You are on page 1of 27

‫اململكة املغربية‬

‫جامعـة عبـد املالـك السعـدي‬


‫كليـة العلـوم القـانونيـة واالقتصاديـة واالجتماعيـة‬
‫طنجــة‬

‫ماستر المهن القانونية والقضانية‬


‫السداسي ال ثالث‬
‫مادة ‪ :‬الترجمة وتحلثل ال نصوص القانونية‬

‫عرض تحت الع نوان‬

‫دراسة نقدية‬
‫قانون االلتزامات والعقود‬
‫من إعداد الطلبة الباحثين‪:‬‬
‫تحت إشراف الدكتور‪ :‬أمين أعزان‬ ‫زليخة العلمي‬ ‫•‬
‫خالد لغزيوي‬ ‫•‬
‫خالد جاوزي ادريسي‬ ‫•‬
‫زبيدة احميدوث‬ ‫•‬
‫كريمة السعيدي‬ ‫•‬
‫سناء النادي‬ ‫•‬
‫ابتسام الرغيوي الحمزاوي‬ ‫•‬

‫‪ 0‬السنة الجامعية‪2024-2023 :‬‬


‫مقدمة‪:‬‬
‫يحتل قانون االلتزامات والعقود المغربي مكانة متميزة في النظام القانوني فهو يعتبر‬
‫العمود الفقري في التشريع المغربي‪ ،‬وفي نفس الوقت الشريعة العامة وهي من القوانين التي‬
‫تفرعت عنه‪ ،‬فمدونة األسرة‪ ،‬مدونة التجارة‪ ،‬قانون الشغل‪ ،‬إلى التحفيظ العقاري حيث يشتمل‬
‫في عمقه على النظرية العامة االلتزامات التي تضل صالحة للتضييق كلما كان هناك فراغ أو‬
‫نقص في جانب من الجوانب القانونية التي تهم الفروع المنبثقة عنه‪.‬‬
‫والواقع أن قانون االلتزامات والعقود ما هو االرث موروث عن الحماية الفرنسية إذ تم‬
‫وضعه في فترة حاسمة من تاريخ المغرب‪ ،‬عندما كانت فرنسا في أمس الحاجة إلى المؤسسة‬
‫القانونية التي نعرض لها نموذجا في المغرب‪.‬‬
‫وقد تم وضع هذا القانون بظهير ‪12‬غشت ‪1913‬باالستناد إلى الفصل األول من اتفاقية‬
‫الحماية بين المغرب وفرنسا المبرمة بفاس ‪ 30‬مارس‪ 1912 ،‬وهي نقطة التحول على مستوى‬
‫المنظومة التشريعية المغربية‪ ،‬حيث تم االنتقال تدريجيا من تطبيق أحكام الفقه اإلسالمي‬
‫وخصوصا المذهب المالكي إلى قوانين عصرية‪.1‬‬
‫وقانون االلتزامات والعقود المغربي في الواقع ما هو إال صورة طبق األصل للمجلة‬
‫التونسية االلتزامات والعقود التي تم وضعها من طرف الحماية الفرنسية بتونس سنة ‪1906‬‬
‫ويعتبر مزيجا قانونيا ألحكام الفقه اإلسالمي والتشريعات األوروبية‪ ،‬وعلى الرغم من مرور‬
‫قرن من الزمن على صدور القانون والعمل به في المغرب‪ ،‬فهو بقي صامتا في وجه رياح‬
‫التغير إلى اآلن‪.2‬‬
‫لكن هذا القانون بدأ يتعرض لسهام النقد من طرف المهتمين بالمجال القانوني سواء كانوا‬
‫أساتذة أو قضاة أو باحثين‪ ..‬كما أنه يشتمل على ‪ 1250‬فصال بما في ذلك النصوص المكررة‬
‫والملغاة وهي موزعة في مجملها على كتابين‪ .‬تناول أولهما النظرية العامة االلتزامات) من‬

‫االلتامات والعقود‪ ،‬مقال منشور بمجلة القانون واالقتصاد العدد‪.57،5‬‬ ‫ز‬ ‫‪ - 1‬محمد شيلح‪ ،‬أصول قانون‬
‫ز‬
‫وااللتامات التونسية‬ ‫‪ - 2‬فعىل سبيل المثال الفصول ‪( 114‬إىل غاية ‪ 112‬ق‪.‬ل‪.‬ع ) ليس ه ناك ما يقابلها ز يف مدونة العقود‬
‫ظهت ‪ 21‬يناير ‪ 2011‬المنظم‪.‬‬ ‫بمقتض الفصل ‪ 01‬من ر‬ ‫ز‬ ‫والت ألغيت بدورها‬
‫وه فصول تتعلق بأحكام الوفاء بالشيك ي‬ ‫ي‬

‫‪1‬‬
‫الفصل األول إلى غاية الفصل ‪( 477‬بينما تناول الثاني فصول بعض العقود المسماة وقد‬
‫خصص لها المشرع ما يقرب من ثلثي نصوص المدونة) من الفصل ‪ 478‬إلى غاية الفصل‬
‫األخير‪.3‬‬
‫غير أنه باستقراء العديد من فصول قانون االلتزامات والعقود يتضح ٲ نها تتضارب مع‬
‫نصوص بعض القوانين الخاصة‪ ،‬كما أن هذا القانون ما يزال يتضمن عدة مقتضيات أصبحت‬
‫متجاوزة في الوقت الذي عرفت فيه مختلف الفروع القانونية المشكلة للترسانة التشريعية المغربية‬
‫إصالحات جذرية غيرت معالم أصولها بدءا من مدونة التجارة(‪ ،)1996‬وقوانين الشركات(‪-1997‬‬
‫‪ ،)1996‬ثم المدونات ذات الطابع االجتماعي التي أسفرت عن ميالد مدونة جديدة االسرة‬
‫(‪ )2004‬وأخرى منظمة للشغل (‪ )2003‬وذلك نتيجة االنخراط المغرب ضمن المنظومة‬
‫الدولية للتبادل الحر وفتح األسواق أمام المنتوجات العابرة للحدود وفقا لقواعد العولمة التي‬
‫غيرت الكثير من مالمح النظام القانوني المغربي حتى يتناسب مع التوجه الجديد االقتصاد‬
‫العالمي الليبرالي‪.‬‬
‫وقد تعددت المحاوالت التي استهدفت قانون االلتزامات والعقود قصد إصالحه ليكون في‬
‫مستوى التطورات التي عرفتها النظرية العامة االلتزامات عموما ونظرية العقد على وجه‬
‫الخصوص لكن رغم ذلك كله ظل قانون االلتزامات والعقود كباقي النصوص المدنية في منأى‬
‫عن اإلصالح باستثناء بعض التغييرات الطفيفة التي طرأت عليه في مناسبات محدودة جدا‪.‬‬
‫وانطالقا مما سبق سنطرح التساؤل الرئيسي التالي‪:‬‬

‫• ماهي مظاهر اضطراب قانون االلتزامات والعقود في وجه‬


‫التحوالت االقتصادية واالجتماعية؟‬
‫• ما مدى قابلية مضامينه لإلصالح؟‬

‫بمقتض القانون رقم ‪ 99-65‬المؤرخ ز يف (‪ )2003/09/11‬الجريدة الرسمية عدد‬


‫ز‬ ‫‪ - 3‬صدرت مدونة الشغل الجديدة‬
‫‪516‬العدد‪.57،5‬‬

‫‪2‬‬
‫املبحث األول‪ :‬مظاهراضطراب ق ل ع بعد أزيد من مئة سنة من التنزيل‬
‫املطلب األول‪ :‬تراجع مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫يعتبر مبدأ سلطان االرادة من بين أهم الميكانيزمات التي يقوم عليها القانون المدني‪ ،‬وهو‬
‫يشكل اللبنة األساسية في إنشاء العقود ويفيد بأن إرادة العاقدين كافية لوحدها لإلنشاء الرابطة‬
‫العقدية‪ ،‬وترتيب كافة اآلثار القانونية التي تتضمنها‪4 ،‬لهذا فإن العقود التي يتم إنشاؤها بشكل‬
‫‪5‬‬
‫صحيح تقوم مقام القانون كما جاء ذلك في الفصل ‪.230‬‬
‫لكن قبل أن يظهر هذ ا المبدأ كان التعاقد ال يرتكز على رضا األطراف أي على توافق‬
‫إرادتهم‪ ،‬بل كانت هناك شكليات كان ال بد من احترامها لكي يتم إتمام العقد على وجه صحيح‬
‫كما هو الحال بالنسبة لما كان سائدا في القانون الروماني‪ ،‬فقوة العقد أنداك كانت تستمد من‬
‫تلك الشكلية التي تبرم وفقها‪.‬‬
‫لكن نتيجة التطورات التي أصبح يعرفها المجتمع الروماني أصبح يتم االعتماد على‬
‫اإلرادة في تكوين العقود ولو بشكل طفيف‪ ،‬وذلك ما تجسد من خالل االعتراف برضائية تكوين‬
‫‪6‬‬
‫بعض العقود (البيع‪ ،‬اإليجار‪ ،‬الشركة)‬

