Professional Documents
Culture Documents
إن نظرية االلتزام هي جزء من الجانب المالي للقانون المدني ،وتشمل مجموع الوسائل القانونية الفنية
التي يتسنى بها لألفراد أن يكتسبوا حقوقا مالية بعضهم اتجاه بعض ،ويتحدد مضمون هذه النظرية في "
االلتزام " ،بصورة عامة منذ نشوءه إلى انقضائه ،فااللتزام كاإلنسان ،يولد ثم يعيش لفترة محددة طالت
أم قصرت ،تعتريه خاللها أحوال و أوصاف ثم يموت .
و تكتسي نظرية االلتزام أهمية بالغة ،نظرا ألنها تنظم جزءا كبيرا من حياة األفراد في المجتمع ،أال
وهو الجانب المالي ،ففي الحياة اليومية نقوم بمعامالت كثيرة تنظيمها من صلب نظرية االلتزام ،التي
أصبحت قواعدها بمثابة ثوابت ،لم يستطع الزمان أن يتصدى لمضمونها بالمراجعة أو االستبعاد ،وإذا
كانت التطورات الحاصلة في البلدان المختلفة قد دفعت بالمشرع إلى إجراء بعض التعديالت اليسيرة ،إال
أن هذه األخيرة لم ترقى للمساس بقواعدها الجوهرية .
أ – أن االلتزام له وجهان ،وجه شخصي ووجه مادي ،فالوجه الشخصي له ،فيتمثل بأن االلتزام يلزم
شخصا معينا وهو المدين محل التزامه ،إعطاء شيء أو القيام أو االمتناع عن عمل ،و أما الوجه المادي ،
فيتمثل بالقيمة المالية لاللتزام بالنظر لمحله.
1
إن تقسيم مصادر االلتزام وفق النظرية الحديثة يقوم على مصدرين :
مصادر إرادية :وسميت كذلك لتدخل اإلرادة فيها إلنشاء االلتزام ،وتشمل العقد ،كعقد البيع مثال و
اإلرادة المنفردة كالتصرف القانوني للوصية .
مصادر غير إرادية :وسميت كذلك ألن اإلرادة ال تتدخل في إنشاء االلتزام ،وتشمل كل من العمل
المستحق للتعويض ( المسؤولية التقصيرية ) ،و إن كان هذا ال يصدق على الفعل الضار العمدي ،و
اإلثراء بال سبب و القانون .
من هذا التعريف يتضح أن الق الم الج قد سار مسار نظيره الفرنسي في تعريف العقد ،حيث جمع بين
تعريف العقد و االلتزام ،وفي الواقع أن تعريف العقد شيء وتعريف االلتزام شيء آخر ،ألن االلتزام
رابطة أو عالقة أو واجب إن صح التعبير تنشأ عن العقد ،هذا األخير الذي يعتبر بالنسبة إليه بمثابة
المصدر الذي ينشأ عنه ،بمعنى آخر أن االلتزام ليس إال أثر يترتب على العقد ،فإذا قام عقد البيع بين البائع
و المشتري ،ينشأ بعد قيامه التزام البائع بتسليم الشيء المبيع ،و التزام المشتري بدفع الثمن ،ولذا ال
يعرف المصدر باألثر ،زد على ذلك أن تعريف المشرع الجزائري للعقد ضمن أحكام المادة 54لم يبرز
دور اإلرادة في إنشاء العقد ،خاصة أن العقد ال يقوم إال على إرادتان متطابقتان يعتد بهما القانون ،إذن
يمكن أن نعرف العقد بأنه اتفاق يقوم بين شخصين أو أكثر على إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو
إنهائها ،وبمفهوم المخالفة فإن أي اتفاق ال يؤدي إلى إنشاء رابطة قانونية أو تعديلها أو إنهائها ال يعتبر
2
عقدا ،ومثال ذلك إذا دعا شخص ،شخص آخر إلى حضور عزومة يقيمها ،فقبل هذا األخير ،فإذا تخلف
الشخص المدعو ،ال يترتب عليه أي أثر قانوني ،إال إذا كان هناك قصد في ترتيب هذا األثر القانوني .
و تج در اإلشارة كذلك ،أن ليس كل اتفاق يراد به إحداث أثر قانوني يكون عقدا ،بل يجب أن يكون هذا
االتفاق واقع في نطاق القانون الخاص ،وفي دائرة المعامالت المالية ،فيخرج عن نطاق ذلك عقد الزواج
و التبني و الوظيفة العامة ،فهي إما متعلقة بالقانون العام أو متصلة باألحوال الشخصية .
