You are on page 1of 365

Withe

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﻛﺘﺐ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﺷﻬﺮﻳﺔ ﻳﺼﺪرﻫﺎ‬


‫اﻟﻤﺠﻠﺲ اﻟﻮﻃﻨﻲ ﻟﻠﺜﻘﺎﻓﺔ واﻟﻔﻨﻮن واداب ‪ -‬اﻟﻜﻮﻳﺖ‬
‫ﺻﺪرت اﻟﺴﻠﺴﻠـﺔ  ﻳﻨﺎﻳﺮ ‪1978‬‬
‫أﺳﺴﻬﺎ أﺣﻤـﺪ ﻣﺸـﺎري اﻟﻌﺪوا )‪ (1990-1923‬ود‪ .‬ﻓﺆاد زﻛﺮﻳﺎ )‪(2010-1927‬‬

‫ﻓﻲ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ اﻟﻨﺴﻮﻳﺔ‪:‬‬


‫اﻟ ُﺒﻨﻰ اﻟﻔﻜﺮﻳﺔ واﻻﺗﺠﺎﻫﺎت اﻟﻤﻌﺎﺻﺮة‬

‫ﺗﺄﻟﻴﻒ‪ :‬رﻋﺪ ﻋﺒﺪاﳉﻠﻴﻞ ﻣﺼﻄﻔﻰ اﳋﻠﻴﻞ‬


‫ﻴﺪ‬ ‫ﺣﺴﺎم اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻠﻲ‬

‫أﺑﺮﻳﻞ ‪2022‬‬
‫‪493‬‬
‫سلسلة شهرية يصدرها‬
‫اجمللس الوطني للثقافة‬
‫والفنون واآلداب‬

‫أسسها‬
‫أحمد مشاري العدواين‬
‫د‪ .‬فـــــؤاد زكريــــــا‬

‫املشرف العام‬
‫األمني العام‬
‫مستشار التحرير‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬محمد غانم الرميحي‬
‫‪rumaihimg@gmail.com‬‬
‫هيئة التحرير‬
‫أ‪ .‬جاسـم خالد السعــدون‬
‫ترسل االقرتاحات عىل العنوان التايل‪:‬‬ ‫أ‪ .‬خليل عيل حيدر‬
‫السيد األمني العام‬ ‫د‪ .‬سعداء سعد الدعاس‬
‫للمجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬طارق عبداملحسن الدويسان‬
‫ص‪ .‬ب‪ - 28613 :‬الصفاة‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عيل زيد الزعبي‬
‫الرمز الربيدي ‪13147‬‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مرسل فالح العجمي‬
‫دولة الكويت‬ ‫أ‪ .‬منصور صالح العنزي‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬ناجي سعود الزيد‬
‫هاتف‪)965( 22431704 :‬‬
‫‪www.kuwaitculture.org.kw‬‬ ‫مديرة التحرير‬
‫التنضيد واإلخراج والتنفيذ والتصحيح اللغوي‬ ‫عالية مجيد الرصاف‬
‫‪a.almarifah@nccalkw.com‬‬
‫وحدة اإلنتاج يف املجلس الوطني‬
‫سكرتيرة التحرير‬
‫‪ISBN 978 - 99906 - 0 - 702 - 4‬‬
‫هلل فوزي املجيبل‬
‫ُطبع من هذا الكتاب اثنان وثالثون ألفا ومائتان وخمسون نسخة‬

‫شعبان ‪ 1443‬هـ ــ أبريل ‪2022‬‬


‫ا‬

‫المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر‬


‫عن رأي كاتبها وال تعبر بالضرورة عن رأي المجلس‬

‫‪6‬‬
‫احملتويات‬

‫‪9‬‬ ‫املقدمة‬

‫الفصل األول‪:‬‬

‫متهيد‪ :‬التأصيل املفاهيمي للنظرية السياسية‬

‫‪15‬‬ ‫النسوية‬

‫الفصل الثاين‪:‬‬

‫‪31‬‬ ‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫الفصل الثالث‪:‬‬

‫املؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي وآثارها يف‬

‫‪67‬‬ ‫املوقف من املرأة‬

‫الفصل الرابع‪:‬‬

‫أُسس النظرية النسوية‪ :‬العدالة النسوية وثنائية‬

‫‪99‬‬ ‫الذَّكر ‪ُ -‬‬


‫األنثى‪ ،‬وجدلية العام ‪ -‬اخلاص‬

‫‪7‬‬
‫الفصل اخلامس‪:‬‬

‫‪155‬‬ ‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫الفصل السادس‪:‬‬

‫‪243‬‬ ‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫اخلامتة‪:‬‬

‫‪275‬‬ ‫النسوية يف ميزان النقد‬

‫‪301‬‬ ‫الهوامش‬

‫‪341‬‬ ‫املصادر العربية واملرتجمة‬

‫‪8‬‬
‫املقدمة‬

‫املقدمة‬

‫سؤال ُشغلنا عن التفك ِري‬ ‫َمنْ هي املرأة؟ ٌ‬


‫في ِه‪ ،‬أو َتشا َغ َل كثريون ِمنَّا طويال عن اإلجابة‬
‫عنه العتبارات قد يكون من بينها التبسيط‬
‫نت من‬ ‫أحاط بوجود املرأة ذاته‪ ،‬و َتل َّو ْ‬ ‫َ‬ ‫الذي‬
‫ثم النظرة إليها‪ ،‬مكتفني من الوصف باإلشارة‬ ‫َّ‬
‫حمل بصفات‬ ‫إليها بكونها الجنس اآلخر ا ُمل َّ‬
‫َبيولوجية ُت ِّيز ُه عن ال َذكر‪ ،‬وبأنها النصف‬
‫الثاين الذي يتكون منه النوعُ اإلنساين‪ .‬وعىل‬
‫الرغم من األهمية والخطورة اللتني تحوزهام‬
‫مكانة املرأة‪ ،‬ليس فقط لكونها أ ّما وزوجة‬
‫ُوأختا وبنتا‪ ،‬بل أيضا لكونها كيانا برشيا ال‬
‫ربا حتى مجرد التفكري‬ ‫ميكن النظر إلي ِه أو َّ‬
‫فيه مبعزلٍ عن وجودنا املادي والقيمي‬
‫بوصفنا أفرادا ومجتمعا‪ ،‬فإ َّننا مل نبحث مبا‬
‫فيه الكفاية فيام وراء هذا الفهم؛ مكتفني مبا‬ ‫«إن النسوية‪ ،‬بوصفها فكرا ومامرسة‪،‬‬
‫إنجاز غريب بال منازع‪ ،‬أما نحن فكنَّا‬
‫قالَهُ األقدمون ومبا َت َر َّس َخ يف وجداننا كشعوب‬ ‫قتات عىل ما َخ َّل َف ُه هؤالء لنا»‬
‫َن ُ‬

‫‪9‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫عن ضعفها وعدم َرشادها‪ ،‬من بني ُجمل ٍة من التوصيفات والخصائص التي َتيش‬
‫ِبدُ ونيتها يف ا ُملجمل‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬إذا كان مثل هذا الوصف يصدق فيام مىض‪ ،‬إ َّبان الحقب املاضية‬
‫التي كانت حاجة النساء فيها إىل الرجال ترتبط مبطالب الحامية من قسوة‬
‫فإن األمر مل يعد كذلك يف‬‫البيئة وصعوباتها وعدوانية الرجال اآلخرين عليها‪َّ ،‬‬
‫عامل اليوم؛ إذ مل يعد مطلوبا من إنسان حضارة ما بعد الحداثة والعوملة العمل‬
‫عىل إفراغ طاقته الحيوية سعيا من أجل البقاء وقهر الطبيعة باأليدي العارية‪،‬‬
‫بل أصبحت لَمسة ز ٍّر منه‪ ،‬رجال كان أو امرأة ال فرق يف ذلك‪ ،‬تكفي يك تنهي‬
‫َتم ولو أتت من قبل عصبة من رجال أويل قوة طوال‬ ‫عمليات ما كانت لِت َّ‬
‫حياتهم‪ .‬كام مل يعد لِمطالب األمن والحامية بصيغتها القدمية‪ ،‬وال ادعاء عدم‬
‫ال َّرشاد لدى النساء‪ ،‬من موجبات تفرض اتباعها‪ ،‬سواء عىل صعيد الرجال أو‬
‫ُ‬
‫وشمولية القوانني‬ ‫ُ‬
‫التطورات الثقافية والتكنولوجية‬ ‫النساء؛ بسبب ما أضفته‬
‫وتداخلها يف تنظيم العديد من العالقات القامئة بني الجنسني‪ ،‬وكذلك املتعلقة‬
‫بالجوانب الشخصية اللصيقة باألفراد رجاال ونساء‪ ،‬عىل ما تتسم به من تعقيد‬
‫وتشابك وتغي ٍري جذري‪ ،‬وفق كل االعتبارات‪ ،‬يف منظومات األفكار والقيم‪ .‬كام مل‬
‫يعد َّمثة من مسوغات تجرب النساء عىل االكتفاء من الحياة والعمل مبجرد أداء‬
‫األدوار البيتية التقليدية‪.‬‬
‫وإذا أضفنا إىل ما سبق ِذك ُرهُ فكر َة َّأن هذه التطورات كانت تسري باتجا ِه توسيع‬
‫واجه ُه‬ ‫َّ َ‬
‫سيتبي لنا حجم التحدي الذي َس ُي ِ‬ ‫الفرص املتاحة للنساء يف التعليم والعمل‪،‬‬
‫الرجال من ج ّرا َء منافسة النساء لهم‪ ،‬سواء أكان ذلك يف الحياة العملية أم يف املجال‬
‫الخاص‪ ،‬من ناحية‪ ،‬ومن جراء ما ميكن أن ُت ِّث َل ُه االستقاللية املتحققة لهنَّ من‬
‫مطالب عىل الرجال واملجتمع بعامة يك تجري االستجابة لها والعمل مبقتضاها‪ .‬وإذا‬
‫ما ربطنا هذه الخالصة بالجوانب الهدامة األخرى التي جلبتها الحضارة الحديثة‪،‬‬
‫والتي أصابت منظومات القيم السائدة و ُبنى املجتمع القائم‪ ،‬وما أفرزت ُه من أوضاع‬
‫األرسة بوصفها الوحدة األساسية التي يقوم عليها املجتمع‪ ،‬ويف‬ ‫أسهمت يف تحلل ُ‬
‫سيادة العالقات العابرة بني الجنسني‪ ،‬من بني نتائج أخرى‪َ َّ ،‬‬
‫سيتبي لنا مقدار االهتامم‬
‫الذي يجب ْأن ُيك َّر َس لهذا املوضوع‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫املقدمة‬

‫وربا ُألخرى غريها‪ ،‬ظهرت العديد من التيارات الفكرية‬ ‫ثل هذه االعتبارات‪ّ ،‬‬ ‫ولِ ِم ِ‬
‫التي تحمل ال َّه َم األنثوي‪ ،‬كام ُأجري عدد كبري من البحوث والدراسات يف العديد‬
‫من املجاالت والحقول األكادميية واملعرفية املختلفة‪ ،‬وهي تدور يف ُمجملها حول‬
‫التعريف باملرأة وحقوقها‪ ،‬وتعمد إىل تحميل الرجال‪ ،‬أفرادا ومجتمعا‪ ،‬مسؤولي َة‬
‫ثم برشوط الوفاء بها والعمل عىل سالمة تطبيقها‪.‬‬ ‫اإلسهام فيها‪ ،‬وإلزامهم من َّ‬
‫دارس النظرية السياسية االقرتاب ‪ -‬مبعنى التعامل املنهجي ‪ -‬من‬ ‫َّربا ميكن لِ ِ‬
‫ني جوانب ِه وما يحمل ُه من نتائج وآثار عىل كال‬ ‫هذا املوضوع‪ ،‬واإلسهام بعدئ ٍذ يف َتبي ِ‬
‫طريف املعادلة؛ الرجل واملرأة‪ ،‬وذلك عن طريق إلقاء نظرة فاحصة عىل ُمك ِّونات‬
‫الوضع الذي تشكل ُه املرأة‪ ،‬ماضيا وحارضا‪ ،‬وعىل املكانة التي متتلكها بوصفها كيانا‬
‫ثم‬‫إنسانيا؛ وبوصفها فردا يف املقام األول‪ ،‬وجنسا يف املقام الثاين‪ .‬وهو ما يرتب من َّ‬
‫استحقاقا معينا‪ ،‬كام نعتقد‪ ،‬يتناسب مع املفهوم اإلنساين الذي يقتيض عدم التمييز‬
‫يف النظرة والتعامل بني البرش عىل اختالف أجناسهم وألوانهم‪ ،‬من ناحية‪ ،‬وكذلك مع‬
‫األدوار والوظائف التي ُتؤديها األنثى (بوصفها فردا وجنسا) يف املجتمع‪ ،‬من ناحية‬
‫فإن‬ ‫أخرى‪ .‬وهذا هو اإلطار الذي ح َّد َد إسهامنا يف هذا املجال‪ .‬وعىل رغم ذلك‪َّ ،‬‬
‫توضيح واستكنا ِه أسباب كل ما سبق قوله لن ُت ْل ِجئنا إىل الخوض‬ ‫ِ‬ ‫محاولتنا الرامية إىل‬
‫يف التعريف ِبَنْ هي املرأة‪ ،‬أو عىل األقل لن نعمد إىل تبسيط مثل هذا التساؤل‪،‬‬
‫البحث فيام تشتيك منه‬ ‫َ‬ ‫بل سنعمل عىل طرح جملة من التساؤالت تتناول بداية‬
‫النساء بعامة‪ ،‬وما الذي َتعت ِقد ُه املرأة و ُتطالِ ُب به بوصف ِه حقا لها‪ .‬وعىل رغم ذلك‬
‫اض منهجية عىل األقل‪ ،‬عن مدى صدق القول بأنهن ممنوعات‬ ‫يبقى التساؤل‪ ،‬ألغر ٍ‬
‫فعال من التمتُّع مبثل تلك الحقوق‪ ،‬يف البلدان املتقدمة عىل األقل ويف زمننا الحارض‬
‫بالذات‪ .‬فإذا كان ذلك هو الواقع بالفعل‪ ،‬فام أسبابه؟ ثم كيف َب َّر َر الرجال تجاوزهم‬
‫تلك الحقوق؟ وما الحلول املطروحة لحل مثل هذه املشكلة؟ وأخريا‪ ،‬هل ميكن‬
‫إدراج الحلول والتربيرات التي سيقت دفاعا عن املرأة‪ ،‬خصوصا ذلك النتاج الفكري‬
‫والتنظريي النسوي منذ نهاية القرن الثامن عرش‪ ،‬ضمن املجال الخاص بالنظرية‬
‫السياسية؟ وإذا ما اتفقنا عىل ذلك فام األساس «اإلبستمولوجي»(‪ )1‬الذي َبن َْت‬
‫نظرات ‪َّ -‬إن مقولة‬ ‫ا ُملف ِّكرات النسويات(‪ )2‬فرضياتهنَّ عليه؟ هل ميكن القول ‪ -‬مع ا ُمل ِّ‬
‫منطلق أساس‬‫ٍ‬ ‫نظرات النسويات مبنزلة‬ ‫التبعية‪ /‬االضطهاد‪ ،‬تلك التي جعلت منها ا ُمل ِّ‬

‫‪11‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫لهنَّ يف أعاملهنَّ الفكرية ومامرساتهنَّ ‪ ،‬هي مام ميكن البناء عليه ليكون إجابة عن‬
‫مثل تلك التساؤالت‪ ،‬أو ليشبع مثل ذلك املطلب؟ وهو ما سيقودنا بادئ ذي بدء‬
‫ات‬ ‫إىل تناول املقصود مبقولة التبعية‪ /‬االضطهاد‪ ..‬ما أسبابها؟ وهل هي مسألة متايز ٍ‬
‫ات أخرى؟ وكيف جرى‬ ‫بيولوجية أم اجتامعية أم تاريخية أم أنها ترجع إىل اعتبار ٍ‬
‫موقف موحد‬ ‫ٍ‬ ‫التعبري عن كل ذلك يف الفكر والنظرية السياسيني؟ هل تبلور ذلك يف‬
‫ثم بأشكال مختلفة من النظريات السياسية؟ ثم‬ ‫أم اتخذ مواقف عدة وانعكس من َّ‬
‫ما األطر املرجعية الفكرية التي استمدت النسويات منها مادتها‪ ،‬سواء أكان ذلك يف‬
‫تحليل اتجاهاتهنَّ تلك أم يف تربيرها؟ وأخريا‪ ،‬ما املَسار الذي اتخذه الفكر النسوي‬
‫تحقيقا لهذا الغرض؟ وما أبرز التطورات التي مر بها خالل مسريته؟ عىل ْأن َي َظ َّل‬
‫كون النسوية‪ ،‬بوصفها فكرا ومامرسة‪ ،‬إنجازا غربيا بال منازع‪ ،‬أما‬ ‫ما ِثال يف الذهن ُ‬
‫قتات عىل ما َخ َّل َف ُه هؤالء لنا‪ .‬وميكن أن َنر َّد ذلك إىل طبيعة التحوالت‬
‫نحن فكنَّا َن ُ‬
‫ومراحل التطور االقتصادي واالجتامعي التي شهدتها تلك املجتمعات وانعكست‬
‫يحدث يف وقت عا َن ْت فيه عوامل الرشق‬ ‫ُ‬ ‫نتائجها من ثم عىل الفكر‪ .‬وكل ذلك كان‬
‫من ركو ٍد فكري وتخلف اقتصادي واجتامعي يعود واحد من أهم أسباب ِه إىل الغرب‬
‫ذات ِه‪ ،‬وهو املتم ِّثل يف سياسات الغرب الكولونيالية و ُنظم ِه االستغاللية التي عانت‬
‫منها هذه املجتمعات‪.‬‬
‫وربا ُأخرى غريها‪ ،‬قسمنا‬ ‫ونحن يف سبيلنا إىل اإلجابة عن هذه التساؤالت‪َّ ،‬‬
‫هيكلية الدراسة إىل مجموعة فصولٍ ومباحث مرتابطة؛ فقد ُو ِّزعَت هيكلية هذه‬
‫الدراسة‪ ،‬والتي استغرقت والدتها فرتة تزيد عىل ثالثة أعوام ونيف؛ بني الكات َبني‬
‫توزيعا متساويا؛ إذ عمل الربوفيسور د‪ .‬رعد عبدالجليل عىل كتابة الفص َلني الثاين‬
‫والثالث واملقدمة والخامتة منفردا‪ ،‬وعمل د‪ .‬حسام الدين عيل مجيد عىل كتابة‬
‫الفصول‪ :‬األول والرابع والسادس منفردا‪ ،‬يف حني اشرتكا يف كتابة الفصل الخامس‪ ،‬ثم‬
‫كل منهام عىل قراءة وتقييم نتاجات اآلخر وإثرائها استنادا إىل منهجية تحليل‬ ‫َ‬
‫عمل ٌّ‬
‫ثم تنظيم ذلك كل ِه يف إطا ٍر واحد ومتناسق‪ .‬فجاء‬ ‫املضمون يف املقام األول‪ ،‬ومن َّ‬
‫توزيع هيكلية الدراسة هذه عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -‬كان ال بدَّ من أن يكون أول فصول الكتاب فصال متهيديا نهدف من‬
‫وخاليف‪ ،‬وهو التأصيل املفاهيمي‬ ‫خالله إىل تسليط الضوء عىل موضوع ُمتش ِّع ٍب ِ‬
‫‪12‬‬
‫املقدمة‬

‫للنظرية النسوية‪ُ ،‬بغية تبيان معاين مفهوم النسوية‪ ،‬أي التمييز بني النسوية‬
‫بوصفها نظرية سياسية وبني النسوية بوصفها حركة اجتامعية ‪ -‬سياسية‪.‬‬
‫وس ُيتناول فيه كذلك املفاهيم ذات العالقة والقضايا املتصلة بتجارب النسوة‬
‫وآثارها املجتمعية والسياسية‪.‬‬
‫‪ -‬حاولنا يف الفصل الثاين هذه املرة تبيان مكانة النسوية وكيفية النظر إليها‬
‫عىل خارطة النظريات السياسية املعارصة‪ ،‬ثم البحث يف معنى النظرية السياسية‬
‫ورشوطها‪ ،‬وذلك بهدف معرفة ما إذا كانت النسوية هي نظرية واحدة أم نظريات‬
‫التعمق يف املعنى الخاص للنسوية تحديدا‬ ‫ُّ‬ ‫متعددة‪ .‬وسيكون ذلك من خالل‬
‫وفروضها األساسية‪ ،‬أي النظرية النسوية بوصفها نظرية سياسية تخصصية يف املقام‬
‫األول‪ .‬مبعنى آخر‪ ،‬ستكون البداية بالتعريف بالنظرية السياسية من أجل اإلحاطة‬
‫باملعنى العام لها‪ ،‬لِنَنت ِقل بعدها إىل معالجة ما الذي ُتحاول النظرية النسوية أن‬
‫تقولَ ُه وتسعى إليه من جانب‪ ،‬ومكانة النظرية النسوية عىل خارطة التصنيف‬
‫جانب آخر‪.‬‬
‫الخاص بالنظرية السياسية ككل من ٍ‬
‫‪ -‬تناولنا يف الفصل الثالث املؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغريب ونتائجه‬
‫عىل املوقف من املرأة‪ :‬بدءا بآراء أفالطون وأرسطو‪ ،‬مرورا باإلشارات التي َو َرد َْت‬
‫يف الكتب الساموية؛ وبخاصة العهدَين القديم والجديد وأقوال آباء الكنيسة‪ ،‬إىل‬
‫املرأة من وجهة نظر كل من جان جاك روسو‪ ،‬واملاركسية الكالسيكية ونظرتها إىل‬
‫النساء وحقوقهنَّ ودورهنَّ يف عملية التحرر من النظام السيايس (الرأساميل) القائم‪،‬‬
‫وصوال إىل املوقف الوجودي من النسوية الذي َم َّث َلت ُه الفرنسية سيمون دي بوفوار‬
‫‪.Simone de Beauvoir‬‬
‫‪ -‬ويف الفصل الرابع نناقش مفهوم النسوية ‪ Feminism‬من حيث طبيعته‬
‫الفكرية واتجاهات ِه العامة والفرعية‪ .‬فام مربرات تلك االتجاهات لدى النسويني‬
‫وخصوصا يف املطالبة باملساواة؟ وهل تقف عند حد املجال الخارجي‪ ،‬املتمثل يف‬
‫التمييز بني املرأة والرجل يف املجاالت االقتصادية والسياسية‪ ،‬أم تتجاوزه إىل املجال‬
‫الداخيل املتمثل يف االضطهاد ‪ oppression‬الواقع عليها‪ ،‬وخضوعها ‪subordination‬‬
‫ظل تأثري جمل ٍة من الرتتيبات والقيم‬ ‫وطبيعة عالقة الخضوع ‪ -‬التبعية‪ ،‬وذلك يف ِّ‬
‫السائدة واملفروضة عليها‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫‪ -‬نسعى يف الفصل الخامس إىل تسليط مزيد من الضوء عىل مسرية األفكار‬
‫النسوية وتطورها جنبا إىل جنب مع تطور مطالب النساء‪ ،‬منذ أواخر القرن الثامن‬
‫آلت إليه مطالبهنَّ‬ ‫عرش يف أوروبا مرورا مبنتصف القرن العرشين‪ ،‬وصوال إىل ما ْ‬
‫يف العقد األول من القرن الحادي والعرشين‪ .‬كام سيجري يف هذا الفصل عرض‬
‫ومناقشة النظريات السياسية النسوية يف تقسيامتها األساسية‪ )1( :‬النسوية الليربالية؛‬
‫(‪ )2‬النسوية الراديكالية؛ (‪ )3‬النسوية االشرتاكية؛ (‪ )4‬نسوية ما بعد الحداثة؛ (‪)5‬‬
‫تصنيفات أخرى التجاهات أنصار‬ ‫ٍ‬ ‫النسوية السوداء‪ .‬فضال عن اللجوء إىل معالجة‬
‫النظرية النسوية بهدف تبيان مواقفها واختالفاتها الفكرية‪.‬‬
‫‪ -‬يف الفصل السادس أعملنا النظر يف سبل املعالجة املتمثلة يف اآلليات النوعية‬
‫ا ُملعت َمدة للتعامل مع التنوع املجتمعي القائم عىل أساس التاميزات الجنسية‬
‫والجندرية‪ ،‬والس َّيام آلية الكوتا النسوية‪ .‬فالكوتا من زاوية نظر أنصارها متثل املدخل‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫األمثل لِتمكني املرأة واجتثاث الحرمان والظلم االجتامعي اللذين أصا َباها‬
‫األسس الفكرية لليربالية‪،‬‬ ‫واسع للغاية‪ ،‬غري َّأن مثل هذه اآللية تتعارض َّربا مع ُ‬
‫نقاش واسع النطاق حول جدوى االستخدام وآثار ِه لدى‬ ‫وهذه القضية َغد َْت َمدار ٍ‬
‫أنصار نظام الكوتا النسوية و ُمعارضي ِه‪ .‬فالنساء عىل الرغم من متتعهنَّ قانونا بنفس‬
‫الحقوق والحريات األساسية ذات الصلة بالتصويت والرتشيح يف االنتخابات شأنهنَّ‬
‫شأن الرجال‪ ،‬فإن الق ّلة منهنَّ استطعن املشاركة يف السلطة العليا أو التأثري بفاعلية‬
‫يف عملية صناعة القرار‪ .‬فام أسباب ذلك من منظور الحركة النسوية؟ وهل باإلمكان‬
‫بناء املجتمع العادل واملحايد عرقيا وجنسيا من خالل اعتامد معايري هي ذاتها‬
‫متييزية؟ وكيف ُيكن توسيع دائرة تطبيق هذه اآللية لتشمل الدول العربية بعامة؟‬
‫‪ -‬أفردنا خامتة الكتاب لِوضع النظرية النسوية يف ميزان النقد والتقييم‪ ،‬ثم بيان‬
‫بشكل عام وما ميكن ْأن َي َت َّت َب علي ِه يف املستقبل املنظور‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫املوقف من الفكر النسوي‬
‫حقل النظرية السياسية ومجاالت العمل السيايس‪ ،‬أم‬ ‫الت النسوية ُت ْل ِه ُم َ‬ ‫وهل ماز ِ‬
‫طريق َمسدود؟‬
‫ٍ‬ ‫ُترى أ َّنها قد َو َص َل ْت إىل‬

‫‪14‬‬
‫متهيد‪ :‬التأصيل املفاهيمي للنظرية السياسية النسوية‬

‫‪1‬‬

‫متهيد‪ :‬التأصيل املفاهيمي‬


‫للنظرية السياسية النسوية‬

‫عُ د َّْت املصطلحات واملفاهيم من بني األدوات‬


‫الفكرية التي تحمل ُمتض َّمناتها خطور ًة من ٍ‬
‫نوع‬
‫ما‪ ،‬ســوا ٌء أكان ذلك عىل الصعيــد الفردي أم‬
‫الجمعي‪ ،‬وسوا ٌء أكان ذلك من ِقبل الفاعل نفس ِه‬
‫أم األطراف املستهـدَفة بذلك النشاط‪ .‬وذلك‬
‫بقــــدر عملها ‪ -‬أي املفـاهيم واملصطلحات ‪-‬‬
‫عىل تحريك وعي الناس ثم مشاعرهم وعواطفهم‬
‫ودفعهم إىل العمل عىل التغيري وتق ُّبل فعل‬
‫َسبات معينة‬
‫التغيري نفس ِه‪ ،‬أو الحفاظ عىل ُمكت ٍ‬
‫َيع َمدُ إليها الفاعلون‪ .‬وتأيت «النسوية» يك تكون‬
‫واحدة من بني أخطر هذه املفاهيم يف وقتنا‬
‫الحارض(‪ ،)1‬وذلك بقدر تعلق األمر بالكشف‬ ‫َّ‬
‫«إن الحـــركة النســوية بعـــامة هـي‬
‫جز ٌء ال يتجــزأ من مجمـوعة الحركات‬
‫عنها وإثارة قضايا تتعلق بحياة وتجارب ومعاناة‬ ‫االجتامعية الجديدة التي َب َرزتْ منذ‬
‫نصف املجتمع‪ ،‬وكذلك فيام ُيكن أن تنتجه من‬ ‫ستينيات القرن العرشين»‬

‫‪15‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ثم عىل ثقافة املجتمع وسلوكيات أفراده ومؤسسات‬ ‫آثار ومضامني تنعكس من ّ‬
‫النظام السيايس وإجراءاته‪.‬‬
‫يعود أول استخدام ملصطلح «النسوية» ‪ Feminism‬إىل الفرنسية هيوبرتني‬
‫أوكلريت ‪ Hubrtine Auclert‬يف العام ‪ 1882‬يف صحيفة «املرأة املواطنة» ‪La‬‬
‫‪ .)2(Citoyenne‬واستخدم لإلشارة إىل التزام أيديولوجي بالعمل عىل تحقيق‬
‫املساواة االجتامعية واالقتصادية والسياسية بني الرجال والنساء‪ ،‬سواء أكان ذلك‬
‫داخل البلد الواحد أم عرب العامل(‪ .)3‬وهناك من يرجع أصول التطور الفكري الخاص‬
‫باملرأة واملوقف حيالها‪ ،‬والذي عُ ِّب عنه الحقا تحت مسمى «النسوية»‪ ،‬إىل أوروبا‬
‫القرن الخامس عرش وفق ما تذهب إليه ماري إيفانز ‪ ،)4(Mary Evans‬يف الوقت‬
‫الذي أرجعتها فيه ستيفاين هوغسن‪-‬رايت ‪ Stephanie Hodgson-Wright‬إىل‬
‫الفرتة املحصورة بني العامني ‪ 1550‬و‪ ،1700‬حيث كانت تعني لديها كل محاولة‬
‫من أجل النضال ضد البطريركية (األبوية) بكل أشكالها(‪ .)5‬فقد شهدت تلك الفرتة‬
‫بروز شكل من أشكال إعادة النظر يف وضع املرأة بعد فرتة طويلة من سيادة الفكر‬
‫حجية تصويرهن يف األعامل الفنية واألدبية فيام أصبح يعرف‬ ‫الثيولوجي‪ ،‬ومدى ّ‬
‫بـ «نزاع النساء» ‪Querelle des Femme‬؛ وذلك اعتامدا عىل تأويالت النصوص‬
‫اإلنجيلية والتأكيدات التي ربطت مثل هذه األعامل باألخالق والعادات والتقاليد‬
‫وما شابه‪ ،‬ليعود هذا املنحى الثيولوجي يف القرن السابع عرش يف تأكيده عىل مكانة‬
‫املرأة من خالل التدليل عىل كون املرأة (أو حواء) أسمى من الرجل؛ وذلك ألنها مل‬
‫تخلق من طني بل من ضلع آدم(‪.)6‬‬
‫ويف نهاية املطاف ا ّتخذ مفهوم «النسوية» شكل تعبري عن أمناط االحتجاج عىل‬
‫نظم التوزيع املعتمدة يف املجتمع‪ ،‬والتي تتعلق بتوزيع القيم (املادية واملعنوية)‬
‫والقامئة عىل تفضيل الرجال ومتييزهم عىل حساب النساء‪ ،‬والتي تشعر النساء‬
‫من جرائها ‪ -‬بوصفهن جز َء املجتمع األساس املك ّون أصال من الرجال والنساء‬
‫‪ -‬بأ ّنهنّ قد جرى استبعادهنّ أو استثناؤهنّ من التمتع بتلك القيم والحقوق‬
‫األساسية‪ ،‬بسبب جنسهنّ أو نوعهنّ االجتامعي (الجندر ‪ )gender‬أو كام‬
‫وصفت ديل ‪ Dill‬وزامربانا ‪ ،Zambarana‬بأنها «أمناط من السيطرة املأمسسة‬
‫‪ institutionalized‬القامئة عىل التفاوت يف توزيع السلع واملصادر ذات القيمة‬
‫‪16‬‬
‫متهيد‪ :‬التأصيل املفاهيمي للنظرية السياسية النسوية‬

‫يف املجتمع‪ ،‬كاألرض وامللكية واملال والعمل والتعليم والرعاية الصحية والسكن‬
‫ولسن رجاال‪ .‬بيد ّأن ذلك يف‬
‫من بني أشياء أخرى»(‪ ،)7‬ال لسبب إال لكونهنّ نسا ًء ْ‬
‫مجمله ال مينعنا من اعتامد املصطلح نفسه لإلشارة إىل أفكار نسوية سابقة للعام‬
‫‪ ،1882‬إذ سيكون من ِقرص النظر أن نتجاهل هذه القوة الكبرية من األفكار‬
‫السياسية‪ ،‬وأحيانا األفعال السياسية التي سنعالجها الحقا‪ ،‬وذلك بالنظر إليها‬
‫بوصفها «بدايات النسوية» أو «ما قبل النسوية»(‪.)8‬‬
‫يف ضوء ذلك‪ ،‬ميكن القول بوجود اتجاهات عدّة عملت عىل تعريف هذا‬
‫املفهوم‪ ،‬وميكننا توزيعها إىل اتجاهني رئيسني‪ :‬أولهام ميكن تسميته بـ «املعنى‬
‫الخاص للنسوية»‪ ،‬إذ يشدّد عىل كون النسوية نظرية ‪ .Theory‬أما ثانيهام فسنطلق‬
‫عليه «املعنى العام للنسوية»‪ ،‬ويزعم فيه ّأن النسوية حركة ‪.Movement‬‬

‫املبحث األول‬
‫املعنى الخاص‪ :‬النسوية بوصفها نظرية‬
‫ّ‬
‫املستهل تنبغي اإلشارة إىل ّأن النظرية السياسية كانت من الناحية التاريخية‬ ‫يف‬
‫حقال أكادمييا متخصصا بدراسة القضايا ذات العالقة بالسلطة السياسية وأنظمة‬
‫الحكم والدولة‪ .‬كان أفالطون أول فيلسوف يتحدث عن فكرة «مركزية اإلنسان» يف‬
‫عامل السياسة؛ إذ إ ّنه مل ينظ ْر إىل سلوك اإلنسان بوصفه مجرد نتاج لقوى الطبيعة‪ ،‬بل‬
‫نظر إىل سلوكه باعتباره نتاجا ألفعال ومامرسات غريه من األفراد يف سياق أنشطتهم‬
‫وتفاعالتهم بعضهم مع بعض داخل نطاق الدولة ومؤسساتها‪ .‬هذا املنظور قد‬
‫ان ُت ِهج من قبل أغلبية النظريات السياسية مبا فيها النظرية النسوية‪ .‬ومنذ ستينيات‬
‫القرن املايض والحديث عن تح ّول النظرية السياسية إىل كل ما كان يعترب حتى ذلك‬
‫التاريخ شأنا خاصا يأخذ مكانه يف النقاشات السياسية الدائرة آنذاك‪ .‬فالتنظيامت‬
‫النسوية واليسار الجديد أسهام بدورهام يف الدفع بهذا االتجاه عامدين إىل إدخال‬
‫املجال البيتي الخاص‪ ،‬والذي كان ي ّعد حتى ذلك التاريخ شأنا شخصيا ال ميكن‬
‫ثم‬
‫املساس به‪ ،‬يف إطار تلك النقاشات بغية إخضاعه إلعادة النظر ويك يسهل من ّ‬
‫«إن الشخيص‬‫تنظيمه يف قوانني من قبل الدولة‪ .‬وهو ما جرى التعبري عنه يف مقولة ّ‬
‫هو سيايس»(‪ ،)9‬ليضاف بذلك بعد آخر جديد للنظرية السياسية يف تناولها قضايا‬
‫‪17‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫تدور حول العالقات التي تنشأ بني الجنسني يف إطار األرسة‪ ،‬وإلقاء الضوء من ناحية‬
‫أخرى عىل األدوار التي تؤديها املرأة نفسها يف البيت‪ ،‬وأثر ذلك يف طبيعة النظرة‬
‫إليها وإىل ما يرت ّتب عىل مثل هذه األدوار من نتائج ستضيف الحقا ُبعدا كابحا أمام‬
‫مطالب املساواة يف التعليم والعمل لدى املرأة والتي سيستلزم أخذها بنظر االعتبار‬
‫سواء من قبل الرجل أم من قبل املجتمع‪ .‬من هنا ميكن القول ّإن حقل النظرية‬
‫السياسية قد جرى إغناؤه ببعد آخر جديد يأخذ يف حسبانه «الجنس» بوصفه‬
‫إحدى الركائز اإلنسانية واملجتمعية املسكوت عنها من قبل الحقل العلمي قيد‬
‫النظر ومن قبل ّ‬
‫املنظرين أنفسهم‪.‬‬
‫ميكن تعريف النسوية بأنها نظرية سياسية قامئة عىل أساس املساواة‪ ،‬إذ تطالب‬
‫بأن تحوز النسوة حقوقهنّ القانونية والسياسية واالجتامعية التي‬ ‫النظرية النسوية ْ‬
‫ُحر ْمن منها عىل مدار التاريخ(‪ .)10‬ذلك ّأن البناء الفكري للنظرية النسوية يف املقام‬
‫األول يقوم عىل أساس االعرتاف بأ ّننا نعيش يف سياق ثقافة يهيمن عليها الذكور‪،‬‬
‫«حيث تبقى املرأة غري معرتف بها‪ ،‬بل ُت ْجرب عىل مامرسة أدوار الجنس التي تتطلب‬
‫بدورها ْأن تكون تابعة وسلبية ومربية‪ ...‬إلخ‪ .‬وينبغي عىل الرجال أيضا أن يقبلوا‬
‫تخصهم‪ ،‬ولكن هذه ليست معيقة لهم كام األدوار الجنسية للمرأة‪.‬‬ ‫أدوارا جنسية ّ‬
‫ثم‪ ،‬تغدو النسوية نظرية ومامرسة سياسية هادفة إىل تحرير جميع النساء‪:‬‬ ‫ومن ّ‬
‫أي النساء امللونات‪ ،‬ونساء الطبقة العاملة‪ ،‬والنساء الفقريات‪ ،‬فضال عىل النسوة‬
‫ذوات اإلعاقات الجسد ّية‪ ،‬وغريهن من األقليات املنضوية تحت فئة النساء‪ .‬وأيّ‬
‫يشء أقل من هذا ال يعترب حركة نسوية‪ ،‬بل مجرد تعظيم أنثوي للنفس» وفقا‬
‫لتعبري باربارا سميث ‪ ،)11(Barbara Smith‬وهو ما دفع باملناديات بهذا االتجاه‬
‫من أمثال باوال تريكلر ‪ ،Paula Tricolor‬وشريي كراماري‪ ،‬ناهيك عن باربارا‬
‫سميث‪ ،Barbara Smith‬إىل الدخول يف دائرة الزعم بكون النسوية مجموعة من‬
‫األفكار واألطروحات املنْتظمة بشأن النساء‪ ،‬بحيث تنبثق عن النسويات أنفسهنّ‬
‫وتخص مشاكلهنّ ‪ .‬مام يعني وجوب توافر إمكانية فصل الحركة النسوية عن‬ ‫ّ‬
‫تعددية اتجاهات املهتامت بقضايا املرأة‪ .‬وال يتناىف مع العقل ذلك االعتقاد القائل‬
‫بأ ّنه من غري الرضوري ْأن يكون املرء نسويا ليدعم حقوق املرأة يف الحصول عىل‬
‫معاملة متساوية؛ ذلك أ ّنه ليس جميع أولئك الداعمني ملطالب املرأة هم من‬
‫‪18‬‬
‫متهيد‪ :‬التأصيل املفاهيمي للنظرية السياسية النسوية‬

‫بأن النسوية ميكن‬‫النسوة والنسويات(‪ .)12‬مبعنى ّأن أنصار هذا الرأي يعتقدون ّ‬
‫ْأن تطالب بتاريخها الخاص ومامرساتها الخاصة‪ ،‬من زاوية كون النسوية «حقال‬
‫معرفيا» ‪ Acknowledge discipline‬يعنى حرصا بالنساء ومشاكلهنّ من دون‬
‫إيالء كثري اعتبار للتفاوتات املكانية والزمانية ما بني النساء والنسويات‪ .‬وبذلك‬
‫فإن نقطة البداية يف كل دراسات النسوية واستقصاءاتها هي أوضاع وتجارب‬ ‫ّ‬
‫النساء يف املجتمع‪ ،‬فتعمل النظرية عىل معاملة النساء بوصفهنّ موضوعات رئيسة‬
‫والتقص‪ ،‬ثم تسعى إىل النظر إىل العامل املحيط بهن من زوايا‬ ‫ّ‬ ‫لعملية البحث‬
‫متميزة ومختلفة‪ ،‬بحيث تعطي األفضلية للنساء يف العامل االجتامعي والسيايس‪.‬‬
‫من ناحية أخرى‪ّ ،‬إن النظرية النسوية نظرية نقدية فاعلة تنوب عن جميع النساء‬
‫«من حيث السعي إىل بناء عامل أفضل للنساء‪ ،‬ومن ثم يكون مكانا أفضل للنوع‬
‫البرشي» وفقا لتعبري باتريشيا لينجريمان ‪ Patricia M. Lengermann‬وجيل‬
‫نايربوغ ‪.)13(Jill Niebrugge‬‬
‫ولعل أكرث الخطوات أهمية يف اتجاه بناء نظرية نسوية متخصصة قد جرى‬ ‫ّ‬
‫إنجازها بعد الستينيات املنرصمة‪ .‬إذ نحت النظرية النسوية منحى بعيدا عن‬
‫َ‬
‫الحقوق نفسها التي‬ ‫قالب النقاشات الليربالية‪ ،‬من زاوية التشديد عىل حيازة املرأة‬
‫ثم الرشوع يف بناء نظرية سياسية قامئة عىل‬ ‫يحوزها الرجل سواء بسواء‪ ،‬ومن ّ‬
‫تخص النساء وحدهنّ ‪ .‬فالنظرية النسوية‪ ،‬الس ّيام يف أواخر القرن‬ ‫افرتاضات سياسية ّ‬
‫العرشين‪ ،‬باتت تر ّكز عىل موضوعات واسعة النطاق‪ ،‬منها‪ :‬السياسة الشخصية‪،‬‬
‫التمييز بني املجالني العام والخاص‪ ،‬نقاش «الرعاية أم العدالة» ‪،Care/Justice‬‬
‫موضوع املساواة واالختالف‪ ،‬إضافة إىل موضوعات الجنس واإلنجاب ومعاودة‬
‫اإلنجاب واإلجهاض‪ .‬أيضا هناك قضايا مركزية أخرى مثل‪ :‬األمومة ورعاية األطفال‬
‫والهوية الجنسية التي ش ّكلت جميعا موضوعات جوهرية مرتبطة بالنظرية‬
‫السياسية النسوية(‪ ،)14‬مام يكشف عمليا عن كون القوة الدافعة للنظرية النسوية‬
‫تتمثل يف تساؤل سهل ممتنع وهو‪« :‬ماذا عن النساء؟»‪ .‬بكلامت أخرى‪ ،‬ميكن وضع‬
‫األسئلة الرئيسة للنظرية السياسية النسوية كام ييل‪:‬‬
‫‪ - 1‬أين تتموضع النساء اجتامعيا وسياسيا؟ وإذا مل تكن لهنّ مكانة‪ ،‬فلامذا‬
‫يفتقرن إىل ذلك؟‬
‫‪19‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ثم ملاذا كل هذه املعاناة التي تعيشها النسوة؟ وإذا ما كانت لهنّ مكانة‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫اجتامعية ووظيفية‪ ،‬فام دورهنّ بالضبط؟ أي ما الذي يسهمن فيه عمليا؟‬
‫‪ - 3‬وأخريا‪ ،‬كيف نستطيع تغيري العامل وتحسني صورته بجعله مكانا أكرث عدالة‬
‫للنساء والناس أجمعني؟‬
‫ويف هذا السياق‪ ،‬جرى التوصل إىل خالصات ورؤى قابلة للتعميم حول هذه‬
‫التساؤالت‪ .‬إذ بخصوص أوالها‪ ،‬نجد ّأن النساء موجودات يف معظم املراكز واملواقع‬
‫فإن السبب وراء ذلك ال يتمثل يف‬ ‫يشغلنها ّ‬ ‫االجتامعية والوظيفية‪ .‬أما املراكز التي ال ْ‬
‫منظمة وعمدية تقوم‬ ‫افتقارهنّ إىل القدرة أو االهتامم‪ ،‬بل يعود إىل وجود جهود ّ‬
‫عىل إقصائهنّ وتهميشهنّ ‪ .‬وإذا كان مثل هذا التساؤل يدعونا إىل وصف العامل‬
‫فإن التساؤل الثاين يتط ّلب منّا تفسري‬ ‫االجتامعي والسيايس الذي تعيش فيه النساء‪ّ ،‬‬
‫وتحليل هذا العامل‪ ،‬مبعنى أ ّنه يدفعنا إىل فهم العامل من زوايا نظر جديدة‪ .‬وكلتا‬
‫اإلجابتني بشأن وصف وتفسري هذا العامل هام يف الحقيقة وجهان للنظرية النسوية‬
‫وأيّ نظرية سياسية أخرى‪ .‬أما التساؤل الثالث فهو ير ّكز عىل االلتزام بالتحول‬
‫والتغيري االجتامعي الس ّيام عرب االهتامم بالعدالة‪ ،‬وهو ي ّعد مبنزلة خاصية مم ّيزة‬
‫للنظرية االجتامعية النقدية‪ ،‬بيد ّأن هذا االلتزام تتقاسمه نظريات أخرى إىل جانب‬
‫النسوية‪ ،‬كاملاركسية الكالسيكية واملاركسية الجديدة‪ ،‬كذلك النظريات التي تطورت‬
‫عىل يد األقليات اإلثنية يف مجتمعات ما بعد االستعامر ‪،Post-Colonial Societies‬‬
‫حيث ّإن هذا االلتزام ضمن إطار نظرية نقدية يتط ّلب تجريب ّ‬
‫املنظرات النسويات‬
‫أعاملهنّ والنظر إليها من زاوية كيفية عملها عىل تغيري التفاوتات والالمساواة التي‬
‫تواجهها النساء وكيفية عملها عىل تحسني حياتهنّ (‪.)15‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫املعنى العام‪ :‬النسوية بوصفها حركة‬
‫تشتق كلمة «النسوية» ‪ Feminisim‬لغة من كلمة «نسوة»‪ ،‬وهي تعني‬
‫يف االصطالح‪ :‬املناضلة من أجل املرأة وحاميتها‪ْ .‬‬
‫«فأن يكون املرء‪ /‬املرأة ناشطا‬
‫نسويا يعني ّأن املرء‪ /‬املرأة مرتبط بجميع النساء ليس باعتباره فعال اختياريا‪ ،‬بل‬
‫يخلقن هذا الوضع املشرتك عن طريق تكوين حلفاء؛‬ ‫أمرا واقعا‪ ...‬فالنسويات ال ْ‬

‫‪20‬‬
‫متهيد‪ :‬التأصيل املفاهيمي للنظرية السياسية النسوية‬

‫ّإن النسويات يدْركن هذا الوضع املشرتك أل ّنه موجود كجزء أسايس يف االضطهاد‬
‫الجنيس»‪ .‬ويتم ّثل هذا الوضع املشرتك يف‪ :‬التبعية للرجل واالستعامر جنسيا يف ظل‬
‫نظام هيمنة وخضوع عىل أساس الجنس‪ ،‬كذلك إنكار الحقوق عىل أساس الجنس‪،‬‬
‫وكون املرأة مجرد متاع متوارث تاريخيا ثم النظر إليها من زاوية أ ّنها أدىن بيولوجيا‬
‫ويقترص دورها يف الحياة عىل مامرسة الجنس واإلنجاب(‪ .)16‬مبعنى ّأن الناشطة‬
‫النسوية بوصفها عضوة يف الحركة النسوية‪ ،‬هي إنسانة تؤمن بأن النساء يعانني‬
‫وأن لهن حاجات خاصة تبقى منْكرة وغري مل ّباة‪ّ ،‬‬
‫وأن تلبية‬ ‫التمييز بسبب جنسهنّ ‪ّ ،‬‬
‫هذه الحاجات واملطالب قد تستلزم إحداث تغيري جذري‪ ،‬ورمبا ثورة‪ ،‬يف النظام‬
‫االجتامعي واالقتصادي والسيايس(‪.)17‬‬
‫تأسيسا عىل ذلك‪ ،‬تؤمن الكثري من الناشطات النسويات مثل روزاليند ديلامر‬
‫‪ ،Rosalind Delmar‬وجوان واالش سكوت ‪ ،Joan Wallach Scott‬وأدريني يس‪.‬‬
‫بأن «النسوية» ‪ Feminism‬هي حركة سياسية‪-‬اجتامعية‬ ‫ريتش ‪ّ Adrienne C. Rich‬‬
‫تبلورت إ ّبان عرص التنوير األورويب يف القرنني الثامن عرش والتاسع عرش‪ ،‬بحيث‬
‫تهدف إىل تحرير النساء وتحسني حياتهنّ وأوضاعهنّ ‪ ،‬والس ّيام يف نواحي التعليم‬
‫والتوظيف واملواطنة واالقرتاع‪ ،‬والذي تط ّور الحقا يك يأخذ شكل املطالبة بحقّ‬
‫املرأة يف امتالك جسدها مع ما يعنيه ذلك من حيازة الحق يف اإلجهاض‪ ،‬عىل أساس‬
‫االعتقاد باملساواة والعدالة بني الجنسني يف املجالني العام والخاص(‪ .)18‬بعبارة أخرى‪،‬‬
‫ووفقا لترييزا بيلينغتون‪-‬غريغ ‪ ،Teresa Billington-Greig‬تع ّرف النسوية بأ ّنها‬
‫«حركة ساعية إىل إعادة تنظيم العامل عىل أساس املساواة بني الجنسني يف جميع‬
‫العالقات اإلنسانية‪ ،‬إ ّنها حركة ترفض كل متييز عىل أساس الجنس‪ ،‬وتلغي جميع‬
‫االمتيازات واألعباء الجنسية‪ ،‬وتسعى جاهدة إىل إقامة اعرتاف باإلنسانية املشرتكة‬
‫وتشع الحركة النسوية‬ ‫للمرأة والرجل باعتبار ذلك أساس القانون والعرف»‪ْ .‬‬
‫بالتغيري عرب اكتشاف املرأة وعيها الذايت بوصفها امرأة‪ ،‬الذي هو ليس مجرد إدراك‬
‫كأن تعود إىل مقاعد الدراسة أو‬ ‫ألسباب غضبها أو لرغبتها يف تغيري تفاصيل حياتها‪ْ ،‬‬
‫نتخل عن طاعتنا آلبائنا وندرك ّأن‬‫تتخل عن زوجها‪ ،‬بل تعني هذه الحركة «أن ّ‬ ‫أن ّ‬
‫العامل الذي وصفوه لنا ليس العامل ك ّله»‪ ،‬أي اإلدراك التام لعدم مالءمة تشويهات‬
‫ثم مواصلة التفكري والعمل عىل أساس هذا‬ ‫األيديولوجيات التي أوجدها الذكور‪ّ ،‬‬
‫‪21‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ثم يغدو محور اهتاممها هو التمييز االجتامعي بني الرجل واملرأة‪ ،‬من‬ ‫اإلدراك‪ .‬ومن ّ‬
‫حيث ماه ّية هذا التمييز ومعانيه وأسبابه وعواقبه(‪.)19‬‬
‫يعني ذلك تطور مفهوم النسوية إىل محتوى آخر مختلف وأكرث تعقيدا‬
‫وراديكالية من مجرد املطالبة بحقوق تتساوى فيها مع الرجال فقط‪ ،‬بل اشتمل‬
‫هذه املرة عىل اتهام يحمل يف ط ّياته معنى تع ّمد القهر واالضطهاد وفرض تبعية‬
‫املرأة للرجل‪ ،‬سواء يف الحياة العامة أو الخاصة‪ ،‬ونعني بـ «ما يف الحياة الخاصة» ما‬
‫يس َّلط عليها من قهر واضطهاد يف املجال األرسي والبيتي‪ .‬وهو ما ْأسفر عن إضفاء‬
‫املجتمع ذلك الطابع عىل النساء بوصفهنّ غري جديرات بالعمل الفكري والسيايس‪.‬‬
‫هذه املطالب والحجج وما و ّلدته من اقتناعات لدى الرأي العام‪ ،‬وخصوصا النسوي‪،‬‬
‫كانت وراء إعادة نظر رسمية من املوقف من النساء وأدوارهن وما يطالنب به من‬
‫حقوق وحريات‪.‬‬
‫نجمل يف فقرات معدودات زبدة الرأي يف تعريف‬ ‫حسبنا ْأن ْ‬
‫يف ضوء ما تقدّم‪ْ ،‬‬
‫مفهوم النسوية‪ ،‬وذلك بالقول إ ّنها ليست حركة سياسية فقط‪ ،‬بل هي وصف ّ‬
‫لكل‬
‫األفكار واألطروحات والحركات التي تتّخذ من تحرير املرأة وتحسني أوضاعها بصورة‬
‫عميقة مبنزلة هدفها الجوهري‪ ،‬وبغض النظر عام إذا كان هذا االتجاه الفكري أو‬
‫ذاك املوقف السيايس يسمي نفسه كذلك أم ال(‪ .)20‬فالنسوية يف نهاية املطاف حركة‬
‫اجتامعية نقدية وثورية قامئة عىل أساس رغبة عملية يف تغيري وضع النساء يف‬
‫املجتمع‪ ،‬بحيث تسعى إىل التعبري عن ذلك سياسيا من خالل التنظيم الذايت مليول‬
‫املرأة السياسية ومتكينها عىل النحو الذي ينسجم مع قواعدها الفكرية والداعية إىل‬
‫إحداث تغيريات جذرية يف زوايا النظر إىل املرأة بوصفها مساوية للرجل(‪.)21‬‬
‫عىل أيّ حال‪ ،‬ميكن وصف الحركة والنظرية النسوية واتجاهاتها الفكرية بكونها‬
‫جزءا من النظريات السياسية املعارصة‪ ،‬غري أ ّنها تواجه االمتناع والرفض أحيانا بشأن‬
‫إدراجها ضمن إطار النظرية السياسية ‪ ،Political Theory‬فمثلام كان األرسطيون‬
‫يف جامعات أوروبا بشكل عام يث ّبطون عزائم زمالئهم عن الخوض يف مناقشة أعامل‬
‫الفيلسوف ديكارت‪ ،‬وكام تجاهل األكادمييون األملان «نظرية الوضعية العقالنية»‬
‫‪ Rational Positivism‬لر ّواد ومف ّكري حلقة في ّينا‪ ،‬ي ْعرض أيضا بعض الفالسفة‬
‫التحليليني يف الوقت الراهن عن فكر «النسوية» و«التعددية الثقاف ّية» و«البيئوية»‬
‫‪22‬‬
‫متهيد‪ :‬التأصيل املفاهيمي للنظرية السياسية النسوية‬

‫و«املجتمعاتية» بوصفها وجهات نظر أو مجرد سياسات ليست ذات صلة بالنظرية‬
‫السياسية‪ .‬ومثل هذه األشكال من الرفض مي ّثل م ْعلام بارزا من معامل الفكر السيايس‬
‫الحديث واملعارص بوصفه كيانا فكريا دامئا ما ينطلق قدما يف إطار سريورة إعادة‬
‫بأن صميم الفكر السيايس يكمن يف جدل‬ ‫التعريف والتجدد املتواصل‪ .‬بل ميكن القول ّ‬
‫التشكيك الذايت والتجديد الذايت‪ ،‬وهذا كائن منذ ْأن واجه سقراط مزاعم خصومه‬
‫من السفسطائيني بأ ّنهم « ُي ْعرفون» بطرح بديل أكرث تواضعا هو «حب املعرفة»(‪.)22‬‬
‫نستطيع القول تأسيسا عىل ما سبق ّإن الحركة النسوية بعامة هي جزء ال‬
‫يتجزأ من مجموعة «الحركات االجتامعية الجديدة» ‪Neo-Social Movement‬‬
‫برزت منذ ستينيات القرن العرشين‪ ،‬شأنها شأن حركة الحقوق املدنية‪،‬‬ ‫التي ْ‬
‫الطلبية‪ ،‬والحركة البيئية‪ ،‬والحركات املناهضة للعنرصية‪ ،‬وتنظيامت‬ ‫والحركة ّ‬
‫السكان األصليني‪ .‬بحيث تتم ّيز هذه الحركات االجتامعية عن غريها‬ ‫حقوق ّ‬
‫بخصائص ع ّدة‪ ،‬وعىل النحو التايل‪:‬‬
‫معبة عن اهتاممات ك ّلية‪ ،‬وغالبا ما تحتج‬ ‫‪ - 1‬أ ّنها حركات غري ذرائع ّية‪ ،‬وهي ّ‬
‫باسم األخالق ال املصالح املبارشة لفئات اجتامعية معينة‪.‬‬
‫موجهة نحو املجتمع املدين بصورة أكرث فاعلية من كونها‬ ‫ثم ّ‬ ‫‪ - 2‬وهي من ّ‬
‫موجهة نحو الدولة‪ ،‬وذلك من جانبني رئيسني‪:‬‬ ‫ّ‬
‫وموجهة صوب تغيري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪ - I‬كونها تشكك يف البنى البريوقراطية ذات املركز‪،‬‬
‫املنظورات الشعبية ال مؤسسات النخبة فقط‪.‬‬
‫‪ - II‬كام أ ّنها معن ّية أكرث من سواها بنواحي الثقافة وأسلوب الحياة‪ ،‬واملشاركة‬
‫يف السياسة الرمزية لالحتجاج‪ .‬أي أ ّنها حركات احتجاجية مناهضة للنظام السيايس‬
‫يف شؤون مع ّينة‪.‬‬
‫منظمة بطرق غري رسمية‪ ،‬وهي مخ ْلخلة ومرنة‪ ،‬وذلك يف بعض‬ ‫‪ - 3‬هي حركات ّ‬
‫النواحي عىل األقل‪ ،‬وتتجنّب النظام الهرمي والبريوقراطية‪.‬‬
‫‪ - 4‬تعتمد بشكل كبري عىل وسائل اإلعالم الجامهريية ‪Mass Media‬‬
‫توجه عربها‬‫والشبكات اإللكرتونية للتواصل االجتامعي ‪ ،Social Media‬والتي ّ‬
‫املناشدات وتطلق االحتجاجات وتضع الصور الفاعلة واملوجهة ناحية اجتذاب‬
‫الخيال والشعور الشعبيني(‪.)23‬‬
‫‪23‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫بعبارة أخرى‪ ،‬تتقاسم الحركات االجتامعية الجديدة مجموعة خصائص مم ّيزة‬


‫العملية‪ .‬ذلك ّأن‬ ‫ال تتوافر يف الحركات االجتامعية القدمية مثل األحزاب والنقابات ّ‬
‫بعض جوانب تنظيم الحركات االجتامعية الجديدة مت ّيز هذه الحركات عن املنظامت‬
‫السياسية الرسمية إىل درجة ّأن مصطلح «الشبكة» ‪ Net‬يكون وصفا أفضل لطبيعة‬
‫«املنظمة» ‪Organization‬؛ فهي غالبا ما تكون ذوات‬ ‫ّ‬ ‫تنظيمها وعالقاتها من وصف‬
‫توجه قومي عادة‪ ،‬وتعنى‬ ‫قواعد محلية أو متمركزة يف مجموعات صغرية وليس لها ّ‬
‫مبسائل محدّدة بدال من ْأن تقدّم حلوال شاملة وراديكالية‪ .‬وال تتمتّع بوجود عضوية‬
‫فضفاضة وبنى رخوة للسلطة‪ .‬كام ّأن‬ ‫مستق ّرة نسبيا‪ ،‬و ُتدار من قبل إدارات هرمية ْ‬
‫يخصص لتغيري املامرسات والهويات يف املجتمع املدين‪ ،‬وهذا‬ ‫قسام كبريا من أنشطتها ّ‬
‫األمر واضح يف حالة الحركة النسوية مثال‪ ،‬والس ّيام من حيث إ ّنها مؤ ّثرة تأثريا كبريا‬
‫يف فتح جميع جوانب العالقات بني الجنسني للمناقشة املجتمعية‪ ،‬ويف خلق فكرة‬
‫رضورة اختيار األفراد أسلوب حياتهم وعالقاتهم الشخصية ومامرساتهم الوظيفية‪.‬‬
‫وهنا ال ب ّد من التأكيد عىل ّأن الحركات االجتامعية بعامة‪ ،‬الجديدة منها والقدمية‪،‬‬
‫قد استهدفت تحسني األحوال االجتامعية ألعضائها وتوسيع حقوق املواطنة‪ ،‬ومل‬
‫تكن هذه سمة تتفرد بها حركة معينة‪ ،‬كالحركات العاملية عىل سبيل املثال‪ ،‬بل‬
‫كانت متوافرة يف حركات أخرى كتلك املنادية بالحقوق املدنية‪ ،‬وتنظيامت السكان‬
‫األصليني يف أمريكا الشاملية مثال‪ ،‬مثلام أنها متوافرة يف أنشطة الحركة النسوية‬
‫وملدة طويلة من الزمن(‪.)24‬‬
‫أما السبب يف ذلك فيمكن إرجاعه إىل أن االهتامم بوضع النساء وحقوقهنّ يف‬
‫املجتمع قد بدأ باكتساب منحى مؤ ّثر يف الفكر واملامرسة االجتامعية والسياسية‪،‬‬
‫وخصوصا منذ ستينيات القرن املايض‪ ،‬خصوصا بعد ْأن تبلورت املطالب املتعلقة‬
‫بهذا الشأن فاتخذت شكل حركات اجتامعية تجاوزت الحدود الوطنية لتأخذ‬
‫شكل منحى عاملي‪ ،‬كام استطاعت ْأن تفرض نفسها عىل تيارات الفكر االجتامعي‬
‫ردت له العديد من الجامعات ‪-‬‬ ‫والسيايس السائد‪ ،‬بل أصبح ذلك موضوعا أكادمييا أ ْف ْ‬
‫يف الدول الغربية عىل األقل ‪ -‬أقساما علمية خاصة تعنى باملرأة وحقوقها والنظريات‬
‫يغي يف قيمة هذه األخرية ‪ -‬أي‬ ‫التي تناولت هذا الجانب بالبحث والتحليل‪ .‬ولن ّ‬
‫أتت متعددة ومتشعبة إىل ح ّد بعيد بل متعارضة‬ ‫النظريات النسوية ‪ -‬كونها قد ْ‬

‫‪24‬‬
‫متهيد‪ :‬التأصيل املفاهيمي للنظرية السياسية النسوية‬

‫همت به هذه الحركات االجتامعية محاوالتها‬ ‫يف عديد من الجوانب‪ .‬وكان مام ْأس ْ‬
‫الجادّة يف إلقاء الضوء عىل تجارب النساء وخرباتهنّ ومصالحهنّ التي مل تكن تتمتّع‬
‫ْ‬
‫فانتهت إىل إدخال عديد‬ ‫بالقدْر الكايف من االهتامم يف الفكر واملامرسة السياسيتني‪.‬‬
‫متس حياة النساء‬ ‫املعبة عن ظواهر اجتامعية وسياسية جديدة ّ‬ ‫من املفاهيم ّ‬
‫ثم حلوال ناجزة وإجراءات‬ ‫بوصفهنّ قطاعا واسعا ومهام يف املجتمع وتتطلب من ّ‬
‫عاجلة وبعيدة املدى يف آن واحد‪.‬‬
‫وربا‬
‫إن ما يدعونا إىل مثل هذا القول هو أن كثريا مام كان يحيط بحياة املرأة‪ّ ،‬‬
‫اليزال الحال كذلك أو بعضه عىل األقل‪ ،‬قد ع ّد مبنزلة قضايا ميكن لنصوص القانون‬
‫وربا عابرة‪ ،‬ووقائع فردية يف‬‫العامة التعامل معها ومعالجتها بوصفها أحداثا عادية ّ‬
‫كل ما يرت ّتب عليه من حقوق‬ ‫أحسن الفروض‪ ،‬وخصوصا ما يتع ّلق باإلجهاض مع ّ‬
‫للنساء برضورة التعامل مع هذا الشأن بوصفه متعلقا بالحرية الشخصية من منظور‬
‫النسوية‪ ،‬مع ما يرت ّتب عليه من مسؤوليات اجتامعية وإجراءات ليس أق ّلها املتعلق‬
‫بالرعاية الطبية‪ُ ،‬تضاف إىل ذلك ظواهر العنف الجنيس التي أخذت تسترشي ضد‬
‫النساء سواء املامرس ضدهنّ يف البيت أم يف أماكن العمل وغريها‪ :‬كاالغتصاب‬
‫والتح ّرش الجنيس والكراهية الجنسية وما شابه‪ .‬هذا إىل جانب املطلب التقليدي‬
‫لهنّ باملشاركة يف املجال العام ومؤسساته سواء يف الهيئات املنتخبة‪ ،‬أم يف التعليم‬
‫والعمل بحيث تحصل النساء عىل فرص متكافئة مع الرجال‪ ،‬باإلضافة إىل مطلب‬
‫عدالة توزيع مسؤوليات البيت ورعاية األطفال‪.‬‬
‫«أن العنف ضد‬ ‫وهو ما أ ّكده تقرير التنمية البرشية للعام ‪ 2014‬يف إشارته إىل ّ‬
‫املرأة اليزال آفة منترشة يف مختلف أنحاء العامل‪ ،‬وعقبة كبرية أمام مشاركة املرأة‬
‫يف الحياة االجتامعية وسالمة املجتمع وأمنه»‪ .‬إذ ّإن ثلث النساء يف العامل عُ رضة‬
‫لرضوب من العنف الجنيس أو الجسدي يف حياتهنّ ‪ ،‬بحيث ّإن معظمها يكون عىل‬
‫يد رشيك الحياة؛ فهو املسؤول عن ‪ 40‬يف املائة من حاالت القتل التي تتع ّرض لها‬
‫النساء‪ .‬يف حني ّأن ‪ 7.2‬يف املائة من نساء العامل‪ ،‬أي امرأة واحدة من كل ‪ 14‬امرأة‪،‬‬
‫يتع ّرضن للعنف الجنيس عىل يد شخص آخر غري رشيك الحياة‪ .‬كذلك هناك عالقة‬
‫قوية وواضحة بني العنف الذي تتعرض له النساء وبني الفقر؛ إذ ّإن الوضع يختلف‬
‫وفق املناطق‪ .‬فاحتاملية تع ّرض النساء للعنف يف أفريقيا أكرث مب ّرتني منه يف الدول‬
‫‪25‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫األوروبية ذوات الدخل املنخفض واملتوسط بخاصة‪ .‬أما يف جنوب رشق أفريقيا‬
‫فنجد ّأن احتامل تعرض النساء للعنف عىل يد الرشيك نفسه يفوق ‪ 8‬م ّرات احتامل‬
‫تع ّرضهن للعنف عىل يد أيّ شخص آخر من غري رشيك الحياة(‪ .)25‬والحال نفسه‬
‫يصدق عىل تجارب النساء ومعاناتهنّ يف الهند وبنغالدش وكمبوديا(‪.)26‬‬‫ْ‬
‫ومام متتاز به الحركة النسوية أخريا‪ ،‬هو سعيها الحثيث من أجل إحداث صدى‬
‫عاملي لقضاياها وطروحاتها‪ ،‬عرب املؤمترات الدولية بخاصة‪ ،‬يف محاولة منها لتجاوز‬
‫حدود النشأة التي تجعل منها محض ظاهرة لصيقة بالسياق الثقايف والتاريخي‬
‫ثم عىل فرض تصوراتها الخاصة عن املرأة‪ ،‬وهو ما يعني‬ ‫للغرب‪ ،‬والعمل من ّ‬
‫بالرضورة القفز من فوق املحتوى الخاص لألنساق والرتاكيب الثقافية لعوامل الرشق‬
‫وطبيعة التطور الذي تح ّقق لنظمه االقتصادية واالجتامعية والسياسية بفعل‬
‫الهيمنة الكولونيالية‪ّ .‬ربا هنا ميكن استحضار نضاالت النساء الرشقيات املطالبات‬
‫بتحسني ظروف املرأة‪ ،‬ولكنها نضاالت غري منفصلة عن الدعم الذي قدّمه عديد من‬
‫وربا عديد أيضا من النظم السياسية التي أعقبت السيطرة‬ ‫املصلحني من الرجال‪ّ ،‬‬
‫الكولونيالية عىل تلك البلدان‪ .‬فصحيح أ ّنهنّ ‪ -‬أي الرشقيات ‪ -‬قد تخ ّل ْفن زمنيا عن‬
‫املرأة الغربية يف إنشاء منظامت مستقلة للمرأة‪ ،‬غري أ ّنهنّ يف ْقنها يف التعبري عن‬
‫أنوثتهن يف سياقات حركات التحرر القومي والوطني ويف حركات الطبقة العاملة‬
‫وه ّبات ومت ّردات الفالحني‪ .‬فوفقا لتعبري الباحثة أليسون جاغار ‪Alison M. Jaggar‬‬
‫«ينبغي ْأن تتع ّلم النسويات الغربيات كيف ينْصنت باحرتام واهتامم للنساء غري‬
‫الغربيات مام نسميه بالعامل الثالث‪ ،‬مبنْ فيهنّ منْ جرى إسكات أصواتهنّ حتى‬
‫داخل أوطانهنّ ‪ ...‬فهذه املجتمعات يوجد بيننا وبينها اختالفات معينة ولكن ّ‬
‫نظل‬
‫بأن يكون ذا‬ ‫نتشارك بعض القضايا األساسية‪ ،‬والحوار النقدي مع عضواتها جدير ْ‬
‫فائدة فورية يف تزكية وإعادة تقومينا ومراجعاتنا لوجهات النظر الخاصة بنا»(‪.)27‬‬
‫وهو ما دفع بالنسويات الاليت يأخ ْذن يف الحسبان وجود مشرتكات بني النساء‬
‫الغربيات والنساء غري الغربيات إىل رضورة املطالبة بإلغاء القسمة الجنسية للعمل‪،‬‬
‫أي تقسيم العمل عىل أساس الجنس‪ ،‬وبالتخفيف من عبء األعامل املنزلية ورعاية‬
‫األطفال‪ ،‬والعمل أيضا عىل إزالة التمييز املؤسسايت فيام يخص حقوق امتالك األرايض‬
‫والعقارات أو الحصول عىل القروض واالئتامن‪ ،‬كذلك تأسيس املساواة السياسية‪،‬‬
‫‪26‬‬
‫متهيد‪ :‬التأصيل املفاهيمي للنظرية السياسية النسوية‬

‫وحرية االختيار بني إنجاب األطفال وعدمه‪ ،‬واتخاذ اإلجراءات واملعايري املالمئة‬
‫تحوي‬‫ملواجهة عنف الذكور وتح ّكمهم يف النساء‪ .‬كام ّأن جهود النسوية عامليا ال ْ‬
‫املسائل الجندرية‪ /‬الجنوسية ‪ Gender‬فقط‪ ،‬من قبيل جهود الوكاالت واملنظامت‬
‫الدولية يف شمول برامج التنمية لنساء العامل الثالث أو التحكم يف خصوبتهنّ عن‬
‫طريق ال ّربط بني املساعدات الدولية وحظر اإلجهاض‪ ،‬بل السعي من أجل شمولها‬
‫أيضا قضايا أخرى مثل الرتكيز عىل ديون العامل الثالث للغرب‪ ،‬واستنزاف ثروات‬
‫العامل الثالث بالشكل الذي أفىض إىل عواقب كارثية عىل مستوى معيشة أغلبية‬
‫نساء العامل الثالث‪ .‬وبصورة عامة‪ ،‬تغدو التأثريات األكرث قسوة من نصيب النساء‪.‬‬
‫لهذا السبب نجد تلك املسائل املشرتكة والتي تبدو للوهلة األوىل غري ذات صلة‬
‫بجندر أو جنوسة املرأة‪ ،‬هي املشاغل النسوية األكرث إلحاحا من منظور الحركة‬
‫النسوية بعامة‪ ،‬ومن الناحية النظرية عىل األقل(‪.)28‬‬
‫بالوصول إىل هذا الحد نكون قد استوفينا الجانب املتعلق باملعاين االصطالحية‬
‫ْ‬
‫أضفيت عىل مفهوم النسوية‪،‬‬ ‫والعامة‪ .‬وبغية استكامل بعض الجوانب األخرى التي‬
‫نرى رضورة التساؤل عن معنى هذا االهتامم باملرأة والحركة النسوية‪ ،‬والذي بدأ‬
‫يأخذ مكانه يف اآلونة األخرية يف سوق األفكار بشكل عام‪ ،‬وما أسبابه يا ترى؟ وما‬
‫أبرز نقاط االختالف بني املتحاورين يف هذا الشأن؟ وذلك من بني العديد من األسئلة‬
‫التي قد تراود ذهن القارئ لهذا الشأن‪ .‬ونحن يف إجاباتنا عن هذه التساؤالت‪ ،‬نرى‬
‫ّأن الدافع األساس وراء مثل هذه املطالب ي ْكمن جزئيا عىل األقل يف املزاج العام‪،‬‬
‫الذي أخذ يف التش ّكل تحت تأثري وسائل االتصال الحديثة بعملها عىل نقل ومناقشة‬
‫ثم أمام أنظار‬‫تجارب النساء ومعاناتهنّ واملخاطر التي يتع ّرضن لها ووضعها من ّ‬
‫الناس‪ .‬هذا إىل جانب وعي الناس املتزايد بأهمية األدوار التي تؤديها النساء‪ ،‬مام‬
‫يعني بروز شكل من أشكال إعادة النظر يف الكيفية التي ميكن عربها توصيف‬
‫وضع املرأة ومكانتها االجتامعية بعامة(‪ :)29‬فام وضعها؟ وكيف يجري تقييم األدوار‬
‫تزل تؤديها يف مجتمع اليوم‪ ،‬ثم تبيان تأثري ذلك يف موقعها‬ ‫التي أدّتها يف املايض ومل ْ‬
‫ومكانتها عىل صعيد الرتاتبات االجتامعية القامئة والقيم السائدة؟ وكيف تنظر هي‬
‫إىل نفسها؟ وما الذي تشكو منه؟ وما الذي تتص ّوره يف سياق معالجتها هي ألوضاعها‬
‫االجتامعية وغري االجتامعية؟‬
‫‪27‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ويف محاولة من أجل االجابة عن هذه التساؤالت‪ ،‬ومن خالل إعامل النظر‬
‫يف أوضاع وخربات النساء وانعكاس ذلك عىل األفكار النسوية ومواقف ّ‬
‫املنظرات‬
‫النسويات يف هذا الجانب‪ ،‬يتبدّى لنا شكل من أشكال االتفاق عىل ّأن ما تعانيه‬
‫شطري املجتمع‬ ‫النساء بشكل عام يتمثل يف عالقة «الخضوع ‪ -‬االضطهاد» بني ْ‬
‫(الرجال والنساء)‪ .‬فإذا ما أريد تجاوز هذه العالقة ّ‬
‫وفك روابطها فال ب ّد والحالة‬
‫أتت؟ وهل هي نتاج طبيعي لالختالف‬ ‫هذه من معرفة عنارص الخضوع‪ ،‬من أين ْ‬
‫والتاميز بني الجنسني أم أن للمجتمع دورا يف خلقها وتكريسها ثقافيا وسلوكيا‬
‫وللعديد من األسباب؟ أما عىل صعيد االضطهاد من زاوية كونه العنرص الثاين يف‬
‫هذه العالقة‪ ،‬فهناك العديد من األسئلة التي ستثور وتتع ّلق مباه ّية االضطهاد؛ منها‪:‬‬
‫ما أشكاله وما أبعاده؟ وهل هو مجرد استبعاد للنساء من املشاركة السياسية فقط‬
‫أم أ ّنه يتجاوز ذلك إىل شكل من أشكال الوصاية املفروضة عىل السلوك والترصف‪،‬‬
‫بحيث ميتّد ذلك إىل أشكال من العنف والتمييز وعدم املساواة يف الفرص بل حتى‬
‫اصطلح عىل تسميته لديهنّ‬ ‫النظرة الدونية إىل املرأة والكثري من أدوارها‪ ،‬وهو ما ْ‬
‫باسم البطريركية (األبوية ‪)Patriarchy‬؟ وأخريا‪ ،‬هل تقترص أطراف عالقة «الخضوع‬
‫ستجر إليها أطرافا أخرى مثل‪« :‬املرأة‬‫– االضطهاد» عىل الرجل ‪ -‬املرأة فقط أو أنها ّ‬
‫– املرأة» وخصوصا بني النسوة البيضاوات والنسوة السوداوات من املل ّونات‪ ،‬ومن‬
‫املتحدرات من طبقات وأعراق وإثنيات أخرى تعاين أصال اإلقصاء والتهميش؟‬
‫أما اإلجابات التي ُأعطيت من قبل النسويات‪ ،‬سواء من قبل الناشطات أم‬
‫العامالت يف الحقول األكادميية املختلفة‪ ،‬عىل مثل هذه التساؤالت ودومنا استباق‬
‫انحرصت يف التعامل مع مثل هذه القضايا يف إطار تصورات ثالثة‬ ‫ْ‬ ‫منّا للنتائج‪ ،‬فقد‬
‫للحل‪ :‬ينادي أولها برضورة االستيعاب‪ ،‬أي مبعنى القبول باألطر واملعايري املعتمدة‬
‫اجتامعيا والعمل من خاللها عىل تحقيق املساواة بني الرجل واملرأة يف الحقوق‬
‫األساسية الفردية والفرص‪ ،‬بحيث يشرتك يف حمل مثل هذه التصورات كل من‬
‫التوجهات النسوية الليربالية واملاركسية واالشرتاكية‪ ،‬وهي التيارات الغالبة يف الفكر‬
‫االجتامعي والسيايس السائد‪ ،‬ولكن مع اختالف يف املنظورات والتحليالت املستخدمة‬
‫وحتى النتائج‪ .‬وثانيها‪ ،‬يحاول االنقالب عىل القيم واملامرسات املعتمدة أو االنفالت‬
‫من أرسها‪ ،‬بوصفها قيودا فرضتها ثقافة وسلطة الرجل عىل النساء بدءا من البيت‬
‫‪28‬‬
‫متهيد‪ :‬التأصيل املفاهيمي للنظرية السياسية النسوية‬

‫عبت عن مثل هذا‬ ‫وصوال إىل املدرسة والشارع وال تستثني حتى أماكن العمل‪ .‬وقد ّ‬
‫املدخل مجموعة من املف ّكرات النسويات الاليت عر ْفن بتسمية «الراديكاليات»‪ .‬أما‬
‫الحل األخري فيتمثل يف تقديم تصور خاص يحمل يف ط ّياته اإلميان بعدم جدوى مثل‬
‫ْ‬
‫وضعت كذلك بني املرأة واملرأة‬ ‫هذه التقسيامت التي طالت الرجل واملرأة‪ ،‬والتي‬
‫نفسها بوصفها مصطلحات لفئات أو تصنيفات كان قد جرى إنشاؤها اجتامعيا‪،‬‬
‫وال تنبع من واقع بيولوجي حقيقي‪ .‬لذا فهي ال تحمل أي معنى‪ ،‬اللهم إال بوصفها‬
‫كلامت قد ُض ِّمنت يف اللغة والثقافة وصوال إىل الخطاب الذي جرى اعتامده من قبل‬
‫السلطة‪ .‬هذا االتجاه كان قد جرى التعبري عنه من قبل النسويات املؤمنات باألفكار‬
‫املتعلقة مبا بعد الحداثة‪.‬‬
‫ونحن بدورنا‪ ،‬ويف محاولتنا اإلجابة عن التساؤالت آنفة الذكر وذات الصلة‬
‫صح مثل هذا الوصف ودومنا خوف الوقوع يف‬ ‫بعالقة «الخضوع – االضطهاد»‪ ،‬إذا ّ‬
‫التبسيط املبالغ فيه‪ ،‬نعتقد أ ّنها ال تعدو يف التحليل األخري كونها تعبريا عن مطالب‬
‫فرضها اإلحساس بعدم العدالة من لدن النساء يف مواجهة قيم وأساليب الحياة‬
‫ْ‬
‫وانطبعت بها بالتبعية عالقات األفراد رجاال ونساء(‪ .)30‬مع‬ ‫السائدة يف مجتمعاتها‬
‫األخذ بعني االعتبار طبيعة التجارب النسوية بخاصة‪ ،‬والسياق االجتامعي والثقايف‬
‫والتاريخي بعامة‪ ،‬وتأثري ذلك بالتبعية يف وترية اإلحساس بعدم العدالة والالمساواة‬
‫من لدن النسوة من ناحية‪ ،‬كذلك طبيعة ودرجة التجاوب مع هذه املطالب شدة‬
‫وضعفا من ناحية أخرى‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫‪2‬‬

‫النســوية مــن زاويــة كونهــا‬


‫نظرية سياسية‬

‫يف ا ُملستهل ينبغي علينا ْأن ُند ِر َك كون‬


‫«النظرية» ‪ Theory‬ليست مجرد مجموعة‬
‫من الحقائق أو مجموعة من اآلراء الشخصية‬
‫فقط‪ ،‬بل هي تشتمل باإلضافة إىل ذلك عىل‬
‫رشوحات وفرضيات َتست ِندُ إىل املعرفة والخربة‬
‫َبص‬ ‫الحدس والت ّ‬ ‫ا ُملتاحتَني‪ .‬كام تعتمد عىل َ‬
‫بشــأن طريــقة تفســري الحــقائق والتجارب‬
‫وأهميتها‪ .‬فالنظر ّية السياسية ُ َت ِّكننا من فهم‬
‫الحاجات الراهنة بداللة األهداف طويلة‬
‫املدى‪ ،‬والنظرة الشاملة إىل العامل؛ وبذلك‬ ‫«و ّفر التمييز بني الجنس البيولوجي‪،‬‬
‫والجنــدر بوصــفه هــوية ُمكــــ َّونة‬
‫فهي تسا ِعد يف إعطائنا إطارا فكريا توضع‬ ‫اجتامعيا‪ ،‬أساسا عقليا إلنكا ِر الحتمية‬
‫البيولوجية‪ .‬فإذا كان الجنس قدرا الزما‬
‫من خالل ِه اسرتاتيجيات متنوعة تسته ِد ُف‬ ‫لل َمرء‪ ،‬فقد أضحى الجندر مبنزلة إرادة‬
‫َفهم مختلف التغيريات التي من املحتمل ْأن‬ ‫ح ّرة»‬

‫‪31‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫تولدها النظرية حني املامرسة عىل املَ َد َيني القصري والبعيد(‪ .)1‬أي مبعنى أ َّن ُه يف كل‬
‫عملية تنظري هناك ما َيستدعي البحث يف مدى اشتامل موضوع التنظري عىل عد ٍد‬
‫من االعتبارات واملطالب املنهجية‪ ،‬تأيت يف مقدمتها االفرتاضات ‪assumptions‬‬
‫والفروض ‪ hypotheses‬األساسية واملداخل الخاصة التي اعتمدتها تلك النظريات‬
‫من بني أشياء أخرى‪ .‬ثم يأيت دور التحقق من مدى صدقية النظرية وذلك من‬
‫خالل البحث يف مجموعة العوامل والظروف التي أحاطت مبوضوع التنظري‪ ،‬وأثر‬
‫ذلك يف الكيفية التي تطورت بها األفكار وكذلك املامرسات التي ا ُّتبعت والتي‬
‫الكتَّاب واملفكرون املعنيون من خاللها يف بلورة املوضوع قيد النظر‪ .‬ومن‬ ‫أَسهم ُ‬
‫ثم ميكن تعميم النظرية عىل صعي ٍد أكرث أو أعىل من الناحية التجريدية‪ ،‬بهدف‬
‫الخروج برؤي ٍة أكرث شموال وعرب اعتامد زوايا َن َظ ٍر أكرث انفراجا‪ ،‬ذلك َّأن التقوقع يف‬
‫جيوب فكرية أو عرقية أو إثنية أو حتى ثقافية ُأحادية قد أضحى أمرا مستحيال‬ ‫ٍ‬
‫وخصوصا يف عاملنا املعارص‪.‬‬
‫ونحن من ناحيتنا‪ ،‬ويف محاولتنا توضيح ذلك وعالقة كل من األفكار والتيارات‬
‫السياسية النسوية بالنظريات السياسية السائدة‪ ،‬ومحاولة النسويات صياغة نظرية‬
‫أو َّربا باألحرى نظريات نسوية ومداخل نظرية نسوية خاصة قادرة عىل تفسري‬
‫ثم توجي ِه الفعل والسلوك السيايس للنساء بعامة ولحركاتهنَّ بخاصة‪ ،‬من أجل‬ ‫ومن َّ‬
‫تحقيق األغراض التي َو َض ْعنَها للخروج من حالة الخضوع واالضطهاد التي تعيشها‬
‫النسوة‪ ،‬سنعمد يف البداية إىل التعريف وتحديد املراد بالنظرية السياسية بعامة‪،‬‬
‫وقد ُنطيل في ِه قليال؛ فال بأس من ذلك‪ ،‬والسبب هو حاجة البحث يف مجال النظرية‬
‫السياسية إىل توضيح املعنى واملراد من النظرية السياسية وبشكل دقيق‪ ،‬وذلك‬
‫لِمعرفتنا املسبقة باإلشكال والتشوش الذي ُيعاني ِه مصطلح النظرية السياسية من‬
‫ثم الحكم عىل مدى صحة التوجه النسوي الذي َيدَّعي‬ ‫ناحية‪ ،‬ويك َيسهل لنا من َّ‬
‫أصال البحث عن نظري ٍة سياسية نسوية تكون أصيلة وقادرة يف الوقت نفسه عىل‬
‫إعادة صياغة العامل وتعريف وتحديد املعاين فيه من ناحية أخرى‪ .‬كذلك نسعى إىل‬
‫ثم نخوض‬ ‫معالجة النسوية من زاوية كونها نظرية تخصصية يف عامل السياسة‪ ،‬ومن َّ‬
‫يف أبعاد النظرية النسوية ومكانتها عىل خارطة النظريات السياسية‪ ،‬وميكن تبيان‬
‫ذلك عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪32‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫املبحث األول‬
‫يف معنى النظرية السياسية‬
‫الح ُظ الدا ِر ُس للنظرية االجتامعية بعامة والنظرية السياسية بخاصة مدى‬ ‫ُي ِ‬
‫حيط بهذا املسعى‪ .‬وذلك مل يكن متأتيا من قلة املصادر بالتأكيد‪ ،‬بل‬ ‫التعقيد الذي ُي ُ‬
‫من َكرثة ما ُك ِت َب عن هذا املوضوع ومن شدَّة تنوع اآلراء واالتجاهات الفكرية‪ ،‬حتى‬
‫صاب بالتش ُّوش‪ ،‬والكثريون تصوروها شيئا غامضا َي ِّع ُز‬ ‫َّإن الباحث يف هذا املجال س ُي ُ‬
‫عىل الفهم واإلدراك‪ .‬حيث يقول فرينون فان دايك ‪ Vernon Van Dyke‬يف وصف‬
‫«إن كلمة «النظرية» ممتلئة بالغموض وغالبا ما كان ُم ْستَخ ِدموها‬ ‫هذا الوضع‪َّ :‬‬
‫أنفسهم‪ ،‬عىل ما يبدو‪ ،‬غري عارفني باملعنى الذي ُيحاولون َن ْق َلهُ‪ ،‬وعادة ما كان أولئك‬
‫الذين ُيحاولون جعل معانيها واضحة ال يتفقون فيام بينهم عىل ذلك»(‪ .)2‬فهل‬
‫النظرية فعال عىل هذا النحو من اإلشكال؟ يقول إيان ِك َريب ‪« :Ian Craib‬كلنا‬
‫نفكر بطريقة نظرية عىل رغم أننا لسنا عىل وعي بذلك»(‪.)3‬‬
‫نظم‪ ،‬الذي هو األساس الذي ُتبنى‬ ‫مام يعنيه هذا هو أن النظرية والتفكري ا ُمل َّ‬
‫عليه النظرية‪َّ ،‬إنا هو أم ٌر يكاد يكون فطريا ومن طبائع اإلنسان‪ .‬غري َّأن ما ُي ِّي ُز‬
‫جوانب َّربا ال‬
‫َ‬ ‫النظرية عن أشكال التفكري اإلنساين األخرى هو َّأن النظرية تتناول‬
‫منلك القدرة عىل التح ِّك ِم فيها‪ ،‬أو شيئا ما ليست لنا خربة سابقة فيه‪ ،‬سواء أكان‬
‫ناس آخرين فاألمر‬ ‫ذلك يدور حول خرباتنا الشخصية الحارضة أم املاضية أم خربات ُأ ٍ‬
‫س ّيان‪ ،‬ولكن متى ما حدث العكس‪ ،‬أي إذا ما كان ذلك املوضوع أو اليشء قابال‬
‫للسيطرة عليه من ِق َبيل بصور ٍة مبارشة أو غري مبارشة‪ ،‬فذلك يعني َّأن ذلك اليشء قد‬
‫ذلت من جهو ٍد يف تحقيق ِه‬ ‫َحد ََث بإراد ٍة ِمنِّي أو أل َّنني أر َغ ُب يف حدوث ِه‪ ،‬بقدر ما َب ُ‬
‫ثم صفة النظرية عنه(‪.)4‬‬ ‫أو رمبا يف منع وقوع ِه‪ ،‬وستنتفي من َّ‬
‫ولكن ما هذا الذي تدور حوله خرباتنا أو خربات اآلخرين والذي ُنحاول من‬
‫ثم معرفت ُه من خالل النظرية؟ الجواب هو‪ :‬أوال؛ التفسري‪ ،‬أي تفسري الظاهرة أو‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫محل التأمل والتفكري‪ .‬وثانيا‪ ،‬التنبؤ؛ فقد تدفعنا رغبتنا أو قل حاجتنا ‪-‬‬ ‫املوضوع ّ‬
‫سواء َأت هذا التنبؤ يف السياق نفسه أو يف غريه ‪ -‬إىل محاولة التنبؤ بحدوث هذا‬
‫الترصف أو ذاك‪ ،‬أو َّربا التنبؤ بظاهرة من الظواهر أو قضية من القضايا التي نحن‬
‫أصال بصدد البحث فيها‪ .‬وال شك يف َّأن البعض سوف يتساءل عن ماه ّية تلك القضايا‬
‫‪33‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫بال املهتمني بالنظرية السياسية‪ ،‬وتكون بالتايل موضوعا لبحث النظرية‬ ‫التي َتشغل َ‬
‫آنفة الذكر؟‬
‫ُ‬
‫هنا ال ب َّد من اإلشارة إىل َّأن هناك نوعني عىل األقل مام أط ِلقَ عليه قضايا‬
‫النظرية السياسية‪ :‬أولهام تكون فيه النظرية السياسية منشغلة مبشاكل العالقات‬
‫جيل من األجيال‪.‬‬ ‫وربا األكرث َفرادة‪ ،‬والتي يعيشها ٌ‬ ‫اإلنسانية األكرث إثارة للتش ُّوش‪َّ ،‬‬
‫لذا مل يكن غريبا والحالة هذه‪ْ ،‬أن متيل مواضيع النظرية إىل ّ‬
‫التغي تاريخيا بتغيُّ‬
‫الالعبني (أو الفاعلني) من ناحية‪ ،‬وكذلك نوعية املشاكل التي تواجههم من ناحية‬
‫نظري السياسة‪ ،‬وبخاصة ذلك الجيل الذي َج َّر َب‬ ‫أخرى‪ .‬وهو بالضبط ما َد َف َع ُم ِّ‬
‫ويالت حر َبني عامليتَني‪ ،‬إىل االهتامم بالسلطوية من زاوية كونها فكرا ومامرسة‪،‬‬
‫ثم يف محاولة تفسري‬ ‫أي بوصفها أيديولوجيات ومواقف وسياسات‪ ،‬واالنخراط من َّ‬
‫نظرو حقبة الكولونيالية‪ ،‬خصوصا يف بلدان العامل الثالث الذي‬ ‫أسبابها و ِع َللها‪ .‬أما ُم ِّ‬
‫كل‬‫خضع بدور ِه للسياسات الكولونيالية‪ ،‬فقد كان اهتاممهم ُمنصبا عىل نتائج ٍّ‬
‫من التخريب واالستغالل االقتصادي والسيايس اللذين عانتهام هذه البلدان عىل‬
‫البحث عن طرقٍ كفيلة‬ ‫ُ‬ ‫صعيدَي واقعها املعيش ومستقبلها‪ ،‬يك يجري من خالل ذلك‬
‫حيط بأغلبيتها‪ ،‬وسواء‬ ‫يزل ُي ُ‬
‫بدفع تلك البلدان إىل الخروج من هذا املأزق الذي مل ْ‬
‫أ َّت َم ذلك من خالل عملية تحديث وتنمية سلمية طويلة األمد‪ ،‬أم من خالل ٍ‬
‫عمل‬
‫ثوري تحرري‪.‬‬
‫بجانب آخر غري بعيد‪ ،‬بحيث ال تقترص‬ ‫ٍ‬ ‫أما النوع الثاين من القضايا فيتع َّل ُق‬
‫اهتامماته عىل فرت ٍة زمنية ومكانٍ مع َّينَني‪ ،‬بل لز َم املتخصصني يف مجال النظرية‬
‫دائرت الزمان واملكان‪ :‬كالحرية‬ ‫السياسية انشغا ُلهم مبفاهيم وتصورات تجاوزت َ‬
‫واملساواة والعدالة والثورة والتغيري والطبيعة اإلنسانية والهوية من بني عديد‬
‫من املفاهيم التي َش َغ َل ْت اهتامم هؤالء منذ أفالطون وحتى يومنا هذا‪ .‬وقد ال‬
‫ُيق ِّل ُل من شأن وأهمية هذا االتجاه خضوع كثري من هذه املفاهيم لِعدي ٍد من‬
‫التفسريات التي أضفتها عليها طبيعة الثقافات املختلفة التي نشأت يف أحضانها‪.‬‬
‫عىل أال يعني كالمنا هذا اقتصار دراسات املف ِّكرين عىل ما يدور يف مجتمعاتهم‬
‫تم سحب كثري من تصوراتهم التي تناولت مجتمعا بعين ِه يك‬ ‫فقط‪ ،‬بل غالبا ما َّ‬
‫ربا تشابهت معها أو حتى يف‬ ‫يجريَ تعميمها عىل املجتمعات األخرى التي َّ‬
‫‪34‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫حال اختالفها معها بقصد التعرف عىل أسباب تلك االختالفات‪ ،‬والخروج من‬
‫ألن تكون مبنزلة حلولٍ أو عىل األقل مبنزل ِة خارطة طريق‬ ‫بخالصات قابلة ْ‬
‫ٍ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫ثم بحدوثه‪ .‬بعبار ٍة أخرى‪،‬‬ ‫ميكن االستنارة بها يف فهم ما يحدث والتنبؤ من َّ‬
‫إن ما َش َغ َل طالب هذا الفرع من حقل علم السياسة متثل يف البحث عام‬ ‫َّ‬
‫ميكن ْأن َيضمنَ مستوى أعىل من النظام واالستقرار للعملية السياسية والتي‬
‫بإمكانها بالتايل تحقيق قد ٍر أكرب من الفعالية واإلنجاز لألهداف املرسومة‪ ،‬يف‬
‫معدالت أفضل من ُحسن التوزيع وعدالت ِه بني األفراد والفئات االجتامعية‬ ‫ٍ‬ ‫ظل‬
‫يذهب إىل‬
‫ُ‬ ‫التي َيتشك ُل منها مجتمع ما ‪ .‬هذا إىل جانب َّأن هناك اعتبارا آخر‬
‫(‪)5‬‬ ‫َّ‬
‫أن املحافظة عىل النظام واالستقرار للعملية السياسية قد ال تقترص عىل التزام‬
‫أجل إضفاء‬ ‫منهج واحد واإلبقاء عىل الوضع الراهن‪ ،‬بل تتطلب السعي من ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫الح َركية أو الديناميكية‪ ،‬وذلك من خالل السامح ِبقدْ ٍر صغ ٍري‬ ‫شكل من أشكال َ‬ ‫ٍ‬
‫أو كبري من التغيري يتناسب مع طبيعة التحديات وحجم املطالب املفروضة عىل‬
‫الت يف بنيت ِه وأدوار ِه‬ ‫النظام السيايس‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬فتدفعه إىل إجراء تح ُّو ٍ‬
‫بشكل جذري أو‬ ‫ٍ‬ ‫وربا إىل انهيار ِه أو حتى استبدال ِه‬
‫ونطاق حركة الفاعلني في ِه‪َّ ،‬‬
‫نظام أو‬
‫بعض من وظائفه و ُبناه‪ ،‬بهدف البحث عن صيغ ٍة أخرى جديدة لِ ٍ‬ ‫تغيري ٍ‬
‫بني ٍة سياسية جديدة بإمكانها استيعاب أمثال تلك املطالب والتحديات‪ .‬وهو ما‬
‫َس َع ْت النسوية بعامة إليه‪ ،‬أو ما ُيحاول التفكري السيايس النسوي تحقيقه ك ّال أو‬
‫بعضا منه يف هذا املجال‪.‬‬
‫ِّ‬
‫يف هذا السياق‪َ ،‬ن ِجدُ مجموعة من ا ُملنظرين ُيحاولون التوسع يف مفهوم‬
‫وكل من أدوارها ووظائفها‪ ،‬من بني أبرزهم فرينون فان دايك ‪Vernon‬‬ ‫«النظرية» ٍّ‬
‫‪ ،Van Dyke‬والذي عمل عىل تضمين ِه يف كتاب ِه الكالسييك ذائع الصيــت واملوسوم‬
‫تحليل فلسفي» ‪.Political Science: Philosophical Analysis‬‬ ‫ٌ‬ ‫بـ «علم السياسة‪:‬‬
‫فالنظرية وفقا لدايك ميكن النظر إليها من ِع َّد ِة زوايا ووجهات نظ ٍر متنوعة‪ ،‬فهي‬
‫قد عُ ِر َف ْت مثال بداللة األفكار أو التخمينات أو التصورات‪ ،‬وقد ُين َْظ ُر إليها بوصفها‬
‫َتعميام‪ ،‬كام قد يجري التعامل معها من زاوية كونها حقال من حقول العلوم‬
‫السياسية‪ ،‬أو بوصفها فلسفة أو مخططا مفاهيميا‪ .‬يدعونا ذلك إىل تناول هذ ِه‬
‫الجوانب بيش ٍء من التفصيل‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫أوالها‪ ،‬النظريات ُمع َّرفة بوصفها أفكارا ‪ thoughts‬أو تخمينات ‪conjectures‬‬


‫أو تصورات‪ .‬وهنا‪ ،‬غالبا ما ُتستخدم النظرية من حيث كونها ُمرا ِدفة لألفكار أو‬
‫التخمني أو التصورات التي تدور حول عالقات عملية أو حول الوسائل األكرث نجاعة‬
‫أو فاعلية من أجل تعزيز غاي ٍة معينة‪.‬‬
‫ثم قضية فكرية أوال وأخريا‪،‬‬ ‫ثانيها‪ ،‬النظرية مبنزلة تعميم مجرد‪ ،‬وهي من َّ‬
‫فإن الذين يأخذون بهذا املنظور سوف يلجأون‬ ‫وليست قضية حقيقة ملموسة‪ .‬لذا‪َّ ،‬‬
‫إىل أنواع من االختصارات أو االختزاالت تقوم بديال من الحقائق‪ ،‬حيث سنض ِّمن‬
‫النظرية فروضا من نوع‪« :‬إذا كان «س» يعمل عىل هذا النحو‪ ،‬فإن «ص» سيقوم‬
‫ِبكذا ‪.»if p then q‬‬
‫ثالثها‪ ،‬النظرية السياسية بوصفها حقال فرعيا يف دراسة العلوم السياسية‪.‬‬
‫ويتمثل ذلك يف وضعها مقابل الحقول الفرعية األخرى كالنظم السياسية والعالقات‬
‫الدولية واألحزاب السياسية والسياسات العامة وما شابه‪.‬‬
‫غرض بعض‬ ‫خططا مفاهيميا‪ .‬هذا االتجاه يتفق مع ِ‬ ‫رابعها‪ ،‬النظرية بوصفها ُم َّ‬
‫الباحثني الساعني إىل تعريفات أكرث تحديدا‪ .‬واملقصود باملخطط املفاهيمي هنا هو‬
‫مجموعة من املفاهيم املرتابطة‪ ،‬بحيث َّإن املفاهيم وفق هذا التعريف تعكس‬
‫فكرة ما وتعمل عىل إيصالها أو نقلها يف مختلف سياقات الدراسة‪ .‬فهي نتاج العقل‬
‫املميز الذي يضع األشياء املتشابهة يف فئ ٍة خاصة و ُيعطيها اسام وتصنيفا يف ضوء‬
‫ثم عىل البحث والتدقيق يف العالقات القامئة‬ ‫طبيعة دورها أو أدوارها‪ ،‬والعمل من َّ‬
‫بني هذه املفاهيم(‪.)6‬‬
‫خامسها‪ ،‬النظرية بوصفها تأويال ‪ interpretation‬أو وجهة نظر ‪point of‬‬
‫‪ ،view‬وهو اتجاهٌ أخذ به املفكر النمساوي‪-‬الربيطاين كارل بوبر‪Karl Popper‬‬
‫يف تعريف ِه للنظرية‪ ،‬وهو يكاد يتشابه مع املخطط املفاهيمي باعتبار ِه تأويال أو‬
‫بلورة لوجهة نظر معينة َيع َت ِمدها ِّ‬
‫املنظرون‪ .‬هنا ُيقيم بوبر َتص ُّوره عن النظرية‬
‫أساس من حقيقة َّأن هناك كثريا من الظروف واملتغريات التي من شأنها ْأن‬ ‫عىل ٍ‬
‫تعمل عىل إنتاج األحداث والوقائع االجتامعية والسياسية‪ ،‬يف املقابل هناك عديد‬
‫من الرشوح والتفسريات التي ميكن ْأن ُت ْعطى ُبغية وصف مثل هذه الوقائع‪.‬‬
‫األسس واالعتبارات سنختار‬ ‫تساؤل مفادهُ‪ :‬عىل أيٍّ من ُ‬‫ٌ‬ ‫ولكن هنا َيتبا َد ُر إىل الذهن‬
‫‪36‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫جيب بوبر عن ذلك بالقول برضورة ْأن يكون معيار‬ ‫البيانات من أجل دراستها؟ ُي ُ‬
‫االختيار قامئا عىل أساس نقدي وعقيل‪ ،‬حيث َّإن تبني وجهة نظر ما هو كفعل‬
‫َمنْ يختار موقعا أو موضعا جيدا من خالل ِه يطل الباحث عىل املشهد بأكمل ِه‪،‬‬
‫وهذا هو السبب الكامن وراء اختالف التوصيفات والرشوح التي ُتعطى للوقائع‬
‫من قبل باحثني مختلفني ألَنهم َيختارون مواقع وزوايا نظر متباينة أصال‪ .‬بعبارة‬
‫أخرى‪ ،‬تعكس التوصيفات املختلفة وجهات نظر مختلفة عندما ُتالحظ من زوايا‬
‫نظ ٍر متفاوتة‪ .‬ثم َّإن وجهات النظر أو التأويالت بعامة ميكن لها ْأن َتتَبلور لِتتخ َذ‬
‫بكل ما يعني ِه ذلك من إمكانية التعرض للدحض أو التأكيد‪ ،‬يف‬ ‫شكل تفسريات‪ِّ ،‬‬ ‫َ‬
‫الوقت الذي تظل فيه وجهات النظر أو التأويالت بعيدة عن مثل هذه اإلجراءات‬
‫بوصفها مج َّرد تخمينات ذاتية َمحضة‪.‬‬
‫سادسها‪ ،‬النظرية ُمع َّرفة بوصفها قمة التفسري أو كامله‪ .‬حيث تزداد احتاملية‬
‫ثم النظريات‬ ‫تتضمن ُه العبارات التي تتكون منها الفروض ومن َّ‬ ‫التفسري بزيادة ما َّ‬
‫واملتغيات‬
‫ِّ‬ ‫وصف لالرتباطات والعالقات املتداخلة بني الظواهر‬ ‫ٍ‬ ‫بالتبعية‪ ،‬من‬
‫ا ُملنصبة عىل األسباب وا ُملس ِّببات لألفعال والظروف ‪ .‬مبعنى أكرث وضوحا‪ ،‬تزداد‬
‫(‪)7‬‬

‫إمكانية التفسري التي تتمتع بها النظرية بزيادة قدرتها عىل اإلجابة عن األسئلة‬
‫املتعلقة بـ «ملاذا» وليس بـ «ماذا وكيف» فقط‪ .‬إذ َّإن الجواب عن التساؤل املتعلق‬
‫آجال‪ ،‬إذن فسؤالنا عن «ملاذا»‬ ‫بـ «ملاذا» يف العلم سوف ينتهي بنظرية عاجال أو ِ‬
‫هو نظرية دامئا‪ .‬وهو ما حدا بالبعض إىل التأكيد عىل كون هدف النظرية هو‬
‫أساس من مدى القدرة‬ ‫التفسري‪ ،‬مبعنى إقامة عالقات وظيفية بني املتغريات(‪ .)8‬وعىل ٍ‬
‫قس ُم النظريات السياسية وفقا ملدى قدرتها عىل الوصول‬ ‫التفسريية لدى النظرية ُت َّ‬
‫إىل تعميامت قادرة عىل تفسري ح ِّي ٍز معني من السلوك السيايس‪ .‬وهو ما جرى‬
‫املنظر السيايس هو البحث عن‬ ‫بشكل أكرث تفصيال من حيث َّإن غرض ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫التعبري عنه‬
‫االنتظامات أو االطرادات ‪ uniformities‬يف السلوك والعالقات املتك ِّررة‪ ،‬والعمل‬
‫ثم عىل تعميم خالصات ِه انطالقا من هذه القاعدة اإلمربيقية (التجريبية)‪.‬‬ ‫من َّ‬
‫فكلمة «نظرية» بهذا املعنى تأيت مبنزلة تحديد صياغة رصيحة لِعالقات محددة بني‬
‫مجموعة من املتغريات ميكن بداللتها تفسري فئة من االنتظامات أو القوانني القابلة‬
‫بشكل تجريبي‪ .‬بيد َّأن املشكلة التي تعرتض األخذ مبثل هذا التعريف‬ ‫ٍ‬ ‫للتأكد منها‬
‫‪37‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫كل من النظريات والقوانني وال ُفروض‪ ،‬لذا فإنه غالبا‬ ‫تتمثل يف التداخل بني مفاهيم ٍّ‬
‫تعاض عن النظريات بالكالم عن التعميامت أو الفروض أو التصورات أو‬ ‫ما ُي ْس ُ‬
‫األفكار بغية إزالة اللبس والغموض‪.‬‬
‫جامع مانع‬ ‫َن ْخ ُل ُص من كل ما تقدَّم إىل َّأن حرص مصطلح «النظرية» يف تعريف ٍ‬
‫لن يكون أمرا سهال بأيِّ حالٍ من األحوال؛ وذلك لِكون النظرية السياسية‪ ،‬كام هو‬
‫عانت أشكاال من التعديالت وإعادة النظر‪،‬‬ ‫حال النظريات االجتامعية األخرى‪ ،‬قد ْ‬
‫نظريات‬
‫ٍ‬ ‫ورمبا عمليات اإلقصاء وزوال الحظوة لدى املفكرين والباحثني‪ ،‬وحلول‬
‫أخرى محلها نتيجة عمليات التفنيد والدحض املستم َّرين لِمقوالتها وافرتاضاتها‪ .‬غري‬
‫أ َّنهُ‪ ،‬وألغراض هذه الدراسة‪ ،‬ميكن تعريف النظرية السياسية بوصفها محاولة من‬
‫املتخصصون يف حقل النظرية بعامة‬ ‫ِّ‬ ‫أجل تفسري ظاهرة ما ‪ -‬كام يتفق عىل ذلك‬
‫فإن التفسري‬ ‫والنظريات السياسية بخاصة ‪ -‬واملقصود بها الظاهرة السياسية‪ .‬كذلك َّ‬
‫بح ِّد ذات ِه ُيعطي معنى التنبؤ بوقوع الظاهرة متى ما تشابهت العوامل والظروف‬
‫بشكل من األشكال من أجل إنتاج الظاهرة موضوع البحث‪ ،‬أو هكذا‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬
‫تفاعلت‬ ‫التي‬
‫ُيفرتض‪ .‬فالتفسري يقو ُم من ناحيت ِه عىل مجموع ٍة منظم ٍة من األفكار التي َت ْد ُر ُس‬
‫و ُتح ِّل ُل الظروف واملعطيات التي ُتحيط بالظاهرة سعيا من أجل تحديد املبادئ‬
‫أو القواعد‪ ،‬أو رمبا تعيني القوانني التي تحكم هذه الظاهرة أو مجموعة الظواهر‬
‫ثم محتواها الخاص‪.‬‬
‫املتشابهة األخرى‪ ،‬وتعطيها من َّ‬
‫َشمل أنواعا أخرى‬ ‫تتسع دائرت ُه لِت َ‬
‫بيد َّأن مثل هذا التعريف‪ ،‬من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬ال ِّ‬
‫من النظريات السياسية‪ .‬فهو يتناسب مع أمناطٍ من النظريات ُتط َل ُق عليها تسمية‬
‫«النظريات التفسريية» ‪ ،explanatory‬من مثل النظريات ال ُبنيوية والوظيفية‬
‫والنظرية العامة للنُّظم‪ .‬يف حني َّأن هناك أيضا من النظريات ما ُتط َل ُق علي ِه تسمية‬
‫«النظريات املعيارية» ‪ ،normative‬وهو االتجاه السائد يف العلوم السياسية‪ ،‬وعادة‬
‫ما توضع هذه النظريات يف إطار الفلسفة السياسية‪ ،‬وهي أقرب إليها بالفعل من‬
‫وجهة نظرنا الخاصة‪ ،‬متأسني بذلك بالعدد الكبري من دا ِريس العلوم السياسية يف‬
‫هذا الشأن‪ .‬فالنظرية املعيارية من جانبها تبحث عادة ليس فيام هو كائن‪ ،‬كام‬
‫هو حال النظريات التفسريية‪ ،‬بل هي تس ِّلط الضوء عىل ما يجب أن يكون ‪what‬‬
‫‪ .ought to be‬أي َّأن النظريات املعيارية ال تبحث عن قواعد أو قوانني حاكمة‬
‫‪38‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫منوذج مثايل ‪،ideal‬‬


‫ٍ‬ ‫لهذه الظاهرة السياسية أو تلك‪ ،‬بل تبتغي بدال من ذلك َر ْس َم‬
‫الناس‪ ،‬ح َّكاما كانوا أو محكومني‪ ،‬عىل ا ِّتباع ِه و َتبني ِه من زاوية كون ِه‬
‫حض ِ‬ ‫يجري ُّ‬
‫تجسيدا حقيقيا للكامل بشكل مطلق‪ ،‬أو ألنه األفضل من نوع ِه يف ظل ما هو متاح‬
‫من ظروف‪ ،‬أو َّربا مقارنة مبا هو قائم من مامرسات مع املثال الذي َيطرح ُه هذا‬
‫النوع من النظريات‪.‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫النسوية بوصفها نظرية سياسية تخصصية‬
‫َن ِق ُف هنا لِنَتساءل‪ ،‬يف ضوء التعريفات العديدة املعطاة للنظرية السياسية‪،‬‬
‫عن مدى صحة الوصف الذي ُي ْط َل ُق عىل منظومة األفكار النسوية بوصفها نظرية‬
‫سياسية تتمتع باألصالة‪ ،‬أو بتعب ٍري آخر أكرث وضوحا‪ :‬هل من املمكن ْأن َيتفقَ ما‬
‫ذهبنا إليه بخصوص تعريف «النظرية» ُوأ ُسسها مع التصور الذي يرى يف النسوية‬
‫كل من التساؤالت‬ ‫نظرية سياسية (أصيلة)؟ وهنا‪ ،‬ينبغي علينا محاولة التدقيق يف ٍّ‬
‫ات لِظاهرة االضطهاد‬ ‫التي َتطرحها النسوية والفروض التي تضعها كأجوب ٍة وتفسري ٍ‬
‫أو ال َقهر ‪Oppression‬؛ تلك الفروض التي تشكل االفرتاض ‪ Assumption‬الذي‬
‫مثل حجر األساس واملنطلق الجوهري الذي َبن َْت عليه النسوية ادعاءاتها ومزاعمها‬
‫يف هذا املجال‪.‬‬
‫بادئ ذي بدء‪َ ،‬ي ْجدُ ُر القول إن الحركات االجتامعية والسياسية بحاجة إىل‬
‫وضع تصورها الخاص‬ ‫نظري ٍة تعمل عىل وصف وتفسري الواقع‪ ،‬لِتنط ِلقَ من ُه نحو ِ‬
‫لِام يجب ْأن يكون عليه مستقبل املجتمع الذي يحتضن الحركة قيد البحث‪ ،‬أو‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬منوذج املجتمع املنشود تحقيق ُه عىل أرض الواقع‪ .‬والنسوية‪ ،‬شأنها‬
‫شأن الحركات االجتامعية األخرى‪ ،‬تشعر بالحاجة إىل نظرية كهذه من أجل تفسري‬
‫الواقع ووضع الحلول وفق تصو ٍر ملا يجب ْأن تكون عليه أوضاع النساء(‪ .)9‬لذا‪ ،‬ومن‬
‫أجل البدء بعملية الصياغة الخاصة بالنظرية ال بد من اللجوء بداية إىل تحديد‬
‫االفرتاضات األساسية بوصفها التصور الحاكم‪ ،‬والذي ُيح ِّد ُد نظرة املهتمني بصياغة‬
‫النظرية إىل الجامعة موضوع البحث‪ ،‬ف َمنْ هي تلك الجامعة؟ وما موقعها يف العامل؟‬
‫ومن هم أفرادها؟ أما التســاؤل الذي َيعـــني النسوية يف هــذا املجــال واملتمثل‬
‫‪39‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ِبـ « َمنْ هي املرأة؟»‪ ،‬فذلك الذي يتناول وضعها يف الواقع االجتامعي يف ظل انقسام‬
‫العامل االجتامعي الذي َتحيا ُه النساء إىل صن َفني من الكيانات البرشية‪ :‬حيث يحتل‬
‫أحدهام الرجال‪ ،‬بينام يجري وضع النساء يف الصنف اآلخر؛ بحيث يكون األول ذا‬
‫وضع اجتامعي ممتا ٍز يف كل يشء‪ ،‬واآلخر هو املحروم من كل يشء؛ لنخ ُلص إىل‬ ‫ٍ‬
‫تصو ٍر مفاد ُه َّأن النساء هُ نَّ الجنس أو النوع االجتامعي اآلخر الثانوي واملضطهد‪.‬‬
‫ثم‬‫هذا التصور س ُيح ِّد ُد طبيعة املشكلة التي تعاين النساء من ج ّرائها‪ ،‬وهو من َّ‬
‫بحاجة إىل إجابات عن كيف وملاذا أصبح الحال ‪ -‬أي حال النساء وأوضاعهنَّ ‪ -‬عىل‬
‫حاولت النسويات اإلجابة عنها كل وفق توجهاتها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هذا النحو‪ ،‬تلك األسئلة التي‬
‫يبقى أنه يك تتحول مثل هذه اإلجابات أو الحلول إىل نظريات‪ ،‬من الرضوري لها‬
‫أن تسعى من أجل صياغة مفاهيمها الخاصة بوصفها أحجار بناء النظرية وعنارص‬
‫التحليل الخاصة بها والتي ستُناقش فروضها من خالل هذه الفروض‪.‬‬
‫بعبار ٍة أخرى أكرث تلخيصا‪ ،‬هناك رشوط من الرضوري االلتزام بها يف صياغة‬
‫النظرية السياسية‪ ،‬يأيت يف املقدمة منها تحديد االفرتاضات األساسية للقضية أو‬
‫التصور الذي َتح ِم ُل ُه النظرية بوصفه ُمن َْطلقا لها‪ ،‬وهو الذي تعمل النظرية من‬
‫ثم هناك ثانيا‪ ،‬املشكلة أو التساؤل الذي َت ْستَه ِد ُف ُه‬‫ثم عىل تبيان ِه والتشديد علي ِه‪َّ .‬‬
‫َّ‬
‫النظرية بغية تفسري ِه ووضع الحلول له‪ .‬ثالثا‪ ،‬الفروض ‪ hypotheses‬والتي تعد‬
‫مبنزلة أجوبة ‪ answers‬عن التساؤالت ُمسبقة ال ِذكر أو َّربا تعد مبنزلة حلولٍ مقرتحة‬
‫للمشكالت َي ْغ ِل ُب عليها الطابع املؤقت ‪ .tentative‬رابعا‪ ،‬املفاهيم بوصفها إنشاءات‬
‫ُيلجأ إليها من أجل اإلحاطة باملوضوع قيد النظر وفهمه‪ .‬يقول الباحثان جاكارد‬
‫وص ُف بكونها أحجار البناء‬ ‫وجاكويب ‪ J. Jaccard and J. Jacoby‬إن «املفاهيم ُت َ‬
‫نظم‬ ‫الخاصة بالفهم»(‪ ،)10‬سواء أكان ذلك يف حياتنا العامة أم فيام تعلق بالتفكري ا ُمل َّ‬
‫يلجأ الناس إىل وضع‬ ‫بشكل خاص‪ .‬فمن أجل فهم العامل املحيط بهم ُ‬ ‫ٍ‬ ‫واألكادميي‬
‫«مفاهيم»‪ ،‬ثم يستخدمون العمليات الذهنية من أجل معالجة وتنظيم وتصنيف‬
‫وخزنوها يف الذاكرة(‪ .)11‬فعن طريق‬ ‫تجاربهم بداللة املفاهيم التي وضعوها َ‬
‫استخدام «املفاهيم» سيكون يف إمكاننا فرز الصفات التي تتميز بها هذه الفئة من‬
‫الناس عن غريهم‪ .‬عىل ْأن َي َظ َّل ما ِثال يف الذهن كون مثل هذه الصفات التي حازها‬
‫ثم ألصقناها عىل هذا أو‬ ‫«املفهوم» َّإنا قد َتعا َرفنا عليها‪ ،‬فنحن َمنْ صنَعها‪ ،‬ومن َّ‬
‫‪40‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫ثم يف أذهاننا يف كل مرة نحتاج فيها‬ ‫غريه من األفراد والجامعات‪ .‬وسنستحرضها من َّ‬
‫واض ْعنا عىل‬ ‫إىل وصف تلك الفئة من الناس أو رمبا سلوكيات معينة نراها تتفق وما َت َ‬
‫جانب آخر‪َّ ،‬إن لـ«املفهوم» وفقا لهذا الوصف أهمية خاصة يف‬ ‫تسميت ِه ووصف ِه‪ .‬من ٍ‬
‫حياتنا بعامة ويف حياتنا األكادميية بخاصة‪ ،‬إذ يؤدي «املفهوم» وظيفته بوصف ِه أداة‬
‫مهمة يف عملية توصيل أو إيصال تصوراتنا‪ ،‬ومالحظاتنا املرتبطة بتلك التصورات‪،‬‬
‫ثم التوصل إىل اتفاق بشأنِ ما َنعني ِه بتلك املصطلحات‪ .‬وباختصا ٍر غري ُم ِّخل‪،‬‬ ‫ومن َّ‬
‫هذه املفاهيم هي مبنزلة بناءات مك َّونة من تصوراتنا عنها‪ ،‬فهي ليس لها وجود‬
‫حقيقي؛ وإمنا نحن من أنشأناها أصال‪.‬‬
‫و ُيضيف بايب ‪ Babbie‬إىل تصور ِه عن املفاهيم أن مالحظاتنا وتجاربنا التي‬
‫بشكل من األشكال‪ ،‬من الناحية الذاتية‬ ‫ٍ‬ ‫اس َت َقينا منها تصوراتنا هي حقيقة ملموسة‬
‫عىل األقل‪ ،‬بيد َّأن التصورات التي تحتويها املفاهيم ما هي إال بناءات فكرية ُمشت َّقة‬
‫ات كانت قد اخترصت كل تجاربنا‬ ‫عن طريق اتفاقٍ متبادل عرب صو ٍر ذهنية أو تصور ٍ‬
‫ومالحظاتنا الخاصة(‪ .)12‬وهي لهذا السبب ال بد منها ألي نظرية تسعى إىل فهم‬
‫الواقع املحيط‪ ،‬ومن أجل فرز وتحديد الصفات الخاصة بالفئات والجامعات التي‬
‫نص ُف إليها النظرية قيد البحث‪ .‬هذا ما حاولت الكاتبة األمريكية جاين فالكس‬ ‫َت َ ِ‬
‫‪ Jane Flax‬التشديد عليه‪ ،‬بوصفها إحدى املنظرات النسويات ا ُملهتَّامت والعامالت‬
‫يف مجال النظرية السياسية النسوية‪ .‬فقد َس َع ْت فالكس من خالل كتاباتها إىل إبراز‬
‫حاجة النساء والحركة النسوية بعامة إىل نظرية سياسية واضحة املعامل‪ ،‬وتكون‬
‫الوقت نفسه عىل تعبئة النساء لينطلقن ساعيات وراء هدف التحرير؛‬ ‫ِ‬ ‫قادرة يف‬
‫والذي يعني يف جوهر ِه تخليصهنَّ من الهيمنة الذكورية داخل املجتمع ال َب ْطر َيريك‬
‫الذي َي ِع ْشنَ في ِه‪ .‬ومثل هذا الوضع ال َي ْصدُ ُق عىل النساء فقط‪ ،‬بل هو ما تشعر‬
‫بالحاجة إليه املجتمعات البرشية بعامة‪ .‬حيث ُتط َّور من خاللها ‪ -‬أي النظرية ‪-‬‬
‫منظومات فكرية تعمل عىل تنظيم الواقع ‪ِ reality‬ب ُطرقٍ تجعل من السهل فهمه‬
‫بغية السيطرة علي ِه‪ ،‬فضال عىل اإلشباع الفكري الذي ميكن أن ُيو ِّف َر ُة مثل هذا‬
‫املطلب‪ .‬فالنسوية من ناحيتها ‪ -‬املبدئية عىل األقل ‪ -‬هي اتجا ٌه نظري‪ ،‬وفق رأي‬
‫الكاتبة‪ ،‬وذلك بقدر َع َم ِلها عىل إبراز املعاناة التي تقع ضحيتها النساء‪ ،‬ليس بوصف‬
‫حظ عاثر أو َّربا طارئ‪ ،‬بل باعتبارها‬ ‫حاالت فردية وال تعبريا عن سو ِء ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫هذه املعاناة‬
‫‪41‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫بشكل عام‪ ،‬فتتعامل معه وتفهمه عىل أنه كذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫خضوعا منهجيا ُتعانيه النساء‬
‫في مبطلب فرز وتصنيف العوامل واألسباب الفعلية‪،‬‬ ‫من هنا ستأيت النظرية ليك َت َ‬
‫توج ُه إىل األعراض واملظاهر‬ ‫ثم عىل صياغة اسرتاتيجية نسوية ال َت َّ‬ ‫والعمل من َّ‬
‫الفردية بل مهاجمة أسبابها الجوهرية(‪.)13‬‬
‫ميكنُ القول‪ ،‬واستنادا إىل األفكار التي عُ ِّب بها من قبل النسوية عن األغراض‬
‫أعاله‪ ،‬إنها منظومة أفكار وفروض تسعى إىل تحديد املبادئ أو القواعد ا ُملح ِّركة‬
‫التي تحكم سلوك الظاهرة قيد البحث‪ ،‬أي عالقة الخضوع ‪ -‬االضطهاد‪ ،‬يف‬
‫ُنشوئها وتطورها‪ ،‬وهو ما يعني محاولة تفسري الظاهرة من خالل تحديد‬
‫العوامل والظروف التي أسهمت يف بروزها بالشكل الذي هي عليه اليوم‪.‬‬
‫ويك تستكمل النسوية رشوط النظرية‪ ،‬ال بد لها من مفاهيم خاصة محددة‬
‫بوصفها أحجار البناء ‪ building blocks‬الخاصة بالنظرية‪ ،‬وهو ما وجدته يف‬
‫مفاهيم من مثل الجنس ‪ sex‬والجندر (النوع االجتامعي) ‪ gender‬وال َبطر َيركية‬
‫ؤخ ُذ عىل هذا النوع من النظريات السياسية‬ ‫(األبوية) ‪ .patriarchy‬بيد َّأن ما ُي َ‬
‫هو لجوؤها إىل ما هو قائم من نظريات‪ :‬كالليربالية واملاركسية ومداخل نظرية‬
‫اجتامعية وسيكولوجية ومابعد حداثية عىل سبيل املثال‪ ،‬ومن ثم خضوع‬
‫مضامينها لِتأثري هذه النظريات واملداخل بالشكل الذي ُيق ِّل ُل من استقالليتها‪.‬‬
‫وهو مام ال يقدح‪ ،‬عىل أي حال‪ ،‬يف قيمة أيِّ مسعى نظري‪ ،‬سواء أكان الهدف‬
‫ربا رفضها‪ .‬غري َّأن سعي النسوية‬ ‫منه بناء نظرية ما أم تعديلها أم توسيعها أم َّ‬
‫ُ‬
‫إىل بناء نظرية أصيلة ‪ ،grand theory‬أو وفق كتَّاب ما بعد الحداثة حني‬
‫أطلقوا عىل مثل هذا النوع من النظريات تسمية «الرسديات الكربى» ‪meta-‬‬
‫‪ ،narratives‬ال بدَّ لهُ من رشوطٍ رئيسة‪ ،‬ويأيت يف مقدمتها االنطالق من افرتاض‬
‫أو افرتاضات ‪ assumptions‬بديهية أو َب ِّينة بذاتها دومنا حاجة إىل إثبات ‪self-‬‬
‫ثم عىل تطوير فروض وتعميامت خاصة من شأنها‪ ،‬متى‬ ‫‪ ،evident‬والعمل من َّ‬
‫دت‪ْ ،‬أن تتجاوز ما هو قائم من نظريات‪ .‬هكذا فعلت‬ ‫ما َص َد َق ْت أو ا ْع ُت ِم ْ‬
‫املاركسية عىل سبيل املثال‪ ،‬سوا ٌء أكانت قد نجحت يف ذلك أم مل تنجح‪ ،‬حيث‬
‫ربا مجموع ٍة من القوانني‪ ،‬يتم من‬ ‫انفردت عن الليربالية يف وضع قانونٍ أو ّ‬
‫خاللها بعامة تقييم وتفسري مراحل التطور التي شهدتها وستشهدها املجتمعات‬
‫‪42‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫كل من االفرتاضات التي َبن َْت‬ ‫اإلنسانية عرب التاريخ‪ .‬ولنحاول ْأن َنتَع َّر َف عىل ٍّ‬
‫جرت صياغتها من قبلها‪،‬‬ ‫عليها النسوية فكرها‪ ،‬وكذلك املفاهيم األساسية التي ْ‬
‫ولنبدأ باالفرتاضات‪.‬‬
‫«الطبيعة اإلنسانية» ‪ ،human nature‬وفقا للنسوية‪ ،‬توصف بكونها جزءا‬
‫من االفرتاضات األساسية ‪ assumptions‬للنظرية السياسية النسوية‪ .‬تقول ِّ‬
‫املنظرة‬
‫«إن النظريات السياسية بعامة هي‬ ‫الربيطانية أليسون جاكار ‪َّ :Alison Jaggar‬‬
‫مبنزلة شبكة معقدة من املفاهيم واالدعاءات واملطالب املعيارية واإلمبرييقية‬
‫وإن كال منها ترتكز عىل تصو ٍر مميز عن الطبيعة البرشية»(‪ ،)14‬وهو ما‬ ‫واملنهجية‪َّ ،‬‬
‫لكل من تياراتها املختلفة تصوره الخاص به واملختلف‬ ‫فعلت ُه النسوية‪ .‬حيث كان ٍّ‬
‫بالرضورة حول املوضوع قيد النظر‪.‬‬
‫ومرة أخرى‪ ،‬تختلف هذه التصورات والتيارات الفكرية‪ ،‬كام هو الحال مع‬
‫التساؤالت والفروض املتعلقة بالحلول وكذلك االسرتاتيجيات الخاصة بهذا التيار‬
‫كل منها‪ .‬وعىل رغم ذلك‪ ،‬نحن نجد‬ ‫أو ذاك‪ ،‬تبعا للفكرة واملثال الذي َيحتذي َه ٌ‬
‫الجنسني‪ ،‬عىل رغم ما ميكن‬ ‫َ‬ ‫شكال من أشكال التوافق عىل قضية التاميز القائم بني‬
‫بعض من تيارات ما بعد الحداثة عن هذا االتجاه‪ .‬وهو ما َي ِجد‬ ‫مالحظت ُه من شذوذ ٍ‬
‫نقسم‬
‫تعبريا عنه لدى جاكار ‪ ،Jaggar‬يف تناولها لهذا املوضوع‪ .‬فالنوع اإلنساين ُم ٌ‬
‫وفق هذا التصور‪ ،‬من ناحية املبدأ عىل األقل‪ ،‬إىل كيا َنني متاميزَين وهام الرجل‬
‫قائم عىل أساس من خصائص وصفات‬ ‫واملرأة‪ ،‬الذكر واألنثى‪ .‬هذا االنقسام بدور ِه ٌ‬
‫جسدية مورفولوجية وفسيولوجية‪ ،‬وأخرى عقلية ونفسية‪ .‬مثل هذه الخصائص‬
‫واملميزات كانت مبنزلة األساس الذي استخدَم ُه الرجال من أجل التقليل من شأن‬
‫ثم عىل تربير‬ ‫املرأة ومكانتها االجتامعية ُبغية فرض الهيمنة عليها‪ ،‬والعمل من َّ‬
‫خضوعها واضطهادها من قبلهم‪ .‬أما ما َتر َّت َب عىل ذلك فقد َت َّث َل بالحؤول دون‬
‫تحقيق املرأة لِتكاملها الذايت وإعاقة تطورها الفكري ومنعها بالنتيجة من أداء أدوار‬
‫إنسانية كانت ستتكفل‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬بتجنيب اإلنسانية كثريا من األهوال التي‬
‫عا َنتْها البرشية ج ّراء أنانية الرجل وعدوانيته‪ ،‬وفقا لِصاحبات هذا املنظور‪.‬‬
‫تقترص عىل املجال‬‫ْ‬ ‫َّإن وقائع الخضوع واالضطهاد التي مل َتزَلِ النسا ُء َي ِع ْشنَها مل‬
‫العام فقط‪ ،‬بل تجاوزت ُه إىل املجال الخاص‪ .‬وذلك من خالل العمل عىل إبقائها‬
‫‪43‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫حبيسة األدوار الطبيعية والتقليدية املتمثلة باإلنجاب ورعاية وتربية األطفال‬


‫واألعامل البيتية األخرى‪ ،‬وكذلك يف اقتصار تربيتها وإعدادها عىل أداء تلك األدوار‪،‬‬
‫من دون أن تت َّعداها إىل غريها‪ .‬عىل الرغم من َّأن مثل تلك الصفات والخصائص‪،‬‬
‫الجسدية منها والعقلية والنفسية‪ ،‬التي مت َّي ْ‬
‫زت بها املرأة وكام أثبتت ُه التجارب‪ ،‬مام ال‬
‫مينع أصال من دون أدائها الكثري من األدوار التي ُيؤدِّيها الرجل‪ ،‬وخصوصا يف املجال‬
‫العام‪ ،‬إن مل تتفوق عليه فيها‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬فاملشكلة األساسية لدى النسوية تكمن يف االضطهاد الذي ُتعاني ِه‬
‫ثم كل املشاكل واألزمات االجتامعية والنفسية التي ِع ْشنَها‬ ‫وحم ْلتهُ من َّ‬
‫النساء‪َّ ،‬‬
‫بوصفهن أفرادا أو جامعة (أي بوصفهنَّ جنسا ونوعا اجتامعيا)‪ .‬وقد تر َّت َبت‬
‫علي ِه أيضا مجموعة من التساؤالت التي تدور حول الكيفية التي س ُيقىض بها‬
‫والسبل الكفيلة لتحقيق ذلك‪ .‬بيد أ َّنهُ وعىل الرغم من اتفاق‬ ‫عىل هذا الوضع ُّ‬
‫أغلب تيارات النسوية عىل معارضتها لالضطهاد الذي َتع َّر ْضت لهُ النساء من‬
‫قبل الرجال‪ ،‬أفرادا ومؤسسات‪ ،‬فإنها تخ َت ِلف ليس عىل الكيفية التي تتم بها‬
‫مقارعة استغالل الرجال والنضال ضد االضطهاد فقط‪ ،‬بل َتتفاوت يف تصوراتها‬
‫ملا ُيش ِّك ُلهُ هذا االضطهاد للمجتمع املعارص ويف األدوار التي يؤديها ضمن دائرت ِه‪.‬‬
‫من هنا دارت افرتاضات النسوية عىل اختالف أنواعها حول تحرير النساء؛ ولكن‬
‫بأن الحل يكمن يف‬ ‫ِممنْ ؟ فالنسويات الليرباليات عىل سبيل املثال‪ُ ،‬كنَّ مؤمنات َّ‬
‫العمل عىل تحقيق املساواة يف الحقوق مع الرجال‪ ،‬ذلك ألن النساء مضطهدات‬
‫بالقدر الذي ت ْع ِك ُسهُ معاناتهنَّ املشرتكة يف التمييز غري العادل من قبل الرجال‪.‬‬
‫أما االشرتاكيات فقد َن َظ ْر َن إىل فرضية الحل تلك من زاوية أ َّنها تأيت يف إطار‬
‫دن يف تصورهنَّ ذاك‬ ‫وبكل أشكالها‪ ،‬بحيث يع َت ِم َ‬ ‫ِّ‬ ‫تغيري ُبنية االستغالل كاملة‬
‫عىل نسخ ٍة تصفها جاكار ‪ Jaggar‬بكونها نسخة ُمعدَّلة أو ُمن َّقحة ‪revised‬‬
‫من املاركسية‪ ،‬وخصوصا تلك املتعلقة باالغرتاب ‪ .alienation‬يف الوقت الذي‬
‫ذهبت فيه النسويات الراديكاليات إىل اتهام السلطة ال َب ْطر َيركية (األبوية) بأداء‬
‫هذا الدور االضطهادي املتمثل يف سيطرة الرجل الكونية أو الشاملة ‪universal‬‬
‫عىل مقدرات النساء الجنسية ‪ sexual‬واإلنجابية ‪ ،procreative‬ومطالبتهنَّ من‬
‫ثم بالعمل عىل اكتشاف وتحدي الروابط القامئة بني ال َب ْطر َيركية‪ ،‬بوصفها نظاما‬ ‫َّ‬
‫‪44‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫اجتامعيا‪ ،‬وبني ُبنية النظام الرأساميل القائم(‪ .)15‬هذا كائن يف وقت رفضت فيه‬
‫مثل هذا املنطق يف الفهم‬ ‫نسويات مؤيدات لنظرية وفلسفة ما بعد الحداثة َ‬
‫وسعت بدال من ذلك إىل‬ ‫ْ‬ ‫الذي ع ََّب ْت عنه هذه التيارات عىل اختالف أنواعها‪،‬‬
‫وصف مثل هذه التوجهات بأنها مجرد لغة وخطابات ليس إال‪ ،‬وليست هناك‬
‫من فئة ميكن إطالق تسمية «نساء» عليها أو «رجال»‪ ،‬وهي َّإنا تعكس عالقات‬
‫السلطة القامئة‪.‬‬
‫وبعد ْأن انتهينا من البحث يف الجانب املتعلق باالفرتاضات الخاصة بالنسوية‪،‬‬
‫نحاول فيام ييل تناول الجانب املتعلق باملفاهيم األساسية للنظرية النسوية‪.‬‬
‫حيث تتمتَّع املفاهيم بأهمية خاصة يف بناء النظريات السياسية‪ ،‬كام تؤدي أدوارا‬
‫بشكل عام‪« .‬فمن دونها لن يكون‬ ‫ٍ‬ ‫مهمة أيضا يف مشاريع البحوث والدراسات‬
‫نظريات وتفسريات سببية فارغة من أيِّ معنى‪ ،‬وهو ما ُتعانيه ُ‬
‫الكتب‬ ‫ٍ‬ ‫لدينا سوى‬
‫املنهجية النسوية»‪ ،‬عىل ح ِّد وصف غاري غريتز ‪ Gary Goertz‬وآمي مازور ‪Amy‬‬
‫‪ .)16(G. Mazur‬فالنظرية النسوية َت ُص ُّب العناية عىل مفهو َمني أساسيني هام‪:‬‬
‫البطريركية‪ ،‬والجنس‪ /‬النوع االجتامعي (الجندر)‪.‬‬
‫كل من الجندر وال َب ْطر َيركية‪ ،‬بوصفهام مفهومني سياسيني‪ ،‬مكانة مهمة‬ ‫َيحتَّل ٌّ‬
‫يف النظرية النسوية والفكر السيايس النسوي عىل الرغم من طبيعتيهام الجنسية‬
‫واالجتامعية‪ .‬فاالعتقاد السائد لدى النسويات هو أن هذين املفهو َمني مرتابطان‬
‫و ُمتكا ِمالن مبا َي ْح ِمالن ِه من قيم ومامرسات وعمليات تنشئة اجتامعية تعمل‪ ،‬إىل‬
‫أسباب أخرى‪ ،‬عىل أن يدعم أحد املفهومني اآلخر‪ ...‬ولنبدأ بال َب ْطر َيركية‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫جانب‬

‫أوال‪ :‬مفهوم ال َب ْطر َيركية (األبوية)‬


‫مفهوم يتمتع بأهمية خاصة يف الفكر واملامرسة النسويني‪ .‬أما‬ ‫ٌ‬ ‫ال َب ْطر َيركية‬
‫أهميت ُه فتنبع من كون ِه جزءا جوهريا وال ميكن االستغناء عنه يف تحليل عدم مساواة‬
‫فهم أعمق وأشمل للكيفية التي تتداخل بها‬ ‫الجندر‪ ،‬كام أنه يساعد عىل بلورة ٍ‬
‫الجوانب املختلفة لخضوع النساء‪ ،‬هذا إىل جانب أن باإلمكان تطويره «بطريق ٍة‬
‫تأخذ يف اعتبارها أشكال عدم املساواة الجندرية عىل م ِّر الزمن واختالف الطبقات‬
‫والجامعات اإلثنية األخرى» وفقا للباحثة سيلفيا ولباي ‪.)17(Sylvia Walby‬‬
‫‪45‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫مصطلح قديم؛ فقد أرج َع ُه البعض إىل بداية ظهور امللكية‪ ،‬وانترش‬ ‫ٌ‬ ‫ال َب ْطر َيركية‬
‫يف مجتمعات الرشق القديم عىل وجه الخصوص قبل نحو ثالثة آالف عام قبل‬
‫امليالد(‪ )18‬بوصفه تعبريا عن شكل من أشكال التنظيم كان موضوع ُه الجوهري هو‬
‫«العائلة» من زاوية كونها البنية األساسية للمجتمع‪ ،‬بحيث ُحددت من خالل ِه‬
‫الرتاتبات والسلطات داخل العائلة نفسها‪ ،‬وكان من نتائج ِه تربير واقعة سيطرة‬
‫الرجل عىل املرأة؛ أبا كان هذا الرجل أو أخا أو زوجا‪ .‬وقد ْاشتُق هذا املصطلح‬
‫يف األصل من الكلمة الالتينية ‪ Pater‬والتي تعني األب‪ ،‬و‪ Arch‬وتعني بدورها‬
‫عب من الناحية التاريخية عن سيطرة األب و َمنْ يف ُح ْك ِم ِه‪ ،‬وفق‬ ‫الحكم‪ .‬فهي بذلك ُت ِّ ُ‬
‫العلوم االجتامعي ِة «البطريركي َة» بوصف ِها‬
‫ِ‬ ‫معارف‬
‫ِ‬ ‫فت دائر ُة‬
‫هذا التعريف‪ .‬وقد ع َّر ْ‬
‫كون ميز َة الهيمنة عىل النساء‪ ،‬سواء‬ ‫«ظاهرة بنيوية اجتامعية حيث الرجال َي َت ِل َ‬
‫َجل يف القيم‬ ‫ِبشكلها الرصيح أو الالواعي ‪ .subliminally‬إذ َّإن هذه الظاهرة َتت َّ‬
‫واملواقف والعادات والتوقعات ومؤسسات املجتمع‪ ،‬كام ُتستدام من خالل عمليات‬
‫التنشئة االجتامعية‪ ...‬وال َب ْطر َيركية [كمحصلة] هي وظيفة السلطة الجسدية‬
‫واالجتامعية واالقتصادية والسياسية»(‪.)19‬‬
‫بعبار ٍة ُأخرى أكرث وضوحا‪َ ،‬تنظ ُر النسويات بعامة إىل ال َب ْطر َيركية أو النظام‬
‫األ َبوي من زاوية كونه نظاما اجتامعيا واقتصاديا سابقا عىل الحداثة والرأساملية‪،‬‬
‫عمل في ِه الرجال عىل إخضاع واستعباد النساء‪ .‬بيد أ َّن ُه أصبح نظاما شامال يتخ َّلل‬ ‫َي ُ‬
‫وينفذ إىل داخل التنظيم االجتامعي والفكري بحيث يتجاوز حدود الزمان واملكان‪،‬‬ ‫ُ‬
‫فانتهى األمر إىل اتخاذ ال َب ْطر َيركية ذلك الشكل االجتامعي الشامل تقريبا؛ حيث‬
‫إن الرجال يعملون عىل تدعيم مثل هذا الوضع من خالل استخدام معظم مصادر‬
‫السلطة والقوة املادية من أجل تكريس وضعية الهيمنة تلك‪ .‬فمن جانب‪ ،‬نجد‬
‫َّأن ال َب ْطر َيركية‪ ،‬مبعنى ما‪ ،‬هي سلطة املوارد االقتصادية واأليديولوجية والرشعية‬
‫جانب آخر عىل تنظيم هذه السلطة وتوجيهها من‬ ‫ٍ‬ ‫واملعنوية‪ ،‬بيد أ َّنها تعمل من‬
‫قيم األساسني املادي‬ ‫أجل الحفاظ عىل بقائها واستمراريتها‪ .‬ثم يأيت العنف املادي يك ُي َ‬
‫مثل هذه السلطة سواء عىل صعيد العالقات بني األفراد أو العالقات بني‬ ‫واملعنوي لِ ِ‬
‫شل إرادة هذا ال ِقطاع‬ ‫ليشمل النساء؛ وذلك بقدر عمل ِه عىل ِّ‬ ‫َ‬ ‫ويتَّدُ تأثري ُه‬
‫الجامعات‪َ ،‬‬
‫من الناس بالقضاء عىل املقاومة التي ُتبديها النسـاء بصــور ٍة فردية أو جمــاعية‪.‬‬
‫‪46‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫أما الرجال‪ ،‬ويف معرض سعيهم من أجل خلق النظام البطريريك واإلبقاء علي ِه‪ ،‬فإ َّنهم‬
‫بسبب من حيازتهم للموارد والرثوات الالزمة للهيمنة عىل النساء‬ ‫ٍ‬ ‫ال يقومون بذلك‬
‫فقط‪ ،‬بل لِكونهم أيضا يهتمون حقا مبوضوع جعل النساء َيخ ِد ْمنَ و ُيق ِّد ْمنَ الوالء‬
‫والطاعة للرجال بوصفهنَّ مواضيع إذعان ورضوخ‪ .‬إىل جانب كونهنَّ وسائل ف ّعالة‬
‫إلشباع رغبة الذكَر الجنسية‪ ،‬فضال عىل أن أجسادهنَّ ال غنى عنها لِتوليد الذ ِّرية‪،‬‬
‫إشباع لِحاجات الرجال العملية والنفسية يف سياق عالقاتهم‬ ‫بكل ما َيعني ِه ذلك من ٍ‬
‫عمل رخيصة‬ ‫كل ذلك َّأن النساء قوة ٍ‬ ‫مع بني جنسهم من الذكور‪ .‬وإذا ما أضفنا إىل ِّ‬
‫ومفيدة‪ ،‬فسيكون ذلك َمدعاة للراحة والبهجة‪ ،‬ومصدرا للدعم املعنوي‪ ،‬عالوة عىل‬
‫حول دون تعزيز شعور الذكر‬ ‫بشكل ف َّعال ونافع من أجل إحباط كل ما َي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َع َم ِلهنَّ‬
‫باألهمية االجتامعية املركزية ‪.‬‬
‫(‪)20‬‬

‫ومل تتوقف ال َب ْطر َيركية عن كونها مسؤولة عن التاميزات التي وقعت النسوة‬
‫شمل عديدا من جوانب العالقات العرقية والطبقية‬ ‫ضحية لها فقط‪ ،‬بل امتد ذلك لِ َي َ‬
‫األخرى أيضا‪ .‬فالتعصبات وتكريس الصور النمطية وأعامل العنف التي وصلت‬
‫ح َّد تنظيم مهرجانات الشنق الشعبية ‪ Lynching‬التي وقع الرجال والنساء السود‬
‫قاس عام ُيكن ْأن َت ِص َل إلي ِه ال َب ْطر َيركية‬‫ضحية لها‪ ،‬هي يف عديد من جوانبها تعب ٌري ٍ‬
‫يف تأكيدها لسطوتها‪ .‬فمامرسات القتل هذه‪ ،‬والتي كانت تتم يف ُمجملها خارج‬
‫نطاق القانون وفق ريتشارد ‪ Richard‬وجيليان ‪ ،Gillian‬هي «مبنزلة آلية إرهابية‬
‫ُق ِص َد بها فرض هذا النوع من التجريد من اإلنسانية ‪ ،»dehumanization‬وا ُمل َّ ُ‬
‫عب‬
‫عنه بال َب ْطر َيركية(‪ .)21‬كام ميكن إضافة أسباب الحروب‪ ،‬كالحرب األهلية التي حدثت‬
‫يف الواليات املتحدة (‪)1865 - 1861‬؛ حيث يقول هذان الباحثان‪« :‬ليست هناك‬
‫جذرا يف الدفاع عن الرشف ال َب ْطر َيريك من الحرب‬ ‫حرب يف تاريخ أمريكا أكرث َت ُّ‬
‫من ٍ‬
‫حرب أكرث عُ نفا وأكرث َتك ِلفة يف حياة األمريكان منها»(‪.)22‬‬ ‫األهلية‪ ،‬كام مل تكن من ٍ‬
‫ات النسوية املختلفة عىل أهمية‬ ‫عىل الرغم من االتفاق القائم بني تيار ِ‬
‫ال َب ْطر َيركية من زاوية أ َّنها العامل الكامن خلف وقائع التاميز وعدم املساواة يف‬
‫العالقة ما بني النساء والرجال‪ ،‬وكذلك االضطهاد الذي ُيعا ِني َن ُه من ج َّراء مثل هذه‬
‫جانب آخر‪ ،‬اختالفات ال َت ِّق ُل أهمية‬ ‫ٍ‬ ‫العالقة‪ ،‬فإن مثل هذا االتفاق ال يخفي‪ ،‬من‬
‫حيال مدى فعالية األدوار التي ُتؤديها ال َب ْطر َيركية والكيفية التي تتخذها يف تحقيق‬
‫‪47‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫حاالت التاميز آنفة الذكر‪ .‬وهنا‪ ،‬ميكن متييز أربعة منظورات يف هذا الشأن عىل‬
‫األقل‪ :‬يذهب أول هذه املنظورات إىل قرص دور ال َب ْطر َيركية عىل املجال الخاص من‬
‫دون املجال العام‪ ،‬وهو االتجاه الخاص بالنسوية الليربالية‪ ،‬يف الوقت الذي نجد فيه‬
‫مييل إىل النظر إىل ال َب ْطر َيركية بوصفها نظاما‬ ‫املنظور الثاين‪ ،‬وهو النسوي املاركيس‪ُ ،‬‬
‫تابعا وملحقا بالرأساملية‪ .‬أما املنظور الثالث‪ ،‬والذي يوصف بالراديكالية‪ ،‬فيعمل‬
‫عىل إعطاء ال َب ْطر َيركية الدور الرئيس يف خلق حالة التبعية التي ُتعانيها النساء‬
‫عىل م ِّر التاريخ‪ .‬وأخريا هناك املنظور الرابع والذي َي ْعت ِ َُب ال َب ْطر َيركية نظاما يتشارك‬
‫والرأساملية يف إحداث حاالت االستغالل واالضطهاد تلك‪ ،‬وهو ما درج عىل القول‬
‫ب ِه أصحاب التيار النسوي االشرتايك(‪.)23‬‬
‫من ناحيت ِه سيعطي الجندر للتقسيم الجنيس ال َبيولوجي صفت ُه االجتامعية‪،‬‬
‫ثم األساس الذي تقوم عليه سلطة الرجل عىل املرأة املعرب عنها‬ ‫والتي ستُش ِّك ُل من َّ‬
‫أصال يف ال َب ْطر َيركية‪ ،‬بالقدر الذي ستكون فيه هذه األخرية مبنزلة النتاج النهايئ‬
‫للجندر‪ ،‬أي عرب تعيني الدور االجتامعي للمرأة بسبب جنسها يف املقام األول‪ ،‬ومبا‬
‫متنع دون متت ِّع املرأة بحقوقها وحرياتها األساسية‪ ،‬وكذلك‬ ‫يحمله ذلك من قيو ٍد قد ُ‬
‫الجنسي وللسياسة املجندرة التي ست ُ‬
‫َميل بالرضورة‬ ‫َ‬ ‫للتاميز يف الفرص املتاحة أمام‬
‫إىل مصلحة الرجل بقدر ما ستكون هي ذاتها من ُصنع الرجال وعىل حساب النصف‬
‫النسوي من املجتمع‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬مفهوم الجندر (النوع االجتامعي)‬


‫الحرب التي ُس ِك َب ْت يف صياغة عديد من‬
‫عىل الرغم من الكمية الكبرية من ِ‬
‫املفاهيم السياسية‪ ،‬فإن مفهوم الجندر مل َي ْحظ مبثل هذا االهتامم‪ ،‬هذا وفق‬
‫ما تقوله باميال باكستون ‪ .)24(Pamela Paxton‬وسوا ٌء اتفقنا مع هذا االتجاه أو‬
‫اختلفنا معه؛ هناك حقيقة أخرى هي االستقطاب حول مفهوم الجندر أو النوع‬
‫كل من املؤيدين واملعارضني لهُ‪ .‬ويرجع ذلك‬‫االجتامعي؛ بحيث تستوي فيه مواقف ٍّ‬
‫إىل تداخل عديد من املجاالت والعوامل يف خلق االدعاءات بشأن حقيقة التفسري‬
‫الذي يتناول الوضع الخاص للمرأة يف املجتمع‪ ،‬فهي ترتاوح بني التشديد عىل وجود‬
‫تفاوتات طبيعية بيولوجية وترشيحية وبني تأكيد وجود متايزات اجتامعية وثقافية‬
‫‪48‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫ونفسية ذات صلة بتحديد مكانة املرأة ودورها يف املجتمع‪ ،‬وكل منها َتدَّعي أولوية‬
‫يف التفسري والتأويل‪.‬‬
‫صيغ االستخدا ُم املعارص لِمفهوم الجندر ألول م ّرة من ِق ِبل الكاتبة الفرنسية‬
‫دت عىل فكرة َّأن «املرأة ال تولَد امرأة بل هي ُتص ِب ُح‬ ‫سيمون دي بوفوار‪ ،‬حني ش َّد ْ‬
‫امرأة»‪ ،‬وذلك يف كتابها املوسوم بـ«الجنس اآلخر» ‪ The Sceond Sex‬يف العام‬
‫‪ .1949‬ويدل مفهوم «الجندر» عادة عىل التاميزات االجتامعية والثقافية والتاريخية‬
‫بني أدوار النساء والرجال من دون ْأن تتصل بالخواص ال َبيولوجية ّ‬
‫لكل منهام‪ ،‬وأحيانا‬
‫ما ُيوصف بأنه دراسة التذكري والتأنيث‪ .‬وقد تط َّو َر هذا املفهوم يف الستينيات‬
‫املنرصمة وضمن دائرة علم النفس والتحليل النفيس‪ .‬ففي حني َيتح َّد ُد الجنس ‪Sex‬‬
‫فإن الجندر يتو َّلدُ بفعل تأثريات نفسية واجتامعية وثقافية‪ .‬هذا الفصل‬ ‫بيولوجيا‪َّ ،‬‬
‫بني ال َبيولوجيا والثقافة بوصفها عادات ومعتقدات يتعارض مع اآلراء الشائعة حتى‬
‫عقد الستينيات‪ ،‬والقائلة إن الفروق االجتامعية والثقافية بني الرجال والنساء ٌ‬
‫فروق‬
‫َبيولوجية يف املقام األول‪ .‬ومع بروز حركة تحرير النساء خالل هذه الفرتة‪ ،‬و ّفر هذا‬
‫التمييز بني الجنس البيولوجي‪ ،‬والجندر بوصفه هوية ُمك َّونة اجتامعيا‪ ،‬أساسا عقليا‬
‫إلنكا ِر الحتمية البيولوجية‪ .‬فإذا كان الجنس قدرا الزما لل َمرء‪ ،‬فقد أضحى الجندر‬
‫مبنزلة إرادة ح ّرة‪ .‬وبذلك اكتسب الجندر إيحاءات سياسية وثقافية راديكالية‬
‫مازالت قامئة حتى اللحظة‪ .‬وتعتقد النسويات بعامة َّأن الجندر ليس بناء اجتامعيا‬
‫فقط بل هو نظام اجتامعي أيضا يشمل مختلف املجتمعات وعىل نح ٍو متفاوت‪،‬‬
‫الجنسني بصور ٍة متييزية ولكن بدرجات متفاوتة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫َ‬ ‫فجميع املجتمعات ُتعا ِم ُل‬
‫فإن الجندر‪ ،‬ويف سبيل التخ ّلص من َقدرية الوضع البيولوجي بصورة جذرية‪ ،‬سوف‬ ‫َّ‬
‫يتعامل مع االختالف ال َبيولوجي من زاوية كون ِه نتاج التنشئة االجتامعية والبيئة‬
‫الثقافية ‪ -‬االجتامعية التي َيتح َّك ُم فيها الرجل‪ .‬فالجندر يقبل االختالف البيولوجي‬
‫غري أ َّن ُه يرفض اآلثار االجتامعية املرتتبة عليه‪ ،‬مبعنى أ َّن ُه يرفض قيام أيّ فر ٍز ومتييز‬
‫لألدوار االجتامعية املبنية عىل أساس االختالف البيولوجي بني الرجال والنساء‪ ،‬و ُتعترب‬
‫هذه اآلثار قابلة للتغيري وفقا إلرادة الفرد نفس ِه‪ .‬وهو ما يعني ضمنا أيضا فكر َة حق‬
‫اإلنسان يف تغيري هويت ِه الجنسية البيولوجية وأدواره االجتامعية املرتتبة عىل جنس ِه‪،‬‬
‫وسوف ترت َّت ُب عىل ذلك جملة قضايا من بينها االعرتاف رسميا بالشواذ والشاذات‬
‫‪49‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫جنسيا‪ ،‬وتربير العمل عىل إدر ِاج حقوقهم يف دائرة حقوق اإلنسان األساسية ومنها‬
‫األرس‪ ،‬وحق تبني‬ ‫عىل سبيل املثال وليس الحرص‪ :‬حقهم يف الزواج املثيل وتكوين ُ‬
‫األطفال أو تأجري البطون(‪.)25‬‬
‫واجدون‪ ،‬خصوصا إذا ما س َّلطنا الضوء عىل ُمك ِّونات ِ‬
‫الجندر‪،‬‬ ‫مرة ُأخرى‪ ،‬إ َّننا ِ‬
‫اشتامل األخري عىل عنرصين ُمتالز َمني هام‪ :‬الجنس بوصف ِه نتاجا ( َبيولوجيا) ‪،sex‬‬
‫والجندر باعتباره نتاجا (اجتامعيا) ‪ ،gender‬فاألول يعني َّأن التاميز بني الرجل‬
‫واملرأة‪ ،‬مع كل ما يرتتب عىل ُم ُث ِل التاميز والتفاوت من اضطها ٍد وعدم مساواة‬
‫بشكل عام‪َّ ،‬إنا يستمد أصوله من البيولوجيا‪ ،‬بينام ذهب العنرص‬ ‫ٍ‬ ‫عانت منه النساء‬
‫الثاين إىل القول إنه عىل الرغم من عدم إمكان فصل االضطهاد آنف الذكر عن‬
‫التاميز الجنيس البيولوجي‪ ،‬فإن أصوله ترجع إىل املجتمع يف املقام األول‪ ،‬فهو من‬
‫ثم مجرد إنشاءات اجتامعية تواضعت املجتمعات عىل األخذ بها وااللتزام بحيثياتها‬ ‫َّ‬
‫من خالل الرتبية والتنشئة واألعراف والقوانني‪ ...‬إلخ‪ .‬وعىل رغم ذلك فإن مثل هذا‬
‫القول ال يعني اتفاق التيارات النسوية يف النظر إليهام من خالل هذا الوصف؛ ذلك‬
‫خضعت لِكث ٍري من النقد؛ وهذا النقد يرتاوح بني ُمؤ ِّك ٍد عىل‬
‫ْ‬ ‫َّأن هذه الرتكيبة قد‬
‫العالقة القامئة بينهام‪ ،‬والتي تعطي الجنس البيولوجي دوره يف إحداث التاميز بني‬
‫الرجال والنساء وما َتر َّت َب عليه من تفاوتات اجتامعية تالية يف املكانة والتأثري‪ ،‬وهو‬
‫افض‪ ،‬من ناحية‬ ‫ما نجد ُه خصوصا يف املراحل األوىل من تطور الفكر النسوي‪ ،‬وبني ر ٍ‬
‫أخرى‪ ،‬لألساس البيولوجي ِ ُب ْج َم ِل ِه‪ ،‬مبا يف ذلك الجنس الذي يقوم عليه هذا املفهوم‪.‬‬
‫مل يقف أمر االختالفات والنقد املوجه إىل بنية الجندر عند حد ُمك ِّونات ِه الخاصة‬
‫‪ ،‬بل إ َّنه قد أثار أيضا العديد من النقاشات‪ ،‬يف محاولة التيارات املختلفة تحديد‬
‫معانيه ومحتواه وكذلك العالقات املفرتضة بينه وبني مصطلحات مثل «امليول‬
‫والحياة الجنسية» ‪ ،sexuality‬كام اكتنفت ُه صعوبات كثرية نابعة من التداخل‬
‫الحاصل فيه بني العديد من املجاالت البيولوجية واالجتامعية والثقافية(‪ .)26‬ف ِمن‬
‫الجنسني‪:‬‬
‫َ‬ ‫الصحيح القول َّإن هناك مواقف وآراء متنوعة ومختلفة بعمق حول‬
‫الرجل واملرأة‪ ،‬كذلك فإن هناك اختالفات أخرى ال تقل حدة يف وجهات النظر حول‬
‫الجنسني‪ .‬وما ُيضفي هذا‬ ‫َ‬ ‫ماه َّية العالقات النموذجية أو املتوقعة أو املالمئة بني‬
‫الطابع الناقد واملش ِّكك للمواقف َّإنا يعو ُد إىل اإلبهام الذي اعرتى هذا املفهوم‪،‬‬
‫‪50‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫والذي ميكن إرجاعهُ‪ ،‬باعتقادنا ‪ -‬مع آخرين نشاركهم مثل هذا الرأي ‪ -‬إىل أن هذا‬
‫املفهوم ال يحمل طابع املعطى الطبيعي‪ ،‬بل هو أقرب إىل االدعاءات التي يعوزها‬
‫حتى الدليل العلمي اإلمربيقي الذي كان فقدُ ة وراء وصف هذا املفهوم بعدم‬
‫الوضوح وعدم التحدُّ د والسيولة بل الخطورة من قبل البعض من تيارات النسوية‪.‬‬
‫وبعيدا عن مدى االتفاق بني ال ُفرقاء عىل العنارص املكونة لهذا املفهوم وأولوية‬
‫كل منها‪ ،‬أخذ مصطلح «الجندر» مكانه يف النظرية النسوية بوصفه مجموعة‬
‫بسبب من جنسهنَّ ‪ ،‬ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫من العوائق ا ُملن َْشأة اجتامعيا واملوضوعة أمام النساء‬
‫املعتمدة من ناحي ٍة أخرى عىل تضافر مجموعة من املفاهيم وقيم وأساليب الرتبية‬
‫ال َبيتية‪ ،‬وكذلك عمليات التنشئة االجتامعية‪ ،‬فتعمل باملحصلة عىل تقليص ُف َرصهنَّ‬
‫يف الحياة‪ ،‬سواء يف املجال العام أو املجال الخاص‪ .‬ورمبا لن يتوقف األمر عند حد‬
‫الالمساواة يف الحقوق والفرص‪ ،‬بل سوف يتعدا ُه ‪ -‬كام تذهب إىل ذلك بعض‬
‫النسويات ‪ -‬إىل أن الجندر‪ ،‬باإلضافة إىل كون ِه شكال من أشكال الضبط االجتامعي‬
‫طال َج َس َد النساء وخصوصا املتع ِّلق بالسيطرة عىل قدراتهنَّ اإلنجابية‪ ،‬يعمل‬ ‫الذي َي ُ‬
‫أيضا مبنزلة أداة تصنيفية نستطيع من خاللها التعرف عىل شخصياتنا وشخصيات‬
‫اآلخرين‪ ،‬كام يخدم الجند ُر بوصف ِه آلية سيطرة عندما يفقد البعض مركزه الجندري‬
‫أو عندما ُيهدد هذا املركز أو ُت ْن َك ُر عليه هويته الجندرية(‪.)27‬‬
‫تاريخيا مل تكن ُمعاداة الجندر بريئة هي األخرى من الدفع بالنسويات إىل هذا‬
‫االتجاه بسبب حجم املامرسات غري العادلة التي عانتها كثري من النسوة وكردو ِد‬
‫أفعالٍ من قبلهنَّ ‪ ،‬وخصوصا من ج ّراء االنطباع الذي َتو َّل َد من النظرة إىل النساء‬
‫بشكل عام يف ارتباطهام باملجال الطبيعي ‪ ،sphere of nature‬يف الوقت‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫واأل ُنوثة‬
‫الذكورة من زاوية اتصالها مبجال العقالنية وال ُّرشد‪ ،‬والذي‬ ‫الذي ُيتَعامل فيه مع ُ‬
‫ثم يف التعامل معهنَّ عىل هذا األساس(‪ .)28‬هذا املوضوع كان مبنزلة‬ ‫انعكس من َّ‬
‫حجر الزاوية يف التحدي الذي واجهته الكاتبات النسويات منذ القرن الثامن عرش‬
‫وصوال إىل ستينيات القرن املايض‪ ،‬وقد سعني إىل إظهار هذا االنطباع بكون ِه مجرد‬
‫عرضنَ لها‬ ‫ِنتاج ُمصطنع و ُمش َّوة للرتبية التي َخ َض ْعنَ لها يف البيت أو للمعاملة التي َت ْ‬
‫من قبل املجتمع‪ .‬بيد أ َّنهُ‪ ،‬ومنذ الستينيات املاضية‪ ،‬أخذت األفكار التي تدور حول‬
‫كل من الرجال والنساء بالتبلور يف اتجا ٍه آخر‪ ،‬يك‬ ‫االختالفات واملميزات املَنسوبة إىل ٍّ‬

