You are on page 1of 98

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬

‫جامعة سوسة‬

‫كلـية الحق ــوق والع ـ ـلـ ــوم‬


‫الس ـ ـيــاسية بسوسة‬

‫مذكرة للحصول على شهادة الماجستير المهني في قانون‬


‫المؤسسة و األعمال‬
‫املوضوع ‪:‬‬

‫مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية‬


‫و خطأ األجير في القطاع الخاص‬

‫إشراف األستاذة ‪:‬‬ ‫أعدتها و دافعت عنها الطالبة ‪:‬‬


‫هدى الطالب علي‬ ‫أسماء قوادرية‬

‫السنة الجامعية ‪2018 - 2017‬‬


‫اإلهداء‬
‫أهدي هذا العمل المتواضع‪:‬‬

‫‪ -‬إلى الوالدين الكريمين حفظهما هللا‪.‬‬

‫‪ -‬إلى أستاذتي الفاضلة "هدى الطالب علي" التي‬

‫تفضلت باإلشراف على هذه المذكرة ‪...‬لها مني كل‬

‫الشكر و التقدير‪.‬‬

‫‪ -‬إلى كل من علمني حرفا في هذه الدنيا‬

‫‪ -‬و إلى كل من ساهم في إنجاز هذا العمل‬


‫إن األراء واألفكار والمواقف الواردة بهذه المذّكرة‬

‫تعتبر خاصة بصاحبتها‬

‫وهي ال تلزم الكلية في شيء‪.‬‬


‫المخطط‬
‫األول‪ :‬التكريس العرضي للتناسب بين العقوبة التأديبية وخطأ األجير‬
‫الجزء ّ‬

‫األول‪ :‬مبررات التكريس العرضي لمبدأ التناسب‬


‫الفصل ّ‬

‫الفصل الثاني‪ :‬مظاهر التكريس العرضي لمبدأ التناسب‬

‫الجزء الثاني‪ :‬طرق تالفي محدودية التناسب‬

‫الفصل األول‪ :‬الرقابة اإلدارية و السعي لتكريس التناسب‬

‫الفصل الثاني‪ :‬السلطة التقديرية للقاضي في تكريس مبدأ التناسب‬


‫المقدمة‬
‫ال شك ّ‬
‫أن العمل هو مصدر عيش و كرامة اإلنسان ‪ ،‬إذ له إعتبار ثابت في حياة كلّ فرد ‪ ،‬فهو مصدر‬
‫قيمة اإلنسان و وسيلة لتحقيق وجوده و هو المصدر األساسي للنسيج اإلجتماعي‪ ،‬فحتّى يضمن اإلنسان‬
‫دخال يمكنه من العيش ال بدّ له من ممارسة عمل مع ّين ‪ ،‬لذلك ّ‬
‫فإن حاجة اإلنسان للعمل قد فرضت‬
‫ضرورة السعي إليجاده و المحافظة عليه‪ ،‬و نظرا ألهمية العمل في تنمية الحركة اإلقتصادية للشعوب‬
‫سعت جلّ التشريعات الحديثة إلى تكريس قواعد قانونية لتنظيم العالقات الشغلية المتم ّيزة بعدم المساواة‬
‫بين الطرفين المتعاقدين على الصعيد القانوني و اإلقتصادي‪ ،1‬حيث تتميّز بالتبعية التي تظهر من خالل‬
‫أحكام الفصل السادس من مجلة الشغل الذي جاء فيه "عقد الشغل هو إتفاقية يل تزم بمقتضاها أحد الطرفين‬
‫يسمى مؤجرا و ذلك و ذلك تحت إدارة و مراقبة هذا األخير و بمقابل أجر"‪ ،‬و على هذا األساس ّ‬
‫فإن‬ ‫و ّ‬
‫تعاقد العامل مع المؤجر يجعله في تبعية إقتصادية لكونه يقوم بعمله مقابل أجر‪ ،‬و بما ّ‬
‫أن هذا األخير هو‬
‫الوسيلة األساسية التي يعيش منها األجير فإنه يصبح تابعا إقتصاديا للمؤجر‪ ،‬كما يصبح األجير في‬
‫وضعية تبعية قانونية لمؤجره بإعتبار ّ‬
‫أن لهذا األخير سلطة رقابة و إدارة العمل الذي يقوم به األجير‪.‬‬

‫و يعود أساس التبعية إلى ملكية المؤجر لوسائل اإلنتاج و رأس المال و هو ما يبرر النزعة الليبرالية التي‬
‫عرفه الفصل ‪ 17‬من‬
‫كرس دستور ‪ 2014‬حق الملكية في فصله ‪ ، 2 41‬كما ّ‬
‫تميّز اإلقتصاد التونسي فقد ّ‬
‫يخول لصاحبه ممارسة سلطاته على الشيء الذي يملكه و المتمثلة في حق‬
‫مجلة الحقوق العينية بكونه حق ّ‬
‫اإلستغالل و اإلستعمال و التفويت‪ ،‬يستشف من ذلك ّ‬
‫أن حق الملكية هو حق جامع مانع أي أنه يشمل كل‬
‫يخول للمؤجر ممارسة سلطة التسيير و اإلشراف‬
‫السلطات الممكنة و مقصور على صاحبه بالتالي ّ‬
‫و التأديب على األجراء الذين يلتزمون بالعمل تحت قيادته وفقا لتعليماته‪ ،‬و في صورة رفضهم الخضوع‬
‫ألوامر مؤجرهم يسلط عليهم بمقتضى ما له من نفوذ أي إجراء تأديبي يراه مناسبا و الذي يمكن أن يصل‬
‫إلى حدّ قطع العالقة ا لشغلي ‪ ،‬و قد أقر المشرع إمكانية قطع العالقة الشغلية لكال الطرفين ‪ ،‬فاألجير يمكن‬
‫له أن يستقيل من عمله كما للمؤجر حق طرد العامل عند قيامه بخطأ يعرقل السير العادي للمؤسسة و هو‬
‫ما يعتبر تكريسا لمنع أبدية العقود فاإلرادة التي أنشأت العقد يمكن لها إنهائه متى شاءت ‪ ،‬فالعقد شريعة‬
‫المتعاقدين على معنى الفصل ‪ 242‬من مجلة اإللتزامات و العقود‪.‬‬

‫علي عوض حسن‪" ،‬مختصر الوجيز في شرح قانون العمل"‪ ،‬دار الفكر الجامعي ‪ ،2001‬ص ‪28‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفصل ‪ 41‬من دستور جانفي ‪ " : 2014‬حق الملكية مضمون و ال يمكن النيل منه إال ّ في الحاالت و بالضمانات التي يضبطها القانون"‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1‬‬
‫أن السلطة التأديبية تم ّكن المؤجر من تسليط عقاب على كل خطأ يقوم به األجير ‪ ،‬و نظرا لعدم‬
‫و بما ّ‬
‫حرا في معاقبة أي فعل و في تسليط أي عقاب ‪ ،‬و هو ما ال‬
‫تنظيم المشرع لهذه السلطة‪ ،‬يجد المؤجر نفسه ّ‬
‫يتماشى حتما مع مبدأ التناسب بين العقوبة و الخطأ الذي يمثّل ركيزة أساسية للقانون التأديبي فهو يحمي‬
‫العامل من تعسف المؤجر و يحقق بذلك العدالة اإلجتماعية‪ ،‬فالعقوبات التي يمكن للمؤجر إتخاذها ضدّ‬
‫عملته لها مساس مباشر بأجرهم و بموطن عملهم كما لها إنعكاس على حياتهم المهنية و العائلية ‪ ،‬لذلك‬
‫يجب أن يكون الخطأ المنسوب للعامل على درجة كافية من الخطورة تبرر العقوبة المسلطة عليه‪.‬‬

‫و التناسب لغة هو التماثل و التطابق بين شيئين‪.1‬‬

‫ّأما إصطالحا ‪ ،‬يعد التناسب مقتبسا من القانون الجزائي ‪ ،‬حيث يجب أن يكون الفعل المجرم متناسبا مع‬
‫العقوبة ‪ ،‬بالتالي هو نتيجة للربط بين العقوبة و الخطأ‪.2‬‬

‫و يستند حق المؤجر في طرد األجير على إرتكاب خطأ من طرف هذا األخير يكون بمثابة السبب الحقيقي‬
‫و الجدي للطرد‪ ،‬لكن المشرع لم يوضح مفهوم خطأ األجير و لم يقدّم له أي تعريف بل إنه ال يستعمل‬
‫مصطلحا واحدا للداللة عليه‪ ،‬حيث أنه إلى جانب عبارة الخطأ التي إستعملها في عدّة فصول من مجلة‬
‫الشغل‪ 3‬نجده يستعمل أحيانا عبارة "الغلطة"‪ 4‬أو عبارة "الهفوة"‪ ، 5‬و هي نفس العبارة التي تستعملها‬
‫اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‪ ، 6‬لكن جميع هاته العبارات تستعمل بصفة مترادفة بحيث جميعها تفيد نفس‬
‫المعنى و تدل على مفهوم الخطأ‪ ،‬و المالحظ ّ‬
‫أن قانون الشغل الفرنسي هو بدوره لم يقدّم تعريفا لخطأ‬
‫األجير‪ ،‬فقد ورد بالفصل ‪ 40- 122‬من مجلة الشغل الفرنسية ّ‬
‫أن العقوبة التأديبية هي "نتيجة لتصرف قام‬
‫أن المنشور الخاص بتطبيق قانون ‪ 4‬أوت ‪ 1982‬المتعلّق بتنظيم‬
‫به العامل و إعتبره المؤجر خاطئا‪ .7‬إالّ ّ‬
‫عرف خطأ األجير بكونه "التصرف الخاطئ الذي يستدعي توقيع عقوبة تأديبية عليه‪،‬‬
‫السلطة التأديبية ّ‬
‫يستحيل معه التنفيذ العادي للعالقة العقدية‪ ،‬بشرط أن يتجسم التنفيذ الغير العادي لعقد الشغل بفعل إيجابي‬
‫أو بإمتناع عن فعل بصفة إرادية من طرف األجير"‪. 8‬‬

‫العامة التي‬
‫ّ‬ ‫و إذا كان قانون الشغل التونسي ال يعطي تعريفا للخطأ ‪ ،‬فإنه يمكن الرجوع إلى األحكام‬
‫يعرف الخطأ المدني بكونه " ترك ما‬
‫تضمنتها مجلة اإللتزامات و العقود خاصة الفصل ‪ 83‬منها الذي ّ‬

‫معجم المعتمد‪ ،‬دار بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ ،2001‬ص ‪690‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬ ‫‪Med Ridha Ben Hammed : « les juridictions disciplinaires des ordres professionnels en Tunisie, mémoire‬‬
‫‪soutenue en novembre 1974, faculté de droit et des sciences politique de Tunis, p 33‬‬
‫أنظر خاصة الفصول ‪ 14‬و ‪ 14‬رابعا‪ ،‬الفصل ‪ ،167‬و الفصل ‪ 411‬من مجلة الشغل‬ ‫‪3‬‬

‫وردت عبارة "الغلطة" في الفصلين ‪ 128‬و ‪ 371‬من مجلة الشغل‬ ‫‪4‬‬

‫وردت عبارة "هفوة" في الفصل ‪ 120‬من مجلة الشغل‬ ‫‪5‬‬

‫أنظر خاصة الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‬ ‫‪6‬‬


‫‪7 Paul Fieshi-vivet : « droit du travail », éme éd, sirey, 1997, p 71‬‬
‫‪8 La circulaire DRT n° 5-83 du 15 mai 1983 relative à l’application de la loi du 4 aout 1982‬‬

‫‪2‬‬
‫وجب فعله أو فعل ما وجب تركه" إس تنادا لهذا الفصل ‪ ،‬يستنتج ّ‬
‫أن الخطأ المدني يتكون ّإما من أفعال‬
‫سلبية أو من أفعال إيجابية ‪ ،‬لكن المشرع لم يحدد بصفة حصرية هذه األفعال المكونة منها الخطأ و هذا‬
‫بإعتبار تعدد و تنوع تلك األفعال‪ ،‬و لهذا ّ‬
‫فإن عمومية الفصل ‪ 83‬من مجلة اإللتزامات و العقود ال يفيد في‬
‫تعريف خطأ األجير فكان للفقه دور في محاولة إيجاد تعريف موحد له‪.‬‬

‫فعرفه البعض‪ 1‬بكونه كل فعل أو إمتناع عن فعل ينسب إلى األجير و فيه إخالل بأخذ إلتزاماته أو واجباته‬
‫ّ‬
‫عرفه الفقه الفرنسي‪ 2‬بأنه كل إخالل بالقواعد السارية في‬
‫المهنية نحو المؤسسة التي ينتمي إليها‪ ،‬و ّ‬
‫المؤسسة بما فيها القواعد غير المكتوبة و التي تفرض على كل واحد سلوكا مناسبا في عالقته مع‬
‫األعضاء اآلخرين‪ ،‬و كل إخالل باألوامر المعطاة بواسطة صاحب العمل في المباشرة الطبيعية لسلطته‬
‫في اإلدارة بشكل يخلّ بالنظام و بحسن سير العمل في المؤسسة‪.‬‬

‫و هو نفس التعريف الذي إعتمده الفقه المصري‪ 3‬حيث إعتبر ّ‬


‫أن خطأ األجير ليس سوى إنحراف في‬
‫سلوك العامل داخل مجتمعه الصغير الذي يكونه المشرع يخل بالقواعد المرعية ‪ ،‬و يعبث بنظامه‪.‬‬

‫و بما ّ‬
‫أن قانون الشغل تماما مثل القانون المدني‪ ،‬ال يمكن له أن يحدّد بصفة حصرية الحاالت التي تدخل‬
‫ضمن مفهوم خطأ األجير ‪ ،‬و هذا ما يؤدي إلى تمتع المؤجر بسلطة واسعة في تقدير السلوك الخاطئ‬
‫للعامل‪ ،‬بحيث "يستحيل تكريس مبدأ شرعية الجرائم في القانون التأديبي للعمل"‪ ،4‬و على هذا األساس‬
‫إكتفى الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل بوضع قائمة غير حصرية لألخطاء التي يمكن أن يقترفها األجير‬
‫مبررة لطرده و تضم هذه القائمة إحدى عشر حالة من األفعال يقع تقديرها حسب الظروف التي‬
‫و تكون ّ‬
‫وقع فيها إرتكابها و هي نفس القائمة تقريبا التي تضمنها الفصل ‪ 37‬من اإل تفاقية اإلطارية المشتركة‪.‬‬

‫و تتميّز هذه القائمة بتنوعها من حيث طبيعة األخطاء المذكورة بها‪ ،‬حيث يمكن أن يكتسي الخطأ صيغة‬
‫تأديبية بحتة‪ ،‬كما يمكن أن يكون الخطأ عقديا باإلضافة إلى وجود صنف آخر من األخطاء ذات الصبغة‬
‫الجزائية‪.5‬‬

‫و تجدر اإلشارة ّ‬
‫أن الخطأ التأديبي في مفهومه الضيّق يتعلق بسيرة العامل الشخصية داخل المجموعة‬
‫المهني‪6‬‬ ‫المهنية التي ينتمي إليها‪ ،‬و هو يتمثل في اإلخالل بنظام العمل داخل المؤسسة و قواعد السلوك‬
‫لذلك ّ‬
‫فإن األخطاء التأديبية تعتبر أخطاء مهنية بحكم أنها ترتكب بمناسبة العمل و لها إنعكاسات سلبية على‬

‫‪ 1‬أحمد النوري‪" ،‬طرد األجير ألسباب تأديبية"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون اإلجتماعي ‪ ،‬كلية الحقوق بصفاقس ‪ ،2008- 2007‬ص‬
‫‪14‬‬
‫‪2 Catala nicole : « droit du travail », Tome IV, l’entreprise, Paris, Dalloz 1980, p 376‬‬

‫‪ 3‬د محمود جمال الدين زكين "عقد العمل في القانون المصري"‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،1982 ،‬بند ‪ ،46‬ص ‪182‬‬
‫‪ 4‬المنجي طرشونة‪" ،‬الطرد ألسباب شخصية في القانون و في فقه القضاء"‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع ‪ ،‬جويلية ‪ ،2008‬ص ‪7‬‬
‫‪ 5‬أحمد النوري‪ " ،‬طرد األجير ألسباب تأديبية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪14‬‬
‫‪ 6‬المنجي طرشونة و النوري مزيد‪ ،‬مجلة الشغل المعلّ ق عليها‪ ،‬المطبعة الرسمية ‪ ،2002‬ص ‪71‬‬

‫‪3‬‬
‫المؤسسة إضافة إلى أنها متصلة بسوء سلوك األجير و ذلك بقطع النظر عن قيامه بإلتزاماته العقدية ‪ ،‬ومن‬
‫هذا المنطلق تختلف األخطاء التأديبية عن األخطاء العقدية‪.‬‬

‫فالخطأ العقدي في مفهومه الضيّق يتجسد من خالل عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي أو التنفيذ المعيب‬
‫لإللتزامات العقدية‪ ،1‬و تنقسم هذه اإللتزامات التي يتقيّد بها األجير في نطاق عقد الشغل إلى إلتزامات‬
‫أصلية و إلتزامات فرعيّة أو تابعة‪ ، 2‬و اإللتزام األصلي الذي يتقيّد به األجير في عقد الشغل هو إلتزامه‬
‫مما يقتضي إلتزامه بالتعليمات التي يتلقاها من مؤجره حسب ما ورد بالفصل ‪ 10‬من‬
‫بأداء العمل بإخالص ّ‬
‫مبرر شرعي عن أداء عمله يكون قد إرتكب خطأ عقديا يتمثّل في عم تنفيذ‬
‫مجلة الشغل‪ ،‬فإذا إمتنع بدون ّ‬
‫عقد الشغل و قد أورد الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل بعض الحاالت التي تجسد هذا النوع من األخطاء‬
‫كالغياب عن العمل أو اإلمتناع عن تنفيذ األوامر المتعلّقة بالعمل‪.‬‬

‫ّأما بالنسبة إللتزامات األجير الفرعية فتتمثّل في إلتزامه بالمحافظة على األشياء و المعدات التابعة‬
‫للمؤسسة و التي أعطيت له للقيام بعمله‪.‬‬

‫و بالتالي يكون مسؤوال عن فقدانها أو تعطيبها إذا كان ذلك نتيجة لخطأ منه‪ ،‬و ذلك ما أورده الفصل ‪11‬‬
‫من مجلة الشغل‪ .‬إالّ ّ‬
‫أن هذا التمييز بين األخطاء العقدية و األخطاء التأديبية يبقى تميزا نسبيا ذلك ّ‬
‫أنن أي‬
‫سلوك يقوم به العامل قد يكون في نفس الوقت إخالال بالعقد و بنظام العمل داخل المؤسسة‪.3‬‬

‫باإلضافة إلى وجود صنف آخر من األخطاء التي قد يرتكبها األجير تبرر تسليط عقوبة عليه و هي‬
‫األخطاء ذات الصبغة الجزائية‪ ،‬في هذا اإلطار ال يمكن الحديث عن فعل مجرم إال عند وجود نص‬
‫يجرمه و يعاقب عليه و ذلك عمال بمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات‪ 4‬في إطار عقد الشغل يكون‬
‫تشريعي ّ‬
‫الخطأ الجزائي المنسوب لألجير له صبغة مزدوجة أي ّ‬
‫أن له صبغة جزائية و تأديبية مثل سرقة األشياء‬
‫التابعة للمؤسسة أو خيانة المؤتمن‪ ، 5‬و قد أكد فقه القضاء على مبدأ إستقاللية الخطأ التأديبي عن الخطأ‬
‫الجزائي في المادّة الشغلية ‪ ،‬و على هذا األساس ّ‬
‫فإن إنت فاء المسؤولية الجزائية ال يترتب عنه بالضرورة‬
‫إنتفاء مؤاخذة األجير على المستوى التأديبي‪.6‬‬

‫عموما يتحمل األجير مبدئيا المسؤولية الناجمة عن أي خطأ يقترفه و يلحق ضررا بالمؤسسة‪ ،‬و المالحظ‬
‫ّ‬
‫أن قانون الشغل إتجه نحو التخفيف من حدّة تلك المسؤولية بإعتبار وضعية التبعية التي يوجد فيها‬

‫ّ‬
‫المعل ق عليها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪72‬‬ ‫‪ 1‬المنجي طرشونة و النوري مزيد‪ ،‬مجلة الشغل‬
‫‪ 2‬المنجي طرشونة ‪ ،‬الطرد ألسباب شخصية في القانون و في فقه القضاء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪5‬‬
‫‪ 3‬المنجي طرشونة و النوري مزيد‪ ،‬مجلة الشغل المعلق عليها ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪72‬‬
‫‪ 4‬الفصل ‪ 28‬من دستور جانفي ‪ ،2014‬الفصل ‪ 1‬من المجلة الجزائية‬
‫‪ 5‬الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‬
‫‪ 6‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 45291‬في ‪ 26‬سبتمبر ‪ 1996‬نشرية محكمة التعقيب ‪ ،1996‬ص ‪139‬‬

‫‪4‬‬
‫األجير‪ ، 1‬و هذا ما يبرز مثال من خالل التمييز بين األخطاء البسيطة التي قد تؤدي إلى تسليط عقوبة‬
‫تأديبية من الدرجة األولى ضدّ األجير و ال تبرر قطع عقد الشغل‪ ،‬و األخطاء الفادحة التي تقابلها عقوبات‬
‫الدرجة الثانية و تعد من األسباب الحقيقية و الجدية للطرد كما هو مب ّين بالفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية‬
‫المشتركة‪.‬‬

‫من جانبه ‪ ،‬إعتمد الفقه تصنيفا ثالثيا لألخطاء المرتكبة من قبل األجير فميّز بين الخطأ اليسير أو البسيط‬
‫والخطأ الفادح و الخطأ الجسيم‪.2‬‬

‫تبرر الطرد"‪ ،‬حسب ما جاء بالفصل ‪ 14‬رابعا‬


‫"يعتبر الخطأ الفادح من األسباب الحقيقية و الجدية التي ّ‬
‫من مجلة الشغل‪ ،‬فالخطأ الذي يرتكبه العامل ال يمكن أن يكون سببا للطرد إالّ إذا كان خطأ فادحا ‪،‬ويستنتج‬
‫من ذلك ّ‬
‫أن هذا النوع من الخطأ يحتل مكانة وسطى بين الخطأ البسيط و الخطأ الجسيم‪ ،‬فالخطأ البسيط ال‬
‫يمكن له أن يبرر الطرد و إنما قد تنجر عنه عقوبة من الدرجة األولى‪.‬‬

‫و يمكن وصف الخطأ بالجسيم عند إرتكاب فعل يوصف بكونه خطأ فادح لكنه يكتسي صبغة إستثنائية‬
‫عرفه فقه القضاء الفرنسي بأنه الخطأ المصحوب بنيّة‬
‫بإعتباره أكثر خطورة من الخطأ الفادح‪ ،‬و قد ّ‬
‫يبرر قيام مسؤولية األجير المدنية‬
‫المتعمد‪ ،3‬الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلساءة للمؤجر أو للمؤسسة‪ ،‬و ت ّم وصفه بالخطأ‬
‫عما لحق المؤسسة من أضرار‪ّ ،‬أما الخطأ الفادح فال يترتب عنه تلك المسؤولية‬
‫و يصبح مطالب بالتعويض ّ‬
‫بإعتبار أنه يندرج ضمن المخاطر التي تتحملها المؤسسة‪.4‬‬

‫يعرفه و ال‬ ‫و رغم ّ‬


‫أن المشرع التونسي يستعمل في العديد من الفصول مصطلح الخطأ الفادح‪ ،‬فإنه ال ّ‬
‫ضح ما يميّزه عن غيره من األخطاء‪ ،‬مكتفيا بالتنصيص على أنه من األسباب الحقيقية و الجديّة التي‬
‫يو ّ‬
‫تبرر الطرد مع ذكر قائمة ذكريّة ال حصرية لبعض الحاالت التي تش ّكل أخطاء فادحة حسب الظروف‬
‫ّ‬
‫التي وقع فيها إرتكابها و ذلك ما نصت عليه أحكام الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل و الفصل ‪ 37‬من‬
‫اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‪.‬‬

‫‪ 1‬النوري مزيد‪ " ،‬واجب أمانة األجير تجاه المؤسسة"‪ ،‬مداخلة مرقونة قدمت في ملتقى مصلحة المؤسسة في القانون اإلجتماعي‪ ،‬الجمعية‬
‫التونسية لمتفقدي الشغل‪ ،‬الحمامات في ‪ 22‬و ‪ 23‬جوان ‪ ،2007‬ص ‪4‬‬
‫‪ 2‬المنجي طرشونة‪" ،‬الطرد ألسباب شخصية في القانون و في فقه القضاء"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫‪ "3 cass,soc, 27 novembre 1958, D, 1959, note linden‬أورده أحمد النوري "طرد األجير ألسباب تأيبية" مرع سابق‪ ،‬ص ‪18‬‬
‫‪4 J.pélissier A, Lyon-caen, A.jeammand et E.dockés, les grands arréts du droit du travail, 3éme éd, dalloz, 2004,‬‬

‫‪p 185‬‬

‫‪5‬‬
‫و في غياب تعريف قانوني للخطأ الفادح في قانون الشغل‪ ،‬ساهم الفقه و فقه القضاء في تحديد مفهومه‬
‫فالخطأ الفادح هو الذي يؤدي إلى زعزعة الثقة المتبادلة بين الطرفين يستح يل معها مواصلة العالقة‬
‫التعاقدية بحيث تنتج عنه إنعكاسات سلبية على نجاعة الشغل‪. 1‬‬

‫كما أكدت محكمة التعقيب‪ّ 2‬‬


‫أن الهفوة الفادحة هي " التي يترتب عنها ضرر فادح للمؤسسة و أوكل‬
‫للقاضي في تقديره لفداحة الخطأ إعتماد الظروف و المالبسات التي وقع فيها الخطأ و كذلك النتائج و مدى‬
‫الضرر الذي ترتب عن ذلك الخطأ" ‪ ،‬و ذلك حتى تكون العقوبة المسلطة على األجير متناسبة مع الخطأ‬
‫الذي إرتكبه‪.‬‬

‫و على عكس القانون الذي تنفرد فيه الهيئات القضائية بتسليط العقوبات على مرتكبيها ّ‬
‫فإن قانون الشغل‬
‫بصفة خاصة يمكن المؤجر من تسليط عقوبة على كل أج ير لم ينفّذ عمله حسب الشروط المتفق عليها‪،‬‬
‫فكلّما أخلّ األجير بأحد إلتزاماته الناشئة عن العقد أو إنحرف عن السلوك الذي يستوجبه حسن سير العمل‬
‫و مصلحة المؤسسة فإنه يكون معرضا لتسليط عقوبة عليه من طرف رئيس المؤسسة‪.‬‬

‫فالعقوبات التأديبية تظلّ تصرفا عقابيا يهدف إلى زجر و ردع كلّ مخالف لحسن سير العمل داخل‬
‫المؤسسة ‪ ،‬و رغم أهميتها لم يضع المشرع التونسي تعريفا لها و كذلك الحال بالنسبة لإلتفاقية اإلطارية‬
‫المشتركة التي ‘ كتفت بترتيب العقوبات التي يحق للمؤجر توقيعها على األجير حسب درجة خطورة الفعلة‬
‫المرتكبة‪ ،‬و في صورة ما إذ ا إرتكب العامل خطأ بسيطا يسلط عليه المؤجر عقوبة من الدرجة األولى‪ّ ،‬أما‬
‫إذا إرتكب خطأ أكثر فداحة و خطورة يوقّع عليه رئيس المؤسسة عقوبة من الدرجة الثانية‪.‬‬

‫هذا التصنيف للعقوبات يذكر بالتصنيف في القانون الجزائي الطي يتدرج بالجرائم من مخالفة إلى جنحة‬
‫إلى جناية و ذلك حسب خطورة الفعلة المرتكبة‪.‬‬

‫لكن قانون الشغل إعتمد تصنيفا ثنائيا للعقوبات كما هو مبيّن بالفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‬
‫فقد ق ّسم العقوبات حسب درجة خطورتها إلى عقوبات الدرجة األولى و تتمثّل في ‪ :‬اإلنذار الشفاهي ‪،‬‬
‫المسجل في الملف ‪ ،‬التوبيخ المسجل في الملف‪ ،‬اإليقاف عن العمل لفترة ال تتجاوز ثالثة‬
‫ّ‬ ‫اإلنذار الكتابي‬
‫أيّام مع الحرمان من األجر‪ّ ،‬أما عقوبات الدرجة الثانية فتتمثّل في اإليقاف عن العمل من أربعة إلى ثالثين‬
‫يوما مع الحرمان من األجر‪ ،‬إسقاط سلّم‪ ،‬إسقاط درجة و الطرد الذي يمثّل أخطر عقوبة يمكن أن يتعرض‬
‫لها العامل‪.‬‬

‫‪ 1‬المنجي طرشونة و النوري مزيد‪ ،‬مجلة الشغل معلق عليها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ 70‬و ‪71‬‬
‫األو ل لسنة ‪ ،2009‬قسم مرافعات مدنية وتجارية‪،‬‬
‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 27618‬مؤرخ في ‪ 16‬أفريل ‪ ،2009‬نشرية محكمة التعقيب ‪ ،‬الجزء ّ‬
‫ص ‪18‬‬

‫‪6‬‬
‫عرفت مجلة الشغل الفرنسية في الفصل ‪ 40 - 122‬منها العقوبة التأديبية‬
‫و على خالف المشرع التونسي ‪ّ ،‬‬
‫بأنها ‪ " :‬كلّ إجراء ‪ ،‬عدا المالحظات الشفوية ‪ ،‬يتخذه المؤجر إثر تصرف قام به األجير و إعتبره خطأ‬
‫و يكون له تأثير سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة على حضور األجير في المؤسسة أو على وظيفته أو‬
‫على حياته المهنية أو على دخله المالي‪.1‬‬

‫ّ‬
‫إن عبارة "كل إجراء " كما وردت بالقانون الفرنسي تشمل العقوبات في مفهومها التقليدي من إنذار‬
‫و توبيخ و طردن كما قد تشمل كل إجراء يتخذه المؤجر في نطاق سلطته في تسيير العمل و تنظيمه‬
‫و يعتبره األجير عقوبة نظرا لتأثيرها على مركزه في العمل و على حقوقه‪ّ ،‬أما إذا كان الغرض من هذه‬
‫اإل جراءات ضرورة إقتصادية أو تقنية لحسن سير المؤسسة فال تعتبر عقوبة‪ ،‬كذلك ال تعتبر عقوبة‬
‫التوضيحات الشفوية‪.2‬‬

‫و هو نفس التعريف الذي إعتمده الفقه‪ ، 3‬حيث إعتبر ّ‬


‫أن العقوبة التأديبية هي "كل إجراء يقوم به العرف‬
‫إزاء العامل و يكون له تأثير على حضور هذا األخير في المؤسسة (كالطرد) أو على وظيفته (كالنقلة)‪ ،‬أو‬
‫على حياته المهنية (كالتخفيض في الرتبة)‪ ،‬أو على دخله المالي المالي (كالحرمان من منحة)‪.‬‬

‫و يقسم بعض الفقهاء العقوبات الت أديبية إلى عقوبات معنوية تؤثر في نفسية العامل و عقوبات لها تأثير‬
‫على وجود العامل في المؤسسة‪ ، 4‬و تتمثل العقوبات المعنوية في اإلنذار و التوبيخ و التأنيب مع اإلعالم أو‬
‫من دونه‪ ،‬هذه العقوبات ال تؤثر بصفة مباشرة على وضعية األجير على عكس عقوبة الحط من الدرجة أو‬
‫التأخير في الترقية أو الطرد‪.‬‬

‫عموما تهدف العقوبات التأديبية إلى زجر و ردع األجير الذي خالف تعليمات مؤجره و أضر بمصلحة‬
‫المؤسسة ‪ ،‬من هذا المنطلق يمكن القول ّ‬
‫أن العقوبة التأديبية و العقوبة الجزائية تتشاركان في الهدف‬
‫المرجو من كلتاها ‪ ،‬و لكنهما حتما مختلفان ‪ ،‬فالجزاء الجزائي خاضع لمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات ‪.‬‬

‫كما يهدف إلى حماية المجتمع من كل جريمة ‪ّ ،‬أما العقوبات التأديبية فهي تهدف إلى حماية المؤسسة‬
‫بوجه خاص من تصرفات األجير التي تلحق ضررا بها ‪ ،‬إضافة إلى أن الجزاء الجزائي توقعه السلطة‬
‫القضائية المختصة على المتهم‪ّ ،‬أما العقوبة التأديبية فيسلّها المؤجر على أجيره المرتكب للخطأ‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪L 122-40 du code de droit de travail francais‬‬


‫‪2‬‬ ‫‪Jean maurice-verdier : « droit du travail », éme édition, Dalloz, 1993, p 68‬‬
‫النوري مزيد‪" :‬حول تشريع العمل الفرنسي الجديد"‪ ،‬المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي ‪ ،‬عدد ‪ ،1986 ،1‬ص ‪80‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4 Jean maurice-verdier : « droit du travail », presses universitaires de France, themis droit,8 éme édition,‬‬

‫‪Dalloz, 1981, p 200‬‬

‫‪7‬‬
‫لم تتضمن مجلة الشغل الصادرة بمقتضى القانون عدد ‪ 27‬لسنة ‪ 1966‬المؤرخ في ‪ 30‬أفريل ‪ ،1966‬أي‬
‫إشارة لمسألة التناسب ‪ ،‬و رغم تنقيحها في عدّة مناسبات ّ‬
‫فإن المشرع يأبى تنظيم السلطة التأديبية للمؤجر‬
‫تنظيما محكما إالّ ّ‬
‫أن اإلتفاقية اإلطارية المشتركة الصادرة بمقتضى األمر عدد ‪ 247‬االمؤرخ في ‪ 29‬ماي‬
‫‪ ،1 1973‬سعت إلى سدّ الفراغ التشريعي في خصوص هذه المسألة و صنفت العقوبات التي يمكن تسليطها‬
‫على األجير و ذلك حسب درجة خطورة الفعلة و نوع وظيفته و ظروف إرتكابها‪ ، 2‬إقتداءا بالقانون‬
‫أقر ّأوال مبدأ التناسب بين العقوبة و الخطأ في المجال الجزائي ‪ ،‬ث ّم أ ّكد على ضرورة‬
‫الفرنسي الذي ّ‬
‫تطبيقه في قانون الشغل نظرا للحاجة الما ّسة إليه‪ ، 3‬و ذلك للحدّ من سلطة المؤجر المطلقة داخل المؤسسة‪،‬‬
‫ّ‬
‫المنظم للقانون التأديبي الفرنسي‪ ،‬هذا القانون يطبّق على‬ ‫فجاء قانون ‪ 689 - 82‬المؤرخ في ‪ 4‬أوت ‪1982‬‬
‫جميع المؤسسات مهما كان عدد العاملين فيها‪ ،‬إضافة إلى مراقبة القاضي الحقا لتطبيقه مع إمكانية إبطال‬
‫العقوبة غير المتناسبة مع الخطأ‪ ،‬فلتكون العقوبة شرعية يجب أن يحترم المؤجر مبدأ التناسب في العقوبة‬
‫و األفعال المرتكبة حسب منطوق الفصل ‪ 2122- 43‬من مجلة الشغل الفرنسية‪.‬‬

‫و قد أثارت عملية تأسيس سلطة المؤجر في التأديب جدال فقهيا غزيرا‪ ،‬إذ هناك من الفقهاء‪ 4‬من يرجع‬
‫النفوذ التأد يبي للمؤجر إلى عقد الشغل بمقولة ّ‬
‫أن األجير عندما يعبّر عن رضاه في عقد الشغل هو في‬
‫الحقيقة قد إلتزم بالخضوع لسلطة التأديب التي يمارسها المؤجر ‪ ،‬فمن العقد ينبثق إلتزام كل أجير‬
‫يخول للمؤجر إمكانية ممارسة سلطة اإلشراف‬
‫بالخضوع إلى أوامر مؤجره و العقد وحده هو الذي ّ‬
‫التسيير و التأديب إزاء أجيره‪.‬‬

‫في المقابل ‪ ،‬هناك شق آخر‪ ، 5‬يرفض فكرة العقد كأساس للسلطة التأديبية للمؤجر و حقه في إصدار‬
‫مجرد تتابع لعقود الشغل الفرديّة‪ ،‬و إنما هي مجموعة‬
‫ّ‬ ‫عقوبة ضدّ األجير معتبرا ّ‬
‫أن " المؤسسة ليست‬
‫عمل و جسم إجتماعي يجمع عدّة أشخاص يشتركون عبر وظائفهم المتنوعة المتنوعة في إنجاز عمل‬
‫مشترك‪ ،‬هذه المجموعة تخضع لنفوذ رئيس المؤسسة بإعتباره مسؤوال عن حسن سير العمل داخلها‪ ،‬من‬
‫هنا يتمتع رئيس المؤسسة بسلطة تأديبية يعاقب من خاللها كل األخطاء التي تصدر عن األجراء و التي‬
‫من شأنها أن تعرقل سير المؤسسة‪.‬‬

‫ّأما الجانب الثالث من الفقه‪ ، 6‬فقد أرجع حق المؤجر في تسليط عقوبة على أجيره إلى حقه في ملكية‬
‫وسائل اإلنتاج‪ ،‬فالمؤجر "بوصفه سيّدا يمتلك صالحيات الملك المطلقة‪ ،‬و يحتفظ بالتالي بسلطة العقاب‬

‫‪ 1‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد ‪ 21‬في ‪ 25‬ماي ‪1973‬‬


‫‪ 2‬الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‬
‫‪3 F. Delpère : « l’élaboration du droit disciplinaire de la fonction publique » thèse, paris, 1969, lg dj, p 51‬‬
‫‪4 Jean savatier : « droit du travail », op cit, p 176‬‬
‫‪5 J.breth de la gressage, « le pouvoir disciplinaire du chef d’entreprise, rev, dt, soc, n° 1960, page 634‬‬
‫‪6 A.Brun et H.Galland : « droit du travail », sirey 1976, n° 81 bis, p 766‬‬

‫‪8‬‬
‫و القضاء و اإلدارة"‪ ،‬و لعلّ المشرع التونسي تبنّى هذا اإلتجاه و هذا ما يف ّسر عدم تنظيمه سلطة المؤجر‬
‫التأديبية و تركه المسألة عرضية نظرا للنزعة الليبرالية التي يتمحور حولها القانون التونسي‪،‬فالمؤجر‬
‫بوصفه مالكا لوسائل اإلنتاج و رأس المال تصبح كل المؤسسة ملكه بما فيها األشياء و األشخاص العاملين‬
‫بها فيبسط سلطته التسييرية و ينظم العمل ‪ ،‬و في صورة اإلخالل بالسير العادي للمؤسسة يعمل سلطته‬
‫التأديبية و يسلط عقابا على األجير المر تكب للخطأ‪ ،‬لكن المشرع سعى إلى التقليص من هذه السلطة نظرا‬
‫لخطورتها و ذلك بإحداث مجلس للتأديب مهمته مراقبة القرار الذي يتخذه المؤجر تجاه أجيرة و هي‬
‫مراقبة سابقة لتسليط العقاب‪ ،‬كما أسند للقضاء الشغلي مراقبة طرد األجير و تعتبر بمثابة المراقبة‬
‫مما ترك المجال مفتوحا أمام القضاء الذي‬
‫يكرس بصفة واضحة مبدأ التناسب‪ّ ،‬‬
‫الالحقة‪ ،‬لكن دون أن ّ‬
‫كرس هذا المبدأ في العديد من المناسبات رغم عدم التنصيص عليه صراحة‪ ،‬و ذلك من خالل رقابة‬
‫ّ‬
‫مزدوجة تشمل من جهة شرعية العقوبة و من جهة أخرى تناسبها مع الخطأ‪ ،‬و هو ما يبرهن عن دور فقه‬
‫القض اء في إنشاء قواعد موضوعية تحقق حماية للعامل في المجال التأديبي و تضع حدّا لسلطة المؤجر‬
‫التأديبية داخل المؤسسة و ّ‬
‫تتعزز هذه الرقابة بشمولها لإلجراءات السابقة للتأديب‪.1‬‬

‫كما ّ‬
‫أن مصادقة تونس على العديد من اإلتفاقيات الدوليّة للعمل التي تدعو إلى حماية حقوق العملة و عدم‬
‫إستغاللهم تستدعي حتما تطبيق مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير حتى يتحقق الهدف‬
‫المرجو من وراء المصادقة على اإلتفاقيات الدولية و تمكن من مسايرة ال تطورات في هذا المجال‪ ،‬فالمكانة‬
‫اإلقتصادية المرموقة عالميا ال تتحقق بإستغالل العمال بل بالعكس بالحفاظ على حقوقهم و تحسين‬
‫قوة اإلنتاج و اإلنتاجية‪ ،‬و هذا ال يتسنى الوصول‬
‫وضعيتهم و شعورهم باألمن داخل المؤسسة حتى تزداد ّ‬
‫إليه إالّ بوجود وعي إجتماعي لدى األجراء و وعي إقتصادي لدى المؤجرين ‪ ،‬مع ضرورة وجود إطار‬
‫يكرس مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير‪.‬‬
‫قانوني ّ‬

‫و نظرا ألهمية مبدأ التناسب على المستوى النظري و العملي ‪ ،‬كان ع لى المشرع التونسي اإلعتناء به‬
‫و تقنينه مثل ما ذهب إليه بعض القوانين المقارنة على غرار القانون الفرنسي‪ ،‬و هو ما يحملنا على طرح‬
‫اإلشكالية التالية‪:‬‬

‫كرس المشرع التونسي مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ‬


‫ي مدى ّ‬
‫إلى أ ّ‬
‫األجير في القطاع الخاص؟‬

‫لطفي السعداوي ‪ " :‬السلطة التأديبية للمؤجر" ‪ ،‬رسالة لختم الدروس بالمعهد األعلى للقضاء‪ ،1999- 1998 ،‬ص ‪164‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪9‬‬
‫أن المشرع التونسي لم ّ‬
‫ينظم مسألة التناسب تنظيما محكما نظرا‬ ‫يتضح من خالل دراسة هذا الموضوع ‪ّ ،‬‬
‫للنزعة الليبرالية التي تبناها المشرع و التي تبرز من خالل ملكية المؤجر لوسائل اإلنتاج ‪ ،‬فالمشرع يعتبر‬
‫األول) ‪ ،‬لكن‬
‫يبرر تكريس مبدأ التناسب تكريسا عرضيا (الجزء ّ‬
‫مما ّ‬
‫صف المؤجر ّ‬
‫ّ‬ ‫منحازا نزعا ما إلى‬
‫هذا ال ينفي حماية المشرع لألجير‪ ،‬و أساس النزعة الحمائية لهذا األخير هي قصوره و ضعفه ‪ ،‬بحيث‬
‫يحمي المشرع الطرف الذي يرى أنه غير قادر على حماية نفسه بنفسه‪ ،‬لذلك سعى إلى التوفيق بين‬
‫مصلحة كل من األجير و المؤجر و ذلك بالحدّ من السلطة التأديبية لهذا األخير و إنتهاجه نحو إحداث‬
‫طرف لتالفي محدودية التناسب (الجزء الثاني)‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫األول‪ :‬التكريس العرضي للتناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير‪:‬‬
‫الجزء ّ‬
‫إذا كان من الواجب مكافأة العامل عند إجتهاده في عمله بالترقية و المنح ‪ ،‬فإنه من الضروري أيضا‬
‫معاقبته تأديبيا عند إرتكابه خطأ فادحا‪.‬‬

‫و بما ّ‬
‫أن سلطة التأديب ضرورية لتسيير المؤسسة فإنها تتميّز بخطورتها إذا أساء المؤجر إستعمالها ما‬
‫يستدعي ضرورة وضع نظام قانوني واضح المعالم يقيّد السلطة التأديبية للمؤجر و يضبط لكل خطأ‬
‫العقوبة المناسبة لها‪.‬‬

‫لكن المشرع ال يزال يغلّب مصلحة المؤجر في تسيير المؤسسة و ذلك لغايات إقتصادية فبالرغم من‬
‫محاولته وضع أسس قانون ية للحدّ من نفوذه التأديبي و ذلك من خالل تحديد نوع الخطأ الموجب للطرد‬
‫مما يدلّ‬
‫و تنظيم الطرد التأديبي فإنه لم يضع قائمة يضبط فيها العقوبات التأديبية و ما يقابلها من أخطاء ّ‬
‫على رغبة المشرع في تكريس مبدأ التناسب تكريسا عرضيا‪ ،‬و نفهم غاية المشرع يجب التطرق‬
‫لمب ررات التكريس العرضي لمبدأ التناسب (الفصل األول) و تحديد مظاهره (الفصل الثاني)‪.‬‬

