You are on page 1of 28

‫جامعة محمد األول‬

‫كلية العلوم القانونية اإلقتصادية واإلجتماعية بوجدة‬

‫ماستر السياسات المالية والجبائية‬


‫الفوج األول‬
‫الفصل الثاني‬
‫وحدة القانون التجاري المعمق‬

‫عرض في موضوع‪:‬‬

‫مكانة النظرية العامة في قانون األعمال‬

‫إشراف الدكتورة‪:‬‬ ‫من إعداد الطلبة‪:‬‬


‫فاطمة الزهراء الميموني‬ ‫عمر كنوح‬
‫أمال الناجي‬
‫فاطمة الزهراء حرار‬ ‫محمد بنشينش‬

‫نور الهدى البخيث‬ ‫محمد رحوا‬

‫رشيدة زنوتي‬ ‫محمد برشان‬

‫السنة الجامعية‪2024/2023:‬‬
‫كلمة شكر‬

‫عرفانا بالجميل نتقدم بالشكر الجزيل الى أستاذتنا امال الناجي التي تفضلت بقبول‬
‫إشرافها على هذا العرض‪ ،‬والعمل على تأطيرنا وتوجيهنا فلها منا بالغ االمتنان سائلين‬
‫هللا عز وجل أن يجازيها خير الجزاء‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫يعتبر قانون األعمال من القوانين التي تهتم بتنظيم الشأن االقتصاد الوطني؛ والذي لألسف ال وجود‬
‫له من الناحية الواقعية الصرفة على اعتبار أن هذا القانون غير مقنن؛ بمعنى أن مقتضياته ال يمكن االطالع‬
‫عليها في مدونة شاملة تجمع جميع القوانين المنظمة له‪.‬‬

‫فهذا القانون مزيج من القوانين المستقلة بعضها عن بعض؛ من قانون تجاري وقانون المقاولة؛‬
‫الشركات التجارية؛ القانون البنكي؛ البورصة‪...‬؛ مما يجعل هذا القانون يحتل مكانة مهمة في المنظومة‬
‫القانونية المغربية رغم ما يعاب عليه من تشتت واتساع مقتضياته غير المجتمعة في قانون موحد ومعين‪.‬‬

‫يطمح المغرب من وضع قانون األعمال إلى دعم التنمية االقتصادية؛ ولهذا الغرض انخرط مند‬
‫تسعينيات القرن الماضي؛ في سلسلة من اإلصالحات القانونية ترمي إلى تحديث اإلطار القانوني و التنظيمي‬
‫لألعمال؛ وتعديل و مراجعة عدد من المدونات و النصوص التشريعية؛ و التي نذكر منها على الخصوص‬
‫مدونة التجارة؛ حيث ثم إصالح الكتاب الخامس من القانون ‪ 15.95‬المتعلق بمدونة التجارة؛ فيما يخص‬
‫مساطر صعوبة المقاولة (أبريل ‪)2018‬؛ أيضا إصالح القانون رقم ‪ 17.95‬المتعلق بشركات المساهمة‬
‫سنتي (‪ 2015‬و ‪)2019‬؛ باإلضافة إلى اعتماد القانون رقم ‪ 86.12‬المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين‬
‫‪1‬‬
‫العام و الخاص ( سنة ‪...)2020‬‬

‫أما بخصوص تحديد مفهوم قانون األعمال؛ فيصعب إيجاد تعريف شامل يجمع كل هاته القوانين‬
‫التي تشكل فروعه؛ لذلك اختلف الفقه في تعريفه؛ فهناك من الفقهاء من عرفه بأنه " فرع من فروع القانون‬
‫الخاص؛ يحكم فئة معينة من األعمال؛ تسمى األعمال التجارية؛ وطائفة من األشخاص تدعى التجار "؛‬
‫إال ان هذا التعريف ال يعتبر شامال وجامعا؛ لكون تنظيم األعمال التجارية والتجار اختصاص يتواله القانون‬
‫التجاري الذي فقط جزء من قانون األعمال؛ فقانون األعمال أكثر اتساعا من القانون التجاري‪ .‬في حين‬
‫ذهب جانب أخر من الفقه إلى تعريفه بأنه " كل القواعد القانونية المطبقة في عالم االعمال؛ وأنه فرع‬
‫من فروع القانون الخاص؛ وهو تقنية قانونية في خدمة حياة األعمال تسرعها وتبسطها؛ يشمل جميع‬
‫النصوص القانونية التي لها عالقة بكافة انشطة المقاولة؛ على اعتبار انه ال ينظم فقط التجار واالعمال‬
‫التجارية؛ وإنما أيضا النشاط الصناعي؛ حوادث الشغل؛ قانون الضمان االجتماعي؛ االنشطة البنكية؛‬

‫اللجنة الوطنية لمناخ األعمال) ‪( www.cnea.ma‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫قانون الملكية الصناعية والتجارية‪ " ...‬وهذا ما يفسر لنا أن قانون األعمال له ارتباط بجميع نصوص‬
‫القانون الخاص‪.‬‬

‫ف إذا كان القانون المدني يشكل الشريعة العامة للعالقات المالية الخاصة؛ فإن قانون األعمال يشكل‬
‫الشريعة الخاصة لألعمال ولرجال األعمال؛ وهذا ما يعني استناد قانون األعمال في العديد من مواضعه‬
‫إلى القانون المدني؛ كما هو الشأن بالنسبة للنظرية العامة لاللتزامات والعقود التي يعالج فيها القانون المدني‬
‫مسألة إنشاء العقد وتنفيذه‪.‬‬

‫لكن على الرغم من التقارب بين هذين القانونين؛ فإننا نجد قانون األعمال كثيرا ما يعطي حلوال‬
‫مختلفة عن تلك التي يعطيها القانون المدني‪.‬‬

‫أهمية الموضوع‪:‬‬

‫تظهر أهمية الموضوع من الناحيتين العلمية والعملية‪:‬‬

‫فمن الناحية العلمية؛ فإن التطور السريع والمتالحق للقواعد القانونية المنظمة لمجال األعمال وظهور‬
‫اعمال جديدة لم يكن بمقدر القانون المدني اإللمام بها قد خلق مجاال خصبا للباحثين والدارسين في العلوم‬
‫القانونية ليدلو بدلوهم في هذا المجال‪.‬‬

‫أما من الناحية العملية فإن التطور الذي يعرفه المجتمع من الزاوية االقتصادية أصبح يفرض على‬
‫الدول تحسين تنافسية مقاولتها بما ينعكس إيجابا على األوضاع االجتماعية وهو يفرض على الدول تطوير‬
‫القواعد القانونية في ميدان األعمال‪.‬‬

‫إشكالية الموضوع‪:‬‬

‫إن دراسة موضوع مكانة النظرية العامة في قانون األعمال؛ يثير إشكالية محورية مفادها‪ :‬ما هي‬
‫مكانة النظرية العامة في قانون األعمال؟ او بعبارة أخرى؛ ما مدى استناد قانون األعمال على قواعد‬
‫القانون المدني؟‬

‫وتتفرع عن هذه اإلشكالية مجموعة من األسئلة الفرعية التي يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬

‫• ما هي أحكام التعاقد ومبدأ سلطان اإلرادة؟‬


‫• ما هي مميزات قانون األعمال؟‬
‫• ما هي القواعد الموضوعية الخاصة بالعقود التجارية؟‬

‫‪3‬‬
‫• ما هي مكانة النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشركات التجارية ومدونة الشغل؟‬

‫المنهج المعتمد‪:‬‬

‫لمعالجة اإلشكالية المطروحة؛ سنعتمد المنهج التحليلي من خالل تحليل مدى اعتماد قانون األعمال‬
‫على قواعد قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫لإلحاطة بمختلف جوانب البحث في موضوع " مكانة النظرية العامة في قانون االعمال " اعتمدنا‬
‫التقسيم التالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أحكام التعاقد بين النظرية العامة وقانون األعمال‬

‫المبحث الثاني‪ :‬القواعد الخاصة في مجال األعمال‬

‫‪4‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أحكام التعاقد بين النظرية العامة وقانون األعمال‬

‫اعتاد اإلنسان منذ القدم على نسج اتفاقات مع بني جنسه التي تساعده على تسيير شؤون حياته وتحقق‬
‫له أسباب االستمرار وتلبية حاجياته ومتطلبات الحياة‪ ،‬حيث أنه ومع ظهور الدولة كمؤسسة عامة تسهر‬
‫على تنظيم العالقات و المعامالت بين األفراد في مختلف المجاالت‪ ،‬قامت هذه األخيرة بإحداث مجموعة‬
‫من الوسائل القانونية للقيام بدورها على أكمل وجه ‪،‬ويعتبر العقد من أهم هذه الوسائل باعتباره األكثر‬
‫شيوعا بين األفراد ‪،‬إذ أنه وللقيام بأي عمل البد من مروره بمؤسسة العقد باعتبارها من أهم مصادر‬
‫االلتزامات ‪.‬حيث يمكن اعتبار العقد عبارة عن توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني‪، 2‬كما عرفته بعض‬
‫التشريعات على أنه اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر نحو شخص أو أكثر بإعطاء شيء أو القيام بعمل‬
‫أو االمتناع عنه ‪.‬كما يقوم العقد على مبدأ أساسي يتجلى في مبدأ سلطان اإلرادة ‪ ،‬الذي يعني قدرة اإلرادة‬
‫الفردية على إنشاء االلتزامات دون غيرها ‪ ،‬مع ما ينتج عن هذا المبدأ من نتائج أهمها مبدأ القوة الملزمة‬
‫للعقد ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬أحكام التعاقد ومبدأ سلطان اإلرادة‬

‫يحتل قانون االلتزامات والعقود أهمية كبرى داخل الترسانة التشريعية المغربية‪ ،‬وعلى وجه التحديد‬
‫نظرية العقد‪ ،‬حيث راعى المشرع تنظيم مجموعة من المبادئ واألسس التي يقوم عليها االلتزام وتنبني‬
‫عليها المعامالت كما يعتبر قانونا مشتركا لتنظيم كافة العالقات بين األفراد‪ .‬ومن خالل هذا المطلب سنقوم‬
‫بدراسة األركان العامة للتعاقد في فقرة أولى‪ ،‬ونتحدث عن مبدأ سلطان اإلرادة ومحدوديته في فقرة ثانية‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬األركان العامة للتعاقد‬

