Professional Documents
Culture Documents
- 1نظراً لعمومية و جتريد أحكام النظرية العامة لاللتزام ،فقد أتثرت هبا فروع القانون األخرى و أصبحت تطبقها عند عدم وجود
نصوص حتكم االلتزامات القانونية اليت تنظمها هذه القوانني ،كالقانون العام يف جمال العقود اإلدارية ،و القانون الدويل العام يف
املعاهدات الدولية ،و القانون التجاري يف نطاق العقود التجارية و كذا قانون العمل يف عقود العمل...إخل.
3
4
التصرف القانوين هـو " :تعبري عن اإلرادة يتم هبدف إحداث أثر قانوين معني" سواء متثل هذا األثر
يف إنشاء حقوق و التزامات أو نقلها أو تعديلها أو إهنائها ،فإذا توافقت إرادتني على إحداث األثر
القانوين كنا أمام العقد كمصدر لاللتزام ،وإذا استقلت إرادة مبفردها يف اجتاهها حنو إحداث هذا األثر
كنا بصدد اإلرادة املنفردة كمصدر لاللتزام.
الباب األول :الـع ـق ــد
العقد هو املصدر األول والغالب لاللتزام وهذا ما دفع املشرع إىل منحه عناية خاصة ،حيث عاجل
املسائل املتعلقة به ،يف 69مادة من املادة 54إىل املادة 123مدين اليت يتضمنها الفصل الثاين من
الكتاب الثاين (االلتزامات و العقود) من الباب األول (مصادر االلتزام) من القانون املدين.
الفصل األول :مفهوم العقد و تقسيماته
للعقد أمهية ابلغة يف احلياة العملية فهو ميثل اإلطار العام للعمل اإلرادي و يتضمن أحكام تنظم
العالقة الناشئة عنه بني أطرافه ،ولذلك تقتضي دراسة العقد بيان املقصود به وأقسامه املختلفة من خالل
املبحثني التاليني:
املبحث األول :مفهوم العقــد
لدراسة مفهوم العقد سيتم تعريفه و حتديد نطاقه ،مث إبراز دور مبدأ سلطان اإلرادة على أحكام
العقد.
املطلب األول :تعريف العقد
لقد أورد املشرع تعريفاً للعقد يف املادة 54من القانون املدين ،1بقوهلا " :العقد اتفاق يلتزم مبوجبه
شخص أو عدة أشخاص حنو شخص أو عدة أشخاص آخرين مبنح أو فعل أو عدم فعل شيء ما".
يالحظ من مضمون هذا التعريف أن املشرع اجلزائري عند حتديده ملعىن العقد:
- 1املادة 54من القانون املدين قبل تعديلها مبوجب القانون 10-05املؤرخ يف 20جوان ،2005ج.ر 26 .جوان ،2005
العدد ،44املعدل و املتمم لألمر 58-75املتضمن القانون املدين ":العقد اتفاق يلتزم مبوجبه شخص أو عدة أشخاص آخرين مبنح
،أو فعل ،أو عدم فعل شيء ما".
5
−يعترب العقد أحد صور االتفاق بوصفه مصطلح أعم من العقد ،فالعقد يهدف إىل إحداث أثر
قانوين معني أما االتفاق فيشمل العقد و غريه من االتفاقات اليت ال ينظمها القانون ،لذا يعد
كل عقد مبثابة اتفاق ،بينما العكس غري صحيح.
−خيلط بني االلتزام و العقد ،حيث عرف العقد من خالل صور حمل االلتزام و املتمثلة يف
إعطاء شيء أو القيام بعمل أو االمتناع عن القيام بعمل ،يف حني أن العقد ال يرتتب عنه
التزامات فقط بل أيضا حقوق و على كال طرفيه.
−مل يربز دور اإلرادة يف إنشاء العقد خاصة و أنه يعترب مصدر إرادي لاللتزام ال يقوم إال بتوافق
إرادتني صادرة من طرفيه و يعتد هبما القانون.
و عليه ،ميكن تعريف العقد أبنه " :توافق إرادتني أو أكثر على إحداث أثر قانوين ،أو ":اقرتان
اإلجياب ابلقبول على حنو حيدث أثراً قانونياً ".
و من خالل هذا التعريف ،ميكن حتليل العقد إىل عنصرين ،و مها:
-1توافق إرادتني أو أكثر ،أو اقرتان اإلجياب ابلقبول :فال يتصور قيام عقد بناء على إرادة
منفردة.
-2اجتاه إرادتني أو أكثر حنو إحداث أثر قانوين معني :و هذا األثر القانوين يتمثل إما يف
إنشاء التزامات و حقوق ،أو نقلها ،أو تعديلها ،أو إهنائها.
املطلب الثاين :نطاق العقد
يشرتط العتبار االتفاق عقداً وفقاً للمعىن املنصوص عليه يف القانون املدين:
−أن يكون واقعاً يف نطاق القانون اخلاص :مما يعين استبعاد العقد اإلداري ألنه يدخل يف
جمال القانون العام.
−أن يدخل يف دائرة املعامالت املالية :و بذلك خيرج من مفهوم العقد كل من عقد الزواج و
عقد الكفالة ألهنا خترج من نطاق املعامالت املالية ،فهي تتعلق ابلعالقات األسرية ابلرغم
من أهنا تقع يف نطاق القانون اخلاص ،لذلك فإن أركان هذه العقود و آاثرها ختتلف عن
تلك املتعلقة ابلعقد يف القانون املدين ،و هذا نظرا الختالف طبيعة هذه العقود عن العقد
يف القانون املدين.
6
املطلب الثالث :مبدأ سلطان اإلرادة
سيتم من خالل هاذين الفرعني التطرق إىل تعريف مبدأ سلطان اإلرادة و تطوره التارخيي ،مث القيود
الوارد عليه.
الفرع األول :تعريف مبدأ سلطان اإلرادة و تطوره التارخيي
يكمن مضمون مبدأ سلطان اإلرادة يف أن اإلرادة هي جوهر التصرف القانوين (العقد واإلرادة
املنفردة ) فهي اليت تنشـئه وهى اليت حتدد األثر املرتتب عليـه دون أي قيد يرد على حريتها ،فهي صاحبة
السلطان األكرب يف إنشاء العقد و حتديد شكله و اآلاثر املرتتبة عنه.
لقد ازدهر مبدأ سلطان اإلرادة و اتسع نطاقه يف ظل املذهب الفردي (القرنني 17و 18
امليالديني) الذي يقدس احلرية الفردية و جيعل لإلرادة احلرة يف جمال العقد دور رئيسي ،فلم يعد دورها
مقصوراً على حتديد الشكل واألثر الذي يرتتب على التعبري عن اإلرادة ،بل جعل منها األساس لنشأة
االلتزامات من املصادر األخرى.
لكن التطورات االقتصادية و االجتماعية السيما يف ظل ظهور املبادئ االشرتاكية ،أدت
ابلتشريعات إىل فرض العديد من القيود على مبدأ سلطان اإلرادة و ذلك محاية للطرف الضعيف يف
التصرفات القانونية من جهة ،و محاية مصلحة اجملتمع من جهة أخرى ،فلم يعد هذا املبدأ مطلقا كما
كان يف املاضي.
الفرع الثاين :القيود الواردة على مبدأ سلطان اإلرادة
ابلرغم من تبين التشريعات ملبدأ سلطان اإلرادة مبا فيها املشرع اجلزائري ،إال أهنا وضعت له إطار
قانوين حمدد من خالل القيود اليت فرضتها على هذا املبدأ ،و ذلك هبدف حتقيق التوازن بني حرية اإلرادة
الفردية و املصلحة العامة للمجتمع ،و يف ظل هذه القيود مل تعد اإلرادة حرة يف:
-1إنشاء العقد :ختضع العقود عند إبرامها كأصل عام ملبدأ الرضائية ،الذي يكتفي مبجرد
التطابق بني إرادة طريف العقد دون حاجة إىل إفراغه يف شكل معني ،استثناءًا أخضع املشرع
بعض العقود إلجراءات شكلية ،حيث استلزم إفراغها يف قالب شكلي معني ،مثل التصرفات
املتعلقة ابلعقارات.
7
-2حتديد مضمون العقد :وفقا ملبدأ حرية التعاقد ،لكل شخص احلرية يف التعاقد أو عدم
التعاقد ،و احلرية يف حتديد مضمون العقد و شروطه حسبما حيقق مصاحله ،لكن القيد الوارد
على هذه احلرية يكمن يف عدم خمالفة النظام العام و اآلداب العامة.
-3إهناء العقد و تعديله :كأصل عام ال جيوز إهناء العقد و تعديله إال ابتفاق أطرافه فقط،
استثناءًا منح املشرع للقاضي يف حاالت حمددة سلطة تعديل العقد تتمثل يف :الظروف الطارئة
(املادة 3/107ق.م ).و الشرط اجلزائي (املادة 2/184و 185و 187ق.م ).و الغنب
(املادة 1/90ق.م ).و عقد اإلذعان (املادة 110ق.م ،).كما منحه سلطة زايدة األجرة يف
حالة وقوع حوادث استثنائية يف عقد املقاولة الذي أبرم أبجر جزايف (املادة 561ق.م.).
كذلك أجاز املشرع ألحد املتعاقدين نقض العقد إبرادته املنفردة يف حاالت معينة (كعقد
الوكالة يف املادة 587ق.م .و عقد العارية يف املادة 547ق.م).
-4سراين آاثر العقد :يرتب العقد آاثره (احلقوق و االلتزامات) على أطرافه و خلفهم العام ،و
كذا خلفهم اخلاص وفق شروط معينة ،أما الغري فال تسري عليه هذه اآلاثر ،استثناءًا جيوز أن
يرتب العقد آاثره (حقوق فقط) على الغري يف حالتني و مها :إذا اتفق املتعاقدين على
انصراف احلقوق املرتتبة عن العقد مباشرة إىل الغري مبوجب االشرتاط ملصلحة الغري ،و إذا نص
القانون على ذلك مثل الدعوى املباشرة.
املبحث الثاين :تقسيمات العقــود
تناول املشرع اجلزائري يف املواد من 55إىل 58ق.م .مخسة أنواع من العقود و هي :العقود
امللزمة جلانبني و العقود امللزمة جلانب واحد ،و العقود التبادلية و عقود املعاوضة و العقود االحتمالية ،يف
مقابل ذلك قسم الفقه العقود إىل عدة تقسيمات و ذلك تبعاً للزاوية اليت ينظر منها للعقد ،و أهم هذه
التقسيمات هي:
املطلب األول :تقسيم العقود من حيث تنظيمها القانوين
لقد نظم املشرع اجلزائري بعض العقود نظراً ألمهيتها يف نطاق املعامالت املالية فوضع هلا تنظيماً
خاصاً ،وعقود أخرى مل ينظمها بل ترك اجملال لألشخاص إلنشاء ما يشاءون من عقود طبقاً ملبدأ
سلطان اإلرادة ،طاملا أهنا ال ختالف النظام العام واآلداب العامة ،و تتمثل يف:
8
الفرع األول :العقود املسماة
هي تلك العقود اليت خصها القانون ابسم معني مييزها عن غريها من العقود ،وتوىل تنظيمها
أبحكام خاصة نظراً لشيوعها يف التعامل هبا ،كعقد البيع و اإلجيار واهلبة والشركة والقرض و املقاولة و
التأمني و الكفالة و الرهن الرمسي و احليازي...إخل
الفرع الثاين :العقود غري املسماة
هي تلك العقود اليت مل خيتصها القانون ابسم معني وال أبحكام خاصة ،مثال عقد النشر وعقد
النزول ابلفندق...إخل
تربز أمهية هذا التقسيم فيما يلي:
العقود املسماة ختضع للنصوص القانونية املنظمة هلا مث للقواعد العامة يف العقود عند وجود فراغ أو
نقص يف النصوص اليت تنظمها ،أما العقود غري املسماة فتخضع يف تكوينها وىف اآلاثر املرتتبة عنها
للقواعد العامة للعقود وأحكام أقرب العقود املسماة إليها.
املطلب الثاين :تقسيم العقود من حيث تكوينها
تقسم العقود من حيث تكوينها إىل عقود رضائية و عقود الشكلية و أخرى عينية.
الفرع األول :العقود الرضائية و الشكلية و العينية
العقود الرضائية :هي العقود يكفي النعقادها توافر الرتاضي لدى أطرافها ،أي اقرتان اإلجياب
ابلقبول دون احلاجة إىل إفراغها يف شكل معني.
العقود الشكلية :هي العقود اليت ال يكفي النعقادها جمرد الرتاضي ولكن يلزم إفراغها يف شكل
معني مثل عقد الرهن الرمسي و عقد بيع العقار...إخل
يعد مبدأ الرضائية القاعدة العامة يف العقود ،أما الشكلية يف العقود فتعترب استثناءً عن هذا املبدأ،
و يعود أصلها إىل القوانني القدمية وخاصة القانون الروماين الذي كانت فيه الشكلية هي األصل و
الرضائية هي االستثناء.
العقـود العينية :هي العقود اليت ال يكفي جمرد الرتاضي النعقادها ،وإمنا يلزم إىل جانب ذلك
التسليم العيين للشيء حمل العقد ،فالتسليم يعد ركناً أساسياً فيها ،مثال هبة املنقول (املادة 206من
قانون األسرة).
9
و تظهر أمهية التفرقة بني هذه العقود فيما يلي:
العقد الشكلي ال ينعقد إال بتوافر شكل معني ألنه ركن يف العقد (سواء فرضه القانون أو
املتعاقدين) ،أما العقود العينية فال تربم إال بتوافر االستالم حملل العقد ،ماعدا هذه االستثناءات ينعقد
العقد بتوافر األركان الثالثة من رضا و حمل و سبب فقط ،و ذلك ألن األصل يف العقود الرضائية.
الفرع الثاين :عقود مساومة و عقود إذعان
عقود املساومة :هي العقود اليت يتم إبرامها بناء على مفاوضة بني أطرافها ،حيث يقف كال منهما
من اآلخر على قدم املساواة ،على حنو يسمح لكل منهما مناقشة مجيع شروط اآلخر ومساومته عليها.
عقود اإلذعان :هي العقود اليت ينفرد فيها أحد األطراف بتحديد شروط العقد كاملة دون أن
يكون لآلخر احلق يف مناقشتها ،فإذا أراد التعاقد ال يكون أمامه إال قبوهلا كما هي دون أي تعديل ،و
إذا رفضها فال يتعاقد.
ابلنسبة ألمهية التقسيم إىل عقود إذعان و عقود مساومة ،فتكمن فيما يلي:
إذا تضمن عقد اإلذعان شروط تعسفية جاز للقاضي بناءً على طلب الطرف املذعن أن يعدل
هذه الشروط أو يعفيه كليةً منها طبقا للمادة 110ق.م.
كذلك نصت املادة 112ق.م .يف فقرهتا 2على أن تفسري الشك يف عقود اإلذعان يكون
ملصلحة الطرف املذعن ،دائناً أو مديناً ،و ذلك خبالف القاعدة العامة يف عقود املساومة اليت يفسر فيها
الشك ملصلحة املدين.
املطلب الثالث :تقسيم العقود من حيث آاثرها
تنقسم العقود من حيث آاثرها إىل :
الفرع األول :عقود ملزمة جلانبني و عقود ملزمة جلانب واحد
العقود ملزمة جلانبني :هي العقود اليت تنشئ التزامات متقابلة على أطرافها ،فكل طرف منها دائن
ومدين يف ذات الوقت ،كما يف عقد البيع ،يكون البائع مدين بتسليم الشيء املبيع ودائن ابلثمن الذي
هو مدين به املشرتى الدائن بتسلم الشيء املبيع.
العقود امللزمة جلانب واحد :هي العقود اليت ال تنشأ االلتزامات إال على جانب واحد فقط دون
اجلانب اآلخر ،فيكون أحدمها دائن غري مدين واآلخر مدين غري دائن ،كما يف عقد اهلبة.
10
و تظهر أمهية هذا التقسيم ابلنظر الختالف األحكام املرتتبة على كل منهما من حيث:
-1طلب فسخ العقد:
يف العقد امللزم للجانبني ،إذا مل يقم أحد طرفيه ابلوفاء ابلتزامه ،جاز للطرف اآلخر أن يطلب فسخ
العقد ،مع التعويض إذا اقتضى األمر ذلك ،وأما العقد امللزم جلانب واحد ،إذا مل يقم املدين ابلوفاء
ابلتزامه فليس للدائن أن يطلب الفسخ ،و ال يكون أمامه إال مطالبة املدين بتنفيذ التزامه عينياً إذا كان
ممكناً ،أو التنفيذ مبقابل (التعويض).
-2تبعة اهلالك لسبب أجنيب:
يف العقد امللزم للجانبني ،إذا ما استحال على أحد طرفيه تنفيذ التزامه لسبب أجنيب ال يد له فيه،
حتمل هو ابعتباره املدين به تبعة استحالة التنفيذ وانقضى التزامه وااللتزامات املتقابلة إبنفساخ العقد من
تلقاء نفسه بقوة القانون.
أما يف العقد امللزم جلانب واحد ،إذا ما استحال على املدين تنفيذ التزامه لسبب ال يد له فيه ،فإن
التزامه ينقضي إبنفساخ العقد من تلقاء نفسه ،ويقع عبء تبعة استحالة التنفيذ على عاتق الدائن.
-3الدفع بعدم التنفيذ:
يف العقد امللزم للجانبني ،إذا كانت االلتزامات املتقابلة الناشئة عنه مستحقة األداء ،جاز لكل
طرف أن ميتنع عن الوفاء ابلتزامه ،مىت امتنع الطرف اآلخر عن تنفيذ التزامه ،أما يف العقد امللزم جلانب
واحد ،فال جمال للدفع بعدم التنفيذ لعدم وجود التزامات متقابلة بني طرفيه.
الفرع الثاين :عقود املعاوضة و عقود التربع
عقود املعاوضة هي العقود اليت يتلقى فيها كل متعاقد عوضاً عما يقدمه لآلخر كعقد البيع ،أما
عقود التربع فهي العقود اليت ال يتلقى فيها أحد املتعاقدين عوضاً أو مقابالً ملا أعطاه لآلخر كعقد اهلبة.
و هلذا التقسيم أمهية من حيث:
-1املسؤولية :يف عقود املعاوضة مسؤولية املعاوض أكرب ألنه أيخذ مقابالً ملا يعطيه ،أما يف عقود
التربع فمسؤولية املتربع أخف ألنه ال أيخذ مقابالً ملا يعطيه.
11
-2الغلط :يف عقود املعاوضة ال يؤدي الغلط يف شخص املتعاقد إىل إبطال العقد إال إذا كانت
شخصيته هي الدافع إىل التعاقد ،أما يف عقود التربع فالغلط يف شخص املتعاقد يؤدي إىل إبطال
العقد ألنه غلط جوهري.
-3دعوى عدم نفاذ تصرفات املدين :يف عقود املعاوضة يلزم على الدائن للطعن هبذه الدعوى
إثبات غش املدين أو تواطؤه مع املتصرف إليه بسوء نية ،أما يف عقود التربع فيمكن الطعن بعدم
نفاذ تصرف املدين الضار بدائنيه ،دون إثبات غش املدين أو تواطؤه مع املتربع إليه حىت و لو
كان هذا األخري حسن النية.
-4األهلية :يف عقود املعاوضة تصرفات املميز ومن يف حكمه صحيحة ولكنها تكون قابلة
لإلبطال ملصلحته ،أما يف عقود التربع فتصرفات املميز ومن يف حكمه ابطلة بطالانً مطلقاً ألهنا
ضارة ضرراً حمضاً.
املطلب الرابع :تقسيم العقود من حيث طبيعتها
تنقسم العقود من حيث طبيعتها إىل :
الفرع األول :العقود احملددة و العقود االحتمالية
العقود احملددة هي تلك العقود اليت يتحدد فيها لكل متعاقد مقدار أدائه حلظة إبرام العقد كعقد
البيع.
العقود االحتمالية هي تلك العقود اليت ال يتحدد فيها مقدار أداء كل متعاقد وقت إبرام العقد،
ألهنا تقوم على أمر احتمايل غري حمقق الوقوع عند التعاقد كعقد التأمني.
أمهية هذا التقسيم تكمن يف اآليت:ق
−الغنب ال يؤثر يف صحة العقود االحتمالية بينما يؤثر يف العقود احملددة.
−القانون ال جييز بعض العقود االحتمالية مثل الرهان واملقامرة.
الفرع الثاين :العقود الفورية و العقود الزمنية أو املستمرة
العقود الفورية هي اليت ال يكون الزمن عنصراً جوهرايً يف حتديد نطاق االلتزامات الناشئة عنها
كعقد البيع ،أما العقود الزمنية أو املستمرة فهي اليت يكون الزمن فيها عنصراً جوهرايً ،يتحدد على
12
أساسه االلتزامات الناشئة عنها ،فعقد اإلجيار مثال عقد زمين ألنه يرد على منفعة العني املؤجرة ،والزمن
هو الذي يتحدد على أساسه مقدار هذه املنفعة.
هلذا التقسيم أمهية نظراً الرتباط العقود املستمرة ابلزمن دون العقود الفورية ،و ذلك من حيث:
-1أثر الفسخ:
األثر املرتتب على الفسخ يف العقود امللزمة جلانبني ،هو إعادة املتعاقدين إىل احلالة اليت كان عليها
قبل التعاقد ،وهو ما يعرف ابألثر الرجعى للفسخ ،و يف نطاق العقود الفورية ،ميكن حتقق األثر الرجعى
للفسخ ،أما يف نطاق العقود الزمنية فإنه يستحيل حتقق األثر الرجعى للفسخ ،بل يرتتب على املستقبل
فقط دون املاضي.
-2أثر نظرية الظروف الطارئة:
يف نطاق العقود الفورية حدوث الظروف الطارئة بعد إبرام العقد ال أثر هلا على االلتزامات الناشئة
عنها ،ألن األصل أن هذه االلتزامات يتم تنفيذها فوراً لعدم ارتباطها ابلزمن ،أما يف نطاق العقود الزمنية
فيمكن تطبيق نظرية الظروف الطارئة ،ألن تنفيذ االلتزامات الناشئة عن هذه العقود مرتبطة ابلزمن.
الفصل الثاين :أركان العقد
يشرتط القانون لنشوء العقد صحيحا و مرتبا آلاثره القانونية ،توافر أركانه (شروط انعقاده) املتمثلة
يف الرتاضي و احملل و السبب ،إضافة إىل ركن الشكل ابلنسبة للعقود الشكلية.
املبحث األول :ركن الرتاضي
يعد ركن الرتاضي الركن اجلوهري لوجود العقد ،و الذي يتحقق بتطابق إرادة املتعاقدين على
إحداث أثر قانوين معني ،ومن مث جيب لتوافر هذا الركن أن يكون الرتاضي موجوداً ،وأن يكون هذا
الوجود صحيحاً.
15
ولكن املشكلة تنشأ عندما تكون إرادتني -ظاهرة و ابطنة -خمتلفتني أبن يكون التعبري اخلارجي
ال يعرب عن اإلرادة احلقيقة ،كما يف حالة استخدم وسيلة خاطئة للتعبري عن اإلرادة ،فبأي اإلرادتني
يعتد؟
لإلجابة عن ذلك ،هناك نظريتان :
النظرية املوضوعية :أتخذ ابإلرادة الظاهرة ،سواء اتفقت أو اختلفت مع اإلرادة الباطنة.
النظرية الشخصية :أتخذ ابإلرادة الباطنة ،طاملا أن صاحبها استعمل وسيلة خاطئة يف التعبري
عنها.
ابلرجوع ألحكام القانون املدين ،يتضح أن املشرع اجلزائري قد أخذ ابلنظرية الشخصية اليت تعتد
و ابإلرادة الباطنة يف عدة نصوص قانونية 1السيما يف حتديد شروط صحة العقد و تفسريه،
للتخفيف من نتائجها املطلقة أخذ يف نصوص أخرى ابلنظرية املوضوعية اليت تعتد ابإلرادة الظاهرة و
2
ذلك الستقرار املعامالت خاصة يف مرحلة إبرام العقد عند تطابق اإلرادتني و يف تفسري العقد.
الفرع الثاين :تطابق اإلرادتني
التعبري عن اإلرادة يصدر يف شكلني مها اإلجياب والقبول.
أوال :اإلجياب
هو ":تعبري جازم و هنائي عن اإلرادة يتضمن عرضاً ابلتعاقد صادر من شخص إىل آخر أو عدة
أشخاص آخرين وفق شروط معينة" ،أو هو ":العرض الذي يتقدم به شخص يسمى املوجب يبدي فيه
رغبته يف التعاقد مع شخص آخر يسمى املوجب له أو القابل".
-1شروط اإلجياب :
يلزم لكي يعترب التعبري عن اإلرادة إجياابً توافر الشروط التالية:
الشرط األول :جيب أن يكون اإلجياب جازماً و اباتً :مبعىن يصدر عن نية قاطعة و حامسة ،و
يعكس عزماً هنائياً على التعاقد ،حبيث ينشأ العقد مبجرد اقرتان اإلجياب بقبول مطابق له.
- 1املواد 199-2/111-98-90-88-86-81-59ق.م.
- 2املواد 334-198-1/111-62-61-60-59ق.م.
16
الشرط الثاين :جيب أن يكون اإلجياب حمدداً و كامالً :أي يتضمن حتديداً واضحاً ودقيقاً لنوع
العقد املراد إنشاؤه ،و مجيع العناصر األساسية للعقد.
الشرط الثالث :جيب أن يوجه إىل الغري :مبعىن أن يتصل اإلجياب بعلم الغري الذي وجه إليه (املادة
61ق.م ،).سواء كان هذا الغري شخصاً معيناً أو غري معيناً أو عدة أشخاص.
جتب املالحظة إىل أنه يف حالة عدم توافر أحد هذه الشروط يف التعبري عن اإلرادة السيما الشرط
األول و الثاين منها ،اعترب العرض جمرد دعوة إىل التعاقد ،ألن أهم ما مييز هذه الدعوة عن اإلجياب هو
وجود النية القاطعة للتعاقد ،ويكشف عن هذه النية اشتمال العرض على العناصر اجلوهرية للعقد املراد
إبرامه.
-2صور اإلجياب:
طاملا أن اإلجياب هو تعبري عن اإلرادة ،فقد يعرب عنه بعدة صور:
أ -اإلجياب اجملرد:
هو اإلجياب الذي تتوافر فيه مجيع شروطه دون تعليقه على شرط أو اقرتانه بتحفظ أو مبدة زمنية
معينة ،حبيث إذا اقرتن هذا اإلجياب بقبول انعقد العقد مباشرة ،و هذا هو األصل يف اإلجياب أن يكون
جمرد من أي شرط أو حتفظ أو ميعاد.
ب -اإلجياب املقرتن بتحفظ:
هو إجياب اقرتن بتحفظ معني (صراحةً أو ضمناً) وضعه املوجب ،لذلك جيب أن يراعى هذا
التحفظ عند القبول ومن مث انعقاد العقد ،مثال ذلك أن يعرض البائع صراحة على املشرتي بيع سلعة
بثمن معني مع احتفاظه حبق تعديل هذا الثمن تبعاً لتغري األسعار.
ت -اإلجياب املعلق على شرط:
هو إجياب معلق على شرط وضعه املوجب حبيث إذا حتقق هذا الشرط ال ينعقد العقد ،مثال
عرض التاجر على اجلمهور سلع ذات كمية حمدودة ،مع تعليق إجيابه على شرط وهو عدم نفاذ
الكمية.
17
ث -اإلجياب امللزم (القوة امللزمة لإلجياب):
األصل يف اإلجياب أن يكون غري ملزم حبيث ميكن للموجب العدول عنه قبل صدور القبول من
طرف الشخص املوجه إليه هذا اإلجياب.
و يكون اإلجياب ملزم إذا صدر مقرتانً مبيعاد ،فإذا عني املوجب مدة حمددة يلتزم خالهلا ابلبقاء
على إجيابه ،وقد يتم حتديد هذا امليعاد من قبل املوجب بشكل صريح ،وقد تستشف ضمنياً من ظروف
احلال أو طبيعة العقد اليت تستلزم مدة معقولة للتفكري ختتلف حبسب الظروف حسب املادة 63ق.م.
-3سقوط اإلجياب:
يسقط اإلجياب يف احلاالت التالية:
−إذا عدل عنه املوجب يف جملس العقد قبل أن يقرتن به قبول ممن وجه إليه.
−إذا عدل املوجب عن إجيابه قبل أن يصل إىل علم من وجه إليه يف التعاقد بني غائبني.
−إذا رفضه من وجه إليه (املادة 66ق.م ).سواء كان الرفض اتماً أو جزئياً ،و الرفض اجلزئي يعد
مبثابة إجياب جديد ألنه عدل اإلجياب األول.
−إذا انفض جملس العقد دون اقرتان اإلجياب ابلقبول( .املادة 2/64ق.م).
−إذا انقضت املدة احملددة من قبل املوجب أو املدة املعقولة اليت تقتضيها طبيعة العقد يف اإلجياب
امللزم دون أن يقرتن بقبول( .املادة 63ق.م).
−إذا مات املوجب أو فقد أهليته قبل أن يصل إىل علمه القبول( .املادة 62ق.م).
اثنيا :القبول
هو تعبري عن إرادة من وجه إليه اإلجياب يبدي فيه موافقته على التعاقد بنفس الشروط الواردة يف
اإلجياب.
-1شروط القبول:
ينبغي العتبار التعبري عن اإلرادة قبوالً توافر الشروط التالية:
الشرط األول :أن يكون القبول ابت و جازم أي يصدر عن نية حامسة و هنائية تعكس املوافقة
على التعاقد.
18
الشرط الثاين :أن يوجه القبول إىل املوجب ( اتصاله بعلم املوجب) ،و يف الوقت الذي يكون فيه
اإلجياب قائما مل يسقط بعد ،فإذا سقط اإلجياب عد القبول إجياابً جديداً حيتاج إىل قبول.
الشرط الثالث :أن يطابق اإلجياب القبول مطابقة اتمة ،فإذا عدل القابل من اإلجياب أبن قيد
منه أو زاد فيه ،يعترب يف هذه احلالة رفض جزئي لإلجياب يتضمن إجياب جديد حيتاج إىل قبول طبقا
للمادة 66ق.م.
أ -مدى مطابقة اإلجياب للقبول:
جيب أن يتطابق القبول ابإلجياب يف مجيع العناصر اليت اشتمل عليها ،و ال يشرتط يف اإلجياب أن
يشتمل على مجيع عناصر العقد املراد إبرامه ،بل يكفي أن يشتمل على عناصر العقد اجلوهرية ،و لكن
يثور التساؤل يف هذه احلالة عن حكم املسائل التفصيلية أو الثانوية للعقد و اليت مل يتعرض هلا اإلجياب؟
لبيان مسألة عدم االتفاق على املسائل التفصيلية و أثرها على العقد ،نفرق بني حالتني و هذا
طبقا لنص املادة 65ق.م:.
احلالة األوىل :تعليق املتعاقدان إبرام العقد على اتفاقهم على املسائل التفصيلية :و يف هذه احلالة
ال ينعقد العقد إال ابالتفاق على هذه املسائل التفصيلية.
احلالة الثانية :عدم تعليق املتعاقدين إبرام العقد على اتفاقهم على املسائل التفصيلية:
هنا ينعقد العقد مبجرد اقرتان القبول ابإلجياب ،مث يتحدد حكم املسائل التفصيلية على النحو
التايل :
−إذا اتفق املتعاقدان فيما بعد على املسائل التفصيلية فال يثار إشكال.
−إذا مل يتفق املتعاقدان فيما بعد على املسائل التفصيلية :جاز للقاضي أن حيدد حكم هذه
املسائل وفقاً لطبيعة املعاملة و إلحكام القانون و العرف و العدالة.
ب -مدى اعتبار السكوت قبوالا:
األصل أن السكوت ال يعترب قبوال ألنه موقف سليب أما القبول فهو موقف إجيايب ،ولكن استثناء
ميكن اعتبار السكوت قبوالً يف احلاالت التالية:
19
احلالة األوىل :السكوت املالبس و هو السكوت الذي تقرتن به ظروف يستشف منها أن
للسكوت داللة على معىن القبول ،و هذا ما نصت عليه املادة 68ق.م .اليت أوردت ثالثة تطبيقات
للسكوت املالبس على سبيل املثال ،تتمثل يف:
-1إذا كان هناك تعامل سابق بني املتعاقدين واتصل اإلجياب هبذا التعامل.
-2إذا كانت طبيعة املعاملة أو العرف التجاري تدل على أن السكوت عن الرفض يعترب قبوالً.
-3إذا كان اإلجياب حيقق مصلحة (منفعة) ملن وجه إليه.
احلالة الثانية :إتفاق األطراف على اعتبار السكوت قبوال.
احلالة الثالثة :نص القانون على اعتبار السكوت قبوال ،مثال البيع ابلتجربة (املادة 355ق.م).
-2بعض الصور اخلاصة يف القبول :
نص املشرع اجلزائري يف القانون املدين على صور خاصة للقبول أمهها :
أ -القبول يف عقـود اإلذعـان:
عقـود اإلذعـان هي عقود ينفرد فيها أحد املتعاقدين بتحديد شروط العقد كاملة ،و ال ميلك
الطرف اآلخر إن أراد التعاقد إال قبوهلا كما هي بدون أية مناقشة أو رفضها ،و هذا ما أشارت إليه املادة
70ق.م .اليت اعتربت أن القبول يف عقود اإلذعان يتمثل يف جمرد تسليم القابل بشروط حمددة مسبقاً
ضخ إلرادة املوجب ،نتيجة لذلك منح وضعها املوجب و ال يقبل مناقشتها ،و هو بذلك يُ ْذ َعن أو يَـ ْر َ
املشرع للقاضي:
-سلطة التدخل لتعديل هذه العقود إذا تضمنت شروط تعسفية ،بغية إعادة التوازن العقدي
الناتج عن إدراج هذه الشروط فيها ،و ذلك من خالل تعديل هذه الشروط أو إعفاء
املذعن منها ،و هذا طبقا لنص املادة 110ق.م.
الطرف َ
-يف حالة وجود شك حول عبارات العقد يف عقود اإلذعان ،سلطة تفسري هذا الشك
املذعن سواء كان مدين أو دائن و ذلك مبقتضى املادة 2/112ق.م.
ملصلحة الطرف َ
20
ب -القبول يف عقود املزايدة :
إن جمرد اإلعالن عن بدء املزايدة من طرف املكلف ابملزاد هو دعوة للتعاقد و ليس إجياب ،و أول
عطاء يتقدم به أول مزايد يعد إجياابً ،و يسقط بتقدمي مزايد آخر عطاء أعلى منه و هكذا حىت يقدم
أحد املزايدين أبعلى عطاء ،فإذا رضي املكلف ابملزاد به أرسى املزاد عليه ،و هذا الرسو يعد قبوالً ينعقد
به العقد.
و طبقا للمادة 69ق.م .يسقط اإلجياب املتمثل يف العطاء الذي يتقدم به املزايد يف حالتني:
.1إذا قدم مزايد آخر عطاء أعلى منه حىت و لو كان ابطال.
.2إذا أقفلت املزايدة دون أن ترسو على أحد املزايدين.
اثلثا :اقرتان القبول ابإلجياب (توافق اإلرادتني)
لكي ينعقد العقد جيب أن يتطابق اإلجياب مع القبول ،سواء مت هذا التعاقد بني حاضرين أو
غائبني.
-1التعاقد بني حاضرين يف جملس العقد :
يكون التعاقد بني حاضرين عندما يضم الطرفني جملس عقد واحد ،و ذلك ابجتماع الطرفني و
تواجدمها يف مكان و زمان واحد (جملس عقد حقيقي) ،أو تكون بني املتعاقدين وسيلة اتصال حبيث إذا
عرب أحدمها عن إرادته فإن هذا التعبري ينتج أثره يف احلال و ينعقد العقد فوراً (جملس عقد حكمي :عدم
تواجد املتعاقدان يف نفس املكان لكن جيمعهما نفس الزمان).
و عليه ،يتضح أنه يف التعاقد بني حاضرين ال يوجد فاصل زمين بني صدور القبول و علم املوجب
به ،حيث ينعقد مبجرد صدور القبول ،مثال وجود املتعاقدان يف جملس عقد واحد أو التعاقد ابلتليفون ،و
هذا وفقا لنص املادة 64ق.م.
-2التعاقد بني غائبني :
يكون التعاقد بني غائبني عندما ال جيمع بني املتعاقدين جملس عقد واحد ال حقيقةً و ال حكماً،
و بذلك فإنه يوجد فاصل زمين بني صدور القبول و علم املوجب به ،مثال التعاقد ابملراسلة أو
ابلربقيات...إخل
و يثري هذا التعاقد إشكالية حتديد حلظة انعقاد العقد ،حيث ظهرت أربع نظرايت و هي:
21
−نظرية إعالن القبول :حسب هذه النظرية ينعقد العقد عند إعالن القبول.
−نظرية إرسال القبول :ينعقد العقد عند صدور القبول أي إرساله أبي طريقة للطرف اآلخر.
−نظرية تسلم أو وصول القبول :ينعقد العقد عند وصول القبول إىل حمل الطرف اآلخر.
−نظرية العلم ابلقبول :ينعقد العقد عند علم املوجب ابلقبول الصادر من الطرف اآلخر.
ما هو موقف املشرع اجلزائري من هذه النظرايت؟
طبقا لنص املادة 67ق.م .يتضح أن املشرع اجلزائري قد أخذ بنظرية العلم ابلقبول ،مبعىن أن
العقد بني غائبني يتم يف املكان و الزمان اللذين يعلم فيهما املوجب ابلقبول ،إال إذا اتفق الطرفان أو
نص القانون على غري ذلك ،و هذا يستشف أيضا من املادة 61ق.م .اليت اعتربت أن وصول التعبري
عن اإلرادة (الرسالة) قرينة على علم املوجب ابلقبول ،حىت يثبت العكس.
الفرع الثالث :النيابة يف التعاقد
األصل يف التعاقد أن يربم الشخص العقد بنفسه و حلسابه ،غري أنه جيوز أن يربم العقد بواسطة
شخص آخر ينوب عن املتعاقد ،على أن تنصرف آاثر العقد إىل األصيل ال إىل النائب.
أوال :تعريف النيابة يف التعاقد
يقصد ابلنيابة حلول إرادة النائب حمل إرادة األصيل يف إبرام تصرف قانوين معني ابسم األصيل
وحلسابه يف حدود نيابته ،مع انصراف آاثر التصرف يف ذمة األصيل.
اثنيا :أنواع النيابة
تنقسم النيابة إىل ثالثة أنواع:
-1النيابة االتفاقية :مصدرها االتفاق املربم بني األصيل والنائب ،كنيابة الوكيل عن موكله.
-2النيابة القانونية :مصدرها القانون من حيث حتديد شخص النائب ،سلطاته ،اختصاصاته كنيابة
الويل.
-3النيابة القضائية :القضاء هو املصدر من حيث تعيني شخص النائب ولكنها تعد نيابة قانونية من
حيث حتديد سلطات النائب ،كنيابة الوصي أو القيم.
22
اثلثا :شروط النيابة :
تتمثل شروط النيابة حسب مضمون املواد 73و 74و 75ق.م .يف:
الشرط األول :حلول إرادة النائب حمل إرادة األصيل يف إبرام العقد
طبقا لنص املادة 73ق.م .لكي تتحقق النيابة يتعني على النائب التعبري عن إرادته ال عن إرادة
األصيل و ابلنيابة عنه ،و عليه تكون إرادة النائب هي حمل االعتبار يف العقد عند النظر يف عيوب
الرضا ،فإذا كانت إرادة النائب معيبة أبحد عيوب اإلرادة كان العقد قابالً لإلبطال حىت و لو كانت
إرادة األصيل غري معيبة ،و عند النظر إىل سوء النية و حسنها من حيث العلم أو اجلهل ببعض الظروف
اخلاصة اليت هلا أتثري يف التعاقد ،إال يف النيابة االتفاقية فتعد إرادة األصيل هي حمل االعتبار يف العقد.
ابلنسبة لألهلية ،يشرتط يف النيابة االتفاقية توافر األهلية الكاملة يف األصيل و ليس يف النائب ،أما
يف النيابة القانونية و القضائية فيشرتط يف النائب األهلية الكاملة ال يف األصيل.
الشرط الثاين :تعاقد النائب ابسم األصيل
جيب على النائب أن يعلن عن صفته كنائب وإذا مل يعلن فإنه ال تتصرف آاثر التصرف إىل
األصيل ،استثناءً تنصرف آاثر التصرف إىل األصيل رغم عدم إعالن النائب عن صفته يف حالتني و هذا
حسب املادة 75ق.م:.
-1أن يكون املتعاقد اآلخر من املفروض أنه يعلم بوجود النيابة.
-2أن يستوي لدى املتعاقد اآلخر أن يتعامل مع األصيل أو النائب.
الشرط الثالث :عدم جتاوز النائب حدود النيابة
حيدد األصيل حدود نيابة النائب من حيث نوع العقد ،و شروطه و مدة النيابة ،فإذا تعاقد النائب
يف حدود نيابته فتضاف آاثر العقد إىل ذمة األصيل طبقا للمادة 74ق.م ،.أما إذا جتاوز النائب حدود
نيابته ،فإن العقود ال تكون انفذة يف حق األصيل ،بل تنصرف آاثرها إىل ذمة النائب.
استثناء :تنصرف آاثر العقود اليت أبرمها النائب خارج حدود نيابته إىل ذمة األصيل يف ثالث
حاالت:
23
-1إذا أجاز األصيل العقد الذي خرج النائب فيه عن حدود نيابته ،فتنتقل آاثره إليه أبثر رجعي
من يوم إبرام العقد وليس من اتريخ اإلجازة ،أما إذا مل جيزه األصيل فريجع املتعاقد على النائب
ابلتعويض.
-2إذا أبرم النائب عقد حلساب األصيل بعد انقضاء النيابة و هو جيهل و من تعاقد معه ابنقضائها
-حسن نية النائب واملتعاقد اآلخر( -املادة 76ق.م).
-3إذا تعذر على النائب إخطار األصيل وغلب على ظنه أنه سيوافق على هذا العقد ألنه حيقق
مصلحته.
رابعا :آاثر التعاقد ابلنيابة
−العالقة بني النائب و الغري :هذه العالقة تنتهي مبجرد إبرام العقد ،و ال ترتتب أي التزامات
أو حقوق بينهما.
−العالقة بني األصيل و الغري :ترتتب التزامات و حقوق بينهما ،ألن آاثر العقد الذي أبرمه
النائب تنصرف إىل ذمة األصيل.
−العالقة بني النائب و األصيل :حيددها مصدر سلطة النائب ( االتفاق أو القانون ).
خامسا :تعاقد الشخص مع نفسه
األصل مينع على النائب أن يتعاقد مع نفسه سواء أجرى التعاقد حلسابه اخلاص أم أجراه حلساب
غريه ،ألن النائب سيعرب عن مصلحتني متعارضتني.
استثناءً :جيوز تعاقد النائب مع نفسه إذا رخص له األصيل يف ذلك قبل التعاقد ،أو أجاز له
ذلك بعد العقد أو إذا نص القانون على جواز هذا التعاقد( .املادة 77ق.م).
