Professional Documents
Culture Documents
دراسة نقدية
قانون االلتزامات والعقود
من إعداد الطلبة الباحثين:
تحت إشراف الدكتور :أمين أعزان زليخة العلمي •
خالد لغزيوي •
خالد جاوزي ادريسي •
زبيدة احميدوث •
كريمة السعيدي •
سناء النادي •
ابتسام الرغيوي الحمزاوي •
االلتامات والعقود ،مقال منشور بمجلة القانون واالقتصاد العدد.57،5 ز - 1محمد شيلح ،أصول قانون
ز
وااللتامات التونسية - 2فعىل سبيل المثال الفصول ( 114إىل غاية 112ق.ل.ع ) ليس ه ناك ما يقابلها ز يف مدونة العقود
ظهت 21يناير 2011المنظم. بمقتض الفصل 01من ر ز والت ألغيت بدورها
وه فصول تتعلق بأحكام الوفاء بالشيك ي ي
1
الفصل األول إلى غاية الفصل ( 477بينما تناول الثاني فصول بعض العقود المسماة وقد
خصص لها المشرع ما يقرب من ثلثي نصوص المدونة) من الفصل 478إلى غاية الفصل
األخير.3
غير أنه باستقراء العديد من فصول قانون االلتزامات والعقود يتضح ٲ نها تتضارب مع
نصوص بعض القوانين الخاصة ،كما أن هذا القانون ما يزال يتضمن عدة مقتضيات أصبحت
متجاوزة في الوقت الذي عرفت فيه مختلف الفروع القانونية المشكلة للترسانة التشريعية المغربية
إصالحات جذرية غيرت معالم أصولها بدءا من مدونة التجارة( ،)1996وقوانين الشركات(-1997
،)1996ثم المدونات ذات الطابع االجتماعي التي أسفرت عن ميالد مدونة جديدة االسرة
( )2004وأخرى منظمة للشغل ( )2003وذلك نتيجة االنخراط المغرب ضمن المنظومة
الدولية للتبادل الحر وفتح األسواق أمام المنتوجات العابرة للحدود وفقا لقواعد العولمة التي
غيرت الكثير من مالمح النظام القانوني المغربي حتى يتناسب مع التوجه الجديد االقتصاد
العالمي الليبرالي.
وقد تعددت المحاوالت التي استهدفت قانون االلتزامات والعقود قصد إصالحه ليكون في
مستوى التطورات التي عرفتها النظرية العامة االلتزامات عموما ونظرية العقد على وجه
الخصوص لكن رغم ذلك كله ظل قانون االلتزامات والعقود كباقي النصوص المدنية في منأى
عن اإلصالح باستثناء بعض التغييرات الطفيفة التي طرأت عليه في مناسبات محدودة جدا.
وانطالقا مما سبق سنطرح التساؤل الرئيسي التالي:
2
املبحث األول :مظاهراضطراب ق ل ع بعد أزيد من مئة سنة من التنزيل
املطلب األول :تراجع مبدأ سلطان اإلرادة
يعتبر مبدأ سلطان االرادة من بين أهم الميكانيزمات التي يقوم عليها القانون المدني ،وهو
يشكل اللبنة األساسية في إنشاء العقود ويفيد بأن إرادة العاقدين كافية لوحدها لإلنشاء الرابطة
العقدية ،وترتيب كافة اآلثار القانونية التي تتضمنها4 ،لهذا فإن العقود التي يتم إنشاؤها بشكل
5
صحيح تقوم مقام القانون كما جاء ذلك في الفصل .230
لكن قبل أن يظهر هذ ا المبدأ كان التعاقد ال يرتكز على رضا األطراف أي على توافق
إرادتهم ،بل كانت هناك شكليات كان ال بد من احترامها لكي يتم إتمام العقد على وجه صحيح
كما هو الحال بالنسبة لما كان سائدا في القانون الروماني ،فقوة العقد أنداك كانت تستمد من
تلك الشكلية التي تبرم وفقها.
لكن نتيجة التطورات التي أصبح يعرفها المجتمع الروماني أصبح يتم االعتماد على
اإلرادة في تكوين العقود ولو بشكل طفيف ،وذلك ما تجسد من خالل االعتراف برضائية تكوين
6
بعض العقود (البيع ،اإليجار ،الشركة)
-4كما تم تعريفه:
Le principe de l'autonomie de la volonté signifiée que le contrat tire sa force obligatoire des
volontés des parties qui sont souveraine. il y a donc deux éléments d'une part, la souveraineté
de la volonté, d'autre part la force obligatoire de la volonté.
Christian Larroumet, droit civil, tome 3 les obligations, le contrat, 3°édition 1996 p : 101
أنظر أيضا:
ز
لاللتام ،عىل ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة المدن ،دراسة حديثة للنظرية العامةز الشقاوي" ،القانون -عبد الرحمان ر
ز ز ي
القانون ،منشورات فريق البحث يف تحديث القانون والعدالة"،
ي للقانون االقتصادي" ،الكتاب األول ،الجزء األول الترصف
الطبعة األوىل ،2012ص .44.1 :
"االلتامات التعاقدية المنشأة عىل وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إىل منشئيها ،وال يجوزز -5الذي نص عىل أنه :
ز ز
إلغاؤها إال برضاهما معا أو يف الحاالت المنصوص عليها يف القانون".
ز ز ز
لاللتامات ،العقد ،الكتاب األول ،تكوين العقد"، المدن ،الجزء األول ،المصدر االرادي
ي الصاف" ،القانون
ي -6عبد الحق
مطبعة النجاح الجديدة ،الطبعة األوىل ،2006.1427 ،ص .103 :
3
وبهذا أصبح االعتماد في إنشاء العقود على اإلرادة ،وأصبح لمبدأ سلطان اإلرادة مكانة
.7
هامة ،حيث أصبح نتاج الفلسفة الفردية التي تم ظهورها في عصر األنوار
وقد مر مبدأ سلطان اإلرادة بمحطات تاريخية بحيث أصبح دور اإلرادة يتقوى وذلك في
أوربا مند نهاية القرن الثاني عشر وذلك لعدة أسباب كتأثير الدين والكنيسة في ترسيخ هذا المبدأ
وذلك من خالل الحث على احترام التعاقدات ،باإلضافة إلى االعتبارات االقتصادية التي أدت
إلى تزايد النشاط التجاري بحيث تمت هناك زيادة في النشاط التجاري وكان ال بُد من إزالة
تلك الشكليات ألجل تحرير التبادالت.8
وما ينبغي اإلشارة إليه إلى أن مبدأ سلطان اإلرادة بلغ قمته خالل القرن الثامن عشر
حيث قامت النظرية التقليدية للعقد التي تقول بأن العقد يفيد توافق إرادتين على إحداث أثر
قانوني ،وبهذا أصبحت اإلرادة ،الركيزة األساسية التي تعتمدها النظريات القانونية.