ومن تعريف العقد يمكن أن نستخلص جملة من الخصائص ،نذكر أهمها فيما يلي :
-العقد مصدر لاللتزام :يترتب عن نشوء االلتزام في ذمة كال طرفيه ،أو في ذمة طرف واحد ،فهذا
االلتزام قد يكون محله إعطاء شيء (كنقل ملكية منقول أو عقار ) ،وقد يكون محله القيام بعمل مثل التزام
المقاول باألعمال المتفق عليها في عقد المقاولة ،وقد يكون محله االمتناع عن القيام بالعمل ،كالتزام البائع
بعدم التعرض للمشتري في انتفاعه بالمبيع.
-العقد مصدر إرادي لاللتزام :يقوم العقد على إرادتين متطابقتين ،فتتجه إرادتان فأكثر إلى التقيد بما
يفرضه من التزامات بكل حرية .
أ العقد الرضائي :وهو العقد الذي تكفي النعقاده اإلرادة ،عن طريق توافق إرادة المتعاقدين ،دون
حاجة التخاذ أي إجراء شكلي النعقاده ،والمشرع الجزائري قد جعل مبدأ سلطان اإلرادة أو مبدأ
الرضائية هو القاعدة في تنظيم العقود إال إذا وجد نص خاص.
ب العقد الشكلي :هو ذلك العقد الذي ال تكفي اإلرادة النعقاده ،وإنما يجب إفراغ اإلرادة في قالب
شكلي ،وهو الكتابة الرسمية أو العقد الرسمي ،كما عرفه المشرع ضمن أحكام المادة 324من الق الم
3
الج ،ومن العقود الشكلية عقد البيع الواقع على عقار أو حقوق عينية عقارية ،و تجدر اإلشارة أن الكتابة
الرسمية في هذه الحالة تعتبر ركن النعقاد العقد وتخلفها يجعل العقد باطل بطالن مطلق ،وهذا ما يختلف
عن الكتابة كوسيلة إثبات ،حيث ال يمنع من أن يتفق المتعاقدان على الكتابة إلثبات العقد ،في هذه الحالة
يكون شرط الكتابة ليس ركن النعقاد العقد ،وإنما شرط إلثباته.
أ العقد الملزم للجانبين :تنص المادة 55من الق الم الج " يكون العقدملزما للطرفين ،متى تبادل
المتعاقدان االلتزام بعضهما بعضا " ،إذن العقد الملزم للجانبين هو العقد الذي ينشىء التزامات متقابلة في
ذمة كل من المتعاقدين ،فكالهما دائن و مدين في نفس الوقت فعقد اإليجار مثال يرتب على المؤجر
االلتزام بتسليم العين المؤجرة للمستأجر لالنتفاع ،ويرتب على المستأجر في المقابل دفع األجرة .
ب العقد الملزم لجانب واحد :تنص المادة 56من الق الم الج " يكون العقد ملزما لشخص ،أو لعدة
أشخاص ،إذا تعاقد فيه شخص نحو شخص ،أو عدة أشخاص آخرين دون التزام من هؤالء اآلخرين "،
فالعقد الملزم لجانب واحد هو العقد الذي ينشىء التزامات في ذمة طرف دون اآلخر ،ومثاله عقد الهبة
دون عوض ،حيث يلتزم الواهب بنقل ملكية الشيء الموهوب إلى الموهوب له دون مقابل من هذا األخير
.
ويترتب على تقسيم العقود من حيث اآلثار القانونية التي ترتبها ،النتائج اآلتية :
-الفسخ مقتصر على العقود الملزمة للجانبين ،حيث يستطيع الدائن أن يطالب المدين بتنفيذ التزامه عند
تقاعسه ،أو أن يطالب بالفسخ ،أما في العقود الملزمة لجانب واحد فيستطيع الدائن أن يطالب المدين بتنفيذ
التزامه دون الفسخ ألنه ال يفيد طالبه في هذه الحالة.
-الدفع بعدم التنفيذ مقتصر على العقود الملزمة للجانبين ،حيث تكون االلتزامات متقابلة ،إذ يستطيع الدائن
الدفع بعدم التنفيذ ،أي يمتنع بدوره عن التنفيذ عندما يمتنع المدين عن تنفيذ التزامه ،أما في العقود
الملزمة لجانب واحد فال يستطيع الدائن أن يقوم بذلك إذ ال التزام عليه .