الفرع الرابع :صور خاصة لتوافق اإلرادتني (املراحل التمهيدية للتعاقد)
ابقرتان القبول ابإلجياب سواء أكان ذلك بني حاضرين أو غائبني ،يتم العقد بشكل هنائي ،إال إنه
توجد صور خاصة لتوافق اإلرادتني ،وهى ما يطلق عليها املراحل التمهيدية للعقد تتمثل يف :
24
أوال :الوعد ابلتعاقد
الوعد ابلتعاقد هو اتفاق صادر من أحد املتعاقدين (الواعد) يلتزم مبوجبه أن يربم عقداً بصفة هنائية
يف املستقبل ،إذا أبدى املتعاقد اآلخر (املوعود له) رغبته يف ذلك خالل مدة معينة.
-1صور الوعد ابلتعاقد :تشمل هذه الصور:
أ -الوعد ابلتعاقد من جانب واحد :يكون الوعد ملزماً ألحد املتعاقدين فقط (الواعد) حىت
يبدي الطرف اآلخر (املوعود له) رغبته يف التعاقد خالل املدة املتفق عليها ،مثال :الوعد
ابلبيع أو الوعد ابلشراء.
ب -الوعد امللزم للجانبني :هو وعد ملزم لكال املتعاقدين (الواعد و املوعود له) ،مثال الوعد
ابلبيع وابلشراء.
-2نطاق الوعد ابلتعاقد :
ال يقتصر الوعد ابلتعاقد كوسيلة متهيدية إلبرام العقد النهائي على نوع معني من العقود فهو
متصور يف معظم العقود مثل عقد البيع و اإلجيار و التأمني و القرض و الوكالة ...إخل
-3شروط الوعد ابلتعاقد :
طبقا للمادة 71ق.م .جيب على األطراف االتفاق على:
−املسائل اجلوهرية للعقد (طبيعة العقد -حمله -املقابل املادي).
−املدة اليت جيوز فيها للموعود له أن يبدي رغبته يف التعاقد.
−توافر الشكل يف العقد إذا اشرتط القانون ذلك كبيع العقار.
-4آاثر الوعد ابلتعاقد:
لتحديد آاثر الوعد ابلتعاقد ،ينبغي التمييز بني حالتني :
احلالة األوىل :قبل إبداء املوعود له رغبته يف التعاقد
−يلزم الواعد ابلبقاء على وعده إببرام العقد النهائي إذا أبدى املوعود له رغبته يف ذلك
خالل املدة املتفق عليها ،و عليه مينع على الواعد القيام أبي تصرف حيول دون انعقاد
25
العقد النهائي طوال مدة الوعد ،فال جيوز له التصرف خالهلا يف الشيء حمل الوعد إىل
متعاقد آخر غري املوعود له ،فإذا تصرف فيه جاز للموعود له مطالبته ابلتعويض.
−إذا انقضت مدة الوعد دون قبول املوعود له يسقط الوعد ابلتعاقد.
−تكون اآلاثر املرتتبة على العقد النهائي مؤجلة التنفيذ إىل وقت إبرامه.
احلالة الثانية :بعد إبداء املوعود له رغبته يف التعاقد
−إذا قبل املوعود له التعاقد خالل مدة الوعد ينقضي الوعد ،و من مث يلزم الواعد إبمتام إبرام
العقد النهائي ،كما يلتزم كال املتعاقدان بتنفيذ التزاماهتما مبوجب العقد النهائي.
−إذا نكل الواعد عن إبرام العقد النهائي و كانت الشروط الالزمة إلمتام العقد متوافرة ،جاز
للموعود له مقاضاته و يقوم احلكم الصادر هبذا الشأن مقام العقد النهائي (املادة 72
ق.م.).
اثنيا :التعاقد ابلعربون
العربون هو مبلغ من النقود يدفعه أحد املتعاقدين إىل املتعاقد اآلخر وقت إبرام العقد ،و ذلك
للداللة إما على :
-1حق املتعاقدين يف العدول عن العقد:
−إذا عدل أحد املتعاقدين خالل املدة املتفق عليها يفقد الدافع للعربون املبلغ ،و القابض
يرجع العربون و يدفع مثله.
−إذا مل يعدل أحد املتعاقدين خالل املدة املتفق عليها أصبح العقد ابات و يعترب العربون جزء
من الثمن.
-2أتكيد التعاقد و جعله اباتً ال جيوز الرجوع فيه (العربون هنا يعد جزء من الثمن)
ابلنسبة للمشرع اجلزائري فقد اعترب يف املادة 72مكرر ق.م .التعاقد ابلعربون يدل على حق
املتعاقدين يف العدول عن التعاقد النهائي ،إال إذا اتفقا على خالف ذلك.
26
املطلب الثاين :صحة الرتاضي
لقيام ركن الرتاضي البد أن يكون وجود الرتاضي صحيحاً ،و ذلك بصدوره من متعاقد له أهلية
كاملة ،و إرادة ال يشوهبا عيب من عيوب اإلرادة.
الفرع األول :األهلية
األهلية هي" :صالحية الشخص الكتساب احلقوق و حتمل االلتزامات و مباشرة التصرفات
القانونية".
أوال :أنواع األهلية
تنقسم األهلية إىل أهلية الوجوب و هي ":صالحية الشخص الكتساب احلقوق و حتمل
االلتزامات" ،و تثبت هذه األهلية لكل إنسان يولد حياً ،فكل شخص يتمتع ابلشخصية القانونية
تكون له أهلية الوجوب ،ابستثناء اجلنني الذي تكون له أهلية وجوب انقصة يكتسب احلقوق و ال
يتحمل الواجبات.
أهلية األداء و يقصد هبا ":صالحية الشخص ملباشرة التصرفات القانونية" ،فهي صالحية
الشخص للتعبري عن إرادته تعبريا ترتتب عليه أاثره القانونية ،و تظهر خاصة يف القيام ابلتصرفات القانونية
و القضائية اليت تستلزم التعبري عن إرادة يعتد هبا القانون.
اثنيا :أحكام األهلية من النظام العام
األحكام املتعلقة ابألهلية تعترب من النظام العام ،لذلك ال جيوز لألفراد االتفاق على ما خيالفها و
إال كان اتفاقهم ابطال(.املادة 45ق.م).
اثلثا :تقسيم التصرفات القانونية ابلنسبة لألهلية
تنقسم التصرفات القانونية ابلنسبة لألهلية إىل ثالثة أنواع :
-1تصرفات انفعة نفعا حمضا :
هي تصرفات قانونية يرتتب عنها اغتناء من يباشرها دون أن يقدم مقابل هلا ،كقبول اهلبة و الوصية
و اإلبراء من الدين ابلنسبة للمدين ...إخل ،فهذه التصرفات تزيد من حقوق الشخص أو تنقص من
ديونه دون أن يقدم أي مقابل ،و هي تسمى أبعمال االغتناء.
27
-2تصرفات ضارة ضررا حمضا :
هي تصرفات قانونية يرتتب عنها افتقار من يباشرها دون أن يتحصل على مقابل هلا ،كتقدمي اهلبة
و الوصية و اإلبراء من الدين ابلنسبة للدائن...إخل ،فهذه التصرفات تنقص من حقوق الشخص أو تزيد
من ديونه دون أن يتقاضى أي مقابل ،و هي تسمى أبعمال التربع.
-3تصرفات دائرة بني النفع و الضرر:
هي تصرفات قانونية اليت تقوم على احتمال الربح أو اخلسارة ،مثل عقود البيع و اإلجيار و الرهن و
الشركة...إخل.
رابعا :العوامل اليت تؤثر على األهلية
تتأثر األهلية بعدة عوامل و هي:
-1السن :مناط أهلية األداء هي التمييز لذلك فهي تتأثر ابلسن ،وكل إنسان البد وأن مير من
والدته إىل وفاته بثالثة مراحل تتدرج خالهلا أهليته ،و عليه تكون أهلية األداء منعدمة لدى
الشخص (غري مميز) منذ والدته إىل بلوغ سن ،13و تكون انقصة ابلنسبة للشخص (املميز)
من سن 13إىل 19سنة ،و تكون كاملة بعد بلوغ سن الرشد و هو 19كاملة.
-2عوارض األهلية :تتمثل يف :
−اجلنون :هو مرض عقلي يفقد الشخص عقله كلية و يعد يف حكم عدمي التمييز.
−العته :هو مرض عقلي يضعف القوى العقلية للشخص فيجعله يتصرف خبالف ما يقتضيه
العقل ،و يعد يف حكم عدمي املميز.
−السفه :هو سوء تدبري األموال و تبذيرها ،و يعد السفيه يف حكم املميز (انقص األهلية).
−الغفلة :هي سذاجة الشخص و سهولة وقوعه يف الغنب يف املعامالت املالية ،و يعد الغافل
يف حكم املميز (انقص األهلية).
-3موانع األهلية :هناك عدة موانع تؤثر على األهلية الكاملة للشخص و تعيق ممارستها أمهها:
28
−الغيبة و الفقدان :الغائب هو الشخص الذي غادر مكان إقامته و غاب ألكثر من سنة
دون أن تنقطع أخباره ،فإذا انقطعت أخباره و مل يعرف له حمل إقامة و مل يعرف موته أو
حياته عد مفقوداً ،فإذا مل يكن ألي منهما وكيل عينت احملكمة قيماً لتسيري أمواهلم.
−احلكم بعقوبة سالبة للحرية :إذا حكم على شخص بعقوبة سالبة للحرية يعني القاضي
للمحكوم عليه قيماً ليتوىل إدارة أمواله.
−العاهة املزدوجة :إذا تعذر على الشخص التعبري عن إرادته بسبب إصابته بعاهة مزدوجة
من ثالثة و هي الصم و البكم و العمى ،جاز للمحكمة أن تعني له مساعد قضائي
يساعده يف القيام ابلتصرفات اليت تعينها احملكمة ،و ذلك طبقا للمادة 80ق.م.
−إفالس التاجر :يرتتب على صدور احلكم بشهر اإلفالس غل يد املدين التاجر أي رفع
يده عن إدارة أمواله أو التصرف فيها مبا فيها األموال املستقبلية اليت قد يكتسبها ،و حيل
حمله الوكيل املتصرف القضائي الذي يتوىل إدارة أمواله حتت رقابة القاضي و ممارسة مجيع
حقوق و دعاوى املفلس املتعلقة بذمته طوال مدة التفليسة (املادة 1/244ق.جتاري).
الفرع الثاين :عيوب اإلرادة
ال يكفي لصحة الرتاضي جمرد تعبري املتعاقد املتمتع ابألهلية الكاملة عن إرادته ،بل البد أن تكون
هذه اإلرادة سليمة ،أي خالية من عيوب اإلرادة املتمثلة يف الغلط و التدليس و اإلكراه و االستغالل.
أوال :الغلط
هو وهم يقع يف ذهن الشخص من تلقاء نفسه فيجعله يتصور األمر على خالف حقيقته و يدفعه
إىل التعاقد.
-1أنواع الغلط :تتمثل يف :
أ -الغلط املانع :هو الغلط الذي يعدم الرضا فيمنع من انعقاد العقد ،و يرتتب عليه بطالن
العقد بطالن مطلق ،و عدم تطابق اإلرادة قد يرد على طبيعة أو ماهية العقد ،ذاتية احملل،
وجود السبب ،و هذا الغلط ال يعترب عيب من عيوب اإلرادة ألنه يعدم ركن الرتاضي.
ب -الغلط غري املؤثر :هو غلط ال يؤثر على وجود الرتاضي أو صحته ،و من مث فال يعتد به كعيب
من عيوب اإلرادة ،و قد يرد على :
29
−صفة غري جوهرية يف الشيء حمل العقد
−الغلط يف احلساب وغلطات القلم (املادة 84ق.م).
ت -الغلط املؤثر أو اجلوهري :هو الغلط الذي يعيب الرضا و ميس بصحته و ال يعدمه ،فيكون
العقد صحيحاً لكن قابالً لإلبطال ملصلحة من عيبت إرادته بوقوعها يف هذا الغلط اجلوهري ،و
هذا النوع من الغلط هو الذي يعد عيباً من عيوب اإلرادة طبقا لنص املادة 81ق.م.
-2شروط التمسك ابلغلط :للتمسك ابلغلط ينبغي توافر الشروط التالية :
الشرط األول :أن يكون الغلط جوهرايً :أي أن يبلغ الغلط درجة من اجلسامة و اخلطورة حبيث
ميتنع معها على املتعاقد إبرام العقد لو مل يقع يف هذا الغلط ،واملعيار الذي تقدر به هذه اجلسامة هو
معيار شخصي يرتكز على رغبة و نفسية املتعاقد الواقع يف الغلط اليت دفعته إىل التعاقد ،و هذا طبقا
لنص املادة 1/82ق.م.
و يعترب الغلط جوهرايً حسب نص املادة 82ق.م .إذا وقع يف:
−صفة جوهرية يف الشيء حمل العقد :و كانت هذه الصفة هي اليت دفعت ابملتعاقد إىل إبرام
العقد ،و تتحدد هذه الصفة اجلوهرية ابلنظر العتبار املتعاقدين وفقا لشروط العقد و ما
يقتضيه التعامل من حسن نية.
−شخصية املتعاقد أو يف صفة من صفاته :و كانت شخصية املتعاقد أو صفته هي الدافع
الرئيسي للتعاقد.
الشرط الثاين :أن يكون الغلط دافعا للتعاقد :أي أن يكون الغلط هو السبب الرئيسي الذي دفع
املتعاقد إىل إبرام العقد.
الشرط الثالث :أال يتمسك املتعاقد الواقع يف الغلط به على وجه يتعارض مع حسن النية ،حبيث
يلزم ابلعقد إذا أظهر املتعاقد األخر استعداده لتنفيذ العقد و تصحيح الغلط ،و هذا استنادا لنص املادة
85ق.م.
-3الغلط يف القانون :هو الغلط الذي حيدث للمتعاقد نتيجة جهله حبكم القانون يف مسألة معينة،
أو هو وهم يقوم يف ذهن املتعاقد جيعله يتصور حكم قاعدة قانونية على خالف ما تقضي به،
30
حبيث لو علم حبقيقتها ملا أبرم العقد ،و طبقا لنص املادة 83ق.م .يؤثر هذا الغلط على صحة
العقد مىت توافرت فيه شروط الغلط يف الواقع الوارد ذكرها يف املادتني 81و 82ق.م.
-4إثبات الغلط :يقع على عاتق املتعاقد الذي يدعي الوقوع يف الغلط إثبات أنه جوهري و دافع
للتعاقد بكافة وسائل اإلثبات.
-5جزاء الغلط :إذا توافرت شروط الغلط حيق للمتعاقد الذي أبرم العقد حتت أتثري الغلط طلب
إبطال العقد.
اثنيا :التدليس
هو إستعمال وسائل احتيالية بقصد تضليل املتعاقد و إيقاعه يف غلط يدفعه إىل التعاقد.
-1شروط حتقق التدليس:
لكي يتمسك املتعاقد ابلتدليس جيب توافر الشروط املنصوص عليها يف املادتني 86و 87ق.م:.
الشرط األول :استعمال طرق احتيالية بقصد التضليل املتعاقد اآلخر و إيقاعه يف غلط
جيب لتحقق التدليس استعمال طرق احتيالية بقصد التضليل املتعاقد األخر و إيقاعه يف غلط ،و
ليتحقق هذا الشرط جيب توافر عنصران مها:
أ -عنصر مادي :جلوء املدلس إىل استعمال وسائل احتيالية للتأثري على إرادة املتعاقد املدلَس
عليه و تتمثل يف :
-أفعال أو تصرفات مادية بقصد تضليل املتعاقد اآلخر (املدلس عليه) إلخفاء احلقيقة عنه و
من مث دفعه إىل التعاقد ،كاستعمال واثئق مزورة ،انتحال شخصية مشهورة أو وظيفة...
-الكذب :كأصل عام الكذب اجملرد الذي ال يؤثر على غالبية األشخاص ال يعد تدليساً،
لكن إذا بلغ الكذب درجة من اخلطورة حبيث ال ميكن للمتعاقد إكتشاف احلقيقة ،فيرتتب
عنه تدليس ،و يقدر القاضي ذلك مبراعاة ظروف التعاقد و صفة املتعاقدين و طبيعة العالقة
فيما بينهما.
ما مدى اعتبار السكوت تدليساً؟
31
السكوت اجملرد ال يعد مظهراً من مظاهر االحتيال والتدليس ،أما السكوت املتعمد (الكتمان)
فيعد تدليساً وفقا للمادة 2/86ق.م .إذا توافرت فيه الشروط اآلتية :
−أن يكون الكتمان هو الدافع للتعاقد .
−أن يتعمد املتعاقد املدلس الكتمان.
−أن جيهل املتعاقد املدلس عليه ابلواقعة اليت مت كتماهنا ،و ال يستطيع العلم هبا بطريق آخر.
ب -عنصر معنوي :نية التضليل لدى املدلس حيث يقصد ابستعماله للوسائل االحتيالية إيقاع
املتعاقد املدلس عليه يف غلط يدفعه إىل التعاقد ،لتحقيق غاية غري مشروعة.
الشرط الثاين :أن تكون الوسائل االحتيالية هي الدافع إىل التعاقد ،حبيث لوالها ملا أبرم املتعاقد
املدلس عليه العقد ،مبعىن أن تصل هذه الوسائل إىل درجة من اجلسامة تؤدي إىل إيقاع املتعاقد يف غلط،
و يقدر القاضي أثر الوسائل االحتيالية وفقا ملعيار شخصي يؤخذ فيه حبالة املدلس عليه الشخصية(
جنسه و سنه و ثقافته...إخل)
الشرط الثالث :صدور التدليس من املتعاقد أو من النائب عنه و يكون على علم به.
-2إثبات التدليس :يقع على عاتق املتعاقد الذي يدعي وقوعه يف الغلط بسبب التدليس إثبات
الشروط السابقة ،بكل وسائل اإلثبات.
-3جزاء التدليس :إذا توافرت شروط التدليس حيق للمتعاقد املدلس عليه طلب إبطال العقد و
التعويض جلرب الضرر الذي أصابه جراء ذلك.
اثلثا :اإلكراه
اإلكراه هو ضغط مادي أو معنوي (التهديد) ميارس على شخص دون وجه حق فيبعث يف نفسه
رهبة أو خوفا حيمله على التعاقد.
-1أنواع اإلكراه :ميكن تقسيم اإلكراه إىل :
−اإلكراه املادي :الذي يقع على اجلسم و املال فيضطر املتعاقد املكره بسببه إىل قبول
التعاقد.
32
−اإلكراه املعنوي :الذي يتحقق ابلتهديد ،فيرتتب عنه أذى نفسي ميس ابلعاطفة أو الشرف
أو السمعة فيضطر املكره إىل قبول التعاقد ملنع وقوع األذى الذي يهدده.
-2شروط اإلكراه :يستخلص من مضمون املادتني 88و 89ق.م .الشروط الواجب توافرها
للتمسك ابإلكراه و هي:
33
-1عناصر االستغالل :من خالل التعريف السابق يتضح أن لالستغالل عنصرين مها:
−عنصر مادي :يتمثل يف عدم تعادل أداءات طريف العقد ،حبيث أن ما يقدمه طرف
يكون أقل بكثري مما أخذه الطرف اآلخر (الغنب).
−عنصر معنوي :استغالل أحد املتعاقدين لطيش نِبني أو هوى جامع لدى املتعاقد اآلخر
(املغبون)
-2شروط االستغالل:
الشرط الثالث :أن يكون االستغالل هو الدافع للتعاقد مبعىن جيب أن يكون الطيش نِ
البني أو
اهلوى اجلامح لدى املتعاقد وقت إبرام العقد هو الذي دفعه للتعاقد ،حبيث لواله ملا تعاقد.
-3إثبات االستغالل :يقع على عاتق املتعاقد الذي يدعي أنه تعاقد حتت أتثري االستغالل إثبات
الشروط السابقة ،بكافة وسائل اإلثبات.
-4جزاء االستغالل :إذا توافرت شروط االستغالل حيق للمتعاقد املغبون إما طلب إبطال العقد أو
إنقاص التزامات املتعاقد املغبون.
و للقاضي السلطة التقديرية يف حالة طلب إبطال العقد يف إجابة طلب املتعاقد املغبون ابإلبطال
أو إنقاص التزاماته بدل اإلبطال ،أما يف حالة طلب املتعاقد املغبون إنقاص التزاماته فال جيوز
للقاضي أن حيكم ابإلبطال.
و جيوز يف عقود املعاوضة أن يتوقى الطرف اآلخر دعوى اإلبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافيا
لرفع الغنب.
34
املبحث الثاين :ركن احملل
احملل أحد أركان العقد الذي ال ينشأ إال بتوافر حمل يرتاضى املتعاقدين عليه.
املطلب األول :تعريف احملل
حمل العقد هو العملية القانونية اليت اجتهت إرادة املتعاقدين إىل حتقيقها من إبرام العقد ،و يتم
ذلك عن طرق االلتزامات الناشئة عن العقد ،أما حمل االلتزام فهو األداء الذي يتعهد كل متعاقد ببذله
وتقدميه مبوجب العقد ،و قد يكون حمل العقد إما ماالً (سواء كان عقاراً أو منقوالً أو مبلغ من النقود)
أو القيام بعمل معني أو االمتناع عن القيام بعمل معني.
و ملا كان تنفيذ حمل التزامات املتعاقدين هتدف إىل حتقيق حمل العقد ،فإن الشروط الواجب توافرها
يف حمل االلتزام حتقق ابلضرورة الشروط الالزم توافرها يف حمل العقد ،حبيث إذا ختلف أحد هذه الشروط
يبطل حمل االلتزام و تبعا لذلك يبطل حمل العقد بطالن مطلق ،بناء على ذلك ،اهتم املشرع اجلزائري
بتنظيم شروط حمل االلتزام يف املواد من 92إىل 95ق.م.
املطلب الثاين :شروط احملل
يستخلص من املواد 92إىل 95ق.م .أن شروط احملل هي :
الشرط األول :أن يكون احملل موجوداً أو ممكن الوجود :و خيتلف معىن وجود حمل العقد حبسب
كونه شيئاً أو عمالً :
-1إذا كان حمل العقد شيئا :فيجب أن يكون الشيء موجوداً وقت التعاقد أو على األقل أن
يكون قابالً للوجود يف املستقبل.
مدى جواز التعامل يف األشياء املستقبلية :كأصل عام جيوز التعامل يف األشياء املستقبلية و
احملققة الوقوع ،استثناءًا ال جتوز التعامل يف تركة إنسان على قيد احلياة و لو برضاه ،و هذا
استنادا إىل نص املادة 92ق.م.
-2إذا كان حمل العقد عمالً :فيجب أن يكون هذا العمل ممكن القيام به ،فإن كان مستحيال
استحالة مطلقة ،بطل العقد بطالن مطلق (املادة 2/92ق.م).
35
و يقصد ابالستحالة املطلقة للعمل حمل العقد سواء كانت استحالة مادية أو قانونية و هي تلك
االستحالة اليت جتعل تنفيذ العمل حمل العقد غري ممكن لكل األفراد ( ابلنسبة للمدين أبداء
العمل أو غريه من األفراد)
أما االستحالة النسبية للعمل حمل العقد فيقصد هبا عدم إمكان املدين تنفيذ العمل ،مع إمكانية
ذلك ابلنسبة لغريه من األفراد ،و هذه االستحالة النسبية ال تبطل العقد بل يبقى صحيح ،لكن
نظرا لعدم إمكان املتعاقد تنفيذ العمل جيوز للمتعاقد اآلخر مطالبته ابلتعويض ،كما جيوز له
طلب فسخ العقد.
الشرط الثاين :أن يكون احملل معيناً أو قابالً للتعيني ،ألنه إذا كان جمهوال تعذر حتديده أو تعيينه،
و ختتلف طريقة تعيني احملل حبسب حمل العقد ،فإذا متثل احملل يف القيام بعمل أو االمتناع عن القيام
بعمل وجب حتديد طبيعة العمل أو أن يكون قابال للتعيني ،و إذا كان حمل العقد شيئا فيكفي لتعيينه
حتديد نوعه و مقداره و درجة جودته.
الشرط الثالث :أن يكون احملل مشروعاً و خيتلف معىن املشروعية ابختالف طبيعة حمل العقد:
−فإذا كان حمل العقد عمالً أو امتناعاً عن عمل :فيشرتط فيه أال يكون خمالفاً للنظام العام
و اآلداب العامة .حسب نص املادة 93ق.م.
−أما إن كان حمل العقد شيئاً فيجب أن يكون هذا الشيء قابالً للتعامل فيه.
املبحث الثالث :ركن السبب
يعترب السبب ركن من أركان العقد فال وجود للعقد بدون سبب.
املطلب األول :تعريف السبب
لتحديد املقصود ابلسبب يف العقد ظهرت نظريتان مها :
الفرع األول :النظرية التقليدية للسبب
أتخذ النظرية التقليدية للسبب ابلسبب املباشر أي الغرض املباشر ،و طبقا هلذه النظرية يف العقود
امللزمة جلانبني يكون سبب التزام كل طرف هو ما التزم به الطرف اآلخر ،ويف عقود التربعات يكون
السبب هو نية التربع.
36
الفرع الثاين :النظرية احلديثة للسبب
أتخذ النظرية احلديثة للسبب ابلسبب غري املباشر أي الباعث الدافع إىل انتشاء التصرفات
القانونية ،فحسب النظرية التقليدية يكون السبب يف عقود التربع هو نية التربع لذلك فهو مشروع دائماً،
أما يف النظرية احلديثة وابعتباره الباعث الدافع يف عقود التربع فهو خيتلف من شخص آلخر فقد يكون
مشروع أو غري مشروع.
املطلب الثاين :شروط السبب
طبقا للمادتني 97و 98ق .م .تتمثل شروط السبب يف:
الشرط األول :جيب أن يكون السبب موجودا ،فإذا انعقد عقد و مل يوجد له سبب ،كان العقد
ابطال.
الشرط الثاين :جيب أن يكون السبب صحيحا و حقيقيا ،فإذا انعقد العقد و كان له سبب
وجب أن يكون حقيقي ،فإذا كان سبب العقد صوراي (غري حقيقي) كان العقد ابطالً لعدم صحة
السبب.
الشرط الثالث :جيب أن يكون السبب مشروعا ،فإذا انعقد العقد بسبب صحيح وجب أن
يكون هذا السبب غري خمالف للقانون أو النظام العام أو اآلداب و إال بطل العقد.
املطلب الثالث :إثبات السبب
لقد افرتضت املادة 98ق.م .وجود سبب يف العقد ،مع افرتاض أن يكون السبب صحيح و
مشروع ،و على من يدعي عكس ذلك إثبات أن العقد ليس له سبب أو أن له سبب غري صحيح أو
أن سببه غري مشروع ،و عليه ،ينبغي التفرقة بني حالتني:
احلالة األوىل :خلو العقد من ذكر سبب االلتزام :تقوم قرينة قانونية بسيطة على أن لاللتزام سبباً
وأن هذا السبب مشروعاً ،و ميكن ملن يدعي انعدام السبب أو عدم مشروعيته إثبات ذلك بكافة طرق
اإلثبات.
احلالة الثانية :ذكر سبب االلتزام يف العقد :تقوم قرينة قانونية بسيطة على أن هذا السبب هو
السبب احلقيقي لاللتزام ،و ميكن إثبات عكسها و ذلك بـ :
37
−إثبات صورية السبب :بكافة طرق اإلثبات مع مراعاة أحكام املادة 333من ق.م .ابلنسبة
للتصرف الذي تزيد قيمته عن مبلغ 100.000د.ج.
−أو إثبات أن السبب احلقيقي لاللتزام غري مشروع :بكافة وسائل اإلثبات.
املبحث الرابع :ركن الشكل
طبقا ملبدأ الرضائية يف العقود ،يكفي توافر الرضا و احملل و السبب لقيام العقد ،استثناءًا إذا استلزم
القانون توافر شكالً معيناً لعقد ما ،أو اتفق عليه املتعاقدان ،فإن هذا العقد ال ينعقد إال بتوافر الرضا و
احملل و السبب و الشكل ،و يف هذه احلالة تعد الشكلية ركن من أركان انعقاد العقد.
لقد استلزم املشرع الشكل يف بعض العقود لتنبيه املتعاقدين على خطورة التصرف القانوين املقدمان
عليه ،وخاصة إذا كانت احملل ذو قيمة اقتصادية كبرية ،كالعقارات مثال ،و أيضا محاية للغري يف العقود
اليت تتعلق هبا حقوقهم ،و كذا تسهيل اإلثبات يف حالة وقوع نزاع.
الفصل الثالث :بطالن العقد
البطالن هو اجلزاء املرتتب عن ختلف ركن من أركان العقد ،أو ختلف شرط من شروط صحته.
املبحث األول :أنواع البطالن
ينقسم البطالن إىل مطلق و نسيب ،و قد استعمل املشرع اجلزائري يف القانون املدين مصطلح
"ابطل" للتعبري عن البطالن املطلق ،و مصطلح "اإلبطال" للتعبري عن البطالن النسيب.
املطلب األول :البطالن املطلق
هو اجلزاء املرتتب عن ختلف ركن من أركان العقد ( شرط من شروط انعقاده ) املتمثلة يف الرضا و
احملل و السبب و الشكل يف العقود الشكلية ،لذا فالعقد الباطل بطالن مطلق هو عقد معدوم ال وجود
له قانوان و ال يرتب أي اثر قانوين.
الفرع األول :حاالت البطالن املطلق
تتمثل حاالت البطالن املطلق يف :
.1عدم استكمال العقد لشروط انعقاده (الرضا و احملل و السبب و الشكل يف العقود الشكلية)
.2إذا وجد نص قانوين يقضي ببطالن العقد.
38
الفرع الثاين :أحكام البطالن املطلق
تسري على البطالن املطلق األحكام التالية:
أوال :صاحب احلق يف التمسك ابلبطالن املطلق
طبقا لنص املادة 102ق.م .التمسك ابلبطالن املطلق يكون لكل ذي مصلحة (املتعاقدين-
اخللف العام للمتعاقدين -اخللف اخلاص للمتعاقدين -دائنو املتعاقدين -الغري األجنيب عن العقد) و
كذلك للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ألنه يتعلق ابلنظام العام.
اثنيا :اإلجازة يف البطالن املطلق
طبقا لنص املادة 102ق.م .البطالن املطلق ال يزول ابإلجازة.
اثلثا :التقادم يف البطالن املطلق
دعوى البطالن املطلق تسقط مبرور 15سنة من اتريخ إبرام العقد حسب نص املادة 2/102
ق.م ،.أما الدفع ابلبطالن فال يسقط ابلتقادم.
العقد الباطل بطالن مطلق ال يصححه التقادم.
املطلب الثاين :البطالن النسيب
العقد القابل لإلبطال هو العقد الذي توافرت أركان انعقاده (الرضاء و احملل و السبب و الشكل
يف العقود الشكلية) ،و لكن عاب ركن الرضا فيه صدوره عن شخص انقص األهلية ،أو شاب رضاه
عيب من عيوب اإلرادة.
العقد القابل لإلبطال هو عقد صحيح و يرتب كامل آاثره ،ما مل يتقرر إبطاله.
العقد القابل لإلبطال ال يتعلق ابلنظام العام ،فقد قرره القانون محاية ملصلحة خاصة و هي
مصلحة املتعاقد انقص األهلية أو الذي شاب رضاه عيب من عيوب اإلرادة.
الفرع األول :حاالت البطالن النسيب
تتمثل حاالت البطالن النسيب يف :
-1وجود عيب يف ركن الرضا إما بسبب:
−صدور الرضا عن شخص انقص األهلية
39
−الرضا مشوب بعيب من عيوب اإلرادة.
-2وجود نص قانوين يقرر إبطال العقد ( مثال املادة 80ق.م).
الفرع الثاين :أحكام البطالن النسيب
تسري على البطالن النسيب األحكام التالية:
أوال :صاحب احلق يف التمسك ابلبطالن النسيب
حق التمسك إببطال العقد ) مطالبة اإلبطال( يقتصر فقط على املتعاقد انقص األهلية أو الذي
شاب رضاه عيب من عيوب اإلرادة ،الذي تقرر اإلبطال ملصلحته.
اثنيا :اإلجازة يف البطالن النسيب
اإلجازة هي تصرف قانوين صادر إبرادة منفردة ،يعلن فيها املتعاقد رغبته يف التنازل عن حقه يف
اإلبطال ،و تلزم من صدرت عنه دون احلاجة إىل قبول املتعاقد اآلخر.
طبقا لنص املادة 100ق.م .العقد القابل لإلبطال تصححه اإلجازة الصرحية أو الضمنية للمتعاقد
الذي تقرر حق التمسك ابإلبطال ملصلحته ،و ابلتايل يزول عنه خطر اإلبطال الذي يهدده أبثر رجعي
من يوم إبرام العقد ،و يستقر العقد و يصبح صحيح بصفة هنائية ،و ال جيوز إبطاله ال عن طريق دعوى
اإلبطال أو الدفع به.
اثلثا :التقادم يف البطالن النسيب
نصت املادة 101ق.م.على التقادم القصري الذي يسقط حق التمسك إببطال العقد يف حال
عدم التمسك به خالل 05سنوات من اتريخ زوال سببه ،و يبدأ سراين هذه املدة كما يلي:
−حالة نقص األهلية :من يوم بلوغ سن الرشد.
−حالة الغلط و التدليس :من يوم اكتشافه.
−حالة اإلكراه :من يوم انقطاعه.
−حالة االستغالل :سنة واحدة من يوم إبرام العقد( .املادة 90ق.م).
أما ابلنسبة للتقادم الطويل :ففي مجيع األحوال يسقط حق التمسك إببطال العقد مبرور 10
سنة من اتريخ إبرامه.
40
العقد القابل لإلبطال يصححه التقادم و يستقر بصفة هنائية ،مبعىن إذا مل يستعمل املتعاقد حق
التمسك ابإلبطال خالل املدة احملددة قانوان ،سقط حقه يف رفع دعوى اإلبطال أو الدفع به ،و يصبح
العقد صحيح بصفة هنائية.
املبحث الثاين :آاثر البطالن
العقد الباطل بطالن مطلق عقد معدوم ال يرتب أي آاثر قانونية ،لذلك ال حيتاج إىل صدور حكم
قضائي يقضي ببطالنه ،لكن الضرورة العملية تقتضي احلصول على حكم قضائي يقرر بطالن العقد ،و
بذلك فاحلكم ببطالن العقد ال ينشأ البطالن و إمنا يكشف عنه.
أما العقد القابل لإلبطال فيتقرر مبقتضى حكم قضائي ،و هذا احلكم ببطالن العقد هو الذي
ينشئ البطالن.
املطلب األول :آاثر البطالن بني املتعاقدين
إذا تقرر بطالن العقد سواء كان ابطل بطالن مطلق أو قابل لإلبطال ،ترتبت اآلاثر التالية:
أوال :آاثر البطالن يف حالة عدم تنفيذ االلتزامات
إذا كان العقد مل ينفذ بعد ،فإن البطالن ال يرتب عليه أية آاثر ،و ال جيوز املطالبة بتنفيذه ابعتباره
عقدا منعدما ،و ال حاجة حلكم قضائي يقرر ذلك ،و إذا متسك أحد املتعاقدين ابلعقد الباطل مطالباً
بتنفيذه ،فيدفع املتعاقد اآلخر هذه املطالبة ببطالن العقد.
اثنيا :آاثر البطالن يف حالة التنفيذ الكلي أو اجلزئي لاللتزام
كأصل عام إذا كـان العقـد قد نفـذ كليا أو جزئيا ،فيرتتب على البطالن حسب املادة 1/103
ق.م .زوال العقد أبثر رجعي ،و يعاد املتعاقدان إىل احلالة اليت كاان عليها قبل التعاقد ،فريد كل منهما ما
حصل عليه من اآلخر.
استثناء :
−يف حالة استحالة رد الشيء حمل العقد حيكم القاضي بتعويض معادل 1/103( .ق.م).
−يف حالة كان أحد املتعاقدين انقص األهلية :يرد فقط ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد.
( 2/103ق.م).
41
−يف حالة تسبب أحد املتعاقدين يف عدم مشروعية العقد أو كان عاملا هبا ،حيرم هذا املتعاقد من
اسرتداد ما قدمه للمتعاقد اآلخر مبوجب العقد 3/103( .ق.م).
42
الفرع األول :نظرية إنقاص العقد (البطـالن اجلزئـي)
إذا كان العقد ابطل أو قابل لإلبطال يف شق منه ،و صحيحاً يف شق آخر ،فإن الشق الباطل هو
فقط الذي يبطل ،و يبقى الشق الصحيح قائماً و منتجاً آلاثره.
إستثناءًا :إذا تبني أن العقد مل يكن ليربم دون شقه الباطل ،فإن هذا العقد يبطل أبكمله.
و يشرتط لتطبيق هذه النظرية وفقا للمادة 104ق.م .الشروط اآلتية:
-1أن يكون العقد ابطل أو قابل لإلبطال جزئياً.
-2أال يكون الشق الباطل دافعاً للتعاقد ابلنسبة ألحد املتعاقدين.
-3أن يكون العقد قابالً للتجزئة ،و إال يبطل كله.
الفرع الثاين :نظرية حتول العقد
إذا كان العقد ابطالً أو قابالً لإلبطال وتوافرت فيه أركان عقد آخر ،فإن العقد يكون صحيحاً
ابعتباره العقد الذي توافرت أركانه إذا تبني أن نية املتعاقدين كانت تنصرف إىل إبرام هذا العقد.
يشرتط حسب املادة 105ق.م .لتحول العقد الشروط التالية:
-1أن يكون العقد األصلي ابطالً أو قابالً لإلبطال.
-2توافر كل عناصر العقد اجلديد ابلعقد األصلي الباطل أو القابل لإلبطال.
-3اجتاه اإلرادة احملتملة للمتعاقدين إىل إبرام العقد اجلديد لو تبني بطالن العقد األصلي.
الفصل الرابع :آاثر العقد
إذا إنعقد العقد صحيحا بتوافر أركانه و شروط صحته ترتبت عنه آاثر ،إال أن القوة امللزمة للعقد
هلا أثر نسيب حمدود يسمى مببدأ األثر النسيب للعقد من حيث األشخاص و من حيث املوضوع.
املبحث األول :مبدأ نسبية أثر العقد من حيث األشخاص
يقضي مبدأ نسبية أثر العقد من حيث األشخاص أال تنصرف آاثر العقد إال لطرفيه و خلفهما
العام و اخلاص.
43
املطلب األول :أثر العقد ابلنسبة للمتعاقدين و خلفهما العام و اخلاص
تسري آاثر العقد على املتعاقدين و خلفهما العام ،أما ابلنسبة خللفهما اخلاص فبتوافر شروط
معينة.
الفرع األول :أثر العقد ابلنسبة للمتعاقدين
تنصرف آاثر العقد إىل املتعاقدين ،ألن إرادهتما هي من أنشأت العقد ،و ابلتايل يتحمالن ما
يرتتب من حقوق و ما يفرض من التزامات.
الفرع الثاين :أثر العقد ابلنسبة للخلف العام للمتعاقدين
اخللف العام :هو كل من خيلف غريه (السلف) يف كل ذمته املالية أو يف حصة منها كالوارث
واملوصى له.
كقاعدة عامة حسب املادة 108ق.م .تنتقل مجيع آاثر العقد (حقوق و التزامات) الذي يربمه
السلف إىل اخللف العام ،لكن جيب مراعاة قواعد املرياث اليت تستوجب احرتام قاعدتني و مها:
−ال تنتقل األموال واحلقوق التابعة للسلف إال بعد سداد ما عليه من ديون والتزامات.
−ال يلتزم اخللف ابلتزامات سلفه إال يف حدود ما آل إليه من حقوق بطريق املرياث.
االستثناء :ال تسري آاثر العقد على اخللف العام يف احلاالت التالية :
.1إذا وجد اتفاق بني املتعاقدين على عدم انصراف آاثر العقد إىل اخللف العام لكليهما أو
اخللف العام ألحدمها.
.2إذا كانت طبيعة العقد ذاهتا تستوجب عدم انصراف آاثر العقد إىل اخللف العام و ذلك
ابلنسبة للعقود اليت تقوم على االعتبار الشخصي.
.3إذا وجد نص يف القانون يقضي بعدم انصراف آاثر العقد إىل اخللف العام.
الفرع الثالث :أثر العقد ابلنسبة للخلف اخلاص للمتعاقدين
اخللف اخلاص :هو من خيلف غريه يف ملكية شيء معني ابلذات أو حقاً عينياً.
و يشرتط النصراف آاثر عقد السلف إىل خلفه اخلاص طبقا لنص املادة 109ق.م:.
.1أن يكون هذا العقد متعلقاً ابملال الذي آل إىل اخللف اخلاص.
44
.2صدور عقد السلف قبل انتقال املال خللفه اخلاص.
.3علم اخللف اخلاص بعقد السلف قبل انتقال املال إليه.
املطلب الثاين :أثر العقد ابلنسبة للغري
الغري هو كل شخص أجنيب عن العقد فال هو من املتعاقدين و ال انئب عنهما و ال خلفهما العام
أو اخلاص ،وكقاعدة عامة ال تنصرف إليه آاثر العقد سواء كانت حقوق و التزامات ،و قد أكد املشرع
اجلزائري على عدم انصراف آاثر العقد إىل الغري و بصفة خاصة االلتزامات املرتتبة عنه يف صورة التعهد
عن الغري.
ولكن استثناء جيوز أن يكتسب الغري حقاً من العقد طبقا لنص املادة 113ق.م ،.و عموما هناك
حالتني استثنائيتني تسري فيهما آاثر العقد على الغري :حالة وجود نص قانوين يقضي بسراين آاثر
العقد على الغري بصفة مباشرة مبوجب الدعوى املباشرة مثل عقد اإلجيار من الباطن (املادة 507ق.م).
و عقد املقاولة من الباطن (املادة 565ق.م.).
و حالة انصراف آاثر العقد إىل الغري إبرادة املتعاقدين و اليت أورد املشرع اجلزائري صورة تطبيقية
بشأهنا أال و هي االشرتاط ملصلحة الغري.
الفرع األول :التعهد عـن الغري
هو اتفاق بني طرفني يتعهد مبوجبه أحدمها يف مواجهة اآلخر حبمل طرف آخر على قبول إبرام
عقد معني.
أوال :شروط التعهد عـن الغري
تتمثل شروط التعهد عن الغري حسب مضمون املادة 114ق.م .يف :
.1تعاقد املتعهد ابمسه شخصياً ال ابسم من تعهد عنه (الغري).
.2اجتاه إرادة املتعهد إىل إلزام نفسه هبذا التعهد وليس إىل إلزام غريه املتعهد عنه.
.3التزام املتعهد ابحلصول على قبول الغري إلبرام العقد حمل التعهد.
اثنيا :آاثر التعهد عـن الغري
إذا توافرت الشروط السابقة ترتتب اآلاثر التالية:
45
.1قبول الغري :ينعقد عقد جديد بني الغري واملتعاقد مع املتعهد مستقال عن عقد التعهد عن الغري
سواء من حيث أطرافه أو من حيث وقت إبرامه أو من حيث آاثره.
.2رفض الغري :يف هذه احلالة يعترب املتعهد خمالً ابلتزامه يف عقد التعهد ويلتزم بتعويض املتعاقد معه
عن األضرار اليت تلحقه من جراء هذا الرفض.
و قد أجاز املشرع اجلزائري للمتعهد التخلص من التعويض أبن يقوم هو بنفسه بتنفيذ ما التزم به
عيناً إذا أمكنه ذلك.
