Professional Documents
Culture Documents
عرض في موضوع:
السنة الجامعية2024/2023:
كلمة شكر
عرفانا بالجميل نتقدم بالشكر الجزيل الى أستاذتنا امال الناجي التي تفضلت بقبول
إشرافها على هذا العرض ،والعمل على تأطيرنا وتوجيهنا فلها منا بالغ االمتنان سائلين
هللا عز وجل أن يجازيها خير الجزاء.
1
مقدمة
يعتبر قانون األعمال من القوانين التي تهتم بتنظيم الشأن االقتصاد الوطني؛ والذي لألسف ال وجود
له من الناحية الواقعية الصرفة على اعتبار أن هذا القانون غير مقنن؛ بمعنى أن مقتضياته ال يمكن االطالع
عليها في مدونة شاملة تجمع جميع القوانين المنظمة له.
فهذا القانون مزيج من القوانين المستقلة بعضها عن بعض؛ من قانون تجاري وقانون المقاولة؛
الشركات التجارية؛ القانون البنكي؛ البورصة...؛ مما يجعل هذا القانون يحتل مكانة مهمة في المنظومة
القانونية المغربية رغم ما يعاب عليه من تشتت واتساع مقتضياته غير المجتمعة في قانون موحد ومعين.
يطمح المغرب من وضع قانون األعمال إلى دعم التنمية االقتصادية؛ ولهذا الغرض انخرط مند
تسعينيات القرن الماضي؛ في سلسلة من اإلصالحات القانونية ترمي إلى تحديث اإلطار القانوني و التنظيمي
لألعمال؛ وتعديل و مراجعة عدد من المدونات و النصوص التشريعية؛ و التي نذكر منها على الخصوص
مدونة التجارة؛ حيث ثم إصالح الكتاب الخامس من القانون 15.95المتعلق بمدونة التجارة؛ فيما يخص
مساطر صعوبة المقاولة (أبريل )2018؛ أيضا إصالح القانون رقم 17.95المتعلق بشركات المساهمة
سنتي ( 2015و )2019؛ باإلضافة إلى اعتماد القانون رقم 86.12المتعلق بعقود الشراكة بين القطاعين
1
العام و الخاص ( سنة ...)2020
أما بخصوص تحديد مفهوم قانون األعمال؛ فيصعب إيجاد تعريف شامل يجمع كل هاته القوانين
التي تشكل فروعه؛ لذلك اختلف الفقه في تعريفه؛ فهناك من الفقهاء من عرفه بأنه " فرع من فروع القانون
الخاص؛ يحكم فئة معينة من األعمال؛ تسمى األعمال التجارية؛ وطائفة من األشخاص تدعى التجار "؛
إال ان هذا التعريف ال يعتبر شامال وجامعا؛ لكون تنظيم األعمال التجارية والتجار اختصاص يتواله القانون
التجاري الذي فقط جزء من قانون األعمال؛ فقانون األعمال أكثر اتساعا من القانون التجاري .في حين
ذهب جانب أخر من الفقه إلى تعريفه بأنه " كل القواعد القانونية المطبقة في عالم االعمال؛ وأنه فرع
من فروع القانون الخاص؛ وهو تقنية قانونية في خدمة حياة األعمال تسرعها وتبسطها؛ يشمل جميع
النصوص القانونية التي لها عالقة بكافة انشطة المقاولة؛ على اعتبار انه ال ينظم فقط التجار واالعمال
التجارية؛ وإنما أيضا النشاط الصناعي؛ حوادث الشغل؛ قانون الضمان االجتماعي؛ االنشطة البنكية؛
2
قانون الملكية الصناعية والتجارية " ...وهذا ما يفسر لنا أن قانون األعمال له ارتباط بجميع نصوص
القانون الخاص.
ف إذا كان القانون المدني يشكل الشريعة العامة للعالقات المالية الخاصة؛ فإن قانون األعمال يشكل
الشريعة الخاصة لألعمال ولرجال األعمال؛ وهذا ما يعني استناد قانون األعمال في العديد من مواضعه
إلى القانون المدني؛ كما هو الشأن بالنسبة للنظرية العامة لاللتزامات والعقود التي يعالج فيها القانون المدني
مسألة إنشاء العقد وتنفيذه.
لكن على الرغم من التقارب بين هذين القانونين؛ فإننا نجد قانون األعمال كثيرا ما يعطي حلوال
مختلفة عن تلك التي يعطيها القانون المدني.
أهمية الموضوع:
فمن الناحية العلمية؛ فإن التطور السريع والمتالحق للقواعد القانونية المنظمة لمجال األعمال وظهور
اعمال جديدة لم يكن بمقدر القانون المدني اإللمام بها قد خلق مجاال خصبا للباحثين والدارسين في العلوم
القانونية ليدلو بدلوهم في هذا المجال.
أما من الناحية العملية فإن التطور الذي يعرفه المجتمع من الزاوية االقتصادية أصبح يفرض على
الدول تحسين تنافسية مقاولتها بما ينعكس إيجابا على األوضاع االجتماعية وهو يفرض على الدول تطوير
القواعد القانونية في ميدان األعمال.
إشكالية الموضوع:
إن دراسة موضوع مكانة النظرية العامة في قانون األعمال؛ يثير إشكالية محورية مفادها :ما هي
مكانة النظرية العامة في قانون األعمال؟ او بعبارة أخرى؛ ما مدى استناد قانون األعمال على قواعد
القانون المدني؟
وتتفرع عن هذه اإلشكالية مجموعة من األسئلة الفرعية التي يمكن إجمالها فيما يلي:
3
• ما هي مكانة النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشركات التجارية ومدونة الشغل؟
المنهج المعتمد:
لمعالجة اإلشكالية المطروحة؛ سنعتمد المنهج التحليلي من خالل تحليل مدى اعتماد قانون األعمال
على قواعد قانون االلتزامات والعقود.
خطة البحث:
لإلحاطة بمختلف جوانب البحث في موضوع " مكانة النظرية العامة في قانون االعمال " اعتمدنا
التقسيم التالي:
4
المبحث األول :أحكام التعاقد بين النظرية العامة وقانون األعمال
اعتاد اإلنسان منذ القدم على نسج اتفاقات مع بني جنسه التي تساعده على تسيير شؤون حياته وتحقق
له أسباب االستمرار وتلبية حاجياته ومتطلبات الحياة ،حيث أنه ومع ظهور الدولة كمؤسسة عامة تسهر
على تنظيم العالقات و المعامالت بين األفراد في مختلف المجاالت ،قامت هذه األخيرة بإحداث مجموعة
من الوسائل القانونية للقيام بدورها على أكمل وجه ،ويعتبر العقد من أهم هذه الوسائل باعتباره األكثر
شيوعا بين األفراد ،إذ أنه وللقيام بأي عمل البد من مروره بمؤسسة العقد باعتبارها من أهم مصادر
االلتزامات .حيث يمكن اعتبار العقد عبارة عن توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني، 2كما عرفته بعض
التشريعات على أنه اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص أو أكثر نحو شخص أو أكثر بإعطاء شيء أو القيام بعمل
أو االمتناع عنه .كما يقوم العقد على مبدأ أساسي يتجلى في مبدأ سلطان اإلرادة ،الذي يعني قدرة اإلرادة
الفردية على إنشاء االلتزامات دون غيرها ،مع ما ينتج عن هذا المبدأ من نتائج أهمها مبدأ القوة الملزمة
للعقد ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين .
يحتل قانون االلتزامات والعقود أهمية كبرى داخل الترسانة التشريعية المغربية ،وعلى وجه التحديد
نظرية العقد ،حيث راعى المشرع تنظيم مجموعة من المبادئ واألسس التي يقوم عليها االلتزام وتنبني
عليها المعامالت كما يعتبر قانونا مشتركا لتنظيم كافة العالقات بين األفراد .ومن خالل هذا المطلب سنقوم
بدراسة األركان العامة للتعاقد في فقرة أولى ،ونتحدث عن مبدأ سلطان اإلرادة ومحدوديته في فقرة ثانية.
