You are on page 1of 78

‫جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية –‬

‫كلية الحقوق و العلوم السياسية‬


‫قسم قانون األعمال‬

‫تراجع مبدأ سلطان اإلرادة في عقد االعتماد االيجاري‬

‫مذكرة لنيل شهادة الماستر في الحقوق‬


‫تخصص ‪ :‬القانون العام لألعمال‬

‫إشراف األستاذ ‪:‬‬ ‫من إعداد الطالبتين ‪:‬‬


‫‪ -‬عسالي عبد الكريم‬ ‫‪ -‬شبطة أنيسة‬
‫‪ -‬شوالي صونية‬
‫لجنة المناقشة‬
‫رئيسا‬ ‫‪..................‬‬ ‫األستاذ ‪ :‬براهيمي فضيلة‬
‫مشرفا و مقررا‬ ‫أستاذ محاضر أ‬ ‫األستاذ ‪ :‬د ‪ /‬عسالي‬
‫ممتحنا‬ ‫‪....................‬‬ ‫األستاذ ‪ :‬إملول ريمة‬

‫السنة الجامعية ‪2017 – 2016 :‬‬


‫قائمة أهم المختصرات‬
‫أوال ‪ .‬بالغة العربية‬
‫ج ر ج ج ‪ :‬الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ‪.‬‬
‫ج ‪ :‬جزء ‪.‬‬
‫ف ‪ :‬فقرة ‪.‬‬
‫د ‪ :‬دكتور ‪.‬‬
‫د ب ‪ :‬دون بلد ‪.‬‬
‫د د ن ‪ :‬دون دار النشر ‪.‬‬
‫د س ن ‪ :‬دون سنة النشر ‪.‬‬
‫ص ‪ :‬صفحة ‪.‬‬
‫ط ‪ :‬طبعة ‪.‬‬
‫ق ت ج ‪ :‬قانون التجاري الجزائري ‪.‬‬
‫ق ع ج ‪ :‬قانون العقوبات الجزائري ‪.‬‬
‫ق م ج ‪ :‬قانون المدني الجزائري ‪.‬‬
‫ق إ م إ ‪ :‬قانون اإلجراءات المدنية و اإلدارية‬
‫ثانيا ‪ .‬باللغة الفرنسية ‪:‬‬
‫‪éd : édition .‬‬
‫‪Op.cit : Ouvrage précédemment Cité .‬‬
‫‪P : pag .‬‬
‫‪Univ : Université .‬‬
‫مقدمـــــــة‬

‫يعد العقد اتفاق إرادتين على إحداث أثر قانوني و هو المصدر اإلرادي األساسي لاللتزام ‪،‬‬
‫ومن ثم فإن اإلرادة المزدوجة للموجب و للقابل هي مصدر االلتزام التعاقدي‪ ، 1‬فقد اعتبر القانون‬
‫أن اإلرادة مصدر إنشاء العالقة التعاقدية ‪ ،‬فهذه األخيرة ارتبطت بمبدأ سلطان اإلرادة و الذي يعني‬
‫أن اإلرادة الحرة هي أساس التعاقد‪.‬‬
‫يعود أصل مبدأ سلطان اإلرادة إلى القرن ‪ 17‬بسبب ازدهار المذهب الفردي حيث كان الفرد‬
‫في ظل هذا المذهب غايته األولى هي احترام حريته و إرادته ‪ ،‬فكان من الواجب أن تكون روابطه‬
‫بغيره من أفراد المجتمع أساسها اإلرادة الحرة ‪ ،‬فهي العنصر الجوهري في تكوين العقد و في‬
‫تحديد ما يترتب عليه من آثار‪.‬‬
‫كان لمبدأ سلطان اإلرادة فاعلية في مرحلة تكوين العقد ‪ ،‬سواء في الفترة السابقة على التعاقد‬
‫أو في فترة إنشاء العقد ‪ ،‬فيعد الركيزة األساسية في إبرام العقد التي تبنى عليها المعامالت و إرادة‬
‫الفرد هي مصدر جميع الحقوق و الواجبات ‪ ،‬غير أن هذا المبدأ ما لبث أن انتكس و تراجع بفعل‬
‫التطور االقتصادي و االجتماعي و السياسي الذي مس مختلف المجتمعات ‪ ،‬كما لظهور المذهب‬
‫االشتراكي بحلول القرن ‪ 20‬دور في هذا االنتكاس ‪ ،‬مما أظهر هشاشة مبدأ سلطان اإلرادة ‪.‬‬
‫فيراعي هذا المذهب مصلحة الجماعة حتى لو كان ذلك على حساب األفراد ‪ ،‬فالفرد لم يعد‬
‫حر في التعاقد ‪ ،‬حيث أصبحت هذه الحرية مقيدة بفعل تدخل المشرع و ذلك بوضع قواعد آمرة‬
‫واجبة اإلتباع في معظم جوانب تنظيم العقد ‪ ،‬عالوة على ذلك مقتضيات النظام العام و اقتضاء‬
‫الشكلية فهي من أبرز القيود التي تحيط بهذه الحرية ‪.‬‬
‫إذا كان االقتصاد يرتكز على التبادل فإن تحقق هذا النوع من المعامالت يظهر كاتفاق بين‬
‫فاعلين اقتصاديين‪ ،‬يتم تنظيمه بواسطة عقود األعمال إذ يتعين حضور العقد في كل المراحل‪ ،‬فلما‬
‫كان عقد االعتماد اإليجاري من هذه العقود أي عقود األعمال فارتأينا دراسة هذا العقد كنموذج و‬
‫تبيان تراجع هذه اإلرادة المشتركة التي ينادي بها أصحاب المذهب الفردي ‪.‬‬
‫و بالرجوع إلى عقد االعتماد اإليجاري نجد تنظيمه في األمر رقم ‪ ، 209/96‬و قد تعددت‬
‫تعاريف هذا العقد لكن كلها تحمل نفس المضمون ‪ ،‬فيعتبر وسيلة حديثة لتمويل المشروعات‬
‫االقتصادية ‪ ،‬فهو يحقق للمشروع االقتصادي الحصول على معدات دون أن يضطر إلى أداء قيمتها‬
‫دفعة واحدة و إنما يقتصر دوره على أداء أقساط دورية مع الحفاظ بكامل الضمانات الالزمة‬
‫لممول األصول عن طريق حق الملكية‪. 3‬‬ ‫ّ‬
‫فيعتبر التمويل بالنسبة للمشروعات االقتصادية قلبها النابض فهو عامل نجاحها ‪ ،‬ووظيفة‬
‫التمويل من الوظائف البالغة األهمية في مختلف المشروعات ‪ ،‬فبهذا ال يمكن إنكار فاعلية عقد‬
‫االعتماد اإليجاري في تمويل مشاريع المستأجر التمويلي اإلنتاجية بكل أشكالها خصوصا أن تمويل‬
‫مشروعه اإلنتاجي يمول كامال دون تعطيل جزء من رأسماله ‪.‬‬

‫‪ -1‬فواز صالح ‪ " ،‬اإلرادة المنفردة بوصفها مصدرا لاللتزام ( دراسة مقارنة) " ‪ ،‬مجلة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية و‬
‫القانونية ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة دمشق ‪ ،‬عدد ‪ ، 2012 ، 01‬ص ‪. 133‬‬
‫‪ -2‬أمر رقم ‪ ، 09/96‬مؤرخ في ‪ 10‬جانفي ‪ ، 1996‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬ج ر عدد ‪ ، 3‬صادر في ‪.1996‬‬
‫‪ -3‬عاشور كتوش ‪ ،‬مداخلة بعنوان التمويل باالئتمان اإليجاري ‪ ،‬االكتتاب في عقوده و تقييمه ( دراسة حالة الجزائر) ‪ ،‬كلية‬
‫العلوم االقتصادية و علوم التسيير ‪ ،‬جامعة الشلف ‪ ،‬د س ن ‪ ،‬ص ‪. 1‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدمـــــــة‬

‫و قد تعددت المصطلحات المترجمة لمفهوم " الليزنغ " من أجل إيجاد مصطلح دقيق له ‪،‬‬
‫فعرف بالقرض اإليجاري ‪ ،‬التأجير التمويلي ‪ ،‬و االئتمان اإليجاري‪ ، 4‬أما المشرع الجزائري‬
‫اختار ترجمة " االعتماد اإليجاري " ‪ ،‬إذ عرفه في المادة األولى من األمر رقم ‪ 09/96‬الذي‬
‫يتضمن االعتماد اإليجاري و التي تنص على ‪ " :‬يعتبر االعتماد اإليجاري موضوع هذا العقد‬
‫عملية تجارية و مالية يتم تحقيقها من قبل البنوك و المؤسسات المالية أو شركات التأجير مؤهلة‬
‫قانونا و معتمدة صراحة بهذه الصفة مع المتعاملين االقتصاديين الجزائريين أو األجانب أشخاص‬
‫طبيعيين كانوا أو معنويين تابعين للقانون العام أو الخاص تكون قائمة على عقد إيجار يمكن أن‬
‫يتضمن أو ال يتضمن حق الخيار بالشراء لصالح المستأجر و تتعلق فقط بأصول منقولة أو غير‬
‫منقولة ذات االستعمال المهني أو بالمحالت التجارية أو بالمؤسسات حرفية " ‪.5‬‬
‫بتفحصنا لنص هذه المادة توحي لنا من أول وهلة انتكاس لمبدأ سلطان اإلرادة بالفعل في‬
‫أحكام هذا العقد ‪ ،‬أو باألحرى يمكن القول استخدامه من طرف واحد أال و هو المؤجر التمويلي‬
‫ليفرض سلطته على الطرف اآلخر‪ ،‬فنذكر أبرز نقطة فيه و هي الحرية في التعاقد أي في مرحلة‬
‫اإلبرام ‪ ،‬حيث أن مبدأ سلطان اإلرادة يقوم بتكريس الحرية في اللجوء إلى التفاوض قبل التعاقد و‬
‫كذا الحرية في اختيار المتعاقد اآلخر‪ ،‬و لكن بالرجوع إلى طبيعة عقد االعتماد اإليجاري فيفرض‬
‫توافر شروط محددة في التعاقد حيث أنه ال يمكن أن يبرم إال مع نوع محدد من االشخاص منحهم‬
‫األمر رقم ‪ 09/96‬سالف الذكر الحق في ممارسة هذا النشاط ‪.‬‬
‫فيكيف عقد االعتماد اإليجاري على أنه عقد إيجار فال يخدم مصالح المؤجر التمويلي دائما‪،‬‬
‫فيعمد على تطبيق أحكامه كلما كان ذلك من مصلحته أما في الحالة العكسية فهو يلجأ إلى تطبيق‬
‫مبدأ سلطان اإلرادة لصالحه و هذا من أجل إضافة شروط أو بنود في العقد تضمن مصالحه و‬
‫تحقق أهدافه ‪.‬‬
‫و ال يقف تراجع الحرية التعاقدية عند مرحلة تكوين العقد بل حتى بعد تكوينه أي فيما يخص‬
‫أثار هذا العقد ‪ ،‬حيث أن المشرع الجزائري استخدم قواعد مكملة بشأنها‪ ،‬حيث وجد المؤجر‬
‫التمويلي استغالال لمركزه القوي في العقد سبيال للتنصل من التزامات كثيرة مفروضة عليه أصال ‪،‬‬
‫و نذكر منها تسلم األصل المؤجر و كذا المحافظة عليه و صيانته فهي في األصل التزامات يقوم‬
‫بها صاحب الملكية‪ ،‬و لكن خصوصية هذا العقد ال تفرض منه ذلك ‪.‬‬
‫فتكريس المشرع الجزائري في األمر رقم ‪ 09/96‬حماية للمؤجر التمويلي تكون منذ بداية‬
‫العقد إلى نهايته ‪.‬‬
‫و على هذا األساس فإشكالية بحثنا تتمحور حول ‪ :‬ما مكانة مبدأ سلطان اإلرادة في عقد‬
‫االعتماد اإليجاري ؟‬

‫‪ - 4‬حسب معيار المحاسبة األمريكي ‪ ، FASB‬في المعيار رقم ‪ : 13‬اتفاق بين المؤجر و المستأجر ينقل بموجبه المستأجر‬
‫حق ملكية أصل معين يمتلكه المؤجر لفترة محدودة و مقابل مبلغ يدفعه المستأجر دوريا و يسمى بالقيمة اإليجارية ‪ .‬أنظر‬
‫في ذلك‪:‬‬
‫‪Statment of Financial Accounting , standards N . 13 ( Accounting of leases ) , 1976 , P 01 .‬‬
‫‪www.fasb.org/qdf/fas13p .‬‬
‫‪ -5‬أنظر المادة األولى من األمر رقم ‪ ، 09/96‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمـــــــة‬

‫‪4‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫يعد العقد أهم وسيلة إلجراء المعامالت أو التصرفات القانونية و له أهمية في النشاط االقتصادي و‬
‫االجتماعي واإلنساني ‪ ،‬فإذا كان العقد يبنى أساسا على اإلرادة و ما تتمتع به من سلطان فهذا يعني‬
‫أن اإلرادة هي صاحبة السلطان األكبر في إنشاء العقود ‪ ،‬لكن انعكس تطبيق هذا المبدأ على الواقع‬
‫االجتماعي و ذلك على حساب العوامل االقتصادية التي أدت إلى انتصار روح المذاهب االشتراكية‬
‫‪ ،‬فهذه العوامل بعد أن تطورت وقامت في وجه المذاهب الفردية أدت إلى اختالل التوازن بين‬
‫القوات االقتصادية التي من شأنها أن تنتقص من مبدأ سلطان اإلرادة فيكون هذا األخير قد قام على‬
‫أساس اقتصادي و انتكس متأثرا بعوامل اقتصادية ‪ ،‬ولهذا سوف نستهل دراستنا باإلرادة المشتركة‬
‫أساس إبرام العقد ( المبحث األول ) ‪.‬‬
‫و إذا ما أردنا تسليط الضوء على عقد االعتماد اإليجاري فيما يخص فاعلية هذا المبدأ من‬
‫عدمه في تكوين هذا العقد ‪ ،‬فنجد أن نظامه القانوني له طابعه الخاص الذي ينفرد به عن باقي‬
‫العقود األخرى و هذا يظهر جليا بالنظر إلى أركان و شروط إبرام هذا العقد وكذا عناصره ‪ ،‬فنجد‬
‫فيه المؤجر التمويلي يفرض بنود في العقد لمصلحته و هذا ما يجعله في مركز القوي و المسيطر‬
‫على أحكام العقد ‪ ،‬حتى أن هذا التأثير يذهب إلى أبعد من ذلك إذ يؤدي إلى اختالل التوازن‬
‫اإلجمالي للعملية نظرا الستغالل هذا المؤجر التمويلي لألحكام التي تناسبه و ترك ما ال يناسبه ‪ ،‬و‬
‫لهذا سوف نطرح التساؤل التالي هل تكون اإلرادة المشتركة أساس إبرام عقد االعتماد اإليجاري ؟‬
‫( المبحث الثاني) ‪.‬‬

‫المبحث األول‬
‫اإلرادة المشتركة أساس إبرام العقود‬
‫إن أساس إبرام العقد هي اإلرادة المشتركة لطرفيه وهذا ما يعني أن الركيزة األساسية في تكوين‬
‫العقد هي اإلرادة أي تراضي المتعاقدين ‪ ،‬أي األخذ بمبدأ سلطان اإلرادة الذي يعد من نتائج المذهب‬
‫الفردي ‪ ،‬فيعتبر هذا المذهب أن الهدف من تنظيم المجتمع هو حماية الفرد و تحقيق مصلحته‬
‫الخاصة ‪ ،‬طالما كان الفرد حرا في تحقيق هذه المصلحة فإن إرادته تكون كذلك ‪ ،‬و أن هذه اإلرادة‬
‫الحرة وحدها هي التي تملك إنشاء العقد وتحديد أثاره ‪ ،‬و في هذا الصدد سنتناول فاعلية مبدأ‬
‫سلطان اإلرادة في العقود ( المطلب األول ) ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫خالفا للمذهب الفردي ظهر المذهب الجماعي وهو الذي يقتضي منع تسلط الطرف القوي في‬
‫التعاقد على الطرف الضعيف ‪ ،‬ومنع األفراد من االتفاق أو التعاقد على ما يخالف النظام العام‬
‫واآلداب العامة ‪ ،‬فندرس في هذا الصدد كيف يكون انكماش هذا المبدأ كمصدر لاللتزام‬
‫(المطلب الثاني) ‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫فاعلية مبدأ سلطان اإلرادة في العقود‬
‫إذا كان العقد يبنى أساسا على اإلرادة و ما تتمتع به من سلطان فإن ذلك يعد ترجمة لمبدأ سلطان‬
‫اإلرادة ‪ ،‬فلهذه األخيرة الحق في إنشاء ما تشاء من العقود غير متقيدة في ذلك بأنواع العقود التي‬
‫نظمها المشرع في القانون المدني ‪ ،‬ومن أهم األسس التي يقوم عليها مبدأ سلطان اإلدارة هي حرية‬
‫الشخص في التعاقد و في تحديد اآلثار المترتبة على العقد ‪.‬‬

‫الفرع األول‬
‫مظاهر تكريس حرية اإلرادة في الفترة السابقة على التعاقد‬
‫تعد هذه الفترة استكشافية تحدد فيها التزامات و حقوق طرفي العقد ‪ ،‬من خالل تكريس‬
‫الحرية في اللجوء إلى التفاوض الذي يعتبر من أهم مراحل العقد إذ يتقرر فيها مصير العقد ‪ ،‬في‬
‫حين قد يرى المتعاقد ضرورة اللجوء إلى التعاقد فيتعاقد ‪ ،‬أو يرى العكس فال يتعاقد‪.6‬‬

‫أوال‪ :‬حرية األفراد في إجراء المفاوضات ‪:‬‬


‫ينعقد العقد بمجرد اقتران اإليجاب بالقبول ‪ ،‬و باستيفاء هذا اإليجاب للعناصر األساسية‬
‫للعقد المراد إبرامه‪ ، 7‬فالفكر القانوني ينظر إلى اإليجاب و القبول على أنهما محصلة ال يأتي‬
‫إدراكها إال بعد مدة المفاوضات قد تطول وقد تقصر‪ ،‬األمر الذي يتصور معه أن تكون عملية‬
‫التعاقد عملية متعاقبة المراحل و متعددة األوجه ‪ ،‬فضال عن ذلك أصبح من الممكن النظر في‬
‫مسؤولية األطراف خالل مدة التفاوض وفحص مدى انطباق سلوكيات األطراف خالل هذه المدة‬
‫على ما يوجبه حسن النية و الثقة المشروعة في التعامل و االبتعاد عن أساليب الخداع والتضليل‪.‬‬

‫البدو‪ ،‬محمد صديق عبد هللا ‪ " ،‬أثر موضوعية اإلرادة التعاقدية في مرحلة المفاوضات‪ " ،‬مجلة‬
‫ّ‬ ‫‪ -6‬أكرم محمود حسين‬
‫الرافدين للحقوق ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ ،‬عدد ‪ ، 49‬العراق ‪ ، 2011 ،‬ص ‪.405‬‬
‫‪ -7‬نسير رفيق ‪ ،‬نظرية التصرف القانوني الثالثي ‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم ‪ ،‬تخصص القانون ‪،‬‬
‫كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬جامعة مولود معمري ‪ ،‬تيزي وزو ‪ ، 2014 ،‬ص ‪.200‬‬

‫‪7‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫لقد اتضحت أهمية المفاوضات من خالل أنها تعد تجسيدا لمبدأ سلطان اإلرادة بوجهيه السلبي‬
‫واإليجابي ‪ ،‬فإذا خلصت هذه المفاوضات إلى إبرام صفقة تجسد هذا المبدأ بجالء في القوة الملزمة‬
‫للعقد عمال بالقاعدة الشهيرة العقد شريعة المتعاقدين‪.8‬‬
‫تمر مرحلة المفاوضات عبر ثالثة مراحل أساسية فتبدأ األولى في الدعوى إلى التعاقد و الثانية‬
‫يتم فيها التدبير و تعتبر من أهم و أدق المراحل أما المرحلة األخيرة فتتمثل في مرحلة صياغة‬
‫اإليجاب‪. 9‬‬
‫ثانيا‪ :‬تكريس حرية إرادة المتعاقدين في التعاقد ‪:‬‬
‫إن أساس التعاقد هو حرية إرادة المتعاقدين إذ لهما حق المنافشة و الجدل فيما يتفقان عليه‬
‫و متى تم االتفاق أصبح العقد حجة على الطرفين ‪ ،‬و على ذلك فحرية التعاقد هي التي تملي على‬
‫الطرفين قانون العقد‪ ، 10‬غير أنه حتى تكون هناك حرية حقيقية في إبرام التصرفات القانونية يجب‬
‫أن تكون هناك مساواة في المراكز االقتصادية ‪ ،‬و تشتمل حرية التعاقد على جملة من الحريات و‬
‫هي حرية الفرد في التعاقد أو في امتناعه عن التعاقد‪ ، 11‬باإلضافة إلى ذلك فللفرد الحرية في‬
‫اختيار المتعاقد اآلخر‪ ،‬حيث يفضل التعاقد في بعض األحيان مع شخص معين بالذات‪ ،‬فيمتنع‬
‫التعاقد مع غيره ذلك ألن مصلحته تتحقق أكثر مع هذا الشخص بالمقارنة مع غيره من األشخاص‬
‫‪ ،‬و في حالة اختيار األطراف المتعاقدة فهم أحرار في تحديد شروط تعاقدهم و ذلك في حدود النظام‬
‫العام و اآلداب العامة ‪ ،‬وأن ال تتجه إرادتهم إلى ما يخالف أحكام العقود التي نظمها القانون وذلك‬
‫وفقا لنص المادة ‪ 106‬من القانون المدني الجزائري‪ ، 12‬غير أنه في بعض األحيان يجبر الشخص‬
‫على التعاقد مع شخص معين فتتقيد حرية الشخص في االختيار‪ ،‬كما يجبر الشخص على التعاقد‬
‫بموجب نصوص قانونية مع من خولهم القانون ذلك ‪ ،13‬كما هو الحال في عقد االعتماد اإليجاري‬
‫‪.‬‬
‫الفرع الثاني‬

‫‪ -8‬محمد سعيد أحمد إسماعيل ‪ ،‬فاروق أبو الشامات ‪ " ،‬الطبيعة القانونية لمسؤولية األطراف في مرحلة ما قبل العقد (‬
‫دراسة في العقود الدولية نقل التكنولوجيا ) " ‪ ،‬مجلة جامعة دمشق للعلوم الدولية االقتصادية و القانونية ‪ ،‬عدد ‪، 2‬‬
‫دمشق ‪ , 2013 ،‬ص ‪. 330‬‬
‫‪ -9‬بلحاج العربي ‪ ،‬اإلطار القانوني للمرحلة السابقة على إبرام العقد في ضوء القانون المدني الجزائري ‪( ،‬دراسة مقارنة) ‪،‬‬
‫دار وائل للنشر ‪ ،‬الجزائر‪ ، 2010 ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ -10‬بسام مجيد سليمان ‪ ،‬أكرم محمود حسين ‪ ،‬موضوعية اإلرادة ( دراسة تحليلية ‪ ،‬مقارنة في ضوء إدارة المخاطر‬
‫و التشريعات القانونية ) ‪ ،‬تخصص القانون الخاص ‪ ،‬كلية القانون ‪ ،‬جامعة الموصل ‪ ،‬العراق ‪ ، 2003 ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪http //iefedia.com‬‬ ‫بحث متوافر على الموقع اإللكتروني ‪:‬‬
‫‪ - 11‬بسام مجيد سليمان ‪ ،‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ 94‬و ‪.95‬‬
‫‪ - 12‬أنظر المادة ‪ 106‬من األمر رقم ‪ ، 58/75‬مؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر‪ ، 1975‬يتضمن القانون المدني المعدل و‬
‫المتمم‪ 6305،‬ج ر عدد ‪ ، 78‬صادر في ‪ 30‬سبتمبر ‪. 1975‬‬
‫‪ -13‬خليفاتي عبد الرحمن ‪ ،‬مدى اعتداد القانون الجزائري بمبدأ سلطان اإلرادة في إنشاء العقد و تنفيذه ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫الماجستير في الحقوق ‪ ،‬جامعة الجزائر ‪ ، 1987 ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪8‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫مظاهر تكريس حرية اإلرادة أثناء فترة إنشاء العقد‬


‫يتم العقد بمجرد أن يتبادل األطراف التعبير عن إرادتيهما المتطابقتين بإيجاب يوجهه‬
‫الموجب ألن يقترن بالقبول من طرف من وجه إليه اإليجاب ‪ ،‬كما للطرفين المتعاقدين الحرية في‬
‫هذه المرحلة االتفاق على وضع شروط و بنود العقد بما يخدم مصالحهم في التعاقد ‪.‬‬

‫أوال‪ :‬توافق اإلرادتين‬


‫يتكون العقد بتبادل الطرفين التعبير عن إرادتين متطابقتين نحو إحداث أثر قانوني و هو ما‬
‫يعبر عنه بوجود التراضي ‪ ،‬وحتى يقوم هذا األخير ال بد من تالقي إرادتين و تطابقهما ‪ ،‬فإلرادة‬
‫األولى تسمى باإليجاب و هو تعبير بات عن اإلرادة موجه إلى شخص أو عدة أشخاص آخرين و‬
‫الذي يأتي مطابقا للقبول‪ ، 14‬فتنص المادة ‪ 59‬من القانون المدني الجزائري على ما يلي‪ " :‬يتم العقد‬
‫بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين دون اإلخالل بالنصوص القانونية"‪.15‬‬
‫و تجدر اإلشارة إلى أن اإليجاب له خاصيتين بالنسبة للخاصية األولى فال بد أن ينطوي‬
‫على إرادة الموجب في إبرام العقد بمجرد اقتران القبول به ‪ ،‬أما بالنسبة للخاصية الثانية فحتى‬
‫يكيف العرض على أساس أنه إيجاب فال بد أن تتوافر فيه العناصر الرئيسية و الجوهرية للعقد‬
‫المراد إبرامه‪ ، 16‬و عليه ففي عقد إيجار مثال فال بد أن يتضمن العرض العين المؤجرة ‪ ،‬بدل‬
‫اإليجار‪ ،‬و مدة اإليجار‪...‬الخ ‪.‬‬
‫أما اإلرادة الثانية فتسمى بالقبول و هو التعبير البات عن إرادة الطرف الذي وجه إليه‬
‫اإليجاب بارتضائه العرض الذي تقدم به الموجب ‪ ،‬فالقبول هو الموافقة على إنشاء العقد بناء على‬
‫اإليجاب وغالبا يتأخر صدوره عن صدور اإليجاب‪ ، 17‬فالموجب له الحرية في أن يقبل اإليجاب‬
‫أو يرفضه إذ أن األصل هو حرية التعاقد فمن يرفض إيجابا وجه له ال يكون مسئوال عنه‪ ، 18‬كما‬
‫أن لهذا القبول ثالث شروط أساسية فاألول أن يكون القبول مطابقا لإليجاب ‪ ،‬أما الثاني و هو أن‬
‫يتم القبول قبل سقوط اإليجاب‪ ، 19‬أما بالنسبة للشرط الثالث و هو ضرورة صدور القبول ممن وجه‬
‫إليه اإليجاب‪. 20‬‬

‫‪- 14‬محمد صبري السعدي ‪ ،‬شرح القانون المدني ‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات ( مصادر االلتزام ‪ ،‬العقد ‪ ،‬اإلرادة المنفردة)‪،‬‬
‫دار الهدى للنشر و التوزيع ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2012 ،‬ص ‪. 86‬‬
‫‪ -15‬المادة ‪ 59‬من األمر رقم ‪ ، 58/75‬يتضمن القانون المدني ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 16‬بلحاج العربي ‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري ‪ ( ،‬التصرف القانوني ‪ ،‬العقد ‪ ،‬و اإلرادة‬
‫المنفردة) ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ط ‪ ، 5‬ديوان المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2007 ،‬ص ‪ 69‬و‪.71‬‬
‫‪ - 17‬محمد حسنين ‪ ،‬الوجيز في نظرية االلتزام ‪ ،‬المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 1983 ،‬ص‪. 31‬‬
‫‪ -18‬بلحاج العربي ‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫‪-19‬الفار عبد القادر‪ ،‬مصادر االلتزام ‪ ،‬مصادر الحق الشخصي في الحق المدني ‪ ،‬دار الثقافة و التوزيع ‪ ،‬عمان ‪، 2006 ،‬‬
‫ص ‪. 43‬‬
‫‪- 20‬جالل علي العدوى ‪ ،‬مصادر االلتزام ‪ ،‬منشأة المعارف ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1997 ،‬ص ‪ 86‬و ‪. 87‬‬

‫‪9‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫وتجدر اإلشارة إلى أن اقتران اإليجاب بالقبول تعد المرحلة األخيرة لتكوين العقد ليتحدد‬
‫بموجب ذلك مكان و زمان إبرامه ‪ ،‬و تكمن أهمية تحديد زمان إبرام العقد في حالة الموت أو فقد‬
‫األهلية ‪ ،‬أما أهمية مكان إبرام العقد فيكمن في تحديد المحكمة المختصة بالنظر في النزاع الذي قد‬
‫يثور بشأن العقد و هذا ما نص عليه المشرع الجزائري في نصوص المواد ‪ 39‬و‪ 40‬من قانون‬
‫اإلجراءات المدنية و اإلدارية‪. 21‬‬

‫ثانيا ‪ :‬حرية األطراف في تحديد أثار العقد ‪:‬‬


‫يهيمن مبدأ سلطان اإلرادة على االلتزامات التعاقدية حيث أصبح له دور في إنشاء الحقوق‬
‫و االل تزامات ‪ ،‬و من هنا فإن األصل أن العقد شريعة المتعاقدين معنى أن العقد إذا نشأ صحيحا‬
‫بتوافر جميع أركانه التزم أطرافه بتنفيذه كما هو قانونا ‪ ،‬فكل ما اتجهت إليه اإلرادة و تم االتفاق‬
‫عليه يكون ملزما لطرفيه‪ ،22‬و ال يمكن تعديله أو التحلل منه دون رضا المتعاقد اآلخر‪ ،‬و ما يمنع‬
‫ذلك هو القوة الملزمة للعقد ‪ ،‬فوجب أن يكون هذا التعديل باإلرادة المشتركة للمتعاقدين و وفقا‬
‫لألسباب التي يقررها القانون ‪ ،‬ومن ثم ال يملك المشرع أو القاضي تعديل ما اتجهت إليه اإلرادة‬
‫المشتركة للمتعاقدين‪ ، 23‬كما يمتنع على القاضي أن يقوم من جهته بنقض أو تعديل العقد من غير‬
‫رضا المتعاقدين‪ ، 24‬فاألصل أن العقد يلزم أطرافه بكل ما ورد فيه و يلزم كل طرف بتنفيذ ما‬
‫اشتمل عليه فهو شريعتهم و القانون الذي يطبق على العالقة التعاقدية ‪ ،‬و لكن يمكن أن يعتبر العقد‬
‫مفسوخا و ذلك باتفاق المتعاقدين في حالة عدم تنفيذ أحد طرفي العقد اللتزامه و ذلك عمال بقاعدة‬
‫الفسخ لعدم التنفيذ ‪ ،‬كما يمكن كذلك االتفاق مسبقا على مبلغ التعويض ‪ ،‬و يسمى هذا االتفاق‬
‫بالشرط الجزائي‪ ، 25‬كما أجاز االتفاق على تعديل قواعد المسؤولية ‪ ،‬و التي تكون عن طريق‬
‫التأمين ‪ ،‬حيث يؤمن المدين على كل خطأ يصدر من أتباعه ‪ ،‬كما يؤمن على كل خطأ يصدر منه‬
‫ما عدى الفعل العمدي‪.26‬‬

‫يمكن القول إذا أن نشوء العقد صحيح بتوافر جميع أركانه يتمتع بقوة ملزمة ‪ ،‬و يجب على‬
‫المتعاقدين تنفيذ ما التزما به ‪ ،‬كما قد يرتب العقد آثاره على غير المتعاقدين كالخلف العام‬