‫لكي ينشأ العقد صحيحا فإنه يتعين فيه أن يكون مستجمعا لعناصره الجوهرية التي يقوم عليهاٍ‪ ،‬فهو‬
‫بمثابة البناء الذي ال بد له من أركان يؤسس عليها‪ ،‬وقد أشار المشرع المغربي لهذه األركان في الفصل‬
‫‪3‬‬
‫الثاني من ق‪.‬ل‪.‬ع الذي جاء فيه " األركان الالزمة لصحة االلتزامات الناشئة عن التعبير عن اإلرادة هي‪:‬‬

‫األهلية لاللتزام‬ ‫‪.1‬‬


‫تعبير صحيح عن اإلرادة يقع على العناصر األساسية لاللتزام‬ ‫‪.2‬‬
‫شيء محقق يصلح ألن يكون محال لاللتزام‬ ‫‪.3‬‬

‫‪ 2‬د عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوجيز في النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬ص‪24‬‬


‫‪ 3‬ظهير ‪ 9‬رمضان ‪ 12( 1331‬أغسطس ‪ )1913‬صيغة محينة بتاريخ ‪ 11‬يناير ‪ 2021‬المتعلق بقانون االلتزامات و العقود‬

‫‪5‬‬
‫سبب مشروع لاللتزام‬ ‫‪.4‬‬

‫أوال‪ :‬األهلية‬

‫إلبرام أي عقد كيفما كان نوعه البد من توافر ركن األهلية كأول ركن عام نص عليه قانون‬
‫االلتزامات والعقود المغربي في الفصل الثاني منه‪ ،‬وبالرجوع للفقرة األولى من الفصل الثالث من نفس‬
‫القانون نجده ينص على أن "األهلية المدنية للفرد تخضع لقانون أحواله الشخصية " والمقصود بقانون‬
‫أحواله الشخصية مدونة األسرة المغربية‪ ،‬هذه األخيرة التي نصت في المادة ‪ 4206‬على أن األهلية نوعان‪:‬‬
‫"أهلية أداء وأهلية وجوب"‬

‫فأهلية الوجوب تعني صالحية الشخص لثبوت الحقوق وااللتزامات له وعليه وهي أهلية ثابتة‬
‫للشخص منذ والدته حيا إلى وقت وفاته‪ ،‬بل وتبدأ قبل ذلك للجنين في حدود معينة‪.‬‬

‫أما أهلية األداء فهي صالحية الشخص وقدرته على القيام بالتصرفات القانونية وتحمل االلتزامات‬
‫على الوجه المطلوب قانونا‪.‬‬

‫وباستقراء فصول قانون االلتزامات والعقود نجد أن المشرع المغربي خصص إحدى عشر فصال‬
‫للحديث عن ركن األهلية من الفصل ‪ 3‬إلى الفصل ‪ ،13‬مما يكشف عن أهمية هذا الركن في إبرام العقد ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الرضا‬

‫الرضا هو تعبير صحيح عن اإلرادة يقع على العناصر األساسية لاللتزام حسب ما جاء به الفصل‬
‫الثاني من ق ل ع م وقد عرفه الفقه أنه توافق إرادتي المتعاقدين على إحداث األثر القانوني المتوخى من‬
‫العقد‪ ،‬وهذا التوافق يتحقق قانونا بتبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين تكون بصدور إيجاب متضمن‬
‫لعرض موجه من شخص آلخر وصدور قبول مطابق لإليجاب صادرا من القابل الذي وجه إليه اإليجاب‪،‬‬
‫وبذلك يقترن القبول باإليجاب ويحصل التراضي فيتم العقد‪ .‬ومن هنا يمكننا القول أن إنشاء العقد يفترض‬
‫فيه وجود طرفين أحدهما موجب و اآلخر قابل‪ ،‬أما في حالة وجود إرادة واحدة كافية بذاتها إلنشاء االلتزام‬
‫فان مصدر هذا االلتزام في هذه الحالة هو اإلرادة المنفردة وال يكون مصدره هو العقد بالمعنى الصحيح‬
‫للعقد‪ ،5‬كما هو الشأن لعقد الهبة أو الصدقة‪ .‬كما يتحقق الرضا بتحرك اإلرادة إلى شيء معين وتعلقها به‪،‬‬

‫‪ 4‬ظهير شريف رقم ‪ 1.04.22‬صادر في ‪ 12‬من ذي الحجة ‪ 3/ 1424‬فبراير ‪ 2004‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 70.03‬بمثابة مدونة األسرة‪.‬‬
‫‪ 5‬د عبد الرحمان أسامة‪ ،‬د الحاجي بناصر‪ ،‬المبادئ العامة لاللتزامات‪ ،‬طبعة ‪ ،2010‬ص ‪.35‬‬
‫‪6‬‬
‫فالشخص معدوم اإلرادة ال يمكن أن يصدر منه رضاء كالمجنون والصبي غير المميز وفاقد الوعي لسبب‬
‫معين كالسكر والمرض‪. 6‬‬

‫ثالثا‪ :‬المحل‬

‫يعتبر المحل الركن الثالث الذي نص عليه المشرع المغربي في قانون االلتزامات والعقود في الفصل‬
‫الثاني منه‪ ،‬ومحل العقد هو إنشاء التزام أو أكثر يقع على أحد المتعاقدين دون األخر في العقود غير‬
‫التبادلية‪ 7‬كما في الوديعة ‪ 8‬أو يقع على طرفي التعاقد في العقود التبادلية ‪ 9‬كما في عقد البيع‪.‬‬

‫ويختلف محل العقد عن محل االلتزام‪ ،‬فهذا االخير يعني االداء الذي يجب أن يقوم به المدين لصالح‬
‫الدائن وهو إما إعطاء شيء‪ ،‬أو القيام بعمل‪ ،‬أو االمتناع عن القيام بعمل ‪.10‬‬

‫وبالرجوع للفصول المنظمة لمحل االلتزامات التعاقدية في ق ل ع نجد أن محل العقد تشترط فيه‬
‫بعض الشروط والتي سندرجها كما يلي‪:‬‬

‫• أن يكون المحل مشروعا‪ :‬ال يقوم العقد إال إذا كان محله مشروعا‪ ،‬ويكون المحل مشروعا عندما‬
‫يكون غير مخالف للنظام واآلداب العامة‪ ،‬أي أن يكون جوهر العقد أو الشيء المتعاقد عليه داخال‬
‫في دائرة التعامل‪ ،‬إذ نص المشرع في الفصل ‪ 57‬من ق ل ع م أن " األشياء واألفعال والحقوق‬
‫المعنوية الداخلة في دائرة التعامل تصلح وحدها أن تكون محال لاللتزام‪ ،‬ويدخل في دائرة التعامل‬
‫جميع األشياء التي ال يحرم القانون صراحة التعامل بشأنها "‪.‬‬
‫• أن يكون المحل ممكنا‪ :‬بمعنى أن يكون جوهر العقد مما يمكن تحقيقه وهو المضمون الذي نستفيده‬
‫من نص الفصل ‪ 59‬من ق ل ع م إذ ينص " يبطل االلتزام الذي يكون محله شيئا أو عمال مستحيال‪،‬‬
‫إما بحسب الطبيعة أو بحكم القانون "‪.‬‬
‫• أن يكون المحل معينا أو قابل للتعيين‪ :‬وقد نص على هذا الشرط الفصل ‪ 58‬من ق ل ع بقوله "‬
‫الشيء الذي هو محل لاللتزام يجب أن يكون معينا على األقل بالنسبة إلى نوعه ويسوغ أن يكون‬
‫مقدار الشيء غير محدد إذا كان قابال للتحديد فيما بعد"‪.‬‬

‫‪ 6‬د عبد القادر العرعاري‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب االول نظرية العقد‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪ ،2015‬ص ‪.62‬‬
‫‪ 7‬العقد غير التبادلي أو العقد الملزم لجانب واحد هو الذي ينشئ التزامات في ذمة أحد المتعاقدين دون االخر بحيث يكون أحدهما‬
‫مدينا غير دائن واالخر دائنا غير مدين‪.‬‬
‫‪ 8‬ينص الفصل ‪ 781‬من ق ل ع م " الوديعة عقد بمقتضاه يسلم شخص شيئا منقوال إلى شخص آخر يلتزم بحفظه وبرده بعينه"‪.‬‬
‫‪ 9‬العقد التبادلي أو العقد الملزم لجانبين هو الذي ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من طرفيه المتعاقدين بحيث يصبح كل واحد منهما‬
‫دائنا في ناحية ومدينا في ناحية أخرى‪.‬‬
‫‪ 10‬د عبد القادر العرعاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪223‬‬
‫‪7‬‬
‫رابعا‪ :‬السبب‬

‫ركن السبب هو الركن الرابع الذي نص عليه المشرع في الفصل الثاني من ق ل ع م ويختلف‬
‫سبب العقد عن سبب االلتزام‪ ،‬إذا يقاس سبب العقد بمعيار شخصي ذاتي ويعني الباعث والدافع الذي دفع‬
‫الشخص إلى التعاقد‪ ،‬أما سبب االلتزام فهو الغاية والقصد من وراء إنشاء االلتزام‪ .‬وبالرجوع للفصل ‪62‬‬
‫من ق ل ع م نجده ينص على "أن االلتزام الذي ال سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم‬
‫يكن" ويشترط في السبب شرطين أساسيين هما‪:‬‬

‫• أن يكون السبب حقيقيا‪ :‬حيث يكون السبب غير حقيقي حينما يكون موهوما أو صوريا‪.‬‬
‫• أن يكون السبب مشروعا‪ :‬حيث يكون السبب غير مشروع حينما يتعارض مع نص قانوني أو‬
‫يكون مخالف للنظام واآلداب العامة وذلك من خالل الفقرة الثانية من الفصل ‪ 62‬من ق ل ق م‬
‫التي تنص على " يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا لألخالق الحميدة أو النظام العام أو‬
‫القانون"‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬ركن الشكلية وركن التسليم‬

‫يخضع مبدأ رضائية العقود لبعض االستثناءات التي تتجلى في العقود الشكلية والعقود العينية‪،‬‬
‫‪ ،‬فالشركة التي يكون محلها‬ ‫‪11‬‬
‫فالعقود الشكلية هي التي يشترط النعقادها توافر بعض المراسيم الشكلية‬
‫عقارات أو غيرها من األموال مما يمكن رهنه رهنا رسميا والتي تبرم لتستمر أكثر من ثالث سنوات‪،‬‬
‫أوجب المشرع أن يحرر عقدها كتابة تحت طائلة البطالن‪( ،‬الفصل ‪ 987‬من قانون االلتزامات والعقود)‪.‬‬

