Professional Documents
Culture Documents
جامعة سوسة
الشكر و التقدير.
و يعود أساس التبعية إلى ملكية المؤجر لوسائل اإلنتاج و رأس المال و هو ما يبرر النزعة الليبرالية التي
عرفه الفصل 17من
كرس دستور 2014حق الملكية في فصله ، 2 41كما ّ
تميّز اإلقتصاد التونسي فقد ّ
يخول لصاحبه ممارسة سلطاته على الشيء الذي يملكه و المتمثلة في حق
مجلة الحقوق العينية بكونه حق ّ
اإلستغالل و اإلستعمال و التفويت ،يستشف من ذلك ّ
أن حق الملكية هو حق جامع مانع أي أنه يشمل كل
يخول للمؤجر ممارسة سلطة التسيير و اإلشراف
السلطات الممكنة و مقصور على صاحبه بالتالي ّ
و التأديب على األجراء الذين يلتزمون بالعمل تحت قيادته وفقا لتعليماته ،و في صورة رفضهم الخضوع
ألوامر مؤجرهم يسلط عليهم بمقتضى ما له من نفوذ أي إجراء تأديبي يراه مناسبا و الذي يمكن أن يصل
إلى حدّ قطع العالقة ا لشغلي ،و قد أقر المشرع إمكانية قطع العالقة الشغلية لكال الطرفين ،فاألجير يمكن
له أن يستقيل من عمله كما للمؤجر حق طرد العامل عند قيامه بخطأ يعرقل السير العادي للمؤسسة و هو
ما يعتبر تكريسا لمنع أبدية العقود فاإلرادة التي أنشأت العقد يمكن لها إنهائه متى شاءت ،فالعقد شريعة
المتعاقدين على معنى الفصل 242من مجلة اإللتزامات و العقود.
علي عوض حسن" ،مختصر الوجيز في شرح قانون العمل" ،دار الفكر الجامعي ،2001ص 28 1
الفصل 41من دستور جانفي " : 2014حق الملكية مضمون و ال يمكن النيل منه إال ّ في الحاالت و بالضمانات التي يضبطها القانون". 2
1
أن السلطة التأديبية تم ّكن المؤجر من تسليط عقاب على كل خطأ يقوم به األجير ،و نظرا لعدم
و بما ّ
حرا في معاقبة أي فعل و في تسليط أي عقاب ،و هو ما ال
تنظيم المشرع لهذه السلطة ،يجد المؤجر نفسه ّ
يتماشى حتما مع مبدأ التناسب بين العقوبة و الخطأ الذي يمثّل ركيزة أساسية للقانون التأديبي فهو يحمي
العامل من تعسف المؤجر و يحقق بذلك العدالة اإلجتماعية ،فالعقوبات التي يمكن للمؤجر إتخاذها ضدّ
عملته لها مساس مباشر بأجرهم و بموطن عملهم كما لها إنعكاس على حياتهم المهنية و العائلية ،لذلك
يجب أن يكون الخطأ المنسوب للعامل على درجة كافية من الخطورة تبرر العقوبة المسلطة عليه.
ّأما إصطالحا ،يعد التناسب مقتبسا من القانون الجزائي ،حيث يجب أن يكون الفعل المجرم متناسبا مع
العقوبة ،بالتالي هو نتيجة للربط بين العقوبة و الخطأ.2
و يستند حق المؤجر في طرد األجير على إرتكاب خطأ من طرف هذا األخير يكون بمثابة السبب الحقيقي
و الجدي للطرد ،لكن المشرع لم يوضح مفهوم خطأ األجير و لم يقدّم له أي تعريف بل إنه ال يستعمل
مصطلحا واحدا للداللة عليه ،حيث أنه إلى جانب عبارة الخطأ التي إستعملها في عدّة فصول من مجلة
الشغل 3نجده يستعمل أحيانا عبارة "الغلطة" 4أو عبارة "الهفوة" ، 5و هي نفس العبارة التي تستعملها
اإلتفاقية اإلطارية المشتركة ، 6لكن جميع هاته العبارات تستعمل بصفة مترادفة بحيث جميعها تفيد نفس
المعنى و تدل على مفهوم الخطأ ،و المالحظ ّ
أن قانون الشغل الفرنسي هو بدوره لم يقدّم تعريفا لخطأ
األجير ،فقد ورد بالفصل 40- 122من مجلة الشغل الفرنسية ّ
أن العقوبة التأديبية هي "نتيجة لتصرف قام
أن المنشور الخاص بتطبيق قانون 4أوت 1982المتعلّق بتنظيم
به العامل و إعتبره المؤجر خاطئا .7إالّ ّ
عرف خطأ األجير بكونه "التصرف الخاطئ الذي يستدعي توقيع عقوبة تأديبية عليه،
السلطة التأديبية ّ
يستحيل معه التنفيذ العادي للعالقة العقدية ،بشرط أن يتجسم التنفيذ الغير العادي لعقد الشغل بفعل إيجابي
أو بإمتناع عن فعل بصفة إرادية من طرف األجير". 8
العامة التي
ّ و إذا كان قانون الشغل التونسي ال يعطي تعريفا للخطأ ،فإنه يمكن الرجوع إلى األحكام
يعرف الخطأ المدني بكونه " ترك ما
تضمنتها مجلة اإللتزامات و العقود خاصة الفصل 83منها الذي ّ
2
وجب فعله أو فعل ما وجب تركه" إس تنادا لهذا الفصل ،يستنتج ّ
أن الخطأ المدني يتكون ّإما من أفعال
سلبية أو من أفعال إيجابية ،لكن المشرع لم يحدد بصفة حصرية هذه األفعال المكونة منها الخطأ و هذا
بإعتبار تعدد و تنوع تلك األفعال ،و لهذا ّ
فإن عمومية الفصل 83من مجلة اإللتزامات و العقود ال يفيد في
تعريف خطأ األجير فكان للفقه دور في محاولة إيجاد تعريف موحد له.
فعرفه البعض 1بكونه كل فعل أو إمتناع عن فعل ينسب إلى األجير و فيه إخالل بأخذ إلتزاماته أو واجباته
ّ
عرفه الفقه الفرنسي 2بأنه كل إخالل بالقواعد السارية في
المهنية نحو المؤسسة التي ينتمي إليها ،و ّ
المؤسسة بما فيها القواعد غير المكتوبة و التي تفرض على كل واحد سلوكا مناسبا في عالقته مع
األعضاء اآلخرين ،و كل إخالل باألوامر المعطاة بواسطة صاحب العمل في المباشرة الطبيعية لسلطته
في اإلدارة بشكل يخلّ بالنظام و بحسن سير العمل في المؤسسة.
و بما ّ
أن قانون الشغل تماما مثل القانون المدني ،ال يمكن له أن يحدّد بصفة حصرية الحاالت التي تدخل
ضمن مفهوم خطأ األجير ،و هذا ما يؤدي إلى تمتع المؤجر بسلطة واسعة في تقدير السلوك الخاطئ
للعامل ،بحيث "يستحيل تكريس مبدأ شرعية الجرائم في القانون التأديبي للعمل" ،4و على هذا األساس
إكتفى الفصل 14رابعا من مجلة الشغل بوضع قائمة غير حصرية لألخطاء التي يمكن أن يقترفها األجير
مبررة لطرده و تضم هذه القائمة إحدى عشر حالة من األفعال يقع تقديرها حسب الظروف التي
و تكون ّ
وقع فيها إرتكابها و هي نفس القائمة تقريبا التي تضمنها الفصل 37من اإل تفاقية اإلطارية المشتركة.
و تتميّز هذه القائمة بتنوعها من حيث طبيعة األخطاء المذكورة بها ،حيث يمكن أن يكتسي الخطأ صيغة
تأديبية بحتة ،كما يمكن أن يكون الخطأ عقديا باإلضافة إلى وجود صنف آخر من األخطاء ذات الصبغة
الجزائية.5
و تجدر اإلشارة ّ
أن الخطأ التأديبي في مفهومه الضيّق يتعلق بسيرة العامل الشخصية داخل المجموعة
المهني6 المهنية التي ينتمي إليها ،و هو يتمثل في اإلخالل بنظام العمل داخل المؤسسة و قواعد السلوك
لذلك ّ
فإن األخطاء التأديبية تعتبر أخطاء مهنية بحكم أنها ترتكب بمناسبة العمل و لها إنعكاسات سلبية على
1أحمد النوري" ،طرد األجير ألسباب تأديبية" ،رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون اإلجتماعي ،كلية الحقوق بصفاقس ،2008- 2007ص
14
2 Catala nicole : « droit du travail », Tome IV, l’entreprise, Paris, Dalloz 1980, p 376
3د محمود جمال الدين زكين "عقد العمل في القانون المصري" ،الطبعة الثانية ،مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب ،1982 ،بند ،46ص 182
4المنجي طرشونة" ،الطرد ألسباب شخصية في القانون و في فقه القضاء" ،مجلة القضاء و التشريع ،جويلية ،2008ص 7
5أحمد النوري " ،طرد األجير ألسباب تأديبية" ،مرجع سابق ،ص 14
6المنجي طرشونة و النوري مزيد ،مجلة الشغل المعلّ ق عليها ،المطبعة الرسمية ،2002ص 71
3
المؤسسة إضافة إلى أنها متصلة بسوء سلوك األجير و ذلك بقطع النظر عن قيامه بإلتزاماته العقدية ،ومن
هذا المنطلق تختلف األخطاء التأديبية عن األخطاء العقدية.
فالخطأ العقدي في مفهومه الضيّق يتجسد من خالل عدم التنفيذ الكلي أو الجزئي أو التنفيذ المعيب
لإللتزامات العقدية ،1و تنقسم هذه اإللتزامات التي يتقيّد بها األجير في نطاق عقد الشغل إلى إلتزامات
أصلية و إلتزامات فرعيّة أو تابعة ، 2و اإللتزام األصلي الذي يتقيّد به األجير في عقد الشغل هو إلتزامه
مما يقتضي إلتزامه بالتعليمات التي يتلقاها من مؤجره حسب ما ورد بالفصل 10من
بأداء العمل بإخالص ّ
مبرر شرعي عن أداء عمله يكون قد إرتكب خطأ عقديا يتمثّل في عم تنفيذ
مجلة الشغل ،فإذا إمتنع بدون ّ
عقد الشغل و قد أورد الفصل 14رابعا من مجلة الشغل بعض الحاالت التي تجسد هذا النوع من األخطاء
كالغياب عن العمل أو اإلمتناع عن تنفيذ األوامر المتعلّقة بالعمل.
ّأما بالنسبة إللتزامات األجير الفرعية فتتمثّل في إلتزامه بالمحافظة على األشياء و المعدات التابعة
للمؤسسة و التي أعطيت له للقيام بعمله.
و بالتالي يكون مسؤوال عن فقدانها أو تعطيبها إذا كان ذلك نتيجة لخطأ منه ،و ذلك ما أورده الفصل 11
من مجلة الشغل .إالّ ّ
أن هذا التمييز بين األخطاء العقدية و األخطاء التأديبية يبقى تميزا نسبيا ذلك ّ
أنن أي
سلوك يقوم به العامل قد يكون في نفس الوقت إخالال بالعقد و بنظام العمل داخل المؤسسة.3
باإلضافة إلى وجود صنف آخر من األخطاء التي قد يرتكبها األجير تبرر تسليط عقوبة عليه و هي
األخطاء ذات الصبغة الجزائية ،في هذا اإلطار ال يمكن الحديث عن فعل مجرم إال عند وجود نص
يجرمه و يعاقب عليه و ذلك عمال بمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات 4في إطار عقد الشغل يكون
تشريعي ّ
الخطأ الجزائي المنسوب لألجير له صبغة مزدوجة أي ّ
أن له صبغة جزائية و تأديبية مثل سرقة األشياء
التابعة للمؤسسة أو خيانة المؤتمن ، 5و قد أكد فقه القضاء على مبدأ إستقاللية الخطأ التأديبي عن الخطأ
الجزائي في المادّة الشغلية ،و على هذا األساس ّ
فإن إنت فاء المسؤولية الجزائية ال يترتب عنه بالضرورة
إنتفاء مؤاخذة األجير على المستوى التأديبي.6
عموما يتحمل األجير مبدئيا المسؤولية الناجمة عن أي خطأ يقترفه و يلحق ضررا بالمؤسسة ،و المالحظ
ّ
أن قانون الشغل إتجه نحو التخفيف من حدّة تلك المسؤولية بإعتبار وضعية التبعية التي يوجد فيها
ّ
المعل ق عليها ،مرجع سابق ،ص 72 1المنجي طرشونة و النوري مزيد ،مجلة الشغل
2المنجي طرشونة ،الطرد ألسباب شخصية في القانون و في فقه القضاء ،مرجع سابق ،ص 5
3المنجي طرشونة و النوري مزيد ،مجلة الشغل المعلق عليها ،مرجع سابق ،ص 72
4الفصل 28من دستور جانفي ،2014الفصل 1من المجلة الجزائية
5الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة
6قرار تعقيبي مدني عدد 45291في 26سبتمبر 1996نشرية محكمة التعقيب ،1996ص 139
4
األجير ، 1و هذا ما يبرز مثال من خالل التمييز بين األخطاء البسيطة التي قد تؤدي إلى تسليط عقوبة
تأديبية من الدرجة األولى ضدّ األجير و ال تبرر قطع عقد الشغل ،و األخطاء الفادحة التي تقابلها عقوبات
الدرجة الثانية و تعد من األسباب الحقيقية و الجدية للطرد كما هو مب ّين بالفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية
المشتركة.
من جانبه ،إعتمد الفقه تصنيفا ثالثيا لألخطاء المرتكبة من قبل األجير فميّز بين الخطأ اليسير أو البسيط
والخطأ الفادح و الخطأ الجسيم.2
و يمكن وصف الخطأ بالجسيم عند إرتكاب فعل يوصف بكونه خطأ فادح لكنه يكتسي صبغة إستثنائية
عرفه فقه القضاء الفرنسي بأنه الخطأ المصحوب بنيّة
بإعتباره أكثر خطورة من الخطأ الفادح ،و قد ّ
يبرر قيام مسؤولية األجير المدنية
المتعمد ،3الذي ّ
ّ اإلساءة للمؤجر أو للمؤسسة ،و ت ّم وصفه بالخطأ
عما لحق المؤسسة من أضرارّ ،أما الخطأ الفادح فال يترتب عنه تلك المسؤولية
و يصبح مطالب بالتعويض ّ
بإعتبار أنه يندرج ضمن المخاطر التي تتحملها المؤسسة.4
1النوري مزيد " ،واجب أمانة األجير تجاه المؤسسة" ،مداخلة مرقونة قدمت في ملتقى مصلحة المؤسسة في القانون اإلجتماعي ،الجمعية
التونسية لمتفقدي الشغل ،الحمامات في 22و 23جوان ،2007ص 4
2المنجي طرشونة" ،الطرد ألسباب شخصية في القانون و في فقه القضاء" ،مرجع سابق ،ص 7
"3 cass,soc, 27 novembre 1958, D, 1959, note lindenأورده أحمد النوري "طرد األجير ألسباب تأيبية" مرع سابق ،ص 18
4 J.pélissier A, Lyon-caen, A.jeammand et E.dockés, les grands arréts du droit du travail, 3éme éd, dalloz, 2004,
p 185
5
و في غياب تعريف قانوني للخطأ الفادح في قانون الشغل ،ساهم الفقه و فقه القضاء في تحديد مفهومه
فالخطأ الفادح هو الذي يؤدي إلى زعزعة الثقة المتبادلة بين الطرفين يستح يل معها مواصلة العالقة
التعاقدية بحيث تنتج عنه إنعكاسات سلبية على نجاعة الشغل. 1
و على عكس القانون الذي تنفرد فيه الهيئات القضائية بتسليط العقوبات على مرتكبيها ّ
فإن قانون الشغل
بصفة خاصة يمكن المؤجر من تسليط عقوبة على كل أج ير لم ينفّذ عمله حسب الشروط المتفق عليها،
فكلّما أخلّ األجير بأحد إلتزاماته الناشئة عن العقد أو إنحرف عن السلوك الذي يستوجبه حسن سير العمل
و مصلحة المؤسسة فإنه يكون معرضا لتسليط عقوبة عليه من طرف رئيس المؤسسة.
فالعقوبات التأديبية تظلّ تصرفا عقابيا يهدف إلى زجر و ردع كلّ مخالف لحسن سير العمل داخل
المؤسسة ،و رغم أهميتها لم يضع المشرع التونسي تعريفا لها و كذلك الحال بالنسبة لإلتفاقية اإلطارية
المشتركة التي ‘ كتفت بترتيب العقوبات التي يحق للمؤجر توقيعها على األجير حسب درجة خطورة الفعلة
المرتكبة ،و في صورة ما إذ ا إرتكب العامل خطأ بسيطا يسلط عليه المؤجر عقوبة من الدرجة األولىّ ،أما
إذا إرتكب خطأ أكثر فداحة و خطورة يوقّع عليه رئيس المؤسسة عقوبة من الدرجة الثانية.
هذا التصنيف للعقوبات يذكر بالتصنيف في القانون الجزائي الطي يتدرج بالجرائم من مخالفة إلى جنحة
إلى جناية و ذلك حسب خطورة الفعلة المرتكبة.
لكن قانون الشغل إعتمد تصنيفا ثنائيا للعقوبات كما هو مبيّن بالفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة
فقد ق ّسم العقوبات حسب درجة خطورتها إلى عقوبات الدرجة األولى و تتمثّل في :اإلنذار الشفاهي ،
المسجل في الملف ،التوبيخ المسجل في الملف ،اإليقاف عن العمل لفترة ال تتجاوز ثالثة
ّ اإلنذار الكتابي
أيّام مع الحرمان من األجرّ ،أما عقوبات الدرجة الثانية فتتمثّل في اإليقاف عن العمل من أربعة إلى ثالثين
يوما مع الحرمان من األجر ،إسقاط سلّم ،إسقاط درجة و الطرد الذي يمثّل أخطر عقوبة يمكن أن يتعرض
لها العامل.
1المنجي طرشونة و النوري مزيد ،مجلة الشغل معلق عليها ،مرجع سابق ،ص 70و 71
األو ل لسنة ،2009قسم مرافعات مدنية وتجارية،
2قرار تعقيبي مدني عدد 27618مؤرخ في 16أفريل ،2009نشرية محكمة التعقيب ،الجزء ّ
ص 18
6
عرفت مجلة الشغل الفرنسية في الفصل 40 - 122منها العقوبة التأديبية
و على خالف المشرع التونسي ّ ،
بأنها " :كلّ إجراء ،عدا المالحظات الشفوية ،يتخذه المؤجر إثر تصرف قام به األجير و إعتبره خطأ
و يكون له تأثير سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة على حضور األجير في المؤسسة أو على وظيفته أو
على حياته المهنية أو على دخله المالي.1
ّ
إن عبارة "كل إجراء " كما وردت بالقانون الفرنسي تشمل العقوبات في مفهومها التقليدي من إنذار
و توبيخ و طردن كما قد تشمل كل إجراء يتخذه المؤجر في نطاق سلطته في تسيير العمل و تنظيمه
و يعتبره األجير عقوبة نظرا لتأثيرها على مركزه في العمل و على حقوقهّ ،أما إذا كان الغرض من هذه
اإل جراءات ضرورة إقتصادية أو تقنية لحسن سير المؤسسة فال تعتبر عقوبة ،كذلك ال تعتبر عقوبة
التوضيحات الشفوية.2
و يقسم بعض الفقهاء العقوبات الت أديبية إلى عقوبات معنوية تؤثر في نفسية العامل و عقوبات لها تأثير
على وجود العامل في المؤسسة ، 4و تتمثل العقوبات المعنوية في اإلنذار و التوبيخ و التأنيب مع اإلعالم أو
من دونه ،هذه العقوبات ال تؤثر بصفة مباشرة على وضعية األجير على عكس عقوبة الحط من الدرجة أو
التأخير في الترقية أو الطرد.
عموما تهدف العقوبات التأديبية إلى زجر و ردع األجير الذي خالف تعليمات مؤجره و أضر بمصلحة
المؤسسة ،من هذا المنطلق يمكن القول ّ
أن العقوبة التأديبية و العقوبة الجزائية تتشاركان في الهدف
المرجو من كلتاها ،و لكنهما حتما مختلفان ،فالجزاء الجزائي خاضع لمبدأ شرعية الجرائم و العقوبات .
كما يهدف إلى حماية المجتمع من كل جريمة ّ ،أما العقوبات التأديبية فهي تهدف إلى حماية المؤسسة
بوجه خاص من تصرفات األجير التي تلحق ضررا بها ،إضافة إلى أن الجزاء الجزائي توقعه السلطة
القضائية المختصة على المتهمّ ،أما العقوبة التأديبية فيسلّها المؤجر على أجيره المرتكب للخطأ.
7
لم تتضمن مجلة الشغل الصادرة بمقتضى القانون عدد 27لسنة 1966المؤرخ في 30أفريل ،1966أي
إشارة لمسألة التناسب ،و رغم تنقيحها في عدّة مناسبات ّ
فإن المشرع يأبى تنظيم السلطة التأديبية للمؤجر
تنظيما محكما إالّ ّ
أن اإلتفاقية اإلطارية المشتركة الصادرة بمقتضى األمر عدد 247االمؤرخ في 29ماي
،1 1973سعت إلى سدّ الفراغ التشريعي في خصوص هذه المسألة و صنفت العقوبات التي يمكن تسليطها
على األجير و ذلك حسب درجة خطورة الفعلة و نوع وظيفته و ظروف إرتكابها ، 2إقتداءا بالقانون
أقر ّأوال مبدأ التناسب بين العقوبة و الخطأ في المجال الجزائي ،ث ّم أ ّكد على ضرورة
الفرنسي الذي ّ
تطبيقه في قانون الشغل نظرا للحاجة الما ّسة إليه ، 3و ذلك للحدّ من سلطة المؤجر المطلقة داخل المؤسسة،
ّ
المنظم للقانون التأديبي الفرنسي ،هذا القانون يطبّق على فجاء قانون 689 - 82المؤرخ في 4أوت 1982
جميع المؤسسات مهما كان عدد العاملين فيها ،إضافة إلى مراقبة القاضي الحقا لتطبيقه مع إمكانية إبطال
العقوبة غير المتناسبة مع الخطأ ،فلتكون العقوبة شرعية يجب أن يحترم المؤجر مبدأ التناسب في العقوبة
و األفعال المرتكبة حسب منطوق الفصل 2122- 43من مجلة الشغل الفرنسية.
و قد أثارت عملية تأسيس سلطة المؤجر في التأديب جدال فقهيا غزيرا ،إذ هناك من الفقهاء 4من يرجع
النفوذ التأد يبي للمؤجر إلى عقد الشغل بمقولة ّ
أن األجير عندما يعبّر عن رضاه في عقد الشغل هو في
الحقيقة قد إلتزم بالخضوع لسلطة التأديب التي يمارسها المؤجر ،فمن العقد ينبثق إلتزام كل أجير
يخول للمؤجر إمكانية ممارسة سلطة اإلشراف
بالخضوع إلى أوامر مؤجره و العقد وحده هو الذي ّ
التسيير و التأديب إزاء أجيره.
في المقابل ،هناك شق آخر ، 5يرفض فكرة العقد كأساس للسلطة التأديبية للمؤجر و حقه في إصدار
مجرد تتابع لعقود الشغل الفرديّة ،و إنما هي مجموعة
ّ عقوبة ضدّ األجير معتبرا ّ
أن " المؤسسة ليست
عمل و جسم إجتماعي يجمع عدّة أشخاص يشتركون عبر وظائفهم المتنوعة المتنوعة في إنجاز عمل
مشترك ،هذه المجموعة تخضع لنفوذ رئيس المؤسسة بإعتباره مسؤوال عن حسن سير العمل داخلها ،من
هنا يتمتع رئيس المؤسسة بسلطة تأديبية يعاقب من خاللها كل األخطاء التي تصدر عن األجراء و التي
من شأنها أن تعرقل سير المؤسسة.
ّأما الجانب الثالث من الفقه ، 6فقد أرجع حق المؤجر في تسليط عقوبة على أجيره إلى حقه في ملكية
وسائل اإلنتاج ،فالمؤجر "بوصفه سيّدا يمتلك صالحيات الملك المطلقة ،و يحتفظ بالتالي بسلطة العقاب
8
و القضاء و اإلدارة" ،و لعلّ المشرع التونسي تبنّى هذا اإلتجاه و هذا ما يف ّسر عدم تنظيمه سلطة المؤجر
التأديبية و تركه المسألة عرضية نظرا للنزعة الليبرالية التي يتمحور حولها القانون التونسي،فالمؤجر
بوصفه مالكا لوسائل اإلنتاج و رأس المال تصبح كل المؤسسة ملكه بما فيها األشياء و األشخاص العاملين
بها فيبسط سلطته التسييرية و ينظم العمل ،و في صورة اإلخالل بالسير العادي للمؤسسة يعمل سلطته
التأديبية و يسلط عقابا على األجير المر تكب للخطأ ،لكن المشرع سعى إلى التقليص من هذه السلطة نظرا
لخطورتها و ذلك بإحداث مجلس للتأديب مهمته مراقبة القرار الذي يتخذه المؤجر تجاه أجيرة و هي
مراقبة سابقة لتسليط العقاب ،كما أسند للقضاء الشغلي مراقبة طرد األجير و تعتبر بمثابة المراقبة
مما ترك المجال مفتوحا أمام القضاء الذي
يكرس بصفة واضحة مبدأ التناسبّ ،
الالحقة ،لكن دون أن ّ
كرس هذا المبدأ في العديد من المناسبات رغم عدم التنصيص عليه صراحة ،و ذلك من خالل رقابة
ّ
مزدوجة تشمل من جهة شرعية العقوبة و من جهة أخرى تناسبها مع الخطأ ،و هو ما يبرهن عن دور فقه
القض اء في إنشاء قواعد موضوعية تحقق حماية للعامل في المجال التأديبي و تضع حدّا لسلطة المؤجر
التأديبية داخل المؤسسة و ّ
تتعزز هذه الرقابة بشمولها لإلجراءات السابقة للتأديب.1
كما ّ
أن مصادقة تونس على العديد من اإلتفاقيات الدوليّة للعمل التي تدعو إلى حماية حقوق العملة و عدم
إستغاللهم تستدعي حتما تطبيق مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير حتى يتحقق الهدف
المرجو من وراء المصادقة على اإلتفاقيات الدولية و تمكن من مسايرة ال تطورات في هذا المجال ،فالمكانة
اإلقتصادية المرموقة عالميا ال تتحقق بإستغالل العمال بل بالعكس بالحفاظ على حقوقهم و تحسين
قوة اإلنتاج و اإلنتاجية ،و هذا ال يتسنى الوصول
وضعيتهم و شعورهم باألمن داخل المؤسسة حتى تزداد ّ
إليه إالّ بوجود وعي إجتماعي لدى األجراء و وعي إقتصادي لدى المؤجرين ،مع ضرورة وجود إطار
يكرس مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير.
قانوني ّ
و نظرا ألهمية مبدأ التناسب على المستوى النظري و العملي ،كان ع لى المشرع التونسي اإلعتناء به
و تقنينه مثل ما ذهب إليه بعض القوانين المقارنة على غرار القانون الفرنسي ،و هو ما يحملنا على طرح
اإلشكالية التالية:
لطفي السعداوي " :السلطة التأديبية للمؤجر" ،رسالة لختم الدروس بالمعهد األعلى للقضاء ،1999- 1998 ،ص 164 1
9
أن المشرع التونسي لم ّ
ينظم مسألة التناسب تنظيما محكما نظرا يتضح من خالل دراسة هذا الموضوع ّ ،
للنزعة الليبرالية التي تبناها المشرع و التي تبرز من خالل ملكية المؤجر لوسائل اإلنتاج ،فالمشرع يعتبر
األول) ،لكن
يبرر تكريس مبدأ التناسب تكريسا عرضيا (الجزء ّ
مما ّ
صف المؤجر ّ
ّ منحازا نزعا ما إلى
هذا ال ينفي حماية المشرع لألجير ،و أساس النزعة الحمائية لهذا األخير هي قصوره و ضعفه ،بحيث
يحمي المشرع الطرف الذي يرى أنه غير قادر على حماية نفسه بنفسه ،لذلك سعى إلى التوفيق بين
مصلحة كل من األجير و المؤجر و ذلك بالحدّ من السلطة التأديبية لهذا األخير و إنتهاجه نحو إحداث
طرف لتالفي محدودية التناسب (الجزء الثاني).
10
األول :التكريس العرضي للتناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير:
الجزء ّ
إذا كان من الواجب مكافأة العامل عند إجتهاده في عمله بالترقية و المنح ،فإنه من الضروري أيضا
معاقبته تأديبيا عند إرتكابه خطأ فادحا.
و بما ّ
أن سلطة التأديب ضرورية لتسيير المؤسسة فإنها تتميّز بخطورتها إذا أساء المؤجر إستعمالها ما
يستدعي ضرورة وضع نظام قانوني واضح المعالم يقيّد السلطة التأديبية للمؤجر و يضبط لكل خطأ
العقوبة المناسبة لها.
لكن المشرع ال يزال يغلّب مصلحة المؤجر في تسيير المؤسسة و ذلك لغايات إقتصادية فبالرغم من
محاولته وضع أسس قانون ية للحدّ من نفوذه التأديبي و ذلك من خالل تحديد نوع الخطأ الموجب للطرد
مما يدلّ
و تنظيم الطرد التأديبي فإنه لم يضع قائمة يضبط فيها العقوبات التأديبية و ما يقابلها من أخطاء ّ
على رغبة المشرع في تكريس مبدأ التناسب تكريسا عرضيا ،و نفهم غاية المشرع يجب التطرق
لمب ررات التكريس العرضي لمبدأ التناسب (الفصل األول) و تحديد مظاهره (الفصل الثاني).
إذا كان قانون الشغل ينحاز إلى حماية األجير بحكم ما يميّز وضعيته من تبعية و خضوع تجاه مؤجره ،
فإنه في نفس الوقت يضفي شرعية على نفوذ هذا األخير داخل المؤسسة نظرا لما يتمتع به من صالحيات
قانونية واسعة تدعم سلطته على األشياء بسلطته على األشخاص التابعين له ،و هي نتيجة حتمية لتبني
المشرع لنظرية الليبرالية في العالقة الشغلية التي تفيد حرية المؤجر المطلقة في تسيير المؤسسة بإعتباره
العمال
مما يعني تغليب المصلحة اإلقتصادية على حساب مصلحة ّ
مالكا لوسائل اإلنتاج و لرأس المال ّ ،
أي تغليب مصلحة المؤسسة.
و في إطار تسييره للمؤسسة ،يمكن للمؤجر تسليط عقوبة على األجير ال تتناسب مع الخطأ الذي إرتكبه
مما يدلّ على ّ
أن مصلحة المؤسسة تدعم محدودية التناس ب (المبحث الثاني) ،هذا ما جعل المشرع يتدخل ّ
للحدّ من نفوذ المؤجر ،ففي ظلّ غياب أحكام خاصة صلب مجلة الشغل تنظم اإلجراءات التأديبية داخل
المؤسسة ،أقرت اإلتفاقية اإلطارية لسنة 1973عدّة إجراءات يتعين على المؤجر إحترامها قبل إتخاذ
قرار الطرد ألسباب تأديبية و تتمثل في عرض األجير على مجلس التأديب الذي يسعى بدوره إلى الحد من
يكرس محدودية التناسب (المبحث النفوذ التأديبي للمؤجر ،إالّ ّ
أن المتمعن في طبيعته يجده هو أيضا ّ
األول).
ّ
11
المبحث األول :طبيعة مجلس التأديب تكرس محدودية التناسب:
في ظلّ غياب قانون هو حد ّ
ينظم ا لعالقات الشغلية ،كان عقد الشغل شأنه شأن أغلب العقود خاضعا
لنظرية سلطان اإلرادة كما ت ّم تكريسها تشريعيا من خالل إقرار مبدأ الحرية التعاقدية بالفصل 242من
مجلة اإللتزامات و العقود.