‫‪ -21‬المواد ‪ 39‬و ‪ 40‬من القانون رقم ‪ ، 09/08‬مؤرخ في ‪ 25‬فيفري ‪ ، 2008‬يتضمن ق إ م إ ‪ ،‬ج ر عدد ‪ ، 21‬صادر‬
‫في ‪ 23‬أفريل ‪.2008‬‬
‫‪ -22‬أبو السعود رمضان ‪ ،‬مصادر االلتزام ‪ ،‬د د ن ‪ ،‬مصر ‪ ، 2007 ،‬ص ‪.195‬‬
‫‪ -23‬عالق عبد القادر‪ ،‬أساس القوة الملزمة للعقد وحدودها ( دراسة مقارنة ) ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في الحقوق ‪،‬‬
‫تخصص القانون الخاص ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد ‪ ،‬تلمسان ‪ ، 2008 ،‬ص ‪ . 8‬وأنظر أيضا ‪ :‬عبد الجواد‬
‫مصطفى ‪ ،‬مصادر االلتزام ‪ ،‬المصادر اإلرادية لاللتزام ( نظرية العقد و اإلرادة المنفردة ) ‪ ،‬دار الكتب القانونية ‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ ، 2005‬ص ‪.81‬‬
‫‪-24‬محمد عدنان باقر‪ " ،‬قواعد األخالق في تحديد مضمون العقد " ‪ ،‬مجلة جامعة بابل للعلوم اإلنسانية ‪ ،‬كلية القانون ‪،‬‬
‫جامعة بابل ‪ ،‬عدد ‪ ، 4‬العراق ‪ ، 2014 ،‬ص ‪.777‬‬
‫‪ - 25‬مصطفى محمد الجمال ‪ ،‬السعي إلى التعاقد في القانون المقارن ‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬د س ن‪،‬‬
‫ص ‪ 193‬و ‪.194‬‬
‫‪ - 26‬السنهوري عبد الرزاق ‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني ‪ ،‬مصادر االلتزام ‪ ،‬ج‪ ، 1‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪،‬‬
‫لبنان‪ ، 1998 ،‬ص ‪. 671‬‬

‫‪10‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫والخاص‪ ،‬فالنوع األول هو من يخلف الشخص في ذمته المالية بما يشمله من حقوق و التزامات ‪،‬‬
‫كالورثة و الموصى له ‪ ،‬و يتبين من خالل نص المادة ‪ 108‬من القانون المدني الجزائري أن الخلف‬
‫العام تنصرف إليه آثار العقد كقاعدة عامة ‪ ،‬و هذا يعني أن الحقوق و االلتزامات التي ينشئها العقد‬
‫تنتقل إلى الوارث بعد موت المورث المتعاقد‪.27‬‬
‫أما النوع الثاني فهو الخلف الخاص الذي ينتقل إليه حق من الحقوق سواء كان هذا الحق‬
‫عينيا أو شخصيا كالمشتري الذي يخلف البائع في المبيع وهذا استخالفا في حق عيني واقع على‬
‫عين معينة و ذلك وفقا لنص المادة ‪ 109‬من القانون المدني الجزائري ‪ ، 28‬كما يمكن أن تنصرف‬
‫آثار العقد إلى الغير في صورة التعهد عن الغير أو في صورة االشتراط لمصلحة الغير‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫انكماش مفعول مبدأ سلطان اإلرادة كمصدر لاللتزام‬
‫بعد ما كان لمبدأ سلطان اإلرادة فاعلية في إبرام العقد و كان صاحب السلطان األكبر في‬
‫تحديد آثاره الذي نادى بها المذهب الفردي ‪ ،‬إال أن مفعوله تراجع و انتكس في نهاية القرن التاسع‬
‫عشر و بداية القرن العشرين ‪ ،‬و هذا بفعل تطور الظروف االقتصادية و االجتماعية مما أدى إلى‬
‫ظهور المذهب االجتماعي الذي قيّد الحرية االقتصادية و الذي يرى االعتداد بمصلحة الجماعة قبل‬
‫مصلحة الفرد ‪ ،‬حيث أصبحت الدولة تتدخل لتنظيم العقد بفرض قيود على اإلرادة التعاقدية حيث‬
‫اتسعت دائرة النصوص اآلمرة التي ال يجوز االتفاق على مخالفتها لحماية النظام العام و اآلداب في‬
‫المجتمع و من ثم فهي تخرج عن الدائرة التي تنطلق فيها حرية اإلرادة ‪ ،‬و عليه فلم يعد مبدأ‬
‫سلطان اإلرادة مبدأ مطلق كما كان في السابق ‪.‬‬

‫الفرع األول‬
‫تقييد اإلرادة بفعل تدخل المشرع‬
‫لقد أدى التدخل التشريعي إلى تقييد اإلرادة في إنشاء التصرفات القانونية لغايات تحقيق‬
‫التوازن و ذلك بموجب القواعد اآلمرة التي ال يجوز االتفاق على مخالفتها ‪ ،‬و يمنع على األطراف‬
‫المساس بها هذا لكونها وثيقة الصلة بالنظام العام ‪ ،‬فإذا تجاوزها المتعاقدان فقد عرضا عقدهما‬
‫للبطالن‪.29‬‬
‫و من التطبيقات التي توضح القيود التي يفرضها المشرع على المتعاقدين أثناء إبرام العقد ‪،‬‬
‫و التي ال يكون فيها المتعاقد حرا في اختيار المتعاقد اآلخر ‪ ،‬أنه يلزم بالتعاقد مع شخص آخر أو‬

‫‪ - 27‬أنظر المادة ‪ 180‬من األمر رقم ‪ ، 58 / 75‬يتضمن القانون المدني الجزائري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -28‬أنظر المادة ‪ 109‬من األمر رقم ‪ ، 58 / 75‬يتضمن القانون المدني الجزائري ‪ ،‬مرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -65‬أنظر المادة ‪ 135‬من األمر رقم ‪ ، 58 /75‬يتضمن ق م ج ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫جهة معينة من السلطة العامة و مثال على ذلك عقد االعتماد االيجاري حيث ألزم المشرع‬
‫الجزائري أن يكون المؤجر التمويلي عبارة عن مؤسسة مالية أو شركة تأجير مؤهلة قانونا و‬
‫معتمدة صراحة و ذلك وفقا لنص المادة ‪ 1‬من األمر رقم ‪ 09/96‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬كما‬
‫أن تدخل المشرع في تحديد مضمون العقد قد يكون مباشرا عندما يصدر نصوص آمرة يحتم على‬
‫المتعاقدين مراعاتها ‪ ،‬و قد يكون غير مباشرا عندما يخول المشرع للقاضي صالحية التدخل في‬
‫العقد بالتعديل أو بإلغاء بعض الشروط و االلتزامات أو إعادة التوازن االقتصادي بين المتعاقدين ‪.‬‬
‫فبعد أن عرف مبدأ سلطان اإلرادة ازدهارا خالل القرن ‪ 18‬و ‪ ، 19‬بدأ بعد ذلك الخروج عن‬
‫هذا المبدأ يتزايد في العصر الحديث على إثر التطورات الصناعية ‪ ،‬ليصبح بعد ذلك المشرع‬
‫يتدخل في التصرفات القانونية ‪ ،‬فأصبحت بذلك الدولة تسيطر على النظام االقتصادي مما أدى إلى‬
‫اضمحالل هذا المبدأ ‪ ، 30‬حيث كان لظهور المذهب االجتماعي أثر كبير نحو االعتداد بمصالح‬
‫الجماعة قبل مصلحة الفرد ‪ ،‬و تدخلت الدولة في الكثير من العقود التي يكون فيها أحد األطراف‬
‫ضعيفا في مواجهة الطرف اآلخر القوي‪ ، 31‬و ذلك بواسطة قواعد قانونية آمرة لحماية الطرف‬
‫الضعيف في العقد و هذه القواعد تلزم األطراف تحت طائلة العقوبة عند اإلخالل بها‪.‬‬

‫أصبح المجتمع هو مصدر حقوق الفرد وواجباته ‪ ،‬و قد فرض المتعاقد واجبات نحو المتعاقد‬
‫اآلخر‪ ، 32‬كما أن اإلجبار و المنع من التعاقد قيد وارد على حرية اإلرادة ‪ ،‬فإذا كان األصل في‬
‫العقود أنها ظاهرة إرادية تعبر عن حرية االختيار‪ ،‬من حيث أن الشخص حر في أن يتعاقد متى‬
‫يشاء ومع من أراد ‪ ،‬و له أيضا أن يمتنع عن التعاقد ‪ ،‬إال أنه بفعل التطورات االقتصادية و‬
‫االجتماعية وجد نفسه مجبرا على التعاقد و في ذلك حد من حريته‪ ،33‬و يظهر ذلك في تقييد المشرع‬
‫لمبدأ حرية التجارة و الصناعة ‪ ،‬فالدولة تتدخل بفرض قيود على حرية العون االقتصادي بتحديد‬
‫أسعار السلع و الخدمات ‪ ،‬هذا ما تنص عليه المادة ‪ 5‬من األمر رقم ‪ 03/03‬يتعلق بالمنافسة ‪" :‬‬
‫يمكن تقنين أسعار السلع و الخدمات التي تعتبرها الدولة ذات طابع استراتيجي عن طريق التنظيم‬
‫بعد أخذ رأي مجلس المنافسة"‪.34‬‬
‫فلقد أدى تحكم الدولة في الميدان االقتصادي إلى تدخلها في المعامالت التعاقدية لمنع الطرف‬
‫القوي من التسلط على الطرف الضعيف وذلك من أجل تحقيق التوازن‪ ، 35‬وبعد انتكاس المبادئ‬
‫التي وضعها المذهب الفردي سارت أنظمة و قوانين الدول التي ترى االعتداد بمصلحة الجماعة‬

‫‪ -30‬فياللي علي ‪ ،‬االلتزامات ‪ ،‬النظرية العامة للعقد ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬موفم للنشر و التوزيع ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 2000 ،‬ص ‪. 48‬‬
‫‪ -31‬خليفاتي عبد الرحمن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 24‬و ‪.25‬‬
‫‪-32‬فياللي علي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪-33‬حمدي محمد إسماعيل سلطح ‪ ،‬القيود الواردة على مبدأ سلطان اإلرادة في العقود المدنية (دراسة مقارنة بالفقه‬
‫اإلسالمي) ‪ ،‬دار الفكر الجامعي للنشر ‪ ،‬مصر‪ ، 2007 ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪ -34‬المادة ‪ 5‬من القانون رقم ‪ ، 03/03‬مؤرخ في ‪ 19‬جويلية ‪ 2003‬يتعلق بالمنافسة ‪ ،‬معدل و متمم بالقانون رقم ‪، 12/08‬‬
‫مؤرخ في ‪ 25‬جويلية ‪ ، 2008‬ج ر عدد ‪ ، 36‬صادر في ‪ 02‬جويلية ‪.2008‬‬
‫‪ -35‬حليس لخضر ‪ ،‬اإلرادة بين الحرية و التقييد ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في الحقوق ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ، 2011 ،‬ص ‪.49‬‬

‫‪12‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫قبل مصلحة الفرد ‪ ،‬فظهر المذهب الجماعي بتصور جديد الذي يربط الفرد بالمجتمع و ذلك بوضع‬
‫مبادئ و تصورات جديدة قوامها تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع ‪ ،‬بتغليب المصلحة العامة عن‬
‫المصلحة الخاصة ‪ ،‬وضرورة تقييد حقوق األفراد و ربطها بالمصلحة االجتماعية و التي يسعى‬
‫القانون إلى تحقيقها‪. 36‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫اإلرادة محدودة بقيود النظام العام و اآلداب العامة‬
‫إن المتمعن في نصوص القانون المدني الجزائري يجد المشرع قد أورد قيود على حرية‬
‫التعاقد و ذلك تحقيقا للمصلحة العامة و يظهر ذلك في مقتضيات النظام العام وضرورة إفراغ بعض‬
‫العقود في شكلية معينة ‪ ،‬كالكتابة الرسمية و احترام قواعد الشهر‪ ،‬فاشتراط الكتابة إلثبات بعض‬
‫ال تصرفات ‪ ،‬و يظهر الفرق بين الشكلية و قواعد اإلثبات ‪ ،‬في أن الكتابة عبارة عن شكلية مطلوبة‬
‫لالنعقاد ‪ ،‬يترتب البطالن في حالة تخلفها ‪ ،‬أما اإلثبات فهو يرد على تصرف موجود قانونا ‪ ،‬و‬
‫عليه إذا تخلف وجود التصرف لتخلف ركن الشكلية و المتمثل في الكتابة فيتعذر إثباته‪.37‬‬
‫إن األخذ بمبدأ سلطان اإلرادة يترتب عليه نتيجتين و هما ‪ :‬أن اإلرادة وحدها كافية إلنشاء‬
‫العقد أو التصرف القانوني بوجه عام و هذه هي قاعدة الرضائية ‪ ،‬و الثانية أن اإلرادة حرة في‬
‫تعيين و في تحديد اآلثار المترتبة على العقد أو التصرف‪ ، 38‬غير أن هاتين النتيجتين ال يعمل بهما‬
‫بصفة مطلقة و هذا هو األمر الذي جعل المشرع الجزائري يفرض بعض القواعد اآلمرة يمنع‬
‫على األفراد الخروج عنها و ذلك بغرض حماية المصلحة العليا للمجتمع‪ ، 39‬وعليه فإذا أراد‬
‫األفراد أن ينشئوا عقودا فوجب أن يتم ذلك في إطار النظام العام و اآلداب العامة ‪ ،‬وعليه‬
‫فااللتزامات التعاقدية محدودة بقيود النظام العام و اآلداب العامة‪ ، 40‬فإن النظام العام بالمعنى‬
‫الواسع الذي حدده الفقه و القضاء رغم عدم االتفاق على مفهوم واحد ينصرف إلى األسس و‬
‫المفاهيم و العقائد السائدة التي يقوم عليها المجتمع سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية و‬
‫كلها قابلة للتطور بحسب ظروف الزمان و المكان‪ ،41‬ففكرة النظام العام قد تطورت بفعل تطور‬

‫‪ - 36‬ماجد حسين ‪ ،‬المفهوم القانوني لمبدأ سلطان اإلرادة و القيود الواردة عليه ‪ ،‬فلسطين ‪ . 2017،‬مأخوذ من الموقع ‪:‬‬
‫‪www.pulpit.alwatanvoice.com‬‬
‫‪ - 37‬رائد زيدات ‪ ،‬سلطة القاضي في إدارة الخصومة المدنية في قانون أصول المحاكمات المدنية و التجارية‬
‫الفلسطيني ( دراسة مقارنة ) ‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون ‪ ،‬كلية الحقوق و اإلدارة العامة ‪ ،‬جامعة‬
‫بيرزيت ‪ ،‬فلسطين ‪ ، 2013 ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪ - 38‬خليل أحمد حسن قداده ‪ ،‬الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ( مصادر االلتزام )‪ ،‬ج ‪ ،1‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 1994 ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ -39‬حمدي محمد إسماعيل سلطح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ . 202‬أنظر أيضا السنهوري عبد الرزاق ‪ ،‬نظرية العقد ‪ ،‬ط‬
‫‪ ، 2‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1998 ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪ -40‬السنهوري عبد الرزاق ‪ ،‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪ -41‬خريسات مالك هاني ‪ ،‬حماية النظام العام مسؤولية مشتركة بين المحافظ و األمن العام ‪ ،‬مركز اإلعالم األمني ‪ ،‬د ب‪ ،‬د‬
‫س ‪ ،‬ص ‪ . 2‬مأخوذ من الموقع ‪www.policem.gov :‬‬

‫‪13‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫المجتمع فأصبح النظام العام الحديث إيجابيا يفرض التزامات على األطراف المتعاقدة ‪ ،‬فأصبع‬
‫يحل محل المتعاقدين في تحديد مضمون العقد‪.42‬‬

‫فتكون جميع القواعد المتعلقة بالنظام العام قواعد آمرة ال يجوز مخالفتها و قد نصت المادة‬
‫‪ 93‬من القانون المدني الجزائري على ما يلي ‪ " :‬إذا كان محل االلتزام مستحيال أو مخالفا للنظام‬
‫العام أو اآلداب العامة كان باطال بطالنا مطلقا "‪ .‬يظهر هنا بوضوح تجسيد المشرع لمقتضيات‬
‫النظام العام ‪ ،‬و اشتراط عدم مخالفة أركان العقد للنظام العام ‪ ،‬و نص المادة ‪ 97‬من نفس القانون‬
‫التي تنص ‪ " :‬إذا التزم المتعاقد لسبب غير مشروع أو لسبب مخالف للنظام العام أو لآلداب العامة‬
‫كان العقد باطال " ‪ ،‬يظهر من خالل هذا النص أنه نفس الشيء بالنسبة للسبب ‪ ،‬و الذي ينبغي‬
‫بدوره أن يكون مشروعا و غير مخالف للنظام العام و اآلداب العامة و إال كان باطال‪ ، 43‬و لعل من‬
‫أهم االتفاقات المخالفة لآلداب العامة هي الدعارة فيعتبر كل اتفاق متعلق باستغالل بيوت الدعارة‬
‫اتفاق باطل‪. 44‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫السلطة التقديرية للقاضي في تحديد و مراجعة مضمون العقد‬
‫إن سلطة القاضي في التقدير تمتد لتشمل فروع القانون كافة و تحديدا في القانون المدني تكاد‬
‫تكون أوسع عما عليه من فروع القانون األخرى ‪ ،‬و نجد أن معظم القوانين المدنية منحت سلطات‬
‫تقديرية واسعة في مجال القانون المدني كافة السيما في المجال التعاقدي ‪.‬‬
‫أصبح القاضي يتدخل في العقد و هذا كلما وجد ميزان العقد مختال ليعيد بذلك توازنها‬
‫وعدالتها ‪ ،‬و ذلك عن طريق منحه سلطة واسعة لمراقبة العقد بدءا من مرحلة إنعاقده إلى غاية‬
‫مرحلة تنفيذه‪ 2‬و عليه فالسلطة التقديرية هي إمكانية يمنحها المشرع للقاضي من أجل مواكبة الواقع‬
‫المتحرك أمام ثبات النص القانوني‪ ، 45‬فالبنسبة للسلطة التقديرية للقاضي في تحديد العقد فإن من‬
‫أبرز مظاهر تدخله و ممارسة سلطته ‪ ،‬الحالة التي يكون فيها عدم التوازن في التزامات طرفي‬
‫العقد‪ ،‬و ذلك عندما يكون االختالل ناتج عن غبن أو استغالل ‪ ،‬وهذا ما جعل المشرع يمنح السلطة‬
‫التقديرية للقاضي بأن يتدخل في ظروف معينة لتحديد العقد وفقا لمقتضيات العدالة‪.46‬‬

‫‪ - 42‬نبيل ابراهيم سعد ‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام ‪ ،‬مصادر االلتزام ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬د د ن ‪ ،‬مصر ‪ ، 2007 ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪ -43‬المواد ‪ 93‬و ‪ 97‬من األمر ‪ ، 58 /75‬يتضمن القانون المدني الجزائري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -44‬حمدي محمد إسماعيل سلطح ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ . 215‬و أنظر أيضا السنهوري عبد الرزاق ‪ ،‬الوسيط في شرح‬
‫القانون المدني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.366‬‬
‫‪ - 45‬خير الدين كاظم اآلمين ‪" ،‬سلطة القاضي في القانون الدولي الخاص " ‪ ،‬مجلة جامعة بابل للعلوم اإلنسانية ‪ ،‬كلية‬
‫القانون ‪ ،‬جامعة بابل ‪ ،‬عدد ‪ ، 2‬العراق ‪ ، 2008 ،‬ص ‪.865‬‬
‫‪ - 46‬آيت ساحد كهينة ‪ ،‬اختالل توازن االلتزامات في عقد االعتماد االيجاري ‪ ،‬أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في‬
‫العلوم ‪ ،‬تخصص القانون ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة مولود معمري ‪ ،‬تيزي وزو ‪ ، 2016 ،‬ص ‪.264‬‬

‫‪14‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫فال يتصور الغبن إال في عقود المعاوضة أو العقود االحتمالية ‪ ، 47‬فهو إذا عبارة عن اختالل‬
‫الت وازن االقتصادي في عقد المعاوضة ‪ ،‬نتيجة عدم التعادل بين ما يأخذه كل عاقد فيه و ما يعطيه ‪،‬‬
‫فهو الخسارة التي تلحق بأحد المتعاقدين في ذلك العقد ‪ ،‬أما االستغالل فهو عبارة عن استغالل أحد‬
‫المتعاقدين لحالة الضعف التي يوجد فيها المتعاقد اآلخر للحصول على مزايا ال تقابلها منفعة لهذا‬
‫األخير‪ ،‬مما يؤدي إلى عدم التعادل الفادح بين ما يعطيه المتعاقد و ما يأخذه‪.48‬‬

‫أما بالنسبة لعقد اإلذعان نتيجة التطور االقتصادي و االجتماعي الذي مس المجتمعات أين‬
‫يستبعد فيها أيّة مناقشة أو مساومة في شروطها ‪ ،‬و ينفرد فيها أحد الطرفين بوضع شروط العقد ‪ ،‬و‬
‫ال يكون في وسع الطرف اآلخر إال قبول العقد جملة ‪ ،‬أو رفضه جملة ‪ ،‬و هذا ليس إال نتيجة‬
‫لالمساواة القائمة بين الطرفين ‪ ،‬حيث نجد طرف قوي اقتصاديا ينفرد بوضع قانون العقد على‬
‫طرف تنحصر حريته في قبول أو رفض العقد‪ .49‬و هذا ما نجده في عقد االعتماد االيجاري أين‬
‫يكون المؤجر التمويلي إما بنكا أو مؤسسة مالية ‪ ،‬فإن هذا األخير يستغل مركزه القوي فيضع‬
‫شروط العقد بمفرده ‪ ،‬و ما على المتعاقد سوى قبولها و غالبا ما تفرض عليه شروط تضر‬
‫بمصلحته دون أن يكون له الحق في تعديلها‪.50‬‬

‫و تجدر اإلشارة إلى سلطة القاضي في تفسير العقد و الذي يكون في أحوال معينة يتضمن‬
‫عبارات واضحة يطبقها القاضي كما وردت في العقد ‪ ،‬لكن في بعض األحيان قد يكتنفها الغموض‬
‫مما يتطلب تفسيره بهدف الوصول إلى النية المشتركة و من ثمة معرفة المعنى الحقيقي الذي‬
‫اتجهت إليه‪. 51‬‬
‫يتمتع القاضي أيضا بسلطة مراجعة مضمون العقد فإذا كان األصل العقد شريعة المتعاقدين‬
‫حيث أنه بمجرد إنشائه صحيحا التزم أطرافه بتنفيذه بجميع ما اشتمل عليه ‪ ،‬فال يجوز نقضه و ال‬
‫تعديله إال باتفاق الطرفين ‪ ،‬كما ال يجوز للقاضي أن يتدخل لتعديل العقد‪ ، 52‬لكن يمكن للقاضي في‬
‫حالة عدم تعادل التزامات الطرفين مراجعة مضمون العقد إذا طرأت حوادث استثنائية‪ ،53‬و من بين‬
‫هذه الحوادث نجد الظروف الطارئة و التي تعرف على أنها الحالة االستثنائية التي يطرأ فيها بعد‬
‫إبرام العقد و قبل تنفيذه حادث لم يكن متوقع ‪ ،‬من شأنه أن يؤدي إلى اختالل التوازن بين التزامات‬
‫الطرفين اختالال فادحا ‪ ،‬إذ يصبح االلتزام الملقى على عاتق المدين مرهقا له إرهاقا شديدا ‪ ،‬و‬

‫‪ -47‬السنهوري عبد الرزاق ‪ ،‬نظرية العقد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.447‬‬


‫‪ -48‬بلحاج العربي ‪ ،‬النظرية العامة لاللتزام في القانون المدني الجزائري ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 126‬و‪.127‬‬
‫‪ -49‬السنهوري عبد الرزاق ‪ ،‬نظرية العقد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.279‬‬
‫‪ -50‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.264‬‬
‫‪ - 51‬محمد صبري السعدي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 276‬‬
‫‪ - 52‬عمري ليديه ‪ ،‬أيت أوقاسي نصيرة ‪ ،‬دور اإلرادة في إنشاء االلتزامات ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماستير في الحقوق‬
‫تخصص قانون خاص ‪ ،‬جامعة عبد الرحمان ميرة ‪ ،‬بجاية ‪ ، 2015 ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪ - 53‬آيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.275‬‬

‫‪15‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫يترتب على تنفيذه له خسارة فادحة ‪ ،‬و يجب أن تكون هذه الظروف استثنائية من بينها الفيضان ‪،‬‬
‫الزلزال‪ ،‬الحرب‪. 54‬‬

‫منح المشرع الجزائري للقاضي و خروجا عن مبدأ القوة الملزمة للعقد التدخل في تنفيذ العقد‬
‫و إنهائه ‪ ،‬فإذا كان األصل أن للمتعاقدين الحق في أن يقوما بتنفيذ العقد وفقا لما اتفق عليه ‪ ،‬إال أنه‬
‫مثال في الوعد بالتعاقد إذا نكل أحد المتعاقدين بعد أن اتفق الطرف اآلخر على إبرام العقد في‬
‫المستقبل أن يلجأ إلى القضاء ليحل بذلك حكم القاضي محل العقد ‪ ،‬و في حالة ما إذا لم يقم المدين‬
‫الملتزم بالقيام بعمل ‪ ،‬جاز للدائن بعد الحصول على ترخيص من القاضي أن ينفذ االلتزام على نفقة‬
‫المدين و ذلك بشرط أن يكون التنفيذ العيني‪.55‬‬
‫يجب أن يتم الوفاء فور ترتيب االلتزام نهائيا في ذمة المدين غير أنه في بعض األحيان نتيجة‬
‫لظروف خاصة قد يحدث أن يختلف المدين عن أداء ما عليه في هذا األجل ‪ ،‬إال أنه يجوز للقضاء‬
‫أن يمنح للمدين مدة يستطيع خاللها أن يقوم بتنفيذ التزامه و للقاضي سلطة تقديرية واسعة في تقدير‬
‫‪56‬‬
‫هذه المهلة ‪ ،‬غير أن المادة ‪ 281‬من القانون المدني الجزائري اشترطت أن ال تزيد المدة عن سنة‬
‫‪ ،‬أما الحالة المتعلقة بالشرط الجزائي يجوز للمتعاقدين أن يتفقا مقدما على قيمة التعويض و الذي‬
‫يستحقه الدائن في حالة إخالل المدين مستقبال في أداء التزاماته ‪ ،‬و إذا أثبت الدائن أن المدين قد‬
‫ارتكب غشا أو خطأ جسيما ‪ ،‬و أن الضرر الالحق به أكبر بكثير من قيمة مقدار التعويض المتفق‬
‫عليه ‪ ،‬فجاز للقاضي تعديل هذا الشرط عن طريق الزيادة في التعويض المتفق عليه ‪ ،‬كما له سلطة‬
‫تخفيضه في حالة ما إذا كان التعويض المتفق عليه مفرطا أو مبالغا فيه ‪ ،‬أو أن االلتزام األصلي قد‬
‫نفذ جزء منه‪ ، 57‬كما للقاضي السلطة التقديرية إلنهاء العقد ‪ ،‬ففي حالة مخالفة أركان العقد للنظام‬
‫العام كأن يكون محل العقد أو سببه غير مشروع يتدخل القاضي إلبطاله‪ ، 58‬أو بناءا على طلب أحد‬
‫المتعاقدين و ذلك حسب المادة ‪ 561‬فقرة ‪ 3‬من القانون المدني الجزائري التي تنص ‪" :‬على أنه إذا‬
‫إنهار التوازن االقتصادي بين التزامات كل من رب العمل و المقاول بسبب حوادث استثنائية عامة‬
‫لم تكن في الحسبان وقت التعاقد ‪ ،‬و تداعى بذلك األساس الذي قام عليه التقدير المالي لعقد المقاولة‬
‫‪ ،‬جاز للقاضي أن يحكم بزيادة األجرة أو بفسخ العقد"‪. 59‬‬

‫من خالل كل ما تطرقنا أليه آنفا نجد أن اإلرادة الحرة لها السلطان األكبر في تكوين العقد‪،‬‬
‫و أن الفرد له الحرية في التعاقد و إرادته تكفي إلبرام العقد ‪ ،‬غير أن دور اإلرادة تراجع بفعل‬
‫التطورات االقتصادية و االجتماعية ‪ ،‬حيث أصبحت تخضع لضوابط و تقييدات قانونية و قضائية‪،‬‬

‫‪ - 54‬ياسر باسم ذنون ‪ ،‬رؤى خليل إبراهيم ‪ " ،‬نظرية الظروف الطارئة و أثرها على األحكام القضائية ‪ ،‬دراسة تحليلية‬
‫مقارنة " ‪ ،‬مجلة الشريعة و القانون ‪ ،‬كلية القانون ‪ ،‬عدد ‪ ، 2014 ، 57‬ص ‪.181‬‬
‫‪ - 55‬أنظر المواد ‪ 72‬و ‪ 170‬من األمر رقم ‪ ، 58 / 75‬يتضمن القانون المدني الجزائري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 56‬أنظر المواد ‪ 281‬و ‪ ، 210‬من األمر نفسه‪.‬‬
‫‪ - 57‬أنظر المواد ‪ 183‬و ‪ 184‬من األمر رقم ‪ ، 58 / 57‬يتضمن القانون المدني الجزائري‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ - 58‬أنظر المادة ‪ ، 97‬من األمر نفسه‪.‬‬
‫‪ - 59‬أنظر المادة ‪ 561‬ف ‪ ، 3‬من األمر ‪ ، 58/75‬يتضمن القانون المدني الجزائري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫و عليه لم تعد الحرية الفردية مكرسة و لم يعد اإلنسان حر في التعاقد كما لم يعد لإلرادة سلطان‬
‫كما كان من قبل خاصة في العقود الجديدة ( عقود األعمال )‪.‬‬

‫المبحث الثاني‬

‫اإلرادة المشتركة أساس إبرام عقد االعتماد اإليجاري ؟‬


‫إن إعطاء العقد الوصف القانوني الصحيح يتطلب تحديد طبيعة هذا العقد ‪ ،‬فالقاضي في‬
‫محاولته إلعطاء وصف قانوني التفاق ما يبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين ‪ ،‬وهذا على ضوء‬
‫أركان وعناصر العقد لتحديد طبيعته القانونية ‪ ،‬و عقد االعتماد اإليجاري له طبيعته القانونية‬
‫الخاصة ‪ ،‬فنجد فيه المؤجر التمويلي يهيمن على المضمون اإلتفاقي لهذا العقد فيحدده على ضوء‬
‫مصالحه لوحده ‪ ،‬حتى و لو كان ذلك على حساب المستأجر التمويلي‪.‬‬
‫و فيما يلي سنقوم من خالل هذا المبحث دراسة هذه الخصوصية من حيث شروط إبرام‬
‫العقد ( المطلب األول ) و من حيث عناصر العقد ( المطلب الثاني)‪.‬‬
‫المطلب األول‬

‫خصوصية عقد االعتماد اإليجاري من حيث شروط إبرام العقد‬

‫إن االعتماد اإليجاري بوصفه عقدا في األساس كما وصفته التشريعات الجزائرية ‪ ،‬ما دام‬
‫كذالك فال يمكنه تخطي أركان العقد طبقا للشريعة العامة ‪ ،‬من تراضي و أهلية و محل و سبب ‪ ،‬و‬
‫البد من توافر شروط إرادية تركت لشريعة المتعاقدين‪ ، 60‬و أخرى إلزامية ال يتوقف وجودها على‬
‫إرادة األطراف المتعاقدة بل هي شروط يفرضها القانون من خالل قواعد آمرة في األمر رقم‬

‫‪ - 60‬أنظر المادة ‪ 106‬من األمر رقم ‪ 58/75‬يتضمن القانون المدني الجزائري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫‪. 09/96‬‬

‫الفرع األول‬
‫اقتصار ممارسة نشاط االعتماد اإليجاري على البنوك و المؤسسات المالية و شركات‬
‫االعتماد اإليجاري‬
‫يقضي األصل العام أن كل شخص يتمتع باألهلية القانونية فيستطيع إبرام التصرفات‬
‫القانونية‪ ،‬كما أنه حر في التعاقد حيث يختار مع من سيتعاقد و حول ماذا سيتعاقد‪ ، 61‬لكن في عقد‬
‫االعتماد اإليجاري فإن المؤجر التمويلي ال يمكن أن يكون إال واحدا من ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬البنوك‬
‫إن تعريف التشريع للبنك ورد في المادة ‪ 114‬من األمر رقم ‪ 10/90‬يتعلق بالنقد و القرض‬
‫الملغى وتنص ‪ :‬البنوك أشخاص معنوية مهمتها العادية و الرئيسية إجراء العمليات الموضوعة في‬
‫المواد ‪ 110‬و ‪ ، 113‬أما بالنسبة لألمر رقم ‪ 11/03‬فقد إقتصر على تعريف البنوك بحسب‬
‫موضوعها بقوله "البنوك مخولة دون سواها ‪ ،‬بالقيام بجميع العمليات المبينة في المواد ‪ 66‬إلى ‪68‬‬
‫أعاله بصفة مهنتها العادية "‪ ، 62‬والمالحظ من خالل استقراء هذه المواد ‪ ،‬أن من بين هذه العمليات‬
‫نجد عمليات االعتماد اإليجاري والتي اعتبرها هذا القانون عملية قرض‪ ، 63‬و يوجد في الجزائر‬
‫ثالث أنواع من البنوك ‪ ، 64‬و من بين البنوك التي تحصلت على ترخيص و هي تزاول في الوقت‬
‫الحالي هذا النوع من العمليات المصرفية نذكر بنك البركة و هو شركة مساهمة رأسمالها‬
‫‪ 250.000.000.000‬دج خاضعة ألحكام األمر رقم ‪ 11/03‬المتعلق بقانون النقد و القرض و بنك‬
‫ناتيكسيس الجزائر و هو شركة مساهمة رأسمالها ‪ 3.483.192.636.00‬دج ‪. 65‬‬

