You are on page 1of 138

<Ï^ñœ÷]

@Ô ‹fl@lÏ‘»Ì@ëäÜbm@ò‡‘€a
‫من تفسير وتأمالت‬

‫اآلباء األولين‬

‫القضاة‬

‫القمص تادرس يعقوب ممطي‬


‫كنيسة الشهيد مار جرجس بسبورتنج‬
‫باسم اآلب واالبن والروح القدس‬
‫اهلل الواحد‪ ،‬آمين‬

‫اسم الكتاب‪ :‬سفر القضاة‪.‬‬


‫المؤلف‪ :‬القمص تادرس يعقوب ممطي‪.‬‬
‫الطبعة‪:‬‬
‫الناشر‪ :‬كنيسة الشييد مارجرجس بسبورتنج‪.‬‬
‫المطبعة‪:‬‬
‫رقم اإليداع‪:‬‬
‫قضاة ‪ -‬المقدمة‬

‫إن كان سفر يشوع ىو سفر الخالص المجاني‪ ،‬فيو يتسمم يشوع قيادة الشعب ليدخل بيم إلى‬
‫أرض الموعد‪ ،‬يغمب األمم الوثنية ويممك ويقسم‪ ،‬فإن سفر القضاة يكشف عن حال اإلنسان في أرض‬
‫الموعد‪ ،‬وقد استيان بعطية اهلل العظمى‪ ،‬وتَراخى في المطالبة بمواعيده اإلليية المجانية‪ ،‬إذ فترت غيرة‬
‫الشعب وانصرف غالبيتو إلى مشاركة األمم الوثنية التي تركوىا في وسطيم في عبادتيم والتمذذ معيم‬
‫مستخدما األمم ذاتيا كعصا قاسية لمتأديب‪،‬‬
‫ً‬ ‫بالخطية‪ .‬لكن اهلل ال يترك أوالده في الرجاسات إنما يؤدب‬
‫خالصا وينقذىم‪.‬‬
‫ً‬ ‫حتى متى رجع الشعب يرسل ليم اهلل‬
‫نستطيع أن نقول بأن ىذا السفر ىو سفر حياة كل مؤمن ذاق عذوبة الحياة الجديدة في المسيح‬
‫ال‪ ،‬لكن عوض االنطالق فييا من قوة إلى قوة‬ ‫لبننا وعس ً‬
‫يسوع بكونيا األرض الروحية التي تفيض ً‬
‫مستيينا بفيض نعمة اهلل‪ ،‬فيرتد إلى الحياة الجسدانية والفكر األرضي القاتل‪ ،‬األمر الذي يدفع‬
‫ً‬ ‫يتراخى‬
‫مقدسا في الحق‪.‬‬
‫ً‬ ‫اهلل إلى تأديبو بالضيقات واآلالم حتى يرده إليو ا ًبنا‬

‫القمص تادرس يعقوب ممطي‬

‫‪5‬‬
‫قضاة ‪ -‬المقدمة‬

‫قضاة‬
‫قضاة‬
‫اسم ىذا السفر في العبرية "شوفطيم" جمع "شوفط"‪ ،‬أي (قاض)؛ وان كانت كممة "قاض" ال تعبر‬
‫دقيقا عن األصل العبري‪ ،‬المأخوذ في الغالب عن الكنعانية (عا ‪ ،)3 :2‬والتي تعني "قائد" أو‬‫تعبير ً‬
‫ًا‬
‫(رئيس)‪ .‬فإن القضاة المذكورين في ىذا السفر ليسوا قضاة بالمفيوم العام لنا‪ ،‬فمم يكن عمميم القضاء‬
‫واصدار أحكام حسب شريعة مكتوبة أو تقميد شفوي‪ .1‬بمعنى آخر لم تكن رسالتيم تحقيق العدل‬
‫بتطبيق القانون‪ ،‬وانما رد البر واعادتو في حياة الجماعة‪ ،‬والدفاع عن حقوق ىذه الجماعة وتخميصيا‬
‫من الضيق الذي تسقط فيو‪.2‬‬
‫ىؤالء القضاة الذين ظيروا في الفترة ما بين موت يشوع وبدء عصر المموك (شاول)‪ ،‬كانوا ذوي‬
‫إلييا‪ .‬بمعنى أن اهلل ىو الممك الحق لمشعب‪ ،‬يعمل خالل‬
‫سمطة لكن ليس كالمموك‪ .‬فكان الحاكم ً‬
‫رئيس الكينة كمبمغ لممقاصد اإلليية‪ .‬وكان كل سبط يدبر أموره الخاصة بو بواسطة رئيس السبط‪ ،‬أما‬
‫معا كمحاربة األعداء‬
‫األمور الكبرى التي تمس الجماعة عمى مستوى جميع األسباط أو بعضيا ً‬
‫والتخمص من نيرىم فيرجع إلى القاضي الذي ليس لو أن يسن الشرائع وال أن يضع أثقاالً عمى الشعب‬
‫وانما يحكم ويؤدب خاصة المنحرفين إلى العبادة الوثنية ويقود المعارك ضد األمم‪.‬‬
‫أحيانا الشعب يختارىم؛ وكان غالبيتو ال يحمل السمطة عمى‬
‫كان اهلل ىو الذي يقيم القاضي‪ ،‬و ً‬
‫مستوى االثني عشر سبطًا بل عمى مستوى محمي‪.‬‬
‫غالبا ما كان ينظر لمقاضي كمخمص‪ ،‬ينقذ الشعب من سطوة الوثنيين خالل التوبة والرجوع إلى‬
‫ً‬
‫اهلل مع الجياد‪.‬‬

‫كاتب السفر‬
‫كاتب ىذا السفر عمى ما يظن ىو صموئيل النبي كما جاء في التقميد الييودي‪ 3‬وقبمو كثير من‬
‫آباء الكنيسة‪ .‬وقد أكد ىذا شيادة السفر الداخمية‪ ،‬إذ يظير أنو كتب بعد تأسيس النظام المموكي (‪:19‬‬
‫‪1‬؛ ‪ ،)15 :21‬وقبل سبي أورشميم (‪ ،)21 :1‬وضميا إلى مدن الييود في زمن داود الممك (‪ 2‬صم‬

‫‪1‬‬
‫‪Jerome Biblical Commentary, P 149.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪John L. Mckenzie: Deict. of the Bible, P 465.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪J. Raven: O.T. Introduction, P 159.‬‬
‫‪6‬‬
‫قضاة ‪ -‬المقدمة‬
‫‪1‬‬
‫‪ )8-6 :5‬وبذلك يكون قد كتب في أيام شاول الممك أو بداية عيد داود الممك ‪ ،‬وكان نبي ذلك الزمان‬
‫ىو صموئيل‪.‬‬
‫ذىب البعض إلى أن كاتب السفر ىو حزقيا‪ ،‬ونادى فريق آخر أن عز ار قد جمعو مما كتبو القضاة‬
‫كل في زمان قضائو‪ .‬ويعتمد ىذا الفريق عمى العبارة "إلى سبي األرض" (‪ )3 :18‬حاسبين أن السفر‬
‫كتب بعد السبي البابمي‪ ،‬لكن يظير مما جاء في (مز ‪61 ،6 :78‬؛ ‪ 1‬صم ‪ )11 :4‬إن السبي ىنا‬
‫خاليا من األلفاظ الكمدانية مما يؤكد‬
‫يعني ما حدث حين أخذ الفمسطينيون التابوت‪ .‬ىذا وقد جاء السفر ً‬
‫كتابتو قبل السبي البابمي‪.‬‬

‫وحدة السفر‬
‫حاول بعض النقاد تمزيق وحدة السفر إلى ثالث وحدات بكون كاتب صمب السفر (ص ‪)16-3‬‬
‫غير كاتب المقدمة (ص ‪ )2 ،1‬وغير كاتب الممحق لو (ص ‪ ،)21-17‬إذ يرون أن كاتب الممحق‬
‫جدا‪ .‬وقد أكد ريتشارد فرنش ‪ Richard Valpy French‬وحدة السفر خالل‬
‫في عصر متأخر ً‬
‫دراستو لو من الناحية المغوية إذ وجد كممات عبرية كثيرة مشتركة بين صمب السفر والممحق‪ ،‬وبين‬
‫مقدمة السفر والممحق‪ ،‬وبين المقدمة وصمب السفر‪.2‬‬

‫غاية السفر‬
‫يمكننا القول بأن الفترة التي عاصرىا القضاة ىي فترة إرتداد فييا انشغل الشعب عن متابعة الجياد‬
‫المتالك أرض الموعد وانيمكوا في العبادة الوثنية ومشاركة األمم رجاساتيم‪ .‬لكنو وجدت قمة من‬
‫المؤمنين عبدوا اهلل‪ ،‬كما يشيد بذلك وجود خيمة االجتماع في شيموه (‪ ،)31 :18‬واالحتفال بالعيد‬
‫السنوي (‪ )19 :21‬ووجود رئيس الكينة واالىتمام بتابوت العيد (‪ ،)28-27 :2٢‬وتقديم ذبائح هلل‬
‫(‪26-2٢ ،23 ،16-15 :13‬؛ ‪ ،)4 :21‬وممارسة الختان (‪3 :14‬؛ ‪ ،)18 :15‬وتقديم نذور لمرب‬
‫(‪3٢ :11‬؛ ‪.)5 :13‬‬
‫جاء ىذا السفر ال ليعرض تاريخ ىذه الحقبة وانما ليعالج مشكمة االرتداد‪ ،‬كيف يفقد الجماعة‬
‫المقدسة قدسيتيا ووحدتيا‪ ،‬ويحطميا أمام العدو ويذليا‪ .‬ىذا كمو ثمرة االرتداد وبسماح إليي حتى ترجع‬
‫وخالصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عونا‬
‫الجماعة إلى الرب بتوبة جماعية مشتركة وتنفتح قموب الكل هلل فيرسل ً‬

‫‪1‬‬
‫‪Richard V. French: Lex Mosaica, P 191.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid 198 – 199: J. Raven: O.T. Introduction, P 158.‬‬
‫‪7‬‬
‫قضاة ‪ -‬المقدمة‬

‫محتوياته‬
‫يعالج ىذا السفر فترة ما بين قرنين وثالثة قرون أعقبت دخول شعب اسرائيل كنعان عمى يدي‬
‫يشوع‪ ،‬تبدأ بموت يشوع وتنتيي بموت شمشون أو قبيل بداية صموئيل النبي وانطالق عيد المموك‬
‫عمى يديو (شاول ثم داود)‪.‬‬
‫جد ا تحديد مدة ىذه الفترة من خالل السفر نفسو‪ ،‬ألنو لو جمعنا الفترات التي حكم فييا‬
‫يصعب ً‬
‫عاما‪ ،‬غير الفترة‬
‫القضاء مع فترات الضيق أو العبودية لألمم حيث لم يكن يوجد قضاة لوجدناىا ‪ً 41٢‬‬
‫الحقيقية التي ال تصل إلى ىذا الرقم‪ ،‬ألن خالفة القضاة لم تكن متتالية بل عاصر بعضيم اآلخر‪ ،‬إذ‬
‫كان نفوذ البعض عمى مستوى محمي وليس عمى مستوى الشعب كمو‪ .1‬ىذا وقد تأخر البعض عن‬
‫البعض اآلخر فمم يكن القضاة يمثمون حمقة متصمة كالمموك‪.‬‬
‫وفيما يمي جدول عام لمتواريخ الخاصة بالقضاة (مع مراعاة تداخل الفترات فيما بينيا)‪.‬‬

‫السنوات‬ ‫الشاىد‬
‫‪8‬‬ ‫العبودية لكوشان رشعتايم‬ ‫‪8 :3‬‬
‫‪4٢‬‬ ‫فترة قضاء عثنيئيل‬ ‫‪11 :3‬‬
‫‪18‬‬ ‫العبودية لعجمون‬ ‫‪14 :3‬‬
‫‪8٢‬‬ ‫سالم في أيام إىود وشمجر‬ ‫‪3٢ :3‬‬
‫‪2٢‬‬ ‫مضايقة يابين ليم‬ ‫‪3 :4‬‬
‫‪4٢‬‬ ‫فترة قضاء دبورة وباراق‬ ‫‪31 :5‬‬
‫‪7‬‬ ‫االستعباد لمديان‬ ‫‪1 :6‬‬
‫‪4٢‬‬ ‫فترة قضاء جدعون‬ ‫‪28 :8‬‬
‫‪3‬‬ ‫قاضيا)‬
‫ً‬ ‫حكم أبيمالك (ليس‬ ‫‪22 :9‬‬
‫‪23‬‬ ‫فترة قضاء تولع‬ ‫‪2 :1٢‬‬
‫‪22‬‬ ‫فترة قضاء يائير‬ ‫‪3 :1٢‬‬
‫‪18‬‬ ‫مضايقة العمونيين ليم‬ ‫‪8 :1٢‬‬
‫‪6‬‬ ‫فترة قضاء يفتاح‬ ‫‪7 :12‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Jerome Biblical Commentary, P 150.‬‬
‫‪8‬‬
‫قضاة ‪ -‬المقدمة‬

‫‪7‬‬ ‫فترة قضاء إبصان‬ ‫‪9 :12‬‬


‫‪1٢‬‬ ‫فترة قضاء إيمون‬ ‫‪11 :12‬‬
‫‪8‬‬ ‫فترة قضاء عبدون‬ ‫‪14 :12‬‬
‫‪4٢‬‬ ‫االستعباد لمفمسطينيين‬ ‫‪1 :13‬‬
‫‪2٢ :15‬‬
‫‪2٢‬‬ ‫فترة قضاء شمشون‬
‫‪31 :16‬‬
‫‪41٢‬‬

‫قاضيا في ىذا السفر‪ ،‬حتى دعي بسفر االثني‬‫ً‬ ‫قاضيا منيم اثنا عشر‬
‫ً‬ ‫ورد في الكتاب المقدس ‪14‬‬
‫احدا‪ ،‬إذ‬
‫قاضيا و ً‬
‫ً‬ ‫قاضيا‪ ،‬واعتباره دبورة وباراق يمثالن‬
‫ً‬ ‫قاضيا ىذا باعتبار أبيمالك (ص ‪ )9‬ليس‬
‫ً‬ ‫عشر‬
‫يرى القديسان أمبروسيوس‪ 1‬وجيروم‪ 2‬أن دبورة كانت قاضية‪ ،‬ويرى األول أن باراق كان ا ًبنا لدبورة‬
‫قاضيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫األرممة والقاضية‪ ،‬وكان مجرد قائد حرب وليس‬

‫المسيح في سفر القضاة‬


‫إن كان سفر القضاة يمثل أحد العصور المظم مة لشعب بني إسرائيل بسبب تياونيم في التمتع‬
‫بكمال مواعيد اهلل وانحرافيم نحو العبادة الوثنية بعد استقرارىم في أرض الموعد‪ ،‬فإن اهلل لم يترك شعبو‬
‫قاضيا يدفعيم إلى حياة التوبة ويخمصيم من العدو الذي أسمميم لو اهلل‬
‫ً‬ ‫مخمصا أو‬
‫ً‬ ‫بل كان يرسل ليم‬
‫لمتأديب‪ ،‬بل بالحري سممتيم لو خطاياىم ليذوقوا ثمرتيا المرة‪ .‬وقد جاءت شخصيات ىؤالء القضاة‬
‫تكشف بعض جوانب المخمص الحقيقي يسوع المسيح‪ ،‬كما جاءت األحداث التي ارتبطت بيم تعمن‬
‫الكثير عن خدمة العيد الجديد التي تمس حياتنا الروحية‪.‬‬
‫معتمدا عمى فكر‬
‫ً‬ ‫ىذا ىو المنيج الذي أود أن أتبعو في تفسير ىذا السفر‪ ،‬في شيء من البساطة‪،‬‬
‫بعض آباء الكنيسة األولى وفي نظرتيم ألحداث وأشخاص ىذا السفر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Conc. Widows, Ch 8.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ep. ad Furiam 17.‬‬
‫‪9‬‬
‫قضاة ‪ -‬المقدمة‬

‫سفر القضاة وروح القوة‬


‫إن كان سفر القضاة يعمن عن شخص السيد المسيح خالل حياة القضاة وتصرفاتيم‪ ،‬فإنو إذ ىو‬
‫سفر الغمبة ضد العدو خالل ىؤالء القضاة يكشف عن "الروح القدس" كروح القوة الذي بو ننتصر في‬
‫جيادنا الروحي‪ .‬وما فعمو القضاة من أعمال مجيدة فائقة كانت بروح الرب وليس بعمل بشري‪ ،‬تقدم لنا‬
‫إمكانية في حياتنا الروحية وجيادنا ضد إبميس وأعمالو الشريرة ال بقوتنا الذاتية وانما بعمل الروح فينا‪.‬‬
‫في حديث القديس كيرلس األورشميمي عن الروح القدس يقول‪[ :‬تظير قدرة ىذا الروح في سفر‬
‫القضاة‪ ،‬فبو حكم عثنيئيل (‪ ،)1٢ :3‬وبو اعتزت قوة جدعون (‪ ،)34 :6‬وانتصر يفتاح (‪،)29 :11‬‬
‫وأقامت دبورة كامرأة حرًبا‪ ،‬وقام شمشون في فترة سموكو بالبر بأعمال تفوق القدرة اإلنسانية‪.]1‬‬

‫أقسامه‬
‫يحوي ىذا السفر مقدمتين‪ ،‬في األولى (ص ‪ )1‬يقدم لنا إمكانية اإلنسان أو الجماعة في أرض‬
‫ممخصا لالىوت ىذا‬
‫ً‬ ‫الموعد (الحياة الجديدة) أن يغمب ويممك بال انقطاع‪ ،‬وفي الثانية (ص ‪ )2‬يقدم‬
‫السفر كمو في إيجاز‪ .2‬كما يضم السفر ممحقين ىما عبارة عن حادثتين تمتا في عصر القضاة تكشفان‬
‫عن مدى ما وصل إليو الشعب من انحطاط أخالقي وفساد (ص ‪.)21 :17‬‬

‫ص ‪.2–1‬‬ ‫‪ .1‬حال الشعب بعد يشوع (مقدمة السفر)‬


‫ص ‪.13–٦‬‬ ‫‪ .2‬عصر القضاة‬
‫ص ‪.21–1١‬‬ ‫‪ .3‬حادثتان أثناء عصر القضاة‬

‫‪1‬‬
‫‪Cat. hect. 16:28‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Mckenzie, P 464.‬‬
‫‪1٢‬‬
‫الباب األول‬

‫حال الشعب بعد يشوع‬

‫(مقدمة السفر)‬

‫ص ‪.١‬‬ ‫‪ ‬االستيالء عمى بقية كنعان‬


‫ص ‪.٢‬‬ ‫‪ ‬مقدمة في الىوتيات السفر‬
‫قضاة – األصحاح األول‬

‫يُعتبر األصحاحان األوالن مقدمة لسفر القضاة تكشف عن غاية السفر والىوتياتو‪ .‬فإن كان السفر‬
‫يكشف عن فترة ارتداد عاشتيا الغالبية العظمى من الجماعة في وسط أرض الموعد‪ ،‬ففي األصحاح‬
‫األول أبرز الروح القدس إمكانية اإلنسان في أرض الموعد أن يغمب أدوني بازق (إبميس) ويقتمع‬
‫الكنعانيين (أعمالو الشريرة)‪ ،‬وكأن ما وصل إليو اإلنسان من ارتداد حدث ببل عذر‪ ،‬إنما بسبب تياونو‬
‫مع الخطية بالرغم من اإلمكانيات الجديدة المقدمة لو لينعم بمواعيد اهلل الصادقة‪.‬‬
‫وجاء األصحاح الثاني يعرض لنا المفيوم البلىوتي لمسفر كمو‪ ،‬ا‬
‫أال وىو أن "االرتداد" (أو االنحراف‬
‫عن اهلل) وكسر وصيتو ىما السبب في الضيق أو الم اررة التي حمت باإلنسان‪ .‬فإن كان السفر يعمن‬
‫عما حل بالشعب من سمسمة من المتاعب والمضايقات التي حمت بيم بواسطة األمم‪ ،‬إنما ىي صورة‬
‫الحي‪ .‬في ىذا األصحاح نرى مبلك‬
‫ّ‬ ‫مبسطة لممذلة التي ىوى إلييا اإلنسان بإرادتو خبلل بعده عن اهلل‬
‫الرب وقد صعد من الجمجال حيث ذكرى "دحرجة عار مصر (العبودية) عنيم"‪ ،‬إذ "جمجال" تعني‬
‫(دحرجة) (يش ‪ ،)9 :5‬منطم ًقا إلى "بوكيم" التي تعني "البكاء"‪ ...‬وكأنو أراد أن يدخل بيم إلى الدموع‬
‫حتى في أرض الموعد ماداموا قد سقطوا في الشر‪ .‬وباختصار نجد أن ىذا السفر ىو سمسمة ال تنقطع‬
‫معمنا في ىذا‬
‫من االنحراف‪ ،‬فالمذلة‪ ،‬فالصراخ‪ ،‬فالتوبة ثم الخبلص! ىذا ىو الخط الرئيسي لمسفر كمو ً‬
‫األصحاح‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫قضاة – األصحاح األول‬

