
‫الشفعة ‪.‬‬
‫‪ -‬حق ال يوز فيه التصرف للغري‪ :‬فليس ألحد من الشفعاء أن‬
‫يتصرف حبق شفعته للغري مبقابل أو بدون مقابل ‪ .‬فلو ابع الشفيع شفعته‬
‫ألجنيب أو لشفيع أخر مبقابل سقطت الشفعة وبطل البيع املرتتب عليها‪.‬‬
‫مشموالت الشفعة‪:‬‬
‫تطرق الفقهاء إىل الشفعة يف املنقول والعقار‪ ،‬لكن املدونة تقصرها ‪-‬‬
‫كما تقدم ‪-‬على العقار واحلقوق املرتتبة عليه‪ .‬لذلك نصت على أن الشفعة‬
‫تكون يف العقارات سواء كانت قابلة للقسمة أم غري قابلة هلا‪ ،‬وتكون أيضا‬
‫يف احلقوق العينية القابلة للتداول‪.‬‬
‫لكن مما يستغرب له أن املدونة أجازت الشفعة بني مالك حق اهلواء‬
‫والتعلية وضمها إىل مالك السفل‪ ،‬كما أجازهتا يف حق السطحية وهي ملكية‬
‫اتمة مستقلة ال شركة بني صاحب احلق‪ ،‬كما أجازهتا يف ضم حق الزينة إىل‬
‫ملكية الرقبة فيما بيع منها ألجنيب‪ .‬وهذا يعل التصريح السابق أبخذ املدونة‬
‫برأي املالكية يف نظر؛ ألن املذكورين يف املادة ‪ 294‬تكييفهم على اجلوار أقرب‬
‫وأصح من تكييفهم على شبه الشركة‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫أحوال الشفيع‪:‬‬
‫الشفيع إما فرد أو متعدد‪ ،‬ونعرض ألحكام الفرد ألهنا األصل وتسري‬
‫على املتعدد بداهة لكن نتبعها أبحكام متعدد الشفعاء‪:‬‬
‫القاعدة أن احلصة اليت جتوز فيها الشفعة إذا بيعت أبمجعها أو أجزاء‬
‫منها أو عدة حصص شازعة بعقد واحد وجب على الشريك الراغب يف‬
‫الشفعة أن أيخذ مجيع املبيع املشاع بينه وبني البازع من يد املشرتي أو أن‬
‫يرتك اجلميع للمشرتي‪ ،‬سواء تعلق العقد مبلك أو عدة أمالك مشاعة‪ ،‬وسواء‬
‫احتد البازع أو املشرتي أو تعدد‪.‬‬
‫أما إذا بيعت أجزاء احلصة بعقود خمتلفة فإن الشفيع خيري بني أن‬
‫أيخذها بكاملها وبني أن أيخذ أبي عقد شاء ويدخل معه يف شفعته من‬
‫قبله من املشرتين بيعت احلصة املشفوعة عدة مرات قبل انصرام أجل الشفعة‪،‬‬
‫فللشفيع أن أيخذ من أي مشرت ابلثمن الذي اشرتى به ويرتتب على ذلك‬
‫بطالن البيوع الالحقة‪.‬‬
‫وحيرم القانون الشفيع من ممارسة الشفعة يف احلالة اليت تباع فيها‬
‫احلصة املشاعة يف املزاد العلين وفق اإلجراءات املنصوص عليها يف القانون فال‬
‫يوز أخذها ابلشفعة‪ .‬كما يعتد بطلب الشفعة يف حال كانت احلصة‬
‫املشفوعة عقارا يف طور التحفيظ إال إذا ضمن الشفيع تعرضه مبطلب‬
‫التحفيظ املتعلق به‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫وإذا تعدد الشفعاء كان لكل واحد منهم األخذ ابلشفعة بقدر‬
‫حصته يف امللك املشاع يوم املطالبة هبا‪ ،‬فإذا تركها البعض وجب على من‬
‫رغب يف الشفعة من الشركاء أخذ احلصة املبيعة بكاملها‪ .‬لكن إذا تزامحوا‬
‫واختلفت مراتبهم كان ترتيبهم يف األخذ ابلشفعة على ترتيبهم يف استحقاق‬
‫اإلرث؛ حبيث يقدم من يشارك البازع يف السهم الواحد يف املرياث على من‬
‫عداه‪ ،‬فإن مل أيخذ انتقل احلق إىل ابقي الورثة مث املوصى هلم‪ ،‬مث األجانب‪.‬‬
‫أحوال املشفوع منه وحقوقه‪:‬‬
‫ال خيلو املشفوع منه أن يكون أجنبيا أو أحد الشركاء‪ .‬وحال األجنيب‬
‫ال إشكال فيها‪ ،‬حيث إذا توافرت شروط الشفعة أخذت احلصة كاملة من‬
‫يده جربا مقابل مثن املثل وما حتمل من مصاريف‪ .‬أما إذا كان املشرتي‬
‫أحد الشركاء فلكل شريك يف امللك أن أيخذ من يده بقدر حصته يف امللك‪،‬‬
‫ويرتك للمشرتي نصيبه بقدر حصته ما مل يعرب عن رغبته يف التخلي عنها‪.‬‬
‫آجال الشفعة‪:‬‬
‫ختتلف هذه اآلجال حبسب طبيعة احلصة املشفوعة وحبسب تواريخ‬
‫علم الشفيع ابلبيع وكذلك حبسب مبادرة املشفوع منه ابلتبليغ ابلبيع من‬
‫عدمه‪:‬‬
‫‪ -‬حبسب طبيعة احلصة املشفوعة‪ :‬يسقط حق الشفعة يف مجيع‬
‫األحوال مبضي سنة كاملة؛ فإذا العقار حمفظا فيحتسب األجل من اتريخ‬

‫‪71‬‬
‫التقييد أو اتريخ اإليداع إذا كان العقار يف طور التحفيظ ‪ .‬أما إذا كان العقار‬
‫غري حمفظ فبمضي سنة على العلم ابلبيع ‪.‬‬
‫‪ -‬حبسب إقدام املشفوع منه على تبليغ الشركاء ابلبيع من عدمه‪ :‬إن‬
‫للمشرتي أن يستبق ممارسة حق الشفعة‪ ،‬فيمكنه بعد تقييد حقوقه يف الرسم‬
‫العقاري أو إيداعها يف مطلب التحفيظ أن يبلغ نسخة من عقد شرازه إىل‬
‫من له حق الشفعة‪ ،‬وال يصح التبليغ إال إذا توصل به شخصيا من له احلق‬
‫فيها‪ ،‬ويسقط حق هذا األخري إن مل ميارسه خالل أجل ثالثني يوما كاملة‬
‫من اتريخ التوصل‪ ،‬ولقد كان هذا األجل قصريا استنادا إىل الفقه الذي‬
‫حصره يف ثالثة أايم من اتريخ العقد إذا حضره الشركاء‪.‬‬
‫‪ -‬حبسب علم الشفيع‪ :‬كان أجل ثالثة أايم املشار إليه آنفا أجل من‬
‫حضر العقد وهو املستعاض عنه قانون ابلتبليغ الصحيح داخل أجل ثالثني‬
‫يوما على اعتبار من بلغ تبليغا قانونيا كان كمن حضر‪ .‬لكن إن مل يقع‬
‫التبليغ وال حضر الشريك حبسب قيد الفقهاء عقد البيع امتد األجل إىل‬
‫السنة من اتريخ العلم‪ ،‬وقد ميتد إن مل يتحقق العلم إىل أجل أربع سنوات‬
‫من اتريخ إبرام العقد‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫‪-‬إجراءات الشفعة‪:‬‬
‫يب على من يرغب يف األخذ ابلشفعة أن يقدم طلبا إىل رزيس‬
‫احملكمة االبتدازية املختصة يعرب فيه عن رغبته يف األخذ ابلشفعة‪ ،‬ويطلب فيه‬
‫اإلذن له بعرض الثمن واملصروفات الظاهرة للعقد عرضا حقيقيا مث إبيداعهما‬
‫يف صندوق احملكمة عند رفض املشفوع منه للعرض العيين احلقيقي‪ ،‬وأن يقوم‬
‫بكل ذلك داخل األجل القانو ي وإال سقط حقه يف الشفعة‪.‬‬
‫‪-‬آاثر الشفعة‪:‬‬
‫تتنوع هذه اآلاثر حبسب ما إذا تعلقت ابلشفيع أو ابملشفوع منه‪:‬‬
‫‪ -‬آاثر الشفعة يف حق الشفيع‪ :‬يتملك الشفيع ابلشفعة احلصة املبيعة‬
‫ويتصرف فيها تصرف املالك يف ملكه ‪ .‬كما حيل حمل املشرتي يف مجيع‬
‫حقوقه والتزاماته‪ ،‬ويرتتب عن ذلك أن ينفرد البازع وحده بضمان استحقاق‬
‫العقار املشفوع‪.‬‬
‫لكن إذا من مقتضى احللول أيضا أنه إذا تضمن عقد البيع أي‬
‫اتفاق على تعديل أحكام الضمان سواء ابلتشديد أو التحقيق فأن هذا‬
‫االتفاق يسري يف حق الشفيع أيضاً ‪.‬‬
‫‪ -‬آاثر الشفعة يف حق املشفوع منه‪ :‬يزول حقه يف احلصة ويكون‬
‫كمن مل يتملكها قبل؛ فال يلزمه رد مثار احلصة املشفوعة للشفيع إال من‬
‫اتريخ املطالبة ابلشفعة‪ .‬لكن إذا أضاف املشفوع منه شيئا يف احلصة‬

‫‪73‬‬
‫املشفوعة من ماله أبن بىن أو غرس فيها فإن قام بذلك قبل إعالن الرغبة يف‬
‫األخذ ابلشفعة طبقت األحكام املتعلقة ابلبناء والغرس يف أرض الغري إبذنه‬
‫أو شبهة ملك‪ ،‬أما إذا قام بذلك بعد إعالن الرغبة يف الشفعة فتطبق‬
‫األحكام املتعلقة ابلبناء والغرس يف أرض الغري دون إذن‪.‬‬
‫سقوط الشفعة‪:‬‬
‫إن الشفعة ال تسقط مبجرد موت الشفيع وإمنا ينتقل هذا احلق إىل‬
‫ورثته بنفس الشروط مبا يف ذلك ما بقي من أجل لألخذ ابلشفعة‪ .‬لكنها‬
‫ابملقابل تسقط يف األحوال التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن يتنازل الشفيع عن حقه صراحة أو داللة‪ ،‬شريطة أن يقع هذا‬
‫التنازل بعد البيع ال قبله‪ ،‬ألنه ال وجود حلق قبل البيع فكيف يسقط قبل‬
‫وجوده‪.‬‬
‫‪ -‬أن يشرتي الشفيع احلصة اليت ابعها شريكه من مشرتيها أو‬
‫قامسه فيها؛‬
‫‪ -‬أن يزول ملك الشفيع فيسقط حقه ابلتبعية يف الشفعة؛ كما لو‬
‫ابع حصته اليت يشفع هبا‪ ،‬ولو كان ال يعلم أن شريكه قد ابع حصته قبله‬
‫‪ -‬أن ينصرم األجل حبسب أحواله املتقدمة‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫والقسمة من األسباب اليت تشهد على التحام قانون التحفيظ مبدونة‬
‫احلقوق العينية‪ ،‬فقد ألزمت بضرورة تقييد القسمة يف الرسم العقاري مبجرد‬
‫رفع الدعوى‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫أسباب كسب الملكية‪:‬‬
‫أسباب كسب امللكية آخر ما قنن من املدونة‪ ،‬وقد أراد املشرع بذلك‬
‫أن يعلها أسبااب لكسب احلقوق العينية كلها‪ .‬وال متيز يف هذا عن املعهود‬
‫يف الفقه اإلسالمي‪ ،‬بقدر ما وقع التمايز يف مسألتني كبريتني؛ أوالمها أَ ْن‬
‫حصرت املدونة كسب امللكية يف أحد عشر سببا‪ 52‬دون غريها‪ ،‬بينما مل‬
‫حيجر الفقه اإلسالمي تلك األسباب لعدم اهتمامه حبصر احلقوق بقدر‬
‫اهتمامه بورودها على قصد الشرع‪ .‬والثانية أهنما اتفقا يف بعض األسباب‬
‫إقرارا وتصورا (كالعقد واملرياث والوصية والشفعة ‪ )..‬لكن اختلف النظر يف‬
‫بعضها اآلخر بني ما اختلف يف إدراجه (كعدم إدراج املدونة االستيالءَ على‬
‫املباح ‪ )..‬وبني ما اختلف يف تصوره( كما يف احليازة ويف بعض مسازل‬
‫االلتصاق‪)..‬‬
‫لذلك نكتفي بعد هذا التنبيه بذكر أهم األسباب‪ ،‬إما ألهنا حتتاج‬
‫بعض التوضيح أو ألهنا مل تذكر أصال أو الختالف نظر الفقهني كما‬
‫التعرض هلا حمض‬
‫ُ‬ ‫سلف‪ .53‬أما بعض األسباب املعلومة كاملرياث والوصية‬
‫تكرار ملا نظم يف مدونة األسرة‪.‬‬

‫‪ 52‬إحياء األراضي املوات واحلرمي وااللتصاق ابلعقار واحليازة واملرياث والوصية واملغارسة واهلبة والصدقة‬
‫والشفعة والقسمة‪.‬‬
‫‪ 53‬وجتدر االشارة أن البعض اآلخر قد سبق التوقف عنده فيما ينقضي به الشياع؛ ومها الشفعة‬
‫والقسمة ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫‪ -‬االستيالء (أو إحراز املباحات)‪:‬‬
‫االستيالء‪ :‬وضع اليد على شيء ال مالك له بنية‪ .‬ويكون اإلحراز‬
‫بوضع اليد على الشيء فعالً( كالتقاط الثمار وحصد الكأل) أو حكما‬
‫مبسبب كنصب شبكة للصيد‪ .‬واألصل فيه احلديث املشهور عن رسول هللا‬
‫صلى هللا عليه وسلم قال( املسلمون شركاء يف ثالثة‪ :‬يف املاء والكإل‬
‫‪54‬‬
‫والنار )‬
‫ولالستيالء معنيان؛ عام يشمل االستيالء على املنقول والعقار‪ ،‬ومعىن‬
‫خاص غالب قاصر على املنقول‪ .‬وهبذا املعىن أخذت املدونة فلم تشر إليه‬
‫ألن املنقول خارج عن تقنينها ‪.‬‬
‫وشروط االستيالء عند الفقهاء ثالثة‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون الشيء مباحا ال مالك له‪.‬‬
‫ِ‬
‫املستويل إىل الشيء‪.‬‬ ‫‪ -‬أال يُسبق‬
‫‪ -‬أن يكون بنية التملك؛ فلو سقط بني يدي شخص صي ٌد دون‬
‫قصد ال ميلكه‪.‬‬

‫‪ -54‬رواه أمحد وأبو داود‪ ،‬ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس ‪ ،‬وزاد فيه ومثنه حرام (انظر نيل‬
‫األوطار يف شرح احلديث والتعليق على إسناده الذي فيه مقال‪365 / 5 .‬‬

‫‪77‬‬
‫وننبه هنا أن االستيالء ال يقصد به منع الغري من جنس الشيء‬
‫اململوك؛ فمن استوىل على ك ٍإل ال مينع الناس من موضع ذلك الكإل ‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫‪ -‬إحياء الموات‪:‬‬
‫هو من األسباب اجلديدة يف املدونة‪ .‬واإلحياء" مكافأة ابلتمليك ملن‬
‫عمل يف أرض غري مملوكة للغري أبعمال حتوهلا إىل ما ينتفع به من ري وشق‬
‫وحفر آابر وغريها"‪.‬‬
‫حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‬
‫ُ‬ ‫وأصل اإلحياء فقها وحكما‬
‫(من أحيا أرضا مواات فهي له) ‪ ،55‬فقال الفقهاء على مقتضاه أن من عمد‬
‫إىل أرض ال يٌعلم تقدم ملك ألحد عليها‪ ،‬فيحييها ابلسقي أو الزرع أو‬
‫الغرس أو البناء فتصري بذلك ملكه سواء كانت فيما قرب من العمران أم‬
‫‪56‬‬
‫بعد‪ ،‬سواء أذن له اإلمام يف ذلك أم مل أيذن‪.‬‬

‫‪ 55‬هذا لفظ احلديث يف املوطا‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬ابب القضاء يف عمارة املوات ومتامه " عن هشام بن‬
‫عروة عن أبيه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظامل حق "‬
‫(املوطا‪ ،‬كتاب األقضية‪ ،‬ابب القضاء يف عمارة املوات) ‪ .‬واحلديث هبذا اللفظ مرسل ابتفاق الرواة‬
‫(انظر شرح الزرقا ي على املوطأ وفتح الباري للحافظ ابن حجر)‪،‬‬
‫أما لفظ البخاري فعن عروة عن عازشة رضي هللا عنها عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال‪ :‬من أعمر أرضا‬
‫ليست ألحد فهو أحق‬
‫قال عروة قضى به عمر رضي هللا عنه يف خالفته"( الصحيح‪ ،‬كتاب املزارعة ابب من أحىي أرضا مواات)‬
‫‪ 56‬هذا رأي مجهور الفقهاء ينسب أليب حنيفة إذن اإلمام مطلقا وينسب إىل اإلمام مالك فيما قرب‬
‫ولقد حقق احلافظ ابن حجر املسالة يف الفتح وذكر ضعف دليل اشرتاط اإلذن‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫ولقد اختارت املدونة يف اإلحياء مسلك اشرتاط اإلذن يف اإلحياء‪،‬‬
‫بصريح املادة ‪ 222‬وهو ما يعين أن األرض املوات غري موجودة حقيقة يف‬
‫الرتاب املغريب على اعتبار أن األراضي اليت ال مالك هلا هي من أمالك الدولة‬
‫ابتداء فال يوز وضع اليد عليها إال إبذن صريح منها‪ ،‬وأن من أذن له‬
‫إبحيازها ميلك حق االستغالل دازم ويكون اإلحياء جبميع األعمال املتعقلة‬
‫ابستصالحها من ري وسقي وغرس أشجار ‪.‬‬
‫ولئن كان هذا احلذر من املشرع مفهوما إال أن فيه مشكالـ إذ كيف‬
‫حتصر حق احمليي يف االستغالل مث جتعل هذا اإلحياء مما تكسب به امللكية؟‬
‫فهذا مضطرب ‪ .‬فكان أوىل أن يوضع إلحياء هبذا التقييد من ضمن‬
‫امللك الناقص أو من ضمن احلقوق العينية األصلية املتفرعة عن امللكية مبعناها‬
‫القاصر على ملكية املنفعة دون ملكية الرقبة‪ .‬إذ يبقى هو التخريج املقبول‬
‫ملراد املقنن أبسباب كسب امللكية‪ ،‬وإال فإن شروط اإلحياء كما وردت يف‬
‫املدونة ليست على قواعد الفقهاء وال هي سبب لكسب امللكية‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ -‬حرمي األرض‪:‬‬
‫احلرمي "ما متس احلاجة إليه لتمام االنتفاع ابملعمور من األرض‪ .‬وهو‬
‫كل ما حيتاج إليه ملصلحة العامر من املرافق كحرمي البئر‪ ،‬ومطرح الرماد وحنو‬
‫ذلك من املرافق‪.‬‬
‫ويكون مقداره حبسب العرف واحلاجة‪ ،‬وابختالف العني اململوكة من‬
‫أرض‪ ،‬أو بئر‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫وهو مما قرره املقنن سببا لكسب امللكية أبن خيتص أهل البلدة أو‬
‫مالك الدار أو رب البئر أو الشجر ابحلرمي ومينع الغري من استغالله أو‬
‫إحداث أي شيء فيه‪ ،‬وكل ما يضر هبذا احلرمي يزال‪ .‬واحلرمي حمدد يف‬
‫األحوال الثالثة التالية‪:‬‬
‫حرمي اجلماعة أو البلدة مداخلها وخمارجها املؤدية إىل هذه اجلماعة أو‬
‫البلدة؛‬
‫حرمي الدار ما يرتفق به أهلها يف إقامتهم هبا‪ .‬وتشرتك الدور اجملتمعة‬
‫يف حرمي واحد وينتفع به أهل كل دار مبا ال يضر بغريهم من اجلريان؛‬
‫‪ -‬حرمي البئر أو الثقب أو أي مورد من موارد املياه السطحية أو‬
‫اجلوفية هو ما يسع واردها ويكون إحداث شيء فيه ضارا به أو مبازه‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ -‬حرمي الشجرة ما حتتاج إليه يف سقيها ومد جذورها وفروعها مع‬
‫مراعاة األحكام املنصوص عليها يف املواد املتعلقة بقيود اجلوار‪.‬‬
‫و أمهية احلرمي تظهر أكثر يف الشيء الذي ميلك شخص رقبته وميلك‬
‫آخر منفعته‪ ،‬كما له أمهية يف أحكام االرتفاق وحقوق اجلوار‪ .‬فيكون فيها‬
‫ذلك احلرمي من قيود التصرف‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ -‬االلتصاق‪:‬‬
‫االلتصاق سبب من أسباب كسب امللكية يكون مبقتضاه لصاحب‬
‫الشيء " أن يتملك ما اتصل به اتصاالً يتعذر معه فصالً منه دون تلف"‪.‬‬
‫ويرتتب على ذلك أن تتوافر لنشوء االلتصاق الشروط التالية‪:‬‬

‫‪ -‬أن يوجد شيئان متميزان أحدمها أكثر أمهية من األخر حبيث ميكن‬
‫اعتبار أحدمها أصالً واألخر اتبعاً ‪.‬‬
‫‪ -‬أن يتحد الشيئان حبيث يتعذر فصلهما عن بعضهما دون تلف ‪.‬‬
‫‪ -‬أال يكون الشيئان مملوكني عند التصاقهما لنفس املالك ‪.‬‬
‫والفقه اإلسالمي يعرف من هذا االلتصاق وينكر‪ .‬خاصة يف ما تعلق‬
‫برتتيب األحكام؛ إذ الفقه يعتد ابلسمة ابملوضوعية كما رددان مرارا فينظر إىل‬
‫الضرر احلاصل إىل الشيء ابعتباره ضررا حمسوسا اثبتا‪ ،‬يف حني يعتد القانون‬
‫بنوااي مرتكيب األفعال (وهذه مسالة تظهر أكثر يف االلتصاق بفعل اإلنسان‬
‫أو ما يسمى قانوان االلتصاق الصناعي) ‪.‬‬
‫و االلتصاق قد يقع يف العقار كما قد يقع يف املنقول‪ ،‬لكن مرة‬
‫أخرى لن هتتم املدونة إال ابلعقار‪ .‬لكن ال أبس أن نشري إىل أن االلتصاق إذا‬
‫وقع يف منقولني ملالكني خمتلفني‪ ،‬حبيث ال ميكن فصلهما دون تلف أو‬
‫نفقة فاحشة ومل يكن هناك اتفاق بني املالكني وكان االلتصاق قضاءً وقدراً‪،‬‬

‫‪83‬‬
‫فإن الفقهاء يقررون أن ميلك صاحب املنقول األكثر قيمة املنقول األخر‬
‫بقيمته‪.‬‬
‫وابلعودة إىل أحكام االلتصاق اخلاصة ابلعقار فإنه تتنوع إىل أن تكون‬
‫قدرا بفعل الطبيعة أو أن تكون اختيارا بفعل اإلنسان ‪.‬‬
‫‪ -‬االلتصاق الطبيعي ابلعقار‪:‬‬
‫الغالب يف هذا النوع أن يقع بفعل املياه اليت ال دخل لإلنسان فيها‪.‬‬
‫وقد عرض م‪.‬ح‪.‬ع أربع حاالت هبذا الصدد‪:‬‬
‫‪ -‬طمي النهر‪ :‬وهو ما أييت به السيل إىل أرض ميلكها الغري‪ .‬فهذا‬
‫يصبح ملكا لصاحب هذه األرض؛ إذ ترتكه مياه الفيضان بعد انسحاهبا‬
‫فيكون طبقة على األرض تصبح جزءًا منها وملكاً لصاحبها‪ .‬لكن مل يشر‬
‫املشرع إىل الطمي الذي يكون أرضاً جديدة رمبا لوضوح القاعدة أبن األرض‬
‫اليت ال مالك هلا هي ملك للدولة أصالة وأيضا إلشارته إىل حالة تكون اجلزر‬
‫يف احلالة الرابعة اآلتية ‪.‬‬
‫‪ -‬احلالة اليت يغري فيها النهر جمراه وهي احلالة اليت أحال فيها املشرع‬
‫على املادتني ‪ 3‬و‪ 4‬من قانون ‪ 10.95‬املتعلق بنظام املياه‪ .57‬وهي حالة ال‬

‫‪ -57‬القانون رقم ‪ 10.95‬املتعلق ابملاء الصادر بتنفيذه الظهري الشريف رقم ‪ 1.95.154‬بتاريخ ‪ 18‬من ربيع‬
‫األول ‪ 16( 1416‬اغسطس ‪)1995‬؛ اجلريدة الرمسية عدد ‪ 4325‬بتاريخ ‪ 24‬ربيع اآلخر ‪ 20( 1416‬سبتمرب‬
‫‪ ،)1995‬ص ‪.2520‬‬