‫الفصل األوّ ل‪ :‬مبررات التكريس العرضي لمبدأ التناسب‪:‬‬

‫إذا كان قانون الشغل ينحاز إلى حماية األجير بحكم ما يميّز وضعيته من تبعية و خضوع تجاه مؤجره ‪،‬‬
‫فإنه في نفس الوقت يضفي شرعية على نفوذ هذا األخير داخل المؤسسة نظرا لما يتمتع به من صالحيات‬
‫قانونية واسعة تدعم سلطته على األشياء بسلطته على األشخاص التابعين له‪ ،‬و هي نتيجة حتمية لتبني‬
‫المشرع لنظرية الليبرالية في العالقة الشغلية التي تفيد حرية المؤجر المطلقة في تسيير المؤسسة بإعتباره‬
‫العمال‬
‫مما يعني تغليب المصلحة اإلقتصادية على حساب مصلحة ّ‬
‫مالكا لوسائل اإلنتاج و لرأس المال ‪ّ ،‬‬
‫أي تغليب مصلحة المؤسسة‪.‬‬

‫و في إطار تسييره للمؤسسة ‪ ،‬يمكن للمؤجر تسليط عقوبة على األجير ال تتناسب مع الخطأ الذي إرتكبه‬
‫مما يدلّ على ّ‬
‫أن مصلحة المؤسسة تدعم محدودية التناس ب (المبحث الثاني)‪ ،‬هذا ما جعل المشرع يتدخل‬ ‫ّ‬
‫للحدّ من نفوذ المؤجر‪ ،‬ففي ظلّ غياب أحكام خاصة صلب مجلة الشغل تنظم اإلجراءات التأديبية داخل‬
‫المؤسسة‪ ،‬أقرت اإلتفاقية اإلطارية لسنة ‪ 1973‬عدّة إجراءات يتعين على المؤجر إحترامها قبل إتخاذ‬
‫قرار الطرد ألسباب تأديبية و تتمثل في عرض األجير على مجلس التأديب الذي يسعى بدوره إلى الحد من‬
‫يكرس محدودية التناسب (المبحث‬ ‫النفوذ التأديبي للمؤجر‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن المتمعن في طبيعته يجده هو أيضا ّ‬
‫األول)‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪11‬‬
‫المبحث األول‪ :‬طبيعة مجلس التأديب تكرس محدودية التناسب‪:‬‬
‫في ظلّ غياب قانون هو حد ّ‬
‫ينظم ا لعالقات الشغلية ‪ ،‬كان عقد الشغل شأنه شأن أغلب العقود خاضعا‬
‫لنظرية سلطان اإلرادة كما ت ّم تكريسها تشريعيا من خالل إقرار مبدأ الحرية التعاقدية بالفصل ‪ 242‬من‬
‫مجلة اإللتزامات و العقود‪.‬‬

‫و بموجب التطور اإلقتصادي و اإلجتماعي ‪ ،‬إختلت موازين القوى بين أطراف عقد الشغل و أصبح من‬
‫الضروري إرساء نظام قانوني يراعي خصوصية قانون الشغل من خالل حماية الطرف الضعيف في‬
‫العقد و هو األجير‪.‬‬

‫و تبعا لذلك ت ّم إعتماد اإلتفاقيات المشتركة كآلية لتنظيم عالقات العمل بموجب األمر العلي الصادر في ‪14‬‬
‫أوت ‪ ، 1936‬إلى حين صدور مجلة الشغل التي نظمت اإلتفاقيات المشتركة في الفصول من ‪ 44‬إلى ‪.52‬‬

‫و بصدور األمر عدد ‪ 247‬لسنة ‪ 1973‬المؤرخ في ‪ 25‬ماي ‪ 1973‬شهدت اإلتفاقيات تطورا ‪ ،‬حيث‬
‫أصبحت تنظم المسائل المتعلقة باألجور و المنح و التصنيف المهني إضافة إلى إرساء هيكل تأديبي عهدت‬
‫له مهمة مراقبة قرارات المؤجر بخصوص طرد األجير ألسباب تأديبية‪.‬‬

‫لكن نظرا للتوجه الذي توخاه المشرع نحو إعطاء المؤجر سلطة تسيير و إشراف المؤسسة إضافة إلى‬
‫سلطة تأديب األجراء عند إرتكابهم خطأ ‪،‬فقد أدى في نفس الوقت إلى محدودية دور مجلس التأديب في‬
‫مما أثر بصفة مباشرة‬
‫تكريس التناسب‪ ،‬هذه المحدودية تستشف من خالل تحديد تكريبته (الفقرة األولى) ‪ّ ،‬‬
‫على دوره داخل المؤسسة و مدى نجاعة رقابته (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تركيبة مجلس التأديب تكرس محدودية التناسب‪:‬‬

‫يعدّ إرساء مجلس التأديب داخل المؤسسة من أه ّم اإلضافات التي أقرتها اإلتفاقية اإلطارية المشتركة منذ‬
‫سنة ‪ ، 1973‬ليتدخل المشرع الحقا بموجب تنقيح مجلة الشغل في ‪ 21‬فيفري ‪ 1994‬و يدعم وجوده‬
‫بتقنينه (أ) ‪ ،‬كما حدّد شروط إرسائه (ب)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬تقنين مجلس التأديب‪:‬‬

‫ّ‬
‫نظمت اإلتفاقية اإلطارية المشتركة المصادق عليها في ‪ 29‬ماي ‪ 1973‬مسألة التأديب داخل المؤسسة في‬
‫الفصول من ‪ 37‬إلى ‪ ،42‬حيث ت ّم إسناد مشموالت المجلس التأديبي حسب الفصل ‪ 38‬إلى اللجنة‬

‫‪12‬‬
‫اإل ستشارية المتناصفة التي تكون في كل مؤسسة كيف ما كان صنفها و يكون عدد المستخدمين بها على‬
‫األقل عشرين عامال ‪ ،‬سواء كان إستخدام العملة مباشرة أو بواسطة فروع‪.‬‬

‫ّأما بالنسبة للمؤسسات التي تضم أقل من عشرين عامال‪ ،‬فيمكن لها تأليف لجنة متعادلة األطراف إعتياديا‬
‫أو اإلجتماع مباشرة مع نواب العملة ‪ ،‬و تقوم هاته اإلجتماعات مقام اللجنة المتناصفة حسب أحكام الفصل‬
‫‪ 39‬من اإلتفاقية‪.‬‬

‫و تجدر اإلشارة إلى ّ‬


‫أن اللجنة المتناصفة يترأسها المؤجر فهو الحكم و الخصم في آن واحد و تتركب من‬
‫‪ 3‬أعضاء رسميين و من بينهم الرئيس و ‪ 3‬أعضاء نواب عند اإلقتضاء ينوبون عن المؤجر الذي يهمه‬
‫األمر من جهة أولى‪ ،‬و من جهة ثانية تتركب من ‪ 3‬أعضاء رسميين و ‪ 3‬أعضاء نواب عند اإلقتضاء‬
‫ينوبون عن العملة‪.‬‬

‫لم تكن مهام اللجنة مقتصرة فقط على المسائل التأديبية بل كانت تشمل كل المسائل المتعلقة بالعملة ‪ ،‬لكن‬
‫على المستوى العملي بقيت مهمة اللجنة المتناصفة كمجلس تأديب هي المهمة المهيمنة‪.‬‬

‫و قد سبق للمشرع أن نص على إحداث هيكل يسمى "لجنة المؤسسة" داخل المؤسسات التي تشغّل ‪50‬‬
‫عامال أو أكثر و ذلك بموجب الفصل ‪ 157‬قديم من مجلة الشغل‪ ،‬و إذا كان عدد العمال التابعين للمؤسسة‬
‫أقل من ‪ 50‬عامال و مساويا ل‪ 20‬عامال أو أكثر فإنه يتعين إنتخاب نائبا رسمي للعملة و آخر بصفته‬
‫مناوبا له حسب ما جاء بالفصل ‪ 163‬قديم من نفس المجلة‪ ،‬إضافة إلى إحداث لجنة تضم ممثلين للعملة في‬
‫كلّ مؤسسة صناعية تشغّل عادة أربعين عامال قارا على األقل تعرف ب"لجنة الصحة و السالمة المهنية"‬
‫بموجب األمر عدد ‪ 208‬المؤرخ في ‪ 20‬جانفي ‪.1969‬‬

‫و قد نتج عن هذا التعدد في الهياكل وجود تداخل من حيث مهامها‪ ،‬لكن إنفردت اللجنة المتناصفة بصفتها‬
‫الهيكل اإلستشاري الوحيد ال ذي يضطلع داخل المؤسسة بمهمة مجلس التأديب و ذلك قبل أن يتدخل‬
‫المشرع بمقتضى القانون عدد ‪ 29‬المؤرخ في ‪ 21‬فيفري ‪ 1994‬ليدمج حسب ما نص عليه الفصل الرابع‬
‫جميع الهياكل المشار إليها في هيكل واحد سمي ب"اللجنة اإلستشارية للمؤسسة"‪ ،‬و يتم إحداثها بكل‬
‫مؤسسة تخضع ألحكام مجلة الشغل و التي حددتها الفصول ‪ 1‬و ‪ 2‬و ‪ 3‬من المجلة و تشغل أربعين عامال‬
‫قارا على األقل ‪ ،‬و تتركب بالتناصف من ممثلين عن إدارة المؤسسة من بينهم رئيس المؤسسة أو من‬
‫ينوبه بصفة قانونية في حالة التعذر و ذلك حسب منطوق الفصل األول من األمر المؤرخ في ‪ 9‬جانفي‬
‫‪ 1995‬ا لمتعلق بتركيبة و سير عمل اللجنة اإلستشارية للمؤسسة و بطرق إنتخاب نواب العملة وممارستهم‬

‫‪13‬‬
‫لمهامهم‪ ، 1‬كما ضبط الفصل ‪ 160‬جديد من مجلة الشغل مهام اللجنة من بينها أن تنتصب كمجلس التأديب‬
‫للنظر في المسائل المتعلقة بالتأديب و تبدي رأيها حولها‪ ،‬لكن كيف لهذه اللجنة أن تبدي رأيها بكل حياد‬
‫وموضوعية في حين ّ‬
‫أن المؤجر يترأس المجلس و يصدر العقوبة في نفس الوقت؟ من هذا المنطلق يتبين‬
‫شرع لحمايته األجير و تكريس مبدأ‬
‫محدودية دور مجلس التأديب في تكريس مبدأ التناسب فهو في الظاهر ّ‬
‫التناسب لكن في الحقيقة وجد ليحمي سلطة و نفوذ المؤجر‪.‬‬

‫حمله المشرع واجب تأسيس اللجنة اإلستشارية في اآلجال المنصوص عليها بالفصل ‪ 8‬من‬
‫في المقابل ‪ّ ،‬‬
‫أمر ‪ ، 1995‬كما يتعين عليه إعالم فورا و كتابيا تفقدية الشغل المختصة ترابيا و ذلك حسب الفصل ‪16‬‬
‫من األمر المذكور ‪ ،‬و إذا كان عدم التأسيس راجعا إلى الطرف العمالي‪ ،‬تتدخ ل تفقدية الشغل فورا‬
‫يحرر محضر تقصير يوجه نظيران منه‬
‫لمحاولة إزالة الصعوبات و في صورة تواصل تلك الصعوبات ّ‬
‫إلى المؤجر الذي يعلّق واحد منهما بالمؤسسة حال إتصالها به كما يوجه نظير من هذا المحضر إلى‬
‫المركزية النقابية المعنية‪.‬‬

‫ّأما في صورة ما إذا تواصل التقصير في تأسيس اللجنة اإلستشارية للمؤسسة طوال شهر إبتداءا من تاريخ‬
‫تعليق المحضر‪ ،‬فإنه يقع خالل األسبوع الموالي لهذا األجل تعيين ممثلي العملة الرسميين و المناوبين عن‬
‫طريق القرعة و ذلك من بين األجراء الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة للترشح‪ ،‬و تقوم بعمليات القرعة‬
‫ل جنة تحدث للغرض و تتكون من متفقد الشغل و المؤجر أو من يمثله ومن األجيرين األقدم بالمؤسسة‬
‫واألكبر سنا‪.‬‬

‫و قد ذهبت محكمة التعقيب‪ 2‬إلى أبعد من ذلك ‪ ،‬فإعتبرت أنه ال يكفي إلدارة المؤسسة أن تستند إلى‬
‫محضر التقصير الصادر عن تفقدية الشغل إلثبات رفض العمال إرساء اللجنة اإلستشارية للمؤسسة‪ ،‬وإنما‬
‫يتعين أن تثبت أنها قامت بكل ما يجب عليها قانونيا إلرساء تلك اللجنة و أن تثبت "خاصة سعيها لكي‬
‫يتولى العملة إنتخاب نوابهم فيها بدون طائل طبق الفصلين ‪ 282‬و ‪ 283‬من مجلة اإللتزامات والعقود"‪،‬أي‬
‫القوة القاهرة‬ ‫ّ‬
‫أن محكمة التعقيب إشترطت أن يثبت المؤجر أنه كان أمام وضعية تتوفر فيها عناصر ّ‬
‫و تتمثل في أن يكون السبب الذي أدّى إلى عدم إرساء مجلس التأديب هو سبب أجنبي و غير متوقع و ال‬
‫يمكن تجنبه‪.‬‬

‫‪ 1‬نص الفصل ‪ 169‬جديد من مجلة الشغل‪ ":‬تضبط بأمر تركيبة اللجنة اإلستشارية للمؤس سة و سير عملها كما يضبط هذا األمر طرق إنتخاب‬
‫نواب العملة و ممارستهم لمهامهم"‬
‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 2779- 2000‬مؤرخ في ‪ 28‬جويلية ‪(2000‬غير منشور)‪ ،‬أورده يونس غجاتي في مؤلفه "قانون الشغل و تطبيقاته"‬
‫منشورات الغجاتي للثقافة الشغلية ‪ ،‬صفحة ‪143‬‬

‫‪14‬‬
‫القوة القاهرة في قانون الشغل مفهوما غامضا لم يحضى بتعريف دقيق رغم أهميته ‪ ،‬لذلك‬
‫و يبقى مفهوم ّ‬
‫العامة الواردة بمجلة اإللتزامات و العقود خاصة في الفصول ‪ 282‬و ‪ ، 1283‬لكن‬
‫ّ‬ ‫وجب تطبيق القواعد‬
‫بالقوة القاهرة ّ‬
‫فإن فقه القضاء يشدّد في تقدير‬ ‫ّ‬ ‫مع مراعاة خصوصيات عقد الشغل "فإذا تمسك المؤجر‬
‫صى المؤجر من مسؤوليته"‪.2‬‬
‫شروطها حتى ال يتف ّ‬

‫أن عدم إرساء اله يكل التأديبي يعود إلى تقاعس المؤجر في تطبيق اإلجراءات المتعلّقة بإحداثه‬
‫ّأما إذا تبيّن ّ‬
‫فإن ذلك يش ّكل جريمة يعاقب عليها وفق أحكام الفصل ‪ 241‬جديد من مجلة الشغل‬
‫إنتخاب نواب العملة ّ‬
‫نص على أنه "يعاقب بخطية تتراوح بين ‪ 30‬و ‪ 300‬دينار و بستة أيام غلى عام سجنا أو بإحدى‬
‫الذي ّ‬
‫الع قوبتين فقط كل من ّ‬
‫عطل قصدا سواء اإلختيار الحر لممثلي العملة باللجنة اإلستشارية للمؤسسة أو‬
‫لنواب العملة أو النشاط العادي لهذه اللجنة أو لنواب العملة ‪ ،‬و يحكم دائما بالسجن في صورة العود‪."3‬‬

‫كما إعتبرت محكمة التعقيب أنه كلّما تقرر طرد أحد العمال إستنادا إلى خطأ فادح‪ ،‬يكون هذا الطرد‬
‫التأديب‪4‬‬ ‫تعسفيا لخرق في اإلجراءات بحكم عدم إحالة األجير على مجلس‬

‫و بإعتبار ّ‬
‫أن المؤجر هو الذي يتحمل واجب إتباع اإلجراءات القانونية لتكوين اللجنة اإلستشارية للمؤسسة‬
‫فإنه يكون مطالبا بإثبات ما يبرر عدم وجود هذا الهيكل التأديبي و ذلك بإ ثبات عدم توفر شروط إرسائه‬
‫بشتى وسائل اإلثبات‪.‬‬

‫ب ‪ -‬شروط إرساء مجلس التأديب‪:‬‬

‫لم تتضمن مجلة الشغل أحكاما خاصة تنظم مجلس التأديب و إقتصرت على اإلشارة إلى ّ‬
‫أن اللجنة‬
‫اإلستشارية للمؤسسة تنتصب كمجلس تأديب في كلّ مؤسسة تشغّل ‪ 40‬عامال قارا‪ ،‬هذا ما أكدته محكمة‬
‫أن المؤجرة تشغّل ‪ 18‬عامال فقط فهي غير مطالبة بإحالة األجير‬
‫التعقيب حيث إعتبرت أنه طالما "ثبت ّ‬
‫على مجلس التأديب"‪.5‬‬

‫نص الفصل ‪ 3‬من أمر ‪ 1995‬على تركيبة اللجنة و يضبط عدد كلّ من ممثلي إدارة المؤسسة‬
‫في المقابل ّ‬
‫و ممثلي العملة كما يلي‪":‬‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 13368‬مؤرخ في ‪ 10‬نوفمبر ‪ ،2007‬أورده عصام االحمر‪ ،‬مجلة الشغل‪ ،‬تونس ‪ ،2013‬ص ‪23‬‬
‫‪ 2‬كمال الناجح‪ ،‬إنهاء عقد الشغل بموجب القانون ‪ ،‬الهيئة الوطنية للمحامين بتونس‪ ،‬الفرع الجهوي بتونس‪ ،‬السنة القضائية ‪ ،2013- 2012‬ص‬
‫‪25‬‬
‫‪ 3‬العود‪ :‬هو تكرار الجريمة أي إرتكاب الجاني لجريمة أو لعد ّة جرائم بعد معاقبته من أجل جريمة سابقة‪ ،‬و قد نظّم المشرع شروطه و آثاره في‬
‫الفصول من ‪ 47‬إلى ‪ 50‬من المجلة الجزائية‪.‬‬
‫‪ 4‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 2779- 2000‬مؤرخ في ‪ 28‬جويلية ‪ ،2000‬غير منشور ‪ ،‬أورده يونس غجاتي‪ ،‬قانون الشغل و تطبيقاته‪ ،‬مرجع سابق‬
‫‪ ،‬صفحة ‪143‬‬
‫‪ 5‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 1762- 2000‬مؤرخ في ‪ 9‬أكتوبر ‪ ، 2000‬غير منشور‪ ،‬أورده يونس غجاتي ‪ ،‬قانون الشغل و تطبيقاته‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪143‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ -‬ثالثة أعضاء رسميين و ثالثة أعضاء مناوبين بالمؤسسات التي تشغّل بين ‪ 40‬و ‪ 150‬عامال‬
‫قارا‪.‬‬
‫‪ -‬خمسة أعضاء رسميين و خمسة أعضاء مناوبين بالمؤسسات التي تشغل بين ‪ 151‬و ‪ 500‬عامال‬
‫قارا‪.‬‬
‫‪ -‬سبعة أعضاء رسميين و سبعة أعضاء مناوبين بالمؤسسات التي تشغّل أكثر من ‪ 500‬عامال‬
‫قارا"‪.‬‬

‫و ال يمكن تغيير عدد أعضاء اللجنة اإلستشارية للمؤسسة أثناء مدّة النيابة بسبب الترفيع أو التخفيض في‬
‫عدد عمال المؤسسة‪.‬‬

‫ّأما إذا إشتملت المؤسسة على عدّة فروع فيجب تكوين لجنة إستشارية في كل فرع تابع لها إذا كان الفرع‬
‫العمال القاري نبه يساوي أو يفوق األربعين في حين تتركب اللجنة‬
‫متمتعا بالشخصية القانونية و كان عدد ّ‬
‫المركزية بالتناصف من أعضاء ممثلين إلدارة المؤسسة تعينهم هذه األخيرة و أعضاء ممثلين للعملة يقع‬
‫إنتخابهم من طرف ممثلي العملة باللجان اإلستشارية لفروع المؤسسة دون أن يتجاوز عدد األعضاء‬
‫الرسميين للجنة المركزية أربعة عشر عضوا‪.‬‬

‫و يخضع شروط إنتخاب ممثلي العملة إلى شروط و إجراءات حدّدتها الفصول ‪ 5‬و ‪ 6‬و ‪ 7‬من أمر ‪1995‬‬
‫بحيث يعدّ ناخبا كلّ أجير تابع للمؤسسة في حين يكون منتخبا العامل القار و البالغ من العمر ‪ 20‬سنة‬
‫إضافة إلى ّ‬
‫أن حق الترشح لعضوية اللجنة ال ينسحب على األجرا ء المنتفعين بعطلة مرض طويلة األمد أو‬
‫الذين سلطت عليهم عقوبة تأديبية من الدرجة الثانية لم يقع فسخها‪.‬‬

‫باإلضافة إلى الشرط العددي للعمال داخل المؤسسة ‪ ،‬إشترط المشرع بالفصل ‪ 157‬جديد من مجلة الشغل‬
‫و كذلك أمر ‪ 1995‬توفر صفة العامل القار لتكوين مجلس التأديب‪ ،‬لكن المشرع لم يقدّم تعريفا واضحا له‬
‫و إكتفى بالتفرقة بين العامل القار و العامل الغير قار في إطار العقود المحددة المدّة و غير محددة المدّة‪.‬‬

‫على خالف اإلتفاقيّة المشتركة ألعوان البنوك و المؤسسات المالية المؤرخة في ‪ 29‬نوفمبر ‪2013‬‬
‫عرفت العامل‬
‫المصادق عليها بقرار صادر عن وزير الشؤون اإلجتماعية في ‪ 17‬فيفري ‪ 2014‬و التي ّ‬
‫القارون هم الذين وقع إنتدابهم لمدّة غير معينة و ال يتم‬
‫ّ‬ ‫القار في فصلها الثاني فإعتبرت أنّه " األعوان‬
‫إستعمالهم إلنجاز أعمال وقتية و عرضية"‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫و قد إشترط فقه القضاء أن تتجاوز مدّة عمل األجير أربع سنوات ليكتسب صفة العامل القار‪ ،1‬يستخلص‬
‫من هذا التعريف إقصاء المؤسسات التي تعتمد نظام العقود محددة المدّة من مجال تطبيق أحكام الفصل‬
‫‪ 157‬من مجلة الشغل إضافة إلى إقصاء المنشآت العمومية و التي تبقى خاضعة للنظام األساسي العام‬
‫ألعوان المنشآت العمومية‪.‬‬

‫في صورة توفر شروط و إحترام إجراءات تكوينها‪ ،‬تجتمع اللجنة كلّما دعت الضرورة إلى ذلك و على‬
‫مرة كل ثالثة أشهر و ذلك بدعوة من رئيسها الذي يتعين عليه توفير التسهيالت الالزمة لسير عملها‬
‫األقل ّ‬
‫مع إعتبار حاجة اللجنة و إمكانيات المؤسسة‪.‬‬

‫و ال يمكن للجنة أن تجتمع إالّ بحضور أغلبية أعضائها على األقل و عند إنعدام النصاب تؤجل الجلسة‬
‫بأسبوع على أقصى تقدير و في هذه الحالة تجتمع اللجنة مهما كان عدد األعضاء الحاشرين‪.‬‬

‫و عندما تنظر اللجنة في المسائل المتعلقة بالتأديب تكون لها تركيبة خاصة حيث يجب تعديل تركيبتها‬
‫بكيفية يقتصر فيها الحضور على األعضاء الممثلين للقسم اإلنتخابي الذي ينتمي إليه العامل المعني باألمر‬
‫و على عدد مساو من األعضاء الممثلين إلدارة المؤسسة حسب ما ورد بالفصل ‪ 28‬من أمر ‪.1995‬‬

‫فإذا كان األجير المحال على مجلس التأدي ب ينتمي مثال لقسم أعوان التنفيذ ّ‬
‫فإن التركيبة المعدلة للجنة‬
‫اإلستشارية عندما ينتصب كمجلس تأديب تقتصر على حضور ممثلي العمال التابعين لهذا القسم و على‬
‫عدد مساو لهم من ممثلي إدارة المؤسسة بمن فيهم رئيسها بإعتباره هو الذي يترأس اللجنة‪.‬‬

‫و في كل الحاالت حدّد الفصل ‪ 17‬من نفس األمر المدّة النيابية ألعضاء اللجنة بثالثة سنوات مع إمكانية‬
‫التمديد بسنة واحدة على أقصى تقدير و ذلك بإتفاق كتابي بين المؤجر و ممثلي العملة‪.‬‬

‫و أمام نفوذ المؤجر داخل مجلس التأديب من خالل ترأسه له و تنظيمه لسير عمله يتضح ّ‬
‫أن تركيبة‬
‫مما يدعو إلى التساؤل حول مدى نجاعة رقابته‪.‬‬
‫المجلس لم تدعم تكريس التناسب تكريسا واضحا و جليا‪ّ ،‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬محدودية نجاعة رقابة مجلس التأديب‪:‬‬

‫توكل لمجلس التأديب داخل المؤسسة مهمة إقتراح عقوبات صادرة ضدّ العملة طبقا للقواعد المنصوص‬
‫نص على ضرورة عرض العامل على‬
‫ّ‬ ‫عليها صلب الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة الذي‬
‫مجلس التأديب إذا كانت العقوبات المقررة من الدرجة الثانية (أ) عالوة على ّ‬
‫أن المؤجر بمكانه تسليط‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 13282‬مؤرخ في ‪ 12‬جانفي ‪ ،2008‬أورده عصام األحمر‪ ،‬مجلة الشغ ل‪ ،‬طبعة ‪ ،2013‬ص ‪19‬‬

‫‪17‬‬
‫عقوبات ضدّ األجير دون أخذ رأي المجلس حيث يكتفي هذا األخير بإبداء رأيه‪ ،‬هذا التضارب أفرز‬
‫غموضا حول طبيعة رأيه (ب)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬رقابة مجلس التأديب ال تشمل إالّ عقوبات الدرجة الثانية‪:‬‬

‫نص الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة ّ‬


‫أن "فداحة الهفوة يقع تقديرها بالنظر للظروف التي وقع‬ ‫ّ‬
‫فيها إرتكابها و لنوع الوظيف الشاغل له العامل المرتكب للخطأ مع النظر لفداحة ما له من نتائج"‪.‬‬

‫أن تقدير فداحة خطأ األجير يخضع لمعايير تتمثّل في النظر للظروف‬
‫يستشف من أحكام ما سبق ذكره ّ‬
‫التي وقع إرتكابها فيها و لنوع العمل الذي يشغل األجير إضافة إلى األخذ بعين اإلعتبار لفداحة ما له من‬
‫نتائج ‪ ،‬هاته المعايير تتوافق و المعايير المعتمدة في القانون الجزائي التي تهدف إلى تحديد نوع العقوبة‬
‫المناسبة للمحكوم عليه فالقاضي يتمتع بسلطة تقديرية واسعة تسمح له بتفريد العقوبة المنصوص عليها‬
‫لجعلها متناسبة مع ظروف الجريمة و شخصية مرتكبها ‪.‬‬

‫أالّ أنه في الواقع ‪ ،‬يختلف القانون الجزائي عن القانون التأديبي إذ أنه يخضع لمبدأ شرعية الجرائم‬
‫والعقوبات و هو مبدأ يفيد أنه ال جريمة و ال عقاب بدون نص قانوني سابق الوضع‪ ،‬و تنقسم العقوبات في‬
‫القانون الجزائي إلى عقوبات أصلية و عقوبات تكميلية‪.1‬‬

‫أقر الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة ّ‬


‫أن العقوبة التأديبية‬ ‫ّأما بالنسبة للقانون التأديبي فقد ّ‬
‫المنطبقة على األجير تتم ّثل في عقوبات الدرجة األولى و عقوبات الدرجة الثانية و يقع تصنيفها حسب‬
‫فداحة الهفوات المرتكبة‪.‬‬

‫أقرت‬ ‫و رغم سعي الفصل ‪ 37‬في فقرته األولى إلى تكريس مبدأ التناسب إالّ ّ‬
‫أن الفقرة الرابعة منه ّ‬
‫محدوديته و ذلك من خالل إقتصار رقابة مجلس التأديب على العقوبات من الدرجة الثانية فقط‪ّ ،‬أما‬
‫عقوبات الدرجة األولى فيصدرها مباشرة المؤجر بعد أن يمكن العامل من إعطاء ما لديه من جواب ودفاع‬
‫من جانبه و لقد حدّد نفس الفصل قائمة حصرية للعقوبات من الدرجة األولى تتمثل في اإلنذار الشفاهي‪.‬‬

‫‪ -‬اإلنذار الكتابي مع إدراجه بالملف‬


‫‪ -‬التوبيخ مع ترسيمه بالملف‬
‫‪ -‬التوقيف عن العمل لمدّة ال تتجاوز الثالثة أيام يحرم فيها العامل من كل أجر ‪ ،‬كما أضافت بعض‬
‫اإلتفاقيات القطاعية عقوبات أخرى من الدرجة األولى مثل اإلتفاقية القطاعية عقوبات أخرى من‬

‫‪ 1‬تشمل العقوبة األصلية كل من عقوبة اإلعدام‪ ،‬السجن‪ ،‬العمل لفائدة المصلحة العامة و الخطية‪ ،‬بينما تشمل العقوبات التكميلية عقوبات تقيد من‬
‫حرية المحكوم عليه كالمراقبة اإلدارية و منع اإلقامة‪ ،‬و تكون أيضا عقوبات ذات طابع مالي كالمصادرة و الحجز‪ ،‬إضافة إلى عقوبات ذات طابع‬
‫تأديبي‪ ،‬كالحرمان من مباشرة بعض الحقوق‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الدرجة األولى مثل اإلتفاقية القطاعية للتأمين الصادرة بقرار مؤرخ في ‪ 23‬أوت‪ 11983‬التي‬
‫أضافت عقوبات تمس من إمكانية تقدم األجير في الترقية المهنية كالتشطيب من جدول الترقية‬
‫و حدّدت مدّة التشطيب بسنة ‪ ،‬و الحط من الصنف و الحط من الترقية‪.‬‬

‫ّأما بالنسبة للعقوبات من الدرجة الثانية فتتمثل في‪:‬‬

‫‪ -‬التوقيف حتى الثالثين يوما مع الحرمان من كل أجر‬


‫‪ -‬إسقاط سلم‬
‫‪ -‬إسقاط درجة‬
‫‪ -‬العزل أو الطرد‬

‫و مهما كانت درجة العقوبة فهي قابلة للتقادم إذ تسقط العقوبة بعد مرور عامين و يعدّ أثرها نهائيا من ملف‬
‫األجير بالنسبة لعقوبات الدرجة األولى ‪ ،‬و بعد خمسة أعوام بالنسبة لعقوبات الدرجة الثان ية بشرط أن ال‬
‫يكون المعني باألمر قد سلطت عليه في بحر تلك المدّة أي عقوبة تأديبية أخرى‪.‬‬

‫يمكن القول ّ‬
‫أن عدم عرض العامل الصادر في حقه عقوبة من الدرجة األولى على مجلس التأديب مرده‬
‫تفاهة أو بساطة العقوبة مقارنة بعقوبات الدرجة الثانية التي تصل إلى حدّ الطرد‪.‬‬

‫مما سبق ذكره ّ‬


‫أن اإلتفاقية اإلطارية المشتركة أقرت ضمنيا "مبدأ حرية اإلختيار للمؤجر إذ يبقى‬ ‫يتض ح ّ‬
‫حرا في إختيار العقوبة لغياب رقابة سابقة عليه"‪ . 1‬و يمكن أن تصل العقوبة إلى الطرد و هي‬
‫هذا األخير ّ‬
‫أقضى درجات العقاب و أشدها وقعا على نفسية العامل لما لها من خطورة تهدد حرمانه من عمله و تمس‬
‫من كرامته ‪ ،‬ورغم أهمية عقوبة الطرد على المستوى العملي نظرا لتعرض األجير إليها بصفة تكون‬
‫يومية في المؤسسات الخاصة إالّ ّ‬
‫أن المشرع لم يعرفها و إكتفى بتنظيم إجراءاتها و شروطها‪.2‬‬

‫و يمكن تعريف الطرد بكونه "تصرف قانوني من جانب واحد يعلن بموجبه المؤجر عن إرادته الصريحة‬
‫في إنهاء العقد الذي يربطه باألجير و المبرم لمدّة غير محدّدة و تكون وجوبا هذه اإلرادة صريحة بموجب‬
‫اإللتزام الذي يضعه الفصل ‪ 14‬من مجلة الشغل على عاتق كل من الطرفين الذي يبادر بقطع العالقة‬
‫الشغلية"‪ ، 3‬و يرجع أصل الطرد إلى الحق المتبادل ألطراف عقد الشغل في إنهاء الرابطة الشغلية بينهما‪،‬‬

‫‪ 1‬فريدة العبيدي‪ ،‬السلطة التأديبية مؤجر‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ‪،1996- 1995‬‬
‫ص ‪97- 96‬‬
‫‪ 2‬الفصول ‪ 14‬ثالثا‪ 14 ،‬رابعا‪ 14 ،‬خامسا‪ ،‬من مجلة الشغل‬
‫‪ 3‬المنجي طرشونة ‪ ،‬مراقبة الطرد التعسفي‪ ،‬ملتقى نظمه اإلتحاد العام التونسي للشغل بعنوان "مجالس العرف"‪ ،‬قسم الدراسات و التوثيق‪ ،‬ماي‬
‫‪ ،1993‬ص ‪50‬‬

‫‪19‬‬
‫فكما أقر المشرع لألجير الحق في اإلستقالة تكريسا لرغبة المشرع في منع أبدية العقود‪ ،‬نظرا لكون هذه‬
‫األخيرة تنشأ بموجب توافق إرادتين و تنقضي برغبة المتعاقدين في إنهائها‪.‬‬

‫و لئن لم يعرف المشرع الطرد إالّ انه ضبط شروطه و بقراءة عكسية ألحكام الفقرة الثانية من الفصل ‪14‬‬
‫ثالثا يعد الطرد شرعيا عندما يكون مؤسسا على سبب حقيق و جدي يبرره ‪ ،‬و السبب الحقيقي هو سبب‬
‫غير كاذب و غير مفتعل و هو سبب صحيح يمكن إثباته ماديا و تقديم دليل ملموس على وجوده و على‬
‫القاضي البحث في مدى حقيقية و وجود سبب الطرد من خالل الجلسة الصلحية و الطابع اإلستقرائي‬
‫للوقائع ‪ ،‬كما يتعين عليه إعادة تقدير ما ينسبه المؤجر للعامل‪ ،‬نظرا لكون السبب الحقيقي هو سبب‬
‫موضوعي‪ ،‬إضافة إلى ذلك يجب أن يكون سبب الطرد سببا جديا و قد ع ّرف الفقه السبب الجدي بكونه‬
‫السبب الذي يجعل من الطرد الحل المناسب للمحافظة على توازن و إستقرار المؤسسة و يقتضي هذا‬
‫الشرط أن يتجاوز القاضي مراقبة وجود األفعال المنسوبة للعامل و مدى إقترافه لها لتقدير ضرورة الطرد‬
‫من عدمه‪.‬‬

‫و لتوفر هذا السبب يجب ّأوال توفر الرابطة السببية أي أن تكون األفعال المنسوبة مرتبطة بالنشاط المهني‬
‫للعامل‪ ،‬ثانيا يجب أن تكون هاته األفعال يستحيل معها مواصلة عقد الشغل كإرتكاب األجير لخطأ فادح‬
‫الذي يتم تكييفه حسب الظروف التي وقع فيها إرتكابها و قد حدّد المشرع في الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة‬
‫الشغل قائمة على سبيل الذكر ال الحصر في األخطاء الفادحة الموجبة للطرد و تبقى للقاضي سلطة تقديرية‬
‫لتكييف الخطأ باإلعتماد على كل الظروف الموضوعية المتعلّقة بالعمل و الذاتية المتعلّقة بشخص العامل‬
‫و بتدرجه و أقدميته المهنية‪.‬‬

‫التأديب‪1‬‬ ‫في صورة عزم المؤجر على القيام بطرد عامل إرتكب خطأ فادحا ال بدّ من إحالته على مجلس‬
‫ليأخذ ما يراه صالحا في شأنه و إسناد العقوبة المستوجبة ‪ ،‬و قد أضاف الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل‬
‫سر‬
‫مقارنة بالفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة أسبابا أخرى تعتبر خطأ فادحا يبرر الطرد كإفشاء ّ‬
‫مهني من أسرا ر المؤسسة في غير الحاالت المسموح بها بالقانون‪ ،‬أو اإلمتناع بصورة ثابتة عن مدّ يد‬
‫المساعدة في حالة خطر محدق بالمؤسسة أو باألشخاص المتواجدين بها ‪ ،‬إضافة إلى سرقة و إستعمال‬
‫العامل للمصلحة الخاصة أو لمصلحة الغير لألموال أو القيم أو األشياء التي أؤتمن عليها بسب ب مركز‬
‫العمل الذي يستغله‪.‬‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 79683- 2012‬مؤرخ في ‪ 16‬جانفي ‪ ،2013‬أورده عصام األحمر‪ ،‬ص ‪94‬‬

‫‪20‬‬
‫في صورة صدور صدور القرار بالعزل يرتب هذا القرار آثارا تتمثل في عدم إستحقاق العامل لغرامة‬
‫الطرد و هي غرامة يقرها المشرع لمن ت ّم طرده بطريقة تعسفية و ّ‬
‫نظم كيفية تقديرها و إحتسابها صلب‬
‫الفصل ‪ 23‬من مجلة الشغل‪.‬‬

‫نص الفصل ‪ 37‬في فقرته‬


‫لكن ليس في كل صور الطرد يت ّم إحالة األجير على مجلس التأديب ‪ ،‬فقد ّ‬
‫السادسة أنه" يقع العزل دون إستشارة مجلس التأديب إذا ما صدر حكم نهائي على العامل بعقاب خاصة‬
‫من أجل جناية أو إنتحال وظيف زورا و اإلعتداء على األخالق‪"....‬‬

‫كما يمكن للمؤجر أو يقرر إقصاء العامل حاال عن عمله مع حرمانه جزئيا أو كليا من أجوره لمدّة ال‬
‫تتجاوز شهرا إلى أن يتّخذ مجلس التأديب العقوبة الالزمة "و يتعين عليه بيان رأيه في أجل ال يتجاوز‬
‫شهرا إبتداءا من يوم توقيف العامل على العمل"‪ ،‬حسب ما جاء بالفقرة ‪ 6‬من الفصل ‪ 37‬من نفس اإلتفاقية‬
‫يتضح من خالل ما تقدم ‪ ،‬عدم توضيح اإلتفاقية اإلطارية طبيعة رأي مجلس التأديب و مدى إلزاميتها على‬
‫المؤجر‪ ،‬فما الجدوى من وجود هذا الهيكل التأديبي داخل المؤسسة إن كان دوره يقتصر على إبداء رأيه‬
‫و يبقى القرار الفيصل للمؤجر إالّ ّ‬
‫أن بعض اإلتفاقيات القطاعية المشتركة لم تلتزم بما ورد باإلتفاقية‬
‫اإلطارية و أقرت إلزامية رأي مجلس التأديب على المؤجر و أمام هذا التناقض خلق نوع من الغموض‬
‫حول طبيعة رأي مجلس التأديب‪.‬‬

‫ب ‪ -‬غموض حول طبيعة رأي مجلس التأديب‪:‬‬

‫حسب اإلتفاقية اإلطارية المشتركة يكون المؤجر ملزما بعرض األجير على مجلس التأديب كلّما إرتكب‬
‫هذا األخير خط فادحا و إستوجب تسليط عقوبة عليه من الدرجة الثانية ‪ ،‬يبقى المؤجر حرا في إختيار‬
‫العقوبة المراد تسليطها على األجير لغياب رقابة سابقة على قراراته‪.‬‬

‫لكن اإلتفاقية اإلطارية في فصلها ‪ 37‬لم تحدد طبيعة رأي مجلس التأديب فتارة تقر ّ‬
‫بأن العزل يمكن‬
‫إصداره من طرف المجلس و طورا تعتبر ّ‬
‫أن الطرد يصدر عن المؤجر و يكتفي المجلس بإبداء رأيه‪.‬‬

‫إالّ ّ‬
‫أن بعض اإلتفاقيات القطاعية المشتركة أقرت مبدأ إلزامية قرارات مجلس التأديب إذ إعتبرت اإلتفاقية‬
‫المشتركة للتأمين الصادرة في ‪ 1983‬في فصلها ‪ّ : 26‬‬
‫أن " الرئيس المدير العام يبقى مرتبطا برأي مجلس‬
‫التأديب الذي يتخذ قرارا بأغلبية أصوات أعضائه"‪.‬‬

‫كما منحت هذه اإلتفاقية لمجلس التأديب إمكانية إجراء أبحاث حول الواقعة و الظروف المحيطة بها إذا لم‬
‫يتحصل على المعلومات الكافية التي تمكنه من تكوين قراره‪ ،‬و تمكن هذه الصالحية المجلس من سلطة‬
‫البحث و التحقيق و تفحص الوقائع المقدّمة من المؤجر كما تمثّل حدّا للسلطة التأديبية و هو " إجراء‬

‫‪21‬‬
‫بإمكانه أن يخفف من النقص الموجود في القانون التأديبي و الغياب الحقيقي لتناسب العقوبة مع الخطأ"‪،1‬‬
‫و على خطى اإلتفاقية المشتركة للتأمين ‪ ،‬أقر الفصل ‪ 27‬من اإلتفاقية المشتركة للصحافة المكتوبة‬
‫الصادرة في ‪ 20‬نوفمبر ‪ّ 1966‬‬
‫أن المؤجر ال يمكنه تسليط عقوبة أشدّ من التي قررها مجلس التأديب وهو‬
‫نفس الموقف الذي إعتمدته اإلتفاقية المشتركة للبنوك الصادرة في ‪ 30‬أفريل ‪ 1966‬في فصلها ‪ ، 42‬حيث‬
‫إعتبرت ّ‬
‫أن قرارات مجلس التأديب هي قرارات م لزمة و إلى حدّ اآلن لم يقع تعميم إلزامية رأي مجلس‬
‫مما أدّى على مستوى التطبيق إلى تذبذب في فقه القضاء ‪ ،‬فقد إعتبر‬
‫التأديب في كل اإلتفاقيات المشتركة ‪ّ ،‬‬
‫في ّأول األمر ّ‬
‫أن المؤجر غير ملزم بقرار مجلس التأديب‪ ، 2‬لكن سرعان ما إستقر فقه القضاء على‬
‫أن قرارا ت مجالس التأديب ملزمة للمستأجر و ذلك ّ‬
‫ألن "دور المجلس ليس إستشاريا بل أساسيا‬ ‫إعتبار ّ‬
‫وقراراته ملزمة"‪ 3‬و "إن كان قرار مجلس التأديب إستشاريا بالنسبة للمحكمة التي تتولى سلطة مراقبته‪،‬‬
‫ّ‬
‫فإن قراراته تعتبر ملزمة لرئيس المؤسسة"‪.4‬‬

‫لكن عاد التذبذب يسيطر على رأي فقه القضاء حول هاته المسألة ‪ ،‬حيث أقرت محكمة التعقيب تارة ّ‬
‫أن‬
‫محضر مجلس التأديب ال يمكن بأي حال أن يكون دليال إلثبات الخطأ المنسوب للمعقب ضدّه‪ ...‬و إنه‬
‫يعتبر مجرد قرينة يجب تدعيمها بأدلة قوية و متضافرة أخرى حتى يمكن إعتمادها و طورا تؤكد على ّ‬
‫أن‬
‫"تغيير المؤجر عمل األجي ر دون أخذ رأي اللجنة اإلستشارية يشكل هفوة فادحة على معنى الفصل ‪14‬‬
‫جديد من مجلة الشغل"‪.5‬‬

‫و يرجع عدم توضيح طبيعة رأي مجلس التأديب إلى ترك المجال مفتوحا للمؤجر لتقدير فداحة الخطأ‬
‫و إقرار العقوبة المناسبة له على مسؤوليته الخاصة حسب ما أورده الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية‬
‫و الغاية من ذلك ّ‬
‫أن المؤجر هو الوحيد القادر على تقدير ظروف المؤسسة و ما تقتضيه مصلحتها و ما‬
‫تتطلبه مقتضيات الحياة المهنية و هو الوحيد القادر على تسيير المؤسسة وفق ما تقتضيه مصلحتها‪.‬‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 21698- 200 7‬مؤرخ في ‪ 28‬جوان ‪ ،2008‬غير منشور‬
‫‪ 2‬حكم عرفي صادر في ‪ 28‬افريل ‪ 1976‬عدد ‪ ، 5128‬غير منشور‪ ،‬أورده فاخر بن سالم في مقاله "المراقبة القضائية لعمليات الطرد"‪ ،‬ص ‪45‬‬
‫‪ 3‬فاخر بن سالم ‪ ،‬المراقبة القضائية لعمليات الطرد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪79‬‬
‫‪ 4‬قرار إستئنافي عدد ‪ 4542‬مؤرخ في ‪ 25‬جوان ‪ ، 1986‬غير منشور‪ ،‬أورده فاخر بن سالم‪ ،‬المراقبة القضائية لعمليات الطرد‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ‪80‬‬
‫‪ 5‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 3413‬مؤرخ في ‪ 25‬أوت ‪ ، 2000‬غير منشور‪ ،‬أورده يونس غجاتي ‪ ،‬قانون الشغل و تطبيقاته‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪161‬‬

‫‪22‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مصلحة المؤسسة تدعم محدودية التناسب‪:‬‬

