Professional Documents
Culture Documents
يستعرض هذا البحث فترة مهمة من تاريخ بالد المغرب وهي فترة االحتالل
الروماني ،ودخول الديانة المسيحية الى تلك البالد كديانة سماوية جديدة مخالفة
للديانات الوثنية التي كانت سائدة آنذاك .بدأت الديانة المسيحية تدخل الى بالد
المغرب مع بداية القرن الثاني للميالد ،وتتركز في الغالب بأهم المناطق
الحضرية ،كديانة معادية للديانة الوثنية الرومانية ،التي كانت تركز في الغالب
على عبادة اإلمبراطور وتقديسه من اجل احكام السيطرة السياسية على البالد،
وتحقيق الوالء المطلق للدولة ،مما جعل السلطات الرومانية تظهر العداء
وتستخدم كل الوسائل المتاحة لمحاربة الديانة المسيحية ،والقضاء عليها.
-1أول ظهور للديانة المسيحية في المغرب :
كانت الطريق التي سلكتها الديانة المسيحية الى بالد المغرب محل نقاش طويل بين
المختصين في الدراسات المسيحية ،غير انه يتضح في هذا النقاش نوعا من االجماع على
الدور الذي لعبه التجار الشرقيون في نقل الدين المسيحي الى مدن المغرب الساحلية ،مثل:
قرطاجة وغيرها من المدن الكبرى التي كانت ملتقى للتجار الشرقيين ،الذين كانوا قد هيأوا
1
الوضع لبذر البذور األولى للديانة المسيحية في بالد المغرب)
لقد اختلف المؤرخون فيما بينهم حول تاريخ دخول المسيحية إلى بالد المغرب القديم .نتيجة
لهذا التباين ،نشأت عدة آراء وطرق لتحديد مراحل انتقال المسيحية وانتشارها في المنطقة
المغاربية القديمة .ومن بين هذه اآلراء لم يتمكن علماء اآلثار من العثور على أي أدلة مادية
أو نصوص كتابية تثبت تاريخ ومكان دخول المسيحية إلى بالد المغرب القديم قبل منتصف
القرن الثاني للميالد .2
ترتليانوس : 3يرى أن المسيحية كانت منتشرة في بالد المغرب انتشارا واسعا قبل العام
180م ،وبشكل خاص في مقاطعة البروقنصلية ،وهي مقر القيادة الرومانية في تلك الفترة.
-1حارش ،التاريخ المغاربي القديم ،ص .223العروي ،مجمل تاريخ المغرب،ج ،1ص.66
-2ربيع عولمي :المسيحية في بالد المغرب القديم ودورها في احداث القرنين الرابع و الخامس ،اطروحة مقدمة لنيل
درجة الدكتواه في التاريخ القديم ،قسم التاريخ وعلم االثار،
جامعة باتنة1الجزائر2016/2015 ،م ،ص.233
-3ترتليانوس (:بالالتينية )Tertullianusأو ترتليان (حوالي 160إلى 220م) مؤلف أمازيغي مسيحي مبكر
بونيقي ،وأول من كتب كتابات مسيحية باللغة الالتينية .كان مهما ً في الدفاع عن المسيحية ومعاداة الهرطقات.
وذكر ترتليانوس وجود المسيحية في موريطانيا ،خاصة بين قبائل الجيتول قبل عام
كبيرا ،حيث قال :نحن ابناء األمس نمل اليوم
ً ضا أن عدد المسيحيين كان
180م .وأكد أي ً
األرض و ممتلكاتكم من مدن وجزر ومواقع محصنة وبلديات وضيعات ومعسكرات ومقابر
ومقر قيادة العشرة والقصر وﻤﺠلس الﺸﻴوﺥ والفوروم ،ولم ﻨﺘرك لﻜم ﺴوى الﻤعاﺒد ،ﻴﻤﻜﻨﻨا
إﺤﺼاﺀ ﺠﻴﺸﻜم وأن مسيحي مدينة واحدة أكثر منكم عددا ،إﻨـه ﺒﺈﻤﻜاﻨﻨا هزﻴﻤﺘﻜم ﺒاالﻨفﺼال
عﻨﻜم ،ﺒـال ﺴالﺡ وال ﺘﻤرد ،ولﻜن ﺒهذا الطالق الﺒغﻴض .