‫‪ -4‬كما تم تعريفه‪:‬‬
‫‪Le principe de l'autonomie de la volonté signifiée que le contrat tire sa force obligatoire des‬‬
‫‪volontés des parties qui sont souveraine. il y a donc deux éléments d'une part, la souveraineté‬‬
‫‪de la volonté, d'autre part la force obligatoire de la volonté.‬‬
‫‪Christian Larroumet, droit civil, tome 3 les obligations, le contrat, 3°édition 1996 p : 101‬‬
‫أنظر أيضا‪:‬‬
‫ز‬
‫لاللتام‪ ،‬عىل ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة‬ ‫المدن‪ ،‬دراسة حديثة للنظرية العامة‬‫ز‬ ‫الشقاوي‪" ،‬القانون‬ ‫‪-‬عبد الرحمان ر‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ي‬
‫القانون‪ ،‬منشورات فريق البحث يف تحديث القانون والعدالة"‪،‬‬
‫ي‬ ‫للقانون االقتصادي"‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬الجزء األول الترصف‬
‫الطبعة األوىل ‪ ،2012‬ص ‪.44.1 :‬‬
‫"االلتامات التعاقدية المنشأة عىل وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إىل منشئيها‪ ،‬وال يجوز‬‫ز‬ ‫‪ -5‬الذي نص عىل أنه ‪:‬‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫إلغاؤها إال برضاهما معا أو يف الحاالت المنصوص عليها يف القانون"‪.‬‬
‫ز‬ ‫ز‬ ‫ز‬
‫لاللتامات‪ ،‬العقد‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬تكوين العقد"‪،‬‬ ‫المدن‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬المصدر االرادي‬
‫ي‬ ‫الصاف‪" ،‬القانون‬
‫ي‬ ‫‪ -6‬عبد الحق‬
‫مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،2006.1427 ،‬ص ‪.103 :‬‬

‫‪3‬‬
‫وبهذا أصبح االعتماد في إنشاء العقود على اإلرادة‪ ،‬وأصبح لمبدأ سلطان اإلرادة مكانة‬
‫‪.7‬‬
‫هامة‪ ،‬حيث أصبح نتاج الفلسفة الفردية التي تم ظهورها في عصر األنوار‬
‫وقد مر مبدأ سلطان اإلرادة بمحطات تاريخية بحيث أصبح دور اإلرادة يتقوى وذلك في‬
‫أوربا مند نهاية القرن الثاني عشر وذلك لعدة أسباب كتأثير الدين والكنيسة في ترسيخ هذا المبدأ‬
‫وذلك من خالل الحث على احترام التعاقدات‪ ،‬باإلضافة إلى االعتبارات االقتصادية التي أدت‬
‫إلى تزايد النشاط التجاري بحيث تمت هناك زيادة في النشاط التجاري وكان ال بُد من إزالة‬
‫تلك الشكليات ألجل تحرير التبادالت‪.8‬‬
‫وما ينبغي اإلشارة إليه إلى أن مبدأ سلطان اإلرادة بلغ قمته خالل القرن الثامن عشر‬
‫حيث قامت النظرية التقليدية للعقد التي تقول بأن العقد يفيد توافق إرادتين على إحداث أثر‬
‫قانوني‪ ،‬وبهذا أصبحت اإلرادة‪ ،‬الركيزة األساسية التي تعتمدها النظريات القانونية‪.‬‬
‫لكن هذه النظرية أصبحت محط انتقاد مند أواخر القرن ‪ 19‬وذلك راجع لعدة عوامل‬
‫اقتصادية واجتماعية‪ ،‬فبدأ التوجه إلى اعتماد توجهات حديثة في إطار قانون العقود‪.‬‬
‫وتكمن أهمية هذا الموضوع في كون مبدأ سلطان اإلرادة آلية من أهم اآلليات التي يقوم‬
‫عليها القانون المدني على اعتبار أن االرادة هي التي تنشئ العقد‪ ،‬إال أن هذا المبدأ عرف‬
‫تراجعا بفعل عوامل اقتصادية واجتماعية أدت الى ظهور توجهات جديدة أثرت بشكل مباشر‬
‫على النتائج القانونية لمبدأ سلطان االرادة ومن هنا تبرز األهمية الحقيقية لدراسة هذا الموضوع‬
‫خاصة إذا علمنا أن طبيعة بعض العقود يمكن أن تنتج آثارا تمتد الى البيئة‪.‬‬
‫وبما أن الموضوع يحتمل المعالجة من خالل زاوية تراجع مبدأ سلطان اإلرادة كالحديث‬
‫عن الشكلية في عالقتها بمبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬وأيضا عالقته بعيوب اإلرادة‪ ،‬وبمؤسسة التفسير‬
‫والتكييف‪ ،‬إلى جانب عالقته بإبرام العقود بشكل الكتروني‪.‬‬
‫لكن التطرق لهذه النقط لن يسعفنا في دراسة تراجع مبدأ سلطان االرادة بشكل دقيق‪ .‬لذلك‬
‫حاولنا اإلشارة إلى بعضها بشكل ضمني وفق التصميم التالي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬العوامل االقتصادية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان االرادة‬ ‫✓‬

‫الشقاوي‪ ،‬مرجع سابق ص‪.43‬‬ ‫‪ -7‬عبد الرحمان ر‬


‫ز‬
‫الصاف مرجع سابق ص ‪.103‬‬
‫ي‬ ‫‪ -8‬عبد الحق‬

‫‪4‬‬
‫ثانياً‪ :‬العوامل االجتماعية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان االرادة‬ ‫✓‬

‫الفقرة األولى‪ :‬العوامل االقتصادية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان اإلرادة‬

‫لقد كان هاجس حماية المستهلك العامل األساسي الذي دفع أغلب دول العالم إلى تبني‬
‫قوانين جديدة شكلت ثورة حقيقية على العديد من المفاهيم التي كانت سائدة إبان وضع قانون‬
‫االلتزامات والعقود المغربي ومن قبله مدونة نابوليون وفي مقدمة هذه المفاهيم مبدأ سلطان‬
‫اإلرادة ‪9‬الذي عرفت نتائجه تأثرا بالخصوص في الحرية التعاقدية والقوة الملزمة للعقد مما‬
‫جعله يخرج عن المفهوم التقليدي الذي تم تفصيله أعاله‪ ،‬فمبدأ سلطان اإلرادة ازدهر بموجب‬
‫عوامل اقتصادية وانتكس بموجب عوامل اقتصادية ‪.10‬‬
‫لهذا يجب دراستهما وفق المنظور الحديث سواء على مستوى تكوين العقد (‪ )1‬أو على‬
‫مستوى تنفيذ العقد (‪.)2‬‬
‫هاجس حماية المستهلك‬ ‫‪)1‬‬
‫ال مجال للشك في أن مفهوم المستهلك الذي كان مفهوما اقتصاديا محضا أصبح قانونيا‬
‫منذ تدخل المشرع من أجل حماية المستهلك ويقصد بهذا األخير حسب المادة الثانية من‬
‫القانون‪11 31-08‬كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية‬
‫منتوجا أو سلعا أو خدمات معدة الستعماله الشخصي أو العائلي‪.12‬‬
‫إضافة إلى أن االستاذ عبد القادر العرعاري أكد على أنه باعتبار المستهلك محطة نهائية‬
‫في دورة االنتاج والتوزيع القتصار مهمته على اقتناء حاجياته األساسية بشكل متجدد فهو إذن‬

‫‪ -9‬عبد الرحمان ر‬
‫الشقاوي‪ ،‬م‪.‬س ص‪46‬‬
‫رز‬
‫القواني الخاصة‪ ،‬مداخلة بمناسبة ندوة وطنية‬ ‫‪ -10‬البكاي معزوز ‪ :‬حماية المتعاقد أو المستهلك ر ز‬
‫بي القواعد العامة و‬
‫ز‬
‫يوم ‪13‬و‬ ‫يف موضوع مائوية صدور ق‪.‬ل‪.‬ع المنظمة من طرف كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية مكناس ي‬
‫‪. 2015/02/ 14‬‬
‫القاض‬
‫ي‬
‫ز‬ ‫ظهت رشيف رقم ‪ 1.03.11‬صادر ز يف ‪ 14‬من ربيع األول ‪ 18(1432‬رفتاير ‪ )2011‬بتنفيذ القانون رقم ‪31.08‬‬ ‫ر‬ ‫‪-11‬‬
‫تدابت حمائية للمستهلك‪.‬‬
‫ر‬ ‫بتحديد‬
‫الفرنس‬ ‫المشع أخد باالتجاه الواسع وهو نفس الموقف الذي دافع عنه الفقيه‬ ‫‪ -12‬وانطالقا من هذا التعريف يظهر أن ر‬
‫ي‬
‫فرييه ديدييه الذي ذهب إىل أن مفهوم المستهلك الواسع للمستهلك هو الذي ينسجم مع غايات قانون االستهالك‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫فاعل اقتصادي قوي له دور ايجابي في تنشيط الرواج التجاري والصناعي وهو مبرر كافي‬
‫في نظره إلنصافه ‪.13‬‬
‫وهناك اتجاه أخر يرى أن سبب تدخل المشرع من أجل حماية المستهلك يتمثل في كون‬
‫العقود التي تبرم من طرف المستهلك هي عقود إذعان أما إذا كان العقد محل تفاوض فلن يكون‬
‫هناك أي سبب يدعو لحماية المستهلك لذلك فالحماية الحقيقية يجب أن تنصب على مفهوم عقود‬
‫اإلذعان عوض أن تنصب على المستهلك ‪.14‬‬
‫وقد أكد ‪ chabas‬على نفس الشيء إال أنه أقر بأن الحماية التي يحظى بها المستهلك‬
‫والتي يتدخل من أجل سنها المشرع ال تتمحور حول عقود اإلذعان فقط‪ ،‬بل حتى حول شخصية‬
‫المستهلك باعتباره طرفا غير مهني ‪.15‬‬
‫وبالرجوع للعديد من المقتضيات التي جاء بها قانون ‪ 31.08‬يظهر جليا مدى تأثر مبدأ‬
‫سلطان االرادة في مرحلة تكوين العقد مما يعني أن شروط العقد وتكوينه ومحتواه أصبحوا‬
‫محددين سلفا من طرف المشرع بقواعد امرة وليس فقط قواعد مكملة‬
‫ومن هنا يظهر أن مبدأ سلطان اإلرادة عرف تراجعا بموجب مقتضيات قانون ‪31.08‬‬
‫والذي يبرز جليا من خالل فرض المشرع لمجموعة من االلتزامات على المهني حيث نجد‬
‫مثال االلتزام باإلعالم ‪16‬ومنح مهلة للتفكير ومهلة للرجوع إضافة إلى أن أغلب العقود التي‬
‫تبرم بين المستهلك و المهني تعتبر عقود إذعان و هو ما يؤدي إلى المساس بالحرية التعاقدية‬
‫للمستهلك‪ ،‬وحتى يؤكد المشرع هذه الحماية قام بضبطها من خالل النص على غرامات مالية‬