‫‪84‬‬
‫ختلو أن يكون النهر غري جمراه بني القدمي واجلديد يف عقار مملوك لشخص‬
‫واحد فهذا أيخذ ما احنسر عنه مقابل ما غُمر من غري تعويض‪ .‬وإما أن تقع‬
‫بني ملكني خمتلفني‪ ،‬وفيها ال يعوض من جرى جديدا يف أرضه‪ ،‬بينما حيق‬
‫‪58‬‬
‫وفق مسطرة وقواعد‬ ‫ملن صاروا جرياان للمجرى القدمي أن أيخذوه شفعة‬
‫حمدد يف املادة ‪ 4‬املشار إليها أعاله‪.‬‬
‫‪ -‬حالة األراضي اليت تنحسر عنها املياه الراكدة كالبحريات والربك‬
‫فإهنا تبقى على حاهلا ملكا عاما للدولة‪ ،‬كما أن األراضي اليت تغمرها تلك‬
‫املياه مؤقتا تظل على ملكية أصحاهبا‪.‬‬
‫‪ -‬حالة اجلزر اليت قد تتكون بصورة طبيعية داخل املياه اإلقليمية أو‬
‫داخل البحريات أو يف جماري األهنار فإهنا أيضا تكون ملكا عاما للدولة‪.‬‬
‫‪ -‬االلتصاق الصناعي ابلعقار‪:‬‬
‫االلتصاق الصناعي هو ما كان بفعل اإلنسان‪ ،‬وملا كان خمتصا‬
‫ابلعقار فأن االلتصاق يكون بني منقول وعقار أهم منه‪ .‬وهي يف حاالت‬
‫الغراس وأيضا يف حاالت البناء أو إقامة منشآت على سطح األرض ألن‬
‫العربة ابملواد اليت وقع هبا البناء أو اإلنشاء‪ .‬فهذه منقوالت من غري خالف‪.‬‬
‫ودون اخلوض يف كثري من التفاصيل نشري ابتداء إىل أن االلتصاق‬
‫الذي يكون بني شيئني مملوكني لشخص واحد ال يثري أي إشكال‪ ،‬فهو من‬

‫‪ 58‬مع مالحظة مثرية أن املشرع أخذ يف الشفعة هنا برأي احلنفية ال رأي املالكية ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫توابع العقار ومن مشوالته على قاعدة "كل ما يضم للعقار أو يدمج فيه فهو‬
‫للمالك"‪ ،‬وهو ما أكدته املدونة يف كثري من موادها كاملادة ‪ 231‬وو‪ 233‬و‪234‬‬
‫و‪. 235‬‬
‫لكن احلاالت املقصودة يف االلتصاق الصناعي تلك اليت تكون بني‬
‫منقول وعقار مملوكني لشخصني خمتلفني‪ ،‬وأبحوال خمتلفة إما أن يكون ذلك‬
‫حبسن نية وإما أن يكون بسوء نية ‪ .‬وهي األحوال اليت قلنا أن الفقه‬
‫اإلسالمي ال أيخذ هبا إال استثناء بسبب نزعته املوضوعية فتكون فيه حبسب‬
‫الضرر الالحق ابلشيء ال ابلشخص‪ .‬ولقد وجبت هذه اإلشارة ألننا سنذكر‬
‫احلاالت الواردة يف املدون وجنملها يف اثنتني كبريتني حتتها فروع‪:59‬‬
‫‪ -‬حالة الزراعة أو إقامة منشآت أرض الغري‪ :‬فيما خيص الزراعة؛ فإذا‬
‫زرع شخص أرضا مملوكة للغري بسوء نية‪ ،‬فإن أخذها مالكها قبل فوات وقت‬
‫الزراعة فهو خمري بني املطالبة بقلع الزرع مع التعويض إذا كان له ما يربره‪،‬‬
‫وبني متلك الزرع مع دفع نفقاته إىل الزارع منقوصا منها أجرة القلع‪ ،‬وإن‬
‫أخذها بعد فوات وقت الزراعة فله احلق يف أجرة املثل مع التعويض إن كان‬
‫له ما يربره‪ .‬أما إذا زرع شخص أرض غريه حبسن نية كمن استأجر أرضا من‬
‫غري مالكها‪ ،‬فإن استحق املالك أرضه قبل فوات وقت الزراعة فللزارع أجرة‬

‫‪ 59‬مل يشر املشرع إىل حالة اثلثة كبرية وهي اليت تُنشأ فيها منشآت أو تزرع وتغرس يف أرض الغري مبواد‬
‫لغري آخر‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫املثل‪ ،‬وإن استحق املالك أرضه بعد فوات وقت الزراعة فليس له إال احلق يف‬
‫املطالبة ابلتعويض عما حلقه من ضرر من املتسبب فيه‪.‬‬
‫أما ما تعلق إبحداث منشآت أو أغراس أو بناءات بدون علم مالك‬
‫العقار‪ ،‬فلهذا األخري احلق إما يف االحتفاظ هبا مع أداء قيمة املواد وإما إلزام‬
‫حمدثها إبزالتها على نفقته مع إرجاع حالة األرض إىل ما كانت عليه قبل‬
‫إحداث األغراس أو البناء أو املنشآت‪ .‬لكن إن كانت قد أحدثت ممن‬
‫انتزعت منه األرض يف دعوى استحقاق ومل حيكم عليه برد مثارها نظرا حلسن‬
‫نيته فإن مالك العقار ال ميكنه أن يطالب إبزالة املنشآت أو األغراس أو‬
‫البناءات املذكورة‪ ،‬غري أنه ميكن له اخليار بني أن يؤدي قيمة املواد مع أجرة‬
‫اليد العاملة‪ ،‬أو أن يدفع مبلغا يعادل ما زيد يف قيمة امللك‪.‬‬
‫‪ -‬حالة إقامة مالك ملنشآت مبواد الغري‪ :‬يب على مالك العقار‬
‫الذي أقام هبا بناءات وأغراسا ومنشآت مبواد ليست له‪ ،‬أداء القيمة اليت‬
‫كانت لتلك املواد وقت استعماهلا وذلك بغض النظر عما ميكن أن يطالب‬
‫به من تعويضات وليس لصاحب املواد احلق يف أخذها بعدما دخل عليها‬
‫تغيري‪ .‬أما إذا جتاوز مالك حبسن نية حد أرضه عند إقامته بناء عليها وامتد‬
‫البناء ليشمل جزءا صغريا من أرض جاره ال يتجاوز عرضه ‪ 50‬سنتمرتا فإن‬
‫للمحكمة بعد املوازنة بني مصاحل الطرفني إما أن أتمر إبزالة البناء املقام‬
‫أبرض اجلار على نفقة من أقامه أو أن جترب مالك اجلزء املشغول ابلبناء‬
‫ابلتنازل عن ملكيته جلاره يف مقابل تعويض مناسب‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪ -‬الحيازة( أو وضع اليد)‪:‬‬
‫احليازة فقها هي "وضع اليد على الشيء واالستيالء عليه والتصرف‬
‫فيه " وزاد الفقهاء مع شرط احلوز والتصرف ادعاءُ التملك‪.‬‬
‫جعل املشرع احليازة من أسباب امللكية ملا صارت مدونة احلقوق‬
‫العينية يف أحكامها تشمل العقار احملفظ وغري احملفظ‪ .‬بينما مل تكن من تلك‬
‫األسباب يف ظهري ‪ 19‬رجب ‪ 1333‬الختصاصه حينها ابلعقار احملفظ وهو ما‬
‫ال يكسب ابحليازة لصفة التطهري املوسوم هبا التحفيظ ولكون احليازة املعروفة‬
‫واملمارسة هي ما كان دعوى‪ 60‬أو ما يسمى يف القانون ابحليازة العرضية وهي‬
‫منظمة مبقتضى املسطرة املدنية‪ .‬ولعل ذلك ما جعل كثري من الدارسني‬
‫خيلطون بني االعتبارين وكذا بني نظر الفقه ونظر القانون‪.‬‬
‫إن أساس احليازة مبين يف القانون على قواعد التقادم املكسب‪.‬‬
‫والتقادم غري مكسب للحقوق العينية عند فقهاء املسلمني ‪ .‬ألن التوسيع يف‬
‫احليازة مل يتجاوز عند متأخري الفقهاء األخذ ابلتقادم ابعتباره مانعا عن مساع‬
‫الدعوى الىت حتمى احلق‪ ،‬ال ابعتباره مكسبا للحق أو مسقط له‪ .‬لذلك‬
‫فالوضع األوفق لنظر الفقه اإلسالمي إىل احليازة هو ما كان عليه احلال يف‬
‫ظهري ‪.1333‬‬

‫‪ 60‬دعوى االستحقاق ودعوى منع التعرض ودعوى منع األعمال اجلديدة‬

‫‪88‬‬
‫أنواع احليازة‪:‬‬
‫احليازة من القضااي الشازكة من جهة أن النظر القانو ي يدعي أن‬
‫الفقهني القانو ي واالسالمي متفقان‪ ،‬بل يستشهد رجال القانون ابلتحفة‬
‫وبكتب الفقه على عكس ما تفيد‪ ،‬وهذا سببه دقة املوجه‪ ،‬فاحليازة ابلنسبة‬
‫للفقهاء ابب من أبواب الشهادات تنفع يف االثبات‪ ،‬على تفصيل بني‬
‫املذاهب هي تكفي أم تعضد ابليمني(املذهب الشافعي) وليست سببا من‬
‫أسباب امللكية كما هو النظر القانو ي‪ .‬ورب قازل يقول إن هذا التفصيل‬
‫حشو ال أتثري له مادامت النظر غلى املآل ينتهي اىل اعتبارها مما تكسب‬
‫امللكية‪ .‬لكن هذا االستنتاج ليس من دون أضرار‪ .‬ذلك أن النظر القانو ي‬
‫عندما يعترب املدة فإنه ال يعتد بتاريخ التملك إال بتمام املدة أي بعد مضي‬
‫أجل احليازة (كعشر سنوات اليت تكون بني األجانب)‪ ،‬بينما يعترب التملك‬
‫عند الفقهاء منذ بداية االجل‪ ،‬ألن األجل عندهم قرينة شاهدة وليست‬
‫سببا‪ ،‬وتظهر هذه املزايلة أيضا يف أنواع احليازات فهي ليست شيئا واحدا‪.‬‬
‫ومما يزيد هذه املباحث غموضا‪ ،‬ترجيح فقهاء املالكية للحيازة على‬
‫عقود األشرية‪ ،‬وهو املوقف الذي يشهد لتمييز الفقهاء بني احلق الشخصي‬
‫واحلق العيين‪ ،‬ابعتبار عقد الشراء مرجوا يف مواجهة احلازز ألن األول التزام‬
‫شخصي‪ ،‬وهذا أكرب من جمرد ترجيح ابلكتابة‪ .‬فيميز فقهاء املالكية بني‬
‫احليازة املثبتة للملك وبني احليازة املبطلة للملك قبلها‪ ،‬أما األوىل املثبتة‬
‫للملك فمحلها الشيء الذي مل يعرف له مالك قبل حاززه (جمهول أصل‬

‫‪89‬‬
‫امللك)‪ ،‬وهذه تكفي فيها عشرة أشهر أو أكثر‪ ،‬وأقل من هذه املدة ال يشهد‬
‫هبا‪ .‬بينما الثانية حملها أن يعرف مالك الشيء قبل حاززه لتلك املدة الطويلة‬
‫(عشر سنني فأكثر) مع جهل أصل مدخل احلازز ‪ .‬فاألوىل هي اليت يشري‬
‫إليها الشيخ خليل بقوله "وصحة امللك ابلتصرف‪ ،‬وعدم املنازع‪ ،‬وحوز طال‬
‫كعشرة أشهر‪ ،‬وأنه مل خيرج عن ملكه" بينما يشري صاحب التحفة إىل الثانية‬
‫واقتصر عليها أي املبطلة‪ .‬وهذا يؤكد ما سبق أن قلناه من أخذ املتأخرين‬
‫مبفهوم التقادم مبا يعين مساع الدعوى ال إكساب امللكية‪ .‬ومعىن املنع من‬
‫مساع الدعوى "يؤيد ذلك قول احلطاب‪" :‬والظاهر أن املراد بعدم مساعها عدم‬
‫ال عمل هبا من أنه ال توجه على املدعى عليه ميني إذا أنكر‪ ،‬ال أهنا ال تسمع‬
‫ابتداء‪ ،‬فإن ذلك غري ظاهر الحتمال أن يقر املدعى عليه‪ ،‬ويعتقد أن جمرد‬
‫حوزه يوجب له امللك"‪61‬‬

‫أما أنواع احليازة يف الفقه القانو ي فاثنان؛ احليازة االستحقاقية وهي‬


‫املنظمة يف مدونة احلقوق العينية‪ ،‬واحليازة العرضية اليت ال تفيد نية التملك‬
‫وهي اليت قلنا آنفا أهنا خمتصة ابلدعوى ومقتضياهتا مسطريةٌ قضازيةٌ ‪.‬‬
‫شروط وخصائص احليازة‪:‬‬
‫إن شروط احلق هي اليت حتدد خصازصه‪ ،‬لذلك نبدأ هبا كما وردت‬
‫يف املدونة جمملة لنستخلص منها اخلصازص املميزة؛ فيشرتط لصحة حيازة‬

‫‪ 61‬ينظر مواهب اجلليل للحطاب‪.22/ 6 :‬‬

‫‪90‬‬
‫أساسا أال تقوم على ما ليس مشروعا ( من غصب مللك الغري وما شابه)‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس نلخص الشروط اليت اشرتطتها م ح ع‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أن يكون احلازز واضعا يده على امللك وأن يتصرف فيه تصرف املالك‬
‫يف ملكه‬
‫أن ينسب امللك لنفسه‪ ،‬والناس ينسبونه إليه كذلك‬
‫أال ينازعه يف ذلك منازع؛ وأن تستمر احليازة طول املدة املقررة‪.‬‬
‫وعليه فإن خصازص احليازة جتمل يف أربع‪:‬‬
‫اهلدوء‪ :‬أن تكون احليازة قازمة دون اعرتاض أو منازعة من الغري‪ ،‬غري‬
‫مشوبة بعنف أو إكراه ‪.‬‬
‫الظهور‪ :‬أن يباشر احلازز انتفاعه ابحلق احليازة علنية ال خفية وإال مل‬
‫تكن حمل محاية‪.‬‬
‫الوضوح‪ :‬أن تدل أعمال احلازز على قصد التملك فال تكون غامضة‬
‫كمن تصرف يف مال حلساب الغري‪.‬‬
‫االستمرار‪ :‬يشرتط أن تستمر احليازة املدة املقررة شرعا أو قانوان‪ ،‬لكن‬
‫تزول هذه الصفة يف احليازة إذا وقع مانع مؤقت منع احلازز من السيطرة‬
‫الفعلية على العقار‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وإضافة إىل هذه اخلصازص العامة ترتتب أخرى مميزة‪ ،‬منها أن يف‬
‫احليازة ال يكلف حازز العقار ببيان وجه مدخله خالفا لألسباب النقلة‬
‫للملكية‪ ،‬فال يقع عليه عبء اإلثبات إال إذا أدىل منازعه حبجة على دعواه‪.‬‬
‫وابملقابل فإنه ميكن للحازز نقلها إىل خلفه ابإلرث أو الوصية وجبميع ما‬
‫تنتقل امللك ية ‪ .‬كما أن احليازة تصح مبباشرة احلازز نفسه أو مبباشرة الغري عنه‬
‫وذلك يف حالتني؛ احلالة اليت يكلف فيها احلازز ممن حتت إمرته مبباشرهتا‪.‬‬
‫واحلالة اليت يباشرها النازب الشرعي لصاحل فاقد األهلية أو انقصها ‪.‬‬
‫حمل احليازة‪:‬‬
‫األصل أن حياز كل ما ثبت أن ال مالك له ابلشروط واخلصازص‬
‫السالفة‪ ،‬لكن وضع املشرع قيودا تتعلق ابحملل سواء تعلق ابألشخاص أو‬
‫ابألشياء‪.‬‬
‫فأما من جهة األشخاص‪ ،‬فهو حمصور ‪ -‬مبقتضى املادة ‪ – 239‬يف‬
‫املغاربة دون غريهم؛ إذ ال حيتج هبا من مل حيمل اجلنسية املغربية أو زالت عنه‬
‫قبل املطالبة ‪ .‬مث إن احليازة ال حمل هلا بني األصول والفروع وبني األزواج‪ ،‬وال‬
‫بني الشركاء مطلقا والقيم على مال الغري سواء كان انزبا شرعيا أو وكيال أو‬
‫مكلفا إبدارة األموال العقارية وأصحاب هذه األموال األقارب‪.‬‬
‫و أما من جهة الشيء اململوك‪ ،‬فالقاعدة فيه أن احليازة تصح يف‬
‫امللك املهمل من األشخاص وال يستثىن من ذلك إال العقارات احملفظة‪ ،‬أما‬

‫‪92‬‬
‫أمالك الدولة بشقيها العامة واخلاصة واألمالك اجلماعية والوقفية فال تنال‬
‫وال تنتزع ابحليازة‪. 62‬‬
‫مدة احليازة‪:‬‬
‫مدد احليازة مأخوذة من أحكام الفقه املالكي‪ ،‬وفق التنويع السابق‬
‫بني احليازة املثبة واحليازة املبطلة‪.‬‬
‫‪ -‬تكفي يف احليازة املثبتة للحق مدة عشرة أشهر‪ ،‬وتلحق هبا احليازة‬
‫اليت تصرف فيها احلازز تفويتا بعلم وحضور املالك فهذه وإن كانت من النوع‬
‫الثا ي إال أهنا ال حتتاج انصرام املدة املقررة يف احليازة املبطلة‪.‬‬
‫‪ -‬تتنوع املدد يف احليازة املبطلة – وهي اليت تقابل احليازة‬
‫االستحقاقية عند القانونيني‪ -‬حبسب األحوال‪ .‬فتطول مدهتا ‪ 10‬إىل سنني‬
‫بني األجانب وبني األقارب الذين بينهم عداوة‪،‬و متتد إىل ‪ 40‬سنة بني‬
‫األقارب‪ .‬وهي املدد اليت أخذت هبا م ح ع‪.63‬‬

‫‪ 62‬وهو ما نصت عليه صراحة املادة ‪ "261‬ال تكتسب ابحليازة‪ :‬أمالك الدولة العامة واخلاصة؛األمالك‬
‫احملبسة؛أمالك اجلماعات الساللية؛ أمالك اجلماعات احمللية؛ العقارات احملفظة؛ األمالك األخرى‬
‫املنصوص عليها صراحة يف القانون"‪.‬‬
‫‪ 63‬أنظر املواد من ‪ 250‬إىل ‪254‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ -‬المغارسة‬
‫املغارسة "عقد يعطي مبوجبه مالك أرضه آلخر ليغرس فيها على نفقته‬
‫شجرا مقابل حصة معلومة من األرض والشجر يستحقها الغارس عند بلوغ‬
‫الشجر حد اإلطعام"‪ .‬وتسمى عند غري املالكية املناصبة‪ .‬ويعل اجلمهور‬
‫قسما من املساقاة‪.‬‬
‫وحكمها عند الفقهاء اجلواز إمجاال وإن كان ما يستدلون به دليل عام‬
‫وهو حديث جابر رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال (ما‬
‫من مسلم يغرس غرسا إال كان ما أكل منه صدقة)‪ .64‬والفقهاء متفقون مجلة‬
‫على صحة أصل املغارسة يف األشجار على سبيل اإلجارة ‪ .‬أما املغارسة اليت‬
‫على سبيل الشركة وصورهتا أن تعطى األرض للعامل لغرس األشجار وتكون‬
‫األرض واألشجار بينهما‪ ،‬أو األشجار وحدها بينهما فمختلف فيها‪ ،‬فإن‬
‫الفقهاء خمتلفون فيها‪ :‬فذهب احلنفية ومعهم مجهور الفقهاء إىل عدم اجلواز‬
‫بينما رأى املالكية اجلواز بشركة جزء معلوم يف األرض والشجر‪ .‬وهذه‬
‫املختلف فيها هي املقصودة بسبب التمليك يف املدونة ألهنا تكسب صاحبها‬
‫ملكية اتمة تنتج عن عمل‪ .‬حبيث إذا بلغ الشجر حد اإلطعام اكتسب‬

‫‪ 64‬أخرجه اإلمام البخاري يف كتاب احلرث واملزارعة ‪ -‬ابب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه‬
‫واإلمام مسلم يف كتاب املساقاة – ابب فضل الغرس والزرع‬

‫‪94‬‬
‫الغارس حقه العيين وتصري األرض والشجر ملكا شازعا بني مالك األرض‬
‫‪65‬‬
‫والغارس حبسب احلصة اليت وقع االتفاق عليها يف عقد املغارسة‪.‬‬
‫أما شروط املغارسة فهي‪:‬‬
‫‪ -‬ال يوز يف عقد املغارسة اشرتاط أجل يقل عن حد اإلطعام وال‬
‫أجل اشرتاط أجل يتجاوزه حتت طازلة البطالن‪.‬‬
‫‪ -‬ال يكون حملها حقوقا مشاعة حبسب املادة ‪. 266‬‬
‫‪ -‬لزوم إبرام عقد املغارسة يف حمرر رمسي مبقتضى املادة ‪ ،268‬ويشرتط‬
‫لصحته أن يعني نوع الشجر املراد غرسه ويبني حصة الغارس يف األرض ويف‬
‫الشجر‪.‬‬

‫‪ 65‬من األحكام املميزة اليت تظهر طبيعة املغارسة ما ّقر من توجه حملكمة النقض ببطالن عقد املغارسة‬
‫يف األمالك الوقفية‪(،‬ينظر على سبيل املثال القرار عدد‪ 2707‬املؤرخ يف ‪ 25‬يوليوز‪ 2007‬يف امللف املد ي‬
‫عدد‪ .) 2006/1/1/3378‬وهو مما يزكي التوجيه املالكي الذي يشرتط أن يكون العاقد مالكا ال منتفعا‬
‫وحنن نعلم أن االوقاف وصية وليست مالكة‪ ،‬عدا أن الوقف هو حق خرج من يد الواقف ومل ميلكه‬
‫املوقوف عليه ‪ .‬فهو شخص اعتباري مستقل ابلتعبري القانو ي للتقريب ‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫الملك الناقص‪:‬‬

‫أو الحقوق العينية األصلية المتفرعة عن حق الملكية‬


‫امللك الناقص هو تعبري الفقهاء‪ ،‬فامللكية التامة كما رأينا هي اليت‬
‫وملك منفعتها استغالال واستعماال‪،‬‬
‫لك الرقبة ابلتصرف ُ‬ ‫يتمع فيها للمالك ِم ُ‬
‫لكن قد حيدث أال تبقى للمالك إال الرقبة فيما ينتفع الغري استعماال‬
‫واستغالال ابململوك‪ .‬فهذه األحوال هي اليت يسميها الفقهاء أحوال امللك‬
‫الناقص‪ ،‬لكن ال مييل التشريع املعاصر إىل هذا التصنيف البديع بل يبقى‬
‫املالك صاحب ملك اتم ويعترب استعمال الغري وانتفاعه جمرد قيود حتد من‬
‫سلطته إما ابالختيار أو االضطرار‪ ،‬كما رأينا يف امللكية التامة بنوعيها الفردية‬
‫واملشرتكة‪ .‬لكن يبقى اجلميع متفقا( فقها وقانوان) على أهنا حقوق أصلية‬
‫متفرعة عن امللكية يف حالتها املكتملة‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة هبذا الصدد إىل أن مجيع أنواع احلقوق املوصوفة فقها‬
‫ابمللك الناقص ووردت يف م‪.‬ح‪.‬ع على سبيل احلصر (االنتفاع واالستعمال‬
‫والعمرى والكراء الطويل األمد وحق الزينة وحق اهلواء والتعلية وحق السطحية‬
‫واالرتفاقات عند الفقهاء) فهي إمنا ختول حقوق االستعمال أو االستغالل أو‬
‫مها معا دون حق التصرف يف أصل العني اليت للمالك أصالة‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫وسنتعرض ابتداء حلق االنتفاع ونؤخر حقوق االرتفاق خالفا ملا رتبت‬
‫عليه مدونة احلقوق العينية‪ ،‬اقتناعا بصحة تعليل الفقهاء املتقدمني‪ ،‬ومراعاة‬
‫لوجه الشبه حبق االنتفاع الذي هو األصل لكل مالك انقص‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ -‬حق االرتفاق‬
‫يرد هذا احلق عند الفقهاء حتت مسمى اإلرفاق‪ ،‬وهي صيغة تفيد‬
‫التصرف ابإلرادة‪ .‬وهذا فارق مهم؛ إذ يرى الفقهاء واملالكية خاصة أن‬
‫االرفاق ملك انقص قد يقع ابلرضا وبغريه‪ ،‬بينما صيغته يف التقنني جاءت‬
‫مزيدة – االرتفاق‪ -‬كي تشي هي األخرى بطبيعة النظر القانو ي إىل هذا‬
‫احلق؛ إذ هو فيه حتمل وأقرب ليكون قيدا على التملك ‪.‬‬
‫فقد عرف يف املادة ‪ 37‬من املدونة أبنه" حق عيين قوامه حتمل على‬
‫عقار من أجل استعمال أو منفعة عقار آخر مملوك لشخص آخر" حق عيين‬
‫يف عقار ملنفعة عقار آخر كإجراء املاء على أرض اجلار‪ ،‬أو املرور يف أرض‬
‫الغري وحنو ذلك " فإذا تقرر حق االرتفاق لفازدة عقار معني فإنه خيول‬
‫صاحبه كل ما هو الزم الستعمال ذلك احلق‪ .‬ويفهم من ذلك أن حق‬
‫االرتفاق ال يتقرر على منقول‪ ،‬كما يفهم منه أيضا أال يكون عقارا‬
‫ابلتخصيص بل عقارا بطبيعته‪ ،‬لكن املقصود ابخلدمة العقار ال مالكه‪.‬‬
‫وبسبب االرتفاق تنشأ التزامات متبادلة بني مال َكي العقارين‪ .‬واحلكم‬
‫العام عند الفقهاء يف االرتفاقات أهنا تبقى ما مل يرتتب على بقازها ضرر؛‬
‫فيلتزم صاحب العقار املخدوم ابستعمال املرفق أبقل ضرر‪ ،‬كما يتحمل‬
‫املصاريف اليت ترتتب على استعماله‪ ،‬وابملقابل ال حيق لصاحب العقار اخلادم‬