لكن هذه النظرية أصبحت محط انتقاد مند أواخر القرن 19وذلك راجع لعدة عوامل
اقتصادية واجتماعية ،فبدأ التوجه إلى اعتماد توجهات حديثة في إطار قانون العقود.
وتكمن أهمية هذا الموضوع في كون مبدأ سلطان اإلرادة آلية من أهم اآلليات التي يقوم
عليها القانون المدني على اعتبار أن االرادة هي التي تنشئ العقد ،إال أن هذا المبدأ عرف
تراجعا بفعل عوامل اقتصادية واجتماعية أدت الى ظهور توجهات جديدة أثرت بشكل مباشر
على النتائج القانونية لمبدأ سلطان االرادة ومن هنا تبرز األهمية الحقيقية لدراسة هذا الموضوع
خاصة إذا علمنا أن طبيعة بعض العقود يمكن أن تنتج آثارا تمتد الى البيئة.
وبما أن الموضوع يحتمل المعالجة من خالل زاوية تراجع مبدأ سلطان اإلرادة كالحديث
عن الشكلية في عالقتها بمبدأ سلطان اإلرادة ،وأيضا عالقته بعيوب اإلرادة ،وبمؤسسة التفسير
والتكييف ،إلى جانب عالقته بإبرام العقود بشكل الكتروني.
لكن التطرق لهذه النقط لن يسعفنا في دراسة تراجع مبدأ سلطان االرادة بشكل دقيق .لذلك
حاولنا اإلشارة إلى بعضها بشكل ضمني وفق التصميم التالي:
أوالً :العوامل االقتصادية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان االرادة ✓
4
ثانياً :العوامل االجتماعية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان االرادة ✓
الفقرة األولى :العوامل االقتصادية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان اإلرادة
لقد كان هاجس حماية المستهلك العامل األساسي الذي دفع أغلب دول العالم إلى تبني
قوانين جديدة شكلت ثورة حقيقية على العديد من المفاهيم التي كانت سائدة إبان وضع قانون
االلتزامات والعقود المغربي ومن قبله مدونة نابوليون وفي مقدمة هذه المفاهيم مبدأ سلطان
اإلرادة 9الذي عرفت نتائجه تأثرا بالخصوص في الحرية التعاقدية والقوة الملزمة للعقد مما
جعله يخرج عن المفهوم التقليدي الذي تم تفصيله أعاله ،فمبدأ سلطان اإلرادة ازدهر بموجب
عوامل اقتصادية وانتكس بموجب عوامل اقتصادية .10
لهذا يجب دراستهما وفق المنظور الحديث سواء على مستوى تكوين العقد ( )1أو على
مستوى تنفيذ العقد (.)2
هاجس حماية المستهلك )1
ال مجال للشك في أن مفهوم المستهلك الذي كان مفهوما اقتصاديا محضا أصبح قانونيا
منذ تدخل المشرع من أجل حماية المستهلك ويقصد بهذا األخير حسب المادة الثانية من
القانون11 31-08كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني أو يستعمل لتلبية حاجياته غير المهنية
منتوجا أو سلعا أو خدمات معدة الستعماله الشخصي أو العائلي.12
إضافة إلى أن االستاذ عبد القادر العرعاري أكد على أنه باعتبار المستهلك محطة نهائية
في دورة االنتاج والتوزيع القتصار مهمته على اقتناء حاجياته األساسية بشكل متجدد فهو إذن
-9عبد الرحمان ر
الشقاوي ،م.س ص46
رز
القواني الخاصة ،مداخلة بمناسبة ندوة وطنية -10البكاي معزوز :حماية المتعاقد أو المستهلك ر ز
بي القواعد العامة و
ز
يوم 13و يف موضوع مائوية صدور ق.ل.ع المنظمة من طرف كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية مكناس ي
. 2015/02/ 14
القاض
ي
ز ظهت رشيف رقم 1.03.11صادر ز يف 14من ربيع األول 18(1432رفتاير )2011بتنفيذ القانون رقم 31.08 ر -11
تدابت حمائية للمستهلك.
ر بتحديد
الفرنس المشع أخد باالتجاه الواسع وهو نفس الموقف الذي دافع عنه الفقيه -12وانطالقا من هذا التعريف يظهر أن ر
ي
فرييه ديدييه الذي ذهب إىل أن مفهوم المستهلك الواسع للمستهلك هو الذي ينسجم مع غايات قانون االستهالك.