و بموجب التطور اإلقتصادي و اإلجتماعي ،إختلت موازين القوى بين أطراف عقد الشغل و أصبح من
الضروري إرساء نظام قانوني يراعي خصوصية قانون الشغل من خالل حماية الطرف الضعيف في
العقد و هو األجير.
و تبعا لذلك ت ّم إعتماد اإلتفاقيات المشتركة كآلية لتنظيم عالقات العمل بموجب األمر العلي الصادر في 14
أوت ، 1936إلى حين صدور مجلة الشغل التي نظمت اإلتفاقيات المشتركة في الفصول من 44إلى .52
و بصدور األمر عدد 247لسنة 1973المؤرخ في 25ماي 1973شهدت اإلتفاقيات تطورا ،حيث
أصبحت تنظم المسائل المتعلقة باألجور و المنح و التصنيف المهني إضافة إلى إرساء هيكل تأديبي عهدت
له مهمة مراقبة قرارات المؤجر بخصوص طرد األجير ألسباب تأديبية.
لكن نظرا للتوجه الذي توخاه المشرع نحو إعطاء المؤجر سلطة تسيير و إشراف المؤسسة إضافة إلى
سلطة تأديب األجراء عند إرتكابهم خطأ ،فقد أدى في نفس الوقت إلى محدودية دور مجلس التأديب في
مما أثر بصفة مباشرة
تكريس التناسب ،هذه المحدودية تستشف من خالل تحديد تكريبته (الفقرة األولى) ّ ،
على دوره داخل المؤسسة و مدى نجاعة رقابته (الفقرة الثانية).
يعدّ إرساء مجلس التأديب داخل المؤسسة من أه ّم اإلضافات التي أقرتها اإلتفاقية اإلطارية المشتركة منذ
سنة ، 1973ليتدخل المشرع الحقا بموجب تنقيح مجلة الشغل في 21فيفري 1994و يدعم وجوده
بتقنينه (أ) ،كما حدّد شروط إرسائه (ب).
ّ
نظمت اإلتفاقية اإلطارية المشتركة المصادق عليها في 29ماي 1973مسألة التأديب داخل المؤسسة في
الفصول من 37إلى ،42حيث ت ّم إسناد مشموالت المجلس التأديبي حسب الفصل 38إلى اللجنة
12
اإل ستشارية المتناصفة التي تكون في كل مؤسسة كيف ما كان صنفها و يكون عدد المستخدمين بها على
األقل عشرين عامال ،سواء كان إستخدام العملة مباشرة أو بواسطة فروع.
ّأما بالنسبة للمؤسسات التي تضم أقل من عشرين عامال ،فيمكن لها تأليف لجنة متعادلة األطراف إعتياديا
أو اإلجتماع مباشرة مع نواب العملة ،و تقوم هاته اإلجتماعات مقام اللجنة المتناصفة حسب أحكام الفصل
39من اإلتفاقية.
لم تكن مهام اللجنة مقتصرة فقط على المسائل التأديبية بل كانت تشمل كل المسائل المتعلقة بالعملة ،لكن
على المستوى العملي بقيت مهمة اللجنة المتناصفة كمجلس تأديب هي المهمة المهيمنة.
و قد سبق للمشرع أن نص على إحداث هيكل يسمى "لجنة المؤسسة" داخل المؤسسات التي تشغّل 50
عامال أو أكثر و ذلك بموجب الفصل 157قديم من مجلة الشغل ،و إذا كان عدد العمال التابعين للمؤسسة
أقل من 50عامال و مساويا ل 20عامال أو أكثر فإنه يتعين إنتخاب نائبا رسمي للعملة و آخر بصفته
مناوبا له حسب ما جاء بالفصل 163قديم من نفس المجلة ،إضافة إلى إحداث لجنة تضم ممثلين للعملة في
كلّ مؤسسة صناعية تشغّل عادة أربعين عامال قارا على األقل تعرف ب"لجنة الصحة و السالمة المهنية"
بموجب األمر عدد 208المؤرخ في 20جانفي .1969
و قد نتج عن هذا التعدد في الهياكل وجود تداخل من حيث مهامها ،لكن إنفردت اللجنة المتناصفة بصفتها
الهيكل اإلستشاري الوحيد ال ذي يضطلع داخل المؤسسة بمهمة مجلس التأديب و ذلك قبل أن يتدخل
المشرع بمقتضى القانون عدد 29المؤرخ في 21فيفري 1994ليدمج حسب ما نص عليه الفصل الرابع
جميع الهياكل المشار إليها في هيكل واحد سمي ب"اللجنة اإلستشارية للمؤسسة" ،و يتم إحداثها بكل
مؤسسة تخضع ألحكام مجلة الشغل و التي حددتها الفصول 1و 2و 3من المجلة و تشغل أربعين عامال
قارا على األقل ،و تتركب بالتناصف من ممثلين عن إدارة المؤسسة من بينهم رئيس المؤسسة أو من
ينوبه بصفة قانونية في حالة التعذر و ذلك حسب منطوق الفصل األول من األمر المؤرخ في 9جانفي
1995ا لمتعلق بتركيبة و سير عمل اللجنة اإلستشارية للمؤسسة و بطرق إنتخاب نواب العملة وممارستهم
13
لمهامهم ، 1كما ضبط الفصل 160جديد من مجلة الشغل مهام اللجنة من بينها أن تنتصب كمجلس التأديب
للنظر في المسائل المتعلقة بالتأديب و تبدي رأيها حولها ،لكن كيف لهذه اللجنة أن تبدي رأيها بكل حياد
وموضوعية في حين ّ
أن المؤجر يترأس المجلس و يصدر العقوبة في نفس الوقت؟ من هذا المنطلق يتبين
شرع لحمايته األجير و تكريس مبدأ
محدودية دور مجلس التأديب في تكريس مبدأ التناسب فهو في الظاهر ّ
التناسب لكن في الحقيقة وجد ليحمي سلطة و نفوذ المؤجر.
حمله المشرع واجب تأسيس اللجنة اإلستشارية في اآلجال المنصوص عليها بالفصل 8من
في المقابل ّ ،
أمر ، 1995كما يتعين عليه إعالم فورا و كتابيا تفقدية الشغل المختصة ترابيا و ذلك حسب الفصل 16
من األمر المذكور ،و إذا كان عدم التأسيس راجعا إلى الطرف العمالي ،تتدخ ل تفقدية الشغل فورا
يحرر محضر تقصير يوجه نظيران منه
لمحاولة إزالة الصعوبات و في صورة تواصل تلك الصعوبات ّ
إلى المؤجر الذي يعلّق واحد منهما بالمؤسسة حال إتصالها به كما يوجه نظير من هذا المحضر إلى
المركزية النقابية المعنية.
ّأما في صورة ما إذا تواصل التقصير في تأسيس اللجنة اإلستشارية للمؤسسة طوال شهر إبتداءا من تاريخ
تعليق المحضر ،فإنه يقع خالل األسبوع الموالي لهذا األجل تعيين ممثلي العملة الرسميين و المناوبين عن
طريق القرعة و ذلك من بين األجراء الذين تتوفر فيهم الشروط المطلوبة للترشح ،و تقوم بعمليات القرعة
ل جنة تحدث للغرض و تتكون من متفقد الشغل و المؤجر أو من يمثله ومن األجيرين األقدم بالمؤسسة
واألكبر سنا.
و قد ذهبت محكمة التعقيب 2إلى أبعد من ذلك ،فإعتبرت أنه ال يكفي إلدارة المؤسسة أن تستند إلى
محضر التقصير الصادر عن تفقدية الشغل إلثبات رفض العمال إرساء اللجنة اإلستشارية للمؤسسة ،وإنما
يتعين أن تثبت أنها قامت بكل ما يجب عليها قانونيا إلرساء تلك اللجنة و أن تثبت "خاصة سعيها لكي
يتولى العملة إنتخاب نوابهم فيها بدون طائل طبق الفصلين 282و 283من مجلة اإللتزامات والعقود"،أي
القوة القاهرة ّ
أن محكمة التعقيب إشترطت أن يثبت المؤجر أنه كان أمام وضعية تتوفر فيها عناصر ّ
و تتمثل في أن يكون السبب الذي أدّى إلى عدم إرساء مجلس التأديب هو سبب أجنبي و غير متوقع و ال
يمكن تجنبه.
1نص الفصل 169جديد من مجلة الشغل ":تضبط بأمر تركيبة اللجنة اإلستشارية للمؤس سة و سير عملها كما يضبط هذا األمر طرق إنتخاب
نواب العملة و ممارستهم لمهامهم"
2قرار تعقيبي مدني عدد 2779- 2000مؤرخ في 28جويلية (2000غير منشور) ،أورده يونس غجاتي في مؤلفه "قانون الشغل و تطبيقاته"
منشورات الغجاتي للثقافة الشغلية ،صفحة 143
14
القوة القاهرة في قانون الشغل مفهوما غامضا لم يحضى بتعريف دقيق رغم أهميته ،لذلك
و يبقى مفهوم ّ
العامة الواردة بمجلة اإللتزامات و العقود خاصة في الفصول 282و ، 1283لكن
ّ وجب تطبيق القواعد
بالقوة القاهرة ّ
فإن فقه القضاء يشدّد في تقدير ّ مع مراعاة خصوصيات عقد الشغل "فإذا تمسك المؤجر
صى المؤجر من مسؤوليته".2
شروطها حتى ال يتف ّ
أن عدم إرساء اله يكل التأديبي يعود إلى تقاعس المؤجر في تطبيق اإلجراءات المتعلّقة بإحداثه
ّأما إذا تبيّن ّ
فإن ذلك يش ّكل جريمة يعاقب عليها وفق أحكام الفصل 241جديد من مجلة الشغل
إنتخاب نواب العملة ّ
نص على أنه "يعاقب بخطية تتراوح بين 30و 300دينار و بستة أيام غلى عام سجنا أو بإحدى
الذي ّ
الع قوبتين فقط كل من ّ
عطل قصدا سواء اإلختيار الحر لممثلي العملة باللجنة اإلستشارية للمؤسسة أو
لنواب العملة أو النشاط العادي لهذه اللجنة أو لنواب العملة ،و يحكم دائما بالسجن في صورة العود."3
كما إعتبرت محكمة التعقيب أنه كلّما تقرر طرد أحد العمال إستنادا إلى خطأ فادح ،يكون هذا الطرد
التأديب4 تعسفيا لخرق في اإلجراءات بحكم عدم إحالة األجير على مجلس
و بإعتبار ّ
أن المؤجر هو الذي يتحمل واجب إتباع اإلجراءات القانونية لتكوين اللجنة اإلستشارية للمؤسسة
فإنه يكون مطالبا بإثبات ما يبرر عدم وجود هذا الهيكل التأديبي و ذلك بإ ثبات عدم توفر شروط إرسائه
بشتى وسائل اإلثبات.
لم تتضمن مجلة الشغل أحكاما خاصة تنظم مجلس التأديب و إقتصرت على اإلشارة إلى ّ
أن اللجنة
اإلستشارية للمؤسسة تنتصب كمجلس تأديب في كلّ مؤسسة تشغّل 40عامال قارا ،هذا ما أكدته محكمة
أن المؤجرة تشغّل 18عامال فقط فهي غير مطالبة بإحالة األجير
التعقيب حيث إعتبرت أنه طالما "ثبت ّ
على مجلس التأديب".5
نص الفصل 3من أمر 1995على تركيبة اللجنة و يضبط عدد كلّ من ممثلي إدارة المؤسسة
في المقابل ّ
و ممثلي العملة كما يلي":
1قرار تعقيبي مدني عدد 13368مؤرخ في 10نوفمبر ،2007أورده عصام االحمر ،مجلة الشغل ،تونس ،2013ص 23
2كمال الناجح ،إنهاء عقد الشغل بموجب القانون ،الهيئة الوطنية للمحامين بتونس ،الفرع الجهوي بتونس ،السنة القضائية ،2013- 2012ص
25
3العود :هو تكرار الجريمة أي إرتكاب الجاني لجريمة أو لعد ّة جرائم بعد معاقبته من أجل جريمة سابقة ،و قد نظّم المشرع شروطه و آثاره في
الفصول من 47إلى 50من المجلة الجزائية.
4قرار تعقيبي مدني عدد 2779- 2000مؤرخ في 28جويلية ،2000غير منشور ،أورده يونس غجاتي ،قانون الشغل و تطبيقاته ،مرجع سابق
،صفحة 143
5قرار تعقيبي مدني عدد 1762- 2000مؤرخ في 9أكتوبر ، 2000غير منشور ،أورده يونس غجاتي ،قانون الشغل و تطبيقاته ،مرجع سابق،
ص 143
15
-ثالثة أعضاء رسميين و ثالثة أعضاء مناوبين بالمؤسسات التي تشغّل بين 40و 150عامال
قارا.
-خمسة أعضاء رسميين و خمسة أعضاء مناوبين بالمؤسسات التي تشغل بين 151و 500عامال
قارا.
-سبعة أعضاء رسميين و سبعة أعضاء مناوبين بالمؤسسات التي تشغّل أكثر من 500عامال
قارا".
و ال يمكن تغيير عدد أعضاء اللجنة اإلستشارية للمؤسسة أثناء مدّة النيابة بسبب الترفيع أو التخفيض في
عدد عمال المؤسسة.
ّأما إذا إشتملت المؤسسة على عدّة فروع فيجب تكوين لجنة إستشارية في كل فرع تابع لها إذا كان الفرع
العمال القاري نبه يساوي أو يفوق األربعين في حين تتركب اللجنة
متمتعا بالشخصية القانونية و كان عدد ّ
المركزية بالتناصف من أعضاء ممثلين إلدارة المؤسسة تعينهم هذه األخيرة و أعضاء ممثلين للعملة يقع
إنتخابهم من طرف ممثلي العملة باللجان اإلستشارية لفروع المؤسسة دون أن يتجاوز عدد األعضاء
الرسميين للجنة المركزية أربعة عشر عضوا.
و يخضع شروط إنتخاب ممثلي العملة إلى شروط و إجراءات حدّدتها الفصول 5و 6و 7من أمر 1995
بحيث يعدّ ناخبا كلّ أجير تابع للمؤسسة في حين يكون منتخبا العامل القار و البالغ من العمر 20سنة
إضافة إلى ّ
أن حق الترشح لعضوية اللجنة ال ينسحب على األجرا ء المنتفعين بعطلة مرض طويلة األمد أو
الذين سلطت عليهم عقوبة تأديبية من الدرجة الثانية لم يقع فسخها.
باإلضافة إلى الشرط العددي للعمال داخل المؤسسة ،إشترط المشرع بالفصل 157جديد من مجلة الشغل
و كذلك أمر 1995توفر صفة العامل القار لتكوين مجلس التأديب ،لكن المشرع لم يقدّم تعريفا واضحا له
و إكتفى بالتفرقة بين العامل القار و العامل الغير قار في إطار العقود المحددة المدّة و غير محددة المدّة.
على خالف اإلتفاقيّة المشتركة ألعوان البنوك و المؤسسات المالية المؤرخة في 29نوفمبر 2013
عرفت العامل
المصادق عليها بقرار صادر عن وزير الشؤون اإلجتماعية في 17فيفري 2014و التي ّ
القارون هم الذين وقع إنتدابهم لمدّة غير معينة و ال يتم
ّ القار في فصلها الثاني فإعتبرت أنّه " األعوان
إستعمالهم إلنجاز أعمال وقتية و عرضية".
16
و قد إشترط فقه القضاء أن تتجاوز مدّة عمل األجير أربع سنوات ليكتسب صفة العامل القار ،1يستخلص
من هذا التعريف إقصاء المؤسسات التي تعتمد نظام العقود محددة المدّة من مجال تطبيق أحكام الفصل
157من مجلة الشغل إضافة إلى إقصاء المنشآت العمومية و التي تبقى خاضعة للنظام األساسي العام
ألعوان المنشآت العمومية.
في صورة توفر شروط و إحترام إجراءات تكوينها ،تجتمع اللجنة كلّما دعت الضرورة إلى ذلك و على
مرة كل ثالثة أشهر و ذلك بدعوة من رئيسها الذي يتعين عليه توفير التسهيالت الالزمة لسير عملها
األقل ّ
مع إعتبار حاجة اللجنة و إمكانيات المؤسسة.
و ال يمكن للجنة أن تجتمع إالّ بحضور أغلبية أعضائها على األقل و عند إنعدام النصاب تؤجل الجلسة
بأسبوع على أقصى تقدير و في هذه الحالة تجتمع اللجنة مهما كان عدد األعضاء الحاشرين.
و عندما تنظر اللجنة في المسائل المتعلقة بالتأديب تكون لها تركيبة خاصة حيث يجب تعديل تركيبتها
بكيفية يقتصر فيها الحضور على األعضاء الممثلين للقسم اإلنتخابي الذي ينتمي إليه العامل المعني باألمر
و على عدد مساو من األعضاء الممثلين إلدارة المؤسسة حسب ما ورد بالفصل 28من أمر .1995
فإذا كان األجير المحال على مجلس التأدي ب ينتمي مثال لقسم أعوان التنفيذ ّ
فإن التركيبة المعدلة للجنة
اإلستشارية عندما ينتصب كمجلس تأديب تقتصر على حضور ممثلي العمال التابعين لهذا القسم و على
عدد مساو لهم من ممثلي إدارة المؤسسة بمن فيهم رئيسها بإعتباره هو الذي يترأس اللجنة.
و في كل الحاالت حدّد الفصل 17من نفس األمر المدّة النيابية ألعضاء اللجنة بثالثة سنوات مع إمكانية
التمديد بسنة واحدة على أقصى تقدير و ذلك بإتفاق كتابي بين المؤجر و ممثلي العملة.
و أمام نفوذ المؤجر داخل مجلس التأديب من خالل ترأسه له و تنظيمه لسير عمله يتضح ّ
أن تركيبة
مما يدعو إلى التساؤل حول مدى نجاعة رقابته.
المجلس لم تدعم تكريس التناسب تكريسا واضحا و جلياّ ،
توكل لمجلس التأديب داخل المؤسسة مهمة إقتراح عقوبات صادرة ضدّ العملة طبقا للقواعد المنصوص
نص على ضرورة عرض العامل على
ّ عليها صلب الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة الذي
مجلس التأديب إذا كانت العقوبات المقررة من الدرجة الثانية (أ) عالوة على ّ
أن المؤجر بمكانه تسليط
1قرار تعقيبي مدني عدد 13282مؤرخ في 12جانفي ،2008أورده عصام األحمر ،مجلة الشغ ل ،طبعة ،2013ص 19
17
عقوبات ضدّ األجير دون أخذ رأي المجلس حيث يكتفي هذا األخير بإبداء رأيه ،هذا التضارب أفرز
غموضا حول طبيعة رأيه (ب).
أن تقدير فداحة خطأ األجير يخضع لمعايير تتمثّل في النظر للظروف
يستشف من أحكام ما سبق ذكره ّ
التي وقع إرتكابها فيها و لنوع العمل الذي يشغل األجير إضافة إلى األخذ بعين اإلعتبار لفداحة ما له من
نتائج ،هاته المعايير تتوافق و المعايير المعتمدة في القانون الجزائي التي تهدف إلى تحديد نوع العقوبة
المناسبة للمحكوم عليه فالقاضي يتمتع بسلطة تقديرية واسعة تسمح له بتفريد العقوبة المنصوص عليها
لجعلها متناسبة مع ظروف الجريمة و شخصية مرتكبها .
أالّ أنه في الواقع ،يختلف القانون الجزائي عن القانون التأديبي إذ أنه يخضع لمبدأ شرعية الجرائم
والعقوبات و هو مبدأ يفيد أنه ال جريمة و ال عقاب بدون نص قانوني سابق الوضع ،و تنقسم العقوبات في
القانون الجزائي إلى عقوبات أصلية و عقوبات تكميلية.1
أقرت و رغم سعي الفصل 37في فقرته األولى إلى تكريس مبدأ التناسب إالّ ّ
أن الفقرة الرابعة منه ّ
محدوديته و ذلك من خالل إقتصار رقابة مجلس التأديب على العقوبات من الدرجة الثانية فقطّ ،أما
عقوبات الدرجة األولى فيصدرها مباشرة المؤجر بعد أن يمكن العامل من إعطاء ما لديه من جواب ودفاع
من جانبه و لقد حدّد نفس الفصل قائمة حصرية للعقوبات من الدرجة األولى تتمثل في اإلنذار الشفاهي.
1تشمل العقوبة األصلية كل من عقوبة اإلعدام ،السجن ،العمل لفائدة المصلحة العامة و الخطية ،بينما تشمل العقوبات التكميلية عقوبات تقيد من
حرية المحكوم عليه كالمراقبة اإلدارية و منع اإلقامة ،و تكون أيضا عقوبات ذات طابع مالي كالمصادرة و الحجز ،إضافة إلى عقوبات ذات طابع
تأديبي ،كالحرمان من مباشرة بعض الحقوق.
18
الدرجة األولى مثل اإلتفاقية القطاعية للتأمين الصادرة بقرار مؤرخ في 23أوت 11983التي
أضافت عقوبات تمس من إمكانية تقدم األجير في الترقية المهنية كالتشطيب من جدول الترقية
و حدّدت مدّة التشطيب بسنة ،و الحط من الصنف و الحط من الترقية.
و مهما كانت درجة العقوبة فهي قابلة للتقادم إذ تسقط العقوبة بعد مرور عامين و يعدّ أثرها نهائيا من ملف
األجير بالنسبة لعقوبات الدرجة األولى ،و بعد خمسة أعوام بالنسبة لعقوبات الدرجة الثان ية بشرط أن ال
يكون المعني باألمر قد سلطت عليه في بحر تلك المدّة أي عقوبة تأديبية أخرى.
يمكن القول ّ
أن عدم عرض العامل الصادر في حقه عقوبة من الدرجة األولى على مجلس التأديب مرده
تفاهة أو بساطة العقوبة مقارنة بعقوبات الدرجة الثانية التي تصل إلى حدّ الطرد.
و يمكن تعريف الطرد بكونه "تصرف قانوني من جانب واحد يعلن بموجبه المؤجر عن إرادته الصريحة
في إنهاء العقد الذي يربطه باألجير و المبرم لمدّة غير محدّدة و تكون وجوبا هذه اإلرادة صريحة بموجب
اإللتزام الذي يضعه الفصل 14من مجلة الشغل على عاتق كل من الطرفين الذي يبادر بقطع العالقة
الشغلية" ، 3و يرجع أصل الطرد إلى الحق المتبادل ألطراف عقد الشغل في إنهاء الرابطة الشغلية بينهما،
1فريدة العبيدي ،السلطة التأديبية مؤجر ،مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون الخاص ،كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ،1996- 1995
ص 97- 96
2الفصول 14ثالثا 14 ،رابعا 14 ،خامسا ،من مجلة الشغل
3المنجي طرشونة ،مراقبة الطرد التعسفي ،ملتقى نظمه اإلتحاد العام التونسي للشغل بعنوان "مجالس العرف" ،قسم الدراسات و التوثيق ،ماي
،1993ص 50
19
فكما أقر المشرع لألجير الحق في اإلستقالة تكريسا لرغبة المشرع في منع أبدية العقود ،نظرا لكون هذه
األخيرة تنشأ بموجب توافق إرادتين و تنقضي برغبة المتعاقدين في إنهائها.
و لئن لم يعرف المشرع الطرد إالّ انه ضبط شروطه و بقراءة عكسية ألحكام الفقرة الثانية من الفصل 14
ثالثا يعد الطرد شرعيا عندما يكون مؤسسا على سبب حقيق و جدي يبرره ،و السبب الحقيقي هو سبب
غير كاذب و غير مفتعل و هو سبب صحيح يمكن إثباته ماديا و تقديم دليل ملموس على وجوده و على
القاضي البحث في مدى حقيقية و وجود سبب الطرد من خالل الجلسة الصلحية و الطابع اإلستقرائي
للوقائع ،كما يتعين عليه إعادة تقدير ما ينسبه المؤجر للعامل ،نظرا لكون السبب الحقيقي هو سبب
موضوعي ،إضافة إلى ذلك يجب أن يكون سبب الطرد سببا جديا و قد ع ّرف الفقه السبب الجدي بكونه
السبب الذي يجعل من الطرد الحل المناسب للمحافظة على توازن و إستقرار المؤسسة و يقتضي هذا
الشرط أن يتجاوز القاضي مراقبة وجود األفعال المنسوبة للعامل و مدى إقترافه لها لتقدير ضرورة الطرد
من عدمه.
و لتوفر هذا السبب يجب ّأوال توفر الرابطة السببية أي أن تكون األفعال المنسوبة مرتبطة بالنشاط المهني
للعامل ،ثانيا يجب أن تكون هاته األفعال يستحيل معها مواصلة عقد الشغل كإرتكاب األجير لخطأ فادح
الذي يتم تكييفه حسب الظروف التي وقع فيها إرتكابها و قد حدّد المشرع في الفصل 14رابعا من مجلة
الشغل قائمة على سبيل الذكر ال الحصر في األخطاء الفادحة الموجبة للطرد و تبقى للقاضي سلطة تقديرية
لتكييف الخطأ باإلعتماد على كل الظروف الموضوعية المتعلّقة بالعمل و الذاتية المتعلّقة بشخص العامل
و بتدرجه و أقدميته المهنية.
التأديب1 في صورة عزم المؤجر على القيام بطرد عامل إرتكب خطأ فادحا ال بدّ من إحالته على مجلس
ليأخذ ما يراه صالحا في شأنه و إسناد العقوبة المستوجبة ،و قد أضاف الفصل 14رابعا من مجلة الشغل
سر
مقارنة بالفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة أسبابا أخرى تعتبر خطأ فادحا يبرر الطرد كإفشاء ّ
مهني من أسرا ر المؤسسة في غير الحاالت المسموح بها بالقانون ،أو اإلمتناع بصورة ثابتة عن مدّ يد
المساعدة في حالة خطر محدق بالمؤسسة أو باألشخاص المتواجدين بها ،إضافة إلى سرقة و إستعمال
العامل للمصلحة الخاصة أو لمصلحة الغير لألموال أو القيم أو األشياء التي أؤتمن عليها بسب ب مركز
العمل الذي يستغله.
1قرار تعقيبي مدني عدد 79683- 2012مؤرخ في 16جانفي ،2013أورده عصام األحمر ،ص 94
20
في صورة صدور صدور القرار بالعزل يرتب هذا القرار آثارا تتمثل في عدم إستحقاق العامل لغرامة
الطرد و هي غرامة يقرها المشرع لمن ت ّم طرده بطريقة تعسفية و ّ
نظم كيفية تقديرها و إحتسابها صلب
الفصل 23من مجلة الشغل.
كما يمكن للمؤجر أو يقرر إقصاء العامل حاال عن عمله مع حرمانه جزئيا أو كليا من أجوره لمدّة ال
تتجاوز شهرا إلى أن يتّخذ مجلس التأديب العقوبة الالزمة "و يتعين عليه بيان رأيه في أجل ال يتجاوز
شهرا إبتداءا من يوم توقيف العامل على العمل" ،حسب ما جاء بالفقرة 6من الفصل 37من نفس اإلتفاقية
يتضح من خالل ما تقدم ،عدم توضيح اإلتفاقية اإلطارية طبيعة رأي مجلس التأديب و مدى إلزاميتها على
المؤجر ،فما الجدوى من وجود هذا الهيكل التأديبي داخل المؤسسة إن كان دوره يقتصر على إبداء رأيه
و يبقى القرار الفيصل للمؤجر إالّ ّ
أن بعض اإلتفاقيات القطاعية المشتركة لم تلتزم بما ورد باإلتفاقية
اإلطارية و أقرت إلزامية رأي مجلس التأديب على المؤجر و أمام هذا التناقض خلق نوع من الغموض
حول طبيعة رأي مجلس التأديب.
حسب اإلتفاقية اإلطارية المشتركة يكون المؤجر ملزما بعرض األجير على مجلس التأديب كلّما إرتكب
هذا األخير خط فادحا و إستوجب تسليط عقوبة عليه من الدرجة الثانية ،يبقى المؤجر حرا في إختيار
العقوبة المراد تسليطها على األجير لغياب رقابة سابقة على قراراته.
لكن اإلتفاقية اإلطارية في فصلها 37لم تحدد طبيعة رأي مجلس التأديب فتارة تقر ّ
بأن العزل يمكن
إصداره من طرف المجلس و طورا تعتبر ّ
أن الطرد يصدر عن المؤجر و يكتفي المجلس بإبداء رأيه.
إالّ ّ
أن بعض اإلتفاقيات القطاعية المشتركة أقرت مبدأ إلزامية قرارات مجلس التأديب إذ إعتبرت اإلتفاقية
المشتركة للتأمين الصادرة في 1983في فصلها ّ : 26
أن " الرئيس المدير العام يبقى مرتبطا برأي مجلس
التأديب الذي يتخذ قرارا بأغلبية أصوات أعضائه".
كما منحت هذه اإلتفاقية لمجلس التأديب إمكانية إجراء أبحاث حول الواقعة و الظروف المحيطة بها إذا لم
يتحصل على المعلومات الكافية التي تمكنه من تكوين قراره ،و تمكن هذه الصالحية المجلس من سلطة
البحث و التحقيق و تفحص الوقائع المقدّمة من المؤجر كما تمثّل حدّا للسلطة التأديبية و هو " إجراء
21
بإمكانه أن يخفف من النقص الموجود في القانون التأديبي و الغياب الحقيقي لتناسب العقوبة مع الخطأ"،1
و على خطى اإلتفاقية المشتركة للتأمين ،أقر الفصل 27من اإلتفاقية المشتركة للصحافة المكتوبة
الصادرة في 20نوفمبر ّ 1966
أن المؤجر ال يمكنه تسليط عقوبة أشدّ من التي قررها مجلس التأديب وهو
نفس الموقف الذي إعتمدته اإلتفاقية المشتركة للبنوك الصادرة في 30أفريل 1966في فصلها ، 42حيث
إعتبرت ّ
أن قرارات مجلس التأديب هي قرارات م لزمة و إلى حدّ اآلن لم يقع تعميم إلزامية رأي مجلس
مما أدّى على مستوى التطبيق إلى تذبذب في فقه القضاء ،فقد إعتبر
التأديب في كل اإلتفاقيات المشتركة ّ ،
في ّأول األمر ّ
أن المؤجر غير ملزم بقرار مجلس التأديب ، 2لكن سرعان ما إستقر فقه القضاء على
أن قرارا ت مجالس التأديب ملزمة للمستأجر و ذلك ّ
ألن "دور المجلس ليس إستشاريا بل أساسيا إعتبار ّ
وقراراته ملزمة" 3و "إن كان قرار مجلس التأديب إستشاريا بالنسبة للمحكمة التي تتولى سلطة مراقبته،
ّ
فإن قراراته تعتبر ملزمة لرئيس المؤسسة".4
لكن عاد التذبذب يسيطر على رأي فقه القضاء حول هاته المسألة ،حيث أقرت محكمة التعقيب تارة ّ
أن
محضر مجلس التأديب ال يمكن بأي حال أن يكون دليال إلثبات الخطأ المنسوب للمعقب ضدّه ...و إنه
يعتبر مجرد قرينة يجب تدعيمها بأدلة قوية و متضافرة أخرى حتى يمكن إعتمادها و طورا تؤكد على ّ
أن
"تغيير المؤجر عمل األجي ر دون أخذ رأي اللجنة اإلستشارية يشكل هفوة فادحة على معنى الفصل 14
جديد من مجلة الشغل".5
و يرجع عدم توضيح طبيعة رأي مجلس التأديب إلى ترك المجال مفتوحا للمؤجر لتقدير فداحة الخطأ
و إقرار العقوبة المناسبة له على مسؤوليته الخاصة حسب ما أورده الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية
و الغاية من ذلك ّ
أن المؤجر هو الوحيد القادر على تقدير ظروف المؤسسة و ما تقتضيه مصلحتها و ما
تتطلبه مقتضيات الحياة المهنية و هو الوحيد القادر على تسيير المؤسسة وفق ما تقتضيه مصلحتها.