‫أما بخصوص ركن التسليم فهو متطلب في العقود العينية التي يجري فيها تسليم الشيء المعقود‬
‫عليه‪ ،‬بحيث ال يتم العقد إال إذا تم ركن التسليم كعقد الوديعة (الفصل ‪ 781‬من ق‪.‬ل‪.‬ع)‪ ،‬وعارية‬
‫االستعمال‪( 12‬الفصل ‪ 830‬من ق‪.‬ل‪.‬ع)‪ ،‬وعارية االستهالك أو القرض‪( 13‬الفصل ‪.)856‬‬

‫‪ 11‬د مأمون الكزبري‪ ،‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬الجزء األول مصادر االلتزامات‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية‪ ،1972 ،‬ص ‪194‬‬
‫‪ 12‬عارية االستعمال عقد بمقتضاه يسلم أحد طرفيه لآلخر شيئا‪ ،‬لكي يستعمله خالل أجل معين أو في غرض محدد على أن يرده‬
‫بعينه‪ .‬وفي العارية يحتفظ المعير بملكية الشيء المستعار وبحيازته القانونية‪ ،‬وليس للمستعير إال مجرد استعماله‪.‬‬
‫‪ 13‬عارية االستهالك أو القرض عقد بمقتضاه يسلم أحد الطرفين لآلخر أشياء مما يستهلك باالستعمال أو أشياء منقولة أخرى‪،‬‬
‫الستعمالها‪ ،‬بشرط أن يرد المستعير‪ ،‬عند انقضاء األجل المتفق عليه‪ ،‬أشياء أخرى مثلها في المقدار والنوع والصفة‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة ومحدوديته‬

‫أوال‪ :‬ماهية مبدأ سلطان اإلرادة‬

‫يعرف هذا المبدأ أن الشخص حر في التعاقد أو عدم التعاقد‪ ،‬وإذا وافق على العقد فهذا يكون عن‬
‫اقناع وتأمين حيث عبر عنه الفقيه "كونو" في أطروحته حول مبدأ سلطان اإلرادة في القانون المدني (أنا‬
‫لست ملزما بأي تصرف قانوني اال أذا رغبت وفي الوقت الذي أريد‪ ،‬وبالكيفية التي أحبذها)‪ ،‬ويعتبرون‬
‫أنصار هذا المبدأ أن هذه الحرية ليست مطلقة وإنما هي مقيدة في إطار مجموعة من الضوابط القانونية‬
‫كنظام العام واآلداب العامة‪ ،‬كما أنها تكون ملزمة باحترام حقوق االخرين وعدم التعسف عليهم ‪.14‬‬

‫نستخلص من هذا التعريف بأن العالقة التعاقدية مرتبطة بمبدأين أساسيين األول منها يؤصل للثاني‬
‫ويتعلق االمر بمبدأ سلطان اإلرادة في التعاقدات‪ ،‬ومبدأ القوة الملزمة للعقد الذي يعتبر من مظاهر مبدأ‬
‫سلطان اإلرادة‪.‬‬

‫ويقصد بمبدأ سلطان اإلرادة أن اإلرادة اإلنسانية مجردة من كل ما يحيط بها وقادرة إلنشاء‬
‫االلتزامات التعاقدية‪ ،‬ويستند هذا المبدأ الى فلسفة القانون التي ظهرت في قرن ‪ 18‬ميالدية المتمثلة في‬
‫المذهب الليبرالي القائم على أساس الحرية الفردية‪ ،‬وينظرون أنصار هذه النظرية بأن الفرد هو محور‬
‫العالقة القانونية التي تربطه بغيره‪ ،‬من أجل ضمان المنفعة والمصلحة العامة والعدالة االجتماعية يجب‬
‫استبعاد أي إعاقة أمام الحرية التعاقدية‪.‬‬

‫كما أن اإلرادة هي الشرط األساسي لتكوين العقد واخراجه الى حيز التطبيق سواء كانت هذه اإلرادة‬
‫عبرت بشكل صريح وهي األصل أو بشكل ضمني‪ ،‬ولكي يتحقق هذا المبدأ يجب أن تكون اإلرادة خالية‬
‫من عيوب الرضا واال كان مصير العقد هو البطالن وهذا ما أخذ به المشرع المغربي‪ ،‬حيث اعتبر الرضا‬
‫ركن أساسي من اركان العقد في الفصل الثاني من قانون االلتزامات والعقود ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬حدود مبدأ سلطان اإلرادة‬

‫ضيق المشرع المغربي المدني من مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬وذلك بتأطيره للكثير من التصرفات القانونية‬
‫كعنصر الشكلية بعد أن كانت الرضائية هي األصل بحيث تطلب هذا العنصر في الكثير من العقود كالعقود‬
‫الرسمية التي تطلب فيها الكتابة‪.‬‬

‫‪ 14‬عبد القادر العرعاري ‪ "،‬نظرية العقد‪-‬كتاب األول"‪ ،‬مكتبة دار األمان‪ ،‬الرباط ‪ ،‬الطبعة ‪ ،2013 ،3‬ص‪.54‬‬
‫‪9‬‬
‫كما نجد أيضا أن المشرع المغربي تدخل كذلك في المعامالت العقارية حيث تطلب رسمية العقود‬
‫العقارية‪ ،‬كما تطلب أيضا إجراءات التقييد في الرسم العقاري اذا كانت العقارات محفظة من أجل انتقال‬
‫الملكية من البائع للمشتري‪ ،‬كما تدخل أيضا في الكثير من الحاالت لحماية الطرف الضعيف في العالقة‬
‫التعاقدية من خالل القانون المتعلق بحماية المستهلك رقم ‪ ،31-08‬للبلوغ العالقة التعاقدية المتوازنة‪ ،‬كما‬
‫أنه اذا كان قانون االلتزامات والعقود مشبعا بمبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬فإن هذا المبدأ اذا كان قد أثبت ناجعته‬
‫بالنسبة للعالقات التعاقدية التي تتم بين األشخاص تتساوى وتتقارب مراتبهم القانونية واالقتصادية‪ ،‬فإنه‬
‫لم يعد قادرا على مواجهة ومواكبة التطور االقتصادي واالجتماعي والتكنولوجي‪ ،‬وما استحدث من أساليب‬
‫تعاقدية مست بالحرية التعاقدية ‪ ،‬وخلق الطرفين غير متوازيين اقتصاديا وفنيا وقانونيا‪ ،‬طرف قوي وخبير‬
‫وله دراية واسعة بكل خبايا ما يتعاقد حوله‪ ،‬وطرف ضعيف اقتصاديا يذعن لما يفرضه عليه الطرف‬
‫المهني من شروط ‪.15‬‬

‫باإلضافة للتراجع الذي يعرفه قانون االلتزامات والعقود نجد بعض المفاهيم جديدة أدرجت في‬
‫الدستور المغربي لسنة ‪ ،2011‬مثل مفهوم الحكامة وتأثره على أحد أهم وأبرز اليات قانون االلتزامات‬
‫والعقود في احقاق العالقة التعاقدية‪ ،‬حيث أضاف بعد جديد يتمثل في ان مفهوم الجديد للتعاقد‪ ،‬سواء تعلق‬
‫األمر بالشأن العمومي او بالشأن الخصوصي‪ ،‬يجب أن يتم التركيز على مفهوم الحكامة فيه على األخص‪.‬‬
‫نظرا لكون ان الحمولة القانونية للتعاقد طالها الضعف بفعل االكتساح الذي أصبح يشكله مبدأ المنافسة‬
‫والذي تم على حساب مبدأ سلطان اإلرادة‪ ،‬في ضل سيادة واقع العولمة ‪.‬‬

‫نجد بمقتضى فصل ‪ 264‬من قانون االلتزامات والعقود نص على أن القاضي لم يعد ملزما بمبدأ‬
‫سلطان اإلرادة في جميع األحوال‪ ،‬وإنما أصبحت له سلطة واسعة يعدل بها مبلغ الشرط الجزئي في حدود‬
‫معينة‪ ،‬بهدف تنظيم العالقة التعاقدية على أساس من العدل والمساواة لتوطيد حماية الضعفاء والمعوزين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مميزات قانون األعمال‬

‫القانون التجاري هو مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم ممارسة األعمال التجاري والتجار‬
‫وتحديد النظام القانوني المطبق فهو يعد أحد فروع القانون الخاص وتحديدا قانون االعمال حيت يقوم‬
‫مبدأ القانون التجاري باألساس على تطويق أشكال التعامل سواء التاجر مع التاجر او التاجر مع الغير‬
‫وتقنينها بما يسمح للقانون من استجالء كل ما يعرقل حرية التجارة‪ ،‬فالعمل التجاري يتميز بعدة خصائص‬
‫التي اقتضت استقاللها بقانون خاص به يختلف عن الشريعة العامة‪ ،‬القانون المدني قانون قادر على‬

‫‪ 15‬توفيق تكرومت‪ "،‬تأثير القوانين االقتصادية على قانون االلتزامات والعقود"‪ ،‬مقال منشور بمجلة القانون واالعمال‪ ،‬طبعة ‪.2019‬‬
‫‪10‬‬
‫التالؤم واالستجابة لخصائص البيئة التجارية وقد كان من نتائج هذه الخصائص أن طبع القانونية التجاري‬
‫يتميز عن القانون المدني بعدة مميزات ومن أهمها السرعة واالئتمان‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬اعتماد التجارة على السرعة‬

‫على خالف األعمال المدنية التي تتسم بالبطء واالستقرار النسبي‪ .‬إذ نادرا ما جري المتعاملون فيها‬
‫عمليات مهمة (زواج‪ ،‬طالق‪ ،‬بيع‪ ،‬كراء) وهم يحتاطون كثيرا في إجرائها‪ .‬فإن العمل التجاري يتسم‬
‫بالسرعة والتكرار‪ ،‬فكلما تكررت العمليات التجارية بسرعة كلما تحققت االرباح أكثر‪ ،‬ومن ثم جاء تزايد‬
‫اعتماد التجارة على اإلشهار والدعاية للمنتجات في الوقت الحالي‪.‬‬

