Professional Documents
Culture Documents
3
وإن تلك السمة ودافع بياهنا برفق هو ما ارأتينا تقريبه يف هذه
اخلالصة عن احلقوق العينية ،كما قننت يف التشريع املغريب أبصوهلا الفقهية
تقريبا خمتزال غري مبتسر ما أمكن دون تطويل ال فرط عناية بتحقيق املسازل
وتوثيقها التوثيق املستفيض إال ما لزم؛ ألن ذلك حمله الطبعة املطولة املسبوكة
بشواهد النوازل الفقهية من مشهور ما صنفه املالكية ومتوجة مبا استقر عليه
اجتهاد حمكمة النقض.
اكتفاء من كل ذلك يف هذه اخلالصة ببيان صلة الفقه االسالمي
مبعيش الناس وإسعافا للمشرع الحقا حبلول من حياض الفقه كلما عز ذلك
أو ظهر اضطراب يف التقنني .
وإننا وإن كنا موقنني بتعذر فصل تقنني احلقوق العينية عن قانون
التحفيظ العقاري وعن التوثيق عموما .1فاحلقوق العينية ومسطرة التحفيظ
متالزمان ال ينفكان؛ فلئن كان التحفيظ توثيقا للعقار بشكل من األشكال
وضبطا له ،وكان التوثيق خارج عن احلق سواء عند فقهاء الشريعة أو فقهاء
القانون ،إال أن هذه القاعدة ال تنطبق على التحفيظ ،فهو ليس إجراء
شكليا كعموم التوثيقات يشرتط فقط لتمام الصحة ،فهو أقوى من شرط
الكتابة ،فكل واحد منهما داخل يف ماهية اآلخر وليس خارجا عنها.
4
إال أننا آثران صنيع املقنن املغريب ،لذلك خنصها ببحث مستقل
حفاظا على مقاصد اإلحاطة اجمللة هلذه احلقوق العينية.
5
نبذة عن األصول
ومراحل التقنين بالمغرب:
لئن كان املقرر الثابت أن هذه املادة مستندة إىل الفقه اإلسالمي
لتضخم أحكامها فيه ،إال أن ذلك ال يعين أن الفقهاء رمحهم هللا عربوا عنها
بذات االصطالح وإن سبقوا إىل تقريرها والتوسع فيها ،بل كانوا يستعملون
عبارات من مثل " احلق الثابت يف املال " لتفيد ذات املضمون .وهكذا فإن
مسمى احلقوق العينية إمنا هو اصطالح قانو ي استعاره فقهاء املسلمني يف
العصر احلديث 2لِ َما رأوا فيه من فوازد منهجية وصالحية لتقدمي الفقه
االسالمي يف ثوب جديد دون املساس جبوهره .لكننا نظن أن هذا التوجه
وإن صح من جهة اجلمع والتنظيم 3إال أن ذلك يلزم منه احلذر الشديد من
احلكم ابلتماهي ،خاصة واحلقوق العينية أتيت مقابلة للحقوق الشخصية ،وقد
سبق أن نبهنا يف نظرية االلتزام إىل أهنا ليست يف الفقه اإلسالمي على ذات
القواعد املقررة يف القانون ،مث إن كثريا من احلقوق اليت تعترب عينية يف القانون
والتقنني املعاصر مبا فيها التقني املغريب ال ميكن إسنادها إىل أصل فقهي
كالعقار ابلتخصيص أو بعض احلقوق التبعية كحق االمتياز يف معانيه
اخلاصة.
2من أمثال الشيخ علي اخلفيف والشيخ أيب زهرة والشيخ الزرقا وغريهم
3خصوصا ملا نعلمه من عدم اهتمام الفقهاء املتقدمني ابلصياغات النظرية فجاء فقههم رمحهم هللا
متشعب األطراف يصعب على قارئ العصر احلديث ذي اهلمة اخلافتة أن يستجمع نظرهم املنسجم يف
املسازل الفقهية .
6
ولعل هذا قد استوجب أن نذكر تذكريا عابرا مبراحل تقنني هذه املادة
يف التشريع املغريب الذي هو االختيار الواجب الدراسة .
إان ملا قلنا إن احلقوق العينية هي احلقوق اليت أمثرت وأينعت عند
ّ
الفقهاء املسلمني وسبقوا إىل تفريعها ومتييزها كما يف حقوق اإلجارة مثال،
وحبكم أن املذهب املالكي هو املذهب املقضى به يف بالدان املغرب منذ أن
ُ
من هللا تعاىل عليها ابإلسالم فقد كان هذا املذهب هو عمدة القضاة حىت
جميء االستعمار وبعيده .
فرغم إسراع املستعمر تعزيز وجوده واستغالله منذ فرض االستعمار
على املغرب سنة ،1912بسن قوانني حتميه و أتسيس حماكم ترعاها ،كما يف
ظهري 9رمضان 1331املوافق 12غشت ،1913إال أنه أبقى أحكام العقار –
يف مرحلة أوىل– خاضعة ألحكام الفقه املالكي سواء يف اختصاص احملاكم
الشرعية يف منازعات العقار غري احملفظ أو يف اختصاص احملاكم العصرية يف
منازعات العقارات احملفظة أو تلك اليت يف طور التحفيظ مبقتضى الفصل
الثالث من ظهري آخر صادر يف التاريخ نفسه وهو املتعلق ابلتحفيظ
العقاري(أي أيضا بتاريخ 9رمضان ،)1331مبعىن أن إحداث هذه احملاكم
العصرية وتوزيع االختصاص بينها وبني احملاكم الشرعية مل يلغ تطبيق أحكام
الفقه اإلسالمي على مجيع أنواع العقارات ابلبلد ،اللهم ما تعلق يف
املنازعات العقارية الناشئة بني الفرنسيني.
7
لكن مل يطل ذلك الوضع العام ،إذ بصدور ظهري 19رجب 1333
موافق 2يونيو 1915املنشئ للتشريع املطبق على العقارات احملفظة استقل
الفقه املالكي يف مصادره العامة ابالنطباق على العقارات غري احملفظة وتلك
اليت يف طور التحفيظ ،ومع ذلك فقد ظلت احملاكم العصرية ترجع إىل أحكام
الفقه املالكي كلما أعوزها النص .غري أن بصدور قانون التوحيد واملغربة
والتعريب بتاريخ 26يناير 1965امللغي للمحاكم العصرية ازداد البعد عن الفقه
املالكي يف جمال الفقه العقاري ،إذ صار يتوجب مبقتضى الفصل 3من هذا
القانون أن تطبق أمام مجيع احملاكم -بعد إلغاء احملاكم العصرية والشرعية-
مقتضيات ظهري 19رجب 1333يف العقار احملفظ وأحكام الفقه اإلسالمي
يف العقار غري احملفظ ومقتضيات ظهري االلتزامات والعقود يف الدعاوى العينية
املتعلقة مبنقول فضال عن القضااي املدنية .وهكذا صران أمام تشريعات خمتلفة
تطبق على جمال واحد ،4واألدهى من ذلك أن الفقه املالكي وإن كان حاضرا
ومراعى يف كل تلك القوانني إال أن درجة الرجوع إليه توارت خلف قانون
االلتزامات والعقود فلم يعد مصدرا تكميليا بل احتياطيا.
يف هذا اخلضم وبعد طول انتظار أصدر املشرع املغريب قانون جديدا
حتت رقم 39.08املتعلق مبدونة احلقوق العينية 5بغية توحيد األحكام على
-4بغض النظر عن قوانني أخرى كأمالك الدولة وقانون نزع امللكية وظهري 1914املتعلق أبراضي
اجلموع وغريها....
-5الصادر بتنفيذه الظهري الشريف رقم 1.11.178صادر يف 25من ذي احلجة 22(1432نوفمرب (2011
8
العقارات سواء كانت حمفظة أو غري حمفظة ،وابلتايل فإن كثريا من األحكام مل
تعد تُقصر على العقار احملفظ كأحكام العقار ابلتخصيص ،وابملقابل أيضا
فإن بعض األحكام مما جرى به العمل على مذهب مالك قبيل حق اجللسة
مل تعد من احلقوق العينية قازمة من املقرر إال ما كان قازما قبل صدور
املدونة.
-مرتبة املذهب املالكي وقانون االلتزامات والعقود يف تقنني املدونة:
أحىي حسم املدونة يف مادهتا األوىل 6رتبة املذهب املالكي جدال قدميا
خبصوص درجة االعتماد على هذا الفقه ،ويكاد يتأكد لكثري من الباحثني أن
هذا الفقه توارى بصفة رمسية اىل درجة املصدر االحتياطي والتارخيي .لكننا
نظنه مع ذلك استنتاجا متسرعا؛ ألن ذلك التأخري ال يعين أن القانون غري
مؤسس على الفقه املالكي ،فما هو على احلقيقة إال ترجيح واختيار ألرجح
األقوال يف املذهب ،وأما تقدمي ظهري االلتزامات والعقود عليه ليس إال تقدميا
بعد.
فقه راجح ،كما سنشري إليه ُ
املادة : 1تسري مقتضيات هذا القانون على امللكية العقارية واحلقوق العينية ما مل تتعارض مع 6
تشريعات خاصة ابلعقار .تطبق مقتضيات الظهري الشريف الصادر يف 9رمضان 12( 1331أغسطس
) 1913مبثابة قانون االلتزامات والعقود يف ما مل يرد به نص يف هذا القانون .فإن مل يوجد نص يرجع إىل
الراجح واملشهور وما جرى به العمل من الفقه املالكي.
9
ولتوضيح هذه الرتبة ال أبس أن نلحظ ملحوظة مساعدة يف تقدير
صنيع التقنني ،ذلك أننا نثري االنتباه إىل مقابلة مهمة ،وهي رتبة االحالة يف
مدونة االسرة.7
إن مدونة االسرة أخرت قاعدة االحالة اىل املادة 400أي املادة
االخرية من املدونة ،بينما ُجعلت أول املواد يف مدونة احلقوق العينية ،التقدمي
اهتمام كما هي القاعدة عند البالغيني.
مث إن مقنن مدونة احلقوق العينية أحال على بعض املذهب املالكي
وليس على كله ،خبالف مدونة االسرة .وهي قضية بنتيجة مؤثرة؛ إذ إن
مدونة االسرة مسحت بتخطي املذهب املالكي كلما دعت الضرورة
والتطورات إىل ذلك ،خبالف مدونة احلقوق العينية اليت متسكت مبفهوم
النظام العام وابلسيادة الشديدة الصلة بقضااي العقار ،فلم ُِحتل إال على
الراجح واملشهور وما جرى به العمل ،وهذا متسك هبذا املذهب وليس إهدارا
له.
مث إن االنسجام اقتضى أن ُيعل ظهري االلتزامات والعقود اثنيا
لسببني كبريين:
7اليت يعتربها كما أشران كثري من العامة وغري قليل من املتخصصني بقية البقية من املذهب املالكي يف
املدوانت القانونية املغربية.
10
-أتسيسه على املذهب املالكي كلية ،فهو يف حكم الراجح ابعتبار
عرضه على جلنة توجيه النظر الشرعي ،وإن مت ذلك يف مرحلة استعمارية,
فهذه قضية مسلمة معروفة سواء يف أحكامها االصولية أو الفقهية.
-استثمار تنظيم هذا الظهري لكثري من األحكام املطبقة على
املنقوالت كالشفعة واحكام احليازة واهلبة وعموم ما تنتقل به امللكية ،فكان
من التوفيق واالنسجام املطلوب يف جودة التقنينات تلك الرتبة اليت اعطيت
ل ق .ع .
وليس يف ذلك ،إذن ،إساءة أو أتخري للمذهب املالكي إال عند من
مل يستجمع هذه االحكام واالعتبارات ،ومل يتمرس أصال ابلنوازل مما يتخبط
فيه عموم املرتفقني ،وال تلظى بصعوبة التنزيل والتحقيق فيما هو راجح يف
املذهب.
وبناء على هذا الواقع ،فإننا سندرس هذه األحكام وفق مدونة
احلقوق العينية مادامت هي األحكام املقضى هبا يف نظام العقارات املدنية
حمفظة أو غري حمفظة أو كانت يف طور التحفيظ .علما أن هذه املدونة ال
تنطبق على أنظمة عقارية عديدة كأمالك الدولة اخلاصة – سواء منها
األمالك املخزنية أو مللك الغابوي -و أمالكها العامة و األمالك
اجلماعية و أراضي الكيش و أراضي اجلماعات الساللية و العقارات
11
احلبسية .8لكن نا وإن اخرتان االقتصار على ما نظمته مدونة احلقوق العينية
إال أن نستنري ونستأنس آبراء الفقهاء املسلمني واملالكية حتديدا يف بيان
أصول املسازل ومواطن الوفاق واخلالف .
8ارأتينا خالفا لكثري من املؤلفات اجلامعية أن نشري إليها دون تفصيل لكوهنا موضوع مؤلف مستقل
عن األنظمة العقارية يف أصوهلا الفقهية.
12
الحقوق العينية :المفهوم والخصائص
9يعرف بكونه "رابطة بني شخصني دازن ومدين يطالب مبقتضاها الدازن مدينه أبن يقوم أو ميتنع عن
القيام بعمل أو أعطاء شيء" .ولقد كان هذا احلق موضوع مادة كاملة يف الفصل الثا ي من سلك هذه
اإلجازة حتت مسمى "نظرية االلتزام يف الفقه االسالمي" وقد كنا نبهنا هناك إىل صعوبة احلديث عن
وضوح تلك احلقوق الشخصية يف الفقه االسالمي ابملعىن الضيق الوارد يف نظرية االلتزام يف القانون،
كما ذكران هناك أيضا أبن األمر على خالف ذلك فيما يتعلق ابحلقوق العينية اليت صار فيها الفقه
القانو ي عالة على الفقه االسالمي.
10مع أن هناك من يضيف حقوقا اثلثة وهي احلقوق الفكرية ابعتبارها ذات طبيعة مستقلة تنطوي على
عنصرين أحدمها مايل واآلخر معنوي (كحق املؤلف واملخرتع) ،وأهنا بذلك ال تندرج حتت طازفة
احلقوق العينية ألهنا ليست سلطة لشخص على شيء مادي وال تندرج حتت طازفة احلقوق الشخصية
ألهن ا ال ختول صاحبها مطالبة الغري ابلقيام بعمل أو االمتناع عن القيام بعمل .
13
ذلك الفارق التبعية أن احلق العيين واحلق الشخصي وإن مشلهما املراد ابملال
وتفرعا عنه ،11إال أهنما خمتلفان من جهة ما يقعان عليه.
إن حمل احلق العيين شيء من األشياء املادية بينما حمل احلق
الشخصي هو القيام بعمل أو االمتناع عن القيام بعمل .وتبعا لذلك فاحلق
العيين حق مؤبد ،ألنه يرد على شيء معني فيدوم بدوام احملل يف حني أن
يع ال يسمح ابحلد من حرية األشخاص احلق الشخصي حق وقيت ،فال تشر َ
إىل األبد .مث إن احلق العيين -بسبب االختالف املذكور -يُكتسب
ابلتقادم ألن حمله شيء مادي ميكن للشخص أن يضع يده عليه وميتلكه
مبرور الزمن ،بينما ال يتصور اكتساب احلق الشخصي ابلتقادم .
ويساعد هذا الفرق األساس يف احملل على التمثل الواضح ألهم
خصازص احلقوق العينية ومها:
-يتيح احلق العيين لصاحبه "حق التتبع" أي حق تتبع الشيء يف أي
يد كان ،فمن ثبتت ملكيته لعقار مثال ُحق له أن يتتبعه وحيتج حبقه ذاك
ضد أي حازز مهما كانه ،لكن هذا االمتياز غري خمول يف احلقوق الشخصية.
11ابعتبار املال يف عرف الفقهاء هو "كل ما له قيمة يلزم متلفه ضمانه" .ويقرب منه تعبري القانونيني
"هو احلق ذي القيمة املالية" ،ومن مثة فإن ما يستأثر به وليست له قيمة مالية حمددة أو ال يقبل
التعيري ال يسمى ماال فمن ملك ورقة مالية إنتهى العمل هبا ,مامل تكن هلا قيمة اترخيية ،وعليه فاحلقوق
الفكرية ال تعترب حقوقا إال إذا قيمت تقييما ينشئ يف الذمة .وملا كان هذا املال يف احلقوق اليت تعنينا
مما يقع على الشيء ،فإن احلقوق الفكرية وإن عريت فإهنا تبقى خارجة عن نطاقنا
14
-يتمتع صاحب احلق العيين ب "حق األفضلية" يف استيفاء حقه
مقدماً على مجيع الدازنني الشخصيني من قيمة الشيء الذي أنصب عليه
حقه ،بينما يتساوى أصحاب احلقوق الشخصية يف التخلف مرتبةً عن مرتبة
ذي احلق العيين ،إن مل تكن أموال املدين كافية لسداد مجيع الديون.
إن هذين احلقني مها عنوان احلق العيين ،فكل حق ال يتيح هاتني
امليزتني فليس عينيا بيقني.
-2نطاق احلقوق العينية:
لقد انبىن التمييز السابق بني احلقني الشخصي والعيين على رازز احملل،
احلقوق الناشئة عليه خمصصة عند الفقهاء مبا يصح التعامل
لكن هذا احملل و َ
ويصلح له .لذلك نشري إشارة عجلى للمعىن الضيق ملصطلح "الشيء"
وكيف تفرع عنه مفهوما (العقار واملنقول) ،قبل توضيحهما بيان طبيعة
احلقوق الناشئة عليهما .
–1-2مفهوم العقار واملنقول:
يتفرع مفهوما العقار واملنقول عن مفهوم الشيء فلزم أن يعرف
قبلهما:
15
أ -مفهوم الشيء:
الشيء يف االصطالح "هو ما يقع عليه احلق مادايً كان ذلك الشيء
أم غري مادي" ،ولقد قرر الفقهاء قدميا –مث تبعهم التقنني -أن يقصر لفظ
الشيء على ما يصلح للتعامل ،وعليه ال تعترب املوجودات أشياء ابملعىن
الفقهي إذا ما كانت خارجة عن دازرة التعامل ،سواء كان ذلك حبكم
طبيعتها كاالستئثار ابهلواء وأشعة الشمس أو كان حبكم التقنني كحيازة
األسلحة أو كحيازة املعادن النفيسة. .
وملا كان الشيء القابل للتعامل ال خيرج عن أن يكون مملوكا يستطيع
مالكه أن ينقله أوال يستطيع ،فقد استقر تقسيم األشياء أساسا 12إىل عقار
ومنقول .وهو تقسيم له أمهية تستفاد من مجلة فروق ،نشري إىل بعضها قبل
التفصيل يف أقسام كليهما.
-ختتص احملكمة اليت يوجد يف دازرهتا العقار يف نظر الدعاوي اليت
تثار بشأنه يف حني احملكمة املختصة يف نظر دعاوى املنقول هي حمكمة حمل
إقامة املدعى عليه .
12إن ختصيص الشيء مبا يقبل التعامل يغين عن كل التفريعات اليت اعتادها الكاتبون يف أقسام الشيء
من مثل ،التقسيم إىل أشياء مثلية وأشياء متقومة -األشياء القابلة لالستهالك واألشياء اليت ال تقبله-
األشياء اململوكة واألشياء غري اململوكة ..إىل غريها من التقسيمات اليت ال تعدو أن تكون مدرسيةُ .
16
-ال خيضع املنقول إال استثناء إلجراءات التسجيل ملا يتميز به من
حركة وعدم استقرار خبالف العقارات اخلاضعة إلجراءات التسجيل يف
السجل العقاري.
-احليازة سند يف ملكية املنقول وليست كذلك يف العقار .
-تتشدد الدول يف ملكية األجانب للعقارات دون املنقوالت حيث
ال وجود هلذا التشدد إال ما استثين بنص خاص .
ب -مفهوم العقار وأقسامه:
تقاربت تعريفاته اللغوية عند الفقهاء 13لكن اختلفوا يف املراد
14
ابالصطالح خالفا له أتثري على ما ينسحب عليه ،فريى املالكية
والشافعية 15أن العقار"اسم لألرض وما اتصل هبا من بناء وشجر"ومن مثة
فإن العقار" هو كل شيء ال ميكن نقله من غري تغيري هيئته" ،بينما قصره
احلنفية على" كل شيء ال ميكن نقله وحتويله من مكانه أبدا".16
العقار بفتح العـني :كل ملك له أصل وقرار اثبت كاألرض والدور والشجر والنخل ،وهو مأخوذ منَ
13
ُعقر الدار -أصله ،-ومجعه عقارات ،ويقابله املنقول (انظر مادة عقر من لسان العرب .)579/4
14انظر حاشية الدسوقي على الشرح الكبري ،479/3وقال التسويل يف شرح قول املتحف ":ويف
األصول شفعة" :األصول األرض وما اتصل هبا من بناء وشجر (البهجة على حتفة ابن عاصم:
)178/2
15مغين احملتاج80/2 :
16فتح القدير ،215 /6درر احلكام شرح جملة األحكام ،101 /1
17
ومثرة اخلالف أن تعريف احلنفية ال ينسحب إال على ما اتصل
ابألرض اتصال قرار ،بينما يشمل العقار يف تعريف املالكية ما اتصل ابألرض
وما اندمج فيها حبيث ينسحب على األرض واألشجار املتصلة هبا أو
البناءات الواقعة عليها.
ولعل تعريف املالكية هو الذي رجح عند املشرع املغريب -بل وعند
أغلب التقنينات يف البالد املسلمة وغريها ،-وهو االختيار الظاهر من أقسام
العقار يف مدونة احلقوق العينية اليت ال تستقيم إال على مفهوم املالكية ،مع
اختالف نشري إليه يف حمله.
-العقار بطبيعته :وهو العقار أصالة حبسب ما ميتد إليه تعريف
املالكية واختيار التشريع املغريب الوارد يف املادة 6من م.ح.ع "العقار بطبيعته
هو كل شيء مستقر حبيزه اثبت فيه ال ميكن نقله من دون تلف أو تغيري يف
هيئته" .ويشمل هذا القسم من العقار(األراضي بكل أنواعها الفالحية
والعارية واملنجمية؛ األبنية سواء منها ما كان فوق األرض أو حتتها؛ اآلالت
واملنشآت املثبتة؛ النبااتت).
-العقار ابلتخصيص :هو ما كان منقوال بطبيعته – أي مما ينقل من
غري تلف وال تغيري يف هيئته -لكن يرصده مالكه خلدمة عقار مملوك له أيضا
ضماانً الستمرار استغالله( كاآلالت واحليواانت اليت يرصدها أو خيصصها
صاحبها خلدمة مزرعته).
18
ومسي هذا النوع من املنقول عقارا ألخذه ذات األحكام اليت للعقار
ابألصالة ،لكن ذلك مشروط بشرطني:
-وحدة املالك هلما معا ،احرتازا من إمكان اسرتداد املنقول من
صاحبه لو كاان يف ملك يدين خمتلفتني.
-أن يرصد هذا املنقول بصفة دازمة خلدمة العقار ال خلدمة املالك.
وتزول صفة العقار ابلتخصيص ابنقطاع العالقة بينه وبني العقار الذي
خصص خلدمته وهذا أما يكون إبرادة املالك كما لو ابع املنقول دون العقار
أو العكس .أو أن يكون أبسباب خارجة عن إرادة املالك كما لو هلك
العقار الذي خصص املنقول خلدمته.
ومما جتب اإلشارة إليه هنا أن "العقار ابلتخصيص" ليس من اصطالح
الفقهاء ،وإن كنّا ال نعدم للمالكية إشارات إىل ما يقرب من فكرة
العقار ابلتخصيص ،وذلك ملا اعتربوه من لواحق امللك مما يب أن
يلحق به عند البيع والشفعة كالواثزق واخلرازط وغريمها...فقد جاء
يف املنتقى يف شرح املوطأ "...إﻥ ما ينقل ﻭيحوﻝ من ﺍلحيوﺍﻥ
ﻭﺍلعرﻭﺽ ال شفعة فيه؛ لما قدمناه من أن غلبة الشفعة معدومة فيه
هذا إذا بيعت مفردة ﻭﺃما ﺇﺫﺍ كانت تابعة لغريها من الرقيق
والدواب لتعمري األرض واحلازط ففي ﺍلعتبية من ﺭﻭﺍية عيسى فيمن
19
ﺍشترى شقصا من حازط ﻭفيه ﺭقيق ﻭﺩﻭﺍﺏ فليأخذه ﺍلشفيع مع
ﺭقيقه ﻭﺩﻭﺍبه ﺇﺫﺍ لم يكن للحازط من بد ".17
و إن هذه اإلشارة وغريها ال حتجب أبدا الفرق بني النظرين الفقهي
والقانو ي؛ فما يعترب عقارا ابلتخصيص يف القانون ال تزول عنه صفة املنقول
عند الفقهاء .هذا فضال عن أن فكرة العقار ابلتخصيص ليست حمل اتفاق
بني فقهاء القانون أنفسهم وإن اختارها املشرع املغريب كما هو واضح من
املادة 7من م.ح.ع .ونستطيع أن نقول دون أن خنشى تعقيبا ،إن فكرة
العقار ابلتخصيص إمنا هي فكرة مشوشة تزينت هبا املؤلفات األكادميية يف
املوضوع ،على قليل فازدهتا العملية والواقعية؛ إذ إن التنازع يف مشموالت
العقار ال يفيد صاحبه سواء كان من ِّفذا أو منفذا عليه -كما يف احلجز
مثال -إال إذ وقع التنصيص عليها ،حبيث يكون االشرتاط يف أصل العقد
كافيا ومغنيا عن فكرة التخصيص برمتها.
20
الفقهاء إىل منقول بطبيعته ومنقول مبآله ،وزاد التقنني املعاصر قسما اثلث
وهو الدعاوى املنقولة.
-املنقول بطبيعته :يصح اختزاله فيما " كل ما ليس عقار" ليشمل
اململوك املتحرك من حيوان ومركبات كما يشمل العروض من أدوات وأاثث
وغريه ،وليس خيرج عن وصف املنقول بعض كاملنقوالت اليت تعامل معاملة
العقار فاشرتاط التسجيل لنقل ملكية السيارات ال يكسبها صفة العقار وال
يزيل عنها صفة املنقول.
وجتدر اإلشارة هبذا الصدد إىل أن من ال يعترب احلقوق الفكرية صنفا
اثلثا يضاف إىل احلقوق العينية والشخصية ،فإنه يعلها من ضمن املنقوالت
على أساس قاعدة" كل ما ليس عقارا فهو منقول".
-املنقول ابملآل :وهو ما كان عقارا بطبيعته لكنه اعترب منقوالً من
جهة احلكم ابلنظر إىل ما سيؤول إليه استقباال ،كما لو بيع بناء معد للهدم
أو أشجار معدة للقطع .ويشرتط ليأخذ العقار حكم املنقول مآال أن يتم
ذلك إبرادة الطرفني املتعاقدين ال إبرادة منفردة ألحدمها يلزم هبا اآلخر.
ويرتتب على اعتبار العقار منقوالً ابملآل إخضاعه للقواعد اليت حتكم
املنقوالت ال تلك اليت حتكم العقارات.
بعد التعرف على الفرق بني العقار واملنقول ابعتبارمها أشياء أمكننا
التطرق للحقوق العينية الواقعة عليها .
21
2-2طبيعة احلقوق الناشئة على األشياء (العقار واملنقول)
كان مييل بعض املؤلفني يف احلقوق العينية إىل أن يضموا إىل أقسام
احلقوق املتعلقة أبحدمها؛ ويقدمون
العقار أو إىل أقسام املنقول الدعاوى و َ
على ذلك بعلة أن هذه احلقوق تنطبع بطبيعة موضوعها ،وأن العقار– مثال-
وإن كان مستقرا فإن الدعاوى العقارية واحلقوق املرتبطة به هي احلق الواقع
عليها واحلق الساعي حلمايتها فتأخذ لذلك صفتها .وهو أمر كان واضحا
عند الفقهاء رمحهم هللا فموضوع الدعوى ال يكسبها ميزة وال يلحقها بطبيعة
املدعى فيه إال من جهة تنوع اإلجراء اخلاص هبا ،ألن شروط الدعوى واحدة
أاي كان موضوعها ،على حد قول املتحف:
18
واملدعى فيه له شرطان *** حتقق الدعوى مع البيان
وعموما فهذا الرأي الذي انتصر له املشرع أخريا يف مدونة احلقوق
العينية 19قد جاء منسجما مع نظر الفقه اإلسالمي من جهة استصحاب
20
الصفة العقارية .
18أنظر أيضا ما قرره شارحه يف موضع آخر يظهر منه متييزهم قدميا بني ما موضوع دعواه العني وبني
ما موضوعها دين يف الذمة ،قال التسويل رمحه هللا "فتحصل أن املدعى عليه إذا مل خيرج من بلده
فليست الدعوى إال هنالك كان املتنازع فيه هناك أم ال ،وإن خرج من بلده فإما أن يلقاه يف حمل
األول دون الثا ي ،وأما
األصل املتنازع فيه ،أو يكون املال املعني معه أو ال ،فيجيبه ملخاصمته هناك يف ّ
ما يف الذمة فيخاصمه حيثما لقيه" البهجة شرح التحفة.56 / 1 :
19تنص املادة 5من م.ح.ع :األشياء العقارية إما عقارات بطبيعتها أو عقارات ابلتخصيص .خالفا
ملا كان عليه احلال مبقتضى املادة 8من ظهري 19رجب.1333
22
لكن هذا التنبيه ال يلغي الفرق بني طبيعة احلقوق الواقعة على العقار
وتلك الواقعة على املنقول .وبيان ذلك أن احلقوق والتصرفات الواقعة على
العني ال خيلو أن يرد بعضها على العقار حصرا فال ترد على املنقول مطلقا
(كحقوق االرتفاق والكراء الطويل األمد واالستعمال والسكىن والسطحية
كما سنرى) ،أو أن يرد بعضها يف الغالب على العقار وقد يرد استثناء على
املنقول (كالوقف مثال) أو أهنا ترد عليهما معا على حد سواء (كحقوق
امللكية والرهن واالنتفاع) .فيظهر من ذلك أن احلقوق العينية يغلب عليها
الوقوع على العقار ،لذلك فقد أخذت هذه احلقوق وصفها ابلتغليب.21
وهكذا فإن احلقوق العينية إذا أطلقت يقصد هبا احلقوق العينية
العقارية أما احلقوق املرتبطة ابملنقول فإهنا تعترب حقوقا شخصية ،وابلتايل
تسري عليها القواعد العامة ملقتضيات قانون االلتزامات والعقود ابعتبارها من
االلتزامات املتعلقة ابلذمة .
20ولعل من ألصق املشكالت هبذه القضية املثارة ،حتديد طبيعة احلق والدعوى – ابلتبع -يف املنازعات
الناشئة بني الزوجني يف قسمة ما استحق من عقار منا اثناء قيام الزوجية وطبقا ملقتضيات املادة 49من
مدونة األسرة ،برتدد القضاء بني اعتبارها دعوى شخصية ودعوى عقارية ،وهي تردد تضيع به حقوق
املطلقة إذا ما اعتربت دعاوى شخصية ،حبيث يكون استقالل ذمتها املالية عيبا ال ميزة.
21وأنبه أن هذه الصفة هي اليت شوشت على من ذكران خالطا بني املوضوع واحلق املتعلق هبا ،أي
يعل الدعوى العقارية عقارا ابعتبارها عقارا حبسب املوضوع.
23
وهبذا االعتبار فإن احلقوق اليت نظمها املشرع يف مدونة احلقوق العينية
هي احلقوق العينية العقارية (وهو الواضح من تسمية الكتاب الثا ي منها).
:3-2خصوصية احلقوق العينية العقارية
عناصر هذه اخلصوصية :ورود احلقوق العينية العقارية على سبيل
احلصر ،وانقسامها إىل أصلية وتبعية.