كما أشار القديس ترتليانوس إلى أن السلطة كانت معادية للمسيحيين تضطهدهم وتحمليم كل
الكوارث فيقول حول هذا" :إذا فاض نير التيبرعلى أسوارالمدينة او جف النيل ولم يبلغ
الحقول ،وعزت السماء عن المطر واذا زلزلت المطر اوأحدثت مجاعة او انتشر الطاعون
1
،فﺈن الصيحات تتعالى ليلقى بالمسيحيين إلى األسود".
الثعالبي ":بعد رفع المسيح تفرق الحواريون فاتجه شمعون بطرس إلى روما ،و أندري و
متى الى بالد آكلي لحوم البشر وتوما الى الشرق األدنى والهند فيليبس ويهوذا نحو القيروان
و الى افريقيا ويوحنا إلى افسوس ،جاك الى القدس ،بارتلوماوس إلى بالد العرب
2
وشمعون إلى برقة وبالد البربر".
هناك عدة طرق وعوامل مختلفة ساهمت في انتقال وانتشار المسيحية بالمغرب القديم
منفذ الشرق:
يرى بعض المؤرخين أن البذور األولى للمسيحية في بالد المغرب القديم جاءت من
الشرق ،ويعود ذلك الى القرب الجغرافي والعالقات والتواصل الدائم بين المنطقتين ،1
*بول مونصو :يرى بان المسيحية وصلت الى بالد المغرب من الشرق وكمثال على ذلك
قرطاج ،حيث وصلتها عبر الشرق روما واإلغريق كذلك ،مستدال في رأيه هذا بان القديس
ترتليانوس كان على دراية باألدب االغريقي المسيحي خالل القرن الثاني للميالد ،كما تمت
ترجمت كتابه المرافعات الى اللغة االغريقية ،ما يوضح أن المسيحية قد وفدت الى
المغرب القديم عبر الشرق. 2
من المعروف ان مدينة قرطاج كانت مركزا تجاريا هاما وتربطها عالقات تجارية مع
حضارات الشرق منذ القدم كمصر ،صيدا صور و اليونان ،ثم اصبحت لها مع الرومان،
وقد كان لهذه المعامالت التجارية بين قرطاج والقادمين من مختلف المناطق دور في نشر
هذه الديانة " ،3كما ان مدينة قورينة اصبحت معروفة بنشاطها التجاري الذي ازدهر
بمرور الوقت واصبحت المنطقة تستقطب العديد من التجار كاليهود والفنيقيين اين اصبح
لهم احتكاك بالسكان المحليين وبعض من سكان حوض المتوسط الذين قدموا الى
قورينة للتجارة ،وقد كان لهذه الحركة الدور الكبير في نقل الدين المسيحس الى المغرب
القديم.
منفذ الرسل:
ايضا من الطرق التي انتشرت بها المسيحية في المنطقة المغاربية قديما الرسل والمبشرين
الذين الذين زاروا المنطقة ويرجح انهم بنوا كنائس فيها ايضاً ،ومن هؤالء نذكر مرقس":
فقد انتقل الى شمال افريقيا في النصف األول من القرن األول للميالد حوالي سنة 40م،
وبقي هناك متنقال بين مصر وبرقة الى غاية وفاته سنة 63م ،حيث نشر الدعوة المسيحية
وبنئ العديد من الكنائس ،ويعتبر اول من اسس كنيسة في منطقة برقة الليبية .1
منفذ روما :بعد وصول المسيحية الى روما في العهد االمبراطوري بالتحديد في فترة حكم
االمبراطور كلوديوسن ،رفض هذا الدين رفضا ً قاطعا ً ومارس اشد انواع االضطهاد ضد
كل المسيحيين ،وقد زاد االضطهاد في عهد االمبراطور نيرون * الذي خرب مدينة روما
واحرقها ثم اتهم المسيحيين بهذا لكي يكره الناس فيهم ،فقابلوهم بكا انواع العنف كالتعذيب
والحرق والرمي الى الحيوانات باالضافة الى القتل ،ثم اصدر مرسوما يجرم فيه كل
شخص يعتنق هذه الديانة ويهدده بان مصيرهم سيكون القتل .2ثم في عهد االمبراطور
تراجان * قل في احدى الفترات اضطهاد الجماعة المسيحية ما سهل عليهم عملية نشر
ديانتهم في روما وخارجها من المناطق التابعة لها كبالد المغرب القديم .2وقد لعبت التجارة
دورها في المسيحية الى هذه المنطقة وأصبحت تربطهم عالقات دينية خاصة مدينة قرطاج
اين تمركزت الكنيسة الرئيسية ،والتي ما لبثت ان إمتدت الى مناطق أخرى كطرابلس
ونوميديا وموريطانيا .3وهكذا فقد تباينت آراء الكتاب والمؤرخين والكتاب حول ظهور
المسيحية بالمنطقة طرق انتقالها الى المغرب القديم.