‫‪ -61‬بلعاوي صفاء عمر خالد ‪ ،‬النواحي القانونية في التأجير التمويلي و تنظيمه الضريبي ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماجستير‪،‬‬
‫تخصص المنازعات الضريبية ‪ ،‬كلية الدراسات العليا ‪ ،‬جامعة النجاح الوطنية ‪ ،‬فلسطين ‪ ، 2005 ،‬ص‪.103‬‬
‫‪ -62‬أنظر المادة ‪ 70‬من األمر رقم ‪ ، 11/03‬مؤرخ في ‪ 26‬أوت ‪ ، 2003‬يتعلق بقانون النقد و القرض ‪ ،‬ج ر عدد ‪،52‬‬
‫صادر في ‪ 27‬أوت ‪.2003 ،‬‬
‫‪ - 63‬تنص المادة ‪ 68‬ف ‪ 2‬من األمر رقم ‪ ، 11/03‬يتعلق بقانون النقد و القرض على أنه ‪ " :‬تعتبر بمثابة عمليات قرض ‪،‬‬
‫عمليات اإليجار المقرونة بحق خيار الشراء ‪،‬السيما عمليات القرض اإليجاري و تمارس صالحيات المجلس إزاء العمليات‬
‫المنصوص عليها في هذه المادة "‪.‬‬
‫‪ - 64‬بخيت عيسى ‪ ،‬طبيعة عقد اإليجار التمويلي و حدوده القانونية ‪ ( ،‬دراسة مقارنة ) ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماجستير ‪،‬‬
‫تخصص عقود و مسؤولية ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة محمد بوقرة ‪ ،‬بومرداس ‪ ، 2011 ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ - 65‬حوالف عبد الصمد ‪ ،‬اإلطار القانوني لعقد االعتماد اإليجاري ( الليزنغ ) ‪ ( ،‬دراسة مقارنة ) ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة‬
‫ماجستير ‪ ،‬تخصص عقود و مسؤولية ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد ‪ ،‬تلمسان ‪ ، 2009 ،‬ص ‪.54‬‬

‫‪18‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫ثانيا ‪ :‬المؤسسات المالية‬


‫عرفتها المادة ‪ 115‬من القانون رقم ‪ 10/90‬الملغى كما يلي ‪ " :‬المؤسسات المالية أشخاص‬
‫معنوية مهمتها العادية و الرئيسية القيام بأعمال مصرفية ماعدا تلقي األموال من الجمهور بمعنى‬
‫المادة ‪ . " 111‬كما تخضع المؤسسات المالية لشرط الترخيص من قبل مجلس النقد و القرض فيما‬
‫يتعلق بممارستها لعمليات االعتماد اإليجاري بصفة اعتيادية ‪ ، 66‬و تمنح المؤسسة المالية االئتمان‬
‫من أموالها الذاتية أو من ما تحصل عليه من قروض و اعتمادات‪.67‬‬
‫ثالثا ‪ :‬شركات االعتماد اإليجاري‬
‫أخضع المشرع الجزائري شركات االعتماد اإليجاري ألحكام قانون النقد و القرض ‪ ،‬إال أن‬
‫تأسيسها و شروط اعتمادها يحكمها النظام رقم ‪ 09/96‬و هو أول نظام يحدد كيفيات تأسيس‬
‫شركات االعتماد اإليجاري و شروط اعتمادها‪ ، 68‬حيث جاء في المادة الثانية ‪ " :‬يمكن لشركات‬
‫االعتماد اإليجاري على غرار البنوك و المؤسسات المالية القيام بعمليات االعتماد اإليجاري كما‬
‫هو منصوص عليها في التشريع المعمول به "‪ 69‬و يجب على هذه الشركات الحصول أيضا على‬
‫ترخيص من مجلس النقد و القرض باإلضافة إلى مجموعة من الشروط و اإلجراءات‪ ، 70‬و من‬
‫بينها أن تتخذ هذه الشركات شكل شركة مساهمة ‪ ، 71‬و أن ال يكون مؤسسو الشركة و مسيروها و‬
‫ممثلوها موضوع أي منع المنصوص عليه في المادة ‪ 76‬من األمر ‪ ،7211/03‬و أخيرا أن ال يقل‬
‫رأسمالها عن مئة مليون دج ‪ ، 73‬أما بالنسبة لإلجراءات فهي تبدأ بتقديم طلب إلى محافظ بنك‬
‫الجزائر ‪ ،‬مرفقا بملف بالوثائق المثبتة لتوافر شروط التأـسيس‪ 74‬و كذا الوثائق المثبتة في النظام‬
‫رقم ‪ ، 05/92‬المتعلق بالشروط الواجب توافرها في مؤسسي البنوك و المؤسسات المالية و‬
‫مسيريها و ممثليها ‪ .‬و بتوافر هذه الشروط تحصل الشركة على اعتماد بقرار من محافظ بنك‬
‫الجزائر و ينشر مقرر االعتماد اإليجاري في الجريدة الرسمية‪ ،75‬و أول شركة اعتماد إيجاري‬
‫أنشئت في الجزائر‪ ،‬و تحصلت على اعتمادها بتاريخ ‪ 28‬جوان ‪ ، 1997‬هي شركة السالم إليجار‬

‫‪ - 66‬بن الشيخ هشام ‪ ،‬االعتماد اإليجاري للعقارات ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماجستير ‪ ،‬تخصص القانون الخاص ‪ ،‬كلية الحقوق‬
‫و العلوم االقتصادية ‪ ،‬جامعة قصدي مرباح ‪ ،‬ورقلة ‪ ، 2007 ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ -67‬دويدار هاني محمد ‪ ،‬النظام القانوني للتأجير التمويلي ‪ ( ،‬دراسة نقدية في القانون الفرنسي ) ‪ ،‬دار الجديدة للنشر‪ ،‬مصر‬
‫‪ ، 1994 ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ -68‬نظام رقم ‪ 06/96‬مؤرخ في ‪ 23‬جويلية ‪ ، 1966‬الذي يحدد كيفيات تأسيس شركات االعتماد اإليجاري و شروط‬
‫اعتمادها‪ ،‬ج ر عدد ‪ ، 66‬صادر في ‪ 3‬نوفمبر ‪.1996‬‬
‫‪ -69‬انظر المادة ‪ 2‬من نظام رقم ‪ 06/96‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -70‬بخيت عيسى ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 59‬‬
‫‪ -71‬أنظر المادة ‪ 83‬من األمر رقم ‪ ، 11/03‬يتعلق بالنقد و القرض ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -72‬انظر المادة ‪ 76‬من األمر رقم ‪ ، 11/03‬يتعلق بالنقد و القرض ‪ ،‬مرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ -73‬انظر المواد ‪ 596‬و ما بعدها من األمر رقم ‪ ، 59/75‬يتضمن ق ت ج ‪ ،‬مؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر ‪ ، 1975‬ج ر عدد ‪101‬‬
‫‪ ،‬معدل و متمم‪.‬‬
‫‪ - 74‬بن الشيخ هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ - 75‬نظام بنك الجزائر رقم ‪ ، 05/92‬مؤرخ في ‪ 22‬مارس ‪ ، 1992‬يتعلق بالشروط التي يجب أن تتوفر في مؤسسي البنوك‬
‫و المؤسسات المالية و مسيريها و ممثليها ‪ ،‬ج ر عدد ‪ ، 8‬صادر بتاريخ ‪ 07‬فيفري ‪.1993‬‬

‫‪19‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫التجهيزات و لوازم العتاد‪.76‬‬


‫أما بالنسبة للطرف الثاني في العقد فهو المستأجر التمويلي فيمكن أن يكون شخص طبيعي أو‬
‫اعتباري ‪ ،‬تاجر أو غير تاجر‪ ،‬و يجب توافر أهلية التصرف فيه‪ 77‬و أن يكون متعامال اقتصاديا‬
‫غير أن هذا العقد لم يحدد مدلوله ‪ ،‬لكن يمكن تعريفه وفقا للمادة الثالثة من األمر رقم ‪ 06/95‬مؤرخ‬
‫في ‪ 1995/01/25‬يتعلق بالمنافسة‪.78‬‬
‫يتبين من كل هذا أن حرية اختيار المتعاقد مقيدة في عقد االعتماد اإليجاري ‪ ،‬فال يمكن إبرام‬
‫هذا العقد إال من طرف شركة مالية مؤهلة قانونا لذلك ‪ ،‬مع شخص إن لم تشترط فيه صفة التاجر‬
‫فإنه تشترط أن تتوافر فيه صفة المشروع المستفيد ‪.‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫المؤجر التمويلي يتبنى ضوابط محددة لقبول التعاقد مع الطرف اآلخر‬
‫يظهر من خالل اإلطالع على نماذج االستئجار عامة أن معرفة المركز االجتماعي للمستأجر‬
‫تكفي للمؤجر ليتأكد من ضمانه العام فتكون هذه المرحلة ال تستوقف مالحظة رجل القانون‪ ،‬مقارنة‬
‫بعقد االعتماد اإليجاري أين تستدعي دراسة المعطيات االقتصادية و المالية للمستأجر‪ ،‬كما نلمس‬
‫كذلك اختالف مخطط اإلرادات في هذا العقد ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬فحص الضمان العام من قبل الشركة ( المؤجر التمويلي )‬


‫تلزم الشركة المتعامل معها بتقديم مجموعة من المعلومات يتعلق بعضها بالمشروع المستفيد‬
‫(المستأجر التمويلي) ‪ ،‬و يجب التمييز في إذا ما كان الشخص طبيعيا أم معنويا ‪ ،‬فإذا طبيعيا وجب‬
‫عليه اإلدالء بهويته ‪ ،‬و رقم قيده في السجل التجاري و ما يدخل في ذمته المالية ‪ ،‬و التصريح بما‬
‫يرد عليه من رهون و كذا التصريح بعقود التأمين على الحياة التي أبرمها من قبل ‪ ،‬و تحديد اسم‬
‫الشركة المؤمنة ‪ ،‬و مبلغ التأمين‪ ، 79‬أما إذا كان معنويا فيتوجب عليه اإلدالء بشكله و اسمه ‪ ،‬و‬
‫مقره ‪ ،80‬كما يجب عليه أيضا اإلدالء برقم قيده في السجل التجاري ‪ ،‬و مقدار رأسماله و أهم‬
‫الشركاء فيه‪ ، 81‬و األشخاص الممثلين للجهاز التنفيذي و الشخص المخول له استئجار األموال‬

‫‪ - 76‬و هناك عدة شركات أخرى ‪ ،‬مثل ‪ "ALC " :‬أنشئت بمشاركة البنك الخارجي الجزائري و مجموعة البركة ‪ ،‬كذلك‬
‫شركة القرض اإليجاري لتمويل قطاع الصيد البحري و الفالحة ‪.‬‬
‫‪ -77‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬عقد الليزنغ ( دراسة مقارنة ) ج ‪ ، 1‬المؤسسات الحديثة للكتاب ‪ ،‬لبنان ‪ ،2004 ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪-78‬األمر رقم ‪ 06/95‬مؤرخ في ‪ 25‬جانفي ‪ ، 1995‬يتعلق بالمنافسة ‪ ،‬ج ر عدد ‪ ، 9‬صادر بتاريخ ‪ 8‬فيفري ‪، 1995‬‬
‫(الملغى) ‪.‬‬
‫‪ -79‬نسير رفيق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪80‬‬
‫‪-SACI DJamila et GUERRI Zahia , Etude de l’opération d’octroi de crédit pour le financement des‬‬
‫‪investissements , Mémoire de fin de cycle en vu de l’obtention de Master 2 , Spécialité finance et banque ,‬‬
‫‪Faculté des sciences des gestion , Univ Abderrahmane mira , Bejaia , P 85 .‬‬
‫‪ -81‬ناصيف إلياس ‪ ،‬العقود الدولية ‪ ( :‬عقد الليزنغ أو عقد اإليجار التمويلي ) ‪ ،‬منشورات الحلبي القانونية ‪ ،‬لبنان ‪، 2008 ،‬‬
‫ص ‪.145‬‬

‫‪20‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫موضوع عقد االعتماد اإليجاري ‪ ،‬كما يدلي بحالته المالية حيث يبين موقفه الضريبي ‪ ،‬المعلومات‬
‫البنكية ‪ ،‬كما يقدم ميزانية سنوات سابقة على تاريخ الطلب لمعرفة مدى قدرته على تحمل أقساط‬
‫اإليجار‪.82‬‬
‫كما تلزم أيضا الشركة بتقديم بيانات خاصة باالستثمار المراد تمويله كتحديد نوع االستثمار و‬
‫هذا بتحديد األصل المراد استئجاره ‪ ،‬لتعينه تعيينا نافيا للجهالة بتحديد طبيعته ‪ ،‬نوعه ‪ ،‬مصدر‬
‫إنتاجه كما يحدد اسم البائع ‪ ،‬و موعد التسليم و هي معلومات متوفرة في الفاتورة األولية و التي‬
‫يقدمها المورد للمستأجر عند نهاية مرحلة التفاوض ‪ ،‬كما يتوجب على هذا األخير تعيين العمر‬
‫االفتراضي لألصل ‪ ،‬و اإلدالء بالمعلومات المتعلقة بنمط استعماله مثال كعدد الساعات المقررة‬
‫لالستعمال اليومي ‪ ،‬و حالة الموقع المراد استعمال العتاد فيه و هذا كله من أجل تحديد حجم‬
‫اإلهتالك الذي سيتعرض له العتاد‪. 83‬‬

‫يظهر من كل ما سبق أن كل هذه المعلومات هي التي تعطي المؤجر التمويلي نظرة شاملة‬
‫عن الضمان العام الذي يتمتع به المستأجر التمويلي حرصا منه على التأكد من قدرته على أداء‬
‫القيمة اإليجارية ‪ ،‬فهو بهذا يخدم مصلحته ‪ ،‬فإذا رأى أن األعباء المالية تثقل كاهل هذا المستأجر‬
‫التمويلي أكثر من رقم أعماله ‪ ،‬رفض التعاقد معه خوفا من عجزه على سداد األجرة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اإليجاب يمكن أن يصدر من قبل المؤجر التمويلي رغم مبادرة التعاقد من المستأجر‬
‫يختلف مخطط تالقي اإلرادات في عقد االعتماد اإليجاري عن األحكام المتعارف عليها في‬
‫تكوين العقد ‪ ،‬فعادة المستأجر هو الذي يبادر إلى تحقيق عملية االعتماد اإليجاري و هذا بدافع‬
‫الحاجة إلى اقتناء عتاد أو تجهيز معين ‪ ،‬فهو يلجأ إلى البائع و يتصرف كأنه هو الذي سيشتري‬
‫العتاد ‪ ،‬هذه الحالة جعلت أحد الباحثين يقول أن هناك وكالة بين المؤجر التمويلي و المستأجر‬
‫التمويلي ‪ ،‬لكن في هذه المرحلة لم يكن قد اتصل بالشركة المؤجرة بعد فال يمكن أن يكون قد‬
‫تحصل على وكالة ‪ ،‬ليتجه بعد ذلك لهذه الشركة ليعرض عليها إبرام العقد و لم يتخذ على عاتقه أي‬
‫تعهد في مواجهة البائع ‪ ،‬و عليه فال يمكن أن يعتبر إيجاب بل مجرد دعوة إلى التعاقد ‪ ،‬و اإليجاب‬
‫يقدم من المؤجر في حال قبوله لهذه الدعوة إلى التعاقد و يحدد فيه كل المسائل الجوهرية للتعاقد ‪.‬‬
‫و تجدر اإلشارة إلى أن المستأجر قد ال يتجه إلى المؤجر إال بعد قيامه بتوصية شراء العتاد‬
‫مصحوبة بتحفظ ‪ ،‬المتعلق بشرط قبول المؤجر التعاقد مع المستأجر فبهذا هل يسقط هذا التحفظ‬
‫صفة اإليجاب من هذا التعبير عن اإلرادة أم ال ؟ ‪ ،‬بما أن التحفظ الذي يبديه المستأجر ال يتوقف‬
‫على إرادته المحضة بل على إرادة المؤجر فإن التوصية بالشراء تعتبر إيجابا و هي تعهد مقترن‬
‫بشرط فاسخ ‪.‬‬

‫‪ -82‬بن الشيخ هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.46‬‬


‫‪ -83‬نسير رفيق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.68‬‬

‫‪21‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫فيمكن القول أن المستأجر التمويلي ال يعرض إيجابا للمؤجر التمويلي ألنه ال يمكن أن‬
‫يحتوي على جميع العناصر الجوهرية لعقد االعتماد اإليجاري حتى يكون صحيحا لتكييفه على‬
‫أساس أنه إيجاب ‪ ،‬فالمؤجر التمويلي هو الذي يحدد قيمة اإليجارات ‪ ،‬مدة اإليجار‪ ،‬حتى ثمن‬
‫التنازل عن الملكية حتى و لو كان المستأجر التمويلي هو الذي يحدد العين المؤجرة‪.84‬‬
‫و يمكن أن يأخذ اإليجاب طرقا أخرى ‪ ،‬فقد يوجه من الممول إلى المستفيد فيعرض األول‬
‫على الثاني تمويل شراء المعدات التي يحتاجها مقابل أقساط محددة بعد أن يكون الممول اتفق من‬
‫قبل مع البائع ‪ ،‬و في بعض األحيان األخرى يمكن أن يتجه البائع إلى المستفيد و يعرض عليه‬
‫اللجوء إلى عملية التأجير التمويلي ‪ ،‬أو يتجه مباشرة إلى الممول ليقنعه بتمويل شراء المال لصالح‬
‫المستفيد ‪ ،‬و كل هذه األمور تنعكس بدورها على التزامات الطرفين ‪ ،‬وفي الواقع العملي فإن‬
‫المؤجر دائما ما يسعى إلى التخلص من كل هذه االلتزامات و يلقي بها على عاتق المستأجر‪. 85‬‬
‫مادام عقد االعتماد اإليجاري من العقود الرضائية ‪ ،‬فكيف يمكن تفسير انفراد المؤجر‬
‫التمويلي بوضع عقود نموذجية المبينة فيها كل العناصر الجوهرية للعقد و بنوده ‪ ،‬و ما على‬
‫المستأجر التمويلي إال قبولها إلبرام العقد ‪ ،‬أو رفضها ليرفض المؤجر التمويلي بدوره التمويل ‪.‬‬
‫فأين هو إذن ركن الرضا ؟ هل فقد أهميته ؟‬
‫الفرع الثالث‬
‫األموال المؤجرة يقتصر استغاللها لحاجيات إنتاجية‬
‫إن محل العقد في االعتماد اإليجاري له طابعه الخاص و هو الذي يساهم في تأكيد‬
‫خصوصيته ‪ ،‬حيث أنه إلى جانب الشروط التي حددتها القواعد العامة التي توجب أن يكون‬
‫الموضوع معينا تعيينا كافيا ونافيا للجهالة و ممكنا و مباحا و أن يكون موجودا عند إبرام العقد‪،86‬‬
‫حيث أنه يتعين أن يكون األصل محل عقد االعتماد اإليجاري لألصول المنقولة من عتاد التجهيز و‬
‫بصفة عامة تكون عبارة عن آالت و أدوات ‪ ،‬و تجهيزات ‪ ،‬تحتاجها المشاريع التجارية و‬
‫الصناعية و الحرفية ‪ ،‬إما للبدء في نشاط ما و إما لتجديد معداتها‪ ، 87‬و فيما يخص األصول غير‬
‫المنقولة و التي عرفتها المادة ‪ 4‬من األمر رقم ‪ 09/96‬فقد حددها المشرع الجزائري في األصول‬
‫الثابتة المهنية التي قد اشتراها المؤجر أو بنيت لحسابه ‪ ،‬و نفس الشيء بالنسبة لتأجير المحالت‬
‫التجارية و المؤسسات الحرفية مع توفر شرط انعدام إمكانية المستأجر التمويلي في إعادة تأجير‬
‫المحل التجاري أو المؤسسة الحرفية لمالكها األول و هذا ما جاءت به المادة ‪ 9‬من األمر السالف‬
‫الذكر‪.88‬‬
‫إن توفر صفة العون االقتصادي ال يعد سببا كافيا للقول بتوفر الصفة القانونية للمستأجر‬
‫ضمن عقد االعتماد اإليجاري فإن المادة ‪ 1/ 3‬من القانون رقم ‪ 02/04‬المحدد للقواعد المطبقة على‬

‫‪ -84‬نسير رفيق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 68‬و ‪.69‬‬


‫‪ -85‬بلعاوي صفاء عمر خالد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 102‬‬
‫‪ -86‬أنظر المادتين ‪ 93‬و ‪ 94‬من األمر رقم ‪ ، 58/75‬يتضمن القانون المدني الجزائري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -87‬بن بريح آمال ‪ ،‬عقد االعتماد اإليجاري كآلية قانونية للتمويل ‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم ‪ ،‬تخصص‬
‫القانون ‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬جامعة مولود معمري ‪ ،‬تيزي وزو ‪ ، 2015 ،‬ص ‪ 99‬و ‪.100‬‬
‫‪ -88‬حوالف عبد الصمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 59‬و ‪.60‬‬

‫‪22‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫الممارسات التجارية المعدل و المتمم‪ ،89‬تحمل شرطين جامعين من حيث تطبيقهما فإنه ال يكفي‬
‫توفر صفة التاجر أو الحرفي أو المنتج أو ‪ ،‬بل يجب أن ترتبط هذه الصفة بممارسة نشاط مهني‬
‫اعتيادي ‪ ،‬أما الشخص المعنوي يكون في إطار تحقيق الغاية التي تأسست من أجلها‪. 90‬‬
‫الفرع الرابع‬
‫صعوبة فحص مشروعية دافع إبرام العقد‬
‫يكون الدافع إلى التعاقد في عقد االعتماد اإليجاري الذي تتجه إليه إرادة األطراف ركنا‬
‫النعقاده ‪ ،‬لذا فإن انعدامه أو مخالفته لقواعد النظام العام يؤدي إلى بطالنه‪ ، 91‬و السبب في عقد‬
‫االعتماد اإليجاري اتجاه إرادة المشروع المستفيد إلى الحصول على ما يحتاج إليه مشروعه من‬
‫أصول عقارية ‪ ،‬تعجز موارده الذاتية عن شرائها أو عدم رغبته في تجميد رأسمال كبير كثمن‬
‫لشرائها فهو دفع مشروع ‪ ،‬أما من جهة المؤجر التمويلي فاللجوء إلى مثل هذه العقود قصد‬
‫استثمار أموال في شراء ما يحتاجه أصحاب المشاريع و تأجيرها لهم و قبض اإليجارات ‪ ،‬فالسبب‬
‫يبدو مشروع‪ ، 92‬أما عن المورد أو المنتج فسببه في عملية االعتماد اإليجاري هو إلزام المشتري‬
‫بدفع ثمن شراء األصول المشتراة ‪ . 93‬فهذا ما يبين تشابك األسباب في عملية االعتماد اإليجاري‬
‫الذي يؤدي إلى صعوبة فحص مشروعيتها ‪ ،‬وهذا ما يهدر حقوق المستأجر التمويلي و كذا المؤجر‬
‫التمويلي ‪.‬‬
‫فقد وضع مشرعنا آليات لمراقبة مشروعية سبب التعاقد في كل قرض من خالل آليتين‬
‫أولهما مركزية المخاطر و هو واجب على جميع البنوك والمؤسسات المالية و ذلك منذ ‪1992‬‬
‫بخصوص القروض إجماال و االعتماد اإليجاري خصوصا‪ ، 94‬و قد ألزم مركزية المخاطر بجمع‬
‫أسماء المستفيدين من القروض ‪ ،‬و طبيعتها و سقفها و المبالغ المسحوبة و مبالغ القروض غير‬
‫المسددة و الضمانات المعطاة لكل قرض من جميع البنوك و المؤسسات المالية ‪ ،‬و هذا ما يجعل‬
‫من مركزية المخاطر طريقة لمراقبة سبب التعاقد‪. 95‬‬
‫كما وضع آلية أخرى و هي واجب اإلخطار بالشبهة و قد جاء طبقا لمقتضيات القانون رقم‬

‫‪ -89‬القانون رقم ‪ ، 02/04‬مؤرخ في ‪ 03‬جويلية ‪ ، 2004‬يحدد القواعد المطبقة على الممارسات التجارية ‪ ،‬ج ر عدد ‪،41‬‬
‫صادر في ‪ 27‬جويلية ‪.2004‬‬
‫‪ -90‬حسني صالح الدين ‪ ،‬شروط تكوين عقد االعتماد اإليجاري ‪( ،‬دراسة مقارنة ) ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماجستير ‪،‬‬
‫تخصص قانون األعمال المقارن ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة وهران ‪ ، 2012 ،‬ص ‪.103‬‬
‫‪ -91‬حرة عماد ‪ ،‬دور عقد االعتماد اإليجاري في االستثمار العقاري وفقا للقانون الجزائري ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة ماستر في‬
‫الحقوق ‪ ،‬تخصص قانون األعمال ‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬جامعة الشهيد حمه لخضر ‪ ،‬الوادي ‪ ، 2015 ،‬ص‬
‫‪.12‬‬
‫‪ -92‬بن بريح آمال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 113‬و ‪.114‬‬
‫‪ -93‬أنظر المادة ‪ 02‬من النظام رقم ‪ ، 01/92‬مؤرخ في ‪ 22‬مارس ‪ ، 1992‬يتضمن تنظيم مركزية األخطار و عملها ‪ ،‬ج ر‬
‫عدد ‪ ، 08‬صادر في ‪ 07‬فيفري ‪.1993‬‬
‫‪ -94‬أنظر المادة ‪ 98‬من األمر رقم ‪ ، 11/03‬يتضمن النقد و القرض ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -95‬أنظر‪ ،‬القانون رقم ‪ 01/05‬مؤرخ في ‪ 06‬فيفري ‪ ، 2006‬يتعلق بالوقاية من تبييض األموال و تمويل اإلرهاب و‬
‫مكافحتهما ‪ ،‬ج ر عدد ‪ ، 11‬صادر في ‪ 09‬فيفري ‪.2005‬‬

‫‪23‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ 01/05‬المتعلق بالوقاية من تبييض األموال و تمويل اإلرهاب و مكافحتهما‪ ، 96‬و بموجبه صدر‬
‫النظام رقم ‪ 05/05‬المتعلق بالوقاية من تبييض األموال وتمويل اإلرهاب و مكافحتهما فهذا الواجب‬
‫حسب المادة ‪ 10‬من هذا النظام يشمل ‪..." :‬العمليات التي تبدو أنها ال تستند إلى مبرر اقتصادي أو‬
‫تجاري يمكن إدراكه ‪...‬التي تتم في ظروف من التعقيد غير عادية أو غير مبررة ‪...‬التي يبدو أنها‬
‫ال تستند على محل مشروع ‪"...‬و هو يخص كل مؤسسات القرض و يتعلق بإبالغ خلية معالجة‬
‫االستعالم المالي قبليا أو بعديا عن مجرد وجود شبهة بخصوص أية عملية تتعلق بأموال يشتبه أنها‬
‫متحصلة من جناية أو جنحة‪.97‬‬
‫الفرع الخامس‬
‫الكتابة استثناء لمبدأ الرضائية‬
‫تنعقد العقود الرضائية في األصل بمجرد تراضي طرفي العقد دون الحاجة إلى شكل معين و‬
‫المعلوم أن عقد االعتماد اإليجاري من العقود الرضائية ‪ ،‬إال أن العرف قد جرى على كتابة هذا‬
‫العقد تمهيدا التخاذ إجراءات شهره حتى يحتج به على الغير‪ ، 98‬فقد اعتبر المشرع الجزائري هذا‬
‫العقد شكلي و تكون الشكلية فيه لالنعقاد و ليس لإلثبات ‪ ،‬و نفس الشيء بالنسبة إليجار المحالت‬
‫التجارية و المؤسسات الحرفية ‪ ،‬و هذا ما أكدته نص المادة ‪ 10‬من األمر رقم ‪ 09/96‬حيث نصت‬
‫‪ " :‬ال يمكن أن يدعى العقد كذلك ‪ ،‬مهما كانت األصول التي تعلق األمر بها و مهما كان عنوان‬
‫العقد ‪ ،‬إال إذا حرر بكيفية تسمح بالتحقق دون غموض بأنه ‪" ...‬‬
‫فال يمكن إنكار ضرورة كتابة عقد االعتماد اإليجاري حيث أن بعض المعطيات العملية‬
‫تجعل من الكتابة أمرا ضروريا من حيث التحقق من احتواء العقد للعناصر التي ال يمكن اعتبار‬
‫العقد اعتمادا إيجاريا إال إذا احتواها ‪ ،‬زد على ذلك إخضاع هذا العقد للشهر يجعل من الكتابة‬
‫ضرورة ‪ ،‬إذ ال يمكن القيام بهذا اإلجراء ما لم يفرغ في محرر مكتوب‪ ، 99‬كما استقر العرف‬
‫البنكي كتابة كل التصرفات البنكية و هذا نظرا لما تحتويه من شروط تفصيلية و تشعب االلتزامات‬
‫و تشابكها ‪ ،‬فال يستحسن عدم تركها للذاكرة‪.100‬‬

‫الفرع السادس‬
‫شهر العقد حماية للمؤجر التمويلي‬
‫لقد تم تكريس مبدأ شهر عقود االعتماد اإليجاري بموجب المادة ‪ 6‬من األمر رقم ‪09/96‬‬

‫‪ -96‬أنظر ‪ ،‬النظام رقم ‪ 05/05‬مؤرخ في ‪ 15‬ديسمبر ‪ ، 2005‬يتعلق بالوقاية من تبييض األموال و تمويل اإلرهاب و‬
‫مكافحتهما ‪ ،‬ج ر عدد ‪ ، 26‬صادر في ‪ 23‬أفريل ‪.2006‬‬
‫‪ -97‬حسني صالح الدين ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.139‬‬
‫‪ -98‬بخيت عيسى ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪ -99‬بن بريح آمال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 128‬و ‪.129‬‬
‫‪ -100‬نسير رفيق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.75‬‬

‫‪24‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫التي تنص ‪ " :‬تخضع عمليات االعتماد اإليجاري إلى إشهار تحدد كيفيته عن طريق التنظيم " ‪ ،‬و‬
‫قد اعتمد المشرع الجزائري نظام الشهر اإلداري ‪ ،‬إذ كلف المركز الوطني للسجل التجاري بإعداد‬
‫و مسك سجل عمومي لقيد عقود االعتماد اإليجاري ‪ ،‬و إطالع الجمهور عليها تحت السلطة‬
‫المباشرة ألعوان الملحقات المحلية للمركز‪ ، 101‬كما أنه ملزم بقيد كل عقد يبرمه لالعتماد اإليجاري‬
‫في السجل المخصص لذلك ‪ ،‬و هذه بملحقة المركز الوطني للسجل التجاري التي تم لديها تسجيل‬
‫المؤجر التمويلي و يجب أن ال يتعدى ثالثون يوم عمل من تاريخ إمضاء العقد محل النشر‪.102‬‬
‫أما بالنسبة إلشهار عقود االعتماد اإليجاري لألصول غير المنقولة ورد بشأنها المرسوم‬
‫التنفيذي رقم ‪ 91/06‬المحدد لكيفيات إشهار عمليات االعتماد اإليجاري لألصول غير المنقولة‪،103‬‬
‫يلزم في المادة ‪ 2‬فقرة ‪ 1‬أن يبين عقد اكتساب العقار موضوع االعتماد اإليجاري العناصر‬
‫الجوهرية الواردة في االعتماد اإليجاري لألصول غير المنقولة إضافة إلى العناصر الواردة في‬
‫المادة ‪ 8‬من األمر رقم ‪ 09/96‬السالف الذكر في عقد اكتساب العقار موضوع العقد ‪ ،‬أما المادة ‪3‬‬
‫من المرسوم التنفيذي رقم ‪ 91/06‬فتلزم المؤجر التمويلي بأن يقوم بنشر كل عقد اعتماد إيجاري‬
‫لألصول غير المنقولة لدى الحفظ العقاري التابع له العقار المعني بعملية االعتماد اإليجاري ‪ ،‬و في‬
‫اآلجال المنصوص عليها في التشريع المعمول به ‪ ،‬كما يتعين طبقا لنص المادة ‪ 4‬من نفس‬
‫المرسوم أن يعاين كل تعديل مادي أو قانوني في حالة العقار بعقد يعد طبقا ألحكام المرسوم رقم‬
‫‪ 63/76‬مؤرخ في ‪ 25‬مارس ‪ 1976‬يتعلق بتأسيس السجل التجاري المعدل والمتمم‪.104‬‬
‫نستخلص أن شهر عقود االعتماد اإليجاري تضمن فعالية كاملة لضمان حقوق المؤجر‬
‫التمويلي ‪ ،‬و بهذا يبعد تطبيق قاعدة " الحيازة في المنقول سند الملكية " فيعفى من إثبات ملكيته‬
‫للمال موضوع العقد ‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫خصوصية عقد االعتماد اإليجاري من حيث عناصر العقد‬
‫اعتبر المشرع الجزائري عقد االعتماد اإليجاري ذو طبيعة خاصة و هذا يظهر حتى في‬
‫عناصره العقدية ‪ ،‬حيث أننا نلمس تراجع لمبدأ سلطان اإلرادة منذ بداية تكوين العقد ‪ ،‬فالمؤجر‬
‫التمويلي يتمتع بضمانات ال نجدها في عقد اإليجار العادي كما له هيمنة ملحوظة في انفراده بالقيام‬
‫بأساسيات هذا العقد و تقديمها إلى المستأجر التمويلي ‪ ،‬و ما على هذا األخير إال قبولها ‪.‬‬
‫الفرع األول‬
‫األجرة تخالف القواعد العامة في بدالت اإليجار‬
‫يتعدى عنصر األجرة في عقد االعتماد اإليجاري حدود القواعد العامة لإليجار‪ ،‬كما ال تترك‬