5
فاعل اقتصادي قوي له دور ايجابي في تنشيط الرواج التجاري والصناعي وهو مبرر كافي
في نظره إلنصافه .13
وهناك اتجاه أخر يرى أن سبب تدخل المشرع من أجل حماية المستهلك يتمثل في كون
العقود التي تبرم من طرف المستهلك هي عقود إذعان أما إذا كان العقد محل تفاوض فلن يكون
هناك أي سبب يدعو لحماية المستهلك لذلك فالحماية الحقيقية يجب أن تنصب على مفهوم عقود
اإلذعان عوض أن تنصب على المستهلك .14
وقد أكد chabasعلى نفس الشيء إال أنه أقر بأن الحماية التي يحظى بها المستهلك
والتي يتدخل من أجل سنها المشرع ال تتمحور حول عقود اإلذعان فقط ،بل حتى حول شخصية
المستهلك باعتباره طرفا غير مهني .15
وبالرجوع للعديد من المقتضيات التي جاء بها قانون 31.08يظهر جليا مدى تأثر مبدأ
سلطان االرادة في مرحلة تكوين العقد مما يعني أن شروط العقد وتكوينه ومحتواه أصبحوا
محددين سلفا من طرف المشرع بقواعد امرة وليس فقط قواعد مكملة
ومن هنا يظهر أن مبدأ سلطان اإلرادة عرف تراجعا بموجب مقتضيات قانون 31.08
والذي يبرز جليا من خالل فرض المشرع لمجموعة من االلتزامات على المهني حيث نجد
مثال االلتزام باإلعالم 16ومنح مهلة للتفكير ومهلة للرجوع إضافة إلى أن أغلب العقود التي
تبرم بين المستهلك و المهني تعتبر عقود إذعان و هو ما يؤدي إلى المساس بالحرية التعاقدية
للمستهلك ،وحتى يؤكد المشرع هذه الحماية قام بضبطها من خالل النص على غرامات مالية
المدن المعمق ر ز
بي الفقه والقضاء الطبعة األوىل سنة 2010 ي
ز -13عبد القادر العرعاري ،وجهة نظر خاصة ز يف مادة القانون
ص.66
المدن المعمق ر ز
بي الفقه والقضاء الطبعة األوىل سنة 2010 ي
ز -14عبد القادر العرعاري ،وجهة نظر خاصة ز يف مادة القانون
ص.66
15 - Henri et léon mazeau, jean mazeau, francois chabas, o.p cit p30
."..Il ne faudrait d’ailleurs pas croire que la protection du consommateur se résume en une
lutte contre le contrat d’adhésion. Certes, ce dernier est au premier chef visé mais la
réglementation ne se limite pas à lui. Ce qui importe au législateur, c’est la personne du
consommateur, dans son activité extra_ professionnelle, même si celle-ci se traduit par un
contrat de gré à gré".
عش وتخصيص الباب ز
لاللتام العام باإلعالم من المادة الثالثة إىل المادة الحدية ر -16وقد خصص ر
المشع الباب األول
ز
الثان لإلعالم بآجال التسليم من المدة 12اىل المادة 14
ي
6
متفاوتة في القسم السابع من قانون 31.08في حالة عدم احترام مقتضيات القسم الثاني من
نفس القانون.
إضافة إلى ما سبق عرف مبدأ سلطان اإلرادة تأثرا بارزا على مستوى تنفيذ العقد أيضا
ولعل ذلك راجع إلى ظهور النظام العام االقتصادي التوجيهي نتيجة تخلف األساس االقتصادي
للعقد وانهيار التوازن بين مركز الطرفين " وهو ال يهدف إلى الحد من حرية األفراد المتعاقدين
بطريق مباشر بل يرتكز على المساهمة في توجيه االقتصاد الوطني والقيام بإصالحات
وترميمات للنظام االقتصادي وهاته اإلصالحات يكون لها تأثير واضح على مجال العقود التي
لم تعد في نظام التوجيه االقتصادي تنشأ بواسطة إرادتين بل أصبحت تزاوج بين اإلرادة
الشخصية واإلرادة الموضوعية .17
ويظهر النظام العام االقتصادي التوجيهي بشكل واضح في العقود التي تتطلب حماية
للطرف الضعيف وأبرزهم المستهلكون.
وقد تجلى هذا التأثر في مرحلة تنفيذ العقد من خالل نص المشرع في المادة 19من قانون
.31-08على ضرورة تفسير الشك لمصلحة المستهلك إضافة إلى أن المشرع أكد بموجب
القسم الثالث من المادة 15إلى المادة 20على إمكانية إلغاء الشروط التعسفية وهو ما أقرته
فعال محكمة النقض الفرنسية سنة 2014حيث تتلخص وقائع هذه القضية في رفع دعوى من
طرف االتحاد الفدرالي للمستهلكين "إيزر" ضد تبادلية "ديزر" الفرنسية بخصوص إزالة 23
شرط تعسفي وضعوا في عقد أبرم مع التبادلية إيزر والمقيمين بدار المسنين باعتبارهم
مستهلكين إضافة إلى المطالبة بالتعويض .18
remet, en conséquence, sur ces points, la cause et les parties dans l’état où elles se trouvaient
avant ledit arrêt et, pour être fait droit, les renvoie devant la cour d’appel de Chambéry
Arrêt n° 1095 du 1er octobre 2014 – Cour de cassation – Première chambre civile – ECLI
:FR:CCASS :C101095
Publié : https
://www.courdecassation.fr/jurisprudence_2/premiere_chambre_civile_568/1095_1er_3024
2.htm
ظهت رشيف رقم 1.14.116صادر ز يف 2رمضان 30(1935يونيو )2014بتنفيذ القانون رقم 104.12المتعلق بحرية
ر -19
األسعار والمنافسة.
8
نص تنظيمي يحدد كيفيات تنظيم أسعار السلع والخدمات والمنتوجات20ومن هنا يظهر بجالء
أن المشرع وضع نطاقا لحرية األسعار ولم يتركه على إطالقتيه.
ولهذا يمكن القول أن الحرية التعاقدية كنتيجة قانونية لمبدأ سلطان اإلرادة عرفت تراجعا
واضحا انطالقا من المادة 2من قانون 104-12حيث أن المشرع لم يكتفي بتنظيم حرية
األسعار وإنما قام أيضا بضبطها.
فهذه الحرية 21
ورغم أن المشرع نص على حرية األسعار إال أنه ضبطها بالمنافسة
تمارس داخل نطاق المنافسة و يظهر ذلك جليا من خالل تخصيص القسم الثاني من قانون
104.12للممارسات المنافية لقواعد المنافسة كالحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة
للمنافسة من لدن منشئات أخرى .22
وانطالقا مما نص عليه المشرع في المواد 8 ،7 ،6و 10من قانون 104.12يظهر
بشكل واضح انتهاك للقوة الملزمة للعقد كأثر قانوني لمبدأ سلطان اإلرادة وذلك بحضره لبعض
االتفاقات سواء الصريحة أو الضمنية والتي رتب عليها جزاء البطالن ،فرغم نشوئها بشكل
صحيح وفي عقد سليم وبرضى األطراف قد يطالها البطالن إذا خالفت ما نصت عليه الفصول
األنفة الذكر.