‫األصحاح األول‬

‫االستيالء عمى بقية كنعان‬


‫إن كان السفر السابق يعمن ميراثنا أرض الموعد بيشوع الحقيقي‪ ،‬فإن سفر القضاة يكشف عن‬
‫االلتزام بدوام الجياد مادمنا في الجسد حتى نستولي عمى كنعان كميا‪ ،‬أي ننعم بكمال الوعد‪ .‬ففي ىذا‬
‫األصحاح نرى غمبة اإلنسان عمى أدوني بازق رمز الشيطان‪ ،‬ليفقد األخير سمطانو وينسحق تحت‬
‫قدمي المؤمن‪ ،‬الذي يممك عمى أورشميم السماوية عوض إبميس الساقط منيا‪.‬‬

‫‪.٧–١‬‬ ‫‪ .١‬سقوط أدوني بازق‬


‫‪.٢١–٨‬‬ ‫‪ .٢‬امتالك أورشميم ومدن أخرى‬
‫‪.٢٦–٢٢‬‬ ‫‪ .٣‬امتالك بيت إيل‬
‫‪.٣٥–٢٧‬‬ ‫‪ .٤‬التياون مع الكنعانيين‬

‫‪ .١‬سقوط أدوني بازق‬


‫"وكان بعد موت يشوع أن بني إسرائيل سألوا الرب قائمين‪ :‬من منا يصعد إلى الكنعانيين أوالً‬
‫لمحاربتيم؟ فقال الرب‪ :‬ييوذا يصعد قد دفعت األرض ليده؛ فقال ييوذا لشمعون أخيو‪ :‬إصعد معي‬
‫أيضا في قرعتك‪ ،‬فذىب شمعون معو" [‪.]٣–١‬‬
‫في قرعتي‪ ...‬فأصعد أنا ً‬
‫إذ مات يشوع بعد أن عبر بيم األردن ودخل بيم إلى أرض كنعان التزم بنو إسرائيل أن يحاربو‬
‫الكنعانيين لكي يرثوا األرض بعد طرد الوثنيين‪ .‬لقد مات "يسوع" رب المجد عمى الصميب بعد أن عبر‬
‫بنا مياه المعمودية وصارت لنا إمكانية إليية لكي نجاىد في أرض الموعد‪ ،‬أي خبلل الحياة الجديدة‬
‫التي لنا في المسيح يسوع‪ .‬لكي نطرد الكنعانيين أي أعمال إبميس ونرث في الرب‪ ،‬بمعنى آخر أن‬
‫موت ربنا يسوع وعبورنا مياة المعمودية ليس نياية الطريق بل ىو بدايتو‪ ،‬لكي نجاىد قانونيا بالروح‬
‫القدس لكي نغمب ونرث‪ ،‬ال إلى حين‪ ،‬وانما ننطمق من جياد روحي إلى جياد آخر‪ ،‬ومن نصرة إلى‬
‫نصرة‪ ،‬وننعم باالنطبلق من مجد إلى مجد خبلل جيادنا الروحي‪ .‬وكما يقول القديس غريغوريوس‬
‫صغير أُعطي لو مكان بين المصارعين لكنو لم يبرىن‬
‫ًا‬ ‫جنديا‬
‫النيصي‪[ :‬من يتقبل حميم التجديد يشبو ً‬
‫بعد عمى استحقاقو لمجندية‪.]2‬‬

‫‪1‬‬
‫‪PG 46:929 C.‬‬
‫‪21‬‬
‫قضاة – األصحاح األول‬

‫إذ سأل بنو إسرائيل الرب عمن يصعد أوالً لمحاربة الكنعانيين‪ ،‬جاءت اإلجابة "ييوذا" وقد طمب‬
‫ييوذا من أخيو شمعون أن يصعد معو في قرعتو ليحارب‪ .‬من ىو ييوذا الذي يبدأ بالحرب الروحية‬
‫سوى ربنا يسوع المسيح "الخارج من سبط ييوذا"‪ ،‬ىذا الذي يقود بنفسو الموكب ليغمب وينتصر‬
‫غالبا ولكي يغمب" (رؤ ‪ .)1 :٦‬فإن كان‬
‫لحسابنا‪ ،‬ىذا الذي رآه القديس يوحنا البلىوتي‪" :‬خرج ً‬
‫"شمعون" تعني (المستمع)‪ 2‬ويشير إلى المؤمن الذي يصغي لسيده ويسمع صوتو في طاعة‪ ،‬فإن‬
‫ييوذا أي ربنا يسوع في صراعو ضد العدو إبميس يطمب من شمعون أي من المؤمن المستمع لوصيتو‬
‫أن يشاركو الحرب الروحية‪ .‬إذن فالمحارب ىو السيد المسيح الذي يدعونا أن نختفي فيو لكي بو‬
‫نجاىد‪ ،‬وبو ننتصر ونكمل! وكما يقول القديس أغسطينوس‪[ :‬يسوع قائدنا سمح لنفسو بالتجربة حتى‬
‫يعمم أوالده كيف يحاربون‪.]1‬‬
‫إن كان "ييوذا" يعني "اعتراف" أو "إيمان"‪ ،‬فإن ربنا يسوع المسيح يطالبنا في محاربتنا لمكنعانيين‬
‫الوثنيين أي لمخطايا التي ممكت في القمب أن ننطمق لمجياد خبلل اإليمان أو االعتراف باإليمان‬
‫"ييوذا"‪ ،‬لكن ليس بدون "شمعون" أخيو‪ ،‬أي ليس بدون العمل أو االستماع لموصية‪ .‬كأن انطبلق‬
‫الحي غير‬
‫ّ‬ ‫ييوذا مع شمعون لممعركة األولى ضد الكنعانيين إنما يعمن الجياد الروحي خبلل اإليمان‬
‫المنفصل عن العمل‪ ،‬فإنيما أخوان متبلزمان‪ .‬بمعنى آخر ال انفصال بين نعمة اهلل المجانية والجياد‬
‫العممي‪ ،‬وكما يقول القديس يوحنا الذىبي الفم‪[ :‬يطمب اهلل منا حجة صغيرة لكي يقوم ىو بكل‬
‫‪1‬‬
‫دائما مستعدة! إنيا تطمب الذين يقبمونيا بكل ترحيب‪ .‬ىكذا إذ يرى سيدنا‬
‫العمل ]‪ .‬كما يقول‪[ :‬النعمة ً‬
‫حبا‪ ،‬يسكب عمييا غناه بفيض وغ ازرة تفوق كل طمبتو‪.]1‬‬
‫نفسا ساىرة وممتيبة ً‬
‫ً‬
‫انطمق ييوذا وفي صحبتو شمعون ليحاربا أدوني بازق‪ ،‬ىذا الذي سبق فأذل سبعين مم ًكا بقطع‬
‫أسير وتُقطع‬
‫أباىم أيدييم وأرجميم وكانوا يمتقطون الفتات الساقط من مائدتو كالحيوانات‪ ،‬فإذا بو يسقط ًا‬
‫َ‬
‫أباىم يديو ورجميو ويبقى تحت المائدة ذليبلً‪ ...‬وكما قال‪" :‬كما فعمت كذلك جازاني اهلل" [‪.]٧‬‬
‫ُ‬
‫‪٦‬‬ ‫‪5‬‬
‫كممة "أدوني" تعني "سيد" أو "مالك" أو "رب" ‪ ،‬وكممة "بازق" تعني "مبرق" ‪ .‬والكممتان تمثبلن‬
‫سيدا ورًبا ومال ًكا عمى حياة اإلنسان الخاضع لمشورتو‪،‬‬
‫"أدونيا" أي ً‬
‫ً‬ ‫سمتي إبميس‪ ،‬فقد أقام نفسو‬

‫‪2‬‬
‫لممؤلف‪ :‬سفر العدد سنة ‪ ،29٩2‬ص ‪.25‬‬
‫‪1‬‬
‫لممؤلف‪ :‬اإلنجيل بحسب متى سنة ‪ ،29٩1‬ص ‪.٩9‬‬
‫‪3‬‬
‫‪In Rom. PG 60:499.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪In Gen. PG 53:76, 77.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪James Strong: Dict. of The Words in the Hebrew Bible, article 113.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Ibid, article 966.‬‬
‫‪21‬‬
‫قضاة – األصحاح األول‬

‫و"مبرقًا" بخداعاتو الكاذبة‪ .‬وقد أعمن الكتاب المقدس ىاتين السمتين‪ ،‬فقيل عنو‪" :‬رئيس ىذا العالم قد‬
‫دين" (يو ‪" ،)22 :2٦‬ألن الشيطان نفسو يغير شكمو إلى شبو مبلك نور" (‪ 1‬كو ‪ .)21 :22‬إذن‬
‫ئيسا عمى محبي العالم‪ ،‬مبرًقا عمييم بنور مخادع‬
‫أدوني بازق يشير إلى الشيطان الذي أقام نفسو ر ً‬
‫عمى شبو مبلك ليقتنصيم وبالفعل أذل البشرية التي كانت تمثل سبعين مم ًكا‪ ،‬فقد قطع أباىم أيدييم‬
‫وأرجميم‪ ،‬لكن جاء ييوذا ليقطع بالصميب أباىم يدي إبميس ورجميو ويحني عنقو بالمذلة تحت قدمي‬
‫طا مثل البرق من السماء (لو ‪ )2٩ :2١‬عندئذ قال‬
‫اإلنسان‪ .‬فقد رأى السيد المسيح الشيطان ساق ً‬
‫سمطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو وال يضركم شيء‪ ،‬ولكن ال‬
‫ً‬ ‫لرسمو‪" :‬ىا أنا أعطيكم‬
‫تفرحوا بيذا أن األرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السموات" (لو ‪-29 :2١‬‬
‫مدوسا تحت أقدامنا ال يقدر‬
‫ً‬ ‫‪ .)1١‬ىذا ىو أدوني بازق الذي سقط من قموبنا كما من السماء وصار‬
‫أن يضرنا في شيء‪.‬‬
‫واآلن ماذا ُيعنى بقطع أباىم األيدي واألرجل؟‬
‫يرى كثير من اآلباء أن "إصبع اهلل" يرمز لمروح القدس‪ ،‬فإذ قيل "لوحي حجر مكتوب بإصبع اهلل"‬
‫(خر ‪ )2٩ :12‬إنما يشير إلى كممة اهلل التي تنقش فينا بالروح القدس‪ .‬فإن كان األصبع يشير إلى‬
‫الروح فقطع أدوني بازق أباىم أيدي وأرجل المموك السبعين إنما يعني نزعو روحيم وافقاد البشرية التي‬
‫تماما لحساب‬
‫كان يجب أن تممك في الرب كل قوتيا وحياتيا؛ قطع أباىم اليد يشير إلى توقف العمل ً‬
‫مممكة اهلل وقطع أباىم األرجل يشير إلى توقف الحركة أو االنطبلق في الطريق المموكي‪ .‬ىكذا أذل‬
‫الشيطان البشرية ونزع عنيا عمميا المموكي وحركتيا السماوية‪ ،‬وجعميا أسيرة قصره تأكل من الفتات‬
‫الساقط من مائدتو في التراب‪ ،‬تسمك كحيوانات ببل كرامة وال سمطان روحي! لكن اهلل لم يترك أدوني‬
‫ظافر بيم فيو"‬
‫جيار ًا‬
‫ًا‬ ‫أبديا‪ ،‬وانما عمى الصميب "إذ جرد الرياسات والسبلطين أشيرىم‬
‫بازق يذل خميقتو ً‬
‫(كو ‪ .)25 :1‬وكأنو قطع أباىم يديو ورجميو وجعمو تحت قدمي المؤمنين ببل سمطان!‬
‫فاقدا القدرة‬
‫صار موضع إبميس الجديد ليس في القمب كي يممك وانما تحت المائدة ُيداس باألقدام‪ً ،‬‬
‫عمى العمل أو الحركة‪.‬‬
‫نال إبميس جزاء عممو‪ ،‬وارتد فعمو إليو كما قيل ألىل أدوم‪" :‬عممك يرتد عمى رأسك" (عو ‪.)25‬‬
‫ىذا القانون يخضع لو الجميع‪ ،‬كقول الرب نفسو‪" :‬بالكيل الذي بو تكيمون ُيكال لكم" (مت ‪.)1 :٩‬‬
‫أخير يقول الكتاب‪" :‬وأتوا بو إلى أورشميم فمات ىناك" [‪ .]٧‬فإن كانت "أورشميم" تعني "رؤية‬
‫ًا‬
‫السبلم"‪ ،‬فبل يمكن أن يحل السبلم في القمب وال أن تعاينو النفس ما لم يمت أوالً أدوني بازق‪ ،‬أي‬

‫‪25‬‬
‫قضاة – األصحاح األول‬

‫يضع نياية لعدو الخير إبميس‪ .‬يموت إبميس فتحيا النفس في سبلم مع خالقيا مع إخوتيا وبقية الخميقة‬
‫بل وحتى مع نفسيا‪ ،‬إذ تمتمئ بالسبلم الروحي الداخمي‪.‬‬
‫أورشميم التي ىي رمز لسبلم النفس مع اهلل وتمتعيا بالحياة‪ ،‬ىي بعينيا موت إلبميس وىبلك‬
‫لمخطية‪.‬‬
‫لقد أتوا بالعدو من بازق إلى أورشميم‪ ،‬أي من "المبرق" أو من خداعاتو التي تجعمو يبرق كمبلك‬
‫من نور ليموت في المدينة التي يحل الرب فييا بسبلمو‪.‬‬
‫بل شرقي‬
‫ىذا وان "بازق" ىي "خربة بزقة"‪ ،‬وىي مدينة في وسط فمسطين‪ ،‬تبعد حوالي ‪ 21‬مي ً‬
‫شكيم‪.2‬‬

‫‪ .٢‬امتالك أورشميم ومدن أخرى‬


‫تفصيميا عن محاربة ييوذا لئلستيبلء عمى‬
‫ً‬ ‫بيانا‬
‫إذ قيل‪" :‬أتوا بأدوني بازق إلى أورشميم" [‪ ]٩‬قدم ً‬
‫أورشميم وقرية أربع (حبرون) وقرية دبير‪ ...‬األمر الذي سبق لنا الحديث عنو في مفيومو الروحي‬
‫بشيء من التفصيل‪ ،‬عند دراستنا لسفر يشوع (األصحاح الخامس عشر)‪ ...‬لذا أرجو الرجوع إليو‪،‬‬
‫مكتفيا ىنا ببعض اإليضاحات اإلضافية‪.‬‬
‫ً‬
‫من جية أورشميم فقد حاربوا أىميا واستولوا عمييا‪ ،‬ودخموا بأدوني بازق فييا كأسير يموت ىناك‪.‬‬
‫غير أن اإلستيبلء الكامل أو الدائم ليذه المدينة لم يتحقق إالا في عيد داود النبي الممك (‪ 1‬صم ‪:5‬‬
‫‪ .)٩-٦‬إذ يُقال أن اليبوسيين‪ ،‬سكان أورشميم (يبوس) األصميين رجعوا إلى حصنيم جبل صييون‬
‫ونزعوا المدينة عن ييوذا حتى إستولى إسرائيل عمييا من جديد في أيام داود‪ .‬ويرى البعض أن ييوذا‬
‫أخذ المدينة ولم يأخذ الحصن الذي بقى في يد اليبوسيين حتى أيام داود الممك‪.‬‬
‫" وحارب بنو ييوذا أورشميم وأخذوىا وضربوىا بحد السيف وأشعموا المدينة بالنار" [‪ .]٨‬جاء في‬
‫العبرية "ضربوىا بفم السيف" كناية عن شدة الحرب إذ كان السيف يمتيميم كفم يبتمع الفريسة فبل‬
‫تماما وانما حرق جزء منيا‪ ،‬كالقول بأن الثوب احترق‪،‬‬
‫توجد‪ .‬أما إشعال المدينة بالنار فبل يعني حرقيا ً‬
‫بالرغم من أن الجزء المحترق صغير‪ .‬والدليل عمى ذلك أن المدينة بقيت يسكنيا اليبوسيين مع ييوذا‬
‫وبني بنيامين (ع ‪12‬؛ يش ‪.)٦1 :25‬‬

‫‪1‬‬
‫‪New westminster Dict. of the Bible, P 114.‬‬
‫‪2٦‬‬
‫قضاة – األصحاح األول‬
‫‪2‬‬
‫إن كانت [أورشميم األرضية ىذه إنما ىي ظل أورشميم السماوية ] كما يقول القديس أغسطينوس‪،‬‬
‫ضرب اليبوسيين (الُ ُمداسون باألقدام) بفم السيف‪ ،‬أي ُحطم في القمب كل‬
‫سكنا لييوذا إن ُ‬
‫فإنيا تصير م ً‬
‫ما يستحق أن ُيداس بالقدمين‪ ،‬وأن أُشعمت المدينة بنار الروح القدس الذي ينزع عنيا البرود الروحي‬
‫ويميبيا بنيران الحب التي ال تنطفئ‪.‬‬
‫إذ تمتع ييوذا بأورشميم الممتيبة بنار الروح القدس ال يتوقف عن الجياد الروحي بل ينزل "لمحاربة‬
‫الكنعانيين سكان الجبل والجنوب والسيل" [‪ .]٩‬ىكذا ينزل من أورشميم المدينة المرتفعة حوالي‬
‫قدما ليحارب "الكنعانيين" التي تعني "اليياج"‪ ،‬فبل يستطيع من يممك أورشميم أن تكون لو "رؤية‬
‫‪ً 1591‬‬
‫سبل م" أو أن يحتمل اليياج الداخمي لمقمب خبلل الخطية بل يحاربو حتى يكون لو السبلم الفائق في‬
‫المسيح يسوع‪ .‬أما المناطق التي يحاربيا فيي‪:‬‬

‫أوالً ‪ :‬سكان الجبل‪ ،‬وقد دعيت ىكذا ألن األرض جبمية‪ ،‬تقع جنوبي أورشميم وتضم بيت لحم‬
‫وحبرون‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الجنوب‪ ،‬تترجم عن العبرية ىكذا "الجنوب"‪ ،‬لكنيا تعرف بالنجب‪ .‬كممة نجب في العربية‬
‫تعني لحاء الشجر بعد جفافو‪ ،‬أو قشرة ساقو الجافة‪ .‬وقد دعيت المنطقة بالنجب بسبب إتساميا‬
‫بل جنوب حبرون حتى تصل إلى التية أو القفر‪ ،‬يحدىا شرًقا بحر لوط‬
‫بالجفاف والقحط‪ ،‬تمتد ‪ ٩١‬مي ً‬
‫وغرًبا سواحل البحر‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬السيل وتترجم "ىشفمة"‪ ،‬عبارة عن منطقة منخفضة تحت سفح التبلل تمتد بين الساحل‬
‫المنبسط وسمسمة جبال ييوذا‪ ،‬وتتميز بخصوبة أرضيا وكثرة أشجارىا ونباتاتيا عمى عكس منطقة‬
‫النجب في عصر القضاة كان الفمسطينيون يشغمون الساحل المنبسط وبنو إسرائيل يشغمون جبال‬
‫ييوذا‪ ،‬وكانت المعارك تدور بينيما في السيل (ىشفمة)‪.‬‬
‫لقد حارب بنو ييوذا الكنعانيين في ىذه الماطق الثبلث‪ :‬الجبل والنجب (الجفاف) والسيل‪ ،‬وكأن‬
‫بني ييوذا الحقيقي – يسوع المسيح – يتعقبون الخطية بالروح القدس لكي يحطموىا منطمقين إلى‬
‫عاليا ببل خوف من سكانو‪ ،‬والى النجب وسط القفار ببل ارتباك‪ ،‬وفي السيل دون إغراء‬ ‫الجبل ً‬
‫لخضرتيا وثمارىا‪ .‬إنيم تجاىدون في كل المواقع‪ :‬الجبال والقفار واألراضي الخصبة‪ ،‬ال يحطميم‬
‫عنف الخطية وقسوتيا وال تجتذبيم إغراءاتيا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪On Ps. 122.‬‬
‫‪2٩‬‬
‫قضاة – األصحاح األول‬