-احلقوق العينية واردة على سبيل احلصر
ينبين على التمييز املتقدم للحقوق العينية العقارية من احلقوق املتعلقة
ابألموال املنقولة ،أن هذه األخرية تبقى مطلقة حبيث ميكن ألطرافها إحداث
ما يشاءون من االلتزامات عليها من غري حتجري وال حصر ،شريطة أن تكون
مما يصح فيه التعامل .ولعل لذلك ما جعل ظهري االلتزامات والعقود بقواعده
العامة حمط احلكم عليها والفصل يف منازعاهتا .بينما احلقوق املتعلقة
ابألصول (أي العقار) اتفقت جل التشريعات على جعلها حمصورة معلومة ال
يزاد عليها ،ومنها املشرع املغريب الذي حصر احلقوق العينية بنوعيها األصلية
والتبعية ،فجعلها أربعة عشر حقا ( .)14فيها أحد عشر ( )11حقا عينيا
أصليا وهي حق امللكية وما يتفرع عنه وثالثة ()3حقوق عينية تبعية ،كما
سنرى.
وفلسفة هذا احلصر التميز السابق عند القانونيني بني احلق الشخصى
واحلق العيىن, ،فاحلقوق الشخصية – كما ذكران سلفاً – ال ختضع حلصر وال
24
لعد ،بعلة أن اإلرادة قادرة على إنشاء ما تشاء من التزامات شخصية إال ما
خالف النظام العام أو اآلداب ،وليس ذلك للحقوق العينية .ألن احلق العيين
أثره مطلق فيحتج به على الكافة كما مينح لصاحبه حق التقدم والتتبع ىف
مواجهة اجلميع ،فكان من الالزم حصره يف حقوق حمددة تربط ابلنظام العام
حبيث ال يوز لإلرادة إنشاء حقوق عينية أخرى إال مبقتضى التشريع.
وفكرة احلصر هذه مل تفت فقهاء املذاهب ،وإن كان الغالب عليهم
عدم االلتفات إليها ابلذكر والتنصيص22؛ فمذهب احلنفية رازد املنتصرين
لفكرة احلصر ،إذ يرى احلنفية أن هذه احلقوق إذا مل حتصر ضاعت فازدهتا
على أصحاهبا .وذهب املالكية إىل أن هذه احلقوق غري حمصورة وميكن إنشاء
ما ال حيصر منها.
وقد يبدو هذا اخلالف الفقهي مشوشا على فكرة احلصر مشككا يف
جناعتها ،إال أن التحقيق يف رأي املالكية يعل املتسرع حيجم عن ذلك ،إذ
إهنم قد قيدوا ذلك االطالق بلزوم قياس ما يستحدث من حقوق على
احلقوق العينية املعهودة .فيعود األمر إىل وفاق ,بل إن الرأي املالكي هو
األوفق للتشريعات املعاصرة؛ حبيث لو جعلت احلقوق حمصورة مبا يف الكتب
كما عند احلنفية ،لكانت الشقة واسعة ،والعترب التقنني مقتبسا من غري
أصل ,علما أن مفاد الراي املالكي أن هذا االنشاء للحاكم وليس للعاقدين,
22تستشف معاملها فيما ورد عرضا ،كما يف الشرح الصغري للدردير ،463 /4 :مغين احملتاج- 11/3:
،15الدر املختار ،535/5 :املغين البن قدامة530 /6 :
25
ومن مثرة هذا اإلسناد الفقهي بعد التمحيص أن كثريا من احلقوق العينة مل
تعد كذلك يف املدونة احلقوق مقارنة بظهري 19رجب ،1333كحق اجللسة
واجلزاء مثال.
أنواع احلقوق العينية:
تقسم احلقوق العينية العقارية إىل حقوق أصلية وأخرى تبعية ،وهو
التقسيم املشار إليه مبقتضى املادتني 9و 10من م ح ع .
-احلقوق العينية األصلية :وهي احلقوق القازمة بذاهتا من دون حاجة
إىل غريها ،مبعىن أهنا أنشئت أصالة لتكون سلطة لشخص على شيء،
وتشمل امللكية واحلقوق املتفرعة عنها امللكية وهي حبسب املادة 9من
م.ح.ع :حق امللكية؛ حق االرتفاق والتحمالت العقارية؛ حق االنتفاع؛ حق
العمرى؛ حق االستعمال؛ حق السطحية؛ حق الكراء الطويل األمد؛ حق
احلبس؛ حق الزينة؛ حق اهلواء والتعلية؛ احلقوق العرفية املنشأة بوجه صحيح
قبل دخول مدونة احلقوق العينية حيز التنفيذ.
ويلحظ على هذه املادة أن املشرع قد عمد إىل إلغاء حقي اجللسة
واجلزاء 23من معدود احلقوق العينية ،خاصة يستفيد مبقتضامها املنتفع
ابجللسة على اللذان كان مقررين يف ظهري 19رجب .1333ولعل املشرع قد
23ومها حقان مقران بتأبيد االنتفاع ملكرتي األمالك احلبسية مادام حمافظا صازنا هلا (اجللسة على
الدكاكني واجلزاء على األراضي الفالحية احلبسية أو ما كان يسمى أمالك املخزن) .
26
أحسن صنعا بذلك من جهتني؛ أوال لينسجم استقالل مدونة األوقاف عن
مدونة احلقوق العينية ،اثنيا -وهو األهم -أن هذين احلقني ال أصل هلما من
شرع وال قياس صحيح ،لذلك كانت حمل انتقاد من كثري من الفقهاء .بل
إن اجمليزين إمنا عللوا ذلك مبا جرى به العمل وترجيح القضاء ،وهو ما ينم
عنه قول السجلماسي صاحب العمل الفاسي:
وهكذا اجللسة واجلزاء *** جرى على التبقية القضاء
-احلقوق العينية التبعية :هي احلقوق اليت تكون شخصية يف أصلها
أي التزامات متعلقة ابلذمة ،حبيث ال يتصور وجودها من غري التزام أصلي
ترتكز عليه ،فوجود الرهن املخصص -مثال -لضمان الوفاء مبال حيتاج إىل
إثبات قيام التزام سابق بتأديته .ولقد نظمت هذا احلقوق املادة 10من م ح
ع مؤكدة أن احلق العيين التبعي هو احلق الذي ال يقوم بذاته ،وإمنا يستند يف
قيامه إىل وجود حق شخصي ،ويكون ضماان للوفاء به .واحلقوق العينية
التبعية حبسب املادة هي :االمتيازات؛ الرهن احليازي؛ الرهون الرمسية.
وال خيفى أن الفقه اإلسالمي يعرف الرهن احليازي دون الرهن الرمسي
فاألول يشرتط حيازة املرهون بينما الثا ي يقع الرهن دون خروج املرهون من
يد الراهن .على أن هناك من حاول تقريب هذا الرهن املسطري القانو ي من
حق احلبس املعروف عند الفقهاء ابعتباره حبسا ملال املدين إىل حني الوفاء
ابلتزامه .أما حق االمتياز فإن الفقه اإلسالمي يقر البعض منها وينكر أخرها،
املورث.
فمما يقره حق االمتياز للدازنني وللزوجة من مال ّ
27
وعلى العموم ،فإن لتقسيم احلقوق العينية إىل أصلية وتبعية أمهية تظهر
يف قوة احلقوق األصلية لقيامها بذاهتا من غري حاجة إىل التزام آخر تستند
إليه أو يؤثر يف صحتها وبطالهنا ،بينما احلق التبعي يدور مع االلتزام الذي
يرتكز عليه وجودا وعدما ،فلو كان -مثال -االلتزام األصلي املضمون ابلرهن
ابطال لتبعه لزوما يف ذلك حق الرهن العيين املنشئ عليه .
ولعل أمهية ذلك التقسيم هي ما فرض أن درس كل نوع على حدة،
مقدمني احلقوق العينية األصلية لقوهتا وأصالتها.
28
حق الملكية
الملكية المنفردة والملكية الشائعة وأسباب الملكية
حق امللكية هو احلق العيين األصل؛ وما بقية احلقوق إال مما تفرع منه
أو انتسب إليه بنسب .ولقد أمجعت التشريعات على اختالف مصاردها
(الرابنية أو الوضعية) على تقدميه والعناية أبحكامه؛ لذلك جند كثريا من
الدساتري تعرب عن تعظيمه بعبارة تكاد تتكرر يف جلها وهي "حق امللكية حق
مقدس".
لكن التعبري القرآ ي أواله ذلك االهتمام من جهة االستخالف يف
املال اململوك و ِعظم التكليف به ،ال لقدسية يف ذات احلق .من ذلك قول هللا
ين َآمنُوا َّلل ورسولِِه وأَنِْف ُقوا ِممها جعلَ ُكم مستخلَ ِف ِ ِ ه ِ
ِ ِ ِ
ني فيه فَالذ َ َ َ ْ ُ َْ ْ َ تعاىل ﴿ آمنُوا اب ه َ َ ُ َ
َجٌر َكبِريٌ﴾ 24فاملال مال هللا تعاىل ،وما أبيدي الناس إمنا ِ
مْن ُك ْم َوأَنْـ َف ُقوا َهلُْم أ ْ
اَّلل اله ِذي آَ َات ُك ْم﴾.25
ميلكونه جمازا بدليل قول هللا عز وجل ﴿وآَتُوهم ِمن م ِال هِ
َ ُْ ْ َ
بل إن الدنيا كلها مملّكة للمكلفني استخالفا وابتالء للحديث الصحيح عن
29
أيب سعيد اخلدري عن رسول هللا صلى هللا عليه سلم أنه قال إِ هن ُّ
الدنْـيَا ُح ْل َوةٌ
ف تَـ ْع َملُو َن).26 ِ ِ خِ
ضَرةٌَ ،وإِ هن ه
اَّللَ ُم ْستَ ْخل ُف ُك ْم ف َيها فَـيَـْنظُُر َكْي َ َ
فعلى هذا النظر املختلف يف الشريعة اإلسالمية تفهم أحكام امللكية،
كما أن عليها يبىن النظر إىل أصل امللكية .27فال يستقيم يف الشريعة ،وال هو
مسلم فيها ،ما يعترب قناعة راسخة يف الفقه القانو ي من كون امللكية ابتدأت
مفهوم
ٌ مجاعية شازعة بني الناس مث تطورت لتصري فردية .فهذا التصور القانو ي
سياقُه وهو التمكني ملفهوم الدولة احلديثة بتعزيز مواردها واستقالهلا وجعلها
املانح والضامن للملكية يف شكلها الفردي .بينما الدولة يف املفهوم اإلسالمي
ال متلك ابألصالة ومن مثة فإن من متلك مجاعة أو على الشياع فإمنا
ابالستثناء وال بد له من مدخل فإما ابإلقطاع من احلاكم لِ َما ملك َعنوة
متليكا انقصا أو ابلعقد والوصية والشفعة وما شابه يف امللكية التامة من عموم
األفراد.28
26صحيح االمام مسلم ،كتاب الرقاق ،ابب أكثر أهل اجلنة الفقراء ،رقم احلديث . 5054
27وإهنا ليس ت قضية هامشية أو أن اخلالف بصددها عقيم ،بل ولود جلملة تناقضات وسوء فهم
ملقاصد الفقهاء املتقدمني .فأن يلح الفقهاء على أن اصل امللكية فردي مث تطور ليصري مجاعيا ،فكرة
معاكسة لفلسفة التطور يف بنية التفكري القانو ي ،املتكئ على فلسفة مادية متحجرة يف تفسري التاريخ.
وإن كان – لألسف -كثري من شباب الباحثني االكادمييني يف الفقه االسالمي يتلقفون هذه الفكرة
تلقفا -على األقل -من غري متحيص للفقهاء وال أتكد من التوثيق بنسبتها ،فضال عن ملكة التقدير
لتناقضهم بصددها.
28وعلى كل حال فهذه مسألة يف غاية األمهية لكن نقنع يف هذا املقام مبجرد التنبيه .
30
وإن التصور السالف للملكية لتنم عنه تعريفات الفقهاء ،ولعل من
أدق ما جاء عن أيب الشهاب القرايف املالكي "إ هن املِْلك :إابحة شرعية يف
ني أو ٍ
منفعة ،تقتضي متََ ُّكن صاحبها من االنتفاع بتلك العني أو املنفعة ،أو عٍ
ض عنهما من حيث هي كذلك" ،29وعرفه تقنني جملة األحكام أخذ العِ َو ِ
العدلية احلنفية مبا نصه "امللك ما ملكه اإلنسان سواء كان أعياانً أو منافع
" .30فيتضح أن حق امللكية مينح لصاحبه سلطات متكاملة على حمل احلق،
عقاراً كان أو منقوالً.
وملا كانت عناية املشرع املغريب يف املدونة ابحلقوق العينية الواقعة على
حصر تلك اخلصازص عليه بنص املادة " :14خيول العقار دون املنقول ،فإنه َ
حق امللكية مالك العقار دون غريه سلطة استعماله واستغالله والتصرف فيه،
وأنه ال يقيده يف ذلك إال القانون أو االتفاق".
لكن قبل التعرف على سلطات املالك يلزم التنبيه إىل أن امللكية
املقصودة هي دازما امللكية الفردية املمنوحة لألشخاص ،بشقيها امللكية
الفردية املفردة أو امللكية الفردية على الشيوع .فتخرج بذلك عن نطاق
دراستنا امللكية العامة للدولة أبمالكها العامة أو اخلاصة ،فهذه هلا موضعها
ىف القانون اإلدارى خاصة .اللهم إذا فقدت هذه األموال صفتها العامة ابنتهاء
ختصيصها للمنفعة العامة ،فإهنا تعود لتنطبق عليها هذه القواعد ،سواء حصل
31
ذلك مبقتضى تشريع خاص يفيد انتهاء الغرض الذي من أجله خصصت
تلك األموال للمنفعة العامة أو مبقتضى واقعة كتغيري هنر جملراه فتعود األراضي
اليت احنسر عنها إىل صفة قبوهلا متلكها ملكية فردية.
سلطات املالك:
إن حق امللكية هو أقوى احلقوق العينية وأوسعها نطاقاً حيث يعطي
للمالك وحده كل السلطات املمكنة على احلق وهي:
-1سلطة االستعمال :وهي سلطة القيام أبعمال مادية للحصول
على منافع الشيء اليت تسمح هبا طبيعته ،وميتد هذا احلق للمالك ألن
يستعمل الشيء كيفما شاء حىت لو يف غري املعتاد شرط أال يتعسف يف
استعمال الشيء مبا يلحق الضرر ابلغري .كما حيق للمالك له ابملقابل دون
غريه أال يستعمل الشيء إن أراد دون أن يرتتب على ذلك سقوط حقه عليه.
كما له أن يتنازل عن سلطة االستعمال لشخص آخر حينها يكون قد انتقل
املالك إىل سلطة االستغالل .
-2سلطة االستغالل :وهو سلطة القيام ابألعمال الالزمة للحصول
على غلة الشيء دون املساس أبصله أي االنتفاع به بطريق غري مباشر
ابحلصول على مثاره ،.ومتتد هذه السلطة جلميع ما يشمله حق امللكية من
عناصره اجلوهرية مع العلو والعمق كما يشمل ملحقاته اليت يفرق الفقه
بصددها بني الثمار واملنتجات مبا فيها الثمار واملنتجات.
32
أ -الثمار :هي ما ينتج دورايً دون االنتقاص من أصل الشيء وهى إما
طبيعية أو صناعية مستحدثة أو مدنية .
-الثمار الطبيعية :هي اليت تنتج دون تدخل من اإلنسان ،وهي اليت
تتولد عن الشيء يف مواعيد دورية اثبتة دون تدخل من اإلنسان كالكأل ونتاج
احليوان..
-الثمار الصناعية :فهي الىت يتدخل اإلنسان يف زراعتها وتعهدها
ابلرعاية حىت موسم اجلين واحلصاد ،كزراعة احملاصيل املومسية املختلفة أو
أشجار الفاكهة املتنوعة.
-الثمار املدنية :هي ما يغله الشيء من دخل اثبت نتيجة استغالله،
كتأجري املنازل وأرابح األسهم.
ب -املنتجات :ما ينتقص اقتطاعها من أصل الشيء دون أن
ينتجها يف مواعيد دورية كما يف املقالع واملناجم وأشجار الغاابت املعدة
للقطع .وخبالف الثمار ،فإن الغالب يف احملاصيل أن تكون غري متجددة
لنفوقها ابالستهالك ،كما يغلب لذلك على العالقة بني مالك املنتجات
والعاقد الثا ي أحكام عقد البيع ال أحكام اإليار الذي ال يرد إال على
األشياء غري القابلة لالستهالك .
33
- 3سلطة التصرف :وهي سلطة إخراج الشيء من الذمة هنازيا سواء
كان بعوض أو بدونه .هذه السلطة خالصة للمالك دون غريه من ذوي
احلقوق ،بل هي ما مييز حق امللكية عن غريه من احلقوق العينية األصلية.
فمقتضاها حيق للمالك التصرف فيما ميلك بكل أوجه التصرف مادام
كامل األهلية غري حمجور عليه ألى من موانع األهلية ،كما تنفذ تلك
التصرفات من بيع أو هبة أو وصية ىف حق اجلميع وأوهلم الورثة ،ما مل تكن ىف
مرض املوت أو يف وصية أبكثر من الثلث.
والتصرف يف الشيء يكون إما مبقتضى عقد (إبرادة واحدة كما يف
التربع أو إبرادتني كما يف املعاوضة) ينجم عنه خروج ملكية الشيء هنازياً من
ذمة املالك أو مبقتضى تصرف مادي حمض ينتج عنه إهالك الشيء مبا
تقتضيه طبيعته كذبح احليوان اململوك احليواانت واستهالك األطعمة.
-خصائص حق امللكية:
إن اجتماع السلطات الثالث يف يد املالك خص حق امللكية بثالث
خصازص عامة:
-حق جامع :ألنه خيول املالك مجيع السلطات اليت من شأهنا أن
متكنه من احلصول على مزااي الشيء حمل احلق ،فهو لذلك حق مطلق ميكن
االحتجاج به يف مواجهة الكافة .ويرتتب على ذلك ما يلي:
34
-إن احلقوق املتفرعة عن حق امللكية كحق االنتفاع والسكىن تكون
مؤقتة ال دازمة. .
-إن القيود الواردة على امللكية استثناء ال أصل.
-حق مانع :معناه أن امللكية قاصرة على املالك فال يوز للغري
االنتفاع ابلشيء أو استعماله إال إبذنه ورضاه ،دون أن يعين ذلك امتناع
تعدد مالك الشيء الواحد فيما يعرف ابمللكية الشازعة .كما يعين أيضا أن
احلق ال يسقط أبداً لعدم االستعمال فرتًة من الزمن طالت تلك الفرتة أم
قصرت ،خبالف احلقوق العينية األخرى املتفرعة .
-حق مؤبد :يعىن أتبيد امللكية أنه احلق العيىن الوحيد الذى ال يسقط
أبداً بعدم االستعمال؛ فيبقى مادام حمله ابقياً وال يسقط ابلتقادم وال يزول
بعدم االستعمال فكل احلقوق املتفرعة عنه تسقط مبجرد عدم إستعماهلا فرتة
معينة.
نطاق امللكية:
يعرب الفقهاء عن النطاق ابألموال القابلة للتملك .ويقصد هبا التقنني
املعاصر متلك عناصر الشيء اجلوهرية وما امتدت إليه يف جهاته الثالثة:31
وما تفرع عنها سطحا؛ وما امتد إليه عمقا؛ وما امتد إليه علوا .فملكية أرض
31تنص املادة 16من م.ح.ع على" :مالك العقار ميلك كل ملحقاته وما يدره من مثار أو منتجات
وما يضم إليه أو يدمج فيه اباللتصاق".
35
وتوابعه كما متتد إىل الفضاء الذى – مثال -تشمل مثار الشيء وحملقاته
يعلو املكان والعمق الالزم للتمتع مبزااي األرض أو املبىن.
عناصر الشيء اجلوهرية:
يدخل ضمن نطاق الشيء اململوك ابلضرورة ما يعد من عناصره
يكون ماهية الشيء ووجوده مما ال ميكن االستغناء
اجلوهرية ،ويقصد هبا ما ّ
عنه ،حبيث لوالها يفىن الشيء أو يتلف أو يتحول إىل شيء آخر .فالضيعة
الفالحية – مثال -يعد ما ال ميكن فيعد من عناصرها اجلوهرية الىت ال ميكن
اإلستغناء عنها مصادر الرى واملياة وآالت الرى وأشجار الزراعة وحظازر
املاشية وخمازن السماد واحلبوب وأدوات الزراعة املختلفة .وبغري هذه العناصر
تتحول املزرعة ألرض بوار ال خري فيها ,وميكن إعدادها للبناء إن جاز القانون
ذلك ,أو تركها على حاهلا حىت تعود هلا احلياة.
نطاق امللكية من جهة التفرعات:
يقصد هبا ما تقدم يف معىن سلطة االستغالل اليت متتد إىل مثار الشيء
أبنواعها الثالثة وإىل منتجاته ،كما قد متتد إىل كل ما يتواجد على الشيء مما
ال مالك له ومن ذلك ما نصت عليه املادة 17من م ح ع بقوهلا " حيق
ملالك األرض قنص ما هبا من الوحيش على أن يراعي يف ممارسته هلذا احلق
الضوابط اليت يفرضها القانون" .دون أن مينع ذلك االستثناءات اليت قد ترد
على متلك تلك التفرعات ،كما يف احلالة اليت تتساقط فيها الثمار طبيعيا من
36
أغصان األشجار اليت تتجاوز علو أرض اجلار ،فإهنا تعود ملن سقطت على
أرضه ال ملن تفرعت عن ملكه.
لكن يضاف إىل تلك السلطة يف نطاق ملكية الفروع ما التصق
ابلشيء واحتد به ،سواء كان ذلك االلتصاق طبيعيا أو صناعيا كما سيأيت
تفصيله يف ابب أسباب كسب امللكية .وليس من تلك التفرعات حقوق
االرتفاق -كما سنرى يف موضعه أيضا -ألهنا ليست ملكية اتمة عند
الفقهاء وال عند القانونيني ،على اختالف بينهما يف التكييف.
نطاق ملكية العلو:
متتد ملكية العلو ىف األرض للطبقات اهلوازية العليا إىل احلد الذى ميكن
أن يصل إليه االنتفاع املرخص لألرض؛ فمالك األرض له حق االرتفاع مببناه
إىل احلد املسموح به والعلو مبا يساوى مساحة أرضه ،كذلك ابلنسبة ألشجار
املزرعة فتنمو وتعلو ومتتد لكل الفضاء الذى يعلو ويوازى املزرعة متاماً .ومن
نطاق هذا العلو أن مينع املالك الغري من التجاوز عليه إال إبذنه ،كما لو
جتاوزه جاره أبغصان أشجاره أو ببناء حاجب فله بسبب نطاق العلو أن
يرغمه على قطع األغصان أو هدم البناء املمتد على علوه .بل إن من ذلك
النطاق أن يفصل املالك علو الشيء اململوك عن أصله وجوهره ابلتفويت أو
االستغالل كأن يبيع العلو أو يسمح إبنشاء حق السطحية إبرادته.
لكن ذلك ال مينع أن يقيد نطاق العلو ،وذلك من طريقني األوىل
اشرتاط أن ميارس ذلك احلق دون تعسف ىف االستعمال احلق ،والثانية
37
ممارسته مع مراعاة مقتضيات التشريعات اخلاصة ابلقوانني املنظمة للمالحة
اجلوية وخطوط اهلاتف والكهرابء وكذا مراعاة قيود اجلوار من جهة العلو سواء
يف الزراعة أو البناء.
نطاق ملكية العمق:
متتد ملكية الشيء للعمق الالزم للتمتع به واالستفادة منه حبسب
الغرض املخصصة له ،فيمتد العمق يف األرض الزراعية إىل احلد الالزم لنمو
النبااتت واألشجار ولألعماق الالزمة الستخراج املياه اجلوفية ،كما ميتد يف
البناايت الشاهقة إىل احلد الالزم لوضع األساسات احلاملة للمبىن ،مبا فيها
املخابئ واملخازن املياه وغريها.
ومن مشموالت هذا النطاق أحقية املالك يف استغالل العمق من
استخراج األتربة و االنتفاع مبقالعه استعماال واستغالال .لكن ذلك كله ال
مينع من تقييد هذا احلق كغريه بقيدين :األول أن يستعمل دون تعسف وال
إضرار ابلغري فال حيفر أسفل ملكه مبا يضر أبساسات جريانه أو أبساسات
البناية اليت يسكنها إن كان العلو ملالك آخر حيق ملن ملالك بناية أو شقة أن
حا يعد ذلك تعسفاً منه .والثا ي أن حيد منه التشريع كالقيود القانونية اخلاصة
ابلنفيس مما حتت األرض كاملعادن واآلاثر والكنوز ،دون املقالع اليت حيق
متلكها لكوهنا منتجا ال عمقا .لذلك نشري بعجالة إىل حكم املعادن والكنز.
38
-املعادن :لقد املسألة حمل خالف بني الفقهاء؛ إذ يرى احلنفية أن
وجود املعادن ال نفيسة صلبة كانت أم مازعة ال حيد من ملكية املالك لعمق
الشيء ،بينما يرى املالكية يف أشهر أقواهلم أن املعادن الكامنة ىف ابطن
األرض ليست ملكاً لصاحب األرض ،بل هي ملك للمسلمني عامة. 32
ولقد اختارت جل التشريعات اختيار املالكية -ومنها مدونة احلقوق العينية
املغربية حبسب القيد الوارد يف املادة -19التساق ذاك الرأي وفلسفات
التقنني املعاصر مع اختالف يف العلة ألن املالكية ال ينسبون ملكية املعادن
للدولة بل لعامة املسلمني واحلاكم وكيل فيها ال غري ،وال خيفى ما يف ذلك
من املخالفة ملنطق التقنني الذي يعل الدولة شخصا اعتباراي مستقلة عن
مواطنيها.
32اختلف الفقهاء يف حكم ملكية املعادن فقال احلنفية :إذا ٌوجد معدن ذهب أو فضة أو حديد ..
يف أرض خراج أو ٌعشر أٌخذ منه اخلمس وابقيه لواجده وكذا إذا وجد يف الصحراء اليت ليست بعشرية
وال خراجية .وأما املازع كالقري والنفط وما ليس مبنطبع وال مازع كالنورة واجلص واجلواهر فال شيء فيها
وكلها لواجدها .
وذهب املالكي ة يف قول إىل أن املعادن أمرها لإلمام يتصرف فيها مبا يرى أنه املصلحة وليست بتبع
لألرض اليت هي فيها ،..ولإلمام أن يقطعها ملن يعمل فيها بوجه االجتهاد حياة املقطع له أو مدة ما
من الزمان من غري أن ميلك أصلها ،وأيخذ منها الزكاة على كل حال .
وقال الشافعية :املعدن الظاهر ال ميلك ابإلحياء وال يثبت فيه اختصاص بتحجر وال إقطاع.
وقال احلنابلة :إن املعادن اجلامدة متلك مبلك األرض اليت هي فيها ،ألهنا جزء من أجزاء األرض فهي
كالرتاب واألحجار الثابتة.
(تنظر أقوال املذاهب يف :رد احملتار على الدر املختار .46 / 2:حاشية الدسوقي على الشرح الكبري /1
. 487املغين البن قدامة)36-30 /3 :
39
-الكنز :من الفقهاء من َمييز الركاز من الكنز ابعتبار األول مما دفن
يف اجلاهلية والثا ي مما دفن بعدها ،ومنهم من يعل الركاز امسا للمدفون الذي
ال مالك له على أصل الوضع لغة وال يطلق على الكنز الذي يعلم صاحبه
همهَا َويَ ْستَ ْخ ِر َجا ك أَ ْن يـَْبـلُغَا أ ُ
َشد ُ إال جمازا ،مستدلني بقوله تعاىل (فَأ ََر َاد َربُّ َ
ك) 33فلما نسب الكنز للغالمني أفاد العلم أبصحابه. َكْنـَزُمهَا َر ْمحَةً ِم ْن َربِّ َ
وعليه قرروا أن الكن ملالكه الذى خبأه إن استطاع اإلثبات ،وإال فلصاحب
األرض اليت وجد فيها أو ملالك الرقبة إن توزعت امللكية بني مالك رقبة
وصاحب منفعة ،فإن كانت األرض موقوفة فيكون الكنز ملكاً للواقف أو
لورثته ،وليس جلهة الوقف.
وأما اختيار التقنني املعاصر فهو ضمها إىل أمالك الدولة وفق مساطر
خاصة أو اإلذن لواجدها بتملكها وفق مساطر وآجال خاصة حبسب أمهية
ما وجد .ولقد عدل املشرع املغريب عن ذلك يف مدونة احلقوق العينية ليوافق
أحكام الفقه اإلسالمي حني اقتضت املادة 18أن " الكنز الذي يعثر عليه
يف عقار معني يكون ملكا لصاحبه وعليه اخلمس للدولة ".
فهذا عموما نطاق امللكية من جهاته الثالث ،ومنها وقفنا على بعض
القيود اليت ترد بصددها مما استوجب احلديث عن القيود العامة الواردة على
امللكية.
40
القيود على حق امللكية:
األصل يف امللكية أهنا حق حممي ال تنزع إال للمنفعة العامة ،أو
ملصلحة أعلى من مصلحة املالك .وعن هذين االستثناءين تتفرع القيود
الواردة على امللكية؛ فهي إما قيود مبقتضى التشريع أو ابالتفاق أي قيود
تكون ابختيار املالك أو يرب عليها .
وقبل اإلشارة إىل أنواع القيود نذكر أن القيد قد يرد على املالك
نفسه ،ومن ذلك أن تضع بعض التشريعات قيودا على متلك األجانب
للعقارات على أراضيها أو تفرض شروطا خاصا لتفويت بعض العقارات
كاشرتاط اخلربة يف عمليات اخلصصة مثال.
أ -القيود على امللكية مبقتضى التشريع
القيود التشريعية قد تكون مقررة ملصلحة عامة أو مقررة ملصلحة
خاصة جديرة ابالعتبار وهى دازماً ما تكون بني العقارات املتجاورة منعا
للضرر أو على األقل التقليل من
املضايقات الناشئة بني املالك بسبب اجلوار .
-القيود التشريعية املقررة للمصلحة العامة:
قد تتقرر هذه القيود على مبدأ احلق يف التملك من أساسه ،كما رأينا
من منع بعض التشريعات متلك األجانب لألراضي الفالحية .لكن الغالب
41
عليها أن تتقرر القيود على حق امللكية بعد توافره ،كنزع امللكية للمنفعة العامة
أو احلرمان من االستغالل لالحتالل املؤقت .
-نزع امللكية للمنفعة العامة:القاعدة الفقهية املعتمدة يف هذا التقييد
هو تقدمي املصلحة العامة على املصلحة اخلاصة إذا تعارضتا ،وهو مبدأ كو ي
يف مجيع التشريعات .لكن الشرط يف هذا القيد أن ميارس بال شطط ،لذلك
تقرر مجيع التشريعات من حيث املبدأ أن نزع امللكية للمصلحة العامة
يستوجب التعويض العادل ملالءة ذمة النازع .
ومل حيذ املشرع املغريب يف مدونة احلقوق العينية عن هذا االجتاه ملا قرر
يف املادة " :23ال حيرم أحد من ملكه إال يف األحوال اليت يقررها القانون .وال
تنزع ملكية أحد إال ألجل املنفعة العامة ووفق اإلجراءات اليت ينص عليها
.34
القانون ،ومقابل تعويض مناسب"
لكن مما يعاب على هذا التقرير الذي حييل على قانون آخر هو عدم
التعبري بصدد التعويض مبا توافقت عليه التشريعات من عبارة "تعويض
عادل" ،فاختيار عبارة التعويض املناسب يبقي أفضلية أشخاص القانون
العام ،وهو أمر ختلت عنه كثري من الدول املتقدمة ابعتبار الدولة مليئةٌ ذمتُها
غري مفتقرة فال حتتاج إىل محاية أو ميز قانونيا.
-34القانون رقم 7.81املتعلق بنزع امللكية ألجل املنفعة العامة وابالحتالل املؤقت؛ اجلريدة الرمسية عدد
3685بتاريخ 3رمضان 15( 1403يونيه ،)1983ص 980؛ كما مت تغيريه وتتميمه.