‫‪ -101‬المادة ‪ 2‬من المرسوم التنفيذي رقم ‪ ، 90/06‬مؤرخ في ‪ 20‬فيفري ‪ ، 2006‬يحدد كيفيات إشهار عمليات االعتماد‬
‫اإليجاري لألصول المنقولة ‪ ،‬ج ر عدد ‪ ، 10‬صادر في ‪ 26‬فيفري ‪.2006‬‬
‫‪ -102‬أنظر المادة ‪ 3‬من المرسوم التنفيذي رقم ‪ ، 90/06‬مرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ - 103‬مرسوم تنفيذي رقم ‪ 91/06‬مؤرخ في ‪ 20‬فيفري ‪ ، 2006‬يحدد كيفيات إشهار عمليات االعتماد اإليجاري لألصول‬
‫غير المنقولة ‪ ،‬ج ر عدد ‪ ، 10‬صادر في ‪ 26‬فيفري ‪.2006‬‬
‫‪ -104‬بن بريح آمال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.136‬‬

‫‪25‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫لألطراف حرية االتفاق عليها ‪ ،‬فكيف إذن تكون كيفية تحديد مقدار هذه األجرة ؟ فهل تتطابق مع‬
‫أحكام الوفاء باألجرة في عقد اإليجار العادي ؟‬

‫أوال ‪ :‬ارتفاع بدالت اإليجار بما ال يتناسب مع االستمتاع الحقيقي باألصل المؤجر‬
‫تعتبر أقساط التأجير التمويلي على المستوى النظري أقساط إيجارية رغم أنه بالنظر إلى‬
‫طريقة حسابها فهي تستجيب لمعايير مختلفة تماما ‪ ،‬و عندما يدفع بارتفاع هذه األقساط مقارنة بتلك‬
‫التي نجدها في عقود اإليجار البسيطة يكون الرد بأنها تتطابق مع االستمتاع باألصل من جهة ‪ ،‬و‬
‫من جهة أخرى إمكان المستأجر التمويلي اقتناء ملكية األصل المؤجر في نهاية مدة اإليجار‪، 105‬‬
‫لكن بالنظر إلى نص المادة ‪ 14‬من األمر رقم ‪ 09/96‬فقد نصت صراحة على العناصر الداخلة في‬
‫ا ألجرة ‪ ،‬فهي على أساس معايير مالية بحتة فمبلغ اإليجارات التي يجب على المستأجر التمويلي‬
‫دفعها تتضمن ‪* :‬سعر شراء األصل المؤجر مقسما إلى مستحقات متساوية المبلغ ‪ ،‬تضاف إليها‬
‫القيمة المتبقية التي يجب دفعها عند مزاولة الخيار بالشراء ‪.‬‬
‫*أعباء استغالل المؤجر المتصلة باألصل موضوع العقد ‪.‬‬
‫*هامش يطابق األرباح أو الفوائد المكافئة للمخاطر على القرض ‪ ،‬و الموارد‬
‫الثابتة المخصصة الحتياجات عملية االعتماد اإليجاري‪. 106‬‬
‫و نستخلص من كل هذه العناصر أن تحديد هذه األقساط على أساس اعتبارات مالية هو‬
‫السترداد مبلغ االستثمار كامال خالل فترة استغالل األصل المؤجر‪ ،‬و هذا ما يؤسسه الفكر المالي‬
‫على فكرة مفادها أن " اآللة تدفع تكاليفها من عوائد استخدامها "‪ ، 107‬من هنا نصبح في غنى عن‬
‫البرهنة على الطبيعة الباهظة لبدالت اإليجار في التأجير التمويلي ‪ ،‬مقارنة بثمن اقتناء األصل و‬
‫الخدمة التمويلية المأخوذة بعين االعتبار‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المستأجر التمويلي يقوم بأداء الجزء الكبير من الثمن قبل تسلم األصل المؤجر‬
‫تنص المادة ‪ 32‬من األمر رقم ‪ 09/96‬على أنه ‪" :‬يجب على المستأجر أن يدفع للمؤجر حق‬
‫االنتفاع باألصل المؤجر ‪ ،‬و في التواريخ المتفق عليها ‪ ،‬المبالغ المحددة كإيجارات في عقد‬
‫االعتماد اإليجاري " حيث أن المستأجر التمويلي يلتزم بالوفاء باألجرة عند تمكين المؤجر‬
‫التمويلي له من االنتفاع باألصل المؤجر‪ ،‬الذي يتم بدوره منذ إبرام العقد ‪ ،‬و في التاريخ المتفق‬
‫عليه و هو أيضا تطبيقا لنص المادة ‪ 1/489‬من التقنين المدني الجزائري‪.108‬‬
‫نالحظ أن مفهوم االئتمان يقتضي الفصل بين الطرفين ‪ ،‬مانح االئتمان و متلقي االئتمان ‪،‬‬
‫لكن بالنظر إلى ما يقتضي به عقد االعتماد اإليجاري فيعتبر خروج عما هو مستقر عليه في‬

‫‪ - 105‬فخري رياض ‪ "،‬التوازن العقدي بين الواقع و النظرية في عقد التأجير التمويلي " ‪ ،‬مجلة فصلية تصدرها هيئة‬
‫المحامين بأكادير ‪ ،‬عدد ‪ ، 10‬المغرب ‪ ، 2000 ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪ -106‬أنظر المادة ‪ 14‬من األمر رقم ‪ ، 09/96‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -107‬مصطفى رشدي شيحة ‪ ،‬النقود و المصارف و االئتمان ‪ ،‬دار الجامعة الجديدة للنشر ‪ ،‬مصر ‪ ، 1999 ،‬ص ‪.323‬‬
‫‪ -108‬والتي تنص على ‪ " :‬يجب على المستأجر أن يقوم بدفع ثمن اإليجار في المواعيد المتفق عليها ‪ ،‬فإذا لم يكن هناك‬
‫اتفاق وجب الوفاء باألجرة في المواعيد المعمول بها في الجهة "‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫عمليات منح االئتمان بوجه عام ‪ ،‬إذ ال يلتزم المؤتمن برد أصل الدين و الوفاء بالفوائد التي قد‬
‫تكون مقررة إال في نهاية مدة االئتمان‪ ،109‬و يسود المبدأ ذاته في فرض بناء العقار أي استحقاق‬
‫أول قسط لألجرة من تاريخ تسلم العقار‪ ،‬إال أن المؤجر التمويلي في عقد االعتماد اإليجاري يمكن‬
‫أن يستحق القيمة اإليجارية المتفق عليها و لو لم ينتفع المستأجر التمويلي باألصل محل العقد شرط‬
‫أن ال يكون عدم االنتفاع راجع إلى المؤجر التمويلي ‪ ، 110‬و دفع األجرة يكون في أقساط يحددها‬
‫العقد تكون بالشهر أو بالسنة ‪ ،‬فيكون التحديد وفق نمطين ‪ ،‬إما نمط متناقص أو نمط خطي‪. 111‬‬
‫نستنتج أن المؤجر التمويلي يستخدم سلطته في إعداد كل هذه المعايير المتعلقة باألجرة و‬
‫لهذا فهو يخدم مصالحه ‪ ،‬خاصة عند النظر إلى تحديد األجرة بالنمط المتناقص فهو يشكل احتياطا‬
‫من خطر إفالس أو إعسار المستأجر التمويلي ‪ ،‬ذلك بأنه يدفع قيمة اإليجارات األولية و الكبيرة‬
‫عند استالمه األصل ‪ ،‬مما يسمح له من استعادة أكبر رأسماله المستثمر بسرعة ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬المستأجر التمويلي يقدم ضمانات عديدة للمؤجر التمويلي‬


‫تلعب الملكية ضمان جوهري هام بيد المؤجر التمويلي ضد مخاطر إعسار المستفيد ‪، 112‬‬
‫لكنه يطلب من المستأجر التمويلي تقديم ضمانات أخرى عديدة و متعددة للوفاء باألجرة حماية‬
‫ألمواله ‪ ،‬حيث أتى في نص المادة ‪ 1/17‬من األمر ‪ 09/96‬السالف الذكر على أنه ‪... " :‬التزام‬
‫المستأجر بمنح المؤجر ضمانات أو تأمينات عينية أو فردية " ‪ ،‬فقد أجاز المشرع الجزائري تقديم‬
‫تأمينات عينية من أجل ضمان بدالت اإليجار ‪ ،‬و يقصد بها تخصيص مال معين مملوك للمستأجر‬
‫التمويلي أو غيره لضمان الوفاء بمبالغ اإليجار‪ ، 113‬و هو يثقل كاهله نظرا لما يتطلبه من إجراءات‬
‫قانونية ‪ ،‬خاصة بالنسبة للرهون الحيازية نظرا لخروج المال المرهون من حيازته‪.114‬‬
‫كما تشترط أيضا على المستفيد تقديم كفيل يضمن الوفاء بالمبالغ التي تكون مستحقة لها‪،115‬‬
‫وأكثر من ذلك تشترط تقديم شخص محدد يقبل كفالة المستفيد ‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫‪-RIVES LANGUE-jean-louis et CANTAMINE –RAYAUND monique , Le droit bancaire, 6éme edition ,‬‬
‫‪Dalloz , Paris , 1995 , p 03 .‬‬
‫‪ -110‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -111‬حرة عماد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.37‬‬
‫‪ - 112‬عسالي عبد الكريم ‪ ،‬عقد االعتماد اإليجاري الدولي ‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم ‪ ،‬تخصص القانون ‪،‬‬
‫كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬جامعة مولود معمري ‪ ،‬تيزي وزو ‪ ، 2015 ،‬ص ‪.313‬‬
‫‪ -113‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫‪ -114‬سي يوسف حورية زاهية ‪ " ،‬التزامات المستأجر في عقد االعتماد اإليجاري " ‪ ،‬ملتقى وطني حول عقود األعمال و‬
‫دورها في تطوير االقتصاد الجزائري ‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬جامعة عبد الرحمان ميرة – بجاية ‪ ، -‬يومي ‪16‬‬
‫و ‪ 17‬ماي ‪ ، 2012‬ص ‪.320‬‬
‫‪ -115‬أنظر المواد ‪ 17‬ف ‪ 1‬و ‪ 28‬من األمر رقم ‪ ، 09/96‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫يتضح من كل هذا أن الكفالة تلعب دور مهم في ضمان دفع أقساط اإليجار للمؤجر التمويلي‬
‫رغم ما قد يتعرض له من مخاطر إفالس الكفيل ‪ ،‬و ما يتحمله المستأجر التمويلي مقابل ذلك من‬
‫مصا ريف من أجل الحصول على الكفالة ‪ ،‬إذن فالمؤجر التمويلي دائما يقي نفسه من أية خسارة‬
‫يمكن أن تنجم من عدم دفع المستأجر التمويلي األقساط ‪ ،‬بإحاطة نفسه من جميع النواحي بكم هائل‬
‫من الضمانات حتى فيما يخص وفاة المستأجر فهي تفرض عليه ضمانا إضافيا ‪ ،‬يتمثل في إبرام‬
‫عقد تأمين على حياته لمصلحة المؤجر التمويلي و هذا ما سنتطرق إليه في انقضاء عقد االعتماد‬
‫اإليجاري ‪.‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫عدم قابلية مدة اإليجار لإللغاء لضمان المؤجر التمويلي استرداد رأسماله‬
‫إن األسس التي تراعى في تحديد مدة العقد من الناحية القانونية تخضع لمبدأ حرية التعاقد ‪ ،‬إذ‬
‫يعود للمؤجر و المستأجر أن يتفقا على تحديد المدة التي يشاءان مادامت أنها ال تخالف النظام العام‬
‫و اآلداب العامة و األحكام القانونية‪.116‬‬
‫نصت المادة ‪ 1/12‬من األمر ‪ 09/96‬على ‪ " :‬يتم تحديد مدة اإليجار الموافقة للفترة غير‬
‫قابلة لإللغاء باتفاق مشترك بين األطراف " ‪ ،‬و لذالك ال يحق ألي من الطرفين إنهاء العقد قبل‬
‫انتهاء المدة ‪ ،‬و بهذا يلتزم المستأجر التمويلي بالوفاء بجميع األقساط المستحقة للمؤجر التمويلي‬
‫طوال مدة االنتفاع باألصول إلى غاية انقضاء العقد‪. 117‬‬
‫إن هذه الفترة التي تدعى " الفترة غير قابلة لإللغاء " تكون عادة مساوية للعمر االقتصادي‬
‫لألصل المؤجر‪ ،118‬فهي تكون ما بين مدة اإلهالك و مدة صالحية المال ‪ ،‬و لهذا فهي من مصلحة‬
‫طرفي العقد‪ ، 119‬أما من الناحية االقتصادية مدة العقد تختلف باختالف طبيعة األموال موضوع‬
‫العقد ‪ ،‬حيث يتم فيها مراعاة مدة استهالك اآلالت أو المعدات أو التجهيزات محل العقد و العمر‬
‫االفتراضي لها ‪ ،‬و تكون بداية مدة اإليجار من تاريخ تسليم اآلالت أو المعدات التي يقع عليها عقد‬
‫االعتماد اإليجاري للمستأجر التمويلي ‪ ،‬أما نهايته فهي تمتد حتى انقضاء المدة المحددة في العقد ‪،‬‬
‫أو انقضاء تاريخ انتهاء العمر االفتراضي الستهالك األموال موضوع العقد‪.120‬‬
‫يمكن استخالص أن الهدف من تقرير عدم القابلية لإللغاء ‪ ،‬ليست ضمانا النتفاع المستأجر‬
‫التمويلي باألصول خالل مدة محددة ‪ ،‬بقدر ما هو ضمان بالنسبة للمؤجر التمويلي لحصوله على‬
‫جميع األقساط من أجل استرداده لرأسماله المستثمر مع تغطية نفقاته و جزء من الربح و هذا ما‬
‫ذهب إليه د‪ .‬دويدار هاني محمد ‪.121‬‬

‫‪ - 116‬محمد عبد المقصود حسن داود ‪ ،‬الظوابط الشرعية و القانونية الختالف المؤجر و المستأجر ‪ ،‬دار الجامعة الجديدة‬
‫للنشر ‪ ،‬مصر ‪ ، 2000 ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪ -117‬عسالي عبد الكريم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.92‬‬
‫‪118‬‬
‫‪- SMAILI Nabila , Pratique du crédit-bail, analyse de la situation algérienne , Mémoire de magistère en‬‬
‫‪sciences économique , Faculté des sciences économique , de gestion et des sciences commerciales , Univ‬‬
‫‪mouloud-MAMMERI , Tizi- Ouzou , 2011- 2012 , P 30.‬‬
‫‪ -119‬نسير رفيق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.126‬‬
‫‪ -120‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 185‬و ‪.186‬‬
‫‪ -121‬دويدار هاني محمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.99‬‬

‫‪28‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫الفرع الثالث‬
‫االحتفاظ بملكية األصل المؤجر ضمان جوهري يتمتع به المؤجر التمويلي‬
‫إن خصوصية عناصر عقد االعتماد اإليجاري تظهر جليا من ناحية الضمانات التي منحت‬
‫للمؤجر التمويلي و هو العنصر الجوهري الذي ال نجده في العقود التقليدية األخرى‪ ، 122‬حيث أن‬
‫ملكية األموال محل العقد تبقى للمؤجر التمويلي طوال مدة العقد ‪ ،‬بل حتى بعد انقضاء العقد إن لم‬
‫يختار المستأجر التمويلي شراء األصل‪ ، 123‬هذا ما يعني أن المؤجر التمويلي بإمكانه استرداد المال‬
‫المؤجر من أي حائز كان ‪ ،‬حيث أن القانون التجاري يعتد بالظاهر لذلك فما يوجد في حيازة التاجر‬
‫يعتبر ملكه ‪ ،‬خاصة السلع و المواد األولية ‪ ،‬أين يوحي إلى الغير أن المنقول ملك للمستأجر إذا‬
‫تصرف فيه ‪ ،‬لكن هذا االحتفاظ بالملكية يحمي المؤجر التمويلي من كل هذه اإلشكاالت و يمكنه من‬
‫استرداد أمواله من أي حائز كان و لو كان حسن النية ‪ ،‬فهو مضمون بأقوى الحقوق العينية "حق‬
‫الملكية " ‪ ،‬دون إغفال أن هذا االحتجاج يتطلب إشهار العقد حماية للمؤجر التمويلي لنفاذ حقه في‬
‫الملكية في مواجهة الكافة ‪ ،‬خاصة تلك الواردة على المنقول‪.124‬‬
‫تنص عادة عقود االعتماد اإليجاري من أجل ضمان فعالية حق الملكية ‪ ،‬التزام المستأجر‬
‫التمويلي بضمان احترام ملكية المؤجر التمويلي لألصل باتخاذ جميع اإلجراءات التي تحول دون‬
‫التهديد بهذا الحق ‪ ،‬و هذا على نفقته و تحت مسؤوليته ‪.‬‬
‫و يظهر هذا في حالة الحجز أو الرهن على األصل المؤجر بمايلي ‪:‬‬
‫إذا كان الحجز من طرف دائن المستأجر التمويلي ‪ ،‬فيجب على هذا األخير إخطار المؤجر‬
‫التمويلي فورا بهذا الحجز أيا كان نوعه باستبعاد العقار ‪ ،‬فال يعقل توقيع الحجز على عقار من‬
‫دائني المستأجر التمويلي ‪ ،‬إضافة إلى اإلخطار يتوجب على هذا األخير اتخاذ اإلجراءات القانونية‬
‫لمنعه‪. 125‬‬

‫يمكن أن يكون توقيع الحجز أيضا بناءا على طلب دائن المؤجر التمويلي ‪ ،‬فهنا الحاجز‬
‫يوقع حجزا على مال مملوك لمدينه ‪ ،‬ففي هذه الحالة إذا كان المال منقول فيكون الحجز تحفظيا ‪ ،‬و‬
‫يكون بموجب عريضة مقدمة من الدائن الحاجز إلى القاضي المختص إلصدار أمر بالحجز‪ ،‬فهنا‬
‫يلتزم المستأجر التمويلي بإخطار المؤجر التمويلي بمجرد إعالنه به و بكل البيانات و المستندات‬
‫الضرورية التي قدمها للمحضر القضائي الذي قام بعملية الحجز‪.126‬‬

‫و يتحمل المستفيد التزامات خاصة في حالة كون األصل عقار‪ ،‬إذ يتم مباشرة إعالن المؤجر‬
‫التمويلي بأمر توقيع الحجز ثم التأشير بذلك في هامش قيد العقار ‪ ،‬و ال يقتضي األمر أي تدخل من‬
‫‪122‬‬
‫‪- DALI Youcef samia , Le financement par le leasing :Un nouveau moyen d’aide au développement de la‬‬
‫‪PME en Algérie , Mémoire de magister en management , Faculté des sciences économiques , de gestion et‬‬
‫‪sciences commerciales , Option finance , Univ D’oran , 2010- 2011 , P 55 .‬‬
‫‪ -123‬بلعاوي صفاء عمر خالد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫‪ -124‬عسالي عبد الكريم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫‪ -125‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.75‬‬
‫‪ -126‬دويدار هاني محمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.426‬‬

‫‪29‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫المستأجر التمويلي‪ ، 127‬أما في حالة تصرف المستأجر التمويلي في المحل التجاري ‪ ،‬حيث يرد‬
‫عقد االعتماد اإليجاري على معدات إنتاجية أو عقارات مخصصة ألغراض إمتهانية فتشغل في‬
‫المحل التجاري أين يمارس نشاطه ‪ ،‬حيث يوحي هذا الوضع بأنها مملوكة له و هذا ما يهدد أمالك‬
‫المؤجر التمويلي فهذا ما جعله يوقع التزامات على عاتق المستأجر التمويلي عند احتمال بيع أو‬
‫رهن المحل ‪ ،‬و هذا االلتزام يتمثل في إعالم الغير بعدم امتالكه لها‪ ،128‬إال في حالة ترخيص من‬
‫المؤجر التمويلي ‪ ،‬و في حالة إخالله بهذا االلتزام فهو يتابع جزائيا بجريمة خيانة األمانة ‪ ،‬و هذا‬
‫ما سوف نتطرق إليه في مرحلة انقضاء هذا العقد ‪ .‬أما في مجال العقار فال يدخل العقار ضمن‬
‫عناصر المحل التجاري و بالتالي ال يمكن أن يشمله البيع أو الرهن ‪ ،‬كما أن أحكام الشهر تحول‬
‫دون وقوع الغير في غلط حول ملكية المستفيد‪. 129‬‬
‫أما عن الرهن فإذا كان المال المؤجر منقول فيجوز للمؤجر التمويلي رهنه لمصلحة دائنيه‬
‫لما له من حرية كاملة في التصرف في العين باعتباره مالكها ‪ ،‬و هذا ما تأكده أحكام المادة ‪ 27‬من‬
‫األمر رقم ‪ 09/96‬سالف الذكر التي تنص على أن ‪ " :‬اليقبل حق ملكية األصل المؤجر أي تقييد أو‬
‫تحديد من أي نوع كان بسبب استعماله من قبل المستأجر أو بسبب أن العقد يسمح للمستأجر‬
‫بالتصرف ‪ ،‬بصفته وكيل المالك ‪ ،‬في العمليات القانونية و التجارية مع الغير و المرتبطة بعملية‬
‫االعتماد اإليجاري " ‪ ،‬فالمؤجر يشترط على أنه من حقه رهن المنقول و تعيين الشخص المستفيد‬
‫في تسلم المنقول المرهون رهنا حيازيا‪ ، 130‬فالمادة تشير بشكل صريح إلى حرية المؤجر التمويلي‬
‫في التصرف في ملكية األصل ‪ ،‬و عدم تقييد هذا الحق بأي قيد مهما كان سببه‪ ،‬حتى لو كان بحجة‬
‫استعماله من المستأجر التمويلي أو بسبب كون العقد يسمح له بالتصرف فيه بصفته وكيل المالك في‬
‫العمليات القانونية و التجارية مع الغير و التي تكون مرتبطة بعملية االعتماد اإليجاري‪.‬‬
‫يمكن للمؤجر التمويلي رهن المال المؤجر إذا كان عقارا طبقا ألحكام الرهن الرسمي الذي ال‬
‫يشترط فيه انتقال الحيازة ‪ ،131‬كما يمكن له رهن دين األجرة لما كان المؤجر دائن تجاه المستأجر‬
‫بها ‪ ،‬لكن يتعين عليه إخطار المستأجر التمويلي بالرهن لكي يكون نافذا في مواجهة الغير‪.132‬‬

‫نستخلص أن كل هذه االلتزامات الملقاة على عاتق المستأجر التمويلي هي من أجل ضمان‬

‫‪ -127‬في مجال العقار ال يمكن توقيع الحجز من قبل دائني المستفيد إذ تكفل أحكام الشهر العقاري بيان الشخص مالك العقار‬
‫أي شركة التأجير التمويلي مما يرتب بطالن كل حجز يطالب أحد دائني المستفيد توقيعه ‪ ،‬راجع في ذلك دويدار هاني محمد‬
‫‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.427‬‬

‫‪ - 128‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.78‬‬


‫‪ - 129‬للمزيد من التفاصيل راجع ‪ :‬دويدار هاني محمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 432‬و ‪.433‬‬
‫‪ - 130‬يصعب تصور إخضاع المنقول لنظام رهن ال يعتد أصال بالحيازة ‪ ،‬فلو جاز رهن المنقول مع احتفاظ الراهن بحيازته‬
‫لتعرض حق الدائن المرتهن لخطر حقيقي ‪ ،‬إذ يستطيع الراهن إخفاء المنقول أو نقل حيازته و التصرف فيه إلى شخص‬
‫آخر حسن النية ال يستطيع الدائن المرتهن أن يحتج بحقه في الرهن في مواجهته‪.‬‬
‫‪ -131‬يعرف هذا الرهن على أنه عقد يكسب به الدائن حقا عينيا على العقار لوفاء دينه ‪ ،‬ويكون له بمقتضاه أن يتقدم على‬
‫الدائنين التاليين في استفاء حقه من ثمن ذلك العقار‪ ،‬هذا وفقا للمادة ‪ 882‬من األمر رقم ‪ ، 58/75‬يتضمن ق م ج‪ ،‬مرجع‬
‫سابق ‪.‬‬
‫‪ - 132‬دويدار هاني محمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.440‬‬

‫‪30‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل األول‬

‫أكبر و أكثر للضمان المتاح للمؤجر التمويلي ‪ ،‬و هو فعالية حق الملكية لعدم مزاحمة أي طرف في‬
‫األصل المؤجر‪ ،‬و تفادي اآلثار السلبية عن هذا الوضع ‪ ،‬في حين قد أغفل المشرع الخطر الحقيقي‬
‫في حالة التنفيذ على العقار الذي سوف يلحق المستأجر التمويلي ‪ ،‬الذي كان بإمكانه تملك األصل‬
‫في نهاية العقد إذا تعرض المؤجر التمويلي لإلفالس أو التسوية القضائية ‪ ،‬بما أن جماعة الدائنين‬
‫تسترد األصل المؤجر حتى و لو اقترب العقد من انقضاء مدته إذ يكون المستأجر التمويلي قد دفع‬
‫معظم أقساط األجرة المستحقة ‪.‬‬
‫و في األخير بعد تفحصنا إلجراءات مرحلة إبرام عقد االعتماد اإليجاري فنلمس أن طريقة‬
‫إبرامه ال تكون باشتراك إرادة الطرفين معا بل شركات االعتماد اإليجاري تهيمن على المضمون‬
‫االتفاقي للعقد ‪ ،‬فتحدده على ضوء مصالحها لوحدها حتى و لو كان ذلك على حساب المستأجر‬
‫التمويلي ‪ ،‬و هذا راجع إلى الطبيعة القانونية الخاصة لهذا العقد و كذا أركانه و خصائصه الفريدة و‬
‫المتميزة أين يكون فيها كل ركن ذو طابع خاص به ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫رأينا فيما سبق كيف يكون انتهاك الحرية التعاقدية في مرحلة تكوين العقد و حتى قبل تكوينه‬
‫من جهة المؤجر التمويلي ‪ ،‬حيث أنه يهيمن على العقد بصياغته لبنود تعمد على خلق عدم‬
‫التوازن في شروط و عناصر العقد فيلجأ إلى تطبيق مبدأ سلطان اإلرادة لصالحه ‪ ،‬لكن هذا‬
‫االنتهاك ال يتوقف هنا فحسب ‪ ،‬بل يصل إلى أبعد من ذلك آثار انعقاد هذا العقد فلها خصوصية‬
‫عما هو مقرر في القواعد العامة لعقود اإليجار ‪ ،‬حيث أن المؤجر التمويلي نجده يرفع أكبر قدر‬
‫ممكن من المسؤولية عنه ‪ ،‬ليتحملها بعد ذلك الطرف اآلخر أال و هو المستأجر التمويلي ‪ ،‬فقد‬
‫ساهم في ذلك الطابع المكمل لمعظم قواعد عقد االعتماد اإليجاري أو باألحرى تلك المتعلقة‬
‫بالتزامات المؤجر التمويلي ‪ ،‬و الطابع اآلمر للقواعد كلما تعلقت بالتزامات المستأجر التمويلي ‪ ،‬و‬
‫هذا مل جعل هذا المؤجر التمويلي يغتنم الفرصة مقابل المزايا التي يبحث عنها المستأجر التمويلي‬
‫في هذا العقد ‪ ،‬فيحمله مجموعة من االلتزامات التي تشكل أعباء ثقيلة عليه تتطلبها الطبيعة‬
‫الخاصة للعقد ( المبحث األول ) ‪.‬‬
‫كما أن القواعد العامة تمنح الطرفين الحق في فسخ العقد كلما أخل الطرف اآلخر‬
‫بااللتزامات المفروضة عليه ‪ ،‬إال أن المؤجر في عقد االعتماد اإليجاري يعمل دائما على التضييق‬
‫من الحق المخول للمستأجر التمويلي و توسيع حقه بالمقابل في الفسخ و هو ما يخل بتوازن‬
‫االلتزامات فيه ( المبحث الثاني ) ‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث األول‬
‫صياغة حقوق والتزامات األطراف بين القواعد اآلمرة و المكملة‬
‫جاءت أحكام األمر رقم ‪ 96/69‬سالف الذكر تجسد بشكل صريح اختالل التوازن في حقوق‬
‫و التزامات كل من المؤجر التمويلي و المستأجر التمويلي ‪ ،‬و هذا ما يبين عدم التكافؤ بين‬
‫مصالح أطرافه و المعاملة التفضيلية للطرف الممول أي لمصلحة المؤجر التمويلي ‪ ،‬فنجد القواعد‬
‫المتعلقة بحقوقه و كذا واجبات المستأجر التمويلي تكتسي الصياغة اآلمرة ‪ ،‬و هذا ما يستبعد‬
‫االتفاق على مخالفتها ‪ ،‬بينما تكتسي االلتزامات الملقاة على عاتقه بدلة القواعد المكملة و هذا‬
‫بالطبع ما يعطيه إمكانية إعفاء نفسه منها ‪ ،‬و نقلها إلى المستأجر التمويلي ‪ ،‬و بهذا يظهر‬
‫االنتكاس الفادح لمبدأ سلطان اإلرادة فيما يخص هذه اآلثار ‪ ،‬و ينفرد هذا المبدأ بيد طرف واحد و‬
‫هو المؤجر التمويلي ‪.‬‬
‫المطلب األول‬
‫الصياغة اآلمرة للقواعد تجعل االتفاق على مخالفتها مستبعدا‬
‫استعمل المشرع الجزائري في األمر رقم ‪ 96/69‬القواعد اآلمرة في كل مرة ينص فيها على‬
‫حقوق المؤجر التمويلي و هذا الستبعاد االتفاق على مخالفتها ‪ ،‬و على بعض الحقوق الخاصة‬
‫بالمستأجر التمويلي التي منحها له بصفة آمرة و هذا ضمانا لعدم المساس بها ‪ ،‬و لو أنه بالتمعن‬
‫فيه نجده يخدم مصلحة المؤجر التمويلي ‪.‬‬
‫الفرع األول‬
‫التمويل التزام رئيسي على المؤجر التمويلي‬
‫تؤكد جل التشريعات أن االعتماد اإليجاري عملية مالية و تجارية ‪ ، 133‬و لهذا قد احتفظ‬
‫المؤجر التمويلي في عقد االعتماد اإليجاري بالتزام واحد ال غير و هو دفع الثمن عدى ذلك فهو‬
‫ويختفي تماما و ال يظهر في باقي االلتزامات الملقاة عليه ‪.‬‬

‫‪ -133‬فياللي بومدين ‪ ،‬إشكالية تمويل المشروعات االقتصادية في الوطن العربي ‪ ،‬منتديات وادي العرب الجزائري ‪ ،‬متوافر‬
‫‪WWW.WADILARAB.COM‬‬ ‫على الموقع االلكتروني ‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أوال ‪ :‬التكييف القانوني لاللتزام بالتمويل‬