‫طالب كالب بن يفنة حقو في امتبلكيا‪،‬‬


‫َ‬ ‫أما بخصوص قرية أربع أو حبرون [‪ ]١١‬فقد رأينا كيف‬
‫ٍ‬
‫معان رمزية سبق الحديث‬ ‫وقد طرد بني عناق الثبلثة وقتميم‪ ...‬وقد حممت أسماء المدينة وبنو عناق‬
‫عنيا‪.2‬‬
‫اىتم كالب بامتبلك ىذه المدينة بكونيا مدينة حصينة يصعب االستيبلء عمييا‪ ،‬ليذا يبدو أن داود‬
‫جعميا عاصمة لمممكتو قبل استيبلئو عمى أورشميم‪ .‬وكان ليذه المدينة قدسيتيا عند الييود‪ ،‬ودعيت‬
‫تذكار إلبراىيم خميل اهلل الذي ضرب خيامو فييا‪ ،‬وفييا دفن مع سارة امرأتو (تك ‪-٩ :15‬‬
‫ًا‬ ‫بالخميل‬
‫‪ ،)22‬وقد صارت من مدن الممجأ (يش ‪ .)21–22 :12‬أما دعوتيا "قرية األربع"‪ ،‬فيرى بعض معممي‬
‫الييود أنيا دعيت ىكذا ألن فييا ُدفن أربعة آباء‪ :‬آدم وابراىيم واسحق ويعقوب مع زوجاتيم (تك ‪:11‬‬
‫‪29‬؛ ‪9 :15‬؛ ‪ ،)12-1١ :19‬كما سكن فييا أربعة المشاىير‪ :‬إبراىيم وعابر وأشكول وممرا‪ .‬لكن‬
‫الكتاب المقدس ينسب اسميا إلى "أربع الرجل األعظم في العناقيين" (يش ‪ ،)25 :21‬وقد دعي "أربع"‬
‫أبي عناق (يش ‪.)21 :25‬‬
‫بعد االستيبلء عمى حبرون أو قرية أربع وقتل بني عناق انطمق ييوذا إلى دبير أو قرية سفر‪،‬‬
‫حيث أعمن كالب بن يفنة أن من يضربيا يعطيو عكسة ابنتو امرأة‪ ...‬ىذه التي تمتعت بالينابيع العميا‬
‫والينابيع السفمى كيبة من أبييا بعد أن تزوجت بعثنيئيل فاتح قرية سفر أو دبير‪.‬‬
‫"دبير" من أصل عبري يعني "يقرأ"‪ ،‬أما دعوتيا "قرية سفر" أو "كتاب"‪ ،‬أو "قرية َسانة" (يش ‪:25‬‬
‫مركز لمعمم والدين عند الكنعانيين‪.‬‬
‫ًا‬ ‫فيظير انيا كانت‬
‫‪ )19‬أي ما يحويو الكتاب من شريعة أو سنن‪ُ ،‬‬
‫بل جنوب غربي حبرون‪ ،‬لكن اآلن‬
‫ظن كثيرون أن مكانيا اآلن قرية الظيرية التي تبعد حوالي ‪ 21‬مي ً‬
‫يرجح أن مكانيا تل أبيب مرسيم التي تبعد غرًبا نحو ‪ 21‬ميبلً جنوب غربي حبرون وعمى بعد ثبلثة‬
‫أميال شمال غربي شامير‪.1‬‬
‫رأينا أن كممة "عثنيئيل" تعني (استجابة الرب)‪ ،‬فبل يستطيع أحد أن يغتصب قرية الكتاب المقدس‬
‫إالّ من يوىب لو من ِقبل اهلل أو ُيستجاب لطمبتو‪ ،‬عندئذ يتزوج عكسة ابنة كالب أي يمتصق بالحياة‬
‫المقدسة ويتعرف عمى أسرارىا ال كقرية يسكنيا وانما كعروس يتزوج بيا‪ ،‬أما نزول عكسة عن الحمار‬
‫لتطمب من أبييا الينابيع العميا والينابيع السفمى كيبة منو البنتو‪ ،‬إنما ُيشير إلى النفس التي تنزل عن‬

‫‪ 2‬سفر يشوع سنة ‪ ،29٩1‬ص ‪.2٩1 ،2٩1‬‬


‫‪2‬‬
‫‪New westminster Dict. of the Bible, P 219.‬‬
‫‪2٩‬‬
‫قضاة – األصحاح األول‬

‫اىتمامات الجسد الحيواني (الحمار) لتطمب من أبييا السماوي ينابيع المياه الحية‪ ،‬أي ثمار الروح عمى‬
‫مستوى سماوي ٍ‬
‫عال‪ ،‬كما تنعم بالثمر الذي تعيش بو ىنا عمى األرض (الينابيع السفمى)‪.2‬‬
‫يتحدث بعد ذلك عن التصاق بني القيني (وفي الترجمة السبعينية بنو حوباب القيني)‪ ،‬أي أبناء‬
‫إخوة زوجة موسى‪ ،‬ببني ييوذا إذ صعدوا من مدينة النخل أي أريحا التي خربت ولعنت لذا لم يذكر‬
‫ىنا اسميا‪ ،‬وانطمقوا إلى برية ييوذا‪ ،‬إذ كانوا ال يحبون سكنى المدن كسائر أىل البدو (إر ‪-٦ :15‬‬
‫بل جنوبي حبرون) وسكنوا مع شعب ىذا الموضع أي عماليق!‬
‫‪ ،)٩‬في جنوبي عراد (تبعد ‪ 2٩‬مي ً‬
‫وىكذا اختمطت الحنطة بالزوان!‬
‫اشترك السبطان ييوذا وشمعون في ضرب "صفاة" ودعوىا "حرمة"‪ ،‬والتي ىي في الغالب "تل‬
‫تماما وضربوىا بسبب ما‬
‫السبع"‪ .‬كممة "حرمة" تحمل معنيين‪" :‬موضع مقدس‪ ،‬خراب"؛ فقد حطموىا ً‬
‫قاسوه فييا من م اررة في حرب العمالقة (عد ‪.)15 :21‬‬
‫أما المدن "غزة وأشقمون وعقرون" [‪ ،]١٨‬من عواصم الفمسطينيين الخمس‪ ،‬فقد أخذىا‬
‫بل‪ ،‬لذلك جاءت الترجمة السبعينية (لم يأخذىا ييوذا أي لم‬
‫زمانا طوي ً‬
‫الفمسطينيون لكنيم لم يبقوا فييا ً‬
‫يرثيا)‪...‬‬
‫"لم ُيطرد سكان الوادي ألن ليم مركبات من حديد" [‪ ،]١٩‬كان ذلك مع بدء ظيور العصر‬
‫الحديدي‪ ،‬وقد احتكر الفمسطينيون صناعتو حتى ال ينتفع بو اإلسرائيميون (‪ 2‬صم ‪،)11-29 :21‬‬
‫ولكن نصرة داود عمى الفمسطينيين كانت بداية الستخدام الحديد كسمعة عامة في إسرائيل‪.‬‬
‫وسط ىذه االنتصارات المتتالية أعمن الكتاب تياون ىذا الشعب‪" :‬وبنو بنيامين لم يطردوا‬
‫اليبوسيين سكان أورشميم‪ ،‬فسكن اليبوسيون مع بني بنيامين في أورشميم إلى ىذا اليوم" [‪.]٢١‬‬
‫وكما يقول العالمة أوريجينوس ‪[ :‬إذ نسمع في اإلنجيل بأن الحنطة تنمو مع الزوان‪ ،‬بنفس الطريقة‬
‫يوجد في أورشميم أي الكنيسة اليبوسيون الذي يسمكون بحياة رديئة‪ ،‬ىؤالء الفاسدون في إيمانيم كما في‬
‫أعماليم وكل طريقة حياتيم‪ .‬من المستحيل تتنقى الكنيسة بالكمية طالما ىي عمى األرض‪.]1‬‬

‫‪ .٣‬امتالك بيت إيل‬


‫متقدما كل اإلسباط‪ ،‬إذ كانت قرعتو ىي األولى في اليجوم بكونو يمثل‬
‫ً‬ ‫إن كان ييوذا قد جاء‬
‫السيد المسيح نفسو الخارج من سبط ييوذا‪ ،‬فقد جاء بعده في القرعة "بيت يوسف" إي سبطا أفرايم‬

‫‪ 2‬يشوع‪ ،‬ص ‪.2٩1‬‬


‫‪2‬‬
‫‪In Jos. hom 21:1.‬‬
‫‪29‬‬
‫قضاة – األصحاح األول‬

‫ومنسى‪" .‬يوسف" يعني "نمو"‪ ،‬و"أفرايم" يعني "ثمر متكاثر"‪" ،‬منسى" أي "ينسى"‪ ،‬فإن كنا في المرحمة‬
‫معا كأخوين متبلزمين عبلمة إتحاد اإليمان‬
‫األولى قد رأينا ييوذا يطمب من أخيو شمعون أن يخرجا ً‬
‫باالستماع لموصية أي بالعمل‪ ،‬ففي ىذه المرحمة ينطمق يوسف أي النمو الروحي خبلل عمل أفرايم مع‬
‫منسى أي التمتع بثمر الروح مع نسيان محبة العالم‪.‬‬
‫ييوذا اقتنى أورشميم أي رؤية السبلم‪ ،‬وبيت يوسف أخذ مدينة بيت إيل أي بيت اهلل؛ فباإليمان‬
‫(ييوذا) ننعم برؤية السبلم اإلليي الفائق داخمنا‪ ،‬وبالنمو الروحي (يوسف) نصير نحن أنفسنا بيت إيل‬
‫مقدسا هلل‪.‬‬
‫ً‬ ‫مسكنا‬
‫ً‬ ‫أي‬
‫لي ست ىناك مدينة تحدث عنيا الكتاب المقدس بعد أورشميم مثل بيت إيل‪ ،‬التي كانت تُدعى مدينة‬
‫لوز؛ أول ما قدم إبراىيم أرض الموعد نصب خيمتو في األراضي المرتفعة قرب بيت إيل (تك ‪٩ :21‬؛‬
‫‪ ،)1 :21‬ولما ىرب يعقوب من وجو عيسو متجيًا إلى ما بين النيرين بات في مكان قرب مدينة لوز‪،‬‬
‫حيث شاىد السمم السماوي ودعا المدينة بيت إيل (تك ‪29-22 :1٩‬؛ ‪ ،)21 :12‬ولؤلسف عند‬
‫انقسام المممكة أقام يربعام العجمين الذىبيين في بيت أيل (‪ 2‬مل ‪ )11–1٩ :21‬لذلك دعاىا ىوشع‬
‫النبي "بيت آون" أي بيت األصنام (ىو ‪ ،)٩ ،5 :2١‬فعوض تابوت العيد (القضاة ‪ )1٩ :1١‬الذي‬
‫ئيسيا لمعبادة الوثنية في إسرائيل (عا ‪1 :1‬؛ ‪.)5 :5‬‬
‫مركز ر ً‬
‫بارك المدينة وقدسيا صارت ًا‬
‫أيضا إلى بيت إيل‬
‫أما كيف استولى بيت يوسف عمى بيت إيل فيقول الكتاب‪" :‬صعد بيت يوسف ً‬
‫والرب معيم" [‪ .]٢٢‬لقد دخموىا خبلل معية اهلل! ال نستطيع إقتحام بيت إيل أي بيت اهلل إالّ باهلل‬
‫نفسو الذي يحممنا فيو إلى بيتو‪ ،‬ويكشف لنا أس ارره‪ ،‬ويمتعنا بحياتو السماوية‪.‬‬

‫ويروي لنا الكتاب المقدس طريقة الدخول إلى بيت إيل بقولو‪:‬‬
‫أوالً‪" :‬واستكشف بيت يوسف عن بيت إيل" [‪ ،]٢٣‬أي أرسل بيت يوسف مراقبين أو جواسيس‬
‫يستكشفون أمرىا‪ ،‬كما سبق فأرسل يشوع جاسوسين لمعرفة أسرار أريحا (يش ‪ .)2 :1‬إن كان يوسف‬
‫خداما‬
‫ً‬ ‫يمثل السيد المسيح في جوانب كثيرة فإن بيت يوسف يمثل الكنيسة التي ترسل مراقبين أي‬
‫لمكممة يشيدون لمحق ويفتتحون كل قمب لحساب مممكة اهلل‪ ،‬لتجعل منو بيت إيل الحقيقي‪.‬‬
‫إن كانت النفس البشرية ىي بيت يوسف الحقيقي‪ ،‬يميق بيا أالّ تكف عن استخدام كل طاقاتيا‬
‫وامكانياتيا ك مراقبين عمميم تقديس األعماق بالروح القدس‪ ،‬لكي يظير القمب كبيت إيل‪ ،‬متحققًا فيو‬
‫قول السيد المسيح‪" :‬ىا ممكوت اهلل داخمكم" (لو ‪ .)12 :2٩‬وقول الرسول‪" :‬أم لستم تعممون أن‬
‫جسدكم ىو ىيكل لمروح القدس الذي فيكم الذي لكم من اهلل وأنكم لستم ألنفسكم؟!" (‪ 2‬كو ‪.)29 :٦‬‬

‫‪1١‬‬
‫قضاة – األصحاح األول‬

‫ثانيا‪ :‬ينطمق المراقبون إلى مدينة "لوز"‪ ،‬إذ قيل‪" :‬وكان اسم المدينة قبالً لوز" [‪ .]٢٣‬لم يذكر‬
‫ً‬
‫اسم المدينة ببل ىدف‪ ،‬فإن الموز إنما ُيشير إلى كممة اهلل كقول الرب نفسو إلرميا (إر ‪.)21-22 :2‬‬
‫وكما يقول العالمة أوريجينوس‪[ :‬إن الموز يحمل قشرة خارجية تجف وتسقط‪ ،‬ولو غبلف صمب‬
‫حرفيا يكون‬
‫ً‬ ‫يكسر‪ ،‬في داخمو الموز نفسو يؤكل‪ .‬ىكذا يرى أن كممة اهلل أو الكتاب المقدس إذ فُسر‬
‫المر الجاف‪ ،‬واذا توقف عند التفسير السموكي أو األخبلقي يكون كمن اىتم‬ ‫اإلنسان قد أكل الغبلف ّ‬
‫بالغبلف الصمب‪ ،‬أما من يدخل إلى التفسير الروحي العميق فينعم بالموزة نفسيا الشيية والنافعة‪.]2‬‬
‫أرسل بيت يوسف المراقبين ليتعرفوا عمى لوز ويدخموا إلييا فينعموا ببيت إيل‪ ،‬ىكذا ال تستطيع‬
‫النفس أن تصير بيتًا هلل ما لم ترسل المراقبين إلى كممة اهلل (لوز) وتتعرف عمى أسرار الكتاب المقدس‬
‫لتنطمق بالروح القدس المراقب الحقيقي‪ ،‬القادر أن يدخل بيا إلى أعماق مفاىيم أس ارره الروحية‪ .‬لقد‬
‫انطمق داود النبي بالروح إلى لوز حين قال "أبتيج أنا بكبلمك كمن وجد غنيمة وافرة" (مز ‪:229‬‬
‫‪.)2٦1‬‬

‫خارجا من المدينة‪ ،‬فقالوا لو أرنا مدخل المدينة فنعمل معك معروفًا"‬‫ً‬ ‫ثالثًا‪" :‬فرأى المراقبون رجالً‬
‫[‪ .]٢٤‬من ىو ىذا الرجل الذي يعرف مدخل المدينة والذي قاد المراقبين إلييا إالّ جماعة الييود الذين‬
‫أؤتمنوا عمى كممة اهلل وصارت إلييم النبوة‪ ،‬فقد دخموا بالعالم إلى معرفة السيد المسيح وكشفوا لؤلمم‬
‫"بيت إيل" ومداخميا لحقيقية‪ ،‬أما ىم فذىبوا إلى أرض الحثيين [‪ ]1٦‬وأقاموا ألنفسيم مدينة لوز حسب‬
‫أىوائيم‪ .‬إنيم كعمال فمك نوح الذي صنعوا الفمك لنوح وعائمتو أما ىم فمم يخمصوا‪.‬‬
‫لقد عمل بيت يوسف معروفًا مع الرجل وعشيرتو وأطمقوىم [‪ ،]15‬لكن عوض أن يدخموا معيم‬
‫المدينة ويشتركوا معيم في الميراث إنطمقوا لمحياة مع الحيثيين يشاركونيم جحودىم وعدم إيمانيم!‬
‫ما صنعو الرجل مع بيت يوسف يفعمو الكثيرون حتى اليوم‪ ،‬يقودون اآلخرين إلى معرفة الحق وأما‬
‫ىم فبل يدخمون‪ .‬ىذا ما خشاه الرسول بولس لئبل يسقط فيو عندما قال‪" :‬أقمع جسدي وأستعبده حتى‬
‫فوضا" (‪ 2‬كو ‪ .)1٩ :9‬وما خشاه القديس يوحنا الذىبي‬
‫بعدما كرزت لآلخرين ال أصير أنا نفسي مر ً‬
‫الفم عمى نفسو‪ ،‬إذ قال‪[ :‬إني أسكب الدموع عندما أرى نفسي في كرسي فوق كراسي اآلخرين‪ ،‬وعندما‬
‫يُقدم لي احترام أكثر من غيري‪.]1‬‬

‫‪2‬‬
‫لممؤلف‪ :‬آباء مدرسة اإلسكندرية األولون سنة ‪ ،29٩١‬ص ‪.2٦١‬‬
‫‪1‬‬
‫الحب الرعوي‪ ،‬ص ‪.٩٦1‬‬

‫‪12‬‬
‫قضاة – األصحاح األول‬

‫‪ .٤‬التياون مع الكنعانيين‬
‫"ىياجا"‪ ،‬لذا فاستبقاء الكنعانيين وسطيم من أجل الجزية وعدم‬
‫ً‬ ‫قمنا أن كممة "الكنعانيين" تعني‬
‫سمطانا‬
‫ً‬ ‫طردىم [‪ ،11 ،1١-1٩‬الخ] إنما ُيشير إلى انحراف القمب إلى محبة المال‪ .‬فقد أعطانا الرب‬
‫أن نطرد عنا كل ىياج وكل تشويش روحي‪ ،‬لكن من أجل الجزية أي محبة العالم ال نطرده بل نستبقيو‬
‫لنفعنا الزمني‪ ...‬األمر الذي يحطم النفس ىنا ويفقدىا أبديتيا ىناك‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫قضاة – األصحاح الثاني‬

‫األصحاح الثاني‬

‫مقدمة في الىوتيات السفر‬


‫صمب السفر كمو يحمل نغمة الذل والضيق فقد افتتح الوحي السفر بروح الغمبة والنصرة‪،‬‬
‫إن كان ُ‬
‫عمى أدوني بازق والكنعانيين ليبث فينا روح الرجاء المفرح‪ ،‬واآلن إذ تياون الشعب في طاعة الرب‬
‫جدا يرسل‬
‫انتقل مبلك الرب إلى بوكيم لينطمق بيم إلى البكاء بروح التوبة حتى إذ يضيق بيم األمر ً‬
‫ليم من ينقذىم خبلل روح التوبة‪.‬‬

‫‪.٥-١‬‬ ‫‪ .١‬مالك الرب في بوكيم‬


‫‪.١١-٦‬‬ ‫‪ .٢‬موت يشوع‬
‫‪.٢٣-١١‬‬ ‫‪ .٣‬التعبد لمبعل واقامة قضاة‬

‫‪ .١‬مالك الرب في بوكيم‬


‫"وصعد مالك الرب من الجمجال إلى بوكيم‪ ،‬وقال‪ :‬قد أصعدتكم من مصر وأتيت بكم إلى األرض‬
‫عيدا مع سكان ىذه‬
‫التي أقسمت آلبائكم وقمت ال أنكث عيدي معكم إلى األبد‪ ،‬وأنتم فال تقطعوا ً‬
‫أيضا ال أطردىم من أمامكم بل‬
‫األرض‪ ،‬اىدموا مذابحيم‪ ،‬ولم تسمعوا لصوتي‪ ،‬فماذا عممتم؟! فقمت ً‬
‫يكونون لكم مضايقين‪ ،‬وتكون آليتيم لكم شرًكا‪ .‬وكان لما تكمم مالك الرب بيذا الكالم إلى جميع‬
‫بني إسرائيل أن الشعب رفعوا صوتيم وبكوا‪ ،‬فدعوا اسم ذلك المكان بوكيم‪ ،‬وذبحوا ىناك لمرب"‬
‫[‪.]٥-١‬‬
‫اضحا لغايتو‪.‬‬
‫ممخصا دقيقًا لبلىوتيات السفر كمو‪ ،‬وخطًا و ً‬
‫ً‬ ‫تقدم لنا ىذه العبارات‬

‫ويبلحظ في ىذه العبارات اآلتي‪:‬‬


‫إلييا لكممة اهلل كما يرى غالبية الدارسين‪.‬‬
‫ظيور ً‬
‫ًا‬ ‫غالبا ما يعني‬
‫أوالً‪ :‬مبلك الرب المذكور ىنا ً‬
‫الحي ىو الذي قاد الشعب إلى الجمجال وىو الذي صعد بيم إلى بوكيم‪ ،‬بكونو واىب التوبة‬
‫ّ‬ ‫فكممة اهلل‬
‫وقابميا‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫قضاة – األصحاح الثاني‬

‫الىوتيا عميقًا فالجمجال كما رأينا‬


‫ً‬ ‫مفيوما‬
‫ً‬ ‫ثانيا‪ :‬صعود مبلك الرب من الجمجال إلى بوكيم يحمل‬
‫ً‬
‫‪1‬‬
‫في دراستنا لسفر يشوع ىو أول معسكر لمشعب بعد عبوره األردن ودخولو كنعان‪ ،‬واالسم يعني‬
‫"متدحرج" أو "دائرة"‪ ،‬جاء ليعمن عن دحرجو عار العبودية القديم (يش ‪ ،)٩ :٥‬وكأن عار العبودية ال‬
‫مركز لعمميات يشوع‪ ،‬وفيو اختتن الشعب ثانية‬
‫ًا‬ ‫ال بدخولنا "دائرة األبدية"‪ .‬وكان الجمجال‬
‫ُينزع عنا إ ّ‬
‫وغالبا ما كان بو‬
‫ً‬ ‫(يش ‪ ،)٩ :٥‬وظير كموضع مقدس حتى أيام صموئيل النبي (‪ 1‬صم ‪)٦ :٧‬‬
‫مركز لعمميات شاول الحربية ضد عماليق الخ‪ ...‬بمعنى آخر الجمجال إنما يعني‬
‫ًا‬ ‫ىيكل‪ ،3‬كما صار‬
‫مقدس القمب الداخمي الذي فيو يدير ربنا يسوع (يشوع) العمل الروحي‪ ،‬وفيو تتجمى الحياة السماوية‬
‫(الختان الروحي الثاني)‪ ،‬وفيو تقدم ذبيحة شكر هلل‪ ،‬وخبللو نصارع مع الشيطان (عماليق)‪ ...‬ىذا‬
‫معمنا عصياننا وكسرنا لمعيد المبرم مع اهلل‪ ،‬وينطمق بنا إلى بوكيم‪ ،‬فيتحول‬
‫المقدس يفارقو مبلك الرب ً‬
‫قمبنا إلى الندامة والبكاء حتى إذ نرجع إلى اهلل في أعماقنا نقدم ذبيحة روحية لمرب [‪.]٥‬‬