‫‪51‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫تأخذ هذه املرة صيغة متايز جنيس‪ /‬جندري‪ .‬فقد اقترص مصطلح «الجنس»‪ ،‬وفقا‬
‫لهذا التاميز‪ ،‬عىل الخصائص ال َبيولوجية للرجال والنساء الس َّيام املتعلقة منها بقضايا‬
‫اإلنجاب‪ ،‬يف الوقت الذي ذهب فيه الجندر إىل تحديد الصفات االجتامعية املنسوبة‬
‫إىل النساء والرجال بوصفهم إناثا أو ذكورا‪ ،‬وما قد يرتتب عىل ذلك من أدا ٍء ألدوا ٍر‬
‫ومسؤوليات وفرص مقبولة ومقيمة اجتامعيا(‪.)29‬‬
‫ويف محاولة من أجل توضيح عدم أحقية وصوابية مثل هذا التقسيم لألدوار‬
‫واملسؤوليات‪َ ،‬س َع ْت النسويات إىل إثبات أن مثل هذا اإلجراء الذي ُيبقي املرأ َة‬
‫َحبيسة األدوار التقليدية هو أم ٌر يف غاية التعسف واإلجحاف‪ ،‬وهو أم ٌر ُيكن‬
‫إثبات عدم جدارت ِه واقعيا وعقليا‪ .‬إذ لو كان من الصحيح القول َّإن قدرة النساء‬
‫عىل الوالدة هي ِنتاج طبيعي للجنس ال َبيولوجي‪ ،‬فامذا عن كثري من الترصفات‬
‫ثم ميزة‬ ‫والسلوكيات األخرى التي اعتادت النسوة عىل االتصاف بها وأصبحت من َّ‬
‫خاصة بهنَّ ؟(‪ ،)30‬أال َيستدعي ذلك ِمنَّا القول إ َّنها من ُجملة األمور التي جرى َفرضها‬
‫ب لها طوعا أو كرها؟ فالقدرة عىل تغيري ح ّفاظة األطفال أو‬ ‫وربا است ََج ْ َ‬
‫عىل النساء َّ‬
‫ُحبهنَّ للتس ُّوق َّإنا هي سلوكيات ُم َج ْندَرة‪ ،‬وجرى َتعليمهنَّ إ َّياها‪ ،‬وفق ما تقول‬
‫النسوية ‪ Feminist‬فال َريي برايسون ‪ .Bryson Valerie‬بينام هذا قد ال يعني أن‬
‫امتالك الرجال الصفات الجينية التي تجعلهم أطول وأقوى من النساء يصلح تفسريا‬
‫لسيطرة الرجال وهيمنتهم عىل مراكز السلطة السياسية(‪ .)31‬وبذلك يكون الجندر‬
‫نظرات النسويات وخصوصا الراديكاليات ِمنهنَّ ‪ ،‬مبنزلة مبدأ‬ ‫للم ِّ‬
‫قد أصبح‪ ،‬وفقا ُ‬
‫أساس و ُمق ِّو ٍم رئيس يف التنظيم االجتامعي‪ ،‬من شأنه أن يجعل من سيطرة الرجال‬
‫عىل النساء أمرا ُم ْع َتَفا به ومقبوال حتى من قبل النساء أنفسهنَّ يف ظل ما أصبح‬
‫يعرف بـ «ال َبطر َيركية»‪.‬‬
‫مثل هذا التوصيف من شأنه أيضا توليد نتائج مهمة لدى الفكر النسوي‪،‬‬
‫وهي َّأن عدم املساواة القامئة عىل الجندر ليس أمرا محسو َم النتائج من الناحية‬
‫ثم ال َثبات أمام النظر العقيل والبحث املنطقي‪ .‬فعىل‬ ‫الطبيعية‪ ،‬وال يستطيع من َّ‬
‫الرغم من عدم ُمجاراة كثري من النسوة للرجال يف قوة ال ُبنية‪ ،‬فإن ذلك ال َي ُ‬
‫حول‬
‫دون قدرتهنَّ عىل التفكري العقالين‪ ،‬وال ُي ِّربر استبعادهنَّ من األدوار واملهام املعقودة‬
‫بسبب من التعقيدات والعوائق ا ُملصطنعة فكريا وعمليا‪ ،‬والتي هي يف‬ ‫ٍ‬ ‫للرجال‬
‫‪52‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫التحليل األخري من صنع الرجال أنفسهم‪ .‬حيث تقول الباحثة السوسيولوجية سينثيا‬
‫إيبشتاين ‪« :Cynthia F. Epstein‬من املهم التمييز بني االختالفات التي منْشؤها‬
‫الجنس ‪ sex‬والتي ُتشري إىل االختالفات البيولوجية‪ ،‬وبني االختالفات يف الجندر‪،‬‬
‫والتي تشري بدورها إىل املميزات التي يتصف بها كل من الرجال والنساء (أو الصبيان‬
‫والبنات)؛ كاختيار النساء للتدريس يف املدارس‪ ،‬أو اختيار الشباب من الرجال مهنة‬
‫تواض ُع عليه اجتامعيا وذلك عن طريق عمليات‬ ‫إدارة األعامل‪ ،‬والتي هي ِمام ُي َ‬
‫التنشئة االجتامعية واإلقناع والسيطرة والضبط االجتامعي واملادي يف القانون ويف‬
‫أماكن العمل ويف املجتمع املحيل ويف البيت‪ .‬عملية اإلنشاء االجتامعي ‪social‬‬
‫‪ construction‬هذه َتت ُِّم عرب عمليات سيطرة وضبط بعضها ظاهر وبعضها اآلخر‬
‫خفي‪ ،‬وهذه من شأنها ْأن ُت ِّع َد الذكور واإلناث ألدوا ٍر ومجاالت اجتامعية ُمحدَّدة‬
‫تعي ِفع ُلهُ‪ .‬هذه القواعد‬ ‫ومتفاوتة‪ ،‬وحيث يجري االعتقاد بشأنها بوصفها مام َي َّ ُ‬
‫(سواء أكان مصدرها القانون أم التقاليد واألعراف)‪ ،‬سوف ُتدعم عن طريق القيم‬
‫التي ُتح ِّد ُد مثل هذه األفكار من مثل‪َّ :‬أن مكان املرأة هو البيت لرعاية األطفال‪ ،‬أو‬
‫لون من أجل حامية العائلة والبالد»(‪.)32‬‬ ‫َّأن الرجال هم َمنْ س ُيقا ِت َ‬
‫ويف محاولة من أجل إلقاء الضوء عىل التطور الذي شهدته املواقف املختلفة‬
‫تجاه هذا املفهوم‪ ،‬وكذلك من أجل اإلملام بالتن ُّوع يف املواقف تجاهَ هُ‪ ،‬ذهبت ا ُملن َِّظرة‬
‫السياسية رايا بروكوفنيك ‪ Raia Prokhovnik‬إىل تقسيم التطورات يف املواقف إىل‬
‫ست مراحل؛ بحيث تدور نقطة البداية حول توجهات املوجة النسوية الثانية يف‬
‫أعوام الستينيات من القرن املايض‪ ،‬والقائلة بتاميز الجنس‪ /‬الجندر‪ .‬وهذا التاميز‬
‫أساس من كون الجنس الترشيحي لدى الشخص هو ما ُيق ِّر ُر كال ِمن‬ ‫قائم عىل ٍ‬
‫ٌ‬
‫األدوار ال ِفطرية الطبيعية والشخصية والعائلية واالجتامعية واالقتصادية والسياسية‬
‫والثقافية والدينية يف املجتمع‪ .‬وكان هذا التصور وراء االعتقاد بأولوية الرجال عىل‬
‫النساء‪ ،‬ومع ذلك سيكون عىل نسوية هذا االتجاه اإلجابة عن التساؤل املتعلق‬
‫بالعالقة التي تربط بني الترشيح واملوقع االجتامعي الذي َيح َّت ُل ُه الفرد ضمن الرتاتب‬
‫ني أفكار الوجودية‬ ‫االجتامعي‪ .‬وتبلورت املرحلة الثانية بواسطة النسويات اللوايت َت َبن َ‬
‫الفرنسية سيمون دي بوفوار يف كتابها «الجنس الثاين»‪ ،‬يف محاولة منهنَّ لتحرير‬
‫النساء من األدوار املفروضة عليهنَّ واملرتبطة تقليديا بالجنس البيولوجي؛ وذلك‬
‫‪53‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫من خالل رفض بعض من ُمتَض ّمنات العالقة الحتمية بني الجنس الترشيحي واألدوار‬
‫االجتامعية والفكرية التي ُتا َر ُس يف املجالَني الخاص والعام؛ وذلك اعتقادا ِمنهنَّ‬
‫وتعيش يف ظل العدالة والحقوق‬ ‫َ‬ ‫عي‬ ‫َّأن بإمكان املرأة أيضا أن َ‬
‫تكون عقالنية وأن َت َ‬
‫والحريات األساسية الفردية بقدر كون مثل هذه االعتبارات أمورا كونية شاملة‪،‬‬
‫حالة َع َرضية‬ ‫فإن َغمط مثل هذه الحقوق واستثناء النساء منها‪َّ ،‬إنا هو ٌ‬ ‫ومن ثم َّ‬
‫من الناحية التاريخية‪ .‬أي بعبار ٍة أخرى‪ ،‬ما حاولته النسوية يف هذه املرحلة متثل يف‬
‫السعي من أجل مصادرة املنطق الذكوري حول املجال العام‪ ،‬والعمل عىل تحرير‬
‫املرأة من خالل تأكيد أولوية العقل وعُ لويت ِه عىل الجسد‪ .‬أما يف املرحلة الثالثة‪ ،‬فقد‬
‫شكل تحليل سيكولوجي ملصطلح‬ ‫ا َّت َخ َذ النقاش حول منطق وتاريخ الجنس والجندر َ‬
‫«االشتهاء أو الرغبة يف تغيري الجنس» ‪Trans-sexualism‬؛ وذلك عن طريق استخدام‬
‫فكرة «الهوية الجندرية» ‪ ،gender identity‬حيث يتناقض تعريف الجنس بشكله‬
‫الخاص واملحدود بدالل ِة ال َبيولوجيا مع فكرة الجندر بدالل ِة تاريخ الدور االجتامعي‪.‬‬
‫ني هذا االتجاه‪ ،‬عىل كون األدوار‬ ‫من هنا جاء التأكيد‪ ،‬من قبل النسويات الاليت َت َبن َ‬
‫االجتامعية للنساء َّإنا تأيت بوصفها ِنتاجا لِعملية التنشئة االجتامعية وليس بتأثري‬
‫ال َبيولوجيا(‪ .)33‬وكان من شأن مثل هذا التصور الخاص بفصل «الثقافة» عن «الطبيعة‬
‫ال َبيولوجية» أن ُيو ِّف َر للنساء إمكانية التحرر من ضغط الطبيعة الخاصة والدخول‬
‫الخيار االجتامعي الحر واملتساوي مع الرجال(‪.)34‬‬ ‫ثم يف عامل َ‬
‫من َّ‬
‫ُتيح ‪ -‬من دون شك ‪ -‬املجال واسعا‬ ‫مثل هذه ال َف ْذلَكة الفكرية كانت َست ُ‬
‫أمام إعادة النظر يف ُمجمل القيم السائدة اجتامعيا بصدد الجنس‪ ،‬مادام َّأن‬
‫ِمثل هذه الصفات؛ الذكورة واألنوثة‪ ،‬وما قد َيرت َّت ُب عليها من أدوار وترتيبات‬
‫ليست بذات ارتباط رضوري بعامل الطبيعة‪ ،‬بل هي مام َتتواضع عليه املجتمعات‬
‫ثم هناك من ذهب إىل استخدام مثل هذه الخالصات يك ُي ِّرب َر‬ ‫موضوع البحث‪َّ .‬‬
‫الجنسني بدل االختالف والتاميز‬ ‫َ‬ ‫العمل من أجل التأكيد عىل التشابهات بني‬
‫ْ‬
‫اعتقدت‬ ‫بينهام‪ ،‬وهو ما تذهب إليه النتائج التي توصلت إليها إيبشتاين‪ ،‬حيث‬
‫الجنسني هي املؤرشات األكرث وضوحا يف‬ ‫َ‬ ‫َّأن التشابهات‪ ،‬وليست التاميزات‪ ،‬بني‬
‫اجع‪ ،‬وفقا‬ ‫الجنسني‪ ،‬بيد َّأن السبب يف عدم اإلشارة إليها ر ٌ‬ ‫َ‬ ‫الطبائع واملواقف بني‬
‫ملنظورها‪ ،‬إىل عد ٍد من العوامل بعضها يعو ُد إىل الطبيعة الخاصة بالبحث العلمي‬
‫‪54‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫عالجت مثل هذه املواضيع‪ ،‬وبخاصة‬ ‫ْ‬ ‫والتي حفلت بها الدوريات والكتب التي‬
‫املتعلقة منها بالنامذج وال َع ِّينات ا ُملستَخدمة يف التحريات العلمية والتي جاءت‬
‫الخلط بني األسباب‬ ‫مالئة أو غري كاملة‪ُ ،‬وأخرى غريها عملت عىل َ‬ ‫أغلبها إما غري ِ‬
‫والنتائج‪ ،‬فتجعل من الفصل الجنيس يف العمل بوصف ِه نتاجا طبيعيا وليس َولي َد‬
‫ات تعمل عىل إجبار الرجال والنساء عىل أداء ِم َه ٍن وأدوار جنسية الطابع‪،‬‬ ‫انحياز ٍ‬
‫يختص بها كل جنس‪ ،‬فضال عن األثر الذي َت ُرت ُك ُه النيات واألجندات األيديولوجية‬
‫التي تكمن وراءها‪ ،‬وأخرى تتعلق باالنحيازات التي كان ال َقصد من ورائها إخراج‬
‫«اآلخر» من دائرة التنافس عىل املكاسب والفرص‪ .‬هذا إىل جانب أن كثريا من‬
‫املميزات والخصائص املتباينة التي اتصفت بهام هاتان الفئتَان؛ الرجال والنساء‪،‬‬
‫ميكن إرجاعها بعامة إىل طبيعة البيئة التي وجدا فيها‪ ،‬وكذلك إىل الظروف التي‬
‫أحاطت بأفراد ها َتني الفئتَني‪ .‬وأخريا ال ُي ِكنُ ُنكران أن كثريا من هذه املميزات‪،‬‬
‫و َنقصد بها الم َ َلكات واملَهارات التي َيت ِلكها وكذلك االهتاممات والذكاء اللذان‬
‫َيتمت َُّع بهام أفراد كل فئ ٍة منهام‪ ،‬هي عىل درج ٍة من التن ُّو ِع بني أفراد الجنس‬
‫الجنسني عمليا(‪.)35‬‬
‫َ‬ ‫الواحد وأكرث بكثري مام هو موجود بني‬
‫َش َّقت هذه النقاشات التي تدور حول مصطلح «الجندر» َطري َقها إىل الحقول‬
‫العلمية واألكادميية املختلفة‪ ،‬فكان هناك نوعان من الفهم له‪ :‬أحدهام‪ ،‬وهو‬
‫األكرث شيوعا‪ ،‬يربط الجندر باملرأة دون الرجل‪ ،‬وباالختالفات الجنسية من دون‬
‫وربا ذهب البعض إىل اعتباره مصطلحا أكرث تهذيبا من مصطلح‬ ‫أيِّ اعتبا ٍر آخر‪َّ .‬‬
‫أوضح مام سبق‪ ،‬كان أصحاب هذا االتجاه يذهبون إىل أن‬ ‫وبكلامت َ‬
‫ٍ‬ ‫«الجنس»‪،‬‬
‫النساء‪ ،‬والنساء وحدهنَّ ‪ ،‬هُ نَّ الاليئ َ ْي َت ِل ْكنَ الجندر‪ ،‬وأن البحث فيه ُيؤ َّو ُل بوصف ِه‬
‫بحثا عن النساء والنسوية‪ ،‬بحيث إ َّنه يعني البحث عن الكيفية التي تتساوى‬
‫أصحاب االتجاه اآلخر إىل‬‫ُ‬ ‫ذهب فيه‬‫فيها النساء مع الرجال(‪ ،)36‬يف الوقت الذي َ‬
‫ثم تفاعله مع أشكال االضطهاد األخرى؛‬ ‫ربط الجندر يف عالقت ِه بال َبطر َيركية ومن َّ‬
‫العرقية منها واإلثنية والطبقية‪ .‬وهو ما ُتش ِّد ُد عليه الدراسات االجتامعية الخاصة‬
‫بتقاطع األسباب والعوامل وتداخلها ‪ intersection‬بعضها مع البعض اآلخر يف‬
‫إنتاج الظواهر وخصوصا ظاهرة االضطهاد الذي ُتعاني ِه ِقطاعات اجتامعية واسعة‬
‫من بينها النساء(‪ ،)37‬وهو ما تدور حوله‪ ،‬عىل أي حال‪ ،‬خربات النساء السوداوات‬
‫‪55‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫وامللونات يف املجتمعات الغربية ويجري التعبري عنه بخاصة لدى املنتميات إىل تيار‬
‫النسوية السوداء تحديدا‪ ،‬إضافة إىل التيار الراديكايل النسوي‪.‬‬
‫فإن الجندر كان هدفا واضحا لِسهام النقد والس َّيام من ِق َب ِل‬ ‫وعىل ما يبدو َّ‬
‫النسويات الليرباليات‪ ،‬وذلك بوصفه ميتاز بعدم التَحدُّ د وخاصية السيولة(‪)38‬؛ نظرا‬
‫إىل َّأن الجندر وما يرتتب عليه من تصنيفات ومواصفات اجتامعية ليس ُمعطى‬
‫حال الزمان‬ ‫ثم فهو ميتاز بعدم الثبات والقابلية عىل التغري بتغيُّ ِ َ‬ ‫طبيعيا‪ ،‬ومن َّ‬
‫واملكان‪ .‬أما النسويات ا ُملتأ ِّثرات بطروحات ما بعد الحداثة‪ ،‬فهُنَّ ُي ْن ِك ْر َن يف األصل‬
‫مثل هذا التقسيم الثنايئ‪ ،‬ويدّعني أن مثل هذا التقسيم غري موجود أصال‪ .‬وميكن‬
‫التَحقق من ذلك من خالل مالحظة وجود العديد من النساء الاليت يفتقدن القدرة‬
‫عىل اإلنجاب‪ ،‬كام ُت ْ ِب ُز العديد ِمنهنَّ ُميوال جنسية َتت َِّج ُه إىل الجنس ذاته‪ .‬فضال‬
‫َص ْفنَ كأنهنَّ رجال‪ ،‬بحيث َّإن البعض منهنَّ عىل‬ ‫عن أعداد أخرى َي ْش ُع ْر َن و َيت َ َّ‬
‫األقل ال َ ْي َت ِل ْكنَ أعضاء جنسية محددة‪ .‬لذا فهنَّ والحال هكذا ُي ْن ِك ْر َن أيَّ أهمي ٍة‬
‫لثنائية التقسيم تلك‪ ،‬بل ُيؤ ِّكد َْن أ َّنه ليس «الجندر» َوحده نتاج اإلنشاء االجتامعي؛‬
‫فحتى «الجنس» عين ُه أيضا نتاج له؛ وذلك لِكون االختالفات والتفاوتات الجنسية‬
‫البيولوجية ال َت ْكت َِس ُب أهميتها إال من خالل َخلق املجتمع لها َخلقا‪ .‬مبعنى آخر‪َّ ،‬إنا‬
‫فئات املعاين والدالالت‪،‬‬ ‫يندرج الجنس والجندر (النوع االجتامعي) بالتبعية تحت ِ‬
‫وهام لَيسا من بني الحقائق املعطاة طبيعيا(‪.)39‬‬
‫وعىل رغم ذلك فإن مثل هذا القول ال يعني من ناحي ٍة أخرى َّأن القائالت بهذا‬
‫االتجاه‪ ،‬أو بعضهنَّ عىل األقل مثل ا ُملف ِّكرة األمريكية ُجوديث بات َلر ‪،Judith Butler‬‬
‫َي ْر ُف ْضنَ منطق التاميز الثنايئ والهوية الجندرية ا ُملن َْصبة عليه‪ ،‬بل ي َرين عىل العكس‬
‫من ذلك رضورة الرتكيز عىل هذا النوع من الهويات‪ .‬فعىل الرغم من الطبيعة املتغرية‬
‫للجندر؛ كونه يندرج ضمن عامل املعاين‪ ،‬فإن النساء بحاجة إىل إعادة التأكيد علي ِه‬
‫سلوكيات صا ِدمة‪ ،‬بحيث َت ْن َت ِه ُك النساء من خاللها‬
‫ٍ‬ ‫وبشكل دائم؛ وذلك من خالل اتباع‬ ‫ٍ‬
‫بهدف أن تكون هويات الجندر َم ِرنة ِفعال و ُمختارة‬ ‫ِ‬ ‫القيم واالعتبارات االجتامعية‬
‫الشذوذ» ‪. queer theory‬‬
‫(‪)40‬‬ ‫بحرية وتعددية‪ ،‬وهو ما عُ ِّب عنه لديها ِبـ «نظرية ُ‬
‫من جانبها عملت النسوية السوداء عىل إضاف ِة ُبع ٍد آخر لالنقسام الثنايئ آ ِن ِف‬
‫الذكر‪ ،‬وذلك من خالل الرتكيز عىل األدوار التي ُيؤديها ال ِعرق والطبقة واإلثنية يف‬
‫‪56‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫الخلوص إىل نتيج ٍة‬ ‫السيطرة عىل النشاط والحياة والسلوك الجنيس للمرأة‪ ،‬يك َيت َِّم ُ‬
‫مفادها أ َّنه ليس باإلمكان َفهم الجندر مبعزل عن مثل هذه الظروف‪ ،‬وخصوصا يف‬
‫التحري والكشف عن أسباب معاناة النسوة واضطهادهنَّ يف مجتمعاتهنَّ من قبل‬
‫الرجال ومؤسسات املجالَني الخاص والعام‪.‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬وعىل الرغم من اتفاق العديد من املف ِّكرات النسويات من الناحية‬
‫املبدئية عىل األقل عىل االفرتاضات األساسية للنظرية النسوية‪ ،‬واملتعلقة بالخضوع‬
‫واالضطهاد اللذين ُتعانيهام النساء‪ ،‬وكذلك اتفاقهنَّ املبديئ عىل مفاهيم الجنس‬
‫والجندر وال َبطر َيركية‪ ،‬فإنهنَّ َي ْخ َت ِل ْفنَ يف املبادئ الحا ِكمة وكذا العوامل والظروف‬
‫االجتامعية ‪ -‬االقتصادية والثقافية وطريقة تفاعلها بعضها مع بعض‪ ،‬ثم املَسار‬
‫تخذه يف إنتاج الظاهرة سابقة الذكر‪ .‬أما السبب َفر ِاج ٌع إىل لجوء النسويات‪،‬‬ ‫الذي َت ِ‬
‫ات َّربا بتحدرهن العرقي أو الطبقي أو اإلثني‪ ،‬ورمبا أيضا بتأثري امليول‬ ‫متأثر ٍ‬
‫العاطفية والجنسية‪ ،‬إىل تبني التفسريات واعتامد التصورات التي تطرحها النظريات‬
‫االجتامعية وغريها التي تتميز ِبجاذبيتها وبتأثريها عليهنَّ ‪ ،‬والتي َي ْح َف ُل بها سوق‬
‫األفكار وقتها‪ ،‬والتي غالبا ما متيزت ِبتعا ُر ِضها يف كث ٍري من األحيان‪ .‬كان من نتائج‬
‫ذلك كله أن أصبحنا يف مواجه ِة عد ٍد كبري من النظريات ووجهات النظر واملنظورات‬
‫قطاع معني من‬ ‫املنظرات النسويات‪ ،‬لِ َيتوجهن بها بالخطاب إىل ٍ‬ ‫ائح ِّ‬‫التي أنتَجتها قر ُ‬
‫النساء ُيعالِجنَ به ظروف وحاجات أفراد ِه بخاصة‪ .‬أضف إىل ذلك عددا آخرا من‬
‫مساع نظرية أخرى‬ ‫النظريات كانت مبنزلة عمل أكادميي بحت أو حتى ضمن إطار ٍ‬
‫ال َت ْستَه ِد ُف الظاهرة موضوع البحث بذاتها‪ .‬مبعنى آخر ذي صلة‪َّ ،‬إن النظرية‬
‫النسوية بوصفها منظومة أفكار‪َّ ،‬إنا تسعى إىل البحث يف املبادئ أو القواعد ا ُملح ِّركة‬
‫أو التي تحكم حركة الظاهرة التي أصبحت تعرف باضطهاد (أو قهر) ‪oppression‬‬
‫النساء‪ ،‬بوصفها سعيا من أجل الكشف عام يحيط بالنساء من أوضاع‪ ،‬والبحث‬
‫ثم عن أسبابها و ِع َللها التي تكمن‪ ،‬يف رأي صاحبات هذه النظرية‪ ،‬يف عالقة‬ ‫من َّ‬
‫الخضوع ‪ -‬االضطهاد ‪ ،subordination-oppression‬التي تستجيب بها النساء يف‬
‫مواجهة هيمنة الرجال عليهنَّ ‪ .‬كل ذلك يحدث يف إطار عالق ٍة لن تتوقف عند َفرض‬
‫تقسيم العمل الجنيس عليهنَّ بل َستَتعداه إىل استغاللِهنَّ و َمن ِعهنَّ من تحقيق‬
‫َتكا ُم ِلهنَّ عىل الصعيد الشخيص والنفيس‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫هنا ونحن يف سياق الحديث عن النظرية النسوية ال ب َّد من إعادة التساؤل مرة‬
‫ُأخرى عن املرأة بوصفها املوضوع الذي َتدو ُر حوله عالقة التبعية‪ /‬االضطهاد تلك‪.‬‬
‫فمن هي هذه املرأة؟‬
‫الواقع أننا نجد التصور الذي َتن ُق ُل ُه النسويات بعامة عن املرأة هو أنها «امرأ ٌة‬
‫بال َمال ِمح»‪ ،‬مبعنى أ َّنهنَّ َيت َِّجهن يف ِخطا ِبهنَّ إىل النساء بصور ٍة عامة وبغض النظر عن‬
‫تحدرا ِتهنَّ أو انتامءا ِتهنَّ ‪ .‬بيد َّأن النظرة ا ُملد ِّققة ُتظ ِه ُر َّأن مثل تلك الخطابات تأيت‬
‫وكل‬ ‫نظرات النسويات ٌّ‬ ‫وهي تدور يف إطا ٍر فكري خاص أسهمت يف رسم خطوط ِه ا ُمل ِّ‬
‫َوجه ِه الفكري‪ ،‬فهناك امرأة خاصة اشرتاكية لدى النسوية االشرتاكية‪ ،‬وهو‬ ‫وفقا لت ُّ‬
‫كل من املاركسية والراديكالية والليربالية أيضا‪ .‬ومام يؤ ِّكدُ ذلك‬ ‫الحال نفسه لدى ٍّ‬
‫همشة‬ ‫تتوج ُه بها النسويات السوداوات وا ُملتحدرات من الفئات ا ُمل َّ‬ ‫ُ‬
‫االتهامات التي َّ‬
‫وص َبواتهنَّ‬‫نب و َي ْن ُق ْلنَ َتصوراتهنَّ َ‬ ‫اجتامعيا إىل ِتلكم النسويات ِبكو ِنهنَّ َّإنا ُي ِ‬
‫خاط َ‬
‫الطبقية والعرقية والدينية الخاصة إىل العامل‪ ،‬يف الوقت الذي ُيظ ِه ْر َن أنفسهنَّ في ِه‬
‫ِب َوصف ِهنَّ ا ُملتك ِّلامت باسم عامة النساء‪.‬‬
‫إىل جانب مثل هذا التشوش وعدم التحدد يف النظرة إىل املرأة من ج ّراء االختالف‬
‫والتاميز الذي َت ُع ُّج به تجمعات النساء ذاتها ونظراتهنَّ إىل أنفسهنَّ وإىل الجنس‬
‫اآلخر‪ ،‬فإننا نلمس عدم ِد َّق ٍة يف التعامل مع وضع املرأة يف الوقت الحارض‪ .‬ذلك َّأن‬
‫ات عىل صعيد الحقوق والحريات‬ ‫النسويات‪ ،‬وعىل رغم ما َتح َّققَ للمرأة من ُمنجز ٍ‬
‫ات هامشية‪ ،‬وهو ما‬ ‫األساسية‪ ،‬اليز ْلنَ َين ُْظ ْر َن إىل ما َتح َّققَ بوصف ِه نتائج أو ُمنجز ٍ‬
‫مثل هذه الحجج وراءها‬ ‫َيدعونا بعد كل ذلك إىل معالجة التساؤلِ التايل‪ :‬أال ُتخفي ُ‬
‫محاولة تضخيم قضية املرأة وجعلها تبدو مبنزلة أزمة مجتمعية وسياسية‪ ،‬خصوصا‬
‫وجه الرأي العام إىل اهتاممات تتعلق ُبأمو ٍر ميكن وصفها بكونها ثانوية‬ ‫عندما ُي َّ‬
‫مقارنة بغريها من مشاغل ومشاكل عامل الواقع‪ ،‬وذلك من خالل العمل عىل جعلها‬
‫تعلو بل تغطي عىل كل الحاجات واملطالب االقتصادية والسياسية األخرى امللحة‪:‬‬
‫كالفقر واالستغالل اللذين يعانيهام العامل واملهاجرون‪ ،‬ومشاكل البيئة والتَلوث‪،‬‬
‫فضال عن املغامرات العسكرية التي َتسته ِد ُف بلدان العامل النامي‪ .‬بعبار ٍة أوضح‪،‬‬
‫ْإن كان حال املرأة واضطهادها حظي بتلك األهمية فيام مىض‪ ،‬إ َّبان املطالَبات‬
‫األوىل باملساواة‪ ،‬فهل مازال الحال كام هو عليه يف الوقت الحارض؟ وما املكانة التي‬
‫‪58‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫تحتلها عىل صعيد الحياة اليومية يف املجتمع؟ إذ‪ ،‬وعىل العكس مام تراه النسويات‬
‫كإجابة عن هذه التساؤالت‪ ،‬ميكن لنا التساؤل بدورنا عن حقيقة الوضع الذي‬
‫طالبت بها يوما ما‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫تتمركز فيه املرأة اليوم‪ُ .‬ترى أمل تتحقق للمرأة املساواة التي‬
‫وسعة والعمل يف املجال العام ومؤسساته؟ فمن الصحيح‬ ‫ثم باملشاركة ا ُمل َّ‬ ‫َ‬
‫وتحظ من َّ‬
‫الطموح املنشود‪ ،‬بيد َّأن ذلك‬ ‫َ‬ ‫أن هناك مجاالت مل تتجاوز نسب ما أنجزت ُه فيها‬
‫إنجا ٌز ِبح ِّد ذاته‪ .‬كام َّأن هناك مجاالت أخرى مل َتسها مثل هذه التغريات‪ ،‬ومنها‬
‫موقف الناس والصور النمطية التي مازال البعض يحتفظ بها يف ُمخيالتهم عن الدور‬
‫رك آرائهم و َنب ِذ‬ ‫تستطيع ْأن ُت ْج ِ َب الناس جميعا عىل َت ِ‬ ‫َ‬ ‫التقليدي للنساء‪ ،‬بيد أنك لن‬
‫يحدث بني‬ ‫َ‬ ‫ما يعتقدون‪ ،‬إذ ميكن للتغيري أن يحصل حتى يف اآلراء واألفكار ولكنه لن‬
‫وضحاها‪ ،‬وبناء عىل طلب َمنْ ُيريدون ذلك‪ .‬وعىل رغم ذلك تستمر النسويات‬ ‫ليلة ُ‬
‫تجسدُ يف وضع‬ ‫ث عنه من حلول‪َ ،‬ي َّ‬ ‫واجه ُه النساء‪ ،‬وما ي ْب َح ْ َ‬
‫الض ِب عىل وتر َّأن ما ُت ِ‬
‫يف َ ْ‬
‫حاالت من االضطهاد والقهر‬ ‫ٍ‬ ‫أو عالقة خضوع وتبعية أنتجت من جملة ما أنتجت ُه‬
‫فعل ِف ْع َل ُه حتى يف الوقت الحارض‪.‬‬ ‫املادي والنفيس‪ ،‬وهو الذي اليزال َي ُ‬
‫وعىل رغم ذلك‪ ،‬مل يكن من شأنِ مثل هذا االتفاق املَبديئ عىل وضع املعاناة‬
‫والتهميش‪ ،‬الذي أخذت النسويات يف استمرار تأكيده‪ْ ،‬أن ُيف ِر َز اتفاقا آخر عىل‬
‫صعيد األفكار وتصورات الحلول ملثل هذه األوضاع‪ .‬فقد ظ َّلت اإلجابات عن‬
‫ِت ْل ُك ُم التساؤالت تطرح َطيفا واسعا من النظريات وعديدا من تصورات الحلول‬
‫للظاهرة قيد البحث َت َّت ِف ُق واملداخل النظرية التي است ُْخ ِد َم ْت يف التحليل والبحث‪.‬‬
‫وصقل أفكارهنَّ‬ ‫فالنسويات األوليات‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ُ ،‬كنَّ قد ا ْع َت َمد َْن‪ ،‬يف َبلورة َ‬
‫بخصوص حقوق النساء وحرياتهنَّ ‪ ،‬عىل طبيعة املرحلة التاريخية التي ُكنَّ هُ نَّ‬
‫ونطِ تطورها الخاص وطبيعة‬ ‫والنساء بعامة َي ِع ْشنَها‪ ،‬وعىل خصوصية املجتمعات َ‬
‫القيم واألفكار السائدة فيها‪ .‬ورمبا قد ال َنتط َّر ُف إذا قلنا َّإن مثل هذه االعتامدية‬
‫الفكرية‪ ،‬وخصوصا عىل النظريات الكربى والتيارات الفكرية والسياسية السائدة‪،‬‬
‫عت بها أغلبية‬ ‫كالليربالية واملاركسية واالشرتاكية واألفكار الراديكالية التي ا ْن َط َب ْ‬
‫موجات األفكار والنظريات السياسية النسوية املتعاقبة ‪ -‬األوىل والثانية والثالثة ‪-‬‬
‫الحق ٍة‬ ‫كانت وراء جعل مثل هذه األفكار والنظريات النسوية َتظ َه ُر مبنزلة َتتّم ٍة أو ِ‬
‫لِمثل تلك النظريات الكربى ال بوصفها أفكارا ونظريات نسوية أصيلة‪ .‬وصل هذا‬
‫‪59‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫تخصصني يف‬ ‫الحال إىل الدرجة التي دفعت البعض من النسويات‪ ،‬وكذا بعض ا ُمل ِّ‬
‫الشأن النسوي‪ ،‬إىل التحذير من االنسياق وراء تلك النظريات‪ ،‬بل العمل عىل رفض‬
‫التقسيامت التي أعطيت للحركات ولألفكار النسوية التي تصفها بكونها ماركسية‬
‫أو اشرتاكية أو ما شابه ذلك‪ .‬ويف هذا السياق تقول الباحثة األمريكية كارول َبيتامن‬
‫‪« :Carole Pateman‬يوحي تصنيف النسوية إىل راديكاليات وليرباليات واشرتاكيات‬
‫س‬ ‫وجز ٌء ُمك ِّمل للعقائد األخرى»(‪ .)41‬وهو ما ُي َف ِّ ُ‬ ‫إىل َّأن النسوية هي ثانوية دامئا‪ُ ،‬‬
‫أيضا تأخر ظهور مصطلح «النظرية النسوية» حتى عَقدَي الستينيات والسبعينيات‬
‫«أنواع من األعامل‬ ‫ٍ‬ ‫من القرن العرشين‪ .‬وحتى عندما ظهر‪ ،‬مل يكن لِ ُيش َري سوى إىل‬
‫نظرات يف أعوام السبعينيات‬ ‫الناشطات وا ُمل ِّ‬ ‫الفكرية ا ُملنتَجة من قبل حركة من ِ‬
‫بخاصة نتيجة للتغريات العميقة يف تجارب النساء واألوضاع التي قادت إىل حركة‬
‫سياسية أخذت يف َتحدِّي التفسريات السائدة عن خضوع النساء يف املجتمع»(‪.)42‬‬
‫مام تقدَّم ُيكن القول‪َ ،‬تلخيصا رسيعا ملا سبق(‪َّ ،)43‬إن النظرية النسوية‪ ،‬بقد ِر‬
‫عدم اتفاقها عىل تحديد املوضوع و ُبؤرة الرتكيز األساس لها التي نقصد بها «املرأة»‬
‫بوصفها فئة وذاتا ‪ ،Self‬ولتعددية املشاكل التي َت ْع َ ِت ُض حياة املرأة نفسها والناتجة‬
‫داخ ِل مشا ِكلها مع املشاكل االجتامعية األخرى‪ ،‬الطبقية منها والعرقية‬ ‫أصال من َت ُ‬
‫وحدا‪ ،‬بل غالبا ما كانت موضوعا للعديد‬ ‫واإلثنية‪ ،‬مل تع ْد َ ْت َت ِل ُك بالرضورة اتجاها ُم َّ‬
‫من التأثريات الفكرية السائدة‪ .‬وإذا ما اتفقنا عىل إضفاء صفة النظرية أو النظريات‬
‫عىل املساعي الفكرية للنسوية عىل اختالف أشكالها واتجاهاتها الفكرية‪ ،‬فإنه‬
‫َيظل هناك بعض من الشك أو اإلبهام الذي ُيحيط بتعريف النسوية‪ .‬فالنسوية‬
‫يف التحليل األخري هي حركة اجتامعية مقصورة عىل جنس معني‪ ،‬يحاول متبنوها‪،‬‬
‫من خالل الرتكيز عىل الخصوصية الجنسية ‪ -‬سواء أكانت هذه تخص الجنس أم‬
‫النوع االجتامعي‪ ،‬وسواء أكان الغرض منها هو العمل من خالل ما هو قائم ِمن‬
‫ثم تعبئة أفراد جنسها‬ ‫ُبنى ومؤسسات أم من خالل ثور ٍة ِجنسية تغيريية ‪ -‬ومن َّ‬
‫أنفسهنَّ ‪ ،‬تحقيقَ أغراض جمعية خاصة ِبهنَّ ‪ .‬وتبقى النظرية هنا مبنزلة ُمك ِّونٍ أو‬
‫ُمح ِّر ٍك لهذه الحركة يف إطار أيديولوجية أو رمبا أيديولوجيات تتفق مع النظرية أو‬
‫ورسم األغراض ا ُملستَهدَفة‪ ،‬والعمل‬ ‫ِ‬ ‫النظريات النسوية ا ُملعتَمدة يف تفس ِري وتوجي ِه‬
‫ثم عىل تعبئة النساء من أجل تحقيق تلك األغراض‪ .‬بعبار ٍة أخرى َّربا تكون‬ ‫من َّ‬
‫‪60‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫نقول َّإن النظرية السياسية النسوية هي نظام من األفكار تتج ُه‬ ‫أكرث دقة و َتلخيصا‪ُ ،‬‬
‫يف ُمعالجتها إىل قضية واحدة‪ ،‬بيد أ َّنها تنحو يف ِفعلها ذاك َمنحى فكريا تفسرييا‬
‫بشكل يتفق مع املداخل‬ ‫ٍ‬ ‫مختلفا‪ ،‬وهو ما َينط ِب ُق عىل نتائج التحليل أو التفسري ذاتها‬
‫املنظرات النسويات يف معالج ِتهنَّ للظاهرة‬ ‫املفسة وا ُملعت َمدة من قبل ِّ‬ ‫والنظريات ِّ‬
‫آنف ِة ال ِذكر‪ .‬فهي‪ ،‬والحال كذلك‪ ،‬نظريات وليست نظرية واحدة‪ ،‬وهي لذلك تعوزها‬
‫األصالة وللعديد من األسباب التي ُيكن إيجازها فيام ييل‪:‬‬
‫ٌ‬
‫نظرية أو نظريات تتم َّي ُز بعدم استقالليتها‪ ،‬أو َّربا‬ ‫(‪ )1‬النظرية النسوية هي‬
‫بتبعيتها للنظريات واملداخل النظرية األخرى غري النسوية كالليربالية واملاركسية‬
‫واالشرتاكية‪ ...‬إلخ‪ ،‬لكونها تستمد من هذه النظريات أدواتها التحليلية‪ ،‬وتطوع‬
‫منطوقاتها الخاصة خدمة ألغراض النسوية الفكرية‪.‬‬
‫(‪ُ )2‬تعاين النظرية السياسية النسوية التَرشذم والتناقض‪ ،‬ويتضح ذلك من‬
‫ٌ‬
‫نسوية ليربالية‬ ‫تعدد التوجهات الخاصة بالنسوية‪ ،‬وللسبب املذكور أعاله‪ .‬فهناك‬
‫واشرتاكية وماركسية وفرويدية ومابعد حداثية‪.‬‬
‫تهمة ‪ -‬من ِقبل بعض النسويات عىل األقل ‪ -‬بانحيازها إىل‬ ‫(‪ )3‬وهي لذلك ُم ٌ‬
‫فئات اجتامعية محددة‪ ،‬فالنسويات عىل اختالف خطاباتهنَّ مل يكنّ لِ ُي َع ِّب َن عن‬ ‫ٍ‬
‫النساء بصفتهنَّ «نساء» مبعزل عن تحدراتهنَّ أو انتامءاتهنَّ الطبقية أو اإلثنية أو‬
‫العرقية وما شابه‪ .‬بل غالبا ما جرى تخصيص الخطاب حتى إىل الاليئ لديهنَّ ميول‬
‫جنسية خاصة (الشاذات جنسيا)‪.‬‬
‫لم ليس‬ ‫(‪ )4‬يغلب عىل النظرية النسوية الطابع التربيري الذي َيستَخ ِد ُم ال ِع َ‬
‫بهدف البحث عن الحقيقة بل يف محاولة إثبات صحة فروضها ودعاواها الخاصة‪.‬‬
‫الخلط بني الرضورات ال َبيولوجية والرتتيبات‬ ‫يتضح ذلك من خالل عَملها عىل َ‬
‫االجتامعية ‪ -‬االقتصادية واالعتبارات النفسية من أجل هذا الغرض‪ .‬مبعنى َّأن‬
‫النسوية فشلت يف تحديد ما الذي ميكن أن يكون مبنزلة الرشط الكايف ‪ sufficient‬أو‬
‫علة ‪ cause‬الوضع االضطهادي الذي ُتعاني ِه النساء‪ ،‬بوصف ِه بؤرة اهتامم النسويات‬
‫تركيزهنَّ ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ومحل‬
‫َّ‬
‫ٌ‬
‫(‪ )5‬النظرية النسوية نظرية حرصية‪ ،‬مبعنى َّأن تركيزها َينصب عىل املرأة‪ ،‬وعىل‬
‫العمل من خالل ذلك عىل فصل املرأة عن السياق االضطهادي السائد اجتامعيا‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ومن الصواب القول َّإن النسوية كانت قد تحدت األوضاع االضطهادية التي تعانيها‬
‫لت مع ذلك االستغالل واالضطهاد الذي ُتعاني ِه فئات‬ ‫النساء بعامة‪ ،‬بيد أ َّنها أه َم ْ‬
‫اجتامعية أخرى تتشابه معها رمبا بالنوع (االضطهاد) وليس يف الدرجة‪ ،‬وفشلت‬
‫كل ال يتجزأ وال‬‫مع ذلك يف الربط بني ِكال ال َوض َعني‪ .‬فاالستغالل واالضطهاد هام ٌّ‬
‫ُيقىض عليه بعمل منفرد‪ ،‬بل يتم ذلك من خالل تضافر جهود كل ا ُملضط َهدين‪ ،‬نساء‬
‫ورجاال ومن الفئات شتَّى‪.‬‬
‫(‪ )6‬النظرية النسوية متناقضة‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل تركيز ِخطابها عىل النساء‬
‫حرصا‪ ،‬وهو ما ُيكن وصفه بكونه دعوة ُم ْب َهمة عىل األقل ‪ -‬إن مل تكن رصيحة ‪ -‬إىل‬
‫عاملٍ أحادي الجنس والنوع‪ ،‬كام هو الحال لدى بعض تيارات النسوية‪ ،‬والذي يعني‬
‫يف ُجملة ما َيعني ِه القول بهيمنة النساء عىل العامل‪ ،‬وهو دعوة تنتهي إىل اليشء‬
‫نفسه الذي َر َفضت ُه النسويات وهو الهيمنة الذكورية عىل العامل‪.‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫مكانة النسوية عىل خارطة النظريات السياسية‬
‫ُيكن القول َّإن النسوية‪ ،‬ولِ َعدي ٍد من االعتبارات التي ُذ ِكر بعضها عىل األقل‪،‬‬
‫هي منظومة من األفكار تناقش ظاهرة عىل قدر كبري من األهمية وتتعلق مبطالب‬
‫واسع من املجتمع؛‬
‫قطاع ٍ‬‫حياتية؛ سياسية واجتامعية واقتصادية‪ ،‬كذلك هي طموح لِ ٍ‬
‫شكل من أشكال التغيري يف ُبنى وإجراءات وقيم املجتمع‬ ‫أي النساء‪ ،‬من أجل إجراء ٍ‬
‫ُ‬
‫وربا ألخرى غريها‪ ،‬مل تكن النسوية‬ ‫القائم أ َمال يف حيا ٍة حرة كرمية‪ .‬لهذه األسباب َّ‬
‫لِتَبتعد عن الوفاء باملتطلبات املنهجية األساسية الخاصة بالنظرية السياسية‪ ،‬فهناك‬
‫عممة ومطالب بالتغيري َت ِ‬
‫نتظ ُر ما َين ُْج ُم عن ذلك من حلولٍ عىل صعيدَي‬ ‫مشكلة ُم َّ‬
‫الفكر واملامرسة‪.‬‬
‫النسويات من جا ِن ِبهنَّ ‪ ،‬ويف سياق محاوالتهنَّ التقدُّ م بحلولٍ لِمثل هذا الوضع‪،‬‬
‫عَمد َْن إىل التساؤل عن ظاهرة ا َّتفقنَ عىل توصيفها بكونها مامرسات اضطهادية‬
‫باحثات يف أشكال الظاهرة قيد البحث‬ ‫ٍ‬ ‫وأشكاال من التبعية وقعت ضحيتها النساء‪،‬‬
‫وتطورها وأسبابها‪ ،‬و َتق َّد ْمنَ أكرث من أجل وضع الحلول املناسبة لها والتحقق‬
‫منها وتجربتها عىل أرضية الواقع‪ ،‬وبخاصة حينام عَمد َْن إىل املناداة بإعادة النظر‬
‫‪62‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫يف املوقف العام من النساء والعمل عىل الرفع من شأ ِنهنَّ ثقافيا واجتامعيا‪ .‬أما‬
‫مثل هذا املنحى فقد جاءت من‬ ‫ْ‬
‫سيقت تأكيدا لِ ِ‬ ‫األسباب وكذلك املسوغات التي‬
‫خالل اإلشارة إىل األدوار التي يؤدينَها يف املجتمع‪ ،‬والتجارب التي ُخ ْضنَها يف تحمل‬
‫مسؤوليات إدارة البيت والرعاية وتربية األجيال الجديدة‪ ،‬وهو ما ُيؤهلهنَّ للحصول‬
‫عىل حقوقٍ سياسية وفرص اقتصادية ومكانة اجتامعية استحقاقا هنَّ ٌ‬
‫أهل لهُ‪ ،‬وهو‬
‫ما مل يتحقق عىل حد َز ْع ِمهنَّ ‪ ،‬عىل أي حال‪ .‬ثم تحولَت مطالباتهنَّ ‪ ،‬يف تطو ٍر الحق‬
‫أكرث وضوحا‪ ،‬إىل تناول مجمل النظرة إىل العامل‪ ،‬تلك التي يعمل عىل صياغتها‬
‫وتكريسها الرجل‪ ،‬والتي َح َّم ْل َنهُ‪ ،‬بالنتيجة‪ ،‬مسؤولي َة ما هنَّ فيه من غمط للحرية‬
‫ودونية اجتامعية وسياسية‪.‬‬
‫إىل جانب كونها منظومة أفكار‪ُ ،‬ت َّعدُ النسوية أيضا مبنزلة حركة ذات طابع‬
‫اجتامعي ‪ -‬سيايس‪ ،‬أسهمت يف تشكيلها ُجملة عوامل تأيت يف مقدمتها اقتصادات‬
‫السوق التي استمدت عنارصها من الرأساملية والنمو االقتصادي‪ ،‬إضافة إىل‬
‫هيمنت عىل أجزاء كبرية من العامل بدءا‬ ‫ْ‬ ‫النظريات والنظم الدميوقراطية التي‬
‫من القرن التاسع عرش حتى الوقت الحارض‪ .‬مبعنى أ َّنها استمد َّْت من التجارب‬
‫والفلسفات والبيئة االجتامعية والسياسية السائدة يك تضعها ضمن ُأصولها الفكرية‬
‫رض تصوراتها الخاصة ملا يجب‬ ‫ثم العمل عىل َف ِ‬ ‫َدعت من َّ‬ ‫وتوجهاتها العامة‪ ،‬واست ْ‬
‫أن يكون عليه حال املجتمع بعامة واملرأة بخاصة(‪ .)44‬وهي بهذا املعنى تأخذ شكل‬
‫لت عليها الحركات االجتامعية التي ُيكن إطالق‬ ‫ومحتوى أغلب األفكار التي اش َت َم ْ‬
‫وصف «الكربى» عليها‪ ،‬وذلك مع بعض التحفظات التي سنأيت عىل مناقشتها الحقا‪.‬‬
‫حركة فكرية ومامرسات عملية يف العديد من‬ ‫ٌ‬ ‫فالنسوية‪ ،‬وفقا لهذا التعريف‪،‬‬
‫تأت من فراغ‪ ،‬هذا أوال‪ ،‬أما ثانيا فهي مل تكن حديثة‬ ‫األصعدة‪ ،‬وهي بهذا الوصف مل ِ‬
‫وص ُف‬
‫عه ٍد أيضا(‪ ،)45‬وثالثا هي َتستمدُّ حقيقتها من معاناة وتجارب فئة من الناس ُت َ‬
‫بأ َّنها نصف املجتمع‪ ،‬وهي كذلك بالفعل‪.‬‬
‫دارت يف عقول بعض من الكاتبات واملفكرات الغربيات‬ ‫بدأت النسوية كفكرة ْ‬
‫درن من رشائح اجتامعية مثقفة السيام من بني أوساط الطبقة الوسطى‬ ‫تح َ‬‫الاليت َ‬
‫وربا بعضا‬‫والعليا‪ .‬بيد أنها رسعان ما تحولت إىل حركة استقطبت كثريا من النساء َّ‬
‫ْ‬
‫واستطاعت بعد فرت ٍة من الزمن‬ ‫من الرجال وخصوصا من بني الكتَّاب واملفكرين‪،‬‬
‫‪63‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫رشع من قضية‬ ‫َف ْر َض َمطلبها األساس وقتئذ املتمثل يف إعادة النظر مبوقف ا ُمل ِّ‬
‫املساواة السياسية بني املرأة والرجل يف الحقل السيايس والقانوين‪ ،‬وانتهى األمر يف‬
‫نص عىل‬ ‫العام ‪ 1920‬بإصدار التعديل (التاسع عرش) عىل الدستور األمرييك‪ ،‬والذي َّ‬
‫حقِّ النساء يف االنتخاب‪ .‬أفكار الحركة هذه انتقلت يف مرحلة تالية‪ ،‬بعد النجاحات‬
‫السياسية ورمبا االجتامعية واالقتصادية‪ ،‬إىل العمل عىل الصعيد الفكري والنظري‬
‫ثم بالتنظري ووضع األسس الفكرية لهذه‬ ‫يف الجامعات واألقسام العلمية‪ ،‬والبدء من َّ‬
‫الحركة عن طريق الكتابة يف الشؤون املختلفة للمرأة والكشف عن خربات وتجارب‬
‫النساء الخاصة االجتامعية واالقتصادية والسياسية‪.‬‬
‫كام َح َف َل ْت الحياة السياسية والفكرية للنسويات بكثري من الجدل والنقاشات‬
‫واالنتقادات التي أخ ْذ َن بتوجيهها إىل الفكر االجتامعي والسيايس املهيمن وإىل ٍّ‬
‫كل‬
‫صحيح‬
‫ٌ‬ ‫من النظام السيايس ومؤسسات ِه االجتامعية والسياسية واالقتصادية القامئة‪.‬‬
‫َّأن كثريا من هذه األفكار ووجهات النظر مل تكن تتمتع باألصالة بقدر اعتامدها‬
‫عىل النظريات واملداخل النظرية السائدة واملعارصة للحركة نفسها‪ :‬كالليربالية‬
‫واملاركسية والفرويدية وتوجهات ما بعد الحداثة‪ ،‬بيد أ َّنها مع ذلك كانت قد‬
‫َثت صدمة يف الوعي السيايس والثقايف لدى كل من النساء والرجال‪ ،‬وعملت‬ ‫ْأحد ْ‬
‫عىل إدراج الرصاع الجنيس ‪ /sexual‬النوع االجتامعي ‪ gender‬يف بيئ ِة الرصاعات‬
‫التقليدية؛ الطبقية منها والعرقية واإلثنية‪ ،‬ثم انتقلت من مرحلة البحث عن حلول‬
‫للرصاعات الطبقية والعرقية إىل مرحلة السعي من أجل إيجاد حلولٍ لِرصاعات‬
‫زج بني اختالفات الجنس‪/‬‬ ‫أخذت باملَ ِ‬
‫ْ‬ ‫أخرى‪ ،‬ليست تلك التي ُت ِّثلها النساء فقط بل‬
‫النوع االجتامعي وبني التباينات الطبقية والعرقية واإلثنية‪ .‬يف مرحل ٍة تالية‪ ،‬أخذت‬
‫شكل أيديولوجيا نسوية بقدر عملها‬ ‫َتخذ َ‬ ‫األفكار والتنظريات النسوية بالتحول لت ِ‬
‫بصح ِة وجهات نظرها بل بجعل هذه األفكار‬ ‫عىل عدم االكتفاء بإقناع اآلخرين ِّ‬
‫اتيجيات تعمل النسويات من خاللها عىل َفرض‬ ‫ٍ‬ ‫هات السرت‬
‫وج ٍ‬
‫أدوات فكرية و ُم ِّ‬
‫توجهاتهنَّ الخاصة عىل األرض‪ ،‬وإجراء التغيري املنشود يف البنى االجتامعية والقيم‬
‫الراسخة واملؤسسات السياسية القامئة‪.‬‬
‫ومن خالل ذلك‪َ ،‬كسبت النسويات بعامة كثريا من النصريات واملؤيدات‬
‫ألفكا ِرهنَّ ‪ ،‬سواء داخل املجتمعات املحلية أو الوطنية أو التي تقع منها خارج‬
‫‪64‬‬
‫النسوية من زاوية كونها نظرية سياسية‬

‫حدود دولها‪ .‬وأنت ََج ْت يف املقابل وعيا اجتامعيا‪ ،‬بل عامليا‪ِ ،‬ب َرجاح ِة ما َيدَّ عي َنهُ‪،‬‬
‫ثم ضغطن يف سبيل تغيري كثري من األفكار واملامرسات التي تتعارض مع‬ ‫ومن َّ‬
‫أهدافهنَّ ‪ ،‬ليس عىل صعيد املجتمعات الغربية التي كانت مبنزلة الحاضنة األوىل‬
‫لِمثل هذه األفكار والحركات‪ ،‬بل إنهنَّ قد َف َر ْضنَ توجهاتهنَّ ومطالِبهنَّ حتى عىل‬
‫الدول واملنظامت الدولية‪ ،‬وتأيت يف املقدمة منها األمم املتحدة‪ .‬وألهمية هذه‬
‫ال َف ْذلَكة التاريخية فقد ارتأينا تسليط مزيد من الضوء عليها يك يسهل من َّ‬
‫ثم‬
‫التعرف عليها بشكل أوضح(‪.)46‬‬
‫نظرة األمريكية نانيس هارتسوك ‪ ،Nancy Hartsock‬وهي َت َّت ِف ُق يف‬ ‫تقول ا ُمل ِّ‬
‫ذلك مع كثري من النسويات‪ ،‬بأهمية النظرية ورضورتها أليِّ حرك ٍة َتسته ِد ُف التغيري؛‬
‫ذلك َّأن من شأن النظرية‪ ،‬وخصوصا حينام يتعلق األمر بالقضية النسوية‪ ،‬أن َت ِص َف‬
‫تواجهها النساء‪ ،‬والعمل عىل تحليل القوى التي تعمل عىل إدامة‬ ‫املشكلة التي ِ‬
‫تعي الرتكيز عليها‪ ،‬ثم‬ ‫الحياة االجتامعية وغري االجتامعية وتحديد املشاكل التي َي َّ ُ‬
‫أجل تقييم االسرتاتيجيات التي‬ ‫هي يف التحليل األخري تعمل بوصفها معيارا من ِ‬
‫فإن مصطلح «النظرية‬ ‫ظل النظرية آ ِنفة الذكر(‪ .)47‬وعىل رغم ذلك َّ‬ ‫تعي تطويرها يف ِّ‬ ‫َي َّ ُ‬
‫تساؤالت عديدة َتتع َّل ُق بطبيعة الفكر النسوي‪ ،‬فهل‬ ‫ٍ‬ ‫أو النظريات النسوية» ُيث ُري‬
‫مت بها النسويات‬ ‫ميكن إطالق تسمية «النظرية» عىل األعامل والكتابات التي ْأس َه ْ‬
‫يف حقل الدفاع عن املرأة وقضاياها؟ وإذا كان الجواب باإليجاب‪ُ ،‬ترى ما طبيعة‬
‫النظرية النسوية؟ وهل تتمتع باألصالة أم أنها من نوع النظريات متوسطة املدى‪،‬‬
‫وذلك يف اعتامدها عىل االتجاهات الفكرية والنظرية السائدة يف الحقول االجتامعية‬
‫املختلفة‪ ،‬عامدة من خالل ذلك إىل اشتقاق فروضها منها‪ ،‬قبوال وتأكيدا لها أو‬
‫َرفضا؟ مبعنى آخر‪ ،‬تدور تساؤالتنا حول ما إذا كانت النظرية‪ ،‬أو باألحرى مجموعة‬
‫وحد أم أ َّنها قد جاءت‬ ‫وربا ُم َّ‬
‫النظريات النسوية‪ ،‬متمكنة من َبلور ِة منظو ٍر معني َّ‬
‫وربا ُمتضا ِربة أحيانا‪،‬‬ ‫وهي تحمل يف ط َّياتها منظورات أو مداخل نظرية مختلفة‪ّ ،‬‬
‫نت من تجاوز املؤثرات التي حملتها التيارات الفكرية والنظريات السائدة‬ ‫وهل َت َّك ْ‬
‫يف وقتها وزمانها؟ وبعكس ِه‪ ،‬فإن ذلك قد يدفع إىل القول بعدم َت ُّك ِن الفكر النسوي‬
‫ينبع من افرتاضات محددة هي‬ ‫مرشوع فكري يحمل تصورا خاصا ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ذاته من َبلورة‬
‫األخرى تدور حول تساؤل مهم ومبديئ وإبستمولوجي هو‪ :‬ما الذي ُتك ِّو ُن ُه النساء؟‬
‫‪65‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫فهل هنَّ تلك الفئة االجتامعية من البرش التي تتميز بخصائصها البيولوجية أم أن‬
‫هذه الفئة من صنع املجتمع‪ ،‬أم أنه ال هذا وال ذاك‪ ،‬بل هُ نَّ مجرد كيان مصنوع من‬
‫عت يف لغة‪ ،‬وهذه األخرية جزء من الخطاب واأليديولوجيا السلطوية؟‬ ‫كلامت ُأو ِد ْ‬
‫وبذلك تتفق النظرية النسوية عىل أي حال مع أمناط النظرية السياسية السائدة‪،‬‬
‫واملتمثلة يف النظرية املعيارية والتفسريية وأخريا‪ ،‬مابعد الحداثية‪ ،‬وهي ما تتفق‬
‫أيضا واملدخل املعتمد من قبل النسويات يف تحليل ظواهر التمييز واالضطهاد ضد‬
‫النساء والقضايا األخرى التي عالجتها النظريات النسوية بعامة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫‪3‬‬

‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية‬ ‫ُ‬
‫يف تكوين العقل الغربي‬
‫وآثارها يف املوقف من املرأة‬

‫هنا دعونا نعد إىل الوراء قليال بحثا عام‬


‫ميكن ْأن يكون مصادر تاريخية تتعلق بهذا‬
‫بشكل ما يف‬‫ٍ‬ ‫املوضوع رمبا كانت قد أسهمت‬
‫تشكيل تلك النظرة إىل النساء‪ ،‬أفرادا وجنسا‪،‬‬
‫وسواء أكانت تلك النظرة متعلقة بحياتهنَّ‬
‫الخاصة يف البيت أم مبا هو عىل الصعيد‬
‫االجتامعي العام‪ ،‬وأثر ذلك يف وضع النساء‬
‫وخرباتهنَّ التي ا ْكت ََس ْبنَها ج َّراء َتعرضهنَّ لِمثل‬
‫تلك املامرسات والسلوكيات التي ُأط ِلق‬
‫مصطلح «االضطهاد» عليها يف حياتهنَّ ‪ .‬يأيت‬ ‫«كانــــت التطـــــورات االقتصـــادية‬
‫ْ‬
‫حملت تباش َري ظهور‬ ‫واالجتامعية التي‬
‫ذلك يف محاول ٍة ِمنَّا للوصول إىل ُخالصات‬ ‫نظام امللكية عىل أنقاض املشاعيات‬
‫القدمية‪ ،‬مع كل ما ُت ِّثل ُه من امتيازات‬
‫تكون ا ُملن َْط َلقَ من أجل البحث عام‬ ‫َ‬ ‫ميكن ْأن‬ ‫للرجل‪ ،‬مبنزلة التحول األبرز يف مكانة‬
‫ربا نظريات بهذا‬ ‫ميكن ْأن َيكون نظرية أو َّ‬ ‫وأدوار املرأة»‬

‫‪67‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫الشأن‪ .‬ولدينا العديد من األفكار الفلسفية والدراسات والبحوث األكادميية‬


‫التي َض َّم ْت مالحظات ُكتَّابها وباحثيها‪ ،‬سواء أكانوا من املدافعني أم املعارضني‬
‫الجنسني‪ ،‬بدءا من أفالطون ووصوال إىل ُكتَّاب ما بعد الحداثة‬ ‫َ‬ ‫للنسوية‪ ،‬من‬
‫يف يومنا الحايل‪ .‬ومبعنى أكرث ِد ّقة‪ ،‬محاولتنا هذه تأيت يك تعمل عىل الكشف‬
‫نط َلق لدى ِّ‬
‫املنظرين‬ ‫عن الكيفية ُ‬
‫واألسلوب اللذين ا َّت َخذهام َتشخيص الوضع‪/‬ا ُمل َ‬
‫الجنسني‪ ،‬أو َمنْ عُ ِر ْفنَ ِبـ‬
‫َ‬ ‫بعامة‪َ :‬منْ خالَ َف منهم التوجه الخاص باملساواة بني‬
‫نظرات النسوية»‪.‬‬‫« ُم ِّ‬
‫بعض من األفكار السائدة ثقافيا‪،‬‬ ‫محاولتنا يف هذا املجال تبدأ بتناول ٍ‬
‫النابعة من التجارب والرتتيبات االجتامعية وكذلك عدد من النصوص الدينية‪،‬‬
‫بعض من الفالسفة‪ ،‬لِن َِص َل يف بحثنا إىل الناشطات‬ ‫وتلك التي َع َك َستها آراء ٍ‬
‫والكاتبات النسويات‪ .‬وسوف َتدو ُر ُمحا َولَتنا‪ ،‬يف خصوص املواقف األخرية‬
‫املتعلقة بالنسويات‪ ،‬حول املحاور الثالثة التالية‪ :‬أوال‪ :‬املطالب التي رفعت من‬
‫قبل ِّ‬
‫املنظرات بإعادة النظر يف أهمي ِة األدوا ِر التي ُتؤدِّيها النسوة‪ ،‬وإزال ِة كل ما‬
‫َيعرتي تلك األدوار من مفاهيم غالبا ما ُألصقت ِبها قصدا‪ .‬وثانيا‪ :‬مرحلة تجاوز‬
‫االختالفات واملطالبة باملساواة يف املجال الخاص بالرجل‪ ،‬مبا َيعني ِه ذلك من‬
‫مشارك ٍة يف الشأن العام سياسيا وقانونيا‪ ،‬وكذلك من مساوا ٍة يف الفرص وخصوصا‬
‫يف التعليم والعمل‪ .‬ثم أخريا‪ ،‬املناداة بتقسيم العامل والنظر إليه من هذه الزاوية‪،‬‬
‫وذلك عن طريق إعادة النظر يف ُم ْج َم ِل التصورات واملعايري واملقاييس الخاصة‬
‫التي كانت تحكم العامل وتلك التي ُتن َِّظ ُم النشاطات والحياة يف املجالَني العام‬
‫والخاص‪ ،‬ولِنبدأ بأفالطون‪:‬‬

‫املبحث األول‬
‫أفالطون ومو ِقفه من املرأة‬
‫ك َّر َس هذا الفيلسوف ‪ -‬الذي عاش يف دولة مدينة أثينا ‪ -‬جزءا من كتاب ِه‬
‫«الجمهورية»‪ ،‬وهو الكتاب الخامس‪ ،‬للمسألة الجنسية؛ حيث تحدث عن املرأة‬
‫واألدوار التي ميكن ْأن ُتؤديها وعالقتها بالرجل‪ ،‬إضافة إىل عرضه بعض اإلشارات‬
‫حول وجهة نظره فيام يخص مواضيع من هنا وهناك‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫يف كتاب ِه «الجمهورية»‪ُ ،‬يحاول أفالطون َرسم صور ٍة ملا يجب ْأن يكون علي ِه‬
‫نظام الدولة الكاملة‪ .‬ومنطلق أفالطون يف تص ُّور ِه ذاك هو كون الهيئات الحاكمة‬
‫يف دولة املدينة األثينية هي كيانات ناقصة تعوزها العدالة‪ ،‬لذا فهو ُيحاول‬
‫تقديم تصو ٍر َض َّم َن ُه أحكا َم ُه الخاصة بجعل الدولة ا ُملتص َّورة منوذجا كا ِمال‪ ،‬ولكن‬
‫من دون ْأن يعني ذلك التطرق إىل مدى إمكانية وضع منوذج ِه ذاك َم ِ‬
‫وض َع‬
‫التطبيق‪ ،‬ولن َي ْقد ََح ذلك يف قيمة التصور موضوع البحث؛ فهو يف التحليل األخري‬
‫ومثل أعىل ُتقاس علي ِه التصورات والواقع املعيش أيضا‪ ،‬وذلك بالرجوع‬ ‫معيا ٌر ٌ‬
‫إليه وتبيان مدى ُقرب موضوع القياس أو ُبعد ِه عن الكامل‪ ،‬مبعنى «السياسة‬
‫الكاملة» عىل حد وصفه‪ .‬واملثال الكامل لدى أفالطون يف كتابه «الجمهورية»‬
‫يتجسدُ يف نظام سيايس وغري سيايس َيت ََس َّل َم الفالسف ُة مقاليد ُحكم ِه وإدارت ِه‪.‬‬ ‫َّ‬
‫فالفيلسوف هنا هو حجر الزاوية واملحور الذي تدور حول ُه عدالة هذا النوع‬
‫من الحكومات‪ .‬من هنا كان اهتامم أفالطون بهذا النوع من الناس‪ ،‬ولكن‪ُ ،‬ترى‬
‫من أين أىت أفالطون بهؤالء؟ فالفالسفة ال َينبتون عىل الشجر بالتأكيد‪ ،‬فهم من‬
‫معدنٍ نادر كام َتص َّو َرهم‪ ،‬وميتلكون استعدادا خاصا‪ ،‬وهم يف التحليل األخري‬
‫وترين ُمتطاولَني يتناول لديهم العقل والجسد يف آنٍ واحد‪.‬‬ ‫ِنتاج عمليات إعدا ٍد َ‬
‫(الح َّكام) وإعدادهم ال ُيف ِّر ُق‪ ،‬إىل ح ٍّد‬
‫أفالطون يف مسألة اختيار الفالسفة ُ‬
‫إن الرشط األساس الذي َو َض َع ُه لهم‪ ،‬والذي‬ ‫الجن َْسني‪ :‬املرأة والرجل؛ إذ َّ‬
‫ما‪ ،‬بني ِ‬
‫َيرا ُه تحقيقا لذلك الغرض‪ ،‬هو الطبيعة الخاصة بهؤالء‪ ،‬وهي التي َتد َف ُع بهم إىل‬
‫َط َل ِب الحكمة التي تعني لدي ِه فيام َتعني ِه القدرة عىل النفاذ إىل جوهر األشياء‬
‫ثم الرغبة يف حيازة الحكمة‪ ،‬واالنقياد لها‬ ‫ورؤية املاه ّية بصور ٍة واضحة‪ ،‬ومن َّ‬
‫وألحكامها‪ .‬ومع ذلك فهو ُيويل الرجال أهمية خاصة للعمل يف هذا املجال‪ .‬أما‬
‫مطلوبة ألمرين؛ أولهام‪ :‬حاجة الرجل الفيلسوف إىل املرأة الفيلسوفة‬ ‫ٌ‬ ‫املرأة فهي‬
‫بوصفها رشيكة تسا ِعد ُه عىل االضطالع بواجباته املنوط به أمر أدائها‪ .‬ثانيهام‪:‬‬
‫الجنسني وفق أفالطون لن يكون ذا بالٍ مادامت طبائع الرجال‬ ‫َ‬ ‫أن االختالف بني‬
‫والنساء واحدة يف هذا املجال‪ ،‬وتتمثل يف االستعداد واملكنة من الوفاء مبتطلبات‬
‫الحكام الفالسفة‪،‬‬ ‫ذلك العمل عىل حد سواء‪ ،‬ويف هذه الحالة‪ ،‬وضمن إطار طبقة ّ‬
‫الجنسني يف الدرجة وليس النوع‪ .‬يقول أفالطون‪« :‬فال‬ ‫َ‬ ‫سيكون االختالف بني‬
‫‪69‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫َفرق بني طبائع الرجال وطبـائع النساء باعتــبا ِر حكم الدولة‪َّ .‬إنا هو تفاوت‬
‫بينهام يف الدرجة قوة وضعفا»‪ ،‬ثم ُيضيف أ َّن ُه ليس «يف األعامل املتعلقة بإدارة‬
‫الدولة‪ ...‬ما يختص باملرأة باعتبارها امرأة أو بالرجل باعتباره رجال‪ ،‬ولكنها‬
‫الجنسني سوا ٌء بسواء‪ .‬فاملرأة باعتبار ِجب َّل ِتها صالحة‬ ‫َ‬ ‫مواهب موزعة عىل أفراد‬
‫عمل كالرجل»(‪.)1‬‬
‫لكل ٍ‬ ‫ِّ‬
‫عىل الرغم مام يبدو عىل أفالطون للوهلة األوىل من الحيادية يف مواقفه تجاه‬
‫الجنسني دومنا تعصب يف مسألة غاية يف األهمية‬ ‫َ‬ ‫النساء‪ ،‬مناديا باملساواة بني‬
‫كش ُف عن انحيا ٍز واضح‬ ‫فإن النظرة ا ُمل َد ِّققة إىل األمر قد َت ِ‬ ‫وهي الحكم العادل‪َّ ،‬‬
‫ربا من َي َّت ِه ُم ُه به‪َ ،‬عدَدٌ من ا ُملتش ِّككني ِم َمنْ تناولوا فلسفت ُه‬ ‫كام يذهب إليه‪ ،‬أو َّ‬
‫بالدراسة والتمحيص‪ ،‬سواء من قبل النسويات أم من الرجال ‪ ،‬وخصوصا عندما‬
‫(‪)2‬‬

‫الجنسني‪ .‬وهناك نقطة‬ ‫َ‬ ‫يجعل من التش ُّب ِه بالرجال معيا َر املساواة الوحيد بني‬
‫وربا خصام لَدودا للمرأة‪ ،‬هي منادات ُه‬ ‫ِخالف أخرى تجعل من أفالطون خصام‪َّ ،‬‬
‫الجنسني أداة‬
‫َ‬ ‫برضورة االهتامم بتحسني النسل؛ جاعال من الزواج والعالقات بني‬
‫سليم ُمتف ِّوق‪ .‬هذه‬‫سل ٍ‬ ‫تخضع إلرادة أفراد (القضاة) ِبزَعم حاجة الدولة إىل َن ٍ‬
‫العملية التي َتستوجب من الدولة التدخل يف الحياة الخاصة للمرأة والرجل‪،‬‬
‫من خالل َفرض الدولة عىل املرأة االرتباط مبَنْ َترا ُه أهال لها أو فرضها عىل‬
‫الرجل االرتباط مبن تراها أهال ل ُه‪ُ ،‬ت َذ ِّك ُر وإىل ح ٍّد بعيد بالهندسة االجتامعية‬
‫ربا يقع ضحيتها أفراد األقليات العرقية والفقراء ومن يف ُح ْك ِمهم يف ظل‬ ‫التي َّ‬
‫النظم الشوفينية‪ .‬فضال عن األرضار التي َستُحيق باملرأة ج ّراء التعامل معها‬
‫تناسل واستمتاع فقط‪ ،‬وخصوصا بعد ْأن ج َّردتها الدولة مبثل‬ ‫ٍ‬ ‫بوصفها مجرد أداة‬
‫هذا العمل من غريزة األمومة وذلك باالستبعاد واإلخفاء املتعمد لِوليدها أو‬
‫ربا‬‫تكون ِمثل هذه األحكام ُمج َّر َد افرتاضات َّ‬ ‫أوالدها عنها(‪ .)3‬ولكن أال ميكن ْأن َ‬
‫َتعوزها الدقة العلمية؟ خصوصا عندما ُتسحب تصوراتنا وتقييامتنا الخاصة التي‬
‫عب عن أوضاع وثقافات أواخر القرن العرشين وأوائل القرن الحادي والعرشين‬ ‫ُت ِّ ُ‬
‫بيئات مختلفة يف الزمان واملكان‪ ،‬وهو ما َش َّب َهت ُه املؤ ِّرخة األمريكية‬ ‫طال ٍ‬ ‫بحيث َت ُ‬
‫واع إىل النظر والتعامل مع‬ ‫سارة بومريوي ‪ Sarah Pomeroy‬بكون ِه َميال غري ٍ‬
‫العامل القديم بدالل ِة القيم واملعايري الحديثة؟(‪.)4‬‬
‫‪70‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫نظرين ُ‬
‫والكتَّاب‬ ‫نحن نعتقد ‪ -‬كام يذهب إىل ذلك كثريون ‪َّ -‬أن الفالسفة وا ُمل ِّ‬
‫والروائيني‪ ،‬عىل اختالف توجهاتهم‪ ،‬ما هم إال ِنتاج البيئة الزمانية واملكانية‬
‫قون ِمن همومهم‬ ‫نط ِل َ‬‫التي ُو ِجدوا فيها‪ ،‬وما يف ذلك شك‪ .‬وهم إىل ذلك َّإنا َي َ‬
‫الخاصة وتجاربهم التي َخ ِبوها يف معايشتهم مشاكل عرصهم و َتص ُّو ِرهم ألسبابها‬
‫ومحاولة تقديم حلولٍ لها‪ .‬مل َيشذ فيلسوفنا أفالطون عن هذه القاعدة‪ ،‬حيث‬
‫كان مبنزلة الناقل األمني للمفاهيم والقيم والعالقات السائدة يف مجتمع ِه‪ ،‬ومن‬
‫بينها النظرة إىل املرأة ومكانتها يف السياق االجتامعي يف بالد اإلغريق والذي‬
‫عاش ُه أفالطون آنذاك‪ .‬كان العديد من الكتابات التي تناولت املجتمع آنف ال ِذكر‬ ‫َ‬
‫يركز عىل املكانة الدونية للمرأة‪ ،‬وكان من شأنها ْأن ُتك ِّر َس التصور الذي يرى فيها‬
‫املخلوقة املحرومة من الحقوق والتي َت ِص ُل إىل مستوى العبودية يف هذا العامل‪.‬‬
‫بسبب منها‪ ،‬ويف هذا السياق‬ ‫ٍ‬ ‫نت نظرة ُ‬
‫الكتَّاب إىل فلسفة أفالطون‬ ‫وبذا فقد َت َل َّو ْ‬
‫بأن احتقار النساء‪...‬‬ ‫تقول ُأوكني‪« :‬وال ميكن ْأن َن َ‬
‫كون معقولني إذا ذهبنا إىل القول َّ‬
‫جنس األنثى ك ِّل ِه يف الحارض واملايض واملستقبل»(‪)5‬؛ مبعنى‬ ‫كم إدان ٍة عىل ِ‬ ‫ليس ُح َ‬
‫َّأن احتقار النساء ومامرسته‪ ،‬سواء يف جذور ِه التاريخية أو يف أشكال ِه الراهنة‬
‫األنثى بأرس ِه من‬ ‫واملستقبلية‪ ،‬ال يكشف إال عن واقع قطعية الحكم بإدانة جنس ُ‬
‫املنظور الفلسفي؛ نظرا إىل أن التصورات الدونية عن النساء واالعتقاد بهامشية‬
‫بتصورات فلسفية َع َرضية لدى أفالطون‬ ‫ٍ‬ ‫دورهن االجتامعي بوج ٍه عام ليست‬
‫أو غريه‪ ،‬بل ُتعرب بالرضورة عن طبيعة األوضاع االجتامعية والثقافية والسياسية‬
‫السائدة التي ُتك ِّر ُس بدورها مامرسات التمييز الجنيس تجاه النساء‪.‬‬
‫شك َك يف مثل هذه التصورات‬ ‫وعىل رغم ذلك فإننا نرى أن هناك البعض ِم َمنْ َّ‬
‫أتت ُمتضا ِربة يف بعضها وتعوزها الدقة العلمية يف بعضها اآلخر‪ ،‬وذلك‬ ‫لكونها ْ‬
‫ِبقدر سعي أصحاب تلك التصورات إىل اجتزاء املعلومات بالرتكيز عىل تلك التي‬
‫إن سارة بومريوي‬ ‫ُتؤيد فروضهم ووجهات النظر التي يؤمنون بها فقط‪ .‬حيث َّ‬
‫‪ ،Sarah Pomeroy‬عىل سبيل املثال‪ ،‬ترى َّأن ظروف النساء يف العامل القديم‪،‬‬
‫وخصوصا يف دولة مدينة أثينا‪ ،‬مل تكن عىل هذه الدرجة من السوء التي توحي‬
‫والكتَّاب‪ ،‬عىل رغم االتفاق العام من الناحية‬ ‫بها كتابات البعض من ا ُملف ِّكرين ُ‬
‫السياسية والقانونية عىل ذلك بني َمنْ تناول حياة املرأة يف هذا العامل‪ .‬وهو ما‬
‫‪71‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ثم مدعاة للكث ِري من النقاش من ناحية أخرى‪ .‬هنا نالحظ َّأن املواقف‬ ‫كان من َّ‬
‫اوحت بني مؤي ٍد ومعارض‪ .‬فالبعض منهم يعتقد أن املرأة كانت ُمحتقرة‬ ‫تر ْ‬
‫وحبست يف أماكن أقرب إىل صورة الحريم الرشقي يف املنظور االسترشاقي الغريب‪،‬‬ ‫ُ‬
‫باحرتام‪ ،‬كام َت َّت ْعنَ‬
‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫يف الوقت الذي ذهب فيه آخرون إىل َّأن النساء كنَّ ُيعا َملنَ‬
‫بالحرية بالقدر الذي متتعت به قريناتها الاليئ ِع ْشنَ يف القرون التالية‪ ،‬عىل األقل‪،‬‬
‫ربا‬‫حتى بدء الحركة النسوية يف العرص الحديث‪ .‬وهو ما ُتحدِّثنا به دي بوفوار‪َّ ،‬‬
‫كاه َل الرجال‬ ‫مع يشء من عدم الرصامة‪ ،‬حيث تقول دي بوفوار‪« :‬ما كان ُي ْث ِق ُل ِ‬
‫هو أعباء الزواج واستعباده‪ :‬هذا َيدَعنا َن ْف َ ِت ُض أ َّن ُه عىل رغم رصامة وضع املرأة‪،‬‬
‫وعىل رغم أنها مل تكن لديها أي حقوقٍ تقريبا‪ ،‬فال بد أنها كانت تحتل يف املنزل‬
‫مكانة مهمة وتتمتع ببعض االستقاللية؛ فقد كانت ُمك َّرسة للطاعة ولكن كان يف‬
‫إمكانها العصيان؛ وكانت تستطيع إرهاق زوجها با ُملشاحنات والدموع والرثثرة‬
‫والشتائم‪ ،‬وكان الزواج قيدا أيضا عىل الرجل بينام كان يفرتض أن يستعبد املرأة‪.‬‬
‫وتتلخص يف شخصية «كزانتيب» [زوجة سقراط التي حو َّل ْت حيا َت ُه جحيام] كل‬
‫شكاوى املواطن اليوناين من الزوجة املشاكسة ومصائب الحياة الزوجية»(‪.)6‬‬
‫إن إبقاء املرأة يف بيتها مل يكن‬ ‫حاولت سارة بومريوي تأكيده بالقول َّ‬
‫ْ‬ ‫وهو ما‬
‫عني أ َّنها مل َت ْحظ مع ذلك باالحرتام والتقدير الالز َمني‪ ،‬إضافة إىل مامرستها‬ ‫لِ َي َ‬
‫اإلدارة والسيطرة عىل امللكوت الداخيل (البيت)‪ .‬أما الخالصة التي توصلت إليها‬
‫مؤرختنا األمريكية َفتُوحي بأ َّن ُه ليست هناك من داللة عىل َتح ُّي ٍز معا ٍد للنساء‬
‫بأيِّ حال من األحوال(‪ .)7‬وبعد‪ ،‬إذا كان هذا هو حال املجتمع األثيني الذي عاش‬
‫وكتب فيه أفالطون عن املرأة‪ ،‬فهل ميكن ضم صوتنا إىل َمنْ كان يعتقد بدونية‬
‫وبأن أفالطون نفسه كان معاديا للمرأة؟‬ ‫املرأة يف البيئة األثينية‪َّ ،‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫أرسطو وموقفه من املرأة‬
‫عند التحول ناحية أرسطو‪ ،‬نجد َّأن التأكيد َينْصب لَدي ِه‪ ،‬بخصوص املوقف‬
‫الجنسني‪ ،‬واملتمثل يف سيطرة الرجل‬
‫َ‬ ‫من املرأة وطبيعة العالقة القامئة بني‬
‫تقسيم‬
‫ٍ‬ ‫وخضوع املرأة‪ ،‬عىل مبدأين رئيسني‪ :‬األول‪ ،‬دور الطبيعة وما َتت َّ‬
‫َضمنُه من‬
‫‪72‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫نات سياسية‬ ‫الجنسني‪ ،‬والثاين‪ ،‬كون مثل هذا املوقف َيح ِم ُل ُمت ََض ّم ٍ‬ ‫َ‬ ‫للعمل بني‬
‫يف املقام األول‪ ،‬فيستجيب للقيم السائدة يف املجتمع األثيني بخاصة واإلغريقي‬
‫بعامة‪ ،‬واملتعلقة منها بالدولة واملوقف من النظام السيايس األمثل وفق رأي ِه(‪)8‬؛‬
‫إن مثل هذا املوقــف ‪ -‬ويف هــذه النقــطة‬ ‫لذا ميكن القول‪ ،‬والحالة هذه‪َّ ،‬‬
‫بالذات ‪ -‬ال يحمل استقاللية أو أصالة مبعنى آخر‪ ،‬بقدر ما يشتمل عىل اهتامم‬
‫ثم فهو مل يوله اهتامما يف‬ ‫أرسطو بالدولة‪ ،‬وهو ما سنأيت عىل تبيان ِه الحقا‪ ،‬ومن َّ‬
‫كتاب ِه «السياسات» إال عىل نحو جزيئ(‪.)9‬‬
‫اهتامم بالشأن الخاص البيتي قطعا‪ ،‬فالبيت‬ ‫ٍ‬ ‫وليس ذلك نا ِبعا من عدم‬
‫عمنْ سيشغل ُه من عبي ٍد وأوالد‪َ ،‬يتَمت َُّع‬ ‫األثيني مبا َيش َت ِم ُل عليه من أب وأم‪ ،‬فضال َّ‬
‫دة من الدور الذي ُيؤدِّي ِه ِب َوصف ِه‬ ‫بأهمي ٍة ومن دون شك‪ ،‬بيد َّأن أهمي َت ُه ُمتَولِّ ٌ‬
‫ُجسد ُه الدولة‪ ،‬وبوصفه البيئة التي ُي ِكنُ من خاللها ْأن‬ ‫جزءا من ِّ‬
‫الكل الذي ست ِّ‬
‫حسن أحدهام إىل اآلخر‪ ،‬ومن مثة يتحقق من اجتامعهام‬ ‫َيتَضام الجنسان و ُي ِ‬
‫الطبيعي ذاك بقاء النوع البرشي(‪.)10‬‬
‫بالعودة إىل املبدأ األول‪ ،‬يتبني أن أرسطو يرى الطبيعة «مبدأ كل يشء»(‪.)11‬‬
‫فإن ما يجمعهم هو أنهم‬ ‫وعىل الرغم من اختالف الناس حول هذا املبدأ‪ّ ،‬‬
‫يتجهون ليس إىل عدم اعرتافهم به بل إىل التع ُّر ِف عىل الطبيعة وتعيني حدودها‬
‫وغاياتها والوسائل ا ُملفضية إىل تلك الغايات(‪)12‬؛ لذا يجب ‪ -‬والحالة هذه ‪-‬‬
‫مراعاتها ومراعاة الحدود التي َت ْف ِر ُضها بوصفها نظام األشياء و ِع َّلة ما هو قائم من‬
‫العالقات التي َتن ُ‬
‫ْشأ‬ ‫ِ‬ ‫دخ ُلها يف‬
‫اعتبارات تتعلق بحياة الناس والدولة‪ ،‬ومن ذلك َت ّ‬ ‫ٍ‬
‫والنابع من اختالف‬ ‫ِ‬ ‫وتقسيم العمل فيام بينهام‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الجنسني؛ املرأة والرجل‪،‬‬
‫َ‬ ‫بني‬
‫فإن أيَّ تجاو ٍز عىل الحدود التي وضعتها الطبيعة‬ ‫استعداداتهام الطبيعية‪ .‬وعلي ِه َّ‬
‫من شأن ِه اإلخالل بقواعد الوجود اإلنساين ستكون له نتائج ُه الباهظة عىل حياة‬
‫الجنسني‪ ،‬قد أعدَّ ت‬ ‫َ‬ ‫الفرد واملجتمع والدولة‪ .‬فالطبيعة‪ ،‬ويف إطار العالقة بني‬
‫الجنسني أصال للتناسل مع ما َيرت َّت ُب عىل ذلك من أدوا ِر الرعاية والرتبية وتوفري‬ ‫َ‬
‫وسائل العيش األخرى وال يشء سوى ذلك‪ .‬فالطبيعة‪ ،‬وفقا ألرسطو‪َّ ،‬إنا « ُت ِّعدُ‬
‫اليش َء لغاي ٍة واحد ٍة» وليس ذلك ِب ُّش ٍح منها‪ ،‬ولكن «إذا ما استخدمت اآللة‬
‫اض متعددة ُأ ْت ِقنَ ُصنعها إتقانا كامال»(‪.)13‬‬ ‫لغرض واحد ال ألغر ٍ‬
‫ٍ‬
‫‪73‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫الجنسني‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وتستمر الطبيعة يف أداء ما بدأت به عندما َق َّس َمت العمل بني‬
‫وذلك بأنها تستلزم إلدارة البيت خضوعَ بعض األطراف لِبعضهم اآلخر بتفويضها‬
‫البعض‬‫َ‬ ‫البعض يف حقوق السيادة واإلدارة‪ ،‬أي الرجل‪ ،‬يف الوقت الذي أل َز َم ْت في ِه‬ ‫َ‬
‫اآلخر بال ِرضا ِب َو ْض ِع املرؤوس‪ ،‬عبدا كان هذا املرؤوس أو امرأة أو طفال‪ .‬مثل‬
‫جانب آخر‪ ،‬من طبيعة‬ ‫ٍ‬ ‫متأت‪ ،‬من‬ ‫هذا التقسيم يف الحظوظ واملواقع الوظيفية ٍ‬
‫الرتكيبني النفيس والجسدي الذي َي ِجدُ الفرد نفس ُه ُمنقادا إليهام‪ .‬فكام َّأن الكائن‬
‫محكوم داخليا يف ُسلوك ِه ِبدَوافع قد َتدفعه إىل الترصف‬ ‫ٌ‬ ‫الحي‪ ،‬يف سبيل ِه إىل البقاء‪،‬‬
‫بالشكل الذي يعود علي ِه بالفائدة والنفع‪ ،‬وبزواجر قد تحول بينه وبني األذى‬
‫الحال أيضا مع االجتامع البرشي‪ ،‬حيث ينقسم الناس يف ميولهم‬ ‫ُ‬ ‫واألمل‪ ،‬كذلك‬
‫جانب آخر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتوجهاتهم إىل ساد ٍة ورؤساء من جانب‪ ،‬وعبيد ومرؤوسني من‬
‫فالعقل‪ ،‬بوصف ِه القوة ا ُملدْ ِركة لدى اإلنسان الفرد‪ ،‬سيعمل عىل ضبط ال َهوى‬ ‫ُ‬
‫وا ُمليول النفسية و َمطالب الجسد التي تستهدف معا إشباع الشهوات‪ ،‬والحال‬
‫عب عنه من‬ ‫نفسه مع الرجال والنساء‪ ،‬فالرجل لدى أرسطو مبنزلة العقل وما ُي ِّ ُ‬
‫متثيل صادق عن الجسد ا ُمل َّ ُ‬
‫عب‬ ‫قوة اإلدراك‪ ،‬أما املرأة و َمنْ يف ُحكمها فهي ٌ‬
‫عنه بسيطر ِة العواطف واملشاعر الذاتية عليها؛ «ذلك ألن جنس اإلناث ذو‬
‫عوامل الشعور أكرث مام َي ْس َت ِشدُ ِبنو ِر‬ ‫ِ‬ ‫حس دقيق عاطفي رسيع التأثر‪َ ،‬ينقا ُد لِ‬ ‫ٍّ‬
‫العقل‪ ،‬ولذا فاإلناث أقل استعدادا للرئاسة من جنس الذكور‪ ،‬ألن الرئاسة قيادة‬
‫ثم‪،‬‬ ‫تستوحي العقل ال الشعور ِب ُس َن ِنها وأساليبها»(‪ ،)14‬وهو ما َيستوجب‪ ،‬من َّ‬
‫إعطاء الرجل يف التحليل األخري َمهامت السيطرة‪ .‬يقول أرسطو‪« :‬نرى يف الكائن‬
‫والعقل َيسو ُد الشهو َة‪ ...‬ويف هذه‬ ‫ُ‬ ‫فالنفس َتسو ُد الجسدَ‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫الحي أوال سلطتَني‪...‬‬
‫وأن َتتَس َّل َط‬ ‫النفس عىل الجسد‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫بأن َتتَس َّل َط‬‫َبي َّأن الطبيعة تقيض ْ‬ ‫األشياء َيت َّ ُ‬
‫وأن يف ذلك فائدة للطر َفني‪...‬‬ ‫العاقلة عىل ال َهوى واملَيل؛ َّ‬ ‫ُ‬ ‫كة والقو ُة‬‫القو ُة ا ُملدْ ِر ُ‬
‫وانحطاط الثانية‪ ،‬و َت َس ُّلط‬ ‫ثم إذا ُقو ِب َل الذ َك ُر باألنثى َظ َه َر بالطبع َت َف ُّوق األول ِ‬
‫يكون األم ُر كذلك‬ ‫َ‬ ‫الواحد وانقياد األخرى‪ .‬فعىل هذا النحو‪ ،‬من الرضورة ْأن‬
‫ي موقف أرسطو من املرأة‪ ،‬وذلك من‬ ‫لدى جميع الناس»(‪ .)15‬ومن هنا ُ ْي ِكنُ َت َب ُّ ُ‬
‫عمل ُسلطوي ملصلحة الرجل يف املَقام‬ ‫خالل النظر إليها يف إطار عالقة وتنظيم ٍ‬
‫قسم‬‫فكل بيت هو ٌ‬ ‫طيع‪ُّ .‬‬ ‫َجسدة يف‪َ :‬منْ َيرأَ ُس و َمنْ ُي ُ‬ ‫الرئيس‪ .‬فالقضية هنا ُمت ِّ‬
‫‪74‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫كل َمنْ في ِه ال ِوجه َة التي ُتريدها الدولة إذا ما ُأري َد‬ ‫من الدولة َيحتاج إىل َتوجيه ّ‬
‫الحها(‪.)16‬‬
‫وص ُ‬‫الحهم َ‬ ‫َص ُ‬
‫إن مل نقل التناقض‬ ‫الشك ْ‬‫ِّ‬ ‫دون شكال من أشكال‬ ‫اج َ‬‫وعىل رغم ذلك‪ ،‬فإ َّننا َو ِ‬
‫يف موقف أرسطو حيال هذه املسألة‪ ،‬من ذلك أ َّن ُه عىل الرغم من قوله برضورة‬
‫سيطرة الرجل وخضوع املرأة‪ ،‬فإنه َي ْع َ ِت ُف يف غري مكان بأن املرأة هي من طبقة‬
‫األحرار و ُت َش ِّك ُل من الناحية ال َعددية ِنصف هذه الطبقة‪ .‬إضافة إىل قوله إن‬
‫إن مل َن ُق ِل الرئاسة العامة ‪ -‬محصورة عىل الذكور البالغني‪ ،‬وهو‬ ‫الرئاسة ال َبيتية ‪ْ -‬‬
‫عىل أي حال ما ُيحاول أرسطو التغطية عليه‪ ،‬وقوله يف مواضع أخرى إن النساء‬
‫قد ال ُيستثنني منها‪ ،‬خصوصا أن الفيصل يف أمر الرئاسة قيد البحث يتمثل يف‬
‫فضيلة العقل واملنطق والتي قد ال َن ِجدُ ُمس ِّوغا من أجل استثناء النساء منها‪،‬‬
‫مادامت املرأة تحوز هي األخرى االستعداد أو الم َ َلكة للرئاسة عىل رغم أ َّنها عىل‬
‫َح ِّد َز ْع ِم أرسطو «تلبث بال فاعلية»(‪ ،)17‬وهذه امللكة هي ما ُيكنها تحريك املرأة‬
‫وخصوصا‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬متى ما أمكن إعداد النساء و َتربيتهنَّ عىل التفكري املنطقي‬
‫يك َي ُكنَّ أهال من بعد ذلك للرئاسة أو اإلدارة‪ .‬فيقول أرسطو‪ ...« :‬هل َيتحت َُّم‬
‫وأن َ ْت َت ِل َك الشجاع َة والعدل؟‪ ...‬وعىل وج ٍه أعم‪،‬‬ ‫عىل املرأة ْأن تكون عفيفة ْ‬
‫مرؤوس بالطبع‪ ،‬وهل‬ ‫ٌ‬ ‫رئيس بالطبع و َمنْ هو‬‫ينبغي علينا النظر يف شأنِ َمنْ هو ٌ‬
‫وإن تحتم عىل الطر َفني ْأن ُيدْ ِركا َ‬
‫كامل‬ ‫لهام الفضائل نفسها أم فضائل متباينة؟ ْ‬
‫املروءة‪ ،‬ف ِل َم ُيؤىت الواحد رئاسة دامئة‪ ،‬ولِ َم ُي ْف َرض عىل اآلخر االنقياد املستديم؟‬
‫أمر ُم ْس َت ْغ َرب؛ هو‬ ‫َ‬
‫فهناك ٌ‬ ‫وإن ُو ِج َب ِت الفضيل ُة عىل الواحد ومل ُت ْف َر ْض عىل اآلخر‪،‬‬ ‫ْ‬
‫وإن َخال‬‫َحل بالعدل؟ ْ‬ ‫الحكم ما مل يكنْ عَفيفا‪ ،‬وما مل َيت َّ‬ ‫َ‬ ‫الرئيس‬
‫ُ‬ ‫أنه كيف ُيجيدُ‬
‫املرؤوس من ال ِّعفة والعدل فكيف ُي ْح ِسنُ الخضوع؟» ‪.‬‬
‫(‪)18‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫املرأة يف الفكر السيايس ال َكنَيس (آباء الكنيسة)‬
‫قيم ومفاهيم‬ ‫ْ‬
‫وجدت نفسها يف مواجه ٍة مع ٍ‬ ‫بدأت املسيحية باالنتشار‬
‫عندما ِ‬
‫َغ َل َب عليها الطابع الوثني الذي سا َد بالد اإلغريق و َتبعتها روما يف اعتناق هذه‬
‫َ‬
‫إحالل نفس ِه محل تلك األفكار‬ ‫األفكار‪ .‬وعىل الرغم من محاولة الدين الجديد‬
‫‪75‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫واملعتقدات‪ ،‬فإن البعض منها‪ ،‬والس َّيام ذلك البعض الذي مل يتعارض مع مبادئ‬
‫ظل ُمحا ِفظا عىل َمكا َنت ِه يف نفوس الناس‬ ‫األلوهية التي جا َء بها الدين الجديد‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫واستمر يف التأثري يف نظمهم وأعرافهم‪ ،‬ومن بينها تلك النظرة ا ُملتح ِّيزة إىل املرأة‬
‫بوصف النساء جنسا وإىل أدوارها ومكانتها يف املجتمع‪ .‬وقد ُد ِع َمت هذه النظرة‬
‫أضفت عىل مثل هذه األفكار واملواقف طابعا‬ ‫ْ‬ ‫بفعل التعاليم اليهودية التي‬
‫الخلق ودور الس ّيدة َح ّواء (عليها السالم) يف‬ ‫قص ِة َ‬‫دينيا(‪ ،)19‬وذلك بتأويلها لِ َّ‬
‫الخروج من الجنة(‪.)20‬‬
‫إن الفكر ال َكنَيس‪ ،‬الذي تبلور عىل يد القديسني وآباء الكنيسة يف العصور‬
‫املختلفة من أمثال أمربوز وأوغسطني وجريوم وغريهم‪ ،‬كان قد تأثر بدوره‬
‫بالرتاث اليهودي واألعراف وا ُملد َّونات الرومانية والتقاليد اليونانية التي سيطرت‬
‫عىل مناخات تلك العصور‪ ،‬ومنها ما هو متعلق باملرأة‪ .‬بيد أن ذلك جز ٌء من‬
‫ال ِق َّصة‪ ،‬أما جزؤها اآلخر فيتمثل يف كون املسيحية‪ ،‬كام َت َج َّل ْت يف سرية وتعاليم‬
‫الس ِّيد املسيح (عليه السالم)‪ ،‬قد عُ دَّ ْت وقتها مبنزلة َتح ُّولٍ يف النظرة إىل املرأة‪.‬‬
‫بتعاطف واحرتام بوصفها إنسانا‪ ،‬كام دافعت‬ ‫ٍ‬ ‫حيث تعاملت مع هذه األخرية‬
‫عن حقوقها طفلة وزوجة‪ ،‬بل وتجاوزت ذلك إىل التسامح مع أخطائها متى ما‬
‫اعرتفت بذلك و َتخ َّل ْت عنها وآ َمن َْت بهذه التعاليم‪ ،‬وخصوصا من َت َوجهن ِمنْهنَّ إىل‬
‫التَبتل والزهد‪ .‬كان من نتائج ذلك أن بقي العديد من النساء عَذارى وأرامل‪ ،‬وقد‬
‫ْاح َت َللنَ مكانة بارزة وصلت يف بعض األحيان إىل ح ِّد التقديس ‪ ،para theou‬أي‬
‫أن تحيا املرأة «حياة قريبة من اإلله»‪ ،‬كام تذهب إىل ذلك مونيك ألِكسندر(‪.)21‬‬
‫مثل هذه املامرسات األولية يف التعامل مع املرأة‬ ‫وكام يبدو‪ ،‬فلم يكنْ ُمقدَّ را لِ ِ‬
‫االستمرار يف احتالل مكانٍ لها يف األفكار والتصورات الالحقة لدى آباء الكنيسة‬
‫ورجالها‪ ،‬كام مل يظه ْر ذلك يف نصائحهم وإرشاداتهم التي َتوجهوا ِبها إىل الناس إال‬
‫رون إىل املرأة بوصفها عَورة؛ حتى شعرها وصوتها‬ ‫ما َندَر(‪)22‬؛ إذ ظل هؤالء َين ُْظ َ‬
‫بل كامل وجودها‪ ،‬إىل الدرجة التي كان يجري فيها َح َّض املؤمنني بهذا الدين عىل‬
‫العذرية واالمتناع عن االتصال بالنساء وعدم الزواج(‪.)23‬‬ ‫ُ‬
‫لقد ال َم َس هذا التقليد الفكري‪ ،‬كام نعتقد‪ ،‬األسس الوجودية الخاصة‬
‫مبجتمعات من هذا النوع‪ ،‬مجتمعات كانت تعتمد حياة أفرادها وبقاؤهم فيها‬ ‫ٍ‬
‫‪76‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫عىل ُجهود اإلنسان و ِقواه ال َعضلية التي تدعو الحاجة إليها من أجل السيطرة عىل‬
‫الطبيعة و َتسخريها لِخدمة الفرد واملجتمع‪ ،‬وحيث ُتقدس البطولة واالنتصار يف‬
‫املعارك بوصفهام َتتِّمة لِمثل تلك األغراض‪ .‬وهو ما َح َم َل ُه ُتراث تلك املجتمعات‬
‫لخوض ِغامر املعارك وحيازة النرص والغلبة‬ ‫من حيث احرتام َمنْ ُتؤهِّ ُل ُه ُق َّوت ُه َ‬
‫صح مثل هذا‬ ‫فيها‪ ،‬ومثل هؤالء مل يكن لديهم ُمت ََّس ٌع من االهتامم ‪ -‬إذا ما َّ‬
‫الوصف ‪ -‬يك َي ْش َملوا باحرتامهم‪ ،‬أو حتى عطفهم‪َ ،‬منْ مل ُت ْس ِع ْف ُه قدراته عىل‬
‫فعل ذلك‪ ،‬إن مل يكن عوز هؤالء إىل تلك املؤهالت مدعاة لالنتقاص من َقدْ رهم‪،‬‬
‫ويف ُمقدمة هؤالء النسا ُء‪.‬‬
‫مثل هذه االعتبارات من شأنها ْأن َتتك َّر َس وترتفع إىل مستوى القيم العليا‪،‬‬
‫و ُتستبطن خصوصا من جه ِة موضوع االحتقار نفس ِه‪ ،‬وذلك متى ما َدعَمتها‬
‫باشها و َتتوج ُه بها غالبا الفلسفات والتعاليم‬ ‫واحتوتها الرسائل األخالقية التي ُت ِ ُ‬
‫الدينية وآراء ودعوات املصلحني‪ ...‬إلخ‪ .‬فإىل جانب ما استَق َّر يف أعراف وتقاليد‬
‫الرومان من مواقف يف هذا الشأن بوصفها َتعبريا عن روح العرص السائدة إ ّبان‬
‫ظهور املسيحية‪ ،‬كان هناك الرتاث الديني اليهودي املتأثر واملستجيب يف الوقت‬
‫نفسه للقيم السائدة آنفة ال ِذكر‪ .‬وإذا كانت التقاليد الرومانية يف عرص البطولة‬
‫ُ َت ِّجدُ الرجل وليس املرأة بوصفه صانع االنتصارات‪ ،‬فإن الرتاث اليهودي كان‬
‫ُي َح ِّم ُل املرأ َة ِو ْز َر الخطيئة األوىل يف ثناياه‪ .‬تلك الخطيئة التي ا ُّتهمت املرأة‬
‫بسببها بإخراج أيب البرش؛ النبي آدم (علي ِه السالم)‪ ،‬من الجنة‪ ،‬واستحقت بنات‬
‫جنسها من ج َّراء خطيئتها اللعنة واالحتقار‪.‬‬
‫وردت اإلشارة إلي ِه من حيثيات‪ ،‬ما للتجارب‬ ‫ْ‬ ‫البعض إىل ما‬ ‫ُ‬ ‫وقد ُي ُ‬
‫ضيف‬
‫الحياتية لبعض املفكرين البارزين من رجال الكنيسة من أث ٍر بالغ يف تشكيل‬
‫وصياغة مواقفهم ا ُملتَز ِّمتة من املرأة‪.‬‬
‫وهنا تنبغي اإلشارة إىل القديس أوغسطني )م‪،Saint Augustin (354 – 430‬‬
‫صاحب األثر الواضح يف الفكر الثيولوجي والسيايس املسيحي‪ ،‬ويرجع إليه‬
‫الفضل يف صياغة النسق الالهويت للكنيسة الكاثوليكية(‪ ،)24‬حيث َي ِص ُف يف كتاب ِه‬
‫«ماجنة»‪ ،‬ساعيا من خالل ذلك إىل‬ ‫ِ‬ ‫«االعرتافات» عالقت ُه بالجنس اآلخر بأ َّنها‬
‫التربؤ من اآلثام وطلب الغفران لفعل مثل هذا االنحراف الذي مصدره الفساد‬
‫‪77‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫والرش املتأصل يف الطبيعة البرشية والذي مل َي ْس َل ْم منه حتى األطفال‪ ،‬فالرجال‬


‫عىل استعداد‪ ،‬من ناحيتهم‪ ،‬للخضوع للغواية التي تتمتع بها ومتارسها النساء من‬
‫أجل إيقاع هؤالء يف َحبا ِئ ِلهنَّ (‪.)25‬‬
‫وعىل الرغم من صعوبة القبول بتعميم مثل هذا املنظور عىل مجمل‬
‫الفكر الثيولوجي الذي ساد العصور الوسطى‪ ،‬فإ َّن ُه َييش مع ذلك ِبَدى انتشار‬
‫الفاحشة والتح ّلل األخالقي الذي رضب بأطناب ِه يف هذه البيئة املكانية يف ذلك‬
‫الزمان‪ ،‬والذي رمبا يجي ُز لنا إرجاعه إىل غياب الوازع األخالقي املتأثر واملتزامن‬
‫يف الوقت نفسه مع االضطراب االجتامعي وضعف مركز الدولة وضعف سلطان ِه‬
‫وعدم االستقرار السيايس ج ّراء االنقالبات واالنكسارات العسكرية الخارجية التي‬
‫أكس َب ذلك الفك َر الديني‬ ‫شهدتها اإلمرباطورية الرومانية إ ّبان تلك الفرتة‪ .‬وقد َ‬
‫ثم إىل التأكيد‬ ‫الطابع ا ُملتش ِّك َك يف املرأة‪ ،‬ودَفعه من َّ‬
‫َ‬ ‫وقتها‪ ،‬والس َيام الوثنية‪ ،‬هذا‬
‫الصامة يف التعامل معهنَّ ‪.‬‬ ‫عىل َ‬
‫طلب منهن ال َت َبتل واالبتعاد عن‬ ‫ثم تال ذلك التوجه إىل املؤمنات باملسيحية ل ُي َ‬
‫كل ما من شأن ِه إغواء الرجال‪ .‬مثل هذا الطلب َي ِجدُ ُم َس ِّو َغ ُه يف أنه عىل الرغم‬ ‫ِّ‬
‫مام جبلت عليه النساء من الضعف وعدم ال َرشادة‪ ،‬بيد أنهنَّ قد ُأو ِد ْعنَ من‬
‫السحر والجاذبية والغواية ما َييش بإمكانهنَّ إعادة مأساة الخروج من الجنة من‬
‫جديد‪ .‬فعندما َيفشل الشيطان يف استدراج الرجل‪َ ،‬س َت ُرب ُز املرأة ألداء مثل هذا‬
‫الدور‪ ،‬فمثلام استطاعت املرأة‪/‬ح َّواء إخراج الرجل‪/‬آدم من الجنة‪ ،‬ستكون بنات‬
‫تيح ْت لَهُنَّ الفرصة عىل فعل ذلك‪.‬‬ ‫جنسها قادرات عىل الفعل ذاته متى ما ُأ َ‬
‫السيدة مونيك ألكسندر إنه «يف العصور ا ُملب ِّكرة لِظهور املسيحية‪،‬‬ ‫حيث تقول ّ‬
‫الكاتب‬
‫ُ‬ ‫كان َيجري نفي واستهجان النساء‪ .‬ففي كتاب «زفاف النساء» ُي َو ِّب ُخ‬
‫ُق َّرا َء ُة من النساء‪ ...‬كام َح َك َم اإلل ُه عىل َح ْب ِس ُكنَّ ‪ِ .‬ع ْشنَ إذن يف الحيا َة دوما‬
‫س َن‬ ‫ت َمنْ َك َ ْ‬ ‫أول من خالف ترشيع اإلله وأ ْن ُ َّ‬ ‫ت ُ‬ ‫داخ ِل ُكنَّ ‪ .‬أ ْن ُ َّ‬
‫َك ُم َّت َهامت‪ ،‬فالشيطان ِب ِ‬
‫خداع الرجل الذي مل يستطع الشيطان ْأن‬ ‫ت ِب ِ‬ ‫و َمنْ أ َك ْلنَ من الشجرة‪ ،‬وقد ُق ْم ُ َّ‬
‫ت السبب يف إغواء خليفة الله يف األرض»(‪.)26‬‬ ‫يغو َي ُه‪ .‬أ ْن ُ َّ‬
‫لقد م ّثل ظهو ُر الرأساملية‪ ،‬بوصفها ُبنى وأفكارا ومشاريع توسعية داخليا‬
‫دم يف الصميم للمجتمعات التقليدية التي عاشت يف ظلها أوروبا‬ ‫وخارجيا‪َ ،‬‬
‫عامل هَ ٍ‬
‫‪78‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫طالت آثا ُر الرأساملية ا ُملخ ِّربة ال ُبن َي َة الفوقية للمجتمعات‬


‫إ ّبان عصور اإلقطاع‪ ،‬كام ْ‬
‫التقليدية ُم َمثلة يف األفكار والقيم واألعراف التي َتستقي بعض مادَّتها من الفكر‬
‫الثيولوجي الذي راج يف أوساط تلك املجتمعات حتى ذلك التاريخ‪ .‬وهو ما أثر‬
‫بدور ِه يف املوقف من املرأة‪ ،‬فبعد أن راجت الشكوك واالتهامات عن دور النساء‬
‫ثم استبعادهنَّ من املشاركة يف الحياة العامة‪،‬‬ ‫الخطيئة األوىل مام استلزم من َّ‬ ‫يف َ‬
‫تحول األمر إىل الحديث هذه املَ َّرة عام ُيكن أن ُتق ِّد َم ُه املرأة حال حصولها عىل‬
‫صالح ِها الخاص عن طريق رفع مستوييها‬ ‫التعليم من منافع قد ال َت ِقف عند ح ِّد ِ‬
‫الثقايف واالقتصادي فقط‪ ،‬بل ميكن ْأن ُت ْس ِه َم من خالل ذلك يف صالح املجتمع‬
‫جيل من املواطنني الصالحني‪.‬‬‫باعتبارها َزوجة و ُمربية لِ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ككل‬
‫هذا إذا أخذنا يف اعتبارنا الدور الذي أ َّد ْت ُه الحاجة إىل اليد العاملة الرخيصة‬
‫التي م َّثلتْها النساء خالل تلك الفرتة يف تعزيز رأي ا ُملطالبني بإعادة النظر يف‬
‫املَوقف من النساء بعامة‪ .‬وعىل الرغم من أن مثل هذه الدعوات واألصوات َبد َْت‬
‫كل‬‫خم ُمتَصا ِع ٍد مع ِّ‬ ‫خا ِفتة بادئ ذي بدء‪ ،‬فإ َّنها رسعان ما أخذت يف اكتساب َز ٍ‬
‫إنجا ٍز تحققه املرأة يف مجال التعليم والفرص االقتصادية‪ .‬وحتى مع بقاء النظرة‬
‫ا ُملتش ِّككة من النساء لدى عديد من ا ُملف ِّكرين والرأي العام السائد آنذاك‪ ،‬بيد‬
‫وطها‬ ‫َّأن مثل هذه النظرات مل ُي َع َّب عنها باألسلوب السابق نفسه‪ ،‬فقد أَ َخ َذ َي ُح ُ‬
‫جانب آخر‪ ،‬إىل ما‬ ‫ٍ‬ ‫هذه امل ّرة الرتكيز عىل الجانب األخالقي‪ ،‬كام ينحو الرتكيز‪ ،‬من‬
‫وج ُب ا ِّتباعها يف هذا الشأن‪ ،‬وهو ما ُيكن ُم َ‬
‫الحظ ُت ُه‬ ‫وأحكام ُت ِ‬
‫ٍ‬ ‫للطبيعة من مطالب‬
‫ِّ‬
‫لدى عد ٍد من القائلني بدو ِر ال َبيولوجيا‪ ،‬ومنهم ا ُملفكر الفرنيس جان جاك روسو‬
‫‪َ .Jean Jacques Rousseau‬ف ِلنحاول تناول ما َذهَ َب إلي ِه هذا الفيلسوف‪:‬‬

‫املبحث الرابع‬
‫جان جاك روسو واملوقف من املرأة‬
‫الناس فيام مىض فكر ُة عدم املساواة بني البرش؛ بني َمنْ َيحتل‬ ‫لقد شغلت َ‬
‫الطبقات العليا و َمنْ َو َج َد نفس ُه يف مكان ٍة دنيا‪ ،‬بني املرأة والرجل‪ ،‬األحرار‬
‫والعبيد‪ ،‬املواطنني والربابرة‪ ...‬إلخ‪ .‬ثم ْأخ َل ْت هذه الفكرة مكانها يف بدايات العرص‬
‫الحديث لِتَستَق َّر مرة أخرى عىل صعيد التمييز بني الرجل واملرأة يف الفصل بني‬
‫‪79‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫املجالني‪ :‬املجال الداخيل‪ ،‬أي البيت مع كل ما يرتبط به وما يرتتب عليه من‬
‫وظائف والتزامات‪ ،‬بوصفه مجاال خاصا باملرأة؛ واملجال الخارجي أو العام‪ ،‬أي‬
‫املجالني االقتصادي والسيايس‪ ،‬بوصفه مجاال خاصا بالرجل‪ .‬كانت عودة االهتامم‬
‫الح َّلة عندما ُأعيد التأكيد عىل ما للطبيعة وال َبيولوجيا من‬ ‫بهذه الفكرة وبهذه ُ‬
‫نسح َب ذلك‪ ،‬هذه‬ ‫نتائج عىل وضع املرأة وعىل األدوار التي ُتؤديها من دون ْأن َي ِ‬
‫املرة‪ ،‬عىل التقليل من شأن استعداداتها العقلية و َم َلكاتها األخرى بوصفها إنسانة‬
‫َتحظى بالتكريم ومن ثم املساواة االعتبارية بوصفها برشا‪.‬‬
‫عبا عن روح عرص ِه وعن القيم واألفكار‬ ‫يربز روسو يف هذا الوقت بوصف ِه ُم ِّ‬
‫ؤشا أيضا‪ ،‬كام نعتقد‪ ،‬عىل بداية تحول يف النظرة إىل‬ ‫السائدة آنذاك‪ ،‬ورمبا ُم ِّ‬
‫املرأة وإىل أدوارها االجتامعية والسياسية‪ .‬يتبدى ذلك يف األسلوب التوجيهي‬
‫الجنسني عرب إعادة‬ ‫َ‬ ‫أو اإلرشادي الذي َغ َل َب عىل تعامل ِه مع قضية املساواة بني‬
‫جوانب التمييز بينهام ولكن‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬بأسلوب أديب أقرب إىل‬ ‫ِ‬ ‫التأكيد عىل‬
‫إثارة العواطف والتحذير من مخاطر التجاوز عىل أحكام وقوانني الطبيعة من ُه‬
‫إىل األسلوب الفلسفي املجرد الذي َد َر َج علي ِه يف كتابات ِه األخرى‪.‬‬
‫الجنسني إىل‬ ‫َ‬ ‫خص َص ُه من أجل تربية‬ ‫يعمد روسو يف كتابه «إميل» الذي َّ‬
‫منهج يقيض برضورة اإلبقاء عىل التاميز بني الرجل واملرأة‪ ،‬و ُم َ ِّبر ُه يف‬ ‫ٍ‬ ‫تأسيس‬
‫ذلك َيتم َّث ُل يف الحفاظ عىل املصلحة التي َيعت ِقدُ َّأن مثل هذا التقسيم قم ٌني‬
‫بتحقيقها‪ ،‬سواء أكان ذلك عىل صعيد الفرد أم املجتمع‪ ،‬بل عىل صعيد الجنس‬
‫البرشي بأجمعه‪ .‬وهي املصلحة التي سيمكن َتح ُّققها خصوصا عندما يرضخ‬
‫ثم بالحدود‬ ‫للرشوط التي تضعها الطبيعة والنزول عند أحكامها والقبول من َّ‬
‫التي تضعها عىل سلوك البرش‪ ،‬والتي من املفرتض ْأن تنسحب عىل مختلف‬
‫جوانب الحياة االجتامعية‪ ،‬وبخاصة يف القضايا التي تخص الرتبية والتنشئة‬
‫الجنسان‪.‬‬
‫َ‬ ‫االجتامعية التي َيتَلقاها‬
‫تساؤل جوهري هو‪ :‬ملاذا التأكيد عىل مثل هذا‬ ‫ٌ‬ ‫ولكن‪ ،‬يتبا َد ُر إىل الذهن‬
‫النوع من الخضوع البرشي للطبيعة؟‬
‫إن روسو يف إجابت ِه عن هذا التساؤل ُيحيلنا إىل اعتقا ٍد مفاد ُه َّأن الطبيعة‬
‫ثم ال تضع رشوطها ُجزافا‪ ،‬بل هي يف ِفعلها ذاك‬ ‫«خ ِّية»(‪ ،)27‬وهي من َّ‬ ‫يف األصل َ‬

‫‪80‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫َّإنا ُتقد ُِّم منافع للبرش‪ ،‬هذا إىل جانب َّأن من شأن مخالفة هذه الرشوط التي‬
‫ستأخذ لدى روسو صفة القوانني ‪ -‬هذا إذا استطعنا فعل ذلك ‪ْ -‬أن ُتؤدي بنا‬
‫إىل الوقوع يف الفوىض مع كل ما يرتتب عليها من َتح ُّل ٍل وانهيا ٍر للمجتمع ثم‬
‫انقراض النوع البرشي يف املحصلة(‪ .)28‬فحني ُنضطر إىل إكراه الناس عىل ارتكاب‬
‫عادات هم غري ُمعدينَ أصال أو بالطبيعة ألدائها؛ وذلك بوصفها‬ ‫ٍ‬ ‫أفعالٍ ومامرسة‬
‫سلوكا اختياريا وليست ميوال وطباعا عىل حد تعبري روسو(‪ ،)29‬فعلينا ْأن نتوقع‬
‫مثل هذه النتيجة‪ .‬أي أنه عىل العكس مام َيح ِم ُل ُه الرضوخ لِمطالب الخالق من‬
‫فإن ما َيخ ُر ُج من بني أيدي البرش َس َي ْل َح ُق ُه االضمحالل بالرضورة بقدر‬ ‫صالح‪َّ ،‬‬
‫رغباتهم وأهوائهم التي تأىب إال ْأن ُتش ِّو َة الطبائع والسلوك الذي ُج ِب َل عليه البرش‬
‫والكائنات ِمن َحولِنا(‪.)30‬‬
‫كتس ُب‬‫الجنسني َس َي ِ‬
‫َ‬ ‫إن التاميز يف األدوار بني‬ ‫ويف ضوء ذلك‪ ،‬ميكن القول َ‬
‫أهميت ُه الخاصة لدى روسو‪ ،‬وهي ُمستمدة من أهمية الرتبية التي سيتلقاها‬
‫النَش ُء الجديد يف البيت‪ ،‬والتي سيقع أداؤها بالتبعية عىل عاتق املرأة‪ /‬األم‪.‬‬
‫كون يف إقرار العقد‬ ‫شت َ‬ ‫فإن املواطنني متساوون يف الطبيعة‪ ،‬و َي َ ِ‬ ‫فوفقا ملنظور ِه َّ‬
‫االجتامعي لِتحديد الكيفية التي يجب ْأن ُتدا َر بها الدولة‪ .‬بيد َّأن روسو َس َم َح‬
‫ثم بناء الدولة ومؤسساتها‪،‬‬ ‫للرجال فقط باملشاركة يف إبرام العقد االجتامعي ومن َّ‬
‫أما النساء فقد أعطاهنَّ دور األمومة وتنشئة أوالدهنَّ (وليس بناتهنَّ ) عىل قيم‬
‫املواطنة‪ ،‬دومنا إقرار بحقِّ املرأة يف التمتع بحقوق الوضعية القانونية للمواطنة‪.‬‬
‫فالرجل ينبغي علي ِه ْأن َيخ ِد َم الدولة‪ ،‬أما املرأة فينبغي عليها ْأن َتخ ِد َم الرجل‪.‬‬
‫تسق يف ُأصول ِه الفكرية مع‬ ‫وهو ما يدعونا إىل القول بكون منظور روسو َي ُ‬
‫املوروث األرسطي‪ ،‬حيث َتكت َِس ُب النساء قيمتهنَّ بالنسبة إىل الدولة بناء عىل‬
‫ما ُيح ِّقق َن ُه من كفاءة ولكن بوصفهنَّ ُأ ّمهات و ُمر ِّبيات ألبنائهنَّ ‪ ،‬يف حني َي ْكت َِس ُبها‬
‫الرجال لِكفاءتهم باعتبارهم مواطنني بالوالدة يف املقام األول(‪.)31‬‬
‫إن حال البرش يف مثل هذا الوضع كحال الشجر‪ :‬هذا يتشكل بفعل الرتبة‬
‫وال ِعناية والزراعة‪ ،‬وذاك بفعل املحيط العائيل والرتبية ال َبيتية‪ .‬فالرتبية َستَستَمدُّ‬
‫حقيقتها من عملها عىل س ِّد النقص الذي ُيولَدُ ب ِه البرش‪ ،‬وهي أيضا َما َس َيفي‬
‫مبتطلباتنا التي َن ْف َت ِق ُر إليها عند ال ِك َب(‪ .)32‬ويعمد روسو‪ ،‬يف محاولة منه إلقناعنا‬
‫‪81‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫بتربير التاميز موضوع البحث وباقتصار أدوار الرتبية عىل املرأة‪ ،‬إىل التذكري‬
‫بالتكوين ال َبيولوجي الخاص للمرأة‪ ،‬فلو شاء الله تعاىل امليض إىل عكس ذلك‬
‫َث للرجال ُبنية أخرى تتفق مع هذه األدوار‪ِ ،‬من ذلك ْأن ُيؤىت الرجال لَ َبنا‬ ‫ألحد َ‬
‫عون به أطفالهم(‪.)33‬‬ ‫ُي ْر ِض َ‬
‫الجنسني متعلق بنظام األشياء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وإذا ما اتفقنا مع روسو عىل أن التاميز بني‬
‫فهل ميكن تربير مثل هذا القول عىل أساس مجرد االختالف ال َبيولوجي بينهام؟‬
‫إن هناك عنرصا آخر يكمن يف هذا االختالف يتمثل يف‬ ‫جيب روسو بالقول َّ‬ ‫ُي ُ‬
‫املك َن َة عىل التفكري املجرد‬ ‫ثم ْ‬ ‫«العقل» الذي يتميز به الرجال‪ ،‬والذي ُيعطي ِه من َّ‬
‫والترصف يف ذلك بعيدا عن االنحيازات العاطفية التي تتميز بها املرأة‪ .‬وحتى‬
‫لو أمكن للمرأة ْأن ُتا ِر َس أدوارا أخرى خارج املجال الخاص (البيتي)‪ ،‬فإن ذلك‬
‫خروج عىل إرادة الطبيعة وتحميل لها فوق طاقتها‪ ،‬وهو ما ال‬ ‫ٍ‬ ‫سيكون مبنزلة‬
‫رضعة وغدا ُجندية ُمحا ِربة؟‬ ‫ُيقر ُه روسو بقوله‪ ...« :‬فكيف ُتريدو َنها اليوم ُم ِ‬
‫غي َط ْب َعها‪ ...‬حانية تارة وضارية تارة أخرى‪ ...‬خا ِئفة َو ِج َلة وطورا‬ ‫كيف لها ْأن ُت ِّ َ‬
‫مهاجمة ُمقت َِحمة؟» ‪ .‬هذا إىل جانب َّأن محاولة من هذا النوع تسعى‬ ‫(‪)34‬‬
‫آخر ِ‬
‫الجنسني من قبل النساء سيكون مصريها الفشل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫من أجل إلغاء حالة التاميز بني‬
‫التش ُّبه بالرجال يف خصائصهم‬ ‫اج ٌع‪ ،‬كام يقول روسو‪ ،‬إىل كون َ‬ ‫أما السبب َفر ِ‬
‫بلوغ َر َغبا ِت ِهنَّ تلك بقدر عدم‬ ‫سيكون مآلهُ الفشل‪ ،‬ذلك أل َّنهنَّ َس َيتَخ َّل ْفنَ عن ِ‬
‫الجنسني؛ فاملرأة «أ ْك َم ُل يف خصائص املرأة‬ ‫َ‬ ‫التساوي الذي ستتوزع به َم َلكات‬
‫إن تنمية خواص الرجل لدى املرأة وإهامل خواصها‬ ‫منها يف خصائص الرجل‪َّ ...‬‬
‫خليق ْأن َيرض باملرأة رضرا واضحا‪ ...‬هذا املجهود املزدوج ُي ْث ِق ُل عليهنَّ‬ ‫األصلية ٌ‬
‫لِتباين الجا ِن َبني؛ َف َيتخ َّل ْفنَ يف َميدا ِن ِهنَّ النسوي كام َيتَخ َّل ْفنَ يف ميداننا‪ .‬و َتفو ُتهُنَّ‬
‫الح ْسنَيان»(‪.)35‬‬ ‫بذلك ُ‬
‫الخالص ُة التي ُي ِكنُ الخروج بها من موقف روسو تجاه املرأة وقضية التاميز‬
‫الجنسني هي يف كون هذا املوقف يأيت بوصفه مجرد تجسي ٍد لِتَص ُّور ِه الخاص‬ ‫َ‬ ‫بني‬
‫عن املجتمع‪ ،‬ساعيا من أجل حاميت ِه وتنميت ِه‪ ،‬وهام ما حمل روسو الرجال‬
‫مسؤولية تحقيقه‪ .‬وعليه َفإن مهمة تكوين الرجال وفقا لهذه الغاية هي ِمن‬
‫«أش ِد الفنون منفعة للناس»(‪ ،)36‬وفقا لرأي روسو‪ .‬أما َق َد ُر املرأة يف هذا‬ ‫بني َّ‬

‫‪82‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫املجال فهو ْأن َت َظ َّل يف خلفية الصورة ُ‬


‫وج ُّل ه ِّمها هو «إرضا ُء الرجال و َن ْف ُعهم‬
‫و َتحري َمحبتهم وتكرميهم وتربيتهم صغارا ورعايتهم ِكبارا‪ ،‬وإرشادهم باملَشورة‬
‫والت َْسية عنهم و َتهوين الحياة عليهم»(‪ .)37‬وهو ما َن ِجدُ هُ واضحا يف اختياره ملن‬
‫وجها يف األصل إىل املرأة‪ ،‬بل‬ ‫وجه إليه كتابه آنف الذكر؛ إذ مل يكن هذا الكتاب ُم َّ‬
‫كان قد أعدَّهُ من أجل «إميل» الفتى وليس «صويف» الفتاة‪.‬‬

‫املبحث الخامس‬
‫موقف املاركسية والوجودية من املرأة‬
‫تم إيراد مواقفهم من املرأة مل يكونوا سوى‬ ‫إن الفالسف َة وا ُملف ِّكرين الذين َّ‬ ‫َّ‬
‫لقيم مجتمعاتهم والتيارات‬ ‫انعكاس ِ‬
‫ٍ‬ ‫َت أعاملهم مبنزلة‬ ‫ِمرآة لعصورهم‪َ ،‬ف َبد ْ‬
‫ربا مع بعض التغيري الذي َيتط َّلب ُه الظرف‬ ‫الفكرية السائدة إبان تلك العصور‪َّ ،‬‬
‫جانب آخر عدم خروج‬ ‫قبل البعض منهم عىل األقل‪ .‬بيد أن ذلك ال يعني من ٍ‬ ‫من ِ‬
‫أصوات من هنا وهناك طالبت بإعادة النظر يف املوقف من املرأة‪ ،‬كام هو الحال‬ ‫ٍ‬
‫َب عن ُه‬ ‫لدى جون ستيوارت ميل ‪ John Stuart Mill‬عىل سبيل املثال‪ ،‬وهو ما ع َّ َ‬
‫نظرات‬ ‫بعض من ا ُمل ِّ‬
‫يف كتاب ِه «استعباد النساء»‪ ،‬فضال عن األدوار التي أدَّتها ٌ‬
‫ؤخ ُذ عىل أدوار وأنشطة أولئك‬ ‫والناشطات النسويات يف هذا املجال‪ .‬غري َّأن ما ُي َ‬
‫النسويات أ َّنها قد أ َت ْت ُمن َْصبة عىل مجرد إعادة النظر يف التعامل مع النساء من‬
‫باب أخالقي يك ُيسمح لهنَّ بالحصول عىل التعليم الذي َي ْحت َْجنَ إليه لخدمة‬ ‫ٍ‬
‫الرجل واملجتمع بعامة‪ ،‬ثم َتطورت تلك املطالبات لتدور حول حق التصويت‬
‫والحريات السياسية من دون ْأن يعني ذلك أي خروج عىل التصور العام للمرأة‬
‫وا ُملك َّر ِس أصال من قبل املفاهيم واآلراء والقيم التي أرشنا إىل بعضها فيام مىض‬
‫من البحث‪ .‬بيد َّأن ما َي ْصدُ ُق عىل فالسفة اإلغريق وآباء الكنيسة وفالسفة‬
‫كل من املاركسية ودُعاة الوجودية‬ ‫آخرين مثل روسو‪ ،‬قد ال َي ْصدُ ُق عىل اتجا ِه ٍّ‬
‫من أمثال دي بوفوار‪ .‬فاملاركسية‪ ،‬وخاصة وفق ما عُ ِّب عنه من ِقبل كارل ماركس‬
‫اتخذت طابعا‬ ‫ْ‬ ‫‪ Karl Marx‬وفريدريك أنجلز ‪ ،Friedrich Engels‬كانت قد‬
‫اتجاهات فكرية‪ ،‬غري َّأن املاركسية بعامة مل ُت ْف ِرد‬ ‫ٍ‬ ‫آخر ُيعا ِر ُض ما َس َب َق ُه من‬
‫اضطها ِدهنَّ مكانة خاصة ُم َم َّيزة فيام اعترب ُه دُعاتها َمرشوعَهم‬ ‫للنساء وال لِواقع ِة ِ‬
‫‪83‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫للتحرر‪ ،‬بل جاءت أطروحاتهم حيال وضع املرأة وهي تصب يف تيار التحرر‬
‫من الهيمنة واالستغالل الرأسامليني‪َ .‬ففي تصورهم أنه ِبزوال النظام الرأساميل‬
‫سينتهي االستغالل‪ ،‬وسيقود هذا األخري إىل تحرر الطبقة العاملة ِب َش َّقيها من‬
‫الرجال والنساء‪ .‬ومع ذلك ُيكن اعتبار ذلك خروجا عىل القاعدة يف هذا املجال‪.‬‬
‫بشكل واضح عن موقفها حيال‬ ‫ٍ‬ ‫ويف الوقت الذي مل ُت ْف ِص ْح فيه املاركسية‬
‫املرأة وحريتها بقدر ما اعتربت ذلك ِنتاجا ثانويا لِتَح ُّر ِر الطبقة العاملة التي‬
‫ُتش ِّك ُل النساء جزءا منها كام سبق إليه القول‪ ،‬نجد أن دي بوفوار أف َرد َْت مكانا‬
‫خاصا لهذه القضية‪ ،‬وخصوصا يف كتابها «الجنس اآلخر»‪ ،‬فقد دافعت فيه بل‬
‫ضت النساء عىل ِفعل التحرر‪ ،‬وكان عملها هذا ُجزءا من املرشوع الوجودي‪.‬‬ ‫وح َّر ْ‬
‫َ‬
‫فهي َتعتقد‪ ،‬وانسياقا مع ُمتض ِمنات الفلسفة الوجودية ‪َّ ،‬أن التحرر من َق َد ِر‬
‫(‪)38‬‬

‫التبعية والدونية واالستعباد الذي ُتعاني ِه النساء هو يف التحليل األخري َّإنا يقع‬
‫عىل عا ِت ِقهنَّ حرصا‪ .‬فتحرر املرأة ال ميكن ْأن يتحقق إال من خالل سعيها من‬
‫أجل ْأن تكون «ذاتا» ‪ ،Self‬أي كينونة فاعلة متسامية ال موضوعا أو «آخر» كا ِمنا‬
‫وخا ِنعا‪ .‬وفيام ييل محاولة من أجل تناول هذين االتجاهَ ني وبيش ٍء من التفصيل‪.‬‬

‫أوال‪ :‬املاركسية واملوقف من املرأة‬


‫بشكل خاص‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫إن البحث يف اضطهاد املرأة لدى النظرية املاركسية يجد سنده‪،‬‬
‫كتاب لفريدريك أنجلز عنوانه‪« :‬أصل العائلة وامللكية الخاصة والدولة»‪ ،‬حيث‬
‫يف ٍ‬
‫يطرح أنجلز تصور املاركسية للشكل الذي اتخذه تطور العائلة يف إطار التحوالت‬
‫التي شهدتها املجتمعات البرشية عرب تاريخها‪ ،‬والتحول من جرائها يف النظرة‬
‫إىل النساء واملوقف منهنّ ‪ .‬ويف محاولته تحليل الجانب املتعلق بتطور العائلة‬
‫ومكانة النساء فيها‪ ،‬سيعمد إىل تقسيم تاريخ التطور البرشي إىل مراحل ثالث‪،‬‬
‫توصل إليه مورجان يف دراساته األنرثوبولوجية‬
‫بحيث يستند أنجلز يف ذلك إىل ما ّ‬
‫لسكان أمريكا األصليني‪ ،‬ومعتمدا يف مثل هذا التقسيم عىل مدى التقدم الذي‬
‫ح ّققه اإلنسان يف كل مرحلة من هذه املراحل يف عملية تحصيل وإنتاج وسائل‬
‫العيش‪ ،‬مؤ ّكدا يف هذا الصدد ما تحاول النظرية املادية يف التاريخ معالجته‬
‫بوصفه النقطة األساس يف التطور البرشي‪ ،‬مع كل ما يرتتب عىل ذلك من تحوالت‬
‫‪84‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫يف النظم االجتامعية‪ ،‬ويأيت يف مقدمتها إنتاج وسائل العيش مع ما يتصل بها من‬
‫وآليات تحكم عملية الحياة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫أدوات‬
‫ٍ‬
‫ويورد أنجلز يف هذا املجال‪ ،‬استنادا إىل ما اعتربه مورجان حقائق‪ ،‬أن الجنس‬
‫البرشي «‪ ...‬مجرد كائنات‪ ،‬ميكن القول بأ ّنها قد اكتسبت سيطرة مطلقة عىل إنتاج‬
‫الغذاء‪ ،‬وقد تحدّ دت العصور الكربى للتقدم اإلنساين وفق اتساع مصادر وسائل‬
‫العيش»(‪ .)39‬أما العنرص اآلخر الذي دارت حقائق أنجلز عن الجنس البرشي حوله‬
‫فهو يتمثل يف إنتاج البرش‪ ،‬أي التناسل‪ .‬واملاركسية هنا تقيم شكال من أشكال‬
‫العالقة بني منطي الوجود االجتامعي هذين تتميز بكونها عالقة عكسية؛ فكلام‬
‫كانت أدوات العمل ومنط التطور الخاص بها ضعيف ًة ازدادت قوة وتأثري الروابط‬
‫الجنسية يف مجتمعات من هذا النوع‪ ،‬والعكس صحيح من منظور أنجلز‪.‬‬
‫وإذا ما عدنا إىل املراحل آنفة الذكر‪ ،‬فسنالحظ ّأن أنجلز كان قد أعطى‬
‫أوالها تسمية «الوحشية»‪ ،‬وهذه متيزت بسيطرة الطبيعة عىل مقدرات اإلنسان‬
‫ثم العيش عىل ما تجود به هي عليه‪ ،‬دومنا جهود ْ‬
‫تذكر‬ ‫ْ‬
‫وفرضت عليه من ّ‬
‫من قبله إال يف سعيه من أجل البقاء يف وجه التهديدات التي فرضتها عليه‬
‫قوى الطبيعة ذاتها‪ :‬املادية والحيوية‪ .‬ومتيزت املرحلة الثانية‪ ،‬والتي أطلق‬
‫عليها مصطلح «الرببرية»‪ ،‬بنجاح اإلنسان يف إشباع حاجاته ومستلزمات وجوده‬
‫الحياتية اإلنسانية‪ ،‬معتمدا‪ ،‬هذه املرة‪ ،‬عىل مجهوده العضيل وعىل نجاحاته‬
‫التي يحققها يف محاولته تدجني وترويض حيواناته من أجل تنفيذ تلك املهامت‪.‬‬
‫وتأيت «املدنية» بوصفها املرحلة الثالثة يف سلم التطور اإلنساين‪ ،‬حيث شهدت‬
‫هذه املرحلة نجاح اإلنسان يف السيطرة عىل الطبيعة مستندا يف تحقيق ذلك‬
‫إىل اإلنتاج الصناعي والفنون مع ما يرتتب عىل ذلك من إمكانيات توفري وسائل‬
‫العيش من ناحي ٍة أخرى(‪.)40‬‬
‫ولكن الذي يتبادر إىل الذهن هو‪ :‬أين يكمن وضع املرأة والنساء بعامة‬
‫واملوقف منهنّ يف هذا التطور؟ كيف كانت البداية وكيف تطور ذلك حتى يأخذ‬
‫مثل هذا املنحى االضطهادي الذي وجدْ ن أنفسهنّ فيه؟‬
‫هنا يضع أنجلز معيارين ميكن من خاللهام معرفة مكانة املرأة وما ميكن‬
‫ْأن يرت ّتب عىل ذلك من اعتبارات تتعلق باضطهادها من عدمه‪ .‬األول؛ ويتمثل‬
‫‪85‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫مبدى الحرية الجنسية املتاحة لها سواء يف اختيار الرشيك أم يف النظر إىل عالقتها‬
‫بالجنس اآلخر‪ .‬ويتبع ذلك ويستلزمه يف الوقت نفسه نوع السلطة التي تتمتّع‬
‫بها النسوة يف مجتمعاتها‪ .‬ويتمثل املعيار الثاين يف دور التحوالت واآلثار التي‬
‫تركها التطور عىل صعيد العمل وإنتاج وسائل الحياة املادية‪ .‬غري ّأن مثل هذا‬
‫القول ال يستثني‪ ،‬بل يؤكد صعوبة وضع ح ٍّد فاصل ميكن من خالله التمييز‬
‫بني أيٍّ منهام له األولوية يف إحداث التحول يف النــظرة إىل املرأة‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫فهو يشري ‪ْ -‬‬
‫وإن كان ذلك بطريق ٍة غري مبارشة ‪ -‬إىل أولوية األدوار التي أدّتها‬
‫التطورات الحاصلة عىل صعيد إنتاج الحياة املادية يف تحقيق مثل هذا التحول‪،‬‬
‫وهو ما يؤكده أنجلز يف إشارته إىل عمل قديم كان قد ُأ ِعدَّ من ِقبله بالتعاون مع‬
‫كارل ماركس يف العام ‪ 1846‬بقوله‪« :‬إن التقسيم األول للعمل هو تقسيمه بني‬
‫الرجل واملرأة من أجل تربية األطفال‪ .‬وأستطيع اليوم أن أضيف إىل ذلك ّأن أول‬
‫رصاع طبقي ظهر يف التاريخ كان هو الرصاع بني الرجل واملرأة يف ظل الزواج‪،‬‬
‫وأن أول خضوع طبقي يتامىش مع خضوع املرأة للرجل فقد كان الزواج تقدما‬ ‫ّ‬
‫تاريخيا كبريا ولكنه يف الوقت نفسه ظهر مع ظهور ال ّرق وامللكية الخاصة‪ ،‬ولذلك‬
‫فإن هذا العرص (أي عرص الزواج) الذي يستمر إىل اليوم نجد كل تقدم فيه نعمة‬ ‫ّ‬
‫ونقمة وكل تحسن ومنو يف مجموعه يقابله بؤس وشقاء مجموعة أخرى» ‪.‬‬
‫(‪)41‬‬

‫وهو ما يقودنا إىل املعيار األول؛ ونقصد به اآلثار املتحققة عىل املواقف آنفة‬
‫الذكر والتي أحدثتها وتستمر يف إحداثها قوى اإلنتاج من ناحية‪ ،‬ومدى التطور‬
‫الحاصل فيها ونوعية العالقات السائدة والقامئة بني عنارصها من ناحي ٍة أخرى‪.‬‬
‫فيام يتعلق باملعيار األول‪ ،‬وخصوصا ما تعلق األمر منه بالحرية الجنسية‪،‬‬
‫يرى أنجلز‪ ،‬معتمدا يف ذلك عىل الدراسات واالكتشافات األنرثوبولوجية التي‬
‫جرت يف عهده‪ ،‬عىل ّأن هذا النوع من الحرية كان سائدا‪ ،‬وخصوصا لدى تلك‬ ‫ْ‬
‫القبائل والتجمعات البرشية التي كانت التزال تعيش املرحلة العليا من الوحشية‪،‬‬
‫إذ تشري التقارير «‪ ...‬إىل ّأن لحظات الحرية الجنسية لديهم من الكرثة الشديدة‬
‫لدرجة أنه ال ميكن افرتاض ّأن املوانع الكاملة موجودة أو ّأن كل مظاهر الزواج‬
‫القديم قد اختفت»(‪ .)42‬هكذا كان الحال يف أمريكا وأسرتاليا ويف الهند وبعض‬
‫شعوب أفريقيا‪ ،‬كذلك الرثاسيانز والسلتس القدماء يف أوروبا وكثري من السكان‬
‫‪86‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫غري األصليني يف الهند واملاليو وكثري من الهنود األمريكيني حتى يومنا هذا(‪ .)43‬بل‬
‫لقد ُو ِّثقت حالة كون النكوص عن مثل هذه الحالة وإعطاء املرأة الحق مبنح‬
‫نفسها لرجل واحد مبنزلة عقاب من اآللهة(‪ .)44‬وسوا ٌء أكان مثل هذا االنسحاب‬
‫فإن ما ميكن استخالصه من مثل هذا الوضع هو‬ ‫عقابا إلهيا أم العتبارات أخرى‪ّ ،‬‬
‫دور العوامل االقتصادية والتطورات التي أخذت تفعل فعلها يف هذا النوع من‬
‫املجتمعات من ناحية‪ ،‬وسعي النساء إىل تأكيد حقهنّ يف امتالك رجل واحد فقط‬
‫طلبا للعفة واالستقرار من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬وهو ما مل يكن لرييض الرجال عىل كل‬
‫حال(‪ .)45‬أما النتيجة التي يحاول ْأن يوصلها أنجلز إلينا‪ ،‬فهي كون مثل هذا امليل‬
‫الذي شغل مرحلة االنتقال من الرببرية الوسطى إىل الرببرية العليا‪ ،‬كان إيذانا‬
‫بظهور العائلة الزوجية مبعناها الحديث‪ ،‬وهي من ثم أحد مؤرشات الدخول يف‬
‫مرحلة املدنية‪ ،‬حيث أصبحت سيادة الرجل إحدى أبرز سامتها‪ ،‬ثم يدعمها يف‬
‫ذلك عائدية أطفالٍ غري مشكوك يف تحدرهم من صلب الرجل حرصا يك يستحقوا‬
‫وراثة أمالك أبيهم(‪ .)46‬وهو ما دفع بـأنجلز إىل وصف الزواج بأنه ليس «توافقا‬
‫لجنس آخر‪ ،‬فلم يكن‬ ‫ٍ‬ ‫جنس‬
‫بني الرجل واملرأة بأيّ حال‪[ ...‬بل] باعتباره خضوع ٍ‬
‫التنازع بني الجنسني قد ُأعلن إىل اللحظة التاريخية التي ظهر فيها الزواج» ‪.‬‬
‫(‪)47‬‬

‫أما عىل الصعيد اآلخر واملتعلق مبركز املرأة والسلطة التي تتمتع بها يف‬
‫مجتمعها‪ ،‬فنجد ّأن أنجلز يعتقد أ ّنه وطوال عهود املرحلة الوحشية وصوال إىل‬
‫نهاية املرحلة الوسطى من الرببرية‪ ،‬بل حتى جزء من املرحلة العليا فيها‪ ،‬كانت‬
‫السيادة فيها للنساء من ج ّراء االنتساب إىل األم‪ ،‬وهو ما يعني شغلهنّ مركزا‬
‫يتمتعن فيه باألهمية واالحرتام من لدن العشرية التي ينتمني إليها‪ .‬حيث ينقل‬
‫أنجلز عن آرثر رايت‪ ،‬أحد املبرشين الدينيني الذي عايش قبائل األيروكيوس‬
‫األمريكية سنني طويلة‪ ،‬والذي شهد مثل هذه املامرسات لدى الشعوب البدائية‬
‫التي تتشابه أوضاعها مع التجمعات البرشية خالل املراحل التطورية الوحشية‬
‫ظل محرتما عندهم‪ ...‬كانت نساء القبيلة‬ ‫والرببرية آنفة الذكر‪ ،‬قوله‪« :‬وضع املرأة ّ‬
‫املسيطرة تستولني عىل أزواج لهن من القبائل املجاورة‪ ،‬وكانت النساء هنّ الاليت‬
‫يحكمن املنزل‪ ،‬ومل يكن للزوج أو الحبيب أي دور يف األمر والنهي وقد كان ممكنا‬
‫بأن يحمل بطانية ويرحل‪ ،‬فكان ميتثل لألمر يف ذ ّل ٍة‬
‫ْأن تأمره املرأة يف أي وقت ْ‬

‫‪87‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫برصف النظر عن عدد األوالد الذين له يف املنزل أو األمتعة التي عنده‪ ...‬وقد‬
‫كل مكان آخر‪ ،‬لدرجة أ ّنه كان يف‬ ‫كانت النساء هن القوة العليا يف القبيلة ويف ّ‬
‫استطاعتهن ْأن ينزعن التاج من فوق رأس زعيم القبيلة ويعدنه فردا عاديا»(‪.)48‬‬
‫أما فيام يتعلق باملعيار الثاين‪ ،‬واملتصل بدور املتغريات الخاصة بعوامل‬
‫اإلنتاج ووسائل العيش‪ ،‬فإننا نجد ّأن أنجلز كان واضحا يف تأكيد مثل هذا الدور‪،‬‬
‫رمبا انسجاما منه مع ما تدعو إليه فلسفته املادية التاريخية‪ .‬فهو يروي لنا‬
‫التطورات التي شهدها العامل القديم لدى الشعوب اآلرية يف الهند‪ ،‬والساميني يف‬
‫ْ‬
‫حدثت من ج ّراء الرثوة‬ ‫حويض دجلة والفرات‪ ،‬وبعض الشعوب األخرى‪ ،‬والتي‬
‫التي تحققت لهم بسبب وفرة املياه وخصوبة األرض‪ ،‬وأثر ذلك يف زيادة قطعان‬
‫الحيوانات املستأنسة‪ ،‬وكيف أدى ذلك إىل تحول يف شكل ومحتوى العالقات‬
‫االجتامعية القامئة‪ ،‬والتي ستتطلب بدورها إسهاما أشد فعالية للرجال يتناسب‬
‫مع أدوارهم الرقابية ورعايتهم ملصالح أرسهم وقبائلهم وإدارتهم لشؤونها‪ ،‬مضفيا‬
‫قيمة أكرب عليهم‪ .‬هنا أصبح الرجل هو املالك‪ ،‬بعد ْأن تحولت ملكية القطعان‬
‫واألرض واملحراث من حيازة القبيلة إىل األفراد‪ ،‬كام أصبحت املرأة‪/‬الزوجة ُتشرتى‬
‫تختار الرجال‪ ،‬وتحول انتساب األبناء إىل آبائهم بعد أن‬ ‫بعد ْأن كانت هي من ْ‬
‫كان إىل أمهاتهم(‪.)49‬‬
‫إن تغري أدوار الجنسني يف إطار هذا التحول الذي شهدته املجتمعات بعامة‬
‫كان مبنزلة هزمية تاريخية عاملية لألنثى كجنس‪ ،‬عىل حدّ وصف أنجلز‪ .‬حيث‬
‫أصبح الرجل هو السيد وأضحت املرأة مجرد أدا ٍة إلشباع رغبته وراعي ٍة ألطفاله‪،‬‬
‫وفيها انتقلت املرأة من منتجة ومتحكمة إىل مستأنسة‪ ،‬محكومة ومتأ ّنقة‪ .‬هكذا‬
‫عصيهم البطويل والكالسييك‪ ،‬وكذلك لدى الرومان‬ ‫بدا الوضع لدى اإلغريق يف ْ‬
‫وصوال إىل العرص الحديث(‪ .)50‬بعبار ٍة أخرى أكرث وضوحا‪ ،‬كانت التطورات‬
‫حملت تباشري ظهور نظام امللكية عىل أنقاض‬ ‫ْ‬ ‫االقتصادية واالجتامعية التي‬
‫املشاعيات القدمية‪ ،‬مع كل ما مت ّثله من امتيازات للرجل‪ ،‬مبنزلة التحول األبرز‬
‫يف مكانة وأدوار املرأة‪ ،‬سواء عىل صعيد النشاطات اإلنتاجية أم عىل صعيد‬
‫اختياراتها املتعلقة بالحياة الجنسية‪ .‬وبذا تكون املرأة قد استسلمت للمطالب‬
‫قصة أخرى يف سفر املرأة حيث التبعية‬ ‫التي فرضها الوضع الجديد للرجل‪ ،‬لتبدأ ٌ‬

‫‪88‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫واالضطهاد من أبرز مؤرشاته‪ .‬ولكن‪ ،‬كيف السبيل إىل الخروج من هذا املأزق‬
‫التاريخي الذي وجدت املرأة نفسها فيه؟‬
‫ليس للمرأة سوى انتظار الحل عىل يد االشرتاكية‪ ،‬وهذا كل ما ميكن للنظرية‬
‫ظل منو قوى اإلنتاج ستنمو معها‬ ‫تبش به النساء‪ .‬إذ إ ّنه يف ّ‬
‫االشرتاكية بعامة ْأن ّ‬
‫امللكية الخاصة بالتبعية‪ ،‬وسينقسم املجتمع إثرها إىل طبق ٍة مست ِّغلة وأخرى‬
‫مست َّغلة‪ ،‬وسيزداد الرصاع الطبقي حدة كام سيزداد نطاق االستغالل عمقه‪ ،‬وهو‬
‫لشكل آخر جديد من أشكال‬ ‫ٍ‬ ‫ما سيؤدي باملجتمع القائم إىل ْأن يخيل مكانه‬
‫النظم االجتامعية‪ ،‬وذلك عرب ثورة وإىل تغي ٍري كامل يف شكل ومحتوى النظم‬
‫االجتامعية موضوع التغيري(‪ .)51‬هكذا تحول ال ّرق بوصفه شكل االستغالل األول‬
‫إىل ما اصطلح عىل تسميته «رقيق األرض» يف العصور الوسطى‪ .‬ونحن شاهدون‬
‫اآلن عىل ظهور طبقة جديدة من الرقيق هي العامل ُ‬
‫واألجراء يف عرصنا الحايل‪،‬‬
‫ومعها ستتهيأ األرضية املالمئة من أجل العبور إىل املرحلة التالية‪ ،‬حيث ال وجود‬
‫لالستغالل الطبقي فيها وال لالستغالل الجنيس أيضا(‪.)52‬‬
‫سلم من سهام النقد هذا التحليل املادي التاريخي الذي انتهجه أنجلز‬ ‫مل َي ْ‬
‫يف بحثه بخصوص قضية املرأة‪ .‬إذ حاول البعض ر ّد اللبس والغموض الذي أحاط‬
‫بهذا التحليل إىل أنجلز نفسه وليس إىل املنهج املادي التاريخي؛ وذلك بأنه مل‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫يستطع تطبيق هذه املنهجية كام يجب‪ ،‬أو أنه رمبا فشل يف عرضها‬
‫ْ‬
‫استهدفت كال من‬ ‫متامسك(‪ .)53‬كذلك ميكن مالحظة عد ٍد من أوجه النقد قد‬
‫املنهج آنف الذكر واملحاولة التي بذلها أنجلز عىل السواء‪ ،‬وميكن مالحظة ذلك‬
‫يف سياق ما ذهب البعض من النسويات إليه‪ ،‬سواء من بني املؤيدات لالتجاه‬
‫املاركيس أم من بني الراديكاليات ومنْ تبنني ّ‬
‫الحل االشرتايك لقضية املرأة‪.‬‬
‫فهو لدى البعض منهنّ يكاد يكون نكوصا من قبل أنجلز عن ماديته باتجاه‬
‫األخذ بالتأويل املثايل‪ .‬هذا إضافة إىل فشل هذه املناقشة يف استيعاب دور‬
‫العائلة(‪ ،)54‬بوصفها آلية تركيز للرثوة‪ ،‬يف فهم التوجهات التحولية داخل العائلة‬
‫البورجوازية وعوائل الطبقات العاملة‪ .‬وهو لدى أخريات منهنّ ‪ -‬أي املاركسيات‬
‫‪ -‬يتشابه مع النسوية يف كونهام نظريتني يف السلطة وعملية توزيعها التي تتميز‬
‫تعليل بشأن الكيفية التي أمكن‬ ‫ٍ‬ ‫بعدم عدالتها‪ .‬وهام من ثم تسعيان إىل تقديم‬
‫‪89‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ترتيبات‬
‫ٍ‬ ‫من خاللها تحويل الرتتيبات االجتامعية لعدم املساواة املنظمة يك تصبح‬
‫عقالنية عىل رغم كونها غري عادلة‪ .‬فاملاركسية‪ ،‬يف تحليلها لوضع املرأة وفق‬
‫فشلت يف تقديم حل لقضية املرأة‪ .‬أما السبب يف ذلك‬ ‫ْ‬ ‫ربا قد‬‫هذا املنهج‪ّ ،‬‬
‫فيجد حقيقته لدى القائالت بهذا االتجاه يف كون النظرية املاركسية تجعل من‬
‫ّ‬
‫واملشكل للعاملني‬ ‫العمل ‪ work‬ومن العالقات التي تنشأ يف إطاره مبنزلة الخالق‬
‫فإن العامل الذي سيخلقه العمل سيكون مختلفا‬ ‫املادي واالجتامعي‪ .‬وبهذا املعنى ّ‬
‫وإىل حد بعيد عن الشكل الذي تسعى النسوية إىل التفكري به وإحالله مكان‬
‫فمتأت من سعي النظرية‬‫ٍ‬ ‫العامل القائم اليوم‪ .‬أما السبب يف مثل هذا االختالف‬
‫املاركسية إىل إحالل عاملٍ تكون «الطبقة هي بنيته واإلنتاج هو محصلته وسيكون‬
‫الرأسامل هو شكله الصلب والسيطرة هي قضيته»(‪.)55‬‬
‫والعكس من ذلك هو ما تذهب إليه النظرية النسوية‪ ،‬والتي ترى يف الحياة‬
‫الجنسية ‪ sexuality‬العامل الجوهري يف تشكيل العامل االجتامعي‪ .‬تقول كاثرين‬
‫ماكينون ‪ ،Catharine MacKinnon‬إن الحياة الجنسية بالنسبة إىل النسوية‬
‫كالعمل بالنسبة إىل املاركسية(‪ ،)56‬فهي «العملية االجتامعية التي تخلق ّ‬
‫وتنظم‬
‫وتوجه الرغبة‪ ،‬خالقة بذلك الكائن االجتامعي الذي نعرفه كامرأة وكرجل‬ ‫وتعب ّ‬ ‫ّ‬
‫املنظم للعمل من قبل‬‫وعالقاتهام التي تخلق املجتمع‪ ...‬وكام يف حالة االستالب ّ‬
‫فإن االستالب‬‫البعض ملصلحة البعض اآلخر‪ ،‬والذي يحدّ د الطبقة – أي العامل ‪ّ -‬‬
‫املنظم للحياة الجنسية من قبل البعض الستخدامها من قبل آخرين من شأنه‬
‫ْأن يحدد الجنس‪ ،‬أي املرأة‪ .‬فالحياة الجنسية القامئة بني الجنسني هي بنيته‪،‬‬
‫معممة‬
‫والجندر والعائلة هام شكله الصلب‪ ،‬واألدوار الجنسية هي كيفيات ّ‬
‫للشخصية االجتامعية‪ ،‬واإلنجاب هو املحصلة‪ ،‬والسيطرة هي قضيته»(‪.)57‬‬

‫ثانيا‪ :‬موقف الوجودية من املرأة‪ :‬سيمون دي بوفوار منوذجا‬


‫مفك ٌرة فرنسية (‪ )1986-1908‬ت ّعد من بني الرائدات‬ ‫إن سيمون دي بوفوار ّ‬
‫يف الحقل النسوي‪ ،‬ومن اللوايت قدّ ْمن د ْعمهنّ الكامل للحركة النسوية من خالل‬
‫معالجتهنّ لتجارب النساء ضد ما ا ْعت ْربنه تس ّلطا وهيمنة ذكورية‪ .‬وميكن اعتبار‬
‫كتابها الذي وضعته تحت عنوان «الجنس اآلخر» يف العام ‪ 1949‬محاولة لتقديم‬
‫‪90‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫حل ملشكلة االضطهاد التي تعانيها النساء‪ ،‬عىل رغم ما ادّعتْه يف مقدمة الكتاب‬ ‫ٍّ‬
‫وأن‬‫من تردّد بشأن الخوض فيه نظرا إىل أن هذا املوضوع قد ُأوسع بحثا وتقصيا‪ّ ،‬‬
‫هناك الكثري من املداد قد سال من أجل هذا الغرض(‪.)58‬‬
‫لقد عمدت الكاتبة إىل تضمني هذا الكتاب مرشوعها الخاص يف التحرر من‬
‫هذا الوضع‪ ،‬ومبا ينسجم مع تصورها الوجودي العام يف هذا املجال‪ .‬ويشتمل‬
‫مرشوعها هذا عىل محاور ثالثة‪ .‬حيث تحاول الكاتبة يف البداية تقديم توصيفها‬
‫الخاص لوضع املرأة يف إطار عالقة التبعية والخضوع‪ ،‬ذلك الذي صاغه مجتمع‬
‫الرجال يك يتناسب مع حاجاتهم الخاصة‪ ،‬مع كل ما يحمله ذلك من استغالل‬
‫واضطهاد سوف تتحمله املرأة‪ .‬وهو ما يحمل‪ ،‬من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬قدرا من التربير‬
‫لألسباب التي ُي ْفرتَض يف النساء ْأن يعينها يك تتهيأ األذهان والعقول لتقبل فعل‬
‫التحرير الذي سيأيت الحقا‪ .‬ويف عني هذا االتجاه يأيت املحور الثاين ليتناول بالنقد‬
‫مجمل اآلراء والتفسريات التي ِسيقت من أجل تربير الواقع؛ بيولوجي ًة كانت أم‬
‫سيكولوجية أم اجتامعية وما شابه‪ ،‬يف محاولة من القائلني بهذه اآلراء لإلبقاء‬
‫عىل هذا الوضع‪ ،‬كام يتناول هذا املحور بالنقد أيضا املحاوالت الصادرة من قبل‬
‫النساء بخاصة‪ ،‬والرامية إىل إصالح هذا الوضع‪ .‬ويأيت أخريا املحور الثالث بحلولٍ‬
‫توجهات فلسفية وجودية‪ ،‬وإليكم التفاصيل‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫مستقاة من‬
‫املرأة هي «اآلخر»‪ ،‬وعليها ْأن تعي ذلك‪ ،‬هكذا يقول الرجل‪ ،‬وهو ما يذهب‬
‫جنس «آخر»؟ هذا هو ما تجيب عنه الكاتبة‬ ‫إليه عنوان الكتاب‪ .‬ولكن ملاذا هي ٌ‬
‫باإلشارة إىل أن «اآلخر» أو «الغريية» فكرة ّإنا تنْبع من كونها بنية فكرية‬
‫(‪)59‬‬

‫متأت‬‫ٍ‬ ‫عمنْ حوله‪ .‬وهذا‬ ‫أساسية‪ ،‬ومن خاللها يعي اإلنسان نفسه وميايزها ّ‬
‫بالرضورة من فكرة ّأن فهم اليشء ال ميكن تحققه إال حني يوضع يف مقابل يش ٍء‬
‫«آخر»‪ .‬وتتخذ هذه الثنائية شكل أمناط؛ الضياء‪ /‬الظلمة‪ ،‬املرأة‪ /‬الرجل‪ ،‬الحق‪/‬‬
‫فإن االنسان‪ /‬الرجل يعمد إىل‬ ‫الباطل‪ ،‬وهكذا دواليك‪ .‬ومن أجل ْأن يتح ّقق ذلك ّ‬
‫جعل نفسه «ذاتا» وغريه «آخر»‪ ،‬بحيث يغدو األمر س ّيان حني يكون هذا اآلخر‬
‫فردا أو جامعة‪ .‬وال يتوقف األمر عند هذا الحد‪ ،‬بل غالبا ما ُتس َقط صفات عىل‬
‫اآلخر من شأنها زرع عدم الثقة والشكوك والعدائية تجاهه‪ ،‬وقد تنتهي أخريا‬
‫بنظرة دونية إىل منْ يحمل تلك الصفة‪ .‬أما الهدف من وراء ذلك كله فهو ّأن يف‬
‫‪91‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫تكمن حالة رصاع بني الطرفني‪ ،‬وهو ال بد ْأن ينتهي ‪ -‬كأيّ‬ ‫واقعة الثنائية نفسها ْ‬
‫من حاالت الرصاع ‪ -‬بفرض أحدهام هيمنته وإرادته عىل الطرف اآلخر‪ .‬وهو ما‬
‫تح ّقق‪ ،‬عىل أي حال‪ ،‬يف عالقة الجنسني أحدهام مع اآلخر‪ .‬حيث متكن الرجل‬
‫تاريخيا من ج ْعل املرأة شكال من أشكال الوجود املع ّوق‪ ،‬فهي ال تعدو كونها‬
‫ربا جارية‪ُ ،‬ج ِّردت من حقوقها وحرياتها الطبيعية‪ ،‬وحتى يف حال‬ ‫مجرد تابعة أو ّ‬
‫ٌ‬
‫اعرتاف م ْبهم‪ .‬أما عىل الصعيد االقتصادي‪،‬‬ ‫االعرتاف بحقوقها وحرياتها هذه فهو‬
‫واضح للغاية وإىل الدرجة التي يظهر فيهام االثنان‬ ‫ٌ‬ ‫فإن خلل التعامل مع املرأة‬ ‫ّ‬
‫كأ ّنهام طبقتان منْفصلتان‪ .‬إذ عىل الرغم من تساويهام يف الجهد‪ ،‬فالرواتب األعىل‬
‫واملناصب الوظيفية األكرث أهمية وكذلك حظوظ النجاح يف التنافس عىل احتالل‬
‫حك ٌر عىل الرجال يف املقام األول‬ ‫املراكز‪ ،‬سواء يف عامل األعامل أو السياسة‪ ،‬هو ْ‬
‫دون النساء(‪.)60‬‬
‫املعب عنها يف مفهوم‬ ‫ولكن من أين جاء هذا الخضوع وهذه الدونية ّ‬
‫«اآلخر»؟‪ ،‬تتساءل الكاتبة‪ .‬فهل السبب هو ق ّلة العدد حيث تأخذ األغلبية يف‬
‫تربير سيطرتها بالتفاوت العددي عىل األقلية‪ ،‬أو ّأن هناك حدثا تاريخيا ما ُف ِرض‬
‫من ج ّرائه وبسببه الخضوع عىل النساء كام حدث للعبيد أو للطبقة العاملة عىل‬
‫بسبب من عدم أهميتها؟(‪ )61‬الجواب عن كل‬ ‫ٍ‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬أو أنه قد جرى ذلك‬
‫اجع إىل جملة‬ ‫تذهب الكاتبة إىل ذلك بالنفي‪ .‬أما السبب فر ٌ‬ ‫هذه التساؤالت كام ْ‬
‫كم‬
‫ببعض من أجل إنتاج هذا الوضع‪ .‬يضاف إىل ذلك ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬
‫تداخلت بعضها‬ ‫معطيات‬
‫ٍ‬
‫العتبارات‬
‫ٍ‬ ‫من التواطؤات من قبل املرأة ذاتها‪ .‬فهي ال ترغب داخليا يف فعل ذلك‬
‫تتع ّلق برغبتها يف الهرب من الحرية التي تعني تحمل مسؤولية قدرها الخاص‪،‬‬
‫ألسباب تتصل هذه املرة باألعراف‬ ‫ٍ‬ ‫ربا‬ ‫ْ‬
‫استطاعت إمتامه ّ‬ ‫وحتى لو فعلتْه ملا‬
‫وربا بسبب عدم رغبتهنّ يف فقد املكانة واالمتياز‬ ‫والتقاليد التي تحيط بكليهام‪ّ ،‬‬
‫اللذين مينحن إياها‪ ،‬أو بعضهنّ عىل األقل‪ ،‬عند «ارتباطهنّ بالطبقة األعىل» ‪.‬‬
‫(‪)62‬‬

‫ْ‬
‫سيقت من أجـــل إقنـــاع املرأة‬ ‫كل ذلك كـــم التربيرات التــي‬ ‫يضاف إىل ّ‬
‫بدونيتها – وهو ما حاول معادو املرأة االحتجاج به ‪ -‬من ّأن هذا هو قدر املرأة‪،‬‬
‫بوصفها املخلوق املنفعل يف إطار عالقتها بالفاعل الذي هو الرجل‪ .‬بل لقد ذهب‬
‫«طارئ» وهو ما كانت قد‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مخلوق‬ ‫البعض إىل القول مع سان توماس ّ‬
‫بأن املرأة‬
‫‪92‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫أ ّكد ْته معطيات البيولوجيا وعلم االجتامع ونتائج التحليل النفيس‪ ،‬بحيث ال‬
‫تسعف الكتابات النسوية يف‬ ‫صحة مثل هذا االدعاء‪ .‬كام مل ْ‬ ‫يبقى مجال ّ‬
‫للشك يف ّ‬
‫أمر معالجة مثل هذه األوضاع شيئا يذكر؛ إذ جاءت هذه الكتابات وهي متيل يف‬
‫أغلبها إىل التفسري أكرث منها رغبة يف املطالبة باإلصالح‪.‬‬
‫ويف محاولتها إثبات خطأ مثل هذه االدعاءات‪ ،‬عمدت دي بوفوار إىل التحول‬
‫صوب العلوم الحياتية باحثة عام ي ْثبت كون الذكر هو املوجود الطارئ وليس األنثى‪،‬‬
‫بشكل جذري»(‪ ،)63‬فاستشهدت بأنه لدى العديد من‬ ‫ٍ‬ ‫أو أنه رمبا «غري ذي فائد ٍة‬
‫أنواع النباتات والحيوانات هناك ما يسمى باإلخصاب الداخيل ج ّراء ح ْمل النباتات‬
‫لكل من األعضاء الذكرية واألنثوية معا‪ ،‬ثم هناك من إناث الحرشات ما هي‬ ‫ٍّ‬
‫قادرة عىل التوالد من دون الحاجة إىل اإلخصاب من قبل الذكر‪ ،‬كالقمل والنمل‬
‫والنحل واإلسفنج ونجمة البحر وحتى الضفادع‪ ،‬ناهيك عن العدد الكبري من األحياء‬
‫املجهرية األخرى‪ .‬وتخلص من هذا كله‪ ،‬عىل رغم عدم اتفاقها الكامل مع ما تذهب‬
‫بعض من النسويات يف هذا الشأن‪ ،‬إىل أن املرأة ليست مج ّرد كيان سلبي‬ ‫إليه ٌ‬
‫وأن دورها يف عملية اإلنجاب دو ٌر كبري يتجاوز ما وقر يف أذهان الرجال‪ ،‬وهو‬ ‫منْفعل‪ّ ،‬‬
‫مام ال يس ّوغ عىل أي حال النتيجة التي تذهب إىل ّأن البيت هو املكان الطبيعي‬
‫صحيح ّأن املعطيات البيولوجية املعقدة لدى املرأة من األهمية مبكان يف‬ ‫ٌ‬ ‫للمرأة‪.‬‬
‫أداء أدوار شديدة التأثري يف حياة املرأة وتاريخها؛ إذ إ ّنه باإلضافة إىل التاميزات‬
‫الجنسية الظاهرة‪ ،‬هناك خصائص لدى املرأة تنبع منها بشكل مبارش أو غري مبارش‪،‬‬
‫فهنّ أقرص قامة يف املتوسط من الرجل وأضعف من الناحية العضلية وأكرث هشاشة‪،‬‬
‫ويست ّمر هذا التاميز ليشمل الرتكيب الداخيل‪ ،‬كجهاز التنفس والدم‪ ،‬هذا إىل جانب‬ ‫ْ‬
‫أن عدم االستقرار الهرموين والنفيس مبنزلة سم ٍة من السامت الجلية لرتكيباتهنّ‬
‫العضوية‪ .‬ولكن هل ميكن ملثل هذه السامت ْأن تكون أساسا صحيحا يجري من‬
‫وقيم وترصفات ضمن تراتبات اجتامعية جامدة‬ ‫خالله وباالستناد إليه بناء مفاهيم ٍ‬
‫تح ّدد لإلنسان مصريه‪ ،‬كام ميكن من خاللها تفسري السبب الذي يجعل من املرأة هي‬
‫ثم بالبقاء يف حالة التبعية للرجل إىل األبد؟(‪.)64‬‬
‫«اآلخر» ويحكم عليها من ّ‬
‫السؤال تجيب عنه الكاتبة بالقول‪« :‬ال يبدو الضعف ضعفا إال يف ضوء‬ ‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫األهداف التي يطرحها اإلنسان‪ ،‬واألدوات التي يستخدمها والقوانني التي ي ْفرضها‬
‫‪93‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫عىل نفسه‪ .‬فإذا مل يكنْ أصال يريد التأثري يف العامل‪ ،‬فلن يكون لفكرة التأثري‬
‫يف األشياء معنى؛ وعندما يكون استعامل القوة الجسدية غري مطلوب يف هذا‬
‫الضبط‪ ،‬وذلك وفق الحد األدىن القابل لالستعامل‪ ،‬تلغى الفوارق؛ هناك حيث‬
‫مينع الع ْرف العنف‪ ،‬ال تستطيع قوة العضالت التأسيس للسيطرة‪ ...‬إذا كان‬
‫االحرتام أو الخوف اللذان توحي بهام املرأة مينعان من استخدام القوة ضدّ ها‪،‬‬
‫فتف ّوق الذكر العضيل ليس مصدرا للسلطة»(‪ .)65‬وكام أنه ال يكفي ْأن نعرف املرأة‬
‫بداللة بنيتها الجسدية وتركيبها العضوي الداخيل بوصف ذلك مسوغا للهيمنة‬
‫التي ْميليها الذكر عليها‪ ،‬فإنه من غري الصحيح تعريفها من خالل إدراكها الخاص‬
‫املتخصصون يف التحليل النفيس‪ ،‬مسقطني من‬ ‫ّ‬ ‫لكونها أنثى‪ ،‬كام يذهب إىل ذلك‬
‫اعتبارهم ذاك التأثري الذي ميارسه املجتمع عليها يف هذا املجال‪ ،‬فالحياة هي يف‬
‫التحليل األخري حالة من التأ ّثر بالعامل املحيط وهي يف الوقت نفسه خيا ٌر يلتزم‬
‫املرء به يف عالقته بهذا العامل(‪.)66‬‬
‫ولكن ماذا عن موقف دي بوفوار من التفسري الذي وضعته املاركسية يف‬
‫بحثها عن أسباب االضطهاد التي ذهبت املرأة ضح ّيتها‪ ،‬والوسائل التي اقرتحتها‬
‫من أجل الخالص من هذا الوضع؟ ميكن تلخيص موقف املاركسية يف نسختها‬
‫الكالسيكية عىل ماركس وأنجلز‪ ،‬كام هي لدى دي بوفوار‪ ،‬يف عدد من النقاط؛ تبدأ‬
‫يف تأويلهام لواقعة اضطهاد املرأة بأنها تعود يف األساس إىل ظهور امللكية الفردية‪،‬‬
‫وسينتج عن ذلك إدراجها ضمن قامئة املستغلني الذين سيشكل استغاللهم ذاك‬
‫ثم سيرسي عليهنّ‬ ‫رشطا النخراطهم وانخراطهنّ بعامة يف الطبقة العاملة‪ ،‬ومن ّ‬
‫يف النهاية قانون الرصاع الطبقي ذاته الذي يجري عىل أفراد الطبقة العاملة من‬
‫الرجال‪ .‬ولكن كيف ميكن تربير رسيان قانون الرصاع الطبقي عىل النساء‪ ،‬خصوصا‬
‫مع معرفتنا ّأن الطبقات ما هي إال كيانات أو تراكيب اقتصادية بالدرجة األوىل‪،‬‬
‫حيث يقوم االنقسام فيام بينها عىل أساس من ملكية وسائل اإلنتاج‪ ،‬وليس عىل‬
‫أساس من االنقسامات البيولوجية‪ ،‬كام هو الحال يف التمييز بني النساء والرجال‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫يضاف إليه كون العالقة الجنسية التي تربط الرجل واملرأة ال ميكن بأي حال من‬
‫األحوال مقارنتها بالعالقة التي تربط العامل بالرأساميل‪ .‬وحتى لو أمكن التغايض‬
‫ّ‬
‫فسيظل عمل املرأة يف جانبه األكرب عص ّيا عىل‬ ‫عن مثل هذا التأويل لوضع املرأة‪،‬‬
‫‪94‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫رشكت النساء جميعهنّ‬ ‫الحساب والقياس أل ّنه عمل غري مأجور‪ ،‬إال يف حال ما ُأ ِ‬
‫أمر يصعب إدراكه يف املستقبل املنظور عىل‬ ‫يف األعامل اإلنتاجية املأجورة‪ ،‬وهو ٌ‬
‫يتجسد يف صعوبة االستغناء عن دور املرأة اإلنجايب بخاص ٍة‬
‫لسبب بسيط ّ‬ ‫ٍ‬ ‫األقل‪،‬‬
‫آخر يدعونا إىل تأكيد فشل مثل هذا التأويل‬ ‫سبب ٌ‬
‫والبيتي بعامة‪ .‬أيضا‪ ،‬هناك ٌ‬
‫يف تحقيق أغراضه‪ ،‬ويتمثل برأي الكاتبة يف التواطؤ الذي نجده لدى املرأة نفسها‬
‫مع الرجل يف استدامة مثل هذا الوضع‪ ،‬فعىل العكس من الطبقة العاملة التي‬
‫تفكر‬‫مضطهديها من الرأسامليني‪ ،‬نرى املرأة ال تستطيع‪ ،‬بل ال ّ‬ ‫تضمر الثورة عىل ْ‬ ‫ْ‬
‫يف التخلص من االضطهاد والتخلص من املضطهدين‪ .‬تقول دي بوفوار ّ‬
‫إن املرأة‬
‫تسكنها أيّ رغبة يف الثورة‪ ،‬وال تستطيع إلغاء نفسها كجنس‪ .‬فهي تطلب‬ ‫«‪ ...‬ال ْ‬
‫فقط إزالة بعض نتائج الخصوصية الجنسية‪ .‬ما هو أكرث أهمية أيضا‪ ،‬هو أننا ال‬
‫نستطيع من دون سوء ن ّي ٍة اعتبار املرأة عاملة فقط؛ فوظيفتها اإلنجابية مهمة‬
‫كقدرتها اإلنتاجية»(‪.)67‬‬
‫يتعي عىل املرأة ا ّتباعه بغية الخروج‬
‫يبقى السؤال أخريا عن األسلوب الذي ّ‬
‫من هذه الدائرة الجهنمية التي مت ّثلها حالة التبعية والخضوع التي وقعت فيها‪،‬‬
‫من منظور ّ‬
‫منظرتنا؟‬
‫عمنْ هو أعىل أو‬‫ويف هذا السياق تقول دي بوفوار بوجوب تجاوز البحث ّ‬
‫كل املحاوالت‬‫إن ّ‬‫أدىن‪ ،‬أو حتى السعي من أجل املساواة بني الرجل واملرأة‪ .‬إذ ّ‬
‫مضيعة للوقت والجهد فيام ال طائل‬‫ٌ‬ ‫الذاهبة وراء مثل هذه األغراض ما هي إال‬
‫من ورائه‪ .‬لذا ال بد من الخروج من دائرة النقاش بشأن هذه املواضيع واألفكار‬
‫القدمية والعمل عىل رفضها‪ .‬والقضية األوىل‪ ،‬يف إطار وضع الحلول التي يجب‬
‫الخصم والحكم يف آن واحد‪.‬‬ ‫وضعها يف الحسبان‪ ،‬تتم ّثل يف كون الرجال هم ْ‬
‫حكم محاي ٍد ونزي ٍه ميكن الرجوع إليه يف تقرير مدى‬‫وهو ما يعني أيضا غياب ٍ‬
‫أح ّقية مطالب كال الطرفني‪ ،‬وخصوصا فيام آلت إليه أوضاع النساء‪ ،‬والتي ما‬
‫كان للطرف اآلخر؛ أي الرجال‪ْ ،‬أن يحصدوا مثل هذه االمتيازات لوالها‪ .‬تتأسس‬
‫عىل مثل هذه الحالة رضورة عودة النساء إىل أنفسهنّ واألخذ بزمام املبادرة‬
‫يف تحرير أ ْنفسهنّ ‪ .‬فالنساء هنّ أعرف من الرجال بدقائق «العامل األنثوي» وما‬
‫الذي تعنيه كلمة «األنثى» من معانٍ ‪ .‬وهو ما ال ميكن تحقيقه إال من خالل‬
‫‪95‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫املرشوع «الوجودي»‪ ،‬بوصفه املرشوع الذي سيو ّفر للمرأة الخالص الذي تبحث‬
‫يستمد هذا املرشوع أصوله من‬ ‫وضع الدونية الذي أسكنها الرجل فيه‪ّ .‬‬ ‫عنه من ْ‬
‫الفلسفة الوجودية التي ْميتدّ تاريخها إىل الفيلسوف سقراط وفق ما يذهب‬
‫إليه توماس فلني ‪ ،Thomas R. Flynn‬واستمرت يف الحضور بوصفها أحد‬
‫التيارات الفلسفية األخالقية السائدة يف الغرب‪ ،‬ولكنّها ْ‬
‫عانت عدم االهتامم بها‬
‫إ ّبان سيطرة الفلسفات الباحثة عن الحقائق العلمية بدءا من فلسفة ديكارت‪،‬‬
‫منظري أوائل القرن التاسع عرش(‪ .)68‬عادت‬ ‫ثم يف الوضعية عىل يد ّ‬ ‫وتبلورت من ّ‬
‫الوجودية يف بداية القرن العرشين لتحتل مكانها املؤ ّثر بوصفها تيارا فلسفيا‬
‫أخالقيا يف الغرب‪ ،‬وباعتبارها ر ّد فعل عىل الحتميات التي م ّثلتها الفلسفات‬
‫الشمولية؛ الشيوعية والفاشية‪ ،‬يف محاول ٍة من القائلني بها إلعطاء اإلنسان‪،‬‬
‫بوصفه ذاتا حرة ‪ ،Free Self‬املجال أمام محاولته تشكيل ذاته الخاصة مبعزلٍ‬
‫عن ‪ -‬أو رمبا بالضدّ من ‪ -‬املوانع والظروف‪ .‬وهي بهذا الوصف ستعمل عىل‬
‫وضع اإلنسان «مواجها لذاته‪ ،‬ح ّرا يختار لنفسه ما يشاء»‪ ،‬عىل حدّ زعم جان‬
‫بول سارتر ‪.)69(Jean-Paul Sartre‬‬
‫تتجسد يف االعرتاف بالوجود «بوصفه‬ ‫ّ‬ ‫إن املس ّلمة األساسية يف الوجودية‬
‫ّ‬
‫سابقا عىل املاه ّية‪ ،‬أو ّأن الذاتية تبدأ أوال» ‪ .‬وهذا يعني أ ّنه ليس لإلنسان‬
‫(‪)70‬‬

‫ثم فهو يشرتك يف صفاتها العامة مع‬ ‫من طبيع ٍة معينة كان قد ُص َّب بها ومن ّ‬
‫غريه من البرش‪ ،‬وهو ما تقصده الوجودية بكلمة «املاه ّية»‪ ،‬والتي يذهب كثري‬
‫من الناس إىل اإلميان بأ ّنها أسبق من «الوجود» أو الذات‪ .‬أما تفسري ذلك فهو‬
‫«أن اإلنسان يوجد أوال‪ ،‬ثم يتع ّرف إىل نفسه‪ ،‬ويحتّك بالعامل الخارجي فتكون‬ ‫ّ‬
‫له صفاته‪ ،‬ويختار لنفسه أشياء هي التي تحدّ ده‪ ،‬فإذا مل تكن لإلنسان يف بداية‬
‫حياته صفات محددة‪ ،‬فذلك أل ّنه قد بدأ من الصفر‪ .‬أي أ ّنه بدأ ومل يكنْ شيئا‪.‬‬
‫وهو لن يكون شيئا إال بعد ذلك‪ ،‬ولن يكون سوى ما قدّ ره لنفسه‪ .‬وهكذا ال‬
‫يكون لإلنسانية يش ٌء اسمه الطبيعة البرشية‪ ...‬فاإلنسان يوجد ثم يريد ْأن يكون‪،‬‬
‫ويكون ما يريد ْأن يكونه بعد الق ْفزة التي ي ْقفزها إىل الوجود‪[ ...‬و] يكون أول‬
‫كل فرد وصيا عىل نفسه ومسؤوال‬ ‫وضعها ّ‬ ‫آثار الوجودية املرت ّتبة عىل ذلك هو ْ‬
‫عام هو عليه مسؤولية كاملة»(‪.)71‬‬
‫‪96‬‬
‫امل ِّ‬
‫ؤثرات الفكرية يف تكوين العقل الغربي ‪...‬‬ ‫ُ‬