-تحمل تبعة الهالك ،إذا استحال تنفيذ االلتزام لسبب أجنبي ،ينقضي االلتزام المقابل ،فيتحمل المدين تبعة
ذلك ،أما في العقود الملزمة لجانب واحد ،فإنه إذا استحالت هذه االلتزامات تحمل الدائن تبعة هذه
االستحالة .
العقد المحدد :وهو العقد التي تكون فيه التزامات كال طرفيه محددة وقت إبرام العقد ،ففي عقد البيع
المحدد مثال يكون مقدار األداء الذي يلتزم به كل متعاقد محدد وقت التعاقد ،فيتم تحديد الثمن ب مليون
دينار جزائري ،و يحدد المبيع بسيارة من نوع " رونو سامبول "
4
العقد االحتمالي :وهو العقد الذي ال تكون فيه التزامات أحد طرفيه محددة وقت التعاقد ،و إنما تتوقف
على أمر مستقبلي غير محقق الوقوع ،ومثال ذلك واضح في عقد التأمين ضد الحريق مثال ،حيث يلتزم
المؤمن له بدفع مبلغ من النقود لشركة التأمين ،وذلك لتأمين سيارته لمدة سنة ضد أي حريق يمكن أن
يصيبها ،فنالحظ هنا أن التزام المؤمن له قد تم تحديده وقت التعاقد ،بينما التزام شركة التأمين غير
محدد ،فإذا وقع الحريق التزمت الشركة بدفع مبلغ التأمين ،وإن لم يقع فإنها ال تلتزم بدفع شيء .
العقد الفوري :العقد الذي ال يكون الزمن عنصرا جوهريا فيه ،فيكون تنفيذه فوريا كعقد البيع مثال ،و
لو تراخى التنفيذ إلى أجل كالبيع بثمن مؤجل ،أو آجال متتابعة كالبيع بالتقسيط ،فالزمن إن دخل فهو
ثانوي ،يدخل لتحديد وقت التنفيذ و ليس لتحديد المحل المعقود عليه .
العقد الزمني :وهو العقد الذي يكون الزمن عنصرا جوهريا فيه ،بحيث يكون هو المقياس الذي يقدر
به محل العقد ،أي أن المحل ال يمكن تصوره إال بالزمن كالمنفعة في عقد اإليجار التي ال يمكن تقديرها
إال بمدة زمنية ،وكذلك عقد العمل لمدة زمنية ألن الخدمات التي يؤديها العامل ال تقاس إال بالزمن.
و المقصود باإلرادة هنا ،هي اإلرادة التي تتجه إلى إحداث أثر قانوني معين وهو إنشاء االلتزام فال
عبرة باإلرادة التي تتجه إلى إحداث أثر قانوني ،كما هو الحال في االحتفاالت و العادات االجتماعية في
األفراح و التعازي التي تقوم بين أفراد األسرة ،كما ال يؤخذ كذلك بإرادة الهازل في إحداث األثر القانوني
.
1يأخذ القانون المدني الجزائري بالتقسيم الثنائي للبطالن ،حيث استخدم اصطالح العقد الباطل مقابل البطالن المطلق و
اعتبره من النظام العام ،و اصطالح القابل لإلبطال مقابل البطالن النسبي و اعتبره ليس من النظام العام
5
أوال -التعبير عن اإلرادة :التعبير عن اإلرادة يصدر من صاحب الحق المتعاقد في مواجهة الطرف
اآلخر ...فيسمى التعبير الصادر من األصيل ،لكن قد يمنع صاحب الحق مانع في التعبير عن إرادته لسبب
من األسباب فينيب عنه شخصا آخر يعرف بالنائب ،1أو ما يعرف كذلك بالنيابة في التعاقد .
-1التعبير عن اإلرادة الصادر عن األصيل :إن التعبير عن اإلرادة هو مظهرها الخارجي و يكون
بأحد الوسائل و الطرق التي نصت عليها المادة 60من الق الم الج ،فإما أن يكون تعبير صريح لإلرادة أو
تعبير ضمني .