‫‪98‬‬
‫أن مينع عن االرتفاق‪ .‬ولقد ذهب الفقه اإلسالمي أبعد من ذلك ملا أوجب‬
‫على اإلمام اإلنفاق على املرافق العامة من خزانة الدولة‪ ،‬حتقيقاً ملصلحة‬
‫الناس‪ ،‬ودفعاً للضرر عنهم‪ .‬فإن مل يكن يف بيت املال ما يُصلح به ما فسد‬
‫منها أجرب اإلمام الناس على إصالحها دفعاً للضرر‪ ،‬فيكون على القادرين‬
‫النفقة‪ ،‬وعلى غري القادرين العمل أبنفسهم‪ ،‬ونفقتهم على األغنياء‪.‬‬
‫مرت منا اإلشارة التنبيه إىل أن فقهاء املسلمني يعلون االرتفاق‬
‫وإذ ّ‬
‫من أبواب امللك الناقص خالفا للقانونيني‪ ،‬فإن ذلك قد يوحي أن االرتفاق‬
‫حق االنتفاع عندهم سواء‪ ،‬وهو غري صحيح ‪ .‬لذلك نشري إىل أهم الفروق‬ ‫و ُ‬
‫بينهما حىت ال خيتلطا‪:‬‬
‫‪ -‬إن االرتفاق مقرر لصاحل عقار بينما املنفعة مقررة لشخص بعينه‬
‫‪ -‬إن حق االرتفاق حق دازم ويورث خبالف حق االنتفاع الذي‬
‫صفته التأقيت‪.‬‬
‫‪ -‬إن االرتفاق ال يقرر إال على العقار بينما االنتفاع يقرر على العقار‬
‫واملنقول‪.‬‬
‫ولعل هذا التمييز مساعد يف الوقوف على اخلصازص العامة لالرتفاق‪.‬‬
‫‪ -‬خصائص حق االرتفاق‪:‬‬
‫يتميز حق االرتفاق ابخلصازص العامة التالية‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ -‬خاصية احلجة على الكافة‪ :‬إن قوة حق االرتفاق العينية تتجاوز‬
‫االحتجاج به يف مواجهة مالك العقار اخلادم إىل االحتجاج به يف مواجهة‬
‫الكافة ‪.‬‬
‫‪-‬خاصية االحتاد‪ :‬معناه أن االرتفاق ال ينفك عن العقار؛ فينتقل معه‬
‫ويري عليه ما يري على العقار من تصرفات‪ .‬إذ ال يوز التصرف فيه‬
‫مستقالً عن العقار ابلبيع أو رهن أو غريمها من التصرفات املمكنة ‪.‬‬
‫‪ -‬خاصية الدوام‪ :‬وهي صفة متفرعة عن اخلاصية السابقة‪ ،‬لذلك‬
‫فاملقصود به دوام االرتفاق بدوام حمله‪.‬‬
‫ونذكر ضمن اخلصازص ميزة أخرى هلذا احلق‪ ،‬وهي أنه معفى من‬
‫التسجيل يف الرسوم العقارية‪ .66‬واملقصود هبذا الصدد االرتفاقات الطبيعية‬
‫اليت سنشري إليها‪.‬‬
‫‪ -‬حمل االرتفاق‪:‬‬
‫تنشأ حقوق االرتفاق على نوعني من امللك‪:‬‬
‫‪ -‬ارتفاق عام اثبت للناس مجيعاً وحمله األمالك العامة كاألهنار‬
‫والطرق واجلسور وحنوها مما ال خيتص به أحد‪.‬‬

‫‪ 66‬ولقد قضت حمكمة النقض يف احكام متواترة أن حق االرتفاق مستثىن من مقضيات املواد ‪ 66‬من‬
‫ظهري التحفيظ العقاري‪( .‬ينظر مثال القرار عدد‪2455‬‬
‫بتاريخ ‪ 2005/9/21‬يف امللف رقم‪.)2004/3/1/147‬‬

‫‪100‬‬
‫‪ -‬ارتفاق خاص وحمله األمالك اخلاصة بفرد ال يثبت فيها حق‬
‫االرتفاق عليها إال إبذن املالك‪.‬‬
‫‪ -‬أسباب االرتفاق‪:‬‬
‫يملها الفقهاء يف ثالثة‪ :‬االشرتاك العام‪ -،‬االشرتاط يف العقود‪- ،‬‬
‫القدم‪ .‬بينما تقرر املدونة مبا ال يبعد عن ذلك يف املادة ‪ 38‬أبنه ينشأ إما عن‬
‫الوضعية الطبيعية لألماكن أو حبكم القانون أو ابتفاق املالكني‪ ،‬على أن‬
‫بعض فقهاء القانون يملها بتقسيمها ارتفاقات طبيعية وأخرى قانونية‪ .‬ورازز‬
‫الطبيعية عنصر "القدم"‪ ،‬ويقصد به صالحية االحتجاج بقدم حق املرور‬
‫وحق اجملرى وحق املسيل وغريها من حقوق االرتفاق الظاهرة واستمرار‬
‫حيازهتا مدة طويلة إذا ثبت فيها حسن النية واالستمرار‪ .‬وأما القانونية‪،‬‬
‫فتجمع ما كان بسلطة أو ما كان بتخصيص من املالك األصلي أو ابتفاق‬
‫‪67‬‬
‫مع مالك العقار املراد ابخلدمة‪.‬‬

‫‪ 67‬وصورته الغالبة أن يكون العقاران اخلادم واملخدوم مملوكني لشخصني خمتلفني فيُنشئان حق االرتفاق‬
‫دون حاجة مرور زمان بشروط االرتفاق وخصازصه السالفة ‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ -‬أنواع االرتفاق‪:‬‬
‫أنواع االرتفاقات اليت قررت يف مدونة احلقوق العينية مخسة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫حق الشرب وحق اجملرى وحق الصرف (أو املسيل) وحق املرور وحق‬
‫‪68‬‬
‫املطل‪.‬‬
‫‪-‬حق الشرب‪ :‬هو حق عيين حبصة دورية يف املاء لسقي األراضي‬
‫وما التصق هبا من غرس وشجر‪ .‬وهو حق مقرر لكل شخص يف موارد املياه‬
‫العامة مبختلف وجوه االنتفاع‪ ،‬إال أن يتعلق مبورد خاص حينها ال يوز إال‬
‫برضى صاحبه‪ .‬لكن ليس ذلك االختصاص على إطالقه؛ فإذا استوىف املالك‬
‫حاجته منه جاز جلريانه املالك استغالل مورد املاء بقدر حاجة أراضيهم على‬
‫أن يشرتكوا يف نفقات إنشاء وصيانة مورد املاء بنسبة مساحة أراضيهم اليت‬
‫تنتفع منه‪.‬‬
‫إذا مل يتفق أصحاب حق الشرب على القيام ابإلصالحات الضرورية‬
‫ملوارد املياه أو فروعها أو اجلدول املشرتك جاز إلزامهم بنسبة مساحة أراضيهم‬
‫اليت تنتفع منها‪ ،‬وذلك بناء على طلب أي واحد منهم‪.‬‬
‫حق الشرب ينتقل لزوما تبعا النتقال ملكية األرض اليت تنتفع به‪.‬‬
‫لكن إذا كان مورد املاء مشرتكا فليس ألحد من الشركاء أن يرتب عليه لفازدة‬
‫الغري حق الشرب إال مبوافقتهم مجيعا‪.‬‬

‫‪ 68‬من املواد من ‪ 50‬إىل املادة ‪68‬‬

‫‪102‬‬
‫‪ -‬حق اجملرى‪ :‬املراد هبذا احلق "مترير ماء الري من مورده أبرض الغري‬
‫للوصول به إىل األرض املراد سقيها"‪ .‬فلزم من ذلك أن حيصل صاحبه على‬
‫حق مرور املياه يف األراضي الواقعة بني أرضه وبني ذلك املورد مقابل تعويض‬
‫مناسب يدفع مقدما‪ ،‬كما يراعى ارتكاب الضرر األخف يف ملك الغري عند‬
‫إقامة مساريب جراين املاء‪ .‬وابملقابل ُمينع املالك من التعرض لصاحب حق‬
‫اجملرى من ممارسة حقه مبا يف ذلك دخول أرضه كلما اقتضته احلاجة احلال‬
‫إلجراء اإلصالحات من ترميم وتعهد وغريها مما هو واقع أصالة على عاتق‬
‫املستفيد‪.‬‬
‫‪ -‬حق املسيل أو الصرف‪ :‬ينشأ هذا احلق يف حالة "سيالن املياه‬
‫سيالان طبيعيا ال يد لإلنسان فيه بني عقارين أحدمها مرتفع واآلخر منخفض‬
‫يتلقي املياه السازلة"‪ .‬فيحق تبعا لذلك لصاحب األرض العليا أن يصرف‬
‫الزازد عن حاجته من مياه األمطار وغريها على األرض املنخفضة دون ضرر‬
‫أو أبقل ما ميكن إال إذا كان مما ال ميكن تفاديه‪ ،‬كل ذلك مقابل تعويض‬
‫مناسب يدفع مقدما‪ .‬مع مراعاة القاعدة العامة يف إحداث األبنية أبن تقام‬
‫سطوحها وشرفاهتا بشكل يسمح مبسيل مياه األمطار وحنوها على أرضه ال‬
‫على أرض جاره‪ .‬وال حيق ابملقابل لصاحب األرض املنخفضة أن يقيم حاجزا‬
‫أو سدا ليمنع تدفق املياه على أرضه‪ .‬وجتدر اإلشارة هبذا الصدد‪ ،‬أن حق‬
‫الصرف ملا شبيها حبق اجملرى من جهات كثرية فإن املشرع رتب عليه مبقتضى‬

‫‪103‬‬
‫املادة ‪ 63‬االلتزامات املتبادلة نفسها الناشئة بني صاحب احلق وصاحب‬
‫األرض حقوقه‪.‬‬
‫‪ -‬حق املرور‪ :‬هو حق مقرر لكل عقار ليس له منفذ إىل الطريق‬
‫العام أو له منفذ لكنه ال يكفي مالكه للتمتع بكامل حقوقه عليه‪ .‬فيحق له‬
‫لذلك أن حيصل على ممر يف أرض اجلار مقابل تعويض مناسب وأن يتم ذلك‬
‫مبا ال يسبب للجار صاحب األرض املرتفق هبا إال أقل ضرر‪ .‬وقد حيدث أن‬
‫يكون لعقار مملوك على الشياع منفذ إىل الطريق‪ ،‬فلما قسم صارت بعض‬
‫أجزازه حمصورة وال منفذ هلا إىل الطريق العمومي‪ .‬ففي هذه احلالة ال يوز‬
‫ملالكها املطالبة ابملرور إال يف األجزاء اليت كانت موضوع التقسيم‪ .‬أما مل يكن‬
‫ذلك ممكنا فإهنم يعاملون كما لو كان هذا العقار مما ال منفذ له ابتداء‪،‬‬
‫فيرتتب على ذلك أن يستفيدوا من حق االرتفاق يف ملك اجلار مقابل‬
‫تعويض ووفق الشروط األوىل ‪.‬‬
‫‪ -‬حق املطل‪:‬سبقت اإلشارة إىل أحكام املطل يف قيود امللكية بسبب‬
‫اجلوار‪ .‬وموجب االرتفاق فيها هنا هو تعارض الضرورة مع حقوق الغري‪.‬‬
‫لذلك فهذه املطالت على تفصيل؛ فمن حيث األصل فإن املالك ال يقيد‬
‫أبي قيد يف امل طالت والشرفات اليت يفتحها على الطريق العامة‪ ،‬كما له أن‬
‫يبين يف حدود أرضه دون مراعاة النوافذ والشبابيك املفتوحة على ملكه إال إذا‬
‫وجدت اتفاقات خمالفة‪ .‬وهذا يف أحوال العقارات املتقاربة‪ .‬وأما حالة‬

‫‪104‬‬
‫احلازط املالصق فال يوز لصاحبه أن يفتح فيه نوافذ أو شبابيك أو أي‬
‫فتحات إال برضى صاحب امللك اجملاور‪.‬‬
‫‪ -‬انقضاء االرتفاقات‪:‬‬
‫نبهنا سابقا إىل متيز االرتفاق عن االنتفاع مبيزة الدوام‪ ،‬لكنه دوام‬
‫نسيب ال مينعه من االنقضاء كما قد ينتهي امللك التام نفسه؛ فلكل حق‬
‫شروط نشأة وشروط انقضاء ال تناقض خصازصه املميزة‪ ،‬وعليه فإن االرتفاق‬
‫ينتهي يف أحوال خمصوصة جنملها يف ثالث حاالت عامة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪ -‬انتهاء األجل احملدد له أو بزوال الغرض الذي أحدث من أجله‪.‬‬


‫‪ -‬اجتماع العقارين يف يد مالك واحد أو ابلتنازل عن حق االرتفاق‬
‫ممن له احلق فيه ‪.‬‬
‫‪ -‬هالك العقار املرتفق أو العقار املرتفق به هالكا كليا أو مبآهلما إىل‬
‫حال ال ميكن معها استعمال احلق‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫‪69‬‬
‫حق االنتفاع‬
‫قرر الفقهاء أن االنتفاع إما أن يكون بعقار أو مبنقول‪ ،‬وهذان أيضا‬
‫إما أن يكوان بعوض أو بغري عوض؛ فإن كان االنتفاع ابملنقول بعوض مسي‬
‫إجارة‪ ،‬وإن كان بغريها مسي عارية‪ .‬أما االنتفاع ابلعقار بعوض فيسمى كراء‪،‬‬
‫وال خيص عندهم مبصطلح االنتفاع ابلعقار إال ما كان بغري عوض‪ .".‬مث إن‬
‫اشرتاط عدم العوضية مشروط أيضا بعدم خروج ملك الرقبة من يد صاحبها‪،‬‬
‫فال تكون هبة وال صدقة مثال ‪ .‬وهذا التوضيح الزم وإن مل يشر إليه املشرع‬
‫يف املادة ‪ 79‬اليت تنص على حق االنتفاع أن" حق عيين خيول للمنتفع‬
‫استعمال عقار على ملك الغري واستغالله‪ ،‬وتنقضي مدته لزوما مبوت املنتفع‪.‬‬
‫فهو إذن حق عيين أصلي متفرع عن حق امللكية ميكن صاحبه من‬
‫جتريد مالك الرقبة من سلطيت االستعمال واالستغالل فينتفع هبما كما كان لو‬
‫كان املالك نفسه‪ ،‬لكن بشرط احملافظة على كياهنا ‪ .‬ومعىن أنه أصلي أنه‬
‫خيول لصاحبه حق تتبع حقه يف أي يد كان من غري واسطة‪ ،‬كما له أحق‬
‫األولية يف االحتجاج أمام الغري واستيفاء احلقوق‪.‬‬

‫‪ 69‬إن مما ال يسع جهله خبصوص هذا احلق هو عدم خلط حق االنتفاع ابملنفعة‪ ،‬واألدق من ذلك‬
‫التنبه على أن ما يعترب انتفاعا عند القانونيني هو منفعة عند الفقهاءو العكس ابلعكس‪ .‬ويرجع يف هذا‬
‫إىل فروق القرايف( الفرق الثالثون حتديدا‪. )18/1 .‬‬

‫‪106‬‬
‫واألمر املتفق عليه بني الفقهاء والقانونيني‪ ،‬وزكاه التشريع الحقا هو‬
‫اتسام هذا احلق بسمة التوقيت فهو مؤقت غري مؤبد‪ ،‬لذلك أوضحت املادة‬
‫‪ 80‬إمكان تقييده أبجل أو شرط وإذا مل يقع حتديده انتهى يف مجيع األحوال‬
‫مبوت املنتفع‪ .‬وهو اتفاق مهم يف متييز حق املنتفع أو املستأجر؛ فحق‬
‫االنتفاع وإن كان ينشأ أحياان ابالتفاق كحق الكراء إال أهنما خمتلفان من‬
‫جهة أن حق املكرتي حق شخصي بينما حق املنتفع حق عينني‪ ،‬مث إن حق‬
‫يورث على‬
‫املنتفع ينقضي حتماً بوفاة بينما حق املكرتي أو املستأجر قد ّ‬
‫مذهب املالكية‪.‬‬
‫‪ -‬نطاق حق االنتفاع‪ :‬يقصد ابلنطاق األموال اليت يرد عليها‬
‫واخلاضعة له‪ .‬ونذكر هنا مبا تقرر من حصر املشرع للحقوق العينية‪ ،‬وابلتبعية‬
‫فقد حصر ما تقع عليه لذلك جاءت املادة ‪ 81‬لتقرر األموال اخلاضعة حلق‬
‫االنتفاع فجعلها أربعة ال غري وهي حق االنتفاع على امللكية العقارية؛ وعلى‬
‫حق السطحية؛ وعلى حق الزينة؛ وعلى حق اهلواء أو التعلية‪.‬‬
‫ويلحظ أن هذا النطاق متاح حبسب ما إذا كان احلق الواقع عليه‬
‫االنتفاع يسمح لصاحله بتفويت االستغالل واالستعمال أم ال‪ .‬لذلك ال‬
‫يتقرر انتفاع على ما كان انتفاعا يف أصله كالعمرى مثال‪.‬‬
‫أسباب كسب حق االنتفاع‪:‬‬

‫‪107‬‬
‫يكتسب حق املنفعة وفق املادة ‪ 80‬بطريقتني‪ :‬إما ابالتفاق أو مبقتضى‬
‫القانون ‪.‬‬
‫وإذا كان من األمور اليت تتصور أن يقع هذا احلق ابالتفاق أي ابلعقد‬
‫سواء كان هذا العقد إبرادتني أو إبرادة واحدة كالوصية‪ ،‬فإن مقصود املشرع‬
‫ابلقانون احلالة اليت قررها الفقه اإلسالمي قدميا ابنتفاع الورثة بوصية احلمل‬
‫إىل حني استهالل املوصى له أو انتفاع الويل أبموال من مل يبلغ مبقدار‪.‬‬
‫وعلى ذلك فإنه ال يكتسب االنتفاع مبا تكتسب به امللكية مطلقا‬
‫كاالستيالء وااللتصاق واملرياث ‪-‬مثال– يتناىف وكون املنفعة تنقضي حتما‬
‫مبوت املنتفع ‪.‬‬

‫‪ -‬حقوق املنتفع‪:‬مها حقان أساسان بدهيان‪ :‬احلق يف استعمال‬


‫الشيء واحلق يف استغالله‪.‬‬
‫أما حقه يف االستعمال فال يقصر على الشيء املنتفع به بل ميتد‬
‫ليشمل وتوابعه؛ فلو كان شخص منتفعا بعقار‪ ،‬وكان مقررا لذلك العقار يف‬
‫حق ارتفاق على عقار آخر من مثل حق مرور أو مسيل‪ ،‬فإن من‬ ‫يد مالكه ُ‬
‫حق املنتفع أن ينتفع بذلك االرتفاق ولو مل يتم التنصيص عليه صراحة يف‬
‫العقد ‪.‬‬
‫وأما حق االستغالل فرياد به أمران‪ :‬أن يستأثر بثمار الشيء وأن‬
‫يكري حقه مدة انتفاعه‪ .‬وتوضيح ذلك أن االستئثار ابلثمار أمر مقرر‬

‫‪108‬‬
‫بسبب مجع االنتفاع حلقي االستعمال واالستغالل‪ ،‬شريطة أن يكون ذلك‬
‫مدة االنتفاع‪ .‬سواء كانت الثمار طبيعية مما تنتج األرض أو مما ينتج احليوان‬
‫أو كانت مثارا صناعية كاحملصوالت الزراعية‪ .‬ومن تلك الثمار‬
‫الثمار مسماة مدنية‪ ،‬وهي اليت حيصلها مثال من أجرة كراء حقه يف‬
‫االنتفاع ابملنتفع به‪ ،‬ويدر التنبيه أن ال يقع هذا الكراء على مقتضيات قانون‬
‫الكراء املد ي‪ ،‬ألن هذا الكراء خيول للمكرتي حق التعويض عن اإلخالء‬
‫وهذا حق ال ميلكه املنتفع ليمنحه‪.‬‬
‫‪ -‬التزامات املنتفع‪ :‬تنشأ هذه االلتزامات مبجرد تسلم العقار املنتفع‬
‫به‪ ،‬وهو استالم مفرتض على احلالة اليت عليها العقار موضوع االنتفاع‪ .‬وهو‬
‫األمر الذي يعل هذه الواقعة ذات أمهية قصوى يف صحة هذا احلق وجتنب‬
‫ما يثور من منازعات يف تقييم وضعية العقار بعد متام مدة االنتفاع ‪ .‬لذلك‬
‫يستحسن حني الشروع يف االنتفاع أن يُضمن العقد املنشأ جردا مفصال‬
‫مبحتوايت العقار وكذا وصفا دقيقا حلالته‪ ،‬خاصة يف تعداد مشموالت العقار‬
‫من منقوالت‪ .‬وقد تُبني القيمة التقديرية لتلك املنقوالت؛ سواء لتمام الوصف‬
‫واجلرد‪ ،‬وأيضا ليكون أساسا لكفالة يضمن هبا املنتفع سالمة حمل االنتفاع‬
‫وإرجاعه على احلالة اليت كانت عليها انتهاء مد االنتفاع‪ .‬ولعل هذا التدقيق‬
‫يربر اشرتاط التوثيق الرمسي للحقوق العينية وأهنا أوجب واجبات املوثق ومن‬
‫متام الصفة الرمسية اليت أُضفيت على احملررات يف احلقوق العينية‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫ولعل هذا الكشف مهم يف النشأة السليمة لبقية االلتزامات؛ فبناء‬
‫على الوصف الدقيق حملل االنتفاع ترتتب أهم االلتزامات اآلتية‪ ،‬وهي يف‬
‫غالبها التزامات مالقاة على عاتق املنتفع‪:‬‬