‫التوصل إليها يف هذا الصدد‪ ،‬هي افرتاض «غري الوجودية»‬ ‫والخالصة التي ميكن ّ‬
‫ّأن الطبيعة‪ ،‬مبعنى املاه ّية‪ ،‬هي معطى ثابت وي ْفرتض يف املرء ْأن يتق ّبله بوصفه‬
‫اض عىل األوضاع القامئة ّإنا يشري إىل‬ ‫قدره الخاص‪ ،‬فتتْبع ذلك فكرة ّأن أيّ اعرت ٍ‬
‫تجاوز دائرة هذا املعطى الطبيعي والثابت‪ .‬أما الوجودية‪ ،‬فهي من ناحيتها ال ترى‬
‫ّأن هناك طبيعة ثابتة ت ْفرض عىل اإلنسان فرضا مثل القدر‪ ،‬بل ّإن اإلنسان ٌ‬
‫ذات‬
‫مخية وحرة تخلق قدرها الخاص والسيام يف تساميها وتعاليها عىل واقعها الذي‬ ‫ّ‬
‫يحيطها‪ .‬بعبار ٍة أخرى أكرث تلخيصا‪ ،‬تتحدث الوجودية عن اإلنسانية يف رفضها‬
‫القيم املسبقة والطبيعة املفرتضة واملسبقة لإلنسان‪ .‬ولكن كيف عملت السيدة‬
‫دي بوفوار عىل صياغة مرشوعها وفق مس ّلامت ومطالب الوجودية تلك؟‬
‫يقوم تصور دي بوفوار عىل توضيح ما للحرية من مكانة خاصة يف تحقيق‬
‫الذات اإلنسانية التي يتط ّلبها املرشوع‪ ،‬فهو يتجاوز ما للحظوظ واألقدار ‪ -‬سواء‬
‫أكانت األخرية بعينها من طبيع ٍة اجتامعية‪/‬اقتصادية أم نفسية أم طبيعية ‪ -‬من‬
‫تأث ٍري يف إرادة الفرد ورغبته يف التح ّرر واالستقالل‪ .‬هذا النوع من الحرية الذي‬
‫يستكمل أبعاده إال من خالل االنطالق الدائم نحو حريات‬ ‫تبحث عنه النساء لن ْ‬
‫مستقبل مفتوح‪ ،‬أما التقوقع عىل‬‫ٍ‬ ‫أخرى‪ ،‬ال توقف وال كمون بل انطالق نحو‬
‫ثم الرضا به‪ ،‬فهو مبنزلة سقوط أخالقي يف‬ ‫الذات والتوقف عند الواقع ومن ّ‬
‫مطلق يف أسوأ األحوال وخصوصا متى ما أخذ ذلك‬ ‫ٌ‬ ‫أحسن األحوال‪ ،‬بيد أ ّنه دا ٌء‬
‫شكل ك ْب ٍت وقمع‪ .‬وهذا هو واقع املرأة كام خربته دي بوفوار نفسها‪ .‬إذ نجد‬
‫أ ّنها متتلك وال بدّ حرية مستقلة بوصفها «إنسانا»‪ ،‬وهي رسعان ما ستكتشف‬
‫نفسها وتختار مصريها ولكن يف عاملٍ ُش ِّكل من قبل الرجال‪ ،‬وحددوا لها يف إطاره‬
‫فإن وضع‬ ‫مكانها الخاص‪ .‬فهي جزء من الثنائية؛ هي اآلخر الثانوي‪ .‬من هنا‪ّ ،‬‬
‫يكمن يف ذلك النوع من الرصاع الذي تعانيه املرأة بني ْأن‬ ‫املرأة يف هذه الدراما ْ‬
‫وخروج عىل التبعية‬
‫ٍ‬ ‫تكون ذاتا كاملة بكل ما يعنيه ذلك من حري ٍة واستقالل‬
‫وضع جعل‬‫مخية‪ ،‬أو الرضوخ ملطالب ٍ‬ ‫املفروضة عليها من قبل الرجال‪ ،‬أي ذاتا ّ‬
‫مشكال وفق ما تقتضيه مصالح اآلخرين‪ .‬فأمساة املرأة والحالة هذه‬ ‫منها شيئا ّ‬
‫تطرح نفسها دوما كأساس‬ ‫ذات ْ‬
‫لكل ٍ‬ ‫هي ذلك «الرصاع بني املطالب األساسية ّ‬
‫وضع يجعل منها غري أساس»(‪.)72‬‬ ‫وبني متطلبات ٍ‬
‫‪97‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫بأن املواقف حول دور النساء‬ ‫يف ضوء ما تقدم‪ ،‬ميكن الخلوص إىل القول ّ‬
‫وقدراتهنّ ليست من بنات أفكار الليربالية بعامة‪ ،‬كام أ ّنها مل تخلق بذاتها‬
‫وجدت‬‫ْ‬ ‫التمييز بني املجالني العمومي واملنزيل‪ ،‬بل عىل العكس من ذلك‪ ،‬فقد‬
‫هذه املواقف قبل ظهور الليربالية بقرونٍ عديدة أو حتى بآالف السنني‪ .‬فهي يف‬
‫جوهرها وجهات نظر ذكورية موروثة من املراحل ما قبل الليربالية ‪.pre-liberal‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬قد تتعارض نظريات أفالطون وأرسطو وهيغل وكذلك عامنوئيل كانت‬
‫كل املسائل‪« ،‬ولكن من الغريب ّأن‬ ‫وجون ستيوارت ميل وروسو ونيتشه يف ّ‬
‫موحدة‬ ‫املفكرين حينام يعالجون موضوع املرأة يبدون كأ ّنهم يف جبه ٍة ّ‬ ‫هؤالء ّ‬
‫املفكرون الذكور هؤالء‪ ،‬مهام كانت اتجاهاتهم ضمن ألوان‬ ‫متامسكة»‪ .‬فقد أ ّيد ّ‬
‫حص النساء يف الحياة املنزلية وفصل هذه الحياة‬ ‫الطيف السيايس‪ْ ،‬أن يكون ْ‬
‫عن مجايل الدولة واملجتمع املدين أمرا م ّربرا من زاوية نظرهم‪ ،‬وذلك بسبب‬
‫إن‬ ‫خصوصية النساء وطبيعتهنّ العاطفية وغري الشاملة ‪ .non-universal‬إذ ّ‬
‫املرأة لكونها ال تعرف إال روابط الحب والصداقة‪ ،‬فإ ّنها ستم ّثل شخصا خطرا‬
‫ربا ستغدو عىل استعدا ٍد للتضحية باملصلحة‬ ‫يف الحياة السياسية‪ .‬ذلك أ ّنها ّ‬
‫العامة لخدمة عالقاتها الشخصية أو تفضيالتها األنثوية الخاصة ‪ .‬ومن ناحي ٍة‬
‫(‪)73‬‬

‫أخرى‪ ،‬يالحظ ّأن التمييز الليربايل بني العمومي والخصويص ليس متييزا صارما بني‬
‫فضاءين فيزيائيني‪ :‬فاملجتمع املدين والدولة ّإنا يوجدان يف الفضاء املكاين نفسه‬
‫وال يتع ّلق األمر إال بالتمييز عىل مستوى املقاصد واملسؤوليات‪ .‬أي ّأن العمل يف‬
‫تحمل مسؤولية خدمة املصلحة املشرتكة والذي‬ ‫املجال العمومي مثال يقتيض ّ‬
‫يتحدّ د مفهومه من خالل احرتام مصالح جميع الفرقاء وبصور ٍة حيادية‪ .‬أما يف‬
‫بالترصف عىل نح ٍو حيادي‪ ،‬بل هو ح ٌّر‬
‫ّ‬ ‫ملزم‬
‫فإن الشخص غري ٍ‬ ‫مجاله الخصويص‪ّ ،‬‬
‫يف إنجاز أهدافه وغاياته ولكن يف نطاق احرتام حقوق وحريات غريه من األفراد‪،‬‬
‫ملزم بدعم جهود اآلخرين بهدف تحقيق الغايات املشرتكة‪ .‬هذان‬ ‫وكذلك هو ٌ‬
‫النوعان من األنشطة ميكن ْأن ينجزا يف أيّ مكانٍ من زوايا املجتمع(‪.)74‬‬

‫‪98‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫‪4‬‬

‫ُأسس النظرية النسوية‪:‬‬


‫العدالة النسوية‬
‫وثنائية الذكر ‪ُ -‬‬
‫األنثى‬
‫وجدلية العام ‪ -‬اخلاص‬

‫تعتمد النظرية النسوية عىل االفرتاض الضمني‬


‫القائل بأ َّنها ستساعد يف تحرير املرأة؛ لذا‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫النظرية النسوية ليست دراسة غري ُملتزمة عن‬
‫ات من الحركة‬‫تبص ٍ‬
‫املرأة‪ ،‬بل هي محاولة لِجمع ّ‬
‫النسوية ومن تجارب ُأنثوية متنوعة‪ ،‬مع تجميع‬
‫مقاربات جديدة‬
‫ٍ‬ ‫للدراسات والبيانات ُبغية إنتاج‬
‫األنثى‪ .‬وعىل الرغم من‬ ‫لِفهم وإنهاء اضطهاد ُ‬
‫كون هذه النظرية تبدأ بالحاجة العاجلة إىل‬
‫إنهاء اضطهاد املرأة‪ ،‬فإ ّنها كذلك تع ّد طريقة‬
‫يف النظر إىل العامل قامئة عىل وضع تصو ٍر جديد‬
‫عن العدالة ُ‬
‫يأخذ يف ُحسبان ِه ذلك الجزء املَنيس‬
‫من العامل الذي َندعو ُه «النساء»‪ ،‬بدال من ْأن‬ ‫«عـــاد ًة مـا يجـــري إقصاء الحياة‬
‫املنزلية من َ‬
‫دائرت الدولة واملجتمع‬
‫تبقى طريقة النظر مقصورة عىل الرجال مع‬ ‫املدين م ًعا»‬

‫‪99‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫كل ما تر َّت َب عىل ذلك من تسويغ لالفتئات عىل الحقوق والحريات األساسية‬ ‫ِّ‬
‫والفرص والكرامة اإلنسانية‪ ،‬وما ُيكنُ ْأن َت ُج َّر إلي ِه زاوية النظر الجديدة من‬
‫نتائج وآثار حميدة بالرضورة عىل األفراد واملجتمعات‪ ،‬فضال عن الطبيعة والحياة‬
‫اإلنسانية بعامة‪.‬‬
‫نظرة متكا ِم ٌلة إىل العامل من زوايا جديدة‪،‬‬‫مبعنى آخر‪ ،‬الحركة النسوية هي ٌ‬
‫أو هكذا ُيفرت َُض ْأن تكون‪ ،‬وليست قامئة طويلة «لقضايا ومطالِ ِب املرأة»‪ .‬و ُتقد ُِّم‬
‫النظرية قاعدة لِفهم العديد من مجاالت حياتنا املعارصة‪ ،‬بحيث ُيكن لهذا التصور‬
‫ماثل يف‬‫أن ُيؤ ِّث َر يف العامل سياسيا وثقافيا واقتصاديا وحتى روحيا‪ .‬عىل ْأن َي َظ َّل ِ‬
‫الذهن أن هدف هذه النظرية ال يقترص عىل تقديم مجموع ٍة من اإلجابات بشأن‬
‫األسباب والعوامل‪ ،‬بل هي تهدف أيضا إىل العمل عىل إرشادنا إىل ُطرقِ تصنيف‬
‫وترتيب خياراتنا‪ ،‬وهو ما من شأن ِه ْأن ُيخ ِر َجنا من مأزق «أيّ إجراء‪ /‬الالإجراء»‪،‬‬
‫يض املرء ُقدما باعتام ِد إجرا ٍء ما‪ ،‬أ ّيا كان اإلجراء ا ُملتخذ‪ ،‬وذلك لِمجرد‬‫مبعنى ْأن َي َ‬
‫اتخاذ إجراء‪ ،‬أو ْأن ُيصاب بالشلل فال يتّخذ أيَّ إجرا ٍء عىل رغم رضورة اتخاذ ِه‪ .‬كام‬
‫تجعلنا هذه النظرية عىل دراي ٍة باألسئلة التي َينبغي طرحها‪ ،‬بحيث ّإن ما نتع ّلم ُه‬
‫كل نشاط سيقود إىل مزيد من االسرتاتيجيات الفاعلة يف املستقبل(‪.)1‬‬ ‫يف ِّ‬
‫األسس الفكرية‬ ‫وهذا ما سيدعونا إىل تسليط الضوء عىل مجموع ٍة من ُ‬
‫لت املطلب األساس‪ ،‬وتأيت يف املقدمة منها‪:‬‬ ‫للنظرية السياسية النسوية والتي َّ‬
‫شك ْ‬
‫األنثى‪ ،‬فضال عىل بيان ما لِ َجدلية املجال‬ ‫ظل ُثنائية الذكر ‪ُ -‬‬‫العدالة النسوية يف ِّ‬
‫العام واملجال الخاص من أهمي ٍة لِمطلب العدالة ومن تأث ٍري يف هذا الخصوص لدى‬
‫النسويات أنفسهنَّ ‪.‬‬

‫املبحث األول‬
‫العدالة النسوية‬
‫العدالة بشكل عام‪ ،‬ووفقا للمنظور النسوي‪ ،‬هي ما كانت تبحث عنها النسوية‬
‫يف مطالباتها بوصفها حركة وباعتبارها نظرية‪ .‬ولكن‪ ،‬يف املقابل‪ ،‬هل َحظيت املعانا ُة‬
‫التي عربت عنها النسويات‪ ،‬وكذلك مطالبا ُتهنَّ باملساواة يف الحقوق مع الرجال‪،‬‬
‫باالهتامم الالزم وخصوصا من قبل ِّ‬
‫املنظرين؟ ثم هل َعن َْت هذه القضايا شيئا أو‬
‫‪100‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫غلت مكانها الالئق يف النظريات الخاصة بالعدالة؟ مثل هذه التساؤالت كانت‬ ‫َش ْ‬
‫اهتامم من لدن عدد من النسويات‪ ،‬وهو بالضبط ما دفع سوزان مولَر أو َكني‬ ‫ٍ‬ ‫محل‬
‫املنظرات النسويات‪ ،‬إىل الخوض فيه والتساؤل عن‬ ‫‪ ،Susan Moller Okin‬إحدى ِّ‬
‫املعنى والغرض من وراء استثناء النساء من العدالة املنصوص عليها دميوقراطيا‪،‬‬
‫سواء أكان ذلك عىل صعيد املبادئ أم املامرسات‪ ،‬وذلك بقولها‪« :‬نحن نعيش أزم َة‬
‫عدالة»(‪ )2‬رئيسة يف مجتمعنا املعارص‪ .‬فإذا كانت العدالة‪ ،‬من منظور أو َكني ‪،Okin‬‬
‫فت َُض أ َّنهم متساوون‪ ،‬بشكل‬ ‫تعني التساؤل عن كيف وملاذا ُيعا َمل الناس الذين ُي َ‬
‫مختلف‪ ،‬وإذا كانت نظرياتنا التي تدور حول العدالة تبحث يف األوضاع األصلية‬
‫‪ initial‬وا ُملكتَسبة التي من شأنها ْأن ُتس ِّو َغ املعاملة املتاميزة من قبل املؤسسات‬
‫االجتامعية والقانون والعادات التي َي ْحظى بها بعض الناس دون البعض اآلخر‪،‬‬
‫فلامذا تتغاىض نظرياتنا السياسية آنفة الذكر عن شمول النساء بدرجة االهتامم‬
‫نفسها وإهامل موضوع البحث يف حقوقهن ومساواتهن يف املعاملة مع الرجال؟(‪.)3‬‬
‫نفس اإلنسان‬ ‫أما العدالة من ناحيتها‪ ،‬فقد َش َغ َل ْت موقعها املتم ِّيز يف َ‬
‫دائرت ِ‬
‫ومجتمع ِه منذ القدم‪ ،‬إذ بالكاد ميكن إيجاد حركة اجتامعية عىل مدار أحداث‬
‫التاريخ دون ْأن يكون مطلب العدالة قد استقر يف واحدة من متضمناتها‪ .‬وتكاد‬
‫العدالة‪ ،‬إىل جانب مطالب الحرية واملساواة‪ْ ،‬أن تكون محور الرصاعات والنضاالت‬
‫التي عرفها اإلنسان يف سبيل ما اعت ََب ُه حياة كرمية الئقة بوجوده بوصفه إنسانا‪،‬‬
‫وكرامته بوصفه عضوا يف جامع ٍة اجتامعية‪.‬‬
‫هناك العديد من املعاين التي أعطيت للعدالة‪ ،‬وذلك وفق املواضيع‬
‫والسياقات التي تأيت يف إطارها‪ .‬فهي يف الرياضيات والفيزياء تأيت مبعنى تعادل‬
‫األطراف أو توازن القوى وتساويها‪ ،‬وهي تأخذ يف املنطق معنى االنحراف عن‬
‫التعادل بغية تحقيق شكل من أشكال التناسب بني األطراف‪ ،‬وعىل النحو الذي‬
‫يأخذ يف االعتبار حقائق وظروفا معينة لها تأثريها يف الوضع القائم ويف موقف‬
‫نظ ُر إليها بوصفها مفهوما‬‫القائلني بها‪ .‬أما العدالة يف عامل السياسة واملجتمع َف ُي َ‬
‫معياريا يرتبط يف العادة مبفاهيم الحق ‪ Right‬واالستحقاق ‪،Worthiness‬‬
‫رجع إليه يف تقرير حق‬ ‫مبعنى َمنْ ُيعرتَف بكونهم أهل الحق واالستحقاق‪ ،‬و ُي َ‬
‫أهل للحق أو االستحقاق يف «ماذا»‪ ،‬أي يف «كم»‬ ‫« َمنْ » – مبعنى َمنْ هو ٌ‬

‫‪101‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫األشياء موضوع االستحقاق و«كيفها»‪ ،‬وهذه «الكيف» األخرية هي الكفيلة‬


‫األسس‬ ‫ثم ضامن ُحسن تطبيق ُ‬ ‫سس حصول « َمنْ » عىل «ماذا»‪ ،‬و ِمن َّ‬ ‫ِبوضع ُأ ِ‬
‫هذه‪ ،‬بغية الحؤول دون االفتئات عليها‪ .‬إن نظريات العدالة من جانبها تأيت‬
‫لتجيب عن التساؤالت املتعلقة بكيف وملاذا يجري التمييز بني األشخاص؟ وملاذا‬
‫بشكل ُمتباين؟ ثم ما العوامل واألسباب التي مل تزل تؤدي‬ ‫ٍ‬ ‫تجري معاملتهم‬
‫إىل ذلك؟ أو بعبار ٍة ُأخرى‪ ،‬ما املميزات أو األوضاع األصلية أو ا ُمل ْكتَسبة التي‬
‫ُتس ِّو ُغ مثل تلك املعاملة املختلفة سواء أأ َت ْت من قبل املؤسسات االجتامعية أم‬
‫القوانني أم العادات؟(‪ ،)4‬فإذا كان للمرأة ذلك القدر من العقل بوصفها مخلوقا‬
‫شك عدم اختالفها عن الرجل‪،‬‬ ‫أثبتت تجارب الحياة ومبا ال يقبل أدىن ٍّ‬ ‫ْ‬ ‫برشيا‬
‫إن مل تكن متتاز عليه يف بعض األحيان ويف صفات أخرى لصيقة بالوجود‬ ‫هذا ْ‬
‫كل ذلك التمييز الذي أقامهُ املجتمع‬ ‫اإلنساين ذاته‪ ،‬فام الذي ُيس ِّو ُغ ِمنْ بعدُ َّ‬
‫الجنسني؟ وهو بالضبط ما حدا مبفكرات ودُعاة النسوية إىل الدفع مبوضوع‬ ‫َ‬ ‫بني‬
‫وقعت ضحيتهُ النسا َء ُقدُ ما يك ُيجاب عنه يف نظرية سياسية ‪ -‬أو‬ ‫ْ‬ ‫التمييز الذي‬
‫تتوجهُ به إىل‬ ‫نظريات سياسية بتعب ٍري أدق ‪ -‬تبحث عن نوع من العدالة ال َّ‬
‫ثم مبساواتهنَّ‬ ‫بشكل خاص بوصفهنَّ جنسا عاىن التمييز‪ ،‬واملطالبة من َّ‬ ‫ٍ‬ ‫النساء‬
‫تتوجهُ به إىل اإلنسانية ككل‪ ،‬لدى‬ ‫يف املعاملة ويف الحقوق مع الرجال فقط‪ ،‬بل َّ‬
‫مشاكل ومعاناة‬ ‫ِ‬ ‫بعض من تياراتها عىل األقل؛ األمر الذي من شأن ِه ْأن ُيو ِّف َر حال لِ‬ ‫ٍ‬
‫النصف اآلخر من البرش‪ ،‬والذي يتحمل بدور ِه األعباء والواجبات كاملة ولكنهُ‬
‫محروم باملقابل من التمتع بحقوق ِه وحريات ِه األساسية‪ ،‬تلك الحقوق التي ُتؤهِّ لهُ‬ ‫ٌ‬
‫إنسانيتهُ وأدواره ومسؤولياتهُ يف مجتمع ِه للتمتع بها‪.‬‬
‫وهذا ما َن ِجدُ ل ُه تأكيدا فيام ذهب إليه كيفن دان ‪ ،Kevin Dunn‬وذلك يف‬
‫وتعددت طبقات ُه ورشائح ُه وخصوصا‬ ‫ْ‬ ‫إشارته إىل كون عاملنا الذي نعيش فيه قد َتع َّق َد‬
‫عندما تؤخذ بعني االعتبار االمتيازات التي تعيشها بعض الطبقات‪ ،‬والتاميزات‬
‫واملعب عنها بالجندر (النوع االجتامعي)‬ ‫َّ‬ ‫التي يقع عبء معاناتها عىل النساء‪،‬‬
‫والحياة الجنسية والعروق والطبقات‪ .‬فالبعض من الجامعات يتمتع بأصول‬
‫‪ assets‬مادية ومعنوية غري مرئية يف نظم السلطة الداعمة للحياة االجتامعية‪ ،‬غري‬
‫أنها مع ذلك مل تكتسبها بالعمل‪ ،‬وقد ال تستحقها أصال‪ .‬وغالبا ما يكون هؤالء ِمن‬
‫‪102‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫بني جنس الرجال الذين يتحدرون من الرشائح العليا للطبقة الوسطى‪ ،‬والس َّيام‬
‫يف أمريكا الشاملية وأوروبا الغربية‪ .‬و ُيح ِّد ُد دان ‪ Dunn‬نوعَني من االمتيازات‬
‫التي تتمتع بها هذه الجامعة‪ :‬فأولهام يتمثل يف حقوق أو تخويالت بالحقوق‬
‫كتسب بالعمل‪ ،‬أو هي من دون استحقاق ‪ .unearned‬أما‬ ‫‪ entitlements‬مل ُت َ‬
‫تتجسدُ يف هيمن ٍة ممنوحة ‪ .conferred dominance‬فاألول ُيش ُري‬ ‫الثانية‪ ،‬فهي َّ‬
‫أصال إىل تلك القيم أو األصول التي ُيتمتع بها من دون أيِّ استحقاق بحيث ُتعطى‬
‫الجامعة املهيمنة مكانة وقدرة تنافسية ال تتمتع بها الجامعات األخرى‪ ،‬أما النوع‬
‫الثاين من االمتيازات فهو ما َي َه ُب السلط َة لجامع ٍة ما عىل الض ِّد من اآلخرين بغض‬
‫النظر عن نوع السلطة ودائرة سعتها‪ .‬ومن شأن شكيل االمتيازات هذين ْأن يعمال‬
‫أجل خلق واستدامة امتياز الرجل يف مجتمعنا الحارض وبخاصة يف دول‬ ‫يدا بيد من ِ‬
‫أمريكا الشاملية وأوروبا(‪.)5‬‬
‫بالطابع املعياري الذي‬
‫ِ‬ ‫ُواج ُه‬ ‫ولو أعَدنا النظر يف العدالة فال َّ‬
‫شك يف أ َّننا َسن َ‬
‫يتسم ب ِه هذا املفهوم‪ ،‬وهو ما سيستدعي عملية إنزال ِه من مكانه املثايل يف ملكوت‬ ‫ِّ‬
‫سامء الفكر وجعله كائنا واقعيا منسجام للعيش بني البرش وتنظيم حياتهم عىل‬
‫أرض الواقع‪ ،‬بحيث ميكن االحتكام إليه من قبل أطراف العالقة التي ينظمها‬
‫املفهوم قيد البحث‪ .‬هذا إىل جانب َت ُّي ِز هذا املفهوم بتعدد واختالف التصورات‬
‫التي َيح ِملها‪ ،‬ويأيت ذلك بسبب اختالف الثقافات واملجتمعات وتفاوت طبيعة‬
‫عب عنها املفهوم نفسهُ‪.‬‬
‫املصالح واالهتاممات التي ُي ِّ ُ‬
‫وأن ُتؤيت‬‫لذا‪ ،‬ومن أجل ْأن تأخذ فكرة العدالة مكانها عىل أرضية الواقع‪ْ ،‬‬
‫نتائجها املطلوبة منها‪ ،‬كان ال بد من قرنها مبفهوم آخر (إجرايئ) يقبل التطبيق‪.‬‬
‫فكانت املساواة‪ ،‬مبعنى إزالة كل ما يصاحب أو يعرتي أطراف املوضوع قيد‬
‫النظر من أسباب التاميز واالختالف والنظر إليهم عىل أنهم فئة أو جنس واحد‪،‬‬
‫بحيث يشرتكون يف مطالبهم وحاجاتهم اإلنسانية عىل األقل بوصفها الحد األدىن‬
‫ملثل هذا االعرتاف‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد كان لهذا املفهوم القابل للتطبيق تعقيداتهُ‬
‫و ُمع ِّوقاتهُ بل غموضه يف كثري من األحيان؛ ذلك ألن تساوي البرش عىل الصعيد‬
‫الوجودي‪ ،‬مبعنى الحدود الدنيا من الحاجات اإلنسانية‪ ،‬مل يكن مطلبا ثابتا‬
‫يف يوم من األيام‪ ،‬بل سيعاين الرفض واالحتجاج عليه وخصوصا عندما تأخذ‬
‫‪103‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ظروف الناس بالتاميز واالختالف‪ ،‬شدّة وضعفا‪ ،‬تبعا للعمر والجنس ‪ -‬مبعنى‬
‫االختالف بني املرأة والرجل ‪ -‬واملكانة عىل صعيد الرتاتبية االجتامعية القامئة‬
‫زمانيا ومكانيا‪ ،‬وذلك بالطبع إىل جانب وجود تفاوتات أخرى بني بني البرش‪.‬‬
‫من هنا فقد ظهرت محاوالت عدّ ة من أجل إعادة تفسري مفهومي العدالة‬
‫واملساواة بالتبعية‪ ،‬يك تأخذ يف اعتبارها ما َيستجد من ظروف ومن أشكال‬
‫الوعي املتحقق لدى موضوعي العدالة واملساواة آ ِن َفي الذكر‪.‬‬
‫فكانت البداية لدى النسوية تتمثل يف السعي من أجل النظر إىل املرأة‬
‫عب عنها‬ ‫ومعاملتها عىل قدم املساواة مع الرجل‪ .‬بيد َّأن معايري العدالة ا ُمل َّ‬
‫باملساواة هنا مل تعد‪ ،‬وكام أثبتتها التجارب الحقا‪ ،‬تفي مبتطلبات املرأة وحاجاتها‬
‫إىل مثل تلك اإلجراءات‪ ،‬بقدر ما كانت تلك املعايري ُمسبقة الذكر‪ ،‬كام ُف ِه َم ْت‬
‫من قبل «النسويات»‪ ،‬قد صيغت من قبل الرجال أنفسهم يك تتالءم مع‬
‫طبيعة الرجل واستعداداته الخاصة‪ ،‬فضال عن املصلحة الكامنة من وراء ذلك‪.‬‬
‫أسس ُأخرى غري املساواة باملعنى‬ ‫وبتعب ٍري آخر‪ ،‬سوف تقوم معايري العدالة عىل ٍ‬
‫الريايض للكلمة هذه املرة‪ ،‬وبخاصة عىل أساس االعرتاف بالتاميز القائم بني‬
‫ثم عىل إعادة النظر مبجمل القيم واملفاهيم واملؤسسات‬ ‫الجنسني والعمل من َّ‬
‫الجنسني‪ ،‬وال ُيستثنى من ذلك كال‬ ‫َ‬ ‫واإلجراءات التي تدور حول العالقة بني‬
‫املجالَني؛ الخاص (أو ال َبيتي ‪ ،)domestic‬واملجال العام ‪ ،public‬االجتامعي‬
‫واالقتصادي والسيايس‪.‬‬
‫مبعنى آخر أكرث وضوحا‪ ،‬تأيت النسوية يف هذا السياق‪ ،‬بتياراتها املتعددة‬
‫ونظرياتها املتباينة‪ ،‬يك ُتق ِّد َم‪ ،‬كام م َّر بنا‪ ،‬نظرة إىل العالَم من شأنها ْأن ُتو ِّف َر‬
‫يقوم علي ِه من‬ ‫تفسريا أو تأويال جديدا لِام يجب ْأن يكون عليه العامل نفسه وملا ُ‬
‫تصورات وخصوصا ذلك املتعلق بالعدالة يف العالقة بني املرأة والرجل كام هو‬
‫متعارف عليه يف مجتمعاتنا‪ .‬إ َّنها مبعنى ما محاولة يسعى أصحاب هذا االتجاه‪،‬‬
‫ون إلي ِه‪ ،‬إىل تقييم وإعادة النظر يف مفهوم العدالة السائد يف‬ ‫يف ُجملة ما َيس َع َ‬
‫ثم بقراء ٍة جديدة لها واإلسهام يف وضع‬ ‫بلداننا وكيفيات تطبيقها‪ ،‬والتقدم من َّ‬
‫معالجات جدّ ية لهذه القضية وفق هذا التصور‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫املوقف من املرأة وأثر ُه يف تطور التفكري السيايس النسوي‬
‫إن التصور الذي وقر يف أذهان النسويات عن معاناة النساء وخرباتهن يف‬
‫الحياة ال يعدو كونه‪ ،‬من ناحية التنظري السيايس عىل األقل‪ ،‬شكال من أشكال‬
‫العالقة التي ربطت بني مؤثر ومتأثرات؛ وقد َت َّث َل هذا املؤثر يف الخضوع‬
‫‪ subordination‬أو اإلخضاع من قبل الرجال بوصفهم أفرادا ومجتمعا يف الوقت‬
‫نفس ِه‪ ،‬بحيث يعمل هذا املؤ ِّثر يف ِكال الحالَني مبنزلة علة ‪ cause‬أو باعث‪ ،‬فتجد‬
‫النساء أنفسهن قد َو َق ْعنَ ضحية ل ُه ولعديد من األسباب التي سوف نأيت عىل‬
‫ذكرها الحقا‪ ،‬وكذلك مبنزلة نتيجة ‪ effect‬اتخذت شكال و ُمحتوى اضطهاديا أو‬
‫َقهريا ‪ .oppressive‬وسوف تعمل النساء من خالل حركاتهنَّ والناشطات يف هذا‬
‫املجال وكذلك التنظريات التي سيقت يف هذا الشأن عىل إغناء هذا التيار الفكري‬
‫القائل بكون مؤ ِّثر «الخضوع» دفع إىل توليد ظاهرة «قهر النساء وإكراههنَّ »‪،‬‬
‫أتقنت النسويات فيام‬ ‫ِ‬ ‫وكان من نتائج ِه عددٌ من املامرسات واإلجراءات التي‬
‫بعد غزل خيوطها وكان ْأن عادت بالنفع عىل ُمجمل أوضاع املرأة يف عديد من‬
‫املجتمعات وعىل اختالف الثقافات‪.‬‬
‫أنتجت هذه التصورات طيفا واسعا من األفكار التي ُأ ْط ِلقَ عليها اصطالحا‬
‫املعممة التي‬‫تسمية «النسوية» ‪ ،feminism‬عرفت بوصفها منظومة من األفكار َّ‬
‫تتمركز حول تجارب النساء وخرباتهن الخاصة ونظرتهنَّ إىل العامل وإىل موقعهن فيه‪،‬‬
‫بوصفهنَّ جنسا متميزا ذا مطالب وأهداف متم ِّيزة‪ .‬فالعامل‪ ،‬وفق تيارات النسوية‬
‫عىل اختالف ميولِهنَّ الفكرية‪ ،‬وكام م َّر بنا سابقا‪ ،‬منقسم إىل فئتني‪ ،‬فئة الرجال يف‬
‫مقابل فئة النساء؛ مع استثناء ما ذهبت إليه املتأثرات بفكر ما بعد الحداثة‪ .‬بحيث‬
‫لكل منهام حاجاته ومطالبه الخاصة‪ ،‬سواء الفطرية منها أو االجتامعية‪ .‬وهُ نَّ‬ ‫َّإن ٍ‬
‫الجنسني وراء هيمنة الرجال‬‫َ‬ ‫يع َت ِق َ‬
‫دن أ َّن ُه َّربا كانت االعتبارات الخاصة بالتاميز بني‬
‫يف مقابل خضوع النساء وقبولهن أو إكراههنَّ عىل أداء أدوار ثانوية يف هذا العامل‬
‫االجتامعي املصوغ ذكوريا ومبا يخدم مصالح الرجال دون النساء‪.‬‬
‫قيل الكثري يف إطار هذا النوع من التفكري‪ ،‬سوا ٌء أكان ذلك يف وصف‬ ‫ولقد َ‬
‫املعاناة التي ع ََص َف ْت بالنساء من ج َّراء هذا الوضع‪ ،‬أم يف تعداد حقوقهن التي‬
‫‪105‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫حرمن منها كحقهنَّ يف التعليم ويف إبداء آرائهن واحرتام خياراتهن الخاصة يف‬
‫الحياة ومراعاة أدوا ِرهنَّ والوظائف االجتامعية وال َبيولوجية التي يؤدينَها عىل‬
‫صعيد الرعاية واإلنجاب وتربية األطفال واألعامل املنزلية األخرى‪ ،‬ومبا يؤثر يف‬
‫موقعهنَّ التنافيس مع أدوار الرجال يف سوق العمل بشكل خاص‪ ،‬متى ما َر ِغ ْ َ‬
‫ب‬
‫أو ْاحت َْجنَ إليه‪ .‬هذا إىل جانب مطلب مساواتهن بالرجال يف املجاالت األخرى‬
‫وخصوصا تلك املتعلقة بإسهام الرجال يف تحمل املسؤوليات ال َبيتية جنبا إىل جنب‬
‫مع املرأة‪ ،‬وهو املطلب املطروح من قبل البعض ِمنهنَّ عىل األقل‪.‬‬
‫ظل ما ِثال يف ال ِذهن َّأن هذه األفكار مل تجد لها من مكان‬ ‫لكن ينبغي أن َي َّ‬
‫تتط َّور في ِه إال يف الغرب‪ ،‬وبخاصة يف الفرتة التكوينية للفكر النسوي‪ ،‬بدءا من‬
‫أواخر القرن الثامن عرش إىل أواسط القرن العرشين(‪ .)6‬تقول الباحثة بوين سليد‬
‫‪ Bonnie Slade‬يف هذا الخصوص‪« :‬مل تكن األغلبية العظمى من النساء يف‬
‫العامل َيت ِلكنَ حتى العام ‪ 1900‬حقوقا وحريات قانونية شكلية‪ ،‬أما خياراتهن‬
‫املتعلقة بالعمل فهي ضئيلة للغاية‪ ،‬و ُكنَّ قد َبدَأْ َن بال َكا ِد يف الحصول عىل ُفرص‬
‫التعليم العايل»(‪.)7‬‬
‫فإن مثل هذا القول ال َيعني عدم وجود أصوات كانت ُتط َل ُق‬ ‫وعىل رغم ذلك‪َّ ،‬‬
‫هنا وهناك منذ بداية القرن العرشين ‪ -‬وما َيعنينا هنا عىل وج ِه الخصوص دول‬
‫الرشق األوسط وشامل أفريقيا ‪ -‬دفاعا عن املرأة وحقوقها املتمثلة يف التعليم‬
‫الناشطات من النساء بل‬ ‫ثم مل تقترص عىل ِ‬ ‫والعمل واملعاملة الكرمية‪ ،‬وهي من َّ‬
‫شاركهنَّ يف َمسعاهنَّ ذاك الرجال أيضا‪ ،‬مثل قاسم أمني وطه حسني‪ ،‬عىل سبيل‬
‫املثال وليس الحرص(‪.)8‬‬
‫ات ِعدَّ ة يأيت يف مقدمتها كون هذه الدول‬ ‫أسباب ذلك َف َر ِاج ٌ‬
‫عة إىل اعتبار ٍ‬ ‫ُ‬ ‫أما‬
‫الغربية هي األسبق يف التحول من النظم اإلقطاعية‪ ،‬التي سادت يف القرون الوسطى‪،‬‬
‫إىل النظم الرأساملية‪ ،‬مع كل ما َيح ِمل ُه هذا التحول من تقدم اقتصادي وتطور‬
‫تكنولوجي ورفاهية فكرية‪ ،‬من جانب‪ ،‬ومشاكل وتعقيدات اجتامعية واقتصادية‬
‫وعي اجتامعي‬ ‫عمل عىل تحريك هذا التحول وتأطري ِه ٌ‬ ‫عىل الجانب اآلخر‪ .‬وقد َ‬
‫وسيايس َيدفع ُه صوب إثارة مطالب التغيري والرصاع‪ ،‬ومل تكنْ النساء وقضاياهنَّ‬
‫مبعزلٍ عن هذا‪ْ ،‬إن مل يكنّ يف ُصلب الكثري من هذه التحوالت واملطالب‪ .‬وقد بلغت‬
‫‪106‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫قوة هذا التحول مبلغا ميكن معه وصف هذا النشاط – الفكري ‪ -‬بكون ِه جزءا‬
‫حيويا و ُمك ِّمال للصورة التي يحوزها الغرب سواء يف سياق ِه التاريخي أو االجتامعي‬
‫والثقايف‪ ،‬وذلك بقدر عمل هذا الجزء وقدرت ِه عىل وصف وتحليل التطورات التي‬
‫شهدتها املجتمعات الغربية من ج ّراء التغري يف أمناط اإلنتاج االقتصادي وما تبع‬
‫ذلك من رصاعات شهدتها طبقات ُه وفئات ُه االجتامعية‪ ،‬مام استلزم إعادة النظر‬
‫يف االعتبارات واملعايري الحاكمة للعالقات االجتامعية والتي مل تتوقف عند دائرة‬
‫العالقات الطبقية أو العرقية فقط‪ ،‬بل امتدت لِتشمل يف اهتامماتها قضايا النساء‬
‫وأمر مساواتهنَّ بالرجال موضوع البحث‪.‬‬
‫املعب عنه بتسمية «النسوية» سوى تصور‬ ‫مبعنى آخر‪ ،‬مل يكن الفكر النسوي َّ‬
‫غريب‪ ،‬من حيث املبدأ عىل األقل‪َ ،‬يع ِك ُس مطالب وحاجات فئة اجتامعية متميزة‬
‫بوصفها جنسا؛ أي مطالب النساء يف مقابل الرجال‪ ،‬لِت َِجد هذه الفئة أفرادها َي ِع ْشنَ‬
‫يف عاملٍ رصاعي حيث االستغالل والهيمنة واالضطهاد من بني أبرز سامته‪ ،‬وهو ما‬
‫مل يتحقق للمجتمعات األخرى غري الغربية‪ .‬فإذا سلمنا بهذه االعتبارات‪ ،‬وخصوصا‬
‫االجتامعية واالقتصادية منها‪ ،‬بوصفها أساسا لظهور وتطور األفكار النسوية؛‬
‫ات عىل وعي نسوي متبلور يف الدول‬ ‫فسيكون من غري املستغرب أال َن ِج َد مؤرش ٍ‬
‫غري الغربية؛ العامل ثالثية أو النامية‪ ،‬إذا شئنا‪ ،‬عىل رغم اقتناعنا بوجود أو بتفيش‬
‫حاالت الهيمنة واالضطهاد يف مثل هذه املجتمعات‪ .‬مع األخذ بعني االعتبار َّأن‬
‫الغرب ومن خالل سياساته يف السيطرة واالستغالل الكولونياليني مل يكن ببعيد عن‬
‫َط ْم ِس مثل هذه األفكار هناك أو الحؤول دون بروزها بشكل مبارش أو غري مبارش‪،‬‬
‫وخصوصا عندما عجزت هذه املجتمعات غري الغربية من ج ّراء تعرضها لالستعامر‬
‫والهيمنة األجنبية‪ ،‬عن التحول إىل نظم اقتصادية وسياسية أرقى تنظيام واستقرارا‪.‬‬
‫وقد رافقت هذا تبعات كالتخ ّلف عىل الصعيدَين االجتامعي واالقتصادي فضال‬
‫وط ُر ِز حياتهم‬ ‫وأض بوعي الناس ُ‬ ‫عن الجانب السيايس‪ ،‬ذلك الذي َ َ‬
‫ض َب بتأثريات ِه َّ َّ‬
‫عب ْت عنها نظمهم ومؤسساتهم وقيمهم التقليدية‪ .‬وتقول فالنتاين موغدام‬ ‫التي َّ‬
‫‪ ،Valentine Moghadam‬يف سياق حديثها عن التغري االجتامعي ودور املرأة‬
‫ومكانتها يف الرشق األوسط وشامل أفريقيا بعامة وأفغانستان بخاصة‪« :‬يتحقق‬
‫بشكل أساس من خالل التطورات الحاصلة‬ ‫ٍ‬ ‫التغري االجتامعي والنمو املجتمعي‬
‫‪107‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫عىل الصعيد التكنولوجي والرصاع الطبقي والفعل السيايس‪ .‬التكوينات االجتامعية‬


‫الصعد‪ ،‬وهي إىل ذلك موضع لتأثريات البنية الطبقية‬ ‫متموضعة داخل هذه ُّ‬
‫الوطنية والسياق املحيل والنظام العاملي للدول واألسواق؛ بحيث يتعامل منظور‬
‫النظام العاملي مع الدول واالقتصادات الوطنية بوصفها متموضعة ضمن عالقات‬
‫رأساملية عاملية قامئة عىل تقسيم عمل متوافق مع أجزائها املكونة‪ :‬املركز واألطراف‬
‫وشبه األطراف‪ .‬من هنا فال يحدث تغ ٌري اجتامعي رئيس خارج السياق العاملي‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ومن أجل فهم أدوار ومكانة النساء‪ ،‬أو التغريات الحاصلة يف ُبنية العائلة‬
‫والعالقات القامئة بني عنارصها عىل سبيل املثال‪ ،‬ال بد من فحص النمو االقتصادي‬
‫والتغري السيايس الل َذين يتأثران بدورهام بالتطورات املحلية والعاملية»(‪.)9‬‬
‫بيد َّأن ذلك كان قد أصا َب ُه التغيري‪ ،‬ولو جزئيا‪ ،‬حني آن أوان االستقالل والحكم‬
‫«الوطني» يف عد ٍد من تلك البلدان‪ ،‬وخصوصا عندما بدأت عملية التحديث ُ‬
‫تأخذ‬
‫َمجراها يف املجتمعات التي خرجت من السيطرة األجنبية‪ ،‬عندها أخذت املرأة‬
‫وقضاياها بالربوز‪ ،‬ولكن بعد ْأن جرى إدراجها ضمن قامئة االهتاممات العامة للناس‬
‫هناك‪ ،‬مبعنى َّأن ذلك أىت ضمن سياق الحديث عن رضورة استكامل عملية التحرر‬
‫الوطني‪ ،‬والدور املَنوط ِب ِهنَّ فيها‪ .‬أما الهدف النهايئ فهو املتمثل يف تعبئة النساء‬
‫من أجل خدمة هدف هدم أسس املجتمع التقليدي‪ ،‬بوصفه إحدى أهم الخطوات‬
‫التي يجب السري فيها من أجل تحقيق عملية التحديث املستهدفة‪ .‬وهو ما أكدت ُه‬
‫العديد من األدبيات واأليديولوجيات الخاصة بالحركات االجتامعية التي َح َم َل ْت‬
‫َم َّهم َة التحرير خالل القرن العرشين‪ ،‬وكذلك النظم السياسية التي خرج بعضها من‬
‫رحم هذه الحركات(‪ .)10‬ولنَضع جانبا قضي َة اإلسهام السيايس األكرث أهمية يف هذا‬
‫املجال‪ ،‬وا ُمل ِّ‬
‫تجسد يف مشاركة النساء يف القرار السيايس يف بلدانها‪ .‬فهؤالء قد ُح ِر ْمنَ‬
‫كام ُح ِر َم الرجال من َق ْب ِلهنَّ من هذا النوع من املشاركة أصال لالعتبارات السابقة‬
‫عت توجهات حكومات تلك‬ ‫عينها‪ُ ،‬يضاف إىل كل ذلك خاصية السلطوية التي َط َب ْ‬
‫قصة أخرى ليس هذا مكانها‪.‬‬‫البلدان‪ ،‬ولهذه السلطوية ذاتها ٌ‬
‫هذا هو اإلطار العام والتقليدي‪ ،‬إىل ح ٍّد ما‪ ،‬للفكر النسوي «الغريب» بخاصة‪.‬‬
‫غري أن مثل هذا الفهم لوضع النساء رسعان ما َتع َّر َض للنقد منذ مثانينيات القرن‬
‫املايض ‪ -‬أو َّربا قبل ذلك التاريخ بقليل ‪ -‬وخصوصا من لدن النساء ا ُملل َّونات‬
‫‪108‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫ونسويات العامل الثالث أو النامي‪ ،‬وأخريا‪ ،‬من قبل تيار ما بعد الحداثة‪ .‬أما السبب‬
‫الكامن وراء مثل هذه االنتقادات َف َي ِجدُ َتربي َر ُة يف كون مسألة إخضاع النساء‬
‫عب يف‬
‫واضطهادهنَّ ‪ ،‬بوصفه املوضوع الذي تدور حوله أفكار النسوية‪ ،‬مل يكن لِ ُي ِّ َ‬
‫تجارب رشائح أخرى من النساء‪ ،‬حيث مل َت ُع ِد النساء‬ ‫ِ‬ ‫بعض جوانب ِه عىل األقل‪ ،‬عن‬
‫ِ‬
‫وفق املنظورات آ ِنفة الذكر ُيش ِّك ْلنَ فئة واحدة أو جنسا واحدا يف مواجهة الرجال‪،‬‬
‫والس َّيام إثر التطورات التي تحققت عىل الصعيدَين االجتامعي واالقتصادي‪ ،‬ثم ما‬
‫ات يف‬‫أمكن بناؤ ُه عىل ما تح َّققَ من نجاحات عىل الصعيد السيايس وكذلك من تغري ٍ‬
‫الفكر االجتامعي والسيايس السائدَين وقتذاك‪ُ .‬يضاف إىل ذلك كل ِه أوجه القصور‬
‫والفشل التي ا ْع َت ْت عملية وضع املكتسبات التي حققتها الحركة النسوية عىل‬
‫الصعيدين السيايس والقانوين‪ ،‬إبان العرشينيات وصوال إىل الخمسينيات من القرن‬
‫املايض‪ ،‬موضع التطبيق وخصوصا يف حقل االقتصاد ومجاالت العمل‪ ،‬وما أفضت‬
‫إليه من تنوع يف حاجات النساء وخربا ِتهنَّ بالتبعية‪ .‬تقول الباحثتان مريا فريي‬
‫وكارول مويلر ‪ Myra M. Ferree and Carol M. Mueller‬إ َّنهُ‪« :‬عىل الرغم من‬
‫فإن‪ ...‬طرق التفكري‬ ‫وس ِع حق التصويت واملشاركة السياسية للنساء حول العامل‪َّ ،‬‬ ‫َت ُّ‬
‫املجندرة ‪ gendered‬بعمق تسود الدعاوى الخاصة بالليربالية والحداثة واألفكار‬
‫بشكل واضح لِبناء‬ ‫ٍ‬ ‫القومية والعوملة‪ ،‬وتستمر يف توفري طرق للمقاومة املعرب عنها‬
‫الدولة وال ِعلم والعلامنية التي ينظر إليها بوصفها صفات مميزة للحياة العامة‬
‫املعارصة‪ ،‬وبوصفها مرتبطة بالغرب بشكل أخص»(‪.)11‬‬
‫تح ْل دون تدخل االنقسامات األخرى‬ ‫هذا إضافة إىل أن وحدة الجنس مل ُ‬
‫والسن والحياة الجنسية‪ ...‬إلخ‪،‬‬ ‫يف املجتمع واملتمثلة يف العرق والطبقة واإلثنية ِّ‬
‫وانقساماتهنَّ تبعا لِهذ ِه التحدرات املجتمعية وامليول إىل فئات فرعية متعارضة‪.‬‬
‫وكان ْأن ظهرت تسميات وتيارات فكرية عدة تعمل عىل متييز أعضائها عن‬
‫الناشطات النسويات البيضاوات‪ ،‬كـ«النسوية السوداء» عىل سبيل املثال‪ ،‬فهي‬
‫تعمل عىل جمع الناشطات األمريكيات املتحدرات من أصل أفريقي ‪ -‬أمرييك يف‬
‫صفوفها‪ ،‬وكذلك النسويات امللونات ذوات األصل الالتيني‪ ،‬فضال عن النسويات‬
‫الشاذات‪ ،‬أي الاليت يختلفن يف ميولهنَّ الجنسية عن الطبيعة اإلنسانية واالجتامعية‬
‫السائدة وعن القيم املتعارف عليها أخالقيا ونفسيا‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ومبعزلٍ عن مثل تلك االختالفات يف هذا الجزء من دراستنا عىل األقل‪ ،‬حيث‬
‫إ َّننا سنعود إىل معالجت ِه بشكل أكرث تفصيال فيام بعد‪ ،‬دعونا نعد ألن نتساءل هنا‬
‫عن طبيعة هذا النوع من الخضوع الذي تعانيه النساء‪ ،‬والذي شكل األساس الذي‬
‫ُبن َي ْت علي ِه افرتاضات الفكر السيايس النسوي مبجموع ِه‪ ،‬وأسباب ذلك‪ .‬ونحن ُنسا ِرعُ‬
‫بأن ذلك ينحرص يف شكلني عىل األقل من التاميز‬ ‫يف اإلجابة عن هذا التساؤل بالقول َّ‬
‫انبنت عليه قيم ومواقف كان لها الفضل يف إحداث هذا النوع من املامرسات‬ ‫الذي ْ‬
‫اشتكت منها النسويات‪ :‬أول هذين الشكلني هو التاميز القائم عىل أساس‬ ‫ْ‬ ‫التي‬
‫الجنس ‪ ،sex‬وهو ناشئ بشكل طبيعي؛ حيث تنقسم املخلوقات البرشية تحت‬
‫تأثري ِه إىل (رجل‪/‬امرأة)‪ .‬والشكل اآلخر من التاميز قائم عىل أساس اجتامعي‪ ،‬حيث‬
‫يتموضع الناس بالتفرقة بني الذكر واألنثى ُأط ِلقَ عليها تسمية «النوع االجتامعي»‬
‫‪ .gender‬فالتاميز األول ليس للرجال أو النساء يدٌ يف نشوئ ِه‪ ،‬ولكنه كان مبنزلة‬
‫األساس املادي الذي ستُبنى علي ِه االعتبارات والترصفات الالحقة يف إطار النوع‬
‫آنف الذكر‪ .‬حيث أصبحت حياة املرأة يف ظل التاميز الجنيس تدور حول‬ ‫االجتامعي ِ‬
‫اإلنجاب واألمومة والرتبية والرعاية وكل ما يتصل بالشأن الخاص (ال َبيتي) من أمور‪،‬‬
‫يتحم ُل فيه الرجل مسؤولية إعالة وحامية النسوة واألطفال و َمنْ‬ ‫يف الوقت الذي َّ‬
‫الجنسني»‪ ،‬وااللتزام من‬ ‫َ‬ ‫هم يف حكمهم‪ .‬وهو ما عُ ِّب عنه بـ «تقسيم العمل بني‬
‫ثم بتأدية أدوار خاصة تتفق ومثل هذا التقسيم‪ .‬من هنا جاء القول بوضع حدود‬ ‫َّ‬
‫عىل مجاالت الحياة االجتامعية بني املجال الخاص‪ ،‬الذي يدور حول البيت وأداء ما‬
‫يتطلبه من مهام‪ ،‬وبني املجال العام‪ ،‬ذلك الذي يدور حول النشاطات التي تستلزم‬
‫من الرجل العمل عىل توفري املأكل وامللبس والحامية وما إىل ذلك‪.‬‬
‫عب عنها‬ ‫إن مثل هذا الفهم لِجوهر الوجود والحاجات اإلنسانية واالجتامعية ا ُمل َّ‬
‫الجنسني‪ ،‬كان قد أفرز هو اآلخر تصورا ملا َي ُكو ُن ُه‬‫َ‬ ‫يف تقسيم العمل واألدوار فيام بني‬
‫مواقف األفراد والجامعات من‬ ‫ُ‬ ‫دت من خالل ِه‬‫«اآلخر» وخصوصا املرأة‪ ،‬بحيث تح َّد ْ‬
‫الجنسني‪ ،‬ميكن إجاملها يف خمس ِة توجهات‪:‬‬ ‫َ‬ ‫املرأة ومن طبيعة العالقة بني‬
‫‪ -‬التوجه األول وهو الذي ساد العامل القديم يف بالد اإلغريق خصوصا واملعرب‬
‫عن ُه يف كتابات أفالطون وأرسطو تحديدا‪ ،‬حيث سادت فيها املخاوف عىل املرأة‬
‫من قبل الرجل واملجتمع‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫‪ -‬الثاين‪ ،‬وهو ذلك الذي برز يف ظل التوراة (العهد القديم) وأكدته تعاليم آباء‬
‫الكنيسة‪ ،‬حيث برزت فيها النظرة الدونية إىل املرأة يف أجىل صورها‪ ،‬تذكريا بدورها‬
‫يف الخطيئة األوىل التي ُأ ْب ِع َد من جرائها آدم وزوجه من الجنة‪.‬‬
‫‪ -‬الثالث‪ ،‬وهو الذي عارص النهضة ومرشوع التنوير األورويب‪ ،‬حيث أعيد النظر‬
‫يف املوقف من املرأة والتعامل مع قضيتها ولكن مع التخوف مام ُجب َل ْت عليه من‬
‫طيش وخفة‪.‬‬
‫‪ -‬الرابع‪ ،‬يف هذه املرحلة التي شهدت صعود الرأساملية‪ ،‬كانت هناك مخاوف‬
‫ليس فقط من عدم حصافة النساء بسبب تحكم املشاعر العاطفية‪ ،‬بل التخوف‬
‫مام ُت ِّثل ُه منافستها للرجل يف سوق العمل بسبب قبولها بأج ٍر متدنٍ بشكل عام‪.‬‬
‫‪ -‬أما التوجه الخامس‪ ،‬فهو الذي َت َّي َز بعودة املخاوف السابقة ِبلبس جديد‪،‬‬
‫تفك ٍك وانحاللٍ‬ ‫حيث أصبحت تدور هذه املرة حول ما يبدو عىل املجتمع من ُّ‬
‫من ج َّراء ما ميكن أن يؤدي إليه إقالع املرأة عن أدوارها التقليدية يف الرتبية‬
‫والرعاية ووضعهن للعالقات الجنسية املتعارف عليها بني املرأة والرجل موضع‬
‫ثم يف صحتها وجدوى االستمرار يف مامرستها‪ ،‬واملطالبة يف‬ ‫التساؤل‪ ،‬والتشكيك من َّ‬
‫نهاية املطاف بإعادة النظر يف أمر تقنينها عىل أن يعني ذلك العمل عىل التحرر‬
‫من قيودها قيميا ومجتمعيا‪ .‬واآلن دعونا نرجع إىل الوراء من أجل البحث يف‬
‫التطورات التاريخية واالقتصادية التي أحاطت بوضع املرأة يف املجتمع؛ ولنبدأ‬
‫تقسيم العمل األويل (الجنيس)‬ ‫ُ‬ ‫بالفرتة الزمنية التي بدأ بها ‪ -‬أو هكذا يبدو لنا ‪-‬‬
‫تم يف إطار العالقة بني املرأة والرجل‪.‬‬ ‫ذلك الذي َّ‬
‫رمبا مل َيشهد التوجه األول إ َّبان العصور الغا ِبرة‪ ،‬كام نعتقد‪ ،‬متايزا كالذي‬
‫َت املرأة والرجل كأ َّنهام َيسعيان سوية من أجل‬ ‫سيحدث يف مراحل الحقة؛ إذ َبد ِ‬‫ُ‬
‫البقاء عىل قيد الحياة يف عاملٍ مملوء باملخاوف واملخاطر‪ ،‬من دون ْأن يعريا أيَّ‬
‫َق ْد ٍر من االهتامم مبَنْ ِمنهام سيوضع عىل ُس َّلم األقدمية وأولوية الرعاية‪ .‬وهو‬
‫تصو ٌر منطقي عىل أي حال‪ ،‬قادَتنا إلي ِه ُندر ُة املادة التاريخية عن حقائق الحياة‬
‫خالل مراحل الطفولة األوىل للبرشية‪ .‬فضال عن تضارب ما جرت صياغت ُه من آراء‬
‫ونظريات ووجهات نظر حول تلك الحقب التاريخية من دون الوصول إىل رأي‬
‫األم عىل مقدرات‬ ‫باألمومية ‪ ،Matriarchy‬مبعنى سيطرة ُ‬ ‫قائل ُ‬ ‫قاطع حولها‪َ .‬فبني ٍ‬
‫‪111‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫وقائل باألبوية ‪ ،Patriarchy‬وآخرين يقولون‬ ‫ٍ‬ ‫وربا املجتمع بالتبعية‪،‬‬‫األرسة َّ‬


‫باملساواة ال ِفطرية بني الرجال والنساء يف تدبري شؤون العيش وقتها‪ .‬دليلهم عىل‬
‫شوهد لدى املجتمعات البدائية سواء يف ميالنيزيا ُوأسرتاليا أو أفريقيا‬ ‫ذلك ما ِ‬
‫وأمريكا‪ ،‬اعتقادا منهم أ َّنها تعب ٌري صادق عن حقائق الحياة يف تلك العصور‪.‬‬
‫وما كان للمجتمعات ْأن تظه َر وتنمو وتتطور من دون ْأن يستلزم ذلك وجود‬
‫شكل من أشكال تقسيم العمل االجتامعي‪ ،‬سواء عىل الصعيد االجتامعي العام‬ ‫ٍ‬
‫بني الفئات االجتامعية؛ بني َمنْ يأ ُم ُر و َمنْ ُيطيع‪ ،‬بني املالك واألجري‪ ،‬أو بني الس ِّيد‬
‫وال َعبد‪ ...‬إلخ‪ ،‬أو عىل صعيد الحياة الداخلية؛ بني املرأة والرجل‪ ،‬بوصفه أسلوبا‬
‫ال بد منه من أجل البقاء والتطور‪ .‬وإذا ما رصفنا النظر عن النوع األول من‬
‫التقسيامت االجتامعية ور َّكزنا عىل النوع الثاين‪ ،‬مبعنى عالقة املرأة والرجل يف‬
‫شك ‪ -‬جملة‬ ‫املجتمع‪ ،‬بوصف ِه موضوع البحث الذي بني أيدينا‪ ،‬فإننا سنجد ‪ -‬وال َّ‬
‫دت املوقف من املرأة والنظرة إليها من الناحية التاريخية‪،‬‬ ‫من األسباب التي حدَّ ْ‬
‫والتي مازالت تنسحب بتأثرياتها حتى وقتنا الحارض‪.‬‬
‫كانت رضورات الحياة‪ ،‬كام أسلفنا‪ ،‬ترمي بثقلها عىل املجتمعات اإلنسانية‬
‫فتضطرها إىل اللجوء إىل تقسيم العمل‪ :‬فالقيادة وإدارة املجتمع وتنظيم وتعبئة‬
‫موارد ِه بحثا عن ال ُقوت والدفاع عن الجامعة‪ ،‬كان مام َيستل ِز ُم ُبنى جسدية خاصة‬
‫ومهارات واستعدادات نفسية‪ ،‬تأيت يف مقدمتها القسوة َّربا‪ ،‬وعىل النحو الذي‬
‫جعل منْ َيحوزها قادرا عىل تحمل تلك املهام والنجاح يف مساعي ِه تلك‪ .‬وهو ما‬ ‫َي ُ‬
‫كان ُيعطي األولوية للرجل بقدر حيازته تلك املواصفات‪ ،‬خالف األنثى التي مل‬
‫تكن ُبنيتها الجسدية وحتى النفسية‪/‬العاطفية ُت ِّكنها من أداء تلك الوظائف أو‬
‫تحمل مسؤوليات من هذا النوع‪ .‬يضاف إىل ذلك موضوع الع َّفة ‪ chastity‬التي‬
‫تتعلق بغرائز األنثى ووظائفها لديها‪ ،‬والتي يفرتض املحافظة عليها نزوال عند رأي‬
‫َمنْ اعتربها بوصفها َمنْ س ُيق ِّر ُر ماذا‪ ،‬و َمنْ َس َ ِي ُث ممتلكات الرجل بعد رحيل ِه‪.‬‬
‫َّربا تعني ال ِع َّفة لدى البعض غطاء مللكية الرجل وسيطرت ِه عىل املرأة واملحافظة‬
‫عىل النسل ونقائ ِه‪ ،‬غري أ َّنها يف التحليل األخري من شأنها ْأن ُتجن َِّب املجتمع العديد‬
‫ٌ‬
‫مسؤولة أيضا عن‬ ‫أسباب الرصاعات بني أفراد ِه وجامعات ِه‪ ،‬وهي إىل ذلك‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫التفكك واالنحالل‪ ،‬بقدر عملها بوصفها‬ ‫املحافظة عىل بقاء وسالمة املجتمع من ُّ‬

‫‪112‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫عامل استقرار وتربي ٍة وإعداد وصياغة لِشخصية الفرد ذكرا كان أو أنثى‪ ،‬وسواء‬
‫ان مرحلة الطفولة أم يف مرحلة البلوغ والنضج‪ .‬من هنا كانت الحياة‬ ‫أكان ذلك إ َّب َ‬
‫عف جسدي‬ ‫الجنسية‪ ،‬وال ِع َّفة بالتبعية‪ ،‬يف ظل ما يحيط بحياة املرأة من َض ٍ‬
‫وميولٍ عاطفية قوية‪ ،‬هام مصدر اتهام األنثى ِب ُبعدها عن الرشادة والحكمة‪،‬‬
‫وفقا ملنظورنا‪ ،‬أو رمبا كانت الحياة الجنسية والعفة هام سبب اتهام املرأة بأنها ال‬
‫تعطي للرشادة والحكمة ما ينبغي من اهتامم‪ ،‬ومن ثم ا ُّت ِه َمت بأنها تقدم ميولها‬
‫العاطفية بدال من ذلك‪.‬‬
‫رمبا كان انفراد الرجل بأداء هذا النوع من الوظائف حرصا‪ ،‬وبحكم أهميتها‬
‫عىل صعيد البقاء فيام مىض عىل األقل‪ ،‬وراء تكريس مقولة «عالقة الهيمنة ‪-‬‬
‫التبعية» تاريخيا‪ ،‬والتي غالبا ما أشارت إليها الحركات املدافعة عن املرأة‪ .‬وقد‬
‫ُيدع َُم القول مبيل املرأة إىل أن تكون تابعة بالخصوصية التي كانت عليها املرأة‪،‬‬
‫واملتمثلة يف ال ِّرقة والعاطفية‪ ،‬إىل جانب الرتكيبة الجسدية والوظيفية للمرأة‬
‫زوع جسدي ونفيس ناحية‬ ‫يصاح ُب ذلك من ُن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫واملتمثلة يف اإلنجاب‪ ،‬مع كل ما‬
‫االهتامم بالعامل الصغري الذي ُي ِّث ُل ُه االعتناء بالبيت وتدبري أموره وتربية األطفال‬
‫والحنو عليهم‪ .‬ثم ال ننىس‪ ،‬من بعد كل ذلك‪ ،‬حاجتها إىل الحامية من ج ّراء‬
‫الضعف الجسدي اإلنساين التي تجد املرأة نفسها فيه‪ .‬ورمبا مل يزل الوضع كذلك‬
‫حتى الوقت الحارض إىل حد ما‪ ،‬وإن كان ذلك بشكل أقل نسبيا بسبب العقوبات‬
‫القاسية التي تفرضها الترشيعات والقوانني التي تجرم االعتداء عىل الضعيف‪.‬‬
‫لقد فرض الضعف اإلنساين نفسه عىل املرأة يوم ْأن كانت القوة الجسدية هي‬
‫ثم التي تحكم أو تقرر َمنْ له الحق يف البقاء‪ ،‬وهو ما‬ ‫املعيار‪ ،‬وصارت هي من َّ‬
‫اشتمل الضعف عىل مطلب‬ ‫َ‬ ‫عب ْت عنه مقولة «البقاء لألقوى»‪ .‬ومن ناحيت ِه فقد‬ ‫َّ‬
‫الحامية‪ ،‬اقتصاديا وأمنيا‪ ،‬من جانب القوي‪ ،‬وهو يف العادة الرجل‪ .‬وكان ذلك َّربا‬
‫مدعاة بل إغراء لهذا األخري الستغالل الطرف الضعيف وفرض سيطرته عليه؛ أي‬
‫املرأة‪ .‬إىل الدرجة التي أصبحت فيها املرأة نفسها ‪ -‬كام هو الحال لدى بعض‬
‫الحضارات والتي عُ دَّ ْت وقتها بوصفها أكرث تقدما وإنسانية من غريها ‪ -‬مبنزلة َم ٍ‬
‫تاع‬
‫ُيورث‪ ،‬وهو ما وجدنا ُه لدى الرومان‪ ،‬هذا إىل جانب أ َّنها‪ ،‬وكام هو الحال زمن‬
‫اإلغريق‪ ،‬مل تكن تعد ضمن املواطنني الذين لهم حق املشاركة يف شؤون البالد‪،‬‬
‫‪113‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫جنبا إىل جنب مع العبيد واألجانب وصغار السن‪ .‬بل لقد اتخذ هذا الوضع لدى‬
‫مجتمعات وحضارات أخرى شكل اللجوء إىل وأ ِد اإلناث حديثات الوالدة خشية‬
‫ثم ِمن قبل اآلخرين‪.‬‬ ‫الفقر والجوع‪ ،‬ووقوعهن يف األرس فيام بعد وامتهانهن ِمن َّ‬
‫وهو تَصديقٌ ملا َو َر َد يف القرآن الكريم‪ ،‬والذي جاء ُمطم ِئنا و ُمح ِّذرا وناهيا لِهؤالء‬
‫طال اإلناث‪ ،‬بقول ِه تعاىل؛ ( َوإِ َذا ا ْل َم ْو ُءو َد ُة ُس ِئ َل ْت‬ ‫ثل هذا اإلجراء الذي َ‬ ‫عن اللجوء لِ ِم ِ‬
‫نب ُق ِت َل ْت)(‪ ،)12‬كذلك‪َ ( ،‬وال َت ْق ُت ُلوا أَ ْوال َد ُك ْم َخ ْش َي َة إِ ْمالقٍ َن ْحنُ َن ْر ُز ُقه ُْم َوإِ َّيا ُك ْم‬
‫ِبأَيِّ َذ ٍ‬
‫وربا كان لِمثل هذا الضعف املرتافق هذه املرة‬ ‫ان ِخ ْطئا َك ِبريا)(‪َّ .)13‬‬‫إِ َّن َق ْت َله ُْم َك َ‬
‫مجتمعات مل تكن الحدود‬ ‫ٍ‬ ‫مع اإلغراء الذي ُيش ِّك ُل ُه جامل املرأة والغرية عليها‪ ،‬يف‬
‫ست فيها بعد‪ ،‬دافع وراء مخاوف ال َق ِّيمني عىل‬ ‫القيمية واملوانع األخالقية قد َت َك َّر ْ‬
‫أمر تلك املجتمعات من تجاوز «اآلخر»‪ ،‬أي الرجل‪ ،‬تلك الحدود واملوانع‪ ،‬ومن‬
‫ثم نشوب الرصاعات يف أوساطها وما ميكن ْأن َتج َّر ُة من عدم استقرا ٍر من شأن ِه‬ ‫َّ‬
‫أشارت إليه الباحثة بومريوي‬ ‫ْ‬ ‫ْأن ُيه ِّد َد الوجود الكيل لهذه املجتمعات ‪ .‬وهو ما‬
‫(‪)14‬‬

‫‪ Pomeroy‬يف َمعرض حديثها عن ترشيعات سولون ‪ Solon Regulations‬يف دولة‬


‫«إن التنظيامت التي تعهدها‬ ‫مدينة أثينا إ ّبان القرن السادس قبل امليالد‪ ،‬قائلة‪َّ :‬‬
‫سولون والتي قد تبدو ألول وهلة أ َّنها معادية للنساء‪ ،‬كانت تهدف يف الواقع إىل‬
‫إزالة الرصاع بني الرجال وتقوية الدميوقراطية الوليدة‪ .‬لقد كانت النساء مصدر‬
‫حل سولون لهذه املشكلة يتمثل يف اإلبقاء عليهن‬ ‫احتكاك دائم بني الرجال‪ .‬وكان ُّ‬
‫بعيدا عن األنظار والتقليص من تأثريهن» ‪.‬‬
‫(‪)15‬‬

‫وإذا ما اتفقنا عىل ما كانت قد أ ْم َل ْت ُه الطبيعة من رشوطٍ أل َز َم ِت النساء‬


‫بالقبول بدو ٍر ثانوي‪ ،‬يف مراحل تطور اإلنسانية األوىل عىل األقل‪ ،‬وما أدَّا ُه الرجال‬
‫واملجتمع من ناحيتَيهام أيضا يف إكراه النساء عىل مثل هذا الخضوع لِمطالبهام‪،‬‬
‫وفقا لرأي منظرات النسوية؛ فامذا عن النساء؟ هل ميكن إرجاع ذلك إىل رضاهنَّ‬
‫الذايت مبثل هذا الوضع‪ ،‬أو رمبا من باب اإلذعان للمطالب املفروضة عليهنَّ ‪ ،‬أو‬
‫بسبب أو برشطٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َقبولِهنَّ السلبي به عىل أقل تقدير؟ هنا ال ميكن الجزم حقيقة‬
‫كاف ‪ sufficient condition‬ومقنع يف اإلجابة عن مثل هذه التساؤالت‪ .‬ما جرى‬ ‫ٍ‬
‫إيراده من أسباب‪ ،‬سوا ٌء ما تعلق منها باإلمالءات التي تفرضها الطبيعة؛ الخاصة‬
‫منها أو العامة‪ ،‬أو بدور الرجال واملجتمع يف هذا املجال‪ ،‬هو ما ميكن إدراجه‬
‫‪114‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫فربا‬
‫تحت باب الظروف أو الرشوط الرضورية ‪ .necessary‬وعىل رغم ذلك‪َّ ،‬‬
‫كان الستبطان اإلكراه دوره يف هذا املجال‪ ،‬وذلك نزوال عند تفسريات النسويات‬
‫القائالت بالدور اإلنشايئ الذي ُيؤدي ِه املجتمع يف خلق الكائن الذي َس ُيح ِّول ُه‬
‫املجتمع إىل «األنثى» يف مقابل «الذكر»‪ُ .‬ث َّم أال ميكن ْأن يكون إقبال األجيال من‬
‫دن علي ِه أنفسهن بالطبيعة‪ ،‬ويف أحد جوانب ِه عىل‬ ‫النساء عىل تأدية الدور الذي َو َج َ‬
‫األقل‪ ،‬مبنزلة تعبري عن رضا قد يكون غريزيا لِت َق ُّب ِل مثل هذا الوضع‪ ،‬وهو ما َن ِجد ُه‬
‫ألعاب معينة أكرث من غريها أو يف‬ ‫ٍ‬ ‫يف ميل الطفلة‪/‬األنثى‪ ،‬يف خياراتها يف مامرسة‬
‫الترصف العادي حيال اآلخرين‪ ،‬إىل كل ما َييش باألمومة وال ِّرقة يف ترصفاتها‪ ،‬عىل‬
‫العكس من ميول الطفل‪ /‬الذكر‪ .‬فضال عن بروز مثل هذه امليول حتى لدى إناث‬
‫الطري والحيوانات العليا األخرى‪ .‬أما املساواة يف الحقوق والتمتع بالفرص التي‬
‫ثم تختلف أيضا باختالف‬ ‫ميكن ْأن ُيتيحها املجتمع فهي مسألة أخرى‪ ،‬وهي من َّ‬
‫ثم يجب‬ ‫الزمان واملكان والثقافة ودرجة التطور االقتصادي واالجتامعي‪ .‬ومن َّ‬
‫عدم الخلط بني املساواة بوصفها عالقة تخضع لشبكة مرتابطة من املؤثرات املادية‬
‫واملعنوية‪ ،‬وبني وضع النساء وأدوارهن يف املجتمع‪.‬‬
‫كان ظهور الرأساملية إيذانا بانتهاء العديد من أمناط اإلنتاج السابقة عىل‬
‫داخل وفيام بني الجامعات‬ ‫َ‬ ‫الرأساملية مع ما رافقها من متزق اللحمة والروابط‬
‫األولية واملجتمعات املحلية ‪ communities‬وتوسع األسواق من ج َّراء املَ ْكنَنة‬
‫وتوسع املدن وانتشار الحروب الداخلية والخارجية التي أ ْم َلتها الحاجة إىل املواد‬ ‫ُّ‬
‫الخام واليد العاملة والسعي من أجل السيطرة عىل األسواق‪ .‬وكان ْأن ُق ِذف بأعداد‬
‫متزايدة من الناس من أماكن وجودهم التقليدية إىل املدن اآلخذة بالتوسع‪،‬‬
‫وظهرت األرس التي ال معيل لها‪ ،‬مام اضطرت النسوة معه إىل أخذ زمام املبادرة‬
‫والنزول إىل سوق العمل‪ .‬تقول سيمون دي بوفوار‪« :‬مبا َّأن انطالق الصناعة‬
‫املباغت يتطلب يدا عاملة أكرث من تلك التي ُيؤ ِّمنها العامل الذكور‪ ،‬فمشاركة‬
‫غي ْت يف القرن التاسع عرش مصري‬ ‫النساء رضورية‪ .‬تلك كانت الثورة الكربى التي َّ‬
‫املرأة»(‪ .)16‬كام َّأن الرأسامليني يف بداية أمرهم كانوا أكرث َميال إىل تشغيل النساء‬
‫ات تتعلق برخص‬ ‫السن واألمية وعدم املهارة‪ ،‬وذلك العتبار ٍ‬ ‫زن بصغر ِّ‬‫اللوايت َت َّي َ‬
‫األجور ورمبا لالقتناع وعدم ميلهن إىل التحريض وأعامل الشغب إثارة أو استجابة‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫لذا غالبا ما كانت املرأة العاملة موضوعا لالستغالل من قبل أرباب العمل(‪ . )17‬وهو‬
‫ما م َّيز‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬املطالبات املدافعة عن حقوق املرأة والتي تقدَّ ْ‬
‫مت بها‬
‫بعض من نساء الفكر واألدب آنذاك‪ ،‬والتي كانت مقترصة عىل مخاطبة عواطف‬ ‫ٌ‬
‫الناس وإقناع النخبة برضورة تعليم املرأة ‪ -‬وخصوصا املتحدرات منهن من بني‬
‫أفراد الطبقات الوسطى والعليا ‪ -‬حامية لها من االستغالل وليك تأخذ مكانها‬
‫الالئق يف البيت ويف سوق العمل‪.‬‬
‫وعندما تحقق للمرأة مطلبها يف التعلم والضغط من أجل توفري فرص‬
‫العمل‪ ،‬كان النظام الرأساميل قد قطع شوطا متقدِّما يف املَ ْكنَنة والتعقيد‪ .‬هنا‬
‫كان من مصلحة رجال األعامل‪ ،‬وعمال عىل االستفادة القصوى من طاقة قوة‬
‫العمل البرشي‪ ،‬اللجو ُء إىل وضع معايري ومقاييس خاصة للمتقدِّمني للعمل‬
‫ولشغل املراكز الوظيفية يف مصانعهم ومكاتبهم؛ كالوزن والطول والعمر وقوة‬
‫والحمل‪ ،‬وما شابه ذلك الس ّيام يف مجاالت بعينها كالبنا ِء واملَ ِ‬
‫صاهر‬ ‫التحمل والزواج َ‬
‫واملَقالِع واملناجم والحراسة والجيش والبوليس عىل سبيل املثال وليس الحرص‪.‬‬
‫هذه األسباب‪ ،‬ورمبا أخرى غريها‪ ،‬كانت مبنزلة الدافع الكامن وراء مطالبات‬
‫الحركات النسائية بإعادة النظر يف مجمل النظام االجتامعي والسيايس القائم؛ قيام‬
‫صممة لِتتالءم أو َتخدم يف‬ ‫ومؤسسات‪ ،‬بقدر ما كانت تلك القيم واملعايري املتَّبعة ُم َّ‬
‫مصالح الجنس اآلخر؛ الرجل‪ ،‬أو هكذا فهمت من قبل املدافعات‬ ‫َ‬ ‫التحليل األخري‪،‬‬
‫عن حقوق املرأة‪ .‬وكان ذلك أيضا سببا للتغيري الذي طرأ مبرور الزمن عىل مواقف‬
‫سيقت دفاعا عن مصالح النساء ونظرتهنَّ الخاصة‬ ‫ْ‬ ‫تلك الحركات والتنظريات التي‬
‫إىل العامل وتأكيدا لوجهات نظرهنَّ بهذا الخصوص‪.‬‬
‫الخ ِّضم من التكا ُل ِب عىل مصادر الرزق والتنافس عىل الفوز بالفرص‬ ‫يف هذا ِ‬
‫وضع ثانوي أو تابع‬ ‫َت املرأة نفسها يف ٍ‬ ‫املتاحة التي تتم َّي ُز أصال ِبنُدرتها‪َ ،‬و َجد ِ‬
‫للرجل‪ .‬فهي مضطرة إىل منافسة الرجل ولكن يف ظل رشوط التاميز الجنيس الذي‬
‫األرسة والبيت أو املجال الخاص‪ ،‬وكذلك‬ ‫ُيعطي األولوية للرجل يف واليت ِه عىل ُ‬
‫للمعايري واملقاييس والرشوط املوضوعة عىل املتنافسني‪ ،‬والتي ال تتناسب مع‬
‫مؤهالت املرأة الطبيعية الجسدية أو الجنسية‪ .‬من هنا كانت املحاوالت من‬
‫أجل إعادة النظر يف محتوى هذا النوع من التقسيم والتاميز عىل صعيد العمل‬
‫‪116‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫والجنس‪ ،‬بني املجالَني الخاص والعام‪ .‬متثل السعي يف هذا االتجاه يف استحداث‬
‫مقولة أن التاميز بني الرجل واملرأة هو أمر تواضع عليه املجتمع‪ ،‬فهو إنشاء‬
‫اجتامعي ‪ social construction‬ليس إال‪ .‬فاملرأة عىل حد تعبري سيمون دي‬
‫بوفوار «ال ُتولَدُ امرأة‪ ،‬بل املجتمع هو من يجعل منها ذلك الكائن الذي ُيط َل ُق‬
‫علي ِه امرأة»‪ .‬وهو ما استلزم السعي من أجل إلغاء التقسيم البيولوجي القائم عىل‬
‫الجنس ‪ sex‬بني املرأة والرجل؛ ذلك أل َّن ُه ليس هناك من اختالف يف الطبيعة بني‬
‫وربا أيضا‬ ‫هاتني الفئتَني‪ ،‬بل هناك ما ميكن أن ُي ْط َلق عليه اختالفات يف الوظائف‪َّ ،‬‬
‫يف الظروف التي عملت عىل خلق تلك االختالفات‪ ،‬و َف َر َض ْت ِمن بعد ذلك العمل‬
‫عىل مراعاتها بدل اتخاذها ذريعة من أجل حرمان هذا القطاع الواسع من الناس‬
‫من ُفرص ِه يف الحياة الفاعلة وتحقيق الذاتية (أو الذاتيات) الخاصة ألفراد ِه‪ .‬وهو‬
‫ما كان موضوعا لكثري من الجدل بحيث أسهمت فيه الحركة النسوية بجهد وافر‪،‬‬
‫مبفهوم آخر هو النوع االجتامعي‬
‫ٍ‬ ‫ومحا ِولة العمل يف الوقت نفسه عىل استبدال ِه‬
‫‪ ،gender‬مبعنى إحالل التقسيم القائم عىل النوع االجتامعي محل التقسيم‬
‫السابق القائم عىل الجنس (الطبيعي) ‪ ،sex‬بوصفه تقسيام أنشئ وتووضع علي ِه‬
‫اجتامعيا ‪ .socially constructed‬وعىل رغم ذلك فلم يكن ملثل هذا التحول يف‬
‫نظرات النسوية؛ ذلك َّأن من شأن مثل هذا االتجاه‬ ‫التفكري ليقنع البعض من ُم ِّ‬
‫يف القول بالتشابه ‪ ،sameness‬عىل رغم ما ميكن ْأن ُيوفره من حقوق للنساء‬
‫ومساواة لهنَّ مع الرجال‪ْ ،‬أن يؤدي إىل القبول باملعايري االجتامعية واالقتصادية‬
‫املفروضة ذكوريا عىل النساء‪ ،‬من دون أخذ باالعتبارات التي تفرضها الطبيعة‬
‫الخاصة للنساء والتزاماتهنَّ البيتية واألرسية األخرى‪ ،‬وهو ما يعني يف التحليل‬
‫األخري الدخول إىل حلبة املنافسة مع الرجال ولكن من قبل نقطة الرشوع‪ .‬وهو ما‬
‫الحقا ‪ -‬إىل األخ ِذ مبفهوم االختالف ‪ difference‬بني الفئتَني‪،‬‬ ‫َد َف َع ‪ -‬بوصفه إجراء ِ‬
‫يف محاولة من النسويات لرتتيب حقوق أخرى العتبارات تتعلق بخصوصية املرأة‬
‫واستقاللها الذايت َيتجا َو ْز َن بها املساواة التي اعت َْب َنها متيل إىل مصلحة الرجال‪ .‬بل‬
‫ذهبت البعض من منظرات النسوية إىل املغاالة يف تقييمهن لصفات التاميز بني‬
‫النساء والرجال والخصوصية التي تتمتع بها النساء عىل الرجال‪ .‬وعىل رغم ذلك‬
‫فقد كانت ملفهوم االختالف الذي سعت إليه بعض من منظرات النسوية َمسا ِوئه‬
‫‪117‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫الجنسني‬
‫َ‬ ‫الخاصة؛ ذلك أ َّن ُه سيعيدُ إىل الواجهة مسألة االختالف يف الطبيعة بني‬
‫ثم إعادة رشعنة تقسيم العمل بني املجالَني الخاص والعام‪.‬‬ ‫ومن َّ‬
‫تحققت بها ظاهرة‬ ‫ْ‬ ‫تقودنا هذه املقدمة إىل تساؤلٍ مركزي عن الكيفية التي‬
‫ال َقهر أو االضطهاد ضد املرأة فردية كانت أو اجتامعية‪.‬‬
‫نص َب‬ ‫تقديم إجابة شافية عن تساؤلٍ كهذا ال بد أن َي َض َع ْ‬ ‫َ‬ ‫الحقيقة هي َّأن‬
‫عَينَي ِه العديد من االعتبارات‪ ،‬ويأيت يف مقدمتها رضورة َتت ُّبع األصول التاريخية‬
‫طبعت‬‫ْ‬ ‫الفكرية املفرتَضة منها والواقعية لِظاهرة الخضوع واالضطهاد التي‬
‫بدورها عالقة األفراد واملجتمعات بالنساء بعامة ومواقفهم تجاه املرأة بخاصة‪.‬‬
‫ات‬ ‫إذ مام ال شك فيه أن هناك العديد من العوامل التي َن ِجدها غائرة يف ط ّي ِ‬
‫التاريخ تسهم يف تشكيل وعي الناس وتلوين نظرتهم إىل األمور‪ ،‬وذلك عرب عملها‬
‫عىل تشكيل قيم هؤالء ومعايري السلوك املعتمدة يف املجتمع‪ .‬وال َيشذ املوقف‬
‫من املرأة وما رافقه عرب التاريخ من نظرات تيش بالدونية ‪ِّ ،inferiority‬‬
‫بكل‬
‫شعَنة أشكال من السلوكيات‬ ‫ربا َ ْ‬ ‫ما َتح ِمل ُه هذه األخرية من َم ٍ‬
‫يل إىل إجازة أو َّ‬
‫اتسمت باالضطهاد؛ ذلك الذي نسعى إىل إيجاد تفس ٍري له يف هذا املقام‪ .‬تقول‬
‫كارول َبيتامن ‪ ،Carole Pateman‬إحدى املنظرات النسويات وصاحبة اتجاه‬
‫راديكايل نقدي للدميوقراطية الليربالية‪ ،‬كام تصف به نفسها‪ ،‬يف تفسري النظرة‬
‫دم أساسية للمجتمعات»‪،‬‬ ‫ثم توصيفهن بكونهن «أداة هَ ٍ‬ ‫الدونية للنساء ومن َّ‬
‫ثم ُم ْن َغ ِرسة‬
‫أصل قديم ‪ ancient origin‬وهي من َّ‬ ‫بأن تلك النظرة «ترجع إىل ٍ‬ ‫َّ‬
‫وبعمق يف مرياثنا األسطوري والديني»(‪ .)18‬وهو ما يعني أن للرتاث الفكري الغريب‪،‬‬
‫أرستها املامرسات يف ظ ِّل ِه جيال بعد جيل‪ ،‬الي َد الطوىل يف املساهمة‬ ‫والقيم التي َ‬
‫ثم تسويغ التعامل معهنَّ بهذا الشكل‪.‬‬ ‫يف تشكيل نظرة املجتمع إىل النساء ومن َّ‬
‫ثم لِزاما عىل الباحثني الذين َس َيتن ََّكبون أمر معالجة موضوعات‬ ‫وسيكون من َّ‬
‫النسوية الرجوع إىل املايض من أجل التنقيب عن أسباب لتلك التصورات التي‬
‫ميكن أن تكون قد لَ َّو َنت مواقف األجيال الالحقة حتى يومنا الحارض‪ .‬وهو ما‬
‫سنعمل عىل توضيحه قدر اإلمكان يف النقطة التالية‪.‬‬
‫َّإن محاولتنا يف هذا املجال تأيت وهي ُتر ِّك ُز عىل تبيانِ مقولة ثنائية الذكر‪-‬‬
‫األنثى عرب تسليط الضوء عىل مفهوم االضطهاد الجنيس من زاوية النظر الخاصة‬ ‫ُ‬

‫‪118‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫وبكل ما يشتمل عليه مثل هذا التصنيف من متيي ٍز جنيس وتبعية‬ ‫ِّ‬ ‫بالنسوية‪،‬‬
‫جنسية عىل حساب اإلناث ملصلحة الذكور‪ .‬ثم سنعمد بعدها إىل تبيان االتجاهات‬
‫ُ‬
‫الذكر‪-‬األنثى‪ ،‬ليقودنا ذلك أخريا‬ ‫الفكرية الثالثة ذات الصلة بتحديد ماه ّية ثنائية‬
‫صب الرتكيز عىل جدلية العام – الخاص وحيثياتها‪.‬‬ ‫إىل ِّ‬

‫املبحث الثالث‬
‫االضطهاد الجنيس‬
‫نظرات النسوية اعتقاد بأ َّن ُه عىل الرغم من اندالع الثورة الفرنسية‬ ‫َيسو ُد لدى ُم ِّ‬
‫يف العام ‪ 1789‬وتشديدها عىل مبادئ الحرية واملساواة واإلخاء‪ ،‬فإن النساء َبق َ‬
‫ني‬
‫بعامة ُم ْستَب َعدات من الوضعية القانونية للمواطنة حتى بدايات القرن العرشين‪.‬‬
‫كل من السياسيني‬ ‫وذلك مل يكنْ َمحض مصادفة؛ بل كان سياسة رصيحة سا َندها ٌّ‬
‫نظرين السياسيني معا‪ .‬فقد َن َظ َر أرسطو وأنصاره إىل النساء من زاوية كونهنَّ‬ ‫وا ُمل ِّ‬
‫بسبب من‬ ‫ٍ‬ ‫ناهضة للسياسة‪َ ،‬ينتَم َ‬
‫ني‬ ‫كائنات غري سياسية‪ ،‬أو باألحرى كائنات ُم ِ‬
‫باألرسة والبيت‪ ،‬أما املزايا‬ ‫استعدادا ِت ِهنَّ العقلية والعاطفية إىل النطاق الخاص ُ‬
‫بالذكور حرصا‪ .‬هذا املنظور مل يتطور كثريا‬ ‫واملراكز السياسية الرفيعة فهي مرتبطة ُ‬
‫ان القرون الوسطى‪ ،‬فقد ُن ِظر إىل مواطنة املرأة‬ ‫يف الفكر السيايس املسيحي إ ّب َ‬
‫عب عنها فعال‬ ‫وحقوقها بوصفها إضافة غري رضورية؛ ذلك َّأن اهتاممات النساء ُي َّ‬
‫من خالل آبائهنَّ وأزواجهنَّ ‪ .‬هذا إىل جانب كون وضع النساء عىل قدم املساواة‬
‫مع الرجل من شأن ِه أن يغدو ُمتعا ِرضا مع الرتاتبية الطبيعية التي قدَّ رها الله تعاىل‪.‬‬
‫أي مبعنى َّأن األرسطيني والنظريات املسيحية وال َبطر َيركية ‪ Patriarchy‬بصور ٍة‬
‫عامة ُير ِّكزون عىل فكرة واحدة مفادها‪« :‬أن النساء بسبب طبيعتهنَّ غري قادرات‬
‫ألن ُيص ِبحنَّ مواطنات»(‪ .)19‬وهو‬ ‫أهل ْ‬
‫عىل التفكري العقالين‪ ،‬وهو ما َيجعلهنَّ غري ٍ‬
‫كل من ماكس هوركهامير‪ Max Horkheimer‬وتيودور أدورنو‬ ‫َمدا ُر تأكيد وعناية ٍّ‬
‫‪ :Theodor W. Adorno‬حيث َّإن الكنيسة عرب تاريخها‪ ،‬كام يقول الكاتبان‪« ،‬مل‬
‫بالعبودية‪،‬‬ ‫ُتف ِّوت فرصة من أجل التأثري يف املؤسسات الشعبية‪ ،‬سواء تع َّلقَ األمر ُ‬
‫الحمالت الصليبية أو مطاردة اليهود‪ُ ،‬متحالِفة بذلك مع األحكام التي أط َلقها‬
‫أفالطون ضد املرأة‪[ ...‬ذلك] َّأن الكنيسة قد أق ّر ْت بعقيدة دونية املرأة»(‪.)20‬‬

‫‪119‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫َت نهاية القرن الثامن عرش صعو َد شعبية الليربالية ونظريات الحقوق‬ ‫َشهد ْ‬
‫دت كلتاهام يف حيثياتهام عىل َّأن َّ‬
‫كل‬ ‫الطبيعية ‪ ،Natural Rights‬وقد شدّ ْ‬
‫الرجال لهم الطبيعة نفسها والتي غالبا ما تتمثل يف القدرة عىل التفكري العقالين‪،‬‬
‫فإن لهم أيضا الحقوق الطبيعية نفسها‪ .‬وعىل الرغم من َّأن نظريات‬ ‫ومن ثم َّ‬
‫اض محافظة‪ ،‬مثل تحديد االلتزامات‬ ‫مت أصال ألغر ٍ‬ ‫الحقوق الطبيعية قد استُخ ِد ْ‬
‫لكل الناس تجاه امللك‪ ،‬فإ ّنها عُ دَّ ْت ذات طابع َتقدُّ مي وقتها بقدر ما‬ ‫العامة ِّ‬
‫تتسع نظريات‬ ‫ْ‬ ‫انطوت عىل توفري حقوق وحريات املواطنية‪ .‬ومع ذلك فلم‬ ‫ْ‬
‫ظل التمييز قامئا‬ ‫تشمل يف دائرة اعرتافها أوضاع النساء؛ إذ َّ‬ ‫الحقوق الطبيعية لِ َ‬
‫بني الرجال والنساء‪ .‬فالنساء عىل رغم مميزاتهن الخاصة فإ َّنهن بصورة طبيعية‬
‫أدىن مكانة من الرجال‪ ،‬لهذا يتعني استبعادهنَّ من نطاق حقوق املواطنة‪ .‬وقد‬
‫نظرين الذين اعتُربوا آنئ ٍذ دميوقراطيني راديكاليني‪،‬‬ ‫كان ذلك رأي العديد من ا ُمل ِّ‬
‫مثل جان جاك روسو ‪.)21( Jean Jacques Rousseau‬‬
‫وضمن هذا اإلطار الفكري وعىل امتدا ِد ِح َق ٍب كثرية من التاريخ‪َّ ،‬‬
‫فإن العبار َتني‬
‫َ‬
‫متناقضني يف‬ ‫للفظني‬‫«تفكري النساء» و«النظرية النسوية» كانتا ُتعتربان اجتامعا َ‬
‫املعنى واملاه ّية‪ .‬إذ َّإن الجزء األكرب من الثقافة الغربية‪ ،‬ومنذ صياغة الفيلسوف‬
‫ديكارت لِنظرية الفصل بني العقل والجسد يف القرن السابع عرش‪ ،‬قد شهد االستناد‬
‫إىل كون النساء مرتبطات بالطبيعة والجسد وظروف الحياة الواقعية‪ ،‬يف حني‬
‫أضحى الرجال ُمرتبطني بالثقافة والعقل والفكر والفلسفة التجريدية(‪ .)22‬مثل هذا‬
‫االرتباط بني هذه املوضوعات نفسها دفع بالباحثة الكندية بار َبرا ويتمر ‪Barbra‬‬
‫األنثى هي امتدادٌ لِثنائية العقل ‪-‬‬ ‫‪ ،Whitmer‬إىل تبيانِ فكرة َّأن ثنائية الذكر ‪ُ -‬‬
‫ُ‬
‫العقل باعتبار ِه عُ نرصا‬ ‫الجسد يف املوروث الثقايف الغريب‪ ،‬تقول ويتمر‪« :‬لقد عُ ِّظ َم‬
‫عنرص الفوىض‬ ‫َ‬ ‫الج َسد بوصف ِه‬ ‫بنَّاء يف النظام والحضارة‪ ،‬بينام ُخ ِّف َض من قيم ِة َ‬
‫والطبيعة‪ .‬وقد جرى يف التاريخ الغريب اإلفصاح عن االنفصام بني العقل والجسد‬
‫بكل ما‬‫اقرتن العقل‪ ،‬من زاوية كون ِه أسمى وأعىل َمن ِزلة‪ِّ ،‬‬ ‫وفقا للجنس‪ .‬حيث َ‬
‫بكل ما هو ُأن َثوي‪ .‬وبسبب‬ ‫الج َسدُ بوصف ِه أدىن َم ْن ِزلة‪ِّ ،‬‬ ‫هو ُذكوري‪ ،‬بينام َ‬
‫ارتبط َ‬
‫الذكورة السامية أو‬ ‫نظ ُر إىل الذكر بأ َّن ُه «أنا» ُ‬‫ربط العقل مع ا ُملط َلق‪ ،‬فقد أصبح ُي َ‬
‫صورة لِطبيع ٍة مادية أدىن َمقاما‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫نظ ُر إىل املرأة باعتبارها‬‫ا ُملطلق بحد ذات ِه‪ ،‬بينام ُي َ‬

‫‪120‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫فإن الذ َكر ُي َّعدُ‬


‫وعىل الرغم من النظر إليهام باعتبارهام من طبي َعتَني ُمخت ِلطتَني‪َّ ،‬‬
‫السمو‬ ‫واألنثى «أدىن» شأنا‪ .‬وهكذا ُيص ِب ُح الجنس رمزا رئيسا يف ثنائية ُّ‬ ‫«أعىل» شأنا ُ‬
‫والحلول‪ ،‬والروح واملادة‪ .‬كام َيظ َه ُر هذا االستحواذ عىل ُثنائية الجنس يف الفرق‬ ‫ُ‬
‫خض ُع‬ ‫َ‬
‫بني ال َبيولوجيا والثقافة‪ .‬حيث ُيص ِّو ُر هذا الفرق الحاجة ال َبيولوجية التي َي َ‬
‫لها النساء والرجال معا و َيتك َّيفون معها‪ ،‬كام ُيص ِّو ُر أيضا العادات والقوانني ا ُمل َك َّونة‬
‫ثقافيا‪ ،‬والتي َت ْف ِر ُض عىل النساء أدوارا دونية»(‪.)23‬‬
‫جسد يف هيئ ٍة آدمية وفقا لهذا‬ ‫فإن الرجل واملرأة كليهام ُم َّ‬ ‫ويف ضوء ذلك‪َّ ،‬‬
‫السمو‬ ‫الرجل القدر َة عىل ُّ‬ ‫ُ‬ ‫النموذج األويل الثنايئ (الذكر ‪ُ -‬‬
‫األنثى)؛ َف َبينام َيت ِل ُك‬
‫فتَض فيها أنها ال َتت ِل ُك مثل‬ ‫فوق َج َسد ِه عرب العقل أو الع ْق َلنة‪ ،‬فإن املرأة ُي َ‬
‫التقييم األدىن للجسد وبالتايل للعاطفة‬ ‫ُ‬ ‫هذه القدرة العقالنية‪ .‬ومن ثم يعني هذا‬
‫ارتباط الغضب بالحاجة ال َبيولوجية إىل الجسد نفس ِه‪ ،‬لك َّن ُه يخضع‬ ‫َ‬ ‫والغضب‪،‬‬
‫جانب آخر‪ ،‬ال ميكن َبتاتا السيطرة عىل العاطفة‬ ‫بالرضورة لسيطرة عقل الرجل‪ .‬من ٍ‬
‫ثم تغدو‬ ‫يف شخص املرأة بسبب ذلك «النقص» يف املقدرة العقالنية لديها‪ .‬ومن َّ‬
‫مثل هذه النظرة تربيرا لإلساءة إىل النساء بعامة وأداة بأيدي الرجال للسيطرة‬
‫التحكم يف أنفسهنَّ ‪ ،‬ولهذا َّ‬
‫فإن‬ ‫ظل ال َّز ْع ِم بأ َّنهنَّ غري قادرات عىل ُّ‬ ‫عليهنَّ ‪ ،‬وذلك يف ِّ‬
‫الذكورية سيعني َّأن هناك‬ ‫اندالع االضطراب والفوىض يف املجتمع تحت السلطة ُّ‬
‫ِقوى ُأخرى فاعلة غري قوة الرجل العقالين‪ ،‬وأن العقل املق ّدس عند الرجل العقالين‬
‫الرشير‬ ‫الج َس ِد ِّ‬ ‫قد هيمنَ عىل املجتمع‪ .‬ويجب ْأن ُتعزى مثل هذه الالعقالنية إىل َ‬
‫كل ما ال َي ُّت بصل ٍة إىل الرجل‬ ‫رج ُع إىل ِّ‬ ‫الخاطئ واألدىن مقاما‪ ،‬أي أ َّنها باختصار َت ِ‬
‫شك يف َّأن إحالة مثل هذه الرؤية الفكرية إىل عامل ا ُملام َرسة سيعني‬ ‫العقالين(‪ .)24‬وال َّ‬
‫كل دول‬ ‫من ُجمل ِة ما يعني ِه معاناة النساء ج ّراء التمييز الجنيس املام َرس بح ِّق ِهنَّ يف ِّ‬
‫العامل‪ .‬لذا مل يكنْ غريبا والحالة هذه أن َتغد َو كثري من ُأسس التمييز املام َرس ضد‬
‫ذات طبيعة حتمية‬ ‫وربا الدينية أيضا‪َ ،‬‬ ‫النساء‪ ،‬لدى عدي ٍد من الجامعات الثقافية َّ‬
‫وتض َفى صفة املقبولية عليها لهذا السبب‪ ،‬وعىل النحو الذي ُيخ ِرجها من نطاق‬
‫أشكال التمييز التي حدَّ دها اإلعالن العاملي لِحقوق اإلنسان يف العام ‪ 1948‬ذات‬
‫العالقة بالعرق أو الدين أو الرأي السيايس‪ .‬فالتمييز الجنيس كثريا ما َي ِجدُ َتربيره‬
‫يف كون ِه يتوافق مع العديد من الثقافات الفاعلة يف العامل اآلن‪ .‬ويف معظم دول‬
‫‪121‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫العامل اليز ُال التمييز الجنيس قامئا يف مجاالت التوظيف والرتقية الوظيفية وقوانني‬
‫األحوال الشخصية ويف العديد من جوانب الحياة األخرى‪ ،‬وسوف َي َّظل هذا الوضع‬
‫روتينا ُم ْن َت َهجا لِسنوات كثرية قادمة َّربا(‪ .)25‬فالتمييز الجنيس تجاه النساء‪ ،‬وفقا‬
‫لسوزان مولر أوكني‪ ،‬ال ُيغ َفل ِذك ُرهُ أو ُيشار إليه يف سياق النقاشات حول الحقوق‬
‫الجامعية ‪ Group Rights‬بصور ٍة ُمقتضبة فقط‪ ،‬بل «وليس َع َرضيا ْأن ُتج َع َل‬
‫مكانة خاصة ‪ Special Status‬باملعنى السلبي للكلمة‪ ،‬وكأنه بطريقة‬ ‫ٌ‬ ‫للموضوع‬
‫أخرى ليس متييزا جنسيا حقيقيا أو عىل األقل ُي ْف ِل ُت من عملية التدقيق وإمعان‬
‫طال األشكال األخرى من التمييز واملحاباة‪ .‬وليس من ا ُملستَغ َر ِب َّأن‬ ‫النظر التي َت ُ‬
‫بشكل َمنقوص‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫موضوعَ الالمساواة الجندرية ‪ُ Gender Inequality‬يعالج‬
‫الح ُظ بصور ٍة متفاوتة األهمية أو حتى ُيتَجاهل من قبل الليرباليني الذين‬ ‫أ َّن ُه ُي َ‬
‫يعالجون موضوع الحقوق الجامعية‪ .‬وسبب ذلك وفق َزعمي هو َّأن كل الثقافات‬
‫تقريبا ثقافات َبطر َيركية بدرج ٍة من الدرجات‪ ،‬وأ َّنه من الصعوبة البالغة مبكان‬
‫التوفيق وا ُملوا َءمة بني املطالبة مبعاملة النساء معاملة متساوية مع الرجال وبني‬
‫املامرسات العملية لِكثري من األديان والجامعات الثقافية‪ ،‬مبا فيها الجامعات التي‬
‫فإن الالمساواة‬ ‫ُتطالِ ُب بـ «الحقوق الخاصة» ‪ .Special Rights‬وعىل رغم ذلك‪َّ ،‬‬
‫الجندرية ُتعدُّ مشكلة جديرة بالدراسة؛ فأيّ نظري ٍة سياسية ليربالية تحتاج إىل‬
‫َفهمها ومعالجتها‪ ،‬وذلك عىل الرغم من التوجه العام إىل نسيان حقيقة كون‬
‫وأن أي نظرية قامئة عىل أساس الحرية‬ ‫النساء ُيش ِّكلنَ أكرث من نصف سكان العامل‪َّ ،‬‬
‫صب القليل من االهتامم‬ ‫أو رفاهية األفراد ال ميكنها تجاهل هذه الحقيقة‪ ،‬أو ّ‬
‫نسبيا عىل موضوع التمييز الجنيس ا ُملام َرس تجاهَ هنَّ (‪.)26‬‬

‫املبحث الرابع‬
‫تبعية النساء والهيمنة الذكورية‬
‫إن تبعية النساء وفق املنظور الخاص بالنسويات هي نتيجة للهيمنة الذكورية‬
‫عب عن نفسها يف التوزيع غري املتساوي للمنافع االجتامعية‪ ،‬ويف اإلجحاف‬ ‫التي ُت ِّ ُ‬
‫نظم بحقِّ النساء يف املساواة مع الرجل يف الحقول جميعها‪ .‬و َيق ِرتن مبفهوم‬ ‫ا ُمل َّ‬
‫مفهوم التمييز بني املجالَني العام والخاص وما َيتع َّل ُق به من التوزيع‬
‫ُ‬ ‫تبعية النساء‬
‫‪122‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫غري املتساوي للعمل املنزيل والعالقة بني املسؤوليات العائلية واملسؤوليات املهنية‬
‫نتيجة للهيمنة الذكورية‪ ،‬إذ يجري إقصاء النساء وتهميشهنَّ يف املجال الخاص‬
‫ثم دفعهنَّ للبقاء يف دائرة الحياة املنزلية‪ ،‬يف حني َيست ِق ُّل الرجال باملجال العام‬
‫و ُمختلف ُحقول ِه‪ :‬االجتامعية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬مام يعزز االعتقاد بكون‬
‫وأن الرجل وحده هو منْ‬ ‫أوجدت مثل هذا التمييز‪َّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫الطبيعة ‪ Nature‬هي َمنْ‬
‫َي ْص ُل ُح لالضطالع بوظائف املجال العام(‪.)27‬‬
‫يرت َّت ُب عىل ذلك الخالصة التي َتذهَ ُب إىل ربطِ تبعية املرأة باملكانة الدنيا‬
‫جانب منها عىل األقل إىل‬ ‫ٍ‬ ‫التي تحتلها اجتامعيا‪ ،‬وتعود هذه األخرية بدورها ويف‬
‫ليشمل قضايا‬ ‫َ‬ ‫ويتَّدُ هذا الوضع‬‫متيل إىل مصلحة الرجل‪َ .‬‬ ‫حالة متاي ٍز جنيس واضح ُ‬
‫التَح ُّرش الجنيس بالنساء‪ ،‬فهو متييز قائم عىل أساس الجنس مادام الجنس نفسه‬
‫لألنثو ّية املجتمعية‪ .‬فإذا ما كانت النساء‬ ‫قد ُح ِّد َد باعتبار ِه الداللة االجتامعية ُ‬
‫عُ رضة للتح ّرش الجنيس من قبل الرجال‪ ،‬فذلك أل َّنهن نساء يف املقام األول‪ .‬وهناك‬
‫الحجج التي تدعم وضعية تبعية املرأة للرجل‪ :‬أولها َّأن العالقة‬ ‫ثالثة أمناط من ُ‬
‫الجنسية التي لَطاملا أتاحت استمرار النسل قد جعلت النساء يف تبعية اقتصادية‬
‫للرجال بحيث أدامت دُون َّيتهنَّ عرب التاريخ‪ ،‬و ُقل األمر عينه فيام ُّ‬
‫يخص ته ُّيئَهنَّ‬
‫الجنيس حيال الرجال‪ .‬وثانيها يتم ّثل يف اعتبار التح ّرش الجنيس مبنزلة التعبري‬
‫األمثل غالبا عن النموذج الذكوري للمبادرة الجنسية‪ ،‬والذي ُت ْك َرهُ النساء عليه‪.‬‬
‫وثالث أمناط الحجج ّأن نوع الجنس هو الذي ُيح ِّد ُد هوية النسبة الكربى من‬
‫ترج ُع أصال‬ ‫فإن مامرسة الرجال للعنف الجنيس ِتجاههنَّ ِ‬ ‫النساء يف املجتمع‪ ،‬ولهذا َّ‬
‫إىل استغاللهنَّ من حيث كونهنَّ نساء‪ .‬والواقع َّأن ا ُملفا َرقة يف نوع الجنس تكمن‬
‫ألن ُيختزل يف الدور الجنيس الذي ُتؤدي ِه النساء من حيث اختالفهنَّ‬ ‫يف قابليت ِه ْ‬
‫األنثوي‪ ،‬يعني ْأن َت ْظ َه َر عىل‬ ‫وأن َتنتمي إىل الجنس ُ‬ ‫األنثى امرأة ْ‬ ‫فأن تكون ُ‬
‫الجنيس‪ْ .‬‬
‫الدوام ُمهيأة لِرغبات الرجال‪ ،‬وخاضعة لِسطوتهم و ُمطيعة ألوامرهم وإرادتهم(‪.)28‬‬
‫متجذرة ومتداخلة يف مجاالت‬ ‫ّ‬ ‫يعني ذلك َّأن تبعية النساء للرجال تبعية‬
‫االجتامع واالقتصاد والثقافة‪ ،‬مام انعكس بدور ِه عىل ال ُبنية السياسية بصور ٍة‬
‫َملحوظة‪ .‬وهو ما دعا األنرثبولوجية األمريكية شريي ُأورترن ‪Sherry B.‬‬
‫«إن شمولية خضوع األنثى‪ ،‬وحقيقة أ َّنهُ خضوعٌ موجود‬ ‫‪ Ortner‬إىل القول‪َّ :‬‬

‫‪123‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫كل‬ ‫داخل كل منط من الهياكل االجتامعية واالقتصادية‪ ،‬ويف مجتمعات من ِّ‬


‫وض ُح يل أ ّننا َنثو ُر ضد يشء ُمع ّقد جدا وعَنيد جدا‪،‬‬ ‫درجة من درجات التعقيد‪ُ ،‬ي ِّ‬
‫يشء ال ميكننا دَحر ُه ببساطة عن طريق إعادة ترتيب بضعة َمهامت وأدوار يف‬
‫النظام االجتامعي‪ ،‬أو حتى عن طريق إعادة تنظيم ال ُبنية االقتصادية كلها»(‪.)29‬‬
‫إن مجرد انعدام التمييز العرقي االعتباطي‬ ‫بل ميكن القول مع هذا الرأي َّ‬
‫الجنسني‬ ‫َ‬ ‫‪ arbitrary discrimination‬ليس دليال عىل غياب الالمساواة بني‬
‫يف املجتمع‪ ،‬بل قد يكون عالمة من عالمات وجودها؛ ذلك َّ‬
‫ألن النساء هنَّ‬
‫ضحايا هيمن ٍة اجتامعية شاملة‪َ ،‬ف َلم َيعدْ من الرضوري أصال االستزادة يف‬
‫قهرهنَّ اجتامعيا ومتييزهنَّ جنسيا‪ .‬فالتمييز العرقي االعتباطي عىل صعيد‬
‫أماكن العمل والتوظيف مل َي ُعد يؤدي فقط إىل تكريس امتيازات الرجال بل‬
‫ٌ‬
‫وظيفية‬ ‫إن مامرسته أصبحت غري وارد ٍة عمليا‪ ،‬أل َّنهُ مل تعد هناك أصال ٌ‬
‫فرص‬ ‫َّ‬
‫ستوج ُب اللجوء إىل هذا التمييز لِغرض إقصائهنَّ منها‪.‬‬ ‫ُم ٌ‬
‫تاحة للنساء بحيث َت ِ‬
‫فقد تنجح هذه املرأة أو تلك يف التصدّ ي للضغوط االجتامعية والوصول إىل‬
‫مراكز وظيفية عُ ليا ومتوسطة‪ ،‬لكنَّه مع ذلك يبقى فعال هامشيا‪ ،‬إذ ك َّلام كانت‬
‫الهيمنة الذكورية أقوى َص ُع َب عىل املرأة يف املجتمعات الدميوقراطية الغربية‬
‫ثم تتق َّلص الفرص املتاحة التي ُيص ِبح‬ ‫َخ ْو َض املنافسة يف سوق العمل ومن َّ‬
‫فيها التمييز الجنيس ج ّليا للعيان‪ .‬أي َّأن املؤسسات االجتامعية ُتط َّوعُ لخدمة‬
‫الذكور من الناحية العملية وترتاجع الحاجة فيها إىل اعتامد سياسة التمييز‬
‫التصدي لِمثل هذه األشكال من الظلم‪ ،‬ينبغي‬ ‫ثم‪ ،‬إذا أردنا ّ‬ ‫العرقي‪ .‬ومن َّ‬
‫علينا إعادة صياغة مفاهيمنا بشأن الالمساواة الجنسية بوصفها قضية؛ ليس‬
‫من حيث كونها تتع َّلق مبوضوع التمييز العرقي االعتباطي بل من زاوية كونها‬
‫تتصل مبوضوع الهيمنة الذكورية(‪.)30‬‬
‫ويف ضوء ذلك‪ ،‬ميكننا تبيان ثالثة اتجاهات رئيسة يف تفسري ماه ّية خضوع‬
‫املرأة وتبعيتها للرجل؛ أولها ُيعالِ ُج الخضوع من زاوية املادية التاريخية‪ ،‬وثانيها‬
‫األنثوية‪ ،‬أما ثالثها‬ ‫َينظ ُر إىل َتبعية النساء من زاوية الربط بني اإلعاقة والهوية ُ‬
‫الجنسني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فيعالج موضوع هذه التبعية من زاوية كونها ِنتاج العالقة السياسية بني‬
‫وميكن تبيان هذه الجوانب عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪124‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫االتجاه األول‪ :‬تبعية النساء من زاوية املادية التاريخية‬


‫الحظ فريدريك أنجلز أن التقسيم األصيل للعمل بني الرجل واملرأة كان‬ ‫لقد َ‬
‫غايات ذات صلة برعاية األطفال‪ ،‬حيث إن الزوج داخل العائلة كان هو املالك‪ ،‬أما‬ ‫لِ ٍ‬
‫الزوجة فلم تكن إال وسيلة لإلنجاب‪ ،‬أما األطفال فهم العاملة‪ .‬وكان تكاثر الجنس‬
‫مختلف يف طبيعت ِه عن وسائل اإلنتاج‪ .‬ولكن أنجلز‬ ‫ٌ‬ ‫البرشي نظاما اقتصاديا مهام‪ ،‬وهو‬
‫الفضل أكرث مام يستحق عن هذه التعاريف املتف ِّرقة بشأن اضطهاد‬ ‫ِ‬ ‫قد ُأعطي من‬
‫النساء بوصفهنَّ طبقة جنسية ‪ .Sexual Class‬إذ َّإن نظام الطبقة الجنسية ال ُيعرتف‬
‫به إال حينام يتقاطع مع البنية االقتصادية‪ ،‬فاملشكلة االقتصادية تلك‪ ،‬وفقا للباحثة‬
‫شوالميث فايرستون «والتي ُتر ُّد إىل ملكية وسائل اإلنتاج‪ ،‬وحتى وسائل اإلنجاب‪ ،‬ال‬
‫كل يشء‪ .‬فهناك مستوى من الحقيقة ال ينشأ من االقتصاد مبارشة»(‪ .)31‬وهو ما‬ ‫فس َّ‬
‫ُت ِّ ُ‬
‫يستدعي من النسويات وخصوصا الراديكاليات منهنَّ العمل عىل تطوير منظور مادي‬
‫عبت عنه املاركسية يف ُنسختها الكالسيكية‪ ،‬كام ُيكن يف الوقت نفسه‬ ‫يبتعد عام َّ‬
‫تفسري ظاهرة خضوع املرأة وتبعيتها للرجل‪ .‬فشوالميث فايرستون كانت قد ب َّي ْ‬
‫نت‬
‫للجنسني تقسيام‬ ‫َ‬ ‫أمر هذه املَه َّمة من خالل عملها عىل إبراز كون التقسيم الجائر‬
‫(طبيعيا)‪ .‬فالعائلة ال َبيولوجية – الوحدة اإلنجابية املك َّونة من َذك ٍر وأنثى وطفل –‬
‫شكل من أشكال التنظيم االجتامعي وتت َِّص ُف مبا َييل من حقائق أساسية‪:‬‬ ‫هي ٌ‬
‫‪ - 1‬كانت النساء عىل مدى التاريخ وحتى ظهور تنظيم النسل‪ ،‬تحت رحمة‬
‫طبيعتهنَّ ال َبيولوجية ‪ -‬أي وضعية الحيض وانقطاعه‪ ،‬واألمراض النسائية والوالدة‬
‫املؤملة املتواصلة‪ ،‬وإرضاع ورعاية ال ُّر َّضع – كل ذلك جعلهنَّ َيعتمدن عىل الرجال‬
‫سواء كان الرجل أخا أو أبا أو زوجا أو عشرية أو حكومة أو املجتمع ككل‪ ،‬من‬
‫أجل البقاء املادي‪.‬‬
‫‪ - 2‬األطفال ال ُّر َّضع من جانبهم س َيستغ ِرقون وقتا غري قصري لِ َيكربوا‪ ،‬وهو أكرث‬
‫أجل البقاء‬
‫بسبب ضعفهم واعتام ِدهم عىل البالغني من ِ‬ ‫ِ‬ ‫مام َتستغ ِر ُق ُه الحيوانات‪،‬‬
‫املادي‪.‬‬
‫بشكل ما يف كل‬‫ٍ‬ ‫‪َّ - 3‬إن االعتامد األسايس املتبادل بني األم والطفل قد ُو ِج َد‬
‫ثم عىل تشكيل الجانب‬ ‫مجتمع؛ سواء أكان يف املايض أم الحارض‪ ،‬وعمل من َّ‬
‫لكل ُأنثى بالغة وكل طفل‪.‬‬
‫السيكولوجي ِّ‬

‫‪125‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫الجنسني إىل التقسيم األويل للعمل‬ ‫َ‬ ‫‪ - 4‬أدَّى االختالف اإلنجايب الطبيعي بني‬
‫األخرى االقتصادية‬ ‫عىل أساس الجنس‪ ،‬والذي ُي ِّث ُل أصل جميع التقسيامت ُ‬
‫والثقافية بخاصة‪ ،‬ورمبا َيتد لِيشمل حتى جذور مختلف الطبقات االجتامعية‪،‬‬
‫أي التمييز عىل أساس الجنس‪ ،‬واالختالفات األخرى املحددة بيولوجيا مثل‪ :‬العرق‬
‫والعمر وما إىل ذلك(‪.)32‬‬
‫وهو ما كان َمدار اتفاقٍ إىل ح ٍّد ما لدى أصحاب النظرية االجتامعية النقدية‪،‬‬
‫تموضع أصال‬ ‫الذين َييلون إىل افرتاض الرضورة التي أوجبت خروج الرجل ‪ -‬ا ُمل ِ‬
‫ضمن دائرة التقسيم ال َبيولوجي ‪ -‬إىل العامل وأن يكون فا ِعال ومؤ ِّثرا في ِه‪ ،‬يف الوقت‬
‫الذي ُأبق َي ْت في ِه املرأة بوصفها ذاتا ‪ Self‬مبعزل عن اإلنتاج واكتفائها بتأدية أدوار‬
‫مثال حي‬ ‫مهمة اإلنتاج‪ ،‬أي َّأن املرأة بذلك هي ٌ‬ ‫تقع علي ِه َّ‬
‫العناية والرعاية ِبَنْ ُ‬
‫لِمراحل زمنية طويلة ومتالحقة كان االقتصاد املنزيل فيها اقتصادا مغلقا‪ .‬مثل‬
‫هذا التصور لِمفهوم تقسيم العمل املفروض من قبل الرجل‪ ،‬وما يرت َّت ُب علي ِه‬
‫أصبح مبنزلة عنوان َم ْجد هذه الحضارة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫من نتائج كان أبرزها قمع املرأة‪ ،‬قد‬
‫لم بتحويل‬ ‫لم اإلنسان بالسيطرة عىل الطبيعة‪ ،‬كام َح َ‬ ‫فعىل مدى آالف السنني َح َ‬
‫الكون إىل َح ْق ِل صي ٍد كبري‪ .‬وعىل أساس ذلك تر ّكزت أفكار الناس يف مجتمع ُيح ِّد ُد‬
‫فيه الرجال كل يشء‪ .‬لقد كانت املرأة‪ ،‬وفقا لهذا املنظور الفرانكفوريت‪ ،‬كائنا‬
‫فارق َف َر َضته‬
‫فارق ال تستطيع تجاو َزهُ ‪ٌ ،‬‬
‫أصغر وأشد ضعفا‪ ،‬فبينها وبني الرجل ٌ‬
‫الطبيعة‪ .‬فهي اليشء األكرث مهانة واألكرث انحطاطا وذلك الذي ميكن َتخ ُّيل ُه يف‬
‫مجتمع ُذكوري‪ ،‬إذ بالنسبة إىل الذين َيعت َِبون َّأن السيطرة عىل الطبيعة هي‬
‫الهدف الحق‪ ،‬تظل الدُّ ونية ال َبيولوجية مبنزلة خصلة ال ُيكن حاميتها‪ ،‬كذلك‬
‫الضعف الذي ُيسيطر عىل «الطبيعة‪ /‬املرأة» هو مبنزلة النُّدبة التي تدعو إىل‬
‫فإن هذه العائلة ال َبيولوجية بحكم كونها ظاهرة طبيعية‬ ‫ثم َّ‬ ‫العنف(‪ .)33‬ومن َّ‬
‫ستغدو موجودة يف كل مكان وزمان نظرا إىل كونها جزءا ال يتجزّأ من «الطبيعة»‪.‬‬
‫األمومية‪ ،‬حيث تكون خصوبة‬ ‫وحتى يف املجتمعات غري الذكورية‪ ،‬أي املجتمعات ُ‬
‫مجهول أو غري مهم‪ُ ،‬يكن مالحظة َّأن‬ ‫ٌ‬ ‫املرأة مقدّ سة يف حني َّأن دور الرجل فيها‬
‫هذه املجتمعات تشتمل عىل بعض االعتامدية أحادية الجانب من ِقبل األنثى‬
‫والطفل عىل شخص الذكر(‪.)34‬‬
‫‪126‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫ومن أجل أن يتحقق االقتناع مبثل هذا ال َفرض‪َ ،‬ذهَ َب أصحاب مدرسة‬
‫اض آخر مفاده ارتباط املرأة وانتامؤها إىل دائرة الطبيعة‬ ‫فرانكفورت بعامة إىل افرت ٍ‬
‫بكل ما تشتمل علي ِه هذه األخرية من كائنات‪ .‬ومثل هذا التصور لِمكانة املرأة‬ ‫ِّ‬
‫واملوقف منها كان قد أىت يف إطار الحجج التي ساقوها من أجل نق ِد ومهاجمة ُأسس‬
‫املجتمع الليربايل الرأساميل‪ .‬وذلك من خالل تأشريهام ‪ -‬أي هوركهامير وأدورنو –‬
‫وربا املعنوي أيضا واملتحصل للطبقة الربجوازية‪ ،‬من مثل‬ ‫إىل مدى النفع املادي َّ‬
‫هذه الصياغة التي طالَ ْت عالقة املرأة‪ /‬الطبيعة باملجتمع الذكوري‪ /‬الرأساميل‪ .‬أما‬
‫املرأة‪ ،‬يقول هوركهامير وأدورنو‪ ،‬فلم تحصل سوى عىل قبولها يف عامل السيطرة‪.‬‬
‫«قبول مل يكن أكرث من قبولٍ َمكسور الفؤاد‪ .‬وبخضوعها‬ ‫ٌ‬ ‫وعىل رغم ذلك فهو‬
‫انعكاس انتصار ِه‪ ،‬وتحولت هزميتها‬ ‫َ‬ ‫مت للمنترص‬ ‫بصور ٍة عضوية تكون املرأة قد قدَّ ْ‬
‫إىل ُخضوع‪ ،‬وخيبة أملها جعلت منها روحا جميلة‪ ،‬وقلبها املَكسور أصبح صدرا‬
‫حبيبا‪ .‬وعىل حساب انفصالٍ كيل عن املامرسة‪ ،‬وعىل حساب العودة إىل هذه‬
‫الدائرة السحرية‪ ،‬تل ّقت الطبيعة االحرتام من س ِّيد الخلق [أي الرجل]‪َ ...‬فتَامهَ ت‬
‫املرأة كليا مع جميع ما حصل وخاصة مع الطبيعة»(‪ .)35‬مبعنى َّأن املرأة‪ ،‬نظرا‬
‫أضحت جزءا من الطبيعة‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫إىل خضوعها للرجل وسعيها إىل إرضائ ِه‪ ،‬كانت قد‬
‫تحولت إىل مجرد يشء ذي دو ٍر ُمحدَّ د وهو إنجاب األطفال وخدمة الرجل‬ ‫ْ‬ ‫أي‬
‫وإمتاع ِه ليس إال‪ .‬ومن ثم ُتيس دونية املرأة جزءا من دونية الطبيعة‪ ،‬فكام َّأن‬
‫الطبيعة موضوع سيطر ٍة َتست ِندُ إىل العنف والقوة من منظور الرجل والسلطة‬
‫أيضا‪ ،‬كذلك املرأة هي موضوع سيطر ٍة عُ نفية من زاوية رؤية الرجل والسلطة‬
‫شأنها يف ذلك شأن الحيوانات ومواد الطبيعة‪.‬‬
‫«أن الطبيعة قد اعت ِ َُب ْت‬ ‫ويف هذا الخصوص ُيش ِّد ُد هوركهامير وأدورنو عىل ّ‬
‫دوما مبنزلة يشء خارجي ودوين نسبة إىل الحياة العملية‪ ...‬ويف أساس االهتامم‬
‫الذي ُيبدي ِه [النظام الفايش] والفاشيست تجاه الحيوان والطبيعة واألوالد‪ ،‬نجد‬
‫طفل أو َفروة حيوان‬ ‫إرادة َميلهم إىل االضطهاد‪ .‬فاليد التي ُتدا ِع ُب بإهامل َش ْع َر ٍ‬
‫قادرة عىل ال َهدم [واإلبادة البرشية]‪ ...‬وا ُملداعَب ُة نفسها َته ِد ُف‬
‫تعني ّأن هذه اليد ٌ‬
‫خاصا بهم وال‬ ‫إىل الربهنة عىل َّأن الجميع متساوون أمام السلطة‪ ،‬وأنه ال جوه َر َّ‬
‫اض السلطة الدموية» ‪.‬‬
‫(‪)36‬‬
‫طبيعة خاصة أيضا‪ ،‬فاملخلوق ليس إال أداة لِتحقيق أغر ِ‬
‫‪127‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫رج ُع كثري من‬ ‫و ُبغية التخلص من ظاهرة خضوع املرأة وتبعيتها للرجل‪َ ،‬ي ِ‬
‫النسويات االشرتاكيات إىل كتابات روبرت كوكس ‪ .Robert Coxs‬حيث ُيص ِّو ُر‬
‫فئات من القوى املتفاعلة‬ ‫كوكس العالَ َم من حيث ال ُبنى التاريخية املك َّون ِة من ثالث ٍ‬
‫تبادليا‪ ،‬وهي‪ :‬الظروف املاد َّية‪ ،‬واألفكار‪ ،‬واملؤسسات‪ .‬هذه القوى تتفاعل بدورها‬
‫عىل ثالثة مستويات ُمختلفة وهي‪ :‬عالقات اإلنتاج أوال‪ ،‬وتركيبة الدولة واملجتمع‬
‫ثانيا‪ ،‬واألنظمة العاملية ا ُملع َّرفة تاريخيا يف املستوى الثالث‪ .‬ومبا َّأن األفكار ُمه ّمة‬
‫وأن هذه األفكار هي ِنتاج أفرا ٍد من‬ ‫ملؤسسات مع ّينة‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫للغاية يف إعطاء الرشعية‬
‫فإن إمكانية التغيري موجودة عىل الدوام من خالل تغيري «األفكار»‬ ‫البرش ال اآللهة؛ َّ‬
‫نفسها‪ .‬يعني ذلك وفقا للباحثة ساندرا ويتورث ‪ ،Sandra Whitworth‬وهي من‬
‫النسويات النقديات‪َّ ،‬أن أشكال الفهم املختلفة املتعلقة بالجندر َتعت ِمدُ ‪ ،‬جزئيا‬
‫فقط‪ ،‬عىل الظروف املادية الواقعية للنساء والرجال يف مواقف مع ّينة‪ .‬فالنوع‬
‫يتشكل أصال من خالل املَعنى الذي ُيعطى لهذا الواقع‪ ،‬أي‬ ‫االجتامعي (الجندر) َّ‬
‫«األفكار والتصورات املتخ ّيلة»‪ ،‬التي َتتك َّو ُن عند الرجال والنساء بخصوص العالقات‬
‫فإن تغي َري الواقع املحيل واإلقليمي والعالَمي َي ْستَل ِز ُم يف املقام‬
‫فيام بينهم‪ .‬ومن ثم‪َّ ،‬‬
‫العمل عىل إحداث التغيري يف التصورات النمطية واألفكار ا ُملتولِّدة يف سياقِ‬ ‫َ‬ ‫األول‬
‫العالقات واألدوار الثنائية لدى الرجال والنساء معا ‪.‬‬
‫(‪)37‬‬

‫ويف سبيل تحقيق ذلك‪ ،‬يعتقد أنصار هذا االتجاه بعامة َّأن النظام الطبقي‬
‫فإن هذا ال َيضمن‬ ‫ظروف بيولوجية أساسية‪َّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫الجنيس عىل رغم أنه َن َشأَ َّربا بفعل‬
‫كون تحرر النساء واألطفال سيتم حاملا يجري التخلص من األساس البيولوجي‪.‬‬
‫عىل العكس من ذلك‪َّ ،‬ربا ستستخدم التكنولوجيا الحديثة الس َّيام ضمن إطار‬
‫تنظيم الخصوبة ضد النساء أنفسهنَّ بغية تعزيز نظام استغاللٍ أقوى من قبل‪.‬‬
‫وبالنتيجة‪ ،‬يتطلب ضامن التخلص من الطبقات الجنسية ثورة الطبقات الدنيا‬
‫(أي النساء) وسيطرتهنَّ عىل تنظيم اإلنجاب‪ :‬استعادة النساء ملكية أجسادهنَّ ‪،‬‬
‫األنثوية عىل الخصوبة البرشية‪ ،‬مبا يف ذلك التكنولوجيا املتطورة‬ ‫وكذلك السيطرة ُ‬
‫وجميع املؤسسات االجتامعية إلنجاب وتربية األطفال(‪ .)38‬فكام أنه مل يكن الهدف‬
‫النهايئ للثورة االشرتاكية هو مجرد التخلص من امتيازات الطبقة الربجوازية بل‬
‫من التمييز االقتصادي بحد ذاته‪ ،‬كذلك ينبغي أال يكون الهدف النهايئ للثورة‬
‫‪128‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫النسوية متم ِّثال يف التخلص من امتيازات الذكور‪ ،‬بل من التمييز الجنيس ‪Sexual‬‬
‫‪ِ Discrimination‬ب َح ِّد ذات ِه‪ .‬وعلي ِه‪« ،‬لن يعود اختالف األعضاء التناسلية بني‬
‫تناسل الجنس البرشي بواسطة‬ ‫َ‬ ‫املخلوقات البرشية ُمهام ثقافيا‪ ...‬بحيث َّإن‬
‫بتناسل صناعي استنادا إىل حق االختيار‬
‫ٍ‬ ‫الجنسني س ُيستبدل‬
‫َ‬ ‫جنس واحد ملصلحة‬
‫بشكل مستقل‬‫ٍ‬ ‫الجنسني عىل ح ٍّد سواء أو‬‫َ‬ ‫عىل األقل‪َ :‬فتجري والدة أطفال ل ِكال‬
‫وإن اعتامدية الطفل عىل األم وبالعكس ستفسح املجال أمام بروز‬ ‫أليٍّ منهام‪َّ ...‬‬
‫اعتامدي ٍة قصرية للغاية عىل مجموعة صغرية من اآلخرين بشكل عام‪ ،‬وأيّ دونية‬
‫ُمتبقية نحو البالغني من حيث القوة الجسدية ستُع َّوض ثقافيا وسينتهي تقسيم‬
‫العمل كليا بواسطة ْأتَ َت ِة العمل‪ ،‬وسيتحطم استبداد العائلة البيولوجية»(‪.)39‬‬

‫االتجاه الثاين‪ :‬تبعية النساء من حيث الربط بني اإلعاقة والهوية النسوية‬
‫األنثوية‪ ،‬ليست‬ ‫يؤمن هذا االتجاه بالرأي القائل َّإن «اإلعاقة»‪ ،‬شأنها شأن ُ‬
‫الجسدية‪ ،‬أو العجز‪ ،‬أو اإلفراط‪ ،‬أو سوء الحظ‪ .‬فاإلعاقة‬ ‫بحالة طبيعية للدونية َ‬
‫ما هي إال َسد ُمل َّفقٌ ثقافيا للجسد‪ ،‬وعىل غرار ما َنف َهمه عىل أ َّنه أوهام العرق‬
‫والجندر‪َّ .‬إن نظام القدرة‪/‬اإلعاقة ُي ْف ِر ُز هويات وذوات بواسطة متييز األجساد‬
‫وإن وضعية املقارنة بني األجساد من حيث القدرة واإلعاقة هي‬ ‫وتحديدها‪َّ ،‬‬
‫وضعية أيديولوجية أكرث من كونها بيولوجية بحيث َتتسع لِتنفذ إىل داخل تشكيل‬
‫توزيع جائر للموارد واملراكز والسلطة‬‫ٍ‬ ‫الثقافة نفسها‪ُ ،‬مضف َية بذلك الرشعي َة عىل‬
‫داخل بيئة اجتامعية وعمرانية متح ّيزة أصال لِمصلحة األصحاء جسديا(‪.)40‬‬
‫األنثوية واإلعاقة‬‫يدمج بني ُ‬
‫إن ما ُيؤ ِّكدُ ذلك هو أن الفكر السيايس الغريب بعامة ُ‬
‫زمن طويل‪ ،‬عرب َفهم َّأن لِكلتيهام نقاط انطالق ذات خلل استنادا إىل معايري‬ ‫منذ ٍ‬
‫ذات قيمة‪ .‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬ع َّر َف أرسطو «النساء» بأ َّنهنَّ «ذكو ٌر مش َّوهون»‪،‬‬
‫بحيث َّإن املرأة بالنسبة إلي ِه َ ْت َت ِل ُك «شكال غري الئق» وأنهنَّ «مسوخ»‪ .‬عىل هذا‬
‫وضع ُمعيق يف‬ ‫األنثى هو ٌ‬ ‫نظرات النسويات فكرة َّأن تجسيد ُ‬ ‫األساس تناقش ا ُمل ِّ‬
‫إطار ثقافة التمييز الجنيس‪ .‬حيث ُتش ِّد ُد آيريس ماريون يونغ ‪Iris Marion‬‬
‫«أن النساء يف املجتمع الجنيس هنَّ معاقات جسديا»‪ .‬بل تتسع‬ ‫‪ Young‬عىل َّ‬
‫دائرة العالقة بني اإلعاقة والهوية النسوية لِتنفذ إىل بنية الرأي العام األمرييك مثال‪،‬‬
‫‪129‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫نظ ُر إىل ر ّبات البيوت وا ُملعاقني واملَكفوفني وا ُمل ِسنني باعتبارهم جميعا‬ ‫بحيث ُي َ‬
‫األصحاء بدنيا‪ ،‬بحيث أضحى‬ ‫عاجزين وغري ُمؤهلني مقارنة بأقرانهم من الذكور ِّ‬
‫ُ‬
‫هناك اقتناع راسخ داخل املجتمع األمرييك يف النظر إىل املراكز األنثوية االجتامعية‪،‬‬
‫مثل ر ّبة البيت‪ ،‬عىل أ َّنها مراكز سلبية مجتمعيا شأنها شأن األشخاص ا ُملعاقني(‪.)41‬‬
‫لِذا‪َ ،‬فتَقاسم النسويات وا ُملعاقني جسديا وعقليا دائرة التهميش واإلقصاء َّإنا‬
‫تقاسم يقوم عىل أساس َج َسدي يف املقام األول‪ ،‬مبعنى أن ُتص َّو َر املرأة ‪ -‬أو‬ ‫ٌ‬ ‫هو‬
‫املعاقني بعامة ‪ -‬يف نهاية املطاف عىل أنها ذات جسد ُم ْس َت ْع َبد‪ ،‬ليس بوصفها‬
‫ناقصة فقط‪ ،‬بل لِكونها فائضة عىل الحاجة ومستهلكة‪ .‬فهذه األجساد الفائضة‬
‫ضمن إطار القدرة‪/‬اإلعاقة أجسادٌ مستهدفة يف األصل للقضاء عليها عرب مامرسات‬
‫والشاذات جنسيا‬ ‫فإن النساء وا ُملش َّوهني َّ‬
‫والشواذ َّ‬ ‫تاريخية وثقافية متنوعة‪ .‬وعلي ِه‪َّ ،‬‬
‫والسود وا ُملعاقني‪ ،‬هم جميعا عىل اختالف أشكالِهم مبنزلة أهداف لإلجهاض‬ ‫ُّ‬
‫االنتقايئ وبرامج تحسني النسل‪ ،‬والقتل الرحيم‪ ،‬وجرائم الكراهية واإلعدام من‬
‫األرسي واإلبادة الجامعية‪ .‬فجميع‬ ‫دون محاكمة‪ ،‬كذلك جرائم الرشف والعنف ُ‬
‫هذه املامرسات التمييزية تشتمل عىل مواقف إقصائية وتحيزية‪ُ ،‬تش ِّك ُل مشاعر‬
‫وإحساس األفراد بكينونتهم وهوياتهم‪ .‬تقول روزماري غارالند ثومبسون‬
‫جانب‬
‫ِ‬ ‫«إن َفهم كيفية عمل اإلعاقة إىل‬ ‫‪َّ Rosemarie Garland-Thomson‬‬
‫وض ُح كيف تتقاطع جميع هذه األنظمة و ُتك ِّو ُن‬ ‫األنظمة األخرى للتجسيد‪ُ ،‬ي ِّ‬
‫بشكل متبادل»(‪.)42‬‬
‫ٍ‬ ‫بعضها البعض‬
‫ِّدن عىل وضعية الربط بني ال ُبعدَين االجتامعي‬ ‫يعني ذلك َّأن النسويات ُيشد َ‬
‫دن حقيقة كون التاميزات‬ ‫وال َبيولوجي لِتفسري االضطهاد النسوي؛ وذلك حني ُيؤ ِّك َ‬
‫تشك ُل أصال بصورة اجتامعية‪ ،‬فالجندر ‪ Gender‬يعني املأسسة‬ ‫الجندرية َت َّ‬
‫رتسخة والواسعة النطاق لالختالف الجنيس ‪ ،Sexual Difference‬فحني توجد‬ ‫ا ُمل ِّ‬
‫هناك حقيقة َبيولوجية واضحة وهي كون النساء والرجال يختلفون بالرضورة يف‬
‫بعض الجوانب‪ ،‬حيث َتتمت َُّع النساء فقط‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬بالقدرة عىل اإلنجاب‪،‬‬
‫تتولد العديد من االختالفات بني الرجال والنساء بفعل البنية االجتامعية الجا ِئرة‪.‬‬
‫األمومة‪،‬‬ ‫ضحني عادة ِ ِبهنهنَّ يف سبيل ُ‬ ‫فعىل سبيل املثال‪َّ ،‬إن النساء هُ نَّ َمنْ ُي ِّ‬
‫و َي ُق ْمنَ أيضا مبعظم األعامل املنزلية مجانا‪ ،‬ويف الوقت نفسه هنَّ الطرف الضعيف‬

‫‪130‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫ضمن مؤسسة الزواج‪ .‬وال تنجم هذه التفاوتات بني النساء والرجال عن االختالفات‬
‫البيولوجية فقط‪ ،‬بل تتو ّلد يف املقام األول عن عالقات السلطة املتفاوتة يف إطاريها‬
‫االجتامعي والثقايف(‪.)43‬‬
‫إن استدعاء هذه الثنائية الجندرية ذات األساس ال َبيولوجي يف عملها عىل‬
‫قسم النشاط االجتامعي بني‬ ‫تنظيم النشاط االجتامعي من شأنه أيضا أن ُي ِّ‬
‫مجموعات من البرش؛ فعىل سبيل املثال‪ ،‬مبا َّأن املرأة ترتبط باملجال الخاص‪ ،‬فإنه‬ ‫ٍ‬
‫نظ ُر إىل األمر عىل أ َّنه «طبيعي»‪،‬‬ ‫عندما تعمل النساء يف مجال تقديم الرعاية ُي َ‬
‫بينام ُيؤدي ارتباط الرجال باملجال العام إىل جع ِلهم «كاسبي الرزق» أو «ا ُملعيلني‬
‫الطبيعيني»‪ .‬ويف حني َّأن النسويات ُم ِح ّقات يف التشكيك يف طبيعة هذه التمييزات‬
‫فإن لهذه التمييزات آثارا ونتائج مبارشة عىل الرجال‬ ‫انقسامات ثنائية‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫املَبنية عىل‬
‫وعىل النساء أيضا‪ ،‬فضال عىل واقع السياسة الدولية بعين ِه‪ .‬إذ إ َّنه غالبا ما يعطي‬
‫الرجال‪ ،‬والنساء‪ ،‬وكذلك الدول التي يعيشون فيها‪ ،‬قيمة وأهمية للخصائص‬
‫األنثوية‪ ،‬يف‬‫الذكورية تكون أكرث إيجابية من القيمة التي يعطونها للخصائص ُ‬
‫املجال العام عىل األقل‪ .‬وعادة ما ُتس َبغ تلك الخصائص الذكورية عىل أنشطة‬
‫ومؤسسات املجال العام‪ ،‬فمثال يجري ترشيع السياسات الخارجية للدول من‬
‫زاوية الخصائص الذكورية املهيمنة يف املقام األول‪ .‬لذلك تعتقد النسويات‪ ،‬يف هذا‬
‫املجال بخاصة‪َّ ،‬أن السياسة الخارجية املرغوب فيها غالِبا ما ستغدو سياسة ساعية‬
‫إىل القوة واالستقاللية و َتحمي مواطنيها من األخطار الخارجية(‪ .)44‬وعىل رغم‬
‫«حامة» والنساء بأ َّنهنَّ «أفراد‬ ‫فإن القول بأداء الرجال أدوارهم بوصفهم ُ‬ ‫ذلك‪َّ ،‬‬
‫تحت الحامية»‪ ،‬والقول َّإن «الرجال يخوضون الحروب من أجل حامية «األشخاص‬
‫الضعفاء» والذين عادة ما يجري تحديدهم بأ َّنهم النساء واألطفال‪ ،‬ما هو إال‬ ‫ُ‬
‫ُأسطورة واسعة االنتشار‪ .‬فالنساء واألطفال ُيش ِّكلون األغلبية العظمى من ضحايا‬
‫عدسات جندرية‪،‬‬‫ٍ‬ ‫حروب السنوات األخرية‪ ...‬وبالنظر إىل آثار الحرب من خالل‬
‫نجد َّأن الحرب بنا ٌء ثقايف َيعت ِمدُ عىل أساطري الحامية‪ .‬وقد كانت هذه األساطري‬
‫الحفاظ عىل رشعية الحرب‪ ،‬كام أ َّنها ُتس ِهم يف نزع الرشعية عن‬ ‫والتزال مه ّمة يف ِ‬
‫األنثوية‪ ،‬كالضعف والتنازل واملثالية»‪،‬‬ ‫السالم الذي غالِبا ما َيرت ِب ُط بالخصائص ُ‬
‫وفقا لِتعبري ج‪ .‬آن تكرن ولورا شوبريغ ‪.)45(J. Ann Tickner and Laura Sjoberg‬‬
‫‪131‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫أي َّأن املرأة تنشأ اجتامعيا باعتبارها هي «اآلخر» املختلف‪ .‬ومن ثم َّ‬
‫فإن‬
‫دونية النساء ‪ ،Woman’s Inferiority‬من منظور النسويات بخاصة وواقع‬
‫األنطولوجي‪،‬‬ ‫الحال بعامة‪ ،‬ليست دونية ناجمة بفعل الطبيعة وفقا للتفسري ُ‬
‫جانب َّأن انقسام الناس وتفاوتاتهم‬ ‫ِ‬ ‫وعىل النحو الذي ب َّينَتهُ دي بيفوار‪ ،‬إىل‬
‫فإن الجنس البرشي هو عبارة عن‬ ‫عادة ما تكون كاذبة وظاهرية‪« .‬وبذلك َّ‬
‫تعريف الذ َكر والرجل للمرأة ليس بوصفها ذاتا مستقلة بنفسها بل عرب عالقاتها‬
‫ال َق َرابية مع الذ َك ِر والرجل نفسه‪ ...‬فهو ُيعدُّ الجوهر والفاعل ‪ ،Subject‬إ َّنهُ‬
‫فإن املرأة ليست ُبنية‬ ‫ا ُملط َلق الواجب الوجود بينام املرأة هي اآلخر»‪ .‬ومن ثم َّ‬
‫صنف من البرش أقل قيمة من الرجل‪ .‬فالنساء نادرا‬ ‫اجتامعية فقط بل إ َّنها ٌ‬
‫ما ُيكا ِفحنَ ل ُيصبحنَ فاعالت سياسيا واجتامعيا؛ ذلك أل َّنهنَّ مق َّيدات اقتصاديا‬
‫وسيكولوجيا ِبَنْ َي َ‬
‫ضط ِهدُ هنَّ و َيظ ِلمهنَّ (‪.)46‬‬
‫تقاس ُم أنصار االتجاه الثاين هذا‬ ‫ويف سياق معالجة االضطهاد النسوي‪َ ،‬ي َ‬
‫ربا فكرة كون التخلص من ظلم نظام‬ ‫وغريهم من النسويني والنسويات ّ‬
‫اإلعاقة‪ /‬القدرة إمنا يقتيض استخدام اإلعاقة نفسها معيارا لِتسوية التفاوتات‬
‫املادية بني ا ُملعاقني و َمنْ يف ُحك ِمهم وبني األصحاء َبدنيا من الذكور‪ .‬مبعنى‬
‫االستخدام العكيس لِنظام اإلعاقة‪/‬القدرة ملعالجة ظلم هذا النظام بعين ِه وعىل‬
‫النحو الذي يخدم النساء واملعاقني‪.‬‬
‫وهنا ينبغي إدراك َّأن املعاملة الخاصة التي َيتَلقاها ا ُملعاقون َج َسديا واملعاملة‬
‫عامل‬‫الخاصة التي َيتَلقاها املحرومون اجتامعيا وسياسيا (النساء) يوجد بينهام ٌ‬
‫مشرتك‪ ،‬وهو أ َّنه من ا ُمل ْف َت َِض ْأن يغد َو املنتفعون هم األشخاص الذين يحتاجون‬
‫إىل الحصول عىل املنافع نفسها التي يحصل عليها بقية الناس‪ ،‬بقدر افتقارهم‬
‫حت هاتان‬ ‫إىل املوارد التي ُت ِّكنُهم من التمتع مبزيد من تلك املنافع‪ .‬وإذا ما َن َج ْ‬
‫السياستان تجاه ا ُملعاقني والنساء‪ ،‬فاألغلب أن يقود ذلك إىل التقليل من العزلة‬
‫ثم متكني املنتفعني من االندماج يف املجتمع عرب سلسلة من‬ ‫االجتامعية ومن ّ‬
‫العمليات االستيعابية املتكاملة والهادفة إىل تحقيق االندماج االجتامعي والثقايف‪.‬‬
‫فأنصار هذه السياسات يف دعواهم بعدالة سياسات االستيعاب يستندون إىل‬
‫الفرص‬‫َ‬ ‫فكرة كونها رضورية لِعالج عدم تكافؤ الفرص‪ ،‬وعىل النحو الذي سيجعل‬
‫‪132‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫متساوية أمام كل األفراد ِخالفا لِجوهر نظام اإلعاقة‪ /‬القدرة(‪ .)47‬ومن ثم يرى دُعاة‬
‫هذا االتجاه وبخاصة النسوية الليربالية رضورة «التشديد عىل القيمة املتساوية‬
‫لكل البرش ذكورا وإناثا‪ ،‬وذلك عند التنظري بخصوص نوع املجتمع الذي يجب‬
‫ْأن نطمح إىل بنائ ِه وتكوينه‪ ،‬كذلك بشأن التغيريات املطلوبة لِجعلنا أكرث اقرتابا‬
‫من هذا التدبري األكرث إنسانية‪ ،‬أي قيمة املساواة‪ ،‬مقارنة بغريه‪ .‬فالنساء بوصفهنَّ‬
‫مساويات للرجال ينبغي أن ُي ْش َم ْلنَ مبنافع التعاون االجتامعي نفسها التي‬
‫يتمتع بها الرجال»‪ .‬وعىل النقيض من ذلك‪ ،‬نجد َّأن مامرسات التمييز الجنيس‬
‫َتن َت ِه ُك إنسانيتنا املشرتكة‪ ،‬بحيث َّإن االستخدام االعتباطي أو غري العقالين للجندر‬
‫استخدام جائر و ُمناقض ُألسس الليربالية‬
‫ٌ‬ ‫‪ Gender‬عند توزيع املنافع واملراكز هو‬
‫بعينها‪ ،‬حا ُله يف ذلك حال التمييز العرقي والتمييز الديني والطائفي ‪.‬‬
‫(‪)48‬‬

‫االتجاه الثالث‪ :‬تبعية النساء من حيث كونها نتاج الهيمنة الجنسية‬


‫عالقة سياسية تنطوي عىل‬ ‫الجنسني ٌ‬ ‫َ‬ ‫ترى داعيات هذا االتجاه َّأن العالقة بني‬
‫السيطرة العامة لجامع ٍة مهيمن ٍة ما محددة باملَولِد‪ ،‬عىل جامعة أخرى محددة‬
‫وحد وشامل للهيمنة من‬ ‫باملَولِد أيضا‪ .‬بحيث يتم ذلك استنادا إىل تخطيط ُم َّ‬
‫قبل الجامعة األوىل عىل الثانية وفقا للمعيار الجنيس‪ .‬و ُتر ِّك ُز َكيت ميليت ‪Kate‬‬
‫العنرصية ‪ Racism‬قد َب َّين َْت كون الوضعية‬ ‫‪ Millett‬يف هذا املجال عىل َّأن دراسة ُ‬
‫ديم سلسلة من ظروف االضطهاد الجنيس‪ ،‬بحيث ال تتمتع‬ ‫السياسية العامة ُت ُ‬
‫كاف ضمن إطار املؤسسات السياسية القامئة‪ ،‬ومن‬ ‫بإنصاف ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الجامعة األقل شأنا‬
‫ثم ُتنَع من أن َي ْنت َِظ َم أعضاؤها ضمن التنظيامت السياسية والنقابية لِمعارضة‬ ‫َّ‬
‫الجنسني (الذكور‬‫َ‬ ‫هذا االضطهاد الجنيس والنضال ضدّه‪ .‬وعلي ِه‪َّ ،‬‬
‫فإن الوضع بني‬
‫عب عنه ما أطلقَ علي ِه ماكس فيرب‬ ‫واإلناث) يف الوقت الراهن وعىل مدار التاريخ ُي ِّ ُ‬
‫‪ Max Weber‬تسمية «هريشافت» ‪ ،Wirtschaft‬أي عالقة الهيمنة والخضوع ‪.‬‬
‫(‪)49‬‬

‫وهو ما يدعو إىل تأكيد حقيق ٍة مهمة ‪ -‬وفق هذا االتجاه ‪َ -‬تتم َّث ُل يف كون‬
‫َسب بالوالدة‪.‬‬ ‫نون عليهنَّ استنادا إىل الحق ا ُمل ْكت ِ‬ ‫حكمون اإلناث و ُيهي ِم َ‬
‫َ‬ ‫الذكور َي‬
‫شكل من (االستعامر‬ ‫ٍ‬ ‫وبواسطة مثل هذا النظام االجتامعي يتحقق أدهى‬
‫شكل من أشكال التمييز العنرصي‪ ،‬كام أ َّنه أكرث‬ ‫فوق ُق ّوته أيَّ ٍ‬
‫الداخيل)‪ .‬فهو نظام َت ُ‬

‫‪133‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫رصامة من التقسيم الطبقي‪ ،‬وأكرث انتظاما ودميومة؛ مام يجعل الهيمنة الجنسية‬
‫مبنزلة األيديولوجية األكرث انتشارا يف ثقافتنا‪ ،‬كام ُتش ِّك ُل َح َج َر الزاوية للسلطة‬
‫السياسية‪ .‬فاملجتمعات اإلنسانية بذلك هي مجتمعات َبطريركية‪ .‬هذه الحقيقة‬
‫تغدو واضحة بجالء «إذا تذ ّكر املرء َّأن الجيش والصناعة والتكنولوجيا والجامعات‬
‫والعلوم واملناصب السياسية واألموال – باختصار‪ :‬كل وسيلة من وسائل السلطة‬
‫داخل املجتمع مبا فيها قوة الرشطة اإللزامية – هي جميعها يف أي ٍد ذكورية»‪ ،‬عىل‬
‫ح ِّد قول َكيت ميليت(‪.)50‬‬
‫يعني ذلك َّأن ال َبطر َيركية ‪ Patriarchy‬هي السبب املركزي وراء بروز الالمساواة‬
‫الجنسني‪ ،‬وعىل النحو الذي أفىض إىل توزيع الذكور واإلناث عىل املجالَني العام‬ ‫َ‬ ‫بني‬
‫السلط َة الالزمة‬‫والخاص بصورة جائرة للغاية‪ .‬بحيث َّإن املجال العام ُيخ ِّو ُل الذكور ّ‬
‫لِصناعة القرارات ذات العالقة بأنفسهم واآلخرين‪ ،‬أما النساء فيجري إدخالهنَّ‬
‫يف املجال الخاص من دون أن يتمتَّعنَ فيه بأيِّ سلطة(‪ .)51‬بعبار ٍة ُأخرى‪َ ،‬تعت ِقدُ‬
‫املؤمنات بهذا االتجاه الس َّيام النسوية الثقافية ‪ ،Cultural Feminism‬ووفقا‬
‫«أن عد َّو املرأة ليس مجرد نظام اجتامعي‪ ،‬أو‬ ‫لليندا آلكوف ‪ّ Linda M. Alcoff‬‬
‫الذكورية‬ ‫مؤسس ٍة اقتصادية بعينها‪ ،‬أو مجموع ٍة من املعتقدات املسبقة‪ ،‬بل هي ُ‬
‫بحد ذاتها‪ ،‬ويف بعض الحاالت بيولوجية الذكور»‪ .‬كام َترى ماري دايل ‪Mary Daly‬‬
‫لألنثى ومحاولته املتواصلة‬ ‫وأدر َيني ريتش ‪َّ Adrienne Rich‬أن كراهي َة الذكر ُ‬
‫«الح َسد القديم املستمر‪،‬‬ ‫األنثى وجعلها تحت هيمنت ِه تعود أصال إىل َ‬ ‫إلخضاع ُ‬
‫األنثى عىل خلق حياة (اإلنجاب)‪،‬‬ ‫وال ّرهبة والرعب من جانب ال َذكر بسبب ُقدرة ُ‬
‫ثم إىل‬ ‫شكل الكراهية لكل مظه ٍر أنثوي آخر لإلبداع»‪ .‬والنظر من َّ‬ ‫خذت َ‬ ‫بحيث ا ّت ْ‬
‫األنثى واملجتمع ال َبطر َيريك من زاوية كون ِه إخضاعا واستعامرا لهذه املاه ّية‬ ‫ماه ّية ُ‬
‫ؤيدن فكرة‬ ‫فإن النسويات الثقافيات ال ُي َ‬ ‫الحسد والحاجة‪ .‬ومن ثم َّ‬ ‫انطالقا من َ‬
‫التبسيط البيولوجي لِعالقة خضوع املرأة للرجل‪ ،‬بسبب رفضهنَّ فكرة الفصل بني‬
‫الجسد‪ .‬ذلك َّأن‬ ‫العقل والجسد واعتبار َّأن الرجل ُيثل العقل بينام املرأة ُتثل َ‬
‫ماه ّية املرأة ليست ذات طبيعة روحانية فقط أو بيولوجية فقط‪ ،‬بل إ َّنها االثنان‬
‫األنثوي‬ ‫معا‪ .‬فوفقا لدايل وريتش‪« :‬تبقى النقطة الرئيسة هي َّأن تكويننا البنيوي ُ‬
‫بال ّذات هو العنرص األساس لِهويتنا ومصدر ماه ّيتنا ُ‬
‫األنثوية»(‪.)52‬‬
‫‪134‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫ٌ‬
‫نتيجة‬ ‫ضت عن مثل هذه البنية الثقافية واالجتامعية الدونية للمرأة‬ ‫َت َّخ ْ‬
‫لت يف استبعاد املرأة من بواكري دائرة «الحقوق‬ ‫مركزية وعملية يف آنٍ واحد‪ ،‬مت َّث ْ‬
‫والحريات األساسية» يف القرن السابع عرش‪ ،‬ومن املفهوم األصيل لِـ «حقوق‬
‫ٌ‬
‫معنية‬ ‫اإلنسان» العاملية يف أواسط القرن العرشين‪ ،‬باعتبار َّأن مثل هذه الحقوق‬
‫بالرجال حرصا؛ وذلك لِكون البنية النظرية وحيثيات الحقوق والحريات كانت قد‬
‫يغت أصال ِبفعل أذهانٍ تنظ ُر إىل الذكر من زاوية كون ِه ر ّبا لألرسة‪ .‬فهي بذلك‬ ‫ِص ْ‬
‫نظ ُم مواجها ِتهم بعضهم لبعض وخصوصا يف مواجهاتهم‬ ‫حقوق الذكور التي ُت ِّ‬ ‫ُ‬
‫للحكومات التي يعيشون يف ظ ِّلها‪ .‬وبشكل عام‪ ،‬وفقا لسوزان مولر أوكني‪« ،‬كان‬
‫تدخ ٍل خارجي‪،‬‬ ‫من ا ُملس َّلم به َّأن مثة مجاال للخصوصية تحمي ِه الحقوق من أيِّ ّ‬
‫ولكنه من الداخل (أي داخل األرس) ليس بالرضورة محكوما مبوجب حقوق‬
‫أعضائ ِه»‪ .‬ويصعب التشكيك يف َّأن جون لوك ‪ John Locke‬و ُمعارصي ِه‪ ،‬وغريهم‬
‫ِمن الذين كانوا قد أ َّثروا يف صياغة إعالن االستقالل األمرييك يف العام ‪ 1776‬وإعالن‬
‫الحقوق الفرنيس يف العام ‪ 1789‬والحقا (اإلعالن العاملي لِحقوق اإلنسان) يف العام‬
‫‪ ،1948‬مل يكونوا ُيف ِّكرون سوى بالذكور بوصفهم أصحاب الحقوق (الطبيعية)‬
‫وأن الذكور أوال وقبل كل يشء هم أرباب األرس(‪ .)53‬بذلك فقد هيمنَ‬ ‫و(اإلنسانية)‪َّ ،‬‬
‫عىل الفكر اإلنساين بعامة والفكر السيايس بخاصة االعتقا ُد القائل بأن النساء‬
‫رن بصورة طبيعية إىل املتطلبات الرضورية للتمتع بكامل حقوق املواطنة‪.‬‬ ‫َي ْف َت ِق َ‬
‫بل َذهَ َب جان جاك روسو إىل أبعد من الذي َذهَ َب إليه جون لوك عرب التشديد‬
‫يف كتابه «إميل» (‪ )1762‬عىل حقوق الرجال باعتبارهم مواطنني متساوين يف‬
‫املجتمع‪ ،‬وأهمية تعليمهم حتى يكونوا مستقلني ذاتيا؛ إذ اعتقد روسو َّأن اإلِناث‬
‫تعليم مختلف ينسجم مع كونهنَّ سلبيات وضعيفات بال ِفطرة‪ ،‬وهو‬ ‫ٍ‬ ‫بحاجة إىل‬
‫ما سنعالِج ُه الحقا(‪.)54‬‬
‫يعني ذلك َّأن املشكلة الجوهرية َتتم ّث ُل يف كون النظريات السياسية القامئة‬
‫ذات العالقة بحقوق اإلنسان ُمش َّيدة أساسا عىل غرار النموذج الذكوري من‬
‫بالحسبان‬ ‫حيث دالالتها الفكرية وأولوياتها الق َيمية‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬فإ َّننا حني نأخذ ُ‬
‫فإن هذه النظريات ستتغري تغيريا كبريا‪ .‬واألمثلة كثرية‬ ‫خربات النساء الحياتية َّ‬
‫عىل القضايا التي ينبغي ْأن َتحو َز األولوية ومنها‪ :‬االغتصاب بكل أشكال ِه‪،‬‬
‫‪135‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫األ َسي‪ ،‬والحرية اإلنجـــابية‪ ،‬كذلك تقــدير قيمة رعاية األطفال‬ ‫والعنف ُ‬
‫مجانية‪ ،‬والفرص غري‬ ‫واملهامت املنزلية األخرى بوصفها عمال وليست خدمة ّ‬
‫املتساوية للنساء يف مجاالت التعليم والتوظيف واإلسكان واالئتامن والرعاية‬
‫تصب يف ُصلب خطاب حقوق اإلنسان‪ ،‬ويغلب‬ ‫الصحية‪ .‬فمثل هذه القضايا ّ‬
‫عىل كثري منها صفة كونها مسائل حياة أو موت بالنسبة إىل النساء واألطفال‬
‫عىل ح ٍّد سواء(‪.)55‬‬
‫يف ضوء ما تقدّ م رشحهُ ‪ ،‬يرى دُعاة هذا االتجاه النسوي ويف خصوص‬
‫كيفية التخلص من الهيمنة الذكورية‪ ،‬أ ّنه من الالزم خلق بيئة صحية متوازنة‬
‫واملحافظة عليها‪ ،‬بحيث تكون خالية من القيم الذكورية‪ .‬فالنظرية النسوية‬
‫وتربيرها للمطالب النسوية ميكن إنشاؤها بال لَبس عىل مفهوم األنثى الكاملة‪.‬‬
‫«إن استعادة ملكية أجسادنا نحن‬ ‫فعىل ح ِّد قول ماري دايل وأدر َيني ريتش َّ‬
‫النساء ستجلب تغيريا أساسيا للمجتمع البرشي أكرث بكثري من االستحواذ‬
‫عىل وسائل اإلنتاج من قبل العامل‪ ...‬يف عاملٍ كهذا‪ ،‬ستخلق النسا ُء حقا حياة‬
‫يكون إنتاجنا مقترصا عىل األطفال فقط‪ ،‬بل سننتج الرؤى والتفكري‬ ‫جديدة ولن َ‬
‫الرضوريني إلدامة الوجود البرشي و َت ْس ِليت ِه ومواساته وتغيريه‪ ،‬بل عالقة جديدة‬
‫وإن استعادة النساء ملكية أجسادهن وفق هذا املنظور من‬ ‫تجاه العامل»(‪َّ .)56‬‬
‫شأنها ْأن تنسجم مع انتهاج املرأة االستقالل الذايت واالعتامد عىل النفس يف‬
‫سبب لِ َمنح املرأة جميع فرص التعليم من أجل‬ ‫التعامل مع محيطها‪ .‬وأقوى ٍ‬
‫بشكل كامل من جميع‬ ‫ٍ‬ ‫تطوير تام لقدراتها وقواها العقلية والجسدية‪ ،‬وع ْت ِقها‬
‫والخرافة وجميع تأثريات الخوف التعجيزية‪،‬‬ ‫والعرف والتبعية ُ‬ ‫العبودية ُ‬ ‫أنواع ُ‬
‫َّإنا يتمثل يف املسؤولية الفردية لحياتها الخاصة‪ .‬وهو ما َد َف َع إليزابيث كادي‬
‫بأن السبب األقوى لِمطالبتنا‬ ‫ستانتون ‪ Elizabeth Cady Stanton‬إىل القول َّ‬
‫بصوت للمرأة يف الحكومة التي تعيش هي يف ظ ِّلها‪ ،‬واملساواة يف الحياة‬ ‫ٍ‬
‫االجتامعية‪ ...‬هو ح ّقها ا ُمل ْكتَسب بالوالدة يف السيادة الذاتية‪ ،‬وأل َّنها بصفتها‬
‫الفردية يجب ْأن تعتمد عىل نفسها برصف النظر عن كم من النساء ُي ِّ‬
‫فضلنَ‬
‫كم من الرجال‬ ‫وأن تتم حاميتهن ودعمهن بغض النظر عن ْ‬ ‫االتكال عىل الرجال‪ْ ،‬‬
‫يرغبون يف ْأن تكون النساء كذلك» ‪.‬‬
‫(‪)57‬‬

‫‪136‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫املبحث الخامس‬
‫جدلية العام(‪ )58‬والخاص‪ ،‬وجدلية الشخيص والسيايس‬
‫يرتبط هذا املحور من محاور النظرية النسوية ُبأسس النظرية الليربالية‬
‫واملواطنة‪ ،‬من حيث إمكانية تدخل الدولة يف املجال الخاص من عدم ِه‪ ،‬وماه ّية‬
‫العالقة بني الشخيص والسيايس من املنظور النسوي‪ .‬وهذا ما يستدعي تسليط‬
‫بعض الضوء عىل أصل موضوع التمييز بني املجالَني العام والخاص‪ ،‬وما إذا كانت‬
‫ميدان مستقل وليست من‬ ‫ٌ‬ ‫األرسة والحياة ُ‬
‫األرسية جزءا من املجال الخاص أم أ َّنها‬ ‫ُ‬
‫ثم مركزا للحياة الخاصة؟‬‫َّ‬
‫َ‬
‫تجب اإلشارة إىل وجود اتجاهني ليرباليني مختلفني من حيث التمييز بني‬ ‫هنا ُ‬
‫ويعمل عىل معالجت ِه من‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫املجالَني العام والخاص‪ :‬فاألول َن َشأ لدى جون لوك‪،‬‬
‫خالل التمييز بني املجالَني السيايس (أي الدولة) واالجتامعي (أي املجتمع املدين)‪.‬‬
‫أما االتجاه الثاين فقد تبنا ُه الليرباليون املعارصون ممنْ تأ َّثروا بالنزعة الرومانسية‪،‬‬
‫وهو يشتمل عىل التمييز بني املجالَني االجتامعي والشخيص‪ .‬وال َي ْعت ِ َُب أيٌّ من‬
‫األرس َة وال الحيا َة املنزلية عُ نرصا ُمن َد ِرجا ضمن عنارص املجال‬ ‫هذين االتجاهَ ني ُ‬
‫الخاص‪ .‬لِن َِص َل بعد ذلك إىل اتجا ٍه ثالث ُيعنى بالتفسري النسوي للتقسيم الليربايل‬
‫بني العام والخاص‪ .‬وميكن توضيح كل اتجا ٍه منها عىل النحو التايل‪:‬‬

‫االتجاه األول‪ :‬التمييز بني الدولة واملجتمع املدين‬


‫َيعمدُ هذا االتجاه إىل التمييز بني الدولة واملجتمع املدين بحيث إ َّن ُه ُي ُ‬
‫عادل‬
‫الخصويص ُمعا ِدلة ملعنى املجتمع املدين‪.‬‬ ‫دائرة العمومي بالدولة‪ ،‬بينام يجعل دائرة ُ‬
‫فاملجال الخاص واملتمثل يف املجتمع املدين يحوز ال َقدَح ّ‬
‫املعل لدى الليرباليني‬
‫بعامة حني مقارنت ِه باملجال العام؛ ذلك َّأن النظرية السياسية الليربالية تنطوي أصال‬
‫َجمعات الخاصة (غري الحكومية)‬ ‫عىل إعالء شأن املجتمع املدين‪ ،‬أل َّنها َتف ِرت ُض أن الت ُّ‬
‫ذات فائدة وف ّعالية أكرث من الوحدة‬ ‫التي ُيش ِّكلها األفراد عىل نح ٍو إرادي ح ّر ُ‬
‫القرسية التي َيف ِرضها االتحاد السيايس‪ .‬ومن ثم سيتبادر إىل الذهن التساؤل التايل‪:‬‬
‫األرسة والحياة املنزلية‪ ،‬الدولة أم املجتمع املدين؟ ُ‬
‫وأول ما‬ ‫إىل أيِّ جه ٍة تنتمي ُ‬
‫َس َيتبا َد ُر إىل الذهن هو أن األرسة تنتمي إىل املجتمع املدين بوصفها‪ ،‬أي ُ‬
‫األرسة‪،‬‬
‫‪137‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫مادامت األرسة أصال من قبيل التنظيامت غري الحكومية‬ ‫ْ‬ ‫تجسيدا للمجال الخاص‬
‫التي ُيك ِّونها الناس عىل نح ٍو إرادي ح ّر‪ .‬لكنَّ واقع حال النظرية السياسية الليربالية‬
‫ُيش ُري إىل خالف ذلك(‪.)59‬‬
‫ما ُيؤ ِّكدُ مثل هذا اإلقصاء الذي ا َّتبعت ُه النظرية آنفة الذكر يف معالجتها لهذا‬
‫يل الفيلسوف األملاين هيغل )‪ - Hegel (1831 – 1770‬بوصف ِه‬ ‫املوضوع هو َم ُ‬
‫األكرث تأثريا يف النظريات السياسية املعارصة ومن املتأثرين بالحركة الرومانسية‬
‫األملانية ‪ -‬إىل توزيع الحياة االجتامعية إىل ثالثة مك ِّونات هي‪ :‬العائلة‪ ،‬واملجتمع‬
‫املدين‪ ،‬والدولة‪ .‬بحيث ينظر إليها جميعا من زاوية كونها مراحل متصلة ومتاميزة‬
‫من الحرية‪ ،‬و ُيقرر فيها املصري الذايت للفرد يف املجتمعات األوسع‪ .‬فالعائلة أوال‬
‫فإن حاجات الجميع‬ ‫حب الجميع وإيثارهم‪ .‬ويف حال نشوب الخالف َّ‬ ‫مبنية عىل ِّ‬
‫تتشكل عرب ُنكران الذات‬ ‫يجب ْأن َتعلو عىل حاجات الفرد‪ .‬وإذا كانت العائلة َّ‬
‫فإن املجتمع املدين‪ ،‬بوصف ِه املك ِّون الثاين للحياة االجتامعية‪ ،‬سيغدو‬ ‫والوحدة‪َّ ،‬‬
‫مبنزلة مجالٍ اجتامعي مستقل بذات ِه وقائم عىل أساس التنافس والخصوصية؛‬
‫يترص ُف أفراد املجتمع املدين طبقا لِمصالِحهم الذاتية‪ ،‬و ُي ْعن َ‬
‫َون بتوفري‬ ‫بحيث َّ‬
‫حاجاتهم الفردية‪ ،‬كام َينساقون عىل الدوام وراء معاملة اآلخرين باعتبارهم‬
‫وسائل لِتحقيق غاياتهم(‪ .)60‬أما الدولة فهي امليدان الثالث للحياة االجتامعية‪،‬‬
‫جسد واقع التكامل بني اإلرادات املتنافسة واملتح ِّكمة يف املجتمع املدين وحق‬ ‫و ُت ِّ‬
‫الخصوصية السائد في ِه‪ .‬فالدولة ال َتست ِندُ مقدراتها إىل القوة يف املقام األول‪،‬‬
‫كل متناغم واحد يعمل عىل‬ ‫بل إىل قابليتها لتنظيم الحقوق والحرية والرفاه يف ٍّ‬
‫خدمة الحرية الفردية‪ .‬فالدولة بذلك هي أكرب من أن تكون آلية لحفظ السالم‪،‬‬
‫أو تعزيز مصالح السلطة السياسية‪ ،‬أو حامية الحقوق والحريات الطبيعية فقط‪،‬‬
‫وهي ليست أداة مصطنعة أو اتفاقا عُ رفيا من منظور هيغل‪ ،‬بل هي تنبع‬
‫من منطق «املجتمع املدين» ذاته‪ .‬فاالزدياد الالمحدود يف حاجات الفرد وتن ّوع‬
‫الطرق التي َي ْس ُلكها لِتوفري تلك الحاجات سيكونان باع َثني عىل نشوء الدولة‬
‫فإن الوظيفة األعىل َمقاما للدولة‬ ‫ثم‪َّ ،‬‬
‫مؤسسات ذات مصلحة عامة‪ .‬ومن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫وبناء‬
‫نظام للعدالة يكون أسمى من ذاك الذي ُيتيح ُه التبادل الفردي يف‬ ‫هي تحقيق ٍ‬
‫يدان العائلة واملجتمع املدين ‪.‬‬
‫(‪)61‬‬ ‫َم َ‬

‫‪138‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫محل َنق ٍد كبري من قبل الباحثات النسويات‪،‬‬ ‫هذا املنظور السيايس هو اليوم ُ‬
‫دن كون النظريات السياسية املعارصة‪ ،‬السيام النظرية‬ ‫مثل َبيتامن‪ ،‬إذ إ َّنهنَّ ُيؤ ِّك َ‬
‫بالحسبان طبيعة‬ ‫الليربالية‪ ،‬تصوغ مفهوم املجتمع املدين من دون األخذ ُ‬
‫اإلكراهات التي تفرضها األدوار عىل أعضاء األرسة الواحدة وحياتهم املنزلية‬
‫‪ ،domestic life‬وهو ما يجعل هذه الحياة بعامة موضع تجاهل يف سياق‬
‫انقسام‬
‫ٌ‬ ‫النقاشات النظرية‪ .‬إذ ُيص َّو ُر الفصل بني املجالَني العام والخاص وكأ َّنهُ‬
‫داخيل يحصل يف عامل الرجال فقط‪ .‬وقد َو َج َد هذا االنقسام ما ُيك ِّر ُس وجود ُه‬
‫ليس فقط من خالل التمييز بني العام والخاص‪ ،‬بل عرب أشكالٍ ُأخرى مختلفة‬
‫من مثل‪ :‬التمييز بني «الدولة واملجتمع»‪ ،‬أو بني «السياسة واالقتصاد»‪ ،‬كذلك‬
‫بني «اإلكراه والحرية»‪ ،‬أو حتى بني «السيايس واالجتامعي»‪ .‬فهذه االنقسامات‬
‫كلها تبقى موجودة داخل عامل الرجال دون النساء‪ .‬أي بكلم ٍة ُأخرى‪ ،‬عادة ما‬
‫دائرت الدولة واملجتمع املدين معا(‪ .)62‬ومثل هذا‬ ‫يجري إقصاء الحياة املنزلية من َ‬
‫األرسية‪ ،‬من املنظور النسوي‪ ،‬هو امتدادٌ‬ ‫اإلقصاء ال َعمدي تجاه النساء والحياة ُ‬
‫كل الذين ُيعدّ ون «شواذ» أو «غري مؤهلني» ‪ Unfit‬لِعضوية‬ ‫لعملية إقصاء ِّ‬
‫ألسباب تتع َّلق بانتامئهم الجندري أو ال ِعرقي أو ال َق َبيل‬
‫ٍ‬ ‫املجتمع الكاملة‪ ،‬وذلك‬
‫أو األصل القومي‪ .‬استمر هذا اإلقصاء حتى أواخر القرن العرشين‪ ،‬بيد أ َّنهُ أخ َذ‬
‫بالتق ُّلص تدريجيا بعد ذلك التاريخ وخصوصا عندما جرى التوسيع من نطاق‬
‫كل هذه التباينات الثقافية وال َبيولوجية؛ إىل درج ِة أن‬ ‫حقوق املواطنة ليشمل َّ‬
‫األفراد البالغني‪ ،‬بغض النظر عن انتامءاتهم الجندرية والعرقية والقبلية والقومية‪،‬‬
‫حقوق املواطنة بصورة‬ ‫َ‬ ‫أخذوا يحوزون يف الوقت الحارض من الناحية القانونية‬
‫متساوية إال النساء‪ ،‬فقد ظ َّل ْت مامرستهنَّ لحقوقهنَّ وحريا ِتهنَّ األساسية تجري‬
‫بصور ٍة منقوصة مقارنة مع الذكور(‪.)63‬‬