‫يوصف عقد االعتماد اإليجاري بأنه عقد ذو طابع مالي ‪ ،‬حيث يقوم فيه المؤجر التمويلي‬
‫بشراء األصل الذي طلب منه من طرف المستأجر التمويلي و يقوم بتأجيره لهذا األخير مقابل‬
‫الحصول على أقساط إيجار‪ ،134‬فيظهر من هنا أن دور المؤجر التمويلي يقتصر في دفع ثمن‬
‫كما سنرى الحقا في عملية التسليم ‪ ،‬و هذا‬ ‫‪،135‬‬
‫األصل المؤجر دون التدخل في الجوانب الفنية‬
‫مخالف ألهم قاعدة في التمويل اإلسالمي و التي تنص على أال بد من التملك إذ كل عملية‬
‫تمويلية البد أن تمر من خالل السلع و الخدمات ‪ ،‬و الذي هو تمويل لمشروعات إنتاجية بطبيعته‪،‬‬
‫ألنه ال يمكن فيه إال تقاسم األرباح ‪ ،‬و لهذه القاعدة أهمية كبيرة ألنها تقوم على عدم السماح‬
‫‪136‬‬
‫‪.‬‬ ‫بالتمويل النقدي المحض‬
‫يتضمن عقد االعتماد اإليجاري وعد ملزم لجانبين بالتأجير‪ ،‬و لكي يتمكن المؤجر التمويلي‬
‫من تحقيق التزامه ينبغي توافر السند القانوني لتمكين المستأجر التمويلي من االنتفاع ‪ ،‬و هذا‬
‫‪137‬‬
‫‪.‬‬ ‫األمر ال يتم إال بدفع المؤجر التمويلي لثمن تملك األصل المؤجر و تنفيذ التزاماته بالتمويل‬
‫تظهر خصوصية عقد االعتماد اإليجاري من حيث أن المؤجر التمويلي ال يملك األصل‬
‫محل العقد بل يقوم بشرائه و خصوصية هذه العملية أيضا –الشراء‪ -‬كون المستأجر التمويلي‬
‫يقوم بها نيابة عن المؤجر التمويلي‪.138‬‬

‫‪ -134‬بلهامل هشام ‪ ،‬آثار عقد االعتماد اإليجاري في التشريع الجزائري ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون ‪،‬‬
‫تخصص قانون األعمال ‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬جامعة ‪ 09‬أوت ‪ ، 5661‬سكيكدة ‪ ، 0952 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -135‬ناصيف إلياس ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪ -136‬عثمان العيسى ‪ ،‬تمويل بنكهة الليزنغ ‪ ،‬مجلة الرياض ‪ ،‬عدد ‪ ، 52701‬متوافر على الموقع االلكتروني ‪:‬‬
‫‪WWW.ALRIYADH.COM‬‬
‫‪ -137‬حرة عماد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪ -138‬بن صغير مراد ‪ " ،‬عقد التأجير التمويلي في القانون الجزائري مقارنا باإليجار المنتهي بالتمليك في الفقه اإلسالمي‬
‫(دراسة علمية تأصيلية مقارنة)"‪ ،‬مداخلة ملقاة في الملتقى الوطني حول عقود األعمال و دورها في تطوير االقتصاد‬
‫الجزائري ‪ ،‬جامعة عبد الرحمان ميرة بجاية ‪ ،‬يومي ‪ 59‬و ‪ 57‬ماي ‪ ، 0950‬ص ‪.027‬‬

‫‪47‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ثانيا ‪ :‬إشكالية رفض المؤجر التمويلي القيام بالتمويل‬

‫يرتب هذا الرفض أض ار ار على طرفي العقد أو أحدهما على األقل فوجب التمييز بين فرضين‬
‫و هما ‪:‬‬

‫‪-1‬رفض التمويل بعد إبرام عقد االعتماد اإليجاري ‪:‬‬

‫إن المؤجر التمويلي مسؤول تجاه المستأجر التمويلي جراء رفضه التمويل بعد ابرام العقد‬
‫بناءا على أحكام المسؤولية العقدية و هذا راجع لإلخالل بالتزامه العقدي ‪ ،‬و التزامه التزام بتحقيق‬
‫نتيجة ‪ ،‬فإذا رفض التمويل يكفي أن يثبت المستأجر التمويلي عدم تحقق الغاية المطلوبة ليسأل‬
‫‪139‬‬
‫‪ ،‬و هذا حسب‬ ‫عقديا و ال يمكن له دفع المسؤولية عن نفسه إال إذا كان راجع لسبب أجنبي‬
‫المادة ‪ 797‬من القانون المدني الجزائري ‪ ،140‬و ال يكون المؤجر التمويلي مسؤول أمام المستأجر‬
‫‪141‬‬
‫إذا كان قد وافق عليه أو فوض إلى المستأجر الموافقة‬ ‫التمويلي فحسب بل أيضا تجاه البائع‬
‫‪142‬‬
‫‪ ،‬لكن يبقى من الناحية الواقعية يصعب تصور هذه الحالة‬ ‫عليه و إبرامه بالوكالة عنه مع البائع‬
‫أي حالة رفض التمويل بالنظر إلى الكيفية التي يتم بها ابرام عقد االعتماد اإليجاري و جل‬
‫المراحل التي يسلكها الطرفان في ذلك ‪.‬‬
‫‪ -2‬رفض التمويل قبل ابرام عقد االعتماد اإليجاري ‪:‬‬
‫يتمتع المؤجر التمويلي في هذه الحالة بكامل الحرية في رفض التمويل مادام أنه لم يقم بعد‬
‫بأي تعهد تجاه المستأجر التمويلي بأي التزام معين ‪ ،‬حيث أنه يقوم أوال بتقدير مصلحته في‬
‫التعاقد من عدمها نظ ار لخبرته في هذا الميدان ‪ ،‬فإذا شعر أن طالب التمويل ال يتمتع بالضمانات‬

‫‪ -139‬بلهامل هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.11‬‬


‫‪ -140‬و التي تنص على ‪ " :‬ينقضي االلتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيال عليه لسبب أجنبي عن إرادته"‬
‫‪ -‬ناصيف الياس ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.099‬‬ ‫‪141‬‬

‫‪ -142‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.092‬‬

‫‪48‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الكافية التي يشترط يمكن له الرفض‪ ، 143‬فال يمكن مسائلة المؤجر التمويلي عن رفض التمويل قبل‬
‫ابرام العقد و إن كان مرخص للقيام بذلك ‪ ،‬فهو األدرى بمصلحته و هو صاحب السلطة في ذلك‬
‫فهو حر في التمويل من عدمه ‪.‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫خيار الشراء وعد بالبيع من جانب واحد‬
‫لقد ألزم األمر ‪ 96/69‬المؤجر التمويلي أن ينص صراحة في عقود االعتماد اإليجاري على‬
‫‪ ،‬لكن ال يتم إال إذا أوفى المستأجر‬ ‫‪144‬‬
‫هذا االلتزام و هو من العناصر التي تكون أصالة للعقد‬
‫التمويلي بكافة التزاماته‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬إعمال خيار الشراء فيه مصلحة للطرفين‬

‫يحتفظ المؤجر التمويلي بملكية المال محل العقد طوال مدة العقد كما رأينا سالفا و هذا طبعا‬
‫‪145‬‬
‫‪ ،‬و إذا ما أعمل المستأجر التمويلي خيار شراء المال يصبح على عاتق‬ ‫على سبيل الضمان‬
‫المؤجر التمويلي واجب نقل ملكية محل العقد‪.146‬‬
‫نالحظ أن انتقال الملكية للمستأجر التمويلي بعد انقضاء العقد تمثل مصلحة لطرفين معا‬
‫فبالنسبة للمستأجر التمويلي الذي تكبد أعباء مالية باهظة مقابل تمويل المؤجر التمويلي ‪ ،‬يستطيع‬
‫في األخير تملك المعدات بثمن يمثل القيمة المحاسبية لألصل و هو يقل من القيمة السوقية له‬
‫وقت تملك المستفيد له ‪ ،‬أما من جهة أخرى المؤجر التمويلي بعد استرداده لكامل حقوقه المالية‬
‫يتخلص من كل هذه المعدات المستهلكة بعد انتهاء عمرها االفتراضي و انخفاض قيمتها و‬
‫يتخلص من عناء التصرف فيها من خالل بيعها إلى شخص آخر و إعادة تأجيرها‪ ، 147‬حيث أنه‬

‫‪ -143‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.092‬‬


‫‪ -144‬المادة ‪ 55‬من األمر رقم ‪ ، 96/69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -145‬المواد ‪ 1‬و ‪ 6‬و ‪ 55‬من األمر رقم ‪ ، 96/69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -146‬بلهامل هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪ -147‬بلعاوي صفاء عمر خالد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.551‬‬

‫‪49‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ال جدوى من رجوع األصل إليه فهو يجد صعوبة إما في إيجاره مرة أخرى ‪ ،‬أو بيعه خاصة إذا ما‬
‫أهلكه استعمال المستأجر التمويلي له فنجده يخدم مصلحته ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬ارتباط خيار الشراء للمستأجر التمويلي بتنفيذه كافة التزاماته‬
‫يسعى دائما المؤجر التمويلي إلى استرداد الرأسمال الذي استثمره في العملية التمويلية ‪،‬‬
‫مضافا إليه هامش ربحه ‪ ،‬و لهذا فإن نقل الملكية للمستأجر التمويلي ال يتم إال إذا أوفى بجميع‬
‫االلتزامات التي يلقيها العقد على عاتقه حيث أن اإلخالل بها يفضي إلى فسخ العقد في أغلب‬
‫‪149‬‬ ‫‪148‬‬
‫و يتم تحديده عادة بشكل‬ ‫‪ ،‬و من أهم هذه االلتزامات هي دفع ثمن األصل المؤجر‬ ‫األحيان‬
‫مسبق أو يتم االتفاق على األقل على األسس التي يتم بناء عليها تحديد الثمن ‪ ،‬و هذا لتسهيل‬
‫‪150‬‬
‫‪.‬‬ ‫عملية القاضي في حال نشوب نزاع بين الطرفين عليه‬
‫و إذا قرر المستأجر التمويلي خيار شراء األصل المؤجر وجب عليه أن يوجه رسالة‬
‫مضمونة الوصول إلى المؤجر التمويلي خالل ‪ 51‬يوم على األقل قبل التاريخ المتفق عليه في‬
‫العقد‪ ،151‬و الغرض منه اإلعالن عن رغبته أو نيته في الشراء من عدمها حتى يتخذ ق ارره من‬
‫جهة‪ ،‬و عدم ترك المؤجر التمويلي في حالة انتظار لمدة طويلة وهذا حسب رأي د‪.‬عسالي عبد‬
‫الكريم‪.152‬‬
‫الفرع الثالث‬

‫المؤجر التمويلي يقوم بالتفتيش و الرقابة لمعاينة وضعية األصل المؤجر‬

‫ألزم المشرع الجزائري المستأجر التمويلي تمكين المؤجر التمويلي الدخول إلى األماكن التي‬

‫‪ -148‬بلهامل هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.91‬‬


‫‪149‬‬
‫‪- BLADEL Amina , Le crédit-bail une alternative de financement des entreprises en Algérie , Mémoire en‬‬
‫‪vue de l’obtention du diplôme de magister en sciences économique, Option –monnaie-finance-banque , Faculté‬‬
‫‪des sciences économiques , commerciales et sciences de gestion , Univé mouloud-MAMMERI , Tizi-Ouzou ,‬‬
‫‪2011 , P 105 .‬‬
‫‪ -150‬ناصيف الياس ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.799‬‬
‫‪ -151‬المادة ‪ 21‬من األمر ‪ ، 96/69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -152‬عسالي عبد الكريم ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.77‬‬

‫‪50‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يتم فيها استغالل األصل المؤجر ‪ ،‬في أي وقت دون أي اعتراض ‪ ،‬من أجل القيام بأي تفتيش أو‬
‫‪153‬‬
‫فضال عن هذا فهو ملزم أيضا بإعالم المؤجر‬ ‫رقابة يراها ضرورية لمعاينة األصل المؤجر‬
‫‪ ،‬و أن ال يقوم بأي عمل دون التعاون مع‬ ‫‪154‬‬
‫التمويلي بكل عطل أو هالك يمس األصل المؤجر‬
‫المؤجر التمويلي ‪ ،‬على الرغم من أنها ال يتحكم بالمسائل التكنولوجية التي يفترض أن يكون‬
‫المستأجر التمويلي هو المتحكم فيها ‪.‬‬

‫يجب على كل حال أن تكون عالقة ثقة بين الطرفين فيما يتعلق بالحفاظ على األصل‬
‫المؤجر مبنية على التعاون و التكاثف ‪ ،‬من أجل القيام بأي إجراء من شأنه المحافظة على‬
‫األصل‪ ، 155‬فضال عن ما تم ذكره آنفا فيما يخص الحجز و الرهن المقررين لمصلحة المؤجر‬
‫التمويلي ‪ ،‬مع حق الملكية المضمون له في مواجهة الغير الوارد بصيغة آمرة الستبعاد شك‬
‫المساس بالمال ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫إعمال المؤجر التمويلي لمبدأ سلطان اإلرادة لالتفاق على مخالفة القواعد المكملة‬
‫رأينا حقوق المؤجر التمويلي التي تكون في مرتبة عالية جدا حيث ال يمكن المساس بها ال‬
‫بالتعديل أو اإلعفاء ‪ ،‬حيث أعطى لها األمر رقم ‪ 96/69‬الصياغة اآلمرة لضمان عدم االتفاق‬
‫على مخالفتها ‪ ،‬فعند قولنا "حقوق المؤجر التمويلي " دون ذكر بعض حقوق المستأجر التمويلي‬
‫التي أتت بصيغة آمرة ‪ ،‬فقد تعمدنا ذلك حيث أنها في آخر المطاف مصالح للمؤجر التمويلي في‬
‫نفس الوقت فال بأس أن نقول أنها حقوق هذا األخير‪.‬‬

‫‪ -153‬أنظر المادة ‪ 77‬من األمر رقم ‪ ، 96/69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -154‬أنظر المادة ‪ 76‬ف ‪ 6‬من نفس األمر‪.‬‬
‫‪ -155‬نسير رفيق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪51‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫عكس حقوق المستأجر التمويلي كذا التزامات المؤجر التمويلي أتى بها المشرع الجزائري‬
‫بالصياغة المكملة و هذا ما يعطي طبعا لهذا األخير إعماله سلطان اإلرادة لمخالفتها و‬
‫إلقاء كامل االلتزامات التي كانت أصال عليه على المستأجر التمويلي ‪ ،‬وما عليه إال قبولها حيث‬
‫‪156‬‬
‫‪ .‬فما مدى إعفاء‬ ‫أنه ال يلجأ إلى إبرام مثل هذه العقود إال إذا كان بحاجة ماسة إلى التمويل‬
‫المؤجر التمويلي نفسه من االلتزامات الملقاة أساسا عليه ؟‬

‫الفرع األول‬
‫إعفاء المؤجر التمويلي نفسه من مسؤولية تسليم األصل المؤجر‬
‫ترك عقد االعتماد اإليجاري لألطراف الحرية في تقرير تسليم األصل المؤجر و بهذا فإن‬
‫المؤجر التمويلي يغتنم الفرصة لكي يعفي نفسه من هذه المسؤولية و يلقي بها إلى المستأجر‬
‫التمويلي ‪ ،‬و نظ ار لوجود الطرف الثالث في عملية االعتماد اإليجاري ‪ ،‬فإن التسليم يتم من البائع‬
‫‪157‬‬
‫‪.‬‬ ‫إلى المستأجر التمويلي‬

‫‪-156‬عسالي عبد الكريم ‪ " ،‬إعفاء المؤجر التمويلي من التزاماته العقدية ( دراسة نقدية لألمر رقم ‪ ، 96/69‬يتعلق‬
‫باالعتماد اإليجاري ) " ‪ ،‬المجلة األكاديمية للبحث القانوني ‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬عدد ‪ ، 0‬جامعة عبد‬
‫الرحمان ميرة ‪ ،‬بجاية ‪ ، 0959 ،‬ص ‪.519‬‬
‫‪ -157‬إن ما يالحظ في األمر رقم ‪ ، 96/69‬السالف الذكر عدم ذكره لعقد البيع و لو مرة واحدة ‪ ،‬و ال للعالقة القانونية‬
‫ما بين المؤجر التمويلي و البائع ‪ ،‬وال العالقة الواقعية التي تربط المستأجر التمويلي بالبائع ‪ .‬أنظر في ذلك ‪ ،‬عسالي عبد‬
‫الكريم‪ ،‬عقد االعتماد اإليجاري الدولي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.577‬‬

‫‪52‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و يمكن لنا هنا توضيح هذه العالقة الثالثية ‪:‬‬

‫‪-‬مخطط يبين اإلجراءات المتبعة في عملية تمويل عقد االعتماد اإليجاري‪-‬‬

‫المستأجر التمويلي‬
‫‪5‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪1‬‬
‫‪7‬‬

‫البائع البائع)‬
‫أوالمورد‬
‫المؤجر التمويلي‬

‫‪2‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪*1‬إختيار األصول المؤجرة و تحديد المواصفات التقنية ‪> .‬‬

‫‪*2‬طلب التمويل من بنك أو شركة اعتماد إيجاري أو مؤسسة مالية مؤهلة ‪.‬‬

‫‪*3‬قبول طلب التمويل من طرف البنك أو شركة اعتماد إيجاري أو مؤسسة مالية مؤهلة ‪.‬‬

‫‪*4‬طلب المؤجر التمويلي لألصول المؤجرة من البائع ‪.‬‬

‫‪ *5‬تسلم المستأجر التمويلي لألصول المؤجرة من قبل البائع ‪.‬‬

‫‪*6‬دفع المؤجر التمويلي ثمن األصول المؤجرة إلى البائع ‪.‬‬

‫‪*7‬دفع المستأجر التمويلي لبدالت اإليجار للمؤجر التمويلي ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أوال ‪ :‬إنفراد المستأجر التمويلي بمهمة اختيار البائع و األصول ‪:‬‬


‫يقتصر دور المؤجر التمويلي على دفع الثمن و يترك للمستأجر التمويلي الحرية الكاملة في‬
‫اختيار البائع األصول و كذا تحديد المواصفات التقنية و التفاصيل التي تتضمنها األصول المؤجرة‬
‫و لكنه يبقى من الناحية القانونية طرف في عقد البيع بصفته المشتري ‪ ،‬و المستأجر التمويلي ال‬
‫تجمعه بالبائع سوى العالقة الواقعية حيث أن األمر رقم ‪ 99/69‬لم يقم بذكر عقد البيع و هو العقد‬
‫األولي السابق لعقد لالعتماد اإليجاري ‪ ،‬في األخير بعد اختيار المستأجر التمويلي لألصل‬
‫المؤجر‪ ،‬يقوم المؤجر التمويلي بدفع ثمنها فتنتقل له الملكية القانونية ‪ ،‬فيقع عليه التزام تسليمها‬
‫للمستأجر التمويلي إال أنه يقوم و للمرة الثانية بنقل هذا االلتزام ليتولى هذا األخير تسلمها من‬
‫‪158‬‬
‫البائع‬
‫ثانيا ‪ :‬المستأجر التمويلي يتسلم األصول المؤجرة من البائع مباشرة ‪:‬‬
‫يقع على المؤجر في عقد اإليجار طبقا للقواعد العامة تسليم األصل المؤجر إلى المستأجر و‬
‫‪159‬‬
‫‪ ،‬إال أن الطبيعة الخاصة لعقد‬ ‫وضعه تحت تصرفه وهو في حالة تمكنه من االستمتاع به‬
‫االعتماد اإليجاري تجعل التسليم فيها مختلف و هذا ما يظهر في نص المادة ‪ 71‬من األمر رقم‬
‫‪ ،160 96/69‬فالمشرع الجزائري قد ترك الحرية لألطراف االتفاق على من يتسلم هذه األصول ‪ ،‬و‬
‫هذا ما فسح المجال للمؤجر التمويلي إعمال مبدأ سلطان اإلرادة لصالحه عن طريق مخالفة القواعد‬
‫القانونية المكملة و هذا ما تفعله جميع شركات االعتماد اإليجاري‪ ، 161‬فتحرص على تضمين‬

‫‪ -158‬عسالي عبد الكريم ‪ " ،‬إعفاء المؤجر التمويلي من التزاماته العقدية " مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.571‬‬
‫‪ -159‬عسالي عبد الكريم ‪ ،‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.571‬‬
‫‪ -160‬و التي تنص على ‪ " :‬يعتبر المؤجر ملزما بالقيام بااللتزامات الملقاة على عاتق صاحب الملكية و المنصوص عليها‬
‫في القانون المدني ‪ ،‬مقابل حقه في الملكية على العقار المؤجر خالل كل مدة اإليجار ما لم يوجد اتفاق بين المتعاقدبن‬
‫يقضي بخالف ذلك ‪ ،‬السيما االلتزامات اآلتية ‪:‬‬
‫‪-‬االلت زام بتسليم األصل المؤجر طبقا للخصوصيات التقنية المعينة من قبل المستأجر في الحالة و في التاريخ‬
‫المتفق عليهما في عفد االعتماد اإليجاري "‬
‫‪ -161‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.69‬‬

‫‪54‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫عقودها بنودا يتعهد المستأجر التمويلي بموجبها استالم األموال موضوع العقد‪ ،162‬و رفع مسؤوليتها‬
‫‪163‬‬
‫‪.‬‬ ‫عن أي تأخير أو أخطاء ناتجة عن ذلك التسليم‬
‫ينشأ عن التزام المستأجر التمويلي بالتسليم التزام تبعي يفرضه المؤجر التمويلي عليه في هذا‬
‫العقد و يتمثل في تنظيم محضر استالم لحسابه هو و لحساب المؤجر التمويلي و هذا بحضور‬
‫البائع ‪ ،‬حيث يوضح فيه مطابقة األموال المؤجرة مع عقد الشراء ‪ ،‬و أنها مسلمة بحالة جيدة و‬
‫مطابقة للمواصفات المطلوبة ‪ ،‬حيث أنه يدون فيها تحفظاته بوضوح ‪ ،‬و يلزم كذلك بإبالغ المؤجر‬
‫التمويلي فو ار عن أي خطأ من جراء التسليم ‪ ،‬وكما قد يتفق المؤجر التمويلي و المستأجر التمويلي‬
‫على إلزام هذا األخير بالقيام ببعض اإلجراءات االحت ارزية لضمان حسن تسليم األموال المؤجرة أو‬
‫‪164‬‬
‫‪ ،‬كما يتحمل كافة الرسوم و الضرائب و النفقات المتوجبة‬ ‫مطابقتها للمواصفات المطلوبة‬
‫‪165‬‬
‫‪.‬‬ ‫لالستالم و النقل‬

‫و تجدر اإلشارة إلى أن أهمية المحضر يكمن في أن المؤجر التمويلي ال يدفع ثمن المعدات‬
‫إال بعد تسلمه لمحضر االستالم من قبل المستأجر التمويلي و هو دليل قاطع لمعرفة المستفيد‬
‫بحالة المال و قبوله له ‪ ،‬فإذا وجد هناك عدم مطابقة أو أي عيب فيه يجب عليه أن يثبته في‬
‫‪166‬‬
‫‪.‬‬ ‫المحضر‬

‫يظهر أن المؤجر التمويلي في عملية االعتماد اإليجاري يسعى دائما لحصر دوره في الجانب‬

‫‪ -162‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.017‬‬


‫‪ -163‬أي أن المؤجر التمويلي يتهرب من المسؤولية تجاه المستأجر التمويلي ‪ ،‬تفاديا للقيام بإجراء فحص و معاينة األصول‬
‫المنقولة ‪ ،‬و مدى مطابقتها للمواصفات المطلوبة من طرف المستأجر التمويلي السيما أن هذا األخير هو الذي يحدد‬
‫مواصفات و خصائص األصل منذ بداية العقد ‪.‬‬
‫‪ -164‬كإلزامه مثال ‪ :‬مراجعة قاضي األموال المستعجلة لتكليف خبير للتحقق من المعدات المعينة أو للتحقق من واقعة‬
‫تأخر البائع بتسليمها في الموعد المتفق عليه في العقد ‪ .‬انظر في ذلك نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪012‬‬
‫و ‪.011‬‬
‫‪ -165‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪ 017‬و ‪.012‬‬
‫‪ -166‬بلعاوي صفاء عمر خالد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.591‬‬

‫‪55‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المالي دون التقني ‪ ،‬و ال يحتفظ بحق الملكية إال على سبيل الضمان و ليس لممارسته ‪ ،‬فإذا كان‬
‫‪167‬‬
‫على تسليم المؤجر التمويلي‬ ‫المشرع الجزائري قد نص في المادة ‪ 07‬من األمر رقم ‪96/69‬‬
‫لألصول إلى المستأجر التمويلي إال أن هذا ال يمنعه بتاتا من إمكانية توكيل المستأجر التمويلي‬
‫‪168‬‬
‫‪.‬‬ ‫من التسلم مباشرة من المورد‬
‫ثالثا ‪ :‬اإلعفاء من التسليم يعفي المؤجر التمويلي من المسؤولية‬
‫طبقا للقواعد العامة فإن المؤجر ملزم بتسليم المال المؤجر إلى المستأجر حيث ال يستطيع‬
‫هذا األخير االنتفاع به إال إذا تسلمه ‪ ،‬و هو التزام أساسي يقع على المؤجر و هو عنصر جوهري‬
‫لإليجار‪ ،‬لكن جرت العادة أن ال يقحم المؤجر التمويلي نفسه في عقد االعتماد اإليجاري في هذه‬
‫األمور ‪ ،‬ال االختيار و ال التسليم و من هنا فهو يبعد المسؤولية عنه لكي يلقي بها على المستأجر‬
‫التمويلي بموجب توكيله بتسلمها مباشرة من البائع ‪ ،‬و هذا راجع لكون هذا االلتزام الرئيسي على‬
‫عاتقه ليس من النظام العام فمن الممكن االتفاق على خالف ذلك ‪ ،‬إال أن هذا ال يعني الغياب‬
‫التام لهذا االلتزام ‪ ،‬لكن يبقى المؤجر التمويلي ملزم بوضع األصل المؤجر تحت تصرف المستأجر‬
‫‪169‬‬
‫‪.‬‬ ‫التمويلي فال يتصور استبعاد ذلك تحت أي شرط تعاقدي‬
‫ال تشكل عملية التسليم التي تتم مباشرة إلى المستأجر التمويلي و نيابة عن المؤجر التمويلي‬
‫أي ضرر لهذا األخير بل بالعكس فهو يجنبه كل المشاكل التي يمكن أن تنشأ بمناسبة تنفيذ‬
‫‪170‬‬
‫‪ ،‬حيث أنه ال يتدخل في كل المسائل المتعلقة به ‪ ،‬بما أن ذلك بعيد عن مجال‬ ‫االلتزام بالتسليم‬
‫‪ ،‬حيث أن المؤجر التمويلي يكون دائما إما بنكا أو مؤسسة مالية أو شركة اعتماد‬ ‫‪171‬‬
‫تخصصه‬
‫إيجاري و نظ ار للكم الهائل من العقود التي يقوم بابرامها ‪ ،‬فال يمكن له التحكم بالجانب التقني‬

‫‪ -167‬و التي تنص ‪.... " :‬بسبب أن العقد يسمح للمستأجر بالتصرف ‪ ،‬بصفته وكيال للمالك ‪ ،‬في العمليات القانونية و‬
‫التجارية مع الغير و المرتبطة بعملية االعتماد اإليجاري " ‪.‬‬
‫‪ -168‬نسير رفيق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪ -169‬بلهامل هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪-170‬حوالف عبد الصمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫‪ -171‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.65‬‬

‫‪56‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لألصول المنقولة و العقارية فيتركها للمستأجر التمويلي الذي يفترض فيه علمه بها ‪ ،‬أي أن هذا‬
‫التنازل تمليه الضرورة العلمية‪.172‬‬
‫الفرع الثاني‬

‫مدى نجاعة تحويل االلتزام بالضمان من المؤجر التمويلي إلى المستأجر التمويلي‬

‫تقضي القواعد العامة في المادة اإليجارية بأن يتحمل المؤجر التزام ضمان تشويش االستمتاع‬
‫‪173‬‬
‫‪ ،‬لكن هذه القواعد تختلف إذا أردنا أن نطبقها على عقد االعتماد‬ ‫الذي يلحق بالمستأجر‬
‫اإليجاري ‪ ،‬إذ نجد المؤجر التمويلي و كأنه يعتبر نفسه غريب عن األموال المؤجرة و تحمل‬
‫مخاطر و مسؤولية ضمانها ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬تنازل المستأجر التمويلي عن طلب التعويض عن أي عيب خفي‬


‫‪174‬‬
‫‪ ،‬حيث أنه‬ ‫إن مسألة إعفاء المؤجر التمويلي في مادة ضمان العيوب الخفية تام و كامل‬
‫ال يسأل مهما كان الضرر الالحق بالمستأجر التمويلي و مهما كان التاريخ الذي ظهر فيه العيب‬
‫المضر به ‪ ،‬عالوة على ذلك يتخلى هذا األخير عن كل رجوع ضد المؤجر التمويلي ‪ ،‬سواء كان‬
‫بالتعويض أو الفسخ أو بتخفيض أقساط اإليجار‪.175‬‬
‫إن العيب الخفي من شأنه أن يحول دون االنتفاع بالمأجور على النحو المقصود من‬
‫اإليجار حيث أن المستأجر يمتنع عن االستئجار لو علم به ‪ ،176‬و حتى أنه يشترط في العيب‬

‫‪ -172‬عسالي عبد الكريم ‪ " ،‬إعفاء المؤجر التمويلي من التزاماته العقدية " ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.576‬‬
‫‪ -173‬فخري رياض ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ -174‬أنظر المادة ‪ 29‬من األمر رقم ‪ ، 96/69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -175‬فخري رياض ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫‪ -176‬يعتبر الشيء معيبا إذا لحقه تلف عارض يجعله على غير الحال الذي يكون فيه في الوضع العادي ‪ ،‬و تمنع‬
‫الشخص من استعماله وفقا للغاية المعدة لها ‪ .‬للمزيد من التفاصيل راجع ‪ :‬أمازوز لطيفة ‪ ،‬التزام البائع بتسليم المبيع في‬
‫القانون الجزائري ‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم ‪ ،‬تخصص القانون ‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬جامعة‬
‫مولود معمري ‪ ،‬تيزي وزو ‪ ، 0957 ،‬ص ‪.791‬‬

‫‪57‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الموجب للضمان أن يكون مؤث ار و خفيا و إذا توافرت الشروط يحق للمستأجر المطالبة بالفسخ أو‬
‫‪177‬‬
‫‪ ،‬لكنه بالنظر إلى عقد االعتماد اإليجاري فدور المؤجر التمويلي‬ ‫إنقاص األجرة أو التعويض‬
‫سلبي فيما يتعلق باختيار المعدات و كذا تحديد المواصفات بتفويضها للمستأجر التمويلي ‪ ،‬فهو‬
‫هنا معفى من هذه العيوب فمن غير المنطق تحمله خطأ ارتكبه المستأجر التمويلي ‪ ،‬فيقع هنا‬
‫االلتزام على عاتق هدا األخير كونه األكثر خبرة من الناحية العملية و الفنية من جهة و هو من‬
‫‪178‬‬
‫‪.‬‬ ‫تسلم من البائع أو المقاول من جهة أخرى‬
‫بالنظر إلى التشريعات المقارنة و مراعاة منها لتوازن األداءت بين المؤجر التمويلي و‬
‫المستأجر التمويلي أعطت لهذا األخير حق الرجوع مباشرة على المورد أو المقاول بجميع الدعاوى‬
‫التي تنشأ للمؤجر التمويلي ‪ ،‬خالفا للمشرع الجزائري الذي لم ينص على تحويل حقوق المؤجر‬
‫التمويلي للمستأجر التمويلي في الرجوع على البائع في حال إعفاء المؤجر التمويلي من‬
‫الضمان‪ ،179‬فهذا ما منح البنوك و المؤسسات المالية و شركات االعتماد اإليجاري استغالل هذه‬
‫اإلمكانية في جميع عقود االعتماد اإليجاري التي تبرمها ‪ ،‬و تضمين عقودها بندا يتنازل فيه‬
‫المستأجر التمويلي عن متابعتها و عن طلب التعويض عن أي عيب خفي يظهر في األصول‬
‫المؤجرة‪.180‬‬

‫ثانيا ‪ :‬اتساع حاالت إعفاء المؤجر التمويلي من التزامه بضمان التعرض‬

‫إن المؤجر ملزم كقاعدة عامة بضمان الحيازة و االنتفاع الهادئ باألصل للمستأجر بضمان‬
‫التعرض الشخصي منه سواء كان ماديا أو قانونيا‪ .181‬هذا ما جاء في المادة ‪ 217‬من القانون‬

‫‪ -177‬بن بريح آمال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.557‬‬


‫‪ -178‬بن بريح آمال ‪ ،‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.552‬‬
‫‪ -179‬بخيت عيسى ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -180‬عسالي عبد الكريم ‪ " ،‬اعفاء المؤجر التمويلي من التزاماته العقدية " ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.510‬‬
‫‪ -181‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪58‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المدني الجزائري ‪.182‬‬