لكي ينشأ العقد صحيحا فإنه يتعين فيه أن يكون مستجمعا لعناصره الجوهرية التي يقوم عليهاٍ ،فهو
بمثابة البناء الذي ال بد له من أركان يؤسس عليها ،وقد أشار المشرع المغربي لهذه األركان في الفصل
3
الثاني من ق.ل.ع الذي جاء فيه " األركان الالزمة لصحة االلتزامات الناشئة عن التعبير عن اإلرادة هي:
5
سبب مشروع لاللتزام .4
أوال :األهلية
إلبرام أي عقد كيفما كان نوعه البد من توافر ركن األهلية كأول ركن عام نص عليه قانون
االلتزامات والعقود المغربي في الفصل الثاني منه ،وبالرجوع للفقرة األولى من الفصل الثالث من نفس
القانون نجده ينص على أن "األهلية المدنية للفرد تخضع لقانون أحواله الشخصية " والمقصود بقانون
أحواله الشخصية مدونة األسرة المغربية ،هذه األخيرة التي نصت في المادة 4206على أن األهلية نوعان:
"أهلية أداء وأهلية وجوب"
فأهلية الوجوب تعني صالحية الشخص لثبوت الحقوق وااللتزامات له وعليه وهي أهلية ثابتة
للشخص منذ والدته حيا إلى وقت وفاته ،بل وتبدأ قبل ذلك للجنين في حدود معينة.
أما أهلية األداء فهي صالحية الشخص وقدرته على القيام بالتصرفات القانونية وتحمل االلتزامات
على الوجه المطلوب قانونا.
وباستقراء فصول قانون االلتزامات والعقود نجد أن المشرع المغربي خصص إحدى عشر فصال
للحديث عن ركن األهلية من الفصل 3إلى الفصل ،13مما يكشف عن أهمية هذا الركن في إبرام العقد .
ثانيا :الرضا
الرضا هو تعبير صحيح عن اإلرادة يقع على العناصر األساسية لاللتزام حسب ما جاء به الفصل
الثاني من ق ل ع م وقد عرفه الفقه أنه توافق إرادتي المتعاقدين على إحداث األثر القانوني المتوخى من
العقد ،وهذا التوافق يتحقق قانونا بتبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين تكون بصدور إيجاب متضمن
لعرض موجه من شخص آلخر وصدور قبول مطابق لإليجاب صادرا من القابل الذي وجه إليه اإليجاب،
وبذلك يقترن القبول باإليجاب ويحصل التراضي فيتم العقد .ومن هنا يمكننا القول أن إنشاء العقد يفترض
فيه وجود طرفين أحدهما موجب و اآلخر قابل ،أما في حالة وجود إرادة واحدة كافية بذاتها إلنشاء االلتزام
فان مصدر هذا االلتزام في هذه الحالة هو اإلرادة المنفردة وال يكون مصدره هو العقد بالمعنى الصحيح
للعقد ،5كما هو الشأن لعقد الهبة أو الصدقة .كما يتحقق الرضا بتحرك اإلرادة إلى شيء معين وتعلقها به،
4ظهير شريف رقم 1.04.22صادر في 12من ذي الحجة 3/ 1424فبراير 2004بتنفيذ القانون رقم 70.03بمثابة مدونة األسرة.
5د عبد الرحمان أسامة ،د الحاجي بناصر ،المبادئ العامة لاللتزامات ،طبعة ،2010ص .35
6
فالشخص معدوم اإلرادة ال يمكن أن يصدر منه رضاء كالمجنون والصبي غير المميز وفاقد الوعي لسبب
معين كالسكر والمرض. 6
ثالثا :المحل
يعتبر المحل الركن الثالث الذي نص عليه المشرع المغربي في قانون االلتزامات والعقود في الفصل
الثاني منه ،ومحل العقد هو إنشاء التزام أو أكثر يقع على أحد المتعاقدين دون األخر في العقود غير
التبادلية 7كما في الوديعة 8أو يقع على طرفي التعاقد في العقود التبادلية 9كما في عقد البيع.
ويختلف محل العقد عن محل االلتزام ،فهذا االخير يعني االداء الذي يجب أن يقوم به المدين لصالح
الدائن وهو إما إعطاء شيء ،أو القيام بعمل ،أو االمتناع عن القيام بعمل .10
وبالرجوع للفصول المنظمة لمحل االلتزامات التعاقدية في ق ل ع نجد أن محل العقد تشترط فيه
بعض الشروط والتي سندرجها كما يلي:
• أن يكون المحل مشروعا :ال يقوم العقد إال إذا كان محله مشروعا ،ويكون المحل مشروعا عندما
يكون غير مخالف للنظام واآلداب العامة ،أي أن يكون جوهر العقد أو الشيء المتعاقد عليه داخال
في دائرة التعامل ،إذ نص المشرع في الفصل 57من ق ل ع م أن " األشياء واألفعال والحقوق
المعنوية الداخلة في دائرة التعامل تصلح وحدها أن تكون محال لاللتزام ،ويدخل في دائرة التعامل
جميع األشياء التي ال يحرم القانون صراحة التعامل بشأنها ".
• أن يكون المحل ممكنا :بمعنى أن يكون جوهر العقد مما يمكن تحقيقه وهو المضمون الذي نستفيده
من نص الفصل 59من ق ل ع م إذ ينص " يبطل االلتزام الذي يكون محله شيئا أو عمال مستحيال،
إما بحسب الطبيعة أو بحكم القانون ".
• أن يكون المحل معينا أو قابل للتعيين :وقد نص على هذا الشرط الفصل 58من ق ل ع بقوله "
الشيء الذي هو محل لاللتزام يجب أن يكون معينا على األقل بالنسبة إلى نوعه ويسوغ أن يكون
مقدار الشيء غير محدد إذا كان قابال للتحديد فيما بعد".
6د عبد القادر العرعاري ،مصادر االلتزامات ،الكتاب االول نظرية العقد ،الطبعة الرابعة ،2015ص .62
7العقد غير التبادلي أو العقد الملزم لجانب واحد هو الذي ينشئ التزامات في ذمة أحد المتعاقدين دون االخر بحيث يكون أحدهما
مدينا غير دائن واالخر دائنا غير مدين.
8ينص الفصل 781من ق ل ع م " الوديعة عقد بمقتضاه يسلم شخص شيئا منقوال إلى شخص آخر يلتزم بحفظه وبرده بعينه".
9العقد التبادلي أو العقد الملزم لجانبين هو الذي ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من طرفيه المتعاقدين بحيث يصبح كل واحد منهما
دائنا في ناحية ومدينا في ناحية أخرى.
10د عبد القادر العرعاري ،مرجع سابق ،ص 223
7
رابعا :السبب
ركن السبب هو الركن الرابع الذي نص عليه المشرع في الفصل الثاني من ق ل ع م ويختلف
سبب العقد عن سبب االلتزام ،إذا يقاس سبب العقد بمعيار شخصي ذاتي ويعني الباعث والدافع الذي دفع
الشخص إلى التعاقد ،أما سبب االلتزام فهو الغاية والقصد من وراء إنشاء االلتزام .وبالرجوع للفصل 62
من ق ل ع م نجده ينص على "أن االلتزام الذي ال سبب له أو المبني على سبب غير مشروع يعد كأن لم
يكن" ويشترط في السبب شرطين أساسيين هما:
• أن يكون السبب حقيقيا :حيث يكون السبب غير حقيقي حينما يكون موهوما أو صوريا.
• أن يكون السبب مشروعا :حيث يكون السبب غير مشروع حينما يتعارض مع نص قانوني أو
يكون مخالف للنظام واآلداب العامة وذلك من خالل الفقرة الثانية من الفصل 62من ق ل ق م
التي تنص على " يكون السبب غير مشروع إذا كان مخالفا لألخالق الحميدة أو النظام العام أو
القانون".
يخضع مبدأ رضائية العقود لبعض االستثناءات التي تتجلى في العقود الشكلية والعقود العينية،
،فالشركة التي يكون محلها 11
فالعقود الشكلية هي التي يشترط النعقادها توافر بعض المراسيم الشكلية
عقارات أو غيرها من األموال مما يمكن رهنه رهنا رسميا والتي تبرم لتستمر أكثر من ثالث سنوات،
أوجب المشرع أن يحرر عقدها كتابة تحت طائلة البطالن( ،الفصل 987من قانون االلتزامات والعقود).