‫االتجاه الثاين‪ :‬التمييز بني الشخيص واالجتامعي‪ :‬الحق يف الخصوصية ‪Privacy‬‬


‫َب َر َز هذا االتجاه يف أوساط دُعاة النزعة الرومانسية يف القرن التاسع عرش‬
‫قبل شيوع ِه لدى الليرباليني أنفسهم‪ .‬فقد استخدم ُه الرومانسيون أصال بقصد‬
‫التصدي ملضامني االتجاه األول الليربايل من زاوية كون ِه يعمد إىل متجيد املجتمع‬
‫‪139‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫املدين بوصف ِه فضاء للحرية الشخصية‪ .‬وهو ما دعا الرومانسية بعامة إىل التشديد‬
‫عىل َّأن االندماج والتجانس االجتامعي ‪ social conformity‬يشتمل عىل آثا ٍر‬
‫محل تهديد ليس بفعل القهر‬ ‫سلبية عىل النزعة الفردية؛ ذلك َّأن الفردية ستغدو َّ‬
‫كل فرد حتى‬ ‫واجه ُه َّ‬
‫السيايس فقط‪ ،‬بل أيضا بسبب الضغط املجتمعي الذي ُي ِ‬
‫ثم‪ ،‬يرى‬ ‫املجتمع صوابا يف مختلف املجاالت االجتامعية‪ .‬ومن َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُيح ِّققَ ما َيرا ُه‬
‫الرومانسيون َّأن «الخصوصية» تعني‪ :‬االنعزال والزهد يف الوجود الدنيوي‪ ،‬و َيق ِرت ُن‬
‫ذلك بالتطوير الذايت وانبثاق قدرة التعبري عن الذات واإلبداع الفنّي ‪artistic‬‬
‫‪ .creation‬أما الحياة االجتامعية فقد َج َع َلها الرومانسيون جزءا من املجال العام؛‬
‫أل َّنه عىل الرغم من أن روابط املجتمع املدين روابط «غري سياسية» فإ َّنها تعمل‬
‫عىل إخضاع األفراد إىل ُحكم وانتقادات «اآلخرين» من أعضاء املجتمع نفس ِه‪.‬‬
‫يكون عامال مؤديا إىل التضليل ورصف االنتباه‪،‬‬ ‫وميكن لِحضور «اآلخرين» هذا ْأن َ‬
‫أو تخييب اآلمال‪ ،‬أو يكون ببساطة ُمؤذيا لألفراد أنفسهم‪ .‬فالناس بعامة بحاجة‬
‫خصصون ُه ألنفسهم بعيدا عن مشاغل الحياة العامة‪ ،‬بحيث َيستن ِفدون ُه‬ ‫وقت ُي ِّ‬ ‫إىل ٍ‬
‫يف التأمل والتفكري‪ ،‬ويف اختبار أفكارهم وتصوراتهم الذاتية‪ ،‬كذلك يف إعادة توليد‬
‫وتقوية وتعزيز عالقاتهم الحميمة ‪ .initimate relationships‬يف مثل هذه‬
‫املسائل‪ ،‬تغدو الحياة االجتامعية مبنزلة حاجة م ّلحة شأنها شأن الحياة السياسية‪.‬‬
‫كتشف أن الخصوصية الحديثة بوظيفتها األكرث أهمية‪ ،‬أي‬ ‫ويف حقيقة األمر‪ ،‬مل ُي َ‬
‫تقوم عىل الض ِّد من املجال السيايس فقط‪ ،‬بل َّ َ‬
‫تبي‬ ‫حامية العالقات الحميمة‪ُ ،‬‬
‫نقيض للمجال االجتامعي أيضا‪ .‬وهو ما حدا ِبدُ عاة الرومانسية إىل اعتبار‬ ‫أنها ٌ‬
‫جم ٍع رسمي مع اآلخرين مبنزلة جز ٍء من املجال العام عدا العالقات‬ ‫تنظيم و َت ُّ‬‫ٍ‬ ‫كل‬
‫الحميمة كالصداقة والحب مثال ‪.‬‬
‫(‪)64‬‬
‫َ‬
‫ُيش ُري ذلك رصاحة إىل وجو ِد فضاءين آخ َرين خارج نطاق املجال السيايس أدَّيا‬
‫دورا مركزيا يف تطور املجتمع الغريب الحديث‪ :‬أولهام هو املجتمع املنظور إلي ِه‬
‫نظام يف اقتصاد السوق وعىل نح ٍو خارج املجال السيايس‪ .‬أما ثانيهام‬ ‫باعتبار ِه ُم َّ‬
‫فهو املجتمع الذي ُين َْظ ُر إلي ِه باعتبار ِه «شعبا»‪ ،‬أي ذلك املجال فوق‪-‬املوضعي‬
‫الذي ُيعت َقدُ أ َّن ُه ُو ِج َد قبل نشوء املجتمع َّ‬
‫املنظم سياسيا‪ ،‬وأ َّن ُه َّأس َس هذا األخري‪.‬‬
‫ومن ثم ينبغي علينا النظر إىل هذه املجاالت الثالثة من زاوية كونها ُمت َِّصلة يف‬
‫‪140‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫أنواع ُأخرى من الفضاءات االجتامعية‪ .‬وإذا‬ ‫تطورها‪ ،‬وباعتبارها أيضا ُمتداخلة مع ٍ‬


‫الحسبان وجهة نظر يورغن هابرماس ‪ Jürgen Habermas‬والقائلة‪:‬‬ ‫ما أخذنا يف ُ‬
‫جمع أناسا كانوا قد صاغوا فضاء خاصا باعتبارهم فاعلني‬ ‫ُ‬ ‫«إن املجال العام الجديد َ‬ ‫َّ‬
‫وملكا‪ ،‬إضافة إىل مجالٍ «حميم» كان محال لحياتهم العائلية‪[ ...‬لهذا]‬ ‫اقتصاديني ّ‬
‫كان الفاعلون الذين ُيش ِّكلون املجال العام الجديد «برجوازيني» و«رجاال» يف‬
‫الوقت عين ِه»(‪ .)65‬هذا املك ِّون الرئيس الثاين من مك ِّونات الحياة العادية‪ :‬أي عامل‬
‫األرسة وعالقات ِه الداخلية وعواطف ِه‪ ،‬سيغدو‪ ،‬ابتداء من القرن الثامن عرش‪ ،‬محال‬ ‫ُ‬
‫لِمط َل ٍب آخر من مطالب الخصوصية‪ ،‬و ُمع َّرفا هذه املرة عرب عالقت ِه باملجال العام‪.‬‬
‫لِترتاجع الحياة العائلية أكرث فأكرث إىل زاوية املجال الحميم محجوبة عن العامل‬
‫الخارجي‪ ،‬بل حتى عن بقية أفراد العائلة املمتدة(‪.)66‬‬
‫وبشكل عام‪ ،‬يتبنى الليرباليون املعارصون معظم حيثيات هذه الرؤية‬ ‫ٍ‬
‫الرومانسية عن الخصوصية واملجال الخاص‪ .‬بحيث يتطابق اليوم التشديد‬
‫الرومانيس عىل الضغوط االجتامعية مع الرتكيز الليربايل الكالسييك عىل الحرية‬
‫االجتامعية؛ بحيث َّإن التأكيد الرومانيس عىل الخصوصية َّإنا يتوافق مع مخاوف‬
‫الليربالية بشأن القوة أو السلطة القرسية ‪ coercive power‬التي ُتا ِر ُسها الجامعات‬
‫عملية أم‬‫تجاه أعضائها‪ ،‬سواء أكانت هذه الجامعات تنظيامت مهنية أم اتحادات ّ‬
‫مؤسسات تعليمية‪ ...‬إلخ‪ ،‬وكذلك مع مخاوف الليربالية من الضغوط واسعة النطاق‬
‫والهادفة إىل تحقيق االندماج والتجانس االجتامعي‪ ،‬وعىل النحو الذي يحول دون‬
‫استمرارية تعددية الجمعيات وقيام التنافس الح ّر بني األفكار بتقديم الحامية‬
‫الكافية للنزعة الفردية‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬ال تنخرط الليربالية الحديثة يف حامية املجال‬
‫لكوت معني ضمن‬ ‫الخاص للحياة االجتامعية فقط‪ ،‬بل ُتر ِّكز أيضا عىل تشكيل َم ٍ‬
‫‪ a realm within‬املجال الخاص يتم ّكن فيه األفراد من االستمتاع بخصوصياتهم‪.‬‬
‫ثم‪ ،‬تشتمل الحياة الخاصة من منظور الليرباليني املعارصين عىل كل من‬ ‫ومن َّ‬
‫دائرة االنخراط الفاعل يف مؤسسات املجتمع املدين وعىل النحو الذي ش َّددَت عليه‬
‫العزلة واالنسحاب الشخيص ‪ personal retreat‬التي‬ ‫الليربالية الكالسيكية‪ ،‬ودائرة ُ‬
‫َيخلقها الفرد بنفسه تجاه نظام الحياة االجتامعية وتعقيداتها‪ ،‬وعىل النحو واملعنى‬
‫الذي دعا إلي ِه الرومانسيون يف النصف األول من القرن التاسع عرش(‪.)67‬‬
‫‪141‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫االتجاه الثالث‪ :‬التفسري النسوي للتقسيم الليربايل بني العام والخاص‬


‫يف ضوء ما تقدم‪ُ ،‬يكن القول َّإن جوهر النقد النسوي هو يف كون نظرية‬
‫وبشكل غري ُم َّربر تقسيم العمل غري‬ ‫ٍ‬ ‫العدالة الليربالية األصلية ‪ Standard‬ته ِم ُل‬
‫العادل وعالقات السلطة ‪ Power‬وتوزيعها داخل األرسة الواحدة‪ .‬فتلك هي‬
‫النقطة املفتاح يف النقد النسوي من وجه ِة نظ ٍر سياسية(‪ .)68‬حيث ُتش ِّد ُد النسويات‬
‫بعامة عىل فكرة أن أصل التمييز املامرس تجا َه النساء وجدلية التاميز بني املجالَني‬
‫األرسة والعالقات بني أدوار‬ ‫العام والخاص هو امتدادٌ للرتاتبيات الجندرية داخل ُ‬
‫األوىل التي تو َّلدت عنها‬ ‫األرسة هي الوحدة االجتامعية ُ‬ ‫أعضائها‪ ،‬نظرا إىل َّأن ُ‬
‫الوحدات االجتامعية الكبرية مثل‪ :‬القبيلة‪ ،‬والجامعة القومية ومن ثم املجتمع‬
‫تتشك ُل من خالل الجمع بني الروابط الزوجية وروابط‬ ‫َّ‬ ‫بعامة‪ُ .‬‬
‫فاألرسة املثالية‬
‫الجنسني املختل َفني أنجبا أطفالهام البيولوجيني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫زوجني من‬ ‫الدم‪ ،‬وهي تتك َّون من َ‬
‫يكسب دخال‬ ‫ُ‬ ‫أب‬
‫األ َس ستكون لها ُبنية سلط ٍة محدَّ دة‪ ،‬أي أن َيرأسها ٌ‬ ‫مثل هذه ُ‬
‫مناسبا لألرسة‪ ،‬والزوجة تقبع يف املنزل مع األطفال‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬مثة افرتاض‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫بتقسيم للعمل عىل أساس الجنس ثابت نسبيا‪ ،‬حيث ُتحدَّ ُد أدوار النساء‬ ‫ٍ‬
‫أويل داخل املنزل بينام تكون أدوار الرجال يف عامل العمل العام‪ .‬مع التسليم بهذا‪،‬‬
‫فت ُض أيضا انفصاال بني مجال العمل ومجال األرسة‪.‬‬ ‫األرسة التقليدي َي َ ِ‬ ‫نجد َّأن مثال ُ‬
‫يرتسم هذا التعريف بوصف ِه تنظيام طبيعيا أو بيولوجيا قامئا عىل أساس‬ ‫وإذ ّ‬
‫ّ‬
‫ستتوش ُج مع‬ ‫األرسة ِبنَمطها الواحدي املتجانس‬ ‫فإن هذه ُ‬ ‫الجنسني‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫الجاذبية بني‬
‫ُبنية الحكومة والنظام السيايس ب ُّرم ِت ِه‪ .‬فاالنتظام ال يقوم عىل أساس بيولوجي‪،‬‬
‫شخصني‪ ،‬ذكر ُوأنثى‪ ،‬ال يؤكد‬ ‫بل حول ما يحظى مببارك ٍة رسمية؛ إذ َّإن الزواج بني َ‬
‫األرسة ذاتها فقط‪ ،‬بل أيضا مرشوعية األطفال الذين ُيولَدون داخل‬ ‫مرشوعية ُبنية ُ‬
‫الحظ َّأن قو َة مثال األرسة التقليدي هذا تكمن يف وظيفت ِه‬ ‫األرسة نفسها‪ .‬وهنا ُن ِ‬‫ُ‬
‫املزدوجة من حيث كون ِه‪ :‬بناء أيديولوجيا ومبدأ أساسيا للتنظيم االجتامعي(‪.)69‬‬
‫قائم‬‫مبعنى آخر أكرث وضوحا‪َّ ،‬إن حرش النساء يف زاوية املنزل والحياة األرسية ٌ‬
‫أصال عىل االعتقاد الضمني بوجود فرق بني النساء والرجال من حيث مستوى‬
‫القدرة عىل التفكري واإلحساس‪ .‬فعىل امتداد تاريخ الفلسفة الغربية‪ ،‬عمل‬
‫املف ِّكرون السياسيون عىل تبني فكرة التعارض التام بني االستعدادات العاطفية‬
‫‪142‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫والحدسية واالعتناء بكل ما هو خاص (أي غري العقالين) مام يقتضي ِه العمل املنزيل‬
‫للنساء‪ ،‬وبني الذهنية العقالنية الرصينة والحيادية (أي غري العاطفي) مام يتوافق‬
‫مع مقتضيات الحياة العامة التي ُتعزى جميعها إىل الرجال بوصفها متأصلة فيهم‪.‬‬
‫كل‬ ‫ومن ثم يجري تقسيم العمل وفقا للهوية الجنسية‪ ،‬ف َيحت ِك ُر الرجل بعامة َّ‬
‫املهامت اإلدارية وتلك التي تقتيض ضبط التنظيم اإلداري وإدارة املؤسسات العامة‪.‬‬
‫همة صيانة العالقات الخاصة والفردية ُترتك للنساء أو ُت ْف َر ُض عليهنَّ ‪.‬‬ ‫يف حني َّأن َم َّ‬
‫فإن التباين الجنيس سيغدو مبنزلة معيار قرسي للتمييز بني مرشوعَني‬ ‫وبذلك َّ‬
‫أخالقيني مختل َفني؛ إذ َّإن مبادئ العدالة والحقوق األساسية هي التي ُتهي ِمن عىل‬
‫عامل الذكور وقيمهم وخصالهم األخالقية‪ ،‬بينام الرعاية واإلحساس والعاطفة هي‬
‫نظ ْر إىل هذين املرشوعَني األخالقيني بوصفهام‬ ‫من خصال النساء وفضائل ِهنَّ ‪ .‬ومل ُي َ‬
‫متعا ِرضني يف الجوهر‪ ،‬بل نظر إليهام عىل َّأن بينهام نزاعا عميقا يصل إىل ح ٍّد‬
‫يجعل تلك الخصال والقدرات الخاصة بالنساء – عىل رغم أهميتها يف حياة األرسة‬ ‫ُ‬
‫واستمراريتها ‪ُ -‬تص ِب ُح مصدر تهديد لِمبادئ العدالة التي تقتضيها الحياة العامة‪.‬‬
‫فإن استمرارية املجال العام باتت تقتيض إقصاء النساء منه وإبعادهنَّ‬ ‫ومن ثم‪َّ ،‬‬
‫كل ّيا عن ِنطاق ِه(‪.)70‬‬
‫األرسة‬ ‫بناء عىل ما سبق ِذكرهُ‪ ،‬ستعمل القيم والعالقات ال َبينية بدورها داخل ُ‬
‫التقليدية عىل تطبيع الرتاتبيات الهرمية للجندر والسن والحياة الجنسية بالشكل‬
‫الذي ُيساعد عىل ترسيخ الدور املنزيل للمرأة وحرشها في ِه‪ .‬ففي الواليات املتحدة‬
‫األرسة الذي يسود‪ ،‬و ُيضفي‬ ‫رأس ُ‬‫األرسة التقليدي َّأن ال َذ َكر ُ‬ ‫مثال‪َ ،‬يف ِرت ُض مثال ُ‬
‫فإن الرقابة األبوية عىل‬ ‫تطبيعا عىل الذكورة بوصفها مصدرا للسلطة‪ .‬وباملثل َّ‬
‫األطفال التابعني ُتعيدُ استنساخ الجندر والتقدُّ م يف العمر بوصفهام مبدأين‬
‫أساسيني يف التنظيم االجتامعي‪ .‬كذلك‪ ،‬مثة تداخل ُبنيوي متبادل بني الجندر‬
‫فاألمهات َي َت ِثلنَ لآلباء‪ ،‬واألخوات يختلفنَ عن األخوة‪ ،‬ويف كل هذا نتف َّهم‬ ‫والسن‪ُ ،‬‬‫ِّ‬
‫ُ‬
‫َّأن الصبية يخضعون لِسلطة األم حتى يصبحوا رجاال‪ .‬مثة أفكار تتعلق بالحياة‬
‫الجنسية ميكن مقارنتها من حيث إ َّنها تعمل جنبا إىل جنب مع هذا التداخل‬
‫البنيوي التباديل للرتاتبيات الهرمية للسن والجندر‪ ،‬باإلضافة إىل تراتبيات الرثوة‬
‫والطبقة االجتامعية لِيقود كل ذلك يف نهاية املطاف إىل والدة تراتبيات هرمية عىل‬
‫‪143‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫وض ِعهم يف تراتبيات‬ ‫وبشكل منطي يتعلم األفراد تعيني َم ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مستوى الدولة واملجتمع‪.‬‬
‫العرق والجندر واإلثنية والحياة الجنسية واألمة والطبقة االجتامعية يف ُأصولِ‬
‫ُأرسهم‪ .‬وبالتزامن مع هذا يتعلمون النظر إىل مثل هذه الرتاتبيات الهرمية بوصفها‬
‫نت بالتنظيامت املش َّيدة اجتامعيا‪ .‬وبهذا‬ ‫تنظيامت اجتامعية طبيعية‪ ،‬إذا ما ُقو ِر ْ‬
‫مرتبط بعمليات‬ ‫ٌ‬ ‫املغزى بات الرتاتب الهرمي يف املجال العام تراتبا «طبيعيا» أل َّن ُه‬
‫«طبيعية» لألرسة‪ ،‬أي املجال الخاص(‪.)71‬‬
‫نظرة النسوية‬ ‫شك َل الباعث الرئيس وراء تركيز ا ُمل ِّ‬ ‫ويبدو َّأن ما تقدَّ م ذكر ُه قد َّ‬
‫آيريس ماريون يونغ عىل رضورة إدخال النساء يف دائرة مفهوم «األقلية الثقافية»‪،‬‬
‫باعتبار أ ّن ُه يعني أصال أي جامعة اجتامعية تخضع لإلمربيالية الثقافية ‪Cultural‬‬
‫السن وا ُملعاقني والشواذ‬ ‫‪ ،Imperialism‬بحيث يشمل ذلك «النساء وكبار ِّ‬
‫والشاذات جنسيا فضال عىل أفراد الطبقة العاملة‪ ،‬وبال َق ْدر نفسه الذي ينطبق به‬
‫املفهوم عين ُه عىل الجامعات العرقية والقومية»‪ ،‬من زاوية َّأن الجامعات الثقافية‬ ‫ُ‬
‫تكوين ثقايف وهوية ثقافية حالها من حال‬ ‫ٍ‬ ‫األخرى غري العرقية والقومية هي ذات‬
‫الجامعات العرقية والقومية(‪.)72‬‬
‫ثم‪ ،‬إذا ما َن َظرنا إىل النساء بوصفهنَّ جامعة ثقافية ذات هوي ٍة ثقافية‬ ‫ومن َّ‬
‫فإن‬‫خاصة شأنها شأن األقليات القومية والدينية التي تتمتَّع بهوياتها الخاصة‪َّ ،‬‬
‫ذلك سيعني ِضمنا جعل النساء وهويتهنَّ الجامعية جزءا من املجال الخاص‪،‬‬
‫أي ذلك النطاق من الحياة الشخصية واالجتامعية والثقافية الذي ُيا ِرس في ِه‬
‫الفرد مختلف أنشطت ِه اليومية بحيث ينبغي للدولة الليربالية ومؤسساتها احرتام‬
‫َ‬
‫تتدخل فيها عرب‬ ‫خصوصيات النسوة و َمطالِبهنَّ وال َيجو ُز للدولة نفسها ْأن‬
‫فإن مفهوم عدم التدخل ‪ Non-Intervention‬سيكون‬ ‫القرس واإلكراه‪ .‬وبذلك ّ‬
‫قد اتس َع ْت دائرتهُ ل ُيشري إىل اعتامد الدولة الليربالية بخاصة سياسة مرشوعة‬
‫َتتو َّزعُ ‪ -‬إىل جانب االعرتاف بالهوية الثقافية والجنسية واحرتامها ‪ -‬عىل جان َبني‬
‫آخ َرين وبصور ٍة تقليدية‪ :‬أولهام هو سياسة «دَعهُ يعمل دَعهُ َير»‪ ،‬أما ثانيهام‬
‫األرسية» ‪ .Family Privacy‬فاألول منهام‬ ‫فيتمثل يف سياسة «الخصوصية ُ‬
‫يشمل اقتصاد الدولة ويقيض بعدم تدخل أيِّ قو ٍة خارجية يف مجال السوق‬
‫عدا قوى السوق نفس ِه؛ باعتبار َّأن السوق يعكس بصور ٍة طبيعية جوهر قانون‬
‫‪144‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫فإن السياسة االقتصادية الالتدخلية َتف ِرت ُض غالبا َّأن‬ ‫العرض والطلب‪ .‬بالتايل َّ‬
‫مستقل بذات ِه ويعمل بصور ٍة مستقلة عن الدولة ومؤسساتها‪ .‬أما‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫السوق ٌ‬
‫كيان‬
‫األرسية‬‫مشمولة أيضا باحرتام الخصوصية ُ‬‫ٌ‬ ‫فإن الدول َة نفسها‬ ‫يف املجال العائيل َّ‬
‫األرسة والعالقات الزوجية والعائلية بعامة‪ ،‬من زاوية‬ ‫وعدم التدخل يف شؤون ُ‬
‫كونها شأنا خاصا باألفراد أنفسهم(‪.)73‬‬
‫وعلي ِه‪ ،‬أمست من املعتقدات التقليدية لدى النسويات فكرة أن الليربالية‬
‫عقيدة مرتبطة ارتباطا فريدا بحامية «املجال الخاص» من تدخالت الدولة غري‬ ‫ٌ‬
‫ا ُمل َّربرة‪ .‬إذ َّإن الليرباليني بعامة ملتزمون بعدم الرشوع يف اإلرشاف العام والتدخل‬
‫وعالقات مجتمعية‬‫ٍ‬ ‫عادات‬
‫ٍ‬ ‫فيام يجري ضمن أوساط العائالت وما بينها من‬
‫ولعل تفسري ذلك يكمن يف َّأن جميع املجتمعات التي عاشت‬ ‫وموروث ثقايف‪َّ .‬‬ ‫ٍ‬
‫عىل ظهر األرض‪ ،‬حتى دويالت املدن اليونانية ثم الدولة الرومانية‪ ،‬كان املجال‬
‫العام فيها يتجسد يف تلك العالقات ال َبينية والقامئة بصور ٍة رسمية ما بني العائالت‬
‫والجامعات االجتامعية بعامة‪ ،‬نظرا إىل َّأن الدولة يف األصل كانت اتحادا َق َبليا أو‬
‫تحالفا ُمك َّونا من العائالت ‪ ،League of households‬بحيث جرى متثيلها يف نظام‬
‫الحكم وإدارة الدولة بواسطة شيوخ تلك العائالت وتحديدا كبار السنِّ من الذكور‪.‬‬
‫رأس العائلة الذ َكر سلطة شبه مطلقة عىل زوجت ِه‬ ‫وداخل كل عائلة منها‪ ،‬كانت لِ ِ‬
‫بي ذلك استمرارية وجود الفصل بني املجالَني‬ ‫(أو زوجات ِه) وأطفال ِه وعبيد ِه(‪ُ .)74‬ي ِّ ُ‬
‫العام والخاص حتى يف ظل الدول غري الدميوقراطية الليربالية مبا فيها دويالت املدن‬
‫القدمية‪ .‬غري َّأن النظرية السياسية الليربالية جاءت الحقا لتعمل عىل التوسيع من‬
‫دائرة هذا الفصل و َب ْل َور ِة حدود ِه ومضامين ِه‪ ،‬بحيث َج َع َل ِت املجال العام من نصيب‬
‫الدولة ومؤسساتها حرصا باعتبارها الطرف الضامن لتحقيق املصلحة العامة‪ ،‬يف‬
‫املجال الخاص وشأن ُه بعيدا عن اإلكراه والتدخالت القرسية للدولة‬ ‫َ‬ ‫حني هي ُ‬
‫ترتك‬
‫ليك يغدو مجاال ناميا وحيويا ما مل ُيؤ ِد من ّوهُ إىل اإلرضار باملصلحة العامة واملجال‬
‫العام‪ ،‬الس َّيام يف حال اإلرضار مببادئ الحرية الفردية واملساواة الفردية واحرتام‬
‫الخصوصية الفردية‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مبعنى آخر غري بعيد‪َّ ،‬إن الليربالية بعامة هي نظرية سياسية متصلة بالكيفية‬
‫التي يجب ْأن تتعامل الدولة مبوجبها مع الناس أفرادا وجامعات‪ ،‬كذلك تنظيم‬
‫‪145‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫وموحدة عىل‬
‫َّ‬ ‫عالقاتهم بعضهم ببعض‪ .‬فالدولة ينبغي ْأن َتف ِر َض معايري معينة‬
‫جميع األفراد والتنظيامت الحكومية منها وغري الحكومية‪ .‬بخالف ذلك‪ ،‬سيغدو‬
‫باإلمكان اعتامد رشكات النقل الخاص مثال التمييز الجنيس والعنرصي تجاه‬
‫بأن مبدأ الحيادية وعدم التمييز العنرصي يشمل‬ ‫الر ّكاب‪ ،‬عرب الركون إىل القول َّ‬
‫فقط رشكات النقل التابعة للقطاع العام‪ ،‬ومن ثم ليس للدولة أن تتدخل يف‬
‫شؤون رشكات النقل الخاص حينام تعمل عىل إلزام النساء والسود بالجلوس يف‬
‫فإن تدخالت الدولة من أجل شمولية تطبيق مبادئ‬ ‫مؤخرة حافالتها حرصا‪ .‬لذلك‪َّ ،‬‬
‫تدخالت جدُّ رضورية‪ ،‬من املنظور النسوي‬ ‫ٌ‬ ‫الليربالية يف املجالَني العام والخاص هي‬
‫بخاصة‪ ،‬لِضامن الحؤول دون ُغدو مبدأ املعاملة املتساوية ‪Equal Treatment‬‬
‫من قبيل املبادئ عدمية األهمية يف مناشط الحياة الرئيسة مثل التوظيف واإلسكان‬
‫مامرسات تتسبب يف‬ ‫ٍ‬ ‫تدخل الدولة هو من أجل الحيلولة دون قيام‬ ‫والنقل‪ .‬إذ َّإن ّ‬
‫اضطهاد املرأة ‪ -‬أو أبناء األقليات القومية والدينية ‪ -‬أل َّنها امرأة تنتمي إىل هذه‬
‫لح ُق بها أرضارا غري ُم َّربرة قانونا‬ ‫الجمعية النسوية أو ذاك الحزب النسوي‪ ،‬مام ُي ِ‬
‫كأن ُينتقص من أَج ِرها أو عدم مكافأتها أو حتى أن تخرس وظيفتها مثال‪ ،‬األمر‬ ‫ْ‬
‫ستوج ُب تدخل الدولة بهدف املنع أو التضييق من نطاق هذه املامرسات‬ ‫الذي َي ِ‬
‫عىل األقل ‪ .‬فاألصل َّأن الدولة الليربالية‪ ،‬حرصا منها عىل حامية الحرية الفردية‬ ‫(‪)75‬‬

‫وحياة أفراد مجتمعها‪ ،‬ال تتدخل يف شؤون الجامعات الثقافية والجمعيات إال‬
‫من أجل توفري َم ْخ َر ٍج آمن لِ َمنْ ُيريدُ االنشقاق عنها أو َمنْ اس ُت ْب ِع َد من عُ ضويتها‬
‫بسبب معتقدات ِه ا ُملخالِفة للمجتمع بعامة أو لِجامعت ِه بخاصة‪ .‬إذ تكون الغاية‬ ‫ِ‬
‫الجوهرية من وراء هذا التدخل هي َمنع األرضار أو التقليص منها ما أمكن‪ .‬ذلك‬
‫لِكون الدولة ينبغي عليها حامية أفراد مجتمعها وعىل قدم املساواة من التمييز‬
‫القائم عىل ُأ ُس ِس التوج ِه الجنيس واالنتامء الديني والعرقي(‪.)76‬‬
‫ني عناية جدُّ ملحوظة باملجال‬ ‫فإن النسويات يول َ‬‫تأسيسا عىل ما تقدم ذكرهُ‪َّ ،‬‬
‫تعيش في ِه أعدادٌ ضخمة للغاية من نساء العامل‬ ‫ُ‬ ‫ألن هذا املجال‬ ‫الخاص‪ ،‬ذلك َّ‬
‫القسم األكرب من حياتهن‪ ،‬ويف بعض الحاالت ي ِع ْشنَ فيه حياتهنَّ بأرسها‪ ،‬كام‬ ‫َ‬
‫تحدث فيه أعداد جدُّ كبرية من حاالت انتهاك حقوق املرأة األساسية‪ .‬ففي بلدان‬
‫كثرية‪ ،‬عىل األقل خالل أوقات السلم‪ ،‬يكون املنزل الذي تعيش فيه املرأة مبنزلة‬
‫‪146‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫أخطر بيئة بالنسبة إليها‪ .‬إذ َّإن جدلية العام‪/‬الخاص‪ ،‬والتي تؤدي بدورها إىل نشوء‬
‫وأن أح َد حقوق ِه املهمة هو ح ّق ُه‬ ‫رب ُ‬
‫األرسة َّ‬ ‫فرضية مفادها َّأن حامل الحقوق هو ُّ‬
‫واألرسية‪ ،‬هذه الثنائية والفرضية املرتتبة عليها هي التي‬ ‫يف صون حيات ِه الشخصية ُ‬
‫ُتولِّدُ عراقيل َجسيمة يف طريق حامية حقوق النساء واألطفال‪ .‬بحيث َّإن املشكلة‬
‫ترت َّك ُب من إهامل هذه الوضعية وإنكارها يف آنٍ واحد نظرا إىل تفاوتات عالقات‬
‫فإن التعزيز من حقوق املرأة‬ ‫القوة والسلطان بني أعضاء العائلة الواحدة‪ .‬ومن ثم َّ‬
‫نطاقات ع ّدة من الحياة الفردية‬ ‫ٍ‬ ‫ات ملموسة يف‬ ‫سيتضمنُ إحداث تغيري ٍ‬
‫َّ‬ ‫األساسية‬
‫وإن استدعاء مسؤولية الحكومة وتدخلها يف‬ ‫خاصة‪َّ .‬‬ ‫ُ‬
‫واألرسية غالبا ما َنعتربها ّ‬
‫هذه النطاقات الخاصة يتطلب تعديال كبريا يف توجهات قوانني ومواثيق حقوق‬
‫اإلنسان ملصلحة النساء‪ ،‬والس َّيام َّأن العمل يف ميدان حقوق اإلنسان َيسود ُه أصال‬
‫الرتكيز عىل انتهاك الحقوق املدنية والسياسية للرجال يف املجال العام‪ ،‬من دون‬
‫خشية الرجال أنفسهم من االنتهاكات الجارية يف املجال الخاص‪/‬املنزل‪ ،‬الذي يقع‬
‫فيه القسم األكرب من العنف وانتهاكات حقوق املرأة(‪.)77‬‬
‫َت النسويات أواخر‬ ‫شعَن ِة ولوج الدولة يف املجال الخاص‪َ ،‬ع َمد ِ‬ ‫ويف سبيل َ ْ‬
‫الستينيات املنرصمة وبخاصة الباحثة النسوية كارول هاينش ‪ Carol Hanisch‬إىل‬
‫رفع ِشعار َّأن‪« :‬الشخيص هو سيايس» ‪ ،The Personal is Political‬وكان هناك‬
‫وضع النساء‪ ،‬والرجال أيضا‪،‬‬ ‫مدلوالن رئيسان لهذا الشعار ذائع الصيت‪ :‬أولهام َّأن َ‬
‫ميكن النظر إليه باعتباره وضعا َجمعيا ُمر َّكبا‪ ،‬فهو نتاج عملية اضطهاد سيايس‬
‫وعملية اضطهاد نفيس داخلية‪ ،‬ومن ثم ال توجد مشكالت شخصية بصورة كاملة‬
‫فإن كل ما ُيط َل ُق علي ِه تسمية‬ ‫بحيث تكون يف َنجو ٍة من املؤثرات السياسية‪ .‬لذلك َّ‬
‫«املشكالت الشخصية» يجب ْأن تنفتح عىل املناقشة السياسية‪ ،‬أي يجب ْأن نفتح‬
‫جسد‬ ‫املجال الخاص أمام تدخل الدولة وسلطاتها‪ .‬أما املدلول الثاين للشعار‪ ،‬فقد َت َّ‬
‫يف وجوب استخدام واقع التفاوتات الثقافية والجنسية لِتغيري الحياة السياسية‬
‫العامة‪ ،‬بحيث َيجري اعتبار «الشخيص» مبنزلة مصدر من شأن ِه ْأن ُيرثي املجال‬
‫السيايس بعامة(‪.)78‬‬
‫وميكن القول أيضا بكون األصل يف ِشعار «الشخيص هو سيايس» أ َّن ُه كان موجها‬
‫بصور ٍة رئيسة تجاه األنشطة االشرتاكية أو الراديكالية بعامة‪ ،‬من خالل تبيان َّأن‬
‫‪147‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫الرتكيز التنظريي عىل رأس املال وقوى العمل ثم التوسيع من مفهوم «السياسة»‬
‫تجاهل أساسا التفاوتات الجندرية ‪ Gender Inequalities‬داخل املنزل بني‬ ‫ُ‬ ‫َّإنا َي‬
‫ان السبعينيات املنرصمة َّأن هذا‬ ‫زعم فريقٌ من النسويات إ ّب َ‬
‫الذكور واإلناث‪ .‬فقد َ‬
‫الشعار ينطوي عىل الرغبة يف تحرير النساء بواسطة قمع العائلة نفسها‪َّ ،‬‬
‫ألن‬
‫العائلة كانت مبنزلة املصدر الرئيس الضطهاد النساء‪ .‬ويف الوقت الراهن‪ ،‬يرفض‬
‫أغلبية النسويات هذا املوقف املتطرف من العائلة‪ ،‬ويف الوقت نفس ِه أصبحت‬
‫النسويات ُيد ِركنَ أهمي َة التأثري الذي ُتا ِرس ُه عالقات السلطة املتفاوتة داخل إطار‬
‫العائلة عينها‪ ،‬فأدّى ذلك تدريجيا إىل توليد اقتناع نسوي عام منذ التسعينيات‬
‫بأن هذا الشعار ال َيستَه ِد ُف إجهاض العائلة بل َيبتغي َد َم ْق َرطة العائلة‬ ‫املاضية َّ‬
‫‪ .Democratize the Family‬ويف هذا الشأن‪ ،‬نجد َّأن التفاوتات العديدة يف‬
‫رج ُع إىل هيكلية العالقات بني الرجال والنساء داخل كيان العائلة‪،‬‬ ‫املجال الخاص َت ِ‬
‫وهذه الهيكلية ما هي إال جز ٌء من ُبنية الدولة ككل‪ ،‬كام َّأن السوق االقتصادية‬
‫بعامة تقوم عىل الجندر وتوزيع األدوار الجنسية بصور ٍة عميقة‪ ،‬من حيث‬
‫األنثوي يف املجال الخاص‪ .‬ومن‬ ‫السيطرة الذكورية عىل املجال العام واالنخراط ُ‬
‫املسبقة‬‫فإن َد َمقرطة املجال العام ال تغدو ممكنة التحقيق دون ال َد َم ْق َرطة ّ‬ ‫ثم‪َّ ،‬‬
‫للمجال الخاص ‪.‬‬
‫(‪)79‬‬

‫وعىل نفس ِمنوال سوزان مولر أوكني وداعيات الدميوقراطية التشاركية مثل‬
‫كارول َبيتامن ‪ ،Carole Pateman‬تؤمن الباحثة آن فيليبس ‪ Anne Philips‬بفكرة‬
‫َّأن َد َم ْق َرط َة املجال العام‪ ،‬مبعنى املشاركة الواسعة النطاق للنساء يف تكوينات هذا‬
‫املجال‪ُ ،‬تعدُّ َد َمقرطة مستحيلة الحدوث دون ال َد َم ْق َرطة املس ّبقة للمجال الخاص‪.‬‬
‫وأن َد َم ْق َرط َة املجال الخاص نفس ِه ال تعني فقط تحقيق أهداف املواطنة السياسية‬ ‫َّ‬
‫ضيف فيليبس إىل ذلك َّأن‬ ‫الفاعلة‪ ،‬بل تعني اعتبارها قيمة وغاية يف ذاتها‪ .‬و ُت ُ‬
‫فكرة بال معنى؛ إذ َّإن العالقات‬ ‫فكرة الفصل والتمييز بني املجالَني العام والخاص ٌ‬
‫القامئة يف املجال الخاص َّإنا يجري تنظيمها بواسطة الدولة والنظام االقتصادي‪،‬‬
‫كذلك من خالل إخضاع النساء وجعلهنَّ يف مكان ٍة دونية مقارنة بالرجال‪ .‬ومن‬
‫فإن العالقات داخل املجال الخاص هي أصال مس ّيسة ِشئنا ذلك أم أ َبينا‪.‬‬ ‫ثم‪َّ ،‬‬
‫ألسباب أخرى‬
‫ٍ‬ ‫ويف الوقت نفس ِه تؤكد فيليبس رضورة الفصل بني هذين املجالَني‬
‫‪148‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫ال تتع ّلق بحامية قيم العائلة وإبعادها من تدخل الدولة‪ ،‬بل تتعلق بالحفاظ‬
‫عىل مبدأ الفردية وحرية اتخاذ القرار والخصوصية الفردية التي تشدد فيليبس‬
‫موقف فكري‬ ‫ٍ‬ ‫عىل أهميتها‪ ،‬مثل حيازة حق اإلجهاض‪ .‬يجعل ذلك فيليبس يف‬
‫بأن تدخل‬ ‫مامثل لِ ُرؤية أوكني وآيريس ماريون يونغ(‪)80‬؛ وذلك من حيث االعتقاد َّ‬
‫الدولة يف املجال الخاص ورفع شعار «الشخيص هو سيايس» ال يعني بالرضورة‬
‫إجهاض التمييز بني املجالَني العام والخاص‪ .‬فالحركة النسوية بعامة تروم من‬
‫وراء ذلك إعادة رسم الحدود الفاصلة بني هذين املجالَني ال الدمج بينهام ك ِّليا‪.‬‬
‫وسعنَّ من دائرة تطبيق‬ ‫ومن خالل هذه املراجعة النقدية ستكون النسويات قد َّ‬
‫«األرسة»‪ ،‬أي املجال الخاص‪ ،‬وعىل النحو الذي‬ ‫مبادئ العدالة بحيث ستشمل ُ‬
‫ُيؤيده أنصار االتجاه العام لليربالية من املساواتيني بخاصة مثل جون راولز ‪John‬‬
‫‪ Rawls‬وبرايان باري ‪ Brian Barry‬ورونالد دووركني ‪ ،Ronald Dworkin‬من‬
‫األرسة مبا يف ذلك العالقات‬ ‫زاوية ضامن الحقوق والحريات األساسية لِجميع أعضاء ُ‬
‫األرسية داخل العائلة‪ .‬وعىل رغم ذلك‪ ،‬فإ َّننا ال نستطيع مراقبة كل أرسة من‬
‫بنصيب متسا ٍو من األعامل املدفوعة‬ ‫ٍ‬ ‫الداخل وضامن اضطالع الذكور واإلناث‬
‫األجر (خارج املنزل) وغري مدفوعة األجر (األعامل املنزلية)(‪.)81‬‬
‫أسهم يف بروز الخالف بني‬ ‫َ‬ ‫َّإن األخذ بالتمييز بني املجالَني العام والخاص قد‬
‫االتجاهات الليربالية والس َّيام من حيث منظورها للعدالة التوزيعية ‪Distributive‬‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫‪ .Justice‬فأنصار االتجاه العام لليربالية‪ ،‬أي املساواتية الليربالية‪ُ ،‬مقت ِنعون‬
‫األرسة جز ٌء من املجال الخاص‪ ،‬وهو ما يتجاوز بدوره نطاق مطالب‬ ‫عام بفكرة أن ُ‬
‫والتزامات مبادئ العدالة‪ .‬فالدولة لديهم ليست أداة للهيمنة الذكورية بل هي‬
‫الح َك ِم املحايد ‪ Neutral Arbiter‬تجاه مختلف الجامعات‬ ‫وسيلة ُتارس دور َ‬
‫برصف النظر عن انتامءاتها‪ .‬كام أنها ُتارس دورا إيجابيا بشكل كبري يف سياق‬
‫العالقات الجندرية عرب العمل عىل التقليل من االعتامدية املالية للنساء تجاه‬
‫األرسة‬ ‫فإن النسويات بعامة َيع َت ِقد َْن َّأن اإلميان بأن ُ‬
‫الرجال(‪ .)82‬يف املقابل من ذلك‪َّ ،‬‬
‫جز ٌء من املجال الخاص ليس إال ُأسطورة‪ ،‬وهي أسطورة ُتخفي حقيق َة اتساع‬
‫التفاوتات الجائرة بني الرجال والنساء‪ .‬فمن خالل مواجهة ثنائية العام‪ /‬الخاص‪،‬‬
‫تهدف النسويات إىل مواجهة استمرارية البطريركية‪ ،‬وهي استمرارية ُمتَيرسة‬
‫‪149‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫بفعل استناد الليرباليني أنفسهم إىل ذلك التمييز بني املجالَني العام والخاص‪ ،‬ثم‬
‫َعم الخصوصية الثقافية(‪ .)83‬ويف عني هذا‬ ‫تربير عدم التدخل يف املجال الخاص ِبز ِ‬
‫االتجاه النسوي العام‪ ،‬هناك أربعة جوانب جوهرية يكون فيها الشخيص سياسيا‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ّ - 1‬أن السلطة بوصفها العنرص ا ُملم ِّيز للسيايس ميكن ْأن توجد داخل نطاق‬
‫ُ‬
‫األرسة‪.‬‬
‫األ َسي هو نتيجة لِقرارات سياسية‪.‬‬ ‫‪َّ - 2‬أن املجال الخاص‪ُ /‬‬
‫‪ - 3‬تحدث معظم التنشئة االجتامعية ا ُملب ِّكرة داخل الحياة ُ‬
‫األ َسية‪.‬‬
‫األ َس ُيولِّدُ حواجز نفسية وعملية ضد‬ ‫‪َّ - 4‬أن تقسيم العمل داخل معظم ُ‬
‫النساء يف املجاالت األخرى(‪.)84‬‬
‫الح ُظ َّأن الجانب األول يؤكد أن عالقات السلطة متارس عادة داخل‬ ‫وهنا ُن ِ‬
‫األرسة‪ ،‬وبذلك ال ميكن للحياة األرسية والشخصية ْأن تبقى خارج دائرة مطالب‬ ‫ُ‬
‫العدالة؛ نظرا إىل َّأن العدالة ُتعنى بعالقات السلطة يف املقام األول‪ .‬فإذا كانت‬
‫الحياة العائلية مثال َتس َم ُح للرجل برضب زوجت ِه من دون ْأن َيخىش العقاب نظرا‬
‫ألن عليها السكوت‬ ‫إىل تفاوت السلطة بينهام‪ ،‬فسيغدو ذلك ظلام بائنا تجاه املرأة؛ َّ‬
‫عن الظلم الذي تتع َّرض له سواء يف املجال العام أو يف املنزل‪ .‬غري َّأن الليرباليني‬
‫بعامة يتفقون عىل وجوب شمول حقوق املواطنة لجميع املواطنني مبن فيهم‬
‫ألن هذه الحقوق‬ ‫وأن الزواج ال يعني تنازل النساء عن حقوق املواطنة؛ َّ‬ ‫النساء‪َّ ،‬‬
‫ألن النظرية السياسية الليربالية ال‬ ‫أصيلة و ُتولَدُ مع والدة اإلنسان نفس ِه(‪)85‬؛ ذلك َّ‬
‫يكون فضاء غري مشمول بتطبيق‬ ‫تقول إن املجال الخاص ُيفرت َُض من وجود ِه ْأن َ‬
‫ألن مثل هذا املجال لن يكون له من وجود أصال‪ .‬ذلك َّأن حقوق‬ ‫العدالة ومبادئها؛ َّ‬
‫وحريات النساء املتساوية مع حقوق وحريات غريهنَّ من الرجال‪ ،‬وكذلك حقوق‬
‫أطفالِهنَّ باعتبارهم مواطني املستقبل ‪« ،future citizens‬هي حقوق وحريات‬
‫غري قابلة للترصف فيها ويجب ْأن ُتصان أينام كانوا»(‪.)86‬‬
‫أ ّما الجانب الثاين من الجوانب التي ُييس فيها الشخيص سياسيا ُفي ِّك ُز عىل‬
‫وأن فكرة كون الحياة العائلية مبنزلة‬ ‫َّأن املجال العائيل ِنتاج لقرارات سياسية‪َّ ،‬‬
‫مجال خاص وليس للدولة التدخل في ِه ما هي إال ُخرافة‪ .‬حيث تعتقد أوكني َّ‬
‫«أن‬
‫‪150‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫الدولة تحدد عرب ُس ُب ٍل ال ُتحىص رشوط الزواج وتفرضها‪ .‬فعىل مدار مئات السنني‪،‬‬
‫العريف ‪ Common Law‬النسو َة من التمتع بشخصيتهنَّ القانونية يف‬ ‫حرم القانون ُ‬
‫حال زواجهنَّ ‪ .‬كام َي ْف ِر ُض حقوقا ألزواجهنَّ يف ممتلكات الزوجات وحتى امتالك‬
‫أجسادهنَّ ‪ ،‬بل جعل من املستحيل عمليا ْأن ُتط ِّلقَ النسا ُء أزواجهنَّ أو حتى أن‬
‫يعشن بصور ٍة منفصلة عنهم»(‪.)87‬‬
‫وإذا ما تت ّبعنا الجانب الثالث مام َتق َّد َم ِذكرهُ‪َ ،‬ف َسنجدُ َّأن معظم سنوات تنشئتنا‬
‫االجتامعية تجري ضمن الحياة العائلية‪ ،‬غري َّأن مثل هذا املوضوع الجوهري ال‬
‫بأن العالَم‬
‫يدخل يف حسابات نظريات العدالة بعامة‪ ،‬وهو ما َي ْد َف ُعنا إىل االعتقاد َّ‬
‫وربا‬
‫ناس ذكو ٍر راشدين وسليمي األبدان‪ ،‬لِتتجاهل بذلك‪َّ ،‬‬ ‫كأنه يتك َّون ب ُّرمت ِه من ُأ ٍ‬
‫ولئك الذكور البالغني وتنشئتهم‬ ‫عَمدا‪ ،‬القضايا املتصلة ِب َح ْم ِل وإنجاب النساء ُأل َ‬
‫يل بلوغهم سنَّ الرشد‪،‬‬ ‫االجتامعية‪ ،‬وكيفية تلبية حاجات القارصين ‪ُ dependents‬ق َب َ‬
‫منظرو العدالة‬ ‫نساق ِّ‬‫عالوة عىل َتلبية حاجات ذوي االحتياجات الخاصة‪ .‬فكثريا ما َي ُ‬
‫ثون إىل سطح‬ ‫وراء التص ُّور الهُوبزي‪ ،‬والذي يدفعنا إىل النظر إىل الناس وكأ َّنهم َي ْن َب ِع َ‬
‫األرض فجأة مثل نبتة ال ِفطر‪ ،‬بحيث َيبلغون مرحلة النضج الكامل من دون الحاجة‬
‫فإن الرعاية والرتبية هذ ِه إما َيجري تجاهلها أو اعتبارها‬ ‫إىل رعاي ٍة من أحد‪ .‬ومن ثم َّ‬
‫تقع أصال خارج نطاق نظريات‬ ‫ُ‬
‫األرسة‪ ،‬وخاصة َّأن األرسة نفسها ُ‬ ‫أمرا «طبيعيا» داخل ُ‬
‫العدالة‪ .‬ولكن عندما ُند ِر ُج الرعاية والتنشئة االجتامعية بعامة ضمن دائرة العدالة‬
‫ومقتضياتها‪ ،‬سيصبح األمر حينئ ٍذ أكرث تعقيدا وأكرث ُقربا من اإلنصاف‪ .‬فالنسويات‬
‫يعتقدن َّأن النساء ي ُق ْمنَ بال ِقسط األكرب من أعامل الرعاية والتنشئة والس َّيام‬ ‫َ‬ ‫بعامة‬
‫إطعام األطفال وتربيتهم فضال عىل تأمني الحنان والعاطفة تجاههم بخاصة‪ .‬هذا‬
‫أن األخرية‬ ‫العمل الشاق بدورهِ غري مشمولٍ باهتاممات نظريات العدالة‪ ،‬ذلك َّ‬
‫معي‪ .‬لذلك‪ ،‬يجب‬ ‫تقصد بـ «العمل» ذلك الجهد املبذول يف إطار السوق لقا َء أج ٍر َّ‬
‫يواص ْلنَ أداء أعامل ِهنَّ تلك من‬ ‫نظري العدالة إدراك كون النساء داخل العائلة ِ‬ ‫عىل ُم ِّ‬
‫أعامل جوهرية للغاية‪ ،‬فلو انقط َع ْت‬ ‫ٌ‬ ‫َقاض َ‬
‫ني أجرا مع َّينا يف املقابل‪ ،‬وهي‬ ‫دون ْأن َيت َ‬
‫نظر املف ِّكرون فيها ‪.‬‬
‫(‪)88‬‬ ‫النعدمت جميع املواضيع األخالقية التي ُي ِّ‬
‫أما الجانب الرابع فيؤ ِّكدُ كون تقسيم العمل القائم داخل أغلبية العائالت‬
‫لألرسة تأثريا تكوينيا مهام‬ ‫ُيولِّدُ أصال حواج َز نفسية وعائلية أمام املرأة‪ .‬بحيث َّإن ُ‬

‫‪151‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫للغاية يف تشكيل أدوارنا الجندرية االجتامعية‪ .‬فمثال حني ُتنشأ اإلناث عىل أساس‬
‫االضطالع بالدور األسايس يف رعاية األطفال‪ ،‬أو أ َّنهنَّ مسؤوالت عن األعامل املنزلية‬
‫تحديدا دون الذكور‪ ،‬فعندئ ٍذ يغدو العمل جاريا ببساطة عىل تقوية وجود ال ُبنية‬
‫األرسية‪ .‬فوفقا‬ ‫الجندرية ‪ Gender Structure‬وتعزيزها داخل املنزل والحياة ُ‬
‫األرسة العادلة هي التي ُتن ََّظ ُم داخليا وفقا ملبادئ العدالة‪.‬‬ ‫«إن ُ‬
‫لِمنظور أوكني‪َّ :‬‬
‫وإن املنظور اإلنساين إىل العدالة يسعى إىل تحقيق املساواة الحقيقية ما بني‬ ‫َّ‬
‫واملجاين إضافة إىل املساواة‬ ‫الرجال والنساء بخصوص العمل املدفوع األجر منه ّ‬
‫يف الفرص»(‪.)89‬‬
‫ويف سبيل تحقيق العدالة‪ ،‬تق ِرت ُح أوكني اسرتاتيجيتَني متالزمتَني عىل املد َيني‬
‫الجنسني‪ :‬فاألوىل ذات املدى القريب تتم ّثل‬ ‫َ‬ ‫القريب والبعيد لتحقيق املساواة بني‬
‫يف «حامية الطرف ا ُملعاق»‪ .‬ومن أجل ذلك‪ ،‬ال بدَّ من تحوير صيغة عقد الزواج‬
‫األرسة بالشكل الذي يحمي الطرف الذي يَرهَ نُ بال‬ ‫والذي ُبن َيت عىل أساس ِه ُ‬
‫مقابل مادي حيات ُه املهنية ملقتضيات العمل املنزيل وتدبري شؤون العائلة‪ .‬ومن‬
‫كل املكاسب التي‬ ‫يكون للط َر َفني حقٌّ متسا ٍو يف ِّ‬
‫َ‬ ‫آليات تحقيق ذلك «ضامن ْأن‬
‫األرسة»‪ ،‬أما يف حال الطالق‪« ،‬ال بدَّ ْأن َيتمت ََّع الطرفان ا ُملط َّلقان‬ ‫تتح َّق ُق لِفائدة ُ‬
‫مبعايري العيش الكريم نفسها»‪ ،‬أي املساواة يف حيازة املوارد املادية املشرتكة(‪.)90‬‬
‫أما االسرتاتيجية بعيدة املدى‪ ،‬فهي تتجسد يف وجوب العمل بهدف خلق مجتمع‬
‫ُمتحرر من اعتبارات الجندر والجنس‪ ،‬أي بناء مستقبل عادل ال مكان فيه أليِّ‬
‫ات تتصل بالجندر‪ .‬ففي املجتمع العادل لن تكون يف هيكليت ِه االجتامعية‬ ‫اعتبار ٍ‬
‫عادات أبنائ ِه السلوكية أي أهمي ٍة للجنس تتعدى أهمية لون ال َعينَني أو‬ ‫ِ‬ ‫وال يف‬
‫مجال للتمييز بني اإلناث والذكور من‬ ‫ٌ‬ ‫طول أصابع الق َد َمني‪ .‬ولن يكون هناك‬
‫حيث األدوار ‪ ،roles‬بحيث سيجري الفصل يف املسؤوليات املنزلية بني مهامت‬
‫الحمل واإلنجاب وبني مهامت الرتبية والرعاية تجاه االطفال‪ .‬إذ ينبغي عىل‬
‫الرجال والنساء تح ّمل مسؤولياتهم املنزلية بصور ٍة متساوية‪ ،‬بحيث يقتيض ذلك‬
‫األمهات‬ ‫من اآلباء تح ّمل مسؤولية أكرب بشأنِ رعاية األطفال‪ ،‬كام يقتيض ذلك من ُ‬
‫ْص ْفنَ أكرث لالهتامم بالعمل خارج البيت‪ .‬ويتط ّلب ذلك أيضا تعبئة املوارد‬ ‫ْأن ين َ ِ‬
‫نوع أكرث ُرق َّيا من الرعاية وإعادة تصميم‬ ‫املتاحة عىل مستوى الدولة ككل لِضامن ٍ‬
‫‪152‬‬
‫ُأسس النظرية النسوية ‪...‬‬

‫العمل واملراكز الوظيفية‪ ،‬بل وإعادة ضبط رزنامة التعليم وبرامج ِه عىل النحو‬
‫الذي تتوا َف ُق في ِه مع التوزيع الجديد للمهامت داخل ُ‬
‫األرسة‪ .‬والغاية البعيدة من‬
‫مجتمع خالٍ من التمييز عىل أساس الجندر‪ ،‬ولهذا علينا ْأن‬
‫ٍ‬ ‫وراء ذلك‪ ،‬هي «بناء‬
‫ُن ِّ‬
‫شج َع عىل تقاسم النساء والرجال بالتساوي األعامل املدفوعة األجر واألعامل غري‬
‫املدفوعة األجر» ‪.‬‬
‫(‪)91‬‬

‫‪153‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫‪5‬‬

‫تصنيف النظريات النسوية‬


‫واجتاهاتها‬

‫ُكنَّا قد أملَ ْحنا فيام سبق إىل َّأن النسوية‪ ،‬وهي‬


‫عىل حالها من اختالف وتنوع اتجاهاتها الفكرية‪،‬‬
‫َّإنا تأيت بوصفها انعكاسا الختالف خربات النساء‬
‫يف بيئاتهنَّ الزمانية واملكانية‪ ،‬وتحدرات كل منهنَّ‬
‫الطبقية واإلثنية والدينية‪ ،‬عالوة عىل ما َتحمل ُه‬
‫نزعات نفسية وعاطفية‬ ‫ٍ‬ ‫رشائح معينة منهنَّ من‬
‫رمبا تكون مغايرة للمعايري السائدة وا ُملع َت َمدة‬
‫ثم من زاوية كونها‬ ‫يف بيئاتهنَّ و ُي َ‬
‫نظ ُر إليها من َّ‬
‫شا ّذة‪ .‬ومن أجل دراسة هذه االتجاهات الفكرية‬
‫بشكل عام وفقا للسياق التاريخي الذي‬ ‫ٍ‬ ‫ُصنِّفت‬ ‫«إن البطريركية ُمختفية تحت العديد‬ ‫َّ‬
‫من املامرسات والعادات وا ُملثل ال ُعليا‬
‫ظهرت فيه متخذة شكل موجات ‪ ،waves‬وهو‬ ‫الدينية وغري الدينية‪ ،‬بدءا من األزياء‬
‫باألمومة‬‫الجامل ومرورا ُ‬ ‫ومقاييس َ‬
‫االتجاه العام عىل أي حال‪ ،‬والذي اعتمد من‬ ‫الحشمة‬ ‫والزواج التقليدي ومظاهر ِ‬
‫قبل العديد من النسويات ويف ُمق ِّد َمت ِهن جوليا‬ ‫َ‬
‫والطهارة»‬

‫‪155‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫كريستيفا ‪ ،Julia Kristeva‬إذ يعود لها الفضل يف توظيف هذا املفهوم وتبيان ِه يف‬
‫كتابها «عرص النساء» ‪ Woman’s Time‬املنشور يف العام ‪ ،1979‬وأصبح منذ ذلك‬
‫التاريخ مبنزلة الكلمة املَجاز يف وصف وفهم الحركة النسوية واتجاهاتها‪ ،‬من خالل‬
‫عملها عىل تقسيم النشاط واملرياث الفكري للنسوية إىل ثالث موجات رئيسة؛ حيث‬
‫تبتدئ املوجة األوىل مع املساعي التي َب َذلَتها النسويات من أجل الحصول عىل حقِّ‬
‫ْ‬
‫وتشعبت يف‬ ‫التمثيل‪ ،‬أواخر القرن التاسع عرش‪ ،‬مرورا باملوجة الثانية التي امتدت‬
‫أواخر عقد الستينيات ثم السبعينيات من القرن العرشين‪ ،‬وصوال إىل املوجة الثالثة‬
‫التي سا َد فيها ال َت َّو ُجه مابعد البنيوي أو مابعد الحدايث(‪.)1‬‬

‫املبحث األول‬
‫موجات الحركة النسوية‬
‫بشكل واضح يف‬
‫ٍ‬ ‫موجات متالحقة‪َ :‬ب َرزت ُ‬
‫األوىل‬ ‫ٍ‬ ‫شهدت الحركة النسوية ثالث‬
‫القرن التاسع عرش‪ ،‬إذ جرى الرتكيز ألول مرة عىل شمول النساء بدائرة املواطنة‪ .‬أما‬
‫املوجة الثانية فهي مرحلة النضال النسوي من أجل اكتساب حق االقرتاع بخاصة‬
‫ْ‬
‫امتدت إىل‬ ‫وحقوق املواطنة بعامة‪ ،‬وقد استغرقت عقودا عدة من القرن العرشين‬
‫السبعينيات يف معظم الدميوقراطيات الليربالية الغربية‪ .‬ثم َت َلتْها املوجة الثالثة التي‬
‫ُت ْع َر ُف بتسمية «الثورة الثقافية النسائية»؛ فقد ولدت أصال من رحم املوجة الثانية‬
‫يف العام ‪ 1968‬وواكبتها حتى أفولها أواخر السبعينيات لينب ِل َج يف أثرها نجم املوجة‬
‫شعب أنشطتها حتى اليوم‪ .‬وميكن تبيان كل مرحل ٍة منها عىل النحو اآليت‪:‬‬ ‫الثالثة و َت ُّ‬

‫املوجة األوىل‪ :‬إرهاصات شمول النسوة باملواطنة‬


‫يف نهاية القرن الثامن عرش‪ ،‬مل يكن لِمعظم النساء يف أوروبا وأمريكا الشاملية‬
‫أي وجو ٍد قانوين يف ثنايا املجال العام‪ .‬فقد كنَّ إما بناتا ُيع َّر ْفن بوضع آبائهنَّ ‪ ،‬أو‬
‫زوجات ُيع َّر ْفن بوضع ومكان ِة أزواجهنَّ ‪ .‬وإ ّبان هذه املرحلة سعى دُعاة الحقوق‬ ‫ٍ‬
‫ثم‬
‫النسوية إىل تحليل املعوقات القانونية واالجتامعية التي واجهتها املرأة‪ ،‬ومن ّ‬
‫تسليط الضوء عىل أكرث حقوق املرأة أساسية مقارنة بغريها من الحقوق والحريات‪.‬‬
‫بحيث َّإن مبادئ التنوير األورويب والنظرية الليربالية وفلسفة «حقوق الرجل»‬
‫‪156‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫‪ Rights of Man‬التي َد َع َم ِت الثور َتني األمريكية والفرنسية‪ ،‬قد قدَّ َم ْت قاعدة‬


‫نظرية للكثري من الكتابات النسوية يف القرن التاسع عرش(‪َ .)2‬فغالِبا ما ُت َر ُّد ُأصول‬
‫الحركة النسوية إىل طروحات وآثار حركة التنوير األورويب نظرا إىل ميولها نحو‬
‫املساواة والتم ّرد عىل النظام االجتامعي–السيايس القائم‪ ،‬فضال عن «الوقاحة» يف‬
‫تداخلة مجتمعيا‬ ‫تعبريها عن أفكارها ورؤاها‪ ،‬كذلك طبيعة عالقاتها االجتامعية ا ُمل ِ‬
‫وسياسيا‪ ،‬وكذلك منظورها إىل املعرفة والتعليم‪ ،‬فقد كان من أوائل املَطالِ ِب‬
‫النسوية‪ :‬الدعوة إىل َتيس ٍري أكرب يف مجال التعليم بوصفه املَدخل األمثل إلحداث‬
‫التغيريات االجتامعية والسياسية واالقتصادية(‪.)3‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ميكن توزيع مواقف دُعاة حقوق املرأة خالل الفرتة بني العامني‬
‫‪ 1400‬و‪ ،1789‬بوصفها مرحلة اإلرهاصات الفكرية للحركة النسوية بصف ٍة عامة‪،‬‬
‫الذكوري وإساءة معاملة‬ ‫واع برضورة معارضة االفرتاء ُ‬ ‫ٌ‬
‫موقف ٍ‬ ‫إىل ثالث ٍة رئيسة‪ :‬أولها‬
‫الذكور لألنشطة النسوية غري االجتامعية‪ .‬ثانيها االعتقاد َّ‬
‫بأن ِكال‬ ‫النساء وكراهية ُ‬
‫الجنسني قد َتك َّونا ثقافيا فضال عن التكوين البيولوجي‪ ،‬ومن ثم االعتقاد َّ‬
‫بأن‬ ‫َ‬
‫جنس‬‫ٌ‬ ‫لت لِتُناسب الرؤية الذكورية القائلة بأ َّنهنَّ‬ ‫النساء ُكنَّ فئة اجتامعية تش ّك ْ‬
‫ناقص‪ .‬ثالثها االعتقاد برؤية فكرية َتسمو عىل أنظم ِة القيم السائدة آنذاك‪ ،‬عن‬
‫صيب النسوة وحقوقهنَّ ثم مناهَ ضة ذلك‬ ‫طريق كشف اإلجحاف والتضييق الذي ُي ُ‬
‫يشمل الرجال والنساء معا(‪ .)4‬غري‬ ‫ُ‬ ‫والسعي إىل بناء منظو ٍر شامل لحقوق اإلنسان‬
‫أ َّن ُه بصور ٍة عامة‪ ،‬شهدت هذه املرحلة بروز مفردة «املساواة يف املواطنة» ألول مرة‬
‫الح ُظ‬
‫ويف سياق نقاشات التنوير األورويب والثورة الفرنسية يف العام ‪ .1789‬حيث ُي َ‬
‫ألن النساء ُكنَّ أصال‬ ‫َّأن النسويات قد ر َف ْعنَ شعار «املساواة لِتعزيز املواطنة»؛ َّ‬
‫ُمس َت ْب َعدات من الوضعية القانونية للمواطنة حتى بدايات القرن العرشين‪ .‬ومل يكن‬
‫ذلك محض مصادفة‪ ،‬بل كانت سياسة رصيحة سا َندها كل من السياسيني جنبا إىل‬
‫نظرين السياسيني ا ّتساقا مع النظام الق َيمي واملعريف واالجتامعي السائد‬ ‫جنب مع ا ُمل ِّ‬
‫ناهض للنسوية وحقوق النساء قد أفىض إىل‬ ‫فإن هذا املوقف ا ُمل ِ‬‫آنذاك‪ .‬ومن ثم َّ‬
‫فتوزعت بدورها عىل موق َفني رئيسني‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫تطور املواقف النسوية ُمسبقة الذكر‬
‫‪ -‬أولهام املوقف القائل بأ َّن ُه عىل رغم وجود بعض ال ُفروقات بني النساء‬
‫فإن ذلك يجب ْأن يكون مبعزل عن دائرة املواطنة‪ ،‬فتلك الفروق‬ ‫والرجال َّ‬

‫‪157‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫عب عن ذلك ماركيز دي‬ ‫ينبغي أال تحجب حقوق املرأة وحرياتها األساسية‪ .‬وقد َّ‬
‫كوندورسيه ‪ Marquis de Condorcet‬يف العام ‪ 1790‬حينام شدَّ د عىل فكرة‬
‫أ َّنهُ‪ :‬ملاذا ُتستب َعد النساء من دائرة املواطنة ما ُد ْمنَ قادرات عىل تلبية الحاجات‬
‫املطلوبة ِمنهنَّ ‪« .‬وحتى ال يكون هذا اإلقصاء نوعا من أنواع الطغيان‪ ،‬من الرضوري‬
‫ْأن يجري إثبات أحد هذين األم َرين‪ :‬فإما َّأن الحقوق الطبيعية للنساء ليست‬
‫وض َح كون النساء‬ ‫متطابقة عىل اإلطالق مع الحقوق الطبيعية للرجال‪ ،‬وإما ْأن ُن ِّ‬
‫غري قادرات عىل مامرسة تلك الحقوق»‪ .‬مام يعني َّأن هذا املنظور بعامة ُي ِّ‬
‫وج ُه‬
‫الضوء نحو مفهوم املساواة بني الرجل واملرأة من حيث وجوب شمولهام معا‬
‫امات متساوية‬ ‫بالحقوق الفردية األساسية والحامية القانونية‪ ،‬فضال عن وجود التز ٍ‬
‫ومشارك ٍة متساوية وأ ْن ِص َب ٍة متساوية يف الرثوات(‪.)5‬‬
‫يتجسد يف االعتقاد النسوي برضورة طرح مواطنة النساء عىل أساس‬ ‫‪ -‬ثانيهام ّ‬
‫كل من املساواة واالختالف معا‪ ،‬بحيث ال يكون اختالف الجنس مبعزلٍ عن املواطنة‬
‫ضم النساء إىل نطاق املواطنة بسبب‬ ‫بل ُي َّعدُ مصدرا أساسيا لها؛ أي مبعنى رضورة ِّ‬
‫وسياسات أحسن‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫مجتمع أفضل‬
‫ٍ‬ ‫كون اختالف جنسهنَّ من شأن ِه ْأن َيقو َد إىل‬
‫ومثال هذا املوقف كل من الكاتبة اإلنجليزية ماري وولستونكرافت ‪Mary‬‬
‫‪ Wollstonecraft‬وشارلوت بريكينز غيلامن ‪.)6(Charlotte Perkins Gilman‬‬
‫نرشت ماري وولستونكرافت كتابها املوسوم «دفاع عن حقوق النساء» يف‬ ‫ْ‬ ‫فقد‬
‫العام ‪ ،1792‬وعملت في ِه عىل جعل لغة «الحقوق» مؤ ِّثرة يف أوضاع النساء‪،‬‬
‫الذكورية(‪ .)7‬كام‬‫وأن ُت ْد َر َج املرأة ضمن دائرة البرش واملواطنني خالفا لِنظام القيم ُ‬ ‫َّ‬
‫يترصفنَ بصور ٍة خرقاء واتكالية تجاه‬ ‫طرحت فكرة غري مسبوقة وهي َّأن النساء ّ‬ ‫ْ‬
‫ألن عملية تنشئتهنَّ االجتامعية قد َج َر ْت عىل هذا النحو‪ ،‬وليس ألن مثل‬ ‫الرجال َّ‬
‫متأص ٌل فيهنَّ بيولوجيا‪ .‬و َتقرتح وولستونكرافت يف املقابل فكر َة َّأن‬ ‫هذا السلوك ّ‬
‫التعليم هو املفتاح الرئيس الستنهاض الطبيعة الحقيقية للنساء‪ ،‬بحيث ُيعاملن‬
‫ضمن إطار التعليم عىل أساس كونهنَّ كائنات عاقلة بدال من معاملتهنّ باعتبارهن‬
‫كائنات عاطفية ‪.)8(Emotional Beings‬‬
‫عليه‪ُ ،‬يؤكد هذا املوقف الفكري رضورة التوسيع من دائرة املساواة املدنية‬
‫املواطنية لجميع النساء وقبولهنَّ بوصفهنَّ أندادا للرجال عىل املستوى السيايس‪.‬‬
‫‪158‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫لكنَّ هذا ال يعني َّأن النساء غري مختلفات عن الرجال يف جوانب أخرى‪ .‬فاملساواة‬
‫تتطلب حقوقا متساوية والتزامات متساوية‪ ،‬لكنّها‬ ‫ُ‬ ‫السياسية بني الرجال والنساء‬
‫كل املواطنني‪ .‬فقد‬ ‫ال تتطلب الواجبات نفسها والفعاليات واألنشطة عينها من ِّ‬
‫«أن الدولة ستقوى إذا َس َم َح ْت للمواطنني بأن يخدموها‬ ‫افت َض ْت وولستونكرافت‪َّ :‬‬ ‫َ‬
‫استخدمت معيارا ملساواة النساء مع الرجال يتضمن‬ ‫ْ‬ ‫ِب ُطرقٍ متن ّوعة»‪ ،‬أي أ َّنها‬
‫نصي املساواة واالختالف يف آنٍ واحد بهدف الدفاع عن مواطنة املرأة وحقوقها‪.‬‬ ‫عُ ُ َ‬
‫وقد أصبح هذا املنظور والنقاش النسوي أكرث اتساعا مع بروز املوجة النسوية‬
‫الثانية والس َّيام حول موضوع املواطنة(‪.)9‬‬
‫بأن أفكار وولستونكرافت مل ُتشكل مصدرا فكريا لِطروحات‬ ‫وربا يصدق القول َّ‬ ‫َّ‬
‫أب‬ ‫رت فكريا يف ِ‬ ‫املوجة النسوية األوىل يف القرن التاسع عرش فقط‪ ،‬بل إ َّنها أ ّث ْ‬
‫النظرية الليربالية الحديثة أيضا‪ ،‬أي جون ستيوارت ميل ‪ ،John Stuart Mill‬ليكون‬
‫أ ّول ُمف ِّك ٍر سيايس من جنس الذكور ُيسا ِندُ عالنية حقوق النساء‪ .‬ففي العام ‪1869‬‬
‫أ َّك َد يف كتاب ِه املوسوم «استعباد النساء» ‪َّ Subjection of Women‬أن طبيعة النساء‬
‫جب ْت عىل النمو بطريق ٍة معينة‪ ،‬بدال من السامح لها‬ ‫أشب ُه ما تكون بالشجرة التي ُأ ِ‬
‫بأن النساء‬ ‫نفس منوال وولستونكرافت‪ ،‬اعتق َد ميل َّ‬ ‫باتباع قدراتها الطبيعية‪ .‬وعىل ِ‬
‫مؤهالت عقليا ومعرفيا لِمامرسة حق املساواة‪ .‬فأسهمت هذه املساندة الفكرية‬
‫بدورها يف تطور الحمالت النسوية املطالِبة بحقوق النساء القانونية والسياسية‬
‫واالجتامعية يف أوروبا وأمريكا الشاملية بخاصة(‪.)10‬‬
‫شاركت من جانبها‬ ‫ْ‬ ‫ويف عني هذا املَسار‪ ،‬نجد َّأن النظرية االشرتاكية قد‬
‫يف َب ْل َورة الحركة النسوية‪ .‬فقد اعتقدت شارلوت بريكينز غيلامن برضورة نقل‬
‫عمل املرأة إىل خارج دائرة املنزل بغية اإلنهاء التام الستبداد الرجل واملنزلة‬
‫االجتامعية ا ُملنزوية الدونية التي تعيشها املرأة‪ .‬إذ بالنسبة إىل نساء الطبقة‬
‫العاملة‪ ،‬يعني التمدّ ن الربجوازي العمل يف مصنع أو يف الخدمة املنزلية ُبأجو ٍر‬
‫عمل سيئة‪ ،‬فضال عن الحاجة املتزايدة إىل إطعام عائالتها‬ ‫منخفضة ويف ظروف ٍ‬
‫ورعايتها يف ظل مثل هذه الظروف االقتصادية ‪ .‬مبعنى َّأن غيلامن ُتر ِّك ُز عىل‬
‫(‪)11‬‬

‫أهمية االستقالل االقتصادي للمرأة داخل املجال الخاص نفسه‪ .‬وتزيد عىل‬
‫ذلك رضورة اقتسام د َْخ ِل الرجل مناصفة بينهُ وبني زوجت ِه‪ ،‬من زاوية َّأن دخل‬
‫‪159‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫نتاج جهود ِه الذاتية إىل جانب املجهود املادي واملعنوي املبذول‬ ‫الرجل َّإنا هو ُ‬
‫يعيش ظروفا‬‫َ‬ ‫من قبل زوجت ِه داخل املنزل‪ ،‬مام ساعد الرجل بالرضورة يف ْأن‬
‫ثم‪َّ ،‬‬
‫فإن االستقالل‬ ‫مالمئة عرب‪ :‬رعايتها لألبناء‪ ،‬والتدبري املنزيل‪ ،‬واألمومة(‪ .)12‬ومن َّ‬
‫بشكل طبيعي وحتمي ملصلحتها‬ ‫ٍ‬ ‫غي كل هذه الرشوط‬ ‫االقتصادي للمرأة س ُي ِّ ُ‬
‫بقدر ما قدّ مته وضعية تبعية املرأة وخضوعها من قيود واتكالية ملصلحة الرجل‪.‬‬
‫كام َّأن تخصص املرأة بنشاطٍ ما س ُيط ِّور من شخصية املرأة نفسها بوصفها رشيكا‬
‫إشباع لِغرائز ِه الجنسية(‪.)13‬‬
‫ٍ‬ ‫للرجل ال باعتبارها َمصد َر‬
‫يتضح َّأن معظم الكتابات النسوية أواخر القرن الثامن عرش حتى‬ ‫مام تقدّم بيان ُه ُ‬
‫السبل التي أد َّْت إىل تشكيل وضعية املرأة الدونية‬ ‫زت عىل ُ‬ ‫القرن التاسع عرش قد َتر َّك ْ‬
‫التحض والتصنيع‪ .‬بحيث كان لِتطور الطبقة الوسطى الحرضية‬ ‫ّ‬ ‫الس َّيام عرب ُسبل‬
‫سهنَّ وتوافر‬ ‫الضخمة بعض املزايا بالنسبة إىل املرأة من حيث الرخاء املتزايد ُأل َ ِ‬
‫فإن ال ُبنية الفكرية ا ُملصاحبة للمنزلة‬ ‫مزيد من الخدمات املنزلية‪ .‬من ناحية أخرى‪َّ ،‬‬
‫االجتامعية الدونية قد ربطت النساء بعامة ونساء الطبقة الوسطى بخاصة بالعامل‬
‫املغلق لألمومة والحياة العائلية بصور ٍة هي جدُّ وثيقة‪ ،‬كام فرضت قيودا صارمة‬
‫جاءت محاوالت وولستونكرافت‬ ‫ْ‬ ‫عىل وصول املرأة إىل مراكز املجال العام‪ .‬ومن ثم‬
‫وميل وغيلامن فضال عن هارييت تيلر ميل ‪ Harriet Taylor Mill‬وفردريك إنجلز‬
‫لتصب يف تحليل خضوع املرأة وتبعيتها للرجل من زاوية أ َّن ُه قد نشأَ أصال من‬
‫أيديولوجية الطبقة الوسطى هذه(‪.)14‬‬
‫أسهمت هذه الكتابات والنقاشات الفكرية يف دخول طروحات‬ ‫ْ‬ ‫إضافة إىل ذلك‪،‬‬
‫النسوية ح ِّي َز املامرسة والتطبيق‪ .‬ففي العام ‪ 1845‬نجد الباحثة مارغريت فولر‬
‫عب ْت رصاحة عن آرائها النسوية يف كتابها املوسوم «النساء‬ ‫‪ Margaret Fuller‬قد َّ‬
‫يف القرن التاسع عرش» ‪ ،Woman in the Nineteenth Century‬والذي أضحى‬
‫مبنزلة مانفيستو نسويات املوجة األوىل‪ .‬إذ عملت النسويات ا ُملتحمسات إللغاء‬
‫للرق‪ ،‬من زاوية أن االستعباد وتجارة الرقيق‬ ‫املناهضة ّ‬ ‫االستعباد ضمن إطار الحركة ِ‬
‫والتمييز الجنيس ما هي إال مامرسات ناجمة عن عقلية تهميشية واحدة‪ .‬نتيجة‬
‫َت كل من إليزابيث كادي ستانتون ولوكريشيا كوفن ُموت ‪Lucretia‬‬ ‫لذلك َ َ‬
‫شع ْ‬
‫‪ Coffin Mott‬يف تنظيم هذه الجهود عرب إنشاء ميثاق سينيكا فولز ‪Seneca Folls‬‬
‫‪160‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫وضع ح ٍّد للوضعية الدونية‬


‫‪ Convention‬يف العام ‪ .1848‬حيث دعا امليثاق إىل ِ‬
‫للمرأة وا ُمل َشعنة قانونا‪ ،‬وطالب بحق التصويت وحقوق اإلنجاب ‪Reproduction‬‬
‫‪ ،Rights‬كذلك إتاحة السبيل أمام النساء يف َ‬
‫مجال التعليم والتوظيف(‪ .)15‬كام دعا‬
‫امليثاق نفس ُه إىل إعادة كتابة «إعالن االستقالل» األمرييك وصياغة إعالن وطني‬
‫(أن جميع الرجال والنساء قد ُخ ِلقوا متساوين)‪َ َّ .‬‬
‫وبي‬ ‫جامع ُي ِّق ُّر رصاحة بحقيقة‪َّ :‬‬
‫ينحرص يف زاوية العناية بشؤون املنزل ُ‬
‫واألرسة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أيضا َّأن إدراك دور املرأة ينبغي أال‬
‫بل ينبغي ْأن ُيفهم من زاوية أن املرأة فردٌ مستقل ذاتيا وتتمتع بكل الحقوق‬
‫والحريات األساسية ُأسوة بأقرانها من الذكور(‪.)16‬‬
‫يف ضوء هذه اإلرهاصات الفكرية سواء أكان تبلورها بذاتها أم بتأثري أفكار‬
‫فإن الفرتة الالحقة واملمتدة بني العا َمني ‪ 1848‬و‪1920‬‬‫الثور َتني األمريكية والفرنسية‪َّ ،‬‬
‫شهدت نشاطا نسويا ُمكثفا من أجل تغيري النظام االجتامعي القديم والس َّيام يف‬
‫ميدان جعل قضية حق تصويت املرأة عىل رأس أولوياتهنَّ ‪ .‬وعىل الرغم من انقسام‬
‫حركة التصويت النسوية إىل اتجاهَ ني‪ :‬أحدهام يدعو إىل رضورة حسم ذلك عرب‬
‫تعديل دستوري بينام الثاين يؤ ِّكدُ عىل حيازة حق التصويت بصورة تدريجية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫إجراء‬
‫جسدُ السبيل األمثل لِتحقيق‬‫فإن النسويات بعامة قد أد َركنَ َّأن حق التصويت ُي ِّ‬ ‫َّ‬
‫اإلصالح السيايس واالجتامعي والثقايف ‪.‬‬
‫(‪)17‬‬

‫املوجة الثانية‪ :‬من ِّ‬


‫حق التصويت إىل املواطنَة‬
‫َج َر ِت العادة خالل نضال النساء من أجل َنيل حقِّ االقرتاع عىل استخدام‬
‫صط َل َحي «حقِّ االقرتاع» و«املواطنَة» كأنهام مرتادفان من حيث املعنى والداللة‪.‬‬ ‫ُم َ‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فقد م َّي ْ‬
‫زت النسويات بني َمعنَييهام خالل الفرتة ما بني الحر َبني العامليتَني‬
‫األوىل والثانية‪ .‬فبعد ْأن حصلت النساء عىل حقِّ التصويت يف العام ‪ ،1917‬أصبح‬
‫واضحا َّأن حيازت ُه ال تقود بصور ٍة آلية إىل «املواطنة املتساوية»‪ .‬مبعنى أكرث وضوحا‪،‬‬
‫وجدت النسويات أ ّنهنّ باإلضافة إىل حقِّ التصويت َي ْحت َْجنَ إىل إحداث الكثري من‬
‫التغيريات ال ُبنيوية اجتامعيا وسياسيا حتى يغدو يف إمكان أصوات النساء االنتخابية‬
‫غي املجتمع ونظام ُه ال َبطر َيريك وسياست ُه القامئة؛ فتصبح النساء من ثم مواطنات‬‫ْأن ُت ِّ َ‬
‫مساويات ألقرانهنَّ من الرجال ‪.‬‬
‫(‪)18‬‬

‫‪161‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫باتت من منظور عامة النسويات ُتثل وضعية قانونية‬ ‫َ‬


‫املواطنَة ْ‬ ‫ذلك َّأن‬
‫املواطنَة نفسها من حقوقٍ اجتامعية‬ ‫ومرغوبة من قبل الجميع نظرا إىل ما َق َّد َمت ُه َ‬
‫أمست املواطنة‬‫ِ‬ ‫لكل املواطنني عدا املرأة‪ .‬لقد‬ ‫وحقوقٍ سياسية فردية متساوية ِّ‬
‫مبنزلة الضامن ضد التفرقة السياسية والقانونية كام كانت ضد العنف ا ُملام َرس تجاه‬
‫فأن يكون‬ ‫املرأة‪ ،‬وهي أيضا مبنزلة ترصيح دخول للمؤسسات التعليمية بعامة‪ْ .‬‬
‫املرء مواطنا يعني شمول ُه بحامية الدولة‪ ،‬واملساواة بينه وبني أقران ِه من املواطنني‬
‫أمام القانون يف الحقوق والواجبات‪ ،‬فضال عن املساواة يف املجال السيايس برصف‬
‫النظر عن خلفياتهم الثقافية والعرقية‪ ،‬وأيضا بغض النظر عن جندرهم وفقا ملطالبة‬
‫صب يف‬ ‫النسويات أنفسهنَّ ‪ .‬والدليل عىل َّأن مثل هذه التغيريات الجوهرية ْ‬
‫باتت َت ُّ‬
‫صميم األنشطة النسوية‪ ،‬هو أ َّن ُه حينام وو ِفق عىل َنيل املرأة الربيطانية َحقِّ التمثيل‬
‫النيايب يف مجلس العموم يف العام ‪ 1917‬ومجلس اللوردات يف العام ‪ ،1918‬مل ّ‬
‫تحل‬
‫النساء الربيطانيات منظامت حق التصويت التابعة لهنَّ ‪ ،‬بل عَم ْلنَ عىل تغيري دورها‬
‫يل حق التصويت إىل منظامت ُتش ِّد ُد عىل َنيل‬ ‫السيايس من منظامت داعية إىل َن ِ‬
‫النساء كامل حقوق املواطنة؛ مام يشري إىل َّأن دائرة املواطنة لدى املوجة الثانية من‬
‫أوس ُع داللة من مجرد‬ ‫النسويات الربيطانيات خالفا لألمريكيات بخاصة تعني شيئا َ‬
‫حقِّ االقرتاع‪ ،‬وبأ َّنهنَّ ما ِز ْلنَ َي ْعت َِب َن أنه من الرضوري تشكيل منظامت للمواطنة‬
‫تتوازى مع خصوصية الجندر(‪ .)19‬أ ّما يف الواليات املتّحدة‪ ،‬وبعد العام ‪ 1918‬تحديدا‪،‬‬
‫تغيت الرؤى املتعلقة بأدوار النساء والس َّيام بعد انخر ِاطهنَّ يف سوق العمل‬ ‫فقد ّ‬
‫واملجهود الحريب إ ّبان سنوات الحرب العاملية األوىل‪ ،‬مام ساعد يف توجي ِه الدفعة‬
‫األخرية لِتمري ِر التعديل التاسع عرش للدستور األمرييك يف العام ‪ 1920‬واملتم ّثل يف‬
‫األمريكيات إىل تركيز اهتاممهنَّ‬
‫ِ‬ ‫النسويات‬
‫ِ‬ ‫متتّع النساء بحقِّ التصويت‪ .‬ليقو َد ذلك‬
‫عىل مترير التعديل الدستوري ذي الصلة بالحقوق األساسية املتساوية والذي َحظي‬
‫أصال مبساندة الحز َبني الجمهوري والدميوقراطي عىل ح ّد سواء يف العام ‪ .1940‬وعىل‬
‫أيِّ حال‪ ،‬شهدت فرتة ما بعد الحرب العاملية الثانية معاودة بروز ظاهرة التَدجني‬
‫واالنزواء النسوي يف املجال املنزيل‪/‬الخاص ‪.)20(Rejuvenation of Domesticity‬‬
‫أعقبت العام ‪ 1920‬قد م ّثلت «ركود»‬ ‫ِ‬ ‫يصح القول َّإن العقود التي‬ ‫وربا ُ‬ ‫َّ‬
‫الحركة النسوية األمريكية بخاصة‪ .‬فقد أصيبت النسويات املؤيدات لِحقِّ التصويت‬
‫‪162‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫غي من نتائج االنتخابات‬ ‫باإلحباط نظرا إىل اكتشافهنَّ َّأن صوت املرأة ال ُي ِّ ُ‬
‫وأن النساء أصال قد ص َّو ْتنَ بأعدا ٍد قليلة نسبيا‪ ،‬بل َّإن معظمهنَّ كنَّ‬ ‫جوهري‪َّ ،‬‬
‫بصحبة أزواجهنَّ وآبائهنَّ وإخوانهنَّ ‪ ،‬مام أ َّثر يف استقاللية تصويتهنَّ ‪ .‬ويف الوقت‬
‫ذاته كانت املنظامت النسوية املطالبة بحق التصويت ُتحل تدريجيا بحيث َّإن‬
‫أعضاءها أصبحوا َيتَوزعون عىل منظامت متن ّوعة(‪ .)21‬ويبدو َّأن مثل هذا اإلحباط‬
‫انشقاقات ورصاعات فكرية داخل الحركة النسوية فانقسمت‬ ‫ٍ‬ ‫قد ترافق مع حدوث‬
‫زت الليرباليات بعد‬ ‫تابعاتها إىل نسويات اشرتاكيات ونسويات ليرباليات‪ .‬إذ ر َّك ِ‬
‫العام ‪ 1920‬جهودهنّ السياسية والترشيعية عىل إجراء التعديل الدستوري الخاص‬
‫بالحقوق األساسية املتساوية بني النساء والرجال‪ .‬أما النسويات االشرتاكيات فقد‬
‫عا َرضنَ هذا التعديل بحجة أ َّن ُه ُيه ِّد ُد حقَّ الرعاية االجتامعية الدنيا الذي َحظيت‬
‫به النساء العامالت‪ .‬و«كان من شأن رصاع الطبقات هذا‪ ،‬الذي مل يجد سبيل ُه إىل‬
‫التعديل‬
‫ِ‬ ‫الحل قط‪ْ ،‬أن أفىض إىل إخفاق الناشطات النسويات بعامة يف الحصول عىل‬ ‫ِّ‬
‫الدستوري املنشود‪ ،‬كام أدّى إىل نكوص الحركة النسوية ذاتها»‪ ،‬وفقا لِتعب ِري دروسال‬
‫كور ِنل ‪.)22(Drucilla Cornell‬‬
‫وإ َّب َان فرتة التَدجني واالنشقاق التي امتد ّْت إىل أواخر الخمسينيات املنرصمة‪،‬‬
‫َولَ َجت املرأة يف دائرة التعليم العايل وسوق العمل بأعدا ٍد غري مسبوقة‪ .‬وعرب‬
‫مجاالت معينة بإنتاج‬ ‫ٍ‬ ‫رشعت النسوة ا ُملد َّربات والعامالت يف‬ ‫ِ‬ ‫تدريبهنّ أكادمييا‬
‫كتابات مهمة عن املرأة والحركة النسوية‪ .‬و ُتعد دراسات وأبحاث سيمون دي‬ ‫ٍ‬
‫بوفوار ‪ Simone de Beavoir‬ومارغريت ميد ‪ Margaret Mead‬وفلورنس كينيدي‬
‫الكاشفة لطبيعة النشاط الفكري النسوي‬ ‫‪ Florynce Kennedy‬من أبرز النامذج ِ‬
‫ضمن إطار املوجة النسوية الثانية‪ .‬إذ درست ثالثتهنَّ ‪ ،‬يف محاولة لِفهم طبيعة‬
‫خضوع النساء‪ ،‬املوضوع من زاوية االختالف الجنيس والجندري للنساء‪ .‬حيث ُت ِّ ُ‬
‫عب‬
‫سيمون دي بوفوار عن اختالف املرأة و َغري َّيتها من حيث َّإن الرجل بات هو األصل‬
‫قاس عليه مقارنة مع املرأة التي هي ليست سوى تابعة‬ ‫وال ّذات واملعيار الذي ُي ُ‬
‫وذات منقوصة‪ .‬لِ ُيش ِّك َل ذلك ُبنية ثقافية مر َّكبة ومتأصلة يف النظام االجتامعي ‪-‬‬
‫األنثى‪ .‬مع مالحظة أ َّن ُه «ال‬ ‫السيايس بحيث يعلو عىل االختالف البيولوجي لِ َج َس ِد ُ‬
‫ُوضح ُه الحقا(‪.)23‬‬ ‫ُتولَدُ إحداهن امراة بل عىل األرجح أ َّنها ُتص ِب ُح كذلك»‪ ،‬وهو ما سن ِّ‬

‫‪163‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫نت أن الثقافة واأليديولوجية تجعالن‬ ‫َّإن خمسينيات القرن العرشين قد ب ّي ْ‬


‫املرأة ما هي عليه‪ .‬فقد تن ّبهت النسويات يف العام ‪ 1949‬إىل أهمية كتاب دي‬
‫بوفوار املوسوم بـ «الجنس اآلخر» ‪ The Second Sex‬الذي ع ّرفت فيه املرأة‬
‫بكونها هي «اآلخر» ‪ The Other‬الذي يختلف عن الرجل الذي هو األصل‬
‫واملعيار‪ ،‬من خالل اإلشارة إىل طبيعتها الخاصة التي هي مجرد صورة منعكسة‬
‫لِطبيعة الرجل(‪ .)24‬ومثل هذا املنظور نجد ُه محل تأييد النسويات األكرث بروزا‬
‫والس َّيام كل من أليانور راثبون ‪ Eleanor Rathbone‬وأوجليفي جوردن ومارغريت‬
‫أعطت الس ِّيدة جوردن‪ ،‬رئيسة املنظمة القومية‬ ‫ِ‬ ‫سنجر ‪ .Margaret Sanger‬فقد‬
‫للمواطنات ‪َ ،NWCA‬تص ُّورا عن كون «املواطنات أخواتنا يف اإلنسانية»‪ ،‬من زاوية‬
‫َّأن خدمات املرأة إ ّبان الحر َبني العامليتَني األوىل والثانية كانت منوذجا للكيفية‬
‫التي ميكن للنساء مبوجبها استخدام قدراتهنَّ الذاتية بطريقة سياسية‪ .‬كام ميكنهنَّ‬
‫ْأن ُيصبحن قوة حيوية يف عملية إعادة اإلعامر «فقد أظهرت النساء إيثارا وقدرة‬
‫ثم َّ‬
‫فإن دخولهنَّ‬ ‫كبرية عىل التضحية بالنفس والبقاء يف املنزل قرو ًنا عدة‪ ،‬ومن َّ‬
‫ضفي عليها شعورا بالتألق والحيوية»‪ .‬غري َّأن ما‬ ‫يف الحياة العامة من شأن ِه ْأن ُي َ‬
‫كأن النتاج الفكري بشأن الحركة النسوية‬ ‫حدث بعد األربعينيات املنرصمة قد بدا َّ‬
‫واملواطنة اختفى تقريبا يف الواليات املتحدة ‪.‬‬
‫(‪)25‬‬

‫كتاب للباحثة بيتي فريدان‬ ‫ومع ذلك‪ُ ،‬ح ِّفزت املوجة النسوية الثانية بصدور ٍ‬
‫األنثوي» ‪ Femminine Mystique‬يف العام‬ ‫«الغموض ُ‬
‫‪ Betty Friedan‬املوسوم بـ ُ‬
‫طت الضوء عىل ظاهرة القلق واالستياء التي هيمنت عىل حياة الكثري‬ ‫‪ .1963‬فقد س َّل ِ‬
‫تعليم جامعي غري‬ ‫من نساء الطبقة الوسطى ذوات البرشة البيضاء‪ ،‬والحاصالت عىل ٍ‬
‫ات العمل املنزيل وقيم املجتمع املحافظ وال َبطريريك ‪ .‬فقد‬
‫(‪)26‬‬
‫أ َّنهن أصبحنَ أسري ِ‬
‫اسم لها» ‪The‬‬ ‫أطلقت الس ِّيدة فريدان عىل هذه الظاهرة تسمية «املشكلة التي ال َ‬
‫آمنت بكون النساء أصال ُمستاءات من طريقة‬ ‫‪ .Problem without Name‬حيث ْ‬
‫حياتهنَّ بسبب خرسانهنَّ هويتهنَّ النسوية الس َّيام بفعل حيازتهنَّ حقِّ التصويت‬
‫كشف واقع‬ ‫َ‬ ‫ثم ذيوع االعتقاد يف أوساطهنَّ بأ ّنهنَّ ح َّققنَ مطالِبهنَّ ‪ ،‬يف حني‬‫ومن َّ‬
‫الحال ّأن النساء ما ِز ْلنَ يف بداية الطريق إىل املواطنة الكاملة ليس إال‪ .‬ويف الوقت‬
‫ّدت فريدان عىل كون ظاهرة مناهَ ضة النسوية ‪ Anti-Feminism‬التي‬ ‫عينه‪ ،‬شد ْ‬

‫‪164‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫لَ َمع نجمها يف حقبة ما بعد الحرب العاملية الثانية قد أسهمت يف التوسيع من‬
‫ظاهرة القلق واالستياء النسوي إزاء واقع حالهنَّ ‪ .‬مام دفعهنَّ إىل االنزواء يف منازلهنّ‬
‫بأن دور الزوجة واألم هو الدور األمثل والوحيد للنساء‪ ،‬من دون‬ ‫ثم الشعور َّ‬ ‫ومن ّ‬
‫ْأن ُيد ِركنَ أصال أ َّنهنَّ مل يتخلصنَ بعد من وضعية التهميش واإلقصاء(‪ .)27‬ويف العام‬
‫‪ 1966‬عملت بيتي فريدان وغلوريا شتاينم ‪ Gloria Steinem‬عىل إنشاء «املنظمة‬
‫هت ُج َّل عنايتها‬ ‫وج ْ‬ ‫الوطنية للنساء» ‪ NOW‬لِتغدو صوت حركة النساء املحدثات‪ ،‬إذ َّ‬
‫صوب التمييز الجنيس القائم يف مجاالت الترشيع والتوظيف والتعليم‪ .‬كذلك‪ ،‬فهي‬
‫تؤكد عىل قضايا حقوق اإلنجاب ‪ ،Reproduction Rights‬ورعاية األطفال‪ ،‬إضافة‬
‫األرسي‪ ،‬والتمييز الجنيس والتح ّرش الجنيس‪ ،‬أيضا‬ ‫إىل الطالق واالغتصاب والعنف ُ‬
‫التوجه الجنيس ‪ Sexual Orientation‬واالنخراط النسوي يف األنشطة السياسية‬ ‫ّ‬
‫مبختلف أشكالها(‪.)28‬‬
‫تناولت املوجة النسوية الثانية فكرة «الدور الجنيس» ‪ -‬وهي ا ُملستمدّة من‬
‫العلوم االجتامعية عىل نطاقٍ واسع ‪ -‬وذلك من حيث اعرتاض النسويات عىل وجود‬
‫وظائف خاصة بالرجال وأخرى معنية بالنساء بصف ٍة حرصية تبعا لالختالف الجنيس‬
‫والبيولوجي‪ .‬ومن ثم رفضت النسويات اللجوء إىل ُح ّجة االختالف البيولوجي لِ َ‬
‫تكون‬
‫تسويغا للمشاركة املنقوصة للمرأة يف دائرة املواطنة والحقوق األساسية الفردية‪.‬‬
‫بأن شكل الجسم‬ ‫«ومنذ ذلك الحني والحركات النسوية تناضل ضد الفكرة القائلة َّ‬
‫البرشي قد ٌر محتوم وال ميكن َر ُّد ُة»‪ ،‬وفقا لِمنظور دروسال كور ِنل(‪ .)29‬عىل أيِّ حال‪،‬‬
‫ميكن ْأن ُيعزى ُنشوء نسوية املوجة الثانية إىل عدد من التطورات‪ ،‬منها‪ :‬انضامم‬
‫النساء إىل قوة العمل‪ ،‬وبروز التغيريات الدميوغرافية التي دفعت إىل تضاؤل الحاجة‬
‫إىل انخراطهنَّ يف األعامل املنزلية‪ ،‬والنمو املتسارع يف تعليم النساء‪ ،‬كذلك التناقض‬
‫الكبري بني توقعات النساء املتنامية والفرص االقتصادية والسياسية املحدودة أمامهنَّ ‪.‬‬
‫ثم جاء ر ُّد الفعل النسوي أكرث راديكالية مقارنة مع املوجة النسوية األوىل‪،‬‬ ‫ومن َّ‬
‫إذ َّإن نسوية املوجة الثانية ا ْعت َ ََبت النسا َء جميعا واقعات تحت اضطهاد الرجال‬
‫ظت التباينات الطبقية والعرقية‪ ،‬فإنها مل ُت ْعت ِ َْب يف البداية‬ ‫كافة‪ .‬إذ عىل رغم أ َّن ُه ِ‬
‫لوح ْ‬
‫األجور‬‫كافية لِنفي أو إثبات مامرسة االضطهاد العام إزاء النساء من حيث انخفاض ُ‬
‫التي َتتل ّقاها النسوة‪ ،‬واملكانة املِ َهنية قليلة الشأن ضمن إطار قوة العمل‪ ،‬واملنزلة‬
‫‪165‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫األرسي‬ ‫الذكورية من خالل قياس العنف ُ‬ ‫االجتامعية املتدنية‪ ،‬ووحشية الهيمنة ُ‬


‫واالعتداء الجنيس‪ .‬فقد كان أحد االهتاممات األساسية الجديدة للحركة النسوية‬
‫َيتم َّث ُل يف الحقوق الجنسية وا ُملتعة عند النساء(‪.)30‬‬
‫بشكل بائن يف عناوين مؤلفات نسوية أساسية من مثل كتاب‬ ‫ٍ‬ ‫ويتّضح ذلك‬
‫َكيت ميليت املوسوم بـ «السياسة الجنسية» للعام ‪ ،1970‬وكتاب جرمني غرير‬
‫«الخيص األنثوي» للعام ‪ .1970‬ففي حني كانت‬ ‫‪ Germaine Greer‬املوسوم بـ َ‬
‫الحركة النسوية خالل املوجة األوىل تدعو إىل مراعاة املرأة «املث ّقفة‪ ،‬املتط ِّهرة‪،‬‬
‫املحتَشمة امللبس»‪ ،‬أضحت نسوية املوجة الثانية وبدءا من عقد السبعينيات‬
‫كثريا ما ُتص َّو ُر عىل أ َّنها ُمهتمة بالجنس‪ ،‬وغالبا ما ُت َربز صورة الشاذات جنسيا‬
‫ني إال قليال بالتقاليد ا ُملتَّبعة يف الكياسة‬ ‫(السحاقيات ‪ ،)Lesbians‬وأ ّنهُنَّ ال ُيبال َ‬
‫والتهذيب(‪ .)31‬بعبار ٍة أخرى قريبة املعنى‪ ،‬لقد كان ما حصلت عليه النساء نتيجة‬
‫حق التصويت أمرا ُمح ِبطا للنساء بعامة‪ .‬إذ عىل الرغم من املساواة القانونية‬
‫حتمات‪ .‬ويف عني هذا السياق‪،‬‬ ‫رن بأ َّنهن ُمضطهدات وغري ُم َ‬ ‫شع َ‬ ‫َّ‬
‫فإن النساء كنَّ َي ُ‬
‫رج ُع‬ ‫والس َّيام يف السبعينيات املاضية‪َ ،‬ن َد َر النقاش بشأن مصطلح املواطنة‪َّ .‬‬
‫وربا َي ِ‬
‫تفسري ذلك إىل حقيقة َّأن النسويات أصال قد َر َبطن بني املواطنة واملكانة الرسمية‬
‫للنساء‪ .‬فلم تكن الوضعية الرسمية هي موضع اإلشكالية بالنسبة إليهنَّ ‪ ،‬بل كانت‬
‫تجسدة هذه امل ّرة يف قواعد التعامل مع األدوار الجندرية للنساء‪ ،‬ويف‬ ‫اإلشكالية ُم ِّ‬
‫مراكزهن الوظيفية داخل سوق العمل‪ ،‬ويف اعتام ِديتهنَّ االقتصادية عىل الرجال‪،‬‬
‫فضال عن العنف الجنيس ا ُملام َرس تجاهَ هن(‪.)32‬‬
‫فعىل سبيل املثال‪ ،‬اعتقدت الباحثة األمريكية شوالميت فايرستون ‪Shulamith‬‬
‫‪ Firestone‬يف كتابها «جدل الجنس ‪ »The Dialectic of Sex‬للعام ‪« :1970‬أ َّن ُه‬
‫بحلول العام ‪ 1970‬مل تكنْ بنات هذا الجيل الضائع الثائرات َت ْع ِر ْفنَ حتى – ولو‬
‫قيت لديهنّ فقط‪ ...‬مجموعة‬ ‫اض عملية – أ َّن ُه كانت هناك يوما حركة نسوية‪ ،‬و َب ْ‬ ‫ألغر ٍ‬
‫من ا ُملتنا ِقضات يف قواعد حياتهنَّ ‪ :‬فمن جهة َح َصلنَ عىل معظم الحريات القانونية‪،‬‬
‫أي الضامن املكتوب بأ َّنهنَّ ا ْعت ِ ُْب َن عىل املستوى السيايس مواطنات بصور ٍة كاملة‪،‬‬
‫فرص تعليمية‪ ،‬ومل تكن‬ ‫ومن جه ٍة ثانية مل تكن لديهنَّ أي سلط ٍة عمليا‪َ .‬ح َص ْلنَ عىل ٍ‬
‫بأن َيجري َتوظيفهنَّ ‪َ .‬ح َص ْلنَ عىل حرية اختيار املالبس‬ ‫هناك فرصة أو مجرد تو ّقع ْ‬

‫‪166‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫ومامرسة الجنس أكرث مام َط َل ْبَ‪ ،‬ومع هذا‪َ ،‬ظ َل ْلنَ عُ رضة لالستغالل الجنيس‪ ...‬وبعيدا‬
‫عن الشكل الرسمي – أي حق االقرتاع – أرادت النساء ثالث َة مطالب‪ْ :‬أن ُتص ِب َح املرأ ُة‬
‫وأن تستطيع معرفة قوتها الكامنة‪ ،‬ومن ثم‪ْ ،‬أن تغدو عضوا َ‬
‫كامل‬ ‫كائنا إنسانيا ح ّرا‪ْ ،‬‬
‫الحقوق يف املجتمع‪ .‬ومل تحقق النسويات هذا النموذج يف أيٍّ من املجاالت الثالثة‪،‬‬
‫ومل تحصل النساء عىل أكرث من حدود الكالم النظري يف املجاالت الثالثة عينها‪ ...‬فقد‬
‫َبقيت النساء ر ّبات بيوت كام ُكنَّ منذ خمسني سنة ومن دون أي مصالح زائدة»(‪.)33‬‬
‫ميكن القول مبا هو غري بعيد عن هذا الفحوى‪َّ ،‬إن الحقوق النسوية يف األمومة‬
‫والرعاية االجتامعية والصحية ُتعت ُرب ذات قيم ٍة جوهرية من حيث إتاحتها السبيل‬
‫أمام النساء بالتخلص من تبعيتهنَّ للرجال داخل املنزل‪ .‬بيد َّأن ما جرى عمليا هو‬
‫فإن ما فعلت ُه‬ ‫ُغدو النساء أنفسهنّ عالة عىل الدولة التي ال سيطر َة لَهُنَّ عليها‪ .‬وبذلك َّ‬
‫النسوة ال يتعدّى مبادلة النظام ال َبطريريك الخاص بالنظام ال َبطريريك العام‪ .‬لذا فقد‬
‫عَمد َِت الحركة النسوية يف عقدَي الستينيات والسبعينيات إىل تركيز اهتاممها عىل‬
‫الحقوق السياسية األساسية‪ .‬وقد َج َّس َد ذلك نقلة نوعية مهمة للموجة النسوية‬
‫الثانية التي صارت ترتاب تجاه الدولة‪ ،‬بخالف الحركة النسوية يف القرن التاسع‬
‫فس ذلك وقوع الحركة النسوية بوج ٍه عام تحت تأثري النساء‬ ‫عرش‪َّ .‬‬
‫ولعل ما ُي ِّ ُ‬
‫رن إىل‬ ‫نظرات النسويات ين ُْظ َ‬ ‫االشرتاكيات والراديكاليات‪ ،‬عىل النحو الذي جعل ا ُمل ِّ‬
‫وظيفة الدولة عىل أ َّنها إعادة إنتاج للرأساملية والنظام البطريريك‪ .‬ويدخل يف هذا‬
‫السياق أيضا أن نسوية املوجة الثانية متتاز بانشغالها باملسائل القانونية والسياسة‬
‫العامة؛ فغالبا ما عملت النساء عرب نقابات العامل يف أوروبا أو من خالل جامعات‬
‫املصالح‪ ،‬مثل (املنظمة القومية للنساء) يف الواليات املتحدة‪ ،‬دون أن ُتتبنى تدابري‬
‫التمكني السيايس مثل الكوتا النيابية النسوية‪ ،‬وهي التي مل ُتق ّر إال حديثا وبتأثري‬
‫املوجة النسوية الثالثة(‪.)34‬‬

‫املوجة الثالثة‪ :‬متكني املرأة متهيدا ِلبناء املجتمع العادل‬


‫استمرت املوجة النسوية الثالثة عىل ُخطى مفكري املوجة األوىل‪ ،‬من أمثال‬
‫وولستونكرافت وجون ستيوارت ميل‪ ،‬من حيث التعاطي مع النقاشات نفسها‬
‫وابتكار أفكا ٍر نسوي ٍة جديدة‪ .‬فمن املعلوم َّأن ُخصوم الحركة النسوية يزعمون‬
‫‪167‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫صممت النساء لتأدية دو ٍر ثانوي يف الحياة يتم ّثل يف توليد ُّ‬


‫الذرية‬ ‫َّأن الطبيعة قد َّ‬
‫ّدن عىل َّأن‬ ‫ليس إال‪ .‬أما النسويات بعامة ونسوية املوجة الثالثة بخاصة فقد شد َ‬
‫دت أصال بفعل التنشئة االجتامعية‪ ،‬وهي ليست‬ ‫الهوية األنثوية ‪ Femineity‬قد تو ّل ْ‬
‫نتاج خصائص بيولوجية متج ّذرة يف النسوة‪ .‬ويف هذا املسار‪ ،‬برز عديد من األعامل‬
‫لعل من أبرزها كتاب‬ ‫األكادميية ذائعة الصيت منذ بداية التسعينيات املاضية‪َّ ،‬‬
‫َنعومي وولف ‪ Naomi Wolf‬املوسوم بـ‪«ُ :‬أسطورة الجامل‪ :‬كيف ُتستخدم صورة‬
‫الجامل ض ِّد النساء» ‪The Beauty Myth: How Images of Beauty Are Used‬‬
‫‪ Against Women‬لسنة ‪ ،1991‬وكتاب سوزان فالودي ‪ Susan Faludi‬املوسوم‬
‫بـ «ر ُّد الفعل املضاد‪ :‬الحرب غري املعلنة عىل النساء األمريكيات» ‪Backlash: The‬‬
‫‪ Undeclared War Against American Women‬للعام ‪.)35(1991‬‬
‫ساعدت هذه األعامل الفكرية عىل توطئ ِة األرضية لِوالدة مرحل ٍة جديدة من‬
‫النضال النسوي واالنتقال إىل «عقد ما بعد النسوية» ‪،Post-Feminism Decade‬‬
‫ترسخ ذلك عىل أيدي كاتبات يافعات ترتاوح‬ ‫أي املوجة النسوية الثالثة‪ ،‬وقد ّ‬
‫أعامرهنَّ بني العرشين والثالثني ربيعا‪ ،‬مام جعل هذه املوجة بعامة ُت ِّث ُل تحدّيا‬
‫فكريا وعُ مريا أمام املوجتَني األوىل والثانية‪ .‬فقد تطورت القضايا محل اهتامم نسوية‬
‫املوجة الثالثة‪ ،‬والتي ّربا من أبرزها‪ :‬إساءة املعاملة النفسية‪ ،‬ونشأة الهوية الجنسية‬
‫‪ ،Sexuality‬والتح ّرش الجنيس‪ ،‬فضال عن التمكني السيايس واملشاركة السياسية‪،‬‬
‫كذلك املساهمة الثقافية التعددية(‪ ،)36‬واملحاصصة ضمن إطار الرعاية االجتامعية‬
‫ذات الصلة مبساعدة النساء ا ُمل ْعدمات وأطفالهنَّ ‪ ،‬كام استمرت قضية املساواة‬
‫األجور والقيمة املتساوية استنادا إىل املراكز الوظيفية وأهميتها من القضايا‬ ‫يف ُ‬
‫الجوهرية والهادفة إىل اجتثاث التفاوتات الجندرية غري القانونية التي أوجدها‬
‫الذكور من أبناء األكرثية املهيمنة‪ .‬أي أ َّنه يجري الرتكيز عىل املساواة الجنسية يف‬ ‫ُ‬
‫حيازة املراكز الوظيفية الفاعلة بدال من َحرص توظيف النساء يف املراكز الدُ نيا التي‬
‫ال تشتمل عىل التأثري وال صناعة القرار بخالف مراكز ُ‬
‫الذكور الوظيفية(‪.)37‬‬
‫كل ذلك َّأن نسوية املوجة الثالثة متتا ُز ِبعدَّة خصائص رئيسة‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫ُيضاف إىل ِّ‬
‫بشكل خاص بالقضايا التي تواجهها الفتيات املراهقات والنساء‬ ‫ٍ‬ ‫‪ - 1‬أ َّنها ُتعنى‬
‫اليافعات‪ ،‬بخالف املوجتَني األوىل والثانية اللتني ر ّكزتا عىل النساء البالغات من دون‬
‫‪168‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫أنْ تُسهم هذه الفئة بذاتها يف صياغاتهام الفكرية وكتاباتهام بعامة‪ .‬ويف هذا السياق‬
‫ُأ ِّكد عىل رضورة اعتامد الشمولية ‪ Inclusiveness‬وإبداء املرونة‪ ،‬وانتهاج النزعة‬
‫ال َعملية ضمن إطار النظرية النسوية وتعريفاتها تجاه َمنْ ينتمي إىل دائرة النسوية‬
‫وكيفية ذلك‪.‬‬
‫‪ُ - 2‬تحاول املوجة الثالثة صياغة أنشط ٍة نسوية تشتمل عىل رؤية تن ّوعية َتحوي‬
‫ات أكرث‬ ‫العرق والطبقة إىل جانب الجندر والهوية الجنسية‪ ،‬من أجل بناء تصور ٍ‬
‫انفتاحا وتح ّررا تجاه قضايا املرأة ومشاغلها الحياتية‪ .‬إذ َّإن منو برامج دراسات‬
‫املرأة ‪ Women’s Studies‬يف الجامعات والس َّيام يف تسعينيات القرن العرشين‪،‬‬
‫ووفرة النتاجات الفكرية النسوية بشأنِ املراهقات بخاصة‪ ،‬قد أسهم يف بناء أجيالٍ‬
‫نظ ُر إىل النسوية بوصفها عملية ‪ Process‬متواصلة‪ ،‬ومجموعة متسلسلة‬ ‫نسوية َت ُ‬
‫من األفكار والجهود الرباغامتية‪.‬‬
‫‪ - 3‬مركزية الغضب واالحتجاج‪ ،‬بحيث يجري استخدامها بوصفها آلية للتعبري‬
‫نت َقمعا داخل املجتمع وضمن إطار الحركة النسوية‬ ‫عن صوت النساء الاليت ُأس ِك َ‬
‫الذكوري‬ ‫وبشكل عام‪ ،‬ميكن القول َّإن نسوية املوجة الثالثة متتاز بنقد النظام ُ‬‫ٍ‬ ‫نفسها‪.‬‬
‫وال َبطريريك إىل جانب معارضة عديد من نواحي الثقافة النسوية التي َّأسستها‬
‫األجيال النسوية السابقة وعىل نح ٍو تحاوري متواصل حتى هذه اللحظة(‪.)38‬‬
‫األوىل حينام س َّلطت‬ ‫يف ضوء ما تقدَّم‪ ،‬ميكن ْأن نستخلص فكرة َّأن نسوية املوجة ُ‬
‫أحدثت بذلك َتحوال سياسيا بارزا‪ ،‬أال وهو‬ ‫ْ‬ ‫الضوء عىل حق التصويت للنسوة فقد‬
‫تحويل النساء من جامع ٍة جنسية ‪ Sexual Group‬إىل جامع ٍة اجتامعية ذات هوية‬
‫دت املوجة النسوية الثانية مفهوما عن املرأة َمبنيا عىل‬ ‫جامعية‪ .‬وعىل هذا األساس َش َّي ِ‬
‫األنثوية‪ :‬اإلنجاب والقيمة االجتامعية لألمومة ورعاية األطفال‪.‬‬ ‫قاعدة احتياجات املرأة ُ‬
‫ذات وهوية ُأنثوية مستق ّلة‪ ،‬فهي امرأة تتحدّث عن حقوقها وحرياتها‬ ‫ومن َّثم انبثقت ٌ‬
‫الشخصية باألصالة عن َشخصها وليس عن طريق األب أو األخ أو الزوج‪ .‬مبعنى َّأن بناء‬
‫هدف مركزي للحركة‬ ‫الهوية النسوية املتاميزة وال ّذات النسوية املستق ِّلة قد كان مبنزلة ٍ‬
‫هدف‬‫النسوية عىل امتداد موجاتها املتالحقة‪ ،‬بحيث ُح ِّولت املرأة من أجل ذلك من ٍ‬
‫للمعرفة والدراسة األكادميية إىل شخص قادر عىل االستئثار باملعرفة‪ ،‬وعىل النحو الذي‬
‫سبيل َي ْن ُقلها من وضعية التبعية للرجل إىل االستقالل الذايت(‪.)39‬‬
‫ُيساعدها عىل إيجاد ٍ‬
‫‪169‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫جانب آخر‪ ،‬ويف سياق دائرة املقارنة هذه‪ ،‬نجد أن إحدى السامت املم ِّيزة‬ ‫من ٍ‬
‫تجسدُ يف لغة التح ّرر‬ ‫بخطاب جديد َي َّ‬ ‫ٍ‬ ‫للموجة النسوية الثالثة هي استعانتها‬
‫والجامعية بدال من الفردية‪ ،‬وتأكيد املشاركة السياسية وتقاسم السلطة عوضا عن‬
‫مجرد التمثيل السيايس‪ ،‬كذلك اعتامد «أساليب ُح ْك ٍم َمبنية عىل أساس الجنس»‪ ،‬من‬
‫وحدُ النساء بوصفهنَّ جامعة اجتامعية واقعة تحت سيطرة الرجال بحكم‬ ‫زاوية أنها ُت ِّ‬
‫فإن متابعة القضايا‬ ‫كونهم الجامعة االجتامعية املهيمنة‪ .‬من ناحية أخرى متصلة‪َّ ،‬‬
‫أصبحت خاصية ُمم ِّيزة‬ ‫ْ‬ ‫ذات العالقة ِب َج َس ِد املرأة وشكلها وحاجاتها الجنسية قد‬
‫ِّ‬
‫للموجة الثالثة‪ ،‬ففي حني كانت املوجتان األوىل والثانية ُتركزان عىل الهوية الجنسية‬
‫للذكور بوصفها القضية الجوهرية الس َّيام من حيث الحاجة إىل تقييد جنسانية‬
‫فإن املوجة الثالثة َن َح ْت صوب االهتامم بالهوية الجنسية لألنثى‬ ‫الذكور وشهواتهم‪َّ ،‬‬
‫أمست الحركة النسوية املعارصة‬ ‫ْ‬ ‫ورغباتها ومشاكل العالقات بني النساء‪ .‬بحيث‬
‫ُت ْف َه ُم من منظور النسويات بعامة باعتبارها طريقة تفكري ‪ Way of Thinking‬يف‬
‫فأضحت النساء‬ ‫ِ‬ ‫املقام األول ابتُكرت من قبل املرأة وألجل مصلحة املرأة نفسها‪،‬‬
‫بذلك هُ نَّ موضوعها والناطقات باسمها ومبتكرات نظريتها ومامرستها ولغتها ‪.‬‬
‫(‪)40‬‬

‫ضاف إىل ذلك َّأن املوجة النسوية الثالثة َتتم َّي ُز بكونها موجة َق ِل َقة و ُمرتابة‬ ‫ُي ُ‬
‫بشأن كيفية تحقيق العدالة‪ .‬إذ إ َّنها تعتقد َّأن معاملة الرجال والنساء معاملة‬
‫الجنسني‪ ،‬بحيث‬ ‫َ‬ ‫قانونية متامثلة قد أضحت غري فاعلة لتحقيق مساوا ٍة ف ّعالة بني‬
‫ناهضة للتمييز الجنيس والتي اكتُسبت يف أوروبا وأمريكا‬ ‫َّإن الحقوق والحريات ا ُمل ِ‬
‫الشاملية يف الستينيات والسبعينيات املاضية‪ ،‬أي إبان عهد املوجة الثانية‪ ،‬تنظر إليها‬
‫أخفقت يف‬‫ْ‬ ‫أضحت غري ُمجدية؛ أل َّنها‬ ‫ْ‬ ‫داعيات املوجة الثالثة يف يومنا هذا عىل أ َّنها‬
‫بالحسبان خصوصية النساء جنسيا‪ ،‬وكذلك الطريقة التي تختلف بها ظروف‬ ‫األخذ ُ‬
‫النساء التاريخية عن ظروف الرجال‪ .‬فتعديالت قانون العمل مثال‪ ،‬والذي َق َض ْ‬
‫بأن‬
‫ألن الرجال والنساء‬ ‫األجور متساوية للوظائف املتشابهة‪ ،‬كان نجاحها ضئيال؛ َّ‬ ‫تكون ُ‬
‫يؤدون أصال أعامال مختلفة إىل ح ٍد بعيد(‪ .)41‬لذلك عَمد َْت التنظيامت النسوية‬
‫املعارصة‪ ،‬خالفا للموجة النسوية الثانية بخاصة‪ ،‬إىل الربط بني الحقوق االجتامعية‬
‫األمومة‪ ،‬التوظيف‪ ،‬اإلعانات الحكومية‪ ،‬الرعاية الصحية‪ ،‬التأمني‬ ‫الدنيا (تنظيم إجازة ُ‬
‫ضد البطالة)‪ ،‬وبني الحقوق السياسية الدنيا للنساء‪ .‬فال ِنسوة املعارصات ينا ِق ْشنَ‬
‫‪170‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫غدت‬ ‫وي ُق ْلنَ َّإن سلطة النساء يف املجتمع أقل من سلطة الرجال‪ ،‬ولهذا السبب ْ‬
‫دولة الرفاه دولة بطريركية‪ ،‬ونظرا إىل أن مواطنة النساء الدنيا َّإنا سببها افتقارهن‬
‫إىل سلطة صنع القرار داخل مؤسسات دولة الرفاه ذاتها‪ ،‬ويف مؤسسات الحكومة‬
‫التمثيلية أيضا‪ .‬وما يؤكد ذلك َّأن النساء عىل رغم توظيفهن بأعدا ٍد كبرية يف القطاع‬
‫العام‪ ،‬فإ َّنهنَّ َيشغلن مراكز مشابهة لتلك التي َي ْش َغ ْلنَها يف القطاع الخاص‪ ،‬فهي‬
‫مراكز دنيا ضمن وسط وقاعدة البنية الهرمية البريوقراطية‪ ،‬وليس لَهُنَّ صنع واتخاذ‬
‫قرا ٍر ما بشأنِ كيفية تنظيم املؤسسات وإدارتها(‪.)42‬‬
‫فإن النساء عىل رغم حيازتهن نفس الحقوق السياسية األساسية‬ ‫ومن ثم َّ‬
‫فإن واقع‬‫ذات الصلة بالرتشيح والتصويت والتمثيل السيايس شأ ُنهنَّ شأن الرجال‪َّ ،‬‬
‫املامرسة ُيشري إىل كون قليل من النساء است ََط ْعنَ املشاركة يف صناعة السياسة‬
‫رش ُح أعضاء‬ ‫العليا للدولة‪ ،‬نظرا إىل التمييز الرصيح داخل األحزاب السياسية التي ُت ِّ‬
‫منها لالنتخابات‪ ،‬وكذلك يف أوساط الناخبني أنفسهم‪ .‬هذا فضال عىل الحقيقة‬
‫ساعات طويلة من العمل ال تتناسب‬ ‫ٍ‬ ‫القائلة َّإن النشاط السيايس بعامة َيتط َّل ُب‬
‫مع املسؤوليات املنزلية للنساء‪ .‬ويف ضوء هذا التمثيل السيايس ا ُملتدين للنساء يف‬
‫املؤسسات السياسية بعامة‪ ،‬فإ َّنهنَّ بحاجة إىل حقوق خاصة ُبغية تحقيق املساواة‬
‫مع الرجال يف هذه الناحية‪ .‬ومن أبرز داعيات وجهة النظر هذه الباحثة آن‬
‫مت ُح ّجة واسعة االنتشار تقول‪« :‬يجب ْأن تكون هناك حصص‬ ‫فيليبس‪ ،‬حيث قدَّ ْ‬
‫نسبية ‪ Quotas‬لزيادة حضور النساء يف العملية السياسية والتي ُتؤ ِّث ُر بدورها‬
‫يف النساء أنفسهنَّ »‪ .‬وذلك عىل اعتبار َّأن النساء ُيشا ِر ْكنَ يف العملية السياسية‬
‫ات ووجهات نظر متاميزة عن تلك التي يحوزها الرجال‪ ،‬األمر الذي َيجعلهنَّ‬ ‫بخرب ٍ‬
‫ألن النساء فئة اجتامعية متاميزة يف سلوكها‬ ‫مختلفات عن الرجال ‪ ،‬وكذلك َّ‬
‫(‪)43‬‬
‫ٍ‬
‫السيايس وأنشطتها االجتامعية‪ .‬فالنساء بحاجة إىل ْأن ُيث َّلن نيابيا من زاوية كونهنّ‬
‫جامعة ‪ Group‬عرب انتهاج تدابري دميوقراطية خاصة‪ .‬و ُيعد هذا مبنزلة السبيل‬
‫األكرث أهمية إلرشا ِكهنَّ فعليا يف صناعة القرارات السياسية(‪.)44‬‬
‫النتقادات حادة‪ ،‬فهناك ِمن‬
‫ٍ‬ ‫عىل أي حال‪ ،‬تع َّرض هذا التصنيف املتقدِّم بيانه‬
‫وتصف ُه بأنه اتجاهٌ تقسيمي‬ ‫النسويات َمنْ تعارض أصال هذا االتجاه يف التصنيف ِ‬
‫للحركة النسوية‪ ،‬ومنهنَّ جيليان هاوي ‪ Gillian Howie‬وآشيل تاوشريت ‪Ashley‬‬
‫‪171‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ات ِعدَّ ة من بينها َّأن مصطلح املوجات ‪ Waves‬الذي‬ ‫‪ ،Tauchert‬وذلك العتبار ٍ‬


‫خاط َر يف جعل الرتاث النسوي‬ ‫استُخ ِد َم من ِقبل بعض النسويات من شأنه أن ُي ِ‬
‫انقطاعات‬
‫ٍ‬ ‫عب يف جوهرها‪ ،‬أو هكذا قد ُيفهم‪ ،‬عن‬ ‫مبنزلة مراحل تطورية‪َّ ،‬ربا ُت ِّ ُ‬
‫وتناقضات فكرية وزمانية ومكانية داخل نطاق الحركة النسوية‪ ،‬وهذا ما نجد ُه‬
‫قامئا يف تداخل املراحل الزمنية بني املوجة الواحدة والحقتها ثم صعوبة تحديد‬
‫كل منها وبروزها ثم انحسارها عىل وجه الدِّقة‪ .‬هذا إىل جانب‬ ‫نقاط انطالق ٍّ‬
‫التبسيط ا ُملبالَغ فيه بشأنِ النظر والتعامل مع التقليد النسوي ا ُملتَّبع‪ ،‬وهو ما‬
‫وبشكل‬
‫ٍ‬ ‫تر ُفض ُه تلك النسويات أصال‪ .‬إضافة إىل ذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن مثل هذا التصنيف ُيق ِّيدُ‬
‫ُمصطنع ‪ -‬هذا ْإن مل َيعمل عىل تجميد النشاطات النسوية يف مراحل ثابتة‬
‫ومتاميزة إحداها عن األخرى ‪ -‬الحركة النسوية نفسها‪ ،‬والتي أخ َذ املصطلح ذاته‬
‫عىل عاتق ِه أم َر متثيلها والتعبري عن طروحاتها(‪.)45‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫تصنيف النسويات من زاوية االنتامءات املرجعية‬
‫واج ُه الدا ِر ُس للنظرية السياسية النسوية بعديد من التيارات واملواقف‬ ‫ُي َ‬
‫الفكرية املختلفة‪ ،‬وذلك عىل الرغم من وحدة الهدف إىل ح ٍّد ما‪َّ .‬ربا َيعود ذلك يف‬
‫ضت لها النساء أفرادا وجامعات‪،‬‬ ‫أح ِد جوانب ِه إىل تباين التجارب الخاصة التي تع َّر ْ‬
‫أو َّربا إىل تفاوت السياق التاريخي‪ /‬االجتامعي ودرجة التطور يف الوعي املتح ِّقق‬
‫وربا أخريا إىل األثر الذي خ َّل َفت ُه األيديولوجيات واألفكار السائدة لدى‬ ‫لدي ِهنَّ ‪َّ ،‬‬
‫ثم يف تعبريا ِتهنَّ وموا ِقف ِهنَّ من‬ ‫نظرات والناشطات النسويات‪ .‬وانعكس ذلك من َّ‬ ‫ا ُمل ِّ‬
‫أنتج بالتبعية عدم اتفاقٍ من قبل النسويات عىل رأي‬ ‫مثل تلك األوضاع‪ ،‬وهو ما َ‬
‫موح ٍد أو رؤي ٍة سياسية واحدة تجاه كثري من القضايا واملوضوعات‪ .‬ففي سياق‬ ‫َّ‬
‫قس ُم النسويات‬ ‫تصنيف كالسييك ُت َّ‬ ‫ٌ‬ ‫املوجة األوىل وحتى بدايات القرن العرشين َب َر َز‬
‫فيه إىل فصائل متقابلة مثل‪« :‬نسوية برجوازية يف مقابل نسوية الطبقة العاملة»‪،‬‬
‫مقابل َنقيضتها‬
‫ِ‬ ‫و«نسوية كالسيكية يف مواجه ِة ُأخرى حديثة»‪ ،‬و«نسوية اشرتاكية يف‬
‫تصنيف آخر ُم َّت َبع يف التمييز بني األفكار النسوية‬ ‫ٌ‬ ‫جانب ذلك‪َ ،‬ظ َه َر‬
‫الليربالية»‪ .‬إىل ِ‬
‫أوجدت ُه الباحثة أليسون جاغار ‪ ،Alison Jaggar‬بحيث ُق ِّد َر ل ُه ‪ -‬الس َّيام إ َّبان فرتة‬
‫‪172‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫املوجة الثانية ‪ْ -‬أن يغدو أكرث التصنيفات شيوعا‪ .‬فهو يقوم عىل ِ‬
‫أساس التمييز بني‬
‫االتجاهات النسوية وفقا لِمرجعياتها الفكرية وخصوصا النظريات السياسية الكربى؛‬
‫ثم توزيع النسويات‬‫كالليربالية واملاركسية والفرويدية وما بعد الحداثة‪ ...‬إلخ؛ ومن َّ‬
‫خمس جامعات وهي‪ :‬النسوية الليربالية‪ ،‬والنسوية الراديكالية‪ ،‬والنسوية‬
‫بعامة إىل ِ‬
‫ٌ‬
‫محاولة‬ ‫االشرتاكية‪ ،‬كذلك النسوية ما بعد الحداثوية‪ ،‬والنسوية السوداء‪ .‬وفيام ييل‬
‫من أجل تسليط الضوء عىل النظريات النسوية(‪.)46‬‬

‫أوال‪ :‬النسوية الليربالية ‪Liberal Feminism‬‬


‫برنامج سيايس ‪ -‬فكري يقوم عىل أساس‬ ‫ٍ‬ ‫يل النسويات الليرباليات إىل تبني‬ ‫َت ُ‬
‫املساواة يف الحقوق والحريات األساسية واملعاملة‪ ،‬أي مبعنى إزالة الحواجز التي َتحول‬
‫دون مساواة النساء بالرجال عرب الرتكيز عىل املجاالت القانونية والسياسية‪ .‬نظرا إىل‬
‫اعتقاد هذا االتجاه أن اإلطار الليربايل للحقوق والحريات األساسية‪ ،‬إذا ما ُف ِه َم بصور ٍة‬
‫وضع ح ٍّد نهايئ لِخضوع املرأة و َقهرها وتبعيتها للرجال(‪.)47‬‬ ‫صائبة‪َّ ،‬‬
‫فإن بإمكان ِه َ‬
‫ذلك يعني‪ ،‬من جملة ما يعني ِه‪َّ ،‬أن النظريات النسوية ذات املرجعية الليربالية‬
‫َت ْستَقي من هذه األخرية (الليربالية) مادتها الجوهرية‪ .‬فقد ناقشت وضع النساء‬
‫يف ظل الفكر السيايس واالجتامعي السائد يف الغرب والذي هيمنت عليه األفكار‬
‫التي ُتعيل من شأنِ الفردية ‪ individualism‬والحرية والتمتع بالحقوق؛ كحق‬
‫العمل والفكر واالعتقاد‪ ،‬واملساواة واملشاركة يف الحياة السياسية‪ ،‬إىل جانب‬
‫أشياء أخرى‪ .‬وإليها يعود الفضل األول يف التعبري عن عدم مساواة املرأة أو‬
‫بأن املرأة ُتطالِ ُب باملساواة مع الرجل‬ ‫نادت َّ‬
‫الجندر (النوع االجتامعي)‪ .‬فقد ْ‬
‫أساس من قدرتها الفطرية عىل التفكري العقالين واألهلية األخالقية‪ ،‬إضافة‬ ‫عىل ٍ‬
‫تاج التشكيل الخاص‬ ‫إىل أن عدم املساواة الذي تدعو إىل نبذه هو يف األصل ِن ُ‬
‫وأن باإلمكان العمل عىل تجاوز ذلك من خالل ا ُملبادرة‬ ‫بتقسيم العمل تاريخيا‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫الجنسني؛ وذلك عن طريق تغيري الشكل الذي عليه‬ ‫َ‬ ‫إىل تكريس املساواة بني‬
‫تقسيم العمل الحايل يك يستوعب النساء‪ ،‬وعن طريق إعادة تكييف املؤسسات‬
‫الرئيسة من أجل خدمة هذا الغرض؛ كالقانون والعمل والعائلة والتعليم ووسائل‬
‫االتصال الجامهريي ‪.)48(mass media‬‬
‫‪173‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫هنا ال بدَّ من التأكيد عىل فكر ٍة رئيسة هي َّأن ُمن َِّظرات النسوية الليربالية‪ ،‬ويف‬
‫سياق ُمطالَباتهنَّ بالتغيري‪ ،‬ال َي ْل َج ْأ َن إىل الثورة كام تفعل النسويات الراديكاليات‬
‫أو االشرتاكيات‪ ،‬بل هُ نَّ َيعملنَ عىل متابعة تحقيق أهدافهنَّ من خالل القانون؛‬
‫عن طريق َسنِّ القرارات والترشيعات واللجوء إىل التقايض والتنظيامت‪ ،‬وأيضا من‬
‫خالل اللجوء إىل املناشدات العاطفية واألخالقية التي ُتح ِّر ُك يف الناس إحساسهم‬
‫برفض الظلم ومشاعر اإلنصاف لديهم(‪ .)49‬ويف سبيل ذلك تعمل النسويات‬
‫الليرباليات عىل َتوثيق جوانب متعددة لِتبعية املرأة وخضوعها للرجل‪ .‬فقد أج َرين‬
‫عىل سبيل املثال تحقيقات يف املشكالت املتع ِّلقة بالنساء الالجئات‪ ،‬وانعدام‬
‫واألجور بني الرجال والنساء‪ ،‬كذلك اعتنني بانتهاكات حقوق‬ ‫املساواة يف الدخول ُ‬
‫بشكل بالغ كاالتجار بالبرش واالغتصاب‬ ‫ٍ‬ ‫اإلنسان وحريات ِه التي َت َ‬
‫لح ُق بالنساء‬
‫يف أثناء الحروب‪ ،‬وهن يبحنث عن النساء يف مؤسسات السياسة الدولية التي‬
‫رصدن كيف يؤ ِّث ُر وجود النساء من َعدَم ِه يف صناعة السياسة‬ ‫يراقنب مامرساتها‪ ،‬و َي ُ‬
‫الدولية‪ ،‬وكيف َيتأ َّث ُر به‪ ،‬ويتساءلن كيف س َيبدو العامل إذا َّ‬
‫احتل عددٌ أك ُرب من‬
‫النساء مناصب ذات سلطة‪ .‬و ُتؤ ِمنُ النسويات الليرباليات بفكرة َّأن مساواة املرأة‬
‫بالرجل ُي ِكنُ ْأن َتتح َّققَ من خالل إزال ِة العوائق القانونية واملع ِّوقات األخرى التي‬
‫َح َر َمتْهنَّ من الحقوق والفرص ذاتها التي ُتن َُح للرجال(‪.)50‬‬
‫ؤاخ ُذ علي ِه الليربالية‪ ،‬بوصفها مرجعية فكرية‬ ‫وعىل رغم ذلك‪ ،‬فإ َّن ُه ِمام ُت َ‬
‫للنسوية الليربالية تعمل عىل تأطري عملية املطالبة بالحقوق املتساوية مع الرجال‪،‬‬
‫ثم عىل عدم‬ ‫هو أنها َتنحو باتجاه الفصل بني املجالَني العام والخاص‪ ،‬والعمل من َّ‬
‫مجال غري سيايس‪.‬‬‫األ َسية؛ فالخاص هو ٌ‬ ‫االعرتاف بأي صف ٍة سياسية لألرسة والحياة ُ‬
‫َأت من َّأن إبعاد السياسة عن الحياة الخاصة هو حامية للمرأة بعينها‬ ‫وهذا ُمت ٍ‬
‫والعمل عىل إبقائها يف منأى عن أيّ ما ِمن شأن ِه ْأن ُيؤ ِّث َر يف السالم العائيل والتأثريات‬
‫تدخالت من جانب الحكومة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ا ُمل ِّضة األخرى‪ ،‬وسواء أأ َت ْت هذه التأثريات عىل شكل‬
‫شكل صياغات أخرى قد تؤدي إىل إعادة هندسة العالقة بني األفراد يف‬ ‫اتخذت َ‬
‫ْ‬ ‫أم‬
‫املجتمع عىل املدى البعيد عىل األقل‪ .‬وهو ما من شأن ِه ْأن ُيق ِّو َض‪ ،‬يف التحليل األخري‪،‬‬
‫نيت عليها النظرية الليربالية‪.‬‬ ‫أح َد ُأسس الحرية الفردية والقاعدة الفكرية التي ُب ْ‬
‫لذا فليس هناك يف املجال العام من مكانٍ لِخصوصيات الحياة اللصيقة للفرد‬
‫‪174‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫فالكل يف عُ ْر ِف الليربالية يجب التعامل معهم بوصفهم‬ ‫ُّ‬ ‫ولالختالفات الشخصية‪.‬‬


‫مواطنني متساوين بغض النظر عن أجناسهم وألوان برشتهم وما يعتقدون‪ .‬رمبا كان‬
‫ملثل هذا املدخل الليربايل للحقوق والحريات الفردية ما ُي ِّربرهُ‪ ،‬وهو أن الليربالية‬
‫من حيث ُبنيتها الفلسفية والفكرية تتجه إىل بناء الحرية‪ ،‬باملعنى السيايس للكلمة‪،‬‬
‫بشكل خاص؛ أي حامية الفرد وحقوق ِه وحريات ِه وإبقائها ِبَنأى‬ ‫ٍ‬ ‫يف جانبها السلبي‬
‫عن التدخل واالنتهاك سواء من قبل الدولة أو املجتمع أو األفراد أنفسهم‪ .‬لذا فهي‬
‫وألن البيت‬ ‫ترفض‪ ،‬ومن هذا املنطلق‪ ،‬فكرة التدخل يف الحياة الشخصية لألفراد‪َّ .‬‬
‫واألرسة هام موضوعان شخصيان لَصيقان بحياة الفرد الشخصية‪ ،‬فقد حيل بني‬ ‫ُ‬
‫الليربالية بوصفها سياسة والتدخل يف هذا الشأن‪.‬‬
‫فإن مثل هذا االتجاه‪ ،‬وما يتعلق به من اقتناعات كانت قد‬ ‫وعىل رغم ذلك‪َّ ،‬‬
‫رض‬‫ست يف املجتمع‪ ،‬من شأن ِه وفقا ملنظور املرأة واملدافعني عن حقوقها ْأن َي َّ‬ ‫َتك َّر ْ‬
‫بحقوقها ومبصلحتها من زاوية أنها مواطنة من جهة وإنسان من جه ٍة ُأخرى وفقا‬
‫ملا َن َّص ْت عليه مبادئ الليربالية ذاتها؛ فهو َيحرمها بل و ُيقصيها باملامرسة‪ ،‬إن مل‬
‫يكن من الناحية النظرية عىل األقل‪ ،‬من حقها يف اإلسهام يف الحياة العامة‪ ،‬بقدر‬
‫ما ُيبقي عليها أسري َة الحياة املنزلية(‪)51‬؛ وهذا ما ُيش ِّك ُل نقطة النقاش األساسية‪.‬‬
‫يكس ُب القامئون عليها أيَّ أج ٍر أو َمردو ٍد‬
‫فالعمل املنزيل من بني األعامل التي ال ِ‬
‫مادي يف مقابل أدائها‪ .‬وألن تقييم اإلنجاز ‪ -‬الذي سيشكل األساس الذي تقوم‬
‫عليه املكانة االجتامعية للفرد ونوع الحياة التي سيحياها ودرجة الرفاهية التي‬
‫سيتمتع بها ‪ -‬إمنا يقوم‪ ،‬وخصوصا يف املجتمعات التي تجعل من الربح املادي‬
‫الهدف الذي يسعى إليه الفرد‪ ،‬عىل مقدار ما يحصل عليه ذلك الفرد من أج ٍر‬
‫مقابل ما يقوم به من عمل‪ ،‬فإن يف إخضاع املرأة لهذا التقييم تأكيدا عىل الطابع‬ ‫َ‬
‫الربجوازي للمناديات بهذا االتجاه‪ .‬من هنا تلون سعي النساء الليرباليات بالبحث‬
‫عن َمردو ٍد و ُمكافئ مايل لجهود النساء املبذولة داخل البيت‪ ،‬ثم العمل عىل تجاوز‬
‫العوائق التي تحول بينهنَّ وبني النشاط يف املجال العام‪ ،‬سواء أمتثل ذلك يف العمل‬
‫عىل التعويض عن الوقت والجهد املبذولني داخل البيت من خالل املطالبة بتدخل‬
‫ترشيعات ُت ِّكن املرأة من مجاراة الرجل املتحرر أصال من‬
‫ٍ‬ ‫الدولة عن طريق سنِّ‬
‫هذه األعباء البيتية وسد فجوة التخلف بينهام‪ ،‬أم يف اتباع سياسات التفضيل‬

‫‪175‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫اإليجايب ‪ affirmative action‬أو التمكني السيايس النسوي‪ ،‬والتي من شأنها أن‬


‫ُتخ ِّف َف عن املرأة و ُتع ِّوضها عن األرضار التي ُيكن أن تلحق بها جراء االستبعاد من‬
‫النشاط يف هذا املجال؛ ويف هذا خروج‪ ،‬عىل أي حال‪ ،‬عن املبادئ األساسية للفكر‬
‫السيايس الليربايل الذي يؤكد عىل حرص تدخل الدولة يف أضيق نطاق ممكن‪.‬‬
‫ويف ضوء ذلك‪ ،‬ميكن القول َّإن النسوية الليربالية يف جانبها الرئيس تدو ُر حول‬
‫مطلب املساواة‪ ،‬من حيث التأكيد أوال عىل قضية املواطنة‪ ،‬والتي تشتمل هنا‬
‫عىل مطلب املساواة يف الحقوق واملسؤوليات‪ ،‬وهو ما يعني َحقَّ املرأة يف التمتع‬
‫باالمتيازات التي ُيضفيها عليها دو ُرها يف املجتمع وتح ّم ُلها بالفعل مسؤولية إعادة‬
‫إنتاج النوع (اإلنجاب) وتربية األطفال وتنشئتهم ورعايتهم عىل سبيل املثال وليس‬
‫الحرص‪ .‬وثانيا‪ ،‬التشديد عىل اإلنسانية‪ ،‬مبعنى‪ ،‬التشابه بني الرجل واملرأة وأهلية هذه‬
‫ثم قدرتها عىل التفكري العقالين‪ .‬وبالفعل فقد حصلت‬ ‫األخرية المتالكها العقل ومن َّ‬
‫مآل هذا االعرتاف املجرد‬‫فت َُض أ َّنه َح ُّقها القانوين والسيايس‪ .‬بيد َّأن َ‬
‫املرأة عىل ما ُي َ‬
‫بالحقوق والحريات األساسية سيفيض يف نهاية املطاف‪ ،‬وخصوصا عند التطبيق‪ ،‬إىل‬
‫الحسبان‪ .‬حيث مل تجد املرأة ُمت ََّسعا لها يف نشاطات املجال‬ ‫مشاكل أخرى مل تكن يف ُ‬
‫ألن املؤسسات القامئة واإلجراءات ا ُملتَّبعة والقيم الحاكمة لها كانت‬ ‫العام؛ وذلك َّ‬
‫دت واع ُت ِمدت من قبل الرجال يك تتالءم مع‬ ‫ُ‬
‫صيغ قد أ ِع ْ‬
‫واستقرت وفق ٍ‬ ‫ْ‬ ‫قد ُب ْ‬
‫نيت‬
‫حاجاتهم وأغراضهم ورمبا استعداداتهم الخاصة أيضا‪ .‬وقد جرى ذلك يف ظل غياب‬
‫املرأة ج ّراء االقتناع السائد عن الفصل بني املجالَني الخاص والعام‪ .‬وهو ما ميثل‪ ،‬عىل‬
‫أي حال‪َ ،‬تح ُّيزا ليرباليا واضحا ضد املرأة ومعاديا لها الس َّيام يف النسخة الكالسيكية‬
‫الخاصة بالليربالية(‪.)52‬‬
‫يأخ ُذ مجرى آخر؛ فاالفرتاض الذاهب إىل أن‬ ‫لذا‪ ،‬رسعان ما بدأ الحديث ُ‬
‫النساء متساويات مع الرجال لالعتبارات املذكورة مسبقا مل يكن لِ ُينهي حالة‬
‫عدم املساواة يف التطبيق‪ ،‬ال يف املجال الخاص وال يف املجال العام‪ ،‬مام وضعهنَّ‬
‫َ‬
‫الترصف كالرجال‬ ‫يف مأزقٍ جديد‪ ،‬وذلك بقدر ما تعني املساواة يف هذا املجال‬
‫تكن النساء متساويات يف ظل التشابه‬ ‫فإن ِ‬‫وتجاو َز املسؤوليات األخرى ال َبيتية‪ْ .‬‬
‫املفرتض آنف الذكر‪ ،‬فذلك سيعني العبور من فوق التاميزات األخرى وتجاهل‬
‫الفروق العملية بني الرجل واملرأة‪ ،‬كااللتزامات البيتية واألرسية األخرى‪ ،‬وتلك‬
‫‪176‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫التي تفرضها الطبيعة ال َبيولوجية الخاصة لألنثى‪ ،‬والتي من شأنها أن تُعيقَ‬


‫النساء و َت ُّحد من قدراتهنَّ عىل الوفاء باملطالب التي َي ْف ِر ُضها الباردايم الذكوري‬
‫الخاص باملجال العام‪.‬‬
‫أما التأكيد عىل مطلب االعرتاف بالوضع الخاص للمرأة يف ظل مطلب املساواة‪،‬‬
‫ثم‬
‫فإن من شأن ِه أن ُيعي َد إىل الواجهة قضية االختالف بني الرجال والنساء ومن َّ‬ ‫َّ‬
‫تأكيد وجهة النظر القاضية بعدم صالحية املرأة يف الحقل العام‪ .‬وهو ما هيأ املجال‬
‫أمام تطو ٍر آخر يف الفكر النسوي عموما ويف الفكر السيايس الليربايل خصوصا َت َّث َل‬
‫يف التأكيد عىل قضية اختالف املرأة عن الرجل ال تساويهام‪ .‬بل ذهب عدد من‬
‫النسويات‪ ،‬وبخاصة من بني تيارات النسوية الراديكالية‪ ،‬إىل االحتفاء باالختالف‬
‫ثم وضعها يف مكان ٍة أعىل مقارنة بالرجل‪ .‬وعىل رغم‬ ‫ومتجيد املرأة وصفاتها ومن َّ‬
‫فإن القول باالختالف من شأن ِه كام سيبدو الحقا ْأن ُيغ ِّل َف الخضوع والتبعية‬ ‫ذلك‪َّ ،‬‬
‫اللذين عانتهام النساء بغطا ٍء من االعرتاف بالواقع والعمل عىل إنهاء ما تحققَ لهنَّ‬
‫ناشطات عرب‬ ‫ٍ‬ ‫سعت إىل بلوغها َمنْ َس َب َقهنَّ من‬‫ْ‬ ‫من حقوق وامتيازات كانت قد‬
‫عقود من العمل املضني يف هذا املجال‪ .‬لذا فإن ما هو مطروح أمام هذا التيار‬
‫من حلول يتمثل يف مطالبات ال تقوم عىل تأكيد االختالف بغية الحصول عىل‬
‫التنازالت املطلوبة‪ ،‬بل عىل تأكيد أهمية األدوار التي ُتؤديها النساء واملسؤوليات‬
‫َحم ْلنَها‪ ،‬يك ُيصار إىل االعرتاف بها ومكافأة الصفات املميزة للنساء‪ .‬عىل‬ ‫التي َيت َّ‬
‫ثل هذا االعرتاف عدم اعتبار تلك املميزات والصفات التي تتمتع بها‬ ‫أن ُيراعى ِب ِ‬
‫ثم األساس الوحيد ملطالبتهنَّ باملساواة‪ .‬ويراعى‬ ‫النساء خصوصية جوهرية ومن َّ‬
‫أيضا العمل يف ضوء ذلك عىل إعادة صياغة مفهوم املساواة مبا يضمن التحول نحو‬
‫االعرتاف بالرتابط والتكامل يف الشأن اإلنساين والوجود االجتامعي‪ ،‬بدال من القول‬
‫فإنا يتوج ُه يف أسباب ِه ناحية التنوع يف الظروف‬ ‫باالختالف الذي هو ْإن تحققَ َّ‬
‫اإلنسانية الفردية‪ .‬وينبغي أيضا أن يراعى العمل عىل إلغاء تلك الجوانب من‬
‫التقليد الليربايل التي تستبعد الحياة الخاصة املعرب عنها بالعائلة والعالقات داخلها‬
‫من الشأن السيايس تحت ذريعة إبعاد املجال العام عن الخصوصيات واالختالفات‬
‫الشخصية؛ ذلك ألنه ليس هناك يف الحياة من شأنٍ أو ُبقع ٍة ميكن أن تكون خارج‬
‫اهتاممات السياسة ومبعزل عن تأثرياتها(‪.)53‬‬
‫‪177‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ولو عدنا إىل الوراء قليال‪ ،‬وصوال إىل املحاوالت األوىل للنسويات الليرباليات‪،‬‬
‫لَ َوجدنا َّأن تلك املرحلة كانت نقطة انطالق النسوة للمطالبة باملساواة مع الرجال‬
‫عىل الجانب املتعلق بالحقوق القانونية والسياسية املتساوية يف إطار الليربالية‪،‬‬
‫ثم يك يدخلن املجال العام املقصور عىل الرجال واملتمثل يف الجان َبني‬ ‫وا ْن َط َل ْقنَ من َّ‬
‫االقتصادي والسيايس‪ .‬فقد بدأن بالتشديد يف ادعاءاتهنَّ عىل أن النساء َي ِقفن عىل‬
‫قدم املساواة مع الرجال؛ فهنَّ َي ْص ُل ْحنَ ‪ ،‬بسبب امتالكهنَّ العقل كالرجال‪ ،‬للعمل‬
‫يف َح ْق َل الفكر والعمل‪ ،‬وهنَّ مخوالت‪ ،‬بوصفهنَّ مخلوقات برشية من باب أوىل‪،‬‬
‫أس النظرة الدونية‬ ‫للتمتع بالحقوق اإلنسانية الكاملة‪ .‬وبذا سيتم لهنَّ التحرر من ْ ِ‬
‫وإبعادهنَّ أو استبعادهنَّ من املشاركة يف الحياة العامة‪ ،‬وهو ما سيؤدي يف التحليل‬
‫ثم عىل اإلنجاز‬ ‫األخري إىل الكشف عن إمكاناتهنَّ الحقيقية الكامنة وقدرتهنَّ من َّ‬
‫واملنافسة املتساوية مع الرجال‪.‬‬
‫كان الهدف من سعي النسويات إىل تحقيق املساواة‪ ،‬والذي كان يف بداية‬
‫نشاطهنَّ من أجل تحقيق تلكم املطالب‪ ،‬هو مجرد دعم النساء يف مامرستهنَّ‬
‫أدوارهنَّ التقليدية‪ ،‬كأن تؤدي املساواة يف التعليم الذي طالبت به النسويات‪ ،‬عىل‬
‫سبيل املثال‪ ،‬إىل االرتقاء بأعامل الرعاية والشؤون املنزلية والرتبية‪ ،‬ولكن من دون‬
‫أن يعني ذلك شقَّ عصا الطاعة عىل القيم السائدة‪ ،‬وإىل تحدي وضعهنَّ الخاص‪ .‬بل‬
‫لقد ذهبت بعض الكاتبات إىل حد نقد التوجه القايض مبنح النساء حقوقا تتجاوز‬
‫وظائفهنَّ التقليدية‪ ،‬والدعوة عوضا عن ذلك إىل التأكيد عىل الفضائل التي تشتمل‬
‫عليها الواجبات التي تؤديها النساء يف البيت وعىل أدوار الرعاية والرتبية(‪.)54‬‬
‫حملت‬‫ْ‬ ‫وقد استمر هذا الوضع حتى منتصف القرن التاسع عرش بحيث‬
‫خمسينيات ذلك القرن صفة «عقد النشاط الفاعل» ‪ Decade of Activism‬عىل‬
‫حد تعبري ساندرز ‪ .)55(Sanders‬بعبار ٍة أخرى‪ ،‬مل تكن األفكار التي حملتها النسوية‬
‫الليربالية يف ظل هذا الوضع قد ارتقت إىل وضع ُيؤهلها إىل أن تكون مبنزلة نظرية‬
‫سياسية واجتامعية واعية بالذات‪ .‬بيد َّأن التغريات التي حملتها بعد ذلك سنوات‬
‫العرشينيات وحتى الستينيات من القرن العرشين أفضت إىل ظهور مشكالت جديدة‬
‫ومعقدة‪ ،‬بحيث مل تعد املساواة الشكلية القانونية والسياسية‪ ،‬كحق التصويت عىل‬
‫سبيل املثال‪ ،‬كافية من أجل معالجة املشاكل االقتصادية وتحقيق وعود اإلنجازات‬
‫‪178‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫واالستقالل والتعبري الذايت عن النفس‪ ،‬وخصوصا يف الواليات املتحدة‪ ،‬والذي كان‬


‫قد عُ ِّب عن ُه بوصف ِه جزءا أساسيا مام أطلق عليه «الحلم األمرييك» ‪American‬‬
‫ثم بدأت تلك املشاكل تأخذ طريقها يف الظهور الس َّيام مع فشل‬ ‫‪ .Dream‬ومن َّ‬
‫الحكومات يف التعامل مع هذه القضايا‪.‬‬
‫ذلك َّأن النشاط والدعم الرسمي لِربنامج النسوية الليربالية كان قد شهد‬
‫ات‬ ‫شكال من أشكال االنحسار خالل فرتة ما بعد الحرب العاملية الثانية‪ ،‬والعتبار ٍ‬
‫عديدة تتعلق باألزمات االقتصادية والتورط العسكري األمرييك يف فيتنام والحرب‬
‫الباردة وزيادة النشاط الشعبي والشبايب الرافض للسياسات الحكومية وا ُملطالِب‬
‫باملساواة يف الحقوق للسود‪ .‬كام عملت القيم التي حملها مفهوم «الحلم األمرييك»‪،‬‬
‫تنرش َوقتئ ٍذ‬‫والتي كانت تكرسها وسائل اإلعالم الجامهريي واألدبيات التي كانت ُ‬
‫أس األدوار التقليدية التي‬ ‫عىل تخدير النساء بإبعادهنَّ عن هدف التحرر من ْ ِ‬
‫ُف ِر َض ْت عليهنَّ ‪ .‬هذا ما زعمته الكاتبة األمريكية ِبيتي فرايدن ‪،Betty Friedan‬‬
‫إحدى املنظرات النسويات‪ ،‬يف كتابها املوسوم بـ «اللغز األنثوي» ‪The Feminine‬‬
‫ش يف العام ‪ .1963‬تقول الكاتبة إنه منذ الحرب العاملية الثانية‬ ‫‪ ،Mystique‬الذي ُن ِ َ‬
‫حلم بالتعليم واالستقالل‪ ،‬بيد َّأن ذلك كان قد ْاستُب ِد َل ِب ُلغ ٍز‬ ‫والنسوية ا ُملب ِّكرة َت ُ‬
‫أنثوي‪ the feminine mystique‬يتمثل يف حالة عاشتها النساء‪ ،‬كام تذهب إليه‬
‫الكاتبة‪َ ،‬منعتهنَّ من ثم من استعامل حقوقهنَّ والتمتع بحرياتهنَّ األساسية الفردية‪،‬‬
‫حالة جعلتهنَّ َي ْش ُع ْر َن بالذنب تجاه كل يشء مل َي ُق ْمنَ ِب ِفعل ِه تجاه أزواجهنَّ وتجاه‬
‫أطفالهنَّ ‪ ،‬إال ْأن َي ُكنَّ أ ْن ُف َسهنَّ ‪ .‬وعىل العكس من اإلثم الذي اعتادت النساء عىل‬
‫يش ُع ْر َن به اآلن أصبح يدور‬ ‫الشعور به حول الحاجات الجنسية‪ ،‬فإن اإلثم الذي ْ‬
‫حول الحاجات التي مل تتالءم مع التعريف الجنيس للنساء(‪.)56‬‬
‫إن حالة الشعور باإلثم تلك هي التي ستطلق عليها الكاتبة تسمية «اللغز‬
‫األنثوي» السائد يف العالقة بني النساء والرجال يف املجتمع‪ ،‬بحيث جرى من خاللها‬
‫التالعب بالنساء وإقناعهنَّ باالعتقاد الذي يذهب إىل أن إنجازهنَّ الوحيد يقبع‬
‫َت كا ِتبتنا َّأن هذا اللغز الذي‬ ‫يف الحياة املنزلية ‪ domesticity‬ليس إال‪ .‬كام ا َّدع ْ‬
‫يعمل عىل تعليم املرأة أن القيمة العليا وااللتزام الوحيد للنساء هو تحقيق‬
‫أنوثتهنَّ ‪ femininity‬الفردية الخاصة يف هذا املجال‪ ،‬كان أكرث خطورة وإغراء‬
‫‪179‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫و َمكرا أيضا من القيم التقليدية السابقة؛ وذلك أل َّنه يستعني بنظريات علمية كاذبة‬
‫‪ ،pseudoscientific‬وخصوصا التحليل الفرويدي وعلم االجتامع الوظيفي‪ ،‬نرشت‬
‫يف املجالت النسائية و ُمجمل آليات صناعة الدعاية واإلعالم‪ ،‬مبا يتضمنه هذا اللغز‬
‫من إنكار عىل املرأة‪ ،‬تعب َريها عن إنسانيتها الخاصة يف التحليل األخري‪ .‬بعبار ٍة أكرث‬
‫ِد َّقة‪ ،‬لقد أكرهت املرأة عىل ْأن تحيا حياتها بالوكالة ومن أجل اآلخرين ‪vicariously‬‬
‫نتظر ُه هو التطفل عىل إنجازات الزوج‬ ‫ال حياتها هي بعينها‪ُّ ،‬‬
‫وكل ما ُيكن ْأن َت ِ‬
‫الخاصة يف الحياة الواقعية بعيدا عن املنزل وشؤونه وعنها أيضا ‪.‬‬
‫(‪)57‬‬

‫مثل هذه الحياة عىل ح ِّد َز ْع ِم فرايدن ‪ ،Friedan‬ال ميكن ْأن ُتؤدي يف أحسن‬
‫األحوال سوى إىل السلبية ويف أسوئها إىل اليأس الكئيب‪ .‬وعىل رغم ذلك فلن‬
‫يؤدي مثل هذا اليأس إىل التعبري عنه بشكل رصيح بسبب اللغز األنثوي آنف‬
‫لكل ذلك فهي ارتفاع يف معدالت األمراض النفسية‬ ‫ال ِذكر‪ ،‬أما النتيجة النهائية ِّ‬
‫والعقلية واإلدمان عىل الكحول واالنتحار يف صفوف النساء‪ ،‬ولن يتوقف األمر‬
‫عند حدود النساء موضوع التأثري فقط‪ ،‬بل سينسحب بتأثري ِه ا ُملخ ِّرب عىل الجيل‬
‫القادم أيضا‪ِ ،‬بتَجريد ِه ألبنائهنَّ وبناتهنَّ من إنسانيتهم‪ .‬ذلك يعني َّأن من مصلحة‬
‫ثم التخيل عن الصورة النمطية‬ ‫األنوثة ومن َّ‬ ‫املجتمع تحرير النساء من ُلغز ُ‬
‫للمرأة بأنها ر َّبة البيت‪ ،‬والتي وقرت يف أذهان الناس بعامة عىل م ِّر األجيال‪.‬‬
‫وعىل رغم ذلك مل تدر يف خلد فرايدن ‪ Friedan‬فكرة التحرر من القواعد‬
‫األرسة‪ .‬لقد اعتقدت الكاتبة َّأن‬ ‫يطال حياة ُ‬‫األخالقية التقليدية ومن أي هجوم ُ‬
‫القيود التي يضعها املجتمع ما هي إال قيود اصطناعية من شأنها الزوال متى‬
‫ما تحققت فرص التعليم املتساوي بني النساء والرجال؛ ذلك َّأن التعليم يكمن‬
‫فيه عمليا البعد الكاشف عن إمكانات الحرية لدى النساء واإلنجاز الذي ميكن‬
‫تحقيقه خارج دائرة البيت‪ .‬يضاف إىل ذلك بعض اإلجراءات التي من شأنها أن‬
‫ُتراعي وضع النساء وتزيل تلك القيود‪ :‬كإجازة الوالدة وإجازة األمومة والحضانة‬
‫يف أماكن العمل‪ ،‬وهو ما ُ َي ِّكنُ النساء من الجمع بني العمل ومسؤولياتهن ال َبيتية‬
‫تجاه عوائلهنَّ ‪ ،‬مام سينعكس إيجابيا عىل عالقة املرأة بالرجل‪.‬‬
‫ويف عني هذا االتجاه‪ُ ،‬أسست يف العام ‪ 1966‬املنظمة الوطنية للنساء‬
‫)‪ ،National Organization for Women (NOW‬وذلك ِ ُببادر ٍة من فرايدن‬
‫‪180‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫‪ ،Friedan‬والتي ستصبح رئيستها بعد ذلك‪ ،‬وهي املنظمة النسوية الكربى عىل‬
‫الصعيد الداخيل للواليات املتحدة‪ ،‬حيث تخطت أعداد ا ُملنضويات إىل صفوفها‬
‫الحمالت الداعمة‬ ‫نصف املليون ناشطة‪ .‬هذا إىل جانب عملها عىل شنِّ َ‬ ‫َ‬ ‫أخريا‬
‫لِحقِّ النساء يف اختيار مصائرهنَّ وحشد التأييد لهذا الغرض عىل الصعيد‬
‫العاملي‪ .‬والهدف الذي سعت إليه املنظمة متثل يف العمل عىل ضامن املشاركة‬
‫الكاملة للنساء يف تيار الحياة األمريكية العام‪ ،‬وذلك من خالل اإلسهام يف تحمل‬
‫مواطنات كا ِمالت األهلية‬
‫ٍ‬ ‫املسؤوليات التي يفرضها عليهنَّ وضعهنَّ بوصفهن‬
‫أسوة بالرجال‪ ،‬والتمتُّع ِّ‬
‫بكل االمتيازات التي َتنحها املواطنة‪ ،‬اجتامعيا واقتصاديا‬
‫وسياسيا‪ ،‬يف رشاك ٍة متساوية وحقيقية مع الرجال‪.‬‬
‫امليز ُة األخرى التي حملتها النسوية العاملة يف إطار النظرية السياسية الليربالية‬
‫لت يف املحافظة عىل املؤسسات االجتامعية القامئة‪ .‬حيث مل يج ِر َنقد املجتمع‬ ‫َت َّث ْ‬
‫أو العائلة بصور ٍة راديكالي ٍة وتفكيكية‪ ،‬بل عىل العكس؛ كان كثري مام كانت تطرحه‬
‫النسويات الليرباليات َي ُّص ُب يف قالَ ِب اإلبقاء عىل العائلة واملحافظة عليها بوصفها‬
‫تعمل عىل تحدي النظام‬ ‫مسامر دواليب ‪ Lynchpin‬املجتمع الجيد التنظيم‪ .‬كام مل ْ‬
‫االقتصادي والسيايس القائم أو الهجوم عليه‪ ،‬فبقاؤ ُه سليام دون مساس كان يف عُ رف‬
‫هذا االتجاه النسوي مبنزلة وسيلة رئيسة لخري ورفاهية ِّ‬
‫كل املواطنني رجاال ونساء‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬النسوية الراديكالية ‪Radical Feminism‬‬


‫يرجع الربوز الكبري للنسوية الراديكالية إىل بدايات حركة تحرير املرأة بني‬
‫فإن للراديكالية النسوية تاريخا أ ْب َكر من‬
‫العامني ‪ 1969‬و‪ .1970‬وعىل رغم ذلك َّ‬
‫وإن مل يكن بهذا الشكل الواضح واملتميز الذي هو عليه اآلن‪ .‬تقول‬ ‫ذلك بكثري‪ْ ،‬‬
‫جاغار ‪ :Jaggar‬يف الوقت الذي كانت فيه النسوية الليربالية واملاركسية قد أخذتا‬
‫مكانهام يف التقاليد الفلسفية خالل ‪ 300‬عام و‪ 100‬عام عىل الرتتيب‪ ،‬نجد َّأن‬
‫النسوية الراديكالية‪ ،‬عىل النقيض منهام‪ ،‬ظاهر ٌة معارصة‪ ،‬فقد ظهرت إىل ال َع َلن‬
‫بواسطة حركة تحرير النساء أواخر الستينيات من القرن العرشين‪ .‬ولكنَّ مثل هذا‬
‫القول ال يعني عدم وجود عنارص راديكالية نسوية معينة كان قد جرى تصورها من‬
‫قبل ا ُملف ِّكرات النسويات يف مراحل أسبق من تطور الفكر النسوي(‪.)58‬‬
‫‪181‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫وتذهب زيال آيسنشتاين ‪ Zillah Eisenstein‬يف االتجاه نفسه حيث ُتش ِّد ُد عىل‬
‫امن هذا التيار مع النسوية الليربالية لـِامري وولستونكرافت وهارييت تايلور ميل‬ ‫َتز ِ‬
‫وغريهنَّ من الاليت َتك َّل ْمنَ عن السياسة الجنسية وع ََّب َن ِب ُط ُر ِقهنَّ الخاصة عن سلطة‬
‫«مجاالت جنسية» ‪.sexual spheres‬‬ ‫ٍ‬ ‫الرجال بوصفهم رجاال يف مجتمع منظم وفق‬
‫بالشكل الذي انتهى‬ ‫ِ‬ ‫وعىل رغم ذلك فهي ُترجع عدم تبلور هذا االتجاه ‪ -‬الليربايل ‪-‬‬
‫إليه التيار الراديكايل يف أعوام الستينيات إىل َف َش ِل تلك املف ِّكرات املذكورات آنفا‪،‬‬
‫من حيث عدم اكتشافهن طبيعة العالقة القامئة بني االضطهاد الجنيس من ناحية‬
‫وتقسيم العمل الجنيس واملجتمع من ناحي ٍة أخرى(‪.)59‬‬
‫شف املعايري‬ ‫ويف ضوء ذلك‪ ،‬نجد َّأن النسوية الراديكالية ُتش ِّد ُد عىل َك ِ‬
‫ال َبطريركية والذكورية ا ُملن َت َهجة يف سياق السياسات والقوانني املَرعية يف هذه الدولة‬
‫يؤكدنَ عىل كيفية َتو ُّل ِد الفروق الجندرية بني‬ ‫أو تلك‪ .‬فالنسويات الراديكاليات ِّ‬
‫األصول التاريخية واالجتامعية‪ ،‬ثم انعكاس ذلك يف‬ ‫الرجال والنساء الس َّيام من حيث ُ‬
‫املجاالت القانونية والسياسية لِمؤسسات الدولة‪ .‬وهو ما دعا هذا االتجاه إىل الرتكيز‬
‫عىل أهمية إحداث التغيري الثقايف والفكري َبعي ِد املدى داخل ال ُبنى االجتامعية‬
‫بالشكل الذي َيقو ُد إىل احرتام النساء وحيازتهنَّ ملزيد من االستقالل الذايت(‪.)60‬‬
‫يتجسدُ يف أن‬ ‫ثم‪ ،‬ترى النسويات الراديكاليات َّأن أصل مشكالت املرأة َّ‬ ‫ومن َّ‬
‫قائم عىل أساس سيطرة الذكور‪ ،‬كذلك هيمنة‬ ‫مجتمع َبطريريك ٌ‬
‫ٌ‬ ‫املجتمع بعامة‬
‫ولعل من أبرز أسباب ذلك هيكلية‬ ‫السن من الرجال واستغاللهم للنساء‪َّ .‬‬ ‫كبار ِّ‬
‫السلطة نفسها الس َّيام أ َّنها قامئة عىل أساس الجندر‪ .‬فوفقا لروبوثام ‪Rowbotham‬‬
‫تجسدُ السبب املركزي لِهيكلية السلطة يف التفرقة والتمييز الجنيس داخل أماكن‬ ‫َي َّ‬
‫َحكم الذكوري‬ ‫أصل املشكلة هو الت ُّ‬ ‫العمل‪ ،‬بينام ترى فايرستون ‪َّ Firestone‬أن َ‬
‫يف عملية إنجاب اإلناث لألطفال‪ .‬ولذلك‪ ،‬ترى النسويات الراديكاليات َّأن َّ‬
‫الحل‬
‫َي ْكمنُ يف تفجري الثورة ضد السلطة السياسية واالجتامعية بهدف تجديد املجتمع‬
‫األرسة واملِهن وعامل السياسة تغيريا‬ ‫وتغيري ُأ ُسس ِه الفكرية‪ ،‬كذلك إحداث تغيري يف ُ‬
‫ُغي‬‫راديكاليا‪ .‬و ُبغية تحقيق ذلك ال ب َّد من َتبني تدابري هادفة إىل تحرير النساء لِت َّ‬
‫ثم إفساح السبيل أمام كل‬ ‫بواسطتها هياكل السيطرة الذكورية واأليديولوجية‪ ،‬ومن َّ‬
‫فرد ليتح َّك َم يف حيات ِه الخاصة‪ .‬ولهذا السبب بخاصة رفعت النسويات الراديكاليات‬
‫‪182‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫«أن الشخيص هو سيايس» ‪ُ Personal is Political‬مسبق ال ِذكر(‪ .)61‬وبذلك‬ ‫ِشعار‪َّ :‬‬


‫خطا ُمشا ِبها للفوضوية من حيث التشديد‬ ‫انتهجت ّ‬
‫ْ‬ ‫تغدو النسوية الراديكالية قد‬
‫عىل فكرة أن الثورة ينبغي أوال َّأن تبدأ يف دائرة الحياة الخاصة للنسوة الاليت َي ْع َت ِقد َْن‬
‫ِّدن شعار «أن الشخيص هو سيايس» َّ‬
‫وأن‬ ‫أصال بالتغيري واإلصالح الجوهري‪ِ ،‬م َمنْ ُيرد َ‬
‫سلوب ذكوري يف ميدان السياسة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫بشكل سلطوي ومركزي هو أ ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫فرض طريقة حيا ٍة‬ ‫َ‬
‫جب َك ْس قيود السيطرة االجتامعية والهيمنة الفكرية الذكورية من قبل‬ ‫ومن ثم َي ُ‬
‫قلة قليلة من الراديكاليات حني َز َع ْمنَ َّأن‬ ‫متادت ٌ‬
‫ْ‬ ‫النسوة أنفسهنَّ ‪ .‬وعىل رغم ذلك‪،‬‬
‫الذكور لن يتخ ّلوا أبدا وبصور ٍة طوعية عن سلطتهم‪ ،‬شأنهم شأن أي طبق ٍة حاكمة‪.‬‬
‫مون السيطرة ومامرسة االستغالل تجاه النساء وبخاصة من قبل كبار السن‪،‬‬ ‫فهم ُيح ِك َ‬
‫وذلك جنبا إىل جنب الهيمنة العقدية عىل تفكري النساء واملؤسسات االجتامعية‬
‫وعملية التنشئة االجتامعية والثقافية‪ .‬لذلك لن تستطيع املرأة تحقيق املساواة‬
‫والحرية يف املجالَني العام والخاص إال يف «املجتمعات السحاقية املنعزلة»(‪.)62‬‬
‫مبعنى آخر غري بعيد‪َّ ،‬إن النسوية الراديكالية اتجا ٌه يف التفكري النسوي‬
‫يأيت ‪ -‬وفق زعم داعيات االتجاه ‪ -‬بوصفه رد فعل عىل فشل النسوية الليربالية‬
‫واملاركسية يف اإلجابة عن التساؤل املتعلق بأسباب وضع التبعية التي تعيشها النساء‬
‫واالضطهاد ا ُمل َم َرس ِبح ِّقهنَّ يف املنزل ويف العمل ويف الحياة عموما‪ .‬وهو ما مل يكنْ‬
‫نظرات النسويات ا ُملتأ ِّثرات‬ ‫يعتقدن أصال أن ا ُمل ِّ‬
‫َ‬ ‫وق للنسويات الراديكاليات ألنهنَّ‬ ‫لِ َي َ‬
‫بالتيار الفكري وا ُملام َرسات الليربالية قد َف ِش ْلنَ جميعا يف فهم حقيقة االضطهاد‪.‬‬
‫حيث انجذبت النسويات الليرباليات إىل التصور الليربايل عن الحقوق والحريات‪،‬‬
‫مواطنات كا ِمالت األهلية‬ ‫ٍ‬ ‫دات َّأن يف الحصول عىل االعرتاف ِب ِهنَّ بوصفهن‬ ‫ُم ْع َت ِق ٍ‬
‫من شأن ِه ْأن ُيو ِّف َر لَهُنَّ ما َي ْف َت ِق ْد َن ُه من مساوا ٍة بالرجال‪ ،‬وهو ما دفع ِب ِهنَّ إىل‬
‫نابع من طبيعة املؤسسات االقتصادية والسياسية التي‬ ‫بأن مصدر االضطهاد ٌ‬ ‫االقتناع َّ‬
‫ُت َف ِّض ُل الرجال وتحكم باستبعاد النساء عن مواقع التأثري االقتصادي والسيايس‪ .‬من‬
‫إلثبات أهليتهنَّ للتفكري السليم والعمل كالرجال و َتخ ُّلصا من‬ ‫ِ‬ ‫هنا كان اندفاعهنَّ‬
‫التصور الذي َو َق َر يف أذهان الناس عن عجزهنَّ وحاجتهنَّ إىل الحامية‪ ،‬ودفعهن‬
‫ثم باتجاه مجموع ٍة من اإلصالحات املدنية واالقتصادية والسياسية تحقيقا‬ ‫من َّ‬
‫تلك األغراض‪ .‬وهو ما تحقق بالفعل‪ ،‬منذ أواخر القرن التاسع عرش وصوال إىل‬ ‫لِ َ‬

‫‪183‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫خمسينيات القرن العرشين؛ إذ بدأ عديد من البلدان الغربية بالعمل من أجل‬