‫ومن مظاهر هذه السرعة أنه في كثير من األحيان تباع السلع قبل شرائها‪ ،‬وعند شرائها تسلم من‬
‫البائع األول إلى المشتري الثان‪.‬‬

‫وضغط السرعة هذا هو الذي جعل التجار يعتمدون في الوقت الحاضر على تقنيات االتصال السريعة‬
‫من هاتف وتلكس وفاكس‪ .‬إذ أنه في كثير من األحيان تبرم الصفقات الكبيرة والمهمة بمجرد مكالمة تلفونية‬
‫أو مراسلة عن طريق الفاكس وحاليا بواسطة البريد اإللكتروني‪.‬‬

‫لذلك واستجابة لهذه الخاصية تعمل قواعد القانون التجاري على كفالة السرعة عن طريق تبسيط‬
‫اجراءات انعقاد العقد التجاري الذي ال يشترط فيه أن يرد كتابة إذ يمكن إثباته بكافة الوسائل‪ .‬وعن طريق‬
‫تبسيط تداول الحقوق الذي يمكن أن يتم بكل سهولة عن طريق التظهير مثال تظهير الكمبيالة أو الشيك أو‬
‫بمجرد التسليم األسهم لحاملها مثال وعن طريق تبسيط إجراءات حصول الدائن المرتهن على حقه بسرعة‬
‫‪ ،....‬وعن طريق تقصير مدد تقادم االلتزامات التجاري‪.16‬‬

‫كما أن عامل السرعة هذا كان أحد أهم العوامل وراء إرساء نظام القضاء التجاري كنظام مختص‬
‫في الفصل في المنازعات التجارية‪ ،‬حيث عمل المشرع على وضع مسطرة مبسطة وسريعة للفصل في‬
‫هذه المنازعات من قبل قضاة متخصصين‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬اعتماد التجارة على االئتمان‬

‫فاالئتمان هو عصب التجارة إذ الغالب أن العمليات التجارية تعقد ألجل‪ .‬فالبنك يقرض االموال سواء‬
‫للتاجر أو لغير التاجر على أن تسدد في أجل معين‪ .‬وتاجر الجملة يبيع لتاجر التقسيط على أن يسدد الثمن‬
‫بأجل والمصنع يبيع منتوجه للموزع‪ ،‬أو لمصنع آخر وفق نفس المبدأ‪ .‬وهكذا يربط التجار فيما بينهم‬

‫‪ 16‬فؤاد معالل‪ ،‬شرح القانون التجاري الجديد الجزء األول‪ ،‬نظرية التاجر والنشاط التجاري‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪11‬‬
‫بعالقات متشابكة قوامها الثقة المتبادلة فيكون كل واحد منهم دائنا ومدينا في نفس الوقت‪ .‬وتتعدد وسائل‬
‫وتقنيات االئتمان التجاري‪ ،‬وأهمها القروض‪ ،‬واإليجار االئتماني والسندات‪ ،‬وعمليات شراء الفاتورات‬
‫والخصم والكمبيالة‪ ،‬والسند ألمر‪ ،‬وافتراض تضامن المدينين في الميدان التجاري وتضامن المظهرين‬
‫للكمبيالة‪ ....‬الخ‪.‬‬

‫وكافة أطراف العملية التجارية هم في حاجة إلى االئتمان لمزاولة نشاطهم‪ .‬فالمنتجون هم في حاجة‬
‫لالئتمان لتمويل استثماراتهم الصناعية‪ .‬والتجار في حاجة إليه لشراء السلع التي سيعيدون بيعها‪.‬‬
‫والمستهلكون في حاجة إليه للحصول على ما يحتاجون إليه من مواد‪ .‬وإذا كان النوعان األول والثاني‬
‫يتميزان بأنهما من نوع االئتمان اإلنتاجي ألنه يخصص إلنتاج والتجارة وبالتالي يقوم على تسديد الدين من‬
‫األرباح التي ستحقق في المستقبل‪ ،‬فإن الثالث يتميز بأنه من نوع االئتمان االستهالكي ألن تسديده يتم عن‬
‫طريق االقتطاع من المداخيل المستقبلية‪.17‬‬

‫وبالنظر ألهمية التي يكتسبها االئتمان في الميدان التجاري‪ .‬إذ يخفى مدى االضطراب والخلل الذي‬
‫يحدث في السوق في حالة إخالل أحد التجار بالتزاماته من هذه الناحية‪ ،‬حيث أن ذلك يؤدي إلى سلسلة‬
‫متتابعة من االختالالت في المعامالت التجارية‪ .‬فإن قانون التجارة يقرر جزاءات صارمة توقع على من‬
‫يخل بهذا االئتمان تتمثل في قسوة قانون الصرف على من يخل بالثقة الواجب توفرها في السند التجاري‬
‫وفي شدة نظام اإلفالس على التاجر الذي يتوقف عن أداء ديونه‪.‬‬

‫دون ان نغفل الطابع الدولي‪ ،‬حيث تتسم المعامالت التجارية بطابع خاص يتمثل في كونها تخضع‬
‫لمقتضيات القانون التجاري الذي يحكم العالقات بين التجار سواء داخل البلد أو خارجه‪ ،‬خاصة من تعلق‬
‫األمر بعمليات اإلستيراد والتصدير‪ ،‬خالفا لقواعد القانون المدني التي تحكم المعامالت القائمة بين األفراد‬
‫داخل المجتمع‪ ،‬وال تتعداه إال استثناءا أو بنص القانون وإن اقتضى الحال ذلك‪.‬‬

‫ولعل هذا هو السبب الذي جعل أغلب القوانين التجارية المقارنة تتشابه في معظم مقتضياتها عكس‬
‫القوانين المدنية التي تختلف من بلد آلخر‪.18‬‬

‫‪ 17‬فؤاد معالل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪18‬‬


‫‪ 18‬فريدة اليوموري‪ ،‬شرح القانون التجاري‪ ،‬االعمال التجارية والتاجر‪ ،‬الجزء األول‪،‬ص‪20‬‬

‫‪12‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القواعد الخاصة في مجال األعمال‬

‫األصل أن العقود التجارية ال تختلف عن العقود المدنية فيما يتعلق باألحكام الخاصة المتعقلة بانعقادها‬
‫ونفاذها وانقضائها‪ ،‬فالعقود التجارية كالعقود المدنية تخضع لألحكام المقررة للعقد في قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬وهو ما نصت عليه صراحة المادة‪ .‬الثانية من مدونة التجارة‪ ،‬حينما حددت مصادر القانون‬
‫التجاري في تشريعات وأعراف وعادات التجارة وقواعد القانون المدني مالم تتعارض قواعده مع المبادئ‬
‫األساسية للقانون التجاري‪ ،‬ومع ذلك فهناك قواعد خاصة تنطبق على القواعد التجارية وتميزها عن العقود‬
‫المدنية‪ ،‬منها ما يتصل باإلثبات‪ ،‬ومنها ما يتصل بإبرام وتنفيذ العقود التجارية‪.‬‬

‫ومن أجل الوقوف عند هذه القواعد الخاصة التي تميز العقود التجارية عن المدنية‪ ،‬نقسم هذا‬
‫المبحث إلى مطلبين المطلب األول حول القواعد الموضوعية الخاصة بالعقود التجارية‪ ،‬ثم المطلب الثاني‪،‬‬
‫خصصناه للحديث عن مركز النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشركات التجارية ومدونة الشغل‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬القواعد الموضوعية الخاصة بالعقود التجارية‬

‫تتطلب التجارة عادة السرعة واالئتمان والبساطة في إبرام وتنفيذ التصرفات القانونية‪ ،‬إذ أن‬
‫أساسها هو الربح وسرعة تداول رأس المال وتنوع المعامالت‪ ،‬لذا كان البد من بلورة قواعد ترمي إلى‬
‫تحقيق السرعة واالئتمان والثقة في الميدان التجاري‪ ،‬وعليه فمن القواعد الخاصة لحماية ودعم هذا االئتمان‪،‬‬
‫مبدأ حرية اإلثبات (الفقرة األولى) باإلضافة إلى قواعد خاصة تتعلق بتنفيذ العقود التجارية (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مبدأ حرية اإلثبات في المعامالت التجارية‬

‫إن مبدأ حرية اإلثبات في المواد التجارية من المبادئ التي يقوم عليها القانون التجاري‪ ،‬وقد كرست‬
‫مدونة التجارة هذا المبدأ كقاعدة عامة (أوال)‪ ،‬وأقرت اإلثبات بالكتابة استثناء (ثانيا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬حرية اإلثبات في العقود التجارية كقاعدة عامة‬

‫ولما كانت القاعدة العامة في العقود المدنية هي تقييد اإلثبات باشتراط الكتابة في التصرفات‬
‫واالتفاقات القانونية التي من شأنها إنشاء أو نقل أو تعديل االلتزامات أو الحقوق التي تتجاوز قيمتها ‪10000‬‬
‫درهم مع جواز إثباتها بشهادة الشهود وفقا للفصل ‪ 443‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬فإن اإلثبات في‬
‫المادة التجارية حر وطليق من كل ضروب التقييد مبدئيا‪ ،‬إذ يجوز إثبات التصرفات مهما بلغت قيمتها بكل‬
‫طرق اإلثبات طبقا للفصل ‪ 404‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬بما في ذلك الدفاتر التجارية وقوائم الحساب‬

‫‪13‬‬
‫وغيرها‪ ،‬وفقا للمادتين ‪ 20‬و ‪ 22‬من مدونة التجارة‪ ،‬كما يجوز أيضا إثبات ما يخالف أو يجاوز ما اشتمل‬
‫عليه عقد تجاري مكتوب بشهادة الشهود أو القرائن‪.19‬‬

‫ويجد مبدأ حرية اإلثبات سنده في المادة ‪ 334‬من مدونة التجارة التي تقضي في مطلعها بما يلي‪" :‬‬
‫تخضع المادة التجارية لحرية اإلثبات ‪ ....‬وقد حرصت معظم التشريعات على تأكيد هذا المبدأ في‬
‫المعامالت التجارية‪.‬‬

‫كما يعتبر هذا المبدأ تكريسا لما جاء في الشريعة اإلسالمية التي بعدما فرضت الكتابة كوسيلة لإلثبات‬
‫الدين المؤجل سمحت بإثبات الدين التجاري‪ ،‬بجميع وسائل اإلثبات‪20‬لقوله تعالى‪" :‬يأيها الذين آمنوا إذا‬
‫تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه‪ "..‬إلى أن قال هللا عز وجل "إال أن تكون تجارة حاضرة تديرونها‬
‫‪21‬‬
‫بينكم فليس عليكم جناح أال تكتبوها"‬