42
-االحتالل املؤقت واحلرمان من االستغالل :قد تعمد الدولة إىل
حرمان املالك من استغالل ملكه دون نية نزعه -على األقل يف مرحلة
أوىل ،-ويكون ذلك لطبيعة النشاط الذي تزمع القيام به يف أحوال طارزة أو
مستعجلة؛ كأن ٌأيمر ابالحتالل املؤقت على العقارات الالزمة إلجراء أعمال
الرتميم أو الوقاية أو غريها لقطع جسر أو تفشى وابء .وقد تلج اجلهات
للحرمان لعدم توافر املوارد املالية الكافية نزع امللكية أو لتعقيدات قد تطول
فيضيع بطوهلا العقار من يدها بتفويت أو تغيري أو تشييد .ويشرتط يف
االحتالل أن يكون مؤقتا أبن ينتهي يف أجل حمدد غالبا ما جتعله التشريعات
ثالث سنوات أو ابنتهاء الغرض ،فإذا دعت الضرورة مد املدة احملددة وتعذر
االتفاق مع ذوى احلقوق حينها يلزم اجلهةَ املانعة مباشرةُ إجراءات نزع امللكية
.وجتدر اإلشارة أن تقدير التعويض عن احلرمان يتم وفقا للقانون 7.81اآلنف
الذكر ،وملقتضيات املادة الثامنة من قانون 90/41احملددة الختصاص احملاكم
يف البت يف النزاعات املتعلقة ابلعقود اإلدارية والتعويض عن األضرار الناشئة
عن أعمال وأنشطة أشخاص القانون العام.
-القيود املقررة للمصلحة اخلاصة
جتتمع هذه القيود يف التزامات اجلوار؛ فهي من احلقوق املشددة يف
اَّللَ
(و ْاعبُ ُدوا ه
الفقه اإلسالمي ،لشدة الوصية هبا يف األصلني كما يف هللا تعاىل َ
اان وبِ ِذي الْ ُقرَ َٰب والْيَـتَ َام ٰى والْمساكِ ِ ِ ِ ِ ِِ
ني َ ََ ْ َ َوَال تُ ْش ِرُكوا به َشْيـئًا َوابلْ َوال َديْ ِن إ ْح َس ً َ
تنب َوابْ ِن ال هسبِ ِيل َوَما َملَ َك ْب ِاب ْجلَ ِ صِ
اح ِ ب َوال هاجلُنُ ِ
اجلَا ِر ْ اجلَا ِر ِذي الْ ُق ْرَ َٰب َو ْ
َو ْ
43
ورا) 35وللحديث الصحيح املشهور اَّللَ َال ُِحي ُّ
ب َمن َكا َن خمُْتَ ًاال فَ ُخ ً أَْميَانُ ُك ْم إِ هن ه
عن عازشة رضي هللا عنها عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال( :ما زال جربيل
يوصيين ابجلار حىت ظننت أنه سيورثه).36
وحيرص التقنني املعاصر بدوره على حفظ هذه احلقوق ابلعمل على
إهناء أو تقليل أسباب النزاع بني احلقوق املتجاورة ،فنص على جمموعة من
القيود القانونية احململ هبا حق امللكية لصاحل امللكيات األخرى املتجاورة،
وذلك بشكل عام وعلى مجيع امللكيات .ويف هذا وردت املادة 21من م ح
ع منبهة أنه "ال يسوغ ملالك العقار أن يستعمله استعماال مضرا جباره ضررا
بليغا ،والضرر البليغ يزال" .ويالحظ أن التقنني يؤخذ بنظرية خمصوصة يف
حقوق اجلوار وهي " نظرية الضرر البليغ" ويسمى عند البعض ابلضرر غري
املألوف متييزا من الضرر املعتاد الذي ال ميكن تالفيه .وسنشري مرة أخرى
على هذه القضااي إشارة عجلى.
-أضرار اجلوار غري املألوفة :ملا كانت طبيعة الضرر من أصعب شيء
حيدد الختالف الناس يف تصوره ،فإن القاعدة أن أال يغلو املالك يف استعمال
حقه إىل حد يضر مبلك اجلار .وابملقابل ليس للجار أن يرجع على جاره يف
مضار اجلوار املألوفة الىت ال ميكن تالفيها إال إذا جتاوزت احلد املألوف ،فرياعى
44
يف ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منها ابلنسبة لآلخر والغرض
الذي خصصت له ،فإذا ما احتفت كل هذه القرازن منع املالك من اإلضرار
ولو حصل على ترخيص مسبق صادر عن السلطات املختصة.
-قيود املطالت :هي من األحكام املعلومة يف الفقه االسالمي وقد
كان يقع التمييز بني املطالت واملناور ،أما يف مدونة احلقوق العينية فلم
تفصل يف هذه الفروع لعموم املادة 21يف إزالة كل أنواع الضرر ،وإن أشار
إىل تلك القيود بشكل عام يف حقوق اجلوار اخلاصة ابحلازط املشرتك يف املادة
. 30ومع ذلك فال أبس من إشارة مقتضبة إىل الفرق وبعض األحكام يف
الفرق بني املناور واملطالت.
فاملناور هي" ما يقصد هبا نفاذ اهلواء والنور بعلو قاعدهتا عن قامة
اإلنسان املعتادة دون السماح ابإلطالل منها على العقار اجملاور" .ومبفهوم
املخالفة فإن املطل" ما يقصد بفتحه وإنشازه نفاذ اهلواء والنور واإلطالل على
العقار اجملاور وتكون قاعدته ىف مستوى قامة اإلنسان املعتادة".
وفازدة التمييز أن ما ابلدار من فتحات يسمى مطالً وختضع حلكمه
من عدم جواز الفتح إال إن ثبت أهنا تعلو معتاد القامة فتعترب منوراً جاززا.
كما أن املطل حتكمه أحكام املسافة املقررة خبالف املنور الذي ال يشرتط فيه
هذا الشرط 7.
45
ب -القيود االتفاقية على حق امللكية:
قد تدعو احلاجةُ املتعاقدين أثناء ممارسة حقوق التصرف من نقل
ملكية أو تفويت منفعة إىل االتفاق على تضمني العقود تقضى مبنع احلازز
اجلديد من التصرف لفرتة قد تطول أو تقصر .وقد يثار هبذا الصدد اعرتاض
بكون غل سلطة األفراد يف التصرف ىف ملكياهتم مناقض خلصازص حق
امللكية من كونه حقا جامع مانعا مؤبدا بسلطاته الثالث :االستعمال
واالستغالل والتصرف.
لذلك فإن الفقه والتقنني فتحا ابب االستثناء ب َق َدر ،ويف حدود ضيقة
وبشروط معينة خاصة من جهة التأقيت وحتقيق املصاحل املشروعة.
وهكذا ،فعدا الشرط البدهي املعروف من عدم مساس االتفاق جلوهر
حق امللكية مبخالفة النظام العام ،فإن صحة تلك االتفاقات مشروط بشرطني
أساسني:
-أن تكون االتفاقات مؤقتة ومشروعة.
-أن ال تشمل كل سلطات املالك.
فيحق-مثال -بيع عقار مع اشرتاط شرط يف العقد يقضي بعدم متكني
املالك اجلديد من االنتفاع مبلكه إال بعدم مرور أجل سنة ،فإذا كان الشرط
غري حمدد بطل الشرط بطالن مطلقا.
46
ويلزم التنبيه بعد هذه االمجال يف أنواع القيود إىل كون االطمئنان اىل
متييزها عما يعرتي احلقوق مايزال بعيدا ،فقلما مييز املتخصصون القيود الوارد
على امللكية عن التحمالت اليت تعرتيها وعن االتفاقات بل وعن امللك
الناقص وهو تعبري الفقهاء عن ابقي العينية االصلية غري امللكية التامة.
47
امللكية ابالشرتاك:
أشران بصدد امللكية الفردية أن ورودها قد يكون على االنفراد أو على
االشرتاك دون أن يلحقها ذلك أبمالك الدولة وال أبمالك اجلماعات.
وللسبب نفسه جند مقنن مدونة احلقوق العينية قد جعل االشرتاك من أنواع
امللكية ووضع حتتها ثالثة فروع :الشياع واحلازط املشرتك والطريق اخلاص
املشرتك.
يالحظ أن املشرع قد أخرج من نطاق املراد ابمللكية املشرتكة يف
احلقوق العينية ملكية الشقق ابعتبارها خاضعة لقانون خاص هو قانون
18.00املتعلق ابمللكية املشرتكة للعقارات املبنية ،حبيث مل تعد تشمل األحكام
العامة لالشرتاك يف م ح ع إال تلك املتعلقة ابلعقارات غري املبنية .ويالحظ
أيضا خروج امللك العازلي من مقتضيات أحكام االشرتاك بسبب إلغازه. 37
وبناء على ذلك فلن نُعىن بغري الفروع الثالثة املقررة ،على أن نقدم -
خالفا للمعتاد -أحكام احلازط املشرتك واملمر املشرتك لقلة مقتضياهتما
وعدم تشعبهما ونؤخر امللكية الشازعة حلاجتنا إىل تفصي ما ينقضي به.
37مبقتضى ظهري شريف رقم 1.95.131صادر يف 19من صفر 18( 1416يوليو )1995بتنفيذ القانون
رقم 21.95إبلغاء الظهري الشريف الصادر يف 22من مجادى األوىل 7( 1372فرباير )1953بشأن امللك
العازلي.
48
لكن قبل ذلك نقيم الفروق التالية:
-تعىن امللكية اجلماعية ملكية جمموعة من األشخاص ىف شكل قبيلة
أو عشرية ماال ملكية مجاعية هلم على السواء ،ويعترب الفقه اإلسالمي هذه
امللكية انقصة ابعتبارها ملكية منفعة ألن مصدر التملك اجلماعي حمدودة يف
اإلقطاع أما القانون فيصر على أهنا ملكية مجاعية امتدت من عصور قدمية
وأجلى مثال هلا يف التشريع املغريب ما يطلق عليه" أراضي اجلماعات الساللية
" .واملهم من جهة األحكام أن امللكية تسند للجماعة ال لشخص معني فيها،
وأن صالحيات رزيس اجلماعة املالكة مفوض لتنظيم االنتفاع ال غري ،فيمتنع
على هؤالء الشركاء تفويت احلق تفويت متليك ولو وقع فرز حقوق االنتفاع.
-امللكية املشرتكة مبعناها اخلاصة سواء يف العقارات املبنية مبقتضى
قانون 18.00أو مبقتضى م ح ع يف احلازط واملمر املشرتكني أو حىت يف
توزيع سلطات امللكية بني أكثر من شخص ,كما يف احتفاظ املالك مبلكية
الرقبة مع منح شخص آخر حق االنتفاع بسلطتيه االستعمال واالستغالل
فإن امللكية يف هذه األحوال تكون مفرزة يف بعض األجزاء ومشرتكة يف
بعضها اآلخر ،لكن يبقى الشركاء يف املشرتك جمربين على البقاء يف الشياع
جربا .
-امللكية الشازعة يكون حملها حصة معنوية و الشيء ليس إال حمال
جملموع حقوق املالك املشاعني ،فامللكية الشازعة وسط بني امللكية املفرزة
وامللكية املشرتكة .وبذلك فإن امللكية على الشياع ملكية يف الكل ويف اجلزء
49
فيكون كل شريك مالكاً لكل السلطات على كل ذرة من أجزاء الشيء
الشازع ،و ذلك بقدر حصته يف املال ،ولآلخرين مثله متاماً يف حدود
حصصهم وأنصبتهم .لكن أهم ما مييز هذه امللكية عن غريها أن أصحاهبا ال
يربون على البقاء يف الشياع .
وبسبب هذا الفرق الكبري نقسم أحكام االشرتاك على فرعني فقط:
فرع الشيوع االجباري؛ وفرع الشيوع ابالختيار الذي هو امللكية على الشياع
حتقيقا.
-1الشيوع اإلجباري:
القاعدة األساسية اليت متيز الشيوع اإلجباري (وحندده هنا يف احلازط
واملمر املشرتكني) هي عدم جواز التصرف تصرفاً يضر ابلشركاء أو يتعارض
مع الغرض الذي خصص له هذا الشيء مبا يف ذلك عدم طلب قسمته .كما
أن الشركاء ال يتحملون يف الشيء املشرتك نفقاته على قدر حصصهم كما يف
الشياع بل على أساس قيمة ما ميلكونه من ملكيات مفرزة ،واليت أعد الشيء
الشازع خلدمتها .
– أحكام احلائط املشرتك:
احلازط الفاصل بني عقارين قد يكون مشرتكاً وقد ملكية خالصة
لصاحب أحد العقارين .حبيث تنشأ أسباب االشرتاك إبقامته من اجلارين
اتفاقا أو أبن يقيمه أحدمها أوال مث يشاركه فيه األخر الحقا .
50
ع املغريب احلاز َط املشرتك مبا كان بني بنازني كما تشرتط
ومل خيص املشر ُ
ببعض التشريعات ،بل جعلها مطلقة بعبارة "بني عقارين" ،38فيستوي
لذلك أن يكون االشرت ُاك يف احلازط بني بناءين أو بني أرضني.
وتتلخص جممل أحكام هذا االشرتاك يف التايل:
-لكل من الشريكني يف احلازط املشرتك أن يضع عليه خشاابً أو
غريها بقدر ما لشريكه بشرط أال ياوز كل منهما ما يتحمله احلازط وليس
ألحد منهما أن يزيد يف ذلك بدون أذن األخر وإذا مل يعد احلازط املشرتك
صاحلاً للغرض الذي خصص له عادة فنفقة إصالحه أو جتديده على
الشريكني مناصفة .
-ال حيق للشريك التصرف يف احلازط إبقامة بناء أو منشآت عليه إال
مبوافقة شريكه ،لكنه ال حيتاج تلك املوافقة يف حالة الرغبة يف تعلية احلازط
املشرتك ،شريطة أن يثبت جدية وجدوى تلك التعلية ،وأن يتحمل وحده
نفقات التعلية وصيانة اجلزء املعلى ،وأن يقوم قام بكل ذلك دون اإلضرار
ابجلار وال مبتانة احلازط املشرتك.
-فإذا مل يكن احلازط املشرتك صاحلا لتحمل التعلية فعلى من يرغب
فيها من الشركاء أن يعيد بناءه كله على نفقته وحده بشرط أن تقع زايدة
38املادة 28من م.ح.ع "احلازط الفاصل بني عقارين يعد مشرتكا بينهما إىل هناية خط االشرتاك ما مل
يقم الدليل على خالف ذلك".
51
مسكه يف أرضه ،ويظل احلازط اجملدد يف غري اجلزء املعلى مشرتكا دون أن
يكون ملن أحدث التعلية أي حق يف التعويض.
-ال يرب اجلار على التنازل عن حصته يف احلازط املشرتك أو األرض
اليت أقيم عليها .وابملقابل ميكن للجار يف حالة التعلية اليت مل يساهم يف
نفقاهتا أن يصبح شريكا يف اجلزء املعلى إذا دفع نصيبه يف نفقات التعلية ويف
قيمة األرض اليت تقع عليها زايدة السمك.
– أحكام الطريق اخلاص املشرتك:
يقصد ابلطريق اخلاص املشرتك "الطريق الذي يكون ملكاً ألصحابه
الشركاء فيه وخيصص خلدمة العقارات اليت تقع عليه" وال يشرتط يف هذه
الطريق أن تكون مغلقة .فال يطلق على الزقاق حصرا ،ألن العربة ليست
ابالحنباس عن الطريق العام ،وإمنا خبدمة هذا الزقاق للعقارات اليت تقع عليه.
وهذا التوسيع يفهم من مقتضيات املادة 32من م ع .39وعلى ذلك ترتتب
األحكام التالية:
-ال يوز للشركاء يف الطريق املشرتك أن يطلبوا قسمته وال أن يتفقوا
على تفويته مستقال وليس هلم أن يسدوا مدخله ما مل يقع االستغناء عنه.
ث 39املادة " 32الطريق اخلاص املشرتك ملك مشاع بني من هلم حق املرور فيه ،وال يوز ألحدهم أن
حيدث فيه شيئا ،سواء كان مضرا أو غري مضر ،إال إبذن من ابقي شركازه"
52
-الطريق اخلاص ملك ألصحابه فال يوز لغريهم التصرف فيه بغري
أذهنم وعليه ال يكون لغري الشركاء حق املرور إال يف حاالت الضرورة مثل
حاالت االزدحام فيكون للغري حق املرور فيه من غري منع .
-ألصحاب الطريق أن يفتحوا إليه من األبواب ما شاءوا ،فإذا سد
احدهم اببه الذي له عليه وفتح مثال ابابً على الطريق العام فإن حقه يف
األول ال يسقط بعدم االستعمال ،وهله وخللفه العام واخلاص ولو طالت املدة
.
-املصاريف الضرورية إلصالح وتعمري الطريق املشرتك يتحملها
الشركاء فيه كل منهم بنسبة حصته فيه .لكن إذا ذا رفض أحد الشركاء
املسامهة يف هذه املصاريف جاز لباقي الشركاء القيام إبصالح الطريق
ومطالبته قضاء أبداء منابه.
-2امللكية الشائعة:
يراد ابلشياع تعدد املالك لشيء واحد دون أن يكون ألي منهم
نصيب مفرز ،إذ أن احلصة اليت ميلكها الشريك يف الشياع تقع على الشيء
كله وإن كانت تقتصر يف الوقت نفسه على نسبة معينة حمددة فيه حبسب
سبب نشوء الشيوع؛ فإما ابلتساوي على األصل كما لو اشرتك عاقدان يف
شراء عني أو يف أحوال الوصية ابملنفعة ملتعدد ،وإما مبقدار حصة كل واحد
كما يف اإلرث مثال .
53
ويكيف الفقهاء رمحهم هللا تعاىل أحكام على أحكام الشركة ،وهو
الواضح من اختيار املشرع املغريب قبل مدونة احلقوق العينية إذ مساها يف ق
ل.ع.ب " شبه الشركة" 40وسنعرض خبصوص هذه امللكية إىل ثالث
قضااي :االنتفاع ابمللك الشازع ،إدارة امللك الشازع ،وما ينقضي به الشياع
مادام على االختيار كما نبهنا.
-االنتفاع ابلشيء الشائع:
االنتفاع ابلشيء املشاع هو مباشرة سلطة االستعمال فيما أُعد له
كل
الشيء وسلطة االستغالل ابحلصول على مثاره وغالته .غري أن حق ّ
شريك مقيّد حبقوق الشركاء اآلخرين ،حبيث ال ينجم عن ممارسة حقه
املساس حبقوقهم .حبيث فلو انتفع أحدهم دوهنم اعترب متعداي .وملا كان
يرتبط االنتفاع حبسن إدارة املال الشازع ،فإننا سنشري إليهما خمتلطني
ابعتبارمها شيئا واحدا. .
ال يثري هذا االنتفاع أي إشكال إذا حصل ابتفاق مجيع الشركاء عليه
أو وكلوا أحدهم إلدارته صراحة أو ضمناً أو عينوا للمال مديراً مبقابل أو من
دونه .وأما إذا مل يتفقوا فألحواله أحكام جنملها فيما يلي:
انظر أحكام الشياع يف القسم السابع من ظهري االلتزامات والعقود يف الفصول من 960إىل 981 40
54
-إذا توىل أحد الشركاء إدارة املال الشازع دون اعرتاض من الشركاء
اآلخرين ،فإن يصري بذلك أصيالً عن نفسه ابالنتفاع ىف حدود حصته من
املال ،ووكيالً عن الباقني فيما خيصهم من ابقي املال .
-إذا مل يقع االتفاق على تويل أحدهم تلك اإلدارة جاز للشركاء
تعيني مدير مبقابل يف الغالب ليتوىل إدارة املال نيابة عنهم مجيعاً ،وقد يكون
املعني من بني الشركاء أو خارجا عنهم .وال يشرتط التقنني أن يوافق مجيع
الشركاء على التعيني بل يتم فيه ذلك ابألغلبية ،وإن كان الفقه اإلسالمي
يلزم فيه موافقة مجيع الشركاء على ما يرى على الشيء الشازع .
-إذا مارس الفرد أو األقلية إدارة الشيء الشازع من غري إذن البقية
الغالبة فتصرفه صحيح فيما ال يضر حقوقهم ،لكنه ملزم دون الرجوع إليهم
ابختاذ ما يلزم حلفظ الشيء ومباشرة األعمال املادية الالزمة حلفظ املال الشازع
وصيانته مبا فيها مباشرة األعمال القانونية الالزمة للحفاظ على املال كرفع
دعوى على املعتدي على امللك الشازع.
التصرف ابلشيء الشازع :هذا احلق هو الذي يعل املالك على
ّ -
الشياع مالكا ملكية كاملة؛ فقيام حالة الشيوع ال يعىن تعطيل سلطة
التصرف .ولكن وجود الشيوع يفرض شكالً معيناً أو إطاراً حمدداً يصح
التصرف ىف نطاق .لذلك سنشري إىل أحوال هذا التصرف على غرار ما رأينا
يف أحوال االنتفاع ـ فإما أن يصدر التصرف من مجيع الشركاء أو من أغلبهم
أو قد يصدر من الشريك املنفرد.
55
تصرفا انقالً
التصرف ابلشيء الشازع ّّ -إذا أمجع الشركاء على
لتصرف صحيحاً للملكية أو مرتّباً حلق عيين آخر علي الشيء املشاع ،كان ا ّ
انفذاً يف حق اجلميع.
حصته الشازعة أو بعضها
تصرف أحد الشركاء منفرداً يف كل ّ -إذا ّ
تصرفه انفذاً يف حق بقية الشركاء ما مل ميس حبقوقهم ،مع ختويلهم شرعا
كان ّ
حق شفعة احلصة إذا فوتت إىل أجنيب عن الشركاء كما سيأيت .
-إذا تصرف الشريك يف الشيء الشازع كلّه أو يف مقدار شازع يزيد
حلصته ابعتباره
تصرفه تفصيل؛ فيكون انفذا ابلنسبة ّ
حصته فيه ،فإن يف ّ
عن ّ
احلصة ,وابلتايل غري انفذ يف
صادراً عن مالك ،وغري انفذ فيما زاد عن هذه ّ
حق الشركاء وقابال لإلبطال يف املشرتي .وعلى هذا التكييف يبىن بيع
الصفقة ألن الباحث عن اخلروج من الشياع به إمنا جتنب عدم النفاذ بعرضه
على بقية الشركاء ووقفه يف حق املشرتي كما سنشري الحقا.
-إذا تصرف الشريك يف جزء مفرز من الشيء الشازع مبا يعادل
حصته فال خيلو؛ إما أن يكون بعد القسمة يف نصيبه فينفذ البيع األول وال
التصرف وارداً يف ملك الغري
يبطل ،وإما أن يقع يف نصيب شريك آخر فيعد ّ
فال ينفذ.
56
-انقضاء الشيوع:
سبقت اإلشارة إىل أن أهم ما مييز امللكية الشازعة عن غريها من
امللكيات املشرتكة كون الشريك فيها يبقى يف الشياع ابختياره .لذلك قرر
الفقهاء قاعدة "ال يرب أحد على البقاء يف الشياع" ومعناها أن انقضاء
الشياع يكفي فيه التعبري عن إرادة االستقالل ابملناب من أحد الشركاء دون
أغلبيتهم وال أقليتهم ،وهي القاعدة اليت استعارها املشرع املغريب لفظا يف املادة
27من م ح ع .
إن الشيوع -على التحقيق -ينقضي ابألسباب ذاهتا اليت تكتسب به
امللكية من بيع وتربع وغريمها ،لكن ملا كانت بعض األسباب الصق بطيعة
القسمة فإن الفقهاء دأبوا على التفصيل يف أنواع خمصوصة أمهها القسمة
57
الشفعة ،ومنهم من يفصل يف انقضازه وببيع الصفقة 41ويف حاالت خاصة
ابلبيع جربا.42
وحنن نكتفي ابإلشارة إىل القسمة والشفعة ابالعتبار الذي درج عليه
الفقهاء ،ألنه األنسب يف نظران لطبيعة الشيوع ،وإن كان املشرع املغريب قد
أشار إليهما ضمن ما تكتسب به امللكية ال مما ينقضي به الشيوع؛ فلن نعرج
على البيع اجلربي ألنه من املساطر القضازية اليت تدرس يف موضعها .كما لن
نعرض لبيع الصفقة ألنه يعد يف التشريع املغريب من احلقوق الشخصية
ابعتباره دينا ترتب يف ذمة املصفق ،ال حقا عينيا حبسب املفهوم من املادة
318من م ح ع .وإن كان الفقهاء يعرضون له مقابال للشفعة من جهة
الشبه يف الشروط األساس اليت هي احتاد املدخل وعدم تبعيض احلصة ومن
جهة أن الداعي إليه هو جتنب الضرر مع اخلروج من الشياع.
41بيع الصفقة مما جرى به العمل عند املتأخرين من املالك وصورته أن يقدم شريك بعرض املال
املشرتك بني وبني غريه من الشركاء للبيع كال من غري تبعيض وال فرز حقوق فإذا مت عقد البيع خري
الشركاء بني إمضاء العقد وإما برده جمربين على ضم نصيبه مبقداره من الثمن الذي وقع به البيع .فهو
إذن حق للشريك الذي يريد البيع ،يقضي له به إذا طلبه لينتفي عنه الضرر الالحق بنقص مثن حصته
اذا بيعت مفردة فان مل يطلب هذا احلق سقط فال صفقة .وله شروط أشار إليها الفقهاء وخاصة
شراح التحفة عند قوله صاحبها:
(ومن دعا لبيع ماال ينقسم *** مل يسمع إال حيث إضرارا علم)
42بينما البيع اجلربي يف استعمال الفقهاء هو :البيع احلاصل من مكره حبق ،أو البيع عليه نيابة عنه
إليفاء حق وجب عليه أو لدفع ضرر ،أو حتقيق مصلحة عامة .املصباح املنري –جرب ،-ص89 :
58
-انقضاء الشيوع ابلقسمة:
عرفها ابن عرفة "القسمة تصيري مشاع من مملوك مالكني معينا ولو
ابختصاص تصرف فيه بقرعة أو تراض" ،43فهي إذن اختصاص كل شريك
جبزء مفرز من املال الشازع يتناسب مع حصته فيه ،فيملكه مالكاً له ملكية
اتمة على سبيل االستئثار واالنفراد.
ولقد تردد الفكر القانو ي يف تكييف طبيعة القسمة :هل هي كاشفة
عن احلق أم منشئة له؟ مع ما يرتتب عن ذلك من أحكام خبصوص
التصرفات السابقة على القسمة هل تنفذ أم ال؟
أما ابلنسبة للفقهاء فقد كانت النظرة منسجمة اثبتة عميقة؛ إذ قرروا
من غري تردد أن القسمة ذات طبيعة مزدوجة ألن فيها معىن املبادلة وهو
النقل ومعىن اإلفراز وهو الكشف.
لذلك اعترب املشرع امللكية الشازعة حالة مؤقتة؛ حيق للشركاء اخلروج
منها مىت شاءوا .وأبعد من ذلك أن قرر الفقهاء جواز اخلروج من الشياع
حىت قبل حلول األجل يف حالة اتفاق مبقتضى عقد على البقاء فيه مدة
معينة .
59
أ -أنواع القسمة:
درج الفقهاء رمحهم هللا على جعل القسمة ثالثة أنواع ،فيميزون
قسمة قرعة وقسمة مراضاة وقسمة مراضاة مع التعديل .44لكن من أحسن
من نظم القسمة ابن رشد احلفيد يف بداية اجملتهد ملا قال" والنظر يف القسمة
ينقسم إىل قسمني :قسمة رقاب األموال وقسمة منافع الرقاب ،45وهو
التقسيم الذي أخذت به التقنينات احلديثة جلزالته وانتظامه .
ولقد وفق املشرع املغريب توفيقا كبريا يف مدونة احلقوق العينية،
فتجاوز خلط فقهاء القانون بني أنواع القسمة وطرقها حىت جعلوها أنواعا
متعددة :رضازية وقضازية وبتية ومهاأية .ليأخذ برأي ابن رشد يف التمييز بني
أنواع القسمة (بتية ومهاأية) وبني طرق القسمة ووسازلها (رضازية وقضازية).
جاء يف املادة 313م.ح.ع" :القسمة إما بتية أو قسمة مهاأية:
60
ويعين هذا أن القسمة البتية قد تكون رضازية وقد تكون قضازية،
وكذلك قسمة املهاأية .وعلى ذلك نكتفي حنن أيضا ابلتقسيم الثنازي:
قسمة أصول وهي البتية ،وقسمة منافع وهي املهاأية .لكن قبل ذلك نشري
إىل الشروط الالزمة إلجراء القسمة .
-شروط القسمة:
لتصح القسمة يشرتط توافر ثالثة شروط:
-أن يكون الشيء املراد قسمته مملوكا على الشياع للشركاء.
-أن يكون قابال للقسمة ،وال يشرتط يف ذلك قسمته قسمة أعيان
بل يكفي قَبول ابلتقدير.
-أن ال تزول املنفعة املقصودة منه ابلنسبة لكل جزء من أجزازه بعد
القسمة ،فلو تبني أن الغرض الذي أعد له الشيء يستوجب بقاءه على
الشياع امتنعت القسمة.
-القسمة البتية (قسمة األصول):
هبذه القسمة يزول الشياع لزوما ،وفيها يعترب كل متقاسم مالكا على
وجه االستقالل للحصة املفرزة اليت آلت إليه نتيجة القسمة ،وتكون ملكيته
خالصة من كل حق عيين رتبه غريه من الشركاء إال إذا رتب هذا احلق
الشركاء جمتمعون.
61
ومما يُظهر ازدواجية طبيعة هذه القسمة كما سبق إىل ذلك الفقهاء
(أي كاشفة ومنشئة) أن املتقامسني يضمن بعضهم لبعض أنصبتهم مما قد يقع
عليها من تعرض أو استحقاق بسبب سابق عن القسمة ،إال إذا مت االتفاق
صراحة على اإلعفاء منه أو نشأ بسبب خطأ املتقاسم نفسه .كما أن حصة
أحد الشركاء إذا كانت مثقلة حبق عيين قبل القسمة فإن هذا احلق ينتقل
ليثقل اجلزء املفرز الذي آل إىل هذا الشريك.
ونبه املشرع هبذا الصدد أن العقار إذا كان غري حمفظ ُحق للمتضرر
طلب فسخ القسمة وإجراء أخرى جديدة ،أما إذا كان حمفظا واستحقت
حصة املتقاسم كال أو بعضا فليس له سوى الرجوع على املتقامسني
ابلتعويض.
قسمة املهاأية (قسمة املنافع):
يكيف الفقهاء هذه القسمة على أحكام اإلجارة سواء كانت تلك
قسمة زمانية أو مكانية ،وهي أحكام مناسبة لطبيعة هذه القسمة مادامت
نصبة على املنافع دون املساس بطبيعة الشياع يف األصول .
و من خصازصها أن ال يلزم أي متقاسم جتاه املتقامسني اآلخرين
بتقدمي أي حساب عما قبضه خالل مدة انتفاعه ،كما تنتقل احلقوق
وااللتزامات املتعلقة ابملهاأية إىل اخللف الذي آلت إليه ملكية احلصة املشاعة
62
سواء كان عاما أو خاصا .لكن يف كل ذلك تبقى هذه القسمة قابلة ألن
تصري بتية إبرادة الشركاء أو أحدهم.
-قسمة املهاأية الزمانية :تكون املهاأية زمانية ابتفاق الشركاء على أن
يتناوبوا االنتفاع جبميع العقار املشاع كل منهم مدة تتناسب مع حصته فيه،
ويب فيها تعيني املدة اليت خيتص هبا كل منهم .فإذا وقع خالف بني
الشركاء يف املدة كان للمحكمة اتريخ الشروع فيها ومن يبدأ منهم ابالنتفاع
تعينها تبعا لطبيعة العقار.
-قسمة املهاأية املكانية :تكون املهاأية مكانية عندما يتفق الشركاء
على أن خيتص كل واحد منهم ابالنتفاع جبزء مفرز من العقار املشاع يتناسب
مع حصته فيه على أن يتنازل لشركازه يف مقابل ذلك عن االنتفاع بباقي
أجزازه األخرى .ويب فيها تعيني اجلزء الذي يستقل به كل منهم وإال عينته
احملكمة كذلك.
ج -طرق إجراء القسمة:
القسمة البتية أو قسمة املهااية قد تكون رضازية أو قضازية كما
سلف ،مع اإلشارة إىل أن القسمة الرضازية قد تؤول قضازية إذا مل يوافق
عليها أحد الشركاء أو بعضهم .وقد يري الشركاء القسمة قضازيا رأسا إذا
امتنع أحدهم أو بعضهم أو جلهم عن إجراء القسمة واختار شريك ولو كان
منفردا اخلروج من الشياع لقاعدة ال يرب أحد على البقاء يف الشياع.