‫بهدف‬
‫ِ‬ ‫ترشيعات‬
‫ٍ‬ ‫أحاق بالنساء‪ ،‬وبالتقدم باتجاه إصدار‬ ‫ضرا َ‬ ‫إصالح ما اعتربو ُه َ َ‬
‫ضامن حقوق املرأة سواء ما َتع َّلقَ األمر من ُه ِبح ِّقها القانوين يف املساواة مع الرجال‬
‫أو َح ِّقها يف التعليم واالقرتاع والعمل(‪.)63‬‬
‫ومن هذه الدائرة بخاصة‪ ،‬جاء النقد الراديكايل وهو َي ْن َعى عىل الليرباليات عدم‬
‫األرسة‬ ‫َف ْه ِمهنَّ حقيقة االضطهاد وطبيعة املؤسسات املسؤولة عنه‪ ،‬واإلشارة هنا إىل ُ‬
‫ال َبطر َيركية تحديدا بوصفها املسؤولة املبارشة لدى الراديكاليات عن حرمان املرأة‬
‫من خيارها الخاص املتعلق بحياتها الجنسية الحميمية الخاصة‪ ،‬وا ُملت ََس ِّب ِب الرئيس‬
‫يف اضطهاد املرأة‪ .‬حيث جاء اإلرصار الراديكايل عىل مطلب الحرية الجنسية لِ ِكال‬
‫الجنسني والتي تعني فيام تعني ِه َترك الطر َفني أحرارا يف اختيار شكل العالقة بعيدا‬ ‫َ‬
‫عب عن رؤية هذا االتجاه هو ما‬ ‫ُ‬
‫عن مؤسسة الزواج واألرسة التقليدية‪ .‬وخ ُري ُم ِّ ٍ‬
‫اعتربت َّأن مجرد دخول املرأة‬ ‫ْ‬ ‫َن ِجدُ هُ لدى إميا غولدمان ‪ ،Emma Goldman‬فقد‬
‫يف مجال التعليم والعمل املأجور مل يؤ ِّد إال إىل جعل املرأة مج َّر َد آل ٍة برشية محرتفة‬
‫شكل العالقة الحميمية‪ .‬ذلك َّأن حرية املرأة الحقيقية‬ ‫معوقة عن االختيار الحر لِ ِ‬
‫تكون مجرد ملكي ٍة جنسية لِزَوجها‪ .‬أما الحل لدى هذه الكاتبة‬ ‫هي يف توقفها عن ْأن َ‬
‫فال يكون يف االبتعاد عن املجال العام؛ أي مجال النشاط االقتصادي والسيايس فقط‪،‬‬
‫بل رفض مؤسسة الزواج ذاتها ومتابعة املرأة َغريزتها الجنسية‪ .‬حينها‪ ،‬وحينها فقط‪،‬‬
‫ستتحقق حريتها(‪.)64‬‬
‫التشخيص الخاص‬ ‫َ‬ ‫وص َلت الراديكاليات يف النهاية إىل أن‬ ‫فكان من نتائج ذلك ْأن َت َّ‬
‫والحلول املوضوعة لهُ‪ ،‬قد ُص َّبت يف‬ ‫َ‬ ‫للنسوية الليربالية ذا الصلة بحقيقة االضطهاد‪،‬‬
‫قالب طوباوي أو خيايل‪ ،‬ولن يكون مبستطاع أصحاب هذا االتجاه سوى التقدم‬
‫ثم بإصالح النظرة الدونية‬ ‫يتناول واقع َة عدم املساواة‪ ،‬واملناداة من َّ‬ ‫ُ‬ ‫بتنظ ٍري أخالقي‬
‫الت يف الوقت نفس ِه َّأن يف‬ ‫واملوقف ا ُملعادي للنساء ‪ sexism‬يف أحسن األحوال‪ُ ،‬مت ََخ ِّي ٍ‬
‫الح َسنة لديهم‬ ‫ناشدة ضامئر الناس واالعتامد عىل النوايا َ‬ ‫اإلمكان تغيري ذلك مبجرد ُم َ‬
‫يف هذا الخصوص‪ .‬تقول الباحثة الربيطانية ماريسيا زالِيوسيك ‪،Marysia Zalewski‬‬
‫«ط ْبقا لِمنظور النسويات الليرباليات‪ ،‬كان هناك ميل قوي لِقبول الحيادية‬ ‫بأ َّن ُه ِ‬
‫األبستمولوجية ال ِفطرية للمؤسسات واملامرسات كالطب والعلوم والتكنولوجيا‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫نحن َن ْع ِر ُف‪ ،‬بالطبع‪ ،‬الرتاث ا ُمل ْب ِغض ‪ misogynist‬وا ُملعادي ‪ sexist‬للنساء‪ ،‬ولكن‬
‫ذلك بالنسبة إىل الليرباليات هو أم ٌر باإلمكان َتحسي ُن ُه وإىل أبع ِد حد»(‪.)65‬‬
‫وفيام يتعلق مبوقف الراديكاليات من النسوية املاركسية‪ ،‬جاء َن ْقدُ هنَّ‬
‫ضع النساء‬ ‫لها وهو َيدو ُر حول قصور النظرية املاركسية عن اإلملام الكامل ِب َو ِ‬
‫والنظر إىل ُمش ِك َل ِتهنَّ يف إطار االستغالل االقتصادي من حيث كو ِنهنَّ جزءا من‬
‫الربوليتاريا‪َ ،‬ي ْصدُ ُق عليهنَّ ما َي ْصدُ ُق عىل أفراد هذه الطبقة‪ ،‬سواء ما َتع َّلقَ األمر‬
‫من ُه باالستغالل أو التحرر الذي سيتحقق بزوال النظام الطبقي القائم وزوال‬
‫بأن املاركسية ‪-‬‬ ‫جانب آخر‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫االستغالل الطبقي‪ .‬بيد َّأن ذلك ال يعني القول‪ ،‬من‬
‫سواء ِب َشكلها الكالسييك عىل ي ِد كارل ماركس وفريدريك أنجلز أو ما اتخذت ُه من‬
‫عالجت هذه القضية‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫أشكالٍ أخرى عىل َي ِد النسويات املاركسيات ‪ -‬مل تكن قد‬
‫صحيح َّأن املاركسية ا ُمل َب ِّكرة كانت قد َم َّر ْت ِب ُعجال ٍة عىل موضوع اضطهاد النساء‬ ‫ٌ‬
‫واعتربت ُه ِنتاجا ثانويا للمجتمع الطبقي بعين ِه‪ ،‬غري أ َّنها اعرتفت باملقابل بأن الدور‬
‫الذي ُتؤدي ِه النساء يف عملية إعادة اإلنتاج الخاصة بقوة العمل (اإلنجاب)‪ ،‬إضافة‬
‫إىل دائرة اإلنتاج هذه‪ُ ،‬يعدُّ مبنزلة األساس املادي للمجتمع‪ ،‬وسوف ُيو ِّف ُر مثل‬
‫هذا اإلنجاب الجييل ‪ ،generational production‬األساس املادي الضطها ِد‬
‫متيل‬‫مجتمع طبقي(‪ .)66‬فمن حيث االستغالل املام َرس تجاه النسوة‪ُ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫النساء يف‬
‫عتب استغالل املرأة مبنزلة‬ ‫النسويات املاركسيات إىل تأييد منظور أنجلز الذي َي ِ ُ‬
‫جز ٍء من الظاهرة الرأساملية‪ ،‬وذلك من زاوية أنهنَّ «جيش العامل االحتياطي»‪.‬‬
‫العمل غري ا ُملد َّربني و َمحدودي الدخل‪ ،‬وغالبا ما يتم ذلك‬ ‫فالرأسامليون َيستغلون ّ‬
‫بدوام جزيئ‪ ،‬إذ يستغلونهنَّ دوما بهدف‬ ‫ٍ‬ ‫تجاه القوى النسائية العاملة التي تعمل‬
‫الحفاظ عىل استمرارية القوى الذكورية العاملة واملحا ِربة واملنظمة تحت الطلب‪.‬‬
‫تيح للمرأة االقرتاب من الوظائف املهمة إال عندما‬ ‫ومثل هذا النظام االقتصادي ال ُي ُ‬
‫َيتغ َّي ُب الرجال يف جبهات القتال بخاصة‪ .‬وبذلك ال يتأىت التحرير الحقيقي للمرأة‬
‫إال مع نجاح الثورة الربوليتارية التي ستلغي هذه اآلليات القمعية الذكورية إىل‬
‫جانب تغيري املنظور الربجوازي للعائلة بوصفها ملكية ذكورية(‪.)67‬‬
‫فإن التطور االقتصادي واالجتامعي بخاصة‪ِ ،‬ط ْبقا للامدية‬ ‫تأسيسا عىل ذلك‪َّ ،‬‬
‫التاريخية‪ ،‬يتوقف عىل «إنتاج وإعادة إنتاج الحياة الحالية‪ ،‬ولكنَّ هذا نفس ُه هو‬
‫‪185‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ذو طبيع ٍة ذكورية مزدوجة»‪ ،‬إذ َن ِجدُ أن الحياة‪ ،‬من ناحي ِة إنتاج وسائل املعيشة‬
‫كالطعام وامللبس واملأوى واألدوات الالزمة لذلك‪َّ ،‬إنا تصب يف مصلحة الذكور وعىل‬
‫حساب النسوة‪ ،‬كام نجد من ناحي ٍة أخرى أن إنتاج البرش أنفسهم (أي التناسل) َّإنا‬
‫يجري بواسطة النساء ويف سبيل خدمة النظام االقتصادي الذكوري نفسهِ(‪ .)68‬مام‬
‫يعني‪ ،‬وفقا ألنجلز‪َّ ،‬أن َنوعَي اإلنتاج هذين هام ُمحتوى النظم االجتامعية السائدة‬
‫يف مجتمع معني خالل فرت ٍة تاريخية معينة هي األخرى‪ .‬وعىل صعي ٍد آخ ٍر ذي عالقة‪،‬‬
‫سوف تنمو القوة اإلنتاجية للمجتمع املحكوم بالروابط الجنسية تلك بحيث تؤدي‬
‫يف فرتة من فرتات تطورها ‪ -‬أي قوى اإلنتاج ‪ -‬إىل زيادة ثروة املجتمع وتباين ملكية‬
‫األفراد لها‪ ،‬لِتنتهي ِبظهور الرصاع الطبقي ثم الثورة يف خامتة املَطاف(‪.)69‬‬
‫يؤ ِّكدُ ذلك فكرة أ َّن ُه ليس يف اإلمكان إنكار حقيقة أن الفكر النسوي الراديكايل‬
‫َمدينٌ بالكثري من ُفروض ِه و َمنهجيت ِه للتحليل املاركيس‪ .‬فالحديث عن الثورة‬
‫وماهيتها ورشوطها كالوعي ومنهج التحليل املستخدم يف َفهمها‪ ،‬أي الثورة‪ ،‬هو مام‬
‫حسب لهنَّ بوصفه إسهاما‬ ‫َتدينُ ب ِه الراديكاليات لِامركس وأنجلز‪ .‬وما ميكن ْأن ُي َ‬
‫جوهريا يف هذا املجال يتم َّث ُل يف عَم ِلهنَّ عىل التقدم مبحاولة الوصل بني التحليل‬
‫لب‬
‫املاركيس واملدخل الراديكايل‪ ،‬وذلك من خالل إدخال موضوع الجنس يف ُص ِ‬
‫العملية الديالكتيكية املادية والتاريخية عن طريق إعطاء الجنس ال َبيولوجي أساسا‬
‫أو قاعدة أعمق يف الظروف املوضوعية‪ ،‬أي استعارة هذا النوع من الديالكتيك‬
‫والرتكيز عىل رضورة استخدام ِه ولكن استنادا إىل معيار الجنس والطبقة الجنسية‬
‫هذه املرة ووضعهام يف املقام األول‪ ،‬عىل أن يأيت االقتصاد والطبقة االقتصادية‬
‫لِت َّ‬
‫َحل يف املقام الثاين‪.‬‬
‫ويتبي َّأن ُمن َْط َل ُق التصور النسوي الراديكايل يف ِنضالِ ِهنَّ ضد الهيمنة الذكورية‬
‫َّ ُ‬
‫َي ْس َت ِندُ إىل ُجمل ٍة من األفكار يؤ َّكد فيها عىل القيمة اإليجابية املطلقة للنساء بوصفهن‬
‫فعل عىل املكانة الدونية‪ ،‬املفرتضة‪ ،‬التي ُو ِض َعت فيها النساء يف نظر‬ ‫نساء‪ ،‬وهو رد ٍ‬
‫متبعات هذا التيار‪ .‬وتأكيدا لهذا االتجاه‪ ،‬ومن أجل إضفاء الطابع ا ُملم َّيز للنساء‪،‬‬
‫بأن النساء ُي َش ِّك ْلنَ طبقة خاصة قامئة‬ ‫متيل العديد من ُم ِّ‬
‫نظرات هذا التيار إىل القول َّ‬ ‫ُ‬
‫بذاتها؛ طبقة الجنس ‪ ،sex class‬وهذه الطبقة مضطهدة من قبل الرجال الذين‬
‫ُيشكلون الطبقة االجتامعية األخرى(‪.)70‬‬

‫‪186‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫كل النساء‬ ‫ب إىل ما هو أبعد من ذلك بأن َي َض ْعنَ َّ‬ ‫ثم هناك البعض ِم َمنْ َي ْذهَ ْ َ‬
‫يف إطار طبق ٍة جنسية ُمنغلقة دُنيا ‪ُ sexual caste‬ت َذ ِّكرنا بنظام الطبقات الهندويس‬
‫املوروث‪ ،‬يف حالة الهند بخاصة‪ ،‬وهو بذلك ُي َّعدُ من «أشد أنواع ال َعزل َمكرا»(‪.)71‬‬
‫كل‬ ‫كل مكان‪ ،‬بدءا من النظام األبوي مرورا ِب ِّ‬ ‫ني التبعية واالضطهاد يف ِّ‬ ‫وأل َّنهنَّ ُيعان َ‬
‫املؤسسات والرتاتبيات التي يقوم عليها املجتمع؛ يف الطبقة والعرق واإلثنية والعمر‬
‫والنوع االجتامعي ‪ ،gender‬وحتى امليول العاطفية والجنسية التي َيحملها الجنسان‬
‫أحدهام تجاه اآلخر ‪heterosexuality‬؛ جاء مطلب الثورة يك ُيو ِّف َر للنساء الطريقَ‬
‫والوسيلة من أجل التحرر ووضع ح ٍّد للدونية التي تعيشها بنات جنسهنَّ حرصا‪،‬‬
‫وهو ما يعني‪ ،‬من ناحي ٍة أخرى‪َّ ،‬أن واحدة من بني أهم األسس التي ُبن َي ْت عليها‬
‫تتجسدُ يف َّأن النساء حيثام ُكنَّ ويف أي مكان من العامل‪ ،‬وبغض‬ ‫دعوات هذا االتجاه َّ‬
‫النظر عن ِعرقهنَّ وإثنيتهنَّ وقوميتهنَّ وحتى طبقتهنَّ ‪َّ ،‬إنا َي ْش َ ِت ْكنَ يف خصائصهنَّ‬
‫رجل آخر‪ .‬عالوة عىل ذلك‪،‬‬ ‫بوصفهن نساء و َي ْخ َت ِل ْفنَ يف التحليل األخري عن أيِّ ٍ‬
‫عائق ما من شأن ِه ْأن ُييز بعضهنَّ‬ ‫يتعني عىل النساء ْأن َي ُكنَّ قادرات عىل تجاوز أيّ ٍ‬
‫عن البعض اآلخر‪ ،‬ليبقى النوع االجتامعي ‪ gender‬وحده هو الحاكم فيام يتعلق‬
‫بالتاميز بني الرجل واملرأة(‪.)72‬‬
‫ومع ذلك فهذه الثورة التي ُتنادي بها النسوية الراديكالية ليست ككل الثورات؛‬
‫فهي ال َتسته ِد ُف أغراضا اقتصادية كام هو الحال مع الثورات الطبقية‪ ،‬كام أ َّنها ال‬
‫َتسته ِد ُف االنفصال واالستقالل عن كيانٍ سيايس قائم‪ ،‬كام هو حال ثورات التحرر‬
‫الوطني؛ بل هي محاولة من أجل تجاوز الرشوط ال َبيولوجية الجوهرية يف التاميز‬
‫بني الذكر واألنثى يف املقام األول‪ ،‬وذلك يعني العمل عىل التخلص من كل ما ُيق ِّيدُ‬
‫املرأة و ُيبقيها أسري َة التبعية والخضوع للرجل وبخاصة ما يتعلق بالحياة الجنسية‬
‫الجنسني واملناداة‬ ‫َ‬ ‫واإلنجاب وتربية األطفال‪ .‬هذا التأكيد املتطرف عىل التاميز بني‬
‫ثم بالتخلص منه وتغيريه من خالل ثور ٍة‪ ،‬جاء يك ُيضفي‪ ،‬عىل أي حال‪ ،‬الصف َة‬ ‫من َّ‬
‫الراديكالية عىل هذا النوع من الفكر النسوي(‪.)73‬‬
‫َت ْحظى ال َبطر َيركية لدى النسويات الراديكاليات مبكان ٍة مهمة بوصفها اللحظة‬
‫نشأت عنها التبعية وباعتبارها ال ُبنية التي تتشكل عربها وضعية‬ ‫ْ‬ ‫التاريخية التي‬
‫االضطهاد‪ .‬ففي ظلها َيتَع َّل ُم الرجال والنساء منذ الطفولة حتى سنِّ البلوغ السلوك‬
‫‪187‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫والترصف املالمئني مع الجنس اآلخر؛ أي مامرسة الهيمنة من قبل الرجال وانتهاج‬


‫سلوك التبعية والخضوع من قبل النساء‪ .‬ولن يقف األمر يف نطاق البيت ُ‬
‫واألرسة‪،‬‬
‫ؤس َس نظاما للسيطرة االجتامعية و ُي َل ِّو َن السلط َة‬ ‫أي املجال الخاص‪ ،‬بل َس َيمتد يك ُي ِّ‬
‫السياسية بعالق ِة التبعية واالضطهاد تلك‪ .‬بيد َّأن البطريركية‪ ،‬وعىل الرغم ِمام تحمل ُه‬
‫بشكل ِّبي‪ ،‬فهي ُمختفية تحت‬ ‫ٍ‬ ‫من خطورة‪ ،‬عىل ح ِّد َزعمهنَّ ‪ ،‬بالكاد ُيكن مالحظتها‬
‫العليا الدينية وغري الدينية‪ ،‬بدءا من األزياء‬ ‫العديد من املامرسات والعادات وا ُملثل ُ‬
‫الحشمة َ‬
‫والطهارة‪.‬‬ ‫باألمومة والزواج التقليدي ومظاهر ِ‬ ‫الجامل ومرورا ُ‬ ‫ومقاييس َ‬
‫تخ َذ شكل ظاهر ٍة آخذة يف التطور يف عامل اليوم‪ ،‬وهي التي‬ ‫وقد َيتط َّو َر األمر يك َي ِّ‬
‫عنف ُأرسي أو َتح ُّر ٍش‬ ‫تتمثل يف العنف ا ُملامرس ضد النساء‪ ،‬كأن يأيت عىل شكل ٍ‬
‫طال أجسادهنَّ‬ ‫جنيس يف الشارع ويف أماكن العمل‪ ،‬أو االغتصاب أو التشويه الذي َي ُ‬
‫كالختان وإزالة الرحم عىل سبيل املثال وليس الحرص(‪ .)74‬ومن بني أبرز القائالت بهذا‬
‫االتجاه الكاتبة الكندية ‪ -‬األمريكية شوالميث فايرستون ‪،Shulamith Firestone‬‬
‫وخصوصا يف كتابها الصادر يف العام ‪( 1970‬الذي ُأعي َد َط ُبع ُه َثاين َم َّرات)‪ ،‬واملوسوم‬
‫بـ «جدلية الجنس‪ :‬حالة الثورة الجنسية» ‪The Dialectic of Sex: the Case of‬‬
‫توضيح وجهة نظرها يف هذا‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،feminist revolution‬والذي َينبغي الوقوف علي ِه لِ‬
‫الجانب‪ ،‬ونقصد ب ِه الجنس من زاوية كون ِه طبقة وثورة جنسية‪.‬‬
‫َتعت ِقدُ شوالميث َّأن هذا الشكل من التاميز الطبقي ‪ -‬الجنيس الذي يحكم‬
‫العالقة بني الرجال والنساء قد ال َيبدو للعيان ِبشك ِل ِه الواضح عىل رغم حقيقت ِه‬
‫غري القابلة للنقاش‪ ،‬وذلك لِش َّد ِة عُ م ِق ِه و َت َج ُّذ ِر ِه يف حياة الناس وال ِنسوة عىل وجه‬
‫تس ُم ِبعدم املساواة يف حق املرأة‬ ‫الخصوص‪ .‬وما يظهر عىل السطح من مامرسات َت ِ‬
‫شكل من أشكال اآلثار األكرث َسطحية‪ ،‬والتي‬ ‫والتح ِّي ِز عادة ضدها هو يف جوهر ِه ٌ‬
‫غالِبا ما ُتخ ِّل ُفها حقيق ُة التاميز آ ِنفة ال ِذكر‪ ،‬والتي ُت ْش ِع ُرنا لهذا السبب بأ َّنها َيسرية‬
‫الحل واملعالجة ببضعة إصالحات رمبا تتعلق بالتعليم وببعض فرص العمل واملراكز‬
‫فإن الواقع‬ ‫َمج املرأة يف قوة العمل دَمجا كا ِمال‪ .‬ومع ذلك‪َّ ،‬‬ ‫الوظيفية أو رمبا بواسطة د ِ‬
‫يأت بالنتائج املَرجوة‪ .‬لذا ال ب َّد من التساؤل‬ ‫ُي ْث ِب ُت َّأن اللجوء إىل مثل هذه الحلول مل ِ‬
‫جيب الكاتبة‪ُ ،‬يش ُري إىل َّأن‬ ‫هذه املرة عن‪ :‬ماذا ُتريدُ النساء إذن؟ حيث َّإن الواقع‪ُ ،‬ت ُ‬
‫شكل من أشكال التغيري يف الرشوط‬ ‫يتجسد يف ٍ‬ ‫رن إليه َّ‬ ‫ما َتحتاج ُه النساء فعليا ويف َت ِق َ‬

‫‪188‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫(الظروف) ال َبيولوجية الجوهرية ‪ ،fundamental biological conditions‬مبعنى‬


‫وض َع التساؤل‪،‬‬ ‫إحداث التغيري الشامل الذي َس َي َض ُع الثقافة والطبيعة واملجتمع َم ِ‬
‫ومبعنى أدَّق؛ الثورة‪ .‬ولكنْ أيُّ ثور ٍة هذه؟ فالواقع هو َّأن الثورة يف عُ رف كاتبتنا‬
‫هذه‪َّ ،‬ربا ال يتسع مفهومها مبعناه التقليدي لِمثل هذا النوع من التغيري الراديكايل‪.‬‬
‫«فلو كان هناك ما هو أشمل من مصطلح الثورة تحقيقا لهذا الغرض [تقول الكاتبة]‬
‫لَ ُكنَّا قد اس َت ْع َملناه»‪ .‬ولكن هل باإلمكان تحقيق ما َترمي إليه شوالميث يف َمذهَ ِبها‬
‫ذاك؟ ُتجيب الكاتبة عن ذلك بقولها إنه َّربا هناك بعض اإلسفاف يف مثل هذا‬
‫القول‪ ،‬ولكن كان ذلك فيام مىض؛ فقد حدثت تطورات نشهدها يف عاملنا اليوم‬
‫وانع الحمل‬ ‫عىل الصعيدَين التكنولوجي والعلمي‪ ،‬وخصوصا ما تعلق األمر منه ِبَ ِ‬
‫والتلقيح االصطناعي وما شابه‪ ،‬وجرت تغريات يف الثقافة واملجتمع فضال عىل‬
‫اإلدراك املتزايد من قبل النساء ألوضا ِعهنَّ االجتامعية واملعيشية‪ ،‬وهذه ُك ُّلها ُتش ُري‬
‫أضحت مطلوبة اليوم‬ ‫ْ‬ ‫تهيأت ولع َّلها‬
‫ْ‬ ‫إىل َّأن الرشوط ا ُملس َّبقة للثورة الجنسية قد‬
‫يضع عىل النسوة الراديكاليات مسؤولي َة العمل عىل‬ ‫أكرث من أيِّ يوم مىض‪ .‬وهو ما ُ‬
‫صب يف دائرة الهدف النهايئ؛ أي الثورة‬ ‫ثم حتى َت َّ‬ ‫َبلور ِة هذه املَطالِب وتوجيهها من َّ‬
‫النسوية‪ ،‬وهو ما ال ُيكن َتو ُّقع ُه إال من خالل معرفة وفهم الكيفية التي برز ِمن‬
‫خاللها وتطور الوضع االضطهادي ضمن هيكلية وتركيبة العالقة بني الرجال والنساء‪،‬‬
‫ومن خالل أيٍّ من املؤسسات َيعمل ذلك و ُيستدام يك ُتح َّدد من ثم و ُتقرتَح وسائل‬
‫التخلص من هذا الوضع االضطهادي نفسه(‪.)75‬‬
‫يأخذ من النظرية املاركسية‬ ‫ولو د َّققنا النظر يف مثل هذا التوجه لَ َوجدناه ُ‬
‫وخصوصا ما َتع َّلقَ األمر من ُه بالثورة الطبقية‪َ ،‬بيد َّأن ذلك لن يتوقف عند هذا الحد‪،‬‬
‫نظرا إىل اعتقا ِد الكاتبة بأن مثل هذا التحليل سيقرص عن استيعاب الثورة الجنسية‬
‫ألن هذه األخرية أكرث ِسعة وشموال من الثورة الطبقية‪ .‬ففي الوقت الذي ذهبت فيه‬ ‫َّ‬
‫املاركسية إىل تحديد شكل ومحتوى االضطهاد االقتصادي الطبقي بافرتاض ظهور‬
‫امللكية‪ ،‬وهي مرحلة متأخرة جدا من التاريخ البرشي والذي ال يتجاوز ِع َّدة آالف‬
‫من السنني‪ ،‬تعاملت الثورة الجنسية مع اضطها ٍد أكرب ِسعة وأقدم عهدا؛ فأصول ُه‬
‫تعود إىل ما قبل التاريخ املكتوب‪ ،‬بل اليزال ُيلقي ِبتَبعات ِه وظالل ِه عىل الحياة يف عامل‬
‫اليوم‪ .‬فاالعتقاد هنا أ َّنه عىل رغم أن الحل املاركيس لِمشكلة االستغالل واالضطهاد‬
‫‪189‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫يبدو واقعيا فإ َّنها واقعية ُجزئية‪ .‬ذلك َّأن هناك جانبا من الحقيقة‪/‬الواقع َّربا ليس‬
‫مبستطاع االقتصاد اإلحاطة به يف شكل ِه غري املبارش عىل األقل‪ .‬وهو ما سيستلزم‬
‫بدور ِه من النسويات الراديكاليات العمل عىل تطوير َتص ُّو ٍر مادي للتاريخ ولكنه‬
‫وعب ْت عنه‬ ‫سريتك ُز هذه املرة عىل الجنس وليس عىل الطبقة االقتصادية كام َف ِه َمت ُه َّ‬
‫النظرية املاركسية(‪.)76‬‬
‫جانب آخر للمشكلة ُي ِكنُ من خالل ِه مقارنة مدى‬ ‫ٌ‬ ‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬هناك‬
‫عُ مق ما ُتعاني ِه املرأة بوصفها امرأة والنساء بوصفهن طبقة‪َ .‬فعىل ِخالف الطبقة‬
‫االقتصادية التي هي مبنزلة إنشاء ‪ ،construction‬أو بناء اجتامعي َفرض ْت ُه رشوط‬
‫ثم تباينا يف أوضاع فئات اجتامعية معينة متيزت لالعتبارات‬ ‫اقتصادية واستلزمت من َّ‬
‫االقتصادية آ ِنفة ال ِذكر باستبعا ِد بعضها عن فرص يف الحياة وإعاقة هذا البعض عن‬
‫زت وحا َبت‬ ‫وقت َم َّي ِ‬
‫التأثري والسيطرة عىل مصائره الخاصة ومجتمعه بشكل عام‪ ،‬يف ٍ‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫بعضها اآلخر باملكانة والسيطرة عىل السلطة والنفوذ‪ ،‬تنبع الطبقة الجنسية‬
‫فأحالت الجامعة اإلنسانية‬ ‫ْ‬ ‫مبارش من حقيقة َبيولوجية لصيقة بأفراد هذه الطبقة‬
‫قائم عىل‬ ‫نرصين ُمخت ِل َفني بل ُمتضادَّين أيضا؛ الرجال والنساء‪ .‬واالختالف ٌ‬ ‫إىل عُ َ‬
‫عديد من األصعدة بدءا من حجم الوظائف واألدوار التي ُتؤدِّيها النساء‪ ،‬خصوصا‬
‫وظيفة اإلنجاب التي ْاخت َُّص ْت بها هذه الفئة إضافة إىل تربية األطفال ورعاية‬
‫املنزل والعناية بالرجل‪ ،‬وصوال إىل حجم االمتيازات التي يتمتع بها الرجال مقارنة‬
‫بالنساء‪ .‬وهو تعب ٌري بشكل من األشكال عن عملية استغالل وهيمنة مبارشة َي ْف ِر ُضها‬
‫الرجل ستستدعي وال شك حيازة السلطة أو ّربا َمطالِ َب بالسلطة من قبل النساء‬
‫بغية الحد أو تحجيم هذه الهيمنة‪ .‬هذه الحاجة إىل السلطة‪ ،‬والتي من شأنها ْأن‬
‫آجال إىل تطور الطبقات كام تقول شوالميث‪َّ ،‬إنا َت ْن ُب ُع من تكوين‬ ‫تقو َد عاجال أو ِ‬
‫سيكولوجي جنيس لدى كل فرد طبقا لِ َموقع ِه عىل ُس َّل ِم الرتاتب االجتامعي الذي‬
‫َي ْح ِم ُل يف ط َّيات ِه حالة بائنة من عدم التوازن يف املكانة واإلمكانات ورمبا الحقوق‬
‫واملسؤوليات أيضا‪ .‬والتأكيد جا ٍر لدى كا ِتبتنا عىل ما لِوظيف ِة اإلنجاب يف إطار ُ‬
‫األرسة‬
‫من أهمي ٍة رئيسة‪ ،‬سواء من الناحية التاريخية أو االجتامعية(‪ .)77‬هنا ال بد من إلقاء‬
‫ثم‬
‫الضوء عىل أثر هذه الوظيفة ودورها يف تشكيل مصائر النساء‪ ،‬واستلزمت من َّ‬
‫القول بحقيق ِة الطبقة الجنسية آنفة الذكر‪:‬‬
‫‪190‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫‪ - 1‬فالنساء عىل مدى التاريخ وحتى حلول السيطرة عىل النَسل‪ُ ،‬كنَّ واقعات‬
‫وبشكل مستمر تحت رحمة َبيولوجيتهنَّ الخاصة‪ .‬وميكن إيراد جملة من مظاهر‬
‫كالحيض والوالدة والنفاس واإلرضاع‬ ‫هذه الطبيعة البيولوجية املتم ّيزة عن الرجال‪َ :‬‬
‫ورعاية األطفال وسنِّ اليأس واألمراض النسائية مثال‪ .‬كل ذلك كان وراء اعتامد‬
‫النساء عىل الرجال وتبعيتهن لهم وسواء أكان الرجل أبا أم أخا أم زوجا أم عشرية‬
‫صب يف‬ ‫أم حكومة أم مجتمعا محليا فاألمر سيان يف كل هذه الحاالت‪ ،‬إذ َّإن ُك َّلها َت ُ‬
‫مطلب البقاء املادي أو الفيزيايئ‪.‬‬
‫الطفل الرضيع وهو يف سبيل ِه إىل النمو واستكامل قدرات ِه الجسدية والعقلية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫‪-2‬‬
‫َيتط َّل ُب وقتا أطول مام تتطلبه صغار الحيوانات األخرى بسبب ع َْجز ِه عن االعتامد‬
‫عىل نفس ِه يف البقاء عىل َقيد الحياة‪ ،‬لذا ينبغي عليه أيضا االعتامد عىل الكبار‬
‫وخصوصا األم واألب‪.‬‬
‫‪ - 3‬مثل هذا الرتابط القوي واألسايس بني األم والطفل هو عالقة تتوفر عليها‬
‫املجتمعات البرشية عىل اختالف الزمان واملكان وبهذا الشكل أو ذاك‪ ،‬مام أ َّث َر من‬
‫األنثى البالِغة وكذلك الطفل بالتبعية‪.‬‬ ‫ثم يف َسيكولوجية ُ‬
‫وبشكل مبارش إىل‬ ‫ٍ‬ ‫الجنسني‬
‫َ‬ ‫‪ - 4‬قاد االختالف الطبيعي يف وظيفة اإلنجاب بني‬
‫ثم يف قلب عملية‬ ‫التقسيم األول للعمل لدى الجامعات البرشية‪ ،‬وسيكون من َّ‬
‫َتك ُّونِ الطبقات‪ ،‬إضافة إىل توفري النموذج الخاص بالطبقة ا ُملغلقة ‪ caste‬تلك التي‬
‫تقوم عىل أساس املِيزات والصفات ال َبيولوجية‪.‬‬
‫رمبا يقود مثل هذا التأويل القائم عىل التاميزات الطبيعية بني األنثى والذكر‬
‫إىل تسويغ عدم التوازن يف امتالك الجنس السلط َة والقو َة ‪ ،power‬بيد أن ما ُي َفنِّدُ‬
‫رش ليسوا مجرد حيوانات‪ ،‬إضافة إىل َّأن « َمملكة الطبيعة‬ ‫مثل هذا القول هو َّأن الب َ‬
‫بشكل ُمطلق»(‪« .)78‬فالطبيعي ليس قيمة إنسانية بالرضورة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال ُتحكم هي األخرى‬
‫ني إىل استدام ِة‬ ‫لقد بدأت اإلنسانية بتخطي وتجاوز حالة الطبيعة‪ :‬فنحن مل َن ُع ْد َم َّيال َ‬
‫ألسباب‬
‫ٍ‬ ‫نظام الطبقة الجنسية التمييزي وفق ُمقتىض أصول ِه يف دائرة الطبيعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫براغامتية فقط‪ ،‬بل يجب علينا ْأن َنبدأ كأننا يجب ْأن َنتخ َّل َص منه»(‪.)79‬‬
‫أخذت طابعا سياسيا؛ فالتخلص مام هو‬ ‫ْ‬ ‫عند هذا الحد تكون املشكلة قد‬
‫طبيعي سيستدعي معه الحاجة إىل ما هو أكرث من تحليل تاريخي شامل‪ .‬وهو‬
‫‪191‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫بأن النساء الراديكاليات َس َي ُكنَّ يف مواجهة مشكل ٍة سياسية‬ ‫ما َي ْح ِم ُل عىل القول َّ‬
‫مضاعفة؛ تحمل تبعات املايض من ناحية وكذلك الطبيعة من ناحي ٍة أخرى‪ .‬صحيح‬
‫ظل رشوط َبيولوجية أساسية‪ ،‬غري َّأن ما ال‬ ‫أن النظام الطبقي الجنيس كان قد َنت ََج يف ِّ‬
‫زوال ما َيرت َّت ُب عىل كل تلك الرشوط‬ ‫جانب آخر‪ ،‬هو َّأن َ‬ ‫يتفق مع هذه الحقيقة‪ ،‬من ٍ‬
‫البَيولوجية من أوضاعٍ اضطهادية‪ ،‬سواء أكانت عىل شكلِ قيمٍ اجتامعية جديدة أم‬
‫َشفات علمية رمبا لن َيض َمنَ للنساء التح ُّر َر من واقعهنَّ ‪.‬‬ ‫ات َتكنولوجية و ُم ْكت ٍ‬ ‫تطور ٍ‬
‫فالرجل ليس لديه سوى القليل من األسباب التي تدفع ُه نحو التخيل عن َم ْن ِزلَت ِه‬
‫املتميزة تلك‪ ،‬بل رمبا قد يلجأ إىل استخدام االكتشافات العلمية نفسها من أجل‬
‫تقوية نظام االستغالل القائم بغية اضطهاد النسوة و َتشديد َق ْبضت ِه عىل َمصا ِئ ِرهنَّ ‪.‬‬
‫من هنا تأيت أهمية الثورة الجنسية لدى الباحثة شوالميث‪ .‬إذ ال ب َّد للطبقة‬
‫الدنيا النسائية من الثورة بغية سيطرتهنَّ عىل اإلنجاب واستعادة املرأة ملكي َة‬
‫جسدها وهويتها الجنسية إضافة إىل الهيمنة عىل املؤسسات االجتامعية الخاصة‬
‫برعاية األطفال والرتبية‪ .‬وما كان يصدق عىل أهداف الثورة االشرتاكية سيصدق اآلن‬
‫باستهداف‬
‫ِ‬ ‫عىل الهدف النهايئ للثورة الجنسية‪ .‬فكام َّأن الثورة االشرتاكية مل َت ْكت َِف‬
‫أهداف‬‫ِ‬ ‫مل قامئ ُة‬ ‫االمتيازات الخاصة بالطبقة االقتصادية املهيمنة‪ ،‬فامتدت لِت َْش َ‬
‫واقع التاميز الطبقي ذاته أيضا‪ ،‬كذلك لن تكتفي الثورة الجنسية‪ ،‬عىل غرار‬ ‫الثورة َ‬
‫ات ال َذكر بل من‬ ‫ما كانت تنادي به النسويات األولَيات‪ ،‬مبجرد التخلص من امتياز ِ‬
‫التاميز الجنيس ذاته‪ ،‬وما َتقصد ُه الكاتبة عىل نح ٍو خاص هو‪ :‬إتاحة التواصل الجنيس‬
‫الحر لِ ُك ِّل أنواع املامرسات الجنسية غري التقليدية وغري املرشوعة ‪unobstructed‬‬
‫‪ pansexuality‬اجتامعيا وثقافيا‪ ،‬بالشكل الذي لن تعو َد في ِه االختالفات التناسلية‬
‫الجنسني ذات أهمية يف هذه املرحلة سواء من الناحية الثقافية أو‬ ‫َ‬ ‫‪ genital‬بني‬
‫جنس معني (املرأة) فيام مىض‬ ‫السياسية بخاصة‪ .‬كام َّأن اإلنجاب املَقصور عىل ٍ‬
‫شكل من أشكال اإلنجاب االصطناعي‪ .‬وسوف يجري التخلص من‬ ‫َس َي ِّح ُّل َم َّح َّل ُه ٌ‬
‫تقسيم العمل؛ وذلك عرب التخلص من العمل ذاته كليا عن طريق شبكات وفضاء‬
‫«الحواسيب» ‪ .cybernation‬أما النتيجة النهائية لكل ذلك فتتم َّثل يف َت َح ُّط ِم ُطغيان‬
‫األرسة ال َبيولوجية وتغيري هيكلية العالقة بني الرجل واملرأة ومع ُه سيكولوجية‬ ‫ُ‬
‫السلطة بني الذكر واألنثى‪.‬‬
‫‪192‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫بت إليه باحثتنا هذه َي ْح ِم ُل نقدا واضحا‬ ‫الحقيقة أن مثل هذا التصور الذي َذهَ ْ‬
‫للتحليل املاركيس يف شأن الثورة االشرتاكية‪ ،‬فمن خالل رؤيتها النسوية سيمكن لها‬
‫رج ُع من‬ ‫أن ُت ْع ِلنَ عن فشل االشرتاكية يف الوصول إىل أهدافها‪ ،‬غري َّأن ذلك َّربا ال َي ِ‬
‫منظورها إىل فشل هذه األخرية يف تشخيص الرشوط االجتامعية واالقتصادية‪ ،‬بل‬
‫رج ُع يف أصول ِه إىل عدم شمول التحليل‬ ‫إىل عدم كفاية التحليل آنف ال ِذكر‪ ،‬والذي َي ِ‬
‫املاركيس للعامل الجنيس وطبيعة العائلة‪ .‬ذلك َّأن هذه األخرية َتحوي يف داخلها‬
‫وعىل نح ٍو َجنيني كل الخصومات التي ستتطور الحقا لِتأخ َذ مكانها عىل مستوى‬
‫املجتمع والدولة‪ .‬من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬ومن أجل ْأن تتحقق الثورة‪ ،‬ال ب َّد من اقتالع‬
‫األرسة ال َبيولوجية بوصفها الرابط الذي ميكن‬ ‫التنظيم االجتامعي األساس واملتمثل يف ُ‬
‫لِ َسيكولوجية السلطة ْأن َتتَغلغل عربهُ‪ ،‬وهو ما ستحققه الثورة الجنسية‪.‬‬
‫أخريا ميكن القول إن محاولة الكاتبة نفسها‪ ،‬وعىل ح ِّد َزعمها‪ ،‬هي مبنزلة التقدم‬
‫بالتحليل الطبقي خطوة واحدة إىل ما هو أبعد‪ ،‬وذلك يف سعيها إىل البحث يف‬
‫عني ذلك إلغاء‬ ‫للجنسني ودور ِه يف الثورة‪ ،‬من دون ْأن َي َ‬ ‫َ‬ ‫أصل التقسيم ال َبيولوجي‬
‫التصور االشرتايك‪ ،‬بل عىل العكس من ذلك؛ إذ بإمكان النسوية الراديكالية اإلسهام يف‬
‫نح التصور االشرتايك نفسه قاعدة أعمق يف الرشوط‬ ‫توسيع هذا التحليل من خالل َم ِ‬
‫املوضوعية التي من شأنها ْأن ُتساعد يف تفسري عديد من الجوانب العصية عىل الحل‬
‫‪ insolubles‬لديه‪ .‬وميكن تلمس جوانب محاولة الكاتبة تلك عرب َسعيها إىل إعادة‬
‫صياغة تعريف فريدريك أنجلز للامدية التاريخية ُبغية فسح املجال أمام التقسيم‬
‫للجنسني يك يأخذ مكان ُه عىل صفحة التعريف آ ِنف ال ِذكر‪ .‬حيث تقول‬ ‫َ‬ ‫ال َبيولوجي‬
‫«إن املادية التاريخية هي تلك النظرة إىل َمسار التاريخ سعيا من أجل‬ ‫شوالميث‪َّ :‬‬
‫كل أحداث‬ ‫الكربى لِ ِّ‬‫البحث‪ ،‬يف َجدل الجنس‪ ،‬وعن ال ِّعلة النهائية والقوة ا ُملح ِّركة ُ‬
‫التاريخ‪ :‬تقسيم املجتمع إىل طبقتَني َبيولوج َّيتني ُمتاميز َتني إلعادة اإلنتاج اإلنجايب‬
‫‪ ،procreative reproduction‬ورصاع ها َتني الطبقتَني إحداهام مع األخرى؛ يف‬
‫إحداث التغريات يف أمناط الزواج واإلنجاب ورعاية األطفال ا ُمل ْنتَجني أصال من قبل‬
‫هذه الرصاعات؛ وكذلك يف التطور املرتابط للطبقات املغلقة ‪ castes‬املتاميزة جسديا‬
‫‪physically-differentiated‬؛ ويف التقسيم األول للعمل القائم عىل الجنس والذي‬
‫تطور إىل نظام طبقي (اقتصادي ‪ -‬ثقايف ‪ .)80()economic-cultural‬وهو ما أ َّكدَت ُه‬
‫‪193‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫كل من الباحثتَني لني شانسري ‪ Lynn S. Chancer‬وبيفرييل خافيريا واتكنز‬ ‫أيضا ٌّ‬
‫‪ ،Beverly Xaviera Watkins‬يف تصورهام للتقسيم القائم بني الطبيعة والثقافة‪،‬‬
‫بوصف ِه مصد َر خضوع النساء والذي تدعو الحاجة إىل تغيريه(‪.)81‬‬
‫بأن البنية الفوقية الثقافية إضافة إىل‬ ‫َيستدعي ذلك القول‪ ،‬وفقا لهذا االتجاه‪َّ ،‬‬
‫البنية االقتصادية‪ ،‬والتي ال ُيقتفى أثرها باالقتصا ِد وحد ِه‪َّ ،‬إنا تعود إىل الجنس فقط‪.‬‬
‫وألجل هذا الغرض تعود شوالميث مرة أخرى يك تحاول تصحيح ما يذهب إليه‬
‫تاريخ رص ٍاع طبقي [مع إمكان إزالة‬ ‫«إن كل التاريخ املايض كان مبنزلة ِ‬ ‫أنجلز فتقول‪َّ :‬‬
‫جملة «مع استثناء املراحل البدائية»]‪ .‬فالطبقات ا ُملتصا ِرعة يف املجتمع هي دامئا‬
‫نتاج أمناط تنظيم وحدة العائلة ال َبيولوجية من أجل إعادة إنتاج النوع البرشي‪،‬‬
‫إضافة إىل أمناط اإلنتاج االقتصادي وتبادل السلع والخدمات بشكل دقيق‪ُ ...‬يو ِّف ُر‬
‫التنظيم الجنيس اإلنجايب للمجتمع دامئا األساس الحقيقي (الواقعي) ‪ ،real‬والذي‬
‫استنباط التفسري النهايئ لِ ُمجمل البنى ال َفوقية للمؤسسات‬ ‫َ‬ ‫ستطيع ابتداء منه فقط‬ ‫ُ‬ ‫َن‬
‫االقتصادية والقضائية والسياسية إضافة إىل األفكار الدينية والفلسفية واألفكار‬
‫األخرى الخاصة بفرتة تاريخية معينة»(‪ .)82‬والكاتبة بعملها هذا‪ ،‬تعتقد َّأن ذلك‬
‫سيجعل من نتائج املدخل املادي ألنجلز أكرث واقعية‪ .‬ذلك ألن مجال رشوط الحياة‬
‫كون تحت‬ ‫مبجمل ِه‪ ،‬والذي َي ْك َت ِن ُف الرجل والذي َح َك َم ُه فيام مىض‪ ،‬يأيت اآلن لِ َي َ‬
‫أصبح وللمرة األوىل «س ِّي َد الطبيعة» ‪Lord of Nature‬‬ ‫ُحكم وهَ يمنة الرجل الذي َ‬
‫الحقيقي الواعي‪ ،‬س ِّي َد تنظيم ِه الخاص ‪.‬‬
‫(‪)83‬‬

‫ثالثا‪ :‬النسوية االشرتاكية ‪Socialist Feminism‬‬


‫اض مفاد ُه َّأن االضطهاد الذي‬
‫تقوم الفكرة األساسية للنسوية االشرتاكية عىل افرت ٍ‬
‫ُتعاني ِه النساء ال ميكن إرجاع ُه إىل حقائق الجنس ا ُمل َّ‬
‫عب عنه بال َبطر َيركية فقط‪ ،‬كام‬
‫هو الحال لدى أتباع النسوية الراديكالية‪ ،‬أو االستغالل الطبقي فقط‪ ،‬كام يعتقده‬
‫املاركسيون‪ ،‬بل يعود هذا االضطهاد يف جذور ِه إىل االعتامد املتبادل والتداخل فيام‬
‫بني الرأساملية وال َبطر َيركية والذي ُأطلقت تسمية «ال َبطر َيركية الرأساملية» عليه‬
‫‪ .capitalist patriarchy‬وميكن إرجاع التطور يف العالقة بني هذين الكيا َنني إىل‬
‫الفرتة من منتصف القرن الثامن عرش حتى القرن التاسع عرش‪ ،‬يف بريطانيا والواليات‬
‫‪194‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫املتحدة األمريكية عىل التوايل‪ .‬حيث وجدت ال َبطر َيركية الرأساملية مكانها يف ثنائية‬
‫الطبقة ‪ -‬الجنس‪ ،‬ويف املجالَني العام والخاص‪ ،‬أي يف العمل املنزيل (غري املأجور)‬
‫األرسة واالقتصاد‪ ،‬يف الشخيص والسيايس‪ ،‬وأخريا‪ ،‬يف األيديولوجية‬ ‫والعمل املأجور‪ ،‬يف ُ‬
‫والظروف املادية‪.‬‬
‫دينة يف فروضها األولية‪ ،‬يف جانبها االجتامعي العام‬ ‫والنسوية االشرتاكية َم ٌ‬
‫عىل األقل‪ ،‬ألفكار كارل ماركس وفريدريك أنجلز‪ ،‬وخصوصا ما ُأو ِرد يف كتابهام؛‬
‫«األيديولوجيا األملانية»‪ ،‬وكتاب أنجلز املوسوم بـ «أصل العائلة وامللكية الخاصة»‬
‫الذي َك َت َب ُه بعد وفاة ماركس يف العام ‪ .1893‬وانطالقا منهام ُو ِّسعت هذه األفكار‬
‫ثم عىل االضطهاد الجندري (النوع االجتامعي)‪ ،‬والذي ُتعاني ِه النساء يف‬ ‫و ُر ِّكز من َّ‬
‫املجتمع الرأساميل‪.‬‬
‫الح َّجة التي اعتمدتها النسوية االشرتاكية يف تأصيل خضوع النساء َت ِجدُ أساسها‬ ‫ُ‬
‫الفكري لدى امل َؤلِّ َفني املذكو َرين اللذين ذهبا إىل أن الرضورات املعيشية واالقتصادية‬
‫الخاصة باألفراد والجامعات وكذلك العالقات االجتامعية التي ُبن َي ْت عليها‪ ،‬كانت‬
‫قد أَ َت ْت بجمل ِة رشوط‪ ،‬ومن أهم نتائجها‪ ،‬وفق هؤالء‪ ،‬العمل عىل استعباد النساء‬
‫ثم لجملة املطالب تلك‪ .‬بيد أن ذلك ال يعني وفق ماركس وأنجلز‬ ‫وإخضاعهنَّ من َّ‬
‫َّأن هذا الوضع كان هو السائد يف عالقة الرجال بالنساء عرب التاريخ غري املكتوب‪،‬‬
‫حديث نسبيا‪ .‬ذلك أ ّنه يف أكرث مجتمعات ما قبل‬ ‫ٌ‬ ‫عىل األقل‪ ،‬بل هو اخرتاعٌ عالئقي‬
‫التاريخ وحتى لدى البعض من القبائل التي عاشت ُم ْن َك ِفئة عىل نفسها ومل َت ِص ْلها‬
‫املَدَنية حتى تاريخ تدوين نصوص ُكت ُِب ماركس وأنجلز‪ ،‬كانت للنساء أدوا ٌر َ َت َّت ْعنَ‬
‫فيها باالستقالل النسبي بقدر امتالكهنَّ لقاعدة اقتصادية مستقلة هي األخرى‪،‬‬
‫عات للقوت ‪ -‬عندما كانت وسائل الحياة تقوم عىل َج ْم ِع‬ ‫فيات وجا ِم ٍ‬ ‫بوصفهن ِح َر ٍ‬
‫عات يف مراحل متقدمة(‪.)84‬‬
‫وربا ُمزا ِر ٍ‬
‫وخزنها ‪َّ -‬‬‫والتقاطِ الثامر و ُمعالجتها َ‬
‫الصيد وال َقنص إىل ال َرعي‬ ‫إن تحول ُن ُظ ِم اإلنتاج الخاصة بوسائل العيش من َ‬ ‫َّ‬
‫خاصة‬ ‫والزراعة املستقرة‪ ،‬كانت من بني األسباب ‪ -‬يقول أنجلز ‪ -‬يف إضافة أفضلي ٍة ّ‬
‫للرجال وينبغي عىل النساء دعمها‪ ،‬كام أنه س ّبب من ناحية أخرى بروز العائلة‬
‫باش الرجال يف إثرها هيمنتهم الكا ِملة عىل النساء‪ .‬حيث‬ ‫وامللكية الخاصة‪ ،‬لِ ُي ِ َ‬
‫اج َع دور األنثى إىل الصفوف الخلفية مع األطفال‬ ‫َظ َه َر الرجل مبنزل ِة الس ِّيد و َتر َ‬
‫‪195‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫وظل الحال‬ ‫والعبيد‪ ،‬بوصفها ُمتَع ِّهدة لِشؤون املنزل و ُمن ِْجبة وراعية لألطفال‪َّ .‬‬
‫تص ْت بها‬ ‫الطفيفة رمبا‪ ،‬ولكن مل ُت ْل َغ أدوارها التي ْاخ َّ‬‫هكذا ‪ -‬مع بعض التغريات َ‬
‫– عىل رغم ما شهدته العائلة والنساء بالتبعية من تطورات عىل َم ِّر التاريخ‪ .‬أما‬
‫َوصل إليها من هذه ال َف ْذلَكة التاريخية‪ ،‬فهي أ َّن ُه‬ ‫الخالصة النهائية التي ُيكن الت ُّ‬ ‫ُ‬
‫ليس مبستطاع املرأة الحصول عىل حريتها وحقها يف العمل داخل املجال العام‬
‫الجنسان يف إطار‬ ‫اقتصاديا وسياسيا‪ ،‬إال من خالل ثور ٍة طبقي ٍة عامة َيجتمع فيها ِ‬
‫قوة العمل والتي َتتم َّثل يف الربوليتاريا‪.‬‬
‫عىل الرغم من َقبولِهنَّ بالتحليل املاركيس ا ُملنصب عىل العالقات الطبقية يف‬
‫الرأساملية‪ ،‬فإن النسويات االشرتاكيات رأينَ في ِه مجرد تفس ٍري لِواحد ٍة من ُبنى‬
‫االضطهاد السا ِئدة وليس كل أشكال ِه األخرى التي يندرج ِضمنها اضطهاد النساء؛‬
‫فال َبطر َيركية تدخل هذه امل َّرة َط َرفا يف عالقة االضطهاد آ ِنفة ال ِذكر؛ وذلك من‬
‫خالل التحالف القائم بني الرأساملية وال َبطر َيركية‪ ،‬عىل رغم اعتقادهنَّ َّأن هذه‬
‫األخرية َت ْس ِب ُق الرأساملية من حيث الوجود‪ .‬وهنا َيكت َِس ُب االضطهاد صفت ُه من‬
‫كونه رصاع إرادات بني إرادة َمنْ َيتلك القوة والرثوة والنفوذ‪ ،‬بوصفها املوارد‬
‫االجتامعية التي َرا َك َمها الرجل ‪ -‬من زاوية أنه الجنس ا ُمل َهيمن ‪ -‬عرب التاريخ‪،‬‬
‫وبني إرادة َمنْ َي ْع َج ُز أو َمنْ ال ميتلك مثل هذه العنارص‪ -‬أي الجنس الخاضع ‪-‬‬
‫ثم ِبَكا َنت ِه الدنيا‪ ،‬والتي هي حال املرأة يف يومنا الراهن ا ُمل ْن َكر‬ ‫وهو ملزم من َّ‬
‫ذات ُمستقلة‪.‬‬‫عليها يف الوقت نفس ِه أنها ٌ‬
‫جاءت النسوية االشرتاكية ِبَرشوعها الخاص الذي ا ْعتَقدت متبعاتها َّأن بإمكان ِه‬
‫تحرير املرأة من َت َبعيتها‪ ،‬وهو يحمل يف ط َّيا ِته َن ْقدا للعديد من االتجاهات‬
‫ثم عددا من األهداف حاو ْلنَ‬ ‫والتيارات النسوية السائدة‪ ،‬ورسمت صاحبات ُه من َّ‬
‫من خاللها ْأن َيتَجاو ْز َن كال من النسويات الليربالية واملاركسية والراديكالية‪ ،‬وذلك‬
‫بقدر تأكيد هذا املرشوع عىل أال يبقى أس َري التنظريات التي تبحث عن املساواة بني‬
‫الرجال والنساء ولكن مع اإلبقاء عىل ُبنية النظام الرأساميل‪ ،‬مع اللجوء إىل إحداث‬
‫بعض التغيريات يف الثقافة السائدة ا ُملعادية أصال لِ َمطالب النساء يف التح ّر ِر من‬
‫وقت انتقد املرشوعُ النسوي االشرتايك املاركسي َة من زاوية‬ ‫الهيمنة ال َبطر َيركية‪ .‬يف ٍ‬
‫شكل من أشكال ا ُملزا َوجة الصعبة عىل ح ِّد َو ْص ِفهنَّ‬ ‫أنها متيل إىل العمل عىل إنتاج ٍ‬
‫‪196‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫بني املاركسية واالحتجاج النسوي؛ وذلك من خالل النظر إىل عملية اضطهاد النساء‬
‫بوصفها ِنتاجا‪ ،‬ولكنه ثانوي لعملية االستغالل االقتصادي للربوليتاريا‪ ،‬بوصفهنَّ ‪ ،‬أي‬
‫النساء‪ ،‬جزءا من قوة العمل التي ُتش ِّكلها الربوليتاريا‪ .‬بيد َّأن ذلك مل يكن لِ َيعني‪،‬‬
‫عىل أي حال‪ ،‬الحيلولة دون مثل هذا الفهم لدى املاركسية واعتامد املرشوع النسوي‬
‫االشرتايك عىل التحليل املاركيس‪ ،‬كام سنوضح ذلك الحقا‪ .‬وأخريا‪ ،‬فقد َت َو َّج َه هذا‬
‫املرشوع بالنقد إىل االتجاهات النسوية األخرى‪ :‬بسبب تركيز النسوية الراديكالية‬
‫بخاصة عىل ال َبطر َيركية وتصويرها للنظام االجتامعي القائم بوصف ِه نظاما طبقيا‪،‬‬
‫ضطهدة‪ ،‬وذلك بغض‬ ‫كل النساء‪ ،‬بوصفهن َطبقة اجتامعية ُم َ‬ ‫حيث َت ِق ُف في ِه النساء‪ُّ ،‬‬
‫النظر عن انتامءاتهنَّ واختالف َتجا ِربهنَّ ‪ ،‬يف مواجه ٍة مع الرجال الذين ُيا ِرسون‬
‫الهيمنة واالضطهاد ضد النساء والذين ُيشكلون بدورهم الطبقة االجتامعية األخرى‪،‬‬
‫وذلك لدى أصحاب هذا التفسري‪.‬‬
‫ولعل من بني أبرز األهداف التي ُينادي بها املرشوع‪ ،‬ما ييل‪:‬‬ ‫َّ‬
‫أ ‪ -‬نقد االضطهاد املزدوج ولكن املرتابط لل َبطر َيركية والرأساملية‪ ،‬وذلك اعتامدا‬
‫عىل تجارب النساء ومعاناتهنَّ ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬االعتامد عىل املَنهجية املادية التاريخية يف تحليل األوضاع االجتامعية‬
‫ثم عىل توسيعها يك تجري اإلحاطة ِب ُظروف النساء وأوضاعهنَّ ‪ ،‬وخصوصا‪،‬‬ ‫والعمل من َّ‬
‫يف ظل التطورات التي أحدَثتها الرأساملية يف املجتمعات الحديثة واملعارصة‪.‬‬
‫ت ‪ -‬جعل النساء ِفئة اجتامعية مبنزلة مركز االهتامم الخاص للنسوية االشرتاكية‪،‬‬
‫بوصفهنَّ وحدة أو موضوع التحليل الجوهري لدى أصحاب هذا االتجاه‪.‬‬
‫ثم َّإن االضطهاد الذي تتعرض له النساء‪ ،‬وفقا لهذا االتجاه‪ ،‬ليس مجرد نتاج‬
‫ثانوي لالضطهاد الطبقي الذي َيشمل يف العادة النساء والرجال معا‪ .‬كذلك َّ‬
‫فإن‬
‫االضطهاد الذي تتعرض له النساء ليس صادرا من ال َبطر َيركية فقط‪ ،‬بل هناك من‬
‫النساء ا ُمل ْض َطهدات أصال َمنْ تعمل عىل مامرسة االضطهاد ضد نسا ٍء ُأخريات؛‬
‫تح ِدرات من أصولٍ عرقية وإثنية وطبقية أخرى‪ ،‬واملهاجرات‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫كالفقريات‪ ،‬وا ُمل َ‬
‫تضامن نسوي عالَمي ‪ global‬ضد الرأساملية‬ ‫ٍ‬ ‫وقد تبلو َر ذلك كل ُه يف الدعوة إىل‬
‫وما ُتؤدي إليه من نتائج سيئة عىل َحيا ِتهنَّ وعىل ُمجتمعا ِتهنَّ املحلية وعىل البيئة؛‬
‫ومن مثة ُيدعى إىل ا ُملطالَبة ِبعدم االنجرار أمام إغراءات الرأساملية الساعية إىل‬
‫‪197‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫استدراجهن لالنخراط يف صفوف الطبقة املثقفة صاحبة االمتياز الهادفة إىل خدمة‬
‫املصالح الرأساملية‪ .‬والعمل بدال من ذلك عىل كشف وتعرية هذا النظام القائم‬
‫عىل التفاوت الكبري بني طبقات املجتمع وحالة الالمساواة بوصفها جزءا ال يتجزأ من‬
‫ُبني ِة النظام وآلي ٍة من آليات عمل ِه‪ .‬وهو ما ال يتم إال من خالل السعي من أجل رفع‬
‫مستوى وعي الناس وتعبئتهم يف املرشوع الذي َتح ِم ُل ُه النسوية االشرتاكية والقايض‬
‫باستعامل الدولة بوصفها أداة يف يد املجتمع بعامة بدال من ْأن تكون أداة ملصلحة‬
‫توزيع عادلة و ُمن ِْصفة للموارد املجتمعية بدءا‬‫ٍ‬ ‫ال ِق َّلة املمتازة‪ ،‬وذلك عرب عملية إعادة‬
‫بالتعليم والرعاية الصحية وضامن أجور عادلة للعاملني ورعاية األطفال واإلسكان‬
‫والنقل العام وما شابه(‪.)85‬‬
‫من نا ِفل ِة القول وصف النسوية االشرتاكية بـ «التيار»‪ ،‬حيث اشرتك يف اإلسهام‬
‫والناشطات‪ ،‬كام هو حال أغلب املدارس الفكرية‬ ‫ِ‬ ‫فيه وتطوير ِه عديد من ا ُمل ِّ‬
‫نظرات‬
‫واحتوت بني َجنَبا ِتها عديدا من مناهج التفسري التي‬ ‫ْ‬ ‫التي عالجت القضايا النسوية‬
‫طالت ظاهرة االضطهاد والتي وقعت ضحيتها النساء‪ .‬ونحن يف سبيلنا إىل دراسة‬
‫التوجه النسوي االشرتايك سنحاول إلقاء الضوء عىل إحداهنَّ ‪ ،‬وهي ِّ‬
‫املنظرة األمريكية‬
‫نظرة سياسية نسوية خالل‬ ‫زيال آيسنشتاين ‪ ،Zillah R. Eisenstein‬التي ُتعدُ أبرز ُم ِّ‬
‫الثالثني عاما املاضية‪.‬‬
‫نط َلق التحليل الخاص لهذه الكا ِتبة يف سعيها من أجل البحث عن تفسري‬ ‫إن ُم َ‬
‫للظاهرة قيد الدرس وعن آفاق العمل الذي ينتظر النساء‪ ،‬يف إطار التفكري النسوي‬
‫االشرتايك‪ ،‬هو إثارتها عددا من القضايا التي يأيت يف مقدمتها أن اضطهاد النساء ال‬
‫يرتكز عىل وضع املرأة الطبقي‪ ،‬مبعنى االستغالل االقتصادي فقط‪ ،‬بل هو يرتبط‬
‫ِب ُبنية تقسيم العمل الجنيس والرتاتب االجتامعي الذي يتداخل مع االستغالل‬
‫نصب لدى الكاتبة عىل العالقة الديالكتيكية بني ال ُبنية‬ ‫االقتصادي نفس ِه‪ .‬فالتأكيد ُم ٌّ‬
‫الطبقية الرأساملية والتشكيل الهرمي الجنيس‪ ،‬وهو ما يقودها إىل القول بعدم‬
‫النظر إىل االنقسام الثنايئ يف السلطة‪ ،‬مبعنى ْأن تكون السلطة ُمشتَّقة إما من املوقع‬
‫الطبقي االقتصادي كام هو الحال لدى املاركسية‪ ،‬وإما من املوقع الجنيس كام هو‬
‫لدى النسوية الراديكالية‪ ،‬بل ينبغي التعامل مع االنقسام الثنايئ للسلطة بدالل ِة‬
‫وجذورها ال َبطر َيركية معا(‪.)86‬‬ ‫ُأصولها الطبقية ُ‬
‫‪198‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫وسيقود مثل هذا املوقف إىل التعامل مع الرأساملية وال َبطر َيركية بوصفهام‬
‫وإن كانا ال َيتَطا َبقان ولَيس أحدهام ُمستقال‬ ‫نظامني يعتمد أحدُ هام عىل اآلخر‪ْ ،‬‬
‫عن اآلخر كذلك‪ .‬أما السبب يف ذلك َف َي ِجدُ َسنَد ُه يف االعتامد املتبادَل بني النظا َمني‬
‫كل ِمنهام اآلخر يف مر َّك ٍب‬ ‫كل منهام يف مجالٍ معني بحيث ُيك ِّم ُل ٌّ‬ ‫عمل ٍّ‬
‫خص ِص ِ‬ ‫يف َت ِّ‬
‫ُ‬
‫‪ synthesis‬أو َتوليف ٍة أطلقت تسمية الرأساملية ‪ -‬ال َبطر َيركية عليها‪ ،‬وأصبح من‬
‫لكل دعاوى التيار النسوي االشرتايك يف تفسري ِه لِظاهرة‬ ‫ثم مبنزلة خاصية مركزية ِّ‬ ‫َّ‬
‫اضطهاد النساء‪ .‬والدليل الذي َتسو ُق ُه الكاتبة تأكيدا عىل مثل هذا التعاضد‬
‫بني النظا َمني هو ما وجدت ُه يف تجارب النظم االشرتاكية وخصوصا يف االتحاد‬
‫تحطيم النظام‬
‫ُ‬ ‫كل من الصني وكوبا‪ .‬حيث مل يستتبع‬ ‫السوفييتي السابق ويف ٍّ‬
‫ظل تقسيم العمل‬ ‫تحطيم املؤسسات ال َبطر َيركية هناك‪ ،‬بل َّ‬ ‫َ‬ ‫الرأساميل بالرضورة‬
‫الجنيس قامئا فيها ومل يتأثر من ج َّراء استبدال نظام اشرتايك مكان الرأساميل‪ .‬كذلك‬
‫فإن تدمري العائلة من زاوية أنها األساس الذي ُتبنى علي ِه ال َبطر َيركية لن يؤدي إىل‬ ‫َّ‬
‫تغيري وضع املرأة بالرضورة‪.‬‬
‫فس بها كا ِتبتنا عمل ا ُملر َّكب الرأساميل ‪ -‬ال َبطر َيريك‪َ ،‬فن َِجدها‬ ‫أما الطريقة التي ُت ِّ ُ‬
‫ثم‬
‫تنظيم عاملِ العمل ومن َّ‬ ‫ِ‬ ‫تذهب إىل َّأن جهود الرأساملية كانت قد انحرصت يف‬ ‫ُ‬
‫باشة االستغالل‪ ،‬يف الوقت الذي أ ْب َق ْت فيه لل َبطر َيركية َم َه َّم َة استقرار املجتمع‬ ‫ُم َ‬
‫األرسة‪ .‬وهو ما َيعني يف التحليل األخري‪ ،‬وفق ما تذهب إليه الكاتبة‪،‬‬ ‫من خالل ُ‬
‫إسناد مسؤولية أداء هذه الوظيفة إىل املرأة‪ .‬هنا ال بدَّ من التساؤل عن الكيفية‬
‫مهمة الحفاظ عىل نظام املجتمع واستقرار ِه‪ ،‬وعملية االستغالل‬ ‫التي ُح ِّولت بها َّ‬
‫ُباشها الرأساملية‪ ،‬إىل وظيفة أو رمبا مسؤولية ُأو ِك َل إىل املرأة تنفيذها؟‬ ‫التي َست ِ‬
‫وهو ما ميكن التعرف عليه من خالل التقسيم الذي درجت عليه النسوية االشرتاكية‬
‫للعمل ا ُملن ِت ِج يف املجتمع‪ ،‬والذي يصنف إىل نوعَني‪ :‬العمل املنزيل والعمل املأجور‪.‬‬
‫وكال النوعَني من العمل يقوم عىل خدمة وإدامة بنية ونظام املجتمع القائم‬
‫باألساس عىل الرأساملية وال َبطر َيركية‪ .‬أما الرأساملية فهي ستستفيد من عمل‬
‫النساء وذلك بالقدر الذي ُتؤدي ِه هذه الفئة يف املجال العام بوصفها جزءا من‬
‫قوة العمل‪ ،‬يف الوقت الذي َسيستفيدُ الرجال من عملهنَّ مبعيار العمل ا ُملؤدَّى‬
‫يف البيت‪ ،‬وكذلك االمتيازات املتحققة لهم يف إطار التنظيم ال َبطر َيريك للمجتمع‪.‬‬
‫‪199‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫هذه االمتيازات ال ميكن لها أن تتحقق ما مل تكن األيديولوجية و ُبنى الرتاتب‬


‫الجنيس الذكوري هي األساس يف املجتمع‪.‬‬
‫عمل النساء وفق هذا املنطق يقع يف أساس البنية املجتمعية حيث يستقر‬ ‫َّإن َ‬
‫التنظيم القائم أصال عىل الرتاتبية الجنسية‪ ،‬وهذه بدورها َستَخدم كال من الطبقة‬
‫جانب الرجال (ال َبطر َيركية)‪ .‬ثم ستحقق‬ ‫ِ‬ ‫البجوازية (الرأساملية) إىل‬ ‫الحاكمة ُ‬
‫النساء‪ ،‬والحالة هذه‪ ،‬منفعة لِكال هذين النظا َمني‪ .‬فاملرأة من جانب ستؤدي‬
‫األعامل بوصفها جزءا من قوة العمل املأجور يف سوق العمل ولكن بأجو ٍر ُمتدنية‪،‬‬
‫جانب آخر ستعمل املرأة نفسها عىل تح ّمل األعباء املنزلية اليومية كالرعاية‬ ‫ٍ‬ ‫ومن‬
‫مقابل لها‪ .‬ثم‬‫ٍ‬ ‫تقديم‬
‫ِ‬ ‫والرتبية غري املأجورة‪ ،‬وهي ِخ ٌ‬
‫دمة َيستَخ ِلصها الرجل من دون‬
‫هي إضافة إىل ذلك ستعمل عىل إعادة إنتاج قوة عمل جديدة (اإلنجاب) وتتعهد‬
‫بعملية اإلعداد والتنشئة والرعاية وكلها أعامل مجانية‪ ،‬وبذلك ستتجنب الرأساملية‬
‫تحمل أي تكاليف من هذا النوع سواء تجاه الرجل العامل أو إلعادة إنتاج قوة‬
‫العمل الالزمة من أجل استدامة االستغالل الرأساميل‪ .‬كام سرتفع عنها مسؤوليات‬
‫من شأنها ْأن ُت ْغ ِر َقها يف تفاصيل الحياة اليومية للناس وقد ُتجربها عىل التدخل‬
‫و َفرض قوانني قد َتضطرها َّربا إىل العمل عىل تقليص الحريات الفردية للناس‪ ،‬وهو‬
‫الخطر الذي تسعى الرأساملية جاهدة إىل الحؤول دون حدوث ِه‪ ،‬نظرا إىل تعا ُر ِض ِه‬
‫مع فلسفتها الخاصة وتوجهاتها االقتصادية والسياسية‪ ،‬فضال عام قد يرتتب عىل مثل‬
‫هامش الربح‪ ،‬وهو العنرص األساس الذي تسعى الرأساملية‬ ‫تقليص لِ ِ‬
‫ٍ‬ ‫هذا النشاط من‬
‫جاهدة إىل تحقيقه‪ .‬وبغية اإلبقاء ودوام تقسيم العمل الجنيس القائم عىل عمل‬
‫سعت الربجوازية جهدها‪َ ،‬مسوقة‬ ‫املرأة يف املنزل من دون أج ٍر ويف العمل بأجر‪ِ ،‬‬
‫باالعتبارات السابقة‪ ،‬من أجل الحفاظ عىل العائلة سليمة يف وجه التهديدات التي‬
‫قد َتتع َّر ُض لها‪ .‬وبعكس ذلك‪ ،‬سيظل الخطر وعىل نح ٍو متواصل َيت َه َّد ُد َخزَّان العمل‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫املجاين ‪ free labor pool‬الذي ميثله عمل املرأة؛ والسيام إنتاجا وإنجابا‬
‫أغلب جوانب املجتمع إضافة إىل التنظيم االجتامعي‬ ‫عم بتأثريات ِه َ‬
‫أساس‪ ،‬كام َس َي ُّ‬
‫والسيايس للمجتمع نفس ِه‪ ،‬أي مبعنى الرتاتب الجنيس‪.‬‬
‫النقطة األخرى التي ُت َر ِّك ُز عليها زيال آيسنشتاين ‪ Zillah R. Eisenstein‬هي‬
‫املعنى الذي يفرتض إعطاؤه للطبقة‪ .‬فهي تؤكد رضورة إعادة تعريف مفهوم‬
‫‪200‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫أساس من التعريف السائد والذي َتعا َر َف‬ ‫الطبقة ‪ class‬ليتحول من أن يكون عىل ٍ‬
‫علي ِه الرجال‪ ،‬حيث يجري مبوجب ِه النظ ُر إىل طبقية املرأة أو التحدر الطبقي للمرأة‬
‫أساس من عالقة الزوج بوسائل اإلنتاج‪ ،‬إىل أن يكون عىل أساس الوضع الواقعي‬ ‫عىل ٍ‬
‫للمرأة ووعيها له بوصفها كائنا مستقال‪ .‬وهنا ينبغي التأكيد عىل أن مثل هذا القول‬
‫ال ينرصف إىل إنكار حقيقة وجود الطبقة ذاتها‪ ،‬كام ال يعني أيضا إنكار وجود‬
‫متايزات طبقية وامتيازات تتمتع بها فئات من النساء‪ ،‬أو إنكار َّأن هناك طبقة‬
‫خاصة بـ « َر َّبات البيوت» عىل سبيل املثال‪ ،‬بقدر ما يعني رضورة السعي من أجل‬
‫الحقا إىل‬ ‫توصل ِ‬
‫البحث عن التشابهات التي تجمع بني النساء يف أول األمر ليك ُي َّ‬
‫معرفة ما ُيف ِّر ُق بينهنَّ من الناحية الطبقية‪.‬‬
‫والواقع َّأن أهمية مثل هذا االتفاق الذي ُتطالِ ُب به الباحثة بخصوص تحديد‬
‫مفهوم الطبقة نسويا تكمن يف إدراكها االختالفات بني آراء النسويات‪ ،‬التي أخذت‬
‫تظهر وخصوصا منذ أواخر الستينيات وبداية السبعينيات من القرن املنرصم‪ ،‬حول‬
‫وربا للقومية‬ ‫ي ما لل ِعرق والطبقة َّ‬ ‫َمنْ َي ِّح ُق لَ ُه التكلم باسم النساء‪ ،‬بعد ما َت َب َّ َ‬
‫والدين والحياة الجنسية من تأث ٍري يف التنوع الحاصل يف أوضاع النساء ويف طبيعة‬
‫حاجات تتطلب الوفاء‬‫ٍ‬ ‫التجارب والخربات املختلفة التي َي ِع ْشنَها وما يتصل بها من‬
‫فئات ِب َعينها وتكون لها األولوية لديهم عىل ما عداها‪.‬‬ ‫بها نظرا إىل حساسيتها لدى ٍ‬
‫وهو ما َيقودنا إىل العنرص الثالث يف مسلسل التحليل الذي اعتمدت ُه كاتبتنا يف بحثها‬
‫عن حلول لالضطهاد الذي َتتَع َّر ُض له النساء‪ ،‬واملتمثل يف الثورة‪.‬‬
‫هدف مركزي سوف تسعى إليه النساء من أجل التخلص من‬ ‫ٌ‬ ‫فالثورة هي‬
‫االضطهاد‪ .‬ولكن السؤال الجوهري هو‪ :‬كيف السبيل إىل تحقيق ذلك؟ ويف سياق‬
‫اإلجابة عن ذلك‪ ،‬تعتقد آيسنشتاين ‪َّ Eisenstein‬أن السبب كامن يف التنظيم‪ ،‬أي‬
‫التنظيم الذي س ُيحدَث من خالله التغيري املطلوب يف املجتمع ونظامه االقتصادي‪،‬‬
‫وذلك يف محاولة شاملة منها لإلجابة‪ ،‬وفق ما نعتقد‪ ،‬عن التساؤالت التي تقدمت‬
‫بها النساء ا ُملل َّونات واألمريكيات من أصل أفريقي واملهاجرات واملتحدرات من‬
‫الطبقة العاملة وفئات من الرافضات للعالقة املعهودة بني الرجال والنساء‪ ،‬إضافة‬
‫إىل أخريات غريهنَّ ‪ .‬وهو ما ال يتم إال من خالل تنظيم النساء يف بنية موحدة‬
‫سيكون باإلمكان من خاللها تحقيق هدفهنَّ املتمثل يف محاولة تغيري بنية ونظام‬
‫‪201‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫مثل هذا‬ ‫املجتمع القائم‪ .‬أما الطريق الذي سيتخذه مثل هذا النشاط تحقيقا لِ ِ‬
‫تجسدُ يف البدء بإنتاج وتطوير مفردات وأدوات مفاهيمية من شأنها‬ ‫الهدف‪َ ،‬ف َي َّ‬
‫لقي الضوء عىل طبيعة التاميز بني النساء‪ ،‬عىل أن يتم ذلك بداللة عالقاتهنَّ‬ ‫ْأن ُت َ‬
‫بالرجال وبال ُبنية الطبقية‪ ،‬كذلك باإلنتاج واإلنجاب‪ ،‬والعمل املنزيل والعمل املأجور‪،‬‬
‫وباملجاالت الخاصة والعامة‪ ،‬وأثر ذلك كل ِه يف شكل التنظيم الناتج ويف مدى قدرات‬
‫األخري عىل العمل املشرتك يف سبيل تحقيق أهداف التغيري املنشود‪ .‬ذلك يعني‬
‫العمل عىل تجاوز ما قد ُي ِّي ُز النساء والتحول بدال من ذلك إىل الرتكيز عىل ما‬
‫َي ْج َم ُعهُنَّ وعىل جوانب التشابه القائم فيام بينهنَّ ‪ ،‬بحيث يقود ذلك يف نهاية‬
‫املطاف إىل إنتاج تنظيم اجتامعي عابر للطبقات ‪ cross-class‬فيه ُيتجاوز ما ُيف ِّر ُق‬
‫وحدهنَّ من تجارب وخربات اإلنجاب والرعاية والرتبية‬ ‫بني النساء و ُي َر َّكز عىل ما ُي ِّ‬
‫واإلجهاض واالغتصاب‪ .‬حينها سيمكن للنساء الخروج من عُ ْزلَ ِت ِهنَّ االنفرادية يف‬
‫بيوتهنَّ والعيش بدال من ذلك يف مجتمع ‪ community‬خاص‪ ،‬يكون املجال مفتوحا‬
‫الخلق الذي ُخ ِل َق ْت من أجل ِه‪ ،‬وحيث‬ ‫فيه أمام تحقق إمكانات املرأة الكامنة للعمل َّ‬
‫يكون بإمكانها التمتع بوعي نقدي بدال من الوعي الكاذب الذي فرض عليها يف ظل‬
‫ُمر ّك ِب الرأساملية ‪ -‬ال َبطر َيركية الذي َتعيش ُه أغلبيتهنَّ ‪ ،‬من ج َّراء ارتباطهنَّ باألعامل‬
‫الروتينية ا ُملولِّد ِة بعامة لل َبالد ِة يف البيت‪ ،‬وأخريا‪ ،‬متكينها من ْأن َتحيا حياة جنسية‬
‫ات تدور حول أفكار جديدة هي‬ ‫جديدة دومنا تقييد أو تحريم نا ِبعة من تصور ٍ‬
‫األخرى عن النشاط الجنيس لدى النساء(‪.)87‬‬

‫رابعا‪ :‬نسوية ما بعد الحداثة ‪Post-Modernist Feminism‬‬


‫َب َر َز ْت نظرية ما بعد الحداثة(‪ )88‬منذ السبعينيات املنرصمة‪ ،‬ويرتكز َمبدؤها‬
‫األساس عىل فكرة التحول االجتامعي وكذلك التحول الثقايف والفكري من مرحلة‬
‫الحداثة إىل مرحلة ما بعد الحداثة‪ .‬مبعنى َّأن املجتمعات الحديثة كانت ُترى من‬
‫دت بواسطة التصنيع والتضامن الطبقي ‪class solidarity‬‬ ‫زاوية كونها قد ُش ِّي ْ‬
‫اف الدولة والسيطرة‬‫واملركزية السياسية واإلدارية‪ ،‬أي توجيه حكومة املركز أطر َ‬
‫موحد ونظام اقتصادي مركزي‪،‬‬ ‫عليها بواسطة جهاز بريوقراطي وتنظيم سيايس ّ‬
‫بحيث ُتحدَّد في ِه الهوية االجتامعية من خالل تعيني مركز املرء داخل نظام اإلنتاج‬
‫‪202‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫بذاته‪ .‬أما مجتمعات ما بعد الحداثة فهي مجتمعات معلوماتية ‪information‬‬


‫‪ ،societies‬إذ تتميز بكونها ُمتشظية وتعددية وال يجمعها مركز قوي ومؤ ِّثر كالذي‬
‫كان موجودا يف مرحلة الحداثة‪ ،‬بحيث تحول األفراد فيها من ُمنتجني إىل ُمستهلكني‪،‬‬
‫واستب ِدلت النزعة الفردية فيها بالوالءات العرقية والدينية والطائفية واإلثنية(‪.)89‬‬
‫ويف ضوء ذلك‪ُ ،‬يش ُري مصطلح «نسوية ما بعد الحداثة» إىل طريق ٍة جديد ٍة يف‬
‫انش َغل بها وعَمل عىل َتبنيها عددٌ من النساء العامالت يف الحقول األكادميية‬ ‫التفكري‪َ ،‬‬
‫املختلفة بشكل خاص واملتأثرات بفلسفات ما بعد الحداثة‪ .‬وكام هو حال النسويات‬
‫األخريات؛ تبحث نسويات ما بعد الحداثة عن تفس ٍري لظاهرة الخضوع التي ُتعانيها‬ ‫ُ‬
‫النساء‪ ،‬وخصوصا ما َتع َّلقَ األمر من ُه بأجساد النساء يف سياق عملية اإلنجاب والبحث‬
‫سبيل ُي ْس َم ُح لهنَّ من خالل ِه بالوقوف والعمل عىل إنهاء االضطهاد‪،‬‬ ‫ثم عن ٍ‬ ‫من َّ‬
‫وأكدن عىل هذا الهدف(‪ .)90‬غري َّأن ما ُ َي ِّي ُز هذا االتجاه األخري هو االعتقاد الذي‬
‫سا َد يف األوساط الفكرية منذ العقدَين األخ َريين من القرنِ العرشين‪ ،‬أو َّربا أكرث‬
‫طريق مسدود‪ ،‬وهو ما َيعني َموتها‪ .‬وذلك‬ ‫ٍ‬ ‫بقليل‪ ،‬بوصول النسوية حركة وفكرا إىل‬
‫ش ِك النخبوية‪ ،‬بعد اتهامها‬ ‫ات من َبينها أن التيارات النسوية قد َع ِل َق ْت يف َ َ‬ ‫العتبار ٍ‬
‫طبقات دُنيا‪ ،‬سواء أ ُكنَّ من‬
‫ٍ‬ ‫تح ِّدرات من‬ ‫قبل العديد من النسويات الم ُ َل َّونات وا ُمل َ‬ ‫من ِ‬
‫املهاجرات أم من الجامعات اإلثنية والعرقية ا ُملهمشة اجتامعيا‪ ،‬بالعمل عىل متثيل‬ ‫ِ‬
‫ائح اجتامعية ممتازة طبقيا‪،‬‬ ‫ثم توجي ِه خطابها إىل النساء الاليت َيتحدرن من رش ٍ‬ ‫ومن َّ‬
‫سبب آخر‪،‬‬ ‫ات خاصة هي األخرى‪ .‬وهنَّ َي ِع ْشنَ ‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫َ ْي َت ِل ْكنَ بحكم انتامئهنَّ امتياز ٍ‬
‫نظم اجتامعية واقتصادية َتتاز بالوفرة‪ ،‬والتي ُيح ِّم ْلنَها مسؤولية حرمانهن‬ ‫يف ظل ٍ‬
‫من َنيل مثل هذه االمتيازات بسبب املايض االستعامري‪ .‬هنا ال ب َّد من التساؤل عن‬
‫وصلت إليه أو َّربا الذي ميكن ْأن َت ِص َل إلي ِه عضوات هذا التيار‬ ‫ْ‬ ‫مدى النجاح الذي‬
‫يف تجاوز هذه الرشوخ التي أصابت الفكر النسوي والحركة النسوية بالتبعية؟ كذلك‬
‫ثم املرشوع الذي َح َم َل ْت ُه استجابة النسوية َحال ملثل هذه اإلشكالية‪،‬‬ ‫ما التصور ومن َّ‬
‫والذي اتخذ من فلسف ِة وأفكار ما بعد الحداثة حقال للبحث فيه عن الحل؟‬
‫و ُبغية اإلملام باملحتوى الخاص باملرشوع النسوي مابعد الحدايث ‪،postmodernist‬‬
‫ال ب َّد من التعرف بداية عىل الفلسفة الخاصة مبا بعد الحداثة‪ ،‬والسيام من حيث‬
‫طبيعتها واتجاهات التفكري لديها‪ .‬وهنا‪ ،‬ميكننا اعتبار ُمنتصف القرن العرشين نقط َة‬
‫‪203‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫انطالقٍ جيدة من أجل متابعة تطور هذا التيار الفكري؛ وذلك لكونها نقطة مفصلية‬
‫يف تاريخ العامل‪ .‬حيث وجد العامل نفس ُه ُم ْن َغ ِمسا يف َحر َبني عالَميتَني خالل ثالثني‬
‫عاما أو تزيد قليال‪ .‬فضال عن املعاناة القاسية التي ج َّر ْتها تجارب عد ٍد من النظم‬
‫جت‬ ‫سادت خالل فرتة ما بني الحر َبني (‪ ،)1939 - 1918‬والتي ُأد ِر ْ‬ ‫ْ‬ ‫السلطوية التي‬
‫مامرساتها تحت عناوين رئيسة من مثل‪« :‬الهُولوكوست» و«جرائم اإلبادة البرشية»‬
‫و«التصفيات العرقية»‪ ...‬إلخ‪ .‬والتي عُ د َّْت وقتها بوصفها َوجها جديدا للحضارة‬
‫كل ما َت ْح ِم ُل ُه من معانٍ ورموز ظ َّل ْت خافية أو كا ِمنة لِام ُيسمى‬
‫الغربية الحديثة ولِ ِّ‬
‫بـ «الهندسة االجتامعية» التي هي من نتاج الرؤية الخاصة بالحداثة(‪ .)91‬كان من‬
‫نتائجها تحميل نظم الفكر ا ُملعتَمدة ومناهج البحث والتَّحري ال ِعلم َّيني‪ ،‬بل كل‬
‫أساس إبستمولوجي وضعي‪ ،‬أسباب مثل هذه‬ ‫معارفنا ونظرياتنا التي ُبن َي ْت عىل ٍ‬
‫ثم بالقصور عن التنبؤ مبثل هذه‬ ‫االنتكاسة التي شهدتها اإلنسانية‪ ،‬واتهامها من َّ‬
‫األوضاع‪ ،‬فضال عن عدم حيازتها القدرة الالزمة للتصدي لها‪.‬‬
‫وربا‬‫منتصف القرن العرشين‪ ،‬أو َّربا قبل ذلك بقليل‪ ،‬لهذه األسباب َّ‬ ‫ُ‬ ‫لقد َم َّث َل‬
‫ُألخرى غريها‪ ،‬نقط َة تحولٍ يف النظر إىل العامل وإىل دور اإلنسان فيه‪ ،‬بحيث أخذت‬
‫كوك حول مدى صدق املعرفة املجردة والشاملة أو‬ ‫شكل ُش ٍ‬‫هذه النظرة الجديدة َ‬
‫الكونية ‪ ،universal‬والخالية من القيم أو القيمة ‪ ،value-free‬التي َت َرى املواضيع‬
‫واألشياء من زاوية كونها كيانات تتحرك وفق اطرادات ثابتة وقوانني ُمق َّررة َس َلفا‬
‫َحك ِم‬‫وبَعزلٍ عن إرادة اإلنسان‪ ،‬وليس عىل األخري من أجل إخضاعها لِمطالِب ِه والت ُّ‬ ‫ِ‬
‫فيها سوى معرفة هذه القوانني واكتشافها‪ .‬وهو ما ال ميكن تحقيق ُه إال من خالل‬
‫جانب املالحظة والتجريب‬ ‫عملية تجري ٍد َتستخ ِد ُم مزيجا من العقل أو املنطق إىل ِ‬
‫ني‬‫اللذين ُيسقطان عىل الظواهر آ ِنفة الذكر‪ .‬وهو‪ ،‬عىل أي حال‪ ،‬األساس الذي ُب َ‬
‫عليه املرشوع الحدايث الغريب‪ ،‬وريث عرص النهضة ‪ Renaissance‬األورويب الذي‬
‫بدأ يف القرن الثالث عرش‪ ،‬ومرورا بعرص األنوار ‪ Enlightenment‬األورويب يف‬
‫القرن الثامن عرش(‪.)92‬‬
‫وهنا تجدر اإلشارة إىل فكرة أ َّن ُه مل تنفرد مدرسة ما بعد الحداثة مبثل هذه‬
‫النظرة النقدية املنسوبة إىل َمنهج العلم الوضعي السائد يف البحث العلمي بوصفه‬
‫مصدرا وحيدا للمعرفة العلمية‪ ،‬بل َس َب َقها إليه عديد من التيارات الفكرية كالوضعية‬
‫‪204‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫املنطقية والنظرية النقدية‪ .‬بيد َّأن ما ُي ِّي ُز اتجاه ما بعد الحداثة هو التأكيد الثابت‬
‫والحرصي عىل الذات والذاتية ‪ ،subjectivity‬والتي تعني َّأن الحقيقة (أو الواقع)‬
‫هي هنا يف دائرة الداخل‪ ،‬أي يف الذات ‪ ،Self‬بدال من املوضوعية ‪ objectivity‬التي‬
‫َترى يف الحقيقة كونها موجودة يف الخارج‪ .‬مبعنى آخر‪َّ ،‬أن «الذات» هي التي ُي َ‬
‫نظ ُر‬
‫إليها وفق هذا االتجاه‪ ،‬بوصفها مصدرا وحيدا للمعنى والفهم وليس «املوضوع»‪.‬‬
‫بحيث أصبحت الذاتية َت ْف ِر ُض نفسها عىل الواقع من منظور دُعاة ما بعد الحداثة‪،‬‬
‫وربا واقعا بديال‪ ،‬بحيث َتع َم ُل من خالل ِه‬
‫تأويل الواقع جاعلة من ُه َيقينا َّ‬
‫فتعمل عىل ِ‬
‫عىل نقض ‪ -‬أو هكذا ُتحاول ‪ -‬عديد من املفاهيم ومناهج التفكري واملعرفة املتحققة‬
‫وكذلك املعتقدات السائدة(‪.)93‬‬
‫األمر اآلخر الذي اختصت به مدرسة ما بعد الحداثة عن املدارس الفكرية‬
‫مبرشوع فكري أو رمبا عميل ميكن‬ ‫ٍ‬ ‫الناقدة للوضعية آ ِنفة الذكر‪ ،‬هو عدم التقدم‬
‫ْأن يكون بديال عن سابق ِه‪ ،‬ويف املقابل من ذلك‪ ،‬االكتفاء بالهدم دون البناء‪ .‬وإذا‬
‫ما انتقلنا إىل البحث يف طبيعة وأساليب النقد املعتمدة من قبل مابعد الحدايث‪،‬‬
‫َهكم والسخرية املوجهة إىل املرشوع‬ ‫فسنجدها خليطا من الشكوك واالتهامات والت ُّ‬
‫الحدايث‪ ،‬ويف هذا السياق تقول الس ِّيدة جانيس ماكلفلني ‪:Janice McLaughlin‬‬
‫والشك األكرب السائد اآلن ضمن الفكر‬ ‫ِّ‬ ‫«إن ما بعد الحداثة مصد ٌر رئيس للتشوش‬ ‫َّ‬
‫وضع االدعاءات‬ ‫ِ‬ ‫تصحيح‬
‫ِ‬ ‫االجتامعي والسيايس‪ .‬أغلب هذا العمل يسعى إىل‬
‫باملعرفة والحقيقة بوصفها تأويالت خاصة»(‪ .)94‬و ُبغية تأكيد هذا الطابع ا ُملنا ِقض‬
‫ثم عىل َتبني موقف مناقض متاما للحداثة ومي ّثل‬ ‫أو ا ُملعا ِرض للحداثة‪ ،‬س ُيعمل من َّ‬
‫بديال منها وفق رأي مؤيديها‪ .‬فلام كانت الحداثة متثل الشكل ‪ form‬نجد َّأن ما‬
‫بعد الحداثة تأخذ يف التعبري عن موقف يتمثل مبعاداة الشكل ‪ ،anti-form‬ويف‬
‫املقابل من الغرض ‪ purpose‬أو الهدف املركزي الذي تؤمن به الحداثة نجد هناك‬
‫ال َع َبث ‪ play‬والالمباالة‪ ،‬ويف مقابل الرتاتب ‪ hierarchy‬والنظام سنجد التأكيد عىل‬
‫الفوىض ‪.)95(anarchy‬‬
‫وبالرغم من صعوبة اإلتيان بتعريف دقيق ملفهوم «ما بعد الحداثة»‪ ،‬وذلك‬
‫لتشعب وتعدد اتجاهات النظر إليها سواء من املنادين بها أو املعارضني التجاهاتها‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫فإنه باإلمكان متييز األفكار الرئيسة املتواترة فيها وهي‪:‬‬
‫‪205‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫‪ - 1‬أنه من املستحيل الوصول إىل حقيقة موضوعية ‪ objective truth‬أو‬


‫حقيقة ثابتة وغري قابلة للتغري عىل الصعيد الفكري‪.‬‬
‫‪ - 2‬ليست هناك حقائق أو أفكار غري قابلة لإلدراك والفهم‪.‬‬
‫‪ - 3‬كل األفكار َتت َِّس ُم بكونها ذات طبيع ٍة ُم َر َّكبة اجتامعيا أو ثقافيا‪.‬‬
‫‪ - 4‬الحقائق أو األفكار تكون صحيحة فقط إذا كانت َت ُص ُّب يف مصلحة‬
‫ضط َهدين(‪.)96‬‬‫ا ُمل َ‬
‫يعني ذلك َّأن الفكرة املركزية يف هذه النظرية َتتم َّث ُل يف أ َّن ُه ليس هناك‬
‫من أم ٍر يقيني و ُمؤ ّكد‪ .‬فالفكرة القائلة بوجود حقيقة مطلقة وشاملة هي فكر ٌة‬
‫نم عن تظاهر متغطرس ‪an arrogant‬‬ ‫ينبغي التخلص منها باعتبارها مجرد ادعاء َي ُّ‬
‫‪.)97(pretence‬‬
‫فإن ملا بعد الحداثة قصة أخرى؛ ذلك َّأن هناك عديدا من املف ِّكرين‬ ‫ومع ذلك َّ‬
‫والكتَّاب‪ ،‬سواء من داخل التيار أو من خارج ِه‪ُ ،‬يعا ِر ُض أصال هذا االتجاه الفكري‬
‫وص ُف‬‫ومدى ما َيح ِم ُل ُه من مصداقية‪ .‬فمثال هناك هال فوسرت ‪ ،Hal Foster‬والذي ُي َ‬
‫ِبكون ِه أحد املهتمني مبا بعد الحداثة‪َ ،‬يتسا َءل يف مقدمة كتاب ِه املوسوم بـ «مناهضة‬
‫مقاالت يف ثقافة ما بعد الحداثة» ‪The Anti-Aesthetic: Essays on‬‬ ‫ٌ‬ ‫الجاملية‪:‬‬
‫َ‬
‫‪ ،postmodern culture‬عن صحة وجود ثقافة ما بعد الحداثة أصال‪ ،‬بل إن حتى‬
‫ما َتح ِم ُل ُه من معنى غري معروف‪ ،‬فهل «ثقافة ما بعد الحداثة» مفهوم أم مامرسة؟‬
‫ثم هل هي مسألة أسلوب محيل ض ِّيق أم أنه َيتدُّ لِ َيشمل املكان والفرتة الزمنية‬
‫كلها‪ ،‬أم هي مجرد مرحلة اقتصادية؟ ثم هل نحن نعرب بالفعل إىل مرحلة ما بعد‬
‫الحداثة‪ ،‬ذلك الذي عُ ّب عنه مبصطلح املابعدية‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك فام أشكالها‪،‬‬
‫مبعنى طبيعة املرحلة وماه ّيتها‪ ،‬وما تأثرياتها‪ ،‬ويف أيٍّ من األم ِكنة توجد؟ و ُي َّعدُّ هذا‬
‫فيض أسئل ٍة أخرى(‪.)98‬‬ ‫غيضا من ِ‬
‫مثل هذه األسئلة ال تحمل يف ط ّيا ِتها سوى عدم االقتناع والشكوك فيام‬ ‫ُ‬
‫َضمنات فكرية وفلسفية‪ ،‬ال َّلهم إال ما َتع َّلقَ األمر منه بالشكوكية‬ ‫ٍ‬ ‫تحمل ُه من ُمت‬
‫والالمباالة وال َكلبية ورمبا «الفصامية» ‪ ، schizophrenic‬وأخريا‪ ،‬خاصية النسبوية‬
‫(‪)99‬‬

‫‪ ،relativism‬التي َترفض أيَّ ادعاء بالحقيقة أو الواقع ‪ reality‬والتي ال ترى‪ ،‬من‬


‫أوضاع ووقائع سوى ِخطابات ونصوص وأوهام‪ ،‬فضال عن‬ ‫ٍ‬ ‫ثم‪ ،‬فيام هو قائم من‬ ‫َّ‬
‫‪206‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫الجانب املتعلق باملامرسة الذي يعني العمل الجامهريي والهادف من أجل التغيري‬
‫وربا أيضا‪ ،‬األدب والسيكولوجيا ‪ -‬والذي‬ ‫‪ -‬إال ما َتع َّلقَ األمر منه بالفنِّ وال َعامرة َّ‬
‫عب عنه كل من رو ِبن آشري ‪ Robin Usher‬وريتشارد إدوارد‬ ‫ُأه ِمل أصال‪ .‬وهو ما َّ َ‬
‫‪ Richard Edwards‬بالقول‪« :‬ببساطة ليست ما بعد الحداثة جسدا من الفكر‬
‫طريقة يف املامرسة؛ فهناك فنُّ عامرة ما‬ ‫ٌ‬ ‫وطريقة يف التنظري فقط‪ ،‬بل هي أيضا‬
‫بعد الحداثة وفنُّ وأدب وعلم نفس ما بعد الحداثة‪ .‬وعىل رغم ذلك فمصطلح‬
‫ما بعد الحداثة ليس يف الحقيقة نظاما موحدا من األفكار واملفاهيم بأي معنى‬
‫تقليدي أو متعارف عليه‪ .‬فهو باألحرى‪ُ ،‬مع َّقد ومتعدد األشكال و ُيقاوم التفسريات‪.‬‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫[ثم َّإن] مصطلح «ما بعد الحداثة» ال ُيش ُري إىل حرك ٍة موحدة‪َّ ...‬ربا ُيفهم‬
‫أفضل بوصف ِه حالة ذهنية ونقدية‪ ،‬موقفا وأسلوبا مرجعيا ذاتيا‪ ،‬طريقة مختلفة يف‬
‫النظر والعمل‪ ،‬وليس جسدا ثابتا من األفكار‪ ...‬وال مجموعة واضحة من املناهج‬
‫‪ methods‬والتقنيات النقدية»(‪.)100‬‬
‫املهم يف األمر َّأن ما بعد الحداثة‪ ،‬وعىل الرغم من االختالف واإلشكال الذي‬
‫عُ ِّب عنه يف كتابات الفالسفة واألكادمييني واألدباء وغريهم ِممنْ َتبنوا هذا النوع من‬
‫التفكري والتوجه‪ ،‬وعىل الرغم أيضا من املواقف ا ُملعا ِرضة أو النا ِقدة‪ ،‬فإ َّن ُه مام ال‬
‫أبرزت إىل الوجود‬ ‫ُيكن ُنكران ُه يف هذا املجال َّأن مدرسة ما بعد الحداثة كانت قد ْ‬
‫طرقا جديدة يف التعبري وأساليب مل تكن معهودة من قبل سواء يف مجاالت الفن‬
‫والعامرة أو يف األدب والفلسفة‪ ،‬ثم امت َّد ذلك لِ َيشمل االجتامع والسياسة‪ ،‬بل العدد‬
‫كل من‬‫الكبري اآلخر من الحقول املعرفية والفكرية األخرى‪ ،‬إىل الدرجة التي أصبح لِ ٍّ‬
‫هذه الحقول مابعد حداثيته الخاصة‪ ،‬التي تتفق َّربا يف أصولها الناقدة للمجتمع‬
‫والسلطة املتحققة يف إطار «الحداثة» من حيث كون األخرية هي ُبنى و َترا ُتبات‬
‫موحدة‪ ،‬والناقدة كذلك للباردايم الحا ِكم للتفكري واملامرسة املعمول بهام‬ ‫ومعايري ّ‬
‫يف الحقول العلمية واملعرفية ‪ -‬الطبيعية واالجتامعية ‪ -‬وللفن واألدب واألساليب‬
‫وربا بشدة عىل القضايا‬ ‫ا ُملتَّبعة فيهام‪ ،‬ولكن املختلفة فيام بني مثل هذه التوجهات َّ‬
‫األخرى وخصوصا التفصيلية منها‪.‬‬
‫تأسيسا عىل ما َس َبقَ ذكرهُ‪ ،‬ميكن القول َّإن ما بعد الحداثة‪ ،‬بوصفها منظومة‬
‫أفكا ٍر ووجهات نظر‪ُ ،‬تحاول إيجا َد مكانٍ لها عىل أرض الواقع من خالل عملها عىل‬
‫‪207‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫إقناعنا بأح ِّقي ِة َمطالِبها ووجهات نظرها‪ ،‬وخصوصا املتعلقة منها بالحقيقة أو الواقع‬
‫‪ ،reality‬ودور املعرفة وعالقتها بالسلطة‪ ،‬والعمل َّربا عىل إحالل منظومة األفكار‬
‫واملامرسات التي تتبعها‪ ،‬محل التيار الفكري السائد يف تعبري ِه ِ ُبجم ِل ِه عن الحداثة‬
‫التي أخذت مكانها عىل صعيد الفلسفة والعلوم منذ عرص النهضة مرورا بعرص‬
‫األنوار حتى الوقت الحارض‪ ،‬إىل درجة أنها قد ُو ِصفت ‪ -‬أي ما بعد الحداثة ‪ -‬بأنها‬
‫ثم فال‬‫ال تعدو كونها َر ْفضا يف املقام األول للحداثة‪ ،‬وعُ ِّر َف ْت عىل هذا األساس‪ .‬ومن َّ‬
‫تعريف ُمح َّد ٍد لهذا املصطلح‪ ،‬غري أ َّن ُه ميكن التوصل‬ ‫ٍ‬ ‫كاف أو‬
‫هم ٍ‬ ‫مي ِكن الخروج ِب َف ٍ‬
‫إىل تعريف أويل ينطلق من كون ما بعد الحداثة مبنزلة ِم َّظلة واهية أو غري ُم ْح َكمة‬
‫واألطروحات التي تدعي تجاوزها للمجتمع الحدايث‬ ‫َت ُّض ُّم العديد من النظريات ُ‬
‫وأساس ِه الفلسفي الباحث عن الحقيقة واليقني يف العقل والتجربة (‪.)101‬‬
‫ذلك َّأن الحقيقة لدى أصحاب هذا االتجاه هي أم ٌر ُمض ِّل ٌل بقدر ما ال ميكن‬
‫لها إال ْأن تكون خاضعة للتغيري‪ ،‬وهي إىل ذلك مؤقتة أو رشطية ‪ .provisional‬كام‬
‫واقع موضوعي َي َق ُع خارج اإلنسان‬ ‫َّأن اليقني ‪ certainty‬املتحقق عرب البحث عن ٍ‬
‫ثم إىل إيجاد نظرية جا ِمعة ما ِنعة ‪ ،all-encompassing‬وذلك عىل‬ ‫والسعي من َّ‬
‫وربا املاركسية عىل سبيل املثال‪،‬‬ ‫غرا ِر النظرية البنيوية والنظرية العامة للنظم َّ‬
‫تبحث عنها فلسفة‬ ‫ُ‬ ‫من أجل قيادة البحث العلمي والوصول إىل الحقيقة‪ ،‬وهي ما‬
‫الحداثة‪ ،‬هو أم ٌر مرفوض يف عُ ْر ِف هؤالء؛ وذلك نظرا إىل كوننا ال نفهم العامل ‪ -‬ا ُملك َّون‬
‫بشكل مجرد من خالل السعي إىل اكتشاف‬ ‫ٍ‬ ‫أصال من أشياء أو مواضيع وأفراد ‪-‬‬
‫القوانني التي تحكم ظواهر هذا العامل‪ .‬أما السبب يف ذلك فهو أن العامل ال ميتلك‪،‬‬
‫متأصال خاصا به‪ ،‬ولكن‬ ‫عىل ح ِّد َزعم املف ِّكر جاك دريدا ‪ ،Jacques Derrida‬معنى ِّ‬
‫إنتاجه يتم من خالل استخدامنا للتجربة‪ ،‬أو الخربة واللغة يف وظيفتهام القامئة عىل‬
‫التوسطِ بني املوجودات والفرد‪ .‬حينها فقط ميكن الحديث عن معنى للعامل املحيط‬ ‫ُّ‬
‫بنا‪ .‬ثم َّإن اللغة تتكون من كلامت‪ ،‬وهذه بدورها ليس لها من معنى إال من خالل‬
‫بشكل هَ َرمي‪ ،‬كام َّأن معاين هذه‬ ‫ٍ‬ ‫نظ ٌ‬
‫مة‬ ‫بكلامت أخرى‪ ،‬إضافة إىل كونها ُم َّ‬ ‫ٍ‬ ‫عالقتها‬
‫بشكل مختلف‬ ‫ٍ‬ ‫غي مستمر‪ ،‬وهو ما يعني َّأن العامل ُيفهم‪ ،‬ولكن‪،‬‬ ‫الكلامت ذاتها يف َت ُّ ٍ‬
‫مبرور الزمن وباختالف األشخاص والثقافات‪ .‬وهو ما ينفي أي إمكانية لِربوز نظرية‬
‫فس العامل أو ظواهر ُه التي َي ْح َف ُل بها‪ ،‬ولن‬ ‫موضوعية أو ال شخصية بإمكانها أن ُت ِّ َ‬
‫‪208‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫يكون ِ ُبستطا ِعنا سوى افرتاض وجود ذاتيات فردية خاصة ومتغرية دوما‪ .‬عىل الرغم‬
‫فإن مثل هذا القول ليس مفتوحا عىل ِمرصاعَي ِه‪ ،‬وإال لوقعنا يف الفوىض‪.‬‬ ‫من ذلك َّ‬
‫وهي نقطة أخرى أضافها املف ِّكر الفرنيس ميشيل فوكو ‪ Michel Foucault‬إىل‬
‫الفكر والفلسفة مابعد الحداثيني؛ إذ إ َّننا سنكون أمام عملية تنظيم تتوىل أم َر َحرص‬
‫هذه املعاين والتعبري عنها يف أمناطٍ ‪ patterns‬أو ِخطابات ‪ discourses‬تعمل مبنزلة‬
‫الخطابات األخرى‪،‬‬ ‫رؤية معينة ومفروضة للعامل تتمتع باألفضلية عىل ما عداها من ِ‬
‫وهو ما ستسعى إىل تحقيق ِه السلطة القامئة(‪.)102‬‬
‫وما ُيعطي هذا االتجاه طاب َع ُه الخاص هو َّأن مثل هذه ا ُملتَطلبات التي َّربا‬
‫كانت َت ْصدُ ُق فيام مىض من الزمن مل َت ُع ْد كذلك يف مجتمعات ما بعد الصناعية التي‬
‫َنعيشها يف عامل اليوم‪ ،‬حيث التنوع والتشظي إضافة إىل امليوعة أو السيولة ‪fluidity‬‬
‫قد قضت حتى عىل التجمعات االجتامعية؛ كالطبقة والجنس والقومية‪ ...‬إلخ‪ ،‬والتي‬
‫آخذ طريق ُه إىل جميع مناحي‬ ‫ثم ٌ‬ ‫كانت ُت َّعدُ مستقرة أو ثابتة فيام َمىض‪ ،‬وهو من َّ‬
‫بشكل متزايد‬ ‫ٍ‬ ‫زمن أخذت فيه السلطة من ناحيتها باالنتشار والتوزع‬ ‫الحياة‪ ،‬يف ٍ‬
‫ُ‬
‫كل مكانٍ من زوايا املجتمع‪ ،‬بدءا من األرسة واملدارس واملستشفيات وصوال إىل‬ ‫يف ِّ‬
‫السجن وأدوات السيطرة والقمع واإلكراه‪ ،‬إىل الدرجة التي أصبحت فيها السلطة‬
‫مثل هذا النوع من املجتمعات‪.‬‬ ‫اليوم سمة ُمال ِزمة و َم ْع َلام رئيسا لِ ِ‬
‫َّإن انتشار أفكار ومواقف ما بعد الحداثة كان قد َج َذ َب إليه عددا من ا ُملف ِّكرات‬
‫والناشطات النسويات‪ .‬وكام هو حال الحقول الفكرية األخرى مع فلسفة وأفكار‬ ‫ِ‬
‫ما بعد الحداثة‪ ،‬فقد كانت للنسوية مابعد حداثتها الخاصة وا ُملتم ِّثلة مبواقف‬
‫الهم النسوي وخصوصا املتعلق منه مبقولة االضطهاد واالعرتاف بالذاتية‬ ‫بت مع ِّ‬ ‫تناس ْ‬‫َ‬
‫املستقلة للنساء لدى تيارات النسوية‪ ،‬وكذلك املوقف من العمل من أجل فرض‬
‫التغيري املَنشود وخصوصا ا ُملبادَرة إىل إلغاء ما اعتربت ُه النسويات مبنزلة التبعية‬
‫موضوعات ُأخرى‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫جانب‬
‫املفروضة من قبل ال َبطر َيركية‪ ،‬إىل ِ‬
‫حال النسويات مع ما بعد الحداثة رمبا ُيشا ِب ُه‪ ،‬إىل ح ٍّد ما‪َ ،‬‬
‫حال‬ ‫َبي َد َّأن َ‬
‫سعت هذه األخرية إىل عدم االعرتاف بالدور املستقل للمرأة‬ ‫ْ‬ ‫املاركسية‪ .‬فكام‬
‫يف أدائها لِعملها يف املجال الخاص بوصف ِه عا ِمال ُمحررا‪ ،‬كذلك عمدت ما بعد‬
‫والعتبارات تتعلق برفضها للثنائيات التي ُترى يف األشياء واملواضيع‬ ‫ٍ‬ ‫الحداثة‪،‬‬
‫‪209‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫من حيث كونها فئات متعارضة من مثل‪ :‬األبيض‪ /‬األسود‪ ،‬املرأة‪ /‬الرجل‪ ،‬إىل‬
‫حاججون بأ َّن ُه‬‫شخص آخر) إىل ذاتيات‪ ...‬كذلك هم ُي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫«تحويل النساء (أو أي‬
‫ثم يك ُيكن إقامة الهوية‬ ‫ذات جوهرية يك ُيكن اكتشافها‪ ...‬ومن َّ‬ ‫ليس هناك من ٍ‬
‫قيم ُه‬ ‫عىل أساسها»(‪ )103‬؛ لكون ذلك جزءا من الرتاث الفكري والفلسفي الذي ُت ُ‬
‫الحداثة‪ ،‬بل حتى رفض االعرتاف بأيِّ حقيقة لِوجود مثل هذه الفئات ومن بينها‬
‫االختالفات فيام بني املرأة والرجل‪ ،‬والتي ُتضفي عىل املرأة ذاتيتها الخاصة ومن‬
‫ثم هويتها الجنسية املستقلة‪ .‬والعمل من ثم عىل َخ ْل َخ َل ِة الهياكل األساسية‬ ‫َّ‬
‫التي يقوم عليها هذا النوع من الثنائيات ‪ .‬ويف هذا السياق تقول صوفيا‬
‫(‪)104‬‬

‫اسرتاتيجيات تفكيكية‬
‫ٍ‬ ‫فوكا ‪« :Sophia Phoca‬لقد استخدمت النسوية املعارصة‬
‫من أجل َخ ْل َخ َل ِة ‪ destabilise‬النموذج الثنايئ املدرج يف ثنائية الذكورة‪ /‬األنوثة‪.‬‬
‫دت النسويات إىل إبراز ُأ ُط ٍر جديدة من أجل وضع الذات‬ ‫و ِعوضا عنه فقد َع َم ِ‬
‫نظرات من منوذج دريدا ‪Derrida‬‬ ‫الجنسية وا ُمل َج ْندَرة فيها‪ .‬فقد استفادت ا ُمل ِّ‬
‫الذي َيعي َّأن ال ُبنى الثنائية لن تخدم إال أح َد أطراف الثنائيات عىل حساب‬
‫الطرف اآلخر‪ :‬الرجل عىل حساب املرأة‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ .‬وبدال من محاولة قلب‬
‫املواقع ا ُمل َهي ِمن َة أو املمتازة ‪َ privileged‬بدَال من‬
‫َ‬ ‫هذا الوضع يك تحتل ُ‬
‫األنوث ُة‬
‫الذكورة‪ ،‬كام حاولت النسوية التحريرية ِف ْع َلهُ‪َ ،‬س َع ْت نسويات ما بعد الحداثة‬
‫إىل َخ ْل َخ َل ِة ال ُبنى األساسية التي تقوم عليها مثل تلك الثنائيات آ ِنفة الذكر»(‪.)105‬‬
‫هنا ميكن تلخيص نظرية ما بعد الحداثة‪ ،‬وخصوصا الجانب ا ُملتع ِّلق منه باملرأة‪،‬‬
‫يف النقاط األربع التالية‪:‬‬
‫رفض الوضعية ‪ Positivism‬من حيث كونها منهجية يف البحث عن الحقيقة‬ ‫‪ُ -1‬‬
‫واملعرفة وبوصفها جزءا أساسا يف الخطاب الحدايث‪ .‬وهو ما يعني لدى النسويات‬
‫املتأثرات مبا بعد الحداثة فيام اعتربو ُه َر ْفضا لِخطاب الذكورة ومركزية الذكر يف‬
‫الفكر واملامرسة السائدة يف عالَ َمي االجتامع والسياسة‪.‬‬
‫رفض الثنائيات القامئة عىل‪ :‬إما‪ /‬أو‪ ،‬األبيض‪ /‬األسود‪ ،‬الذكر‪ /‬األنثى‪ ...‬إلخ‪،‬‬ ‫‪ُ -2‬‬
‫لكل اإلرث والتح ُّيزات‬ ‫كل ثنائي ٍة منها‪ .‬وهو ما َيعني رفضا ِّ‬ ‫والتضاد القائم بني ِّ‬
‫الذكورية السائدة وخصوصا ذلك املتمثل لديهنَّ بال َبطر َيركية سواء ا ُمل َم َرس ِمنها‬
‫األرسة أو عىل صعيد مؤسسات الدولة‪.‬‬ ‫عىل صعيد ُ‬

‫‪210‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫‪ - 3‬الرتكي ُز عىل االختالف والتنوع املجتمعي والثقايف‪ .‬و ُيعدُّ ذلك لدى البعض من‬
‫حل األزمة التي نشأت يف الفكر النسوي منذ صدور أعامل‬ ‫النسويات مبنزلة طريقة لِ ِّ‬
‫الكاتبة الربيطانية ماري وولستونكرافت ‪ Mary Wollstonecraft‬يف أواخر القرن‬
‫الثامن عرش وحتى الوقت الحارض‪ ،‬وذلك بني القائالت باالستيعاب ‪،assimilation‬‬
‫أو الضم ضمن املعايري املوضوعة ُرجوليا‪ ،‬مبعنى قبول العمل من خالل البنى‬
‫واملؤسسات القامئة ُبغية الحصول عىل فرص وحقوق متساوية مع الرجل عرب ما‬
‫أخريات‬
‫ٍ‬ ‫عُ ِّب عنه بحيادي ِة الجندر (النوع االجتامعي) ‪ ،gender neutrality‬وبني‬
‫بأن يتم ذلك من خالل تثمني الصفات‬ ‫قائالت باالنفصال أو االنقالب ‪ْ .reversal‬‬ ‫ٍ‬
‫باألنثى وباألدوار االجتامعية التي ُتؤديها‪ ،‬يك ميكن الخلوص إىل االعرتاف‬ ‫الخاصة ُ‬
‫ثم عىل حاجا ِتهنَّ املختلفة ومصالِحهنَّ ا ُملتم ِّيزة‬ ‫بهوية أنثوية (مجندرة) والتأكيد من َّ‬
‫مبعزل عن الرجل‪ .‬ومن شأنِ َتوج ٍه كهذا ْأن يخدم القضية النسوية وخصوصا عندما‬
‫ُتلغى االنقسامات ليس بني الذكر واألنثى فقط بل بني النسويات أنفسهنَّ ‪ ،‬بقدر‬
‫بسبب انتامءاتهنَّ‬ ‫ِ‬ ‫ما ال ُيقيم اعتبارا للتاميزات واالنقسامات الحاصلة بني النساء‬
‫العرقية والطبقية واإلثنية‪.‬‬
‫وسديات‬ ‫‪ - 4‬التأكيد عىل َّأن كل ما هو قائم ال يتعدى كونه مجرد خطابات َ‬
‫خطاب‬ ‫ٍ‬ ‫ثم تعكس تنوعا ومتايزا يف هذه الخطابات بني‬ ‫ُمتج ِّذرة يف اللغة‪ ،‬وهي من َّ‬
‫همشة أو هامشية‪ .‬ومن‬ ‫سائ ٍد َت ْف ِرض ُه السلطة‪ ،‬وخطابات أخرى تضعها جامعات ُم َّ‬
‫همشة ومن بينها النساء‪ ،‬وذلك‬ ‫ثم ُت َّربر وترشعَن املقاومة من قبل هذه الجامعات ا ُمل َّ‬‫َّ‬
‫من خالل خطابها املعارض للسلطة السائدة‪ ،‬وهو ما يدعم إىل ح ٍّد ما توجه بعض‬
‫مجتمع ضيق النطاق أو نشاطٍ انفصايل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫النسويات الداعيات إىل‬
‫يف ضوء ما تقدم بيانهُ‪ ،‬ميكن التشديد عىل َّأن لِتيار ما بعد الحداثة آثار ُه املهمة‬
‫َضمناتها‬
‫ذهب إليه من نق ٍد للحداثة و ُمت َّ‬ ‫عىل الفكر النسوي املعارص‪ ،‬وخصوصا فيام َ‬
‫ذات الصلة باملركزية األوروبية والغربية ‪ Eurocentricism‬عموما من ناحية‪،‬‬
‫ومهاجمتها للتاميز الهويايت بني الرجل واملرأة من ناحي ٍة أخرى‪ .‬وكان من نتائج‬
‫ذلك بروز عدد من االتجاهات يف هذا املجال‪ .‬فاملركزية الغربية كانت تحمل نظرة‬
‫ُأحادية يف َتصورها عن العامل والحقيقة والتقدم البرشي‪ ،‬وهي بهذا العمل َّإنا كانت‬
‫نظ ُر في ِه إىل تجارب‬ ‫ُتضفي عىل َتص ُّو ِرها ذاك طا ِب َع الريادة‪ ،‬يف الوقت الذي كانت َت ُ‬

‫‪211‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫األمم األخرى نظرة دونية من شأنها‪ ،‬وكام سيثبت التاريخ والتجربة العملية ذلك‪،‬‬
‫تسويغ استغالل واضطهاد هذه العوامل بدعوى إنقاذهم من تخلفهم الذي أحدثه‬
‫فيهم انفصا ُلهم عن الواقع املوضوعي وعيشهم يف عوامل ُأسطورية َغيبية‪ ،‬مع ِّ‬
‫كل ما‬
‫صاح ُب ذلك من ُركو ٍد وابتعاد عن التأثري والتأ ُّث ِر الحضار َيني والذي ُت ِّث ُل ُه الحضارة‬
‫ُي ِ‬
‫الغربية‪ .‬إ َّنها مبعنى ما تغطية وتربير يف التحليل األخري للهيمنة الغربية التي تبحث‬
‫عنها أمم أوروبا عىل البلدان واملجتمعات األخرى غري الغربية‪ .‬وهو ما سنجد ُه‬
‫واضحا يف تجربة النسويات السوداوات وامللونات كذلك ونسويات العامل الثالث‪.‬‬
‫أما االتجاه اآلخر املتعلق ِبنَق ِد التاميز الهويايت بني الرجل واملرأة فنجد ُه يف نظرية‬
‫الشذوذ ‪ .Queer Theory‬وهو ما سنعالج ُه يف املوضوع اآليت ذكره‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬النسوية السوداء ‪Black Feminism‬‬


‫تاريخ طويل يف الواليات املتحدة األمريكية بخاصة‪ ،‬ويكاد‬ ‫للنسوية السوداء ٌ‬
‫يتزامن مع ذلك الدور واملكانة التي َتتمتَّع بها النسوية الليربالية‪ ،‬وعىل رغم ذلك‬
‫صاحبات هذا االتجاه َيتجا َو ْز َن تيا َر النسوية الليربالية وخصوصا يف تأكي ِدهنَّ‬ ‫َف ِ‬
‫وقعت َضح َّي َت ُه النساء السوداوات‪ ،‬بل‬
‫ْ‬ ‫عىل الطابع االستغاليل واالضطهادي الذي‬
‫وح ٍد َيستوي فيه االضطهاد‬ ‫هنَّ َي َت َق َّد ْمنَ أكرث يك َي ْر ِبطنَ َتجا ِر َب االضطهاد يف ٍّ‬
‫كل ُم َّ‬
‫النسوي العرقي والطبقي‪.‬‬
‫يف العام ‪ 1831‬تكتب ماريا ستيوارت ‪ُ Maria W. Stewart‬متسا ِئلة عن‬
‫«املدى الذي ينبغي عىل بنات أفريقيا عنده َت َق ُّبل اإلكراه الذي يعمل عىل َد ْف ِن‬
‫عقولهنَّ ومواهبهنَّ تحت ثقل «القدور واألباريق الحديدية» ‪iron pots and‬‬
‫أصل أفريقي‬ ‫‪ .)106(»kettles‬هذه الكاتبة كانت قد َتحد َّْت النساء األمريكيات من ٍ‬
‫من أجل رفض الصور السلبية التي الت ََص َق ْت ِبهنَّ يف ذلك الزمن‪ُ .‬مؤ ِّكدة يف الوقت‬
‫نفسه َّأن االضطهاد الذي َم ْب َع ُث ُه ال ِعرق والجندر والطبقة كان واليزال املصدر األساس‬
‫للفقر الذي ُتعاني ِه وتعيش ُه هؤالء النسوة‪ .‬وهو ما دفع بالباحثة فاين باريري ويليامز‬
‫‪ Fannie Barrier Williams‬يف العام ‪ 1905‬إىل التأكيد عىل عني هذه األسباب؛ أي‬
‫ني االضطهاد‪ .‬وهذا‬ ‫العرق واللون‪ ،‬يف عملهام عىل جعل الفتيات السوداوات ُيعان َ‬
‫تذهب إليه كولينز ‪ Collins‬إىل رغبة الجامعات ا ُملهيمنة يف اإلبقاء عىل‬ ‫ُ‬ ‫اجع كام‬ ‫ر ٌ‬
‫‪212‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫ضط َهدة تحت سيطرتها املبارشة‪ ،‬ذلك أ َّن ُه ويف ظل غياب أيِّ بادر ٍة‬ ‫الجامعات ا ُمل َ‬
‫ضط ِهدي ِه يف إخضاعهم له وهيمن ِت ِهم‬ ‫ضط َهدُ ُم َ‬ ‫للوعي واالنتفاض سوف ُيشا ِر ُك ا ُمل َ‬
‫بات وفق هذا االتجاه بالعمل عىل تجاوز حال ِة عدم الوعي‬ ‫علي ِه‪ .‬وهنَّ من ثم ُمطالَ ٌ‬
‫ات طبقية وعرقية وإثنية إىل‬ ‫ضط َهد ِة األخرى العتبار ٍ‬ ‫تلك وبالتضامن مع العنارص ا ُمل َ‬
‫كل من االضطهاد متعدد األبعاد‬ ‫جانب الجندر‪ .‬بعبار ٍة أخرى ذات صلة‪ ،‬لقد َش َّك َل ٌّ‬
‫والنشاط السيايس الهادف إىل مواجهة أشكال االضطهاد تلك التوجهات األساسي َة‬
‫للفكر النسوي األسود يف الواليات املتحدة األمريكية(‪.)107‬‬
‫حمول عىل ثالث ِة أبعا ٍد‬ ‫تقول كولينز ‪َّ Collins‬إن اضطهاد املرأة السوداء َم ٌ‬
‫متداخلة فيام بينها؛ فاستغالل عَاملة النساء السوداوات الرضوري واألساس‬
‫للرأساملية األمريكية‪ ،‬والذي ترمز إليه «القدور واألباريق الحديدية»‪ ،‬والاليت غالبا‬
‫العبودية‬ ‫ات طويلة يف هذا النوع من الخدمة‪ ،‬يضاف إليها ُ‬ ‫تم احتجا ُزهنَّ ولفرت ٍ‬ ‫ما َّ‬
‫كل ذلك َّإنا‬ ‫والعمل اإلجباري ُمنخفض األجر يف الريف الجنويب للواليات املتحدة‪ُّ ،‬‬
‫ُي ِّث ُل البعد االقتصادي لالضطهاد‪ .‬أما البعد السيايس لالضطهاد َف ُي َج ِّسدُ البعد الثاين‬
‫يف دراما النساء السوداوات‪ ،‬والذي ُي ِّث ُل ُه إنكار حق التصويت والتمثيل السيايس‬
‫عليهنَّ إضافة إىل ِحرما ِنهنَّ من الحقوق القانونية وخصوصا فرصهنَّ يف التعليم‬
‫أو الحؤول َّربا دون تقديم التسهيالت الالزمة من أجل ُمساعَد ِتهنَّ يف إكاملهنَّ‬
‫للدراسة‪ .‬ثم َييل ذلك ال ُبعدُ الثالث‪ ،‬ويتمثل بالبعد األيديولوجي؛ وذلك من خالل‬
‫نشأت إ َّبان الحقبة التي سيطرت فيها العبودية‬ ‫ْ‬ ‫اإلبقاء عىل الصور النمطية التي‬
‫فكرا ومامرسة يف هذا البلد قبل االستقالل وما بعدهُ‪ .‬حيث تغلغلت األيديولوجية‬
‫العنرصية ومعاداة النساء يف الثقافة والبنى االجتامعية بل حتى ما َت َع َّلقَ األمر‬
‫منه بالسياسات العامة داخل الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬إىل الدرجة التي أصبح‬
‫ُين َْظ ُر فيها إىل استغالل السود بعامة واضطها ِدهم كأ َّن ُه أم ٌر طبيعي وحتمي‪ ،‬وهو‬
‫ما عمل يف التحليل األخري عىل تسويغ وإجازة املامرسات االضطهادية بحقِّ النساء‬
‫أصل التيني‬ ‫السوداوات‪ .‬وكان من نتائجها أيضا املطالبة مبشاركة األمريكيات من ٍ‬
‫وآسيوي إضافة إىل الجامعات ا ُمل َه َّمشة األخرى والتأكيد جميعا عىل َنق ِد النسوية‬
‫ات عدة من بينها انشغال هذه األخرية‬ ‫الغربية بوصفها عنرصية؛ وذلك العتبار ٍ‬
‫تح ِّدرات من الطبقة الوسطى البيضاء ‪.‬‬
‫(‪)108‬‬
‫بقضايا َت ُخ ُّص النساء ا ُمل َ‬
‫‪213‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ولكن ماذا عن الدور الذي أ َّد ْت ُه األفكار الخاصة مبدرسة ما بعد الحداثة يف‬
‫تدعيم مطالب النسوية السوداء؟ وخصوصا متى َع ِل ْمنا َّأن العديد من التيارات‬
‫تجارب النساء ولِمطالِبهنَّ الخاصة‬ ‫النسوية كانت قد ات َه َم ْت هذه األفكار ِبتجاه ِلها لِ ِ‬
‫ٌ‬
‫طاعات واسعة منهنَّ ‪.‬‬ ‫بإنهاء االضطهاد واالستغالل الذي َتعيش ُه ِق‬
‫اتخ َذهُ فكر ما‬ ‫ميكن القول َّإن املوقف املَا ِئ ِع وغ ِري الواضح َّربا‪ ،‬ذلك الذي َ‬
‫هاج َمت ِه للتاميز‬
‫بسبب عدم اعرتاف ِه بالهوية النسائية بل ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫بعد الحداثة من النساء‬
‫الهويايت بني الرجل واملرأة بوصف ِه من ُجملة العنارص التي ُتش ِّك ُل ُمك ِّونات ما ُيس ِّمي ِه‬
‫بـ «الثنائيات» التي َي ْح َف ُل بها الفكر والفلسفة الحداثيان(‪ ،)109‬فضال عن رفض ِه فكر َة‬
‫العمل املبارش من أجل إنهاء حالة االضطهاد آنفة الذكر‪ ،‬وذلك بقدر اعتبار َّأن مثل‬
‫سبب ع َّد‬ ‫ُشكلُ يف التحليل األخري سوى نصوص وخطابات؛ قد َّ‬ ‫تلك املامرسات ال ت ِّ‬
‫دور هذا الفكر سلبيا تجاه املطالب النسوية‪ .‬ففي هذا السياق تقول الباحثتان‬
‫األمريكيتان جوي سرباغ ‪ Joey Sprague‬وديان كوبرينويز ‪:Diane Kobrynowicz‬‬
‫أجل التغلب عىل‬ ‫«إن من السهل َتخ ُّيل نتائج موقف كهذا عىل النضال من ِ‬ ‫َّ‬
‫االضطهاد‪ .‬فإذا ما استلزم توحيد الناس عرب َتنَو ِعهم من خالل نظر ٍة عاملي ٍة مشرتكة‬
‫َبخ ُر القدرة واملكنة عىل خلق روابط بني الناس‬ ‫إىل املصالح املتبادلة حينها سوف َتت َّ‬
‫ثم ليست خياراتنا‬ ‫عندما ُيعت َ َُب تحليل التجارب مجرد نصوص أو ذاتيات‪ ...‬وهي من َّ‬
‫الوحيدة عىل أي حال»(‪.)110‬‬
‫وعىل رغم ذلك فقد حصلت النسوية السوداء‪ ،‬من ناحية أخرى‪ ،‬عىل ما يشبه‬
‫متيزت به أفكاره وبخاصة‬ ‫اجع إىل التحدي الذي ْ‬ ‫الدعم من قبل هذا االتجاه‪ .‬وذلك ر ٌ‬
‫فيام ذهب إليه من نقد للحداثة و ُمتَضمناتها الخاصة باملركزية األوروبية والغربية‬
‫بعامة ‪ .Eurocentricism‬فاملركزية األوروبية‪ ،‬من ناحيتها‪ ،‬كانت َترى يف النموذج‬
‫لكل من العامل واملعرفة والحقيقة‬ ‫والتجربة الغرب َّيني يف َتوج ِههام و َتوصي ِفهام ٍّ‬
‫بالتبعية ومنط التطور الخاص بها‪ُ ،‬مك ِّونني أساسيني للتوج ِه الوحيد املمكن أمام‬
‫طابع الريادة‪ ،‬وعدتهام مسوغني‬ ‫التقدم البرشي‪ُ ،‬م ْضفية عليهام يف الوقت نفسه َ‬
‫للهيمنة الغربية عىل تجارب األمم واملجتمعات اإلنسانية األخرى غري األوروبية‪ .‬ويف‬
‫الطرف املقابل‪ ،‬كانت املركزية آ ِنفة الذكر ترى يف «اآلخر» غري األورويب عوامل ُمتخ ِّلفة‬
‫تعرف بانفصالِها عن الواقع املوضوعي – وهي الفكرة األثرية عىل نفوس أتباع هذا‬
‫‪214‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫االتجاه – وبعيشها بدال من ذلك يف أجوا ٍء أسطورية وميتافيزيقية َغيبية‪ ،‬وبركودها‬


‫ثم ابتعادها من ثم عن التأث ِري والتأ ُّث ِر بالحضارة اإلنسانية التي ُي ِّثلها الغرب‪ .‬مثل‬
‫هذه النظرة إىل تجارب هؤالء كانت َتح ِم ُل يف ط َّيا ِتها شكال من أشكال الدونية‬
‫ثم اإلبقاء عىل‬ ‫سويغ استغالل واضطهاد اآلخر املتخلف‪ ،‬ومن َّ‬ ‫التي ستعمل عىل َت ِ‬
‫عالقات ُت َذ ِّك ُر وإىل ح ٍّد َبعيد ِبعالقات الس ِّيد بال َعبد‪ ،‬وهو‬
‫ٍ‬ ‫املتخ ِّلفني جميعا يف إطار‬
‫وإن كان‬ ‫وربا اليزال الحال هكذا حتى وقتنا الحارض ْ‬ ‫ما عُ ِر َف وقتها بالكولونيالية‪َّ ،‬‬
‫ذلك يت ِّخ ُذ أشكاال مختلفة‪.‬‬
‫كان لهذه العالقة القامئة عىل الهيمنة ‪ -‬التبعية بني أوروبا والعامل ا ُملتَخ ِّلف‬
‫دورها يف إبراز وتبني أشكالٍ من التربيرات من شأنها أن ُت ِّج َد أسطور َة التَف ُّوق‬
‫ثم التزامات‬ ‫ال ِعرقي واألخالقي الذي َم َّث َل ُه اإلنسان الذكر األبيض الغريب و ُتعطي ِه من َّ‬
‫أخالقية ‪ -‬هكذا ُف ِه َم ْت ‪ -‬من أجل العمل عىل إلحاق غري ِه من املتخ ِّلفني من بني‬
‫البرش ِب َر ْك ِب املدنية والتقدم الغرب َي َي‪ .‬وهو ما است َْخ َد َم ْت ُه النسوية السوداء والعامل‬
‫مدخل جوهري يف نقدها للمركزية الغربية ومطالبة هذه‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل عام مبنزلة‬
‫ٍ‬ ‫ثالثية‬
‫ثم بإنهاء اضطهاد النساء بعامة والسوداوات منهنَّ بخاصة‪.‬‬ ‫النسوية من َّ‬
‫إن ما بعد الحداثة‪ ،‬أو باألح َرى كام تراها ا ُملتأ ِّثرات بأفكار هذا االتجاه من‬
‫النسويات‪ ،‬ويف َمعرض نقدها لهذا االتجاه‪ ،‬كام َتذهَ ُب إىل ذلك سو ثورنهام ‪Sue‬‬
‫‪ ،Thornham‬وخصوصا من حيث َنق ِدها لِذلك الجانب املتعلق بأن الذات الخاصة‬
‫بعيدة جدا عن كونها غري ُم َجندرة و ُمتعالية ‪ungendered and‬‬ ‫ٌ‬ ‫بحداثة التنوير‬
‫خصصة‬ ‫‪ ،transcendent‬ترى أن تلك الذات‪ ،‬عَالوة عىل أ َّنها ُم َجندرة‪ ،‬مح ّددة و ُم َّ‬
‫«رجل برجوازي أبيض‬ ‫ٍ‬ ‫‪ specific‬عىل نح ٍو عميق‪ ،‬وذلك عرب تركيزها عىل صورة‪:‬‬
‫غريب وذي ميولٍ جنسي ٍة َق ْصي ٍة نحو الجنس اآلخر ‪ ، »heterosexual‬وهو‬
‫(‪)111‬‬

‫ات النسويات السوداء‬ ‫ما قد أقنع عددا من النسويات اللوايت انضممن إىل تيار ِ‬
‫تأويل أو تفسري لألسباب التي َت ِق ُف وراء‬ ‫ٍ‬ ‫ونسويات العامل النامي والباحثات عن‬
‫الوضع الخاص الذي ِع ْش َن ُه هُ نَّ وأسالفهنَّ والذي َيتجاو ُز البعد الشكيل؛ الحقوقي‬
‫من ُه واملهني‪ ،‬الذي َس َع ْت إىل الدفاع عنه النسويات التقليديات‪ .‬إذ إ َّن ُه ِب ِ‬
‫اسم‬
‫اللون والتحدُّ ر العرقي الذي ُيذ ِّك ُر بتاريخ الكولونيالية يف السيطرة عىل بلدان ما‬
‫وراء البحار‪ ،‬استُعبدت واستُبيحت النساء السوداوات‪ ،‬وهو أم ٌر مل َتشهَدْ ُة النساء‬
‫‪215‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫وبسبب مثل هذا التحدر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تح ِدرات من عُ روق أوروبية بيضاء‪ ،‬بل إنهنَّ ‪،‬‬ ‫البيض ا ُمل َ‬
‫َي ْش ُع ْر َن‪ ،‬بل َي ْس َت ِفدْ َن‪ ،‬من االمتيازات املمنوحة لهن بسبب ذاك التحدر نفسه(‪،)112‬‬
‫عىل الض ِّد من السود نساء ورجاال‪.‬‬
‫وهو ما حدا بالبعض من النسويات من أمثال باتريشيا هيل كولينز ‪Patricia‬‬
‫‪ Hill Collins‬إىل اعتبار أ َّنه حتى النشاط الجنيس للسود‪ ،‬سواء الذكور منهم أو‬
‫اإلناث‪ُ ،‬ي َعدُّ مبنزلة عالمة من عالمات االختالف العرقي أو العنرصي والذي ُيستخدم‬
‫من أجل تربير االعتقاد املتنامي يف سيادة املدنية البيضاء ودونية ما ُأ ْط ِلقَ عليه‬
‫الشعوب البدائية‪ .‬فمثل هذا االعتقاد‪ ،‬وفقا لرؤيتها‪ ،‬كان رضوريا من أجل تسويغ‬
‫الكولونيالية الغربية بعامة(‪.)113‬‬
‫تجرب ُة النساء السوداوات‪ ،‬ويف إطار ما ُأط ِلقَ عليه النسوية السوداء‪ ،‬كانت قد‬
‫عربت عن ذاتها من خالل نقدها التوجهات الخاصة بالنسوية التقليدية يف تركيزها‬
‫عىل املساواة يف الحقوق والفرص وإهاملها تجربة النساء السوداوات من ناحية‪،‬‬
‫حتاجه النساء‪ ،‬فهذه املطالب‬ ‫ورفضها ْأن تكون هذه املطالب هي ُمنتهى وغاية ما َت ُ‬
‫يف نظر النسوية السوداء هي مجرد صوت نسايئ من بني مجموعة أصوات متفاوتة‪،‬‬
‫عب عن حاجات وتطلعات تلك النسوة‬ ‫صوت نسايئ أبيض‪ ،‬وهو إمنا ُي ِّ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫بيد أ َّن ُه‬
‫ثم فهو ال يعرب عن ُم ْج َم ِل‬
‫املتحدرات من أصول طبقية وعرقية ممتازة فقط‪ ،‬ومن َّ‬
‫النساء ا ُمل ْش َ ِتكات يف هذا ال َّه ِم النسوي العام وبخاصة املضطهدات ِمنهنَّ بسبب من‬
‫لو ِنهنَّ وعرقهنَّ وطبقتهن االجتامعية‪ ،‬بل حتى ِميولِهنَّ الجنسية التي قد ال َتت ِف ُق‬
‫مع القيم واالعتبارات السائدة اجتامعيا‪ .‬ففي هذا السياق تقول الباحثة بيل هوكس‬
‫‪ ،)114( bell hooks‬إحدى املنظرات السوداوات والناشطات األمريكيات يف هذا التيار‪،‬‬
‫«إن النسوية يف الواليات املتحدة األمريكية مل َت ْ ُبز قط يف أوساط‬ ‫يف مقدمة كتابها‪َّ :‬‬
‫وجسديا و ُروحيا‬ ‫النسوة من بني ضحايا االضطهاد الجنيس؛ النساء األكرث َقهرا ِذهنيا َ‬
‫‪ -‬النساء الضعيفات الاليت َت ُعو ُزهنَّ القدرة عىل تغيري ظروف حياتهنَّ ‪ ...‬فاألغلبية‬
‫العظمى من النساء ُكنَّ َمهمومات بالبقاء عىل قيد الحياة اقتصاديا وبالتمييز اإلثني‬
‫والعرقي‪ ...‬إلخ»(‪ .)115‬ولكن يتبادَر إىل الذهن التساؤل التايل‪ :‬ما الذي َترا ُه صاحبات‬
‫هذا االتجاه ح ًال لألزمة ا ُملر َّكبة التي يعيشها هذا القطاع الغالب من النساء‪ ،‬وفق‬
‫كل هذه االعتبارات؟‬
‫‪216‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫الحقوقي ‪-‬‬ ‫بداية‪ ،‬ترى النسوية السوداء يف العمل عىل إدماج ِكال النضالَني‪ُ :‬‬
‫الشكيل والجنيس ‪ -‬الجندري من ناحية‪ ،‬واآلخر العامل عىل صعيد القضاء عىل‬
‫أشكال التمييز األخرى كالطبقية والعرقية والسيكولوجية‪ ...‬إلخ من ناحي ٍة أخرى‪ ،‬يف‬
‫كل متكامل وغري ُم َجزأ‪ ،‬الحل األمثل ملثل هذه القضية املر َّكبة‪ .‬بيد َّأن ذلك بحاجة من‬ ‫ٍّ‬
‫جانب آخر‪ ،‬إىل العمل عىل تحقيق شكل من أشكال التضامن ‪ solidarity‬النسوي‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ليشمل كل تجارب النساء‪ ،‬وهو ما ال ميكن َت َحققه إال عرب اتخاذ أشكال‬ ‫َ‬ ‫بحيث َيت َِّس ُع‬
‫األختية النسائية ‪ . sisterhood‬ولكن كيف السبيل إىل تحقيق‬
‫(‪)116‬‬ ‫مام أطلق عليه ُ‬
‫جيب بيل هوكس ‪ bell hooks‬عن هذا السؤال عرب التشديد‬ ‫غرض التضامن ذاك؟ ُت ُ‬
‫عىل أهمية البدء بالذات‪ ،‬أو بتعب ٍري آخر َّأن البداية تكون يف العمل عىل تغيري الذات‪.‬‬
‫شكل من أشكال إثارة الوعي يف التحليل األخري‪ .‬أما العملية التي تتطلبها إثار ُة‬ ‫وهو ٌ‬
‫رئيسني‪ :‬أولهام يتوجه إىل النساء‬ ‫الوعي أو َتثويره‪ ،‬ف ُيمكن ْأن َتتَح َّققَ عىل ُمستو َي َي َ‬
‫البيض وخصوصا الاليت َيتَص َّد ْر َن الخطاب النسوي و ُيشا ِر ْكنَ يف وضع وإغناء النظرية‬
‫السياسية النسوية‪ ،‬أما ثانيهام فيتوجه بالنداء إىل كل ا ُملضط َهدات بسبب لونهنَّ‬
‫وتحدراتهنَّ الطبقية واإلثنية والنفسية وما شابه ذلك‪ .‬ففيام يتعلق بالتوجه األول‪،‬‬
‫ترى هوكس َّأن عىل النساء من هذه الفئة ْأن َيت ََخ َّل ْصنَ من أوها ِمهنَّ وعدم إدرا ِكهنَّ‬
‫كون الهيمنة البيضاء َّإنا هي سياسة عرقية باملعنى الكامل للكلمة‪ ،‬وهي لذلك‬
‫متتلك تأثريا َسيكولوجيا يف طبقتهنَّ ويف مكانتهنَّ السياسية داخل الدولة الرأساملية‬
‫العرقية واملعادية للنساء(‪.)117‬‬
‫ويف ضوء ذلك‪ ،‬ميكن القول َّإن نقد التاميز الهويايت بني الرجل واملرأة من‬
‫جانب ِه كان موضوعا أسهم يف َبلورة ما ُسمي نظرية الشذوذ ‪.Queer Theory‬‬
‫ات ما بعد الحداثة‪ ،‬إىل نهايات ِه‬ ‫نظر ِ‬‫وبذلك يكون الفكر النسوي قد وصل‪ ،‬عىل ي ِد ُم ِّ‬
‫مفهوم‬
‫ِ‬ ‫املنطقية‪ .‬وميكن اعتبار هذه النظرية آخر حلقة يف سلسلة الهجوم عىل‬
‫الجنس‪ ،‬وذلك من زاوية كون ِه تعبريا عن التاميز ال َبيولوجي واالجتامعي بني املرأة‬
‫والرجل مع كل ما ُير ِّتب ُه مثل هذا التقسيم من حقوقٍ والتزامات عىل الطر َفني‪.‬‬
‫وبشكل واضح َم ْط َلب إلغا ِء ِف َئتَي الجنس؛ أي الذكر‪/‬‬ ‫ٍ‬ ‫حيث َت َبلو َر يف هذه النظرية‬
‫األنثى أو الرجل‪ /‬املرأة‪ ،‬وذلك يف إطار السعي من أجل إيجاد هوي ٍة بديلة أو َّربا‬
‫هويات أخرى بديلة عن هذا التقسيم التقليدي‪ ،‬وحيث يجري العمل من خاللها‬ ‫ٍ‬
‫‪217‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ثم‬ ‫يرسم من َّ‬


‫عىل تحدي ِد مكان ِة الفرد االجتامعية ومسؤوليات ِه األخالقية‪ .‬وسوف ُ‬
‫الجنسني تدخل يف اعتبارها هذه املرة االتصال الجنيس‬ ‫َ‬ ‫أبعادا أخرى يف العالقة بني‬
‫غري التناسيل‪ ،‬بوصف ِه الوسيلة األساسية لإلشباع الغريزي أو الشهواين ‪ ،erotic‬وجعل ِه‬
‫ثم محورا مركزيا يف تقرير هوية األفراد وأدوارهم االجتامعية‪ .‬بحيث َّإن ما‬ ‫من َّ‬
‫س ُيق ِّر ُر هوية الفرد‪ ،‬وفق هذا املنطق‪ ،‬هو الرغبة وامليول الجنسية وأشكال التعبري‬
‫عنها لدى األفراد نساء ورجاال‪ ،‬ومادام الحال أ َّنه ال حدو َد لِمثل هذه الرغبة وامليول‬
‫وكذلك اختالف ُس ُبل إشباعها بالتبعية‪ ،‬فال بد والحالة هذه من التسليم باختالف‬
‫الباب عىل ِمرصاعَي ِه أمام َمطالِ ِب‬ ‫الهويات و َتعدِّدها‪ .‬وسيفتح مثل هذا التأويل َ‬
‫فئات أخرى متتلك رغبات وميوال جنسية‬ ‫االعرتاف بشأن الوجود األخالقي والقانوين لِ ٍ‬
‫مغايرة وأساليب مختلفة يف التعبري عنها(‪.)118‬‬
‫إذن‪ُ ،‬تر ِّك ُز نظرية الشذوذ عىل الهوية الجنسية ‪ ،sexual identity‬فهي مبنزلة‬
‫الكلمة املفتاح يف هذا املجال‪ .‬فالهوية بعامة والهوية الجنسية منها بخاصة‪،‬‬
‫لدى أصحاب هذه النظرية ُم ْص َطنَعة؛ ومتعددة ومحدودة يف الوقت نفسه‪،‬‬
‫وهي تحت طائلة مثل هذا املفهوم ال تزيد عىل كونها واحدة من بني العديد‬
‫وألن َمنْ ُيق ِّر ُر أمر االعرتاف بها ومنحها هو‬ ‫من الهويات التي َيح ِملها املرء‪َّ .‬‬
‫املجتمع فال بد من التساؤل هنا عن ماه ِّية االعتبارات التي س َيضعها املجتمع يف‬
‫هذا الخصوص‪ .‬وإذا ما جعلنا من العالقة القامئة بني املرأة والرجل معيارا ملثل‬
‫يش ُّك دونالد هال ‪Donald Hall‬‬ ‫هذه الهوية الجنسية بخاصة‪ ،‬وهو معيا ٌر ُ‬
‫للرغبات األخرى التي َتتَعدى امليول والعالقات‬ ‫ِ‬ ‫يف صدقه‪ ،‬فإننا بذلك ننكر ما‬
‫تكون ألصحابها هويتهم‬ ‫َ‬ ‫بات هي األخرى ُتحت ُِّم ْأن‬ ‫وج ٍ‬‫التقليدية تلك من ُم ِ‬
‫الخاصة بفعل ذلك(‪.)119‬‬
‫حض ُمؤيديها عىل‬ ‫ومن أجل تحقيق هذا الغرض‪ ،‬كان ال بد لهذه النظرية من ِّ‬
‫قيم‪،‬‬ ‫العرف من ٍ‬ ‫كل ما استقر عليه ُ‬ ‫العمل من أجل َتعري ِة املعايري االجتامعية وهَ دم ِّ‬
‫كآلية تهدف يف التحليل األخري إىل َز ْع َز َع ِة «عالقات السلطة والتي غالبا ما َت َ‬
‫ضط ِهدُ‬
‫األفراد غري املتالمئني ‪ non-conforming‬جنسيا»(‪ .)120‬ولن يكون ذلك نهاية املطاف‬
‫وح َركيا يف الوقت‬ ‫وفقا لرأي جوديث باتلر‪ ،‬بل سينظر إليه بوصف ِه إنجازا َمرحليا َ‬
‫تعي عليهم تدعيمه وتطويره باستمرار يك يأخذ أبعادا تصاعدية تبدأ وال‬ ‫نفسه َي َّ ُ‬
‫‪218‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫تنتهي عند ح ِّد السلوكيات االنتهاكية ‪ ،transgressive‬بل بفتح املجال يك تكون كل‬
‫العالقات والهويات الجنسية يف املجتمع سائلة و ُمختارة ِب ُحرية و َتعدُّ دية(‪.)121‬‬
‫ويف ضوء كل ما تقدَّم ِذكر ُه بشأن التصنيف الثاين التجاهات النسوية‪ ،‬ميكن‬
‫تشكيالت‬
‫ٍ‬ ‫الخاميس قد أفىض إىل بروز‬ ‫القول إ َّن ُه عىل الرغم من كون هذا التصنيف ُ‬
‫فإن آراء ووجهات نظر‬ ‫وتنظيامت نسوية سياسية مستقلة عن بعضها البعض‪َّ ،‬‬
‫النسويات‪ ،‬يف كل من الجامعات الليربالية واالشرتاكية والراديكالية‪ ،‬قد تداخلت أكرث‬
‫بكثري مام ميكن َت َوقعه‪ ،‬وذلك عرب إمعان النظر بصور ٍة فاحصة يف قوائم مطالبهنَّ ‪:‬‬
‫تقاس ْمنَ كثريا من املشرتكات إذا ما‬ ‫فالنسويات الليرباليات واالشرتاكيات تحديدا َي َ‬
‫فكل منهام ُيؤمن برضورة‬ ‫جعلنا املواطنة هي منظورنا األسايس للتمييز بينهام‪ٌّ .‬‬
‫إنشاء مفهوم ُمهيمن للمواطنة والحقوق والحريات األساسية َيسمو عىل كل‬
‫التفاوتات الجنسية والجندرية والطبقية‪ .‬كام َّأن النسويات الراديكاليات قد ا ْن َت َهجنَ‬
‫خطا ُمام ِثال للفوضويني من حيث االعتقاد بكون الثورة ينبغي ْأن َت ِل َج بادئ ذي‬
‫َطال املجال العام‪ ،‬نظرا إىل التداخل الكبري بني ما‬ ‫بدء يف املجال الخاص ُث ّم تنتقل لِت َ‬
‫وأن فرض طريقة حيا ٍة ‪ Style-Life‬بذاتها وعىل نح ٍو‬ ‫هو شخيص وما هو سيايس‪َّ ،‬‬
‫نهج سيايس و ُذكوري يف املقام األول(‪.)122‬‬
‫سلطوي ومركزي هو ٌ‬

‫املبحث الثالث‬
‫التصنيف املعارص للحركة النسوية‬
‫إن التصنيف املعارص لالتجاهات النسوية ينسجم مع بروز املوجة النسوية‬
‫الثالثة‪ ،‬وهو َيس َت ِندُ إىل معيار املساواة – االختالف‪ ،‬بحيث َّإن هذا املعيار يعكس‬
‫انقسام النسويات إىل اتجاهَ ني رئيسني من زاوية كيفية عَرض مشاكلهنَّ و َمطالِبهنَّ ‪:‬‬
‫تشاط ُر ِكال االتجاهَ ني فكر َة َّأن مساواة النساء بالرجال ُتعد مبنزلة الهدف‬ ‫ف َي َ‬
‫فس مبدأ املساواة بكون ِه امتالك‬‫الجوهري للنسويات بعامة‪ .‬بيد َّأن االتجاه األول ُي ِّ ُ‬
‫الجنسني‬
‫َ‬ ‫ات األساسي َة نفسها التي َيحوزها الرجال‪ ،‬بحيث يتمتع ِكال‬ ‫املرأ ِة القدر ِ‬
‫جسدان‬ ‫وأن ُين َْظ َر إليهام من زاوية كونهام ُي ِّ‬
‫بنفس تعداد الفرص واألنشطة املتاحة‪ْ ،‬‬
‫ِن ْص َفي املجتمع ويتمتعان بقيم ٍة وأهمي ٍة متساويتني‪ .‬أما االتجاه الثاين يف تفسري‬
‫نس الذكور واإلناث أحدهام عن اآلخر‪ ،‬فينبغي‬ ‫مبدأ املساواة‪ ،‬فيستند إىل اختالف ِج َ‬
‫‪219‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫النظر إىل النساء من زاوية أ َّنهنَّ ذوات مهارات ومميزات خاصة تختلف عن َمثيلتها‬
‫فإن هذه املهارات واملميزات النسوية ذات قيمة‬ ‫لدى الذكور‪ ،‬وعىل رغم ذلك‪َّ ،‬‬
‫اعتبارية وقانونية ُمساوية لِمهارات الذكور ومميزاتهم‪ ،‬أي أن التساوي كائن من‬
‫حيث األهمية واملكانة‪ .‬ومع بروز املوجة النسوية الثانية ظهرت (إشكالية املساواة‬
‫– االختالف) يف الواجهة ُمجدَّدا‪ ،‬فاملساواة ُينظر إليها عىل أ َّنها ذات طبيعة إشكالية‬
‫لِكونها ُتعيد إنتاج معيا ٍر ُذكوري َيخدم الذكور فقط‪ ،‬سواء يف حال األخذ برأي‬
‫االتجاه األول والقائل «إ َّننا متساويان غري أ َّننا مختلفان»‪ ،‬أو حني اعتامد االتجاه‬
‫الثاين القائل «إ َّننا مختلفان غري أ َّننا متساويان»‪ .‬ويف املقابل‪َ ،‬ب َر َز اتجا ٌه ثالث منذ‬
‫أواسط السبعينيات يقول إن أصل إشكالية املساواة يرتبط مبسألة متثيل النساء‬
‫كام الرجال يف مؤسسات الدولة بعامة من زاوية أ َّنهام ينتميان إىل جامع ٍة ذات‬
‫نوع واحد‪ ،‬وهو النوع اإلنساين(‪ .)123‬ومبوجب هذا املعيار ستتوزع االتجاهات‬ ‫ٍ‬
‫نسويات رئيسة وهي‪ :‬النسوية اإلنسانية ‪Humanist‬‬ ‫ٍ‬ ‫النسوية املعارصة إىل ثالث‬
‫‪ ،Feminism‬والنسوية ا ُمل َت َمر ِكزة حول املرأة ‪،Woman-Centred Feminism‬‬
‫كل منها عىل‬ ‫والنسوية التَفكيكية ‪ .Deconstructionist Feminism‬و َيشتمل ٌّ‬
‫اتجاهات فرعية‪ .‬وميكن توضيح ذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫اتجاه عام إىل جانب‬

‫أوال‪ :‬النسوية اإلنسانية‬


‫األنثوية»‪ ،‬من‬ ‫َت ِص ُف آيريس ماريون يونغ النسوي َة اإلنساني َة بأ َّنها «ثورة ضد ُ‬
‫زاوية كونها تنظر إىل االختالف النوعي بني النساء والرجال باعتبار ِه شيئا َع َرضيا‬
‫بالنسبة إىل الرابطة اإلنسانية الجامعة‪ .‬فالذكور واإلناث َّإنا َينتميان إىل النوع‬
‫األخرى‪.‬‬ ‫اإلنساين الذي يختلف بدور ِه وبصورة جوهرية عن جميع الكائنات ُ‬
‫ووفقا للنسويات اإلنسانيات‪ ،‬ينبغي ْأن َتتواف َر للنساء الفرص نفسها ا ُملتوافرة‬
‫أمام الرجال متاما‪ ،‬بحيث إ َّنهنَّ َين ُْظ ْر َن إىل أساليب الحياة الذكورية وأمناط‬
‫سلوكها باعتبارها منوذجا للنساء ينبغي احتذاؤه لِتحقيق املساواة الفعلية(‪.)124‬‬
‫وتنقسم النسوية اإلنسانية بدورها إىل اتجاهَ ني فرعيني‪:‬‬
‫‪ -‬أولهام النسوية الليربالية ‪ ،Liberal Feminism‬وهو اتجاهٌ َيتدُّ يف جذوره‬
‫التاريخية إىل القرن التاسع عرش الس َّيام عرب طروحات املفكر جون ستيوارت‬
‫‪220‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫ناص ِة مبدأ الحقوق املتساوية من أجل النساء‪،‬‬ ‫ميل‪ُ .‬يش ِّد ُد هذا االتجاه عىل ُم َ‬
‫وقد استغرق َتبلور ُه ثم َتحقيقهُ أهدا َفه معظم القرن التاسع عرش وبداية القرن‬
‫العرشين‪ .‬ثم أ ْم َست النسوية الليربالية هدفا لِسهام النقد من قبل نسويات‬
‫املوجة الثانية بعامة‪ ،‬وذلك عىل الرغم من كون أغلبية مكاسب الحركة النسوية‬
‫ظل أنشطة النسوية الليربالية و ُمطالبتها بالحقوق الليربالية‬ ‫يف الغرب ُح ِّققت يف ِّ‬
‫املتساوية‪ ،‬وعىل الرغم من مرور االتجاه نفسه ِب ِعدَّ ِة ُمنعطفات يف سياق َتط ّور ِه‬
‫التاريخي حتى يومنا هذا(‪.)125‬‬
‫وترى النسويات الليرباليات َّأن املجالَني العام والخاص ُيؤثران بصور ٍة‬
‫إن ِكال‬‫متواصلة يف حياة النساء وعىل نح ٍو أكرب من تأثريهام يف حياة الرجال‪ .‬إذ َّ‬
‫يتشكالن بواسطة األيديولوجية ال َبطر َيركية والنزعة الجنسية‬ ‫َّ‬ ‫املجالَني اليزاالن‬
‫‪ Sexism‬اللتَني بدورهام َت َت َغلغالن يف اإلعالم الجامهريي املعارص‪ .‬فالنساء‪ ،‬بحكم‬
‫خرباتهنَّ وتجاربهنَّ يف املجال العام السيام يف ميادين التعليم والعمل والسياسة‪،‬‬
‫مازال ُمحدَّ دا مبامرسات التمييز والتهميش والتح ّرش‬ ‫َ‬ ‫دن َّأن هذا املجال‬‫قد َو َج َ‬
‫َمات‬
‫الجنيس‪ .‬ومن الجانب اآلخر‪ ،‬أي يف املجال الخاص‪ ،‬ترى النساء أنفسهنَّ ُملز ٍ‬
‫دن من مكان الوظيفة مدفوعة األجر إىل ما‬ ‫ِب ِرباطِ الوقت والجهد وكأ َّنهنَّ َي ُع َ‬
‫ُتط ِلق علي ِه آريل هوشيلد ‪ Arlie Hochschild‬تسمية « ُمناوبة العمل الثانية يف‬
‫املنزل والعناية باألطفال»(‪.)126‬‬
‫ثم تغدو قدرة النساء عىل املنافسة يف ميدان املهنة والتخصص الوظيفي‬ ‫ومن َّ‬
‫قدرة معوقة للغاية بفعل متطلبات املجال الخاص نفسه‪ ،‬ذلك أل َّنهُ َيستغرق‬
‫كثريا من وقت املرأة وجهودها الذاتية‪ ،‬مبعنى َّأن املطالب ال َبطر َيركية الجوهرية‬
‫للمجال العام ذات الصلة منها بالوقت والجهد البدين والعقيل وااللتزام الكيل‬
‫برشوط العمل تكون عىل حساب التزامات املرأة تجاه املنزل والعائلة بخاصة‪،‬‬
‫بذلهُ من الوقت والجهد يف‬ ‫بحيث تتناقص مواردها املادية يف حال تناقص ما َت ُ‬
‫فإن هذا التناقض املتمثل يف تخيري النساء‬ ‫مناشط العمل املختلفة(‪ .)127‬ومن ثم‪َّ ،‬‬
‫بني تربية األطفال والعمل املدفوع األجر َستَرت َّتب علي ِه نتائج غري متساوية‬
‫إن النتيجة النهائية ال تتم َّثل فقط يف َّأن املراكز األعىل‬ ‫وبالغة التأثري فيهن‪ .‬إذ َّ‬
‫ستكون حكرا عىل الرجال‪ ،‬بينام ستش َغ ُل النساء دوما املراكز‬ ‫ُ‬ ‫قيمة يف املجتمع‬
‫‪221‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫الوظيفية ذات الدوام الجزيئ ‪ part-time‬واألجر الزهيد‪ ،‬بل أيضا َّأن نسبة كبرية‬
‫من النساء س َي ِجدْ َن أنفسهنَّ تابعات ‪ dependent‬اقتصاديا للرجال‪ ،‬فعندما‬
‫فإن املرأة التي‬‫األرسة ِنتاج عمل الرجل فقط‪َّ ،‬‬ ‫يكون القسم األكرب من دَخل ُ‬
‫ستظل خاضعة اقتصاديا لِزوجها من حيث حيازت ِه‬ ‫ُ‬ ‫َتتك َّفل بشؤونِ املنزل «مجانا»‬
‫وأن عالقة التبعية االقتصادية هذه ستتطور إىل شكلها األكرث‬ ‫للموارد املادية‪َّ .‬‬
‫الزوجني‪ .‬فإذا كان الزوجان يتمتَّعان يف أثناء‬‫َ‬ ‫سلبية وذلك يف حال الطالق بني‬
‫كل منهام‪ ،‬فإ َّنه‬‫دخل ٍّ‬
‫برصف النظر عن ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحياة الزوجية مبستوى املعيشة نفسه‬
‫تفاوت كب ٌري بينهام من حيث الدخل واملستوى املعييش‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫يف حال طال ِقهام سيرب ُز‬
‫تتحسن نوعية املعيشة يف أوساط الرجال ذوي‬ ‫َّ‬ ‫ففي الواليات املتحدة مثال‪،‬‬
‫الدخل املتوسط مبعدّ ل ‪ 10‬يف املائة بعد الطالق‪ ،‬يف حني ترتّدى نوعية املعيشة‬
‫لدى النساء املط ّلقات مب ّعدل ‪ 27‬يف املائة‪ ،‬ال بل ستزداد صعوبة وضعهنَّ املعييش‬
‫يف حالِ تكفلهنَّ بحضان ِة أطفالِهنَّ وحدهنَّ من دون مساعدة األب(‪ .)128‬فهذا‬
‫التصميم ال َبطر َيريك لهيكلية املراكز الوظيفية والقائل بكون «الرجال للعمل‬
‫والنساء للمنزل»‪ ،‬سيضع األم ال َعزباء ‪ ،Single Mother‬أي األم الساعية إىل‬
‫الحفاظ عىل منزلها وأطفالها من دون مساعدة الذكر العامل‪ ،‬سيضعها وأطفالها‬
‫يف خط ٍر اقتصادي جسيم‪ ،‬بحيث ُيعدُّ ذلك مبنزلة العامل الرئيس لِزيادة ُأنثوية‬
‫كس ُب‬ ‫الفقر ‪ Feminizing of Poverty‬عىل الصعيد العاملي؛ فاملرأة عادة ما َت ِ‬
‫وأقل قيمة من الرجل‪ ،‬كام أن عالقة األم ال َعزباء نفسها بأيِّ وظيفة‬ ‫ُأجورا أدىن َّ‬
‫ستكون أصال عالقة غري ثابتة للغاية‪ ،‬بحكم انخراطها يف تحمل مسؤوليات‬
‫وأعباء املنزل إىل جانب أعباء العمل (‪.)129‬‬
‫متكنا من أن نضمنَ ِّ‬
‫لكل امرأ ٍة‬ ‫ويف ضوء هذا املنظور النسوي‪ ،‬حتى لو َّ‬
‫دوام كامل ‪َ ،full-time‬ف َسيبقى‬ ‫دَخال سنويا ثابتا عرب العمل يف وظائف ذات ٍ‬
‫من الظلم إجبار املرأة نفسها عىل االختيار بني رعاية عائلتها أو االنرصاف إىل‬
‫العمل حرصا‪ ،‬بينام ُيعفى الرجل يف الوقت نفس ِه من مثل هذا التخيري‪ .‬ذلك‬
‫«أن الرجال هم أيضا يتزوجون شأنهم شأن أزواجهم من النساء‪ ،‬فلامذا تكون‬ ‫َّ‬
‫للزواج نتائج وآثار متباينة إىل هذا الحد بينهم وبني النساء؟»‪َ .‬ف ِمن العدالة أال‬
‫حول دون تحقيق النجاح املِهني‬ ‫تكون الرغبة يف تكوين أرسة مبنزلة ُمع ِّوقٍ َي ُ‬

‫‪222‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫يتحملها‬
‫األرسة فال بدَّ حينئ ٍذ أن َّ‬ ‫تحمل أعباء تكوين ُ‬ ‫كان ينبغي َّ‬ ‫شخص ما‪ ،‬وإن َ‬‫لِ ٍ‬
‫الحظ‬ ‫نصف‪ .‬وعىل رغم ذلك‪ُ ،‬ي ِ‬ ‫وبشكل ُم ِ‬
‫ٍ‬ ‫النساء والرجال معا عىل قدم املساواة‬
‫تقاسم الرجال والنساء مهامت العمل املنزيل‬ ‫هذا االتجاه النسوي أ َّنه حتى إذا َ‬
‫الجنسني‬
‫َ‬ ‫قابل مادي‪ ،‬فال ُيش ُري ذلك إىل وجود مساوا ٍة حقيقية بني‬ ‫من دون ُم ٍ‬
‫نظرا إىل َّأن غياب املقابل املادي عن العمل املنزيل َيعو ُد أصال إىل غياب القيمة‬
‫كل ما يتع َّلق بالنسوة‪ .‬إذ‬ ‫الثقافية «للمهامت النسائية» والنظرة الدونية إىل ِّ‬
‫تتجسدُ يف توزيع العمل املنزيل فقط‪ ،‬بل ميكن‬ ‫َّ‬ ‫إن نزعة التمييز الجنيس قد ال‬ ‫َّ‬
‫فالح ُّط من أهمية العمل املنزيل‬ ‫أن تتم َّثل يف تقدير قيمة هذا العمل أيضا‪َ .‬‬
‫يق ِرت ُن أصال مبوضوع التقليل من شأن عمل النسوة وقيمت ِه عموما‪ .‬ولهذا‪،‬‬
‫كل من فقدان القيمة‬ ‫َتحت َُّل العائلة والحياة املنزلية مركز الصدارة يف دائر ِة ٍّ‬
‫الثقافية ‪ cultural devaluation‬والتبعية االقتصادية واللتني َتلت َِصقان باألدوار‬
‫التقليدية للنساء بعامة(‪.)130‬‬
‫ومن أبرز داعيات هذا االتجاه‪ ،‬أي النسوية الليربالية‪ ،‬الباحثة جانيت‬
‫رادكليف ريتشاردز ‪ ،Janet Radcliffe Richards‬حيث َتعت ِقد َّأن الباعث‬
‫الوحيد الفتقار النساء إىل املواطنة الكاملة وبالقوة والفاعلية نفسيهام التي‬
‫يحوزها الرجال هو َّأن النساء مل َيبذ ْلنَ ُجهدا كافيا لتحقيق ذلك‪ .‬فإذا ما أرادت‬
‫النساء الوصول إىل تلك القوة والفاعلية فإ َّنهنَّ سينجحن رشيطة بذل الجهود‬
‫الالزمة بصور ٍة متواصلة ومنظمة‪ ،‬بحيث يجب أن تشجع الناشطات النسويات‬
‫بشكل ف ّعال عىل اقتحام الحياة العامة وحيازة مراكز‬ ‫ٍ‬ ‫قريناتهنَّ من النساء‬
‫اجتامعية وسياسية رئيسة فيها‪ ،‬فضال عىل مساعدة بعضهنَّ البعض يف مختلف‬
‫ميادين املجال العام(‪.)131‬‬
‫‪ -‬ثانيهام النسوية املساواتية ‪ ،Egalitarian Feminism‬وبني َثنايا هذا‬
‫االتجاه ميكن االستناد إىل أفكار سوزان مولر أوكني بوصفها ا ُملن َِّظرة األكرث بروزا‬
‫للنسوية املساواتية‪ .‬فهي ترى أ َّنه كان لِزاما عىل الليربالية االجتامعية ‪Social‬‬
‫‪ Liberalism‬من حيث كونها االتجاه العام لليربالية أن َتفي بوعودها املتمثلة‬
‫تحديدا يف املساواة والتحرر لجميع أفراد املجتمع رجاال ونساء‪ ،‬بحيث يجب أن‬
‫ميتدَّ ذلك لِيشمل النساء واملجال الخاص‪ .‬كام ينبغي أال َيقترص معنى املساواة‬
‫‪223‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫عىل املساواة الشكلية‪ ،‬أي املساواة القانونية التي ُتعنى بالتكافؤ يف الحقوق‬
‫تضمنُ تقليل‬ ‫وااللتزامات‪ ،‬بل ال بدَّ أن تحوي أيضا املساواة املادية التي َت َّ‬
‫التفاوتات االجتامعية بني الرجال والنساء‪ .‬باإلضافة إىل النسوية املساواتية هناك‬
‫أيضا نسوية االختالف ‪ ،Difference Feminism‬التي َتنط ِل ُق من انتقاد رؤية‬
‫النسوية املساواتية ملفهوم املساواة ‪ Equality‬بوصفها رؤية غامضة‪ ،‬وتتداخل‬
‫فيها املساواة الجنسية مع املساواة القانونية‪ .‬ويف مقابل ذلك‪ ،‬ينبغي اإلقرار‬
‫بوجود اختالفات وظيفية بني الرجل واملرأة من الناحية البيولوجية واالجتامعية‪،‬‬
‫غري َّأن هذه االختالفات ال تعني عدم إمكانية تحقيق املساواة القانونية بني‬
‫الجنسني‪ ،‬ومن ثم حيازة املرأة حقَّ الولوج يف ُمختلف املجاالت االقتصادية‬ ‫َ‬
‫والسياسية ‪ .‬عىل أي حال‪ ،‬ينبغي القول بكون مفهوم نسوية االختالف ال َييش‬‫(‪)132‬‬

‫لون إقرا َر االختالف و ُينا ِقضون مفهوم املساواة واملساواتية‪.‬‬ ‫فض َ‬‫بأن أنصا َره ُي ِّ‬ ‫َّ‬
‫وربا كان القول األكرث د ّقة هو أ ّنهم ال ُيشريون إىل املساواة مبعنى التطابق بني‬ ‫َّ‬
‫الرجال والنساء يف مختلف النواحي‪ ،‬بل مبعنى التساوي يف القيمة واملكانة‪،‬‬
‫والتساوي يف االحرتام‪ ،‬أو باألحرى التساوي مبعنى اإلنصاف ‪.)133(Fairness‬‬
‫ويف كال الحالَني سواء أكانت النسوية املساواتية أم نسوية االختالف‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫تفسريها لِمفهوم «الالمساواة الجندرية» هو التفسري األكرث شيوعا يف أوساط‬
‫نب باملساواة‬ ‫النسويات‪ .‬حيث تزعم النسوية املساواتية َّأن النساء ميكن أن يطالِ َ‬
‫مع الرجال عىل أساس التساوي يف املقدرة البرشية وحيازة القوة األخالقية‬
‫العاقلة‪ .‬فالالمساواة الجندرية هي نتيجة متولِّدة عن النظام البطريريك والجنيس‬
‫الذي يقوم عليه تقسيم العمل من حيث األصل‪ .‬فهذا التقسيم يف املجتمعات‬
‫خصص النساء للعمل‬ ‫الحديثة َيع َت ِمدُ الجندر يف املجالَني العام والخاص‪ ،‬بحيث ُت َّ‬
‫وضع‬‫يف املجال الخاص‪ ،‬بينام يتمركز عمل الرجال يف املجال العام‪ ،‬باعتبار ِه َم ِ‬
‫املكاسب الحقيقية يف الحياة االجتامعية مثل‪ :‬املال والسلطة واملكانة االجتامعية‪،‬‬
‫كذلك الحرية وال ُف َرص الالزمة من أجل النمو وحيازة الجدارة‪ .‬من هنا ميكن‬
‫توليد املساواة الجندرية بواسطة تغيري نظام تقسيم العمل وعرب إعادة تشكيل‬
‫واألرسة والتعليم واإلعالم‪.‬‬ ‫املؤسسات الرئيسة يف مجاالت‪ :‬القانون والعمل ُ‬
‫وما يؤكد ذلك استناد هذا االتجاه إىل الوثيقة الرئيسة ذات الصلة باملناقشات‬
‫‪224‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫النسوية الليربالية بعامة والتي تتجسد يف «إعالن اآلراء» ‪Declaration of‬‬