‫و هذا بالتعهد باستعمال األصول للمستأجر دون أن يتعرض له في استعمالها‪ ،183‬و يدفع‬
‫‪184‬‬
‫‪ .‬و لذلك لزم عليه‬ ‫عنه ما يقع من تعرض و يضمن ما ينال العين المؤجرة من استحقاق‬
‫االمتناع عن كل ما يعيق انتفاع المستأجر‪ .185‬لكن بالرجوع إلى األمر ‪ 96/69‬فإن هذا الضمان‬
‫له أيضا طبيعته الخاصة التي تتفق مع ظروف هذا العقد ‪ ،‬فقد نص المشرع الجزائري على التزام‬
‫المؤجر التمويلي بالضمان و يلقي عليه مسؤولية أفعاله أو تصرفاته التي أدت إلى هذا التعرض‬
‫‪186‬‬
‫‪ ،‬مع منح إمكانية لألطراف االتفاق على إعفاء‬ ‫سواء كان ماديا أو مبنيا على سبب قانوني‬
‫‪187‬‬
‫‪ ،‬فاألول يتمثل في كل األعمال المادية التي تقع من طرف المؤجر‬ ‫المؤجر التمويلي منها‬
‫التمويلي كإحداث تغيير في العين المؤجرة و ملحقاتها و قد تكون هذه التصرفات المادية تصرفات‬
‫قانونية كإعطاء المؤجر التمويلي للغير حقا عينيا يتعارض مع حق المستأجر التمويلي و يحتج به‬
‫عليه ‪ ،‬أو مبنية على سبب قانوني كأن يدعي المؤجر التمويلي حقا على العين المؤجرة في مواجهة‬
‫المستأجر التمويلي كمن يؤجر عينا غير مملوكة له ‪ ،‬ثم يصبح مالكها بسبب اإلرث أو الوصية‬
‫أو الشراء من المالك الحقيقي‪. 188‬‬
‫لكي يعتبر عمل المؤجر التمويلي تعرضا يستوجب الضمان يجب توفر بعض الشروط كوقوع‬
‫التعرض بالفعل يحول دون انتفاع المستأجر التمويلي بالعين المؤجرة و إخالل هذا الفعل بانتفاعه‬

‫‪ -182‬التي تنص ‪ " :‬على المؤجر أن يمتنع عن كل ما من شأنه أن يحول دون انتفاع المستأجر بالعين المؤجرة و ال يجوز‬
‫له أن يحدث بها ‪ ،‬أو بملحقاتها أي تغيير يخل بهذا االنتفاع " ‪.‬‬
‫‪ -183‬يقصد بالتعرض هنا " كل فعل يؤدي إلى حرمان صاحب الحق في الضمان من كل أو بعض مزايا الحق الذي انتقل‬
‫إليه " ‪ .‬أنظر في ذلك ‪ :‬عسالي عبد الكريم ‪ ،‬عقد االعتماد اإليجاري الدولي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.791‬‬
‫‪184‬‬
‫‪- CHANTAL Bruneau , Le crédit-bail mobilier : ( la location de langue durée et la location avec option‬‬
‫‪d’achat ) , Banque éditeur , Paris , 1999 ,P 108 .‬‬
‫‪185‬‬
‫‪-GAVALDA CHristian , Crédit-bail , Dalloz , Paris , 1998 , P 04 .‬‬
‫‪ -186‬عسالي عبد الكريم ‪ " ،‬إعفاء المؤجر التمويلي من التزاماته العقدية " ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.517‬‬
‫‪ -187‬أنظر المادة ‪ 71‬من األمر رقم ‪ ، 96/69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -188‬الخصاونة صخر أحمد ‪ ،‬عقد التأجير التمويلي ‪ ( :‬دراسة مقارنة مع القانون األردني مع إشارة إلى أحكام الفقه‬
‫اإلسالمي ) ‪ ،‬دار وائل ‪ ،‬عمان ‪ ، 0991 ،‬ص ‪.576‬‬

‫‪59‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و وقوعه أثناء مدة اإليجار أما األخير في عدم إسناد المؤجر التمويلي لحق ثابت له يستمده من‬
‫العقد أو من حكم قضائي صادر لمصلحته أو بموجب نص قانوني‪. 189‬‬
‫‪191‬‬ ‫‪190‬‬
‫فال يضمن للمستأجر التمويلي التعرض المادي‬ ‫أما بالنسبة للتعرض الصادر من الغير‬
‫فيستند لشروط متمثلة في كون المتعرض من الغير و ال دخل للمؤجر التمويلي أو أحد أتباعه ‪ ،‬و‬
‫أن يكون التعرض ماديا أي ال يستند فيه لحق يدعيه كأن يسرق هذا الغير منقوالت المستأجر‬
‫التمويلي و أخي ار يشترط أن يحدث التعرض المادي بعد تسليم العين المؤجرة ‪.192‬‬

‫أما التعرض القانوني الصادر من الغير فقد نص المشرع الجزائري صراحة بضمان كل سبب‬
‫يحول دون االنتفاع باألصل المؤجر و الناتج عنه شخص آخر ‪ ،‬إال أن المالحظ عدم توفير‬
‫ضمان كافي لحصول المستأجر التمويلي على الحقوق الناشئة عن هذا العقد جراء ترتيب المؤجر‬
‫التمويلي لحقوق للغير على األصول هذا ما يهدد المستأجر التمويلي إذا ما طالبه باستردادها‬
‫السيما إذا أعمل حق الشراء الممنوح له في نهاية فترة اإليجار‪.193‬‬

‫كما يمكن ينتفي التزام ضمان المؤجر التمويلي لتعرض الغير‪ ،‬في حالة اشتراطه على‬
‫المستأجر التمويلي أنه غير مسؤول عن تعرض أتباعه ‪ ،‬و كذا تعرض الغير األجنبي فيرجع‬
‫المستأجر التمويلي مباشرة على مسبب الضرر استنادا للمسؤولية التقصيرية و كذلك بالنسبة للقوة‬
‫القاهرة كحالة حصول الحرب و حالة التعرض لإلعسار أو اإلفالس فيكون المؤجر التمويلي بمنأى‬

‫‪ -189‬بسام أحمد مسلم حمدان ‪ ،‬التزام المؤجر بضمان التعرض و االستحقاق في عقد التأجير التمويلي ‪ ( :‬دراسة مقارنة‬
‫بين التشريعين األردني و المصري ) ‪ ،‬دار قنديل ‪ ،‬عمان ‪ ، 0959 ،‬ص ‪.591‬‬
‫‪" -190‬الغير هو كل شخص له مصلحة تتعارض مع حق المستأجر غير المؤجر و خلفه العام "‬
‫‪ -191‬يختلف التعرض المادي الصادر من الغير عن العرض المبني على سبب قانوني في أن المؤجر ال يضمن‬
‫للمستأجر ما يأتيه الغير من شدة و عنف تعرض النتفاعه ‪ .‬لمزيد من التفاصيل أنظر ‪ :‬بسام أحمد مسلم حمدان ‪ ،‬مرجع‬
‫سابق ‪ ،‬ص ‪.510‬‬
‫‪ -192‬عبد الرزاق السنهوري ‪ ،‬الوسيط في شرح القانون المدني الجديد ‪ ( :‬اإليجار و العارية ) ‪ ،‬ج ‪ ، 5‬ط ‪ ، 7‬منشورات‬
‫الحلبي الحقوقية ‪ ،‬لبنان ‪ ، 0999 ،‬ص ‪.797‬‬
‫‪ -193‬بخيت عيسى ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.62‬‬

‫‪60‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫عن هذه المسؤولية و إذا دفع المؤجر التمويلي التعرض فيكون قد نفذ التزامه تنفيذا عينيا ‪ ،‬و إال‬
‫‪194‬‬
‫‪.‬‬ ‫وجب عليه تنفيذه بإنقاص األجرة أو فسخ العقد مع التعويض‬
‫إن الحماية التي منحت للمستأجر التمويلي فيما يخص مسألة الضمان سيئة ‪ ،‬حيث أنه من‬
‫جهة لم يمنح له حق الرجوع مباشرة على البائع ‪ ،‬و من جهة أخرى لقد تركه يقوم باختيار األصول‬
‫و تسلمها من البائع إلمكانية إعفاء المؤجر التمويلي ‪.‬‬
‫الفرع الثالث‬
‫محافظة المستأجر التمويلي على األصل المؤجر ‪:‬‬
‫بين محافظة الرجل العادي و الرجل الحريص‬
‫ال يمكن للمستأجر التمويلي أن يتحلل من المسؤولية تجاه المؤجر التمويلي حتى في حالة‬
‫تلف أو هالك األصل المؤجر بفعل القوة القاهرة ‪ ،‬و لهذا نقول أنه التزام بتحقيق نتيجة و هي‬
‫سالمة األصل المؤجر و عليه فيمكن القول أن المستأجر التمويلي يبذل أقصى عناية ‪ ،‬حتى و لو‬
‫لم يقم أثناء فترة العقد بها فيقوم بها في موعد رد األموال المؤجرة حيث يتبين فيها ذلك ‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬تقييد التزام المستأجر التمويلي في استعمال األصل المؤجر‬
‫تنص المادة ‪ 71‬من األمر رقم ‪ 96/69‬التي تخص المنقوالت على ‪ " :‬يلتزم المستأجر ‪،‬‬
‫خالل مدة االنتفاع باألصل المؤجر‪ ،‬باستعمال هذا األصل حسب االستعمال المتفق عليه و أن‬
‫يحافظ عليه مثلما يفعل رب األسرة الحريص " ‪ ،‬و كما تنص المادة ‪ 76‬فقرة ‪ 2‬أيضا فيما يخص‬
‫األصول العقارية على أنه " ‪....‬االلتزام بعدم إحداث أي تغيير لألصل المؤجر أو تجهيز بدون إذن‬
‫المؤجر ‪ ،‬مهما كانت األسباب التي تدعو لذلك ‪ ،‬السيما إذا كانت هذه التغييرات أو التجهيزات‬
‫تهدد سالمة العقار المؤجر و تنقص من قيمته التجارية‪" ....‬‬

‫فيما يتعلق بالمنقول فالعقد يفرض على المستأجر التمويلي أن يضع المنقول في موضع‬
‫يضمن حسن استعماله من حيث تثبيته في المكان المخصص له و اتباع كل تعليمات البائع و‬

‫‪ -194‬بسام أحمد مسلم حمدان ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 092‬و‪.091‬‬

‫‪61‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪195‬‬
‫‪ .‬أما العقار فيلتزم بأن ال يخالف ما تم‬ ‫احترام عدد ساعات المحددة من طرف المؤجر التمويلي‬
‫االتفاق عليه و تطبيق نصائح بائع العقار أو المقاول ‪ ،‬إذا يستنتج أن استعمال المستأجر التمويلي‬
‫لألصل ليس مطلقا بما أنه يجب في كل األحوال التقيد بتعليمات المورد و اتخاذ كل االحتياطات و‬
‫‪196‬‬
‫‪.‬‬ ‫هذا ما جاء في نص المادة ‪ 76‬فقرة ‪ 1‬من األمر رقم ‪96/69‬‬
‫يمنع على المستأجر التمويلي التعسف أي االستغالل المفرط الذي ينجر عنه إفساد األصل‬
‫المؤجر مما يشكل مسؤوليته و بدوره يشكل أحد األسباب المشروعة للفسخ ‪ . 197‬كما يمنع القيام‬
‫بعمليات اإليجار من الباطن أو التنازل عن األصل أو استبداله بعد موافقة مسبقة أو الحقة للمؤجر‬
‫التمويلي‪ ، 198‬و هذا ألن هذا العقد من العقود التي تبنى على االعتبار الشخصي و كما أن‬
‫المستأجر التمويلي ال يتمتع إال بالحيازة العرضية من جهة أخرى كون هذا العقد إيجار فهو من‬
‫عقود األمانة فيفرض رد هذا األصل‪ ،199‬فيحرص المؤجر التمويلي على أخذ تعهد من المستأجر‬
‫‪200‬‬
‫التمويلي بعدم إحداث أي تعديل أو تحويل في األصول‬
‫يمكن القول في األخير أن االلتزام بالضمان في الحقيقة يقع على عاتق المؤجر التمويلي لكن‬
‫المشرع الجزائري أورده ضمن الشروط االختيارية للعقد مما يمكنه من إعفاء نفسه من االلتزامات‬
‫الملقاة على عاتق صاحب الملكية ‪. 201‬‬

‫‪ -195‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.092‬‬


‫‪ -196‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ -197‬بلهامل هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.557‬‬
‫‪ -198‬كولوغلي فضيلة ‪ ،‬االعتماد اإليجاري ‪ :‬آلية بديلة لتمويل المؤسسات الصغيرة و المتوسطة في الجزائر ‪ ،‬مذكرة لنيل‬
‫شهادة الماجستير في القانون ‪ ،‬تخصص قانون التنمية المحلية ‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬جامعة مولود معمري ‪،‬‬
‫تيزي وزو ‪ ، 0950 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ -199‬أيت ساحد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -200‬بعتاش ليلى ‪ " ،‬عقد االعتماد اإليجاري " ‪ ،‬مجلة العلوم اإلنسانية ‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬عدد ‪، 77‬‬
‫جامعة باتنة ‪ ، 0959 ،‬ص ‪. 001‬‬
‫‪ -201‬عسالي عبد الكريم ‪ ،‬عقد االعتماد اإليجاري الدولي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.757‬‬

‫‪62‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ثانيا ‪ :‬االلتزام بالصيانة البسيطة و الضرورية يقع على عاتق المستأجر التمويلي‬
‫ال ينص صراحة عقد االعتماد اإليجاري على التزام المؤجر التمويلي بالصيانة ‪ ،‬فمن‬
‫الضروري الرجوع إلى القواعد العامة التي تفرض صيانة المأجور على عاتقه و إذا تأخر في ذلك‬
‫فيمكن للمستأجر إجباره على ذلك بالطرق القضائية وهي تسمي الصيانة الضرورية أما‬
‫‪202‬‬
‫‪.‬‬ ‫اإلصالحات الصغرى تبقى على عاتق المستأجر ما تسمى بالصيانة التأجيرية‬
‫لم يميز المشرع الجزائري في عقد االعتماد اإليجاري بين الترميمات التأجيرية و‬
‫الضرورية‪ ،‬فهو يلزم المستأجر التمويلي بكلتيهما عكس المستأجر العادي حسب المادة ‪ 276‬من‬
‫القانون المدني الجزائري و المادة ‪ 77‬من األمر رقم ‪ . 20396 /69‬حيث أنه ككل مرة المؤجر‬
‫التمويلي يسارع إلى نقل هذا االلتزام من عاتقه إلى عاتق المستأجر التمويلي ليقوم به هذا األخير‬
‫‪204‬‬
‫‪ ،‬فالمستأجر التمويلي يقوم بدفع تكاليف‬ ‫كأنه التزام عليه ‪ ،‬بموجب نص صريح في العقد‬
‫‪205‬‬
‫فيلتزم وحده بالصيانة أي جميع مصاريف اإلصالح و الترميم الالزمة‬ ‫االحتفاظ باألصل المؤجر‬
‫‪206‬‬
‫‪ ،‬من‬ ‫صغيرة أو كبيرة و ال يمكنه اإلخالل بهذا االلتزام و إال ثارت مسؤوليته و وقع عليه الجزاء‬
‫هنا تظهر مصلحة المؤجر التمويلي في إبقاء العين المؤجرة صالحة إلعادة استئجارها عند‬
‫استردادها له ‪ ،‬و أن المستأجر التمويلي يتحمل ما ال طاقة له ‪ ،‬فتلزمه بالمحافظة على الضمان‬

‫‪ -202‬عليان عدة ‪ ،‬توازن األداءات في عقد االعتماد اإليجاري ‪ ،‬أعمال الملتقى الوطني حول عقود األعمال و دورها في‬
‫تطوير االقتصاد الوطني ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة عبد الرحمان ميرة ‪ ،‬بجاية ‪ ،‬يومي ‪ 59‬و ‪ 57‬ماي ‪ ، 0950‬ص ‪071‬‬
‫أنظر أيضا ‪ :‬واجي عزيز‪ ،‬حقوق و التزامات المؤجر في القانون الجزائري ‪ ،‬بحث متوفر على الموقع ‪:‬‬
‫‪'http://droit7.blogspot.com‬‬
‫‪ -203‬نسير رفيق ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 17‬‬
‫‪ -204‬بن بريح آمال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.170‬‬
‫‪ -205‬و هي " التكاليف الدورية للمحافظة على األصل مثل التأمين و الصيانة و الضرائب و غيرها من التكاليف الالزمة‬
‫لالحتفاظ باألصل " ‪ ،‬أنظر في ذلك ‪ :‬حمدي شحدة زعرب ‪ ،‬معوقات تطبيق التأجير التمويلي كأداة لتمويل المشروعات‬
‫االقتصادية ( دراسة تطبيقية على المؤسسات المالية غير المصرفية العامل في فلسطين ) ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير‪،‬‬
‫تخصص المحاسبة و التمويل ‪ ،‬كلية التجارة ‪ ،‬الجامعة اإلسالمية ‪ ،‬غزة ‪ ، 0955 ،‬ص ‪.09‬‬

‫‪206‬‬
‫‪-Pascal Philippossian ,Le crédi –bail et leasing , outil de financement locatif , sefi , Paris , 1998 , P 33 et 34 .‬‬

‫‪63‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لفائدته بإلزامه باستعمال األصل في إطار الحدود المسطرة مسبقا منه لكون هذه القواعد تحافظ‬
‫‪207‬‬
‫‪ ،‬كما يصعب عليه القيام بأي تحسينات على األصل و هذا لضرورة‬ ‫دائما على مصلحته‬
‫الحصول على موافقة المؤجر التمويلي الذي يصعب إقناعه بجدوى تلك التحسينات ألن آخر همه‬
‫‪208‬‬
‫‪.‬‬ ‫مدى الكفاءة اإلنتاجية لآلالت طالما أنه يتلقى بدل اإليجار في جميع األحوال‬
‫ثالثا ‪ :‬التأمين غرضه تعويض المؤجر التمويلي أم المستأجر التمويلي ؟‬

‫إن األصل في القواعد العامة أنه إذا هلكت األموال المؤجرة كليا بفعل القوة القاهرة أو بسبب‬
‫‪209‬‬
‫سواء‬ ‫ال يد للمستأجر فيه ‪ ،‬فإن تبعة الهالك تعود على مالكها القانوني فيترتب عنه فسخ العقد‬
‫هالكا كليا أم جزئيا فيكون للمستأجر طلب إنقاص بدل اإليجار أو الفسخ‪.210‬‬

‫لكن ما يتميز به عقد االعتماد اإليجاري أنه يحمل المستأجر التمويلي كافة المخاطر‬
‫فيفرض بهذا على المستأجر التمويلي‬ ‫المتعلقة بالمأجور و يعفي ذمة المؤجر التمويلي‬
‫التأمين‪211‬حتى و إن كان السبب راجع لقوة قاهرة ال يتفادى ذلك إال إذا كان راجع إلى عمل المؤجر‬

‫‪ -207‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫‪ -208‬الحريري باسل ‪ ،‬عقد الليزنغ كآداة قانونية مبتدعة في الفكر التمويلي المعاصر (دراسة مقارنة ) ‪ ،‬مذكرة مقدمة لنيل‬
‫شهادة الماجستير ‪ ،‬تخصص قانون تجاري ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة حلب ‪ ، 0959 ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪ -209‬أنظر المادة‪ 215‬من األمر رقم ‪ ، 11 /71‬يتضمن ق م ج ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -210‬بخيت عيسى ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.551‬‬
‫‪ -211‬يعرف التأمين على أنه العقد الذي بواسطته يتحصل الدائن من المؤمن في مقابل دفعه ألقساط على ضمان أخطار‬
‫القرض بمعنى لكل حالة ضد خطر إعسار مدينه أو بكل بساطة ضد عدم الدفع عند االستحقاق ‪ ،‬و يعد تأمين القرض أو‬
‫ما يسمى تأمين الدين من أهم صور التأمين في هذا المجال ‪ .‬أنظر في ذلك ‪ :‬شرابن حمزة ‪ ،‬الملكية كوسيلة لدعم‬
‫االئتمان‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير ‪ ،‬تخصص قانون األعمال ‪ ،‬كلية الحقوق_ بن عكنون _‪ ،‬جامعة بن يوسف بن‬
‫خدة ‪ ،‬الجزائر ‪ ، 0991 ،‬ص ‪ . 11‬و أنظر كذلك المادة ‪ 72‬من األمر رقم ‪ ، 96/69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫التمويلي‪ ، 212‬و ال يقف األمر حيث يشترط أن ال تقل قيمة التأمين مجموع األقساط اإليجارية غير‬
‫المدفوعة ‪ ،‬و ما يبرر مثل هذه الشروط أن المؤجر التمويلي يقوم بدور تمويلي بحت فيسعى إلى‬
‫‪213‬‬
‫‪.‬‬ ‫الحصول على قيمة األصل الذي موله مضافا إليه هامش ربح معين إليه‬
‫يصدر المؤجر التمويلي وثيقة التأمين التي يغطي جميع األضرار أو الخسائر التي تنجم‬
‫عن الحريق أو السرقة أو الفيضان ‪ ...‬مما يمكن أن تغطي المخاطر الناجمة عن حراسة هذه‬
‫‪214‬‬
‫كما يمكن للمؤجر التمويلي أن يؤمن على نفقة المستأجر التمويلي إذا أهلك‬ ‫‪،‬‬ ‫األموا ل‬
‫التزام ه‪ ، 215‬و تجنبا لعدم قيام المستأجر التمويلي بالتأمين يمتلك المؤجر أجهزة خاصة به‬
‫للتأمين‪.216‬‬
‫يجب التفريق بين ما كان الهالك كليا فينفسخ العقد من تلقاء نفسه و يقبض المؤجر‬
‫التمويلي التأمين من الشركة مباشرة إذا كان األصل منقوال ‪ ،‬أما إذا كان عقا ار فيلتزم بإعادة بناء‬
‫العقار و العقد يبقى ساري المفعول حتى يتم تخصيص مبلغ التعويض الذي تدفعه شركة التأمين‬
‫إلعادة بنائه ‪ ،‬ويتحمل المستأجر التمويلي كل عبئ مالي ال يغطيه التعويض ‪ ،‬أما إذا كان‬
‫الهالك جزئيا فال مجال للتمييز بين العقار و المنقول فيتعهد المستفيد بإعادة األصل إلى حالته‬
‫‪217‬‬
‫‪.‬‬ ‫األولى و ذلك على نفقته‬
‫أخي ار يظهر أن االلتزام بالتأمين على األصل منطقي كون مبلغ الـتامين قد دفع من أجل‬

‫‪ -212‬بن عزوز ربيعة ‪ " ،‬دور القوالب العقدية المختلفة في تعزيز مركز المؤجر في عملية اإليجار التمويلي " ‪ ،‬أعمال‬
‫الملتقى الوطني حول عقود األعمال و دورها في تطوير االقتصاد الجزائري كلية الحقوق و العلوم السياسية جامعة عبد‬
‫الرحمان ميرة ‪ ،‬بجاية ‪ ،‬يومي ‪ 59‬و ‪ 57‬ماي ‪ ، 0950‬ص ‪.796‬‬
‫‪ -213‬بخيت عيسى ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.551‬‬
‫‪ -214‬دويدار هاني محمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫‪ -215‬الخصاونة صخر أحمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.091‬‬
‫‪ -216‬تمتلك شركة التأجير في فرنسا أجهزة خاصة بها يقوم المستأجر بالتأمين لديها مثل شركة )‪) LOCAFRANCE‬‬
‫و في حالة عدم امتالك المؤجر أجهزة خاصة به بفرض على المستفيد التأمين لدى شرة يوافق عليها أوال ‪ .‬راجع في ذلك‬
‫دويدار هاني محمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.251‬‬
‫‪ -217‬عليان عدة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.019‬‬

‫‪65‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إعادة األصل إلى حالته األصلية فيخفف من عبئ الهالك الذي يتحمله المستفيد و ضمان المؤجر‬
‫التمويلي بقاء األصل المؤجر صالحا الستيفاء حقه في األجرة ‪ ،‬و لكن يبقى أن المستأجر التمويلي‬
‫هو المبادر إلصالح األصل فإن العدالة العقدية تقضي أن يسترجع هذا المبلغ الذي أنفقه من‬
‫التعويضات التي يقبضها المؤجر التمويلي من شركة التأمين ‪.‬‬
‫الفرع الرابع‬

‫المستأجر التمويلي يتحمل مسؤولية األضرار التي تسببها األصول المؤجرة للغير‬

‫لم يكتفي األمر‪ 96/69‬بنقل المسؤولية عن الهالك فحسب ‪ ،‬بل رتب على هذا األخير أية‬
‫مسؤولية ناشئة عن حراسة األموال موضوع العقد ‪ ،‬و بالمقابل إعفاء المؤجر التمويلي رغم كونه‬
‫‪218‬‬
‫‪ ،‬فقد تركت هذه المسألة التفاق األطراف مع ذلك يفهم من عدة مواد تحمل المستأجر‬ ‫المالك‬
‫التمويلي ذلك‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬المسؤولية الناشئة عن تهدم البناء‬

‫بعدما أعفى المؤجر التمويلي نفسه من جميع أعمال الصيانة الالزمة فال يعقل أن ال يعفي‬
‫نفسه كذلك من مسؤولية الضرر الذي قد يصيب الغير من جراء تهدم األصل المؤجر‪ ،219‬فبالعودة‬
‫إلى القواعد العامة فمسؤولية مالك البناء تنهض إذا أثبت المضرور أن الضرر يرجع إلى نقص‬
‫‪220‬‬
‫‪ ،‬و لو كان البناء بين يدي الحارس وقت تهدمه و لهذا‬ ‫في الصيانة أو قدم البناء أو عيب فيه‬
‫‪221‬‬
‫‪ ،‬و ال يعفى المالك إال إذا أثبت عدم تعديه أو‬ ‫المالك الرجوع إلى من كان البناء تحت حراسته‬

‫‪ -218‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.011‬‬


‫‪ -219‬عسالي عبد الكريم ‪ " ،‬إعفاء المؤجر التمويلي من التزاماته العقدية " ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.511‬‬
‫‪ -220‬أنظر المادة ‪ 215‬من األمر رقم ‪ ، 11/71‬يتضمن القانون المدني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬و المقصود بالبناء "هو كل ما‬
‫شيده اإلنسان بالوسائل المعروفة و ما يتصل باألرض كالجسور المخازن و العمارات" ‪ ،‬أما انهيار البناء فيقصد به سقوط‬
‫البناء أو جزء منه ‪ .‬أنظر في ذلك ‪ :‬حوالف عبد الصمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.596‬‬
‫‪ -221‬حوالف عبد الصمد ‪ ،‬مرجع نفسه‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تقصيره ‪. 222‬‬
‫لما كان المستفيد في عقود االعتماد اإليجاري يتمتع بحق االنتفاع باألصل و يتسع نطاق‬
‫توجيهه و اإلشراف عليه دون تدخل المؤجر التمويلي‪ ،223‬فحرص هذا العقد على تضمين شرط‬
‫نمطي يعد المستأجر التمويلي بموجبه حارس لألصل المؤجر اعتبا ار من تاريخ تسلمه له إلى غاية‬
‫‪224‬‬
‫‪ ،‬فيحرص فيه المؤجر التمويلي على تأكيد مسؤولية المستأجر التمويلي في‬ ‫انقضاء مدة العقد‬
‫جميع األحوال سواء كان الضرر ناتجا عن تقصير في االستعمال أو إهماله أو عيب في األصل‬
‫‪226‬‬ ‫‪225‬‬
‫أو القوة القاهرة أو خطأ المقاول‬ ‫‪ ،‬و ال تنفك المسؤولية عليه إال إذا أثبت السبب األجنبي‬
‫‪227‬‬
‫في هذه الحالة يرجع المستأجر التمويلي على هذا األخير بدعوى‬ ‫أو المهندس المعماري‬
‫‪228‬‬
‫‪.‬‬ ‫الضمان أو يرجع على بائع المال باعتباره ملزم بضمان العيوب الخفية‬
‫ثانيا ‪ :‬المسؤولية الناشئة عن حراسة األشياء‬
‫إن األموال المؤجرة إذا كانت أشياء فإن حراستها تتطلب السيطرة الفعلية عليها الستغاللها‬
‫بالنظر إلى طبيعة األشياء أو الظروف المحيطة بها ‪ ،‬و بتطبيق ذلك في عقد االعتماد اإليجاري‬
‫فال شك في وجوب اعتبار المستفيد هو حارس األصل فتنتقل المسؤولية إليه ‪ ،‬فيرتب ذلك‬
‫مسؤوليته عن األضرار التي تلحق الغير بسبب األصل ‪ ،‬لكن ذلك ال يأمن المؤجر التمويلي من‬
‫رجوع المضرور عليه بالمسؤولية و هذا راجع إلى قرينة الحراسة ‪ ،‬حيث يفترض بموجبها مالك‬

‫‪ -222‬بلهامل هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.509‬‬


‫‪ -223‬بن الشيخ هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ -224‬أنظر المادة ‪ 06‬من األمر رقم ‪ ، 96/69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -225‬دويدار هاني محمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ -226‬رايس محمد ‪" ،‬مسؤولية المستأجر في عقد االعتماد اإليجاري طبقا ألحكام مسؤولية المنتج " ‪ ،‬أعمال الملتقى‬
‫الوطني حول عقود األعمال و دورها في تطوير االقتصاد الجزائري ‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬جامعة عبد الرحمان‬
‫ميرة ‪ ،‬بجاية ‪ ،‬يومي ‪ 59‬و‪ 57‬ماي ‪ ، 0950‬ص ‪.709‬‬
‫‪ -227‬أنظر المادة ‪ 571‬من األمر رقم ‪ ، 11/71‬يتضمن القانون المدني ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪-228‬حوالف عبد الصمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.596‬‬

‫‪67‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪229‬‬
‫‪ ،‬فتقوم مسؤولية‬ ‫الشيء هو حارسه و هذا في حالة جهل المضرور بنقله للحراسة لشخص آخر‬
‫المستأجر التمويلي ( الحارس ) على أساس الخطأ المفترض فهي مقررة بحكم قاعدة في القانون ‪،‬‬
‫حيث يمكن نقضها وهذا بإثبات الحالة الطارئة الخارجة عن اإلرادة ‪،231‬‬ ‫‪230‬‬
‫لكن تبقى قرينة بسيطة‬
‫و بالتالي ليس على المضرور إثبات خطأ المستأجر التمويلي إال إذا أثبت هذا األخير أن األصل‬
‫‪232‬‬
‫‪.‬‬ ‫المؤجر لم يكن بيده لحظة وقوع الحادث‬
‫يتبين مما تقدم أن المشرع الجزائري يميل إلى إعفاء المؤجر التمويلي من المسؤولية المدنية‬
‫فهو يشجع العملية التمويلية ‪ ، 233‬بينما تكون مسؤولية المستأجر التمويلي واسعة سواء كانت‬
‫جسمانية أو مادية ‪ ،‬فيتبين جليا اختالل التوازن بين أداءات أطراف هذا العقد ألنه من غير‬
‫المنطق أن يتحمل المستأجر التمويلي جميع األخطار الناجمة عن األصل المؤجر فيعتبر إجحافا‬
‫في حقه ‪.‬‬

‫‪ -229‬و المقصود هنا بالحراسة هو من كانت له قدرة االستعمال و التسيير و الرقابة أما الشيء في نطاق هذه المسؤولية‬
‫فهو كل شيء مادي غير حي باستثناء الحيوانات التي تحكمها المادة ‪ 576‬من ق م ج ‪ ،‬فيعتبر شيئا المنقوالت السيارات‪،‬‬
‫اآلالت الميكانيكية ‪ .‬أنظر في ذاك ‪ :‬حوالف عبد الصمد ‪ ،‬مرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.559‬‬
‫‪ -230‬عسالي عبد الكريم ‪ " ،‬إعفاء المؤجر التمويلي من التزاماته العقدية " ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.511‬‬
‫‪ -231‬بلهامل هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.502‬‬
‫‪ -232‬عسالي عبد الكريم ‪ " ،‬إعفاء المؤجر التمويلي من التزاماته العقدية " ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.511‬‬
‫‪ -233‬أيت ساحد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪68‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المبحث الثاني‬

‫حماية المؤجر التمويلي في مرحلة إنهاء العقد ما بين القواعد اآلمرة و المكملة‬

‫إن عقد التأجير التمويلي من عقود المدة ‪ ،‬ينقضي بانتهاء المدة المتفق عليها و المحددة‬
‫في العقد أي بحلول أجله ‪ ،‬و بذلك يكون العقد قد انقضى نهاية طبيعية عن طريق التنفيذ ‪ ،‬أي‬
‫بأداء كل طرف من أطراف العقد االلتزامات المترتبة عليه بموجب هذا العقد ‪ ،‬ويمنح فيها المؤجر‬
‫التمويلي ثالث خيارات للمستأجر التمويلي كما سيأتي بيانه ( المطلب األول ) ‪.‬‬