63
أحكام إجراء القسمة رضاء:
ال تصح هذه القسمة إال إذا أدخل الشركاء فيها مجيع األطراف ،كما
ال تصري انفذة إال إذا صادق عليها مجيع أصحاب احلقوق العينية املرتتبة على
العقار.
مث إن صفة البتية يف قسمة الرتاضي ال متنع الشركاء من طلب إبطاهلا
كلما شاب إرادة أحدهم عيب من عيوب الرضى -الغلط والتدليس واإلكراه
-أو حلقه غنب ال يقل عن الثلث 46بني قيمة ما آل إليه مبقتضى القسمة
وبني القيمة احلقيقية حلصته يف العقار املقسوم .ولقد وقت املشرع هذا احلق
يف اإلبطال أبن يكون قبل مضي سنة من اتريخ إجراء القسمة ،وإال
تقادمت وكانت القسمة ابتة .
قضاء: -إجراء القسمة
يشرتط فيها أن يدخل املدعي يف دعواها مجيع أصحاب احلقوق
العينية املرتتبة على العقار؛ فال تقبل إال إذا وجهت ضد مجيع الشركاء ومت
تقييدها تقييدا احتياطيا إذا تعلقت بعقار حمفظ.
تعمد احملكمة ابتداء إىل قسمة العقار املشاع قسمة عينية كلما كانت
هذه القسمة ممكنة .وبناء على تصميم ينجزه خبري يف املسح الطوبغرايف يعني
موقع وحدود ومساحة كل نصيب مفرز ،تقوم بفرز احلصص وتكوين األنصبة
احلكم ابلثلث من األحكام اليت ينفرد هبا املالكية ،وتصلح أن تكون حبثا مستقال ومتميزا ! 46
64
على أساس أصغر حصة عن طريق التقومي والتعديل ،مث تصدر حكمها بعد
توزيع األنصبة املفرزة بني الشركاء ابلقرعة.
لكن إذا كان العقار املشاع غري قابل للقسمة العينية ،أو كان من
شأن قسمته خمالفة القوانني والضوابط اجلاري هبا العمل أو إحداث نقص
كبري يف قيمته ،فإن احملكمة حتكم ببيعه ابملزاد العلين.
وال يتم ذلك البيع إال بعد أن حيوز احلكم قوة الشيء املقضى به
ُ
(أي بعد استنفاذ مجيع طرق الطعن العادية والنقض عند االقتضاء) ،كما ال
تقبل أي مزايدة يف مثن العقار بعد بيعه ابلرتاضي .أما ما تعلق مصروفات
وتكاليف القسمة ،فإن املتقامسني يتحملوهنا مجيعا وتوزع بينهم على أساس
حصة كل واحد منهم.
65
-انقضاء الشيوع ابلشفعة
66
وصرفت الطرق فال شفعة) ،50فلم يعلوها للجار .ويف ذلك قال صاحب
التحفة:
ومل تُبِ ْح للجار عند األكثر *** ويف طريق ُمنِ َعت َوأَنْ َد ِر
بينما متسك احلنفية ابلشاهد من حديث أيب رافع(اجلار أحق
بصقبه) 51فجعلوا الشفعة ابلتقدمي؛ حبيث يقدم الشريك يف املنزل مث الشريك
يف الطريق مث اجلار.
ولقد اختيار املشرع املغريب اختيار املالكية حبسب ما هو ّبني من املادة
292بقوهلا "الشفعة أخذ شريك يف ملك مشاع أو حق عيين مشاع حصة
شريكه املبيعة بثمنها بعد أداء الثمن ومصروفات العقد الالزمة واملصروفات
الضرورية النافعة عند االقتضاء".
أخرجه البخاري ومسلم يف صحيحيهما واللفظ للبخاري؛ كتاب الشفعة ابب الشفعة فيما مل يقسم
فإذا وقعت احلدود فال شفعة
ومسلم
-قال ابن أيب حامت يف العلل ،عن أبيه :عندي إن من قوله (إذا وقعت إىل آخره) من قول جابر (
تلخيص احلبري)123/3:
51أخرجه البخاري يف كتاب احليل ابب اهلبة والشفعة ،واحلديث له قصة بني املسور ورافع وسعد رضي
هللا عن اجلميع تنظر يف الصحيح .والصقب معناه القرب
67
-شروط استحقاق الشفعة:
إن الشفعة عند الفقهاء رمحهم هللا حق ضعيف ،لذلك ال يُستحق من
غري قيد وال يف كل حال .بل يلزم اجتماع شروط يف طالبها .جنمل تلك
الشروط اخلاص ابلعقار فيما يلي:
-أن يكون الشفيع شريكا يف امللك املشاع وقت بيع احلصة
املشفوعة سواء كانت يف العقار أو حقا عينا على عقار.
مالءة ذمة الشفيع بقيمة املشفوع وما زاد عليها من مصاريف حتملها
املشفوع منه بني التصرفني.
لزوم أخذ الشفيع للحصة كاملة من غري تبعيض وإال تركها ،فيجب
على الشريك أن أيخذ احلصة املبيعة بكاملها أو أن يرتكها.
متلك املشفوع منه احلصة املبيعة بعوض؛ فال يُشفع ما فُوت هببة أو
بصدقة .وألزمت مدونة احلقوق العينية يف حالة العقار احملفظ إبثبات بيع
احلصة وتقييده ابلرسم العقاري.
ونستطيع من هذه الشروط العامة أن حندد خصازص حق الشفعة يف
أهنا:
-حق غري قابل للتجززة :فال يوز أخذ جزء من العقار املشفوع
وترك جزء منه لكن إذا تعدد املشرتون واحتد البازع بعقد واحد أو بعدة عقود
جاز للشفيع أخذ نصيب بعضهم وترك الباقي .
68
-حق قابل لإلرث :مادامت الشفعة ال تبطل مبوت البازع أو
املشرتي أو الشفيع .ويرتتب على ذلك أنه إذا ثبتت الشفعة مث مات الشفيع
فأن لورثته أن يطلبوها خالل املدة الباقية من املدة اليت يقررها القانون لطلب
الشفعة .
-حق ال يوز فيه التصرف للغري :فليس ألحد من الشفعاء أن
يتصرف حبق شفعته للغري مبقابل أو بدون مقابل .فلو ابع الشفيع شفعته
ألجنيب أو لشفيع أخر مبقابل سقطت الشفعة وبطل البيع املرتتب عليها.
مشموالت الشفعة:
تطرق الفقهاء إىل الشفعة يف املنقول والعقار ،لكن املدونة تقصرها -
كما تقدم -على العقار واحلقوق املرتتبة عليه .لذلك نصت على أن الشفعة
تكون يف العقارات سواء كانت قابلة للقسمة أم غري قابلة هلا ،وتكون أيضا
يف احلقوق العينية القابلة للتداول.
لكن مما يستغرب له أن املدونة أجازت الشفعة بني مالك حق اهلواء
والتعلية وضمها إىل مالك السفل ،كما أجازهتا يف حق السطحية وهي ملكية
اتمة مستقلة ال شركة بني صاحب احلق ،كما أجازهتا يف ضم حق الزينة إىل
ملكية الرقبة فيما بيع منها ألجنيب .وهذا يعل التصريح السابق أبخذ املدونة
برأي املالكية يف نظر؛ ألن املذكورين يف املادة 294تكييفهم على اجلوار أقرب
وأصح من تكييفهم على شبه الشركة.
69
أحوال الشفيع:
الشفيع إما فرد أو متعدد ،ونعرض ألحكام الفرد ألهنا األصل وتسري
على املتعدد بداهة لكن نتبعها أبحكام متعدد الشفعاء:
القاعدة أن احلصة اليت جتوز فيها الشفعة إذا بيعت أبمجعها أو أجزاء
منها أو عدة حصص شازعة بعقد واحد وجب على الشريك الراغب يف
الشفعة أن أيخذ مجيع املبيع املشاع بينه وبني البازع من يد املشرتي أو أن
يرتك اجلميع للمشرتي ،سواء تعلق العقد مبلك أو عدة أمالك مشاعة ،وسواء
احتد البازع أو املشرتي أو تعدد.
أما إذا بيعت أجزاء احلصة بعقود خمتلفة فإن الشفيع خيري بني أن
أيخذها بكاملها وبني أن أيخذ أبي عقد شاء ويدخل معه يف شفعته من
قبله من املشرتين بيعت احلصة املشفوعة عدة مرات قبل انصرام أجل الشفعة،
فللشفيع أن أيخذ من أي مشرت ابلثمن الذي اشرتى به ويرتتب على ذلك
بطالن البيوع الالحقة.
وحيرم القانون الشفيع من ممارسة الشفعة يف احلالة اليت تباع فيها
احلصة املشاعة يف املزاد العلين وفق اإلجراءات املنصوص عليها يف القانون فال
يوز أخذها ابلشفعة .كما يعتد بطلب الشفعة يف حال كانت احلصة
املشفوعة عقارا يف طور التحفيظ إال إذا ضمن الشفيع تعرضه مبطلب
التحفيظ املتعلق به.
70
وإذا تعدد الشفعاء كان لكل واحد منهم األخذ ابلشفعة بقدر
حصته يف امللك املشاع يوم املطالبة هبا ،فإذا تركها البعض وجب على من
رغب يف الشفعة من الشركاء أخذ احلصة املبيعة بكاملها .لكن إذا تزامحوا
واختلفت مراتبهم كان ترتيبهم يف األخذ ابلشفعة على ترتيبهم يف استحقاق
اإلرث؛ حبيث يقدم من يشارك البازع يف السهم الواحد يف املرياث على من
عداه ،فإن مل أيخذ انتقل احلق إىل ابقي الورثة مث املوصى هلم ،مث األجانب.
أحوال املشفوع منه وحقوقه:
ال خيلو املشفوع منه أن يكون أجنبيا أو أحد الشركاء .وحال األجنيب
ال إشكال فيها ،حيث إذا توافرت شروط الشفعة أخذت احلصة كاملة من
يده جربا مقابل مثن املثل وما حتمل من مصاريف .أما إذا كان املشرتي
أحد الشركاء فلكل شريك يف امللك أن أيخذ من يده بقدر حصته يف امللك،
ويرتك للمشرتي نصيبه بقدر حصته ما مل يعرب عن رغبته يف التخلي عنها.
آجال الشفعة:
ختتلف هذه اآلجال حبسب طبيعة احلصة املشفوعة وحبسب تواريخ
علم الشفيع ابلبيع وكذلك حبسب مبادرة املشفوع منه ابلتبليغ ابلبيع من
عدمه:
-حبسب طبيعة احلصة املشفوعة :يسقط حق الشفعة يف مجيع
األحوال مبضي سنة كاملة؛ فإذا العقار حمفظا فيحتسب األجل من اتريخ
71
التقييد أو اتريخ اإليداع إذا كان العقار يف طور التحفيظ .أما إذا كان العقار
غري حمفظ فبمضي سنة على العلم ابلبيع .
-حبسب إقدام املشفوع منه على تبليغ الشركاء ابلبيع من عدمه :إن
للمشرتي أن يستبق ممارسة حق الشفعة ،فيمكنه بعد تقييد حقوقه يف الرسم
العقاري أو إيداعها يف مطلب التحفيظ أن يبلغ نسخة من عقد شرازه إىل
من له حق الشفعة ،وال يصح التبليغ إال إذا توصل به شخصيا من له احلق
فيها ،ويسقط حق هذا األخري إن مل ميارسه خالل أجل ثالثني يوما كاملة
من اتريخ التوصل ،ولقد كان هذا األجل قصريا استنادا إىل الفقه الذي
حصره يف ثالثة أايم من اتريخ العقد إذا حضره الشركاء.
-حبسب علم الشفيع :كان أجل ثالثة أايم املشار إليه آنفا أجل من
حضر العقد وهو املستعاض عنه قانون ابلتبليغ الصحيح داخل أجل ثالثني
يوما على اعتبار من بلغ تبليغا قانونيا كان كمن حضر .لكن إن مل يقع
التبليغ وال حضر الشريك حبسب قيد الفقهاء عقد البيع امتد األجل إىل
السنة من اتريخ العلم ،وقد ميتد إن مل يتحقق العلم إىل أجل أربع سنوات
من اتريخ إبرام العقد.
72
-إجراءات الشفعة:
يب على من يرغب يف األخذ ابلشفعة أن يقدم طلبا إىل رزيس
احملكمة االبتدازية املختصة يعرب فيه عن رغبته يف األخذ ابلشفعة ،ويطلب فيه
اإلذن له بعرض الثمن واملصروفات الظاهرة للعقد عرضا حقيقيا مث إبيداعهما
يف صندوق احملكمة عند رفض املشفوع منه للعرض العيين احلقيقي ،وأن يقوم
بكل ذلك داخل األجل القانو ي وإال سقط حقه يف الشفعة.
-آاثر الشفعة:
تتنوع هذه اآلاثر حبسب ما إذا تعلقت ابلشفيع أو ابملشفوع منه:
-آاثر الشفعة يف حق الشفيع :يتملك الشفيع ابلشفعة احلصة املبيعة
ويتصرف فيها تصرف املالك يف ملكه .كما حيل حمل املشرتي يف مجيع
حقوقه والتزاماته ،ويرتتب عن ذلك أن ينفرد البازع وحده بضمان استحقاق
العقار املشفوع.
لكن إذا من مقتضى احللول أيضا أنه إذا تضمن عقد البيع أي
اتفاق على تعديل أحكام الضمان سواء ابلتشديد أو التحقيق فأن هذا
االتفاق يسري يف حق الشفيع أيضاً .
-آاثر الشفعة يف حق املشفوع منه :يزول حقه يف احلصة ويكون
كمن مل يتملكها قبل؛ فال يلزمه رد مثار احلصة املشفوعة للشفيع إال من
اتريخ املطالبة ابلشفعة .لكن إذا أضاف املشفوع منه شيئا يف احلصة
73
املشفوعة من ماله أبن بىن أو غرس فيها فإن قام بذلك قبل إعالن الرغبة يف
األخذ ابلشفعة طبقت األحكام املتعلقة ابلبناء والغرس يف أرض الغري إبذنه
أو شبهة ملك ،أما إذا قام بذلك بعد إعالن الرغبة يف الشفعة فتطبق
األحكام املتعلقة ابلبناء والغرس يف أرض الغري دون إذن.
سقوط الشفعة:
إن الشفعة ال تسقط مبجرد موت الشفيع وإمنا ينتقل هذا احلق إىل
ورثته بنفس الشروط مبا يف ذلك ما بقي من أجل لألخذ ابلشفعة .لكنها
ابملقابل تسقط يف األحوال التالية:
-أن يتنازل الشفيع عن حقه صراحة أو داللة ،شريطة أن يقع هذا
التنازل بعد البيع ال قبله ،ألنه ال وجود حلق قبل البيع فكيف يسقط قبل
وجوده.
-أن يشرتي الشفيع احلصة اليت ابعها شريكه من مشرتيها أو
قامسه فيها؛
-أن يزول ملك الشفيع فيسقط حقه ابلتبعية يف الشفعة؛ كما لو
ابع حصته اليت يشفع هبا ،ولو كان ال يعلم أن شريكه قد ابع حصته قبله
-أن ينصرم األجل حبسب أحواله املتقدمة.
74
والقسمة من األسباب اليت تشهد على التحام قانون التحفيظ مبدونة
احلقوق العينية ،فقد ألزمت بضرورة تقييد القسمة يف الرسم العقاري مبجرد
رفع الدعوى.
75
أسباب كسب الملكية:
أسباب كسب امللكية آخر ما قنن من املدونة ،وقد أراد املشرع بذلك
أن يعلها أسبااب لكسب احلقوق العينية كلها .وال متيز يف هذا عن املعهود
يف الفقه اإلسالمي ،بقدر ما وقع التمايز يف مسألتني كبريتني؛ أوالمها أَ ْن
حصرت املدونة كسب امللكية يف أحد عشر سببا 52دون غريها ،بينما مل
حيجر الفقه اإلسالمي تلك األسباب لعدم اهتمامه حبصر احلقوق بقدر
اهتمامه بورودها على قصد الشرع .والثانية أهنما اتفقا يف بعض األسباب
إقرارا وتصورا (كالعقد واملرياث والوصية والشفعة )..لكن اختلف النظر يف
بعضها اآلخر بني ما اختلف يف إدراجه (كعدم إدراج املدونة االستيالءَ على
املباح )..وبني ما اختلف يف تصوره( كما يف احليازة ويف بعض مسازل
االلتصاق)..
لذلك نكتفي بعد هذا التنبيه بذكر أهم األسباب ،إما ألهنا حتتاج
بعض التوضيح أو ألهنا مل تذكر أصال أو الختالف نظر الفقهني كما
التعرض هلا حمض
ُ سلف .53أما بعض األسباب املعلومة كاملرياث والوصية
تكرار ملا نظم يف مدونة األسرة.
52إحياء األراضي املوات واحلرمي وااللتصاق ابلعقار واحليازة واملرياث والوصية واملغارسة واهلبة والصدقة
والشفعة والقسمة.
53وجتدر االشارة أن البعض اآلخر قد سبق التوقف عنده فيما ينقضي به الشياع؛ ومها الشفعة
والقسمة .
76
-االستيالء (أو إحراز املباحات):
االستيالء :وضع اليد على شيء ال مالك له بنية .ويكون اإلحراز
بوضع اليد على الشيء فعالً( كالتقاط الثمار وحصد الكأل) أو حكما
مبسبب كنصب شبكة للصيد .واألصل فيه احلديث املشهور عن رسول هللا
صلى هللا عليه وسلم قال( املسلمون شركاء يف ثالثة :يف املاء والكإل
54
والنار )
ولالستيالء معنيان؛ عام يشمل االستيالء على املنقول والعقار ،ومعىن
خاص غالب قاصر على املنقول .وهبذا املعىن أخذت املدونة فلم تشر إليه
ألن املنقول خارج عن تقنينها .
وشروط االستيالء عند الفقهاء ثالثة:
-أن يكون الشيء مباحا ال مالك له.
ِ
املستويل إىل الشيء. -أال يُسبق
-أن يكون بنية التملك؛ فلو سقط بني يدي شخص صي ٌد دون
قصد ال ميلكه.
-54رواه أمحد وأبو داود ،ورواه ابن ماجه من حديث ابن عباس ،وزاد فيه ومثنه حرام (انظر نيل
األوطار يف شرح احلديث والتعليق على إسناده الذي فيه مقال365 / 5 .
77
وننبه هنا أن االستيالء ال يقصد به منع الغري من جنس الشيء
اململوك؛ فمن استوىل على ك ٍإل ال مينع الناس من موضع ذلك الكإل .
78
-إحياء الموات:
هو من األسباب اجلديدة يف املدونة .واإلحياء" مكافأة ابلتمليك ملن
عمل يف أرض غري مملوكة للغري أبعمال حتوهلا إىل ما ينتفع به من ري وشق
وحفر آابر وغريها".
حديث رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
ُ وأصل اإلحياء فقها وحكما
(من أحيا أرضا مواات فهي له) ،55فقال الفقهاء على مقتضاه أن من عمد
إىل أرض ال يٌعلم تقدم ملك ألحد عليها ،فيحييها ابلسقي أو الزرع أو
الغرس أو البناء فتصري بذلك ملكه سواء كانت فيما قرب من العمران أم
56
بعد ،سواء أذن له اإلمام يف ذلك أم مل أيذن.
55هذا لفظ احلديث يف املوطا ،كتاب األقضية ،ابب القضاء يف عمارة املوات ومتامه " عن هشام بن
عروة عن أبيه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظامل حق "
(املوطا ،كتاب األقضية ،ابب القضاء يف عمارة املوات) .واحلديث هبذا اللفظ مرسل ابتفاق الرواة
(انظر شرح الزرقا ي على املوطأ وفتح الباري للحافظ ابن حجر)،
أما لفظ البخاري فعن عروة عن عازشة رضي هللا عنها عن النيب صلى هللا عليه وسلم قال :من أعمر أرضا
ليست ألحد فهو أحق
قال عروة قضى به عمر رضي هللا عنه يف خالفته"( الصحيح ،كتاب املزارعة ابب من أحىي أرضا مواات)
56هذا رأي مجهور الفقهاء ينسب أليب حنيفة إذن اإلمام مطلقا وينسب إىل اإلمام مالك فيما قرب
ولقد حقق احلافظ ابن حجر املسالة يف الفتح وذكر ضعف دليل اشرتاط اإلذن.
79
ولقد اختارت املدونة يف اإلحياء مسلك اشرتاط اإلذن يف اإلحياء،
بصريح املادة 222وهو ما يعين أن األرض املوات غري موجودة حقيقة يف
الرتاب املغريب على اعتبار أن األراضي اليت ال مالك هلا هي من أمالك الدولة
ابتداء فال يوز وضع اليد عليها إال إبذن صريح منها ،وأن من أذن له
إبحيازها ميلك حق االستغالل دازم ويكون اإلحياء جبميع األعمال املتعقلة
ابستصالحها من ري وسقي وغرس أشجار .
ولئن كان هذا احلذر من املشرع مفهوما إال أن فيه مشكالـ إذ كيف
حتصر حق احمليي يف االستغالل مث جتعل هذا اإلحياء مما تكسب به امللكية؟
فهذا مضطرب .فكان أوىل أن يوضع إلحياء هبذا التقييد من ضمن
امللك الناقص أو من ضمن احلقوق العينية األصلية املتفرعة عن امللكية مبعناها
القاصر على ملكية املنفعة دون ملكية الرقبة .إذ يبقى هو التخريج املقبول
ملراد املقنن أبسباب كسب امللكية ،وإال فإن شروط اإلحياء كما وردت يف
املدونة ليست على قواعد الفقهاء وال هي سبب لكسب امللكية.
80
-حرمي األرض:
احلرمي "ما متس احلاجة إليه لتمام االنتفاع ابملعمور من األرض .وهو
كل ما حيتاج إليه ملصلحة العامر من املرافق كحرمي البئر ،ومطرح الرماد وحنو
ذلك من املرافق.
ويكون مقداره حبسب العرف واحلاجة ،وابختالف العني اململوكة من
أرض ،أو بئر ،وحنو ذلك.
وهو مما قرره املقنن سببا لكسب امللكية أبن خيتص أهل البلدة أو
مالك الدار أو رب البئر أو الشجر ابحلرمي ومينع الغري من استغالله أو
إحداث أي شيء فيه ،وكل ما يضر هبذا احلرمي يزال .واحلرمي حمدد يف
األحوال الثالثة التالية:
حرمي اجلماعة أو البلدة مداخلها وخمارجها املؤدية إىل هذه اجلماعة أو
البلدة؛
حرمي الدار ما يرتفق به أهلها يف إقامتهم هبا .وتشرتك الدور اجملتمعة
يف حرمي واحد وينتفع به أهل كل دار مبا ال يضر بغريهم من اجلريان؛
-حرمي البئر أو الثقب أو أي مورد من موارد املياه السطحية أو
اجلوفية هو ما يسع واردها ويكون إحداث شيء فيه ضارا به أو مبازه.
81
-حرمي الشجرة ما حتتاج إليه يف سقيها ومد جذورها وفروعها مع
مراعاة األحكام املنصوص عليها يف املواد املتعلقة بقيود اجلوار.
و أمهية احلرمي تظهر أكثر يف الشيء الذي ميلك شخص رقبته وميلك
آخر منفعته ،كما له أمهية يف أحكام االرتفاق وحقوق اجلوار .فيكون فيها
ذلك احلرمي من قيود التصرف.
82
-االلتصاق:
االلتصاق سبب من أسباب كسب امللكية يكون مبقتضاه لصاحب
الشيء " أن يتملك ما اتصل به اتصاالً يتعذر معه فصالً منه دون تلف".
ويرتتب على ذلك أن تتوافر لنشوء االلتصاق الشروط التالية:
-أن يوجد شيئان متميزان أحدمها أكثر أمهية من األخر حبيث ميكن
اعتبار أحدمها أصالً واألخر اتبعاً .
-أن يتحد الشيئان حبيث يتعذر فصلهما عن بعضهما دون تلف .
-أال يكون الشيئان مملوكني عند التصاقهما لنفس املالك .
والفقه اإلسالمي يعرف من هذا االلتصاق وينكر .خاصة يف ما تعلق
برتتيب األحكام؛ إذ الفقه يعتد ابلسمة ابملوضوعية كما رددان مرارا فينظر إىل
الضرر احلاصل إىل الشيء ابعتباره ضررا حمسوسا اثبتا ،يف حني يعتد القانون
بنوااي مرتكيب األفعال (وهذه مسالة تظهر أكثر يف االلتصاق بفعل اإلنسان
أو ما يسمى قانوان االلتصاق الصناعي) .
و االلتصاق قد يقع يف العقار كما قد يقع يف املنقول ،لكن مرة
أخرى لن هتتم املدونة إال ابلعقار .لكن ال أبس أن نشري إىل أن االلتصاق إذا
وقع يف منقولني ملالكني خمتلفني ،حبيث ال ميكن فصلهما دون تلف أو
نفقة فاحشة ومل يكن هناك اتفاق بني املالكني وكان االلتصاق قضاءً وقدراً،
83
فإن الفقهاء يقررون أن ميلك صاحب املنقول األكثر قيمة املنقول األخر
بقيمته.
وابلعودة إىل أحكام االلتصاق اخلاصة ابلعقار فإنه تتنوع إىل أن تكون
قدرا بفعل الطبيعة أو أن تكون اختيارا بفعل اإلنسان .
-االلتصاق الطبيعي ابلعقار:
الغالب يف هذا النوع أن يقع بفعل املياه اليت ال دخل لإلنسان فيها.
وقد عرض م.ح.ع أربع حاالت هبذا الصدد:
-طمي النهر :وهو ما أييت به السيل إىل أرض ميلكها الغري .فهذا
يصبح ملكا لصاحب هذه األرض؛ إذ ترتكه مياه الفيضان بعد انسحاهبا
فيكون طبقة على األرض تصبح جزءًا منها وملكاً لصاحبها .لكن مل يشر
املشرع إىل الطمي الذي يكون أرضاً جديدة رمبا لوضوح القاعدة أبن األرض
اليت ال مالك هلا هي ملك للدولة أصالة وأيضا إلشارته إىل حالة تكون اجلزر
يف احلالة الرابعة اآلتية .
-احلالة اليت يغري فيها النهر جمراه وهي احلالة اليت أحال فيها املشرع
على املادتني 3و 4من قانون 10.95املتعلق بنظام املياه .57وهي حالة ال
-57القانون رقم 10.95املتعلق ابملاء الصادر بتنفيذه الظهري الشريف رقم 1.95.154بتاريخ 18من ربيع
األول 16( 1416اغسطس )1995؛ اجلريدة الرمسية عدد 4325بتاريخ 24ربيع اآلخر 20( 1416سبتمرب
،)1995ص .2520
84
ختلو أن يكون النهر غري جمراه بني القدمي واجلديد يف عقار مملوك لشخص
واحد فهذا أيخذ ما احنسر عنه مقابل ما غُمر من غري تعويض .وإما أن تقع
بني ملكني خمتلفني ،وفيها ال يعوض من جرى جديدا يف أرضه ،بينما حيق
58
وفق مسطرة وقواعد ملن صاروا جرياان للمجرى القدمي أن أيخذوه شفعة
حمدد يف املادة 4املشار إليها أعاله.
-حالة األراضي اليت تنحسر عنها املياه الراكدة كالبحريات والربك
فإهنا تبقى على حاهلا ملكا عاما للدولة ،كما أن األراضي اليت تغمرها تلك
املياه مؤقتا تظل على ملكية أصحاهبا.
-حالة اجلزر اليت قد تتكون بصورة طبيعية داخل املياه اإلقليمية أو
داخل البحريات أو يف جماري األهنار فإهنا أيضا تكون ملكا عاما للدولة.
-االلتصاق الصناعي ابلعقار:
االلتصاق الصناعي هو ما كان بفعل اإلنسان ،وملا كان خمتصا
ابلعقار فأن االلتصاق يكون بني منقول وعقار أهم منه .وهي يف حاالت
الغراس وأيضا يف حاالت البناء أو إقامة منشآت على سطح األرض ألن
العربة ابملواد اليت وقع هبا البناء أو اإلنشاء .فهذه منقوالت من غري خالف.
ودون اخلوض يف كثري من التفاصيل نشري ابتداء إىل أن االلتصاق
الذي يكون بني شيئني مملوكني لشخص واحد ال يثري أي إشكال ،فهو من
58مع مالحظة مثرية أن املشرع أخذ يف الشفعة هنا برأي احلنفية ال رأي املالكية .
85
توابع العقار ومن مشوالته على قاعدة "كل ما يضم للعقار أو يدمج فيه فهو
للمالك" ،وهو ما أكدته املدونة يف كثري من موادها كاملادة 231وو 233و234
و. 235
لكن احلاالت املقصودة يف االلتصاق الصناعي تلك اليت تكون بني
منقول وعقار مملوكني لشخصني خمتلفني ،وأبحوال خمتلفة إما أن يكون ذلك
حبسن نية وإما أن يكون بسوء نية .وهي األحوال اليت قلنا أن الفقه
اإلسالمي ال أيخذ هبا إال استثناء بسبب نزعته املوضوعية فتكون فيه حبسب
الضرر الالحق ابلشيء ال ابلشخص .ولقد وجبت هذه اإلشارة ألننا سنذكر
احلاالت الواردة يف املدون وجنملها يف اثنتني كبريتني حتتها فروع:59
-حالة الزراعة أو إقامة منشآت أرض الغري :فيما خيص الزراعة؛ فإذا
زرع شخص أرضا مملوكة للغري بسوء نية ،فإن أخذها مالكها قبل فوات وقت
الزراعة فهو خمري بني املطالبة بقلع الزرع مع التعويض إذا كان له ما يربره،
وبني متلك الزرع مع دفع نفقاته إىل الزارع منقوصا منها أجرة القلع ،وإن
أخذها بعد فوات وقت الزراعة فله احلق يف أجرة املثل مع التعويض إن كان
له ما يربره .أما إذا زرع شخص أرض غريه حبسن نية كمن استأجر أرضا من
غري مالكها ،فإن استحق املالك أرضه قبل فوات وقت الزراعة فللزارع أجرة
59مل يشر املشرع إىل حالة اثلثة كبرية وهي اليت تُنشأ فيها منشآت أو تزرع وتغرس يف أرض الغري مبواد
لغري آخر.
86
املثل ،وإن استحق املالك أرضه بعد فوات وقت الزراعة فليس له إال احلق يف
املطالبة ابلتعويض عما حلقه من ضرر من املتسبب فيه.
أما ما تعلق إبحداث منشآت أو أغراس أو بناءات بدون علم مالك
العقار ،فلهذا األخري احلق إما يف االحتفاظ هبا مع أداء قيمة املواد وإما إلزام
حمدثها إبزالتها على نفقته مع إرجاع حالة األرض إىل ما كانت عليه قبل
إحداث األغراس أو البناء أو املنشآت .لكن إن كانت قد أحدثت ممن
انتزعت منه األرض يف دعوى استحقاق ومل حيكم عليه برد مثارها نظرا حلسن
نيته فإن مالك العقار ال ميكنه أن يطالب إبزالة املنشآت أو األغراس أو
البناءات املذكورة ،غري أنه ميكن له اخليار بني أن يؤدي قيمة املواد مع أجرة
اليد العاملة ،أو أن يدفع مبلغا يعادل ما زيد يف قيمة امللك.
-حالة إقامة مالك ملنشآت مبواد الغري :يب على مالك العقار
الذي أقام هبا بناءات وأغراسا ومنشآت مبواد ليست له ،أداء القيمة اليت
كانت لتلك املواد وقت استعماهلا وذلك بغض النظر عما ميكن أن يطالب
به من تعويضات وليس لصاحب املواد احلق يف أخذها بعدما دخل عليها
تغيري .أما إذا جتاوز مالك حبسن نية حد أرضه عند إقامته بناء عليها وامتد
البناء ليشمل جزءا صغريا من أرض جاره ال يتجاوز عرضه 50سنتمرتا فإن
للمحكمة بعد املوازنة بني مصاحل الطرفني إما أن أتمر إبزالة البناء املقام
أبرض اجلار على نفقة من أقامه أو أن جترب مالك اجلزء املشغول ابلبناء
ابلتنازل عن ملكيته جلاره يف مقابل تعويض مناسب.