‫‪ -‬استعمال الشيء حبسب ما اعد له‪ :‬وعلى املنتفع ان يستعمل‬


‫الشيء حبسب ما اعد له‪ ،‬وهذا االلتزام عنوان االنتفاع ملا يكون قد يؤديه‬
‫سوء االستعمال من استهالكه أو إتالفه‪ ،‬وهو شطط يف االستعمال‪ ،‬فهذا‬
‫االلتزام إذن من املنتفع جتاه املالك ‪.‬‬
‫وإذا استعمل املنتفع الشيء املنتفع به استعماالً غري مشروع أو‬
‫استعماالً ال ينتفع مع طبيعة الشيء فأن للمالك ان يعرتض على هذا‬
‫االستعمال وال يطالب بتقدمي أتمينات كما أن للمحكمة ان حتكم ابنتهاء‬
‫حق املنفعة‪ .‬غري أن التذكري الزم ابن تفويت املنفعة ليس من سوء‬
‫االستعمال‪.‬‬
‫يُلزم املنتفع ابلتكاليف والنفقات املعتادة اليت تستوجبها صيانه احملل‬
‫املنتفع به دون أن تطال نفقات اإلصالحات الكربى أو غري املعتادة‪ ،‬إال أن‬
‫يتطوع املنتفع ع ن طيب نفس منه‪ ،‬سواء مبشاركة مالك الرقبة أو ابستقالله‬
‫منفردا هبا‪ ،‬فله حينها أن يعفي مالك الرقبة منها إعفاء اتما أو أن يطالبه مبا‬
‫أنفق‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ -‬يقع ضمان اهلالك على عاتق املنتفع؛ إذ عليه بذل العناية يف‬
‫حفظه العناية املطلوبة‪ ،‬وإال فإنه يرب الضرر احلاصل بتقصريه وإمهاله‪ ،‬ويعترب‬
‫من حاالت اإلضرار مبالك الرقبة اليت تستوجب اجلرب أتخر مالك حق‬
‫االنتفاع يف رد الشيء بعد انتهاء املدة من االنتفاع ولو مل يكن متسببا يف‬
‫هالكه‪ ،‬إذ يعامل معاملة الغاصب مبطله يف االرجاع‪.‬‬
‫‪ -‬انقضاء حق املنفعة‪ :‬ينقضي حق االنتفاع يف األحوال التالية؛‬
‫‪ -‬انقضاء األجل أو موت املنتفع‪:‬‬
‫أهم صفة يف حق االنتفاع هي التوقيت‪ ،‬فهو حق موقوت غري مؤبد‬
‫خاصة عن القانونيني‪ ،‬إذ إن الفقهاء واملالكية خاصة قازلون بتأبيد امللك‬
‫الناقص‪ ،‬وهي الصفة اليت يسمون هبا حق االنتفاع‪ ،‬الذي يسمى عندهم‬
‫منفعة‪ .‬ولعل الداعي االقتصادي هو الذي دفع مقنن م ح ع إىل حتديد مدة‬
‫االنتفاع يف اربعني سنة إىل ابقي أسباب االنقضاء األخرى‪.‬‬
‫إذا خال التعاقد من بيان األجل عد حق املنفعة مقرراً مدى حياة‬
‫املنتفع‪ .‬وينقضي حتماً مبوت املنتفع حىت قبل انقضاء األجل املعني يف السند‬
‫والينتقل اىل ورثته وكل اتفاق على خالف ذلك يعترب ابطالً بطالانً مطلقاً‬
‫ملخالفته لقواعد النظام العام‪ .‬وال فرق يف هذا املقتضى بني أن يكون املنتفع‬
‫شخصا طبيعيا أو اعتباراي‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪ -‬هالك الشيء املنتفع به وينقضي حق املنفعة اذا هلك الشيء‬
‫هالكاً كليا ابستهالك احملل وانداثره للقوة القاهرة‪ ،‬ليخرج بذلك ما كان‬
‫بسبب إمهال أو تعمد من العاقدين معا إذ للمتضرر منهما حينها مطالبة‬
‫العاقد املتسبب ابلتعويض‪ .‬ومعىن ذلك أن اهلالك ابلقوة القاهرة ينهي االلتزام‬
‫كما ينهي االنتفاع‪ .‬غري أن ذلك ليس على إطالقه‪ ،‬فلو حصل ِعوض‬
‫للمالك عن اهلالك‪ ،‬كما يف حالة نزع امللكية من أجل املنفعة العامة أو يف‬
‫مبادلة مثال كما يقع يف امللك الغابوي أو االمالك احلبسية‪ ،‬فإن حق االنتفاع‬
‫ينتقل إىل ذلك العوض ‪.‬‬
‫‪ -‬ينتهي حق االنتفاع أيضا ابحتاد الذمة وهي أن جتتمع صفتا املالك‬
‫واملنتفع يف شخص واحد‪ ،‬ويقع ذلك بغالب ما تكسب به احلقوق‪ ،‬فيحصل‬
‫االحتاد ابلتربع‪ ،‬كما حيصل ابملعاوضة وابإلرث من اجلهتني أي من جهة‬
‫مالك الرقبة أو من جهة صاحب حق االنتفاع‬
‫‪ -‬ينقضي حق االنتفاع أيضا بعدم االستعمال‪ ،‬وهذا سبب مهم من‬
‫أسباب االنقضاء ألنه داخل يف ماهية االنتفاع وحقيقته؛ وعلة هذا االلتزام أن‬
‫يف عدم االستعمال مساسا حبق املالك األصلي وتقييدا لتمامه ملكيته بدون‬
‫موجب معارض‪ ،‬كما أن حق االنتفاع حق يكسب ابلشروع وليس كحق‬
‫امللكية الذي هو حق مانع ال يسقط بعدم االستعمال‪ ،‬وهذا فيصل بني‬
‫املالك الناقص واملالك التام عند الفقهاء وبصفة أدق بني ملكية الرقبة وبني‬
‫ملكية منفعتها‪ ..‬فمرور أمد التقادم املد ي دومنا استعمال ينهي حق االنتفاع‬

‫‪112‬‬
‫ابلعقار غري ان ذلك التقادم ال يعتد به مسقطا إال بتحقق شرط االستمرار‬
‫دن انقطاع مدة التقادم املقررة يف مخس عشرة سنة وان يكون شامال لكل‬
‫وترتب على ذلك العقار حمل االنتفاع‪ ،‬فلو استعمل املنتفع بعض العقار‬
‫املنتفع به دون بعض مل ُيزل حقه‪ ,‬كما أنه ال حاجة أن ننبه إىل أن اشرتاط‬
‫ممارسة حق االنتفاع ال يلزم مبباشرته من صاحبه احلق؛ إذ له أن يفوته بعوض‬
‫وبغريه كما له أن يفوضه‪.‬‬
‫‪ -‬استعمال العني املنتفع هبا يف غري ما أعدت له‪ ،‬فلو استعملت فيما‬
‫ال يتناسب وطبيعتها أو استعماال غري مشروع ُحق املالك أن يدفع بوقف‬
‫االنتفاع بعد إثبات سوء االنتفاع‪ ،‬غري أن ذلك االثبات ال ينهي االنتفاع يف‬
‫مجيع األحوال‪ ،‬إذ للمحكمة مبا هلا من سلطة التقدير أن توازن بني مصاحل‬
‫الطرفني؛ فتحمي مالك الرقبة دون اهناء حق االنتفاع كلية‪ ،‬كأن تكلف طرفا‬
‫اثلثا بتدبريه لعدم كفاءة صاحب حق االنتفاع‪.‬‬
‫‪ -‬التنازل عن حق االنتفاع‪ :‬وهذا تصرف إبرادة منفردة من صاحب‬
‫احلق‪ ،‬لذلك أفردانه عن احتاد الذمة؛ وهو تصرف مشروع ال يقع إال ممن‬
‫صحت ملكيته‪ .‬وهو تنازل يقع لفازدة مالك الرقبة او لألغيار‪.70‬‬

‫‪ 70‬غري أن بعض الفقهاء يرى أن احلالة األخرية رهينة برضا املالك‪ ،‬وهو قول ضعيف ملناقضته ملعىن‬
‫احلق نفسه‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫حق االستعمال‪:‬‬
‫مل يكن الفقهاء يشريون إىل هذا احلق إال مرادفا لالنتفاع‪ ،‬وقد نبهنا‬
‫آنفا أن سلطة االستعمال مل تكن خمصوصة يف تعريف الفقهاء إىل أن جاء‬
‫شراح‪ 71‬ظهري رجب ‪ ،1333‬وهو اختالف تفصيل بني الفقهني‪ ،‬إذ إن‬
‫االستعمال عند الفقهاء أيضا هو أضعف أنواع املنفعة‪ .‬فيكون للمالك ان‬
‫يتخلى للغري عن مزية االستعمال دون مزية االستغالل وقد يقيد للمالك‬
‫هذا االستعمال بصورة من صوره وهي سكىن املنتفع واسرته فاحلق الذي ينشأ‬
‫للمنتفع يف احلالة االوىل يسمى (حق االستعمال) ويسمى يف احلالة‬
‫الثانية(حق السكىن)‪.‬‬
‫وعلى هذا التوضيح‪ ،‬فإن اختيار املدونة مبين على ذاك التفصيل؛‬
‫فيكون حق االستعمال "حقا عينيا خيول صاحبه استعمال شيء مملوك للغري‬
‫لنفسه او إلسرته دون االنتفاع به من طريق اخرى كاإليار مثال" فهو حق‬
‫الزم غري متعد بسبب تقييده بسكىن املنتفع وأسرته فقط‪.‬‬
‫ولئن كان هذا احلق متماهيا وحق االنتفاع بسبب شبه النشأة‬
‫الواحدة‪ ،‬إذ ينشآن معا من جهة العقد مبا يستوجبه من صحة حمل وثبوت‬

‫‪ 71‬وهم مشارقة كمأمون الكزبري رمحه هللا‪ ،‬ولعله استصحبه من جتربته يف التشريع السوري‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫أهلية‪ ،‬كما يتشاهبان من جهة ما يتقرران عليه‪72‬؛ غري أن حق االستعمال‬
‫غري متعد أي أن صاحبه مقصور حقه فيما تتحقق به كفايته‪ ،‬فال مثرة‬
‫يتصرف فيها إال إذا كانت الثمرة هي حمل احلق نفسه‪ ،‬كمن رصد له حق‬
‫االستعمال يف أشجار مثمرة ‪ .‬ويبدو أن املقنن قد تنبه إىل التمييز بني‬
‫ختصيص هذا احلق يف عقار من أرض عارية وأو أغراس وبني أن يكون حمل‬
‫حق االستعمال حق سكىن؛ إذ ليس لصاحبه غري السكىن يف حدود حاجته‬
‫وحاجة من يعوهلم ‪..‬‬
‫االلتزامات املرتتبة‪:‬‬
‫ملا كان حق االستعمال قاصرا على صاحبه ال يتعداه‪ ،‬فإن التزاماته‬
‫أيضا تقل فيه عن التزامات صاحب حق االنتفاع‪ ،‬حبيث ال يلتزم أبكثر من‬
‫بذل العناية يف احلفاظ على العني دون أن يرتب عليه ذلك حتمل مصاريف‬
‫االصالح إىل مبقدار ما استعمله‪ .‬ومعىن ذلك أن نفقات االصالح الكربى‬
‫للعني تبقى من التزامات مالك الرقبة‪ ،‬خالفا ملالك حق االنتفاع ‪ 73.‬مث إن‬
‫حق االستعمال وحق السكىن مؤقتان فإذا مل تعني هلما مدة انصرفت اىل‬
‫مدى حياة صاحيب احلق وينقضيان حتماً مبوت صاحبهما كما ان التزامات‬

‫‪72‬املادة ‪ : 110‬ميكن أن يقرر حق االستعمال‪ :‬أوال‪ :‬على امللكية العقارية؛ اثنيا‪:‬على حق السطحية؛‬
‫اثلثا‪ :‬على حق الزينة؛ رابعا‪ :‬على حق اهلواء أو التعلية‪.‬‬

‫‪ 73‬قارن بني مقتضيات املادة ‪ 115‬مبا يقابلها يف حق االنتفاع أي املواد من املادة ‪ 95‬إىل املادة ‪98‬‬

‫‪115‬‬
‫صاحب حق االستعمال او حق السكىن هي التزامات املنتفع‪ .‬وهاهنا يتسع‬
‫حق االستعمال عن حق االنتفاع‪ ،‬إذ يطول مدة حياة املستعمل ‪.‬‬
‫أما حكم االمتناع عن اإلصالح الدار املقرر عليها السكىن‪:‬اذا‬
‫احتاجت الدار إىل إصالح بسبب االستعمال التزم صاحب حق السكىن‬
‫إبجرازه واذا امتنع صاحب حق السكىن عن القيام ابالصالح املطلوب وكان‬
‫منشان هذا االمتناع ان يؤدي اىل اإلضرار ابلدار فللمحكمة بناء على طلب‬
‫املالك ان تؤجرها لشخص اخر يقوم إبصالحها على ان يستويف من األجرة‬
‫ما أنفقه يف إصالحها و اذا كانت مدة اإليار املقابلة لنفقات االصالح‬
‫تنقضي قبل انقضاء حق السكىن فان الدار تعود لصاحب هذا احلق لالنتفاع‬
‫هبا ملا تبقى من مدته‪.‬‬
‫ولعل سازال يسأل ما دام حق االستعمال هبذا القصر ما مينعه أن‬
‫يكون جمرد حق شخصي؟‬
‫يفضل‬
‫إن اإلجابة متضمنة يف ميزة احلق العيين‪ ،‬ذلك أن االستعمال ُ‬
‫عارية االستعمال و الكراء حبق التتبع واألفضلية‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫‪ -‬حق العمرى‬
‫لئن كان هذا احلق مما نظم حديثا يف مدونة احلقوق العينية‪ ،‬فإنه حق‬
‫جاء من أصوله الفقهية‪ ،‬على خالف معروف فيه بني فقهاء املذاهب‪.‬‬
‫فالعمرى والرقىب عندهم من أنواع اهلبة‪ ،‬فترتادفان وختتلطان خلطا مربرا عند‬
‫بعضهم‪ ،‬وختتلفان عند من ال يقول ابلرتادف فتكون الرقىب عنده غري جاززة‪،‬‬
‫إذ األشهر فيها حني ذاك أن تكون اتفاقا ابطال بني مالكني لعقارين على أن‬
‫من تويف قبل اآلخر فإن ملكه يُضم إىل ملك احلي منهما؛ فهذه الصيغة ال‬
‫خالف بني الفقهاء أهنا غري جاززة‪.‬‬
‫لذلك فإن ما اختلف فيه الفقهاء من القازلني برتادفهما هو طبيعة‬
‫اهلبة يف العمرى؛ فريى احلنفية وبعض الشافعية أن العمرى هبة مبتوتة أي أهنا‬
‫هبة للرقبة‪ ،‬بينما ال يراها املالكية إال هبة للمنفعة‪ ،‬فإذا مات املوهوب له‬
‫عادت الرقبة للمعمر أو لورثته‪ 74.‬فهي عند مالك متليك منفعة للموهوب له‬

‫ِ ِ‬ ‫‪َ 74‬ع ْن َجابِ ٍر َر ِض َي هللاُ َعنهُ قَ َ‬


‫هيب صلى هللا عليه وسلم ِاب ُلع ْمَرى‪ ،‬هأهنَا ل َم ْن ُوهبَ ْ‬
‫ت لَهُ‪ .‬متفق‬ ‫ضى النِ ُّ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬
‫عليه‪.‬‬
‫وملسلم أيضا من طريق أيب الزبري عن جابر قال‪ " :‬جعل األنصار يعمرون املهاجرين فقال النيب صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ :‬أمسكوا عليكم أموالكم وال تفسدوها‪ ،‬فإنه من أعمر عمرى فهي للذي أعمرها‬
‫حيا وميتا ولعقبه ‪" .‬وفيه صحة العمرى‪ ،‬وإليه ذهب اجلمهور إال ما حكي عن داود وطازفة‪ ،‬لكن ابن‬
‫حزم قال بصحتها وهو شيخ الظاهرية‪ ،‬مث اجلمهور‪ :‬إهنا تتوجه إىل الرقبة كسازر اهلبات‪( .‬شرح الرقا ي‬
‫على املوطا‪ ،‬كتاب القضية‪ ،‬ابب القضاء يف العمرى)‬

‫‪117‬‬
‫ولعقبه وال ترجع إىل الواهب إال ابنقطاع العقب‪ .‬ويرى احلنفية خاصة أهنا ال‬
‫ترجع أبدا ملا قلناه من أهنا عندهم هبة مبتوتة‪ ,‬وزاد مالك تفصيال أنه إذا‬
‫اشرتط الرجوع فهي عارية مؤقتة وهي صحيحة عنده‪ , 75‬فيعنينا مما تقدم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫هو كون العمرى عند املالكية هبة للشيء مدة حياة املوهوب له أو مدة حياة‬
‫الواهب حبسب املنصوص يف العقد ‪.‬‬
‫وقد عرفتها مدونة احلقوق العينية‪ 76‬يف املادة ‪ 105‬منها‪":‬العمرى حق‬
‫عيين متليك منفعة عقار بغري يقرر طول حياة املعطي أو املعطى له أو ملدة‬
‫معلومة"‪.‬‬
‫يتضح من خالل هذا التعريف أن حق العمرى يتميز ابخلصازص‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -‬تربع وليست معاوضة إال بطلت وهبذا أخذت املدونة يف مادهتا‬


‫‪77‬‬
‫‪105‬‬
‫‪ -‬أنه حق عقاري‪ :‬إذ ال يقع إال على عقار ‪.‬‬

‫‪75‬شرح الزرقا ي على املوطأ‪ :‬ابب القضاء يف العمرى‪90/3‬‬


‫‪ 76‬تقنني العمرى من مستجدات املدونة‪ ،‬مقارنة بظهري ‪ 1333‬املنسوخ‪ ،‬فخصت أبربع مواد ‪ 105‬إىل‬
‫املادة ‪.108‬‬
‫‪ 77‬العمرى حق عيين قوامه متليك منفعة عقار بغري عوض يقرر طول حياة املعطى له أو املعطي أو ملدة‬
‫معلومة‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ -‬العمرى حق مؤقت‪ :‬ألنه يقرر طول حياة املعطي أو املعطى له وإما‬
‫ملدة معلومة‪ ،‬وبعبارة أخرى أن حق العمرى مقيد أبجل ينتهي لزوما حبلوله‪.‬‬
‫وأنه كذلك ينقضي بوفاة املعطي أو املعطى له حسب اتفاق األطراف‪.‬‬
‫وقد اشرتط املشرع يف املادة ‪ 106‬أن يربم عقد العمرى يف حمرر رمسي‬
‫فال تقبل فيها إذن العقود اليت حيررها احملامون وال تسري عليها مقتضيات‬
‫املادة ‪ ،4‬مع ما يثري ذلك من استغراب بقبول هذه احملررات يف التفويتات‬
‫وهي األشد والتقبل يف التربعات‪ .‬كما أن من شروط االعتداد هبا أن تقيد يف‬
‫السجل العقاري يف حالة وروده على عقار حمفظ ‪.‬كما يرتتب عليه جمموعة‬
‫من اآلاتر وابعتبار أن العمرى حق مؤقت فإنه ينتهي أبحد أسباب انقضازه‪.‬‬
‫وجتدر االشارة هبذا الصدد أن معاينة احلوز ال تشرتط لصحة عقد‬
‫العمرى ‪ ،‬وهذا حتصيل حاصل مادام التقنني قد شدد يف توثيق هذا العقد‬
‫ابشرتاط الرمسية‪ ،‬عدا اشرتاط تقييدها يف الرسم العقاري إن تعلقت بعقار‬
‫حمفظ ‪.‬‬
‫وأما ما تعلق ابلتزامات األطراف يف هذا العقد‪ ،‬فإن من ينظر املادتني‬
‫‪ 107‬و‪ 108‬يظهر له جبالء أهنا التزامات ملفقة بني التزامات العاقدين يف‬
‫حقي االستعمال واالنتفاع؛ فيشبه حق االستعمال ابشرتاط بقصر االنتفاع‬
‫ابلعمرى على املوهوب له وعلى أسرته فال ينقل بعدهم إال إىل املعطي أو إىل‬
‫ورثته‪ ،‬على ما هو منصوص يف املذهب‪ ،‬كما يقرب من حق االنتفاع بتحمل‬
‫اجب الصيانة‬
‫من أُعمر ‪ -‬التكاليف العادية املفروضة على هذا العقار‪ -‬و َ‬
‫‪119‬‬
‫والعناية والنفقات الالزمة ذاهتا اليت يتحملها صاحب حق املنفعة‪ ،‬فهو التزام‬
‫عقدي زازد على ما يتحمله صاحب حق السكىن‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫‪ -‬حق السطحية‬
‫السطحية حق عيين أصلي يعطى صاحبه احلق متلك ما وفق‪ ،‬وهو‬
‫حق له أصل يف الرتاث الفقهي اإلسالمي‪ ،‬خالف ما يظنه كثري من‬
‫الباحثني‪ .‬فريد يف بعض املصنفات الفقهية مبسمى قرار األرض‪ ،‬ويستند بعض‬
‫الفقهاء إىل أصله بداللة االشارة من قول احلق عز وجل يف حمكم تنزيله‪( :‬هللا‬
‫الذي جعل لكم األرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم‬
‫من الطيبات ذلكم هللا ربكم فتبارك هللا رب العاملني)‪.78‬‬
‫وليست ختفى أمهية السطحية وان اختلف املقصود منه ابختالف‬
‫التشريعات‪ ،79‬ملا يقدمه من حلول استثمارية واجتماعية يف آن واحد‪.‬‬
‫وكثريا ما خيلط حق السطحية حبق احلكر املعروف يف بالد الشرق‬
‫االسالمي خاصة تلك اليت حكمها العثمانيون‪ ،‬فريادفان على أهنما شيء‬
‫واحد‪ .‬والتحقيق أهنما خمتلفان‪ ،‬من جهة كربى وهي أن السطحية يف املغريب‬
‫ملكية اتمة ودازمة‪ ،‬بينما احلكر هو حق بناء فيكون بذلك أقرب إىل حق‬
‫الزينة من حق السطحية وإن خالفه هو أيضا من جهة االنتقال وطرق‬

‫‪78‬اآلية ‪ 63‬من سورة غافر‬


‫‪ 79‬تسمى يف بعض التشريعات العربية ب"حق احلكر" كما يف التشريع العراقي قبل التعديل‪ .‬بل بعض‬
‫التشريعات كالقانون االمارايت يسمي حقا عينيا حبق املساطحة لكن يقصد هبا ما يعترب "حق زينة" يف‬
‫مدونة احلقوق املغربية‪ ،‬فلزم احلذر من االصطالح يف خمتلف التشريعات‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫االنشاء‪ .80‬والتشريعات يف البالد املسلمة وإن اختلفت يف إطالقه إال أهنا‬
‫تتفق مرتددة بني احلد منه كما سنرى من تعريف املدونة املغربية وبني من ألغاه‬
‫كلية كما يف التقنني التونسي‪.‬‬
‫نصت املادة ‪ 116‬من املدونة على أن السطحية "حق عيين قوامه‬
‫(ملكية) بناايت أو منشآت أو أغراس فوق أرض الغري‪ .‬وينتقل ابلشفعة أو‬
‫ابإلرث أو ابلوصية‪ .‬ال ميكن ترتيب حق السطحية على حقوق مشاعة إال‬
‫ابتفاق مجيع الشركاء"‪.‬‬
‫فيلحظ من تعريف املدونة حصرها لطرق انتقال هذا احلق؛ وهذا‬
‫يكشف أن التقنني املغريب نفسه‪ ،‬وإن وفق يف االبقاء على هذا احلق ملا له‬
‫من مزااي اقتصادية‪ ،‬إال أنه ساع يف احلد من إنشازه‪ ،‬وكأنه الحق حبقي‬
‫اجللسة وحبق اجلزاء اللذين صار ال يعتد منهما إال مبا أنشئ قبل صدور‬
‫املدونة‪ ،‬لكنه يبقى على كل حال ح ّد مرن مقارنة ببعض التشريعات اليت‬
‫نظنها تسرعت يف إلغازه‪.‬‬

‫‪ 80‬حق احلكر املومإ إليه يف االحالة السابقة حق مؤقت ال تزيد مدته عن ‪ 60‬عام ‪.‬و يرد يف القانوين‬
‫العراقي واملصري على أرض موقوفة ويتقرر مبوجبه لصاحب حق احلكر االنتفاع هبا وإقامة بناء أو غرس‬
‫عليها مع متلك املباىن أو الغرس مقابل أجرة املثل‪ .‬وبتعليق حق احلكر على األرض املوقوفة فقد أصبح‬
‫حق احلكر اندراًكما يف التقنني املصري إبلغاء األوقاف األهلية منذ سنة ‪1952‬‬

‫‪122‬‬
‫وتنشأ مبوجب حق السطحية حقوق والتزامات تطابق تلك اليت‬
‫للمالك ملكية اتمة إال من حيثية االنقضاء‪ .‬وهذه ميزة متيزه عن كل احلقوق‬
‫املتفرعة عن حق امللكية‪ ،‬إذ ميكنه ‪ -‬كما هو مقرر مبقتضى املادة ‪ - 117‬أن‬
‫يفوته وأن يرهنه ويرتب له أو عليه حقوق ارتفاق يف احلدود اليت يوز له فيها‬
‫مباشرة هذا احلق‪.‬‬
‫الفرق بني حق السطحية وحق امللكية التامة إال مبا‬
‫الناظر َ‬
‫فال يتحقق ُ‬
‫ينقضي به هذا احلق كما أحملنا إىل ذلك؛ إذ ينقضي بثالث حاالت بنص‬
‫املادة ‪ ،118‬أوالها التنازل عنه صراحة ملالك الرقبة إال أن يضر ذلك التنازل‬
‫بدازنيه فلهم أن يعرتضوا عليه‪ ،‬مث ينقضي اثنيا ابحتاده مع ملكية الرقبة يف يد‬
‫شخص واحد؛ وينقضي أخريا هبالك البناايت أو املنشآت أو األغراس هالكا‬
‫كليا‪ .‬ولعل هذا احلالة األخرية هي ميزته احلقيقية اليت متيزه عن امللكية التامة‬
‫اليت ال تزول هبالل العني إذا أمكن بناؤها من جديد‪ ،‬كما متيزه عن حق الزينة‬
‫الذي ميكن إ عادة البناء فيه بعد اهلالك مدة العقد املقررة‪ ،‬كما سنقف عليه‬
‫الحقا‪ .‬غري إننا ما يلزم التنبيه عليه أن هذه امليزة ليست من النظام العام إذ‬
‫يوز االتفاق برضا مالك الرقبة على إعادة البناء‪ ،‬غري أن شرط مستقل ألن‬
‫السطحية ال تنتقل ابلعقد وتعديله ليس من حقوق املفوت له‪ ،‬فتكون مكنة‬
‫خمولة مع بقاء األصل انقطاع هذا احلق ابهلالك‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫‪ -‬حق الكراء الطويل األمد‬
‫يؤصل هلذا احلق من الفقه االسالمي أبحكام اإلجارة الطويلة اليت‬
‫أفىت هبا الفقهاء استحساان على األراضي الوقفية‪ ،‬إذ غالباً ما تكون‬
‫مبساحات شاسعة ويصعب أدارهتا من جهة الوقف‪ ،‬كما أن قرره متقدمو‬
‫الفقهاء قدميا من أال يؤجر الوقف ملدة تزيد على ثالث سنوات إال أبذن‬
‫القاضي أدى إىل العزوف عن استئجارها‪ .81‬مث انتقلت هذه الفكرة من‬
‫األراضي املوقوفة إىل األراضي اململوكة لألفراد بوجه عام حيث وجدت‬
‫اإلجارة الطويلة تلبية احلاجات االقتصادية واالجتماعية اليت دفعت إىل‬
‫تشريعه للوقف‪.‬‬
‫وأما يف املصادر القانونية احلديثة‪ ،‬فقد استقيت مدته من القانون‬
‫املد ي الفرنسي الصادر يف سنة ‪1902‬م‪ ،‬الذي كان يهدف إىل تشجيع‬
‫االستثمار الفالحي‪ ،‬فنظم أحكام عقد اإليار الفالحي و جعل ال تقل‬
‫مدته عن مثا ي عشرة سنة وال تزيد عن تسع وتسعني سنة‪ ،‬ومن مثة منح‬
‫املستأجر حقا عينيا يستطيع أن يرهنه وأن يبيعه وأن يرتب له حقوقا‪ ،‬مقابل‬