‫أسن د قانون الشغل للمؤجر سلطة تسيير و تنظيم العمل داخل المؤسسة و ووصفها بسلطة إدارة و مراقبة‬
‫العمل الذي يلتزم األجير بتقديمه باإلضافة إلى سلطته التأديبية التي تمكنه من تسليط عقاب تأديبي على‬
‫العامل الذي إرتكب خطأ فادحا يمس من السير العادي للمؤسسة و يضر بمصلحتها‪ ،‬و يستمد المؤجر‬
‫مما يسمح له بتحديد النظام الداخلي للمؤسسة (الفقرة‬
‫سلطته من ملكيته لوسائل اإلنتاج و رأس المال ّ‬
‫الثانية) لكنه يمكن أن يتعسف في وضع النظام الداخلي مبررا ذلك بمصلحة المؤسسة التي سعى المشرع‬
‫إلى تكريسها (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تكريس مصلحة المؤسسة يدعم محدودية التناسب‪:‬‬

‫ّ‬
‫إن مفهوم مصلحة المؤسسة مفهوم عام و شامل تبناه المشرع في العديد من النصوص القانونية على غرار‬
‫األول منه إلى إنقاذ‬
‫قانون اإلجراءات الجماعية الصادر في ‪ 29‬أفريل ‪ 2016‬الدي يهدف في عنوانه ّ‬
‫تمر بصعوبات إقتصادية و مساعدتها على مواصلة نشاطها و المحافظة على مواطن‬
‫المؤسسات التي ّ‬
‫الشغل فيها و الوفاء بديونها‪ ،‬إضافة إلى قانون الشغل خاصة في ما يتعلق بالطرد ألسباب إقتصادية أو فنّية‬
‫‪ ،‬حيث يمكن للمؤجر أن يضحي ببعض العملة ليضمن إستمرارية المؤسسة أو في صورة إضراب العملة‬
‫مما يؤدي إلى تعطيل عمل المؤسسة ‪ ،‬و يرجع أصل إعتماد المشرع لمصلحة‬
‫إضرابا غير شرعي ّ‬
‫المؤسسة غلى التوجه الليبرالي الذي توخاه و الذي يهدف إلى النهوض باإلقتصاد و المحافظة على‬
‫مما يبرر توجه خيارات المشرع نحو تحقيق مصلحة‬
‫المؤسسة بإعتبارها النواة األساسية لإلقتصاد الوطني ّ‬
‫المؤسسة (أ) ‪ ،‬لكن دون تعريفها لهذا السبب إستغل المؤجر غموض مفهومها لتحقيق مصلحته (ب)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬توجه خيارات المشرع نحو تحقيق مصلحة المؤسسة‪:‬‬

‫كرس المشرع مفهوم مصلحة المؤسسة صلب مجلة الشغل و كذلك في اإلتفاقية اإلطارية المشتركة لكن لم‬
‫ّ‬
‫يحدد تعريفا واضحا لها‪ .‬و تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أن غموض مفهوم مصلحة المؤسسة مرتبط أساسا‬
‫بالغموض الذي يكشف مفهوم المؤسسة نظرا لكونه مفهوم حديث نسبيا في التكريس‪ ،‬فقد بقيت العناية‬
‫بالمؤسسة لفترة زمنية حكرا على رجال اإلقتصاد و لم تستأثر بإهتمام رجال القانون إالّ بعد ظهور التيار‬
‫مما جعل الحديث عن المؤسسة مرتبط بالنمط اإلقتصادي الحر إستنادا‬
‫الليبرالي و تدعيم النزعة الفردية‪ّ ،‬‬
‫إلى أنها مكان تلتقي فيه مصالح مختلفة كثيرا ما تكون متضاربة رغم إمكانية التكامل بينها‪.1‬‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 9394‬مؤرخ في ‪ 18‬أفريل ‪ ،2005‬أورده عصام األحمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪96‬‬

‫‪23‬‬
‫و تعد المؤسسة اإلطار الذي تتجسد فيه العالقة بين األجراء و مؤجريهم ن لذلك حظيت بإهتمام ما فتئ‬
‫يتزايد خاصة بعد إنهيار الكتلة اإلشتراكية في نهاية الثمانينات و تزايد خاصة بعد إنهيار الكتلة اإلشتراكية‬
‫الحر فوقع تعميم مفهوم المؤسسة على‬
‫ّ‬ ‫في نهاية الثمانينات و إتجاه الدول اإلشتراكية نحو النمط اإلقتصادي‬
‫سائر الدول و إعتبرت النواة األولى لإلقتصاد و المحرك األساسي إلزدهاره‪.‬‬

‫إالّ أنه لم يقع تحديد مفهوم المؤسسة على المستوى التشريعي لذلك إختلف الفقهاء في تعريفها ‪ ،‬فالمؤسسة‬
‫"تشكل في نفس الوقت خلية إقتصادية و إجتماعية تقوم على ضرورة التكامل و التعاون بين مختلف‬
‫عناصرها من أجل العمل على إستمرار نشاطها و إزدهارها"‪.1‬‬

‫عرف ال بعض المؤسسة بكونها "اإلطار المباشر الذي تتجمع فيه جهود األجراء و هي تعتبر خلية‬
‫كما ّ‬
‫إجتماعية أساسية"‪ . 2‬و بما ّ‬
‫أن المؤسسة هي النواة األولى لإلقتصاد فقد إهتم بتنظيمها قانون الشغل و ذلك‬
‫من خالل تمكينها من عدّة وسائل و آليات من شأنها حمايتها من التدهور اإلقتصادي ينفذها رئيسها فهو‬
‫حر في تسليط العقوبات و طرد العملة تحقيقا لمصلحة المؤسسة‪ ،‬و تختلف طبيعة هذه المصلحة حسب‬
‫ّ‬
‫الشكل الذي تتخذه المؤسسة‪ ،‬فتكون المصلحة محمولة على الموضوعية في صورة المؤسسة الجماعية إذ‬
‫يفترض أن تعمل على تحقيق مصلحة عليا تنفصل عن مصلحة األشخاص العاملين بها‪ّ ،‬أما بالنسبة‬
‫للمؤسسة الفردية فتكون محمولة على الذاتية إذ تعتبر تجسيدا لمصلحة المؤجر‪.‬‬

‫كرس المشرع مفهوم مصلحة المؤسسة في العديد من‬


‫و بغض النظر عن الشكل الذي تتخذه المؤسسة ‪ّ ،‬‬
‫النصوص القانونية لكن دون أن يستعمل عبارة "مصلحة المؤسسة" بل إعتمد عدّة مصطلحات أخرى‬
‫أهمها مصطلح "ضرورة مصلحة العمل" الوارد بالفصل ‪ 15‬من اإلتفاقية المشتركة اإلطارية إضافة إلى‬
‫أحكام الفصل ‪ 161‬من نفس المجلة الذي أقر ّ‬
‫أن اللجنة اإلستشارية للمؤسسة يجب عليها حماية "المصالح‬
‫اإلقتصادية و اإلجتماعية" عند قيامها‪.‬‬

‫كما يعتبر تبني المشرع لمفهوم "السبب الحقيقي و الجدي للطرد" إشارة واضحة لألخذ بعين اإلعتبار‬
‫مصلحة المؤسسة إذ ّ‬
‫أن تقييم حقيقة و جدّية سبب الطرد يتم بالرجوع إلى هذه المصلحة‪.‬‬

‫و بالنظر إلى شمولية مفهوم مصلحة المؤسسة فإنه يصعب التفريق بينها و بين مصلحة المؤجر‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن‬
‫مصلحة هذا األخي ر بوصفه مالكا لرأس المال تتقاطع مع مصلحة مؤسسته إذ في إزدهارها ربحا له‪ ،‬لذلك‬
‫إعتبر جانب من البعض ّ‬
‫أن مصلحة المؤسسة "مجرد خداع غايته التخفيف من الصراعات اإلجتماعية‬
‫و إشغال األجراء عن مصالحهم الحقيقية"‪ ،‬و هي في الحقيقة تمثّل مصلحة المؤجر الخاصة و من ثمة‬

‫النوري مزيد‪ ،‬واجب أمانة األجير تجاه المؤسسة‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬ ‫‪Nicole catala, l’entreprise, traite de droit du travail, Tome 4 , Dalloz, Paris 1980‬‬

‫‪24‬‬
‫مصلحة رأس المال‪ ،‬فالمؤجر بإعتباره صاحب المؤسسة يتصرف فيها تصرف الشخص في ملكه و على‬
‫هذا النحو تذوب المؤسسة في شخصه و تتحد معه"‪.1‬‬

‫و مهما يكن من أمر ّ‬


‫فإن القول بوجود مصلحة خاصة بالمؤسسة مستقلة عن مصلحة المؤجر يفترض‬
‫وجود حدّ أدنى من الوعي عند هذا األخير ليستطيع التمييز بين المصلحتين ‪ ،‬لكن على خالف ذلك فإنه‬
‫سيميل حتما إلى إعالء مصلحته الخاصة‪ ،‬عالوة على ّ‬
‫أن القضاء قد يجد بعض الصعوبات في تقدير ذلك‬
‫خاصة على المستوى الفني و اإلقتصادي نظرا لعدم إلمامه بتفاصيل سير العمل و اإلنتاج داخل المؤسسة‬
‫إضافة إلى "عدم إختصاصه لتحديد و معرفة األسباب اإلقتصادية أو الفنية أو المهنية التي ربما يبرر بها‬
‫المؤجر قراراته"‪ ، 2‬و قد تأكدت صعوبة تقدير القاضي لمفهوم مصلحة المؤسسة على مستوى فقه القضاء‬
‫الفرنسي الذي صاغ نظرية "المؤجر القاضي الوحيد" في ما يخص اإلختيارات اإلقتصادية للمؤسسة‬
‫و إمتنع بموجبها عن الحلول محل المؤجر في تقدير ما يتطابق و مصلحة المؤسسة من ذلك مثال ّ‬
‫أن محكمة‬
‫التعقيب الفرنسية إعتبرت أنه " ال يرجع لمحاكم األصل إن تبينت توفر شروط الطرد أن تراقب‬
‫اإلختيارات التي يجريها المؤجر بين الحلول المطروحة قانونا أمامه"‪.3‬‬

‫برر السلطة التأديبية للمؤجر و إستوعب عدّة وضعيات‬ ‫بناءا على ما تقدّم ‪ ،‬يتضح ّ‬
‫أن شمولية هذا المفهوم ّ‬
‫مثال عند إخالل األجير بمصلحة المؤسسة و عدم اإلمتثال للقواعد المتعلقة بحفظ الصحة و السالمة أثناء‬
‫العمل يعدّ قد إرتكب خطأ فادحا من شأنه اإلضرار بمصالح المؤسسة أو في صورة إخالل األجير بإلتزام‬
‫السهر و المحافظة على وسائل العمل‪ ،‬يمكن للمؤجر تسليط عقوبة مزدوجة عليه مدنية من جهة و تأديبية‬
‫من جهة أخرى و ذلك حرصا من المشرع على حماية حق المؤجر في ملكية وسائل اإلنتاج إضافة إلى‬
‫تجريم إستعمال وسائل العمل لغايات أخرى حسب ما ورد بالفصل ‪ 388‬فقرة ‪ 2‬من مجلة الشغل‪ ،‬كما يعدّ‬
‫إضراب العملة مظهرا من مظاهر إستغالل المؤجر لغموض مفهوم مصلحة المؤسسة خاصة إذا كان‬
‫اإلضراب غير شرعي‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إستغالل المؤجر لغموض مفهوم مصلحة المؤسسة‪:‬‬

‫حفاظا على إستمرارية المؤسسة عمل المشرع على إقرار العالقات السلمية داخل المؤسسة و ذلك بتوفير‬
‫مناخ يسوده الحوار و السلم اإلجتماعي ‪ ،‬فاألصل أن يعمل رئيس المؤسسة على التوفيق بين المصالح‬

‫‪ 1‬أيوب الطيب‪ ،‬قانون الشغل و حق ملكية المؤجر‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية‬
‫بتونس ‪ ،2001- 2000‬ص ‪185‬‬
‫‪ 2‬فاخر بن سالم‪ ،‬المراقبة القبلية لعمليات الطرد‪ ،‬ص ‪72‬‬
‫‪3 Cass,fr,as plén,8 décembre 2000, cité par PH, caigny, l’employeur seul juge du choix économique, rev DT Soc,‬‬

‫‪n°2 2001, p 122‬‬

‫‪25‬‬
‫المتناقضة و إنجاز و تحقيق الخيارات األقل خسارة و تكلفة‪ ،1‬و ذلك بإعالء مصلحة المؤسسة عن‬
‫المصالح األخرى‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن الغموض الذي يحيط بهذا المفهوم من جهة و شمول يته من جهة أخرى يم ّكن‬
‫المؤجر من إستغالله لفائدته الشخصية‪.‬‬

‫يمس مصلحة‬
‫ّ‬ ‫و لعلّ من أبرز مظاهر ذلك مسائلة المؤجر تأديبيا للعملة في صورة اإلضراب الذي‬
‫المؤسسة فكما أقر المؤجر إمكانية صدّ العمال عن العمل ‪ ،‬م ّكن هؤالء أيضا من فرضية إضرابهم عن‬
‫نظم المشرع اإلضراب صلب مجلة الشغل في الفصول من ‪ 376‬إلى‬ ‫العمل تحقيقا لمصالح مهنية ‪ ،‬و قد ّ‬
‫‪ 390‬و إعترف للعمال بحقهم في اإلضراب الذي يعدّ حقا دستوريا أورده دستور جانفي ‪ 2014‬صلب‬
‫الفصل ‪ 36‬منه الذي يعدّ الوسيلة األنجع التي تمكنهم من تحقيق مطالبهم تجاه المؤجرين ‪ ،‬لكن لم يقدّم‬
‫المشرع تعريفا له ‪ ،‬و يمكن تعريفه بكونه "توقف مجموعة من العملة معا عن العمل قصد تحقيق طلبات‬
‫مهنية ‪ ،‬و هو يقام خالفا للعقد و يستمد شرعيته من ا لقانون الذي خوله لألجراء وفق إجراءات محددة‬
‫بإعتباره وسيلة تمكنهم من الدفاع عن مصالحهم و الحصول على تعديل في شروط العمل في مجابهة ما‬
‫يتمتع به ا لمؤجر من وسائل تنظيمية و إقتصاد ية تجعل من األجير تابعا له"‪.2‬‬

‫و لئن كان اإلضراب حقا من حقوق العملة ّ‬


‫فإن ممارسته خالفا للشروط القانونية يصيره غير قانوني ذلك‬
‫أنه في التشريع التونسي ترتبط شرعية اإلضراب بإتمام بعض اإلجراءات بصفة مسبقة و التي نصت‬
‫عليها الفصول ‪ 376 ،376‬مكرر ‪ 376 ،‬ثالثا من مجلة الشغل ‪ ،‬إضافة إلى موضوع اإلضراب الذي‬
‫يجب أن يتمحور حول الدفاع عن مصالح مهنية خالصة و إالّ عد اإلضراب غير شرعي و هذا ما يبرر‬
‫إشتراط المشرع ذكر سبب اإلضراب ضمن البيانات التي يجب أن يتضمنها التنبيه‪.‬‬

‫باإلضافة إلى عدم إحترام الشكليات السالفة الذكر قبل الدخول في اإلضراب ّ‬
‫فإن عدم شرعيته يمكن‬
‫إستنتاجها أيضا من خالل نتائجه و التي تتمحور أساسا حول اإلضرار بمصلحة المؤسسة و اإلعتداء على‬
‫حرية العمل بها‪.‬‬

‫إالّ ّ‬
‫أن اإلضراب الشرعي يمكن أيضا أن يضر بمصلحة المؤسسة رغم أنه يؤدي إلى تعليق عقد الشغل‬
‫و بالتالي تعليق النفوذ التأديبي للمؤجر ‪ ،‬ولكن هذا األخير يسترجع نفوذه عند إرتكاب العملة ألخطاء فادحة‬
‫عند ممارس تهم لإلضراب الشرعي مثل إرتكابهم ألعمال عنف‪ ،‬تهديد أو سرقة‪ ،‬إضرار بوسائل العمل أو‬
‫بأماكن العمل و إعتبر فقه القضاء التونسي ّ‬
‫أن إحتالل أماكن العمل أثناء اإلضراب الشرعي من قبيل‬
‫الخطأ الفادح الموجب للطرد إذا كان مصحوبا بأعمال عنف أو تهديد بمكان العمل على معنى الفقرة ‪ 9‬من‬

‫‪1‬‬ ‫‪Nicole catula, l’entreprise, op, cit, page 181‬‬


‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 45664‬مؤرخ في ‪ 23‬نوفمبر ‪ ، 1995‬غير منشور‪ ،‬أورده كمال الناجح‪ ،‬إنهاء عقد الشغل بموجب القانون‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪26‬‬
‫الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل‪ ، 1‬و عموما يمكن إعتبار إحتالل أماكن العمل من قبيل الخطأ الفادح إذا‬
‫كان من شأنه أن يعرقل سير النشاط العادي للمؤسسة أو يلحق ضررا بمكاسبها وفقا لعبارات الفقرة ‪ 1‬من‬
‫نفس الفصل‪.‬‬

‫في المقابل ‪ ،‬تعمق فقه القضاء الفرنسي في هاته المسألة و ميّز بين إحتالل أماكن العمل الموصوف الذي‬
‫يعدّ العامل المشارك فيه مرتكبا لخطأ فادح‪ ،‬و اإلحتالل غير الموصوف ألماكن العمل الذي ال يعد العامل‬
‫المشارك فيه مرتكبا لخطأ فادح‪.2‬‬

‫في المقابل ‪ ،‬تعمق فقه القضاء الفرنسي في هاته المسألة و م ّيز بين إحتالل أماكن العمل الموصوف الذي‬
‫يعدّ العامل المشارك فيه مرتكبا لخطأ فادح‪ ،‬و اإلحتالل غير الموصوف ألماكن العمل الذي ال يعدّ العامل‬
‫المشارك فيه مرتكبا لخطأ فادح‪ ،‬و على العموم و رغم توسع الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل التونسية‬
‫في تنظيم األخطاء الفادحة الموجبة للطرد و رغم إجتهادات فقه القضاء الفرنسي ‪ ،‬فإنه يصعب عمليا على‬
‫المؤجر إستعمال نفوذه التأديبي ضد العمال المحتلين ألماكن العمل أثناء اإلضراب الشرعي و ذلك إعتبارا‬
‫للطابع الجماعي لإلضراب من جهة و لصعوبة إجراء تمييز بين كل من شارك فيه من جهة أخرى‪ ،‬وذلك‬
‫بخالف اإلضراب غير الش رعي الذي يؤدي إلى إعمال المؤجر لسلطته التأديبية على العمال‪.‬‬

‫و يعدّ اإلضراب غير شرعيا عند مخالفته ألحكام الباب الثالث عشر من مجلة الشغل المنظم لتسوية‬
‫مما يستوجب تدخل المؤجر‬
‫نزاعات الشغل الجماعية ‪ ،‬و من أبرز نتائجه اإلضرار بمصلحة المؤسسة ّ‬
‫و بسط سلطته التأديبية على العملة‪.‬‬

‫و تجدر اإلشارة إلى ضرورة التمييز بين اإلضرار غير الشرعي و الهفوة الفادحة سواء من حيث‬
‫الخصائص أو من حيث اإلثبات‪ ،‬فاإلضراب غير الشرعي يوصفه بكونه عمل جماعي تتم ممارسته خالفا‬
‫أن الهفوة الفادحة تتمثّل في عمل فردي يأتيه العامل إخالال‬
‫للقواعد المنظمة لحق اإلضراب ‪ ،‬في حين ّ‬
‫باإللتزامات القانونية أو التعاقدية الناتجة عن العالقة الشغلية‪ ،3‬إضافة إلى ذلك يختلف اإلضراب غير‬
‫الشرعي عن الهفوة الفادحة في الطبيعة القانونية ‪ ،‬فاإلضراب غير شرعي يشكل جريمة على معنى‬
‫الفصل ‪ 388‬من مجلة الشغل الذي إقتضى أنه "عندما يكون اإلضراب أو الصد عن العمل مخالفين‬
‫حرض على مواصلة اإلضراب أو الصد عن العمل أو شارك فيهما يعاقب بالسجن‬ ‫للقانون ّ‬
‫فإن كل من ّ‬
‫لمدّة تتراوح بين ثالثة أشهر و ثمانية أشهر و بخطية تتراوح بين ‪ 100‬دينار و ‪ 500‬دينار" و تفريعا عليه‬

‫أيوب الطيب‪ ،‬قانون الشغل و حق ملكية المؤجر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪78‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪Cass, FR, 23 Mai 1953, cité par Jean Savatier, Expulsion et licenciement des grévistes occupant les locaux du‬‬
‫‪travail, rev, DT, soc, n° 3, 1987, p 176‬‬
‫كمال الناجح‪ ،‬إنهاء عقد الشغل بموجب القانون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪12‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪27‬‬
‫ال يمكن إثبات قيام العملة بإضراب غير شرعي إالّ بصدور حكم جزائي يثبت القيام بالجريمة أو يقضي‬
‫بإنعدامها‪.‬‬

‫ّأما بالنسبة للهفوة الفادحة فقد إعتبرها المشرع في الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل خطأ تأديبيا موجبا‬
‫للطرد‪ ،‬و في كلتا الحالتين و سواءا إرتكب العملة خطأ فادح أو مارسوا حقهم في اإلضراب بطريقة غير‬
‫شرعية فغنه سيؤدي إلى قطع العالقة الشغلية نتيجة اإلضرار بمصالح المؤسسة‪ ،‬إذ نص الفصل ‪ 387‬من‬
‫مجلة الشغل أنه بموجب اإلضرار غير الشرعي تقطع عالقات الشغل بمفعول الطرف المسؤول ‪ ،‬و قد‬
‫أثار هذا الفصل جدال فقهيا حول تكييف إنتهاء العالقة الشغلية نتيجة إضراب غير شرعي نظرا لكون‬
‫المشرع لم يوضح هذه المسألة توضيحا كافيا‪ ،‬على خالف المشرع الفرنسي الذي أ ّكد صلب الفصل ‪52- 1‬‬
‫أن اإلضراب ال يقطع عقد الشغل إالّ في حالة وجود هفوة جسيمة تنسب إلى‬
‫من مجلة الشغل الفرنسية ّ‬
‫األجير‪ ،1‬و معنى ذلك ّ‬
‫أن المؤجر بإمكانه طرد األجير طردا تأديبيا من أجل قيامه بإضراب غير شرعي‪.‬‬

‫إالّ ّ‬
‫أن محكمة التعقيب إعتبرت ّ‬
‫أن مشاركة األجير في إضراب غير شرعي ال تعني تخليه عن العمل أو‬
‫قطعه لعقد الشغل من جانب واحد‪ ، 2‬و إنما تعني إرتكاب هذا األجير لخطأ فادح من شأنه أن يلحق ضررا‬
‫كبيرا بالمؤسسة و بمردودها اإلجتماعي و اإلقتصادي‪.3‬‬

‫مما يستوجب إحالته على مجلس التأديب للنظر في إمكانية طرده‪ ، 4‬و في صورة عدم إحترام اإلجراءات‬
‫ّ‬
‫التأديبية يصبح طرد العامل طردا تعسفيا يستوجب التعويض لفائدته‪ .‬غير ّ‬
‫أن فقه القضاء إعتبر في عديد‬
‫المناسبات ّ‬
‫أن مشاركة األجير في إضراب غير قانوني يعني قطع عقد الشغل من جانبه بصورة تعسفية وال‬
‫يعني إرتكابه لخطأ فادح سيتوجب المؤاخذة التأديبية‪ ،‬و قد ورد في إحدى حيثيات القرار "و حيث متى‬
‫ثبتت مشاركة العامل في إضراب غير شرعي فال مجال للحديث عن وقوع طرد له و عن إرتكابه لهفوة‬
‫فادحة و عن ضرورة إحالته على مجلس التأديب"‪.5‬‬

‫لكن فقه القضاء إعتبر ّ‬


‫أن اإلضراب من األخطاء الجسيمة التي تستوجب المسائلة التأديبية ‪،‬و يحتل الخطأ‬
‫الجسيم قمة هرم تدرج األخطاء في قانون الشغل‪. 6‬‬

‫‪ 1‬كمال الناجح‪ ،‬إنهاء العالقة الشغلية بموجب القانون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫ّ‬
‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 13633‬مؤرخ في ‪ 8‬جويلية ‪ ،1985‬ن م ت‪ ،1985 ،‬ص ‪ ،43‬و قد ورد بهذا القرار أن " مجرد الدخول في إضراب‬
‫ال يعتبر تخليا عن العمل"‬
‫‪ 3‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ ،48331‬مؤرخ في ‪ 3‬جويلية ‪ ،1995‬ن م ت ‪ ، 1995‬أوردته نائلة مسعود‪ " ،‬مصلحة المؤسسة في قانون الشغل"‬
‫رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية‪ ،‬بتونس ‪ ،1996- 1995‬ص ‪38‬‬
‫‪ 4‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 35284‬مؤرخ في ‪ 8‬أكتوبر ‪ ،1992‬ن م ت‪ ،1992 ،‬القسم المدني‪ ،‬ص ‪89‬‬
‫‪ 5‬قرار تعقيبي مدني‪ ،‬صادر عن الدوائر المجتمعة عدد ‪ 44864‬مؤرخ في ‪ 9‬نوفمبر ‪ ،1995‬أورده النوري مزيد‪" ،‬فقه القضاء و حماية النائب‬
‫النقابي"‪ ،‬مجلة العمل و التنمية سنة ‪ ،1988‬ص ‪12‬‬
‫‪ 6‬عصام األحمر‪ ،‬إشكاالت في نزاعات الشغل‪ ،‬الحلول القانونية و اإلجتهادات القضائية ‪ ،‬سيفاد‪.‬للنشر‪ ،2008 ،‬ص ‪296‬‬

‫‪28‬‬
‫مما‬ ‫ّ‬
‫إن إستغالل المؤجر لغموض مفهوم مصلحة المؤسسة مرده حريته في تحديد النظام الداخلي للمؤسسة ّ‬
‫يفيد تصرفه فيها تصرف ا لمالك في ملكه‪ ،‬و يبدو ّ‬
‫أن المشرع لم يقيد من سلطاته في وضع نظام للمؤسسة‬
‫ألنه يعتبر المؤجر أو رئيس المؤسسة الشخص الوحيد الذي بإمكانه تسيير و إدارة المؤسسة على أكمل‬
‫وجه و معرفة متطلباتها اإلقتصادية ‪ ،‬لكن المؤجر إستغل هذا األمر لصالحه و لفائدة مصلحته الشخصية‬
‫بإعتباره مالكا لوسائل اإلنتاج‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬النظام الداخلي للمؤسسة يدعم محدودية التناسب‪:‬‬

‫نظرا لعدم إشتمال عقد الشغل على المسائل التي تتضمن تنظيم العمل كمواعيد الحضور و اإلنصراف‬
‫و الراحة و نظام اإلجازات أو المسائل المتعلقة بتنفيذ اإللتزامات الناشئة عن عقد الشغل‪ ،‬فقد كان من‬
‫عامة و مجردة لتضمن حسن سير العمل داخل المؤسسة و تقيد سلطة المؤجر‬
‫الالزم وضع قواعد ّ‬
‫التأديبية‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن قانون الشغل لم يضع آليات تحد كيفية وضع المؤجر للنظام الداخلي للمؤسسة و ترك له‬
‫مما أدّى إلى تصرف المؤجر في‬
‫الحرية المطلقة في تحديد محتواه (أ) نظرا لكونه مالكا لوسائ ل العمل ّ‬
‫المؤسسة تصرف المالك في ملكه و هذا ما يبرر غياب الرقابة على النظام الداخلي (ب)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬حرية مطلقة للمؤجر في وضع النظام الداخلي و تحديد محتواه‪:‬‬

‫لم يتعرض المشرع التونسي في مجلة الشغل إلى النظام الداخلي للمؤسسة ‪ ،‬و إكتفت اإلتفاقية اإلطارية‬
‫بذكر هذه العبارة دون أن توضحه و ذلك في الفصل ‪ 30‬منها ‪ ،‬حيث إعتبرت ّ‬
‫أن "مدّة الرخصة السنوية‬
‫يعينها ترتيب النظام الداخلي"‪.‬‬

‫عرف الفقه القانون الداخلي للمؤسسة بكونه "وثيقة مكتوبة‬


‫أمام الفراغ التشريعي الذي يم ّيز هذه المسألة ‪ّ ،‬‬
‫تتضمن من ناحية قواعد تنظيم العمل كمواعيد بدء العمل و الفراغ منه ‪ ،‬و أوقات الراحة ‪ ،‬و تفصيالت‬
‫تنفيذ اإللتزامات الناشئة عن عقد الشغل كمواعيد دفع األجور‪ ،‬و أحيانا القواعد التي تحكم وضع العامل في‬
‫المؤسسة و من ناحية أخرى ‪ ،‬تحديد األخطاء التي قد تصدر عن العامل و الجزاء المترتب عليها"‪.1‬‬

‫خالفا لقانون الشغل التونسي ‪ ،‬نظم القانون الفرنسي في الفصل ‪ 122- 34‬من مجلة الشغل الفرنسية النظام‬
‫الداخلي للمؤسسة و إشترط أن تكون الوثيقة الداخلية للمؤسسة وثيقة كتابية ‪،‬كما إشترط الفصل ‪122- 35‬‬
‫لها"‪2‬‬ ‫من نفس المجلة أن تكون محررة باللغة الفرنسية و ال مانع من وجود ترجمات أخرى‬

‫أيمن عبد العزيز مصطفى‪ ،‬قيود السلطة التأديبية لصاحب العمل‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار الكتب القانونية ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ص ‪148‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيمن عبد العزيز مصطفى‪ ،‬قيود السلطة التأديبية لصاحب العمل‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪149‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪29‬‬
‫فيما يتعلق بمدى إلزامية وضع نظام داخلي للمؤسسة ‪ ،‬لم يتعرض قانون الشغل التونسي لهاته المسألة ‪،‬‬
‫لكن يمكن إستنتاج وجوبية وضع المؤجر لنظام داخلي بقراءة ضمنية للفصل ‪ 30‬من اإلتفاقية المشتركة‪،‬‬
‫أقر بإلزامية وضع الال ئحة الداخلية بكل مؤسسة تشغل عشرين عامال على‬
‫لكن قانون الشغل الفرنسي ‪ّ ،‬‬
‫األقل خالل الثالثة أشهر التالية لتاريخ إفتتاح المؤسسة‪ ، 1‬كما نص في الفصل ‪ 122- 34‬من مجلة الشغل‬
‫الفرنسية على ضرورة وجود ضوابط يلتزم صاحب العمل بإدراجها كإجراءات تطبيق التقنين المتعلق‬
‫العامة المتعلقة بالنظام‪ ،‬و طبيعة و سلم العقوبات التأديبية على أن ال تشمل‬
‫ّ‬ ‫بالصحة و األمن و القواعد‬
‫الالئحة عقوبة الغرامة أو عقوبا ت مالية أخرى طبقا للفصل ‪ 122- 42‬من نفس المجلة‪.2‬‬

‫و لعل عدم تنظيم قانون الشغل التونسي للقواعد المتعلقة بالنظام الداخلي للمؤسسة مردّه ترك الحرية‬
‫للمؤجر في وضعها و تحديد محتواها بإعتباره مالكا لوسائل العمل‪ ،‬يضع نظاما داخليا للمؤسسة يتماشى‬
‫مع ما تقتضيه مصلحتها‪ ،‬فالسلطة التأديبية تعد إفرازا غير مباشر لملكية المؤجر لرأس المال و لوسائل‬
‫اإلنتاج داخل المؤسسة بالتالي بسط نفوذه التأديبي على األجراء‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك ‪ ،‬أسند قانون الشغل للمؤجر سلطة تسيير و تنظيم العمل داخلها عبر إصدار مجموعة‬
‫أوامر يتلقاها األجير و يتحمل مسؤوليته عدم اإللتزام بها على معنى الفصل ‪ 10‬من مجلة الشغل‪ ،‬و تتجلى‬
‫حرية المؤجر في وضع النظام الداخلي للمؤسسة من خالل حريته في إختيار شكلها القانوني و وضع‬
‫هياكلها التقنية‪ ،‬كما يتولى ضبط طرق العمل و وسائله و صيغ تنفيذه و تنظيمه و ما يتبعها من قواعد‬
‫تأديب فقد إعتبره الفقهاء أنّه " وسيلة ّ‬
‫هامة لممارسة سلطة التنظيم"‪ 3‬و سلطة تحديد المؤجر للنظام الداخلي‬
‫تعود إلى حقه في الملكية تطبيقا لمقولة "حيثما توجد الملكية توجد السلطة"‪ ،4‬و يبرر أنصار هذا الموقف‬
‫رأيهم بكون المؤجر بصفته مالكا لوسائل اإلنتاج فإنه يتحمل أخطار عملية اإلنتاج و من حقه أن يباشر‬
‫سلطته‪ ،‬كما ّ‬
‫أن سلطته عل ى األشياء تمتد لتشمل األشخاص التابعين له بهدف تنظيم المؤسسة‪ ،5‬لهاته‬
‫األسباب لم ينظم قانون الشغل التونسي النظام الداخلي للمؤسسة كما لم يضع رقابة عليه‪.‬‬

‫ب ‪ -‬غياب الرقابة على النظام الداخلي‪:‬‬

‫نظرا لعدم تنظيم قانون الشغل للمسائل المتعلقة بضبط النظام الداخلي للمؤسسة و اطالقه حرية المؤجر في‬
‫تحديد محتواه ‪ ،‬فإنه لم يضع أيضا رقابة على محتوى النظام الداخلي‪ ،‬على عكس المشرع الفرنسي‪ ،‬الذي‬
‫أقر بضرورة المراقبة إذ يجب على المؤجر أن يعرض القانون الداخلي على لجنة المؤسسة‪ ،‬كما أقر‬

‫أيمن عبد العزيز مصطفى‪ ،‬قيود السلطة التأديبية لصاحب العمل‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪153‬‬ ‫‪1‬‬

‫أيمن عبد العزيز مصطفى‪ ،‬قيود السلطة التأديبية لصاحب العمل‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪168‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3 Philippe langlais , le pouvoir d’organisation et les contrats de travail, rev,dt,c,n°1 , 1982, p 83‬‬
‫‪4 F.mitterand, cité par jean savatier, pouvoir patrimonial et direction des personnes, rev, dt, soc, n°1, p 1‬‬

‫أيوب الطيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪189‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪30‬‬
‫وجوبية إستشارة ممثلي العملة عند صياغة القانون و هي شكلية جوهرية رغم ّ‬
‫أن رأي اللجنة إستشاري‬
‫ففي صورة عدم إحترام المؤجر لهاته الشكلية فإنه يتعرض لعقوبات جزائية ألنه عرقل مهام لجنة‬
‫المؤسسة أو ممثلي العملة‪.1‬‬

‫و يرجع سبب غياب الرقابة على ال نظام الداخلي للمؤسسة في القانون التونسي إلى إعتبار المؤجر هو‬
‫المشرع للقوانين الداخلية للمؤسسة التي تتميّز بإلزامية تطبيقها ‪ ،‬و يبدو ّ‬
‫أن المشرع ما زال متأثرا بنظرية‬
‫ملكية المؤجر ألدوات اإلنتاج بالتالي اإلقرار بسلطته و حريته في ضبط القانون الداخلي و ما على العامل‬
‫إالّ أن يقبل ذلك‪.‬‬

‫عرفه الفصل ‪ 17‬من مجلة الحقوق العينية و هو حق يخول لصاحبه سلطة إستعمال‬
‫و حق الملكية ّ‬
‫المنجرة عن الشيء موضوع الملك‬
‫ّ‬ ‫و إستغالل و التفويت في الشيء‪ ،‬و تمثل هذه السلطات بمثابة المنافع‬
‫و التي يحتفظ بها المالك بواسطة الملكية‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن حق الملكية ف ي مفهومه المدني هو " أوسع الحقوق العينية نطاقا و أشملها سلطة كما يعدّ حقا فرديا إذ‬
‫يمارسه صاحبه دون منافسة الغير‪ ،‬فالمالك يستأثر بملكيته"‪.2‬‬

‫هذا الطابع األحادي لحق الملكية كرسته بعض تعريفات التشريعات المقارنة على غرار الفصل ‪ 544‬من‬
‫عرف حق الملكية بأنه الحق في اإلستغالل و التصرف بأكثر صورة مطلقة‬
‫المجلة المدنية الفرنسية الذي ّ‬
‫ممكنة‪.3‬‬

‫مجرد‬
‫في المقابل ‪ ،‬يختلف حق ملكية المؤجر عن المفهوم الكالسيكي لحق الملكية ‪،‬فهو حق ال يتسلط على ّ‬
‫شيء و إنما هو يتسلط على المؤسسة بما هي تجمع بشري و تراكم لرأس المال في آن واحد‪ .4‬من هنا‬
‫و بالقياس على فاعلية حق الملكية في مفهومه الكالسيكي فإنه يجب القول ّ‬
‫أن حق الملكية يمنح المؤجر‬
‫مجموعة من الصالحيات تتسلط في ذات الوقت على العنصر المالي و العنصر البشري المكونان للمؤسسة‬
‫بشكل يتسنى معه تسيير و تنظيم هذه الوحدة اإلقتصادية و فرض اإلنضباط داخلها ‪ ،‬فالطابع الفردي‬
‫للملكية يتأكد خاصة على مستوى سلطة التسيير و سلطة التأديب‪.‬‬

‫بالنسبة لسلطة التأديب ‪ ،‬يمكن الداللة على الطابع األحادي بالرجوع إلى نص الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية‬
‫اإلطارية المشتركة‪ ،‬فالمؤجر وفق مقتضيات هذا الفصل يصدر بصورة مباشرة عقوبات الدرجة األولى‬

‫النوري مزيد‪ ،‬حول تشريع العمل الفرنسي الجديد‪ ،‬المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي‪ ،‬عدد ‪ ،1986 ،1‬ص ‪ 79‬و ما بعده‬ ‫‪1‬‬

‫النوري مزيد‪، ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪79‬‬ ‫‪2‬‬

‫محمد كمال شرف الدين‪ ،‬قانون األموال‪ ،‬درس مرقون‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس‪ ،2001- 2000 ،‬ص ‪41- 40‬‬ ‫‪3‬‬

‫أيوب الطيب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪193‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪31‬‬
‫بعد أن يمكن العامل من حق الدفاع ‪ّ ،‬أما إذا كانت العقوبات من الدرجة الثانية ‪ّ ،‬‬
‫فإن العامل يحال وجوبا‬
‫على مجلس التأديب الذي يكتفي بإعطاء رأيه حسب الفقرة ‪ 4‬من نفس الفصل‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن حق الملكية ال يعني فقط اإلستئثار بممارسة الحق و إنما بتقديره ‪ ،‬فالمؤجر يتمتع بسلطة واسعة في‬
‫تقدير األفعال الموجبة للعقاب و في إختيار العقوبة المناسبة لها بناءا على تقديره لمدى فداحة الهفوة‪.1‬‬

‫حرا في‬
‫لهاته األسباب‪ ،‬خ ّير المشرع عدم فرض رقابة على النظام الداخلي للمؤسسة و ترك المؤجر ّ‬
‫ممارسة سلطته على األشياء و على األشخاص الخاضعين لنفوذه في حدود ما تقتضيه مصلحة المؤسسة‪.‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬مظاهر التكريس العرضي لمبدأ التناسب‪:‬‬

‫ال يمكن تسليط عقوبة الطرد على األجير إالّ إذا إرتكب خطأ إالّ ّ‬
‫أن قانون الشغل ال يعطي تعريفا لخطأ‬
‫األجير و إكتفى بوضع قائمة غير حصرية لهذه األخطاء صلب الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل‬
‫عرف الخطأ المدني بكونه فعل ما وجب‬
‫وبالرجوع إلى أحكام الفصل ‪ 83‬من مجلة اإللتزامات و العقود الذي ّ‬
‫تركه و ترك ما وجب فعله يستنتج ّ‬
‫أن الخطأ المدني ّإما أن يكون أفعاال إيجابية أو أفعاال سلبية‪.‬‬

‫و نظرا لخصوصية العالقة الشغلية تعددت أصناف أخطاء األجير التي يمكن تصنيفها حسب شدّة خطورتها‬
‫إلى‪ :‬أخطاء جسيمة ‪ ،‬أخطاء فادحة و أخطاء يسيرة أو بسيطة التي ال ينجر عن إرتكابها سوى تسليط عقوبة‬
‫تأديبية من درجة أولى و ال يمكن في أي حال أن تكون سببا للطرد‪ّ ،‬أما بالنسبة للخطأ الفادح فقد إعتبره‬
‫الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل من األسباب الحقيقية والجدية التي تبرر الطرد‪ ،‬كما يعتبر من األسباب‬
‫إنتهاء عقد الشغل بموجب القانون‪ ، 2‬و بموجبه يقع حرمان األجير من غرامة الطرد التعسفي‪ ،3‬و يكون‬
‫‪،‬أما بالنسبة للخطأ الجسيم فهو‬
‫المؤجر مدعوا إلحالته على مجلس التأديب لتسليط عقوبة من الدرجة الثانية ّ‬
‫خطأ أكثر خطورة من الخطأ الفادح‪ ، 4‬و هو يعتبر سببا حقيقيا و جديا للطرد لوجود نيّة اإلضرار بالمؤسسة‬
‫أو بالمؤجر مثل إرتكاب األجير لجريمة السرقة أو لجريمة خيانة األمانة‪ ،‬في هذه الحالة يتدخل المؤجر لطرد‬
‫العامل دون عرضه على مجلس التأديب حسب أحكام الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‪.‬‬

‫من هذا المنطلق‪ ،‬يستشف ّ‬


‫أن الضمانات التي منحها القانون لألجير تعتبر محدودة نوعا ما نظرا لعدم إمكانية‬
‫تقديم دفوعات إالّ إذا ت ّم عرضه على مجلس التأديب (المبحث األول)‪ ،‬و ال يتسنى ذلك إالّ إذا كان خاضعا‬
‫إلدارة و مراقبة مؤجره ‪ ،‬و قد أخل بإلتزاماته (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪Jean savatier, op, cit, p1‬‬


‫‪ 2‬الفصل ‪ 22‬من مجلة الشغل‬
‫‪ 3‬الفصل ‪ 23‬من مجلة الشغل‬
‫‪ 4‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 4436‬مؤرخ في ‪ 23‬فيفري ‪ ، 2001‬أورده عصام األحمر‪ ،‬إشكاالت في نزاعات الشغل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪267‬‬

‫‪32‬‬
‫المبحث األول‪ :‬محدودية ضمانات األجير‪:‬‬

‫تنطلق اإلجراءات التأديبية التي تسبق قرار الطرد بدعوة األجير للمثول أمام مجلس التأديب (الفقرة األولى) ‪،‬‬
‫و يتدخل هذا األخير إلبداء رأيه في الموضوع المعروض عليه‪ ،‬لكن في حاالت خاصة يمكن للمؤجر أن‬
‫يتخذ قرار الطرد دون إحالة األجير على مجلس التأديب (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬محدودية ضمانات األجير قبل إنعقاد مجلس التأديب‪:‬‬

‫حدّد المشرع الهيكل المكلف بالنظر في المسائل التأديبية ‪ ،‬و هو اللجنة اإلستشارية للمؤسسة بتركيبتها‬
‫المعدلة‪ ،‬كما حدّد اإلجراءات التي يتعين على المؤجر إحترامها عند إحالة العامل على هذا الهيكل و التي‬
‫يمكن تلخيصها في طريقة إستدعاء العامل (أ) و ضمان حقه في الدفاع عن نفسه (ب)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬محدودية طريقة إستدعاء العامل للمثول أمام مجلس التأديب‪:‬‬

‫إكتفى المشرع بالتأكيد على ّ‬


‫أن اللجنة التي تنتصب كمجلس تأديب "تتبع اإلجراءات المضبوطة بالنصوص‬
‫القانونية أو الترتيبية أو التعاقدية التي تخضع لها المؤسسة"‪.1‬‬

‫و في ظل غياب تحديد تشريعي لمحتوى اإلجراءات التأديبية ‪ ،‬يتعين على المؤجر الذي يعتزم إحالة العامل‬
‫على مجلس التأديب أن يراعي اآلجال المنصوص عليها باإلتفاقية المشتركة القطاعية و في صورة عدم‬
‫وجودها يجب عليه حينئذ إحترام األجل المنصوص عليه باإلتفاقية اإلطارية المشتركة و المحدد وفقا ألحكام‬
‫الفصل ‪ 37‬منها بثالثة أيام مع مراعاة طريقة اإلعالم أال و هي الرسالة المضمونة الوصول مع اإلعالم‬
‫بالبلوغ‪ ، 2‬أي أنه ال يمكن إستعمال وسيلة تبليغ أخرى‪.‬‬

‫و تعتبر المدّة التي حدّدها الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية إلعالم األجير بالحضور أمام مجلس التأديب‬
‫مقتضية نسبيا حيث ال يتسنى له في هذا الوقت الوجيز تقديم حججه للدفاع عن نفسه‪ ،‬على خالف الموظف‬
‫العمومي الذي يقع إستدعائه للحضور أمام مجلس التأديب في أجل أدناه ‪ 15‬يوما"‪.3‬‬