أما بخصوص ركن التسليم فهو متطلب في العقود العينية التي يجري فيها تسليم الشيء المعقود
عليه ،بحيث ال يتم العقد إال إذا تم ركن التسليم كعقد الوديعة (الفصل 781من ق.ل.ع) ،وعارية
االستعمال( 12الفصل 830من ق.ل.ع) ،وعارية االستهالك أو القرض( 13الفصل .)856
11د مأمون الكزبري ،نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي ،الجزء األول مصادر االلتزامات ،الطبعة
الثانية ،1972 ،ص 194
12عارية االستعمال عقد بمقتضاه يسلم أحد طرفيه لآلخر شيئا ،لكي يستعمله خالل أجل معين أو في غرض محدد على أن يرده
بعينه .وفي العارية يحتفظ المعير بملكية الشيء المستعار وبحيازته القانونية ،وليس للمستعير إال مجرد استعماله.
13عارية االستهالك أو القرض عقد بمقتضاه يسلم أحد الطرفين لآلخر أشياء مما يستهلك باالستعمال أو أشياء منقولة أخرى،
الستعمالها ،بشرط أن يرد المستعير ،عند انقضاء األجل المتفق عليه ،أشياء أخرى مثلها في المقدار والنوع والصفة.
8
الفقرة الثانية :مبدأ سلطان اإلرادة ومحدوديته
يعرف هذا المبدأ أن الشخص حر في التعاقد أو عدم التعاقد ،وإذا وافق على العقد فهذا يكون عن
اقناع وتأمين حيث عبر عنه الفقيه "كونو" في أطروحته حول مبدأ سلطان اإلرادة في القانون المدني (أنا
لست ملزما بأي تصرف قانوني اال أذا رغبت وفي الوقت الذي أريد ،وبالكيفية التي أحبذها) ،ويعتبرون
أنصار هذا المبدأ أن هذه الحرية ليست مطلقة وإنما هي مقيدة في إطار مجموعة من الضوابط القانونية
كنظام العام واآلداب العامة ،كما أنها تكون ملزمة باحترام حقوق االخرين وعدم التعسف عليهم .14
نستخلص من هذا التعريف بأن العالقة التعاقدية مرتبطة بمبدأين أساسيين األول منها يؤصل للثاني
ويتعلق االمر بمبدأ سلطان اإلرادة في التعاقدات ،ومبدأ القوة الملزمة للعقد الذي يعتبر من مظاهر مبدأ
سلطان اإلرادة.
ويقصد بمبدأ سلطان اإلرادة أن اإلرادة اإلنسانية مجردة من كل ما يحيط بها وقادرة إلنشاء
االلتزامات التعاقدية ،ويستند هذا المبدأ الى فلسفة القانون التي ظهرت في قرن 18ميالدية المتمثلة في
المذهب الليبرالي القائم على أساس الحرية الفردية ،وينظرون أنصار هذه النظرية بأن الفرد هو محور
العالقة القانونية التي تربطه بغيره ،من أجل ضمان المنفعة والمصلحة العامة والعدالة االجتماعية يجب
استبعاد أي إعاقة أمام الحرية التعاقدية.
كما أن اإلرادة هي الشرط األساسي لتكوين العقد واخراجه الى حيز التطبيق سواء كانت هذه اإلرادة
عبرت بشكل صريح وهي األصل أو بشكل ضمني ،ولكي يتحقق هذا المبدأ يجب أن تكون اإلرادة خالية
من عيوب الرضا واال كان مصير العقد هو البطالن وهذا ما أخذ به المشرع المغربي ،حيث اعتبر الرضا
ركن أساسي من اركان العقد في الفصل الثاني من قانون االلتزامات والعقود .
ضيق المشرع المغربي المدني من مبدأ سلطان اإلرادة ،وذلك بتأطيره للكثير من التصرفات القانونية
كعنصر الشكلية بعد أن كانت الرضائية هي األصل بحيث تطلب هذا العنصر في الكثير من العقود كالعقود
الرسمية التي تطلب فيها الكتابة.
14عبد القادر العرعاري "،نظرية العقد-كتاب األول" ،مكتبة دار األمان ،الرباط ،الطبعة ،2013 ،3ص.54
9
كما نجد أيضا أن المشرع المغربي تدخل كذلك في المعامالت العقارية حيث تطلب رسمية العقود
العقارية ،كما تطلب أيضا إجراءات التقييد في الرسم العقاري اذا كانت العقارات محفظة من أجل انتقال
الملكية من البائع للمشتري ،كما تدخل أيضا في الكثير من الحاالت لحماية الطرف الضعيف في العالقة
التعاقدية من خالل القانون المتعلق بحماية المستهلك رقم ،31-08للبلوغ العالقة التعاقدية المتوازنة ،كما
أنه اذا كان قانون االلتزامات والعقود مشبعا بمبدأ سلطان اإلرادة ،فإن هذا المبدأ اذا كان قد أثبت ناجعته
بالنسبة للعالقات التعاقدية التي تتم بين األشخاص تتساوى وتتقارب مراتبهم القانونية واالقتصادية ،فإنه
لم يعد قادرا على مواجهة ومواكبة التطور االقتصادي واالجتماعي والتكنولوجي ،وما استحدث من أساليب
تعاقدية مست بالحرية التعاقدية ،وخلق الطرفين غير متوازيين اقتصاديا وفنيا وقانونيا ،طرف قوي وخبير
وله دراية واسعة بكل خبايا ما يتعاقد حوله ،وطرف ضعيف اقتصاديا يذعن لما يفرضه عليه الطرف
المهني من شروط .15
باإلضافة للتراجع الذي يعرفه قانون االلتزامات والعقود نجد بعض المفاهيم جديدة أدرجت في
الدستور المغربي لسنة ،2011مثل مفهوم الحكامة وتأثره على أحد أهم وأبرز اليات قانون االلتزامات
والعقود في احقاق العالقة التعاقدية ،حيث أضاف بعد جديد يتمثل في ان مفهوم الجديد للتعاقد ،سواء تعلق
األمر بالشأن العمومي او بالشأن الخصوصي ،يجب أن يتم التركيز على مفهوم الحكامة فيه على األخص.
نظرا لكون ان الحمولة القانونية للتعاقد طالها الضعف بفعل االكتساح الذي أصبح يشكله مبدأ المنافسة
والذي تم على حساب مبدأ سلطان اإلرادة ،في ضل سيادة واقع العولمة .
نجد بمقتضى فصل 264من قانون االلتزامات والعقود نص على أن القاضي لم يعد ملزما بمبدأ
سلطان اإلرادة في جميع األحوال ،وإنما أصبحت له سلطة واسعة يعدل بها مبلغ الشرط الجزئي في حدود
معينة ،بهدف تنظيم العالقة التعاقدية على أساس من العدل والمساواة لتوطيد حماية الضعفاء والمعوزين.
القانون التجاري هو مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم ممارسة األعمال التجاري والتجار
وتحديد النظام القانوني المطبق فهو يعد أحد فروع القانون الخاص وتحديدا قانون االعمال حيت يقوم
مبدأ القانون التجاري باألساس على تطويق أشكال التعامل سواء التاجر مع التاجر او التاجر مع الغير
وتقنينها بما يسمح للقانون من استجالء كل ما يعرقل حرية التجارة ،فالعمل التجاري يتميز بعدة خصائص
التي اقتضت استقاللها بقانون خاص به يختلف عن الشريعة العامة ،القانون المدني قانون قادر على
15توفيق تكرومت "،تأثير القوانين االقتصادية على قانون االلتزامات والعقود" ،مقال منشور بمجلة القانون واالعمال ،طبعة .2019
10
التالؤم واالستجابة لخصائص البيئة التجارية وقد كان من نتائج هذه الخصائص أن طبع القانونية التجاري
يتميز عن القانون المدني بعدة مميزات ومن أهمها السرعة واالئتمان.
على خالف األعمال المدنية التي تتسم بالبطء واالستقرار النسبي .إذ نادرا ما جري المتعاملون فيها
عمليات مهمة (زواج ،طالق ،بيع ،كراء) وهم يحتاطون كثيرا في إجرائها .فإن العمل التجاري يتسم
بالسرعة والتكرار ،فكلما تكررت العمليات التجارية بسرعة كلما تحققت االرباح أكثر ،ومن ثم جاء تزايد
اعتماد التجارة على اإلشهار والدعاية للمنتجات في الوقت الحالي.