وتماشيا مع ذلك حرص المشرع المغربي على ضبط مجال المنافسة من خالل إعطائه
مجموعة من الصالحيات لمجلس المنافسة الذي لم يعد له دور استشاري منذ صدور قانون
الذي نص في مادته الثانية على أن هذا المجلس يتمتع 23
13.20المتعلق بمجلس المنافسة
بسلطة تقريرية في ميدان محاربة الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز
االقتصادي كما هي معرفة في القانون المتعلق بحرية األسعار والمنافسة.
9
واعتمادا على ما سبق يمكن القول أن ظهور توجهات تنادي بحماية المستهلك وضبط
مجال المنافسة باعتبارهما عاملين اقتصاديين ساهما بشكل مباشر في تراجع مبدأ سلطان
اإلرادة ،دون إغفال عوامل اجتماعية كان لها دور أيضا في تراجع مبدأ سلطان اإلرادة وعلى
رأسها الحفاظ على المصلحة العامة وذلك بتدخل الدولة من خالل فرض عقود وفق شكلية
معينة (عقود اإلذعان ،العقود اإلجبارية) جعلت مبدأ سلطان اإلرادة في تراجع.
الفقرة الثانية :العوامل االجتماعية التي أدت الى تراجع مبدأ سلطان اإلرادة
تأثر مبدأ سلطان االرادة بمجموعة من التحوالت االقتصادية واالجتماعية مما أدى الى
تراجع الطريقة التقليدية في التعاقد التي كانت تستند أساسا على المساواة أثناء التفاوض على
شروط العقد حيث ظهرت أنواع جديدة للتعاقد كانا أبرزها عقود االذعان ( )1والعقود االجبارية
(.)2
عقود االذعان )1
يقصد بعقد االذعان عقد يبرم دون مساومة حيث يتولى الطرف المتفوق قانونيا أو فعليا
تحديد كل شروطه دون أن يكون باستطاعة الطرف الثاني الضعيف أن يناقش تلك أو يفضل
24
عليها تعديالت معينة وال يكون أمامه اال قبولها جملة أو رفضها جملة
وانطالقا من هدا التعريف أن الطرف الثاني المتعاقد تكون له الحرية الكاملة في اللجوء
من عدمه إلى ما يعرضه عليه الطرف االول اال أن ارادته تصبح مستهدفة عندما يكون ملزما
بقبول تلك الشروط كما هي أو رفضها دون إمكانية مناقشتها.
ويظهر أن سلطة القاضي في المغرب في تحقيق التوازن من خالل تأويل العقد تكون
ضيقة إذا كانت عباراته واضحة ،ألن كل من دخل في عالقة بإرادة واعية ال يستطيع أن يتخلى
عنما التزم به.
10
وتستعمل عقود االذعان في عدة مجاالت كعقود االشتراك والخدمات (الماء ،الكهرباء)
اال أن أبرز مثال لعقود االذعان هو عقد النقل ،حيث ظهر هذا االخير منذ زمن بعيد ويعتبر
من العقود المركبة التي تضم اضافة الى الناقل والمسافر شركة التأمين.
وتعتبر عقود النقل عقودا نموذجية بامتياز حيث أن المسافر يكون ملزما بالموافقة على
ماورد في تذكرة السفر دون إمكانية التفاوض حولها ويعتبر اللجوء إلى العقود النموذجية في
الوقت الحاضر أمرا ال مفر منه ،حيث أن اللجوء إلى هده العقود له عدة امتيازات تتمثل
باألساس في ما ينتج عنها من تبسيط وتسهيل في المعامالت فليس من المعقول أن يناقش الناقل
بنود العقد مع كل مسافر على حدى ،إضافة إلى أن هده العقود النموذجية قد تكون خالصة
خبرة فنية وقانونية وربما ذات خبرة علمية وليست هده العقود في معظم صورها عقود
25
إذعان
إذن يظهر على أن عقود اإلذعان تتميز بافتقارها إلى المناقشة والمساومة بين طرفيها
حيث ينفرد طرف بإعداد بنود العقد والتي غالبا ما تكون في قالب شكلي.
العقود االجبارية )2
لقد أدى تدخل المشرع في العديد من المرات إلى التضييق من سيادة مبدأ الحرية التعاقدية
حيث لم يبقى محتفظا بتلك الصرامة التي أعطيت له في البداية ،حيث إن المصلحة العامة
اقتضت في الكثير من األحيان إجبار الشخص على إبرام عقد معين كما هو الشأن بالنسبة
لمجال التأمين االجباري على السيارات .26
وفي ختام هده الفقرة نستخلص أن المنهجية الحديثة تؤكد على عدم إدراج خالصة
للموضوع في الخاتمة فإنه يمكن االقتصار على إعطاء النتائج التالية:
11
-ال يمكن اعتبار مبدأ سلطان اإلرادة في الوقت الراهن من النظام العام ،وفي
عند حديثه 27
هذا اإلطار يمكننا الذهاب إلى أكثر مما قاله Christian larroumet
عن الحرية التعاقدية.
والقول على أن مبدأ سلطان اإلرادة ال يعتبر مبدأ دستوريا ألنه ال يوجد أي مقتضى في
دستور 2011ينص على هذا المبدأ.
لم تكن النتائج القانونية المترتبة على مبدأ سلطان اإلرادة على إطالقتها حيث -
عرفت حدودا حتى على مستوى المفهوم التقليدي لمبدأ سلطان اإلرادة.
مبدأ سلطان اإلرادة عرف تراجعا بسبب ظهور عوامل اقتصادية واجتماعية. -
القوة الملزمة للعقد عرفت تراجعا ملحوظا على مستوى المفهوم الحديث لمبدأ -
سلطان اإلرادة وذلك بموجب مقتضيات قانون حرية األسعار والمنافسة وقانون حماية
المستهلك.
قد تنشأ مقتضيات صحيحة وفق ق ل ع إال أنه يلحقها جزاء البطالن إذا -
أصبحت الدولة تتدخل من أجل توجيه العقد ولو على حساب المصلحة الفردية
لألشخاص.
نسبية اثار العقد عرفت تراجعا حيث أصبحت اثار العقد تمتد حتى إلى البيئة -
عنه لصالح ظهور عقود جديدة أغلبها اتسمت بطابع الشكلية التي فرضها المشرع من
27- toute fois, le conseil constitutionnel considérer que la liberté contractuelle n’était pas un
principe de valeur constitutionnelle (cons. Const.3 aout 1994, J.C. B 1995. II. 22404 ; note
Brouselle).