‫ثالثًا‪ :‬لخص مبلك الرب خطايانا في إعبلنو أنو لن ينكث العيد معنا إلى األبد واذا بنا نتجاىل‬
‫غيورا‪ ،‬إنما يريدنا‬
‫عيدا مع سكان ىذه األرض‪ ،‬أي مع الخطايا‪ .‬فإن كان اهلل إليًا ً‬
‫العيد اإلليي لنقيم ً‬
‫في اتحاد معو عمى مستوى االتحاد الزواجي‪ ،‬فكل اتحاد مع غيره (الخطايا) ُيحسب زنى‪ ،‬بسببو ينحل‬
‫عقد اتحادنا الزواجي معو‪.‬‬

‫جدا‪ ،‬فإذ نقيم العيد مع سكان ىذه األرض (الخطايا) ييبنا سؤال‬
‫ابعا‪ :‬اهلل يقدس الحرية اإلنسانية ً‬
‫ر ً‬
‫قمبنا فبل يطردىم من أمامنا‪ ...‬فيكونون مضايقين لنا‪ ،‬وىكذا جعل اهلل من تصرفاتنا الشريرة فرصة‬
‫المرة تضيق عمينا فنرفع قموبنا بكامل حريتنا لنرى‬
‫لمتأديب‪ .‬إنو ال يمزمنا بالتوبة‪ ،‬لكن ثمار خطايانا ّ‬
‫األذرع األبدية مفتوحة لنا‪.‬‬
‫عمى أي األحوال فإن صعود مبلك الرب من الجمجال إلى بوكيم وحديثو معيم ىو بمثابة إعبلن‬
‫مقدما‬
‫ً‬ ‫عن العبلج قبل استعراض م اررة المرض‪ .‬ىكذا يتعامل اهلل معنا‪ ،‬إذ يفتح أمامنا أبواب الرجاء‬
‫حتى متى سقطنا نذكر رحمتو وننطمق بالروح القدس إلى بوكيم لنقدم ذبائح التوبة لمرب في استحقاقات‬
‫الدم الثمين‪.‬‬

‫‪ 1‬يشوع سنة ‪ ،1٩٨3‬ص ‪.٨2 ،٨3‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Mckenzie, P 311‬‬
‫‪32‬‬
‫قضاة – األصحاح الثاني‬

‫واآلن إذ قدم العبلج بدأ يكشف عن ظيور المرض فتحدث عن عصر يشوع والشيوخ المرافقين لو‬
‫حيث شيد الكل أعمال اهلل العجيبة فمم ينحرفوا عن اإليمان‪ ،‬لكن الجيل التالي "لم يعرف الرب وال‬
‫العمل الذي عمل إلسرائيل" [‪.]١١‬‬

‫‪ .٢‬موت يشوع‬
‫إذ سمع يشوع كممات مبلك الرب في بوكيم ورأى الشعب يرفع صوتو ويبكي ألنو عرف ما سيحل‬
‫بو أو باألجيال المقبمة كثمرة لتياونيم مع األمم الوثنية‪ُ ،‬ذبحت ذبائح لمرب [‪ ،]٥‬ثم صرف يشوع‬
‫الشعب‪" ...‬كل واحد إلى ممكو ألجل امتالك األرض" [‪ ،]٦‬إي ذىب كل سبط ليممك ما قد تمتع بو‬
‫كنصيب لو‪.‬‬
‫معا مع يشوع لتمارس التوبة الجماعية في‬
‫يا ليا من صورة حية لمكنيسة الحقيقية‪ ،‬إذ تجتمع ً‬
‫بوكيم‪ ،‬وتقدم ذبيحة الرب بروح واحد جماعي‪ ،‬لكن كل واحد يممك نصيبو! كأن الحياة الكنسية ىي‬
‫احدا‪ ،‬لكن لكل عضو عممو وشركتو الخاصة‪ .‬بمعنى آخر ال تعني الحياة‬
‫جسدا و ً‬
‫ً‬ ‫حياة جماعية تمثل‬
‫الجماعية تجاىل العمل الشخصي أو العبلقة الشخصية السرية التي تربط النفس باهلل‪ ،‬كما أن العمل‬
‫الشخصي ال يوقف الحياة الجماعية‪ ،‬بل ىما متبلزمان ومتكامبلن غير منفصمين‪ .‬إني أعرف الرب‬
‫إليي كرأس خاص بي "حبيبي لي وأنا لو" (نش ‪ ،)1٦ :3‬ألتقي معو سرًيا عمى مستوى شخصي‪ ،‬لكن‬
‫كعضو في الجماعة المقدسة‪ ،‬فيو رأس الكنيسة (أف ‪ )33 :1‬التي أنا عضو فييا‪.‬‬
‫تحدث عن حال الشعب في عيد يشوع‪ ،‬قائبلً‪ " :‬وعبد الشعب الرب كل أيام يشوع وكل أيام‬
‫عمل إلسرائيل" [‪.]٧‬‬
‫الشيوخ الذين طالت أياميم بعد يشوع الذين رأوا كل عمل الرب العظيم الذي ُ‬
‫روحيا يعبد الشعب الرب في‬
‫ً‬ ‫متى كان يشوع الحقيقي‪ ،‬يسوع المسيح‪ ،‬ىو القائد لمكنيسة والمحرك ليا‬
‫ح اررة الروح؛ ومتى تسمم الكنيسة شيوخ أي رعاة أروا كل عمل الرب العظيم وتبلمسوا مع صميبو تبقى‬
‫الكنيسة ممتيبة بالروح‪ ،‬أما إن تسمميا رعاة ليس ليم شركة مع يشوع الحقيقي فينحرف الشعب عن‬
‫عبادة اهلل الحقة‪.‬‬
‫أخير "مات يشوع بن نون عبد الرب إبن مئة وعشر سنين فدفنوه في تخم ممكو في تمنة‬
‫ًا‬
‫حارس في جبل أفرايم شمالي جبل جاعش" [‪.]٩-٨‬‬
‫إعبلن موت يشوع واالىتمام بدفنو في تخم نصيبو إنما يكشف لمشعب عن اإليمان بقيامة الجسد‪،‬‬
‫تماما‪.‬‬
‫األمر الذي لم يكن يستطيع الييود في ذلك الحين إدراكو ً‬

‫‪3٥‬‬
‫قضاة – األصحاح الثاني‬

‫اىدا ال يطمب ما لنفسو‬


‫دفن في المنطقة الجرداء التي إختارىا لنفسو بعد التوزيع لؤلسباط إذ كان ز ً‬
‫بل ما ىو لآلخرين‪ .‬إنو يدفن في أرض جرداء لينعم باألرض الجديدة‪ ،‬أي الحياة األبدية حيث فيض‬
‫الغنى السماوي‪.‬‬
‫دفن في "تمنة حارس" أو كما جاء في سفر يشوع "تمنة سارح" (يش ‪ ،)2 :32‬وقد اشتيرت المدينة‬
‫باالسمين‪ ،‬األول تمنة حارس الذي يعني "نصيب الشمس"‪ ،‬والثاني تمنة سارح الذي يعني "نصيب‬
‫مزدوج"‪ .‬ويرى الربانيون أنيا ُدعيت تمنة حارس بسبب وقوف الشمس في عيد يشوع‪ ،‬لذلك رسمت‬
‫صورة الشمس عمى قبره‪ .‬عمى أي األحوال دفن يشوع في ىذه المدينة ليكون نصيبو شمس البر‪ ،‬يسوع‬
‫وفيرا‪.‬‬
‫مزدوجا أو ً‬
‫ً‬ ‫نصيبا‬
‫ً‬ ‫المسيح‪ ،‬أي مات عمى رجاء التمتع بو‪ ،‬وبتمتعو بيسوع يحسب نفسو قد نال‬
‫كانت ىذه المدينة في جبل أفرايم شمالي جبل جاعش أي جبل الزلزلة‪ ،‬الذي يذكرنا بالزلزلة التي‬
‫منتظر أن يكون "شمس البر" نفسو ىو نصيبو‬
‫ًا‬ ‫حدثت عند قيامة يشوع الحقيقي‪ ،‬كأن يشوع قد مات‬
‫المزدوج‪ ،‬بو ينعم بالزلزلة لمحياة القديمة ليتمتع بحياتو المقامة من األموات‪.‬‬

‫‪ .٣‬التعبد لمبعل واقامة قضاة‬


‫اآلن إذ أُعمن موت يشوع عمى رجاء القيامة ومات الجيل الذي عاين أعمال الرب العظيمة "قام‬
‫بعدىم جيل آخر لم يعرف الرب" [‪ ...]١١‬وفي عبارات قميمة كشف بقية األصحاح عن جوىر أحداث‬
‫سفر القضاة ومعامبلت اهلل مع الشعب في ذلك الحين‪ ،‬إذ قال‪ " :‬وتركوا الرب إلو آبائيم الذي أخرجيم‬
‫من أرض مصر وساروا وراء آلية أخرى من آلية الشعوب الذين حوليم وسجدوا ليا وأغاظوا‬
‫الرب" [‪ .]١٢‬لقد نسى الجيل الجديد أعمال اهلل محب البشر مع آبائيم وانسحب قمبيم إلى العبادات‬
‫الوثنية من أجل ما تحممو من رجاسات وممذات جسديو طريقيا سيل‪ ،‬فتركوا إلو آبائيم ونقضوا عيده‬
‫[‪ ]3٢‬وعبدوا البعميم والعشتاروت [‪ ]12‬فأغاظوا الرب الذي حمى غضبو عمييم [‪.]3٢‬‬
‫ماذا تعني إغاظة الرب وما معنى حمو غضبو عمييم؟ اهلل ليس فيو انفعاالت مثمنا لكنو حب‬
‫مطمق‪ ،‬وفي حبو يضمنا إليو كعروس لو‪ ،‬يغير عمينا‪ .‬يودنا أحباء وأبناء نسكن في حضنو‪ ،‬ويسكب‬
‫حبو ببل حدود فينا‪ .‬فاغاظتو إنما تعني تياوننا نحن في قبول حبو واستيتارنا بصداقتو‪ ،‬أما غضبو‬
‫فإشارة إلى سقوطنا تحت عدلو اإلليي نجتني ثمر خطايانا‪ ...‬فيبدو اهلل كغاضب‪ .‬إذ تركوا اهلل مصدر‬
‫حياتيم وانطمقوا إلى العبادات الباطمة سقطوا في الباطل واجتنوا منيا ثمر عمميم‪ ،‬وحرموا أنفسيم‬
‫جدا [‪ ،]1٥‬عندئذ‬
‫بأنفسيم من الرحمة اإلليية‪ ،‬ومع ىذا فيو يسمح ليم بذلك حتى يضيق بيم األمر ً‬

‫‪3٦‬‬
‫قضاة – األصحاح الثاني‬

‫كان يقيم ليم قضاة يُخمصونيم من يد ناىبييم [‪ .]1٦‬ولؤلسف "عند موت القاضي كانوا يرجعون‬
‫يفسدون أكثر من آبائيم‪.]١٩[ "...‬‬
‫ىذه ىي قصة سفر القضاة كمو‪ ،‬بل ىي قصة حياة الكثيرين منا‪ ،‬سرعان ما ننسى معامبلت اهلل‬
‫فينجي‪ ،‬لنعود مرة أخرى فننسى الرب ونتعدى‬
‫معنا لنسمك حسب أىوائنا واذ نخضع لثمر شرنا نصرخ ُ‬
‫عيده!‬
‫أما عبادة البعل فكانت تُقدم لئللو الكنعاني "بعل" وجمعو "بعميم"‪ ،‬ومعناه "سيد" أو "رب" أو "زوج"‪.‬‬
‫وكانت زوجتو اإللية عشتاروت‪ .‬ىو إلو الخصب ورب المزارع والميتم بالحيوانات إلو الشمس‪ ،‬وىي‬
‫فطير (إر ‪ُ )1٨ :٧‬يرسم عميو صورة القمر‪ .‬وكان المتعبدون‬
‫إلية القمر‪ .‬لذا كانت النساء يعجن ليا ًا‬
‫أما‪ ،‬وكانوا ُيقدمون ليما من أطفاليم ذبائح ومحرقات‪ .‬إذ كانت‬
‫ليا يحسبون البعل ًأبا ليم وعشتاروت ً‬
‫جدا وتوىجت تمقي األم‬
‫بعض األصنام تصنع من النحاس مجوفة‪ ،‬يوقدون تحتيا النيران ومتى إحمرت ً‬
‫رضيعيا عمى يديو المتوىجتين وتُضرب الطبول حتى ال تُسمع صرخات الرضيع وىو يحترق! وكان‬
‫أحيانا كاىنات ىن نساء وبنات‬
‫ً‬ ‫لمبعل كينة كثيرون يخدعون الناس بسحرىم وشعوذتيم‪ ،‬كما ُوجدت‬
‫يقدمن أنفسين لمزنى والرجاسات كجزء من العبادة وطقس من طقوسيا (ىو ‪.)12 :2‬‬
‫ىذا وقد انتشرت عبادة البعميم في الشرق بصورة متسعة حتى صار لبعض الببلد بعل خاص بيا‬
‫مثل بعل فغور‪ ،‬وبعل زبوب الخ‪...‬‬

‫‪3٧‬‬
‫الباب الثاني‬

‫عصر القضاة‬

‫ص ‪٦١ - ٣‬‬

‫[ص ‪.]٣‬‬ ‫‪ .٦‬عثنيئيل بن قناز‬


‫[ص ‪.]٣‬‬ ‫‪ .2‬إىود بن جيرا‬
‫[ص ‪.]٣‬‬ ‫‪ .٣‬شمجر بن عناة‬
‫[ص ‪.]٥ – 4‬‬ ‫‪ .4‬دبورة القاضية وباراق‬
‫[ص ‪.]٨ – ١‬‬ ‫‪ .٥‬جدعون (يربعل)‬
‫[ص ‪.]٩‬‬ ‫‪ .١‬رئاسة أبيمالك‬
‫[ص ‪.]٦١‬‬ ‫‪ .7‬تولع بن فواة‬
‫[ص ‪.]٦١‬‬ ‫‪ .٨‬يائير الجمعادي‬
‫[ص ‪.]٦2 – ٦٦‬‬ ‫‪ .٩‬يفتاح الجمعادي‬
‫[ص ‪.]٦2‬‬ ‫‪ .٦١‬إبصان‬
‫[ص ‪.]٦2‬‬ ‫‪ .٦٦‬إيمون الزبولوني‬
‫[ص ‪.]٦2‬‬ ‫‪ .٦2‬عبدون بن ىميل‬
‫[ص ‪.]٦١ - ٦٣‬‬ ‫‪ .٦٣‬شمشون بن منوح‬
‫قضاة – األصحاح الثالث‬

‫األصحاح الثالث‬

‫عثنيئيل بن قناز‬
‫بصمب السفر يعمن انحراف الشعب المتكرر وسقوطيم تحت‬
‫بعد المقدمة السابقة (ص ‪ )9 ،١‬بدأ ُ‬
‫الضيق وارسال اهلل قضاة إلنقاذىم‪:‬‬

‫‪.7–٦‬‬ ‫‪ .٦‬انحراف الشعب‬


‫‪.٨‬‬ ‫‪ .2‬استعبادىم لكوشان‬
‫‪.٦٦–٩‬‬ ‫قاضيا‬
‫ً‬ ‫‪ .٣‬إقامة عثنيئيل‬
‫‪.٣١–٦2‬‬ ‫قاضيا‬
‫ً‬ ‫‪ .4‬إقامة إىود‬
‫‪.٣٦‬‬ ‫قاضيا‬
‫ً‬ ‫‪ .٥‬إقامة شمجر‬

‫‪ .٦‬انحراف الشعب‬
‫"فيؤالء ىم األمم الذين تركيم الرب ليمتحن بيم إسرائيل كل الذين لم يعرفوا جميع حروب‬
‫كنعان‪ ،‬إنما لمعرفة أجيال بني إسرائيل لتعميميم الحرب" [‪]2-٦‬‬
‫صمب السفر بتقديم بيان عن األمم الذين تركيم الرب المتحان إسرائيل‪ ،‬حتى تتدرب األجيال‬
‫يبدأ ُ‬
‫الجديدة كيف تحارب‪ ،‬وىنا نبلحظ أن اإلسرائيميون قد تياونوا في طرد األمم‪ ،‬فسمح اهلل ببقائيم في‬
‫وسطيم‪ ،‬ليكونوا أداة لتدريب األجيال عمى الحرب‪ ،‬ال بالمفيوم العام لمتدريب العسكري‪ ،‬إنما ليتتبروا‬
‫كيف يغمبون وينتصرون تبلل الحياة التقوية واالتكال عمى الرب‪ ،‬فيرون أعمالو معيم لنصرتيم‪ ،‬ىكذا‬
‫تيرا!‬
‫يترج اهلل حتى من ضعفاتنا ً‬
‫يعمق األب دانيال عمى ىذه العبارة‪ ،‬قائبلً‪[ :‬ترك األمم ال لينزع سبلم الشعب وال ليصيبيم ضرر‪،‬‬
‫إنما لعممو أن في ىذا تيرىم‪ .‬فإذ يضايقيم األمم باليجوم يشعرون باحتياجيم إلى العناية اإلليية‪ .‬ليذا‬
‫يستمرون متطمعين إلى اهلل‪ ،‬طالبين معونتو‪ ،‬وال يتياونون في كسل وال يفقدون فضيمة االحتمال‬
‫والعمل‪ ،‬مجاىدين في الفضيمة‪.]١‬‬

‫بيانا بأسماء ىؤالء األمم‪:‬‬


‫قدم ً‬

‫‪1‬‬
‫‪Cassian: Conf. 4:6.‬‬
‫‪99‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث‬

‫أوالً ‪ :‬أقطاب (أمراء) الفمسطينيين التمسة‪ ،‬وىم حكام المدن الفمسطينية الرئيسية التمس‪ :‬جت‬
‫عظيما ذا بأس‪ ،‬ومدنيم‬
‫ً‬ ‫شعبا‬
‫وأشدود وغزة وأشقمون وعقرون‪ .‬كان الفمسطينيون في ذلك الحين ً‬
‫حصينة‪ ،‬احتكروا صناعة اآلالت واألسمحة الحديدية (‪ ١‬صم ‪ .)9١–١9 :١0‬بعد موت يشوع أتذ‬
‫ال‬
‫بل منيم بمنساس البقر (‪ ،)0١ :0‬إ ّ‬
‫ييوذا غزة وأشقمون وعقرون (‪ ،)١8 :١‬وضرب شمجر ‪ 633‬رج ً‬
‫أن الفمسطينيين استردوا ىذه الببلد وسقط العبرانيون في قبضتيم (‪ ...)7-6 :١3‬وصارت ىناك عداوة‬
‫مستمرة بين بني إسرائيل والفمسطينيين‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ثانيا‪ :‬جمع الكنعانيين‪ ،١‬والصيدونيين‪ ،‬والحويين‪ 9‬سكان جبل لبنان والحثيين‪ ،0‬واألموريين‬
‫ً‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬
‫والفرزيين واليبوسيين (سكان أورشميم أو يبوس)‪.‬‬
‫نساء وأعطوا بناتيم لبنييم وعبدوا آليتيم"‬
‫ً‬ ‫أما عبلمة االنحراف فيي‪" :‬اتخذوا بناتيم ألنفسيم‬
‫[‪ . ]١‬ىذه ىي العبلمة المزدوجة‪ :‬االرتباط بغير المؤمنين تبلل العبلقة الزوجية‪ ،‬وعبادة اآللية‬
‫الغريبة‪ ،‬والعجيب أنو يبدأ بذكر الزواج بغير المؤمنين قبل عبادة اآللية األترى‪ ،‬ألن األولى ىي العمة‬
‫والسبب والثانية ىي ثمرة طبيعية لئلنسان الشيواني الذي يقبل الزواج تارج دائرة اإليمان‪ ،‬ليذا يحذرنا‬
‫الرسول‪ ،‬قائبلً‪" :‬ال تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين‪ ،‬ألنو أية تمطة لمبر واإلثم؟! وأية شركة لمنور‬
‫مع الظممة؟! وأي اتفاق لممسيح مع بميعال؟! وأي نصيب لممؤمن مع غير المؤمن؟!" (‪ 9‬كو ‪-١4‬‬
‫‪.)١5‬‬

‫‪ .2‬استعبادىم لكوشان‬
‫إذ ارتبطوا مع األمم تبلل عبلقات زوجية سقطوا معيم في عبادتيم لمبعميم والسواري (أعمدة تقام‬
‫كتماثيل لآللية)‪ ،‬وليذا باعيم الرب لكوشان رشعتايم ممك أرام النيرين‪ ،‬لمدة ثمان سنوات [‪.]8‬‬