-و يكون التعبير الصريح لإلرادة بأحد الوسائل التالية :اللفظ ،الكتابة ،اإلشارة المتداولة عرفا و اتخاذ
موقف ال يدع أي شك في داللته عن مقصود صاحبه كعرض التاجر ألسعار السلع التي يبيعها كتعبير
صريح إليجابه أو كوقوف سيارات األجرة في الموقف الخاص بها.
-و يكون التعبير الضمني لإلرادة إذا كان المظهر الذي اتخذه الشخص ليس في ذاته موضوعا للكشف عن
اإلرادة ،ومع ذلك ال يمكن تفسيره دون أن يفترض وجود هذه اإلرادة كأن يتصرف شخص في شيء
عرض عليه ليشتريه ،فهذا دليل على أنه قبل شراءه ،كذلك كبقاء المستأجر في العين المؤجرة بعد نهاية
عقد اإليجار و يصدر منه عمل يراد به التجديد .
تنص المادة 61ق م ج" ينتج التعبير عن اإلرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ،و
يعتبر وصول التعبير قرينة على العلم ما لم يقم الدليل على عكس ذلك " .
يتضح من نص المادة 61أن التعبير عن اإلرادة ال يرتب آثاره القانونية إال في الوقت الذي يتصل فيه
بعلم من وجه إليه ،بعبارة أخرى إن التعبير سواء كان صريحا أو ضمنيا أو صدر بأي وسيلة كانت فإذا ما
اقترن بعلم من وجه إليه رتب آثاره القانونية ،كما يمكن اإلشارة أن للتعبير عن اإلرادة وجودا فعليا يتم
بمجرد صدوره عن صاحبه ،ووجود قانوني يتم بوصوله إلى علم من وجه إليه ،و العبرة في التعبير هي
بوجوده القانوني ،إذ به وحده تترتب اآلثار القانونية للتعبير عن اإلرادة ،و مثال ذلك إذا كان التعبير عن
اإلرادة قبوال ،فإنه ال ينتج أثره إال إذا علم به من وجه إليه وهو الموجب ،و أثر القبول هنا أكثر وضوحا
1خليل أحمد حسن قدادة ،الوجيز في شرح القانون المدني الجزائري ( الجزء األول ) مصادر االلتزام ،طبعة ، 1994
ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ، 1994 ،ص 34
2حمزة قتال ،مصادر االلتزام العقد ،دار هومه ،الجزائر ، 2018ص 58
6
من أثر اإليجاب ،ألن أثر القبول إذا أنتج أثره هو انعقاد العقد ،فالقبول إذا صدر فال يتم العقد به إال إذا
وصل إلى علم من وجه إليه.
و مادام أن المادة السالفة الذكر ربطت الوجود القانوني للتعبير بعلم من وجه إليه ،غير أنه و نظرا
لكون هذا العلم متعذر اإلثبات في كثير من األحيان ،إذن فهي قرينة بسيطة يجوز إثبات عكسها كأن يثبت
الشخص أنه كان في سفر وقت وصول التعبير عن اإلرادة إلى منزله ،ولم يعلم بفحواه إال بعد أيام ،
وعليه فالتعبير عن اإلرادة بمجرد صدوره يصبح له كيانا مستقال عن صاحبه ،لكنه ال ينتج أثره القانوني
إال باتصاله بعلم من وجه إليه .
ب -2أثر موت المعبر أو فقده ألهليته على التعبير عن اإلرادة :
تنص المادة 62ق م ج " إذا مات من صدر منه التعبير أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبير أثره ،فإن ذلك
ال يمنع من ترتب هذا األثر عند اتصال التعبير بعلم من وجه إليه ،هذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو من
طبيعة التعامل " .