‫المدن المعمق ر ز‬
‫بي الفقه والقضاء الطبعة األوىل سنة ‪2010‬‬ ‫ي‬
‫ز‬ ‫‪ -13‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬وجهة نظر خاصة ز يف مادة القانون‬
‫ص‪.66‬‬
‫المدن المعمق ر ز‬
‫بي الفقه والقضاء الطبعة األوىل سنة ‪2010‬‬ ‫ي‬
‫ز‬ ‫‪ -14‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬وجهة نظر خاصة ز يف مادة القانون‬
‫ص‪.66‬‬
‫‪15‬‬ ‫‪- Henri et léon mazeau, jean mazeau, francois chabas, o.p cit p30‬‬
‫‪."..Il ne faudrait d’ailleurs pas croire que la protection du consommateur se résume en une‬‬
‫‪lutte contre le contrat d’adhésion. Certes, ce dernier est au premier chef visé mais la‬‬
‫‪réglementation ne se limite pas à lui. Ce qui importe au législateur, c’est la personne du‬‬
‫‪consommateur, dans son activité extra_ professionnelle, même si celle-ci se traduit par un‬‬
‫‪contrat de gré à gré".‬‬
‫عش وتخصيص الباب‬ ‫ز‬
‫لاللتام العام باإلعالم من المادة الثالثة إىل المادة الحدية ر‬ ‫‪ -16‬وقد خصص ر‬
‫المشع الباب األول‬
‫ز‬
‫الثان لإلعالم بآجال التسليم من المدة ‪ 12‬اىل المادة ‪14‬‬
‫ي‬

‫‪6‬‬
‫متفاوتة في القسم السابع من قانون ‪ 31.08‬في حالة عدم احترام مقتضيات القسم الثاني من‬
‫نفس القانون‪.‬‬
‫إضافة إلى ما سبق عرف مبدأ سلطان اإلرادة تأثرا بارزا على مستوى تنفيذ العقد أيضا‬
‫ولعل ذلك راجع إلى ظهور النظام العام االقتصادي التوجيهي نتيجة تخلف األساس االقتصادي‬
‫للعقد وانهيار التوازن بين مركز الطرفين " وهو ال يهدف إلى الحد من حرية األفراد المتعاقدين‬
‫بطريق مباشر بل يرتكز على المساهمة في توجيه االقتصاد الوطني والقيام بإصالحات‬
‫وترميمات للنظام االقتصادي وهاته اإلصالحات يكون لها تأثير واضح على مجال العقود التي‬
‫لم تعد في نظام التوجيه االقتصادي تنشأ بواسطة إرادتين بل أصبحت تزاوج بين اإلرادة‬
‫الشخصية واإلرادة الموضوعية ‪.17‬‬
‫ويظهر النظام العام االقتصادي التوجيهي بشكل واضح في العقود التي تتطلب حماية‬
‫للطرف الضعيف وأبرزهم المستهلكون‪.‬‬
‫وقد تجلى هذا التأثر في مرحلة تنفيذ العقد من خالل نص المشرع في المادة ‪ 19‬من قانون‬
‫‪ .31-08‬على ضرورة تفسير الشك لمصلحة المستهلك إضافة إلى أن المشرع أكد بموجب‬
‫القسم الثالث من المادة ‪ 15‬إلى المادة ‪ 20‬على إمكانية إلغاء الشروط التعسفية وهو ما أقرته‬
‫فعال محكمة النقض الفرنسية سنة ‪ 2014‬حيث تتلخص وقائع هذه القضية في رفع دعوى من‬
‫طرف االتحاد الفدرالي للمستهلكين "إيزر" ضد تبادلية "ديزر" الفرنسية بخصوص إزالة ‪23‬‬
‫شرط تعسفي وضعوا في عقد أبرم مع التبادلية إيزر والمقيمين بدار المسنين باعتبارهم‬
‫مستهلكين إضافة إلى المطالبة بالتعويض ‪.18‬‬

‫التشيع زف المجال التعاقدي‪ ،‬مجلة الحقوق‪ ،‬العدد الرابع ر‬


‫عش يناير‪ -‬ماي ‪ ،2013‬ص‪:‬‬ ‫ز‬
‫حبان‪ :‬التدخل ر‬ ‫‪17‬عبد الرزاق‬
‫ي ي‬ ‫ي‬
‫‪. 222‬‬
‫‪:‬‬ ‫‪... -18‬لذلك قضت محكمة النقض بـ‬
‫‪PAR CES MOTIFS, et sans qu’il y ait lieu de statuer sur les autres griefs du pourvoi :‬‬
‫‪CASSE ET ANNULE, mais seulement en ce qu’il déclare sans objet la demande d’interdiction de‬‬
‫‪l’usage à l’avenir des clauses contenues dans le contrat de séjour proposé jusqu’au 19 avril‬‬
‫‪2011 par la Mutualité française Isère gestionnaire de l’EHPAD en l’état de son nouveau contrat‬‬
‫‪de séjour et de son nouveau règlement de fonctionnement, et en ce qu’il déboute l’association‬‬
‫‪UFC38 de sa demande en suppression de « six autres clauses de l’ancien contrat de séjour de‬‬
‫; ‪l’EHPAD », l’arrêt rendu le 7 mai 2013, entre les parties, par la cour d’appel de Grenoble‬‬
‫‪7‬‬
‫وهكذا يمكن القول بأن القوة الملزمة للعقد عرفت تراجعا ملحوظا فحتى ولو أبرم العقد‬
‫بشكل صحيح فقد نص المشرع على إمكانية إلغاء شروطه إذا كانت تعسفية وبذلك يكون قد‬
‫ضرب مبدأ سلطان اإلرادة في عمقه‪.‬‬

‫تطويق الحرية في مجال المنافسة‬ ‫‪)2‬‬


‫لقد كان تدخل المشرع المغربي ينصب باألساس في القيام بالتنظيم‪ ،‬ثم انتقل بعد ذلك‬
‫للحماية‪ ،‬إلى أن أصبح يتدخل من أجل ضبط العالقات االقتصادية‪ ،‬الشيء الذي ظهر جليا من‬
‫خالل سنه لقانون حرية األسعار والمنافسة حيث نظم حرية األسعار وضبطها بالمنافسة على‬
‫اعتبار أن المنافسة ستنعدم إذا وجدت ممارسات تسمح لمقاولة ما باحتكار السوق والقضاء على‬
‫المنافسين الموجودين وحتى المحتملين‬
‫لقد كانت ألطراف العقد الحرية سواء في إبرام العقد أو في تحديد شروطه كما سبق الذكر‬
‫عند تحليل الحرية التعاقدية وفق المنظور التقليدي‪ ،‬حيث كانت العقود تبرم بين الدائن والمدين‪،‬‬
‫إال أنه وبفعل التطورات تدخل فاعلين اقتصاديين شكلوا قوة اقتصادية مما أدى إلى ضرورة‬
‫تدخل المشرع وهو ما حدث فعال بمقتضى قانون تنظيم األثمان ومراقبتها وشروط إمساك‬
‫المنتوجات والبضائع بتاريخ ‪ 12‬أكتوبر ‪ 1971‬إال أنه ألغي بموجب قانون ‪ 99.06‬المتعلق‬
‫بحرية األسعار والمنافسة لكن النصوص المتخذة لتطبيق قانون ‪ 12‬أكتوبر ‪ 1971‬كانت قد‬
‫ظلت سارية مع اشتراط عدم تعارضها مع أحكام قانون ‪.99.06‬‬
‫أما حاليا وبعد صدور دستور ‪ 2011‬أصبح القانون ‪ 104.12‬هو الذي ينظم حرية‬
‫األسعار والمنافسة ‪19‬حيث نص في قسمه األول على حرية األسعار إال إنه ربطها بصدور‬