Christian larroumet, o.p cit p 122
12
أجل حماية الرضا الصادر عن أحد أطراف العقد ،و من تم ،فإنه في مثل هذه الحالة،
تساهم الشكلية في احترام اإلرادة 28لهذا ينبغي الدفاع عنها و إقرارها في جميع العقود.
العامل التكنولوجي بدوره أثر على مبدأ سلطان اإلرادة حيث عرف تغييرا -
واالجتماعية والتكنولوجية إال أنه ال يمكن االستغناء عنه ،فبعض العقود ما زالت تعتبر
مبدأ سلطان اإلرادة هو األصل كعقود الشغل رغم وجود بعض االستثناءات.
ز
لاللتام عىل ضوء تأثرها بالمفاهيم الجديدة ز
المدن دراسة حديثة للنظرية العامة -28عبد الرحمان ر
الشقاوي :القانون
ي
للقانون االقتصادي ،مرجع سابق ،ص .43 :
13
ولقد أشار المشرع لمبدأ حسن النية في العديد من الفصول في ق ل ع منها الفصل 532
من نفس القانون .وبالتالي نالحظ أن المشرع المغربي ربط مبدأ حسن النية بالضمان والزم
البائع به حتى ولو كان حسن النية.
ورغبة من المشرع في المحافظة على مبدأ حسن النية منع المدين من ادراج شرط في
العقد يهدف إلى اعفائه من المسؤولية العقدية في حالة ارتكابه خطأ جسيم أو تدليس وهذا ما
نص عليه الفصل 232من ق ل ع والذي ورد فيه" :ال يجوز أن يشترط مقدما عدم مسؤولية
الشخص عن خطئه الجسيم وتدليسه"
1الثقة المشروعة:
من المعلوم أن مبدأ حسن النية يعد من المبادئ األخالقية التي ضمنها المشرع في
المنظومة القانونية واحاطها بأهمية بالغة باعتبارها أحد أهم المبادئ التي تحافظ على توازن
العالقات التعاقدية.
وتعتبر الثقة المشروعة مظهر من مظاهر حسن النية الذي ينبغي أن يسود جميع العقود
االمر الذي يجعل كل واحد من المتعاقدين يثق في اآلخر ويفترض فيه النزاهة والصدق في
تنفيذ االلتزام واالبتعاد عن كل ما من شأنه أن يحول دون تنفيذه.
وإذا كان البعض يقول أن العقود تقوم على مصالح متعارضة االمر الذي يجعل كل
طرف يحتفظ لنفسه بما يحقق له أكبر فائدة.
لذلك نجد بعض التشريعات تجعل التصرف الذي ينطوي على الغش والخديعة وسوء
النية من قبيل الخطأ العقدي الذي يستلزم الجزاء.
14
إللتزامه .فال يقف عقبة تسبب إستحالة تنفيذ المدين إللتزامه وبالتالي ففكرة التعاون في تنفيذ
اإللتزام تلقي على الدائن إلتزاما عاما باإلمتناع عن الخطأ .فمثال في عقد البيع يظهر حسن النية
في تعاون المتبايعين الذي يتمثل في قيم البائع يتمكن المشتري من حيازة المبيع حيازة هادئة
يعكرها تعرض يعطل كل أو بعض ما يخوله له حقه على المتتبع من سلطات ومزايا هذا من
جهة البائع .أما من جهة المشتري فيجب عليه ان يخطر البائع بالتعرض في الوقت المناسب.
فهذا هو التعاون والمطلوب كمقتضى من مقتضيات حسن النية في تنفيذ العقود.
ما أود قوله في هاته النقطة ان الفصل 231من ق.ل.ع حدد نطاقه في مرحلة تنفيد
العقد وبالتالي فتمديد المبدأ إلى وقت إبرام العقد لن تجد لها أي سند قانوني خاصة إدا علمنا أنه
من متطلبات العصر الحالي وقواعد العدل وإلنصاف بل والمنطق القانوني السليم تقتضي كلها
ضرورة تمديد المبدأ إلى مرحلة اإلبرام ليس كما نص عليه الفصل 231من ق.ل.ع وحصر
نطاقه في مرحلة التنفيذ وهو ما جعل الفقه الفرنسي ينادي بالمفهوم الواسع لمبدأ حسن النية
على إعتبار وحدة العقد إذا ما جدوى من فرض مبدأ حسن النية في مرحلة التنفيذ وتجاهله في
مرحلة اإل برام كاإللتزام بالتحدير أي تلك إللتزامات التي يتحتم تنفيذها في مرحلة إبرام العقد
على إعتبار أن هدا اإللتزام من أهم اإللتزمات التي تقع على البائع حماية للطرف الضعيف
في العقد والعمل على ضمان التوازن العقدي
هذا القصور أمر منطقي :فالمشروع لو يتناول هذا إللتزام بالتحدير وذلك راجع لسببين
السبب األول :الفترة الدي وضع فيها ق.ل.ع تميزت بالبساطة ولم تكن أنداك
السبب الثاني :القواعد المتعلقة بضمان العيوب الخفية كحماية المتعاقد
15
املبحث الثاني :نحو إصالح شمولي لقانون االلتزامات والعقود
يعد إصالح القانون المدني بوجه عام ،وقانون االلتزامات والعقود بالخصوص ضرورة
اقتصادية واجتماعية ،وحاجة كونية مرتبطة بحفظ التوازن القانوني والفعلي لإلنسان باعتباره
إنسانا وفق التصورات التي بلغتها األمم المتحضرة في القرنين الماضيين بشكل عام والعقود
األخيرة بوجه خاص.
ولتحقيق ذلك بصورة شمولية وكلية ،يفترض في قانون االلتزامات والعقود أن تكون
قواعده وأصوله وتوجهاته عالمية ،إذ أنه من الصعب الحديث عن نوع مغربي أو فرنسي أو
ألماني .إذ ينبغي لهذه التوجهات أن تتقاسمها مختلف األنظمة القانونية في ظل عولمة االقتصاد
وما نتج عنه من ضرورة عولمة القاعدة القانونية.