‫و عموما ‪ ،‬ال يحتسب اليوم الذي توجه فيه الرسالة و اليوم الذي يتسلم فيه العامل اإلستدعاء ضمن المدّة التي‬
‫حددها القانون‪.‬‬

‫‪ 1‬الفصل ‪ 160‬من مجلة الشغل‬


‫‪ 2‬الفقرة الحادية عشر من الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‬
‫ّ‬
‫‪ 3‬الفصل ‪ 52‬من القانون عدد ‪ 12‬لسنة ‪ 1983‬المؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر ‪ 1983‬المتعل ق بضبط النظام األساسي العام ألعوان الدولة و الجماعات‬
‫العمومية المحلية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة اإلدارية‬

‫‪33‬‬
‫من جانبه‪ ،‬قد يطرح إستدعاء العامل للمثول أمام مجلس التأديب عدّة إشكاليات يمكن إعتبارها من المسائل‬
‫التي تحد من ضماناته أمام المجلس و تتمثل أساسا في عدم تسلم العامل للرسالة مضمونة الوصول نظرا‬
‫لكونها لم ترسل له حسب العنوان الصحيح‪ ،‬و يعود ذلك إلى إكتفاء المؤجر عند إنتدابه للعامل بأخذ نسخة من‬
‫أن العنوان المنصوص بها هو العنوان الدائم و الحال ّ‬
‫أن العامل قد يغ ّير مقر إقامته‬ ‫بطاقة تعريفه إلعتقاده ّ‬
‫بدون إدراج ذلك بصفة موازية ببطاقة تعريفه‪ ،1‬في هذه الحالة يتسنى للمؤجر إتخاذ القرار الذي يراه صالحا‪،‬‬
‫مما يؤدي إلى هضم حقوق دفاعه‪.‬‬
‫ّ‬

‫ب ‪ -‬محدودية وسائل الدفاع عن األجير عند إنعقاد مجلس التأديب‪:‬‬

‫حاول المشرع توفير حدّ أدنى من الضمانات لألجير التي تتعلق أساسا بحقوق الدفاع ‪ ،‬ففي صورة إرتكابه‬
‫خطأ بسيطا ‪ ،‬يصدر المؤجر عقوبة من الدرجة األولى بعد أن يمكن العامل من إعطاء ما لديه من جواب‬
‫ودفاع‪ّ .2‬أما إذا إقتضى األمر إحالة العامل على مجلس التأديب ‪ ،‬فإنه يتعين قبل ذلك القيام بعدّة أعمال منها‬
‫إستجواب العامل حول الخطأ الفادح الذي إرتكبه‪ ،‬ث ّم القيام بعدئذ بإيقافه عن العمل لمدّة ال تتجاوز شهر‪ 3‬يحرم‬
‫فيها من مرتبه‪.4‬‬

‫صل يوجهه المؤجر إلى مجلس التأديب الذي يضبط تاريخ إنعقاده في أجل أقصاه ‪ 3‬أيام‬
‫يقع إعداد تقرير مف ّ‬
‫حينئذ يت ّم إعالم األجير بذلك قبل ثالثة أيام لحضوره أمام مجلس التأديب الذي يضبط تاريخ إنعقاده في أجل‬
‫أقصاه ‪ 3‬أيام حينئذ يت ّم إعالم األجير بذلك قبل ثالثة أيام لحضوره أمام مجلس التأديب و يكون اإلعالم‬
‫بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع اإلنذار بالبلوغ‪.5‬‬

‫و يمكن لألجير خالل هذه المدّة تسلم نسخة من ملفه و نسخة من تقرير اإلحالة الذي أعده المؤجر ‪ ،‬و عند‬
‫إنعقاد المجلس يتسنى له تقديم تقرير للدفاع عن نفسه ‪ ،‬كما يمكن له اإلستعانة بمن يراه صالحا للدفاع عنه مثل‬
‫أحد العمال أو ممثلي النقابة التي ينتمي إليها أو محام‪.6‬‬

‫و في نفس السياق‪ ،‬دأبت اإلتفاقية القطاعية المشتركة على خطى اإلتفاقية اإلطارية المشتركة و أقرت حق‬
‫العامل في الدفاع عن نفسه‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن بعض اإلتفاقيات القطاعية إعتبرت ّ‬
‫أن حق الدفاع الممنوح للعامل بموجب‬
‫صت اإلتفاقية المشتركة للصحافة في فصلها ‪27‬‬
‫الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية ال يضمن حقه‪ ،‬لذلك ن ّ‬
‫جديد على ّ‬
‫أن المؤجر ليس ملزما فقط بمنحه الفرصة للعامل للدفاع عن نفسه بل يجب عليه أن يعلم بواسطة‬

‫يوسف غجاتي‪ ،‬قانون الشغل و تطبيقاته‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪151‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‬ ‫‪2‬‬

‫الفقرة التاسعة من الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‬ ‫‪3‬‬

‫الفقرة العاشرة من الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‬ ‫‪4‬‬

‫الفقرة الحادية عشر من الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‬ ‫‪5‬‬

‫الفصل ‪ 37‬فقرة ‪ 12‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‬ ‫‪6‬‬

‫‪34‬‬
‫تقرير مفصل باألفعال المنسوبة إليه‪ ،‬كذلك هو األمر بالنسبة لإلتفاقية القطاعية المشتركة لمستخدمي‬
‫الصيدليات المبرمة في ‪ 12‬أفريل ‪ 1972‬التي أقرت في فصلها ‪ّ 32‬‬
‫أن العامل يمكنه إذا توفرت معطيات‬
‫جديدة في إتجاه تبرئته أن يقدّم مطلبا كتابيا لدى مؤجره قصد مراجعة قراره و ذلك في ظرف سبعة أيام من‬
‫تاريخ اإلبالغ‪ ،‬لكن يبقى مجال اإلتفاقيات القطاعية المشتركة منحصرا في النشاط الذي تنظمه و ال يمكن‬
‫تعميم أحكامها على بقية األنشطة‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬يتحتم على رئيس مجلس التأديب تعيين مقرر من بين أعضاء المجلس بحيث يمكن أن يكون‬
‫المقرر عضوا نائبا عن العمال أو عضوا نائبا عن المؤجر ذلك أنه جاء بالفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية‬
‫المشتركة أنه "في كل قضية يقع تعيين مقرر من بين أعضاء مجلس التأديب و ذلك من طرف رئيس هذا‬
‫المجلس على أن ال تكون له عالقة مباشرة بالقضية ‪ ،‬و يتولى المقرر تحرير محضر كتابي في المرافعات‬
‫وفي ما يتم إتخاذه من القرارات و يقع توقيع المحضر من طرف أعضاء مجلس التأديب"‪ ،‬و في صورة‬
‫رفض أحد األعضاء اإلمضاء على هذا المحضر يتعين عليه ذكر أسباب إمتناعه عن ذلك و إن لم يفعل يتولى‬
‫كاتب اللجنة تضمين هذا الموقف حسب ما ورد ذكره في الفصل ‪ 29‬من أمر ‪ 9‬جانفي ‪.1995‬‬

‫أثناء مناقشة الوقائع المعروضة على المجلس يتبين في الغالب وجود نوعين من المناقشات ‪ ،‬أعضاء يكتفون‬
‫بالموافقة على إدانة العامل لكنهم في المقابل يطلبون من رئيس المجلس التخفيف قدر اإلمكان من العقوبة‬
‫وأعضاء يرفضون قطعيا إدانة زميلهم ‪ ،‬لهذه األسباب يعتبر إثبات األفعال المنسوبة إلى العامل أو إثبات‬
‫عكسها يكاد يكون مفقودا حيث يصبح اإلثبات منحصرا في ما يعرفه ذاك العضو من معطيات عن العامل‪.1‬‬

‫عموما يضمن حق الدفاع للعامل حقوقه و لو نسبيا ‪ ،‬لكن كان من األفضل و األنجع‪ ،‬تحقيقا للتناسب أن يشمل‬
‫حق دفاع العامل عن نفسه مختلف أصناف العقوبات على غرار المشرع الفرنسي الذي أقر في الفصل ‪- 122‬‬
‫‪ 41‬فقرة أولى من مجلة الشغل الفرنسية أنه "ال يمكن تسليط أي عقوبة بدون إعالم األجير كتابة باألفعال‬
‫إليه"‪2‬‬ ‫المنسوبة‬

‫أن حق الدفاع من الحقوق المكفولة دستوريا ‪ ،‬حيث أ ّكد الفصالن ‪27‬‬


‫ّأما في القانون التونسي‪ ،‬و أ ّكد المشرع ّ‬
‫و ‪ 108‬على ّ‬
‫أن حق الدفاع مضمون في أطوار التتبع و المحاكمة أيضا إلى أنه يعتبر أه ّم تجسيد لمبدأ‬
‫المواجهة بين الخصوم‪ ،‬لهذه األسباب ر ّفع المشرع من أجل اإلعالم بالطرد إذا توفرت في ذلك األسباب‬
‫الحقيقية و الجدية و إذا كان عقد الشغل مبرما لمدة غير معينة و ضبطها الفصل ‪ 14‬مكرر من مجلة الشغل‬
‫بشهر قبل إنهاء العقد‪ ،‬و يكون اإلعالم بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع اإلعالم بالبلوغ مع ضرورة‬
‫بيان و شرح أسباب الطرد حسب ما إقتضاه الفصل ‪ 14‬ثالثا من نفس المجلة‪.‬‬

‫يوسف غجاتي‪ ،‬قانون الشغل و تطبيقاته‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪160‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪Catherine Puigelier, le pouvoir disciplinaire de l’employeur, Ed, économie, 1997, p 32‬‬

‫‪35‬‬
‫صت على‬ ‫و إذا كانت إحالة األجير على المجلس تكتسي مبدئيا صبغة وجوبية ‪ّ ،‬‬
‫فإن اإلتفاقية اإلطارية ن ّ‬
‫حاالت إستثنائية يجوز فيها للمؤجر أن يصدر قرار الطرد مباشرة دون المرور بمجلس التأديب‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬محدودية ضمانات األجير أثناء إنعقاد مجلس التأديب‪:‬‬

‫أقر الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة أنه " بالنسبة لعقوبات الدرجة الثانية‪ ،‬يقدم العامل جبرا لدى‬
‫لجنة التعادل التي تنتصب كمجلس تأديب" (أ)‪ ،‬إالّ أنه و في حاالت إستثنائية ّ‬
‫نص الفصل على إمكانية‬
‫المؤجر طرد األجير دون عرضه على مجلس التأديب (ب)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬إجبارية عرض األجير على مجلس التأديب في صورة تسليط عقوبة من الدرجة الثانية عليه‪:‬‬

‫نص الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة على إجبارية عرض األجير على مجلس التأديب عند تسليط‬
‫عقوبة من الدرجة الثانية عليه‪ ،‬و تعدّ عقوبات من الدرجة الثانية حسب نفس الفصل‪ " :‬التوقيف حتى الثالثين‬
‫يوما مع الحرمان من كل أجر ‪ ،‬إسقاط سلم‪ ،‬إسقاط درجة و العزل"‪ ،‬كما ّ‬
‫أن بعض اإلتفاقيات القطاعية‬
‫المشتركة أضافت عقوبات أخرى مثل عقوبة حذف منحة اإلنتاج"‪.1‬‬

‫عموما ‪ ،‬و في كل أشكال عقوبات الدرجة الثانية مبدئيا يحال األجير عن مجلس التأديب‪ ،‬عندئذ بإمكانه الدفاع‬
‫عن نفسه كما بإمكانه اإلستعانة بأحد العمال أو ممثل النقابة التي ينتمي إليها أو محام ‪ ،‬ثم يقع تدوين جلسة‬
‫التأديب في محضر و يتم تبليغ المؤجر بمقترح الطرد و يتم عندئذ توجيه قرار الطرد إلى األجير حسب ما‬
‫ورد بالفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‪ّ ،‬أما إذا كان العامل المطرود ممثال للعمال فال بدّ من عرض‬
‫قرار الطرد على تفقدية الشغل التي تبدي رأيها في ذلك‪ 2‬أوال ث ّم يقع القيام بإجراءات اإلعالم بإنهاء العالقة‬
‫الشغلية ثانيا‪.‬‬

‫في هذا اإلطار يمكن القول ّ‬


‫أن الضمانات الممنوحة لألجير محدودة نظرا لكونه ال يمكنه تقديم ملحوظات‬
‫خول له الفصل ‪54‬‬
‫والدفاع عن نفسه شفاهيا أو اإلستعانة بشهادة شهود على خالف الموظف العمومي الذي ّ‬
‫من القانون عدد ‪ 112‬لسنة ‪ 1983‬المؤرخ في ‪ 12‬ديسمبر ‪ 1983‬و المتعلق بضبط النظام األساسي العام‬
‫ألعوان الدولة و الجماعات العمومية المحلية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة اإلدارية ّ‬
‫أن مجلس التأديب‬
‫يبدي رأيه "بناء على المالحظات الكتابية المقدمة و عند اإلقتضاء على البيانات الشفاهية التي أدلى بها‬
‫المعني باألمر و الشهود و من تولى الدفاع عنه و كذلك على نتائج البحث الذي قد يكون ت ّم إجراءه"‪.‬‬

‫اإلتفاقية المشتركة لمعامل مشروبات غازية غير كحولية و عصير الغالل و المياه المعدنية المبرمة في ‪ 12‬مارس ‪1975‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل‬ ‫‪2‬‬

‫‪36‬‬
‫كما مدّد قانون ‪ 1983‬في األجل الذي يجب أن يبدي فيه مجلس التأديب رأيه ليتسنى له فحص المؤيدات التي‬
‫قدمها الموظف العمومي ‪ ،‬و قدر هذا األجل بشهر ‪ ،‬و يمكن ان يمدد لشهرين إذا ت ّم القيام ببحث بطلب من‬
‫مجلس التأديب‪.1‬‬

‫إالّ ّ‬
‫أن مجلة الشغل م ّكنت األجير من اللجوء إلى القضاء إذا إعتبر ّ‬
‫أن طرده كان طردا تعسفيا‪ ،‬حينئذ يتولى‬
‫القاضي مراقبة مدى تناسب الخطأ و العقوبة المسلطة ‪ ،‬فإذا ثبت له عدم وجاهة قرار الطرد فإنه يعتبره طردا‬
‫تعسفيا إالّ أنه ال يمكنه أن يقرر عقوبة أخرى تتناسب مع الخطأ المرتكب نظرا لكون ممارسة السلطة التأديبية‬
‫هي حكر على المؤجر فقط‪ ،‬و بالتالي يبقى للقاضي سوى إقرار ّ‬
‫أن العقوبة كانت تعسفية و يحكم بالتعويض‬
‫لألجير‪ ،‬و إذا كان المبدأ هو وجوبية عرض العامل على مجلس التأديب قبل صدور قرار الطرد ّ‬
‫فإن اإلتفاقية‬
‫اإلطارية المشتركة نصت على حاالت إستثنائية يجوز فيها للمؤجر أن يصدر قرار الطرد مباشرة دون‬
‫المرور بمجلس التأديب‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إمكانية طرد األجير دون عرضه على مجلس التأديب‪:‬‬

‫تتمثل هذه الحاالت اإلستثنائية حسب الفصل ‪ 37‬فقرة ‪ 6‬و ‪ 7‬من اإلتفاقية المشتركة في أوال صدور حكم‬
‫نهائي على العامل بعقاب بالسجن "خاصة من أجا جناية أو إنتحال وظيف زورا و اإلعتداء على األخالق‬
‫وشهادة الزور و خيانة مؤتمن و التحيل و الثلب و الوشاية باطال و الجنح المرتكبة ضدّ أمن الدولة سواء وقع‬
‫إرتكاب الهفوة بمناسبة قيام العمل بوظيفة أو خارج وظيفة"‪ ،‬و ثانيا‪ ،‬في صورة ما إذا عثر على العامل‬
‫"متلبسا بجريمة سرقة أو التحيل أو خيانة مؤتمن ثابتة بصورة قانونية و ذلك عند أدائه لعمله أو بمناسبة‬
‫القيام بعمله"‪.‬‬

‫فبالنسبة لصورة طرد العامل بسبب صدور حكم نهائي ضدّه يتضمن عقابا بالسجن من أجل جريمة ما ‪ ،‬لم‬
‫يحدد الفصل ‪ 37‬في فقرته السادسة بصورة حصرية الجرائم التي يرتكبها العامل و إنما إكتفى بذكر البعض‬
‫منها مستعمال عبارة "خاصة" و هو ما يدل على ّ‬
‫أن القاعدة التي أقرها الفصل ‪ 37‬تنسحب على جميع‬
‫الحاالت التي ترتكب فيها جريمة من طرف العامل أثناء العمل أو خارجه و تؤدي إلى إدانته بحكم نهائي يقر‬
‫عقوبة السجن ضده‪ ،‬إضافة إلى ّ‬
‫أن الفصل ‪ 37‬لم يشترط مدّة دنيا للعقوبة‪ ،‬كما لم يميّز "بين وضعية العامل‬
‫الذي يتعرض إلى عقوبة بالسجن مع التنفيذ حاال و العامل الذي يسعف بتأجيل التنفيذ‪.‬‬

‫أن "هذا الحلّ يفتقر إلى اإلنصاف"‪ ،‬إذ ال يعقل ّ‬


‫أن العامل الذي وقع إسعافه بتأجيل التنفيذ على‬ ‫و ال شك ّ‬
‫المستوى الجزائي نظرا لتوفر بعض ظروف التخفيف ‪،‬يكون معرضا ألقصى العقوبات تأديبيا مع حرمانه‬

‫الفصل ‪ 55‬من قانون ‪ 1983‬المتعلق بضبط النظام األساسي ألعوان الدولة و الجماعات المحلية‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪37‬‬
‫من ضمانات أساسية تتعلق بحق الدفاع قبل إصدار العقوبة ‪ ،‬تماما مثل العامل الذي صدر في شأنه حكم‬
‫التنفيذ"‪1‬‬ ‫بالسجن دون إسعافه بتأجيل‬

‫باإلضافة إلى ذلك ‪ ،‬إشترط الفصل ‪ 37‬أن يكون الحكم الصادر ضدّ العامل نهائيا‪ ،‬و الحكم النهائي هو "الحكم‬
‫غير القابل للطعن باإلستئناف و يكون حائزا لقوة األمر المقضي ألنه ال يقبل الطعن بطرق الطعن العادية"‪،2‬‬
‫و الجدير بالمالحظة ضرورة التمييز بين الحكم النهائي و الحكم البات ‪ ،‬هذا األخير يعرف بكونه "الحكم‬
‫الذي ال يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن العادية أو الغير عادية"‪.3‬‬

‫و في نفس السياق‪ ،‬أقرت محكمة التعقيب‪ 4‬بأن "رفع المؤجرة شكاية لوكالة الجمهورية في تتبع أجيرتها من‬
‫أجل الهفوة الفادحة المنسوبة إليها و التي تشكل في نفس الوقت جريمة ال يعدّ حجة على إقتراف هذه األخيرة‬
‫طالما لم يقع اإلدالء بحكم نهائي في إدانتها"‪.‬‬

‫ّأما بالنسبة لصورة طرد العامل‪ ،‬دون عرضه على مجلس التأديب من أجل إرتكابه لجرائم أثناء العمل أو‬
‫بمناسبته و كان في حالة تلبس‪ ،‬يالحظ ّ‬
‫أن الفصل ‪ 37‬في فقرته ‪ 7‬قد حدد بصفة حصرية الجرائم التي تشملها‬
‫حالة التلبس و هي جرائم السرقة‪ 5‬و خيانة المؤتمن‪ 6‬و الثلب‪.7‬‬

‫لم يعرف قانون الشغل هاته الجرائم و إكتفى بإعتبارها من األخطاء الفادحة الموجبة للطرد حسب أحكام‬
‫الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل‪.‬‬

‫باإلضافة إلى عدم تحديد مفهوم التلبس في المجال التأديبي‪ ،‬لذا وجب الرجوع إلى التعريف الوارد بالفصل‬
‫‪ 33‬من مجلة اإلجراءات الجزائية الذي إعتبر ّ‬
‫أن الجناية أو الجنحة تكون متلبسا بها"‪ ،‬أوال إذا كانت مباشرة‬
‫الفعل في الحال أو قريبة الحال‪ ،‬ثانيا إذا طارد الجمهور ذا الشبهة صائحا ورائه أو وجد هذا األخير حامال‬
‫ألمتعة أو وجدت به آثار أو عالمات تدل على إحتمال إدانته بشرط وقوع ذلك في زمن قريبا جدا من زمن‬
‫وقوع الفعلة‪ ،‬و يشبه الجناية أو الجنحة المتلبس بها كل جناية أو جنحة إقترفت بمحل سكنى إستنجد صاحبه‬
‫بأحد مأموري الضابطة العدلية لمعاينتها و لو لم يحصل إرتكابها في الظروف المبينة بالفقرة السابقة"‪.‬‬

‫و الظاهر ّ‬
‫أن المشرع إعتمد في تعريف الجريمة المتلبس بها مفهوما حقيقيا و كذلك مفهوما حكميا‪ ،‬فبالنسبة‬
‫للمفهوم الحقيقي للتلبس يتمثل في "القبض على الفاعل في الحال أو قريبا من الحال أو قريبا جدا من الحال‪،‬‬

‫‪ 1‬النوري مزيد‪ ،‬أثار التتبع الجزائي ضد ّ األجير على العالقة الشغلية‪ ،‬مجلة دراسات قانونية ‪ ،2005‬عدد ‪ ،12‬ص ‪137‬‬
‫‪ 2‬أحمد الجندوبي و الدكتور حسين بن سليمة‪ ،‬أصول المرافعات المدنية و التجارية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬تونس ‪ ،2011‬ص ‪374‬‬
‫‪ 3‬أحمد الجندوبي و الدكتور حسين بن سليمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪374‬‬
‫‪ 4‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 4174‬مؤرخ في ‪ 19‬جانفي ‪ ،2001‬أورده عصام األحمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪29‬‬
‫عرفها المشرع في الفصل ‪ 258‬و ‪ 263‬ثالثا من المجلة الجزائية‬‫‪ 5‬جريمة السرقة ّ‬
‫عرفها المشرع في الفصل ‪ 297‬من المجلة الجزائية‬
‫‪ 6‬جريمة خيانة المؤتمن ّ‬
‫‪ 7‬جريمة الثلب نظّمتها الفصول ‪ 245 ،246 ،247‬من المجلة الجزائية‬

‫‪38‬‬
‫ومن مظاهره الصورة األولى و الثانية من الفصل ‪ 33‬و في غياب الشروط المبينة به ال يمكن الحديث عن‬
‫حالة تلبس"‪ّ ،1‬أما بالنسبة للتلبس الحكمي فهو "مفهوم يمتد إلى الحاالت المشابهة للتلبس‪ ،‬و هي صورة إن‬
‫"تقترف جناية أو جنحة بمحل سكنى و إستنجد صاحبه بأحد مأموري الضابطة العدلية لمعاينتها و لو لم‬
‫يحصل إرتكابها في الظروف المبينة في الحاالت السابقة"‪.2‬‬

‫بالتالي يعتد في المجال التأديبي بحاالت التلبس الحقيقية فقط دون حاالت التلبس الحكمي بإعتبار ّ‬
‫أن الجريمة‬
‫إرتكبت أثناء العمل أو بمناسبته‪ ،‬لكن هذا األمر ال يخلو من خطورة بالنسبة للعامل‪ ،3‬حيث ّ‬
‫أن حالة التلبس‬
‫حسب الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية تبرر طرده دون إحالته على مجلس التأديب و الحال أنه لم تقع إدانته‬
‫بعد على المستوى الجزائي‪ ،‬و لم تتوفر له فرصة الدفاع عن نفسه‪.‬‬

‫في هذا السياق أكدت محكمة التعقيب‪ّ 4‬‬


‫أن "ضبط األجيرة متلبسة بجريمة السرقة المنسوبة إليها و إعترافها‬
‫بذلك عند إستنطاقها من طرف أعوان مركز الحرس الوطني و طلبها العفو من مؤجرها ال مجال معه للتمسك‬
‫بعدم حصول عرضها على مجلس التأديب‪ ،‬كما ّ‬
‫أن تمسك محكمة الموضوع بتفاهة المسروق ال تأثير له على‬
‫اآلثار القانونية المترتبة عن ضبط األجيرة متلبسة بإرتكابها جريمة سرقة خادمة لمخدومها و المتمثلة في‬
‫تخويل المؤجرة حق إتخاذ قرار عزلها من العمل نهائيا"‪.‬‬

‫و قد يصبح الوضع أكثر خطورة‪ 5‬إذا تعلق األمر بطرد أجير له صفة نائب للعملة ‪ ،‬إذا في صورة تلبسه‬
‫بجريمة يقع طرده مباشرة دون المرور بمجلس التأديب و دون المرور أيضا باإلجراءات الخاصة بطرد‬
‫نص عليها الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل‪.‬‬
‫ممثلي العملة التي ّ‬

‫رغم عدم وجود إجابة واضحة على مستوى النصوص ‪ ،‬إعتبر الفقهاء ّ‬
‫أن حالة التلبس ال يمكن أن تبرر عدم‬
‫تطبيق إجراءات الفصل ‪ 166‬كلما تعلق األمر بطرد أحد نواب العملة‪ ،‬فهي إجراءات تقوم على أحكام آمرة‬
‫وتتعلق بالنظام العام‪ ،‬و بالتالي ال يجوز إزاحتها بمجرد اإلستناد إلى أحكام تعاقدية ال ترقى قيمتها إلى مكانة‬
‫النص التشريعي مهما كانت أهميتها‪ ،6‬إذ نصت الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 166‬أن الطرد "يعتبر تعسفيا إذا‬
‫ت ّم دون إحترام اإلجراءات المنصوص عليها بالفقرتين األولى و الثانية من هذا الفصل"‪.‬‬

‫عموما ‪ّ ،‬‬
‫فإن طرد العامل دون عرضه على مجلس التأديب في الصور اإلستثنائية الواردة بالفصل ‪ 37‬من‬
‫اإلتفاقية اإلطارية مردّه إرتكاب العامل لخطأ مزدوج له صبغة مهنية و جزائية في نفس الوقت‪ ،‬فاألجير يبقى‬

‫‪ 1‬د علي كحلون‪ ،‬دروس في اإلجراءات الجزائية‪ ،‬طبعة ثانية ‪ ،‬تونس ‪ ،2013‬ص ‪221‬‬
‫‪ 2‬د علي كحلون‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪223‬‬
‫‪ 3‬النوري مزيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪138‬‬
‫‪ 4‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 18091‬مؤرخ في ‪ 29‬سبتمبر ‪ ،2007‬نشرية محكمة التعقيب‪ ،‬قسم مدني و مرافعات‪ ،‬جزء ‪ 1‬لسنة ‪ ،2007‬ص ‪35 5‬‬
‫‪ 5‬النوري مزيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪139‬‬
‫‪ 6‬النوري مزيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪139‬‬

‫‪39‬‬
‫كغيره من أفراد المجتمع يتحمل مسؤولية أفعاله سواء داخل المؤسسة أو خارجها‪ ،‬و خاصة إذا تعلق األمر‬
‫بسلوك منحرف يدخل تحت طائلة القانون الجزائي‪.‬‬

‫و المالحظ ّ‬
‫أن كل من القانون التأديبي و القانون الجزائي يسعى إلى الردع و الزجر و فرض عقوبات عند‬
‫إقتراف العامل ألفعال تتسبب في تعطيل نشاط المؤسسة بصفة غير قانونية ‪ ،‬كما ّ‬
‫أن إزدواجية خطأ العامل‬
‫من شأنه أن يؤدي إلى الجمع بين العقوبة التي يقرها القاضي الجزائي تجاه ذلك العامل و العقوبة التي يسلطها‬
‫المؤجر في نطاق نفوذه التأديبي و التي قد تصل إلى حدّ العزل من العمل‪.‬‬

‫إالّ ّ‬
‫أن إرتباط القانون التأديبي بالقانون الجزائي و تناغمهما ال ينفي خصوصية كل منهما التي تتبلور خاصة‬
‫على مستوى إختالف الغايات التي يسعى إلى تحقيقها كل منهما‪ ،‬فالقانون الجزائي يهدف أساسا إلى حماية‬
‫المجتمع من األفعال و التصرفات التي من شأنها أن تخل باألمن اإلجتماعي و تلحق ضررا بالمصلحة‬
‫العامة‪.‬‬

‫ّأما القانون التأديبي فيهدف إلى حماية مصلحة خاصة ألفراد داخل المؤسسة‪ ،‬و يضمن السير العادي لهذه‬
‫األخيرة‪ ،‬إضافة إلى ذلك يخضع القانون الجزائي لمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات‪ّ ،‬أما قانون الشغل فقد‬
‫أورد قائمة في األخطاء الموجبة للطرد صلب الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل و يترتب عن ذلك إستقاللية‬
‫الخطأ التأديبي عن الخطأ الجزائي‪ ،‬سواء من حيث آليات مراقبته أو معايير تقديره‪ ،‬و هو ما يفسر إختالف‬
‫مهمة القاضي في كل منهما‪.‬‬

‫ففي القانون التأديبي يمارس المؤجر سلطة تسمح له بتسليط الجزاء على العامل الذي إرتكب الخطأ دون‬
‫المرور بالجهاز القضائي‪ ،‬و ال يتدخل القاضي الشغلي إالّ الحقا لمراقبة مدى تناسب العقوبة مع الخطأ ‪ ،‬و إذا‬
‫تبين له أن قرار الطرد كان تعسفيا فإنه ال يمكن إبطاله و يقتصر دوره على إلزام المؤجر بالتعويض‪.‬‬

‫في المقابل يبقى تسليط العقوبة في القانون الجزائي حكرا على الجهاز القضائي مع توفر كامل الضمانات‬
‫القانونية للمتهم الذي يبقى بريئا إلى أن تثبت إدانته‪1‬ن إضافة إلى تقدير األفعال المنسوبة للعامل ال يخضع في‬
‫قانون الشغل لنفس المعايير التي يقع إعتمادها في القانون الجزائي الذي يقوم على مبدأ شرعية الجرائم و‬
‫العقوبات‪ ،2‬فالقاضي الشغلي مطالب بتقدير إنعكاسات سلوك العامل على سير المؤسسة بقطع النظر ّ‬
‫عما إذا‬
‫كان ذلك السلوك يدخل تحت طائلة أحكام جزائية أم ال‪ ،‬و نظرا إلستقاللية الخطأ التأديبي عن الخطأ الجزائي‬
‫فيما يتعلق بممارسة المؤجر لنفوذه داخل المؤسسة و ما يترتب عنه من خصوصية كل من القاضي الجزائي‬
‫و القاضي الشغلي ّ‬
‫فإن التساؤل يطرح حول مدى تقيد القاضي الشغلي بالدعوى العمومية‪.‬‬

‫‪ 1‬الفصل ‪ 27‬من دستور ‪2014‬‬


‫‪ 2‬الفصل ‪ 28‬من دستور ‪2014‬‬
‫الفصل ‪ 1‬من المجلة الجزائية‬

‫‪40‬‬
‫لقد نصت مجلة اإلجراءات الجزائية في فصلها السابع قاعدة تفيد ّ‬
‫أن الجزائي يوقف النظر في المدني أي انه‬
‫يتعين على القاضي المدني أن يعلق النظر في الدعوى المدنية التي لها إرتباط بالدعوى العمومية "إلى أن‬
‫يقضي بوجه بات" في هذه الدعوى من قبل الدائرة الجزائية‪.‬‬

‫لكن قاعدة الفصل ‪ 7‬من مجلة اإلجراءات الجزائية ال تنطبق إالّ إذا كان القائم بالدعوى المدنية هو المتضرر‬
‫من الجريمة موضوع الدعوى العمومية‪ ،‬و هو ما ال يتطابق مع الوضعية التي تطرح أمام القاضي الشغلي‬
‫إثر طرد العامل الذي تعرض في نفس الوقت لتتبع جزائي‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن األجير الذي قام بالدعوى الشغلية ليس هو‬
‫المتضرر من الجريمة موضوع الدعوى الجزائية و إنما هو مرتكبها‪.‬‬

‫و يبقى السؤال مطروحا حول مدى إحترام القاضي الشغلي لما قضي به جزائيا حتى ال تكون األحكام‬
‫متناقضة في ظاهرها ‪ ،‬في هذا اإلطار نص الفصل ‪ 101‬من مجلة اإللتزامات و العقود مبدأ ينص على ّ‬
‫أن‬
‫"الحكم الصادر من محكمة جزائية يترك سبيل متهم ال يؤثر في مسألة تعويض الخسارة الناشئة من الفعل‬
‫الذي قامت به التهمة و هذا الحكم يجري في صورة سقوط الدعوى بسبب وفاة المتهم أو لصدور عفو عام"‪.‬‬

‫و نظرا لخصوصية قانون الشغل و إستقالل الخطأ التأديبي عن الخطأ الجزائي‪ ،‬لم يقبل فقه القضاء في المادة‬
‫الشغلية بمبدأ حجية الحكم الجزائي على المدني‪ ،‬حيث إعتبرت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة ّ‬
‫أن إقرار‬
‫القاضي الجزائي بأن التوقف عن العمل من طرف العامل ال تتوفر فيه صفة اإلضراب غير الشرعي‪ ،‬ال يمنع‬
‫القاضي الشغلي من إعتبار هذا التوقف عن العمل إخالال بالعقد و ليس في ذلك مناقضة للحكم الجزائي ّ‬
‫ألن‬
‫نفي المسؤولية الجزائية عن الفعل ال يقتضي حتما نفي المسؤولية المدنية عنه‪ ،‬و هو مفهوم الفصل ‪101‬من‬
‫المجلة المدنية‪.1‬‬

‫عموما ال يتقيد القاضي الشغلي بالوصف القانوني الذي أعطاه القاضي الجزائي لتلك األفعال‪ ،‬و لهذا ّ‬
‫فإن‬
‫إعتبار القاضي ّ‬
‫أن األفعال المنسوبة لألجير ال تكفي إلقرار مسؤوليته الجزائية ال يمنع القاضي الشغلي من‬
‫مما يشكل سببا حقيقيا و جديا للطرد‪ ، 2‬و قد أقرت محكمة‬
‫أن يقر بوجود خطأ مهني على نفس األفعال‪ّ ،‬‬
‫التعقيب ّ‬
‫أن "حفظ الدعوى العمومية في خصوص التهمة الجزائية المنسوبة للعاملة ال يحول دون إلعتبارها‬
‫مرتكبة لخطأ مدني فادح يبرر إنهاء العالقة الشغلية"‪.3‬‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني صادر عن الدوائر المجتمعة عدد ‪ 50234‬في ‪ 29‬فيفري ‪ ،1996‬قرارات الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب ‪،1996- 1995‬‬
‫ص ‪45‬‬
‫‪ 2‬النوري مزيد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪158‬‬
‫‪ 3‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 7483‬مؤرخ في ‪ 30‬مارس ‪ ،2001‬أورده عصام األحمر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪28‬‬

‫‪41‬‬
‫في المقابل ‪،‬ال يشكل إقرار المسؤولية الجزائية لألجير مانعا أمام القاضي الشغلي إلعتبار الطرد كان تعسفيا‬
‫مما يؤدي إلى حصول ذلك األجير على التعويض سواء على أساس ّ‬
‫أن األفعال المنسوبة له ال تشكل سببا‬ ‫ّ‬
‫حقيقيا أو جديا للطرد أو على أساس خرق المؤجر إلجراءات الطرد‪.‬‬

‫عموما و بناءا على ما سبق ذكره‪ّ ،‬‬


‫سن قانون الشغل عدّة قواعد تدعم نفوذ المؤجر داخل المؤسسة سواء على‬
‫األشياء أو على األشخاص التابعين له‪ ،‬لكنه في نفس الوقت أقر حماية األجير بحكم ما يميّز وضعيته من‬
‫تبعية و خضوع تجاه مؤجره‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬خضوع األجير و تبعيته لسلطة المؤجر‪:‬‬

‫عرف الفصل ‪ 6‬من مجلة الشغل عقد الشغل بكونه "إتفاقية يلتزم بمقتضاها أحد الطرفين و يسمى عامال أو‬
‫ّ‬
‫أجيرا بتقديم خدماته للطرف اآلخر و يسمى مؤجرا‪ ،‬و ذلك تحت إدارة و مراقبة هذا األخير و بمقابل أجر"‪.‬‬

‫من خالل هذا التعريف يمكن القول ّ‬


‫أن العالقة الشغلية هي قبل كل شيء عالقة خضوع و إذعان من جانب‬
‫مما يسمح لهذا األخير بأن يدعم سلطته على األشياء بسلطته على األشخاص التابعين له‪.‬‬
‫األجير نحو مؤجره‪ّ ،‬‬

‫و لتحديد مجال تبعية األجير لمؤجره ال بدّ من بيان مظاهرها (الفقرة األولى)‪ ،‬ثم ذكر آثارها (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مظاهر خضوع األجير لسلطة المؤجر‪:‬‬

‫عرف الفصل ‪ 6‬من مجلة الشغل عقد الشغل بكونه "إتفاقية يلتزم بمقتضاها أحد الطرفين و يسمى عامال أو‬
‫ّ‬
‫أجيرا بتقديم خدماته للطرف اآلخر و يسمى مؤجرا و ذلك تحت إدارة و مراقبة هذا األخير و بمقابل أجر"‪.‬‬

‫يستشف من هذا التعريف ّ‬


‫أن عقد الشغل له ثالث عناصر و هي أوال عمل يقوم به األجير لفائدة مؤجره و ثانيا‬
‫أن يكون هذا العمل بمقابل أجر بإعتبار عقد الشغل من عقود المعاوضة و على هذا األساس ّ‬
‫فإن القيام بعمل‬
‫مجاني أو على وجه اإلعارة ال يعد عقد شغل‪ ،‬و ثالثا يجب أن يكون العمل الذي يقوم به األجير تحت إدارة‬
‫ومراقبة مؤجره أي أن يكون األجير في تبعية لهذا األخير التي لها أصنافها (أ) و أسسها (ب)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬أصناف تبعية األجير لمؤجره‪:‬‬

‫تراوح مفهوم التبعية في العالقة الشغلية بين التبعية اإلقتصادية و التبعية القانونية التي تعتبر المعيار الذي‬
‫يميّز عقد الشغل عن عدّة عقود مجاورة له على غرار عقد الشركة‪ 1‬الذي يفترض وجود شركاء على قدم‬
‫مما يفترض‬
‫المساواة‪ ،‬فال أحد يعطي أوامر لآلخر و ال وجود لتبعية قانونية لطرف إزاء طرف آخر ّ‬

‫نظم المشرع عقد الشركة في الفصول ‪ 1249‬و ما بعده من مجلة اإللتزامات و العقود و كذلك في مجلة الشركات التجارية‬ ‫‪1‬‬

‫‪42‬‬
‫المشاركة في الربح و تحمل الخسارة و كل هذه الخاصيات تم ّيز عقد الشركة عن عقد الشغل‪ ،‬الذي بدوره‬
‫يختلف عن عقد المقاولة أو عقد اإلجارة على الصنع‪ ،1‬فالمقاول ينجز عمله بكل حرية دون مراقبة في كل ما‬
‫يتعلق بوسائل العمل أو مكانه أو توقيته‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك يختلف عقد الوكالة‪ 2‬عن عقد الشغل‪ ،‬فبالرغم من ّ‬
‫أن الوكيل يتلقى التعليمات في أداء عمله من‬
‫موكله إالّ أنه ال تربطهما تبعية قانونية على شاكلة تلك التي تربط المؤجر باألجير‪.‬‬

‫و التبعية القانونية يمكن تعريفها بأنها خضوع األجير إلى السلطة القانونية و الفعلية فيما يخص تنفيذ العمل‬
‫الذي يتم تحت رقابته‪ ،3‬كما يستنتج من عبارات الفصل السادس من مجلة الشغل ّ‬
‫أن األجير ينجز عمله بصفة‬
‫شخصية فال يمكن أن يعين من يعوضه دون موافقة المؤجر ‪ ،‬هذا األخير يمارس مراقبته ال فقط على كيفية‬
‫ممارسة العمل و الوسائل التي يستعملها األجير و إنما أيضا على نتائج العمل‪ ،‬و التبعية القانونية قد تكون‬
‫تبعية فنية و هي أقوى صور التبعية في عقد الشغل‪ 4‬و أشدها على العامل‪ ،‬إذ يخضع هذا األخير لرقابة‬
‫وإشراف صاحب العمل في كافة التفاصيل الفنية‪ ،‬و تبعا لذلك يشرف المؤجر على عمل األجير إشرافا كامال‬
‫فهو من يوجهه و يراقبه و يسلط عليه جزاءا في صورة اإلهمال أو التقصير و تفترض هذه التبعية اإللمام‬
‫الكافي لصاحب العمل بخصوص العمل المسند لألجير حتى يتمكن من مراقبته و اإلشراف على عمله‪.‬‬

‫كما قد تكون تبعية تنظيمية إدارية تقتصر على اإلشراف على الظروف الخارجية التي يتم فيها تنفيذ العمل‬
‫كتحديد مكانه و زمانه و ال تتطلب في المؤجر أن يكون ملما بأصول العمل‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك يعتبر عقد الشغل عقد تبعية إقتصادية لألجير إزاء مؤجره حيث يعتبر األجر الوسيلة‬
‫األساسية التي يعيش منها األجير و بالتالي يصبح تابعا إقتصاديا للمؤجر مما يحول دون تعاطيه عمال آخر‬
‫وبذلك يجد نفسه في مركز خضوع إقتصادي لمؤجره‪.‬‬

‫عموما يخضع األجير لتبعية مؤجره عند أدائه لعمله نتيجة إمتالك هذا األخير لوسائل اإلنتاج و رأس المال‪.‬‬

‫ب ‪ -‬أسس تبعية األجير لمؤجره‪:‬‬

‫تتميّز العالقة الشغلية بعدم التكافئ بين األطراف المتعاقدة ‪ ،‬فمن جهة األجير تبعية و خضوع ألوامر‬
‫المؤجر ‪ ،‬و من جهة المؤجر سلطة و نفوذ‪.‬‬

‫‪ 1‬نظم المشرع عقد المقاولة أو اإلجارة على الصنع في الفصول ‪ 866‬إلى ‪ 887‬المن مجلة اإللتزامات و العقود‬
‫‪ 2‬نظم المشرع عقد الوكالة في الفصول من ‪ 1104‬إلى ‪ 1171‬من مجلة اإللتزامات و العقود‬
‫‪ 3‬المنجي طرشونة‪ ،‬اإلختصاص الحكمي لدوائر الشغل‪ ،‬ملتقى القضاء اإلبتدائي‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ‪ ،1999‬ص ‪351‬‬
‫‪ 4‬محمد الهادي بن عبد هللا‪ :‬نزاعات الشغل و الضمان اإلجتماعي (تشريعان فقها‪ ،‬قضاء)‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬

‫‪43‬‬
‫في هذا السياق ‪ ،‬أقرت محكمة التعقيب ّ‬
‫أن "من أهم أركان عقد الشغل أن يستمد األجير كامل سلطته من‬
‫مستأجره و أن يكون عمله دوما في نطاق األذون التي يتلقاها منها"‪.1‬‬

‫بناء على ما تقدّم ‪ ،‬تعود تبعية األجير للمؤجر إلى سلطة و نفوذ هذا األخير التي يستمدها حتما من ملكيته‬
‫يخول له ممارسة سلطة اإلدارة و اإلشراف و التسيير‪.‬‬
‫لوسائل اإلنتاج و رأس المال و الذي ّ‬

‫و حق الملكية هو حق دستوري أفرد الفصل ‪ 41‬من دستور جانفي ‪ ،2014‬و بما ّ‬


‫أن قانون الشغل لم‬
‫عرف حق الملكية بكونه " الحق‬
‫يعرفه فإنه يمكن الرجوع إلى الفصل ‪ 17‬من مجلة الحقوق العينية الذي ّ‬
‫يخول لصاحب الشيء وحده إستعماله و إستغالله و التفويت فيه"‪.‬‬
‫الذي ّ‬

‫هذه السلطات يمارسها شخص المالك وحده على الشيء موضوع الحق فهي إذن بمثابة المنافع المنجرة‬
‫عن الشيء موضوع الملك و التي يحتفظ بها المالك بواسطة الملكية بما هي تقنية قانونية تسمح بذلك‪.‬‬

‫و حق الملكية في مفهومه المدني هو " أوسع الحقوق العينية نطاقا و أشملها سلطة"‪.2‬‬

‫في المقابل يختلف حق ملكية المؤجر عن المفهوم الكالسيكي لحق الملكية فهو حق ال يتسلط على مجرد‬
‫شيء و إنما هو يتسلط على المؤسسة بما هي " تجمع بشري و تراكم لرأس المال في آن واحد"‪ ، 3‬و بذلك‬
‫تنتج التبعية آثارها‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬آثار التبعية‪:‬‬

‫ينتج عن تبعية األجير لمؤجره عدّة إلتزامات على عاتقه (ب)‪ ،‬كما تمنح للمؤجر بموجب ملكيته لوسائل‬
‫اإلنتاج مجموعة من الصالح يات تتسلط في ذات الوقت على العنصر المالي و العنصر البشري المكونان‬
‫للمؤسسة (أ)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬سلطات المؤجر المترتبة عن التبعية‪:‬‬

‫تقتضي التبعية على األجير تنفيذ عمله تحت مراقبة و سلطة المؤجر الذي يعطي األوامر و يراقب التنفيذ‪.‬‬