الفرع الثاين :االشرتاط ملصلحة الغري
االشرتاط ملصلحة الغري هو عقد يشرتط فيه أحد املتعاقدين وهو املشرتط على املتعاقد اآلخر وهو
املتعهد ،بتنفيذ التزام ملصلحة شخص اثلث ليس طرفاً يف العقد وهو املستفيد أو املنتفع ،فينشأ بذلك
حق مباشر هلذا األخري يف مواجهة املتعهد.
أوال :شروط االشرتاط ملصلحة الغري :طبقا لنص املادة 116ق.م .تتمثل هذه الشروط يف:
.1أن يتعاقد املشرتط ابمسه ال ابسم املنتفع أو املستفيد.
.2أن تتجه إرادة طريف عقد االشرتاط إىل ترتيب حق مباشر للمنتفع.
.3أن تتوافر مصلحة شخصية للمشرتط (مادية أو معنوية).
اثنيا :آاثر االشرتاط ملصلحة الغري
لتحديد آاثر االشرتاط ملصلحة الغري املنصوص عليها يف املادة 116ق.م ،.ينبغي حتديد عالقة
املشرتط ابملتعهد و عالقة املشرتط ابملنتفع و عالقة املتعهد ابملنتفع.
.1عالقة املشرط ابملتعهد :هي عالقة تعاقدية حيكمها عقد االشرتاط الذي أبرم بينهما ،و جيوز
للمشرتط مطالبة املتعهد بتنفيذ التزامه (احلق الذي اشرتطه ) ملصلحة املستفيد.
.2عالقة املشرتط ابملستفيد :تتحدد هذه العالقة على أساس هدف املشرتط من االشرتاط
سواء كان على سبيل التربع أو املعاوضة.
.3عالقة املتعهد ابملستفيد :يكتسب املنتفع ( املستفيد ) حقاً مباشراً من عقد االشرتاط الذي
مت بني املشرتط و املتعهد و ذلك من اتريخ إبرام هذا العقد و ليس من وقت القبول ،و بذلك
46
يصبح دائناً شخصياً للمتعهد ،و من مث حيق للمستفيد مطالبة املتعهد بتنفيذ التزاماته ملصلحته
و الرجوع عليه ابلتعويض يف حال امتناعه عن ذلك.
هل جيوز للمشـرتط الرجوع عن اشرتاطه قبل أن يتم قبوله من املستفيد؟
طبقا للمادة 117ق.م .جيوز للمشرتط دون دائنيه أو ورثته أن ينقض اشرتاطه قبل أن يصرح
املستفيد برغبته يف االستفادة منه ،ما مل يكن ذلك خمالفاً ملا يقتضيه العقد فحق املشرتط يف
نقض املشارطة مقيد أبن ال يكون خمالفاً ملا يقتضيه العقد.
و للمشرتط إحالل منتفع آخر حمل املنتفع األول أو أن يســتأثر لنفسه ابالنتفاع من املشارطة،
بدالً من تعيني منتفع جديد ،و عندها ينقلب االشرتاط ملصلحة الغري إىل عقد عادي ال يسري
أثره على الغري.
املبحث الثاين :أثر العقد من حيث املوضوع
إذا انعقد العقد بتوافر أركانه و شروط صحته ،رتب آاثره و أصبح له قوة ملزمة على كال طرفيه ،و
قبل دراسة هذه القوة امللزمة ،ينبغي حتديد آاثر العقد املتمثلة فيما يرتبه من حقوق و التزامات.
املطلب األول :طرق حتديد آاثر العقد
آاثر العقد هي احلقوق و االلتزامات الناشئة عنه و اليت تكون واجبة التنفيذ على طرفيه ،فكيف
يتم حتديدها؟
يتم حتديد احلقوق و االلتزامات الناشئة عن العقد إبرادة كال طرفيه السيما تلك اليت تعترب من
املسائل اجلوهرية اليت ال ينعقد العقد بدوهنا ،أما إذا وقع نزاع بني املتعاقدين حول حتديد بعض آاثر العقد
بوصفها مسائل تفصيلية ،فيتم اللجوء إىل القاضي املدين الذي منحه املشرع عدة وسائل لتحديدها من
خالل تفسري العقد و تكييفه.
الفرع األول :تفسري العقد
يقصد بتفسري العقد :البحث عن إرادة املتعاقدين يف بنوده لتحديد ما اجتهت إليه إرادهتما
املشرتكة ،حيث يعرب املتعاقدين عن إرادهتما يف العقد من خالل صياغة بنود تتضمن آاثر العقد املتفق
عليها ،و يتم التعرف على إرادة املتعاقدين من قبل القاضي من خالل عبارات العقد اليت استخدماها،
47
فإذا كانت عبارات العقد واضحة املعىن ال حتتاج إىل تفسري ،يلتزم القاضي مبعناها الظاهر حسب املادة
1/111ق.م.
أما إذا كانت عبارات العقد غامضة املعىن (غري واضحة) حبيث ال تكشف عن املعىن املراد منها
كأن حتتمل أكثر من معىن (مبهمة) أو متناقضة ،فعلى القاضي حسب املادة 2/111ق.م .أن يلجأ
إىل قواعد التفسري حبثاً عن النية املشرتكة للمتعاقدين للتعرف على حقيقة إرادهتما ،و يستهدي يف ذلك
بطبيعة املعاملة ومبا ينبغي أن يتوافر بني املتعاقدين من أمانة وثقة وفقاً للعرف التجاري.
و يف حالة وجود عبارات غامضة و اجتهد القاضي يف تفسريها وفقا للمعايري السابقة للوصول إىل
اإلرادة احلقيقية للمتعاقدين ،و مع ذلك مل يستطع حتديد إرادهتما منه ،فعندئذ يكون قد وصل إىل آخر
مرحلة من مراحل التفسري أال وهي الشك حول عبارات العقد ،و يف هذه احلالة يفسر القاضي استنادا
إىل املادة 112ق.م .الشك ملصلحة املدين ،ابستثناء عقود اإلذعان اليت يفسر فيها الشك ملصلحة
املذعن سواء كان مدين أو دائن.
الطرف َ
الفرع الثاين :تكييف العقد
يعترب تكييف العقد الطريق الثاين الذي يسلكه القاضي لتحديد آاثر العقد ،و يقصد بتكييف
العقد إعطاؤه وصف قانوين معني متهيداً لتحديد القواعد القانونية املناسبة له اليت حتكم العقد ،فإذا انتهى
القاضي من عملية التفسري و تبني له ما اجتهت إليه اإلرادة املشرتكة للمتعاقدين ،فإنه يقم بعد ذلك
إبعطاء وصف معني على العالقة العقدية بني الطرفني ،حىت يطبق عليها نصوص القانون املناسبة حلكم
العقد ،و ال يتقيد القاضي يف تكييفه للعقد ابلوصف الذي أطلقه عليه املتعاقدان إذا كان تكييفهما غري
صحيح ،حبيث ال يتناسب مع بنود العقد أو مع آاثره اليت اتفقا عليها ،فيتدخل لتصحيح هذا التكييف
إبعطاء العقد وصفه الصحيح على ضوء ما اجتهت إليه النية املشرتكة للمتعاقدين.
املطلب الثاين :التزام املتعاقدين بتنفيذ العقد (القوة امللزمة للعقد)
تقتضي القوة امللزمة للعقد من طرفيه تنفيذه وفق الشروط اليت يتضمنها ،ما مل تطرأ ظروف استثنائية
جتعل تنفيذه مرهقاً.
48
الفرع األول :القاعدة العامة يف تنفيذ االلتزام العقدي
يلتزم املتعاقدان بتنفيذ مضمون العقد حسبما اتفقا عليه ،و ال جيوز ألحدمها حله أو تعديله إبرادته
املنفردة ،و هذا ما يعرب عنه بقاعدة " العقد شريعة املتعاقدين" ،كما جيب عليهما تنفيذ العقد حبسن نية.
أوال :العقد شريعة املتعاقدين
طبقا للمادة 106ق.م .يعترب العقد مبثابة القانون الذي حيكم املتعاقدين ،حيث يلزم كل متعاقد
بتنفيذ آاثر العقد كما مت االتفاق عليها ،كما جيوز هلما نقض العقد أو تعديله ابتفاقهما كأصل عام،
استثناء جيوز ألحد املتعاقدين نقض العقد إبرادته املنفردة يف حاالت معينة (كعقد الوكالة يف املادة 587
ق.م .و عقد العارية يف املادة 547ق.م ،).كما جيوز للقاضي التدخل لتعديل العقد يف حاالت معينة.
اثنيا :مراعاة حسن النية يف تنفيذ االلتزام
تقتضي املادة 1/107ق.م .على املتعاقدين تنفيذ العقد وفقا ملا اشتمل عليه من شروط حبسن
نية ،و يستوجب مبدأ حسن النية أن يكون كل متعاقد يف تنفيذه اللتزاماته يف العقد غري سيء النية من
خالل التصرف ابألمانة و االمتناع عن الغش يف إطار احرتام القانون.
و طبقا للمادة 2/107من ق.م .اليت تنص ":و ال يقتصر العقد على إلزام املتعاقد مبا ورد فيه
فحسب ،بل يتناول أيضا ما هو من مستلزماته "...ال يتقيد القاضي عند حتديده آلاثر العقد ببنوده
فقط ،مبعىن أنه على القاضي أال يقف عند حد االلتزامات و احلقوق اليت اجتهت إليها إرادة املتعاقدين،
بل أيخذ بعني االعتبار كل ما يعد من مستلزمات العقد وفقا للقانون و العرف و العدالة ،حبسب طبيعة
االلتزام ،و من هنا يتضح أن املتعاقدين ملزمان بتنفيذ مضمون العقد و مستلزماته.
الفرع الثاين :نظرية الظروف الطارئة
لقد مسح املشرع مبوجب املادة 3/107ق.م .للقاضي التدخل لتعديل العقد ،لرد االختالل يف
التوازن العقدي الناتج عن الظروف الطارئة.
أوال :شروط تطبيق نظرية الظروف الطارئة
طبقا للمادة 3/107ق.م .ينبغي لتطبيق هذه النظرية توافر الشروط التالية:
.1أن يكون العقد من العقود املستمرة أو الفورية لكن يرتاخى فيها تنفيذ االلتزامات (تنفيذها
مؤجالً).
49
.2أن تطرأ أثناء تنفيذ العقد ظروف استثنائية عامة غري متوقعة عند إبرام العقد ،وأن ال يكون
ابإلمكان دفعها.
.3أن يصبح تنفيذ املدين اللتزامه مرهقاً (يرتب خسارة كبرية) و ليس مستحيالً.
اثنيا :أثر توافر نظرية الظروف الطارئة
بتوافر شروط نظرية الظروف الطارئة ،ميلك القاضي السلطة التقديرية يف :
−إنقاص االلتزام املرهق إىل احلد املعقول( .املادة 3/107ق.م).
−أو وقف تنفيذ االلتزام املرهق ،إذا كانت الظروف الطارئة مؤقتة( .املادة 2/281ق.م).
−أو منح املدين مهلة لتنفيذ التزامه مراعاة لظروفه االقتصادية و تسمى بنظرة امليسرة ،دون أن
تتجاوز مدة سنة(.املادة 2/281ق.م).
املطلب الثالث :املسؤولية العقدية
املسؤولية العقدية هي اجلزاء املرتتب عن إخالل املتعاقد ابلتزامه العقدي عند االمتناع عن تنفيذ
االلتزام أو التأخري فيه أو التنفيذ املعيب (سوء تنفيذ االلتزام).
الفرع األول :شروط قيام املسؤولية العقدية
يشرتط لقيام املسؤولية العقدية توافر أركاهنا و املتمثلة :يف اخلطأ العقدي و الضرر و العالقة
السببية بينهما ،و عالوة على هذه األركان ينبغي لقيام املسؤولية العقدية وجود عالقة عقدية صحيحة
بني املسؤول (املدين) واملضرور (الدائن).
أوال :ركن اخلطأ العقدي
يتمثل يف اإلخالل اباللتزام العقدي يف أي صورة من صوره (عدم تنفيذ االلتزام أو التأخري فيه أو
التنفيذ املعيب) سواء كان هذا اإلخالل انجتاً عن سوء نية املتعاقد وغشه أو عن جمرد إمهاله وتقصريه يف
تنفيذ ما التزم به يف العقد.
اثنيا :ركن الضرر
هو أذى يصيب املتعاقد يف حق مايل أو مصلحة مالية مشروعة حبيث يكون مرتبط بذمته املالية،
ويف املسؤولية العقدية ال يشمل التعويض إال عن الضرر املباشر و املتوقع و احملقق الوقوع و الشخصي و
50
الذي مل يسبق التعويض عنه ،سواء كان ضرر مادي أو معنوي ،كما يشمل التعويض تفويت الفرصة ،و
هذا حسب املادة 182ق.م.
اثلثا :ركن العالقة السببية بني اخلطأ العقدي والضرر
ال يكفي لقيام املسؤولية العقدية حتقق ركين اخلطأ العقدي و الضرر فقط ،بل يشرتط أن يكون
هذا اخلطأ هو السبب املباشر يف حدوث الضرر و إال انعدمت املسؤولية ،و هذا الشرط األخري هو ركن
العالقة السببية الذي ميثل الركن الثالث للمسؤولية العقدية ،و قد نصت عليه املواد 124و 125و
127ق.م ،و ميكن نفي عالقة السببية بني اخلطأ العقدي و الضرر إبثبات السبب األجنيب 1سواء كان
قوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو خطأ املضرور أو اخلطأ الغري.
الفرع الثاين :اآلاثر املرتتبة عن قيام املسؤولية العقدية
بتوافر األركان السابقة تقوم املسؤولية العقدية للمدين ،و يرتتب عنها حق الدائن املضرور يف طلب
التعويض إلصالح الضرر الذي أصابه إما بطريقة ودية ،أو عن طريق رفع دعوى قضائية تسمى بدعوى
املسؤولية يرفعها املضرور ضد املسؤول الذي سبب له الضرر.
و يقع على عاتق املضرور رافع دعوى التعويض إثبات مجيع أركان املسؤولية العقدية من خطأ
عقدي ( إثبات اإلخالل اباللتزام العقدي) و ضرر و عالقة سببية بينهما ،و ذلك إبستعمال كل وسائل
اإلثبات.
وعلى املدين نفي املسؤولية عن نفسه إما بنفي اخلطأ العقدي املنسوب إليه أي نفي إخالله ابلتزامه
العقدي ،و ذلك إبثبات أنه نفذ التزامه العقدي على الوجه املتفق عليه يف العقد ،أو نفي عالقة السببية
بني خطئه العقدي و الضرر الذي أصاب الدائن و ذلك إبثبات السبب األجنيب.
ميثل التعويض اجلزاء املدين املرتتب على قيام املسؤولية العقدية يهدف إىل جرب و إصالح األضرار
املرتتبة مباشرة عن وقوع اخلطأ العقدي ،سواء متثلت األضرار يف خسارة مادية أو معنوية أو يف تفويت
الفرصة.
-1يقصد ابلسبب األجنيب كل فعل أو حادث غري متوقع و غري ممكن الدفع من قبل املسؤول و خارجيا عنه أي غري منسوب إىل
املسؤول أدى إىل حدوث الضرر الذي حلق ابلغري.
51
الفرع الثالث :تعديل أحكام املسئولية العقدية
جيوز للمتعاقدين طبقا للمادة 178ق.م .االتفاق على تعديل أحكام املسؤولية العقدية إما بـ:
−االتفاق على تشديد املسؤولية العقدية :كما لو اتفق املتعاقدان على قيام مسؤولية املدين رغم
السبب األجنيب.
−أو االتفاق على التخفيف املسؤولية العقدية أو اإلعفاء منها ،بشرط أال يكون عدم تنفيذ املدين
اللتزامه العقدي راجعاً إلرتكابه غشاً أو خطأً جسيماً ،غري أنه جيوز للمدين أن يتفق على إعفائه
من املسؤولية الناجتة عن الغش أو اخلطأ اجلسيم املرتكب من األشخاص الذين يستخدمهم يف
تنفيذ التزامه.
الفصل اخلامس :زوال العقد
زوال العقد يكون بعد قيامه صحيحاً و ترتيبه آلاثره ،و يزول العقد لثالث أسباب ،إما ابالنقضاء
أو االحنالل أو اإلبطال.
املبحث األول :انقضاء العقد
يتحقق إنقضاء العقد بتنفيذ أطرافه لكافة االلتزامات الناشئة عنه تنفيذاً كامالً أي الوفاء هبا.
املبحث الثاين :احنالل العقد
االحنالل هو إهناء العقد و زواله بعد نشوئه صحيحاً و مرتباً جلميع آاثره ،و يتم االحنالل يف
صورتني:
52
و لتحديد أثر اإلقالة أو التقايل جيب التمييز بني أثر اإلقالة على املتعاقدين و خلفهما العام و
على الغري.
أوال :أثر اإلقالة على العالقة بني املتعاقدين و خلفهما العام
تعترب اإلقالة مبثابة فسخ للعقد السابق الذي أبرماه بينهما ،و من مث فإهنا تؤدي إىل زوال هذا العقد
أبثر رجعي ،مما يوجب إعادة املتعاقدان إىل احلالة اليت كاان عليها قبل التعاقد ،كما تطبق مجيع آاثر
الفسخ.
اثنيا :أثر اإلقالة على الغري
ابلنسبة للغري تعترب اإلقالة مبثابة عقد جديد و من مث فهي تؤدي إىل زوال العقد ابلنسبة للمستقبل
فقط (بدون أثر رجعي) و ال يسري أثرها على املاضي ،لذلك فهي ال متس ابحلقوق اليت اكتسبها الغري
على حمل العقد السابق من أحد طرفيه قبل التقايل منه.
الفرع الثاين :احنالل العقد ابإلرادة املنفردة ألحد للمتعاقدين
يتم هذا اإلحنالل يف العقود اليت رخص فيها القانون ألحد املتعاقدين إبهنائها بناءً على إرادته
املنفردة (كعقد الوكالة يف املادة 587ق.م ،.عقد العارية يف املادة 547ق.م).
املطلب الثاين :احنالل العقد لعدم تنفيذ أحد املتعاقدين اللتزامه
ينحل العقد إلخالل أحد املتعاقدين بتنفيذ إلتزامه العقدي املرتتب عنه يف صورتني و مها :
الفرع األول :فسخ العقد
الفسخ هو حل للرابطة التعاقدية جزاء إخالل أحد املتعاقدين بتنفيذ التزامه الناشئ عن العقد امللزم
للجانبني.
أوال :صور فسخ العقد
األصل يف الفسخ أنه يقع حبكم القضاء (فسخ قضائي) ،إال أنه ميكن للمتعاقدين االتفاق بصورة
مسبقة على فسخ العقد عند إخالل أحدمها بتنفيذ التزامه (فسخ اتفاقي).
53
-1الفسخ القضائي:
هو الفسخ الذي يتقرر مبقتضى حكم قضائي بناء على دعوى يرفعها أحد املتعاقدين ،طالباً فيها
فسخ العقد نتيجة تقصري أو إخالل املتعاقد اآلخر بتنفيذ التزاماته.
أ -شروط الفسخ القضائي :يشرتط لفسخ العقد قضائياً:
.1أن يكون العقد من العقود امللزمة للجانبني :ألن الفسخ يقوم على فكرة االرتباط بني االلتزامات
املتقابلة ،وهذا التقابل بني االلتزامات ال يكون إال يف العقود امللزمة للجانبني.
.2أن يكون أحد املتعاقدين قد أخل ابلتزامه العقدي (عدم التنفيذ "كلياً أو جزئياً" أو التأخري يف
التنفيذ أو تنفيذ معيب) :ألن الفسخ هو جزاء على عدم تنفيذ املتعاقد اللتزامه.
.3أن يقوم طالب الفسخ إبعذار املدين :و هذا اإلجراء جيعل املدين يف موضع املقصر يف تنفيذ
إلتزامه و يثبت إخالله.
.4أن يكون طالب الفسخ قد نفذ التزاماته أو أبدى استعداده لتنفيذها :أما إذا كان قد أخل بتنفيذ
التزامه ،ليس له احلق يف طلب الفسخ.
.5أن يكون طالب الفسخ قادراً على إعادة احلالة إىل ما كانت عليه قبل العقد :مبعىن قادرا على رد
ما أخذ ،فإذا كان عاجزا عن رده ،فال حيق له طلب الفسخ.
.6رفع دعوى قضائية.
ب -سلطة القاضي يف دعوى الفسخ:
إذا توافرت الشروط السابقة يف جانب أحد املتعاقدين ،جاز للمتعاقد اآلخر رفع دعوى قضائية
لطلب الفسخ الذي يتحقق حبكم قضائي ،و حسب املادة 119ق.م ،.للقاضي السلطة التقديرية يف :
−قبول طلب الفسخ إذا توافرت شروطه.
−قبول طلب الفسخ مع احلكم ابلتعويض إذا طلبه املتعاقد املضرور.
−منح املدين مهلة لتنفيذ التزاماته حسب الظروف تسمى ابألجل القضائي أو نظرة امليسرة ،فإذا مل
يقم املدين ابلتنفيذ خالل هذا األجل ،جاز للقاضي احلكم بفسخ العقد.
−رفض طلب الفسخ إذا كان ما مل يوف به املدين قليل األمهية ابلنسبة إىل كامل االلتزامات.
54
و قبل صدور احلكم بفسخ العقد :
−جيوز للمتعاقد رافع الدعوى أن يعدل عن طلب الفسخ إىل طلب التنفيذ العيين ،مع حقه يف
طلب التعويض عن أتخر املدين يف تنفيذ التزاماته.
−ميكن للمدين حىت يتجنب الفسخ ،أن ينفذ التزامه أو على األقل يعرض تنفيذه ،و يف هذه
احلالة ال جمال لفسخ العقد مع جواز احلكم على املدين ابلتعويض عن التأخري يف تنفيذ التزاماته.
-2الفسخ االتفاقي :
هو حل للرابطة العقدية مبوجب اتفاق املتعاقدين إذا أخل أحدمها بتنفيذ التزاماته ،حيث يؤدي
هذا اإلخالل إىل وقوع الفسخ من تلقاء نفسه دون حاجة إىل حكم قضائي ،و ذلك عن طريق إدراج
شرط الفسخ ضمن بنود العقد ،طبقا لنص املادة 120من ق.م .بقوهلا ":جيوز االتفاق على اعتبار
العقد مفسوخا حبكم القانون عند عدم الوفاء اباللتزامات الناشئة عنه ،مبجرد حتقيق الشروط املتفق عليها
و بدون حاجة إىل حكم قضائي ،وهذا الشرط ال يعفي من االعذار"...
فإذا وقع نزاع بني املتعاقدين حول حصول اإلخالل و الفسخ املرتتب عنه اتفاقا ،و رفع أحدمها
دعواه إىل القضاء ،فإن القاضي ال يتمتع بنفس السلطة التقديرية املمنوحة له يف الفسخ القضائي من
حيث قبول أو رفض الفسخ أو منح املدين أجالً للتنفيذ ،بل يلتزم فقط ابحلكم ابلفسخ مبجرد حتققه من
إخالل املدين ابلتزامه.
أ -شروط الفسخ االتفاقي:
.1أن يكون العقد من العقود امللزمة للجانبني.
.2أن يكون أحد املتعاقدين قد أخل ابلتزامه العقدي (عدم التنفيذ "كلياً أو جزئياً" أو التأخر يف
التنفيذ أو تنفيذ معيب).
.3أن يكون طالب الفسخ قد نفذ التزاماته أو أبدى استعداده لتنفيذها.
.4أن يكون طالب الفسخ قادراً على إعادة احلالة إىل ما كانت عليه قبل العقد.
.5أن يقوم طالب الفسخ إبعذار املدين.
.6وجود شرط صريح يف العقد يقضي بفسخه يف حالة إخالل أحد املتعاقدين بتنفيذ التزامه
العقدي.
55
ب -تدرج الفسخ االتفاقي :
قد تتدرج صياغة شرط الفسخ من قبل املتعاقدين على النحو التايل:
.1االتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً عند إخالل أحد املتعاقدين بتنفيذ اللتزاماته :هذا الشرط
يعترب جمرد تطبيق ألحكام الفسخ القضائي ،كما ال يعفي طالب الفسخ من اعذار املدين ،لذلك
ينبغي لوقوع الفسخ صدور حكم من القاضي منشئ للفسخ ،و من مث يعد القاضي يف هذه
احلالة هو مصدر الفسخ وليس االتفاق.
.2االتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه عند إخالل أحد املتعاقدين بتنفيذ اللتزاماته:
كذلك هذا الشرط ال يعفي طالب الفسخ من اعذار املدين ،لذلك فإذا توافرت شروط الفسخ
تعني على القاضي احلكم به ويكون حكمه منشئاً للفسخ ال كاشفاً عنه.
.3االتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه عند إخالل أحد املتعاقدين بتنفيذ اللتزاماته
دون حاجة إىل حكم قضائي بعد إعذار املدين :هذا الشرط يعفى الدائن من اللجوء إىل القضاء
لوقوع الفسخ ،و إذا مت اللجوء إىل القضاء عند النزاع فإن القاضي يكون ملزم ابحلكم ابلفسخ
إذا توافرت شروطه ،و حكمه كاشف يف هذه احلالة ،و هذا الشرط يعتد به املشرع اجلزائري.
.4االتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه عند إخالل أحد املتعاقدين بتنفيذ التزاماته
دون احلاجة إىل إعذار أو حكم قضائي :حسب هذا الشرط يتحقق الفسخ مبوجب االتفاق
مبجرد إخالل أحد املتعاقدين بتنفيذ اللتزاماته دون حاجة إىل إعذار املدين أو رفع دعوى قضائية
تقرر الفسخ.
و طاملا أن املشرع اجلزائري يستوجب إعذار املدين ،فإن هذا االتفاق ال يعتد به طبقا ألحكام
املادة 120من ق.م.ج ،.مما يعين أن هذا الشرط يعترب ابطال و ال يعمل به يف التشريع
اجلزائري ،و ما على الدائن يف هذه احلالة إال اللجوء إىل القضاء لرفع دعوى الفسخ للحصول
على حكم به استناداً ألحكام املادة 119ق.م.ج .املتعلقة ابلفسخ القضائي ،و يكون هذا
احلكم منشئاً للفسخ.
اثنيا :آاثر الفسخ
لتحديد آاثر الفسخ ينبغي التمييز بني :
56
-1أثر الفسخ بني املتعاقدين :
يرتتب على فسخ العقد بني املتعاقدين زوال أاثر العقد أبثر رجعي من يوم إبرام العقد ،و يعاد
املتعاقدان إىل احلالة اليت كاان عليها قبل إبرام العقد ،فريد كل منهما ما حصل عليه من اآلخر ،فإذا
استحال ذلك جاز للقاضي احلكم بتعويض معادل يتناسب مع قيمة ما أخذ( .املادة 122ق.م).
كما حيق للمتعاقد رافع دعوى الفسخ طلب التعويض إذا ترتب عن إخالل املتعاقد اآلخر يف
تنفيذ التزامه العقدي ضرر له ،طبقا للمادة 1/119ق.م.
-2أثر الفسخ ابلنسبة إىل الغري :
يسري على الغري األثر الرجعي للفسخ ،حيث تتأثر حقوقه اليت تلقاها من أحد املتعاقدين على
الشيء حمل العقد املفسوخ ،استثناءًا من ذلك أقر املشرع محاية للغري حسن النية و الستقرار املعامالت،
ببقاء حقوق هذا الغري حسن النية قائمة على الشيء حمل العقد املفسوح ،يف بعض احلاالت منها:
−حالة محاية حائز املنقول حبسن نية طبقا لقاعدة "احليازة يف املنقول سند امللكية" (املادة 835
ق.م).
−حالة محاية الغري الذي اكتسب ملكية العقار بعد إمتام إجراءات الشهر العقاري
−حالة الرهن الرمسي الصادر من املالك الذي زالت ملكيته بفسخ العقد (املادة 885ق.م).
−بقاء عقد اإلجيار مرتباً آلاثره يف حق من انتقلت إليه ملكية العني املؤجرة يف حالة فسخ العقد
الذي نقل ملكيتها للمؤجر ،حيث تنتقل ملكية العني املؤجرة (العقار) و هي مثقلة بعقد اإلجيار
إىل انقضاء مدته( .املادة 469مكرر 3من ق.م).
املطلب الثالث :احنالل العقد ابالنفساخ الستحالة تنفيذ التزاماته
انفساخ العقد هو زواله بسبب استحالة تنفيذ املدين اللتزاماته و ذلك لسبب أجنيب ال يد له فيه.
الفرع األول :شروط الفسخ القانوين
طبقا للمادة 121ق.م .تتمثل شروط الفسخ القانوين يف:
−أن يكون العقد من العقود امللزمة جلانبني.
−أن يصبح تنفيذ املدين اللتزامه العقدي مستحيال استحالة كلية.
57
−أن يكون عدم تنفيذ االلتزام راجعاً لسبب أجنيب عن املدين ال يد له فيه.
الفرع الثاين :آاثر الفسخ القانوين
بتوافر هذه الشروط ،ينقضى التزام املدين و ينقضى تبعا لذلك التزام الطرف اآلخر ،وبذلك
ينفسخ العقد و ينحل من تلقاء نفسه بقوة القانون دون احلاجة إىل إعذار املدين و ال إىل رفع دعوى
قضائية.
و يرتتب عن إنفساخ العقد حبكم القانون ،سراينه أبثر رجعي من يوم إبرام العقد ،و يعاد
املتعاقدان إىل احلالة اليت كاان عليها قبل إبرام العقد ،فريد كل منهما ما حصل عليه من اآلخر.
املبحث الثالث :الدفع بعدم التنفيذ
طبقا للمادة 123ق.م .يف العقود امللزمة جلانبني ،إذا كانت االلتزامات املتقابلة مستحقة الوفاء،
جاز لكل من املتعاقدين أن ميتنع عن تنفيذ التزامه ،إذا مل يقم املتعاقد اآلخر بتنفيذ ما التزم به.
املطلب األول :شروط الدفع بعدم التنفيذ
أوال :جيب أن يكون العقد من العقود امللزمة للجانبني.
اثنيا :أن تكون االلتزامات املتقابلة يف العقد مستحقة األداء.
اثلثا :أال يتم التمسك هبذا الدفع على وجه يتعارض مع مبدأ حسن النية ،مبعىن أنه ال جيوز ملن
يتمسك هبذا الدفع أن يكون متعسفاً عند استعمال حقه يف التمسك به.
املطلب الثاين :كيفية استعمال الدفع بعدم التنفيذ
ال يشرتط للتمسك ابلدفع بعدم التنفيذ ضرورة اعذار الدائن ملدينه ،كما ال يشرتط اللجوء إىل
القضاء للتمسك هبذا الدفع ،و من مث حيق للدائن الذي مل يستويف حقه من املدين أن يدفع بعدم تنفيذ
هذا األخري اللتزامه لكي يتوقف هو بدوره عن تنفيذ ما التزم به.
كذلك إذا وقع نزاع حول الدفع بعدم التنفيذ و مت اللجوء إىل القضاء ،و قام املدين مبطالبة الدائن
ابلتنفيذ جاز للدائن التمسك ابلدفع بعدم التنفيذ ،و يف هذه احلالة يراقب القاضي مدى توافر شروط
هذا الدفع للتأكد من مدى أحقية الدائن املتمسك به يف استعماله.
58
املطلب الثالث :األثر املرتتب على الدفع بعدم التنفيذ
األثر املرتتب على التمسك هبذا الدفع هو وقف تنفيذ االلتزام من املتعاقد الذي متسك به ،فهو ال
يؤدي إىل حل الرابطة العقدية و زواهلا كما حيدث يف الفسخ أو االنفساخ أو اإلقالة ،لذلك ال يعترب
الدفع بعدم التنفيذ أحد أسباب إحنالل العقد ،بل هو جمرد وسيلة للضغط على إرادة املتعاقد اآلخر
(املدين) حلثه على تنفيذ التزامه.
كذلك ،ال يلتزم الدائن الذي متسك ابلدفع بعدم التنفيذ بتعويض املتعاقد اآلخر (املدين) جراء
وقف التنفيذ ،ألنه يستعمل حقاً مقرراً له قانوانً طاملا توافرت شروط الدفع ،يف مقابل ذلك يعترب املدين
الذي مت الدفع يف مواجهته خمالً بتنفيذ التزامه بعد حلول أجل الوفاء ،لذا جيوز للدائن الذي متسك
ابلدفع أن يطالب املدين ابلتعويض إذا أصابه ضرر نتيجة هذا اإلخالل ،و ذلك طبقا ألحكام املسؤولية
العقدية.
األصل أن وقف تنفيذ االلتزام ال يؤدي إىل إنقاص مقدار هذا االلتزام بل يبقى كما مت االتفاق
عليه ،و لكن استثناء من ذلك يف العقود الزمنية أو املستمرة اليت يكون فيها الزمن عنصراً جوهرايً
لتنفيذها ،فإن مدة وقف التنفيذ بناء على الدفع بعدم التنفيذ تستقطع من مدة هذه العقود ،و ابلتايل
يرتتب عن هذا الدفع إنقاص مقدار االلتزام املوقوف بقدر املدة اليت وقف فيها عن التنفيذ ،حبيث لو عاد
العقد للسراين مرة أخرى استكمل مدته الباقية فقط دون أن يضاف إليها مدة وقف التنفيذ.
الباب الثاين :اإلرادة املنفردة
إذا كان العقد كمصدر لاللتزام صادر عن توافق إرادتني فأكثر ميكن أن ينشئ التزامات أو يعدهلا
أو ينقلها أو يزيلها ،فإنه تكريساً ملبدأ سلطان اإلرادة الذي يقضي حبرية الشخص يف أن يلزم نفسه
إبرادته طاملا كان ذلك يف حدود القانون ،ميكن لإلرادة املنفردة أن تنشأ االلتزام ،مما يعين أن املصدر
املنشئ لاللتزام قد يكون اإلرادة املنفردة للملتزم.
الفصل األول :مفهوم اإلرادة املنفردة
يقصد ابإلرادة املنفردة :التصرف القانوين الذي يتم إبرادة منفردة صادرة من طرف واحد ،حيث
تتجه إىل إحداث آاثر قانونية معينة بصفة منفردة دون أن تقرتن إبرادة أخرى.
59
املبحث األول :حاالت اإلرادة املنفردة كمصدر لاللتزام
لقد كان املشرع اجلزائري قبل تعديل القانون املدين مبوجب القانون 10-05السالف ذكره ،يقر
بدور اإلرادة املنفردة على إحداث آاثر قانونية يف عدة حاالت منها:
−اإلجياب امللزم :إذا قرن املوجب إجيابه إبرادته املنفردة مبدة معينة ،فقد ألزم نفسه ابلبقاء على
إجيابه إىل حني انقضاء هذه املدة( .املادة 63ق.م).
−الوعد ابلتعاقد :إذا صدر من أحد املتعاقدين أو كالمها وعد يلتزم مبوجبه أن يربم عقداً يف
املستقبل ،إذا أبدى املتعاقد اآلخر (املوعود له) رغبته يف ذلك خالل مدة معينة ،فيعترب الواعد
قد ألزم نفسه ابلبقاء على وعده إىل حني انقضاء املدة املتفق عليها( .املادة 71ق.م).
−التعهد عن الغري :مبوجبه يقوم املتعهد إبرادته املنفردة إبلزام نفسه ابحلصول على قبول الغري
إلبرام العقد حمل التعهد ،دون أن يلتزم الغري (املتعهد عنه) بقبول التعاقد 114( .ق.م).
−بيع ملك الغري :إذا أقر املالك احلقيقي هذا البيع إبرادته املنفردة أصبح العقد انفذ يف حقه و
يف حق املشرتي 398( .ق.م).
−اإلجازة :إذا تنازل املتعاقد الذي تقرر حق التمسك إببطال العقد ملصلحته إبرادته املنفردة عن
حقه يف إبطال العقد ،فال حيق له بعد ذلك املطالبة إببطاله ،و يستقر العقد و يصبح صحيح
بصفة هنائية أبثر رجعي من يوم إبرامه( .املادة 100ق.م).
كذلك إذا أجاز األصيل التصرف الذي أبرمه النائب إما لتجازوه حدود النيابة أو تعاقده مع
نفسه ،فتنصرف آاثر ذلك التصرف إىل ذمة األصيل (املادة 74و 77ق.م.).
−الوصية :هي تصرف إبرادة منفردة ينشأ عنها حقاً عينياً للموصى له( .املواد من 184إىل
201ق.أ).
−تطهري العقار املرهون :إذا ألزم حائز العقار املرهون نفسه إبرادته املنفردة بتسديد الديون املقيدة
على العقار ،يرتتب عن ذلك تطهري العقار املرهون من الرهن ،و ابلتايل ختلص له ملكية العقار
خاليا من الرهن(.املادة 911ق.م).
−اإلبراء :جيوز للدائن إبرادته املنفردة التنازل دون مقابل عن حقه يف ذمة املدين ،فيرتتب عن
ذلك إنقضاء التزام املدين( .املادة 305ق.م).
60
املبحث الثاين :موقف املشرع اجلزائري من اإلرادة املنفردة كمصدر لاللتزام
لقد كان املشرع اجلزائري أيخذ ابإلرادة املنفردة كمصدر استثنائي لاللتزام يف احلاالت املذكورة
أعاله ،إال أنه مبقتضى القانون 10-05املشار إليه سابقا املعدل واملتمم للقانون املدين اجلزائري ،إعرتف
صراحة ابإلرادة املنفردة كمصدر عام اللتزام مستقل عن مصادر االلتزام األخرى إىل جانب العقد
بوصفها تصرف قانوين صادر عن إرادة منفردة ،حيث خصص هلا الفصل الثاين مكرر مبوجب املادة
123مكرر ق.م.
املبحث الثالث :أركان التصرف ابإلرادة املنفردة
تعترب اإلرادة املنفردة مصدراً منشئاً لاللتزام يف ظل القانون املدين اجلزائري الذي اعرتف بقدرة
اإلرادة لوحدها على إحداث آاثر قانونية ،و طاملا أن التصرف ابإلرادة املنفردة يظل يف جوهره تصرفاً
قانونياً إرادايً ،فهو خيضع للقواعد اليت حتكم التصرفات اإلرادية يف صورة العقد ،و عليه خيضع التصرف
ابإلرادة املنفردة من حيث تكوينه لنفس القواعد اليت حتكم تكوين العقد ابستثناء تلك اليت تتعلق ابلقبول
أي بتطابق اإلرادتني ،و ذلك طبقا ملضمون املادة 123مكرر ق.م .يف فقرهتا الثانية اليت تقضي أبنه":
يسري على التصرف ابإلرادة املنفردة ما يسري على العقد من أحكام ابستثناء أحكام القبول".
بناء على ذلك ،يتطلب تكوين التصرف ابإلرادة املنفردة ،توافر ركن الرضا يف املتصرف إبرادته
املنفردة دون رضا املتصرف إليه ،و قيام هذا الركن يستلزم أن يكون الرضا موجود و صحيح.
يكون ركن الرضا موجود يف التصرف ابإلرادة املنفردة بوجود إرادة املتصرف اليت تعد عنصراً جوهرايً
فيه ،و يتعني أن تتجه إرادته املنفردة إىل ترتيب آاثر قانونية يعتد هبا القانون ،مبعىن أن يتوافر يف التعبري
عن إرادته مجيع شروط اإلجياب طبقا ألحكام املواد من 60إىل 62ق.م ،.أما املواد من 64إىل 70
ق.م .فتستبعد ألهنا تتعلق أبحكام القبول و توافق اإلرادتني.
كما جيب أن تكون هذه اإلرادة اليت تنشئ االلتزام مبفردها صحيحة أي صادرة من شخص ذو
أهلية و خالية من عيوب اإلرادة (الغلط و التدليس و اإلكراه و االستغالل) و يطبق على هذه العيوب
مجيع الشروط الالزم توافرها للتمسك هبا يف جمال العقد ،ما عدا شرط وجوب صدور العيب من املتعاقد
اآلخر ،ألنه يف جمال التصرف ابإلرادة املنفردة ال يوجد متعاقد آخر.
61
ابلنسبة حملل االلتزام الناشئ عن التصرف ابإلرادة املنفردة فيجب أن يتوافر فيه شروط اإلمكان (أي
إمكانية وجوده أو القيام به) و التعيني و املشروعية ،و أيضا جيب أن يكون السبب الدافع لإلرادة إىل
إنشاء االلتزام موجود و حقيقي و مشروع.
الفصل الثاين :الوعد ابجلائزة
يعترب الوعد ابجلائزة املوجه إىل اجلمهور أهم صورة من صور االلتزام ابإلرادة املنفردة ،و قد تعرض
له املشرع اجلزائري يف القانون املدين مبوجب املادة مكرر 1املستحدثة مبوجب قانون ،10-05بعدما كان
مضموهنا مذكور يف املادة 115ق.م.
املبحث األول :تعريف الوعد ابجلائزة
الوعد ابجلائزة هو" :تصرف قانوين صادر إبرادة منفردة هي إرادة الواعد الذي يعلن للجمهور
بطريقة علنية عن إلزام نفسه بتقدمي جائزة مل يقوم منهم بعمل معني".
املبحث الثاين :شروط الوعد ابجلائزة
طبقا لنص املادة 123مكرر 1من ق.م.ج .يف فقرهتا األوىل ":من وعد اجلمهور جبائزة يعطيها
مقابل عمل معني يلتزم إبعطائها ملن قام ابلعمل" ،تتمثل شروط قيام الوعد ابجلائزة يف:
-1أن تصدر عن الواعد إرادة ابتة و قاطعة بتقدمي اجلائزة ،و صادرة عن شخص ذو أهلية و خالية
من عيوب اإلرادة.
-2أن توجه إرادة الواعد إىل اجلمهور ،فإذا وجهت إىل شخص معني أو أشخاص حمددين،
خرجت عن كوهنا وعداً ابجلائزة كتصرف صادر عن إرادة منفردة ،و طبقت عليها قواعد
اإلجياب الذي حيتاج إىل االقرتان بقبول.
-3أن توجه إرادة الواعد إىل اجلمهور بطريقة عالنية تكون كافية لعلم عدد كبري من اجلمهور هبذه
اإلرادة ،و يتم ذلك ابستخدام وسيلة من وسائل النشر و اإلعالم ،كاإلعالن يف الصحف أو
التلفزيون أو اإلذاعة أو االنرتنت...إخل.
-4أن يتضمن الوعد جائزة معينة يلتزم إبعطائها الواعد للفائز هبا ،على أن تكون هذه اجلائزة اليت
متثل حمل التزام الواعد معينة و ممكنة و مشروعة ،سواء كانت جائزة مالية كمبلغ من النقود ،أو
عينية كمنح تذكرة سفر ،أو أدبية كمنح كأس أو وسام شريف.
62
-5أن يتضمن الوعد عمالً يلتزم الفائز بتنفيذه وفقا لشروط الوعد ابجلائزة ،على أن يكون هذا
العمل الذي ميثل سبب التزام الواعد ممكناً و مشروعاً.
املبحث الثالث :آاثر الوعـد ابجلائـزة
طبقا لنص املادة 132مكرر 1ق.م .إذا توافرت شروط الوعـد ابجلائـزة ،ختتلف اآلاثر املرتتبة عنه
حسبما إذا كان الوعد حمدد املدة أم غري حمدد املدة.