‫‪ 81‬ينظر للتوسع‪ :‬نظم العمل للسجلماسي املالكي‪ ،‬ومرشد احلريان لقدري ابشا احلنفي‪ .‬و يف أصوله‬
‫القانونية؛ الوسيط يف شرح القانون املد ي اجلديد للسنهوري‪ ،‬اإليار والعارية‪ ،‬اجمللد الثا ي‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة اجلديدة‪ ،‬منشورات احلليب احلقوقية‪ ،‬بريوت لبنان‪ ،2000 ،‬ص‪1438‬‬

‫‪124‬‬
‫ما بذله يف إصالح العني املؤجرة وجعلها قابلة للزراعة‪ ،‬على أن يرد العقار‬
‫خالياً من كل تصرف عند هناية العقد‪.‬‬
‫ولعل ذلك التلفيق بني أحكام الفقه االسالمي والقانون الفرنسي ما‬
‫يعل الكراء الطويل األمد يف املدونة من أمثل ما يستشهد به لإلحالة على‬
‫قانون االلتزامات والعقود اليت ذكران شرعية االحالة عليه وكيف أنه وسط بني‬
‫الفقه االسالمي وبني التقنني اجلديد‪ .‬ذلك أن هذا احلق ‪-‬ابعتباره حقا‬
‫شخصيا‪ -‬قد نظم فيه حتت مسمى الكراء الفالحي‪ ،‬وفصلت أحكامه من‬
‫الفصل ‪ 700‬إىل الفصل ‪ ،722‬وهي أحكام تكاد تتطابق مع املواد الواردة يف‬
‫مدونة احلقوق العينية‪ ،‬مبا فيها شرط أمد العقد والتزامات العاقدين اخلاصة‬
‫هبذا العقد مما يستثىن من قواعد الكراء العامة‪ .‬بل تكاد تكون الصفة العينية‬
‫اخلصازص اليت يستقل هبا‬
‫َ‬ ‫اليت تُشرتط يف توثيقه الرمسي وإمكانية رهنه وتفويته‬
‫عن الكراء الفالحي املنظم يف ظهري االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫والكراء الطويل األمد منظم يف املدونة يف تسع مواد (من املادة ‪121‬‬
‫إىل ‪ )129‬تضمنت حقوق املكرتي و واجباته ‪.‬‬
‫فلما كان نشوء هذا احلق عقدا ابلرتاضي‪ ،‬فإنه يلزم يف عاقديه ما يلزم‬
‫يف العقود من صحة التصرف‪ ،‬وأن تكون مدة تفوق عشر سنوات دون أن‬
‫تتجاوز أربعني سنة وينقضي ابنقضازه‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫ويلزم فيه أيضا ما يلزم يف احلقوق العينية من رمسية التوثيق‪ ،‬غري أنه‬
‫تشرتط فيه شكلية خمصوصة‪ ،‬وهي التنصيص الصريح يف العقد على الصفة‬
‫العينية للكراء‪ ،‬وإال ضاعت احلقوق العينية املخولة مبقتضى املادة ‪ 121‬من‬
‫رهن رمسي وتفويت وقبول حجز‪.‬‬
‫وإذا ما مت العقد صحيحا ورتب آاثره‪ ،‬فإن املكرتي يتمتع ‪ -‬فضال‬
‫عما يف األكرية العادية من حقوق‪ -‬مبا يضم إىل العقار ومبا رصد هلا‬
‫للتخصيص‪ .‬كما يظل مطمئنا طيلة مدة العقد إىل غل املكري عن املطالبة‬
‫ابلتخلي عن الكراء قيل متام األجل‪.‬‬
‫لكن تلك الطبيعية العينية للعقد تضفي ابملقابل على التزاماته الصفة‬
‫اجلزافية؛ فال ميكنه طلب ختفيض الوجيبة الكرازية بصريح املادة ‪ 123‬خالفا ملا‬
‫ميكن يف الكراء املد ي العادي‪ .‬كما أن ختلفه عن أدازها لسنتني متتاليتني‬
‫يسمح ملالك الرقبة بطلب فسخ العقد‪ ،‬بعد أن يسلك مسطرة اإلنذار‬
‫الواجبة‪ .‬بل إن ختليه عن العقار ولو أبداء الوجيبة عن املدة املنتفع هبا ال‬
‫يسقط االلتزام بتمام املدة‪.‬‬
‫فهذه جممل احلقوق اليت يف الكراء الطويل األمد‪ ،‬وأغلبها التزامات من‬
‫املكرتي لكنها تظهر األصل الذي بنيت عليه‪ ،‬وهو محاية العقار الوقفي أو‬
‫الفالحي عموما من تعسف املستثمرين مبوازنة املصاحل بني العاقدين‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫‪ -‬حق الحبس‬
‫إن حق احلبس أو الوقف حق عيين خالص لتتوافر اقوى الصفات‬
‫العينية فيه‪ ،‬وهي االفضلية والتتبع وهي قوة متاحة من طبيعة الوقف نفسه؛ إذ‬
‫هو حق مستقل منفصل ألن الوقف خبروجه من يد الواقف وعدم متلكه من‬
‫املوقوف عليه صار شخصا اعتباراي عند كثري من الفقهاء له حقوق هو وعليه‬
‫واجبات‬
‫وقد عرب املقنن ابحلبس يف هذه املدونة عوض الوقف توسيعا للمفهوم‬
‫على يبدو‪ .‬إال أنه أحال مبقتضى املادة ‪ 130‬املادة الوحيدة املشرية إليه على‬
‫مدونة األوقاف الصادرة قبلها‪ .82‬حبيث عليه األحكام الواردة هناك‪.‬‬
‫وهو اخراج له داللة تستشف من ديباجة مدونة األوقاف‪ ،‬إذ نصت‬
‫على الطبيعة الدينية والثقافية املميزة لالوقاف يف البلد‪ .‬وهي محاية استباقية‬
‫حممودية‪ ،‬امنا الذريعة على ما يبدو اقوى مما ذكر‪ ،‬إذ لو كانت الطبيعة‬
‫التعبدية والدينية لالوقاف هي ما يدعو الستقالهلا مبدونة خاصة لكان حق‬
‫الصدقة أوىل بذلك فهي ما اريد به وجه هللا‪ ،‬مث إن هذه الصفة ليست مانعة‬
‫كفاية‪ .‬لذلك فإننا نزعم أن العلقة الضيقة بني نظام التحفيظ العقاري ومدونة‬
‫احلقوق العينية هو ما أبعد الوقف عن مدونة احلقوق العينية‪ ،‬خصوصا مبا‬

‫‪ -82‬ظهري شريف رقم ‪ 1.09.236‬صادر يف ‪ 8‬ربيع األول ‪ 23( 1431‬فرباير ‪ )2010‬يتعلق مبدونة‬
‫األوقاف؛ اجلريدة الرمسية عدد ‪ 5847‬بتاريخ فاتح رجب ‪ 14( 1431‬يونيو ‪ ،)2010‬ص ‪.3154‬‬

‫‪127‬‬
‫منح من قوة مبقتضى املادة ‪ 54‬اليت جتعل كل حتفيظ غري جمد إذا ما ادعت‬
‫جهة الوقف اختصاصها بعقار كيفما كانت طبيعيته‪ ،‬مع انه – للعجب‪-‬‬
‫كيف تسكت إدارة الوقف واجلهة الوصية عليه وتذهل عن عقار كانت‬
‫متلكه حىت خضع لنظام التحفيظ‪ .‬؟؟‬
‫ولعل هذا االخراج واحلفاظ على طبيعة الوقف اليت ال نشك يف‬
‫سالمته خبالف علته يعززه إلغاء بعض احلقوق من مدونة احلقوق العينية‬
‫وعدم اعتبار إال ما كان منها قازما مبقتضى ظهري ‪ 1333‬وهي حتديدا‪ ،‬حق‬
‫اجللسة وحق اجلزاء ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫‪ -‬حق الزينة‪.‬‬
‫حق الزينة مبقتضى املادة ‪" 131‬حق عيين خيول صاحبه ملكية البناء‬
‫الذي شيده على نفقته فوق أرض الغري"‪ .‬فميزته أنه حق ينشأ ابلعقد‪ .‬ومن‬
‫شرط صحته أن يعني العني حمل التشييد تعيينا دقيقا‪ ،‬وكذا تعيني طبيعة‬
‫النشاط املزمع مزاولته فيها‪.‬‬
‫وعن هذا االلتزام املميز حلق الزينة بسبب طبيعته تتفرع التزامات‬
‫متبادلة؛ فيلتزم صاحب احلق املنتفع ابلتشييد وابلبناء أي التزام بعمل‪ ،‬فلو‬
‫عقد من غري تشييد سقط حقه‪ .‬وفيه التزام ايضا من جهة أصحاب العني‬
‫حمل العقد أال يرتتب حق الزينة وال يصح إال إذا رضي به مجيع الشركاء؛ فال‬
‫سلطة للتغليب فيه‪ ،‬فما هو إبجراء إداري ليعتد برأي أغلبية املشتاعني دون‬
‫أقليتهم‪.‬‬
‫وأما ما خص طرق انتقاله‪ ،‬فقد نصت املادة ‪ 131‬أعاله على أنه حق‬
‫ينتقل ابالرث والشفعة والوصية‪ .‬وهي طرق متعلقة ابحلق نفسه كمن حاز‬
‫هذا احلق ومل يشرع يف البناء والتشييد فإن لورثته أن يباشروه دون حتجري‪ .‬أما‬
‫البناء نفسه بعد التشييد فيمكن لصاحب احلق أن يفوته مدة العقد كما له‬
‫أن يرهنه ويرتب عليه ما يتاح للمنتفع عموما من حقوق كرتتيب حقوق‬

‫‪129‬‬
‫االرتفاق وغريها‪ ،‬وهبذا ال تكون املادة ‪ 133‬اليت تنص على ذلك مستدركة‬
‫على املادة‪ 131‬بل مفصلة هلا على النحو الذي بيناه‪.‬‬
‫ولعل هذا احلق كما اسلفنا خيلط عند الكثريين حبق السطحية غري‬
‫أهنما خمتلفان؛ فالزينة التزام بعمل واحلق ال يكسب اال ابلتشييد أما السطحية‬
‫فتملك بناء وأغراس فوق عقار مملوك للغري‪ .‬وهو خلط يتبدد من خالل ما‬
‫ينتهي به حق الزينة‪.‬‬
‫فينقضي ‪ -‬حبسب املادة ‪ – 135‬أبربعة أسباب يلتقي فيها مع بقية‬
‫احلقوق‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪-‬انتهاء املدة املقررة وهي أربعون سنة‪.‬‬
‫‪ -‬تنازل عن حق الزينة من املنتفع‬
‫‪ -‬احتاد الذمة ابجتماع صفيت صاحب حق الزينة ومالك الرقبة يف‬
‫شخص واحد‪.‬‬
‫‪ -‬هبالك البناء هالكا كليا‪ ،‬بسبب الفجاءة أو قوة قاهرة‪.‬‬
‫وحتقق االنقضاء ابلنسبة للسببني الثا ي والثالث (التنازل واحتاد الذمة)‬
‫ره ني بعدم اإلضرار حبقوق دازين صاحب حق الزينة‪ ،‬وهو شرط وإن قصرته‬
‫املادة ‪ 136‬على سبب التنازل‪ ،‬إال أن احتاد الذمة ليس إال فرعا عنه إذا ما‬
‫كان اجتماع ملالك الرقبة‬

‫‪130‬‬
‫أما ما تعلق ابلسببني األول واألخري‪ ،‬فليس خيفى أهنما يقتضيان‬
‫توضيحا حىت ال يتناقضا؛ ذلك أن انتهاء املدة كما ورد يف السبب األول‬
‫مرتبط مبا متليه املادة ‪ 134‬من أن حق الزينة ال يتجاوز املدة احملددة ألغلب‬
‫احلقوق ‪-‬كما تقدم‪ -‬وهي أربعون سنة‪ ،‬ويرتتب على ذلك أن من أوجب‬
‫حقوق املنتفع ابلزينة أن يبين ما هلك من بنازه داخل األجل املذكور‪ ،‬فيكون‬
‫السبب األخري لالنقضاء خاص حبق الزينة املنشإ على التأبيد يف ظل الظهري‬
‫امللغى‪ ،‬وإال كان حق الزينة كحق السطحية ومها خمتلفان ابشرتاط البناء يف‬
‫األول‪.‬‬
‫ويشهد هلذا التوجيه التوضيح الصريح الوارد يف الفقرة الثانية من املادة‬
‫‪ 134‬احملددة ملدة الزينة‪ ،‬ملا استثنت منها حقوق الزينة القازمة بصدور مدونة‬
‫احلقوق العينية‪ ،‬لكن ذلك االستصحاب قيد هبالك البناء وهو املقصود يف‬
‫السبب الرابع من أسباب االنقضاء‪ ،‬أي أنه سبب مفصل وخاص ابحلقوق‬
‫املنشاة قبل صدور املدونة‪ ،‬وإال فإن هالك البناء داخل األجل ال مينع من‬
‫جتديده فيه‪.‬‬
‫وتثور بسبب أحوال انقضاء حق الزينة قضية مهمة‪ ،‬وهي مآل البناء‬
‫املنجز‪ .‬على أن االعتقاد السازد أن مالك الرقبة يتملك تلقازيا البناء القازم‬
‫بعد متام مدة العقد‪ ،‬وهو أمر غري مسلم ‪ .‬ذلك أن املادة ‪ 137‬كشفت عن‬
‫مآالت خمتلفة؛ فإما أن يكون العقد قد نص على مآله كأن يشار يف العقد‬
‫إىل أن مالك الرقبة يصري مالكا للبناء املنجز أو أن مالك حق الزينة أيخذ‬

‫‪131‬‬
‫عنه عوضا‪ .‬لكن ما يوضح عدم التملك التلقازي إحالة املادة املذكورة على‬
‫أحكام البناء حبسن النية يف حال سكوت العقد عن مصري البناء‪ ،‬وهي إحالة‬
‫على أحكام االلتصاق مما يعل فض النازعة موكولة لتقدير القضاء‪ .‬وهذا‬
‫مشكل بسبب تلك االحالة؛ إذ اثبات حسن النية يلزم مالك الرقبة‬
‫ابلتعويض‪ ،‬ولسنا نظن هذا املقتضى مشجعا على هذه التعاقدات وال على‬
‫تشجيع االستثمار خصوصا من جهة مالك الرقبة‪ ،‬سواء كانوا أشخاصا من‬
‫أشخاصا ذاتيني أو اعتباريني‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫‪ -‬حق الهواء والتعلية‬
‫حرص مقنن مدونة احلقوق على هذا احلق مكوان من شقني مستقلني‬
‫من جهة املعىن‪ ،‬اهلواء والتعلية‪ .‬فهل يقصد الرتادف بينهما‪ ،‬علما أن فقهاء‬
‫املالكية كانوا أدق يف التوصيف ملا حتدثوا عن التعلي دون اهلواء‪ ،‬وهو ما يعين‬
‫أن التعلي التزام بفعل وهو إضافة بناء يتملك وليس اهلواء الذي م ّكن منه‪.‬‬
‫ولعل هذا التفصيل يبدو وكأنه تدقيق وحتقيق ملعنيني خمتلفني لوال أن تعريف‬
‫املدونة علل حق اهلواء بعلة البناء والتعلية‪ ،‬كما سيأيت ‪.‬‬
‫عرفت املادة ‪ 138‬حق اهلواء والتعلية أبنه "حق عيين قوامه متلك جزء‬
‫معني من اهلواء العمودي الذي يعلو بناء قازما فعال ميلكه الغري‪ ،‬وذلك من‬
‫أجل إقامة بناء فوقه تسمح به القوانني واألنظمة‪".‬‬
‫يستشف من التعريف أن حق اهلواء ينشأ فوق ارض عارية‪ ،‬فال وجود‬
‫حلق اهلواء إذن إال على بناء‪ .‬مث إن اشرتاط البناء لرتتب حق اهلواء شرط‬
‫بدهي؛ مادامت ملكيتها تشمل العقار يف اجتاهاته الثالثة اليت منها العلو إىل‬
‫احلد املنتفع به‪.‬‬
‫غري أن التعريف مع ذلك يرجعنا إىل امللحوظة اآلنفة من جدوى‬
‫عطف التعلية على اهلواء يف تسمية هذا احلق‪ .‬فاملدونة قد حصرت‬
‫اختصاصها يف احلقوق العينية العقارية‪ ،‬واهلواء منفردا ليس عقارا وال ماال‪.‬‬
‫لكن الدافع إىل هذا التمييز مهم‪ ،‬وهو ما تكشفه شروط النشاة احملددة يف‬

‫‪133‬‬
‫املادة ‪ 139‬الالحقة ملادة التعريف‪ .‬فتميز حق اهلواء والتعلي عن الزينة بعد أن‬
‫تقرر أهنما يشرتكان يف اشرتاط العمل‪ ،‬أن اهلواء والتعلي ملكية اتمة والزينة‬
‫انتفاع‪ ،‬وهو اشرتاك تزكيه املادة ‪ 139‬املذكورة‪ ،‬فتجعل حق اهلواء والتعلية ال‬
‫ينشا بغري العقد – خبالف ما وقفنا عليه يف حق السطحية مثال‪ ،‬وهي نشأة‬
‫تستبع بيان االلتزام املتضمن يف كل عقد‪ ،‬وهو يف هذا احلق بيان نوع البناء‬
‫املراد إقامته ومواصفاته وأبعاده‪.‬‬
‫وتتميز نشأة هذا احلق وترتيبه‪ ،‬خالفا حلق الزينة‪ ،‬أبنه ال يقع على‬
‫حقوق مشاعة إال ابتفاق مجيع الشركاء؛ مبعىن أن اتفاق املالك فيه يكوان‬
‫مطبقا وليس أغلبيا‪.‬‬
‫ولعل هذا االشرتاط املخالف ملا يف حق الزينة سببه صفة التأبيد املميزة‬
‫حلق التعلية‪ .‬مع ميزة أخرى هي أن حق اهلواء ال يشرتط البناء نفسه وامنا‬
‫صالحيته للبناء‪ ،‬ألن صاحبه يفوته على حالته اي حقا مستقال‪ .‬ولعل هذا‬
‫ما نزع ابملقنن أن يعطف عليه التعلية لبيان االستقالل‪ ،‬فليس يشرتط التعلي‬
‫لقيام حق اهلواء‪.‬‬
‫وعدا هذه اخلصوصية‪ ،‬فإن نشأة هذا احلق ابلعقد يرتب كبقية احلقوق‬
‫العينية حقوقا والتزامات‪ ،‬وأهم ما يتمتع به صاحب حق اهلواء والتعلية من‬
‫حقوق هو الصفة العينية للحق؛ فله بذلك أن يفوته أو يرهنه أو يرتب له أو‬

‫‪134‬‬
‫عليه حقوق ارتفاق مبا ال يتعارض مع طبيعته‪ .‬كما له أن يقرر نقل هذا احلق‬
‫ابلشفعة أو ابملرياث أو ابلوصية‪.83‬‬
‫ولئن كان هذا التمييز بني طرق النشأة وطرق االنتقال يدعو إىل بعض‬
‫التأمل‪ ،‬إال أن ما يستوجب توضيحا بسبب ما يثريه من تناقض هو جعل‬
‫الشفعة من بني أسباب انتقال هذا احلق‪ ،‬وقد علمنا أن الشفعة ال تكون إال‬
‫للشريك فيما مل يقسم‪ -‬على املشهور من مذهب مالك‪ -‬وحق اهلواء‬
‫والتعلية ليس كذلك؟‬
‫ق بل فهم دواعي هذا االضطراب‪ ،‬منهد لتقبله ببيان أن ذلك انجم من‬
‫الطبيعة الدقيقة لاللتزامات اليت تطوق من انتقل إليه هذا احلق؛ فاستقالل‬
‫ِ‬
‫املكتسب بعدم تفويت اهلواء‬ ‫حق التعلية عن أصل العقار يلزم صاحبه‬
‫العمودي الذي يعلو بناءه بغري رضي مالك السفل‪ .‬فيجعل ذلك من ملكيته‬
‫ملكية انقصة عن متام امللكية‪ .‬وهذه الوضعية سيظهر منها اضطراب؛‬
‫فصاحب التعلي مستقل مبلكه وملتزم يف اآلن نفسه التزام الشريك واخلليط‪.‬‬
‫ويلحظ أن املقنن مل يرتب من التزامات جتاه صاحب هذا احلق غري حتقق‬
‫رضى مالك السفل حني الرغبة يف التعلية فوق اهلواء األصلي‪.‬‬

‫‪ 83‬وهي طرق انتقال تفهم على ضوء التمييز الذي يلزم أال يغيب بني طرق نشأة احلق وطرق انتقاله‪،‬‬
‫فحق اهلواء والتعلية الوجود له إال بتعاقد يسمح مبقتضاه مالك العقار اببعاده الثالثة أن يفوت حق‬
‫اهلواء القازم فوق العقار‪ ،‬وهي مكنة ميزانها عن حق الزينة ألن هذا األخري مشروط ابلبناء ليوجد بينما‬
‫البناء يف حق اهلواء مقصد يسعى اليه وألجله ينشا احلق‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫ولعل بسبب هذه الوضعية مسح املقنن بشفعة هذا احلق‪ ،‬وبعلة صفة‬
‫النقص يف التملك تفهم‪ ،‬لكنها خملخلة ألساس الشفعة يف مدونة احلقوق‬
‫العينية ‪-‬كما أشران آنفا‪ ،-‬وهي اليت التزمت ما ال يلزم يف تعريف الشفعة‬
‫وأهنا ال تكون إال للشريك يف امللك الذي مل يقسم‪ ،‬بينما حق التعلي عقد‬
‫ينشا عنه استقالل‪ ،‬فمالك العاقد مالك لعني حمددة ومعنية ومستقلة وليست‬
‫على الشيوع لتجوز الشفعة فيها؟؟‬
‫ومع هذا التناقض البني يف مقتضيات املادة ‪ 140‬مقارنة ابملادة‪292‬‬
‫املعرفة للشفعة‪ ،‬فإهنا على األقل تكشف سبب هذا العدول عن قاعدة‬
‫الشفعة على املذهب املالكي إىل الشفعة على مذهب احلنفية‪ ،‬ألن علة‬
‫اعتماد الشفعة يف هذا احلق هو رفع الضرر‪ .‬وهو ضرر للخلطة وليس بسبب‬
‫الشيوع‪ ،‬و أنه ليس بسبب االشرتاك بل بسبب اإلضرار‪ ،‬فهو قيد وحتمل‬
‫على ملكي صاحب اهلواء‪.‬‬
‫وهذا مثري لقضية أخرى مرتتبة‪ ،‬وهي‪ :‬أمل يكن من األوىل أن يلحق‬
‫حق حالة اهلوا والتعلي أبسباب كسب امللكية؟‬
‫وعلى كل حال فإن وضع هذا احلق موضعه ضمن احلقوق األصلية‬
‫وليس ضمن ما يكسب ملكا ابتداء‪ ،‬يعل مشروعا ما أثري من تناقضات‬
‫بصدد شفعة حق اهلواء واالحلاح على استقالل اهلواء عن التعلي‪ ،‬وما يرتبه‬
‫من التزامات جتاه مالك السفل‪ .‬علما أن هذه االلتزامات مل تكن تثار عند‬
‫الفقهاء املتقدمني ألن التعلي مل يكن له حد‪ ،‬فكان االضرار ال يثار ‪-‬كما يف‬
‫‪136‬‬
‫نوازهلم‪ -‬إال بعد الوقوع وليس قبله‪ .‬فهو مل خيرج عندهم عن توابع الضرر‬
‫وليس بقيد على التملك كما هو توجه مقنن مدونة احلقوق العينية‪ .‬وهو‬
‫فارق مهم‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الحقوق العينية التبعية‬

‫متتاز احلقوق العينية األصلية اليت تقدم النظر فيها مبيزة احلصر وعدم‬
‫القابلية للقياس‪ ،‬ولقد ومست بكوهنا أصلية لنشأهتا مقرونة ابلصفة العينية‬
‫بفازدهتا اهلامة اليت هي االحتجاج والشهادة هبا على الكافة‪ .‬غري أن احلاجة‬
‫‪84‬‬
‫أوجد املشرع احلق العيىن‬ ‫إىل هذه امليزة وحرصا على استقرار املعامالت‬
‫التبعى الذى يضمن للدازن الوفاء حبقه كامالً من أموال املدين‪ .‬فأحلقت‬
‫لذلك ابحلقوق العينية األصلية بعض احلقوق اليت هي يف أصلها حقوق‬
‫شخصية انجتة عن تصرفات ال ياوز االلتزام هبا غري عاقديها وخلفهم احملدود‬
‫– خاصا كان أم عاما‪ ،-‬وهي اليت تدعى حقوقا عينية تبعية‪.‬‬