‫ويرجع السبب في جعل المشرع حرية اإلثبات في أصل المادة التجارية إلى أن مبدأ اإلثبات المقيد‬
‫المعمول به في المادة المدنية ال يتالءم مع العمل التجاري المتميز بالسرعة والبساطة من جهة‪ ،‬ومع الحياة‬
‫التجارية وما تتميز به من ثقة وائتمان من جهة ثانية فانطالقا من هذه المميزات يبدو من الصعب‪ ،‬بل ومن‬
‫غير المنطقي تقييد اإلثبات بالكتابة في الميدان التجاري‪.22‬‬

‫وقد كرس القضاء المغربي مبدأ حرية اإلثبات في المادة التجارية‪ ،‬حيث جاء في قرار للمجلس‬
‫‪23‬‬
‫األعلى ما يلي‪..." :‬في حين أن اإلثبات حر في الميدان التجاري وفقا للمادة ‪ 343‬من مدونة التجارة ‪"...‬‬

‫‪" ...‬في حين أن اإلثبات حر في الميدان التجاري وفقا للمادة ‪ 343‬من مدونة التجارة"‪...‬‬

‫وفي قرار آخر صادر عن المجلس األعلى‪ " :‬يخضع األمر إلثبات وجود الشركة من عدمها طبقا‬
‫للمادة ‪ 334‬من مدونة التجارة وليس إلثبات اتفاقي تجاوزت قيمته ‪ 250‬درهما"‪. 24‬‬

‫‪19‬مصطفی کمال طه‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2006‬ص‪9‬‬
‫‪ 20‬المرجع والصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪ 21‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪281‬‬
‫‪ 22‬بوعبيد عباسي‪ ،‬العقود التجارية والتجديدات الطارئة عليها‪ ،‬مقال منشور بمجلة المحامون‪ ،‬العدد ‪ ،1998 ،6‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 23‬قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 03/07/23‬تحت عدد ‪ 335‬في الملف ‪ 02/269‬قرار منشور في الجريدة المغربية‪.‬‬
‫‪ 24‬قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 01/12/2004‬تحت عدد ‪ 1322‬في الملف التجاري عدد ‪ 478/02‬المنشور بمجلة‬
‫المجلس األعلى عدد ‪ ،64‬ص ‪.11‬‬
‫‪14‬‬
‫ثانيا‪ :‬االستثناءات الواردة على مبدأ حرية اإلثبات‬

‫وإذا كانت القاعدة كما سبق القول هي الحرية اإلثباتية في المادة التجارية فإن لهذه القاعدة استثناءات‬
‫استوجب بموجبها المشرع (الكتابة) خروجا عن القاعدة العامة‪ ،‬باإلضافة إلى الشهر‪.‬‬

‫تعتبر الكتابة أهم وسيلة لإلثبات حيث توست الفقرة الثانية من المادة ‪ 334‬من مدونة التجارة ‪....‬‬
‫غير أنه يتعين اإلثبات بالكتابة إذا نص القانون أو االتفاق على ذلك"‪ .‬إال أن المشرع المغربي لم يشترط‬
‫توفر الكتابة في كل العقود التجارية‪ ،‬بل في بعض منها فقط‪ ،‬كعقد الوكالة التجارية (المادة ‪ )397‬من مدونة‬
‫التجارة‪ ،‬وعقد االئتمان اإليجاري (المادة ‪ )433‬ورهن أدوات ومعدات التجهيز (المادة ‪ ،)356‬وكرهن‬
‫بعض المنتجات والمواد (المادة‪ )379‬والعقود الواردة على األصل التجاري (المادة ‪ 81‬و‪ 108‬و‪ )153‬من‬
‫مدونة التجارة‪.‬‬

‫وال يجب أن يفهم من هذه الشكلية التي تطال هذه التصرفات التقييد والتعقيد‪ ،‬بل على العكس من‬
‫ذلك فهي تهدف إلى حماية مختلف الحقوق والمصالح وتقليص حجم المنازعات وتدعيم الثقة وحمايتها‪.‬‬

‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن قاعدة اإلثبات الحر ليست من النظام وبالتالي يجوز االتفاق على مخالفتها‪،‬‬
‫وفقا للفقرة الثانية من المادة ‪ 334‬من مدونة التجارة‪ ،‬التي أجازت بموجبها للمتعاقدين االتفاق على إثبات‬
‫معامالتهم كتابة‪ ،‬مع اإلشارة إلى أنه في هذه الحالة ال يجوز اإلثبات بغير الكتابة ‪.25‬‬

‫كما وجب التنبيه إلى أن مبدأ حرية اإلثبات ال يطرح إشكاال عندما تتحد الصفة التجارية األطراف‬
‫النزاع‪ ،‬أما عندما يكون نزاع مختلط‪ ،‬فإن المادة الرابعة من المدونة تنص على أنه إذا كان العمل تجاريا‬
‫بالنسبة ألحد المتعاقدين ومدنيا بالنسبة للمتعاقد اآلخر طبقت قواعد القانون التجاري في مواجهة الطرف‬
‫الذي كان العمل بالنسبة إليه تجاريا وال يمكن أن يواجه بها الطرف الذي كان العمل بالنسبة إليه مدنيا مالم‬
‫ينص مقتضى على خالف ذلك"‪ .‬ومن ثم فإن الطرف الذي كان العمل بالنسبة إليه مدنيا يحق له سلوك‬
‫جميع طرق اإلثبات بما في ذلك شهادة الشهود والقرائن ضد من كان العمل تجاريا من جانبه أيا كانت قيمة‬
‫التصرف‪ ،‬أما من كان العمل تجاريا بالنسبة إليه فال يجوز له االحتجاج ضد خصمه باإلثبات المدني‪.‬‬

‫‪ 25‬محمد النخلي‪ ،‬محاضرات في القانون التجاري المغربي على ضوء المقتضيات التشريعية الجديدة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،1988‬ص‪.57‬‬
‫‪15‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬القواعد الخاصة بتنفيذ العقود التجارية‬

‫تتميز العقود التجارية عن باقي العقود المدنية باإلضافة إلى القواعد الموضوعية والمتمثلة في مبدأ‬
‫حرية اإلثبات واالستثناءات الواردة عليه‪ ،‬بقواعد خاصة على مستوى تنفيذ العقود التجارية‪ ،‬وتشمل هذه‬
‫القواعد مبدأ افتراض التضامن (أوال)‪ ،‬ومبدأ الوفاء (ثانيا)‪ ،‬والتقادم القصير (ثالثا)‪.‬‬

‫أوال‪ :‬تضامن المدينين بديون ناشئة عن العقود التجارية‬

‫من أجل دعم الثقة واالئتمان اللذان يطبعان المعامالت التجارية‪ ،‬ومن أجل تمكين الدائنين من‬
‫استخالص ديونهم التجارية في تاريخ استحقاقها‪ ،‬وضع المشرع لفائدتهم ضمانة أساسية تكمن في قاعدة‬
‫افتراض تضامن المدينين بديون ناشئة عن عقود تجارية وذلك بمقتضى المادة ‪ 335‬من مدونة التجارة‪،‬‬
‫التي جاء فيها‪" :‬يفترض التضامن في االلتزامات التجارية‪".‬‬

‫وهذا عكس األعمال المدنية التي ال يفترض فيها التضامن بين المدينين‪ ،‬بل يلزم أن ينتج صراحة‬
‫عن العقد المنشئ لاللتزام أو القانون أو أن يكون هو النتيجة الحتمية الطبيعة المعاملة كما نصت على ذلك‬
‫الفصل ‪ 164‬من قانون االلتزامات والعقود‪.26‬‬

‫وبالنظر إلى أهمية التضامن بين المدينين في العقود التجارية نص المشرع عليها في الكتاب الرابع‬
‫المتعلق بالعقود التجارية‪ ،‬كما يضعها إلى جانب األحكام العامة الواردة في القسم األول من الكتاب األول‬
‫الخاص بالتجار‪.27‬‬

‫وباإلضافة إلى هذا الحكم العام الواردة في المادة ‪ 365‬من مدونة التجارة‪ ،‬فإن التضامن مقرر كذلك‬
‫بين الشركاء في عقد شركة التضامن المادة الثالثة من قانون (‪ ،)5.96‬وبين الشركاء المتضامنين في شركة‬
‫التوصية باألسهم (المادة ‪ 31‬من قانون ‪ ،)5.96‬والشركاء المتضامنين في شركة التوصية البسيطة (المادة‬
‫‪ 20‬من نفس القانون) وبين الموقعين على الورقة التجارية (المادة ‪ 196‬و‪ 201‬من مدونة التجارة) وبين‬
‫الكفالء إذا كانت الكفالة تعتبر عمال تجاريا بالنسبة للكفالء (الفصل ‪ 1138‬من قانون االلتزامات والعقود)‬

‫‪ 26‬بوعبيد عباس‪ ،‬العقود التجارية‪ ،‬ص‪17‬‬


‫‪ 27‬بحار عبد الرحيم‪ ،‬اإلجراءات التحفظية في مادة العقود التجارية‪ ،‬منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية سلسلة‬
‫الدراسات واألبحاث العدد ‪ 8‬فبراير ‪ ،2008‬ص ‪338‬‬
‫‪16‬‬
‫ثانيا‪ :‬تضييق آجال الوفاء التشدد في نظرة الميسرة‬

‫األصل في الوفاء بااللتزامات وتنفيذها أن يتم في اآلجال المحددة له سواء كانت التزامات مدنية أو‬
‫تجارية‪ ،‬وال يحق للقاضي أن يعدل آجال الوفاء بااللتزامات مالم يمنحه القانون أو االتفاق ذلك‪.‬‬

‫وهذا األصل بالنسبة لاللتزامات المدنية نص عليه المشرع في الفصل ‪ 128‬من قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬والذي جاء فيه‪ " :‬ال يسوغ للقاضي أن يمنح أجال أو أن ينظر إلى الميسرة‪ ،‬مالم يمنح هذا الحق‬
‫بمقتضى االتفاق أو القانون‪.‬‬

‫وإذا كان األجل محددا بمقتضى االتفاق أو القانون‪ ،‬لم يسغ للقاضي أن يمدده‪ ،‬مالم يسمح له القانون‬
‫بذبك"‪.‬‬