-3عوامل انتشار المسيحية :
هناك العديد من العوامل التي ساعدت على انتشارالديانة المسيحية في المغرب القديم وهي:
العامل االجتماعي:
تميزت الحالة االجتماعية في بالد المغرب بالطبقية ،االستبداد االستغالل والعبودية فجاءت
المسيحية التي تلغي كل الفروق االجتماعية وتنبذها ما دفع بالطبقة الدنيا من المجتمع التي
تتكون من العبيد والفقراء دخول هذا الدين والتمسك بتعاليمه ،1وقد كان العبيد يعانون من
سوء المعاملة حيث يتعرضون للضرب السجن والتنكيل ،وال يسمح لهم الزواج بالطرق
القانونية ،وفي حال االنجاب فان ابنائهم يصبحون ملكا ً لسيدهم .
كما نجد ان المالك واألغنياء من المسيحيين كان لهم دور كبير في نشر المسيحية بين
الطبقات الفقيرة ،وذلك من خالل مساعدة الفقراء وتقديم اإلعانات المالية واألطعمة وغيرها
لهم ،مشاركتهم في بناء الكنائس واإلنفاق عليها وذلك خالل منتصف القرن الثالث للميالد،
كما يقومون بتقديم منح للفقراء واأليتام ،ويتضح هذا من خالل ما ذكره ترتليانوس " :لقد
كان كل واحد منا يتبرع تبرعا ً صغيرا في اليوم المحدد من الشهر ،و في يوم يختاره من
نفسه ،ويتم هذا التبرع حسب إمكانيته المالية".2
حروب ودمار وقتل ...الخ ال تتوافق مع دينهم الجديد القائم على التسامح ،فعنفت السلطة
الرومانية هؤالء الجنود بسبب رفضهم ونذكر من ابرز هذه الحاالت الرافضة للتجنيد. 3
العامل االقتصادي:
انتهجت روما في بالد المغرب سياسة اقتصادية تقوم على السيطرة على اإلنتاج الفالحي و
افتكاكه من أصحابه ،وتوجيهه لصالح الوافدين أو بﺈتجاه روما االمر الذي ادى الى تفاقم
معاناة الشعب ،ونتيجة لذلك عمت مظاهر السخط العام وسط األهالي الذين افتكت منهم
اراضيهم ،ثم ما لبث أن انتقل هذا السخط الى المالكين الصغار ،ما زاد في تدهور وتأزم
الوضع االقتصادي بها ،األمر الذي دفع بالقديس ترتليانوس الى االحتجاجات على هذه
الممارسات المجحفة في حق األهالي فيقول " :من انتم ومن اين جئتم؟ وماذا تفعلون فوق
ارضي ،انكم لستم اهلي فبأي حق يا ماركيون تقوم بقطع اغصان اشجاري؟ ومن لك يا
فالنتيان بﺈختالس ثروتي؟ ومن اعطاك الحق يا ابليس بتسخير حدودي؟ ان ملك ارضي هي
لي ، ،لماذا جئتم تزرعونها وتتركون ماشيتكم ترعى فيها حسب رغباتكم ،ان ثروتي هي لي
منذ مدة طويلة ،ولي من الحجج القوية ما يثبت ذلك ". 3وفي سنة 250ميالدي شهدت
االمبراطورية الرومانية ازمة اقتصادية بسبب تكدس المحاصيل الزراعية واالنخفاض
الكبير الحتياطي الذهب ،فتأثر الجيش لهذه االزمة وبدأ ينهار السيما وان الجنود كانوا
يأخذون قسطا ً من رواتبهم على شكل محاصيل زراعية يلزم األهالي بتقديمها لهم ،فبدأت
السلطة تتخذ إجراءات للخروج من هذه األزمة ،فرفعت من قيمة الضرائب الذي زاد من
تعقيد الوضع االجتماعي -األمر الذي انعكس سلبا ً على الحالة االقتصادية واالجتماعية
لالهالي فأضطر الكثير منهم الى ترك أراضيهم و اللجوء الى المدينة او المناطق الجنوبية،
فقل االنتاج أكثر وإزداد الفقر واضطر الكثير من األهالي الى العمل كأرقاء عند أصحاب
الملكيات الكبرى للحصول على قوتهم ،لكنهم استغلوهم وجعلوا منهم أتباعا ً لهم وعبيد .2
فأستغل رجال الدين المسيح المعارضين لهذا النظام و الوضع ،والحالة المتردية التي اصبح
يعيشها األهالي لنشر تعاليمهم ،ودعوهم الى العمل وكسب الرزق بجهد دون اإلتكال على
الغير ،الن العمل شرف وواجب بما فيه العمل اليدوي الذي يعتبر عند الوثنيين عمل مذالً
لصاحبه ويجعله عبداً ،وتقديم المساعدات للطبقات الفقيرة في هذه الظروف الصعبة ،مما
جعل الطبقة الغنية التي تدين الوثنية تتهم المسيحيين بتبديد الثروة فراحوا يحاربونهم
وينتقمون منهم.