87
-الحيازة( أو وضع اليد):
احليازة فقها هي "وضع اليد على الشيء واالستيالء عليه والتصرف
فيه " وزاد الفقهاء مع شرط احلوز والتصرف ادعاءُ التملك.
جعل املشرع احليازة من أسباب امللكية ملا صارت مدونة احلقوق
العينية يف أحكامها تشمل العقار احملفظ وغري احملفظ .بينما مل تكن من تلك
األسباب يف ظهري 19رجب 1333الختصاصه حينها ابلعقار احملفظ وهو ما
ال يكسب ابحليازة لصفة التطهري املوسوم هبا التحفيظ ولكون احليازة املعروفة
واملمارسة هي ما كان دعوى 60أو ما يسمى يف القانون ابحليازة العرضية وهي
منظمة مبقتضى املسطرة املدنية .ولعل ذلك ما جعل كثري من الدارسني
خيلطون بني االعتبارين وكذا بني نظر الفقه ونظر القانون.
إن أساس احليازة مبين يف القانون على قواعد التقادم املكسب.
والتقادم غري مكسب للحقوق العينية عند فقهاء املسلمني .ألن التوسيع يف
احليازة مل يتجاوز عند متأخري الفقهاء األخذ ابلتقادم ابعتباره مانعا عن مساع
الدعوى الىت حتمى احلق ،ال ابعتباره مكسبا للحق أو مسقط له .لذلك
فالوضع األوفق لنظر الفقه اإلسالمي إىل احليازة هو ما كان عليه احلال يف
ظهري .1333
88
أنواع احليازة:
احليازة من القضااي الشازكة من جهة أن النظر القانو ي يدعي أن
الفقهني القانو ي واالسالمي متفقان ،بل يستشهد رجال القانون ابلتحفة
وبكتب الفقه على عكس ما تفيد ،وهذا سببه دقة املوجه ،فاحليازة ابلنسبة
للفقهاء ابب من أبواب الشهادات تنفع يف االثبات ،على تفصيل بني
املذاهب هي تكفي أم تعضد ابليمني(املذهب الشافعي) وليست سببا من
أسباب امللكية كما هو النظر القانو ي .ورب قازل يقول إن هذا التفصيل
حشو ال أتثري له مادامت النظر غلى املآل ينتهي اىل اعتبارها مما تكسب
امللكية .لكن هذا االستنتاج ليس من دون أضرار .ذلك أن النظر القانو ي
عندما يعترب املدة فإنه ال يعتد بتاريخ التملك إال بتمام املدة أي بعد مضي
أجل احليازة (كعشر سنوات اليت تكون بني األجانب) ،بينما يعترب التملك
عند الفقهاء منذ بداية االجل ،ألن األجل عندهم قرينة شاهدة وليست
سببا ،وتظهر هذه املزايلة أيضا يف أنواع احليازات فهي ليست شيئا واحدا.
ومما يزيد هذه املباحث غموضا ،ترجيح فقهاء املالكية للحيازة على
عقود األشرية ،وهو املوقف الذي يشهد لتمييز الفقهاء بني احلق الشخصي
واحلق العيين ،ابعتبار عقد الشراء مرجوا يف مواجهة احلازز ألن األول التزام
شخصي ،وهذا أكرب من جمرد ترجيح ابلكتابة .فيميز فقهاء املالكية بني
احليازة املثبتة للملك وبني احليازة املبطلة للملك قبلها ،أما األوىل املثبتة
للملك فمحلها الشيء الذي مل يعرف له مالك قبل حاززه (جمهول أصل
89
امللك) ،وهذه تكفي فيها عشرة أشهر أو أكثر ،وأقل من هذه املدة ال يشهد
هبا .بينما الثانية حملها أن يعرف مالك الشيء قبل حاززه لتلك املدة الطويلة
(عشر سنني فأكثر) مع جهل أصل مدخل احلازز .فاألوىل هي اليت يشري
إليها الشيخ خليل بقوله "وصحة امللك ابلتصرف ،وعدم املنازع ،وحوز طال
كعشرة أشهر ،وأنه مل خيرج عن ملكه" بينما يشري صاحب التحفة إىل الثانية
واقتصر عليها أي املبطلة .وهذا يؤكد ما سبق أن قلناه من أخذ املتأخرين
مبفهوم التقادم مبا يعين مساع الدعوى ال إكساب امللكية .ومعىن املنع من
مساع الدعوى "يؤيد ذلك قول احلطاب" :والظاهر أن املراد بعدم مساعها عدم
ال عمل هبا من أنه ال توجه على املدعى عليه ميني إذا أنكر ،ال أهنا ال تسمع
ابتداء ،فإن ذلك غري ظاهر الحتمال أن يقر املدعى عليه ،ويعتقد أن جمرد
حوزه يوجب له امللك"61
90
أساسا أال تقوم على ما ليس مشروعا ( من غصب مللك الغري وما شابه).
وعلى هذا األساس نلخص الشروط اليت اشرتطتها م ح ع ،وهي:
أن يكون احلازز واضعا يده على امللك وأن يتصرف فيه تصرف املالك
يف ملكه
أن ينسب امللك لنفسه ،والناس ينسبونه إليه كذلك
أال ينازعه يف ذلك منازع؛ وأن تستمر احليازة طول املدة املقررة.
وعليه فإن خصازص احليازة جتمل يف أربع:
اهلدوء :أن تكون احليازة قازمة دون اعرتاض أو منازعة من الغري ،غري
مشوبة بعنف أو إكراه .
الظهور :أن يباشر احلازز انتفاعه ابحلق احليازة علنية ال خفية وإال مل
تكن حمل محاية.
الوضوح :أن تدل أعمال احلازز على قصد التملك فال تكون غامضة
كمن تصرف يف مال حلساب الغري.
االستمرار :يشرتط أن تستمر احليازة املدة املقررة شرعا أو قانوان ،لكن
تزول هذه الصفة يف احليازة إذا وقع مانع مؤقت منع احلازز من السيطرة
الفعلية على العقار.
91
وإضافة إىل هذه اخلصازص العامة ترتتب أخرى مميزة ،منها أن يف
احليازة ال يكلف حازز العقار ببيان وجه مدخله خالفا لألسباب النقلة
للملكية ،فال يقع عليه عبء اإلثبات إال إذا أدىل منازعه حبجة على دعواه.
وابملقابل فإنه ميكن للحازز نقلها إىل خلفه ابإلرث أو الوصية وجبميع ما
تنتقل امللك ية .كما أن احليازة تصح مبباشرة احلازز نفسه أو مبباشرة الغري عنه
وذلك يف حالتني؛ احلالة اليت يكلف فيها احلازز ممن حتت إمرته مبباشرهتا.
واحلالة اليت يباشرها النازب الشرعي لصاحل فاقد األهلية أو انقصها .
حمل احليازة:
األصل أن حياز كل ما ثبت أن ال مالك له ابلشروط واخلصازص
السالفة ،لكن وضع املشرع قيودا تتعلق ابحملل سواء تعلق ابألشخاص أو
ابألشياء.
فأما من جهة األشخاص ،فهو حمصور -مبقتضى املادة – 239يف
املغاربة دون غريهم؛ إذ ال حيتج هبا من مل حيمل اجلنسية املغربية أو زالت عنه
قبل املطالبة .مث إن احليازة ال حمل هلا بني األصول والفروع وبني األزواج ،وال
بني الشركاء مطلقا والقيم على مال الغري سواء كان انزبا شرعيا أو وكيال أو
مكلفا إبدارة األموال العقارية وأصحاب هذه األموال األقارب.
و أما من جهة الشيء اململوك ،فالقاعدة فيه أن احليازة تصح يف
امللك املهمل من األشخاص وال يستثىن من ذلك إال العقارات احملفظة ،أما
92
أمالك الدولة بشقيها العامة واخلاصة واألمالك اجلماعية والوقفية فال تنال
وال تنتزع ابحليازة. 62
مدة احليازة:
مدد احليازة مأخوذة من أحكام الفقه املالكي ،وفق التنويع السابق
بني احليازة املثبة واحليازة املبطلة.
-تكفي يف احليازة املثبتة للحق مدة عشرة أشهر ،وتلحق هبا احليازة
اليت تصرف فيها احلازز تفويتا بعلم وحضور املالك فهذه وإن كانت من النوع
الثا ي إال أهنا ال حتتاج انصرام املدة املقررة يف احليازة املبطلة.
-تتنوع املدد يف احليازة املبطلة – وهي اليت تقابل احليازة
االستحقاقية عند القانونيني -حبسب األحوال .فتطول مدهتا 10إىل سنني
بني األجانب وبني األقارب الذين بينهم عداوة،و متتد إىل 40سنة بني
األقارب .وهي املدد اليت أخذت هبا م ح ع.63
62وهو ما نصت عليه صراحة املادة "261ال تكتسب ابحليازة :أمالك الدولة العامة واخلاصة؛األمالك
احملبسة؛أمالك اجلماعات الساللية؛ أمالك اجلماعات احمللية؛ العقارات احملفظة؛ األمالك األخرى
املنصوص عليها صراحة يف القانون".
63أنظر املواد من 250إىل 254
93
-المغارسة
املغارسة "عقد يعطي مبوجبه مالك أرضه آلخر ليغرس فيها على نفقته
شجرا مقابل حصة معلومة من األرض والشجر يستحقها الغارس عند بلوغ
الشجر حد اإلطعام" .وتسمى عند غري املالكية املناصبة .ويعل اجلمهور
قسما من املساقاة.
وحكمها عند الفقهاء اجلواز إمجاال وإن كان ما يستدلون به دليل عام
وهو حديث جابر رضي هللا عنه أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال (ما
من مسلم يغرس غرسا إال كان ما أكل منه صدقة) .64والفقهاء متفقون مجلة
على صحة أصل املغارسة يف األشجار على سبيل اإلجارة .أما املغارسة اليت
على سبيل الشركة وصورهتا أن تعطى األرض للعامل لغرس األشجار وتكون
األرض واألشجار بينهما ،أو األشجار وحدها بينهما فمختلف فيها ،فإن
الفقهاء خمتلفون فيها :فذهب احلنفية ومعهم مجهور الفقهاء إىل عدم اجلواز
بينما رأى املالكية اجلواز بشركة جزء معلوم يف األرض والشجر .وهذه
املختلف فيها هي املقصودة بسبب التمليك يف املدونة ألهنا تكسب صاحبها
ملكية اتمة تنتج عن عمل .حبيث إذا بلغ الشجر حد اإلطعام اكتسب
64أخرجه اإلمام البخاري يف كتاب احلرث واملزارعة -ابب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه
واإلمام مسلم يف كتاب املساقاة – ابب فضل الغرس والزرع
94
الغارس حقه العيين وتصري األرض والشجر ملكا شازعا بني مالك األرض
65
والغارس حبسب احلصة اليت وقع االتفاق عليها يف عقد املغارسة.
أما شروط املغارسة فهي:
-ال يوز يف عقد املغارسة اشرتاط أجل يقل عن حد اإلطعام وال
أجل اشرتاط أجل يتجاوزه حتت طازلة البطالن.
-ال يكون حملها حقوقا مشاعة حبسب املادة . 266
-لزوم إبرام عقد املغارسة يف حمرر رمسي مبقتضى املادة ،268ويشرتط
لصحته أن يعني نوع الشجر املراد غرسه ويبني حصة الغارس يف األرض ويف
الشجر.
65من األحكام املميزة اليت تظهر طبيعة املغارسة ما ّقر من توجه حملكمة النقض ببطالن عقد املغارسة
يف األمالك الوقفية(،ينظر على سبيل املثال القرار عدد 2707املؤرخ يف 25يوليوز 2007يف امللف املد ي
عدد .) 2006/1/1/3378وهو مما يزكي التوجيه املالكي الذي يشرتط أن يكون العاقد مالكا ال منتفعا
وحنن نعلم أن االوقاف وصية وليست مالكة ،عدا أن الوقف هو حق خرج من يد الواقف ومل ميلكه
املوقوف عليه .فهو شخص اعتباري مستقل ابلتعبري القانو ي للتقريب .
95
الملك الناقص:
96
وسنتعرض ابتداء حلق االنتفاع ونؤخر حقوق االرتفاق خالفا ملا رتبت
عليه مدونة احلقوق العينية ،اقتناعا بصحة تعليل الفقهاء املتقدمني ،ومراعاة
لوجه الشبه حبق االنتفاع الذي هو األصل لكل مالك انقص.
97
-حق االرتفاق
يرد هذا احلق عند الفقهاء حتت مسمى اإلرفاق ،وهي صيغة تفيد
التصرف ابإلرادة .وهذا فارق مهم؛ إذ يرى الفقهاء واملالكية خاصة أن
االرفاق ملك انقص قد يقع ابلرضا وبغريه ،بينما صيغته يف التقنني جاءت
مزيدة – االرتفاق -كي تشي هي األخرى بطبيعة النظر القانو ي إىل هذا
احلق؛ إذ هو فيه حتمل وأقرب ليكون قيدا على التملك .
فقد عرف يف املادة 37من املدونة أبنه" حق عيين قوامه حتمل على
عقار من أجل استعمال أو منفعة عقار آخر مملوك لشخص آخر" حق عيين
يف عقار ملنفعة عقار آخر كإجراء املاء على أرض اجلار ،أو املرور يف أرض
الغري وحنو ذلك " فإذا تقرر حق االرتفاق لفازدة عقار معني فإنه خيول
صاحبه كل ما هو الزم الستعمال ذلك احلق .ويفهم من ذلك أن حق
االرتفاق ال يتقرر على منقول ،كما يفهم منه أيضا أال يكون عقارا
ابلتخصيص بل عقارا بطبيعته ،لكن املقصود ابخلدمة العقار ال مالكه.
وبسبب االرتفاق تنشأ التزامات متبادلة بني مال َكي العقارين .واحلكم
العام عند الفقهاء يف االرتفاقات أهنا تبقى ما مل يرتتب على بقازها ضرر؛
فيلتزم صاحب العقار املخدوم ابستعمال املرفق أبقل ضرر ،كما يتحمل
املصاريف اليت ترتتب على استعماله ،وابملقابل ال حيق لصاحب العقار اخلادم
98
أن مينع عن االرتفاق .ولقد ذهب الفقه اإلسالمي أبعد من ذلك ملا أوجب
على اإلمام اإلنفاق على املرافق العامة من خزانة الدولة ،حتقيقاً ملصلحة
الناس ،ودفعاً للضرر عنهم .فإن مل يكن يف بيت املال ما يُصلح به ما فسد
منها أجرب اإلمام الناس على إصالحها دفعاً للضرر ،فيكون على القادرين
النفقة ،وعلى غري القادرين العمل أبنفسهم ،ونفقتهم على األغنياء.
مرت منا اإلشارة التنبيه إىل أن فقهاء املسلمني يعلون االرتفاق
وإذ ّ
من أبواب امللك الناقص خالفا للقانونيني ،فإن ذلك قد يوحي أن االرتفاق
حق االنتفاع عندهم سواء ،وهو غري صحيح .لذلك نشري إىل أهم الفروق و ُ
بينهما حىت ال خيتلطا:
-إن االرتفاق مقرر لصاحل عقار بينما املنفعة مقررة لشخص بعينه
-إن حق االرتفاق حق دازم ويورث خبالف حق االنتفاع الذي
صفته التأقيت.
-إن االرتفاق ال يقرر إال على العقار بينما االنتفاع يقرر على العقار
واملنقول.
ولعل هذا التمييز مساعد يف الوقوف على اخلصازص العامة لالرتفاق.
-خصائص حق االرتفاق:
يتميز حق االرتفاق ابخلصازص العامة التالية:
99
-خاصية احلجة على الكافة :إن قوة حق االرتفاق العينية تتجاوز
االحتجاج به يف مواجهة مالك العقار اخلادم إىل االحتجاج به يف مواجهة
الكافة .
-خاصية االحتاد :معناه أن االرتفاق ال ينفك عن العقار؛ فينتقل معه
ويري عليه ما يري على العقار من تصرفات .إذ ال يوز التصرف فيه
مستقالً عن العقار ابلبيع أو رهن أو غريمها من التصرفات املمكنة .
-خاصية الدوام :وهي صفة متفرعة عن اخلاصية السابقة ،لذلك
فاملقصود به دوام االرتفاق بدوام حمله.
ونذكر ضمن اخلصازص ميزة أخرى هلذا احلق ،وهي أنه معفى من
التسجيل يف الرسوم العقارية .66واملقصود هبذا الصدد االرتفاقات الطبيعية
اليت سنشري إليها.
-حمل االرتفاق:
تنشأ حقوق االرتفاق على نوعني من امللك:
-ارتفاق عام اثبت للناس مجيعاً وحمله األمالك العامة كاألهنار
والطرق واجلسور وحنوها مما ال خيتص به أحد.
66ولقد قضت حمكمة النقض يف احكام متواترة أن حق االرتفاق مستثىن من مقضيات املواد 66من
ظهري التحفيظ العقاري( .ينظر مثال القرار عدد2455
بتاريخ 2005/9/21يف امللف رقم.)2004/3/1/147
100
-ارتفاق خاص وحمله األمالك اخلاصة بفرد ال يثبت فيها حق
االرتفاق عليها إال إبذن املالك.
-أسباب االرتفاق:
يملها الفقهاء يف ثالثة :االشرتاك العام -،االشرتاط يف العقود- ،
القدم .بينما تقرر املدونة مبا ال يبعد عن ذلك يف املادة 38أبنه ينشأ إما عن
الوضعية الطبيعية لألماكن أو حبكم القانون أو ابتفاق املالكني ،على أن
بعض فقهاء القانون يملها بتقسيمها ارتفاقات طبيعية وأخرى قانونية .ورازز
الطبيعية عنصر "القدم" ،ويقصد به صالحية االحتجاج بقدم حق املرور
وحق اجملرى وحق املسيل وغريها من حقوق االرتفاق الظاهرة واستمرار
حيازهتا مدة طويلة إذا ثبت فيها حسن النية واالستمرار .وأما القانونية،
فتجمع ما كان بسلطة أو ما كان بتخصيص من املالك األصلي أو ابتفاق
67
مع مالك العقار املراد ابخلدمة.
67وصورته الغالبة أن يكون العقاران اخلادم واملخدوم مملوكني لشخصني خمتلفني فيُنشئان حق االرتفاق
دون حاجة مرور زمان بشروط االرتفاق وخصازصه السالفة .
101
-أنواع االرتفاق:
أنواع االرتفاقات اليت قررت يف مدونة احلقوق العينية مخسة ،وهي:
حق الشرب وحق اجملرى وحق الصرف (أو املسيل) وحق املرور وحق
68
املطل.
-حق الشرب :هو حق عيين حبصة دورية يف املاء لسقي األراضي
وما التصق هبا من غرس وشجر .وهو حق مقرر لكل شخص يف موارد املياه
العامة مبختلف وجوه االنتفاع ،إال أن يتعلق مبورد خاص حينها ال يوز إال
برضى صاحبه .لكن ليس ذلك االختصاص على إطالقه؛ فإذا استوىف املالك
حاجته منه جاز جلريانه املالك استغالل مورد املاء بقدر حاجة أراضيهم على
أن يشرتكوا يف نفقات إنشاء وصيانة مورد املاء بنسبة مساحة أراضيهم اليت
تنتفع منه.
إذا مل يتفق أصحاب حق الشرب على القيام ابإلصالحات الضرورية
ملوارد املياه أو فروعها أو اجلدول املشرتك جاز إلزامهم بنسبة مساحة أراضيهم
اليت تنتفع منها ،وذلك بناء على طلب أي واحد منهم.
حق الشرب ينتقل لزوما تبعا النتقال ملكية األرض اليت تنتفع به.
لكن إذا كان مورد املاء مشرتكا فليس ألحد من الشركاء أن يرتب عليه لفازدة
الغري حق الشرب إال مبوافقتهم مجيعا.
102
-حق اجملرى :املراد هبذا احلق "مترير ماء الري من مورده أبرض الغري
للوصول به إىل األرض املراد سقيها" .فلزم من ذلك أن حيصل صاحبه على
حق مرور املياه يف األراضي الواقعة بني أرضه وبني ذلك املورد مقابل تعويض
مناسب يدفع مقدما ،كما يراعى ارتكاب الضرر األخف يف ملك الغري عند
إقامة مساريب جراين املاء .وابملقابل ُمينع املالك من التعرض لصاحب حق
اجملرى من ممارسة حقه مبا يف ذلك دخول أرضه كلما اقتضته احلاجة احلال
إلجراء اإلصالحات من ترميم وتعهد وغريها مما هو واقع أصالة على عاتق
املستفيد.
-حق املسيل أو الصرف :ينشأ هذا احلق يف حالة "سيالن املياه
سيالان طبيعيا ال يد لإلنسان فيه بني عقارين أحدمها مرتفع واآلخر منخفض
يتلقي املياه السازلة" .فيحق تبعا لذلك لصاحب األرض العليا أن يصرف
الزازد عن حاجته من مياه األمطار وغريها على األرض املنخفضة دون ضرر
أو أبقل ما ميكن إال إذا كان مما ال ميكن تفاديه ،كل ذلك مقابل تعويض
مناسب يدفع مقدما .مع مراعاة القاعدة العامة يف إحداث األبنية أبن تقام
سطوحها وشرفاهتا بشكل يسمح مبسيل مياه األمطار وحنوها على أرضه ال
على أرض جاره .وال حيق ابملقابل لصاحب األرض املنخفضة أن يقيم حاجزا
أو سدا ليمنع تدفق املياه على أرضه .وجتدر اإلشارة هبذا الصدد ،أن حق
الصرف ملا شبيها حبق اجملرى من جهات كثرية فإن املشرع رتب عليه مبقتضى
103
املادة 63االلتزامات املتبادلة نفسها الناشئة بني صاحب احلق وصاحب
األرض حقوقه.
-حق املرور :هو حق مقرر لكل عقار ليس له منفذ إىل الطريق
العام أو له منفذ لكنه ال يكفي مالكه للتمتع بكامل حقوقه عليه .فيحق له
لذلك أن حيصل على ممر يف أرض اجلار مقابل تعويض مناسب وأن يتم ذلك
مبا ال يسبب للجار صاحب األرض املرتفق هبا إال أقل ضرر .وقد حيدث أن
يكون لعقار مملوك على الشياع منفذ إىل الطريق ،فلما قسم صارت بعض
أجزازه حمصورة وال منفذ هلا إىل الطريق العمومي .ففي هذه احلالة ال يوز
ملالكها املطالبة ابملرور إال يف األجزاء اليت كانت موضوع التقسيم .أما مل يكن
ذلك ممكنا فإهنم يعاملون كما لو كان هذا العقار مما ال منفذ له ابتداء،
فيرتتب على ذلك أن يستفيدوا من حق االرتفاق يف ملك اجلار مقابل
تعويض ووفق الشروط األوىل .
-حق املطل:سبقت اإلشارة إىل أحكام املطل يف قيود امللكية بسبب
اجلوار .وموجب االرتفاق فيها هنا هو تعارض الضرورة مع حقوق الغري.
لذلك فهذه املطالت على تفصيل؛ فمن حيث األصل فإن املالك ال يقيد
أبي قيد يف امل طالت والشرفات اليت يفتحها على الطريق العامة ،كما له أن
يبين يف حدود أرضه دون مراعاة النوافذ والشبابيك املفتوحة على ملكه إال إذا
وجدت اتفاقات خمالفة .وهذا يف أحوال العقارات املتقاربة .وأما حالة
104
احلازط املالصق فال يوز لصاحبه أن يفتح فيه نوافذ أو شبابيك أو أي
فتحات إال برضى صاحب امللك اجملاور.
-انقضاء االرتفاقات:
نبهنا سابقا إىل متيز االرتفاق عن االنتفاع مبيزة الدوام ،لكنه دوام
نسيب ال مينعه من االنقضاء كما قد ينتهي امللك التام نفسه؛ فلكل حق
شروط نشأة وشروط انقضاء ال تناقض خصازصه املميزة ،وعليه فإن االرتفاق
ينتهي يف أحوال خمصوصة جنملها يف ثالث حاالت عامة ،وهي:
105
69
حق االنتفاع
قرر الفقهاء أن االنتفاع إما أن يكون بعقار أو مبنقول ،وهذان أيضا
إما أن يكوان بعوض أو بغري عوض؛ فإن كان االنتفاع ابملنقول بعوض مسي
إجارة ،وإن كان بغريها مسي عارية .أما االنتفاع ابلعقار بعوض فيسمى كراء،
وال خيص عندهم مبصطلح االنتفاع ابلعقار إال ما كان بغري عوض .".مث إن
اشرتاط عدم العوضية مشروط أيضا بعدم خروج ملك الرقبة من يد صاحبها،
فال تكون هبة وال صدقة مثال .وهذا التوضيح الزم وإن مل يشر إليه املشرع
يف املادة 79اليت تنص على حق االنتفاع أن" حق عيين خيول للمنتفع
استعمال عقار على ملك الغري واستغالله ،وتنقضي مدته لزوما مبوت املنتفع.
فهو إذن حق عيين أصلي متفرع عن حق امللكية ميكن صاحبه من
جتريد مالك الرقبة من سلطيت االستعمال واالستغالل فينتفع هبما كما كان لو
كان املالك نفسه ،لكن بشرط احملافظة على كياهنا .ومعىن أنه أصلي أنه
خيول لصاحبه حق تتبع حقه يف أي يد كان من غري واسطة ،كما له أحق
األولية يف االحتجاج أمام الغري واستيفاء احلقوق.
69إن مما ال يسع جهله خبصوص هذا احلق هو عدم خلط حق االنتفاع ابملنفعة ،واألدق من ذلك
التنبه على أن ما يعترب انتفاعا عند القانونيني هو منفعة عند الفقهاءو العكس ابلعكس .ويرجع يف هذا
إىل فروق القرايف( الفرق الثالثون حتديدا. )18/1 .
106
واألمر املتفق عليه بني الفقهاء والقانونيني ،وزكاه التشريع الحقا هو
اتسام هذا احلق بسمة التوقيت فهو مؤقت غري مؤبد ،لذلك أوضحت املادة
80إمكان تقييده أبجل أو شرط وإذا مل يقع حتديده انتهى يف مجيع األحوال
مبوت املنتفع .وهو اتفاق مهم يف متييز حق املنتفع أو املستأجر؛ فحق
االنتفاع وإن كان ينشأ أحياان ابالتفاق كحق الكراء إال أهنما خمتلفان من
جهة أن حق املكرتي حق شخصي بينما حق املنتفع حق عينني ،مث إن حق
يورث على
املنتفع ينقضي حتماً بوفاة بينما حق املكرتي أو املستأجر قد ّ
مذهب املالكية.
-نطاق حق االنتفاع :يقصد ابلنطاق األموال اليت يرد عليها
واخلاضعة له .ونذكر هنا مبا تقرر من حصر املشرع للحقوق العينية ،وابلتبعية
فقد حصر ما تقع عليه لذلك جاءت املادة 81لتقرر األموال اخلاضعة حلق
االنتفاع فجعلها أربعة ال غري وهي حق االنتفاع على امللكية العقارية؛ وعلى
حق السطحية؛ وعلى حق الزينة؛ وعلى حق اهلواء أو التعلية.
ويلحظ أن هذا النطاق متاح حبسب ما إذا كان احلق الواقع عليه
االنتفاع يسمح لصاحله بتفويت االستغالل واالستعمال أم ال .لذلك ال
يتقرر انتفاع على ما كان انتفاعا يف أصله كالعمرى مثال.
أسباب كسب حق االنتفاع:
107
يكتسب حق املنفعة وفق املادة 80بطريقتني :إما ابالتفاق أو مبقتضى
القانون .
وإذا كان من األمور اليت تتصور أن يقع هذا احلق ابالتفاق أي ابلعقد
سواء كان هذا العقد إبرادتني أو إبرادة واحدة كالوصية ،فإن مقصود املشرع
ابلقانون احلالة اليت قررها الفقه اإلسالمي قدميا ابنتفاع الورثة بوصية احلمل
إىل حني استهالل املوصى له أو انتفاع الويل أبموال من مل يبلغ مبقدار.
وعلى ذلك فإنه ال يكتسب االنتفاع مبا تكتسب به امللكية مطلقا
كاالستيالء وااللتصاق واملرياث -مثال– يتناىف وكون املنفعة تنقضي حتما
مبوت املنتفع .
108
بسبب مجع االنتفاع حلقي االستعمال واالستغالل ،شريطة أن يكون ذلك
مدة االنتفاع .سواء كانت الثمار طبيعية مما تنتج األرض أو مما ينتج احليوان
أو كانت مثارا صناعية كاحملصوالت الزراعية .ومن تلك الثمار
الثمار مسماة مدنية ،وهي اليت حيصلها مثال من أجرة كراء حقه يف
االنتفاع ابملنتفع به ،ويدر التنبيه أن ال يقع هذا الكراء على مقتضيات قانون
الكراء املد ي ،ألن هذا الكراء خيول للمكرتي حق التعويض عن اإلخالء
وهذا حق ال ميلكه املنتفع ليمنحه.
-التزامات املنتفع :تنشأ هذه االلتزامات مبجرد تسلم العقار املنتفع
به ،وهو استالم مفرتض على احلالة اليت عليها العقار موضوع االنتفاع .وهو
األمر الذي يعل هذه الواقعة ذات أمهية قصوى يف صحة هذا احلق وجتنب
ما يثور من منازعات يف تقييم وضعية العقار بعد متام مدة االنتفاع .لذلك
يستحسن حني الشروع يف االنتفاع أن يُضمن العقد املنشأ جردا مفصال
مبحتوايت العقار وكذا وصفا دقيقا حلالته ،خاصة يف تعداد مشموالت العقار
من منقوالت .وقد تُبني القيمة التقديرية لتلك املنقوالت؛ سواء لتمام الوصف
واجلرد ،وأيضا ليكون أساسا لكفالة يضمن هبا املنتفع سالمة حمل االنتفاع
وإرجاعه على احلالة اليت كانت عليها انتهاء مد االنتفاع .ولعل هذا التدقيق
يربر اشرتاط التوثيق الرمسي للحقوق العينية وأهنا أوجب واجبات املوثق ومن
متام الصفة الرمسية اليت أُضفيت على احملررات يف احلقوق العينية.
109
ولعل هذا الكشف مهم يف النشأة السليمة لبقية االلتزامات؛ فبناء
على الوصف الدقيق حملل االنتفاع ترتتب أهم االلتزامات اآلتية ،وهي يف
غالبها التزامات مالقاة على عاتق املنتفع:
110
-يقع ضمان اهلالك على عاتق املنتفع؛ إذ عليه بذل العناية يف
حفظه العناية املطلوبة ،وإال فإنه يرب الضرر احلاصل بتقصريه وإمهاله ،ويعترب
من حاالت اإلضرار مبالك الرقبة اليت تستوجب اجلرب أتخر مالك حق
االنتفاع يف رد الشيء بعد انتهاء املدة من االنتفاع ولو مل يكن متسببا يف
هالكه ،إذ يعامل معاملة الغاصب مبطله يف االرجاع.
-انقضاء حق املنفعة :ينقضي حق االنتفاع يف األحوال التالية؛
-انقضاء األجل أو موت املنتفع:
أهم صفة يف حق االنتفاع هي التوقيت ،فهو حق موقوت غري مؤبد
خاصة عن القانونيني ،إذ إن الفقهاء واملالكية خاصة قازلون بتأبيد امللك
الناقص ،وهي الصفة اليت يسمون هبا حق االنتفاع ،الذي يسمى عندهم
منفعة .ولعل الداعي االقتصادي هو الذي دفع مقنن م ح ع إىل حتديد مدة
االنتفاع يف اربعني سنة إىل ابقي أسباب االنقضاء األخرى.
إذا خال التعاقد من بيان األجل عد حق املنفعة مقرراً مدى حياة
املنتفع .وينقضي حتماً مبوت املنتفع حىت قبل انقضاء األجل املعني يف السند
والينتقل اىل ورثته وكل اتفاق على خالف ذلك يعترب ابطالً بطالانً مطلقاً
ملخالفته لقواعد النظام العام .وال فرق يف هذا املقتضى بني أن يكون املنتفع
شخصا طبيعيا أو اعتباراي.