‫وتخفيفا من حدة هذا المقتضى أورد المشرع استثناء على هذا الفصل يسمح للقاضي بمنح مهلة‬
‫الميسرة للمدين مراعاة لمركزه‪ ،‬مع تقييد استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق كما ينص على ذلك الفصل‬
‫‪ 243‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫إال أن هذه القاعدة المنصوص عليها في الفصل ‪ 128‬من قانون االلتزامات والعقود ال يمكن تطبيقها‬
‫على االلتزامات التجارية‪ ،‬ألن طبيعة هذه االلتزامات تختلف عن طبيعة االلتزام المدني‪ ،‬فهي تقوم على‬
‫السرعة واالئتمان وأن كل توقف عن الدفع يؤدي إلى اإلخالل بهذه السرعة وهذا االئتمان‪ ،‬ويؤدي بالتالي‬
‫إلى اضطراب المعامالت التجارية وركودها‪ ،‬فكل تاجر يرتب مواعيد وقاله بالتزامه اعتمادا على قيام‬
‫مدينيه بالوفاء له في األوقات المحددة للتنفيذ‪ ،‬فإذا تخلف واحد منهم عن تنفيذ التزامه خالل األجل المحدد‬
‫له فإنه يحدث بذلك نوعا من االضطراب في الحياة التجارية‪. 28‬‬

‫وعلى هذا األساس منع المشرع في مدونة التجارة القاضي من منح أجال لوفاء الديون المستحقة في‬
‫الكمبيالة يتجاوز الميعاد المعين لالستحقاق وفقا لنص المادة ‪ 231‬من مدونة التجارة التي جاء فيها‪ " :‬ال‬
‫يمنح أي إسهال قانوني أو قضائي إال في األحوال المنصوص عليها في المادتين ‪ 196‬و‪ ،"207‬ونفس‬
‫األمر في مجال التعامل بالشيك‪ ،‬وفقا للمادة ‪ 304‬من المدونة‪ ،‬ولنفس االعتبار كان المشرع قاسيا على‬
‫التجار حيث سلط نظام التصفية القضائية على كل تاجر توقف عن دفع ديونه في طريق استحقاقها بمقتضى‬
‫المادتين ‪ 568‬و‪ 619‬من مدونة التجارة ‪.29‬‬

‫‪ 28‬بحار عبد الرحيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪340‬‬


‫‪ 29‬بوعبيد عباس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪17‬‬
‫ثالثا‪ :‬تقصير آجال التقادم في االلتزامات التجارية‬

‫يقصد بالتقادم انقضاء الحقوق المتعلقة بالذمة المالية وال سيما االلتزامات‪ ،‬إذا توانا صاحبها عن‬
‫ممارستها‪ ،‬أو أهمل المطالبة بها خالل مدة معينة يحددها القانون‪.30‬‬

‫ويقضي المبدأ العام بأن جميع الدعاوى الناشئة عن االلتزام تتقادم بمضي خمسة عشر سنة حسب‬
‫منطوق الفصل ‪ 387‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬

‫إال أن هذا األصل خرج عنه المشرع المغربي في المادة التجارية‪ ،‬ونصت مدونة التجارة في مادتها‬
‫الخامسة على أن آجال التقادم خمس سنوات‪ ،‬وهذا نص المادة الخامسة‪ " :‬تتقادم االلتزامات الناشئة بمناسبة‬
‫عمل تجاري بين التجار أو بينهم وبين غيرالتجار بمضي خمس سنوات ما لم توجد مقتضيات خاصة‬
‫مخالفة"‬

‫وبناء على هذا المادة يكون المشرع قد كرس مبدأ التقادم الخمسي كمبدأ عام بالنسبة لاللتزامات‬
‫التجارية‪ ،‬وأورد على هذا المبدأ استثناءات في حالة وجود مقتضيات خاصة‪.‬‬

‫وهذه االستثناءات التي جاء بها المسرع في المادة التجارية خروجا على هذا المبدأ منها ما ورد‬
‫تنظيمه في مدونة التجارة‪ ،‬ومنها ما ورد في قوانين خاصة‪.‬‬

‫ومن بين االستثناءات الواردة في مدونة التجارة ‪:‬‬

‫‪ -‬الدعاوى الناشئة عن الشيك تتقادم بمضي ستة أشهر ابتداء من تاريخ انقضاء أجل التقادم‪ ،‬وفقا‬
‫للمادة ‪ 295‬من مدونة التجارة‪.‬‬
‫‪ -‬الدعاوى الناتجة عن الكمبيالة ضد القابل بمرور ثالث سنوات ابتداء من تاريخ االستحقاق‪ ،‬وفقا‬
‫للمادة ‪ 228‬من مدونة التجارة‪.‬‬
‫‪ -‬نتقادم دعاوي الحامل على المظهرين والساحب بمضي سنة واحدة ابتداء من تاريخ االحتجاج‬
‫المحرر ضمن اآلجال القانوني‪ ،‬أو من تاريخ االستحقاق في حالة اشتراط الرجوع بدون مصاريف‪.‬‬

‫‪ 30‬مأمون الكزبري‪ ،‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬الجزء الثاني ‪ -‬أوصاف االلتزام ‪ -‬الطبعة ‪516‬‬
‫الثانية‪ ،‬سنة ‪ ،1972‬ص‪.516‬‬
‫‪18‬‬
‫ومن االستثناءات الواردة في قوانين خاصة‪:‬‬

‫‪ -‬دعاوى المسؤولية المستمدة من عقد النقل تتقادم بمضي سنتين من تاريخ تسليم البضاعة أو جزء‬
‫منها‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 20‬من اتفاقية هامبورغ الصادر بتاريخ ‪ 31‬مارس ‪ 1978‬والتي انضم إليها‬
‫المغرب منذ سنة ‪ 17/07/1981‬المنظمة لعقد النقل البحري للبضائع‪.‬‬
‫‪ -‬تتقادم كل الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بمرور سنتين ابتداء من وقوع حدوث الواقعة التي‬
‫تولدت عنها هذا الدعوى‪ ،‬طبقا للمادة ‪ 36‬من مدونة التأمينات‪.31‬‬

‫والبد من اإلشارة هذا إلى أن الدفع بالتقادم ال يعد من النظام العام‪ ،‬ومن ثم يتبغي إثارته من طرف‬
‫المتقاضين ذوي المصلحة استنادا للفصل ‪ 372‬من قانون االلتزامات والعقود الذي ينص على أن‪" :‬التقادم‬
‫ال يسقط الدعوى بقوة القانون‪ ،‬بل ال بد لمن له مصلحة فيه أن يحتج به ‪.‬‬

‫وليس للقاضي أن يستند به من تلقاء نفسه‪".‬‬

‫وحماية لحق التقاضي منع المشرع المغربي بمقتضى الفصل ‪ 379‬من قانون االلتزامات والعقود‬
‫التنازل مقدما عن التقادم‪ ،‬وأجاز التنازل عنه بعد حصوله‪.‬‬

‫كما منع الفصل ‪ 375‬من نفس القانون االتفاق بين المتعاقدين على تمديد آجال التقادم إلى أكثر من‬
‫‪ 15‬سنة التي يحددها القانون‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مكانة النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشركات التجارية ومدونة‬
‫الشغل‬

‫عرف المغرب تحوالت اقتصادية عديدة أدت إلى الى ضرورة توفر قوانين‪ ،‬لتوفير مناخ قانوني‬
‫صحيح وهذا ما دفع المشرع إلى إصدار قوانين الشركات التجارية سنة ‪ ،1996‬والستكمال الترسانة‬
‫التشريعية المؤطرة لقانون األعمال أصدر المشرع المغربي مدونة الشغل سنة ‪ ،2003‬هذا من جهة ومن‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فإن النظرية العامة للعقد عرفت بدورها عدة تحوالت اقتصادية حاولت مواكبتها‪.‬‬

‫من خالل هذا المطلب سنحاول أن نتطرق إلى مكانة النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشركات‬
‫التجارية (الفقرة األولى)‪ ،‬ثم مكانة النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشغل (الفقرة الثانية( ‪.‬‬

‫‪ 31‬ظهير شريف رقم ‪ 1.2.238‬صادر في ‪ 25‬من رجب ‪ )3( 1423‬أكتوبر (‪ )2002‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 17.99‬المتعلق بمدونة‬
‫التأمينات الجريدة الرسمية عدد ‪ 5054‬الصادرة بتاريخ ‪ 2‬رمضان ‪ )7( 1423‬نوفمبر (‪ ،)2002‬ص ‪.351‬‬
‫‪19‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مكانة النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشركات التجارية‬

‫تعد النظرية العامة للعقد حاليا نظرية معاصرة وذلك بطبيعة الحال راجع باألساس إلى التحوالت‬
‫التي مست المبادئ التقليدية للعقد فبرجوعنا إلى كل التحوالت والتطورات االقتصادية واالجتماعية التي‬
‫شهدها المغرب نجد أن األمر أصبح يتطلب إصدار قوانين هدفها هو العمل على توفير مناخ قانوني مناسب‬
‫وصحي قصد االستثمار وسيادة القانون في مجال األعمال ‪.32‬‬

‫حيث أن في سنة ‪ 1996‬قام المشرع المغربي بإصدار مجموعة من القوانين المنظمة للشركات‬
‫التجارية‪ ،‬حيث انطلق من الشريعة العامة للقانون المدني بموجب الفصل ‪ 982‬والذي ورد فيه على أن‬
‫"الشركة هي "عقد بمقتضاه يضع شخصان‪ ،‬او أكثر أموالهم أو أعمالهم او هما معا لتكون مشتركة بينهم‬
‫قصد تقسيم الربح الذي قد ينشا عنها‪".‬‬

‫غير أن هذا األمر أخذ يتراجع أمام بعض المفاهيم القانونية الحديثة التي شقت طريقها باتجاه بعض‬
‫التشريعات المعاصرة والتي اصبحت تقبل بإنشاء الشركة من قبل شخص واحد‪ ،‬على أساس إمكانية إحداث‬
‫تخصيص داخل الذمة المالية للشخص‪ ،‬بحيث تعدد الذمم عنده‪ ،‬فيخصص جزءا من أمواله للشركة تتعلق‬
‫بها وحدها ديون الدائنين دون غيرها من أموال صاحبها‪ .33‬ثم انه بفعل التطورات االقتصادية التي عرفتها‬
‫الساحة القانونية قام المشرع بوضع العديد من القوانين في ميدان األعمال كالقانون ‪ 17. 95‬المتعلق بشركة‬
‫الذي حل محل قانون الشركات الفرنسي‬ ‫‪35‬‬
‫المساهمة‪ ،34‬وكذا القانون ‪ 05.96‬المتعلق بباقي الشركات‬
‫الصادر في سنة ‪ 1867‬المطبق بظهير ‪.1922‬‬