‫و بذلك تتمثل صالحيات المؤجر في سلطة إصدار األوامر و سلطة المراقبة و اإلشراف و سلطة التأديب‪،‬‬
‫و بمقتضى التبعية القانونية يمارس المؤجر سلطة إصدار التعليمات التي يراها مناسبة بخصوص العمل‬
‫و بكيفية التنفيذ‪ ،‬و يعبر عن هذه الصالحيات بسلطة اإلدارة التي تخو ل للمؤجر الحق في إصدار األذون‬
‫وإتخاذ كل القرارات المتعلقة بنشاط العامل و بتنظيم العمل داخل المؤسسة‪ ،‬و تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أن‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 6975‬مؤرخ في ‪ 6‬جوان ‪ ،2001‬نشرية محكمة التعقيب لسنة ‪،2001‬القسم المدني‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪217‬‬
‫‪ 2‬محمد كمال شرف الدين‪ ،‬قانون األموال‪ ،‬محاضرات مرقون‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ‪ ،2001- 2000‬ص ‪41‬‬
‫‪3 Jean Savatier, « pouvoir patrimonial et direc tion des personnes », rev, dt ; soc, n° 1 , 1982, p 1‬‬

‫‪44‬‬
‫المؤجر يستأثر بصالحيات تسيير و تنظيم العمل داخل المؤسسة‪ ،‬بإعتبار ّ‬
‫أن األجير قد خضع لنفوذ‬
‫مما يبرز عالقة التبعية‪ ،‬فيكون األجير قد قبل مسبقا بأن يتولى للمؤجر‬
‫المؤجر عند إبرام عقد الشغل ّ‬
‫تسيير و تنظيم عمله من خالل قرارات أحادية الجانب‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬يمارس المؤجر سلطته التأديبية إذا تبيّن له ّ‬


‫أن األجير قد خالف تعليماته بشكل يضر‬
‫بمصلحة المؤسسة ‪ ،‬و بالرجوع إلى أحكام الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلدارية المشتركة‪ ،‬يصدر المؤجر‬
‫عقوبات من الدرجة األولى على ا لعامل بصورة مباشرة بعد أن يمكنه من حق الدفاع‪ ،‬أما إذا كانت‬
‫العقوبات من الدرجة الثانية ‪ّ ،‬‬
‫فإن العامل يقدم وجوبا على مجلس التأديب الذي يكتفي بإعطاء رأيه للمؤجر‬
‫في العقوبة المسلطة على العامل‪.‬‬

‫و يعود ذلك لكون المؤجر يتمتع بسلطة عامة في تقدير األفعال الموجبة للعقاب ‪ ،‬و في إختيار العقوبة‬
‫المناسبة لها‪ ،‬و ما على األجير إالّ اإللتزام بأوامر المؤجر كي ال يتعرض للعقاب‪.‬‬

‫ب ‪ -‬إلتزامات األجير المترتبة عن التبعية‪:‬‬

‫ّ‬
‫نظم المشرع إلتزامات األجير في الفصول من ‪ 10‬إلى ‪ 13‬من مجلة الشغل ‪ ،‬حيث إعتبر في الفصل ‪10‬‬
‫ّ‬
‫أن "العامل يعتبر مسؤوال عن نتائج عدم إنجاز التعليمات التي تلقاها إذا كانت قطعية و لم يكن له أي عذر‬
‫جدي لمخالفتها‪.‬‬

‫و يترتب هذا اإللتزام عن السلطة التنظيمية للمؤجر و عن رابطة التبعية القانونية التي تقتضي الخضوع‬
‫إلشرافه و مراقبته‪.‬‬

‫كما فرض المشرع على األجير اإللتزام بأحكام الوقاية الموضوعة بالمؤسسة لحماية الصحة و السالمة‬
‫المهنية و منها تنفيذ تعليمات المؤجر المتعلقة بحماية صحته و سالمته و سالمة العاملين معه بالمؤسسة مع‬
‫ضرورة إستعمال الوسائل الموضوعة على ذمته لتحقيق هذه الغاية و المحافظة عليها حسب أحكام الفصل‬
‫‪ 12‬فقرة ‪ 3‬من مجلة الشغل‪.‬‬

‫أن اإلخالل باإللتزام بالخضوع ألوامر المؤجر ال يعدّ خطأ إالّ إذا كانت أوامر المؤجر قطعية أو‬
‫إالّ ّ‬
‫واضحة و ال تدع مجاال للشك في وجوب إحترامها‪ ،1‬و في صورة عدم إمتثال األجير ألوامر مؤجره رغم‬
‫وضوحها أجاز القانون للمؤجر أن يسلط عقوبة تأديبية على العامل تتمثل في عقوبة الطرد‪ ،‬إذ إعتبر‬
‫الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل أنه يعتبر من األخطاء الفادحة التي تبرر الطرد " اإلمتناع غير المبرر‬

‫‪ 1‬زكية صافي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪134‬‬

‫‪45‬‬
‫عن تنفيذ األوامر المتعلقة بالعمل و الصادرة بصفة قطعية عن الهيئات المختصة بالمؤسسة التي تشغل‬
‫العامل أو عن رئيسه"‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك ‪ ،‬يعتبر الع امل مطالبا بالسهر و المحافظة على األشياء التي أعطيت له للقيام باألعمال‬
‫التي كلف بها‪ ،‬و عليه أن يرجعها بعد إتمام عمله و هو المسؤول عن فقدها أو تعطيبها إذا كان ذلك نتيجة‬
‫غلط منه حسب ما ورد بالفصل ‪ 11‬من مجلة الشغل ‪ ،‬و الفصل ‪ 45‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‪،‬‬
‫و يرجع إلتزام العامل بالسهر و المحافظة على األشياء إلى أنه مؤتمن عليها بإعتبار ّ‬
‫أن ملكية هاته األشياء‬
‫تعود إلى المؤجر ‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫أن األجير يتحمل واجب األمانة تجاه المؤسسة و هو مبدأ عام كرسه الفصل‬
‫‪ 243‬من مجلة اإللتزامات و العقود و يشمل واجب األمانة بذل األجير العناية الالزمة في تنفيذ العقد‬
‫وإلتزامه بالمحافظة على المعدات و األشياء التابعة للمؤسسة و التي وضعت على ذمته للقيام باألعمال‬
‫التي كلّف بها و بالتالي يكون مسؤوال عن فقدانها أو تعطيبها إذا كان ذلك نتيجة لخطأ منه‪ ،‬كما يعتبر‬
‫مسؤوال عن سرقة أو إتالف األشياء التي يتحتم عليه إرجاعها إلى مؤجره‪ ، 1‬لكن ال يعتبر العامل مسؤوال‬
‫عن التعطيب أو الضياع الناتج عن أمر طارئ أو قوة قاهرة إالّ في صورة وجوب إرجاع األشياء التي‬
‫تسلمها‪.2‬‬

‫و في صورة إخالل األجير بواجب األمانة ‪ ،‬يتمتع المؤجر بسلطة طرد ذلك العامل إلرتكابه خطأ فادح‬
‫على معنى الفصل ‪ 14‬رابعا من مجلة الشغل‪ ،‬و ذلك دون عرضه على مجلس التأديب في صورة تلبسه‬
‫بجريمة السرقة حسب ما ورد بالفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‪.‬‬

‫أن المشرع إستعمل عبارة "األشياء" و الحال ّ‬


‫أن مفهوم الشيء واسع جدا يتجاوز‬ ‫و الجدير بالمالحظة هو ّ‬
‫أن األموال ما هي إالّ جزء من‬
‫أن يستوعب مفهوم المال "فليس كل شيء مال لكن كل مال شيء"‪ ،3‬و ّ‬
‫األشياء‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك ‪ ،‬يفرض اإللتزام بأوامر المؤجر و الخضوع إلى سلطته عدم إفشاء سر مهني من أسرار‬
‫المؤسسة‪ ،‬و قد فرضت مجلة الشغل عقوبات تأديبية عند إفشاء األسرار المهنية للمؤسسة و إعتبرته خطأ‬
‫فادحا موجبا للطرد عالوة على ّ‬
‫أن المجلة الجزائية فرضت عقوبات زجرية لمن يفشي أسرار الصنع‬
‫وذلك صلب الفصل ‪ 137‬من المجلة الجزائية‪.‬‬

‫‪ 1‬الفصل ‪ 13‬من مجلة الشغل‬


‫‪ 2‬النوري مزيد‪" :‬واجب أمانة األجير تجاه المؤسسة"‪ ،‬ملتقى علمي حول مصلحة المؤسسة في القانون اإلجتماعي‪ ،‬الحمامات ‪ 22‬و ‪ 23‬جوان‬
‫‪ ،2007‬ص ‪20‬‬
‫‪ 3‬محمد كمال شرف الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪2‬‬

‫‪46‬‬
‫و يشمل واجب األمانة بذل األجير العناية الالزمة في تنفيذ العقد و إلتزامه بالمحافظة على المعدات‬
‫واألشياء التابعة للم ؤسسة و التي وضعت على ذمته للقيام باألعمال التي كلف بها و بالتالي يكون مسؤوال‬
‫عن فقدانها أو تعطيبها إذا كان ذلك نتيجة لخطأ منه‪ ،‬كما يعتبر مسؤوال عن سرقة أو إلتالف األشياء التي‬
‫يتحتم عليه إرجاعها إلى مؤجره‪ .1‬لكن ال يعتبر العامل مسؤوال عن التعطيب أو الضياع الناتج عن أمر‬
‫طارئ أو قوة قاهرة إالّ في صورة وجوب إرجاع األشياء التي تسلمها"‪.2‬‬

‫‪ 1‬الفصل ‪ 13‬من مجلة الشغل‬


‫‪ 2‬النوري مزيد‪ " ،‬واجب أمانة االجير تجاه المؤسسة"‪ ،‬ملتقى علمي حول مصلحة المؤسسة في القانون اإلجتماعي‪ ،‬الحمامات‪ 22 ،‬و ‪ ،23‬جوان‬
‫‪ ،2007‬ص ‪20‬‬

‫‪47‬‬
‫خاتمة الجزء األول‪:‬‬
‫لم ينظم المشرع مسألة التناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير تنظيما محكما و إكتفى بتكريسها‬
‫تكريسا عرضيا‪ ،‬فبالرغم من إرسائه هيكال تأديبيا يحد من سلطة المؤجر في تسليط العقاب إالّ أنه لم يعممه‬
‫على كافة المؤسسات و إكتفى بإقرار وجوبية وجوده في كل مؤسسة تشغل أربعين عامال قارا على األقل‪،‬‬
‫إضافة إلى محدودية رقابة مجلس التأديب للعقوبات فرقابته ال تشمل إالّ عقوبات الدرجة الثانية‪ ،‬كما أنه‬
‫رأيه غير ملزم للمؤجر بل يكتفي بإبداء رأي إستشاري‪.‬‬

‫هذا باإلضافة ‪ ،‬إلى توجه خيارات المشرع نحو تحقيق مصلحة المؤسسة نظرا للنزعة الليبرالية التي‬
‫يتبناها ‪ ،‬و بما ّ‬
‫أن مفهوم مصلحة المؤسسة هو مفهوم غامض إلرتباطه بمفهوم المؤسسة الذي يعتبر حديثا‬
‫نسبيا في دراسات القانونية فقد إستغل المؤجر هذا الغمو ض فكل ما يهدد مصلحة المؤسسة و يعرقل‬
‫سيرها العادي يعتبر خطأ فادحا موجبا للطرد على غرار اإلضراب غير الشرعي ‪ ،‬و نتيجة لذلك‪ ،‬أصبح‬
‫للمؤجر حرية مطلقة في وضع النظام الداخلي للمؤسسة و تحديد محتواه و مرد ذلك ملكيته لوسائل اإلنتاج‬
‫و ما يترتب عنها من سلطة تسيير و إشر اف و تأديب في ظل غياب رقابة على النظام الداخلي‪.‬‬

‫و تعتبر محدودية ضمانات األجير عند عرضه على مجلس التأديب من مظاهر التكريس العرضي لمبدأ‬
‫التناسب‪ ،‬فاألجير ال يتسنى له الدفاع عن نفسه إالّ في صورة ما إذا سلطت عليه عقوبة من الدرجة الثانية‪.‬‬

‫ّأما في صورة مؤاخذته ال جزائية فيجوز للمؤجر طرده دون المرور بمجلس التأديب‪ .‬و بالنظر إلى طبيعة‬
‫عقد الشغل‪ ،‬يعتبر األجير في وضعية تبعية إزاء مؤجره إذ ينجز عمله تحت رقابة مؤجره و طبقا‬
‫لتعليماته‪ ،‬و يعود ذلك إلى سلطة رئيس العمل و نفوذه التي يستمدها من ملكيته لوسائل اإلنتاج و رأس‬
‫المال و الذي يخول له ممارسة سلطة اإلدارة و اإلشراف و التسيير و التأديب عند مخالفة أوامره‪ ،‬هذه‬
‫التبعية تحمل األجير إلتزامات على عاتقه فهو يعتبر مسؤوال عن نتائج عدم إنجاز التعليمات التي يتلقاها‬
‫إذا كانت قطعية و لم يكن له أي عذر جدي لمخالفتها‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الجزء الثاني‪ :‬طرق تالفي محدودية التناسب‪:‬‬

‫بالرغم من عدم تقنين المشرع مسألة التناسب بين خطأ األجير و العقوبة التأديبية المسلطة عليه‪ ،‬فقد سعى‬
‫إلى تدارك ذلك من خالل تكريس آليات للرقابة تحد من سلطة المؤجر‪ ،‬و تتمثل أساسا في رقابة إدارية‬
‫تمارسها تفقدية الشغل قبل صدور قرار الطرد (الفصل األول)‪ ،‬إضافة إلى تدخل القضاء في مرحلة الحقة‬
‫لمعاينة مدى تناسب العقوبة مع الخطأ (الفصل الثاني)‪.‬‬

‫الفصل األول‪ :‬الرقابة اإلدارية و السعي لتكريس التناسب‪:‬‬

‫تتميّز السلطة التأديبية بتأثيرها المباشر على وضعية األجير داخل المؤسسة إلى حدّ إمكانية فقدانه لعمله‬
‫وبالتالي تفاقم ظاهرة ال بطالة داخل المجتمع ‪ ،‬لذا وجب تدخل الدولة بواسطة أجهزتها الخاصة لمراقبة‬
‫ممارسة هذه السلطة و التقليص من طابعها اإلنفرادي حتى يتحقق التوازن بين مصلحة المؤسسة من ناحية‬
‫و مصلحة األجير من ناحية أخرى‪.‬‬

‫لهذه اإلعتبارات و بهدف حماية إستقرار مواطن الشغل و ضمان إستمرار المؤسسة لتحقيق اإلزدهار‬
‫اإلقتصادي أجاز المشرع تدخل الغدارة لمراقبة العالقة الشغلية تطبيقا لما أقرته اإلتفاقية الدولية للعمل رقم‬
‫‪ 81‬لسنة ‪ 11947‬و اإلتفاقية الدولية للعمل رقم ‪ 150‬لسنة ‪ 1978‬بشأن إدارة العمل‪.2‬‬

‫العام ة لتفقد الشغل و المصالحة ‪ ،‬و قد تدعم دور هذه األخيرة في‬
‫ّ‬ ‫و أسند المشرع هذه المهمة إلى اإلدارة‬
‫مراقبة قرارات المؤجر مع تنقيح مجلة الشغل سنة ‪ 1994‬و خاصة تنقيح سنة ‪ ، 3 2007‬حيث أصبح‬
‫لمتفقد الشغل دور هام في مراقبة قرارات المؤجر الخاصة بطرد العمال الذي نص المشرع على حمايتهم‬
‫(المبحث األول)‪ ،‬و لضمان نجاعة هذه المراقبة أقر المشرع إلزامية رأي متفقد الشغل سعيا منه للحد من‬
‫سلطة المؤجر التأديبية و تحقيق مبدأ التناسب (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أهمية رقابة متفقد الشغل في تحقيق مبدأ التناسب‪:‬‬

‫تتمثل المهمة األساسية لجهاز تفقدية الشغل في مراقبة مدى تطبيق قانون الشغل و إحترام األحكام المنظمة‬
‫للعالقات الشغلية‪ ،‬و معاينة المخالفات و تحرير محاضر في شأنها ‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن مهمته ال تنحصر في هذا الحد‬
‫فقد صارت بعد تنقيح مجلة الشغل سنة ‪ 1994‬تمتد نحو الدور الوقائي قصد تجنب وقوع نزاعات بين‬
‫العمال و المؤجر من خالل تقديم النصائح فنية لهم حول أنجع الوسائل لتطبيق أحكام قانون الشغل‪ ،‬و تدعم‬

‫‪ 1‬صادقت عليها تونس بمقتضى األمر المؤرخ في ‪ 25‬أفريل ‪ ، 1957‬الرائد الرسمي عدد ‪ 34‬في ‪ 26‬افريل ‪1957‬‬
‫‪ 2‬صادقت عليها تونس بمقتضى القانون المؤرخ في ‪ 29‬أكتوبر ‪ 1987‬عدد ‪ ،25‬الرائد الرسمي عدد ‪ 77‬المؤرخ في ‪ 3‬نوفمبر ‪1987‬‬
‫‪ 3‬القانون عدد ‪ 19‬المؤرخ في ‪ 2‬أفريل ‪ 2007‬المتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة الشغل‪ ،‬الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد ‪ 27‬المؤرخ في‬
‫‪ 3‬أفريل ‪ ،2007‬ص ‪1060‬‬

‫‪49‬‬
‫هذا الدور أكثر فأكثر مع تنقيح مجلة الشغل سنة ‪ 2007‬لغاية مواكبة أحكام اإلتفاقيات الدولية التي صادقت‬
‫عليها تونس ‪ ،‬فقد وسع المشرع من نطاق العملة الذين تشملهم حماية متفقد الشغل لهم عند طردهم (الفقرة‬
‫مما‬
‫الثانية) ‪ ،‬و تتسم هذه الحماية بالمراقبة القبلية لعمليات الطرد التي تتخذ ضدّ العملة المحميين تشريعيا ‪ّ ،‬‬
‫يبرهن سعي المشرع نحو تحقيق مبدأ التناسب (الفقرة األولى)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المراقبة القبلية لعمليات الطرد و السعي نحو تحقيق مبدأ التناسب‪:‬‬

‫أجاز المشرع تدخل تفقدية الشغل عند عزم المؤجر طرد أجيره و ذلك من خالل فرض رقابة سابقة لعملية‬
‫الطرد بهدف الحدّ من السلطة التأديبية للمؤجر و ضمان إستمرار المؤسسة و األخذ بعين اإلعتبار‬
‫لمصلحة األجير‪ ،‬هذه الرقابة نظمها المشرع صلب مجلة الشغل (أ) ‪ ،‬إالّ أنها أصبحت واضحة المعالم مع‬
‫تنقيح المجلة سنة ‪( 2007‬ب)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬مجال الرقابة اإلدارية قبل تنقيح مجلة الشغل في ‪:2007‬‬

‫كرس المشرع الرقابة القبلية لمتفقد الشغل على عمليات الطرد في بادئ األمر بموجب األمر الصادر في‬
‫ّ‬
‫‪ 14‬نوفمبر ‪ 1974‬المتعلق بمراقبة تفقدية الشغل لعمليات الطرد في القطاعين الصناعي و التجاري‪ 1‬حينئذ‬
‫إقتصرت المراقبة على الطرد الجماعي ألسباب إقتصادية و فنية‪ ،‬و يعتبر أي تدخل لإلدارة في الميادين‬
‫التي تخضع لنظرية العقد أمرا مخالفا للمبادئ القانونية العامة التي ترتكز على سلطان اإلرادة و حرية‬
‫المتعاقدين‪ ،‬و تجعل من إتفاق الطرفين مبدأ مستقال عن أي رقابة إدارية‪ ،‬و لكن ضغط الظروف‬
‫اإلقتصادية و اإلجتماعية أدّى إلى تدخل المراقبة اإلدارية في بعض الميادين التعاقدية و خاصة ميدان عقد‬
‫الشغل‪.2‬‬

‫بصدور مجلة الشغل‪ ،‬أقر المشرع مراقبة تفقدية الشغل لعمليات الطرد‪ ،‬إذ ورد بالفصل ‪ 21‬منها ّ‬
‫أن "على‬
‫القارين أو كاملهم‬
‫كل مؤجر يعتزم طرد أو إيقاف عن العمل ‪ ،‬ألسباب إقتصادية أو فنية البعض من عملته ّ‬
‫أن يعلم بذلك مسبقا تفقدية الشغل المختصة ترابيا"‪.‬‬

‫حسب هذا الفصل تقتصر المراقبة على الطرد الواقع ألسباب إقتصادية و فنية و ال تشمل الطرد التأديبي‬
‫الواقع نتيجة إرتكاب خطأ من العامل كذلك هو الشأن بالنسبة للفصل ‪ 24‬من نفس المجلة قبل تنقيحه سنة‬
‫‪ 1994‬الذي ألزم المؤجر عند عزمه طرد عامل بسبب قلة اإلنتاج أخذ رأي لجنة التصنيف التي تتمتع‬
‫بصالحيات واسعة يتجاوز دورها حدود المصالحة ليصبح أقرب إلى دور القاضي فهي ال تكتفي بالقيام‬

‫‪ 1‬ألغي بموجب القانون عدد ‪ 27‬لسنة ‪ 1966‬المؤرخ في ‪ 30‬افريل ‪ 1966‬المتعلق بإصدار مجلة الشغل‬
‫‪ 2‬محمد عطاء هللا ‪ ،‬إنهاء عقد الشغل غير محدد المد ّة من جانب واحد‪ ،‬مذكرة لإلحراز على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص‪ ، ،‬كلي‬
‫الحقوق و العلوم السياسية بتونس ‪ ، 1996- 1995‬ص ‪101‬‬

‫‪50‬‬
‫بأبحاث موضوعية و بإعداد تقرير في الغرض بل إنها تبدي رأيها الذاتي حول إمكانية الطرد و حول مدى‬
‫واقعية و جدية أسبابه‪.1‬‬

‫إستنادا غلى هذه الفصول‪ ،‬كانت رقابة تفقدية الشغل تقتصر على الطرد ألسباب إقتصادية ‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن فقه‬
‫القضاء و ّسع في مجال هذه المراقبة إلى جميع أنواع الطرد و أقر مبدأ ضرورة إستشارة تفقدية الشغل قبل‬
‫كل عملية ‪ ،‬إذ أقرت محكمة التعقيب‪ ، 2‬أنه " يجب على المؤجر أن ال يتخذ أي إجراء يرمي إلى طرد‬
‫عامله إالّ بعد أن يعرض األمر على تفقدية الشغل"‪.‬‬

‫ث ّم وقع إقرار هذا الم بدأ تشريعيا بموجب تنقيح الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل لسنة ‪ ، 1994‬حيث نص على‬
‫ضرورة عرض قرار طرد عضو رسمي أو مناوب ممثل للعملة باللجنة اإلستشارية للمؤسسة على تفقدية‬
‫الشغل المختصة ترابيا و يعتبر الطرد تعسفيا إذا تم دون إحترام لإلجراءات المنصوص عليها‪.‬‬

‫و قد أثارت صي اغة هذا الفصل نقاشا فقهيا و إختالفا قضائيا بخصوص ميدان تطبيق أحكامه و تحديد‬
‫مدلول عبارة "نائب رسمي أو مناوب للعملة"‪.‬‬

‫فهل تقتصر هذه العبارة على نواب العملة داخل المؤسسة أم أنها تتسع لتشمل النواب النقابيين ‪ ،‬خصوصا‬
‫ّ‬
‫أن المشرع التونسي صادق على أحكام إتفاقية منظمة العمل الدولية عدد ‪ 87‬بشأن الحرية النقابية و حماية‬
‫الحق النقابي الصادرة سنة ‪ ،3 1988‬و كذلك على أحكام اإلتفاقية رقم ‪ 98‬بشأن تطبيق مبادئ التنظيم‬
‫والمفاوضة الجماعية‪.4‬‬

‫كما أفرز تطبيق أحكام الفصل ‪ ،166‬إجتهادات فقهية مختلفة فإعتبر البعض‪ 5‬منها ّ‬
‫أن عدم ذكر المشرع‬
‫لعبارة "النائب النقابي"‪ ،‬دليل على إستبعاده من مجال هذه الحماية‪ ،‬و ذهب البعض اآلخر إلى القول ّ‬
‫بأن‬
‫عبارة " نائب العملة " وردت في صياغة عامة و بالتالي ّ‬
‫فإن النائب النقابي ليس سوى نائب للعملة‪. 6‬‬

‫نتيجة لغموض أحكام الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل أقر المشرع وضع حد لهذا الغموض من خالل تنقيح‬
‫أحكامه بموجب قانون ‪ 2007‬بعد مصادقة البالد التونسية على إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ‪135‬‬
‫المتعلقة بممثلي العملة الصادرة سنة ‪. 7 1989‬‬

‫‪ 1‬فاخر بن سالم ‪ ،‬المراقبة القضائية كوسيلة لحماية التشغيل ‪ ،‬المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي عدد ‪ 2‬و ‪ 3‬لسنة ‪ ،1987‬ص ‪79‬‬
‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 11463‬مؤرخ في ‪ 11‬جانفي ‪ ،1975‬ذكره فاخر بن سالم‪ ،‬مقا ل ذكر سابقا‪ ،‬ص ‪79‬‬
‫‪ 3‬صادقت البالد التونسية على هذه اإلتفاقية بتاريخ ‪ 18‬جوان ‪1957‬‬
‫‪ 4‬صادقت البالد التونسية على هذه اإلتفاقية بتاريخ ‪ 15‬ماي ‪1957‬‬
‫‪ 5‬هاجر بن حويذق‪ " :‬المصالحة لدى تفقدية الشغل"‪ ،‬مذكرة للحصول على شهادة الماجستير في قانون العقود و اإلستثمارات ‪ ،‬كلية الحقوق و‬
‫العلوم السياسية بتونس‪ ،2009- 2008 ،‬ص ‪10‬‬
‫‪ 6‬حافظ العموري‪ :‬طرد النائب النقابي‪ ،‬المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي‪ ،‬العدد ‪ 9‬لسنة ‪ ،2004‬ص ‪ 117‬و ‪123‬‬
‫‪ 7‬صادقت عليها البالد التونسية بموجب القانون عدد ‪ 15‬لسنة ‪ 2007‬المؤرخ في ‪ 12‬مارس ‪2007‬‬

‫‪51‬‬
‫ب ‪ -‬مجال الرقابة اإلدارية بعد تنقيح مجلة الشغل سنة ‪:2007‬‬

‫بمناسبة تنقيح الفصل ‪ 160‬من مجلة الشغل سنة ‪ 2007‬و ّسع المشرع من دائرة العملة المحميين بموجب‬
‫المراقبة السابقة لعملية طردهم لتشمل النائب النقابي إلى جانب ممثلي العملة‪ ،‬و ذلك لغاية الحدّ من سلطة‬
‫المؤجر التأديبية و تدعيم مبدأ التناسب إذ في صورة إخالل المؤجر بإجراءات عرض العامل على تفقدية‬
‫الشغل يعتبر الطرد تعسفيا موجبا للتعويض‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬توسيع ميدان الحماية لتحقيق مبدأ التناسب‪:‬‬

‫أقر الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل ‪ ،‬حماية ممثلي العملة من الطرد من خالل بسط رقابة إدارية قبل أن‬
‫يتخذ المؤجر قراره (أ) هذه الرقابة تشمل أيضا النائب النقابي (ب)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬حماية ممثلي العمال من الطرد يدعم تحقيق مبدأ التناسب‪:‬‬

‫العمال داخل المؤسسة‪ ، 1‬حيث نص على إرساء هيكل إستشاري يدعى‬


‫وضع المشرع نظاما قانونيا لتمثيل ّ‬
‫"اللجنة اإلستشارية للمؤسسة"‪ ،‬و ذلك في كل مؤسسة تشغل أربعين عامال قارا على األقل‪ّ ،2‬أما إذا كانت‬
‫العمال القارين يساوي أو يفوق العشرين و أقل من األربعين ّ‬
‫‪،‬فإن مهمة تمثيل‬ ‫المؤسسة تشغل عددا من ّ‬
‫العمال داخل المؤسسة تستوجب إنتخاب نائب رسمي عن العملة و آخر مناوب له‪.3‬‬

‫كعمال‬
‫العمال داخل المؤسسة بنوع من اإلزدواجية في عالقتهم بالمؤجر‪ ،‬فهم ّ‬
‫و تتميز وضعية ممثلي ّ‬
‫للعمال يكونون في حاجة إلى‬
‫يوجدون في تبعية إزاء مؤجرهم و يخضعون لنفوذه التأديبي‪ ،‬لكنهم كممثلين ّ‬
‫إستقالليّة تسمح لهم بممارسة مهامهم بمصداقية ‪ ،‬و هذا ما يفترض تكريس حماية قانونية خاصة بهم إزاء‬
‫نفوذ المؤجر‪ 4‬نص عليها المشرع صلب الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل حيث يجب على المؤجر كلما إعتزم‬
‫طرد عضو رسمي أو مناوب ممثل للعملة باللجنة اإلستشارية للمؤسسة أن يعرض ذلك على هذه اللجنة‬
‫ألخذ رأيها في الغرض ‪ ،‬كما يتعين عليه بعد ذلك عرض المسألة ع لى المدير العام لتفقدية الشغل‬
‫والمصالحة و الذي يبدي رأيه معلال في أجل ال يتجاوز عشرة أيام من تاريخ تعهده ‪ّ ،‬أما إذا إعتزم المؤجر‬
‫طرد نائب للعملة ‪ ،‬سواء كان رسميا أو مناوبا ‪ ،‬فإنه يتعين عليه عرض المسألة مباشرة على المدير العام‬
‫لتفقدية الشغل و المصالحة الذي يبدي رأيه معلال في نفس األجل‪.‬‬

‫الفصول من ‪ 157‬إلى ‪ 169‬من مجلة الشغل‪ ،‬تحت عنوان "تمثيل العملة بالمؤسسات"‬ ‫‪1‬‬

‫الفصل ‪ 157‬من مجلة الشغل‬ ‫‪2‬‬

‫الفصل ‪ 163‬من مجلة الشغل‬ ‫‪3‬‬

‫المنجي طرشونة و النوري مزيد‪ ،‬مجلة الشغل المعلق عليها‪ ،‬ص ‪193‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪52‬‬
‫كما أضاف الفصل ‪ 167‬من مجلة الشغل‪ 1‬أحكاما أخرى تنطبق في صورة إرتكاب ممثل العملة خطأ‬
‫فادحا ففي هذه الصورة يجوز لرئيس المؤسسة أن يقرر حاال توقيف المعني باألمر عن العمل‪ ،‬مع إعالمه‬
‫بذلك في أجل أقصاه ‪ 3‬أيام بمكتوب مضمون الوصول‪ ،‬و يتعين إتخاذ القرار النهائي بشأنه في أجل ال‬
‫يتجاوز شهرا بداية من ت اريخ اإليقاف عن العمل‪ ،‬و هي نفس اآلجال التي يتعين على المؤجر إحترامها‬
‫عند عزمه طرد عامل عادي‪ ،‬و بما ّ‬
‫أن العامل الذي له صفة ممثل للعملة داخل المؤسسة يخضع مثل بقية‬
‫نص عليها الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة ‪،‬‬
‫العامة للطرد التأديبي التي ّ‬
‫العمال إلى اإلجراءات ّ‬
‫ّ‬
‫العامة و اإلجراءات الخاصة التي نص‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فإن السؤال يبقى مطروحا حول إمكانية الجمع بين تلك اإلجراءات‬
‫عليها الفصالن ‪ 166‬و ‪ 167‬من مجلة الشغل المتعلّقة بطرد ممثلي العملة‪ ،‬بمعنى أنه في صورة طرد‬
‫عضو باللجنة اإلستشارية للمؤسسة‪ ،‬هل يتعين على المؤجر أن يعرض الموضوع على هذه اللجنة ألخذ‬
‫رأيها في الغرض ث ّم يحيل األجير على مجلس التأديب قبل أن يتبع اإلجراءات اإلدارية المتعلّقة بعرض‬
‫المسألة على المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة؟‬

‫مرة أولى‬ ‫ّ‬


‫إن هذا الحل يعني أنه سيقع عرض الموضوع على اللجنة اإلستشارية للمؤسسة مرتين ‪ّ ،‬‬
‫مرة ثانية بتركيبتها المعدلة بوصفها هيكال تأديبيا ‪ ،‬و قد إقترح البعض‪ 2‬أن يقع‬
‫بتركيبتها العادية و ّ‬
‫اإلقتصار على عرض الموضوع على اللجنة مرة واحدة بوصفها مجل س تأديب أي بتركيبتها المعدلة‪،‬‬
‫وذلك تفاديا لثقل اإلجراءات‪.‬‬

‫لكن هذا الحلّ يتعارض مع أحكام الفصل ‪ 166‬من مج لة الشغل الذي ينص على عرض الموضوع على‬
‫اللجنة اإلستشارية ألخذ رأيها في الغرض ‪ ،‬إضافة إلى ّ‬
‫أن المشرع لم يستعمل عبارة "بوصفها مجلس‬
‫مما يدلّ على أنه يتعين إستشارة اللجنة بتركيبتها العادية بغض النظر عن وجوب إحالة األجير‬
‫تأديب" ّ‬
‫أمام مجلس التأديب و تمكينه من حقوق الدفاع‪.‬‬

‫أما إذا تعلق األمر بطرد نائب للعملة ليست له صفة عضو باللجنة اإلستشارية للمؤسسة‪ّ ،‬‬
‫فإن اإلشكال‬
‫يطرح حول مدى إمكانية إلتئام مجلس التأديب ‪ ،‬ذلك أنه ال توجد في هذه الحالة لجنة إستشارية يمكن أن‬
‫تلتئم كمجلس تأديب‪ ،‬و بالتالي ّ‬
‫فإن إجتماع نائب العملة مع رئيس المؤسسة سوف يقوم مقام إجتماع اللجنة‬
‫أن مجلس التأديب سوف يتكون من رئيس المؤسسة و نائب العملة ‪ّ ،‬‬
‫لكن هذا‬ ‫اإلستشارية‪ ،3‬وهذا يعني ّ‬
‫األمر ال يستقيم ألنه ال يجوز لرئيس المؤسسة أن ينتصب في نفس الوقت طرفا و حكما‪ ،‬لهذا كان ال بدّ أن‬
‫يتكون مجلس التأديب من رئيس المؤسسة و نائب العملة الذي له صفة مناوب للنائب الرسمي‪.‬‬

‫‪ 1‬تجدر اإلشارة إلى أ ّن قانون ‪ 2‬أفريل ‪ 2007‬لم يدخل أيّة تعديالت على أحكام هذا الفصل‬
‫‪ 2‬أحمد النوري‪ ،‬طرد األجير ألسباب تأديبية ‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون اإلجتماعي‪ ،‬كلية الحقوق بصفاقس‪ ، 2008- 2007 ،‬ص‬
‫‪85‬‬
‫‪ 3‬الفصل ‪ 164‬فقرة ‪ 2‬من مجلة الشغل‬

‫‪53‬‬
‫نص‬
‫عالوة على ذلك يطرح طرد أجير له صفة نائب للعملة إشكاال في صورة تلبسه بأحد الجرائم التي ّ‬
‫مما يبرر طرده دون عرضه على مجلس التأديب ودون‬
‫عليها الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة ّ‬
‫المرور أيضا باإلجراءات الواردة بالفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل‪ ،‬و على الرغم من عدم وجود إجابة‬
‫واضحة على مستوى النصوص ‪ّ ،‬‬
‫فإن حال ة التلبس ال يمكن أن تبرر عدم تطبيق إجراءات الفصل ‪166‬‬
‫كلما تعلق األمر بطرد أحد نواب العملة فهي إجراءات تقوم على أحكام آمرة و تتعلق بالنظام العام وبالتالي‬
‫ال يجوز إزاحتها‪.1‬‬

‫و في كل الحاالت سواء تعلق األمر بطرد عضو باللجنة اإلستشارية للمؤسسة أو أحد نواب العملة ‪ ،‬فإنه‬
‫يتعين أن يعرض الموضوع على المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة إلبداء رأيه في أجل ال يتجاوز‬
‫عشرة أيام من تاريخ تعهده‪ ،‬و ذلك حسب مقتضيات الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل فأحكام هذا الفصل‬
‫تنسحب على جميع الحاالت المتعلقة بطرد أحد ممثلي العملة‪.‬‬

‫و حتى إذا كان الفصل ‪ 167‬من مجلة الشغل يسمح للمؤجر أن يقرر حاال إيقاف األجير عن العمل في‬
‫فإن ذلك ال يعني ّ‬
‫أن إتباع اإلجراءات التي‬ ‫صورة إرتكابه لخطأ فادح‪ ،‬قبل إتخاذ القرار النهائي بشأنه‪ّ ،‬‬
‫نص عليها هذا الفصل تغني عن ضرورة عرض الموضوع على المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة‬
‫ّ‬
‫إلبداء رأيه في الموضوع‪ ،‬و بعبارة أخرى ّ‬
‫فإن "القرار النهائي" الذي تحدث عنه الفصل المذكور هو‬
‫القرار الذي يتخذ بعد إتباع اإلجراءات التأديبية ‪ ،‬أي عرض األجير على مجلس التأديب و كذلك بعد إتمام‬
‫اإلجراءات اإلدارية و المتمثلة في الحصول على رأي المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة‪ ،‬فال يكفي‬
‫إذا إيقاف األجير عن العمل‪ ،‬كإجراء تحفظي ث ّم إحالته على مجلس التأديب و إتخاذ قرار الطرد دون‬
‫عرضه على الجهاز اإلداري لتفقدية الشغل‪ ،‬ففي مثل هذه الحالة يكون الطرد تعسفيا لخرق اإلجراءات‬
‫الواردة بالفصل ‪ 166‬ممن مجلة الشغل‪.2‬‬

‫لكن أح كام هذا الفصل أثارت إختالفا فقهيا حول المقصود بعبارة نواب العملة و مدى شموليته للنواب‬
‫النقابيين و بموجب التنقيح الذي شهده الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل وسع المشرع من دائرة الحماية لتشمل‬
‫النواب النقابيين ‪.‬‬

‫النوري مزيد‪ ،‬آثار التتبع الجزائي ضد ّ األجير على العالقة الشغلية ‪ ،‬مجلة دراسات قانونية ‪ ،2005‬عدد ‪ ، 12‬ص ‪143‬‬ ‫‪1‬‬

‫أنظر في هذا اإلتجاه القرار التعقيبي المدني عدد ‪ 3743‬مؤرخ في ‪ 12‬مارس ‪ ،1981‬غير منشور‬ ‫‪2‬‬

‫‪54‬‬
‫ب ‪ -‬حماية النائب النقابي تدعم مبدأ التناسب‪:‬‬

‫أصبح من الضروري توفير حماية للنائب النقابي خصوصا عند مصادقة المشرع التونسي على اإلتفاقية‬
‫رقم ‪ 135‬المتعلقة بممثلي العملة التي أكدت في المادة األولى منها على ضرورة توفير الحماية الفعلية‬
‫لممثلي العملة في المؤسسات من أي تصرفات تضر بهم بما فيها التسريح أو التصرفات التي تتخذ بسبب‬
‫أنشطتهم أو عضويتهم النقابية أو بسبب إشتراكهم في أنشطة نقابية‪.‬‬

‫عرفت المادّة الثالثة من هذه اإلتفاقية ممثلو العملة بكونهم "األشخاص الذين يعترف لهم بهذه الصفة‬
‫كما ّ‬
‫بموجب القوانين أو الممارسات الوطنية ‪ ،‬و كذلك سواء كانوا ممثلين نقابيين أي ممثلين تع ّينهم أو تنتخبهم‬
‫عمال المؤسسة بحرية وقفا ألحكام‬
‫النقابات أو أعضاء هذه النقابات‪ ،‬أو ممثلين منتخبين أي ممثلين ينتخبهم ّ‬
‫القوانين أو اللوائح الوطنية أو اإلتفاقيات الجماعية ‪ ،‬و ال تتضمن مهامهم أنشطة تعتبر من إختصاص‬
‫النقابات وحدها في البلد المعني"‪.‬‬

‫حرصا من المشرع على مالئمة التشريع الوطني ألحكام اإلتفاقية الدولية ‪ ،‬و تطبيقا ألحكام الفصل ‪ 20‬من‬
‫نص على ّ‬
‫أن "المعاهدات الموافق عليها من قبل المجلس النيابي و المصادق عليها‪،‬‬ ‫دستور ‪ 2014‬الذي ّ‬
‫أعلى القوانين و أدنى من الدستور"‪ ،‬ت ّم تنقيح مجلة الشغل بموجب القانون عدد ‪ 19‬لسنة ‪ 2007‬المؤرخ‬
‫في ‪ 2‬أفريل ‪، 1 2007‬بهدف توسيع ميدان الحماية التشريعية لتشمل النائب النقابي ‪ ،‬حيث أقر الفصل‬
‫‪ 169‬مكرر من مجلة الشغل أنه " تنطبق أحكام الفقرة األولى من الفصل ‪ 165‬و أحكام الفصلين ‪ 166‬و‬
‫‪ 167‬من هذه المجلة على الممثلين النقابيين"‪ ،‬كما تضبط التسهيالت الممنوحة لهم بموجب اإلتفاقيات‬
‫المشتركة حسب منطوق الفصل ‪ 169‬ثالثا من نفس المجلة ‪ ،‬إضافة إلى ّ‬
‫أن الحق النقابي هو حق‬
‫دستوري‪ ،2‬إالّ ّ‬
‫أن فقه القضاء التونسي كان س ّباقا في تعميم اإلجراءات الحمائية على النواب النقابيين وذلك‬
‫منذ ‪ ،1978‬حيث إستندت محكمة التعقيب‪ 3‬إلى تأويل واسع لعبارة "نائب العملة" التي إستعملها المشرع‬
‫للعمال سواء كان‬
‫في الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل لتستنتج أن هذه العبارة تشمل كل من له صفة ممثل ّ‬
‫نائبا نقابيا أم ال‪.‬‬

‫و مع تنقيح ‪ 2007‬أصبح العامل النقابي يتمتع بحماية تشريعية تجاه قرار الطرد الذي يسلطه المؤجر‪ ،‬لكن‬
‫الحل الذي كرسه المشرع صلب الفصل ‪ 169‬مكرر من مجلة الشغل قد يثير بعض الصعوبات في التطبيق‬
‫بإعتباره يحيل إلى أحكام الفصلين ‪ 166‬و ‪ 167‬من نفس المجلة دون أن يوضح بدقة كيفية تطبيق‬
‫اإلجراءات التي تضمنها الفصل ‪ 166‬بالنسبة للنائب النقابي‪.‬‬

‫‪ 1‬تمّ بموجب هذا القانون تنقيح الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل‪ ،‬و إضافة الفصول ‪ 166‬مكرر‪ 169 ،‬مكرر و ‪ 169‬ثالثا‬
‫‪ 2‬الفصل ‪ 35‬من دستور ‪" 2014‬حرية تكوين األحزاب و النقابات و الجمعيات مضمونة"‬
‫الفصل ‪ 36‬من دستور ‪ " 2014‬الحق النقابي بما في ذلك حق اإلضراب مضمون"‬
‫‪ 3‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 1672‬مؤرخ في ‪ 2‬نوفمبر ‪ ، 1978‬نشرية محكمة التعقيب ‪ ،1978‬جزء ‪،2‬ص ‪132‬‬

‫‪55‬‬
‫فهذا الفصل حسب صياغته الجديدة تضمن في فقرته األولى إجراءات خاصة بطرد ممثل العمال الذي له‬
‫صفة عضو في اللجنة اإلستشارية للمؤسسة‪ ،‬و تضمن في فقرته الثانية إجراءات خاصة بطرد نائب العملة‬
‫و الذي ينتخب في حالة عدم توفر الشرط العددي إلرساء لجنة إستشارية للمؤسسة‪ ،‬و يتمثّل الفرق بين‬
‫الفقرتين في ّ‬
‫أن إجراءات الطرد حسب الفقرة األولى تتضمن ضرورة عرض المسألة مسبقا على اللجنة‬
‫اإلستشارية للمؤسسة ألخذ رأيها في الموضوع‪ ،‬و ذلك قبل عرض الموضوع على المدير العام لتفقدية‬
‫الشغل و المصالحة‪ّ ،‬أما بالنسبة لطرد نائب العملة فإنه يستوجب فقط عرض الموضوع على المدير العام‬
‫لتفقدية الشغل إلبداء رأيه طبقا ألحكام الفقرة الثانية من الفصل ‪ ، 166‬فهل يتعين بالنسبة للعامل النقابي‬
‫تطبيق أحكام الفقرة األولى أم الفقرة الثانية من الفصل‪ 166‬من مجلة الشغل؟‬