1قرار تعقيبي مدني عدد 21698- 200 7مؤرخ في 28جوان ،2008غير منشور
2حكم عرفي صادر في 28افريل 1976عدد ، 5128غير منشور ،أورده فاخر بن سالم في مقاله "المراقبة القضائية لعمليات الطرد" ،ص 45
3فاخر بن سالم ،المراقبة القضائية لعمليات الطرد ،مرجع سابق ،ص 79
4قرار إستئنافي عدد 4542مؤرخ في 25جوان ، 1986غير منشور ،أورده فاخر بن سالم ،المراقبة القضائية لعمليات الطرد ،مرجع سابق،
ص 80
5قرار تعقيبي مدني عدد 3413مؤرخ في 25أوت ، 2000غير منشور ،أورده يونس غجاتي ،قانون الشغل و تطبيقاته ،مرجع سابق ،ص
161
22
المبحث الثاني :مصلحة المؤسسة تدعم محدودية التناسب:
أسن د قانون الشغل للمؤجر سلطة تسيير و تنظيم العمل داخل المؤسسة و ووصفها بسلطة إدارة و مراقبة
العمل الذي يلتزم األجير بتقديمه باإلضافة إلى سلطته التأديبية التي تمكنه من تسليط عقاب تأديبي على
العامل الذي إرتكب خطأ فادحا يمس من السير العادي للمؤسسة و يضر بمصلحتها ،و يستمد المؤجر
مما يسمح له بتحديد النظام الداخلي للمؤسسة (الفقرة
سلطته من ملكيته لوسائل اإلنتاج و رأس المال ّ
الثانية) لكنه يمكن أن يتعسف في وضع النظام الداخلي مبررا ذلك بمصلحة المؤسسة التي سعى المشرع
إلى تكريسها (الفقرة األولى).
ّ
إن مفهوم مصلحة المؤسسة مفهوم عام و شامل تبناه المشرع في العديد من النصوص القانونية على غرار
األول منه إلى إنقاذ
قانون اإلجراءات الجماعية الصادر في 29أفريل 2016الدي يهدف في عنوانه ّ
تمر بصعوبات إقتصادية و مساعدتها على مواصلة نشاطها و المحافظة على مواطن
المؤسسات التي ّ
الشغل فيها و الوفاء بديونها ،إضافة إلى قانون الشغل خاصة في ما يتعلق بالطرد ألسباب إقتصادية أو فنّية
،حيث يمكن للمؤجر أن يضحي ببعض العملة ليضمن إستمرارية المؤسسة أو في صورة إضراب العملة
مما يؤدي إلى تعطيل عمل المؤسسة ،و يرجع أصل إعتماد المشرع لمصلحة
إضرابا غير شرعي ّ
المؤسسة غلى التوجه الليبرالي الذي توخاه و الذي يهدف إلى النهوض باإلقتصاد و المحافظة على
مما يبرر توجه خيارات المشرع نحو تحقيق مصلحة
المؤسسة بإعتبارها النواة األساسية لإلقتصاد الوطني ّ
المؤسسة (أ) ،لكن دون تعريفها لهذا السبب إستغل المؤجر غموض مفهومها لتحقيق مصلحته (ب).
كرس المشرع مفهوم مصلحة المؤسسة صلب مجلة الشغل و كذلك في اإلتفاقية اإلطارية المشتركة لكن لم
ّ
يحدد تعريفا واضحا لها .و تجدر اإلشارة إلى ّ
أن غموض مفهوم مصلحة المؤسسة مرتبط أساسا
بالغموض الذي يكشف مفهوم المؤسسة نظرا لكونه مفهوم حديث نسبيا في التكريس ،فقد بقيت العناية
بالمؤسسة لفترة زمنية حكرا على رجال اإلقتصاد و لم تستأثر بإهتمام رجال القانون إالّ بعد ظهور التيار
مما جعل الحديث عن المؤسسة مرتبط بالنمط اإلقتصادي الحر إستنادا
الليبرالي و تدعيم النزعة الفرديةّ ،
إلى أنها مكان تلتقي فيه مصالح مختلفة كثيرا ما تكون متضاربة رغم إمكانية التكامل بينها.1
1قرار تعقيبي مدني عدد 9394مؤرخ في 18أفريل ،2005أورده عصام األحمر ،مرجع سابق ،ص 96
23
و تعد المؤسسة اإلطار الذي تتجسد فيه العالقة بين األجراء و مؤجريهم ن لذلك حظيت بإهتمام ما فتئ
يتزايد خاصة بعد إنهيار الكتلة اإلشتراكية في نهاية الثمانينات و تزايد خاصة بعد إنهيار الكتلة اإلشتراكية
الحر فوقع تعميم مفهوم المؤسسة على
ّ في نهاية الثمانينات و إتجاه الدول اإلشتراكية نحو النمط اإلقتصادي
سائر الدول و إعتبرت النواة األولى لإلقتصاد و المحرك األساسي إلزدهاره.
إالّ أنه لم يقع تحديد مفهوم المؤسسة على المستوى التشريعي لذلك إختلف الفقهاء في تعريفها ،فالمؤسسة
"تشكل في نفس الوقت خلية إقتصادية و إجتماعية تقوم على ضرورة التكامل و التعاون بين مختلف
عناصرها من أجل العمل على إستمرار نشاطها و إزدهارها".1
عرف ال بعض المؤسسة بكونها "اإلطار المباشر الذي تتجمع فيه جهود األجراء و هي تعتبر خلية
كما ّ
إجتماعية أساسية" . 2و بما ّ
أن المؤسسة هي النواة األولى لإلقتصاد فقد إهتم بتنظيمها قانون الشغل و ذلك
من خالل تمكينها من عدّة وسائل و آليات من شأنها حمايتها من التدهور اإلقتصادي ينفذها رئيسها فهو
حر في تسليط العقوبات و طرد العملة تحقيقا لمصلحة المؤسسة ،و تختلف طبيعة هذه المصلحة حسب
ّ
الشكل الذي تتخذه المؤسسة ،فتكون المصلحة محمولة على الموضوعية في صورة المؤسسة الجماعية إذ
يفترض أن تعمل على تحقيق مصلحة عليا تنفصل عن مصلحة األشخاص العاملين بهاّ ،أما بالنسبة
للمؤسسة الفردية فتكون محمولة على الذاتية إذ تعتبر تجسيدا لمصلحة المؤجر.
كما يعتبر تبني المشرع لمفهوم "السبب الحقيقي و الجدي للطرد" إشارة واضحة لألخذ بعين اإلعتبار
مصلحة المؤسسة إذ ّ
أن تقييم حقيقة و جدّية سبب الطرد يتم بالرجوع إلى هذه المصلحة.
و بالنظر إلى شمولية مفهوم مصلحة المؤسسة فإنه يصعب التفريق بينها و بين مصلحة المؤجر ،إذ ّ
أن
مصلحة هذا األخي ر بوصفه مالكا لرأس المال تتقاطع مع مصلحة مؤسسته إذ في إزدهارها ربحا له ،لذلك
إعتبر جانب من البعض ّ
أن مصلحة المؤسسة "مجرد خداع غايته التخفيف من الصراعات اإلجتماعية
و إشغال األجراء عن مصالحهم الحقيقية" ،و هي في الحقيقة تمثّل مصلحة المؤجر الخاصة و من ثمة
24
مصلحة رأس المال ،فالمؤجر بإعتباره صاحب المؤسسة يتصرف فيها تصرف الشخص في ملكه و على
هذا النحو تذوب المؤسسة في شخصه و تتحد معه".1
برر السلطة التأديبية للمؤجر و إستوعب عدّة وضعيات بناءا على ما تقدّم ،يتضح ّ
أن شمولية هذا المفهوم ّ
مثال عند إخالل األجير بمصلحة المؤسسة و عدم اإلمتثال للقواعد المتعلقة بحفظ الصحة و السالمة أثناء
العمل يعدّ قد إرتكب خطأ فادحا من شأنه اإلضرار بمصالح المؤسسة أو في صورة إخالل األجير بإلتزام
السهر و المحافظة على وسائل العمل ،يمكن للمؤجر تسليط عقوبة مزدوجة عليه مدنية من جهة و تأديبية
من جهة أخرى و ذلك حرصا من المشرع على حماية حق المؤجر في ملكية وسائل اإلنتاج إضافة إلى
تجريم إستعمال وسائل العمل لغايات أخرى حسب ما ورد بالفصل 388فقرة 2من مجلة الشغل ،كما يعدّ
إضراب العملة مظهرا من مظاهر إستغالل المؤجر لغموض مفهوم مصلحة المؤسسة خاصة إذا كان
اإلضراب غير شرعي.
حفاظا على إستمرارية المؤسسة عمل المشرع على إقرار العالقات السلمية داخل المؤسسة و ذلك بتوفير
مناخ يسوده الحوار و السلم اإلجتماعي ،فاألصل أن يعمل رئيس المؤسسة على التوفيق بين المصالح
1أيوب الطيب ،قانون الشغل و حق ملكية المؤجر ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق و العلوم السياسية
بتونس ،2001- 2000ص 185
2فاخر بن سالم ،المراقبة القبلية لعمليات الطرد ،ص 72
3 Cass,fr,as plén,8 décembre 2000, cité par PH, caigny, l’employeur seul juge du choix économique, rev DT Soc,
25
المتناقضة و إنجاز و تحقيق الخيارات األقل خسارة و تكلفة ،1و ذلك بإعالء مصلحة المؤسسة عن
المصالح األخرى ،إالّ ّ
أن الغموض الذي يحيط بهذا المفهوم من جهة و شمول يته من جهة أخرى يم ّكن
المؤجر من إستغالله لفائدته الشخصية.
يمس مصلحة
ّ و لعلّ من أبرز مظاهر ذلك مسائلة المؤجر تأديبيا للعملة في صورة اإلضراب الذي
المؤسسة فكما أقر المؤجر إمكانية صدّ العمال عن العمل ،م ّكن هؤالء أيضا من فرضية إضرابهم عن
نظم المشرع اإلضراب صلب مجلة الشغل في الفصول من 376إلى العمل تحقيقا لمصالح مهنية ،و قد ّ
390و إعترف للعمال بحقهم في اإلضراب الذي يعدّ حقا دستوريا أورده دستور جانفي 2014صلب
الفصل 36منه الذي يعدّ الوسيلة األنجع التي تمكنهم من تحقيق مطالبهم تجاه المؤجرين ،لكن لم يقدّم
المشرع تعريفا له ،و يمكن تعريفه بكونه "توقف مجموعة من العملة معا عن العمل قصد تحقيق طلبات
مهنية ،و هو يقام خالفا للعقد و يستمد شرعيته من ا لقانون الذي خوله لألجراء وفق إجراءات محددة
بإعتباره وسيلة تمكنهم من الدفاع عن مصالحهم و الحصول على تعديل في شروط العمل في مجابهة ما
يتمتع به ا لمؤجر من وسائل تنظيمية و إقتصاد ية تجعل من األجير تابعا له".2
باإلضافة إلى عدم إحترام الشكليات السالفة الذكر قبل الدخول في اإلضراب ّ
فإن عدم شرعيته يمكن
إستنتاجها أيضا من خالل نتائجه و التي تتمحور أساسا حول اإلضرار بمصلحة المؤسسة و اإلعتداء على
حرية العمل بها.
إالّ ّ
أن اإلضراب الشرعي يمكن أيضا أن يضر بمصلحة المؤسسة رغم أنه يؤدي إلى تعليق عقد الشغل
و بالتالي تعليق النفوذ التأديبي للمؤجر ،ولكن هذا األخير يسترجع نفوذه عند إرتكاب العملة ألخطاء فادحة
عند ممارس تهم لإلضراب الشرعي مثل إرتكابهم ألعمال عنف ،تهديد أو سرقة ،إضرار بوسائل العمل أو
بأماكن العمل و إعتبر فقه القضاء التونسي ّ
أن إحتالل أماكن العمل أثناء اإلضراب الشرعي من قبيل
الخطأ الفادح الموجب للطرد إذا كان مصحوبا بأعمال عنف أو تهديد بمكان العمل على معنى الفقرة 9من
26
الفصل 14رابعا من مجلة الشغل ، 1و عموما يمكن إعتبار إحتالل أماكن العمل من قبيل الخطأ الفادح إذا
كان من شأنه أن يعرقل سير النشاط العادي للمؤسسة أو يلحق ضررا بمكاسبها وفقا لعبارات الفقرة 1من
نفس الفصل.
في المقابل ،تعمق فقه القضاء الفرنسي في هاته المسألة و ميّز بين إحتالل أماكن العمل الموصوف الذي
يعدّ العامل المشارك فيه مرتكبا لخطأ فادح ،و اإلحتالل غير الموصوف ألماكن العمل الذي ال يعد العامل
المشارك فيه مرتكبا لخطأ فادح.2
في المقابل ،تعمق فقه القضاء الفرنسي في هاته المسألة و م ّيز بين إحتالل أماكن العمل الموصوف الذي
يعدّ العامل المشارك فيه مرتكبا لخطأ فادح ،و اإلحتالل غير الموصوف ألماكن العمل الذي ال يعدّ العامل
المشارك فيه مرتكبا لخطأ فادح ،و على العموم و رغم توسع الفصل 14رابعا من مجلة الشغل التونسية
في تنظيم األخطاء الفادحة الموجبة للطرد و رغم إجتهادات فقه القضاء الفرنسي ،فإنه يصعب عمليا على
المؤجر إستعمال نفوذه التأديبي ضد العمال المحتلين ألماكن العمل أثناء اإلضراب الشرعي و ذلك إعتبارا
للطابع الجماعي لإلضراب من جهة و لصعوبة إجراء تمييز بين كل من شارك فيه من جهة أخرى ،وذلك
بخالف اإلضراب غير الش رعي الذي يؤدي إلى إعمال المؤجر لسلطته التأديبية على العمال.
و يعدّ اإلضراب غير شرعيا عند مخالفته ألحكام الباب الثالث عشر من مجلة الشغل المنظم لتسوية
مما يستوجب تدخل المؤجر
نزاعات الشغل الجماعية ،و من أبرز نتائجه اإلضرار بمصلحة المؤسسة ّ
و بسط سلطته التأديبية على العملة.
و تجدر اإلشارة إلى ضرورة التمييز بين اإلضرار غير الشرعي و الهفوة الفادحة سواء من حيث
الخصائص أو من حيث اإلثبات ،فاإلضراب غير الشرعي يوصفه بكونه عمل جماعي تتم ممارسته خالفا
أن الهفوة الفادحة تتمثّل في عمل فردي يأتيه العامل إخالال
للقواعد المنظمة لحق اإلضراب ،في حين ّ
باإللتزامات القانونية أو التعاقدية الناتجة عن العالقة الشغلية ،3إضافة إلى ذلك يختلف اإلضراب غير
الشرعي عن الهفوة الفادحة في الطبيعة القانونية ،فاإلضراب غير شرعي يشكل جريمة على معنى
الفصل 388من مجلة الشغل الذي إقتضى أنه "عندما يكون اإلضراب أو الصد عن العمل مخالفين
حرض على مواصلة اإلضراب أو الصد عن العمل أو شارك فيهما يعاقب بالسجن للقانون ّ
فإن كل من ّ
لمدّة تتراوح بين ثالثة أشهر و ثمانية أشهر و بخطية تتراوح بين 100دينار و 500دينار" و تفريعا عليه
أيوب الطيب ،قانون الشغل و حق ملكية المؤجر ،مرجع سابق ،ص 78 1
2 Cass, FR, 23 Mai 1953, cité par Jean Savatier, Expulsion et licenciement des grévistes occupant les locaux du
travail, rev, DT, soc, n° 3, 1987, p 176
كمال الناجح ،إنهاء عقد الشغل بموجب القانون ،مرجع سابق ،ص 12 3
27
ال يمكن إثبات قيام العملة بإضراب غير شرعي إالّ بصدور حكم جزائي يثبت القيام بالجريمة أو يقضي
بإنعدامها.
ّأما بالنسبة للهفوة الفادحة فقد إعتبرها المشرع في الفصل 14رابعا من مجلة الشغل خطأ تأديبيا موجبا
للطرد ،و في كلتا الحالتين و سواءا إرتكب العملة خطأ فادح أو مارسوا حقهم في اإلضراب بطريقة غير
شرعية فغنه سيؤدي إلى قطع العالقة الشغلية نتيجة اإلضرار بمصالح المؤسسة ،إذ نص الفصل 387من
مجلة الشغل أنه بموجب اإلضرار غير الشرعي تقطع عالقات الشغل بمفعول الطرف المسؤول ،و قد
أثار هذا الفصل جدال فقهيا حول تكييف إنتهاء العالقة الشغلية نتيجة إضراب غير شرعي نظرا لكون
المشرع لم يوضح هذه المسألة توضيحا كافيا ،على خالف المشرع الفرنسي الذي أ ّكد صلب الفصل 52- 1
أن اإلضراب ال يقطع عقد الشغل إالّ في حالة وجود هفوة جسيمة تنسب إلى
من مجلة الشغل الفرنسية ّ
األجير ،1و معنى ذلك ّ
أن المؤجر بإمكانه طرد األجير طردا تأديبيا من أجل قيامه بإضراب غير شرعي.
إالّ ّ
أن محكمة التعقيب إعتبرت ّ
أن مشاركة األجير في إضراب غير شرعي ال تعني تخليه عن العمل أو
قطعه لعقد الشغل من جانب واحد ، 2و إنما تعني إرتكاب هذا األجير لخطأ فادح من شأنه أن يلحق ضررا
كبيرا بالمؤسسة و بمردودها اإلجتماعي و اإلقتصادي.3
مما يستوجب إحالته على مجلس التأديب للنظر في إمكانية طرده ، 4و في صورة عدم إحترام اإلجراءات
ّ
التأديبية يصبح طرد العامل طردا تعسفيا يستوجب التعويض لفائدته .غير ّ
أن فقه القضاء إعتبر في عديد
المناسبات ّ
أن مشاركة األجير في إضراب غير قانوني يعني قطع عقد الشغل من جانبه بصورة تعسفية وال
يعني إرتكابه لخطأ فادح سيتوجب المؤاخذة التأديبية ،و قد ورد في إحدى حيثيات القرار "و حيث متى
ثبتت مشاركة العامل في إضراب غير شرعي فال مجال للحديث عن وقوع طرد له و عن إرتكابه لهفوة
فادحة و عن ضرورة إحالته على مجلس التأديب".5
1كمال الناجح ،إنهاء العالقة الشغلية بموجب القانون ،مرجع سابق ،ص 13
ّ
2قرار تعقيبي مدني عدد 13633مؤرخ في 8جويلية ،1985ن م ت ،1985 ،ص ،43و قد ورد بهذا القرار أن " مجرد الدخول في إضراب
ال يعتبر تخليا عن العمل"
3قرار تعقيبي مدني عدد ،48331مؤرخ في 3جويلية ،1995ن م ت ، 1995أوردته نائلة مسعود " ،مصلحة المؤسسة في قانون الشغل"
رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية الحقوق و العلوم السياسية ،بتونس ،1996- 1995ص 38
4قرار تعقيبي مدني عدد 35284مؤرخ في 8أكتوبر ،1992ن م ت ،1992 ،القسم المدني ،ص 89
5قرار تعقيبي مدني ،صادر عن الدوائر المجتمعة عدد 44864مؤرخ في 9نوفمبر ،1995أورده النوري مزيد" ،فقه القضاء و حماية النائب
النقابي" ،مجلة العمل و التنمية سنة ،1988ص 12
6عصام األحمر ،إشكاالت في نزاعات الشغل ،الحلول القانونية و اإلجتهادات القضائية ،سيفاد.للنشر ،2008 ،ص 296
28
مما ّ
إن إستغالل المؤجر لغموض مفهوم مصلحة المؤسسة مرده حريته في تحديد النظام الداخلي للمؤسسة ّ
يفيد تصرفه فيها تصرف ا لمالك في ملكه ،و يبدو ّ
أن المشرع لم يقيد من سلطاته في وضع نظام للمؤسسة
ألنه يعتبر المؤجر أو رئيس المؤسسة الشخص الوحيد الذي بإمكانه تسيير و إدارة المؤسسة على أكمل
وجه و معرفة متطلباتها اإلقتصادية ،لكن المؤجر إستغل هذا األمر لصالحه و لفائدة مصلحته الشخصية
بإعتباره مالكا لوسائل اإلنتاج.
نظرا لعدم إشتمال عقد الشغل على المسائل التي تتضمن تنظيم العمل كمواعيد الحضور و اإلنصراف
و الراحة و نظام اإلجازات أو المسائل المتعلقة بتنفيذ اإللتزامات الناشئة عن عقد الشغل ،فقد كان من
عامة و مجردة لتضمن حسن سير العمل داخل المؤسسة و تقيد سلطة المؤجر
الالزم وضع قواعد ّ
التأديبية ،إالّ ّ
أن قانون الشغل لم يضع آليات تحد كيفية وضع المؤجر للنظام الداخلي للمؤسسة و ترك له
مما أدّى إلى تصرف المؤجر في
الحرية المطلقة في تحديد محتواه (أ) نظرا لكونه مالكا لوسائ ل العمل ّ
المؤسسة تصرف المالك في ملكه و هذا ما يبرر غياب الرقابة على النظام الداخلي (ب).
لم يتعرض المشرع التونسي في مجلة الشغل إلى النظام الداخلي للمؤسسة ،و إكتفت اإلتفاقية اإلطارية
بذكر هذه العبارة دون أن توضحه و ذلك في الفصل 30منها ،حيث إعتبرت ّ
أن "مدّة الرخصة السنوية
يعينها ترتيب النظام الداخلي".
خالفا لقانون الشغل التونسي ،نظم القانون الفرنسي في الفصل 122- 34من مجلة الشغل الفرنسية النظام
الداخلي للمؤسسة و إشترط أن تكون الوثيقة الداخلية للمؤسسة وثيقة كتابية ،كما إشترط الفصل 122- 35
لها"2 من نفس المجلة أن تكون محررة باللغة الفرنسية و ال مانع من وجود ترجمات أخرى
أيمن عبد العزيز مصطفى ،قيود السلطة التأديبية لصاحب العمل ،دراسة مقارنة ،دار الكتب القانونية ،مصر ،ص 148 1
أيمن عبد العزيز مصطفى ،قيود السلطة التأديبية لصاحب العمل ،مرجع سابق ،ص 149 2
29
فيما يتعلق بمدى إلزامية وضع نظام داخلي للمؤسسة ،لم يتعرض قانون الشغل التونسي لهاته المسألة ،
لكن يمكن إستنتاج وجوبية وضع المؤجر لنظام داخلي بقراءة ضمنية للفصل 30من اإلتفاقية المشتركة،
أقر بإلزامية وضع الال ئحة الداخلية بكل مؤسسة تشغل عشرين عامال على
لكن قانون الشغل الفرنسي ّ ،
األقل خالل الثالثة أشهر التالية لتاريخ إفتتاح المؤسسة ، 1كما نص في الفصل 122- 34من مجلة الشغل
الفرنسية على ضرورة وجود ضوابط يلتزم صاحب العمل بإدراجها كإجراءات تطبيق التقنين المتعلق
العامة المتعلقة بالنظام ،و طبيعة و سلم العقوبات التأديبية على أن ال تشمل
ّ بالصحة و األمن و القواعد
الالئحة عقوبة الغرامة أو عقوبا ت مالية أخرى طبقا للفصل 122- 42من نفس المجلة.2
و لعل عدم تنظيم قانون الشغل التونسي للقواعد المتعلقة بالنظام الداخلي للمؤسسة مردّه ترك الحرية
للمؤجر في وضعها و تحديد محتواها بإعتباره مالكا لوسائل العمل ،يضع نظاما داخليا للمؤسسة يتماشى
مع ما تقتضيه مصلحتها ،فالسلطة التأديبية تعد إفرازا غير مباشر لملكية المؤجر لرأس المال و لوسائل
اإلنتاج داخل المؤسسة بالتالي بسط نفوذه التأديبي على األجراء.
إضافة إلى ذلك ،أسند قانون الشغل للمؤجر سلطة تسيير و تنظيم العمل داخلها عبر إصدار مجموعة
أوامر يتلقاها األجير و يتحمل مسؤوليته عدم اإللتزام بها على معنى الفصل 10من مجلة الشغل ،و تتجلى
حرية المؤجر في وضع النظام الداخلي للمؤسسة من خالل حريته في إختيار شكلها القانوني و وضع
هياكلها التقنية ،كما يتولى ضبط طرق العمل و وسائله و صيغ تنفيذه و تنظيمه و ما يتبعها من قواعد
تأديب فقد إعتبره الفقهاء أنّه " وسيلة ّ
هامة لممارسة سلطة التنظيم" 3و سلطة تحديد المؤجر للنظام الداخلي
تعود إلى حقه في الملكية تطبيقا لمقولة "حيثما توجد الملكية توجد السلطة" ،4و يبرر أنصار هذا الموقف
رأيهم بكون المؤجر بصفته مالكا لوسائل اإلنتاج فإنه يتحمل أخطار عملية اإلنتاج و من حقه أن يباشر
سلطته ،كما ّ
أن سلطته عل ى األشياء تمتد لتشمل األشخاص التابعين له بهدف تنظيم المؤسسة ،5لهاته
األسباب لم ينظم قانون الشغل التونسي النظام الداخلي للمؤسسة كما لم يضع رقابة عليه.
نظرا لعدم تنظيم قانون الشغل للمسائل المتعلقة بضبط النظام الداخلي للمؤسسة و اطالقه حرية المؤجر في
تحديد محتواه ،فإنه لم يضع أيضا رقابة على محتوى النظام الداخلي ،على عكس المشرع الفرنسي ،الذي
أقر بضرورة المراقبة إذ يجب على المؤجر أن يعرض القانون الداخلي على لجنة المؤسسة ،كما أقر
أيمن عبد العزيز مصطفى ،قيود السلطة التأديبية لصاحب العمل ،مرجع سابق ،ص 153 1
أيمن عبد العزيز مصطفى ،قيود السلطة التأديبية لصاحب العمل ،مرجع سابق ،ص 168 2
3 Philippe langlais , le pouvoir d’organisation et les contrats de travail, rev,dt,c,n°1 , 1982, p 83
4 F.mitterand, cité par jean savatier, pouvoir patrimonial et direction des personnes, rev, dt, soc, n°1, p 1
30
وجوبية إستشارة ممثلي العملة عند صياغة القانون و هي شكلية جوهرية رغم ّ
أن رأي اللجنة إستشاري
ففي صورة عدم إحترام المؤجر لهاته الشكلية فإنه يتعرض لعقوبات جزائية ألنه عرقل مهام لجنة
المؤسسة أو ممثلي العملة.1
و يرجع سبب غياب الرقابة على ال نظام الداخلي للمؤسسة في القانون التونسي إلى إعتبار المؤجر هو
المشرع للقوانين الداخلية للمؤسسة التي تتميّز بإلزامية تطبيقها ،و يبدو ّ
أن المشرع ما زال متأثرا بنظرية
ملكية المؤجر ألدوات اإلنتاج بالتالي اإلقرار بسلطته و حريته في ضبط القانون الداخلي و ما على العامل
إالّ أن يقبل ذلك.
عرفه الفصل 17من مجلة الحقوق العينية و هو حق يخول لصاحبه سلطة إستعمال
و حق الملكية ّ
المنجرة عن الشيء موضوع الملك
ّ و إستغالل و التفويت في الشيء ،و تمثل هذه السلطات بمثابة المنافع
و التي يحتفظ بها المالك بواسطة الملكية.
ّ
إن حق الملكية ف ي مفهومه المدني هو " أوسع الحقوق العينية نطاقا و أشملها سلطة كما يعدّ حقا فرديا إذ
يمارسه صاحبه دون منافسة الغير ،فالمالك يستأثر بملكيته".2
هذا الطابع األحادي لحق الملكية كرسته بعض تعريفات التشريعات المقارنة على غرار الفصل 544من
عرف حق الملكية بأنه الحق في اإلستغالل و التصرف بأكثر صورة مطلقة
المجلة المدنية الفرنسية الذي ّ
ممكنة.3
مجرد
في المقابل ،يختلف حق ملكية المؤجر عن المفهوم الكالسيكي لحق الملكية ،فهو حق ال يتسلط على ّ
شيء و إنما هو يتسلط على المؤسسة بما هي تجمع بشري و تراكم لرأس المال في آن واحد .4من هنا
و بالقياس على فاعلية حق الملكية في مفهومه الكالسيكي فإنه يجب القول ّ
أن حق الملكية يمنح المؤجر
مجموعة من الصالحيات تتسلط في ذات الوقت على العنصر المالي و العنصر البشري المكونان للمؤسسة
بشكل يتسنى معه تسيير و تنظيم هذه الوحدة اإلقتصادية و فرض اإلنضباط داخلها ،فالطابع الفردي
للملكية يتأكد خاصة على مستوى سلطة التسيير و سلطة التأديب.
بالنسبة لسلطة التأديب ،يمكن الداللة على الطابع األحادي بالرجوع إلى نص الفصل 37من اإلتفاقية
اإلطارية المشتركة ،فالمؤجر وفق مقتضيات هذا الفصل يصدر بصورة مباشرة عقوبات الدرجة األولى
النوري مزيد ،حول تشريع العمل الفرنسي الجديد ،المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي ،عدد ،1986 ،1ص 79و ما بعده 1
محمد كمال شرف الدين ،قانون األموال ،درس مرقون ،كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ،2001- 2000 ،ص 41- 40 3
31
بعد أن يمكن العامل من حق الدفاع ّ ،أما إذا كانت العقوبات من الدرجة الثانية ّ ،
فإن العامل يحال وجوبا
على مجلس التأديب الذي يكتفي بإعطاء رأيه حسب الفقرة 4من نفس الفصل.
ّ
إن حق الملكية ال يعني فقط اإلستئثار بممارسة الحق و إنما بتقديره ،فالمؤجر يتمتع بسلطة واسعة في
تقدير األفعال الموجبة للعقاب و في إختيار العقوبة المناسبة لها بناءا على تقديره لمدى فداحة الهفوة.1
حرا في
لهاته األسباب ،خ ّير المشرع عدم فرض رقابة على النظام الداخلي للمؤسسة و ترك المؤجر ّ
ممارسة سلطته على األشياء و على األشخاص الخاضعين لنفوذه في حدود ما تقتضيه مصلحة المؤسسة.
ال يمكن تسليط عقوبة الطرد على األجير إالّ إذا إرتكب خطأ إالّ ّ
أن قانون الشغل ال يعطي تعريفا لخطأ
األجير و إكتفى بوضع قائمة غير حصرية لهذه األخطاء صلب الفصل 14رابعا من مجلة الشغل
عرف الخطأ المدني بكونه فعل ما وجب
وبالرجوع إلى أحكام الفصل 83من مجلة اإللتزامات و العقود الذي ّ
تركه و ترك ما وجب فعله يستنتج ّ
أن الخطأ المدني ّإما أن يكون أفعاال إيجابية أو أفعاال سلبية.
و نظرا لخصوصية العالقة الشغلية تعددت أصناف أخطاء األجير التي يمكن تصنيفها حسب شدّة خطورتها
إلى :أخطاء جسيمة ،أخطاء فادحة و أخطاء يسيرة أو بسيطة التي ال ينجر عن إرتكابها سوى تسليط عقوبة
تأديبية من درجة أولى و ال يمكن في أي حال أن تكون سببا للطردّ ،أما بالنسبة للخطأ الفادح فقد إعتبره
الفصل 14رابعا من مجلة الشغل من األسباب الحقيقية والجدية التي تبرر الطرد ،كما يعتبر من األسباب
إنتهاء عقد الشغل بموجب القانون ، 2و بموجبه يقع حرمان األجير من غرامة الطرد التعسفي ،3و يكون
،أما بالنسبة للخطأ الجسيم فهو
المؤجر مدعوا إلحالته على مجلس التأديب لتسليط عقوبة من الدرجة الثانية ّ
خطأ أكثر خطورة من الخطأ الفادح ، 4و هو يعتبر سببا حقيقيا و جديا للطرد لوجود نيّة اإلضرار بالمؤسسة
أو بالمؤجر مثل إرتكاب األجير لجريمة السرقة أو لجريمة خيانة األمانة ،في هذه الحالة يتدخل المؤجر لطرد
العامل دون عرضه على مجلس التأديب حسب أحكام الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة.