ومن مظاهر هذه السرعة أنه في كثير من األحيان تباع السلع قبل شرائها ،وعند شرائها تسلم من
البائع األول إلى المشتري الثان.
وضغط السرعة هذا هو الذي جعل التجار يعتمدون في الوقت الحاضر على تقنيات االتصال السريعة
من هاتف وتلكس وفاكس .إذ أنه في كثير من األحيان تبرم الصفقات الكبيرة والمهمة بمجرد مكالمة تلفونية
أو مراسلة عن طريق الفاكس وحاليا بواسطة البريد اإللكتروني.
لذلك واستجابة لهذه الخاصية تعمل قواعد القانون التجاري على كفالة السرعة عن طريق تبسيط
اجراءات انعقاد العقد التجاري الذي ال يشترط فيه أن يرد كتابة إذ يمكن إثباته بكافة الوسائل .وعن طريق
تبسيط تداول الحقوق الذي يمكن أن يتم بكل سهولة عن طريق التظهير مثال تظهير الكمبيالة أو الشيك أو
بمجرد التسليم األسهم لحاملها مثال وعن طريق تبسيط إجراءات حصول الدائن المرتهن على حقه بسرعة
،....وعن طريق تقصير مدد تقادم االلتزامات التجاري.16
كما أن عامل السرعة هذا كان أحد أهم العوامل وراء إرساء نظام القضاء التجاري كنظام مختص
في الفصل في المنازعات التجارية ،حيث عمل المشرع على وضع مسطرة مبسطة وسريعة للفصل في
هذه المنازعات من قبل قضاة متخصصين.
فاالئتمان هو عصب التجارة إذ الغالب أن العمليات التجارية تعقد ألجل .فالبنك يقرض االموال سواء
للتاجر أو لغير التاجر على أن تسدد في أجل معين .وتاجر الجملة يبيع لتاجر التقسيط على أن يسدد الثمن
بأجل والمصنع يبيع منتوجه للموزع ،أو لمصنع آخر وفق نفس المبدأ .وهكذا يربط التجار فيما بينهم
16فؤاد معالل ،شرح القانون التجاري الجديد الجزء األول ،نظرية التاجر والنشاط التجاري ،ص.17
11
بعالقات متشابكة قوامها الثقة المتبادلة فيكون كل واحد منهم دائنا ومدينا في نفس الوقت .وتتعدد وسائل
وتقنيات االئتمان التجاري ،وأهمها القروض ،واإليجار االئتماني والسندات ،وعمليات شراء الفاتورات
والخصم والكمبيالة ،والسند ألمر ،وافتراض تضامن المدينين في الميدان التجاري وتضامن المظهرين
للكمبيالة ....الخ.
وكافة أطراف العملية التجارية هم في حاجة إلى االئتمان لمزاولة نشاطهم .فالمنتجون هم في حاجة
لالئتمان لتمويل استثماراتهم الصناعية .والتجار في حاجة إليه لشراء السلع التي سيعيدون بيعها.
والمستهلكون في حاجة إليه للحصول على ما يحتاجون إليه من مواد .وإذا كان النوعان األول والثاني
يتميزان بأنهما من نوع االئتمان اإلنتاجي ألنه يخصص إلنتاج والتجارة وبالتالي يقوم على تسديد الدين من
األرباح التي ستحقق في المستقبل ،فإن الثالث يتميز بأنه من نوع االئتمان االستهالكي ألن تسديده يتم عن
طريق االقتطاع من المداخيل المستقبلية.17
وبالنظر ألهمية التي يكتسبها االئتمان في الميدان التجاري .إذ يخفى مدى االضطراب والخلل الذي
يحدث في السوق في حالة إخالل أحد التجار بالتزاماته من هذه الناحية ،حيث أن ذلك يؤدي إلى سلسلة
متتابعة من االختالالت في المعامالت التجارية .فإن قانون التجارة يقرر جزاءات صارمة توقع على من
يخل بهذا االئتمان تتمثل في قسوة قانون الصرف على من يخل بالثقة الواجب توفرها في السند التجاري
وفي شدة نظام اإلفالس على التاجر الذي يتوقف عن أداء ديونه.
دون ان نغفل الطابع الدولي ،حيث تتسم المعامالت التجارية بطابع خاص يتمثل في كونها تخضع
لمقتضيات القانون التجاري الذي يحكم العالقات بين التجار سواء داخل البلد أو خارجه ،خاصة من تعلق
األمر بعمليات اإلستيراد والتصدير ،خالفا لقواعد القانون المدني التي تحكم المعامالت القائمة بين األفراد
داخل المجتمع ،وال تتعداه إال استثناءا أو بنص القانون وإن اقتضى الحال ذلك.
ولعل هذا هو السبب الذي جعل أغلب القوانين التجارية المقارنة تتشابه في معظم مقتضياتها عكس
القوانين المدنية التي تختلف من بلد آلخر.18
12
المبحث الثاني :القواعد الخاصة في مجال األعمال
األصل أن العقود التجارية ال تختلف عن العقود المدنية فيما يتعلق باألحكام الخاصة المتعقلة بانعقادها
ونفاذها وانقضائها ،فالعقود التجارية كالعقود المدنية تخضع لألحكام المقررة للعقد في قانون االلتزامات
والعقود ،وهو ما نصت عليه صراحة المادة .الثانية من مدونة التجارة ،حينما حددت مصادر القانون
التجاري في تشريعات وأعراف وعادات التجارة وقواعد القانون المدني مالم تتعارض قواعده مع المبادئ
األساسية للقانون التجاري ،ومع ذلك فهناك قواعد خاصة تنطبق على القواعد التجارية وتميزها عن العقود
المدنية ،منها ما يتصل باإلثبات ،ومنها ما يتصل بإبرام وتنفيذ العقود التجارية.
ومن أجل الوقوف عند هذه القواعد الخاصة التي تميز العقود التجارية عن المدنية ،نقسم هذا
المبحث إلى مطلبين المطلب األول حول القواعد الموضوعية الخاصة بالعقود التجارية ،ثم المطلب الثاني،
خصصناه للحديث عن مركز النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشركات التجارية ومدونة الشغل.
تتطلب التجارة عادة السرعة واالئتمان والبساطة في إبرام وتنفيذ التصرفات القانونية ،إذ أن
أساسها هو الربح وسرعة تداول رأس المال وتنوع المعامالت ،لذا كان البد من بلورة قواعد ترمي إلى
تحقيق السرعة واالئتمان والثقة في الميدان التجاري ،وعليه فمن القواعد الخاصة لحماية ودعم هذا االئتمان،
مبدأ حرية اإلثبات (الفقرة األولى) باإلضافة إلى قواعد خاصة تتعلق بتنفيذ العقود التجارية (الفقرة الثانية).
إن مبدأ حرية اإلثبات في المواد التجارية من المبادئ التي يقوم عليها القانون التجاري ،وقد كرست
مدونة التجارة هذا المبدأ كقاعدة عامة (أوال) ،وأقرت اإلثبات بالكتابة استثناء (ثانيا).
ولما كانت القاعدة العامة في العقود المدنية هي تقييد اإلثبات باشتراط الكتابة في التصرفات
واالتفاقات القانونية التي من شأنها إنشاء أو نقل أو تعديل االلتزامات أو الحقوق التي تتجاوز قيمتها 10000
درهم مع جواز إثباتها بشهادة الشهود وفقا للفصل 443من قانون االلتزامات والعقود ،فإن اإلثبات في
المادة التجارية حر وطليق من كل ضروب التقييد مبدئيا ،إذ يجوز إثبات التصرفات مهما بلغت قيمتها بكل
طرق اإلثبات طبقا للفصل 404من قانون االلتزامات والعقود ،بما في ذلك الدفاتر التجارية وقوائم الحساب
13
وغيرها ،وفقا للمادتين 20و 22من مدونة التجارة ،كما يجوز أيضا إثبات ما يخالف أو يجاوز ما اشتمل
عليه عقد تجاري مكتوب بشهادة الشهود أو القرائن.19
ويجد مبدأ حرية اإلثبات سنده في المادة 334من مدونة التجارة التي تقضي في مطلعها بما يلي" :
تخضع المادة التجارية لحرية اإلثبات ....وقد حرصت معظم التشريعات على تأكيد هذا المبدأ في
المعامالت التجارية.