‫‪84‬ألن أخوف ما خياف الدازن أن يكون مدينه معسراً‪ ،‬فال تكون له من سبيل الستيفاء حقه سوى‬
‫االصطفاف مع ابقى الدازنني ىف قسمة الغرماء مع احتمال كبري يف احلصول على بعض احلق بسبب‬
‫التزاحم يف الغالب وعليه فقد ال حيصل على كامل حقه بل على جزء منه فقط‪ .‬مث إنه قد يكون‬
‫للمدين مال كاف غري ان صاحبه ال سلطة له عليه حبيث يكون يف يد أخرى فال يستطيع الدازن‬
‫احلجز عليها ‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫ولعل هذا اإلحلاق مشوش على صفة احلصر اليت اجملللة هلذه‬
‫احلقوق‪85‬؛ إذ كيف تكون حقوق شخصية يف األصل حقوقا عينية ابلتبع‪.‬‬
‫ومسة احلقوق الشخصية اإلطالق وحرية اإلنشاء عدم احلصر لركوهنا على‬
‫إرادة املنشئني؟‬
‫يتبدد سريعا ذلك التشويش حاملا ينظر الناظر يف احلقوق العينية‬
‫التبعية فيجد املقنن قد جعلها حمددة حمدودة‪ ،‬فتقيدت أول شيء مبا قيدت‬
‫العينية األصلية‪ .‬وهي أن تكون على األخص حمصورة مشروطة ابإلشهار‬
‫واإلعالن والتوثيق‪ .‬وهكذا فإهنا ال تعدو هذه احلقوق التبعية أن تكون يف‬
‫املدونة ثالثة فقط‪ ،‬وهي‪ :‬حق االمتياز وحق الرهن احليازي وحق الرهن‬
‫الرمسي‪.‬‬
‫يلحظ بيسر كل انظر أن اجلامع هلذه احلقوق التبعية الثالثة هو عنصر‬
‫املديونية‪ ،‬وأن صفة العينية فيها متعلقة بضماهنا وليس بنشأهتا‪ ،‬فتكون قوة‬
‫الضمان‪ -‬إذن‪ -‬ورجحاهنا املتاح يف الصفة العينية هو سبب إحلاقها ابحلقوق‬
‫العينية‪ ،‬مبعىن أن شرعية هذه احلقوق مكتسبة وليست أصلية‪ ،‬وبعبارة أوضح‬
‫فهي إضفاء وتعدية‪-‬كما قلنا‪ -‬ألهم ما يف احلق العيين األصلي عليها‪ ،‬ومها‬
‫صفتا‪ :‬األولوية والتتبع‪ .‬وتذكريا هباتني الصفتني املكسبتني لصفة العينية‪ ،‬فإن‬

‫‪ 85‬ونثري هذه امللحوظة ألن بعض الباحثني يذهل عن هذه احليثية على خطورهتا‪ ،‬ويعل بعض احلقوق‬
‫العينية التبعية مما يقاس عليه ويستصحب(كمسالة الرهن الرمسي اجلربي واستصحاب احلاالت غري‬
‫املنصوصة فيه)‬

‫‪139‬‬
‫انطباقهما على احلقوق التبعية الثالثة يفيد فيها مجيعها إعطاءَ الداز ِن حق‬
‫تتبع ماله يف أي يد كان‪ ،‬حىت يستطيع حجزه واستيفاء حقه منه‪ ،‬وميزة‬
‫األفضلية على سازر الدازنني ليستوىف حقه كامالً قبل من عداه من الدازنني‬
‫العاديني بصرف النظر عن كفاية املال املستوىف منه ‪.‬‬
‫وجدير ابالستفسار‪ -‬بعد تعليل وجود حقوق عينية تبعية يف التقنني‪-‬‬
‫مدى معرفة فقهاء املسلمني هبذه احلقوق العينية التبعية‪ .‬وجوابه أن االعرتاف‬
‫بوجود األفضلية والتتبع يف الفقه االسالمي كاف يف تقرير معرفتهم ابلطبيعة‬
‫التبعية لبعض احلقوق العينية‪ .‬ولعل ما قدمناه من أحكام عن فقهاء املالكية‬
‫الذين جعلوا عقود االشرية ال تنفع غري عاقديها شاهد على ترجيح‬
‫الضماانت العينية على الضماانت الشخصية‪ .‬كما أحملنا حني احلديث عن‬
‫حصر احلقوق العينية األصلي ة إىل أن مذهب احلنفية املتوسع يف القياس على‬
‫احلقوق العينية يصعب فيه اعتماد احلقوق العينية التبعية بسبب عدم احلصر‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫‪ -1‬الرهن الحيازي‪:‬‬
‫لعل قيمة احلقوق العينية كلها ‪-‬أصليها وتبعيها‪ -‬يف قوهتا وصالحيتها‬
‫للرهن‪ .‬وتنويع الرهون العينية إىل حيازية ورمسية‪ ،‬ومل يكن مما عرفه فقهاء‬
‫املسلمني؛ فالرهن عند مجيعهم واحد وشرطه القبض‪ ،‬مبعىن أن الرهن‬
‫"احليازي" –هبذا االضافة‪ -‬ليس إال حشوا يف اصطالح الفقهاء ‪.‬ألن احليازة‬
‫هي القبض‪ ،‬وإن كان للفقهاء اختالف معترب يف القبض هل هو شرط أم‬
‫ركن ؟‬
‫وملا قلنا إن قيمة احلقوق العينية كلها هي يف القيمة االزتمانية اليت‬
‫تستضمرها‪ ،‬فإهنا العلة نفسها املتسببة يف ابتداع الرهن الرمسي إىل جانب‬
‫الرهن الفقهي املعروف‪ ،‬ختفيفا من التزامات القبض املقيدة للدازن املرهتن‪.‬‬
‫عدا أن صاحب ﺍلعقاﺭ ميكن ﺃﻥ يلجأ للرهن الرمسي الذي ال يوجب نقل‬
‫ﺍلحياﺯﺓ ﻭفيه نوع من ﺍلـستﺭ وعدم شيوع أمر املديونية بني ﺍلناﺱ فتهتز صورته‬
‫أو امسه أمام الناس‪.‬‬
‫وهذه إشارة الزمة لتمييز الرهن احليازي الذي هو األصل ولتبديد‬
‫االعتقاد الذي يعتربه رهنا آخر غري الرهن الفقهي ‪.‬‬
‫ويرد الرهن ﺍلحياﺯﻯ على ﺍلعقاﺭ ﻭعلى ﺍلمنقﻭل‪ ،‬وإن كان الشازع فيه‬
‫أن يرد على ﺍلمنقﻭل‪ ،86‬ألنه معتاد املتداينني ولكفايته يف ضمان الديون اليت‬

‫‪ 86‬لذلك نظمت يف ظهري االلتزامات والعقود يف الفصول‪ 1170 :‬وما يليه‬

‫‪141‬‬
‫كانت يف أغلب يسرية مقدورا عليها مبا يف اليد من منقوالت‪ .‬ومل تشتد‬
‫احلاجة إىل الرهن احليازي يف العقارات إال بعد دخول هذه األخرية يف التنمية‬
‫االقتصادية ابلصفة اليت عليها يف العصر احلديث‪.‬‬
‫ولقد مجع املالكية قدميا هذه الصفات مجيعها يف تعريف الرهن فقالوا‬
‫يف حده" شيء متمول يؤخذ من مالكه توثقا به يف دين الزم أو صار إىل‬
‫‪87‬‬
‫اللزوم"‬
‫وعرفت املادة ‪ 145‬من مدونة احلقوق العينية الرهن احليازي أبنه "حق‬
‫عيين يتقرر على ملك يعطيه املدين أو كفيله العيين إىل الدازن املرهتن لضمان‬
‫الوفاء بدين وخيول الدازن املرهتن حق حيازة املرهون وحق حبسه إىل أن‬
‫يستويف دينه"‪ .‬فهو إذن حق حمله مال صاحل للتعامل ‪-‬ومقصود املدونة هنا‬
‫العقار دون املنقول وإن كان األصل أن يرد على املنقول‪ -‬خيرجه املدين من‬
‫حيازته إىل حيازة الدازن ضمان للوفاء ابلدين‪.‬‬
‫ليلحظ كذلك أن هذا التعريف ميتح من تعريف الفقهاء ابعتماد أهم‬
‫ما فيه من حد وقيد‪ ،‬وهو الصفة االزتمانية ضماان لدين مشروع ‪.‬‬

‫‪ 87‬الشرح الصغري للدردير‪320/3 :‬‬

‫‪142‬‬
‫‪ -‬إنشاء الرهن احليازي‪:‬‬
‫إن الرهن مبا هو عقﺩ رضازي فإنه يستوجب تكامل شروط يف‬
‫العاقدين ويف احملل املعقود عليه‪ ،‬ويرتتب على ذلك مجلة شروط الزمة فيهما‬
‫إلنشازه‪:‬‬
‫أ‪ -‬الراهن‪ :‬تشرتط فيهما أهلية التصرف؛ وخاصة من الرا فال تكفي‬
‫ملكية املال ليصح رهنه‪ ،‬هو ما نصت املادة ‪ 150‬على ذلك مشددة بوجوب‬
‫أن يكون الراهن مالكا للمرهون وأهال للتصرف فيه‪ .‬على أن االنعقاد ال‬
‫يستلزم أن يتواله الراهن بنفسه بل له أن يويل كفيال عنه مىت توافرت فيه أهلية‬
‫ذلك‪ .‬وجتدر االشارة هبذا الصدد أن الكفالة يف الدين خمتلفة عن الوالية على‬
‫املال؛ إذ ال يسمح لويل القاصر أاب كان أو أما أن يرهن ماله مامل حيصل على‬
‫إذن صريح من القاضي‪ ،‬انهيك عمن دونه من وصي ومقدم‪ .‬وهذا تشديد‬
‫موافق ملقصد شرعي هام وهو محاية مال القاصر‪ .‬فمجرد الوالية ال تعطي‬
‫حق التصرف ابلرهن‪.88‬‬
‫ب‪ -‬املرهتن ‪ :‬إن أوجب ما يلزم يف املرهتن مشروعية الدين الذي يبىن‬
‫عليه الرهن‪ .‬وقد اشرتطناه يف املرهتن ألنه هو من يتواله‪ ،‬مث إن صفة التبعية‬
‫يف هذا احلق العيين املستند الفقهاء "التابع اتبع"‪ ،‬توجب صحة املعاملة أصل‬

‫‪ 88‬املادة ‪ 152‬ال يوز لألب أو األم أو الوصي أو املقدم رهن أموال القاصر أو احملجور عليهم رهنا‬
‫حيازاي إال إبذن من القاضي‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫الدين ليصح الرهن التابع‪ .‬ويشرتط ايضا تقدم الدين على الرهن‪ ،‬إال إذا‬
‫أمن الغنب واجلهالة وإاثرة هذه املسالة سببها أن الرهن احليازي حق تبعي‬
‫يستلزم وجود املديونية وحتققها‪ ،‬غري أن جديد مدونة احلقوق العينية هو‬
‫متكني الراهن من إجرازه ضماان حلساب جا ٍر‪ .‬وهذا يف ظاهره يعل الرهن‬
‫سابقا على الدين وهادم ملبدأ التبعية غري أن القاعدة الفقهية يف العقود عند‬
‫الفقهاء تنطبق هنا ابمتياز وهو ان االنعقاد يقع على حمل حمقق الوجود معلوم‬
‫القدر‪ ،89‬والدين هنا نشأ ويتكامل عرب مراحل‪ ،‬مبعىن أن االلتزام قازم به‪،‬‬
‫لذلك صح انشاء الرهن عليه دون‬
‫ج‪ -‬املال املرهون‪ :‬إذا كان الدين املستحق من املرهتن سبب التعاقد‪،‬‬
‫فإن املال املرهون هو حمل عقد الرهن‪ ،‬وهو بذلك ركن يف العقد خبالف‬
‫الدين‪ .‬ومن شروطه لذلك‪:‬‬
‫‪ -‬كما تقدم يف شروط الراهن‪ ،‬أن يكون مملوكا ملكا اتما للراهن‬
‫العاقد‪ .‬وميتد العقار الضامن للدين ليشمل امللك وملحقاته ابلتخصيص‬
‫أوااللتصاق‪ ،‬وما أحدث فيه بعد العقد ‪ .‬وهو ما نصت عليه املادة ‪148‬‬
‫وليس يستثىن من ذلك غري االرتفاقات اليت يتمتع هبا العقار دون الراهن يف‬
‫أصل وضعها‪.‬‬

‫‪89‬كما جاز عقد السلم بناء على اصل احلديث‬

‫‪144‬‬
‫‪ -‬أن يكون حاال موجودا وقت العقد‪ ،‬وهذا طبقا القواعد الفقهية‬
‫اليت تشرتط يف حمل العقد أن يكون حاال موجودا وقت العقد لذلك أبطل‬
‫الفقهاء رهن ما ميلك استقباال مستقبال‪ .‬وهو ما أكدته املادة ‪ 154‬بعدم‬
‫جواز رهن األمالك اليت قد حيصل عليها استقباال‪.‬‬
‫د‪ -‬التوثيق الرمسي‪ :‬إن صفة الرمسية هي الركن املضاف بتقنني مدونة‬
‫احلقوق العينية‪ ،‬ألن عقد رهن من غري توثيقه توثيقا رمسيا يبطل لذلك‬
‫فاملقتضيات املستوجبة يف العقد‪ 90‬ال تعترب إال إذا وردت مربمة يف حمرر رمسي‬
‫الذي هو شرط يف اشهار كل احلقوق العينية مبا هي شهادة على الكافة‪ .‬كما‬
‫يرتتب على اشرتاط تلك الصفة مبقتضى املادة‪ 147‬أن مينع احملامون من حترير‬
‫الرهون‪ ،‬خالفا للتفويتات‪.‬‬
‫حمل‬
‫العقار ه‬
‫ويبطل احملرر نفسه إذا مل يشر فيه إىل معاينة احلوز إذا كان ُ‬
‫الرهن غري احملفظ‪ ،91‬وإن كانت هذه املعاينة املشار إليها يف الفقرة الثانية من‬
‫املادة ‪ 147‬شرط متام وليس شرط صحة يف مذهب املالكية وخالفا للشافعي‪.‬‬

‫‪90‬كما نصت عليها املادة ‪:149‬‬


‫بيان هلوية أطراف العقد؛‬
‫تعيني امللك املرهون ببيان موقعه ومساحته ومشتمالته وعند االقتضاء حدوده أو رقم رمسه العقاري؛‬
‫بيان مبلغ الدين املضمون ابلرهن واملدة احملددة ألدازه‪.‬‬
‫‪91‬أما العقارات احملفظة فاحلوز فيها حكمي ‪ .‬ملا نبهت إليه الفقرة األخرية من املادة ‪ 145‬يف تعريف‬
‫الرهن احليازي مبا نصه "‪...‬تسري على الرهن احليازي أحكام الرهن الرمسي إذا تعلق مبلك حمفظ"‬

‫‪145‬‬
‫وواضح أن مستند القول ابشرتاط املعاينة لصحته يف العقار غري‬
‫احملفظ‪ ،‬أن الرهﻥ ﺍلحياﺯﻯ ليﺱ عقﺩﺍﹰ عينياﹰ حىت يكﻭﻥ ﺍلقبﺽ ﺭكناﹰ فيه ‪,‬‬
‫بل هﻭ موضوع عقد ﺭضائى‪ ،‬فتظل لذلك ﺃثﺭﺍﹰ مﻥ ﺁثاﺭ ﺍلعقﺩ ﻭليست‬
‫ﺭكناﹰ انعقاﺩه ‪ ,‬فإﻥ ﺃخل ﺍلمﺩيﻥ بالتﺯﺍمه بالتسليﻡ ﻭنقل ﺍلحياﺯﺓ ﻁُبقﺕ‬
‫ﺍلقﻭﺍعﺩ ﺍلعامة فـى ﺍلفـسخ ﻭﺍلتعﻭيﺽ ‪.‬‬
‫آاثر الرهن‪:‬‬
‫هي آاثر تنتج عن صحة كل عقد‪ ،‬وهي آاثر يف عقد الرهن خمصوصة‬
‫تطال العاقدين كما تطال العني املرهونة‪.‬‬
‫‪ -‬فأما آاثره على العاقدين‪ ،‬فجلها تقع على املرهتن ألنه احلازز‪،92‬‬
‫أوهلا أن ﺍنتقال حياﺯﺓ ﺍلمﺭهﻭﻥ مﻥ ﺍلمﺩيﻥ ﺇلى ﺍلﺩﺍئﻥ تلزمه بالمحافﻅة على‬
‫ﺍلمال ﺍلمﺭهﻭﻥ ﻁﻭﺍل فتـﺭﺓ ﺍلـﺭهﻥ‪ ،‬مبا يف ذلك حتمله نفقات تلك احملافظة‬
‫على يطلبها من املدين الحقا‪ ،93‬إال ذا تضمن العقد اتفاقا خمالفا‪ ،‬وإذا ما‬
‫وقعت املنازعة يف املصروفات خضعت لقواعد االثبات العامة أمام القضاء ‪..‬‬
‫ويلتزم أيضا برد العني سليمة إىل املدين بعد الوفاء ابلدين‪ ،‬فيُسأل أثناء ذلك‬
‫كله عﻥ هالك العني يف يده إذا كان هالكا خبطأ وتقصري منه ألن يده يد‬

‫‪92‬تنظر جممعة املواد ‪ 159 -157-156‬الكاشفة عن التزامات الدازن املرهتن‪ ،‬وهي ابلنظر االقتصادي‬
‫واالزتما ي عيوب منفرة من الرهن احليازي‪ ،‬مقارنة ابلرهن الرمسي‪.‬‬
‫‪ 93‬يستند يف ذلك اىل ما نصت عليه املادة ‪ :160‬يب علي املدين أن يؤدي للدازن املرهتن املصروفات‬
‫الضرورية اليت أنفقها على امللك املرهون لديه‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫أمانة‪ ،‬وليس له ﺃﻥ ينتفع ابملرهون ويستثمره‪ ،‬وال له حق يف غلة العني املرهونة‬
‫وال مثارها‪ .‬فاألصل أن يتويل الدازن جين الثمار أو ال حيتفظ هبا إال خبصم‬
‫مثنها من الرأمسال‪ ،‬إال إذا تضمن العقد اتفاقا بذلك‪.‬‬
‫غري أن أهم أثر مرتتب يف ذمة املرهتن‪ ،‬هو أن عقد الرهن ال يصريه‬
‫مالكا للعني مبجرد نكوص املدين عن الوفاء‪ ،‬كما أوضحت ذلك املادة‬
‫‪ .158‬وهو أثر معلل بصفة التبعية اليت تسم هذا احلق العيين‪ ،94‬أي أن الرهن‬
‫ملا كان ضماان عينيا للدين فإنه غري خمول للتفويت املباشر‪ .‬فليس للدازن‬
‫املرهتن إال أن يسلك مسطرة البيع اجلربي للعني املرهونة الستيفاء دينه‪ .‬وعدم‬
‫متلك املرهون مباشرة ال مينع من اتفاق مع املدين بذلك‪ ،‬لكنه يبقى عقدا‬
‫جديدا وليس أثرا من آاثر الرهن‪.‬‬
‫كل غري قابل للتجززة‬
‫‪ -‬أما آاثره على العني املرهونة‪ ،‬أجلها أن الرهن ٌّ‬
‫وال ينفك ابلوفاء اجلززي؛ فكل جزء من الرهن ضامن لكل الدين‪ ،‬وكل جزء‬
‫من الرهن مضمون بكل الدين‪.95‬‬

‫‪ 94‬وبشهد هلذا أن أحلت املدونة على بيان صفة التبعية هلذا احلق‪ ،‬خاصة يف املواد ‪-161-158-155‬‬
‫‪. 163-162‬‬
‫‪ 95‬وهو ما تؤكده املادة ‪ : 146‬إن الرهن احليازي غري قابل للتجززة رغم جتززة الدين بني ورثة املدين أو‬
‫الدازن‪.‬‬
‫ال يوز ألحد ورثة املدين الذي يؤدي واجبه من الدين أن يطالب ابسرتداد نصيبه يف امللك حمل الرهن‬
‫احليازي ما دام مل يقع وفاء الدين كامال‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫لما كان الرهن حقا عينيا تبعيا‪ ،‬فإن العني املرهونة جمرد ضمان لدين‬
‫فّ‬
‫مشروع‪ .‬ومن مثة فإن رهن مال مملوك على الشيوع – مثال‪ -‬ال ينقض خبروج‬
‫أحد الشركاء ابلقسمة أو أبداء منابه من الدين بل تظل العني ضامنة لبقية‬
‫الدين؛ ألن الرهن ليس معاوضة‪ -‬كما تقدم ‪-‬بل ضمان‪ ،‬وهذا ال يشرتط‬
‫فيه االنتقاص ابنتقاص االلتزام‪ .‬بل إن التناسب بني العقار الرهون ومبلغ‬
‫الدين ليس مطلواب اصال‪ .‬فال يزي ذلك من يؤدي منابه من أصل الدين‬
‫ليطالب ابالسرتداد‪ ،‬ومن مثة فإن رهن املشاع ال ينتهي ابلقسمة‪ ،‬اال ملن رهن‬
‫‪96‬‬
‫حصته املشاعة‪.‬‬
‫ويف املقابل أيضا وأتكيدا ملبدأ عدم التجزيء‪ ،‬فإنه ال يوز لدازن‬
‫مرهتن إبراء املدينني الراهنني منفردا مبجرد حصوله على منابه من أصل الدين‪،‬‬
‫ألنه يف تصرفه إضرارا ببقية الدازنني‪ ،‬كما فيه إهدارا لكتلة الرهن اليت ال‬
‫تتجزأ‪.‬‬

‫كما ال يوز ألحد ورثة الدازن الذي يتوصل بنصيبه من الدين أن يتخلى عن امللك موضوع الرهن‬
‫احليازي إضرارا ببقية الورثة الذين مل يستوفوا حصصهم من الدين‪.‬‬
‫‪ 96‬تنظر مقتضيات الفقرة الثانية من املادة ‪..... ":153‬‬
‫إذا رهن أحد الشركاء حصته امل شاعة فإن حق الدازن املرهتن ينتقل إىل اجلزء املفرز الذي آل إىل‬
‫الشريك بعد القسمة‪ ،‬وإىل املدرك الذي حصل عليه الشريك لتعديل حصته‪ ،‬وذلك إذا صادق الدازن‬
‫املرهتن على عقد القسمة أو كان طرفا يف الدعوى املتعلقة هبا"‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫‪-‬انقضاء الرهن احليازي‬
‫إن العقود كما هلا نشأة تنشأ هبا فإن هلا حدا تنتهي عنده لزوما‪،‬‬
‫وانقضاء الرهن يكون حبالتني كبريتني‪:‬‬
‫‪ -‬حالة االنقضاء حبلول األمد‪ :‬وهي حتقق الغرض من الرهن؛ فإما أن‬
‫ينتهي بوفاء املدين إنشازه‪ ،‬وهي املتمثلة يف حلول الدين ابلوفاء الوفاء(‬
‫عرض عيين إذا رفض الدازن املرهتن)‪ .‬ويتحقق الغرض أيضا حبلول األجل مع‬
‫عدم الوفاء‪ ،‬إذ يباشر املرهتن إجراءات البيع اجلربي اليت متكنه من حق‬
‫األولوية على ابقي الدازنني يف استيفاء دينه‬
‫‪ -‬حالة االنقضاء قبل حلول األمد‪ :‬إن سراين عقد الرهن ال مينع من‬
‫حدوث وقازع تؤثر يف استمراره‪ ،‬قبل األجل املقرر ابلعقد‪ ،‬وهذه تكون‬
‫إبرادة من العاقدين أو بقوة قاهرة‪ .‬فيقع ذلك بوفاء مبكر وفق ما تقتضيه‬
‫املادة‪ 164،‬ألن األجل املنصوص يف العقد هو أمد يتمتع به املدين الراهن‪،‬‬
‫فال ميتنع إذن أن ينهيه إبرادته؛ وال حق للمرهتن يف التمسك ابألجل حبيث‬
‫إذا مل يقبل ذاك الوفاء املبكر فإن للراهن أن يقوم بعرض الدين عرضا عينيا‬
‫حقيقيا مث إيداعه بصندوق احملكمة‪ ،‬وحتكم احملكمة برد امللك ملالكه‬
‫وابنقضاء الرهن‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫ويتحقق االنقضاء قبل األمد أيضا بتحول يف مراكز العاقدين مما يؤثر‬
‫على اصل العقد‪(97‬احتاد الذمة‪ ،‬التنازل) أو يقع هبالك العني حمل الرهن‬
‫فينتهي العقد ابلتبع اضطرارا‪ .‬وقد يقع ابكتشاف متأخر أن الدين ابطل يف‬
‫أساسه فيبطل الرهن لبطالنه لقاعدة التابع اتبع‪ ،‬وهي صفة التبعية اليت عربت‬
‫عنها املادة ‪. 98161‬‬

‫‪ 97‬وهذه حاالت أمجلتها املادة ‪:162‬‬


‫ينقضي الرهن بغض النظر عن الدين املضمون به يف احلاالت اآلتية‪:‬‬
‫بتنازل الدازن املرهتن عن الرهن صراحة؛‬
‫هبالك امللك املرهون هالكا كليا؛‬
‫ابحتاد الذمة‪.‬‬
‫‪ 98‬يعترب الرهن اتبعا للدين املضمون ويدور معه وجودا وعدما‪.‬‬
‫ينقضي الرهن احليازي ابنقضاء الدين املضمون به بتمامه‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫‪ - 2‬الرهن الرسمي‪:‬‬