32
المبحث األول :محدودية ضمانات األجير:
تنطلق اإلجراءات التأديبية التي تسبق قرار الطرد بدعوة األجير للمثول أمام مجلس التأديب (الفقرة األولى) ،
و يتدخل هذا األخير إلبداء رأيه في الموضوع المعروض عليه ،لكن في حاالت خاصة يمكن للمؤجر أن
يتخذ قرار الطرد دون إحالة األجير على مجلس التأديب (الفقرة الثانية).
حدّد المشرع الهيكل المكلف بالنظر في المسائل التأديبية ،و هو اللجنة اإلستشارية للمؤسسة بتركيبتها
المعدلة ،كما حدّد اإلجراءات التي يتعين على المؤجر إحترامها عند إحالة العامل على هذا الهيكل و التي
يمكن تلخيصها في طريقة إستدعاء العامل (أ) و ضمان حقه في الدفاع عن نفسه (ب).
و في ظل غياب تحديد تشريعي لمحتوى اإلجراءات التأديبية ،يتعين على المؤجر الذي يعتزم إحالة العامل
على مجلس التأديب أن يراعي اآلجال المنصوص عليها باإلتفاقية المشتركة القطاعية و في صورة عدم
وجودها يجب عليه حينئذ إحترام األجل المنصوص عليه باإلتفاقية اإلطارية المشتركة و المحدد وفقا ألحكام
الفصل 37منها بثالثة أيام مع مراعاة طريقة اإلعالم أال و هي الرسالة المضمونة الوصول مع اإلعالم
بالبلوغ ، 2أي أنه ال يمكن إستعمال وسيلة تبليغ أخرى.
و تعتبر المدّة التي حدّدها الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية إلعالم األجير بالحضور أمام مجلس التأديب
مقتضية نسبيا حيث ال يتسنى له في هذا الوقت الوجيز تقديم حججه للدفاع عن نفسه ،على خالف الموظف
العمومي الذي يقع إستدعائه للحضور أمام مجلس التأديب في أجل أدناه 15يوما".3
و عموما ،ال يحتسب اليوم الذي توجه فيه الرسالة و اليوم الذي يتسلم فيه العامل اإلستدعاء ضمن المدّة التي
حددها القانون.
33
من جانبه ،قد يطرح إستدعاء العامل للمثول أمام مجلس التأديب عدّة إشكاليات يمكن إعتبارها من المسائل
التي تحد من ضماناته أمام المجلس و تتمثل أساسا في عدم تسلم العامل للرسالة مضمونة الوصول نظرا
لكونها لم ترسل له حسب العنوان الصحيح ،و يعود ذلك إلى إكتفاء المؤجر عند إنتدابه للعامل بأخذ نسخة من
أن العنوان المنصوص بها هو العنوان الدائم و الحال ّ
أن العامل قد يغ ّير مقر إقامته بطاقة تعريفه إلعتقاده ّ
بدون إدراج ذلك بصفة موازية ببطاقة تعريفه ،1في هذه الحالة يتسنى للمؤجر إتخاذ القرار الذي يراه صالحا،
مما يؤدي إلى هضم حقوق دفاعه.
ّ
حاول المشرع توفير حدّ أدنى من الضمانات لألجير التي تتعلق أساسا بحقوق الدفاع ،ففي صورة إرتكابه
خطأ بسيطا ،يصدر المؤجر عقوبة من الدرجة األولى بعد أن يمكن العامل من إعطاء ما لديه من جواب
ودفاعّ .2أما إذا إقتضى األمر إحالة العامل على مجلس التأديب ،فإنه يتعين قبل ذلك القيام بعدّة أعمال منها
إستجواب العامل حول الخطأ الفادح الذي إرتكبه ،ث ّم القيام بعدئذ بإيقافه عن العمل لمدّة ال تتجاوز شهر 3يحرم
فيها من مرتبه.4
صل يوجهه المؤجر إلى مجلس التأديب الذي يضبط تاريخ إنعقاده في أجل أقصاه 3أيام
يقع إعداد تقرير مف ّ
حينئذ يت ّم إعالم األجير بذلك قبل ثالثة أيام لحضوره أمام مجلس التأديب الذي يضبط تاريخ إنعقاده في أجل
أقصاه 3أيام حينئذ يت ّم إعالم األجير بذلك قبل ثالثة أيام لحضوره أمام مجلس التأديب و يكون اإلعالم
بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع اإلنذار بالبلوغ.5
و يمكن لألجير خالل هذه المدّة تسلم نسخة من ملفه و نسخة من تقرير اإلحالة الذي أعده المؤجر ،و عند
إنعقاد المجلس يتسنى له تقديم تقرير للدفاع عن نفسه ،كما يمكن له اإلستعانة بمن يراه صالحا للدفاع عنه مثل
أحد العمال أو ممثلي النقابة التي ينتمي إليها أو محام.6
و في نفس السياق ،دأبت اإلتفاقية القطاعية المشتركة على خطى اإلتفاقية اإلطارية المشتركة و أقرت حق
العامل في الدفاع عن نفسه ،إالّ ّ
أن بعض اإلتفاقيات القطاعية إعتبرت ّ
أن حق الدفاع الممنوح للعامل بموجب
صت اإلتفاقية المشتركة للصحافة في فصلها 27
الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية ال يضمن حقه ،لذلك ن ّ
جديد على ّ
أن المؤجر ليس ملزما فقط بمنحه الفرصة للعامل للدفاع عن نفسه بل يجب عليه أن يعلم بواسطة
يوسف غجاتي ،قانون الشغل و تطبيقاته ،مرجع سابق ،ص 151 1
34
تقرير مفصل باألفعال المنسوبة إليه ،كذلك هو األمر بالنسبة لإلتفاقية القطاعية المشتركة لمستخدمي
الصيدليات المبرمة في 12أفريل 1972التي أقرت في فصلها ّ 32
أن العامل يمكنه إذا توفرت معطيات
جديدة في إتجاه تبرئته أن يقدّم مطلبا كتابيا لدى مؤجره قصد مراجعة قراره و ذلك في ظرف سبعة أيام من
تاريخ اإلبالغ ،لكن يبقى مجال اإلتفاقيات القطاعية المشتركة منحصرا في النشاط الذي تنظمه و ال يمكن
تعميم أحكامها على بقية األنشطة.
إضافة إلى ذلك ،يتحتم على رئيس مجلس التأديب تعيين مقرر من بين أعضاء المجلس بحيث يمكن أن يكون
المقرر عضوا نائبا عن العمال أو عضوا نائبا عن المؤجر ذلك أنه جاء بالفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية
المشتركة أنه "في كل قضية يقع تعيين مقرر من بين أعضاء مجلس التأديب و ذلك من طرف رئيس هذا
المجلس على أن ال تكون له عالقة مباشرة بالقضية ،و يتولى المقرر تحرير محضر كتابي في المرافعات
وفي ما يتم إتخاذه من القرارات و يقع توقيع المحضر من طرف أعضاء مجلس التأديب" ،و في صورة
رفض أحد األعضاء اإلمضاء على هذا المحضر يتعين عليه ذكر أسباب إمتناعه عن ذلك و إن لم يفعل يتولى
كاتب اللجنة تضمين هذا الموقف حسب ما ورد ذكره في الفصل 29من أمر 9جانفي .1995
أثناء مناقشة الوقائع المعروضة على المجلس يتبين في الغالب وجود نوعين من المناقشات ،أعضاء يكتفون
بالموافقة على إدانة العامل لكنهم في المقابل يطلبون من رئيس المجلس التخفيف قدر اإلمكان من العقوبة
وأعضاء يرفضون قطعيا إدانة زميلهم ،لهذه األسباب يعتبر إثبات األفعال المنسوبة إلى العامل أو إثبات
عكسها يكاد يكون مفقودا حيث يصبح اإلثبات منحصرا في ما يعرفه ذاك العضو من معطيات عن العامل.1
عموما يضمن حق الدفاع للعامل حقوقه و لو نسبيا ،لكن كان من األفضل و األنجع ،تحقيقا للتناسب أن يشمل
حق دفاع العامل عن نفسه مختلف أصناف العقوبات على غرار المشرع الفرنسي الذي أقر في الفصل - 122
41فقرة أولى من مجلة الشغل الفرنسية أنه "ال يمكن تسليط أي عقوبة بدون إعالم األجير كتابة باألفعال
إليه"2 المنسوبة
يوسف غجاتي ،قانون الشغل و تطبيقاته ،مرجع سابق ،ص 160 1
2 Catherine Puigelier, le pouvoir disciplinaire de l’employeur, Ed, économie, 1997, p 32
35
صت على و إذا كانت إحالة األجير على المجلس تكتسي مبدئيا صبغة وجوبية ّ ،
فإن اإلتفاقية اإلطارية ن ّ
حاالت إستثنائية يجوز فيها للمؤجر أن يصدر قرار الطرد مباشرة دون المرور بمجلس التأديب.
أقر الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة أنه " بالنسبة لعقوبات الدرجة الثانية ،يقدم العامل جبرا لدى
لجنة التعادل التي تنتصب كمجلس تأديب" (أ) ،إالّ أنه و في حاالت إستثنائية ّ
نص الفصل على إمكانية
المؤجر طرد األجير دون عرضه على مجلس التأديب (ب).
أ -إجبارية عرض األجير على مجلس التأديب في صورة تسليط عقوبة من الدرجة الثانية عليه:
نص الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة على إجبارية عرض األجير على مجلس التأديب عند تسليط
عقوبة من الدرجة الثانية عليه ،و تعدّ عقوبات من الدرجة الثانية حسب نفس الفصل " :التوقيف حتى الثالثين
يوما مع الحرمان من كل أجر ،إسقاط سلم ،إسقاط درجة و العزل" ،كما ّ
أن بعض اإلتفاقيات القطاعية
المشتركة أضافت عقوبات أخرى مثل عقوبة حذف منحة اإلنتاج".1
عموما ،و في كل أشكال عقوبات الدرجة الثانية مبدئيا يحال األجير عن مجلس التأديب ،عندئذ بإمكانه الدفاع
عن نفسه كما بإمكانه اإلستعانة بأحد العمال أو ممثل النقابة التي ينتمي إليها أو محام ،ثم يقع تدوين جلسة
التأديب في محضر و يتم تبليغ المؤجر بمقترح الطرد و يتم عندئذ توجيه قرار الطرد إلى األجير حسب ما
ورد بالفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركةّ ،أما إذا كان العامل المطرود ممثال للعمال فال بدّ من عرض
قرار الطرد على تفقدية الشغل التي تبدي رأيها في ذلك 2أوال ث ّم يقع القيام بإجراءات اإلعالم بإنهاء العالقة
الشغلية ثانيا.
اإلتفاقية المشتركة لمعامل مشروبات غازية غير كحولية و عصير الغالل و المياه المعدنية المبرمة في 12مارس 1975 1
36
كما مدّد قانون 1983في األجل الذي يجب أن يبدي فيه مجلس التأديب رأيه ليتسنى له فحص المؤيدات التي
قدمها الموظف العمومي ،و قدر هذا األجل بشهر ،و يمكن ان يمدد لشهرين إذا ت ّم القيام ببحث بطلب من
مجلس التأديب.1
إالّ ّ
أن مجلة الشغل م ّكنت األجير من اللجوء إلى القضاء إذا إعتبر ّ
أن طرده كان طردا تعسفيا ،حينئذ يتولى
القاضي مراقبة مدى تناسب الخطأ و العقوبة المسلطة ،فإذا ثبت له عدم وجاهة قرار الطرد فإنه يعتبره طردا
تعسفيا إالّ أنه ال يمكنه أن يقرر عقوبة أخرى تتناسب مع الخطأ المرتكب نظرا لكون ممارسة السلطة التأديبية
هي حكر على المؤجر فقط ،و بالتالي يبقى للقاضي سوى إقرار ّ
أن العقوبة كانت تعسفية و يحكم بالتعويض
لألجير ،و إذا كان المبدأ هو وجوبية عرض العامل على مجلس التأديب قبل صدور قرار الطرد ّ
فإن اإلتفاقية
اإلطارية المشتركة نصت على حاالت إستثنائية يجوز فيها للمؤجر أن يصدر قرار الطرد مباشرة دون
المرور بمجلس التأديب.
تتمثل هذه الحاالت اإلستثنائية حسب الفصل 37فقرة 6و 7من اإلتفاقية المشتركة في أوال صدور حكم
نهائي على العامل بعقاب بالسجن "خاصة من أجا جناية أو إنتحال وظيف زورا و اإلعتداء على األخالق
وشهادة الزور و خيانة مؤتمن و التحيل و الثلب و الوشاية باطال و الجنح المرتكبة ضدّ أمن الدولة سواء وقع
إرتكاب الهفوة بمناسبة قيام العمل بوظيفة أو خارج وظيفة" ،و ثانيا ،في صورة ما إذا عثر على العامل
"متلبسا بجريمة سرقة أو التحيل أو خيانة مؤتمن ثابتة بصورة قانونية و ذلك عند أدائه لعمله أو بمناسبة
القيام بعمله".
فبالنسبة لصورة طرد العامل بسبب صدور حكم نهائي ضدّه يتضمن عقابا بالسجن من أجل جريمة ما ،لم
يحدد الفصل 37في فقرته السادسة بصورة حصرية الجرائم التي يرتكبها العامل و إنما إكتفى بذكر البعض
منها مستعمال عبارة "خاصة" و هو ما يدل على ّ
أن القاعدة التي أقرها الفصل 37تنسحب على جميع
الحاالت التي ترتكب فيها جريمة من طرف العامل أثناء العمل أو خارجه و تؤدي إلى إدانته بحكم نهائي يقر
عقوبة السجن ضده ،إضافة إلى ّ
أن الفصل 37لم يشترط مدّة دنيا للعقوبة ،كما لم يميّز "بين وضعية العامل
الذي يتعرض إلى عقوبة بالسجن مع التنفيذ حاال و العامل الذي يسعف بتأجيل التنفيذ.
الفصل 55من قانون 1983المتعلق بضبط النظام األساسي ألعوان الدولة و الجماعات المحلية. 1
37
من ضمانات أساسية تتعلق بحق الدفاع قبل إصدار العقوبة ،تماما مثل العامل الذي صدر في شأنه حكم
التنفيذ"1 بالسجن دون إسعافه بتأجيل
باإلضافة إلى ذلك ،إشترط الفصل 37أن يكون الحكم الصادر ضدّ العامل نهائيا ،و الحكم النهائي هو "الحكم
غير القابل للطعن باإلستئناف و يكون حائزا لقوة األمر المقضي ألنه ال يقبل الطعن بطرق الطعن العادية"،2
و الجدير بالمالحظة ضرورة التمييز بين الحكم النهائي و الحكم البات ،هذا األخير يعرف بكونه "الحكم
الذي ال يجوز الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن العادية أو الغير عادية".3
و في نفس السياق ،أقرت محكمة التعقيب 4بأن "رفع المؤجرة شكاية لوكالة الجمهورية في تتبع أجيرتها من
أجل الهفوة الفادحة المنسوبة إليها و التي تشكل في نفس الوقت جريمة ال يعدّ حجة على إقتراف هذه األخيرة
طالما لم يقع اإلدالء بحكم نهائي في إدانتها".
ّأما بالنسبة لصورة طرد العامل ،دون عرضه على مجلس التأديب من أجل إرتكابه لجرائم أثناء العمل أو
بمناسبته و كان في حالة تلبس ،يالحظ ّ
أن الفصل 37في فقرته 7قد حدد بصفة حصرية الجرائم التي تشملها
حالة التلبس و هي جرائم السرقة 5و خيانة المؤتمن 6و الثلب.7
لم يعرف قانون الشغل هاته الجرائم و إكتفى بإعتبارها من األخطاء الفادحة الموجبة للطرد حسب أحكام
الفصل 14رابعا من مجلة الشغل.
باإلضافة إلى عدم تحديد مفهوم التلبس في المجال التأديبي ،لذا وجب الرجوع إلى التعريف الوارد بالفصل
33من مجلة اإلجراءات الجزائية الذي إعتبر ّ
أن الجناية أو الجنحة تكون متلبسا بها" ،أوال إذا كانت مباشرة
الفعل في الحال أو قريبة الحال ،ثانيا إذا طارد الجمهور ذا الشبهة صائحا ورائه أو وجد هذا األخير حامال
ألمتعة أو وجدت به آثار أو عالمات تدل على إحتمال إدانته بشرط وقوع ذلك في زمن قريبا جدا من زمن
وقوع الفعلة ،و يشبه الجناية أو الجنحة المتلبس بها كل جناية أو جنحة إقترفت بمحل سكنى إستنجد صاحبه
بأحد مأموري الضابطة العدلية لمعاينتها و لو لم يحصل إرتكابها في الظروف المبينة بالفقرة السابقة".
و الظاهر ّ
أن المشرع إعتمد في تعريف الجريمة المتلبس بها مفهوما حقيقيا و كذلك مفهوما حكميا ،فبالنسبة
للمفهوم الحقيقي للتلبس يتمثل في "القبض على الفاعل في الحال أو قريبا من الحال أو قريبا جدا من الحال،
1النوري مزيد ،أثار التتبع الجزائي ضد ّ األجير على العالقة الشغلية ،مجلة دراسات قانونية ،2005عدد ،12ص 137
2أحمد الجندوبي و الدكتور حسين بن سليمة ،أصول المرافعات المدنية و التجارية ،الطبعة الثالثة ،تونس ،2011ص 374
3أحمد الجندوبي و الدكتور حسين بن سليمة ،مرجع سابق ،ص 374
4قرار تعقيبي مدني عدد 4174مؤرخ في 19جانفي ،2001أورده عصام األحمر ،مرجع سابق ،ص 29
عرفها المشرع في الفصل 258و 263ثالثا من المجلة الجزائية 5جريمة السرقة ّ
عرفها المشرع في الفصل 297من المجلة الجزائية
6جريمة خيانة المؤتمن ّ
7جريمة الثلب نظّمتها الفصول 245 ،246 ،247من المجلة الجزائية
38
ومن مظاهره الصورة األولى و الثانية من الفصل 33و في غياب الشروط المبينة به ال يمكن الحديث عن
حالة تلبس"ّ ،1أما بالنسبة للتلبس الحكمي فهو "مفهوم يمتد إلى الحاالت المشابهة للتلبس ،و هي صورة إن
"تقترف جناية أو جنحة بمحل سكنى و إستنجد صاحبه بأحد مأموري الضابطة العدلية لمعاينتها و لو لم
يحصل إرتكابها في الظروف المبينة في الحاالت السابقة".2
بالتالي يعتد في المجال التأديبي بحاالت التلبس الحقيقية فقط دون حاالت التلبس الحكمي بإعتبار ّ
أن الجريمة
إرتكبت أثناء العمل أو بمناسبته ،لكن هذا األمر ال يخلو من خطورة بالنسبة للعامل ،3حيث ّ
أن حالة التلبس
حسب الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية تبرر طرده دون إحالته على مجلس التأديب و الحال أنه لم تقع إدانته
بعد على المستوى الجزائي ،و لم تتوفر له فرصة الدفاع عن نفسه.
و قد يصبح الوضع أكثر خطورة 5إذا تعلق األمر بطرد أجير له صفة نائب للعملة ،إذا في صورة تلبسه
بجريمة يقع طرده مباشرة دون المرور بمجلس التأديب و دون المرور أيضا باإلجراءات الخاصة بطرد
نص عليها الفصل 166من مجلة الشغل.
ممثلي العملة التي ّ
رغم عدم وجود إجابة واضحة على مستوى النصوص ،إعتبر الفقهاء ّ
أن حالة التلبس ال يمكن أن تبرر عدم
تطبيق إجراءات الفصل 166كلما تعلق األمر بطرد أحد نواب العملة ،فهي إجراءات تقوم على أحكام آمرة
وتتعلق بالنظام العام ،و بالتالي ال يجوز إزاحتها بمجرد اإلستناد إلى أحكام تعاقدية ال ترقى قيمتها إلى مكانة
النص التشريعي مهما كانت أهميتها ،6إذ نصت الفقرة األخيرة من الفصل 166أن الطرد "يعتبر تعسفيا إذا
ت ّم دون إحترام اإلجراءات المنصوص عليها بالفقرتين األولى و الثانية من هذا الفصل".
عموما ّ ،
فإن طرد العامل دون عرضه على مجلس التأديب في الصور اإلستثنائية الواردة بالفصل 37من
اإلتفاقية اإلطارية مردّه إرتكاب العامل لخطأ مزدوج له صبغة مهنية و جزائية في نفس الوقت ،فاألجير يبقى
1د علي كحلون ،دروس في اإلجراءات الجزائية ،طبعة ثانية ،تونس ،2013ص 221
2د علي كحلون ،مرجع سابق ،ص 223
3النوري مزيد ،مرجع سابق ،ص 138
4قرار تعقيبي مدني عدد 18091مؤرخ في 29سبتمبر ،2007نشرية محكمة التعقيب ،قسم مدني و مرافعات ،جزء 1لسنة ،2007ص 35 5
5النوري مزيد ،مرجع سابق ،ص 139
6النوري مزيد ،مرجع سابق ،ص 139
39
كغيره من أفراد المجتمع يتحمل مسؤولية أفعاله سواء داخل المؤسسة أو خارجها ،و خاصة إذا تعلق األمر
بسلوك منحرف يدخل تحت طائلة القانون الجزائي.
و المالحظ ّ
أن كل من القانون التأديبي و القانون الجزائي يسعى إلى الردع و الزجر و فرض عقوبات عند
إقتراف العامل ألفعال تتسبب في تعطيل نشاط المؤسسة بصفة غير قانونية ،كما ّ
أن إزدواجية خطأ العامل
من شأنه أن يؤدي إلى الجمع بين العقوبة التي يقرها القاضي الجزائي تجاه ذلك العامل و العقوبة التي يسلطها
المؤجر في نطاق نفوذه التأديبي و التي قد تصل إلى حدّ العزل من العمل.
إالّ ّ
أن إرتباط القانون التأديبي بالقانون الجزائي و تناغمهما ال ينفي خصوصية كل منهما التي تتبلور خاصة
على مستوى إختالف الغايات التي يسعى إلى تحقيقها كل منهما ،فالقانون الجزائي يهدف أساسا إلى حماية
المجتمع من األفعال و التصرفات التي من شأنها أن تخل باألمن اإلجتماعي و تلحق ضررا بالمصلحة
العامة.
ّأما القانون التأديبي فيهدف إلى حماية مصلحة خاصة ألفراد داخل المؤسسة ،و يضمن السير العادي لهذه
األخيرة ،إضافة إلى ذلك يخضع القانون الجزائي لمبدأ شرعية الجرائم و العقوباتّ ،أما قانون الشغل فقد
أورد قائمة في األخطاء الموجبة للطرد صلب الفصل 14رابعا من مجلة الشغل و يترتب عن ذلك إستقاللية
الخطأ التأديبي عن الخطأ الجزائي ،سواء من حيث آليات مراقبته أو معايير تقديره ،و هو ما يفسر إختالف
مهمة القاضي في كل منهما.
ففي القانون التأديبي يمارس المؤجر سلطة تسمح له بتسليط الجزاء على العامل الذي إرتكب الخطأ دون
المرور بالجهاز القضائي ،و ال يتدخل القاضي الشغلي إالّ الحقا لمراقبة مدى تناسب العقوبة مع الخطأ ،و إذا
تبين له أن قرار الطرد كان تعسفيا فإنه ال يمكن إبطاله و يقتصر دوره على إلزام المؤجر بالتعويض.
في المقابل يبقى تسليط العقوبة في القانون الجزائي حكرا على الجهاز القضائي مع توفر كامل الضمانات
القانونية للمتهم الذي يبقى بريئا إلى أن تثبت إدانته1ن إضافة إلى تقدير األفعال المنسوبة للعامل ال يخضع في
قانون الشغل لنفس المعايير التي يقع إعتمادها في القانون الجزائي الذي يقوم على مبدأ شرعية الجرائم و
العقوبات ،2فالقاضي الشغلي مطالب بتقدير إنعكاسات سلوك العامل على سير المؤسسة بقطع النظر ّ
عما إذا
كان ذلك السلوك يدخل تحت طائلة أحكام جزائية أم ال ،و نظرا إلستقاللية الخطأ التأديبي عن الخطأ الجزائي
فيما يتعلق بممارسة المؤجر لنفوذه داخل المؤسسة و ما يترتب عنه من خصوصية كل من القاضي الجزائي
و القاضي الشغلي ّ
فإن التساؤل يطرح حول مدى تقيد القاضي الشغلي بالدعوى العمومية.
40
لقد نصت مجلة اإلجراءات الجزائية في فصلها السابع قاعدة تفيد ّ
أن الجزائي يوقف النظر في المدني أي انه
يتعين على القاضي المدني أن يعلق النظر في الدعوى المدنية التي لها إرتباط بالدعوى العمومية "إلى أن
يقضي بوجه بات" في هذه الدعوى من قبل الدائرة الجزائية.
لكن قاعدة الفصل 7من مجلة اإلجراءات الجزائية ال تنطبق إالّ إذا كان القائم بالدعوى المدنية هو المتضرر
من الجريمة موضوع الدعوى العمومية ،و هو ما ال يتطابق مع الوضعية التي تطرح أمام القاضي الشغلي
إثر طرد العامل الذي تعرض في نفس الوقت لتتبع جزائي ،ذلك ّ
أن األجير الذي قام بالدعوى الشغلية ليس هو
المتضرر من الجريمة موضوع الدعوى الجزائية و إنما هو مرتكبها.
و يبقى السؤال مطروحا حول مدى إحترام القاضي الشغلي لما قضي به جزائيا حتى ال تكون األحكام
متناقضة في ظاهرها ،في هذا اإلطار نص الفصل 101من مجلة اإللتزامات و العقود مبدأ ينص على ّ
أن
"الحكم الصادر من محكمة جزائية يترك سبيل متهم ال يؤثر في مسألة تعويض الخسارة الناشئة من الفعل
الذي قامت به التهمة و هذا الحكم يجري في صورة سقوط الدعوى بسبب وفاة المتهم أو لصدور عفو عام".
و نظرا لخصوصية قانون الشغل و إستقالل الخطأ التأديبي عن الخطأ الجزائي ،لم يقبل فقه القضاء في المادة
الشغلية بمبدأ حجية الحكم الجزائي على المدني ،حيث إعتبرت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة ّ
أن إقرار
القاضي الجزائي بأن التوقف عن العمل من طرف العامل ال تتوفر فيه صفة اإلضراب غير الشرعي ،ال يمنع
القاضي الشغلي من إعتبار هذا التوقف عن العمل إخالال بالعقد و ليس في ذلك مناقضة للحكم الجزائي ّ
ألن
نفي المسؤولية الجزائية عن الفعل ال يقتضي حتما نفي المسؤولية المدنية عنه ،و هو مفهوم الفصل 101من
المجلة المدنية.1
عموما ال يتقيد القاضي الشغلي بالوصف القانوني الذي أعطاه القاضي الجزائي لتلك األفعال ،و لهذا ّ
فإن
إعتبار القاضي ّ
أن األفعال المنسوبة لألجير ال تكفي إلقرار مسؤوليته الجزائية ال يمنع القاضي الشغلي من
مما يشكل سببا حقيقيا و جديا للطرد ، 2و قد أقرت محكمة
أن يقر بوجود خطأ مهني على نفس األفعالّ ،
التعقيب ّ
أن "حفظ الدعوى العمومية في خصوص التهمة الجزائية المنسوبة للعاملة ال يحول دون إلعتبارها
مرتكبة لخطأ مدني فادح يبرر إنهاء العالقة الشغلية".3
1قرار تعقيبي مدني صادر عن الدوائر المجتمعة عدد 50234في 29فيفري ،1996قرارات الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب ،1996- 1995
ص 45
2النوري مزيد ،مرجع سابق ،ص 158
3قرار تعقيبي مدني عدد 7483مؤرخ في 30مارس ،2001أورده عصام األحمر ،مرجع سابق ،ص 28
41
في المقابل ،ال يشكل إقرار المسؤولية الجزائية لألجير مانعا أمام القاضي الشغلي إلعتبار الطرد كان تعسفيا
مما يؤدي إلى حصول ذلك األجير على التعويض سواء على أساس ّ
أن األفعال المنسوبة له ال تشكل سببا ّ
حقيقيا أو جديا للطرد أو على أساس خرق المؤجر إلجراءات الطرد.
عرف الفصل 6من مجلة الشغل عقد الشغل بكونه "إتفاقية يلتزم بمقتضاها أحد الطرفين و يسمى عامال أو
ّ
أجيرا بتقديم خدماته للطرف اآلخر و يسمى مؤجرا ،و ذلك تحت إدارة و مراقبة هذا األخير و بمقابل أجر".
و لتحديد مجال تبعية األجير لمؤجره ال بدّ من بيان مظاهرها (الفقرة األولى) ،ثم ذكر آثارها (الفقرة الثانية).
عرف الفصل 6من مجلة الشغل عقد الشغل بكونه "إتفاقية يلتزم بمقتضاها أحد الطرفين و يسمى عامال أو
ّ
أجيرا بتقديم خدماته للطرف اآلخر و يسمى مؤجرا و ذلك تحت إدارة و مراقبة هذا األخير و بمقابل أجر".
تراوح مفهوم التبعية في العالقة الشغلية بين التبعية اإلقتصادية و التبعية القانونية التي تعتبر المعيار الذي
يميّز عقد الشغل عن عدّة عقود مجاورة له على غرار عقد الشركة 1الذي يفترض وجود شركاء على قدم
مما يفترض
المساواة ،فال أحد يعطي أوامر لآلخر و ال وجود لتبعية قانونية لطرف إزاء طرف آخر ّ
نظم المشرع عقد الشركة في الفصول 1249و ما بعده من مجلة اإللتزامات و العقود و كذلك في مجلة الشركات التجارية 1
42
المشاركة في الربح و تحمل الخسارة و كل هذه الخاصيات تم ّيز عقد الشركة عن عقد الشغل ،الذي بدوره
يختلف عن عقد المقاولة أو عقد اإلجارة على الصنع ،1فالمقاول ينجز عمله بكل حرية دون مراقبة في كل ما
يتعلق بوسائل العمل أو مكانه أو توقيته.
إضافة إلى ذلك يختلف عقد الوكالة 2عن عقد الشغل ،فبالرغم من ّ
أن الوكيل يتلقى التعليمات في أداء عمله من
موكله إالّ أنه ال تربطهما تبعية قانونية على شاكلة تلك التي تربط المؤجر باألجير.
و التبعية القانونية يمكن تعريفها بأنها خضوع األجير إلى السلطة القانونية و الفعلية فيما يخص تنفيذ العمل
الذي يتم تحت رقابته ،3كما يستنتج من عبارات الفصل السادس من مجلة الشغل ّ
أن األجير ينجز عمله بصفة
شخصية فال يمكن أن يعين من يعوضه دون موافقة المؤجر ،هذا األخير يمارس مراقبته ال فقط على كيفية
ممارسة العمل و الوسائل التي يستعملها األجير و إنما أيضا على نتائج العمل ،و التبعية القانونية قد تكون
تبعية فنية و هي أقوى صور التبعية في عقد الشغل 4و أشدها على العامل ،إذ يخضع هذا األخير لرقابة
وإشراف صاحب العمل في كافة التفاصيل الفنية ،و تبعا لذلك يشرف المؤجر على عمل األجير إشرافا كامال
فهو من يوجهه و يراقبه و يسلط عليه جزاءا في صورة اإلهمال أو التقصير و تفترض هذه التبعية اإللمام
الكافي لصاحب العمل بخصوص العمل المسند لألجير حتى يتمكن من مراقبته و اإلشراف على عمله.
كما قد تكون تبعية تنظيمية إدارية تقتصر على اإلشراف على الظروف الخارجية التي يتم فيها تنفيذ العمل
كتحديد مكانه و زمانه و ال تتطلب في المؤجر أن يكون ملما بأصول العمل.
إضافة إلى ذلك يعتبر عقد الشغل عقد تبعية إقتصادية لألجير إزاء مؤجره حيث يعتبر األجر الوسيلة
األساسية التي يعيش منها األجير و بالتالي يصبح تابعا إقتصاديا للمؤجر مما يحول دون تعاطيه عمال آخر
وبذلك يجد نفسه في مركز خضوع إقتصادي لمؤجره.