‫أما فيما يخص الشركات التجارية فتؤطرها اتفاقيات األطراف‪ ،‬و القانون المدني‪ ،‬والقوانين التجارية أي‬
‫مدونة التجارة‪ ،‬ثم قانون شركات المساهمة (القانون ‪ ، 36)17.95‬ثم قانون باقي الشركات التجارية‪ ،‬عالوة‬
‫على ذلك القانون رقم(‪ )53.95‬القاضي بإحداث محاكم تجارية ‪ ،‬حيث إن عقد الشركة التجارية شأنه شأن‬
‫غيره يتطلب توفر مجموعة من األركان العامة لعل من بينها نجد‪ :‬ركن الرضا‪ ،‬ركن األهلية التجارية‪،‬‬
‫ركن المحل والسبب‪ ،‬هذا فيما يخص األركان العامة‪ ،‬أما األركان الخاصة فحسب الفصل ‪ 982‬من قانون‬

‫‪ 32‬عبد الرحيم بحار‪"،‬دور القضاء التجاري في تشجيع االستثمار" مجلة العلوم القانونية‪ ،‬العدد األول ‪.2013،‬‬
‫‪ 33‬فؤاد معالل ‪،‬شرح القانون التجاري الجديد (الجزء الثاني) الشركات التجارية‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،2016،‬دار االفاق المغربية‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬صفحة ‪.29‬‬
‫‪ 34‬ظهير شريف رقم ‪ 1.96.124‬الصادر في ‪ 14‬ربيع االخر ‪ 30( 1417‬أغسطس ‪ )1996‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 17.95‬المتعلق‬
‫بشركات المساهمة‪.‬‬
‫‪ 35‬ظهير شريف رقم ‪ 1.97.49‬الصادر في ‪ 5‬شوال ‪13(1417‬فبراير‪ )1997‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 5.96‬المتعلق بشركة التضامن وشركة‬
‫التوصية البسيطة وشركة التوصية باألسهم والشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة المحاصة‪.‬‬
‫‪ 36‬فؤاد معالل‪ ،‬الشركات التجارية‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪-‬جامعة سيدي محمد بن عبد هللا‪ ،‬السنة الجامعية‪2021‬‬
‫‪ ،2020/‬بدون طبعة‪ ،‬ص‪.9‬‬
‫‪20‬‬
‫االلتزامات و العقود التي جاء فيها أن" الشركة عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر أموالهم أو عملهم أو‬
‫هما معا‪ ،‬لتكون مشتركة بينهم‪ ،‬بقصد تقسيم الربح الذي قد ينشأ عنها "نجد عنصر تعدد الشركاء والمساهمة‬
‫في رأس المال‪ ،‬وتحقيق الربح وتحمل الخسارة وأخيرا نية المشاركة‪.‬‬

‫فاختالل أحد األركان المذكورة سابقا قد يجعل القضاء يحكم ببطالن عقد الشركة وهذا البطالن‬
‫يترتب عليه إرجاع المتعاقدين إلى نفس الحال التي كانوا عليها وقت إنشاء االلتزام وهذا ما جاء بشكل‬
‫واضح في إطار مقتضيات الفصل ‪ 316‬من قانون التزامات والعقود"يترتب على إبطال االلتزام وجوب‬
‫إعادة المتعاقدين إلى نفس ومثل الحالة التي كانا عليها وقت نشأته‪ ،‬والتزام كل منهما بأن يرد لآلخر كل‬
‫مأخذه منه بمقتضى أو نتيجة العقد الذي تقرر إبطاله‪ .‬وتطبق بشأن الحقوق المكتسبة على وجه صحيح‬
‫للغير الحسني النية األحكام الخاصة المقررة لمختلف العقود المسماة"‪ .‬ومن طبيعة الحال ينعكس هذا الوضع‬
‫بشكل سلبي على كال الطرفي العقد‪.‬‬

‫ففي إطار النظرية العامة لاللتزام‪ ،‬فإن العقد الذي تقرر بطالنه يصبح بال جدوى فيما يتعلق‬
‫بالمستقبل‪ ،‬كما أنه ينعدم بأثر رجعي‪ ،‬كأن لم يكن باألساس‪ ،37‬ولتفادي تطبيق هذه المقتضيات في إطار‬
‫قانون الشركات جاءت نظرية الشركة الواقعية التي بموجبها الشخص المعنوي قد وجد واستمر إلى أن‬
‫قضى ببطالن العقد وذلك ألنه بالفعل كان في الفترة السابقة‪ .‬فالمشرع المغربي قد اعترف بوجود هذه‬
‫النظرية حسب مقتضيات المادة ‪ 346‬من قانون ‪17.95‬والمادة ‪ 347‬من نفس القانون‪ ،‬وكذا المادة ‪362‬‬
‫من ذات القانون في فقرتها الثانية‪.‬‬

‫فهذه النظرية تقضي بعدم البطالن في حالة تخلف ركن من األركان الالزمة والتي يجب أن تقوم‬
‫عليها الشركة هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن النظرية جاء بها المشرع من أجل تعطيل االثر الرجعي‬
‫للبطالن في بعض الحاالت‪.‬‬

‫يمكن القول بأن الشركة الفعلية هي بمثابة اعتراف بالوجود الفعلي للشركة وليس القانوني منها‪،‬‬
‫وذلك في الفترة التي جاءت بين تأسيسها والحكم ببطالنها‪ ،‬وهذه النظرية من طبيعة الحال قد أقيمت على‬
‫أسس قانونية من بينها أن عقد الشركة من قبل العقود المستمرة التي تنفذ يوما بعد يوم فإذا أبطل هذا العقد‬
‫فإن البطالن يتناول المستقبل فقط فيجب حل الشركة وتصفيتها هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية فإن مجال‬
‫تطبيق هذه النظرية يتحدد في أنه يجب أن تكون الشركة قد باشرت نشاطها بالفعل‪ ،‬وذلك قبل الحكم عليها‬
‫بالبطالن ثم أنه يجب أن تكون الشركة قد باشرت نشاطها بالفعل‪ ،‬وذلك قبل الحكم عليها بالبطالن ثم أنه‬

‫‪ 37‬عبد الحق الصافي‪"،‬الوجيز في القانون المدني"‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ‪-‬المحمدية مطبعة‬
‫النجاح‪ ،‬الدار البيضاء الجديدة‪ ،‬صفحة ‪.204‬‬
‫‪21‬‬
‫يجب أن يكون بطالن الشركة إما بسبب نقص االهلية‪ ،‬أي أهلية أحد الشركاء في شركات األشخاص أو‬
‫بسبب عيب اعترى رضاه‪ ،‬وأخيرا بسبب عدم توفر الشروط الخاصة بنوع معين من أنواع الشركة‪ ،‬ثم أن‬
‫هذه الشركة يترتب عليها عدة آثار من ضمنها أنه ال يجوز إثبات الشركة بكافة طرق اإلثبات‪ ،‬ثم أنها‬
‫تحتفظ بالشخصية المعنوية وتخضع لضريبة األرباح التجارية وكذا الصناعية‪ ،‬وتخضع تصفية الشركات‬
‫الفعلية أيضا لنفس إجراءات تصفية الشركات األخرى ‪.38‬‬

‫انطالق مما سبق يتضح أن المشرع عندما جاء بهذه النظرية وخرج عما جاء به في النظرية العامة‬
‫لاللتزام‪ ،‬فهذا راجع ألسباب من بينها تحقيق التنمية االقتصادية التي ال يمكن ان تكون إال باستقرار‬
‫المعامالت‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬مكانة النظرية العامة للعقد في مدونة الشغل‬

‫لتأطير العالقات بين طرفي العقد الذي يربط المشغل باألجير كان البد من إصدار نصوص قانونية‬
‫تأخد بعين االعتبار خصوصية هذه العالقة‪ .‬فأحيانا نجد أن المشغل يستغل ضعف األجير ويفرض ما شاء‬
‫من الشروط‪ ،‬ضمن بنود العقد بما في ذلك تشغيله في ظروف صعبة من قبيل عدم توفير شروط الصحة‬
‫واألمان‪ ،‬وحفاظا على كرامة األجير قام هذا األخير وغيره من األجراء بالتكتل إلى جانب األجراء في‬
‫شتى القطاعات في إطار نقابات من أجل الدفاع عن حقوقهم وصيانة كرامتهم‪ ،‬مما أدى إلى تدخل الدولة‬
‫كطرف ثالت عهد إليها تنظيم هذه العالقة‪.‬‬

‫لكن مع توالي صدور التنظيمات المتعلقة بقانون الشغل بدأ يتراجع مبدأ الحرية التعاقدية‪ ،‬ومبدأ القوة‬
‫الملزمة للعقد‪.‬‬

‫فإذا كانت الحرية التعاقدية تدل على حرية الشخص في ابرام العقد أو عدم ابرامه‪ ،‬فإن هذا المبدأ‬
‫سيجعل رب العمل يفرض قوته على األجير‪ ،‬ومن أجل حماية هذا األخير قام المشرع بوضع قيود ترد‬
‫على هذه الحرية ولعل من بينها نجد ‪:‬القيود الواردة على سلطة المشغل في اختيار نوع العقد‪ ،‬بحيث اذ تم‬
‫إعطاء إمكانية للمشغل من أجل اختيار أي نوع من العقود التي سيبرم‪ ،‬فإنه سيختار عقود محددة المدة‪،‬‬
‫وهذا فيه تعسف واعتداء على األجير‪ ،‬بحيث يمكن طرده بمجرد انتهاء هذه المدة‪ ،‬لذلك تدخل المشرع وقام‬
‫بوضع قواعد آمرة ال يمكن االتفاق على مخالفتها‪ ،‬حدد بمقتضاها على سبيل الحصر الحاالت التي يمكن‬
‫فيها للمشغل اللجوء إلى ابرام عقود الشغل محددة المدة‪ ،‬وكذا تحديد مدتها‪ .‬كما حدد أيضا مدة ابرام عقد‬