كما يعتبر هذا المبدأ تكريسا لما جاء في الشريعة اإلسالمية التي بعدما فرضت الكتابة كوسيلة لإلثبات
الدين المؤجل سمحت بإثبات الدين التجاري ،بجميع وسائل اإلثبات20لقوله تعالى" :يأيها الذين آمنوا إذا
تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه "..إلى أن قال هللا عز وجل "إال أن تكون تجارة حاضرة تديرونها
21
بينكم فليس عليكم جناح أال تكتبوها"
ويرجع السبب في جعل المشرع حرية اإلثبات في أصل المادة التجارية إلى أن مبدأ اإلثبات المقيد
المعمول به في المادة المدنية ال يتالءم مع العمل التجاري المتميز بالسرعة والبساطة من جهة ،ومع الحياة
التجارية وما تتميز به من ثقة وائتمان من جهة ثانية فانطالقا من هذه المميزات يبدو من الصعب ،بل ومن
غير المنطقي تقييد اإلثبات بالكتابة في الميدان التجاري.22
وقد كرس القضاء المغربي مبدأ حرية اإلثبات في المادة التجارية ،حيث جاء في قرار للمجلس
23
األعلى ما يلي..." :في حين أن اإلثبات حر في الميدان التجاري وفقا للمادة 343من مدونة التجارة "...
" ...في حين أن اإلثبات حر في الميدان التجاري وفقا للمادة 343من مدونة التجارة"...
وفي قرار آخر صادر عن المجلس األعلى " :يخضع األمر إلثبات وجود الشركة من عدمها طبقا
للمادة 334من مدونة التجارة وليس إلثبات اتفاقي تجاوزت قيمته 250درهما". 24
19مصطفی کمال طه ،العقود التجارية وعمليات البنوك ،منشورات الحلبي الحقوقية ،الطبعة األولى ،2006ص9
20المرجع والصفحة نفسها.
21سورة البقرة ،اآلية 281
22بوعبيد عباسي ،العقود التجارية والتجديدات الطارئة عليها ،مقال منشور بمجلة المحامون ،العدد ،1998 ،6ص .11
23قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ 03/07/23تحت عدد 335في الملف 02/269قرار منشور في الجريدة المغربية.
24قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ 01/12/2004تحت عدد 1322في الملف التجاري عدد 478/02المنشور بمجلة
المجلس األعلى عدد ،64ص .11
14
ثانيا :االستثناءات الواردة على مبدأ حرية اإلثبات
وإذا كانت القاعدة كما سبق القول هي الحرية اإلثباتية في المادة التجارية فإن لهذه القاعدة استثناءات
استوجب بموجبها المشرع (الكتابة) خروجا عن القاعدة العامة ،باإلضافة إلى الشهر.
تعتبر الكتابة أهم وسيلة لإلثبات حيث توست الفقرة الثانية من المادة 334من مدونة التجارة ....
غير أنه يتعين اإلثبات بالكتابة إذا نص القانون أو االتفاق على ذلك" .إال أن المشرع المغربي لم يشترط
توفر الكتابة في كل العقود التجارية ،بل في بعض منها فقط ،كعقد الوكالة التجارية (المادة )397من مدونة
التجارة ،وعقد االئتمان اإليجاري (المادة )433ورهن أدوات ومعدات التجهيز (المادة ،)356وكرهن
بعض المنتجات والمواد (المادة )379والعقود الواردة على األصل التجاري (المادة 81و 108و )153من
مدونة التجارة.
وال يجب أن يفهم من هذه الشكلية التي تطال هذه التصرفات التقييد والتعقيد ،بل على العكس من
ذلك فهي تهدف إلى حماية مختلف الحقوق والمصالح وتقليص حجم المنازعات وتدعيم الثقة وحمايتها.
وتجدر اإلشارة هنا إلى أن قاعدة اإلثبات الحر ليست من النظام وبالتالي يجوز االتفاق على مخالفتها،
وفقا للفقرة الثانية من المادة 334من مدونة التجارة ،التي أجازت بموجبها للمتعاقدين االتفاق على إثبات
معامالتهم كتابة ،مع اإلشارة إلى أنه في هذه الحالة ال يجوز اإلثبات بغير الكتابة .25
كما وجب التنبيه إلى أن مبدأ حرية اإلثبات ال يطرح إشكاال عندما تتحد الصفة التجارية األطراف
النزاع ،أما عندما يكون نزاع مختلط ،فإن المادة الرابعة من المدونة تنص على أنه إذا كان العمل تجاريا
بالنسبة ألحد المتعاقدين ومدنيا بالنسبة للمتعاقد اآلخر طبقت قواعد القانون التجاري في مواجهة الطرف
الذي كان العمل بالنسبة إليه تجاريا وال يمكن أن يواجه بها الطرف الذي كان العمل بالنسبة إليه مدنيا مالم
ينص مقتضى على خالف ذلك" .ومن ثم فإن الطرف الذي كان العمل بالنسبة إليه مدنيا يحق له سلوك
جميع طرق اإلثبات بما في ذلك شهادة الشهود والقرائن ضد من كان العمل تجاريا من جانبه أيا كانت قيمة
التصرف ،أما من كان العمل تجاريا بالنسبة إليه فال يجوز له االحتجاج ضد خصمه باإلثبات المدني.
25محمد النخلي ،محاضرات في القانون التجاري المغربي على ضوء المقتضيات التشريعية الجديدة ،الطبعة الثانية ،1988ص.57
15
الفقرة الثانية :القواعد الخاصة بتنفيذ العقود التجارية
تتميز العقود التجارية عن باقي العقود المدنية باإلضافة إلى القواعد الموضوعية والمتمثلة في مبدأ
حرية اإلثبات واالستثناءات الواردة عليه ،بقواعد خاصة على مستوى تنفيذ العقود التجارية ،وتشمل هذه
القواعد مبدأ افتراض التضامن (أوال) ،ومبدأ الوفاء (ثانيا) ،والتقادم القصير (ثالثا).
من أجل دعم الثقة واالئتمان اللذان يطبعان المعامالت التجارية ،ومن أجل تمكين الدائنين من
استخالص ديونهم التجارية في تاريخ استحقاقها ،وضع المشرع لفائدتهم ضمانة أساسية تكمن في قاعدة
افتراض تضامن المدينين بديون ناشئة عن عقود تجارية وذلك بمقتضى المادة 335من مدونة التجارة،
التي جاء فيها" :يفترض التضامن في االلتزامات التجارية".
وهذا عكس األعمال المدنية التي ال يفترض فيها التضامن بين المدينين ،بل يلزم أن ينتج صراحة
عن العقد المنشئ لاللتزام أو القانون أو أن يكون هو النتيجة الحتمية الطبيعة المعاملة كما نصت على ذلك
الفصل 164من قانون االلتزامات والعقود.26
وبالنظر إلى أهمية التضامن بين المدينين في العقود التجارية نص المشرع عليها في الكتاب الرابع
المتعلق بالعقود التجارية ،كما يضعها إلى جانب األحكام العامة الواردة في القسم األول من الكتاب األول
الخاص بالتجار.27
وباإلضافة إلى هذا الحكم العام الواردة في المادة 365من مدونة التجارة ،فإن التضامن مقرر كذلك
بين الشركاء في عقد شركة التضامن المادة الثالثة من قانون ( ،)5.96وبين الشركاء المتضامنين في شركة
التوصية باألسهم (المادة 31من قانون ،)5.96والشركاء المتضامنين في شركة التوصية البسيطة (المادة
20من نفس القانون) وبين الموقعين على الورقة التجارية (المادة 196و 201من مدونة التجارة) وبين
الكفالء إذا كانت الكفالة تعتبر عمال تجاريا بالنسبة للكفالء (الفصل 1138من قانون االلتزامات والعقود)
األصل في الوفاء بااللتزامات وتنفيذها أن يتم في اآلجال المحددة له سواء كانت التزامات مدنية أو
تجارية ،وال يحق للقاضي أن يعدل آجال الوفاء بااللتزامات مالم يمنحه القانون أو االتفاق ذلك.