العامل السياسي:
بعد ظهور الديانة المسيحية في بالد المغرب القديم أصبح لها مكانة وأهمية بمرور الوقت
وفرضت نفسها بقوة في الساحة السياسية ما ساعد في توغلها بالمنطقة المغاربية أكثر ،كما
أصبحت السلطة تتدخل في الشؤون الدينية ومن ابرز هذه التدخالت في
بداية القرن الرابع للميالد عندما ظهر الخالف بين الكاثوليك والدوناتيين ثم اشتد طلب
قرطاج سنة 316م للتخفيف من حدة هذا الخالف القائم بين الطرفين وبغية تحقيق وحدة
دينية بينهما ،وبعد قضاء مدة اربعين يوم في التحقيق عاد المبعوثان بتقرير الى
االمبراطورقسطنطن ،وبعد دراسته قام بتعيين االسقف الكاثوليكي كايكيليانوس اسقفا ً
شرعي لكنيسة قرطاجة وإقصاء جماعة الدوناتيين اعتبارهم خارجين عن القانون ،كانت
هذه اول مرة تتدخل فيها السلطة الرومانية في الشؤون الدينية لبالد المغرب ،وقد احتج
الدوناتيين على هذا القرار ونادوا بضرورة تطبيق حرية المعتقد ووضع حد لإلضطهاد الذي
سلط عليهم من طرف السلطة.
وبتولي اإلمبراطور جوليان الحكم أعطى الكنيسة الدوناتية حريتها الدينية ،وذلك بموجب
مرسوم سنة 362م ،وقد استغلوا هذه الحرية في الرد السلبي على خصومهم الكاثوليك وذلك
من خالل عمليات الحرق والسب واإلستيالء على الكنائس بالقوة وإظطهاد أعدائهم.
كما عملت الكنيسة الدوناتية على جلب األهالي الى صفها وذلك بتقديم المساعدات على
الفقراء والمحتاجين الذين كانوا يشكلون االغلبية في المنطقة ،ما زاد في عدد االهالي
المعارضين للكاثوليكية المدعمة من طرف السلطة الرومانية ،وقد سمح هذا للمغاربة بتكوين
كنيسة مسيحية خاصة بهم حقيقية لها معابدها واساقفتها في جل المناطق تقريبا.
العوامل الدينية :
كانت الكنيسة الدوناتية اقرب الى الشعب من الكاثوليكية وذلك بفضل مبادئها ونظرتها
الواقعية باالضافة الى صرامة نظامها الذي جعل منها كنيسة مستقلة متميزة بخصوصياتها
المحلية الوطنية ،كذلك متميزة بمجاراتها للسلطة ، 4كما أعتبر أنصار حزب دوناتوس هم
الوحيدين الذين يمثلون الكنيسة الحقيقية في العالم ،اما الكنائس األخرى فقد ظلت الطريق
وانحرفت عن الرسالة الصحيحة ،لذلك طالب الدوناتيين بلقب الكنيسة الكاثوليكية "
" Ecclesia Catholiceالنهم يرون انهم االحق بها وقد اغتصبتها منهم الكنيسة
المنافسة التي وصفتهم بالمنشقين والمبتدعة ،األمر الذي دفع بأتباع دوناتوس الى مقتهم هذا
باالضافة الى كونهم يمثلون الكنيسة الكاثوليكية الرسمية المعترف بها من طرف السلطة ،
والذين حرصوا على فكرة اذطهاد الدوناتيين باالضافة الى الخصومات الدائمة بين انصار
كال الكنيستين الذين يعيشون في نفس المدن والقرى ،ووصل االمر بينهم الى استعمال
العنف .