عموما يخضع األجير لتبعية مؤجره عند أدائه لعمله نتيجة إمتالك هذا األخير لوسائل اإلنتاج و رأس المال.
تتميّز العالقة الشغلية بعدم التكافئ بين األطراف المتعاقدة ،فمن جهة األجير تبعية و خضوع ألوامر
المؤجر ،و من جهة المؤجر سلطة و نفوذ.
1نظم المشرع عقد المقاولة أو اإلجارة على الصنع في الفصول 866إلى 887المن مجلة اإللتزامات و العقود
2نظم المشرع عقد الوكالة في الفصول من 1104إلى 1171من مجلة اإللتزامات و العقود
3المنجي طرشونة ،اإلختصاص الحكمي لدوائر الشغل ،ملتقى القضاء اإلبتدائي ،كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ،1999ص 351
4محمد الهادي بن عبد هللا :نزاعات الشغل و الضمان اإلجتماعي (تشريعان فقها ،قضاء) ،مرجع سابق ،ص
43
في هذا السياق ،أقرت محكمة التعقيب ّ
أن "من أهم أركان عقد الشغل أن يستمد األجير كامل سلطته من
مستأجره و أن يكون عمله دوما في نطاق األذون التي يتلقاها منها".1
بناء على ما تقدّم ،تعود تبعية األجير للمؤجر إلى سلطة و نفوذ هذا األخير التي يستمدها حتما من ملكيته
يخول له ممارسة سلطة اإلدارة و اإلشراف و التسيير.
لوسائل اإلنتاج و رأس المال و الذي ّ
هذه السلطات يمارسها شخص المالك وحده على الشيء موضوع الحق فهي إذن بمثابة المنافع المنجرة
عن الشيء موضوع الملك و التي يحتفظ بها المالك بواسطة الملكية بما هي تقنية قانونية تسمح بذلك.
و حق الملكية في مفهومه المدني هو " أوسع الحقوق العينية نطاقا و أشملها سلطة".2
في المقابل يختلف حق ملكية المؤجر عن المفهوم الكالسيكي لحق الملكية فهو حق ال يتسلط على مجرد
شيء و إنما هو يتسلط على المؤسسة بما هي " تجمع بشري و تراكم لرأس المال في آن واحد" ، 3و بذلك
تنتج التبعية آثارها.
ينتج عن تبعية األجير لمؤجره عدّة إلتزامات على عاتقه (ب) ،كما تمنح للمؤجر بموجب ملكيته لوسائل
اإلنتاج مجموعة من الصالح يات تتسلط في ذات الوقت على العنصر المالي و العنصر البشري المكونان
للمؤسسة (أ).
تقتضي التبعية على األجير تنفيذ عمله تحت مراقبة و سلطة المؤجر الذي يعطي األوامر و يراقب التنفيذ.
و بذلك تتمثل صالحيات المؤجر في سلطة إصدار األوامر و سلطة المراقبة و اإلشراف و سلطة التأديب،
و بمقتضى التبعية القانونية يمارس المؤجر سلطة إصدار التعليمات التي يراها مناسبة بخصوص العمل
و بكيفية التنفيذ ،و يعبر عن هذه الصالحيات بسلطة اإلدارة التي تخو ل للمؤجر الحق في إصدار األذون
وإتخاذ كل القرارات المتعلقة بنشاط العامل و بتنظيم العمل داخل المؤسسة ،و تجدر اإلشارة إلى ّ
أن
1قرار تعقيبي مدني عدد 6975مؤرخ في 6جوان ،2001نشرية محكمة التعقيب لسنة ،2001القسم المدني ،ج ،2ص 217
2محمد كمال شرف الدين ،قانون األموال ،محاضرات مرقون ،كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ،2001- 2000ص 41
3 Jean Savatier, « pouvoir patrimonial et direc tion des personnes », rev, dt ; soc, n° 1 , 1982, p 1
44
المؤجر يستأثر بصالحيات تسيير و تنظيم العمل داخل المؤسسة ،بإعتبار ّ
أن األجير قد خضع لنفوذ
مما يبرز عالقة التبعية ،فيكون األجير قد قبل مسبقا بأن يتولى للمؤجر
المؤجر عند إبرام عقد الشغل ّ
تسيير و تنظيم عمله من خالل قرارات أحادية الجانب.
و يعود ذلك لكون المؤجر يتمتع بسلطة عامة في تقدير األفعال الموجبة للعقاب ،و في إختيار العقوبة
المناسبة لها ،و ما على األجير إالّ اإللتزام بأوامر المؤجر كي ال يتعرض للعقاب.
ّ
نظم المشرع إلتزامات األجير في الفصول من 10إلى 13من مجلة الشغل ،حيث إعتبر في الفصل 10
ّ
أن "العامل يعتبر مسؤوال عن نتائج عدم إنجاز التعليمات التي تلقاها إذا كانت قطعية و لم يكن له أي عذر
جدي لمخالفتها.
و يترتب هذا اإللتزام عن السلطة التنظيمية للمؤجر و عن رابطة التبعية القانونية التي تقتضي الخضوع
إلشرافه و مراقبته.
كما فرض المشرع على األجير اإللتزام بأحكام الوقاية الموضوعة بالمؤسسة لحماية الصحة و السالمة
المهنية و منها تنفيذ تعليمات المؤجر المتعلقة بحماية صحته و سالمته و سالمة العاملين معه بالمؤسسة مع
ضرورة إستعمال الوسائل الموضوعة على ذمته لتحقيق هذه الغاية و المحافظة عليها حسب أحكام الفصل
12فقرة 3من مجلة الشغل.
أن اإلخالل باإللتزام بالخضوع ألوامر المؤجر ال يعدّ خطأ إالّ إذا كانت أوامر المؤجر قطعية أو
إالّ ّ
واضحة و ال تدع مجاال للشك في وجوب إحترامها ،1و في صورة عدم إمتثال األجير ألوامر مؤجره رغم
وضوحها أجاز القانون للمؤجر أن يسلط عقوبة تأديبية على العامل تتمثل في عقوبة الطرد ،إذ إعتبر
الفصل 14رابعا من مجلة الشغل أنه يعتبر من األخطاء الفادحة التي تبرر الطرد " اإلمتناع غير المبرر
45
عن تنفيذ األوامر المتعلقة بالعمل و الصادرة بصفة قطعية عن الهيئات المختصة بالمؤسسة التي تشغل
العامل أو عن رئيسه".
إضافة إلى ذلك ،يعتبر الع امل مطالبا بالسهر و المحافظة على األشياء التي أعطيت له للقيام باألعمال
التي كلف بها ،و عليه أن يرجعها بعد إتمام عمله و هو المسؤول عن فقدها أو تعطيبها إذا كان ذلك نتيجة
غلط منه حسب ما ورد بالفصل 11من مجلة الشغل ،و الفصل 45من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة،
و يرجع إلتزام العامل بالسهر و المحافظة على األشياء إلى أنه مؤتمن عليها بإعتبار ّ
أن ملكية هاته األشياء
تعود إلى المؤجر ،بمعنى ّ
أن األجير يتحمل واجب األمانة تجاه المؤسسة و هو مبدأ عام كرسه الفصل
243من مجلة اإللتزامات و العقود و يشمل واجب األمانة بذل األجير العناية الالزمة في تنفيذ العقد
وإلتزامه بالمحافظة على المعدات و األشياء التابعة للمؤسسة و التي وضعت على ذمته للقيام باألعمال
التي كلّف بها و بالتالي يكون مسؤوال عن فقدانها أو تعطيبها إذا كان ذلك نتيجة لخطأ منه ،كما يعتبر
مسؤوال عن سرقة أو إتالف األشياء التي يتحتم عليه إرجاعها إلى مؤجره ، 1لكن ال يعتبر العامل مسؤوال
عن التعطيب أو الضياع الناتج عن أمر طارئ أو قوة قاهرة إالّ في صورة وجوب إرجاع األشياء التي
تسلمها.2
و في صورة إخالل األجير بواجب األمانة ،يتمتع المؤجر بسلطة طرد ذلك العامل إلرتكابه خطأ فادح
على معنى الفصل 14رابعا من مجلة الشغل ،و ذلك دون عرضه على مجلس التأديب في صورة تلبسه
بجريمة السرقة حسب ما ورد بالفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة.
إضافة إلى ذلك ،يفرض اإللتزام بأوامر المؤجر و الخضوع إلى سلطته عدم إفشاء سر مهني من أسرار
المؤسسة ،و قد فرضت مجلة الشغل عقوبات تأديبية عند إفشاء األسرار المهنية للمؤسسة و إعتبرته خطأ
فادحا موجبا للطرد عالوة على ّ
أن المجلة الجزائية فرضت عقوبات زجرية لمن يفشي أسرار الصنع
وذلك صلب الفصل 137من المجلة الجزائية.
46
و يشمل واجب األمانة بذل األجير العناية الالزمة في تنفيذ العقد و إلتزامه بالمحافظة على المعدات
واألشياء التابعة للم ؤسسة و التي وضعت على ذمته للقيام باألعمال التي كلف بها و بالتالي يكون مسؤوال
عن فقدانها أو تعطيبها إذا كان ذلك نتيجة لخطأ منه ،كما يعتبر مسؤوال عن سرقة أو إلتالف األشياء التي
يتحتم عليه إرجاعها إلى مؤجره .1لكن ال يعتبر العامل مسؤوال عن التعطيب أو الضياع الناتج عن أمر
طارئ أو قوة قاهرة إالّ في صورة وجوب إرجاع األشياء التي تسلمها".2
47
خاتمة الجزء األول:
لم ينظم المشرع مسألة التناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير تنظيما محكما و إكتفى بتكريسها
تكريسا عرضيا ،فبالرغم من إرسائه هيكال تأديبيا يحد من سلطة المؤجر في تسليط العقاب إالّ أنه لم يعممه
على كافة المؤسسات و إكتفى بإقرار وجوبية وجوده في كل مؤسسة تشغل أربعين عامال قارا على األقل،
إضافة إلى محدودية رقابة مجلس التأديب للعقوبات فرقابته ال تشمل إالّ عقوبات الدرجة الثانية ،كما أنه
رأيه غير ملزم للمؤجر بل يكتفي بإبداء رأي إستشاري.
هذا باإلضافة ،إلى توجه خيارات المشرع نحو تحقيق مصلحة المؤسسة نظرا للنزعة الليبرالية التي
يتبناها ،و بما ّ
أن مفهوم مصلحة المؤسسة هو مفهوم غامض إلرتباطه بمفهوم المؤسسة الذي يعتبر حديثا
نسبيا في دراسات القانونية فقد إستغل المؤجر هذا الغمو ض فكل ما يهدد مصلحة المؤسسة و يعرقل
سيرها العادي يعتبر خطأ فادحا موجبا للطرد على غرار اإلضراب غير الشرعي ،و نتيجة لذلك ،أصبح
للمؤجر حرية مطلقة في وضع النظام الداخلي للمؤسسة و تحديد محتواه و مرد ذلك ملكيته لوسائل اإلنتاج
و ما يترتب عنها من سلطة تسيير و إشر اف و تأديب في ظل غياب رقابة على النظام الداخلي.
و تعتبر محدودية ضمانات األجير عند عرضه على مجلس التأديب من مظاهر التكريس العرضي لمبدأ
التناسب ،فاألجير ال يتسنى له الدفاع عن نفسه إالّ في صورة ما إذا سلطت عليه عقوبة من الدرجة الثانية.
ّأما في صورة مؤاخذته ال جزائية فيجوز للمؤجر طرده دون المرور بمجلس التأديب .و بالنظر إلى طبيعة
عقد الشغل ،يعتبر األجير في وضعية تبعية إزاء مؤجره إذ ينجز عمله تحت رقابة مؤجره و طبقا
لتعليماته ،و يعود ذلك إلى سلطة رئيس العمل و نفوذه التي يستمدها من ملكيته لوسائل اإلنتاج و رأس
المال و الذي يخول له ممارسة سلطة اإلدارة و اإلشراف و التسيير و التأديب عند مخالفة أوامره ،هذه
التبعية تحمل األجير إلتزامات على عاتقه فهو يعتبر مسؤوال عن نتائج عدم إنجاز التعليمات التي يتلقاها
إذا كانت قطعية و لم يكن له أي عذر جدي لمخالفتها.
48
الجزء الثاني :طرق تالفي محدودية التناسب:
بالرغم من عدم تقنين المشرع مسألة التناسب بين خطأ األجير و العقوبة التأديبية المسلطة عليه ،فقد سعى
إلى تدارك ذلك من خالل تكريس آليات للرقابة تحد من سلطة المؤجر ،و تتمثل أساسا في رقابة إدارية
تمارسها تفقدية الشغل قبل صدور قرار الطرد (الفصل األول) ،إضافة إلى تدخل القضاء في مرحلة الحقة
لمعاينة مدى تناسب العقوبة مع الخطأ (الفصل الثاني).
تتميّز السلطة التأديبية بتأثيرها المباشر على وضعية األجير داخل المؤسسة إلى حدّ إمكانية فقدانه لعمله
وبالتالي تفاقم ظاهرة ال بطالة داخل المجتمع ،لذا وجب تدخل الدولة بواسطة أجهزتها الخاصة لمراقبة
ممارسة هذه السلطة و التقليص من طابعها اإلنفرادي حتى يتحقق التوازن بين مصلحة المؤسسة من ناحية
و مصلحة األجير من ناحية أخرى.
لهذه اإلعتبارات و بهدف حماية إستقرار مواطن الشغل و ضمان إستمرار المؤسسة لتحقيق اإلزدهار
اإلقتصادي أجاز المشرع تدخل الغدارة لمراقبة العالقة الشغلية تطبيقا لما أقرته اإلتفاقية الدولية للعمل رقم
81لسنة 11947و اإلتفاقية الدولية للعمل رقم 150لسنة 1978بشأن إدارة العمل.2
العام ة لتفقد الشغل و المصالحة ،و قد تدعم دور هذه األخيرة في
ّ و أسند المشرع هذه المهمة إلى اإلدارة
مراقبة قرارات المؤجر مع تنقيح مجلة الشغل سنة 1994و خاصة تنقيح سنة ، 3 2007حيث أصبح
لمتفقد الشغل دور هام في مراقبة قرارات المؤجر الخاصة بطرد العمال الذي نص المشرع على حمايتهم
(المبحث األول) ،و لضمان نجاعة هذه المراقبة أقر المشرع إلزامية رأي متفقد الشغل سعيا منه للحد من
سلطة المؤجر التأديبية و تحقيق مبدأ التناسب (المبحث الثاني).
تتمثل المهمة األساسية لجهاز تفقدية الشغل في مراقبة مدى تطبيق قانون الشغل و إحترام األحكام المنظمة
للعالقات الشغلية ،و معاينة المخالفات و تحرير محاضر في شأنها ،إالّ ّ
أن مهمته ال تنحصر في هذا الحد
فقد صارت بعد تنقيح مجلة الشغل سنة 1994تمتد نحو الدور الوقائي قصد تجنب وقوع نزاعات بين
العمال و المؤجر من خالل تقديم النصائح فنية لهم حول أنجع الوسائل لتطبيق أحكام قانون الشغل ،و تدعم
1صادقت عليها تونس بمقتضى األمر المؤرخ في 25أفريل ، 1957الرائد الرسمي عدد 34في 26افريل 1957
2صادقت عليها تونس بمقتضى القانون المؤرخ في 29أكتوبر 1987عدد ،25الرائد الرسمي عدد 77المؤرخ في 3نوفمبر 1987
3القانون عدد 19المؤرخ في 2أفريل 2007المتعلق بتنقيح بعض أحكام مجلة الشغل ،الرائد الرسمي للجمهورية التونسية عدد 27المؤرخ في
3أفريل ،2007ص 1060
49
هذا الدور أكثر فأكثر مع تنقيح مجلة الشغل سنة 2007لغاية مواكبة أحكام اإلتفاقيات الدولية التي صادقت
عليها تونس ،فقد وسع المشرع من نطاق العملة الذين تشملهم حماية متفقد الشغل لهم عند طردهم (الفقرة
مما
الثانية) ،و تتسم هذه الحماية بالمراقبة القبلية لعمليات الطرد التي تتخذ ضدّ العملة المحميين تشريعيا ّ ،
يبرهن سعي المشرع نحو تحقيق مبدأ التناسب (الفقرة األولى).
الفقرة األولى :المراقبة القبلية لعمليات الطرد و السعي نحو تحقيق مبدأ التناسب:
أجاز المشرع تدخل تفقدية الشغل عند عزم المؤجر طرد أجيره و ذلك من خالل فرض رقابة سابقة لعملية
الطرد بهدف الحدّ من السلطة التأديبية للمؤجر و ضمان إستمرار المؤسسة و األخذ بعين اإلعتبار
لمصلحة األجير ،هذه الرقابة نظمها المشرع صلب مجلة الشغل (أ) ،إالّ أنها أصبحت واضحة المعالم مع
تنقيح المجلة سنة ( 2007ب).
كرس المشرع الرقابة القبلية لمتفقد الشغل على عمليات الطرد في بادئ األمر بموجب األمر الصادر في
ّ
14نوفمبر 1974المتعلق بمراقبة تفقدية الشغل لعمليات الطرد في القطاعين الصناعي و التجاري 1حينئذ
إقتصرت المراقبة على الطرد الجماعي ألسباب إقتصادية و فنية ،و يعتبر أي تدخل لإلدارة في الميادين
التي تخضع لنظرية العقد أمرا مخالفا للمبادئ القانونية العامة التي ترتكز على سلطان اإلرادة و حرية
المتعاقدين ،و تجعل من إتفاق الطرفين مبدأ مستقال عن أي رقابة إدارية ،و لكن ضغط الظروف
اإلقتصادية و اإلجتماعية أدّى إلى تدخل المراقبة اإلدارية في بعض الميادين التعاقدية و خاصة ميدان عقد
الشغل.2
بصدور مجلة الشغل ،أقر المشرع مراقبة تفقدية الشغل لعمليات الطرد ،إذ ورد بالفصل 21منها ّ
أن "على
القارين أو كاملهم
كل مؤجر يعتزم طرد أو إيقاف عن العمل ،ألسباب إقتصادية أو فنية البعض من عملته ّ
أن يعلم بذلك مسبقا تفقدية الشغل المختصة ترابيا".
حسب هذا الفصل تقتصر المراقبة على الطرد الواقع ألسباب إقتصادية و فنية و ال تشمل الطرد التأديبي
الواقع نتيجة إرتكاب خطأ من العامل كذلك هو الشأن بالنسبة للفصل 24من نفس المجلة قبل تنقيحه سنة
1994الذي ألزم المؤجر عند عزمه طرد عامل بسبب قلة اإلنتاج أخذ رأي لجنة التصنيف التي تتمتع
بصالحيات واسعة يتجاوز دورها حدود المصالحة ليصبح أقرب إلى دور القاضي فهي ال تكتفي بالقيام
1ألغي بموجب القانون عدد 27لسنة 1966المؤرخ في 30افريل 1966المتعلق بإصدار مجلة الشغل
2محمد عطاء هللا ،إنهاء عقد الشغل غير محدد المد ّة من جانب واحد ،مذكرة لإلحراز على شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ، ،كلي
الحقوق و العلوم السياسية بتونس ، 1996- 1995ص 101
50
بأبحاث موضوعية و بإعداد تقرير في الغرض بل إنها تبدي رأيها الذاتي حول إمكانية الطرد و حول مدى
واقعية و جدية أسبابه.1
إستنادا غلى هذه الفصول ،كانت رقابة تفقدية الشغل تقتصر على الطرد ألسباب إقتصادية ،إالّ ّ
أن فقه
القضاء و ّسع في مجال هذه المراقبة إلى جميع أنواع الطرد و أقر مبدأ ضرورة إستشارة تفقدية الشغل قبل
كل عملية ،إذ أقرت محكمة التعقيب ، 2أنه " يجب على المؤجر أن ال يتخذ أي إجراء يرمي إلى طرد
عامله إالّ بعد أن يعرض األمر على تفقدية الشغل".
ث ّم وقع إقرار هذا الم بدأ تشريعيا بموجب تنقيح الفصل 166من مجلة الشغل لسنة ، 1994حيث نص على
ضرورة عرض قرار طرد عضو رسمي أو مناوب ممثل للعملة باللجنة اإلستشارية للمؤسسة على تفقدية
الشغل المختصة ترابيا و يعتبر الطرد تعسفيا إذا تم دون إحترام لإلجراءات المنصوص عليها.
و قد أثارت صي اغة هذا الفصل نقاشا فقهيا و إختالفا قضائيا بخصوص ميدان تطبيق أحكامه و تحديد
مدلول عبارة "نائب رسمي أو مناوب للعملة".
فهل تقتصر هذه العبارة على نواب العملة داخل المؤسسة أم أنها تتسع لتشمل النواب النقابيين ،خصوصا
ّ
أن المشرع التونسي صادق على أحكام إتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 87بشأن الحرية النقابية و حماية
الحق النقابي الصادرة سنة ،3 1988و كذلك على أحكام اإلتفاقية رقم 98بشأن تطبيق مبادئ التنظيم
والمفاوضة الجماعية.4
كما أفرز تطبيق أحكام الفصل ،166إجتهادات فقهية مختلفة فإعتبر البعض 5منها ّ
أن عدم ذكر المشرع
لعبارة "النائب النقابي" ،دليل على إستبعاده من مجال هذه الحماية ،و ذهب البعض اآلخر إلى القول ّ
بأن
عبارة " نائب العملة " وردت في صياغة عامة و بالتالي ّ
فإن النائب النقابي ليس سوى نائب للعملة. 6
نتيجة لغموض أحكام الفصل 166من مجلة الشغل أقر المشرع وضع حد لهذا الغموض من خالل تنقيح
أحكامه بموجب قانون 2007بعد مصادقة البالد التونسية على إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 135
المتعلقة بممثلي العملة الصادرة سنة . 7 1989
1فاخر بن سالم ،المراقبة القضائية كوسيلة لحماية التشغيل ،المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي عدد 2و 3لسنة ،1987ص 79
2قرار تعقيبي مدني عدد 11463مؤرخ في 11جانفي ،1975ذكره فاخر بن سالم ،مقا ل ذكر سابقا ،ص 79
3صادقت البالد التونسية على هذه اإلتفاقية بتاريخ 18جوان 1957
4صادقت البالد التونسية على هذه اإلتفاقية بتاريخ 15ماي 1957
5هاجر بن حويذق " :المصالحة لدى تفقدية الشغل" ،مذكرة للحصول على شهادة الماجستير في قانون العقود و اإلستثمارات ،كلية الحقوق و
العلوم السياسية بتونس ،2009- 2008 ،ص 10
6حافظ العموري :طرد النائب النقابي ،المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي ،العدد 9لسنة ،2004ص 117و 123
7صادقت عليها البالد التونسية بموجب القانون عدد 15لسنة 2007المؤرخ في 12مارس 2007
51
ب -مجال الرقابة اإلدارية بعد تنقيح مجلة الشغل سنة :2007
بمناسبة تنقيح الفصل 160من مجلة الشغل سنة 2007و ّسع المشرع من دائرة العملة المحميين بموجب
المراقبة السابقة لعملية طردهم لتشمل النائب النقابي إلى جانب ممثلي العملة ،و ذلك لغاية الحدّ من سلطة
المؤجر التأديبية و تدعيم مبدأ التناسب إذ في صورة إخالل المؤجر بإجراءات عرض العامل على تفقدية
الشغل يعتبر الطرد تعسفيا موجبا للتعويض.
أقر الفصل 166من مجلة الشغل ،حماية ممثلي العملة من الطرد من خالل بسط رقابة إدارية قبل أن
يتخذ المؤجر قراره (أ) هذه الرقابة تشمل أيضا النائب النقابي (ب).
كعمال
العمال داخل المؤسسة بنوع من اإلزدواجية في عالقتهم بالمؤجر ،فهم ّ
و تتميز وضعية ممثلي ّ
للعمال يكونون في حاجة إلى
يوجدون في تبعية إزاء مؤجرهم و يخضعون لنفوذه التأديبي ،لكنهم كممثلين ّ
إستقالليّة تسمح لهم بممارسة مهامهم بمصداقية ،و هذا ما يفترض تكريس حماية قانونية خاصة بهم إزاء
نفوذ المؤجر 4نص عليها المشرع صلب الفصل 166من مجلة الشغل حيث يجب على المؤجر كلما إعتزم
طرد عضو رسمي أو مناوب ممثل للعملة باللجنة اإلستشارية للمؤسسة أن يعرض ذلك على هذه اللجنة
ألخذ رأيها في الغرض ،كما يتعين عليه بعد ذلك عرض المسألة ع لى المدير العام لتفقدية الشغل
والمصالحة و الذي يبدي رأيه معلال في أجل ال يتجاوز عشرة أيام من تاريخ تعهده ّ ،أما إذا إعتزم المؤجر
طرد نائب للعملة ،سواء كان رسميا أو مناوبا ،فإنه يتعين عليه عرض المسألة مباشرة على المدير العام
لتفقدية الشغل و المصالحة الذي يبدي رأيه معلال في نفس األجل.
الفصول من 157إلى 169من مجلة الشغل ،تحت عنوان "تمثيل العملة بالمؤسسات" 1
المنجي طرشونة و النوري مزيد ،مجلة الشغل المعلق عليها ،ص 193 4
52
كما أضاف الفصل 167من مجلة الشغل 1أحكاما أخرى تنطبق في صورة إرتكاب ممثل العملة خطأ
فادحا ففي هذه الصورة يجوز لرئيس المؤسسة أن يقرر حاال توقيف المعني باألمر عن العمل ،مع إعالمه
بذلك في أجل أقصاه 3أيام بمكتوب مضمون الوصول ،و يتعين إتخاذ القرار النهائي بشأنه في أجل ال
يتجاوز شهرا بداية من ت اريخ اإليقاف عن العمل ،و هي نفس اآلجال التي يتعين على المؤجر إحترامها
عند عزمه طرد عامل عادي ،و بما ّ
أن العامل الذي له صفة ممثل للعملة داخل المؤسسة يخضع مثل بقية
نص عليها الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة ،
العامة للطرد التأديبي التي ّ
العمال إلى اإلجراءات ّ
ّ
العامة و اإلجراءات الخاصة التي نص
ّ ّ
فإن السؤال يبقى مطروحا حول إمكانية الجمع بين تلك اإلجراءات
عليها الفصالن 166و 167من مجلة الشغل المتعلّقة بطرد ممثلي العملة ،بمعنى أنه في صورة طرد
عضو باللجنة اإلستشارية للمؤسسة ،هل يتعين على المؤجر أن يعرض الموضوع على هذه اللجنة ألخذ
رأيها في الغرض ث ّم يحيل األجير على مجلس التأديب قبل أن يتبع اإلجراءات اإلدارية المتعلّقة بعرض
المسألة على المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة؟
لكن هذا الحلّ يتعارض مع أحكام الفصل 166من مج لة الشغل الذي ينص على عرض الموضوع على
اللجنة اإلستشارية ألخذ رأيها في الغرض ،إضافة إلى ّ
أن المشرع لم يستعمل عبارة "بوصفها مجلس
مما يدلّ على أنه يتعين إستشارة اللجنة بتركيبتها العادية بغض النظر عن وجوب إحالة األجير
تأديب" ّ
أمام مجلس التأديب و تمكينه من حقوق الدفاع.
أما إذا تعلق األمر بطرد نائب للعملة ليست له صفة عضو باللجنة اإلستشارية للمؤسسةّ ،
فإن اإلشكال
يطرح حول مدى إمكانية إلتئام مجلس التأديب ،ذلك أنه ال توجد في هذه الحالة لجنة إستشارية يمكن أن
تلتئم كمجلس تأديب ،و بالتالي ّ
فإن إجتماع نائب العملة مع رئيس المؤسسة سوف يقوم مقام إجتماع اللجنة
أن مجلس التأديب سوف يتكون من رئيس المؤسسة و نائب العملة ّ ،
لكن هذا اإلستشارية ،3وهذا يعني ّ
األمر ال يستقيم ألنه ال يجوز لرئيس المؤسسة أن ينتصب في نفس الوقت طرفا و حكما ،لهذا كان ال بدّ أن
يتكون مجلس التأديب من رئيس المؤسسة و نائب العملة الذي له صفة مناوب للنائب الرسمي.
1تجدر اإلشارة إلى أ ّن قانون 2أفريل 2007لم يدخل أيّة تعديالت على أحكام هذا الفصل
2أحمد النوري ،طرد األجير ألسباب تأديبية ،رسالة لنيل شهادة الماجستير في القانون اإلجتماعي ،كلية الحقوق بصفاقس ، 2008- 2007 ،ص
85
3الفصل 164فقرة 2من مجلة الشغل
53
نص
عالوة على ذلك يطرح طرد أجير له صفة نائب للعملة إشكاال في صورة تلبسه بأحد الجرائم التي ّ
مما يبرر طرده دون عرضه على مجلس التأديب ودون
عليها الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة ّ
المرور أيضا باإلجراءات الواردة بالفصل 166من مجلة الشغل ،و على الرغم من عدم وجود إجابة
واضحة على مستوى النصوص ّ ،
فإن حال ة التلبس ال يمكن أن تبرر عدم تطبيق إجراءات الفصل 166
كلما تعلق األمر بطرد أحد نواب العملة فهي إجراءات تقوم على أحكام آمرة و تتعلق بالنظام العام وبالتالي
ال يجوز إزاحتها.1
و في كل الحاالت سواء تعلق األمر بطرد عضو باللجنة اإلستشارية للمؤسسة أو أحد نواب العملة ،فإنه
يتعين أن يعرض الموضوع على المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة إلبداء رأيه في أجل ال يتجاوز
عشرة أيام من تاريخ تعهده ،و ذلك حسب مقتضيات الفصل 166من مجلة الشغل فأحكام هذا الفصل
تنسحب على جميع الحاالت المتعلقة بطرد أحد ممثلي العملة.
و حتى إذا كان الفصل 167من مجلة الشغل يسمح للمؤجر أن يقرر حاال إيقاف األجير عن العمل في
فإن ذلك ال يعني ّ
أن إتباع اإلجراءات التي صورة إرتكابه لخطأ فادح ،قبل إتخاذ القرار النهائي بشأنهّ ،
نص عليها هذا الفصل تغني عن ضرورة عرض الموضوع على المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة
ّ
إلبداء رأيه في الموضوع ،و بعبارة أخرى ّ
فإن "القرار النهائي" الذي تحدث عنه الفصل المذكور هو
القرار الذي يتخذ بعد إتباع اإلجراءات التأديبية ،أي عرض األجير على مجلس التأديب و كذلك بعد إتمام
اإلجراءات اإلدارية و المتمثلة في الحصول على رأي المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة ،فال يكفي
إذا إيقاف األجير عن العمل ،كإجراء تحفظي ث ّم إحالته على مجلس التأديب و إتخاذ قرار الطرد دون
عرضه على الجهاز اإلداري لتفقدية الشغل ،ففي مثل هذه الحالة يكون الطرد تعسفيا لخرق اإلجراءات
الواردة بالفصل 166ممن مجلة الشغل.2
لكن أح كام هذا الفصل أثارت إختالفا فقهيا حول المقصود بعبارة نواب العملة و مدى شموليته للنواب
النقابيين و بموجب التنقيح الذي شهده الفصل 166من مجلة الشغل وسع المشرع من دائرة الحماية لتشمل
النواب النقابيين .
النوري مزيد ،آثار التتبع الجزائي ضد ّ األجير على العالقة الشغلية ،مجلة دراسات قانونية ،2005عدد ، 12ص 143 1
أنظر في هذا اإلتجاه القرار التعقيبي المدني عدد 3743مؤرخ في 12مارس ،1981غير منشور 2
54
ب -حماية النائب النقابي تدعم مبدأ التناسب:
أصبح من الضروري توفير حماية للنائب النقابي خصوصا عند مصادقة المشرع التونسي على اإلتفاقية
رقم 135المتعلقة بممثلي العملة التي أكدت في المادة األولى منها على ضرورة توفير الحماية الفعلية
لممثلي العملة في المؤسسات من أي تصرفات تضر بهم بما فيها التسريح أو التصرفات التي تتخذ بسبب
أنشطتهم أو عضويتهم النقابية أو بسبب إشتراكهم في أنشطة نقابية.