وهذا األصل بالنسبة لاللتزامات المدنية نص عليه المشرع في الفصل 128من قانون االلتزامات
والعقود ،والذي جاء فيه " :ال يسوغ للقاضي أن يمنح أجال أو أن ينظر إلى الميسرة ،مالم يمنح هذا الحق
بمقتضى االتفاق أو القانون.
وإذا كان األجل محددا بمقتضى االتفاق أو القانون ،لم يسغ للقاضي أن يمدده ،مالم يسمح له القانون
بذبك".
وتخفيفا من حدة هذا المقتضى أورد المشرع استثناء على هذا الفصل يسمح للقاضي بمنح مهلة
الميسرة للمدين مراعاة لمركزه ،مع تقييد استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق كما ينص على ذلك الفصل
243من قانون االلتزامات والعقود.
إال أن هذه القاعدة المنصوص عليها في الفصل 128من قانون االلتزامات والعقود ال يمكن تطبيقها
على االلتزامات التجارية ،ألن طبيعة هذه االلتزامات تختلف عن طبيعة االلتزام المدني ،فهي تقوم على
السرعة واالئتمان وأن كل توقف عن الدفع يؤدي إلى اإلخالل بهذه السرعة وهذا االئتمان ،ويؤدي بالتالي
إلى اضطراب المعامالت التجارية وركودها ،فكل تاجر يرتب مواعيد وقاله بالتزامه اعتمادا على قيام
مدينيه بالوفاء له في األوقات المحددة للتنفيذ ،فإذا تخلف واحد منهم عن تنفيذ التزامه خالل األجل المحدد
له فإنه يحدث بذلك نوعا من االضطراب في الحياة التجارية. 28
وعلى هذا األساس منع المشرع في مدونة التجارة القاضي من منح أجال لوفاء الديون المستحقة في
الكمبيالة يتجاوز الميعاد المعين لالستحقاق وفقا لنص المادة 231من مدونة التجارة التي جاء فيها " :ال
يمنح أي إسهال قانوني أو قضائي إال في األحوال المنصوص عليها في المادتين 196و ،"207ونفس
األمر في مجال التعامل بالشيك ،وفقا للمادة 304من المدونة ،ولنفس االعتبار كان المشرع قاسيا على
التجار حيث سلط نظام التصفية القضائية على كل تاجر توقف عن دفع ديونه في طريق استحقاقها بمقتضى
المادتين 568و 619من مدونة التجارة .29
يقصد بالتقادم انقضاء الحقوق المتعلقة بالذمة المالية وال سيما االلتزامات ،إذا توانا صاحبها عن
ممارستها ،أو أهمل المطالبة بها خالل مدة معينة يحددها القانون.30
ويقضي المبدأ العام بأن جميع الدعاوى الناشئة عن االلتزام تتقادم بمضي خمسة عشر سنة حسب
منطوق الفصل 387من قانون االلتزامات والعقود.
إال أن هذا األصل خرج عنه المشرع المغربي في المادة التجارية ،ونصت مدونة التجارة في مادتها
الخامسة على أن آجال التقادم خمس سنوات ،وهذا نص المادة الخامسة " :تتقادم االلتزامات الناشئة بمناسبة
عمل تجاري بين التجار أو بينهم وبين غيرالتجار بمضي خمس سنوات ما لم توجد مقتضيات خاصة
مخالفة"
وبناء على هذا المادة يكون المشرع قد كرس مبدأ التقادم الخمسي كمبدأ عام بالنسبة لاللتزامات
التجارية ،وأورد على هذا المبدأ استثناءات في حالة وجود مقتضيات خاصة.
وهذه االستثناءات التي جاء بها المسرع في المادة التجارية خروجا على هذا المبدأ منها ما ورد
تنظيمه في مدونة التجارة ،ومنها ما ورد في قوانين خاصة.
-الدعاوى الناشئة عن الشيك تتقادم بمضي ستة أشهر ابتداء من تاريخ انقضاء أجل التقادم ،وفقا
للمادة 295من مدونة التجارة.
-الدعاوى الناتجة عن الكمبيالة ضد القابل بمرور ثالث سنوات ابتداء من تاريخ االستحقاق ،وفقا
للمادة 228من مدونة التجارة.
-نتقادم دعاوي الحامل على المظهرين والساحب بمضي سنة واحدة ابتداء من تاريخ االحتجاج
المحرر ضمن اآلجال القانوني ،أو من تاريخ االستحقاق في حالة اشتراط الرجوع بدون مصاريف.
30مأمون الكزبري ،نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي ،الجزء الثاني -أوصاف االلتزام -الطبعة 516
الثانية ،سنة ،1972ص.516
18
ومن االستثناءات الواردة في قوانين خاصة:
-دعاوى المسؤولية المستمدة من عقد النقل تتقادم بمضي سنتين من تاريخ تسليم البضاعة أو جزء
منها ،طبقا للمادة 20من اتفاقية هامبورغ الصادر بتاريخ 31مارس 1978والتي انضم إليها
المغرب منذ سنة 17/07/1981المنظمة لعقد النقل البحري للبضائع.
-تتقادم كل الدعاوى الناشئة عن عقد التأمين بمرور سنتين ابتداء من وقوع حدوث الواقعة التي
تولدت عنها هذا الدعوى ،طبقا للمادة 36من مدونة التأمينات.31
والبد من اإلشارة هذا إلى أن الدفع بالتقادم ال يعد من النظام العام ،ومن ثم يتبغي إثارته من طرف
المتقاضين ذوي المصلحة استنادا للفصل 372من قانون االلتزامات والعقود الذي ينص على أن" :التقادم
ال يسقط الدعوى بقوة القانون ،بل ال بد لمن له مصلحة فيه أن يحتج به .
وحماية لحق التقاضي منع المشرع المغربي بمقتضى الفصل 379من قانون االلتزامات والعقود
التنازل مقدما عن التقادم ،وأجاز التنازل عنه بعد حصوله.
كما منع الفصل 375من نفس القانون االتفاق بين المتعاقدين على تمديد آجال التقادم إلى أكثر من
15سنة التي يحددها القانون.
المطلب الثاني :مكانة النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشركات التجارية ومدونة
الشغل
عرف المغرب تحوالت اقتصادية عديدة أدت إلى الى ضرورة توفر قوانين ،لتوفير مناخ قانوني
صحيح وهذا ما دفع المشرع إلى إصدار قوانين الشركات التجارية سنة ،1996والستكمال الترسانة
التشريعية المؤطرة لقانون األعمال أصدر المشرع المغربي مدونة الشغل سنة ،2003هذا من جهة ومن
جهة أخرى ،فإن النظرية العامة للعقد عرفت بدورها عدة تحوالت اقتصادية حاولت مواكبتها.
من خالل هذا المطلب سنحاول أن نتطرق إلى مكانة النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشركات
التجارية (الفقرة األولى) ،ثم مكانة النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشغل (الفقرة الثانية( .
31ظهير شريف رقم 1.2.238صادر في 25من رجب )3( 1423أكتوبر ( )2002بتنفيذ القانون رقم 17.99المتعلق بمدونة
التأمينات الجريدة الرسمية عدد 5054الصادرة بتاريخ 2رمضان )7( 1423نوفمبر ( ،)2002ص .351
19
الفقرة األولى :مكانة النظرية العامة للعقد ضمن قانون الشركات التجارية
تعد النظرية العامة للعقد حاليا نظرية معاصرة وذلك بطبيعة الحال راجع باألساس إلى التحوالت
التي مست المبادئ التقليدية للعقد فبرجوعنا إلى كل التحوالت والتطورات االقتصادية واالجتماعية التي
شهدها المغرب نجد أن األمر أصبح يتطلب إصدار قوانين هدفها هو العمل على توفير مناخ قانوني مناسب
وصحي قصد االستثمار وسيادة القانون في مجال األعمال .32
حيث أن في سنة 1996قام المشرع المغربي بإصدار مجموعة من القوانين المنظمة للشركات
التجارية ،حيث انطلق من الشريعة العامة للقانون المدني بموجب الفصل 982والذي ورد فيه على أن
"الشركة هي "عقد بمقتضاه يضع شخصان ،او أكثر أموالهم أو أعمالهم او هما معا لتكون مشتركة بينهم
قصد تقسيم الربح الذي قد ينشا عنها".