‫‪ ،Sentiments‬الصادر عن أول تجمع نسوي ُيطالِب بحقوق النساء‪ ،‬والذي‬
‫عُ ِر َف أيضا باسم «ميثاق سينيكا فولز» ‪ Seneca Falls Convention‬يف العام‬
‫فإن النسوية الليربالية بعامة والنسوية املساواتية بخاصة‬ ‫‪ .)134(1848‬وبذلك َّ‬
‫تقوم عىل عدة معتقدات جوهرية وهي‪:‬‬
‫‪َّ - 1‬أن جميع البرش يحوزون خصائص جوهرية معينة وهي‪ :‬املقدرة العقلية‪،‬‬
‫والقوة األخالقية والتحقيق الذايت ‪.Self-actualization‬‬
‫‪َّ - 2‬أن هذه القدرات ميكن مامرستها بصور ٍة مصونة عرب االعرتاف القانوين‬
‫بشمولية الحقوق لِمخ َت َلف األفراد‪.‬‬
‫‪َّ - 3‬أن التفاوتات بني الرجال والنساء القامئة عىل أساس الجنس ما هي إال ُبنى‬
‫وهياكل اجتامعية ليس لها أساس حقيقي‪.‬‬
‫ناشدات‬‫‪َّ - 4‬أن التغيري االجتامعي من أجل املساواة ميكن توليده بواسطة ا ُمل َ‬
‫املنظمة من أجل بناء مجالٍ عام عقالين‪ ،‬واللجوء إىل مساعدة‬ ‫والجهود السلمية َّ‬
‫الدولة وآلياتها إلحداث هذه التغيريات(‪ .)135‬أي َّأن أنصار النسوية املساواتية‬
‫يهدفون إىل التخلص من الجندر أصال من حيث عدم أهليت ِه وعدم رشعيت ِه لِتنظيم‬
‫توزيع املنافع االجتامعية بني أفراد املجتمع رجاال ونساء‪ .‬وبدال من ذلك‪ ،‬يجب‬
‫انتهاج مبادئ شاملة وحيادية لتحقيق املساواة‪ .‬كذلك إحداث مختلف التغيريات‬
‫املستهدفة من خالل املؤسسات الترشيعية والقضائية واألنظمة القانونية املَرعية‪،‬‬
‫بحيث يتضمن ذلك ما ييل‪:‬‬
‫ات ترشيعية تعمل عىل ضامن املساواة يف التعليم وإيقاف التمييز‬ ‫أ ‪ -‬تغيري ٍ‬
‫الجنيس يف أماكن العمل‪ ،‬وتوجيه األجهزة واملؤسسات الحكومية ومراقبة تنفيذها‬
‫لهذه الترشيعات‪.‬‬
‫ب ‪ -‬التعبئة االجتامعية الهادفة إىل التعريف بالتحرش الجنيس يف أماكن العمل‬
‫بخاصة واعتبار ِه من قبيل التمييز الجنيس قانونا‪.‬‬
‫ُ‬
‫األجور (أي املساواة يف األجور عن أداء األعامل‬ ‫ج ‪ -‬تحقيق املساواة يف ُ‬
‫املتساوية)‪ ،‬كذلك االستحقاق املتساوي ‪( Comparable Worth‬أي املساواة يف‬
‫األجور عن أداء األعامل ذات القيمة واملكانة املتامثلة)(‪.)136‬‬ ‫ُ‬

‫‪225‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫إن النسوية اإلنسانية بعامة ُتؤكد يف طروحاتها‬ ‫نخ ُل ُص من كل ذلك للقول َّ‬
‫عىل وجود نز َعتَني متالز َمتَني إحداهام فردية ‪ Individualism‬واألخرى إنسانية‬
‫‪ ،Humanism‬وهام ُمتناغمتان بصورة ملحوظة‪ .‬كام َتزعُ ُم َّأن استخدام‬
‫األرسة باعتبارها وحدة أساسية معنا ُه التَعتيم عىل التفاوت بني األزواج‬ ‫مفهوم ُ‬
‫والزوجات داخل هذه الوحدة االجتامعية‪ ،‬أو هو مبنزلة إرجاع هذا التفاوت‬
‫إىل مشاكل وصعوبات شخصية أكرث من كونها صعوبات سياسية‪ .‬أيضا‪ُ ،‬تطالِ ُب‬
‫لكل أفراد املجتمع من البالِغني‬ ‫النسوية اإلنسانية بحقوق وواجبات متساوية ِّ‬
‫أينام كانوا داخل نطاق الدولة وأ ّيا كانت أعاملهم‪ .‬ومثال متبني هذا التوجه‬
‫«أن الحقوق املتساوية‬ ‫الفكري الباحثة أبريل كارتر ‪ ،April Carter‬فهي ترى َّ‬
‫مطلب أسايس لِتحقيق العدالة‪ ،‬ولكن‬ ‫ٌ‬ ‫للنساء اللوايت ُيش ِّكلنَ نصف السكان هي‬
‫حامية حقوق النساء مرتبطة ارتباطا عضويا بتعزيز حقوق الفقراء واملحرومني‪،‬‬
‫أرضيات عرقية واستبدادية»‪ .‬وليس هذا‬ ‫ٍ‬ ‫املؤسس عىل‬‫وكذلك بإنهاء التمييز َّ‬
‫بسبب َّأن الفقراء معظمهم من النساء‪ ،‬وأن النساء السوداوات يعانني التمييز‬
‫أكرث من غريهنَّ فقط‪ ،‬لكن بسبب أنه سيغدو باإلمكان تأمني حقوق النساء‬
‫سياسات ُمعدَّ ٍة‬
‫ٍ‬ ‫بصور ٍة أولية فقط يف سياق احرتام حقوق الجميع‪ ،‬وضمن إطار‬
‫فإن استجابة النسوية‬ ‫مجتمع عادل‪ .‬وتبعا لهذا املنظور َّ‬
‫ٍ‬ ‫يف األصل لِتَض َمنَ قيام‬
‫اإلنسانية بخصوص مسألة املواطنة ستتم ّثل يف َمقولة «دَعونا َنن َْخ ِرط باعتبارنا‬
‫مواطنني ولِنَنس أ َّننا نساء»(‪.)137‬‬

‫ثانيا‪ :‬النسوية ا ُمل َت َم ِركزة حول املرأة‬


‫خاف أن النسوية املتمركزة حول املرأة هي مبنزلة االتجاه ا ُمل َهيمن‬ ‫ليس ِب ٍ‬
‫فإن هذا االتجاه‬ ‫عىل املوجة النسوية الثانية‪ .‬ووفقا آليريس ماريون يونغ َّ‬
‫تشك ُل من أ َّنهنَّ ُم ْس َت ْب َعدات‬‫ينظر إىل «اضطهاد النساء» من زاوية أ َّنه ال َي َّ‬
‫من املشاركة السياسية بخاصة لِكونهنَّ غري كامالت إنسانيا‪ ،‬أي ليس بسبب‬
‫يتشك ُل من إنكار القيم‬ ‫َّ‬ ‫انتامئهنَّ إىل الهوية اإلنسانية بصور ٍة منقوصة‪ ،‬بل إ َّنه‬
‫األنثوية بخاصة والتقليل من شأنها عرب فرض ثقافة ُذكورية مفرطة‬ ‫واألنشطة ُ‬
‫نظر إىل أجساد النساء‬ ‫وسلطويتها‪ .‬وتتّسع دائرة التهميش مادام ُي َ‬ ‫يف ذرائعيتها ُ‬
‫‪226‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫األنثوية عىل املستوى التقليدي بوصفها مصدرا للقيم اإليجابية‬ ‫والنشاطات ُ‬


‫كل من السياسة واملجتمع بعامة‪ .‬ففي حني كانت النسوية اإلنسانية‬ ‫لِمصلحة ٍّ‬
‫ُمعت ِدلة يف طروحاتها من حيث إ َّنها تحرص النساء وتدمجهنَّ يف النظام السيايس‬
‫فإن النسوية املتمركزة حول املرأة ا ّدعَت أ َّنها َتحو ُز القوة‬ ‫واالجتامعي القائم‪َّ ،‬‬
‫جانب‬ ‫ٍ‬ ‫أجل تغيري العامل بصور ٍة كبرية‪ .‬ومن‬ ‫الكا ِمنة املطلوبة والرضورية من ِ‬
‫َشين مقارنة باالتجاهات‬ ‫فإن االتجاهَ ني قد َم َّثال َخ َّطني مألو َفني و ُمنت ِ َ‬ ‫متصل‪َّ ،‬‬
‫النسوية األخرى‪ ،‬عىل الرغم من كون النسوية املتمركزة حول املرأة كانت أكرث‬
‫األوىل‪ .‬كام يجب النظر إليهام باعتبارهام اتجاهَ ني ُمت َِّص َلني‬ ‫ذيوعا بكثري من ُ‬
‫جسدان َط َريف ثنائية مع ّقدة‪ ،‬حتى لو كان هناك‬ ‫‪ Continuum‬أكرث من كونهام ُي ِّ‬
‫َتو ُّتر فعيل بني هذين االتجاهَ ني الرئيسني ‪.‬‬
‫(‪)138‬‬

‫إن النسوية املتمركزة حول املرأة ليست وحدة فكرية ُمتجا ِنسة‪ ،‬فهي‬ ‫َّ‬
‫ولعل من أبرزهنَّ‬ ‫عب َن في ِه عن مشاكل النساء وغاياتهنَّ ‪َّ ،‬‬ ‫ُملتقى نسويات ِعدّ ة ُي ِّ‬
‫ضيف إىل النظام الدميوقراطي‬ ‫املفكرة آيريس ماريون يونغ‪ ،‬فقد أرادت أن ُت َ‬
‫ربا أرادت جعل الهوية‬ ‫مؤسسة عىل هوية املرأة‪ ،‬أو ّ‬ ‫الليربايل القائم سياسة َّ‬
‫التوجه أيضا جني بيتيك‬ ‫ضم هذا ّ‬ ‫النسوية جزءا من سياسات الدولة ككل‪ .‬كام َي ُّ‬
‫إلشتاين ‪ ،Jean Bethke Elshtain‬التي عزّزت بدورها مجموعة مبادئ للنساء‬
‫بوصفها منوذجا للقيم العليا التي ينبغي إدماجها يف السياسات العامة‪ ،‬ليك‬
‫خص النساء بعامة‪.‬‬ ‫لسياسات حكومية أفضل وملواطن ٍة أفضل فيام َي ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫تغدو عامدا‬
‫إن مبادئ النساء األخالقية عادة ما كانت ُتعترب إيثارية َغري ّية ‪Altruistic‬‬ ‫إذ َّ‬
‫ومنوذجا للقيم األخالقية املرتبطة بسياق ُمحدَّ د حيث جرى ربطها بإحكام مع‬
‫األنثوية واألمومة(‪ .)139‬ويوجد ضمن هذا اإلطار اتجاهٌ فرعي ُيع َر ُف بتسمية‬ ‫ُ‬
‫«النسويات العامليات»‪ ،‬ومن ممثالته‪ :‬تشاندرا تالبيد موهانتي ‪Chandra‬‬
‫‪ Talpade Mohanty‬وآن فريغسون ‪ Ann Ferguson‬اللتني اقرتحتا رضورة‬
‫َتف ُّهم النسوية العاملية يف حدود مجتمع ُمتَخ َّيل ‪.)140(Imagined Community‬‬
‫حيث ُتش ُري فريغسون إىل َّأن التفكري يف النسوية العاملية ضمن حدود مجتمع‬
‫نظرن إىل أنفسهنَّ باعتبارهنَّ‬ ‫ُمتَخ ّيل قد ُي ْل ِه ُم النسويات بوصفهن أفرادا بأن َي َ‬
‫وض ُح كون مثل هذا التحديد‬ ‫أعضاء يف ُأختية عاملية ‪ .World Sisterhood‬كام ُت ّ‬

‫‪227‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ينبغي أن يكون أكرث من مجرد خيال‪ ،‬و ُتطالِ ُب باالنخراط يف مامرسات ف ّعالة‬
‫أصل قومي واحد(‪،)141‬‬ ‫ُتسهم يف صياغ ِة املعنى والقيمة للنساء الاليت ال َينتمني إىل ٍ‬
‫فهي ترى أن مشاريع التنمية املتبعة حاليا والهادفة إىل إفادة النساء يف العامل‬
‫وصممتها النساء يف الشامل حرصيا وعىل وج ِه‬ ‫الثالث أو الجنوب قد وضعتها َّ‬
‫التقريب‪ .‬بحيث تكون هذه املشاريع خاضعة للنزعة ال َبطر َيركية تجاه نساء‬
‫نظ ُر إليهنَّ أصال‬ ‫الجنوب‪ ،‬من زاوية أ َّنها مشاريع لل َمعونة ُو ِض َع ْت إلفادة نسا ٍء ُي َ‬
‫بوصفهنَّ «اآلخر»‪ ،‬وبوصفهنَّ موضوعات لإلغاثة وليس باعتبارهنَّ «ذوات»‬
‫‪ Selfs‬تستطيع املشاركة بدو ٍر جوهري يف عملية التخطيط‪ .‬عالوة عىل هذا‪،‬‬
‫متيل النسويات املساهامت يف مثل هذه املشاريع إىل افرتاض َّأن املساواة بني‬
‫هدف العملية التنموية واملتم ِّثل يف تعزيز العدالة بني‬ ‫ُ‬ ‫الرجال والنساء هي‬
‫الجنسني‪ .‬غري َّأن هدف املساواة بالرجال يتجاهل الطبقة والعرق والجنس‪،‬‬ ‫َ‬
‫والقوى واملنازل األخرى التي تختلف فيها النساء بعامة بعضهنَّ عن البعض‬
‫إن التمويل األورويب واألمرييك لهذه املشاريع هو أيضا «ينزع إىل‬ ‫اآلخر‪ ،‬بل َّ‬
‫أن يكون نابعا من أولئك البرش املتم ِّيزين‪ ،‬وينزعُ إىل أن يتجه صوب البرش‬
‫األقل َت ِّيزا‪ ...‬وأن أغلبية الباحثني و ُمقدِّمي الخدمات االجتامعية من الشامل‪،‬‬
‫ناهضني لإلمربيالية و ُمنارصين للعدالة االجتامعية‪َ ،‬ي ْغشاهُ م‬ ‫حتى إن كانوا ُم ِ‬
‫«اآلخري ِة» يف مامرساتهم الخاصة‪ ،‬وعىل االمتيازات‬ ‫فق من الجهالة ُيخ ِّي ُم عىل َ‬ ‫ُأ ٌ‬
‫ثم‪،‬‬ ‫التي ُتش ِّوه مامرساتهم هم يف البحث ويف تقديم الخدمات»(‪ .)142‬ومن َّ‬
‫تدعو فريغسون النسويات بعامة إىل تطوير بارادايم أو منوذج إرشادي بديل‬
‫سمى « َمدخل التمكني»‬ ‫عن منوذج الحداثة من أجل التنمية العاملية للنساء‪ ،‬و ُي ّ‬
‫س الهويات‬ ‫‪ .Empowerment Approach‬وهو يعمل عىل تبني سياسات َج ْ ِ‬
‫وتكاملها ومييل إىل سياسة االحتواء واالستيعاب بدال من أجندات اإلقصاء‪ .‬إذ إ َّنه‬
‫يقود إىل النظر إىل النسوية العاملية (بوصفها تضامنا بني النساء يجب أن ُنحا ِرب‬
‫من أجل ِه بدال من أن نتلقا ُه بشكل تلقايئ)‪ .‬إ َّنهُ التضامن الذي ُيعزِّز التحالف‬
‫َ‬
‫ألولئك‬ ‫العاملي لِمحاربة أي عالقات هيمن ٍة اجتامعية ُأخرى ذات أهمية ومغزى‬
‫العاملني يف الشبكات والتنظيامت الحيوية‪ ،‬من قبيل‪ :‬حركات التحرر القومي‬
‫وأحزاب الحفاظ عىل البيئة وكفاحات حقوق نقابات العامل وحقوق الحفاظ‬
‫‪228‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫عىل املوارد الزراعية واملائية‪ .‬هذه األخالقيات النسوية للتنمية العاملية ليست‬
‫ناموسا كونيا مج ّردا‪ ،‬وال دفاعا نفعيا عن األسواق الحرة بوصفها وسيلة للحرية‬
‫متموضعة تؤكد عىل‬‫ِ‬ ‫أو الدميوقراطية أو السعادة العامة‪ ،‬إ َّنها أخالقيات عاملية‬
‫تحقيق «أهداف الدميوقراطية التشاركية واملساواتية بوصفها جانبا من الكفاح‬
‫رس الهويات»(‪.)143‬‬
‫وج ِ‬
‫لبناء َ‬
‫وهنا ال بد من اإلشارة إىل أن اتجاه النسوية املتمركزة حول املرأة مل يكن‬
‫ُمتعا ِرضا عىل طول الخط مع االتجاه األول (النسوية اإلنسانية)‪ ،‬الس َّيام من‬
‫حيث مفهومها للمساواة السياسية‪ .‬فقد َف َّضلت النسويات املتمركزات حول‬
‫املرأة نوعا من اإلنصاف ‪ Fairness‬يأيت قبل مفهوم املعاملة املتساوية ويتجاوز‬
‫املحصلة واملَردود» ‪Equality of‬‬ ‫ِّ‬ ‫دائرته‪ ،‬وهو ُي ْع َرف بتسمية «املساواة يف‬
‫جامعة ما‪ ،‬وبناء عىل اختالفاتهم الجندرية والجنسية‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ ،Outcome‬بحيث تحوز‬
‫حقوقا وحريات أكرث مقارنة بغريهم من أفراد املجتمع الواحد‪ .‬ذلك ّأن اإلنصاف‬
‫من منظور االتجاه النسوي الثاين يشتمل عىل حيازة الحقوق املدنية األساسية‬
‫لكل األفراد البالغني‪ ،‬ما مل َيظهر أن بعض الجامعات تحتاج إىل‬ ‫بصور ٍة متساوية ِّ‬
‫الحرمان‬‫حقوق وتدابري خاص ٍة أكرث من الجامعات األخرى نظرا إىل ما ُتعاني ِه من ِ‬
‫والتهميش‪ .‬فالنسويات املتمركزات حول املرأة ال َيهد ْفنَ إىل جعل املواطنة‬
‫دن أ َّننا يف حاجة‬ ‫حيادية تجاه الجندر أو الجنس ‪ .Sex‬عوضا عن ذلك‪َ ،‬يعت ِق َ‬
‫املواطنة األنثى ‪،Female Citizen‬‬ ‫ِ‬ ‫واطنة من زاوية‬ ‫إىل إعادة التفكري يف ا ُمل َ‬
‫بحيث ينبغي إدماج املرأة يف املجتمع وهويت ِه الوطنية بصفتها مواطنة وامرأة‬
‫يف آنٍ واحد‪ ،‬بدال من االستمرار يف إدماجهنَّ بوصفهنَّ مواطنات ‪ Citizens‬ثم‬
‫استبعادهنَّ وتهميشهنَّ باعتبارهنَّ نساء ‪.)144(Women‬‬
‫طون الضوء عىل الالمساواة‬ ‫عالوة عىل ذلك‪ ،‬نجد َّأن دُعا َة هذا االتجاه ال ُيس ِّل َ‬
‫املرتسخة التي تضع‬ ‫َون بالبنى األيديولوجية ِّ‬ ‫االجتامعية والسياسية فقط‪ ،‬بل ُي ْعن َ‬
‫النساء يف مكان ٍة دونية مقارنة بالرجال‪ ،‬وإحدى هذه البنى هي النظام البطريريك‪،‬‬
‫والثانية هي نظرية العقد االجتامعي بوصفها ذات تأث ٍري بالغ يف تسويغ عالقات‬
‫السلطة واملكانة السياسية ضمن املؤسسات السياسية الغربية‪ .‬وينسجم ذلك‬
‫مع طبيعة املوجة النسوية الثانية بصور ٍة عامة من حيث تركيزها عىل التح ُّيز‬
‫‪229‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫الجندري ‪ Gender Bias‬يف مجاالت اللغة والقانون والنظرية السياسية‪ .‬فاتجاه‬


‫النسويات ا ُملتَمر ِكزات حول املرأة ال يهدف إىل جعل النساء مثل الرجال وعىل‬
‫قدم املساواة‪ ،‬كام هو الحال لدى اتجاه النسوية الليربالية الذي ُيشدِّد عىل‬
‫املساواة االجتامعية‪ ،‬بل هو ُير ِّكز عىل وجوب تطوير النساء أنفسهنَّ لِ ٍ‬
‫نوع جديد‬
‫من اللغة والقانون والنظرية السياسية بحيث يت ُ‬
‫ّصف كل منها بكون ِه «نسويا‪/‬‬
‫ُأنثويا» بصورة محدّ دة(‪.)145‬‬
‫بعبار ٍة أخرى أكرث وضوحا‪ ،‬إن النسوية ا ُمل َت َمر ِكزة حول املرأة َتنظر إىل موضوع‬
‫نواح مركزية‪ :‬لغوية‬
‫تجل يف ثالث ٍ‬ ‫اضطهاد املرأة من زاوية أن مصادر ُه الرئيسة َت َّ‬
‫جب‬
‫بشكل فعيل وف ّعال‪َ ،‬ي ُ‬
‫ٍ‬ ‫متتلك املرأة هويتها النسوية‬ ‫وجنسية وسياسية‪َ .‬ف ِل َك َ‬
‫عىل النساء بعامة اجتثاث مصادر االضطهاد الثالثة هذه‪ .‬وميكن تبيان كل ناحية‬
‫منها عىل النحو التايل‪:‬‬

‫‪ - 1‬الناحية اللغوية‬
‫ترى عاملة اللسانيات واملح ِّللة النفسية لويس إيريغاري ‪َّ ،Luce Irigaray‬أن‬
‫النظرية النسوية ينبغي التفريق فيها بني ثالثة أبعاد وهي‪ :‬الحقيقي والرمزي‬
‫تداخل شديد‪ .‬فالحقيقي هو مكان لـ «األم أو املوت»‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫والخيايل‪ ،‬نظرا إىل ما فيها من‬
‫سس باسم األب‪ ،‬أما الخيايل فهو «أث ٌر للبعد‬ ‫والرمزي ميدا ٌنا لـ «القانون» الذي ُأ َّ‬
‫نظام‬
‫فإن النظام الرمزي‪ ،‬أي اللغة‪ ،‬هو أساسا ٌ‬ ‫الرمزي» يف الوعي والخيال‪ .‬وتبعا لذلك‪َّ ،‬‬
‫ُذكوري بطريريك بحيث َيجري الحديث والتعاطي فيه وفقا ُملخ ِّيلة الرجال‪ ،‬ثم َتنت َِظ ُم‬
‫قواعد ُه اللغوية مبوجب القانون ا ُملع َت َمد من قبل النظام الرمزي باعتبار هذا القانون‬
‫فإن أيَّ ُم ْخ َر ٍج من ُمخرجات‬ ‫نظام للنظام الرمزي نفسه‪ .‬ومن ثم َّ‬ ‫نظاما ُمقا ِبال و ُم ِّ‬
‫‪ Outputs‬النظام الرمزي يجب ْأن ُي َتجم بفاعلية إىل رشوط ِه وقواعد ِه الذكورية(‪.)146‬‬

‫‪ - 2‬الناحية الجنسية‬
‫ُتش ِّد ُد إيريغاري أيضا عىل َّأن فكرة االختالف الجنيس من حيث كون الذكر‬
‫ُي ّث ُل «الكامل» أل َّن ُه ميتلك العضو الذكري (القضيب)‪ ،‬بينام األنثى ُت ِّ‬
‫جسدُ «النقص»؛‬
‫ْ‬
‫ليست إال وجهة نظر‬ ‫نظرا إىل افتقارها إىل العضو الذكري‪ ،‬هذه الفكرة بعينها‬
‫‪230‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫لألنثى قد ُص ّورت و ُتخ ِّيلت دوما عىل أساس‬ ‫ُذكورية‪ .‬ذلك َّأن الصفة الجنسية ُ‬
‫فإن نصيب املرأة و ِقسمتها هو «النقص» بشأن‬ ‫حدود ومقاييس ذكورية‪ .‬ومن ثم َّ‬
‫«ح َس ِد القضيب» ‪Penis Envy‬؛ نظرا‬ ‫العضو الجنيس‪ ،‬مام و َّل َد لدى األنثى حالة َ‬
‫إىل كون القضيب هو العضو الوحيد ذا القيمة املعرتف بها يف أوساط الذكور‪َّ ،‬‬
‫وأن‬
‫تتواصل اجتامعيا ولغويا مع غريها هو‬ ‫َ‬ ‫السبيل الوحيد الذي ميكن فيه للمرأة ْأن‬
‫عرب االستيالء عىل العضو الجنيس للرجل‪ ،‬ليك تستطيع املرأة بذلك امتالك العضو‬
‫الجسدي الحاصل‬ ‫الذي ينقصها‪ .‬أي أنه يجب قيام املرأة بالتعويض عن العجز َ‬
‫ثم‪ ،‬ليك تتواصل املرأة‬ ‫لديها‪ ،‬حتى تتم َكن من تحقيق الكامل ُأسوة بالذكور‪ .‬ومن َّ‬
‫مع اآلخرين اجتامعيا يجب عليها ْأن َتتك َّل َم كالرجل وإال فإ َّنها سوف ُتجا ِز ُف‬
‫باستبعادها وانقطاع روابطها االجتامعية(‪.)147‬‬
‫ظل هذا النظام الجنيس أشبه ما يكون‬ ‫فإن وضع النساء يف ِّ‬ ‫ويف ضوء ذلك‪َّ ،‬‬
‫بوضع الربوليتاريا لدى كارل ماركس‪ .‬فالطبقة العاملة هي جز ٌء من املجتمع ولكنَّها‬
‫ليست جزءا من املجتمع بفعل اغرتابها الطبقي‪ .‬ونظرا إىل وجوب‬ ‫ْ‬ ‫يف الوقت عينه‬
‫ارتباط املرأة ِب َرجل حتى تكون لها شخصية اجتامعية‪ ،‬فإن املرأة بذلك ال متتلك‬
‫هوية خاصة ومستقلة‪ .‬ومن ثم ُتر ِّك ُز إيريغاري عىل فكرة مفادها أ َّن ُه َمنْ كانت له‬
‫ألن شيئا‬‫جنس ولكنّه ليس كيانا كامال بذاته َّ‬ ‫خاصتهُ‪ ،‬أي َمنْ كان له ٌ‬
‫هوية ليست ّ‬
‫ما َين ُق ُصهُ‪ ،‬فهو إذن ليس كيانا م َّوحدا يف ذاته وليس مستقال بنفس ِه‪ ،‬بل هو َيعتمد‬
‫عىل غري ِه‪ ،‬فهو بذلك ُمستبعد و َمنبوذ يف أحسن األحوال(‪.)148‬‬

‫‪ - 3‬نظرية العقد االجتامعي النسوية‬


‫تعمل النسويات ضمن اتجاه (النسوية املتمركزة حول املرأة) عىل إعادة‬
‫صياغة نظرية العقد االجتامعي مبا ينسجم مع َمطالِبهنَّ واحتياجا ِتهنَّ ذات‬
‫نظرات‬‫العالقة‪ ،‬أي مع هويتهنَّ النسوية‪ .‬و ُتعد الباحثة كارول َبيتامن من أبرز ا ُمل ِّ‬
‫يف هذا املجال؛ فهي تعتقد َّأن املجال العام وفقا للنظرية السياسية الليربالية ال‬
‫َيشتمل أصال عىل حقوق النساء السياسية بل هو َمعني بحقوق الذكور وحرياتهم‬
‫نظرين الكالسيكيني واملعارصين لِنظرية العقد االجتامعي ما عدا‬ ‫إن ا ُمل ِّ‬
‫حرصا؛ إذ َّ‬
‫توماس هوبز ‪ Thomas Hobbes‬قد َزعموا َّأن الحرية واملساواة الطبيعية هام‬
‫‪231‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫جنس واحد وهم «الرجال»‪ ،‬فهم‬ ‫من الحقوق والحريات ا ُمل ْكت ََسبة من قبل ٍ‬
‫وحدهم الذين ُيولَدون أحرارا ومتساوين دون «النساء»‪ .‬مبعنى َّأن ُمف ِّكري‬
‫ٌ‬
‫اختالف‬ ‫العقد االجتامعي بعامة قد َن َظروا إىل االختالف الجنيس من زاوية أنه‬
‫سيايس ‪ Political Difference‬بني الذكور واإلناث‪َ .‬ف َجعلوا الحرية الطبيعية من‬
‫نصيب الرجال‪ ،‬أما النساء فكان نصيبهنَّ ال يتجاوز الخضوع واإلذعان الطبيعي‪.‬‬
‫فقاد ذلك النسويات‪ ،‬من منظور َبيتامن‪ ،‬إىل إبداء االنتقادات والطروحات‬
‫ولعل من أبرزها تركيزها عىل‬ ‫تساؤالت جوهرية‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫البديلة‪ ،‬من خالل طرح عدّ ة‬
‫كل الرجال ُيولَدون أحرارا فكيف إذن ُتولَدُ النساء إماء؟ وإذا كان‬ ‫أ َّنهُ ‪ :‬إذا كان ُّ‬
‫العقل والقدرات األخرى من دون متييز‬ ‫َ‬ ‫الله تعاىل قد َخ َلقَ البرش ووَهَ َبهم‬
‫ومحاباة‪ ،‬وإذا كانت الحرية واملساواة من الحقوق الطبيعية التي َينبغي ْأن‬
‫يتشاطرها البرش كا ّفة بال استثناء‪ ،‬فكيف إذن ميكن تربير هذا التفاوت الجنيس‬
‫يف الحقوق والحريات بني الرجال والنساء(‪.)149‬‬
‫ويف سياق إجابتها عن هذه التساؤالت‪ ،‬ترى َبيتامن َّأن أصل مشاكل‬
‫يتجسد يف طبيعة الحياة املنزلية والتوزيع غري املتكافئ للعمل املنزيل‬ ‫َّ‬ ‫املرأة‬
‫األرسية واملهنية‪ .‬فقد تجنَّب أغلب املف ِّكرين فكرة الخوض يف‬ ‫وللمسؤوليات ُ‬
‫األرسية وتقييمها يف ضوء مبادئ العدالة‪ .‬فأنصار الليربالية الكالسيكية‬ ‫العالقات ُ‬
‫يرأسها الرجل ‪ -‬باعتبارها وحدة اجتامعية‬ ‫األرسة ‪ -‬التي ُ‬ ‫مثال تناولوا موضوع ُ‬
‫ُمع َّرفة بيولوجيا‪ .‬وشدَّ دوا عىل َّأن مبادئ العدالة وتطبيقها ال تتع َّلق إال بالعالقات‬
‫فإن املساواة الطبيعية من منظورهم تشتمل عىل املساواة‬ ‫بني العائالت‪ .‬وبذلك‪َّ ،‬‬
‫يتول العقد‬‫بني اآلباء فقط باعتبارهم ممثلني لِعائالتهم ومسؤولني عنها‪ ،‬بحيث ّ‬
‫االجتامعي تنظيم العالقات فيام بينهم‪ .‬فالعدالة وفقا لهذا املعنى ستُعنى‬
‫حرصا باملجال العام والذي يتعامل داخل ُه رجال راشدون مع أقرانهم من الرجال‬
‫الراشدين وفقَ مواثيق يقبلون بها عىل نح ٍو ُمتبادل‪ .‬أما العالقات العائلية داخل‬
‫نظم وفق معطيات الغريزة‬ ‫األرسة الواحدة‪ ،‬فهي َتن َد ِر ُج ضمن املجال الخاص و ُت َّ‬ ‫ُ‬
‫الطبيعية أو التعاطف ‪ .)150(sympathy‬وعىل هذا املنوال نفسه سا َر املف ِّكرون‬
‫املعارصون‪ ،‬حيث إ َّنهم ُيعا ِرضون فكرة َّأن الرجال هم وحدهم القادرون عىل‬
‫الجنسني قد َج َرى إقرار ُه‬
‫َ‬ ‫العمل يف املجال العام‪ ،‬ذلك َّأن مبدأ املساواة بني‬
‫‪232‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫فإن دائر َة تطبيق هذه املساواة‬ ‫والعمل ب ِه يف الوقت الراهن‪ .‬وعىل رغم ذلك‪َّ ،‬‬
‫تشمل فقط العالقات بني العائالت وليس ما يجري داخل العائلة الواحدة‪،‬‬
‫منظرو‬‫ثم‪ ،‬اليزال ِّ‬ ‫وعىل النحو الذي دعا إليه دُعاة الليربالية الكالسيكية‪ .‬ومن َّ‬
‫العدالة يتجاهلون العالقات داخل األرسة الواحدة و ُيد ِرجونها ضمن عامل الطبيعة‬
‫‪ natural realm‬من حيث الجوهر‪ .‬كام َيسو ُد يف أوساطهم االعتقاد َع َلنا أو ِضمنا‬
‫بأن الوحدة الطبيعية األولية هي األرسة التقليدية التي َيحكمها الرجل ُومتا ِرس‬ ‫َّ‬
‫مقابل مادّي ‪.‬‬
‫(‪)151‬‬
‫ٍ‬ ‫فيها النساء َمهامت املنزل واإلنجاب من دون الحصول عىل‬
‫كل النقاشات الدائرة حول انتقال أطراف‬ ‫بكلامت ُأخرى‪ّ ،‬أن َّ‬
‫ٍ‬ ‫يعني ذلك‪،‬‬
‫نقاشات ورؤى‬ ‫ٌ‬ ‫العقد االجتامعي من حالة الطبيعة إىل حالة املجتمع املدين‬
‫َتش َم ُل الذكو َر وحدهم دون سواهم‪ ،‬بدليل َّأن حالة الطبيعة مازالت حالة قامئة‬
‫و ُمستم ِّرة يف املجتمع املعارص وبصورة َب ِّينة‪ ،‬وذلك عرب شكل وطبيعة املجال‬
‫مجال والية‬ ‫َ‬ ‫الخاص أو املنزيل؛ فاألخري لدى ُمف ِّكري العقد االجتامعي ُيعترب‬
‫حك ُمهُ التكاثر البيولوجي واألمومة‬ ‫النساء حرصيا‪ .‬فاملجال الخاص أو املنزيل َي ُ‬
‫والروابط العاطفية وعالقات ال َقرابة‪ .‬إ َّنهُ باختصار مجال الجسد واملصالح أو‬
‫االهتاممات الخاصة املحدَّ دة‪ .‬أما املجال العام‪ ،‬فعىل العكس من ذلك‪ ،‬هو‬
‫مجال العقل والحرية الشاملة واالستقالل الذايت واإلبداع‪ ،‬إ َّنهُ مجال التعليم‬
‫والنقاش العقالين‪ .‬ونظرا إىل كون النساء َيخضعنَ لِوظائفهنَّ البيولوجية املتعلقة‬
‫فإن دُخولَهنَّ‬ ‫باإلنجاب إىل ح ٍّد بعيد‪ ،‬وأل َّنهنَّ بصورة عامة ُمق َّيدات بالطبيعة‪َّ ،‬‬
‫إىل املجال العام سيغدو موضوعا إشكاليا كبريا وتهديدا خطريا إلرادة املجتمع‬
‫بصور ٍة منظمة(‪.)152‬‬
‫ويف ضوء هذه الرؤية‪ُ ،‬تؤ ِّكدُ َبيتامن َّأن املصطلحات الواردة يف سياق‬
‫طروحات العقد االجتامعي مثل‪« :‬الرجال» ‪ ،Men‬و«األفراد» ‪،Individuals‬‬
‫و«الرشكاء» ‪ ،Partners‬و«ال ُفرقاء» ‪ ،Parties‬التي ُتقرأ اليوم من زاوية كونها‬
‫شخص بال تخصيص‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مصطلحات جامعة ومحايدة من حيث كونها َتشمل أيَّ‬
‫َّإنا هي مصطلحات غري محايدة و ُتق َرأ بصور ٍة خاطئة‪ .‬فالصواب هو َّأن معانيها‬
‫موصولة مع الذكور فقط دون اإلناث‪ ،‬وهو ما ُيؤ ِّكدُ رؤية الفيلسوف جان‬ ‫ٌ‬
‫نظ ُر إىل النظام السيايس بأرس ِه والعقد‬ ‫جاك روسو يف هذا الخصوص؛ إذ إ َّنهُ َي ُ‬

‫‪233‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫االجتامعي تحديدا باعتباره قامئا يف األساس عىل إقصاء النساء من دائرة املواطنة‪.‬‬
‫حمية ُذكورية ‪ُ Masculine Preserve‬يا ِر ُس‬ ‫فالدميوقراطية لدى روسو هي « َم ٌ‬
‫وإن َمعنى‬ ‫فيها الرجال وحدهم الحقَّ السيايس يف الحكم واالستقالل الذايت‪َّ ...‬‬
‫صطلحي «السيايس» ‪ Political‬و«الدميوقراطي» يف نظرية روسو َيعت ِمدُ عىل‬ ‫َ‬ ‫ُم‬
‫َ‬
‫قراءته لِمعنى مفهو َمي «ال ُرجولة» ‪ Manhood‬و«املَرأوية» ‪.Womanhood‬‬
‫فإن ذلك‬ ‫َف ِل َك نفهم متاما ما يعني ِه ْأن يكون املرء مواطنا فاعال وس ِّيد نفسه‪َّ ،‬‬
‫َيتط َّل ُب ِمنّا تبيان صورة املرأة يف املجال الخاص‪ ،‬فاملرأة أصال تقع خارج نطاق‬
‫ثم‬
‫املواطنة وليس لها يف املجال الخاص سوى الخضوع لِ ُحكم الرجال»‪ .‬ومن ّ‬
‫تعيش النساء مبوجب نظرية العقد االجتامعي وضعية الفوىض السياسية‬
‫‪ ،Political Disorder‬لِكو ِنهنَّ أساسا لَ ْسنَ َط َرفا يف االتفاق األصيل‪ ،‬مام َجعلهنَّ‬
‫ألن العقد األصيل مل يكن‬ ‫ِي ِع ْشنَ حال َة الفوىض الطبيعية حتّى هذه اللحظة‪ .‬ذلك َّ‬
‫إال اتفاقا ُذكوريا(‪.)153‬‬
‫فإن الفرد الح ّر املتساوي مع أقران ِه كام َي ِر ُد ِذ ْكر ُه يف النظرية‬‫ونتيجة لهذا‪َّ ،‬‬
‫نظرون املعارصون من أمثال‬ ‫الليربالية بعامة هو «الرجل» يف الواقع‪ .‬وحتى ا ُمل ِّ‬
‫جون راولز ورونالد دوركني قد اس َت َمروا يف الحديث عن الفرد املجرد من دون‬
‫ْأن ُيعالِجوا مشكلة‪ :‬كيف ميكن تجنّب ربط املرأة بحالة الطبيعة‪ .‬بعبارة أخرى‪،‬‬
‫ماسة إىل تفسري كيفية شمول‬ ‫إن أيَّ نظري ٍة دقيقة يف العدالة ستغدو بحاجة ّ‬ ‫ّ‬
‫النساء أيضا ِبعضوية املجتمع الحر العادل‪ ،‬أي كيفية شمول النساء أيضا بعملية‬
‫االنتقال من حالة الطبيعة إىل حالة املجتمع املدين ُأسوة بالرجال‪ .‬كذلك توجد‬
‫هناك حاجة ُم ِل َّحة إىل معالج ِة مشكل ٍة سياسية أساسية وهي‪ :‬كيف وملاذا يجري‬
‫حكم فر ٍد حر ومتسا ٍو مع غريه من قبل شخص آخر أ ّيا كان؟ أي رضورة البحث‬
‫سس فكرية جديدة لِمفهوم االلتزام السيايس ‪Political Obligation‬‬ ‫عن ُأ ٍ‬
‫سبب وجيه‬ ‫توضع في ِه الهوية النسوية يف عني االعتبار‪ .‬ومن ثم مل َي ُعدْ هناك من ٍ‬
‫بأن املرأة الح ّرة واملتساوية يجب ْأن تخضع لِسلطة‬ ‫لألخذ باالعتقاد الشائع َّ‬
‫جت ب ِه استنادا إىل عقد الزواج الواقع بينهام(‪ ،)154‬وإال َّ‬
‫فإن‬ ‫الرجل الذي تز َّو ْ‬
‫النظرية الليربالية س ُيال ِزمها التناقض الجوهري بني إيرادها للرجال بصفة كونهم‬
‫أحرارا ويحوزون العقل والرؤية الشاملة من جهة‪ ،‬وبني التعامل مع النساء‬
‫‪234‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫ني إىل حالة الطبيعة وأَ َّنهنَّ غري ُح ّرات وأنهن ذوات رؤية‬ ‫من زاوية أ َّنهنَّ َينتم َ‬
‫فإن أيَّ نظرية سياسية ليربالية ينبغي‬ ‫جزئية وناقصة من جه ٍة ُأخرى‪ .‬لذلك ك ِّل ِه‪َّ ،‬‬
‫ّصف بالعمومية والحيادية يف معالجتها الزدواجية وتناقض هذا املجتمع‬ ‫ْأن تت َ‬
‫السيايس السيام طبيعة التقسيم الثنايئ بني املجالَني العام والخاص(‪.)155‬‬
‫ولعل السبب يف حيثيات هذا االعتقاد يعود إىل كون كارول َبيتامن ترى‬ ‫َّ‬
‫بشكل عام َّأن النسوية والليربالية‪ ،‬جنبا إىل جنب الدميوقراطية‪ ،‬هي املك ِّونات‬ ‫ٍ‬
‫الجوهرية الثالثة للنظام السيايس العمومي والحيادي والعادل‪ ،‬حيث تكون‬
‫املواطنة في ِه شاملة لجميع أفراد املجتمع من البالغني واألعضاء في ِه‪ .‬فتؤمن‬ ‫ُ‬
‫«بأن النسوية هي أصال ُمراجعة نقدية عامة للعالقات االجتامعية ذات‬ ‫َبيتامن َّ‬
‫الصلة بالهيمنة والخضوع الجنيس‪ ،‬شأنها شأن الليربالية والدميوقراطية‪ ،‬فقد‬
‫َبرزت جميعا حينام تطورت النزعة الفردية‪ ،‬أو الفكرة القائلة إن األفراد أحرا ٌر‬
‫ومتساوون يف األصل‪ ،‬ثم تحولت إىل نظري ٍة شاملة للتنظيم االجتامعي»(‪.)156‬‬
‫نظرين السياسيني إىل مراجعة وجهات‬ ‫فإن كارول َبيتامن تدعو ا ُمل ِّ‬ ‫ثم‪َّ ،‬‬ ‫ومن َّ‬
‫نظرهم الذكورية وإعادة النظر يف ال ُبنية الفكرية ال َبطريركية للنظرية الليربالية‬
‫املعارصة‪ ،‬وذلك بواسطة َتبني املنظور النسوي للحقوق والحريات واملواطنة‪،‬‬
‫من أجل بناء نظام سيايس دميوقراطي وعادل و ُمحايد جنسيا(‪.)157‬‬
‫ويف سياق معالجة تناقضات املجتمع السيايس من حيث انتقاله إىل حالة‬
‫املدنية واستمرارية حالة الطبيعة يف آنٍ واحد‪ُ ،‬يش ِّد ُد أنصار النسوية املتمركزة‬
‫حول املرأة عىل فكرة عدم إهامل الرجال أو النساء يف إطار املراجعات النقدية‬
‫الجنسني ْأن ُيص ِبحا فعال يف دائرة املواطنة‬ ‫َ‬ ‫للمواطنة‪ .‬فإذا كان من شأنِ هذين‬
‫يكون لها من تأث ٍري جدي ٍر‬‫َ‬ ‫فإن الفوارق والتباينات الجنسية بينهام لن‬ ‫الكاملة َّ‬
‫بال ِذكر‪ ،‬ولن تكون معيارا لبيان َمنْ َيحوز الحرية منهام و َمنْ ينبغي عليه‬
‫فإن السبيل الوحيد لدى َبيتامن هو‬ ‫الخضوع‪ .‬و ُبغية تحقيق ذلك عمليا‪َّ ،‬‬
‫بأن تكون النساء مواطنات‬ ‫والكف عن ا ُملطالَبة ْ‬ ‫ّ‬ ‫قيام النساء بتقليد الرجال‬
‫و ُمخت ِلفات يف آنٍ واحد‪ ،‬أي ْأن يص ِبحنَ مساويات للرجال يف حيازة جميع‬
‫حقوق املواطنة األساسية وبعدئ ٍذ ي ُق ْلن بكونهنَّ متاميزات عن الرجال فيطالِ َ‬
‫نب‬
‫وحريات إضافية‪ .‬هذه ا ُملطالَبة ينبغي َتجنبها من منظور َّأن االختالف‬ ‫ٍ‬ ‫بحقوق‬
‫‪235‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫بني الرجال والنساء هو عني االختالف القائم بني األفراد الذكور من حيث حيازة‬
‫ثم‬
‫اختالف يف الدرجة وليس النوع‪ .‬ومن َّ‬ ‫ٌ‬ ‫الحقوق والحريات األساسية؛ فهو‬
‫ميكن تلخيص استجابة هذا االتجاه النسوي تجاه مفارقة «االندماج كمواطنات‬
‫واإلقصاء كنساء» يف مقول ٍة موجزة وهي‪« :‬دعونا ُنحاول االندماج بوصفنا نساء‬
‫غي مفهوم املواطنة»‪ .‬فالنساء إذا أصبحنَ مواطنات بوصفهنَّ‬ ‫مواطنات ودعونا ُن ِّ‬
‫ومستقالت ذاتيا‪ ،‬ومساويات للرجال‪ ،‬وكائنات مختلفة جنسيا عن‬ ‫ٍ‬ ‫«نساء»‪،‬‬
‫فإن ذلك يعني إجراء َتح ّولٍ جذري ‪ Radical Transformation‬يف‬ ‫الرجال‪َّ ،‬‬
‫النظرية الليربالية الدميوقراطية(‪.)158‬‬
‫َنخ ُل ُص من كل ما تقدم إىل القول إن اتجاه «النسوية املتمركزة حول املرأة»‬
‫يعتقد أن النساء بعامة ما ِز ْلنَ َي ِع ْشنَ يف حالة الطبيعة بدليل استمرارية هذه‬
‫الحالة يف املجال الخاص‪ /‬املنزيل إذ تتمركز النساء‪ ،‬والذي ينبغي فيه اضطالع‬
‫النساء بشؤون املنزل وإنجاب األطفال ورعايتهم وخدمة أزواجهنَّ ‪ .‬وعلي ِه‪،‬‬
‫تحاول النسويات هنا وبخاصة َبيتامن تربير فكرة تدخل الدولة يف املجال‬
‫الخاص والس َّيام يف شؤون العائلة وتكوينها وعالقات السلطة فيها بهدف الحؤول‬
‫دون َتس ُّلط الرجل عىل املرأة وهَ ْض ِم حقوقها‪ ،‬كذلك تحفيز املرأة تجاه رفض‬
‫فكرة خضوعها للرجل والتنازل عن حقوقها بدعوى الحفاظ عىل استمرارية‬
‫العائلة والعناية باألطفال والتضحية الذاتية (اإليثار) ملصلحة الغري‪ .‬وذلك من‬
‫زاوية َّأن تدخل الدولة سيفيض إىل تحقيق املساواة الجندرية واالجتامعية بني‬
‫وس ُع بدور ِه من دائرة املساواة القانونية‬ ‫الجنسني يف املجال الخاص‪ ،‬وهو ما َس ُي ِّ‬ ‫َ‬
‫يف املجال العام‪ .‬ويعني ذلك أن العقد االجتامعي الذي ُأ ِبر َم بني أفراد املجتمع‬
‫يف حالة الطبيعة َّإنا هو عقدٌ ناقص لِعدم إرشاك الذكور ألح ِد الرشكاء الرئيسني‬
‫وا ُملتم ّثل يف «النساء»‪ .‬فعدم موافقة هذا الرشيك وعدم تلبية مطالب ِه ورشوطه‬
‫يعني أصال ُبطالن العقد االجتامعي ُجملة وتفصيال أل َّنهُ ُأبرم بناء عىل موافقة‬
‫بالحسبان وجود الطرف اآلخر واحتياجات ِه‪ ،‬كام َّأن‬ ‫طرف واحد من دون األخذ ُ‬ ‫ٍ‬
‫استمرارية العقد عمليا ال تعني كونه يحوز الرشعية بل هو مجرد تجسيد لِغلبة‬
‫الذكور وقهرهم للنساء كأم ٍر واقع‪ ،‬مام يستدعي إعادة إبرام العقد االجتامعي‬
‫عىل ُأسس الحياد والعمومية واملساواة الجندرية بني الطر َفني‪.‬‬
‫‪236‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫ثالثا‪ :‬النسوية التَفكيكية‬


‫ترى الباحثة دروسال كرو ِنل َّأن النظرية التفكيكية ‪Deconstruction‬‬
‫‪ Theory‬بعامة َتسته ِد ُف نقد وتفكيك الثنائيات املتناقضة واملتعارضة من‬
‫املصطلحات واملفاهيم مثل‪ :‬الرجل‪ /‬املرأة‪ ،‬العام‪ /‬الخاص‪ ،‬العقالين‪ /‬غري العقالين‪،‬‬
‫الثقافة‪ /‬الطبيعة‪ .‬بحيث تعمل هذه النظرية عىل تعريف ثنائية الرجل‪ /‬املرأة‬
‫ومكتف‬
‫ٍ‬ ‫وأن أحدهام ُيع َّر ُف بأنه أسايس‬
‫مثال باعتبارهام مصطلحني ُمتعا ِرضني‪َّ ،‬‬
‫ذاتيا وهو «الرجل»‪ ،‬بينام َيت َِّس ُم الثاين بأنه ثانوي و َيرت َّك ُز دور ُه يف إمتام ما هو‬
‫َ‬
‫عمدن‬ ‫فإن داعيات النسوية التفكيكية َي‬ ‫ثم‪َّ ،‬‬ ‫ناقص في ِه أي «املرأة»(‪ .)159‬ومن َّ‬
‫إىل التفكري فيام يتعدّ ى معيار «املساواة – االختالف» ُمسبق الذ ْكر‪ ،‬والذي عىل‬
‫إن النسوية التفكيكية‬ ‫محل الدراسة؛ إذ َّ‬ ‫االتجاهات النسوية َّ‬ ‫ٍ‬ ‫أساس ِه ُصنِّفت‬
‫جسدُ االتجاه املعارص للحركة النسوية وغالبا ما َتتس َّل ُح بأفكار النظرية‬ ‫ُت ِّ‬
‫التفكيكية بهدف تجاوز الثنائيات املتضادة من زاوية كونها «نتاج أفكار عرص‬
‫التنوير ويجب دحرها»‪ ،‬بل والتشكيك يف مصداقية مختلف أفكار وطروحات‬
‫التنوير األورويب السيام تلك األفكار التي ُتعنى مبفاهيم‪ :‬الحقيقة‪ ،‬واملعرفة‪،‬‬
‫والسلطة‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والذات‪ ،‬واللغة(‪.)160‬‬
‫كل ثنائي ٍة من ثنائيات التنوير تحتوي بني ظهرا َنيها‬ ‫فإن َّ‬‫تبعا لهذه الرؤية‪َّ ،‬‬
‫مصطلح مهيمن وآخر تابع‪ ،‬فاألول ُيش ِّيدُ معنا ُه وكل ما يحتوي ِه عىل ِ‬
‫أساس‬ ‫ٍ‬ ‫عىل‬
‫فإن «الرجل» ُيع َّر ُف بأ َّنهُ كل َمنْ ليس‬‫ثم‪َّ ،‬‬ ‫تعارض ِه مع املصطلح اآلخر‪ ،‬ومن َّ‬
‫بامرأة؛ مام يكشف عن أن املرأة إنسانة ُمستَغ ّلة عىل َمدا ِر التاريخ‪ ،‬وهي‬
‫ضط َهدة و َتخضع لِسيطرت ِه فعل ّيا يف ظل نظام‬ ‫واقعة يف ِشاك الرجل كام أ َّنها ُم َ‬
‫َبطريريك قائم عىل أساس التفاوت الجنيس ‪ .)161(Sexual Difference‬عالوة‬
‫عىل ذلك‪ ،‬تؤمنُ داعيات هذا االتجاه‪ ،‬مثل جني فالكس ‪ Jane Flax‬يف كتابها‬
‫بأن ما بعد الحداثيني بعامة والنسوية التفكيكية‬ ‫املوسوم «شذرات التفكري»‪َّ ،‬‬
‫يتات ثالث‪« :‬موت اإلنسان‪ ،‬وموت التاريخ‪ ،‬وموت‬ ‫بخاصة قد أعلنوا عن ِم ٍ‬
‫كون طبيعة ثابتة ُت ِّكننا من تأسيس‬ ‫امليتافيزيقيا‪ .‬فالرجال أو الناس ال َي ِل َ‬
‫فلسف ٍة سياسية‪ .‬وال ميكننا كذلك ْأن نؤمن بالتقدم الطبيعي للتاريخ‪ .‬وأخريا‬
‫ُيؤمنُ «ما بعد الحداثيون» بأ َّنهُ ال توجد حقيقة مطلقة تتجاوز ذاتنا و ُقد َرتنا‪.‬‬
‫‪237‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ونتيجة لِتلك امليتات الثالث يغدو كل يشء عشوائيا من حيث‪ :‬إنتاج القوة‪،‬‬
‫والعرف‪ ،‬واملصادفة»(‪.)162‬‬ ‫ُ‬
‫بي َد َّأن هذه الخاصية التفكيكية التي تت َِّس ُم بها النسوية التفكيكية ورؤيتها‬
‫النقدية تجاه األفكار والطروحات التي تبلورت منذ أواسط القرن السابع عرش‪،‬‬
‫خاصية أخرى بنائية ‪ Constructive‬وهي عادة ما تشمل سائر‬ ‫ٌ‬ ‫َترتا َف ُق معها‬
‫االتجاهات الفكرية ما بعد الحداثية مثل‪ :‬املجتمعاتية والتعددية الثقافية‬
‫فكل اتجاه منها يحتوي عىل قيم‪ :‬التنوع‬ ‫والبيئوية وكذلك النسوية التفكيكية‪ُّ .‬‬
‫ثم تغدو الخاصية البنائية‬ ‫والتعددية واالختالف بوصفها قيام مركزية‪ .‬ومن َّ‬
‫تابعة للخاصية التفكيكية والنقدية‪ .‬مبعنى َّأن عددا كبريا من اإلمكانات سيظهر‬
‫كسنا منطق التفكري التنويري ا ُملس َت ِند إىل الثنائيات املتعارضة يف األصل‪.‬‬ ‫لو أننّا َّ‬
‫منهج واحد‬
‫ٍ‬ ‫وتبعا لهذا املنظور‪ُ ،‬تش ِّك ُك النسوية التفكيكية يف فكرة وجود‬
‫لِتحرير جميع النساء‪ ،‬بل ال بدَّ من وجود ُط ُرقٍ متعددة ومتباينة لتحقيق هذا‬
‫الهدف‪ .‬كذلك ُيش ِّك ُك هذا االتجاه يف وجود طبيع ٍة حاكمة عامة (للمرأة) ميكن‬
‫ْأن تغدو أساسا فكريا للحركة النسوية(‪.)163‬‬
‫تنازع حا ٍّد حول الحقوق والحريات‬‫هذا املنظور بدور ِه قد ْأس َه َم يف ظهو ِر ٍ‬
‫األساسية داخل البيئة الثقافية الغربية والبيئات الثقافية للعامل الثالث‪ .‬بحيث‬
‫أصبح من الصعوبة مبكان تعيني رؤية (غربية) واحدة أو رؤية (عامل ثالثية)‬
‫موحدة تجاه حقوق املرأة وحرياتها وماه ّية اضطهادها وإمكانية تدخل الدولة‬ ‫َّ‬
‫لعل من أبرز‬‫محل الخالف والتقاسم‪َّ .‬‬ ‫من عدم ِه‪ ،‬وسوى ذلك من املوضوعات َّ‬
‫البي يف توليد (النسوية ما بعد –االستعامرية‬ ‫آثار النسوية التفكيكية اشرتاكها ِّ‬
‫‪ ،)Post-Colonial Feminism‬من حيث كونها ذات نزع ٍة نقدية حادّة للثقافة‬
‫الغربية واإلرث االستعامري الغريب‪ ،‬فضال عىل معارضتها لالستغالل االقتصادي‬
‫والهيمنة السياسية التي ُتا ِر ُسها الدول الغربية تجاه العامل الثالث‪ ،‬من حيث‬
‫كونها تقود إىل مضاعفة ُمعاناة النسوة يف العامل الثالث بعامة(‪.)164‬‬
‫ينصب اهتامم النسوية ما بعد االستعامرية تحديدا عىل‬ ‫ّ‬ ‫بكلامت ُأخرى‪،‬‬
‫العالقات االستعامرية املتع ِّلقة بالسيطرة والتس ّلط والتبعية التي ُأ ِ‬
‫نش ْ‬
‫ئت‬
‫ويزعم هذا االتجاه َّأن عالقات السيطرة هذه قد‬ ‫ُ‬ ‫ظل الهيمنة اإلمربيالية‪.‬‬ ‫يف ِّ‬

‫‪238‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫استم َّر ْت حتى بعد نيل البلدان ا ُملستَع َمرة يف العامل الثالث استقاللها السيايس‪،‬‬
‫وأن هذه العالقات َمبنية عىل الطريقة نفسها التي ُصورت فيها الشعوب‬ ‫َّ‬
‫ا ُملس َت ْع َمرة يف املعارف والثقافة الغربية وليس بناء عىل الطريقة التي تنظ ُر‬
‫فيها هذه الشعوب إىل نفسها‪ .‬فمثال ُتص َّور املرأة يف العامل الثالث من زاوية‬
‫واحدة وهي أ َّنها‪ :‬فقرية‪ ،‬غري متع ِّلمة‪ ،‬ضحية‪َ ،‬مسلوبة اإلرادة‪ .‬ومن ثم َّ‬
‫فإن‬
‫لديها حاجات ُمتشا ِبهة مع املرأة الغربية للتح ُّر ِر واالنعتاق من َن ْ ِي الرجل عىل‬
‫الرغم من اختالف واقعهنَّ متاما‪ .‬كام َّأن النسوية ما بعد االستعامرية َع َم َل ْت‬
‫وطروحا ِتهنَّ‬ ‫إن وجهات َن َظ ِرهنَّ ُ‬ ‫عىل انتقاد النسويات الغربيات من حيث َّ‬
‫بشكل كبري عىل تجارب النسويات الغربيات حرصا‪ ،‬وكذلك عىل أساس‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬
‫قامئة‬
‫العمومية والشمولية ‪ Universalism‬يف التعامل مع النساء يف العامل وكأ َّنهنَّ‬
‫فئة اجتامعية واحدة و ُمتجا ِنسة‪ ،‬من دون االعرتاف ِب َكونِ النساء متفاوتات عىل‬
‫الص ُع ِد الثقافية والطبقية والعرقية‪ ،‬فضال عن الصعيد املناطقي والجغرايف‪ .‬فهذه‬ ‫ُ‬
‫العمومية والشمولية املتمر ِكزة حول املرأة الغربية َتس ِل ُب النساء قوة إرا َد ِتهنَّ‬
‫التاريخية والسياسية(‪.)165‬‬
‫وجهُ النقد ا ُملك ّثف إىل‬ ‫فإن النسوية ما بعد االستعامرية ُت ِّ‬ ‫إضافة إىل ذلك‪َّ ،‬‬
‫األفكار النمطية عن الجندر واملك ِّونات الرمزية لِجسد املرأة‪ ،‬التي ُتستخدم‬
‫بدورها لِتعزيز األفكار الذكورية العتيقة عن الهوية القومية‪ ،‬مثل القول إن‬
‫وإن دورها َيتم ّثل يف إعداد وتنشئة األطفال‪ .‬فهذه النسوية‬ ‫املرأة حاضنة ُ‬
‫األمة‪َّ ،‬‬
‫التفكيكية بعامة َت ْل ِف ُت النظر إىل َتشظي الذات ‪ Self‬املهيمنة ثقافيا داخل‬
‫املترضرون ثقافيا‬ ‫ِّ‬ ‫الحضارة الغربية‪ ،‬نتيج َة تفاقم املَطالِ ِب التي َيرفعها (اآلخرون)‬
‫مثل‪ :‬النساء‪ ،‬األقليات الثقافية والدينية‪ ،‬كذلك ذوو االحتياجات الخاصة‪ ،‬أي‬
‫أوج َد ضغوطا مؤ ِّثرة يف الهوية‬ ‫التي يرفعها املحرومون بعامة‪ ،‬بالشكل الذي َ‬
‫األصحاء بدنيا من أبناء‬ ‫عب عنها حرصا الذكور البيض ِ‬ ‫املهيمنة ثقافيا‪ ،‬والتي ُي ِّ ُ‬
‫األكرثية املهيمنة ثقافيا‪ .‬فمثل هذه الهيمنة مل تكن لِتوجد لوال أ َّنها ُمعزَّزة بتأيي ٍد‬
‫من األيديولوجية االستعامرية رصاحة وضمنا(‪.)166‬‬
‫بناء عىل ذلك‪ ،‬ميكن القول إن النسوية التفكيكية َته ِد ُف إىل إحداث مزيد‬
‫مجال السياسة واملجتمع‪ .‬إ َّنها ُمتش ِّككة يف فكرة املواطنة‬ ‫َ‬ ‫من التعددية يف‬
‫‪239‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫وروث الحقوق والحريات الطبيعية‪ ،‬الذي‬ ‫املؤسسة عىل َم ِ‬ ‫املتساوية والشاملة َّ‬
‫لكل األفراد عىل قدم املساواة‪ .‬ونظرا إىل‬ ‫َيف ِرت ُض بدور ِه وجو َد حقوق أساسية ِّ‬
‫احتياجات متفاوتة‪ ،‬فإنه ال ميكن ْأن ُيساعدوا و ُيدعموا عرب‬‫ٍ‬ ‫كون البرش ذوي‬
‫املهمشون تهميشا‬ ‫عرضة النتهاك الحقوق وسيزداد َّ‬ ‫ٌ‬ ‫سبيل واحد‪ ،‬إذ ّ‬
‫إن أكرثهم‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫موحدة إلشباع تلك االحتياجات‪ .‬ومن ناحي ٍة أخرى‪،‬‬ ‫يف حال اعتام ِد طريق ٍة َّ‬
‫املواطنة القامئة عىل االختالف خطرة أيضا‪ ،‬حالها حال املواطنة القامئة‬ ‫َ‬ ‫تبدو‬
‫عىل املساواة؛ فمن املحتمل ْأن ُتؤدي املواطنة ا ُملست ِندة إىل االختالف إىل بروز‬
‫ثم محاباة ومتييز بعض الجامعات عىل‬ ‫طبقات متفاوتة من املواطنني‪ ،‬ومن َّ‬‫ٍ‬
‫حساب جامعات ُأخرى وبصور ٍة أشدّ من قبل‪ ،‬أي أقوى من عصور ما قبل‬
‫الثور َتني األمريكية والفرنسية وفقا لِمنظور النسوية التفكيكية‪ .‬ومن ثم َّ‬
‫فإن‬
‫موقف األخرية من مفارقة االندماج كمواطنات واإلقصاء كنساء هو أ َّنهُ ُيكن‬
‫ببساطة َتحايش تلك املساواة غري القامئة عىل االختالف‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬أي‬
‫تجنّب االختالف الذي ال يقوم عىل املساواة(‪.)167‬‬
‫يف ضوء ما تقدم‪ُ ،‬يكن القول إن االتجاهات النسوية الثالثة وتف ّرعاتها‬
‫جامعات اجتامعية من دون‬‫ٍ‬ ‫بأن البرش يعيشون بعامة ضمن‬ ‫تقاس ُم االعتقاد َّ‬
‫َت َ‬
‫ْأن تكون هذه الجامعات متجانسة ‪ ،Homogeneous‬بل هي ُمر َّكبة ومنظمة‬
‫إن شبكات‬ ‫شبكات من العالقات املتكافئة وغري املتكافئة؛ بحيث َّ‬ ‫ٍ‬ ‫بواسطة‬
‫العالقات‪ ،‬الفردية منها واالجتامعية‪ ،‬تعمل عىل تشييد السلطة والتفاوت بني‬
‫وضعية منْ ميلكون السلطة ووضعية منْ ال ميلكونها ثم الحفاظ عىل هذا‬
‫التفاوت‪ .‬كام تقوم شبكات العالقات هذه عىل إنشاء املوارد وااللتزامات‪ ،‬فضال‬
‫عن التوقعات واملطامح‪ ،‬ثم توزيعها‪ ،‬وكذلك الحفاظ عىل الحراك االجتامعي‬
‫وتفاعل األدوار واملكانات ‪ Statuses‬والهويات بعضها مع بعض‪ .‬ثم ُين ِت ُج كل‬
‫ذلك خط الصَدع واالنشقاق ‪ Fault Line‬بني النساء والرجال‪ ،‬بحيث تُو َّزع‬
‫ُحز ٍَم متاميزة من الغايات والسلطات واأللقاب ما بني أفراد الجامعة ضمن‬
‫إطار عالق ٍة قاسية ‪ Rough Correlation‬مع مجموعة من الوظائف التي ُتعيدُ‬
‫إنتاج نفسها(‪ .)168‬فعىل سبيل املثال‪ ،‬هناك درجة معينة من االنقسام والتباين‬
‫بني «عمل املرأة» و«عمل الرجل» يف معظم الثقافات سواء أكان العمل ماديا أم‬
‫‪240‬‬
‫تصنيف النظريات النسوية واجتاهاتها‬

‫عمال ثقافيا وشعائريا‪ ،‬كذلك يوجد التفاوت يف توزيع التوقعات وا ُملكافآت لدى‬
‫الجنسني‪ .‬هذا التوزيع َ ُيولِّدُ يف معظم املجتمعات البرشية منوذجا للمنافع‬ ‫َ‬ ‫ِكال‬
‫غري املتامثلة وبصور ٍة واسعة النطاق ملصلحة الرجال وعىل حساب النساء‪،‬‬
‫حيث ُيكا َف ُأ في ِه الرجال بينام ُتيس النساء يف حالة التبعية والخضوع؛ فالسلطة‬
‫االجتامعية والسيطرة املادية تكون محصورة بيد الرجال‪ ،‬لِ َيغدو حال الرجال‬
‫أشبه ما يكون بأنهم يف عالقة (املالك‪ /‬املِلكية ‪ )Property/Owner‬مع امرأ ٍة‬
‫معظم النساء بال سلط ٍة موازية تجاه الرجال السيام‬ ‫ُ‬ ‫واحدة أو أكرث‪ ،‬بينام تكون‬
‫داخل إطار انتامئهنَّ الطبقي أو العرقي أو اإلثني‪ .‬هذا الوضع مسبق الذكر‬
‫أط ِل َقت علي ِه تسميات متفاوتة من قبل دعاة تلك االتجاهات الفكرية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫الالمساواة الجندرية‪ ،‬الهيمنة الذكورية ‪ ،Male Domination‬وال َبطريركية‬
‫الجنسية ‪ ،Sexism Patriarchy‬والذكورية ‪ ،Phallocracy‬واضطهاد النساء‪،‬‬
‫والتمييز الجنيس ‪ ،Sex Discrimination‬ونظام كراهية النساء ‪...Misogyny‬‬
‫إىل آخر ذلك من املفاهيم واملصطلحات التي ُتش ُري إىل دونية مكانة النساء‬
‫بوصفهنَّ جامعة ُمست َغلة و ُمضط َهدة(‪.)169‬‬
‫تتقاس ُم االعتقا َد برضورة «إلغاء‬
‫َ‬ ‫فإن االتجاهات النسوية بعامة‬ ‫ثم‪َّ ،‬‬
‫ومن َّ‬
‫الجنسني‪ ،‬كذلك َنبذ التمييز والخضوع‬ ‫َ‬ ‫تبعية النساء» والتع ُّلق مببدأ املساواة بني‬
‫القانوين لِسلطة الرجل بسبب «الطبيعة أو الوضع البيولوجي» الذي يضع املرأة‬
‫يف مكان ٍة أقل شأنا من مكانة الرجل‪ ،‬بحيث تس َّو ُغ املعاملة غري املتساوية ومن‬
‫ثم املعاملة غري العادلة بينهام(‪.)170‬‬ ‫َّ‬
‫نع من انقسام الحركة النسوية إىل ثالثة اتجاهات رئيسة‪ ،‬يف‬ ‫َّ‬
‫بيد أن ذلك مل َي ْ‬
‫الجدل النسوي حول ثنائية «املساواة – االختالف» والذي َش َّك َل‬ ‫ظل استمرارية َ‬ ‫ِّ‬
‫املواقف النسوية تجاه مفهوم املواطنة بخاصة وعىل امتداد مراحل‬ ‫َ‬ ‫من جانب ِه‬
‫تطور الحركة النسوية‪ :‬فهناك النسوية اإلنسانية الها ِدفة إىل َتبني مزيد من‬
‫قت َب النساء أكرث من وضعية التساوي مع املواطنني‬ ‫جب ْأن َت َ ِ‬
‫املساواة‪ ،‬بحيث َي ُ‬
‫ُ‬
‫الذكور رشيط َة تطبيق هذه املساواة يف املجال الخاص بعين ِه‪ ،‬أي مجال األرسة‬
‫ثم برزت الحقا النسوية املتمركزة حول املرأة‪ ،‬وهي تبتغي إحداث ثورة‬ ‫واملنزل‪َّ .‬‬
‫َ‬
‫املواطنة من‬ ‫بشأنِ االختالف الجندري ‪ ،Gender‬إذ إ َّنها ُتسا ِندُ إعادة التفكري يف‬

‫‪241‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫األنثى ومن موقع التقييم اإليجايب ألنشط ِة النساء و ِفكرهنَّ ‪ .‬ثم‬ ‫موقع املواطن ُ‬
‫تبلو َر عقب ذلك ومنذ مطلع التسعينيات املنرصمة اتجاهٌ آخر وهو النسوية‬
‫التفكيكية‪ ،‬بحيث ُيق ُّر بوجوب تجاوز ثنائية «املساواة – االختالف»‪ ،‬و َيط َم ُح‬
‫إىل التعددية بعامة بدال من التعدد الجندري فقط‪ .‬وجميع هذه االتجاهات‬
‫بشكل عام َّأن النظرية السياسية الليربالية عن املواطنة تتناقض مع‬ ‫ٍ‬ ‫فت ُض‬
‫َت َ ِ‬
‫أتم النظر إىل هذا‬ ‫واقع االختالف بني الرجال والنساء يف العامل الحقيقي‪ ،‬سواء َّ‬
‫التناقض عىل أ َّنه تنا ُق ٌض إيجايب أم سلبي(‪ .)171‬مبعنى أ َّنه عىل رغم تباعد وجهات‬
‫النظر النسوية بخصوص املواطنة بعضها عن بعض من حيث الزوايا التي ُينظر‬
‫األسس النظرية لِوجهات النظر هذه‬ ‫فإن ُ‬‫من خاللها إىل املواطنة و َفهمها‪َّ ،‬‬
‫َّإنا تتقاسم زاوية نظ ٍر مشرتكة وهي التشكيك يف شمولية وحيادية املواطنة‬
‫أضحت ُتخالِ ُف االتجاه الليربايل‬
‫ْ‬ ‫الليربالية‪ .‬فالتنظريات النسوية بصور ٍة عامة‬
‫العام‪ ،‬أي الليربالية املساواتية‪ ،‬كام َّأن التنظريات الليربالية يف املواطنة و َد َمقرطة‬
‫غدت بالنتيجة من املوضوعات املهيمنة عىل النقاشات الدائرة‬ ‫املجال العام قد ْ‬
‫حاليا بني النسويات الليرباليات وناقداتهنَّ من ذوات االنتامءات املاركسية وما‬
‫بعد الحداثية عىل نح ٍو عام(‪.)172‬‬

‫‪242‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫‪6‬‬

‫قراءة يف التمكني‬
‫السياسي النسوي‬

‫كان صدور كتاب الس ّيدة ماري وولستونكرافت‬


‫املوسوم بـ «دفاع عن حقوق املرأة» يف العام ‪1792‬‬
‫نظمة‬‫إيذانا بانطالق الحركة النسوية بصورة ُم َّ‬
‫صوب ا ُملطالَبة مبجموعة الحقوق والحريات‬ ‫َ‬
‫الفردية األســـاسية عىل قدم املساواة مع الرجال‪.‬‬
‫حيث يتعــ َّل ُق بعـــض هــذه الحقوق برفاه املرأة‬
‫الصلة بدعم الرفاه ملصلحة‬ ‫واالستحقاقات الوثيقة ِّ‬
‫املرأة‪ ،‬بينام يتمــ ّثل البعـــض اآلخـــر من الحقوق‬
‫يف متكني املرأة وتحرير إرادتها وقدراتها الذاتية‪.‬‬
‫ومن ثم كان هذا الكتاب مبنزلة «مانفيستو الحركة‬
‫النسوية» وحتى فرت ٍة غري بعيدة‪ ،‬بدليل َّأن مهام‬ ‫«كانت املنظامت النسوية مجرد‬
‫انعكاس للنظام السيايس‪ ،‬وشعا ًرا‬
‫رت أوال وقبل كل يشء‬ ‫الحركة وأنشطتها قد َتح َو ْ‬ ‫يُرفع من قبل الدولة إلحرا ِز مكاسب‬
‫حول العمل من أجل معامل ٍة أفضل للمرأة مقارنة‬ ‫سياسية أو وجاه ٍة دولية»‬

‫‪243‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫اتسعت دائرة هذا الهدف تدريجيا‬ ‫ْ‬ ‫انصب االهتامم عىل رفاه املرأة‪ّ .‬ثم‬‫بالرجل‪ ،‬بحيث َّ‬
‫لِتَن َت ِق َل من «املساواة والرفاه» إىل املطالبة بحق «التصويت والرتشيح» يف بداية القرن‬
‫العرشين‪ ،‬ثم تجاوز ذلك إىل وجوب تحقيق «العدالة ومتكني املرأة» يف النصف الثاين‬
‫من القرن العرشين(‪.)1‬‬
‫الح ُظ َّأن االتجاه النسوي املعارص يتم َّي ُز بأنه اتجاهٌ َق ِلقَ‬ ‫ويف ضوء ذلك‪ُ ،‬ي َ‬
‫و ُمرتاب بشأن كيفية تحقيق العدالة واملساواة يف املجتمع‪ .‬فهو يعتقد بأن املعاملة‬
‫القانونية املتامثلة للرجال والنساء قد أضحت غري فاعلة لتحقيق مساوا ٍة ف ّعال ٍة بني‬
‫ناهضة للتمييز الجنيس‪ ،‬والتي اكت ُِسبت‬ ‫الجنسني؛ حيث َّإن الحقوق والحريات ا ُمل ِ‬ ‫َ‬
‫يف أوروبا وأمريكا الشاملية يف الستينيات والسبعينيات املاضية‪ُ ،‬ينظر إليها اليوم‬
‫أخفقت يف أخذ خصوصية النساء جنسيا يف‬ ‫ْ‬ ‫باعتبارها غري ُمجدية؛ وذلك أل َّنها‬
‫الحسبان‪ ،‬وكذلك الطريقة التي تختلف بها ظروف النساء التاريخية عن ظروف‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫بأن تكون األجور متساوية‬ ‫الرجال‪ .‬فتعديالت قانون العمل مثال‪ ،‬والتي َق َضت ْ‬
‫ألن الرجال والنساء يضطلعون‬ ‫للوظائف املتشابهة‪ ،‬كان نجاحها ضئيال؛ وذلك َّ‬
‫أصال بأعاملٍ مختلفة إىل ح ٍد بعيد يف مؤسسات املجالَني العام والخاص ‪ .‬مبعنى‬
‫(‪)2‬‬

‫آخر‪َّ ،‬إن النسوية املعارصة (أو املوجة النسوية الثالثة) ترفض الفكرة القائلة‬
‫بأن حقوق اإلنسان للمرأة ليست حقوقا خاصة باملرأة «لِذاتها»‪ ،‬من حيث إ َّن ُه‬
‫ليست هناك حقوق خاصة بالنساء بصفتهنَّ الجنسية‪ ،‬بل «الحقوق النسوية هي‬
‫ببساطة حقوق اإلنسان لجميع البرش مطبقة من دون متييز عىل املرأة والرجل‬
‫عىل السواء»‪ .‬ويف املقابل تركز النسويات املعارصات عىل فكرة‪َّ :‬أن السبب يف‬
‫أن املرأة لها حقوق خاصة وأ َنها ُتش ِّك ُل موضوعا مالمئا لِمعاهد ٍة خاصة ولِعملي ِة‬
‫تنفي ٍذ خاصة بها‪ ،‬مثل اتفاقية سيداو آتية الذكر‪ ،‬هو الواقع التاريخي لِام تتعرض‬
‫له النساء من التمييز واالضطهاد والعنف يف األغلبية العظمى من املجتمعات‬
‫البرشية‪ ،‬مام يستلزم وجود تدابري خاصة للقضاء عىل هذا التمييز‪ ،‬وتدابري أخرى‬
‫خاصة لحامية املصالح األساسية للنساء والحامية ضد أخطا ٍر متوقعة أو معيارية‬
‫«وإن النظرة الصحيحة لحقوق اإلنسان للمرأة هي‬ ‫يتعرضنَ لها بصور ٍة مستمرة‪َّ .‬‬
‫ألن عددا من املصالح املهمة للمرأة تتع ّرض‬ ‫اهتامم خاص‪َّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫اعتبارها أمورا ذات‬
‫املؤسسة عىل التمييز االجتامعي ‪ -‬الثقايف بني الرجل‬ ‫ألشكالٍ بائن ٍة من اإلساءة َّ‬
‫‪244‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫تاجرة بالنساء‪ ،‬واالغتصاب والتحرش الجنيس‪ ،‬والتمييز يف مجال‬ ‫واملرأة»‪ ،‬مثل‪ :‬ا ُمل َ‬
‫األمومة والحقوق غري املتساوية داخل ُ‬
‫األرسة(‪.)3‬‬ ‫سس من ُ‬ ‫العمل عىل ُأ ٍ‬
‫لذلك‪ ،‬وبغية تعزيز هذه التدابري وحامية املصالح األساسية للنسوة‪َ ،‬ع َمد َْت‬
‫التنظيامت النسوية املعارصة إىل الربط بني الحقوق االجتامعية الدنيا (تنظيم إجازة‬
‫األمومة‪ ،‬التوظيف‪ ،‬اإلعانات الحكومية‪ ،‬الرعاية الصحية‪ ،‬التأمني ضد البطالة)‪،‬‬ ‫ُ‬
‫والحقوق السياسية الدنيا للنساء بعامة‪ .‬فال ِنسوة املعارصات ينا ِق ْشنَ وي ُق ْلنَ َّ‬
‫بأن‬
‫غدت دولة الرفاه‬ ‫سلطة النساء يف املجتمع أقل من سلطة الرجال‪ ،‬ولهذا السبب ْ‬
‫‪ Welfare State‬دولة بطريركية ُذكورية يف املقام األول‪ ،‬بحيث َّإن مواطنة النساء قد‬
‫غدت مواطنة من الدرجة الثانية أو َّربا الثالثة‪ .‬وباعث ذلك هو افتقارهنَّ إىل سلطة‬ ‫ْ‬
‫ُصنع القرار داخل مؤسسات دولة الرفاه ذاتها‪ ،‬ويف مؤسسات الحكومة التمثيلية‬
‫أيضا‪ ،‬ناهيك عن دوائر صناعة القرار داخل األحزاب والتنظيامت السياسية‪ .‬وما‬
‫يؤكد ذلك َّأن النساء عىل رغم توظيفهن بأعدا ٍد كبرية يف القطاع العام‪ ،‬فإ َّنهنَّ‬
‫َيشغلن مراكز مشابهة لتلك التي َي ْش َغ ْلنَها يف القطاع الخاص‪ ،‬فهي مراكز دنيا ضمن‬
‫وسط وقاعدة ال ُبنية الهرمية البريوقراطية‪ ،‬وليست لَهُنَّ القدرة الفاعلة عىل ُصنع‬
‫واتخاذ قرا ٍر ما بشأنِ كيفية تنظيم املؤسسات وإدارتها(‪.)4‬‬
‫ُيشري ذلك بدور ِه إىل أنه عىل رغم حيازة النساء الحقوق السياسية األساسية‬
‫نفسها ذات الصلة بالرتشيح والتصويت والتمثيل السيايس‪ ،‬شأ ُنهنَّ شأن الرجال يف‬
‫الدول الدميوقراطية أو التي يف مرحلة التحول واالنتقال الدميوقراطي‪ ،‬فإن واقع‬
‫املامرسة ُيشري إىل َّأن القليل من النساء قد است ََط ْعنَ املشاركة يف صناعة السياسة‬
‫رش ُح‬ ‫العليا للدولة‪ .‬وذلك نظرا إىل التمييز الرصيح داخل األحزاب السياسية التي ُت ِّ‬
‫أعضاء منها لالنتخابات‪ ،‬وكذلك يف أوساط الناخبني أنفسهم‪ .‬هذا إىل جانب الحقيقة‬
‫ساعات طويلة من العمل ال تنسجم‬ ‫ٍ‬ ‫بأن النشاط السيايس بعامة َيتط َّل ُب‬‫القائلة َّ‬
‫مع كرثة املسؤوليات املنزلية للنساء‪ .‬ويف ضوء هذا التمثيل السيايس ا ُملتدين للنساء‬
‫يف املؤسسات السياسية‪ ،‬فإ َّنهنَّ بحاجة إىل حقوقٍ خاصة ُبغية تحقيق املساواة مع‬
‫الرجال يف هذه الناحية‪ .‬ومن أبرز الداعيات إىل تبني وجهة النظر هذه الباحثة آن‬
‫َّمت ُح ّجة واسعة االنتشار تقول‪« :‬يجب ْأن تكون هناك حصص‬ ‫فيليبس‪ ،‬حيث قد ْ‬
‫نسبية ‪ Quotas‬لزيادة حضور النساء يف العملية السياسية والتي ُتؤ ِّث ُر بدورها يف‬
‫‪245‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ات‬ ‫النساء أنفسهنَّ »‪ .‬وذلك عىل اعتبار َّأن النساء ُيشا ِر ْكنَ يف العملية السياسية بخرب ٍ‬
‫مختلفات‬
‫ٍ‬ ‫ووجهات نظر متاميزة عن تلك التي َيحوزها الرجال‪ ،‬األمر الذي َيجعلهنَّ‬
‫عن الرجال يف إدارة املؤسسات السياسية وقيادتها(‪ .)5‬ونظرا إىل أن النساء يف األصل‬
‫جامعة اجتامعية متاميزة يف سلوكها السيايس وأنشطتها االجتامعية؛ فهُنَّ بحاجة إىل‬
‫ْأن ُي َّثلنَ نيابيا من زاوية كونهنّ جامعة متاميزة ‪ different group‬عرب انتهاج تدابري‬
‫دميوقراطية خاصة ُت ِّكنهنَّ من حياز ِة هذا التمثيل بصور ٍة مضمونة ومتواصلة‪ .‬و ُيعد‬
‫ذلك مبنزلة السبيل األكرث أهمية إلرشا ِكهنَّ فعليا يف صناعة القرارات السياسية(‪.)6‬‬
‫وهو ما يدعونا إىل تسليط بعض الضوء عىل مفهوم وأبعاد التمكني السيايس بوصف ِه‬
‫املطلب املعارص لدى الحركة النسوية عامليا‪.‬‬
‫ويف هذا السياق‪ُ ،‬يع َّر ُف متكني املرأة ‪ Woman’s Empowerment‬بأ َّنه عملية‬
‫شاملة تكتسب املرأة بواسطتها سيطرة أكرب عىل ظروف حياتها‪ ،‬وتشتمل عىل‬
‫عدة أبعاد اقتصادية وسياسية وتعليمية واجتامعية‪ .‬بحيث ُتعزَّز قدرة املرأة عىل‬
‫السيطرة عىل املوارد‪ ،‬وقدرتها عىل االختيار والتحكم يف شؤون حياتها‪ ،‬وقبل كل يشء‬
‫تعزيز احرتامها لِذاتها‪ .‬ويف املايض كانت عملية قياس متكني املرأة تجري بناء عىل‬
‫مت عادة لقياس مفاهيم‬ ‫ات مختلفة مثل‪ :‬التعليم والتوظيف‪ ،‬التي استُخ ِد ْ‬ ‫مؤرش ٍ‬
‫أخرى ذات صلة مثل االستقالل الذايت ووضع املرأة‪ .‬وعىل الرغم من أهمية هذه‬
‫املعايري فإنها ذات سم ٍة غري مبارشة‪ ،‬أي ال تتسع لِجميع جوانب وأبعاد مفهوم‬
‫متكني املرأة‪ .‬ومنذ العام ‪ 2000‬تحول الباحثون واملتخصصون إىل استخدام مجموعة‬
‫معايري مبارشة لقياس مدى حيازة املرأة أبعا َد التمكني مثل‪ :‬حق الوصول إىل املوارد‬
‫والسيطرة عليها‪ ،‬واملشاركة يف الدخل املنزيل والقرارات السياسية‪ ،‬واحرتام الذات‪،‬‬
‫والعمل والتنقل واالستفادة من خدمات املرافق العامة‪ ،‬كذلك التحرر من العنف‬
‫املنزيل‪ ،‬والتمتع بالوعي السيايس عىل قدم املساواة مع الرجل(‪.)7‬‬
‫فإن مفهوم التمكني السيايس ‪Political Enforcement‬‬ ‫تأسيسا عىل ذلك‪َّ ،‬‬
‫هو أحد أبعاد عملية متكني املرأة‪ ،‬فهو نوعٌ من «الدعم الخارجي» الذي ُتقدِّم ُه‬
‫سياسات عامة وإجراءات هادفة إىل إرشاك‬ ‫ٍ‬ ‫الدولة الحديثة للنساء‪ ،‬ويتخذ شكل‬
‫النساء يف الحياة السياسية واالقتصادية واالجتامعية‪ ،‬من أجل دفعهنَّ نحو تجاوز‬
‫وضعية االستضعاف والتهميش التي توارثتها النساء منذ قرونٍ متوالية‪ .‬مام يعني‬
‫‪246‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫َّأن اعتامد «التمكني» وآليات ِه هو مبنزلة «مرحلة انتقالية» من مراحل تطور وضعية‬
‫املرأة‪ ،‬بحيث تقرتن بوضعية التخلف االستثنائية التي ُتعانيها النسوة واملجتمع‬
‫زول هذه الوضعية عرب نجاح املرأة يف تجاوز دائرة التخلف والولوج يف‬ ‫بعامة‪ ،‬ثم َت ُ‬
‫مرحلة املشاركة الفاعلة‪ ،‬وحينئ ٍذ ستحوز النساء قدرة املشاركة الكاملة يف الشؤون‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتامعية من دون وجود ُمع ِّوقات أو قيود جنسية‬
‫واجتامعية وثقافية(‪.)8‬‬
‫و ُبغية الوصول إىل هذا الهدف النهايئ‪ ،‬ويف ظل البيئة االجتامعية التي تسودها‬
‫املنافسة عىل املنافع واالمتيازات ما بني ُف َرقاء املجتمع نتيجة شيوع نزعة الفردية‬
‫فإن الرشط الجوهري لِتحقيق العدالة لدى‬ ‫األنانية ‪َّ ،egoistic individualism‬‬
‫الليرباليني يف مثل هذه البيئة التنافسية يتجسد يف مبدأ «تكافؤ الفرص» ‪equal‬‬
‫متنع تحقيق‬ ‫‪ .)9(opportunity‬إذ ُيتخ َّلص مبوجب ِه من املعوقات والظروف التي ُ‬
‫يفرس السبب الذي دعا املفكر األمرييك‬ ‫مصلحة األقل انتفاعا من األفراد‪ .‬ول َع َّل ذلك ُ‬
‫جون راولز ‪ John Rawls‬إىل التعبري عن العدالة ‪ justice‬مبفهوم اإلنصاف ‪fairness‬؛‬
‫إذ إ َّن ُه ُيعالج موضوع العدالة يف مثل هذه البيئة التنافسية التي ُيفتَق ُر فيها إىل ِّح ِس‬
‫األخوة والتَضامن ‪ .fraternity‬ويقتيض ذلك انتهاج مبدأ تكافؤ الفرص بغية جعل‬
‫فإن هذه البيئة‬ ‫فرص تحقيق النجاح فرصا متساوية أمام جميع ا ُملتنافسني‪ ،‬عدا ذلك َّ‬
‫باعث للحديث‬ ‫حينام تكون بيئة غري تنافسية ‪ non-competitive‬فلن يكون هناك ٌ‬
‫ألن الجميع فيها ببساطة يحظون بالقدرة نفسها عىل تحقيق‬ ‫عن تكافؤ الفرص‪َّ ،‬‬
‫أهدافهم وحيازة املنافع املتاحة(‪ ،)10‬ومن ثم تكون فرصهم متساوية أصال‪ .‬فضال عن‬
‫ذلك‪ ،‬تقتيض العدالة َتواف َر رشطٍ آخر حتى يتحقق التوازن العادل بني ُفرقاء املجتمع‬
‫وهو مبدأ «املساواة يف املَردود» ‪ ،)11(equal outcome‬وذلك عىل اعتبا ٍر مفادُهُ َّأن‬
‫رشط رضوري لتحقيق تكافؤ الفرص‪.‬‬ ‫إفساح املجال لدرج ٍة ما من املساواة يف املردود ٌ‬
‫بأن «التمكني السيايس» وسياسة‬ ‫يص ُّح القول ّ‬ ‫ربا ِ‬
‫ويف ضوء ما تقدَّ م ذكرهُ‪ّ ،‬‬
‫التمييز اإليجايب هام أصال جز ٌء من منظومة آليات وأشكال الحقوق الجامعية‬
‫‪ ،Group Rights‬بحيث َتست ِندُ جميعا إىل عني الفكرة‪ ،‬وهي رضورة إعادة النظر‬
‫أساس جديد ملصلحة الجامعات‬ ‫ٍ‬ ‫يف أساس املساواة والعدالة عرب إقامتهام عىل‬
‫املحرومة من دون الخروج من إطار الفكر الليربايل‪ .‬بحيث تعمل الدولة الحديثة‬
‫‪247‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫بذاتها عىل التدخل إلحداث هذا التغيري من خالل برامج وسياسات معينة‬
‫ومن منظو ِر أن ُه ليس من العدالة أن ُيعا َم َل ُف َرقاء ُمتباينون عىل قدم املساواة‬
‫ترض ُر أحد ال ُف َرقاء من ج ّراء هذه املعاملة‪ ،‬بل تقتيض‬ ‫وباملعاملة نفسها حينام َي ّ‬
‫تضرين من ال ُف َرقاء‬‫العدالة ْأن ُيتعامل بصورة متباينة وملصلحة املحرومني وا ُمل َ ِّ‬
‫بعامة حتى يتساووا جميعا عىل املدى البعيد(‪ .)12‬مبعنى َّأن «التمكني السيايس»‬
‫وسياسة التمييز اإليجايب هي «املعاملة التفضيلية» ‪treatment preferential‬‬
‫بعينها‪ .‬حيث ُتنح مبوجبها املنفعة ‪ good‬للجامعات املحرومة من أجل‬
‫مساعدتها عىل االرتقاء مبستواها االجتامعي واالقتصادي إىل مستوى الجامعة‬
‫املهيمنة عىل املركز‪ .‬بحيث يصبح «الحرمان» بذاته مبنزلة املعيار الالزم توافر ُه‬
‫يف هذا الفرد أو تلك الجامعة لِتل ّقي املساعدة الخارجية‪ ،‬بعد ْأن كان «الحرمان»‬
‫هو نفس ُه أصل الدّ اء واملشكلة التي تحتاج إىل معالجة(‪.)13‬‬
‫يجب أن نأخذ يف الحسبان فكرة « َمنْ‬ ‫وتفسري هذا هو أنه بغية عالج الحرمان‪ُ ،‬‬
‫األمور يف‬ ‫أخطأ بحق َمنْ ؟ وماذا كانت العواقب املرتتبة عىل ذلك؟ ثم نحاول وضع ُ‬
‫نصابها الصحيح» عىل حد تعبري جيمس ب‪ .‬ستريبا ‪ .)14(James P. Sterba‬وذلك عىل‬
‫أساس كون الجامعة املهيمنة هي املسؤولة عن تدين وانحطاط املكانة االجتامعية‬
‫واالقتصادية للنساء واألقليات‪ ،‬إذ ُيلقى اللوم واملسؤولية عىل الضحية ‪blaming‬‬
‫كأن األخرية‬ ‫‪ the victim‬حينام ُتص َّو ُر مشاكل النساء واألقليات القومية واإلثنية‪ّ ،‬‬
‫هي املسؤولة بذاتها عن تلك املشاكل‪ ،‬بدال من االعرتاف مبسؤولية الجامعة املهيمنة‬
‫كواهل الذين‬‫ِ‬ ‫عنها‪ .‬ألن املسؤولية الكربى عن مشاكل املجتمع ينبغي ْأن تقع عىل‬
‫يحوزون أكرب َق ْد ٍر من السلطة واملنافع االقتصادية‪ ،‬وهم تحديدا أعضاء األكرثية‬
‫املهيمنة من الذكور البيض األصحاء بدنيا(‪.)15‬‬
‫ُيفهم من املتقدم تبيانه َّأن «التمكني السيايس» ومختلف آليات ِه مبا فيها نظام‬
‫الكوتا النسوية هي جزء من املنظور الليربايل العام تجاه الحقوق الجامعية‪ ،‬وهو‬
‫منظو ٌر ِخاليف بني أنصار االتجاه العام لليربالية االجتامعية ‪Social Liberalism‬‬
‫ودُعاة التعددية الثقافية ‪ Multiculturalism‬بخاصة‪ .‬ويدعونا ذلك إىل تسليط‬
‫بعض الضوء عىل هذه اإلشكالية بهدف فهم القاعدة الفكرية لحيثيات الكوتا‬
‫والغاية من إيجادها لدى هذين االتجاهني الرئيسني يف النظرية السياسية املعارصة‪.‬‬
‫‪248‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫فمن حيث أوجه الشبه‪ ،‬نجد َّأن الحقوق الجامعية ونظام الكوتا بخاصة يجري‬
‫كل منهام تخصيص عد ٍد معني من الوظائف أو املقاعد ملصلحة الجامعة املحرومة‬ ‫يف ٍّ‬
‫داخل مؤسسة ما بغض النظر عن كون هذه املؤسسة عامة أو خاصة‪ .‬ففي املجالس‬
‫الترشيعية القامئة عىل نظام الكوتا عىل سبيل املثال‪ ،‬يعمل االتجاه العام لليربالية‬
‫االجتامعية عىل إيجاد عالقة جدلية ما بني فكرة التمثيل املضمون للجامعات املحرومة‬
‫والدميوقراطية‪ .‬وذلك من زاوية كون مطالبة النساء بأ َّنهن يف حاجة إىل َمنْ متثلهنَّ‬
‫من النساء‪ ،‬ومطالبة األقليات القومية والدينية بأنهم يف حاجة إىل َمنْ ميثلهم من أبناء‬
‫مطالبة نابعة منطقيا من الفكرة القائلة بكون تكوين املجلس‬ ‫ٌ‬ ‫األقليات نفسها‪َّ ،‬إنا هي‬
‫وأن الحكومة النيابية تقوم عىل‬ ‫الترشيعي ينبغي ْأن يعكس الرتكيب العام للمجتمع‪َّ ،‬‬
‫جامعات بعينها(‪ .)16‬من جه ٍة أخرى‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫أساس وجود مرشحني يعربون عن التزاماتهم تجاه‬
‫كل من هذين االتجاهني عىل النظر إىل نظام الكوتا بخاصة والحقوق الجامعية‬ ‫يعمل ٌ‬
‫بعامة من زاوية كونها وسيلة لتوزيع املنافع والفرص بصورة متباينة واستنادا إىل‬
‫االنتامء الجامعي‪ ،‬و َيعت َِبان ذلك من قبيل الحقوق الطبيعية للجامعات املحرومة‪،‬‬
‫وأ َّنها «تعويض عن الحرمان و ِق ّلة الحيلة» اللذين تتميز بهام هذه الجامعات نتيج ًة‬
‫لِترشيعات وسياسات األكرثية املهيمنة عىل مراكز الدولة ومؤسساتها‪.‬‬
‫أوج ِه االختالف فيمكن مالحظة َّأن هذين االتجاهَ ني الفكر َيني‬ ‫أما من حيث ُ‬
‫إن كال منهام يدعو إىل التعويض عن أشكالٍ متباينة من‬ ‫واح عدة‪ :‬إذ َّ‬
‫يختلفان يف َن ٍ‬
‫الظلم والحرمان‪ .‬فالحقوق الجامعية ونظام الكوتا لدى االتجاه العام لليربالية‬
‫االجتامعية تهدف إىل دعم ومساعدة الجامعات املحرومة لالندماج العادل يف‬
‫متنع دون‬ ‫ثقافة األكرثية املهيمنة‪ ،‬عن طريق إزالة املعوقات غري العادلة والتي ُ‬
‫دعم ومساعدة‬ ‫تحقيق االندماج‪ .‬بينام َيسته ِد ُف منه أنصار التعددية الثقافية َ‬
‫األقليات الثقافية فقط دون النساء‪ ،‬من زاوية كون النساء لسنَ جامعة اجتامعية‬
‫وال ْميت ِلكنَ هوية ثقافية بخالف األقليات القومية والدينية‪ .‬والغاية الجوهرية‬
‫من وراء شمول هذه األقليات بتلك الحقوق تتم َّثل يف الحفاظ عىل خصوصياتها‬
‫الثقافية يف املقام األول‪ ،‬بواسطة حاميتها وتحصينها من الضغوط الخارجية‬
‫لألكرثية املهيمنة التي ترمي إىل استيعابها قرسا يف هويتها الثقافية‪ .‬مام ُيشري‬
‫إىل كون الحقوق الجامعية بعامة لدى االتجاه العام ذات طبيعة مؤقتة وتحوي‬
‫‪249‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫الجامعات املحرومة كافة مبا فيها النساء‪ ،‬بينام َيراها أنصار التعددية الثقافية من‬
‫زاوية أ َّنها ذات طبيعة دامئية وحرصية(‪.)17‬‬
‫إن الحقوق الجامعية بعامة ونظام الكوتا بخاصة آلية‬ ‫بعبار ٍة ُأخرى متصلة‪َّ ،‬‬
‫مؤقتة من منظور االتجاه العام لليربالية االجتامعية؛ ألنهُ حاملا يزول الظلم‬
‫والتفاوت االقتصادي يف املجتمع ستُلغى جميع أشكال الحقوق الجامعية‬
‫مبارشة النتفاء سبب وجودها واملتجسد يف الظلم االجتامعي‪ .‬إذ ستغدو‬
‫بلغت مستوى عاليا من املساواة يف املردود يُؤهِّ لها من ثم‬ ‫مكونات املجتمع وقد ْ‬
‫لالنخراط بصورة عادلة وف ّعالة يف البيئة التنافسية للمجتمع عينه‪ ،‬ل ُيعت َمد يف إثر‬
‫ذلك مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ املساواة أمام القانون ليكونا فقط أساس التنافس‬
‫فإن أنصار اتجاه التعددية‬ ‫الحقا ما بني ال ُف َرقاء يف هذه البيئة‪ .‬ويف مقابل ذلك‪َّ ،‬‬
‫الثقافية يتخذون من مختلف أشكال الحقوق الجامعية مبا فيها نظام الكوتا‬
‫وسياسة التمييز اإليجايب وسيلة لِتحقيق مجمل بنائهم الفكري‪ ،‬فهم يجعلونها‬
‫ذات طبيعة دامئية من أجل معالجة الظلم والحرمان الثقايف اللذين ُتعانيهام‬
‫كل منها عىل ترسيخ كيانها الثقايف‬ ‫الجامعات املحرومة عينها‪ ،‬بغية مساعدة ٍّ‬
‫والسيايس بصورة دامئة‪ .‬وذلك عىل أساس فكرة َّأن آليات وأشكال الحقوق‬
‫الجامعية ُيك ِّم ُل بعضها البعض اآلخر يف سياق عملية اجتثاث الحرمان الثقايف‬
‫فإن زوال األخري سيقود إىل زوال أشكال‬ ‫(أي اجتثاث الهوية الثقافية)‪ ،‬ومن ثم َّ‬
‫الحرمان األخرى االقتصادية منها واالجتامعية‪ ،‬مادام ُيتعامل مع هذه اآلليات‬
‫والتدابري باعتبارها انعكاسا للحقوق الجامعية أليّ جامع ٍة ثقافية‪ ،‬وأ َّنها حقوق‬
‫أصيلة وطبيعية شأنها شأن الحقوق الفردية األساسية‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫يف هذا السياق‪ ،‬يبدو َّأن «منظمة األمم املتحدة»‪ ،‬ومبا ينسجم مع منظور االتجاه‬
‫العام لليربالية االجتامعية‪ ،‬قد عملت عىل َتبني عد ٍد من املؤرشات الكم ّية والقابلة‬
‫للقياس بخصوص أوضاع النسوة وكيفية متكينها سياسيا‪ .‬بحيث ُث ِّبتت تلك املؤرشات‬
‫نص املادة «‪ »7‬من اتفاقية «سيداو» ‪( CEDAW‬االتفاقية الدولية للقضاء عىل‬ ‫يف ِّ‬
‫جميع أشكال التمييز ضد املرأة) يف العام ‪ ، 1979‬حتى يكون با ُملستطاع قياس‬
‫(‪)18‬‬
‫ِ‬
‫َمدى متكني املرأة وتطوير قدراتها وتحسني وضعها السيايس يف مختلف املجتمعات‪.‬‬
‫وهذه املؤرشات هي‪:‬‬
‫‪250‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫الرتشح لجميع‬‫‌أ ‪ -‬التصويت يف جميع االنتخابات واالستفتاءات العامة‪ ،‬وأهلية ُّ‬


‫الهيئات التي ُينتخب أعضاؤها باالقرتاع العام‪.‬‬
‫ب ‪ -‬املشاركة يف صياغ ِة سياس ِة الحكومة وتنفيذ هذه السياسة‪ ،‬ويف شغل‬
‫الوظائف العامة‪ ،‬وتأدية جميع املهام العامة عىل جميع املستويات الحكومية‪.‬‬
‫ت‌ ‪ -‬املشاركة يف جميع املنظامت والجمعيات غري الحكومية التي ُتعنى بالحياة‬
‫العامة والسياسية للدولة(‪.)19‬‬
‫ووفقا لذلك‪ ،‬ستعمل الدولة العضو عىل إحداث تغي ٍري جوهري لعالقات السلطة‬
‫الجندرية من حيث التشديد عىل إمكانات التعزيز من مصالح النساء بصور ٍة‬
‫مؤسساتية الس َّيام عرب ما ُيط َلق علي ِه «نسونة البريوقراطية» ‪ ،Femocrats‬أي بناء‬
‫البريوقراطية النسوية القيادية داخل هياكل الدولة ومؤسساتها عىل النحو الذي‬
‫ُيح ّق ُق اإلنصاف تجاه النساء والرجال معا‪ .‬بحيث يجري ذلك بواسطة مؤسسات‬
‫الدولة نفسها بهدف متكني النساء سياسيا وإداريا من خالل سياس ٍة مهمة للغاية‬
‫عرف اليوم بتسمية «التضمني الجندري» ‪ ،Gender Mainstreaming‬أي مبعنى‬ ‫ُت ُ‬
‫اإلدماج املنهجي لِقضايا النساء والجندر يف سياسات الدولة وبرامجها الحكومية‬
‫بصور ٍة متواصلة وهادفة‪ ،‬بدال من التعاطي معها كأ َّنها فكرة عابرة ‪،Afterthought‬‬
‫فإن تلك املؤرشات سابقة الذكر‬ ‫أو اعتبارها سياسات جزئية ومتناثرة(‪ .)20‬علي ِه‪َّ ،‬‬
‫تشمل عمليا كال مام يأيت‪:‬‬
‫أ‌ ‪ -‬إرشاك النساء يف املواقع القيادية‪ ،‬ومشاركتهنَّ يف اللجان واملواقع العامة‪.‬‬
‫ب‌ ‪ -‬إتاحة فرص التعليم والتدريب غري التقليدية أمامهنَّ ‪.‬‬
‫ت‌ ‪ -‬إرشاك النسوة يف عملية صنع القرارات واتخاذها‪.‬‬
‫ث‌ ‪ -‬أيضا اكتسابهنَّ مهارات ومقدرات تنظيمية بهدف إنشاء جامعات‬
‫وتنظيامت نسوية للمطالبة بحقوقهنَّ ‪.‬‬
‫تجل معنى التمكني النسوي يف جان َبني ُمتالز َمني من منظور األمم‬ ‫وبذلك َي َّ‬
‫املتحدة واتفاقية سيداو بخاصة‪ :‬أولهام يتم ّثل يف إزالة مختلف املعوقات‬
‫الترشيعية منها واإلدارية واالجتامعية التي ُتعرقل مشاركة النساء يف املواقع‬
‫القيادية واإلدارية والسياسية‪ .‬أما الجانب الثاين فيتمثل يف تقديم التسهيالت‬
‫واتخاذ اإلجراءات السياسية والربامج الداعمة لِمشاركة املرأة وتطوير قدراتها‬
‫‪251‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫وزيادة فرصها‪ ،‬سواء أكان ذلك عىل صعيد تشكيل القدرات أم استخدام وتوظيف‬
‫تلك القدرات ملصلحتهنَّ يف املجالَني العام والخاص(‪.)21‬‬
‫وعىل أساس اتفاقية سيداو الس ّيام العمل مبوجب املادة «‪ »7‬منها‪ ،‬شاعَ نظام‬
‫الكوتا النسوية بوصف ِه تدبريا خاصا ومؤقتا يعمل عىل إرشاك املرأة بفاعلية يف صناعة‬
‫القرار السيايس وسياسات الحكومة وحتى تنفيذها‪ ،‬وكذلك َش ْغل املراكز العامة‬
‫والقيادية‪ .‬بحيث َّإن شيوع مامرسة هذا النظام مل يكن عىل املستوى الحكومي‬
‫والدستوري فقط بل نف َذ إىل داخل األحزاب السياسية والنقابات والجمعيات إىل‬
‫جانب املنظامت غري الحكومية‪ ،‬ناهيك عن تأثري ِه الجوهري يف األنظمة االنتخابية‬
‫وكيفية احتساب األصوات ملصلحة النسوة املرشحات‪ .‬ومن ثم‪ ،‬إذا كان نظام الكوتا‬
‫النسوية وسياسة التمييز اإليجايب بعامة قبل العام ‪ 1979‬ذات تطبيقات جزئية‬
‫فإن اتفاقية سيداو ورعاية األمم املتحدة ومراقبتها الدولية‬ ‫ومتناثرة هنا وهناك‪َّ ،‬‬
‫أفضت إىل نتيج ٍة مركزية وهي رضورة العمل‬ ‫ْ‬ ‫لِتنفيذ مواد وبنود هذه االتفاقية قد‬
‫بهذا النظام عىل نح ٍو واسع االنتشار عامليا‪.‬‬
‫ُ‬
‫ُيؤ ِّكدُ ذلك بنح ٍو رصيح َّأن الجهود األممية تعمل بالرضورة عىل الربط بني‬
‫تدابري وآليات متكني املرأة وبني بناء مجتمع العدالة واملساواة من زاوية أ َّنهام ُيكمل‬
‫أحدهام اآلخر‪ .‬إذ وفقا لِمنظور ا ُملف ِّكر السيايس أمارتيا صن ‪َّ Amartya Sen‬‬
‫فإن‬
‫«أن َيغفل الرضورة ا ُمل ِل َّحة لِتصويب الكثري‬ ‫متكني املرأة سياسيا واقتصاديا ال ميكن ُه ْ‬
‫خضعها لِمعاملة غري متكافئة مع‬ ‫من مظاهر عدم املساواة التي ُت ْف ِسدُ رفاه املرأة و ُت ِ‬
‫تعي ْأن ُيعنى دور الف ّعالية [أي التمكني] كثريا برفا ِه املرأة أيضا‪ .‬وإذا‬ ‫الرجل‪ .‬لهذا َي َّ ُ‬
‫تناولنا املوضوع من الطرف اآلخر‪ ،‬نجد باملثل َّأن أي محاولة عملية لِتعزيز رفاه‬
‫املرأة ال َي َس ُعها إال ْأن تعتمد عىل ف ّعالية [متكني] املرأة ذاتها إلحداث هذا التغيري‪.‬‬
‫فإن َمظهر الرفاه و َمظهر الف ّعالية [التمكني] للحركات النسائية يوجد بينهام‬ ‫لهذا َّ‬
‫ولعل أقوى ُح ّجة مبارشة‪ ،‬من منظور صن‪ ،‬وهي التي‬ ‫تقاطع موضوعي حتام»(‪ّ .)22‬‬ ‫ٌ‬
‫تدعو ُه إىل الرتكيز عىل متكني املرأة‪ ،‬تتجسد يف الدور الذي ُيكن ْأن ُيؤدي ِه «التمكني‬
‫النسوي» يف القضاء عىل املَظامل التي متنع رفاه املرأة‪ .‬إذ َّإن رفاه املرأة تؤثر فيه بقوة‬
‫دخل مستقل‪ ،‬وتوفري فرصة‬ ‫متغريات عدّة ومختلفة مثل‪ :‬قدرة املرأة عىل اكتساب ٍ‬
‫عمل خارج املنزل‪ ،‬وحيازة حقوق امللكية الخاصة‪ ،‬كذلك معرفة القراءة والكتابة‪،‬‬
‫‪252‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫األرسة وخارجها‪.‬‬ ‫وأن تكون املرأة ُمشا ِركة متع ِّلمة يف صنع واتخاذ القرارات داخل ُ‬ ‫ْ‬
‫هذه الجوانب املتعددة قد تبدو ألولِ وهلة أمورا مختلفة ومتباينة‪« .‬ولكن اليشء‬
‫املشرتك بينها جميعا هو إسهامها اإليجايب يف تعزيز وتقوية صوت املرأة ودورها‬
‫الف ّعال‪ ،‬من خالل االستقالل الذايت والتمكني السيايس واالقتصادي بعامة‪ .‬فعىل‬
‫ُ‬
‫سيكون ل ُه أثر ُه‬ ‫سبيل املثال‪َّ ،‬إن عمل املرأة خارج البيت وتحصيل ٍ‬
‫دخل مستقل‬
‫الواضح يف دعم الوضع االجتامعي للمرأة داخل البيت ويف املجتمع‪ .‬وهنا يكون‬
‫األخرى كلمتها املسموعة‪ ،‬أل َّنها‬‫األرسة أكرث وضوحا فتغدو لها هي ُ‬ ‫إسهامها يف رخاء ُ‬
‫أقل تبعية واعتامدية عىل غريها‪ ...‬وباملثل ُيع ِّز ُز تعليم املرأة من‬ ‫ستُص ِب ُح بذلك َّ‬
‫دورها الفاعل فضال عن أ َّنها ستغدو أكرث معرفة وأكرث مهارة [يف مؤسسات الدولة‬
‫فإن امتالك املرأة املمتلكات الخاصة يجعلها أقوى فعالية يف اتخاذ‬ ‫بخاصة]‪ .‬كذلك َّ‬
‫القرارات األرسية»(‪.)23‬‬
‫جانب متصل‪َّ ،‬أن مفهوم «التمكني النسوي» َيتجاو ُز املجال‬ ‫ٍ‬ ‫يعني ذلك‪ ،‬من‬
‫دت الالمساواة يف املعاملة‬ ‫األخرى‪ ،‬ويحرض حيثام ُو ِج ْ‬ ‫السيايس لِيشمل املجاالت ُ‬
‫والفرص بني الرجال والنساء‪ .‬بيد َّأن اإلجراءات والتدابري ا ُملتَّخذة ليست إال آليات‬
‫الجنسني عىل النحو الذي سيحقق للمرأة‬ ‫َ‬ ‫مؤقتة تدفع إىل تسوية التفاوتات بني‬
‫ثم مساعدتها عىل حيازة القدرات املادية واملهارات‬ ‫وضعي َة االستقالل الذايت‪ ،‬ومن َّ‬
‫الذاتية بالشكل الذي يجعلها قادرة عىل منافسة الرجال من دون ْأن ُتعترب مثل‬
‫هذه اإلجراءات والتدابري من قبيل التمييز الجنيس ‪Sexual Discrimination‬‬
‫ضد الرجال أنفسهم‪ .‬فوفقا للامدة «‪ /1‬أ» من اتفاقية سيداو‪« :‬ال ُيع َت ُرب اتخاذ‬
‫الدول األطراف تداب َري خاصة ومؤقتة َتسته ِد ُف التعجيل باملساواة الفعلية بني‬
‫الرجل واملرأة متييزا كام ُتح ِّددُهُ هذه االتفاقية‪ ،‬ولكنه يجب أال َيستتبع بأيِّ حال‪،‬‬
‫كنتيجة له‪ ،‬اإلبقاء عىل معايري غري متكافئة أو منفصلة‪ ،‬كام يجب وقف العمل‬
‫بهذه التدابري عندما تكون أهداف التكافؤ يف الفرص واملعاملة قد تحققت»(‪.)24‬‬
‫بكلامت ُأخرى‪َّ ،‬إن التعاطي األممي مع نظام الكوتا النسوية بخاصة وآليات‬ ‫ٍ‬
‫التمكني النسوي بعامة جاء متناغام مع منظور االتجاه العام لليربالية االجتامعية‪،‬‬
‫ومن زاوية أ َّنها جميعا من قبيل التدابري املؤقتة والخاصة التي تقود إىل بناء‬
‫مجتمع العدالة واملساواة يف نهاية املطاف‪ ،‬بحيث يتوقف العمل بهذه التدابري‬
‫‪253‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫حاملا َيتحقق الغرض الجوهري من اعتامدها وهو تحقيق تكافؤ الفرص واملعاملة‬
‫املتساوية بني الرجال والنساء يف مختلف جوانب الحياة‪ ،‬وعىل النحو الذي تكون‬
‫فيه النساء رشيكات للرجال قوال وفعال‪.‬‬

‫املبحث األول‬
‫أشكال نظام الكوتا النسوية ونطاق انتشار ِه عامل ًيا‬
‫خصص مبوجب ِه عدد من املقاعد أو‬ ‫ُيع َّرف مفهوم الكوتا بأ َّن ُه َتدب ٌري قانوين ُي َّ‬
‫الوظائف داخل هيئة أو مؤسس ٍة ما ملصلحة فئ ٍة معينة كالنساء أو األقليات القومية‬
‫أو الدينية أو املناطقية‪ ،‬أو ُتعت َمد املحاصصة بشكل عام يف توزيع املقاعد التمثيلية‬
‫بني مختلف املك ِّونات املجتمعية‪ .‬و ُيعت َمد هذا النظام بوصف ِه تدبريا إيجابيا لتصحيح‬
‫خلل يف التمثيل املجتمعي وبغية تحقيق املساواة بني املك ِّونات االجتامعية(‪ .)25‬تكفل‬ ‫ٍ‬
‫الكوتا النسوية متثيل النساء عىل األقل بحص ٍة دنيا يف الهيئة املنتخبة‪ ،‬وتختلف صيغة‬
‫الكوتا ا ُملعتمدة باختالف النظام االنتخايب‪ .‬مبعنى َّأن نظام الكوتا ُيش ُري بعامة إىل‬
‫ضامن حصة من املقاعد أو املراكز الوظيفية داخل املؤسسات السياسية الحكومية‬
‫وغري الحكومية من أجل تعزيز مشاركة املك ِّونات املحرومة يف الحياة السياسية وغري‬
‫بأسلوب غري دميوقراطي ولكن ُه‬
‫ٍ‬ ‫السياسية عىل نح ٍو إلزامي يف أغلب الحاالت‪ ،‬أي‬
‫منظم بحيث َيحدُّ من حرية الناخب يف اختيار ممثلي ِه وفق مشيئت ِه املطلقة‪ ،‬ولكيال‬ ‫َّ‬
‫يكون مبقدور األكرثية املهيمنة حرمان إحدى األقليات أو املك ِّونات املجتمعية من‬
‫ثم‪ ،‬يتخذ نظام الكوتا عدّة أشكال‪،‬‬ ‫مامرسة ح ّقها يف التمثيل السيايس بخاصة‪ .‬ومن ّ‬
‫منها‪ :‬الكوتا اإلثنية‪ ،‬والنسوية‪ ،‬والطائفية‪ ،‬واملناطقية‪ ،‬وعىل نح ٍو اختياري أو مق ّيد‬
‫ومنظم مبوجب القانون(‪ .)26‬فالكوتا النسوية بذلك هي من قبيل التدابري الخاصة‬ ‫َّ‬
‫املؤقتة األكرث شيوعا يف العامل‪ ،‬وتهدف إىل تعزيز املساواة بن الجنسني وتشجيع‬
‫املشاركة السياسية للمرأة وزيادة متثيلها يف الهيئات املنتخبة داخل املجالَني العام‬
‫والخاص‪ ،‬من خالل تعزيز ثقة املجتمع بقدرات النساء وتوظيف إمكاناتهنّ يف‬
‫سياسات عامة وإجراءات قانونية ناظمة تعتمدها‬ ‫ٍ‬ ‫تطوير هذين املجالَني؛ وذلك عرب‬
‫الدولة إلزالة العوائق البنيوية أمام مشاركة النساء يف الحياة السياسية بخاصة عىل‬
‫غرار أقرانهنَّ من الرجال(‪.)27‬‬
‫‪254‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫بأن الكوتا النسوية تعد مبنزلة آلية استثنائية يف تكوين‬ ‫وهو ما يدعونا إىل القول َّ‬
‫املجالس النيابية لِكونها َتعت ِمدُ ُأسلوب االقرتاع املق َّيد يف اختيار املك ِّونات املجتمعية‬
‫املم ِّثلة للشعب‪ .‬لذلك من املفرتض أال ُتط َّبق هذه اآللية دوما‪ ،‬بل بصورة مؤقتة‬
‫وفق ظروف كل دولة وفقا للامدة «‪1-‬أ» من اتفاقية سيداو‪ .‬فالفرتة املؤقتة هذه‬
‫هي ُمهلة ُتعطى من جه ٍة للمجتمع ليك َيألَ َف وجو َد املرأة يف املجال السيايس و ُيو ِقنَ‬
‫بكونها مساوية للرجل يف اإلدراك والطاقات الذهنية‪ .‬كام ُتعطى ا ُملهلة نفسها للمرأة‬
‫من جه ٍة ُأخرى يك تتز َّود بالوعي والخربة الرضوريني للعمل يف املجال العام الذي‬
‫بشكل ُمزمن‪ .‬وبعد انقضاء‬ ‫ٍ‬ ‫مل تألف ُه من قبل‪ ،‬بسبب عُ زوفها الذايت أو إقصائها عنه‬
‫املرحلة االنتقالية هذه‪ ،‬سيجري التخيل عن الكوتا النتفاء الحاجة إليها‪ ،‬نتيجة ما‬
‫ات جوهرية يف الذهنية العامة للمجتمع وإقامة‬ ‫تكون قد أحد َثت ُه عمليا من تغيري ٍ‬
‫العدالة واملساواة الفعلية من حيث التمثيل واملشاركة السياسية(‪.)28‬‬
‫وقد شاعَ نظام الكوتا النسوية الس ّيام بعد عقد اتفاقية سيداو يف العام ‪،1979‬‬
‫بغية إحداث تغي ٍري إيجايب جذري يف أوضاع املرأة‪ ،‬ليس يف املجال السيايس فقط‪ ،‬بل‬
‫يشمل ذلك التنظيامت الحزبية واملنظامت غري الحكومية بعامة‪ .‬فإذا كانت الكوتا‬
‫فإن هذه‬ ‫النسوية وسياسة التمييز اإليجايب ذات تطبيقات جزئية ومتناثرة من قبل‪َّ ،‬‬
‫االتفاقية نقلت هذه التدابري السياسية إىل نطاق االنتشار العاملي وبخاصة يف ظل‬
‫تتول َمهمة مراقبة الدول األطراف من حيث‬ ‫وجود «لجنة سيداو الدولية» التي ّ‬
‫تنفيذها بنود االتفاقية وبروتوكولها االختياري للعام ‪ 1999‬وإصدار التقارير الدورية‬
‫ذات الصلة(‪.)29‬‬
‫خصص الكوتا بعامة والكوتا النسوية بخاصة وفقا لِثالث ُس ُب ٍل رئيسة‬ ‫بناء علي ِه‪ُ ،‬ت َّ‬
‫مرعية وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تعديل الدستور مبا يجعل األحزاب السياسية أكرث سعة وشموال من حيث‬
‫االنتامء وصناعة القرار‪ ،‬عرب التقليل من القيود التي متنع النساء (أو األقليات اإلثنية‬
‫والفقراء) من ْأن ُيصبحوا مرشحني أو قادة أحزاب‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تعديل القانون االنتخايب بحيث ُتح َّدد نسبة مئوية معينة (مثل ‪)%30‬‬
‫أو ُيحجز عدد معني من املقاعد النيابية (مثل ‪ 20‬من أصل ‪ )100‬ملصلحة النساء‬
‫جسدان الحد األدىن لتمثيل مصلحة‬ ‫والجامعات املحرومة‪ ،‬وكال هذين التدب َريين ُي ِّ‬
‫‪255‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫النساء أو الجامعة املحرومة مبا ال ُيتيح السبيل لإلرضار بها من قبل الجامعة‬
‫املهيمنة‪ ،‬ويف الوقت عينه يسمحان للنساء بالتنافس عمليا عىل نسب ٍة معينة أو عدد‬
‫ويكن تسمية ذلك «بالكوتا التي تستهدف‬ ‫املخصصة لهنّ (‪ُ .)30‬‬‫ّ‬ ‫محدد من املقاعد‬
‫النتائج»‪ ،‬بحيث توجد عدة ُس ُب ٍل َمرعية يف هذا الخصوص‪ :‬فقد ُير َّكز عىل وجود‬
‫قوائم نسوية حرصية مقدّمة من قبل كيانات سياسية أو دوائر انتخابية نسوية‬
‫بحيث يقترص فيها الرتشيح والتنافس عىل النسوة فقط‪ .‬كذلك ميكن اعتامد سبيل‬
‫آخر وهو نظام «أفضل الخارسين» ليغدو شكال آخر لهذه الكوتا؛ إذ ميكن اعتبار‬
‫املرشحات الحاصالت عىل أعىل األصوات «فائزات»‪ ،‬مادام عددهنَّ ال يتجاوز عدد‬
‫املقاعد املخصص لهنَّ ‪ ،‬بغض النظر عن عدد األصوات الذي يحصل عليه َّ‬
‫املرشح من‬
‫الرجال(‪.)31‬‬
‫نسب محددة من النساء يف‬ ‫ج ‪ -‬نظام الكوتا الحزيب‪ ،‬وهو يقيض برتشيح ٍ‬
‫القوائم االنتخابية املحلية والربملانية التي ُتقدِّمها األحزاب والكيانات السياسية‪.‬‬
‫بحيث ميكن ْأن تكون هذه اآللية اختيارية يف سياقٍ توافقي بني األحزاب‪ ،‬أو‬
‫نص قانوين(‪ .)32‬ويف كال الحالَني ُت َّكن النساء من املواقع الرئيسة‬ ‫إجبارية مبوجب ٍّ‬
‫ضمن تسلسل املرشحني عىل القوائم االنتخابية املتنافسة‪ ،‬أو ضامن ترشيحهن يف‬
‫دوائر انتخابية محددة مبا يو ِّف ُر لهنَّ املساواة مع الرجال يف االنتخابات النيابية‪.‬‬
‫ويحدث ذلك عرب ثالث ُط ُرقٍ رئيسة‪:‬‬
‫ترشيح تشجيعية‪ ،‬كأن ُتحدَّد‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬أوالها الكوتا ال َفضفاضة التي ال تتق ّيد بقواعد‬
‫نسبة ‪ 30‬يف املائة لتكون حدا أدىن للنساء عىل القامئة االنتخابية الواحدة من دون‬
‫تبي تسلسلهنَّ عىل القامئة نفسها‪.‬‬ ‫وجود قواعد رصيحة ِّ ُ‬
‫تسلسل‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬ثانيتها الكوتا املق َّيدة بقواعد رصيحة والتي مبوجبها يجري تعي ُني‬
‫محدَّد للنساء يف مواجهة الرجال ضمن القوائم االنتخابية‪ .‬وبهذه الطريقة يأخذ‬
‫التسلسل شكل نظام الرتتيب التباديل بحيث تتبادل النساء الرتتيب مع الرجال عىل‬
‫لرجل‬
‫اسم آخر ٍ‬ ‫القامئة‪ ،‬أي أن ُيكتب اسم الرجل املرشح ثم اسم املرأة املرشحة ثم ٌ‬
‫مرشح وهكذا دواليك حتى انتهاء القامئة االنتخابية‪ .‬وذلك من أجل الحؤول دون‬
‫حزب ما إىل إدراج أسامء جميع املرشحني من‬ ‫ظلم النساء املرشحات عرب لجوء قيادة ٍ‬
‫الذكور بالتعاقب ويف مقدمة القامئة بغية الفوز عىل حساب املرشحات من القامئة‬
‫‪256‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫رشع العراقي مثال بنظام‬ ‫ُ‬


‫يعمل امل ِّ‬ ‫االنتخابية نفسها(‪ .)33‬وتالفيا ملثل هذا التحايل‪،‬‬
‫كوتا مختلط َي ْد ِم ُج بني نظام الكوتا الحزيب وفقا لها َتني الطريقتَني معا ونظام أفضل‬
‫الخارسين‪ .‬حيث ُيشري الدستور العراقي النافذ يف املادة «‪ »47‬من ُه إىل َّأن التمثيل‬
‫النسوي ينبغي أال يقل عن الربع من مجموع أعضاء مجلس النواب‪ .‬كام ُيشدِّد‬
‫قانون االنتخابات العراقي املعدّل الرقم «‪ »16‬للعام ‪ 2009‬ويف املادة «‪ »11‬منه‪،‬‬
‫عىل َّأن املرأة يجب ْأن تكون واحدة عىل األقل ضمن كل ثالثة مرشحني‪ ،‬كام يجب‬
‫ْأن تكون ضمن أول ستة مرشحني يف القامئة الواحدة امرأتان عىل األقل حتى نهاية‬
‫القامئة االنتخابية الواحدة‪.‬‬
‫ناصفة‪ ،‬أي تبني املساواة الشكلية بني‬ ‫‪ -‬أما السبيل الثالث َف َيتم ّثل يف نظام ا ُمل َ‬
‫الجنسني من حيث التمثيل السيايس والعمل التشاريك يف مختلف مؤسسات ومراكز‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫صنع القرار الحكومية‪ ،‬بحيث ُيق ُّر ذلك مبوجب قانونٍ خاص ُيف ِر ُد ‪ 50‬يف املائة من‬
‫القوائم االنتخابية للنساء عىل قدم املساواة مع الرجال‪ .‬إذ وفقا للمواد «‪ »7-2‬من‬
‫قانون ا ُملناصفة الفرنيس الرقم «‪ »493 – 2000‬للعام ‪ُ ،2000‬يف َرض عىل األحزاب‬
‫الجنسني رشيطة ْأن َ‬
‫يكون‬ ‫َ‬ ‫السياسية «تشكيل القامئة االنتخابية من عد ٍد متسا ٍو من‬
‫مرش ٌح واحد فقط»‪ ،‬يف االنتخابات اإلقليمية ومجلس الشيوخ وانتخابات‬ ‫َ‬
‫الفارق بينهام َّ‬
‫الربملان األورويب واالنتخابات البلدية‪ .‬بل َّإن املادة «‪ »15‬من القانون نفسه َتف ِر ُض‬
‫غرامات مالية عىل األحزاب التي ال تأخذ مببدأ املناصفة يف قوامئها االنتخابية‪ .‬ويكاد‬
‫تطبيق هذا النظام ينحرص يف فرنسا وبلجيكا وتونس(‪ :)34‬ففي فرنسا ساعد نظام‬
‫الكوتا النسائية يف إحراز تقدّم واضح يف التمثيل النيايب النسوي‪ :‬إذ إنه يف العام ‪1995‬‬
‫كانت نسبة الفرنسيات يف املجالس البلدية هي ‪ 25.7‬يف املائة‪ ،‬بينام شهد العام ‪2014‬‬
‫ارتفاع النسبة إىل ‪ 48.5‬يف املائة‪ ،‬كذلك زادت نسبة النساء يف مجالس املحافظات من‬
‫‪ 27.5‬يف املائة إىل ‪ 48‬يف املائة‪ .‬بيد َّأن هذا التطور بطيء جدا يف مؤسسات الدولة‬
‫األخرى‪ ،‬فنسبة النساء يف الجمعية العمومية الفرنسية ازدادت من ‪ 8.6‬يف املائة إىل‬
‫‪ 13.8‬يف املائة‪ ،‬ويف مجلس الشيوخ من ‪ 5.9‬يف املائة إىل ‪ 21.8‬يف املائة(‪ .)35‬أما يف تونس‬
‫الجنسني يف القوائم االنتخابية من دون اعتامد‬ ‫َ‬ ‫تعمل مببدأ املناصفة بني‬ ‫فإ َّنها أيضا ُ‬
‫بلغت نسبة‬ ‫التناصف يف رئاسة هذه القوائم وأولوية تسلسل املرأة فيها‪ .‬ومع ذلك‪ْ ،‬‬
‫متثيل املرأة التونسية يف املجلس التأسييس قرابة ‪ 25‬يف املائة(‪.)36‬‬
‫‪257‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫و ُبغية توضيح مزايا كل مام تقدَّم ذكره‪ ،‬من الرضورة مبكان املقارنة بني حالتَي‬
‫موريتانيا وفرنسا من حيث كيفية تطبيقهام نظام الكوتا وعىل سبيل املثال ال الحرص‪.‬‬
‫إذ َّإن موريتانيا تأخذ بالسبيل الثاين لنظام الكوتا وعرب تخصيص ‪ 20‬مقعدا نيابيا‬
‫للنسوة من أصل ‪ 147‬مقعدا وعرب قامئة انتخابية وطنية خاصة بالنساء حرصا‪ ،‬وفقا‬
‫للامدة «‪ »3‬من القانون األسايس املعدل املوريتاين بشأن انتخاب أعضاء الجمعية‬
‫الوطنية الرقم ‪ 029‬لسنة ‪ .2012‬ويف املقابل ُ‬
‫تلجأ فرنسا إىل اعتامد نظام املناصفة‬
‫الجنسني يف القوائم االنتخابية لألحزاب وليس املجالس النيابية والبلدية‪ ،‬وذلك‬‫َ‬ ‫بني‬
‫بهدف التعبري عن اإلرادة الشعبية من خالل املنافسة االنتخابية والحزبية واستنادا‬
‫الجنسني‪ .‬من جه ٍة ُأخرى‪ ،‬نجد َّأن موريتانيا تأخذ بآلية نظام‬
‫َ‬ ‫إىل مبدأ املساواة بني‬
‫املناصفة يف تشجيعها املشاركة النسوية السياسية ولكن بطريق ٍة معاكسة لحالة‬
‫تعمل بالطريقة اإليجابية عرب توفري مزيد من التمويل لألحزاب‬ ‫فرنسا‪ .‬فموريتانيا ُ‬
‫والكيانات السياسية بقصد تشجيعها ك ّلام مت ّكنت من إنجاح مزيد من النساء‬
‫للفوز باملقاعد النيابية والبلدية مبا يتجاوز الحد األدىن من املقاعد النسوية وخارج‬
‫دائرة القامئة االنتخابية الوطنية وفقا للامدة ‪ 6‬من القانون نفسه‪ .‬أما فرنسا فتأخذ‬
‫بتشجيع األحزاب بطريقة سلبية وذلك من خالل حرمان األحزاب من املعونات‬
‫والتمويل الحكومي يف حال عدم انتهاج املساواة الجنسية يف قوامئها االنتخابية‪ .‬ويف‬
‫كال حالتَي فرنسا وموريتانيا‪ ،‬إذا مل يلتزم الحزب السيايس بالحد األدىن من الكوتا‬
‫يف قامئته االنتخابية فإن لإلدارة االنتخابية العليا سلطة رفض القوائم االنتخابية(‪.)37‬‬
‫اتساقا مع ذلك أضحت زهاء ‪ 97‬دولة تتبنى تدابري التمكني السيايس النسوي‬
‫والسيام نظام الكوتا يف توزيع املقاعد الربملانية واملراكز اإلدارية‪ ،‬بحيث ميكن توزيع‬
‫الدول بعامة إىل ثالث مجموعات وفقا ملعيار تبني الكوتا النسوية من عدم ِه(‪:)38‬‬
‫أ ‪ -‬مجموعة الدول التي تجاوزت النسبة الحرجة وهي ‪ 30‬يف املائة وعددها ‪15‬‬
‫دولة فقط‪ ،‬ومنها‪ :‬رواندا وهي الدولة األكرث متثيال للنساء يف برملانها عىل الصعيد‬
‫العاملي‪ ،‬بحيث تبلغ نسبتهنَّ ‪ 63.75‬يف املائة من املقاعد النيابية(‪ ،)39‬تليها الدول‬
‫اإلسكندنافية‪ ،‬كالسويد والرنويج والدمنارك‪ ،‬بنسب ترتاوح بني ‪ 36‬و‪ 45‬يف املائة‪ .‬كذلك‬
‫الجزائر وفقا للدستور املع َّدل سنة ‪ 2008‬والقانون األسايس الرقم «‪ »03-12‬للعام‬
‫‪ ،2012‬حيث تحظى النساء بحصة ‪ 30‬يف املائة عىل مستو َيي الربملان والحكومات‬
‫‪258‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫املحلية‪ .‬ويف االنتخابات الترشيعية للعام ‪ 2012‬ازداد عدد مقاعد الربملانيات بشكل‬
‫كبري من ‪ 30‬إىل ‪ 145‬مقعدا من إجاميل املقاعد البالغ عددها ‪ 462‬مقعدا(‪.)40‬‬
‫ب ‪ -‬هناك قرابة ‪ 75‬دولة أخرى ترتاوح فيها النسبة بني ‪ 15‬و‪ 25‬يف املائة‪ ،‬ومنها‬
‫العراق التي تبلغ النسبة فيها ‪ 25‬يف املائة وفقا للامدة ‪ 47‬من دستورها النافذ‪.‬‬
‫كذلك موريتانيا وبنسبة ‪ 20‬يف املائة سواء يف الربملان أو الحكومات املحلية‪ ،‬بحيث‬
‫أتاح ذلك وصول ‪ 37‬سيدة إىل الربملان‪ ،‬ووصول ‪ 1128‬سيدة إىل املجالس البلدية‬
‫يف االنتخابات الترشيعية والبلدية يف العام ‪ .)41(2013‬عالوة عىل ذلك‪ ،‬من املحتمل‬
‫دخول األردن إىل دائرة هذه املجموعة يف ظل اإلصالحات القانونية والسياسية التي‬
‫تقودها النخبة امللكية‪ ،‬فقد عمدت يف العام ‪ 2012‬إىل زيادة حصة النساء يف الربملان‬
‫األردين من ‪ 5.5‬يف املائة إىل ‪ 12‬يف املائة من أصل ‪ 150‬مقعدا نيابيا(‪.)42‬‬
‫ج ‪ -‬أما املجموعة الثالثة فترتاوح ِن َس ُبها التمثيلية بني ‪ 0‬و‪ 4‬يف املائة‪ ،‬فهي ال تأخذ‬
‫دستوريا وال قانونيا بنظام الكوتا النسوية‪ .‬ففي العام ‪ 2014‬كانت املقاعد التي تشغلها‬
‫أقل من ‪ 4‬يف املائة يف أربع دول‪ :‬اليمن (‪ 0.3‬يف املائة)‪،‬‬ ‫النسا ُء يف الهيئات النيابية َّ‬
‫وجزُر القمر (‪ 3.0‬يف املائة)‪ ،‬ومرص (‪ 2.0‬يف املائة) ولبنان (‪ 3.1‬يف املائة)(‪ .)43‬فهذا‬
‫التمثيل ا ُملتدين قد م َّهدت له أصال املواقع والقدرات السلطوية االستثنائية املوروثة‬
‫املرشحات وليس متكني الدولة لِقدراتهن الذاتية والسيام يف حالتَي مرص ولبنان‪،‬‬ ‫س ّ‬ ‫ُأل َ ِ‬
‫إذ عىل الرغم من كون املرأة اللبنانية قد نالت حقها يف االنتخاب والرتشح منذ العام‬
‫‪ ،1953‬ونالته املرأة املرصية يف العام ‪ ،1956‬فإن الحراك السيايس يف كلتا الدولتَني مل‬
‫يشهد مشاركة سياسية حقيقية للمرأة(‪.)44‬‬
‫وإذا ما سلطنا الضوء عىل تدابري التمكني السيايس النسوي يف دول الخليج‬
‫العربية‪ ،‬فإ َّنه ميكن توزيعها إىل مجموعتَني من حيث نوعية وسعة التمكني السيايس‬
‫النسوي عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪ - 1‬املجموعة األوىل وهي ال تتبنى نظام الكوتا‪ ،‬ويرتاوح فيها التمثيل السيايس‬
‫النسوي بني ‪ 0‬و‪ 10%‬من مجموع املقاعد النيابية‪ ،‬ففي قطر ‪ 0‬يف املائة‪ ،‬وسلطنة‬
‫عُ امن ‪ 1.5‬يف املائة‪ ،‬والبحرين ‪ 10‬يف املائة(‪ ،)45‬وكذلك الكويت تصل النسبة إىل‬
‫ُّ‬
‫والرتشح للمراكز‬ ‫‪ 1.5‬يف املائة‪ ،‬عىل رغم َّأن املرأة الكويتية حازت حقَّ التصويت‬
‫الربملانية منذ العام ‪ ،2005‬بعد نضالٍ دام زهاء أربعني عاما مبساندة النخبة‬
‫‪259‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫السياسية ومبادراتها املتواصلة منذ إقرارها التفاقية «سيداو» يف العام ‪1994‬‬


‫وعىل الضد من نزوع القوى التقليدية يف مجلس األمة الكويتي إلعاقة املبادرات‬
‫ثم فازت بأربعة مقاعد نيابية يف االنتخابات الترشيعية‬ ‫الترشيعية واإلجرائية‪ ،‬ومن َّ‬
‫وترتشح لدخول‬‫للعام ‪ .2009‬بحيث إن املرأة الكويتية منذ العام ‪ 2006‬تص ِّوت َّ‬
‫حل الربملان دستوريا ألسباب تتعلق بالنزاع‬ ‫الربملان يف ثالثة اقرتاعات متوالية نتيجة ِّ‬
‫بين ُه وبني مجلس الوزراء‪ .‬فقدَّم هذا الوضع االستثنايئ الخربة الرضورية للمرشحات‬
‫للفوز بتلك املقاعد األربعة برسع ٍة أكرب مام لو كانت األوضاع السياسية تسري سريتها‬
‫املعتادة(‪ .)46‬غري أن االنتخابات الترشيعية للعام ‪ 2016‬شهدت تراجعا ملحوظا يف‬
‫التمثيل النسوي من ‪ 6‬يف املائة إىل ‪ 1.5‬يف املائة‪ ،‬أي مقعد واحد من مجموع مقاعد‬
‫مجلس األمة املنتخبة والبالغ عددها ‪ 50‬مقعدا(‪.)47‬‬
‫‪ - 2‬أما املجموعة الثانية فتشتمل عىل اإلمارات والسعودية‪ .‬فاإلمارات العربية‬
‫املتحدة ال تتبنى نظام الكوتا ولكن تصل فيها النسبة النيابية للمرأة إىل ‪17.5‬‬
‫يف املائة‪ ،‬بحيث ُأتيحت أمامها سبيل املشاركة النيابية يف العا َمني ‪ 2006‬و‪،2011‬‬
‫غري أنها مل تحرز نجاحا ملحوظا مام استوجب ذلك توفري الدعم من قبل السلطة‬
‫السياسية‪ .‬وجاء الدعم يف صور َتني‪ :‬أوالهام صورة عضوية مجلس التوازن بني‬
‫الجنسني والذي يهدف إىل إزالة كل أشكال التمييز ضد املرأة‪ .‬وثانيتهام متكني املرأة‬ ‫َ‬
‫من تويل املناصب القيادية الرئيسة‪ ،‬بحيث برز هذا التمكني يف صيغتَني رئيستَني‪:‬‬
‫لدن مناصب وزارية؛ حيث زاد عددهن‬ ‫األوىل تتم ّثل يف زيادة أعداد النساء الاليت َت َق َ‬
‫من ‪ 4‬إىل ‪ 8‬وزيرات وفقا للتغيري الوزاري للعام ‪ ،2016‬والصيغة الثانية تجسدت‬
‫يف تويل املرأة رئاسة املجلس الوطني االتحادي(‪ .)48‬أما اململكة العربية السعودية‬
‫فقد شهدت يف العام ‪ 2003‬أول اعرتاف رسمي بوجود قضية للمرأة من خالل‬
‫مرشوع الحوار الوطني الثالث الذي عقده مركز امللك عبد العزيز للحوار الوطني‬
‫يف املدينة املن َّورة‪ ،‬والذي ُخ ِّصص لِمناقشة حقوق املرأة السعودية‪ .‬ثم أضحى حق‬
‫والرتشح فيها مكفوال دستوريا وبدعم السلطة السياسية نفسها‪ ،‬غري َّأن‬ ‫ُّ‬ ‫االنتخاب‬
‫االنتخابات البلدية للعام ‪ 2005‬مل ُيت َْح فيها السبيل أمام املشاركة السياسية للمرأة‪،‬‬
‫بل إن املشاركة هذه كانت السبب املركزي َّربا وراء استمرارية تأجيل االنتخابات‬
‫البلدية إىل العام ‪ 2011‬والتي جرت أيضا من دون مشاركة نسوية‪ .‬ويف العام ‪2013‬‬
‫‪260‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫صدر األمر املليك بحجز كوتا ‪ 30‬مقعدا نيابيا‪ ،‬أي نسبة ‪ 20‬يف املائة من إجاميل‬
‫أعضاء مجلس الشورى والبالغ عددهم ‪ 151‬عضوا مع َّينا‪ .‬وقد ساعد ذلك عىل إقرار‬
‫املشاركة النسوية عمليا يف االنتخابات البلدية للعام ‪ ،2015‬بحيث ح َّفز السعوديات‬
‫لِيشاركنَ بقوة يف هذه االنتخابات ومتكنَّ من حصد ‪ 20‬مقعدا يف عدة مناطق‬
‫من اململكة العربية السعودية‪ .‬ويبدو َّأن املستقبل املنظور سيشهد ولوج النساء‬
‫يف دائرة املشاركة السياسية وبخاصة عقب إقرار مشاركتهن يف انتخابات الغرف‬
‫التجارية والصناعية يف مدينتَي الرياض وجدّة منذ العام ‪ ،2004‬كذلك إنشاء لجنة‬
‫نسائية استشارية تابعة ملجلس الشورى لغرض املشورة بشأن القضايا املتعلقة‬
‫بشؤون النساء(‪.)49‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫الحقوق النسوية يف الرشق األوسط‪ :‬واقع الحال وإمكانية التغيري‬
‫تبلورت الحقوق النسوية بعامة جنبا إىل جنب مع تبلور الهوية النسوية عامليا‪،‬‬
‫ويشهد عىل ذلك انتقال املطالب النسوية بعامة من دائرة الدولة – األمة إىل‬
‫متخضت هذه العملية املر ّكبة عن نوعني‬‫دائرة العاملية والتنظيامت الدولية‪ ،‬وقد ّ‬
‫من البواعث‪ ،‬أولهام يتع َّلق بكيفية تبلور الحقوق والهوية النسوية بوصفها فئة‬
‫اجتامعية‪ ،‬أما ثانيهام َف َيتصل بالتعبئة الفكرية والتنظيمية للنسويات عىل الصعيد‬
‫العاملي‪ .‬وميكننا تبيان ذلك عىل النحو اآليت‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تبلور الحقوق النسوية عامليا وعالقتها بدول العامل الثالث‬


‫تصاعد تأثري الحركة النسوية بوصفها ظاهرة متعدّية للقوميات الس َّيام منذ‬
‫نجم ذلك بفعل حيازة الحركات النسوية الدولية لِ ِح ِّس‬ ‫التسعينيات املنرصمة‪ ،‬وقد َ‬
‫بعض وتقاسمها‬ ‫الهوية املشرتكة‪ ،‬عىل النحو الذي َد َفعها إىل التكاتف بعضها مع ٍ‬
‫لكثري من القضايا واملواقف املشرتكة يف ظل غياب تأثري املصلحة الذاتية‪ .‬فوفقا لِتعبري‬
‫الباحثة ماريا لوغونز ‪« :Maria Lugones‬إن السبب املعقول لالرتحال بني عالَ َمني‬
‫هو الصداقة بني النساء كأفراد َي ْست َِط ْعنَ َق ْه َر املخاطر‪ ،‬يف حني أن املصلح َة الذاتية‬
‫كفيلة بأن َت ْس َت ْبقينا يف املنزل»(‪ ،)50‬مبعنى نشوء هوية جامعية جنسية يف صفوف‬ ‫ٌ‬

‫‪261‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫النساء تتجاوز الهويات القومية والدينية واإلثنية‪ ،‬بحكم تقاسم القضايا واملعاناة‪،‬‬
‫تفاوتات جنسي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫واج َه ِتهنَّ لِ‬
‫ثم ُم َ‬
‫فضال عن العيش يف ظل الهيمنة الذكورية‪ ،‬ومن َّ‬
‫جديدة ذات صل ٍة بسع ِة حيازة السلطة واملَردود املادي‪ .‬وعلي ِه‪ ،‬فقد عَمدت الحركة‬
‫«األختية قوة» ‪ ،Sisterhood is Power‬بحيث‬ ‫النسوية إىل التشديد عىل كون ُ‬
‫التعصب معا والتجمع من أجل تغيري ُبنى السلطة وهيكليتها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫َدعَت النسا َء إىل‬
‫فحني كانت الحركة النسوية ُتشدِّد عىل أن «الشخيص هو سيايس»‪ ،‬فإ َّنها قد طرحت‬
‫فكرة أن التغيري الفردي والتغيري االجتامعي هام جانبان مركزيان من عملي ٍة واحدة‪.‬‬
‫كل‬‫ومن ثم‪ ،‬تغدو السياسات الحكومية ُمؤ ِّثرة يف الشؤون الشخصية للنساء‪ ،‬ألن َّ‬
‫الصحة واملَلبس واملَسكن والجنس والصداقات‬ ‫مظه ٍر من مظاهر الحياة الخاصة – ِّ‬
‫مرشوع سيايس هادف إىل التغيري ‪.‬‬
‫(‪)51‬‬
‫ٍ‬ ‫واملِهنة – ليس إال جزءا من‬
‫ويف ضوء ذلك‪َّ ،‬ربا يصبح من الصواب القول إن الحركة النسوية بعامة قد‬
‫أضحت ظاهرة عاملية وليست ظاهرة خاصة بالحضارة والدول الغربية‪ .‬فالنسويات‬
‫يف قارة آسيا بعامة ويف الرشق األوسط بخاصة شأنهنَّ شأن النسويات الغربيات قد‬
‫حاربنَ ُمتضا ِمنات ضد إخضاعهنَّ وخنوعهنَّ منذ القرن التاسع عرش‪ ،‬عىل الرغم‬
‫من كون النساء غري الغربيات َيتَخ َّلفنَ كثريا عن املرأة الغربية يف إنشاء منظامت‬
‫مستقلة للمرأة‪ ،‬غري أنهنَّ َي ُف ْقنَها يف التعبري عن ُأنوثتهن يف سياقات حركات التحرر‬
‫القومي والوطني ويف حركة الطبقة العاملة وهَ َّبات ومت ّردات الفالحني‪ .‬فوفقا لِتعبري‬
‫الباحثة أليسون جاغار ‪« :Alison M. Jaggar‬ينبغي أن َتتع َّل َم النسويات الغربيات‬
‫نت باحرتام واهتامم للنساء غري الغربيات مام ُنسمي ِه بالعامل الثالث‪ِ ،‬بَن‬ ‫كيف ُين ِْص َ‬
‫فيهنَّ َمن ُأس ِكتت أصواتهنَّ حتى داخل أوطانهنَّ ‪ ...‬فهذه املجتمعات توجد بيننا‬
‫وبينها اختالفات معينة ولكن َن َظ ُّل نتشارك بعض القضايا األساسية‪ ،‬والحوار النقدي‬
‫مع عُ ضواتها جدير بأن يكون ذا فائدة فورية يف تزكية وإعادة تقومينا ومراجعاتنا‬
‫شتكات كثرية بني النساء‬ ‫لِوجهات النظر الخاصة بنا»(‪ .)52‬بعبار ٍة أخرى‪ ،‬توجد ُم َ‬
‫الغربيات وغري الغربيات ويف مقدمتها‪ :‬إلغاء ال ِقسمة الجنسية للعمل‪ ،‬أي تقسيم‬
‫العمل عىل أساس الجنس‪ ،‬والتخفيف من عبء األعامل املنزلية ورعاية األطفال‪،‬‬
‫أيضا إزالة التمييز املؤسسايت فيام يخص حقوق امتالك األرايض والعقارات أو‬
‫الحصول عىل القروض واالئتامن‪ ،‬كذلك تأسيس املساواة السياسية واتخاذ اإلجراءات‬
‫‪262‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫حك ِمهم يف النساء‪ .‬كام أن جهود النسوية‬ ‫واملعايري املالمئة لِمواجهة عنف الذكور و َت ُّ‬
‫الجندرية ‪ Gender‬فقط‪ ،‬مثل جهود الوكاالت واملنظامت‬ ‫طال املسائل َ‬‫عامليا ال َت ُ‬
‫الدولية يف شمول برامج التنمية نسا َء العامل الثالث أو التحكم يف ُخصو َبتهنَّ عن‬
‫طريق ال َّربط بني املساعدات الدولية وحظر اإلجهاض‪ ،‬بل تشمل أيضا قضايا أخرى‬
‫مثل الرتكيز عىل ديون العامل الثالث للغرب‪ ،‬واستنزاف ثروات ِه بالشكل الذي أدّى إىل‬
‫عواقب كارثية عىل مستوى معيشة أغلبية نساء العامل الثالث‪ ،‬وخاصة أن التأثريات‬
‫األكرث قسوة تكون من نصيب النساء‪ .‬لهذا السبب نجد تلك املسائل املشرتكة والتي‬
‫تبدو للوهلة األوىل غري ذات صل ٍة بجندر أو جنوسة املرأة‪ ،‬هي املشاغل النسوية‬
‫األكرث إلحاحا من منظور الحركة النسوية بعامة(‪.)53‬‬
‫هذا التوجه النسوي العاملي قد ترافق مع جهود األمم املتحدة ومنظامتها‬
‫ْ‬
‫أمست يف الربع األخري من‬ ‫نظمة التي‬ ‫املتخصصة يف دعم األنشطة النسوية ا ُمل َّ‬
‫والتجمع والنقاشات العامة وحمالت‬ ‫ُّ‬ ‫القرن العرشين َتتخذ أشكاال عدّة‪ :‬كاالحتجاج‬
‫األمم املتحدة أربعة مؤمترات عاملية ضخمة‬ ‫ثم عقد ُ‬ ‫التوعية ودورات التدريب‪ ،‬ومن َّ‬
‫َمعنية باملرأة حرصا‪ :‬يف مدينة مكسيكو يف العام ‪ ،1975‬والذي أفىض إىل إعالن األمم‬
‫أطلقت علي ِه تسمية «عقد النساء» (‪ ،)1985 – 1976‬وذلك عرب تسليط‬ ‫ْ‬ ‫املتحدة ما‬
‫عمل مناسبة من أجل تفعيل‬ ‫الضوء عىل دور املرأة ا ُمل َه َّمش والبحث عن اسرتاتيجية ٍ‬
‫دورها يف عمليات التنمية‪َ .‬ف َت ِب َع ذلك إبرام اتفاقية «سيداو» يف العام ‪ ،1979‬لينعقد‬
‫بعدئذ مؤمتر كوبنهاغن يف العام ‪ ،1980‬ثم مؤمتر نريويب يف العام ‪ ،1985‬ثم مؤمتر‬
‫بكني يف العام ‪ .1995‬فأضحت توصيات مؤمتر بكني و ُمق َّررات اتفاقية سيداو مبنزلة‬
‫توصلت إليه جهود األمم املتحدة والحركة النسوية لِتعزيز أوضاع املرأة‬ ‫ِق َّمة ما ّ‬
‫السياسية وغري السياسية ‪.‬‬
‫(‪)54‬‬

‫لقد نالت املرأة بعامة حقوقها السياسية دستوريا‪ ،‬ووقعت معظم دول العامل‬
‫عىل التعهدات واالتفاقيات الدولية الداعمة للمساواة بني البرش‪ ،‬وعىل النحو الذي‬
‫نتج عنه تقدم ملحوظ يف تطبيق نظام الكوتا وغريه من التدابري املؤقتة لضامن‬
‫ثم برز ارتفاع جدير بالذكر يف نسب مشاركة النساء عامليا يف‬ ‫حقوق النسوة‪ ،‬ومن َّ‬
‫الهيئات املنتخبة خالل العقدَين املاض َيني؛ بحيث أصبحت النساء يف العام ‪2015‬‬
‫َ‬
‫املنتخبة مقارنة مبعدل ‪ 14‬يف‬ ‫يشكلنَ ما يعادل ‪ 22‬يف املائة من الهيئات النيابية‬

‫‪263‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫املائة يف العام ‪ ،2000‬و‪ 11.3‬يف املائة يف العام ‪ .)55(1995‬وعىل رغم ذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫املرأة مازالت يف أكرثية الدول ال َتتمتَّع باملساواة الفعلية مع الرجل وكأن حقوق‬
‫خص الرجال وحدهم دون النساء‪.‬‬ ‫املعتف بها يف املحافل الدولية َت ُّ‬
‫اإلنسان الطبيعية َ‬
‫فاملعدل العاملي البالغ ‪ 22‬يف املائة ال يكفي بعد لتشكيل ما ُيعرف يف أدبيات األمم‬
‫املتحدة بتسمية «األقلية الحرجة» ‪ ،critical minority‬وهي النسبة املئوية البالغة‬
‫‪ 30‬يف املائة من مجموع أعضاء الهيئة النيابية والتي تحتاج املرأة إىل بلوغها ليك‬
‫تتم َّكن من إحداث فرقٍ حقيقي يف عملية صناعة القرار أو التأثري املبارش فيها‪ .‬ويف‬
‫ٌ‬
‫ضئيلة للغاية‬ ‫فإن نسبة متثيل املرأة يف الحكومات واملؤسسات غري النيابية‬ ‫املقابل‪َّ ،‬‬
‫حتى اليوم وغالبا ما تقترص عىل حقائب منطية كشؤون املرأة والطفل‪ .‬هذا فضال‬
‫عن التفاوت الكبري يف ِن َسب التمثيل النيايب النسوي بني دول العامل نفسها والتي ال‬
‫كل منها‪ ،‬والس ّيام عند مقارنة املعدل‬ ‫تنسجم أصال مع الحجم الدميوغرايف للنساء يف ٍّ‬
‫العاملي بالتمثيل النسوي للدول العربية بخاصة والذي ُي َّعد من أدىن النسب عامليا؛‬
‫إذ إنه مل يتجاوز ‪ 18.1‬يف املائة يف العام ‪ .2014‬وقد قاد كل ذلك إىل استمرارية إدراج‬
‫هدف متكني املرأة وتعزيز مشاركتها السياسية عىل الئحة أهداف األمم املتحدة‬
‫واملجتمع الدويل لأللفية الثالثة‪ ،‬أي استمرارية الرتكيز الدويل عىل معالجة التمييز‬
‫ضد املرأة‪ ،‬بحيث إنه انتقل من شمولية الرتكيز عىل حقوق اإلنسان بعامة إىل‬
‫التشديد عىل مفهوم «التمييز ضد املرأة» بخاصة‪ ،‬ضمن إطار احرتام حقوق اإلنسان‬
‫واملساواة بني البرش(‪.)56‬‬
‫اتساقا مع ما تقدم ذكره‪ ،‬ميكن الخلوص إىل القول إن أنشطة الحركة النسوية‬
‫أفضت إىل إحداث تغي ٍري جوهري‬ ‫ْ‬ ‫ومنظامتها جنبا إىل جنب مع الجهود ُ‬
‫األممية قد‬
‫وبصورة تدريجية لدائرة حقوق اإلنسان األساسية‪ .‬فبعد أن أَ َّق َر اإلعالن العاملي‬
‫لِحقوق اإلنسان يف العام ‪ 1948‬ووفقا للامدة ‪ 21‬منه حقَّ كل إنسان يف املشاركة يف‬
‫إدارة الشؤون العامة‪ :‬إما بنفس ِه مبارشة عرب االستفتاءات مثال أو بصور ٍة غري مبارشة‬
‫عرب مم ّثلي ِه ا ُملنت ََخبني‪ ،‬ثم إقرار حقوق ِه يف َتق ُّل ِد املناصب العامة‪ ،‬وكذلك بعد أن‬
‫شدَّدت الدول األطراف يف العهد الدويل الخاص بالحقوق املدنية والسياسية للعام‬
‫‪ 1966‬ويف املادة ‪ 25‬منه عىل ُجم َل ِة الحقوق األساسية ذات العالقة مثل‪ :‬حق كل‬
‫ناخبا أو ُمنت ََخبا‪ ،‬كذلك حق املشاركة يف إدارة الشؤون العامة‬ ‫مواطن يف أن يكون ِ‬
‫‪264‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫لدولت ِه بصورة مبارشة أو غري مبارشة‪ ،‬فإ َّنه كان من الطبيعي بعد ذلك التشديد‬
‫عىل َّأن املساواة بني البرش ال ميكن أن َتتح َّقق من دون القضاء عىل مختلف أشكال‬
‫جس َد هذا التطور الفكري يف نظام حقوق اإلنسان وحريات ِه‬ ‫التمييز ضد املرأة‪ .‬وقد َت َّ‬
‫األساسية الفردية منها والجامعية ضمن إطار اتفاقية «سيداو» الس َّيام يف املاد َتني ‪4‬‬
‫و‪ 7‬منها والربوتوكول االختياري للعام ‪ ،2000‬حيث جرى التشديد عىل اتخاذ التدابري‬
‫الجنسني يف املجالَني العام والخاص‪.‬‬
‫َ‬ ‫العملية لِتحقيق املساواة الفعلية بني‬

‫ثان ًيا‪ :‬واقع حال الحقوق النسوية يف الرشق األوسط‬


‫من الجدير بالذكر أن فاعلية النساء يف البلدان العربية متن ّوعة ومتتد عرب‬
‫مختلف أطياف السياسة التقليدية القامئة عىل‪ :‬األحزاب ومامرسة الضغط التعبوي‪،‬‬
‫والفاعلية غري الرسمية‪ ،‬واملبادرات الثقافية البديلة‪ .‬ومن الناحية التاريخية‪ ،‬تتكون‬
‫حركات النساء يف الدول العربية من مشارب فكرية مختلفة‪ ،‬فهي‪ِ :‬ن ْسوية ليربالية‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ومناهضة لإلمربيالية‪ ،‬ووطنية‪ ،‬وماركسية‪ ،‬وإسالمية‪ .‬غري أ َّنه مازالت معايري الثقافة‬
‫السياسية املتعلقة بوضع املرأة يف املنطقة العربية بعامة والسيام يف مسألة «املشاركة‬
‫السياسية» ُتهيمن عليها خاصية «العقلية االلتباسية» وثقافة «الهيمنة الذكورية»‪،‬‬
‫التي ُتش ِّك ُل عمق ا ُملخيلة السياسية للمجتمع العريب‪ .‬ففي حني تحاول العديد من‬
‫ستجيب لِمضامني‬
‫ُ‬ ‫الدول العربية أن َتضمنَ يف دساتريها وقوانينها األساسية ما َي‬
‫االتفاقيات واملواثيق الدولية الضا ِمنة لِحقوق املرأة‪ ،‬نجد أ َّنه عىل صعيد املامرسة‬
‫مازال هناك تفاوت كبري بني جوهر هذه القوانني والسياسات وبني واقع التمكني‬
‫السيايس للمرأة العربية(‪.)57‬‬
‫فالناشطات النسويات غالبا ما يتع َّرضن للتشكيك يف جهودهنَّ وأنشطتهنَّ‬
‫بعامة‪ .‬ومن أبرز أسباب ذلك تاريخ «الحركة النسوية التي ترعاها الدولة» داخل‬
‫الدول العربية‪ .‬فقد أدّت جهو ُد بناء الدولة وتحدي ِثها يف دولٍ عربية عديدة خالل‬
‫حض عىل تعليم املرأة ودخولِها‬ ‫سبعينيات ومثانينيات القرن العرشين إىل سياسات َت ُّ‬
‫ثم‪ ،‬وبغية توطيد سلطة الدولة‪،‬‬ ‫مختلف أماكن العمل إىل جانب الرجال‪ .‬ومن ّ‬
‫ربط الحركة‬‫واصل ُ‬ ‫ُ‬
‫االتحادات النسوية يف هيكلية األحزاب الحاكمة؛ لذلك ُي َ‬ ‫ُأدخلت‬
‫مباض استبدادي‪ ،‬واالفتقار إىل االستقاللية عن الطبقة السياسية الحاكمة‪.‬‬ ‫النسوية ٍ‬
‫‪265‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫وقد عزز مثل هذه الشكوك إضفا ُء صفة املنظامت غري الحكومية أو نحو ذلك‬
‫عىل هذه الحركة يف العقدَين املاض َيني‪ .‬كام ساعد حضو ُر التمويل الدويل عىل خلق‬
‫املجموعات النسوية بعامة «زائفة» أو «طارئة» بالنسبة إىل الثقافة‬ ‫ِ‬ ‫رأي ضا ٍّر بأن‬
‫ٍ‬
‫املحلية‪ ،‬أو «عميلة للغرب» ‪ .‬ويف مثل هذه البيئة التشكيكية صعبة املِراس‪ ،‬وعىل‬
‫(‪)58‬‬

‫الرغم من تنوع اآلليات املعت َمدة لِضامن الحقوق النسوية بعامة دستوريا وقانونيا‪،‬‬
‫قت استجابة لِمطالب وضغوط الحركات النسوية‪،‬‬ ‫تلك اآلليات والتدابري التي َّإنا ُخ ِل ْ‬
‫فإن واقع الحال ينسجم كثريا مع ما قالته الباحثة زينة الزعرتي وهو‪ :‬أن الحركة‬
‫النسوية يف الدول الرشق أوسطية مازالت مجرد «مرشوع للدولة» ‪State’s Project‬‬
‫وليست حركة شعبية احتجاجية تتحرك ضمن املجال الخاص بغية َنيل اإلنصاف يف‬
‫ذت عرب هذا املرشوع أجندة ترويجية للسلطة‬ ‫املجالَني العام والخاص معا‪ .‬فقد ُن ِّف ْ‬
‫بشكل استعرايض وليس إميانا مطلقا بقدرتها عىل‬ ‫ٍ‬ ‫«وأد ِمجت املرأة فيه‬ ‫الحاكمة‪ُ ،‬‬
‫املشاركة الحقيقية‪ ...‬فكانت املنظامت النسوية مجرد انعكاس للنظام السيايس‪،‬‬
‫وشعارا ُيرفع من قبل الدولة إلحرا ِز مكاسب سياسية أو وجاهة دولية»(‪ .)59‬ومثل‬
‫توصلت إليه دراسات النسوية ما بعد‬ ‫هذا الوضع ينسجم إىل ح ٍّد بعيد مع ما َّ‬
‫الكولونيالية ‪ post-colonial feminism‬من نتائج‪ ،‬الس ّيام من حيث تشديدها عىل‬
‫تبعية النساء الرشقيات بعامة وخضوعهنَّ املزدوج لثنائية املركز ‪ -‬الهامش يف البلدان‬
‫املستقلة عن االستعامر‪ .‬واملقصود هنا مبفهوم «الهامش» أولئك النسوة املقهورات‬
‫من قبل منظومتَني‪ :‬أوالهام املنظومة االستعامرية (أي املركز) التي صور ْتهنَّ عىل‬
‫أ َّنهنَّ ضحايا النظام ال َبطريريك والدين‪ ،‬بحيث تنقل بواسطة مؤسسات االسترشاق‬
‫املعارصة مجموعة من الصور والتمثيالت الرمزية النمطية إىل الثقافة الغربية ومن‬
‫ثم إىل الثقافات األخرى‪ .‬وثانيتهام املنظومة ال َبطريركية الرشقية التي ُتا ِرس هي‬ ‫َّ‬
‫أيضا التهميش للنساء وبصور ٍة أكرث رضاوة رمبا من املنظومة األوىل‪ ،‬وعىل النحو‬
‫الذي َيرسي يف مختلف جوانب الحياة السياسية منها وغري السياسية(‪.)60‬‬
‫وما ُيؤ ِّكد ذلك هو اختيار مؤسسات الدولة قسام من نساء الطبقة الوسطى‬
‫بهدف إظهار تأييد‬ ‫ِ‬ ‫الناشطات وغري الناشطات مللء مراكز بريوقراطية عُ ليا‪،‬‬
‫الدولة ملشاركة النساء يف الحكم‪ .‬فينتج عن ذلك وضعية «النسوية البريوقراطية»‬
‫‪ ،Feminist Bureaucracy‬أي وصول بعض العنارص النسوية إىل املراكز الوزارية‬
‫‪266‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫ني بهذه‬ ‫واملقاعد الربملانية ال لكونهنَّ س ُيمثلنَّ مصالح النساء‪ ،‬بل ألنهنَّ سيضح َ‬
‫رس ُخ من وضعية كون النسوية مجرد مرشوع‬ ‫املصالح يف خدمة الدولة مبا ُي ِّ‬
‫للدولة والسلطة السياسية(‪ .)61‬وهذا ما يقول به تقرير التنمية اإلنسانية العربية‬
‫للعام ‪ ،2016‬حيث ال َيدل وجو ُد املرأة يف الربملانات العربية بالرضورة عىل‬
‫حس ِن وضعهنَّ يف املجال السيايس‪ ،‬ومل ُيس ِهم أيضا بالرضورة يف تحقيق مكاسب‬ ‫َت ُّ‬
‫فالزيادات العدَدية‬ ‫ُ‬ ‫بشكل عام‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫نوعية يف الحقوق السياسية أو حقوقِ املرأة‬
‫والرشوط لدخول املرأة إىل السياسة الرسمية؛ إذ مل ُيؤ ِّد‬ ‫َ‬ ‫التعقيدات‬
‫ِ‬ ‫َتدحض‬
‫إدخال الكوتا يف بعض املؤسسات إال إىل املحسوبية بحيث ساعدت عىل تعيني‬ ‫ُ‬
‫السياسيات‬
‫ِ‬ ‫قريبات لسياسيني من شاغيل املقاعد أنفسهم‪ ...‬كام أن النساء‬ ‫ٍ‬
‫ما ِز ْلنَ ال يتمتّعنَ بسلطة اتخاذ القرار كام يتمتع بها نظراؤهنَّ من الرجال‪ .‬ففي‬
‫العراق‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬مل تشرتك أيُّ امرأ ٍة يف املفاوضات السياسية والحزبية‬
‫للتوصل إىل حكوم ٍة توا ُفقية بعد االنتخابات النيابية للعام ‪ ،2010‬ووزارة شؤون‬
‫مخصصة لها‪ .‬وباملثل‪ ،‬ال يؤدّي دامئا‬ ‫املرأة هي وزارة دول ٍة من دون ميزانية ّ‬
‫اءات جديدة لتعزيز املساواة؛ فقد‬ ‫إرشاك املرأة يف مناصب صنْع القرار إىل إجر ٍ‬
‫مكن النسا َء‬ ‫لوحظ‪ ...‬يف العراق وفلسطني‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬أن نظا َم الكوتا قد َّ‬
‫دعمنَ‬
‫اب ِدينية محا ِفظة من دخول مجلس النواب‪ ،‬وهنّ غالبا ما َي ْ‬ ‫يف أحز ٍ‬
‫َ‬
‫حقوق املرأة نفسها(‪.)62‬‬ ‫ولوائح ُتق ِّوض‬
‫َ‬ ‫ني‬‫قوان َ‬
‫باتت هذه املرة أسرية النظام األبوي العام‬ ‫مبعنى آخر‪ ،‬إن النسوية العربية ْ‬
‫(الدولة)‪ ،‬فضال عن أبوية املجال الخاص (األرسة‪ ،‬العشرية‪ ،‬التقاليد‪ ...‬إلخ)‪ .‬فعىل‬
‫سبيل املثال‪ ،‬نجد أن تغيري دور النساء السيايس يف لبنان ُيش ِّك ُل مانعا يصعب تجاوزه‪،‬‬
‫قاس‬ ‫ألسباب تتع َّلق بضعف العمل الحزيب والنقايب‪ ،‬وتركيب املجال السيايس وفق َم ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫الطوائف‪ .‬ثم إن الطوائف من جهتها ال ترى يف النساء إال أصواتا انتخابية تج ِّيشها‬
‫ملصلحتها‪ ،‬ومتنع عنها املشاركة يف اسرتاتيجياتها واجتامعاتها‪ .‬ومع غياب غايات‬
‫فإن‬‫الدولة ومعانيها ثم ُغد ِّوها من فصيل السدود املنيعة يف وجه تقدُّ م النساء‪َّ ،‬‬
‫كل منْ ُيعنِّفهنَ‬ ‫تهجر النسوة َّ‬
‫اللبنانيات بعامة قد هَ َج ْر َن الدولة ومؤسساتها كام ُ‬
‫و َيقسو عليهنَّ ‪ ،‬و ُر ْحنَ صوب األعامل االقتصادية الخاصة حيث إمكانية التقدم‬
‫واإلنجاز فيها متاحة بصورة أكرب مقارنة مبؤسسات املجال السيايس(‪.)63‬‬
‫‪267‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫وحتى يف الدول العربية التي شهدت ما ُيع َرف بتسمية «ثورات الربيع العريب»‬
‫يف العام ‪ ،2010‬وبخاصة منها تونس‪ ،‬نجد أنه عىل الرغم من تبنيها «الدميوقراطية‬
‫التشاركية» و«مبدأ املناصفة» إلرشاك النسوة يف املجال العام‪ ،‬فإ َّنه ينبغي مالحظة‬
‫«مواطنة»‪،‬‬
‫ِ‬ ‫أن تحويل ذلك إىل عامل الواقع يتوقف عىل مدى حضور املرأة بوصفها‬
‫وليس بوصفها «جنسا آخر»‪ ،‬يف دوائر صنع القرار السيايس واالقتصادي واملشاركة‬
‫يف تحمل املسؤولية يف جميع مؤسسات الدولة واملجتمع‪ .‬لقد كانت أغلب اآلليات‬
‫السياسية واملدنية للمرأة العربية بعامة هي أقرب إىل التعبئة منها إىل املشاركة‬
‫باملعنى الدقيق للكلمة‪ ،‬أي املشاركة كمبدأ سيايس وإجراء نظامي وجوهري‬
‫للمفهوم الدميوقراطي للمامرسة السياسية‪ .‬فهناك إقصاء لدور املرأة التونسية يف‬
‫الحياة السياسية سواء من قبل األحزاب السياسية الحداثية أو املحافظة‪« .‬فعىل‬
‫الرغم من الترشيعات الدستورية واالنتخابية املهمة التي ُتعزِّز من دور املرأة يف‬
‫مواقع املسؤولية السياسية‪ ،‬فإنه يف صعيد املامرسة يجري تهميش هذا الدور‪ ،‬ومن‬
‫املناصفة» مجرد آلية للدميوقراطية التشاركية عىل مستوى النص‬ ‫َ‬ ‫قي «مبدأ‬
‫ثم َب َ‬ ‫َّ‬
‫يوضع يف الصورة الخارجية‬
‫ُ‬ ‫والخطاب السياس َّيني ومل َيتَعد مستوى «الديكور» الذي‬
‫إلقناع الناس بدميوقراطية هذه التجربة السياسية الجديدة‪ ...‬ولكنها يف الحقيقة‬
‫الجنسني يف املؤسسات السياسية ويف‬ ‫َ‬ ‫تؤسس للمشاركة والدمج الالمتساوي بني‬ ‫ِّ‬
‫املواقع القيادية يف الدولة»‪ ،‬وفقا لِتعبري مصباح الشيباين ‪.‬‬
‫(‪)64‬‬

‫لهذا‪ ،‬فمن املسائل املهمة التي ال ب َّد من البحث فيها كشف حالة «الضبابية»‬
‫ناصفة» و«املشاركة»‪ ،‬وغريهام من املفردات التي‬ ‫الداللية غري العادية لكلمتي «ا ُمل َ‬
‫يؤسس‬‫مل َتكت َِسب َبعد عُ مقها املجتمعي الحقيقي‪ ،‬مادام «االجتامعي» هو الذي ِّ‬
‫«السيايس»‪ .‬فالحرية‪ ،‬مثال‪ ،‬ليست ح َّقا قانونيا ودستوريا فقط‪ ،‬بل هي قيم وثقافة‬
‫ورموز أيضا‪ .‬وبناء املقاربة التشاركية يتط َّلب بدور ِه ومن الناحية العملية تعليام‬
‫وتدريبا اجتامعيا وثقافيا واسع النطاق‪ ،‬بحيث ال ُي ِكن ملن مل َينشأ عليها منذ الصغر‬
‫بشكل ُمنتظم ومتواصل حتى لو‬ ‫ٍ‬ ‫ويف مرحلة الشباب أن يكون قادرا عىل مامرستها‬
‫كان ميتلك «الحق القانوين يف ذلك»‪ .‬فاإلنسان الذي مل َيتع َّود مامرسة قواعد السلوك‬
‫الدميوقراطي يف األرسة واملؤسسة التي يعمل فيها والتنظيم الذي ينتمي إليه‪ ،‬ال‬
‫ثم فإن ظاهرة «التمييز الناعم»‬ ‫ُي َت َو َّقع منه أن يكون مواطنا مشاركا بفاعلية‪ .‬ومن َّ‬
‫‪268‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫‪ Soft Discrimination‬بني املرأة والرجل يف الحقل السيايس ستغدو مبنزلة نتيجة‬