‫لم يقدّم المشرع إجابة واضحة على هذا السؤال ‪ ،‬لذا إعتبر البعض‪ّ 1‬‬
‫أن الحلّ األنسب و األكثر تالءما مع‬
‫روح القانون هو تطبيق أحكام الفقرة األولى بالنسبة للمؤسسات التي يتعين أن توجد فيها لجنة إستشارية‬
‫للمؤسسة‪ ،‬أي كلّما كانت المؤسسة تشغّل أربعين عامال قارا على األقل‪ّ ،‬أما إذا كان العامل النقابي منتميا‬
‫إلى مؤسسة يتعين فيها إنتخاب نواب للعملة دون إرساء لجنة إستشارية بإعتبار ّ‬
‫أن عدد العمال القارين‬
‫يساوي أو يفوق العشرين و أقل من األربعين فإنه يقع اإلقتصار على تطبيق أحكام الفقرة الثانية من الفصل‬
‫‪ 166‬من مجلة الشغل‪.‬‬

‫لكن في الحالتين يبقى عرض المسألة على المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة وجوبيا ‪ ،‬كما يبقى‬
‫عرض النائب النقابي على مجلس التأديب أمرا ضروريا قبل إتخاذ القرار النهائي في شأنه‪.‬‬

‫عموما ‪ ،‬تبقى الحماية الممنوحة للنائب النقابي هي حماية إجرائية باألساس‪ ،‬و بالتالي فقد تلجأ النقابات إلى‬
‫اإلضراب لتعويض هذه الحماية اإلجرائية بحماية أصلية و فعلية و هو إضراب تضامني غير مشروع من‬
‫‪،‬نظم المشرع اإلضراب الشرعي ‪ ،‬و إعتبره حقا دستوريا وفقا للفصل ‪ 36‬من دستور ‪ 2014‬كما‬‫جهته ّ‬
‫ّ‬
‫نظمه المشرع صلب مجلة الشغل و ضبط شروطه و كيفية ممارسته في الباب الثالث من الكتاب السابع‬
‫تحت عنوان "تسوية نزاعات الشغل الجماعية"‪ ،‬بمعنى ّ‬
‫أن اللجوء إلى اإلضراب يقتضي بالضرورة وجود‬
‫نزاع شغل جماعي بين األجراء و المؤجر قائما على أسباب مهنية‪.‬‬

‫إضافة إلى ذلك يجب أن تتوفر في اإلضراب عدّة شروط إجرائية ليتم إكساءه الصبغة الشرعية ‪ ،‬و جاءت‬
‫هذه الشروط تكريسا لمبدأ المساواة بين األطراف المتنازعة من خالل إلزام المؤجرين و العمال بإتباع‬
‫نص الفصل ‪ 376‬من مجلة الشغلى‬
‫نفس اإلجراءات عند إتخاذ قرار اإلضراب أو الصدّ عن العمل ‪ ،‬حيث ّ‬
‫ضرورة "عرض كل صعوبة تنشأ بين المؤجرين و العملة من شأنها أن تثير نزاع نزاع شغل جماعي‬

‫أحمد النوري‪ ،‬طرد األجير ألسباب تأديبية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪89‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪56‬‬
‫فض الخالف‬
‫على اللجنة اإلستشارية للمؤسسة قصد إيجاد حلول لها ترضي طرفي النزاع‪ ،‬و إذا لم يت ّم ّ‬
‫داخل المؤسسة يقع عرضه وجوبا من قبل أكثر الطرفين حرصا على المكتب الجهوي للتصالح و عند‬
‫التعذر على تفقدية الشغل المختصة ترابيا"‪.‬‬

‫يستنتج من خالل هذا الفصل وجوبية عرض النزاع على اللجنة اإلستشارية للمؤسسة للقيام بالمحاولة‬
‫الصل حية بين األطراف‪ّ ،‬أما في صورة عدم وجود لجنة إستشارية داخل المؤسسة يتعين إجراء المحاولة‬
‫الصلحية من خالل إجتماع رئيس المؤسسة أو من يمثّله و نائب العملة‪ ،‬حيث ّ‬
‫أن هذا األخير يمارس نفس‬
‫المهام المنوطة بعهدة ممثلي العملة باللجنة اإلستشارية للمؤسسة‪ ،‬و تقوم اإلجتماعات التي يعقدها رئيس‬
‫المؤسسة معه مقام إجتماعات هذه اللجنة‪.1‬‬

‫و قد تؤدي المحاولة الصلحية إلى نتيجة إيجابية من خالل الوصول إلى حلّ يرضي الطرفين‪ ،‬كما يمكن‬
‫أن تؤدي إلى نتائج سلبية ‪ ،‬حينئذ يتعين المرور إلى مرحلة التصالح خارج المؤسسة فيقع عرض الخالف‬
‫وجوبا على ال مكتب الجهوي للتصالح و عند التعذر على تفقدية الشغل المختصة ترابيا‪ ،2‬و يعقد متفقد‬
‫الشغل الجلسة الصلحية بحضور طرفي النزاع كما يقترح حلوال توفيقية‪ 3‬إلنهاء النزاع و إنجاح المحاولة‬
‫يحرر محضرا يتضمن نتيجة هذه المحاولة و يختم بإمضاء جميع األطراف‬
‫الصلحية ‪ ،‬و في نهاية الجلسة ّ‬
‫إذا كانت نتيجتها إيجابية و يلغى بذلك قرار اإلضراب ‪.‬‬

‫ّأما في صورة فشل المحاولة الصلحية ‪ ،‬يحرر متفقد الشغل محضرا في عدم الصلح يدون فيه نقاط‬
‫الخالف و أسبابه و يعد ملفا خاصا بالمؤسسة المعنية يحتوي على محضر التنبيه و محاضر الجلسات‬
‫الصلحية و التحقيقا ت المتعلّقة بأسباب النزاع و إقتراحاته و يحيلها على لجان التصالح المختصة ‪ ،‬و إذا‬
‫تعلق النزاع بمؤسسة تنتصب داخل والية واحدة يقع عرض النزاع على اللجنة الجهوية للتصالح طبقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 377‬من مجلة الشغل ‪ّ ،‬أما إذا كان اإلضراب يمتد إلى واليتين فأكثر يصبح النزاع من‬
‫مشموالت اللجنة المركزية للتصالح ‪ ،‬و تقوم هذه اللجان بالبحث عن الحلول المالئمة و تقترح حلوال في‬
‫أجل أقصاه ثمانية أيّام من تاريخ سريان مفعول التنبيه حسب ما ورد بالفصل ‪ 380‬من مجلة الشغل‪ ،‬في‬
‫هذا السياق ‪ ،‬تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أن قرار اإلضراب يجب أن يسبقه تنبيه بعشرة أيّام يوجه إلى الطرف‬
‫المعني باألمر و إلى المكتب الجهوي للتصا لح أو إن تعذر ذلك إلى التفقدية الجهوية للشغل المختصة ترابيا‬
‫بيد ّ‬
‫أن سريان مفعول التنبيه المسبق يكون بداية من إشعار المكتب الجهوي للتصالح أو التفقدية الجهوية‬
‫للشغل وفق ما ورد بالفصل ‪ 376‬مكرر من نفس المجلة‪.‬‬

‫الفصل ‪ 164‬من مجلة الشغل‬ ‫‪1‬‬

‫الفصل ‪ 377‬من مجلة الشغل‬ ‫‪2‬‬

‫الفصل ‪ 380‬من مجلة الشغل‬ ‫‪3‬‬

‫‪57‬‬
‫و في صورة عدم إحترام الشروط المذكورة لممارسة حق اإل ضراب‪ ،‬يعتبر هذا األخير تمتد ممارسته‬
‫بطريقة غير قانونية و بالتالي يصبح غير شرعيا و تقطع عالقات الشغل بموجبه على معنى الفصل ‪387‬‬
‫من مجلة الشغل‪.‬‬

‫في نفس السياق إعتبر الفقه ّ‬


‫أن اإلضراب غير شرعي من األخطاء الجسيمة التي تستوجب المسائلة‬
‫التأديبية‪.1‬‬

‫عموما سعى المشرع نحو تحقيق مبدأ التناسب بين خطأ األجير و العقوبة التأديبية المسلطة عليه من خالل‬
‫إقراره ضرورة فرض رقابة سابقة عند طرد ممثّل العملة داخل المؤسسة أو النائب النقابي من قبل متفقد‬
‫الشغل‪ ،‬و لكي يبلغ المشرع مبتغاه البدّ أن يكون رأي متفقد الشغل ملزما تجاه األطراف المعنية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬طبيعة رأي متفقد الشغل يدعم تكريس مبدأ التناسب‪:‬‬

‫ترتكز الحماية الواردة صلب الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل على الصفة التمثيلية للعملة التي قد تعرض‬
‫صاحبها إلى تعسف المؤجر بسبب مواقفه الدفاعية عن مصالح األجراء الذي يمثلهم و التي قد تتضارب‬
‫مع مصلحة المؤسسة ‪ ،‬و لضمان عدم تعسف المؤجر في إصداره قرار الطرد ضدّ ممثلي العمل‪ ،‬أقر‬
‫المشرع إلزامية قرارات متفقد الشغل (الفقرة األولى) ‪ ،‬كما رتّب جزاء في صورة مخالفة رأيه (الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إلزامية رأي تفقدية الشغل تدعم تحقيق مبدأ التناسب‪:‬‬

‫تحقيقا للتناسب أ ّكد المشرع على إلزامية رأي تفقدية الشغل في صورة عزم المؤجر طرد ممثّل للعملة (أ)‬
‫‪ ،‬على خالف صورة طرد نائب نقابي‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن المشرع أقر ضرورة بسط رقابة قبلية على قرار طرده‬
‫يمارسها متفقد الشغل دون تحديد مدى إلزامية رأيه (ب)‬

‫أ ‪ -‬إلزامية رأي تفق دية الشغل في صورة طرد ممثّل العملة‪:‬‬

‫نص الفصل ‪ 166‬جديد من مجلة الشغل في فقرته الثالثة‪ " :‬يعتبر الطرد تعسفيا في صورة مخالفة رأي‬
‫ّ‬
‫المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة إالّ إذا أثبت لدى المحاكم المختصة وجود سبب حقيقي و جدي‬
‫يبرر الطرد"‪.‬‬

‫عصام األحمر‪ ،‬إشكاالت في نزاعات الشغل‪ ،‬الحلول القانونية و اإلجتهادات القضائية‪ ،‬سيفاء للنشر ‪ ،2008 ،‬ص ‪296‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪58‬‬
‫و بقراءة عكسية ألحكام هذا الفصل يستنتج ّ‬
‫أن رأي المدير العام لتفقدية الشغل بخصوص الرقابة السابقة‬
‫لعملية طرد ممثّل العملة ملزمة تجاه المؤجر إالّ إذا أثبت هذا األخير لدى المحاكم المختصة وجود سبب‬
‫حقيقي و جدي يبرر الطرد‪.‬‬

‫ينص الفصل المشار إليه على ّ‬


‫أن دور‬ ‫ّ‬ ‫النص وردت متناقضة فمن ناحية‬
‫ّ‬ ‫في المقابل ‪ ،‬يتبين ّ‬
‫أن عبارات‬
‫متفقد الشغل إستشاري نظرا لكونه يبدي رأيا ‪ ،‬و من ناحية أخرى ينص على أنه في صورة مخالفة هذا‬
‫الرأي يصبح الطرد تعسفيا‪ ، 1‬فكان على المشرع في هذه الحالة أن يستعمل عبارة "قرار" عوضا عن‬
‫أن الفصل ‪ 166‬قديم قبل تنقيح ‪ 1994‬كان ينص على ّ‬
‫أن الطرد " ال‬ ‫"رأي" تفاديا لهذا التضارب خاصة و ّ‬
‫يتم إالّ بقرار صريح من متفقد الشغل التابعة له المؤسسة"‪.‬‬

‫أن العامل المحمي يظلّ عقبة أمام سلطة المؤجر التأديبية إذ ّ‬


‫أن طرده يستوجب عالوة‬ ‫مما سبق ّ‬
‫يستخلص ّ‬
‫على أخذ رأي مجلس التأديب أخذ رأي تفقدية الشغل و التقيد به‪ ،‬إالّ في صورة ما إذا أثبت المؤجر أمام‬
‫مما يدلّ على ّ‬
‫أن رأي متفقد الشغل ال يلزم القاضي ‪ ،‬بالتالي يمكن‬ ‫المحاكم المختصة جدية أسباب الطرد ّ‬
‫لهذا األخير اإلقرار بمخالفته و إلزام المؤجر بدفع التعويضات في هذا السياق‪ ،‬تساءل البعض‪ 2‬عن إمكانية‬
‫أن ينقلب المؤجر ضدّ متفقد الشغل و يطالبه بدفع الضرر الذي لحقه بسب ب سوء تقديره للصبغة الحقيقية‬
‫و الجدية للخطأ الذي إرتكبه ممثّل العملة و يرى أنه لكل من لحقه ضرر أن يتظلّم ضدّ اإلدارة للمطالبة‬
‫بالتعويض بسبب خطأ إرتكبه هذه اإلمكانية ال يمكن تطبيقها في حال كان نزاع الشغل جماعيا نظرا لكون‬
‫المشرع أقر إلزامية عرض النزاع على تفقدية الشغل دون تحديد مدى إلزامية رأيها من عدمه‪.‬‬

‫ب ‪ -‬مدى إلزامية رأي متفقد الشغل في صورة تسوية نزاع شغل جماعي‪:‬‬

‫في صورة تسوية نزاعات الشغل الجماعية أقر المشرع عرض كلّ صعوبة تنشأ بين األجير و المؤجر‬
‫على تفقدية الشغل إلجراء محاولة صلحية في صورة فشل المحاولة الصلحية التي تقوم بها اللجنة‬
‫النزاع‪4‬‬ ‫اإلستشارية للمؤسسة‪ ، 3‬فيقوم متفقد الشغل بإستدعاء األطراف و إقتراح حلول مناسبة إلنهاء‬
‫و يحرر محضر جلسة صلحية يتضمن نتيجة ما توصل إليه‪.‬‬

‫لكن المشرع لم يعرف محاضر المصالحة و لم يحدد مدى إلزاميتها تجاه األطراف‪ .‬و بالرجوع إلى الفصل‬
‫أن "المحضر ال يعتمد كحجة إالّ إذا كان من الوجهة‬
‫‪ 155‬من مجلة اإلجراءات الجزائية الذي أ ّكد على ّ‬
‫محررا طبق القانون‪"...‬‬
‫الشكلية ّ‬

‫‪ 1‬حافظ العموري‪ ،‬عقد الشغل من خالل تنقيح ‪ ،1994‬المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي عدد ‪ 7‬لسنة ‪ ،1995‬ص ‪24‬‬
‫‪ 2‬حافظ العموري‪ ،‬عقد الشغل من خالل تنقيح ‪ ،1994‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪29‬‬
‫‪ 3‬الفصل ‪ 376‬من مجلة الشغل‬
‫‪ 4‬الفصل ‪ 380‬من مجلة الشغل‬

‫‪59‬‬
‫كما إختلفت اآلراء حول إعتبار محاضر المصالحة حجج رسمية أم ال‪ ،‬فالبعض أقر ّ‬
‫أن محاضر متفقد‬
‫الشغل هي حجج رسمية إستنادا لمقتضيات الفصل ‪ 154‬من مجلة اإلجراءات الجزائية كما أنها تتمتع‬
‫نص الفصل ‪ 174‬في فقرته األخيرة أنه " يمكن ألعوان تفقدية الشغل‬ ‫ّ‬ ‫بالقوة الملزمة‪ ،1‬إضافة إلى ذلك‬
‫ّ‬
‫كلما رأوا ضرورة في ذلك"‪،‬‬ ‫العامة عند قيامهم بمهاهم ّ‬
‫ّ‬ ‫بالقوة‬
‫ّ‬ ‫بصفتهم أعوان ضابطة عدلية اإلستعانة‬
‫بموجب هذا الفصل أقر المشرع ّ‬
‫أن لمتفقدي الشغل صفة الضابطة العدلية على معنى الفصل ‪ 10‬من مجلة‬
‫اإلجراءات الجزائية الذي ينص على أنه " يباشر وظائف الضابطة العدلية تحت إشراف الوكيل العام‬
‫للجمهورية و المدعين العموميين لدى محكمة اإلستئناف‪ ،‬كل في حدود منطقته من سيأتي ذكرهم‪- 6...‬‬
‫أعوان اإلدارات الذين منحوا بمقتضى قوانين خاصة السلط الالزمة للبحث عن بعض الجرائم أو تحرير‬
‫القوة الثبوتية للحجة الرسمية‪.2‬‬ ‫التقارير فيها"‪.‬و هو ما يؤكد ّ‬
‫أن ما يشهد به متفقد الشغل يحرز على ّ‬

‫ّأما البعض اآلخر‪ ، 3‬فقد أنكر صبغة الحجة الرسمية عن محاضر المصالحة التي تتضمن إتفاقا على‬
‫تسوية نزاع شغلي‪ ،‬و إعتبر ّ‬
‫أن هذه المحاضر ال تتوفر فيها مقومات الحجة الرسمية حسب الفصل ‪442‬‬
‫من مجلة اإللتزامات و العقود الذي إعتبر ّ‬
‫أن " الحجة الرسمية هي التي يتلقاها المأمورون المنتصبون‬
‫لذلك قانونا في محل تحريرها على الصورة التي يقتضيها القانون"‪.‬‬

‫لكن هذا ال ينفي القيمة القانونية لمحضر المصالحة ‪ ،‬إذ يتعين النظر إليه بإعتباره إتفاقا بالمفهوم المدني‬
‫حيث ي تضمن توافق اإلرادة بين الطرفين المعنيين على المسائل التي وقع اإلتفاق على تسويتها ‪ ،‬و قد‬
‫يعتبر أيضا صلحا على معنى الفصل ‪ 1458‬من مجلة اإللتزامات و العقود‪ 4‬إذا كان يتضمن تنازال من‬
‫الجانبين عن بعض مطالبهما من أجل وضع حدّ للنزاع عبر حل توافقي يأخذ بعين اإلعتبار مصلحتهما‬
‫معا‪ ،‬لهذا السبب يعتبر إمضاء األطراف المعنية على محضر المصالحة بمثابة إلتزام لهم بما تضمنه ذلك‬
‫المحضر إنطالقا من مبدأ نسبية العقد حسب الفصل ‪ 240‬من نفس المجلة‪.5‬‬

‫و عموما يمكن القول أنه رغم وجوبية المحاولة الصلحية التي يقوم بها متفقد الشغل ّ‬
‫فإن األطراف غير‬
‫ملزمين بقبول نتائجها إالّ إذا إلتزموا بما تضمنه ذلك المحضر‪ ،‬فالملزم هو عرض العامل النقابي أو ممثل‬
‫العملة على متفقد الشغل‪ّ ،‬أما موقف هذا األخير فهو يعتبر ملزما في صورة قبوله من قبل األطراف‬
‫المعنية و إلتزامهم به‪.‬‬

‫‪ 1‬هاجر بن حويذق‪ ،‬المصالحة لدى تفقدية الشغل‪ ،‬مذكرة للحصول على شهادة الماجستير في قانون العقود و اإلستثمارات‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم‬
‫السياسية بتونس ‪ ،2009- 2008‬ص ‪74‬‬
‫‪ 2‬ها جر بن حويذق‪ ،‬المصالحة لدى تفقدية الشغل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪75‬‬
‫‪ 3‬النوري مزيد‪ ،‬تسوية النزاعات المهنية؛ أي دور إلدارة العمل‪ ،‬الجمعية التونسية لمتفقدي الشغل‪ ،‬ص ‪24‬‬
‫‪ 4‬الفصل ‪ 1458‬من مجلة اإللتزامات و العقود‪ " :‬الصلح عقد وضع لرفع النزاع و قطع الخصومة و يكون ذلك بتنازل كل من المتصالحين عن‬
‫البعض من مطالبه أو بسليم شيء من المال أو الحق"‬
‫‪ 5‬الفصل ‪ 240‬من مجلة اإللتزامات و العقود ‪ " :‬ال يلزم العقد إالذ العاقدين و ال ينجر منه ل لغير ضرر و ال نفع إال ّ في الصور التي ّ‬
‫نص عليها‬
‫القانون"‬

‫‪60‬‬
‫في كل الحاالت سواء تعلق األمر بطرد ممثّل العملة أو بتسوية نزاع شغل جماعي أ ّكد المشرع على‬
‫ضرورة عرض الموضوع على متفقد الشغل لغاية التوفيق بيم مصالح المؤسسة و مصالح العمال كما أقر‬
‫جزءا على مخالفة هذا األجراء‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تبعات عدم إحترام اإلجراءات اإلدارية و دورها في تحقيق مبدأ التناسب‪:‬‬

‫يعتبر الطرد دون عرض المسألة على المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة طردا تعسفيا‪ 1‬موجبا‬
‫نص الفصل ‪ 23‬مكرر من مجلة الشغل على مقدار الغرامة لجبر الضرر الناشئ عن‬
‫ّ‬ ‫للتعويض حيث‬
‫الطرد التعسفي التي "يتراوح مقدارها بين شهر و أجر شهرين عن كلّ سنة أقدمية بالمؤسسة على أن ال‬
‫تتجاوز هذه الغرامة في جميع الحاالت أجر ثالث سنوات‪ ،‬و يتولى القاضي تقدير وجود و مدى الضرر‬
‫جراء هذا الطرد بناء بالخصوص على الصفة المهنية للعامل و أقدميته بالمؤسسة و سنّه‬
‫الحاصل من ّ‬
‫و أجره و وضعيته العائلية و تأثير هذا الطرد على حقوقه في التقاعد‪ ،‬و مدى إحترام اإلجراءات و ظروف‬
‫األمر الواقع‪ ،‬غير أنه في الحالة التي يتبين فيها ّ‬
‫أن الطرد وقع لوجود سبب حقيقي و جدي و لكن دون‬
‫إحترام اإلجراءات القانونية أو التعاقدية ّ‬
‫فإن مقدار الغرامة يتراوح بين أجر شهر و أجر أربعة أشهر ‪،‬‬
‫ويقع تقدير الغرامة حسب طبيعة اإلجراءات و تأثيرها على حقوق العامل"‪.‬‬

‫سوى بين العامل العادي و ممثل العملة على مستوى التعويضات‬ ‫في هذا اإلطار ‪ ،‬يالحظ ّ‬
‫أن المشرع ّ‬
‫المترتبة عن إستعمال المؤجر نفوذه و طردهم طردا تعسفيا و كان األجدر أن يخص المشرع ممثلي‬
‫العملة بحماية خاصة على مس توى التعويضات و ذلك بإلغاء الحدّ األقصى للغرامات‪ 2‬و جعل الحرية‬
‫للقاضي في تقديرها حتى يضع حدّا أمام المؤجر عند طرد ممثّل للعملة‪.‬‬

‫كما يمكن حمايتهم من خالل إعطاء القاضي ّ‬


‫حق إلغاء الطرد التعسفي ‪ ،‬و إرجاع العامل إلى سالف عمله‬
‫إن طلب ذلكن و حق اإللغاء هذا يمارسه القاضي اإلداري و هو ال يتعارض مع حق المؤجر لملكيته‬
‫للمؤسسة بالرغم من أنه أصبح من الصعب معرفة صاحب أو أصحاب المؤسسة نظرا للتطور اإلقتصادي‬
‫و األشكال القانونية للشركات‪.3‬‬

‫مكرر من مجلة الشغل‪ ،‬قدّم المشرع صورتين لتسقيف غرامة الطرد‬


‫و بالرجوع إلى أحكام الفصل ‪ّ 23‬‬
‫التعسفي ‪ ،‬ففي صورة الطرد دون إحترام اإلجراءات بالرغم من وجود سبب حقيقي و جدي ّ‬
‫فإن أقصى ما‬
‫يتحصل عليه العامل لجبر الضرر هو أجر ‪ 4‬أشهر ‪ّ ،‬أما إذا كان الطرد إلنتفاء الهفوة الفادحة ّ‬
‫فإن مقدار‬

‫الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫حافظ العموري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪29‬‬ ‫‪2‬‬

‫حافظ العموري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪29‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪61‬‬
‫الغرامة يتراوح بين أجر شهر و أجر شهرين عن كل سنة أقدمية بالمؤسسة على أن ال تتجاوز هذه‬
‫الغرامة في جميع الحاالت أجر ثالث سنوات‪.‬‬

‫و يطرح التساؤل في هذا اإلطار حول مبلغ التعويض الذي يتحصل عليه ممثّل العملة عند طرده ‪ ،‬هل هو‬
‫المبلغ الوارد بالفقرة األولى أو الوارد بالفقرة الثانية من الفصل ‪ 23‬مكرر‪.‬‬

‫في غياب نص صريح بمجلة الشغل بخصوص هذه المسألة فإنه يتجه تقصي ن ّية المشرع من خالل أحكام‬
‫الفصل ‪ 166‬من مجلة الشغل إذ أنه قد سعى إلى توفير الحماية القانونية لنائب العملة و ذلك بإلزام المؤجر‬
‫بأخذ رأي المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة قبل إتخاذ قرار الطرد و لن تكون لهذا اإللزام أهمية إذا‬
‫لم يكن مصحوبا بجزاء رادع يسلط عند المخالفة‪ ،‬و تبعا لذلك ّ‬
‫فإن حماية نائب العملة تقتضي إعتبار الطرد‬
‫دون عرض المسألة على تفقدية الشغل طردا تعسفيا ‪.‬‬

‫إعتبارا ألهمية مبالغ الغرامات التي يمكن أن تسلط على المؤجر المخالف‪ ،1‬كذلك هو الشأن بالنسبة‬
‫لنزاعات الشغل الجماعية حيث يعتبر طرد المؤجر للعامل دون القيام باإلجراءات و المصالحة و عرض‬
‫األمر على تفقدية الشغل طردا تعسفيا موجبا للتعويض ‪ ،‬نظرا لما لهذا الطرد من إنعكاس على المستوى‬
‫اإلجتماعي‪2‬‬ ‫اإلقتصادي و‬

‫عموما يمكن القول أنه كان على المشرع أن يهتم أكثر بإجراءات الرقابة اإلدار ية السابقة لعمليات الطرد‬
‫و تحديد محتواها بكل دقّة حتى تحقق الهدف األساسي من وراء تشريعها و هو الحدّ من سلطة المؤجر في‬
‫تسليط العقاب و فتح باب مشاركته في أخذ القرار حتى ال يتعسف و حتى ال يسلط عقوبة غير متناسبة مع‬
‫الخطأ المنسوب للعامل‪ ،‬لكن تبقى الرقابة اإلداري ة لعمليات الطرد من القيود التي تحدّ من السلطة التأديبية‬
‫المشرع م ّكن األجير بصفة عامة من الحق في‬
‫ّ‬ ‫للمؤجر رغم أنها ال تشمل إالّ صنفا معينا من العملة‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن‬
‫أن طرده من العمل كان طردا تعسفيا و بالتالي أراد المشرع‬ ‫اللجوء إلى المحاكم المختصة كلّما تراءى له ّ‬
‫بسط رقابة الحقة لتسليط العقاب ضمانا للتناسب و تتمثّل هذه الرقابة في الرقابة القضائية ‪.‬‬

‫عصام األحمر‪ ،‬إشكاالت في نزاعات الشغل‪ ،‬سيفاء للنشر ‪ ،2008‬ص ‪79‬‬ ‫‪1‬‬

‫هاجر بن حويذق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪103‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪62‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ال سلطة التقديرية للقاضي في تكريس مبدأ التناسب‪:‬‬

‫تخضع السلطة التأديبية التي يتمتع بها المؤجر إلى رقابة تسلط عليها قبل إتخاذ العقوبة ضدّ العامل‪،‬‬
‫وتهدف هذه الرقابة إلى مشاركة المؤجر في إتخاذ القرار و لو نسبيا و تختلف نجاعتها حسب إحترام‬
‫المؤجر إلجراءاتها‪ ،‬و إعتبارا لذلك دعت الضرورة لتدخل هيكل آخر يقوم بالرقابة على سلطة العقاب ‪،‬‬
‫لما تمثله هذه األخيرة من أهميته و لما تشكله من خطورة على إستقرار العامل‪ ،‬و على وضعيته في‬
‫المؤسسة و هو ما إنعكس على الوضع العام داخل هذه األخيرة خاصة على مستوى سلطات المؤجر حيث‬
‫وقع التقليص من الهيمنة التي يمارسها على أساس الملكية ليصبح للقاضي شيئا فشيئا دور في مراقبة هذه‬
‫السلطة و تحديدا في مراقبة مدى تناسب العقوبة التي يسلطها المؤجر م ع الخطأ الذي ير تكبه األجير‪،‬‬
‫و بالتالي مثلت الرقابة القضائية آخر حاجز أمام سلطة المؤجر في تسليط العقاب إذ تكون الحقة إلتخاذ‬
‫العقوبة‪.‬‬

‫و قد أولى القانون أهمية كبرى للقضاء من خالل تنظيمه و ضبط إخ تصاصه و توزيع المحاكم جغرافيا‬
‫و تقسيمها إلى دوائر‪.‬‬

‫و تختص دوائر الشغل‪ 1‬بفصل النزاعات الفردية‪ 2‬التي يمكن أن تنشأ بين األطراف المتعاقدة عند إنجاز‬
‫عقد الشغل حسب عبارات الفصل ‪ 183‬من مجلة الشغل‪ ،‬كما تتمتع هذه الدوائر بالكثير من الخصوصيات‬
‫نظرا إلتباعها إجراءات مبسطة و سريعة‪.‬‬

‫من جهتها ضبطت مجلة الشغل في كتابها الخامس "نزاعات الشغل الفردية" تحت عنوانها الوحيد‬
‫"المحاكم المهنية"‪ 3‬طرق و إحداث و نظام سير دوائر الشغل و اإلجراءات المتبعة لديها و طرق الطعن‬
‫في األحكام الصادرة عنها‪.‬‬

‫أن المشرع غلّب الطابع المهني على الطابع القضائي لدوائر الشغل من خالل حضور ّ‬
‫نواب‬ ‫و المالحظ ّ‬
‫عن األجراء و ا لمؤجرين أثناء الجلسة يقع تعيينهم بمقتضى أمر لمدّة سنتين مع إمكانية ال تجديد‪ ،‬و السبب‬
‫مما يجعله يجهل‬
‫من إقرار وجود مؤجرين ضمن تركيبة دائرة الشغل هو بعد القاضي عن األوساط المهنية ّ‬
‫الكثير ‪.‬‬

‫‪ 1‬بموجب القانون عدد ‪ 55‬لسنة ‪ 1977‬المؤرخ في ‪ 3‬أوت ‪ 1977‬و المنقح لمجلة الشغل‪ ،‬وقع تغيير "مجلس العرف" بعبارة "دوائر الشغل"‬
‫‪ 2‬بعض النزاعات خارجة عن إختصاصها كالنزاعات الجماعية المتمثلة في الدعاوى التي تقوم بها النقابات ضد ّ المؤجرين‪ ،‬النزاعات المتعلّقة‬
‫بالضمان اإلجتماعي و حوادث الشغل‬
‫‪ 3‬الفصول من ‪ 183‬إلى ‪ 232‬من مجلة الشغل‬

‫‪63‬‬
‫لكن المتمعن في فصول مجلة الشغل ال يجد إشارة إلى ضرورة مراقبة القاضي لل تناسب بين العقوبة التي‬
‫يسلطها المؤجر و الخطأ المرتكب‪ ،‬على خالف اإلتفاقية اإلطارية المشتركة التي نصت في فصلها ‪38‬‬
‫على ّ‬
‫أن "تدخل مجلس التأديب ال يشكل حاجزا أمام حق األطراف لعرض النزاع أمام المحاكم المختصة"‪.‬‬

‫في المقابل ‪ ،‬نص المشرع الفرنسي في قانون ‪ 4‬أوت ‪ 1982‬ا لمتعلق بالسلطة التأديبية صراحة على تدخل‬
‫القاضي لمراقبة تناسب العقوبة التأديبية مع خطأ األجير‪ ، 1‬و يهدف هذا القانون لتأطير سلطة المؤجر بما‬
‫فيها تحقيق التناسب ‪ ،‬حماية للعملة و ضمانا لتوازن السلطات داخل المؤسسة‪ ،‬بالتالي يبقى المؤجر حرا‬
‫في إختيار العقوبة التي يسلطها إالّ ّ‬
‫أن قراره يخضع لرقابة على تناسبها مع الخطأ المرتكب من جهة‬
‫العامل فتكون رقابة القاضي متسلطة على خطورة الفعلة‪.2‬‬

‫ّأما بالنسبة للقانون التونسي و نظرا لعدم تنظيم المشرع رقابة القاضي للتناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ‬
‫األجير‪ ،‬فقد لعب فقه القضاء دورا هاما في هذا المجال من خالل إجتهاده لتكريس مبدأ التناسب في العديد‬
‫من المناسبات‪.‬‬

‫و لفهم ماهية الرقابة القضائية لتكريس مبدأ التناسب ال بدّ من تحديد مجالها (المبحث األول) و بيان مآلها‬
‫(المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مجال الرقابة القضائية للتناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير‪:‬‬

‫ّ‬
‫إن السلطة التأديبية التي يمارسها المؤجر هي أشد وقعا على نفس العامل من سلطة التسيير اإلقتصادي‬
‫للمؤسسة إذ هي تمس مباشرة بكرامته و بوضعيته داخل المؤسسة و هي أخطر سالح يشهره المستأجر في‬
‫وجه األجير لحمله على اإلنضباط‪ ،3‬و لذلك يقف القاضي الشغلي كحاجز أمام تعسف المؤجر و يمارس‬
‫رقابته لمبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية و الخطأ المرتكب من طرف األجير و ذلك من خالل التحقق من‬
‫األفعال المنسوبة للعامل (الفقرة األولى) و ضبط معايير لتقدير خطورة هذه األفعال و مدى تبريرها‬
‫للعقوبة (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫ال فقرة األولى‪ :‬رقابة القاضي على األفعال المنسوبة للعامل‪:‬‬

‫ال يتمكن القاضي من تقدير مدى تناسب العقوبة مع الخطأ المرتكب إالّ إذا مارس رقابته على هذا األخير‬
‫و ذلك بالنظر في أسباب إرتكابه و خطورته ‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن نجاعة الرقابة بصفة عامة تتحقق بالرقابة التي‬

‫‪1‬‬‫‪Paul Fieschi-Vivet ; droit du travail, 2 ème éd, 1997, p 71‬‬


‫‪2‬‬‫‪Catherine Pugiler ; le pouvoir disciplinaire de l’employeur, éd economica 1997, p 69‬‬
‫فاخر بن سالم‪ " :‬المراقبة القضائية لعمليات الطرد كوسيلة لحماية التشغيل"‪ ،‬المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي‪ ،‬عدد ‪ 1‬لسنة ‪ ،1986‬ص ‪105‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪64‬‬
‫يسلطها القاضي على األفعال المنسوبة للعامل من خالل إجراء رقابته على مادية هذه األفعال (ب) إعتمادا‬
‫على وسائل اإلثبات المقدّمة له من الطرفين (أ)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬وسائل اإلثبات التي يعتمدها القاضي‪:‬‬

‫يعرف اإلثبات من الناحية القانونية بأنه إقامة الدليل أمام القضاء على صحة الواقعة المتنازع فيها على‬
‫ّ‬
‫الوجه الذي حدده القانون‪ ، 1‬و يعتبر اإلثبات في المادة الشغلية من أهم المسائل التي أثارت جدال قانونيا‬
‫العامة لإلثبات مع‬
‫ّ‬ ‫واسعا على مستوى الكتابات الفقهية و العمل القضائي إعتبارا لضرورة مالئمة القواعد‬
‫خصوصية العالقات الشغلية‪.2‬‬

‫و قد كانت مسألة اإلثبات قبل تنقيح مجلة الشغل سنة ‪ 1994‬تثير صعوبات تطبيقية خاصة ّ‬
‫أن المجلة لم‬
‫تكن تتضمن أيّة قاعدة تتعلق بإثبات إنتهاء العالقة الشغلية بسبب طرد األجير‪ ،‬فإثبات عملية الطرد يعد‬
‫أمرا صعبا و األصعب منه إثبات الصبغة التعسفية لذلك الطرد‪.3‬‬

‫و قد ذهب فقه القضاء في مرحلة أول ى إلى تحميل األجير عبئ إثبات إنتهاء العالقة الشغلية بموجب‬
‫العامة لإلثبات الواردة بمجلة االلتزامات و العقود تحديدا الفصل ‪ 420‬منها الذي‬
‫ّ‬ ‫الطرد تماشيا مع القواعد‬
‫ينص على ّ‬
‫أن " إثبات اإللتزام على القائم به"‪ ،‬فيكون على األجير بإعتباره القائم بدعوى الطرد أن يثبت‬
‫حصول هذا الطرد كعقوبة تعسفية‪ 4‬و غير متناسبة مع الخطأ المرتكب من طرفه‪.‬‬

‫العامة للفصل ‪ 420‬من مجلة‬


‫ّ‬ ‫و تجدر اإلشارة في هذا اإلطار ّ‬
‫أن عدّة قرارات أشارت إلى األحكام‬
‫العامة لهذه األحكام و قد جاء في إحدى القرارات ّ‬
‫أن " القاعدة‬ ‫اإللتزامات و العقود مع التأكيد على الصبغة ّ‬
‫القانونية تقتضي ّ‬
‫أن الب ّينة على من إدعى و تفريعا على ذلك فإنه على العامل إزاء مناقشة مؤجره في‬
‫حصول طرده أن يدلي بما يثبت دعواه"‪.5‬‬

‫العامة في‬
‫ّ‬ ‫و الواضح من خالل هذا القرار ّ‬
‫أن فقه قضاء محكمة التعقيب إكتفى بتطبيق القواعد القانونية‬
‫تأويل أحكام اإلثبات ف ي المادّة الشغلية دون التأكد من مالئمة هذه القواعد لخصوصية العالقة الشغلية‪،‬‬
‫الهوة بين طرفي عقد الشغل ‪ ،‬حيث‬ ‫بالتالي ّ‬
‫فإن تطبيق الفصل ‪ 420‬من مجلة اإللتزامات و العقود يعمق ّ‬
‫تمتد عدم المساواة بينهما من المجال اإلقتصادي و اإلجتماعي إلى المجال القضائي‪ ،‬و هو ما جعل المحاكم‬
‫لتحمل المؤجر عبء إثبات الطرد ‪ ،‬إذ يكفي أن يثبت األجير وجود‬
‫ّ‬ ‫تتراجع عن موقفها في مرحلة ثانية‬

‫‪ 1‬رضا المزغني‪ ":‬أحكام اإلثبات"‪ ،‬معهد اإلدارة العا ّمة‪ ،‬المملكة العربية السعودية ‪ ،‬سنة ‪ ،1985‬ص ‪40‬‬
‫‪ 2‬عصام األحمر‪ ":‬إشكاالت في نزاعات الشغل"‪ ،‬سيفاء للنشر سنة ‪ ،2008‬ص ‪284‬‬
‫‪ 3‬لسعد السماوي‪ " :‬حماية الطرف الضعيف في بعض فروع القانون"‪ ،‬مجلة بحوث و دراسات قانونية عدد ‪ 11‬لسنة ‪ ،2015‬ص ‪110‬‬
‫‪ 4‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 9929‬مؤرخ في ‪ 14‬فيفري ‪ ،1974‬نشرية محكمة التعقيب لسنة ‪ ،1974‬جزء ‪ ،2‬ص ‪202‬‬
‫‪ 5‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 62324‬مؤرخ في ‪ 12‬فيفري ‪ ،1998‬نشرية محكمة التعقيب لسنة ‪ ،1998‬جزء ‪ ،2‬ص ‪392‬‬

‫‪65‬‬
‫العالقة الشغلية حتى ينقلب عبء اإلثبات على المؤجر ‪ ،‬حيث أقرت محكمة التعقيب‪ّ 1‬‬
‫أن "عبئ التخلي‬
‫التلقائي للعامل عن شغله من جانب واحد محمول على المؤجر ضرورة أنه يقع على عاتق األجير إثبات‬
‫العالقة الشغلية"‪.‬‬

‫كما إعتبرت أنه " طالما أثبت العامل بوصفه مدعيا في العالقة الشغلية بداية و نهاية و أجرا و أنكر الهفوة‬
‫المنسوبة له و تمسك بعدم شرعية الطرد الذي تعرض له‪ ،‬فإنه على المؤجر بوصفه مدعى عليه إثبات‬
‫الهفوة المنسوبة للعام ل كإثبات إحترام اإلجراءات القانونية أو الترتيبية أو التعاقدية"‪.2‬‬

‫من خالل هذا الموقف ‪ ،‬تستشف رغبة القاضي في إيجاد تأصيل قانوني‪ 3‬لنظام اإلثبات في المادة الشغلية‬
‫من خالل تأويل خاص للفصول ‪ 562 ،560 ،420‬من مجلة اإللتزامات و العقود‪.4‬‬

‫و بناءا على ما تقدم ‪ ،‬إن عدم تقنين المشرع لفقه القضاء في مادة اإلثبات جعل قرارات محكمة تختلف في‬
‫توزيعها لعبء اإلثبات ‪ ،‬و هو ما ساهم في خلق التضارب بين ما يمكن تسميته باإلتجاه اإلجتماعي و بين‬
‫اإلتجاه المدني فتدخل المشرع إثر ذلك بمقتضى القانون عدد ‪ 27‬لسنة ‪ 1994‬المؤرخ في ‪ 21‬فيفري‬
‫‪ 1994‬و المنقح لمجلة الشغل لينهي محاوالت فقه القضاء‪ ،‬و ذلك بوضع نظام لإلثبات جاء به الفصل ‪14‬‬
‫خامسا من مجلة الشغل الذي ينص على أنه "يرجع للقاضي تقدير مدى وجود الصبغة الحقيقية و الجدية‬
‫ألسباب الطرد و مدى إحترام اإلجراءات القانونية أو التعاقدية المتعلقة به و ذلك بناءا على عناصر‬
‫اإلثبات المقدمة له من طرفي النزاع و يمكنه لهذا الغرض اإلذن بإجراء كل وسيلة تحقيق يراها الزمة"‪.‬‬

‫الواضح ّ‬
‫أن المشرع خيّر أن يجعل الطرفين على قدم المساواة من حيث إثبات سبب الطرد‪ ،‬و هو ما‬
‫يعطي للقاضي دورا أكثر نجاعة في التثبت من حجج و دفوعات الطرفين و اإلذن بإجراء وسائل التحقيق‬
‫التي يراها ضرورية قبل ترجيح كفة هذا الطرف أو ذلك‪ ،‬و هو ما من شأنه أن يحد من سلبية دور‬
‫القاضي و حياده و يضمن سرعة الفصل في النزاع‪ ،‬و بالتالي اإلنتقال من نظام إتهامي إلى نظام‬
‫إستقرائي يلعب فيه القاضي دورا أساسيا و حيويا في البحث عن الحقيقة ‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن هذا الدور يبقى إختياريا‬
‫بالنسبة له ‪ ،‬حيث ظلّ دوره مقتصرا في حقيقة األمر على إكمال الوسائل و هو ما يمكن أن يستشف من‬
‫عدّة نصوص قانونية فقد جاء بالفصل ‪ 209‬من مجلة الشغل" إذا تراءت لدائرة الشغل ضرورة إجراء‬
‫ب حث في القضية ّ‬
‫فإن هذا البحث يستمر أمام الدائرة بالجلسة العادية أو بجلسة خاصة و يقع إستدعاء‬
‫الشهود حسب نفس الصيغ و اآلجال الخاصة بالمدعى عليه"‪.‬‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 5803‬مؤرخ في ‪ 3‬جانفي ‪ ،1998‬نشرية محكمة التعقيب لسنة ‪ ،1998‬القسم المدني‪ ،‬ص ‪375‬‬
‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 1519‬مؤرخ في ‪ 27‬ديسمبر ‪ ،2004‬نشرية محكمة التعقيب لسنة ‪ ،2004‬الجزء الثاني‪ ،‬ص ‪451‬‬
‫‪ 3‬الطيب اللومي‪ " :‬عقد الشغل الفردي و القضاء الشغلي"‪ ،‬منشورات حيوني‪ ،‬تونس ‪ ،‬ص ‪165‬‬
‫‪ 4‬الفصل ‪ 560‬من مجلة اإللتزامات و العقود ‪ " :‬األصل براءة الذمة إلى أن يثبت تعميرها"‬
‫الفصل ‪ 562‬من مجلة اإللتزامات و العقود ‪ " :‬األصل بقاء ما كان على ما كان و على من إدعى تغييره باإلثبات"‬

‫‪66‬‬
‫و من الواضح من خالل أحكام هذا الفصل ّ‬
‫أن إجراء األبحاث من طرف المحكمة و إستدعاء الشهود هو‬
‫أمر إختياري و هي غير ملز مة بذلك و لعل ذلك يقلل من توفير الحماية القضائية لألجير بإعتباره الطرف‬
‫الضعيف في العقد و يعزز من سلطات المؤجر‪.‬‬

‫في نفس السياق‪ ،‬إعتمدت محكمة التعقيب على أحكام الفصل ‪ 209‬مؤكدة ّ‬
‫أن القاضي الشغلي له السلطة‬
‫التقديرية للقيام باإلجراءات التي يراها الزمة من بحوث و سماع الطرفين و تلقي ما لديها من وسائل من‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬جاء بالفصل ‪ 199‬من مجلة الشغل " كما يمكن للرئيس أن يأذن بإجراء كل وسيلة تحقيق‬
‫يراها الزمة"‪ . 1‬على خالف أحكام الفصل ‪ 12‬من مجلة المرافعات المدنية و التجارية الذي نص على‬
‫"ليس على المحكمة تكوين أو إتمام أو إحضار حجج الخصوم"‪.‬‬