‫‪remet, en conséquence, sur ces points, la cause et les parties dans l’état où elles se trouvaient‬‬
‫‪avant ledit arrêt et, pour être fait droit, les renvoie devant la cour d’appel de Chambéry‬‬
‫‪Arrêt n° 1095 du 1er octobre 2014 – Cour de cassation – Première chambre civile – ECLI‬‬
‫‪:FR:CCASS :C101095‬‬
‫‪Publié : https‬‬
‫‪://www.courdecassation.fr/jurisprudence_2/premiere_chambre_civile_568/1095_1er_3024‬‬
‫‪2.htm‬‬
‫ظهت رشيف رقم ‪ 1.14.116‬صادر ز يف ‪ 2‬رمضان ‪30(1935‬يونيو ‪ )2014‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 104.12‬المتعلق بحرية‬
‫ر‬ ‫‪-19‬‬
‫األسعار والمنافسة‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫نص تنظيمي يحدد كيفيات تنظيم أسعار السلع والخدمات والمنتوجات‪20‬ومن هنا يظهر بجالء‬
‫أن المشرع وضع نطاقا لحرية األسعار ولم يتركه على إطالقتيه‪.‬‬
‫ولهذا يمكن القول أن الحرية التعاقدية كنتيجة قانونية لمبدأ سلطان اإلرادة عرفت تراجعا‬
‫واضحا انطالقا من المادة ‪ 2‬من قانون ‪ 104-12‬حيث أن المشرع لم يكتفي بتنظيم حرية‬
‫األسعار وإنما قام أيضا بضبطها‪.‬‬
‫فهذه الحرية‬ ‫‪21‬‬
‫ورغم أن المشرع نص على حرية األسعار إال أنه ضبطها بالمنافسة‬
‫تمارس داخل نطاق المنافسة و يظهر ذلك جليا من خالل تخصيص القسم الثاني من قانون‬
‫‪ 104.12‬للممارسات المنافية لقواعد المنافسة كالحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة‬
‫للمنافسة من لدن منشئات أخرى ‪.22‬‬
‫وانطالقا مما نص عليه المشرع في المواد ‪ 8 ،7 ،6‬و‪ 10‬من قانون ‪ 104.12‬يظهر‬
‫بشكل واضح انتهاك للقوة الملزمة للعقد كأثر قانوني لمبدأ سلطان اإلرادة وذلك بحضره لبعض‬
‫االتفاقات سواء الصريحة أو الضمنية والتي رتب عليها جزاء البطالن‪ ،‬فرغم نشوئها بشكل‬
‫صحيح وفي عقد سليم وبرضى األطراف قد يطالها البطالن إذا خالفت ما نصت عليه الفصول‬
‫األنفة الذكر‪.‬‬
‫وتماشيا مع ذلك حرص المشرع المغربي على ضبط مجال المنافسة من خالل إعطائه‬
‫مجموعة من الصالحيات لمجلس المنافسة الذي لم يعد له دور استشاري منذ صدور قانون‬
‫الذي نص في مادته الثانية على أن هذا المجلس يتمتع‬ ‫‪23‬‬
‫‪ 13.20‬المتعلق بمجلس المنافسة‬
‫بسلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز‬
‫االقتصادي كما هي معرفة في القانون المتعلق بحرية األسعار والمنافسة‪.‬‬

‫‪ -20‬المادة ‪ 2‬من قانون ‪ 104.12‬المتعلق بحرية األسعار والمنافسة‪.‬‬


‫‪ 21‬تنص المادة ‪ 2‬من نفس القانون تحدد أسعار السلع والخدمات والمنتوجات عن طريق المنافسة الحرة‪.‬‬
‫العروض‪ ،‬المخترص ز يف بعض العقود المسماة (عقد البيع والمقايضة والكراء) الطبعة الثانية‪ ،‬مطبعة مرجان‪،‬‬
‫ي‬ ‫‪ -22‬محمد‬
‫سنة ‪ 2014‬ص ‪.31‬‬
‫ظهت رشيف رقم‪ 01.14.117‬صادر ز يف ‪ 2‬رمضان ‪ ( 1435‬يونيو ‪ )2014‬بتنفيد القانون ‪ 13.20‬المتعلق بمجلس‬ ‫ر‬ ‫‪-23‬‬
‫المنافسة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫واعتمادا على ما سبق يمكن القول أن ظهور توجهات تنادي بحماية المستهلك وضبط‬
‫مجال المنافسة باعتبارهما عاملين اقتصاديين ساهما بشكل مباشر في تراجع مبدأ سلطان‬
‫اإلرادة‪ ،‬دون إغفال عوامل اجتماعية كان لها دور أيضا في تراجع مبدأ سلطان اإلرادة وعلى‬
‫رأسها الحفاظ على المصلحة العامة وذلك بتدخل الدولة من خالل فرض عقود وفق شكلية‬
‫معينة (عقود اإلذعان‪ ،‬العقود اإلجبارية) جعلت مبدأ سلطان اإلرادة في تراجع‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬العوامل االجتماعية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان اإلرادة‬

‫تأثر مبدأ سلطان االرادة بمجموعة من التحوالت االقتصادية واالجتماعية مما أدى الى‬
‫تراجع الطريقة التقليدية في التعاقد التي كانت تستند أساسا على المساواة أثناء التفاوض على‬
‫شروط العقد حيث ظهرت أنواع جديدة للتعاقد كانا أبرزها عقود االذعان (‪ )1‬والعقود االجبارية‬
‫(‪.)2‬‬
‫عقود االذعان‬ ‫‪)1‬‬
‫يقصد بعقد االذعان عقد يبرم دون مساومة حيث يتولى الطرف المتفوق قانونيا أو فعليا‬
‫تحديد كل شروطه دون أن يكون باستطاعة الطرف الثاني الضعيف أن يناقش تلك أو يفضل‬
‫‪24‬‬
‫عليها تعديالت معينة وال يكون أمامه اال قبولها جملة أو رفضها جملة‬
‫وانطالقا من هدا التعريف أن الطرف الثاني المتعاقد تكون له الحرية الكاملة في اللجوء‬
‫من عدمه إلى ما يعرضه عليه الطرف االول اال أن ارادته تصبح مستهدفة عندما يكون ملزما‬
‫بقبول تلك الشروط كما هي أو رفضها دون إمكانية مناقشتها‪.‬‬
‫ويظهر أن سلطة القاضي في المغرب في تحقيق التوازن من خالل تأويل العقد تكون‬
‫ضيقة إذا كانت عباراته واضحة‪ ،‬ألن كل من دخل في عالقة بإرادة واعية ال يستطيع أن يتخلى‬
‫عنما التزم به‪.‬‬

‫صاف مرجع سابق ص ‪. 287‬‬‫‪ -24‬عبد الحق ز‬


‫ي‬

‫‪10‬‬
‫وتستعمل عقود االذعان في عدة مجاالت كعقود االشتراك والخدمات (الماء‪ ،‬الكهرباء)‬
‫اال أن أبرز مثال لعقود االذعان هو عقد النقل‪ ،‬حيث ظهر هذا االخير منذ زمن بعيد ويعتبر‬
‫من العقود المركبة التي تضم اضافة الى الناقل والمسافر شركة التأمين‪.‬‬
‫وتعتبر عقود النقل عقودا نموذجية بامتياز حيث أن المسافر يكون ملزما بالموافقة على‬
‫ماورد في تذكرة السفر دون إمكانية التفاوض حولها ويعتبر اللجوء إلى العقود النموذجية في‬
‫الوقت الحاضر أمرا ال مفر منه‪ ،‬حيث أن اللجوء إلى هده العقود له عدة امتيازات تتمثل‬
‫باألساس في ما ينتج عنها من تبسيط وتسهيل في المعامالت فليس من المعقول أن يناقش الناقل‬
‫بنود العقد مع كل مسافر على حدى‪ ،‬إضافة إلى أن هده العقود النموذجية قد تكون خالصة‬
‫خبرة فنية وقانونية وربما ذات خبرة علمية وليست هده العقود في معظم صورها عقود‬
‫‪25‬‬
‫إذعان‬
‫إذن يظهر على أن عقود اإلذعان تتميز بافتقارها إلى المناقشة والمساومة بين طرفيها‬
‫حيث ينفرد طرف بإعداد بنود العقد والتي غالبا ما تكون في قالب شكلي‪.‬‬
‫العقود االجبارية‬ ‫‪)2‬‬
‫لقد أدى تدخل المشرع في العديد من المرات إلى التضييق من سيادة مبدأ الحرية التعاقدية‬
‫حيث لم يبقى محتفظا بتلك الصرامة التي أعطيت له في البداية‪ ،‬حيث إن المصلحة العامة‬
‫اقتضت في الكثير من األحيان إجبار الشخص على إبرام عقد معين كما هو الشأن بالنسبة‬
‫لمجال التأمين االجباري على السيارات ‪.26‬‬

‫وفي ختام هده الفقرة نستخلص أن المنهجية الحديثة تؤكد على عدم إدراج خالصة‬
‫للموضوع في الخاتمة فإنه يمكن االقتصار على إعطاء النتائج التالية‪:‬‬

‫صاف مرجع سابق ص ‪. 287‬‬‫‪ -25‬عبد الحق ز‬


‫ي‬
‫‪ -26‬عبد الرحمان ر‬
‫الشقاوي‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص ‪.46‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -‬ال يمكن اعتبار مبدأ سلطان اإلرادة في الوقت الراهن من النظام العام‪ ،‬وفي‬
‫عند حديثه‬ ‫‪27‬‬
‫هذا اإلطار يمكننا الذهاب إلى أكثر مما قاله ‪Christian larroumet‬‬
‫عن الحرية التعاقدية‪.‬‬

‫والقول على أن مبدأ سلطان اإلرادة ال يعتبر مبدأ دستوريا ألنه ال يوجد أي مقتضى في‬
‫دستور‪ 2011‬ينص على هذا المبدأ‪.‬‬

‫لم تكن النتائج القانونية المترتبة على مبدأ سلطان اإلرادة على إطالقتها حيث‬ ‫‪-‬‬

‫عرفت حدودا حتى على مستوى المفهوم التقليدي لمبدأ سلطان اإلرادة‪.‬‬
‫مبدأ سلطان اإلرادة عرف تراجعا بسبب ظهور عوامل اقتصادية واجتماعية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫القوة الملزمة للعقد عرفت تراجعا ملحوظا على مستوى المفهوم الحديث لمبدأ‬ ‫‪-‬‬