‫‪ ١‬يشوع ‪ ،١989‬ص ‪.90‬‬


‫‪9‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪0‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪4‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.95‬‬
‫‪5‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪6‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬

‫‪03‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث‬

‫"كوشان" اسم سامي يعني "يتتص بكوش"‪ ،‬و"رشعتايم" تعني "ذي الشرين"‪ ،‬فإن كان الشعب قد‬
‫مزدوجا‪ :‬الزواج بأُمميات‪ ،‬وعبادة األوثان؛ ليذا أسمميم لمممك (ذي الشرين) ليكون عمة‬
‫ً‬ ‫شر‬
‫ارتكب ًا‬
‫تأديبيم لمدة ثمان سنوات بالكيل الذي بو يكيمون ُيكال ليم!‬

‫قاضيا‬
‫ً‬ ‫‪ .٣‬إقامة عثنيئيل‬
‫مخمصا لبني إسرائيل فخمصيم‪ :‬عثنيئيل بن قناز‬
‫ً‬ ‫"وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب‪ ،‬فأقام الرب‬
‫أخو كالب األصغر‪ .‬فكان عميو روح الرب وقضى إلسرائيل‪ ،‬وخرج لمحرب فدفع الرب ليده كوشان‬
‫رشعتا يم ممك آرام واعتزت يده عمى كوشان رشعتايم‪ ،‬واستراحت األرض أربعين سنة" [‪.]٦٦–٩‬‬
‫سر الغمبة‬ ‫ِ‬
‫قاضيا لم يأت ُج ازفًا‪ ،‬فقد أراد اهلل أن يكون أول القضاة ليعمن أن ّ‬
‫ً‬ ‫اتتيار عثنيئيل‬
‫‪9‬‬ ‫‪١‬‬
‫والتبلص يكمن في اهلل نفسو‪ ،‬إذ كممة عثنيئيل تعني "استجابة اهلل" أو "قوة اهلل" ‪ .‬فما يتحقق من‬
‫تبلص ال يتم بقوة بشرية‪ ،‬إنما ىو استجابة الرب الذي يسمع صرتات أوالده ويعمل فييم بقوتو‬
‫اإلليية‪.‬‬
‫عثنيئيل ىذا استولى عمى قرية سفر (كتاب) وتزوج بعكسة ابنة كالب أتيو (يش ‪١9–١5 :١5‬؛‬
‫قض ‪ .)١5–١0 :١‬فيو يمثل اإلنسان الروحي الذي ممك قرية الكتاب أي تعّرف عمى إسرار كممة اهلل‬
‫بطريقة روحية في حياة تقوية‪ ،0‬فتأىل لتدمة الرب‪ ،‬وأمكنو أن يغمب كوشان رشعتايم أي يغمب الشر‬
‫المزدوج الذي استعبد البشرية‪ ،‬وبو تستريح األرض أربعين سنة‪ .‬بمعنى آتر التمتع بكممة اهلل ىو‬
‫طريق الغمبة عمى الشر وتحطيم سمطانو واستعباده كما ىو طريق الراحة الحقيقية بنزع العار والذل‪ .‬في‬
‫ىذا يقول المرتل‪" :‬دحرج عني العار واإلىانة ألني حفظت شياداتك" (مز ‪.)99 :١١9‬‬
‫معمنا أن فضل‬
‫سر القوة في عثنيئيل‪" :‬كان عميو روح الرب" [‪ً ،]٦١‬‬
‫ويؤكد الكتاب المقدس أن ّ‬
‫القوة لروح الرب الحا ّل عميو وليس في ذاتو‪.‬‬
‫ٍ‬
‫قاض اسمو "عثنيئيل"‪ ،‬وأظير‬ ‫إذن في أول القضاة أعمن اهلل قوتو واستجابتو لصموات شعبو تبلل‬
‫حال عميو ويقوده‬
‫أنو رجل الكتاب تبلل تصرفاتو "استولى عمى قرية سفر"‪ ،‬وأكد أن روح الرب ّ‬
‫مدعوا من اهلل‪ ،‬يحمل قوتو‬
‫ً‬ ‫ويرشده‪ .‬ما أحوج الكنيسة في كل عصر إلى مثل عثنيئيل الذي يأتي‬
‫بل كممة الحق باستقامة!‬
‫وروحو‪ ،‬مفص ً‬

‫‪١‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.١984‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Strong A Concise Dict. of the words in the Hebrew Bible, article 6274.‬‬
‫‪ 0‬يشوع‪ ،‬ص ‪.١984‬‬

‫‪0١‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث‬

‫بو استراحت األرض أربعين سنة [‪]١١‬؛ فإن كانت األرض تُشير إلى الجسد ورقم ‪ 43‬يُشير إلى‬
‫‪١‬‬
‫نفسا تسمك كيذا القاضي بروح الرب وتنعم بكممة اهلل‬
‫المطوبة ‪ ،‬فإنو إذ حممنا في داتمنا ً‬
‫ّ‬ ‫الحياة الزمنية‬
‫قائدا في داتمنا فنستريح‬
‫مقدسا في عينيو كل أيام زماننا‪ .‬ليكن عثنيئيل ً‬
‫ً‬ ‫يستريح جسدنا في الرب ويكون‬
‫فائقا!‬
‫سبلما ً‬
‫ً‬ ‫ونمتمئ‬

‫قاضيا‬
‫ً‬ ‫‪ .4‬إقامة إىود‬
‫في المرة األولى باعيم الرب لكوشان رشعتايم ممك أرام لمدة ثمان سنوات‪ ،‬أما اآلن إذ رجعوا إلى‬
‫الشر فسمميم لعجمون ممك موآب لمدة ثماني عشر سنة حتى يتأدبوا باألكثر‪ ...‬إننا إذ نكرر السقوط ال‬
‫اء أكثر فاعمية حتى وان بدا أكثر م اررة لشفائنا‪.‬‬
‫يقسو الرب عمينا وانما كطبيب يقدم دو ً‬
‫"عجمون" تعني (عجل سمين) أو (مثل العجل)‪ ،‬كناية عن قوتو وغضبو الوحشي‪ ،‬ىذا بجانب أنو‬
‫جدا [‪" .]١7‬شدد الرب عجمون" [‪ ،]٦2‬ال بمعنى أنو ألقى القسوة في قمبو‪ ،‬إنما رفع‬
‫كان رجبلً سمينا ً‬
‫مستعينا ببني عمون‪ ،‬إذ‬
‫ً‬ ‫يده اإلليية التي كانت تعوقو عن طبيعتو الوحشية نحو الييود‪ ،‬فتشدد لمحرب‬
‫كان بنو موآب وبنو عمون متجاورين‪ ،‬أرض موآب شرقي القسم الجنوبي من بحر لوط وبنو عمون‬
‫أيضا مع عماليق وىم قبائل بدوية متوحشة حمموا عداوة إلسرائيل‬
‫إلى جية الشرق منيم؛ كما تحالف ً‬
‫معا‬
‫ظيرت أثناء عبور األتير في البرية (تر ‪8 :١7‬؛ عد ‪99 :١0‬؛ ‪ .)95 :١4‬تحالف الثبلثة ً‬
‫وضربوا إسرائيل بالسيف وامتمكوا أريحا "مدينة النتل" [‪.]0‬‬
‫إن كان "الصديق كالنتمة يزىو" (مز ‪ ،)١9 :99‬فالكنيسة ىي مدينة النتل‪ ،‬إن تركت إلييا‬
‫وانحرفت إلى العالم ت سايره في حياتو وأفكاره يسمح اهلل بتأديبيا بموآب وعمون والعمالقة ولكن إلى حين‬
‫حتى تتأدب وترجع إليو‪ .‬وما أقولو عن الكنيسة ىنا أقصد الكنيسة عمى مستوي القمب (المؤمن) أو‬
‫عمى مستوى كنيسة البيت أو العائمة أو جماعة المؤمنين في بمد أو آتر الخ‪ ...‬إن العدو ال يقدر أن‬
‫يقترب إلى مدينة النتيل مادام ليس لو موضع فييا‪ ،‬لكن إن حممت مدينة النتيل سمات األمم الوثنية‬
‫تنحني بالعبودية ليم وتن كسر أماميم‪ ،‬ويسمميا الرب ليم حتى تصرخ لتتقدس بو وتنزع اآللية الغريبة‬
‫عنيا‪ ،‬بم عنى آتر ال يستطيع عجمون وحمفاؤه أن يدتموا إلى حياتك ويسيطروا عمى قمبك وفكرك مادام‬
‫ليس ليم موضع فيك‪ ،‬لكن إن قبمت أفكارىم أو مارست عباداتيم أو سمكت حسب ىواىم تتفتح أبواب‬
‫قمبك أماميم ليدتموا ويممكوا عوض الرب!‬

‫‪١‬‬
‫اإلنجيل بحسب متى ص ‪ ،90‬ص ‪.85‬‬

‫‪09‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث‬

‫مخمصا إىود بن جيرا البنياميني رجالً‬


‫ً‬ ‫إذ صرخ إسرائيل بعد ثمان عشرة سنة‪" :‬أقام ليم الرب‬
‫‪١‬‬
‫أعسر" [‪ .]٦٥‬يرى البعض أن كممة إىود اتتصار لكممة "أبييود" التي تعني (أبي مجد أو جبلل)‬
‫بينما يرى آترون أن إىود تعني (متحد)‪ .9‬فإن كان القاضي األول ُيدعى "استجابة اهلل أو قوتو"‪ ،‬بكونو‬
‫ثمرة الصراخ والطمبة هلل القدير‪ ،‬فإننا ىنا نجد القاضي يعني (أبي المجد أو جبلل)‪ ،‬وكأنو ثمرة أبينا‬
‫تبلصا من عندياتو؛ أو يعني (متحد) إذ ننعم‬
‫ً‬ ‫السماوي الذي يغير عمى مجده وجبللو فينا‪ ،‬فيرسل لنا‬
‫بالتبلص تبلل إتحادنا مع اهلل في ابنو يسوع المتمص الحقيقي‪.‬‬
‫ال أعسر أي يعمل بيده اليسرى‪ ،‬وقد جاء األصل العبري بمعنى أنو (رجل مغمق اليد‬
‫كان إىود رج ً‬
‫اليمنى)‪ ،‬أما الترجمات األترى فتعني أنو يعمل بيده اليسرى بمنزلة اليمنى‪ .‬يقول المؤرخ يوسيفوس أن‬
‫ماىر في استعمال يده اليسرى تكمن فييا كل قوتو‪ .‬وفي مناظرات القديس يوحنا كاسيان‬‫إىود كان ًا‬
‫روحيا الستتدام اليد اليسرى‪ ،‬إذ يقول‪([ :‬الرجل الكامل) يشبو في الكتاب‬
‫ً‬ ‫مفيوما‬
‫ً‬ ‫قدم لنا األب تادرس‬
‫المقدس باألشول‪ ...‬يستتدم يده اليسرى كما لو كانت اليمنى‪ .‬ويمكننا أن ننال ىذه القوة باستتدامنا‬
‫ومفيدا‪ ،‬ىذه التي ىي لميمين‪ ،‬واستتدامنا األشياء المؤلمة التي ىي‬
‫ً‬ ‫سميما‬
‫ً‬ ‫إستتداما‬
‫ً‬ ‫األشياء السارة‬
‫لمبر" كقول الرسول‪ :‬اإلنسان الداتمي لو جانبان‪ ،‬أو بمعنى آتر "يدان"‪،‬‬
‫"سبلحا ّ‬
‫ً‬ ‫حسنا‬
‫استتداما ً‬
‫ً‬ ‫لميسار‬
‫فبل يستطيع أي قديس أن يعمل من غير أن يستعمل يده اليسرى‪ ،‬وبيذا يظير كمال الفضيمة‪.‬‬
‫أيضا أن أقول بأن يوسف كان‬
‫يحول كل يد لو إلى "يد يمينية"‪ ...‬أستطيع ً‬
‫فاإلنسان الماىر يقدر أن ّ‬
‫ال لدى اهلل؛ وفي ضيقاتو كان‬
‫محبا إلتوتو‪ ،‬مقبو ً‬
‫جدا عند والديو‪ً ،‬‬
‫يز ً‬
‫بل أشول‪ ،‬ففي أفراحو كان عز ًا‬
‫رج ً‬
‫صافحا عن‬
‫ً‬ ‫متسامحا مع المتطئين‪،‬‬
‫ً‬ ‫مؤمنا باهلل‪ ،‬وفي سجنو كان أكثر شفقة عمى المسجونين‪،‬‬
‫ً‬ ‫عفيفا‪،‬‬
‫ً‬
‫أعدائو‪ ...‬إن ىؤالء الرجال (أيوب ويوسف وغيرىما) وأمثاليم بحق ُيدعى كل منيم رجبلً أشول‪ ،‬إذ‬
‫البر لميمين واليسار‪ ،‬بمجد وىوان‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫يقدرون أن يستتدموا كل يد ليم كأيد يمينية‪ ،‬قائمين بحق‪" :‬بسبلح ّ‬
‫بصيت رديء وصيت حسن‪ 9( "...‬كو ‪ .)8-7 :6‬ويتحدث سميمان في سفر نشيد األنشاد عن اليد‬
‫اليمنى واليد اليسرى في شتص العروس‪ ،‬قائبلً‪" :‬شمالو تحت رأسي‪ ،‬ويمينو تعانقني" (نش ‪.)6 :9‬‬
‫وبينما يظير أن كمييما مفيد إالَّ أنيا تضع إحداىما تحت الرأس ألنو ينبغي أن تتضع الضيقات‬
‫لمراقبة القمب‪ ،‬فتصير نافعة‪ ،‬ألنيا تيذبنا إلى حين‪ ،‬وتؤدبنا ألجل تبلصنا‪ ،‬وتيبنا الكمال في الصبر‪.‬‬
‫أما اليمينية فتأمل أن تمتصق بيا لكي ما تبلطفيا فتنال المعانقة المباركة التي لمعريس‪ ،‬وفي النياية‬

‫‪1‬‬
‫‪New westminster Dict. of the Bible, article: 6274.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Strong A Concise Dict. of the words in the Hebrew Bible, article 261.‬‬
‫‪00‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث‬

‫تضميا إليو‪ .‬وىكذا يُحسب كل منا "أشول" عندما ال يؤثر فينا الرجاء وال العوز‪ .‬فبل يغوينا الرتاء وال‬
‫يدفع بنا نحو اإلىمال التطير‪ ،‬كذلك ال يجذبنا العوز إلى اليأس والشكوى (التذمر) بل نقدم الشكر اهلل‬
‫في كل شيء‪]١‬‬
‫سيفا ذا حدين تقمده تحت ثيابو عمى فتذه اليمنى ليقتل بو‬
‫نعود إلى ىذا القاضي لنجده يحمل ً‬
‫عجمون ممك موآب بعد أن يقدم لو ىدية يحمميا كثير من الرجال؛ يقتمو بعد أن يصرف الرجال حاممي‬
‫اليدية ويتصرف معيم‪ ،‬ليعود ويمتقي مع الممك عمى انفراد في عمية برود‪ ،‬وىي عمية تاصة بعجمون‬
‫الحر‪ .‬قتمو إىود بالسيف في عقر داره ومكان‬
‫في أعمى القصر يجمس فييا كمظمة صيفية ليتبرد من ّ‬
‫أمانو بعد أن قام عجمون عن كرسيو ليعود فيسقط عمى األرض في دمائو وال يجمس عمى كرسيو بعد‪.‬‬
‫ترك إىود السيف في بطن عجمون ولم يسحبو وانطمق من الرواق وأغمق أبواب العمية عمى القتيل‪ .‬واذ‬
‫مغط رجميو في متدع البرود‪ ،‬وىو تعبير متأدب عن دتولو‬ ‫ترج العبيد و أروا األبواب مغمقة قالوا‪ :‬إنو ٍ‬
‫بل عمى األرض‪ .‬واذ‬
‫إلى المرحاض‪ ...‬واذ طال انتظارىم تجموا‪ ،‬فأتذوا المفتاح وفتحوا ليجدوه قتي ً‬
‫ىرب إىود جمع بني إسرائيل في جبل أفرايم وأعمن أن الرب دفع إلييم أعداءىم‪ ،‬فنزلوا وراءه وأتذوا‬
‫متاوض األردن إلى موآب وتمكنوا من قتل نحو عشرة آالف رجل كل نشيط وكل ذي بأس ولم ينج‬
‫أحد‪.‬‬

‫ىذه القصة كما عرضتيا في اتتصار شديد تحمل صورة رمزية رائعة لعمل المتمص الحقيقي‬
‫يسوع المسيح تبلل الصميب‪ ،‬إذ نرى فييا اآلتي‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬اسم المتمص أو القاضي "إىود" وقمنا أنو يعني (أبي مجد أو جبلل)‪ ،‬كما تعني (متحد)‪ ،‬ففي‬
‫مجد إبنك ليمجدك إبنك‬
‫المسيح يسوع المتمص الحقيقي تمجد اآلب كقول السيد في ليمة آالمو‪ّ " :‬‬
‫مجد االبن اآلب؟ يقول القديس‬‫أيضا‪ ...‬أنا مجدتك عمى األرض" (يو‪ .)4 ،١ :١7‬كيف ّ‬ ‫ً‬
‫مجد ىو اآلب بالك ارزة بقيامتو‪ ،]9‬وكما‬
‫أغسطينوس‪[ :‬إذ تمجد االبن تبلل قيامتو بواسطة اآلب‪ّ ،‬‬
‫مجد االبن‬
‫يقول‪[ :‬تحقق ىذا بإنجيل المسيح بمعنى أن اآلب صار معروفًا لؤلمم تبلل االبن وبيذا ّ‬
‫اآلب‪[ ،]0‬يمجدك االبن‪ ،‬بمعنى إنك تصير معروفًا لكل جسد أنت أعطيتو إياه‪.]4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cassian Conf. 6:10.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪In Ioan. tr 105:1‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid. 105:2.‬‬
‫‪04‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث‬

‫مجد االبن اآلب تبلل الك ارزة‬


‫ىكذا تبلل الصميب مات االبن بالجسد فمجده اآلب بقيامتو‪ ،‬و ّ‬
‫بالقيامة وسحب قمب األمم إلى تبرة معرفة اآلب‪.‬‬
‫أما المعنى الثاني لكممة إىود أي (المتحد)‪ ،‬فإن ىذا االسم ينطبق عمى السيد المسيح بطريقة فريدة‬
‫معا فيو‪ ،‬ففي صبلتو‬
‫أيضا متحدين ً‬
‫إذ ىو واحد مع أبيو‪ .‬وقد جاء إلى الصميب لكي يجعمنا نحن ً‬
‫احدا كما نحن‪...‬‬
‫الوداعية يقول‪" :‬أييا اآلب القدوس احفظيم في اسمك‪ ،‬الذين أعطيتني ليكونوا و ً‬
‫احدا فينا" (يو ‪.)١9-١١ :١7‬‬
‫أيضا و ً‬
‫ليكونوا ىم ً‬
‫سيفا ذا حدين تقمده عمى فتذه اليمنى ليقتل بو عجمون‪ ،‬وكأنو بالسيد‬ ‫ثانيا‪ :‬يظير إىود حامبلً ً‬
‫ً‬
‫المسيح الذي قيل عنو‪" :‬تقمد سيفك عمى فتذك أييا الجبار جبللك وبياءك" (مز ‪ .)0 :45‬وكما يقول‬
‫القديس أغسطينوس‪[ :‬ماذا يعني بقولو "سيفك" إالَّ "كممتك"؟! فيذا السيف بدد أعداءه‪ ،‬وبيذا السيف‬
‫سبلما‬
‫ً‬ ‫الكنة ضد حماتيا‪ .‬نسمع في اإلنجيل‪" :‬ما جئت أللقي‬
‫انقسم االبن ضد أبيو واالبنة ضد أميا و ّ‬
‫بل سيفًا" (مت ‪ ...)04 :١3‬إن أراد أحد الشبان أن يكرس حياتو لتدمة اهلل فيقاومو أبوه يصيران‬
‫منقسمين ضد بعضيما البعض‪ .‬فالواحد يعد بالميراث األرضي واآلتر يحب السماوي؛ واحد يعد‬
‫شيئا آتر‪ .‬ال يظن األب أنو متطئ مع أنو يجب أن ُي َّ‬
‫فضل اهلل عنو‪ .]١‬ىكذا‬ ‫بشيء واآلتر يطمب ً‬
‫متجسدا يتحدث معنا وجيًا‬
‫ً‬ ‫تقدم السيد المسيح بسيفو أي وصيتو عمى فتذه أي عمى جسده‪ ،‬إذ جاءنا‬
‫لوجو‪.‬‬
‫يصف سفر القضاة سيف إىود بأنو ذو حدين‪ ،‬وكما يحدثنا الرسول بولس عن كممة اهلل أنيا‬
‫كسيف ذي حدين (عب ‪ ،)١9 :4‬بالحد األول يعمل في قمب الكارز وبالثاني في قموب المستمعين‪ ،‬إذ‬
‫نقيا لمرب‪.‬‬
‫كممة اهلل تعمل في الرعاة والرعية كسيف يبتر الشر ويعزلو حتى ُيقدم القمب ً‬
‫ثالثًا‪ :‬أتذ إىود لعجمون ىدية يحمميا قوم من عنده‪ ،‬وكأنو السيد المسيح الذي قبل الصميب فرأى‬
‫الشيطان في ذلك العمل ىدية لو‪ ،‬عمبلً مفرًحا بو يتتمص من السيد‪ .‬وقد حمل سمعان القيرواني مع‬
‫السيد صميبو‪ ،‬وكأنو كان حامبلً معو لميدية‪ .‬عند قتل عجمون كان إىود وحده‪ ،‬إذ اجتاز السيد المسيح‬
‫المعصرة وحده ولم يكن معو أحد من الشعوب كما قيل بإشعياء النبي (‪.)0 :60‬‬