غير أن هذا األمر أخذ يتراجع أمام بعض المفاهيم القانونية الحديثة التي شقت طريقها باتجاه بعض
التشريعات المعاصرة والتي اصبحت تقبل بإنشاء الشركة من قبل شخص واحد ،على أساس إمكانية إحداث
تخصيص داخل الذمة المالية للشخص ،بحيث تعدد الذمم عنده ،فيخصص جزءا من أمواله للشركة تتعلق
بها وحدها ديون الدائنين دون غيرها من أموال صاحبها .33ثم انه بفعل التطورات االقتصادية التي عرفتها
الساحة القانونية قام المشرع بوضع العديد من القوانين في ميدان األعمال كالقانون 17. 95المتعلق بشركة
الذي حل محل قانون الشركات الفرنسي 35
المساهمة ،34وكذا القانون 05.96المتعلق بباقي الشركات
الصادر في سنة 1867المطبق بظهير .1922
أما فيما يخص الشركات التجارية فتؤطرها اتفاقيات األطراف ،و القانون المدني ،والقوانين التجارية أي
مدونة التجارة ،ثم قانون شركات المساهمة (القانون ، 36)17.95ثم قانون باقي الشركات التجارية ،عالوة
على ذلك القانون رقم( )53.95القاضي بإحداث محاكم تجارية ،حيث إن عقد الشركة التجارية شأنه شأن
غيره يتطلب توفر مجموعة من األركان العامة لعل من بينها نجد :ركن الرضا ،ركن األهلية التجارية،
ركن المحل والسبب ،هذا فيما يخص األركان العامة ،أما األركان الخاصة فحسب الفصل 982من قانون
32عبد الرحيم بحار"،دور القضاء التجاري في تشجيع االستثمار" مجلة العلوم القانونية ،العدد األول .2013،
33فؤاد معالل ،شرح القانون التجاري الجديد (الجزء الثاني) الشركات التجارية ،الطبعة الخامسة ،2016،دار االفاق المغربية ،الدار
البيضاء ،صفحة .29
34ظهير شريف رقم 1.96.124الصادر في 14ربيع االخر 30( 1417أغسطس )1996بتنفيذ القانون رقم 17.95المتعلق
بشركات المساهمة.
35ظهير شريف رقم 1.97.49الصادر في 5شوال 13(1417فبراير )1997بتنفيذ القانون رقم 5.96المتعلق بشركة التضامن وشركة
التوصية البسيطة وشركة التوصية باألسهم والشركة ذات المسؤولية المحدودة وشركة المحاصة.
36فؤاد معالل ،الشركات التجارية ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية-جامعة سيدي محمد بن عبد هللا ،السنة الجامعية2021
،2020/بدون طبعة ،ص.9
20
االلتزامات و العقود التي جاء فيها أن" الشركة عقد بمقتضاه يضع شخصان أو أكثر أموالهم أو عملهم أو
هما معا ،لتكون مشتركة بينهم ،بقصد تقسيم الربح الذي قد ينشأ عنها "نجد عنصر تعدد الشركاء والمساهمة
في رأس المال ،وتحقيق الربح وتحمل الخسارة وأخيرا نية المشاركة.
فاختالل أحد األركان المذكورة سابقا قد يجعل القضاء يحكم ببطالن عقد الشركة وهذا البطالن
يترتب عليه إرجاع المتعاقدين إلى نفس الحال التي كانوا عليها وقت إنشاء االلتزام وهذا ما جاء بشكل
واضح في إطار مقتضيات الفصل 316من قانون التزامات والعقود"يترتب على إبطال االلتزام وجوب
إعادة المتعاقدين إلى نفس ومثل الحالة التي كانا عليها وقت نشأته ،والتزام كل منهما بأن يرد لآلخر كل
مأخذه منه بمقتضى أو نتيجة العقد الذي تقرر إبطاله .وتطبق بشأن الحقوق المكتسبة على وجه صحيح
للغير الحسني النية األحكام الخاصة المقررة لمختلف العقود المسماة" .ومن طبيعة الحال ينعكس هذا الوضع
بشكل سلبي على كال الطرفي العقد.
ففي إطار النظرية العامة لاللتزام ،فإن العقد الذي تقرر بطالنه يصبح بال جدوى فيما يتعلق
بالمستقبل ،كما أنه ينعدم بأثر رجعي ،كأن لم يكن باألساس ،37ولتفادي تطبيق هذه المقتضيات في إطار
قانون الشركات جاءت نظرية الشركة الواقعية التي بموجبها الشخص المعنوي قد وجد واستمر إلى أن
قضى ببطالن العقد وذلك ألنه بالفعل كان في الفترة السابقة .فالمشرع المغربي قد اعترف بوجود هذه
النظرية حسب مقتضيات المادة 346من قانون 17.95والمادة 347من نفس القانون ،وكذا المادة 362
من ذات القانون في فقرتها الثانية.
فهذه النظرية تقضي بعدم البطالن في حالة تخلف ركن من األركان الالزمة والتي يجب أن تقوم
عليها الشركة هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن النظرية جاء بها المشرع من أجل تعطيل االثر الرجعي
للبطالن في بعض الحاالت.
يمكن القول بأن الشركة الفعلية هي بمثابة اعتراف بالوجود الفعلي للشركة وليس القانوني منها،
وذلك في الفترة التي جاءت بين تأسيسها والحكم ببطالنها ،وهذه النظرية من طبيعة الحال قد أقيمت على
أسس قانونية من بينها أن عقد الشركة من قبل العقود المستمرة التي تنفذ يوما بعد يوم فإذا أبطل هذا العقد
فإن البطالن يتناول المستقبل فقط فيجب حل الشركة وتصفيتها هذا من جهة ،ومن جهة ثانية فإن مجال
تطبيق هذه النظرية يتحدد في أنه يجب أن تكون الشركة قد باشرت نشاطها بالفعل ،وذلك قبل الحكم عليها
بالبطالن ثم أنه يجب أن تكون الشركة قد باشرت نشاطها بالفعل ،وذلك قبل الحكم عليها بالبطالن ثم أنه
37عبد الحق الصافي"،الوجيز في القانون المدني" ،الجزء االول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية -المحمدية مطبعة
النجاح ،الدار البيضاء الجديدة ،صفحة .204
21
يجب أن يكون بطالن الشركة إما بسبب نقص االهلية ،أي أهلية أحد الشركاء في شركات األشخاص أو
بسبب عيب اعترى رضاه ،وأخيرا بسبب عدم توفر الشروط الخاصة بنوع معين من أنواع الشركة ،ثم أن
هذه الشركة يترتب عليها عدة آثار من ضمنها أنه ال يجوز إثبات الشركة بكافة طرق اإلثبات ،ثم أنها
تحتفظ بالشخصية المعنوية وتخضع لضريبة األرباح التجارية وكذا الصناعية ،وتخضع تصفية الشركات
الفعلية أيضا لنفس إجراءات تصفية الشركات األخرى .38
انطالق مما سبق يتضح أن المشرع عندما جاء بهذه النظرية وخرج عما جاء به في النظرية العامة
لاللتزام ،فهذا راجع ألسباب من بينها تحقيق التنمية االقتصادية التي ال يمكن ان تكون إال باستقرار
المعامالت.
لتأطير العالقات بين طرفي العقد الذي يربط المشغل باألجير كان البد من إصدار نصوص قانونية
تأخد بعين االعتبار خصوصية هذه العالقة .فأحيانا نجد أن المشغل يستغل ضعف األجير ويفرض ما شاء
من الشروط ،ضمن بنود العقد بما في ذلك تشغيله في ظروف صعبة من قبيل عدم توفير شروط الصحة
واألمان ،وحفاظا على كرامة األجير قام هذا األخير وغيره من األجراء بالتكتل إلى جانب األجراء في
شتى القطاعات في إطار نقابات من أجل الدفاع عن حقوقهم وصيانة كرامتهم ،مما أدى إلى تدخل الدولة
كطرف ثالت عهد إليها تنظيم هذه العالقة.
لكن مع توالي صدور التنظيمات المتعلقة بقانون الشغل بدأ يتراجع مبدأ الحرية التعاقدية ،ومبدأ القوة
الملزمة للعقد.