يتبين من هذه المادة أن للتعبير عن اإلرادة وجودا فعليا ،حيث ينفصل عن صاحبه و يصبح له كيانا
مستقال يبقى له و لو مات من صدر منه أو فقد أهليته ،و يرتب آثاره القانونية رغم ما حدث لصاحبه بشرط
اتصاله بعلم من وجه إليه ،غير أن المادة استثنت من الحكم السابق حالة ( :عندما يتبين من التعبير أو من
طبيعة التعامل أن التعبير ينعدم بموت من صدر منه أو بفقده ألهليته ،كأن يكون من صدر منه التعبير
محل اعتبار كما إذا كان الشخص القابل فنان ،أو أن يحتاط صاحب التعبير لنفسه فيقيد ترتب آثار التعبير
عن إرادته ببقائه حيا أو كامل األهلية) ،في هذه الحالة فإن القبول يسقط بموت القابل و ال يمكن لورثة
القابل أن يلزموا الموجب بإبرام العقد ألن اإليجاب أو طبيعة التعامل تمنع ذلك .و تجدر اإلشارة أن الفقه
الغالب يحصر هذه الحالة أي إذا مات من صدر منه التعبير عن اإلرادة أو فقد أهليته يبقى للتعبير وجوده
الفعلي ،ويرتب أثره إذا وصل إلى علم من وجه إليه ،يحصرها في القبول دون اإليجاب ،فإذا صدر
القبول ثم مات صاحبه أو فقد أهليته ،فإن القبول يبقى رغم ذلك و يرتب آثاره القانونية إذا علم به الموجب
،أي أن العقد ينعقد بالرغم من موت من صدر منه القبول ،أما في حالة اإليجاب ،فال فائدة من الحكم الذي
قضت به المادة ،إذ أنه بالرغم من بقاء اإليجاب بعد وفاة الموجب و ترتيبه ألثره القانوني إال أن وفاة
الموجب يحول دون ترتيب القبول أثره القانوني و هو إبرام العقد حيث يستحيل علم الموجب بهذا القبول.
– 3توافق اإلرادتين :إن العقد هو اتفاق بين شخصين أو أكثر ،وذلك عن طريق اقتران اإليجاب و
القبول الصادرين من المتعاقدين ،فاقتران اإليجاب و القبول يكون إما في مجلس واحد كالتعاقد بين
حاضرين ،أو أن اإليجاب و القبول ال يجمعهما مجلس واحد وهو التعاقد بين غائبين .
أ – حالة التعاقد بين حاضرين :إن الحديث عن اإليجاب و القبول يقتضي منا تحديد أوال المقصود
بمجلس العقد .
أ – 1مجلس العقد :ذكر اصطالح مجلس العقد في المادة 64من القانون المدني ،و يقصد به ذلك
المكان الذي يجمع كال من أطراف العقد بحيث يسمع كال منهما اآلخر ،أي بتعبير آخر كل طرف يعلم
بتعبير صاحبه فور صدوره عنه ،وقد يكون هذا المجلس حقيقيا عندما يتواجد المتعاقدان في مكان واحد
7
بحيث يسمع كل منهما اآلخر و يراه ،وقد يكون مجازيا عندما يستطيع كال من المتعاقدين سماع بعضهما
رغم تواجدهما في مكانين مختلفين .
وقد بينت المادة 64السالفة الذكر بأن اإليجاب الذي يصدر في مجلس العقد يعتبر صالحا ألن يقترن
به قبول ،وهو في الوقت ذاته غير ملزم لصاحبه ،فيستطيع أن يعدل عنه ،كما أجازت ذات المادة
للموجب له أن يتراخى في إصدار قبوله ،وفي هذه الحالة يعتبر القبول صحيحا إذا ما توفر شرطان
أساسيان - :أن يبقى مجلس العقد قائما ،بمعنى أن يبقى كل من المتعاقدين منشغلين بالتعاقد .
-أن يبقى الموجب على إيجابه ،فال يرجع فيه أثناء المدة التي يبقى فيها مجلس العقد قائما .
اإليجاب :هو التعبير عن اإلرادة البات المقترن بقصد االرتباط بالتعاقد ،إذا لحقه قبول مطابق .
فالموجب إذا كان في مرحلة المفاوضات التي تسبق عادة اإليجاب الملزم ،فهذه المرحلة ال يرتب
عليها القانون أي أثر قانوني ،و يسقط اإليجاب الملزم في حالتين هما :
الحالة األولى :إذا رفض من صدر اإليجاب له ،فيسقط اإليجاب في هذه الحالة حتى و لو لم تنته المدة
المحددة لإليجاب ،والرفض يكون إما قطعي أو عن طريق إيجاب جديد يخالف اإليجاب األول وبالتالي
يحتاج إلى قبول من قبل الموجب ،أو عن طريق قبول يتضمن تعديل لإليجاب .
الحالة الثانية :انقضاء مدة اإليجاب المحددة أو التي تحددها ظروف التعامل دون أن يقابله قبول .