111
-هالك الشيء املنتفع به وينقضي حق املنفعة اذا هلك الشيء
هالكاً كليا ابستهالك احملل وانداثره للقوة القاهرة ،ليخرج بذلك ما كان
بسبب إمهال أو تعمد من العاقدين معا إذ للمتضرر منهما حينها مطالبة
العاقد املتسبب ابلتعويض .ومعىن ذلك أن اهلالك ابلقوة القاهرة ينهي االلتزام
كما ينهي االنتفاع .غري أن ذلك ليس على إطالقه ،فلو حصل ِعوض
للمالك عن اهلالك ،كما يف حالة نزع امللكية من أجل املنفعة العامة أو يف
مبادلة مثال كما يقع يف امللك الغابوي أو االمالك احلبسية ،فإن حق االنتفاع
ينتقل إىل ذلك العوض .
-ينتهي حق االنتفاع أيضا ابحتاد الذمة وهي أن جتتمع صفتا املالك
واملنتفع يف شخص واحد ،ويقع ذلك بغالب ما تكسب به احلقوق ،فيحصل
االحتاد ابلتربع ،كما حيصل ابملعاوضة وابإلرث من اجلهتني أي من جهة
مالك الرقبة أو من جهة صاحب حق االنتفاع
-ينقضي حق االنتفاع أيضا بعدم االستعمال ،وهذا سبب مهم من
أسباب االنقضاء ألنه داخل يف ماهية االنتفاع وحقيقته؛ وعلة هذا االلتزام أن
يف عدم االستعمال مساسا حبق املالك األصلي وتقييدا لتمامه ملكيته بدون
موجب معارض ،كما أن حق االنتفاع حق يكسب ابلشروع وليس كحق
امللكية الذي هو حق مانع ال يسقط بعدم االستعمال ،وهذا فيصل بني
املالك الناقص واملالك التام عند الفقهاء وبصفة أدق بني ملكية الرقبة وبني
ملكية منفعتها ..فمرور أمد التقادم املد ي دومنا استعمال ينهي حق االنتفاع
112
ابلعقار غري ان ذلك التقادم ال يعتد به مسقطا إال بتحقق شرط االستمرار
دن انقطاع مدة التقادم املقررة يف مخس عشرة سنة وان يكون شامال لكل
وترتب على ذلك العقار حمل االنتفاع ،فلو استعمل املنتفع بعض العقار
املنتفع به دون بعض مل ُيزل حقه ,كما أنه ال حاجة أن ننبه إىل أن اشرتاط
ممارسة حق االنتفاع ال يلزم مبباشرته من صاحبه احلق؛ إذ له أن يفوته بعوض
وبغريه كما له أن يفوضه.
-استعمال العني املنتفع هبا يف غري ما أعدت له ،فلو استعملت فيما
ال يتناسب وطبيعتها أو استعماال غري مشروع ُحق املالك أن يدفع بوقف
االنتفاع بعد إثبات سوء االنتفاع ،غري أن ذلك االثبات ال ينهي االنتفاع يف
مجيع األحوال ،إذ للمحكمة مبا هلا من سلطة التقدير أن توازن بني مصاحل
الطرفني؛ فتحمي مالك الرقبة دون اهناء حق االنتفاع كلية ،كأن تكلف طرفا
اثلثا بتدبريه لعدم كفاءة صاحب حق االنتفاع.
-التنازل عن حق االنتفاع :وهذا تصرف إبرادة منفردة من صاحب
احلق ،لذلك أفردانه عن احتاد الذمة؛ وهو تصرف مشروع ال يقع إال ممن
صحت ملكيته .وهو تنازل يقع لفازدة مالك الرقبة او لألغيار.70
70غري أن بعض الفقهاء يرى أن احلالة األخرية رهينة برضا املالك ،وهو قول ضعيف ملناقضته ملعىن
احلق نفسه.
113
حق االستعمال:
مل يكن الفقهاء يشريون إىل هذا احلق إال مرادفا لالنتفاع ،وقد نبهنا
آنفا أن سلطة االستعمال مل تكن خمصوصة يف تعريف الفقهاء إىل أن جاء
شراح 71ظهري رجب ،1333وهو اختالف تفصيل بني الفقهني ،إذ إن
االستعمال عند الفقهاء أيضا هو أضعف أنواع املنفعة .فيكون للمالك ان
يتخلى للغري عن مزية االستعمال دون مزية االستغالل وقد يقيد للمالك
هذا االستعمال بصورة من صوره وهي سكىن املنتفع واسرته فاحلق الذي ينشأ
للمنتفع يف احلالة االوىل يسمى (حق االستعمال) ويسمى يف احلالة
الثانية(حق السكىن).
وعلى هذا التوضيح ،فإن اختيار املدونة مبين على ذاك التفصيل؛
فيكون حق االستعمال "حقا عينيا خيول صاحبه استعمال شيء مملوك للغري
لنفسه او إلسرته دون االنتفاع به من طريق اخرى كاإليار مثال" فهو حق
الزم غري متعد بسبب تقييده بسكىن املنتفع وأسرته فقط.
ولئن كان هذا احلق متماهيا وحق االنتفاع بسبب شبه النشأة
الواحدة ،إذ ينشآن معا من جهة العقد مبا يستوجبه من صحة حمل وثبوت
71وهم مشارقة كمأمون الكزبري رمحه هللا ،ولعله استصحبه من جتربته يف التشريع السوري.
114
أهلية ،كما يتشاهبان من جهة ما يتقرران عليه72؛ غري أن حق االستعمال
غري متعد أي أن صاحبه مقصور حقه فيما تتحقق به كفايته ،فال مثرة
يتصرف فيها إال إذا كانت الثمرة هي حمل احلق نفسه ،كمن رصد له حق
االستعمال يف أشجار مثمرة .ويبدو أن املقنن قد تنبه إىل التمييز بني
ختصيص هذا احلق يف عقار من أرض عارية وأو أغراس وبني أن يكون حمل
حق االستعمال حق سكىن؛ إذ ليس لصاحبه غري السكىن يف حدود حاجته
وحاجة من يعوهلم ..
االلتزامات املرتتبة:
ملا كان حق االستعمال قاصرا على صاحبه ال يتعداه ،فإن التزاماته
أيضا تقل فيه عن التزامات صاحب حق االنتفاع ،حبيث ال يلتزم أبكثر من
بذل العناية يف احلفاظ على العني دون أن يرتب عليه ذلك حتمل مصاريف
االصالح إىل مبقدار ما استعمله .ومعىن ذلك أن نفقات االصالح الكربى
للعني تبقى من التزامات مالك الرقبة ،خالفا ملالك حق االنتفاع 73.مث إن
حق االستعمال وحق السكىن مؤقتان فإذا مل تعني هلما مدة انصرفت اىل
مدى حياة صاحيب احلق وينقضيان حتماً مبوت صاحبهما كما ان التزامات
72املادة : 110ميكن أن يقرر حق االستعمال :أوال :على امللكية العقارية؛ اثنيا:على حق السطحية؛
اثلثا :على حق الزينة؛ رابعا :على حق اهلواء أو التعلية.
73قارن بني مقتضيات املادة 115مبا يقابلها يف حق االنتفاع أي املواد من املادة 95إىل املادة 98
115
صاحب حق االستعمال او حق السكىن هي التزامات املنتفع .وهاهنا يتسع
حق االستعمال عن حق االنتفاع ،إذ يطول مدة حياة املستعمل .
أما حكم االمتناع عن اإلصالح الدار املقرر عليها السكىن:اذا
احتاجت الدار إىل إصالح بسبب االستعمال التزم صاحب حق السكىن
إبجرازه واذا امتنع صاحب حق السكىن عن القيام ابالصالح املطلوب وكان
منشان هذا االمتناع ان يؤدي اىل اإلضرار ابلدار فللمحكمة بناء على طلب
املالك ان تؤجرها لشخص اخر يقوم إبصالحها على ان يستويف من األجرة
ما أنفقه يف إصالحها و اذا كانت مدة اإليار املقابلة لنفقات االصالح
تنقضي قبل انقضاء حق السكىن فان الدار تعود لصاحب هذا احلق لالنتفاع
هبا ملا تبقى من مدته.
ولعل سازال يسأل ما دام حق االستعمال هبذا القصر ما مينعه أن
يكون جمرد حق شخصي؟
يفضل
إن اإلجابة متضمنة يف ميزة احلق العيين ،ذلك أن االستعمال ُ
عارية االستعمال و الكراء حبق التتبع واألفضلية.
116
-حق العمرى
لئن كان هذا احلق مما نظم حديثا يف مدونة احلقوق العينية ،فإنه حق
جاء من أصوله الفقهية ،على خالف معروف فيه بني فقهاء املذاهب.
فالعمرى والرقىب عندهم من أنواع اهلبة ،فترتادفان وختتلطان خلطا مربرا عند
بعضهم ،وختتلفان عند من ال يقول ابلرتادف فتكون الرقىب عنده غري جاززة،
إذ األشهر فيها حني ذاك أن تكون اتفاقا ابطال بني مالكني لعقارين على أن
من تويف قبل اآلخر فإن ملكه يُضم إىل ملك احلي منهما؛ فهذه الصيغة ال
خالف بني الفقهاء أهنا غري جاززة.
لذلك فإن ما اختلف فيه الفقهاء من القازلني برتادفهما هو طبيعة
اهلبة يف العمرى؛ فريى احلنفية وبعض الشافعية أن العمرى هبة مبتوتة أي أهنا
هبة للرقبة ،بينما ال يراها املالكية إال هبة للمنفعة ،فإذا مات املوهوب له
عادت الرقبة للمعمر أو لورثته 74.فهي عند مالك متليك منفعة للموهوب له
117
ولعقبه وال ترجع إىل الواهب إال ابنقطاع العقب .ويرى احلنفية خاصة أهنا ال
ترجع أبدا ملا قلناه من أهنا عندهم هبة مبتوتة ,وزاد مالك تفصيال أنه إذا
اشرتط الرجوع فهي عارية مؤقتة وهي صحيحة عنده , 75فيعنينا مما تقدم، ُ
هو كون العمرى عند املالكية هبة للشيء مدة حياة املوهوب له أو مدة حياة
الواهب حبسب املنصوص يف العقد .
وقد عرفتها مدونة احلقوق العينية 76يف املادة 105منها":العمرى حق
عيين متليك منفعة عقار بغري يقرر طول حياة املعطي أو املعطى له أو ملدة
معلومة".
يتضح من خالل هذا التعريف أن حق العمرى يتميز ابخلصازص
التالية:
118
-العمرى حق مؤقت :ألنه يقرر طول حياة املعطي أو املعطى له وإما
ملدة معلومة ،وبعبارة أخرى أن حق العمرى مقيد أبجل ينتهي لزوما حبلوله.
وأنه كذلك ينقضي بوفاة املعطي أو املعطى له حسب اتفاق األطراف.
وقد اشرتط املشرع يف املادة 106أن يربم عقد العمرى يف حمرر رمسي
فال تقبل فيها إذن العقود اليت حيررها احملامون وال تسري عليها مقتضيات
املادة ،4مع ما يثري ذلك من استغراب بقبول هذه احملررات يف التفويتات
وهي األشد والتقبل يف التربعات .كما أن من شروط االعتداد هبا أن تقيد يف
السجل العقاري يف حالة وروده على عقار حمفظ .كما يرتتب عليه جمموعة
من اآلاتر وابعتبار أن العمرى حق مؤقت فإنه ينتهي أبحد أسباب انقضازه.
وجتدر االشارة هبذا الصدد أن معاينة احلوز ال تشرتط لصحة عقد
العمرى ،وهذا حتصيل حاصل مادام التقنني قد شدد يف توثيق هذا العقد
ابشرتاط الرمسية ،عدا اشرتاط تقييدها يف الرسم العقاري إن تعلقت بعقار
حمفظ .
وأما ما تعلق ابلتزامات األطراف يف هذا العقد ،فإن من ينظر املادتني
107و 108يظهر له جبالء أهنا التزامات ملفقة بني التزامات العاقدين يف
حقي االستعمال واالنتفاع؛ فيشبه حق االستعمال ابشرتاط بقصر االنتفاع
ابلعمرى على املوهوب له وعلى أسرته فال ينقل بعدهم إال إىل املعطي أو إىل
ورثته ،على ما هو منصوص يف املذهب ،كما يقرب من حق االنتفاع بتحمل
اجب الصيانة
من أُعمر -التكاليف العادية املفروضة على هذا العقار -و َ
119
والعناية والنفقات الالزمة ذاهتا اليت يتحملها صاحب حق املنفعة ،فهو التزام
عقدي زازد على ما يتحمله صاحب حق السكىن.
120
-حق السطحية
السطحية حق عيين أصلي يعطى صاحبه احلق متلك ما وفق ،وهو
حق له أصل يف الرتاث الفقهي اإلسالمي ،خالف ما يظنه كثري من
الباحثني .فريد يف بعض املصنفات الفقهية مبسمى قرار األرض ،ويستند بعض
الفقهاء إىل أصله بداللة االشارة من قول احلق عز وجل يف حمكم تنزيله( :هللا
الذي جعل لكم األرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم
من الطيبات ذلكم هللا ربكم فتبارك هللا رب العاملني).78
وليست ختفى أمهية السطحية وان اختلف املقصود منه ابختالف
التشريعات ،79ملا يقدمه من حلول استثمارية واجتماعية يف آن واحد.
وكثريا ما خيلط حق السطحية حبق احلكر املعروف يف بالد الشرق
االسالمي خاصة تلك اليت حكمها العثمانيون ،فريادفان على أهنما شيء
واحد .والتحقيق أهنما خمتلفان ،من جهة كربى وهي أن السطحية يف املغريب
ملكية اتمة ودازمة ،بينما احلكر هو حق بناء فيكون بذلك أقرب إىل حق
الزينة من حق السطحية وإن خالفه هو أيضا من جهة االنتقال وطرق
121
االنشاء .80والتشريعات يف البالد املسلمة وإن اختلفت يف إطالقه إال أهنا
تتفق مرتددة بني احلد منه كما سنرى من تعريف املدونة املغربية وبني من ألغاه
كلية كما يف التقنني التونسي.
نصت املادة 116من املدونة على أن السطحية "حق عيين قوامه
(ملكية) بناايت أو منشآت أو أغراس فوق أرض الغري .وينتقل ابلشفعة أو
ابإلرث أو ابلوصية .ال ميكن ترتيب حق السطحية على حقوق مشاعة إال
ابتفاق مجيع الشركاء".
فيلحظ من تعريف املدونة حصرها لطرق انتقال هذا احلق؛ وهذا
يكشف أن التقنني املغريب نفسه ،وإن وفق يف االبقاء على هذا احلق ملا له
من مزااي اقتصادية ،إال أنه ساع يف احلد من إنشازه ،وكأنه الحق حبقي
اجللسة وحبق اجلزاء اللذين صار ال يعتد منهما إال مبا أنشئ قبل صدور
املدونة ،لكنه يبقى على كل حال ح ّد مرن مقارنة ببعض التشريعات اليت
نظنها تسرعت يف إلغازه.
80حق احلكر املومإ إليه يف االحالة السابقة حق مؤقت ال تزيد مدته عن 60عام .و يرد يف القانوين
العراقي واملصري على أرض موقوفة ويتقرر مبوجبه لصاحب حق احلكر االنتفاع هبا وإقامة بناء أو غرس
عليها مع متلك املباىن أو الغرس مقابل أجرة املثل .وبتعليق حق احلكر على األرض املوقوفة فقد أصبح
حق احلكر اندراًكما يف التقنني املصري إبلغاء األوقاف األهلية منذ سنة 1952
122
وتنشأ مبوجب حق السطحية حقوق والتزامات تطابق تلك اليت
للمالك ملكية اتمة إال من حيثية االنقضاء .وهذه ميزة متيزه عن كل احلقوق
املتفرعة عن حق امللكية ،إذ ميكنه -كما هو مقرر مبقتضى املادة - 117أن
يفوته وأن يرهنه ويرتب له أو عليه حقوق ارتفاق يف احلدود اليت يوز له فيها
مباشرة هذا احلق.
الفرق بني حق السطحية وحق امللكية التامة إال مبا
الناظر َ
فال يتحقق ُ
ينقضي به هذا احلق كما أحملنا إىل ذلك؛ إذ ينقضي بثالث حاالت بنص
املادة ،118أوالها التنازل عنه صراحة ملالك الرقبة إال أن يضر ذلك التنازل
بدازنيه فلهم أن يعرتضوا عليه ،مث ينقضي اثنيا ابحتاده مع ملكية الرقبة يف يد
شخص واحد؛ وينقضي أخريا هبالك البناايت أو املنشآت أو األغراس هالكا
كليا .ولعل هذا احلالة األخرية هي ميزته احلقيقية اليت متيزه عن امللكية التامة
اليت ال تزول هبالل العني إذا أمكن بناؤها من جديد ،كما متيزه عن حق الزينة
الذي ميكن إ عادة البناء فيه بعد اهلالك مدة العقد املقررة ،كما سنقف عليه
الحقا .غري إننا ما يلزم التنبيه عليه أن هذه امليزة ليست من النظام العام إذ
يوز االتفاق برضا مالك الرقبة على إعادة البناء ،غري أن شرط مستقل ألن
السطحية ال تنتقل ابلعقد وتعديله ليس من حقوق املفوت له ،فتكون مكنة
خمولة مع بقاء األصل انقطاع هذا احلق ابهلالك.
123
-حق الكراء الطويل األمد
يؤصل هلذا احلق من الفقه االسالمي أبحكام اإلجارة الطويلة اليت
أفىت هبا الفقهاء استحساان على األراضي الوقفية ،إذ غالباً ما تكون
مبساحات شاسعة ويصعب أدارهتا من جهة الوقف ،كما أن قرره متقدمو
الفقهاء قدميا من أال يؤجر الوقف ملدة تزيد على ثالث سنوات إال أبذن
القاضي أدى إىل العزوف عن استئجارها .81مث انتقلت هذه الفكرة من
األراضي املوقوفة إىل األراضي اململوكة لألفراد بوجه عام حيث وجدت
اإلجارة الطويلة تلبية احلاجات االقتصادية واالجتماعية اليت دفعت إىل
تشريعه للوقف.
وأما يف املصادر القانونية احلديثة ،فقد استقيت مدته من القانون
املد ي الفرنسي الصادر يف سنة 1902م ،الذي كان يهدف إىل تشجيع
االستثمار الفالحي ،فنظم أحكام عقد اإليار الفالحي و جعل ال تقل
مدته عن مثا ي عشرة سنة وال تزيد عن تسع وتسعني سنة ،ومن مثة منح
املستأجر حقا عينيا يستطيع أن يرهنه وأن يبيعه وأن يرتب له حقوقا ،مقابل
81ينظر للتوسع :نظم العمل للسجلماسي املالكي ،ومرشد احلريان لقدري ابشا احلنفي .و يف أصوله
القانونية؛ الوسيط يف شرح القانون املد ي اجلديد للسنهوري ،اإليار والعارية ،اجمللد الثا ي ،الطبعة
الثالثة اجلديدة ،منشورات احلليب احلقوقية ،بريوت لبنان ،2000 ،ص1438
124
ما بذله يف إصالح العني املؤجرة وجعلها قابلة للزراعة ،على أن يرد العقار
خالياً من كل تصرف عند هناية العقد.
ولعل ذلك التلفيق بني أحكام الفقه االسالمي والقانون الفرنسي ما
يعل الكراء الطويل األمد يف املدونة من أمثل ما يستشهد به لإلحالة على
قانون االلتزامات والعقود اليت ذكران شرعية االحالة عليه وكيف أنه وسط بني
الفقه االسالمي وبني التقنني اجلديد .ذلك أن هذا احلق -ابعتباره حقا
شخصيا -قد نظم فيه حتت مسمى الكراء الفالحي ،وفصلت أحكامه من
الفصل 700إىل الفصل ،722وهي أحكام تكاد تتطابق مع املواد الواردة يف
مدونة احلقوق العينية ،مبا فيها شرط أمد العقد والتزامات العاقدين اخلاصة
هبذا العقد مما يستثىن من قواعد الكراء العامة .بل تكاد تكون الصفة العينية
اخلصازص اليت يستقل هبا
َ اليت تُشرتط يف توثيقه الرمسي وإمكانية رهنه وتفويته
عن الكراء الفالحي املنظم يف ظهري االلتزامات والعقود.
والكراء الطويل األمد منظم يف املدونة يف تسع مواد (من املادة 121
إىل )129تضمنت حقوق املكرتي و واجباته .
فلما كان نشوء هذا احلق عقدا ابلرتاضي ،فإنه يلزم يف عاقديه ما يلزم
يف العقود من صحة التصرف ،وأن تكون مدة تفوق عشر سنوات دون أن
تتجاوز أربعني سنة وينقضي ابنقضازه.
125
ويلزم فيه أيضا ما يلزم يف احلقوق العينية من رمسية التوثيق ،غري أنه
تشرتط فيه شكلية خمصوصة ،وهي التنصيص الصريح يف العقد على الصفة
العينية للكراء ،وإال ضاعت احلقوق العينية املخولة مبقتضى املادة 121من
رهن رمسي وتفويت وقبول حجز.
وإذا ما مت العقد صحيحا ورتب آاثره ،فإن املكرتي يتمتع -فضال
عما يف األكرية العادية من حقوق -مبا يضم إىل العقار ومبا رصد هلا
للتخصيص .كما يظل مطمئنا طيلة مدة العقد إىل غل املكري عن املطالبة
ابلتخلي عن الكراء قيل متام األجل.
لكن تلك الطبيعية العينية للعقد تضفي ابملقابل على التزاماته الصفة
اجلزافية؛ فال ميكنه طلب ختفيض الوجيبة الكرازية بصريح املادة 123خالفا ملا
ميكن يف الكراء املد ي العادي .كما أن ختلفه عن أدازها لسنتني متتاليتني
يسمح ملالك الرقبة بطلب فسخ العقد ،بعد أن يسلك مسطرة اإلنذار
الواجبة .بل إن ختليه عن العقار ولو أبداء الوجيبة عن املدة املنتفع هبا ال
يسقط االلتزام بتمام املدة.
فهذه جممل احلقوق اليت يف الكراء الطويل األمد ،وأغلبها التزامات من
املكرتي لكنها تظهر األصل الذي بنيت عليه ،وهو محاية العقار الوقفي أو
الفالحي عموما من تعسف املستثمرين مبوازنة املصاحل بني العاقدين.
126
-حق الحبس
إن حق احلبس أو الوقف حق عيين خالص لتتوافر اقوى الصفات
العينية فيه ،وهي االفضلية والتتبع وهي قوة متاحة من طبيعة الوقف نفسه؛ إذ
هو حق مستقل منفصل ألن الوقف خبروجه من يد الواقف وعدم متلكه من
املوقوف عليه صار شخصا اعتباراي عند كثري من الفقهاء له حقوق هو وعليه
واجبات
وقد عرب املقنن ابحلبس يف هذه املدونة عوض الوقف توسيعا للمفهوم
على يبدو .إال أنه أحال مبقتضى املادة 130املادة الوحيدة املشرية إليه على
مدونة األوقاف الصادرة قبلها .82حبيث عليه األحكام الواردة هناك.
وهو اخراج له داللة تستشف من ديباجة مدونة األوقاف ،إذ نصت
على الطبيعة الدينية والثقافية املميزة لالوقاف يف البلد .وهي محاية استباقية
حممودية ،امنا الذريعة على ما يبدو اقوى مما ذكر ،إذ لو كانت الطبيعة
التعبدية والدينية لالوقاف هي ما يدعو الستقالهلا مبدونة خاصة لكان حق
الصدقة أوىل بذلك فهي ما اريد به وجه هللا ،مث إن هذه الصفة ليست مانعة
كفاية .لذلك فإننا نزعم أن العلقة الضيقة بني نظام التحفيظ العقاري ومدونة
احلقوق العينية هو ما أبعد الوقف عن مدونة احلقوق العينية ،خصوصا مبا
-82ظهري شريف رقم 1.09.236صادر يف 8ربيع األول 23( 1431فرباير )2010يتعلق مبدونة
األوقاف؛ اجلريدة الرمسية عدد 5847بتاريخ فاتح رجب 14( 1431يونيو ،)2010ص .3154
127
منح من قوة مبقتضى املادة 54اليت جتعل كل حتفيظ غري جمد إذا ما ادعت
جهة الوقف اختصاصها بعقار كيفما كانت طبيعيته ،مع انه – للعجب-
كيف تسكت إدارة الوقف واجلهة الوصية عليه وتذهل عن عقار كانت
متلكه حىت خضع لنظام التحفيظ .؟؟
ولعل هذا االخراج واحلفاظ على طبيعة الوقف اليت ال نشك يف
سالمته خبالف علته يعززه إلغاء بعض احلقوق من مدونة احلقوق العينية
وعدم اعتبار إال ما كان منها قازما مبقتضى ظهري 1333وهي حتديدا ،حق
اجللسة وحق اجلزاء .
128
-حق الزينة.
حق الزينة مبقتضى املادة " 131حق عيين خيول صاحبه ملكية البناء
الذي شيده على نفقته فوق أرض الغري" .فميزته أنه حق ينشأ ابلعقد .ومن
شرط صحته أن يعني العني حمل التشييد تعيينا دقيقا ،وكذا تعيني طبيعة
النشاط املزمع مزاولته فيها.
وعن هذا االلتزام املميز حلق الزينة بسبب طبيعته تتفرع التزامات
متبادلة؛ فيلتزم صاحب احلق املنتفع ابلتشييد وابلبناء أي التزام بعمل ،فلو
عقد من غري تشييد سقط حقه .وفيه التزام ايضا من جهة أصحاب العني
حمل العقد أال يرتتب حق الزينة وال يصح إال إذا رضي به مجيع الشركاء؛ فال
سلطة للتغليب فيه ،فما هو إبجراء إداري ليعتد برأي أغلبية املشتاعني دون
أقليتهم.
وأما ما خص طرق انتقاله ،فقد نصت املادة 131أعاله على أنه حق
ينتقل ابالرث والشفعة والوصية .وهي طرق متعلقة ابحلق نفسه كمن حاز
هذا احلق ومل يشرع يف البناء والتشييد فإن لورثته أن يباشروه دون حتجري .أما
البناء نفسه بعد التشييد فيمكن لصاحب احلق أن يفوته مدة العقد كما له
أن يرهنه ويرتب عليه ما يتاح للمنتفع عموما من حقوق كرتتيب حقوق
129
االرتفاق وغريها ،وهبذا ال تكون املادة 133اليت تنص على ذلك مستدركة
على املادة 131بل مفصلة هلا على النحو الذي بيناه.
ولعل هذا احلق كما اسلفنا خيلط عند الكثريين حبق السطحية غري
أهنما خمتلفان؛ فالزينة التزام بعمل واحلق ال يكسب اال ابلتشييد أما السطحية
فتملك بناء وأغراس فوق عقار مملوك للغري .وهو خلط يتبدد من خالل ما
ينتهي به حق الزينة.
فينقضي -حبسب املادة – 135أبربعة أسباب يلتقي فيها مع بقية
احلقوق ،وهي:
-انتهاء املدة املقررة وهي أربعون سنة.
-تنازل عن حق الزينة من املنتفع
-احتاد الذمة ابجتماع صفيت صاحب حق الزينة ومالك الرقبة يف
شخص واحد.
-هبالك البناء هالكا كليا ،بسبب الفجاءة أو قوة قاهرة.
وحتقق االنقضاء ابلنسبة للسببني الثا ي والثالث (التنازل واحتاد الذمة)
ره ني بعدم اإلضرار حبقوق دازين صاحب حق الزينة ،وهو شرط وإن قصرته
املادة 136على سبب التنازل ،إال أن احتاد الذمة ليس إال فرعا عنه إذا ما
كان اجتماع ملالك الرقبة
130
أما ما تعلق ابلسببني األول واألخري ،فليس خيفى أهنما يقتضيان
توضيحا حىت ال يتناقضا؛ ذلك أن انتهاء املدة كما ورد يف السبب األول
مرتبط مبا متليه املادة 134من أن حق الزينة ال يتجاوز املدة احملددة ألغلب
احلقوق -كما تقدم -وهي أربعون سنة ،ويرتتب على ذلك أن من أوجب
حقوق املنتفع ابلزينة أن يبين ما هلك من بنازه داخل األجل املذكور ،فيكون
السبب األخري لالنقضاء خاص حبق الزينة املنشإ على التأبيد يف ظل الظهري
امللغى ،وإال كان حق الزينة كحق السطحية ومها خمتلفان ابشرتاط البناء يف
األول.
ويشهد هلذا التوجيه التوضيح الصريح الوارد يف الفقرة الثانية من املادة
134احملددة ملدة الزينة ،ملا استثنت منها حقوق الزينة القازمة بصدور مدونة
احلقوق العينية ،لكن ذلك االستصحاب قيد هبالك البناء وهو املقصود يف
السبب الرابع من أسباب االنقضاء ،أي أنه سبب مفصل وخاص ابحلقوق
املنشاة قبل صدور املدونة ،وإال فإن هالك البناء داخل األجل ال مينع من
جتديده فيه.
وتثور بسبب أحوال انقضاء حق الزينة قضية مهمة ،وهي مآل البناء
املنجز .على أن االعتقاد السازد أن مالك الرقبة يتملك تلقازيا البناء القازم
بعد متام مدة العقد ،وهو أمر غري مسلم .ذلك أن املادة 137كشفت عن
مآالت خمتلفة؛ فإما أن يكون العقد قد نص على مآله كأن يشار يف العقد
إىل أن مالك الرقبة يصري مالكا للبناء املنجز أو أن مالك حق الزينة أيخذ
131
عنه عوضا .لكن ما يوضح عدم التملك التلقازي إحالة املادة املذكورة على
أحكام البناء حبسن النية يف حال سكوت العقد عن مصري البناء ،وهي إحالة
على أحكام االلتصاق مما يعل فض النازعة موكولة لتقدير القضاء .وهذا
مشكل بسبب تلك االحالة؛ إذ اثبات حسن النية يلزم مالك الرقبة
ابلتعويض ،ولسنا نظن هذا املقتضى مشجعا على هذه التعاقدات وال على
تشجيع االستثمار خصوصا من جهة مالك الرقبة ،سواء كانوا أشخاصا من
أشخاصا ذاتيني أو اعتباريني.
132
-حق الهواء والتعلية
حرص مقنن مدونة احلقوق على هذا احلق مكوان من شقني مستقلني
من جهة املعىن ،اهلواء والتعلية .فهل يقصد الرتادف بينهما ،علما أن فقهاء
املالكية كانوا أدق يف التوصيف ملا حتدثوا عن التعلي دون اهلواء ،وهو ما يعين
أن التعلي التزام بفعل وهو إضافة بناء يتملك وليس اهلواء الذي م ّكن منه.
ولعل هذا التفصيل يبدو وكأنه تدقيق وحتقيق ملعنيني خمتلفني لوال أن تعريف
املدونة علل حق اهلواء بعلة البناء والتعلية ،كما سيأيت .
عرفت املادة 138حق اهلواء والتعلية أبنه "حق عيين قوامه متلك جزء
معني من اهلواء العمودي الذي يعلو بناء قازما فعال ميلكه الغري ،وذلك من
أجل إقامة بناء فوقه تسمح به القوانني واألنظمة".
يستشف من التعريف أن حق اهلواء ينشأ فوق ارض عارية ،فال وجود
حلق اهلواء إذن إال على بناء .مث إن اشرتاط البناء لرتتب حق اهلواء شرط
بدهي؛ مادامت ملكيتها تشمل العقار يف اجتاهاته الثالثة اليت منها العلو إىل
احلد املنتفع به.
غري أن التعريف مع ذلك يرجعنا إىل امللحوظة اآلنفة من جدوى
عطف التعلية على اهلواء يف تسمية هذا احلق .فاملدونة قد حصرت
اختصاصها يف احلقوق العينية العقارية ،واهلواء منفردا ليس عقارا وال ماال.