‫عرف هذا الرهن يف املادة ‪ 165‬أبنه "حق عيين تبعي يتقرر على ملك‬
‫حمفظ أو يف طور التحفيظ وخيصص لضمان أداء دين"‪.‬ويستفاد منه ابخللف‬
‫انه ال يرد على العقار غري احملفظ وال يرد أيضا على املنقول إال استثناء خاصة‬
‫يف املنقوالت اليت تعامل معاملة العقار‪.‬‬
‫وعدم وروده على ﺍلمنقﻭل واضح العلة‪ ،‬وهي سهولة انتقاله من مكان‬
‫آلخر ﺩﻭﻥ تلف وعدم تسجيل ﺍلتصﺭفاﺕ ﺍلﻭﺍﺭﺩﺓ عليه ﻭأيضا لصعوبة تتبعه‬
‫يف أي يد يكون‪ ،‬أما ﺍلعقاﺭ ابلتخصيص فواضح أنه أيخذ حكم ﺍلعقاﺭ‬
‫األصلي املخصص خلدمته‪ ،‬مادام ﺭهﻥ ﺍلعقاﺭ ممتدا ليشمل ﺍلعقاﺭ‬
‫ابلتخصيص ﺍلمﺭتبﻁ به‪ .‬كما يشمل أيضا ابالمتداد حقوق االرتفاق‪.‬‬
‫وتبقى غاية هذا الرهن ومقصده أال تغل يد املدين وال تتقيد سلطاته‬
‫على ممتلكاته‪ ،‬وأن حيصل الدازن املرهتن ابملقابل على ضمانة عينية كافية مع‬
‫متتيعه ابكثر من ذمة احتياطية‪ ،‬دون حاجة إىل حراسة العني املرهونة وال‬
‫حتمل نفقاهتا وال ضماهنا؛ حبيث تتاح للمدين رهون متعددة على عقار‬
‫واحد‪ ،‬ابملقابل يتمتع الدازنون ابلضمان املتاح ابإلشهار مع مكنة التقدم على‬
‫بعض الدازنني ابلتوافق‪ ،‬لكن االستفادة اجللى هي احرتازهم من عيوب الرهن‬
‫احليازي اليت تقدمت‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫والرهن الرمسي يتطابق يف كثري من أحكامه مع أحكام الرهن احليازي‪،‬‬
‫بل لوال اختصاصه العقار احملفظ وابلذي يف طور التحفيظ‪ ،‬مع متيزه ببقاء‬
‫حيازة العني املرهونة بيد الراهن‪ ،‬ملا كانت إليه حاجة‪ .‬غري أن امليزتني‬
‫املذكورتني‪ 99‬فاصلتان يف ترتيب مجلة فروق‪ .‬وهي الفروق اليت سنقتصر عليها‬
‫يف تقريب هذا احلق العيين من غري تكرار ملا يلتقي فيه مع الرهن احليازي إال‬
‫لضرورة‪ ،‬سواء يف إنشازه أو يف آاثره أو فيما ينقضي به ‪ .‬لتبقى أهم مواطن‬
‫االختالف أن الرهن الرمسي ليس عقدا رضازيا يف مجيع احوال كالرهن‬
‫احليازي‪ .‬فعدا عدم احلاجة فيه اىل نقل حيازة املرهون ﺇلى يد الدازن املرهتن‬
‫حبيث تبقى يف يد املدين الراهن يتمتع بكافة صالحيات املالك عليه‪ ،‬ويبقى‬
‫الدازن ابملقابل آمنا مطمئنا من أي تصرفات متس حقوقه أو تضرها مادام‬
‫حقه مقيدا على ﺍلعقاﺭ املرهون‪ ،‬مطمئنا ملا له من الضماانت القانونية املخولة‬
‫مبقتضاه ‪ .‬فاملآل واحد يف الرهنني إال أنه أحوط يف الرهن احليازي وأنفع يف‬
‫الرهن الرمسي‪.‬‬

‫‪ 99‬اي‪ -1 :‬االختصاص ابلعقار احملفظ وابلذي يف طوره‪ -2 ،‬بقاء العني املرهونة بيد الراهن‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫‪ -‬أنواع الرهن الرمسي‪:‬‬
‫إن مما جتدر إليه اإلشارة فيما تضمنه التعريف أيضا‪ ،‬هو عدم تقيد‬
‫هذا احلق ابلصفة التعاقدية‪ ،‬خالف ما يزعمه كثري من الباحثني اتباعا ملا يرد‬
‫يف بعض يف التشريعات املقارنة –كما يف التشريع املصري‪ ،-‬ألن الرهن‬
‫الرمسي وإن كان يستلزم الشكلية لوقوعه على العقار احملفظ والذي يف طور‬
‫التحفيظ‪ ،‬إال أن ذلك ال حيصره يف عقد شكلي‪ ،‬ألن منه ما يقع ابلرضى‬
‫ومنه ما يقع بغريها‪ ،‬وهو تنويع يعل الصفة العقدية غري كافية يف توصيفه‪،‬‬
‫كما سيأيت‪ .‬لذلك ينقسم الرهن الرمسي ‪-‬كما أشارت إىل ذلك املادة ‪170‬‬
‫‪ -‬إىل رهن اتفاقي ورهن اجباري‪.‬‬
‫أ‪-‬الرهن اإلجباري‪:‬‬
‫تتمثل مسة اإلجبار يف هذا الرهن بوقوعه بغري إذن من الراهن وإن كان‬
‫مفتقرا إلذن احملكمة يف كل األحوال‪ .‬ولقد كان هذا الرهن منصوصا يف ظهري‬
‫‪ 1333‬إال أن املادة ‪ 172‬يف مدونة احلقوق العينية قد قلصت ذوي احلق يف‬
‫ممارسة هذا الرهن لثالثة عاقدين وهم‪ :‬البازع واملعاوض واملتقاسم ممن فاهتم‬
‫عقد رهن اتفاقي المتام البيع أو املعاوضة أو القسمة‪ .‬وممارسة هذا احلق كما‬
‫أسلفنا تقع حتت مراقبة القضاء‪ ،‬إذ يلزم التحقق من أداء طالب الرهن ش ّقه‬
‫من االلتزام‪ 100‬للحصول على حكم يصري سندا ملمارسة الرهن لدى احملافظ‬

‫‪ 100‬كإثبات تسليم مبيع أو ملك معاوض أو رضى بقسمة‬

‫‪153‬‬
‫العقاري‪ .‬وأبعد من ذلك أن مكنت املادة ‪ 173‬ذوي احلقوق من إاثرة هذا‬
‫الرهن أمام قاضي املستعجالت مبوازاة دعوى املوضوع‪ ،‬كلما كانت متابعة‬
‫إجراءاهتا مفوتتة ألصل احلق نفسه‪ ،‬غري أن هذا السند الصادر عن رزيس‬
‫احملكمة أو من ينوب عنه بصفته قاضيا للمستعجالت ال يسمح أبكثر من‬
‫تقييد احلق تقييدا احتياطيا إىل حني صدور احلكم النهازي‪ ،‬على أن يقيد يف‬
‫‪101‬‬
‫رتبته من اتريخ التقييد االحتياطي‪.‬‬
‫ب‪ -‬الرهن االتفاقي‪:‬‬
‫هذا النوع هو الرهن الرمسي على التحقيق لشدة االقبال عليه وللصفة‬
‫التعاقدية اليت تسمه؛ فلما كان ﺍلﺭهﻥ الرمسي حقا عينيا تبعيا‪ ،‬فليس ينشأ ﺇال‬
‫تبعا لوجود دين‪ ,‬لذلك يشرتط فيه ‪-‬أي الدين‪ -‬ما يشرتط يف العقود العامة‬
‫من أركان؛ وأول ذلك يكﻭﻥ الدين سبب الرهن صحيحا مشروعا يف أصله‪،‬‬
‫مث أن يكون معينا تعيينا وافيا‪ ،‬من حيث مقداره وأجله‪ ،‬فيما يعﺭﻑ مببدأ‬

‫‪ 101‬ومما جتدر اإلشارة إليه أن كانت الزوجة يف الظهري امللغى من ضمن من هلم حق ممارسة هذا الرهن‬
‫االجباري على أموال الزوج املهمل‪ ،‬غري أ ن املادة اجلديدة تراجعت عند ذلك‪ ،‬وإن ذهب كثري من‬
‫الباحثني اىل استصحاب ذلك احلق ابلقياس والتعدية‪ ،‬إال أن ذلك يتعارض مع صفة احلصر اليت متيز‬
‫احلقوق العينية ‪ .‬ولذلك فإن عبارة املقنن الواردة يف املادة ‪.." 171‬اليت يقررها القانون" عبارة ال يتوسع‬
‫يف اتويلها؛ فهي ت نفع يف االحالة على بعض القوانني اخلاصة‪ ،‬وليس تعدية احلق إىل قانون منسوخ وهو‬
‫ظهري ‪ . 1333‬وإن كنا نقر أن يف ذلك تراجعا ال تسده مقتضيات املادة ‪ 49‬من مدونة االسرة وال قانون‬
‫‪ 103.13‬املتعلق حباالت العنف‪ ،‬لطبيعته الزجرية اليت تكسب حقوقا‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫ختصيص الرهن‪ .‬واستنادا لقاعدة التبعية تلك‪ ،‬فإنه ميكن ضمان الدين القابل‬
‫لإلبطال لكن نفاذه متوقف على مآل املديونية ذاهتا‪.‬‬
‫غري أن قاعدة التبعية هلا شوارد؛ ومن ذلك صحة رهن من زالت‬
‫ملكيته أبثر رجعي خالفا لألصل‪ ،‬وما ذلك إال ضماان للدازن املرهتن حسن‬
‫النية‪ ،‬الذي اطمئن لسند ﺍلملكية فأقﺭﺽ املالك ﻭقبل الرهن‪ ,‬ومل يكن يعلم‬
‫بسبب البطالن ﺃﻭ ﺍلفسخ‪ .‬مستفيدا من الطبيعية العينية للرهن اليت ختول‬
‫ابتداء حق التتبع واألولوية‪ .‬على أن حسن النية الضامنة حلقوق املقيد يف‬
‫الرسم‪ ،‬مسألة مﻭضﻭع يستقل بتقديرها القاضي عن حمكمة النقض‪.‬‬
‫وعدا هذه‪ ،‬فإنه ينبين على إنشازه ابالتفاق –كما يف الرهن احليازي‪-‬‬
‫لزوم حتقق شروط العقد املعلومة مبا يف ذلك شروط العني حمل الرهن‪102‬؛‬
‫فهذه العني سواء كانت ملكية مفرزة أو على الشيوع فإهنا ملا كانت حمال‬
‫للرهن وركنا يف العقد فإن وجودها حني التعاقد حتم‪ ،‬لذلك يبطل رهن املال‬
‫املستقبلي الذي حيتمل وجوده‪.103‬‬

‫‪ ،102‬فهذا ملا مل يكن يشرتط فيه احلوز‪ ،‬فإن ذلك ال مينع أن يرهن ما رهن رهنا رمسيا يف وقت سابق‪.‬‬
‫أي أن رهنا رمسيا سابقا ال مينع من انعقاد آخر جمددا على ذات العني لضمان رهن آخر‪ .‬ويثور سؤال‬
‫آخر هبذا الصدد هل يصدق ذلك على ما رهن رهنا حيازاي‪.‬؟ اجلواب إن احليازة مانعة ألن مقصدها‬
‫حوز العقار املرهون الستيفاء الدين منه‪ .‬فال يقع أن حيل دين رهن رمسي يف عقار مرهون رهنا حيازاي‪،‬‬
‫وإال صار األخري عبثا‪.‬‬
‫‪ 103‬املادة ‪ 183‬ال يوز رهن األمالك اليت قد حيصل عليها استقباال‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫ويلزم التمييز هبذا الصدد بني هذا الوجود الواقعي للعني وبني وجودها‬
‫القانو ي‪ ،‬ونقصد بذلك إمكانية إنشاء رهن على عقار يف طور التحفيظ‪.‬‬
‫كما نُص على ذلك يف التعريف‪ .‬فهذا العقار موجود وجودا فعليا واستفاد‬
‫من توسيع مفهوم التحفيظ ملا بوشرت فيه مسطرة التحفيظ‪ ،‬غري أن احتمال‬
‫تقلص العني أو أن تنتقل بقبول التعرضات من صاحب املطلب الراهن إىل‬
‫حازز أجنيب عن الرهن يثري مجلة إشكاالت مهددة للضمان املفرتض يف الرهن‬
‫الرمسي لصاحل املرهتن الذي ليس له إال أن يسجل ايداعا وفق املادة ‪ 84‬من‬
‫ظهري التحفيظ العقاري لالستيثاق‪ ،‬إال أهنا تبقى خماطرة دون الضمان املتاح‬
‫يف العقار احملفظ‪ ،‬خصوصا وأن قضاء حمكمة النقض استقر على أن حتقيق‬
‫الرهن ال يتم إال بعد التسجيل يف الرسم العقاري‪ ،‬مع ما قد يطرأ على وضع‬
‫‪104‬‬
‫الراهن‪ ،‬وهي مسالة نثريها يف آاثر الرهن‪.‬‬
‫وأما إمضاء عقد الرهن‪ ،‬فيتواله العاقدان بنفسيهما أو يباشر ذلك‬
‫عنهما كفيليهما أو انزبيهما‪ .‬إال أن يكون الراهن ويل قاصر مل يرشد وال بلغ‪،‬‬
‫فإن أمواله ال ترهن إال إبذن من القاضي‪ .‬أاي كان ذلك القيم على أمواله؛‬
‫سواء كان وليا أو وصيا أو مقدما‪ ،‬كما شددت على ذلك املادة ‪ 178‬خروجا‬
‫عن القاعدة العامة يف الوالية‪ ،‬وما ذلك إال احرتاز من املساس حبقوقه من‬
‫ثقل آاثر الرهن‪.‬‬

‫‪ 104‬وهذه قضية إمنا أشران إليها يف هاهنا يف االنشاء ملا يقتضيه وإن كان موضعها يف آاثر الرهن كما‬
‫سيأيت‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫ع لى أن ما أشران إليه من لزوم انضباط لشروط العقد الشكلية عقد‬
‫الرهن الرمسي ال تنفي رضازيته‪ ،‬فيحق للمرهتن أن يشرتط يف العقد على‬
‫الراهن عدم التفويت أو التصرف يف العني إىل حني حلول أجل الوفاء‪ ،‬فإن‬
‫ذلك ال يناقض أصل الرهن وال هو مساس حبقوق الراهن مادام قد وقع‬
‫ابلرضا‪.‬‬
‫كما أن اشرتاط التحديد الوايف للدين قد يسمح ابخلروج عن قاعدة‬
‫التبعية واشرتاط الوجود القبلي للمديونية‪ ،‬ال مينع يوز إنشاء رهن رمسي‬
‫ضماان العتماد مفتوح أو حساب جاري شريطة حتديد سقفه ابلعقد املبني‬
‫رتبة الرهن من اتريخ التقييد‪ .105‬لكفاية قاعدة التعيني الكايف والوجود‬
‫احلكمي املعروفة فقها وقانوان‪ -‬كبيع السلم ‪ ,-‬ألن العقود يف الفقه االسالمي‬
‫نفسه ال تشرتط وجود العني حمل العقد وجودا حتميا وامنا تشرتط حتقق‬
‫وجوده نفيا للغرر واجلهالة ‪ .‬وهكذا فإن االعتماد املفتوح وإن ظهر وكأنه دين‬
‫متأخر عما رهن به إال أن قياسه على السلم يسمح به‪.‬‬
‫وأما ما تعلق بتوثيق هذا الرهن‪ ،‬فإن املادة ‪ 174‬وإن اشرتطت أن‬
‫ينعقد الرهن االتفاقي كتابة برضى الطرفني وأنه ال يكون صحيحا إال إذا قيد‬
‫ابلرسم العقاري‪ .‬إال أن ذلك ال يشرتط رمسية التحرير يف كل رهن رمسي‪ .‬وهو‬

‫‪ 105‬تنظر املاداتن ‪ 179‬و‪ 180‬من املدونة ‪ .‬وجتدر االشارة هبذا الصدد أن ﺍلبنﻙ يشرتط على ﺍلعميل‬
‫تقﺩيﻡ ضماناﺕ كافية إلصﺩﺍﺭ خﻁاﺏ ﺍلضماﻥ ‪ ,‬خاصة حتديد ﺍلحﺩ ﺍألقصى للﺩيﻥ ‪,‬على ﺃﻥ يحدد‬
‫عقـﺩ ﺍلﺭهﻥ مبلغ الدين املضمون ‪ ,‬ﺃﻭ ﺍلحﺩ ﺍألقصى ﺍلﺫﻯ ينتهى ﺇليه هﺫﺍ ﺍلﺩيﻥ‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫أمر مقبول مادام التلقي يكون بني يدي احملافظ يف الرهون موضوع ديون دون‬
‫‪106‬‬
‫مخسون ومازتا الف درهم (‪250000‬درهم) مبقتضى املرسوم التنظيمي‬
‫بل إن التقييد يف الرسم العقاري نفسه يطاله االستثناء؛ إذ ميكن‬
‫للعاقدين إنشاء رهن يؤجل تقييده يف الرسم العقاري يف كل دين قصري ملدة‬
‫ال تتجاوز ‪ 90‬يوما‪ ،‬دون أن يفقد رتبته يف الرهن‪ ،‬بشرط االخطار الكتايب‬
‫للمحافظ؛ فيضمن ابلرسم وال يشار إليه يف النظري‪ .‬وهذا اإلجراء املمكن‬
‫مبقتضى املادتني ‪ 184‬و‪ 185‬حيمي أطراف عقد الرهن‪ ،‬مع ما فيه من‬
‫تدليس على ابقي املرهتنني مهدد لقاعدة االشهار املقصودة يف الرهون الرمسية‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬وحفاظا على حقوق األطراف مجيعا‪ ،‬فإن هذه املكنة تصري ظاهرة‬
‫وتقيد يف السجل العقاري‪ ،‬إذا مل يف الراهن بدينه داخل األجل القصري‬
‫املذكور‪ .‬لذلك يتلقاه احملافظ وال يشهره إشهارا يف الرسم إال بعد األجل على‬
‫أنه أيخذ رتبته من اتريخ إنشازه ال من اتريخ إشهاره‪ .‬وميكن للدازن املرهتن‬
‫أن يطلب قبل انصرام املدة املذكورة تقييد حقه بصفة نظامية ليأخذ رتبته من‬
‫اتريخ التقييد االحتياطي الذي يتعلق به‪ .‬وينتهي مفعول التقييد االحتياطي‬

‫‪ 106‬ال تسري أحكام املادة ‪ 4‬أعاله على إنشاء أو نقل أو تعديل أو إسقاط الرهن االتفاقي املقرر‬
‫لضمان أداء دين ال تتجاوز قيمته املبلغ املايل احملدد بنص تنظيمي‪ (.‬مت تتميم أحكام املادة ‪ 174‬أعاله‬
‫مبقتضى مادة فريدة من القانون رقم ‪ 22.13‬القاضي بتتميم املادة ‪ 174‬من القانون رقم ‪ 39.08‬املتعلق‬
‫مبدونة احلقوق العينية؛ اجلريدة الرمسية عدد ‪ 6208‬بتاريخ ‪ 24‬حمرم ‪ 28( 1435‬نوفمرب ‪ ،)2013‬ص‬
‫‪).7328‬‬

‫‪158‬‬
‫للرهن املؤجل ويشطب عليه تلقازيا إذا مل ينجز التقييد النهازي حلق الدازن‬
‫املرهتن خالل املدة املذكورة‪.‬‬
‫‪-‬آاثر الرهن‪:‬‬
‫إن مسة الرهن الرمسي تظهر أكثر ما تظهر يف آاثره‪ ،‬ولقد اراتينا أن‬
‫نقسمها إىل ثالثة على غري املعتاد‪،‬فنقدم االاثر اليت تقع على العني املرهونة‬
‫نفسها‪ ،107‬قبل أن نشري إىل آاثره على الراهن واملرهتن معا دومنا فصل بسبب‬
‫تداخل تلك االاثر‪ ،‬مث آباثره على االغيار وهي آاثر ميزة مرتبطة‬
‫‪ -‬أثر الرهن الرمسي على العني املرهونة‪:‬‬
‫عدم قبول ﺍلتجﺯئة‪ -‬كما تقدم يف الرهن‬ ‫األثر ﺍلﺭهﻥ على العني ُ‬
‫احليازي أيضا‪ ،-‬ليشمل العني وملحقاهتا مبا هو قيد يف الرسم العقاري برتبة‪.‬‬
‫ومفاده أن الدين مضمون بكل العني املرهونة والعكس ابلعكس؛ فكل ﺍلعقاﺭ‬
‫ﺍلمﺭهﻭﻥ وملحقاته وحتسيناته وإضافة تضمن الوفاء ابلدين‪ ،‬حبيث لو قسم‬
‫هﺫﺍ ﺍلعقاﺭ ﺍلمﺭهﻭﻥ ‪-‬مثال‪ -‬بتصرف املدينني يف حال تعددهم بسبب وفاة‬
‫املدين األصلي‪ ,‬فإﻥ تلك الواقعة ال اعتداد هبا وال أتثري هلا على الرهن‪ ،‬إذ‬
‫حيق للمرهتن ﺍلتنفيﺫ على مجيع ﺍلعقاﺭ أو خيتار جزء منه ابختياره ليستويف حقه‬

‫‪ 107‬تدرج عند الكثريين ضمن ااثره على الراهن واملرهتن اتباعا لتقسيم املدونة‪ ،‬لكننا نظن االشارة اىل‬
‫االثر على العني مهم بسبب مجلة مشكالت مرتبطة ابلعني‪ ،‬كتحقيق الرهن الرمسي على العقار يف طور‬
‫التحفيظ‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫من مثن بيعه‪ ،‬دومنا احتجاج مقبول من أي من املتقامسني أو حىت املشرتين‪،‬‬
‫يف احلالة ‪ ...‬ويرتتب عليه أنه ﺇﺫﺍ ابع الراهن جزءا من العقار املرهون‪ ،‬فإﻥ‬
‫للدازن املرهتن ﺃﻥ ينفذ بكل حقه على ﺍلجﺯﺀ من ﺍلعقاﺭ الذي ذل على ملك‬
‫الراهن‪ ،‬كما له ﺃﻥ ينفذ به على ﺍلجﺯﺀ الذي انتقلت ملكيته ﺇلى ﺍلمشتﺭﻯ‪.‬‬
‫وابملقابل فإن سداد جزء من الدين ال يسقط الرهن عن جزء من ﺍلعقاﺭ‬
‫ﺍلمﺭهﻭﻥ بنسبة ما سدده املدين؛ بل يظل ﺍلعقاﺭ كله ضامنا للجﺯﺀ الباقي‬
‫من الدين‪.‬‬
‫ومن فروع عدم التجزيء ما نصت عليه املادة ‪ 182‬من أن الرهن‬
‫الذي يربمه مجيع الشركاء يف ملك مشاع حيتفظ أبثره على كافة امللك كيفما‬
‫كانت نتيجة القسمة؛ فإذا رهن أحد الشركاء حصته املشاعة فإن حق الدازن‬
‫املرهتن ينتقل إىل اجلزء املفرز الذي آل إىل الشريك بعد القسمة وإىل املدرك‬
‫الذي حصل عليه الشريك لتعديل حصته وذلك إذا صادق الدازن املرهتن‬
‫على عقد القسمة أو كان طرفا يف الدعوى املتعلقة هبا‪ .‬فال يضار الدازن‬
‫املرهتن ابنتقال ﺍلﺭهﻥ أبي وجه‪ ،‬اعتبارا ألحكام ﺍلحلﻭل العيين‪.‬‬
‫ولكن هذه ﺍلقاعﺩﺓ ‪-‬قاعدة عدم التجززة‪ -‬ليست من النظام ﺍلعاﻡ‪،‬‬
‫بل تليب حاجات ومصاحل خاصة‪ ،‬فإﺫﺍ ﺭﺃﻯ الدازن أن يوقع اتفاقا مع املدين‬
‫على تعطيل حكمها كان له ذلك‪ ،‬بسبب عﺩﻡ حاجته إليها مفضال االعتداد‬
‫ابلتقسيم والتجززة للعقاﺭ ﺍلمﺭهﻭﻥ أﻭ قصﺭ حقه على بعض ﺍلمﺭهﻭﻥ ﺩﻭﻥ‬
‫ﺍلبعﺽ ملا يراه من مصلحته الفضلى‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫ومن ذلك أيضا أن ورد أبول املادة ‪ 195‬اليت جتعل "ابطال كل شرط‬
‫يرمي إىل بيع امللك املرهون دون إتباع اإلجراءات القانونية املقررة"‪ .‬فإن هذا‬
‫املقتضى وإن كان أثرا للرهن على العني املرهونة ومنسجما مع مبدا عدم متلك‬
‫العني‪ ،‬فإن ذلك ال مينع – كما نبهت على ذلك الفقرة الثانية من املادة‬
‫نفسها‪ -‬أنه ميكن بعد حلول أجل أداء الدين أن يتفق املدين مع دازنيه على‬
‫بيع امللك املرهون دون إتباع هذه اإلجراءات‪ .‬مما يعين أن املقصود ابملنع يف‬
‫أول الفقرة هو االتفاق على البيع قبل حلول األجل‪ ،‬وهي مسالة منطقية‬
‫حفاظا على حقوق األغيار‪ ،‬ألن مسألة الرتتيب مسألة مركزية يف احلقوق‬
‫املرتبة على الرهن الرمسي ‪.‬‬
‫وتلزم اإلشارة وحنن بصدد أثر الرهن الرمسي على العني املرهونة‪ ،‬أن‬
‫نشري إىل أثره على العقار الذي يف طور التحفيظ‪ ،‬فهذا حكمه التوقف يف‬
‫حتقيق هذا الرهن إىل حني تبني مآل مسطرة التحفيظ اليت ال تتم إال إبنشاء‬
‫الرسم العقاري‪ ،‬وهي وضعية مشكلة بسبب اإلحلاق الذي ألزم به التعديل‬
‫الذي طال قانون التحفيظ العقاري‪ ،‬ملا حسم مادة اخلالف املثارة قبل‬
‫التعديل ليدرج العقار الذي يف طور التحفيظ يف مادته األوىل ضمن ما‬
‫يرتتب عليه أثر التحفيظ‪ .‬واإلشكال حيصل ابلتعارض بني اطمئنان املرهتن إىل‬
‫ضمان حقه بتقييد رهنه وبني وقف حتقيق الرهن ‪ -‬ولو ببلوغه أجل السداد‪-‬‬
‫إىل حني أتسيس الرسم العقاري‪ ،‬مع ما قد يطرأ على العني من تقليص يف‬
‫املساحة يعمد إليه طالب التحفيظ نفسه طوعا أو كرها مبوافقته على بعض‬