املطلب األول :الوعد احملدد املدة
إذا قرن الواعد وعده مبدة زمنية فإنه يلتزم إبرادته املنفردة ابلبقاء على وعده حىت انقضاء هذه املدة،
فإذا قام شخص ابلعمل املطلوب أثناء هذه املدة وجب على الواعد أن يعطيه اجلائزة و يعترب دائناً للواعد
هبا منذ اتريخ قيامه ابلعمل سواء كان عاملا ابجلائزة أم ال ،و حىت لو قام ابلعمل دون النظر إىل الوعد،
أما إذا انقضت املدة دون قيام أي شخص ابلعمل املطلوب سقط الوعد ابجلائزة و حتلل الواعد من
التزامه.
املطلب الثاين :الوعد غري حمدد املدة
إذا مل يقرتن الوعد ابجلائزة مبدة يشرتط الواعد أن يتم العمل املطلوب خالهلا ،فإن الواعد يستطيع
يف هذه احلالة أن يرجع عن وعده يف أي وقت قبل إجناز العمل أو ال يرجع عنه ،فإذا استعمل الواعد
حقه يف الرجوع يف الوعد غري حمدد املدة ،يسقط التزامه يف الوعد إذا مل يقم أي شخص ابلعمل املطلوب
قبل الرجوع ،شريطة أن يعلن رجوعه للجمهور.
و إذا قام شخص ابلعمل املطلوب قبل إعالن الواعد عن رجوعه إىل اجلمهور ،أصبح هذا
الشخص دائناً للواعد الذي يلتزم إبعطائه اجلائزة ،و لكن جيب عليه أن يطالب ابجلائزة خالل 06أشهر
من اتريخ اإلعالن عن العدول ،و إال سقط حقه يف ذلك.
أما إذا كان الوعد حمدد املدة و مت إجناز العمل املطلوب قبل انقضائها أو كان الوعد غري حمدد
املدة لكن الواعد مل يرجع عنه ،ففي هاتني احلالتني تتقادم دعوى املطالبة ابجلائزة طبقا لألحكام العامة
للتقادم و هي انقضاء 15سنة من يوم إجناز العمل.
63
املبحث الرابع :كيفية استحقاق اجلائزة
إذا أجنز شخص مبفرده العمل املطلوب استحق اجلائزة ،غري أن اإلشكال يثور ابلنسبة لكيفية
استحقاق اجلائزة يف حالة تعدد األشخاص الذين قاموا ابلعمل املطلوب سواء على إنفراد أو ابلتعاون
فيما بينهم ،و طاملا أن املشرع اجلزائري مل يتطرق هلذه املسألة يف املادة 123مكرر 1ق.م.ج ،.فيمكن
تطبيق القواعد التالية:
-1إذا قام عدة أشخاص ابلعمل املطلوب على إنفراد و يف أوقات خمتلفة ،فإن اجلائزة تكون
لألسبق اترخياً.
-2إذا قام عدة أشخاص ابلعمل املطلوب على إنفراد و يف وقت واحد ،قسمت اجلائزة بينهم
ابلتساوي على حسب عددهم.
-3إذا شارك أو تعاون عدة أشخاص يف القيام ابلعمل املطلوب ،تقسم اجلائزة عليهم بقدر نسبة
مسامهة كل واحد منهم يف إمتام ذلك العمل.
و يف حال كانت اجلائزة ال تقبل القسمة و لكنها تقبل البيع ،تباع و يقسم مثنها على مستحقيها،
أما إذا كانت شيئا اتفها ال قيمة له يف السوق ،أو شيئا ال ميكن منحه وفقا لشروط الوعد إال لشخص
واحد ،فيتم الرجوع حينئذ للقرعة.
64
65
الواقعة القانونية :هي كل حدث أو فعل مادي يقع و يرتب القانون على وقوعه آاثر قانونية ،و
يعرب عن الوقائع القانونية ابملصادر غري اإلرادية للحقوق و االلتزامات ،ألن إرادة اإلنسان مل تتجه إىل
إنشاء هذه احلقوق و االلتزامات و إمنا الواقعة القانونية اليت حدثت هي اليت أنشأهتا.
تنقسم الوقائع القانونية إىل قسمني :وقائع حتدث بفعل الطبيعية دون أن يكون لإلنسان دخل يف
حدوثها و يرتب القانون آاثر على حدوثها ،و يطلق عليها الوقائع الطبيعية ،كواقعة امليالد اليت ينشأ
حبدوثها احلق يف النسب للمولود ،و كذلك واقعة الوفاة اليت بتحققها يثبت احلق يف املرياث للورثة ،و
ابلنسبة هلذه الوقائع الطبيعية يعترب القانون هو املصدر املباشر للحقوق و االلتزامات املرتتبة عنها.
أما الوقائع املادية فتحدث بفعل اإلنسان ،و يقصد هبا كل فعل صادر عن الشخص دون أن تتجه
إرادته إىل ترتيب آاثر عنها ،فريتب القانون آاثر على حدوثها ،مما يعين أن إرادة هذا الشخص تقتصر
فقط على حدوث الفعل املادي دون أن تتجه إىل إنشاء حقوق و التزامات ،و تتمثل هذه الوقائع املادية
يف أفعال ضارة و أخرى انفعة.
بناء على ذلك ،سيتم دراسة الوقائع القانونية ابعتبارها مصدر غري إرادي لاللتزام على النحو
التايل:
−الفعل الضار (الفعل غري املشروع – الفعل املستحق للتعويض – املسؤولية التقصريية)
−الفعل النافع (اإلثراء بال سبب)
−القانون.
الباب األول :املسؤولية التقصريية (الفعل الضار)
متثل املسؤولية التقصريية أهم الوقائع املادية املنشئة لاللتزام كأحد مصادره غري اإلرادية ،فما املقصود
ابملسؤولية التقصريية و ما هي أحكامهاِ؟
فصل متهيدي :مفهوم املسؤولية التقصريية
لتحديد مفهوم املسؤولية التقصريية سيتم التعرض بداية لنشأهتا و تطورها ،مث تعريف املسؤولية
بصفة عامة مع ذكر أنواعها.
66
املبحث األول :نشأة و تطور املسؤولية التقصريية
لقد عرفت املسؤولية التقصريية تطوراً ملحوظاً مبرور الزمن ،ففي اجملتمعات البدائية كان املضرور
قاضي نفسه مبعىن يقتضي لنفسه بنفسه على أساس فكرة الثأر أو االنتقام مبقتضى ما ميلكه من قوة ،و
ملا كان املضرور يتعسف يف استعمال حقه يف الثأر ،فقد أدى ذلك إىل ظهور نزاعات بني األفراد و
القبائل ،مث يف مرحلة الحقة بدأت هذه اجملتمعات البدائية تتطور ،فنظمت احلق يف القصاص و حددت
له قيود ال جيوز للمضرور جتازوها حتت إشراف سلطة عامة ،مث بعد ذلك ظهرت فكرة الدية كمقابل
مادي يتقاضاه املضرور لقاء العفو عن حمدث الضرر (املسؤول) ابتفاق بينهما (دية إختيارية) و كانت
متثل هذه الدية تعويض للمضرور و عقوبة للجاين يف ذات الوقت.
و مع تطور اجملتمعات تدخلت الدولة لتوفري األمن و االستقرار و النظام يف اجملتمع ،و ذلك
بفرض الدية مع حتديد مقدارها من جهة و توقيع العقوبة على بعض اجلرائم من جهة أخرى ،و ترتب
عن ذلك تفرقة بني نوعني من اجلرائم :جرائم عامة متس ابملصلحة العامة للمجتمع ككل لذلك متلك
الدولة حق توقيع العقوبة على مرتكبها ابسم اجملتمع ،و جرائم خاصة (أفعال ضارة) متس ابملصلحة
اخلاصة لألشخاص و يقتصر دور الدولة فيها على فرض التعويض إلصالح الضرر املرتتب عنها ،و
بذلك برزت املسؤولية اجلنائية من جهة متمثلة يف العقوبة و املسؤولية املدنية من جهة أخرى متمثلة يف
التعويض.
لقد ظهرت فكرة اخلطأ كأساس للمسؤولية املدنية يف ظل القانون الروماين ،إال أهنا مل تصل إىل
درجة القاعدة العامة اليت تقرر املسؤولية املدنية حسب ما هو سائد حالياً يف معظم األنظمة القانونية
املعاصرة ،و ذلك نظراً الختالط فكرة التعويض ابلعقوبة نتيجة عدم وضوح الفوارق بني هذه املسؤولية
وبني املسؤولية اجلنائية آنذاك ،بناء على ذلك ،مل يتضمن القانون الروماين مبدأ عام يقضي ابملسؤولية
املدنية بل كانت هناك أحكام خاصة تقرر املسؤولية على بعض األفعال اجملرمة بصفة حمددة ،و كانت
املسؤولية تتحقق إبرتكاب هذه األفعال ،أما تلك األفعال اليت مل يرد حكم خاص بشأهنا فال تعترب أفعال
غري مشروعة.
مث بدأت فكرة اخلطأ تتبلـور يف ظـل القـانون الفرنسـي القـدمي حـىت وصـلت إىل درجـة القاعـدة العامـة
يف املســؤولية املدنيــة ،و مــن هنــا مت الفصــل بشــكل هنــائي بينهــا وبــني املســؤولية اجلنائيــة ،و بــذلك ميــز هــذا
القانون بني التعويض و العقوبة اجلنائية ،كما ميز بني املسؤولية العقدية و التقصريية.
67
و بصــدور تقنــني انبليــون يف 1804تطــورت املســؤولية التقصــريية تطــورا كب ـريا ،فباإلضــافة إىل إق ـراره
بفكــرة اخلطــأ كأســاس للمســؤولية التقصــريية عــن األفعــال الشخصــية ،و الــيت متثــل املبــدأ العــام يف املســؤولية
التقصــريية ،أقــر اســتثناء بصــور خاصــة هلــا و هــي مســؤولية الشــخص عــن فعــل الغــري يف حــاالت معينــة ،و
كـذا مسـؤوليته الناشـئة عـن األشـياء (األشـياء غـري احليـة – احليـواانت – هتـدم البنـاء – احلريـق) ،و هـو مـا
يعرف ابلنظرية الشخصية أو التقليدية للمسؤولية التقصريية.
إال أنه بعد النهضة الصناعية و ما أدت إليه من تطورات اجتماعية و اقتصادية وسياسـية ،و ظهـور
اآلل ــة يف احلي ــاة املعاص ــرة ،و ال ــيت ص ــاحبها ازدايد احلـ ـوادث والض ــحااي ال ــذين كان ــت تض ــيع حق ــوقهم يف
احلصــول عل ــى التع ــويض بســبب تع ــذر إثب ــات خطــأ املس ــؤول ع ــن أض ـرارهم ،أص ــبحت النظري ــة التقليدي ــة
للمس ــؤولية التقص ــريية املبني ــة عل ــى أس ــاس اخلط ــأ (النظري ــة الشخص ــية) ع ــاجزة ع ــن محاي ــة ح ــق الض ــحااي
املتضــررين مــن ح ـوادث العمــل يف التعــويض ،ممــا أدى إىل البحــث عــن أســاس آخــر غــري اخلط ــأ تبــىن عليــه
املسؤولية التقصريية.
و عموما ،فقد سامهت كل هذه التطورات يف ظهور عدة نظرايت ،أمهها:
)1النظرية الشخصية:
أقامــت هــذه النظريــة املســؤولية التقصــريية علــى أســاس اخلطــأ كــركن جــوهري ال تقــوم بدونــه ،فــال
مسؤولية بدون خطـأ سـواء كـان واجـب اإلثبـات أو مفـرتض ،و دون تفرقـة بـني خطـأ عمـدي أو
غري عمدي ،خطأ جسيم أو يسري...إخل
)2النظرية املوضوعية(:حتمل التبعة)
بظهور هذه النظرية بناء على اعتبـارات العدالـة ،أصـبحت املسـؤولية ال تقـوم علـى فكـرة اخلطـأ و
إمنــا علــى أســاس الضــرر الــذي حــدث للمضــرور ،األمــر الــذي أدى إىل توســيع نطــاق املســؤولية
التقصـريية ،فطبقــا لقاعــدة "الغُـ ْـرُم ابلغُـْن نم" ينبغــي علــى كــل مــن يقــوم بنشــاط اقتصــادي و يســتفيد
من مغامنه أو أرابحه ،حتمل مجيع نتائجه الضارة أو مغارمه.
)3نظرية الضمان:
تقوم املسؤولية التقصريية طبقا هلذه النظرية على أساس الضمان ،و هذا األخري يقوم على فكرة
اإلخالل حبقوق املضرور ،ألن إحلاق األضرار ابلغري يشكل إنتهاكاً للحق يف السالمة الذي
68
يكفله القانون لكل فرد يف اجملتمع ،ومن مث إذا ثبت ضرر للمضرور تتحقق املسؤولية و يكون
مسبب الضرر ملزماً ابلتعويض جملرد وقوع الضرر دون البحث يف سلوكه عن اخلطأ فيما عدا
حالة القوة القاهرة ،و ذلك نتيجة املساس حبق الضمان املقرر للغري.
ما هو موقف املشرع اجلزائري من هذه النظرايت؟
لقد أخذ املشرع اجلزائري ابلنظرية الشخصية يف املسؤولية التقصريية و أسسها كقاعدة عامة على
فكرة اخلطأ واجب اإلثبات ابلنسبة للمسؤولية عن األفعال الشخصية ،غري أنه أضاف حاالت تقوم فيها
املسؤولية على اخلطأ املفرتض و هي املسؤولية عن فعل الغري و عن األشياء ،كما أخذ ابلنظرية املوضوعية
اليت تقوم على أساس الضرر يف مسؤولية املنتج و كذلك يف جمال حوادث العمل طبقا للقانون 11-90
املتعلق بعالقات العمل الفردية ،ابإلضافة إىل ذلك أخذ بنظرية الضمان يف جمال التأمينات و الضمان
االجتماعي.
املبحث الثاين :تعريف املسؤولية و أنواعها
يقصد ابملسؤولية بصفة عامة ":اجلزاء املرتتب عن اإلخالل ابلتزام معني" ،و يستخلص من هذا
التعريف أن املسؤولية تتنوع تبعا لتنوع االلتزام الذي مت اإلخالل به ،فإذا كان التزام ديين كانت مسؤولية
املخل دينية أمام هللا عز و جل ،واجلزاء عليها يكون أخروي أو دنيوي وفقاً ملشيئته تعاىل.
و إذا كــان اإلخــالل ابلتـزام أخالقــي انشــئ عــن تقاليــد أو عــادات اجتماعيــة ،كانــت املســؤولية املرتتبــة
عليه أدبية أمام اجملتمع ،واجلزاء الناجم عنها يتمثل يف أتنيب الضمري أو استنكار اجملتمع هلذا السلوك.
أما إذا كان اإلخالل ابلتزام قانوين فيرتتب عليه مسؤولية قانونية ،و تتنوع هـذه املسـؤولية بـدورها تبعـاً
لنــوع القاعــدة القانونيــة الــيت مت اإلخــالل هبــا ،فــإذا كانــت هــذه القاعــدة جنائيــة هتــدف إىل محايــة املصــلحة
العامة للمجتمع كانت مسؤولية الفاعل جنائية ،كالقتل والضرب واجلرح والسرقة و القـذف ....اخل ،وإذا
كانت هذه القاعدة تقرر محاية املصلحة اخلاصة لألشخاص ،كانت مسؤولية املخل هبا مدنية.
و تنقسم املسؤولية املدنية بدورها إىل نوعني تبعا لنوع االلتزام املدين ،فإذا مت اإلخالل ابلتزام عقـدي
ترتــب عليــه مســؤولية عقديــة ،أمــا إذا كــان اإلخــالل بواجــب قــانوين عــام وهــو عــدم اإلضـرار ابلغــري فيرتتــب
عنه مسؤولية تقصريية ،و هذه األخرية هي حمل دراستنا.
69
الفصل األول :أحكام املسؤولية التقصريية يف القانون اجلزائري
تعرف املسؤولية التقصريية أبهنا ":اجلزاء املرتتب عن اإلخالل ابلتزام قانوين عام يتمثل يف عدم
اإلضرار ابلغري" ،و قد تناول املشرع اجلزائري أحكام هذه املسؤولية ضمن الباب األول املتعلق مبصادر
االلتزام يف الفصل الثالث منه حتت عنوان "الفعل املستحق للتعويض" من املادة 124إىل 140مكرر 1
ق.م ،.حيث قسم هذا الفصل إىل ثالثة أقسام على النحو اآليت:
القسم األول :املسؤولية عن األفعال الشخصية (املواد من 124إىل 133ق.م).
القسم الثاين :املسؤولية عن فعل الغري(املواد من 134إىل 137ق.م).
القسم الثالث :املسؤولية الناشئة عن األشياء (املواد من 138إىل 140مكرر 1ق.م).
بناء على ذلك ،يتضح أن املشرع اجلزائري قد تبىن القاعدة العامة يف املسؤولية التقصريية أال و هي
املسؤولية عن األفعال الشخصية ،إضافة إىل ذلك أقر استثناء يف حاالت معينة ابملسؤولية عن فعل الغري
و عن األشياء.
املبحث األول :املسؤولية التقصريية عن األفعال الشخصية
لقد نص املشرع اجلزائري على القاعدة العامة يف املسؤولية التقصريية و هي املسؤولية عن األفعال
الشخصية مبوجب املادة 124ق.م .بقوهلا ":كل فعل أاي كان يرتكبه الشخص خبطئه ويسبب ضررا
للغري ،يلزم من كان سببا يف حدوثه ابلتعويض " ،و يتبني من مضمون هذه املادة أن املسؤولية عن
األفعال الشخصية هي تلك املسؤولية اليت ترتتب على ارتكاب فعل ضار "خطأ" صادر من املسؤول
شخصيا و يسبب به ضررا للغري ،بناء على ذلك سيتم دراسة أركان هذه املسؤولية مث اآلاثر املرتتبة
عنها.
املطلب األول :أركان املسؤولية عن األفعال الشخصية
طبقا لنص املادة 124ق.م .يشرتط لقيام املسؤولية عن األفعال الشخصية توافر ثالثة أركان وهي
ارتكاب خطأ ،و وجود ضرر و عالقة السببية بينهما.
70
الفرع األول :ركن اخلطأ
اخلطأ هو ركن أساسي يف املسؤولية عن األفعال الشخصية ،فهو عمادها و أساسها الذي ترتكز
عليه ،إذ ال يكفي أن حيدث الضرر حىت يستلزم التعويض إال إذا نسب إحداثه إىل خطأ حمدد.
أوال :تعريف اخلطأ
ابلرغم من أمهية اخلطأ يف املسؤولية املدنية بصفة عامة و املسؤولية التقصريية بصفة خاصة ،إال أنه
نظرا لصعوبة حتديده حتديدا دقيقا مل تضع معظم التشريعات مبا يف ذلك املشرع اجلزائري تعرفا له األمر
الذي أدى إىل إختالف الفقه حول تعريفه.
يقصد ابخلطأ يف إطار املسؤولية التقصريية ":احنراف الشخص عن السلوك املألوف الذي يفرضه
القانون مع إدراكه هلذا االحنراف" ،و يعد هذا االحنراف إخالال ابلتزام قانوين عام و هو " عدم اإلضرار
ابلغري" ،و ذلك نتيجة تقصري الشخص يف اختاذ واجب احليطة و احلذر و التبصر يف سلوكه لتجنب
اإلضرار ابلغري.
اثنيا :عناصر اخلطأ
يستخلص من مضمون املادتني 124و 125ق.م .أن اخلطأ يتكون من عنصرين :
-1العنصر املادي للخطأ (التعدي) :
يتمثـل العنصــر املـادي للخطــأ يف احنـراف الشــخص عــن السـلوك املــألوف (التعـدي) و الــذي يشــكل
إخالال ابلتزام قانوين هو " عدم اإلضرار ابلغـري" ،و ذلـك نتيجـة تقصـريه يف اختـاذ واجـب احليطـة و احلـذر
يف سلوكه ،و يستوي يف ذلك أن يكون هذا االحنراف عمدي أو غري عمـدي (إمهـال أو تقصـري) فاملشـرع
اجلزائري مل مييز يف نطاق املسؤولية التقصرية بني اخلطـأ العمـدي و غـري العمـدي و ال بـني اخلطـأ اجلسـيم و
اليسري ،فكل منهم يستوجب التعويض عن الضرر الناشئ عنه ،كما يستوي أن يكون هذا االحنراف انتـج
عن القيام بفعل أو سلوك إجيايب كفعـل الضـرب أو القتـل ،أو سـلوك سـليب كامتنـاع الـزوج عـن النفقـة علـى
أسرته ،األمر الذي يؤدي إىل توسيع نطاق اخلطأ يف جمال املسؤولية املدنية.
و السؤال الذي يطرح يف هذا الصدد :ما هو املعيار الذي يقاس به هذا االحنراف يف السلوك أو
التعدي؟ لإلجابة على ذلك هناك معيارين أحدمها شخصي و اآلخر موضوعي.
71
أ -املعيار الشخصي:
طبقا هلذا املعيار يتم قياس إحنراف الشخص عن السلوك املألوف ابلنظر إىل ظروفه الشخصية
كالسن و اجلنس و احلالة الصحية...إخل ابإلضافة إىل صفاته الشخصية إذا ما كان شديد احلرص أو
متوسط احلرص أو شديد اإلمهال.
إن األخذ هبذا املعيار يؤدي إىل عدم مسائلة الشخص شديد اإلمهال إال إذا كان احنرافه جسيماً،
و يف مقابل ذلك يتم مسائلة الشخص شديد احلرص حىت عن خطئه التافه ،هلذا ال يصلح هذا املعيار
لقياس احنراف الشخص عن السلوك املألوف.
ب -املعيار املوضوعي:
يستند هذا املعيار إىل الظروف اخلارجية لقياس إحنراف الشخص عن السلوك املألوف ،و ذلك
ابلنظر إىل الفعل ذاته إذا كان يشكل إحنراف عن السلوك املعتاد و هو سلوك الرجل العادي إذا وجد يف
نفس الظروف اخلارجية اليت أحاطت مبرتكب اخلطأ كظريف الزمان و املكان اللذان وقعا فيها التعدي
دون مراعاة لظروفه الشخصية لذلك فهو ال يتغري من شخص آلخر ،و يسمى مبعيار الرجل العادي أي
الشخص املتوسط الصفات فال هو بشديد احلرص و ال شديد اإلمهال.
و عليه ،يعد معيار الرجل العادي هو األنسب و األصلح لقياس التعدي ،و قد أخذ به املشرع
اجلزائري يف العديد من أحكام القانون املدين.
-2العنصر املعنوي للخطأ (اإلدراك):
إن توافر عنصر التعدي أو االحنراف يف سلوك الشخص وفقا ملعيار الرجل العادي غري كايف
لوصف الفعل الضار ابخلطأ ،إال إذا توافر يف فاعله اإلدراك ،و يقصد ابإلدراك كعنصر معنوي للخطأ
قدرة الشخص على معرفة النتائج الضارة لسلوكه املنحرف ،و حيدد اإلدراك بسن التمييز طبقا لنص املادة
125ق.م .و هو 13سنة دون أن يعرتض أهلية القاصر عارض يفقده التمييز كاجلنون و العته.
و عليه ،إذا اقرتن التعدي ابلتمييز عد سلوك مرتكبه خطأ ،و من مث يكون مسؤول عن فعله
الشخصي ،أما عدمي التمييز كالقاصر غري املميز (أقل من 13سنة) أو اجملنون أو املعتوه فال يسأل عن
فعله الشخصي نظراً لتخلف عنصر اإلدراك كأحد عناصر اخلطأ ،و لكن ميكن أن يسأل عنها غريه و
ذلك يف إطار املسؤولية عن فعل الغري ،لكن إذا فقد الشخص متييزه بسبب تعاطيه ملواد مسكرة أو خمدرة
72
فيعد فعله يف هذه احلالة خطأ طاملا كان تعاطيه هلذه املواد مبحض إرادته ،إال إذا كان ذلك عن جهل
منه.
أمــا الشــخص املعنــوي فطاملــا أنــه لــيس لــه إدراك أو متييــز ،فينبغــي ت ـوافر اإلدراك لــدى ممثلــه القــانوين
(الشــخص الطبيعــي) الــذي يباشــر نشــاط هــذا الشــخص املعنــوي و يعــرب عــن إرادتــه يف تعامالتــه مــع الغــري
إبمسه و حلسابه.
ينبغي اإلشارة يف هذا الصدد ،إىل أن املادة 125ق.م .قبل تعديلها يف مبوجب القانون 10-05
السابق ذكره ،كانت تقر يف فقرهتا الثانية بقيام مسؤولية القاصر غري املميز (عدمي التمييز) استثناءا يف
حالتني و مها :حالة عدم وجود مسؤول عن القاصر غري املميز ،و حالة تعذر احلصول على تعويض من
املسؤول عن هذا القاصر ،حيث كان جيوز للقاضي احلكم على غري املميز الذي وقع منه الفعل الضار
بتعويض عادل مراعياً يف ذلك مركز اخلصومة.
غري أن املشرع اجلزائري ألغى هذه الفقرة من املادة 125ق.م ،.و بذلك يكون قد استبعد
مسؤولية عدمي التمييز و أبقى فقط على مسؤولية الشخص املميز عن فعله الشخصي.
اثلثا :مسؤولية الشخص املعنوي
ميكن أن تقوم مسؤولية الشخص املعنوي عن خطئه الشخصـي طبقـا لـنص املـادة 124ق.م ،.عـن
كل األضرار اليت يتسبب فيها األشـخاص الطبيعيـون الـذين ميثلونـه أمـام الغـري عنـد إدارهتـم لشـؤونه ،حيـث
ينسب اخلطأ يف هذه احلالة إىل الشخص املعنوي ذاته ،و يعترب االحنراف يف السـلوك قـد وقـع منـه بواسـطة
ممثليــه الــذين يشــكلون الطــاقم املســري لــه ،كاملــدراء و اجلمعيــة العامــة و جملــس اإلدارة ،الــذين هلــم صــالحية
اختاذ القرارات إبسم و حلساب الشخص املعنوي.
فضــال عــن ذلــك ،ميك ـن أن يســأل الشــخص املعنــوي عــن األض ـرار الــيت يرتكبهــا األشــخاص الــذين
يعملون حلسابه بصفة تبعية أي ابعتبارهم اتبعني له ،و ذلك يف إطار مسؤولية املتبوع عن أفعال اتبعه.
رابعا :حاالت إنعدام اخلطأ
األصل أن كل تعدي أو إحنراف عن السلوك املألوف للرجل العادي يعترب فعال غري مشروع مىت
كان فاعله مدركاً لنتائج احنرافه و من مث يوصف أبنه خطأ ،إال أن هناك حاالت استثنائية ال يوصف
فيها هذا التعدي ابخلطأ و ال يسأل فاعله رغم الضرر املرتتب عنه للغري ،و تتمثل هذه احلاالت يف :
73
-1حالة الدفاع الشرعي:
طبقا لنص املادة 128من ق.م .ال يسأل الشخص عن األضرار اليت أحلقها ابلغري بسبب
التعدي الذي قام به إذا كان رداً على االعتداء غري املشروع الذي يهدده أو يهدد غريه يف النفس أو
املال ،و لقيام حالة الدفاع الشرعي جيب توافر الشروط التالية :
−وجود خطر حال أو وشيك الوقوع على املعتدى عليه أو الغري يف النفس أو املال.
−أن يكون مصدر اخلطر فعال غري مشروع.
−أن يكون الدفاع هو الوسيلة الوحيدة لدفع اخلطر.
−أن يكون دفع االعتداء ابلقدر الالزم و الضروري لرد اخلطر حبيث يتناسب الدفاع مع االعتداء
املراد رده ،و إذا جتاوزه الشخص يتقاسم املسؤولية مع املعتدي الشرتاكهما يف اخلطأ.
-2حالة تنفيذ أوامر الرئيس :
طبقا لنص املادة 129ق.م .يعترب التعدي املرتتب عن تنفيذ املوظف أو العون العمومي ألوامر
صادرة من رئيسه فعال مشروعا ،و ابلتايل ال يسأل شخصيا عن األضرار اليت سببها للغري ،إذا توافرت
الشروط اآلتية:
−أن يكون مرتكب الفعل الضار موظفا أو عوان عموميا.
−أن يصدر الفعل تنفيذا ألمر صادر إليه من رئيس مع اعتقاده مبشروعية هذا األمر ،على أن
تكون طاعة هذا األمر واجبة.
−أن يراعي املوظف أو العون العمومي احليطة واحلذر عند تنفيذ أمر الرئيس.
-3حالة الضرورة :
حسب نص املادة 130من ق.م .ميكن للشخص الذي ارتكب التعدي يف حالة الضرورة أن
يتخلص من جزء من املسؤولية وفقا للشروط التالية :
−وجود خطر حال حمدق ابلشخص أو بغريه يف النفس أو املال.
−أن يكون مصدر هذا اخلطر أجنبيا عن حمدث الضرر و عن املضرور.
74
−أن يكون اخلطر املراد تفاديه أشد بكثري من الضرر الذي حيدثه املضطر بغريه ،أما إذا كان
الضرر الواقع يساوي أو يفوق الضرر املراد جتنبه فال ميكن الدفع حبالة الضرورة.
جتب املالحظة إىل أنه ال يعفى املضطر من املسؤولية بصورة كاملة يف حالة الضرورة ،و إمنا تكون
مسؤوليته خمففة فال يلزم بتعويض الضرر كلياً.
-4رضا املضرور:
طاملا أنه جيوز للشخص التصرف يف حقوقه املالية و التنازل عنها ،فإن رضا املضرور مبا يلحقه من
ضرر هبذه احلقوق يعفي حمدث الضرر من املسؤولية التقصريية ،أما احلقوق املتعلقة بشخص املضرور و
اليت ال جيوز له التنازل عنها ،فإن رضاه ابالعتداء عليها ال يعفي املعتدي من املسؤولية اجلنائية.
-5ترخيص القانون:
هناك حاالت يرخص فيها القانون فعل االعتداء دون أن يعد فاعله مسؤوال ،مثال ذلك ترخيص
القانون للطبيب اجلراح إبجراء عملية جراحية للمريض بناء على رضاه يف حدود أصول مهنة الطب ،و
كذلك ترخيص القانون يف بعض أنواع الرايضة العنيفة كاملصارعة و املالكمة ،حيث ال يرتب إعتداء أحد
الرايضيني على اآلخر مسؤوليته ،شريطة عدم جتاوزه لقواعد اللعبة الرايضية املسموح هبا حسب كل نوع
من األلعاب الرايضية.
خامسا :صور اخلطأ
نظرا لتنوع و اختالف صور اخلطأ الذي قد يتحقق بفعل إجيايب أو فعل سليب من الفاعل
(املسؤول) كما قد يتحقق بفعل عمدي أو غري عمدي ،وحىت عن جمرد اإلمهال أو التقصري ،مل يبني
املشرع اجلزائري صوره ،ابستثناء صورة واحدة أدرجها مبوجب القانون 10-05املعدل للقانون املدين ،أال
وهي التعسف يف استعمال احلق.
لكل شخص احلق يف استعمال حقه على الوجه الذي حيقق مصلحته اخلاصة ،وال يسأل عن
الضرر الذي يلحق ابلغري بسبب ذلك ،طاملا أنه مل يتجاوز احلدود املوضوعية هلذا احلق ، ،غري أنه إذا
احنرف الشخص يف استعمال احلق عن غايته على وجه غري مشروع مبعىن استعمل حقه استعماال غري
مشروع اعترب ذلك تعسف يف استعمال احلق.
75
و عليه يعرف التعسف يف استعمال احلق أبنه" :احنراف يف مباشرة سلطة من السلطات الداخلية
يف حدود احلق" ،و السؤال الذي يطرح يف هذا الصدد هو :مىت يعترب التعسف يف استعمال احلق خطأ
يرتتب عليه مسؤولية فاعله؟
طبقا لنص املادة 124مكرر من ق.م .يعترب االستعمال التعسفي للحق صورة من صور اخلطأ
التقصريي الذي يستوجب املسؤولية عن األفعال الشخصية يف احلاالت التالية :
−إذا وقع بقصد اإلضرار ابلغري :فمن يستعمل حقه بقصد احلصول على منفعة أو حتقيق
مصلحة له و كان هذا االستعمال مصحوابً بنية اإلضرار ابلغري ،فإن ذلك يعد تعسفاً يستوجب
املسؤولية عن األضرار الناشئة عنه.
−إذا كــان يرمــي إىل احلصــول علــى فائــدة قليلــة ابلنســبة إىل الضــرر الناشـ للغــري :إن اســتعمال
احلــق هب ــدف جلــب فائ ــدة قليلــة األمهي ــة ابلنظــر إىل الض ــرر الــذي حل ــق ابلغــري ،حبي ــث أن الض ــرر
الالحـق ابلغــري يفــوق املنفعـة املتحصــل عليهــا مـن االســتعمال ،كنــا بصـدد اســتعماالً تعســفياً للحــق
تتحقق به مسؤولية مستعمل احلق.
−إذا كان الغرض منه احلصول على فائدة غري مشروعة :أي حتقيق مصلحة خمالفة للنظام العام
واآلداب العامة.
جتدر املالحظة إىل أن املعيار الذي يقاس به إحنراف استعمال الشخص حلقه عن السلوك املألوف
هو معيار الرجل العادي ،وعليه فإن كل احنراف عن سلوك الرجل العادي يف استعمال احلق يعترب
استعماال تعسفيا ،و ابلتايل يشكل صورة من الصور اخلطأ طبقا للحاالت اليت حددهتا املادة 124
مكرر من ق.م ،.و يف كل هذه احلاالت املذكورة أعاله ،إذا سبب االستعمال التعسفي للحق ضررا
للغري يرتتب على فاعله االلتزام ابلتعويض.
سادسا :إثبات اخلطأ
يعتــرب اخلطــأ يف املســؤولية عــن األفعــال الشخصــية واجــب اإلثبــات ،حيــث يقــع علــى عــاتق املضــرور
(املــدعي) عــبء إثباتــه مــن خــالل إقامــة الــدليل علــى تـوافر عنصــر التعــدي فيــه ،مــىت كــان الشــخص مــدركاً
لنتائج أفعاله ،و يتم إثبات اخلطأ بكل وسائل اإلثبات ألنه واقعة مادية.
76
سابعا :نفي اخلطأ
طاملا أن اخلطأ يف املسؤولية عن األفعال الشخصية واجب اإلثبات يقع عبء إثباته على عاتق
من يدعيه (املضرور) ،فإن عبء نفي وقوع اخلطأ أي نفي ما أثبته املدعي ،يقع على عاتق املدعى عليه
(املسؤول) و ذلك من خالل نفي وقوع اخلطأ أي نفي وجود تعدي أو إحنراف يف سلوك الرجل العادي
ابستعمال كل وسائل اإلثبات.
اثمنا :رقابة احملكمة العليا على ركن اخلطأ
إن اســتخالص ركــن اخلطــأ يف املســؤولية التقصــريية مــن خــالل اســتخالص الوقــائع املكونــة لعنصــر
التع ــدي و حتدي ــد عنص ــر اإلدراك ي ــدخل يف نط ــاق الس ــلطة التقديري ــة حملكم ــة املوض ــوع ،إال أن تكيي ــف
الفعــل املؤســس عليــه طلــب التعــويض (التعــدي) أبنــه خطــأ أو نفــى هــذا الوصــف عنــه مــن مســائل القــانون
اليت خيضع فيها قاضى املوضوع لرقابة احملكمة العليا.
77
اثنيا :أنواع الضرر
يقسم الضرر حبسب طبيعته إىل ضرر مادي و ضرر معنوي.
-1الضرر املادي:
هو الضرر الذي يصيب الشخص يف جسمه أو ماله أو اإلخالل مبصلحة مشروعة ذات قيمة
مالية ،و يعترب الضرر املادي هو األكثر وقوعا يف نطاق املسؤولية التقصريية ،و ميكن تعريفه أبنه " :
األذى الذي ُحي ندث انتقاصاً يف نفس الشخص أو ماله أو مصلحة مشروعة له ذات قيمة مالية".
و يشرتط لوصف األذى الذي يلحق الشخص أبنه ضرر مادي و يستحق التعـويض عنـه ،الشـروط
اآلتية:
الشرط األول :املساس حبق أو مبصلحة مشروعة للمضرور
ينبغي العتبار األذى الذي يلحق ابلشخص ضرراً مادايً -أن يكون هذا األذى قد أصابه يف نفسه
كحرمانه من احلق يف احلياة ابلقتل أو املساس بصحته أو بسالمة جسمه ابلتعدي عليه ابلضرب أو
اجلرح ...أو انتقص من حقوقه املالية.
كما يشرتط أن تكون املصلحة اليت مت املساس هبا مشروعة ،كمصلحة الزوجـة يف بقـاء زوجهـا علـى
قيد احلياة فإذا قتل أصـبح هلـا احلـق يف املطالبـة ابلتعـويض عـن الضـرر الـذي حلـق هبـا بسـبب ذلـك ،أمـا إذا
كانــت املصــلحة الــيت مت املســاس هبــا غــري مشــروعة أي خمالفــة للنظــام العــام واآلداب ( حــىت لــو كــان ترتــب
عنها خسارة مالية للمضرور) فال يعتد هبا كضرر مادي يستوجب التعويض عنه.
الشرط الثاين :أن يكون الضرر حمققا
عــالوة علــى كــون األذى ماسـاً حبــق أو مبصــلحة مشــروعة للمضــرور ،يشــرتط أن يكــون الضــرر حمققـاً
سواء كان ضرر حال أو مستقبلي ،أما الضرر احملتمل فال تعويض عنه.
.1الضرر احلال :هو الضرر الذي وقع فعالً ،و جتسدت آاثره يف الواقع كوفاة املضرور أو إصابته
جبروح أو إتالف ماله...
.2الضرر املستقبل :هو الضرر الذي مل يقع بعد لكن وقوعه يف املستقبل أمراً حمققا و مؤكداً،
مثال ذلك إصابة شخص نتيجة حادث مرور بعاهة ،فيقع له ضرر حال هو فقد العضو و ما
يرتتب على ذلك من عالج و يقع له ضرر آخر مستقبال هو عجزه عن ممارسة مهنته.
78
.3الضرر احملتمل :هو الضرر الذي مل يقع فعال و غري حمقق الوقوع يف املستقبل ،فال يستحقق
التعويض عنه حىت يتأكد وقوعه ،فتحققه يدور بني الشك واالحتمال ،مثال ذلك ضرب امرأة
حامل على بطنها ضرابً حيتمل معه اإلجهاض وعدمه ،فليس هلا املطالبة ابلتعويض عن
اإلجهاض طاملا أنه مل يقع ومل يتأكد أنه سيقع.
.4تفويت الفرصة :
إذا كان الضرر عبارة عن تفويت فرصة فهل يستحق التعويض عنه؟
يقصــد ابلفرصــة األمــل يف الكســب احملتمــل الــذي ت ـوافرت أســبابه ،وتفويــت هــذه الفرصــة هــو
إضاعة هذا األمل ،و الضرر الناتج عن تفويت الفرصة يكون قابالً للتعـويض ،ألنـه وإن كانـت
الفرصة أمراً حمتمالً فإن تفويتها أمر حمقق( .املادة 1/182ق.م.).
مثال ذلك تفويت الفرصة على مرتشح و حرمانه من املشاركة يف مسابقة توظيف نتيجة
تعرضه حلادث مرور ،فإذا كان جناح هذا املرتشح غري مضمون التحقق (احتمايل) و ابلتايل
ال ميكن التعويض عنه ،فإن تفويت الفرصة يف املشاركة يف املسابقة هو ضرر حمقق جيوز له
املطالبة ابلتعويض عنه.
الشرط الثالث :أن يكون الضرر مباشر
لكي يعوض عن الضرر ،ينبغي عالوة على كونه حمققا أن يكون هذا الضرر مباشر ومرتبطا سببياً
حبدوث اخلطأ ،أي يكون نتيجة طبيعية و مباشرة لوقوع اخلطأ (العالقة السببية) ،و مل يكن ابستطاعة
املضرور توقيه ببذل جهد معقول (املادة 1/182ق.م.).
الشرط الرابع :أال يكون قد سبق تعويضه :يشرتط يف الضرر كذلك أال يكون قد سبق
التعويض عنه ،فال جيوز للمضرور أن حيصل على أكثر من تعويض إلصالح ضرر واحد.
الشرط اخلامس :أن يكون الضرر شخصي :أي أن يكون طالب التعويض قد أصيب شخصيا
ابلضرر.
يثري هذا الشرط حالة الضرر املرتد و هو األذى الذي يرتد أو ينعكس على الغري بعد أن أصاب
املضرور ،فمثالً العاهة املستدمية اليت حيدثها اخلطأ برب أسرة و متنعه من ممارسة مهنته تعد ضرراً شخصي
79
له ،وقد يرتتب عليها ضرراً آخر مرتد يلحق أبفراد األسرة يتمثل يف حرماهنا من النفقة نتيجة عجز رب
األسرة عن ممارسة مهنته ،و هذا الضرر قابل للتعويض عنه.
-2الضرر األديب أو املعنوي:
هو الضرر الذي يصيب الشخص يف حق أو مصلحة مشروعة غري مادية (أدبية أو معنوية) ،مثال
الضرر الذي ميس ابلشعور أو العاطفة أو الكرامـة أو الشـرف أو املعتقـدات الدينيـة ،كمـا يف حالـة القـذف
والســب والتشــهري وأي تشــويه للســمعة الــذي يصــيب الشــرف واالعتبــار ،و مــن مث ميكــن تعريــف الضــرر
املعنوي أبنه :هو األذى الذي ميس شعور الشخص أو عاطفته أو مسعته أو شرفه...إخل".
و قد يكون الضرر معنواي حمض (كفقدان شخص عزيز على املضرور) كما قـد يكـون مقـرتن بضـرر
مـادي إذ ميكــن أن يرتتـب علــى وقـوع الفعــل الضــار الواحـد ضــررين (مـادي و معنــوي) مثـال ذلــك حالــة
التعــدي علــى احلــق يف ســالمة اجلســم إبصــابته بعاهــة مســتدمية الــيت يرتتــب عليهــا الضــرر املــادي املتمثــل يف
املساس هبذا احلق والتأثري على قدرته على الكسب ونفقات العالج ،كمـا يرتتـب عليهـا الضـرر األديب يف
شكل آالم نفسية نتيجة التشوهات اليت حلقت به.
جتب املالحظة إىل أنه قبل ،2005مل يكن القانون املدين اجلزائري ينص بصريح العبارة عن
التعويض األديب ،و لكن كان يستشف من صياغة املادة 124ق.م و املادة 131أن مصطلح الضرر
جاء عاما حبيث مل مييز بني الضرر املادي و املعنوي و كذلك نص املادة 182اليت تنص ...":و يشمل
التعويض ما حلق الدائن من خسارة و ما فاته من كسب ،"...فمعىن اخلسارة هنا ال يقتصر على اخلسارة
املادية فقط بل يتعداه إىل اخلسارة املعنوية ،و بناء على ذلك كان يقبل القضاء اجلزائري التعويض عن
الضرر املعنوي.
و تفاداي ألي جدل تدخل املشرع اجلزائري مبوجب القانون رقم 10-05املؤرخ يف 20جوان
2005و أضاف املادة 182مكرر و اليت نصت صراحة على التعويض عن الضرر األديب بقوهلا ":
يشمل التعويض عن الضرر املعنوي كل مساس ابحلرية أو الشرف أو السمعة".