‫‪1‬‬
‫‪On Ps 45.‬‬
‫‪05‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث‬

‫الحر‪ ،‬وىكذا التقى السيد المسيح مع عدو التير‬ ‫ابعا‪ :‬كان عجمون في عمية برود كمن يستجم من ّ‬
‫ر ً‬
‫تبلل الصميب حين ظن العدو أنو كمن يستجم من نيران ك ارزة المسيح وح اررة أعمالو الفائقة‪ ،‬فبينما‬
‫كان يظن في نفسو أن يستريح إذا بو ُيقتل‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬قتل إىود عجمون بعد أن قام من كرسيو الممكي‪ ،‬فسقط عمى األرض قتيبلً‪ ،‬وكأنو إبميس‬
‫ً‬
‫الذي فقد سمطانو (كو ‪ )١5 :9‬وسقط من السماء كالبرق (لو ‪.)١8 :١3‬‬

‫سادسا‪ :‬أغمق إىود عمى عجمون القتيل الباب حتى ال يفتحو إالَّ تدامو أو عبيده‪ ،‬وىكذا إذ نزع‬
‫ً‬
‫تادما‬
‫ً‬ ‫ال من أراد أن يكون لو‬
‫الرب عن إبميس بالصميب سمطانو جعمو كقتيل ليس من يمتقي بو إ ّ‬
‫سمطانا‬
‫ً‬ ‫وعبدا‪ .‬رجوع اإلنسان إلى مممكة إبميس إنما يتحقق بمحض إرادة اإلنسان‪ ،‬إذ ال يحمل إبميس‬
‫ً‬
‫‪١‬‬
‫عميو يمزمو بالتضوع لو‪ .‬ىذا ما أكده القديس يوحنا الذىبي الفم في كثير من مقاالتو ‪.‬‬

‫يدي إىود‪ ،‬قتل الشعب عشرة آالف جبار بأس من الموآبيين‪ ،‬فإن‬
‫سابعا‪ :‬بعد قتل عجمون عمى ّ‬
‫ً‬
‫تماما عمى يدي السيد المسيح عمى الصميب‪ ،‬فإن عمل الكنيسة‪ ،‬شعب المسيح‪،‬‬
‫كان إبميس قد تحطم ً‬
‫أالَّ تبقي ً‬
‫شيئا من أعمال إبميس داتل قمبنا‪ .‬السيد المسيح غمب لحسابنا وتمص البشرية‪ ،‬لكي ال‬
‫يتوقف المؤمنون بو عن الجياد الروحي ضد التطية – أعمال إبميس وجنوده – حتى النياية‪.‬‬

‫قاضيا‬
‫ً‬ ‫‪ .٥‬إقامة شمجر‬
‫قام شمجر بعد إىود‪ ،‬وال يعني ىذا أن إىود قد مات‪ ،‬إذ يرى البعض أن شمجر حارب في أيام‬
‫محميا‪.‬‬
‫إىود وكان عممو ً‬
‫ربما لم يجد شمجر آلة لمحرب فاستتدم منساس بقر‪ ،‬وىي أشبو بعصا في طرفيا حديدة حادة‬
‫تستتدم في رعاية البقر‪ .‬عمى أي األحوال اهلل يعمل بالقميل كما بالكثير‪ .‬إنو يستتدمنا لمعمل الروحي‬
‫حتى وان كنا ال نممك من المواىب والطاقات إالّ منساس بقر‪.‬‬

‫‪١‬‬
‫راجع القديس يوحنا الذىبي الفم‪ ،١983 ،‬ص ‪.09١-0١8‬‬

‫‪06‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع‬

‫األصحاح الرابع‬

‫دبورة النبية وباراق‬


‫في كؿ عصر يبرز الرب دور النساء اإليجابي حتى ال يعشف في حياة سمبية‪ ،‬بؿ يقمف بدورىف‬
‫وسط الجماعة‪ ،‬وقد فاقت دبورة النبية والقاضية الكثير مف القضاة أنفسيـ‪.‬‬

‫‪.٣-١‬‬ ‫‪ .١‬سقوط إسرائيل في الشر‬


‫‪.٩-٤‬‬ ‫‪ .٢‬دبورة تحث باراق‬
‫‪.٢٤-١١‬‬ ‫‪ .٣‬دبورة تقتل سيسرا‬

‫‪ .١‬سقوط إسرائيل في الشر‬


‫عاد إسرائيؿ يعمؿ الشر في عيني الرب فباعيـ بيد يابيف ممؾ كنعاف الذي ممؾ في عاصمة‬
‫ساكنا في حروشة األمـ‪ ،‬وبقي إسرائيؿ في ضيؽ شديد‬
‫الكنعانييف "حاصور" وكاف رئيس جيشو سيس ار ً‬
‫عاما‪.‬‬
‫لمدة عشريف ً‬
‫كممة "حاصور" تعني (حظيرة) كما تعني (محاط بسور) إذ كانت بمثابة حصف‪ ،‬تقع قرب بحيرة‬
‫ميروـ‪ ،‬المعروفة اآلف ببحيرة الحولة (يش ‪ .)٥-١ :١١‬مدينة حاصور تعرؼ اليوـ بتؿ القدح‪ ،‬وربما‬
‫لقبا لمموؾ كنعاف كفرعوف لمموؾ مصر؛ أما سيس ار‬
‫فغالبا ما كاف ً‬
‫حضيرة أو خربة صرة‪ .‬أما "يابيف" ً‬
‫‪١‬‬
‫رئيس جيشو فيرى القديس أغسطينوس أنو يعني (الخروج مف الفرح) ‪.‬‬
‫إذ تكرر شر إسرائيؿ باعيـ لمتأديب بواسطة "سيسرا" أي بفقداف الفرح‪ ،‬وىذا مف أقسى درجات‬
‫التأديب‪ ،‬إذ يفقد اإلنساف معية الرب واىب الفرح فيصير في قمؽ داخمي وكآبة قمب ال ينزعيا إالّ عودة‬
‫القمب إلى اهلل ليتقدـ كمقدس لو أو سماء تحممو في داخمو بروح الفرح والتيميؿ‪.‬‬
‫ساكنا في "حاصور" عاصمتو أي كمف في‬
‫ً‬ ‫كاف ممؾ كنعاف أو رئيس "الضجيج" وعدـ السالـ‬
‫حصف‪ ،‬يرسؿ سيس ار إلى القمب ليحطـ كؿ فرح فيو‪.‬‬
‫ساكنا في "حروشة األمـ" [‪ ،]٢‬أي خميط األمـ أو لفيؼ مف األمـ‪ ،‬وىو موضع في‬
‫ً‬ ‫كاف سيس ار‬
‫نظر الختالؼ أجناس سكانو‪ ،‬أو ألف مجموعة مختمفة مف الجنسيات قد‬‫شماؿ فمسطيف دعي ىكذا ًا‬
‫معا في ىذه المنطقة وأنشأت دولة مستقمة دعيت بحروش األمـ‪ .‬كاف سيس ار أي (الخروج عف‬
‫اختمطت ً‬

‫‪1‬‬
‫‪On Ps. 83.‬‬
‫‪٣3‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع‬

‫الفرح) يقطف وسط الخميط مف األمـ‪ ،‬بمعنى أف اإلنساف يفقد فرحو الروحي حينما يتحوؿ قمبو إلى‬
‫حروشة األمـ الوثنية أي خميط مف الخطايا والرجاسات‪.‬‬

‫‪ .٢‬دبورة تحث باراق‬


‫لقد عمؿ اهلل بأىود الرجؿ األشوؿ‪ ،‬كما استخدـ شمجر الذي ال يممؾ إالّ منساس بقر يحارب بو‪،‬‬
‫ونساء‪،‬‬
‫ً‬ ‫واآلف يعمؿ بامرأة‪ ،‬أو كما يقوؿ القديس أمبروسيوس بأرممة‪ ،‬حتى يسند الكؿ رجاالً‬
‫المتزوجيف واألرامؿ والعذارى‪ ،‬فيكوف لكؿ دوره الروحي في حياة الجماعة المقدسة‪.‬‬
‫في ىذا يقوؿ القديس أمبروسيوس‪[ :‬أظيرت (دبورة) أف األرممة ليست غير محتاجة إلى معونة‬
‫الرجؿ ما دامت غير معوقة بجنسيا واضعة عمى عاتقيا أف تحقؽ التزامات الرجؿ‪ ،‬فقد عممت أكثر‬
‫ببر رجولي‬
‫مما تعيدت‪ .‬فعندما كاف القضاة يحكموف الييود‪ ،‬إذ لـ يستطيعوا أف يجدوا مف يحكمونيـ ّ‬
‫أو يدافعوف عنيـ بقوة رجولية والتيبت الحروب مف كؿ جانب‪ ،‬اختاروا دبورة لتحكـ عمييـ‪ .‬ىكذا‬
‫حكمت أرممة اآلالؼ مف الرجاؿ في وقت السالـ‪ ،‬ودافعت عنيـ ضد العدو (وقت الحرب)‪ .‬لقد ُوجد‬
‫في إسرائيؿ قضاة كثيروف مف قبميا لؾ لـ توجد قبميا قاضية‪ ...‬وانني أعتقد أف عمميا كقاضية قد‬
‫ُسجؿ‪ ،‬وأفعاليا قد ُوصفت حتى ال تتوقؼ النساء عف العمؿ الشجاع بسبب ضعؼ جنسيف‪ .‬أرممة‬
‫حكمت الشعب‪ ،‬أرممة قادت الجيوش‪ ،‬أرممة اختارت القواد‪ ،‬أرممة صممت عمى الحرب ونالت‬
‫نصرات‪ ...‬ليس الجنس ىو الذي يصنع القوة بؿ الشجاعة‪ .]١‬ويختـ حديثو عف دبورة القاضية بقولو‪:‬‬
‫[أيتيا النساء ليس ل ُكف عذر بسبب طبيعتكف؛ أيتيا األرامؿ ليس ل ُكف حجة بضعؼ جنسكف‪ .‬ال تنسبف‬
‫تغيركف إلى فقدانكف عوف الزوج‪ ،‬فمكؿ إنساف حماية كافية إف كانت نفسو ال تعوزىا الشجاعة‪.]٢‬‬

‫صور متباينة لشخص السيد المسيح وعممو الخالصي‪ ،‬فإف دبورة تحمؿ‬
‫ًا‬ ‫إف كنا نرى في القضاة‬
‫صورة حية لكنيسة المسيح في جوانب كثيرة منيا‪:‬‬
‫أولا‪ :‬مف جية االسـ "دبورة" أي (نحمة)‪ ،‬وقد قيؿ عف الكنيسة كنحمة‪" :‬شفتاؾ ياعروس تقطراف‬
‫شيدا‪ ،‬تحت لسانؾ عسؿ ولبف" (نش ‪ ،)١٢ :٤‬كما قيؿ عنيا‪" :‬النحمة ضئيمة بيف الطير وشيدىا‬
‫ً‬
‫أعذب ما يستساغ مف الطعاـ" (سي ‪ .)٣ :١١‬ويقوؿ القديس غريغوريوس النيسي‪[ :‬النحمة محبوبة‬
‫دوما لبموغ‬
‫مف كؿ أحد‪ ،‬ويقدرىا الجميع‪ ،‬فبالرغـ مف ضعؼ قوتيا لكنيا تحمؿ حكمة عموية وتسعى ً‬
‫حياة الكماؿ‪ ...‬ىكذا يميؽ بنا (كالنحمة) أف نطير عمى مروج التعاليـ الموحى بيا‪ ،‬ونجمع مف كؿ منيا‬

‫‪1‬‬
‫‪Conc. Widows 8 (44).‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid. 51.‬‬
‫‪٣3‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع‬

‫مخازننا التي لمحكمة‪ .‬ىكذا يتكوف العسؿ في داخمنا وكأنو ذلؾ المحصوؿ الحمو الذي يخزف في قموبنا‬
‫كما في خمية نحؿ‪ ،‬وبواسطة التعاليـ المتنوعة تتشكؿ في ذاكرتنا مخازف عمى مثاؿ الخاليا الشمعية‬
‫التي ال تيمؾ‪ .‬يمزمنا أف نكوف كالنحمة فإف عسميا حمو ولدغتيا ال تؤذي‪ ،‬ننشغؿ في عمؿ الفضيمة‬
‫الياـ‪ .‬إنيا تنيمؾ بالحؽ في تحويؿ أتعاب ىذه الحياة إلى بركات أبدية‪ ،‬وتقديـ جيادىا لصحة مموؾ‬
‫أيضا النفس تجتذب العريس‪ ،‬ويعجب بيا المالئكة‪ ،‬الذيف يكمموف قوتيا في الضعؼ‬
‫وشعوب‪ .‬ىكذا ً‬
‫خالؿ الحكمة المكرمة‪.]١‬‬

‫ثانيا‪ :‬اسـ رجميا "لفي دوث" وىو جمع مؤنث لمكمة "لفيد" أو "لبيد" وتعني (مشرؽ أو مصباح أو‬
‫ا‬
‫‪٢‬‬
‫مشعؿ) ‪ .‬أما عريس الكنيسة فيو ذاؾ الذي قاؿ‪" :‬أنا نور العالـ" (يو ‪١٢ :3‬؛ ‪ .)٥ :3‬إنو يشرؽ في‬
‫كنيستو لكي تستنير بو (مت ‪ ،)١٤ :٥‬وكما يقوؿ القديس يوحنا الذىبي الفم عمى لساف السيد‬
‫المسيح‪[ :‬حقًا أنا الذي أوقد النور‪ ،‬أما استمرار أيقاده فيتحقؽ خالؿ جيادكـ أنتـ‪ ...‬بالتأكيد ال تقدر‬
‫سببا في تغيير العالـ‬
‫المصائب أف تعطؿ بياءكـ إف كنتـ ال تزالوف تسمكوف الحياة الدقيقة‪ ،‬فتكونوف ً‬
‫كمو‪ .‬إذف‪ ،‬فمتُظيروا حياة تميؽ بنعمتو حتى إذ تكرزوف في أي موضع يصاحبكـ ىذا النور‪.]٣‬‬

‫ثالثاا‪ :‬كانت دبورة " جالسة تحت نخمة دبورة بين الرامة وبيت إبل في جبل أفرايم" [‪ .]٥‬ما ىذه‬
‫ال خشبة الصميب التي‬
‫النخمة التي دعيت باسميا‪ ،‬وكانت تجمس تحتيا ليصعد إلييا رجاؿ لمقضاء‪ ،‬إ ّ‬
‫تحدثت عنيا الكنيسة العروس‪ ،‬قائمة‪" :‬تحت ظمو اشتييت أف أجمس وثمرتو حموة في حمقي" (نش ‪:٢‬‬
‫‪ .)٣‬كانت دبورة تجمس تحت شجرة الصميب بيف "الرامة" التي تعني (مرتفعات)‪ ،‬وبيت إيؿ التي ىي‬
‫ثمر‬
‫(بيت اهلل)‪ ،‬في جبؿ أفرايـ أي جبؿ الثمر المتكاثر‪ .‬وكأف جموسيا تحت الصميب قد وىبيا ًا‬
‫متكاثر‪ ،‬إذ كانت تجمس عمى المرتفعات (الرامة) فوؽ ىموـ العالـ واغراءاتو‪ ،‬عند بيت إيؿ إي في‬
‫ًا‬
‫بيت الرب لتنعـ بمعيتو عمى الدواـ‪ .‬ما أحوجنا أف نكوف كدبورة نعمؿ بغير انقطاع في دائرة الصميب‪،‬‬
‫مرتفعة قموبنا إلى السمويات ومنطمقة إلى بيت اهلل األبدي فننعـ بثمر الروح المتكاثر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Comm. on Can’t, Ser. 9‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Strong Hebrew & Chadec Dict., articles 3940, 3941.‬‬
‫‪٣‬‬
‫اإلنجيؿ بحسب متى ص ‪.١١٥‬‬

‫‪٣3‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع‬

‫يصؼ القديس أمبروسيوس حاؿ دبورة كقاضية قبؿ انطالقيا لمحرب‪ ،‬قائالً‪[ :‬في وقت السمـ ال‬
‫نجد شكوى وال خطأ في ىذه ال مرأة‪ ،‬بينما كاف غالبية القضاة عمة لخطايا ارتكبيا الشعب ليس‬
‫بصغيرة‪].١‬‬

‫ابعا‪ :‬تُشير دبورة إلى الكنيسة في حث أوالدىا عمى الجياد الروحي ضد إبميس وأعمالو الشريرة‪،‬‬
‫ر ا‬
‫أي الرجاسات والخطايا‪ ،‬فقد أرسمت دبورة إلى باراؽ بف أبينوعـ مف قادش نفتالي تطالبو بالزحؼ عمى‬
‫جبؿ تابور ومعو عشرة آالؼ رجؿ مف بني نفتالي ومف بني زبولوف لمحاربة سيس ار رئيس جيش يابيف‪.‬‬
‫يرى القديس أمبروسيوس أف باراؽ ىو ابنيا‪ ،‬بينما يرى بعض الحاخامات الييود أف باراؽ نفسو‬
‫ىو لفيدوت زوجيا‪ ،‬إذ أف لفيدوت كما قمنا يعني برؽ أو مشعؿ‪ .‬والمعنى يقترب مف كممة باراؽ التي‬
‫تعني برؽ أو بارؽ‪ .‬وقد ُدعي ىكذا بسبب نشاطو وسرعة حركتو خاصة في الحروب‪ ،‬يتحرؾ كالبرؽ‬
‫الخاطؼ‪.‬‬
‫يرى القديس أمبروسيوس أف دبورة نجحت في عمميا كقاضية خالؿ نجاحيا في حياتيا العائمية‪،‬‬
‫ناجحا‪ ،‬وسممتو لقيادة الجيش بالرغـ مف المخاطر التي قد تالحقو‪ .‬يقوؿ‬
‫ً‬ ‫إذ قدمت ابنيا باراؽ رجالً‬
‫القديس‪[ :‬ىذه المرأة‪ ،‬قبؿ كؿ شيء ىيأت كؿ التدابير الخاصة بالحرب‪ ،‬مظيرة أف احتياجات العائمة‬
‫ال تعتمد عمى المصادر العامة وانما االلتزامات العامة تقوـ خالؿ تدبير الحياة العائمية‪ ،‬فقدمت ابنيا‬
‫قائدا لمجيش لنعرؼ أف أرممة استطاعت أف تدرب مصارًعا‪ ،‬عممتو كأـ‪ ،‬وأمرتو كقاضية؛ بشجاعتيا‬ ‫ً‬
‫‪٢‬‬
‫دربتو وكنبية قدمتو لمنصرة ]‪ ،‬كما يقوؿ‪[ :‬يا لعظمة عزيمة أرممة لـ تحتجز ابنيا عف المخاطر خالؿ‬
‫عاطفة األمومة بؿ بالحري في غيرة األـ حثت ابنيا أف يذىب ليغمب‪ ،‬وكانت نقطة قرار النصرة في يد‬
‫امرأة‪.]٣‬‬
‫لقد حثت دبورة باراؽ – ًأيا كانت قرابتو ليا– ال لينطمؽ وحده وانما ليأخذ معو عشرة آالؼ رجؿ مف‬
‫بني نفتالي ومف بني زبولوف لمحاربة سيس ار المنجذب إلى نير قيشوف‪ ،‬فيدفعو الرب ليديو‪ .‬فإف كاف‬
‫باراؽ يشير إلى الحياة المستنيرة في الرب كالبرؽ‪ ،‬سريعة الحركة‪ ،‬فإنو يميؽ بالمؤمف في جياد الروحي‬
‫أف يكوف كباراؽ‪ ،‬أما العشرة آالؼ رجؿ فيشيروف إلى اإلنساف الحافظ لمناموس (رقـ ‪ )١4‬بطريقة‬
‫يوما عند الرب كألؼ سنة‪ ،‬أما كونيـ رجاالً فإنو‬
‫روحية سماوية (× ‪ )١444‬أو بطريقة إليية‪ ،‬ألف ً‬
‫يميؽ بالمؤمف أالا يحمؿ في داخمو تدليؿ النساء وال عجز األطفاؿ‪ ،‬بؿ نضوج الرجاؿ وجديتيـ‪ .‬ىؤالء‬

‫‪1‬‬
‫‪Conc. Widows 8 (45).‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid. 8 (46).‬‬
‫‪٤4‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع‬