عرفت المادّة الثالثة من هذه اإلتفاقية ممثلو العملة بكونهم "األشخاص الذين يعترف لهم بهذه الصفة
كما ّ
بموجب القوانين أو الممارسات الوطنية ،و كذلك سواء كانوا ممثلين نقابيين أي ممثلين تع ّينهم أو تنتخبهم
عمال المؤسسة بحرية وقفا ألحكام
النقابات أو أعضاء هذه النقابات ،أو ممثلين منتخبين أي ممثلين ينتخبهم ّ
القوانين أو اللوائح الوطنية أو اإلتفاقيات الجماعية ،و ال تتضمن مهامهم أنشطة تعتبر من إختصاص
النقابات وحدها في البلد المعني".
حرصا من المشرع على مالئمة التشريع الوطني ألحكام اإلتفاقية الدولية ،و تطبيقا ألحكام الفصل 20من
نص على ّ
أن "المعاهدات الموافق عليها من قبل المجلس النيابي و المصادق عليها، دستور 2014الذي ّ
أعلى القوانين و أدنى من الدستور" ،ت ّم تنقيح مجلة الشغل بموجب القانون عدد 19لسنة 2007المؤرخ
في 2أفريل ، 1 2007بهدف توسيع ميدان الحماية التشريعية لتشمل النائب النقابي ،حيث أقر الفصل
169مكرر من مجلة الشغل أنه " تنطبق أحكام الفقرة األولى من الفصل 165و أحكام الفصلين 166و
167من هذه المجلة على الممثلين النقابيين" ،كما تضبط التسهيالت الممنوحة لهم بموجب اإلتفاقيات
المشتركة حسب منطوق الفصل 169ثالثا من نفس المجلة ،إضافة إلى ّ
أن الحق النقابي هو حق
دستوري ،2إالّ ّ
أن فقه القضاء التونسي كان س ّباقا في تعميم اإلجراءات الحمائية على النواب النقابيين وذلك
منذ ،1978حيث إستندت محكمة التعقيب 3إلى تأويل واسع لعبارة "نائب العملة" التي إستعملها المشرع
للعمال سواء كان
في الفصل 166من مجلة الشغل لتستنتج أن هذه العبارة تشمل كل من له صفة ممثل ّ
نائبا نقابيا أم ال.
و مع تنقيح 2007أصبح العامل النقابي يتمتع بحماية تشريعية تجاه قرار الطرد الذي يسلطه المؤجر ،لكن
الحل الذي كرسه المشرع صلب الفصل 169مكرر من مجلة الشغل قد يثير بعض الصعوبات في التطبيق
بإعتباره يحيل إلى أحكام الفصلين 166و 167من نفس المجلة دون أن يوضح بدقة كيفية تطبيق
اإلجراءات التي تضمنها الفصل 166بالنسبة للنائب النقابي.
1تمّ بموجب هذا القانون تنقيح الفصل 166من مجلة الشغل ،و إضافة الفصول 166مكرر 169 ،مكرر و 169ثالثا
2الفصل 35من دستور " 2014حرية تكوين األحزاب و النقابات و الجمعيات مضمونة"
الفصل 36من دستور " 2014الحق النقابي بما في ذلك حق اإلضراب مضمون"
3قرار تعقيبي مدني عدد 1672مؤرخ في 2نوفمبر ، 1978نشرية محكمة التعقيب ،1978جزء ،2ص 132
55
فهذا الفصل حسب صياغته الجديدة تضمن في فقرته األولى إجراءات خاصة بطرد ممثل العمال الذي له
صفة عضو في اللجنة اإلستشارية للمؤسسة ،و تضمن في فقرته الثانية إجراءات خاصة بطرد نائب العملة
و الذي ينتخب في حالة عدم توفر الشرط العددي إلرساء لجنة إستشارية للمؤسسة ،و يتمثّل الفرق بين
الفقرتين في ّ
أن إجراءات الطرد حسب الفقرة األولى تتضمن ضرورة عرض المسألة مسبقا على اللجنة
اإلستشارية للمؤسسة ألخذ رأيها في الموضوع ،و ذلك قبل عرض الموضوع على المدير العام لتفقدية
الشغل و المصالحةّ ،أما بالنسبة لطرد نائب العملة فإنه يستوجب فقط عرض الموضوع على المدير العام
لتفقدية الشغل إلبداء رأيه طبقا ألحكام الفقرة الثانية من الفصل ، 166فهل يتعين بالنسبة للعامل النقابي
تطبيق أحكام الفقرة األولى أم الفقرة الثانية من الفصل 166من مجلة الشغل؟
لم يقدّم المشرع إجابة واضحة على هذا السؤال ،لذا إعتبر البعضّ 1
أن الحلّ األنسب و األكثر تالءما مع
روح القانون هو تطبيق أحكام الفقرة األولى بالنسبة للمؤسسات التي يتعين أن توجد فيها لجنة إستشارية
للمؤسسة ،أي كلّما كانت المؤسسة تشغّل أربعين عامال قارا على األقلّ ،أما إذا كان العامل النقابي منتميا
إلى مؤسسة يتعين فيها إنتخاب نواب للعملة دون إرساء لجنة إستشارية بإعتبار ّ
أن عدد العمال القارين
يساوي أو يفوق العشرين و أقل من األربعين فإنه يقع اإلقتصار على تطبيق أحكام الفقرة الثانية من الفصل
166من مجلة الشغل.
لكن في الحالتين يبقى عرض المسألة على المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة وجوبيا ،كما يبقى
عرض النائب النقابي على مجلس التأديب أمرا ضروريا قبل إتخاذ القرار النهائي في شأنه.
عموما ،تبقى الحماية الممنوحة للنائب النقابي هي حماية إجرائية باألساس ،و بالتالي فقد تلجأ النقابات إلى
اإلضراب لتعويض هذه الحماية اإلجرائية بحماية أصلية و فعلية و هو إضراب تضامني غير مشروع من
،نظم المشرع اإلضراب الشرعي ،و إعتبره حقا دستوريا وفقا للفصل 36من دستور 2014كماجهته ّ
ّ
نظمه المشرع صلب مجلة الشغل و ضبط شروطه و كيفية ممارسته في الباب الثالث من الكتاب السابع
تحت عنوان "تسوية نزاعات الشغل الجماعية" ،بمعنى ّ
أن اللجوء إلى اإلضراب يقتضي بالضرورة وجود
نزاع شغل جماعي بين األجراء و المؤجر قائما على أسباب مهنية.
إضافة إلى ذلك يجب أن تتوفر في اإلضراب عدّة شروط إجرائية ليتم إكساءه الصبغة الشرعية ،و جاءت
هذه الشروط تكريسا لمبدأ المساواة بين األطراف المتنازعة من خالل إلزام المؤجرين و العمال بإتباع
نص الفصل 376من مجلة الشغلى
نفس اإلجراءات عند إتخاذ قرار اإلضراب أو الصدّ عن العمل ،حيث ّ
ضرورة "عرض كل صعوبة تنشأ بين المؤجرين و العملة من شأنها أن تثير نزاع نزاع شغل جماعي
أحمد النوري ،طرد األجير ألسباب تأديبية ،مرجع سابق ،ص 89 1
56
فض الخالف
على اللجنة اإلستشارية للمؤسسة قصد إيجاد حلول لها ترضي طرفي النزاع ،و إذا لم يت ّم ّ
داخل المؤسسة يقع عرضه وجوبا من قبل أكثر الطرفين حرصا على المكتب الجهوي للتصالح و عند
التعذر على تفقدية الشغل المختصة ترابيا".
يستنتج من خالل هذا الفصل وجوبية عرض النزاع على اللجنة اإلستشارية للمؤسسة للقيام بالمحاولة
الصل حية بين األطرافّ ،أما في صورة عدم وجود لجنة إستشارية داخل المؤسسة يتعين إجراء المحاولة
الصلحية من خالل إجتماع رئيس المؤسسة أو من يمثّله و نائب العملة ،حيث ّ
أن هذا األخير يمارس نفس
المهام المنوطة بعهدة ممثلي العملة باللجنة اإلستشارية للمؤسسة ،و تقوم اإلجتماعات التي يعقدها رئيس
المؤسسة معه مقام إجتماعات هذه اللجنة.1
و قد تؤدي المحاولة الصلحية إلى نتيجة إيجابية من خالل الوصول إلى حلّ يرضي الطرفين ،كما يمكن
أن تؤدي إلى نتائج سلبية ،حينئذ يتعين المرور إلى مرحلة التصالح خارج المؤسسة فيقع عرض الخالف
وجوبا على ال مكتب الجهوي للتصالح و عند التعذر على تفقدية الشغل المختصة ترابيا ،2و يعقد متفقد
الشغل الجلسة الصلحية بحضور طرفي النزاع كما يقترح حلوال توفيقية 3إلنهاء النزاع و إنجاح المحاولة
يحرر محضرا يتضمن نتيجة هذه المحاولة و يختم بإمضاء جميع األطراف
الصلحية ،و في نهاية الجلسة ّ
إذا كانت نتيجتها إيجابية و يلغى بذلك قرار اإلضراب .
ّأما في صورة فشل المحاولة الصلحية ،يحرر متفقد الشغل محضرا في عدم الصلح يدون فيه نقاط
الخالف و أسبابه و يعد ملفا خاصا بالمؤسسة المعنية يحتوي على محضر التنبيه و محاضر الجلسات
الصلحية و التحقيقا ت المتعلّقة بأسباب النزاع و إقتراحاته و يحيلها على لجان التصالح المختصة ،و إذا
تعلق النزاع بمؤسسة تنتصب داخل والية واحدة يقع عرض النزاع على اللجنة الجهوية للتصالح طبقا
لمقتضيات الفصل 377من مجلة الشغل ّ ،أما إذا كان اإلضراب يمتد إلى واليتين فأكثر يصبح النزاع من
مشموالت اللجنة المركزية للتصالح ،و تقوم هذه اللجان بالبحث عن الحلول المالئمة و تقترح حلوال في
أجل أقصاه ثمانية أيّام من تاريخ سريان مفعول التنبيه حسب ما ورد بالفصل 380من مجلة الشغل ،في
هذا السياق ،تجدر اإلشارة إلى ّ
أن قرار اإلضراب يجب أن يسبقه تنبيه بعشرة أيّام يوجه إلى الطرف
المعني باألمر و إلى المكتب الجهوي للتصا لح أو إن تعذر ذلك إلى التفقدية الجهوية للشغل المختصة ترابيا
بيد ّ
أن سريان مفعول التنبيه المسبق يكون بداية من إشعار المكتب الجهوي للتصالح أو التفقدية الجهوية
للشغل وفق ما ورد بالفصل 376مكرر من نفس المجلة.
57
و في صورة عدم إحترام الشروط المذكورة لممارسة حق اإل ضراب ،يعتبر هذا األخير تمتد ممارسته
بطريقة غير قانونية و بالتالي يصبح غير شرعيا و تقطع عالقات الشغل بموجبه على معنى الفصل 387
من مجلة الشغل.
عموما سعى المشرع نحو تحقيق مبدأ التناسب بين خطأ األجير و العقوبة التأديبية المسلطة عليه من خالل
إقراره ضرورة فرض رقابة سابقة عند طرد ممثّل العملة داخل المؤسسة أو النائب النقابي من قبل متفقد
الشغل ،و لكي يبلغ المشرع مبتغاه البدّ أن يكون رأي متفقد الشغل ملزما تجاه األطراف المعنية.
المبحث الثاني :طبيعة رأي متفقد الشغل يدعم تكريس مبدأ التناسب:
ترتكز الحماية الواردة صلب الفصل 166من مجلة الشغل على الصفة التمثيلية للعملة التي قد تعرض
صاحبها إلى تعسف المؤجر بسبب مواقفه الدفاعية عن مصالح األجراء الذي يمثلهم و التي قد تتضارب
مع مصلحة المؤسسة ،و لضمان عدم تعسف المؤجر في إصداره قرار الطرد ضدّ ممثلي العمل ،أقر
المشرع إلزامية قرارات متفقد الشغل (الفقرة األولى) ،كما رتّب جزاء في صورة مخالفة رأيه (الفقرة
الثانية).
الفقرة األولى :إلزامية رأي تفقدية الشغل تدعم تحقيق مبدأ التناسب:
تحقيقا للتناسب أ ّكد المشرع على إلزامية رأي تفقدية الشغل في صورة عزم المؤجر طرد ممثّل للعملة (أ)
،على خالف صورة طرد نائب نقابي ،إذ ّ
أن المشرع أقر ضرورة بسط رقابة قبلية على قرار طرده
يمارسها متفقد الشغل دون تحديد مدى إلزامية رأيه (ب)
نص الفصل 166جديد من مجلة الشغل في فقرته الثالثة " :يعتبر الطرد تعسفيا في صورة مخالفة رأي
ّ
المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة إالّ إذا أثبت لدى المحاكم المختصة وجود سبب حقيقي و جدي
يبرر الطرد".
عصام األحمر ،إشكاالت في نزاعات الشغل ،الحلول القانونية و اإلجتهادات القضائية ،سيفاء للنشر ،2008 ،ص 296 1
58
و بقراءة عكسية ألحكام هذا الفصل يستنتج ّ
أن رأي المدير العام لتفقدية الشغل بخصوص الرقابة السابقة
لعملية طرد ممثّل العملة ملزمة تجاه المؤجر إالّ إذا أثبت هذا األخير لدى المحاكم المختصة وجود سبب
حقيقي و جدي يبرر الطرد.
ب -مدى إلزامية رأي متفقد الشغل في صورة تسوية نزاع شغل جماعي:
في صورة تسوية نزاعات الشغل الجماعية أقر المشرع عرض كلّ صعوبة تنشأ بين األجير و المؤجر
على تفقدية الشغل إلجراء محاولة صلحية في صورة فشل المحاولة الصلحية التي تقوم بها اللجنة
النزاع4 اإلستشارية للمؤسسة ، 3فيقوم متفقد الشغل بإستدعاء األطراف و إقتراح حلول مناسبة إلنهاء
و يحرر محضر جلسة صلحية يتضمن نتيجة ما توصل إليه.
لكن المشرع لم يعرف محاضر المصالحة و لم يحدد مدى إلزاميتها تجاه األطراف .و بالرجوع إلى الفصل
أن "المحضر ال يعتمد كحجة إالّ إذا كان من الوجهة
155من مجلة اإلجراءات الجزائية الذي أ ّكد على ّ
محررا طبق القانون"...
الشكلية ّ
1حافظ العموري ،عقد الشغل من خالل تنقيح ،1994المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي عدد 7لسنة ،1995ص 24
2حافظ العموري ،عقد الشغل من خالل تنقيح ،1994مرجع سابق ،ص 29
3الفصل 376من مجلة الشغل
4الفصل 380من مجلة الشغل
59
كما إختلفت اآلراء حول إعتبار محاضر المصالحة حجج رسمية أم ال ،فالبعض أقر ّ
أن محاضر متفقد
الشغل هي حجج رسمية إستنادا لمقتضيات الفصل 154من مجلة اإلجراءات الجزائية كما أنها تتمتع
نص الفصل 174في فقرته األخيرة أنه " يمكن ألعوان تفقدية الشغل ّ بالقوة الملزمة ،1إضافة إلى ذلك
ّ
كلما رأوا ضرورة في ذلك"، العامة عند قيامهم بمهاهم ّ
ّ بالقوة
ّ بصفتهم أعوان ضابطة عدلية اإلستعانة
بموجب هذا الفصل أقر المشرع ّ
أن لمتفقدي الشغل صفة الضابطة العدلية على معنى الفصل 10من مجلة
اإلجراءات الجزائية الذي ينص على أنه " يباشر وظائف الضابطة العدلية تحت إشراف الوكيل العام
للجمهورية و المدعين العموميين لدى محكمة اإلستئناف ،كل في حدود منطقته من سيأتي ذكرهم- 6...
أعوان اإلدارات الذين منحوا بمقتضى قوانين خاصة السلط الالزمة للبحث عن بعض الجرائم أو تحرير
القوة الثبوتية للحجة الرسمية.2 التقارير فيها".و هو ما يؤكد ّ
أن ما يشهد به متفقد الشغل يحرز على ّ
ّأما البعض اآلخر ، 3فقد أنكر صبغة الحجة الرسمية عن محاضر المصالحة التي تتضمن إتفاقا على
تسوية نزاع شغلي ،و إعتبر ّ
أن هذه المحاضر ال تتوفر فيها مقومات الحجة الرسمية حسب الفصل 442
من مجلة اإللتزامات و العقود الذي إعتبر ّ
أن " الحجة الرسمية هي التي يتلقاها المأمورون المنتصبون
لذلك قانونا في محل تحريرها على الصورة التي يقتضيها القانون".
لكن هذا ال ينفي القيمة القانونية لمحضر المصالحة ،إذ يتعين النظر إليه بإعتباره إتفاقا بالمفهوم المدني
حيث ي تضمن توافق اإلرادة بين الطرفين المعنيين على المسائل التي وقع اإلتفاق على تسويتها ،و قد
يعتبر أيضا صلحا على معنى الفصل 1458من مجلة اإللتزامات و العقود 4إذا كان يتضمن تنازال من
الجانبين عن بعض مطالبهما من أجل وضع حدّ للنزاع عبر حل توافقي يأخذ بعين اإلعتبار مصلحتهما
معا ،لهذا السبب يعتبر إمضاء األطراف المعنية على محضر المصالحة بمثابة إلتزام لهم بما تضمنه ذلك
المحضر إنطالقا من مبدأ نسبية العقد حسب الفصل 240من نفس المجلة.5
و عموما يمكن القول أنه رغم وجوبية المحاولة الصلحية التي يقوم بها متفقد الشغل ّ
فإن األطراف غير
ملزمين بقبول نتائجها إالّ إذا إلتزموا بما تضمنه ذلك المحضر ،فالملزم هو عرض العامل النقابي أو ممثل
العملة على متفقد الشغلّ ،أما موقف هذا األخير فهو يعتبر ملزما في صورة قبوله من قبل األطراف
المعنية و إلتزامهم به.
1هاجر بن حويذق ،المصالحة لدى تفقدية الشغل ،مذكرة للحصول على شهادة الماجستير في قانون العقود و اإلستثمارات ،كلية الحقوق و العلوم
السياسية بتونس ،2009- 2008ص 74
2ها جر بن حويذق ،المصالحة لدى تفقدية الشغل ،مرجع سابق ،ص 75
3النوري مزيد ،تسوية النزاعات المهنية؛ أي دور إلدارة العمل ،الجمعية التونسية لمتفقدي الشغل ،ص 24
4الفصل 1458من مجلة اإللتزامات و العقود " :الصلح عقد وضع لرفع النزاع و قطع الخصومة و يكون ذلك بتنازل كل من المتصالحين عن
البعض من مطالبه أو بسليم شيء من المال أو الحق"
5الفصل 240من مجلة اإللتزامات و العقود " :ال يلزم العقد إالذ العاقدين و ال ينجر منه ل لغير ضرر و ال نفع إال ّ في الصور التي ّ
نص عليها
القانون"
60
في كل الحاالت سواء تعلق األمر بطرد ممثّل العملة أو بتسوية نزاع شغل جماعي أ ّكد المشرع على
ضرورة عرض الموضوع على متفقد الشغل لغاية التوفيق بيم مصالح المؤسسة و مصالح العمال كما أقر
جزءا على مخالفة هذا األجراء.
الفقرة الثانية :تبعات عدم إحترام اإلجراءات اإلدارية و دورها في تحقيق مبدأ التناسب:
يعتبر الطرد دون عرض المسألة على المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة طردا تعسفيا 1موجبا
نص الفصل 23مكرر من مجلة الشغل على مقدار الغرامة لجبر الضرر الناشئ عن
ّ للتعويض حيث
الطرد التعسفي التي "يتراوح مقدارها بين شهر و أجر شهرين عن كلّ سنة أقدمية بالمؤسسة على أن ال
تتجاوز هذه الغرامة في جميع الحاالت أجر ثالث سنوات ،و يتولى القاضي تقدير وجود و مدى الضرر
جراء هذا الطرد بناء بالخصوص على الصفة المهنية للعامل و أقدميته بالمؤسسة و سنّه
الحاصل من ّ
و أجره و وضعيته العائلية و تأثير هذا الطرد على حقوقه في التقاعد ،و مدى إحترام اإلجراءات و ظروف
األمر الواقع ،غير أنه في الحالة التي يتبين فيها ّ
أن الطرد وقع لوجود سبب حقيقي و جدي و لكن دون
إحترام اإلجراءات القانونية أو التعاقدية ّ
فإن مقدار الغرامة يتراوح بين أجر شهر و أجر أربعة أشهر ،
ويقع تقدير الغرامة حسب طبيعة اإلجراءات و تأثيرها على حقوق العامل".
سوى بين العامل العادي و ممثل العملة على مستوى التعويضات في هذا اإلطار ،يالحظ ّ
أن المشرع ّ
المترتبة عن إستعمال المؤجر نفوذه و طردهم طردا تعسفيا و كان األجدر أن يخص المشرع ممثلي
العملة بحماية خاصة على مس توى التعويضات و ذلك بإلغاء الحدّ األقصى للغرامات 2و جعل الحرية
للقاضي في تقديرها حتى يضع حدّا أمام المؤجر عند طرد ممثّل للعملة.
61
الغرامة يتراوح بين أجر شهر و أجر شهرين عن كل سنة أقدمية بالمؤسسة على أن ال تتجاوز هذه
الغرامة في جميع الحاالت أجر ثالث سنوات.
و يطرح التساؤل في هذا اإلطار حول مبلغ التعويض الذي يتحصل عليه ممثّل العملة عند طرده ،هل هو
المبلغ الوارد بالفقرة األولى أو الوارد بالفقرة الثانية من الفصل 23مكرر.
في غياب نص صريح بمجلة الشغل بخصوص هذه المسألة فإنه يتجه تقصي ن ّية المشرع من خالل أحكام
الفصل 166من مجلة الشغل إذ أنه قد سعى إلى توفير الحماية القانونية لنائب العملة و ذلك بإلزام المؤجر
بأخذ رأي المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة قبل إتخاذ قرار الطرد و لن تكون لهذا اإللزام أهمية إذا
لم يكن مصحوبا بجزاء رادع يسلط عند المخالفة ،و تبعا لذلك ّ
فإن حماية نائب العملة تقتضي إعتبار الطرد
دون عرض المسألة على تفقدية الشغل طردا تعسفيا .
إعتبارا ألهمية مبالغ الغرامات التي يمكن أن تسلط على المؤجر المخالف ،1كذلك هو الشأن بالنسبة
لنزاعات الشغل الجماعية حيث يعتبر طرد المؤجر للعامل دون القيام باإلجراءات و المصالحة و عرض
األمر على تفقدية الشغل طردا تعسفيا موجبا للتعويض ،نظرا لما لهذا الطرد من إنعكاس على المستوى
اإلجتماعي2 اإلقتصادي و
عموما يمكن القول أنه كان على المشرع أن يهتم أكثر بإجراءات الرقابة اإلدار ية السابقة لعمليات الطرد
و تحديد محتواها بكل دقّة حتى تحقق الهدف األساسي من وراء تشريعها و هو الحدّ من سلطة المؤجر في
تسليط العقاب و فتح باب مشاركته في أخذ القرار حتى ال يتعسف و حتى ال يسلط عقوبة غير متناسبة مع
الخطأ المنسوب للعامل ،لكن تبقى الرقابة اإلداري ة لعمليات الطرد من القيود التي تحدّ من السلطة التأديبية
المشرع م ّكن األجير بصفة عامة من الحق في
ّ للمؤجر رغم أنها ال تشمل إالّ صنفا معينا من العملة ،إالّ ّ
أن
أن طرده من العمل كان طردا تعسفيا و بالتالي أراد المشرع اللجوء إلى المحاكم المختصة كلّما تراءى له ّ
بسط رقابة الحقة لتسليط العقاب ضمانا للتناسب و تتمثّل هذه الرقابة في الرقابة القضائية .
عصام األحمر ،إشكاالت في نزاعات الشغل ،سيفاء للنشر ،2008ص 79 1
62
الفصل الثاني :ال سلطة التقديرية للقاضي في تكريس مبدأ التناسب:
تخضع السلطة التأديبية التي يتمتع بها المؤجر إلى رقابة تسلط عليها قبل إتخاذ العقوبة ضدّ العامل،
وتهدف هذه الرقابة إلى مشاركة المؤجر في إتخاذ القرار و لو نسبيا و تختلف نجاعتها حسب إحترام
المؤجر إلجراءاتها ،و إعتبارا لذلك دعت الضرورة لتدخل هيكل آخر يقوم بالرقابة على سلطة العقاب ،
لما تمثله هذه األخيرة من أهميته و لما تشكله من خطورة على إستقرار العامل ،و على وضعيته في
المؤسسة و هو ما إنعكس على الوضع العام داخل هذه األخيرة خاصة على مستوى سلطات المؤجر حيث
وقع التقليص من الهيمنة التي يمارسها على أساس الملكية ليصبح للقاضي شيئا فشيئا دور في مراقبة هذه
السلطة و تحديدا في مراقبة مدى تناسب العقوبة التي يسلطها المؤجر م ع الخطأ الذي ير تكبه األجير،
و بالتالي مثلت الرقابة القضائية آخر حاجز أمام سلطة المؤجر في تسليط العقاب إذ تكون الحقة إلتخاذ
العقوبة.
و قد أولى القانون أهمية كبرى للقضاء من خالل تنظيمه و ضبط إخ تصاصه و توزيع المحاكم جغرافيا
و تقسيمها إلى دوائر.
و تختص دوائر الشغل 1بفصل النزاعات الفردية 2التي يمكن أن تنشأ بين األطراف المتعاقدة عند إنجاز
عقد الشغل حسب عبارات الفصل 183من مجلة الشغل ،كما تتمتع هذه الدوائر بالكثير من الخصوصيات
نظرا إلتباعها إجراءات مبسطة و سريعة.
من جهتها ضبطت مجلة الشغل في كتابها الخامس "نزاعات الشغل الفردية" تحت عنوانها الوحيد
"المحاكم المهنية" 3طرق و إحداث و نظام سير دوائر الشغل و اإلجراءات المتبعة لديها و طرق الطعن
في األحكام الصادرة عنها.
أن المشرع غلّب الطابع المهني على الطابع القضائي لدوائر الشغل من خالل حضور ّ
نواب و المالحظ ّ
عن األجراء و ا لمؤجرين أثناء الجلسة يقع تعيينهم بمقتضى أمر لمدّة سنتين مع إمكانية ال تجديد ،و السبب
مما يجعله يجهل
من إقرار وجود مؤجرين ضمن تركيبة دائرة الشغل هو بعد القاضي عن األوساط المهنية ّ
الكثير .
1بموجب القانون عدد 55لسنة 1977المؤرخ في 3أوت 1977و المنقح لمجلة الشغل ،وقع تغيير "مجلس العرف" بعبارة "دوائر الشغل"
2بعض النزاعات خارجة عن إختصاصها كالنزاعات الجماعية المتمثلة في الدعاوى التي تقوم بها النقابات ضد ّ المؤجرين ،النزاعات المتعلّقة
بالضمان اإلجتماعي و حوادث الشغل
3الفصول من 183إلى 232من مجلة الشغل
63
لكن المتمعن في فصول مجلة الشغل ال يجد إشارة إلى ضرورة مراقبة القاضي لل تناسب بين العقوبة التي
يسلطها المؤجر و الخطأ المرتكب ،على خالف اإلتفاقية اإلطارية المشتركة التي نصت في فصلها 38
على ّ
أن "تدخل مجلس التأديب ال يشكل حاجزا أمام حق األطراف لعرض النزاع أمام المحاكم المختصة".
في المقابل ،نص المشرع الفرنسي في قانون 4أوت 1982ا لمتعلق بالسلطة التأديبية صراحة على تدخل
القاضي لمراقبة تناسب العقوبة التأديبية مع خطأ األجير ، 1و يهدف هذا القانون لتأطير سلطة المؤجر بما
فيها تحقيق التناسب ،حماية للعملة و ضمانا لتوازن السلطات داخل المؤسسة ،بالتالي يبقى المؤجر حرا
في إختيار العقوبة التي يسلطها إالّ ّ
أن قراره يخضع لرقابة على تناسبها مع الخطأ المرتكب من جهة
العامل فتكون رقابة القاضي متسلطة على خطورة الفعلة.2
ّأما بالنسبة للقانون التونسي و نظرا لعدم تنظيم المشرع رقابة القاضي للتناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ
األجير ،فقد لعب فقه القضاء دورا هاما في هذا المجال من خالل إجتهاده لتكريس مبدأ التناسب في العديد
من المناسبات.
و لفهم ماهية الرقابة القضائية لتكريس مبدأ التناسب ال بدّ من تحديد مجالها (المبحث األول) و بيان مآلها
(المبحث الثاني).
المبحث األول :مجال الرقابة القضائية للتناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير:
ّ
إن السلطة التأديبية التي يمارسها المؤجر هي أشد وقعا على نفس العامل من سلطة التسيير اإلقتصادي
للمؤسسة إذ هي تمس مباشرة بكرامته و بوضعيته داخل المؤسسة و هي أخطر سالح يشهره المستأجر في
وجه األجير لحمله على اإلنضباط ،3و لذلك يقف القاضي الشغلي كحاجز أمام تعسف المؤجر و يمارس
رقابته لمبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية و الخطأ المرتكب من طرف األجير و ذلك من خالل التحقق من
األفعال المنسوبة للعامل (الفقرة األولى) و ضبط معايير لتقدير خطورة هذه األفعال و مدى تبريرها
للعقوبة (الفقرة الثانية).
ال يتمكن القاضي من تقدير مدى تناسب العقوبة مع الخطأ المرتكب إالّ إذا مارس رقابته على هذا األخير
و ذلك بالنظر في أسباب إرتكابه و خطورته ،إذ ّ
أن نجاعة الرقابة بصفة عامة تتحقق بالرقابة التي
64
يسلطها القاضي على األفعال المنسوبة للعامل من خالل إجراء رقابته على مادية هذه األفعال (ب) إعتمادا
على وسائل اإلثبات المقدّمة له من الطرفين (أ).
يعرف اإلثبات من الناحية القانونية بأنه إقامة الدليل أمام القضاء على صحة الواقعة المتنازع فيها على
ّ
الوجه الذي حدده القانون ، 1و يعتبر اإلثبات في المادة الشغلية من أهم المسائل التي أثارت جدال قانونيا
العامة لإلثبات مع
ّ واسعا على مستوى الكتابات الفقهية و العمل القضائي إعتبارا لضرورة مالئمة القواعد
خصوصية العالقات الشغلية.2
و قد كانت مسألة اإلثبات قبل تنقيح مجلة الشغل سنة 1994تثير صعوبات تطبيقية خاصة ّ
أن المجلة لم
تكن تتضمن أيّة قاعدة تتعلق بإثبات إنتهاء العالقة الشغلية بسبب طرد األجير ،فإثبات عملية الطرد يعد
أمرا صعبا و األصعب منه إثبات الصبغة التعسفية لذلك الطرد.3
و قد ذهب فقه القضاء في مرحلة أول ى إلى تحميل األجير عبئ إثبات إنتهاء العالقة الشغلية بموجب
العامة لإلثبات الواردة بمجلة االلتزامات و العقود تحديدا الفصل 420منها الذي
ّ الطرد تماشيا مع القواعد
ينص على ّ
أن " إثبات اإللتزام على القائم به" ،فيكون على األجير بإعتباره القائم بدعوى الطرد أن يثبت
حصول هذا الطرد كعقوبة تعسفية 4و غير متناسبة مع الخطأ المرتكب من طرفه.