‫‪161‬‬
‫التعرضات لقوة مستندها ولرغبته يف إمتام إجراءات التحفيظ ابمسه‪ .‬وأتمل‬
‫هذه الوضعية جتعل هذا الرهن من غري طازل ملا كان ال ينتج أثرا‪ ،108‬ومفوات‬
‫ّ‬
‫ملقصد الرهن الرمسي من أساسه‪ ،‬وإن كنا نقدر أن هذا االشكال إمنا أهنى‬
‫جدل مسمى التحفيظ ليفتح آخر خبصوص جدوى مسطرة الرهن الرمسي‬
‫للعقار يف طور التحفيظ‪.‬‬
‫أثر الرهن الرمسي على الراهن واملرهتن‬
‫لن نعيد اآلاثر املطابقة آلاثر الرهن احليازي عليهما‪ ،‬بل نكتفي مبا‬
‫ترتب عن تبادل االلتزامات؛ إذ تنقلب بعض آاثر الرهن احليازي يف الرهن‬
‫الرمسي؛ فما كان حقوقا للراهن تصري التزامات منه‪ ،‬ولعل أمهها ضمانه العني‬
‫املرهونة واحلفاظ عليها حتت عهدته ومسؤوليته وإن كان هو املالك هلا‪ ،‬خالفا‬
‫ألصل سلطات املالك وما ذلك إال بسبب بقاء العني املرهونة بيده‪ .‬مث‬
‫االحتجاج به على الغري من إن انعقاد الرهن إمنا يهدف إىل متكني املرهتن من‬
‫الدازنني اآلخرين أو من تنتقل إليهم ملكية العقار‪.‬‬

‫‪ 108‬سبق حملكمة النقض أن قضت بتعذر حتقيق الرهن إىل حني انتهاء إجراءات التحفيظ اليت يتوجها‬
‫إنشاء الرسم العقاري‪ ،‬فقد جاء يف أحد قراراهتا" ‪...‬الرهن الواقع على عقار يف طور التحفيظ هو رهن‬
‫رمسي‪ ،‬ال ميكن حتقيقه قبل اتسيس الرسم العقاري‪ 879‬بتاريخ ‪ 27‬ماي ‪ ،2009‬واستأنست بذات النهج‬
‫الحقا احملكمة التجارية بوجدة ملا عللت عدم قبول طلب حتقيق رهن على عقار يف طور التحفيظ‬
‫فكونه " ال يعدوأن يكون جمرد إيداع‪...‬فإذا حتول( املطلب) اىل رسم يف اسم املدين الراهن أصبحالرهن‬
‫ا لرمسي منتجا آلاثره القانونية‪ ،‬أما قبل ذلك فال ينتج أاثرا (حكم صادر بتاريخ ‪ 1‬نونرب‪ 2011‬حتت‬
‫عدد‪ 11/552‬يف امللف‪ 5/8/503‬منشور مبجلة احلقوق عدد مزدوج ‪17-16‬‬

‫‪162‬‬
‫فيلتﺯﻡ املدين الراهن بضمان سالمة املرهون‪ ،‬مع بقاء حقوقه ابعتباره‬
‫مالكا‪ ،‬ﻭﺃهمها حقه في مثار ﻭغالﺕ ﺍلمﺭهﻭﻥ‪ ،‬ﻭليﺱ للدازن املرهتن ﺃﻥ‬
‫يتعرض على ذلك حىت ما قبل تسجيل تنبيه نزع امللكية‪.‬‬
‫مث إن بقاء العني بيد الراهن ميكنه من إنشاء رهون متعددة على ذات‬
‫العني‪ ،‬فيستتبع ذلك ترتب رتب تكتسب وحترتم تباعا ابعتبار اتريخ تقييدها‪،‬‬
‫وهي رتب ميكن للدازنني املرتهنني التصرف فيها فيما بينهم ابلتنازل‪ ،‬مبقتضى‬
‫املادتني ‪ 197‬و‪. 198‬‬
‫أما الدازن املرهتن فله ﺍلحﻕ يف التنفيذ على ﺍلعقاﺭ ﺇﺫﺍ ما حل أجل‬
‫الدين ﺩﻭﻥ وفاء‪ ،‬مع حقيه القويني يف األولية ﻭفى ﺍلتتبع‪ ،‬حبيث لﻭ تصرف‬
‫املدين يف املرهون أثناء قيام الرهن فإن ذلك ال مينع املرهتن من حق التنفيذ‬
‫على ﺍلمﺭهﻭﻥ حتت يد احلازز‪ .‬بل للدازن املرهتن أيضا أن يطالب ابلوفاء‬
‫مبجرد هالك العني املرهونة‪ ،‬إذ يعترب ذلك وقتا للوفاء ولو كان قبل األجل‬
‫املنصوص‪ .‬ويستفيد الدازن املرهتن أيضا مما اقتضت املادة ‪ 191‬حبيث ينتقل‬
‫حق الدازن املرهتن عند هالك امللك املرهون أو تعييبه أو نزع ملكيته ألجل‬
‫املنفعة العامة إىل املال الذي حيل حمله كمبلغ التأمني أو التعويض أو مقابل‬
‫نزع امللكية‪ ،‬وللمرهتن أن يستويف حقه من هذه األموال وفقا ملرتبته‪.‬‬
‫وتثور مشكلة خبصوص ما تضمنته املادة ‪ 168‬من آاثر‪ ،‬فلما مسحت‬
‫للدازن الذي قيد رهنه لضمان أصل دين‪ ،‬فإهنا مكنته من استيفاء فوازد أو‬
‫استحقاقات دورية له احلق أن يقيدها يف نفس الرتبة اليت قيد فيها أصل‬
‫‪163‬‬
‫الدين وذلك الستيفاء املستحق منها عن السنة اجلارية واليت قبلها فقط‪،‬‬
‫شرط أن يكون هذا احلق انشئا عن عقد الرهن ومقيدا ابلرسم العقاري وأن‬
‫يكون سعر الفازدة معينا‪ .‬ووجه املشكل أن ظهري االلتزامات والعقود نص‬
‫على أن اشرتاط الفازدة بني املسلمني يقع ابطال‪ ،‬وهو اشرتاط وإن تعلق‬
‫ابألشخاص الطبيعية والرهن الرمسي يقع من االشخاص الطبيعية واالعتبارية‬
‫اليت ال تقيد بذلك الشرط‪ ،‬إال أن االحالة على قانون االلتزامات والعقود‬
‫الزمة ألن الرهن الرمسي حق عيين تبعي صحته رهينة بصحة الدين‪ ،‬لذلك‬
‫فإن يف املخول يف املادة ‪ 168‬مناف لألصل يف الرهون املنقولة على األقل‪.‬‬
‫‪ -‬أثر الرهن الرمسي على غري العاقدين‪:‬‬
‫إن أهم أثر مييز الرهن الرمسي من هذه احليثية عن الرهن احليازي‪ ،‬هو‬
‫محاية األغيار عن الرهن‪ ،‬ويقصد هبم خاصة احلازز من غري أطراف الرهن‪،‬‬
‫وهو من آل إليه العقار املرهون بسبب بقازه بيد الراهن وتصرف فيه تصرف‬
‫املالك‪ ,‬واحلازز املقصود ابالعتبار ذو احليازة املشروعة "‪ 109‬إخراجا للحيازة‬
‫الواقعية‪،‬‬
‫‪ -‬من تبعات بقاء العني املرهونة بيد الراهن أن احلازز قد يكون‬
‫شخصا من األغيار االجانب عن الرهن‪ ،‬فلئن كان ذلك ال مينع من حتقيق‬
‫الرهن بسمو قاعدة األولية‪ ،‬فإن ذلك احلازز تصري له حقوق كما تكون عليه‬

‫‪ 109‬عرفت املادة ‪ 200‬احلازز صراحة أبنه يعترب حاززا للملك املرهون " كل من انتقلت إليه ملكيته‬
‫بتقييده ابلرسم العقاري دون أن يكون ملتزما شخصيا ابلدين"‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫التزامات؛ فيوقع ﺍلحجﺯ ﺍلتنفيﺫي عىل العني املرهونة وتباع ابملزاد العلين بعد‬
‫رد ما بقي إىل احلازز‪ ،‬وأما مل‬
‫أمر احلازز ابلتخلي‪ ،‬حىت إذ استﻭفي الدين ّ‬
‫يستوف املرهتن ماله من الرهن كامال عاﺩ كما يعود بقية الدازنني العاديني‬
‫على املدين‪ ،‬فـال ﺃفضيلة ﻭال تتبع‪ .‬بل تتحكم قاعدة ﺍلمساﻭﺍﺓ بني الدازنني‬
‫العاديني الوضع اجلديد‪.‬‬
‫لكن احلازز ابملقابل وإن كان مواجها بقاعدة التتبع اليت تعمل لصاحل‬
‫املرهتن‪ ،‬فإنه ملا مل يكن طرفا يف عقد الرهن أو سنده‪ ،‬فإنه متتع جبملة حقوق‬
‫ال يتمتع هبا الراهن نفسه ‪ ،‬إذ له أن حيل حمل املدين يف الوفاء من غري وكالة‬
‫سابقة‪ ،‬بل تكفيه لشرعية ذلك حيازته‪ .‬وله أن يعرتض أصالة على البيع‬
‫بتوجيه املرهتن إىل مال آخر للراهن املدين للوفاء منه‪ .‬أما أذا ابشر املرهتن‬
‫مسطرة حتقيق الرهن فله حق املشاركة يف املزاد العلين وهو ما ليس متاحا‬
‫للراهن‪ .‬بل إن له أن يطلب اسرتجاع حيازة املرهون كلما تعثر مسطرة البيع‬
‫اجلربي‪ .‬وكل هذه األحوال جتعله حيظى ابمتيازات ال حيظى هبا املدين‬
‫االصيل‪ ،‬وما ذلك إال اعتبارا لوضعه املختلف عن وضع املدين‪ .‬وختضع‬
‫التزاماته هي األخرى هلذا االمتياز ابلتخفيف‪ ،‬فال يسال عن ضمان العني‬
‫املرهونة إال من اتريخ توجيه االنذار إليه ابلتخلي عن احليازة‪ .‬ويستفيد‬
‫استفادة فريدة وهي ان احلقوق اليت كانت له قبل احليازة‪ ،‬فإنه يسرتجعها‬
‫بتسجيلها من جديد على احلالة اليت كانت قبل يف الرسم العقاري‪ ،‬جربا‬

‫‪165‬‬
‫لتخليه‪ .‬وابلتايل فما فقد الحتاد الذمة بسبب احليازة يعود من جديد ليأخذ‬
‫رتبته ضمن احلقوق الواقعة على العني املرهونة رمسيا‪.‬‬
‫د ‪ -‬انقضاء الرهن الرمسي‪:‬‬

‫هي احلاالت نفسها اليت تقدمت يف انقضاء الرهن احليازي‪ ،‬ابستثناء‬


‫شرط ارجاع العني الرهونة ألهنا مل تكن بيد املرهتن رمسيا‪.110‬‬
‫فينقضي الرهن إذن ابلوفاء ابلدين الذي كان السبب فيه‪ ،‬أو مبا‬
‫تنقضي به االلتزامات عموما‪ ،‬كاحتاد ﺍلﺫمة بيﻥ ﺍلـﺩﺍئﻥ ﻭﺍلمﺩيﻥ أو ابلتنازل‬
‫عنه‪ .‬وقد ينقضي دون حلول أجله بسبب هالك العني املرهونة‪ ،‬فيكون ذلك‬
‫اهلالك حلول أجل‪،‬كما تقدم‪.‬‬
‫وقد ينقضي من جهة أخرى بتحقيق الرهن تنفيذا على الراهن لعدم‬
‫الوفاء‪ ،‬ويتم ذلك بسلوك مسطرة البيع اجلربي‪.‬‬
‫وهي املسطرة اليت توسطت يف مدونة احلقوق العينية بني آخر ما نظم‬
‫يف الرهن الرمسي وبني أول ذلك من كتاب أسباب كسب امللكية‪ .‬ولقد أحملنا‬
‫حني التطرق ألسباب كسب امللكية دواعي جعل البيع اجلربي سببا دون عقد‬
‫‪111‬‬
‫البيع الرضازي؛ فالبيع اجلربي شهادة على الكافة بدليل صبغته النافذة‪.‬‬
‫وجتلّي تلك املكنة بوضوح الفقرةُ األخرية من املادة ‪ 220‬ملا رتبت على تقييد‬
‫ُ‬

‫‪ 110‬تنظر املاداتن‪ 212 :‬و‪213‬‬


‫‪ 111‬تنص املادة ‪ 221‬ال تقبل أي مزايدة يف مثن العقار بعد بيعه ابلرتاضي‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫حمضر إرساء املزايدة ابلرسم العقاري انتقال امللك إىل من رسا عليه املزاد‬
‫وتطهريه من مجيع االمتيازات والرهون وال يبقى للدازنني حق إال على الثمن‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإذا ختلف الراهن عن الوفاء يف األجل املنصوص يف العقد‪،‬‬
‫وكان ذلك األجل سببا النقضاء الرهن‪ ،‬فضال عن أن العني املرهونة ال‬
‫تعاوض ابلدين‪ .‬فإن كل ذلك ميكن املرهتن من سلوك مسطرة البيع اجلربي‪،‬‬
‫إبذن من احملكمة وبعد توجيه االنذار يف اآلجال املقررة يف قانون املسطرة‬
‫املدنية ويف مدونة احلقوق العينية‪ .‬وتكون الشهادة اخلاصة بتقييد الرهن‬
‫ابحملافظة العقارية السند التنفيذي الذي تعتمد احملكمة يف اإلذن مبباشرة‬
‫إجراءات البيع اجلربي‪ ،‬وهو ما نصت عليه املادة ‪ 214‬من مدونة احلقوق‬
‫العينية حميلة على املقتضيات املنظمة لذلك السند يف الفصل ‪ 58‬من ظهري‬
‫التحفيظ العقاري‪ .‬وإذا ما كان حمل الرهن عقارات متعددة‪ ،‬فإن كل واحد‬
‫منها رهني إبذن خاص من رزيس احملكمة مبراعاة االختصاص الرتايب نفوذها‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫‪ -3‬حق االمتياز‬

‫أخرانه وحقه التقدمي لقوته‪ ،‬وهو أتخري لبيان ميزته‪ ،‬وهي أن صاحبه‬
‫وإن أتخر اترخيا واستحقاقا فإن يتقدم مبا منح من قوة قانونية‪ .‬بل إن من‬
‫قوته أن ال حيتاج ‪-‬خالفا جلميع احلقوق العينية األصلي منها والتبعي‪ -‬إىل‬
‫تقييد أو تسجيل يف السجل العقاري‪ ،‬فله نصيب إذن من امسه‬
‫وحق االمتياز حق عيىن تبعى لصاحبه األفضلية على اجلميع ىف‬
‫اقتضاء حقه‪ ،112‬وبعبارة املادة ‪ 142‬فإن االمتياز "حق عيين تبعي خيول‬
‫للدازن حق األولوية على ابقي الدازنني ولو كانوا مرهتنني"‪.‬‬
‫ولقد نصت املادة ‪ 144‬على الدينني املميهزين هبذا احلق‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫‪ -‬املصاريف القضازية لبيع امللك ابملزاد العلين وتوزيع مثنه‬

‫‪ 112‬ال خيلط االمتياز الذي هو حق عيين تبعي ابالمتياز اخلاص ابحلق الشخصي الوارد يف العقود على‬
‫املنقوالت‪ ،‬كما ىف امتياز ابزع على احملل املبيع ضماان لوفاء املشرتى ابلثمن وملحقاته فإنه ال حيق‬
‫لصاحب احلق املمتاز أن حيتج حبقه ىف مواجهة احلازز حسن النية الذى انتقلت إليه حيازة املنقول وهو‬
‫يهل بوجود حق االمتياز‪.‬‬
‫لكن إذا ورد حق االمتياز اخلاص على عقار كما هو احلال ىف امتياز ابزع العقار على العقار املبيع‬
‫ضماان لوفاء املشرتى ابلثمن فإنه يلزم قيد حق االمتياز حىت ميكن لصاحب هذا احلق االحتجاج به‬
‫على الغري‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫‪ -‬حقوق اخلزينة كما تقررها وتعينها القوانني املتعلقة هبا‪.‬‬
‫ومها كما يظهر فرعني جلهة واحدة‪ ،‬وهي املال العام‪.‬‬
‫وحقيقة هذا احلق ‪-‬كما يف آخر تعريفه– أن الدازن متقدم على مجيع‬
‫الدازنني‪ ،‬مبا فيهم املرهتن يف الرهن احليازي‪ .‬مما يفيد أن القبض نفسه ال حيول‬
‫دون تقدم صاحب حق االمتياز وأفضليته يف االستيفاء‪ .‬لكن هذا احلق ال‬
‫خيول صاحبه حق التتبع كما يظهر‪ ،‬ألن خاصية االسبقية مستقلة عن‬
‫خاصية التتبع يف احلقوق العينية‪ .‬لذلك فاألفضلية هي األليق بوصف حق‬
‫االمتياز لعدم افتقاره إىل إشهار وابلتايل ليس للدازن هبذا احلق تتبع العني حمل‬
‫االمتياز من يد احلازز ممن انتقلت إليه امللكية انتقاال مشروعا‪ ،‬وهذا وجه‬
‫املخالفة لسلطة الراهنني‪ .‬مبعىن أن صاحب حق االمتياز ينتظر حبقه إجراءات‬
‫البيع اجلربي‪ .‬وإن مما يزكي صفة األفضلية يف هذا احلق دون صفة التتبع ما‬
‫يلحظ من إحجام اخلزينة عن سلوك ما هو خمول حبق االمتياز‪ ،‬لسببني‬
‫يستنتجان بقليل أتمل ومها‪:‬‬

‫‪ -‬اشرتاط الفقرة األخرية من املادة ‪ 144‬أال يباشر هذا احلق على‬


‫العقار إال ابنعدام استيفازه من املنقول‪ ،‬وهو عنت أشد على إدارة اخلزينة من‬
‫سلوك مساطر أخرى‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫‪ -‬جتد اإلدارة يف الرهن الرمسي مندوحة عن صعوابت حق االمتياز‬
‫من جهة التتبع‪ ،‬هذا عدا أهنا ال تكون مستعجلة يف استخالص دينها‪،‬‬
‫لدرجة أهنا غالبا ما تتنازل عن رتبتها يف الرهن الرمسي نفسه‪.‬‬
‫وابلرجوع إىل ما يف هذا احلق من مقتضى تفضيلي‪ ،‬حىت على املرهتن‬
‫احلازز يف الرهن الفقهي‪ .‬فإن يف ذلك بعض املخالفة للفقه االسالمي الذي‬
‫ال يقدم فيه حق على حق املرهتن احلازز‪ .‬وهو ما يدعوان أن نذكر حبضور‬
‫هذا احلق يف الفقه االسالمي‪ .‬فقد حاول بعض الفقهاء توجيه حق االمتياز‬
‫ليجدوا له شبها من أحكام الفقه االسالمي‪ ،‬وذلك يف مثرة اخلالف بشأن‬
‫امتداد ذمة امليت يف ماله إىل ما بعد الوفاة كما هو مشهور عند املالكية‬
‫والشافعية خالفا للحنفية‪ ،‬وكذا يف مسازل أخرى غريها كتقدمي حق الزكاة‬
‫على الدين وهو رأي الشافعية‪ .113‬لكن إشهار هذه الديون املمتازة يف الفقه‬
‫االسالمي أوجب مما هو عليه احلال يف التقنني‪ ،‬ولعل السبب واضح؛ فهذه‬
‫الديون يف الفقه ديون أشخاص ذاتيني وليست ملكا للخزينة‪ ،‬مبا يف ذلك‬
‫حق الزكاة يف مصارفه الثمانية املعلومة‪.‬‬

‫‪ 113‬ينظر هذه املسازل جمملة يف كتب املذاهب‪ :‬القوانني الفقهية‪ ،‬ص ‪ , 333‬الشرح الصغري للدردير‪:‬‬
‫‪ ،618-614/4‬مغين احملتاج‪ ،14-12/3:‬الدر املختار‪ ،535/5 :‬املغين البن قدامة‪530 /6 :‬‬

‫‪170‬‬
‫الفهرست‬

‫نبذة عن األصول ومراحل التقنني ابملغرب‪6 ......................... :‬‬


‫احلقوق العينية‪ :‬املفهوم واخلصائص ‪13.................................‬‬
‫‪ -1‬مفهوم احلق العيين‪13........................................... :‬‬
‫‪ -2‬نطاق احلقوق العينية‪13........................................ :‬‬
‫‪ –1-2‬مفهوم العقار واملنقول‪15................................... :‬‬
‫‪ 2-2‬طبيعة احلقوق الناشئة على األشياء (العقار واملنقول)‪22.........‬‬
‫‪ :3-2‬خصوصية احلقوق العينية العقارية ‪24...........................‬‬
‫حق امللكية امللكية املنفردة وامللكية الشائعة وأسباب امللكية ‪29........‬‬
‫سلطات املالك‪32................................................... :‬‬
‫‪ -‬خصائص حق امللكية‪34.......................................... :‬‬
‫نطاق امللكية‪35..................................................... :‬‬
‫نطاق امللكية من جهة التفرعات‪36.................................. :‬‬
‫نطاق ملكية العلو‪37................................................ :‬‬
‫نطاق ملكية العمق‪38............................................... :‬‬
‫القيود على حق امللكية‪41........................................... :‬‬

‫‪171‬‬
‫‪ -‬امللكية ابالشرتاك‪48.............................................. :‬‬
‫‪ -1‬الشيوع االجباري‪50........................................... :‬‬
‫‪ -2‬امللكية الشائعة‪53.............................................. :‬‬
‫‪ -‬االنتفاع ابلشيء الشائع‪54........................................ :‬‬
‫‪ -‬انقضاء الشيوع‪57................................................ :‬‬
‫انقضاء الشيوع ابلقسمة‪59.......................................... :‬‬
‫انقضاء الشياع ابلشفعة ‪66............................................‬‬
‫أسباب كسب امللكية‪76............................................. :‬‬
‫‪ -‬االستيالء (أو إحراز املباحات)‪77................................. :‬‬
‫‪ -‬إحياء املوات ‪79...................................................‬‬
‫‪-‬حرمي األرض ‪81.....................................................‬‬
‫‪ -‬االلتصاق ‪83.......................................................‬‬
‫‪ -‬احليازة( أو وضع اليد)‪88......................................... :‬‬
‫‪ -‬املغارسة‪94....................................................... :‬‬
‫امللك الناقص‪ :‬أو احلقوق العينية األصلية املتفرعة عن حق امللكية‪96...‬‬
‫‪ -‬حق االرتفاق ‪98...................................................‬‬

‫‪172‬‬
‫‪ -‬حق االنتفاع ‪106 ..................................................‬‬
‫‪ -‬حق االستعمال‪114 .............................................. :‬‬
‫‪ -‬حق العمرى ‪117 ..................................................‬‬
‫‪ -‬حق السطحية‪121 ............................................... :‬‬
‫‪ -‬حق الكراء الطويل األمد ‪124 ......................................‬‬
‫‪ -‬حق احلبس ‪127 ...................................................‬‬
‫‪ -‬حق الزينة‪129 ................................................... .‬‬
‫‪ -‬حق اهلواء والتعلية ‪133 ............................................‬‬
‫احلقوق العينية التبعية ‪138 ............................................‬‬
‫‪ -‬الرهن احليازي‪141 ............................................... :‬‬
‫‪ -‬الرهن الرمسي‪151 ................................................ :‬‬
‫‪ -‬حق االمتياز ‪168 ..................................................‬‬
‫الفهرست ‪171 .......................................................‬‬

‫‪173‬‬

You might also like