‫سلطان اإلرادة وذلك بموجب مقتضيات قانون حرية األسعار والمنافسة وقانون حماية‬
‫المستهلك‪.‬‬
‫قد تنشأ مقتضيات صحيحة وفق ق ل ع إال أنه يلحقها جزاء البطالن إذا‬ ‫‪-‬‬

‫خالفت مقتضيات قانون حرية األسعار والمنافسة‪.‬‬


‫بعد ظهور نظام عام اقتصادي توجيهي عرفت الحرية التعاقدية تراجعا حيث‬ ‫‪-‬‬

‫أصبحت الدولة تتدخل من أجل توجيه العقد ولو على حساب المصلحة الفردية‬
‫لألشخاص‪.‬‬
‫نسبية اثار العقد عرفت تراجعا حيث أصبحت اثار العقد تمتد حتى إلى البيئة‬ ‫‪-‬‬

‫باعتبارها طرفا غير مباشر في العقد‪.‬‬


‫ال يمكن القول بأنه تم االستغناء عن مبدأ سلطان اإلرادة إال أنه تم التراجع‬ ‫‪-‬‬

‫عنه لصالح ظهور عقود جديدة أغلبها اتسمت بطابع الشكلية التي فرضها المشرع من‬

‫‪27‬‬‫‪- toute fois, le conseil constitutionnel considérer que la liberté contractuelle n’était pas un‬‬
‫‪principe de valeur constitutionnelle (cons. Const.3 aout 1994, J.C. B 1995. II. 22404 ; note‬‬
‫‪Brouselle).‬‬
‫‪Christian larroumet, o.p cit p 122‬‬

‫‪12‬‬
‫أجل حماية الرضا الصادر عن أحد أطراف العقد‪ ،‬و من تم‪ ،‬فإنه في مثل هذه الحالة‪،‬‬
‫تساهم الشكلية في احترام اإلرادة ‪ 28‬لهذا ينبغي الدفاع عنها و إقرارها في جميع العقود‪.‬‬
‫العامل التكنولوجي بدوره أثر على مبدأ سلطان اإلرادة حيث عرف تغييرا‬ ‫‪-‬‬

‫حتى على مستوى التعبير عن هذه اإلرادة فأصبح التعبير إلكترونيا‪.‬‬


‫صحيح أن مبدأ سلطان اإلرادة عرف تراجعا بفعل العوامل االقتصادية‬ ‫‪-‬‬

‫واالجتماعية والتكنولوجية إال أنه ال يمكن االستغناء عنه‪ ،‬فبعض العقود ما زالت تعتبر‬
‫مبدأ سلطان اإلرادة هو األصل كعقود الشغل رغم وجود بعض االستثناءات‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬قصورمبدأ حسن النية‬


‫أدت التطورات التي شهدها المجتمع إلى إفراز اختالالت بين أطراف العالقة التعاقدية‬
‫مما حتم ظهور مبدأ حسن النية كضرورة ملحة قصد محاولة التخفيف من هذه االختالالت‬
‫بهدف حماية أطراف العالقة التعاقدية مع بعضهم البعض وكذلك حماية للغير من سوء نية‬
‫المتعاقدين ذاتهم احيانا اخرى‬
‫وتجذر االشارة الى ان مبدأ حسن النية يعتبر من المبادئ التي عرفت تحوال جذريا‪،‬‬
‫بحيث تم االرتقاء بها من مجرد قاعدة أخالقية الى قاعدة قانونية تحظى بأهمية بالغة في‬
‫المنظومة القانونية‪.‬‬
‫هذا ما جعل معظم التشريعات تعتبر أن مبدأ حسن النية هو االساس في وجود االلتزام‬
‫الصحيح وفي تنفيذه على الوجه المطلوب‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬املظاهرالقانونية بمبدأ حسن النية‬


‫االصل في االلتزامات التعاقدية تنفيذ االلتزام بحسن نية‪ ،‬وذلك من خالل شروع المتعاقد‬
‫في تنفيذ إلتزامه بكل أمانة ونزاهة واخالص وابتعاد عن كل غش أو تدليس من شأنه أن يحول‬
‫دون تنفيذ االلتزام أو يجعله مستحيال‬

‫ز‬
‫لاللتام عىل ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة‬ ‫ز‬
‫المدن دراسة حديثة للنظرية العامة‬ ‫‪ -28‬عبد الرحمان ر‬
‫الشقاوي ‪ :‬القانون‬
‫ي‬
‫للقانون االقتصادي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.43 :‬‬

‫‪13‬‬
‫ولقد أشار المشرع لمبدأ حسن النية في العديد من الفصول في ق ل ع منها الفصل ‪532‬‬
‫من نفس القانون‪ .‬وبالتالي نالحظ أن المشرع المغربي ربط مبدأ حسن النية بالضمان والزم‬
‫البائع به حتى ولو كان حسن النية‪.‬‬
‫ورغبة من المشرع في المحافظة على مبدأ حسن النية منع المدين من ادراج شرط في‬
‫العقد يهدف إلى اعفائه من المسؤولية العقدية في حالة ارتكابه خطأ جسيم أو تدليس وهذا ما‬
‫نص عليه الفصل ‪ 232‬من ق ل ع والذي ورد فيه‪" :‬ال يجوز أن يشترط مقدما عدم مسؤولية‬
‫الشخص عن خطئه الجسيم وتدليسه"‬
‫‪ 1‬الثقة المشروعة‪:‬‬
‫من المعلوم أن مبدأ حسن النية يعد من المبادئ األخالقية التي ضمنها المشرع في‬
‫المنظومة القانونية واحاطها بأهمية بالغة باعتبارها أحد أهم المبادئ التي تحافظ على توازن‬
‫العالقات التعاقدية‪.‬‬
‫وتعتبر الثقة المشروعة مظهر من مظاهر حسن النية الذي ينبغي أن يسود جميع العقود‬
‫االمر الذي يجعل كل واحد من المتعاقدين يثق في اآلخر ويفترض فيه النزاهة والصدق في‬
‫تنفيذ االلتزام واالبتعاد عن كل ما من شأنه أن يحول دون تنفيذه‪.‬‬
‫وإذا كان البعض يقول أن العقود تقوم على مصالح متعارضة االمر الذي يجعل كل‬
‫طرف يحتفظ لنفسه بما يحقق له أكبر فائدة‪.‬‬
‫لذلك نجد بعض التشريعات تجعل التصرف الذي ينطوي على الغش والخديعة وسوء‬
‫النية من قبيل الخطأ العقدي الذي يستلزم الجزاء‪.‬‬

‫‪ 2‬التعاون في تنفيذ االلتزام‬


‫يعد التعاون في تنفيذ االلتزامات المترتبة على طرفي العقد من بين مقتضيات تنفيد‬
‫االلتزام بحسن النية‪ .‬وإحدى المظاهر الهامة والرئيسية المترفعة عنه‪ .‬وهذا ما جعل معظم‬
‫التشريعات المقارنة العربية أو غيرها من بلدان العالم تتفق على ضرورة التعاون في تنفيذ‬
‫اللتزامات لما في ذلك من ضمانات حمائية ألطرافها ويقتضي التعاون في تنفيذ العقد ضرورة‬
‫سلوك الدائن تجاه المدن سلوكا متبصرا بحيث يتفادى لألخطاء المؤثرة على تنفيذ المدين‬

‫‪14‬‬
‫إللتزامه‪ .‬فال يقف عقبة تسبب إستحالة تنفيذ المدين إللتزامه وبالتالي ففكرة التعاون في تنفيذ‬
‫اإللتزام تلقي على الدائن إلتزاما عاما باإلمتناع عن الخطأ‪ .‬فمثال في عقد البيع يظهر حسن النية‬
‫في تعاون المتبايعين الذي يتمثل في قيم البائع يتمكن المشتري من حيازة المبيع حيازة هادئة‬
‫يعكرها تعرض يعطل كل أو بعض ما يخوله له حقه على المتتبع من سلطات ومزايا هذا من‬
‫جهة البائع‪ .‬أما من جهة المشتري فيجب عليه ان يخطر البائع بالتعرض في الوقت المناسب‪.‬‬
‫فهذا هو التعاون والمطلوب كمقتضى من مقتضيات حسن النية في تنفيذ العقود‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬قصورمبدأ حسن النية‬

‫ما أود قوله في هاته النقطة ان الفصل ‪ 231‬من ق‪.‬ل‪.‬ع حدد نطاقه في مرحلة تنفيد‬
‫العقد وبالتالي فتمديد المبدأ إلى وقت إبرام العقد لن تجد لها أي سند قانوني خاصة إدا علمنا أنه‬
‫من متطلبات العصر الحالي وقواعد العدل وإلنصاف بل والمنطق القانوني السليم تقتضي كلها‬
‫ضرورة تمديد المبدأ إلى مرحلة اإلبرام ليس كما نص عليه الفصل ‪ 231‬من ق‪.‬ل‪.‬ع وحصر‬
‫نطاقه في مرحلة التنفيذ وهو ما جعل الفقه الفرنسي ينادي بالمفهوم الواسع لمبدأ حسن النية‬
‫على إعتبار وحدة العقد إذا ما جدوى من فرض مبدأ حسن النية في مرحلة التنفيذ وتجاهله في‬
‫مرحلة اإل برام كاإللتزام بالتحدير أي تلك إللتزامات التي يتحتم تنفيذها في مرحلة إبرام العقد‬
‫على إعتبار أن هدا اإللتزام من أهم اإللتزمات التي تقع على البائع حماية للطرف الضعيف‬
‫في العقد والعمل على ضمان التوازن العقدي‬
‫هذا القصور أمر منطقي‪ :‬فالمشروع لو يتناول هذا إللتزام بالتحدير وذلك راجع لسببين‬
‫السبب األول‪ :‬الفترة الدي وضع فيها ق‪.‬ل‪.‬ع تميزت بالبساطة ولم تكن أنداك‬
‫السبب الثاني‪ :‬القواعد المتعلقة بضمان العيوب الخفية كحماية المتعاقد‬