‫الرجاؿ يقدموف مف بني نفتالي تعني (متسع) وبني زبولوف تعني (مسكف) أي يكوف ليـ القمب المتسع‬
‫كمسكف اهلل نفسو‪.‬‬
‫إف انطمؽ المؤمف كباراؽ برجالو أي يقدـ كالبرؽ الخاطؼ ومعو الفكر الروحي لموصية كفكر‬
‫يعيشو ويختبره‪ ،‬فيو نضوج الروح‪ ،‬ولو القمب المتسع كمسكف اهلل وكؿ البشرية عندئذ يجتذب اهلل سيس ار‬
‫مف قيشوف التي تعني (منحني) ليسممو في يده‪ ،‬أي يخضع حركات العدو الشرير الممتوية المنحنية‬
‫تحت قدميو‪.‬‬
‫نير قيشوف يسقي مرج إبف عامر‪ ،‬تجري إليو المياه مف جبؿ تابور وتالؿ الناصرة وجبؿ حرموف‬
‫الصغير وجمبوع‪ ،‬وىو يجري في وسط سيؿ ابف عامر بمجرى ممتو ومعوج متجيًا نحو الشماؿ الغربي‬
‫فيدخؿ سيؿ عكا ويصب بالقرب مف حيفا مف جية الشماؿ‪ ،‬ويسميو العرب "نير المقطع"‪ .‬أغمب‬
‫مجراه يجؼ في الصيؼ‪ .‬عمى شاطئو قتؿ إيميا النبي كينة البعؿ (‪ ١‬مؿ ‪.)٤4 :١3‬‬

‫‪ .٣‬دبورة تقتل سيسرا‬


‫طمب باراؽ مف دبورة أف تذىب معو‪ ،‬فقالت لو "إني أذىب معك غير أنو ل يكون لك فخر في‬
‫الطريق التي أنت سائر فييا‪ ،‬ألن الرب يبيع سيسرا بيد امرأة" [‪ .]٩‬أرادت دبورة أف تحث باراؽ‬
‫لمخروج لمحرب لكنو إذ أصر عمى خروجيا معو قبمت‪ ،‬وبروح النبوة قالت‪" :‬ألف الرب يبيع سيس ار بيد‬
‫غالبا ما كانت تقصد ياعيؿ‬
‫امرأة"‪ ،‬فقد ظف باراؽ أف دبورة تتحدث عف نفسيا‪ ،‬غير أنيا في الواقع ً‬
‫امرأة حابر القيني التي قتمت سيس ار في خيمتيا بالوتد‪.‬‬
‫رمز لمييود الذيف خرجوا يحاربوف بتعاليـ‬
‫يرى القديس أمبروسيوس في باراؽ الذي قاد المعركة ًا‬
‫رمز لكنيسة التي‬
‫األنبياء عف الخالص‪ ،‬لكف المنتصر ليس باراؽ بؿ امرأة أممية ىي ياعيؿ‪ ،‬بكونيا ًا‬
‫جاء أعضاؤىا مف األمـ‪ .‬يقوؿ القديس أمبروسيوس‪[ :‬ىكذا تنبأت دبورة عما حدث في المعركة‪ .‬إذ‬
‫سر عف إقامة الكنيسة‬
‫أُمر باراؽ قاد الجيش لكف ياعيؿ ىي التي حممت النصرة‪ .‬لقد أعمنت نبوة دبورة ًا‬
‫مف بيف األمـ‪ ،‬ىذه التي نالت الغمبة عمى سيسرا‪ ،‬أي عمى القوات المضادة ليا‪ .‬ألجمنا حاربت تعاليـ‬
‫األنبياء " باراؽ"‪ ...‬ولـ ينؿ الشعب الييودي النصرة عمى العدو بؿ كاف يجب محاربتو خالؿ فضيمة‬
‫اإليماف‪ .‬وبخطئيـ جاء الخالص لألمـ‪ ،‬بغباوتيـ صارت لنا الغمبة‪ .]١‬كما يقوؿ‪[ :‬حطمت ياعيؿ‬
‫سيسرا‪ ،‬ىذا الذي كاف يجب عمى الييود المحنكيف أف يحاربوه بقيادة قائدىـ (المبرؽ)‪ ،‬ألف كممة‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 8 (47).‬‬
‫‪٤١‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع‬

‫سمائيا (يبرؽ)‬
‫ً‬ ‫عونا‬
‫غالبا ما كانت تجمب القراءة في أقواؿ األنبياء وأعماليـ ً‬
‫"باراؽ" تعني (مبرقا)‪ ،‬إذ ً‬
‫عمى اآلباء‪ ...‬فالنصرة ابتدأت مف اآلباء (الييود) وانتيت بالكنيسة‪.]١‬‬

‫يروي لنا الكتاب المقدس قصة نصرة ياعيؿ (كنيسة األمـ) عمى سيس ار ىكذا‪:‬‬
‫أولا‪" :‬دعا باراق زبولون ونفتالي إلى قادش وصعد ومعو عشرة آلف رجل‪ ،‬وصعدت دبورة معو"‬
‫[‪ .]١١‬لـ نسمع في بداية االنطالؽ عف دور قامت بو ياعيؿ (األمـ)‪ ،‬إنما قاـ باراؽ الذي يمثؿ آباء‬
‫الييود الذيف أبرقت فييـ نبوات العيد القديـ‪ ،‬وانطمؽ معو دبورة (روح النبوة)‪ ...‬وكاف بدء االنطالؽ‬
‫مع زبولوف ونفتالي (أي القمب المتسع كمسكف هلل)‪ ،‬مف قادش التي تعني (قداسة)‪ .‬وكأف ىذه البداية‬
‫تمثؿ جياد رجاؿ العيد القديـ خالؿ روح النبوة لينطمقوا لمحرب خالؿ الحياة التقوية المقدسة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬يأتي الكتاب بعبارة اعتراضية تييئ الذىف لمتعرؼ عمى ياعيؿ زوجة حابر القيني‪ ،‬إذ يقوؿ‪:‬‬
‫ا‬
‫" وحابر القيني إنفرد من قايين من بني حوباب حمى موسى وخيم حتى إلى بموطة في صعنايم التي‬
‫عند قادش" [‪" .]١١‬حابر" يعني (محالفة)‪ ،‬قد إنفرد مف العشيرة المنسوبة إلى قاييف‪ ،‬أي اعتزؿ‬
‫خيـ في منطقة بموطة‬
‫القينييف‪ ،‬لكنو لـ يتمتع بالميراث في أرض الموعد رغـ إيمانو بإلو إسرائيؿ‪ ،‬لذلؾ ّ‬
‫أمميا وارتبط بصداقة‬
‫صعنايـ ليكوف عمى حدود الكنعانييف واسرائيؿ‪ ،‬فتحالؼ مع ممؾ الكنعانييف بكونو ً‬
‫مع بني إسرائيؿ كدخيؿ‪.‬‬
‫بعضا مف األمـ الذيف بحسب الناموس الطبيعي عرفوا الرب‪ ،‬لكنيـ لـ‬‫ً‬ ‫لعؿ حابر ىذا يمثؿ‬
‫يتخمصوا مف التحالؼ مع الكنعانييف إذ كانوا يسمكوف في الرجاسات‪ ،‬حتى انطمقت منيـ "ياعيؿ" أي‬
‫كنيسة األمـ تقتؿ إبميس "سيسرا" وترفض رجاساتو وعباداتو الوثنية‪.‬‬

‫ثالثاا‪ " :‬قالت دبورة لباراق‪ :‬قم‪ ،‬ألن ىذا ىو اليوم الذي دفع فيو الرب سيسرا ليدك‪ .‬ألم يخرج‬
‫سر النصرة لباراؽ أالّ وىو التمتع بالقيامة مع الرب القائـ مف‬
‫الرب قدامك؟!" [‪ .]١٤‬كشفت دبورة عف ّ‬
‫األموات‪ ،‬محطـ إبميس وجنوده‪ ،‬إذ قالت لو "قـ"‪.‬‬
‫ما أحوجنا أف نسمع صوت الكنيسة "دبورة"‪ ،‬لننعـ بالقيامة فال يكوف لسيس ار قوة عمينا ألف الرب‬
‫القائـ مف األموات "يخرج قدامنا" كبكر الراقديف‪ ،‬يدفع سيس ار ليدنا‪.‬‬

‫ابعا‪" :‬فنزل باراق من جبل تابور ووراءه عشرة آلف رجل" (عد ‪ .)١٤‬كاف باراؽ عمى جبؿ‬ ‫ر ا‬
‫متجميا ىناؾ‪ ،‬فقالوا عمى‬
‫ً‬ ‫تابور كمف ىو في حصنو ومأمنو‪ ،‬وكأنو كاف مع التالميذ الذيف أروا الرب‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 8 (48).‬‬
‫‪٤٢‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع‬

‫لساف بطرس‪" :‬جيد يارب أف نكوف ىينا"‪ .‬وقد أمرىـ الرب بالنزوؿ ليحمؿ الصميب ويحممونو معو‪،‬‬
‫اىبا الغمبة لتالميذه فيو‪.‬‬
‫فيعمف بقيامتو نصرتو عمى سيسرا‪ ،‬و ً‬
‫خامسا‪ " :‬فأزعج الرب سيسرا وكل المركبات وكل الجيش بحد السيف أمام باراق‪ ،‬فنزل سيسرا‬
‫ا‬
‫عن المركبة وىرب عمى رجميو" [‪ .]١٥‬إف كاف باراؽ قد نزؿ مف جبؿ تابور ومعو عشرة آالؼ رجؿ‪،‬‬
‫فإنو لـ يكف يممؾ مركبات‪ ،‬فكاف بالنسبة لجيش سيس ار أقؿ بكثير في العدد التي يقدره يوسيفوس بػ‬
‫أيضا أقؿ في اإلمكانيات إذ يقدر عدد مركباتو بثالثة‬
‫ألفا مف الرجاؿ‪ ،‬وبعشرة آالؼ فارس‪ ،‬و ً‬‫‪ً ٣44‬‬
‫آالؼ منيا تسعمائة مف حديد‪ .‬لكف اهلل كعادتو ال يخمص باإلمكانيات البشرية الجبارة وانما إذ تقدـ‬
‫ويقاؿ أف العدو إذ رأي الجيش ينزؿ عميو بغتة اضطرب وصار في حيرة‪،‬‬
‫صفوؼ شعبو أزعج العدو‪ُ .‬‬
‫معا فاضطروا إلى تركيا والسير عمى األقداـ‪ ،‬خاصة وأف يوسيفوس‬
‫فيربوا فكانت المركبات تصطدـ ً‬
‫عظيما أفقدىـ التدبر في األمر‪ ،‬فكاف اإلسرائيميوف يالحقونيـ‪،‬‬
‫ً‬ ‫وبردا‬
‫ير تساقط ً‬ ‫مطر غز ًا‬
‫يقوؿ بأف ًا‬
‫وكأنيـ يترنموف مع المرتؿ قائميف‪" :‬ىؤالء بالمركبات وىؤالء بالخيؿ‪ ،‬أما نحف فاسـ إلينا نذكر" (مز‬
‫‪.)3 :٢4‬‬
‫جدا فنزؿ مف مركبتو بكونيا موضع تركيز العدو‪ ،‬خاصة وأنيا‬
‫أدرؾ سيس ار أف العدو اقترب منو ً‬
‫معا‪.‬‬
‫أوشكت عمى االنكسار‪ ،‬كما أدرؾ أنو مف السيؿ أف يجد لنفسو مخبأ عف أف يختفي ىو ومركبتو ً‬
‫ىكذا غمب باراؽ ورجالو سيس ار وجيشو ال بكثرة العدد أو اإلمكانيات وانما باسـ رب الجنود‪ .‬يقوؿ‬
‫القديس أمبروسيوس‪[ :‬ال تغمب الكنيسة قوات العدو بأسمحة ىذا العالـ‪ ،‬بؿ بأسمحة روحية "قادرة باهلل‬
‫ظنونا" (‪ ٢‬كو ‪ .)٥-٤ :١4‬إف عطش سيس ار قد أُطفئ بإناء مف المبف إذ‬
‫ً‬ ‫عمى ىدـ حصوف‪ ،‬ىادميف‬
‫ُغمب بالحكمة‪ ،‬فما ىو صحي بالنسبة لنا كطعاـ‪ ،‬فإنو بالنسبة لمعدو ُيضعؼ قوتو ويقتمو‪ .‬أسمحة‬
‫الكنيسة ىي اإليماف‪ ،‬أسمحتيا ىي الصالة التي تغمب العدو‪.]١‬‬

‫إلي‪ ،‬ل تخف‪ ،‬فمال إلييا‬


‫سادسا‪" :‬خرجت ياعيل لستقبال سيسرا وقالت لو‪ :‬مل يا سيدي‪ ،‬مل َّ‬
‫ا‬
‫إلى الخيمة وغطتو بالمحاف" [‪.]١١‬‬
‫كممة "ياعيؿ" تعني (وعؿ) أي نوع مف الماعز الجبمي‪ ،‬فياعيؿ كما قمنا تمثؿ كنيسة األمـ‪ ،‬كانت‬
‫قبالً جبمية تسكف القفار‪ ،‬ىي وزوجيا في تحالؼ مع سيس ار (إبميس)‪ .‬اآلف إذ انطمؽ سيس ار إلى خيمتيا‬
‫دوف خيمة زوجيا إلدراكو أنو ال يستطيع أحد أف يدخؿ ىذه الخيمة إف أنكرت وجود أحد في ضيافتيا‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 8 (59).‬‬
‫‪٤٣‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع‬

‫لكونيا امرأة‪ .‬والعجيب أنو وجدىا خارجة الستقبالو بكممات تبدو لطيفة لمغاية‪ ،‬واف كانت قد خدعتو‬
‫بالكذب وقتمتو األمر الذي يتنافى مع واجبات الضيافة‪ .‬لعؿ ياعيؿ فعمت ىذا ليس مف ذاتيا وانما‬
‫خالؿ إعالف بطريقة أو بأخرى ألف سيس ار حميؼ رجميا‪ ،‬وكانت في ىذا تمثؿ الكنيسة التي خرجت مف‬
‫خيمتيا القديمة أو إنسانيا القديـ لكي تبدو كمف يستقبؿ سيس ار فتقتؿ إبميس مف حياتيا وتصير خيمتيا‬
‫ومقدسا لمرب‪ .‬بمعنى آخر إف كانت الخيمة تمثؿ الجسد الذي إستضاؼ بشيواتو إبميس‪،‬‬
‫ً‬ ‫قبر لمعدو‬
‫ًا‬
‫فخالؿ النعمة اإلليية يعمف اإلنساف جحده لعدو الخير وكؿ أعمالو فيتقدس الجسد القاتؿ لمشيوات‬
‫والحامؿ لروح الرب فيو‪.‬‬
‫ال مف الماء حتى يبدو أنو ال يطمع في شيء ويكفي استضافتيا لو وانقاذىا حياتو‬
‫طمب سيس ار قمي ً‬
‫غالبا مف الجمد يوضع فيو المبف فيختمر‪ ...‬وكأنيا قد أسكرتو حتى يغط‬
‫لبنا مف الوطب وىو ً‬ ‫فأعطتو ً‬
‫ال تعاليـ اإليماف التي‬
‫مع التعب الشديد واإلرىاؽ في نعاس ثقيؿ فتحقؽ خطتيا‪ .‬ما ىو ىذا المبف إ ّ‬
‫ال إلبميس وميم ًكا لو‪.‬‬
‫تروي نفس المؤمف وتسكرىا بحب اهلل‪ ،‬لكنو يكوف قات ً‬
‫في القديـ ماؿ إبميس إلى حواء يتسمؿ إلييا خالؿ الحية ويخدعيا بثمر التفاح ليدخؿ خيمتيا فيقتميا‬
‫طعاما‬
‫ً‬ ‫مع رجميا ونسميما إلى األبد‪ ،‬واآلف حواء (ياعيؿ) تخرج إليو لتبدو كمف تستضيفو وتقدـ لو‬
‫لتق تمو فتنقذ الكؿ منو‪ ،‬فال يكوف لو بعد موضع في خيمتيا أو خيمة رجميا أو خياـ نسميما مف‬
‫بعدىما‪.‬‬
‫ليمت سيس ار بيد امرأة بالميتدة (الوتد) الخشبي الذي في يدىا حيث قارت إليو (تمشت نحوه عمى‬
‫نوما فيموت [‪ .]١١‬بمعنى‬
‫أطراؼ أصابعيا)‪ ،‬لتضربو بالوتد في صدغو لينفذ في األرض وىو مثقؿ ً‬
‫آخر لتمت شيوات إبميس فينا بيد الكنيسة عروس المسيح الحاممة لمصميب (الوتد)‪ ،‬في خفة وبسرعة‬
‫نوما قبؿ أف يدخؿ بأفكاره إلى األعماؽ‬
‫تضرب إبميس في رأسو أي في بداية أفكاره وىو بعد مثقؿ ً‬
‫لتصحو وتممؾ‪ .‬لنضرب بالصميب في صدغو أي نرفض أفكاره ونصمبيا فتتنقى أعماقنا لحساب الرب‪.‬‬

‫‪٤٤‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس‬

‫األصحاح الخامس‬

‫تسبحة دبورة‬
‫يرى غالبية الدارسين أن تسبحة دبورة‪ ،‬والتي تُدعى "أغنية النصرة" أو "نشيد الغمبة"‪ ،‬من وضع‬
‫دبورة نفسيا‪ ،‬وضعتيا بأسموب شعري رائع وفي بالغة تفوق أىل زمانيا‪ .‬لذلك فيي أقدم جزء في سفر‬
‫القضاة‪ .‬ويرى العالمة أوريجينوس أن ىذه التسبحة ىي تسبحة اإلنسان المجاىد‪ ،‬الذي يكون كدبورة‬
‫اىبا إيانا النصرة‬
‫أو النحمة‪ ،‬يترنم بيا أثناء جياده الروحي حيث يزعزع الرب الجبال الوعرة أمامنا‪ ،‬و ً‬
‫أبديا‪.‬‬
‫لكي نممك ً‬
‫عددا‪ ،‬تنقسم إلى ثالثة أقسام أو فصول كل قسم يتكون من ‪ ٩‬أعداد (‪،٣٣-١‬‬ ‫والتسبحة تضم ‪ً ١٣‬‬
‫‪ ،)١٣-١١ ،١٣-٣١‬أما العددان ‪ ١ ،٣‬فيما مقدمة لمتسبحة‪ ،‬والعدد ‪ ٣١‬مقدمة لمقسم الثاني‪ ،‬والعدد‬
‫‪ ١٣‬خاتمة التسبحة‪.‬‬

‫‪.٢-١‬‬ ‫‪ .١‬مقدمة التسبحة‬


‫‪.١١-٣‬‬ ‫‪ .٢‬اهلل قائد شعبو‬
‫‪.١٢‬‬ ‫‪ .٣‬مقدمة الفصل الثاني‬
‫‪.٢١-١٣‬‬ ‫‪ .٤‬معركة دبورة وباراق‬
‫‪.٣٣-٢٢‬‬ ‫‪ .٥‬ىزيمة سيسرا‬
‫‪.٣١‬‬ ‫‪ .٦‬ختام التسبحة‬

‫‪ .١‬مقدمة التسبحة‬
‫"فترنمت د بورة وباراق بن أبينوعم في ذلك اليوم قائمين‪ :‬ألجل قيادة القواد في إسرائيل‪ ،‬ألجل‬
‫ا نتداب الشعب (تقدميم لمحرب باختيارىم)‪ ،‬باركوا الرب" [‪.]٢-١‬‬
‫نادر ما يرجع هلل بالشكر‬
‫طالبا الخالص‪ ،‬لكن عند الفرح ًا‬ ‫غالبا ما يصرخ اإلنسان ً‬
‫عند الضيق ً‬
‫والتسبيح ألجل أعمالو معنا‪ .‬لقد صرخ عشرة رجال برص‪ ،‬قائمين‪" :‬يا معمم ارحمنا" (لو ‪ ،)٣١ :٣١‬واذ‬
‫شفاىم رجع واحد منيم فقط ليمجد اهلل بصوت غريب وكان سامرًيا‪ ،‬لذا قال الرب‪" :‬أليس العشرة قد‬
‫مجدا هلل غير ىذا الغريب الجنس؟!"‬
‫طيروا فأين التسعة؟! ألم يوجد من يرجع ليعطي ً‬

‫‪54‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس‬

‫إذ خمص الرب شعبو من سيس ار ويابين عمى يدي دبورة وباراق‪ ،‬انطمقت دبورة تسبح الرب ومعيا‬
‫باراق‪ ،‬لعميا وضعت التسبحة بإرشاد إليي وقدمتيا لباراق‪ ،‬فقادت دبورة النساء لمعمل المالئكي‬
‫التسبيحي وقاد باراق الرجال‪ .‬عند عبور البحر األحمر انطمق موسى بالتسبيح (خر ‪ )٣ :٣4‬ووراءه‬
‫تمثل المريمات المواتي أع َّ‬
‫من القيامة قبل التالميذ وكان لين النصيب األول في التمتع ببيجة القيامة‬
‫والتمتع بالرب القائم من بين األموات‪.‬‬
‫ماذا قاال؟‪" :‬ألجل قيادة القواد في إسرائيل"‪ ،‬بمعنى أنيما يسبحان اهلل الذي عمل في القادة الذين‬
‫تسمموا مركز القيادة في الحرب معرضين حياتيم لمخطر من أجل إخوتيم‪ .‬وكأن دبورة وباراق وىما‬
‫يمجدان اهلل واىب النصرة ال يتجاىالن جياد أحد وتعبو! وقد جاءت الترجمة السريانية والكمدانية‪:‬‬
‫"ألجل إنتقام إسرائيل"‪ ،‬أي من أجل ما وىبو اهلل إلسرائيل من قوة لإلنتقام من سيسرا‪.‬‬
‫طوعا‪ ،‬فإن كان القادة قد تسمموا مواقعيم‬
‫ً‬ ‫"ألجل إنتداب الشعب" أي لقبوليم العمل (الحرب)‬
‫طوعا‪ ...‬وكأن النصرة الروحية إنما ىي ثمر عمل اهلل في القادة كما في‬
‫ً‬ ‫أيضا جاىد بفرح‬
‫فالشعب ً‬
‫الشعب‪ .‬ليتنا في األعمال الناجحة ننسب الفضل كمو هلل‪ ،‬وال نتجاىل دور القادة وال الشعب‪.‬‬
‫لعل دبورة بقوليا‪" :‬باركوا الرب" تطمب من القادة الذين كانوا أمناء في مواقعيم ولمشعب الذي جاء‬
‫ال تميييم النصرة من تقديم تسبحة الحمد هلل والشكر لنعمتو الغنية‪ ،‬وانما يتمثمون بالرسول‬
‫طوعا لمعمل أ ّ‬
‫ً‬
‫شيئا كأنو من أنفسنا بل كفايتنا من اهلل" (‪ ١‬كو ‪:١‬‬‫بولس القائل‪" :‬ليس أننا كفاة من أنفسنا أن نفتكر ً‬
‫‪.)4‬‬