‫و لكن قد ينتهي كذلك العقد نتيجة عدم تنفيذ أحد المتعاقدين اللتزاماته ‪ ،‬فهنا نطبق نظرية‬
‫الفسخ و لها خصوصية في عقد اإليجار التمويلي و يتم الفسخ في عقد االعتماد اإليجاري إما بناء‬
‫على طلب المستأجر التمويلي و هو ما يكون ناد ار ‪ ،‬أو من قبل المؤجر التمويلي إذ أخل‬
‫المستأجر التمويلي بالتزاماته وذلك إعماال لشرط الفاسخ الصريح ‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫تكريس حماية للمؤجر التمويلي عند نهاية مدة العقد‬
‫( النهاية الطبيعية )‬
‫إن عقد االعتماد اإليجاري ينقضي بانتهاء مدته المحددة في العقد ‪ ،‬و يمنح المستأجر‬
‫الخيارات الثالثة ‪ ،‬إذ له شراء األصل المؤجر محل عقد االعتماد اإليجاري ‪ ،‬أو رد األصل ‪ ،‬أو‬
‫تجديد العقد لمدة أخرى ‪ ،‬و هذا ما يبين الطابع الخصوصي لهذا العقد ‪ ،‬و هذا ما ورد في نص‬
‫المادة ‪ 59‬من األمر رقم ‪ 96 / 69‬يتضمن االعتماد االيجاري ‪.234‬‬

‫‪ -234‬المادة ‪ 59‬من األمر رقم ‪ ، 96/ 69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الفرع األول‬
‫شراء المستأجر التمويلي األصل المؤجر‬
‫يعتبر هذا الخيار إحدى الخصائص التي تميز عقد اإليجار التمويلي عن العقود التي قد‬
‫تشتبه به و هو بمثابة تنفيذ للمؤجر لوعده المنفرد بالبيع ‪ .‬فما هي أحكام هذا الخيار ؟‬
‫أوال ‪ :‬كيفية شراء األصل المؤجر‬
‫حتى يتمكن المستأجر من الشراء يجب عليه أن يعلن رغبته في الشراء ‪ ،‬فوجب على طرفي‬
‫العقد أن يحددا في العقد الميعاد الذي يجب فيه على المستأجر إبداء رغبته فيها إذا ما قرر هذا‬
‫األخير إعمال هذا الخيار‪ ،‬و إذا لم يكن هناك تحديد لهذا الموعد جاز للمؤجر التمويلي توجيه‬
‫إعالن للمستأجر التمويلي قبل انتهاء مدة العقد كي يحدد موقفه في األصل المؤجر‪ ،‬أما عن‬
‫الطريقة التي يتم بها إعالن المستأجر التمويلي عن رغبته في استعمال خيار الشراء فحددها المشرع‬
‫في رسالة مضمونة الوصول قبل ‪ 51‬يوم من التاريخ المحدد إلعالن الرغبة في الشراء ‪ ،‬وفقا‬
‫للمادة ‪ 21‬فقرة ‪ 5‬من األمر‪ 96/69‬يتضمن االعتماد اإليجاري ‪ ،‬و يترتب عن فوات هذه المدة ‪،‬‬
‫‪235‬‬
‫‪.‬‬ ‫تنازل المستأجر التمويلي عن هذا الحق‬
‫ثانيا ‪ :‬تحديد ثمن شراء األصل المؤجر‬

‫تطبيقا لمبدأ حرية الشخص في التعاقد الذي يعتبر كأساس من األسس التي يقوم عليها مبدأ‬
‫سلطان اإلرادة ‪ ،‬فإن لطرفي العقد الحرية في االتفاق على تحديد ثمن شراء األصل في العقد الذي‬
‫يلتزم المستأجر التمويلي بدفعه إلى المؤجر التمويلي في حالة شرائه لألصول المؤجرة ‪ ،‬و عند‬
‫تحديد الثمن يجب مراعاة أقساط األجرة التي أداها المستأجر إلى المؤجر طوال فترة اإليجار‪ ،‬إذ أن‬
‫القيمة اإليجارية في عقد اإليجار التمويلي تكون مرتفعة نسبيا مقارنة بعقد اإليجار العادي ألنها‬
‫ليست مقابل االنتفاع فقط و إنما تشمل ثمن شراء األصل المؤجر خالل الفترة غير القابلة لإللغاء‬
‫كذلك نفقات إتمام الصفقة و هامش ربح مرض ‪ ،‬لذا يقبل على استعمال خيار الشراء ألنه يتم‬

‫‪ -235‬أنظر المادة ‪ 21‬من األمر رقم ‪ ، 96/69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫مقابل القيمة المتبقية التي لم تغطيها أقساط األجرة ‪ ،‬و على المستأجر التمويلي معرفة الثمن الذي‬
‫سيشتري به األصل المؤجر منذ انطالق مدة اإليجار و يعد ذلك محف از له على استعمال األصل‬
‫استعماال يطيل من عمره ‪ ،‬ألنه هو من سيتملكه في المستقبل ‪ ،‬و يعتبر ذلك أيضا بمثابة ضمان‬
‫‪236‬‬
‫‪ ،‬فلوال هذا التحديد لفرض‬ ‫للمستأجر التمويلي من تعسف المؤجر التمويلي بتضخيم الثمن‬
‫المؤجر التمويلي إرادته على المستأجر التمويلي عند نهاية العقد و يطلب ثمنا مغاال فيه مما‬
‫يضطر المستأجر التمويلي إلى عدم إعمال حقه في الشراء ‪ ،‬كذلك يتفق الطرفان على أداء ثمن‬
‫‪237‬‬
‫و مكان دفعه ‪ ،‬و في حالة عدم االتفاق تطبق‬ ‫شراء األصل محل عقد االعتماد اإليجاري‬
‫القواعد العامة لعقد البيع المنصوص عليها في المادة ‪ 717‬من الق م ج التي تقضي بأنه ‪ " :‬يدفع‬
‫ثمن البيع في مكان تسليم البيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك ‪ ،‬فإذا لم يكن ثمن‬
‫البيع مستحقا وقت تسلم المبيع وجب الوفاء به في المكان الذي يوجد فيه موطن المشتري وقت‬
‫استحقاقه الثمن" ‪238‬و بمجرد دفع المستأجر التمويلي هذا الثمن و وفق ما يقتضيه القانون فإن عقد‬
‫البيع ينعقد ‪ ،‬و يلتزم المؤجر التمويلي بمقتضاه بنقل ملكية األصل إلى المستأجر التمويلي ‪.‬‬
‫نجد أن شراء األصل يعبر عن مصلحة المؤجر التمويلي فمن خالله يؤمنه من رجوع األصل‬
‫إليه و إعادة التفكير في تأجيره أو القيام ببيعه مع صعوبة ذلك ‪ ،‬خاصة إذا ما أهلكه استعمال‬
‫المستأجر التمويلي له ‪.‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫رد المستأجر التمويلي لألصل المؤجر بالحالة المثبتة في محضر التسليم‬
‫في حالة عدم اختيار المستأجر التمويلي شراء األموال المؤجرة أو تجديد العقد ‪ ،‬يصبح خيار‬
‫الرد أم ار طبيعيا فيكون ملزم برد األموال المؤجرة بالحالة الطبيعية و بشكل سليم ‪ ،‬فحرية إرادة‬

‫‪ -236‬خدروش الدراجي ‪ ،‬النظام القانوني لعقد االعتماد اإليجاري في التشريع الجزائري ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في‬
‫الحقوق ‪ ،‬تخصص قانون األعمال ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة منتوري ‪ ،‬قسنطينة ‪ ، 0996 ،‬ص ‪.517‬‬
‫‪ -237‬بخيت عيسى ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.507‬‬
‫‪ -238‬المادة ‪ 717‬من األمر رقم ‪ ، 11 / 17‬يتضمن القانون المدني الجزائري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪239‬‬
‫فيجب أن تنصب على مواضيع غير مخالفة للنظام العام و‬ ‫المستأجر في هذه الحالة مقيدة‬
‫اآلداب العامة‪.240‬‬
‫أوال ‪ :‬تعويض المستأجر التمويلي في حالة تبديد األصل المؤجر‬
‫إن القانون منح الحرية ألطراف العقد في االشتراط و االتفاق وفقا لما يحقق مصالحهم في‬
‫العقد و هذا دون اإلخالل بما نص عليه القانون ‪ ،‬إال أن مبدأ الحرية التعاقدية انتكس مفعوله‬
‫فأصبحت إرادة المشرع تحل محل إرادة األطراف ‪ ،‬حيث ألزم المشرع الجزائري المستأجر التمويلي‬
‫أن يعيد األموال المؤجرة إلى مالكها كما استلمها في الحالة األولى ‪ ،‬فيلتزم المستأجر التمويلي برد‬
‫تلك األصول بالحالة و الشروط المتفق عليها في العقد ‪ ،241‬كما يبين المؤجر التمويلي الحالة التي‬
‫يجب أن تكون عليها األموال المؤجرة عند ردها في نهاية العقد ‪ ،‬و يمكن أن يستعين بخبراء لتقييم‬
‫و معاينة حالة األموال المؤجرة عند ردها و التحقق مما إذا كانت بحالة جيدة أم ال ‪ ،‬فإذا و جدتها‬
‫في حالة استهالك غير عادي و غير مألوف يلزم المستأجر التمويلي بالتعويض ‪ ،‬كما يكون‬
‫المستأجر التمويلي ملزما بدفع تعويض مالي للمؤجر عما لحقه من ضرر و ما فاته من كسب‬
‫‪242‬‬
‫‪.‬‬ ‫لتأخره برد األصل إلى مالكه‬

‫‪www. Howekw. com‬‬ ‫‪ -239‬إبراهيم خليل ‪ ،‬عقد الليزنغ ‪ ،‬مصر ‪ . 0991 ،‬متوافر على الموقع اإللكتروني ‪:‬‬
‫‪ -240‬مهند مختار نوح ‪ ،‬اإليجاب و القبول في العقد اإلداري ( دراسة مقارنة ) ‪ ،‬منشورات الحلبي ‪ ،‬لبنان ‪ ، 0991 ،‬ص‬
‫‪. 15‬‬
‫‪ -241‬بن بريح أمال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.090‬‬
‫‪ -242‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 712‬‬

‫‪72‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ثانيا ‪ :‬امتناع المستأجر التمويلي عن رد األصول المؤجرة‬

‫إذا امتنع المستفيد عن تنفيذ التزامه برد األصل المؤجر طالما لم يعلن عن رغبته في الشراء‬
‫يعد المستأجر التمويلي في هذه الحالة متركبا لجريمة خيانة األمانة و ذلك عمال‬
‫و ال التجديد ‪ّ ،‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪243‬‬
‫بالمادة ‪ 791‬من قانون العقوبات‬

‫فالمؤجر التمويلي يغتنم هذه الفرصة لرفع دعوى جزائية ضد المستأجر إذا لم يرد األموال‬
‫محل عقد االعتماد االيجاري عند انتهاء مدة اإليجار‪ ،‬و تطبق عليه عقوبة إساءة األمانة إذا امتنع‬
‫‪244‬‬
‫‪.‬‬ ‫عن الرد بصفته مستأج ار لها‬

‫وأشار د‪".‬عسالي عبد الكريم " إلى أن ملكية األصل المؤجر تظل للمؤجر التمويلي ‪ ،‬لذلك‬
‫يعد مرتكبا‬
‫ال يمكن للمستأجر التمويلي أن يتصرف في هذه األشياء و إذا حدث و أن بددها ‪ ،‬فإنه ّ‬
‫لجريمة خيانة األمانة‪. 245‬‬

‫الفرع الثالث‬
‫تجديد المستأجر التمويلي لعقد االعتماد االيجاري‬

‫إذا انتهت مدة عقد االعتماد اإليجاري و لم يرغب المستأجر في شراء األصل رغم أن‬
‫حاجاته إلى هذا المال مازالت قائمة ‪ ،‬فيمكنه أن يختار تجديد عقد االعتماد اإليجاري لفترة جديدة‬
‫قد تكون أقل من المدة األولى أو قد تعادلها أو تفوتها ‪ ،‬و هذا بحسب ما يتفق عليه‬
‫الطرفين‪246‬وفقا لإلرادة المشتركة بين المتعاقدين ‪.‬‬

‫‪ -243‬أمر رقم ‪ 519 /99‬مؤرخ في ‪ 1‬جويلية ‪ ، 5699‬يتضمن ق ع ج ‪ ،‬ج ر عدد ‪ ، 26‬صادر في ‪ 55‬جويلية‬
‫‪ ، 5699‬معدل و متمم ‪.‬‬
‫‪ -244‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 712‬‬
‫‪ -245‬عسالي عبد الكريم ‪ "،‬الطبيعة الخاصة و المميزة لعقد االعتماد اإليجاري الدولي" ‪ ،‬المجلة األكاديمية للبحث القانوني‪،‬‬
‫كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬عدد ‪ ، 5‬جامعة عبد الرحمان ميرة ‪ ،‬بجاية ‪ ، 0957 ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪-246‬حوالف عبد الصمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.502‬‬

‫‪73‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فتجديد العقد ال يعتبر تمديدا للعقد األول ألن شروط العقد األول تختلف عن شروط العقد‬
‫الثاني بحيث يكون العقد الجديد أقل حدة من العقد األصلي ‪ ،‬حيث تكون مدته أقل و أجرته كذلك‪،‬‬
‫نظ ار لالضمحالل االقتصادي لألصل و نظ ار إلى أن المستأجر قد استرد أكبر قسط من المال‬
‫‪ ،‬و يشترط أن يكون هذا التجديد صريحا و ليس ضمنيا ألن تجديد عقد‬ ‫‪247‬‬
‫الذي كلفه شراء األصل‬
‫االعتماد اإليجاري يكون بشروط جديدة أخف من شروط العقد األول ‪ ،‬خاصة ما يتعلق بالقيمة‬
‫اإليجارية ‪ ،‬هذا خالفا للقواد العامة التي تقرر بالتجديد الضمني عندما ينتهي العقد السابق و‬
‫يستمر المستأجر في االنتفاع باألموال المؤجرة دون معارضة من المؤجر و يعتبر هذا التجديد‬
‫الضمني إيجا ار جديدا ال مجرد امتداد لإليجار األصلي‪ ، 248‬فتجديد العقد من مصلحة المؤجر‬
‫التمويلي حيث يحقق مزايا أكثر من تلك التي يحققها في حالة فسخه ما إذا سمحت القدرات المالية‬
‫للمستأجر التمويلي بمواصلة دفع أقساط اإليجار‪ ، 249‬و ينتهي العقد الجديد بانتهاء المدة المتفق‬
‫عليها ‪ ،‬و إذا لم يتضمن العقد الجديد مدة يعتبر مجددا لمدة مماثلة للمدة األولى وفقا للقواعد‬
‫‪.‬‬ ‫‪250‬‬
‫العامة ‪ ،‬و عند حلول أجل العقد الجديد يكون للمستأجر التمويلي نفس خيارات العقد األول‬
‫المطلب الثاني‬
‫تكريس حماية مبالغ فيها للمؤجر التمويلي في حالة فسخ العقد‬
‫(النهاية غير الطبيعية )‬
‫إن عقد التأجير التمويلي من العقود الملزمة لجانبين ‪ ،‬فهو يرتب التزامات في ذمة كل طرف‬
‫من أطرافه ولهذا فيعمل المؤجر التمويلي على إعمال الشرط الفاسخ في عقوده ‪ ،‬ليقي نفسه من‬
‫عجز المستأجر التمويلي ‪.‬‬

‫‪ -247‬ناصيف إلياس ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.777‬‬


‫‪ -248‬بن بريح أمال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.016‬‬
‫‪ -249‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.052‬‬
‫‪ -250‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.715‬‬

‫‪74‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الفرع األول‬
‫الشرط الفاسخ الصريح في العقد‬
‫إن من الصعب تصور و إثبات خطأ المؤجر التمويلي فهو الذي يقوم بترتيب هذا العقد‬
‫بشكل ال يسمح له بالخطأ ‪ ،‬مقارنة بالمستأجر التمويلي الذي يكون مهددا بالفسخ في كل فترة‬
‫العقد‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬إخالل المستأجر التمويلي بأحد التزاماته التعاقدية‬
‫يعتبر االلتزام بدفع األجرة من أهم االلتزامات الملقاة على عاتق المستأجر التمويلي في عقد‬
‫اإليجار التمويلي‪ ، 251‬و قد نصت المادة ‪ 70‬من األمر‪ 96/69‬على ما يلي ‪ " :‬يجب على‬
‫المستأجر التمويلي أن يدفع للمؤجر التمويلي مقابل حق االنتفاع باألصل المؤجر وفي التواريخ‬
‫المتفق عليها ‪ ،‬المبالغ المحددة كإيجارات في العقد‪.252‬‬
‫و يظهر جليا انتكاس مبدأ سلطان اإلرادة فيما يخص أسباب فسخ هذا العقد إذ أن‬
‫المستأجر التمويلي إمكانية منحه طلب الفسخ ضئيلة جدا مقارنة بالمؤجر التمويلي ‪ ،‬فالمشرع‬
‫الجزائري شدد في أسباب الفسخ حيث أن إخالل المستأجر التمويلي بدفعه لقسط واحد فقط من‬
‫اإليجار و أي مخالفة منه ألي من الشروط العامة أو الخاصة يمنح الحق للمؤجر التمويلي فسخ‬
‫العقد نظ ار أن التزامات المستأجر التمويلي أتت بصياغة آمرة ‪ ،‬هذا إلى جانب حق المؤجر‬
‫التمويلي في طلب إلزام المستأجر بدفع بدالت اإليجار المستحقة و التعويض عما لحقه من ضرر‬
‫‪253‬‬
‫‪.‬‬ ‫ناتج عن عدم قيام المستأجر بدفع بدل اإليجار‬

‫‪ -251‬بن الشيخ هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.557‬‬


‫‪ -252‬المادة ‪ 70‬من األمر رقم ‪ 96 / 69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -253‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.750‬‬

‫‪75‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ثانيا ‪ :‬عجز المستأجر التمويلي عن مواجهة أعبائه المالية‬

‫رغم أن القواعد العامة تقضي بعدم جواز طلب فسخ العقد طالما لم يخل المتعاقد بالتزاماته‬
‫‪254‬‬
‫إال أن المؤجر التمويلي ليقي نفسه من خطر إعسار المستأجر التمويلي و عجزه عن‬ ‫العقدية‬
‫مواجهة األعباء الناشئة عن العقد ‪ ،‬يضمن عقوده دائما شرطا فاسخا صريحا في العقد إذا ما‬
‫نظر إلعفاء المؤجر التمويلي‬
‫صدر قرار بإشهار إفالس المستأجر و بالتالي فسخ العقد ‪ ،‬و هذا ا‬
‫نفسه من معظم التزاماته و إلقائها على عاتق المستأجر التمويلي بحكم أنها أتت بصياغة مكملة‬
‫مقارنة بالتزامات المستأجر التمويلي ‪ ،‬لهذا يتحمل هذا األخير أعباء اإلصالحات الكبرى و‬
‫الصغرى مما يرتب العجز عن مواجهة هذه األعباء في حالة إفالسه ‪ ،‬وعلة اعتبار اإلفالس سبب‬
‫فسخ عقد اإليجار التمويلي هو االعتبار الشخصي ‪ ،‬و يعتبر اإلفالس أحد طرق التنفيذ على أموال‬
‫‪255‬‬
‫‪.‬‬ ‫التاجر المدين المتوقف على أداء ديونه المستحقة‬

‫ووفاء المستأجر التمويلي المفلس اللتزاماته التعاقدية يكاد يكون معدوم ألن الحكم بشهر‬
‫اإلفالس يغل هذا األخير عن إدارة أمواله من تاريخ صدور الحكم بشهر اإلفالس و كذلك تخليه‬
‫عن كل سلطة في التصرف في هذه األموال‪ ، 256‬فعند إعالن شهر إفالس المستأجر التمويلي ال‬
‫تدخل األموال المؤجرة ضمن الضمان العام للدائنين و ال ضمن أموال التفليسة هذا ألن تلك‬
‫األموال ليست ملك له بل هي ملك للشركة المؤجرة و هو ما يؤكده عقد االعتماد اإليجاري‪.257‬‬

‫‪ -254‬بن الشيخ هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.570‬‬


‫‪ -255‬نادر عبد العزيز ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.705‬‬
‫‪ -256‬بخيت عيسى ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.506‬‬
‫‪ -257‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.502‬‬

‫‪76‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ثالثا ‪ :‬و فاة المستأجر التمويلي‬


‫يفسخ عقد التأجير التمويلي بوفاة المستأجر التمويلي أو الشريك المتضامن في شركة‬
‫األشخاص المستأجرة ‪ ،‬وهذا يمثل خروجا عن مبدأ انتقال العقد إلى الورثة علة ذلك أنه ينعقد‬
‫بالنظر لالعتبار الشخصي فمن المنطق أن ينتهي العقد الذي روعي اعتباره الشخصي في انعقاد‬
‫‪ ،‬فيراعى كذلك في إنهاءه ‪ ،‬فالمؤجر التمويلي ال يرضى بالتأجير من الباطن‪. 259‬‬ ‫‪258‬‬
‫العقد‬
‫إن عقود االعتماد اإليجاري تسمح للمؤجر التمويلي بالتواجد في وضعية مميزة أكثر من أي‬
‫دائن آخر و إذا حصل و توفي المستأجر التمويلي فإن العقد يصبح منفسخا ‪ ،‬و بالتالي يسترجع‬
‫المؤجر التمويلي األصل محل اإليجار ‪ ،‬فاقدا بذلك األقساط المتبقية التي لم تستحق ‪ ،‬لكنه ال‬
‫يفقد القيمة التجارية و االقتصادية لألصل عن طريق إعادة بيعه أو إعادة تأجيره ‪ ،‬و يستفيد‬
‫المؤجر التمويلي من تأمين على الحياة يبرمه المستأجر بمبلغ مساوي لثمن اقتناء األصل ‪ ،‬فموت‬
‫المستأجر التمويلي يصبح في بعض األحيان الوضعية األكثر إفادة للمؤجر التمويلي ‪ ، 260‬من‬
‫هنا يظهر االختالل في توازن هذا العقد حتى في ما يخص عملية الفسخ ‪ ،‬و يعتبر فسخ العقد‬
‫قبل انقضائه األصلح للمؤجر التمويلي بما أنه يسترد العين المؤجرة قبل هالكها ‪.‬‬
‫الفرع الثاني‬
‫الطابع االنفرادي للشرط الفاسخ الصريح في العقد‬
‫يتميز الشرط الفاسخ الصريح في عقد االعتماد اإليجاري عما هو في القواعد العامة ‪ ،‬و‬
‫يظهر ذلك من خالل أن هذا الشرط يكون دائما لصالح المؤجر التمويلي ‪ ،‬لكن بالمقارنة مع‬
‫المستأجر التمويلي يكون دائما مقيد بشروط معينة يحددها المؤجر ‪.‬‬

‫‪ -258‬ومفهوم االعتبار الشخصي للمستأجر التمويلي في مجال العقود أن مقومات المتعاقد الشخصية من حيث الكفاءة و‬
‫الخلق و االئتمان تلعب دور جوهري في نشأة الرابطة العقدية و تنفيذها ‪ ،‬و للمزيد من التفاصيل أنظر ‪ :‬بخيت عيسى ‪،‬‬
‫مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.506‬‬
‫‪ -259‬ا لصفدي عبير الطوال ‪ ،‬التأجير التمويلي ( مستقبل صناعة التمويل ) ‪ ،‬دار المناهج للنشر و التوزيع ‪ ،‬عمان ‪،‬‬
‫‪ ، 0957‬ص ‪.77‬‬
‫‪ -260‬فخري رياض ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 16‬‬

‫‪77‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫أوال ‪ :‬الشرط الفاسخ يرد دائما لصالح المؤجر التمويلي‬


‫تنص المادة ‪ 556‬فقرة ‪ 5‬من التقنين المدني الجزائري على مايلي ‪ " :‬في العقود الملزمة‬
‫لجانبين إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد اآلخر بعد إعذاره المدين أن يطالب بتنفيذ‬
‫العقد أو فسخه ‪ ،‬مع التعويض في الحالتين إذا اقتضى الحال ذلك " ‪ ،‬حيث يحق لطرفي العقد‬
‫طلب فسخه إذا ما أخل الطرف اآلخر بتنفيذ التزاماته التعاقدية و هذا ما يتضح كذلك من نص‬
‫‪261‬‬
‫‪ ،‬إال أن هذا ال يعمل‬ ‫المادتين ‪ 57‬و ‪ 09‬من األمر رقم ‪ 96 / 69‬يتضمن االعتماد اإليجاري‬
‫به في الواقع العملي لعقود االعتماد اإليجاري و هذا بالنظر إلى االلتزامات الثالثة الرئيسية التي‬
‫يتحملها بصفته مؤج ار للشيء و التي يتم تنفيذها بشكل يجعل خطأه غير وارد بما يسبب في‬
‫الفسخ‪ ،262‬و لهذا فال يحق للمستأجر التمويلي طلب فسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المؤجر التمويلي‬
‫اللتزاماته نظ ار لصعوبة إثارة مسؤوليته و إثباتها‪. 263‬‬
‫فالتسليم كما سبق شرحه يتم مباشرة بين المورد و المستأجر ‪ ،‬باعتبار هذا األخير و كيال‬
‫للمؤجر بهذا الخصوص و كل خطأ في التسليم ‪ ،‬ال يمكن أن يتحمله إال المستأجر بصفته كوكيل‬
‫أخطأ في تنفيذ و كالته‪ ، 264‬و أيضا في حالة إذا لم يتم التنفيذ أو تم بشكل سيء من قبل المورد‬
‫‪265‬‬
‫‪ ،‬أما في ما يخص‬ ‫هنا أيضا يمكن إثارة مسؤولية المستأجر كوكيل في اختيار األصل و المورد‬
‫صيانة الشيء فإن اإلصالحات التي تنص عليها القواعد العامة عادة ما يتحملها المؤجر التمويلي‪،‬‬
‫لكن في عقود التأجير التمويلي دائما ما يعفي نفسه من كل التزام يتعلق بالصيانة و يعمل على‬
‫تحميل المستأجر التمويلي بها ‪ .‬و في األخير و كما رأينا سابقا دائما ما يعفي المؤجر التمويلي‬
‫نفسه أيضا من كل التزام بالضمان محوال التزامه بهذا الشأن إلى المستأجر التمويلي و بالتالي ال‬

‫‪-261‬أنظر المادة ‪ 56‬ف ‪ 5‬من األمر رقم ‪ ، 11/71‬يتضمن القانون المدني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ .‬و المواد ‪ 57‬و ‪ 09‬من‬
‫األمر رقم ‪ ، 96/69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -262‬فخري رياض ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -263‬دويدار هاني ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.299‬‬
‫‪264‬‬
‫‪- BEY-el Mokhtar & GAVALDA Christian, Le crédit-bail mobilier collection que suis-je ? p.u.f Paris , 1er‬‬
‫‪éd, 1981 , p 13 .‬‬
‫‪265‬‬
‫‪- CREMIEUX Israël : Leasing et crédit - bail mobilier , aspects juridiques comptables est fiscaux , Dalloz ,‬‬
‫‪Paris , 1975 , p 53 .‬‬

‫‪78‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫يمكن إثارة مسؤولية المؤجر التمويل و ال طلب فسخ العقد على أساس إخالله بهذا االلتزام‪ ،266‬و‬
‫من هنا يظهر اختالل التوازن الفادح في األداءات بين طرفي العقد ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬طلب الفسخ من طرف المستأجر التمويلي دائما مقيد بشروط من المؤجر التمويلي‬

‫إن مبدأ سلطان اإلرادة له دور في إنشاء حقوق و التزامات األطراف فإن األصل أن العقد‬
‫شريعة المتعاقدين فلكل من الطرفين طلب الفسخ إذا أخل الطرف اآلخر بالتزاماته ‪ ،‬وهذا أيضا ما‬
‫نص عليه األمر ‪ 96/69‬يضمن االعتماد اإليجاري ‪ ،‬إال أن الواقع عكس ذلك نتيجة تقييد المشرع‬
‫الجزائري لحق المستأجر التمويلي في طلب فسخ عقد االعتماد اإليجاري بعدم استعماله طوال المدة‬
‫غير القابلة لإللغاء طبقا للمادة ‪ 59‬فقرة ‪ 7‬من األمر ‪ 96 / 69‬السالف الذكر ‪ ،‬التي تنص على‬
‫ما يلي‪ " :‬يضمن للمؤجر قبض مبلغ معين من اإليجار مدة تدعى " الفترة غير القابلة لإللغاء " ال‬
‫‪ ،‬تكون المدة غير القابلة‬ ‫‪267‬‬
‫يمكن خاللها إبطال اإليجار إال إذا اتفق الطرفان على خالف ذلك"‬
‫لإللغاء موافقة لمدة اإليجار التي يتم تحديدها باتفاق األطراف‪ ، 268‬أما عن مدة اإليجار فإنها يمكن‬
‫أن توافق المدة المتوقعة للعمر االقتصادي لألصل المؤجرة فالمستأجر التمويلي ال يحق له طلب‬
‫فسخ العقد إذا هلكت األموال موضوع عقد االعتماد اإليجاري قبل نهاية مدة اإليجار المتفق عليها‪،‬‬
‫كما أنه ال يستطيع طلب فسخ العقد نظ ار لكون أداءات المؤجر التمويلي تنحصر في حدود ضيقة‬
‫ال تترك مجاال واسعا إلثارة مسؤوليتها‪ .‬و يشترط على المستأجر التمويلي الحصول على موافقة‬
‫المؤجر التمويلي في حالة التزامه بتقديم مستأجر جديد ‪ ،‬و ال ينتج الفسخ في هذه الحالة إال من‬
‫يوم إبرام عقد اإليجار الجديد في عقد اإليجار‪ .‬فافسخ العقد من قبل المستأجر التمويلي ال يكون له‬
‫أية فائدة من الناحية العملية نظ ار الضطرار هذا األخير إلى المضي في تنفيذ العقد حتى نهايته‪،‬‬
‫بمجرد استالمه لألصل المؤجر عوض فسخه ‪ ،‬بما أنه الصلح له‪.269‬‬

‫‪ -266‬فخري رياض‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫‪ -267‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.577‬‬
‫‪ -268‬أنظر في ذلك المادة ‪ 50‬فقرة ‪ 5‬من األمر رقم ‪ ، 96 /69‬يتضمن االعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -269‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.571‬‬

‫‪79‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫الفرع الثالث‬
‫خصوصية آثار الفسخ‬
‫يترتب على فسخ العقد كقاعدة عامة زوال االلتزامات التي نشأت عنه ‪ ،‬فيصبح العقد ال‬
‫وجود له‪ ،270‬فهذا األثر يصعب تطبيقه على عقد االعتماد اإليجاري ألن الفسخ فيه يرتب أثره وقت‬
‫‪271‬‬
‫‪.‬‬ ‫الحكم به‬
‫أوال ‪ :‬استرداد المؤجر التمويلي لألصل المؤجر‬
‫يؤدي فسخ عقد االعتماد اإليجاري إلى استرداد المؤجر التمويلي لألموال المؤجرة باعتباره‬
‫المالك لها ‪ ، 272‬وهذا مقابل أقساط األجرة المدفوعة فهي ذو أهمية فهي مصدر دخل المؤجر‬
‫التمويلي‪. 273‬‬
‫‪ -1‬كيفية استرداد األصل المؤجر‪:‬‬
‫يلتزم المستأجر التمويلي برد األصل عند نهاية مدة اإليجار كاملة و بحالة جيدة و إال اعتبر‬
‫مرتكبا لجريمة الخيانة كما سبق شرحه ‪.‬‬
‫نصت على استرداد المؤجر التمويلي لألصول المؤجرة على إثر فسخ العقد المادة ‪ 09‬من‬
‫األمر رقم ‪ 96 / 69‬المتعلق باالعتماد اإليجاري على ما يلي ‪ ":‬يمكن المؤجر التمويلي طوال مدة‬
‫عقد االعتماد اإليجاري و بعد إشعار مسبق و ‪ /‬أو إعذار لمدة خمسة عشرة (‪ )51‬يوما كاملة ‪،‬‬
‫حدا لحق المستأجر في االنتفاع باألصل المؤجر و استرجاعه بالتراضي أو عن طريق‬
‫أن يضع ّ‬
‫مجرد أمر غير قابل لالستئناف يصدر بذيل العريضة عن رئيس محكمة مكان إقامة المؤجر ‪ ،‬و‬
‫ذلك في حالة عدم دفع المستأجر التمويلي قسطا واحدا من اإليجار‪ ،‬و في هذه الحالة يمكن‬
‫المؤجر أن يتصرف في األصل المسترجع عن طريق تأجيره ‪ ،‬أو بيع أو رهن الحيازة أو عن طريق‬

‫‪ -270‬حمو حسينة ‪ ،‬انحالل العقد عن طريق الفسخ ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون ‪ ،‬تخصص قانون المسؤولية‬
‫المهنية ‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية ‪ ،‬جامعة مولود معمري ‪ ،‬تيزي وزو‪ ، 0955 ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ -271‬بن بريح أمال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.076‬‬
‫‪ -272‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ، ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.729‬‬
‫‪ -273‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.579‬‬