‫‪15‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬نحو إصالح شمولي لقانون االلتزامات والعقود‬
‫يعد إصالح القانون المدني بوجه عام‪ ،‬وقانون االلتزامات والعقود بالخصوص ضرورة‬
‫اقتصادية واجتماعية‪ ،‬وحاجة كونية مرتبطة بحفظ التوازن القانوني والفعلي لإلنسان باعتباره‬
‫إنسانا وفق التصورات التي بلغتها األمم المتحضرة في القرنين الماضيين بشكل عام والعقود‬
‫األخيرة بوجه خاص‪.‬‬

‫ولتحقيق ذلك بصورة شمولية وكلية‪ ،‬يفترض في قانون االلتزامات والعقود أن تكون‬
‫قواعده وأصوله وتوجهاته عالمية‪ ،‬إذ أنه من الصعب الحديث عن نوع مغربي أو فرنسي أو‬
‫ألماني‪ .‬إذ ينبغي لهذه التوجهات أن تتقاسمها مختلف األنظمة القانونية في ظل عولمة االقتصاد‬
‫وما نتج عنه من ضرورة عولمة القاعدة القانونية‪.‬‬

‫وقد يكون هذا هو السبب الذي دفع العديد من التشريعات األوروبية إلى إصالح قانون‬
‫االلتزامات في العديد من جوانبها‪ ،‬خاصة تلك المتعلقة بنظرية العقد‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة‬
‫للقانون الهولندي سنة ‪ ،1992‬وإصالح القانون األلماني لاللتزامات سنة ‪ ،2001‬وأيضا القانون‬
‫المدني الفرنسي بمقتضى األمر الصادر في ‪ 10‬فبراير ‪ ،2016‬بل إن عالمية قانون االلتزامات‬
‫جعلت دوال أخرى بعيدة عنا تتبنى نصوصا جديدة‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للصين التي اعتمدت‬
‫هي األخرى قانونا جديدا للعقود سنة ‪.1999‬‬

‫إن أي إصالح تشريعي للقانون المدني المغربي ينبغي أن يرمي إلى تحقيق هدفين‬
‫أساسيين‪:‬‬

‫األول هو تحقيق األمن القانوني‪ ،‬من خالل تقوية المقروئية والولوجية لقانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬والتخلي عن بعض التعاريف الغامضة‪ ،‬وأخذ آراء الفقهاء واالجتهاد القضائي بعين‬
‫االعتبار‪.‬‬

‫أما الهدف الثاني‪ ،‬فيتمثل في سعي التشريعات الحديثة إلى بلوغ جاذبية القانون على‬
‫المستويات السياسية والثقافية واالقتصادية‪ ،‬من خالل تسهيل تطبيق القانون الوطني في‬
‫النزاعات المتعلقة بعقود القانون الدولي‪ ،‬وتقريب القانون الوطني مع العديد من التشريعات‬
‫‪16‬‬
‫األجنبية‪ ،‬وإدخال الحلول المستجدة التي اقترحها الفقه أو اعتمدها القضاء أو تبنتها تشريعات‬
‫‪29‬‬
‫مقارنة‪.‬‬

‫ولهذه االعتبارات ارتأينا أن نتناول بالدراسة مبررات ضرورة مالءمة العقد مع‬
‫التحوالت االقتصادية (المطلب األول)‪ ،‬على ان يتم التطرق في مطلب ثان إلصالح قانون العقد‬
‫(المطلب الثاني)‪.‬‬

‫املطلب األول‪ :‬مبررات ضرورة مالءمة نظرية العقد مع التحوالت االقتصادية‬


‫أصبحت مالءمة القاعدة القانونية بوجه عام مع التحوالت االقتصادية نقطة التقاء انتقاد‬
‫القانون‪ ،‬ذلك أن القواعد القانونية تعتبر صامدة‪ ،‬ومجردة‪ ،‬وتتجاهل الحقائق‪ ،‬في حين أن الحياة‬
‫االقتصادية هي متدفقة‪ ،‬ومتحركة‪ ،‬ومتقلبة‪.‬‬

‫وعموما‪ ،‬فإن ما يالحظ على القانون أنه دائما ما يكون في حالة تأخر مقارنة بالتطورات‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬

‫صحيح أن المشرع المغربي أقدم – على غرار نظيره الفرنسي – بإدخال بعض التعديالت‬
‫الجزئية على ظهير االلتزامات والعقود‪ ،‬كتلك المرتبطة بالشرط الجزائي أو تلك المتعلقة‬
‫بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية أو لمسألة تنظيمه لبيع العقارات في طور اإلنجاز‪ ،‬أو‬
‫من خالل القانون ‪ 21.18‬المتعلق بالضمانات التي طالت تعديالتها حوالي ثمانين فصال من‬
‫مواد وفصول ظهير االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫غير أن هذه التعديالت لم تكن كافية لجعل هذا القانون أكثر جاذبية ومالءمة مع التحوالت‬
‫االقتصادية التي عرفها العالم في العقود األخيرة‪.‬‬

‫ز‬
‫المدن الجزء األول‪ ،‬ص ‪ 27 :‬و ‪28‬‬
‫ي‬ ‫الشقاوي‪ :‬نظرات ز يف القانون‪ ،‬نحو مفهوم جديد للقانون‬
‫الدكتور عبد الرحمان ر‬ ‫‪29‬‬

‫‪17‬‬
‫بل إن األسباب الرئيسية إلصالح العديد من القوانين المدنية في مجموعة من الدول هو‬
‫ضرورة جعلها تتالءم مع المؤسسات االقتصادية الدولية‪.‬‬

‫هذا ما جعل القوانين االقتصادية تؤثر في قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬فأصبح يعيش عزلة‬
‫حقيقية أمامها‪ ،‬بل أصبح عاجزا عن مسايرة التحوالت االقتصادية والتكنولوجية التي عاشها‬
‫العالم في العقود األخيرة‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬العزلة القانونية لقانون االلتزامات والعقود أمام القوانين االقتصادية‬

‫لقد عمل المغرب على تسريع وثيرة التشريع وإنتاج القوانين‪ ،‬لتهيئ اإلطار المناسب‬
‫لجذب االستثمارات األجنبية‪ ،‬وقد ظل قانون االلتزامات والعقود في معزل عن أية مراجعة‬
‫لفصوله تجعله قادرا على مواكبة التحوالت االقتصادية الطارئة‪ ،‬وهو ما فرض عليه عزلة‬
‫قانونية جعلته يبتعد شيئا فشيئا عن تنظيم وتأطير الفاعلين االقتصاديين بنفس القوة التي يتوخاها‬
‫أطراف العالقة التعاقدية‪ ،‬التي تعرف حضور طرف مهني قوي من النواحي االقتصادية‬
‫والقانونية‪ ،‬وطرف مستهلك ضعيف قليل الخبرة والدراية‪ ،‬وهو ما يفرض على قانون‬
‫االلتزامات والعقود ضرورة االنفتاح على الواقعين المغربي والدولي الراهنين‪ ،‬وما يطرحانه‬
‫من قضايا حقوقية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية جديدة‪ ،‬وكذا وجوب مالحقة ومواكبة‬
‫‪30‬‬
‫المستجدات التشريعية السريعة والمتالحقة ‪.‬‬

‫وقد كان من أهم آثار هاته العزلة القانونية التي فرضتها القوانين االقتصادية على قانون‬
‫االلتزامات والعقود‪ ،‬أن قواعد هذا األخير أصبحت بعيدة عما تطرحه الظرفية الراهنة من‬
‫قضايا اقتصادية واجتماعية وثقافية وتختلف كثيرا عن االوضاع االقتصادية التي رافقت صدور‬
‫ظهير االلتزامات والعقود سنة ‪ ،1913‬وما تستوجبه من مالءمة مقتضياته مع الدستور الجديد‬

‫ز‬
‫المدن المعمق‪ ،‬م‪.‬س ‪ ،‬ص ‪10‬‬ ‫أحمد ادريوش ‪ :‬مناهج القانون‬ ‫‪30‬‬
‫ي‬

‫‪18‬‬
‫سنة ‪ ،2011‬والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال حقوق اإلنسان أو في مجال‬
‫‪31‬‬
‫الحقوق االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬وما تثيره من إشكاليات المطابقة والترجيح‪.‬‬

‫وقد زاد من تعميق عزلة قانون االلتزامات والعقود ظهور قانون خاص (ضمن القوانين‬
‫االقتصادية) بالسوق المالية ‪ ،4‬وهو قانون يقوم بالتأطير القانوني للنظام االقتصادي لهاته‬
‫السوق‪ ،‬وبضبط عالقة الفاعلين فيها بالسلطات المشرفة على السوق‪ ،‬وقد ساعد كل ذلك في‬
‫إقصاء شبه كلي لقواعد قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬ومن أمثلة هذا اإلقصاء أن اإليجاب والقبول‬
‫في السوق المالية يخضع لضوابط قانونية وتنظيمية خاصة بحيث ال يتم االحتكام لقواعد‬
‫اإليجاب والقبول التي ينظمها قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫ومن هذا المنطلق‪ ،‬وأمام هذه المستجدات التي غيرت وشوهت العملية التعاقدية التقليدية‪،‬‬
‫فقد تخلى قانون االلتزامات والعقود عن دوره المركزي الذي تم االعتراف له به سابقا‪ ،‬كما‬
‫فقدت النظرية العامة لاللتزامات قوتها وتماسكها ‪ ،4‬نتيجة خاصيات الجمود والثبات واالستقرار‬
‫التي تميزها‪ ،‬وفي مقابل خصائص السرعة والمرونة والديناميكية التي تتصف بها القوانين‬
‫‪32‬‬
‫االقتصادية‪.‬‬