القبول :هو التعبير عن اإلرادة البات المقترن بقصد االرتباط بالتعاقد ،في حالة تطابقه مع اإليجاب
تطابق تاما ،كأن يقول الشخص (أ ) أبيعك هذا الهاتف النقال ب 50.000دج فيجيب عليه الشخص (
ب ) قبلت شراء الهاتف ب 50.000دج ،فهنا يكون القبول مطابقا مطابقة تامة لإليجاب فينعقد العقد،
وحتى يعتد بالقبول من الناحية القانونية يجب :
-أن يصدر القبول قبل سقوط اإليجاب ،و إال أعتبر القبول إيجابا
-إذا كان في القبول تعديل لإليجاب ،فهنا ال يعتبر قبوال بل إيجاب جديد يحتاج كذلك إلى قبول .
إن القبول باعتباره تعبيرا عن اإلرادة ،ال بد أن يكون ما يدل على وجوده سواء صراحة أو ضمنا أو
اتخاذ موقف ،لكن السؤال الذي يطرح في هذا المقام هل يعتبر السكوت الذي لم يقترن باتخاذ موقف
قبوال ؟
لقد أجابت على هذا التساؤل المادة 2/68من القانون المدني على أنه ( يعتبر السكوت عن الرد قبوال ،
إذا اتصل اإليجاب بتعامل سابق بين المتعاقدين ،أو إذا كان اإليجاب لمصلحة من وجه إليه )
كقاعدة عامة السكوت يعتبر عمل سلبي ال يرتب أثر قانوني ،تطبيقا للمقولة ( ال ينسب لساكت قول ) ،
لكن خروجا عن هذه القاعدة العامة فقد اعتبر المشرع السكوت قبوال في حالتين هما :
الحالة األولى :ما إذا كان هناك تعامل سابق بين الموجب و الموجب له
8
كأن يكون الموجب أحد البنوك و قد أرسل للموجب له حسابه الجاري ،فإن سكوت الموجب له وعدم
رده على البنك و لم يعترض أعتبر سكوته قبول لوجود تعامالت سابقة بين الطرفين .
وذلك بأن يحقق له مصلحته بشروط جيدة فسكوت الموجب له في هذه الحالة يعتبر كذلك قبوال كما هو
الحال في عقود التبرعات كعقد الهبة مثال .
يكون التعاقد بين غائبين إذا لم يجمع المتعاقدين مجلس عقد واحد ،حيث تكون هناك فترة زمنية
ستمضي بين اإليجاب و القبول كالتعاقد باستعمال الرسائل أو البرقيات أو عن طريق إرسال رسول ينقل
إرادة أحد األطراف إلى اآلخر ،إذن فمتى ينعقد العقد ....؟ ،فبموجب نص المادة 67من القانون المدني
نجد أن المشرع الجزائري يأخذ بنظرية العلم بالقبول من طرف الموجب لتحديد وقت اقتران القبول
باإليجاب ،ما لم يتفق المتعاقدان أو ينص العقد على غير ذلك ،وقد أقام القانون المدني قرينة على العلم
بالقبول ،وهي وصول التعبير عن القبول في الزمان و المكان اللذين وصل فيهما ،وهي قرينة بسيطة
يجوز إثبات عكسها من قبل الموجب .
يقصد بالنيابة في التعاقد ( حلول إرادة النائب محل إرادة األصيل في التعبير عن اإلرادة مع انصراف
اآلثار القانونية المترتبة إلى الشخص األصيل ال النائب ) ،وللنيابة أنواع ثالث بحسب مصدرها :فهناك
النيابة االتفاقية و مصدرها عقد الوكالة ،و هناك النيابة القانونية و مصدرها القانون كاألب مثال على
أبنائه القصر ،و هناك النيابة القضائية و مصدرها الحكم القضائي ،فعند انعدام الولي أو الوصي يعين
القاضي مقدما.
يشترط في النيابة في التعاقد أن تحل إرادة النائب محل إرادة األصيل ،فتكون إرادة النائب محل اعتبار
في إبرام العقد ،ال أن ينقل النائب إرادة األصيل و هذا هو الفرق بين النائب و الرسول ،حيث أن التعاقد
بواسطة الرسول يعتبر تعاقد بين غائبين ،بينما التعاقد بالنيابة هو تعاقد بين حاضرين.
و يشترط في النيابة االتفاقية أن يكون النائب قاصرا مميزا على األقل ،لكن يجب أن تكون إرادته خالية
من العيوب و ينظر إلى حسن نيته من سوئها ،إال إذا كان يتصرف طبقا لتعليمات محددة صدرت إليه من
األصيل ،فإن نية هذا األخير هي التي تؤخذ بعين االعتبار دون نية الوكيل.