فإذا كانت الحرية التعاقدية تدل على حرية الشخص في ابرام العقد أو عدم ابرامه ،فإن هذا المبدأ
سيجعل رب العمل يفرض قوته على األجير ،ومن أجل حماية هذا األخير قام المشرع بوضع قيود ترد
على هذه الحرية ولعل من بينها نجد :القيود الواردة على سلطة المشغل في اختيار نوع العقد ،بحيث اذ تم
إعطاء إمكانية للمشغل من أجل اختيار أي نوع من العقود التي سيبرم ،فإنه سيختار عقود محددة المدة،
وهذا فيه تعسف واعتداء على األجير ،بحيث يمكن طرده بمجرد انتهاء هذه المدة ،لذلك تدخل المشرع وقام
بوضع قواعد آمرة ال يمكن االتفاق على مخالفتها ،حدد بمقتضاها على سبيل الحصر الحاالت التي يمكن
فيها للمشغل اللجوء إلى ابرام عقود الشغل محددة المدة ،وكذا تحديد مدتها .كما حدد أيضا مدة ابرام عقد
https://www.startimes.com 38الشركات الفعلية في قانون الشركات المغربي ،تمت زيارته يوم 2024/03/23على
الساعة 14 :23
22
الشغل ومن جهة أخرى تم تقييد حرية المشغل أيضا في اختيار األجير المتعاقد معه ،فإذا كانت المادة507
من مدونة الشغل قد مكنت المشغل من اختيار أجرته وذلك بكل حرية خاصة فيما يتعلق بتشغيل النساء.
وبخصوص القوة الملزمة للعقد ،فالرجوع للفصل 230من ق.ل.ع نجد بأن االلتزامات التعاقدية أن
“االلتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ،وال يجوز إلغاؤها
إال برضاهما معا أو في الحاالت المنصوص عليها في القانون”.39
انطالقا من الفصل المذكور سابقا ،فإنه ال يمكن تعديل العقد أو الغاءه إال برضى طرفي العقد ،غير
أنه تقضي مصلحة الشغل ادخال تعديالت على بعض العقود كإمكانية تعديل العقد فيما يتعلق بمدة الشغل،
وبرجوع الى المادة 185من مدونة الشغل نجد انها تنص على أنه ’’ يمكن للمشغل ،بعد استشارة مندوبي
األجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم ،أن يقلص من مدة الشغل العادية ولفترة متصلة أو
منفصلة ال تتجاوز ستين يوما في السنة ،وذلك عند حدوث أزمة اقتصادية عابرة لمقاولته أو لظروف طارئة
خارجة عن إرادته.40
انطالقا مما سبق ،يمكن القول بأن المشرع وضع مجموعة من القوانين التي نظمت العالقة التعاقدية
بين المشغل واألجير تفاديا ألي اعتداء من قبل الطرف القوي على الضعيف.
وصفوة القول؛ نخلص إلى أن هناك قواسم مشتركة بين قانون االلتزامات والعقود (القانون المدني)
وقانون األعمال (القانون التجاري)؛ تتمثل في االركان الواجب توفرها في كال العقدين أال وهي الرضا
واألهلية والمحل والسبب،لكن بالمقابل نجد هناك اختالفات بين القانونين نظرا للخصائص التي يتميز بها
القانون التجاري و هي السرعة و االئتمان؛ ومن هذه االختالفات؛ ندكر حرية اإلثبات في المعامالت
التجارية حيث يجوز اإلثبات بكل الوسائل؛ عكس القانون المدني الذي يفرض اإلثبات كتابة كلما بلغت قيمة
المعامالت عشرة االف درهم؛ أيضا هناك اختالف فيما يخص التضامن بين المدينين ؛ فالقانون التجاري
يفترض التضامن في االلتزامات التجارية و ذلك من أجل دعم الثقة و االئتمان اللذان يطبعان المعامالت
التجارية؛ عكس القانون المدني الذي ال يفترض التضامن بين المدينين و يشرط أن يكون منصوصا عليه
في العقد أو في القانون .ومن هذه الفروق أيضا؛ تفاوت مدة التقادم بين القانونين؛ فالمعامالت المدنية تتقادم
بمرور 15سنة؛ في حين أن المعامالت التجارية تتقادم بمرور 5سنوات فقط.
وكخالصة؛ نشير إلى أن القانون المدني (ق.ل.ع) هو بمثابة الشريعة العامة لقانون األعمال (ق.ت)؛
بمعنى أنه في حالة عدم وجود قاعدة ما في القانون التجاري فإنه يتم الرجوع إلى قواعد قانون االلتزامات
والعقود.
24
قائمة المراجع
الكتب:
-فؤاد معالل ،شرح القانون التجاري الجديد الجزء األول نظرية التاجر والنشاط التجاري.
-عبد الرزاق السنهوري ،الوجيز في النظرية العامة لاللتزام.
-فريدة اليوموري ،شرح القانون التجاري ،االعمال التجارية والتاجر ،الجزء األول.
-عبد الحق الصافي" ،الوجيز في القانون المدني" ،الجزء االول ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية
واالجتماعية -المحمدية مطبعة النجاح ،الدار البيضاء الجيدة.
-عبد الرحمان أسامة ،د الحاجي بناصر ،المبادئ العامة لاللتزامات ،طبعة .2010
-عبد القادر العرعاري ،مصادر االلتزامات ،الكتاب االول نظرية العقد ،الطبعة الرابعة .2015
-مأمون الكزبري ،نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود المغربي ،الجزء األول
مصادر االلتزامات ،الطبعة الثانية.1972 ،
-مصطفى کمال طه ،العقود التجارية وعمليات البنوك ،منشورات الحلبي الحقوقية ،الطبعة األولى
.2006
-فؤاد معالل ،الشركات التجارية ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية-جامعة سيدي محمد
بن عبد هللا ،السنة الجامعية ،2020/ 2021بدون طبعة.
القوانين:
-ظهير شريف رقم 1.96.124الصادر في 14ربيع االخر 30( 1417أغسطس )1996بتنفيذ
القانون رقم 17.95المتعلق بشركات المساهمة.
-ظهير شريف رقم 1.2.238صادر في 25من رجب )3( 1423أكتوبر ( )2002بتنفيذ القانون
رقم 17.99المتعلق بمدونة التأمينات الجريدة الرسمية عدد 5054الصادرة بتاريخ 2رمضان
)7( 1423نوفمبر (.)2002
-ظهير شريف رقم 1.97.49الصادر في 5شوال 13(1417فبراير )1997بتنفيذ القانون رقم
5.96المتعلق بشركة التضامن وشركة التوصية البسيطة وشركة التوصية باألسهم والشركة ذات
المسؤولية.
-ظهير شريف رقم 1.04.22صادر في 12من ذي الحجة 3/ 1424فبراير 2004بتنفيذ القانون
رقم 70.03بمثابة مدونة األسرة.
25
-ظهير 9رمضان 12( 1331أغسطس )1913صيغة محينة بتاريخ 11يناير 2021المتعلق
بقانون االلتزامات و العقود.
-ظهير شريف رقم 1.03.194صادر في 14من رجب 11( 1424سبتمبر )2003بتنفيذ
القانون رقم 65.99المتعلق بمدونة الشغل ،الجريدة الرسمية عدد 5167بتاريخ
2003/12/08مدونة الشغل.
مقاالت:
-عبد الرحيم بحار "دور القضاء التجاري في تشجيع االستثمار" مجلة العلوم القانونية ،العدد األول
.2013
-بوعبيد عباس ،العقود التجارية والتجديدات الطارئة عليها ،مقال منشور بمجلة المحامون ،العدد 6
.1998 .
-توفيق تكرومت "،تأثير القوانين االقتصادية على قانون االلتزامات والعقود" مقال منشور بمجلة
القانون واالعمال ،طبعة .2019
التقارير
-قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ 01/12/2004تحت عدد 1322في الف التجاري عدد
478/02منشور بمجلة المجلس األعلى عدد .64
-قرار صادر عن المجلس األعلى بتاريخ 03/07/23تحت عدد 335في الملف 02/269قرار
منشور في الجريدة المغربية.
26
الفهرس
27