وقد يكون هذا هو السبب الذي دفع العديد من التشريعات األوروبية إلى إصالح قانون
االلتزامات في العديد من جوانبها ،خاصة تلك المتعلقة بنظرية العقد ،كما هو الشأن بالنسبة
للقانون الهولندي سنة ،1992وإصالح القانون األلماني لاللتزامات سنة ،2001وأيضا القانون
المدني الفرنسي بمقتضى األمر الصادر في 10فبراير ،2016بل إن عالمية قانون االلتزامات
جعلت دوال أخرى بعيدة عنا تتبنى نصوصا جديدة ،كما هو الحال بالنسبة للصين التي اعتمدت
هي األخرى قانونا جديدا للعقود سنة .1999
إن أي إصالح تشريعي للقانون المدني المغربي ينبغي أن يرمي إلى تحقيق هدفين
أساسيين:
األول هو تحقيق األمن القانوني ،من خالل تقوية المقروئية والولوجية لقانون االلتزامات
والعقود ،والتخلي عن بعض التعاريف الغامضة ،وأخذ آراء الفقهاء واالجتهاد القضائي بعين
االعتبار.
أما الهدف الثاني ،فيتمثل في سعي التشريعات الحديثة إلى بلوغ جاذبية القانون على
المستويات السياسية والثقافية واالقتصادية ،من خالل تسهيل تطبيق القانون الوطني في
النزاعات المتعلقة بعقود القانون الدولي ،وتقريب القانون الوطني مع العديد من التشريعات
16
األجنبية ،وإدخال الحلول المستجدة التي اقترحها الفقه أو اعتمدها القضاء أو تبنتها تشريعات
29
مقارنة.
ولهذه االعتبارات ارتأينا أن نتناول بالدراسة مبررات ضرورة مالءمة العقد مع
التحوالت االقتصادية (المطلب األول) ،على ان يتم التطرق في مطلب ثان إلصالح قانون العقد
(المطلب الثاني).
وعموما ،فإن ما يالحظ على القانون أنه دائما ما يكون في حالة تأخر مقارنة بالتطورات
االقتصادية واالجتماعية.
صحيح أن المشرع المغربي أقدم – على غرار نظيره الفرنسي – بإدخال بعض التعديالت
الجزئية على ظهير االلتزامات والعقود ،كتلك المرتبطة بالشرط الجزائي أو تلك المتعلقة
بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية أو لمسألة تنظيمه لبيع العقارات في طور اإلنجاز ،أو
من خالل القانون 21.18المتعلق بالضمانات التي طالت تعديالتها حوالي ثمانين فصال من
مواد وفصول ظهير االلتزامات والعقود.
غير أن هذه التعديالت لم تكن كافية لجعل هذا القانون أكثر جاذبية ومالءمة مع التحوالت
االقتصادية التي عرفها العالم في العقود األخيرة.
ز
المدن الجزء األول ،ص 27 :و 28
ي الشقاوي :نظرات ز يف القانون ،نحو مفهوم جديد للقانون
الدكتور عبد الرحمان ر 29
17
بل إن األسباب الرئيسية إلصالح العديد من القوانين المدنية في مجموعة من الدول هو
ضرورة جعلها تتالءم مع المؤسسات االقتصادية الدولية.
هذا ما جعل القوانين االقتصادية تؤثر في قانون االلتزامات والعقود ،فأصبح يعيش عزلة
حقيقية أمامها ،بل أصبح عاجزا عن مسايرة التحوالت االقتصادية والتكنولوجية التي عاشها
العالم في العقود األخيرة.
الفقرة األولى :العزلة القانونية لقانون االلتزامات والعقود أمام القوانين االقتصادية
لقد عمل المغرب على تسريع وثيرة التشريع وإنتاج القوانين ،لتهيئ اإلطار المناسب
لجذب االستثمارات األجنبية ،وقد ظل قانون االلتزامات والعقود في معزل عن أية مراجعة
لفصوله تجعله قادرا على مواكبة التحوالت االقتصادية الطارئة ،وهو ما فرض عليه عزلة
قانونية جعلته يبتعد شيئا فشيئا عن تنظيم وتأطير الفاعلين االقتصاديين بنفس القوة التي يتوخاها
أطراف العالقة التعاقدية ،التي تعرف حضور طرف مهني قوي من النواحي االقتصادية
والقانونية ،وطرف مستهلك ضعيف قليل الخبرة والدراية ،وهو ما يفرض على قانون
االلتزامات والعقود ضرورة االنفتاح على الواقعين المغربي والدولي الراهنين ،وما يطرحانه
من قضايا حقوقية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية جديدة ،وكذا وجوب مالحقة ومواكبة
30
المستجدات التشريعية السريعة والمتالحقة .
وقد كان من أهم آثار هاته العزلة القانونية التي فرضتها القوانين االقتصادية على قانون
االلتزامات والعقود ،أن قواعد هذا األخير أصبحت بعيدة عما تطرحه الظرفية الراهنة من
قضايا اقتصادية واجتماعية وثقافية وتختلف كثيرا عن االوضاع االقتصادية التي رافقت صدور
ظهير االلتزامات والعقود سنة ،1913وما تستوجبه من مالءمة مقتضياته مع الدستور الجديد
ز
المدن المعمق ،م.س ،ص 10 أحمد ادريوش :مناهج القانون 30
ي
18
سنة ،2011والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال حقوق اإلنسان أو في مجال
31
الحقوق االقتصادية واالجتماعية ،وما تثيره من إشكاليات المطابقة والترجيح.
وقد زاد من تعميق عزلة قانون االلتزامات والعقود ظهور قانون خاص (ضمن القوانين
االقتصادية) بالسوق المالية ،4وهو قانون يقوم بالتأطير القانوني للنظام االقتصادي لهاته
السوق ،وبضبط عالقة الفاعلين فيها بالسلطات المشرفة على السوق ،وقد ساعد كل ذلك في
إقصاء شبه كلي لقواعد قانون االلتزامات والعقود ،ومن أمثلة هذا اإلقصاء أن اإليجاب والقبول
في السوق المالية يخضع لضوابط قانونية وتنظيمية خاصة بحيث ال يتم االحتكام لقواعد
اإليجاب والقبول التي ينظمها قانون االلتزامات والعقود.