و عموما ،يشرتط يف األذى الذي يصيب الشخص حىت يعترب ضرراً أدبياً الشروط التالية:
.1املساس حبق أو مصلحة مشروعة ذات قيمة أدبية أو معنوية :كالضرر الذي يصـيب العاطفـة و
الشـعور و الشــرف و الســمعة و الكرامــة و املعتقــدات الدينيـة ...إخل ،مثــال اختطــاف ولــد مــن
والديه يرتتب عليه ضرر معنوي يتمثل يف احلزن و األسى الذي يصيبهما نتيجة االختطاف.
80
.2أن يكون الضرر حمققاً (حال أو مستقبل أو تفويت الفرصة).
.3أن يكون الضرر مباشر.
.4أال يكون قد سبق التعويض عنه.
.5أن يكون الضرر شخصي.
اثلثا :قابلية الضرر األديب للتعويض
لقد حسم املشرع اجلزائري منذ 2005اخلالف حول مدى إمكانيـة التعـويض عـن الضـرر األديب أو
املعنــوي مبوجــب املــادة 182مكــرر ق.م .الــيت أرســت مبــدأ جـواز التعــويض عنــه ،و بــذلك أصــبح الضــرر
األديب كالضــرر املــادي قــابالً للتعــويض عنــه مــىت ت ـوافرت شــروطه ،لكــن اإلشــكال يبقــى مطــروح ابلنســبة
ملسألة حتديد األشخاص الذين حيق هلم طلب التعويض عن الضرر األديب الذي أصاهبم شخصيا على إثـر
وفاة املصاب ،و كذلك مسألة انتقال حق املضرور يف التعويض عن ضرره األديب للغري.
و ابلرغم من عدم تطرق املشرع هلاتني املسألتني ،إال أن أحكام القضاء قد استقرت على ما يلي:
فيمــا خيــص املســألة األوىل املتعلقــة بتحديــد األشــخاص الــذين حيــق هلــم طلــب التعــويض عــن الضــرر
األديب الذي أصاهبم شخصياً على إثر وفاة املصاب ،فقد مت حتديدهم يف طائفتني و مها:
−األزواج :وهــم الــزوج والزوجــة وإن تعــددن وال يــدخل يف هــذا احلصــر املطلــق أو املطلقــة مــىت كــان
الطالق ابئناً.
−األق ـ ــارب إىل الدرج ـ ــة الثاني ـ ــة :وي ـ ــدخل يف ه ـ ــذه الطائف ـ ــة األبن ـ ــاء ذك ـ ــوراً وإاناثً ،واألب واألم،
واألحفاد ،واجلد واجلدة ،واألخ واألخـت.
أما مسألة انتقـال حـق املضـرور يف التعـويض عـن ضـرره األديب للغـري ،فقـد أجـازه القضـاء اسـتثناءً يف
حالتني و مها :
−االتفــاق :الــذي يـتم بــني املضــرور و املســؤول علــى حتديــد مقــدار التعــويض مث يتــوىف املضــرور قبــل
احلصول عليه.
−املطالبــة القضــائية :أي إذا طالــب املضــرور حبقــه يف التعــويض عــن ضــرره األديب قضــائياً ،و تــويف
قبل أن حيصل عليه.
81
أما إذا تويف املضرور قبل هذا االتفاق أو املطالبة القضائية ،فإن احلق يف التعويض عن الضرر األديب
الذي أصابه شخصيا ال ينتقل إىل الغري (ورتثه) ،حيث يعترب سكوته مبثابة تنازل عن حقه يف املطالبة
ابلتعويض.
رابعا :إثبـات الضـرر
يقع على عاتق املضرور ،ابعتباره مدعياً يف دعوى املسؤولية التقصـريية ،إثبـات أنـه قـد حلـق بـه ضـرر
انمجـاً عــن اخلطــأ الشخصــي مــن املــدعى عليــه نفســه طبقــا لقاعــدة ":البينــة علــى مــن إدعــى" ،وللمضــرور
احلق يف إثبات ذلك بكافة طرق اإلثبات.
خامسا :رقابة احملكمة العليا على ركن الضرر
إن تقــدير حصــول الوقــائع املكونــة للضــرر تــدخل يف الســلطة التقديريــة لقاضــي املوضــوع ألهنــا مــن
مسائل الواقع اليت ال ختضع لرقابة احملكمة العليا ،أما التكييف القانوين هلذه الوقائع علـى أهنـا ضـرر مباشـر
أو حمقق الوقوع ميكن تعويضه أو ضرر حمتمل ال جيوز تعويضه ،و هل هو ضرر أديب ومىت ينتقل احلق فيـه
إىل غري املضرور...إخل ،فهي من مسائل القانون اليت خيضع فيها القاضي لرقابة احملكمة العليا.
الفرع الثالث :ركن عالقة السببية بني اخلطأ و الضرر
ال يكفي لقيام املسؤولية عن األفعال الشخصية حتقق ركين اخلطأ و الضرر فقط ،بل يشرتط إضافة
إىل ذلك أن يكون هذا اخلطأ هو السبب املباشر يف حدوث الضرر ،و هذا الشرط األخري هو ركن
العالقة السببية الذي ميثل الركن الثالث للمسؤولية التقصريية.
أوال :تعريف عالقة السببية بني اخلطأ و الضرر
ميكن تعريف العالقة السببية أبهنا":الصلة املباشرة بني اخلطأ و نتائجه الضارة" ،فالعالقة السببية
هي الرابط بني اخلطأ و الضرر و بدوهنا ال تقوم املسؤولية ،و ميكن استخالص هذا الركن من نص املادة
124ق.م...": .و يسبب "...أي السبب املؤدي إىل ضرر الغري نتيجة خطأ املسؤول ،و املادة 125
ق.م ...": .املتسبب ،"...و املادة 127ق.م... ":عن سبب."...
اثنيا :حتديد عالقة السببية بني اخلطأ و الضرر
قد يكون من السهل استخالص عالقة السـببية بـني اخلطـأ والضـرر يف حالـة وحـدة السـبب (اخلطـأ)
والنتيجــة (الضــرر) ،غــري أنــه يف كثــري مــن األحيــان تثــور الصــعوبة يف حالــة تعــدد األســباب املنتجــة لضــرر
82
واحد ،و كذلك يف حالة تعدد النتائج الناشئة عـن سـبب واحـد ،األمـر الـذي يقتضـي حتديـد اخلطـأ املعتـد
به و األضرار القابلة للتعويض عنها دون غريها.
-1حالة تعدد األسباب (األخطاء) املنشئة للضرر الواحد:
يقصد هبذه احلالة أن تتعدد األسباب و جتتمع فتنـتج ضـرراً واحـداَ ،مبعـىن نكـون بصـدد ضـرر واحـد
اشرتكت يف إحداثه عدة أسباب ،فمن هو السبب الذي أدى إىل إحداث الضرر؟
لإلجابة على هذا السؤال ظهرت نظريتان:
أ -نظرية تعادل أو تكافؤ األسباب:
طبقا هلذه النظرية كـل سـبب سـاهم يف إحـداث الضـرر حبيـث لـواله مـا وقـع الضـرر يعـد سـبباً منتجـاً
لــه ،لــذلك يعتــد جبميــع األســباب الــيت ســامهت يف وقــوع الضــرر ابعتبارهــا أســباب متكافئــة ومتعادلــة ،و
يسأل كل فاعل (متسبب) عن القدر الذي ساهم به فعله (سببه) يف إحـداث الضـرر ،سـواء كـان السـبب
قريب أو بعيد.
ب -نظرية السبب املنتج أو الفعال:
ظهرت هذه النظرية على إثر النقد الذي وجـه لنظريـة تعـادل األسـباب أو تكافؤهـا الـيت وسـعت مـن
دائرة املسؤولية على أكثر مـن شـخص و دون حتديـد ،و طبقـا هلـذه النظريـة ال تعتـد بكـل سـبب سـاهم يف
إحداث الضرر بل تعتد ابلسبب املنتج أو الفعال ،ولذلك فهي تفرق بني نوعني من األسباب:
.1األســباب املنتجــة :هــي األســباب املألوفـة والــيت حتــدث الضــرر عــادة ،أي وفقــا للمجــرى العــادي
لألمور.
.2األسباب العرضية :هي األسباب غري املألوفة و الـيت ال حتـدث الضـرر عـادة ،و حـىت ولـو سـاهم
وجودها مع األسباب املنتجة يف إحداث الضرر ،فال يعتد هبا ألن وجودها عارض (اثنوي).
بنــاء علــى ذلــك ،إذا تعــددت األســباب املنشــئة لضــرر واحــد ،فيعتــد ابلســبب املنــتج أو الفعــال يف
إحداث الضرر ،أما ابقي األسباب األخرى العرضية البعيدة فليس هلا أي دور يف إحداث الضرر.
و لقــد أخــذت غالبيــة التشـريعات هبــذه النظريــة و منهــا املشــرع اجلزائــري يف املــادة 182ق.م ،.كمــا
استقر القضاء اجلزائري على األخذ هبا.
83
-2تعدد األضرار املرتتبة عن اخلطأ الواحد (تسلسل النتائج):
يف هــذه احلالــة نكــون أمــام ســبب واحــد غــري متعــدد و لكــن األض ـرار الــيت نتجــت عنــه متعــددة و
متعاقبة بعضها مباشر و بعضها اآلخر غري مباشر ،لذا ينبغي التفرقة بني هاذين الضررين:
أ -الضرر املباشر:
طبقا لنص املادة 1/182ق.م .يتضح أنه يشـرتط العتبـار الضـرر مباشـراً يسـتوجب التعـويض عنـه،
الشرطني مها:
الشرط األول :أن يكون الضرر نتيجة طبيعية لوقوع اخلطأ.
الشرط الثاين :أال يكون يف اسـتطاعة املضرور تفاديه ببذل جهد معقـول.
و م ــن خ ــالل ه ــاذين الش ــرطني ميك ــن اس ــتخالص معي ــار حتدي ــد الض ــرر املباش ــر ال ــذي يس ــتوجب
التعويض عنه ،أال و هو أن يكـون الضـرر نتيجـة طبيعيـة و مباشـرة لوقـوع اخلطـأ (عالقـة السـببية) ،و يعتـرب
الضرر نتيجة طبيعية إذا مل يكن يف استطاعة املضرور أن يتوقاه ببذل جهد معقول.
ب -الضرر غري املباشر :
هــو الضــرر الــذي ال يكــون نتيجــة طبيعيــة للخطــأ و حــىت و إن كــان كــذلك فإنــه إبمكــان املضــرور
تفاديه ببذل جهد معقـول ،وهذا النوع من األضرار ال يلزم الفاعل بتعويضه النتفاء عالقة السـببية املباشـرة
بينه و بني اخلطأ.
و عليــه ،فــإن التعــويض يف حالــة تعــدد األضـرار و تسلســلها يكــون عــن الضــرر املباشــر فقــط ،س ـواء
كان متوقع أو غري متوقع وقت وقوع اخلطأ ،أما بقية األضرار األخرى غري املباشـرة ،فـال يعتـد هبـا ألهنـا ال
تستوجب التعويض عنها.
اثلثا :إثبات عالقة السببية
عالقة السببية هي ركن مستقل يف املسؤولية التقصريية ال يقوم بدوهنا ،فهي متثل الرابط بني اخلطأ
و الضرر الناتج عنه ،و يقع عبء إثبات عالقة السببية على املضرور جبميع طرق اإلثبات ،حيث يرتتب
على إثباهتا قيام املسؤولية ،و على نفيها زوال و انتفاء هذه املسؤولية.
إن إثبات عالقة السببية بني اخلطأ والضرر من األمور الصعبة ،وملا كان أمر إثباهتـا عسـري ،فإنـه مـىت
متكن املضـرور مـن إقامـة الـدليل علـى اخلطـأ و الضـرر الناشـئ عنـه ،وكـان هـذا الضـرر نتيجـة طبيعيـة لوقـوع
84
اخلطأ حبيث ال ميكن للمضرور تفاديه ببذل جهد معقول ،قامت ملصـلحته قرينـة علـى تـوافر رابطـة السـببية
بني اخلطأ وهذا الضرر ،ولكن هذه القرينة بسـيطة قابلـة إلثبـات العكـس ،حيـث تنقـل عـبء اإلثبـات مـن
علــى عــاتق املــدعى (املضــرور) إىل عــاتق املــدعى عليــه (املســؤول) الــذي يســتطيع نفيهــا إبثبــات الســبب
األجنيب.
رابعا :نفي عالقة السببية
تنتفي عالقة السببية بني اخلطأ و الضرر إبثبات السبب األجنيب ،و هذا طبقا لنص املادة 127
ق.م .اليت تنص على ما يلي ":إذا أثبت الشخص أ ِن الضرر قد نشأ عن سبب ال يد له فيه كحادث
مفاجئ أو قوة قاهرة أو خطأ صدر من املضرور أو خطأ من الغري ،كان غري ملزم بتعويض هذا الضرر،
ما مل يوجد نص قانوين أو إتفاق خيالف ذلك".
مبوجب هذه املادة نص املشرع اجلزائري على صور خمتلفة للسبب األجنيب على سبيل املثال ال
احلصر ،و هذه الصور متثل أكثر األسباب اليت ينشأ عنها الضرر و اليت ال يد للشخص املسؤول فيها و
هي :القوة القاهرة و احلادث املفاجئ و خطأ املضرور و اخلطأ الغري.
-1تعريف السبب األجنيب:
مل يعرف املشرع اجلزائري مصطلح السبب األجنيب ،و اكتفى فقط بذكر بعض مواصفاته و صوره
يف املادتني 127و 2/138ق.م ،.و عموما يستخلص من مضمون هاتني املادتني أن السبب األجنيب
هو ":كل فعل أو حادث غري متصل ابملدعى عليه (املسؤول) و غري متوقع و غري ممكن دفعه من قبله و
يكون سبباًّ مباشراً يف وقوع الضرر" ،كما يتضح من هذا التعريف أنه يشرتط يف السبب األجنيب توافر
الشروط التالية:
الشرط األول :عدم الصلة ابملدعى عليه (املسؤول)
يشرتط العتبار الفعل أو احلادث الذي أدى إىل وقوع الضرر سبباً أجنبياً ،أن يكون غري متصل
ابملدعى عليه ،مبعىن خارجياً عنه و ال يد له فيه.
85
الشرط الثاين :عدم التوقع
حــىت يعــد الفعــل أو احلــادث الــذي أدى إىل وقــوع الضــرر ســبباً أجنبي ـاً ،جيــب أن يكــون غــري ممكــن
توقعــه ،و يقــاس عــدم التوقــع مبعيــار موضــوعي هــو معيــار الرجــل العــادي الــذي يكــون يف نفــس الظــروف
اخلارجية للمدعى عليه ،أما ابلنسبة للوقت الذي يقدر فيه عدم التوقع فهو وقت وقوع الفعل الضار.
الشرط الثالث :عدم إمكانية الدفع (إستحالة الدفع)
ال يكفــى العتبــار الفعــل أو احلــادث املســبب للضــرر ســبباً أجنبيـاً كونــه غــري متصــل ابملــدعى عليــه و
غري متوقع ،بل جيب أن يكون مما يستحيل دفعه أو تفاديه ،و تقاس استحالة الدفع مبعيار الرجـل العـادي
الــذي يكــون يف نفــس الظــروف اخلارجيــة للمــدعى عليــه ،كمــا تقــدر هــذه االســتحالة وقــت وقــوع الفعــل
الضار.
-2صور السبب األجنيب:
إذا توافرت الشروط املذكورة أعاله اعترب الفعل أو احلادث املسبب للضرر سبباً أجنبياً ينفي به
املدعى عليه عالقة السببية بني اخلطأ املنسوب إليه و الضرر الذي حلق ابملضرور ،و عليه سيتم دراسة
صور السبب األجنيب على النحو التايل:
أ -القوة القاهرة أو احلادث الفجائي:
مل يعرف املشرع اجلزائري القوة القاهرة أو احلادث املفاجئ و إكتفى فقط ابإلشارة إليهما كسبب
أجنيب ،أما الفقه فغالبيته ال يفرقون بني هاذين املصطلحني و يعتربون أهنما إمسان ملسمى واحد ،فكل
من القوة القاهرة و احلادث املفاجئ تعد حوادث غري متوقعة و غري ممكن دفعها و ال يد للمدعى عليه
فيها ،مثال الزالزل ،العواصف ،احلروب ،إنفجار آلة...إخل
ما أثر القوة القاهرة أو احلادث الفجائي على املسؤولية التقصريية عن األفعال الشخصية؟
لبيان أثرها على املسؤولية جيب التفرقة بني حالتني :
−حالة التفرد :و تتمثل يف انفراد القوة القاهرة أو احلادث املفاجئ يف إحداث الضرر ،حبيث
تكون هي السبب الوحيد يف وقوع الضرر دون أن يشاركها يف ذلك خطأ املدعى عليه ،و يف
هذه احلالة تنعدم عالقة السببية و من مث تنتفي مسؤولية املدعى عليه كلية.
86
−حالة االشرتاك :وهى احلالة اليت يشرتك فيها مع القوة القاهرة أو احلادث املفاجئ خطأ املدعى
عليه يف إحداث الضرر للمضرور (املدعي) ،و هنا تقع املسؤولية كاملة على عاتق املدعى عليه
ألن خطأه كان سبباً منتجاً للضرر ومل يشاركه فيه خطأ شخص آخر.
ب -خطأ املضرور :قد يكون خطأ املضرور هو السبب الوحيد يف إحداث الضرر الذي أصابه دون
أن يشرتك معه خطأ آخر ،أي أن املضرور هو الذي أحلق بنفسه ضرراً ،فال مسؤولية على أحد
يف هذه احلالة ،ألن خطأ املضرور يعد سبباً أجنبياً يعدم عالقة السببية و من مث يعفى املدعى
عليه من املسؤولية.
غري أنه قد يساهم خطأ املضرور إىل جانب خطأ املدعى عليه يف وقوع الضرر حبيث يكون لكل
منهما دور يف حدوثه ،فما هو أثر خطأ املضرور على مسؤولية املدعى عليه ؟ ولإلجابة عن
ذلك ،جيب التفرقة بني حالتني :األوىل هي استغراق أحد اخلطأين للخطأ اآلخر ،والثانية هي
حالة إشرتاك كل من اخلطأين يف إحداث الضرر.
احلالة األوىل :استغراق أحد اخلطأين لآلخر
إذا استغرق أحد اخلطأين اخلطأ اآلخر فإن اخلطأ امل َستغرق ال يعتد به ،فإذا استغرق خطـأ املـدعى
ُ
عليـه خطـأ املضــرور ،فـإن األول يكــون مسـؤوالً مســؤولية كاملـة عـن الضــرر الـذي حلــق ابلثـاين ،أمــا
إذا كــان خطــأ املضــرور هــو الــذي اســتغرق خطــأ املــدعى عليــه ،فــإن مســؤولية هــذا األخــري تنتف ـي
إلنعدام عالقة السببية ،و يتحقق االستغراق بني اخلطأين يف ثالث صور:
الصورة األوىل :أحد اخلطأين عمدي و اآلخر غري عمدي
إذا تــدخلت إرادة الشــخص يف وقــوع اخلطــأ أبن قصــدت النتيجــة الضــارة املرتتبــة عنــه ،عــد ذلــك
خطأً عمدايً ،أما إذا مل يكن إلرادة الشخص دور يف وقوع اخلطأ كأن يكون انتج عن إمهال ،عـد
ذلــك خطـأً غــري عمــدي ،و مــىت كــان اخلطــأ انشــئاً عــن عمــد ،فإنــه يســتغرق مــا دونــه مــن أخطــاء
غ ــري عمدي ــة ،بش ــرط أن يك ــون كافي ـاً إلح ــداث النتيج ــة الض ــارة بص ــورة مس ــتقلة ع ــن اخلط ــأ غ ــري
العمدي.
بناء على ذلك ،إذا تعمد املدعى عليه إحداث الضرر قامت مسؤوليته كاملـة ألن خطئـه العمـدي
اســتغرق خطــأ املضــرور غــري العمــدي ،أمــا إذا كــان املضــرور قــد تعمــد إيقــاع الضــرر لنفســه ،فــال
مسؤولية على املدعى عليه.
87
الصورة الثانية :أحد اخلطأين نتيجة خلطأ اآلخر
تتوافر حالة االستغراق أيضاً عندما يكون أحد اخلطأين سبباً مباشراً يف وقوع اآلخر الذي يعد
بدوره نتيجة مباشرة هلذا السبب ،فإن الشخص الذي ارتكب اخلطأ الذي سبب النتيجة أي
اخلطأ الذي وقع أوال ،يكون هو املسؤول عن التعويض ،و ال يُسئل الشخص الذي ارتكب
اخلطأ اآلخر.
و عليه ،إذا كان خطأ املضرور نتيجة خلطأ املدعى عليه كان هذا األخري هو املسؤول ألن خطأه
قد أستغرق خطأ املضرور ،أما إذا كان خطأ املدعى عليه نتيجة خلطأ املضرور ،أي أن خطأ هذا
األخري كان سببا يف خطأ األول ،فال مسؤولية على املدعى عليه ألن خطأ املضرور قد استغرق
خطئه.
الصورة الثالثة :القبول املسبق للضرر (رضا املضرور)
إذا كــان املضــرور يعلــم مســبقاً ابلنتيجــة الضــارة الــيت ترتتــب علــى اخلطــأ الــذي ســيقوم بــه حلســاب
شــخص آخــر ،ومــع ذلــك قبــل القيــام بــه و رضــي ابلضــرر النــاتج عنــه قبــل وقوعــه ،عــد ذلــك قبــوالً
مسبقاً للضرر يدخله يف حكـم اخلطـأ العمـدي الـذي يسـتغرق اخلطـأ اآلخـر غـري العمـدي ،ومـن مث
فإنه ليس للمضرور مطالبة الشخص ابلتعويض عن األضرار اليت حلقت به.
احلالة الثانية :حالة إشرتاك اخلطأين (اخلطأ املشرتك)
يتحقق اخلطأ املشرتك إذا ساهم كل من خطأ املضرور مع خطأ املدعى عليه يف إحداث الضرر
دون أن يستغرق أحدمها اآلخر ،أي أن كال اخلطأين قد اشرتكا حبصة يف وقوع هذا الضرر،
فنكون عندئذ بصدد ضرر واحد انتج عن أكثر من خطأ ،أو أكثر من خطأ قد تسبب يف
حدوث ضرر واحد ،و طاملا أنه مل تتحقق أية صورة من صور االستغراق املذكورة أعاله ،فإن كال
اخلطأين يعتربان سببا يف إحداث الضرر و يعتد هبما يف حتديد مسؤولية كل منهما ومقدار التزامه
ابلتعويض.
و م ـن مث ،فــإن املســؤولية تكــون مشــرتكة بــني املضــرور و املــدعى عليــه (املســؤول) ،و ال يلتــزم هــذا
األخري بتعويض كل الضرر بل ينقص منه ،و يفقـد املضـرور مـن قيمـة التعـويض املسـتحق لـه بقـدر
درجة مسامهة خطأه يف إحداث ضرره ،و هذا طبقا للمادة 177ق.م.
88
و األصــل حســب مضــمون املــادة 126ق.م .أنــه يف حالــة تعــدد األخطــاء أو األســباب يف حتقــق
نتيجــة واحــدة (الضــرر) ،يــتم توزيــع املســؤولية و التعــويض املرتتــب عنهــا ابلتســاوي بــني املضــرور و
املــدعى عليــه (املســؤول) ،أي يلــزم كــل منهمــا بنصــف التعــويض ،و لكــن جيــوز للقاضــي إذا أمكنــه
حتديد دور كل خطأ يف حدوث الضرر وقدر مسامهته فيه ،أن يوزع قيمة التعويض بنسبة املسامهة
يف الضرر ،فيتحمل كل خمطئ حصة يف التعويض بقدر مسامهة خطأه يف الضرر.
ت -خطأ الغري :يقصد ابلغري بوصفه أحد صور السبب األجنيب اليت تدفع به مسؤولية
املدعى عليه ،كل شخص أجنيب عن طريف دعوى املسؤولية فال هو ابملضرور و ال ابملدعى عليه،
لذلك فإن اخلطأ الذي يقع منه يطلق عليه خطأ الغري ،وال يشرتط يف هذا الغري 1أن يكون
شخصه معلوماً ،بل يعتد خبطئه حىت ولو كان جمهوالً مىت ترتب عنه الضـرر.
بناء على ذلك ،إذا كان خطأ هذا الغري هو السبب الوحيـد الذي أدى حلصول الضرر ،عد سببًا
أجنبيًا تنتفي به املسؤولية عن املدعى عليه ،أما إذا ساهم إىل جانبه خطأ املدعى عليه يف وقوع
الضرر فهنا جيب التفرقة بني حالتني:
احلالة األوىل :استغراق أحد اخلطأين لآلخر
يتحقق هذا االستغراق بني خطأ الغري و خطأ املدعى عليه يف صورتني:
الصورة األوىل :أحد اخلطأين عمدي و اآلخر غري عمدي
عنــدما يكــون أحــد اخلطــأين عمــدي و اآلخــر غــري عمــدي (إمهــال) ،فاخلطــأ العمــدي يســتغرق مــا
دونــه مــن خطــأ غــري عمــدي ،فــإذا كــان خطــأ الغــري عمــداً وكــان خطــأ املــدعى عليــه إمهــاالً (غــري
عمــدي) ،فــال مســؤولية علــى األخــري ألن خطــأ األول العمــدي قــد اســتغرقه ،أمــا إذا كــان العكــس
أبن كان خطأ املدعى عليه عمداً وخطأ الغري إمهاالً ،فتقع املسؤولية كاملة على عاتق املدعى عليه
دون الغري.
-1عالوة على ذلك ،ال يشرتط يف خطأ الغري أن يكون فاعله مسؤول عن أفعاله الشخصية ،بل يعترب كذلك حىت لو أدى إثبات
خطئه إىل قيام مسؤولية شخص آخر عنه طبقاً ألحكام املسؤولية عن فعل الغري (كمسؤولية متويل الرقابة أو املتبوع عن أفعال اتبعه)،
مىت كان اخلطأ الشخصي قد وقع من اخلاضع للرقابة أو من التابع.
89
الصورة الثانية :أحد اخلطأين نتيجة خلطأ اآلخر
يتحقــق االســتغراق أيض ـاً يف احلالــة الــيت يكــون فيهــا أحــد اخلطــأين نتيجــة لآلخــر ،فــإذا كــان خطــأ
الغري نتيجة خلطا املدعى عليه ،فال مسـؤولية علـى الغـري ألن خطـأه نتيجـة خلطـأ املـدعى عليـه ،أمـا
إذا كــان العكــس أبن كــان خطــأ املــدعى عليــه نتيجــة خلطــأ الغــري ،فــال مســؤولية علــى املــدعى عليــه
ألن خطأه نتيجة خلطأ الغري.
احلالة الثانية :حالة اخلطأ املشرتك (تعدد املسؤولني)
إذا اشرتك خطأ املدعى عليه مع خطأ الغري حبيث ساهم كل منهما بشكل مباشر يف وقوع الضرر
دون أن يســتغرق أحــدمها اآلخــر ،فيعتــد بكــال اخلطــأين و تقــع املســؤولية علــى عــاتق كــل منهمــا،
وهذا ما يعرف بتعدد املسؤولني عن الفعل الضار املنصوص عليه يف املادة 126ق.م.
و يرتتـب عـن تعـدد املسـؤولني طبقـا هلـذه املـادة تضـامنهم يف االلتـزام ابلتعـويض عـن الضـرر الناشــئ
عــن خطــئهم املشــرتك ،حيــث يعــد كــل مــنهم مســؤوالً متضــامناً عــن الفعــل الضــار وملتزمـاً حبصــة يف
التعويض ،و من مث توزع املسؤولية بينهم ابلتساوي ،أي توزع قيمة التعـويض فيمـا بيـنهم ابلتسـاوي
إال إذا عني القاضي نصيب كل منهم فيه حسب درجة مسامهة خطئه يف وقوع الضرر ،فـإذا رجـع
املضــرور علــى أي مــن املســؤولني املتضــامنني ابلتعــويض ووىف لــه بــه كلــه ،فيكــون للمســؤول املــويف،
احلق يف مطالبة ابقي املسؤولني كل منهم بنصيبه يف هذا التعويض.
-3إثبات السبب األجنيب:
إذا كــان يقــع علــى عــاتق املــدعي إثبــات ت ـوافر رابطــة الســببية بــني الفعــل الضــار (اخلطــأ) و ونتائجــه
الضارة (الضرر) لقيام مسؤولية املدعى عليه ،فإنـه يقع على عاتق املدعى عليه عـبء إثبـات تـوافر السـبب
األجنيب بشروطه الثالثة ،حىت يتمكن من نفي تلك الرابطة و من مث نفي املسؤولية عنـه كليـة أو جزئيـا ،و
ابلتــايل الــتخلص الكلــي أو اجلزئــي مــن االلت ـزام ابلتعــويض و ذلــك تبع ـاً لصــورة الســبب األجنــيب و درجــة
مسامهته يف وقوع الضرر.
-4آاثر السبب األجنيب على املسؤولية التقصريية:
يرتتب عـن إثبـات السـبب األجنـيب إمـا إعفـاء املـدعى عليـه مـن املسـؤولية أو التخفيـف منهـا حسـب
درجة مسامهة خطأ املدعى عليه يف إحداث الضرر ،و ذلك على النحو التايل:
90
أ -اإلعفاء من املسؤولية التقصريية:
يعفى املدعى عليه من املسؤولية كلية بنفي عالقة السببية لتخلف ركنها الثالث ،و ذلك يف
ثالث حاالت:
−إذا أثبت املدعى عليه أن خطأ املضرور هو السبب الوحيد يف حدوث الضرر أو أن خطأ
املضرور استغرق خطئه ،و يف هذه احلالة ال مسؤولية على املدعى عليه و يرتك املضرور لضرره
الذي سببه لنفسه بنفسه ،و ال تعويض له.
−إذا متكن املدعى عليه من إثبات أن خطأ الغري هو السبب الوحيد يف حدوث الضرر أو أن
خطأ الغري استغرق خطئه ،فهنا ال مسؤولية على املدعى عليه و لكن تقوم املسؤولية يف حق
الغري و يلتزم ابلتعويض كلية.
−إذا أثبت املدعى عليه أن القوة القاهرة أو احلادث املفاجئ هو السبب الوحيد يف حدوث
الضرر ،ففي هذه احلالة ال مسؤولية على املدعى عليه و يعفى من االلتزام ابلتعويض.
ب -التخفيف من املسؤولية التقصريية:
ختفف مسؤولية املدعى عليه حبيث يعفى جزئيا منها و ذلك يف حالتني:
−إذا أثبت املدعى عليه أن خطأ املضرور قد اشرتك مع خطئه يف إحداث الضرر ،فيرتتب عن
ذلك ختفيف من مسؤوليته أي إعفائه جزئيا منها ،و من مث التخفيف من التزامه ابلتعويض
حبسب نسبة مسامهة خطأ املضرور يف وقوع الضرر.
−إذا أثبت املدعى عليه أن خطأ الغري قد اشرتك مع خطئه يف إحداث الضرر ،فيرتتب عن
ذلك ختفيف من مسؤوليته أي إعفائه جزئيا منها ،و من مث التخفيف من التزامه ابلتعويض
حبسب نسبة مسامهة خطأ الغري يف حدوث الضرر.
-4رقابة احملكمة العليا على ركن عالقة السببية:
يس ــتقل قاض ــى املوض ــوع يف اس ــتخالص الوق ــائع املكون ــة لعالق ــة الس ــببية ب ــني اخلط ــأ والض ــرر ،أم ــا
التكييف القانوين هلذه الوقائع أبهنا رابطة سببية بينهما ،فإنه خيضع لرقابة احملكمة العليا.
91
و كذلك الوقائع املكونة للسبب األجنيب (القـوة القـاهرة واحلـادث املفـاجئ أو خطـأ املضـرور أو خطـأ
الغري) فهي من مسائل الواقع اليت يستقل هبا قاضى املوضوع ،أما شروط هذا السـبب وأثـره علـى مسـؤولية
الفاعل ،فهي من مسائل القانون اليت ختضع لرقابة احملكمة العليا.
املطلب الثاين :آاثر املسؤولية التقصريية عن األفعال الشخصية
إذا توافرت أركان املسؤولية التقصريية عن األفعال الشخصية من خطأ و ضرر و عالقة سببية
بينهما ،استحق املضرور تعويض عن الضرر الذي أصابه ،و ينشأ له بذلك حقا يف املطالبة ابلتعويض من
املسؤول عن الضرر املباشر الذي تسبب فيه ،طبقا ملا نصت عليه املادة 124ق.م.
إن قيام املسؤولية يف حق املسؤول عن الضرر هي وسيلة للمضرور من أجل الوصول إىل غايته أال
و هي إصالح الضرر الذي أحدثه الفعل الضار (اخلطأ) ،و ذلك إبلزام املسؤول عنه بتعويض املضرور
عن الضرر الذي أصابه ،و يستطيع املضرور يف هذه احلالة أن يطالب املسؤول ابلتعويض إما ودايً من
خالل إبرام اتفاق صلح بينهما ،أو قضائياً عن طريق املطالبة القضائية و اليت غالبا ما يسلكها املضرور
للوصول إىل غايته مبوجب دعوى التعويض أو دعوى املسؤولية التقصريية.
الفرع األول :دعوى املسؤولية التقصريية (دعوى التعويض)
دعوى املسؤولية التقصريية (دعوى التعويض) هي الدعوى اليت يرفعها املضرور ملطالبة املسؤول
ابلتعويض ،و هلذه الدعوى أطراف و موضوع و سبب و مدة زمنية تنقضي ابنقضائها.
أوال :أطراف دعوى التعويض
يتمثل أطراف دعوى التعويض يف املدعى و املدعى عليه.
-1املدعي :هو الشخص الذي يكون له احلق يف مباشـرة الدعوى القضائية يف مواجهة املدعى
عليه ،و يف نطاق دعوى املسؤولية التقصريية أو دعوى التعويض ،يتمثل املدعي يف :
−املضــرور :وهــو كــل مــن حلــق بــه ضــرر مــادي أو أديب س ـواء بصــورة أصــلية (ضــرر شخصــي) أو
تبعية (ضرر مرتد).
−انئ ــب املض ــرور :كــالويل أو الوص ــي أو القــيم إذا كــان املضــرور قاص ــراً أو اعــرتض أهليتــه أح ــد
ع ـوارض األهليــة كــاجلنون أو العتــه أو الســفه أو الغفلــة ،أو الوكيــل املتصــرف القضــائي إذا كــان
املضرور اتجر مفلس.
92
−اخللــف اخلــاص للمضــرور :إذ جيــوز لــدائن املضــرور رفــع دعــوى غــري املباشــرة ضــد املســؤول ،و
احللــول حملــه يف املطالبــة ابلتعــويض عــن الضــرر الــذي أصــابه ،إذا ت ـوافرت شــروط هــذه الــدعوى
الوارد ذكرها يف املادة 189ق.م.
−اخللــف العــام :وهــو كــل شــخص خيلــف املضــرور يف كــل عناصــر ذمتــه املاليــة أو جــزء منهــا كورثــة
املضرور الـذين هلـم احلـق يف احللـول حملـه يف املطالبـة ابلتعـويض عـن الضـرر الـذي حلـق مبـورثهم ،و
هن ــا ينبغ ــي التميي ــز ب ــني ح ــالتني :فبالنس ــبة للتع ــويض ع ــن الض ــرر امل ــادي ينتق ــل ح ــق امل ــورث يف
املطالبة به إىل الورثة.
أم ــا يف حال ــة التع ــويض ع ــن الض ــرر األديب أو املعن ــوي فللورث ــة احل ــق يف رف ــع دع ــوى للمطالب ــة
ابلتعــويض عــن الضــرر األديب الشخصــي الــذي أصــاهبم ج ـراء وفــاة مــورثهم ،ابلنســبة لــألزواج و
األقارب إىل الدرجة الثانية و هذا حسبما استقر عليه موقف احملكمة العليا.
كما ينتقل إليهم احلق يف املطالبة ابلتعويض عن الضرر األديب الذي أصاب مورثهم إذا مل حيصـل
عليه أثناء حياته يف حالتني :إذا وجد اتفاق بني املورث و املسـؤول علـى حتديـد مقـدار التعـويض
عن الضرر األديب ،أو إذا طالب به املورث قضائياً قبل وفاته ،و هذا حسب املوقـف الـذي تبنتـه
احملكمة العليا يف العديد من قراراهتا.
−تعدد املضرورين :يف حالـة تعـدد املضـرورين يكـون لكـل واحـد مـنهم احلـق يف رفـع دعـوى تعـويض
شخصــية ،مبعــىن دعــوى فرديــة يرفعهــا إبمســه علــى املــدعى عليــه (املســؤول) دون أن يتــأثر بــدعاوى
ابقي املضرورين.
−الش ــخص املعن ــوي :إذا ك ــان املض ــرور ش ــخص معن ــوي س ـواء ك ــان م ــن أش ــخاص الق ــانون الع ــام
كالوالي ــة أو البلدي ــة أو الدول ــة...إخل ،أو م ــن أش ــخاص الق ــانون اخل ــاص كالش ــركات التجاري ــة أو
اجلمعي ــات أو النق ــاابت...إخل ،فيك ــون ل ــه احل ــق يف رف ــع دع ــوى للمطالب ــة ابلتع ــويض ع ــن الض ــرر
املادي أو املعنوي الذي أصابه و ذلك عن طريق ممثله القانوين.
-2املدعى عليه :وهـو الشـخص الطبيعـي أو املعنـوي الـذي يباشـر املضـرور(املدعي) يف مواجهتـه
الدعوى القضائية ،و يتمثل يف:
93
−املسؤول :وهو كل شخص نشأ عن خطئه الشخصي 1ضرراً للغـري ،كمـا قـد يقـوم مقـام املسـؤول
انئبه كالويل أو الوصي...إخل
−اخللـف العـام :وهـو كــل مـن انتقلـت إليـه تركــة املسـؤول بعـد وفاتـه ،حيــث جيـوز للمضـرور مباشــرة
دعوى التعويض يف مواجهته ،ألن هـذه الـدعوى تتعلـق بذمـة املسـؤول املاليـة ولـيس بشخصـه ومـن
مث فإهنــا ال تنقضــي بوفاتــه ،حــىت لــو كانــت انشــئة عــن جرميــة و انقضــت الــدعوى اجلنائيــة لوفاتــه،
فالدعوى املدنية تظل قائمة يف مواجهـة خلفـه العـام الـذي ال يلـزم ابلوفـاء ابلتعـويض إال يف حـدود
ما آل إليه من تركة مورثه.
−تعدد املسؤولني :طبقا لنص املادة 126ق.م.بقوهلا " :إذا تعدد املسؤولون عن فعل ضار ،كانوا
متضامنني يف التزامهم بتعويض الضرر ،وتكون املسؤولية فيما بينهم ابلتساوي إال إذا عني القاضي
نص ــيب ك ــل م ــنهم يف االلت ـزام ابلتع ــويض " ،جي ــوز للمض ــرور رف ــع دع ــوى التع ــويض عل ــى أي م ــن
املســؤولني لتعويضــه عــن كــل الضــرر الــذي حلــق بــه ،و يف هــذه احلالــة حيــق للمســؤول الــذي وىف
ابلتعويض أن يرجع على ابقي املسؤولني كل حبسب جسامة خطئه أو ابلتساوي فيما بينهم ،على
حسب التوزيع الذي حيدده القاضي.
اثنيا :موضوع دعوى التعويض
يتمثل موضوع دعوى التعويض أو دعوى املسؤولية التقصريية يف التعويض الذي يطالب به املدعي،
ل ــذا ال جي ــوز للقاض ــي أن يزي ــد عم ــا طلب ــه امل ــدعي و إال ع ــد حكم ــه ابل ـزايدة ابط ــل لقض ــائه مب ــا مل يطلب ــه
اخلصوم ،إال أنه جيوز له أن يقضي أبقل مما طلبه اخلصوم ،كما جيوز له أن يغري يف كيفية التعويض.
أم ــا ابلنس ــبة للم ــدعي فيج ــوز ل ــه أن يطل ــب أم ــام اجملل ــس القض ــائي بتع ــويض أكث ــر مم ــا طلب ــه أم ــام
احملكمــة ،كمــا جيــوز لــه أن يغــري يف طلــب التعــويض دون أن يعتــرب ذلــك دعــوى جديــدة ،كــأن يطلــب أمــام
احملكمــة تع ـويض عيــين مث يغــري طلبــه أمــام اجمللــس القضــائي عنــد االســتئناف و يطلــب تعــويض نقــدي ،و
كــذلك جيــوز للمــدعي طلــب تعــويض مؤقــت إىل حــني أن يتحــدد الضــرر بشــكل هنــائي فيطلــب التعــويض
النهائي.
-1ابإلضافة إىل ذلك ،يعترب مسؤوالً ابلتعويض كل شخص سبب خطأ من يسأل عنهم (اخلاضع للرقابة أو التابع له) أو عن فعل
األشياء اليت حتت حراسته (األشياء غري احلية أو احليوان أو البناء أو احلريق) ،ضرر ابلغري.
94
اثلثا :سبب دعوى التعويض
تقــوم املســؤولية التقصــريية عنــد كــل إخــالل ابلت ـزام قــانوين عــام فــرض القــانون احرتامــه مبوجــب املــادة
124ق.م .أال وهــو عــدم اإلضـرار ابلغــري ،و مبــا أن اإلخــالل هبــذا االلتـزام القــانوين العــام ميثــل ســبب قيــام
ه ــذه املس ــؤولية ،فم ــا ه ــو إذن س ــبب ال ــدعوى الناش ــئة عنه ــا (دع ــوى التع ــويض)؟ ه ــل ه ــو ذات الس ــبب
(اإلخالل ابلتزام قانوين عام) ؟ أم هو السلوك اخلاطئ ؟ أم هو وقوع الضرر ؟
إن س ــبب دع ــوى التع ــويض ه ــو الض ــرر املباش ــر ال ــذي أص ــاب املض ــرور يف ح ــق م ــن حقوق ــه أو يف
مصــلحة مشــروعة لــه ذات طبيعــة ماديــة أو معنويــة ،بنــاء علــى ذلــك فلــيس للمــدعي (املضــرور) احلــق يف
ممارسة هذه الدعوى يف مواجهة املدعى عليه ،إال إذا كان الضرر الذي أصابه قد نشـأ بشـكل مباشـر عـن
خط ــأ امل ــدعى علي ــه ،فه ــذا الض ــرر ميث ــل املص ــلحة ال ــيت يس ــعى املض ــرور لتحقيقه ــا م ــن خ ــالل رفع ــه هل ــذه
الدعوى ،و ألن املصلحة هي أساس أية الدعوى ،فحيث ال مصلحة فال دعوى.
رابعا :تقادم دعوى التعويض
تســقط دعــوى التعــويض طبقــا لــنص املــادة 133ق.م .ابنقضــاء مخــس عشــرة ( )15ســنة مــن يــوم
وقــوع الفعــل الضــار" ،و مبضــيها يســقط حــق املضــرور يف املطالبــة ابلتعــويض عــن الضــرر الــذي حلــق بــه ،و
نفس احلكم يسري على الدعوى املدنية ابلتبعية الناشئة عـن جرميـة جنائيـة حسـبما نصـت عليـه املـادة 10
ق.إ.ج .و اليت أخضعت هذه الدعوى ألحكام القانون املدين من حيث التقادم.