‫بديهية وفق املقاربة السوسيولوجية‪ ،‬نظرا إىل اعتقاد أغلب النساء أوال وأغلبية‬
‫أفراد املجتمع ثانيا بعدم مالءمة النساء أصال لهذا الدور السيايس‪ .‬لذلك‪ ،‬مازالت‬
‫املرأة العربية ُتعا َم ُل «معاملة إرضائية» حيث تعرتف مختلف الترشيعات بحقوقها‬
‫السياسية‪ ،‬ولكنها تظل عاجزة عن وقف حاالت التمييز املام َرس ضدّها‪ ،‬ومقاومة‬
‫عمليات اإلقصاء والتهميش املستمرة لدورها السيايس يف املجتمع(‪.)65‬‬
‫بشكل ملحوظ لدى نساء األقليات‬ ‫ٍ‬ ‫هذا التقييد السيايس للنسوة يتفاقم‬
‫الدينية والس ّيام يف حالتَي املرأة اللبنانية والعراقية؛ إذ إنهام ُتعانيان أوجه متيي ٍز‬
‫جانب كينونتهنَّ‬
‫ٍ‬ ‫مشرتكة ومر َّكبة يف املواطنة‪ :‬فهو متييز جنيس يستهدف من‬
‫جانب ثانٍ هويتهنَّ الثقافية‬‫بوصفهنَّ نساء‪ ،‬وهو متييز ثقايف لِكون ِه يستهدف من ٍ‬
‫ربا عرب ارتداء‬ ‫من خالل إجبارهنَّ عىل إنكار هويتهنَّ الدينية‪ ،‬أو إخفائها َّ‬
‫عب عن ذواتهنَّ ‪ ،‬أو بإكراههنَّ عىل الزواج من أمراء الطوائف‬ ‫أزياء معينة ال ُت ِّ ُ‬
‫والجامعات املسلحة وبخاصة إ ّبان الحرب األهلية أو الحرب عىل التنظيامت‬
‫اإلرهابية‪ ،‬مثل حاالت االختطاف واالغتصاب والتزويج القرسي‪ ،‬كذلك االستعباد‬
‫الديني للمئات من نساء األقلية اإليزيدية بخاصة عقب احتالل تنظيم الدولة‬
‫جانب‬ ‫اإلسالمية (داعش) مدينة املوصل يف يونيو ‪ .2014‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬هناك ٌ‬
‫ثالث وهو التمييز الق َيمي التقليدي من حيث مرجعية الوالء لالنتامءات األولية‬
‫املوروثة (الطائفة والعائلة والعشرية)‪ ،‬وهي مرجعية متيل الثقافة التقليدية‬
‫الع َصب وبيوت‬ ‫بقيمها املهيمنة إىل حرصها غالبا يف الذكور املتنفذين من أهل ُ‬
‫السلطة املتوا َرثة‪ .‬وفيام يتعلق بحاالت العنف الثقايف والجسدي التي تستهدف‬
‫األقليات بعامة‪ ،‬يعد انعدام الشعور باألمن األهيل والشعور بالخوف من‬
‫املستقبل من التحديات الجسيمة التي تواجه نساء األقليات الدينية‪ ،‬وبخاصة‬
‫تحسسا من الرجال‬ ‫أن النسوة أنفسهنَّ ‪ ،‬بحكم طبيعتهنَّ النفسية املم َّيزة‪ ،‬أكرث ُّ‬
‫تجاه قضية غياب األمن والالطأمنينة‪ .‬ثم إن استمرارية ذلك فرتة زمنية طويلة‬
‫ستش ِّكل مصدر تهديد لوجود الدولة واستقرارها املجتمعي‪ ،‬أل َّنها ستقود إىل‬
‫إعادة التنشئة االجتامعية والرتبوية لألجيال الجديدة واملرافقة عىل أساس فكرة‬
‫الالانتامء إىل الدولة ومؤسساتها(‪.)66‬‬
‫‪269‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ولِغرض بناء منظور شامل حول هذا التناقض القائم بني وجود القوانني‬
‫والتعديالت الدستورية (ما يجب أن يكون) واستمرارية تهميش النسوة سياسيا‬
‫(ما هو كائن)‪ ،‬ميكن التأسيس عىل تقرير املنتدى االقتصادي العاملي (‪)WEF‬‬
‫بشأن الالمساواة الجنسية عىل املستوى العاملي‪ ،‬والذي ينسجم مع معايري‬
‫األمم املتحدة ذات الصلة بتمكني املرأة بعامة والتمكني السيايس بخاصة‪ .‬فقد‬
‫استطاعت النساء إزالة ‪ 90‬يف املائة من التمييز الجنيس ا ُملام َرس تجاههن يف‬
‫مجاالت التعليم والرعاية الصحية واالجتامعية‪ ،‬أما يف املجال السيايس ومراكز‬
‫صناعة القرار فلم ُي َعالَج التمييز الجنيس إال بنسبة ‪ 15‬يف املائة(‪ .)67‬وعىل رغم‬
‫فإن هذا التمثيل السيايس املتدين ساعد عىل تقليص الفساد املايل عامليا‪.‬‬ ‫ذلك‪َّ ،‬‬
‫حيث تؤكد تقارير البنك الدويل أنه ك ّلام ازداد عدد النساء يف املراكز القيادية‬
‫وصناعة القرار تقلصت دائرة الفساد اإلداري واملايل؛ وذلك نتيجة أن املرأة بعامة‬
‫ال متيل ذاتيا إىل االنخراط يف مظاهر الرشوة والفساد‪ .‬وهذا ينعكس إيجابيا عىل‬
‫زيادة الثقة الشعبية بالحكومة وتحسني أدائها السيايس واالقتصادي واألمني‪ ،‬كام‬
‫هو الحال يف رواندا ونيجرييا وليبرييا(‪.)68‬‬
‫وهنا ُيالحظ أن التهميش السيايس ال يتولد غالبا بفعل العزوف الذايت للنسوة‬
‫عن االنخراط يف األنشطة السياسية‪ ،‬بل توجد أسباب أخرى‪ ،‬لكنها جميعا تضافرت‬
‫عىل دفع النسوة بعامة إىل تركيز اهتاممهن عىل منظامت املجتمع املدين نظرا‬
‫تحول دون مشاركتهنَّ وقيادتهنَّ ملثل هذه التنظيامت‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إىل ق ّلة الصعوبات التي‬
‫ومثال ذلك حالة الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬حيث تقود قيادات نسوية قرابة ‪230‬‬
‫منظمة غري حكومية تتش ّكل جميعا من عضوية نحو ‪ 10‬ماليني امرأة أمريكية‪ ،‬فضال‬
‫عن قيادة ُكربى املنظامت الخريية واملؤسسات األكادميية األمريكية(‪ .)69‬أما يف حالة‬
‫الدول العربية بعامة‪ ،‬فنجد أن دائرة اإلقصاء السيايس َتت َِّّسع بشكل كبري لتش ِمل‬
‫حتى الدول الداعمة منها ملشاركة املرأة السياسية‪ ،‬فوفقا لرأي الباحثة اللبنانية هَ نا‬
‫صويف عبدالحي‪« :‬فإن الحضور الضعيف للمرأة العربية عىل الساحة السياسية مل‬
‫يستطع بعد أن ينزَعَ عن املجالس النيابية حقيقة كونها مجالس ذكورية يف الصميم‬
‫كام هو حال املجتمع‪ ...‬إذ تجد املرأة نفسها يف هذه الحالة ُمستف َردة أمام َج ْم ٍع‬
‫دخيلة عىل مجالٍ ذكوري ال مكان‬ ‫ٌ‬ ‫ذكوري من النواب كأ َّنها دخيلة عىل السياسة‪ ،‬أي‬
‫‪270‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫لها فيه؛ وتكون دوما يف ُحكم املوضوعة تحت املراقبة واالمتحان يف كل ما تقوم به‬
‫من تحركات وما َتتَف ّوه به من كلامت»(‪.)70‬‬
‫ثم ميكن الخلوص إىل أن مجرد تغيري القوانني املق ِّيدة لحقوق املرأة‪،‬‬ ‫ومن َّ‬
‫كام هو الحال يف البحرين والسعودية وسلطنة عامن وقطر‪ ،‬ال يعني أن املرأة قد‬
‫أصبحت قادرة تلقائيا عىل مامرسة حقوقها‪ ،‬بل يحتاج األمر إىل تغيري الذهنية‬
‫االجتامعية والثقافية يك تتق َّبل ابتداء إمكانية أن تتمتّع املرأة بحقوقها و ُتتاح لها‬
‫مامرستها عىل قدم املساواة مع الرجال‪ .‬فهناك عراقيل بنيوية تتجسد يف املوروث‬
‫االجتامعي والثقايف الذي يعطي الرجل أهلي َة وحقَّ التصويت والرتشح‪ ،‬مقابل‬
‫التشكيك يف قدرة املرأة عىل مامرسة هذا الحق فضال عىل أهليتها لشغل مراكز صنع‬
‫القرار اإلداري والسيايس‪ .‬كذلك‪ ،‬تتحمل املرأة يف منطقة الرشق األوسط جزءا من‬
‫املسؤولية‪ ،‬ذلك أن سلوكها االنتخايب يف الدول التي ُت ِّقر لها بحق التصويت والرتشح ال‬
‫يقودها عادة إىل التصويت ملصلحة املرشحات‪ ،‬بل تتبنى كثري منهنَّ الفك َر والسلوك‬
‫لدعوات إنصافها ومتكينها‪ ،‬فيدفعها ذلك إىل التصويت للرجال من عني‬ ‫ِ‬ ‫املنا ِقضني‬
‫التوجه الفكري وعني انتامئها االجتامعي واملناطقي‪ .‬هذا املوقف ال ميكن تفسريه‬
‫رجح أن يعود إىل واقع تزييف وعي‬ ‫يف ضوء انخفاض املستوى التعليمي‪ ،‬بل ُي َّ‬
‫ومواقف اجتامعية‬
‫ٍ‬ ‫الستالب فكري متشدد‪ ،‬منبعه األساس يف رؤى‬ ‫ٍ‬ ‫املرأة وخضوعها‬
‫وثقافية ال تعاليم الدين و ُنصوصه(‪.)71‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫نظام الكوتا النسوية يف ميزان النقد‬
‫تعرض نظام الكوتا النسوية‪ ،‬شأ ُنه شأن سياسة التفضيل اإليجايب والحقوق‬
‫الجامعية‪ ،‬لعديد من سهام النقد‪ ،‬وهي تدور يف أغلبها األعم حول مخاطرها بعامة‬
‫عىل صعيد الهوية السياسية والثقافية للدولة‪ .‬حيث ذهب البعض إىل إمكانية أن‬
‫تتحول هذه اآلليات إىل نقيضها فتعمل عىل تكريس التمييز الجنيس مجتمعيا‬
‫وبصورة مبارشة‪ ،‬بينام ُيشدِّد آخرون عىل املخاطر املحتملة لهذه السياسة عىل‬
‫عب عنه املجتمع والنظام السيايس يف الدول الدميوقراطية‬
‫منوذج العدالة الذي ُي ِّ‬
‫بخاصة‪ .‬وميكن تبيان التفاصيل كام ييل‪:‬‬
‫‪271‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫أوال‪ :‬من ناحية أن نظام الكوتا تدب ٌري َتعوييض عن أخطاء املايض‬
‫يف معرض نقده للكوتا النسوية وسياسة التمييز اإليجايب‪ ،‬يعتقد كارل‬
‫كوهني ‪ Carl Cohen‬أن التمييز الجنيس شأنه شأن التمييز العرقي ال ميكن‬
‫أن يكونا معيارا للتعويض العادل عن أخطاء املايض‪ ،‬ألن معيار الجنس أو‬
‫العرق ُي َّعدُّ معيارا ناقصا و ُم َض ِّلال من الناحية األخالقية‪ .‬كذلك الحال بالنسبة‬
‫إىل اللون واألصل القومي وغريهام من الخصائص ال َع َرضية التي ال يحظى أيٌّ‬
‫بثقل أخالقي‪« .‬فاملظامل التاريخية التي نسعى اليوم إىل معالجتها كانت‬ ‫منها ٍ‬
‫أصال نتاج حامقة أخالقية ‪ ...moral stupidity‬ألن األعباء واملنافع كانت ُتو َّزعُ‬
‫أسس غري ذات صل ٍة كليا باستحقاق املرء»‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن اعتامد هذا‬ ‫عىل ٍ‬
‫املعيار لتوزيع املنافع يف يومنا الراهن ُيولِّد الظلم نفسه الذي ُمو ِر َس يف املايض‬
‫وبالطريقة نفسها‪ ،‬وذلك من خالل إضفاء ثقل أخالقي عىل لون البرشة أو‬
‫التاميز البيولوجي‪ .‬وهذا العجز األخالقي يظهر بارزا للعيان ومن ِكال الجان َبني‪:‬‬
‫«فمن حيث الجهة ا ُملن َت ِفعة‪ ،‬نجد ُه َي ُّص ُّب املنفع َة ‪ good‬يف مصلحة الجامعة‬
‫الخطأ‪ ،‬ومن حيث الجهة املسؤولة‪ ،‬نجده ُيح ِّم ُل الجامعة الخطأ ِعبء تلك‬
‫جانب آخر «فإن ُمجرد إلقاء اللوم واملسؤولية عىل اآلخرين‬ ‫ٍ‬ ‫املنفعة»(‪ .)72‬من‬
‫لن يساعد املحرومني يف معالجة تلك املشاكل‪ ،‬فالجامعة التي تنظر إىل ذاتها‬
‫من زاوية كونها ضحية ‪ victim‬سوف يؤدي بها ذلك إىل مجرد اإلشفاق والرثاء‬
‫الذايت ‪ ،self-pity‬وليس بناء الذات واحرتامها وتقرير املصري‪ ،‬ثم سيقودها ذلك‬
‫إىل البحث عن املنافع واالمتيازات الخاصة التي ال تعمل إال عىل عرقلة التقدم‬
‫والتطور االجتامعي»(‪.)73‬‬
‫يعني ذلك أن نظام الكوتا النسوية سيفيد معنى التمييز الجنيس مثلام أن‬
‫التمييز اإليجايب ُيفيدُ معنى التمييز العرقي يف نهاية املطاف؛ ألن كال منهام‬
‫قائم عىل أساس املعاملة املتباينة ال املعاملة املتساوية‪ .‬وهو ما يقودنا‪ ،‬وفقا‬ ‫ٌ‬
‫لهذا املنظور‪ ،‬إىل ترسيخ التباينات الجنسية واإلثنية والعرقية بني أفراد املجتمع‬
‫ودخولها املجال العام وعىل نح ٍو مؤسسايت هذه املرة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬بدال من أن‬
‫يكون نظام الكوتا بخاصة وسيلة ملعالجة التفاوتات الجنسية واالقتصادية‬
‫عامل ُمث ٍري للتوتر والعداوة بني ُمك ِّونات املجتمع ومن‬
‫واالجتامعية‪َ ،‬يتَح َّول إىل ٍ‬
‫‪272‬‬
‫قراءة يف التمكني السياسي النسوي‬

‫النتفاع النسوة وبعض‬


‫ِ‬ ‫خالل ال َّن ْف ِخ يف َرما ِد املظامل التاريخية وجعلها سببا رئيسا‬
‫الجامعات عىل حساب جامعة الذكور املهيمنة عىل مركز الدولة‪ .‬من جانب‬
‫آخر متصل‪ ،‬إن استمراري َة َن َظ ِر الفئة االجتامعية لذاتها ‪ self‬باعتبارها ضحية‬
‫مامرسات األكرثية املهيمنة سيؤدي بها إىل إذالل ذاتها بذاتها وإضعافها‪ ،‬وذلك‬
‫وربا االستزادة منها‪ ،‬فك َّلام ْ‬
‫نالت مزيدا من‬ ‫يل االمتيازات الخاصة َّ‬ ‫من أجل َن ِ‬
‫تلك االمتيازات ازداد إذاللها لنفسها بغية الحصول عىل مزيد منها‪ .‬وقد يكون‬
‫يف هذا املنظور جانب من الصواب‪ ،‬لكون آليات التمكني السيايس بعامة قامئة‬
‫يف جز ٍء من بنائ ِها عىل أساس أخالقي وهو «تعويض املحرومني عن أخطاء‬
‫املايض»‪ .‬ومن ثم فإن استمرارية التعويض واتساع نطاق ِه سيؤدي إىل اتكال‬
‫الجامعات املحرومة (النساء) عىل هذه اآلليات من أجل استحصال مزيد من‬
‫املنافع واملوارد ملصلحتها‪ ،‬مام ُي َص ِّع ُب إلغاء هذه اآلليات مستقبال ألن الجامعة‬
‫املحرومة ستكون قد اعت َ ََبتها من حقوقها الخاصة فيزداد متسكها بها ودفاعها‬
‫عنها‪ .‬لتكون من ثم ُمعوقا يحول دون قيام املجتمع العادل(‪.)74‬‬

‫لخ ْلق مجتمع عادل مستقبال‬


‫ثان ًيا‪ :‬من ناحية أن نظام الكوتا آلية َ‬
‫إن نظام الكوتا بخاصة يعمل من جهة عىل ترسيخ عقلية الفرز والتصنيف‬
‫بني أعضاء املك ِّونات املجتمعية‪ ،‬وذلك بتصنيف أعضاء كل جامعة منها غ َريهم‬
‫من أعضاء الجامعات األخرى استنادا إىل انتامءاتهم ومواقفهم من أعضاء الجامعة‬
‫األوىل‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ففي مثل هذا املجتمع سيكون املرء ُمصنَّفا تبعا النتامئ ِه شا َء ذلك‬
‫ويشيع فيه مفهوم «عضوية‬ ‫ُ‬ ‫يغيب يف هذا املجتمع مفهو ُم «الفرد»‬
‫أو أىب‪ ،‬بحيث ُ‬
‫الجامعة» لينعكس ذلك بصورة سلبية عىل الحس العام باملواطنة‪ ،‬ألن األخرية أصال‬
‫ستغدو مفهومة من خالل عضوية املرء وانتامئ ِه لهذه الجامعة أو تلك‪ .‬وألن املجتمع‬
‫مجتمع تنافيس‪ ،‬فإن عقلية الفرز والتصنيف هذه‬ ‫ٌ‬ ‫الذي يعتقده الليرباليون عموما‬
‫ستؤدي إىل تعميق حدة التنافس والتعادي بني الجامعات بسبب َسعيها جميعا إىل‬
‫نيل مزيد من املنافع واملوارد‪ ،‬ليصبح مثل هذا التنافس مصدرا رئيسا من مصادر‬
‫عدم االستقرار يف املجتمع والسيام يف حال ُندرة املنافع أو ُغدُ ِّوها نادرة بعد أن‬
‫كانت وفرية(‪.)75‬‬
‫‪273‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫ومن جه ٍة أخرى‪ ،‬فإن كال من نظام الكوتا وسياسة التمييز اإليجايب يسببان‬
‫عمليا إحداث متيي ٍز عكيس ‪ reverse discrimination‬تجاه الذكور والبيض من‬
‫َذوي الكفاءة واملؤهالت الالزمة لشغل مركز وظيفي ما‪ ،‬أو الحصول عىل عق ٍد‬
‫حكومي‪ ،‬أو نيل مقع ٍد درايس أو مقعد نيايب مثال‪ .‬إذ تعمل هذه اآلليات عىل‬
‫استقطاع الفرص املتاحة أمام الذكور والبيض من ذوي الكفاءات ومنحها يف املقابل‬
‫للنساء واألقليات ممن قد ال َيحوزون الكفاءة واملؤهالت املطلوبة‪ .‬وبذلك تنطوي‬
‫هذه السياسة عمليا عىل خرقِ مبدأ تكافؤ الفرص من أجل تحقيق املساواة يف‬
‫املردود‪ ،‬فيسبب ذلك بدور ِه حرمان األفراد من َذوي الكفاءة(‪.)76‬‬

‫‪274‬‬
‫اخلامتة‬

‫اخلامتة‬

‫النسوية يف ميزان ال َّنقد‬

‫سبق أن أرشنا إىل أنه حينام صدر كتاب‬


‫ماري وولستونكرافت املوسوم بـ «دفاع عن‬
‫حقوق املرأة» يف العام ‪ ،1792‬كان ذلك إيذانا‬
‫صوب‬
‫نظمة َ‬ ‫بانطالق الحركة النسوية بصورة ُم َّ‬
‫ا ُملطالَبة مبجموعة الحقوق والحريات األساسية‬
‫عىل قدم املساواة مع الرجال‪ .‬حيث يتع َّل ُق‬
‫بعض هذه الحقوق برفاه املرأة واالستحقاقات‬
‫الصلة بدعم الرفاه‪ ،‬بينام يتم ّثل البعض‬‫الوثيقة ِّ‬
‫اآلخر من هذه الحقوق يف متكني املرأة وتحرير‬
‫إرادتها وقدراتها الذاتية‪ .‬ومن ثم كان هذا‬
‫الكتاب مبنزلة «مانفيستو الحركة النسوية»‬
‫حتى فرتة غري بعيدة‪ ،‬بدليل أن مهامت الحركة‬ ‫حل مشاكل النسوة عرب إزالة‬ ‫«لَنْ ُت َّ‬
‫التمييز الجنيس فقط‪ ،‬بل ينبغي أيضا‬
‫رت أوال وقبل كل يشء حول‬ ‫وأنشطتها قد َتح َو ْ‬ ‫اللجوء إىل تقاسم السلطة والنفوذ»‬

‫‪275‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫العمل من أجل معامل ٍة أفضل للمرأة مقارنة مع الرجل‪ ،‬إذ انصب االهتامم عىل‬
‫اتسعت دائرة هذا الهدف تدريجيا لتنتقل من «املساواة والرفاه»‬ ‫ْ‬ ‫ثم‬
‫رفاه املرأة‪ّ .‬‬
‫إىل املطالبة بحق «التصويت والرتشيح»‪ ،‬ثم تجاوز ذلك إىل وجوب تحقيق «العدالة‬
‫ومتكني املرأة»‪ .‬فوفقا للمف ِّكر أمارتيا صن‪ ،‬مل َت ُعد النساء مج ّرد ُمتل ّقيات سلبيات‬
‫بدأن ُيص ِب ْحنَ «عنارص نشطة وف ّعالة يف مجال الدعوة إىل‬ ‫لِعونٍ ُيع ِّز ُز من الرفاه‪ ،‬بل َ‬
‫التغيري‪ :‬أي إن النسوة قوى دينامية داعمة للتحوالت االجتامعية التي ُيكن أن ُت ِّ َ‬
‫غي‬
‫حياة كل من املرأة والرجل»(‪.)1‬‬
‫نظريات‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ويكن تناول أبرز النقاط التي حاولت النسوية بوصفها نظري ًة‪ ،‬أو رمبا‬ ‫ُ‬
‫إرسا َءها باعتبارها إطارا مرجعيا للحركة النسوية بخاصة والحركات النسائية بعامة‪،‬‬
‫حيث تحاول النسويات من خاللها الدفاعَ عن وجهات نظرهن وتصوراتهن ألوضاع‬
‫صوب طرح بعض التساؤالت التي َت ِعن‬ ‫النساء والحلول املناسبة لها‪ ،‬والتحول من ثم َ‬
‫عىل بال الباحثني يف هذا الصدد‪ ،‬وما الذي ميكن قوله بشأنِ ما ُي َت َو َّق ُع لِمثل هذه‬
‫نتائج عىل صعيد بنى املجتمع و ِق َيم ِه و ُم ُث ِل ِه العليا‪.‬‬ ‫األفكار ْأن تؤديَ إليه من ٍ‬
‫لِنحاول بداية تلخيص أبرز القضايا التي َس َع ْت النسوية إىل تأكيدها‪ ،‬وخصوصا‬
‫لدى التيارات األكرث حداثة منها‪ .‬متثلت هذه القضايا يف تأكيد مفهوم الجندر‬
‫(النوع االجتامعي)‪ ،‬من حيث العمل عىل إضفاء أهمي ٍة خاصة علي ِه ال بوصف ِه‬
‫ناشئا بحكم الطبيعة وال َبيولوجيا‪ ،‬بل بوصف ِه ترتيبات ُم ْص َطنَعة عمل‬ ‫متايزا ِ‬
‫املجتمع املحكوم حكام ذكوريا عىل إنشائها خدمة ودفاعا عن مصالح الذكور‪،‬‬
‫ْشط يف جميع مناحي الحياة؛ يف الرتبية‬ ‫ومن ثم التعامل معها باعتبارها آلي ًة َتن ُ‬
‫ويف التعليم‪ ،‬يف البيت والشارع‪ ،‬يف املدرسة وسوق العمل‪ ،‬كذلك يف السياسة‬
‫واالقتصاد بعامة‪ ،‬إىل الدرجة التي تجعل من الحياة كلها تبدو كأنها تدو ُر حول‬
‫فرض سيطرت ِه عىل املرأة‪ ،‬ومقاومة األخرية‬ ‫رصاع بني ِضدَّ ين؛ أي محاولة الرجل َ‬
‫املتواصلة‪ ،‬وذلك يف َمسعى ها ِد ٍف منها إىل تحقيق حريتها وان ِعتا ِقها من سلطة‬
‫بتسليم أحدهام (الرجل) والقبول برشوط‬ ‫ِ‬ ‫الرجل‪ .‬أما رشط الرصاع فهو ْأن ينتهي‬
‫اآلخر (املرأة)‪ .‬ولكن ترى ما الرشوط التي يجب عىل الرجل أو جنس الرجال‬
‫الوفاء بها يك ينتهي هذا الرصاع أو «الثورة الكربى» ‪ ،the great revolution‬عىل‬
‫حد تعبري الس ّيدة أوكني(‪.)2‬‬
‫‪276‬‬
‫اخلامتة‬

‫يف سياق اإلجابة عن هذا التساؤل‪َ ،‬تن ُْظ ُر كثري من النسويات املعارصات إىل‬
‫مفهوم املساواة من زاوية َن َظ ٍر تتجاوز املساواة القانونية‪ .‬إذ ال ب َّد ْأن تكون الغاية‬
‫من املساواة هي جعل االختالف الجنيس عديم القيمة اجتامعيا‪ ،‬ومن ثم التوسيع‬
‫ليشمل الجوانب األخرى غري االجتامعية‪ .‬ذلك أن النساء يجب أال‬ ‫َ‬ ‫من دائرة ذلك‬
‫يد َف ْعنَ مثن اختالفهنَّ ومتايزهنَّ عن الرجال كأن اختالفهن الجنيس وال َبيولوجي هو‬
‫جرمية يجب عقابهن علي ِها‪ ،‬أو هو َذ ْن ٌب ينبغي عليهن التكفري عن ُه دوما من خالل‬
‫والخضوع لِهيمنت ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫إطاعة الرجل‬
‫اتساقــا مـــع هـــذا املنظـور النســوي‪ ،‬حينام ُي ْصبـِ ُح األمــر متم ِّثال يف موضـوع‬
‫«الهيمنة» ‪ ،Domination‬تقول كاثــرين ماكيــنون ‪ Kathren Mackinnon‬إنه‬
‫حل مشاكل النسوة عرب إزالة التمييز الجنيس فقط‪ ،‬بل ينبغي أيضا اللجوء إىل‬ ‫لَنْ ُت َّ‬
‫تقاسم السلطة والنفوذ ‪ presence of power‬بني النساء والرجال؛ «ذلك أن املساواة‬
‫الرتشح لألدوار التي حدَّدها الرجال ُم َّسبقا‪ ،‬بل أيضا‬ ‫ال تعني فقط تكافؤ الفرص عند ُّ‬
‫الجندر‪،‬‬‫إمكانية تحديد النساء أدوارا اجتامعية أو خلق أدوا ٍر ُأخرى غري محدَّدة َ‬
‫َتص ُل ُح للنساء والرجال عىل ح ٍّد سواء»‪ .‬وستُفيض إعادة هيكلة األدوار االجتامعية‬
‫عيش‬‫مجتمع مختلف عن ذلك الذي َن ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وتقاسم السلطة والنفوذ بالرضورة إىل بناء‬
‫في ِه‪ .‬ولو ُو ِّزعت السلطة بصور ٍة عادلة منذ اللحظة األوىل لعملية بناء املجتمع‬
‫ومؤسسات الدولة ملا َو َجدنا أنفسنا أصال أمام الرتتيب الراهن لألدوار االجتامعية‬
‫والسياسية‪ ،‬حيث الوظائف واملراكز النسائية تحظى مبنزل ٍة أقل شأنا ومكانة من‬
‫تلك التي َيشغلها الرجال بعامة(‪ .)3‬ويف عني هذا االتجاه النسوي‪ُ ،‬تش ِّد ُد الباحثة‬
‫إليزابيث غروس ‪ Elizabeth Gross‬عىل أن ُمناهَ ضة االستعباد الجنيس ‪sexual‬‬
‫‪َ subordination‬تتط َّل ُب التوقف عن فهم العدالة من خالل املساواة القانونية‪.‬‬
‫كام يجب ْأن تكون للنساء الحرية يف إعادة تعريف األدوار االجتامعية‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫فإن األجدر بهنَّ تحديد مرشوعهنَّ باعتبار ِه سياسة هادفة إىل تحقيق «االستقالل‬
‫الذايت» ‪ autonomy‬أكرث منه مرشوعا معنيا بتحقيق «املساواة» ‪ .equality‬فهي‬
‫تقول‪« :‬إن االستقالل الذايت يعني حقَّ املَرء يف ْأن ُيد ِر َك ويرى َنفسه وفق ما َيختار ُه‬
‫جامعات ُأخرى‬
‫ٍ‬ ‫فتض أحيانا اندماجا أو تحالفا مع‬ ‫بذات ِه ِمن الرؤى‪ ،‬وهو ما قد َي َ ِ‬
‫أو أفراد آخرين‪[ ...‬كام] يشتمل النضال من أجل املساواة عىل فرضي ٍة مفادها قبول‬
‫‪277‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫الجانب اآلخر‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫املرء املعايري السائدة واالنسجام مع ُمقتضياتها واحتامالتها‪ .‬أ َّما من‬
‫فت ُض أن للمرء الحقَّ يف رفض هذه املعايري‬ ‫فإن النضال من أجل االستقالل الذايت َي َ ِ‬
‫وخلق معايري أخرى جديدة»(‪ )4‬تنسجم مع طبيعة َمطالِب ِه واحتياجات ِه املرشوعة‪.‬‬
‫وعىل الرغم من ذلك‪ ،‬فإن سياق التطورات الفكرية والعملية التي شهدتها‬
‫الحركة النسوية ونظريتها عىل امتداد مراحلها التاريخية ا ُملتعا ِقبة‪ ،‬مل مينع من‬
‫النتقادات كثرية من قبل معارضيها بخاصة‪ ،‬وميكن تبيان أبرزها‬ ‫ٍ‬ ‫تعرض الحركة‬‫ِ‬
‫عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن الحركة النسوية منذ بداية نشوئها كانت تحمل معها إشكالي َة «معنى‬
‫الحركة وماه ّية وجودها»‪ .‬فإذا كان مفهوم «الحركة النسوية» يعني االهتامم‬
‫بعامة القضايا املؤ ِّثرة يف النساء ومصالِحهنَّ ‪ ،‬فإن ذلك سيجعل من أيِّ شخص‬
‫«نسويا» مادا َم له عني هذا االهتامم‪ .‬وعندئ ٍذ سيغدو نطاق الحركة ومعناها‬
‫مبوضوع‬
‫ِ‬ ‫نطاقا عاما و َفضفاضا‪ ،‬لِكون الحركة النسوية أصال ستغدو ُمع َّرفة‬
‫اهتاممها الجوهري وهو «النساء» وعىل املنوال نفسه الذي عُ ِّر َفت فيه االشرتاكية‬
‫مبوضوع «الفقراء والربوليتاريا»‪ .‬فيمكن حينئ ٍذ تصنيف ا ُملصلحني االجتامعيني مثال‬
‫باعتبارهم نسويني بحكم طبيعة أنشطتهم االجتامعية وليس ألنهم َيش ِرت َ‬
‫كون يف‬
‫تحليل اجتامعي معني أو روح انتقادي ٍة ما‪ .‬ومن ثم سيغدو من الصعوبة مبكان‬ ‫ٍ‬
‫تثبيت معنى «الحركة النسوية» ألن النسويات َس َي ِجد َْن أنفسهنَّ ُمنخ ِرطات‬
‫عمليا يف أنشط ٍة كثرية ومن منظورات متفاوتة للغاية‪ .‬وإشكالية املعنى واملاه ّية‬
‫زت الحركة‬ ‫هذه تطورت خالل الستينيات والسبعينيات املاضية‪ :‬فمن ناحية مت َّي ِ‬
‫جميع النساء باعتبارهنَّ مشاركات يف الحركة‪ ،‬ومن ناحي ٍة‬ ‫َ‬ ‫بالعمومية يف ُمخاطب ِتها‬‫ُ‬
‫أخرى توجد اقتصارية لِمامرستها وأنشطتها الحالية من حيث الرتكيز عىل قضايا‬
‫مح ّددة تشمل أصنافا معينة من النساء‪ ،‬عىل الرغم من تأكيد الحركة عىل اختالف‬
‫النساء عن الرجال ومتايز هويتهنَّ الجامعية(‪.)5‬‬
‫‪ُ - 2‬ت ْن َت َقدُ الحركة النسوية من زاوية كونها ليست حركة عاملية بل هي ظاهرة‬
‫الت أسرية «الرنجسية» الثقافية الغربية‪ .‬حيث تفرتض بعض‬ ‫غربية‪ ،‬أي إنها ماز ْ‬
‫النسويات الغربيات أنه ميكن تحسني أوضاع جموع النساء غري الغربيات من خالل‬
‫الح ُظ تشاندرا تالبيد موهانتي أن النسوية الغربية‬ ‫طروحات النسوية الغربية‪ .‬وهنا ُت ِ‬
‫‪278‬‬
‫اخلامتة‬

‫كثريا ما َتتص َّور «املرأة العاد ّية يف العامل الثالث» باعتبارها تعيش حياة منقوصة‬
‫األنثوي‪ ،‬بحيث ُينظر إليها باعتبارها‬ ‫ُنقصانا جوهريا قامئا عىل أساس جندرها ُ‬
‫مق َّيدة ومكبوتة جنسيا‪ ،‬وأنها ُمنتمية إىل «العامل الثالث»‪ ،‬أي إنها جاهلة‪ ،‬فقرية‪،‬‬
‫األرسة‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬ترى كوماري جاياوردينا‬ ‫مق َّيدة بالتقاليد‪ ،‬محصورة يف نطاق ُ‬
‫الخلط واإلرباك يف‬ ‫بات مصدرا لِكث ٍري من َ‬ ‫‪« Jayawardena‬أن مفهوم النسوية َ‬
‫زعم أهل التقاليد واملحافظون‬ ‫دول العامل الثالث وبأساليب مختلفة‪ .‬فكثريا ما َي ُ‬
‫السياسيون بل حتى بعض اليساريني أن النسوية من ُمنتجات الرأساملية الغربية‬
‫«املنحطة»‪ ،‬أي إنها قامئة عىل ثقافة أجنبية ال ُتالئم النساء يف العامل الثالث‪ ،‬مبعنى‬
‫وض ُعها يف الغرب حرصا‪ ،‬وأنها تجعل النساء‬ ‫أنها أيديولوجي ُة نسا ٍء برجوازيات و َم ِ‬
‫األرسية من‬ ‫َي ْغ َ ِت ْبنَ عن ثقافتهنَّ أو َي ْخ ُرجنَ عن مسارها؛ عن الدين واملسؤوليات ُ‬
‫ناحية‪ ،‬وعن أشكال النضال الثوري من أجل التحرر القومي ومن أجل االشرتاكية من‬
‫تجسدُ يف أن ا ُمل َعادين للنسوية من غري الغربيات‬ ‫ناحي ٍة أخرى»‪َّ .‬‬
‫لعل املفارقة هنا َت َّ‬
‫والكثري من النسويات الغربيات يتقاسمنَ معا االعتقاد بأن الحركة النسوية أساسا‬
‫ظاهرة غربية‪ ،‬وهذا يف الواقع اعتقاد خطأ للغاية‪ .‬ذلك أن النساء يف آسيا والرشق‬
‫األوسط وشامل أفريقيا ُيناضلنَ منذ القرن التاسع عرش يف سبيل التحرر من دائرة‬
‫الخضوع والخنوع سواء عرب الحركات التحررية القومية‪ ،‬أو حركات الطبقة العاملة‪،‬‬
‫أو مت ّردات الفالحني(‪.)6‬‬
‫وربا ُينتقد هذا التص ّور نفسه‪ ،‬أي القول بوجود النسوية العاملية‪ ،‬من حيث إن‬ ‫ّ‬
‫هناك مخاطر لِتخ ُّي ِل مجتمع نسوي عاملي ويف مقدِّمتها أن هذا التَخ ُّيل ُيسلمنا إىل‬
‫أسس غري واقعية‪ ،‬وإىل مشاعر عا ِرمة باالنتامء واالهتامم‬ ‫راح ٍة نفسية َمبنية عىل ٍ‬
‫مبوضوع غري ملموس أصال‪ ،‬بحيث إن ذلك سيرصف انتباهنا عن الواقع املزري‬
‫ملعظم املجتمعات العامل ثالثية التي تعيش فيها الحركة النسوية‪ ،‬بكل ما تشتمل‬
‫تخلف وبؤس وفقر ُمدْقع‪ ،‬فضال عىل التفاوتات االجتامعية‬ ‫علي ِه تلك املجتمعات من ٍ‬
‫مجتمع منها عىل حدة أو بينها وبني املجتمعات‬ ‫ٍ‬ ‫واالقتصادية الحادة سواء داخل كل‬
‫الدميوقراطية الليربالية‪.‬‬
‫يف مقابل ذلك‪ ،‬تنظر أليسون جاغار إىل مثل هذه العاملية من زاوي ٍة إيجابية‬
‫وهي أننا حينام َنتخ َّي ُل مجتمعا للخطاب النسوي العاملي‪ ،‬يجب علينا ُمجا َنب َة توليد‬
‫‪279‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫صو ٍر نسوية مثالية ال َت ُّت إىل الواقع بصلة‪ ،‬وبدال من هذا ينبغي علينا معرفة كيف‬
‫أن التجمعات النسوية العاملية هي كيانات حقيقية قد َبدأ وجودها الفعيل عرب‬
‫املنظامت والشبكات ُمتَعدِّي ِة القومية‪ ،‬بحيث ُيناقشن حول مسائل تتجاوز حدود‬
‫يتعاون يف شبكات متعددة ومتداخلة من األفراد واملجتمعات ووفق‬ ‫َّ‬ ‫القوميات‪ ،‬كام‬
‫أجندات متباينة‪« .‬إ ّنه تج ّم ٌع قيد التشكيل‪ ،‬وهو بهذا املعنى ليس مثاليا وال خياليا‬ ‫ٍ‬
‫جسدُ ُم ُثال عُ ليا َنطمح‬ ‫فقط بل ُيعاد َتخ ُّيل ُه باستمرار أيضا‪ .‬إن التَخ ّيالت النسوية ُت ِّ‬
‫مجتمع للخطاب النسوي العاملي دامئا ما َننشدُ ْأن يكون‬ ‫ٍ‬ ‫إىل تحقيقها‪ ،‬إن ُه َتخ ُّي ُل‬
‫أكرث شمولية وانفتاحا»(‪.)7‬‬
‫‪ - 3‬أن النظرية النسوية تتجاهل موضوعا جوهريا وهو أن النساء َيتفاو ْتنَ‬
‫أصال يف حيازة عنارص القوة املادية‪ ،‬مبعنى أن النساء لَ ْسنَ ضعيفات و َمغبونات‬
‫بشكل متسا ٍو من حيث النواحي العرقية والطبقية والقومية والدينية والجنسية‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وذلك لِكونِ النساء أنفسهن‪ ،‬شأنهن شأن الرجال‪ ،‬متفاوتات يف انتامءاتهن‪ .‬فالنساء‬
‫املنتميات إىل األكرثية املهيمنة ْمي َت ِل ْكنَ عنارص القوة بصور ٍة مبارشة أو عن طريق‬
‫عالقات القرابة مقارنة بغريهن من النساء املنتميات إىل األقليات والطبقة الدنيا‪.‬‬
‫ومن ثم تغدو آراء وأفكار النساء املنتميات إىل األكرثية املهيمنة هي اآلراء‬
‫املسموعة ومحل التأثري مقارنة بالنساء األخريات‪ .‬ففي الواليات املتّحدة مثال‪ ،‬نجد‬
‫ّأن أصوات النساء التي من ا ُمل َر َّج ِح ْأن تكون مؤ ّثرة ومسموعة هي أصوات النساء‬
‫ني إىل الطبقة‬ ‫الشاذات جنسيا»‪ ،‬الاليت ينتم َ‬ ‫األنجلو‪-‬سكسون املسيحيات غري ّ‬ ‫َ‬ ‫«البيض‬
‫الوسطى مقارنة مع نساء الالتينو (الهيسبان) والسود واآلسيويات ‪.‬‬
‫(‪)8‬‬

‫ويف عني هذا السياق‪ ،‬تقول الباحثة الهيسبانية ماريا لوغونيس ‪Lugones‬‬
‫أنجلو‪-‬سكسونية‪« ،‬إننا‬ ‫َ‬ ‫‪ María‬وضمن إطار َز ْع ِمها بكون النسوية نظرية‬
‫ال نستطيع التَع ُّر َف عىل أنفسنا يف هذه النظرية‪ ،‬إنها تخلق فينا انفصاما‬
‫تشيزوفرينيا بني اهتام ِمنا بأنفسنا بوصفنا نساء وبني أنفسنا بوصفنا هيسبانيات‪،‬‬
‫انفصام ال نشعر به بطريق ٍة أخرى‪ .‬لذا‪ ،‬فإنها تبدو لنا أنها ُت ْج ِبنا عىل التش ُّب ِه‬ ‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫األنجلو‪-‬سكسونية مهام كانت تلك النسخة ُمن ّقحة‪ .‬حيث‬ ‫َ‬ ‫بنسخ ٍة ما من الثقافة‬
‫تبدو كأ ّنها َتط ُل ُب منّا ْأن ُنغادر مجتمعاتنا أو ْأن نصبح غريبات متاما فيها بحيث‬
‫َنشعر بأ ّننا فارغات»(‪.)9‬‬
‫‪280‬‬
‫اخلامتة‬

‫ويبدو أن أصل هذه املشكلة يعود إىل بدايات نشوء الحركة النسوية‪ ،‬حيث‬
‫ر ّكزت اهتاممها عىل قضايا النساء الربجوازيات ومشكالت نساء األكرثية ا ُملهيمنة‪،‬‬
‫نظرات والباحثات النسويات حتى الستينيات املنرصمة إىل هذه‬ ‫بحكم انتامء ا ُمل ِّ‬
‫األكرثية ثقافيا وطبقيا وفكريا‪ .‬وقد و َّل َد ذلك تو ّترا الحقا بني النسويات الغربيات‬
‫من جهة وبينهم وبني النسويات غري الغربيات من جه ٍة أخرى‪ ،‬وذلك يف سياق‬
‫تط ّور الحركة وطروحاتها تاريخيا‪ .‬ونتج عن ذلك شعور باالغرتاب لدى النساء‬
‫غري املنتميات إىل األكرثية املهيمنة سواء تجاه النظرية النسوية من حيث عدم‬
‫تعبريها عن الخصوصيات الثقافية والطبقية داخل املجتمع الواحد من ناحية‪ ،‬أو‬
‫من حيث عدم تعبري هذه النظرية عن خصوصيات مجتمعات العامل الثالث من‬
‫ناحية ُأخرى؛ مام أتاح السبيل أمام بروز اتجاهات نسوية متعددة ومتفاوتة السيام‬
‫يتحدث الكثري من الباحثني عن نظريات نسوية‬ ‫ُ‬ ‫بعد التسعينيات املنرصمة‪ .‬فاليوم‬
‫وليس نظرية نسوية واحدة‪ ،‬إشارة منهم إىل تفاوت الحركات النسوية تاريخ ّيا يف‬
‫آسيا وأوروبا واألمريكتني(‪.)10‬‬
‫‪ - 4‬عمدت الحركة النسوية وبثقة كبرية إىل التسليم بوجود هوية مشرتكة نسوية‪،‬‬
‫عب عنها غالبا باستخدام ضمري الجمع «نحن» يف سياق األدبيات النسوية حتى‬ ‫بحيث ُي َّ‬
‫َ‬
‫َشاطرن وضعا‬ ‫اللحظة الراهنة‪ .‬هذه الهوية املشرتكة استندت إىل فكرة أن النساء َيت‬
‫خارجيا ‪َ External Status‬مفروضا عليهنَّ ويتم ّثل يف االضطهاد االقتصادي واالستغالل‬
‫التجاري والتمييز القانوين بخاصة املعمول ب ِه ملصلحة الذكور من جانب‪ ،‬ومن جانب‬
‫تجسد يف مشاعر ال َعجز والدونية وضيق األفق‪ .‬ومن‬ ‫فعل داخليا َي َّ‬ ‫آخر َت َ‬
‫تقاس ُم النساء ر َّد ٍ‬
‫ثم‪ُ ،‬ف ِهم املوروث والتجارب التي عاشتها النساء بعامة مبا فيه ذلك الوضع الخارجي‬
‫الذكور) باعتباره أساس تضامن النساء‬ ‫والسلوك اإلقصايئ الخارجي تجاههنَّ (من قبل ُ‬
‫وهويتهنَّ املشرتكة‪ ،‬فقد ُن ِظر إىل ميول النساء السياسية وتنظيامتهن باعتبارها تعبريا‬
‫عن املشاعر والتجارب والهوية املشرتكة(‪ .)11‬غري أن واقع الحال يتناىف مع وجود هذه‬
‫الهوية املشرتكة والسيام يف املجال السيايس وصناعة القرار‪ ،‬حيث ُتقىص فيه النساء عىل‬
‫أسباب مركزية متعددة من أهمها‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫يرج ُع ذلك إىل‬
‫املستوى العاملي‪ ،‬ورمبا ِ‬
‫زوف النساء ذاتيا عن ولوج املجال السيايس نظرا إىل االعتقاد السائد‬ ‫أ ‪ -‬عُ ُ‬
‫التوج ُه ذاتيا إىل العمل يف‬
‫يف أوساطهن بكون السياسة «لعبة فاسدة»؛ ومن ثم ُّ‬
‫‪281‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫منظامت املجتمع املدين‪ .‬ومثال ذلك حال النسوة يف الواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬
‫نظمة غري حكومية‪ ،‬وهؤالء ميثلن زهاء ‪10‬‬ ‫حيث تقود النساء فيها قرابة ‪ُ 230‬م َّ‬
‫ماليني امرأة أمريكية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ق ّل ُة ثقة النساء بأنفسهن لِتويل املناصب القيادية وصناعة القرار السيايس‬
‫نتيجة لالعتقاد السائد يف أوساطهن بأن النساء عاطفيات ورحيامت بالشكل الذي‬
‫َيحول دون متكنِّهن من إدارة املراكز السياسية‪ .‬فمثال‪ ،‬نجد أن ‪ 75‬يف املائة من‬
‫النساء األمريكيات ال َيثقنَ بقدرة النساء عىل إدارة املهامت السياسية واإلدارية‪،‬‬
‫ومن ثم ال ُيص ِّو ْتنَ ملصلحة النساء يف االنتخابات الربملانية والرئاسية(‪ .)12‬وتزداد ِحدّة‬
‫لت فيها الحركة النسوية‬ ‫اإلقصاء والتهميش النسوي يف دول العامل الثالث؛ فقد َتح ّو ْ‬
‫إىل مرشوع دولة ‪ State’s Project‬ال حركة شعبية‪ ،‬حيث تعمل هذه الحركة عىل‬
‫تنفيذ أجندة ترويجية للسلطة الحاكمة‪ .‬فغدت بذلك التنظيامت النسوية مجرد‬
‫انعكاس للنظام السيايس ومجرد «شعار» ترفع ُه الدولة إلحرا ِز مكاسب سياسية‬
‫داخلية أو وجاهة دولية‪ .‬وهو ما َح َّو َل الحركة النسوية يف املنطقة العربية بعامة‬
‫إىل نسوية الدولة ‪ ،State’s Feminism‬أي اضطالع النظام السيايس بإيصالِ بعض‬
‫ضح َ‬
‫ني‬ ‫النسوة إىل املراكز السياسية‪ ،‬ليس لِكونهنّ ُي ِّثلن مصالح النساء بل ألنهنَّ س ُي ّ‬
‫بهذه املصالح خدمة للنظام السيايس نفسه‪ .‬مام ُيعطي النظام السيايس َقدرا عاليا‬
‫من التَح ّكم يف التنظيامت النسوية‪ ،‬و ُيس ِّه ُل من استعامل ِه للنسوة يف خدمة مصالح ِه‬
‫ضد قوى املعارضة السياسية(‪.)13‬‬
‫وميكن تفس ُري غياب مثل هذه الهوية املشرتكة‪ ،‬أو ُقصور فاعليتها يف أحسن‬
‫موحدة قادرة‬ ‫موحدة ولغة َّ‬ ‫األحوال‪ ،‬بعدم امتالك املرأة والحركة النسوية ل ِتص ُّورات َّ‬
‫خطاب‬
‫ٍ‬ ‫عىل اإلفصاح عن األذى الواقع عليها وعن احتياجاتها‪ .‬أما املطروح عمليا من‬
‫املوحدة والخاصة بطبيعة مشكالت املرأة‬ ‫ونصوص فال يشتمل عىل مثل هذه اللغة َّ‬
‫الذكوري‪ .‬ووفقا لِتعبري أليسون جاغار‪« :‬أن خلقَ لغ ٍة‬ ‫ظل النظام ُ‬ ‫وخنوعها وقهرها يف ِّ‬
‫نج َز ُة فردٌ مبفرده‪.‬‬ ‫جديدة هو يف ُح ْك ِم تعريف ِه مرشوعٌ َجمعي وليس شيئا ميكن أن ُي ِ‬
‫فاملرأة الخانعة تستطيع ْأن َتتغ َّل َب عىل َص ْم ِتها فقط عن طريق التشارك مع نسا ٍء‬
‫عب عن خرباتهنَّ املشرتكة‪ .‬وال ب َّد ْأن ُتص ِب َح‬‫ُأ ْخ َريات خانعات بغية تطوير لغ ٍة عام ٍة ُت ِّ ُ‬
‫املرأة الخا ِنعة تلك عضوا يف جامع ٍة َت َض ُع لِذاتها تعريفا رصيحا بأنها جامعة تتقاسم‬
‫‪282‬‬
‫اخلامتة‬

‫ظروف قه ٍر مشرتكة‪ ...‬وفقط عن طريق خلق هوية جامعية مع نساء ُأخريات لهنَّ‬ ‫َ‬
‫أوضاع مامثلة‪ ...‬تستطيع املرأة الخانعة ْأن ترى نفسها خانع ًة‪ ،‬وبهذه الطريقة فقط‬
‫حط َم الحواجز التي تحول بينها وبني ْأن تتك ّلم‪ .‬إذ إن اإلفصاح عن‬ ‫تستطيع ْأن ُت ِّ‬
‫االهتاممات املتم ّيزة للنساء َيتط َّل ُب لغة‪ ،‬واللغة هذه تتط ّل ُب بدورها مجتمعا‪ .‬ومن‬
‫يظل من املستحيل ُبزوغ منظورات أخالقية مضادة‬ ‫دون أيٍّ من هذين املَط َل َبني ُّ‬
‫للسلطة السائدة»(‪.)14‬‬
‫إضافة إىل ذلك‪ ،‬رمبا َي ْصدُ ُق القول بأن انقسام الحركة النسوية املعارصة‬
‫شاهدين عىل‬ ‫واستمرارية الخالفات الفكرية بني االتجاهات النسوية‪ُ ،‬يعدان ِ‬
‫تعريف نسوي مشرتك للحركة النسوية‪ .‬فقد أصبح من‬ ‫ٍ‬ ‫الصعوبة البالغة للوصول إىل‬
‫اهن األيام اإلشارة إىل تعد ِد الحركات النسوية واختالفاتها ال الحديث‬ ‫املنطقي يف ر ِ‬
‫عن حرك ٍة واحدة‪ .‬بحيث قادت التوجهات املختلفة للحركة النسوية إىل ْأن ُتصبح‬
‫بعض‪ ،‬ولكن بعضها ُمتَّصل‬ ‫اتجاهاتها عبارة عن تنظيامت وأجزاء بعضها منفصل عن ٍ‬
‫ببعض فكريا‪ .‬وبدال من وجود حوار نسوي داخيل‪ ،‬توجد تسميات أخرى لهذه‬ ‫ٍ‬
‫التنظيامت واألجزاء‪ :‬فهناك نسويات راديكاليات‪ ،‬ونسويات اشرتاكيات‪ ،‬ونسويات‬
‫فكل جامع ٍة منها َتحو ُز إحساسها الخاص‬ ‫ِمثليات جنسيا‪ ،‬ونسويات السود والالتينو‪َّ .‬‬
‫وكل منها تنظر إىل نفسها باعتبارها الحركة النسوية الوحيدة ذات‬ ‫بهويتها النسوية‪ّ .‬‬
‫الشأن‪ ،‬يف مقابل تجاهل غريها من االتجاهات األخرى وانتقادها(‪ .)15‬ويحول ذلك يف‬
‫موحد‪ ،‬كذلك يحول دون‬ ‫نهاية املطاف دون صياغة خطاب نسوي سيايس وفكري َّ‬
‫يجعل النسوة‬‫فاعلية الهوية النسوية املشرتكة يف حال وجودها‪ ،‬وذلك بالشكل الذي ُ‬
‫دَوما عُ رضة للتهميش سياسيا ويف مراكز صناعة القرار عينها‪ ،‬ويف االنتخابات النيابية‪،‬‬
‫بعض‪.‬‬
‫سواء من قبل الرجال أو من قبل النسوة أنفسهنَّ بعضهن تجاه ٍ‬
‫بشكل عام تدور ‪-‬‬‫ٍ‬ ‫بكلامت أخرى إن قضية املرأة‬
‫ٍ‬ ‫عىل أي حال‪ُ ،‬يكن القول‬
‫أو هكذا تبدو لنا – يف ضوء هذه االنتقادات ورمبا أخرى غريها‪ ،‬حول ِمح َو َرين‬
‫جوهر َّيني‪ :‬يتع َّل ُق األول مبوقف الرجل من املرأة‪ ،‬أما الثاين‪ ،‬فيتمثل مبطالب‬
‫وحاجات خاصة تعتقد املرأة أنها قد ْاستُث ِن َي ْت منها من دون َوج ِه حق‪ .‬وفيام‬
‫واملتجس ِد يف موقف الرجل من املرأة‪ ،‬فسوف نجد أنه غالبا ما‬
‫ِّ‬ ‫َيت َِّص ُل باملحور األول‬
‫ُأرجع من ِقبل النسويات بخاصة إىل كراهي ٍة واحتقار عُ ِّب عنهام مبصطلح « ُمعاداة‬
‫‪283‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫النساء»‪ .‬ولنا أن نتساءل هنا‪ :‬ترى هل هو تعب ٌري فعيل عن ُكر ٍه واحتقا ٍر قد است َ‬
‫َوج َب‬
‫بشكل عام‪ ،‬وهو غالبا ما‬ ‫ٍ‬ ‫من ثم التبعية واالضطهاد الذي وقعت النساء َضحي َت ُه‬
‫اشتكت منه النسويات‪ ،‬أم هو تعب ٌري عن مشاعر أخرى قد ال َتستدعي بالرضورة‬ ‫ْ‬
‫ضاف إليها عددٌ‬ ‫بعض من تيارات النسوية تلك‪ُ ،‬ي ُ‬ ‫مثل هذه املامرسات التي َص َّو َرتها ٌ‬
‫ال بأس به من ا ُملن َِّظرات والناشطات سواء العامالت يف الحقول األكادميية املختلفة‬
‫أو يف الحركات السياسية املدافعة عن حقوق النساء ومعاناتهن يف إطار العالقة مع‬
‫الرجال سواء يف الحقل الخاص أو العام؟‬
‫من أجل اإلجابة عن هذا التساؤل‪ ،‬ال بد بداية من االتفاق عىل قضيتَني أساسيتَني‬
‫نعتقد بأهميتهام يف هذا املجال‪ :‬األوىل‪ ،‬وتتمثل بكون النساء مخلوقات ال َي ِع ْشنَ يف‬
‫مجتمع برشي تتَشا َر ُك الوجو َد والتفاعل‬ ‫ٍ‬ ‫عُ زلة عن العامل‪ ،‬بل هنَّ ُركنٌ أسايس يف حياة‬
‫فيه املرأ ُة إىل جانب الرجل كأفراد يف املقام األول‪ ،‬مع كل ما يرتتب عىل ذلك من‬
‫نتائج عىل مصري املجتمع ووجوده ككل‪ .‬فضال عىل االعتبارات األخرى املتعلقة‬
‫كل منهام‪ .‬أما القضية الثانية‪ ،‬فهي تتمثل يف واقع‬ ‫بالجانبني النفيس والعاطفي لِ ٍّ‬
‫االنقسام الجنيس املفروض طبيعيا عىل البرش بني الرجال والنساء‪ ،‬وهو ما يعني‬
‫الجنسني خصائص ترشيحية وتركيبات َسيكولوجية َيتم َّي ُز كل‬ ‫َ‬ ‫امتالك كل من هذين‬
‫َ‬
‫ووظائف فردية‬ ‫منهام بها عن اآلخر‪ .‬وسوف ُتيل هذه من ناحيتها ميوال وأدوارا‬
‫نفس ُه مدفوعا بها للترصف تحت تأثرياتها‪ ،‬و َيت َّ ُ‬
‫َعي‬ ‫واجتامعية خاصة يجد كل منهام َ‬
‫عليهام من ثم مامرستها‪ .‬هذا إىل جانب أن مثل هذا االنقسام الجنيس ذي املَنشأ‬
‫قضية أخرى ال َت ِق ُّل أهمية‪ ،‬أال وهي واقعة التكامل بني‬ ‫ال َبيولوجي سترتتب عليه ٌ‬
‫كل منهام إىل اآلخر من أجل بقاء واستمرارية النوع‬ ‫الجنسني وا ُمل َّ‬
‫عب عنها بحاج ِة ٍّ‬ ‫َ‬
‫ماض‪ ،‬أو‬ ‫البرشي‪ ،‬وهو ما تؤكده عىل أي حال دي بوفوار بقولها‪« :‬ليس [للنساء] ٍ‬
‫تاريخ‪ ،‬أو ديانة خاصة بهنَّ ؛ وليس لديهنَّ كالكادحني تضامنٌ يف العمل واملصالح؛‬
‫حتى إنه ليس لديهنَّ ذلك التجمع املكاين الذي يجعل سود أمريكا ويهود الغيتو‬
‫وعُ َّمل سان ِدين أو مصانع رينو مجموعة [اجتامعية]‪ .‬إنهن َي ِع ْشنَ ُم َت َف ِّرقات بني‬
‫الرجال‪َ ،‬يربطهنَّ املَ ْس َكنُ والعمل واملصالح االقتصادية والوضع االجتامعي ببعض‬
‫الرجال ‪ -‬األب أو الزوج ‪ -‬أكرث مام َيربطهنَّ بالنساء األخريات‪ ...‬قد َيتَوخى الكادح‬
‫َعصبان بالحصول عىل رس‬ ‫َذبح الطبقة الحاكمة؛ وقد يحلم يهوديٌ أو أسودٌ ُمت ِّ‬
‫‪284‬‬
‫اخلامتة‬

‫وصنع عالَ ٍم يهودي أو أسود بأكمله؛ أما املرأة فهي ال تستطيع إبادة‬ ‫القنبلة الذرية ُ‬
‫الذكور حتى يف أحالمها‪ .‬فام َير ِبطها ِبقا ِمعها ال يشب ُه أيَّ رباطٍ آخر‪ .‬والزوجان وحد ٌة‬
‫أساس يتمسك طرفاها أحدهام باآلخر‪ :‬ومن املستحيل َش ْط َر املجتمع وفق الجنس‪.‬‬
‫يكون َط َرفا ُه رضور َّيني‬
‫كل ُ‬ ‫بشكل أساس؛ أنها اآلخر يف وسط ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا ما ُي ِّي ُز املرأ َة‬
‫لِ َبعضهام»(‪.)16‬‬
‫يل البعض من تيارات النسوية إىل ُنكرانِ هذه الحقيقة‪،‬‬ ‫غي من األمر شيئا َم ُ‬ ‫ولن ُي ِّ َ‬
‫رج ُع يف‬‫وذلك ِبدَعوى أن مثل هذا االنقسام الجنيس وما َتر َّت َب علي ِه من أدوا ٍر أمنا َي ِ‬
‫أساس ِه إىل املجتمع وليس الطبيعة‪ .‬وذلك ألن مثل هذا القول‪ ،‬حتى لو َس َّل ْمنا ٍ‬
‫ببعض‬
‫من حيثيات ِه وخصوصا املتعلقة منها بالرتبية والتنشئة االجتامعية‪ ،‬أمنا ُيخفي أغراضا‬
‫تأيت يف ُمقدِّمتها تهيئ ُة األذهان من أجل َت َق ُّب ِل ترتيبات وخلق وقائع َتسته ِد ُف إيجاد‬
‫تصو ٍر جديد عن العامل – وهو ما مل ُت ْن ِك ْرهُ القائالت بهذا االتجاه عىل أي حال –‬
‫ُيلغى فيه هذا التاميز الثنايئ‪ ،‬ومبارشة إيجاد بدائل أخرى عن القيم وااللتزامات‬
‫الناظمة للحياة االجتامعية القامئة‪ ،‬والتي ال تأخذ يف ُحسبانها العمل عىل التخلص‬ ‫ِ‬
‫من أوضاع االستغالل الذي َف َر َض ْت ُه طبيعة التاميزات الطبقية والعرقية ونتائج ٍ‬
‫تاريخ‬
‫ُمتطاولٍ من العبودية واالستغالل الكولونيايل للعوامل غري الغربية‪ ،‬والتي جعلت‬
‫من املرأة إىل جانب الرجل ضحية له‪ ،‬إن مل نتطرف ونذهب إىل القول بأن املرأة‬
‫كانت الضحية األوىل يف معاناتها ملثل تلك الظروف‪ .‬كام يسعى مؤيدو هذا القول‬
‫ات عن الحرية ُتزيل عن املرأة قيودها التي‬ ‫إىل املطالبة بإتاحة السبيل أمام تعبري ٍ‬
‫َتط َّل َب ْت منها أداء أدوارها التقليدية السابقة املرتبطة باملجال الخاص‪ ،‬وكذلك إتاحة‬
‫السبيل أمام االختيارات املتعلقة بامليول الجنسية الخاصة باالقرتان بالجنس اآلخر؛‬
‫أي الرجل‪ .‬ولكن‪ ،‬وليسمح لنا القارئ بالتساؤل التايل‪ :‬أال َيد َف ُع مثل هذا التصور‬
‫وتداخل يف‬
‫ٍ‬ ‫حاالت من عدم االستقرار النفيس واملجتمعي وفوىض أخالقية‬ ‫ٍ‬ ‫إىل إنتاج‬
‫األدوار والوظائف االجتامعية والثقافية بخاصة؟ ورمبا قد ال ُنجا ِو ُز الصواب حينام‬
‫وصفة تهدف إىل تغيري العامل‪ ،‬ولكن باملعنى الذي‬ ‫ٌ‬ ‫َن ِص ُف مثل هذا التصور بأنه‬
‫ْص ُف إىل هَ دم ِه‪ ،‬باعتقادنا‪.‬‬ ‫َين َ ِ‬
‫نحن نزعم ‪ -‬وخصوصا إذا ما اتفقنا عىل االفرتاض األساس الذي بدأنا به هذه‬
‫الخامتة ‪ -‬أن املواقف التي اتخذها الرجال حيال النساء‪ ،‬رمبا مل تكن عىل هذا‬
‫‪285‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫الشكل املتطرف الذي َص َّو َرت ُه النسويات‪ .‬فمن الصواب القول بأن هناك كثريا من‬
‫تجارب ووقائع العنف واألذى النفيس قد وقعت كث ٌري من النساء ضحية لها يف‬
‫بشكل متواصل وعىل م ِّر الزمن‪ ،‬واليزال الحال كذلك عىل‬ ‫ٍ‬ ‫عديد من املجتمعات‬
‫رغم كثري مام ُأنجز عىل صعيد الترشيعات واإلجراءات السياسية وغري السياسية‬
‫األخرى ‪ -‬والكثري منه كان قد تم تحت الضغط الذي َم َّث َلت ُه ُمطالَبات النسويات‬
‫باملساواة والعدالة ‪ -‬التي ُفرضت وخصوصا يف املجالس الترشيعية وأماكن العمل‬
‫تأت دامئا من ج َّراء‬ ‫ويف حقل وسائل االتصال الجامهريي‪ ،‬بيد أن أسبابها مل ِ‬
‫ُكر ِه الرجل لهنَّ أو احتقا ِرهنَّ ؛ فرمبا عملت فيها ظروف وعوامل أخرى تستقي‬
‫عنارصها األساسية من البيئة املادية والثقافية إضافة إىل منط التطور الخاص الذي‬
‫أحاط بتجارب تلك املجتمعات مكانا وزمانا‪ .‬تقول دي بوفوار‪« :‬إن ُه عىل رغم‬
‫الخرافات ال َي ْف ِر ُض أي قد ٍر فيسيولوجي عىل الذكر أو األنثى كام هام عدائية‬
‫السعوفة(٭) الراهبة الشهرية ال تأكل َذ َك َرها إال إذا مل تجدْ غذاء غري ُه‬ ‫أزلية؛ حتى ُ‬
‫وملصلحة النوع‪ ...‬يف الحقيقة‪ ،‬من املستحيل كشف تنافس فيسيولوجي بني الذكر‬
‫واألنثى البرش َّيني ولو بسو ِء ن ّية»(‪.)17‬‬
‫ما َنع َت ِقدُ ُة هو أن ما عمل عىل إنتاج هذه الظاهرة أو عىل األقل يف جز ٍء رئيس‬
‫منها؛ أي ظاهرة عدم املساواة واالضطهاد يف العالقة بني املرأة والرجل‪ ،‬أمنا َت ِجدُ‬
‫أساسه يف مزيج من العواطف التي َز َح َم ْت عقول النساء ونفوسهن خوفا وأث َر ًة؛ أي‬
‫بسبب ما ُج ِب ْلنَ عليه من ِّرق ٍة‬
‫ِ‬ ‫ؤول إليه أحوالهن ومصائرهن‬ ‫خوفا مام ميكن ْأن َت َ‬
‫وضعف‪ ،‬وذلك يف عاملٍ تصارعي عنيف رمبا ُيذ ِّك ُر بحالة الطبيعة الهُوبزية‪ ،‬وبخاص ٍة‬
‫بيئات َغ َل َب ْت عليها ُندرة املوارد وصعوبة الحصول عليها إال ِب َشقِّ األنفس وما‬ ‫يف ٍ‬
‫أكرثها إ َّبان تلك العهود‪ .‬هذا إىل جانب حاجة الرجل الوجودية إىل املرأة‪ ،‬والتي‬
‫َب ْت عن نفسها من خالل العمل عىل َك ْس ِب و ِّد النساء‪ ،‬والتخوف من‬ ‫غالبا ما ع َّ َ‬
‫الحظوة واملكانة لديهنَّ ‪ .‬يدعم ذلك‬ ‫ناحي ٍة أخرى‪ ،‬من منافسة اآلخرين لهم عىل َنيل َ‬
‫كله الحاجة الطبيعية إىل األمن النفيس ونزعة البقاء لدى النوع البرشي ومشاعر‬
‫عب عنها ُ‬
‫باأل ُبوة وال ُبنوة التي تأيت من ُص ْل ِب ِه‪.‬‬ ‫االستمرار ا ُمل َّ‬
‫و«ج َم ُل سليامن» و«الراهبة»‪[ .‬املؤلفان]‪.‬‬ ‫(٭) وهي حرشة ُتط َلق عليها تسميات عدة مثل‪َ « :‬ف َر ُس النبي» َ‬
‫و«ج َم ُل اليهود» َ‬

‫‪286‬‬
‫اخلامتة‬

‫لهذه األسباب ورمبا ُألخرى غريها‪ ،‬فإننا نعتقد أن القول ِب َكراهية و ُمعاداة‬
‫غات بشأن النَظرة الدونية إىل النساء‬ ‫النساء ‪ sexism‬مع كل ما َتر َّت َب علي ِه من ُمس ِّو ٍ‬
‫واضطهادهن من قبل الرجال‪ ،‬إمنا هو انطباعٌ و َتص ُّو ٌر قد َتو َّل َد لدى النسويات‪ ،‬أو‬
‫بعضهنَّ عىل األقل‪ ،‬من ج َّرا َء املغاالة يف العواطف واملخاوف التي أثارتها لدى الرجل‬
‫املصاحبة لدي ِه من عدم‬‫ِ‬ ‫عوامل البيئة املكانية والزمانية الصعبة‪ ،‬وكذلك الشكوك‬
‫بسبب من ر َّق ِتهن وضعفهن الجسدي عىل حامية أنفسهن واحتامل‬ ‫ٍ‬ ‫قدرة النساء‬
‫املَشقات الحياتية‪ ،‬من ناحية‪ ،‬عالوة عىل محاولة البعض من النسويات استخدام‬
‫ذلك االنطباع (كراهية النساء) من أجل تربير متردهن عىل واقعهن ومحاولتهن‬
‫كسب تأييد النساء للتوجهات الاليت َي ْح ِم ْلنَها‪ ،‬ورمبا ُبغية إثارة التعاطف من قبل‬
‫الرجال أفرادا كانوا أو ضمن املؤسسات القامئة من ناحية أخرى؛ يك يسهل من‬
‫ثم مترير التغيريات والتأثري يف العمليات واإلجراءات الرامية إىل تكريس َمطالِ ِبهن‬
‫وبشكل‬
‫ٍ‬ ‫وتصورهن الخاص الذي َي ْح ِم ْل َن ُه يف هذا املجال‪ .‬وهو ما سنحاول توضيح ُه‬
‫فصل فيام ييل‪.‬‬‫ُم َّ‬
‫أما املحور الثاين وا ُملتَم ِّث ُل يف الحاجات االقتصادية‪ ،‬والذي ُيش ِّك ُل املوضوع‬
‫بشكل جوهري عىل مطالب‬ ‫ٍ‬ ‫الرئيس الثاين لدى النسويات بعامة‪ ،‬فقد َت َر َّك َز‬
‫باملساواة يف الفرص؛ يف التعليم والعمل‪ ،‬ولكن َشيطة ْأن ُيراعى وضع املرأة‬
‫الخاص؛ وطبيعتها وحاجاتها‪ ...‬إلخ‪ .‬ثم العمل من ثم عىل ضامن مشاركة الرجل‬
‫يف مسؤوليات الرعاية والرتبية واألعامل ال َبيتية األخرى التي كانت والتزال حرصا‬
‫بأن ليس‬ ‫عىل املرأة‪ .‬ذلك ألنهن َي ْع َت ِقدْ َن‪ ،‬تأسيسا عىل الطبيعة اإلنشائية للجندر‪ْ ،‬‬
‫إثبات لوجود موانع أو إمالءات طبيعية أو َبيولوجية رمبا قد تحول دون‬ ‫هناك من ٍ‬
‫إسهام الرجل يف أعامل البيت‪ ،‬كام أنه ليس هناك يف طبيعة العمل‪ ،‬خارج دائرة‬
‫الناس يتك َّونون من أب َوين‬
‫البيت‪ ،‬ما يجعل من املستحيل تكييفها مع حقيقة أن َ‬
‫إضافة إىل كو ِنهام عا ِم َلني(‪.)18‬‬
‫و َيكت َِس ُب مثل هذا القول ِمصداقيت ُه لدى النسويات من أن َحد ََث الثورة الكربى‬
‫كان ل ُه ْأن َيحدث من دون تغيري واقع االضطهاد‪ ،‬وهذا بدور ِه ال‬ ‫آ ِنف ال ِذكر ما َ‬
‫الجنسني يف مسؤوليات ُ‬
‫األرسة واألعامل ال َبيتية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ميكن ْأن يتحقق من دون مشاركة‬
‫ُ‬
‫وبغية تحقيق مثل هذه األغراض‪ ،‬كان ال ب َّد من التحول مرة أخرى إىل العائلة‪.‬‬
‫‪287‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫فالعائلة هي املكان الذي ُيصاغ في ِه اإلنسان رجال كان أو امرأة‪ ،‬وحيث يجري‬
‫بكل منهام والتي‬ ‫إعداد ُه أو إعدادُها من أجل َتق ُّب ِل األدوار االجتامعية الخاصة ٍّ‬
‫َتنت َِظ ُرهام مستقبال‪ ،‬ليس عىل صعيد الجنس‪ /‬الجندر فقط بل حتى تلك التي تتعلق‬
‫بالتحدرات االجتامعية؛ الطبقية والعرقية واإلثنية أيضا‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬تقول‬
‫بشكل‬
‫ٍ‬ ‫الباحثة األمريكية جاين فالكس ‪« :Jane Flax‬إن إحدى القضايا التي َت ْ ُب ُز‬
‫األرسة؛ ذلك ألنها إحدى ال ُبنى‬ ‫ثابت ومستمر يف النظرية النسوية هي رضورة فهم ُ‬
‫كل ُبنى االضطهاد األخرى‪ .‬حيث ُنج ِّر ُب من خاللها ُن ُظم‬ ‫املركزية التي تتوسط بني ِّ‬
‫األرسة يجب ْأن َ‬
‫يكون‬ ‫الطبقة والعرق ِب ُطرقٍ شخصية وطبيعية‪ .‬لذا فإن َف ْه َم وظائف ُ‬
‫أحد األهداف الحاسمة للنظرية النسوية»(‪.)19‬‬
‫هنا‪ ،‬ويف مثل هذه البيئة‪ ،‬عملت النسويات عىل َتسييس العائلة؛ وذلك‬
‫حاصة النظام ال َبطر َيريك بوصفه أحد أهم العنارص‬ ‫أجل ُم َ‬‫يف مسعى ِمنهن من ِ‬
‫الفاعلة يف عالقة االضطهاد التي ُتعانيها النساء‪ .‬مبعنى أن العائلة‪ ،‬بل كل ما هو‬
‫شخيص لدى املرأة‪ُ ،‬يح َّول إىل دائرة الشأن السيايس‪ .‬وبذلك ُتخ َرج العائلة ‪ -‬مبعنى‬
‫قيم ومعايري من الخصوصية التي َتتَمت َُّع بها يك‬ ‫رتتب عليها من ٍ‬ ‫ُتج َّرد ‪ -‬وكل ما َي ُ‬
‫تكون شأنا عاما – مبعنى سيايس – قابال للنقاش بشأنه والتدخل الحكومي في ِه‬
‫مادام الهدف من ُه هو إجراء التغيريات واإلصالحات خدمة لِغرض مركزي وهو إزالة‬
‫عالقة االضطهاد واالستغالل آ ِنفة ال ِذكر‪ .‬يعني ذلك‪ ،‬بعبار ٍة أخرى‪َ ،‬تجريد العائلة‬
‫أحاط بها من ُقدسية واحرتام وخصوصية‪ ،‬وجعلها‬ ‫كل ما َ‬ ‫والحياة العائلية من ِّ‬
‫خض ُع جميعا لِقانون‬ ‫وتوزيع ألدوا ٍر اجتامعية ومن ثم َت َ‬
‫ٍ‬ ‫عمل جنيس‬
‫مجرد تقسيم ٍ‬
‫كل يشء‪ِ ،‬بدءا من الرتكيب‬ ‫التنافس بني َط َر َفني يؤ َّكد فيه االختالف والتاميز يف ِّ‬
‫جعل من النساء والرجال‬ ‫الجسدي والنفيس وصوال إىل التصنيف ال َبيولوجي الذي َي ُ‬
‫إلنشاءات اجتامعية متاميزة هي‬ ‫ٍ‬ ‫أنواعا اجتامعية ‪ Genders‬قامئة بذاتها تخضع‬
‫األخرى‪ .‬بحيث ُتضفى ‪ -‬لدى البعض من التيارات النسوية الراديكالية عىل‬
‫األقل ‪ -‬صفات ُتعيل من شأنِ النساء وتربر العمل عىل إعادة النظر ِ ُبجمل القيم‬
‫ؤط ُر و َتحكم من ثم الحيا َة العاطفية والجنسية‪ ،‬وما‬ ‫واملعايري «التقليدية» التي ُت ِّ‬
‫بأن‬ ‫يرتتب عليها من إعادة اإلنتاج اإلنساين واستبدال أخرى مكانها تسمح للنساء ْ‬
‫ألنفسهن‪ ،‬ساعيات من خالل ذلك إىل َنيل واكتساب أكرب قدر من املنافع‬ ‫ِ‬ ‫َي ِع ْشنَ‬
‫‪288‬‬
‫اخلامتة‬

‫سهن واملجتمع‬ ‫االقتصادية‪ ،‬و ُمتح ِّررات يف الوقت نفسه من التزاماتهن تجاه ُأ َ ِ‬
‫بشكل حرصي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمع ذكوري‬ ‫ٌ‬ ‫الذي هو يف عُ ْر ِفهن‬
‫الجنسني‪ ،‬ذلك‬
‫َ‬ ‫ثم يأيت بعد ذلك تأكيد الطابعني االجتامعي والرتبوي للتاميز بني‬
‫َب عن ُه الجندر‪ .‬فالتاميز أمنا َيستَمدُّ َحقي َق َت ُه من كون ِه صفات فردية أوال‪،‬‬ ‫الذي ع َّ َ‬
‫ووظيفية ثانيا‪ ،‬ومن ثم فهي ال ُت ِّرب ُر الخضوع واالضطهاد وكل ما َي َرت َّت ُب عىل العالقة‬
‫الضر مبصالح املرأة وشخصها‪ ،‬هذا‬ ‫لحق َّ َ‬ ‫نتائج قد َت ُ‬
‫القامئة بني الرجل واملرأة من ٍ‬
‫جنس إىل أفرا ٍد آخرين من الجنس‬ ‫كل ٍ‬ ‫إذا ما َوضعنا يف اع ِتبا ِرنا إمكانية َميل أفراد ِّ‬
‫نفس ِه‪ ،‬لدى كل من املرأة والرجل‪ ،‬فمثل هذه امليول والتوجهات الجنسية تجعل من‬
‫واألنثى شيئا من املايض‪.‬‬ ‫التاميز الثنايئ بني الذكر ُ‬
‫ثم هناك تساؤالن نرى َّأن من املناسب للباحثني الذين يتناولون قضي َة النسوية‬
‫بالدرس والتحليل أن يعودوا إىل التع ُّر ِض لهام ويحاولوا َف ْهمهام‪ ،‬ولكن يف سياقِ‬
‫ما َ َت َّخ َض ْت عنه تجارب النسوية ونظرياتها وما آلَ ْت إلي ِه من نتائج‪ .‬ونحنُ َنقصد‬
‫تكون قد أ َّد ْت ُه مثل هذه‬‫التساؤل عن الدور املحتمل الذي ُيكن ْأن َ‬ ‫َ‬ ‫من وراء ذلك‬
‫غي يف أمناطِ السلوك الفردي واملعايري االجتامعية الحاكمة‪،‬‬ ‫الدعوات فيام نرا ُه من َت ُّ ٍ‬
‫أصاب منظومة القيم السائدة‬ ‫َ‬ ‫والتساؤل عن أثر ذلك فيام ُيكن َتسميت ُه َتح ُّلال‬ ‫َ‬
‫وط َب َع ْت الحياة يف املجتمعات الغربية بهذا الطا ِبع‪.‬‬ ‫َ‬
‫نحن نعتقد َّأن ال ِقيم وا ُملثل التي أ ْر َستْها املجتمعات عرب تاريخها الطويل‬
‫الجمعي‪َّ ،‬ربا ُت ِّث ُل أفضل الخيارات‬ ‫َبطنتها األجيال املختلفة يف َوعيها وال َوعيها َ‬ ‫واست َ‬
‫ثم ألفرادها يف ظل الظروف واإلمكانات املتاحة لها تاريخيا؛‬ ‫قت من َّ‬ ‫التي َتح َّق ْ‬
‫بحيث ميكن للتغريات التي هي ِسمة الحياة بال ُمنا ِزع ْأن تأخ َذ طريقها إىل قيم‬
‫املجتمعات و َمفاهيمها الخاصة عن معاين الوجود والحياة والكون‪ .‬غري َّأن هناك‬
‫باملقابل عنارص ُأخرى يف هذه املعاين ال َت ْح َت ِم ُل التغيري مبعناه الشامل‪ ،‬وبخاص ٍة منها‬
‫سس مادية أو تركيبية محسوسة؛ طبيعية‪َ /‬بيولوجية‪ ،‬وتضطلع‬ ‫تلك التي َتدع َُمها ُأ ٌ‬
‫ثم َيصعب تصور تغيريها‬ ‫والخطورة ومن َّ‬ ‫بالحراجة ُ‬ ‫بتأدية أدوا ٍر حيوية َتتَّصف َ‬
‫اض وإرضاء لِ ُميولِ أقلية صغرية من الناشطات النسويات‪َّ .‬‬
‫ألن من‬ ‫بهدف إشباع أغر ٍ‬
‫كل العالقات وال ُبنى االجتامعية واالقتصادية‬ ‫شأنِ ذلك‪ ،‬متى ما َتح َّقق‪ْ ،‬أن َي ْق ِل َب َّ‬
‫واملعادالت السياسية بني األفراد والجامعات االجتامعية املختلفة بصور ٍة راديكالية‪.‬‬
‫‪289‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫َفك ِك األرسي‪ ،‬إن مل‬ ‫ومن أهم ما ُيكن َتشخيص ُه يف هذا املجال هو ظاهرة الت ُّ‬
‫َخل املرأة عن‬ ‫األرسة ك ُبنية وكوحدة أساسية يف املجتمع‪ .‬ويكون ذلك ِبت ِّ‬ ‫نقل ِبزَوالِ ُ‬
‫ْ‬
‫استعدادات نفسية وجسدية ُتحافظ‬ ‫ٍ‬ ‫كل ما َيعني ِه ذلك من‬ ‫أدا ِء دَورها ال َبيتي ِب ِّ‬
‫تضحيات َّربا‬
‫ٍ‬ ‫األرسة‪ ،‬مع ما ُيرا ِف ُق ذلك من‬ ‫املرأة من خاللها عىل وحدة ومتاسك ُ‬
‫واألرسة‪ ،‬هذه‬ ‫ببعض مام ُيف ِر ُزهُ التَح ُّرر من القيود وا ُملع ِّوقات الناشئة بفعل الرجل ُ‬ ‫ٍ‬
‫َّ‬
‫القيود التي ال تخلو من مكافأة يف اآلن نفسه؛ حيث َتتَغل ُب مشاعر االستقرار واألمن‬
‫والغربة‪ ،‬بوصفه‪ ،‬أي‬ ‫الضياع ُ‬ ‫العزلة‪ ،‬واالنتامء عىل َ‬ ‫ال َبيتي وا ُملجتمعي عىل إحساس ُ‬
‫وضع ال ُي ِكنُ‬
‫هذا األخري‪ ،‬من بني إحدى نتائج التَح ُّرر وإفرازات ِه‪ .‬وهو عىل أي حال ٌ‬
‫عواطف ا ُملراهقة والشباب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بشكل فعيل إال بعد ْأن َت ْب َد‬‫ٍ‬ ‫اإلحساس به‬
‫تجسدُ يف هُ روب‬ ‫النتيجة األخرى التي ُيكن اإلحساس بها يف هذا الشأن َت َّ‬
‫ادت‬‫الرجال أو غيابهم من ج َّراء استبعادهم أو االستغناء عنهم بتعب ٍري آخر‪ .‬فلو أر ِ‬
‫النساء‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬االنفراد برتبية أطفالهنَّ مبعزلٍ عن الرجال‪ ،‬وذلك بوصف ِه‬
‫ُواج ُه‬
‫فست َ‬ ‫أح َد َمطالِ ِب التَح ُّر ِر من هيمنة الرجال لدى عدد من التيارات النسوية؛ َ‬
‫رشد؛ أي األب يف‬ ‫وج ِه أو ا ُمل ِ‬
‫مبشكالت عديدة يأيت يف مقدمتها غياب ا ُمل ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعاتنا‬
‫املقام األول‪ ،‬بوصف ِه القدوة أو النموذج األعىل الذي سيهتدي ِب َهدْي ِه الجيل الجديد‪،‬‬
‫ات غري سليمة متضاربة وغري محسوبة‬ ‫وبعكسه سيقع األفراد الصغار ضحي َة تأثري ٍ‬
‫يف أغلب األحيان‪ ،‬تأيت عادة نتيج ًة لِ َعدوى تقليدهم اآلخرين وخصوصا لِ َمنْ هم‬
‫غياب اآلباء و َتنامي أعداد‬ ‫يف ِسنِّهم‪ .‬فكانت من نتائجها تلك الرابطة ا ُمل ْق ِل َقة بني ِ‬
‫السجون وزيادة ُنزَالئها وخصوصا من بني الفئات العمرية الشابة(‪.)20‬‬
‫كام ال ميكن استبعاد فرضية كون تأكيد املفاهيم والنظريات النسوية ‪ -‬بوصفها‬
‫ا ُمل َف ِّسة الوحيدة لِام ُيسمى ِبظاهرة االضطهاد الذي َت َق ُع َضح َّيته النساء ‪ -‬من شأنه‬
‫التغطية عىل جوانب االضطهاد التي ُتعانيها الجامعات والطبقات االجتامعية‪ ،‬وذلك‬
‫من خالل عملية الفصل بني املامرسات التي يجري استهداف النساء من ِخاللها‬
‫ثم الجامعات‬ ‫وبني جوانب االستبعاد واالستغالل التي َت َق ُع َضح َّيتها و ُتعانيها من َّ‬
‫االجتامعية األخرى؛ الطبقية منها واإلثنية والعرقية والدينية وما شابه‪ .‬ناهيك عن‬
‫كون مثل هذه التصورات والدعوات‪ ،‬الس َّيام التي ُت ْط ِل ُقها صاحبات التوجهات مابعد‬
‫صوب نقد السلطة‪ ،‬كام يَزعُ من بذلك‪ ،‬مل تكن لِتَستَه ِد َف ا ُملطالَبة‬ ‫الحداثية يف َسعيها َ‬
‫‪290‬‬
‫اخلامتة‬

‫حاصة عمليات االفتئات‬ ‫ثم عىل ُم َ‬ ‫بتوسيع هامش الحريات السياسية‪ ،‬والعمل من َّ‬
‫املتنامية عىل الحقوق من قبل النظم الحاكمة‪ْ ،‬إن كان ذلك َيعني السعي إىل التغيري‬
‫كام هو املفروض يف مثل هذه الحالة‪ ،‬بل استُب ِدل ذلك ِبت ََّحدي معاي ِري املجتمع‬
‫القائم ومهاجم ِة ُأ ِسس ِه‪.‬‬
‫وبهدف زيادة التدقيق‪ ،‬لِن َُع ْد مرة أخرى إىل تأكيد أن محاولتنا يف هذا املجال‬
‫تأيت من أجل تحقيق َغ َر َضني مركز َيني‪ :‬األول َفهم األسباب الكامنة وراء اضطهاد‬
‫عب عنه يف النظريات السياسية النسوية‪ ،‬أما الثاين‪َ ،‬فهو معالجة موضوع‬ ‫النساء وا ُمل َّ‬
‫ما ُتريد ُه النساء من وراء مساعيهنَّ وأغراضهنَّ يف إطار ذلك الفهم‪ ،‬سواء أكان ذلك‬
‫الح َريك بتعب ٍري آخر‪.‬‬
‫عىل الصعيد النظري أم العمليايت‪ ،‬أو السياق َ‬
‫أسباب االضطهاد‪َ ،‬ف ُيم ِكنُ إرجاعُ ُه‬
‫ِ‬ ‫فأ َّما ما يتعلق بالغرض األول الذي يدور حول‬
‫‪ -‬وهو ما استخلصناه من خالل تناولنا العديد من األفكار والتصورات التي َح َم َلتْها‬
‫و َناد َْت بها النسويات عىل اختالف توجهاتهنَّ ‪ -‬إىل عد ٍد من العوامل الرئيسة‪ ،‬ويأيت‬
‫يف مقدمتها ما ييل‪:‬‬
‫أ ‪ -‬استخالص العمل غري املأجور والذي تضطلع ب ِه النساء‪ ،‬مبعنى استغالل‬
‫مقابل مادي يف البيت‪ ،‬سواء أىت‬ ‫ٍ‬ ‫جهودهنَّ وعملهنَّ الذي ال تحصل منه املرأة عىل‬
‫ذلك من خالل عملها ودورها باعتبارها َر َّب َة بيت ُتعنى بشؤونِ الزوج‪ ،‬أم َراعي ًة‬
‫وربا لِكبار السنِّ أو من قد يعيشون يف البيت‪ ،‬إضافة إىل أشياء‬ ‫و ُمربي ًة ألطفالها َّ‬
‫ُأخرى بالطبع‪.‬‬
‫ب‌ ‪ -‬دورهنَّ الذي أوقفت ُه عليهنَّ الطبيعة‪ ،‬واملتمثل يف إعادة إنتاج النوع‬
‫البرشي (اإلنجاب)‪ .‬فهو ُيح ِّم ْلهنَّ مسؤوليات و ُير ِّت ُب عليهنَّ التزامات إىل الدرجة‬
‫التي َ ْتن َُعهنَّ من مامرسة أدوا ٍر ُأخرى َتدعو الحاجة إليها إما تخفيفا ألعباء الحياة‪،‬‬
‫األرسة وخصوصا التي ال ُم َ‬
‫عيل‬ ‫وخصوصا املادية منها‪ ،‬والتي تكا ُد ُت ْث ِق ُل عىل ُ‬
‫لها سواها‪ ،‬وإما التي هُ نَّ بحاج ٍة إليها من أجل تحقيق تكامل الذات والشعور‬
‫بالكرامة اإلنسانية‪.‬‬
‫ت‌ ‪ُ -‬شعو ُرهنَّ بالحرمان من الفرص التي ُيو ِّف ُرها النشاط يف املجال العام للرجال‪،‬‬
‫حملتهنَّ إياها طبيعتهن الخاصة واملطالب‬ ‫والناشئ أصال من املسؤوليات التي َّ‬
‫االجتامعية األخرى ا ُمللقاة عىل عا ِتقهن ‪ -‬الوارد بعضها أعاله ‪ -‬والتي ستستلزم تبعا‬
‫‪291‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫لذلك جملة من اإلجراءات والسياسات التي ميكن أن تندرج بدورها تحت عنوان‬
‫«سياسة التمييز اإليجايب وإجراءات التمكني السيايس»؛ وذلك من خالل التدخل‬
‫كم األرضار‬ ‫تأخذ يف ُحسبانها َّ‬‫الحكومي املبارش وغري املبارش يف هذا املجال‪ ،‬بحيث ُ‬
‫سياسات غري‬
‫ٍ‬ ‫التي لَ َح َق ْت بها والتي ستلحق بها مستقبال من ج َّراء ما هو قائم من‬
‫ُم ْك َ ِتث ٍة مبا يحصل فعليا‪ ،‬ليس عىل املرأة بوصفها فردا فقط بل أيضا باعتبارها ُمعيل ًة‬
‫باألرسة‪ .‬وإذا ما َن َظ َرنا إىل هذا األمر من‬ ‫حم ِل األعباء والنفقات الخاصة ُ‬ ‫ورشيك ًة يف َت ُّ‬
‫زاوي ٍة أخرى‪ ،‬فإ َّننا َسنَتوقع ِمقدار ما ُي ِكنُ ْأن َيتَح َّققَ من َن ْف ٍع من ج َّراء السامح‬
‫للمرأة بأخ ِذ َح ِّقها الطبيعي يف التعليم والعمل وبخاصة ما ُي ِكنُ ْأن ُتق ِّد َم ُه مشاركة‬
‫النساء يف العمل ويف صنع القرار االقتصادي والسيايس من منافع‪ ،‬أخذا بنظر االعتبار‬
‫الطبيعة التشاعرية (أو ال َت َّقمص العاطفي) ‪ empathy‬والذاتية ‪ subjectivity‬وصفة‬
‫األنثوي التي َتتاز بها النساء عىل الرجال‪ ،‬والتي ميكن أن تعود بآثارها عىل‬ ‫الحدس ُ‬ ‫َ‬
‫النظام السيايس والحياة السياسية ُمضفية عليها أشكاال جديدة من االستقرار واألمن‬
‫والنزوع نحو املساواة واإلنصاف‪ ،‬ورمبا التَضييق عىل ثقافة الفساد التي أصبحت من‬
‫الخطرة وا ُملسترشية التي ُته ِّد ُد الكثري من املجتمعات يف عامل اليوم‪.‬‬ ‫األمراض َ‬
‫كل ذلك‪ ،‬هناك ظاهرة االستغالل الذي غالبا ما تقع النساء ضحية‬ ‫ث‌ ‪ -‬إىل جانب ِّ‬
‫ل ُه بوصفهنَّ جزءا من قوة العمل‪ ،‬تتشارك به النساء مع الرجال‪ ،‬عىل رغم َّأن تأثريات ُه‬
‫تص ُف به النساء العامالت وللعديد‬ ‫يف النساء أكرب وذلك بسبب الوضع ال َّه ِّش الذي َت ِّ‬
‫لألنثى وللحاجات واملطالب التي‬ ‫من االعتبارات‪ ،‬يأيت يف مقدمتها الطبيعة الخاصة ُ‬
‫َتتعلق بتكوينها ال َبيولوجي الخاص ذاته‪ ،‬وكنا قد أوردنا الكثري من أسباب ِه فيام مىض‬
‫من دراستنا هذه‪.‬‬
‫أ َّما الغرض الثاين الذي حاولَت دراستنا بعامة اإلجابة عن ُه والذي يدور حول ما‬
‫نط َل ٍق يف اإلجابة‬ ‫كم َ‬‫بشكل عام‪َ ،‬فهُنا ال بد من التأكيد‪ُ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الذي تريده املرأة والنساء‬
‫عن هذا التساؤل‪ ،‬عىل أ َّن ُه ليس باإلمكان َج ْم ُع النساء والتعامل َم َعهنَّ بوصفهنَّ‬
‫فئة واحدة موحدة‪ ،‬فهنَّ مواضيع لالختالف‪ ،‬سوا ٌء أىت ذلك من قبيل التباين يف‬ ‫ٌ‬
‫بائن عىل‬ ‫نابع‪ ،‬وال شك‪ ،‬من متاي ٍز ٍ‬‫امليول والتوجهات أو يف الحاجات واملطالب‪ .‬وهذا ٌ‬
‫صعيدَين عىل األقل‪ :‬أولهام‪ ،‬ويجد حقيقت ُه يف االختالف فيام بني النساء يف تحدرهنَّ‬
‫بيض و ُملونني‪،‬‬ ‫االجتامعي؛ الطبقي واإلثني والعرقي من بني أشيا ٍء أخرى بالطبع‪ ،‬بني ٍ‬
‫‪292‬‬
‫اخلامتة‬

‫وبني َمنْ ُيع ِّر ْفن أنفسهنَّ ِب َكو ِنهنَّ من طبق ٍة عُ َّملية وبني َمنْ َين ُْظ ْر َن إىل أنفسهنَّ‬
‫بوصفهنَّ من أفراد الطبقة الوسطى‪ ،‬بني املَسحوقني وا ُمل َّه َّمشني وأفراد األقليات‬
‫ات ُأخرى‬ ‫واملهاجرين‪ ،‬وبني ذوي املكانة والنُخبة املهيمنة‪ ،‬وذلك من بني َتايز ٍ‬
‫وص َبواتها الخاصة التي َت ِق ُف بالرضورة‬ ‫ولكل من هذه الجامعات آمالها َ‬ ‫بالطبع‪ٍّ .‬‬
‫الطيف‬ ‫عىل الض ِّد من َتطلعات ومشاغل واهتاممات َمنْ َي ْش َغ ُل الطرف اآلخر من َ‬
‫شك يف َّأن‬ ‫االجتامعي‪ .‬ثم َّإن هناك انقساما ثانيا ولكنه َسيكولوجي هذه املرة‪ ،‬وال َّ‬
‫النساء َس َي ُكنَّ عُ ْر َضة لهُ‪ ،‬وهو أم ٌر ال ُيستَثنى من ُه حتى الرجال أنفسهم‪ .‬عىل أال ُي ْف َه َم‬
‫الخالصة التي نذهب إليها واملتم ِّثلة يف الفصل بني الحاالت التي ُتعانيها‬ ‫من هذه ُ‬
‫الحسبان الجهد النظري الخاص ِب َبلورة‬ ‫النساء وتجاربهنَّ املختلفة‪ ،‬عدم أخذنا يف ُ‬
‫مفهوم عاملي للجندر بقدر عمل ِه عىل األخذ بنظر االعتبار األبعاد املختلفة واملتعددة‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫لهذا املفهوم سواء يف تفاعلها أو يف َتسان ِد بعضها مع البعض اآلخر‪ ،‬ونقصد بتلك‬
‫األبعاد‪ :‬التحدر الطبقي واإلثني والنُزوع النفيس وا ُمليول الجنسية املتفاوتة ألفراد‬
‫يل هنا إىل التأكيد عىل االنقسام‬ ‫ورشائح النساء من بني أشيا ٍء ُأخرى‪ .‬بل نحنُ َن ُ‬
‫الفعيل ا ُملشاهَ د وا ُملتح ِّقق فيام بني الرشائح املذكورة من ناحية والتعارض يف طموح‬
‫األخ َريات من ناحي ٍة ثانية‪.‬‬ ‫وآمال وتصورات الحل واملعالجة ألوضاعهنَّ مبعزلٍ عن ُ‬
‫يقول غريتز ‪ Goertz‬ومازور ‪ Mazur‬يف سياق حديثهام عن عملية صياغة املفاهيم‬
‫السياسية بعامة وذلك املتع ِّلق مبفهوم الجندر بخاصة‪« :‬من املهم يف أدبيات الجندر‬
‫ني االعتبار تلك التفاعالت الحاصلة بني العرق واإلثنية‬ ‫واألدبيات السياسية األخذ ِب َع ِ‬
‫والطبقة والجندر»(‪.)21‬‬
‫وهو ما يدفعنا إىل القول بأ َّن ُه ُيكن تقسيم النساء وفق التمييز املذكور إىل أمناطٍ‬
‫ثالثة‪ .‬ولكن عىل ْأن َي َظ َّل ما ِثال يف الذهن كون ذلك ال يعني‪ ،‬من ناحي ٍة أخرى‪َّ ،‬أن‬
‫مثل هذا التقسيم هو التقسيم القائم عىل األرض بالفعل‪ .‬رمبا َي ْح ِم ُل هذا التقسيم‬
‫بعضا من الحقيقة يف تص ُّو ِر ِه هذا بقدر متايز الناس يف سلوكهم وردود أفعالهم متايزا‬
‫يجعل من املمكن تقسيمهم إىل أمناط؛ فهناك منهم ا ُملتطرف ‪ ،extremist‬وا ُملتسامح‬
‫‪ ،tolerant‬وإىل جانبهام يوجد هناك َمنْ يحمل عقلية ُمتص ِّلبة ‪fixed-minded‬‬
‫وآخر ميتاز ِ ُبرو َنت ِه ‪ ...tender-minded‬إلخ‪ .‬فالنساء وفقا لهذه االعتبارات بعامة‪،‬‬
‫اض دراستنا بخاصة‪ُ ،‬ق ِّسمنَ إىل الفئات الثالث آنفة ال ِذكر‪ .‬حيث تقف عىل‬ ‫وألغر ِ‬
‫‪293‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫أحد أطرافه مجموعة من النساء ميكن وصفها بكونها الراضية عن وضعها‪ ،‬ولن‬
‫يدخل يف حسابنا ‪ -‬يف هذا املجال بالذات ‪ -‬سبب مثل هذا ال ِرضا‪ ،‬سواء أَ َت مثل هذا‬
‫اقتناع أو اضطرار‪ .‬فاملهم يف األمر َّأن هذه الكتلة من النساء‪ ،‬ولِ ٍ‬
‫ظروف هُ نَّ‬ ‫ال ِرضا عن ٍ‬
‫أعلم بها‪ ،‬تلوذ بالصمت وعدم االهتامم تجاه ما ُي ْع َر ُض أما َمهنَّ من أفكا ٍر وتحركات‬ ‫ُ‬
‫بصمت من بؤس واقعهنَّ وعجزهنَّ عن‬ ‫ٍ‬ ‫نسوية‪ ،‬ورمبا هنَّ من ا ُمل َت َذ ِّمرات ولكن‬
‫َحم ْلنَها سواء عىل‬ ‫الحصول عىل حقوقهنَّ وحرياتهنَّ من ج ّراء املسؤوليات التي َيت َّ‬
‫الصعيد العائيل أو االجتامعي‪ .‬و َم ْر ِج ُع ذلك إىل اليأس َّربا من إمكانية تغيري ما‬
‫يدفعهُنَّ إىل االهتامم‬ ‫هو قائم‪ ،‬أو لعدم توافر مستوى من الوعي ُيؤهلهنَّ ورمبا ُ‬
‫ثم مع املطالب واألغراض‬ ‫بدعاوى الناشطات النسويات واالنفعال والتفاعل من َّ‬
‫ثم‬
‫ب من َّ‬ ‫التي َي ْح ِم ْلنَها يف هذا املجال‪ ،‬أو أ َّنهنَّ ُم ْق َت ِن ٍ‬
‫عات بالفعل ِب َو ْض ِعهنَّ وال َي ْر َغ ْ َ‬
‫«إن الحركة النسوية يف‬ ‫يف تغيريه‪ .‬ففي هذا السياق تحديدا تقول هوكس ‪َّ :hooks‬‬
‫الواليات املتحدة مل تنشأ عن دور النساء الضحايا األكرب لالضطهاد املعادي للنساء‬
‫أبدا؛ أي النساء املَقهورات يوميا عقليا وجسديا وروحيا ‪ -‬النساء املحرومات من‬
‫القوة من أجل تغيري ظروف حياتهنَّ ‪ .‬ذلك أ َّنهنَّ األغلبية الصامتة‪ .‬أما العالمة عىل‬
‫احتجاج‬
‫ٍ‬ ‫قهرهنَّ فهي أ َّنهنَّ َق ِب ْلنَ ِب َح ِّظهنَّ من الحياة دومنا تساؤلٍ واضح‪ ،‬ودومنا‬
‫غضب أو انفجار جمعي»(‪.)22‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُمنظم‪ ،‬ودومنا‬
‫عىل الطرف اآلخر تقف النسويات اللوايت َي ْح ِم ْلنَ أفكا َر التغيري ومطال َبه‪،‬‬
‫واط ِرهنَّ ‪.‬‬ ‫جول يف َخ ِ‬ ‫و َيتصفن عالوة عىل ذلك بكونهنَّ األكرث قدرة عىل التعبري عام َي ُ‬
‫هذه الفئة من النساء ميكن وصف أفرادها بكو ِنهنَّ ُم ْث َقالت اإلحساس بوقع الظلم‬
‫عليهنَّ ‪ ،‬كام َت ْع َت ِم ُل ضامئرهنَّ ونفوسهنَّ بالكثري من السخط عىل األوضاع ‪ -‬الواقعية‬
‫بنات جنسهنَّ ‪ .‬هؤالء الناشطات ُمستعدات من أجل‬ ‫منها واملفرتضة ‪ -‬التي َتعيشها ُ‬
‫اضهنَّ و ُميولهنَّ عن طريق‬ ‫فعل كل ما من شأن ِه تغيري العامل يك يتناسب مع أغر ِ‬
‫العمل االجتامعي والسيايس‪ ،‬وسواء أكان ذلك بشكل ِه املبارش من خالل شنِّ الحمالت‬
‫ا ُملعادية للسياسات العامة ولإلجراءات املتبعة‪ ،‬أم تلك التي َتستَه ِد ُف الفلسفة التي‬
‫ات‬ ‫ات و َتظاهر ٍ‬ ‫شكل َمسري ٍ‬‫يقوم عليها النظام السيايس القائم‪ ،‬وكثريا ما اتخذ ذلك َ‬
‫وحركات احتجاج واعتصامات وما شابه‪ ،‬أو قد يتم ذلك من خالل اللجوء إىل العمل‬
‫غري املبارش عن طريق الكتابة وإلقاء املحارضات وتنظيم املؤمترات واللقاءات‪ ،‬وما‬
‫‪294‬‬
‫اخلامتة‬

‫شابه ذلك‪ .‬بحيث إ َّنهنَّ يستهدفن من وراء استخدام مثل هذه اآلليات تعبئ َة النساء‬
‫من أجل العمل دعام للقضية التي َي ْر َف ْعنَها‪ ،‬وخصوصا من بني أفراد الفئة التي‬
‫َت ْش َغ ُل الوسط املمتد ما بني الطر َفني آ ِن َفي ال ِذكر‪ ،‬وهي الفئة الثالثة من النساء‪.‬‬
‫وأفراد هذه الفئة الثالثة ميكن وصفهنَّ بكونهنَّ َي ْخ َت ِل ْفنَ عن ِكال الطر َفني يف‬
‫كونهنَّ أكرث قدرة أو َّربا أكرث َميال إىل االستامع إىل ما ُ ْي َل عليهنَّ ؛ مبعنى أ َّنهنَّ أقل‬
‫سلبية من أفراد الفئة األوىل‪ ،‬ولكن األكرث حذرا من املبادرة إىل الفعل من الفئة‬
‫الثانية من الناشطات‪َّ .‬ربا ميكن إرجاع ذلك إىل الفضول الذي يدعمه هامش الفراغ‬
‫سس َن ُه أو َّربا أيضا بسبب من املستويني العلمي والتعليمي‬ ‫الذي َتح َّققَ لهنَّ أو َي ْح ْ‬
‫بسبب من تحدرهنَّ االجتامعي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬
‫تحققت لهنَّ‬ ‫اللذين َح َص ْلنَ علي ِهام واملكانة التي‬
‫ملثل هذه االعتبارات‪ ،‬ورمبا ألخرى غريها‪ ،‬سيكون مبقدور أفراد هذه الفئة التأثر‬
‫مبا يجري‪ ،‬وسيكون لديهنَّ االستعداد لالنفعال مبا ُي ْع َر ُض عليهنَّ وخصوصا متى‬
‫ْأح َس ْسنَ بالفائدة املتحققة من فعل ذلك‪ ،‬ولكنهن غري مستعدات للمبادرة إىل‬
‫العمل املبارش من ناحي ٍة أخرى‪ .‬وهنا نالحظ َّأن الكاتبة بيتي فريدان تصف هذه‬
‫تح َّد ْر َن من الطبقة الوسطى البيضاء‪ ،‬وهن‬ ‫الفئة من النساء باملحظوظات‪ ،‬فهنَّ َي َ‬
‫أسخ َطهُنَّ وقت‬ ‫تعليم جامعي عالٍ ‪ ،‬ولكنهن من اللوايت َ‬ ‫ٍ‬ ‫متزوجات وحاصالت عىل‬
‫الفراغ الذي َي ِع ْشنَ فيه‪ ،‬ومن البيت ومن الزوج واألطفال‪ .‬فتقول فريدان عىل لسان‬
‫أفراد هذه الفئة‪« :‬مل نعد نستطيع إهامل ذلك الصوت داخل النساء أو التغايض‬
‫عنه؛ ذلك الذي يقول؛ أريد شيئا أكرث من َزوجي وأَطفايل ومن َبيتي»(‪.)23‬‬
‫بات نفسية‬ ‫طال جامع َة النساء َيستَمدُّ حقي َقت ُه من ُمر َّك ٍ‬‫وأخريا‪ ،‬هناك تقسيم آخر َي ُ‬
‫وتركيبات عضوية‪ /‬فسيولوجية كانت قد ع ََّب ْت عن نفسها يف ميول ورغبات جنسية‬
‫سواء تجاه الجنس ذاته أو يف العالقة مع اآلخر‪ /‬الرجل‪ ،‬وهي عىل كل حال ذات طبيع ٍة‬
‫شا ّذة لدى هذه الرشيحة عن الحالة السوية التي عليها القسم األعظم من النساء‪.‬‬
‫ومرة أخرى نؤكد أن لكل من هذه الرشائح والفئات حاجاتهنَّ ومطالبهنَّ‬
‫بسبب مام ُ ْتلي ِه عليهنَّ طبيعة تجاربهنَّ وظروفهنَّ الخاصة‪ ،‬والتي رمبا‬ ‫ٍ‬ ‫املختلفة‬
‫قد َت ِق ُف ‪ْ -‬إن هي مل تكن كذلك بالفعل ‪ -‬عىل الض ِّد من حاجات ومطالب الرشائح‬
‫النسوية األخرى‪ .‬هذا إذا ما أدخلنا يف حسابنا كم النساء املنسجامت مع إيقاع‬
‫الحياة وقيم الوضع الراهن‪ ،‬وهو ال شك كبري وفق كل االعتبارات‪.‬‬
‫‪295‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫بصاحبات امليول والرغبات الجنسية «الخاصة»‪ ،‬فال ميكن إدراج‬ ‫ِ‬ ‫وفيام يتعلق‬
‫مثل هذه امليول‪ ،‬يف رأينا‪ ،‬ضمن لوائح الحقوق والحريات ا ُملق َّررة التي تسعى‬
‫عب عن ُه يف نظريات الشذوذ ‪ queer theories‬إىل‬ ‫دات للتوج ِه ا ُمل َّ ُ‬
‫النسويات املؤ ِّي ِ‬
‫ش َع َن ِت ِها وإكساب ِها غطا ًء قانونيا‪ .‬بل األجدر إعطاؤهنَّ الحق يف العالج والنص عليه‬ ‫َْ‬
‫يف القوانني واللوائح األخرى‪ ،‬بقدر ما ُت ِّث ُل ُه هذه الحاالت من أعراض ألمراض نفسية‬
‫و ِفسيولوجية عضوية‪ُ ،‬بغية التعايف مام يشعرن به‪ .‬ومبقتىض مثل هذه الحاالت‪،‬‬
‫عالج ما ينتهي بتقوميها ودمجها‬ ‫ال بد من البحث يف الطب النفيس والعضوي عن ٍ‬
‫خاص من الحقوق‬ ‫ٍ‬ ‫يف السياق الطبيعي العام‪ ،‬وليس العمل عىل إفرا ِد مجالٍ‬
‫والحريات العامة لهذه الفئة من النساء والرجال‪ .‬إذ َّإن األصل يف الحرية هو متكني‬
‫الفرد من مامرسة حقوق ِه وحريات ِه يف إطا ِر َمسعى عام ُيوفر مجاال أوسع ملشاركة‬
‫املحكومني‪ /‬املواطنني يف الحياة السياسية ويف صنع واتخاذ القرارات التي َت ُ‬
‫طال‬
‫رضة لِعمومهم‪ .‬ناهيك عن احتامل حدوث‬ ‫حياتهم ومصائرهم وتعود بالنفع أو املَ َّ‬
‫شكل من أشكال التداخل فيام بني هذه الحاالت‪ ،‬وخصوصا السيكولوجية منها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وبني تحدر أصحابها والذي يأيت يف األغلب من رشائح وجامعات من األقليات التي‬
‫ُتعاين التهميش بسبب ِعرقها أو لَونها أو دينها‪ ...‬إلخ‪ .‬لذا كان لِزاما ‪ -‬والحالة هذه ‪-‬‬
‫السعي من أجل التمييز بني االثنَني والعمل عىل مواجهة أو رمبا معالجة كل منهام‬ ‫ُ‬
‫مبعزلٍ عن اآلخر‪َ ،‬ضامنا للنجاح يف هذا املسعى‪.‬‬
‫وبالعودة إىل األغراض التي تسعى إليها فئة الناشطات تلك؛ فإنه ميكن تلخيصها‬
‫بالتَح ُّرر؛ تلك الكلمة املفتاح يف هذه الدراما النسوية‪ .‬وملصطلح التَح ُّرر معانٍ كثرية‬
‫حاولت النسويات صاحبات هذا االتجاه تضمينها يف دائرة هذه الكلمة‪ .‬فالتحرر‬ ‫ْ‬
‫يعني لديهم‪:‬‬
‫كل ما من شأن ِه اإلبقاء عىل‬ ‫أوال‪ :‬التحرر من قيود العمل املنزيل‪ ،‬والتخلص من ِّ‬
‫املرأة أسري َة البيت وإدارة شؤون ِه والسهر عىل الرعاية والرتبية الخاصة باألطفال‪ .‬وال‬
‫أقل من ْأن َيشرتك الرجل يف َتحمل أعبائ ِه‪ ،‬وذلك كإجرا ٍء أويل‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬التحرر من القيود االجتامعية التي ُتيل عليها أشكاال ُمق َّررة من السلوك‬
‫والترصف‪ ،‬بدءا من قواعد الرتبية والتنشئة التي ُتاي ُز بني األوالد والبنات ُأ َسيا‬
‫الجنسني؛‬
‫َ‬ ‫واجتامعيا وانتهاء بالعالقات الجنسية التي تقرص العالقة الحميمية عىل‬
‫‪296‬‬
‫اخلامتة‬

‫الرجل واملرأة واستبدالها بعالقات حرة ومفتوحة بني أفراد الجنس الواحد‪ ،‬والتقدم‬
‫األحادي بالرجل‪.‬‬ ‫فك االرتباط ُ‬ ‫أكرث من خالل املطالبة والعمل عىل ِّ‬
‫ثالثا‪ :‬التحرر من قيود العمل يف املجال العام‪ ،‬وخصوصا ذلك الذي ال يأخذ‬
‫األنثى‪ .‬وهو األمر الذي َس َيستدعي َتدخل الدولة‬ ‫يف اعتبار ِه طبيعة واستعدادات ُ‬
‫يف هذا الشأن ‪ -‬والكثري منهنَّ راضيات بفعل ذلك حتى من قبل الليرباليات الاليت‬
‫حس ٍن يف ظروف‬ ‫تأسيا مبا ُي ِكنُ ْأن ُي ْح ِد َث ُه ذلك من َت ُّ‬
‫ُي ْؤ ِمنَّ بعدم تدخل الدولة ّ‬
‫وعيش النساء أو رشيح ٍة منهنَّ عىل األقل ‪ -‬من أجل إلغاء تلك القيود‪ ،‬وتبني‬
‫صب يف مصلحة الوضع الخاص للنساء‪ ،‬وإصدار الترشيعات ذات‬ ‫سياسات بديلة َت ُّ‬
‫ٍ‬
‫الصلة لهذا الغرض‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التحرر من القيود التي َت ِحدُّ من حركة النساء سواء يف البيت أو الشارع‬
‫أو يف أماكن العمل‪ ،‬وذلك من خالل العمل عىل تكثيف تلك اإلجراءات التي تكفل‬
‫الحامية التامة لهنَّ من أعامل العنف والتحرش الجنيس واالغتصاب الذي كثريا ما‬
‫َيتَع ّر ْضنَ ل ُه يف األماكن املذكورة‪.‬‬
‫كل ما م َّر ِبنا يف دراستنا هذه‪ ،‬ويك نحاول‬ ‫ومع ذلك‪َ ،‬ف َلنا ْأن نتساءل بعد ِّ‬
‫استرشاف مستقبل ومصري النسويات وخصوصا الراديكاليات منهنَّ ومن بني‬
‫اللوايت ُيؤ ِمنَّ بالتوجه الخاص مبا بعد الحداثة‪ُ ،‬ترى إذا كان للمرأة الحق يف‬
‫بكل‬ ‫أمر ال ُنش ِّك ُك في ِه ِّ‬
‫حيازة الحريات والحقوق والفرص املتاحة للرجل ‪ -‬وهو ٌ‬
‫تأكيد ‪ -‬فذلك يعني أ َّنها قد ارتضت لِنفسها ْأن ُتا ِر َس األدوار عينها التي مل َيز َْل‬
‫ميارسها الرجال أنفسهم‪ ،‬مبعنى املشاركة يف كل الشؤون التي تقع ضمن املجال‬
‫الخارجي للحياة وهو ما تحقق أكرثه بالفعل‪ ،‬ولكن‪ ،‬وهنا السؤال‪ ،‬هل يرتيض‬
‫بشكل َطوعي عىل األقل‪ ،‬مامرسة األدوار‪ ،‬وخصوصا تلك التي ُت َعدُّ‬ ‫ٍ‬ ‫الرجال‪،‬‬
‫باألمومة والرعاية واألعامل املنزلية‬ ‫أمورا لَصيقة باملرأة‪ ،‬مثل تلك املتعلقة منها ُ‬
‫األخرى؟ وإذا كانت اإلجابة باإليجاب‪ ،‬ول َندَع جانبا رفضهم مثل هذا املطلب‪،‬‬
‫تغيريات ُكربى عىل جميع مناحي الحياة وخصوصا‬ ‫ٍ‬ ‫أال يستدعي ذلك إجرا َء‬
‫وضع‬
‫اعي َ‬ ‫وأن ُير َ‬ ‫عىل صعيد تقسيم العمل‪ ،‬والذي ال بدَّ ْأن يأخ َذ يف اعتبار ِه ْ‬
‫املرأة الخاص النفيس منهُ والجسدي‪ ،‬وخصوصا تلك التي تتعلق بالعمليات‬
‫اإلنتاجية والتي تتطلب استعدادا َج َسديا؛ فكريا وعضليا من نوع خاص؟ ثم‬
‫‪297‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬

‫أال ينعكس ذلك سلبا عىل التكوين الجسدي والنفيس‪ ،‬يف حال تطبيقه‪ ،‬عىل‬
‫الخشونة لدى املرأة والتَخنُّث‬ ‫وربا ُ‬
‫الذكورة َّ‬ ‫الجنسني النساء والرجال‪ ،‬أي ُ‬ ‫َ‬ ‫ِكال‬
‫ربا كان السبب وراء ظاهرة «أزمة الذكورة»‬ ‫وامليوعة لدى الرجال؟ والذي َّ‬
‫‪ crisis of masculinity‬التي أخذ ُيعانيها عديد من املجتمعات الغربية اليوم‪،‬‬
‫والتي متثلت يف انخراط مجتمع الرجال يف الجرمية واملخدرات وارتفاع حوادث‬
‫االنتحار بينهم‪ ،‬وزيادة أعداد العوائل التي غادرها رجالها(‪ .)24‬وهي عىل كل حال‬
‫من جمل ِة ما َي َت َّت ُب عىل مثل هذا التحول من نتائج قد ال ُيكن وصفها بأقل من‬
‫الخطورة عىل الجنسني كأفرا ٍد وعىل ُمستقبل املجتمع وبقائ ِه كمحصل ٍة نهائية‪.‬‬
‫خصوصا عندما لن يعود هناك من شا ِغ ٍل لدى الناس سوى إشباع رغباتهم‬
‫وحياكة عالقاتهم الجنسية املفتوحة عىل مصاريعها‪.‬‬
‫بأن التمييز بني النساء والرجال إمنا‬ ‫وإذا ما اتفقنا يف نهاية املطاف مع القائالت َّ‬
‫تربية وتنشئة‬ ‫ثم فهو إنشا ٌء اجتامعي؛ ٌ‬ ‫هو نتاج النوع االجتامعي ‪ ،gender‬ومن َّ‬
‫وج َرى تضمينها يف املؤسسات واملامرسات‬ ‫واض َع عليها الناس َ‬ ‫وقواعد ومعايري سلوك َت َ‬
‫ثم ِنتاج الجنس ‪ ،sex‬فامذا عن غريزة‬ ‫االجتامعية والسياسية‪ ،‬وهي ليست من َّ‬
‫األنثى يا ترى؟ فهل ميكن إدراجها هي األخرى تحت هذه الفئة من‬ ‫األمومة لدى ُ‬
‫املفاهيم؟ وهل سيكون باإلمكان‪ ،‬عىل سبيل ال َفرض‪ْ ،‬أن نجعل من الرجال كائنات‬
‫ثل هذه‬ ‫ُتا ِر ُس هذه الوظيفة ال َبيولوجية؟ ثم ماذا عن النساء اللوايت َي ْر ُف ْضنَ ِم َ‬
‫مهات‪،‬‬‫كزوجات ُوأ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫التأويالت ل ِرضاهن بحياتهنَّ وباألدوار االجتامعية التي ُيؤدينَها‬
‫وألن مثل هذه التوجهات الفكرية ال ُت ِّث ُل سوى رشيحة ساخطة من النسويات‬ ‫َّ‬
‫َّسع لَهُنَّ ولِ ُقدرا ِتهنَّ الخارقة‬ ‫الطموحات اللوايت ال َي ِجد َْن لهنَّ يف ُمج َت َم ِعهنَّ مكانا َيت ُ‬
‫ات َتتَع َّل ُق باللون أو العمر أو االنتامء‬ ‫ني التهميش العتبار ٍ‬ ‫كام َي ْع َت ِقد َْن‪ ،‬أو الاليئ ُيعان َ‬
‫َواخلهنَّ‬
‫الطبقي أو العرقي أو اإلثني‪ ...‬إلخ‪ ،‬أو َّربا من النساء اللوايت يحملن يف د ِ‬
‫نزعات َسيكولوجية‬ ‫ٍ‬ ‫رغبات أو‬
‫ٍ‬ ‫َتص ُّورا ُمعينا عن العامل الذي َي ِع ْشنَ فيه تحت تأثري‬
‫ديل ُي ْش ِب ُع‬
‫ثم عن َب ٍ‬ ‫أو ُشعورية مام َي ْد َف ُعهنَّ إىل رفض قيم املجتمع والبحث من َّ‬
‫مثل تلك الرغبات‪ .‬وهل باإلمكان فرض قيم املجتمع عليهنَّ بالقوة واإلكراه ُأسوة‬
‫بالتَوج ِه الذي اشتهر ب ِه الفيلسوف جان جاك روسو‪ ،‬والذي يَذهَ ُب إىل فكرة تبني‬
‫«الدميوقراطية َر ْغ َم عن الشعب»؟‬
‫‪298‬‬
‫اخلامتة‬

‫ويبقى التساؤل أخريا‪ ،‬عن مدى إمكانية سحب مثل هذه التوجهات والتَصورات‪،‬‬
‫وح َم َلتْها النسويات يف الغرب‪،‬‬ ‫بالخربات والتجارب الخاصة التي َ‬
‫عاشتها َ‬ ‫ا ُملتأثرة أصال ِ‬
‫تساؤل ُ‬
‫يأخذ يف اعتبار ِه ال َفرق وال َفجوة يف‬ ‫ٌ‬ ‫عىل عوامل الرشق أو العامل النامي؟ هو‬
‫الثقافة ومستوى التطور املادي والتَكنولوجي‪ ،‬وخصوصا االختالف يف طبيعة القيم‬
‫واملعايري السائدة يف مثل هذه املجتمعات‪ ،‬بدءا من األديان الساموية التي وضعت‬
‫طال النساء‪ ،‬والتوصية‬‫نصفة وغري اإلنسانية التي َت ُ‬ ‫َحدَّا للتعامل واملامرسات غري ا ُمل ِ‬
‫بدال من ذلك بهنَّ خريا‪ ،‬وانتهاء باأليديولوجيات التي اعتمدتها النظم السياسية التي‬
‫َخ َل َفت السيطر َة الكولونيالية يف َمسعى منها من أجل التخلص من التخ ّلف والعمل‬
‫عىل تحديث بلدانها املتخ ِّلفة‪ ،‬وذلك عن طريق االعرتاف باملساواة بني النساء‬
‫والرجال يف الفرص والحقوق‪ ،‬والعمل عىل َتعبئتهنَّ يف حرك ِة التغيري االجتامعي‬
‫واالقتصادي والسيايس‪َ ،‬‬
‫وط َب َع ْت إىل ح ٍّد ما ِبطا ِبعها الخاص تفك َري ومامرسات األفراد‬
‫واملجتمعات يف هذه ال ُبقعة من العامل‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫الهوامش‬
Withe
‫الهوامش‬
‫املقدمة‬
‫ نظرية يف املعرفة تدو ُر حول َمنْ ميكن‬:‫) نقصد مبصطلح اإلبستمولوجي يف هذا املجال‬1(
:‫ حول هذه النقطة وملزيد من االطالع انظر‬.‫ل ُه أن يعرف ماذا وتحت أيٍّ من الظروف‬
Sandra Harding, “Introduction: is there a feminist method?”, in, Sandra
Harding, (ed.), Feminism and methodology: social science issues, In-
diana University Press, USA, 1987, p. 3. See also Sandra Halperin and
Oliver Heath, Political research: methods and practical skills, Oxford
University Press, New York, 2012, p. 26.
‫ فش َّددنا يف‬.‫) إ َّننا نعتقد بكون الذين يتبنون هذا الفكر يف الغالب العام هن من النساء‬2(
‫سياق الكتاب عىل قراءة النظرية النسوية يف اتجاهاتها الفكرية ومطالبها بعامة من‬
‫فإن الفكر النسوي بصفة عامة يلقى‬ َّ ،‫ وعىل رغم ذلك‬.‫منظور النسوة عىل وج ِه التحديد‬
‫ عرب دعم اتجاهات ِه الفكرية ومطالب ِه‬،‫التأييد من قبل الرجال أيضا أو بعضهم عىل األقل‬
.‫ثم بناء املجتمع العادل‬
َّ ‫ بهدف متكني املرأة سياسيا وثقافيا ومن‬،‫املرشوعة‬

‫الفصل األول‬
(1) See Karen Offen, “Defining Feminism: a comparative historical ap-
proach”, in, Signs: journal of women in culture and society, University
of Chicago, Vol.14, No.1, 1988, p.119.
‫ املجلس األعىل‬،‫ ترجمة أمين بكر وسمر الشيشكيل‬،‫ النسوية واملواطنة‬،‫) ريان فوت‬2(
.46‫ و‬45‫ ص‬،2004 ،‫ القاهرة‬،‫للثقافة‬
(3) See Jocelyn M. Boryczka, “Feminism”, in, George Thomas Kuran, (ed.),
Encyclopedia of Political Science, CQ Press, Washington D.C., 2011,
p. 578.
(4) Mary Evans, “Feminist Theory”, in, Bryan S. Turner (ed.), The New
Blackwell Companion to Social Theory, Wiley-Blackwell Co., Oxford,
UK, 2009, p. 235.
(5) See Stephanie Hodgson-Wright, “Early Feminism”, in, Sarah Gamble,
(ed.), The Routledge Companion to feminism and postmodernism,
Routledge, (2nd. ed.), London, 2001, p. 1.
(6) See Ibid., pp. 5 - 7.
(7) Bonnie Thornton Dill and Ruth E. Zambarana, “Critical Thinking about
Inquality: an Emerging Lens”, in, Bonnie Thornton Dill and Ruth Enid
Zambarana, (eds.), Emerging intersections: race, class and gender in
theory, policy and practice, Ruthgers University Press, New Brunswick,
2009, p. 2.
.46‫ و‬45 ‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫ النسوية واملواطنة‬،‫ ريان فوت‬:‫) انظر‬8(
(9) For more details, see Judith Grant, “Political Theory”, in, Lorraine Code
(ed.), Encyclopedia of feminist theories, Routledge, London, 2nd. ed.,
2004, p. 390.
(10) See Elizabeth Purdy, “Feminism”, in, Rodney P. Carlisle (ed.), Encyclopedia

303
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫‪of politics: the left and the right, Vol.1, Sage Publications, London, 2005,‬‬
‫‪p. 158.‬‬
‫(‪ )11‬باوال تريكلر وشريي كراماري‪« ،‬الحركة النسوية»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس‬
‫بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية‬
‫عمن‪ ،2010 ،‬ص‪ 20‬و‪.21‬‬ ‫للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫(‪ )12‬نظر روزاليند ديلامر‪« ،‬ما هي الحركة النسوية؟»‪ ،‬يف‪ ،‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس‬
‫بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 67‬و‪.68‬‬
‫‪(13) Patricia Madoo Lengermann and Jill Niebrugge, “Contemporary‬‬
‫‪feminist theories”, in, George Ritzer (ed.), Contemporary sociological‬‬
‫‪theory and its classical roots: the basics, McGraw-Hill Higher Education,‬‬
‫‪New York, 2003, pp. 203- 204.‬‬
‫‪(14) For more details, see Judith Grant, Political Theory, op.cit., pp. 390 -391.‬‬
‫‪(15) For more details see Patricia Madoo Lengermann & Jill Niebrugge,‬‬
‫‪Contemporary Feminist Theories, op.cit., pp. 204- 205.‬‬
‫(‪ )16‬بوال تريكلر وشريي كراماراي‪ ،‬الحركة النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 23‬و‪.24‬‬
‫(‪ )17‬روزاليند ديلامر‪ ،‬ما هي الحركة النسوية؟ مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫(‪ )18‬انظر جوان سكوت‪« ،‬مشكلة االختالف يف النسوية»‪ ،‬ترجمة هدى مقنّص‪ ،‬مقال يف‪:‬‬
‫جني سعيد املقديس وآخرون (تحرير)‪ ،‬النسوية العربية‪ :‬رؤية نقدية‪ ،‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬يونيو ‪ ،2012‬ص ‪ 39‬و‪ .40‬انظر أيضا كلثم الغانم‪ ،‬األطر‬
‫الفكرية والحدود النظرية للفكر النسوي العريب‪ :‬نظرة تحليلية‪ ،‬مجلة «املستقبل‬
‫العريب»‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬العدد ‪ ،401‬يوليو ‪ ،2012‬ص‪.12‬‬
‫(‪ )19‬باوال تريكلر وشريي كراماراي‪ ،‬الحركة النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 18‬و‪ .19‬انظر أيضا‬
‫روزاليند ديلامر‪ ،‬ما هي الحركة النسوية؟‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫(‪ )20‬ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 45‬و‪.46‬‬
‫(‪ )21‬انظر روزاليند ديلامر‪ ،‬ما هي الحركة النسوية؟ مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .68‬وملزيد من‬
‫التفاصيل حول تعريف النسوية من حيث إ ّنها حركة اجتامعية ثورية تهدف إىل بناء‬
‫عامل جديد قائم عىل العدالة واملساواة الجنسية‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Marilyn Frye, “Feminism”, in, Lorraine Code (ed.), Encyclopedia of‬‬
‫‪feminist theories,op.cit., pp. 195- 197.‬‬
‫(‪ )22‬انظر أندريه ناي‪« ،‬إ ّنها ليست فلسفة»‪ ،‬يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا هاردنغ (تحرير)‪،‬‬
‫نقض مركزية املركز‪ :‬الفلسفة من أجل عامل متعدّد الثقافات بعد‪-‬استعامري ونسوي‬
‫ج‪ ،1‬ترجمة د‪ .‬مينى طريف الخويل‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد (‪ ،)395‬املجلس الوطني‬
‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ديسمرب ‪ ،2012‬ص‪.174‬‬
‫(‪ )23‬كيت ناش‪ ،‬السوسيولوجيا السياسية املعارصة‪ :‬العوملة والسـياسة والسلطة‪ ،‬ترجــمة‬
‫د‪ .‬حيدر حاج إسامعيل‪ ،‬املنظمة العربية للرتجمة‪ ،‬بريوت‪ ،‬يونيو ‪ ،2013‬ص‪ 208‬و‪.209‬‬
‫(‪ )24‬ملزيد من التفاصيل انظر كيت ناش‪ ،‬السوسيولوجيا السياسية املعارصة‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص ‪ 210‬و‪ 220 ،211‬و‪.221‬‬
‫(‪ )25‬ملزيد من التفاصيل انظر تقرير التنمية البرشية للعام ‪ ،2014‬امليض يف التقدّم‪ :‬بناء‬
‫املنعة لدرء املخاطر‪ ،‬برنامج األمم املتحدة اإلمنايئ‪ ،‬نيويورك‪ ،2014 ،‬ص‪.73‬‬
‫‪(26) See Brooks A. Ackerly, Political Theory and Feminist Social Criticism,‬‬

‫‪304‬‬
‫الهوامش‬
‫‪Cambridge University, New York, 2000, pp. 19 - 20.‬‬
‫(‪ )27‬أليسون م‪ .‬جاغار‪« ،‬عوملة األخالقيات النسوية»‪ ،‬يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا هاردنغ‬
‫(تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ ،‬ج‪ ،1‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 52‬و‪.53‬‬
‫(‪ )28‬ملزيد من التفاصيل انظر أليسون م‪ .‬جاغار‪ ،‬عوملة األخالقيات النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص ‪.65 - 63 ،55‬‬
‫(‪ )29‬ويف هذا الخصوص تقول نانيس هوملستورم ‪« :Nancy Holmstorm‬إن النقاشات‬
‫الدائرة حول طبيعة املرأة مل تكن وليد الوقت الحارض بل هي قدمية جدا‪ ،‬ومن غري‬
‫املحتمل أن تنتهي‪ .‬ثم إ ّنها قد حصلت عىل ظروف دافعة مع بروز الحركات النسائية‬
‫وكذلك مع الزيادة الدراماتيكية يف عدد النساء العامالت»‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪Nancy Holmstorm, “A Marxist Theory of Women’s Nature”, in Nancy‬‬
‫‪Holmstorm (ed.), The Socialist Feminist Project: a contemporary reader‬‬
‫‪in theory and politics, Monthly Review Press, New York, 2002, p. 360.‬‬
‫(‪ )30‬وهذا ما يخالف وجهة نظر عدد من الكتّاب املهتمني بقضية العدالة االجتامعية‪،‬‬
‫العتبارات عدّة قد يكون من بينها عدم اعرتاف هؤالء بوجود ما يوحي بعدم العدالة‬
‫يف إطار العالقة بني الجنسني أو رمبا لكونها أمرا مق ّررا قد فرضته طبيعة األشياء‪ .‬لذا‬
‫عمد بعضهم إىل عدم إشغال نفسه‪ ،‬ورمبا لجأ البعض اآلخر إىل تربير عدم املساواة‬
‫تلك‪ ،‬وذلك بقدر دفاعهم عن الرتاتبية العائلية املعرب عنها يف عدم املساواة يف العالقة‬
‫بني الرجل واملرأة ومن ثم استبعاد العائلة عن مطلب العدالة‪ .‬وهو ما نجده لدى‬
‫كل من جان جاك روسو يف كتابه «أميل» وديفيد هيوم يف كتابه «رسالة يف الطبيعة‬
‫البرشية»‪ ،‬ومايكل ساندل يف كتابه «الليربالية وحدود العدالة» من املتأخرين عىل سبيل‬
‫املثال وليس الحرص‪ .‬فالعائلة مستثناة من مطلب العدالة‪ ،‬كون ظروف الحياة العائلية‬
‫من النوع الذي ال ميكن ملعايري العدالة ْأن تنطبق عليها‪ ،‬نظرا إىل قيامها عىل الحنان‬
‫يف العالقة آنفة الذكر وهو ما ال ميكن توقع حدوثه يف إطار املجتمع األوسع‪ .‬حيث‬
‫تتجه العدالة يف جوهرها وجه ًة مادية‪ ،‬يف ظل ندرة املوارد وعدم قدرة البعض عىل‬
‫التمتع بخريات املجتمع‪ ،‬يف محاولة من أجل إعادة توزيع املوارد وتعديل الظروف‬
‫املادية واملنفعية التي تحيط بحياة اإلنسان‪ .‬انظر يف هذا الخصوص‪ :‬مايكل ساندل‪،‬‬
‫الليربالية وحدود العدالة‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد هناد‪ ،‬املنظمة العربية للرتجمة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪ ،2009‬ص‪.86 - 79‬‬
‫الفصل الثاين‬
‫(‪ )1‬تشارلوت بنش‪« ،‬ليس بالدرجات‪ :‬النظرية النسوية والتعليم»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار‬
‫وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.31‬‬
‫‪(2) See Vernon Van Dyke, Political Science: a philosophical analysis,‬‬
‫‪Stanford University Press, (11th. ed) Stanford, California, 1978, p. 89.‬‬
‫(‪ )3‬انظر إيان كريب‪ ،‬النظرية االجتامعية من بارسونز إىل هابرماس‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬محمد حسني‬
‫غلوم‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،244‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬أبريل ‪ ،1999‬ص‪.24‬‬
‫(‪ )4‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪ 25‬و‪.26‬‬
‫‪(5) See Michael A. Weinstein, Identity, Power and Change: Selected readings‬‬
‫‪in political theory, Scott, Foresman and co., Illinois, 1971, p. 2.‬‬
‫‪(6) See Venon Van Dyke, Political Science: Philosophical Analysis, op.cit.,‬‬

‫‪305‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
pp. 89- 102. For more details, See Andrew Sayer, Method in social
science: a realist approach, Routledge, (2nd. ed.), London, 1992, pp.
50 -51.
(7) For more details, See Venon Van Dyke, Political Science, op.cit., pp.
89- 102.
(8) See Barbara Kawulich, “The Role of Theory in Research”, in, Mark
Garner et.al., Teaching Research: Methods in the social sciences,
Ashgate, England, 2009, p. 37.
(9) See Nancy Hartsock, “Feminist Theory and the Development of
Revolutionary Strategy”, in, Zillah R. Eisenstein, Capitalist Patriarchy
and the Case for Socialist Feminism, Monthly Review, New York,
1979, p. 57.
(10) J. Jaccard and J. Jacoby, Theory Construction and Model-building Skill:
a practical guide for social scientists, The Guilford Press, New York,
2010, p. 10.
(11) See Ibid., p. 10.
(12) See Earl Babbie, The Basics of Social Research, Thomson and
Wadsworth, (94th. Ed.) U.S., 2008, pp. 135- 136.
(13) See Jane Flax, “Women Do Theory”, in, Alison M. Jaggar and Paula
S. Rothenberg, (eds.), Feminist Frameworks: Alternative theoretical
accounts of the relations between women and men, McGraw Hill, (3rd.
ed.), New York, 1993, p. 75.
(14) Alison M. Jaggar, Feminist Politics and Human Nature, Rowman and
Allanheld Pub., The Harvester Press, Sussex, 1983, p. 354.
(15) See Alison M. Jaggar, Feminist Politics and Human Nature, op.cit., p. 353.
(16) Gary Goertz and Amy G. Mazur, “Maping Gender and politics
concepts: ten guidelines”, in, Gary Goertz and Amy G. Mazur (eds.),
Politics, Gender and Concepts: Theory and methodology, Cambridge
University Press, New York, 2008, p. 14.
(17) Sylvia Walby, Theorizing Patriarchy, Basil Blackwell, (2nd. ed.), Oxford,
1991, p. 2.
(18) See Susan Kingsley Kent, “Gender Rules: Law and politics”, in, Teresa A.
Meade and Merry E. Wiesner-Hanks, (eds.), A Companion to Gender
History, Blackwell Publishing, USA, 2004, p. 87.
(19) Christine Guarneri and Dudley L. Poston Jr., “Patriarchy,” in, William
A. Darity Jr., (ed.), International Encyclopaedia of the Social Sciences,
vol. 6, Macmillan Reference USA, (2nd. ed.), Detroit, 2008, p. 173.
(20) See Patricia Madoo Lengermann & Jill Niebrugge, Contemporary
Feminist Theories, op.cit., pp. 216, 220.
(21) Carol Gilligan and David A.J. Richard, (eds.), The Deepening Darkness:

306
‫الهوامش‬
‫‪Patriarchy, resistance, and democracy’s future, Cambridge University‬‬
‫‪Press, (2nd.ed.), Cambridge, 2009, p. 230.‬‬
‫‪(22) Ibid., p. 227.‬‬
‫‪(23) See Sylvia Walby, Theorizing Patriarchy, op. cit., pp. 45-.‬‬
‫‪(24) See Pamela Paxton, “Gendering Democracy”, in, Gary Goertz and‬‬
‫‪Amy G. Mazur (eds.), Politics, Gender and Concepts: Theory and‬‬
‫‪methodology, op.cit., p. 48.‬‬
‫(‪ )25‬ملزيد من التفاصيل انظر آن كورثويس‪« ،‬الجنوسة»‪ ،‬يف‪ :‬طوين بينيت وآخرون‪ ،‬مفاتيح‬
‫اصطالحية جديدة‪ :‬معجم مصطلحات الثقافة واملجتمع‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعيد الغامني‪،‬‬
‫املنظمة العربية للرتجمة‪ ،‬بريوت‪ ،‬سبتمرب ‪ ،2010‬ص‪ .264–262‬انظر أيضا كامل حبيب‪،‬‬
‫عوملة املرأة‪ :‬قراءة يف األيديولوجية النسوية الجديدة‪ ،‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،150‬املنتدى‬
‫اإلسالمي‪ ،‬لندن‪ ،‬مايو ‪ ،2000‬ص‪ 40 ،37‬و‪.41‬‬
‫‪(26) See Martin Albrow, Sociology: the Basics, Routledge, London, 1999, p. 8.‬‬
‫‪(27) See Susan Stryker, “Transgender Feminism: Queering the woman‬‬
‫‪question”, in, Stacy Gillis, et al., Third Wave Feminism: a Critical‬‬
‫‪exploration, Palgrave Macmillan, (2nd. ed.), New York, 2007, p. 61.‬‬
‫‪(28) See Val Plumwood, “Women, Humanity and Nature”, in, Sean Sayers‬‬
‫‪and Peter Osborne, (eds.), Socialism, Feminism and Philosophy: a‬‬
‫‪Radical philosophy reader, Routledge, London, 1990, p. 213.‬‬
‫‪(29) See Valerie Bryson, “Gender”, in, Georgina Blackeley and Valerie Bryson,‬‬
‫‪(eds.), Contemporary Political Concepts: a Critical introduction, Pluto‬‬
‫‪Press, London, 2002, p.109.‬‬
‫جيب عنه الباحثة نانيس هوملستورم ‪Nancy Holmstorm‬‬ ‫(‪ )30‬هذا السؤال ُت ُ‬
‫األنثوي متم ِّيزا عن جنس‬‫بقولها‪ُ « :‬تع َّر ُف املرأة بوصفها عضوا منوذجيا للجنس ُ‬
‫أسببت هذه االختالفات ال َبيولوجية‬ ‫الح ْمل والوالدة‪ .‬وسوا ٌء َ‬ ‫الذكور بقدرت ِه عىل َ‬
‫فإن هذه مسألة إمربيقية (تجريبية)‪ ...‬عىل أي حال‪ ،‬القول‬ ‫اختالفات اجتامعية َّ‬
‫فريق منهام سيكون من قبيل‬ ‫ٍ‬ ‫إن الرجال والنساء ميتلكون طبيعة متاميزة لكل‬ ‫َّ‬
‫الحشو؛ ذلك أ َّننا نبحث عن طبيع ٍة للرجال والنساء بوصفهم فئات اجتامعية‪،‬‬
‫وليس بوصفهم فئات َبيولوجية‪ ...‬وسيكون من غري املعقول إىل ح ٍّد بعيد القول‬
‫إن بإمكان االختالفات ال َبيولوجية أن ُتق ِّر َر االختالفات االجتامعية‪ .‬فإذا ما كانت‬‫َّ‬
‫الحقائق ال َبيولوجية ُمح ِّددات حاسمة لألدوار الجنسية‪ /‬االجتامعية‪ ،‬فإ َّنه من‬
‫ا ُملحتَمل جدا أن َي َّر هذا الرابط من خالل السيكولوجيا؛ مبعنى أ َّنه تعمل‬
‫االختالفات ال َبيولوجية عىل تســـبيب أو خلق املَيل إىل االختالفات النفسية‬
‫والتي تس ِّب ُب بدورها االختالفات يف األدوار االجتامعية‪ ...‬لذا‪ ،‬فأي تصو ٍر يتعلق‬
‫مبصدر هذه االختالفات هو بالرضورة تصورٌ تخميني مادام الباحثون بعامة‬
‫البهنة عىل‬ ‫عالقات مهمة من الناحية اإلحصائية فقط وال ُيحاولون َ‬ ‫ٍ‬ ‫يبحثون عن‬
‫سبب ونتيجة»‪.‬‬
‫ٍ‬
‫‪Nancy Holmstorm, A Marxist Theory of Women’s Nature, op.cit., pp.‬‬
‫‪363- 364.‬‬
‫‪(31) See Valerie Bryson, Gender, op.cit., p. 109.‬‬

‫‪307‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
(32) Cynthia Fuchs Epstein, “Similarity and Difference: the Sociology of
gender distinctions,” in, Janet Saltzman Chafetz, Handbook of the
Sociology of Gender, Springer, New York, 2006, p. 46.
‫ الجندر‬/‫ماثل يف الذهن َّأن إيراد هذا التصور عن تطور فكرة الجنس‬ ِ ‫) عىل ْأن يبقى‬33(
‫آنف الذكر بني الجنس‬ ِ ‫من قبل املف ِّكرة دي بوفوار مل يكن يف سياق دعم هذا التمييز‬
/‫صفحات سابقة والحقة عن مراحل تطور فكرة الجنس‬ ٍ ‫ وهو ما ُيكن تبني ِه يف‬،‫والجندر‬
:‫ انظر‬.‫الجندر‬
Raia Prokhovnick, Rational Woman: a Feminist critique of dichotomy,
Routledge, London, 1999, pp. 109- 113.
(34) For more details, see Cynthia Fuchs Epstein, Similarity and Difference:
the Sociology of gender distinctions, op.cit., pp. 47- 48.
(35) See Cynthia Fuchs Epstein, Similarity and Difference: the Sociology of
gender distinctions, op. cit., pp. 47- 48.
(36) See Valerie Bryson, Gender, op. cit., p. 111.
‫ بفحص العالقات والتفاعالت بني‬intersectional ‫) يضطلع منظور التقاطع ال ِق َّطاعي‬37(
‫ حول هذه‬.‫ وكذلك معالجة األبعاد املختلفة للتنظيم االجتامعي‬،‫محاور الهوية املتعددة‬
:‫النقطة وملزيد من التفاصيل انظر‬
Debra Henderson and Ann Tickamyer, “The Intersection of Poverty
Discourses: Race, class, culture, and gender,” in, Bonnie Thornton Dill
and Ruth Enid Zambrana, (eds.), Emerging Intersections: Race, class,
and gender in theory, policy, and practice, op.cit., p.56.
(38) See Valerie Bryson, Gender, op.cit., p. 112.
(39) See Valerie Bryson, Gender, op.cit., p. 113.
(40) See Ibid., pp. 113- 114.
(41) Carole Pateman, The Sexual Contract, Stanford University Press,
Stanford, California, 1988, p. x.
(42) Quoted in, Kimberley Cox, “Feminist Theory”, in, The Editors of Salem
Press, Theories and theoretical approaches, Salem Press, California ,
2011, pp. 25 -26.
‫) ذلك ألننا سنناقش هذا املوضوع وبشكلٍ ُمستفيض يف الجانب املتعلق بأنواع النظريات‬43(
.‫أو االتجاهات النسوية‬
(44) See Estelle B. Freedman, No Turning Back: the History of Feminism
and the Future of Women, Ballantine Book, New York, 2002, pp. 16- 17.
‫ إىل جانب كون صياغة‬،‫ «مل تظهر النظرية النسوية من فر ٍاغ نظري‬:‫) تقول ماري إيفانز‬45(
‫ وكون هذه النظرية أيضا لدي ِها الكثري لتقول ُه عن‬،‫هذه النظرية موضوعا يف ح ِّد ذات ِه‬
:‫ انظر‬.»‫كل من محتواها وسياقها البيئي‬ ٍّ
Mary Evans, Feminist Theory, op.cit., p. 235.
‫ تنبغي اإلشارة إىل َّأن‬،‫ وبقدر تعلق األمر مبوضوع دراستنا هذه‬،‫) يف هذا الخصوص‬46(
‫دخلت إىل حقل العالقات الدولية يف أواخر الثامنينيات وأوائل‬ ْ ‫النظرية النسوية قد‬
‫ بحيث َّإن الجيل األول من «نسويات تخصص‬،‫التسعينيات من القرن العرشين‬

308
‫الهوامش‬
‫العالقات الدولية» قد عملنَ جاهدات عىل التفكري يف كيفية إعادة صياغة نظريات‬
‫العالقات الدولية‪ ،‬وكيف ُيكن تحسني أشكال فهم السياسات الدولية واإلقليمية‪ ،‬وذلك‬
‫يف ضوء العناية بتجارب النساء‪ .‬وقد زعمت النسويات أ َّنه ال ُي ِكنُ الوصول إىل ٍ‬
‫فهم‬
‫شامل للتأثري التمييزي لِنظام الدولة واالقتصاد العالَمي يف حياة النساء والرجال إال‬
‫من خالل اعتامد تحليل النوع االجتامعي أو الجندر ‪ ،gender‬ومن ثم إعادة النظر‬
‫يف مفاهيم العالقات الدولية مثل‪ :‬السلم واألمن الدول َيني والسيادة والدولة‪ ،‬وذلك من‬
‫زاوية النظر النسوية‪.‬‬
‫ملزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر‪ :‬ج‪ .‬آن تكرن ولورا شوبريغ‪« ،‬النظرية النسوية»‪ ،‬يف‪ :‬نظريات‬
‫العالقات الدولية‪ :‬التخصص والتنوع‪ ،‬تحرير‪ :‬تيم دان وآخرين‪ ،‬ترجمة‪ :‬دميا الخرضا‪،‬‬
‫املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الدوحة‪ ،‬يناير ‪ ،2016‬ص‪.473 – 471‬‬
‫‪(47) See Nancy Hartsock, Feminist Theory and the Development of‬‬
‫‪Revolutionary Strategy, op.cit., p. 57.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫(‪ )1‬أفالطون‪ ،‬جمهورية أفالطون‪ ،‬ترجمة حنّا خباز‪ ،‬املطبعة العرصية‪ ،‬ط ‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬من‬
‫دون تاريخ‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫(‪ )2‬يقول إمام عبدالفتاح إمام‪ ،‬وهو من الذين تع ّرضوا ملوقف أفالطون من املرأة ومن‬
‫املتشككني فيه يف الوقت نفسه‪« :‬تلك هي‪ ...‬فكرة املساواة الشهرية التي طرحها‬
‫أفالطون يف الكتاب الخامس‪ ،‬وهي الفكرة التي دار حولها نقاش طويل بني الباحثني‪،‬‬
‫أكان أفالطون يريد حقا تحرير املرأة؟ وهل نادى باملساواة بني الجنسني فعال؟‪ ...‬هل‬
‫نادى بعتق املرأة من سجنها وتحرير «الرئة املعطلة» – نصف املجتمع الذي سجنه‬
‫الرجل ظلام يف قاعات الحريم؟»‪ ،‬وهو يجيب عن تلك األسئلة بالرجوع إىل جي‪ .‬إم‪.‬‬
‫غروب ‪ G. M. Grube‬الذي يرى ّأن هناك نقصا واضحا يف هذا النوع من املساواة‪،‬‬
‫وإال لكان يرت ّتب عليه «إعطاء املرأة وزنا أكرث مام هو قائم بني النساء من حوله»‪ ،‬إمام‬
‫عبدالفتاح إمام‪ ،‬أفالطون واملرأة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .71 ،74‬كذلك ما تذهب إليه أوكني‪،‬‬
‫انظر‪ :‬سوزان موللر أوكني‪ ،‬النساء يف الفكر السيايس الغريب‪ ،‬ترجمة‪ :‬إمام عبد الفتاح‬
‫إمام‪ ،‬التنوير للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ ،2009 ،‬ص‪.28-24‬‬
‫(‪ )3‬انظر أفالطون‪ ،‬الجمهورية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.124-122‬‬
‫‪(4) See Sarah B. Pomeroy, Goddesses, Whores, Wives, and Slaves: Women‬‬
‫‪in classical antiquity, Schocken Books, (2nd. ed.), New York, 1995, p.60.‬‬
‫(‪ )5‬سوزان موللر أوكني‪ ،‬النساء يف الفكر السيايس الغريب‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫(‪ )6‬سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ :‬والوقائع واألساطري‪ ،‬ج‪ ،1‬ترجمة‪ :‬سحر سعيد‪ ،‬الرحبة‬
‫للنرش والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،2015 ،‬ص‪.117‬‬
‫‪(7) See Sarah B. Pomeroy, Goddesses, Whores, Wives, and Slaves: Women in‬‬
‫‪classical antiquity, op.cit., pp. 58- 59.‬‬
‫(‪ )8‬وهو مدار اهتامم وتأكي ٍد من قبل الباحثة النسوية إليزابيث سبيلامن ‪Elizabeth‬‬
‫‪ ،Spelman‬والتي أطلقت عليه مصطلح «تسييس النفس»‪ ،‬وكذلك إمام عبد الفتاح‬
‫بقوله إن‪« :‬أرسطو حني يعالج النفس يف كتابيه «األخالق» و«السياسات» فإ ّنه يعالجها‬
‫كأنها عالقة بني كائنات سياسية وليس باعتبارها عالقة بني أجزا ٍء شبه عضوية‪ ،‬وغري‬
‫شخصية»‪ ،‬إمام عبدالفتاح إمام‪ ،‬أرسطو واملرأة‪ ،‬مكتبة مدبويل‪ ،‬القاهرة‪ ،1996 ،‬ص‪.89‬‬

‫‪309‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫(‪ )9‬هناك تربيرات أخرى ملوقف أرسطو من املرأة‪ ،‬فمثال نجد ّأن د‪ .‬إمام عبدالفتّاح إمام‬
‫قسم العامل‬
‫ي ْرجعها إىل ثالثة اعتبارات رئيسة؛ أولها هرياركية (تراتبية) الكون‪ ،‬وفيها ّ‬
‫مستبقا‬
‫والطبيعة إىل تسلسلٍ هرمي يرتبع اإلنسان‪ /‬الرجل (اإلغريقي الحر) عىل ق ّمته ْ‬
‫النساء واألطفال والعبيد‪ ،‬يف الوقت الذي تأيت فيه بقية الكائنات؛ حيوانات ونباتات‬
‫وجامدات‪ ،‬لتشغل بقية درجات هذا السلم‪ .‬ثانيهام يدور حول فكرة الوظيفة‪ .‬فوظيفة‬
‫هذا اإلنسان‪ /‬الرجل هي التفكري العقالين‪ ،‬وله قدرة عىل التحكم يف رغباته وسلوكه‬
‫بوصفها فضيلة تضفي عىل صاحبها ملكة السيطرة والحكم‪ ،‬حيث تبدأ من دائرة البيت‬
‫مبا يحتويه من عبي ٍد ونساء وأطفال‪ ،‬لتنتهي أخريا بالدولة التي سيكون الحكم فيها‬
‫مقصورا عىل الرجال‪ .‬أما ثالثها‪ ،‬فقد أطلق عليه تسمية «الهيوىل» (املادة) والصورة‪.‬‬
‫مكون من مواد هي مبنزلة األساس الثابت الذي تتخلق منه‬ ‫ٌ‬ ‫فكل يشء يف الكون‬
‫املوجودات‪ ،‬ومع ذلك فهي ال تأيت من ناحية األهمية بقدر الصور‪ .‬فاألخرية هي مبنزلة‬
‫العنرص الجوهري الذي يعطي لليشء هويته الخاصة به‪ .‬فالخشب‪ ،‬ميكن مثال أن يكون‬
‫بابا أو كرسيا أو حتى قاربا‪ .‬ولكن هل ما يعطي للكريس هويته هو الخشب؟ الجواب‬
‫ألن الكريس ميكن ْأن يكون من حديد أو نحاس وما شابه‪ ،‬وعليه ستبقى صورة‬ ‫كال‪ّ ،‬‬
‫األشياء هي املهمة لكونها تعطي األشياء هويتها الخاصة واستمراريتها‪ .‬وهكذا هو حال‬
‫هذا النوع من الرجال‪ ،‬إذ عىل الرغم من مشاركته بقية أبناء نوعه‪ ،‬ومن بني ذلكم‬
‫النساء‪ ،‬يف االشتامل عىل الحواس والقوى وامللكات وكذلك مع بقية الكائنات يف مادته‬
‫الحيّة‪ ،‬فإنه كصورة يتميز عام عداه يف خاصية النفس العاقلة التي ميتلكها‪ .‬ثم هناك‬
‫جانب آخر يف هذه الفذلكة التفسريية لدى أرسطو لتربير عالقة السيطرة‪ /‬الخضوع‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫ويتمثل يف أن املرأة هي املادة أو الهيوىل يف الوقت الذي مي ّثل الرجل الصورة أو الجانب‬
‫اإليجايب يف العالقة قيد البحث‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.46-29‬‬
‫(‪ )10‬انظر أرسطو‪ ،‬السياسات‪ ،‬ترجمه من األصل اليوناين وع ّلق عليه األب أوغسطني بربارة‬
‫البوليس‪ ،‬اللجنة الدولية لرتجمة الروائع اإلنسانية‪ ،‬بريوت‪ ،1957 ،‬ص‪ 6‬و‪.7‬‬
‫(‪ )11‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.423‬‬
‫(‪ )12‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.423‬‬
‫(‪ )13‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫(‪ )14‬أرسطو‪ ،‬السياسات‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫(‪ )15‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪ .15‬ملزيد من التفاصيل انظر ديفيد جونستون‪ ،‬مخترص تاريخ‬
‫العدالة‪ ،‬ترجمة‪ :‬مصطفى نارص‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،387‬املجلس الوطني‬
‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬أبريل ‪ ،2012‬ص ‪.86-85‬‬
‫(‪ )16‬انظر أرسطو‪ ،‬السياسات‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫(‪ )17‬أرسطو‪ ،‬السياسات‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .40‬انظر وقارن مع ديفيد جونستون‪ ،‬مخترص‬
‫تاريخ العدالة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 111‬و‪.112‬‬
‫(‪ )18‬أرسطو‪ ،‬السياسات‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫(‪ )19‬انظر‪ :‬إمام عبدالفتاح إمام‪ ،‬الفيلسوف املسيحي واملرأة‪ ،‬مكتبة مدبويل‪ ،‬القاهرة‪،1996 ،‬‬
‫ص‪.7‬‬
‫ْ‬
‫وردت يف سفر التكوين‪،‬‬ ‫(‪ )20‬حول هذه الخطيئة األوىل وموقع املرأة يف هذه الدراما كام‬
‫وملزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر فتْنت مسيكة بر‪ ،‬حواء والخطيئة يف التوراة واإلنجيل‬
‫والقرآن الكريم‪ ،‬مؤسسة املعارف‪ ،‬بريوت‪ ،1996 ،‬ص‪.54-47‬‬
‫(‪ )21‬مونيك ألكسندر‪« ،‬النساء املسيحيات األوليات»‪ ،‬يف‪ ،‬جورج دويب وميشيل بريو‪،‬‬

‫‪310‬‬
‫الهوامش‬
‫(محرران)‪ ،‬موسوعة تاريخ النساء يف الغرب‪ ،‬ج‪ ،1‬ترجمة‪ :‬سحر ف ّراج‪ ،‬املجلس األعىل‬
‫للثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،2005 ،‬ص‪.487‬‬
‫‪(22) See Mary Daly, Beyond God and Father: Toward a philosophy of‬‬
‫‪women’s liberation, Beacon Press, (2nd. ed.), Boston, 1985, p. 3.‬‬
‫(‪ )23‬انظر مونيك ألكسندر‪ ،‬النساء املسيحيات األوليات‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.490‬‬
‫(‪ )24‬انظر جاريث ب‪ .‬ماثيوز‪ ،‬أوغسطني‪ ،‬املركز القومي للرتجمة‪ ،‬ترجمة‪ :‬أمين فؤاد زهري‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،2013 ،‬ص‪.30‬‬
‫(‪ )25‬انظر القديس أوغستينوس‪ ،‬اعرتافات‪ ،‬ترجمة‪ :‬إبراهيم الغريب‪ ،‬املجمع التونيس للعلوم‬
‫واآلداب والفنون ‪ -‬بيت الحكمة‪ ،‬تونس‪ ،2012 ،‬ص‪.26 ،25 ،21 ،20‬‬
‫(‪ )26‬مونيك ألكسندر‪ ،‬النساء املسيحيات األوليات‪ ،‬مصدر سابق‪ ،2005 ،‬ص‪.483‬‬
‫(‪ )27‬جان جاك روسو‪ ،‬إميل‪ :‬تربية الطفل من املهد إىل الرشد‪ ،‬ترجمة‪ :‬نظمي لوقا‪ ،‬الرشكة‬
‫العربية للطباعة والنرش‪ ،‬من دون تاريخ نرش‪ ،‬ص‪.12‬‬
‫(‪ )28‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.283‬‬
‫(‪ )29‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.283‬‬
‫(‪ )30‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.24‬‬
‫(‪ )31‬انظر ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 47‬و‪.48‬‬
‫(‪ )32‬انظر جان جاك روسو‪ ،‬إميل‪ :‬تربية الطفل من املهد إىل الرشد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫(‪ )33‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫(‪ )34‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.240‬‬
‫(‪ )35‬جان جاك روسو‪ ،‬إميل‪ :‬تربية الطفل من املهد إىل الرشد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.242‬‬
‫(‪ )36‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫(‪ )37‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.244‬‬
‫(‪ )38‬هناك عدم اتفاق بني الكتّاب حول توصيف الوجودية‪ ،‬هل ميكن اعتبارها فلسفة أو ال‪،‬‬
‫وهو ما نجده لدى جون ماكوري عىل سبيل املثال‪ .‬أ ّما السبب لديه فريجع من منظوره‬
‫إىل ّأن الوجودية «تعوزها نظرية عامة ينتمي إليها جميع الوجوديني‪ ...‬إ ّنها أسلوب يف‬
‫التفلسف» فقط وفقا له‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر جون ماكوري‪ ،‬الوجودية‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫د‪ .‬إمام عبدالفتاح إمام‪ ،‬مراجعة‪ :‬د‪ .‬فؤاد زكريا‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،58‬املجلس‬
‫الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬أكتوبر ‪ ،1982‬ص ‪ 16‬و‪.17‬‬
‫(‪ )39‬انظر فردريك أنجلز‪ ،‬أصل العائلة وامللكية الخاصة والدولة‪ ،‬ترجمة‪ :‬أحمد عز العرب‪،‬‬
‫دار الطباعة اآللية الحديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬من دون تاريخ نرش‪ ،‬ص‪.10‬‬
‫(‪ )40‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪ 17‬و‪.18‬‬
‫(‪ )41‬فردريك أنجلز‪ ،‬أصل العائلة وامللكية الخاصة والدولة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫(‪ )42‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.42‬‬
‫(‪ )43‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.44‬‬
‫(‪ )44‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫(‪ )45‬انظر فردريك أنجلز‪ ،‬أصل العائلة وامللكية الخاصة والدولة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫(‪ )46‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ 55‬و‪.56‬‬
‫(‪ )47‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.60‬‬
‫(‪ )48‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫(‪ )49‬انظر فردريك أنجلز‪ ،‬أصل العائلة وامللكية الخاصة والدولة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.179 ،50-46‬‬

‫‪311‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫(‪ )50‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫(‪ )51‬انظر فردريك أنجلز‪ ،‬أصل العائلة وامللكية الخاصة والدولة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 7‬و‪.8‬‬
‫(‪ )52‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.198 ،195‬‬
‫(‪ )53‬حول هذه النقطة وملزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر كريس هارمان‪ ،‬إنجلس وأصل املجتمع‬
‫البرشي‪ ،‬ترجمة‪ :‬هند خليل كلفت‪ ،‬املركز القومي للرتجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،2012 ،‬ص‪-105‬‬
‫‪.107‬‬
‫‪(54) See Stephanie Coontz, “Revisiting Marx and Engels on the Family”,‬‬
‫‪in, Nancy Holmstrom (ed.), The Contemporary Reader in Theory and‬‬
‫‪Politics, Monthly Review Press, New York, 2002, p.125.‬‬
‫‪(55) Catharine A. MacKinnon, “Feminism, Marxism, Method, and the State:‬‬
‫‪an Agenda for theory”, in, Signs, vol. 7, No. 3, Feminist Theory (Spring,‬‬
‫‪1982), p. 515.‬‬
‫‪(56) See Ibid., p. 515.‬‬
‫‪(57) Ibid., p. 516.‬‬
‫(‪ )58‬سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ :‬الوقائع واألساطري‪ ،‬ج‪ ،1‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.13‬‬
‫(‪ )59‬الغريية هنا كام هي يف الرتجمة تشري إىل «اآلخر»‪ ،‬وليس إىل نكران الذات كام هي يف‬
‫اللغة العربية‪.‬‬
‫(‪ )60‬انظر سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ :‬الوقائع واألساطري‪ ،‬ج‪ ،1‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪20‬‬
‫و‪.21‬‬
‫(‪ )61‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.19-17‬‬
‫(‪ )62‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫(‪ )63‬سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ :‬الوقائع واألساطري‪ ،‬ج‪ ،1‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 32‬و‪.34‬‬
‫(‪ )64‬انظر سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ :‬الوقائع واألساطري‪ ،‬ج‪ ،1‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪55‬‬
‫و‪.56‬‬
‫(‪ )65‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ 58‬و‪.60‬‬
‫(‪ )66‬انظر‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.71‬‬
‫(‪ )67‬سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ :‬الوقائع واألساطري‪ ،‬ج‪ ،1‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.80‬‬
‫(‪ )68‬انظر توماس آر فلني‪ ،‬الوجودية‪ :‬مقدمة قصرية جدا‪ ،‬ترجمة‪ :‬مروة عبدالسالم‪ ،‬مؤسسة‬
‫هنداوي‪ ،‬القاهرة‪ ،2012 ،‬ص‪ 15‬و‪.16‬‬
‫(‪ )69‬جان بول سارتر‪ ،‬الوجودية مذهب إنساين‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبداملنعم الحنفي‪ ،‬مطبعة الدار‬
‫املرصية‪ ،‬القاهرة‪ ،1964 ،‬ص‪.9‬‬
‫(‪ )70‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(‪ )71‬جان بول سارتر‪ ،‬الوجودية مذهب إنساين‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 14‬و‪.15‬‬
‫(‪ )72‬سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ :‬الوقائع واألساطري‪ ،‬ج‪ ،1‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪(73) See Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy: an Introduction,‬‬
‫‪Oxford University Press, (2nd. ed.), Oxford, 2002, p. 390.‬‬
‫‪(74) See Ibid., p. 424.‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫(‪ )1‬انظر تشارلوت بنش‪ ،‬ليس بالدرجات‪ :‬النظرية النسوية والتعليم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 32‬و‪.33‬‬

‫‪312‬‬
‫الهوامش‬
‫‪(2) Susan Moller Okin, Justice, Gender and the Family, Basic Books, (2nd.‬‬
‫‪ed.), New York, 1989, p. 8.‬‬
‫‪(3) See Ibid., p. 8.‬‬
‫(‪َّ )4‬إن حقل العلوم السياسية يزخر بعديد من الكتابات التي تدو ُر حول مفاهيم العدالة‬
‫واملساواة‪ ،‬بل ُيكن القول َّإن مطلب العدالة كان قد َ‬
‫حظي باالهتامم األكرب من لدن‬
‫نظري السياسة منذ سقراط وانتهاء بجون راولز وروبرت نوزيك‪ .‬كام زخرت‬ ‫فالسفة و ُم ِّ‬
‫بتعريفاتها عديد من دوائر املعارف الخاصة بالعلوم االجتامعية والسياسية‪ .‬حول‬
‫التعريف مبصطلح العدالة واملساواة ُيكن الرجوع‪ ،‬عىل سبيل املثال وليس الحرص‪ ،‬إىل‪:‬‬
‫‪Andrew Heywood, Political Theory: an Introduction, Palgrave‬‬
‫‪Macmillan, (3rd. ed.), New York, 2004, pp. 284 - 314. Also see, Dudley‬‬
‫‪Knowles, Politcal Philosophy, Routledge, London, 2001, pp.147- 238.‬‬
‫‪Also, Richard J. Arneson, “Equality”, in, Robert E. Goodin, et. al., A‬‬
‫‪Companion to Contemporary Political Philosophy, Vol.2, Blackwell‬‬
‫‪Pub., (2nd. Ed.), USA, 2007, pp.593611-. See also, Christopher Heath‬‬
‫‪Wellman, “Justice”, in, Robert L. Simon (ed.), The Blackwell Guide to‬‬
‫‪Social and Political Philosophy, Blackwell, Massachusetts, 2002, pp. 60-‬‬
‫‪82.‬‬
‫‪(5) See Kevin Dunn, “Interrogating White Male Privilege”, in, Jane L.‬‬
‫‪Parpart and Marysia Zalewski, (eds.), Rethinking the Man Question:‬‬
‫‪Sex, gender and violence in international relations, Zed Books, London,‬‬
‫‪2008, pp. 47 -48.‬‬
‫‪(6) See Madan Sarup, Introductory Guide to Post-structuralism and‬‬
‫‪Postmodernism, Harvester Wheatsheat, (2nd. ed.), New York, 1993, p.‬‬
‫‪117.‬‬
‫‪(7) Bonnie Slade, “Inquality, Gender, “in, William A. Darity Jr., (ed.),‬‬
‫‪International Encyclopedia of the Social Sciences, vol. 3, MacMillan‬‬
‫‪Reference USA, (2nd. ed.), Detroit, 2008, p. 625.‬‬
‫(‪ )8‬انظر عىل سبيل املثال‪ ،‬زينب فواز‪ ،‬الرسائل الزينبية‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪،‬‬
‫القاهرة‪ .2014 ،‬وكذلك انظر‪ ،‬طه حسني‪ ،‬مدرسة األزواج‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم‬
‫والثقافة‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪ .2014 ،‬وأيضا‪ ،‬قاسم أمني‪ ،‬تحرير املرأة‪ ،‬مؤسسة هنداوي‬
‫للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‪ .2016 ،‬وأيضا‪ ،‬نبوية موىس‪ ،‬املرأة والعمل‪ ،‬مؤسسة هنداوي‬
‫للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‪.2014 ،‬‬
‫‪(9)Valentine M. Moghadam, Modernizing Women: Gender and social‬‬
‫‪change in the Middle East, Lynne Rienner Pub. Inc., Colorado, 1993, p. 3.‬‬
‫(‪ )10‬تنقل لنا التجربة املرصية‪ ،‬خصوصا إ َّبان الحقبة النارصية‪ ،‬منوذجا لهذا النوع من‬
‫املواقف‪ ،‬أطلقت عليها مريفت حاتم مصطلح «نسوية الدولة» ‪ .state feminism‬وهذه‬
‫تستلزم‪ ،‬وفق الكاتبة‪ ،‬االعرتاف بالنساء بوصفهن مواطنات وقد تحررن من القيود‬
‫السابقة املفروضة عليهن بفعل الدين والتقاليد‪ ،‬وليس كونها نتاج التخلف املدفوع إليه‬
‫ج ّراء الهيمنة الكولونيالية‪ ،‬والتزام واضح ورصيح من قبل النظام النارصي بالعمل عىل‬
‫ضامن دمجهن يف الحركة الثورية التحررية التي يسعى إليها النظام واملشاركة أسو ًة‬

‫‪313‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫فإن مثل هذه اإلجراءات‬ ‫بالرجال يف تحمل أعبائها والدفع بها ُقدُ ما‪ .‬وعىل رغم ذلك َّ‬
‫مل تكن موجهة إىل املرأة يف األساس بل كانت باألحرى جز ًءا ال يتجزأ من مسعى أوسع‬
‫ْ‬
‫شملت من‬ ‫أخ َذ به النظام السيايس من أجل فرض برامج وسياسات إصالحية وتحديثية‬
‫بني أشياء أخرى‪ ،‬توزيع األرايض واإلصالح االجتامعي وتأميم الرشكات األجنبية وصوال‬
‫إىل تحقيق االنتقالة إىل املجتمع االشرتايك املنشود‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Laura Bier, Revolutionary Womanhood: Feminism, modernity, and‬‬
‫‪the state in Nasser’s Egypt, The American Univiversity in Cairo Press,‬‬
‫‪Cairo, 2011, pp. 2- 3.‬‬
‫‪(11) Myra Marx Ferree and Carol McClurg Mueller, “Feminism and the‬‬
‫‪Women’s Movement: a Global perspective,” in, David A. Snow et al.,‬‬
‫‪The Blackwell Companion to Social Movements, Blackwell Publishing,‬‬
‫‪USA, 2004, p. 596.‬‬
‫(‪ )12‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة التكوير‪ ،‬اآليتان ‪ 8‬و‪.9‬‬
‫(‪ )13‬القرآن الكريم‪ ،‬سورة اإلرساء‪ ،‬اآلية ‪.31‬‬
‫صح‬
‫وربا كانت مثل هذه املخاوف وراء شكل من الترصف أكرث إيجابية‪ ،‬إذا َّ‬ ‫(‪َّ )14‬‬
‫مبرش ِع أسربطة ليكورجوس إىل التغني بفوائد‬ ‫مثل هذا الوصف‪ ،‬بحيث دفع ِّ‬
‫شيوعية النساء‪ ،‬بدل االقتصار عىل زوج واحد واإلبقاء عليهن من ثم بعيدا عن‬
‫أعني الرقباء‪ .‬انظر‪ ،‬إمام عبدالفتاح إمام‪ ،‬أفالطون واملرأة‪ ،‬مكتبة مدبويل‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫القاهرة‪ ،1996 ،‬ص‪.52‬‬
‫‪(15) Sarah B. Pomeroy, Goddesses, Whores, Wives, and Slaves: Women in‬‬
‫‪classical antiquity, op.cit., p. 57.‬‬
‫(‪ )16‬سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ :‬الوقائع واألساطري‪ ،‬ج‪ ،2‬ترجمة‪ :‬سحر سعيد‪ ،‬الرحبة‬
‫للنرش والتوزيع‪ ،‬دمشق‪ ،2015 ،‬ص‪.154‬‬
‫(‪ )17‬انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ 154‬و‪.155‬‬
‫‪(18) Carole Pateman, The Disorder of Women: Democracy, feminism and‬‬
‫‪political theory, Stanford University Press, (4th. ed.), California, 1989, p. 17.‬‬
‫(‪ )19‬ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 46‬و‪.47‬‬
‫(‪ )20‬ماكس هوركهامير وتيودور ف‪ .‬أدورنو‪ ،‬جــدل التــنوير‪ :‬شـــذرات فلســفية‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫د‪ .‬جورج كتّوره‪ ،‬دار الكتاب الجديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬يناير ‪ ،2006‬ص‪.302‬‬
‫(‪ )21‬ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 47‬و‪.48‬‬
‫(‪ )22‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫(‪ )23‬باربرا ويتمر‪ ،‬األمناط الثقافية للعنف‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬ممدوح يوسف عمران‪ ،‬سلسلة عامل‬
‫املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،337‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬مارس ‪،2007‬‬
‫ص‪.24‬‬
‫(‪ )24‬للمزيد من التفاصيل حول مثل هذه الصورة النمطية الدونية عن النساء يف أذهان‬
‫الذكور وكيفية انعكاسها عىل ظاهرة االغتصاب واالعتداء والتح ُّرش الجنيس‪ ،‬ومن‬
‫ثم اعتبار َج َس ِد املرأة مبنزلة «حق للرجل»‪ ،‬والنظر إىل جسدها عىل أنَّهُ «سلعة‬ ‫َّ‬
‫وأن أخذ ُه أخذا هو من الطبيعة البرشية» َّ‬
‫و«أن املرأة هي امللومة‬ ‫ذات قيمة َّ‬
‫وليس الرجل ا ُمل ْغت َِصب‪ ،‬فهي ُمج َّرد َكبش فداء»‪ ،‬انظر باربرا ويتمر‪ ،‬األمناط الثقافية‬
‫للعنف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 25‬و‪.85 - 83 ،26‬‬

‫‪314‬‬
‫الهوامش‬
‫(‪ )25‬انظر سوزان مولر أوكني‪« ،‬النسوية وحقوق اإلنسان للمرأة واالختالفات الثقافية»‪،‬‬
‫يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا هاردنغ (تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ ،‬ج‪ ،1‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪ 70‬و‪.71‬‬
‫(‪ )26‬للمزيد من التفاصيل حول دور الثقافات يف تقييد حياة اإلناث ملصلحة الذكور‪ ،‬ووجود‬
‫ثالثة أسباب مركزية ومرتابطة يف ترسيخ التقييد الثقايف يف هذا الخصوص وهي‪ :‬التعليم‪،‬‬
‫وعادات الزواج والطالق‪ ،‬والتنشئة االجتامعية ذات الصلة باألدوار الجندرية والهرمية‬
‫الجندرية ‪ Gender Hierarchy‬انظر‪:‬‬
‫‪Susan Moller Okin, “Mistresses of their own destiny: group rights, gender‬‬
‫‪and realistic rights of exist”, in, Kevin McDonough and Walter Feinberg‬‬
‫‪(ed.), Citizenship and education in liberal–democratic societies, Oxford‬‬
‫‪University Press, Oxford, 2005, pp. 327–328, 334–339.‬‬
‫(‪ )27‬انظر فهمي جدعان‪ ،‬العدل يف حدود ديونوطولوجيا عربية‪ ،‬يف‪ :‬مجموعة مؤلفني‪ ،‬ما‬
‫العدالة؟‪ ،‬معالجات يف السياق العريب‪ ،‬املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫يونيو ‪ ،2014‬ص‪.91‬‬
‫(‪ )28‬انظر دروسال كورنل‪« ،‬نشأة مفهوم الجنس و ِم َحن ُه يف الواليات املتّحدة»‪ ،‬يف‪ :‬رجاء بن‬
‫سالمة وآخرون‪ ،‬مفاهيم عاملية‪ :‬التذكري والتأنيث (الجندر)‪ ،‬ترجمة‪ :‬أنطوان أبو زيد‪،‬‬
‫املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،2005 ،‬ص ‪ 54‬و‪.55‬‬
‫(‪ )29‬شريي يب‪ .‬أورترن‪« ،‬هل املرأة بالنسبة إىل الرجل مثل الطبيعة بالنسبة إىل الثقافة»‪ ،‬يف‪:‬‬
‫ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫‪(30) See Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy: an Introduction,‬‬
‫‪op.cit., p.388.‬‬
‫(‪ )31‬شوالميث فايرستون‪« ،‬من جدلية الجنس‪ :‬دياليكتيكية»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار‬
‫وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 188‬و‪.189‬‬
‫(‪ )32‬انظر شوالميث فايرستون‪ ،‬من جدلية الجنس‪ :‬دياليكتيكية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫(‪ )33‬ماكس هوركهامير وتيودور ف‪ .‬أدورنو‪ ،‬جدل التنوير‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 301‬و‪.302‬‬
‫(‪ )34‬شوالميث فايرستون‪ ،‬من جدلية الجنس‪ :‬دياليكتيكية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 191‬و‪.192‬‬
‫وللمزيد من التفاصيل انظر شريي يب‪ .‬أونرت‪ ،‬هل املرأة بالنسبة إىل الرجل مثل الطبيعة‬
‫بالنسبة إىل الثقافة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.198 - 193‬‬
‫(‪ )35‬ماكس هوركهامير وتيودور ف‪ .‬أدورنو‪ ،‬جدل التنوير‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 302‬و‪.303‬‬
‫(‪ )36‬ماكس هوركهامير وتيودور ف‪ .‬أدورنو‪ ،‬جدل التنوير‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪ 306‬و‪.307‬‬
‫(‪ )37‬ج‪ .‬آن تكرن ولورا شوبريغ‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.480‬‬
‫(‪ )38‬شوالميث فايرستون‪ ،‬من جدلية الجنس‪ :‬دياليكتيكية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.192‬‬
‫(‪ )39‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.192‬‬
‫الجسدية وضبطها‪.‬‬ ‫نظام لتفسري االختالفات َ‬ ‫(‪َّ )40‬إن لإلعاقة أربعة جوانب‪ :‬أولها أ َّنها ٌ‬
‫ثانيها كونها عالقة بني األجساد وبيئاتها‪ .‬ثالثها هناك مجموعة املامرسات التي ُتولِّدُ‬
‫الجسد القادر ُوت ِّيز ُه عن الجسد املعاق‪ .‬ورابعها أ َّنها طريقة لِوصف عدم االستقرار‬
‫املتأصل للذات املتجسدة وا ُملعاقة‪ .‬وبذلك ميكن القول َّإن اإلعاقة مصطلح شامل‬
‫تتج ّمع فيه فئات أيديولوجية متنوعة‪ ،‬مثل‪ :‬املريض‪ ،‬ا ُملش ّوه‪ ،‬املجنون‪ ،‬ا ُملسن‪ ،‬ا ُملقعد‪،‬‬
‫املنكوب‪ ،‬ا ُملختل عقلياً‪ ،‬املحروم‪ ،‬فجميعها تؤذي الناس عرب التقليل من قيمة األجساد‬
‫فإن نظام اإلعاقة يعمل للحفاظ عىل استمرارية‬ ‫التي ال تتفق واملعايري الثقافية‪ .‬لذا َّ‬

‫‪315‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫تسميات ُمم َّيزة وتأبيد وجودها مثل‪ :‬الجميل‪ ،‬صحيح ال ُبنية‪ ،‬السليم‪ ،‬ا ُملقتدر‪ ،‬الذيك‪.‬‬
‫فجميعها تعبري عن التفاعالت املتنوعة بني األجساد والعامل بالشكل الذي يجعل اإلعاقة‬
‫ماد ًة للتنوع البرشي وعدم استقرار ِه‪ .‬للمزيد من التفاصيل‪ ،‬انظر روزماري غارالند‬
‫تومبسون‪« ،‬دمج اإلعاقة‪ :‬تحويل النظرية النسوية»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس‬
‫بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 443‬و‪.444‬‬
‫(‪ )41‬للمزيد من التفاصيل انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.447 – 445‬‬
‫مدفوعة بأيديولوجية الجندر والطلب يف السوق‪ ،‬حيث‬ ‫ٌ‬ ‫(‪ )42‬فمثال َّإن ِ‬
‫الجراحة التجميلية‬
‫وحدُ مقاسات األجساد األنثوية صوب‬ ‫ُ‬
‫ُتف َر ُض اليوم مناذج معيارية لِجسد األنثى‪ ،‬و ُت ِّ‬
‫ما ميكن ْأن ُيسمى بـ «الن َْم َذجة» ‪ ،Normate‬أي التجسيد ال َبدين لِصفات الثقافة‬
‫«الجامعية واملعيارية»‪ .‬للمزيد من التفاصيل انظر‪ ،‬روزماري غارالند تومبسون‪ ،‬دمج‬
‫اإلعاقة‪ :‬تحويل النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 447‬و‪ 448‬و‪.449‬‬
‫‪(43) See Collin Farrelly, Introduction to Contemporary Political Theory,‬‬
‫‪SAGE publications, London, 2004, p. 157.‬‬
‫(‪ )44‬ج‪ .‬آن تكرن ولورا شوبريغ‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.473‬‬
‫(‪ )45‬ج‪ .‬آن تكرن ولورا شوبريغ‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 489‬و‪.490‬‬
‫(‪ )46‬للمزيد من التفاصيل حول املفهوم املعارص للجندر الس َّيام رؤية جوديث َبتلر‬
‫‪ Judith Butler‬وتفضيلها لِمفهوم «الجندر» عىل «الجنس»‪ ،‬باعتبار َّأن األخري‬
‫مفهوم جامد ‪ Solid‬ومجرد أساس طبيعي‪ .‬أما الجندر فيشت ِم ُل عىل قد ٍر ما من‬ ‫ٌ‬
‫الغموض والتشابك‪ ،‬من زاوية كون ِه يشتمل أصال عىل دور التنشئة االجتامعية‪،‬‬
‫والتنشئة الثقافية‪ ،‬فضال عن دور الخيار الفردي نفسهُ يف تحديد دور الفرد وهويت ِه‬
‫االجتامعية‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪Michelle K. Owen, “Gender”, in, Lorraine code (ed.), Encyclopedia of‬‬
‫‪feminist theories, op.cit., pp. 220- 222.‬‬
‫‪(47) See Brian Barry, Culture and Equality: an Egalitarian critique of‬‬
‫‪multiculturalism, Polity Press, (4th. ed.), Cambridge, 2005, pp. 116- 117.‬‬
‫‪(48) Collin Farrelly, Introduction to Contemporary Political Theory,‬‬
‫‪op.cit., p. 16.‬‬
‫(‪ )49‬حيث يرى ماكس فيرب َّأن الهيمنة ‪ Domination‬ضمن إطار السلطة تعني إمكانية‬
‫َفرض إرادة املرء عىل سلوك أشخاص آخرين‪ .‬و ُيعنى فيرب هنا بشك َلني رئيسني وهام‪:‬‬
‫السيطرة من خالل السلطة االجتامعية‪ ،‬أي (أبوي أو تسلطي أو أمريي)‪ ،‬وكذلك‬
‫السيطرة من خالل القوة االقتصادية‪ .‬ففي املجتمع األ َبوي ُيسيطر عىل البضائع‬
‫االقتصادية بواسطة سلطة اقتصادية وعىل نح ٍو هادف وواسع االنتشار‪ .‬للمزيد من‬
‫التفاصيل انظر كيت ميليت‪« ،‬النظرية السياسية الجنسية»‪ ،‬يف‪ ،‬ويندي كيه‪ .‬كوملار‬
‫وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 183‬و‪ 184‬و‪ 185‬و‪.186‬‬
‫(‪ )50‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.184‬‬
‫‪(51) Elizabeth Purdy, Feminism, op.cit., p. 158.‬‬
‫(‪ )52‬ليندا آلكوف‪« ،‬الحركة النسوية الثقافية مقابل ما بعد البنيوية‪ :‬أزمة الهوية يف النظرية‬
‫النسوية»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪ .330 ،327‬للمزيد من التفاصيل حول االضطهاد الجنيس والهيمنة الذكورية‬
‫انظر‪:‬‬

‫‪316‬‬
‫الهوامش‬
‫‪Patricia Madoo Lengermann & Jill Niebrugge, Contemporary feminist‬‬
‫‪theories, op.cit., pp. 215 -216.‬‬
‫(‪ )53‬ومثال ذلك قرار األب ِبَنْ ستتزوج ابنتهُ‪ ،‬فهو من املسائل الخاصة (الداخلية) التي ال‬
‫ُيسمح ألحد بالتدخل فيها‪ ،‬وال َيذك ُر جون لوك نفسه شيئا حول أيِّ حقوقٍ قد ُتطالِ ُب‬
‫بها االبنة يف هذا الخصوص‪ .‬انظر سوزان مولر أوكني‪ ،‬النسوية وحقوق اإلنسان للمرأة‬
‫واالختالفات الثقافية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 72‬و‪.73‬‬
‫‪(54) Collin Farrelly, Introduction to Contemporary Political Theory, op. cit., p. 159.‬‬
‫(‪ )55‬انظر سوزان مولر أوكني‪ ،‬النسوية وحقوق اإلنسان للمرأة واالختالفات الثقافية‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪ 73‬و‪.74‬‬
‫(‪ )56‬ليــندا آلكـــوف‪ ،‬الحـــركة النســوية الثـــقافية مقـــابل ما بعد البنـيوية‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.330 - 328‬‬
‫(‪ )57‬إليزابيث كادي ستانتون‪« ،‬عُ زلة الذات»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس‬
‫بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.127‬‬
‫(‪َّ )58‬إن لِمصطلح «العام» ‪ public‬معنيني رئيسني‪ُ :‬يش ُري أولهام إىل ما ُيؤ ِّث ُر يف الجامعة‬
‫االجتامعية ككل (الشؤون العامة)‪ ،‬أو يف إدارة هذه الشؤون (أي السلطات العامة)‪.‬‬
‫أما املعنى الثاين فهو يجعل العمومية أمرا يتع َّلقُ بالوصول أو النفاذ‪ ،‬كأن تقول «هذه‬
‫الحديقة مفتوحة للعموم»‪ ،‬أو مسألة متعلقة بالظهور واالنتشار‪ ،‬كأن تقول «لقد ُج ِع َل‬
‫هذا الخرب عا ًما»‪ .‬فاملجال العام وفقاً للمعنى الثاين بخاصة هو فضا ٌء مشرتك فوق ‪-‬‬
‫موضعي عىل وجه التحديد‪ ،‬أي ال ينحرص يف مكانٍ واحد‪ ،‬يجتمع في ِه الناس ويتواصلون‬ ‫ّ‬
‫فيام بينهم عرب وسائط مختلفة ومتعددة‪ .‬ولنا أن نقول إ َّن ُه فضا ٌء للظهور واالنتشار‬
‫املتبادل بحيث َيحوي أعضاء املجتمع كا ّفة‪ .‬للمزيد من التفاصيل انظر تشارلز تايلر‪،‬‬
‫املتخ ّيالت االجتامعية الحديثة‪ ،‬ترجمة‪ :‬الحارث النبهان‪ ،‬املركز العريب لألبحاث ودراسة‬
‫السياسات‪ ،‬الدوحة‪ ،‬مارس ‪ ،2015‬ص‪ 103‬و‪.124 ،104‬‬
‫‪(59) See Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy: an Introduction,‬‬
‫‪op.cit., p. 388.‬‬
‫(‪ )60‬للمزيد من التفاصيل انظر جون إهرنربغ‪ ،‬املجتمع املدين‪ :‬التاريخ النقدي للفكرة‪،‬‬
‫ترجمة د‪ .‬عيل حاكم صالح ود‪ .‬حسن ناظم‪ ،‬املنظمة العربية للرتجمة‪ ،‬بريوت‪ ،‬فرباير‬
‫‪ ،2008‬ص‪.250 - 241‬‬
‫(‪ )61‬للمزيد من التفاصيل انظر جون إهرنربغ‪ ،‬املجتمع املدين‪ :‬التاريخ النقدي للفكرة‪،‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص‪.254 - 251‬‬
‫‪(62) For more details see Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy:‬‬
‫‪an Introduction,op.cit., pp. 388 -389.‬‬
‫‪(63) For more details see Ayelet Shachar, “The Paradox of Multicultural‬‬
‫‪Vulnerability: Individual rights, identity groups and the state”, in,‬‬
‫‪Christian Joppke & Steven Luke (ed.), Multicultural Questions, Oxford‬‬
‫‪University Press, Oxford, 2002, p. 91.‬‬
‫‪(64) See Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy: an Introduction,‬‬
‫‪op.cit., p. 394.‬‬
‫(‪ )65‬تشارلز تايلر‪ ،‬املتخ ّيالت االجتامعية الحديثة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.123‬‬
‫(‪ )66‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.125‬‬

‫‪317‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫‪(67) For more details see Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy:‬‬
‫‪an Introduction, op.cit., pp. 394- 395, 425.‬‬
‫‪(68) G. A. Cohen, Rescuing Justice and Equality, Harvard University Press,‬‬
‫‪Massachusetts, 2008, p. 117.‬‬
‫(‪ )69‬نظر باتريشيا هل كولينز‪« ،‬كل يشء يف األرسة‪ :‬تقاطعات الجنوسة والعرق والقومية»‪،‬‬
‫يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا هاردنغ (تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ :‬الفلسفة من أجل عاملٍ‬
‫متعدد الثقافات‪ :‬بعد استعامري ونسوي‪ ،‬ج‪ ،2‬ترجمة د‪ُ .‬ينى طريف الخويل‪ ،‬سلسلة‬
‫عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،396‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬يناير‬
‫‪ ،2013‬ص‪ 8‬و‪.9‬‬
‫‪(70) For more details see Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy,‬‬
‫‪op.cit., pp. 398- 399, 400- 401.‬‬
‫(‪ )71‬للمزيد من التفاصيل انظر باتريشيا هل كولينز‪ ،‬كل يشء يف األرسة‪ :‬تقاطعات الجنوسة‬
‫والعرق والقومية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 11‬و‪ 19 ،12‬و‪.20‬‬
‫‪(72) For more details see Brian Barry, Culture and Equality: an Egalitarian‬‬
‫‪critique of multiculturalism, Polity Press, (4th. ed.), Cambridge, 2005,‬‬
‫‪pp. 95 -96.‬‬
‫‪(73) For more details see and compare with Ayelet Shachar, The Paradox of‬‬
‫‪Multicultural Vulnerability, op.cit., pp. 91– 95.‬‬
‫‪(74) See Brian Barry, Culture and Equality, op. cit., p. 130.‬‬
‫‪(75) See and compare with Brian Barry, Culture and Equality, op. cit., pp.‬‬
‫‪23, 150- 151.‬‬
‫‪(76) Compare with Ibid., pp. 131- 136, 152- 153.‬‬
‫(‪ )77‬ويتم تربير انتهاك حقوق املرأة باإلشارة عاد ًة إىل أهمية ومكانة الثقافة أو‬
‫الدين أو التقاليد‪ .‬وهو ما رفضتهُ مقررات «مؤمتر املرأة» املنعقد يف بكني يف‬
‫العام ‪ ،1995‬من زاوية َّأن الخصوصيات القومية واملناطقية والخلفيات التاريخية‬
‫والثقافية والدينية يجب أال تحول دون اضطالع الدول بواجب َصون حقوق‬
‫اإلنسان وحرياته األساسية‪ .‬للمزيد من التفاصيل انظر سوزان مولر أوكني‪ ،‬النسوية‬
‫وحقوق اإلنسان للمرأة واالختالفات الثقافية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 91 ،77-75‬و‪.92‬‬
‫انظر أيضا دروسال كورنل‪ ،‬نشأة مفهوم الجنس و ِم َحنهُ يف الواليات املتحدة‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪ 48‬و‪.49‬‬
‫(‪ )78‬انظر ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.57‬‬
‫‪(79) Veronique Mottier, “Feminism and Gender Theory: the Return of the‬‬
‫‪state”, in, Gerald F. Gaus and Chandran Kukathas (ed.), Handbook of‬‬
‫‪Political Theory, Sage Publications, London, 2004, p. 279.‬‬
‫‪(80) For more details see Veronique Mottier, Feminism and Gender Theory:‬‬
‫‪the Return of the state, op.cit., pp. 279, 280- 281.‬‬
‫(‪ )81‬للمزيد من التفاصيل حول كيفية التخلص من ثنائية العام‪ /‬الخاص وأهمية التدخل يف‬
‫املجال الخاص والس َّيام من حيث توزيع دخل الرجل بصور ٍة متساوية بينه وبني زوجت ِه‪،‬‬
‫وتنقية الترشيعات من التمييزات الجنسية والجندرية بحيث تكون لآلباء إجازات األبوة‬
‫عىل غرار إجازات األمومة للنساء‪ ،‬انظر‪:‬‬

‫‪318‬‬
‫الهوامش‬
Collin Farrelly, Introduction to Contemporary Political Theory, op. cit.,
pp. 167–169.
(82) See Veronique Mottier, Feminism and Gender Theory: the Return of
the state, op.cit., pp. 278.
(83) See Collin Farrelly, Introduction to Contemporary Political Theory, op.
cit., p. 164.
(84) See Ibid., p. 165. See also Veronique Mottier, Feminism and Gender
Theory, op.cit., pp. 279 -280.
(85) See Collin Farrelly, Introduction to Contemporary Political Theory, op.
cit., p. 165.
(86) Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy: an Introduction,
op.cit., p. 398.
(87) See Collin Farrelly, Introduction to Contemporary Political Theory, op.
cit., p. 165.
‫وللمزيد من التفاصيل حول موقف النسويات من مؤسسة الزواج والعالقة الزوجية‬
:‫بعامة انظر أيضا‬
Patricia Madoo Lengermann and Jill Niebrugge, Contemporary Feminist
Theories, op.cit., pp. 213- 214.
(88) For more details see Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy,
op.cit., pp. 417- 418.
(89) Collin Farrelly, Introduction to Contemporary Political Theory, op.cit.,
p. 166.
(90) For more details see Susan Moller Okin, Justice, Gender and Family,
op.cit., pp.180 -184.
(91) For more details see Ibid., pp. 170 -171.