ومن هذا المنطلق ،وأمام هذه المستجدات التي غيرت وشوهت العملية التعاقدية التقليدية،
فقد تخلى قانون االلتزامات والعقود عن دوره المركزي الذي تم االعتراف له به سابقا ،كما
فقدت النظرية العامة لاللتزامات قوتها وتماسكها ،4نتيجة خاصيات الجمود والثبات واالستقرار
التي تميزها ،وفي مقابل خصائص السرعة والمرونة والديناميكية التي تتصف بها القوانين
32
االقتصادية.
هذا ما أدى إلى اتساع الهوة بين قانون االلتزامات والعقود والمجال االقتصادي ،بفعل
طغيان الطابع االقتصادي التقليدي على قواعد قانون االلتزامات والعقود في مواجهة الطابع
الحديث للقوانين االقتصادية ،وبالتالي لم تعد قواعده تتوافق مع ما حصل من تطور في عالم
المال واألعمال ،وقد كان لذلك انعكاس على مجموعة من األنظمة والمبادئ القانونية التي
33
تضمنها قانون االلتزامات والعقود.
19
إن أول عنصر يظهر تأثير القوانين االقتصادية على ق ل ع ،أن تقنينها تم بمعزل عن
النظرية العامة لاللتزامات والعقود ،وأنه ال يتعلق بتنقيح قوانين موجودة ،بل بمراجعة جذرية
لها تناولت المفاهيم واألحكام في نفس الوقت ،وهو ما أدى إلى بروز قواعد قانونية جديدة
زاحمت قواعد ومفاهيم ق ل ع ،وهو ما نتج عنه ظهور مجاالت في عالم االقتصاد والمال
واألعمال ال تسري عليها قواعد ق ل ع ،خاصة بعد تبني المغرب خيارات الخوصصة وتحرير
األسعار واالنفتاح على االستثمارات األجنبية ،وهي كلها معطيات ووقائع اقتصادية جديدة لم
تتكيف معها قواعد ق ل ع ،34وهي كلها عوامل ساهمت في تأثير القوانين االقتصادية على
35
البناء المفاهيمي ل ق ل ع.
فقد أصبحت الرقمنة في العالم بأسره ،آلية مهمة لتدبير الحياة في مختلف مناحيها،
االقتصادية واالجتماعية ،لدرجة جعلتنا نصف المجتمع المعاصر بهذه الوسيلة.
وهو األمر الذي جعل العديد من الدول والتجمعات تعتبر التجارة االلكترونية أحد أهم
األدوات في عالم اليوم لغزو السوق العالمي ،فاالتحاد األوروبي على سبيل المثال ،اعتبر
التجارة االلكترونية بأنها آمال السوق الداخلي وآلية لتطوير المعامالت العابرة للحدود.
لكل هذا ،فإن أي إصالح للنظام القانوني المتعلق بنظرية االلتزامات والعقود بوجه
خاص ،وأحكام مختلف جوانب القانون المدني بوجه عام ،تقتضي إيالء أهمية خاصة
للمقتضيات المتعلقة بالرقمنة ،وليس فقط االكتفاء بإصالح جزئي على غرار ذلك الذي حصل
20
بمقتضى القانون رقم 53.05المتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية ،وأيضا القانون
رقم 31.08خاصة في الباب الثاني المعنون بالعقود المبرمة عن بعد.
وإذا كان القانون رقم 53.05حاول اإلجابة على العديد من األسئلة التي تطرحها العقود
المبرمة بطريقة إلكترونية ،أو ما أطلقت عليها توجيهة البرلمان األوروبي لسنة 1997بالعقود
عن بعد ،فإن هذه المحاولة تبقى محدودة في ظل التطور الرقمي الذي عرفه المغرب في
السنوات األخيرة ،وما يستتبع ذلك من ضرورة خلق مناخ من الثقة المالئم الزدهار المعامالت
االلكترونية مع تأمين الحماية الالزمة للمستهلك اإللكتروني ،األمر الذي دفع المشرع المغربي
إلى تبني القانون 43.20المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعامالت اإللكترونية.
حيث سعى هذا القانون إلى تهييئ مناخ للثقة ،يشمل جميع الخدمات الرقمية ،ويوفر
للفاعلين االقتصاديين واإلدارات والهيئات العمومية بيئة قانونية تساعد على إطالق خدمات
جديدة ،مما سيضمن الحماية للمواطنين ويشجعهم على اإلقبال على الخدمات الرقمية .36
ز
المدن ،2023الجزء األول ص 40و
ي الشقاوي :نظرات ز يف القانون ،نحو مفهوم جديد للقانون
36الدكتور عبد الرحمان ر
.41
21
يمثل قانون االلتزامات والعقود أهم مظهر للقانون المدني المغربي بل الشريعة العامة
لبعض فروع القانون الخاص يطبق أمام محاكم المملكة على جميع المتواجدين فوق التراب
المغربي ،سواء كانوا مواطنين أو أجانب وذلك بخالف ما كان عليه األمر في ظل الحماية
الفرنسية حيث كان هذا القانون ال يطبق على المغاربة اال استثناء.
وبالرغم من مرور قرن من الزمن على صدوره 2013-1913فان قانون االلتزامات
والعقود ظل صامدا مرتكزا على بنية قانونية صلبة وأن عامل الوقت لم يؤثر عليه في جميع
جوانبه .بل بالعكس منحه الديمومة واالستمرارية ،خاصة في مجتمع تغير بشكل ملحوظ منذ
خمسين سنة في بنيته االجتماعية واالقتصادية والثقافية ....
غير أنه بعد تمديد تطبيق قانون االلتزامات و العقود أمام المحاكم المغربية ،اتضح أن
هناك تضاربا بين بعض مقتضياته و قوانين خاصة و أن الحل الذي يتبع في هذه الحالة هو أن
المبادئ العامة تقتضي ترجيح األحكام المضمنة في النصوص الخاصة و استبعاد تلك المضمنة
في قانون االلتزامات و العقود ألن القاعدة أن الحكم الخاص يقيد الحكم العام في حالة التعارض
بينهما ،كما أن قانون االلتزامات و العقود صدر بتاريخ 12غشت 1913بينما القوانين الخاصة
التي تتعارض معه صدرت بعده بسنوات ،و القاعدة أن الحكم الالحق يلغي الحكم السابق ،و
لكن الحل األنجع يتمثل في تحيين قانون االلتزامات و العقود عن طريق الغاء المقتضيات التي
تتعارض مع غيرها أو التي أصبحت متجاوزة ،كما يجب تنقية هذا القانون من بعض
المصطلحات التي أكل عنها الدهر و شرب ،فمن بين هذه المقتضيات التي ال تنسجم مع
مقتضيات أخرى في قوانين خاصة هناك على سبيل المثال المقتضيات التي تحيل على قانون
المسطرة المدنية الصادر بتاريخ 12غشت ،1913و المقتضيات المتعلقة باختصاص محاكم
المنطقة الجنوبية للمملكة .في الوقت الذي أصبح فيه المغرب يتوفر على قانون المسطرة
المدنية.