لكن الدافع إىل هذا التمييز مهم ،وهو ما تكشفه شروط النشاة احملددة يف
133
املادة 139الالحقة ملادة التعريف .فتميز حق اهلواء والتعلي عن الزينة بعد أن
تقرر أهنما يشرتكان يف اشرتاط العمل ،أن اهلواء والتعلي ملكية اتمة والزينة
انتفاع ،وهو اشرتاك تزكيه املادة 139املذكورة ،فتجعل حق اهلواء والتعلية ال
ينشا بغري العقد – خبالف ما وقفنا عليه يف حق السطحية مثال ،وهي نشأة
تستبع بيان االلتزام املتضمن يف كل عقد ،وهو يف هذا احلق بيان نوع البناء
املراد إقامته ومواصفاته وأبعاده.
وتتميز نشأة هذا احلق وترتيبه ،خالفا حلق الزينة ،أبنه ال يقع على
حقوق مشاعة إال ابتفاق مجيع الشركاء؛ مبعىن أن اتفاق املالك فيه يكوان
مطبقا وليس أغلبيا.
ولعل هذا االشرتاط املخالف ملا يف حق الزينة سببه صفة التأبيد املميزة
حلق التعلية .مع ميزة أخرى هي أن حق اهلواء ال يشرتط البناء نفسه وامنا
صالحيته للبناء ،ألن صاحبه يفوته على حالته اي حقا مستقال .ولعل هذا
ما نزع ابملقنن أن يعطف عليه التعلية لبيان االستقالل ،فليس يشرتط التعلي
لقيام حق اهلواء.
وعدا هذه اخلصوصية ،فإن نشأة هذا احلق ابلعقد يرتب كبقية احلقوق
العينية حقوقا والتزامات ،وأهم ما يتمتع به صاحب حق اهلواء والتعلية من
حقوق هو الصفة العينية للحق؛ فله بذلك أن يفوته أو يرهنه أو يرتب له أو
134
عليه حقوق ارتفاق مبا ال يتعارض مع طبيعته .كما له أن يقرر نقل هذا احلق
ابلشفعة أو ابملرياث أو ابلوصية.83
ولئن كان هذا التمييز بني طرق النشأة وطرق االنتقال يدعو إىل بعض
التأمل ،إال أن ما يستوجب توضيحا بسبب ما يثريه من تناقض هو جعل
الشفعة من بني أسباب انتقال هذا احلق ،وقد علمنا أن الشفعة ال تكون إال
للشريك فيما مل يقسم -على املشهور من مذهب مالك -وحق اهلواء
والتعلية ليس كذلك؟
ق بل فهم دواعي هذا االضطراب ،منهد لتقبله ببيان أن ذلك انجم من
الطبيعة الدقيقة لاللتزامات اليت تطوق من انتقل إليه هذا احلق؛ فاستقالل
ِ
املكتسب بعدم تفويت اهلواء حق التعلية عن أصل العقار يلزم صاحبه
العمودي الذي يعلو بناءه بغري رضي مالك السفل .فيجعل ذلك من ملكيته
ملكية انقصة عن متام امللكية .وهذه الوضعية سيظهر منها اضطراب؛
فصاحب التعلي مستقل مبلكه وملتزم يف اآلن نفسه التزام الشريك واخلليط.
ويلحظ أن املقنن مل يرتب من التزامات جتاه صاحب هذا احلق غري حتقق
رضى مالك السفل حني الرغبة يف التعلية فوق اهلواء األصلي.
83وهي طرق انتقال تفهم على ضوء التمييز الذي يلزم أال يغيب بني طرق نشأة احلق وطرق انتقاله،
فحق اهلواء والتعلية الوجود له إال بتعاقد يسمح مبقتضاه مالك العقار اببعاده الثالثة أن يفوت حق
اهلواء القازم فوق العقار ،وهي مكنة ميزانها عن حق الزينة ألن هذا األخري مشروط ابلبناء ليوجد بينما
البناء يف حق اهلواء مقصد يسعى اليه وألجله ينشا احلق.
135
ولعل بسبب هذه الوضعية مسح املقنن بشفعة هذا احلق ،وبعلة صفة
النقص يف التملك تفهم ،لكنها خملخلة ألساس الشفعة يف مدونة احلقوق
العينية -كما أشران آنفا ،-وهي اليت التزمت ما ال يلزم يف تعريف الشفعة
وأهنا ال تكون إال للشريك يف امللك الذي مل يقسم ،بينما حق التعلي عقد
ينشا عنه استقالل ،فمالك العاقد مالك لعني حمددة ومعنية ومستقلة وليست
على الشيوع لتجوز الشفعة فيها؟؟
ومع هذا التناقض البني يف مقتضيات املادة 140مقارنة ابملادة292
املعرفة للشفعة ،فإهنا على األقل تكشف سبب هذا العدول عن قاعدة
الشفعة على املذهب املالكي إىل الشفعة على مذهب احلنفية ،ألن علة
اعتماد الشفعة يف هذا احلق هو رفع الضرر .وهو ضرر للخلطة وليس بسبب
الشيوع ،و أنه ليس بسبب االشرتاك بل بسبب اإلضرار ،فهو قيد وحتمل
على ملكي صاحب اهلواء.
وهذا مثري لقضية أخرى مرتتبة ،وهي :أمل يكن من األوىل أن يلحق
حق حالة اهلوا والتعلي أبسباب كسب امللكية؟
وعلى كل حال فإن وضع هذا احلق موضعه ضمن احلقوق األصلية
وليس ضمن ما يكسب ملكا ابتداء ،يعل مشروعا ما أثري من تناقضات
بصدد شفعة حق اهلواء واالحلاح على استقالل اهلواء عن التعلي ،وما يرتبه
من التزامات جتاه مالك السفل .علما أن هذه االلتزامات مل تكن تثار عند
الفقهاء املتقدمني ألن التعلي مل يكن له حد ،فكان االضرار ال يثار -كما يف
136
نوازهلم -إال بعد الوقوع وليس قبله .فهو مل خيرج عندهم عن توابع الضرر
وليس بقيد على التملك كما هو توجه مقنن مدونة احلقوق العينية .وهو
فارق مهم.
137
الحقوق العينية التبعية
متتاز احلقوق العينية األصلية اليت تقدم النظر فيها مبيزة احلصر وعدم
القابلية للقياس ،ولقد ومست بكوهنا أصلية لنشأهتا مقرونة ابلصفة العينية
بفازدهتا اهلامة اليت هي االحتجاج والشهادة هبا على الكافة .غري أن احلاجة
84
أوجد املشرع احلق العيىن إىل هذه امليزة وحرصا على استقرار املعامالت
التبعى الذى يضمن للدازن الوفاء حبقه كامالً من أموال املدين .فأحلقت
لذلك ابحلقوق العينية األصلية بعض احلقوق اليت هي يف أصلها حقوق
شخصية انجتة عن تصرفات ال ياوز االلتزام هبا غري عاقديها وخلفهم احملدود
– خاصا كان أم عاما ،-وهي اليت تدعى حقوقا عينية تبعية.
84ألن أخوف ما خياف الدازن أن يكون مدينه معسراً ،فال تكون له من سبيل الستيفاء حقه سوى
االصطفاف مع ابقى الدازنني ىف قسمة الغرماء مع احتمال كبري يف احلصول على بعض احلق بسبب
التزاحم يف الغالب وعليه فقد ال حيصل على كامل حقه بل على جزء منه فقط .مث إنه قد يكون
للمدين مال كاف غري ان صاحبه ال سلطة له عليه حبيث يكون يف يد أخرى فال يستطيع الدازن
احلجز عليها .
138
ولعل هذا اإلحلاق مشوش على صفة احلصر اليت اجملللة هلذه
احلقوق85؛ إذ كيف تكون حقوق شخصية يف األصل حقوقا عينية ابلتبع.
ومسة احلقوق الشخصية اإلطالق وحرية اإلنشاء عدم احلصر لركوهنا على
إرادة املنشئني؟
يتبدد سريعا ذلك التشويش حاملا ينظر الناظر يف احلقوق العينية
التبعية فيجد املقنن قد جعلها حمددة حمدودة ،فتقيدت أول شيء مبا قيدت
العينية األصلية .وهي أن تكون على األخص حمصورة مشروطة ابإلشهار
واإلعالن والتوثيق .وهكذا فإهنا ال تعدو هذه احلقوق التبعية أن تكون يف
املدونة ثالثة فقط ،وهي :حق االمتياز وحق الرهن احليازي وحق الرهن
الرمسي.
يلحظ بيسر كل انظر أن اجلامع هلذه احلقوق التبعية الثالثة هو عنصر
املديونية ،وأن صفة العينية فيها متعلقة بضماهنا وليس بنشأهتا ،فتكون قوة
الضمان -إذن -ورجحاهنا املتاح يف الصفة العينية هو سبب إحلاقها ابحلقوق
العينية ،مبعىن أن شرعية هذه احلقوق مكتسبة وليست أصلية ،وبعبارة أوضح
فهي إضفاء وتعدية-كما قلنا -ألهم ما يف احلق العيين األصلي عليها ،ومها
صفتا :األولوية والتتبع .وتذكريا هباتني الصفتني املكسبتني لصفة العينية ،فإن
85ونثري هذه امللحوظة ألن بعض الباحثني يذهل عن هذه احليثية على خطورهتا ،ويعل بعض احلقوق
العينية التبعية مما يقاس عليه ويستصحب(كمسالة الرهن الرمسي اجلربي واستصحاب احلاالت غري
املنصوصة فيه)
139
انطباقهما على احلقوق التبعية الثالثة يفيد فيها مجيعها إعطاءَ الداز ِن حق
تتبع ماله يف أي يد كان ،حىت يستطيع حجزه واستيفاء حقه منه ،وميزة
األفضلية على سازر الدازنني ليستوىف حقه كامالً قبل من عداه من الدازنني
العاديني بصرف النظر عن كفاية املال املستوىف منه .
وجدير ابالستفسار -بعد تعليل وجود حقوق عينية تبعية يف التقنني-
مدى معرفة فقهاء املسلمني هبذه احلقوق العينية التبعية .وجوابه أن االعرتاف
بوجود األفضلية والتتبع يف الفقه االسالمي كاف يف تقرير معرفتهم ابلطبيعة
التبعية لبعض احلقوق العينية .ولعل ما قدمناه من أحكام عن فقهاء املالكية
الذين جعلوا عقود االشرية ال تنفع غري عاقديها شاهد على ترجيح
الضماانت العينية على الضماانت الشخصية .كما أحملنا حني احلديث عن
حصر احلقوق العينية األصلي ة إىل أن مذهب احلنفية املتوسع يف القياس على
احلقوق العينية يصعب فيه اعتماد احلقوق العينية التبعية بسبب عدم احلصر.
140
-1الرهن الحيازي:
لعل قيمة احلقوق العينية كلها -أصليها وتبعيها -يف قوهتا وصالحيتها
للرهن .وتنويع الرهون العينية إىل حيازية ورمسية ،ومل يكن مما عرفه فقهاء
املسلمني؛ فالرهن عند مجيعهم واحد وشرطه القبض ،مبعىن أن الرهن
"احليازي" –هبذا االضافة -ليس إال حشوا يف اصطالح الفقهاء .ألن احليازة
هي القبض ،وإن كان للفقهاء اختالف معترب يف القبض هل هو شرط أم
ركن ؟
وملا قلنا إن قيمة احلقوق العينية كلها هي يف القيمة االزتمانية اليت
تستضمرها ،فإهنا العلة نفسها املتسببة يف ابتداع الرهن الرمسي إىل جانب
الرهن الفقهي املعروف ،ختفيفا من التزامات القبض املقيدة للدازن املرهتن.
عدا أن صاحب ﺍلعقاﺭ ميكن ﺃﻥ يلجأ للرهن الرمسي الذي ال يوجب نقل
ﺍلحياﺯﺓ ﻭفيه نوع من ﺍلـستﺭ وعدم شيوع أمر املديونية بني ﺍلناﺱ فتهتز صورته
أو امسه أمام الناس.
وهذه إشارة الزمة لتمييز الرهن احليازي الذي هو األصل ولتبديد
االعتقاد الذي يعتربه رهنا آخر غري الرهن الفقهي .
ويرد الرهن ﺍلحياﺯﻯ على ﺍلعقاﺭ ﻭعلى ﺍلمنقﻭل ،وإن كان الشازع فيه
أن يرد على ﺍلمنقﻭل ،86ألنه معتاد املتداينني ولكفايته يف ضمان الديون اليت
141
كانت يف أغلب يسرية مقدورا عليها مبا يف اليد من منقوالت .ومل تشتد
احلاجة إىل الرهن احليازي يف العقارات إال بعد دخول هذه األخرية يف التنمية
االقتصادية ابلصفة اليت عليها يف العصر احلديث.
ولقد مجع املالكية قدميا هذه الصفات مجيعها يف تعريف الرهن فقالوا
يف حده" شيء متمول يؤخذ من مالكه توثقا به يف دين الزم أو صار إىل
87
اللزوم"
وعرفت املادة 145من مدونة احلقوق العينية الرهن احليازي أبنه "حق
عيين يتقرر على ملك يعطيه املدين أو كفيله العيين إىل الدازن املرهتن لضمان
الوفاء بدين وخيول الدازن املرهتن حق حيازة املرهون وحق حبسه إىل أن
يستويف دينه" .فهو إذن حق حمله مال صاحل للتعامل -ومقصود املدونة هنا
العقار دون املنقول وإن كان األصل أن يرد على املنقول -خيرجه املدين من
حيازته إىل حيازة الدازن ضمان للوفاء ابلدين.
ليلحظ كذلك أن هذا التعريف ميتح من تعريف الفقهاء ابعتماد أهم
ما فيه من حد وقيد ،وهو الصفة االزتمانية ضماان لدين مشروع .
142
-إنشاء الرهن احليازي:
إن الرهن مبا هو عقﺩ رضازي فإنه يستوجب تكامل شروط يف
العاقدين ويف احملل املعقود عليه ،ويرتتب على ذلك مجلة شروط الزمة فيهما
إلنشازه:
أ -الراهن :تشرتط فيهما أهلية التصرف؛ وخاصة من الرا فال تكفي
ملكية املال ليصح رهنه ،هو ما نصت املادة 150على ذلك مشددة بوجوب
أن يكون الراهن مالكا للمرهون وأهال للتصرف فيه .على أن االنعقاد ال
يستلزم أن يتواله الراهن بنفسه بل له أن يويل كفيال عنه مىت توافرت فيه أهلية
ذلك .وجتدر االشارة هبذا الصدد أن الكفالة يف الدين خمتلفة عن الوالية على
املال؛ إذ ال يسمح لويل القاصر أاب كان أو أما أن يرهن ماله مامل حيصل على
إذن صريح من القاضي ،انهيك عمن دونه من وصي ومقدم .وهذا تشديد
موافق ملقصد شرعي هام وهو محاية مال القاصر .فمجرد الوالية ال تعطي
حق التصرف ابلرهن.88
ب -املرهتن :إن أوجب ما يلزم يف املرهتن مشروعية الدين الذي يبىن
عليه الرهن .وقد اشرتطناه يف املرهتن ألنه هو من يتواله ،مث إن صفة التبعية
يف هذا احلق العيين املستند الفقهاء "التابع اتبع" ،توجب صحة املعاملة أصل
88املادة 152ال يوز لألب أو األم أو الوصي أو املقدم رهن أموال القاصر أو احملجور عليهم رهنا
حيازاي إال إبذن من القاضي.
143
الدين ليصح الرهن التابع .ويشرتط ايضا تقدم الدين على الرهن ،إال إذا
أمن الغنب واجلهالة وإاثرة هذه املسالة سببها أن الرهن احليازي حق تبعي
يستلزم وجود املديونية وحتققها ،غري أن جديد مدونة احلقوق العينية هو
متكني الراهن من إجرازه ضماان حلساب جا ٍر .وهذا يف ظاهره يعل الرهن
سابقا على الدين وهادم ملبدأ التبعية غري أن القاعدة الفقهية يف العقود عند
الفقهاء تنطبق هنا ابمتياز وهو ان االنعقاد يقع على حمل حمقق الوجود معلوم
القدر ،89والدين هنا نشأ ويتكامل عرب مراحل ،مبعىن أن االلتزام قازم به،
لذلك صح انشاء الرهن عليه دون
ج -املال املرهون :إذا كان الدين املستحق من املرهتن سبب التعاقد،
فإن املال املرهون هو حمل عقد الرهن ،وهو بذلك ركن يف العقد خبالف
الدين .ومن شروطه لذلك:
-كما تقدم يف شروط الراهن ،أن يكون مملوكا ملكا اتما للراهن
العاقد .وميتد العقار الضامن للدين ليشمل امللك وملحقاته ابلتخصيص
أوااللتصاق ،وما أحدث فيه بعد العقد .وهو ما نصت عليه املادة 148
وليس يستثىن من ذلك غري االرتفاقات اليت يتمتع هبا العقار دون الراهن يف
أصل وضعها.
144
-أن يكون حاال موجودا وقت العقد ،وهذا طبقا القواعد الفقهية
اليت تشرتط يف حمل العقد أن يكون حاال موجودا وقت العقد لذلك أبطل
الفقهاء رهن ما ميلك استقباال مستقبال .وهو ما أكدته املادة 154بعدم
جواز رهن األمالك اليت قد حيصل عليها استقباال.
د -التوثيق الرمسي :إن صفة الرمسية هي الركن املضاف بتقنني مدونة
احلقوق العينية ،ألن عقد رهن من غري توثيقه توثيقا رمسيا يبطل لذلك
فاملقتضيات املستوجبة يف العقد 90ال تعترب إال إذا وردت مربمة يف حمرر رمسي
الذي هو شرط يف اشهار كل احلقوق العينية مبا هي شهادة على الكافة .كما
يرتتب على اشرتاط تلك الصفة مبقتضى املادة 147أن مينع احملامون من حترير
الرهون ،خالفا للتفويتات.
حمل
العقار ه
ويبطل احملرر نفسه إذا مل يشر فيه إىل معاينة احلوز إذا كان ُ
الرهن غري احملفظ ،91وإن كانت هذه املعاينة املشار إليها يف الفقرة الثانية من
املادة 147شرط متام وليس شرط صحة يف مذهب املالكية وخالفا للشافعي.
145
وواضح أن مستند القول ابشرتاط املعاينة لصحته يف العقار غري
احملفظ ،أن الرهﻥ ﺍلحياﺯﻯ ليﺱ عقﺩﺍﹰ عينياﹰ حىت يكﻭﻥ ﺍلقبﺽ ﺭكناﹰ فيه ,
بل هﻭ موضوع عقد ﺭضائى ،فتظل لذلك ﺃثﺭﺍﹰ مﻥ ﺁثاﺭ ﺍلعقﺩ ﻭليست
ﺭكناﹰ انعقاﺩه ,فإﻥ ﺃخل ﺍلمﺩيﻥ بالتﺯﺍمه بالتسليﻡ ﻭنقل ﺍلحياﺯﺓ ﻁُبقﺕ
ﺍلقﻭﺍعﺩ ﺍلعامة فـى ﺍلفـسخ ﻭﺍلتعﻭيﺽ .
آاثر الرهن:
هي آاثر تنتج عن صحة كل عقد ،وهي آاثر يف عقد الرهن خمصوصة
تطال العاقدين كما تطال العني املرهونة.
-فأما آاثره على العاقدين ،فجلها تقع على املرهتن ألنه احلازز،92
أوهلا أن ﺍنتقال حياﺯﺓ ﺍلمﺭهﻭﻥ مﻥ ﺍلمﺩيﻥ ﺇلى ﺍلﺩﺍئﻥ تلزمه بالمحافﻅة على
ﺍلمال ﺍلمﺭهﻭﻥ ﻁﻭﺍل فتـﺭﺓ ﺍلـﺭهﻥ ،مبا يف ذلك حتمله نفقات تلك احملافظة
على يطلبها من املدين الحقا ،93إال ذا تضمن العقد اتفاقا خمالفا ،وإذا ما
وقعت املنازعة يف املصروفات خضعت لقواعد االثبات العامة أمام القضاء ..
ويلتزم أيضا برد العني سليمة إىل املدين بعد الوفاء ابلدين ،فيُسأل أثناء ذلك
كله عﻥ هالك العني يف يده إذا كان هالكا خبطأ وتقصري منه ألن يده يد
92تنظر جممعة املواد 159 -157-156الكاشفة عن التزامات الدازن املرهتن ،وهي ابلنظر االقتصادي
واالزتما ي عيوب منفرة من الرهن احليازي ،مقارنة ابلرهن الرمسي.
93يستند يف ذلك اىل ما نصت عليه املادة :160يب علي املدين أن يؤدي للدازن املرهتن املصروفات
الضرورية اليت أنفقها على امللك املرهون لديه.
146
أمانة ،وليس له ﺃﻥ ينتفع ابملرهون ويستثمره ،وال له حق يف غلة العني املرهونة
وال مثارها .فاألصل أن يتويل الدازن جين الثمار أو ال حيتفظ هبا إال خبصم
مثنها من الرأمسال ،إال إذا تضمن العقد اتفاقا بذلك.
غري أن أهم أثر مرتتب يف ذمة املرهتن ،هو أن عقد الرهن ال يصريه
مالكا للعني مبجرد نكوص املدين عن الوفاء ،كما أوضحت ذلك املادة
.158وهو أثر معلل بصفة التبعية اليت تسم هذا احلق العيين ،94أي أن الرهن
ملا كان ضماان عينيا للدين فإنه غري خمول للتفويت املباشر .فليس للدازن
املرهتن إال أن يسلك مسطرة البيع اجلربي للعني املرهونة الستيفاء دينه .وعدم
متلك املرهون مباشرة ال مينع من اتفاق مع املدين بذلك ،لكنه يبقى عقدا
جديدا وليس أثرا من آاثر الرهن.
كل غري قابل للتجززة
-أما آاثره على العني املرهونة ،أجلها أن الرهن ٌّ
وال ينفك ابلوفاء اجلززي؛ فكل جزء من الرهن ضامن لكل الدين ،وكل جزء
من الرهن مضمون بكل الدين.95
94وبشهد هلذا أن أحلت املدونة على بيان صفة التبعية هلذا احلق ،خاصة يف املواد -161-158-155
. 163-162
95وهو ما تؤكده املادة : 146إن الرهن احليازي غري قابل للتجززة رغم جتززة الدين بني ورثة املدين أو
الدازن.
ال يوز ألحد ورثة املدين الذي يؤدي واجبه من الدين أن يطالب ابسرتداد نصيبه يف امللك حمل الرهن
احليازي ما دام مل يقع وفاء الدين كامال.
147
لما كان الرهن حقا عينيا تبعيا ،فإن العني املرهونة جمرد ضمان لدين
فّ
مشروع .ومن مثة فإن رهن مال مملوك على الشيوع – مثال -ال ينقض خبروج
أحد الشركاء ابلقسمة أو أبداء منابه من الدين بل تظل العني ضامنة لبقية
الدين؛ ألن الرهن ليس معاوضة -كما تقدم -بل ضمان ،وهذا ال يشرتط
فيه االنتقاص ابنتقاص االلتزام .بل إن التناسب بني العقار الرهون ومبلغ
الدين ليس مطلواب اصال .فال يزي ذلك من يؤدي منابه من أصل الدين
ليطالب ابالسرتداد ،ومن مثة فإن رهن املشاع ال ينتهي ابلقسمة ،اال ملن رهن
96
حصته املشاعة.
ويف املقابل أيضا وأتكيدا ملبدأ عدم التجزيء ،فإنه ال يوز لدازن
مرهتن إبراء املدينني الراهنني منفردا مبجرد حصوله على منابه من أصل الدين،
ألنه يف تصرفه إضرارا ببقية الدازنني ،كما فيه إهدارا لكتلة الرهن اليت ال
تتجزأ.
كما ال يوز ألحد ورثة الدازن الذي يتوصل بنصيبه من الدين أن يتخلى عن امللك موضوع الرهن
احليازي إضرارا ببقية الورثة الذين مل يستوفوا حصصهم من الدين.
96تنظر مقتضيات الفقرة الثانية من املادة ..... ":153
إذا رهن أحد الشركاء حصته امل شاعة فإن حق الدازن املرهتن ينتقل إىل اجلزء املفرز الذي آل إىل
الشريك بعد القسمة ،وإىل املدرك الذي حصل عليه الشريك لتعديل حصته ،وذلك إذا صادق الدازن
املرهتن على عقد القسمة أو كان طرفا يف الدعوى املتعلقة هبا".
148
-انقضاء الرهن احليازي
إن العقود كما هلا نشأة تنشأ هبا فإن هلا حدا تنتهي عنده لزوما،
وانقضاء الرهن يكون حبالتني كبريتني:
-حالة االنقضاء حبلول األمد :وهي حتقق الغرض من الرهن؛ فإما أن
ينتهي بوفاء املدين إنشازه ،وهي املتمثلة يف حلول الدين ابلوفاء الوفاء(
عرض عيين إذا رفض الدازن املرهتن) .ويتحقق الغرض أيضا حبلول األجل مع
عدم الوفاء ،إذ يباشر املرهتن إجراءات البيع اجلربي اليت متكنه من حق
األولوية على ابقي الدازنني يف استيفاء دينه
-حالة االنقضاء قبل حلول األمد :إن سراين عقد الرهن ال مينع من
حدوث وقازع تؤثر يف استمراره ،قبل األجل املقرر ابلعقد ،وهذه تكون
إبرادة من العاقدين أو بقوة قاهرة .فيقع ذلك بوفاء مبكر وفق ما تقتضيه
املادة 164،ألن األجل املنصوص يف العقد هو أمد يتمتع به املدين الراهن،
فال ميتنع إذن أن ينهيه إبرادته؛ وال حق للمرهتن يف التمسك ابألجل حبيث
إذا مل يقبل ذاك الوفاء املبكر فإن للراهن أن يقوم بعرض الدين عرضا عينيا
حقيقيا مث إيداعه بصندوق احملكمة ،وحتكم احملكمة برد امللك ملالكه
وابنقضاء الرهن.
149
ويتحقق االنقضاء قبل األمد أيضا بتحول يف مراكز العاقدين مما يؤثر
على اصل العقد(97احتاد الذمة ،التنازل) أو يقع هبالك العني حمل الرهن
فينتهي العقد ابلتبع اضطرارا .وقد يقع ابكتشاف متأخر أن الدين ابطل يف
أساسه فيبطل الرهن لبطالنه لقاعدة التابع اتبع ،وهي صفة التبعية اليت عربت
عنها املادة . 98161
150
- 2الرهن الرسمي:
عرف هذا الرهن يف املادة 165أبنه "حق عيين تبعي يتقرر على ملك
حمفظ أو يف طور التحفيظ وخيصص لضمان أداء دين".ويستفاد منه ابخللف
انه ال يرد على العقار غري احملفظ وال يرد أيضا على املنقول إال استثناء خاصة
يف املنقوالت اليت تعامل معاملة العقار.
وعدم وروده على ﺍلمنقﻭل واضح العلة ،وهي سهولة انتقاله من مكان
آلخر ﺩﻭﻥ تلف وعدم تسجيل ﺍلتصﺭفاﺕ ﺍلﻭﺍﺭﺩﺓ عليه ﻭأيضا لصعوبة تتبعه
يف أي يد يكون ،أما ﺍلعقاﺭ ابلتخصيص فواضح أنه أيخذ حكم ﺍلعقاﺭ
األصلي املخصص خلدمته ،مادام ﺭهﻥ ﺍلعقاﺭ ممتدا ليشمل ﺍلعقاﺭ
ابلتخصيص ﺍلمﺭتبﻁ به .كما يشمل أيضا ابالمتداد حقوق االرتفاق.
وتبقى غاية هذا الرهن ومقصده أال تغل يد املدين وال تتقيد سلطاته
على ممتلكاته ،وأن حيصل الدازن املرهتن ابملقابل على ضمانة عينية كافية مع
متتيعه ابكثر من ذمة احتياطية ،دون حاجة إىل حراسة العني املرهونة وال
حتمل نفقاهتا وال ضماهنا؛ حبيث تتاح للمدين رهون متعددة على عقار
واحد ،ابملقابل يتمتع الدازنون ابلضمان املتاح ابإلشهار مع مكنة التقدم على
بعض الدازنني ابلتوافق ،لكن االستفادة اجللى هي احرتازهم من عيوب الرهن
احليازي اليت تقدمت.
151
والرهن الرمسي يتطابق يف كثري من أحكامه مع أحكام الرهن احليازي،
بل لوال اختصاصه العقار احملفظ وابلذي يف طور التحفيظ ،مع متيزه ببقاء
حيازة العني املرهونة بيد الراهن ،ملا كانت إليه حاجة .غري أن امليزتني
املذكورتني 99فاصلتان يف ترتيب مجلة فروق .وهي الفروق اليت سنقتصر عليها
يف تقريب هذا احلق العيين من غري تكرار ملا يلتقي فيه مع الرهن احليازي إال
لضرورة ،سواء يف إنشازه أو يف آاثره أو فيما ينقضي به .لتبقى أهم مواطن
االختالف أن الرهن الرمسي ليس عقدا رضازيا يف مجيع احوال كالرهن
احليازي .فعدا عدم احلاجة فيه اىل نقل حيازة املرهون ﺇلى يد الدازن املرهتن
حبيث تبقى يف يد املدين الراهن يتمتع بكافة صالحيات املالك عليه ،ويبقى
الدازن ابملقابل آمنا مطمئنا من أي تصرفات متس حقوقه أو تضرها مادام
حقه مقيدا على ﺍلعقاﺭ املرهون ،مطمئنا ملا له من الضماانت القانونية املخولة
مبقتضاه .فاملآل واحد يف الرهنني إال أنه أحوط يف الرهن احليازي وأنفع يف
الرهن الرمسي.
99اي -1 :االختصاص ابلعقار احملفظ وابلذي يف طوره -2 ،بقاء العني املرهونة بيد الراهن.
152
-أنواع الرهن الرمسي:
إن مما جتدر إليه اإلشارة فيما تضمنه التعريف أيضا ،هو عدم تقيد
هذا احلق ابلصفة التعاقدية ،خالف ما يزعمه كثري من الباحثني اتباعا ملا يرد
يف بعض يف التشريعات املقارنة –كما يف التشريع املصري ،-ألن الرهن
الرمسي وإن كان يستلزم الشكلية لوقوعه على العقار احملفظ والذي يف طور
التحفيظ ،إال أن ذلك ال حيصره يف عقد شكلي ،ألن منه ما يقع ابلرضى
ومنه ما يقع بغريها ،وهو تنويع يعل الصفة العقدية غري كافية يف توصيفه،
كما سيأيت .لذلك ينقسم الرهن الرمسي -كما أشارت إىل ذلك املادة 170
-إىل رهن اتفاقي ورهن اجباري.
أ-الرهن اإلجباري:
تتمثل مسة اإلجبار يف هذا الرهن بوقوعه بغري إذن من الراهن وإن كان
مفتقرا إلذن احملكمة يف كل األحوال .ولقد كان هذا الرهن منصوصا يف ظهري
1333إال أن املادة 172يف مدونة احلقوق العينية قد قلصت ذوي احلق يف
ممارسة هذا الرهن لثالثة عاقدين وهم :البازع واملعاوض واملتقاسم ممن فاهتم
عقد رهن اتفاقي المتام البيع أو املعاوضة أو القسمة .وممارسة هذا احلق كما
أسلفنا تقع حتت مراقبة القضاء ،إذ يلزم التحقق من أداء طالب الرهن ش ّقه
من االلتزام 100للحصول على حكم يصري سندا ملمارسة الرهن لدى احملافظ
153
العقاري .وأبعد من ذلك أن مكنت املادة 173ذوي احلقوق من إاثرة هذا
الرهن أمام قاضي املستعجالت مبوازاة دعوى املوضوع ،كلما كانت متابعة
إجراءاهتا مفوتتة ألصل احلق نفسه ،غري أن هذا السند الصادر عن رزيس
احملكمة أو من ينوب عنه بصفته قاضيا للمستعجالت ال يسمح أبكثر من
تقييد احلق تقييدا احتياطيا إىل حني صدور احلكم النهازي ،على أن يقيد يف
101
رتبته من اتريخ التقييد االحتياطي.