‫الفصل الخامس‬
(1) See, Gillian Howlie and Ashley Tauchert, “Feminism Dissonance: the
Logic of Late Feminism”, in, Stacy Gillis, et al., Third Wave Feminism:
a Critical exploration, Palgrave Macmillan, (2nd. ed.), New York, 2007,
pp. 46 -47.
‫هناك منْ يعتقد أيضا َّأن صياغة مفهوم «املوجات النسوية» يعود أصال إىل السيدة‬
ْ
‫استخدمت رصاحة وألول م ّرة‬ ‫ إذ‬،Martha Weinman Lear »‫«مارثا واينامن لري‬
:‫مفهو َمي «املوجة النسوية األوىل» و«املوجة النسوية الثانية» يف مقالتها املوسومة‬
‫ مارس‬10 ‫ التي نرشتها صحيفة «نيويورك تاميز» األمريكية يف‬،»‫«املوجة النسوية الثانية‬
‫ بيد َّأن تحليالتها جاءت مكتفية بتبيان طبيعة الحركة النسوية يف الواليات‬.1968
‫ أما كتاب الس ّيدة كريستيفا (عرص النساء) فقد تجاوز دائرة‬،‫املتحدة بصفة خاصة‬
‫النسوية األمريكية إىل دائرة تصنيف الحركات النسوية وطروحاتها يف اتجاهها العام‬
‫ ملزيد‬،‫ومحاولة تبيان كيفية تبلورها عىل امتداد مراحلها الزمنية املتفاوتة واملتداخلة‬
:‫من التفاصيل انظر‬

319
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫’‪Tasha Oren and Andrea L. Press, “Contemporary feminism: editors‬‬
‫‪introduction”, in, Tasha Oren and Andrea L. Press (edrs.), The‬‬
‫‪Routledge Handbook of Contemporary Feminism, Routledge, New‬‬
‫‪York, 2019, pp. 23-.‬‬
‫(‪ )2‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫(‪ )3‬آن كورثويس‪« ،‬النسوية»‪ ،‬يف‪ :‬طوين بينيت وآخرين‪ ،‬مفاتيح اصطالحية جديدة‪ :‬معجم‬
‫مصطلحات الثقافة واملجتمع‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 683‬و‪.684‬‬
‫(‪ )4‬انظر بوال تريكلر وشريي كراماراي‪ ،‬الحركة النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.18‬‬
‫(‪ )5‬ويف هذا االتجاه أيضا نرى الكاتبة األملانية إيتا بامل دو أيلديرس ‪،Etta Palm d’Aelders‬‬
‫التي عاشت يف فرنسا منذ العام ‪ ،1774‬وترأست أنشطة نسوية كثرية‪ .‬فقد ْ‬
‫نادت‬
‫باملساواة يف املواطنة ليس فقط استنادا إىل فكرة املساواة يف الحقوق والحامية‬
‫القانونية‪ ،‬بل أيضا اعتامدا عىل فكرة املساواة يف القوة والسلطة‪ .‬ملزيد من التفاصيل‬
‫انظر ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.49 - 46‬‬
‫(‪ )6‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.50‬‬
‫(‪ )7‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.113‬‬
‫‪(8) See Elizabeth Purdy, Feminism, op. cit., p. 159.‬‬
‫(‪ )9‬ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 50‬و‪.51‬‬
‫‪(10) See Elizabeth Purdy, Feminism, op. cit., p. 159.‬‬
‫انظر أيضا آن كورثويس‪ ،‬النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.684‬‬
‫(‪ )11‬ملزيد من التفاصيل انظر ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية‬
‫النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 114‬و‪.115‬‬
‫(‪ )12‬قارن مع شارلوت بريكينز غيلامن‪« ،‬من نساء واقتصاديات‪ :‬دراسة يف العالقة االقتصادية‬
‫بني الرجال والنساء كعامل يف التطور االجتامعي»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس‬
‫بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.140‬‬
‫(‪ )13‬ملزيد من التفاصيل انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.141 ،138 - 135‬‬
‫(‪ )14‬ملزيد من التفاصيل انظر ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية‬
‫النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 114‬و‪.115‬‬
‫‪(15) See and compare with Elizabeth Purdy, Feminism, op. cit., p. 159.‬‬
‫‪(16) For more details see Patricia Madoo Lengermann & Jill Niebrugge,‬‬
‫‪Contemporary Feminist Theories, op.cit., pp. 211, 212.‬‬
‫‪(17) For more details, see Elizabeth Purdy, Feminism, op. cit., p. 159.‬‬
‫(‪ )18‬ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 51‬و‪ .52‬ومن الجدير بال ِذكر‬
‫َّأن حق االقرتاع قد حازت ُه النساء ألول مرة يف نيوزيلندا يف العام ‪ ،1893‬ثم يف‬
‫أسرتاليا يف العام ‪ ،1895‬وفنلندا يف العام ‪ ،1906‬لينترش بعد ذلك يف عموم الدول‬
‫الغربية‪ .‬ومع نهاية الحرب العاملية الثانية نجحت الحركة النسوية يف إزالة كثري‬
‫من ا ُملع ِّوقات القانونية والسياسية التي كانت تقف يف طريق اكتساب النساء صفة‬
‫فإن صورة حادة من التمييز اجتامعيا‬ ‫املواطنة الكاملة‪ .‬وعىل الرغم من ذلك‪َّ ،‬‬
‫بقيت موجودة يف هذه املجتمعات‪ .‬انظر آن‬ ‫وثقافيا واقتصاديا بني الرجال والنساء ْ‬
‫كورثويس‪ ،‬النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.684‬‬
‫(‪ )19‬ملزيد من التفاصيل انظر ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 52‬و‪.53‬‬

‫‪320‬‬
‫الهوامش‬
‫‪(20) For more details, see Elizabeth Purdy, Feminism, op. cit., pp. 159 – 160.‬‬
‫(‪ )21‬ملزيد من التفاصيل انظر وقارن مع ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪،‬‬
‫النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.145 ،115‬‬
‫(‪ )22‬دروسال كورنل‪ ،‬نشأة مفهوم الجنس و ِم َح ُن ُه يف الواليات املتحدة‪ ،‬مصدر سابق ص‪.46‬‬
‫فقد شهدت منظمة حق االقرتاع عىل سبيل املثال انقساما حادا بني الجناح الليربايل‬
‫للحركة‪ ،‬والذي قادت ُه الس ِّيدة كاري شامبان كات ‪ ،Carrie chapman catt‬وبني الجناح‬
‫الراديكايل للحركة بقيادة أليس بول ‪ .Alice Paul‬ملزيد من التفاصيل انظر‪:‬‬
‫‪Elizabeth Purdy, Feminism, op. cit., p. 159.‬‬
‫(‪ )23‬انظر وينـــدي كيه‪ .‬كوملــــار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫‪(24) See Elizabeth Purdy, Feminism, op. cit ., p. 160.‬‬
‫(‪ )25‬ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .54‬وملزيد من التفاصيل انظر أيضا‪:‬‬
‫‪Elizabeth Purdy, Feminism, op. cit., p. 160.‬‬
‫(‪ )26‬انظر وينــدي كــيه‪ .‬كوملـــار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.167‬‬
‫(‪ )27‬ففي نهاية الخمسينيات املنرصمة انخفض متوسط ِّسن زواج املرأة األمريكية إىل ‪20‬‬
‫سنة‪ ،‬بحيث كان هناك ‪ 14‬مليون فتاة مخطوبة يف ِسن ‪ 17‬عاما‪ .‬وانخفضت نسبة‬
‫نب إىل الجامعة مقارنة بالرجال من ‪ 47‬يف املائة يف العام ‪ 1920‬إىل‬ ‫النساء الاليت َيذه َ‬
‫ناضلت النساء من أجل‬ ‫ِ‬ ‫‪ 35‬يف املائة يف العام ‪ .1958‬ووفقا لفريدان‪« :‬قبل قرنٍ مىض‪،‬‬
‫تعليم عالٍ ‪ ،‬واآلن تذهب الفتيات إىل الجامعة لِ َيحصلنَ عىل زوج»‪ .‬وقبل ذلك س َّيام‬ ‫ٍ‬
‫يف منتصف عقد الخمسينيات تركت ‪ 60‬يف املائة من النساء الجامعة من أجل الزواج‪.‬‬
‫اسم لها»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪.‬‬ ‫ملزيد من التفاصيل انظر‪ :‬بيتي فريدان‪« ،‬املشكلة التي ال َ‬
‫كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .171‬انظر أيضا‪:‬‬
‫‪Elizabeth Purdy, Feminism, op. cit., pp. 160 –161.‬‬
‫(‪ )28‬وبشكلٍ عام كان اإلجهاض مبنزلة القضية األكرث شعبية‪ .‬ففي العام ‪ ،1965‬أق ّر ِت‬
‫املحكمة الدستورية العليا َّأن حق الخصوصية َين َُح املرأ َة املتزوجة الحقَّ يف تنظيم‬
‫النسل؛ مام َم َّه َد السبيل إلقرار الحق الدستوري للنسوة يف اإلجهاض من عدم ِه يف‬
‫العام ‪ .1973‬ومنذ البداية أسهمت قضية اإلجهاض يف بروز الشقاق بني النسويات‬
‫املؤ ِّيدات لحق تنظيم النسل والنسويات املؤ ِّيدات ألولوية حياة الجنني‪ .‬والتزال هذه‬
‫خالف بني املحافظني (الحزب الجمهوري) وبني اليسار الليربايل (الحزب‬ ‫محل ٍ‬ ‫القضية ّ‬
‫الدميوقراطي) منذ الثامنينيات املنرصمة‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر‪:‬‬
‫‪Elizabeth Purdy, Feminism, op. cit., p. 161.‬‬
‫(‪ )29‬دروسال كورنل‪ ،‬نشأة مفهوم الجنس و ِم َحنُهُ يف الواليات املتحدة‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪ 46‬و‪.47‬‬
‫(‪ )30‬ملزيد من التفاصيل انظر آن كورثويس‪ ،‬النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 684‬و‪.685‬‬
‫(‪ )31‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.685‬‬
‫(‪ )32‬ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫(‪ )33‬ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 55‬و‪.56‬‬
‫(‪ )34‬ملزيد من التفاصيل انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪ .305 – 303‬و َيجد ُر بال ِذكر َّأن الباحثة‬
‫صاغ مفهوم «املوجة النسوية الثالثة»‬ ‫ريبيكا والكر ‪ُ Rebecca Walker‬تعدُّ أول منْ َ‬

‫‪321‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫يف العام ‪ ،2003‬بهدف اإلشارة إىل خصوصية الحركة النسوية منذ عقدَي الثامنينيات‬
‫والتسعينيات‪ ،‬والس َّيام من حيث كونها أكرث نزوعا إىل العاملية ‪ ،global‬وأكرث تعددية‬
‫عرقية ‪ ،multiracial‬وأكرث انتشارا يف أوساط النساء والرجال أيضا‪ ،‬كام تتسم بكونها‬
‫أقل تركيزا عىل الخطاب الطبقي مقارنة مع املوجة النسوية الثانية‪ .‬ملزيد من التفاصيل‬
‫انظر‪:‬‬
‫’‪Tasha Oren and Andrea L. Press, Contemporary feminism: editors‬‬
‫‪introduction, op.cit., pp. 56-.‬‬
‫‪(35) Elizabeth Purdy, Feminism, op. cit., p. 161.‬‬
‫‪(36) See Chelsea Starr, “Third-Wave Feminism”, in, Lorraine code (ed.),‬‬
‫‪Encyclopedia of Feminist Theories,op.cit., p. 474.‬‬
‫‪(37) For more details see Elizabeth Purdy, Feminism, op.cit., p. 161.‬‬
‫‪(38) See Chelsea Starr, Third-Wave Feminism, op.cit., p. 474.‬‬
‫(‪ )39‬قارن مع روزاليندا ديلامر‪ ،‬ما هي الحركة النسوية؟‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .72‬انظر أيضا‪:‬‬
‫’‪Tasha Oren and Andrea L. Press, Contemporary feminism: editors‬‬
‫‪introduction, op.cit., p. 5.‬‬
‫(‪ )40‬انظر وقارن مع روزاليندا ديلامر‪ ،‬ما هي الحركة النسوية؟‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 74‬و‪.75‬‬
‫(‪ )41‬كيت ناش‪ ،‬السوسيولوجيا السياسية املعارصة‪ :‬العوملة والسياسة والسلطة‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.301‬‬
‫(‪ )42‬املصدر نفسهُ‪ ،‬ص‪ 303‬و‪.304‬‬
‫(‪ )43‬ملزيد من التفاصيل انظر كيت ناش‪ ،‬السوسيولوجيا السياسية املعارصة‪ :‬العوملة‬
‫والسياسة والسلطة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.310 - 307 ،304‬‬
‫‪(44) See Kate Nash, “Liberal Feminism”, in, Lorraine Code (ed.),‬‬
‫‪Encyclopeadia of Feminist Theories, op. cit., p. 305.‬‬
‫‪(45) For more details see and compare with: Gillian Howie and Ashley‬‬
‫‪Tauchert, Feminism Dissonance: the Logic of late feminism, op.cit.,‬‬
‫‪pp. 46 -47. See also Tasha Oren and Andrea L. Press, Contemporary‬‬
‫‪feminism: editors’ introduction, op.cit., p. 6.‬‬
‫(‪ )46‬ملزيد من التفاصيل انظر وقارن مع ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪ 59‬و‪.60‬‬
‫َ‬
‫اعتقدن أن إلغاء االستعباد‬ ‫(‪ )47‬أما النسويات االشرتاكيات ‪ -‬كام سنبني الحقا ‪ -‬فقد‬
‫رشط رضوري لِقيام حركة نسوية أصيلة‪ ،‬من منظور َّأن االستغالل الطبقي‬ ‫الرأساميل ٌ‬
‫الذي ُتعاني ِه طبقة الربوليتاريا يرتبط ارتباطا جوهريا باالستغالل الجندري الذي ُتعانيه‬
‫ثم ال ميكن إلغاء االستغالل الجندري ما مل ُي ْلغ االستغالل الطبقي‪.‬‬
‫نساء الربوليتاريا‪ ،‬ومن َّ‬
‫انظر‪ :‬آن كورثويس‪ ،‬النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .685‬انظر أيضا‪:‬‬
‫‪Colin Farrelly, Introduction to Contemporary Political Theory,‬‬
‫‪op.cit., p. 157.‬‬
‫‪(48) See Patricia Madoo Lengermann and Gillian Niebrugge, Contemporary‬‬
‫‪Feminist Theory, op.cit., p. 467.‬‬
‫‪(49) See Patricia Madoo Lengermann and Gillian Niebrugge, Contemporary‬‬
‫‪Feminist Theory, op.cit., p.470.‬‬

‫‪322‬‬
‫الهوامش‬
،‫ مصدر سابق‬،‫ النظرية النسوية‬،‫ آن تكرن ولورا شوبريغ‬.‫) ملزيد من التفاصيل انظر ج‬50(
.479‫ و‬478 ‫ص‬
»‫ «كان التصور الليربايل عن «الخاص‬:Mary G. Dietz ‫) تقول الباحثة ماري دايتز‬51(
‫ بوصفه ملكية‬،woman’s sphere »‫ قد شمل ما كان ُيطلق عليه «مجال املرأة‬private
‫ وسعى ليس إىل الحفاظ عليها من تدخل املجال العام فقط بل إىل إبعاد أولئك‬،‫الرجل‬
.»‫ عن حياة املجال العام‬- ‫ النساء‬- ‫الذين يرجعون إىل ذلك املجال‬
Mary G. Dietz, “Context Is All: Feminism and theories of citizenship,”
in, Ann Phillips, (ed.), Feminism and Politics, Oxford University Press,
(2nd. Ed.), New York, 2009, p. 381.
(52) See Valerie Bryson, Feminist Political Theory: an Introduction, Palgrave
Macmillan, (2nd. ed.), New York, 2003, p.147.
(53) See Valerie Bryson, Feminist Political Theory: an Introduction, op.cit.,
pp. 148- 149, 150.
(54) See Valerie Sanders, “First Wave Feminism”, in, Sarah Gamble, (ed.),
The Routledge Companion to Feminism and Postfeminism, op.cit.,
pp.16 -18.
(55) See Ibid., p. 20.
(56) See Betty Friedan, The Feminine Mystique, A Dell Book, (4th. Ed.),
New York, 1974, pp. 3, 11- 12.
،‫وكل النساء الاليئ َع َر ْفتُهنَّ ُكنَّا نعيش ِكذبة‬
ُّ ‫ «أنا‬:Betty Friedan ‫) تقول ِبيتي فرايدن‬57(
‫وكل األطباء الذين عالجونا وكل الخرباء الذين درسوا أوضاعنا كانوا يعملون عىل تخليد‬
‫ ومنازلنا ومدارسنا وكنائسنا والسياسة والتخصصات واملهن َّإنا كانت قد‬،‫تلك ال ِكذبة‬
‫ ال أكرث‬- really people »‫ فإذا ما كانت النساء «أناسا حقيقة‬.‫نيت حول تلك الكذبة‬ ْ ‫ُب‬
‫فإن كل األشياء التي منعتهن من ْأن َي ُكنَّ أناسا كا ِمالت يف مجتمعنا يجب‬ َّ - ‫وال أقل‬
:‫ انظر‬.»‫أن تتغري‬
Betty Friedan, The feminine mystique, op.cit., p. 4.
(58) See Alison M. Jaggar, Feminist Politics and Human Nature, op.cit., p. 83.
(59) Zillah Eisenstein, “Developing a Theory of Capitalist Patriarchy and
Socialist Feminism, “in, Zillah R. Eisenstein, (ed.), Capitalist Patriarchy
and the Case for Socialist Feminism, op.cit., p.16.
:‫ انظر أيضا‬.685 ‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫ النسوية‬،‫) انظر آن كورثويس‬60(
Colin Farrelly, Introduction to Contemporary Political Theory, op.
cit., p. 157.
(61) See David Miller, Political Philosophy: a Very short introduction,
Oxford University Press, New York, 2003, pp. 94 - 95.
‫وملزيد من التفاصيل بخصوص النسويات الراديكاليات والنسويات االشرتاكيات انظر‬
‫ الشبكة العربية لألبحاث‬،‫ رشا جامل‬:‫ ترجمة‬،‫األسس‬ ُ :‫ علم السياسة‬،‫ستيف دي تانيس‬
‫ وحول اإلجراءات والتدابري الهادفة إىل إحداث‬.160 - 157‫ ص‬،2012 ،‫ بريوت‬،‫والنرش‬
‫ نشأة مفهوم الجنس و ِم َح ُن ُه يف الواليات‬،‫التغيري الراديكايل النسوي انظر دروسال كرونل‬
.66 - 64‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫املتحدة‬

323
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
.160‫ و‬159‫ و‬158‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫األسس‬ ُ :‫ علم السياسة‬،‫) انظر ستيفن دي تانيس‬62(
،»‫ «الحركات النسوية‬،‫ سوزان جيمس‬،‫ انظر‬،‫) حول هذه النقطة وملزيد من التفاصيل‬63(
‫ الفكر‬:‫ موسوعة كمربيدج للتاريخ‬،‫ محررون‬،‫ ترينس بول وريتشارد بيلالمي‬:‫يف‬
،‫ القاهرة‬،‫ املركز القومي للرتجمة‬،‫ َمي مقلد‬:‫ ترجمة‬،‫السيايس يف القرن العرشين‬
.242 - 236‫ ص‬،2010
.245 - 243‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫ الحركات النسوية‬،‫) انظر سوزان جيمس‬64(
(65) Marysia Zalewski, Feminism after Postmodernism: Theorizing through
practice, Routledge, London, 2000, p. 87.
(66) See Valerie Bryson, Feminist Political Theory: an introduction, op. cit.,
pp. 211 -212.
.159‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫األسس‬ُ :‫ علم السياسة‬،‫) ستيفن دي تانيس‬67(
‫ مصدر‬،‫ أحمد عز العرب‬:‫ ترجمة‬،‫ أصل العائلة وامللكية الخاصة والدولة‬،‫) فردريك أنجلز‬68(
.7‫ ص‬،‫سابق‬
‫ أنجلز وأصل املجتمع‬،‫ وكذلك انظر كريس هارمان‬.8‫ و‬7‫ ص‬،‫) انظر املصدر نفسه‬69(
.53‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫البرشي‬
(70) See Janice McLaughlin, Feminist Social and Political Theory: Contemporary
debates and dialogues, Palgrave Macmillan, New York, 2003, p. 8.
(71) Mary Daly, Beyond God and Father: Toward a philosophy of women’s
liberation, op.cit., pp. 2- 3.
(72) See Janice McLaughlin, Feminist Social and Political Theory,
op.cit., p. 10.
(73) See and compare with: Amy G. Mazur, Theorizing Feminist Policy,
Oxford University Press, New York, 2001, p. 156.
(74) See Amy G. Mazur, Theorizing Feminist Policy, pp. 155 -158.
(75) Shulamith Firestone, The Dialectic of Sex: the Case for feminist
revolution, William Morrow and Company Inc., (8th. ed.), New York,
1972, p.9.
(76) Shulamith Firestone, The Dialectic of Sex: the Case for feminist revolution,
op.cit.,p. 9.
(77) For more details see Ibid., pp. 910-.
(78) Shulamith Firestone, The Dialectic of Sex: the Case for feminist revolution
op.cit., p.9.
(79) Ibid., p.10.
(80) Shulamith Firestone, The Dialectic of Sex: the Case for feminist revolution,
op.cit., p.12.
(81) For more details, see Lynn S. Chancer and Beverly Xaviera Watkins,
Gender, Race and Class: an Overview, Blackwell Publishing, Malden, USA,
2006, p. 32.
(82) Lynn S. Chancer and Beverly Xaviera Watkins, Gender, Race and Class:
an Overview,op.cit., p.13.

324
‫الهوامش‬
‫‪(83) See Ibid., p.13.‬‬
‫(‪ )84‬فردريك أنجلز‪ ،‬أصل العائلة وامللكية الخاصة والدولة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 41‬و‪.42‬‬
‫‪(85) See Patricia Madoo Lengermann and Gillian Niebrugge, Contemporary‬‬
‫‪Feminist Theories, op.cit., pp. 475 -479.‬‬
‫‪(86) See Zillah Eisenstein, “Some Notes on the Relations of Capitalist‬‬
‫‪Patriarchy”, in, Zillah R. Eisenstein, (ed.), Capitalist Patriarchy and the‬‬
‫‪Case for Socialist Feminism,op.cit., pp. 41- 44.‬‬
‫‪(87) See Zillah Eisenstein, Developing a Theory of Capitalist Patriarchy and‬‬
‫‪Socialist Feminism, op.cit., pp. 31- 35.‬‬
‫(‪َّ )88‬إن مفهوم «ما بعد الحداثة» قد ورد أوال عىل لِسان املهندسني املعامريني يف أوروبا إ ّبان‬
‫السبعينيات املنرصمة‪ ،‬وذلك لإلشارة إىل ما أدخلوه يف تصاميمهم وبناياتهم من عنارص‬
‫متفرقة ومتنوعة من ُّجلِ فرتات تاريخ الهندسة املعامرية‪ ،‬من أجل الخروج عن املألوف‬
‫«والبحث عن ا ُملتَف ِّرد وحتى العجيب»‪ .‬وملزيد من التفاصيل انظر د‪ .‬فتحي الرتييك‪،‬‬
‫«الحداثة وما بعد الحداثة»‪ ،‬يف‪ :‬د‪ .‬عبدالوهاب املسريي ود‪ .‬فتحي الرتييك‪ ،‬الحداثة وما‬
‫بعد الحداثة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬يوليو ‪ ،2003‬ص‪.215‬‬
‫‪(89) See Andrew Heywood, Political Theory: an Introduction, op.cit., p. 7.‬‬
‫‪(90) See Marysia Zalewski, Feminism After Postmodernism: Theorizing‬‬
‫‪through practice, op.cit., p. 105.‬‬
‫(‪ )91‬يقول زيغمونت باومان‪« :‬كل ما شهدناه مل يكن سوى خطة كبرية من خطط‬
‫الهندسة االجتامعية‪ .‬وتكمن الحقيقة املفجعة يف أن كل « ُمك ِّونٍ » من ُمك ِّونات‬
‫الهولوكوست‪ ،‬وأعني بذلك جميع العوامل التي جعلتها حادثة ممكنة‪ ،‬كان ُيشري‬
‫إىل حال ٍة طبيعية يف املجتمع الحديث‪[ ...‬لقد] كانت ُمك ِّونات الهولوكوست طبيعية‬
‫مبعنى أنها تتوافق مع كل يشء نعرفهُ عن حضارتنا الغربية‪ ،‬وروحها الهادية‬
‫رشدة‪ ،‬وأولوياتها‪ ،‬ورؤيتها الكا ِمنة للعامل والسبل املالمئة لتحقيق السعادة‬ ‫ا ُمل ِ‬
‫البرشية وبناء مجتمع أمثل»‪ .‬ثم ينقل باومان عن إدموند سيلامن ووليام فاف‬
‫قولهام‪« :‬مثة عالقة أكرب من مجرد املصادفة املحضة تربط التكنولوجيا التطبيقية‬
‫الخاصة بخطوط اإلنتاج الضخمة ورؤيتها للوفرة والرثاء املادي الواسع من جهة‬
‫والتكنولوجيا التطبيقية لِ ُمعسكرات االعتقال ورؤيتها لِوفرة املوت وكرثت ِه من جهة‬
‫أخرى‪ .‬ورمبا نتمنى إنكار وجود مثل هذه العالقة‪ ،‬لكن معسكر ُبوخن والد كان‬
‫جزءا من عاملنا الغريب‪ ...‬فليس بإمكاننا ْأن ُن ْن ِك َر وجودَهُ بوصف ِه انحرافا عا ِبرا عن‬
‫عاملٍ غريب قائم يف جوهر ِه عىل العقل والعقالنية»‪ .‬زيغمونت باومان‪ ،‬الحداثة‬
‫والهولوكوست‪ ،‬ترجمة حجاج أبو منري ودينا رمضان‪ ،‬مدارات لألبحاث والنرش‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،2014 ،‬ص‪ 60‬و‪.61‬‬
‫‪(92) See Linda Hutcheon, “Postmodernism,” in, Simon Malpas and Paula‬‬
‫‪Wake, (eds.), The Routledge Companion to Critical Theory, Routledge,‬‬
‫‪London, 2006, p.117.‬‬
‫‪(93) Janice McLaughlin, Feminist Social and Political Theory, Palgrave‬‬
‫‪Macmillan, New York, 2003, p. 91.‬‬
‫‪(94) Janice McLaughlin, Feminist Social and Political Theory, op.cit., p. 91.‬‬
‫‪(95) See Linda Hutcheon, Postmodernism, op.cit., p. 118.‬‬

‫‪325‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
(96) See Alvin Schmidt, The Menace of Multiculturalism: Trojan horse in
America, Paeger Publishers, Connecticut, 1997, p. 4.
(97) For more details see Andrew Heywood, Political Theory, op.cit., pp. 7 -8.
‫ دار املدى‬،‫ ترجمة معني اإلمام‬،‫ ما بعد الحداثة والعقل والدين‬،‫انظر أيضا إرنست غيلرن‬
‫ وحول األسس الفكرية لِنظرية ما بعد‬.47 - 45‫ ص‬،2001 ،‫ دمشق‬،‫للثقافة والنرش‬
،‫ فتحي الرتييك‬.‫ انظر د‬Truth »‫ و«الحقيقة‬Self »‫الحداثة وتصوراتها عن «الذات‬
.223 - 216‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫الحداثة وما بعد الحداثة‬
(98) See Hal Foster, “Postmodernism: a Preface”, in, Hal Foster, (ed.), The
Anti-Aesthetic: Essays on postmodern culture, Bay Press, (5th.ed.),
Washington, 1987, p. ix.
(99) See David Harvey, The Condition of Postmodernity: an Enquiry
into origins of cultural change, Blackwell, (3rd.ed.), Cambridge,
1992, pp. 7, 9.
(100) Robin Usher and Richard Edwards, (eds.), Postmodernism and
Education, Routledge, London, 1994, pp. 1- 2.
(101) See Valerie Bryson, Feminist Political Theory: an Introduction,
op.cit., p. 233.
(102) Quoted in, Valerie Bryson, Feminist Political Theory: an Introduction,
op.cit., p. 234.
(103) Marysia Zalewski, Feminism After Postmodernism: Theorizing
through practice,op.cit., p. 106.
(104) See Ibid., p. 106.
(105) Sophia Phoca, “Feminism and Gender,” in, Sarah Gamble, (ed.), The
Routledge Companion to Feminism and Postfeminism, op.cit., p. 46.
(106) Quoted in, Patricia Hill Collins, Black Feminist Thought: Knowledge,
consciousness and the politics of empowerment, Routledge, (2nd. ed.),
New York, 2000, p. 1.
(107) See Patricia Hill Collins, Black Feminist Thought: Knowledge,
consciousness and the politics of empowerment, op.cit., pp. 2- 3.
(108) See Ibid., pp. 4 -5.
(109) See Cynthia Fuchs Epstein, Similarity and Difference: the Sociology of
gender distinctions, op.cit., p. 50.
(110) Joey Sprague and Diane Kobrynowicz, “A Feminist Epistemology”,
in, Janet Saltzman Chafetz, Handbook of the Sociology of Gender,
op.cit., p. 27.
(111) Sue Thornham, “Postmodernism and Feminism (or: repairing our own
cars)”, in Stuart Sim, (ed.), The Routledge Companion to Postmodernism,
Routledge, (2nd. ed.), London, 2001, p. 43.
(112) See Patricia Hill Collins, Black Sexual Politics: African Americans,
gender and the new racism, Routledge, New York, 2004, p. 28.

326
‫الهوامش‬
(113) See Patricia Hill Collins, Black Sexual Politics: African Americans,
gender and the new racism, op.cit., p. 28.
.‫) هي تكتب اسمها بحروف صغرية هكذا‬114(
(115) bellhooks, Feminist Theory from Margin to Center, South End Press,
Boston, 1984, pp.1,2.
(116) Dorothy Smith, “Feminism and Marxism- a place to begin, a way to
go”, in, Sean P. Hier (ed.), Contemporary Sociological Thought: Themes
and theories, Canadian Scholar’s Press Inc., Toronto, 2005, p. 228.
(117) bell hooks, Feminist Theory from Margin to Center, op.cit., p. 4.
(118) Donald E. Hall, Queer Theories, Palgrave Macmillan, London, 2003, p.3.
(119) See Ibid., p. 3.
(120) Ibid., p. 7.
(121) Quoted in,Valerie Bryson, Gender, op.cit., pp. 113- 114.
‫ انظر أيضا ستيف‬.60‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫ النسوية واملواطنة‬،‫) انظر وقارن مع ريان فوت‬122(
.159‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫ األسس‬:‫ علم السياسة‬،‫دي تانيس‬
(123) For more details see Kate Nash, “Equality and Difference”, in, Lorraine
Code (ed.), Encyclopedia of Feminist Theories, op. cit., pp. 174–176.
.62‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫ النسوية واملواطنة‬،‫) انظر ريان فوت‬124(
(125) For more details see Kate Nash, Liberal Feminism, op. cit., pp. 303 - 304.
(126) Patricia Madoo Lengermann & Jill Niebrugge, Contemporary Feminist
Theories, op.cit., p. 212.
(127) For more details see Ibid., pp. 212 -213.
(128) For more details see Will Kymlicka, Contemporary Political
Philosophy, op.cit., p. 381.
(129) For more details see Patricia Madoo Lengermann & Jill Niebrugge,
Contemporary feminist theories, op.cit., pp. 212 -213.
(130) See Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy, op.cit., p. 387.
.62‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫ النسوية واملواطنة‬،‫) انظر وقارن مع ريان فوت‬131(
‫ تحديات‬:‫ املسألة النسائية يف املغرب‬،‫) ملزيد من التفاصيل انظر محمد فاضل الكراعي‬132(
،‫ املجلة العربية للعلوم السياسية‬،‫الدينامية االجتامعية ومحدودية الرهانات السياسية‬
:‫ انظر أيضا‬.102‫ و‬101‫ ص‬،2010 ‫ خريف‬،28 ‫ العدد‬،‫الجمعية العربية للعلوم السياسية‬
Kate Nash, Liberal Feminism, op. cit., pp. 303- 304.
.63 – 61‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫ النسوية واملواطنة‬،‫) ملزيد من التفاصيل انظر ريان فوت‬133(
(134) For more details Patricia Madoo Lengermann & Jill Niebrugge,
Contemporary Feminist Theories, op.cit., pp. 211, 212.
(135) See Patricia Madoo Lengermann & Jill Niebrugge, Contemporary
Feminist Theories, op.cit., pp. 211 -212.
(136) For more details see Ibid., pp. 214, 215.
.65‫ ص‬،‫ مصدر سابق‬،‫ النسوية واملواطنة‬،‫) ريان فوت‬137(
.63‫ و‬62‫ ص‬،‫) انظر املصدر نفسه‬138(

327
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫(‪ )139‬انظر ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.63‬‬
‫إن مفهوم «املجتمع ا ُملتَخ َّيل» يعني‪ ،‬وفق بي ِن ِدكت أندرسون ‪Benedict‬‬ ‫(‪َّ )140‬‬
‫‪ ،Anderson‬تلك األساطري والسياسات التي َيعتمدها ُبناة الدولة ‪ -‬األمة بهدف‬
‫موحدة ما بني ُأناس متباينني‪ ،‬وعىل النحو الذي يدفعهم إىل‬ ‫خلق هوية قومية َّ‬
‫اإلميان بوجود هذه الهوية والشعور بها‪ .‬وكل الجامعات القومية تتقاسم َتص ّور‬
‫إن هذه الصورة املتخ ّيلة‬ ‫وتخ ّيل وجود تاريخ وتقاليد وأفكار وقيم مشرتكة‪ ،‬بحيث َّ‬
‫تعيش ح َّية يف أذهان أفراد كل جامعة‪ .‬انظر بين ِدكت أندرسون‪ ،‬الجامعات ا ُملتَخ َّيلة‪:‬‬
‫تأمالت يف أصل القومية وانتشارها‪ ،‬ترجمة‪ :‬ثائر أديب‪ ،‬املركز العريب لألبحاث‬
‫ودراسة السياسات‪ ،‬بريوت‪ ،‬أبريل ‪ ،2014‬ص‪ 63‬و‪.64‬‬
‫(‪ )141‬أليسون م‪ .‬جاغار‪ ،‬عوملة األخالقيات النسوية‪ ،‬يف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 65‬و‪.66‬‬
‫(‪ )142‬ملزيد من التفاصيل انظر آن فريغسون‪« ،‬مقاومة حجاب االمتياز‪ :‬مدُّ جسور الهويات‬
‫كسياسة أخالقية للمذاهب النسوية العوملية»‪ ،‬يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا هاردنغ (ت‬
‫حرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ ،‬ج‪ ،2‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 59 ،56 - 52‬و‪ .60‬انظر أيضا ساندرا‬
‫هاردنغ‪« ،‬الجنوسة والتنمية وفلسفات العلم بعد الحداثية»‪ ،‬يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا‬
‫هاردنغ (تحرير)‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.130 - 124‬‬
‫(‪ )143‬ملزيد من التفاصيل انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪ 75 ،67 - 65 ،59‬و‪.76‬‬
‫(‪ )144‬انظر ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 65‬و‪.66‬‬
‫(‪ )145‬انظر جون ليشته‪ ،‬خمسون مفكرا أساسيا معارصا‪ :‬من البنيوية إىل ما بعد الحداثة‪،‬‬
‫ترجمة د‪ .‬فاتن البستاين‪ ،‬املنظمة العربية للرتجمة‪ ،‬بريوت‪ ،‬أكتوبر ‪ ،2008‬ص‪.327‬‬
‫(‪ )146‬ملزيد من التفاصيل انظر جون ليشته‪ ،‬خمسون مفكرا أساسيا معارصا‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪ 329‬و‪.330‬‬
‫(‪ )147‬ملزيد من التفاصيل حول طروحات إيريغاري النا ِقدة للمفكر والطبيب الفرنيس‬
‫جاك الكان ‪ 1901-1981 Jacques Lacan‬الس َّيام بخصوص االضطهاد الجنيس‪ ،‬وطبيعة‬
‫العالقات الجنسية واملتخ ّيلة بني املرأة والرجل‪ ،‬انظر وقارن مع لوس إيريغاري‪َ « ،‬منْ‬
‫هذا الجنس الذي ليس واحدا»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪،‬‬
‫النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 261 - 254‬انظر أيضا جون ليشته‪ ،‬خمسون مفكرا‬
‫أساسيا معارصا‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 330‬و‪.331‬‬
‫(‪ )148‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪ .332‬وملزيد من التفاصيل انظر آن كورثويس «الجنوسة»‪ ،‬يف‪ :‬طوين‬
‫بينيت وآخرين‪ ،‬مفاتيح اصطالحية جديدة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 265‬و‪.266‬‬
‫‪(149) See Carole Pateman, The Disorder of Woman: Democracy, Feminism‬‬
‫‪and Political Theory, Stanford University Press, Stanford, 1989, pp. 4–5.‬‬
‫‪(150) Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy, op.cit., p. 386.‬‬
‫‪(151) For more details see Ibid., p. 386.‬‬
‫(‪ )152‬جون ليشته‪ ،‬خمسون مفكرا أساسيا معارصا‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.349‬‬
‫(‪ )153‬ملزيد من التفاصيل حول كون العقد االجتامعي اتفاقا ذكوريا أو أخويا (‪)Fratenal‬‬
‫انظر‪:‬‬
‫‪Carole Pateman, The Disorder of Woman, op.cit., pp. 6 – 8.‬‬
‫‪(154) For more details see Carole Pateman, The Problem of Political‬‬
‫‪Obligation: a Critique of liberal theory, University of California Press,‬‬
‫‪Berkeley, (2nd. ed.), 1985, pp. 13 – 14.‬‬

‫‪328‬‬
‫الهوامش‬
‫(‪ )155‬ملزيد من التفاصيل انظر جون ليشته‪ ،‬خمسون مفكرا أساسيا معارصا‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪ 348‬و‪.352 ،349‬‬
‫‪(156) Veronique Mottier, Feminism and Gender Theory: the Return of the‬‬
‫‪state, op. cit., pp. 282- 283.‬‬
‫‪(157) For more details see Carole Pateman, The Disorder of Woman, op.‬‬
‫‪cit., pp. 13 –14.‬‬
‫(‪ )158‬ملزيد من التفاصيل انظر وقارن مع ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪ 65‬و‪ .66‬انظر أيضا‪:‬‬
‫‪Carole Pateman, The Disorder of Woman, op.cit., pp. 14 -15.‬‬
‫‪(159) Antje Lindenmeyer, “Feminist Deconstruction”, in, Lorraine Code‬‬
‫‪(ed.), Encyclopedia of Feminist Theories, op.cit., p. 129.‬‬
‫(‪ )160‬انظر ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 63 ،61‬و‪.64‬‬
‫‪(161) For more details see Antje Lindenmeyer, Feminist Deconstruction,‬‬
‫‪op.cit., pp. 129 –130.‬‬
‫(‪ )162‬ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .64‬ملزيد من التفاصيل حول‬
‫ارتباط النظرية النسوية بنظريات ما بعد الحداثة منذ العام ‪ 1990‬تحديدا‪ ،‬حيث‬
‫تعمد النسوية ما بعد الحداثية بعامة (أي النسوية التفكيكية) عىل بناء إسرتاتيجية‬
‫جريب ُأسسها الفكرية‬
‫معرفية ُمعا ِرضة للخطاب السيايس املهيمن (الذكوري) من أجل َت ِ‬
‫النقدية والثورية‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Patricia Madoo Lengermann & Jill Niebrugge, “Feminism and Postmodern‬‬
‫‪Social Theory”, in, George Ritzer (ed.), Contemporary Sociological‬‬
‫‪Theory and Its Classical Roots: the Basics, op.cit., pp. 265 -266.‬‬
‫(‪ )163‬ملزيد من التفاصيل انظر ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 63‬و‪.64‬‬
‫(‪ )164‬انظر أوما ناريان‪« ،‬ماه ّية الثقافة ومغزى التاريخ‪ :‬نقد نسوي للامهوية الثقافية»‪ ،‬يف‪،‬‬
‫أوما ناريان وساندرا هاردنغ (تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ ،‬ج‪ ،1‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.163‬‬
‫(‪ )165‬ملزيد من التفاصيل انظر ج‪ .‬آن تكرن ولورا شوبريغ‪ ،‬النظرية النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص ‪.487 - 485‬‬
‫(‪ )166‬ملزيد من التفاصيل انظر أوفيليا شو ّته‪« ،‬ال َغريية الثقافية‪ :‬التواصل العابر للثقافات‬
‫والنظرية النسوية يف سياقات الشامل ‪ -‬الجنوب»‪ ،‬يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا هاردنغ‬
‫(تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ ،‬ج‪ ،1‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 117‬و‪.118‬‬
‫(‪ )167‬انظر ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.66‬‬
‫‪(168) See Marilyn Frye, “Feminism”, in, Lorraine Code (ed.), Encyclopedia‬‬
‫‪of Feminist Theories, op.cit., p. 196.‬‬
‫‪(169) For more details see Ibid., pp. 196 -197.‬‬
‫(‪ )170‬انظر فهمي جدعان‪ ،‬العدل يف حدود ديونطولوجيا عربية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫(‪ )171‬انظر ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫‪(172) For more details see Veronique Mottier, Feminism and Gender‬‬
‫‪Theory: the Return of the state, op. cit., pp. 281- 282.‬‬

‫‪329‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫الفصل السادس‬
‫(‪ )1‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬ترجمة‪ :‬شوقي جالل‪ ،‬سلسلة «عامل املعرفة»‪ ،‬العدد ‪،303‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬مايو ‪ ،2004‬ص‪ 208‬و‪.209‬‬
‫(‪ )2‬كيت ناش‪ ،‬السوسـيولوجيا السـياسية املعـارصة‪ :‬العـوملة والسـياسة والسلطة‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫د‪ .‬حيدر حاج إسامعيل‪ ،‬املنظمة العربية للرتجمة‪ ،‬بريوت‪ ،‬يونيو ‪ ،2013‬ص‪.301‬‬
‫(‪ )3‬انظر وقارن مع تشارلز آر‪ .‬بيتز‪ ،‬فكرة حقوق اإلنسان‪ ،‬ترجمة‪ :‬شوقي جالل‪ ،‬سلسلة‬
‫«عامل املعرفة»‪ ،‬العدد ‪ ،421‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬فرباير‬
‫‪ ،2015‬ص‪.204 – 202‬‬
‫(‪ )4‬انظر كيت ناش‪ ،‬السوسيولوجيا السياسية املعارصة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 303‬و‪.304‬‬
‫(‪ )5‬ملزيد من التفاصيل انظر كيت ناش‪ ،‬السوسيولوجيا السياسية املعارصة‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪.310 - 307 ،304‬‬
‫‪(6) See Kate Nash, “Liberal Feminism”, in, Lorraine Code (ed.), Encyclopedia‬‬
‫‪of Feminism Theories, op.cit., p. 305.‬‬
‫‪(7) For more details see report of: Gender Inequality and Women’s‬‬
‫‪Empowerment: Ethiobian Society of Poblulation Studies, UNFPA,‬‬
‫‪Addis Ababa, Oct. 2008, pp. 36 -38.‬‬
‫(‪ )8‬فاطمة حافظ‪ ،‬متكني املرأة الخليجية‪ :‬جدل الداخل والخارج‪ ،‬سلسلة «دراسات‬
‫إسرتاتيجية»‪ ،‬العدد ‪ ،128‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث اإلسرتاتيجية‪ ،‬أبوظبي‪،‬‬
‫‪ ،2008‬ص‪.12‬‬
‫(‪ )9‬يعني تكافؤ الفرص ْأن تكون ال ُفرص ذات الصلة بنيل الوظائف خصوصا واملنافع عموما‬
‫ُفرصا متاحة أمام جميع األفراد وبصور ٍة متساوية‪ ،‬بحيث ُتو َّزع الفرص باالعتامد عىل‬
‫معيا َرين‪ :‬أولهام أن تكون الوظيفة أو املنفعة ُمتاحة للجميع من دون استثناء‪ ،‬وثانيهام‬
‫قاس بدورها وفقا‬ ‫أن ُيختَار املتنافسون استنادا إىل الكفاءة ‪ competence‬والتي ُت ُ‬
‫للمؤهالت ‪ .qualifications‬ملزيد من التفاصيل انظر‪:‬‬
‫‪John Hoffman and Paul Graham, Introduction to Political Theory,‬‬
‫‪Pearson Education Limited, England, 2006, pp. 64, 75 -76.‬‬
‫‪(10) See W.J. Stankiewicz, In Search of Political Philosophy: Ideologies at the‬‬
‫‪close of twentieth century, Routledge, London, 1993, p. 111.‬‬
‫(‪ )11‬وتعني املساواة يف املردود‪ ،‬أو تكافؤ املردود‪ ،‬أن ُتو َّزع املنافع عموما بصورة عادلة‬
‫ما بني األكرث انتفاعا ‪ more privileged‬واألقل انتفاعا ‪ less privileged‬من أفراد‬
‫لص عادة من حرية األكرث انتفاعا و ُتو َّزعُ الرثوات واملوارد ملصلحة‬ ‫املجتمع‪ ،‬بحيث ُت ّق ُ‬
‫املحرومني مبقادير مساوية أو تزيد عىل املقادير التي ينالها األكرث انتفاعا رشيط َة أال‬
‫ُيعانوا الحرمان من ج ّراء ذلك‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر‪:‬‬
‫‪Michael Blim, “Distributive Justice”, in, William A. Darity Jr. (ed.),‬‬
‫‪International Encyclopedia of the Social Science, Vol.4, Macmillan‬‬
‫‪Reference USA, Detroit, (2nd. ed.), 2008, pp. 239 -240.‬‬
‫(‪ )12‬ملزيد من التفاصيل انظر د‪ .‬حسام الدين عيل مجيد‪ ،‬إشكالية التعددية الثقافية يف‬
‫الفكر السيايس املعارص‪ :‬جدلية االندماج والتنوع‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬يوليو ‪ ،2010‬ص‪.248 - 246‬‬
‫‪(13) See Carol Lee Bacchi, Affirmative Action, op.cit., p. 5.‬‬

‫‪330‬‬
‫الهوامش‬
‫‪(14) See James P. Sterba, “Defending Affirmative Action Defending Preference”,‬‬
‫‪in, Carl Cohen and James P. Sterba, Affirmative Action and Racial‬‬
‫‪Preference: a Debate, Oxford University Press, Oxford, 2003, p. 202.‬‬
‫‪(15) See Richard T. Schaefer, Racial and Ethnic Groups, Pearson Education‬‬
‫‪Inc., New Jersey, (9th. ed.), 2004, pp. 17 -18.‬‬
‫‪(16) See Carol Lee Bacchi, “Affirmative Action”, in, Paul Barry Clarke and‬‬
‫‪Joe Foweraker (eds.) Encyclopedia of Democratic Thought, Rutledge,‬‬
‫‪London, 2001, pp. 4 -5.‬‬
‫(‪ )17‬ملزيد من التفاصيل انظر د‪ .‬حسام الدين عيل مجيد‪ ،‬إشكالية التعددية الثقافية يف‬
‫الفكر السيايس املعارص‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .252 - 249‬وانظر أيضا‪:‬‬
‫‪Will Kymlicka, Politics in The Vernacular: Multiculturalism and citizenship,‬‬
‫‪Oxford University Press, Oxford, 2001, p. 147.‬‬
‫األخرى‬‫(‪ُ )18‬و ِّقعت هذه االتفاقية من قبل ‪ 20‬دولة بداية األمر‪ ،‬ثم انضمت إليها الدول ُ‬
‫ِتباعا حتى بلغ عدد الدول املوقعة ‪ 185‬دولة حتى هذه اللحظة مبا فيها كل الدول‬
‫العربية عدا السودان والصومال‪ .‬وتؤكد االتفاقية معالجة التمييز ضد املرأة بصور ٍة‬
‫شاملة من خالل التزام الدول األطراف باتخاذ التدابري ا ُملؤدية إىل تحقيق املساواة‬
‫الفعلية بني الجنسني يف جميع املجاالت‪ .‬ومن بني هذه التدابري‪ :‬تعديل الترشيعات‬
‫الجنسني‪ .‬من أجل ذلك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الوطنية‪ ،‬وإزالة الصورة النمطية التقليدية ألدوار ِكال‬
‫تول مراقبة الدول األطراف لعملية تنفيذ بنود‬ ‫تش ّكلت «لجنة سيداو الدولية» التي َت َّ‬
‫االتفاقية‪ .‬ويف العام ‪َ 1999‬ص َد َر ملحق خاص باالتفاقية عُ ِر َف بتسمية «الربوتوكول‬
‫وض َع التنفيذ يف العام ‪ .2000‬ملزيد من التفاصيل انظر‬ ‫االختياري» الذي ُو ِض َع َم ِ‬
‫هنا صويف عبد الحي‪ ،‬الكوتا النيابية النسائية بني التأييد الدويل واملواقف العربية‬
‫املتناقضة‪ ،‬املجلة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬الجمعية العربية للعلوم السياسية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،23‬بريوت‪ ،‬صيف ‪ ،2009‬ص‪ 59‬و‪ .60‬انظر أيضا تشارلز آر‪ .‬بيتز‪ ،‬فكرة حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.202‬‬
‫(‪ )19‬املادة (‪ )7‬من اتفاقية سيداو للعام ‪ ،1979‬من املوقع اإللكرتوين‪:‬‬
‫‪[www.un.org/womenatch/daw/text/0360793A.pdf], on 12-07– 2017.‬‬
‫‪(20) For more details see and compare with Veronique Mottier, “Feminism‬‬
‫‪and Gender Theory: The Return of The State”, in, Gerald F. Gaus‬‬
‫‪and Chandran Kukathas (ed.), Handbook of Political Theory, Sage‬‬
‫‪Publications, London, 2004, pp. 278–279.‬‬
‫(‪ )21‬ملزيد من التفاصيل انظر فاطمة حافظ‪ ،‬متكني املرأة الخليجية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪- 11‬‬
‫‪ .13‬انظر أيضا د‪ .‬عامر عباس ود‪ .‬بن طيفور نرص الدين‪ ،‬توسيع حظوظ مشاركة املرأة‬
‫الجزائرية يف املجالس املنتخبة أو تحقيق املساواة عن طريق التمييز اإليجايب‪ ،‬مجلة‬
‫األكادميية للدراسات االجتامعية واإلنسانية‪ ،‬قسم العلوم االقتصادية والقانونية بجامعة‬
‫حسيبة بن بوعيل بالشلف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد ‪ ،10‬يونيو ‪ ،2013‬ص‪.88‬‬
‫(‪ )22‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .209‬ملزيد من التفاصيل انظر أيضا تشارلز‬
‫آر‪ .‬بيتز‪ ،‬فكرة حقوق اإلنسان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.210 – 209‬‬
‫(‪ )23‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 210‬و‪ .211‬ملزيد من التفاصيل حول دور‬
‫التعليم يف متكني املرأة انظر إيزوبيل كوملان‪« ،‬املنافع التي سنحوزها يف حال نيل املرأة‬

‫‪331‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫لحقوقها»‪ ،‬يف فرانسيس فوكوياما وآخرين‪ ،‬مستقبل القوة‪ ،‬ج‪ ،1‬منشورات مؤسسة‬
‫كوالن‪ ،‬أربيل‪( 2014 ،‬باللغة الكردية)‪ ،‬ص‪.211 – 208‬‬
‫(‪ )24‬املادة (‪/ 1‬أ) من اتفاقية سيداو للعام ‪.1979‬‬
‫(‪ )25‬إرشادات حول الكوتا النسائية يف االنتخابات اللبنانية‪ ،‬برنامج األمم املتحدة اإلمنايئ‬
‫(إعداد)‪ ،‬أغسطس ‪ ،2015‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )26‬هنا صويف عبدالحي‪ ،‬الكوتا النيابية النسائية بني التأييد الدويل واملواقف العربية‬
‫املتناقضة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫(‪ )27‬انظر إرشادات حول الكوتا النسائية يف االنتخابات اللبنانية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )28‬انظر هنا صويف عبدالحي‪ ،‬الكوتا النيابية النسائية بني التأييد الدويل واملواقف العربية‬
‫املتناقضة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.49‬‬
‫(‪ )29‬انظر د‪ .‬عامر عباس ود‪ .‬بن طيفور نرص الدين‪ ،‬توسيع حظوظ املرأة الجزائرية يف املجالس‬
‫املنتخبة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .88‬ملزيد من التفاصيل انظر أيضا هنا صويف عبدالحي‪ ،‬الكوتا‬
‫النيابية النسائية بني التأييد الدويل واملواقف العربية املتناقضة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 59‬و‪.60‬‬
‫‪(30) See Will Kymlicka, Politics in the vernacular, op.cit., p. 32.‬‬
‫انظر أيضا د‪ .‬إدريس لكريني‪ ،‬نظام الكوتا ومتثيلية املرأة يف الربملان‪ :‬مقاربة لنامذج‬
‫عمن‪ ،‬من املوقع اإللكرتوين‪http://www. :‬‬ ‫عربية‪ ،‬مركز القدس للدراسات السياسية‪ّ ،‬‬
‫‪ ،alqudscenter.org‬بتاريخ ‪ 28‬أغسطس ‪ ،2017‬ص‪.3‬‬
‫(‪ )31‬انظر نعيمة سمينة‪ ،‬قانون الكوتا النسوية يف دول املغرب العريب‪ :‬الواقع واإلشكاالت‪،‬‬
‫مركز آفاق للدراسات والبحوث‪ ،‬الرياض‪ ،‬من املوقع اإللكرتوين‪http://aafaqcenter.[ :‬‬
‫‪ ،]com‬بتاريخ ‪ 28‬أغسطس ‪ ،2017‬ص‪.16‬‬
‫(‪ )32‬ملزيد من التفاصيل انظر د‪ .‬إدريس لكريني‪ ،‬نظام الكوتا ومتثيلية املرأة يف الربملان‪،‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 3‬و‪.4‬‬
‫(‪ )33‬انظر نعيمة سمينة‪ ،‬قانون الكوتا النسوية يف دول املغرب العريب‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪15‬‬
‫و‪ .16‬انظر أيضا رميا َحبش‪ ،‬بعض اإلجراءات الرامية إىل تعزيز املشاركة السياسية‬
‫للمرأة ‪ -‬نظام الحصص‪ /‬الكوتا‪ ،‬مداخلة يف االجتامع الثاين ملجموعة العمل حول الربملان‬
‫وإصالح قانون األحزاب‪ ،‬برنامج األمم املتحدة اإلمنايئ ومركز األردن الجديد للدراسات‪،‬‬
‫عمن‪ 18 ،‬و‪ 19‬ديسمرب ‪ ،2006‬ص‪.3‬‬ ‫ّ‬
‫(‪ )34‬ملزيد من التفاصيل انظر املواد «‪ »7 ،6 ،5 ،3 ،2‬من القانون الفرنيس الرقم (‪2000‬‬
‫‪ )493 -‬الصادر يف ‪ 6‬يونيو ‪ .2000‬انظر أيضا د‪ .‬تارا إبراهيم‪ ،‬املرأة وقانون املساواة‬
‫االنتخابية يف فرنسا‪ ،‬مجلة صوت اآلخر‪ ،‬العدد ‪ 6 ،492‬أغسطس ‪ ،2014‬ص‪.15‬‬
‫(‪ )35‬ملزيد من التفاصيل انظر د‪ .‬تارا إبراهيم‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫(‪ )36‬ملزيد من التفاصيل انظر حامدي ذويب‪ ،‬اإلسالميون وقضايا املرأة‪ ،‬مجلة عُ مران للعلوم‬
‫االجتامعية واإلنسانية‪ ،‬املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد ‪ ،4‬ربيع‬
‫‪ ،2013‬ص‪ 148‬و‪.149‬‬
‫(‪ )37‬انظر املواد (‪ )3‬و(‪ )6‬و(‪ )16‬من القانون األسايس املعدل املوريتاين بشأن انتخاب أعضاء‬
‫الجمعية الوطنية الرقم (‪ )029‬للعام ‪ .2012‬وملزيد من التفاصيل انظر وقارن مع‪ :‬هنا‬
‫صويف عبدالحي‪ ،‬الكوتا النيابية النسائية بني التأييد الدويل واملواقف العربية املتناقضة‪،‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 56‬و‪.57‬‬
‫(‪ )38‬سواين هانت‪« ،‬دعوا النساء لِ َي ْح ُكمن»‪ ،‬يف‪ :‬فرانسيس فوكوياما وآخرين‪ ،‬مستقبل القوة‪،‬‬
‫ج‪ ،1‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.236‬‬

‫‪332‬‬
‫الهوامش‬
‫ينص عىل َّأن‬
‫(‪ )39‬يف العام ‪ ،2007‬جرى تعديل قانون التنظيامت السياسية الرواندي‪ ،‬الذي ُّ‬
‫قوائم األحزاب لجميع الكيانات السياسية يجب أن تضم ما ال يقل عن ‪ 30‬يف املائة من‬
‫املرشحات دون أن يشتمل القانون عىل أي أحكام بشأن الرتتيب التسلسيل للمرشحات‪.‬‬
‫وعقب هذا التعديل‪ ،‬وباالقرتان مع املقاعد الـ ‪ 24‬املخصصة للنساء من ُمجمل عدد‬
‫مقاعد مجلس النواب البالغ ‪ 80‬مقعدا‪ ،‬بلغ عدد املقاعد النسائية رقام قياسيا عامليا يف‬
‫االنتخابات الترشيعية للعام ‪ ،2008‬حيث كان ‪ 56.25‬يف املائة من إجاميل املنتخبني‪ .‬ثم‬
‫تكرر ذلك يف االنتخابات الترشيعية للعام ‪ ،2013‬إذ شكلت النساء هذه املرة ‪63.75‬‬
‫يف املائة من مجموع املقاعد النيابية‪ .‬ويعزى التقدم الكبري الذي تحرزه رواندا يف‬
‫املشاركة السياسية النسوية ومتثيلها النيايب ما بعد الحرب األهلية واإلبادة الجامعية‬
‫(‪ )1994 - 1990‬إىل التطبيق الف ّعال آلليات وتدابري التمكني السيايس النسوي والس ّيام‬
‫نظام الكوتا النسوية‪ ،‬فضال عىل إصدار ترشيعات قانونية نوعية مثل قانون حظر‬
‫جميع أشكال التمييز والطائفية‪ ،‬والالئحة األساسية لقواعد سلوك املنظامت السياسية‬
‫وأعضائها للعام ‪ 2005‬والتي تشجع عىل االلتزام باألنظمة والضوابط القانونية واإلدارية‬
‫والنزاهة‪ ،‬وتنظيمها لجميع األنشطة السياسية يف رواندا‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر‬
‫مرشوع نظام الكوتا العاملي‪ ،‬عىل املوقع اإللكرتوين‪http://www.quotaproject.[ :‬‬
‫‪ ]org/country/rwanda‬يف ‪ 2‬سبتمرب ‪.2017‬‬
‫(‪ )40‬ملزيد من التفاصيل انظر د‪ .‬عامر عباس ود‪ .‬بن طيفور نرص الدين‪ ،‬توسيع حظوظ‬
‫املرأة الجزائرية يف املجالس املنتخبة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .89 ،86‬ملزيد من التفاصيل انظر‬
‫د‪ .‬إدريس لكريني‪ ،‬نظام الكوتا ومتثيلية املرأة يف الربملان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 5 - 4‬و‪.11‬‬
‫وبخصوص حالة رواندا‪ ،‬تزداد فاعلية النساء سياسيا نتيجة قيام الربملانيات الروانديات‬
‫منذ العام ‪ 2006‬عىل تدريب وتعليم وتوعية النساء حول كيفية أداء وإدارة مؤسسات‬
‫املجال العام وبخاصة بعد انقضاء مدة متثيلهن النيايب‪ .‬وقد ساعد ذلك عىل رفع نسبة‬
‫النساء يف «رئاسة» الحكومات املحلية والبلدية من ‪ 24‬يف املائة إىل ‪ 44‬يف املائة‪ .‬ملزيد‬
‫من التفاصيل انظر سواين هانت‪ ،‬دعوا النساء لِ َي ْح ُكمن‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.239-237‬‬
‫(‪ )41‬إدريس لكريني‪ ،‬نظام الكوتا ومتثيلية املرأة يف الربملان‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 3‬و‪ .11‬انظر أيضا‬
‫نعيمة سمينة‪ ،‬قانون الكوتا النسوية يف دول املغرب العريب‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 23‬و‪.24‬‬
‫و ُيالحظ يف حالة موريتانيا‪َّ ،‬أن املرأة‪ ،‬إضافة إىل ما تقدم ذكره‪ ،‬قد حققت مكاسب‬
‫عديدة يف مجال املشاركة السياسية ومن بينها‪ :‬اعتامد سياسة التمييز االيجايب يف تويل‬
‫املراكز القيادية والعامة‪ ،‬بروز أحزاب سياسية ترتأسها نساء‪ ،‬تخصيص قامئة وطنية‬
‫انتخابية خاصة بالنساء‪ ،‬ترؤس النساء ‪ 5‬وزارات يف العام ‪ ،2016‬إضافة إىل توليها مراكز‬
‫قضائية وديبلوماسية وإدارية‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر وسيم حسام الدين األحمد‪،‬‬
‫التمكني السيايس للمرأة العربية‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬مركز األبحاث الواعدة يف البحوث‬
‫االجتامعية ودراسات املرأة‪ ،‬الرياض‪ ،2016 ،‬ص‪ 232‬و‪.233‬‬
‫(‪ )42‬ملزيد من التفاصيل بخصوص نظام الكوتا األردين انظر يوسف سالمة حمود املسيعدين‪،‬‬
‫اآلثار السياسية للنظام االنتخايب يف األردن‪ ،‬مجلة املستقبل العريب‪ ،‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬العدد ‪ ،433‬مارس ‪ ،2015‬ص‪ 93‬و‪ .94‬انظر أيضا مرشوع نظام الكوتا العاملي‬
‫من املوقع‪ ، ]http://www.quotaproject.org/country/jordan[ :‬يف ‪ 2‬سبتمرب ‪.2017‬‬
‫(‪ )43‬ملزيد من التفاصيل انظر تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام ‪ :2016‬الشباب‬
‫واقع متغري‪ ،‬برنامج األمم املتحدة اإلمنايئ (إعداد)‪،‬‬ ‫وآفاق التنمية اإلنسانية يف ٍ‬
‫نيويورك‪ ،2016 ،‬ص‪.78‬‬

‫‪333‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫األطر الفكرية والحدود النظرية للفكر النسوي‬ ‫(‪ )44‬ملزيد من التفاصيل انظر كلثم الغانم‪ُ ،‬‬
‫العريب‪ :‬نظرة تحليلية‪ ،‬مجلة املستقبل العريب‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،401‬يوليو ‪ ،2012‬ص‪ .18-17‬انظر أيضا أحمد البعلبيك‪ ،‬عن ليربالية موعودة تقرص‬
‫اندماج األفراد عىل طوائفهم‪ :‬منوذج متبلور عن لبنان‪ ،‬مجلة عُ مران للعلوم االجتامعية‬
‫واإلنسانية‪ ،‬العدد ‪ ،4‬املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسيات‪ ،‬الدوحة‪ ،‬ربيع ‪،2013‬‬
‫ص‪ 46‬و‪.47‬‬
‫(‪ )45‬تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام ‪ :2016‬الشباب وآفاق التنمية اإلنسانية يف‬
‫واقع متغري‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .235‬ملزيد من التفاصيل حول تدابري التمكني السيايس‬ ‫ٍ‬
‫النسوي يف هذه الدول الثالث انظر وسيم حسام الدين األحمد‪ ،‬التمكني السيايس للمرأة‬
‫العربية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.117 - 113 ،105 - 102 ،45 - 35‬‬
‫(‪ )46‬ملزيد من التفاصيل انظر مي النقيب‪« ،‬دراسة حول املشاعر‪ :‬النساء الكويتيات بني‬
‫الحرية والفتور»‪ ،‬ترجمة هدى مقنَّص‪ ،‬يف‪ :‬جني سعيد املقديس وآخرين (تحرير)‪،‬‬
‫النسوية العربية‪ :‬رؤية نقدية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.410 - 408‬‬
‫(‪ )47‬ملزيد من التفاصيل انظر‪ :‬االنتخابات الكويتية‪ :‬املعارضة الكويتية تفوز بـ ‪ 24‬مقعدا‬
‫يف مجلس األمة‪ 27،‬نوفمرب ‪ ،2016‬تقرير هيئة اإلذاعة الربيطانية (يب يب يس)‪ ،‬من‬
‫املوقع اإللكرتوين‪ ،]http://www.bbc.com/arabic/middleeast-38120869[ :‬يف ‪4‬‬
‫سبتمرب ‪ .2017‬هذا الرتاجع يف التمثيل النسوي وحتى الرتشيح النسوي َّربا يرجع إىل‬
‫حالة اإلحباط التي أصابت املرأة الكويتية من عدم جدوى الذهاب املتكرر للتصويت‬
‫والرتشح‪ ،‬يف ظل هيمنة القوى املجتمعية التقليدية وعدم تلبية املخرجات االنتخابية‬ ‫ّ‬
‫ملطالب املرأة الرئيسة‪ ،‬بحيث ظ ّلت قضاياها وحقوقها االقتصادية واالجتامعية مع ّلقة‬
‫من دون حلول جذرية مام قد ينعكس عىل حقوقها السياسية أيضا مستقبال‪ ،‬وذلك‬
‫بالرغم من نيلها دعم ومساندة النخبة السياسية‪ .‬وهنا ُتالحظ أهمية آليات التمكني‬
‫السيايس النسوي التي تضمن استمرارية وجود التمثيل النسوي السيايس منه واإلداري‬
‫يف حدوده الدنيا وعدم ترك ذلك لِتقلبات العملية السياسية وتنافساتها‪ .‬ملزيد من‬
‫التفاصيل انظر وقارن مع‪ :‬وسيم حسام الدين األحمد‪ ،‬التمكني السيايس للمرأة العربية‪:‬‬
‫دراسة مقارنة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.57 - 55‬‬
‫(‪ )48‬ملزيد من التفاصيل انظر د‪ .‬فاطمة الصايغ‪ ،‬املرأة والتمكني السيايس يف اإلمارات‪،‬‬
‫صحيفة البيان اإلماراتية‪ ،‬من املوقع اإللكرتوين‪:‬‬
‫[‪ ،]http://www.albayan.ae/opinions/articles/2016-03-20-1.2599210‬بتاريخ‬
‫‪ 18‬سبتمرب ‪ ،2017‬انظر أيضا تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام ‪ ،2016‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪.235‬‬
‫(‪ )49‬ملزيد من التفاصيل انظر هتون أجواد الفايس‪« ،‬هل هناك نسوية سعودية؟»‪ ،‬يف‪:‬‬
‫جني سعيد املقديس وآخرين (تحرير)‪ ،‬النسوية العربية‪ :‬رؤية نقدية‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪ 175‬و‪ .176‬ملزيد من التفاصيل انظر أيضا فاطمة حافظ‪ ،‬متكني املرأة الخليجية‪،‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .31 - 29‬ملزيد من التفاصيل حول الكوتا النسوية يف السعودية انظر‬
‫مرشوع نظام الكوتا العاملي‪ ،‬من املوقع اإللكرتوين‪http://www.quotaproject.[ :‬‬
‫‪ ]org/country/saudi-arabia‬يف ‪ 3‬سبتمرب ‪.2017‬‬
‫(‪ )50‬أندريه ناي‪ ،‬إ َّنها ليست فلسفة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 184‬و‪.185‬‬
‫(‪ )51‬انظر آن كورثويس‪« ،‬النسوية»‪ ،‬يف‪ ،‬طوين بينيت وآخرين‪ ،‬مفاتيح اصطالحية جديدة‪،‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص‪.686‬‬

‫‪334‬‬
‫الهوامش‬
‫(‪ )52‬أليسون م‪ .‬جاغار‪ ،‬عوملة األخالقيات النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 52‬و‪.53‬‬
‫(‪ )53‬ملزيد من التفاصيل انظر أليسون م‪ .‬جاغار‪ ،‬عوملة األخالقيات النسوية‪ ،‬ص‪.65 – 63 ،55‬‬
‫(‪ )54‬انظر آن كورثويس‪ ،‬النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .686‬انظر أيضا هنا صويف عبد الحي‪،‬‬
‫الكوتا النيابية النسائية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫(‪ )55‬ملزيد من التفاصيل انظر إرشادات حول الكوتا النسائية يف االنتخابات اللبنانية‪ ،‬مصدر‬
‫سابق‪ ،‬ص‪ 2‬و‪.3‬‬
‫(‪ )56‬انظر هنا صويف عبدالحي‪ ،‬الكوتا النيابية النسائية بني التأييد الدويل واملواقف العربية‬
‫املتناقضة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ .58‬انظر أيضا تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام ‪،2016‬‬
‫مصدر سابق‪ ،‬ص‪.78‬‬
‫املتعثة يف االنتقال‬‫ِّ‬ ‫(‪ )57‬مصباح الشيباين‪ ،‬املشاركة السياسية للمرأة العربية ومآالتها‬
‫الدميوقراطي الراهن‪ :‬التجربة التونسية مثاال‪ ،‬املجلة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬العددان‬
‫‪ 47‬و‪ ،48‬الجمعية العربية للعلوم السياسية‪ ،‬صيف وخريف ‪ ،2015‬ص‪.152‬‬
‫(‪ )58‬ملزيد من التفاصيل انظر تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام ‪ ،2016‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪ 85‬و‪.86‬‬
‫(‪ )59‬زينة الزعرتي‪« ،‬نهضة نسوية عربية‪ :‬إمكانيات ورضورات»‪ ،‬يف‪ :‬جني سعيد املقديس‬
‫وآخرين (تحرير)‪ ،‬النسوية العربية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 78‬و‪.79‬‬
‫أنتجت «الدراسات النسوية ما بعد الكولونيالية» ما ُيط ِلقُ عليه‬ ‫ْ‬ ‫(‪ )60‬ويف عني هذا االتجاه‪،‬‬
‫املتخصصون «دراسات التابع» ‪Subaltern Studies‬؛ وهو ميدان معريف معارص ُينا ِق ُش‬
‫مؤثرات االستعامر يف الثقافات والشعوب التي عانت الحكم االستعامري‪ .‬وقد تبلور‬
‫يف مثانينيات القرن املنرصم عىل يد مجموعة من الباحثني الهنود‪ ،‬ويف مقدمتهم املفكر‬
‫الهندي راناجيت غوها ‪ .Ranajit Guha‬ففي مطلع الثامنينيات املاضية ظهرت جامعة‬
‫دراسات التابع ‪ Subaltern Studies Group‬بوصفها جامعة أكادميية من املؤرخني‬
‫الهنود الذين عملوا عىل قلب تاريخ الهند الرسمي الذي كتبته النخبة املتأثرة بالسياسات‬
‫االستعامرية الربيطانية‪ ،‬واقرتحوا إعاد َة كتابت ِه يف ضوء مفاهيم مغايرة متصلة بالتاريخ‬
‫الشفوي املنيس الذي استبعدت ُه النخب االستعامرية أصال‪ ،‬وتعمل هذه الجامعة‬
‫األكادميية عىل إصدار «مجلة دراسات التابع» منذ العام ‪ .1982‬وبدءا من منتصف‬
‫التسعينيات دخلت «دراسات التابع» حقل الدراسات النسوية اإلفريقية واألمريكية‬
‫تأت مبستوى التنظري نفسه والفاعلية عينها – فجعلها‬ ‫الالتينية – والحقا العربية وإن مل ِ‬
‫ذلك مبنزلة مقاربة للتاريخ قامئة بذاتها وال تقترص عىل منطقة جغرافية محددة‪ .‬ومن‬
‫باهتامم كبري يف أوساط املؤرخني واملفكرين والن ّقاد لِتُمثل‬
‫ٍ‬ ‫ثم‪ ،‬استأثرت هذه الدراسات‬‫َّ‬
‫اليوم املوضوع املركزي لدراسات النسوية ما بعد الكولونيالية يف أفريقيا وآسيا وأمريكا‬
‫الالتينية‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر د‪ .‬ريتا فرج‪ ،‬النسوية ما بعد الكولونيالية‪ :‬تفكيك‬
‫الخطاب االسترشاقي حول نساء الهامش‪ ،‬مجلة الفيصل‪ ،‬دار الفيصل الثقافية‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫‪ 1‬مارس ‪ ،2018‬من املوقع اإللكرتوين‪،]http://www.alfaisalmag.com/?p=9064[ :‬‬
‫بتاريخ ‪ 4‬مارس ‪ ،2018‬ص ‪.6 - 1‬‬
‫(‪ )61‬ملزيد من التفاصيل انظر د‪ .‬مريفت حاتم‪ ،‬ماذا تريد النساء؟ نحو خريطة نقدية‬
‫لالتجاهات املستقبلية للنسوية العربية‪ ،‬مجلة املستقبل العريب‪ ،‬العدد ‪ ،401‬يوليو‬
‫‪ ،2012‬ص‪.28 - 26‬‬
‫(‪ )62‬تقرير التنمية اإلنسانية العربية للعام ‪ ،2016‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 78‬و‪.79‬‬
‫«األنوثة والدرس النسوي‪ :‬الباحثة والبحث‬ ‫(‪ )63‬ملزيد من التفاصيل انظر ُنهى بيومي‪ُ ،‬‬

‫‪335‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫النسوي والطوق الثقايف يف لبنان»‪ ،‬يف‪ :‬جني سعيد املقديس وآخرين (تحرير)‪ ،‬النسوية‬
‫العربية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 146‬و‪.147‬‬
‫ِّ‬
‫املتعثة يف االنتقال‬ ‫(‪ )64‬مصباح الشيباين‪ ،‬املشاركة السياسية للمرأة العربية ومآالتها‬
‫الدميوقراطي الراهن‪ :‬التجربة التونسية مثاال‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 161‬و‪.166 ،162‬‬
‫(‪ )65‬ملزيد من التفاصيل عن واقع حال التمكني السيايس للنسوة يف تونس انظر املصدر‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.168 - 166‬‬
‫(‪ )66‬ملزيد من التفاصيل حول أشكال التمييز تجاه املرأة اللبنانية عىل ُص ُعد‪ :‬دورها ُ‬
‫األرسي‬
‫واألهلية القانونية واألحوال الشخصية‪ ،‬انظر وقارن مع‪ :‬أحمد البعلبيك‪ ،‬عن ليربالية‬
‫موعودة تقرص اندماج األفراد عىل طوائفهم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 46‬و‪ .47‬ثم قارن ذلك مع‬
‫نتائج الدراسة امليدانية املم َّيزة التي أجرتها د‪ .‬أسامء جميل رشيد‪ ،‬والتي شملت قرابة‬
‫‪ 2100‬امرأة من األقليات الدينية بنحو ‪ 300‬امرأة لكلٍ من طوائف‪ :‬الكورد ال َفيليني‪،‬‬
‫الش َبك‪ ،‬الرتكامن‪ .‬انظر د‪ .‬أسامء جميل رشيد‪« ،‬نساء‬ ‫الكلدان واآلشوريني‪ ،‬األرمن‪ ،‬الصابئة‪َّ ،‬‬
‫واقع وتحديات»‪ ،‬يف‪ ،‬سعد سلوم (إعداد)‪ ،‬األقليات يف العراق‪ :‬الذاكرة والهوية‬ ‫األقليات‪ٌ :‬‬
‫والتحديات‪ ،‬مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية واإلعالمية‪ ،‬بغداد‪ ،2013 ،‬ص‪.246 - 243‬‬
‫(‪ )67‬انظر سواين هانت‪ ،‬دعوا النساء لِ َي ْح ُكمن‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.239 - 237‬‬
‫(‪ )68‬ملزيد من التفاصيل انظر سواين هانت‪ ،‬دعوا النساء لِ َي ْح ُكمن‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪239‬‬
‫‪ 243 ،241 -‬و‪.244‬‬
‫(‪ )69‬ملزيد من التفاصيل انظر املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.246 - 244 ،239 - 237‬‬
‫(‪ )70‬هنا صويف عبدالحي‪ ،‬الكوتا النيابية النسائية بني التأييد الدويل واملواقف العربية‬
‫املتناقضة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.64‬‬
‫(‪ )71‬ملزيد من التفاصيل انظر وقارن مع‪ :‬فاطمة حافظ‪ ،‬متكني املرأة الخليجية‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪ .38 - 36 ،34 - 33‬كذلك انظر وقارن مع يوسف سالمة حمود املسيعدين‪ ،‬اآلثار‬
‫السياسية للنظام االنتخايب يف األردن‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫‪(72) Carl Cohen, “Why Race Preference Is Wrong and Bad?”, in, Carl Cohen‬‬
‫‪and James P. Sterba, Affirmative Action and Racial Preference, op.cit.,‬‬
‫‪pp. 2627-. See also Karen O’Conner and Larry J. Sabato, American‬‬
‫‪Government: Continuity and change, Pearson Education Inc., New‬‬
‫‪York, 2007, p. 229.‬‬
‫‪(73) Alvin J. Schmidt, The Menace of Multiculturalism: Trojan horse in‬‬
‫‪America, Paeger Publishers, Connecticut, 1997, p. 189. For more details‬‬
‫‪see also Robert W. Tracinski, Apology for Slavery Will Perpetuate‬‬
‫‪Racism, Ayn Rand Institute, from web site: www.aynrand.org, on 12-‬‬
‫‪2017-8, p. 1.‬‬
‫‪(74) Compare with, Christian Joppke and Steven Lukes, “Introduction:‬‬
‫‪Multicultural questions”, in, Christian Joppke and Steven Lukes (ed.),‬‬
‫‪Multicultural questions,op.cit., 2002, p. 15.‬‬
‫‪(75) For more details see Carl Cohen, Why Race Preference Is Wrong and‬‬
‫‪Bad?, op. cit., pp. 164 -165. See also Bernard R. Boxill,”Affirmative‬‬
‫‪action”, in, Donald M. Borchert (ed.), Encyclopedia of Philosophy,Vol.1,‬‬
‫‪Thomson Gale, Detroit, (2d. ed.), 2006, pp. 81 -82.‬‬

‫‪336‬‬
‫الهوامش‬
‫‪(76) See John A. Perry and Erna K. Perry, Contemporary Society: An Introduction‬‬
‫‪to social science, Pearson Education Inc., (11th. ed.), Boston, 2006, pp.‬‬
‫‪193 -194.‬‬

‫الخامتة‬
‫(‪ )1‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 208‬و‪.209‬‬
‫‪(2) Susan Moller Okin, Justice, Gender and Family, op.cit., p. 4.‬‬
‫(‪ )3‬حيث نجد أ َّن ُه بعد إعادة صياغة وظائف الرجال والنساء يف سياق عمليات التحديث‬
‫والتنمية‪ُ ،‬أعيدت هيكلة األدوار االجتامعية للنساء والرجال معا‪ .‬فعىل سبيل املثال‪َّ ،‬إن‬
‫بروز مهنة الطب الحديث – مع كون معظم العاملني يف هذا املهنة من الرجال – قد‬
‫أفىض إىل االستغناء عن الوظائف التقليدية للنساء يف السلك الطبي بعامة‪ ،‬كالقابالت‬
‫وض َّمت إىل مهام املمرضات يف أحسن األحوال‪ ،‬وهو ما َ‬
‫أنزل‬ ‫وا ُملعالِجات باألعشاب‪ُ ،‬‬
‫موقع اجتامعي أقل مكانة من ذلك الذي‬ ‫ٍ‬ ‫إىل‬ ‫الوظائف‬ ‫هذه‬ ‫النساء الاليت يعملنَ يف‬
‫وأقل منه أجرا‪ .‬وما كان إلعادة الصياغة والهيكلة لألدوار تلك ْأن َتحدُ َث‬‫يش َغ ُل ُه الطبيب ّ‬
‫لو كانت النساء يتمتَّعنَ باملساواة التا ّمة‪ .‬فال ب َّد إذن من إعادة النظر يف صياغة األدوار‬
‫والوظائف إذا ما أرادت النساء تحقيق املساواة الجندرية‪ .‬ملزيد من التفاصيل انظر‪:‬‬
‫‪Will Kymlicka, Contemporary Political Philosophy, op.cit., pp. 383- 384.‬‬
‫‪(4) Ibid., pp. 384.‬‬
‫(‪ )5‬ملزيد من التفاصيل انظر روزاليندا ديلامر‪ ،‬ما هي الحركة النسوية؟‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪65‬‬
‫و‪ 66‬و‪.67‬‬
‫(‪ )6‬ملزيد من التفاصيل انظر أليسون م‪ .‬جاغار‪ ،‬عوملة األخالقيات النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪ 52‬و‪.53‬‬
‫(‪ )7‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪ 66‬و‪ 67‬و‪.68‬‬
‫لك‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫(‪ )8‬قارن مع ماريا يس‪ .‬لوغونيس وأليزابيث يف‪ .‬سبيلامن‪ ،‬هل لدينا نظرية ِ‬
‫ص‪ 44‬و‪.45‬‬
‫(‪ )9‬املصدر نفسهُ‪ ،‬ص‪ .48‬وملزيد من التفاصيل انظر أيضا سوزان مولر أوكني‪ ،‬النسوية‬
‫وحقوق اإلنسان للمرأة واالختالفات الثقافية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 85‬و‪.86‬‬
‫قارن مع آن كورثويس‪ ،‬النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 686‬و‪ .687‬انظ ْر ْ‬
‫وقارن أيضا مع ماريا‬ ‫(‪ْ )10‬‬
‫لك‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 51‬و‪.57 ،52‬‬ ‫ِ‬ ‫نظرية‬ ‫لدينا‬ ‫هل‬ ‫سبيلامن‪،‬‬ ‫يف‪.‬‬ ‫ابيث‬ ‫ز‬ ‫وألي‬ ‫لوغونيس‬ ‫يس‪.‬‬
‫(‪ )11‬انظر روزاليندا ديلامر‪ ،‬ما هي الحركة النسوية؟ مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 64‬و‪.65‬‬
‫(‪ )12‬ملزيد من التفاصيل حول تهميش النساء يف املجال السيايس انظر سواين هانت‪ ،‬دعوا‬
‫النساء ل َيحكمن‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.246 - 244 ،239 – 237‬‬
‫(‪ )13‬ملزيد من التفاصيل انظر زينة الزعرتي‪« ،‬نهضة نسوية عربية‪ :‬إمكانيات ورضورات»‪،‬‬
‫يف‪ :‬جني سعيد املقديس وآخرون (تحرير)‪ ،‬النسوية العربية‪ :‬رؤية نقدية‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪ .79 - 77‬انظر أيضا مريفت حاتم‪ ،‬ماذا تريد النساء؟ نحو خريطة نقدية لالتجاهات‬
‫املستقبلية للنسوية العربية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.28 - 26‬‬
‫(‪ )14‬أليسون م‪ .‬جاغار‪ ،‬عوملة األخالقيات النسوية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 43‬و‪.44‬‬
‫(‪ )15‬ملزيد من التفاصيل انظر روزاليندا ديلامر‪ ،‬ماه ّية الحركة النسوية؟ مصدر سابق‪ ،‬ص‪63‬‬
‫و‪ .64‬أيضا انظر وقارن مع جون ليشته‪ ،‬خمسون مفكرا أساسيا معارصا‪ ،‬مصدر سابق‪،‬‬
‫ص‪.341 ،336‬‬

‫‪337‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫(‪ )16‬سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ :‬الوقائع واألساطري‪ ،‬ج‪ ،1‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )17‬سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ :‬التجربة الحياتية‪ ،‬ج‪ ،2‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪ 507‬و‪.508‬‬
‫‪(18) See Susan Moller Okin, Justice, Gender and Family, op.cit., pp. 4 - 6.‬‬
‫‪(19) Jane Flax, “Women Do Theory”, in, Alison M. Jaggar and Paula S. Rothenberg,‬‬
‫‪(eds.), Feminist Frameworks: Alternative theoretical account of relations‬‬
‫‪between women and man, McGraw Hill, (3rd.ed.), New York, 1993, p. 82.‬‬
‫ودراسات تناولت الحياة الربية‪ .‬تضمنتها‬
‫ٍ‬ ‫(‪ )20‬مثل هذه الخالصة أثبتتها نتائج ُمعايشة‬
‫دراسة بعنوان «يف غياب اآلباء‪ :‬قصة الف َيلة والرجال» ‪In The Absence of‬‬
‫‪ ،Fathers: A Story of Elephants and Men‬تتحدث هذه الدراسة عن تجربة‬
‫واجهها موظفو َمحمية كروغر الوطنية ‪ Kruger National Park‬يف جنوب‬
‫قطيع من ذكور الفيلة الشابة‪،‬‬‫ٌ‬ ‫أفريقيا‪ .‬وتدور حول ازدياد املشاكل التي اف َت َعلها‬
‫التي ُنق َلت من هذه املَحمية إىل محمية بيالنيسبريغ الوطنية ‪Pilanesburg‬‬
‫‪ ،National Park‬بعد أن استُثني الذكور الكبار من عملية النقل املذكورة‬
‫العتبارات تتعلق بصعوبة مثل هذا اإلجراء يف مناطق تتميز بانقطاعها عن وسائل‬ ‫ٍ‬
‫النقل واملواصالت‪ .‬عملية النقل جاءت نتيج ًة لتضخم أعداد هذه الحيوانات يف‬
‫املحمية األوىل‪ .‬وعىل الرغم من الطبيعة الهادئة للفيلة فإن أفراد هذا القطيع‬
‫أخذوا بتشكيل ما يشبه العصابات تهاجم كل ما يصادفها من الحيوانات األخرى‬
‫بعدواني ٍة عا ِبثة وصاخبة‪ ،‬وذلك يف ظاهر ٍة ُتعدُّ هي األغرب يف سلوك هذا النوع‬
‫حل هذا اللغز باد َر املوظفون يف املَحمية الجديدة إىل‬ ‫من الحيوانات‪ .‬ومن أجل ِّ‬
‫وضع نظرية (افرتاض) َّأن اليشء املفقود من القطيع املنقول هو غياب ذكور كبرية‬
‫ومهيمنة كانت قد َتق َّر َر استبقاؤها يف املَحمية األوىل‪ .‬ذلك َّأن من شأن الذكور‬
‫سلوك منوذجي ‪modelling‬‬ ‫ٍ‬ ‫الكبار العمل يف الظروف الطبيعية العادية عىل توفري‬
‫للفيلة األصغر والعمل عىل إبقائهم يف انسجام مع أفراد القطيع اآلخرين‪ .‬وما أدى‬
‫إىل تلك العدوانية هو عَيش الفيلة الشابة يف غياب مثل هذا التأثري «املتمدن»‬
‫‪ civilizing‬الذي للكبار عىل صغارهم‪ .‬ووقد تحقق هذا التأثري بعد فرتة قليلة من‬
‫استقدام ذكور كبار من املحمية األوىل‪ .‬هذه التجربة مع الفيلة دفعت بالكاتب‬
‫وايد هورن ‪ Wade Horn‬إىل سحب ما متخضت عنه تلك التجربة إىل «الحديقة‬
‫الوطنية يف نيويورك» ‪ ،New York Central Park‬حيث تدور القصة هذه املرة‬
‫حول شباب وليسوا فيلة‪ ،‬ومع ذلك فقد كانت التفاصيل متقاربة وبشكل غريب‪.‬‬
‫حيث التقطت الكامريات صورة ِفتية وهم َيتَسا َبقُ بعضهم مع بعض عىل التحرش‬
‫فطالب‬
‫َ‬ ‫بالنساء والرسقة يف وضح النهار‪ ،‬بل التجرؤ عىل فعل ذلك أمام الكامريات‪.‬‬
‫الناس بزيادة عدد رجال الرشطة واألجهزة العقابية األخرى‪ .‬ولكن هل يف ذلك حل‬
‫ملثل هذه املشاكل؟ الجواب هو النفي كام يذهب إىل ذلك الكاتب‪ ،‬ألنها مل تحقق‬
‫حل املشكلة االجتامعية الحقيقية التي تكمن خلف تلك‬ ‫إال القليل من أجل ِّ‬
‫الهجامت يف الحدائق العامة‪ .‬إنها مشكلة املحمية األفريقية آنِفة الذكر نفسها‪.‬‬
‫بيوت‬
‫ٍ‬ ‫ألن أغلبية ال ِفتية الذين يقومون مبثل هذه األعامل كانوا قد ترعرعوا يف‬ ‫َّ‬
‫غاب عنها اآلباء‪ .‬فهم مل يترصفوا كرجال والسبب يف ذلك راجع إىل كون تجربتهم‬ ‫َ‬
‫الوحيدة يف َق ْولَب ِة سلوكهم كانت قد عُ ِّلموا إياها من قبل أصدقاء وأقران ال من‬
‫قبل آبائهم‪ .‬تدعم مثل هذه الخالصة نتائج َم ْس ٍح كان قد ُأجري يف الواليات‬
‫املتحدة أكدت َّأن ‪ 2‬من كل ‪ِ 5‬فتية كانوا قد نشأوا وت َر ّبوا يف ٍ‬
‫بيوت ِبال أب‪ ،‬أي‬

‫‪338‬‬
‫الهوامش‬
‫سوف يزداد الشباب الجانح بشكلٍ ُمتسارع بفعل متزق نظم العائلة التقليدية يف‬
:‫ انظر‬.‫الثقافة والعامل الغرب َي ْي‬
[http://thesestonewall.com/gordon-macrae/in-the-absence-of-fathers-
a-story-of-elephants-and-men/], on 8/23/2017.
(21) Gary Goertz and Amy G. Mazur, Maping Gender and Politics Concepts:
Ten guidelines, op.cit., p. 38.
(22) bell hooks, Feminist Theory from Margin to Center, op.cit, p. 1.
(23) Betty Friedan, The Feminine Mystique, op.cit., p. 24.
(24) See Valerie Bryson, Gender, op. cit., p. 116.

339
‫املصادر واملراجع‬
Withe
‫املصادر واملراجع‬

‫املصادر العربية واملرتجمة‬


‫أو ًال‪ :‬القرآن الكريم‬
‫ثانيا‪ :‬املوسوعات واملعاجم‬
‫ترينس بول وريتشارد بيلالمي‪( ،‬تحرير)‪ ،‬موسوعة كمربيدج للتاريخ‪ :‬الفكر السيايس يف القرن العرشين‪،‬‬
‫ترجمة َمي مقلد‪ ،‬املركز القومي للرتجمة‪ ،‬القاهرة‪.2010 ،‬‬
‫جورج دويب وميشيل بريو‪( ،‬تحرير)‪ ،‬موسوعة تاريخ النساء يف الغرب‪ ،‬ج‪ ،1‬ترجمة َس َحر ف ّراج‪ ،‬املجلس‬
‫األعىل للثقافة‪ ،‬القاهرة‪.2005 ،‬‬
‫طوين بينيت وآخرون (تحرير)‪ ،‬مفاتيح اصطالحية جديدة‪ :‬معجم مصطلحات الثقافة واملجتمع‪ ،‬ترجمة‬
‫سعيد الغامني‪ ،‬املنظمة العربية للرتجمة‪ ،‬بريوت‪ ،‬سبتمرب ‪.2010‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الكتب‬


‫أرسطو‪ ،‬السياسات‪ ،‬ترجمه وع َّلقَ عليه األب أوغسطني بربارة البوليس‪ ،‬اللجنة الدولية لرتجمة الروائع‬
‫اإلنسانية‪ ،‬بريوت‪.1957 ،‬‬
‫إرنست غيلرن‪ ،‬ما بعد الحداثة والعقل والدين‪ ،‬ترجمة معني اإلمام‪ ،‬دار املدى للثقافة والنرش‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪.2001‬‬
‫أفالطون‪ ،‬جمهورية أفالطون‪ ،‬ترجمة حنّا خباز‪ ،‬املطبعة العرصية‪ ،‬ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬من دون تاريخ‪.‬‬
‫أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬ترجمة شوقي جالل‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،303‬املجلس الوطني للثقافة‬
‫والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬مايو ‪.2004‬‬
‫إمام عبدالفتاح إمام‪ ،‬أفالطون واملرأة‪ ،‬مكتبة مدبويل‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪.1996 ،‬‬
‫إمام عبدالفتاح إمام‪ ،‬الفيلسوف املسيحي واملرأة‪ ،‬مكتبة مدبويل‪ ،‬القاهرة‪.1996 ،‬‬
‫إيان كريب‪ ،‬النظرية االجتامعية من بارسونز إىل هابرماس‪ ،‬ترجمة د‪ .‬محمد حسني غلوم‪ ،‬سلسلة عامل‬
‫املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،244‬الكويت‪.1999 ،‬‬
‫باربرا ويتمر‪ ،‬األمناط الثقافية للعنف‪ ،‬ترجمة د‪ .‬ممدوح يوسف عمران‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪،337‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬مارس ‪.2007‬‬
‫بين ِدكت أندرسون‪ ،‬الجامعات ا ُملتَخ َّيلة‪ :‬تأمالت يف أصل القومية وانتشارها‪ ،‬ترجمة ثائر أديب‪ ،‬املركز‬
‫العريب لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بريوت‪ ،‬أبريل ‪.2014‬‬
‫تشارلز آر‪ .‬بيتز‪ ،‬فكرة حقوق اإلنسان‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،421‬املجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬فرباير ‪.2015‬‬
‫تشارلز تايلر‪ ،‬املتخ ّيالت االجتامعية الحديثة‪ ،‬ترجمة الحارث النبهان‪ ،‬املركز العريب لألبحاث ودراسة‬
‫السياسات‪ ،‬الدوحة‪ ،‬مارس ‪.2015‬‬
‫توماس آر فلني‪ ،‬الوجودية‪ :‬مقدمة قصرية جدا‪ ،‬ترجمة مروة عبدالسالم‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.2012‬‬
‫جاريث ب‪ .‬ماثيوز‪ ،‬أوغسطني‪ ،‬املركز القومي للرتجمة‪ ،‬ترجمة أمين فؤاد زهري‪ ،‬القاهرة‪.2013 ،‬‬
‫جان بول سارتر‪ ،‬الوجودية مذهب إنساين‪ ،‬ترجمة عبداملنعم الحنفي‪ ،‬مطبعة الدار املرصية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪.1964‬‬
‫جان جاك روسو‪ ،‬اميل‪ :‬تربية الطفل من املهد إىل الرشد‪ ،‬ترجمة نظمي لوقا‪ ،‬الرشكة العربية للطباعة‬
‫والنرش‪ ،‬من دون تاريخ نرش‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫جون ليشته‪ ،‬خمسون مفكرا أساسيا معارصا‪ :‬من البنيوية اىل ما بعد الحداثة‪ ،‬ترجمة د‪ .‬فاتن‬
‫البستاين‪ ،‬املنظمة العربية للرتجمة‪ ،‬بريوت‪ ،‬أكتوبر ‪.2008‬‬
‫جون ماكوري‪ ،‬الوجودية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬إمام عبدالفتاح إمام‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،58‬املجلس‬
‫الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪.1982 ،‬‬
‫د‪ .‬حسام الدين عيل مجيد‪ ،‬إشكالية التعددية الثقافية يف الفكر السيايس املعارص‪ :‬جدلية االندماج‬
‫والتنوع‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬يوليو ‪.2010‬‬
‫ديفيد جونستون‪ ،‬مخترص تاريخ العدالة‪ ،‬ترجمة مصطفى نارص‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪،387‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬أبريل ‪.2012‬‬
‫وس َمر الشيشكيل‪ ،‬املجلس األعىل للثقافة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬‫ريان فوت‪ ،‬النسوية واملواطنة‪ ،‬ترجمة أمين بكر َ‬
‫‪.2004‬‬
‫حجاج أبو منري ودينا رمضان‪ ،‬مدارات لألبحاث‬ ‫ّ‬ ‫ترجمة‬ ‫والهولوكوست‪،‬‬ ‫الحداثة‬ ‫باومان‪،‬‬ ‫زيجمونت‬
‫والنرش‪ ،‬القاهرة‪.2014 ،‬‬
‫زينب فواز‪ ،‬الرسائل الزينبية‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‪.2014 ،‬‬
‫األسس‪ ،‬ترجمة رشا جامل‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث والنرش‪،‬‬ ‫ستيف دي تانيس‪ ،‬علم السياسة‪ُ :‬‬
‫بريوت‪.2012 ،‬‬
‫سوزان موللر ُأوكني‪ ،‬النساء يف الفكر السيايس الغريب‪ ،‬ترجمة إمام عبدالفتاح إمام‪ ،‬التنوير للطباعة‬
‫والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت‪.2009 ،‬‬
‫سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ ..‬الوقائع واألساطري‪ ،‬ج‪ ،1‬ترجمة سحر سعيد‪ ،‬الرحبة للنرش‬
‫والتوزيع‪ ،‬دمشق‪.2015 ،‬‬
‫سيمون دي بوفوار‪ ،‬الجنس اآلخر‪ :‬التجربة الحياتية‪ ،‬ج‪ ،2‬ترجمة سحر سعيد‪ ،‬الرجبة للنرش‬
‫والتوزيع‪ ،‬دمشق‪.2015 ،‬‬
‫طه حسني‪ ،‬مدرسة األزواج‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬ط‪ ،2‬القاهرة‪.2014 ،‬‬
‫ِف ْتنَت مسيكة بر‪ ،‬حواء والخطيئة يف التوراة واإلنجيل والقرآن الكريم‪ ،‬مؤسسة املعارف‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪.1996‬‬
‫فردريك أنجلز‪ ،‬أصل العائلة وامللكية الخاصة والدولة‪ ،‬ترجمة أحمد عز العرب‪ ،‬دار الطباعة اآللية‬
‫الحديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬من دون تاريخ نرش‪.‬‬
‫قاسم أمني‪ ،‬تحرير املرأة‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‪.2016 ،‬‬
‫القديس أوغستينوس‪ ،‬اعرتافات‪ ،‬ترجمة إبراهيم الغريب‪ ،‬املجمع التونيس للعلوم واآلداب والفنون‬
‫‪ -‬بيت الحكمة‪ ،‬تونس‪.2012 ،‬‬
‫كريس هارمان‪ ،‬ترجمة هند خليل كلفت‪ ،‬أنجلز وأصل املجتمع البرشي‪ ،‬املركز القومي للرتجمة‪،‬‬
‫القاهرة‪.2012 ،‬‬
‫كيت ناش‪ ،‬السوسيولوجيا السياسية املعارصة العوملة والسياسة والسلطة‪ ،‬ترجمة د‪ .‬حيدر حاج‬
‫إسامعيل‪ ،‬املنظمة العربية للرتجمة‪ ،‬بريوت‪ ،‬يونيو ‪.2013‬‬
‫ماكس هوركهامير وتيودور ف‪ .‬أدورنو‪ ،‬جدل التنوير‪ :‬شذرات فلسفية‪ ،‬ترجمة د‪ .‬جورج كتّوره‪ ،‬دار‬
‫الكتاب الجديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬يناير ‪.2006‬‬
‫مايكل ساندل‪ ،‬الليربالية وحدود العدالة‪ ،‬ترجمة محمد هناد‪ ،‬املنظمة العربية للرتجمة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪.2009‬‬
‫نبوية موىس‪ ،‬املرأة والعمل‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‪.2014 ،‬‬

‫‪344‬‬
‫املصادر واملراجع‬
‫راب ًعا‪ :‬األبحاث والدراسات‬
‫أحمد البعلبيك‪ ،‬عن ليربالية موعودة تقرص اندماج األفراد عىل طوائفهم‪ :‬منوذج متبلور عن لبنان‪ ،‬مجلة‬
‫عُ مران للعلوم االجتامعية واإلنسانية‪ ،‬العدد ‪ ،4‬املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الدوحة‪ ،‬ربيع‬
‫‪.2013‬‬
‫د‪ .‬إدريس لكريني‪ ،‬نظام الكوتا ومتثيلية املرأة يف الربملان‪ :‬مقاربة لنامذج عربية‪ ،‬مركز القدس للدراسات‬
‫عمن‪ ،‬من املوقع اإللكرتوين‪ ،http://www.alqudscenter.org :‬بتاريخ ‪ 28‬أغسطس ‪.2017‬‬ ‫السياسية‪ّ ،‬‬
‫واقع وتحديات»‪ ،‬يف‪ :‬سعد سلوم (إعداد)‪ ،‬األقليات يف العراق‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫األقليات‪:‬‬ ‫«نساء‬ ‫رشيد‪،‬‬ ‫جميل‬ ‫أسامء‬ ‫د‪.‬‬
‫الذاكرة والهوية والتحديات‪ ،‬مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية واإلعالمية‪ ،‬بغداد‪.2013 ،‬‬
‫إليزابيث كادي ستانتون‪« ،‬عزلة الذات»‪ ،‬يف‪ ،‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬ ‫النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫أليسون م‪ .‬جاغار‪« ،‬عوملة األخالقيات النسوية»‪ ،‬يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا هاردنغ (تحرير)‪ ،‬نقض مركزية‬
‫املركز‪ :‬الفلسفة من أجل عامل متعدّد الثقافات بعد ‪ -‬استعامري ونسوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ترجمة د‪ُ .‬ينى طريف الخويل‪،‬‬
‫سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،395‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ديسمرب ‪.2012‬‬
‫آن فريغسون‪« ،‬مقاومة حجاب االمتياز‪ :‬مد جسور الهويات كسياسة أخالقية للمذاهب النسوية‬
‫العوملية»‪ ،‬يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا هاردنغ (تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ :‬الفلسفة من أجل عاملٍ متعدد‬
‫الثقافات بعد‪ -‬استعامري ونسوي‪ ،‬ج‪ ،2‬ترجمة د‪ُ .‬ينى طريف الخويل‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪،396‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬يناير ‪.2013‬‬
‫أندريه ناي‪« ،‬إ َّنها ليست فلسفة»‪ ،‬يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا هاردنغ (تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪:‬‬
‫الفلسفة من أجل عامل متعدّد الثقافات بعد ‪ -‬استعامري ونسوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ترجمة د‪ُ .‬ينى طريف الخويل‪ ،‬سلسلة‬
‫عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،395‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ديسمرب ‪.2012‬‬
‫أوفيليا شو ّته‪« ،‬ال َغريية الثقافية‪ :‬التواصل العابر للثقافات والنظرية النسوية يف سياقات الشامل ‪-‬‬
‫الجنوب»‪ ،‬يف‪ ،‬أوما ناريان وساندرا هاردنغ (تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ :‬الفلسفة من أجل عامل متعدّد‬
‫الثقافات بعد ‪ -‬استعامري ونسوي‪ ،‬ج‪ ،1‬ترجمة د‪ُ .‬ينى طريف الخويل‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪،395‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬ديسمرب ‪.2012‬‬
‫أوما ناريان‪« ،‬ماه ّية الثقافة ومغزى التاريخ‪ :‬نقد نسوي للامهوية الثقافية»‪ ،‬يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا‬
‫هاردنغ (تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ :‬الفلسفة من أجل عامل متعدّد الثقافات بعد ‪ -‬استعامري ونسوي‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ترجمة د‪ُ .‬ينى طريف الخويل‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،395‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬ديسمرب ‪.2012‬‬
‫إيزوبيل كوملان‪« ،‬املنافع التي سنحوزها يف حال نيل املرأة حقوقها»‪ ،‬يف‪ :‬فرانسيس فوكوياما وآخرين‪،‬‬
‫مستقبل القوة‪ ،‬ج‪ ،1‬منشورات مؤسسة كوالن‪ ،‬أربيل‪( 2014 ،‬باللغة الكوردية)‪.‬‬
‫باتريشيا هل كولينز‪« ،‬كل يشء يف األرسة‪ :‬تقاطعات الجنوسة والعرق والقومية»‪ ،‬يف‪ ،‬أوما ناريان وساندرا‬
‫هاردنغ (تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ :‬الفلسفة من أجل عاملٍ متعدد الثقافات بعد ‪ -‬استعامري ونسوي‪ ،‬ج‪،2‬‬
‫ترجمة د‪ُ .‬ينى طريف الخويل‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،396‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬يناير ‪.2013‬‬
‫بوال تريكلر وشريي كراماري‪« ،‬الحركة النسوية»‪ ،‬يف‪ ،‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪،‬‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬ ‫النظرية النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫اسم لها»‪ ،‬يف‪ ،‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية‬ ‫بيتي فريدان‪« ،‬املشكلة التي ال َ‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬ ‫النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫تشارلوت بنش‪« ،‬ليس بالدرجات‪ :‬النظرية النسوية والتعليم»‪ ،‬يف‪ ،‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪،‬‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬‫النظرية النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬

‫‪345‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫تشارلوت بريكينز غيلامن‪« ،‬من نساء واقتصاديات‪ :‬دراسة يف العالقة االقتصادية بني الرجال والنساء‬
‫كعامل يف التطور االجتامعي»‪ ،‬يف‪ ،‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ :‬مقتطفات‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬ ‫مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫ج‪ .‬آن تكرن ولورا شوبريغ‪« ،‬النظرية النسوية»‪ ،‬يف‪ :‬تيم دان وآخرين‪ ،‬نظريات العالقات الدولية‪ :‬التخصص‬
‫والتنوع‪( ،‬تحرير)‪ ،‬ترجمة دميا الخرضا‪ ،‬املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الدوحة‪ ،‬يناير ‪.2016‬‬
‫جون سكوت‪« ،‬مشكلة االختالف يف النسوية»‪ ،‬ترجمة هدى مقنّص‪ ،‬يف‪ :‬جني سعيد املقديس وآخرين‬
‫(تحرير)‪ ،‬النسوية العربية‪ :‬رؤية نقدية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬يونيو ‪.2012‬‬
‫حامدي ذويب‪ ،‬اإلسالميون وقضايا املرأة‪ ،‬مجلة عُ مران للعلوم االجتامعية واإلنسانية‪ ،‬املركز العريب‬
‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بريوت‪ ،‬العدد ‪ ،4‬ربيع ‪.2013‬‬
‫دروسال كورنل‪« ،‬نشأة مفهوم الجنس و ِم َحن ُه يف الواليات املتّحدة»‪ ،‬يف‪ :‬رجاء بن سالمة وآخرين‪ ،‬مفاهيم‬
‫عاملية‪ :‬التذكري والتأنيث (الجندر)‪ ،‬ترجمة أنطوان أبوزيد‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪.2005 ،‬‬
‫روزاليندا ديلامر‪« ،‬ما هي الحركة النسوية؟»‪ ،‬يف‪ ،‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬‫النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫روزماري غارالند تومبسون‪« ،‬دمج اإلعاقة‪ :‬تحويل النظرية النسوية»‪ ،‬يف‪ ،‬ويندي كيه‪ .‬كوملار‬
‫وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬‫والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫د‪ .‬ريتا فرج‪ ،‬النسوية ما بعد الكولونيالية‪ :‬تفكيك الخطاب االسترشاقي حول نساء الهامش‪ ،‬مجلة‬
‫الفيصل‪ ،‬دار الفيصل الثقافية‪ ،‬الرياض‪ 1 ،‬مارس ‪ ،2018‬من املوقع اإللكرتوين‪:‬‬
‫‪http://www.alfaisalmag.com/?p=9064.‬‬
‫بتاريخ ‪ 4‬مارس ‪.2018‬‬
‫رميا َحبش‪ ،‬بعض اإلجراءات الرامية اىل تعزيز املشاركة السياسية للمرأة‪ -‬نظام الحصص‪ /‬الكوتا‪ ،‬مداخلة‬
‫يف االجتامع الثاين ملجموعة العمل حول الربملان وإصالح قانون األحزاب‪ ،‬برنامج األمم املتحدة اإلمنايئ ومركز‬
‫عمن‪ 18 ،‬و‪ 19‬ديسمرب ‪.2006‬‬ ‫األردن الجديد للدراسات‪ّ ،‬‬
‫زينة الزعرتي‪« ،‬نهضة نسوية عربية‪ :‬إمكانيات ورضورات»‪ ،‬يف‪ :‬جني سعيد املقديس وآخرين (تحرير)‪،‬‬
‫النسوية العربية‪ :‬رؤية نقدية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬يونيو ‪.2012‬‬
‫ساندرا هاردنغ‪« ،‬الجنوسة والتنمية وفلسفات العلم بعد ‪ -‬الحداثية»‪ ،‬يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا هاردنغ‬
‫(تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ :‬الفلسفة من أجل عاملٍ متعدد الثقافات بعد ‪ -‬استعامري ونسوي‪ ،‬ج‪ ،2‬ترجمة‬
‫د‪ُ .‬ينى طريف الخويل‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،396‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫يناير ‪.2013‬‬
‫سواين هانت‪« ،‬دعوا النساء ل َيحكمن»‪ ،‬يف‪ :‬فرانسيس فوكوياما وآخرين‪ ،‬مستقبل القوة‪ ،‬ج‪ ،1‬منشورات‬
‫مؤسسة كوالن‪ ،‬أربيل‪( 2014 ،‬باللغة الكوردية)‪.‬‬
‫سوزان مولر أوكني‪« ،‬النسوية وحقوق اإلنسان للمرأة واالختالفات الثقافية»‪ ،‬يف‪ :‬أوما ناريان وساندرا‬
‫هاردنغ (تحرير)‪ ،‬نقض مركزية املركز‪ :‬الفلسفة من أجل عامل متعدّد الثقافات بعد – استعامري ونسوي‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ترجمة د‪ُ .‬ينى طريف الخويل‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،395‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬ديسمرب‪.2012‬‬
‫شوالميث فايرستون‪« ،‬من جدلية الجنس‪ :‬دياليكتيكية»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪،‬‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬ ‫النظرية النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫شريي يب‪ .‬أورترن‪« ،‬هل املرأة بالنسبة للرجل مثل الطبيعة بالنسبة للثقافة»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار‬
‫وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬‫والتوزيع‪ّ ،‬‬

‫‪346‬‬
‫املصادر واملراجع‬
‫فاطمة حافظ‪ ،‬متكني املرأة الخليجية‪ :‬جدل الداخل والخارج‪ ،‬سلسلة دراسات إسرتاتيجية‪ ،‬العدد ‪،128‬‬
‫مركز اإلمارات للدراسات والبحوث اإلسرتاتيجية‪ ،‬أبوظبي‪.2008 ،‬‬
‫د‪ .‬فتحي الرتييك‪« ،‬الحداثة وما بعد الحداثة»‪ ،‬يف‪ :‬د‪ .‬عبدالوهاب املسريي ود‪ .‬فتحي الرتييك‪ ،‬الحداثة وما‬
‫بعد الحداثة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬يوليو ‪.2003‬‬
‫فهمي جدعان‪ ،‬العدل يف حدود ديونوطولوجيا عربية‪ ،‬يف‪ :‬مجموعة مؤلفني‪ ،‬ما العدالة؟ معالجات يف‬
‫السياق العريب‪ ،‬املركز العريب لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بريوت‪ ،‬يونيو ‪.2014‬‬
‫د‪ .‬عامر عباس ود‪ .‬بن طيفور نرص الدين‪ ،‬توسيع حظوظ مشاركة املرأة الجزائرية يف املجالس‬
‫املنتخبة أو تحقيق املساواة عن طريق التمييز اإليجايب‪ ،‬مجلة «األكادميية للدراسات االجتامعية‬
‫واإلنسانية»‪ ،‬قسم العلوم االقتصادية والقانونية بجامعة حسيبة بن بوعيل بالشلف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،10‬يونيو ‪.2013‬‬
‫كلثم الغانم‪ ،‬األطر الفكرية والحدود النظرية للفكر النسوي العريب‪ :‬نظرة تحليلية‪ ،‬مجلة املستقبل‬
‫العريب‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬العدد ‪ ،401‬يوليو ‪.2012‬‬
‫كيت ميليت‪« ،‬النظرية السياسية الجنسية»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪،‬‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬ ‫النظرية النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫لوس إيريغاري‪َ « ،‬منْ هذا الجنس الذي ليس واحدا»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪،‬‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬ ‫النظرية النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫ليندا آلكوف‪« ،‬الحركة النسوية الثقافية مقابل ما بعد البنيوية‪ :‬أزمة الهوية يف النظرية النسوية»‪،‬‬
‫يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪ :‬مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬ ‫إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫لك‪ :‬النظرية النسوية واإلمربيالية‬
‫ماريا يس‪ .‬لوغونيس وإليزابيث يف‪ .‬سبيلامن‪« ،‬هل لدينا نظرية ِ‬
‫الثقافية واملطالبة بصوت املرأة»‪ ،‬يف‪ :‬ويندي كيه‪ .‬كوملار وفرانسيس بارتكوفيسيك‪ ،‬النظرية النسوية‪:‬‬
‫عمن‪.2010 ،‬‬‫مقتطفات مختارة‪ ،‬ترجمة عامد إبراهيم‪ ،‬دار األهلية للنرش والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫محمد فاضل الكراعي‪ ،‬املسألة النسائية يف املغرب‪ :‬تحديات الدينامية االجتامعية ومحدودية‬
‫الرهانات السياسية‪ ،‬املجلة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬الجمعية العربية للعلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪،28‬‬
‫خريف ‪.2010‬‬
‫مي النقيب‪« ،‬دراسة حول املشاعر‪ :‬النساء الكويتيات بني الحرية والفتور»‪ ،‬ترجمة هدى مقنَّص‪،‬‬
‫يف‪ :‬جني سعيد املقديس وآخرين (تحرير)‪ ،‬النسوية العربية‪ :‬رؤية نقدية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬يونيو ‪.2012‬‬
‫د‪ .‬مريفت حاتم‪ ،‬ماذا تريد النساء؟ نحو خريطة نقدية لالتجاهات املستقبلية للنسوية العربية‪،‬‬
‫مجلة املستقبل العريب‪ ،‬العدد ‪ ،401‬يوليو ‪.2012‬‬
‫ِّ‬
‫املتعثة يف االنتقال الدميوقراطي الراهن‪:‬‬ ‫مصباح الشيباين‪ ،‬املشاركة السياسية للمرأة العربية ومآالتها‬
‫التجربة التونسية مثاال‪ ،‬املجلة العربية للعلوم السياسية‪ ،‬العددان ‪ 47‬و‪ ،48‬الجمعية العربية للعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬صيف وخريف ‪.2015‬‬
‫نعيمة سمينة‪ ،‬قانون الكوتا النسوية يف دول املغرب العريب‪ :‬الواقع واإلشكاالت‪ ،‬مركز آفاق للدراسات‬
‫والبحوث‪ ،‬الرياض‪ ،‬من املوقع اإللكرتوين‪ ،http://aafaqcenter.com :‬بتاريخ ‪ 28‬أغسطس ‪.2017‬‬
‫«األنوثة والدرس النسوي‪ :‬الباحثة والبحث النسوي والطوق الثقايف يف لبنان»‪ ،‬يف‪ :‬جني‬ ‫ُنهى بيومي‪ُ ،‬‬
‫سعيد املقديس وآخرين (تحرير)‪ ،‬النسوية العربية‪ :‬رؤية نقدية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫يونيو ‪.2012‬‬
‫هتون أجواد الفايس‪« ،‬هل هناك نسوية سعودية؟»‪ ،‬يف‪ :‬جني سعيد املقديس وآخرين (تحرير)‪،‬‬
‫النسوية العربية‪ :‬رؤية نقدية‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬يونيو ‪.2012‬‬

‫‪347‬‬
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
‫هَ نا صويف عبدالحي‪ ،‬الكوتا النيابية النسائية بني التأييد الدويل واملواقف العربية املتناقضة‪ ،‬املجلة‬
‫العربية للعلوم السياسية‪ ،‬الجمعية العربية للعلوم السياسية‪ ،‬العدد ‪ ،23‬بريوت‪ ،‬صيف ‪.2009‬‬
‫وسيم حسام الدين األحمد‪ ،‬التمكني السيايس للمرأة العربية‪ :‬دراسة مقارنة‪ ،‬مركز األبحاث الواعدة‬
‫يف البحوث االجتامعية ودراسات املرأة‪ ،‬الرياض‪.2016 ،‬‬
‫يوسف سالمة حمود املسيعدين‪ ،‬اآلثار السياسية للنظام اإلنتخايب يف األردن‪ ،‬مجلة «املستقبل‬
‫العريب»‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬العدد ‪ ،433‬مارس ‪.2015‬‬

‫خامسا‪ :‬املقاالت واللقاءات الصحافية‬


‫ً‬
‫د‪ .‬تارا إبراهيم‪ ،‬املرأة وقانون املساواة االنتخابية يف فرنسا‪ ،‬مجلة صوت اآلخر‪ ،‬العدد ‪ ،492‬أربيل‪6 ،‬‬
‫أغسطس ‪.2014‬‬
‫د‪ .‬فاطمة الصايغ‪ ،‬املرأة والتمكني السيايس يف اإلمارات‪ ،‬صحيفة البيان اإلماراتية‪ ،‬من املوقع اإللكرتوين‪:‬‬
‫‪ ،http://www.albayan.ae/opinions/articles/2016-03-20-1.2599210‬بتاريخ ‪ 18‬سبتمرب ‪.2017‬‬
‫كامل حبيب‪ ،‬عوملة املرأة‪ :‬قراءة يف األيديولوجية النسوية الجديدة‪ ،‬مجلة «البيان»‪ ،‬العدد ‪ ،150‬املنتدى‬
‫اإلسالمي‪ ،‬لندن‪ ،‬مايو ‪.2000‬‬

‫سادسا‪ :‬التقارير‬
‫ً‬
‫إرشادات حول الكوتا النسائية يف االنتخابات اللبنانية‪ ،‬برنامج األمم املتحدة اإلمنايئ (إعداد)‪ ،‬أغسطس‬
‫‪.2015‬‬
‫واقع متغري‪ ،‬برنامج‬
‫ٍ‬ ‫يف‬ ‫اإلنسانية‬ ‫التنمية‬ ‫وآفاق‬ ‫الشباب‬ ‫‪:2016‬‬ ‫للعام‬ ‫العربية‬ ‫اإلنسانية‬ ‫التنمية‬ ‫تقرير‬
‫األمم املتحدة اإلمنايئ (إعداد)‪ ،‬نيويورك‪.2016 ،‬‬
‫تقرير التنمية البرشية للعام ‪ ،2014‬ا ُمليض يف التقدّم‪ :‬بناء املَنعة لِدرء املخاطر‪ ،‬برنامج األمم املتحدة‬
‫اإلمنايئ‪ ،‬نيويورك‪.2014 ،‬‬
‫تقرير عن االنتخابات الكويتية‪ :‬املعارضة الكويتية تفوز بـ ‪ 24‬مقعدا يف مجلس األمة‪ 27 ،‬نوفمرب‬
‫‪ ،2016‬هيئة اإلذاعة الربيطانية (يب يب يس)‪ ،‬من املوقع اإللكرتوين‪http://www.bbc.com/arabic/ :‬‬
‫‪ ،middleeast-38120869‬بتاريخ ‪ 4‬سبتمرب ‪.2017‬‬
‫مرشوع نظام الكوتا العاملي (األردن)‪ ،‬من املوقع‪http://www.quotaproject.org/country/ :‬‬
‫‪ ،jordan‬بتاريخ ‪ 2‬سبتمرب ‪.2017‬‬
‫مرشوع نظام الكوتا العاملي (اململكة العربية السعودية)‪ ،‬من املوقع اإللكرتوين‪http://www. :‬‬
‫‪ ،quotaproject.org/country/saudi-arabia‬بتاريخ ‪ 3‬سبتمرب ‪.2017‬‬
‫مرشوع نظام الكوتا العاملي (رواندا)‪ ،‬من املوقع اإللكرتوين‪http://www.quotaproject.org/ :‬‬
‫‪ ،country/rwanda‬بتاريخ ‪ 2‬سبتمرب ‪.2017‬‬

‫ساب ًعا‪ :‬نصوص الوثائق والترشيعات واالتفاقيات الدولية‬


‫القانون األسايس املعدل املوريتاين بشأن انتخاب أعضاء الجمعية الوطنية رقم ‪ 029‬للعام ‪.2012‬‬
‫القانون الفرنيس رقم (‪ )493 - 2000‬الصادر يف ‪ 6‬يونيو ‪.2000‬‬
‫النص العريب التفاقية القضاء عىل جميع أشكال التمييز ضد املرأة (سيداو) للعام ‪ ،1979‬من املوقع‬
‫اإللكرتوين‪:‬‬
‫‪ ،www.un.org/womenatch/daw/text/0360793A.pdf‬بتاريخ ‪ 12‬يوليو ‪.2017‬‬

‫‪348‬‬
‫املصادر واملراجع‬
Resources in English & French
First: Encyclopedias
Donald M. Borchert (ed.), Encyclopedia of philosophy, Vol.1, Thomson Gale,
Detroit, (2nd. ed.), 2006.
George Thomas Kuran, (ed.), Encyclopedia of Political Science, CQ Press,
Washington, D.C., 2011.
Lorraine Code (ed.), Encyclopedia of feminist theories, Routledge, London, (2nd.
ed.), 2004.
Paul Barry Clarke and Joe Foweraker (eds.) Encyclopedia of democratic thought,
Rutledge, London, 2001.
Rodney P. Carlisle (ed.), Encyclopedia of politics: the left and the right, Vol. 1,
Sage Publications, London, 2005.
William A. Darity Jr., (ed.), International Encyclopedia of the Social Sciences,
Vols. 3, 4 and 6, MacMillan Reference USA, (2nd.ed.), Detroit, 2008.

Second: Books
Alison M. Jaggar, Feminist politics and human nature, Rowman and Allanheld
Pub., The Harvester Press, Sussex, 1983.
Alvin J. Schmidt, The Menace of multiculturalism: Trojan horse in America,
Paeger Publishers, Connecticut, 1997.
Amy G. Mazur, Theorizing Feminist policy, Oxford University Press, New York,
2001.
Andrew Heywood, Political theory: an Introduction, Palgrave Macmillan, New
York, (3d. ed.), 2004.
Andrew Sayer, Method in social science: a realist approach, Routledge, (2nd. ed.),
London, 1992.
bell hooks, Feminist theory from margin to center, South End Press, Boston, 1984.
Betty Friedan, The Feminine mystique, A Dell Book, (2nd. ed.), New York, 1974.
Brian Barry, Culture and equality: an egalitarian critique of multiculturalism,
Polity Press, Cambridge, (4th. ed.), 2005.
Brooks A. Ackerly, Political theory and Feminist social criticism, Cambridge
University, New York, 2000,
Carol Gilligan and David A.J. Richard, (eds.), The Deepening darkness: Patriarchy,
resistance, and democracy’s future, Cambridge University Press, (2nd.ed.), Cambridge,
2009.
Carole Pateman, The disorder of women: democracy, feminism and political
theory, Stanford University Press, (4th. ed.), California, 1989.
Carole Pateman, The Problem of political obligation: a critique of liberal theory,

349
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
University of California Press, Berkeley,(2nd. ed.), 1985.
Carole Pateman, The sexual contract, Stanford University Press, California, 1988.
Collin Farrelly, Introduction to Contemporary Political theory, SAGE publications,
London, 2004.
David Harvey, The Condition of post-modernity: an enquiry into origins of
cultural change, Blackwell, (3rd. ed.), Cambridge, 1992.
David Miller, Political philosophy: a very short introduction, Oxford University
Press, New York, 2003,
Donald E. Hall, Queer theories, Palgrave Macmillan, London, 2003.
Dudley Knowles, Politcal philosophy, Routledge, London, 2001.
Earl Babbie, The basics of social research, Thomson and Wadsworth, (4th. ed.)
U.S., 2008.
Estelle B. Freedman, No turning back: the history of Feminism and the Future of
Women, Ballantine Book, New York, 2002.
G. A. Cohen, Rescuing justice and equality, Harvard University Press,
Massachusetts, 2008.
Georgina Blackeley and Valerie Bryson, (eds.), Contemporary political concepts: a
critical introduction, Pluto Press, London, Sterling, Virginia, 2002.
J. Jaccard and J. Jacoby, Theory construction and model-building skill: a practical
guide for social scientists, The Guilford press, New York, 2010.
Janice McLaughlin, Feminist social and political theory: contemporary debates
and dialogues, Palgrave Macmillan, New York, 2003.
John Hoffman and Paul Graham, Introduction to political theory, Pearson
Education Limited, England, 2006.
Karen O’Conner and Larry J. Sabato, American government: continuity and
change, Pearson Education Inc., New York, 2007.
Laura Bier, Revolutionary womanhood: feminism, modernity, and the state in
Nasser’s Egypt, The American University in Cairo Press, Cairo, 2011.
Lynn S. Chancer and Beverly Xaviera Watkins, Gender, Race and Class: an
overview, Blackwell Publishing, Malden, USA, 2006.
Madan Sarup, Introductory guide to post-structuralism and postmodernism,
Harvester Wheatsheat, (2nd. ed.), New York, 1993.
Martin Albrow, Sociology: the basics, Routledge, London, 1999.
Mary Daly, Beyond god and father: toward a philosophy of women’s liberation,
Beacon Press, (2nd. ed.), Boston, 1985.
Marysia Zalewski, Feminism after Postmodernism: theorizing through practice,
Routledge, London, 2000.

350
‫املصادر واملراجع‬
Michael A. Weinstein, Identity, power and change: selected readings in political
theory, Scott, Foresman and co., Illinois, 1971.
Patricia Hill Collins, Black feminist thought: knowledge, consciousness, and the
politics of empowerment, Routledge, (2nd. ed.), New York, 2000.
Patricia Hill Collins, Black sexual politics: African Americans, gender and the new
racism, Routledge, New York, 2004.
Raia Prokhovnick, Rational woman: a Feminist critique of dichotomy, Routledge,
London, 1999.
Report of: Gender inequality and women’s empowerment: Ethiopian society of
population studies, UNFPA, Addis Ababa, October 2008.
Richard T. Schaefer, Racial and ethnic groups, Pearson Education Inc., New Jersey,
(9th. ed.), 2004.
Robin Usher and Richard Edwards, (eds.), Postmodernism and education,
Routledge, London, 1994.
Sandra Halperin and Oliver Heath, Political research: methods and practical skills,
Oxford University Press, New York, 2012.
Shulamith Firestone, The Dialectic of Sex: the case for feminist revolution, William
Morrow and Company Inc., (8th. ed.), New York, 1972
Susan Moller Okin, Justice, gender and the family, Basic Books, (2nd. ed.), New
York, 1989.
Stephanie Hodgson-Wright, “Early feminism”, in Sarah Gamble, (ed.), The
Routledge Companion to feminism and postmodernism, Routledge, (2nd. ed.),
London, 2001.
Sylvia Walby, Theorizing patriarchy, Basil Blackwell, (2nd. ed.), Oxford, 1991.
Valentine M. Moghadam, Modernizing women: gender and social change in the
Middle East, Lynne Rienner Pub. Inc., Colorado, 1993.
Valerie Bryson, Feminist political theory: an introduction, Palgrave Macmillan,
(2nd. ed.), New York, 2003.
Vernon Van Dyke, Political science: a philosophical analysis, Stanford university
press, (11th. Ed) Stanford, California, 1978.
W.J. Stankiewicz, In Search of political philosophy: ideologies at the close of
twentieth century, Routledge, London, 1993.
Will Kymlicka, Contemporary political philosophy: an introduction, Oxford
University Press, Oxford, (2nd. ed.), 2002.
Will Kymlicka, Politics in the vernacular: multiculturalism and citizenship, Oxford
University Press, Oxford, 2001.

351
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
Third: Academic Researches & Studies
Ayelet Shachar, “The Paradox of multicultural vulnerability: individual rights,
identity groups and the state”, in, Christian Joppke & Steven Luke (ed.), multicultural
questions, Oxford University Press, (2nd. ed.), Oxford, 2002.
Barbara Kawulich, “The Role of theory in research”, in, Mark Garner et.al.,
Teaching research: methods in the social sciences, Ashgate, England, 2009.
Bonnie Thornton Dill and Ruth E. Zambarana, “Critical thinking about inquality:
an emerging lens”, in, Bonnie Thornton Dill and Ruth Enid Zambarana, (eds.),
Emerging intersections: race, class and gender in theory, policy and practice, Ruthgers
University Press, New Brunswick, 2009.
Brian Barry, Culture and equality: an egalitarian critique of multiculturalism,
Polity Press, Cambridge, (4th. ed.), 2005.
Carl Cohen, “Why race preference is wrong and bad?”, in, Carl Cohen and James
P. Sterba, Affirmative action and racial preference: a debate, Oxford University Press,
Oxford, 2003.
Catharine A. MacKinnon, “Feminism, Marxism, Method, and the State: an agenda
for theory,” in, Signs, vol. 7, No. 3, Feminist Theory (spring 1982).
Christian Joppke and Steven Lukes, “Introduction: multicultural questions”, in,
Christian Joppke and Steven Lukes (ed.), Multicultural questions, Oxford University
Press, Oxford, (2nd. ed.), 2002.
Cynthia Fuchs Epstein, “Similarity and difference: the sociology of gender
distinctions”, in, Janet Saltzman Chafetz, Handbook of the Sociology of Gender,
Springer, New York, 2006.
Debra Henderson and Ann Tickamyer, “The Intersection of poverty discourses:
race, class, culture, and gender”, in, Bonnie Thornton Dill and Ruth Enid Zambrana,
(eds.), Emerging intersections: race, class, and gender in theory, policy, and practice,
Routledge, The State University, USA, 2009.
Dorothy Smith, “Feminism and Marxism- a place to begin, a way to go”, in, Sean
P. Hier (ed.), Contemporary sociological thought: themes and theories, Canadian
Scholar’s Press Inc., Toronto, 2005.
Gary Goertz and Amy G. Mazur, “Maping Gender and politics concepts: ten
guidelines”, in, Gary Goertz and Amy G. Mazur (eds.), Politics, Gender and concepts:
theory and methodology, Cambridge University Press, New York, 2008.
Gillian Howlie and Ashley Tauchert, “Feminism dissonance: the logic of late
feminism”, in, Stacy Gillis, et al., Third wave feminism: a critical exploration, Palgrave
Macmillan, (2nd. ed.), New York, 2007.
Hal Foster, “Postmodernism: a preface”, in, Hal Foster, (ed.), The Anti-aesthetic:

352
‫املصادر واملراجع‬
essays on postmodern culture, Bay Press, (5th.ed.), Washington, 1987.
James P. Sterba, “Defending affirmative action defending preference”, in, Carl
Cohen and James P. Sterba, Affirmative action and racial preference: a debate, Oxford
University Press, Oxford, 2003.
Jane Flax, “Women do theory”, in, Alison M. Jaggar and Paula S. Rothenberg,
(eds.), Feminist frameworks: alternative theoretical accounts of the relations between
women and men, McGraw Hill, (3rd. ed.), New York, 1993.
Joey Sprague and Diane Kobrynowicz, “A Feminist epistemology”, in, Janet
Saltzman Chafetz, Handbook of the sociology of gender, Springer, New York, 2006.
Kevin Dunn, “Interrogating white male privilege”, in, Jane L. Parpart and
Marysia Zalewski, (eds.), Rethinking the man question: sex, gender and violence in
international relations, Zed Books, London, 2008.
Kimberley Cox, “Feminist theory”, in, The Editors of Salem Press, Theories and
theoretical approaches, Salem Press, Pasadena, California, Hackensack, New Jersey,
2011.
Linda Hutcheon, “Postmodernism,” in, Simon Malpas and Paula Wake, (eds.), The
Routledge Companion to Critical Theory, Routledge, London, 2006.
Mary G. Dietz, “Context is all: feminism and theories of citizenship,” in, Ann
Phillips, (ed.), Feminism and politics, Oxford University Press, (2nd. ed.), New York,
2009.
Mary Evans, “Feminist theory”, in, Bryan S. Turner (ed.), The New Blackwell
Companion to social theory, Wiley-Blackwell Co., Oxford, Uk, 2009.
Myra Marx Ferree and Carol McClurg Mueller, “Feminism and the women’s
movement: a global perspective”, in, David A. Snow et al., The Blackwell Companion
to Social Movements, Blackwell Publishing, USA, 2004.
Nancy Hartsock, “Feminist theory and the development of revolutionary strategy”,
in, Zillah R. Eisenstein, (ed.), Capitalist patriarchy and the case for socialist feminism,
Monthly Review, New York, 1979.
Nancy Holmstorm, “A Marxist theory of women’s nature”, in Nancy Holmstorm
(ed.), The Socialst Feminist project: a contemporary reader in theory and politics,
Monthly Review Press, New York, 2002.
Pamela Paxton, “Gendering democracy”, in, Gary Goertz and Amy G. Mazur
(eds.), Politics, Gender and concepts: theory and methodology, Cambridge University
Press, New York, 2008.
Patricia Madoo Lengermann & Jill Niebrugge, “Feminism and postmodern social
theory”, in, George Ritzer (ed.), Contemporary sociological theory and its classical
roots: the basics, McGraw-Hill Higher Education, New York, 2003.

353
‫يف النظرية السياسية النسوية‬
Patricia Madoo Lengermann and Jill Niebrugge, “Contemporary feminist
theories”, in, George Ritzer (ed.), Contemporary sociological theory and its classical
roots: the basics, McGraw-Hill Higher Education, New York, 2003.
Richard J. Arneson, “Equality”, in, Robert E. Goodin, et. al., A Companion to
contemporary political philosophy, Vol.2, Blackwell Pub., (2nd. ed.), USA, 2007.
Christopher Heath Wellman, “Justice”, in, Robert L. Simon (ed.), The Blackwell
Guide to social and political philosophy, Blackwell, Massachusetts, 2002.
Robert W. Tracinski, Apology for slavery will perpetuate racism, Ayn Rand
Institute, On web: www.aynrand.org, on 122017-8-.
Sandra Harding, “Introduction: is there a feminist method?”, in, Sandra Harding,
(ed.), Feminism and methodology: social science issues, Indiana University Press,
USA, 1987.
Sarah B. Pomeroy, Goddesses, whores, wives, and slaves: women in classical
antiquity, Schocken Books, (2nd. ed.), New York, 1995.
Sophia Phoca, “Feminism and gender”, in, Sarah Gamble, (ed.), The Routledge
Companion to Feminism and Postfeminism, Routledge, (2nd. ed.), London, 2001.
Stephanie Hodgson-Wright, “Early feminism”, in Sarah Gamble, (ed.), The
Routledge Companion to feminism and postmodernism, Routledge, (2nd. ed.),
London, 2001.
Stephanie Coontz, “Revisiting Marx and Engels on the family,” in, Nancy
Holmstrom (ed.), The Contemporary Reader in Theory and Politics, Monthly Review
Press, New York, 2002.
Sue Thornham, “Postmodernism and feminism (or: repairing our own cars),” in,
Stuart Sim, (ed.), The Routledge Companion to Postmodernism, Routledge, (2nd.
ed.), London, 2001.
Susan Kingsley Kent, “Gender rules: law and politics”, in, Teresa A. Meade
and Merry E. Wiesner-Hanks, (eds.), A Companion to gender history, Blackwell
Publishing, USA, 2004.
Susan Moller Okin, “Mistresses of their own destiny: group rights, gender and
realistic rights of exist” , in, Kevin McDonough and Walter Feinberg (ed.), Citizenship
and education in liberal–democratic societies, Oxford University Press, Oxford, 2005.
Susan Stryker, “Transgender feminism: queering the woman question”, in, Stacy
Gillis, et al., Third wave feminism: a critical exploration, Palgrave Macmillan, (2nd.
ed.), New York, 2007.
Val Plumwood, “Women, humanity and nature”, in, Sean Sayers and Peter
Osborne, (eds.), Socialism, feminism and philosophy: a radical philosophy reader,
Routledge, London and New York, 1990.

354
‫املصادر واملراجع‬
Valerie Bryson, “Gender”, in, Georgina Blakeley and Valerie Bryso, (eds.),
Contemporary political concepts: a critical introduction, Pluto Press, London, 2002.
Valerie Sanders, “First wave feminism,” in, Sarah Gamble, (ed.), The Routledge
Companion to Feminism and postfeminism, Routledge, (2nd. ed.), London, 2001.
Veronique Mottier, “Feminism and gender theory: the return of the state”, in,
Gerald F. Gaus and Chandran Kukathas (ed.), Handbook of political theory, Sage
Publications, London, 2004.
Zillah Eisenstein, “Developing a theory of capitalist patriarchy and socialist
feminism”, in, Zillah R. Eisenstein, (ed.), Capitalist patriarchy and the case for
socialist feminism, Monthly Review Press, New York, 1979.
Zillah Eisenstein, “Some notes on the relations of capitalist patriarchy”, in, Zillah
R. Eisenstein, (ed.), Capitalist patriarchy and the case for socialist feminism, Monthly
Review Press, New York, 1979.

Fourth: Journal Articles and Media Meetings


Karen Offen, “Deffining Feminism: a comparative historical approach”, in, Signs:
journal of women in culture and society, University of Chicago, Vol.14, No.1, 1988.
In the absence of fathers: a story of Elephants and Men on the web: http://
thesestonewall.com/gordon-macrae/in-the-absence-of-fathers-a-story-of-elephants-
and-men/, on 82017/23/.

355
‫املؤلفان يف سطور‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬رعد عبداجلليل مصطفى اخلليل‬


‫■ تخ َّرج يف كلية القانون والسياسة‪ ،‬جامعة بغداد للعام الدرايس ‪.1976/1975‬‬
‫■ حاصل عىل درجة املاجستري يف العلوم السياسية يف العام ‪ 1980‬كلية القانون‬
‫والسياسة‪ ،‬جامعة بغداد‪.‬‬
‫■ حاصل عىل درجة الدكتوراه يف العلوم السياسية يف العام ‪ 1996‬كلية العلوم‬
‫السياسية‪ ،‬جامعة بغداد‪.‬‬
‫■ يحمل درجة األستاذية يف النظرية السياسية‪.‬‬
‫■ عمل منذ العام الدرايس ‪ 1981/1980‬وحتى اآلن عض َو هيئة تدريسية يف عدد‬
‫من الجامعات يف العراق وليبيا‪ ،‬ويعمل حال ًيا أستا ًذا للنظرية السياسية يف كلية‬
‫القانون والسياسة‪ ،‬جامعة صالح الدين‪.‬‬
‫■ د ّرس عديدا من مــواد االختصاص يف حقل العلوم السياسية يف مرحلتي‬
‫البكالوريوس والدراسات العليا (املاجستري والدكتوراه)‪ ،‬كام أرشف عىل كثري من‬
‫رسائل املاجستري والدكتوراه‪.‬‬
‫■ أ َّل َف عددًا من الكتب والبحوث يف حقل العلوم السياسية (وبعضها منهجي)‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫د‪ .‬حسام الدين علي جميد‬
‫■ حاصل عىل شهادة البكالوريوس يف العلوم السياسية من جامعة بغداد‪.1999 ،‬‬
‫■ حاصل عىل شهادة املاجستري يف العلوم السياسية من جامعة بغداد‪.2002 ،‬‬
‫■ حاصل عىل شهادة دكتوراه الفلسفة يف العلوم السياسية من جامعة‬
‫صالح الدين ‪ -‬أربيل‪.2010 ،‬‬
‫■ َيحمل درجة «أستاذ مساعد» يف حقل النظرية السياسية املعارصة منذ العام‬
‫‪.2014‬‬
‫■ عمل عضوا يف الهيئة التدريسية يف قسم العلوم السياسية بكلية القانون والعلوم‬
‫السياسية يف جامعة صالح الدين ‪ -‬أربيل منذ العام ‪.2003‬‬
‫■ عضو الجمعية العراقية للعلوم السياسية منذ العام ‪ ،2002‬وجمعية العلوم‬
‫السياسية يف إقليم كردستان منذ العام ‪.2004‬‬
‫■ له مطبوعات عديدة يف حقل العلوم السياسية‪.‬‬
‫سلسلة عـالـَم املعرفة‬

‫«عامل املعرفة» سلسلة كتب ثقافية تصدر يف مطلع كل شهر ميالدي عن املجلس الوطني للثقافة‬
‫والفنون واآلداب ‪ -‬دولة الكويت ‪ -‬وقد صدر العدد األول منها يف شهر يناير من العام ‪.1978‬‬
‫تهدف هذه السلسلة إىل تزويد القارئ مبادة جيدة من الثقافة تغطي جميع فروع املعرفة‪،‬‬
‫وكذلك ربطه بأحدث التيارات الفكرية والثقافية املعارصة‪ .‬ومن املوضوعات التي تعالجها تأليفا‬
‫وترجمة‪:‬‬
‫‪ - 1‬الدراسات اإلنسانية‪ :‬تاريخ ـ فلسفة ‪ -‬أدب الرحالت ‪ -‬الدراسات الحضارية ‪ -‬تاريخ األفكار‪.‬‬
‫‪ - 2‬العلوم االجتامعية‪ :‬اجتامع ‪ -‬اقتصاد ‪ -‬سياسة ‪ -‬علم نفس ‪ -‬جغرافيا ‪ -‬تخطيط ‪ -‬دراسات‬
‫اسرتاتيجية ‪ -‬مستقبليات‪.‬‬
‫‪ - 3‬الـدراســات األدبيـة واللغويـة‪ :‬األدب العـربـي ‪ -‬اآلداب العامليـة ‪ -‬علـم اللغة‪.‬‬
‫‪ - 4‬الدراسات الفنية‪ :‬علم الجامل وفلسفة الفن ‪ -‬املرسح ‪ -‬املوسيقى ‪ -‬الفنون التشكيلية‬
‫والفنون الشعبية‪.‬‬
‫‪ - 5‬الدراســات العلمية‪ :‬تاريــخ العلـــم وفلســـــفته‪ ،‬تبسيط العلــوم الطبيـــعية (فيــزياء‪،‬‬
‫كيمــياء‪ ،‬علم الحــياة‪ ،‬فلك) ـ الرياضــيات التطبيــقية (مع االهتــامم بالجــوانب اإلنسانية لهــذه‬
‫العــلوم)‪ ،‬والدراسات التكنولوجية‪.‬‬
‫أما بالنسبة إىل نرش األعامل اإلبداعية ـ املرتجمة أو املؤلفة ـ من شعر وقصة ومرسحية‪ ،‬وكذلك‬
‫األعامل املتعلقة بشخصية واحدة بعينها فهذا أمر غري وارد يف الوقت الحايل‪.‬‬
‫وتحرص سلسلة «عامل املعرفة» عىل أن تكــون األعمـال املرتجــمة حديثة النرش‪.‬‬
‫وترحب السلسلة باقرتاحات التأليف والرتجمة املقدمة من املتخصصني‪ ،‬عىل أال يزيد حجمها‬
‫عىل ‪ 350‬صفحة من القطع املتوسط‪ ،‬وأن تكون مصحوبة بنبذة وافية عن الكتاب وموضوعاته‬
‫وأهميته ومدى جدته ويف حالة الرتجمة ترسل نسخة مصورة من الكتاب بلغته األصلية كام ترفق‬
‫مذكرة بالفكرة العامة للكتاب‪ ،‬وكذلك يجب أن تد ّون أرقام صفحات الكتاب األصيل املقابلة للنص‬
‫املرتجم عىل جانب الصفحة املرتجمة‪ ،‬والسلسلـة ال ميكنهـا النظـر فـي أي ترجمـة ما مل تكن‬
‫مستوفية لهذا الرشط‪ .‬واملجلس غري ملزم بإعادة املخطوطات والكتب األجنبية يف حالة االعتذار عن‬
‫عدم نرشه‪ .‬ويف جميع الحاالت ينبغي إرفاق سرية ذاتية ملقرتح الكتاب تتضمن البيانات الرئيسية‬
‫عن نشاطه العلمي السابق‪.‬‬
‫ويف حال املوافقة والتعاقد عىل املوضوع ــ املؤلف أو املرتجم ــ ترصف مكافأة للمؤلف مقدارها‬
‫ألفا دينار كويتي‪ ،‬وللمرتجم مكافأة مبعدل ثالثني فلسا عن الكلمة الواحدة يف النص األجنبي (وبحد أقىص‬
‫مقداره ألفان وخمسامئة دينار كويتي)‪.‬‬

‫‪359‬‬
Withe

360
‫سعر النسخة‬
‫دينار كويتي‬ ‫الكويت ودول الخليج‬
‫ما يعادل دوالرا أمريكيا‬ ‫الدول العربية‬
‫أربعة دوالرات أمريكية‬ ‫خارج الوطن العريب‬
‫االشرتاكات‬
‫دولة الكويت‬
‫‪ 15‬د‪ .‬ك‬ ‫لألفراد‬
‫‪ 25‬د‪ .‬ك‬ ‫للمؤسسات‬
‫دول الخليج‬
‫‪ 17‬د‪ .‬ك‬ ‫لألفراد‬
‫‪ 30‬د‪ .‬ك‬ ‫للمؤسسات‬
‫الدول العربية‬
‫‪ 25‬دوالرا أمريكيا‬ ‫لألفراد‬
‫‪ 50‬دوالرا أمريكيا‬ ‫للمؤسسات‬
‫خارج الوطن العريب‬
‫‪ 50‬دوالرا أمريكيا‬ ‫لألفراد‬
‫‪ 100‬دوالر أمرييك‬ ‫للمؤسسات‬

‫تسدد االشرتاكات واملبيعات مقدما نقدا أو بشيك باسم املجلس الوطني‬


‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬مع مراعاة سداد عمولة البنك املحول عليه املبلغ‬
‫يف الكويت‪ ،‬ويرسل إلينا بالربيد املسجل عىل العنوان التايل‪:‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬
‫ص‪ .‬ب ‪ 23996‬الصفاة ‪ -‬الرمزي الربيدي ‪13100‬‬
‫دولة الكويت‬
‫بدالة‪)00965( 22416006 :‬‬
‫داخيل‪1152 /1153/1193 /1194 /1195 /1196 :‬‬

‫‪361‬‬
Withe

362
‫يمكنكم االشتراك والحصول على نسختكم الورقية من إصدارات المجلس الوطني‬
‫للثقافة والفنون واآلداب من خالل الدخول إلى موقعنا اإللكتروني‪:‬‬
‫‪https://www.nccal.gov.kw/#CouncilPublications‬‬
‫عامل املعرفة الثقافة العاملية عامل الفكر إبداعات عاملية املرسح العاملي‬
‫البيان‬
‫د‪.‬ك دوالر د‪.‬ك دوالر د‪.‬ك دوالر د‪.‬ك دوالر د‪.‬ك دوالر‬
‫‪20‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪25‬‬ ‫مؤسسة داخل الكويت‬
‫‪10‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪15‬‬ ‫أفراد داخل الكويت‬
‫‪24‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪16‬‬ ‫‪30‬‬ ‫مؤسسات دول الخليج العريب‬
‫‪12‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪17‬‬ ‫أفراد دول الخليج العريب‬
‫‪100‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪100‬‬ ‫مؤسسات خارج الوطن العريب‬
‫‪50‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪50‬‬ ‫أفراد خارج الوطن العريب‬
‫‪50‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪20‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪50‬‬ ‫مؤسسات يف الوطن العريب‬
‫‪25‬‬ ‫‪25‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪25‬‬ ‫أفراد يف الوطن العريب‬

‫قسيمة اشتراك في إصدارات‬


‫المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬
‫تجديد اشرتاك‬ ‫الرجاء ملء البيانات يف حالة رغبتكم يف‪ :‬تسجيل اشرتاك‬

‫االسم‪:‬‬
‫العنوان‪:‬‬
‫الرمز الربيدي‪:‬‬ ‫املدينة‪:‬‬
‫البلد‪:‬‬
‫رقم الهاتف‪:‬‬
‫الربيد اإللكرتوين‪:‬‬
‫مدة االشرتاك‪:‬‬ ‫اسم املطبوعة‪:‬‬
‫نقدا ‪ /‬شيك رقم‪:‬‬ ‫املبلغ املرسل‪:‬‬
‫‪20 / /‬م‬ ‫التاريخ‪:‬‬ ‫التوقيع‪:‬‬
‫املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ‪ -‬إدارة النرش والتوزيع ‪ -‬مراقبة التوزيع‬
‫ص‪.‬ب‪ - 23996 :‬الصفاة ‪ -‬الرمز الربيدي ‪13100‬‬
‫دولة الكويت‬
‫‪363‬‬
‫بيانات وكالء التوزيع‬
‫أوالً‪ :‬التوزيع املحيل – دولة الكويت‬
‫الربيد اإللكرتوين‬ ‫رقم الفاكس‬ ‫رقم الهاتف‬ ‫وكيل التوزيع‬ ‫الدولة‬ ‫م‬
‫‪im_grp50@yahoo.com‬‬ ‫‪2482682300965 /‬‬ ‫‪00965 24826820 /1/2‬‬ ‫املجموعة اإلعالمية العاملية‬ ‫الكويت‬ ‫‪1‬‬

‫ثانياً‪ :‬التوزيع الخارجي‬


‫‪bander.shareef@saudidistribution.com‬‬
‫‪babiker.khalil@saudidistribution.com‬‬
‫– ‪121277400966 /12121766‬‬ ‫‪00966114871414‬‬ ‫الرشكة السعودية للتوزيع‬ ‫السعودية‬ ‫‪2‬‬

‫‪cir@alayam.com‬‬
‫‪rudainaa.ahmed@alayam.com‬‬
‫‪1761774400973 /‬‬ ‫– ‪3661616800973 /17617733‬‬ ‫مؤسسة األيام للنرش‬ ‫البحرين‬ ‫‪3‬‬

‫‪eppdc@emirates.net.ae‬‬
‫‪info@eppdco.com‬‬ ‫– ‪4391801900971 /43918354‬‬ ‫‪00971 43916501 /2/3‬‬ ‫رشكة اإلمارات للطباعة والنرش والتوزيع‬ ‫اإلمارات‬ ‫‪4‬‬
‫‪essam.ali@eppdco.com‬‬

‫‪alattadist@yahoo.com‬‬ ‫‪2449320000968 /‬‬ ‫– ‪2449139900968 /24492936 – 24496748‬‬ ‫مؤسسة العطاء للتوزيع‬ ‫سلطنة عُامن‬ ‫‪5‬‬

‫‪thaqafadist@qatar.net.qa‬‬ ‫‪4462180000974 /‬‬ ‫– ‪4462218200974 /44621942‬‬ ‫رشكة دار الثقافة‬ ‫قطر‬ ‫‪6‬‬

‫‪ahmed_isaac2008@hotmail.com‬‬
‫‪00202 25782700/1/2/3/4/5‬‬
‫‪2578254000202 /‬‬ ‫مؤسسة أخبار اليوم‬ ‫مرص‬ ‫‪7‬‬
‫‪00202 25806400‬‬

‫‪topspeed1@hotmail.com‬‬
‫‪165325900961 /‬‬
‫‪00961 1666314 /15‬‬ ‫مؤسسة نعنوع الصحفية للتوزيع‬ ‫لبنان‬ ‫‪8‬‬
‫‪165326000961 /‬‬

‫‪sotupress@sotup.com.nt‬‬ ‫‪7132300400216 /‬‬ ‫‪7132249900216 /‬‬ ‫الرشكة التونسية‬ ‫تونس‬ ‫‪9‬‬

‫املغرب ‪ -‬الدار البيضاء ‪ -‬سيدي معروف ‪ -‬ش ابوبكر القادري‬ ‫‪00212522589912‬‬ ‫الرشكة الرشيفية للتوزيع‬ ‫املغرب‬ ‫‪10‬‬
‫‪alshafiei.ankousha@aramex.com‬‬
‫‪basem.abuhameds@aramex.com‬‬
‫‪6533773300962 /‬‬ ‫– ‪79720409500962 /6535885‬‬ ‫وكالة التوزيع األردنية‬ ‫األردن‬ ‫‪11‬‬

‫‪wael.kassess@rdp.ps‬‬ ‫‪2296413300970 /‬‬ ‫‪2298080000970 /‬‬ ‫رشكة رام الله للتوزيع والنرش‬ ‫فلسطني‬ ‫‪12‬‬

‫‪alkaidpd@yahoo.com‬‬ ‫‪124088300967 /‬‬ ‫‪124088300967 /‬‬ ‫القائد للنرش والتوزيع‬ ‫اليمن‬ ‫‪13‬‬
‫العنوان‪ :‬السودان ‪ -‬الخرطوم ‪ -‬شارع البلدية ‪ -‬جنوب‬
‫‪00249123078223‬‬ ‫رشكة دار املرصي للتوزيع‬ ‫السودان‬ ‫‪14‬‬
‫برج التضامن‬

‫‪364‬‬
‫إشعار‬
‫لالطــاع علــى قائمــة كتــب السلســلة انظــر عدد‬
‫ديســمرب (كانــون األول) مــن كل ســنة‪ ،‬حيــث توجد‬
‫قائمة كاملة بأسماء الكتب املنشورة‬
‫يف السلسلة منذ يناير ‪.1978‬‬
‫كما تتوفر كافة اإلصدارات «إلكرتونيا»‬
‫على موقعنا اإللكرتوين‪:‬‬
‫‪www.nccal.gov.kw‬‬

‫‪365‬‬
Withe
‫عددنا املقبـل‬

‫اإلصالح‬
‫كيف تنجو األمم وتزدهر يف عامل يتداعى؟‬

‫‪The Fix‬‬
‫‪How Nations Survive and Thrive in a World in Decline‬‬

‫تأليف‪ :‬جوناثان تيبريمان‬


‫ترجمة‪ :‬أرشف سليامن‬

‫يف عامل آخذ يف التداعي‪ ،‬يقدم جوناثان تيبريمان عرش قصص نجاح يف عرشة‬
‫فصول‪ ،‬لحكومات استطاعت أن تتخطى الجمود والعقبات‪ ،‬وأن تقدم حلوال‬
‫براغامتية لألزمات التي مرت بها شعوبها‪ .‬هذه الحلول ملموسة‪ ،‬حيث إنها ُطبقت‬
‫عىل أرض الواقع‪ ،‬ورمبا تستفيد بقية الدول من نجاحاتها‪ .‬وبذلك‪ ،‬ويف خضم التشاؤم‬
‫املتفيش‪ ،‬يقدم تيبريمان سببا للتفاؤل‪.‬‬

‫‪367‬‬
368

You might also like