أم ــا ال ــدعوى العمومي ــة فطبق ــا ألحك ــام امل ـواد 7و 8و 9ق.إ.ج .فتتق ــادم مبض ــي 10س ــنوات يف
اجلنــاايت و 03ســنوات يف اجلــنح و ســنتني يف املخالفــات و تســري هــذه املــدة مــن يــوم ارتكــاب اجلرميــة،1
اسـتثناء مـن ذلـك نصـت املـادة 8مكـرر ق.إ.ج .علـى أنـه ":ال تنقضـي الـدعوى العموميـة ابلتقـادم يف
اجلناايت و اجلنح املوصوفة أبفعال إرهابية و ختريبية وتلك املتعلقة ابجلرمية املنظمة العابرة للحدود الوطنية
أو الرشوة أو اختالس األموال العمومية.
و ال تتقادم الدعوى املدنية للمطالبة ابلتعويض عن الضرر الناجم عن اجلناايت و اجلنح املنصوص
عليها يف الفقرة أعاله".
-1تسري مدة تقادم الدعوى العمومية حسب نص املادة 7ق.إ.ج .من يوم اقرتاف اجلرمية إذا مل يتخذ يف تلك الفرتة أي إجراء من
إجراءات التحقيق أو املتابعة ،فإذا كانت قد اختذت إجراءات يف تلك الفرتة فيسري التقادم من اتريخ آخر إجراء ،و كذلك الشأن
ابلنسبة لألشخاص الذين مل يتناوهلم أي إجراء من إجراءات التحقيق أو املتابعة.
95
خامسا :اإلثبات يف دعوى التعويض
تقوم املسؤولية التقصريية أو دعوى التعويض بثبوت أركاهنا و هي اخلطأ و الضرر و العالقة السببية
بينهما ،وهذه األركان كلها وقائع مادية جيوز إثبات أي منها بكافة وسائل اإلثبات ،و يقع عبء إثبات
مجيع هذه األركان على عاتق املدعي (املضرور) ،يف املقابل يقع على عاتق املدعى عليه (املسؤول) عبء
نفي اخلطأ أو نفي عالقة السببية و ذلك إبثبات السبب األجنيب الناشئ عنه الضرر.
سادسا :احملكمة املختصة ابلفصل يف دعوى التعويض
ميثــل االختص ــاص القض ــائي عنص ـراً إجرائي ـاً مهم ـاً ابلنســبة للمض ــرور ،حي ــث يتح ــدد عل ــى أساس ــه
القض ــاء املخ ــتص ابلفص ــل يف دع ــوى التع ــويض ،و طبق ــا لق ــانون اإلجـ ـراءات املدني ــة و اإلداري ــة ،يقس ــم
االختصاص إىل نوعني:
-1االختصاص النوعي:
طبقا لنص املـادة 32مـن ق.إم.إ ،.ختـتص احملكمـة االبتدائيـة ابلفصـل يف مجيـع الـدعاوى املدنيـة مبـا
فيها دعاوى التعويض.
-2االختصاص احمللي أو اإلقليمي:
حس ــب امل ــادة 3/39م ــن ق.إم.إ ،.ي ــؤول ه ــذا االختص ــاص للجه ــة القض ــائية ال ــيت وق ــع يف دائ ــرة
إختصاصها الفعل الضار ،و يعد مكان وقوع الفعل الضار أو اخلطأ هو نفسه مكان حدوث الضرر.
األصــل أن دعــوى التعــويض عــن املســؤولية التقصــريية ابعتبارهــا دعــوى مدنيــة ختــتص ابلنظــر فيهــا
احمل ــاكم املدني ــة ،غ ــري أن ــه إذا ك ــان الفع ــل الض ــار أو اخلط ــأ يش ــكل جرمي ـة جنائي ــة يف نف ــس الوق ــت فينش ــأ
إلىجانبها دعوى جنائية تسمى ابلدعوى العمومية تكون من اختصاص القاضي اجلنائي ،و يف هذه احلالة
للمضرور أن خيتار بني رفع دعواه ابلتعويض أمام القاضي اجلنائي أو املدين.
فإذا رفع املضرور دعوى التعويض الناشئة عن جرمية جنائية أمام احملكمة املدنية ،يتقيد القاضي
املدين يف حكمه ابلتعويض ابحلكم اجلنائي الذي يثبت وقوع اخلطأ اجلنائي ،و ذلك ألن كل خطأ
جنائي هو يف نفس الوقت خطأ مدين و العكس غري صحيح.
أما إذا كان قد رفعها أمام القاضي اجلنائي و انقضت الدعوى العمومية ألي سبب من أسباب
إنقضائها ،أو قضي برباءة املتهم (املدعى عليه) ،فيصبح القاضي اجلنائي غري خمتص ابلفصل يف الدعوى
96
املدنية ابلتبعية ،و ال يبقى أمام املضرور يف هذه احلالة إال رفع دعوى التعويض أمام القاضي املدين،
ابعتباره القضاء املختص من حيث األصل بنظر هذه الدعوى املدنية.
و مبا أن التكييف القانوين للوقائع خيتلف يف املسؤولية التقصريية عنه يف املسؤولية اجلنائية ،لذلك
يستطيع القاضي املدين تكييف تلك الوقائع تكييفاً آخر إبعتبارها فعالً ضاراً أو غري مشروع يستوجب
قيام املسؤولية املدنية دون أن يتقيد ابلتكييف القانوين الذي أعطاه احلكم اجلنائي للوقائع املكونة للفعل
الضار ،مث يؤسس على هذه املسؤولية حكمه ابلتعويض.
سابعا :طبيعة احلكم الصادر يف دعوى التعويض و طرق الطعن فيه
يعترب احلكم ابلتعويض الصادر يف دعوى املسؤولية التقصريية حكم مقرر أو كاشف ،ألنه يقتصر
على الكشف عن حق قائم قبل صدوره و ليس منشئا له ،و خيضع هذا احلكم لطرق الطعن العادية
حيث يقبل الطعن فيه ابملعارضة و االستئناف ،كما يقبل الطعن فيه ابلطرق غري العادية املتمثلة يف
الطعن ابلنقض و التماس إعادة النظر و اعرتاض الغري اخلارج عن اخلصومة.
الفرع الثاين :اجلزاء املرتتب عن قيام املسؤولية التقصريية
يتمثل األثر املرتتب عن قيام املسؤولية املدنية يف التعويض ،و لتحديد املقصود هبذا املصطلح ينبغي
بداية تعريفه مث ذكر أنواعه وكيفية و وقت تقديره ،و بعد ذلك دراسة مسألة اجلمع بني تعويضني و كذا
االتفاقات املتعلقة ابملسؤولية التقصريية و التأمني منها.
لقد نظم املشرع اجلزائري أحكام التعويض يف املواد 131و 132و 182ق.م .حيث اعترب
وظيفة التعويض هي اإلصالح ال عقاب املخطئ ،و جتب املالحظة يف هذا الصدد إىل أن مصطلح
التعويض الوارد يف النصوص القانونية املتعلقة ابملسؤولية املدنية ال يوضح فكرة جرب الضرر ،لكن ابلرجوع
إىل الصياغة الفرنسية هلذه النصوص يالحظ أن املشرع اجلزائري قد استعمل مصطلح " La réparation
" والذي يعين اإلصالح و هو أوسع و أدق من لفظ التعويض ،و من هنا يتبني بوضوح إرادة املشرع من
تقرير التعويض أال وهي إصالح و جرب الضرر.
أوال :تعريف التعويض
إن هدف الوظيفة اإلصالحية لتعويض يف املسؤولية املدنيـة هـو جـرب األضـرار الالحقـة ابملضـرور مـن
خالل تقرير تعـويض عـادل يتناسـب مـع الضـرر املرتتـب مـن جـراء ارتكـاب اخلطـأ ،و عليـه يقصـد اباللتـزام
97
ابلتعويض ":اجلزاء املـدين الـذي يفرضـه القـانون علـى كـل مـن يسـبب خبطئـه ضـرر لغـريه جلـرب ذلـك الضـرر
سواء كان مادايً أو أدبياً".
اثنيا :أنواع التعويض
يس ــتفاد م ــن مض ــمون امل ــادة 132ق.م.ج .أن التع ــويض ق ــد يك ــون عيني ـاً أو مبقاب ــل ،و ق ــد م ــنح
املشرع اجلزائري مبوجب هـذه املـادة للقاضـي سـلطة اختيـار و حتديـد طريقـة التعـويض الـيت يراهـا أفضـل مـن
غريهــا جلــرب الضــرر تبع ـاً لظــروف القضــية املعروضــة عليــه ،مسرتشــداً يف ذلــك بطلبــات املضــرور و ظروفــه
الشخصية.
-1التعويض العيين:
يهدف التعويض العيين إىل إعادة احلالة إىل ما كانت عليها قبل ارتكاب اخلطأ الذي أدى إىل
وقوع الضرر ،وقد يتخذ عدة صور حبسب طبيعة الشيء حمل اإلعتداء ،كاحلكم إبزالة احلائط الذي بناه
املدعى عليه بنية اإلضرار جباره مما سبب له ضرر.
-2التعويض مبقابل:
هــو تعــويض غــري مباشــر يلجــأ إليــه القاضــي عنــدما يتعــذر إصــالح الضــرر بطريقــة التعــويض العيــين،
وغالبا ما يتمثل التعويض مبقابل يف مبلغ معني مـن املـال يقـدره قاضـي املوضـوع ،و هـذا التعـويض النقـدي
إما يدفع كامال للمضرور أو يف شكل أقسـاط أو يف صـورة مرتـب مـدى احليـاة ،و جيـوز يف هـاتني احلـالتني
األخريتني إلزام املسؤول أبن يقدم أتمينا يضمن به للمضرور حصوله على هذا التعويض.
كمــا جيــوز للقاضــي احلكــم علــى املســؤول بتع ـويض غــري نقــدي عــن الضــرر الــذي حلــق املضــرور ،كــأن
حيكم مـثال يف دعـاوى السـب والقـذف بنشـر حكـم اإلدانـة ابلصـحف ،فيكـون هـذا النشـر تعويضـاً معنـوايً
عن الضرر الذي حلق املضرور ،كما ميثل رد اعتبار ابلنسبة إليه.
اثلثا :تقدير التعويض
يتعني على القاضي للحكم ابلتعويض ،التأكد من توافر أركان املسؤولية التقصريية (اخلطأ والضرر
والعالقة السببية بينهما) ،كما يتعني عليه تقدير التعويض املتناسب مع جسامة الضرر الالحق ابملضرور
دون جسامة اخلطأ.
98
بناء على نص املادة 131من ق.م ،.يقدر القاضي التعويض على أساس جسامة الضرر الذي
حلق ابملضرور دون جسامة اخلطأ ،مع األخذ بعني االعتبار الظروف املالبسة للمضرور أي ظروفه
الشخصية ،كالظروف الصحية و العائلية و املالية...إخل وفقا ملعيار ذايت أو شخصي.
والضرر القابل للتعويض عنه كما سبق بيانه هو الضرر املباشر سواء كان متوقع أو غري متوقع وقـت
وقـوع اخلطأ أو الفعـل الضــار ،و س ـواء كـان ضــرراً مـادايً أو أدبيـاً ،و يكـون الضـرر مباشـراً مـىت كـان نتيجـة
طبيعية لوقوع اخلطأ أو الفعل الضـار ومل يكن يف وسع املضرور أن يتوقاه ببذل جهد معقول.
و يشتمل التعويض الذي يقدره القاضي طبقا لـنص املـادة 1/182ق.م ،.علـى عنصـرين جـوهريني
و مها :اخلسارة اليت حلقت املضرور سواء مادية أو معنوية ،و الكسب الذي فاته ( تفويت الفرصة).
رابعا :وقت تقدير التعويض
يقدر التعويض حبسب جسامة الضرر ،ولكن أحياانً قد تتغري حالة الضرر ابلزايدة والنقصان يف
الفرتة ما بني حدوث الضرر وبني احلكم ابلتعويض ،فقد يكون الضرر جسيماً عند حدوثه مث يصبح
بسيط يف وقت احلكم ابلتعويض و العكس ،ففي هذه احلالة يقدر القاضي التعويض على أساس ما آل
إليه الضرر وقت النطق ابحلكم ال ما كان عليه عند وقوعه و ال من اتريخ رفع الدعوى ،مع األخذ بعني
االعتبار التغريات اليت وصل إليها الضرر سواء ابلزايدة أو النقصان ،و كذلك ما تكبده املضرور من
نفقات يف سبيل إصالح الضرر الالحق به.
و إذا مل يتيسر للقاضي وقت احلكم ،تقدير مدى التعويض بصفة هنائية ،جاز له أن حيتفظ
للمضرور ابحلق يف أن يطالب خالل مدة معينة ابلنظر من جديد يف تقدير التعويض ،إذا كانت هناك
دالئل على تطور الضرر مستقبالً ،حىت يتسىن للمضرور املطالبة بتعويض ما طرأ عليه من أضرار.
كما جيوز للقاضي احلكم بتعويض مؤقت إذا ما طلبه املضرور لتغطية النفقات اليت حيتاجها من
أجل إصالح الضرر ،كنفقات العالج و مصاريف التنقل...إخل ،و ذلك إذا كان الضرر حيتاج إىل مدة
زمنية لتحديده ،فيحكم القاضي هبذا التعويض مؤقتاً إىل حني حتديد الضرر بصفة هنائية ،و عندئذ حيكم
بتعويض هنائي عنه.
خامسا :اجلمع بني تعويضني من املسؤول و شركة التأمني
األصل أنه ال جيوز للمضرور احلصول على تعويضني عن ضرر واحد ،لكن هناك حالة حيصل فيها
املضرور على تعويضني و ال يعد ذلك مجع بني تعويضني عن ضرر واحد ،و ذلك يف حالة قيام املضرور
99
ابلتأمني على نفسه أو ماله لدى إحدى شركات التأمني عما قد يصيبه من ضرر ،فإذا حتقق الضرر
املؤمن عليه ،جاز للمضرور الرجوع على شركة التأمني للحصول على مبلغ التأمني.
و يف نفس الوقت ،جيوز للمضرور الرجوع على املسؤول الذي سبب له الضرر خبطئه للحصول
على التعويض ،و ال يعترب ذلك مجع بني تعويضني عن ضرر واحد ،ألن املضرور مل يتقاضى يف حقيقة
األمر إال تعويض واحد من املسؤول عن الضرر الذي أحدثه خبطئه ،أما مبلغ التأمني فليس له صفة
التعويض ،بل هو مقابل أقساط التأمني اليت دفعها املضرور لشركة التأمني ،و مصدر هذا املبلغ هو عقد
التأمني و ليس الفعل الضار.
سادسا :االتفاقات املتعلقة ابملسؤولية التقصريية
إن االتفــاق املســبق علــى اإلعفــاء الكلــي أو اجلزئــي مــن املســؤولية التقصــريية يقــع ابطـالً ألنــه ينطــوي
علــى خمالفــة للنظــام العــام ،حســبما نصــت عليــه املــادة 3/178ق.م .بقوهلــا ":و يبطــل كــل شــرط يقضــى
ابإلعفاء من املسئولية النامجة عن العمل غري املشروع".
ومبفهـوم املخالفـة هلـذا احلكـم فإنـه يعـد صـحيحاً كـل اتفـاق مسـبق علـى التشـديد مـن هـذه املسـؤولية،
ألنه ال خيالف النظام العام وحيقق مصلحة للمضرور.
سابعا :التأمني من املسؤولية التقصريية
التأمني من املسؤولية التقصريية أو التأمني من االلتزام ابلتعويض هو عقد يربم بني املؤمن (شركة
التأمني) و املؤمن له (الشخص الذي خيشى مطالبته ابلتعويض عن فعله الضار ابلغري) و الذي يلتزم
مبوجبه هذا األخري بدفع أقساط التأمني إىل شركة التأمني مقابل حصوله على مبلغ التأمني ( التعويض)
أو دفعه إىل املضرور عند حتقق اخلطر املؤمن منه أال و هو مطالبة املضرور للمؤمن له (املسؤول)
ابلتعويض.
إن جلوء الشخص إىل هذا النوع من التأمني ال يعـين أنـه أعفـى نفسـه مـن املسـؤولية و خطـر املطالبـة
ابلتعــويض عــن األضـرار الــيت تلحــق ابلغــري مــن فعلــه الضــار حمتمــل الوقــوع ،بــل تظــل هــذه املســؤولية قائمــة
على عاتقه وفقاً للقواعد العامة للمسـؤولية التقصـريية ،و إمنـا نقـل فقـط عـن عاتقـه عـبء الوفـاء ابلتعـويض
إىل عاتق املؤمن (شركة التأمني) مبوجب عقد التأمني من املسؤولية.
كما جيوز للمضرور مطالبة املؤمن (شركة التأمني) مببلغ التأمني عن طريق الدعوى غري املباشرة
ابعتباره دائناً للمؤمن له الذي أصبح بدوره دائناً للمؤمن بتحقق اخلطر املؤمـن منـه ،وهـذه الدعـوى تعـد
100
مـن وسـائل احملافظة على الضمان العام للمـديـن ،حيث خولت املادة 189ق.م .للدائن (املضرور)
مبوجبها القيام نيابة عن مدينه (املسؤول) ابملطالبة حبقوقه لدى الغري (شركة التأمني).
كذلك حيق للمضرور مطالبة املؤمن (شركة التأمني) بقيمة التعويض مباشرة 1يف حالتني مها:
−االشـ ـرتاط ملص ــلحته :إذا ك ــان هن ــاك ش ــرط يف عق ــد الت ــأمني يع ــني املضـ ـرور كمس ــتفيد وفقـ ـاً
ألحكام االشرتاط ملصلحة الغري.
−النص القانوين :إذا وجد نص يف القانون خيول املضرور حقاً مباشراً قبل املؤمن (شركة
التأمني) كنص املادة 59من القانون 07-95املتعلق ابلتأمينات اليت تقضي أبنه ":ال ينتفع
ابملبلغ الواجب على املؤمن أو جبزء منه ،إال الغري املتضرر أو ذوو حقوقه مادام أن هذا الغري
مل يستويف حقه يف حدود املبلغ املذكور من النتائج املالية املرتتبة عن الفعل الضار الذي سبب
مسؤولية املؤمن له".
املبحث الثاين :املسؤولية التقصريية عن فعل الغري
األصل أن الشخص ال يسأل إال عن فعله الشخصي الضار ابلغري ،غري أنه استثناء عن هذه
القاعدة العامة يف املسؤولية التقصريية (املسؤولية عن األفعال الشخصية) ،أقر املشرع املسؤولية عن فعل
الغري و حصرها يف حالتني مها :
−مسؤولية متويل الرقابة (املادة 134ق.م.).
−مسؤولية املتبوع عن أفعال اتبعه (املادة 136ق.م.).
املطلب األول :مسؤولية متويل الرقابة عن أفعال اخلاضع لرقابته
لقد تناول املشرع اجلزائري مسؤولية متويل الرقابة يف نص املادة 134ق.م ،.و ينبغي اإلشارة إىل
أن املشرع قد قام بعد التعديل مبوجب القانون 10-05املؤرخ يف 20جوان ،2005بدمج الفقرة 2من
املادة 135ق.م .امللغاة يف املادة 134اليت أصبحت تنص على ما يلي ":كل من جيب عليـه قانوانً أو
-1تتقادم دعوى املضرور املباشرة يف مواجهة املؤمن (شركة التأمني) ،حسب نص املادة 624ق.م .يف فقرهتا الثانية" :يف حالة وقوع
احلادث املؤمن منه إال من اليوم الذي علم فيه ذوو الشأن بوقوعه " ،أي من اتريخ توافر العلم لدى املضرور بوقوع احلادث املؤمن منه،
و هذا ما أكدته أيضا املادة 1/27و 4من القانون 07-95املتعلق ابلتأمينات.
101
إتفاقاً رقابة شخص يف حاجة إىل الرقابـة بسبب قصره أو بسبب حالته العقليـة أو اجلسميـة ،يكون ملزماً
بتعويض الضرر الذي حيدثه ذلك الشخص للغري بفعله الضار.
ويستطيع املكلف ابلرقابـة أن يتخلص من املسؤوليـة إذا أثبت أنه قام بواجــب الرقابة
أو أثبت أن الضرر كان البد من حدوثـه ولو قام هبذا الواجب مبا ينبغي من العنايـة".
الفرع األول :شروط قيام مسؤولية متويل الرقابة
اشـرتط املشــرع اجلزائــري ،عــالوة علــى تـوافر الشــروط العامــة للمســؤولية التقصــريية (اخلطــأ و الضــرر و
العالقة السببية) توافر شرطان مها :
الشرط األول :تويل شخص الرقابة على آخر
إن هذا النوع من املسؤولية يتطلب وجود شخص يف حاجة لرقابة شخص آخر يكون ملزما ابلقيام
بواجب الرقابة قانوان أو اتفاقا ،و عليه ينبغي حتديد مفهوم الرقابة.
-1مفهوم الرقابة:
لقــد أقــام املشــرع اجلزائــري فكــرة الرقابــة أساســا اللت ـزام املكلــف ابلرقابــة بتعــويض الغــري عــن الضــرر
الناشئ عن الفعل الضار الصـادر مـن اخلاضـع لرقابتـه ،و الرقابـة هـي ":واجـب أو التـزام يفرضـه القـانون أو
االتفــاق علــى شــخص ،و يتمثــل يف اإلشـراف علــى اخلاضــع لرقابتــه و توجيهــه و حســن تربيتــه و رعايتــه و
منعه من اإلضرار ابلغري ،و ذلك ابختاذ كل االحتياطات الالزمة اليت حتول دون أن يصدر عنه فعـال ضـارا
ابلغري".
-2الشخص املكلف ابلرقابة :
مل حتدد املادة 134ق.م .األشخاص الذين يقع علـيهم واجـب رقابـة غـريهم ،و إمنـا وضـعت قاعـدة
عامة تقضي أبن كل شخص يكون أهـال لـئن يلـزم بواجـب الرقابـة مبقتضـى القـانون أو االتفـاق ،يعـد رقيبـا
على األشخاص اخلاضعني لرقابته مبوجب ذلك.
-3مصدر االلتزام ابلرقابة :
طبقا لنص املادة 134ق.م .قد يكون مصدر االلتزام ابلرقابة إما القانون أو االتفـاق ،و عليـه ،قـد
ينشأ االلتزام ابلرقابة حبكم القانون كالتزام األب برقابة ابنه القاصر ،كما قد ينشأ مبقتضى االتفاق ،كالتزام
102
املعلــم برقابــة تالميــذه يف املدرســة أو املشــرف علــى احلرفــة علــى القاصــر الــذي يعلمــه حرفــة معينــة ،أو مــدير
مستشفى األمراض العقلية الذي يتوىل رقابة مرضاه.
-4الشخص اخلاضع للرقابة :
مل حتدد املادة 134ق.م .األشخاص الذين يكونون يف حاجة إىل الرقابة ،ولكنها نصت على
بعض احلاالت اليت يكون فيها الشخص يف حاجة للرقابة و هي :حالة القصر و حالة العقلية و
اجلسمية.
احلالة األوىل :اخلاضع للرقابة بسبب قصره
القاصر املشمول ابلرقابة هو كل شخص مل يبلغ سن الرشد و هي 19سنة كاملة ،سواء كان عدمي
األهلية (أقل من 13سنة) أي غري مميز أو انقص األهلية أي مميز ( 13سنة) ،و ينبغي التمييز هنا بني
الرقابة على القاصر املميز و غري املميز:
أ -إذا كان القاصر مميز يكون مسؤول مسؤولية شخصية عن أفعاله الضارة ابلغري طبقا للمادة
125ق.م ،.كما تقوم مسؤولية املكلف ابلرقابة طبقا للمادة 134ق.م .و للمضرور االختيار
بينهما ،و يف الغالب يطالب املضرور الرقيب فهو الطريق األضمن حلصوله على التعويض ،ألن
ذمة الرقيب املالية أكثر يسرا من القاصر املميز.
ب -إذا كان القاصر غري مميز و سبب ضررا للغري تقوم مسؤولية الرقيب ،و ال ميكن للمضرور
مطالبة هذا القاصر ابلتعويض.
و يف كلتا احلالتني ،يعترب الرقيب مسؤول مسؤولية أصلية.
مع العلم ،أن القاصر سواء كان مميز أو غري مميز فهو دائما حباجة إىل الرقابة ،ألن إدراكه ال
يكتمل إىل ببلوغه سن الرشد ،و لذلك قامت مسؤولية املكلف ابلرقابة ،أما إذا بلغ القاصر سن الرشد
أصبح مسؤوال عن فعله الضار ابلغري مسؤولية شخصية.
احلالة الثانية :اخلاضع للرقابة بسبب حالته العقلية
إذا كان الشخص مصاب خبلل عقلي ( كاجملنون أو العتوه) سواء بلغ سن الرشد أم ال ،فإنه يكون
يف حاجة إىل الرقابة لتدبري شؤونه و منعه من اإلضرار ابلغري ،و خيضع يف ذلك للرقابة حبكم القانون
كاألب أو للرقابة حبكم االتفاق كمدير مستشفى األمراض العقلية.
103
احلالة الثالثة :اخلاضع للرقابة بسبب حالته اجلسمية
قد يكون الشخص مشموال ابلرقابة بسبب مرض يؤثر على حالته اجلسمية كاملصاب ابلشلل أو
الذي فقد بصره ،و ابلتايل يعترب متويل الرقابة هو املسؤول عن أفعاله الضارة ابلغري.
-5انتقال االلتزام ابلرقابة :
ميكن أن ينتقل واجب الرقابة و املسؤولية املرتتبة عليه من شخص آلخر ،فمثال الشخص املسؤول
عن القاصر هو األب و بعد وفاته تنتقل الرقابة إىل األم ،و بعد الطالق تنتقل إىل من أسندت إليه
احلضانة طبقا لنص املادة 87من قانون األسرة.
كما ينتقل االلتزام ابلرقابة على القاصر الذي يدرس يف املدرسة إىل املعلم يف فرتة الدراسة اليومية و
بعد انتهاء هذه الفرتة تعود الرقابة لألب.
-6زوال االلتزام ابلرقابة :
إن سبب تويل شخص الرقابة على اآلخر هو توافر حالة قصر سنه أو حالته العقلية أو اجلسمية،
فإذا زال هذا السبب ابلبلوغ أو الشفاء من األمراض العقلية أو اجلسمية ،فإن واجب الرقابة يسقط و
تزول تبعا لذلك املسؤولية عن عاتق متويل الرقابة ،و يصبح من كان خاضعا للرقابة مسؤوال عن فعله
الشخصي الضار ابلغري.
الشرط الثاين :صدور فعل ضار ابلغري من الشخص اخلاضع للرقابة
يلــزم لقيــام مســؤولية متــويل الرقابــة إضــافة إىل وجــود شــخص يتــوىل رقابــة شــخص آخــر ،أن يقــع مــن
اخلاضع للرقابة فعل ضار ابلغري ،و يشرتط يف هذا الفعل الضار ما يلي :
-أن يكـون وقوعــه حــال قيــام واجــب الرقابــة علـى عــاتق الرقيــب ،و لــيس بعــد زوالــه ،و ال يشــرتط
تواجد الرقيب و اخلاضع للرقابة وقت وقوع الفعل الضار يف نفس املكان.
-وقــوع خطــأ شخصــي مــن اخلاضــع للرقابــة إذا كــان مميــز ،أمــا إذا كــان غــري مميــز فيعتــد بعنصــر
التعدي يف اخلطأ دون عنصر اإلدراك.
104
الفرع الثاين :أساس مسؤولية متويل الرقابة
لقد فرض املشرع مبوجب املادة 134ق.م .على الرقيب واجـب الرقابـة علـى األشـخاص الـذين يف
حاجــة للرقابــة ،فــإذا وقــع مــن اخلاضــع للرقابــة فعــل ضــار افــرتض القــانون أن الرقيــب قصــر أو أخــل بواجــب
الرقابة ،و عليه تقوم مسؤولية متويل الرقابة على خطأ مفرتض قابل إلثبات العكس.
و عليــه ،يقــع علــى عــاتق املضــرور إثبــات وقــوع الفعــل الضــار مــن اخلاضــع للرقابــة و إثبــات الضــرر
الذي أصابه ،و كذلك إثبات عالقة السببية بني الفعل الضار و الضرر.
الفرع الثالث :وسائل دفع مسؤولية متويل الرقابة
طبقا للمادة 2/134ق.م .يستطيع الرقيب دفع املسؤولية عن نفسه بوسيلتني :
-إما بنفي اخلطأ املفرتض يف جانبه إبثبات أنه قام بواجب الرقابة كما ينبغي من العناية.
-أو بنفي عالقة السببية عن طريق إثبات أن الضرر كان البد أن يقع و لو قام بواجب الرقابة
كما ينبغي من العناية ،و ذلك من خالل إثبات السبب األجنيب ( القوة القاهرة أو احلادث
املفاجئ أو خطأ املضرور أو خطأ الغري).
الفرع الرابع :حق متويل الرقابة يف الرجوع على اخلاضع لرقابته
لقد نصت املـادة 137ق.م .قبـل التعـديل علـى أنـه ":للمسـؤول عـن عمـل الغـري حـق الرجـوع عليـه
يف احلــدود الــيت يكــون فيهــا هــذا الغــري مســؤوال عــن تعــويض الضــرر" ،و طبقــا هلــذه املــادة كــان حيــق ملتــويل
الرقابــة الرجــوع علــى اخلاضــع للرقابــة الســرتداد التعــويض إذا كــان مميـزا ،لكــن بعــد التعــديل أصــبحت املــادة
137ق.م .تــنص علــى مــا يلــي ":للمتبــوع حــق الرجــوع علــى اتبعــه يف حالــة ارتكابــه خطــأ جســيما" ،و
عليه أصبح غري ممكن للرقيب الرجوع على اخلاضع لرقابته سواء كان مميز أو غري مميـز ،و بـذلك أصـبحت
مسؤولية الرقيب مسؤولية أصلية يف كلتا احلالتني.
املطلب الثاين :مسؤولية املتبوع عن أفعال التابع
تعتــرب مســؤولية املتبــوع عــن أفعــال التــابع النــوع الثــاين مــن املســؤولية عــن فعــل الغــري ،و يقصــد هبــا
مسؤولية املتبوع عن أفعال اتبعه الضارة ابلغري.
105
الفرع األول :شروط قيام مسؤولية املتبوع عن أفعال التابع
طبقا لنص املادة 136ق.م .اليت تـنص علـى أنـه ":يكـون املتبـوع مسـؤوال عـن الضـرر الـذي حيدثـه
اتبعه بفعله الضار مىت كان واقعا منه يف حال أتدية الوظيفة أو بسببها أو مبناسبتها.
و تتحقــق عالقــة التبعيــة ،ولــو مل يكــن املتبــوع ح ـرا يف اختيــار اتبعــه ،مــىت كــان هــذا األخــري يعمــل
حلساب املتبوع" ،1يتبني أن يشرتط لقيام مسؤولية املتبوع عن أفعال اتبعه ،توافر الشروط التالية:
الشرط األول :حتقق عالقة التبعية بني املتبوع و التابع
طبقــا لــنص املــادة 2/136ق.م .قبــل تعــديلها كــان املشــرع اجلزائــري يعتمــد لتحديــد عالقــة التبعيــة
علــى معيــار وجــود ســلطة فعليــة للمتبــوع يف رقابــة و توجيــه التــابع ،أمــا بعــد التعــديل أخــذ املشــرع اجلزائــري
مبعيار العمل حلساب املتبوع بغض النظر عمـا إذا كـان للمتبـوع سـلطة توجيـه و رقابـة فعليـة علـى التـابع أو
ال و سواء مارس املتبوع هذه السلطة أم مل ميارسها.
و اســتنادا هلــذا املعيــار أصــبح كــل مــن يعمــل حلســاب املتبــوع (الغــري) اتبعــا لــه و يســأل عــن أفعالــه
الضار ابلغري حىت و لو مل يكن للمتبوع حرية يف إختيار اتبعه.
الشرط الثاين :صدور خطأ من التابع
ال تقــوم مســؤولية املتبــوع إال إذا حتققــت مســؤولية التــابع أبركاهنــا الثالثــة (اخلطــأ و الضــرر و العالقــة
السببية بينهما) ،و عليه ينبغي على املضـرور للحصـول علـى التعـويض مـن املتبـوع أن يثبـت خطـأ التـابع و
الضرر الذي أحلقه به و العالقة السببية بينهما و ذلك ابستعمال كافة وسائل اإلثبات.
الشرط الثالث :ارتكاب التابع خطأ حال أتدية الوظيفة أو بسببها أو مبناسبتها
طبقا لنص املادة 136من القانون املدين يتحقق خطأ التابع كشرط لقيام مسؤولية املتبوع عن أفعال
اتبعه يف احلاالت التالية:
-1املادة 136ق.م .قبل التعديل ":يكون املتبوع مسؤوال عن الضرر الذي حيدثه اتبعه بعمله غري املشروع مىت كان واقعا منه يف
حال أتدية الوظيفة أو بسببها.
وتقوم رابطة التبعية ،ولو مل يكن املتبوع حرا يف إختيار اتبعه ،مىت كانت له عليه سلطة فعلية يف رقابته ويف توجهيه".
106
-1خطأ التابع أثناء الوظيفة:
يلزم لقيام مسؤولية املتبوع وقوع خطأ من التابع حالة أتدية عمله الذي يدخل يف وظيفته
حلساب املتبوع ،كالطبيب الذي يرتكب خطأ عند معاجلة املريض أثناء أتدية وظيفته ،فتكون
املستشفى مسؤولة عن هذا اخلطأ.
-2خطأ التابع بسبب الوظيفة:
يقصد بذلك أن تكون الوظيفة هي السبب يف ارتكابه هلذا اخلطأ حبيث ما كان يستطيع أن
يرتكبه أو يفكر يف ارتكابه لوال الوظيفة ،مع العلم أنه إذا كان املضرور يعلم أن التابع قد جتاوز
حدود وظيفته و قبل بذلك فال مسؤولية على املتبوع.
-3خطأ التابع مبناسبة الوظيفة :
يقصد بذلك أن الوظيفة ليست هي السبب يف ارتكاب اخلطأ و لكنها عامل مسهل و مساعد
الرتكاب اخلطأ.
لقد كان خطأ التابع مبناسبة الوظيفة مستبعداً من مسؤولية املتبوع قبل التعديل ،حيث كانت
املادة 136من القانون املدين تقتصر على اخلطأ أثناء أتدية الوظيفة أو بسببها ،لكن بعد تعديل
هذه املادة مبوجب القانون ،10-05أضاف املشرع حالة خطأ التابع مبناسبة الوظيفة ،و عليه
أصبح املتبوع مسؤوالً عن أفعال التابع إذا كانت الوظيفة قد هيأت الفرصة للتابع يف ارتكاب
اخلطأ ،و حىت لو مل يكن هذا العمل من أعمال الوظيفة ،و هبذا يكون املشرع اجلزائري قد وسع
من مسؤولية املتبوع ليشمل خطأ التابع مبناسبة الوظيفة محاية للمضرور لضمان حصوله على
التعويض من املتبوع.
الفرع الثاين :أساس مسؤولية املتبوع عن أفعال التابع
لقـد اختلفــت اآلراء حــول أسـاس مســؤولية املتبــوع عـن أفعــال اتبعــه ،و ظهـرت بــذلك عــدة نظـرايت
تعرضت مجيعها للنقد و هي :
نظرية اخلطأ املفرتض :حسب هـذه النظريـة يقـوم يف جانـب املتبـوع خطـأ مفـرتض ال يقبـل إثبـات
العكــس يتمثــل يف تقصــريه يف اســتعمال ســلطته الفعليــة يف رقابــة و توجيــه اتبعــه ،و هــذا حســب مضــمون
املادة 2/136قبل تعديلها.
107
لكن بعد التعديل أصبحت هذه النظرية ال تصلح كأساس ملسؤولية املتبوع عن أفعـال اتبعـه ،و الـيت
أصــبحت تســتند علــى وجــود عالقــة التبعيــة مبجــرد عمــل التــابع حلســب املتبــوع دون اش ـرتاط اســتعمال
املتبوع سلطة فعلية على التابع يف رقابته و توجيهه.
نظريــة حتمــل التبعــة :طبقــا هلــذه النظريــة يســأل املتبــوع مســؤولية موضــوعية تقــوم علــى أســاس الضــرر
دون خطأ ،ألن املتبوع ينتفع من نشاط اتبعه و من مث فهو يتحمل تبعة ذلك.
انتقدت هذه النظرية ألن املشرع قد اشرتط صدور خطأ من التابع لقيام مسؤولية املتبـوع ،كمـا مـنح
املتبوع حق الرجوع على اتبعه يف حالة اخلطأ اجلسيم.
نظرية الكفالة :حسب هذه النظرية فإن املتبوع يقوم بكفالة التابع إذا ارتكب خطأ سبب بـه ضـرر
للغري أثناء أتدية الوظيفة أو بسببها أو مبناسبتها.
انتقدت هذه النظرية ألن الكفالة مصدرها العقد و ليس القانون.
نظرية النيابة :طبقا هلذه النظرية يسأل املتبوع عن أفعال اتبع الضارة ابلغـري ابعتبـاره انئـب عنـه ،و
قــد انتقــدت هــذه النظريــة ألن النيابــة ال تكــون إال يف التص ـرفات القانونيــة ،أمــا الفعــل الضــار فهــو عمــل
مادي ال يتصور فيه النيابة.
نظريــة احللــول :وفقــا هلــذه النظريــة حيــل املتبــوع حمــل التــابع ،و عليــه يعتــرب خطــأ التــابع كأنــه خطــأ
املتبوع نفسه ،انتقدت هذه النظرية ألن للمتبوع حق الرجوع على التابع.
موقف املشرع اجلزائري حول أساس مسؤولية املتبوع عن أفعال اتبعه:
إن مسؤولية املتبوع ال ميكن أن تقوم على أساس اخلطأ املفرتض يف جانبـه ،و ال علـى حتمـل التبعـة،
و ال كفالة أو نيابة أو حلـول ،بـل هـي مسـؤولية عـن فعـل الغـري حبكـم القـانون ،لصـان املضـرور ألن الذمـة
املالية للمتبوع أكثر يسرا من ذمة التابع ،مما يضـمن للمضـرور حصـوله علـى التعـويض ،مـع حـق املتبـوع يف
الرجوع على التابع يف حدود ما نص عليه القانون.
الفرع الثالث :إثبات مسؤولية املتبوع عن أفعال اتبعه و كيفية دفعها
يقع على عاتق املضرور عب إثبات مسؤولية التابع (اخلطأ و الضرر و العالقة السببية بينهما) ،كما
يقع عليه عبء إثبات توافر عالقة التبعية بني التابع و املتبوع.
108
و املتب ــوع ال يس ــتطيع نف ــي املس ــؤولية ع ــن نفس ــه إال بنف ــي مس ــؤولية الت ــابع م ــن خ ــالل نف ــي عالق ــة
السـببية بـني خطــأ التـابع و الضـرر الــذي حلـق املضـرور ،و ذلــك إبثبـات السـبب األجنــيب( القـوة القــاهرة أو
احلادث املفاجئ أو خطأ املضرور أو خطأ الغري).
الفرع الرابع :طبيعة مسؤولية املتبوع عن أفعال التابع
تعتــرب مســؤولية املتبــوع يف األصــل مســؤولية تبعيــة ال أصــلية ،و هــذا مــا يعطيــه احلــق يف الرجــوع علــى
اتبعه مرتكب الفعل الضار ملطالبته بقيمة التعويض الذي وفاه للمضرور يف احلاالت اليت حددها القـانون،
أما فيما عداها فتعترب مسؤوليته أصلية.
الفرع اخلامس :حق املتبوع يف الرجوع على التابع
طبقــا لــنص املــادة 137ق.م .قبــل التعــديل الــيت كانــت تــنص علــى أنــه ":للمســؤول عــن عمــل الغــري
حــق الرجــوع عليــه يف احلــدود الــيت يكــون فيهــا هــذا الغــري مســؤوال عــن تعــويض الضــرر" ،إذا دفــع املتبــوع
التعــويض للمضــرور حيــق لــه الرجــوع علــى اتبعــه مبــا دفعــه الســرتداده ،لكــن بعــد تعــديلها أصــبحت املــادة
137ق.م .تــنص علــى مــا يلــي ":للمتبــوع حــق الرجــوع علــى اتبعــه يف حالــة ارتكابــه خطــأ جســيما" ،و
عليــه ال حيــق للمتبــوع الرجــوع علــى اتبعــه إال يف حالــة كــان الضــرر الــذي أحدثــه التــابع للغــري قــد ارتكــب
نتيجة خطأ جسيم ،و مسألة تقدير اخلطأ اجلسيم ختضع للسلطة التقديرية لقاضي املوضوع.
املبحث الثالث :املسؤولية الناشئة عن األشياء
عالوة على مسؤولية الشخص عـن فعلـه الشخصـي كأصـل عـام و عـن فعـل الغـري اسـتثناءا ،فإنـه قـد
يسأل كذلك عن فعل األشياء ،و قد نص املشرع اجلزائري على 04أنواع للمسؤولية الناشـئة عـن األشـياء
تتمثل يف :
-1املسؤولية عن حراسة األشياء غري احلية (املادة 138ق.م.).
-2املسؤولية عن حراسة األشياء احلية (احليوان) (املادة 139ق.م.).
-3املسؤولية عن هتدم البناء (املادة 2 /140و 3ق.م).
-4املسؤولية عن احلريق (املادة 1/140ق.م.).
ع ــالوة عل ــى ذل ــك ،أض ــاف املش ــرع مس ــؤولية املن ــتج مبوج ــب امل ــادة 140مك ــرر ق.م( .مس ــؤولية
املوضوعية على أساس الضرر).
109
املطلب األول :املسؤولية عن حراسة األشياء غري احلية
تقوم هذه املسؤولية على فكرة اخلطأ يف حراسة األشياء غري احلية.
الفرع األول :شروط قيام مسؤولية حارس األشياء غري احلية
طبقا للمادة 1/138ق.م .اليت تنص على أنه ":كـل مـن تـوىل حراسـة شـيء ولـه قـدرة االسـتعمال
والتســيري والرقابــة يعتــرب مســؤوال عــن الضــرر الــذي حيدثــه ذلــك الشــيء" ،يتبــني أنــه يشــرتط لقيــام املســؤولية
عن حراسة األشياء غري احلية حتقق شرطان :
الشرط األول :تويل شخص حراسة شيء
يقص ــد ابحلراس ــة طبق ــا للم ــادة 1/138ق.م .أن يك ــون للش ــخص س ــلطة فعلي ــة عل ــى الش ــيء و
التصرف فيه و تتمثل هذه السيطرة الفعلية يف االسـتعمال و التسـيري و الرقابـة سـواء كانـت هـذه السـلطة
مشروعة أو غري مشروعة.
و األصـل أن احلراســة تكــون ملالــك الشــيء و قــد تنتقــل لغــريه برضــاه كاملشــرتي الــذي يصــبح حــارس
للشيء من يوم تسلمه ،أو بدون رضاه كالسارق الذي يصبح حارس للشيء املسروق.
و يقصد ابلشيء حمل احلراسة ":كل شيء غري حي سواء كان منقول أو عقـار ماعـدا هتـدم البنـاء،
و سواء كان جامد أو سائل أو غازي أو كهرابء و سواء كان خطري أو غري خطري.