منذ 1974وعلى تنظيم قضائي للمملكة .وهناك كذلك المقتضى الذي يعرف الشركة بأنها
عقد بين شخصين فأكثر والحال أن المغربي أقر الشركة الفردية ....الخ.
وباإلضافة الى ما سبق ،ان قانون االلتزامات والعقود ما يزال يتضمن بين طياته العديد
من المصطلحات المتجاوزة ،منها على سبيل المثال اإلفالس ،الفرنك الفرنسي.
22
الميعاد بدل األجل ،التقويم الغريغوري ،السيد المساعد القضائي للقاصر ،التعامل بالتلفون
والبرقيات....
فمن خالل هذه المقتضيات و المصطلحات ،يتبين أن قانون االلتزامات و العقود ما يزال
من حيث مضمونه و شكله يمثل الصورة التي ظهر بها في نهاية القرن العشرين ،األمر الذي
يستلزم تحيينه عن طريق تنقيته من حيث الموضوع عن الغاء كل المقتضيات التي تتعارض
مع فروع القانون ا لخاص ،و من حيث الشكل عن طريق حذف كل المصطلحات التي لم يبق
العمل بها أو التي أصبحت بدورها متجاوزة حتى ال يبقى قانون االلتزامات والعقود متحفا
للقانون الفرنسي بخصوص هذه المقتضيات و المصطلحات.
ورغم الكم الهائل من االنتقادات التي وجهت لهذه المدونة حتى وصل األمر بالبعض الى
المناداة الى احالتها على التقاعد او ركنها في صفوف القوانين المتقادمة ،إال أن كل ذلك لم يحفز
السلطات المغربية على االستجابة لطلب التغيير بدعوى عدم وجود بديل جاهز للحلول محل
ق ل ع .وقد تكون من بين اسباب هذا الوضع تبعية القانون المغربي للقانون الفرنسي ،فهذا
االرتباط مازال قائما بحيث ان النصوص التي تم تحديثها او تجديدها هي التي حظيت بنفس
االهتمام في فرنسا.
فرغم النداءات الداعية لمراجعة وإصالح هذا القانون إال ان السلطات المعنية ال زالت
تلتزم الصمت تجاه هذا الموضوع الذي ال يمكنها الحسم فيه والذي تكمن صعوبته في تعدد
االختيارات المتاحة امام المشرع إلنجاز هذا االصالح أو ذاك إال أنه يمكن إجمال هذه
االختيارات في النهجين التاليين:
النهج األول :سلوك طريق االصالح الشامل ل ق ل ع بإحالل بديل لها وهذا يعني انها
ستصبح جزءا من الماضي وهذا الحل يتطلب تجنيد عدة طاقات قانونية فقهية سوسيولوجية
لتحديد نوع وطبيعة المدونة المطلوبة وهي في أصلها مغامرة تشريعية قد ال تتحقق الغاية
المرجوة منها إذا لم يكن مشروع اإلصالح الشامل متكامال من الناحيتين الشكلية والموضوعية
.
التي من شانها تطعيم وتدعيم المدونة النهج الثاني :االكتفاء باإلصالحات الجزئية
23
الحالية وهذا النهج سيحافظ على شكل المدونة القديمة وعلى توجيهاتها التي لم تكن يوما محال
للخالف سواء في فترة الحماية أو بعد حصول المغرب على االستقالل .
يمنكن القول بان المشرع وجد ضالته في هذا النهج فالتعديالت الجزئية عادة ما تقتصر
على استئصال بعض النصوص أو تعديلها أو تجميد العمل بها في قطاع معين مع بقائها سارية
المفعول في قطاع آخر إال أن األمور أصبحت تتجه إلى االصالحات الجزئية غير المحدودة
كما هو الشأن بإقحام عشرين فصال جديدا مرة واحدة. 37
النتيجة من كل ما تقدم ان تجربة التعديالت الجزئية هي تجربة فاشلة تؤدي الى خلق
ارتباك تشريعي داخل ق ل ع برمتها والى بروز تناقضات بين ق ل ع والقوانين المقحمة
ستنعكس سلبا على القراءات الفقهية واالجتهادات القضائية في نهاية المطاف من هنا تأتي
ضرورة تغيير ق ل ع إلعادة االعتبار للنظرية العامة للعقد وتفادي ما أصبح يتداول حاليا
بأزمة العقد.38
ز
المدن د عبد القادر العرعاري ص .24
ي - 37دراسات معمقة ز يف القانون
ز
المدن بعض مظاهر اضطراب النظرية العامة للعقد د المعزوز البكاي - 38مجلة القانون
ي
24
الخاتمة:
وختاما لما سبق ذكره فإن قانون االلتزامات والعقود أصبح يشكل حالة فريدة في القانون
المغربي في شكله ومضمونه وأصبح يواجه تحديات اقتصادية جديدة بفعل بنيته القديمة التي
لم يطرأ عليها أي تغيير منذ أكثر من مائة سنة.
وأن االمر يتطلب عمليات اصالح جذرية لتحقيق اإلصالح الفعلي من أجل مالئمته مع
الترسانة القانونية والتشريعية الوطنية وكذا ماشيا مع التطورات التي أصبح يعرفها العالم في
ظل عصر العولمة فالتعديالت الجزئية عادة ما نقتصر على استئصال بعض النصوص ،أو
تعديلها أو تتميمها أو تجميد العمل بها.
وفي ظل التطورات التي أضحت تعرفها عجلة المعامالت المستحدثة والتي أصبح قانون
االلتزامات والعقود ال يفي بالغرض في ظلها لكونه يؤطر المعامالت التقليدية.
25
الفهرس
26