ب -الرهن االتفاقي:
هذا النوع هو الرهن الرمسي على التحقيق لشدة االقبال عليه وللصفة
التعاقدية اليت تسمه؛ فلما كان ﺍلﺭهﻥ الرمسي حقا عينيا تبعيا ،فليس ينشأ ﺇال
تبعا لوجود دين ,لذلك يشرتط فيه -أي الدين -ما يشرتط يف العقود العامة
من أركان؛ وأول ذلك يكﻭﻥ الدين سبب الرهن صحيحا مشروعا يف أصله،
مث أن يكون معينا تعيينا وافيا ،من حيث مقداره وأجله ،فيما يعﺭﻑ مببدأ
101ومما جتدر اإلشارة إليه أن كانت الزوجة يف الظهري امللغى من ضمن من هلم حق ممارسة هذا الرهن
االجباري على أموال الزوج املهمل ،غري أ ن املادة اجلديدة تراجعت عند ذلك ،وإن ذهب كثري من
الباحثني اىل استصحاب ذلك احلق ابلقياس والتعدية ،إال أن ذلك يتعارض مع صفة احلصر اليت متيز
احلقوق العينية .ولذلك فإن عبارة املقنن الواردة يف املادة .." 171اليت يقررها القانون" عبارة ال يتوسع
يف اتويلها؛ فهي ت نفع يف االحالة على بعض القوانني اخلاصة ،وليس تعدية احلق إىل قانون منسوخ وهو
ظهري . 1333وإن كنا نقر أن يف ذلك تراجعا ال تسده مقتضيات املادة 49من مدونة االسرة وال قانون
103.13املتعلق حباالت العنف ،لطبيعته الزجرية اليت تكسب حقوقا.
154
ختصيص الرهن .واستنادا لقاعدة التبعية تلك ،فإنه ميكن ضمان الدين القابل
لإلبطال لكن نفاذه متوقف على مآل املديونية ذاهتا.
غري أن قاعدة التبعية هلا شوارد؛ ومن ذلك صحة رهن من زالت
ملكيته أبثر رجعي خالفا لألصل ،وما ذلك إال ضماان للدازن املرهتن حسن
النية ،الذي اطمئن لسند ﺍلملكية فأقﺭﺽ املالك ﻭقبل الرهن ,ومل يكن يعلم
بسبب البطالن ﺃﻭ ﺍلفسخ .مستفيدا من الطبيعية العينية للرهن اليت ختول
ابتداء حق التتبع واألولوية .على أن حسن النية الضامنة حلقوق املقيد يف
الرسم ،مسألة مﻭضﻭع يستقل بتقديرها القاضي عن حمكمة النقض.
وعدا هذه ،فإنه ينبين على إنشازه ابالتفاق –كما يف الرهن احليازي-
لزوم حتقق شروط العقد املعلومة مبا يف ذلك شروط العني حمل الرهن102؛
فهذه العني سواء كانت ملكية مفرزة أو على الشيوع فإهنا ملا كانت حمال
للرهن وركنا يف العقد فإن وجودها حني التعاقد حتم ،لذلك يبطل رهن املال
املستقبلي الذي حيتمل وجوده.103
،102فهذا ملا مل يكن يشرتط فيه احلوز ،فإن ذلك ال مينع أن يرهن ما رهن رهنا رمسيا يف وقت سابق.
أي أن رهنا رمسيا سابقا ال مينع من انعقاد آخر جمددا على ذات العني لضمان رهن آخر .ويثور سؤال
آخر هبذا الصدد هل يصدق ذلك على ما رهن رهنا حيازاي.؟ اجلواب إن احليازة مانعة ألن مقصدها
حوز العقار املرهون الستيفاء الدين منه .فال يقع أن حيل دين رهن رمسي يف عقار مرهون رهنا حيازاي،
وإال صار األخري عبثا.
103املادة 183ال يوز رهن األمالك اليت قد حيصل عليها استقباال.
155
ويلزم التمييز هبذا الصدد بني هذا الوجود الواقعي للعني وبني وجودها
القانو ي ،ونقصد بذلك إمكانية إنشاء رهن على عقار يف طور التحفيظ.
كما نُص على ذلك يف التعريف .فهذا العقار موجود وجودا فعليا واستفاد
من توسيع مفهوم التحفيظ ملا بوشرت فيه مسطرة التحفيظ ،غري أن احتمال
تقلص العني أو أن تنتقل بقبول التعرضات من صاحب املطلب الراهن إىل
حازز أجنيب عن الرهن يثري مجلة إشكاالت مهددة للضمان املفرتض يف الرهن
الرمسي لصاحل املرهتن الذي ليس له إال أن يسجل ايداعا وفق املادة 84من
ظهري التحفيظ العقاري لالستيثاق ،إال أهنا تبقى خماطرة دون الضمان املتاح
يف العقار احملفظ ،خصوصا وأن قضاء حمكمة النقض استقر على أن حتقيق
الرهن ال يتم إال بعد التسجيل يف الرسم العقاري ،مع ما قد يطرأ على وضع
104
الراهن ،وهي مسالة نثريها يف آاثر الرهن.
وأما إمضاء عقد الرهن ،فيتواله العاقدان بنفسيهما أو يباشر ذلك
عنهما كفيليهما أو انزبيهما .إال أن يكون الراهن ويل قاصر مل يرشد وال بلغ،
فإن أمواله ال ترهن إال إبذن من القاضي .أاي كان ذلك القيم على أمواله؛
سواء كان وليا أو وصيا أو مقدما ،كما شددت على ذلك املادة 178خروجا
عن القاعدة العامة يف الوالية ،وما ذلك إال احرتاز من املساس حبقوقه من
ثقل آاثر الرهن.
104وهذه قضية إمنا أشران إليها يف هاهنا يف االنشاء ملا يقتضيه وإن كان موضعها يف آاثر الرهن كما
سيأيت.
156
ع لى أن ما أشران إليه من لزوم انضباط لشروط العقد الشكلية عقد
الرهن الرمسي ال تنفي رضازيته ،فيحق للمرهتن أن يشرتط يف العقد على
الراهن عدم التفويت أو التصرف يف العني إىل حني حلول أجل الوفاء ،فإن
ذلك ال يناقض أصل الرهن وال هو مساس حبقوق الراهن مادام قد وقع
ابلرضا.
كما أن اشرتاط التحديد الوايف للدين قد يسمح ابخلروج عن قاعدة
التبعية واشرتاط الوجود القبلي للمديونية ،ال مينع يوز إنشاء رهن رمسي
ضماان العتماد مفتوح أو حساب جاري شريطة حتديد سقفه ابلعقد املبني
رتبة الرهن من اتريخ التقييد .105لكفاية قاعدة التعيني الكايف والوجود
احلكمي املعروفة فقها وقانوان -كبيع السلم ,-ألن العقود يف الفقه االسالمي
نفسه ال تشرتط وجود العني حمل العقد وجودا حتميا وامنا تشرتط حتقق
وجوده نفيا للغرر واجلهالة .وهكذا فإن االعتماد املفتوح وإن ظهر وكأنه دين
متأخر عما رهن به إال أن قياسه على السلم يسمح به.
وأما ما تعلق بتوثيق هذا الرهن ،فإن املادة 174وإن اشرتطت أن
ينعقد الرهن االتفاقي كتابة برضى الطرفني وأنه ال يكون صحيحا إال إذا قيد
ابلرسم العقاري .إال أن ذلك ال يشرتط رمسية التحرير يف كل رهن رمسي .وهو
105تنظر املاداتن 179و 180من املدونة .وجتدر االشارة هبذا الصدد أن ﺍلبنﻙ يشرتط على ﺍلعميل
تقﺩيﻡ ضماناﺕ كافية إلصﺩﺍﺭ خﻁاﺏ ﺍلضماﻥ ,خاصة حتديد ﺍلحﺩ ﺍألقصى للﺩيﻥ ,على ﺃﻥ يحدد
عقـﺩ ﺍلﺭهﻥ مبلغ الدين املضمون ,ﺃﻭ ﺍلحﺩ ﺍألقصى ﺍلﺫﻯ ينتهى ﺇليه هﺫﺍ ﺍلﺩيﻥ.
157
أمر مقبول مادام التلقي يكون بني يدي احملافظ يف الرهون موضوع ديون دون
106
مخسون ومازتا الف درهم (250000درهم) مبقتضى املرسوم التنظيمي
بل إن التقييد يف الرسم العقاري نفسه يطاله االستثناء؛ إذ ميكن
للعاقدين إنشاء رهن يؤجل تقييده يف الرسم العقاري يف كل دين قصري ملدة
ال تتجاوز 90يوما ،دون أن يفقد رتبته يف الرهن ،بشرط االخطار الكتايب
للمحافظ؛ فيضمن ابلرسم وال يشار إليه يف النظري .وهذا اإلجراء املمكن
مبقتضى املادتني 184و 185حيمي أطراف عقد الرهن ،مع ما فيه من
تدليس على ابقي املرهتنني مهدد لقاعدة االشهار املقصودة يف الرهون الرمسية.
لذلك ،وحفاظا على حقوق األطراف مجيعا ،فإن هذه املكنة تصري ظاهرة
وتقيد يف السجل العقاري ،إذا مل يف الراهن بدينه داخل األجل القصري
املذكور .لذلك يتلقاه احملافظ وال يشهره إشهارا يف الرسم إال بعد األجل على
أنه أيخذ رتبته من اتريخ إنشازه ال من اتريخ إشهاره .وميكن للدازن املرهتن
أن يطلب قبل انصرام املدة املذكورة تقييد حقه بصفة نظامية ليأخذ رتبته من
اتريخ التقييد االحتياطي الذي يتعلق به .وينتهي مفعول التقييد االحتياطي
106ال تسري أحكام املادة 4أعاله على إنشاء أو نقل أو تعديل أو إسقاط الرهن االتفاقي املقرر
لضمان أداء دين ال تتجاوز قيمته املبلغ املايل احملدد بنص تنظيمي (.مت تتميم أحكام املادة 174أعاله
مبقتضى مادة فريدة من القانون رقم 22.13القاضي بتتميم املادة 174من القانون رقم 39.08املتعلق
مبدونة احلقوق العينية؛ اجلريدة الرمسية عدد 6208بتاريخ 24حمرم 28( 1435نوفمرب ،)2013ص
).7328
158
للرهن املؤجل ويشطب عليه تلقازيا إذا مل ينجز التقييد النهازي حلق الدازن
املرهتن خالل املدة املذكورة.
-آاثر الرهن:
إن مسة الرهن الرمسي تظهر أكثر ما تظهر يف آاثره ،ولقد اراتينا أن
نقسمها إىل ثالثة على غري املعتاد،فنقدم االاثر اليت تقع على العني املرهونة
نفسها ،107قبل أن نشري إىل آاثره على الراهن واملرهتن معا دومنا فصل بسبب
تداخل تلك االاثر ،مث آباثره على االغيار وهي آاثر ميزة مرتبطة
-أثر الرهن الرمسي على العني املرهونة:
عدم قبول ﺍلتجﺯئة -كما تقدم يف الرهن األثر ﺍلﺭهﻥ على العني ُ
احليازي أيضا ،-ليشمل العني وملحقاهتا مبا هو قيد يف الرسم العقاري برتبة.
ومفاده أن الدين مضمون بكل العني املرهونة والعكس ابلعكس؛ فكل ﺍلعقاﺭ
ﺍلمﺭهﻭﻥ وملحقاته وحتسيناته وإضافة تضمن الوفاء ابلدين ،حبيث لو قسم
هﺫﺍ ﺍلعقاﺭ ﺍلمﺭهﻭﻥ -مثال -بتصرف املدينني يف حال تعددهم بسبب وفاة
املدين األصلي ,فإﻥ تلك الواقعة ال اعتداد هبا وال أتثري هلا على الرهن ،إذ
حيق للمرهتن ﺍلتنفيﺫ على مجيع ﺍلعقاﺭ أو خيتار جزء منه ابختياره ليستويف حقه
107تدرج عند الكثريين ضمن ااثره على الراهن واملرهتن اتباعا لتقسيم املدونة ،لكننا نظن االشارة اىل
االثر على العني مهم بسبب مجلة مشكالت مرتبطة ابلعني ،كتحقيق الرهن الرمسي على العقار يف طور
التحفيظ.
159
من مثن بيعه ،دومنا احتجاج مقبول من أي من املتقامسني أو حىت املشرتين،
يف احلالة ...ويرتتب عليه أنه ﺇﺫﺍ ابع الراهن جزءا من العقار املرهون ،فإﻥ
للدازن املرهتن ﺃﻥ ينفذ بكل حقه على ﺍلجﺯﺀ من ﺍلعقاﺭ الذي ذل على ملك
الراهن ،كما له ﺃﻥ ينفذ به على ﺍلجﺯﺀ الذي انتقلت ملكيته ﺇلى ﺍلمشتﺭﻯ.
وابملقابل فإن سداد جزء من الدين ال يسقط الرهن عن جزء من ﺍلعقاﺭ
ﺍلمﺭهﻭﻥ بنسبة ما سدده املدين؛ بل يظل ﺍلعقاﺭ كله ضامنا للجﺯﺀ الباقي
من الدين.
ومن فروع عدم التجزيء ما نصت عليه املادة 182من أن الرهن
الذي يربمه مجيع الشركاء يف ملك مشاع حيتفظ أبثره على كافة امللك كيفما
كانت نتيجة القسمة؛ فإذا رهن أحد الشركاء حصته املشاعة فإن حق الدازن
املرهتن ينتقل إىل اجلزء املفرز الذي آل إىل الشريك بعد القسمة وإىل املدرك
الذي حصل عليه الشريك لتعديل حصته وذلك إذا صادق الدازن املرهتن
على عقد القسمة أو كان طرفا يف الدعوى املتعلقة هبا .فال يضار الدازن
املرهتن ابنتقال ﺍلﺭهﻥ أبي وجه ،اعتبارا ألحكام ﺍلحلﻭل العيين.
ولكن هذه ﺍلقاعﺩﺓ -قاعدة عدم التجززة -ليست من النظام ﺍلعاﻡ،
بل تليب حاجات ومصاحل خاصة ،فإﺫﺍ ﺭﺃﻯ الدازن أن يوقع اتفاقا مع املدين
على تعطيل حكمها كان له ذلك ،بسبب عﺩﻡ حاجته إليها مفضال االعتداد
ابلتقسيم والتجززة للعقاﺭ ﺍلمﺭهﻭﻥ أﻭ قصﺭ حقه على بعض ﺍلمﺭهﻭﻥ ﺩﻭﻥ
ﺍلبعﺽ ملا يراه من مصلحته الفضلى.
160
ومن ذلك أيضا أن ورد أبول املادة 195اليت جتعل "ابطال كل شرط
يرمي إىل بيع امللك املرهون دون إتباع اإلجراءات القانونية املقررة" .فإن هذا
املقتضى وإن كان أثرا للرهن على العني املرهونة ومنسجما مع مبدا عدم متلك
العني ،فإن ذلك ال مينع – كما نبهت على ذلك الفقرة الثانية من املادة
نفسها -أنه ميكن بعد حلول أجل أداء الدين أن يتفق املدين مع دازنيه على
بيع امللك املرهون دون إتباع هذه اإلجراءات .مما يعين أن املقصود ابملنع يف
أول الفقرة هو االتفاق على البيع قبل حلول األجل ،وهي مسالة منطقية
حفاظا على حقوق األغيار ،ألن مسألة الرتتيب مسألة مركزية يف احلقوق
املرتبة على الرهن الرمسي .
وتلزم اإلشارة وحنن بصدد أثر الرهن الرمسي على العني املرهونة ،أن
نشري إىل أثره على العقار الذي يف طور التحفيظ ،فهذا حكمه التوقف يف
حتقيق هذا الرهن إىل حني تبني مآل مسطرة التحفيظ اليت ال تتم إال إبنشاء
الرسم العقاري ،وهي وضعية مشكلة بسبب اإلحلاق الذي ألزم به التعديل
الذي طال قانون التحفيظ العقاري ،ملا حسم مادة اخلالف املثارة قبل
التعديل ليدرج العقار الذي يف طور التحفيظ يف مادته األوىل ضمن ما
يرتتب عليه أثر التحفيظ .واإلشكال حيصل ابلتعارض بني اطمئنان املرهتن إىل
ضمان حقه بتقييد رهنه وبني وقف حتقيق الرهن -ولو ببلوغه أجل السداد-
إىل حني أتسيس الرسم العقاري ،مع ما قد يطرأ على العني من تقليص يف
املساحة يعمد إليه طالب التحفيظ نفسه طوعا أو كرها مبوافقته على بعض
161
التعرضات لقوة مستندها ولرغبته يف إمتام إجراءات التحفيظ ابمسه .وأتمل
هذه الوضعية جتعل هذا الرهن من غري طازل ملا كان ال ينتج أثرا ،108ومفوات
ّ
ملقصد الرهن الرمسي من أساسه ،وإن كنا نقدر أن هذا االشكال إمنا أهنى
جدل مسمى التحفيظ ليفتح آخر خبصوص جدوى مسطرة الرهن الرمسي
للعقار يف طور التحفيظ.
أثر الرهن الرمسي على الراهن واملرهتن
لن نعيد اآلاثر املطابقة آلاثر الرهن احليازي عليهما ،بل نكتفي مبا
ترتب عن تبادل االلتزامات؛ إذ تنقلب بعض آاثر الرهن احليازي يف الرهن
الرمسي؛ فما كان حقوقا للراهن تصري التزامات منه ،ولعل أمهها ضمانه العني
املرهونة واحلفاظ عليها حتت عهدته ومسؤوليته وإن كان هو املالك هلا ،خالفا
ألصل سلطات املالك وما ذلك إال بسبب بقاء العني املرهونة بيده .مث
االحتجاج به على الغري من إن انعقاد الرهن إمنا يهدف إىل متكني املرهتن من
الدازنني اآلخرين أو من تنتقل إليهم ملكية العقار.
108سبق حملكمة النقض أن قضت بتعذر حتقيق الرهن إىل حني انتهاء إجراءات التحفيظ اليت يتوجها
إنشاء الرسم العقاري ،فقد جاء يف أحد قراراهتا" ...الرهن الواقع على عقار يف طور التحفيظ هو رهن
رمسي ،ال ميكن حتقيقه قبل اتسيس الرسم العقاري 879بتاريخ 27ماي ،2009واستأنست بذات النهج
الحقا احملكمة التجارية بوجدة ملا عللت عدم قبول طلب حتقيق رهن على عقار يف طور التحفيظ
فكونه " ال يعدوأن يكون جمرد إيداع...فإذا حتول( املطلب) اىل رسم يف اسم املدين الراهن أصبحالرهن
ا لرمسي منتجا آلاثره القانونية ،أما قبل ذلك فال ينتج أاثرا (حكم صادر بتاريخ 1نونرب 2011حتت
عدد 11/552يف امللف 5/8/503منشور مبجلة احلقوق عدد مزدوج 17-16
162
فيلتﺯﻡ املدين الراهن بضمان سالمة املرهون ،مع بقاء حقوقه ابعتباره
مالكا ،ﻭﺃهمها حقه في مثار ﻭغالﺕ ﺍلمﺭهﻭﻥ ،ﻭليﺱ للدازن املرهتن ﺃﻥ
يتعرض على ذلك حىت ما قبل تسجيل تنبيه نزع امللكية.
مث إن بقاء العني بيد الراهن ميكنه من إنشاء رهون متعددة على ذات
العني ،فيستتبع ذلك ترتب رتب تكتسب وحترتم تباعا ابعتبار اتريخ تقييدها،
وهي رتب ميكن للدازنني املرتهنني التصرف فيها فيما بينهم ابلتنازل ،مبقتضى
املادتني 197و. 198
أما الدازن املرهتن فله ﺍلحﻕ يف التنفيذ على ﺍلعقاﺭ ﺇﺫﺍ ما حل أجل
الدين ﺩﻭﻥ وفاء ،مع حقيه القويني يف األولية ﻭفى ﺍلتتبع ،حبيث لﻭ تصرف
املدين يف املرهون أثناء قيام الرهن فإن ذلك ال مينع املرهتن من حق التنفيذ
على ﺍلمﺭهﻭﻥ حتت يد احلازز .بل للدازن املرهتن أيضا أن يطالب ابلوفاء
مبجرد هالك العني املرهونة ،إذ يعترب ذلك وقتا للوفاء ولو كان قبل األجل
املنصوص .ويستفيد الدازن املرهتن أيضا مما اقتضت املادة 191حبيث ينتقل
حق الدازن املرهتن عند هالك امللك املرهون أو تعييبه أو نزع ملكيته ألجل
املنفعة العامة إىل املال الذي حيل حمله كمبلغ التأمني أو التعويض أو مقابل
نزع امللكية ،وللمرهتن أن يستويف حقه من هذه األموال وفقا ملرتبته.
وتثور مشكلة خبصوص ما تضمنته املادة 168من آاثر ،فلما مسحت
للدازن الذي قيد رهنه لضمان أصل دين ،فإهنا مكنته من استيفاء فوازد أو
استحقاقات دورية له احلق أن يقيدها يف نفس الرتبة اليت قيد فيها أصل
163
الدين وذلك الستيفاء املستحق منها عن السنة اجلارية واليت قبلها فقط،
شرط أن يكون هذا احلق انشئا عن عقد الرهن ومقيدا ابلرسم العقاري وأن
يكون سعر الفازدة معينا .ووجه املشكل أن ظهري االلتزامات والعقود نص
على أن اشرتاط الفازدة بني املسلمني يقع ابطال ،وهو اشرتاط وإن تعلق
ابألشخاص الطبيعية والرهن الرمسي يقع من االشخاص الطبيعية واالعتبارية
اليت ال تقيد بذلك الشرط ،إال أن االحالة على قانون االلتزامات والعقود
الزمة ألن الرهن الرمسي حق عيين تبعي صحته رهينة بصحة الدين ،لذلك
فإن يف املخول يف املادة 168مناف لألصل يف الرهون املنقولة على األقل.
-أثر الرهن الرمسي على غري العاقدين:
إن أهم أثر مييز الرهن الرمسي من هذه احليثية عن الرهن احليازي ،هو
محاية األغيار عن الرهن ،ويقصد هبم خاصة احلازز من غري أطراف الرهن،
وهو من آل إليه العقار املرهون بسبب بقازه بيد الراهن وتصرف فيه تصرف
املالك ,واحلازز املقصود ابالعتبار ذو احليازة املشروعة " 109إخراجا للحيازة
الواقعية،
-من تبعات بقاء العني املرهونة بيد الراهن أن احلازز قد يكون
شخصا من األغيار االجانب عن الرهن ،فلئن كان ذلك ال مينع من حتقيق
الرهن بسمو قاعدة األولية ،فإن ذلك احلازز تصري له حقوق كما تكون عليه
109عرفت املادة 200احلازز صراحة أبنه يعترب حاززا للملك املرهون " كل من انتقلت إليه ملكيته
بتقييده ابلرسم العقاري دون أن يكون ملتزما شخصيا ابلدين".
164
التزامات؛ فيوقع ﺍلحجﺯ ﺍلتنفيﺫي عىل العني املرهونة وتباع ابملزاد العلين بعد
رد ما بقي إىل احلازز ،وأما مل
أمر احلازز ابلتخلي ،حىت إذ استﻭفي الدين ّ
يستوف املرهتن ماله من الرهن كامال عاﺩ كما يعود بقية الدازنني العاديني
على املدين ،فـال ﺃفضيلة ﻭال تتبع .بل تتحكم قاعدة ﺍلمساﻭﺍﺓ بني الدازنني
العاديني الوضع اجلديد.
لكن احلازز ابملقابل وإن كان مواجها بقاعدة التتبع اليت تعمل لصاحل
املرهتن ،فإنه ملا مل يكن طرفا يف عقد الرهن أو سنده ،فإنه متتع جبملة حقوق
ال يتمتع هبا الراهن نفسه ،إذ له أن حيل حمل املدين يف الوفاء من غري وكالة
سابقة ،بل تكفيه لشرعية ذلك حيازته .وله أن يعرتض أصالة على البيع
بتوجيه املرهتن إىل مال آخر للراهن املدين للوفاء منه .أما أذا ابشر املرهتن
مسطرة حتقيق الرهن فله حق املشاركة يف املزاد العلين وهو ما ليس متاحا
للراهن .بل إن له أن يطلب اسرتجاع حيازة املرهون كلما تعثر مسطرة البيع
اجلربي .وكل هذه األحوال جتعله حيظى ابمتيازات ال حيظى هبا املدين
االصيل ،وما ذلك إال اعتبارا لوضعه املختلف عن وضع املدين .وختضع
التزاماته هي األخرى هلذا االمتياز ابلتخفيف ،فال يسال عن ضمان العني
املرهونة إال من اتريخ توجيه االنذار إليه ابلتخلي عن احليازة .ويستفيد
استفادة فريدة وهي ان احلقوق اليت كانت له قبل احليازة ،فإنه يسرتجعها
بتسجيلها من جديد على احلالة اليت كانت قبل يف الرسم العقاري ،جربا
165
لتخليه .وابلتايل فما فقد الحتاد الذمة بسبب احليازة يعود من جديد ليأخذ
رتبته ضمن احلقوق الواقعة على العني املرهونة رمسيا.
د -انقضاء الرهن الرمسي:
166
حمضر إرساء املزايدة ابلرسم العقاري انتقال امللك إىل من رسا عليه املزاد
وتطهريه من مجيع االمتيازات والرهون وال يبقى للدازنني حق إال على الثمن.
وهكذا ،فإذا ختلف الراهن عن الوفاء يف األجل املنصوص يف العقد،
وكان ذلك األجل سببا النقضاء الرهن ،فضال عن أن العني املرهونة ال
تعاوض ابلدين .فإن كل ذلك ميكن املرهتن من سلوك مسطرة البيع اجلربي،
إبذن من احملكمة وبعد توجيه االنذار يف اآلجال املقررة يف قانون املسطرة
املدنية ويف مدونة احلقوق العينية .وتكون الشهادة اخلاصة بتقييد الرهن
ابحملافظة العقارية السند التنفيذي الذي تعتمد احملكمة يف اإلذن مبباشرة
إجراءات البيع اجلربي ،وهو ما نصت عليه املادة 214من مدونة احلقوق
العينية حميلة على املقتضيات املنظمة لذلك السند يف الفصل 58من ظهري
التحفيظ العقاري .وإذا ما كان حمل الرهن عقارات متعددة ،فإن كل واحد
منها رهني إبذن خاص من رزيس احملكمة مبراعاة االختصاص الرتايب نفوذها.
167
-3حق االمتياز
أخرانه وحقه التقدمي لقوته ،وهو أتخري لبيان ميزته ،وهي أن صاحبه
وإن أتخر اترخيا واستحقاقا فإن يتقدم مبا منح من قوة قانونية .بل إن من
قوته أن ال حيتاج -خالفا جلميع احلقوق العينية األصلي منها والتبعي -إىل
تقييد أو تسجيل يف السجل العقاري ،فله نصيب إذن من امسه
وحق االمتياز حق عيىن تبعى لصاحبه األفضلية على اجلميع ىف
اقتضاء حقه ،112وبعبارة املادة 142فإن االمتياز "حق عيين تبعي خيول
للدازن حق األولوية على ابقي الدازنني ولو كانوا مرهتنني".
ولقد نصت املادة 144على الدينني املميهزين هبذا احلق ،ومها:
-املصاريف القضازية لبيع امللك ابملزاد العلين وتوزيع مثنه
112ال خيلط االمتياز الذي هو حق عيين تبعي ابالمتياز اخلاص ابحلق الشخصي الوارد يف العقود على
املنقوالت ،كما ىف امتياز ابزع على احملل املبيع ضماان لوفاء املشرتى ابلثمن وملحقاته فإنه ال حيق
لصاحب احلق املمتاز أن حيتج حبقه ىف مواجهة احلازز حسن النية الذى انتقلت إليه حيازة املنقول وهو
يهل بوجود حق االمتياز.
لكن إذا ورد حق االمتياز اخلاص على عقار كما هو احلال ىف امتياز ابزع العقار على العقار املبيع
ضماان لوفاء املشرتى ابلثمن فإنه يلزم قيد حق االمتياز حىت ميكن لصاحب هذا احلق االحتجاج به
على الغري.
168
-حقوق اخلزينة كما تقررها وتعينها القوانني املتعلقة هبا.
ومها كما يظهر فرعني جلهة واحدة ،وهي املال العام.
وحقيقة هذا احلق -كما يف آخر تعريفه– أن الدازن متقدم على مجيع
الدازنني ،مبا فيهم املرهتن يف الرهن احليازي .مما يفيد أن القبض نفسه ال حيول
دون تقدم صاحب حق االمتياز وأفضليته يف االستيفاء .لكن هذا احلق ال
خيول صاحبه حق التتبع كما يظهر ،ألن خاصية االسبقية مستقلة عن
خاصية التتبع يف احلقوق العينية .لذلك فاألفضلية هي األليق بوصف حق
االمتياز لعدم افتقاره إىل إشهار وابلتايل ليس للدازن هبذا احلق تتبع العني حمل
االمتياز من يد احلازز ممن انتقلت إليه امللكية انتقاال مشروعا ،وهذا وجه
املخالفة لسلطة الراهنني .مبعىن أن صاحب حق االمتياز ينتظر حبقه إجراءات
البيع اجلربي .وإن مما يزكي صفة األفضلية يف هذا احلق دون صفة التتبع ما
يلحظ من إحجام اخلزينة عن سلوك ما هو خمول حبق االمتياز ،لسببني
يستنتجان بقليل أتمل ومها:
169
-جتد اإلدارة يف الرهن الرمسي مندوحة عن صعوابت حق االمتياز
من جهة التتبع ،هذا عدا أهنا ال تكون مستعجلة يف استخالص دينها،
لدرجة أهنا غالبا ما تتنازل عن رتبتها يف الرهن الرمسي نفسه.
وابلرجوع إىل ما يف هذا احلق من مقتضى تفضيلي ،حىت على املرهتن
احلازز يف الرهن الفقهي .فإن يف ذلك بعض املخالفة للفقه االسالمي الذي
ال يقدم فيه حق على حق املرهتن احلازز .وهو ما يدعوان أن نذكر حبضور
هذا احلق يف الفقه االسالمي .فقد حاول بعض الفقهاء توجيه حق االمتياز
ليجدوا له شبها من أحكام الفقه االسالمي ،وذلك يف مثرة اخلالف بشأن
امتداد ذمة امليت يف ماله إىل ما بعد الوفاة كما هو مشهور عند املالكية
والشافعية خالفا للحنفية ،وكذا يف مسازل أخرى غريها كتقدمي حق الزكاة
على الدين وهو رأي الشافعية .113لكن إشهار هذه الديون املمتازة يف الفقه
االسالمي أوجب مما هو عليه احلال يف التقنني ،ولعل السبب واضح؛ فهذه
الديون يف الفقه ديون أشخاص ذاتيني وليست ملكا للخزينة ،مبا يف ذلك
حق الزكاة يف مصارفه الثمانية املعلومة.
113ينظر هذه املسازل جمملة يف كتب املذاهب :القوانني الفقهية ،ص , 333الشرح الصغري للدردير:
،618-614/4مغين احملتاج ،14-12/3:الدر املختار ،535/5 :املغين البن قدامة530 /6 :
170
الفهرست
171
-امللكية ابالشرتاك48.............................................. :
-1الشيوع االجباري50........................................... :
-2امللكية الشائعة53.............................................. :
-االنتفاع ابلشيء الشائع54........................................ :
-انقضاء الشيوع57................................................ :
انقضاء الشيوع ابلقسمة59.......................................... :
انقضاء الشياع ابلشفعة 66............................................
أسباب كسب امللكية76............................................. :
-االستيالء (أو إحراز املباحات)77................................. :
-إحياء املوات 79...................................................
-حرمي األرض 81.....................................................
-االلتصاق 83.......................................................
-احليازة( أو وضع اليد)88......................................... :
-املغارسة94....................................................... :
امللك الناقص :أو احلقوق العينية األصلية املتفرعة عن حق امللكية96...
-حق االرتفاق 98...................................................
172
-حق االنتفاع 106 ..................................................
-حق االستعمال114 .............................................. :
-حق العمرى 117 ..................................................
-حق السطحية121 ............................................... :
-حق الكراء الطويل األمد 124 ......................................
-حق احلبس 127 ...................................................
-حق الزينة129 ................................................... .
-حق اهلواء والتعلية 133 ............................................
احلقوق العينية التبعية 138 ............................................
-الرهن احليازي141 ............................................... :
-الرهن الرمسي151 ................................................ :
-حق االمتياز 168 ..................................................
الفهرست 171 .......................................................
173