‫كرس مبدأ أساسيا و هو مبدأ حياد القاضي‪ ،‬لكن‬ ‫من الواضح من خالل هذه النصوص القانونية ّ‬
‫أن المشرع ّ‬
‫يطرح التساؤل حول مدى إلتزام القاضي الشغلي بمبدأ الحياد عندما ينظر في مسألة إثبات عناصر العالقة‬
‫الشغلية‪.‬‬

‫ّ‬
‫إن إجراء األبحاث الالزمة عن الحقيقة لم يعد في إطار النظام اإلستقرائي حكرا على القاضي الجزائي بل‬
‫األول مطالب بقوة القانون بإجراء األبحاث للتوصل إلى تسليط‬
‫شملت أيضا القاضي الشغلي‪ ،‬و لئن كان ّ‬
‫األضواء على األفعال اإلجرامية لغاية التوصل إلى إيقاع العقوبة الالزمة ّ‬
‫فإن الثاني يأذن بإجراء األبحاث‬
‫الال زمة و التثبت من الحجج التي أحضرها الخصوم لغاية مراقبة العقوبة المسلطة على األجير و تناسبها‬
‫مع األفعال التي إرتكبها‪ ،‬و هو نفس التمشي الذي إنتهجه فقه القضاء الفرنسي بإعتبار ّ‬
‫أن الفصل ‪13- 122‬‬
‫من مجلة الشغل الفرنسية يحمل الطرفين عبء اإلثبا ت ‪ ،‬إضافة إلى الفصل ‪ 43- 122‬من نفس المجلة‬
‫الذي يؤكد على دور القاضي في البحث عن الدالئل فهو يحمل المؤجر تبرير عقوبته من جهة لكنه ال يعفي‬
‫األجير من تدعيم إدعائه بأدلة قوية من جهة أخرى‪.‬‬

‫لكن المشرع التونسي لم يتولى توضيح ما المقصود "بإجراء البحث" حيث أنه لم يحدد الوسائل التحقيقية‬
‫التي يتخذها في أعماله الكاشفة للحقيقة هذا باإلضافة إلى عدم ذكره للحاالت التي يجب فيها إتخاذ مثل تلك‬
‫الوسائل كما لم يضبط معايير تسهل للقاضي عملية إلتجائه إليها‪ ،‬على عكس المشرع الفرنسي الذي تولى‬
‫وضع عنوان لوسائل التحقيق القضائي في المادة المدنية و ذلك من خالل األمر عدد ‪ 37- 1122‬المؤرخ‬
‫األول من هذا األمر يالحظ أنه ال‬
‫في ‪ 17‬ديسمبر ‪ ،21973‬فباإلطالع على الفصلين ‪ 30‬و ‪ 5‬من الجزء ّ‬
‫يمكن اإلذن بإجراء الوسائل التحقيقية إ ّ‬
‫ال في الحاالت التي ال تتوفر للقاضي للعناصر الكافية للبت في‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 21649‬مؤرخ في ‪ 31‬جانفي ‪ ،2003‬ن م ت ‪ ،‬ص ‪ ،388‬ج ‪2‬‬
‫‪ 2‬سندس الجليسي‪ " :‬تناسب العقوبة التأديبية مع خطورة المخالفة في قانون الشغل‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق و العلوم السياسية بتونس ‪ ،2007- 2006 ،‬ص ‪160‬‬

‫‪67‬‬
‫النزاع أو تلك التي ال يمكن فيها للمدعي من خالل ما توفر لديه من عناصر إثبات الواقعة المدعى بها‪ ،‬كما‬
‫خول للقاضي اإلنتقال خارج دائرة مرجع نظره للقيام بأعماله‬
‫ذهب الفصل ‪ 14‬إلى أبعد من ذلك إذ ّ‬
‫التحقيقية أو لمراقبة ما أمر بإتخاذه من وسائل في الغرض ‪.‬‬

‫بالرجوع إلى القانون التونسي ّ‬


‫فإن قيام قاضي الشغل بدوره المتمثل في تقدير مدى وجود الصبغة الحقيقية‬
‫و الجدية ألسباب الطرد ال يمكن أن يتحقق إالّ بعد قيام طرفي الدعوى بعرض مالها من وسائل إثبات ‪،‬‬
‫أولها الوسيلة الخاصة بقانون الشغل أال و هي الرسالة مضمونة الوصول و التي يتم فيها اإلعالم بالطرد‬
‫وتحديد أسبابه‪.‬‬

‫العامة المنصوص عليها صلب مجلة اإللتزامات و العقود و مجلة المرافعات‬


‫ّ‬ ‫إضافة إلى وسائل اإلثبات‬
‫ا لمدنية و التجارية‪ ،‬و تتمثل هذه الوسائل أساسا في اإلقرار أو اليمين الحاسمة ‪ ،‬و اإلقرار في المادة‬
‫المدنية من أهم وسائل اإلثبات‪، 1‬و هو أن يعترف المدعى عل يه بالتصرف أو بالواقعة و يعني ذلك أن يقر‬
‫المؤجر صراحة بأنه قام بطرد المدعي و هو األجير و يجب أن يكون إقراره صريحا في الداللة و صادرا‬
‫عن إختيار و تبصر حسب مقتضيات الفصل ‪ 132‬من مجلة اإللتزامات و العقود‪ ،.2‬إالّ ّ‬
‫أن البعض إعتبر‬
‫أن هذه الوسيلة ال يمكن منطقيا إعتمادها في المادّة الشغلية ّ‬
‫ألن المؤجر عادة ما ينكر واقعة الطرد‪.3‬‬ ‫ّ‬

‫كما يمكن اإلستناد إلى اليمين الحاسمة و هو التأكيد الحاسم للحقيقة الصادر أثناء إجراء قضائي من قبل‬
‫أحد أطراف النزاع الذي يشهد هللا على نفسه و يقسم بإسمه‪ ،4‬إالّ ّ‬
‫أن اليمين الحاسمة ما زالت محور جدل‬
‫ال سيما من حيث توجيهها أو من حيث النكول فيها رغم أهميتها في النزاع الشغلي بإعتبارها وسيلة إثبات‬
‫إحتياطية ال يلجأ الخصوم إليها في اإلثبات إالّ عندما يعوزه كل دليل آخر‪. 5‬‬

‫و عموما تحظى هذه الوسيلة بإهتمام كبير على مس توى التطبيق خاصة في صورة غياب الكتب أو ما يثبت‬
‫الطرد فهي غالبا ما تمثل مالذ أحد طرفي النزاع الشغلي كلما تعذر عليه إثبات العالقة الشغلية أو إثبات‬
‫الطرد التعسفي‪.‬‬

‫إضافة إلى إمكانية إعتماد وسائل إثبات أخرى على غرار سماع البينة و القرائن ‪ ،‬فال وجود لمانع قانوني‬
‫لإلستناد على البينة كوسيلة إثبات حيث يحق للقاضي اإلذن بسماع من يرى فائدة في سماعه و للمحكمة أن‬
‫عرفها الفصل‬
‫تأخذ بالشهادة أو تتركها إلثبات حصول الطرد التعسفي من عدمه‪ّ ،‬أما بالنسبة للقرائن فقد ّ‬
‫‪ 479‬من مجلة اإللتزامات و العقود بكونها "ما يستدل به القانون أو الحاكم على أشياء مجهولة"‪ ،‬و القرائن‬

‫‪ 1‬محمد عبد الباقي اليوسفي‪ " :‬القاضي و اإلثبات في المادة الشغلية"‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع‪ ،‬عدد ‪ ،35- 34‬نوفمبر ‪ ،2007‬ص ‪88‬‬
‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 2634‬مؤرخ في ‪ 24‬جانفي ‪ ،2000‬نشرية محكمة التعقيب لسنة ‪ ،2000‬القسم المدني‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬ص ‪269‬‬
‫‪ 3‬محمد عبد الباقي اليوسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ 4‬رضا البعزاوي‪ ،‬الطرد التعسفي في المادة الشغلية‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع‪ ،‬فيفري ‪ ،2004‬ص ‪13‬‬
‫‪ 5‬عصام األحمر‪ ،‬إشكاالت في نزاعات الشغل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪312‬‬

‫‪68‬‬
‫نوعان‪ :‬قرائن قانونية و أخرى قضائية‪ ،‬هاته األخيرة هي قرائن لم يحصرها القانون فهي حصيلة‬
‫العالمات أو اإلرشادات الظاهرة التي يمكن أن تكون كافية إلقناع القاضي‪ ، 1‬و هناك العديد من‬
‫الوضعيات التي إعتبرتها المحكمة أنها حالة طرد تعسفي مثال ذلك طرد العامل من أجل المشاركة في‬
‫إضراب شرعي‪.2‬‬

‫ّأما بالنسبة للقرائن القانونية فيؤكد البعض على أنها ليست في الواقع إالّ قرينة قضائية قام القانون بتعميمها‬
‫و تنظيمها‪ ، 3‬و أهم قرينة وقع اللجوء إليها من طرف فقه القضاء الواردة صلب الفصل ‪ 562‬من مجلة‬
‫اإللتزامات و العقود و بالتالي ّ‬
‫فإن القرائن القانونية ال تهم وسائل اإلثبات و إنما عبء اإلثبات‪.‬‬

‫و إعتمادا على هذه الوسائل يمكن للقاضي التحقق من الفعلة المنسوبة لألجير و مدى تناسب العقوبة معها‪.‬‬

‫ب ‪ -‬رقابة القاضي على مادية األفعال المنسوبة للعامل‪:‬‬

‫تكريسا لمبدأ التناسب‪ ،‬يتولى القاضي الشغلي باإلستناد على وسائل اإلثبات المقدمة له من كال الطرفين‬
‫فربما‬ ‫المؤجر‪،‬‬ ‫إدعاءات‬ ‫من‬ ‫للتأكد‬ ‫ذلك‬ ‫و‬ ‫للعامل‪،‬‬ ‫المنسوبة‬ ‫الفعلة‬ ‫من‬ ‫التحقق‬
‫يتعلل صاحب العمل بقرار يحصل عليه من مجلس التأديب ليقرر طرد العامل ألتفه األسباب‪.4‬‬

‫و كمرحلة أولى يجب أن تكون األفعال المنسوبة إلى األجير ثابتة بملف القضية ‪ ،‬فالقاضي يتعين عليه‬
‫مراقبة حقيقة وجود األفعال و مدى إسنادها للعامل‪ ،‬و في هذا اإلطار صرحت محكمة التعقيب في قرار‬
‫مدني عدد ‪ 11303‬مؤرخ في ‪ 7‬أفريل ‪ّ " :2007‬‬
‫إن تمسك المؤجر بإرتكاب األجير لخطأ جسيم يبرر‬
‫طرده ث ّم دعوته في تاريخ الحق إلبرام عقد شغل جديد يعد إقرارا منه بقطع العالقة الشغلية بناء على خطأ‬
‫غير ثابت في جانبه و هو ما يشكل طردا تعسفيا لحصوله دون سبب جدي و حقيقي"‪ ، 5‬بالتالي ّ‬
‫فإن‬
‫القاضي الشغلي يمارس رقابته على الوقائع التي إعتبرها المؤجر أخطاء فيتحقق من الوجود المادي‬
‫للخطأ‪ ،‬كما يتحقق من وجود الخطأ إعتمادا على ما قد يتضمنه محضر مجلس التأديب خاصة إذا إستوفى‬
‫جميع شكلياته‪ ،‬و تجدر اإلشارة في هذا اإلطار إلى ّ‬
‫أن القاضي يتو لى مراقبة صحة اإلجراءات التأديبية‬
‫عند عرض العامل على مجلس التأديب خاصة مراقبة القواعد اإلجرائية الخاصة بحقوق الدفاع نظرا‬
‫صها دستور ‪ 2014‬بقواعد في الفصول ‪ 27‬و ‪ 28‬و ‪ 29‬و خاصة‬
‫لكونها من القواعد األساسية التي خ ّ‬
‫الفصل ‪ 108‬الذي ينص على ّ‬
‫أن حق الدفاع مضمون كما ير اقب القاضي مدى إحترام اآلجال القانونية‬
‫إلنعقاد المجلس و في صورة إنعقاده بصفة غير قانونية يعتبر الطرد تعسفيا‪.‬‬

‫‪ 1‬رضا البعزاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪139‬‬


‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 34640‬مؤرخ في ‪ 22‬أوت ‪ ،1992‬نشرية محكمة التعقيب‪ ،‬ص ‪120‬‬
‫‪ 3‬محمد الشرفي و علي المزغني‪ " :‬أحكام الحقوق"‪ ،‬دار الجنوب للنشر‪ ،1995 ،‬ص ‪139‬‬
‫‪ 4‬فاخر بن سالم ‪" :‬المراقبة القضائية لعمليات الطرد كوسيلة لحماية التشغيل"‪ ،‬المجلة القانونية التونسية للقانون اإلجتماعي لسنة ‪ ،1986‬ص ‪78‬‬
‫األو ل‪ ،‬ص ‪319‬‬ ‫‪ 5‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 11303‬في ‪ 7‬أفريل ‪ ،2007‬نشرية محكمة التعقيب‪ ،‬الجزء ّ‬

‫‪69‬‬
‫ّأما إذا كانت الهفوة الفادحة تشكل جريمة ‪ّ ،‬‬
‫فإن الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة أقر عدم‬
‫عرض العامل على مجلس التأديب في هذا اإلطار تطرح إشكالية مدى حجية الحكم الجزائي على الشغلي‪،‬‬
‫و قد نص الفصل ‪ 101‬من مجلة اإللتزامات و العقود مبدأ ينص ّ‬
‫أن "الحكم الصادر من محكمة جزائية‬
‫بترك سبيل المتهم ال يؤثر في مسألة تعويض الخسارة الناشئة من الفعل الذي قامت به التهمة و هذا الحكم‬
‫يجري في صورة سقوط الدعوى بسبب وفاة المتهم أو لصدور عفو عام"‪.‬‬

‫و نظرا لخصوصية قانون الشغل و إستقالل الخطأ التأديبي عن الخطأ الجزائي‪ ،‬لم يقبل فقه القضاء في‬
‫المادة الشغلية بمبدأ حجية الحكم الجزائي على الشغلي‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن القاضي الشغلي ال يتقيد بالوصف القانوني‬
‫فإن إعتبار القاضي ّ‬
‫أن األفعال المنسوبة لألجير ال‬ ‫الذي أعطاه القاضي الجزائي لتلك األفعال‪ ،‬و لهذا ّ‬
‫تكفي إلقرار مسؤوليته الجزائية ال يمنع القاضي الشغلي من أن يقر بوجود خطأ مهني على نفس األفعال‬
‫مما يشكل سببا حقيقيا و جديا للطرد‪.1‬‬
‫ّ‬

‫و باإلضافة إلى التحقق من الوجود المادي للخطأ ‪ ،‬يتحقق القاضي أيضا من إسناد تلك األخطاء للعامل‬
‫أن مبدأ شخصية الجزاء التأديبي يفترض أن ال يتحمل العقوبة إالّ العامل المتسبب في حصول‬
‫المعني‪ ،‬إذ ّ‬
‫الخطأ‪ ،‬و المالحظ ّ‬
‫أن قاضي الشغل يتحرى بخصوص عنصر اإلسناد و يبحث ت بعا لذلك عن مدى نسبة‬
‫الخطأ للعامل و إذا ما ثبت ذلك الخطأ في جانب العامل فإنه يجب أن يكون العقاب على قدر الذنب فال‬
‫يعاقب بأقصى مراتب الجزاء لهفوة غير خطيرة‪ ، 2‬إالّ أنه ال يجوز للقاضي إذا تبين له عدم تناسب الخطأ‬
‫المرتكب مع العقوبة أن يقرر عقوبة أخرى تتناسب م ع الخطأ بإعتبار ّ‬
‫أن ممارسة السلطة التأديبية حكرا‬
‫على المؤجر فقط و بالتالي ال يبقى للقاضي سوى إقرار ّ‬
‫أن العقوبة كانت تعسفية و يحكم بتعويض‬
‫لألجير‪.‬‬

‫ّأما إذا كانت األفعال المنسوبة له تشكل هفوة فادحة موجبة للطرد ّ‬
‫فإن القاضي يدرس مدى تناسب العقوبة‬
‫المسلط ة عليه و الخطأ الذي إرتكبه من خالل ضبط معايير لتقدير خطورة األفعال المنسوبة للعامل و مدى‬
‫تبريرها للعقوبة‪.‬‬

‫‪ 1‬النوري مزيد‪ :‬آثار التتبع الجزائي ضد ّ األجير على العالقة الشغلية‪ ،‬مجلة دراسات قانونية‪ ،2005 ،‬عدد ‪ ،12‬ص ‪137‬‬
‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 67736‬مؤرخ في ‪ 7‬أكتوبر ‪ ،1996‬نشرية محكمة التعقيب لسنة ‪ ،1996‬ص ‪470‬‬

‫‪70‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬المعايير المعتمدة من قبل القاضي لتقدير خطورة األفعال‪:‬‬

‫حتى يستطيع القاضي إجراء رقابته على تناسب العقوبة التأديبية مع الخطأ المرتكب ‪ ،‬يجب أن يقدر فداحة‬
‫هذا الخطأ ‪ ،‬و تعتبر الرقابة على التناسب نتيجة مباشرة لسلطة القاضي في تقدير فداحة الهفوة‪ ،‬و يتم ذلك‬
‫حسب الظروف التي وقعت فيها حتى يتم تكييفها و إستخالص النتائج التي تتعلق بمدى تناسبها مع العقوبة‬
‫المتخذة‪.‬‬

‫و قد ذهب البعض إلى القول بضرورة عدم إكتفاء القاضي بالبحث عن التناسب القانوني و إنما تمتد تلك‬
‫الرقابة إلى التحقق من التناسب اإلجتماعي بين العقوبة و الخطأ من خالل اإلعتداد باآلثار اإلجتماعية‬
‫المترتبة عن تلك العقوبة (ظروف العامل المادية‪ ،‬عالقته بالمؤجر)‪ ،‬و كذلك ال بدّ أن يبحث القاضي عن‬
‫التناسب اإلقتصادي بين العقوبة و الخطأ عبر األخذ باإلعتبار إنعكاسات العقوبة المتخذة ضدّ العامل على‬
‫مصلحة المؤسسة و حسن سير العمل بها‪.1‬‬

‫و نظرا لكون الفصل ‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة إقتضى ّ‬


‫أن فداحة الهفوة يقع تقديرها بالنظر‬
‫للظروف التي وقع فيها إرتكابها و لنوع الوظيف الذي يشغله العامل المرتكب للخطأ مع النظر لفداحة ما‬
‫له من نتائج فإنه لتقدير خطورة الفعلة يجب على القاضي أن يأخذ بعين اإلعتبار كل من العناصر‬
‫الموضوعية (ب) و العناصر الذاتية التي أدت إلى إرتكابها (أ)‪.‬‬

‫أ ‪ -‬المعايير الذاتية لتقدير خطورة الفعلة‪:‬‬

‫إقتضى الفصل ‪ 37‬فقرة أولى من الغتفاقية اإلطارية المشتركة ّ‬


‫أن "فداحة الهفوة يقع تقديرها بالنظر‬
‫للظروف التي وقع فيها إرتكابها و لنوع الوظيف الشاغل له العامل المرتكب للخطأ"‪.‬‬

‫و المقصود من عبارات هذا الفصل ّ‬


‫أن القاضي يحل محلّ المؤجر في تكييف األخطاء ‪ ،‬و يأخذ بعين‬
‫اإلعتبار السلوك الشخصي للعامل و ظروفه و نفسيته حتى يضمن تحقيق التناسب بين العقوبة و الخطأ‬
‫الذي إرتكبه العامل‪.‬‬

‫فمثال قضاء سنوات عديدة لدى نفس المؤجر يمثّل قرينة على حسن سير السلوك يتوجب على المؤجر‬
‫‪ ،‬كذلك ال‬ ‫بالجميل‪2‬‬ ‫مراعاتها في كل هفوة تصدر عن األجير و لو كانت فادحة في حد ذاتها كإعتراف له‬
‫يعتبر األجير قد إرتكب خطأ فادحا إذا إحتج بقوة على مديره الذي خصم من مرتبه بدون موجب‪. 3‬‬

‫‪1‬‬‫‪Jean Claude Juvillier : « droit du travail », 4 ème édition, Paris, librairie générale de droit et de jurisprudence,‬‬
‫‪1992, p 538‬‬
‫‪ 2‬سامي العش و رضا خماخم‪" :‬الطرد التع سفي في قانون الشغل"‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع عدد ‪ 6‬لسنة ‪ ،1991‬ص ‪52‬‬
‫‪ 3‬بشرى ساسي‪ " :‬مفهوم الطرد"‪ ،‬مذكرة لنسل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق شعبة القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس‪،‬‬
‫‪ ،2001- 2000‬ص ‪63‬‬

‫‪71‬‬
‫فالعقوبة يجب أن تقدر حالة بحالة حسب الظروف التي وقعت فيها و ظروف العامل و نفسيته و نوع‬
‫وظيفته‪ ،‬و قد و ّسع فقه القضاء الفرنسي في نطاق المعيار الذاتي لتقدير العقوبة ليشمل ّ‬
‫سن األجير وأقدميته‬
‫ليتمكن من تقدير خطورة األفعال المنسوبة للعامل و مدى تناسبها مع العقوبة‬ ‫اإلجتماعية‪1‬‬ ‫و حالته‬
‫المسلطة عليه‪.‬‬

‫ب ‪ -‬المعايير الموضوعية لتقدير خطورة الفعلة‪:‬‬

‫إلى جانب إعتماد المعيار الذاتي‪ ،‬يعتمد كذلك القاضي على المعيار الموضوعي ‪ ،‬و يعتمد في تقدير‬
‫خطورة الخطأ على أهمية الضرر الحاصل بالمؤسسة و اإلخالل بسيرها العادي على معنى أحكام الفصل‬
‫‪ 37‬من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة‪.‬‬

‫بمعنى ّ‬
‫أن القاضي عندما يراقب أسباب الطرد‪ ،‬يجب عليه أن يقدر خطورة الفعلة و ما لها من آثار فادحة‬
‫على حسن سير المؤسسة‪ ،‬أي ّ‬
‫أن العقوبة التأديبية يجب أن تقدر حسب األضرار التي ألحقت بالمؤسسة ال‬
‫حسب األضرار التي ألحقت بالمؤجر و ذلك حتى تكون متناسبة مع الخطأ المرتكب‪.‬‬

‫في هذا السياق‪ ،‬إ عتبرت محكمة التعقيب في قرارها المؤرخ في ‪ 20‬جانفي ‪ 1997‬أنه "و حيث رأت‬
‫محكمة الموضوع أنه لم يثبت بالملف ّ‬
‫أن غ ياب العامل عن عمله مدّة ‪ 45‬دقيقة قد أثر سلبا على سبيل‬
‫العمل أو ّ‬
‫أن ذلك الغياب قد أحدث خطرا أو ضررا على المؤسسة و ال يمكن بالتالي إعتباره هفوة فادحة‬
‫تخول طرده نهائيا من العمل ضرورة أنه كان باإلمكان اإللتجاء لعقوبة أخف في سلّم العقوبات"‪.2‬‬
‫ّ‬

‫يتّضح ّ‬
‫مما سبق ذكره ّ‬
‫أن القاضي له سلطة واسعة في تقدير الوقائع ‪ ،‬و عليه أن يوازن بين مصلحة‬
‫المؤسسة من جهة و مصلحة األج ير في الحفاظ على مركز عمله‪ ،‬حتى يستنتج خطورة الفعلة المنسوبة‬
‫للعامل و مدى تناسبها مع العقوبة التأديبية التي إتخذها المؤجر في حقه‪ ،‬فالقاضي عند إجرائه هذه الرقابة‬
‫مرة أخرى و يرى إذا كانت تنطبق حقا و يرجع ذلك لنسبية مفهوم‬
‫يحل محل المؤجر و يعيد تكييف الوقائع ّ‬
‫يعرفه و لم يضع معايير واضحة لتكييفه‪ ،‬بالتالي يرجع للقاضي تعديل التكييف‬
‫الخطأ‪ ،‬فقانون الشغل لم ّ‬
‫الفردي الذي وضعه المؤجر أو الذي وضعه بعد أخذ رأي مجلس التأديب‪ ،‬و إذا كانت الفعلة التي إرتكبها‬
‫األجير تمثّل جريمة تضر بالمؤسسة و حسن سيرها العادي كما ضبطها أحكام الفصل ‪ 37‬فقرة ‪ 6‬من‬
‫عما قضى به‬ ‫اإلتفاقية اإلطارية المشتركة ّ‬
‫فإن القاضي الشغلي يتثبت من مدى توفر الخطأ التأديبي بمعزل ّ‬
‫القاضي الجزائي‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪G.H.Camerlynck : « le contrat de travail », Tome 1,2 éd.1982, p 566‬‬


‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 57706‬مؤرخ في ‪ 20‬جانفي ‪ ،1997‬نشرية محكمة التعقيب‪ ،‬ص ‪258‬‬

‫‪72‬‬
‫في هذا اإلطار إعتبرت محكمة التعقيب ّ‬
‫أن صدور حكم جزائي يقضي بعدم سماع دعوى السرقة الموجهة‬
‫ضدّ العامل ال يمنع المؤجر من مؤاخذ ته تأديبيا و إتخاذ عقوبة الطرد ضدّه إذ تبين ّ‬
‫أن األفعال المنسوبة‬
‫إليه تشكل هفوة فادحة‪.1‬‬

‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬يمكن للمؤجر في إطار ممارسته لسلطته التأديبية أن يعاقب بطريقة مختلفة عماال إرتكبوا‬
‫نفس الخطأ في هذه الحالة يمارس القاضي سلطته و يعيد تكييف الوقائع حتى يقدر خطورة األفعال و مدى‬
‫يفرد تلك العقوبة حسب الظروف المحيطة بإرتكاب الفعلة و شخصية األجير‪ ،‬بالتالي‬
‫تناسبها مع العقوبة و ّ‬
‫يقترب القاضي الشغلي في هذا المجال من القاضي الجزائي الذي يتمتع بدوره بسلطة واسعة في التفريد‬
‫في حدود ما تنص عليه القوانين الجزائية‪ 2‬إذ يحدد المشرع األفعال المخلة بإستقرار و أمن المجتمع ث ّم‬
‫يحدّد ما يقابلها من عقاب و ما يتناسب معها‪.‬‬

‫يستشف مما سبق ذكره‪ ،‬أّ ّن تكريس مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية و الخطأ المرتكب من قبل األجير‬
‫مشروط بتحقيقه من الناحية العملية ‪ ،‬فالقاضي الشغلي يجتهد لتدارك النقص التشريعي في هذه المسألة‬
‫و ذلك من خالل تقديره لألفعال المنسوبة للعامل بعد التثبت من وسائل اإلثبات المعروضة عليه حتى يتمكن‬
‫من أن يصدر حكمه ‪ ،‬لكن إذا أقر ّ‬
‫أن العقوبة غير متناسبة مع الخطأ الذي إرتكبه األجير ال يمكنه أن يقر‬
‫عقوبة أخرى و يكتفي بإعتبار ا لطرد كان تعسفيا و يقضي بالتعويض لفائدة األجير‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مآل الرقابة القضائية و مدى تحقيق مبدأ التناسب‪:‬‬

‫رقابة القاضي على التناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير تضمن الحلول أمام كل تصرف تمييزي‬
‫من المؤجر ‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن اإلفراط في معاقبة األجير يبعث الشك إ لى وجود تعسف و إنحراف بالسلطة التأديبية‬
‫عن هدفها‪ ،‬لكن بالرغم من إجتهاد القاضي في تكريس مبدأ التناسب ّ‬
‫فإن المشرع لم يمكنه من فرضية‬
‫إرجاع العامل إلى عمله (الفقرة األولى) ‪ ،‬لكنه تدارك األمر بإقرار إجراء محاولة صلحية بين أطراف‬
‫عقد الشغل قبل إحالة ملف الدعوى عل ى هيئة المحكمة ضمانا لمصلحة كال الطرفين (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عدم إمكانية إرجاع العامل‪:‬‬

‫رغم سعيه المتواصل لتحقيق التوازن بين اإللتزامات ّ‬


‫فإن القاضي قد إصطدم بعدّة صعوبات خاصة‬
‫عندما يتعلق األمر بالعملة المطرودين تعسفيا و ذلك يعود أساسا إلى عدم تقنين إعادة إرجاع العامل‬
‫المطرود بصفة تعسفية حيث ال يمكن للقاضي الشغلي إذا أن يلزم المؤسسة أو المؤجر بضرورة إرجاع‬
‫العامل لعمله و ال يبقى لألجير سوى المطالبة بالتعويض النقدي فقط‪.‬‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 54293‬مؤرخ في ‪ 26‬سبتمبر ‪ ،1996‬نشرية محكمة التعقيب‪ ،‬ص ‪152‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪Jean Claude Jevalier : droit du travail, 4 éme éd, 1992, p 300‬‬

‫‪73‬‬
‫و يمكن تفسير عدم إمكانية إرجاع العامل لعمله بعدّة مبررات أولها منع التنفيذ العيني بإعتبار ّ‬
‫أن القانون‬
‫حتى أ نه و بالرغم من‬ ‫نشاطه‪1‬‬ ‫التونسي ال يلزم المؤجر الذي قام بطرد العامل بإرجاعه إلى سالف‬
‫التنقيحات التي أدخلها المشرع على مجلة الشغل سنتي ‪ 1994‬و ‪ّ 1996‬‬
‫فإن القاضي ال زال يعتمد على‬
‫التعويض المالي فقط حيث ال نجد نصا صريحا يلزمه بإرجاع العمل المطرود لعمله بل إكتفى المشرع‬
‫بذكر التعويضات المستحقة في جميع حاالت القطع التعسفي لعقد الشغل‪ ، 2‬و يرجع منع تكريس التعويض‬
‫العيني إلى تبني المشرع لنظرية التعسف في إستعمال الحق الواردة صلب الفصل ‪ 103‬من مجلة‬
‫اإللتزامات و العقود الذي إقتضى أنه " من فعل ما يقتضيه حقه بدون قصد اإلضرار بالغير فال عهدة مالية‬
‫عليه‪ ،‬فإذا كان هناك ضرر فادح يمكن إجتنابه أو إزالته بال خسارة على صاحب الحق و لم يفعل فعليه‬
‫بالعهدة المالية"‪ ،‬و عليه يمكن لألجير المتضرر في حالة إخالل المؤجر باإللتزامات التعاقدية المطالبة فقط‬
‫بالتعويض عن الخسارة الالحقة له من اإلخالل بذلك اإللتزام تطبيقا للقواعد العامة في مادة العقود‪ ، 3‬وهو‬
‫ما يعني ّ‬
‫أن المشرع قد أقر نظرية التعسف في إستعمال الحق في ما يتعلق بحق الطرد رغم أنه كان من‬
‫المنتظر و بعد أن إستلهم فكرة السبب الحقيقي و الجدي من القانون الفرنسي أن يتبع مسار هذا األخير في‬
‫إقراره لحق إرجاع العامل إلى مركز عمله إذا كان الطرد غير صحيح و غير مبرر خاصة في ما يتعلق‬
‫بممثلي العملة‪. 4‬‬

‫خول المشرع للقاضي الشغلي تقدير مدى وجود الصبغة الحقيقية و الجدية ألسباب‬ ‫و بناء على ذلك لئن ّ‬
‫أن هذه الرقابة تبقى مقيدة و محددة بإعتبار ّ‬
‫أن القاضي ليس بإمكانه إبطال قرار الطرد حتى‬ ‫الطرد‪ 5‬إ ّ‬
‫ال ّ‬
‫وإن ثبت لديه ّ‬
‫أن الطرد غير مبرر و تعسفي‪.‬‬

‫و من ناحية أخرى ‪ّ ،‬‬


‫فإن إرجاع العامل إلى عمله يصطدم بالفصل ‪ 275‬من مجلة اإللتزامات و العقود‬
‫الذي ينص على أنه "إذا إلتزم أحد بعمل شيء طولب بالخسارة عند عدم العمل"‪ ،‬و تطبيقا ألحكام هذا‬
‫الفصل فإنه ال يمكن لألجير المطالبة بالتعويض العيني و ال يتسنى له سوى التعويض المالي عن الضرر‬
‫الذي لحقه‪.‬‬

‫عامة تطبق على سائر اإللتزامات المدنية في حين‬ ‫إالّ أنه تجدر اإلشارة إلى ّ‬
‫أن هذا الفصل يعتبر قاعدة ّ‬
‫يتميز قانون الشغل بخصوصيته التي تبرز من خالل نزعته الحمائية لذلك يتجه إستبعاد هذا المبرر‪. 6‬‬

‫عبادة المحجوبين مرجع سابق‪ ،‬ص ‪22‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفصل ‪ 23‬من مجلة الشغل‬ ‫‪2‬‬

‫رضا خماخم و سامي العش‪" :‬الطرد التعسفي في القانون التونسي"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪49‬‬ ‫‪3‬‬

‫الفصول‪. L412 -19 L436 -3, L245 -3,‬مجلة الشغل الفرنسية‬ ‫‪4‬‬

‫أنظر الفصل ‪ 14‬خامسا‬ ‫‪5‬‬

‫سوسن الشابي‪ " :‬التعويض عن الطرد"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪119‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪74‬‬
‫و من ناحية أخرى يعتبر حق الملكية مبررا ثاني إلقصاء إمكانية إرجاع األجير المطرود تعسفيا‪ ،‬حيث‬
‫يعتبر المؤجر صاحب المؤسسة و مالك اآلالت و المعدات و له بناء على ما يقتضيه حق الملكية تطبيقا‬
‫لمقتضيات الفصل ‪ 17‬من مجلة الحقوق العينية حق إستعمالها و حق اإلنتفاع بها و حق التصرف فيها‪،‬‬
‫و يعد حق الملكية حقا مقدسا و قد كرسه الدستور التونسي من خالل الفصل ‪ 41‬حيث ينص على أن "حق‬
‫الملكية مضمون و ال يمكن النيل منه إالّ في الحاالت و بالضمانات التي يضبطها القانون"‪.‬‬

‫و عليه ّ‬
‫فإن المؤجر يمثل الطرف األقوى إقتصاديا ألنه مالك المؤسسة و صاحبها و بالتالي ال يمكن جبره‬
‫على إعادة العامل المطرود إلى مركز عمله السابق لما في اإلعادة الجبرية من مساس و إضعاف لسلطة‬
‫رب العمل‪ ،1‬و بالتحديد السلطة التأ ديبية و التي بدورها تعتبر من مبررات إستبعاد إرجاع األجير إلى‬
‫خول القانون الشغلي للمؤجر الحق في ممارسة السلطة التأدي بية و تسليط العقاب على أجرائه‬
‫عمله حيث ّ‬
‫و التي إعتبرها بعض الفقهاء "وظيفة مرتبطة بصفة رئيس المؤسسة"‪ ،‬و بالتالي في إطار التبعية يبقى‬
‫العامل خاضعا إلمرة و سلطة صاحب العمل داخل المؤسسة و الذي بدوره يسعى دائما إلى تحقيق‬
‫مصلحتها حتى و إن إقتضى ذلك المساس بحقوق العمال و مصلحتهم و من هنا ال يمكن للقاضي أن يحل‬
‫محل المؤجر في تقدير مصلحة المؤسسة التي تمثل في حد ذاتها عائقا أمام حق اإلرجاع كما أنه ال يمكن‬
‫أن يمنع صاحب العمل من أن يمارس هذه السلطة التأديبية كما أنه ال يمكنه أن يلزمه بإعادة األجير إلى‬
‫مهنته حتى و إن ثبت تعسفه عند ممارسة هذه السلطة‪.‬‬

‫على عكس المشرع الفرنسي الذي إعترف بحق اإلرجاع‪ ،‬لكن بصفة إستثنائية إذ ت ّم اإلقرار بحق اإلرجاع‬
‫صراحة لفائدة ممثلي العملة عند طردهم دون إحترام قواعد الرقابة على فصلهم‪ ،2‬كما ت ّم التنصيص كذلك‬
‫على بطالن الطرد المسلط على األجير نتيجة مشاركته في اإلضراب و في غياب الخطأ الفادح لكن دون‬
‫اإلقرار بحق اإلرجاع صراحة‪ ،3‬و قد ذه ب القانون األلماني أبعد من ذلك إذ مكن األجير من فرصة إعادة‬
‫كرس بالتالي حق اإلرجاع‪ ، 4‬لكن المشرع التونسي إكتفى‬
‫إدماجه بالمؤسسة و إحتفاظه بكامل حقوقه و ّ‬
‫مما يحد من سلطة القاضي الشغلي في مراقبة‬
‫فقط بإقرار التعويض لفائدة األجير كجزاء للطرد التعسفي ّ‬
‫خول له في بادئ األمر سلطة واسعة في تحديد مقدار غرامة الطرد‬
‫تناسب العقوبة التأديبية و الخطأ لكنه ّ‬
‫التعسفي و ذلك حسب تقديره لمدى الضرر ال حاصل لألجير بناءا على أقدمية الخدمات و ظروف األمر‬
‫الواقع‪ ،‬غير ّ‬
‫أن تنقيح مجلة الشغل سنة ‪ 1994‬قيّد من سلطة القاضي في هذا المجال بإحداث غرامتين‬
‫نص الفصل ‪ 23‬مكرر من مجلة الشغل‬
‫مختلفتين بإختالف تعسف المؤجر في ممارسته لحق الطرد‪ ،‬فقد ّ‬

‫حسن كيرة‪ " :‬أصول قانون العمل"‪ ،‬منشأة دار المعارف باإلسكندرية‪ ،‬ص ‪314‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪L436-3 ;L245-3 ; L412-9 code du travail francais‬‬
‫‪3 G. Coutarier : « annuler les actes illicites » la réintégration obligatoire, droit ouvrier, fév, mars 1988, p 132‬‬

‫رضا خماخم و سامي العش‪ :‬الطرد التعسفي في القانون التونسي‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع‪ ،‬جوان ‪ ،1992‬ص ‪4‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪75‬‬
‫ّ‬
‫أن غرامة الطرد التعسفي يتر اوح مقدارها بين أجر شهر و أجر شهرين عن كل س نة أقدمية بالمؤسسة‬
‫على أن ال تتجاوز هذه الغرامة في جميع الحاالت أجر ‪ 3‬سنوات‪ّ ،‬أما إذا وجد سبب حقيقي وجدي لكن لم‬
‫يقع إحترام اإلجراءات السالف ذكرها فالغرامة تتراوح بين أجر شهر و أجر ‪ 4‬أشهر‪.‬‬

‫و إن كان العقد محدد المدّة و ت ّم قطعه بصفة تعسفية من طرف المؤجر ّ‬


‫فإن الغرامة المستحقة لصالح‬
‫األجير تكون بمبلغ يساوي أجر ما تبقى من مدّة العقد أو أجر ما تبقى لو وقع إتمام العمل حسب منطوق‬
‫الفصل ‪ 24‬من مجلة الشغل‪ ،‬و بضبط طريقة إلحتساب الغرامات في صورة الطرد التعسفي يصبح لكل‬
‫عامل قيمة معينة مسبقة العلم‪ ،‬و هو ما يشجع المؤجر على الطرد الذي يمكنه أن يحتسب الغرامة التي‬
‫سيدفعها مسبقا‪ ،‬كما ّ‬
‫أن سقف ‪ 3‬سنوات يعتبر ضعيفا‪ ،‬فلكي يتحصل العامل المطرود على هذا المبلغ‬
‫األقصى يجب عليه أن يعمل ستة و ثالثين عاما في نفس المؤسسة‪ ،‬و في أحسن الحاالت ‪ 18‬عاما‪.1‬‬

‫عموما يمكن القول ّ‬


‫أن نظرية التعسف التي إعتمدها قانون الشغل حالت دون إعتماد نظرية بطالن العقوبة‬
‫و بالتالي عدم إمكانية التعويض العيني و ب تدخل المشرع سنة ‪ 1994‬لتنقيح مجلة الشغل و التنصيص على‬
‫تسقيف الغرامات بان إتجاه المشرع نحو تحقيق مصلحة المؤسسة و اإلنحياز إلى صف المؤجر على‬
‫حساب حماية مصلحة األجير‪ ،‬إالّ أنه أقر له حماية خاصة تتمثل في إمكانية األجير رفع دعواه خالل العام‬
‫الذي يلي قطع العالقة الشغلية و إالّ سقطت دعواه حسب الفصل ‪ 23‬من مجلة الشغل‪.‬‬

‫و يتضح من عبارات الفصل ‪ 23‬أنه ينص على تقادم الدعوى الشغلية‪.‬‬

‫و الجدير بالذكر ّ‬
‫أن التقادم مرتبط عادة بمسألة الطرد‪ ، 2‬و يطرح اإلشكال في هذا اإلطار حول سقوط‬
‫الدعوى الشغلية فلئن أقرها المشرع و نظمها ‪.‬‬

‫إختلف القضاء حول طبيعة األجل و طريقة إحتسابه‪ ،‬يجب التمييز بين آجال السقوط و آجال التقادم فإذا‬
‫فإن الثانية خالف ذلك ‪ ،‬و من المعلوم ّ‬
‫أن تكييف أجل سقوط‬ ‫كانت األولى غير قابلة للقطع و التعليق ّ‬
‫الدعوى بكونه أجل تقادم يخدم مصلحة األجير الذي قد يخسر حقه بسبب تقاعسه‪.3‬‬

‫و عموما ‪ ،‬حاول المشرع الموازنة بين مصلحة المؤجر تارة و مصلحة األجير تارة أخرى للحد من‬
‫السلطة التأديبية للمؤجر‪ ،‬إالّ أنه لم يمكن للقاضي من إمكانية إرجاع العامل و هو ما يمثّل حدا لتكريس‬
‫مبدأ التناسب ‪ ،‬و قد سعى المشرع تدارك هذا األمر من خالل إجراء محاولة صلحية بين الطرفين قبل‬
‫الحكم في القضية ‪.‬‬

‫حافظ العموري‪ :‬عقد الشغل من خالل تنقيح فيفري ‪ ،1994‬المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي عدد ‪ 7‬لسنة ‪ ،1994‬ص ‪22- 21‬‬ ‫‪1‬‬

‫هدى الطالب علي‪ ":‬مصلحة األجير"‪ ،‬مجلة القانون و السياسة عدد ‪ ،4‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بسوسة‪ ،‬أفريل ‪ ،2016‬ص ‪458‬‬ ‫‪2‬‬

‫هدى الطالب علي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪458‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪76‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬إمكانية إقرار الصلح بين أطراف عقد الشغل‪:‬‬

‫يعتبر الصلح من أساسيات العمل القضائي فهو إجراء وجوبي يقع اللجوء إليه لفض النزاعات الشغلية‬
‫بطريقة وديّة و هو أيضا مناسبة يتولى خاللها قاضي الشغل بذل ما في وسعه قصد التوفيق بين أطراف‬
‫مما يرتب عدّة آثار (ب)‪.‬‬
‫عقد الشغل لتفادي طرد األجير (أ) ّ‬

‫أ ‪ -‬وجوبية المحاولة الصلحية للتوفيق بين أطراف عقد الشغل‪:‬‬

‫الصلح أو التوفيق يعني التحرك معا أو التقريب بمعنى إزالة أسباب الخالف أو إيصال األشخاص‬
‫المختلفي الرأي إلى إتفاق بينهم‪ ، 1‬كما يجد جذوره في التشريع اإلسالمي‪ ، 2‬إذ جاء على لسان عمر بن‬
‫يورث الضغائن "‪ ،3‬و قد تبنت‬ ‫الخطاب رضي هللا عنه "ردوا الخصوم حتى يصطلحوا ّ‬
‫فإن فصل القضاء ّ‬
‫مختلف األنظمة القانونية الصلح كآلية لحسم النزاعات و كقيمة حضارية ينبغي أن تسود العالقات اإلنسانية‬
‫فأقره المجتمع الدولي صلب المادة ‪ 33‬من ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬كما تبناه ميثاق منظمة الوحدة اإلفريقية‬
‫صلب الفصل التاسع عشر‪. 4‬‬

‫من جانبها أقرت مجلة الشغل بوجوبية المحاولة الصلحية إالّ أنها لم تحدد تعريفا لها‪ ،‬و أمام سكوت مجلة‬
‫الشغل وجب الرجوع إلى قواعد القانون المدني تحديدا مجلة اإللتزامات و العقود في فصلها ‪ 1418‬الذي‬
‫عرف الصلح بكونه " عقد وضع لرفع النزاع و قطع الخصومة و يكون ذلك بتنازل كل من المتصالحين‬
‫ّ‬
‫عن البعض من مطالبه أو بتسليم شيء من المال أو الحق "‪.‬‬

‫يستخلص من عبارات هذا الفصل ّ‬


‫أن الصلح عقد مدني رضائي من العقود المسماة ‪ّ ،‬أما في المادة الشغلية‬
‫فهو يعتبر إجراء وجوبي يجب على القاضي اللجوء إليه قبل عرض النزاع على المحكمة إذ أقرت محكمة‬
‫التعقيب في قرارها التعقيبي المؤرخ في ‪ 6‬أكتوبر ‪ّ 2007‬‬
‫أن " الصلح إجراء أساسي لبث روح التفاهم‬
‫و المصالحة في العالقات بين المؤجرين و العملة و هو إجراء يتعلق بالمصلحة اإلجتماعية و بالتالي‬
‫العامة"‪.5‬‬
‫ّ‬ ‫بالمصلحة‬