العامة في
ّ و الواضح من خالل هذا القرار ّ
أن فقه قضاء محكمة التعقيب إكتفى بتطبيق القواعد القانونية
تأويل أحكام اإلثبات ف ي المادّة الشغلية دون التأكد من مالئمة هذه القواعد لخصوصية العالقة الشغلية،
الهوة بين طرفي عقد الشغل ،حيث بالتالي ّ
فإن تطبيق الفصل 420من مجلة اإللتزامات و العقود يعمق ّ
تمتد عدم المساواة بينهما من المجال اإلقتصادي و اإلجتماعي إلى المجال القضائي ،و هو ما جعل المحاكم
لتحمل المؤجر عبء إثبات الطرد ،إذ يكفي أن يثبت األجير وجود
ّ تتراجع عن موقفها في مرحلة ثانية
1رضا المزغني ":أحكام اإلثبات" ،معهد اإلدارة العا ّمة ،المملكة العربية السعودية ،سنة ،1985ص 40
2عصام األحمر ":إشكاالت في نزاعات الشغل" ،سيفاء للنشر سنة ،2008ص 284
3لسعد السماوي " :حماية الطرف الضعيف في بعض فروع القانون" ،مجلة بحوث و دراسات قانونية عدد 11لسنة ،2015ص 110
4قرار تعقيبي مدني عدد 9929مؤرخ في 14فيفري ،1974نشرية محكمة التعقيب لسنة ،1974جزء ،2ص 202
5قرار تعقيبي مدني عدد 62324مؤرخ في 12فيفري ،1998نشرية محكمة التعقيب لسنة ،1998جزء ،2ص 392
65
العالقة الشغلية حتى ينقلب عبء اإلثبات على المؤجر ،حيث أقرت محكمة التعقيبّ 1
أن "عبئ التخلي
التلقائي للعامل عن شغله من جانب واحد محمول على المؤجر ضرورة أنه يقع على عاتق األجير إثبات
العالقة الشغلية".
كما إعتبرت أنه " طالما أثبت العامل بوصفه مدعيا في العالقة الشغلية بداية و نهاية و أجرا و أنكر الهفوة
المنسوبة له و تمسك بعدم شرعية الطرد الذي تعرض له ،فإنه على المؤجر بوصفه مدعى عليه إثبات
الهفوة المنسوبة للعام ل كإثبات إحترام اإلجراءات القانونية أو الترتيبية أو التعاقدية".2
من خالل هذا الموقف ،تستشف رغبة القاضي في إيجاد تأصيل قانوني 3لنظام اإلثبات في المادة الشغلية
من خالل تأويل خاص للفصول 562 ،560 ،420من مجلة اإللتزامات و العقود.4
و بناءا على ما تقدم ،إن عدم تقنين المشرع لفقه القضاء في مادة اإلثبات جعل قرارات محكمة تختلف في
توزيعها لعبء اإلثبات ،و هو ما ساهم في خلق التضارب بين ما يمكن تسميته باإلتجاه اإلجتماعي و بين
اإلتجاه المدني فتدخل المشرع إثر ذلك بمقتضى القانون عدد 27لسنة 1994المؤرخ في 21فيفري
1994و المنقح لمجلة الشغل لينهي محاوالت فقه القضاء ،و ذلك بوضع نظام لإلثبات جاء به الفصل 14
خامسا من مجلة الشغل الذي ينص على أنه "يرجع للقاضي تقدير مدى وجود الصبغة الحقيقية و الجدية
ألسباب الطرد و مدى إحترام اإلجراءات القانونية أو التعاقدية المتعلقة به و ذلك بناءا على عناصر
اإلثبات المقدمة له من طرفي النزاع و يمكنه لهذا الغرض اإلذن بإجراء كل وسيلة تحقيق يراها الزمة".
الواضح ّ
أن المشرع خيّر أن يجعل الطرفين على قدم المساواة من حيث إثبات سبب الطرد ،و هو ما
يعطي للقاضي دورا أكثر نجاعة في التثبت من حجج و دفوعات الطرفين و اإلذن بإجراء وسائل التحقيق
التي يراها ضرورية قبل ترجيح كفة هذا الطرف أو ذلك ،و هو ما من شأنه أن يحد من سلبية دور
القاضي و حياده و يضمن سرعة الفصل في النزاع ،و بالتالي اإلنتقال من نظام إتهامي إلى نظام
إستقرائي يلعب فيه القاضي دورا أساسيا و حيويا في البحث عن الحقيقة ،إالّ ّ
أن هذا الدور يبقى إختياريا
بالنسبة له ،حيث ظلّ دوره مقتصرا في حقيقة األمر على إكمال الوسائل و هو ما يمكن أن يستشف من
عدّة نصوص قانونية فقد جاء بالفصل 209من مجلة الشغل" إذا تراءت لدائرة الشغل ضرورة إجراء
ب حث في القضية ّ
فإن هذا البحث يستمر أمام الدائرة بالجلسة العادية أو بجلسة خاصة و يقع إستدعاء
الشهود حسب نفس الصيغ و اآلجال الخاصة بالمدعى عليه".
1قرار تعقيبي مدني عدد 5803مؤرخ في 3جانفي ،1998نشرية محكمة التعقيب لسنة ،1998القسم المدني ،ص 375
2قرار تعقيبي مدني عدد 1519مؤرخ في 27ديسمبر ،2004نشرية محكمة التعقيب لسنة ،2004الجزء الثاني ،ص 451
3الطيب اللومي " :عقد الشغل الفردي و القضاء الشغلي" ،منشورات حيوني ،تونس ،ص 165
4الفصل 560من مجلة اإللتزامات و العقود " :األصل براءة الذمة إلى أن يثبت تعميرها"
الفصل 562من مجلة اإللتزامات و العقود " :األصل بقاء ما كان على ما كان و على من إدعى تغييره باإلثبات"
66
و من الواضح من خالل أحكام هذا الفصل ّ
أن إجراء األبحاث من طرف المحكمة و إستدعاء الشهود هو
أمر إختياري و هي غير ملز مة بذلك و لعل ذلك يقلل من توفير الحماية القضائية لألجير بإعتباره الطرف
الضعيف في العقد و يعزز من سلطات المؤجر.
في نفس السياق ،إعتمدت محكمة التعقيب على أحكام الفصل 209مؤكدة ّ
أن القاضي الشغلي له السلطة
التقديرية للقيام باإلجراءات التي يراها الزمة من بحوث و سماع الطرفين و تلقي ما لديها من وسائل من
ناحية أخرى ،جاء بالفصل 199من مجلة الشغل " كما يمكن للرئيس أن يأذن بإجراء كل وسيلة تحقيق
يراها الزمة" . 1على خالف أحكام الفصل 12من مجلة المرافعات المدنية و التجارية الذي نص على
"ليس على المحكمة تكوين أو إتمام أو إحضار حجج الخصوم".
كرس مبدأ أساسيا و هو مبدأ حياد القاضي ،لكن من الواضح من خالل هذه النصوص القانونية ّ
أن المشرع ّ
يطرح التساؤل حول مدى إلتزام القاضي الشغلي بمبدأ الحياد عندما ينظر في مسألة إثبات عناصر العالقة
الشغلية.
ّ
إن إجراء األبحاث الالزمة عن الحقيقة لم يعد في إطار النظام اإلستقرائي حكرا على القاضي الجزائي بل
األول مطالب بقوة القانون بإجراء األبحاث للتوصل إلى تسليط
شملت أيضا القاضي الشغلي ،و لئن كان ّ
األضواء على األفعال اإلجرامية لغاية التوصل إلى إيقاع العقوبة الالزمة ّ
فإن الثاني يأذن بإجراء األبحاث
الال زمة و التثبت من الحجج التي أحضرها الخصوم لغاية مراقبة العقوبة المسلطة على األجير و تناسبها
مع األفعال التي إرتكبها ،و هو نفس التمشي الذي إنتهجه فقه القضاء الفرنسي بإعتبار ّ
أن الفصل 13- 122
من مجلة الشغل الفرنسية يحمل الطرفين عبء اإلثبا ت ،إضافة إلى الفصل 43- 122من نفس المجلة
الذي يؤكد على دور القاضي في البحث عن الدالئل فهو يحمل المؤجر تبرير عقوبته من جهة لكنه ال يعفي
األجير من تدعيم إدعائه بأدلة قوية من جهة أخرى.
لكن المشرع التونسي لم يتولى توضيح ما المقصود "بإجراء البحث" حيث أنه لم يحدد الوسائل التحقيقية
التي يتخذها في أعماله الكاشفة للحقيقة هذا باإلضافة إلى عدم ذكره للحاالت التي يجب فيها إتخاذ مثل تلك
الوسائل كما لم يضبط معايير تسهل للقاضي عملية إلتجائه إليها ،على عكس المشرع الفرنسي الذي تولى
وضع عنوان لوسائل التحقيق القضائي في المادة المدنية و ذلك من خالل األمر عدد 37- 1122المؤرخ
األول من هذا األمر يالحظ أنه ال
في 17ديسمبر ،21973فباإلطالع على الفصلين 30و 5من الجزء ّ
يمكن اإلذن بإجراء الوسائل التحقيقية إ ّ
ال في الحاالت التي ال تتوفر للقاضي للعناصر الكافية للبت في
1قرار تعقيبي مدني عدد 21649مؤرخ في 31جانفي ،2003ن م ت ،ص ،388ج 2
2سندس الجليسي " :تناسب العقوبة التأديبية مع خطورة المخالفة في قانون الشغل ،رسالة لنيل شهادة الدراسات المعمقة في القانون الخاص ،كلية
الحقوق و العلوم السياسية بتونس ،2007- 2006 ،ص 160
67
النزاع أو تلك التي ال يمكن فيها للمدعي من خالل ما توفر لديه من عناصر إثبات الواقعة المدعى بها ،كما
خول للقاضي اإلنتقال خارج دائرة مرجع نظره للقيام بأعماله
ذهب الفصل 14إلى أبعد من ذلك إذ ّ
التحقيقية أو لمراقبة ما أمر بإتخاذه من وسائل في الغرض .
كما يمكن اإلستناد إلى اليمين الحاسمة و هو التأكيد الحاسم للحقيقة الصادر أثناء إجراء قضائي من قبل
أحد أطراف النزاع الذي يشهد هللا على نفسه و يقسم بإسمه ،4إالّ ّ
أن اليمين الحاسمة ما زالت محور جدل
ال سيما من حيث توجيهها أو من حيث النكول فيها رغم أهميتها في النزاع الشغلي بإعتبارها وسيلة إثبات
إحتياطية ال يلجأ الخصوم إليها في اإلثبات إالّ عندما يعوزه كل دليل آخر. 5
و عموما تحظى هذه الوسيلة بإهتمام كبير على مس توى التطبيق خاصة في صورة غياب الكتب أو ما يثبت
الطرد فهي غالبا ما تمثل مالذ أحد طرفي النزاع الشغلي كلما تعذر عليه إثبات العالقة الشغلية أو إثبات
الطرد التعسفي.
إضافة إلى إمكانية إعتماد وسائل إثبات أخرى على غرار سماع البينة و القرائن ،فال وجود لمانع قانوني
لإلستناد على البينة كوسيلة إثبات حيث يحق للقاضي اإلذن بسماع من يرى فائدة في سماعه و للمحكمة أن
عرفها الفصل
تأخذ بالشهادة أو تتركها إلثبات حصول الطرد التعسفي من عدمهّ ،أما بالنسبة للقرائن فقد ّ
479من مجلة اإللتزامات و العقود بكونها "ما يستدل به القانون أو الحاكم على أشياء مجهولة" ،و القرائن
1محمد عبد الباقي اليوسفي " :القاضي و اإلثبات في المادة الشغلية" ،مجلة القضاء و التشريع ،عدد ،35- 34نوفمبر ،2007ص 88
2قرار تعقيبي مدني عدد 2634مؤرخ في 24جانفي ،2000نشرية محكمة التعقيب لسنة ،2000القسم المدني ،الجزء األول ،ص 269
3محمد عبد الباقي اليوسفي ،مرجع سابق ،ص 21
4رضا البعزاوي ،الطرد التعسفي في المادة الشغلية ،مجلة القضاء و التشريع ،فيفري ،2004ص 13
5عصام األحمر ،إشكاالت في نزاعات الشغل ،مرجع سابق ،ص 312
68
نوعان :قرائن قانونية و أخرى قضائية ،هاته األخيرة هي قرائن لم يحصرها القانون فهي حصيلة
العالمات أو اإلرشادات الظاهرة التي يمكن أن تكون كافية إلقناع القاضي ، 1و هناك العديد من
الوضعيات التي إعتبرتها المحكمة أنها حالة طرد تعسفي مثال ذلك طرد العامل من أجل المشاركة في
إضراب شرعي.2
ّأما بالنسبة للقرائن القانونية فيؤكد البعض على أنها ليست في الواقع إالّ قرينة قضائية قام القانون بتعميمها
و تنظيمها ، 3و أهم قرينة وقع اللجوء إليها من طرف فقه القضاء الواردة صلب الفصل 562من مجلة
اإللتزامات و العقود و بالتالي ّ
فإن القرائن القانونية ال تهم وسائل اإلثبات و إنما عبء اإلثبات.
و إعتمادا على هذه الوسائل يمكن للقاضي التحقق من الفعلة المنسوبة لألجير و مدى تناسب العقوبة معها.
تكريسا لمبدأ التناسب ،يتولى القاضي الشغلي باإلستناد على وسائل اإلثبات المقدمة له من كال الطرفين
فربما المؤجر، إدعاءات من للتأكد ذلك و للعامل، المنسوبة الفعلة من التحقق
يتعلل صاحب العمل بقرار يحصل عليه من مجلس التأديب ليقرر طرد العامل ألتفه األسباب.4
و كمرحلة أولى يجب أن تكون األفعال المنسوبة إلى األجير ثابتة بملف القضية ،فالقاضي يتعين عليه
مراقبة حقيقة وجود األفعال و مدى إسنادها للعامل ،و في هذا اإلطار صرحت محكمة التعقيب في قرار
مدني عدد 11303مؤرخ في 7أفريل ّ " :2007
إن تمسك المؤجر بإرتكاب األجير لخطأ جسيم يبرر
طرده ث ّم دعوته في تاريخ الحق إلبرام عقد شغل جديد يعد إقرارا منه بقطع العالقة الشغلية بناء على خطأ
غير ثابت في جانبه و هو ما يشكل طردا تعسفيا لحصوله دون سبب جدي و حقيقي" ، 5بالتالي ّ
فإن
القاضي الشغلي يمارس رقابته على الوقائع التي إعتبرها المؤجر أخطاء فيتحقق من الوجود المادي
للخطأ ،كما يتحقق من وجود الخطأ إعتمادا على ما قد يتضمنه محضر مجلس التأديب خاصة إذا إستوفى
جميع شكلياته ،و تجدر اإلشارة في هذا اإلطار إلى ّ
أن القاضي يتو لى مراقبة صحة اإلجراءات التأديبية
عند عرض العامل على مجلس التأديب خاصة مراقبة القواعد اإلجرائية الخاصة بحقوق الدفاع نظرا
صها دستور 2014بقواعد في الفصول 27و 28و 29و خاصة
لكونها من القواعد األساسية التي خ ّ
الفصل 108الذي ينص على ّ
أن حق الدفاع مضمون كما ير اقب القاضي مدى إحترام اآلجال القانونية
إلنعقاد المجلس و في صورة إنعقاده بصفة غير قانونية يعتبر الطرد تعسفيا.
69
ّأما إذا كانت الهفوة الفادحة تشكل جريمة ّ ،
فإن الفصل 37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة أقر عدم
عرض العامل على مجلس التأديب في هذا اإلطار تطرح إشكالية مدى حجية الحكم الجزائي على الشغلي،
و قد نص الفصل 101من مجلة اإللتزامات و العقود مبدأ ينص ّ
أن "الحكم الصادر من محكمة جزائية
بترك سبيل المتهم ال يؤثر في مسألة تعويض الخسارة الناشئة من الفعل الذي قامت به التهمة و هذا الحكم
يجري في صورة سقوط الدعوى بسبب وفاة المتهم أو لصدور عفو عام".
و نظرا لخصوصية قانون الشغل و إستقالل الخطأ التأديبي عن الخطأ الجزائي ،لم يقبل فقه القضاء في
المادة الشغلية بمبدأ حجية الحكم الجزائي على الشغلي ،إذ ّ
أن القاضي الشغلي ال يتقيد بالوصف القانوني
فإن إعتبار القاضي ّ
أن األفعال المنسوبة لألجير ال الذي أعطاه القاضي الجزائي لتلك األفعال ،و لهذا ّ
تكفي إلقرار مسؤوليته الجزائية ال يمنع القاضي الشغلي من أن يقر بوجود خطأ مهني على نفس األفعال
مما يشكل سببا حقيقيا و جديا للطرد.1
ّ
و باإلضافة إلى التحقق من الوجود المادي للخطأ ،يتحقق القاضي أيضا من إسناد تلك األخطاء للعامل
أن مبدأ شخصية الجزاء التأديبي يفترض أن ال يتحمل العقوبة إالّ العامل المتسبب في حصول
المعني ،إذ ّ
الخطأ ،و المالحظ ّ
أن قاضي الشغل يتحرى بخصوص عنصر اإلسناد و يبحث ت بعا لذلك عن مدى نسبة
الخطأ للعامل و إذا ما ثبت ذلك الخطأ في جانب العامل فإنه يجب أن يكون العقاب على قدر الذنب فال
يعاقب بأقصى مراتب الجزاء لهفوة غير خطيرة ، 2إالّ أنه ال يجوز للقاضي إذا تبين له عدم تناسب الخطأ
المرتكب مع العقوبة أن يقرر عقوبة أخرى تتناسب م ع الخطأ بإعتبار ّ
أن ممارسة السلطة التأديبية حكرا
على المؤجر فقط و بالتالي ال يبقى للقاضي سوى إقرار ّ
أن العقوبة كانت تعسفية و يحكم بتعويض
لألجير.
ّأما إذا كانت األفعال المنسوبة له تشكل هفوة فادحة موجبة للطرد ّ
فإن القاضي يدرس مدى تناسب العقوبة
المسلط ة عليه و الخطأ الذي إرتكبه من خالل ضبط معايير لتقدير خطورة األفعال المنسوبة للعامل و مدى
تبريرها للعقوبة.
1النوري مزيد :آثار التتبع الجزائي ضد ّ األجير على العالقة الشغلية ،مجلة دراسات قانونية ،2005 ،عدد ،12ص 137
2قرار تعقيبي مدني عدد 67736مؤرخ في 7أكتوبر ،1996نشرية محكمة التعقيب لسنة ،1996ص 470
70
الفقرة الثانية :المعايير المعتمدة من قبل القاضي لتقدير خطورة األفعال:
حتى يستطيع القاضي إجراء رقابته على تناسب العقوبة التأديبية مع الخطأ المرتكب ،يجب أن يقدر فداحة
هذا الخطأ ،و تعتبر الرقابة على التناسب نتيجة مباشرة لسلطة القاضي في تقدير فداحة الهفوة ،و يتم ذلك
حسب الظروف التي وقعت فيها حتى يتم تكييفها و إستخالص النتائج التي تتعلق بمدى تناسبها مع العقوبة
المتخذة.
و قد ذهب البعض إلى القول بضرورة عدم إكتفاء القاضي بالبحث عن التناسب القانوني و إنما تمتد تلك
الرقابة إلى التحقق من التناسب اإلجتماعي بين العقوبة و الخطأ من خالل اإلعتداد باآلثار اإلجتماعية
المترتبة عن تلك العقوبة (ظروف العامل المادية ،عالقته بالمؤجر) ،و كذلك ال بدّ أن يبحث القاضي عن
التناسب اإلقتصادي بين العقوبة و الخطأ عبر األخذ باإلعتبار إنعكاسات العقوبة المتخذة ضدّ العامل على
مصلحة المؤسسة و حسن سير العمل بها.1
فمثال قضاء سنوات عديدة لدى نفس المؤجر يمثّل قرينة على حسن سير السلوك يتوجب على المؤجر
،كذلك ال بالجميل2 مراعاتها في كل هفوة تصدر عن األجير و لو كانت فادحة في حد ذاتها كإعتراف له
يعتبر األجير قد إرتكب خطأ فادحا إذا إحتج بقوة على مديره الذي خصم من مرتبه بدون موجب. 3
1Jean Claude Juvillier : « droit du travail », 4 ème édition, Paris, librairie générale de droit et de jurisprudence,
1992, p 538
2سامي العش و رضا خماخم" :الطرد التع سفي في قانون الشغل" ،مجلة القضاء و التشريع عدد 6لسنة ،1991ص 52
3بشرى ساسي " :مفهوم الطرد" ،مذكرة لنسل شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق شعبة القانون الخاص ،كلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس،
،2001- 2000ص 63
71
فالعقوبة يجب أن تقدر حالة بحالة حسب الظروف التي وقعت فيها و ظروف العامل و نفسيته و نوع
وظيفته ،و قد و ّسع فقه القضاء الفرنسي في نطاق المعيار الذاتي لتقدير العقوبة ليشمل ّ
سن األجير وأقدميته
ليتمكن من تقدير خطورة األفعال المنسوبة للعامل و مدى تناسبها مع العقوبة اإلجتماعية1 و حالته
المسلطة عليه.
إلى جانب إعتماد المعيار الذاتي ،يعتمد كذلك القاضي على المعيار الموضوعي ،و يعتمد في تقدير
خطورة الخطأ على أهمية الضرر الحاصل بالمؤسسة و اإلخالل بسيرها العادي على معنى أحكام الفصل
37من اإلتفاقية اإلطارية المشتركة.
بمعنى ّ
أن القاضي عندما يراقب أسباب الطرد ،يجب عليه أن يقدر خطورة الفعلة و ما لها من آثار فادحة
على حسن سير المؤسسة ،أي ّ
أن العقوبة التأديبية يجب أن تقدر حسب األضرار التي ألحقت بالمؤسسة ال
حسب األضرار التي ألحقت بالمؤجر و ذلك حتى تكون متناسبة مع الخطأ المرتكب.
في هذا السياق ،إ عتبرت محكمة التعقيب في قرارها المؤرخ في 20جانفي 1997أنه "و حيث رأت
محكمة الموضوع أنه لم يثبت بالملف ّ
أن غ ياب العامل عن عمله مدّة 45دقيقة قد أثر سلبا على سبيل
العمل أو ّ
أن ذلك الغياب قد أحدث خطرا أو ضررا على المؤسسة و ال يمكن بالتالي إعتباره هفوة فادحة
تخول طرده نهائيا من العمل ضرورة أنه كان باإلمكان اإللتجاء لعقوبة أخف في سلّم العقوبات".2
ّ
يتّضح ّ
مما سبق ذكره ّ
أن القاضي له سلطة واسعة في تقدير الوقائع ،و عليه أن يوازن بين مصلحة
المؤسسة من جهة و مصلحة األج ير في الحفاظ على مركز عمله ،حتى يستنتج خطورة الفعلة المنسوبة
للعامل و مدى تناسبها مع العقوبة التأديبية التي إتخذها المؤجر في حقه ،فالقاضي عند إجرائه هذه الرقابة
مرة أخرى و يرى إذا كانت تنطبق حقا و يرجع ذلك لنسبية مفهوم
يحل محل المؤجر و يعيد تكييف الوقائع ّ
يعرفه و لم يضع معايير واضحة لتكييفه ،بالتالي يرجع للقاضي تعديل التكييف
الخطأ ،فقانون الشغل لم ّ
الفردي الذي وضعه المؤجر أو الذي وضعه بعد أخذ رأي مجلس التأديب ،و إذا كانت الفعلة التي إرتكبها
األجير تمثّل جريمة تضر بالمؤسسة و حسن سيرها العادي كما ضبطها أحكام الفصل 37فقرة 6من
عما قضى به اإلتفاقية اإلطارية المشتركة ّ
فإن القاضي الشغلي يتثبت من مدى توفر الخطأ التأديبي بمعزل ّ
القاضي الجزائي.
72
في هذا اإلطار إعتبرت محكمة التعقيب ّ
أن صدور حكم جزائي يقضي بعدم سماع دعوى السرقة الموجهة
ضدّ العامل ال يمنع المؤجر من مؤاخذ ته تأديبيا و إتخاذ عقوبة الطرد ضدّه إذ تبين ّ
أن األفعال المنسوبة
إليه تشكل هفوة فادحة.1
إضافة إلى ذلك ،يمكن للمؤجر في إطار ممارسته لسلطته التأديبية أن يعاقب بطريقة مختلفة عماال إرتكبوا
نفس الخطأ في هذه الحالة يمارس القاضي سلطته و يعيد تكييف الوقائع حتى يقدر خطورة األفعال و مدى
يفرد تلك العقوبة حسب الظروف المحيطة بإرتكاب الفعلة و شخصية األجير ،بالتالي
تناسبها مع العقوبة و ّ
يقترب القاضي الشغلي في هذا المجال من القاضي الجزائي الذي يتمتع بدوره بسلطة واسعة في التفريد
في حدود ما تنص عليه القوانين الجزائية 2إذ يحدد المشرع األفعال المخلة بإستقرار و أمن المجتمع ث ّم
يحدّد ما يقابلها من عقاب و ما يتناسب معها.
يستشف مما سبق ذكره ،أّ ّن تكريس مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية و الخطأ المرتكب من قبل األجير
مشروط بتحقيقه من الناحية العملية ،فالقاضي الشغلي يجتهد لتدارك النقص التشريعي في هذه المسألة
و ذلك من خالل تقديره لألفعال المنسوبة للعامل بعد التثبت من وسائل اإلثبات المعروضة عليه حتى يتمكن
من أن يصدر حكمه ،لكن إذا أقر ّ
أن العقوبة غير متناسبة مع الخطأ الذي إرتكبه األجير ال يمكنه أن يقر
عقوبة أخرى و يكتفي بإعتبار ا لطرد كان تعسفيا و يقضي بالتعويض لفائدة األجير.
رقابة القاضي على التناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير تضمن الحلول أمام كل تصرف تمييزي
من المؤجر ،إذ ّ
أن اإلفراط في معاقبة األجير يبعث الشك إ لى وجود تعسف و إنحراف بالسلطة التأديبية
عن هدفها ،لكن بالرغم من إجتهاد القاضي في تكريس مبدأ التناسب ّ
فإن المشرع لم يمكنه من فرضية
إرجاع العامل إلى عمله (الفقرة األولى) ،لكنه تدارك األمر بإقرار إجراء محاولة صلحية بين أطراف
عقد الشغل قبل إحالة ملف الدعوى عل ى هيئة المحكمة ضمانا لمصلحة كال الطرفين (الفقرة الثانية).
1قرار تعقيبي مدني عدد 54293مؤرخ في 26سبتمبر ،1996نشرية محكمة التعقيب ،ص 152
2 Jean Claude Jevalier : droit du travail, 4 éme éd, 1992, p 300
73
و يمكن تفسير عدم إمكانية إرجاع العامل لعمله بعدّة مبررات أولها منع التنفيذ العيني بإعتبار ّ
أن القانون
حتى أ نه و بالرغم من نشاطه1 التونسي ال يلزم المؤجر الذي قام بطرد العامل بإرجاعه إلى سالف
التنقيحات التي أدخلها المشرع على مجلة الشغل سنتي 1994و ّ 1996
فإن القاضي ال زال يعتمد على
التعويض المالي فقط حيث ال نجد نصا صريحا يلزمه بإرجاع العمل المطرود لعمله بل إكتفى المشرع
بذكر التعويضات المستحقة في جميع حاالت القطع التعسفي لعقد الشغل ، 2و يرجع منع تكريس التعويض
العيني إلى تبني المشرع لنظرية التعسف في إستعمال الحق الواردة صلب الفصل 103من مجلة
اإللتزامات و العقود الذي إقتضى أنه " من فعل ما يقتضيه حقه بدون قصد اإلضرار بالغير فال عهدة مالية
عليه ،فإذا كان هناك ضرر فادح يمكن إجتنابه أو إزالته بال خسارة على صاحب الحق و لم يفعل فعليه
بالعهدة المالية" ،و عليه يمكن لألجير المتضرر في حالة إخالل المؤجر باإللتزامات التعاقدية المطالبة فقط
بالتعويض عن الخسارة الالحقة له من اإلخالل بذلك اإللتزام تطبيقا للقواعد العامة في مادة العقود ، 3وهو
ما يعني ّ
أن المشرع قد أقر نظرية التعسف في إستعمال الحق في ما يتعلق بحق الطرد رغم أنه كان من
المنتظر و بعد أن إستلهم فكرة السبب الحقيقي و الجدي من القانون الفرنسي أن يتبع مسار هذا األخير في
إقراره لحق إرجاع العامل إلى مركز عمله إذا كان الطرد غير صحيح و غير مبرر خاصة في ما يتعلق
بممثلي العملة. 4
خول المشرع للقاضي الشغلي تقدير مدى وجود الصبغة الحقيقية و الجدية ألسباب و بناء على ذلك لئن ّ
أن هذه الرقابة تبقى مقيدة و محددة بإعتبار ّ
أن القاضي ليس بإمكانه إبطال قرار الطرد حتى الطرد 5إ ّ
ال ّ
وإن ثبت لديه ّ
أن الطرد غير مبرر و تعسفي.
عامة تطبق على سائر اإللتزامات المدنية في حين إالّ أنه تجدر اإلشارة إلى ّ
أن هذا الفصل يعتبر قاعدة ّ
يتميز قانون الشغل بخصوصيته التي تبرز من خالل نزعته الحمائية لذلك يتجه إستبعاد هذا المبرر. 6
رضا خماخم و سامي العش" :الطرد التعسفي في القانون التونسي" ،مرجع سابق ،ص 49 3
الفصول. L412 -19 L436 -3, L245 -3,مجلة الشغل الفرنسية 4
سوسن الشابي " :التعويض عن الطرد" ،مرجع سابق ،ص 119 6
74
و من ناحية أخرى يعتبر حق الملكية مبررا ثاني إلقصاء إمكانية إرجاع األجير المطرود تعسفيا ،حيث
يعتبر المؤجر صاحب المؤسسة و مالك اآلالت و المعدات و له بناء على ما يقتضيه حق الملكية تطبيقا
لمقتضيات الفصل 17من مجلة الحقوق العينية حق إستعمالها و حق اإلنتفاع بها و حق التصرف فيها،
و يعد حق الملكية حقا مقدسا و قد كرسه الدستور التونسي من خالل الفصل 41حيث ينص على أن "حق
الملكية مضمون و ال يمكن النيل منه إالّ في الحاالت و بالضمانات التي يضبطها القانون".
و عليه ّ
فإن المؤجر يمثل الطرف األقوى إقتصاديا ألنه مالك المؤسسة و صاحبها و بالتالي ال يمكن جبره
على إعادة العامل المطرود إلى مركز عمله السابق لما في اإلعادة الجبرية من مساس و إضعاف لسلطة
رب العمل ،1و بالتحديد السلطة التأ ديبية و التي بدورها تعتبر من مبررات إستبعاد إرجاع األجير إلى
خول القانون الشغلي للمؤجر الحق في ممارسة السلطة التأدي بية و تسليط العقاب على أجرائه
عمله حيث ّ
و التي إعتبرها بعض الفقهاء "وظيفة مرتبطة بصفة رئيس المؤسسة" ،و بالتالي في إطار التبعية يبقى
العامل خاضعا إلمرة و سلطة صاحب العمل داخل المؤسسة و الذي بدوره يسعى دائما إلى تحقيق
مصلحتها حتى و إن إقتضى ذلك المساس بحقوق العمال و مصلحتهم و من هنا ال يمكن للقاضي أن يحل
محل المؤجر في تقدير مصلحة المؤسسة التي تمثل في حد ذاتها عائقا أمام حق اإلرجاع كما أنه ال يمكن
أن يمنع صاحب العمل من أن يمارس هذه السلطة التأديبية كما أنه ال يمكنه أن يلزمه بإعادة األجير إلى
مهنته حتى و إن ثبت تعسفه عند ممارسة هذه السلطة.