‫هذا ما أدى إلى اتساع الهوة بين قانون االلتزامات والعقود والمجال االقتصادي‪ ،‬بفعل‬
‫طغيان الطابع االقتصادي التقليدي على قواعد قانون االلتزامات والعقود في مواجهة الطابع‬
‫الحديث للقوانين االقتصادية‪ ،‬وبالتالي لم تعد قواعده تتوافق مع ما حصل من تطور في عالم‬
‫المال واألعمال‪ ،‬وقد كان لذلك انعكاس على مجموعة من األنظمة والمبادئ القانونية التي‬
‫‪33‬‬
‫تضمنها قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫‪ 31‬من تقديم د‪ .‬آمال جالل لكتاب‪:‬‬


‫المدن المعمق‪ ،‬م ‪ .‬س‪ ،‬ص ‪8‬‬‫ز‬ ‫أحمد ادريوش‪ :‬مناهج القانون‬
‫ي‬
‫لاللتام ز يف ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة للقانون‬
‫ز‬ ‫ز‬
‫المدن‪ ،‬دراسة حديثة للنظرية العامة‬
‫ي‬
‫‪ 32‬عبد الرحمان ر‬
‫الشقاوي‪ :‬القانون‬
‫رز‬
‫القواني الجديدة مقارنة بالتعديل‬ ‫ز‬
‫االقتصادي‪ ،‬مصادر االلتام‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬الطبعة السادسة مزيدة ومنقحة بمختلف‬
‫الفرنس‪ ،‬مطبعة المعارف الجديدة‪ -‬الرباط ‪2019‬‬
‫ي‬ ‫الذي عرفه القانون‬
‫الفكان‪ :‬أثر الظروف االقتصادية عىل العقد‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه ز يف القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪،‬‬
‫ي‬
‫ز‬ ‫‪ 33‬خالد‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬أكدال – الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪2014 / 2013‬‬

‫‪19‬‬
‫إن أول عنصر يظهر تأثير القوانين االقتصادية على ق ل ع‪ ،‬أن تقنينها تم بمعزل عن‬
‫النظرية العامة لاللتزامات والعقود‪ ،‬وأنه ال يتعلق بتنقيح قوانين موجودة‪ ،‬بل بمراجعة جذرية‬
‫لها تناولت المفاهيم واألحكام في نفس الوقت‪ ،‬وهو ما أدى إلى بروز قواعد قانونية جديدة‬
‫زاحمت قواعد ومفاهيم ق ل ع‪ ،‬وهو ما نتج عنه ظهور مجاالت في عالم االقتصاد والمال‬
‫واألعمال ال تسري عليها قواعد ق ل ع‪ ،‬خاصة بعد تبني المغرب خيارات الخوصصة وتحرير‬
‫األسعار واالنفتاح على االستثمارات األجنبية‪ ،‬وهي كلها معطيات ووقائع اقتصادية جديدة لم‬
‫تتكيف معها قواعد ق ل ع ‪ ،34‬وهي كلها عوامل ساهمت في تأثير القوانين االقتصادية على‬
‫‪35‬‬
‫البناء المفاهيمي ل ق ل ع‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬قانون االلتزامات والعقود والرقمنة‬


‫ارتأيت الوقوف على هذه النقطة لما لها من أهمية خاصة‪ ،‬حاضرا أو مستقبال‪ ،‬وفي جميع‬
‫المجاالت والقطاعات وفي مختلف فروع القانون‪.‬‬

‫فقد أصبحت الرقمنة في العالم بأسره‪ ،‬آلية مهمة لتدبير الحياة في مختلف مناحيها‪،‬‬
‫االقتصادية واالجتماعية‪ ،‬لدرجة جعلتنا نصف المجتمع المعاصر بهذه الوسيلة‪.‬‬

‫وهو األمر الذي جعل العديد من الدول والتجمعات تعتبر التجارة االلكترونية أحد أهم‬
‫األدوات في عالم اليوم لغزو السوق العالمي‪ ،‬فاالتحاد األوروبي على سبيل المثال‪ ،‬اعتبر‬
‫التجارة االلكترونية بأنها آمال السوق الداخلي وآلية لتطوير المعامالت العابرة للحدود‪.‬‬

‫لكل هذا‪ ،‬فإن أي إصالح للنظام القانوني المتعلق بنظرية االلتزامات والعقود بوجه‬
‫خاص‪ ،‬وأحكام مختلف جوانب القانون المدني بوجه عام‪ ،‬تقتضي إيالء أهمية خاصة‬
‫للمقتضيات المتعلقة بالرقمنة‪ ،‬وليس فقط االكتفاء بإصالح جزئي على غرار ذلك الذي حصل‬

‫المغرن (البنيات والفاعلون)‪ ،‬م‪.‬س ‪ ،‬ص ‪41‬‬ ‫الماىل‬ ‫ز‬


‫القانون للسوق‬ ‫‪ 34‬أحمد آيت الطالب‪ :‬التنظيم‬
‫ري‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫المغرن‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماست ز يف القانون الخاص‪،‬‬
‫ري‬
‫‪ 35‬يونس عالم‪ :‬أثر التحوالت االقتصادية عىل العقد زف ر‬
‫التشي ــع‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ماست المنازعات‪ ،‬جامعة موالي إسماعيل‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬مكناس‪ ،‬السنة الجامعية‪:‬‬
‫‪2019 /2018‬‬

‫‪20‬‬
‫بمقتضى القانون رقم ‪ 53.05‬المتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية‪ ،‬وأيضا القانون‬
‫رقم ‪ 31.08‬خاصة في الباب الثاني المعنون بالعقود المبرمة عن بعد‪.‬‬

‫وإذا كان القانون رقم ‪ 53.05‬حاول اإلجابة على العديد من األسئلة التي تطرحها العقود‬
‫المبرمة بطريقة إلكترونية‪ ،‬أو ما أطلقت عليها توجيهة البرلمان األوروبي لسنة ‪ 1997‬بالعقود‬
‫عن بعد‪ ،‬فإن هذه المحاولة تبقى محدودة في ظل التطور الرقمي الذي عرفه المغرب في‬
‫السنوات األخيرة‪ ،‬وما يستتبع ذلك من ضرورة خلق مناخ من الثقة المالئم الزدهار المعامالت‬
‫االلكترونية مع تأمين الحماية الالزمة للمستهلك اإللكتروني‪ ،‬األمر الذي دفع المشرع المغربي‬
‫إلى تبني القانون ‪ 43.20‬المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعامالت اإللكترونية‪.‬‬

‫حيث سعى هذا القانون إلى تهييئ مناخ للثقة‪ ،‬يشمل جميع الخدمات الرقمية‪ ،‬ويوفر‬
‫للفاعلين االقتصاديين واإلدارات والهيئات العمومية بيئة قانونية تساعد على إطالق خدمات‬
‫جديدة‪ ،‬مما سيضمن الحماية للمواطنين ويشجعهم على اإلقبال على الخدمات الرقمية ‪.36‬‬

‫فرغم كل ما بذله المشرع المغربي من مجهودات في سبيل جعل قانون االلتزامات‬


‫والعقود يساير ويواكب التحوالت االقتصادية والتكنولوجية التي عرفها العالم في السنوات‬
‫األخيرة‪ ،‬لكن التحديات الوطنية والدولية تقتضي إيالء المزيد من األهمية واألولوية لكل‬
‫الجوانب المرتبطة بتسهيل المعامالت التي تتم بطريقة إلكترونية وتهيئ المناخ المالئم للفاعلين‬
‫االقتصاديين األجنبيين والوطنيين من أجل استغالل أمثل للرقمنة‪ ،‬باعتبارها األداة األكثر تناسبا‬
‫مع مجتمع اليوم‪.‬‬

‫املطلب الثاني‪ :‬إصالح قانون العقود‬


‫*‪ -‬خيار اإلصالح الشامل ل ق‪.‬ل ‪.‬ع و فشل اإلصالحات الجزئية‪:‬‬

‫ز‬
‫المدن ‪ ،2023‬الجزء األول ص ‪ 40‬و‬
‫ي‬ ‫الشقاوي‪ :‬نظرات ز يف القانون‪ ،‬نحو مفهوم جديد للقانون‬
‫‪ 36‬الدكتور عبد الرحمان ر‬
‫‪.41‬‬