هل ميكن جتزئة احلراسة يف حالة تعدد احلراس (احلراسة املشرتكة)؟
إن احل ــارس املس ــؤول ه ــو م ــن يك ــون ل ــه الس ــلطة الفعلي ــة عل ــى الش ــيء و املتمثل ــة يف االس ــتعمال و
التسيري و الرقابـة ،و الـيت تتحقـق لـه مـىت إجتمعـت يف يـده السـلطات الـثالث الـيت تكمـل بعضـها الـبعض،
لــذلك ،ال ميكــن جتزئــة احلراســة علــى شــيء واحــد بــني أكثــر مــن شــخص ،فــالعربة ابلســلطة الفعليــة علــى
الشيء ال مبجرد حيازته املادية.
و عليه ،إذا كـان للشـيء أكثـر مـن حـارس حبيـث يشـرتكون مجيعـاً يف ممارسـة سـلطات االسـتعمال و
التسيري و الرقابة على هذا الشيء ،فيكونون يف هذه احلالـة متضـامنني فيمـا بيـنهم عـن الضـرر الـذي حيدثـه
الشيء للغري كل بنسبة حصته ،كتعدد مالكي شاحنة أحـدثت ضـرر للغـري ،أمـا إذا انتقلـت حيـازة الشـيء
للغـري كالتــابع و ظلــت الســلطة الفعليــة يف يــد احلــارس األصــلي (املالــك) ،فــال يعــد هــذا التــابع الــذي يعمــل
حلساب املتبوع (احلارس األصلي) حارساً.
110
الشرط الثاين :حدوث ضرر بفعل الشيء
ال تتحقق مسؤولية حارس الشيء إال إذا وقع ضـرر مـن فعـل الشـيء سـواء كـان هـذا الشـيء معيـب
أو غري معيب و سواء كان خطري أو غري خطري.
و ال يشرتط يف فعل الشيء حدوث احتكـاك مـادي مباشـر بينـه و بـني املضـرور ،بـل يكفـي أن يـتم
االحتكاك بواسطة عنصر مادي كتطاير حصى من حتت عجلة سيارة فتكسـر زجـاج حمـل جتـاري ،كمـا ال
يشــرتط أن يكــون الشــيء متحــرك أثنــاء احلــادث أو ســاكن ،بــل يكفــي أن يكــون للشــيء تــدخل اجيــايب يف
إحداث الضرر ،كالسيارة اليت تكون واقفة يف غري املكان املخصص هلا.
كيف يتم التمييز بني فعل الشيء و فعل الشخص؟
حىت نكون بصدد فعل الشيء جيب أن يفقد الشخص احلارس زمام السـيطرة الفعليـة علـى الشـيء،
أما إذا بقي الشيء بيده و تعمد إحداث الضرر ابلغري فنكون بصدد مسؤولية عن فعـل الشـخص و لـيس
عن حراسة الشيء.
الفرع الثاين :أساس مسؤولية حارس األشياء غري احلية
تقــوم مســؤولية حــارس األشــياء غــري احليــة علــى أســاس خطــأ مفــرتض يف احلراســة غــري قابــل إلثبــات
العكس ،و يقصد ابخلطأ يف احلراسة فقـد زمـام السـيطرة الفعليـة علـى الشـيء احملـروس ،و يعتـرب هـذا اخلطـأ
املفــرتض غــري قابــل إلثبــات العكــس ألن احلــارس ال يســتطيع إثبــات عكســه أي أن يــدعي أنــه مل خيطــأ يف
احلراسة و أنه قام ابلعناية املطلوبة حىت ال يفقد السيطرة الفعلية على الشيء.
الفرع الثالث :دفع مسؤولية حارس األشياء غري احلية
طبقا لنص املادة 2/138ق.م .ال ميكن حلارس الشيء دفع املسؤولية عن نفسه إال بنفي عالقة السببية
عن طريق إثبات السبب األجنيب ( القوة القاهرة أو احلادث املفاجئ أو خطأ املضرور أو خطأ الغري).
الفرع الرابع :إثبات مسؤولية حارس األشياء غري احلية
يقــع علــى عــاتق املضــرور عــب إثبــات أن املــدعى عليــه هــو حــارس الشــيء الــذي أحــدث الضــرر ،و
إثبات الضرر الذي وقع بفعل الشيء املوجود حتت حراسته ،و إثبات عالقة السببية بـني التـدخل االجيـايب
للشيء و الضرر الذي أصابه.
111
املطلب الثاين :املسؤولية عن حراسة األشياء احلية (احليوان)
تقوم هذه املسؤولية على فكرة اخلطأ يف حراسة األشياء احلية (احليوان).
الفرع األول :شروط قيام مسؤولية حارس األشياء احلية
طبقا للمادة 139ق.م .اليت تـنص علـى أنـه ":حـارس احليـوان ولـو مل يكـن مالكـا لـه مسـؤول عمـا
حيدثه احليوان مـن ضـرر ولـو ضـل احليـوان أو تسـرب مـا مل يثبـت احلـارس أن وقـوع احلـادث كـان بسـبب ال
ينسب إليه" ،يتبني أنه يشرتط لقيام املسؤولية عن حراسة األشياء احلية حتقق شرطان :
الشرط األول :تويل شخص حراسة حيوان
ينبغي أن يكون احليوان حتت حراسة شـخص حـىت تتحقـق مسـؤولية حارسـه ،و يقصـد ابحلراسـة أن
يكون للشخص سلطة فعلية علـى احليـوان و التصـرف فيـه و تتمثـل هـذه السـيطرة الفعليـة يف االسـتعمال
و التسيري و الرقابة سواء كانت هذه السلطة مشروعة أو غري مشروعة.
األصــل أن احلراســة تكــون ملالــك احلي ـوان و قــد تنتقــل لغــريه برضــاه كاملشــرتي الــذي يصــبح حــارس
للحيوان من يوم تسلمه ،أو بدون رضاه كالسارق الذي يصبح حارس للحيوان املسروق.
و يقصــد ابحلي ـوان كــل أن ـواع احلي ـواانت األليفــة و غــري األليفــة ،اخلطــرية و غــري اخلطــرية ،و كــذلك
الطيور...إخل ،و يشرتط يف احليوان أن يكون حي و مملوك لشخص و أن تكون حراسته ممكنة.
الشرط الثاين :إحداث احليوان ضرر ابلغري
تقـوم مسـؤولية حــارس احليـوان إذا وقــع ضـرر بفعــل احليـوان للغـري حــىت لـو ضــل أو تسـرب ،و يقصــد
بفعــل احليـوان أن يكــون الضــرر حاصــل نتيجــة تــدخل اجيــايب للحيـوان ،أي أنــه ال يشــرتط يف فعــل احليـوان
حــدوث احتكــاك مــادي مباشــر بينــه و بــني املضــرور ،بــل يكفــي أن يكــون الضــرر نتيجــة تــدخل اجيــايب
للحيوان و لو عن بعد كمن يصاب بذعر نتيجة ظهور حيوان مفرتس فلت من فقصه.
و يعترب مالك احليوان من الغري إذا مل يكن هو احلارس و سبب له احليوان ضرر ،و ابلنسبة للمتبـوع
األصل أنه هو احلارس و ليس التابع إال يف حالتني :احلالة األوىل :إذا خـرج التـابع عـن أوامـر و توجيهـات
املتبـوع أثنـاء حيازتـه للحيـوان و اسـتعمله ملصـلحته الشخصـية سـواء برضـا املتبـوع أو بـدون رضـاه ،و احلالـة
الثانية :إذا نقل املتبوع سلطات احلراسة للتابع.
كيف يتم التمييز بني فعل احليوان و فعل الشخص ؟
112
إذا تدخل فعل احليوان مع فعل الشخص يف إحداث الضرر ،كما يف حالة شخص ميتطي أو يقود
حيوان أثنـاء حـدوث ضـرر للغـري ،فـإذا مل يتعمـد الراكـب اإلضـرار ابلغـري و فقـد زمـام السـيطرة الفعليـة علـى
احليوان ،نكون بصدد فعل احليوان ،أما إذا تعمد ذلك فنكون بصدد فعل الشخص.
هل ميكن أن تكون احلراسة املشرتكة بني عدة حراس؟
إذا اشــرتك أكثــر مــن شــخص يف حراســة حي ـوان كاحلصــان اململــوك لعــدة أشــخاص ،و ســبب هــذا
احلصان ضرر للغري فيعتربون كلهم مسؤولني ابلتضامن عن تعويض املضرور.
و يف حالــة اش ـرتاك عــدة حي ـواانت يف إحــداث الضــرر ،و كانــت مجيعهــا يف حراســة شــخص واحــد
فيعترب هو املسؤول ،أما إذا كانت هذه احليواانت يف حراسة عدة أشخاص فريجـع املضـرور علـى أي مـنهم
ابلتعويض كامالً على أساس التضامن بينهم.
الفرع الثاين :أساس مسؤولية حارس احليوان
تقــوم مســؤولية حــارس احليـوان علــى أســاس خطــأ مفــرتض يف احلراســة غــري قابــل إلثبــات العكــس ،و
يقصد ابخلطأ يف احلراسة فقد زمام السيطرة الفعلية على احليوان احملروس.
الفرع الثالث :دفع مسؤولية حارس احليوان
طبقا لنص املادة 139ق.م .ال ميكن حلارس احليوان دفع املسؤولية عن نفسه إال :
بنفي عالقة السببية عن طريق إثبات السبب األجنيب ( القوة القاهرة أو احلادث املفاجئ أو خطأ
املضرور أو خطأ الغري).
الفرع الرابع :إثبات مسؤولية حارس احليوان
يقــع علــى عــاتق املضــرور عــب إثبــات أن احليـوان الــذي ســبب لــه الضــرر كــان حتــت حراســة املــدعى
عليــه (احلــارس) ،و إثبــات الضــرر الــذي أصــابه ،و إثبــات عالقــة الســببية بــني التــدخل االجيــايب للحيـوان و
الضرر الذي حلق به.
املطلب الثالث :املسؤولية عن هتدم البناء
تقوم املسؤولية عن هتدم البناء يف حق مالك البناء إذا سبب هتدم البناء ضرر للغري.
113
الفرع األول :شروط قيام املسؤولية عن هتدم البناء
طبقــا لــنص املــادة 2/140ق.م الــيت تــنص علــى أنــه ":مالــك البنــاء مســؤول عمــا حيدثــه البنــاء مــن
ضرر و لو كان اهنداما جزئيا ،ما مل يثبت أن احلادث ال يرجع سببه إىل إمهال يف الصيانة أو قدم يف البناء
أو عيب فيه" ،يتبني أنه جيب لقيام املسؤولية عن هتدم البناء أن يكون هناك مالـك للبنـاء و أن يقـع ضـرر
عن هتدم ذلك البناء.
الشرط األول :وجود مالك للبناء
تقوم املسـؤولية عـن هتـدم البنـاء إذا كـان هنـاك مالـك للبنـاء ،فاملالـك هـو املسـؤول عمـا حيدثـه إهنـدام
البناء من ضرر للغري ،سواء كان هـذا االهنـدام كلـي أو جزئـي ،فاملالـك هـو الـذي لـه السـيطرة الفعليـة علـى
البناء حىت و لو كان يف حيازة املستأجر.
يقصــد ابلبنــاء كــل مــا أنشــأه اإلنســان و كــان مشــيد حبجــارة أو خشــب أو حديــد ،...و سـواء كــان
بناؤه مؤقـت أو مؤبـد ابسـتثناء العقـار ابلتخصـيص كاملصـعد الكهرابئـي ،و يـدخل يف معـىن البنـاء املبـاين و
األعمدة و السدود و األنفاق و املخازن و املصانع ...أي كل ما يكون متصل ابألرض.
الشرط الثاين :وقوع ضرر عن هتدم البناء
يشــرتط لقيــام املســؤولية عــن هتــدم البنــاء أن يرتتــب هــن هتــدم البنــاء ضــرر للغــري ،و أن يكــون هــذا
التهــدم راجــع إىل البنــاء ذاتــه ،كإمهــال يف الصــيانة أو قــدم يف البنــاء أو عيــب فيــه ،و أن يقــع التهــدم فعــال،
سواء كان كليا أو جزئيا.
الفرع الثاين :الدعوى الوقائية
طبقا للفقرة 3من املادة 140ق.م ،.أقر املشرع إىل جانب مسؤولية مالـك البنـاء عـن هتـدم البنـاء،
حق الشخص الذي يتهدده خطر هتدم البناء إختاذ تدابري وقائية ،قصد جتنب خطر سقوط البنـاء و وقـوع
األضـرار املرتتبــة عــن ذلــك ،و ذلــك مــن خــالل رفــع دعــوى وقائيــة أمــام القضــاء ملطالبــة مالــك البنــاء ابختــاذ
التـدابري الالزمـة لتفـادي اخلطـر الــذي يهـدده ،و إذا امتنـع املالـك عـن القيــام هبـذه التـدابري ،جـاز للشــخص
طلــب احلصــول علــى إذن مــن احملكمــة املختصــة للرتخــيص ابلقيــام هبــا و تكــون التكــاليف علــى حســاب
املالك ،و مسألة تقدير وجود خطر يهدد الشخص مسألة موضوعية ختضع لتقدير قاضي املوضوع.
114
الفرع الثالث :أساس املسؤولية عن هتدم البناء
تقوم مسؤولية مالك البنـاء علـى أسـاس خطـأ مفـرتض يف جانبـه يتمثـل يف إمهـال يف الصـيانة أو قـدم
يف البناء أو عيب فيه ،و هذا اخلطأ املفرتض قابل إلثبات العكس.
الفرع الرابع :دفع املسؤولية عن هتدم البناء
طبقا لنص املادة 2/140ق.م يستطيع مالك البناء أن يدفع املسؤولية عن نفسه بوسيلتني :
-إما بنفي اخلطأ املفرتض و ذلك إبثبات أن هتدم البناء مل يكن بسبب إمهال يف الصيانة و
اإلصالح أو عيب فيه أو قدمه ،و أنه قام أبعمال الصيانة طبقا لألصول الفنية املتعارف
عليها.
-أو بنفي عالقة السببية من خالل إثبات السبب األجنيب ( القوة القاهرة أو احلادث املفاجئ
أو خطأ املضرور أو خطأ الغري)
املطلب اخلامس :إثبات املسؤولية عن هتدم البناء
يقع على عاتق املضرور عـب إثبـات أن املـدعى عليـه هـو مالـك البنـاء الـذي هتـدم ،و إثبـات الضـرر
الذي أصابه ،و إثبات عالقة السببية بني هتدم البناء و الضرر الذي حلق به.
املطلب الرابع :املسؤولية الناشئة عن احلريق
لقد أقر املشرع اجلزائري ابملسؤولية الناشئة عن احلريق ،و أخضعها للقواعد العامة للمسؤولية
التقصريية.
الفرع األول :شروط قيام املسؤولية الناشئة عن احلريق
يتبني من مضمون الفقرة 1من املـادة 140ق.م .الـيت تـنص علـى أنـه ":مـن كـان حـائزا أبي وجـه
كــان لعقــار أو جــزء منــه ،أو منقــوالت حــدث فيهــا حريــق ال يكــون مســؤوالً حنــو الغــري عــن األضـرار الــيت
سببها هذا احلريق إال إذا أثبت أن احلريق ينسب إىل خطئه أو خطأ من هو مسؤول عـنهم" ،أن املسـؤولية
الناشئة عن احلريق تستلزم حتقق شرطني مها :
115
الشرط األول :حدوث ضرر بفعل احلريق
يشرتط لقيام املسؤولية الناشئة عن احلريق أن يكون الضرر انتج عن فعل احلريق الذي شب يف مال
حائز العقار أو جزء منه أو يف منقوالته سواء كان مالكا له أو غري مالك.
يقصــد ابحلريــق النــار الــيت تشــب يف املــال الــذي يكــون يف حيــازة صــاحبه ،1حبيــث يفقــد الســيطرة يف
إمخــاده ،فيحــدث ضــرر للغــري س ـواء كــان ســبب احلريــق حمــدد أو غــري حمــدد ،و س ـواء كــان إبرادة احلــائز أو
بدون إرادته.
الشرط الثاين :صدور خطأ من جانب حائز العقار أو جزء منه أو املنقول أو مـن هـو مسـؤول
عنهم
يقصد ابحلائز كل من كان العقار أو جزء منه أو منقول يف حيازته ،أي حتت سلطته الفعلية ،سـواء
كان مصدر هذه احليازة مشروع كاملشرتي للعقـار أو املنقـول ،أو غـري مشـروع كالسـارق للعقـار أو املنقـول
م ــىت نش ــب ب ــه حري ــق و س ــبب ض ــرر للغ ــري ،أم ــا الغ ــري ال ــذين يس ــأل ع ــنهم احل ــائز ه ــم ع ــادة األش ــخاص
اخلاضعني لرقابته أو التابعني له.
الفرع الثاين :أساس املسؤولية الناشئة عن احلريق
تقوم املسؤولية الناشئة عـن احلريـق علـى أسـاس خطـأ واجـب اإلثبـات ،و ذلـك طبقـا للقواعـد العامـة
للمســؤولية التقصــريية حســب املــادة 124ق.م ،.و عليــه تعتــرب هــذه املســؤولية اســتثناء عــن املســؤولية عــن
األشياء اليت تقوم على أساس خطأ مفرتض.
الفرع الثالث :دفع املسؤولية الناشئة عن احلريق
يســتطيع املســؤول (احلــائز لعقــار أو جــزء منــه أو ملنقــول أو مــن هــو مســؤول عــنهم) ،املســؤولية يف
جانبه بوسيلتني :
−إما بنفي اخلطأ و ذلك إبثبات عدم وقوع خطأ تسبب يف نشوب احلريق.
-1ابلنسبة ملسؤولية املستأجر يف حالة هالك أو تلف العني املؤجرة الناتج عن احلريق ،فطبقا للمادة 496ق.م .يعترب املستأجر
مسؤوالً عن حريق ا لعني املؤجرة ،لكن مسؤوليته عقدية و ليست تقصريية ،و ال يستطيع دفعها إال بنفي العالقة السببية و ذلك إبثبات
السبب األجنيب .و إذا تعدد املستأجرون لعقار واحد اعترب كل واحد منهم مسؤوالً عن احلريق ابلنسبة للجزء الذي يشغله مبا فيهم
املؤجر إذا كان يسكن يف العقار ،و ميكنه دفع املسؤولية عن نفسه إبثبات أن احلريق قد بدأ نشوبه يف اجلزء الذي يشغله أحد
املستأجرين فيكون هو وحده مسؤوالً عن احلريق.
116
−أو بنفي عالقة السببية من خالل إثبات السـبب األجنـيب ( القـوة القـاهرة أو احلـادث املفـاجئ أو
خطأ املضرور أو خطأ الغري).
الفرع الرابع :إثبات املسؤولية الناشئة عن احلريق
تقوم مسؤولية حائز العقار أو جزء منه أو املنقول أو من هو مسؤول عنهم الناشئة عـن احلريـق علـى
أساس خطأ واجب اإلثبات طبقـا للمـادة 1/140ق.م ،.و عليـه جيـب علـى املضـرور إثبـات خطـأ احلـائز
أو خطأ من هو مسؤول عنهم (املدعى عليـه) يف نشـوب احلريـق ،و إثبـات الضـرر الـذي أصـابه ،و إثبـات
عالقة السببية بني اخلطأ و الضرر الذي حلق به.
املطلب اخلامس :املسؤولية املوضوعية على أساس الضرر (مسؤولية املنتج)
يف ظــل انتشــار الســلع و املنتوجــات املعروضــة يف الســوق و تنوعهــا ،أصــبح املشــرتي أو املســتهلك
معرض ألخطار متعددة متس أمنه و سالمته ،نظرا لعدم احرتام املنتجني مقاييس و مواصفات اإلنتاج مـن
جهة ،و زايدة تدخل الوسائل التقنية و التكنولوجية يف اإلنتاج من جهة أخرى.
نتيجــة لــذلك ،اســتحدث املشــرع اجلزائــري مبوجــب القــانون 10-05املــؤرخ يف 20ج ـوان 2005
املــادة 140مكــرر ق.م ،.و الــيت كــرس مــن خالهلــا صـراحة مســؤولية املنــتج التقصــريية عــن األضـرار الناجتــة
عن منتوجاته املعيبة ،كما استحدث مبدأ تكفل الدولة ابلتعويض عـن األضـرار اجلسـمانية يف حـال انعـدام
املسؤول من خالل املادة 140مكرر 1ق.م.
الفرع األول :مسؤولية املنتج
لقد أدرج املشرع اجلزائري مسؤولية املنتج ضمن املسؤولية الناشئة عن األشياء ،و ذلك بغية توفري
محاية أكثر للمضرور ،و ذلك طبقا للمادة 1/140مكرر ق.م .اليت تنص على أنه ":يكون املنتج
مسؤوال عن الضرر الناتج عن عيب يف منتوجه حىت و لو مل تربطه ابملتضرر عالقة تعاقدية"
الفرع األول :شروط قيام مسؤولية املنتج عن األضرار الناجتة عن عيب يف منتوجه
من خالل نص املادة 140مكرر ق.م .يتضح أن مسؤولية املنتج تقوم على ثالثة شروط هي:
117
أوال :وجود منتوج
عرفت املادة 140مكرر 2/ق.م .املنتوج أبنه " :كل مال منقول ولو كان متصال بعقار ،السيما
املنتوج الزراعي واملنتوج الصناعي وتربية احليواانت و الصناعة الغذائية و الصيد الربي والبحري و الطاقة
الكهرابئية".
و عليه ميكن القول ،أن املنتوج يتمثل يف كل منقول مبا يف ذلك العقار ابلتخصيص( كاملصعد
الكهرابئي) كما يشمل املنتوج الزراعي (كالفواكه و اخلضر) و املنتوج الصناعي (كالسيارات) و الصناعة
الغذائية ( كاخلضر و الفواكه املعلبة) ،و كذلك يشمل تربية احليواانت و األعالف الالزمة لرتبيتها ،و
الصيد الربي و البحري و ما يلزم لصيدها و الطاقة الكهرابئية.
اثنيا :وجود عيب يف املنتوج يسبب ضرر
ابلرجوع ألحكام املادة 140مكرر 1/ق.م .يالحظ أن املشرع اجلزائري مل حيدد معىن العيب الذي
قصده يف هذه املادة ،و عموماً يقصد ابلعيب يف مسؤولية املنتج :املخاطر اليت يتضمنها املنتوج واليت قد
تلحق أضراراً ابملستهلك حبيث يعرتي املنتوج اختالالً عند استعماله ،و بسبب هذا االختالل يلحق
الضرر ابملستهلك الذي استعمل هذا املنتوج ،و هذا التعريف يتوافق مع مضمون املادة 11/03من
القانون 03-09املتعلق حبماية املستهلك و قمع الغش 1اليت عرفت املنتوج السليم أبنه " :كل منتوج
خال من أي نقص و /أو عيب خفي يضمن عدم اإلضرار بصحة و سالمة املستهلك و /أو
مصاحله املادية أو املعنوية".
و جتدر املالحظة ،إىل أنه بتوافر هذا الشرط تتحقق العالقة السببية بني الضرر و العيب يف املنتوج،
و يتم إثبات هذه العالقة بكافة وسائل اإلثبات.
اثلثا :وجود منتج
مل يعرف املشرع اجلزائري مصطلح املنتج الوارد ذكره يف فحوى املادة 140من ق.م ،.لكن
ابلرجوع ملضمون املادة 7/3من القانون 03-09املذكور أعاله ميكن تعريفه أبنه ":كل شخص طبيعي
-1القانون رقم 03-09املؤرخ يف 25فرباير 2009يتعلق حبماية املستهلك و قمع الغش ،ج .ر .العدد 08 ،15مارس
،2009ص.14 .
118
أو معنوي يتدخل يف عملية اإلنتاج" ،و يشمل كل من منتج املواد األولية و املنتج ألجزاء من املنتوج و
املنتج للمنتوج يف شكله النهائي.
الفرع الثاين :أساس مسؤولية املنتج
تعد مسؤولية املنتج مسؤولية موضوعية ال تقوم على أساس اخلطأ و إمنا على أساس الضرر الذي
يسببه العيب يف املنتوج ،سواء كان هذا الضرر مادي أو معنوي ،و بتبنيه هلذا النوع من املسؤولية يكون
املشرع اجلزائري قد أعفى املضرور من عبء إثبات خطأ املنتج ،السيما يف ظل تزايد عرض املنتوجات
لالستهالك و تطور أساليب البيع ،األمر الذي يعرض املستهلك ملخاطر يصعب عليه معرفتها و إثباهتا.
الفرع الثالث :دفع مسؤولية املنتج
طاملا أن مسؤولية املنتج تقوم على أساس الضرر ال اخلطأ ،فإنه ال ميكن للمنتج دفع املسؤولية عن
نفسه إال بنفي عالقة السببية و ذلك من خالل إثبات السبب األجنيب ( القوة القاهرة أو احلادث
املفاجئ أو خطأ املضرور أو خطأ الغري).
الفرع الرابع :إثبات مسؤولية املنتج
يلزم املتضرر حلصوله على التعويض إثبات الضرر الذي أصابه و إثبات العيب يف املنتوج و إثبات
العالقة السببية بينهما بكافة وسائل اإلثبات ،و يتم التعويض طبقا لألحكام العامة يف املسؤولية التقصريية
حسب املواد 131و 132ق.م.
املطلب السادس :تكفل الدولة بتعويض املضرور
لقد أقر املشرع اجلزائري مببدأ تكفل الدولة بتعويض املضرور طبقا لنص املادة 140مكرر 1ق.م.
بقوهلا " :إذا انعدم املسؤول عن الضرر اجلسماين ،و مل تكن للمضرور يد فيه تتكفل الدولة ابلتعويض
عن هذا الضرر".
الفرع األول :شروط تكفل الدولة ابلتعويض
طبقا للمادة 140مكرر 1ق.م .يتضح أن الدولة تتكفل ابلتعويض إذا توافرت الشروط التالية:
أوال :انعدام املسؤول عن الضرر
اشرتط املشرع انعدام املسؤول حىت تتكفل الدولة ابلتعويض ،سواء جهل املسؤول عن الضرر من
قبل املتضرر أو عدم وجوده.
119
اثنيا :وجود ضرر جسماين ال يد للمضرور فيه
يقصد ابلضرر اجلسماين ذلك الضرر املتعلق جبسم اإلنسان ،و بذلك يالحظ أن املشرع قد
استبعد الضرر املادي الذي ميس مبال الشخص و كذا الضرر املعنوي ،و يشرتط يف هذا الضرر أال يكون
للمضرور يد يف حصوله ،كسوء استعمال املنتوج من قبل املتضرر.
الفرع الثاين :أساس تكفل الدولة ابلتعويض
لقد استحدث املشرع اجلزائري مبوجب املادة 140مكرر 1ق.م .نظام جديد للتعويض عن
األضرار اجلسمانية خارج إطار املسؤولية ،تبىن من خالهلا أساس جديد للتعويض يقضي بتكفل الدولة
بتعويض املضرور يف حالة انعدام املسؤول حىت ال يبقى بدون تعويض ،و هذا ما يؤكد أن التعويض يعد
حق مقرر للمضرور إلصالح الضرر الذي أصابه.
الباب الثاين :اإلثراء بال سبب (الفعل النافع)
اعترب املشرع اجلزائري اإلثراء بال سبب واقعة قانونية تشكل مصدراً من مصادر االلتزام غري
اإلرادية ،و نص عليه يف املواد من 141إىل 159ق.م .اليت تناولت القاعدة العامة لإلثراء بال سبب و
أهم تطبيقاته و هي الدفع غري املستحق و الفضالة.
الفصل األول :القاعدة العامة يف اإلثراء بال سبب
يتحقق اإلثراء بال سبب عندما يتم افتقار شخص على حساب إثراء آخر دون سبب قانوين
لذلك ،فتنشأ واقعة اإلثراء على عاتق املثرى التزام برد ما أثرى به إىل املفتقر يف حدود ما افتقر به هذا
األخري.
و عليه ،ميكن تعريف اإلثراء بال سبب أبنه " :كل واقعة أو فعل انفع يرتتب عنه إثراء شخص
يسمى املثرى (املدين) و افتقار شخص آخر يسمى املفتقر (الدائن) دون سبب مشروع ،فينشأ بذلك
التزام على عاتق األول بتعويض الثاين بقدر قيمة اإلثراء أو االفتقار".
املبحث األول :شروط اإلثراء بال سبب
يلزم لتحقق واقعة اإلثراء بال سبب توافر الشروط التالية:
120
الشرط األول :إثراء املدين (املثرى)
يقصد إبثراء املدين حصوله على منفعة أو فائدة هلا قيمة مالية كنتيجة طبيعية للعمل الذي قام به
املفتقر ،فإثراء العنصر اإلجيايب للذمة املالية للمثرى هو األساس الذي يقوم عليه التزامه ابلرد ،و يتحقق
اإلثراء بكل عمل يؤدى إىل نقص يف اجلانب السليب أو زايدة يف اجلانب اإلجيايب للذمة املالية ملن مت
العمل لصاحله (املثرى) ،وإىل زايدة يف اجلانب السليب أو نقص يف اجلانب اإلجيايب للذمة املالية ملن قام به
(املفتقر).
بنــاء علــى ذلــك ،تتعــدد صــور اإلثـراء بتعــدد صــور العمــل الــذي قــام بــه الــدائن (املفتقــر) علــى الذمــة
املالية للمدين (املثرى) ،فمنها املادي واملعنوي ،ومنها اإلجيايب والسليب ،ومنها املباشر وغري املباشر.
أوال :اإلثراء املادي واملعنوي
اإلثراء املادي هو إضافة قيمة مادية إىل الذمة املالية للمدين (املثرى) ابكتساب حق مايل جديد أو
زايدة يف قيمة حق مايل قائم كاكتساب شخص ملكية أشجار غرسها آخر يف أرضه ،أما اإلثراء املعنوي
فهو زايدة يف قيمة أدبية ميكن تقوميها ابملال و اليت تعود على املدين مبنفعة معنوية ،كتقدمي استشارة
قانونية أو طبية.
اثنيا :اإلثراء اإلجيايب والسليب
يتمثل اإلثراء اإلجيايب يف كل زايدة يف اجلانب اإلجيايب للذمة املالية للمدين إبضافة قيمة مالية إىل
ذمته ،أي اكتسابه حلقوق مالية ،كاكتساب الشخص ملكية بناء أقامه الغري على أرضه ،أما اإلثراء
السليب فهو نقص يف اجلانب السليب للذمة املالية للمدين ،أي إنقاص ما عليه من التزامات ،ومثاله وفاء
شخص بدين غريه.
اثلثا :اإلثراء املباشر و غري املباشر
اإلثراء املباشر هو انتقال القيمة املالية املضافة من ذمة الدائن (املفتقر) إىل املدين (املثرى) مباشرة
دون تدخل شخص آخر ،سواء أكان االنتقال بفعل املفتقر ،كقيام املستأجر برتميمات واجبة على
املؤجر ،أم كان االنتقال بفعل املثرى ،كتسليم شخص منزل مملوك له لغريه لالنتفاع به دون عقد بينهما.
121
أما اإلثراء غري املباشر فهو انتقال القيمة املالية املضافة من ذمة الدائن (املفتقر) إىل املدين (املثرى)
بتدخل شخص آخر ،كقيام رابن السفينة إبلقاء بعض محولتها اململوكة للشاحن إلنقاذ السفينة حلساب
الناقل.
الشرط الثاين :إفتقار الدائن (املفتقر)
يتمثل إفتقار الدائن يف املنفعة اليت تفوته أو اخلسارة الالحقة به ،و يعترب االفتقار شرط ضروري
لتحقيق واقعة اإلثراء بال سبب و التزام املثرى ابلتعويض ،فال يكفى لتحقق هذه الواقعة إثراء شخص
فحسب ،بل جيب أن يتم ذلك على حساب افتقار آخر ،فإذا حدث إثراء دون أن يقابله افتقار فال
تتحقق هذه الواقعة ،كامتداح مفكر مشهور ملؤلف أديب ترتب عليه إقبال الغري على اقتنائه مما أدى إىل
إثراء صاحبه ،فهذا اإلثراء مل يقرتن به افتقار املفكر.
واالفتقار كاإلثراء قد يكون مادايً أو معنوايً ،كمن يقوم إبجراء ترميمات ملنزل غريه أثناء غيابه،
فقيمة هذا العمل خرجت من الذمة املالية للقائم به مما أدى إىل افتقاره مادايً ،ومن صور االفتقار املعنوي
اجلهد الذي يبذله مدرب سابق يف تقدمي توجيهات و إرشادات لرايضي مما أدى إىل جناحه ،فهذا اجلهد
أمر معنوي كان يف إمكان املدرب أن حيصل على أجر يف مقابله.
وقد يكون االفتقار إجيابياً كقيام املشرتى احلائز على العقار املرهون ابلوفاء ابلدين املضمون ابلرهن،
كما قد يكون سلبياً كفوات منفعة على الدائن كعمل شخص حلساب آخر دون أن يكون مرتبطاً معه
بعقد عمل.
وقد يكون االفتقار مباشراً إذا حتقق افتقار الدائن و إثراء املدين دون تدخل شخص آخر،
كاالنتفاع مبنقول لفرتة زمنية دون عقد إجيار ،كما قد يكون االفتقار غري مباشر إذا تدخل شخص آخر
بعمل ترتب عليه افتقار الدائن وإثراء املدين ،كقيام مقاول ابلبناء على أرض حلساب مشرتيها لكن قبل
إمتام البناء مت فسخ عقد البيع ،فعمل املقاول ترتب عليه افتقار املشرتي على حساب إثراء البائع.
الشرط الثالث :عالقة السببية بني اإلثراء و االفتقار
ال يكفى لقيام االلتزام ابلتعويض على عاتق املدين (املثرى) أن تكون هناك واقعة إثراء لشخص
وافتقار آلخر ،بل جيب أن يكون هناك عالقة أو رابطة مباشرة بينهما ،مبعىن أن يكون إثراء املدين هو
السبب املباشر الذي أدى إىل إفتقار الدائن أو النتيجة الطبيعية له ،وعلى العموم يعد كل من اإلثراء
122
واالفتقار ،سبباً لآلخر ونتيجة طبيعية له و تنشأ بذلك عالقة السببية بينهما ،إذا كان إثراء املدين مل يكن
ليتحقق لوال افتقار الدائن.
الشرط الرابع :إنعدام السبب القانوين
يقصد ابنعدام السبب القانوين بني اإلثراء و االفتقار ،عدم وجود مصدر مشروع لإلثراء جييز
للمثرى االحتفاظ ابملنفعة اليت حصل عليها ،و يف ذات الوقت ال يعط للمفتقر احلق يف الرجوع على
املثرى مبقتضى دعوى اإلثراء بال سبب ،و يتحقق هذا االنعدام مىت كان اإلثراء غري انشي عن أحد
مصادر االلتزام (تصرف قانوين "عقد أو تصرف إبرادة منفردة" أو فعل ضار أو نص قانوين) ،ألن وجود
أي مصدر من هذه املصادر الذي يربر اإلثراء ،مينع من تطبيق أحكام اإلثراء بال سبب.
الشرط اخلامس :حسن نية املثرى
لقد اشرتطت املادة 141ق.م .حسن النية لدى املثرى ،مما يعين أن اإلثراء كواقعة قانونية تتأثر
حبسن أو سوء نية املثرى يف نظر املشرع اجلزائري ،فإذا كان املثرى سيء النية فال يعد ذلك إثراء بال
سبب و إمنا فعل غري مشروع يسأل عنه املثرى ،و من مث وجب تطبيق أحكام املسؤولية التقصريية و
استبعاد قواعد اإلثراء بال سبب.
املبحث الثاين :آاثر اإلثراء بال سبب
إذا توافرت شروط اإلثراء بال سبب ( وجود اإلثراء واالفتقار والصلة بينهما وانعدام السبب القانوين
و حسن نية املثرى) ،وجب على املثرى تعويض املفتقر إما ودايً أو قضائياً عن طريق دعوى اإلثراء بال
سبب.
املطلب األول :دعوى اإلثراء بال سبب
تتمثل الدعوى القضائية اليت يرفعها املفتقر ضد املثرى يف دعوى اإلثراء بال سبب ،و اليت تعد يف
الغالب وسيلة املفتقر إللزام املثرى برد ما انتفع به ،ولدراسة هذه الدعوى سيتم التعرض ألطرافها و
األهلية املطلوبة فيهم ،مث ملسأليت إثبات أركان اإلثراء بال سبب و تقادم هذه الدعوى.
123
الفرع األول :أطراف دعوى اإلثراء بال سبب
يتمثل طريف دعوى اإلثراء بال سبب يف املدعي و هو املفتقر الذي حيق له املطالبة ابلتعويض عن
اإلثراء بال سبب ،و يقوم مقامه انئبه أو خلفه العام أو اخلاص ،و املدعى عليه و هو املثرى أو انئبه أو
خلفه العام.
الفرع الثاين :أهلية أطراف دعوى اإلثراء بال سبب
مل يشرتط املشرع اجلزائري مبقتضى املادة 141ق.م .أهلية معينة يف طريف دعوى اإلثراء بال سبب،
مما يعين أنه جيوز أن يكون كل من املثرى و املفتقر عدميي األهلية أو أحدمها ،و يف هذه احلالة حيل حمل
عدمي التمييز يف دعوى اإلثراء بال سبب من ينوب عنه.
الفرع الثالث :إثبات أركان اإلثراء بال سبب
يقع على عاتق املفتقر (املدعي) إثبات مجيع أركان أو شروط اإلثراء بال سبب ،و يستطيع إثبات
هذا اإلثراء بكافة طرق اإلثبات ألنه واقعة مادية.
الفرع الرابع :تقادم دعوى اإلثراء بال سبب
تسقط دعوى اإلثراء بال سبب حسب نص املادة 142ق.م .بـمضي 10سنوات من اليوم الذي
يعلم فيه من حلقته اخلسارة (املفتقر) حبقه يف التعويض أي من يوم علمه ابفتقاره و مبن أثري على
حسابه ،و تسقط أيضا هذه الدعوى يف مجيع األحوال ابنقضاء 15سنة من اليوم الذي نشأ فيه هذا
احلق ،أي من وقت نشوء االلتزام ابلتعويض و يتحدد ذلك من يوم حدوث واقعة اإلثراء بال سبب على
حساب الغري و لو مل يكن املفتقر قد علم ابفتقاره و مبن أثري على حسابه ،و عليه تتقادم دعوى اإلثراء
بال سبب أبقرب هاتني املدتني.
املطلب الثاين :التعويض عن اإلثراء بال سبب
يتمثل اجلزاء املرتتب عن إثراء املدعى عليه (املثرى) بال سبب على حساب املدعي (املفتقر) يف
التعويض ،و طاملا أن التعويض هو األثر املباشر لواقعة اإلثراء بال سبب فمىت ينشأ احلق فيه ؟ وكيف يتم
تقديره ؟ وما هو الوقت الذي يتم فيه التقدير ؟
124
الفرع األول :وقت نشوء احلق يف التعويض عن اإلثراء بال سبب
إذا حتققت شروط اإلثراء بال سبب نشأ للمفتقر احلق يف التعويض و أصبح املثرى ملتزماً به،
وينشأ هذا احلق من الوقت الذي يتحقق فيه اإلثـراء و ليس من وقت احلكم يف دعوى اإلثراء بال سبب،
لذلك يعـد احلكـم يف هذه الدعوى مقرراً أو كاشفا للحق يف التعويض و ليس منشئاً له ،و يبقى التزام
املثرى بدفع التعويض قائماً بعد حتقق اإلثراء حىت و لو زال اإلثراء فيما بعد.
الفرع الثاين :كيفية تقدير التعويض
يقدر القاضي التعويض ابعتباره حقاً للمفتقر (الدائن) والتزاماً على املثرى (املدين) على أساس
قيميت االفتقار واإلثراء ،أي بقدر قيمة ما أثري به املدين و قيمة ما افتقر به الدائن ،لذلك ال جيوز أن
يتجاوز التعويض احملكوم به مقدار اخلسارة اليت حلقت املفتقر و ال يفوق مقدار اإلثراء الذي عاد على
املثرى ،ألن زايدة التعويض عن تلك اخلسارة يؤدي بدوره إىل إثراء املدعى (املفتقر) بال سبب ،وزايدته
عن ذلك اإلثراء يؤدى إىل افتقار املدعى عليه (املثرى) بال سبب.
الفرع الثالث :وقت تقدير التعويض و مقداره
يقدر القاضي قيمة اإلثراء وقت وقوعه وليس وقت رفع الدعوى أو وقت صدور احلكم ،لذلك ال
يشرتط أن يكون اإلثراء قائماً يف وقت رفع الدعوى أو وقت صدور احلكم ،فالعربة بقيمته وقت وقوعه
وحتقق واقعة اإلثراء ولو زال بعد ذلك ،أما قيمة االفتقار فتقدر يف وقت صدور احلكم ،على أساس أن
االفتقار يف دعوى اإلثراء يقابل الضرر يف دعوى التعويض عن املسؤولية التقصريية ،وملا كان الضرر يقدر
يف وقت صدور احلكم ،فكذلك االفتقار.
و عموما ،التعويض عن اإلثراء بال سبب قد يكون عيين إذا كان املال الذي دخل يف ذمة املثرى
ال يزال ابقيا بعينه يف ذمته ،كما قد يكون نقدي ،و يف هذه احلالة إذا كان االفتقار مبلغ من النقود
دخل يف ذمة املثرى كان اإلثراء مساواي لالفتقار ،و إذا كان االفتقار عبارة عن منفعة حصل عليه املثرى،
كان االفتقار مساواي لقدر اإلثراء و هو أجر املنفعة ،وإذا كان االفتقار يف صورة أعمال حتسينية أجراها
املفتقر يف ملك املثرى ،فيقدر االفتقار مبا أنفقه املفتقر ،و اإلثراء مبا زاد يف مال املثرى بسبب هذه
التحسينات وقت إجرائها ،و إذا كان االفتقار يف صورة خدمة أو عمل قدر االفتقار بقيمة تلك اخلدمة
أو العمل ،و اإلثراء مبقدار ما استفاد منه املثرى من تلك اخلدمة أو العمل.
125
الفصل الثاين :تطبيقات اإلثراء بال سبب
لقد وضع املشرع اجلزائري املبدأ العام لإلثراء بال سبب الذي يوجب على كل من حصل على إثراء
بال سبب أن يرد إىل املفتقر ما انتفع به ،مث أورد تطبيقا هلذا املبدأ صورتني و مها :الدفع غري املستحق و
الفضالة.
املبحث األول :الدفع غري املستحق
يعترب الدفع غري املستحق أحد تطبيقات املبدأ العام لإلثراء بال سبب ،ومضمون هذا التطبيق هو
قيام شخص ابلوفاء بدين غري مستحق عليه ( غري ملزم ابلوفاء به ) لشخص آخر ،فيرتتب يف ذمة من
تلقى هذا الوفاء (املوىف له) التزام برد ما أخذه دون حق إىل من وىف به ،ألن يف االحتفاظ به إثراء بال
سبب على حساب املويف ،و قد نظم املشرع اجلزائري الدفع غري املستحق يف املواد من 143إىل 149
ق.م.
املطلب األول :شروط الدفع غري املستحق
طبقا لنص املادة 143ق.م .تتمثل شروط الدفع غري املستحق يف:
الشرط األول :تسليم شيء على سبيل الوفاء
يقصد ابلوفاء كل تصرف قانوين تتجه فيه إرادة املويف إىل الوفاء بدين اثبت يف ذمته ،و أيخذ
الوفاء عدة صور :فقد يكون مباشراً أبن يقوم املويف بتسليم حمل االلتزام إىل املوىف له مباشرة ،كتقدمي
عقـار أو منقول أو مبلغ من النقود أو أداء عمل ،وقد يكون غري مباشر كالوفاء مبقابل أو جتديد الدين
أو اإلانبة أو املقاصة أو ترتيب أتمني خاص يضمن الوفاء ابلدين أو غري ذلك من طرق الوفاء األخرى.