‫‪ https://www.startimes.com 38‬الشركات الفعلية في قانون الشركات المغربي ‪،‬تمت زيارته يوم ‪2024/03/23‬على‬
‫الساعة ‪14 :23‬‬
‫‪22‬‬
‫الشغل ومن جهة أخرى تم تقييد حرية المشغل أيضا في اختيار األجير المتعاقد معه‪ ،‬فإذا كانت المادة‪507‬‬
‫من مدونة الشغل قد مكنت المشغل من اختيار أجرته وذلك بكل حرية خاصة فيما يتعلق بتشغيل النساء‪.‬‬

‫وبخصوص القوة الملزمة للعقد‪ ،‬فالرجوع للفصل ‪ 230‬من ق‪.‬ل‪.‬ع نجد بأن االلتزامات التعاقدية أن‬
‫“االلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها‪ ،‬وال يجوز إلغاؤها‬
‫إال برضاهما معا أو في الحاالت المنصوص عليها في القانون‪”.39‬‬

‫انطالقا من الفصل المذكور سابقا‪ ،‬فإنه ال يمكن تعديل العقد أو الغاءه إال برضى طرفي العقد‪ ،‬غير‬
‫أنه تقضي مصلحة الشغل ادخال تعديالت على بعض العقود كإمكانية تعديل العقد فيما يتعلق بمدة الشغل‪،‬‬
‫وبرجوع الى المادة ‪ 185‬من مدونة الشغل نجد انها تنص على أنه ’’ يمكن للمشغل‪ ،‬بعد استشارة مندوبي‬
‫األجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم‪ ،‬أن يقلص من مدة الشغل العادية ولفترة متصلة أو‬
‫منفصلة ال تتجاوز ستين يوما في السنة‪ ،‬وذلك عند حدوث أزمة اقتصادية عابرة لمقاولته أو لظروف طارئة‬
‫خارجة عن إرادته‪.40‬‬

‫انطالقا مما سبق‪ ،‬يمكن القول بأن المشرع وضع مجموعة من القوانين التي نظمت العالقة التعاقدية‬
‫بين المشغل واألجير تفاديا ألي اعتداء من قبل الطرف القوي على الضعيف‪.‬‬

‫‪ 39‬الفصل ‪ 230‬من ق‪.‬ل‪.‬ع‬


‫‪ 40‬المادة ‪ ،185‬ظهير شريف رقم ‪ 1.03.194‬صادر في ‪ 14‬من رجب ‪ 11( 1424‬سبتمبر ‪)2003‬‬
‫بتنفيذ القانون رقم ‪ 65.99‬المتعلق بمدونة الشغل‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5167‬بتاريخ ‪ 2003/12/08‬الصفحة ‪3969‬‬
‫‪23‬‬
‫خاتمة‬

‫وصفوة القول؛ نخلص إلى أن هناك قواسم مشتركة بين قانون االلتزامات والعقود (القانون المدني)‬
‫وقانون األعمال (القانون التجاري)؛ تتمثل في االركان الواجب توفرها في كال العقدين أال وهي الرضا‬
‫واألهلية والمحل والسبب‪،‬لكن بالمقابل نجد هناك اختالفات بين القانونين نظرا للخصائص التي يتميز بها‬
‫القانون التجاري و هي السرعة و االئتمان؛ ومن هذه االختالفات؛ ندكر حرية اإلثبات في المعامالت‬
‫التجارية حيث يجوز اإلثبات بكل الوسائل؛ عكس القانون المدني الذي يفرض اإلثبات كتابة كلما بلغت قيمة‬
‫المعامالت عشرة االف درهم؛ أيضا هناك اختالف فيما يخص التضامن بين المدينين ؛ فالقانون التجاري‬
‫يفترض التضامن في االلتزامات التجارية و ذلك من أجل دعم الثقة و االئتمان اللذان يطبعان المعامالت‬
‫التجارية؛ عكس القانون المدني الذي ال يفترض التضامن بين المدينين و يشرط أن يكون منصوصا عليه‬
‫في العقد أو في القانون ‪ .‬ومن هذه الفروق أيضا؛ تفاوت مدة التقادم بين القانونين؛ فالمعامالت المدنية تتقادم‬
‫بمرور ‪ 15‬سنة؛ في حين أن المعامالت التجارية تتقادم بمرور ‪ 5‬سنوات فقط‪.‬‬

‫وكخالصة؛ نشير إلى أن القانون المدني (ق‪.‬ل‪.‬ع) هو بمثابة الشريعة العامة لقانون األعمال (ق‪.‬ت)؛‬
‫بمعنى أنه في حالة عدم وجود قاعدة ما في القانون التجاري فإنه يتم الرجوع إلى قواعد قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫الكتب‪:‬‬

‫‪ -‬فؤاد معالل‪ ،‬شرح القانون التجاري الجديد الجزء األول نظرية التاجر والنشاط التجاري‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوجيز في النظرية العامة لاللتزام‪.‬‬
‫‪ -‬فريدة اليوموري‪ ،‬شرح القانون التجاري‪ ،‬االعمال التجارية والتاجر‪ ،‬الجزء األول‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الحق الصافي‪" ،‬الوجيز في القانون المدني"‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية ‪-‬المحمدية مطبعة النجاح‪ ،‬الدار البيضاء الجيدة‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمان أسامة‪ ،‬د الحاجي بناصر‪ ،‬المبادئ العامة لاللتزامات‪ ،‬طبعة ‪.2010‬‬
‫‪ -‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب االول نظرية العقد‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪.2015‬‬
‫‪ -‬مأمون الكزبري‪ ،‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي‪ ،‬الجزء األول‬
‫مصادر االلتزامات‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1972 ،‬‬
‫‪ -‬مصطفى کمال طه‪ ،‬العقود التجارية وعمليات البنوك‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.2006‬‬
‫‪ -‬فؤاد معالل‪ ،‬الشركات التجارية‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪-‬جامعة سيدي محمد‬
‫بن عبد هللا‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2020/ 2021‬بدون طبعة‪.‬‬
‫القوانين‪:‬‬
‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 1.96.124‬الصادر في ‪ 14‬ربيع االخر ‪ 30( 1417‬أغسطس ‪ )1996‬بتنفيذ‬
‫القانون رقم ‪ 17.95‬المتعلق بشركات المساهمة‪.‬‬
‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 1.2.238‬صادر في ‪ 25‬من رجب ‪ )3( 1423‬أكتوبر (‪ )2002‬بتنفيذ القانون‬
‫رقم ‪ 17.99‬المتعلق بمدونة التأمينات الجريدة الرسمية عدد ‪ 5054‬الصادرة بتاريخ ‪ 2‬رمضان‬
‫‪ )7( 1423‬نوفمبر (‪.)2002‬‬
‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 1.97.49‬الصادر في ‪ 5‬شوال ‪13(1417‬فبراير‪ )1997‬بتنفيذ القانون رقم‬
‫‪ 5.96‬المتعلق بشركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة التوصية باألسهم والشركة ذات‬
‫المسؤولية‪.‬‬
‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 1.04.22‬صادر في ‪ 12‬من ذي الحجة ‪ 3/ 1424‬فبراير ‪ 2004‬بتنفيذ القانون‬
‫رقم ‪ 70.03‬بمثابة مدونة األسرة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ -‬ظهير ‪ 9‬رمضان ‪ 12( 1331‬أغسطس ‪ )1913‬صيغة محينة بتاريخ ‪ 11‬يناير ‪ 2021‬المتعلق‬
‫بقانون االلتزامات و العقود‪.‬‬
‫‪ -‬ظهير شريف رقم ‪ 1.03.194‬صادر في ‪ 14‬من رجب ‪ 11( 1424‬سبتمبر ‪ )2003‬بتنفيذ‬
‫القانون رقم ‪ 65.99‬المتعلق بمدونة الشغل‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5167‬بتاريخ‬
‫‪ 2003/12/08‬مدونة الشغل‪.‬‬
‫مقاالت‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرحيم بحار "دور القضاء التجاري في تشجيع االستثمار" مجلة العلوم القانونية‪ ،‬العدد األول‬
‫‪.2013‬‬
‫‪ -‬بوعبيد عباس‪ ،‬العقود التجارية والتجديدات الطارئة عليها‪ ،‬مقال منشور بمجلة المحامون‪ ،‬العدد ‪6‬‬
‫‪.1998 .‬‬
‫‪ -‬توفيق تكرومت‪ "،‬تأثير القوانين االقتصادية على قانون االلتزامات والعقود" مقال منشور بمجلة‬
‫القانون واالعمال‪ ،‬طبعة ‪.2019‬‬

‫التقارير‬

‫‪ -‬قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 01/12/2004‬تحت عدد ‪ 1322‬في الف التجاري عدد‬
‫‪ 478/02‬منشور بمجلة المجلس األعلى عدد ‪.64‬‬
‫‪ -‬قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ ‪ 03/07/23‬تحت عدد ‪ 335‬في الملف ‪ 02/269‬قرار‬
‫منشور في الجريدة المغربية‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الفهرس‬

‫كلمة شكر ‪1 ...........................................................................................................‬‬


‫مقدمة ‪2 ...............................................................................................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬أحكام التعاقد بين النظرية العامة وقانون األعمال ‪5 ...........................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أحكام التعاقد ومبدأ سلطان اإلرادة ‪5 ............................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬األركان العامة للتعاقد ‪5 .........................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة ومحدوديته ‪9 .............................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مميزات قانون األعمال ‪10 .......................................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬اعتماد التجارة على السرعة ‪11 ..............................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬اعتماد التجارة على االئتمان ‪11 ..............................................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬القواعد الخاصة في مجال األعمال ‪13..........................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬القواعد الموضوعية الخاصة بالعقود التجارية ‪13 ...........................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مبدأ حرية اإلثبات في المعامالت التجارية ‪13 ..............................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬القواعد الخاصة بتنفيذ العقود التجارية ‪16 ..................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مكانة النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشركات التجارية ومدونة الشغل ‪19 .........‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مكانة النظرية العامة للعقد في مدونة الشغل ‪22 ...........................................‬‬
‫خاتمة ‪24..............................................................................................................‬‬
‫قائمة المراجع ‪25.....................................................................................................‬‬
‫الفهرس ‪27............................................................................................................‬‬

‫‪27‬‬

You might also like