على عكس المشرع الفرنسي الذي إعترف بحق اإلرجاع ،لكن بصفة إستثنائية إذ ت ّم اإلقرار بحق اإلرجاع
صراحة لفائدة ممثلي العملة عند طردهم دون إحترام قواعد الرقابة على فصلهم ،2كما ت ّم التنصيص كذلك
على بطالن الطرد المسلط على األجير نتيجة مشاركته في اإلضراب و في غياب الخطأ الفادح لكن دون
اإلقرار بحق اإلرجاع صراحة ،3و قد ذه ب القانون األلماني أبعد من ذلك إذ مكن األجير من فرصة إعادة
كرس بالتالي حق اإلرجاع ، 4لكن المشرع التونسي إكتفى
إدماجه بالمؤسسة و إحتفاظه بكامل حقوقه و ّ
مما يحد من سلطة القاضي الشغلي في مراقبة
فقط بإقرار التعويض لفائدة األجير كجزاء للطرد التعسفي ّ
خول له في بادئ األمر سلطة واسعة في تحديد مقدار غرامة الطرد
تناسب العقوبة التأديبية و الخطأ لكنه ّ
التعسفي و ذلك حسب تقديره لمدى الضرر ال حاصل لألجير بناءا على أقدمية الخدمات و ظروف األمر
الواقع ،غير ّ
أن تنقيح مجلة الشغل سنة 1994قيّد من سلطة القاضي في هذا المجال بإحداث غرامتين
نص الفصل 23مكرر من مجلة الشغل
مختلفتين بإختالف تعسف المؤجر في ممارسته لحق الطرد ،فقد ّ
حسن كيرة " :أصول قانون العمل" ،منشأة دار المعارف باإلسكندرية ،ص 314 1
2 L436-3 ;L245-3 ; L412-9 code du travail francais
3 G. Coutarier : « annuler les actes illicites » la réintégration obligatoire, droit ouvrier, fév, mars 1988, p 132
رضا خماخم و سامي العش :الطرد التعسفي في القانون التونسي ،مجلة القضاء و التشريع ،جوان ،1992ص 4 4
75
ّ
أن غرامة الطرد التعسفي يتر اوح مقدارها بين أجر شهر و أجر شهرين عن كل س نة أقدمية بالمؤسسة
على أن ال تتجاوز هذه الغرامة في جميع الحاالت أجر 3سنواتّ ،أما إذا وجد سبب حقيقي وجدي لكن لم
يقع إحترام اإلجراءات السالف ذكرها فالغرامة تتراوح بين أجر شهر و أجر 4أشهر.
و الجدير بالذكر ّ
أن التقادم مرتبط عادة بمسألة الطرد ، 2و يطرح اإلشكال في هذا اإلطار حول سقوط
الدعوى الشغلية فلئن أقرها المشرع و نظمها .
إختلف القضاء حول طبيعة األجل و طريقة إحتسابه ،يجب التمييز بين آجال السقوط و آجال التقادم فإذا
فإن الثانية خالف ذلك ،و من المعلوم ّ
أن تكييف أجل سقوط كانت األولى غير قابلة للقطع و التعليق ّ
الدعوى بكونه أجل تقادم يخدم مصلحة األجير الذي قد يخسر حقه بسبب تقاعسه.3
و عموما ،حاول المشرع الموازنة بين مصلحة المؤجر تارة و مصلحة األجير تارة أخرى للحد من
السلطة التأديبية للمؤجر ،إالّ أنه لم يمكن للقاضي من إمكانية إرجاع العامل و هو ما يمثّل حدا لتكريس
مبدأ التناسب ،و قد سعى المشرع تدارك هذا األمر من خالل إجراء محاولة صلحية بين الطرفين قبل
الحكم في القضية .
حافظ العموري :عقد الشغل من خالل تنقيح فيفري ،1994المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي عدد 7لسنة ،1994ص 22- 21 1
هدى الطالب علي ":مصلحة األجير" ،مجلة القانون و السياسة عدد ،4كلية الحقوق و العلوم السياسية بسوسة ،أفريل ،2016ص 458 2
76
الفقرة الثانية :إمكانية إقرار الصلح بين أطراف عقد الشغل:
يعتبر الصلح من أساسيات العمل القضائي فهو إجراء وجوبي يقع اللجوء إليه لفض النزاعات الشغلية
بطريقة وديّة و هو أيضا مناسبة يتولى خاللها قاضي الشغل بذل ما في وسعه قصد التوفيق بين أطراف
مما يرتب عدّة آثار (ب).
عقد الشغل لتفادي طرد األجير (أ) ّ
الصلح أو التوفيق يعني التحرك معا أو التقريب بمعنى إزالة أسباب الخالف أو إيصال األشخاص
المختلفي الرأي إلى إتفاق بينهم ، 1كما يجد جذوره في التشريع اإلسالمي ، 2إذ جاء على لسان عمر بن
يورث الضغائن " ،3و قد تبنت الخطاب رضي هللا عنه "ردوا الخصوم حتى يصطلحوا ّ
فإن فصل القضاء ّ
مختلف األنظمة القانونية الصلح كآلية لحسم النزاعات و كقيمة حضارية ينبغي أن تسود العالقات اإلنسانية
فأقره المجتمع الدولي صلب المادة 33من ميثاق األمم المتحدة ،كما تبناه ميثاق منظمة الوحدة اإلفريقية
صلب الفصل التاسع عشر. 4
من جانبها أقرت مجلة الشغل بوجوبية المحاولة الصلحية إالّ أنها لم تحدد تعريفا لها ،و أمام سكوت مجلة
الشغل وجب الرجوع إلى قواعد القانون المدني تحديدا مجلة اإللتزامات و العقود في فصلها 1418الذي
عرف الصلح بكونه " عقد وضع لرفع النزاع و قطع الخصومة و يكون ذلك بتنازل كل من المتصالحين
ّ
عن البعض من مطالبه أو بتسليم شيء من المال أو الحق ".
و قد سعى المشرع إلى فرض إجراء المحاولة الصلحية ليتدارك نوعا ما تعسف المؤجر في إستعمال
سلطته التأديبية و إتخاذه قرار طرد العامل و ما له من إنعكاسات سلبية على المؤسسة و على العامل
أيضا ،لذلك أقر صلب الفصل 207من مجلة الشغل فقرة أولى أنه " يجب على دائرة الشغل قبل الحكم في
1مجلة الدراسات القانونية صادرة عن كلية الحقوق ،جامعة بيروت العربية ،العدد ،9تموز يوليو ،2002ص 142
2بوبكر صقر " :الصلح في التشريع اإلسالمي" ،مجلة القضاء و التشريع ،أكتوبر ،2001ص 287
3علي كحلون " :الصلح في المادة المدنية" ،محاضرة إفتتاح السنة القضائية ،1994- 1993مجلة القضاء و التشريع ،1993ص 29
4بوبكر صقر ،مرجع سابق ،ص 288
5قرار تعقيبي مدني عدد 18361مؤرخ في 6أكتوبر ،2007نشرية محكمة التعقيب ،الجزء األول ،ص 311
77
القضية أن تجري محاولة الصلح بين األطراف في حجرة الشورى مع التنصيص على ذلك بالحكم و إالّ
إعتبر باطال".
و المالحظ أنه ت ّم تحديد مكان إجراء المحاولة الصلحية و ذلك بحجرة الشورى حتى يكون الخصوم
مستعدين للتحاور في ظروف مالئمة خارج قاعدة الجلسة التي تتسم بالضغط المعنوي نتيجة المثول أمام
هيئة الدائرة بالقاعة و أمام الجمهور.
باإلضافة إلى كون تخصص الدائرة هو نظرها في موضوع واحد و هو التحصيل على الصلح يجعلها
أكثر إستعدادا إلدارة النقاش و إنجاح الصلح.
و قد سار المشرع التونسي على خطى المشرع الفرنسي الذي بدوره أولى إهتماما واضحا بالمحاولة
الصلحية ،حيث أسندت إلى مكتب خاص يعرف بمكتب الصلح ،2و يتكون هذا المكتب من عضوين
أحدهما ممثل عن العمال و اآلخر عن أصحاب األعمال ،3و يضاف لهم عضو قضائي عند إنقسام الرأي
في مكتب الصلح و تنص المادة 515- 3من مجلة الشغل الفرنسية في هذه الحالة على ضرورة تحديد
عرض المسألة على ذات المكتب على أن يرأسه في هذه الوضعية قاضي إحدى المحاكم الجزائية.
و بناءا على ما تقدّم ،يعتبر الصلح في قانون الشغل التونسي من أساسيات العمل القضائي ،فالقاضي يلتجأ
إلى إبرام المحاولة الصلحية بين الطرفين للتوفيق بينهما و لتجنب قطع العالقة الشغلية القائمة بينهما ،و في
صورة نجاح المحاولة الصلحية يرجع العامل لسالف عمله و هو ما يمثّل حالّ قضائيا لتفادي تعسف
المؤجر عند إتخاذه قرار طرد األجير و نتيجة حتمية لرقابة القاضي لألفعال التي إرتكبها العامل و مدى
تبريرها للعقوبة المتخذة ضدّه.
1قرار تعقيبي مدني صادر عن الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب تحت عدد 62276مؤرخ في 9ديسمبر ،1999نشرية محكمة التعقيب،
قرارات الدوائر المجتمعة لسنة ،1999ص 163
2الفصل 515 - 1من مجلة الشغل الفرنسية
3الفصل 515 - 2من مجلة الشغل الفرنسية
78
ب -آثار المحاولة الصلحية:
إن المحاولة الصلحية هي مرحلة وجوبية ال يمكن للمحكمة تجاوزها من تلقاء نفسها ،و إالّ إعتبر حكمها
ّ
باطال و ذلك حسب مقتضيات الفصل 207من مجلة الشغل ،و هو ما يؤكد أن الصلح من اإلجراءات التي
تهم النظام العام و في صورة عدم التنصيص عليه بالحكم فإنه يعتبر باطال ،غير أن الحكم الباطل إذا كان
قطعيا أي حاسما للنزاع يحوز حجية الشيء المقضي به و ينتج نفس اآلثار التي تنتجها األحكام القانونية
بطالنه1 القطعية إلى أن يتقرر
و من أهم اآلثار القانونية التي تترتب على إعتبار الصلح إجراء صوري هو ّ
أن القاضي الشغلي ملوم
بإجرائها فال يمكنه العدول عن المرور بها حتى و إن طلب أطراف النزاع تجاوزها و هو ما يعني أنه ال
يمكن للخصوم اإلتفاق على عدم إجراء محاولة التصالح بينهما.
ّأما بالنسبة للمحكمة ،فعليها أن تثير البطالن من تلقاء نفسها في أي مرحلة من مراحل التقاضي في صورة
غض النظر عن المحا ولة الصلحية ،إضافة إلى ذلك يترتب عن إجراء محاولة الصلح بين طرفي العالقة
الشغلية ّإما نجاح المحاولة أو فشلها ،ففي صورة فشلها يكمل القاضي النظر في النزاع و يتولى مراقبة
مدى تناسب العقوبة مع الخطأ المرتكب دون إمكانية تغيير العقوبة أو إرجاع العامل في صورة ما إذا
كانت العقوبة غير متناسبة مع الخطأ و يكتفي بإعتبار الطرد كان تعسفيا و يقضي بالتعويض لفائدة األجير
حتى و إن إرتكب هفوة فادحة.
ّأما في صورة نجاح المحاولة الصلحية تعود العالقة بين المؤجر و األجير إلى سالف عهدها كأنه لم يكن
شيئا و يمكن حينئذ للعامل أن يرجع إلى عمله بعد أن يحرر القاضي محضرا في إبرام الصلح ممضى من
قبل الرئيس و الكاتب و الذي بموجبه ينتهي النزاع.
أحمد الجندوبي و حسين بن سليمة :أصول المرافعات المدنية و التجارية ،طبعة ،2001ص 334 1
79
القاضي الصلحي ملزم بإجراء المحاولة الصلحية ،حيث ال يمكنه العدول عن المرور بهذه المرحلة حتى
و إن طلب أطراف المنازعة تجاوزها و هو ما يعني أنه ال يمكن للخصوم اإلتفاق على عدم إجراء محاولة
التصالح فيما بينهم و ذلك إلعتقادهم المسبق بفشلها.
ّأما بالنسبة للمحكمة فعليها أن تثير البطالن من تلقاء نفسها في أي مرحلة من مراحل التقاضي في صورة
غض النظر عن المحاولة الصلحية.
كما يترتب على إ جراء محاولة الصلح بين طرفي العالقة الشغلية أثرين هامين ،إما نجاح محاولة الصلح
أو إنتهائها بالفشل ،غير ّ
أن القاضي الشغلي يسعى دائما إلى إنجاح هذه المحاولة و إيجاد حلول وسطى
لفض النزاع بطريقة سليمة.
"و الجلسة الصلحية المذكورة قد تنتهي بالصلح و ذلك في كامل فروع النزاع ،و قد ال تنتهي إلى وقوع
الصلح أصال ،كما قد يحصل من رب العمل اإلعتراف ببعض فروع الدعوى ،هذه األجزاء المعترف بها
أو الواقع الصلح في شأنها ال تحال على الجلسة و إنما يسلم في شأنها مضمون محضر الجلسة الممضى
من رئيس الدائرة الشغلية و كاتب الجلسة و يكون هذا المحضر بمثابة حكم غير قابل اإلستئناف ، 1و هو
ما يعني أنه م ن آثار الصلح الكلي أنه يحسم النزاع و ينهي الخصومة و في هذا اإلطار جاء في القرار
التعقيبي المدني عدد مؤرخ في 5مارس 1981ما يلي " :الصلح هو عقد يحسم النزاع الواقع بين
فيها"2 الطرفين و يترتب عن سقوط الحقوق و الدعاوى التي إنعقد الصلح عليها ال يقبل الرجوع
و إذا ما تم إبرام الصلح ّ
فإن القاضي يحرر محضرا في ذلك محررا من قبل الرئيس و الكاتب ينتهي
بمقتضاه النزاع ،أما في صورة عدم التوصل إلى إبرام إتفاق صلحي أصال يتم إحالة القضية إلى الجلة
الحكمية.
ّأما فيما يخص الصلح الجزئي ّ ،
فإن القاضي يتولى فصل أجزاء الدعوى نتيجة إعتراف المطلوب
بصحتها ،و بمقتضى هذا اإلعتراف يقع فصل فروع الدعوى التي تم التصالح حولها من الفروع المتنازع
في شأنها ،و هو ما يعني ّ
أن الحقوق و اإلدعاءات التي ت ّم فيها الصلح تزول و تنقضي و ال يتم إثارتها من
جديد و يتم إحالة الحقوق المتنازع في شأنها إلى الهيئة الحكمية التي تنظر فيها مع ضرورة التنبيه على
طرفي القضية لحضور الجلسة القادمة ،و مهما كانت آثار المحاولة الصلحية ّ
فإن الصلح في النزاعات
1ماجدة بن جعفر " :إجراءات التقاضي لدى الدوائر الشغلية" ،ملتقى العالقات الشغلية 23- 22- 21 ،نوفمبر ،1991ص 59
2قرار تعقيبي مدني عدد 2843مؤرخ في 5مارس ، 1981أورده محمد الهادي بن عبد هللا" ،نزاعات الشغل و الضمان اإلجتماعي" ،مرجع
سابق ،ص 223
80
الشغلية هو إجرا ء هام و ضروري نظرا لحسمه للنزاع ،كما يعتبر وسيلة أقرها المشرع للقضاء حتى
يتمكن من تكريس مبدأ التناسب.
81
خاتمة الجزء الثاني:
بالرغم من عدم تقنين المشرع مسألة التناسب بين خطأ األجير و العقوبة التأديبية المسلطة عليه ،فقد
سعى إلى تدارك ذلك من خالل تكريس آليات الرقابة تحد من سلطة المؤجر و تتمثّل أساسا في رقابة
إدارية تمارسها تفقدية الشغل قبل صدور قرار طرد ممثّل العملة ،وبموجبي تنقيح مجلة الشغل سنة
، 2007أصبحت المراقبة السابقة لعمليات الطرد تشمل أيضا النائب النقابي وذلك بعد مصادقة البالد
ّ
المتعلقة بممثلي العملة و الصادرة سنة التونسية سنة 2007على إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 135
.1989
فكلّما إعتزم المؤجر طرد ممثّل العملة او نائب نقابي يجب عليه ّأوال إستشارة المدير العام لتفقدية الشغل
و المصالحة قبل إتخاذ قرار الطرد ،و لكي يصبح لهذا اإللزام أهمية يجب أن يكون مصحوبا بجزاء رادع
يسلط على المخالف و تبعا لذلك ّ
فإن حماية نائب العملة تقتضي إعتبار طرده دون عرض المسألة على
تفقدية الشغل طردا تعسفيا موجبا للتعويض.
كما يعتبر الطرد تعسفيا في صورة مخالفة رأي المدير العام لتفقدية الشغل و المصالحة ،إالّ إذا أثبت لدى
المحاكم المختصة وجود سبب حقيقي و جدي يبرر الطرد ،و يبقى اللجوء إلى المحاكم حقا لكال الطرفين.
و قد سعى المشرع إلى تدارك نسبية الرقابة اإلدارية السابقة لعملية الطرد من خالل بسط رقابة الحقة
لتسليط العقاب ضمانا للتناسب و تتمثّل هذه الرقابة في الرقابة القضائية ،فالقاضي الشغلي يقف كحاجز
أمام تعسف المؤجر و يمارس رقابته ليضمن تحقيق مبدأ التناسب و ذلك من خالل التحقق من األفعال
المنسوبة للعامل عن طريق بسط رقابته على مادية هذه األفعال إعتمادا على وسائل اإلثبات المقدّمة له من
الطرفين ،إضافة إلى ضبطه معايير ذاتية و موضوعية لتقدير خطورة هذه األفعال.
لكن إذا أقر القاضي ّ
أن العقوبة غير متناسبة مع الخطأ الذي إرتكبه األجير ،ال يمكنه أن يقر عقوبة أخرى
و يكتفي بإعتبار الطرد كان تعسفيا و يقضي بالتعويض لفائدة األجير ،و يعود ذلك غلى غياب صالحيات
القاضي إلرجاع العامل إلى عمله و هو ما يمثّل حدّا لتكريس مبدأ التناسب ،لكن المشرع سعى إلى تدارك
هذا األمر من خالل إجراء محاولة صلحية بين الطرفين قبل الحكم في القضية.
82
الخاتمة العا ّمة
ال جدال حول مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير ،لتكريس قانون تأديبي يضمن تحقيق
كرس قانون الشغل
الموازنة بين مصلحة المؤسسة و مصلحة األجراء ،و لكي يقع إحترام هذا المبدأ ّ
أجهزة تحرص على مراقبة ممار سة المؤجر للسلطة التأديبية ،إن إستطاع تجاوز واحد منها ،يوقفه
اآلخر ،و رغم النقائص التي ال يزال قانون الشغل يعاني منها إالّ ّ
أن محاولة تنظيم السلطة التأديبية و
تحديدها بأطر معيّنة أعطت نجاعة حدّت من سلطة المؤجر المطلقة في تسليط العقاب ،و فرضت عليه
إحترام م بدأ التناسب بين العقوبة التي يريد إتخاذها و بين الخطأ الذي إرتكبه األجير ،و مثّل مجلس
التأديب أحد الحواجز التي تحدّ من حرية المؤجر في إختيار العقوبة ،فيتدخل هذا المجلس قبل تسليط
العقاب على األجير و يشارك المؤجر في إتخاذ القرار بعد تقديره للخطأ و لمدى تأثيره على حسن سير
المؤسسة ،و يضمن حقوق العامل بتمكينه من حقوق الدفاع قبل إنعقاد المجلس و أثناء إنعقاده ،و يحاول
بالتالي ضمان الموازنة بين حقوق العامل من جهة و مصلحة المؤسسة من جهة أخرى عند إتخاذه القرار
الذي يحدد بموجبه العقوبة المناسبة ،و رغم أهمية مجلس التأديب و دوره في مراقبة سلطة المؤجر في
العقاب و ضمان إحترام مبدأ التناسب ،لم ّ
ينظم قانون الشغل ّ
تدخله بشكل دقيق ،و لم تشمل رقابته كل
أصناف العقوبات بل إقتصرت على العقوبات من الدرجة الثانية ،باإلضافة إلى عدم تحديد طبيعة رأي
مجلس التأديب ،هل يلزم المؤجر أم ال يلزمه؟ إالّ ّ
أن فقه القضاء حاول تكريس مبدأ إلزامية رأي مجلس
التأديب بالنسبة للمؤجر مواكبة للمنهج الحمائي للعامل.
كما تدخلت كذلك اإلدارة لتمارس رقابتها القبلية على سلطة العقاب التي يتمتع بها المؤجر ،و اسندت هذه
العامة لتفقدية الشغل و المصالحة ،و قد تد ّعم دور هذه األخيرة في مراقبة قرارات
ّ المهمة إلى اإلدارة
ّ
المؤجر مع تنقيح مجلة الشغل سنة 2007لغاية مواكبة التشريع التونسي أحكام اإلتفاقيات الدوليّة التي
صادقت عليها تونس ،فو ّسع المشرع من نطاق العملة التي تشملهم حماية متفقد الشغل لتتخطى ممثلي
أقر المشرع إلزامية عرض قرار طردهم على متفقد الشغل ،و في
العملة و تمتد إلى النائب النقابي ،كما ّ
صورة مخالفة ذلك يعتبر طرد العملة طردا تعسفيا موجبا للتعويض.
و يبقى الحق في اللجوء إلى المحاكم حقا لكل من المؤجر و األجي ,ف ينظر قاضي الشغل في كل أنواع
العقوبات التأديبية التي يحصل على إثرها نزاع بين العامل و مؤجره ،لكن عمليا إقتصرت رقابة القاضي
على الطرد الذي يجب أن يكون متناسبا مع الخطأ الذي إرتكبه العامل و ذلك من خالل التحقق من األفعال
المنسوبة للعامل ،لكن إذا أقر القاضي عدم تناسب العقوبة مع الخطأ المرتكب ال يمكنه في هذه الحالة أن
يقر عقوبة أخرى و يكتفي بإعتبار الطرد كان تعسفيا موجبا للتعويض.
83
و يعود ذلك إلى غياب صالحيات القاضي إلرجاع العامل إلى عمله ،لكن المشرع سعى إلى تدارك هذا
النقص الذي يمثّل حدّا لتكريس مبدأ التناسب من خالل إقرار إجراء محاولة صلحية وجوبية بين الطرفين
ق بل الحكم في القضية.
و مهما تنوعت أشكال الرقابة على سلطة العقاب التي يتمتع بها المؤجر ،و بالرغم من سعي المشرع إلى
تكريس مبدأ التناسب إالّ أنه ال يمكن تحقيقيه فعليا إالّ ببلوغ األجراء درجة من الوعي اإلجتماعي من جهة
و الوصول إلى درجة من الوعي اإلقتصادي من جا نب المؤجرين من جهة أخرى.
84
المراجع:
- 1ه ّمام محمد محمود :قانون العمل (عقد العمل الفردي) ،دار المعرفة الجامعية ،إسكندرية ،ت
483- 163
- 2حسن كيرة :أصول قانون العمل ،الطبعة الثالثة ،منشأة المعارف ،اإلسكندرية 197
- 3علي عوض حسن :مختصر الوجيز في شرح قانون العمل ،دار الفكر الجامعي2001 ،
- 4أحمد الجندوبي و حسين بن سليمة :أصول المرافعات المدنية و التجارية ،تونس 2011
- 5فرج القصير :القانون الجنائي العام ،مركز النشر الجامعي ،تونس 2006
- 6محمود جمال الدين زكي :عقد العمل في القانون المصري ،مطابع الهيئة المصرية العامة
للكتاب ،الطبعة الثانية1982 ،
- 7محمد الهادي بن عبد هللا :التشريع التونسي للشغل ،الجزء الثالث ،عالقات العمل ،دار
إسهامات في أدبيات المؤسسة 1995
- 8محمد الهادي بن عبد هللا :نزاعات الشغل و الضمان اإلجتماعي (تشريعان فقها ،قضاء)،
دار إسهامات في أدبيات المؤسسة2002 ،
- 9عصام األحمر :الدعوى الشغلية من خالل مجلة الشغل و فقه القضاء ،مركز الدراسات
القانونية والقضائية ،تونس 2005
- 10النوري مزيد :القاضي و قانون الشغل ،منشورات رؤوف يعيش 2002
- 11زكية صافي :قانون الشغل عقد الشغل ،مركز النشر الجامعي ،تونس 2006
- 12عصام األحمر :إشكاالت في نزاعات الشغل ،الحلول القانونية و اإلجتهادات القضائية ،سيفاء
للنشر2008 ،
- 13أيمن عبد العزيز مصطفى :قيود السلطة التأديبية لصاحب العمل ،دراسة مقارنة ،دار
الكتب القانونية ،مصر 2009
- 14عبادة المحجوبي :الجوانب التنظيمية لألجور و المنح و اإلمتيازات ،شركة أوربيس
للطباعة ،تونس 2003
- 15الطيب اللومي :عقد الشغل الفردي و القضاء الشغلي ،منشورات حيوني ،تونس
- 1هدى الطالب علي :مصلحة األجير ،مجلة القانون و السياسة عدد ،4كلية الحقوق و العلوم
السياسية بسوسة،أفريل ،2016ص 439
- 2المنجي طرشونة :تاريخ قانون العمل التونسي ،المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي عدد ،1
،1996ص 47
- 3المنجي طرشونة :المفهوم القضائي للطرد التعسفي ،مجلة القضاء و التشريع ،ديسمبر ،1993
ص41
- 4النوري مزيد :حول تشريع العمل الفرنسي الجديد ،المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي ،عدد ،1
،1986ص 67
- 5النوري مزيد :فقه القضاء و حماية النائب النقابي بين اإلجتهاد و اإللتباس ،مجلة العمل و التنمية
عدد ،1988 ،12ص 57
- 6حافظ العموري :عقد الشغل من خالل تنقيح فيفري ،1994المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي،
عدد ،1995 ،7ص 10
- 7فاخر بن سالم :المراقبة القضائية كوسيلة لحماية التشريع ،المجلة التونسية للقانون اإلجتماعي
عدد 2و ،1987 ،3ص 69
- 8رضا خماخم و سامي العش :الطرد التعسفي في القانون التونسي ،مجلة القضاء و التشريع عدد
،1992 6ص 17
- 9حميدة العريف :مفهوم الطرد التعسفي و إثباته ،مجلة القضاء و التشريع ،نوفمبر ،2009ص 41
- 10عزيز الحسي :الطرد التعسفي في قانون الشغل ،مجلة األخبار القانونية عدد ،153- 152مارس
،2013ص 22
- 11لمياء الزرقوني :عبء اإلثبات في المادة الشغلية ،مجلة القضاء و التشريع ،أفريل ،2007ص
29
- 12علي كحلول :الصلح في المادة المدنية ،مجلة القضاء و التشريع أكتوبر ، 1993ص 16
- 13النوري مزيد :آثار التتبع الجزائي ضدّ األجير على العالقة الشغلية ،مجلة الدراسات القانونية،
عدد ،2005 ،12ص 125
- 14المنجي طرشونة :الطرد ألسباب شخصية في القانون و في فقه القضاء ،مجلة القضاء والتشريع
جويلية ،2008ص 31
- 15النوري مزيد :واجب أمانة األجير تجاه المؤسسة ،مداخلة مرقونة قدمت في ملتقى مصلحة
المؤسسة في القانون اإلجتماعي ،الجمعية التونسية لمتفقدي الشغل،الحمامات في 22و 23جوان
2007
- 16المنجي طرشونة :عقود الشغل،ملتقى أنواع عقود الشغل في القانون التونسي و القانون
المقارن،الجمعية التونسية لمتفقدي الشغل1993 ،
- 17محمد كشو :نزاعات الشغل الفردية و مشروع تنقيح مجلة الشغل،ندوة نظمها اإلتحاد العام
التونسي للشغل بعنوان مجالس العرف،قسم الدراسات و التوثيق،ماي 1993
- 18شاكر بن عمارة الساحلي :النزاعات الفردية و دور متفقد الشغل ،ملتقى نظمته الجمعية
التونسية لمتفقدي الشغل 26- 25،نوفمبر 1993
- 19ماجدة بن جعفر :إجراءات التقاضي لدى الدوائر الشغلية،ملتقى العالقات الشغلية 23- 22- 21
نوفمبر 1991
1- CATALA NICOLE : DROIT DU TRAVAIL, TOME IV, PARIS, DALLOZ 1980
2- COUTURIER GRARD : DROIT DU TRAVAIL, LES RELATIONS
3- CAMERLYCK GH, LYON, CAEN GÉRARD : DROIT DU TRAVAIL,
11ÉME ÉDITION, PARIS, DALLOZ , 19982
4- JAVILLIER CLAUDE : DROIT DU TRAVAIL, 4 ÉME ÉDITION, PARIS
DALLOZ 1993
B- MÉMOIRES :
1- BEN HAMMED MOHAMED RIDHA : LES JURIDICTIONS DES ORDRES
C- ARTICLES :
1- JAVILLIER JEAN CLAUDE : L’ EXERCICE ET CONTRÔLE
ET 8, 1983
10, 1983
7- VENNIN FRANCOIS : L’ AMÉNAGEMENT DU POUVOIR DISCIPLINAIRE DE
L’ EMPLOYEUR, REVUE DU DROIT SOCIAL N° 7 ET 8, JUILLET AOUT 1983
الفهرس
المقدمة 1 ...........................................................................................................
الجزء األوّ ل :التكريس العرضي للتناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير 11 ..............
المبحث األول :طبيعة مجلس التأديب تكرس محدودية التناسب 12 .................................
الفقرة األولى :تركيبة مجلس التأديب تكرس محدودية التناسب 12 .............................
أ -رقابة مجلس التأديب ال تشمل إال ّ عقوبات الدرجة الثانية 18 .....................
الفقرة األولى :تكريس مصلحة المؤسسة يدعم محدودية التناسب 23 .........................
الفقرة الثانية :النظام الداخلي للمؤسسة يدعم محدودية التناسب 29 ...........................
أ -حرية مطلقة للمؤجر في وضع النظام الداخلي و تحديد محتواه 29 .............
الفقرة األولى :محدودية ضمانات األجير قبل إنعقاد مجلس التأديب 33 .....................
أ -محدودية طريقة إستدعاء العامل للمثول أمام مجلس التأديب 33 .................
ب -محدودية وسائل الدفاع عن األجير عند إنعقاد مجلس التأديب 34 ..............
الفقرة الثانية :محدودية ضمانات األجير أثناء إنعقاد مجلس التأديب 36 ....................
أ -إجبارية عرض األجير على مجلس التأديب في صورة تسليط عقوبة من
ب -إمكانية طرد األجير دون عرضه على مجلس التأديب 37 ........................
المبحث األول :أهمية رقابة متفقد الشغل في تحقيق مبدأ التناسب 49 ..............................
الفقرة األولى :المراقبة القبلية لعمليات الطرد و السعي نحو تحقيق مبدأ التناسب 50 ....
أ -مجال الرقابة اإلدارية قبل تنقيح مجلة الشغل في 50 ...................... 2007
ب -مجال الرقابة اإلدارية بعد تنقيح مجلة الشغل سنة 52 .................... 2007
الفقرة الثانية :توسيع ميدان الحماية لتحقيق مبدأ التناسب 52 ...................................
أ -حماية ممثلي العمال من الطرد يدعم تحقيق مبدأ التناسب 52 .....................
المبحث الثاني :طبيعة رأي متفقد الشغل يدعم تكريس مبدأ التناسب 58 ..........................
الفقرة األولى :إلزامية رأي تفقدية الشغل تدعم تحقيق مبدأ التناسب 58 .....................
أ -إلزامية رأي تفقدية الشغل في صورة طرد ممثّل العملة 58 .......................
ب -مدى إلزامية رأي متفقد الشغل في صورة تسوية نزاع شغل جماعي 59 .....
الفقرة الثانية :تبعات عدم إحترام اإلجراءات اإلدارية و دورها في تحقيق مبدأ التناسب61 .
الفصل الثاني :السلطة التقديرية للقاضي في تكريس مبدأ التناسب 63 ...........................
المبحث األول :مجال الرقابة القضائية للتناسب بين العقوبة التأديبية و خطأ األجير 64 ......
الفقرة األولى :رقابة القاضي على األفعال المنسوبة للعامل 64 ..............................
الفقرة الثانية :المعايير المعتمدة من قبل القاضي لتقدير خطورة األفعال 71 ...............
المبحث الثاني :مآل الرقابة القضائية و مدى تحقيق مبدأ التناسب 73 .............................
الفقرة الثانية :إمكانية إقرار الصلح بين أطراف عقد الشغل 77 ................................
أ -وجوبية المحاولة الصلحية للتوفيق بين أطراف عقد الشغل 77 ...................
الخاتمة العامة83............................................................................................
المالحق
قائمة المراجع