و يشرتط يف الدفع غري املستحق أن يقوم املويف بتسليم شيء (عقـار أو منقول أو مبلغ من النقود)
إىل املوىف له على سبيل الوفاء ابلتزام عليه ،و يقع عبء إثبات الوفاء على عاتق املويف ،و خيضع يف ذلك
للقواعد العامة املتعلقة إبثبات التصرف القانوين ،ابعتبار الوفاء تصرفاً قانونياً ،حيث يلزم ابإلثبات
ابلكتابة إذا كان هذا التصرف تزيد قيمته عن 100.000د.ج .أو كان غري حمدد القيمة.
126
الشرط الثاين :أن يرد الوفاء على دين أو التزام غري مستحق
ال يكفى إللزام املوىف له برد الشيء غري املستحق له ،أن يتم تسليمه على سبيل الوفاء ،بل جيب
عالوة على ذلك ،أن يكون املويف غري ملزم هبذا الوفاء ،مبعىن أن ينصب هذا الوفاء على دين أو التزام
غري مستحق ،و يتحقق عدم استحقاق الدين يف حالتني هي:
احلالة األوىل :عدم حتقق سبب االلتزام املوىف به (دين غري موجود)
يف هذه احلالة يعترب االلتزام املوىف به مل ينشأ أصالً يف ذمة املويف أو ذمة املوىف عنه ،مما جييز للمويف
طلب االسرتداد من املوىف له مبقتضى نص املادة 144ق.م .بقوهلا " :يصح اسرتداد غري املستحق إذا
كان الوفاء قد مت تنفيذاً اللتزام مل يتحقق سببه ،"...كالوارث الذي يقوم بتنفيذ وصية مث يتضح له أن
مورثه رجع عن هذه الوصية قبل وفاته ،أو كالكفيل الذي يويف اباللتزام املكفول ظناً منه أن املدين مل
يوف به.
كما تتحقق هذه احلالة عند الوفاء ابلتزام معلق على شرط واقف مل يتحقق ،فإذا قام املويف ابلوفاء
ابلتزام قبل حتقق الشرط كان له احلق يف املطالبة ابسرتداده ألن التزامه هذا غري مستحق األداء.
احلالة الثانية :زوال سبب االلتزام بعد حتققه و الوفاء به
يفرتض يف هذه احلالة أن االلتزام كان قائماً وصحيحاً وقت الوفاء به مث زال سبب هذا الوفاء
أبثر رجعى ،فيعترب كأن مل يكن و من مث يعاد أطراف االلتزام إىل احلالة اليت كاان عليها قبل االلتزام،
كااللتزام املرتتب عن عقد قابل لإلبطال مت الوفاء به ،مث قضي إببطال العقد فزال أبثر رجعى و زال
ابلتبعية سبب الوفاء اباللتزام املرتتب عنه.
كذلك ،تتحقق هذه احلالة إذا كان االلتزام موجوداً مث انقضى قبل الوفاء به أبي سبب من أسباب
االنقضاء (الوفاء أو مقابل الوفاء أو بدون الوفاء) ،و قام شخص ابلوفاء هبذا االلتزام ،عد الوفاء يف هذه
احلالة دفع دين غري مستحق ألن االلتزام قد انقضى قبل الوفاء به ،كمن يويف بدين كان على مورثه مث
اكتشف أن املورث قد وىف به قبل وفاته ،أو كمن وىف بدين انقضى قبل الوفاء به ابإلبراء أو املقاصة أو
التجديد.
127
و يعد الوفاء يف هذه احلالة دفع غري املستحق ألن سبب االلتزام قد زال بعد أن حتقق ،مما يعطي
للمويف احلق يف طلب االسرتداد من املوىف له ،مبوجب نص املادة 144ق.م .بقوهلا " :يصح اسرتداد غري
املستحق إذا كان الوفاء قد مت تنفيذاً...اللتزام زال سببه".
الشرط الثالث :اعتقاد املويف أنه ملزم ابلوفاء
يشرتط أن يتوافر لدى املويف اعتقاد أبنه يويف مبا ليس ملزماً به ،أي أنه وقع يف غلط دفعه إىل
التوهم أبنه ملزم هبذا الوفاء ،لكنه يف احلقيقة غري ملزم بذلك ،فإذا كان الوفاء انجتاً عن الوقوع يف غلط،
جاز للموىف طلب اسرتداد ما وىف به من املوىف له ،و يعد وفاء الشخص غري امللزم قرينة على وقوعه يف
الغلط لكنها قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس من املوىف له ،و ذلك إبثبات أن املويف قد وىف و هو يعلم
أنه غري ملزم ابلدين ،كأن يثبت أنه وىف متربعا أو وىف ابلتزام طبيعي عليه.
أما إذا كان املويف يعلم أبنه غري ملزم مبا وفاه فال حمل لطلب االسرتداد ،إال يف حالتني:
احلالة األوىل :إذا كان املويف انقص األهلية :أي قاصر مميز ( 13سنة) مل يكتمل رشده من الناحية
القانونية ( 19سنة) و نظرا لصغر سنه منحه القانون محاية خاصة عند الوفاء بدين غري مستحق عليه
حىت ولو قام ابلوفاء وهو يعلم أنه غري ملزم به.
احلالة الثانية :إذا قام املويف ابلوفاء حتت أتثري اإلكراه :ألن اإلكراه ابعتباره أحد عيوب اإلرادة،
املكره دون أن يؤثر على علمه ،فبالرغم من علم املويف املكره أبنه غري
يؤثر على حرية اختيار الشخص َ
ملزم ابلوفاء ،إال أن هذا العلم ال يعتد به ألن الوفاء كان حتت اإلكراه.
و يف كلتا احلالتني ،ابلرغم من علم املويف انقص األهلية أو املكره أبنه غري ملزم ابلدين الذي وفاه،
إال أن القانون أوجب على املوىف له أن يرد إىل هذا املويف ما حصل عليه منه.
املطلب الثاين :أحكام الدفع غري املستحق
استنادا إىل نص املادة 147ق.م .ينبغي التفرقة يف أحكام الدفع غري املستحق بني ما إذا كان
املوىف له حسن النية أو سيء النية ،كما تستدعي دراسة أحكام الدفع غري املستحق حتديد احلاالت
االستثنائية اليت مينع فيها على املويف املطالبة حبقه يف االسرتداد أو يقيد فيها حقه ،مث تقادم دعوى
اسرتداد الدفع غري املستحق.
128
الفرع األول :املوىف له حسن النية
يقصد حبسن نية املوىف له ،أن يتوافر لديه االعتقاد يف أن الوفاء الذي تلقاه من املويف هو حق له،
أي أنه جيهل وقت استيفائه للدين أن ما قبضه ليس مستحق له ،مع األخذ يف االعتبار أبن حسن النية
مفرتض ،ألنه هو األصل وعلى من يدعى خالفه أن يقيم الدليل على ما يدعيه ،فإذا ادعى املويف توافر
سوء النية لدى املوىف له عليه أن يثبت دعواه ،وله أن يستخدم يف إثبات ذلك كافة طرق اإلثبات ألنه
يثبت واقعة مادية وليس تصرفاً قانونياً.
فإذا كان املوىف له حسن النية أي أنه كان يعتقد يف أحقيته يف هذا الوفاء ،يلتزم فقط برد مقدار ما
تسلمه على سبيل الوفاء مبا ليس حقاً له دون زايدة وال نقصان سواء كان الشيء املوىف به نقدا أو عينا،
كما ال يلزم برد ما هلك أو تلف من الشيء املوىف به دون خطأ منه ،أما الثمار املنتجة اليت قبضها فال
يلتزم بردها إال من يوم رفع دعوى االسرتداد ،وإذا أنفق املوىف له حسن النية نفقات ضرورية يف حفظ
الشيء املوىف به جاز له املطالبة هبا.
الفرع الثاين :املوىف له سيء النية
يقصد بسوء النية املوىف له علمه أبن الوفاء ابلدين الذي تلقاه غري مستحق له ،و قد يتحقق سوء
نية املوىف له منذ بداية الوفاء ،كما قد يتحقق بعد الوفاء و قبل رفع الدعوى أبن كان املوىف له حسن النية
عند الوفاء مث علم أنه تلقى شيء غري مستحق له بعد الوفاء و سكت عن رده فيتحول إىل سيء النية ،و
يقع عبء إثبات هذا التحول يف نية املوىف له على عاتق املويف بكافة طرق اإلثبات.
استنادا إىل نص املادة 147ق.م .مىت أقام املوىف (املدعى) الدليل على سوء نية املوىف له (املدعى
عليه) ،إبثبات علمه أبن الوفاء الذي مت مل يكن له حق فيه ،يلزم املوىف له سيء النية برد الشيء املوىف به
كما تسلمه ،و كذا برد فوائده أو أرابحه اليت جناها أو اليت قصر يف جنيها ،و ذلك من يوم الوفاء أي
من وقت تسلمه للشيء املوىف به أو من الوقت الذي أصبح فيه املوىف له سيء النية أي من اتريخ حتقق
سوء نيته ،كما يلزم برد مثار الشيء املوىف به اليت أنتجها أو رد قيمتها إذا كان قد استهلكها من يوم رفع
1
الدعوى للمطالبة ابالسرتداد.
-1طبقا لنص املادتني 839و 843ق.م .يلزم املوىف له سيء النية برد ما هلك أو تلف من الشيء املوىف به من يوم حتقق سوء نيته
حىت و لو كان ذلك راجع حلادث مفاجئ ،إال إذا أثبت أن الشيء كان سيهلك أو يتلف حىت و لو بقي يف يد من يستحقه (املويف)،
129
الفرع الثالث :احلاالت اخلاصة مبنع املويف من املطالبة حبقه يف االسرتداد أو تقييده
تقضي القاعدة العامة يف الدفع غري املستحق ابلتزام املوىف له برد ما تسلمه على سبيل الوفاء بغري
حق إىل املوىف ،و أبن مقدار الرد يتأثر حبسن نية املوىف له وسوءها ،غري أن املشرع اجلزائري قد أورد على
هذه القاعدة استثناءات متنع املويف من املطالبة حبقه يف االسرتداد أو تقييده مىت توافرت شروط هذا املنع
أو التقييد ،وذلك يف ثالث حاالت هي :
احلالة األوىل :حصول الوفاء من الغري مع جترد الدائن حسن النية من وسائل اقتضاء حقه
طبقا لنص املادة 146ق.م .إذا حصل الوفاء من غري املدين فال يكون هلذا الغري املويف احلق يف
اسرتداد قيمة الوفاء الذي قام به للدائن (املوىف له) ،وإن كان له احلق يف مطالبة املدين احلقيقي ابلتعويض
عن هذا الوفاء بدعوى اإلثراء بال سبب ألنه أثري على حسابه بدون سبب.
و مبقتضى هذه املادة مينع على املويف (الغري) الرجوع على املوىف له (الدائن) ملطالبته ابلرد ،إذا
توافرت الشروط التالية:
الشرط األول :قيام الغري ابلوفاء ابلدين مبعىن أن يتم الوفاء ابلدين من قبل شخص آخر غري
املدين به أو ممثله القانوين.
الشرط الثاين :جترد الدائن من وسائل اقتضاء حقه و املتمثلة يف:
−جترده من سند الدين املثبت حلقه عند تلقيه الوفاء غري املستحق ،إما بتسليم هذا السند للمدين
احلقيقي أو املويف (الغري) ،و إما إبتالفه أو التخلص منه أبية طريقة.
−جترده من التأمينات الضامنة للوفاء حبقه (الكفالة أو الرهن الرمسي أو احليارى أو حق االختصاص
أو حق االمتياز ..اخل) بعد تلقيه الوفاء غري املستحق ،كالتنازل عن التأمني املخصص له أو عدم
قيد الرهن الذي يضمن له سداد دينه.
−ترك دعواه يف مطالبة املدين احلقيقي ابلوفاء تسقط مبضي مدة التقادم بسبب هذا الوفاء الذي
قام به الغري.
أما ابلنسبة للنفقات اليت أنفقها املوىف له سيء النية ،فليس له احلق يف مطالبة املوىف هبا ،إال إذا كانت نفقات ضرورية حلفظ الشيء
املوىف به.
130
الشرط الثالث :أن يكون الدائن (املوىف له) حسن النية أي أن يعتقد أن املويف (الغري) ملزم بوفاء
الدين ،فإذا كان الدائن سيء النية أبن كان يعلم أن الغري (املوىف) قد وقع يف غلط و أنه غري ملزم
ابلوفاء ،أو كان جترد الدائن من وسائل اقتضاء حقه بناء على تواطؤ و غش منه ،فال تسري على الدائن
أحكام املادة 146ق.م ،.و من مث ،جاز للغري املويف املطالبة ابسرتداد قيمة الوفاء الذي قام به للدائن
(املوىف له).
احلالة الثانية :تعجيل الوفاء بدين مؤجل
األجل هو أحد األوصاف املعدلة ألثر االلتزام ،و يعد االلتزام املؤجل التزام موجود يف ذمة املدين
إال أنه غري مستحق الوفاء ،و ال يستحق الوفاء به إال إذا سقط األجل أو حل ميعاده ،فإذا قام املدين
(املويف) قبل حلول أجل االلتزام ابلوفاء به معجالً ،اعترب وفاؤه هذا صحيحاً و ال حيق له مطالبة الدائن
(املوىف له) برد ما وفـاه طبقا لنص املادة 145ق.م ،و ذلك سواء كان املدين (املويف) يعلم أنه يويف
ابلتزام مل حيل أجله فيعد عندئذ مبثابة تنازل عن األجل ،أو كان جيهل وقت حلول أجل الوفاء ،و لكن
جيوز له يف هذه احلالة أن يطالب الدائن (املوىف له) برد مبلغ اإلثراء الذي حصل عليه من هذا الوفاء
املعجل ،أي رد الفائدة اليت حصل عليها عن املدة الباقية حللول األجل ،و ذلك يف حدود ما حلق املدين
(املوىف) من ضرر.
و تعترب هذه احلالة املتعلقة بتعجيل الوفاء بدين مؤجل استثناء عن قاعدة وجوب رد الوفاء غري
املستحق األداء ،و مبقتضى هذا االستثناء ،فضل املشرع اجلزائري تقرير عدم جواز اسرتداد املويف ما دفعه،
بدال من إلزام املوىف له برد الدين إىل املويف مث يعود الستيفائه منه اثنية عند حلول األجل ،ألن يف ذلك
مضيعة للوقت و اجلهد ال مربر له.
احلالة الثالثة :الوفاء لناقص األهلية
طبقا لنص املادة 148ق.م .إذا كان املوىف له قد تلقى الوفاء و هو انقص األهلية ،فال يلزم برد
إال ما أثري به و عاد عليه ابملنفعة ،مهما كانت درجة افتقار املويف ،أما ما هلك أو تلف من الشيء
املوىف به فال يلتزم انقص األهلية برده حىت و لو كان سيء النية ،إال إذا كان اهلالك أو التلف راجع إىل
خطئه فيسأل مسؤولية تقصريية.
131
الفرع الرابع :تقادم دعوى اسرتداد الدفع غري املستحق
تنص املادة 149ق.م .على أن حق املدين (املويف) يف مباشرة دعوى اسرتداد الدفع غري املستحق
يسقط ابنقضاء عشر سنوات من اليوم الذي يعلم فيه حبقه يف االسرتداد ،كما يسقط يف مجيع األحوال
مبضي مخس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه احلق يف االسرتداد ،أي من يوم الوفاء ،مما يعين أن
دعوى اسرتداد الدفع غري املستحق تتقادم أبقرب هاتني املدتني.
املبحث الثاين :الفضالة
تعترب الفضالة أحد تطبيقات اإلثراء بال سبب نصت عليها املواد من 150إىل 159ق.م ،.و
يتضح من مضمون هذه النصوص أن شخص يتفضل على آخر دون أن يتطفل عليه ،أبن يقوم بشأن
عاجل له دون أن يكون ملزماً ابلقيام به ،فهو بذلك حيافظ على شأن من شؤون غريه وال يعبث هبا،
ولذلك ألزم القانون رب العمل بتعويضه عما تكبده من جهد أو نفقات.
بناء على ذلك ،ميكن تعريف الفضالة أبهنا ":تويل شخص عن قصد يسمى الفضويل القيام بعمل
عاجل حلساب شخص آخر يسمى رب العمل ،دون أن يكون ملزماً بذلك".
املطلب األول :شروط الفضالة
يتضح من نص املادة 150ق.م .أن الفضالة تتطلب توافر ثالثة شروط هي :
الشرط األول :قيام الفضويل بشأن عاجل حلساب رب العمل
ينبغي لتتحقق الفضالة أن يتوىل الفضويل القيام بعمل ضروري ملصلحة رب العمل ،و العمل الضروري
هو ذلك العمل الذي ما كان رب العمل ليتقاعس عن القيام به لو كان قادراً على ذلك ،ألن يف إرجائه
حتقق خسارة معنوية أو مادية ،سواء أكان عمالً مادايً كإقامة جدار يوشك أن ينقض ،إطفاء حريق
شب يف أموال رب العمل ...اخل ،أم كان عمالً قانونياً كإجراء تصرفاً قانونياً حلساب رب العمل ،كأن
يؤجر له ماالً أو يدفع دين مستحق على رب العمل.
مع العلم أنه ميكن أن ينقلب الفضويل إىل و ٍ
كيل عن رب العمل مىت قام بعمل انفع ملصلحه مث علم
بقيامه ابلعمل و أجازه ،ومن مث ختضع العالقة فيما بينهما ألحكام الوكالة وليس لقواعد الفضالة طبقا
لنص املادة 152ق.م.
132
الشرط الثاين :قصد الفضويل العمل ملصلحة رب العمل
البد أن تتجه نية الفضويل إىل القيام بعمل ملصلحة رب العمل ،أي يكون على علم ودراية أنه
يسعى لتحقيق مصلحة لغريه متعمداً ذلك ،و هذا الشرط ميثل الركن املعنوي للفضالة ،لذلك إذا كان
الشخص يعتقد أنه يعمل حلساب نفسه و هو يعمل حلساب آخر ،كأن يقوم برتميم جدار معتقداً أنه له
مث تبني له أنه مملوك لغريه ،فالقائم هبذا العمل ال يعد فضولياً وليس له احلق يف الرجوع على صاحب
اجلدار بدعوى الفضالة ،وإن كان ميكنه الرجوع عليه بدعوى اإلثراء بال سبب مىت توافرت شروطها.
و يتوافر هذا القصد الذي تتحقق به الفضالة طبقا لنص املادة 151ق.م .حىت و لو كان
الفضويل يتوىل هذا العمل حتقيقاً ملصلحته اخلاصة ومصلحة رب العمل يف الوقت ذاته ،ألن العربة هنا
ابنصراف نية الفضويل إىل العمل ملصلحة الغري ،مىت وجد نوع من االرتباط بني املصلحتني يستحيل معه
حتقيق إحداها منفصلة عن األخرى ،مثال ذلك قيام الشريك برتميم املال اململوك على الشيوع ،فيعترب
فضولياً ابلنسبة لباقي املالك على الشيوع ،ألنه وإن كان الرتميم حيقق مصلحته اخلاصة ،فهو حيقق
مصلحة ابقي شركائه.
كما تتحقق الفضالة حىت يف احلالة اليت يقصد فيها الفضويل القيام ابلعمل حلساب شخص معني
مث يتبني أنه قام به حلساب غريه ،فالغلط يف شخص رب العمل ال حيول دون قيام الفضالة ،ألن املطلوب
هو انصراف نية الفضويل إىل العمل ملصلحة الغري ،ال ملصلحة شخص معني.
الشرط الثالث :أال يكون الفضويل ملتزما هبذا العمل
يشرتط لقيام الفضالة أال يكون الشخص ملزماً ابلعمل حلساب رب العمل مبوجب عقد بينهما أو
بنص قانوين أو حكم قضائي ،لذلك ال يعترب فضولياً املقاول الذي أقام بناء لرب العمل بناء على عقد
مقاولة ،والنائب القانوين إذا قام بعمل يف حدود نيابته حلساب األصيل ،ألن القائم هبذا العمل يعد ملزماً
ابلقيام به ال متفضالً دفعته الضرورة للعمل ملصلحة غريه.
املطلب الثاين :أحكام الفضالة
مىت توافرت الشروط املذكورة أعاله تنشأ الفضالة و يرتتب عنها التزامات على عاتق كل من
الفضويل ورب العمل ،عالوة على ذلك سيتم بيان أهلية طريف الفضالة وأثر املوت على هذه االلتزامات
مث تقادم الدعوى الناشئة عن الفضالة.
133
الفرع األول :التزامات الفضويل
طاملا أن الفضويل شخص تدفعه الضرورة للتدخل يف شؤون غريه ،فحىت ال يكون هذا التدخل نوع
من العبث و االستهتار مبصان اآلخرين ،ألقى املشرع على عاتقه عدة التزامات تتمثل يف:
-1املضي يف العمل الذي بدأه إىل أن يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه ،إال إذا كان
استمراره فيه يعرضه خلطر جسيم يستحيل عليه أن يتوقاه( .املادة 153ق.م).
-2بذل عناية الرجل العادي يف القيام ابلعمل ،فإذا احنرف الفضويل يف قيامه ابلعمل عن سلوك
الرجل املعتاد اعترب خمال هبذا االلتزام ،و من مث مسؤوال عن خطئه الذي سبب به ضرر لرب
العمل و يلتزم بتعويضه ،و جيوز للقاضي يف هذه احلالة إنقاص التعويض إىل احلد الذي يراه
مناسباً ،مىت وجدت ظروف تربر ذلك.
و إذا أانب الفضويل غريه يف القيام أبعمال الفضالة كان مسؤوال عن أعمال انئبه ،و ينشأ
لرب العمل دعوى مباشرة متكنه من الرجوع على انئب الفضويل ،و إذا تعدد الفضوليون كانوا
متضامنني فيما بينهم يف املسؤولية إذا قاموا بنفس العمل( .املادة 154ق.م).
-3إخطار رب العمل بتدخله يف القيام بعمل ملصلحته مىت استطاع ذلك ،وال يشرتط يف
اإلخطار شكل معني ويقع على عاتق الفضويل إثباته ،ألنه التزاماً عليه ،وله أن يثبته بكافة
طرق اإلثبات( .املادة 153ق.م).
-4تقدمي حساب لرب العمل عما قام به حىت يستطيع رب العمل تقدير تعويض مالئم له نظري
قيامه للعمل ملصلحته ،و رد ما استوىل عليه من مال بسبب الفضالة( .املادة 155ق.م).
الفرع الثاين :التزامات رب العمل
طبقا لنص املادة 157ق.م .يلتزم رب العمل بـ:
-1تنفيذ التعهدات اليت أبرمها الفضويل نيابة عنه ،أي ابسم رب العمل و حلسابه.
-2تعويض الفضويل عن التعهدات اليت أبرمها ابمسه الشخصي و حلساب رب العمل.
-3رد النفقات الضرورية و النافعة اليت أنفقها الفضويل أثناء قيامه ابلعمل ملصلحة رب العمل ،و
دفع األجر له إذا كان هذا العمل من أعمال مهتنه.
134
-4تعويض الفضويل عن الضرر الذي حلق به بسبب قيامه ابلعمل ملصلحة رب العمل ،طبقا
ألحكام املسؤولية التقصريية.
الفرع الثالث :أهلية الفضويل و رب العمل
يشرتط يف الفضويل أهلية التعاقد إذا أبرم تصرف قانوين ابمسه الشخصي و حلساب رب العمل،
لكن إذا أبرمه و هو انقص األهلية فال يكون مسؤوال عن إدارته إال ابلقدر الذي أثري به ،أما إذا أبرم
التصرف ابسم رب العمل و حلسابه فيصح تصرفه إذا كان مميزاً.
ابلنسبة لرب العمل فلم يتطلب فيه القانون توافر درجة معينة من األهلية ألن مصدر التزامه
ابلتعويض هو الفضالة ابعتبارها فعالً انفعاً ،و هي واقعة مادية ابلنسبة إليه وليست تصرف قانوين ،وبناء
على ذلك فإن مسؤوليته عن عدم تنفيذ التزاماته تقوم حىت ولو مل يكن أهالً للتعاقد ،و من مث يستطيع
الفضويل مطالبته ابلتنفيذ أو التعويض.
الفرع الرابع :أثر موت الفضويل أو رب العمل على الفضالة
قياساً على األحكام اخلاصة ابلوكالة السيما املادة 2/589ق.م ،.إذا مات الفضويل انقضت
الفضالة مبوته و التزم الورثة إذا كانوا كاملي األهلية وعلى علم ابلفضالة ،إبخطار رب العمل مبوت
مورثهم ،وأن يتخذوا التدابري الالزمة للحفاظ على األعمال اليت أجنزها الفضويل ،إىل أن يتمكن رب
العمل من التدخل ملباشرة العمل بنفسه.
أما إذا مات رب العمل فال يرتتب عن ذلك إنقضاء الفضالة ،بل يظل الفضويل ملتزماً حنو الورثة
مبا كان ملتزماً به حنو مورثهم يف حدود تركته ،فالتزامات الفضويل ال تتأثر مبوت رب العمل ،و جيب عليه
الوفاء هبا لورثته.
الفرع اخلامس :تقادم دعوى الفضالة
طبقا لنص املادة 159ق.م .تسقط دعوى الفضالة ابنقضاء عشر سنوات من اليوم الذي يعلم
فيه الفضويل أو رب العمل حبقه قبل اآلخر ،كما تسقط يف مجيع األحوال مبضي مخس عشرة سنة من
اليوم الذي ينشأ فيه احلق يف مباشرة دعوى الفضالة يف مواجهة امللتزم به ،بناء على ذلك تتقادم دعوى
الفضالة أبقرب هاتني املدتني.
135
الباب الثالث :القانون
استنادا إىل نص املادة 53ق.م .بقوهلا ":تسري على االلتزامات النامجة مباشرة عن القانون دون
غريها النصوص القانونية اليت قررهتا" ،يتبني أن القانون يعترب مصدراً غري مباشر لكافة االلتزامات الناشئة
عن التصرف القانوين أو الواقعة القانونية ،حيث يعد كل من العقد و التصرف ابإلرادة املنفردة و
املسؤولية التقصريية و اإلثراء بال سبب ،مصدراً مباشراً لاللتزامات اليت تنشئها ،و يكون القانون هو
املصدر غري املباشر هلذه االلتزامات ،ألنه هو الذي يرتب عليها أثرها القانوين و يضفي عليها محايته
حبيث يفرض على امللتزم الوفاء هبا طواعية أو جرباً عنه ،ويكفل للدائن اقتضاء حقه.
كمــا يعــد القــانون مصــدر مباشــر لــبعض االلتزامــات الــيت ال جتــد مصــدرها يف التصــرف القــانوين و
الواقع ــة القانوني ــة ،ك ــااللتزام ابلنفق ــة عل ــى الزوج ــة و األوالد امللق ــى عل ــى ع ــاتق ال ــزوج ،و االلت ـ ـزام ب ــدفع
الض ـرائب...إخل ،ألن القــانون هــو الــذي حيــدد نطاقهــا ومضــموهنا ،لــذا وجــب الرجــوع إىل الــنص القــانوين
املنشئ هلذه االلتزامات ملعرفة نطاقه وشروط تطبيقه.
136
137
تتمثل مصادر االلتزام يف القانون املدين اجلزائري يف مخس مصادر ميكن تقسيمها إىل صنفني و
مها :التصرف القانوين و الواقعة القانونية ،و يعد التصرف القانوين املصدر اإلرادي لاللتزام و يشمل كل
من العقد و اإلرادة املنفردة.
طبقا ألحكام العقد كأهم مصدر إرادي لاللتزام يستلزم القانون لنشوه صحيحا توافر ركن الرتاضي
من خالل توافق إرادتني فأكثر يف شكل إجياب و قبول على إنشاء حقوق و التزامات مع ضرورة توافر
أهلية التعاقد لدي املتعاقدين و خلو إرادهتما من عيوب اإلرادة و إال كان العقد قابل لإلبطال ملصلحة
املتعاقد انقص األهلية أو الذي شاب رضاه أحد عيوب اإلرادة.
إن وجود هذا الركن ال يكفي الستكمال العقد وجوده القانوين بل ينبغي أيضا توافر ركين احملل و
السبب و كذا ركن الشكل يف حالة نص القانون على ذلك ،أو اتفق املتعاقدين عليه ،أما إذا ختلف أحد
هذه األركان فيعترب العقد ابطال بطالن مطلق.
يرتتب على إنعقاد العقد صحيحاً بتوافر أركانه و شروط صحته آاثر قانونية من حقوق و التزامات
تسري على طرفيه و خلفهما العام و أما اخللف اخلاص فتنصرف إليه آاثر العقد وفق شروط حمددة.
ابلنسبة للغري فكقاعدة عامة ال تنصرف إليه آاثر العقد السيما التزامات ،و قد أكد املشرع
اجلزائري على ذلك يف صورة التعهد عن الغري ،ولكن استثناء جيوز أن يكتسب الغري حقاً من العقد يف
حالتني استثنائيتني إما يف حالة وجود نص قانوين يقضي بسراين آاثر العقد على الغري بصفة مباشرة ،أو
يف حالة اتفاق املتعاقدين على ذلك ،و قد نظم املشرع اجلزائري صورة تطبيقية هلذه احلالة و هي
االشرتاط ملصلحة الغري.
فضال عن ذلك ،يلتزم املتعاقدان بتنفيذ مضمون العقد حسبما اتفقا عليه و حبسن نية ،و ال جيوز
ألحدمها حله أو تعديله إبرادته املنفردة ،و هذا ما يعرب عنه بقاعدة " العقد شريعة املتعاقدين" ،و هذا ما
مل تطرأ ظروف استثنائية جتعل تنفيذه مرهقاً.
بناء على ذلك ،إذا أخل أحد املتعاقد ابلتزامه العقدي سواء ابالمتناع عن تنفيذه أو التأخري فيه أو
تنفيذه تنفيذاً معيباً (سوء تنفيذ االلتزام) جاز للمتعاقد اآلخر:
-طلب التعويض عن الضرر الذي حلق به مىت توافرت أركان املسؤولية من خطأ عقدي و ضرر
و عالقة سببية.
138
-إذا كان العقد ملزم جلانبني جاز له طلب فسخ العقد قضائياً ،و هذا ما مل يتفق الطرفان على
اعتبار العقد مفسوخ ابتفاقهما ،أما إذا استحال على أحد املتعاقدين تنفيذ التزامه لسبب
أجنيب ال يد له فيه فينفسخ العقد بقوة القانون.
-إذا كان العقد ملزم جلانبني جاز له الدفع بعدم التنفيذ من خالل التوقف عن تنفيذ التزامه
كوسيلة للضغط على املتعاقد اآلخر لتنفيذ التزامه.
ابإلضافة إىل العقد ،اعرتف املشرع اجلزائري ابإلرادة املنفردة كمصدر لاللتزام حبيث ميكنها إنشاء
التزامات بصفة منفردة على عاتق صاحبها ،مبوجب املادة 123مكرر من ق.م .كما نظم صورة تطبيقية
هلا و هي الوعد ابجلائزة.
أما ابلنسبة للواقعة القانونية ابعتبارها مصدر غري إرادي لاللتزام فتتمثل يف الفعل الضار (املسؤولية
التقصريية) و الفعل النافع (اإلثراء بال سبب) و القانون.
طبقا ألحكام املسؤولية التقصريية أقر املشرع اجلزائري ابملسؤولية عن الفعل الشخصي كقاعدة
عامة ،غري أنه استثناءً يسأل الشخص عن فعل الغري يف حالتني و مها مسؤولية متويل الرقابة و مسؤولية
املتبوع عن أفعال اتبعه ،كذلك قد يسأل الشخص استثناءً عن األشياء اليت حتت حراسته سواء كانت
غري حية أو حية (احليوان) و كذلك عن هتدم البناء و عن احلريق.
كذلك تبىن املشرع اجلزائري املسؤولية املوضوعية للمنتج كآلية لتعويض املتضررين من املنتجات
املعيبة ،و ذلك ابستحداثه لنص املادة 140مكرر يف القانون املدين مبوجب القانون ،10-05كما أقر
بنظام جديد للتعويض خارج إطار املسؤولية املدنية يتمثل يف تكفل الدولة ابلتعويض عن الضرر
اجلسماين عند إنعدام املسؤول مبوجب املادة 140مكر 1ق.م.
ميثل اإلثراء بال سبب كواقعة قانونية مصدراً من مصادر االلتزام غري اإلرادية ،لذلك نظم املشرع
القاعدة العامة له و نص على أهم تطبيقاته و هي الدفع غري املستحق و الفضالة.
و ابإلضافة إىل كل هذه املصادر ،يعترب القانون يف حد ذاته مصدر مباشر لبعض االلتزامات اليت
تنشأ عنه مباشرة ،هذا فضال عن كونه مصدراً غري مباشر لكافة االلتزامات الناشئة عن التصرف القانوين
أو الواقعة القانونية.
139
140
أوال :املؤلفات
−أمين سعد ،مصادر االلتزام ،دراسة موازنة بني القانون املدين املصري و مشروع مقرتح للقانون
املدين املصري طبقا ألحكام الشريعة اإلسالمية ،دار النهضة العربية ،مصر.2015 ،
−بشار ملكاوي و فيصل العمري ،مصادر االلتزام ،الفعل الضار ،دار وائل ،الطبعة األوىل،
األردن.2006 ،
−بلحــاج العــريب ،احلقــوق العينيــة يف القــانون املــدين اجلزائــري يف ضــوء أحــدث االجتهــادات القضــائية
املشهورة للمحكمة العليا ،دراسة مقارنة ،دار هومة ،اجلزائر.2016 ،
−بلحاج العريب ،النظرية العامة لاللتزام يف القانون املدين اجلزائري ،اجلزء الثاين ،الواقعة القانونية،
ديوان املطبوعات اجلامعية ،اجلزائر.1999 ،
−بلحاج العريب ،مصادر االلتزام يف ضوء قواعد الفقه اإلسالمي واألنظمة السعودية و االجتهادات
القضائية العربية و الفرنسية ،دراسة مقارنة ،املصادر اإلرادية العقد و اإلرادة املنفردة ،دار الثقافة،
الطبعة األوىل ،عمان ،األردن.2015 ،
−بن شويخ الرشيد ،دروس يف النظرية العامة لاللتزام ،دار اخللدونية ،اجلزائر.2011 ،
−جابر حمجوب علي ،النظرية العامة لاللتزام ،مصادر االلتزام ،املصادر اإلرادية ،العقد و اإلرادة
املنفردة ،دراسة يف القانون القطري مقارنة ابلقانون املصري ،دار النهضة العربية ،الطبعة األوىل،
القاهرة ،مصر.2015 ،
−حبار أمال ،مصادر االلتزام ،املصادر اإلرادية و املصادر غري اإلرادية يف القانون املدين اجلزائري،
مكتبة الرشاد ،الطبعة األوىل ،اجلزائر.2013 ،
−درع محاد ،النظرية العامة لاللتزامات ،القسم األول مصادر االلتزام ،دار السنهوري ،بريوت لبنان،
.2016
−سليمان مرقس ،الوايف يف شرح القانون املدين ،اجلزء األول يف االلتزامات ،اجمللد األول يف الفعل
الضار واملسؤولية املدنية ،القسم األول يف األحكام العامة ،بدون دار نشر ،الطبعة اخلامسة
نقحها حبيب إبراهيم اخلليلي سنة .1992
141
−سليمان مرقس ،الوايف يف شرح القانون املدين ،اجلزء الثاين يف االلتزامات ،اجمللد الثاين يف الفعل
الضار واملسؤولية املدنية ،القسم الثاين يف املسؤوليات املفرتضة ،بدون دار نشر ،الطبعة اخلامسة
نقحها حبيب إبراهيم اخلليلي سنة .1992
−الشهايب إبراهيم الشرقاوي ،مصادر االلتزام اإلرادية يف قانون املعامالت املدنية اإلمارايت ،العقد و
التصرف االنفرادي ،مكتبة اجلامعة و دار إثراء للنشر و التوزيع ،الطبعة األوىل.2008 ،
−عبد الرمحان الشرقاوي ،القانون املدين ،دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام على ضوء أتثرها
ابملفاهيم اجلديدة للقانون االقتصادي ،الكتاب األول ،مصادر االلتزام ،اجلزء األول ،التصرف
القانوين ،مطبعة املعارف اجلديدة ،الطبعة الثانية ،اململكة املغربية.2014 ،
−عبد الرزاق السنهوري ،الوسيط يف شرح القانون املدين ،مصادر االلتزام ،جزء ،3دار إحياء
الرتاث العريب ،لبنان ،بدون سنة نشر.
−عبد السالم ذيب ،قانون اإلجراءات املادية و اإلدارية اجلديد ،ترمجة للمحاكمة العادلة ،موفم
للنشر ،الطبعة الثالثة منقحة ،اجلزائر.2012 ،
−عبد القادر العرعاري ،مصادر االلتزامات ،الكتاب الثاين ،املسؤولية املدنية ،دراسة مقارنة على
ضوء النصوص التشريعية اجلديدة ،دار األمان ،الطبعة الثالثة ،الرابط ،اململكة املغربية.2014 ،
−علي فياليل ،االلتزامات ،الفعل املستحق للتعويض ،موفم للنشر ،الطبعة الثالثة ،اجلزائر.2012 ،
−علي فياليل ،االلتزامات ،النظرية العامة للعقد ،موفم للنشر ،طبعة منقحة و معدلة ،اجلزائر،
.2008
−علي فياليل ،نظرية احلق ،دار موفم للنشر ،اجلزائر.2011 ،
−فاضلي إدريس ،الوجيز يف النظرية العامة لاللتزام ،العقد – اإلرادة املنفردة – الفعل املستحق
للتعويض – اإلثراء بال سبب – القانون ،ديوان املطبوعات اجلامعية ،الطبعة األوىل ،اجلزائر،
.2015
−الفصايلي الطيب ،النظرية العامة لاللتزام ،اجلزء األول ،مصادر االلتزام ،مطبعة النجاح اجلديدة،
الطبعة الثانية ،الدار البيضاء ،اململكة املغربية.1997 ،
142
−لبين خمتار ،وجود اإلرادة و أتثري الغلط عليها يف القانون املدين ،ديوان املطبعات اجلامعية،
اجلزائر.1984 ،
−حممد حسن قاسم ،الوجيز يف نظرية االلتزام ،املصادر -األحكام ،دار اجلامعة اجلديدة،
اإلسكندرية ،مصر.1994 ،
−حممد حسني منصور ،مصادر االلتزام ،الفعل الضار ،الفعل النافع ،القانون ،الدار اجلامعية،
مصر.2000 ،
−حممد صربي السعدي ،الواضح يف شرح القانون املدين اجلزائري ،اجلزاء األول ،النظرية العامة
لاللتزامات ،مصادر االلتزام (العقد و اإلرادة املنفردة) ،دراسة مقارنة يف القوانني العربية ،دار
اهلدى ،اجلزائر.2007 ،
−حممد صربي السعدي ،الواضح يف شرح القانون املدين اجلزائري ،النظرية العامة لاللتزامات،
مصادر االلتزام (املسؤولية التقصريية :الفعل املستحق للتعويض) ،دراسة مقارنة يف القوانني
العربية ،دار اهلدى ،اجلزائر.2011 ،
−خمتار رمحاين حممد ،املسؤولية املدنية عن فعل املنتجات املعيبة ،دار هومه ،اجلزائر.2016 ،
−مصطفى بوبكر ،املسؤولية التقصريية بني اخلطأ و الضرر يف القانون املدين اجلزائري ،دار اجلامعة
اجلديدة ،اإلسكندرية ،مصر.2015 ،
−هدى عبد هللا ،القانون املدين ،األموال ،منشورات احلليب احلقوقية ،بـريوت ،لبنـان ،الطبعـة األوىل،
.2016
اثنيا :املذكرات
−مخيس سناء ،املسؤولية املوضوعية للمنتج كآلية تعويضية لضحااي حوادث املنتجات املعيبة
(دراسة مقارنة) ،مذكرة ماجستري يف القانون ،فرع قانون العقود ،كلية احلقوق والعلوم
السياسية ،جامعة مولود معمري تيزي وزو.2015 ،
−قنطرة سارة ،املسؤولية املدنية للمنتج و أثرها يف محاية املستهلك ،مذكرة لنيل شهادة
املاجستري يف القانون اخلاص ،ختصص قانون األعمال ،كلية احلقوق و العلوم السياسية،
جامعة حممد ملني دابغني سطيف .2017 – 2016 ،-2 -
143
−مامش اندية ،مسؤولية املنتج ،دراسة مقارنة مع القانون الفرنسي ،مذكرة ماجستري يف القانون،
ختصص قانون األعمال ،كلية احلقوق والعلوم السياسية ،جامعة مولود معمري تيزي وزو،
.2012 -2011
اثلثا :املقاالت
−قاشي عالل ،حاالت انتفاء مسؤولية املنتج ،جملة البحوث و الدراسات القانونية و السياسية،
جملة كلية احلقوق جامعة سعد دحلب البليدة ،العدد الثاين ،2012 ،ص.147 - 124 .
−مسعودي يوسف و أرجيلوس رحاب ،اإلجتاه املوضوعي ملسؤولية املنتج يف التشريع اجلزائري ،جملة
القانون و اجملتمع ،اجمللد ،5العدد ،2017 ،1ص.109 – 84 .
−انئل علي املساعدة ،الضرر يف الفعل الضار وفقاً للقانون األردين ،دراسة مقارنة ،جملة املنارة،
اجمللد ،12العدد ،2006 ،3ص.410 – 391 .
−القانون رقم 03-09املـؤرخ يف 25فربايـر 2009يتعلـق حبمايـة املسـتهلك و قمـع الغـش ،ج .ر.
العدد 08 ،15مارس ،2009ص.23 – 12 .
144
145
املقدمة 01 ..............................................................................................
القسم األول :التصرف القانوين 05 .....................................................................
الباب األول :العقد06 ...............................................................................
الفصل األول :مفهوم العقد و تقسيماته 06 ..........................................................
املبحث األول :مفهوم العقــد 06 ....................................................................
املطلب األول :تعريف العقد 06 ..................................................................
146
املبحث الثالث :ركن السبب 36 ....................................................................
147
الفصل اخلامس :زوال العقد 52 ......................................................................
املبحث األول :انقضاء العقد 52 ...................................................................
املطلب الثاين :احنالل العقد لعدم تنفيذ أحد املتعاقدين اللتزامه 53 ...............................
املطلب الثالث :احنالل العقد ابالنفساخ الستحالة تنفيذ التزاماته 57 .............................
املبحث الثاين :موقف املشرع اجلزائري من اإلرادة املنفردة كمصدر لاللتزام 61 ........................
املبحث الثالث :أركان التصرف ابإلرادة املنفردة 61 ..................................................
148
املطلب الثاين :الوعد غري حمدد املدة 63 .........................................................
املطلب األول :مسؤولية متويل الرقابة عن أفعال اخلاضع لرقابته 101 ..............................
املطلب الثاين :مسؤولية املتبوع عن أفعال التابع105 .............................................
149
الفصل األول :القاعدة العامة يف اإلثراء بال سبب 120 ...............................................
املبحث األول :شروط اإلثراء بال سبب 120 .......................................................
150