‫‪80‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫ّأية وسيلة قانونية أخرى لنقل الملكية ‪ ،‬و يعد كل بند مخالف لعقد االعتماد اإليجاري بندا غير‬
‫محرر"‪ . 274‬يتضح من خالل المادة أنه يحق للمؤجر التمويلي استرداد األصل المؤجر سواء كان‬
‫بالتراضي أو عن طريق القضاء ‪ ،‬كلما توقف المستأجر عن دفع و لو لقسط واحد من أقساط‬
‫األجرة ‪ ،‬و لكن بعد إشعار أو إعذار هذا األخير بذلك لمدة ‪ 51‬يوما كاملة ‪.‬‬
‫إن المشرع الجزائري منح الحق للمؤجر التمويلي في حالة إفالس المستأجر التمويلي أو في‬
‫إطار التسوية القضائية باسترداد األصل نظ ار لالمتياز الذي يتمتع به بين جماعة الدائنين العاديين‬
‫‪275‬‬
‫‪.‬‬ ‫خصوصا االحتفاظ بالملكية‬
‫يحتفظ المؤجر التمويلي بملكية األصل المؤجر طيلة مدة اإليجار ضمانا ضد مخاطر إعسار‬
‫المستفيد و يتم إعمال هذا الضمان عند فسخ العقد من خالل استرداد األصل ‪ ،‬فالواقع ال يمثل هذا‬
‫االسترداد استعادة المؤجر التمويلي لألصل المؤجر بقدر ما هو استئثار بالقيمة السوقية لألصل‬
‫التي تسمح بإهالك ما لم يتم إهالكه من رأس مال الشركة من خالل أقساط األجرة و هذا‬
‫بالتصرف فيه سواء بالبيع أو التأجير ‪ ،‬وهذا عمال بالمادة ‪ 09‬من األمر رقم ‪ 09/96‬السالف‬
‫‪276‬‬
‫‪ ،‬و يترتب على استرداد المؤجر التمويلي لألصل استرداد حقه في التصرف فيه من‬ ‫الذكر‬
‫جديد بالتنازل عليه ‪ ،‬رهنه أو إيجاره ‪.277‬‬

‫‪-2‬أهمية القيمة السوقية لألصل المؤجر‬

‫‪ -274‬المادة ‪ 09‬من األمر رقم ‪ ، 96 / 69‬يتعلق باالعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -275‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.577‬‬
‫‪ -276‬بن الشيخ هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.577‬‬
‫‪ -277‬و ذلك طبقا للفقرة الثانية من المادة ‪ 09‬أعاله " ‪ ...‬و في هذه الحالة يمكن المؤجر التمويلي أن يتصرف في األصل‬
‫المسترجع عن طريق تأجير أو بيع أو رهن الحيازة أو عن طريق الحيازة أم عن أية وسيلة قانونية أخرى لنقل الملكية ‪. "...‬‬

‫‪81‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫إن فسخ عقد االعتماد اإليجاري يضمن للمؤجر التمويلي في استرداد ثمار الشيء باعتباره‬
‫‪278‬‬
‫‪،‬إال أن استرداده لألصل المؤجر ال يهمه بقدر ما تهمه قيمته السوقية عند االسترداد بما‬ ‫ملكا له‬
‫أنه يتصرف فيه مرة أخرى إما بالبيع أو إيجاره من جديد لصالح مستأجر آخر من أجل إهالك‬
‫كامل رأسماله الذي لم يتم إهتالكه من خالل أقساط اإليجار المدفوعة ‪ ،‬وقيمة األصل السوقية‬
‫تبقى بالغة األهمية في أي مرحلة يكون فيها العقد و حتى عند نهاية مدة العقد‪ ،‬فكلما تم فسخ‬
‫عقد االعتماد اإليجاري خالل فترة قصيرة من إبرام العقد يحتفظ األصل بقيمته ‪ ،‬بمعنى أنه عند‬
‫استرداد المؤجر التمويلي لذلك األصل تزداد فرص إعادة بيعه أو إيجاره بقيمة مرتفعة من تلك التي‬
‫يمكن أن يتم بها إعمال الفسخ بعد مرور مدة طويلة من إبرام العقد‪ ، 279‬وعند نهاية مدة العقد‬
‫وارجاع المستأجر أصل المؤجر يجب أن تكون القيمة المتبقية تساوي القيمة السوقية تفاديا لتحمل‬
‫‪280‬‬
‫‪.‬‬ ‫الخسارة من طرف المؤجر التمويلي و إال فهو يواجه مخطر القيمة المتبقية‬
‫ثانيا ‪ :‬إعمال المؤجر التمويلي للشرط الجزائي حماية لمصلحته‬
‫إن الطبيعة المالية لعقد االعتماد اإليجاري تجعل من المؤجر التمويلي الطرف األكثر‬
‫‪281‬‬
‫‪.‬‬ ‫تضر ار من الفسخ هذا ما أدى إلى إعماله لشرط جزائي ضمن الشروط العامة لعقوده‬

‫‪-1‬الطابع الخصوصي للشرط الجزائي‬

‫‪ -278‬سليمان براك دايح ‪ " ،‬الفسخ بوصفه ضمانا للتنفيذ " ‪ ،‬مجلة كلية الحقوق للعلوم القانونية و السياسية ‪ ،‬كلية القانون‪،‬‬
‫‪http:// www.iasj.net/‬‬ ‫جامعة األنبار‪ ،‬العراق ‪ ،‬د س ‪ ،‬ص ‪ . 552‬متوافر على الموقع‬
‫‪ -279‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 577‬‬
‫‪ -280‬حجاج منال ‪ ،‬االعتماد اإليجاري بين المعيار المحاسبي الدولي رقم (‪ )57‬و المعيار المحاسبي اإلسالمي رقم (‪)91‬‬
‫بالتطبيق على حالة الجزائر ( دراسة حالة ناتكسيس الجزائر و بنك البركة لسنة ‪ ، ) 0955‬مذكرة لنيل شهادة الماستير ‪،‬‬
‫تخصص دراسات محاسبية و جبائية معمقة ‪ ،‬كلية العلوم التجارية و التسيير و العلوم االقتصادية ‪ ،‬جامعة قاصدي مرباح‪،‬‬
‫ورقلة ‪ ، 0955 ،‬ص ‪. 11‬‬
‫‪ -281‬دويدار هاني محمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 157‬‬

‫‪82‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫تنص المادة ‪ 579‬من التقنين المدني الجزائري على أنه ‪ " :‬إذا استحال على المدين أن ينفذ‬
‫االلتزام عينا حكم عليه بتعويض الضرر الناجم عن عدم تنفيذ التزامه ‪ ،‬ما لم يثبت أن استحالة‬
‫‪282‬‬
‫التنفيذ نشأت عن سبب ال يد له فيه ‪ ،‬و يكون الحكم كذلك إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه"‬
‫و يتضح من خالل هذه المادة أن وضع البند الجزائي لتعويض المؤجر عن األضرار التي تلحق به‬
‫من جراء عدم تنفيذه دون أن يكون له يد في استحالة التنفيذ ‪ ،‬و هذا ما ينطبق على عقد االعتماد‬
‫‪283‬‬
‫في حالة إخالل المستأجر التمويلي‬ ‫اإليجاري إذ يستحق مبلغ التعويض المحدد في العق د‬
‫‪284‬‬
‫‪ ،‬و تنص المادة ‪ 57‬من األمر رقم ‪ 96 / 69‬المتعلق باالعتماد اإليجاري‬ ‫بالتزاماته التعاقدية‬
‫على ما يلي ‪ " :‬إن فسخ عقد االعتماد اإليجاري خالل الفترة الغير القابلة لإللغاء من قبل طرف‬
‫من األطراف ‪ ،‬تمنح الطرف اآلخر حق التعويض الذي يمكن تحديد مبلغه ضمن العقد في إطار‬
‫بند خاص ‪ ،‬أو في حالة انعدام ذلك ‪ ،‬عن طريق الجهة القضائية المختصة وفقا لألحكام القضائية‬
‫‪285‬‬
‫المطبقة على الفسخ التعسفي للعقود"‬
‫و يتضح من خالل المادة أن فسخ عقد االعتماد اإليجاري من قبل المؤجر التمويلي يرتب‬
‫إضافة إلى استرداد األصل المؤجر ‪ ،‬إلى تضمين عقوده بندا باالتفاق مع الطرف األخر يفرض‬
‫من خالله جزاء عن فسخ العقد في حالة إخالل المستأجر التمويلي بالتزاماته التعاقدية و هو ما‬
‫يعرف بالشرط‬
‫‪286‬‬
‫‪ .‬ويجب أن ال يقل مبلغ التعويض إذا كان المستأجر التمويلي في حالة عدم‬ ‫الجزائي‬
‫قدرة حقيقية عن الوفاء بالمبلغ الخاص باإليجارات المستحقة المتبقية ‪ ،‬و التي تعتبر في هذه الحالة‬

‫‪ -282‬المادة ‪ 579‬من األمر رقم ‪ ، 11 / 71‬يتضمن القانون المدني الجزائري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -283‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.529‬‬
‫‪ -284‬نادر عبد العزيز شافي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.719‬‬
‫‪-285‬أنظر المادة ‪ 57‬ف ‪ 0‬من األمر رقم ‪ ، 96 / 69‬يتضمن االعتماد اإليجاري ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -286‬يقصد بالشرط الجزائي مبلغ التعويض المحدد مسبقا أثناء العقد ‪ ،‬أو في اتفاق الحق عن الضرر الممكن حدوثه عند‬
‫إخالل أحد المتعاقدين بتفيذ التزامه ‪ ،‬و هو ما جاء في المادة ‪ 517‬من ق م ج ‪ .‬أنظر في ذلك ‪ :‬أيت ساحد كهينة ‪،‬‬
‫مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.579‬‬

‫‪83‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫بمثابة تعويض اتفاقي عن فسخ العقد‪ ،287‬إال إذا وجد اتفاق على خالف ذلك كأن يشتمل مبلغ‬
‫التعويض عالوة على أقساط اإليجار المستحقة و غير المدفوعة من كل ملحقاتها ‪ ،‬مبلغ مالي‬
‫معادل لمجموع أقساط اإليجار التي لم يحن وقت استحقاقها بعد عند تاريخ فسخ العقد ‪ ،‬و كذا‬
‫الضرائب و الرسوم المستحقة للمستأجر‪.‬‬
‫ويحدد التعويض االتفاقي في القواعد العامة ‪ ،‬بما لحق الدائن من خسارة عمال بالمادة ‪510‬‬
‫فقرة ‪ 5‬من األمر رقم ‪ 11 /71‬يتضمن القانون المدني الجزائري‪ ، 288‬أما في عقد االعتماد‬
‫اإليجاري يتم تحديده على أساس أقساط األجرة المستحقة المتبقية حرصا من المؤجر التمويلي‬
‫على ضمان إهالك كامل رأسمالها و الحصول على عوائده على نحو يسمح له بتحقيق الربح وفقا‬
‫للمادة ‪ 57‬فقرة ‪ 5‬من األمر رقم ‪ 96 /69‬يتضمن االعتماد اإليجاري ‪ ،‬و يقصد باألجرة المتبقية‬
‫‪289‬‬
‫‪.‬‬ ‫األجرة المستحقة غير المدفوعة و التي تستحق مستقبال‬

‫و يسعى المؤجر التمويلي من خالل تنفيذ عقد االعتماد اإليجاري إلى تحقيق هدفه الجوهري‬
‫الذي يمثل في تحقيق كامل رأسماله ‪ ،‬و يتحقق هذا اإلهالك بمضيه في تنفيذ العقد ‪ ،‬لذلك يمكن‬
‫أن يواجه مخاطر كلما تم فسخ العقد ‪ ،‬األمر الذي يدفعه إلى إلزام المستأجر التمويلي بدفع‬
‫التعويض المقرر بموجب الشرط الجزائي الوارد في العقد ‪ ،‬من أجل ضمان إهالك رأسماله إضافة‬
‫‪290‬‬
‫‪.‬‬ ‫إلى استرداد األصل المؤجر نتيجة الفسخ‬

‫ويظهر إذن دور الشرط الجزائي في نفس الدور الذي يلعبه استرداد األصل نتيجة فسخ‬
‫العقد‪ ،‬كما أن كل منهما يمكن أن يعرض المؤجر التمويلي إلى مخاطر مختلفة ‪ ،‬فإذا كان استرداد‬
‫األصل يعرض هذا األخير إلى مخاطر تسويق األصل ‪ ،‬فإنه يتعرض في حالة عدم دفع التعويض‬

‫‪-287‬حوالف عبد الصمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.527‬‬


‫‪ -288‬أنظر المادة ‪ 510‬ف ‪ 5‬من األمر رقم ‪ ، 11 / 71‬يتضمن ق م ج ‪ ،‬مرجع سابق ‪.‬‬
‫‪ -289‬إال أن هناك من يحدد التعويض بجميع أقساط األجرة المتبقية ‪ ،‬أما البعض اآلخر فإنه يحدده بنسبة محددة من هذه‬
‫األقساط فقط ‪.‬‬
‫‪- Pascal PHILIPPOSSAIN , Op Cit , P 340 .‬‬
‫‪290‬‬

‫‪84‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫اإلتفاقي لمخاطر إعسار المستأجر التمويلي و عجزه عن مواجهة أعبائه المالية و من أجل التقليل‬
‫من هذه المخاطر يجمع المؤجر التمويلي بين أمرين فيفرض التزاما على المستأجر التمويلي بدفع‬
‫‪291‬‬
‫‪.‬‬ ‫التعويض االتفاقي و يبرم مع البائع اتفاقا للمساهمة في التصرف في المنقول‬
‫‪ -2‬المبالغة في الشرط الجزائي ‪:‬‬
‫غالبا ما يحدد مبلغ الشرط الجزائي كتعويض عن الفسخ على أساس بدالت اإليجار المتبقية‬
‫لم تستحق و ذلك بنسبة ‪ 2/1‬أقساط اإليجار المتبقية لم تستحق متضمنة الضرائب منذ تاريخ‬
‫الفسخ ‪ ،‬و قد ترتفع هذه النسبة إلى مجموع األقساط المتبقية ‪ ،‬وقد تنخفض إلى ‪ 7/2‬و ناد ار ما‬
‫تكون النصف ‪ ،‬فإن تحديد التعويض اإلتفاقي بجميع أقساط اإليجار المتبقية التي لم تستحق له‬
‫أكبر دليل على أن ما يهم المؤجر التمويلي هو باألساس ضمان إهالك كامل رأسماله و الحصول‬
‫على ربحه ‪ ،‬فهو يتوقف على حسابات مالية يوازن فيها بين مزايا قبض الشرط الجزائي بعد الفسخ‬
‫و إمكانية توظيف األصل في صفقات جديدة و مقدار عوائد رأس المال الذي ال يحصل عليه‬
‫بسبب فسخ العقد و عدم استكمال الوفاء بأقساط األجرة‪.292‬‬
‫و قد أشار البعض إلى تجاوز الشرط الجزائي الحدود المعقولة نظ ار ألن المؤجر التمويلي‬
‫يجمع بين استرداد األصل بما له من قيمة سوقية من جهة و بين الحصول على مبلغ التعويض‬
‫من جهة أخرى ‪ ،‬فيمكن في هذا الصدد التساؤل عما إذا كان يجوز تبرير هذا الجمع بالمخاطر‬
‫التي يواجهها المؤجر التمويلي التي تتمحور حول مخاطر السوق و مخاطر إعسار المستأجر‬
‫التمويلي؟ لكن مخاطر هذا اإلعسار هي من المخاطر التي يتعرض لها كل دائن في عالقاته‬
‫بمدينه و المؤجر التمويلي هنا يواجه هذا الخطر بالحصول على ضمانات عديدة أهمها على‬
‫اإلطالق حق ملكية األصل المؤجر‪ ،‬و ما يؤكد استعداده لمواجهة هذه المخاطر اتفاقه مع البائع‬
‫على التعاون معه ‪ .‬و بالمقابل يواجه المستأجر التمويلي وضعية صعبة جدا فيلتزم بدفع التعويض‬

‫‪ -291‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 529‬و ‪.527‬‬


‫‪ -292‬فخري رياض ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪ 69‬و ‪.65‬‬

‫‪85‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫و هو يمثل نسبة كبيرة من أقساط بدالت اإليجار التي لم يستطع دفعها باإلضافة إلى التوقف عن‬
‫انتفاعه باألصل المؤجر ‪ ،‬مما يعرضه للتنفيذ الجبري على أمواله للحصول على هذا التعويض‪.293‬‬
‫ثالثا ‪ :‬سلطة القاضي في تعديل الشرط الجزائي‬

‫باستقراء أحكام المواد ‪ 517‬و ‪ 512‬من الق المدني الجزائري‪ ،‬هناك حالتين يتدخل فيها‬
‫القاضي إما إلنقاص الشرط الجزائي أو الزيادة فيه‪ . 294‬لكن هل تطبق هذه األحكام على عقد‬
‫االعتماد اإليجاري ؟‬

‫تنص المادة ‪ 57‬فقرة ‪ 0‬من األمر رقم ‪ 96/69‬سالف الذكر على ‪ " :‬ما عدا القوة القاهرة أو‬
‫التسوية القضائية أو إفالس المستأجر ينجز عنه تصفية هذا األخير عندما يتعلق األمر بشخص‬
‫معنوي ‪ ،‬و بصفة عامة ‪ ،‬ما عدا عدم قدرة حقيقية للمستأجر عن الوفاء ‪ ،‬شخصا طبيعيا كان أو‬
‫معنويا ‪ ،‬فإنه يترتب عن فسخ عقد االعتماد اإليجاري خالل الفترة غير القابلة لإللغاء ‪ ،‬في حالة‬
‫ما إذا تسبب فيه المستأجر‪ ،‬دفع التعويضات المنصوص عليها في الفترة السابقة لصالح المؤجر‪،‬‬
‫بحيث ال يمكن أن يقل مبلغ التعويضات عن المبلغ الخاص باإليجارات المستحقة المتبقية إال إذا‬
‫اتفقا األطراف على خالف ذلك ضمن العقد" ‪.‬‬

‫يالحظ من خالل هذه المادة أنه ال يمكن للمستأجر التمويلي أن يتمسك بما جاء في المادة‬
‫‪ 512‬فقرة ‪ 0‬من التقنين المدني الجزائري السالف الذكر و المطالبة بتخفيض التعويض إلى أقل‬
‫من مجموع أقساط األجرة المستحقة المتبقية ‪ ،‬وهو ما يقصد منه أن هذا األخير هو الحد األدنى‬
‫الذي يمكن أن يكون عليه التعويض االتفاقي و هو ما تأكده المادة ‪ 05‬فقرة ‪ 0‬من األمر رقم ‪/69‬‬
‫‪ 96‬يتضمن االعتماد اإليجاري السالف الذكر‪ ،‬على ‪ " :‬يفصل القاضي في دفع اإليجارات‬

‫‪ -293‬فخري رياض ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.67‬‬


‫‪ -294‬دالي بشير ‪ ،‬مبدأ تأويل العقد ( دراسة مقارنة ) ‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير ‪ ،‬تخصص القانون الخاص ‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق ‪ ،‬جامعة أبو بكر بلقايد ‪ ،‬تلمسان ‪ ، 0991 ،‬ص‪.71‬‬

‫‪86‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫المتبقية و المستحقة و كذا التعويض المغطي للخسائر المحتملة و ما فاته من كسب حسب مفهوم‬
‫المادة ‪ 510‬من القانون المدني الجزائري "‪.295‬‬
‫فيشمل مبلغ التعويض الذي يقوم القاضي بتحديده في حالة عدم تحديده في العقد ‪،‬‬
‫التعويض المغطي للخسائر المحتملة نتيجة عدم إهالك كامل رأسماله المستثمر ‪ ،‬و ما تكبدته من‬
‫نفقات مالية و نفقات تخزين األصل المسترد ‪ ،‬و مصروفات بيعه أو تأجيره ‪ ،‬كما يغطي ما فات‬
‫المؤجر التمويلي من كسب و الذي يتمثل في هوامش الربح المتضمنة في األجرة التي لم يستوفيها‬
‫‪296‬‬
‫‪ ،‬و هذا فضال عما تحصل عليه إثر فسخ العقد من استرداد األصل‬ ‫المستأجر التمويلي بعد‬
‫المؤجر و الذي يكون في أغلب األحوال في حالة جيدة ‪.‬‬
‫فضال عن كل ما قيل آنفا عن إجحاف الشرط الجزائي لحق المستأجر التمويلي لكون هذا‬
‫التعويض ال يعبر عن الضرر الالحق بالمؤجر التمويلي ‪ ،‬عالوة على ذلك فال يسمح بتخفيضه‬
‫من طرف القاضي مقارنة بالتشريعات المقارنة التي تعطي الفرصة للمستأجر التمويلي بدفع مبلغ‬
‫‪297‬‬
‫‪.‬‬ ‫أقل من مجموع أقساط األجرة المتبقية‬
‫و يظهر موقف المشرع الجزائري في الشرط الجزائي من خالل إمعان النظر في نص المادة‬
‫‪ 57‬من األمر رقم ‪ 96/69‬المتعلق باالعتماد اإليجاري أنه كان متأث ار بعدم قابلية عقد االعتماد‬
‫اإليجاري لالنقسام ن هذا ألنه رتب على فسخ عقد االعتماد اإليجاري خالل الفترة غير القابلية‬
‫لإللغاء لعدم قدرة المستأجر على الوفاء أن يدفع هذا الخير تعويضا ال يمكن أن يقل عن ال يمكن‬
‫‪298‬‬
‫‪.‬‬ ‫أن يقل المبلغ الخاص باإليجارات المستحقة‬

‫‪ -295‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.19‬‬


‫‪ -296‬دويدار هاني محمد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.109‬‬
‫‪297‬‬
‫‪-Le juge peut d’office ou a la demande de d’ébiteur reduire la peine qui consiste dans le paiment d’une‬‬
‫‪somme d’éterminée l’orsque cette somme exéde manifestement le montant que les parties pouvaient fixer pour‬‬
‫‪réparer le dommage résultant de l’inexécution de la convention . pour plus d’information consulter MARIE‬‬
‫‪CHristine valcscharts , Leasing immobilier , éd larcier , Bruxel , 2008 , P64 .‬‬
‫‪ -298‬بن الشيخ هشام ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪87‬‬
‫انكماش مبدأ الحرية التعاقدية بعد مرحلة تكوين العقد‬ ‫الفصل الثاني‬

‫فيمكن استنتاج أن المؤجر التمويلي دائما يلجأ إلى تطبيق مبدأ سلطان اإلرادة لصالحه من‬
‫أجل إضافة شروط أو بنود تضمن مصالحه و تحقق أهدافه ‪ ،‬فهو بهذه الحالة يستغل هذا الشرط‬
‫الجزائي و عدم قابليته للتخفيض من القاضي لضمان تعويض األضرار التي يمكن أن تصيبه في‬
‫كل مراحل سريان العقد ‪.‬‬
‫و أخي ار تجدر اإلشارة إلى أن المشرع الجزائري في األمر رقم ‪ 96/69‬المتعلق باالعتماد‬
‫اإليجاري لم ينظم اآلثار القانونية المترتبة على فسخ عقد االعتماد اإليجاري و هذا ما فسح المجال‬
‫لشركات االعتماد اإليجاري و البنوك و المؤسسات المالية المؤهلة لهذه العمليات استغالل هذه‬
‫‪299‬‬
‫‪.‬‬ ‫الثغرات التي نجدها في هذا العقد فوجب على المشرع الجزائري التدخل لسده‬

‫‪ -299‬بن بريح أمال ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.076‬‬

‫‪88‬‬
‫خـــــاتمـــــة‬

‫في الختام يمكن استخالص أن عجز مبدأ سلطان اإلرادة على احتواء تقنية عقد االعتماد‬
‫اإليجاري هو الذي أدى بنا إلى عرض هذا التحليل المتواضع من أجل التنبيه إلى ضرورة إعادة‬
‫صياغة قواعد األمر رقم ‪ 09/96‬الذي يتضمن االعتماد اإليجاري ‪ ،‬بما يتيح قدر من التكافؤ بين‬
‫مصالح كال الطرفين ‪ ،‬المؤجر التمويلي من جهة و المستأجر التمويلي من جهة أخرى ‪.‬‬
‫نستند في ذلك إلى كون مبدأ سلطان اإلرادة هو صاحب السلطان األكبر في تكوين العقد و في‬
‫تحديد آثاره ‪ ،‬و إذا أردنا تسليط الضوء على عقد االعتماد اإليجاري فيما يخص هذا المبدأ فنلمس‬
‫فيه تراجعا ملحوظا له ‪ ،‬أو بعبارة أخرى فهو ينحاز إلى طرف واحد في العقد و هو الطرف القوي‬
‫(المؤجر التمويلي) ‪ ،‬و يظهر هذا جليا عند تفحصنا لألحكام المنظمة له و كذا العقود التي يبرمها ‪،‬‬
‫فمن هنا يمكن لنا تغيير مفهومه في عقد االعتماد اإليجاري و القول أن هذا العقد ليس تعبير عن‬
‫إرادتين أو أكثر حرة ‪ ،‬بل تعبير عن إرادة قوية من الناحية االقتصادية ‪.‬‬

‫و إذا كان من المفترض أن يقوم الطرفان معا بعملية تكوين العقد ووضع الشروط العامة ‪،‬‬
‫أي أن تتفقا إرادتهما على الرفض أو التعديل أو الفسخ ‪ ،‬فإن هذا األمر ال ينطبق على عقد االعتماد‬
‫اإليجاري ‪ ،‬نظرا لقيام المؤجر التمويلي بهذا لوحده دون أي تدخل من المستأجر التمويلي مستغال‬
‫بذلك تفوقه االقتصادي و موقعه القوي في العالقة بحكم أنه الممول فيها ‪ ،‬ليفرض من الشروط ما‬
‫يخدم مصالحه إلى أقصى درجة ‪ ،‬حتى ولو أدى إلى المساس بمصالح المستأجر التمويلي ‪ ،‬ليجد‬
‫هذا األخير نفسه مجبر على اإلذعان لشروط لم يساهم فيها بحكم حاجته الماسة للتمويل التي أدت به‬
‫العتماد هذه العملية فيجد نفسه محصور بين الرضوخ لهذه الشروط و الحصول على التمويل ‪ ،‬أو‬
‫رفضها ليرفض المؤجر التمويلي بدوره التعاقد ‪.300‬‬
‫تعود أساسا كل هذه االختالالت إلى النظام القانوني لهذا العقد و ليس إلى التنظيم االتفاقي‬
‫فحسب ‪ ،‬و ما يفسر ذلك هو التباين الملحوظ في صياغة القواعد القانونية المتعلقة بأداءات أطرافه‪،‬‬
‫حيث استخدم المشرع الجزائري القواعد اآلمرة في كل مرة يرى فيها مصلحة للمؤجر التمويلي من‬
‫جهة ‪ ،‬و إعطاء البدلة المكملة لمعظم حقوق المستأجر التمويلي من جهة أخرى‪ ،‬مما يمنح إمكانية‬
‫مخالفتها ‪.‬‬
‫ويمكن القول أن هذا ما فسح المجال أمام شركات االعتماد اإليجاري الستغالل الثغرات‬
‫الموجودة في األمر رقم ‪ : 09/96‬و أول ما يمكن أن نستهل به هو ربط المتعاقدين بصفة ضيقة مما‬
‫يفتح مجال النزاع بينهما ‪ ،‬وعدم اإلشارة إلى بعض األحكام التي نعتبرها ذو أهمية بالغة نذكر منها‬
‫عدم ذكره و لو لمرة واحدة لعقد البيع السابق لعقد االعتماد اإليجاري أي لعملية االعتماد اإليجاري‬
‫و العالقة بين أطرافها الثالثة ‪ ،‬إضافة إلى عدم إعطاء المستأجر التمويلي الحق في رفع دعوى‬
‫الرجوع على المورد في حالة وجود عيب في األصل مع إعفاء المؤجر التمويلي نفسه من ضمان‬
‫هذه العيوب فبهذا يجد المستأجر التمويلي نفسه محروم من أي حماية قانونية ‪ ،‬فقد وسع المشرع‬
‫الجزائري من حاالت إعفاء المؤجر التمويلي من الضمان ‪.‬‬

‫‪-300‬أيت ساحد كهينة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪. 284‬‬

‫‪90‬‬
‫خـــــاتمـــــة‬

‫و تجدر اإلشارة إلى ضرورة إعادة النظر في أحكام هذا القانون إلرساء نوع من التوازن في‬
‫المراكز القانونية بين هاذين الطرفين و خاصة ضرورة األخذ بأحكام اتفاقية أوتاوا التي تعمل على‬
‫تكريس هذا التوازن ‪ ،‬فوجب على المشرع الجزائري إعادة تكييف عقد االعتماد اإليجاري تكييفا‬
‫دقيقا و صريحا و إفراد أحكام خاصة و مفصلة آلثار العقد بموجب قواعد آمرة توزع األدوار بين‬
‫المؤجر التمويلي و المستأجر التمويلي بصفة عادلة بمنح هذا األخير حق الرجوع على البائع أو‬
‫المورد بدعوى مباشرة في حالة العيوب الخفية نتيجة إعفاء المؤجر التمويلي من الضمان ‪ ،‬أما في‬
‫مسألة الجزاء يجب التمييز بين اإلخالل البسيط الذي يكون في حالة عدم دفعه لقسط واحد فيكون‬
‫جزاءه الوفاء به و التعويض عن الضرر الذي لحق المؤجر التمويلي نتيجة ذلك ‪ ،‬وبين اإلخالل‬
‫الجسيم و الذي يكون في عدم دفعه ألكثر من قسط واحد فجزاءه هنا يكون الوفاء بكل األقساط‬
‫المستحقة و المتبقية أو الفسخ ‪ ،‬كما يجب منح القاضي إمكانية التدخل إلعادة التوازن المفقود بين‬
‫طرفي العقد بالحد من الشروط التعسفية ‪.‬‬

‫و يتضح من كل ما ناقشناه أن عقد االعتماد اإليحاري هو نموذج صارخ الستعالء القوي‬


‫على الضعيف و ال يعمل سوى على تعميق عدم التوازن في االلتزامات العقدية ‪ ،‬طالما مازال يمنح‬
‫الحرية للمؤجر التمويلي في فرض مضمون العقد و السيطرة عليه ‪ ،‬يفرضه على المستأجر‬
‫التمويلي بنود أكثر مما هو في حاجة إليه لحفظ مصالحه ‪ ،‬مستغال خلو النصوص الخاصة بالتأجير‬
‫التمويلي من المقتضيات التفصيلية لآلليات التي تحكم هذا العقد تاركا الحرية لألطراف التي‬
‫بالضرورة سوف يخضع فيها الطرف الضعيف المحتاج إلى التمويل إلرادة القوي الذي ال تهمه‬
‫سوى مصالحه‪.‬‬

‫‪91‬‬
: ‫الملخص‬

‫إن تكييف المشرع الجزائري لعقد االعتماد اإليجاري بعقد اإليجار ال يخدم مصالح المؤجر‬
‫ أما في‬، ‫ فهو يعمد على تطبيق أحكام اإليجار التقليدي كلما كان ذلك من مصلحته‬، ‫التمويلي دائما‬
‫الحالة العكسية فيلجأ إلى تطبيق مبدأ سلطان اإلرادة من أجل إضافة شروط أو بنود تضمن مصالحه‬
‫ و أمام منح المشرع الجزائري هذه الحرية الواسعة للطرفين في وضع شروط‬، ‫و تحقق أهدافه‬
‫ وجد المؤجر التمويلي‬، ‫ وتحديد التزاماتهما سواء في مرحلة إبرام العقد أو تنفيذه أو إنهاءه‬، ‫العقد‬
‫ و وضع‬، ‫استغالال لمركزه القوي في العقد سبيال للتنصل من التزامات كثيرة مفروضة عليه أصال‬
‫ و هذا‬، ‫ حتى و لو كان على حساب مصالح المستأجر التمويلي‬، ‫شروط تخدم مصالحه الشخصية‬
. ‫ما جعله يهيمن على المضمون االتفاقي للعقد و المساس بالتوازن العقدي‬

Résumé :
Adapter le législateur algérien de tenir l’accréditation pour la location par
le contrat de location ne sert pas toujours les intérêts du bailleur. Il est
baptisé sur l'application des dispositions du bail traditionnel chaque fois
dans son intérêt, mais dans le cas contraire, il recourt à l'application du
principe de volonté afin d'ajouter des conditions ou des clauses qui
garantissent ses intérêts et lui permettent d’atteindre ses objectifs. Et
devant cette liberté accordée par le législateur algérien pour les deux
parties contractantes dans l’élaboration des termes du contrat, et la
détermination de ses obligations à la fois dans la phase de signature du
contrat, de son exécution ou à sa résiliation, le bailleur a trouvé, en
exploitant sa position forte dans le contrat, un moyen d'éviter bon nombre
des obligations qui lui sont déjà imposées et mettre en place des conditions
qui servent ses intérêts personnels, même si, au détriment des intérêts du
locataire. Ceci fait qu’il domine le contenu de la convention et compromet
l’équilibre du contrat.

You might also like