9
لكي تنصرف آثار العقد المبرم بالنيابة إلى األصيل ،يجب على النائب أن يلتزم حدود النيابة ،و إال
انصرفت هذه اآلثار إليه دون األصيل ،طبقا للمادة 74من القانون المدني ،وال يبقى أمام المتعاقد اآلخر
إال أن يرجع على النائب بالتعويض عن الضرر الذي أصابه نتيجة عدم تنفيذ العقد في حق األصيل .
إال أنه ترد على هذه القاعدة استثناءات ،تنفذ فيها تصرفات النائب في ذمة األصيل بالرغم من تجاوز
حدود النيابة أو انتهائها :
الحالة األولى :إذا كان في تجاوز النائب حدود سلطته نفعا لألصيل ،و تعذر على النائب إعالمه بهذا
التجاوز و غلبة الظن على قبول األصيل لهذا التجاوز.
الحالة الثانية :إقرار األصيل لتصرف النائب ،و الذي يكون له أثر رجعي من يوم اإلبرام ال من يوم
صدور اإلقرار.
الحالة الثالثة :تصرف النائب بحسن نية ،كجهله و المتعاقد معه النقضاء النيابة المادة 76من القانون
المدني .
يشترط أن يتعامل النائب باسم األصيل ال باسمه هو ،و البد له أن يعلن هذه الصفة لمن يتعاقد معه ،و
إال انصرفت آثار العقد إليه هو دون األصيل طبقا لنص المادة 75من القانون المدني .
-إذا كانت ظروف الحال تفترض حتما علم الغير بوجود النيابة ،رغم عدم إعالن النائب بها ،كمن
يشتري بضاعة من محل من أحد عماله الكثيرين .
ففي هاتين ال حالتين تنصرف آثار العقد المبرم عن طريق النيابة ،و لو لم يعلن النائب صفته هذه لمن
تعاقد معه .
إذا توفرت الشروط القانونية في التعاقد بطريق النيابة ،رتبت هذه األخيرة آثار في ذمة كل من
األصيل ،النائب و الغير .
ب 1آثار النيابة بالنسبة لألصيل :فاألثر الجوهري للنيابة هو أن التصرف الذي يبرمه النائب بإرادته
يرتب أثره مباشرة في ذمة األصيل ،فالحقوق و االلتزامات التي تترتب على العقد تنصرف مباشرة في
ذمة األصيل ال النائب ،فيكون لألصيل أن يطالب المتعاقد معه بالحقوق الناتجة عن العقد الذي أبرمه معه
النائب .
10
ب 2آثار النيابة بالنسبة للنائب :ينشئ النائب العقد دون أن يكون ملزما بتنفيذه ،ففي حالة عدم التزام
األصيل بالتنفيذ يمكن للغير الرجوع عليه ،ألن آثار العقد تنصرف إليه ،لكن إذا ارتكب النائب خطأ سبب
ضرر للمتعا قد معه فإنه في هذه الحالة يكون مسؤول عن تعويضه على أساس المسؤولية التقصيرية .
ب 3آثار النيابة بالنسبة للغير :يتعاقد الغير مع النائب و لكنه يرتبط بالعقد مع األصيل و يصبح كل منهما
طرفا في هذا العقد ،و يستطيع الغير أن يتعامل مع األصيل كما لو أنه أبرم العقد مع األصيل ذاته ،فيجوز
لكليهما أن يطالب اآلخر بالتنفيذ ،كما يجوز ألي منهما أن يدفع بعدم التنفيذ في مواجهة اآلخر عند عدم
تنفيذه أو أن يطالب بالفسخ .
و تجدر اإلشارة في األخير أنه ال يجوز للنائب أن يتعاقد أصالة عن نفسه و نيابة عن غيره ،أو نيابة
عن الط رفين و هو ما يعرف في القانون بالتعاقد مع النفس ،وسبب المنع هو تعارض المصالح ألنه
بطبيعة الحال سوف يرجح مصلحته هو عن مصلحة من ينوبه ،أو يرجح مصلحة عن أخرى و هو ملزم
برعاية مصلحة موكله ،إال إذا أجاز األصيل في الحالتين هذا التصرف ،أو أن القانون و قواعد التجارة
تسمح بذلك ( المادة 77من القانون المدني ) .
11