‫و قد سعى المشرع إلى فرض إجراء المحاولة الصلحية ليتدارك نوعا ما تعسف المؤجر في إستعمال‬
‫سلطته التأديبية و إتخاذه قرار طرد العامل و ما له من إنعكاسات سلبية على المؤسسة و على العامل‬
‫أيضا‪ ،‬لذلك أقر صلب الفصل ‪ 207‬من مجلة الشغل فقرة أولى أنه " يجب على دائرة الشغل قبل الحكم في‬

‫‪ 1‬مجلة الدراسات القانونية صادرة عن كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة بيروت العربية‪ ،‬العدد ‪ ،9‬تموز يوليو ‪ ،2002‬ص ‪142‬‬
‫‪ 2‬بوبكر صقر‪ " :‬الصلح في التشريع اإلسالمي"‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2001‬ص ‪287‬‬
‫‪ 3‬علي كحلون‪ " :‬الصلح في المادة المدنية"‪ ،‬محاضرة إفتتاح السنة القضائية ‪ ،1994- 1993‬مجلة القضاء و التشريع ‪ ،1993‬ص ‪29‬‬
‫‪ 4‬بوبكر صقر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪288‬‬
‫‪ 5‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 18361‬مؤرخ في ‪ 6‬أكتوبر ‪ ،2007‬نشرية محكمة التعقيب‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬ص ‪311‬‬

‫‪77‬‬
‫القضية أن تجري محاولة الصلح بين األطراف في حجرة الشورى مع التنصيص على ذلك بالحكم و إالّ‬
‫إعتبر باطال"‪.‬‬

‫و المالحظ أنه ت ّم تحديد مكان إجراء المحاولة الصلحية و ذلك بحجرة الشورى حتى يكون الخصوم‬
‫مستعدين للتحاور في ظروف مالئمة خارج قاعدة الجلسة التي تتسم بالضغط المعنوي نتيجة المثول أمام‬
‫هيئة الدائرة بالقاعة و أمام الجمهور‪.‬‬

‫باإلضافة إلى كون تخصص الدائرة هو نظرها في موضوع واحد و هو التحصيل على الصلح يجعلها‬
‫أكثر إستعدادا إلدارة النقاش و إنجاح الصلح‪.‬‬

‫مرة شرط أن ال يقع‬


‫و أضافت الفقرة الثانية من الفصل ‪ 207‬إمكانية إعادة المحاولة الصلحية أكثر من ّ‬
‫مرة‪ .‬و قد أ ّكد فقه القضاء التونسي‬
‫تأخير القضية أكثر من مرتين و أن ال يتجاوز التأخير ‪ 15‬يوما في ّ‬
‫على أهمية الجلسة الصلحية إذ إعتبرت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب ّ‬
‫أن " المشرع جعل محاولة‬
‫الصلح بين األطراف لدى دائرة الشغل أمرا وجوبيا يترتب عن إغفاله بالحكم أو عدم التنصيص عليه‬
‫بطالنه و هو ما قرره الفصل ‪ 207‬من مجلة الشغل بإعتبار الدور الهام الذي أوكله المشرع منذ بداية تعهد‬
‫المحكمة بالنزاع و محاولة منها قصد التوفيق بين األطراف محافظة على إستمرار المؤسسة في عملها‬
‫ومحافظة العامل على مركز عمله"‪.1‬‬

‫و قد سار المشرع التونسي على خطى المشرع الفرنسي الذي بدوره أولى إهتماما واضحا بالمحاولة‬
‫الصلحية ‪ ،‬حيث أسندت إلى مكتب خاص يعرف بمكتب الصلح‪ ،2‬و يتكون هذا المكتب من عضوين‬
‫أحدهما ممثل عن العمال و اآلخر عن أصحاب األعمال‪ ،3‬و يضاف لهم عضو قضائي عند إنقسام الرأي‬
‫في مكتب الصلح و تنص المادة ‪ 515- 3‬من مجلة الشغل الفرنسية في هذه الحالة على ضرورة تحديد‬
‫عرض المسألة على ذات المكتب على أن يرأسه في هذه الوضعية قاضي إحدى المحاكم الجزائية‪.‬‬

‫و بناءا على ما تقدّم‪ ،‬يعتبر الصلح في قانون الشغل التونسي من أساسيات العمل القضائي ‪ ،‬فالقاضي يلتجأ‬
‫إلى إبرام المحاولة الصلحية بين الطرفين للتوفيق بينهما و لتجنب قطع العالقة الشغلية القائمة بينهما‪ ،‬و في‬
‫صورة نجاح المحاولة الصلحية يرجع العامل لسالف عمله و هو ما يمثّل حالّ قضائيا لتفادي تعسف‬
‫المؤجر عند إتخاذه قرار طرد األجير و نتيجة حتمية لرقابة القاضي لألفعال التي إرتكبها العامل و مدى‬
‫تبريرها للعقوبة المتخذة ضدّه‪.‬‬

‫‪ 1‬قرار تعقيبي مدني صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب تحت عدد ‪ 62276‬مؤرخ في ‪ 9‬ديسمبر ‪ ،1999‬نشرية محكمة التعقيب‪،‬‬
‫قرارات الدوائر المجتمعة لسنة ‪ ،1999‬ص ‪163‬‬
‫‪ 2‬الفصل ‪ 515 - 1‬من مجلة الشغل الفرنسية‬
‫‪ 3‬الفصل ‪ 515 - 2‬من مجلة الشغل الفرنسية‬

‫‪78‬‬
‫ب ‪ -‬آثار المحاولة الصلحية‪:‬‬

‫إن المحاولة الصلحية هي مرحلة وجوبية ال يمكن للمحكمة تجاوزها من تلقاء نفسها ‪ ،‬و إالّ إعتبر حكمها‬
‫ّ‬
‫باطال و ذلك حسب مقتضيات الفصل ‪ 207‬من مجلة الشغل‪ ،‬و هو ما يؤكد أن الصلح من اإلجراءات التي‬
‫تهم النظام العام و في صورة عدم التنصيص عليه بالحكم فإنه يعتبر باطال‪ ،‬غير أن الحكم الباطل إذا كان‬
‫قطعيا أي حاسما للنزاع يحوز حجية الشيء المقضي به و ينتج نفس اآلثار التي تنتجها األحكام القانونية‬
‫بطالنه‪1‬‬ ‫القطعية إلى أن يتقرر‬

‫و من أهم اآلثار القانونية التي تترتب على إعتبار الصلح إجراء صوري هو ّ‬
‫أن القاضي الشغلي ملوم‬
‫بإجرائها فال يمكنه العدول عن المرور بها حتى و إن طلب أطراف النزاع تجاوزها و هو ما يعني أنه ال‬
‫يمكن للخصوم اإلتفاق على عدم إجراء محاولة التصالح بينهما‪.‬‬

‫ّأما بالنسبة للمحكمة‪ ،‬فعليها أن تثير البطالن من تلقاء نفسها في أي مرحلة من مراحل التقاضي في صورة‬
‫غض النظر عن المحا ولة الصلحية‪ ،‬إضافة إلى ذلك يترتب عن إجراء محاولة الصلح بين طرفي العالقة‬
‫الشغلية ّإما نجاح المحاولة أو فشلها ‪ ،‬ففي صورة فشلها يكمل القاضي النظر في النزاع و يتولى مراقبة‬
‫مدى تناسب العقوبة مع الخطأ المرتكب دون إمكانية تغيير العقوبة أو إرجاع العامل في صورة ما إذا‬
‫كانت العقوبة غير متناسبة مع الخطأ و يكتفي بإعتبار الطرد كان تعسفيا و يقضي بالتعويض لفائدة األجير‬
‫حتى و إن إرتكب هفوة فادحة‪.‬‬

‫ّأما في صورة نجاح المحاولة الصلحية تعود العالقة بين المؤجر و األجير إلى سالف عهدها كأنه لم يكن‬
‫شيئا و يمكن حينئذ للعامل أن يرجع إلى عمله بعد أن يحرر القاضي محضرا في إبرام الصلح ممضى من‬
‫قبل الرئيس و الكاتب و الذي بموجبه ينتهي النزاع‪.‬‬

‫فإما أن يحسم النزاع نهائيا بتراضي الطرفين أو أن يتم‬


‫و نجاح المحاولة الصلحية قد يكون كليا أو جزئيا ‪ّ ،‬‬
‫التراضي على أجزاء معينة من الدعوى دون األجزاء األخرى التي تبقى محل نزاع‪.‬‬

‫عموما يمكن القول ّ‬


‫أن المشرع عند تنصيصه على وجوبية المحاولة الصلحية في العالقة الشغلية حاول‬
‫الهوة الموجودة بين أطراف عقد الشغل ساعيا نحو تدعيم فكرة التناسب بين العقوبة التأديبية‬
‫التقليص من ّ‬
‫والخطأ الذي إرتكبه األجير بطريقة غير مباشرة من خالل إعطاء القاضي الشغلي دور المراقب على مدى‬
‫خو ل له فقط إجراء المحاولة الصلحية‪.‬‬
‫التناسب لكنه حدّ من سلطته في خصوص إمكانية إرجاع العامل و ّ‬

‫أحمد الجندوبي و حسين بن سليمة‪ :‬أصول المرافعات المدنية و التجارية‪ ،‬طبعة ‪ ،2001‬ص ‪334‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪79‬‬
‫القاضي الصلحي ملزم بإجراء المحاولة الصلحية ‪ ،‬حيث ال يمكنه العدول عن المرور بهذه المرحلة حتى‬
‫و إن طلب أطراف المنازعة تجاوزها و هو ما يعني أنه ال يمكن للخصوم اإلتفاق على عدم إجراء محاولة‬
‫التصالح فيما بينهم و ذلك إلعتقادهم المسبق بفشلها‪.‬‬

‫ّأما بالنسبة للمحكمة فعليها أن تثير البطالن من تلقاء نفسها في أي مرحلة من مراحل التقاضي في صورة‬
‫غض النظر عن المحاولة الصلحية‪.‬‬

‫كما يترتب على إ جراء محاولة الصلح بين طرفي العالقة الشغلية أثرين هامين ‪ ،‬إما نجاح محاولة الصلح‬
‫أو إنتهائها بالفشل‪ ،‬غير ّ‬
‫أن القاضي الشغلي يسعى دائما إلى إنجاح هذه المحاولة و إيجاد حلول وسطى‬
‫لفض النزاع بطريقة سليمة‪.‬‬

‫فإما أن يحسم النزاع نهائيا بتراضي الطرفين أو أن‬ ‫ّ‬


‫إن نجاح المحاولة الصلحية قد يكون كليا أو جزئيا ‪ّ ،‬‬
‫يحصل التراضي على أجزاء من الدعوى دون األجزاء األخرى التي تبقى محل نزاع‪.‬‬

‫"و الجلسة الصلحية المذكورة قد تنتهي بالصلح و ذلك في كامل فروع النزاع ‪ ،‬و قد ال تنتهي إلى وقوع‬
‫الصلح أصال ‪ ،‬كما قد يحصل من رب العمل اإلعتراف ببعض فروع الدعوى ‪ ،‬هذه األجزاء المعترف بها‬
‫أو الواقع الصلح في شأنها ال تحال على الجلسة و إنما يسلم في شأنها مضمون محضر الجلسة الممضى‬
‫من رئيس الدائرة الشغلية و كاتب الجلسة و يكون هذا المحضر بمثابة حكم غير قابل اإلستئناف‪ ، 1‬و هو‬
‫ما يعني أنه م ن آثار الصلح الكلي أنه يحسم النزاع و ينهي الخصومة و في هذا اإلطار جاء في القرار‬
‫التعقيبي المدني عدد مؤرخ في ‪ 5‬مارس ‪ 1981‬ما يلي ‪ " :‬الصلح هو عقد يحسم النزاع الواقع بين‬
‫فيها"‪2‬‬ ‫الطرفين و يترتب عن سقوط الحقوق و الدعاوى التي إنعقد الصلح عليها ال يقبل الرجوع‬
‫و إذا ما تم إبرام الصلح ّ‬
‫فإن القاضي يحرر محضرا في ذلك محررا من قبل الرئيس و الكاتب ينتهي‬
‫بمقتضاه النزاع‪ ،‬أما في صورة عدم التوصل إلى إبرام إتفاق صلحي أصال يتم إحالة القضية إلى الجلة‬
‫الحكمية‪.‬‬
‫ّأما فيما يخص الصلح الجزئي ‪ّ ،‬‬
‫فإن القاضي يتولى فصل أجزاء الدعوى نتيجة إعتراف المطلوب‬
‫بصحتها‪ ،‬و بمقتضى هذا اإلعتراف يقع فصل فروع الدعوى التي تم التصالح حولها من الفروع المتنازع‬
‫في شأنها‪ ،‬و هو ما يعني ّ‬
‫أن الحقوق و اإلدعاءات التي ت ّم فيها الصلح تزول و تنقضي و ال يتم إثارتها من‬
‫جديد و يتم إحالة الحقوق المتنازع في شأنها إلى الهيئة الحكمية التي تنظر فيها مع ضرورة التنبيه على‬
‫طرفي القضية لحضور الجلسة القادمة‪ ،‬و مهما كانت آثار المحاولة الصلحية ّ‬
‫فإن الصلح في النزاعات‬

‫‪ 1‬ماجدة بن جعفر‪ " :‬إجراءات التقاضي لدى الدوائر الشغلية"‪ ،‬ملتقى العالقات الشغلية‪ 23- 22- 21 ،‬نوفمبر ‪ ،1991‬ص ‪59‬‬
‫‪ 2‬قرار تعقيبي مدني عدد ‪ 2843‬مؤرخ في ‪ 5‬مارس ‪ ، 1981‬أورده محمد الهادي بن عبد هللا‪" ،‬نزاعات الشغل و الضمان اإلجتماعي"‪ ،‬مرجع‬
‫سابق‪ ،‬ص ‪223‬‬

‫‪80‬‬
‫الشغلية هو إجرا ء هام و ضروري نظرا لحسمه للنزاع‪ ،‬كما يعتبر وسيلة أقرها المشرع للقضاء حتى‬
‫يتمكن من تكريس مبدأ التناسب‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫خاتمة الجزء الثاني‪:‬‬
‫بالرغم من عدم تقنين المشرع مسألة التناسب بين خطأ األجير و العقوبة التأديبية المسلطة عليه ‪ ،‬فقد‬
‫سعى إلى تدارك ذلك من خالل تكريس آليات الرقابة تحد من سلطة المؤجر و تتمثّل أساسا في رقابة‬
‫إدارية تمارسها تفقدية الشغل قبل صدور قرار طرد ممثّل العملة‪ ،‬وبموجبي تنقيح مجلة الشغل سنة‬
‫‪ ، 2007‬أصبحت المراقبة السابقة لعمليات الطرد تشمل أيضا النائب النقابي وذلك بعد مصادقة البالد‬
‫ّ‬
‫المتعلقة بممثلي العملة و الصادرة سنة‬ ‫التونسية سنة ‪ 2007‬على إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم ‪135‬‬
‫‪.1989‬‬
‫فكلّما إعتزم المؤجر طرد ممثّل العملة او نائب نقابي يجب عليه ّأوال إستشارة المدير العام لتفقدية الشغل‬
‫و المصالحة قبل إتخاذ قرار الطرد‪ ،‬و لكي يصبح لهذا اإللزام أهمية يجب أن يكون مصحوبا بجزاء رادع‬
‫يسلط على المخالف و تبعا لذلك ّ‬
‫فإن حماية نائب العملة تقتضي إعتبار طرده دون عرض المسألة على‬
‫تفقدية الشغل طردا تعسفيا موجبا للتعويض‪.‬‬
‫كما يعتبر الطرد تعسفيا في صورة مخالفة رأي المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة ‪ ،‬إالّ إذا أثبت لدى‬
‫المحاكم المختصة وجود سبب حقيقي و جدي يبرر الطرد‪ ،‬و يبقى اللجوء إلى المحاكم حقا لكال الطرفين‪.‬‬
‫و قد سعى المشرع إلى تدارك نسبية الرقابة اإلدارية السابقة لعملية الطرد من خالل بسط رقابة الحقة‬
‫لتسليط العقاب ضمانا للتناسب و تتمثّل هذه الرقابة في الرقابة القضائية ‪ ،‬فالقاضي الشغلي يقف كحاجز‬
‫أمام تعسف المؤجر و يمارس رقابته ليضمن تحقيق مبدأ التناسب و ذلك من خالل التحقق من األفعال‬
‫المنسوبة للعامل عن طريق بسط رقابته على مادية هذه األفعال إعتمادا على وسائل اإلثبات المقدّمة له من‬
‫الطرفين‪ ،‬إضافة إلى ضبطه معايير ذاتية و موضوعية لتقدير خطورة هذه األفعال‪.‬‬
‫لكن إذا أقر القاضي ّ‬
‫أن العقوبة غير متناسبة مع الخطأ الذي إرتكبه األجير ‪ ،‬ال يمكنه أن يقر عقوبة أخرى‬
‫و يكتفي بإعتبار الطرد كان تعسفيا و يقضي بالتعويض لفائدة األجير‪ ،‬و يعود ذلك غلى غياب صالحيات‬
‫القاضي إلرجاع العامل إلى عمله و هو ما يمثّل حدّا لتكريس مبدأ التناسب ‪،‬لكن المشرع سعى إلى تدارك‬
‫هذا األمر من خالل إجراء محاولة صلحية بين الطرفين قبل الحكم في القضية‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫الخاتمة العا ّمة‬
‫ال جدال حول مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير‪ ،‬لتكريس قانون تأديبي يضمن تحقيق‬
‫كرس قانون الشغل‬
‫الموازنة بين مصلحة المؤسسة و مصلحة األجراء‪ ،‬و لكي يقع إحترام هذا المبدأ ّ‬
‫أجهزة تحرص على مراقبة ممار سة المؤجر للسلطة التأديبية‪ ،‬إن إستطاع تجاوز واحد منها ‪ ،‬يوقفه‬
‫اآلخر‪ ،‬و رغم النقائص التي ال يزال قانون الشغل يعاني منها إالّ ّ‬
‫أن محاولة تنظيم السلطة التأديبية و‬
‫تحديدها بأطر معيّنة أعطت نجاعة حدّت من سلطة المؤجر المطلقة في تسليط العقاب‪ ،‬و فرضت عليه‬
‫إحترام م بدأ التناسب بين العقوبة التي يريد إتخاذها و بين الخطأ الذي إرتكبه األجير ‪ ،‬و مثّل مجلس‬
‫التأديب أحد الحواجز التي تحدّ من حرية المؤجر في إختيار العقوبة‪ ،‬فيتدخل هذا المجلس قبل تسليط‬
‫العقاب على األجير و يشارك المؤجر في إتخاذ القرار بعد تقديره للخطأ و لمدى تأثيره على حسن سير‬
‫المؤسسة ‪ ،‬و يضمن حقوق العامل بتمكينه من حقوق الدفاع قبل إنعقاد المجلس و أثناء إنعقاده‪ ،‬و يحاول‬
‫بالتالي ضمان الموازنة بين حقوق العامل من جهة و مصلحة المؤسسة من جهة أخرى عند إتخاذه القرار‬
‫الذي يحدد بموجبه العقوبة المناسبة‪ ،‬و رغم أهمية مجلس التأديب و دوره في مراقبة سلطة المؤجر في‬
‫العقاب و ضمان إحترام مبدأ التناسب‪ ،‬لم ّ‬
‫ينظم قانون الشغل ّ‬
‫تدخله بشكل دقيق‪ ،‬و لم تشمل رقابته كل‬
‫أصناف العقوبات بل إقتصرت على العقوبات من الدرجة الثانية‪ ،‬باإلضافة إلى عدم تحديد طبيعة رأي‬
‫مجلس التأديب‪ ،‬هل يلزم المؤجر أم ال يلزمه؟ إالّ ّ‬
‫أن فقه القضاء حاول تكريس مبدأ إلزامية رأي مجلس‬
‫التأديب بالنسبة للمؤجر مواكبة للمنهج الحمائي للعامل‪.‬‬

‫كما تدخلت كذلك اإلدارة لتمارس رقابتها القبلية على سلطة العقاب التي يتمتع بها المؤجر ‪ ،‬و اسندت هذه‬
‫العامة لتفقدية الشغل و المصالحة ‪ ،‬و قد تد ّعم دور هذه األخيرة في مراقبة قرارات‬
‫ّ‬ ‫المهمة إلى اإلدارة‬
‫ّ‬
‫المؤجر مع تنقيح مجلة الشغل سنة ‪ 2007‬لغاية مواكبة التشريع التونسي أحكام اإلتفاقيات الدوليّة التي‬
‫صادقت عليها تونس ‪ ،‬فو ّسع المشرع من نطاق العملة التي تشملهم حماية متفقد الشغل لتتخطى ممثلي‬
‫أقر المشرع إلزامية عرض قرار طردهم على متفقد الشغل‪ ،‬و في‬
‫العملة و تمتد إلى النائب النقابي‪ ،‬كما ّ‬
‫صورة مخالفة ذلك يعتبر طرد العملة طردا تعسفيا موجبا للتعويض‪.‬‬

‫و يبقى الحق في اللجوء إلى المحاكم حقا لكل من المؤجر و األجي ‪ ,‬ف ينظر قاضي الشغل في كل أنواع‬
‫العقوبات التأديبية التي يحصل على إثرها نزاع بين العامل و مؤجره‪ ،‬لكن عمليا إقتصرت رقابة القاضي‬
‫على الطرد الذي يجب أن يكون متناسبا مع الخطأ الذي إرتكبه العامل و ذلك من خالل التحقق من األفعال‬
‫المنسوبة للعامل‪ ،‬لكن إذا أقر القاضي عدم تناسب العقوبة مع الخطأ المرتكب ال يمكنه في هذه الحالة أن‬
‫يقر عقوبة أخرى و يكتفي بإعتبار الطرد كان تعسفيا موجبا للتعويض‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫و يعود ذلك إلى غياب صالحيات القاضي إلرجاع العامل إلى عمله ‪ ،‬لكن المشرع سعى إلى تدارك هذا‬
‫النقص الذي يمثّل حدّا لتكريس مبدأ التناسب من خالل إقرار إجراء محاولة صلحية وجوبية بين الطرفين‬
‫ق بل الحكم في القضية‪.‬‬

‫و مهما تنوعت أشكال الرقابة على سلطة العقاب التي يتمتع بها المؤجر ‪ ،‬و بالرغم من سعي المشرع إلى‬
‫تكريس مبدأ التناسب إالّ أنه ال يمكن تحقيقيه فعليا إالّ ببلوغ األجراء درجة من الوعي اإلجتماعي من جهة‬
‫و الوصول إلى درجة من الوعي اإلقتصادي من جا نب المؤجرين من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫المراجع‪:‬‬

‫بالغة العربية‪:‬‬ ‫‪-I‬‬


‫أ ‪ -‬المراجع العا ّمة و الخاصة‪:‬‬

‫‪ - 1‬ه ّمام محمد محمود‪ :‬قانون العمل (عقد العمل الفردي) ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ،‬إسكندرية‪ ،‬ت‬
‫‪483- 163‬‬
‫‪ - 2‬حسن كيرة‪ :‬أصول قانون العمل‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬منشأة المعارف‪ ،‬اإلسكندرية ‪197‬‬
‫‪ - 3‬علي عوض حسن‪ :‬مختصر الوجيز في شرح قانون العمل‪ ،‬دار الفكر الجامعي‪2001 ،‬‬
‫‪ - 4‬أحمد الجندوبي و حسين بن سليمة‪ :‬أصول المرافعات المدنية و التجارية‪ ،‬تونس ‪2011‬‬
‫‪ - 5‬فرج القصير‪ :‬القانون الجنائي العام‪ ،‬مركز النشر الجامعي ‪ ،‬تونس ‪2006‬‬
‫‪ - 6‬محمود جمال الدين زكي‪ :‬عقد العمل في القانون المصري‪ ،‬مطابع الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬الطبعة الثانية‪1982 ،‬‬
‫‪ - 7‬محمد الهادي بن عبد هللا‪ :‬التشريع التونسي للشغل‪ ،‬الجزء الثالث‪ ،‬عالقات العمل‪ ،‬دار‬
‫إسهامات في أدبيات المؤسسة ‪1995‬‬
‫‪ - 8‬محمد الهادي بن عبد هللا‪ :‬نزاعات الشغل و الضمان اإلجتماعي (تشريعان فقها‪ ،‬قضاء)‪،‬‬
‫دار إسهامات في أدبيات المؤسسة‪2002 ،‬‬
‫‪ - 9‬عصام األحمر‪ :‬الدعوى الشغلية من خالل مجلة الشغل و فقه القضاء‪ ،‬مركز الدراسات‬
‫القانونية والقضائية‪ ،‬تونس ‪2005‬‬
‫‪ - 10‬النوري مزيد‪ :‬القاضي و قانون الشغل‪ ،‬منشورات رؤوف يعيش ‪2002‬‬
‫‪ - 11‬زكية صافي‪ :‬قانون الشغل عقد الشغل‪ ،‬مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس ‪2006‬‬
‫‪ - 12‬عصام األحمر‪ :‬إشكاالت في نزاعات الشغل‪ ،‬الحلول القانونية و اإلجتهادات القضائية‪ ،‬سيفاء‬
‫للنشر‪2008 ،‬‬
‫‪ - 13‬أيمن عبد العزيز مصطفى‪ :‬قيود السلطة التأديبية لصاحب العمل‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬دار‬
‫الكتب القانونية‪ ،‬مصر ‪2009‬‬
‫‪ - 14‬عبادة المحجوبي‪ :‬الجوانب التنظيمية لألجور و المنح و اإلمتيازات‪ ،‬شركة أوربيس‬
‫للطباعة ‪ ،‬تونس ‪2003‬‬
‫‪ - 15‬الطيب اللومي‪ :‬عقد الشغل الفردي و القضاء الشغلي‪ ،‬منشورات حيوني‪ ،‬تونس‬

‫ب ‪ -‬المذكرات و رسائل التخرج ‪:‬‬


‫المعمقة في‬
‫ّ‬ ‫‪ - 1‬هاجر شريون‪ :‬دور تفقدية الشغل في العالقة الشغلية‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات‬
‫القانون الخاص‪1998- 1997 ،‬‬
‫‪ - 2‬محمد عطاء هللا‪ :‬إنهاء عقد الشغل غير محدّد المدّة من جانب واحد‪ ،‬مذكرة لإلحراز على شهادة‬
‫المعمقة في القانون الخاص‪1996 - 1995 ،‬‬
‫ّ‬ ‫الدراسات‬
‫المعمقة في القانون‬
‫ّ‬ ‫‪ - 3‬سعيدة الشوانين‪ :‬قانون الشغل و المؤسسة‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات‬
‫الخاص‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس‪2005- 2004 ،‬‬
‫المعمقة في القانون‬
‫ّ‬ ‫‪ - 4‬فريدة العبيدي‪ :‬السلطة التأديبية للمؤجر‪ ،‬رسالة لنيل شهادة الدراسات‬
‫الخاص‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ‪1996- 1995‬‬
‫‪ - 5‬أحمد النوري‪ :‬طرد األجير ألسباب تأديبية‪،‬رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون اإلجتماعي‪،‬‬
‫كلية الحقوق بصفاقس‪2008- 2007 ،‬‬
‫‪ - 6‬وهيبة بن عمر‪ :‬سلطة المؤجر في تسيير المؤسسة في قانون الشغل‪ ،‬مذكرة لإلحراز على شهادة‬
‫الماجستير في القانون اإلجتماعي‪ ،‬كلية الحقوق بصفاقس ‪2014- 2013‬‬
‫‪ - 7‬هاجر بن حويذق‪ :‬المصالحة لدى تفقدية الشغل‪ ،‬مذكرة للحصول على شهادة الماجستير في قانون‬
‫العقود و اإلستثمارات‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ‪2009- 2008‬‬
‫‪ - 8‬سندس الجليسي‪ :‬تناسب العقوبة التأديبية مع خطورة المخالفة في قانون الشغل‪ ،‬رسالة لنيل‬
‫المعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ‪2007- 2006‬‬
‫ّ‬ ‫شهادة الدرسات‬
‫‪ - 9‬كوثر جمعة‪ :‬حجية الحكم الجزائي على القاضي الشغلي‪ ،‬مذكرة للحصول على شهادة الماجستير‬
‫في قانون األعمال ‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بسوسة‪2010- 2009 ،‬‬
‫المعمقة فقي‬
‫ّ‬ ‫‪ - 10‬نائلة بن مسعود‪ :‬مصلحة المؤسسة في قانون الشغل‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة الدراسات‬
‫القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس‪1996- 1995 ،‬‬
‫‪ - 11‬لطفي السعداوي‪ :‬السلطة التأديبية للمؤجر‪ ،‬رسالة لختم الدروس بالمعهد األعلى للقضاء‪،‬‬
‫‪1999- 1998‬‬
‫‪ - 12‬كمال الناجح‪ :‬إنهاء عقد الشغل بموجب القانون‪ ،‬الهيئة الوطنية للمحامين بتونس‪ ،‬الفرع الجهوي‬
‫بتونس ‪2013- 2012‬‬
‫ت ‪ -‬المقاالت و الملتقيات‪:‬‬

‫‪ - 1‬هدى الطالب علي‪ :‬مصلحة األجير‪ ،‬مجلة القانون و السياسة عدد ‪ ،4‬كلية الحقوق و العلوم‬
‫السياسية بسوسة‪،‬أفريل ‪ ،2016‬ص ‪439‬‬
‫‪ - 2‬المنجي طرشونة‪ :‬تاريخ قانون العمل التونسي‪ ،‬المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي عدد ‪،1‬‬
‫‪،1996‬ص ‪47‬‬
‫‪ - 3‬المنجي طرشونة‪ :‬المفهوم القضائي للطرد التعسفي‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع‪ ،‬ديسمبر ‪،1993‬‬
‫ص‪41‬‬
‫‪ - 4‬النوري مزيد‪ :‬حول تشريع العمل الفرنسي الجديد‪ ،‬المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي‪ ،‬عدد ‪،1‬‬
‫‪ ،1986‬ص ‪67‬‬
‫‪ - 5‬النوري مزيد‪ :‬فقه القضاء و حماية النائب النقابي بين اإلجتهاد و اإللتباس‪ ،‬مجلة العمل و التنمية‬
‫عدد ‪ ،1988 ،12‬ص ‪57‬‬
‫‪ - 6‬حافظ العموري‪ :‬عقد الشغل من خالل تنقيح فيفري ‪ ،1994‬المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي‪،‬‬
‫عدد ‪ ،1995 ،7‬ص ‪10‬‬
‫‪ - 7‬فاخر بن سالم‪ :‬المراقبة القضائية كوسيلة لحماية التشريع‪ ،‬المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي‬
‫عدد ‪ 2‬و ‪ ،1987 ،3‬ص ‪69‬‬
‫‪ - 8‬رضا خماخم و سامي العش‪ :‬الطرد التعسفي في القانون التونسي‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع عدد‬
‫‪ ،1992 6‬ص ‪17‬‬
‫‪ - 9‬حميدة العريف‪ :‬مفهوم الطرد التعسفي و إثباته‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع‪ ،‬نوفمبر ‪ ،2009‬ص ‪41‬‬
‫‪ - 10‬عزيز الحسي‪ :‬الطرد التعسفي في قانون الشغل‪ ،‬مجلة األخبار القانونية عدد ‪ ،153- 152‬مارس‬
‫‪ ،2013‬ص ‪22‬‬
‫‪ - 11‬لمياء الزرقوني‪ :‬عبء اإلثبات في المادة الشغلية‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع‪ ،‬أفريل ‪ ،2007‬ص‬
‫‪29‬‬
‫‪ - 12‬علي كحلول‪ :‬الصلح في المادة المدنية‪ ،‬مجلة القضاء و التشريع أكتوبر‪ ، 1993‬ص ‪16‬‬
‫‪ - 13‬النوري مزيد‪ :‬آثار التتبع الجزائي ضدّ األجير على العالقة الشغلية‪ ،‬مجلة الدراسات القانونية‪،‬‬
‫عدد ‪ ،2005 ،12‬ص ‪125‬‬
‫‪ - 14‬المنجي طرشونة‪ :‬الطرد ألسباب شخصية في القانون و في فقه القضاء‪ ،‬مجلة القضاء والتشريع‬
‫جويلية ‪ ،2008‬ص ‪31‬‬
‫‪ - 15‬النوري مزيد ‪ :‬واجب أمانة األجير تجاه المؤسسة‪ ،‬مداخلة مرقونة قدمت في ملتقى مصلحة‬
‫المؤسسة في القانون اإلجتماعي‪ ،‬الجمعية التونسية لمتفقدي الشغل‪،‬الحمامات في ‪ 22‬و ‪ 23‬جوان‬
‫‪2007‬‬
‫‪ - 16‬المنجي طرشونة‪ :‬عقود الشغل‪،‬ملتقى أنواع عقود الشغل في القانون التونسي و القانون‬
‫المقارن‪،‬الجمعية التونسية لمتفقدي الشغل‪1993 ،‬‬
‫‪ - 17‬محمد كشو‪ :‬نزاعات الشغل الفردية و مشروع تنقيح مجلة الشغل‪،‬ندوة نظمها اإلتحاد العام‬
‫التونسي للشغل بعنوان مجالس العرف‪،‬قسم الدراسات و التوثيق‪،‬ماي ‪1993‬‬
‫‪ - 18‬شاكر بن عمارة الساحلي‪ :‬النزاعات الفردية و دور متفقد الشغل‪ ،‬ملتقى نظمته الجمعية‬
‫التونسية لمتفقدي الشغل‪ 26- 25،‬نوفمبر ‪1993‬‬
‫‪ - 19‬ماجدة بن جعفر‪ :‬إجراءات التقاضي لدى الدوائر الشغلية‪،‬ملتقى العالقات الشغلية ‪23- 22- 21‬‬
‫نوفمبر ‪1991‬‬

‫‪ - II‬باللغة الفرنسية ‪:‬‬


‫‪A- OUVRAGES GÉNÉRAUX‬‬ ‫‪ET SPECIAUX:‬‬

‫‪1- CATALA NICOLE : DROIT DU TRAVAIL, TOME IV, PARIS, DALLOZ 1980‬‬
‫‪2- COUTURIER‬‬ ‫‪GRARD :‬‬ ‫‪DROIT‬‬ ‫‪DU‬‬ ‫‪TRAVAIL,‬‬ ‫‪LES‬‬ ‫‪RELATIONS‬‬

‫‪INDIVIDUELLES DE TRAVAIL, 2ÈME ÉDITION, PARIS PUF, 1994‬‬

‫‪3- CAMERLYCK GH, LYON, CAEN GÉRARD :‬‬ ‫‪DROIT DU‬‬ ‫‪TRAVAIL,‬‬
‫‪11ÉME ÉDITION, PARIS, DALLOZ , 19982‬‬
‫‪4- JAVILLIER CLAUDE :‬‬ ‫‪DROIT DU TRAVAIL,‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪ÉME ÉDITION, PARIS‬‬

‫‪LIBRAIRIE GÉNÉRALE DE DROIT ET DE JURISPRUDENCE 1992‬‬

‫‪5- PELISSIER JEAN : DROIT DU TRAVAIL, 17 ÉME ÉDITION, PARIS, DALLOZ,‬‬


‫‪1994‬‬
6- PIVEROJEAN , SAVETIER JEAN : DROIT DU TRAVAIL, 8 ÉME ÉDITION,
PUF, THÉMIS DROIT , 1981
7- VERDIER JEAN MAURICE : DROIT DU TRAVAIL, 8 ÉME ÉDITION,

DALLOZ 1993

8- PUIGELIER CATHERINE : LE POUVOIR DISCIPLINAIRE DE

L’ EMPLOYEUR, ED ECONOMICA 1997

9- P ÉLISSIER JEAN : OBSERVATIONS À-PROPOS DE LA NOTION DE

LICENCIEMENT INDIVIDUEL, MÉLANGE CROMMELYNCK , DALLOZ 1978

10- YVESAINT JOURS : LA FAUTE EN DROIT DU TRAVAIL L’ ECHELLE ET


L’ EXABEAU, PARIS 1990

11- F .DELPÉRE : L’ ÉLABORATION DU DROIT DISCIPLINAIRE DE LA


FONCTION PUBLIQUE, THÉSE, PARIS, LGDJ, 1969-1970

B- MÉMOIRES :
1- BEN HAMMED MOHAMED RIDHA : LES JURIDICTIONS DES ORDRES

PROFESSIONNELS EN TUNISIE, MÉMOIRE DE FIN D’ ÉTUDE POUR

L’ OBTENTION DU DIPLÔME DES ÉTUDES SUPÉRIEURS SPÉCIALISÉES,

FACULTÉ DE DROIT ET DES SCIENCES POLITIQUE TUNIS, 1974-1975

2- SOLTANI MOUFIDA : LES GARANTIES DISCIPLINAIRES EN DROIT DU

TRAVAIL, MMÉMOIRE DE FIN D ’ ÉTUDE POUR L’ OBTENTION DU DIPLÔME

DES ÉTUDES SUPÉRIEURS SPÉCIALISÉES, FACULTÉ DE DROIT ET DES

SCIENCES POLITIQUES, TUNIS, 1992-2000

C- ARTICLES :
1- JAVILLIER JEAN CLAUDE : L’ EXERCICE ET CONTRÔLE

JURIDICTIONNEL DU POUVOIR DISCPLINAIRE, REVUE DE DROIT SOCIAL N° 7

ET 8, 1983

2- PELISSIER JEAN : LE LICENCIEMENT DISCIPLINAIRE, REVUE DU DROIT

SOCIAL, N° ET 10 ; 1992, P 250


3- JEAN SAVATIER : POUVOIR PATRIMONIAL ET DIRECTION DES

PERSONNES, REVUE DU DROIT SOCIAL, N° 1, 1982


4- PHILIPPE LANGLOIS : LE POUVOIR D’ ORGANISATION ET LES

CONTRATS DE TRAVAIL, REVUE DE DROIT SOCIAL, N°1, 1982


5- PELISSIER JEAN : LA DÉFINITION DE LA SANCTION DISCIPLINAIRES,

REVUE DU DROIT SOCIAL, N°5, 1983

6- TOUTAIN GHISLAINE : NOUVEAUX RÉGIMES DIXIPLINAIRES ET

RÉGLEMENTAIRES DANS L’ ENTREPRISE, REVUE DU DROIT SOCIAL, N° 9 ET

10, 1983
7- VENNIN FRANCOIS : L’ AMÉNAGEMENT DU POUVOIR DISCIPLINAIRE DE
L’ EMPLOYEUR, REVUE DU DROIT SOCIAL N° 7 ET 8, JUILLET AOUT 1983
‫الفهرس‬
‫المقدمة ‪1 ...........................................................................................................‬‬

‫الجزء األوّ ل‪ :‬التكريس العرضي للتناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير ‪11 ..............‬‬

‫الفصل األوّ ل ‪ :‬مبررات التكريس العرضي لمبدأ التناسب ‪11 ..........................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬طبيعة مجلس التأديب تكرس محدودية التناسب ‪12 .................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬تركيبة مجلس التأديب تكرس محدودية التناسب ‪12 .............................‬‬

‫أ ‪ -‬تقنين مجلس التأديب ‪12 ...................................................................‬‬

‫ب ‪ -‬شروط إرساء مجلس التأديب ‪15 ......................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬محدودية نجاعة رقابة مجلس التأديب ‪17 ..........................................‬‬

‫أ ‪ -‬رقابة مجلس التأديب ال تشمل إال ّ عقوبات الدرجة الثانية ‪18 .....................‬‬

‫ب ‪ -‬غموض حول طبيعة رأي مجلس التأديب ‪21 .......................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مصلحة المؤسسة تدعم محدودية التناسب ‪23 ......................................‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬تكريس مصلحة المؤسسة يدعم محدودية التناسب ‪23 .........................‬‬

‫أ ‪ -‬توجه خيارات المشرع نحو تحقيق مصلحة المؤسسة ‪23 ..........................‬‬

‫ب ‪ -‬إستغالل المؤجر لغموض مفهوم مصلحة المؤسسة ‪25 ...........................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬النظام الداخلي للمؤسسة يدعم محدودية التناسب ‪29 ...........................‬‬
‫أ ‪ -‬حرية مطلقة للمؤجر في وضع النظام الداخلي و تحديد محتواه ‪29 .............‬‬

‫ب ‪ -‬غياب الرقابة على النظام الداخلي ‪30 ..................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬مظاهر التكريس العرضي لمبدأ التناسب ‪32 ...........................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬محدودية ضمانات األجير ‪33 ..............................................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬محدودية ضمانات األجير قبل إنعقاد مجلس التأديب ‪33 .....................‬‬

‫أ ‪ -‬محدودية طريقة إستدعاء العامل للمثول أمام مجلس التأديب ‪33 .................‬‬

‫ب ‪ -‬محدودية وسائل الدفاع عن األجير عند إنعقاد مجلس التأديب ‪34 ..............‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬محدودية ضمانات األجير أثناء إنعقاد مجلس التأديب ‪36 ....................‬‬

‫أ ‪ -‬إجبارية عرض األجير على مجلس التأديب في صورة تسليط عقوبة من‬

‫الدرجة الثانية عليه ‪36 ..........................................................................‬‬

‫ب ‪ -‬إمكانية طرد األجير دون عرضه على مجلس التأديب ‪37 ........................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬خضوع األجير و تبعيته لسلطة المؤجر ‪42 ...........................................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬مظاهر خضوع األجير لسلطة المؤجر ‪42 ......................................‬‬

‫أ ‪ -‬أصناف تبعية األجير لمؤجره ‪42 ........................................................‬‬

‫ب ‪ -‬أسس تبعية األجير لمؤجره ‪43 ..........................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬آثار التبعية ‪44 ............................................................................‬‬

‫أ ‪ -‬سلطات المؤجر المترتبة عن التبعية ‪44 ...............................................‬‬


‫ب ‪ -‬إلتزامات األجير المترتبة عن التبعية ‪45 ..............................................‬‬

‫خاتمة الجزء األول ‪48 ...........................................................................................‬‬

‫الجزء الثاني‪ :‬طرق تالفي محدودية التناسب ‪49 .........................................................‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬الرقابة اإلدارية و السعي لتكريس التناسب ‪49 ........................................‬‬

‫المبحث األول‪ :‬أهمية رقابة متفقد الشغل في تحقيق مبدأ التناسب ‪49 ..............................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬المراقبة القبلية لعمليات الطرد و السعي نحو تحقيق مبدأ التناسب ‪50 ....‬‬

‫أ ‪ -‬مجال الرقابة اإلدارية قبل تنقيح مجلة الشغل في ‪50 ...................... 2007‬‬

‫ب ‪ -‬مجال الرقابة اإلدارية بعد تنقيح مجلة الشغل سنة ‪52 .................... 2007‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬توسيع ميدان الحماية لتحقيق مبدأ التناسب ‪52 ...................................‬‬

‫أ ‪ -‬حماية ممثلي العمال من الطرد يدعم تحقيق مبدأ التناسب ‪52 .....................‬‬

‫ب ‪ -‬حماية النائب النقابي تدعم مبدأ التناسب ‪55 ..........................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬طبيعة رأي متفقد الشغل يدعم تكريس مبدأ التناسب ‪58 ..........................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬إلزامية رأي تفقدية الشغل تدعم تحقيق مبدأ التناسب ‪58 .....................‬‬

‫أ ‪ -‬إلزامية رأي تفقدية الشغل في صورة طرد ممثّل العملة ‪58 .......................‬‬

‫ب ‪ -‬مدى إلزامية رأي متفقد الشغل في صورة تسوية نزاع شغل جماعي ‪59 .....‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬تبعات عدم إحترام اإلجراءات اإلدارية و دورها في تحقيق مبدأ التناسب‪61 .‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬السلطة التقديرية للقاضي في تكريس مبدأ التناسب ‪63 ...........................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مجال الرقابة القضائية للتناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير ‪64 ......‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬رقابة القاضي على األفعال المنسوبة للعامل ‪64 ..............................‬‬

‫أ ‪ -‬وسائل اإلثبات التي يعتمدها القاضي ‪65 ...............................................‬‬

‫ب ‪ -‬رقابة القاضي على مادية األفعال المنسوبة للعامل ‪69 .............................‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬المعايير المعتمدة من قبل القاضي لتقدير خطورة األفعال ‪71 ...............‬‬

‫أ ‪ -‬المعايير الذاتية لتقدير خطورة الفعلة ‪71 ...............................................‬‬

‫ب ‪ -‬المعايير الموضوعية لتقدير خطورة الفعلة ‪72 ......................................‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬مآل الرقابة القضائية و مدى تحقيق مبدأ التناسب ‪73 .............................‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬عدم إمكانية إرجاع العامل ‪73 ......................................................‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬إمكانية إقرار الصلح بين أطراف عقد الشغل ‪77 ................................‬‬

‫أ ‪ -‬وجوبية المحاولة الصلحية للتوفيق بين أطراف عقد الشغل ‪77 ...................‬‬

‫ب ‪ -‬آثار المحاولة الصلحية ‪79 ................................................................‬‬

‫خاتمة الجزء الثاني ‪82 ..........................................................................................‬‬

‫الخاتمة العامة‪83............................................................................................‬‬

‫المالحق‬

‫قائمة المراجع‬

You might also like