‫‪21‬‬
‫يمثل قانون االلتزامات والعقود أهم مظهر للقانون المدني المغربي بل الشريعة العامة‬
‫لبعض فروع القانون الخاص يطبق أمام محاكم المملكة على جميع المتواجدين فوق التراب‬
‫المغربي‪ ،‬سواء كانوا مواطنين أو أجانب وذلك بخالف ما كان عليه األمر في ظل الحماية‬
‫الفرنسية حيث كان هذا القانون ال يطبق على المغاربة اال استثناء‪.‬‬
‫وبالرغم من مرور قرن من الزمن على صدوره ‪ 2013-1913‬فان قانون االلتزامات‬
‫والعقود ظل صامدا مرتكزا على بنية قانونية صلبة وأن عامل الوقت لم يؤثر عليه في جميع‬
‫جوانبه‪ .‬بل بالعكس منحه الديمومة واالستمرارية‪ ،‬خاصة في مجتمع تغير بشكل ملحوظ منذ‬
‫خمسين سنة في بنيته االجتماعية واالقتصادية والثقافية ‪....‬‬
‫غير أنه بعد تمديد تطبيق قانون االلتزامات و العقود أمام المحاكم المغربية‪ ،‬اتضح أن‬
‫هناك تضاربا بين بعض مقتضياته و قوانين خاصة و أن الحل الذي يتبع في هذه الحالة هو أن‬
‫المبادئ العامة تقتضي ترجيح األحكام المضمنة في النصوص الخاصة و استبعاد تلك المضمنة‬
‫في قانون االلتزامات و العقود ألن القاعدة أن الحكم الخاص يقيد الحكم العام في حالة التعارض‬
‫بينهما‪ ،‬كما أن قانون االلتزامات و العقود صدر بتاريخ ‪ 12‬غشت ‪ 1913‬بينما القوانين الخاصة‬
‫التي تتعارض معه صدرت بعده بسنوات‪ ،‬و القاعدة أن الحكم الالحق يلغي الحكم السابق‪ ،‬و‬
‫لكن الحل األنجع يتمثل في تحيين قانون االلتزامات و العقود عن طريق الغاء المقتضيات التي‬
‫تتعارض مع غيرها أو التي أصبحت متجاوزة‪ ،‬كما يجب تنقية هذا القانون من بعض‬
‫المصطلحات التي أكل عنها الدهر و شرب‪ ،‬فمن بين هذه المقتضيات التي ال تنسجم مع‬
‫مقتضيات أخرى في قوانين خاصة هناك على سبيل المثال المقتضيات التي تحيل على قانون‬
‫المسطرة المدنية الصادر بتاريخ ‪ 12‬غشت ‪ ،1913‬و المقتضيات المتعلقة باختصاص محاكم‬
‫المنطقة الجنوبية للمملكة ‪ .‬في الوقت الذي أصبح فيه المغرب يتوفر على قانون المسطرة‬
‫المدنية‪.‬‬
‫منذ ‪ 1974‬وعلى تنظيم قضائي للمملكة‪ .‬وهناك كذلك المقتضى الذي يعرف الشركة بأنها‬
‫عقد بين شخصين فأكثر والحال أن المغربي أقر الشركة الفردية‪ ....‬الخ‪.‬‬
‫وباإلضافة الى ما سبق‪ ،‬ان قانون االلتزامات والعقود ما يزال يتضمن بين طياته العديد‬
‫من المصطلحات المتجاوزة‪ ،‬منها على سبيل المثال اإلفالس‪ ،‬الفرنك الفرنسي‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫الميعاد بدل األجل‪ ،‬التقويم الغريغوري‪ ،‬السيد المساعد القضائي للقاصر‪ ،‬التعامل بالتلفون‬
‫والبرقيات‪....‬‬
‫فمن خالل هذه المقتضيات و المصطلحات‪ ،‬يتبين أن قانون االلتزامات و العقود ما يزال‬
‫من حيث مضمونه و شكله يمثل الصورة التي ظهر بها في نهاية القرن العشرين ‪ ،‬األمر الذي‬
‫يستلزم تحيينه عن طريق تنقيته من حيث الموضوع عن الغاء كل المقتضيات التي تتعارض‬
‫مع فروع القانون ا لخاص‪ ،‬و من حيث الشكل عن طريق حذف كل المصطلحات التي لم يبق‬
‫العمل بها أو التي أصبحت بدورها متجاوزة حتى ال يبقى قانون االلتزامات والعقود متحفا‬
‫للقانون الفرنسي بخصوص هذه المقتضيات و المصطلحات‪.‬‬
‫ورغم الكم الهائل من االنتقادات التي وجهت لهذه المدونة حتى وصل األمر بالبعض الى‬
‫المناداة الى احالتها على التقاعد او ركنها في صفوف القوانين المتقادمة‪ ،‬إال أن كل ذلك لم يحفز‬
‫السلطات المغربية على االستجابة لطلب التغيير بدعوى عدم وجود بديل جاهز للحلول محل‬
‫ق ل ع ‪ .‬وقد تكون من بين اسباب هذا الوضع تبعية القانون المغربي للقانون الفرنسي‪ ،‬فهذا‬
‫االرتباط مازال قائما بحيث ان النصوص التي تم تحديثها او تجديدها هي التي حظيت بنفس‬
‫االهتمام في فرنسا‪.‬‬
‫فرغم النداءات الداعية لمراجعة وإصالح هذا القانون إال ان السلطات المعنية ال زالت‬
‫تلتزم الصمت تجاه هذا الموضوع الذي ال يمكنها الحسم فيه والذي تكمن صعوبته في تعدد‬
‫االختيارات المتاحة امام المشرع إلنجاز هذا االصالح أو ذاك إال أنه يمكن إجمال هذه‬
‫االختيارات في النهجين التاليين‪:‬‬

‫النهج األول ‪ :‬سلوك طريق االصالح الشامل ل ق ل ع بإحالل بديل لها وهذا يعني انها‬
‫ستصبح جزءا من الماضي وهذا الحل يتطلب تجنيد عدة طاقات قانونية فقهية سوسيولوجية‬
‫لتحديد نوع وطبيعة المدونة المطلوبة وهي في أصلها مغامرة تشريعية قد ال تتحقق الغاية‬
‫المرجوة منها إذا لم يكن مشروع اإلصالح الشامل متكامال من الناحيتين الشكلية والموضوعية‬
‫‪.‬‬
‫التي من شانها تطعيم وتدعيم المدونة‬ ‫النهج الثاني‪ :‬االكتفاء باإلصالحات الجزئية‬

‫‪23‬‬
‫الحالية وهذا النهج سيحافظ على شكل المدونة القديمة وعلى توجيهاتها التي لم تكن يوما محال‬
‫للخالف سواء في فترة الحماية أو بعد حصول المغرب على االستقالل ‪.‬‬
‫يمنكن القول بان المشرع وجد ضالته في هذا النهج فالتعديالت الجزئية عادة ما تقتصر‬
‫على استئصال بعض النصوص أو تعديلها أو تجميد العمل بها في قطاع معين مع بقائها سارية‬
‫المفعول في قطاع آخر إال أن األمور أصبحت تتجه إلى االصالحات الجزئية غير المحدودة‬
‫كما هو الشأن بإقحام عشرين فصال جديدا مرة واحدة‪. 37‬‬
‫النتيجة من كل ما تقدم ان تجربة التعديالت الجزئية هي تجربة فاشلة تؤدي الى خلق‬
‫ارتباك تشريعي داخل ق ل ع برمتها والى بروز تناقضات بين ق ل ع والقوانين المقحمة‬
‫ستنعكس سلبا على القراءات الفقهية واالجتهادات القضائية في نهاية المطاف من هنا تأتي‬
‫ضرورة تغيير ق ل ع إلعادة االعتبار للنظرية العامة للعقد وتفادي ما أصبح يتداول حاليا‬
‫بأزمة العقد‪.38‬‬

‫ز‬
‫المدن د عبد القادر العرعاري ص ‪.24‬‬
‫ي‬ ‫‪ - 37‬دراسات معمقة ز يف القانون‬
‫ز‬
‫المدن بعض مظاهر اضطراب النظرية العامة للعقد د المعزوز البكاي‬ ‫‪ - 38‬مجلة القانون‬
‫ي‬
‫‪24‬‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫وختاما لما سبق ذكره فإن قانون االلتزامات والعقود أصبح يشكل حالة فريدة في القانون‬
‫المغربي في شكله ومضمونه وأصبح يواجه تحديات اقتصادية جديدة بفعل بنيته القديمة التي‬
‫لم يطرأ عليها أي تغيير منذ أكثر من مائة سنة‪.‬‬
‫وأن االمر يتطلب عمليات اصالح جذرية لتحقيق اإلصالح الفعلي من أجل مالئمته مع‬
‫الترسانة القانونية والتشريعية الوطنية وكذا ماشيا مع التطورات التي أصبح يعرفها العالم في‬
‫ظل عصر العولمة فالتعديالت الجزئية عادة ما نقتصر على استئصال بعض النصوص‪ ،‬أو‬
‫تعديلها أو تتميمها أو تجميد العمل بها‪.‬‬
‫وفي ظل التطورات التي أضحت تعرفها عجلة المعامالت المستحدثة والتي أصبح قانون‬
‫االلتزامات والعقود ال يفي بالغرض في ظلها لكونه يؤطر المعامالت التقليدية‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫الفهرس‬

‫مقدمة‪1 ................................................................................................................... :‬‬


‫المبحث األول‪ :‬مظاهر اضطراب ق ل ع بعد أزيد من مئة سنة من التنزيل ‪3 ..............................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تراجع مبدأ سلطان اإلرادة ‪3 ...................................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬العوامل االقتصادية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان اإلرادة ‪5 ........................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬العوامل االجتماعية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان اإلرادة ‪10 .......................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬قصور مبدأ حسن النية ‪13 .....................................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المظاهر القانونية بمبدأ حسن النية ‪13 ......................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬قصور مبدأ حسن النية ‪15 ....................................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬نحو إصالح شمولي لقانون االلتزامات والعقود ‪16 ...........................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مبررات ضرورة مالءمة نظرية العقد مع التحوالت االقتصادية ‪17 ....................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬العزلة القانونية لقانون االلتزامات والعقود أمام القوانين االقتصادية ‪18 ...............‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬قانون االلتزامات والعقود والرقمنة ‪20 ......................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬إصالح قانون العقود ‪21 ........................................................................‬‬
‫الخاتمة‪25 ................................................................................................................:‬‬
‫الفهرس ‪26 ................................................................................................................‬‬

‫‪26‬‬

You might also like