‫‪ .٢‬اهلل قائد شعبو‬


‫صمب التسبحة بالعبارة‪" :‬اسم عوا أييا المموك واصغوا أييا العظماء‪ ،‬أنا أنا لمرب أترنم‪ ،‬إزمر‬
‫يبدأ ُ‬
‫لمرب إلو إسرائيل" [‪ .]٣‬إذ لم يكن إلسرائيل مموك حتى ذلك الحين فالدعوة ىنا موجية لمموك األمم‬
‫الحي‪ ،‬فترجع عن‬
‫ّ‬ ‫الوثنية والتي كانت متعاطفة أو متحالفة مع يابين ممك كنعان لكي تتأمل أعمال اهلل‬
‫اآللية الكاذبة وتخشى الرب الحقيقي‪.‬‬
‫تؤكد "أنا أنا لمرب أترنم"‪ ،‬وكأنيا تقول‪" :‬أنا دبورة المرأة الضعيفة‪ ،‬أنا ىي التي تفتح فميا لترنم هلل‬
‫مخمصيا"‪ .‬فإن كنتم ممو ًكا وعظماء‪ ،‬لكني وأنا الضعيفة أدعوكم لتدارك األمر وتفيم أعمال اهلل معنا‪.‬‬
‫وربما تكرار كممة "أنا" مرتين يشير إلى الكنيسة‪ ،‬التي ترنمت لمرب في العيد القديم خالل الناموس‪،‬‬
‫وتزمر لو في العيد الجديد خالل النعمة‪ .‬إنيا الكنيسة الواحدة‪ ،‬لكن كيا أعضاء من رجال العيد القديم‬
‫وأعضاء أُخر من العيد الجديد‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس‬
‫‪٣‬‬
‫احدا‪ ،‬فتكرار كممة "أنا"‬
‫يرى القديس أغسطينوس أن رقم ‪ ١‬يشير إلى "الحب" إذ يجعل االثنين و ً‬
‫إال وىي سمة الحب‪،‬‬ ‫مرتين يشير إلى سمة دبورة الحقيقية أي الكنيسة‪ ،‬القادرة عمى الترنم والتسبيح‪َّ ،‬‬
‫الذي بدونو ال يتقبل الرب عبادتيا أو تسابيحيا‪ ،‬كقول الرسول‪" :‬إن كنت أتكمم بألسنة الناس والمالئكة‬
‫صنجا يرن" (‪ ٣‬كو ‪.)٣ :٣١‬‬
‫ً‬ ‫نحاسا يطن أو‬
‫ً‬ ‫ولكن ليس ل ّي محبة فقد صرت‬
‫أيضا قطرت‪،‬‬
‫"يارب بخروجك من سعير بصعودك من صحراء أدوم‪ ،‬األرض ارتعدت‪ ،‬السموات ً‬
‫كذلك السحب قطرت ماء" [‪ .]٤‬تعود دبورة تذا كرتيا إلى معامالت اهلل مع آبائيا حين كانوا في البرية‬
‫قوما رحل‪ ،‬من الذي سندىم ضد أرض سعير وأدوم غيره (عد ‪١١ :١٣‬؛ ‪ !)5 :١٣‬اهلل الذي خمص‬ ‫ً‬
‫في القديم آباءىم ىو ىو بعينو يرافقيم في جيادىم ضد سيس ار ويابين ممك الكنعانيين‪.‬‬
‫سر النصرة بقوليا لمرب "بخروجك‪ ...‬بصعودك"‪ ،‬فاهلل ال يقف في معزل عن اإلنسان‬
‫تعمن دبورة ّ‬
‫بل في حبو لنا دائم الحركة من أجمنا‪ ،‬فبحبو يخرج من سعير (التي تعني شعر وىو اسم عيسو بكونو‬
‫أيضا)‪ .‬وكأنو بالحب ينزل إلينا ويحل‬
‫مشعرا) ويصعد من أدوم (تعني دم أو أرض وىو اسم عيسو ً‬
‫ً‬
‫بيننا لكي يخرجنا من "سعير" أي من الفكر الجسداني‪ ،‬ويصعد بنا إلى ما فوق آدوم أي فوق الدم‬
‫واألرض‪ .‬بالمسيح يسوع نخرج ونصعد فال نعيش بعد عمى المستوى الجسدي الدموي األرضي‪ ،‬إنما‬
‫نشاركو الحياة الجديدة لنحيا في السمويات‪ ،‬وكما يقول القديس يوحنا الذىبي الفم‪[ :‬كأن اإلنسان قد‬
‫أُخذ إلى السماء عينيا ويقف بجوار عرش المجد‪.]١‬‬

‫ىكذا ت ؤكد دبورة النبية في تسبحتيا أن اهلل ىو العامل فينا‪ ،‬فإذ نحممو داخمنا نخرج من سعير‬
‫ونصعد من أدوم الرمزية‪ ،‬أما ثمر ىذا العمل فيو‪:‬‬
‫أولً‪" :‬األرض ارتعدت" [‪ . ]٤‬ىنا يشير إلى الخشية التي حمت باألمم تجاه إسرائيل حين سمعوا عن‬
‫أعمال اهلل معيم‪ ،‬وكما يقول موسى النبي‪ :‬يسمع الشعوب فيرتعدون‪ ،‬تأخذ الرعدة سكان فمسطين‪،‬‬
‫حينئذ يندىش أمراء آدوم‪ ،‬أقوياء موآب تأخذىم الرجفة يذوب كل سكان كنعان" (خر ‪٣4-٣5 :٣4‬؛‬
‫راجع يش ‪.)٣٣–٩ :١‬‬
‫أيضا تشير إلى الجسد‪ ،‬فإذ يعمل اهلل فينا يرتعد الجسد بمعنى يخشى اهلل فال يسمك في‬
‫األرض ً‬
‫أنيارا" (حب ‪:١‬‬
‫شيواتو وممذاتو بل يخضع لروح الرب‪ .‬وكما قيل في حبقوق النبي‪" :‬شققت األرض ً‬

‫‪٣‬‬
‫(أيضا القديس أغسطينوس‪ :‬تفسير يوحنا مقال ‪.)4 :٣١‬‬
‫ً‬ ‫راجع زكريا‪ ،‬ص ‪٣١٣‬‬
‫‪2‬‬
‫‪In Ioan, hom. 46.‬‬
‫‪5١‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس‬

‫‪ .) ٩‬فإن كانت أرضنا أي جسدنا قفراء‪ ،‬فإن الرب يفجر فينا بصميبو ينابيع روحو القدوس كأنيار ماء‬
‫حي‪.‬‬
‫ّ‬
‫أيضا قطرت‪ ،‬كذلك السحب قطرت ماء" [‪ .]٤‬إن كانت األمم الوثنية كاألرض‬
‫ثانيا‪" :‬السموات ً‬ ‫ً‬
‫أمطار تحول القفر إلى فردوس‪ .‬باهلل‬
‫ًا‬ ‫ارتعدت أمام اهلل‪ ،‬فإن أوالده كسموات تقطر ندى وكسحب تيطل‬
‫القدوس تحمل حياتنا الداخمية – كسموات – ندى الروح القدس وأمطاره السماوية‪.‬‬
‫ما نقولو عن األمم الوثنية وأوالد اهلل نكرره بخصوص الجسد والروح‪ ،‬فإن كان الجسد كاألرض‬
‫يرتعد أمام اهلل فال يطمب شيواتو‪ ،‬فإن الروح كسماء تقدم بالرب كل مطر مفرح‪.‬‬

‫ثالثًا‪" :‬تزلزلت الجبال من وجو الرب" [‪ .]٥‬وكما يقول إشعياء النبي‪" :‬حين صنعت مخاوف لم‬
‫ننتظرىا نزلت تزلزلت الجبال من حضرتك" (إش ‪.)١ :45‬‬
‫في دراستنا لسفر حزقيال رأينا اهلل يقيم نفوس قديسيو كجبال مقدسة يسكنيا‪ ،‬ترتفع فوق األرضيات‪،‬‬
‫ال دنسة معثرة تتسم بكبرياء النفس وعصيانيا لموصية‪ .٣‬مثل‬
‫أيضا يقيم من خدامو جبا ً‬
‫وعدو الخير ً‬
‫ىذه الجبال تزلزل من وجو الرب‪ ،‬فيسقط تشامخيا وتنسحق قدامو‪.‬‬
‫بعد أن عرضت دبورة أعمال اهلل مع اآلباء في وسط البرية‪ ،‬عادت لتصف حاليم في أياميا‬
‫وحاجتيم إلى عمل اهلل‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫"في أيام شمجر بن عناة في أيا م ياعيل إستراحت الطرق (لم تستخدم الطرق)‪ ،‬وعابرو السبل‬
‫ساروا في مسالك معوجة‪ .‬خذل الحكام (توقف سكان القرى) في إسرائيل‪ ،‬خذلوا حتى قمت أنا‬
‫أما في إسرائيل" [‪.]٧-٦‬‬
‫دبورة‪ ،‬قمت ً‬
‫يبدو أن الضيقة حمت بالشعب في أواخر أيام القاضي شمجر (‪ ،)١٣ :١‬وال نعمم إن كانت دبورة‬
‫ق د عاصرتو أم ال‪ ،‬أما ياعيل ىنا فيرى البعض أنيا ياعيل زوجة حابر التي قتمت سيسرا‪ ،‬فربما كانت‬
‫معروفة بغيرتيا عمى إسرائيل لخالصو لكنيا كانت تعمل في الخفاء خشية بطش سيس ار بيا‪ ،‬ويرى‬
‫مرة‬
‫آخرون أنيا ياعيل أخرى كان ليا دورىا في أيام شمجر‪ .‬عمى أي األحوال تقدم لنا دبورة صورة ّ‬
‫لمضايقات الكنعانيين ليم فقد أغمقوا عمييم الطرق الرئيسية حتى اضطر الييود في سفرىم أن‬
‫يستخدموا المسالك الفرعية المعوجة والخطيرة‪ ،‬وصارت الحقول بال فالحين إذ ىربوا إلى المدن‬
‫قفر بال ثمار‪ .‬إنيا صورة عمل‬
‫يتحصنون فييا خشية بطش الكنعانيين‪ ،‬فصارت األراضي الخصبة ًا‬

‫‪ ٣‬حزقيال‪ ،‬ص ‪.١٣-4١‬‬

‫‪54‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس‬

‫عدو الخير مع البشرية‪ ،‬إذ يغمق أماميا الطرق اإلليية خالل قطع الرجاء أو إغراءات الشر‪ ،‬ويدخل‬
‫بيا في المسالك الممتوية الشريرة حتى ينحرف بيا عن غايتيا‪ ،‬ويحول حقميا الداخمي إلى قفر وجنتيا‬
‫إلى برية قاحمة‪ .‬وبقيت البشرية ىكذا حتى قامت الكنيسة الروحية (دبورة) وأعمنت أمومتيا في الرب‪...‬‬
‫أما‪ ،‬أي قبول‬
‫ال بقبول دبورة ً‬
‫ممكنا التحرر من م اررة الكنعانيين إ ّ‬
‫ً‬ ‫أما في إسرائيل"‪ .‬وكأنو لم يكن‬
‫"قمت ً‬
‫أمومة الكنيسة الروحية‪ .‬لذلك يقول القديس يوحنا الذىبي الفم‪[ :‬ال تعتزل الكنيسة‪ ،‬ألنو ال شيء‬
‫أقوى منيا (كإيمان وحياة)‪ .‬الكنيسة ىي رجاؤك وخالصك وممجأك‪ ،‬إنيا أعمى من السماء‪ ،‬وأوسع من‬
‫دائما في كامل حيويتيا‪.]٣‬‬
‫المسكونة‪ .‬إنيا لن تشيخ قط‪ ،‬بل ىي ً‬
‫"اختار آلية حديثة؛ حينئذ حرب األبواب‪ ،‬ىل كان ُيرى مجن أو رمح في أربعين إل ًفا من‬
‫إسرائيل؟!" [‪.]٨‬‬
‫لم يقف الدمار خالل مضايقة الكنعانيين ليم من الخارج‪ ،‬وانما تحقق خالل الفساد الداخمي‪ ،‬إذ لجأ‬
‫الييود إلى آلية غريبة حديثة‪ ،‬وكما قيل في سفر التثنية‪" :‬ذبحوا ألوثان ليست هلل‪ ،‬آللية لم يعرفوىا‬
‫أحداث قد جاءت من قريب" (تث ‪ .)٣١ :١١‬ليذا تركيم الرب حتى صارت الحرب عند األبواب‪،‬‬
‫فتحول الموضع الذي كان مجالس الرؤساء والحكام إلى ممحمة دماء‪ ،‬أمام ىذا المشيد ماذا يفعل‬
‫ألفا من الرجال إذ ال يحمل مجن الروح وال رمح اإليمان! لقد‬
‫إسرائيل حتى وان ضم جيشو أربعين ً‬
‫حرميم الكنعانيون من حمل السالح‪ ،‬بل ىم حرموا أنفسيم من السالح الروحي بانحرافيم نحو العبادة‬
‫الوثنية!‬
‫إذ صار حال الشعب ىكذا‪ ،‬ضيق في الخارج وفساد في الداخل‪ ،‬لم يتركيم الرب بل أرسل إلييم‬
‫(طوعا) إلنقاذ الكل؛ إذ تطالب الشعب أن يبارك الرب عمى ىذا العمل‪ ،‬قائمة‪:‬‬
‫ً‬ ‫ندبا‬
‫قضاة قبموا العمل ً‬
‫" قمبي نحو قضاة إسرائيل المنتدبين في الشعب‪ ،‬باركوا الرب" [‪ .]٩‬ىكذا إذ قبل القضاة العمل وسط‬
‫أيضا عظماء الشعب أن يسبحوا الرب الذي أرسميم لخالصيم‪" :‬أييا الراكبون‬
‫لمرة تطالب ً‬
‫الضيقات ا ّ‬
‫األتن الصحر‪ ،‬الجالسون عمى طنافس‪ ،‬والسالكون في الطريق‪ ،‬سبحوا" [‪ .]١٣‬إن كان الشعب‬
‫أيضا بالعظماء الراكبين األتن القادمة من‬
‫الفقير الذي يسير عمى قدميو في الطريق يشكر اهلل‪ ،‬فيميق ً‬
‫الصحراء‪ ،‬وىي من األتن الغبراء في حمرة خفية مع بياض قميل‪ ،‬وىي نوع نادر ال يركبو إالَّ األغنياء‪،‬‬
‫جميعا فميسبحوا‬
‫ً‬ ‫فيقصد بيم رجال القضاء‪ ،‬ىؤالء‬
‫أما الجالسون عمى طنافس أي عمى سجاد ثمين ُ‬
‫الرب‪.‬‬

‫‪ ٣‬الكنيسة تحبك ‪ ،٣٩44‬ص ‪.5١ ،5١‬‬

‫‪5٩‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس‬

‫تختم دبورة الفصل األول من تسبحتيا بقوليا‪" :‬من صوت المحاصين بين األحواض ىناك يثنون‬
‫عمى حق الرب‪ ،‬حق أحكامو في إسرائيل‪ ،‬حينئذ نزل شعب الرب إلى األبواب" [‪ .]١١‬جاء األصل‬
‫غامضا لذا اختمف الدارسون في تفسير ىذه الخاتمة‪ .‬فرأى البعض أن المحاصين ىم رماة‬ ‫ً‬ ‫العبري‬
‫السيام بينما رأى الغالبية أنيم المتقاسمون الغنائم‪ ،‬كل يأخذ حصتو‪ ،‬فيأتون بحصصيم من الغنائم إلى‬
‫أحواض المياه لتشرب وىم يسبحون الرب ويثنون عمى عممو إذ وىبيم النصرة وقدم ليم من األعداء‬
‫غنائم كثيرة يدخمون بيا إلى أبواب مدينتيم‪.‬‬

‫‪ .٣‬مقدمة الفصل الثاني‬


‫إذ سبحت دبورة الرب‪ ،‬وطالبت األغنياء والفقراء‪ ،‬وكل طبقات الشعب أن يسبحوه إذ خمصيم من‬
‫مقدما ليم عوض المذلة نصرة‪ ،‬وعوض الفقر خيرات وغنائم‪ ،‬تفتتح القسم‬
‫األعداء ونزع عنيم فسادىم ً‬
‫الثاني أو الفصل الثاني من تسبحتيا بيذه المقدمة‪" :‬استيقظي استيقظي يا دبورة استيقظي‬
‫استيقظي‪ ...‬قم يا باراق واسب سبيك يا ابن أبينوعم" [‪.]١٢‬‬
‫رمز وتييئة لمخالص‬
‫لما كان الفصل الثاني يعمن عمل اهلل الخالصي خالل دبورة وباراق بكونو ًا‬
‫الذي يقدمو السيد المسيح خالل كنيسة العيد الجديد‪ ،‬ليذا يبدأ في مقدمتو بمناداة الكنيسة أربع مرات "‬
‫استيقظي"‪ .‬إن كانت البشرية في العالم قد نامت نوم الموت بسبب الخطية‪ ،‬فقد جاء السيد المسيح‬
‫ليعمن قيامة الكنيسة التي يجمعيا من جيات المسكونة األربع‪ ،‬من المشارق والمغارب والشمال‬
‫والجنوب‪ .‬لتستيقظ الشعوب واألمم الوثنية من سباتيا فقد جاء القائم من األموات القادر عمى إقامتيا‪.‬‬
‫سبيا وصارت لو غنائم كثيرة من العدو‪ .‬يعرضيا عمى‬
‫إن كان باراق قد قاد المعركة فقد سبى ً‬
‫الشعب ليمأل حياتيم بيجة عوض سنوات الذل التي عاشوىا‪ .‬ىكذا إذ غمب الرب عمى الصميب حرر‬
‫البشرية المسبية تحت عبودية إبميس وانطمق بيا إلى حريتو عمى المستوى السماوي‪ ،‬وكما يقول‬
‫سبيا" (مز ‪ .)٣4 :44‬ويعمق القديس جيروم‪[ :‬لقد صعدت إلى‬
‫المرتل‪" :‬صعدت إلى العالء‪ ،‬سبيت ً‬
‫السماء‪ .‬خمصتنا نحن الذين كنا مسبيين بواسطة الشيطان‪ .]٣‬ويعمق القديس أغسطينوس عمى قول‬
‫سبيا" ىكذا‪[ :‬أحدث ىذا ألنو غمب الموت الذي أسر الذين ممك عمييم؟! أو أنو يدعو‬
‫المرتل "سبيت ً‬
‫الناس أنفسيم مسبيين إذ كانوا أسرى لمشيطان؟‪ ...‬ىؤالء إذ خمصوا من الخطية التي كانوا يخدمونيا‬
‫‪١‬‬
‫ال في السبي تحت نير الخطية تمتعنا‬
‫أبناء! ]‪ .‬بمعنى آخر نحن الذين كنا قب ً‬
‫خداما لمبر و ً‬
‫ً‬ ‫صاروا‬

‫‪1‬‬
‫‪On Ps. hom 7.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪On Ps. 68.‬‬
‫‪4٣‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس‬

‫بالحرية‪ ،‬فصرنا في المسيح يسوع أبناء هلل‪ ،‬يسبينا حبو المفرح‪ ...‬فصرنا كمن في سبي الحب‪ ،‬غنائم‬
‫طوعا بعد تذوقنا م اررة سبي الشر!‬
‫محبتو الفائقة‪ .‬دخمنا إلى خدمة البر بفرح ً‬

‫‪ .٤‬معركة دبورة وباراق‬


‫يصف لنا الفصل الثاني من ىذه التسبحة معركة دبورة وباراق ونصرتيما في الرب‪.‬‬
‫"حينئذ تسمط الشارد عمى عظماء الشعب‪ ،‬الرب سمطني عمى الجبابرة" [‪ .]١٣‬ماذا يعني بالشارد‬
‫ىنا إالَّ اليارب أو الطريد بسبب الجور‪ ،‬وقد جاء في بعض الترجمات "البقية" أي ما تبقى في الشعب‬
‫بعد ظمم الكنعانيين‪ ،‬فقد تسمط ىؤالء المطرودون أو البقية الضعيفة بعد ضيق سنوات طويمة عمى‬
‫عظماء شعب الكنعايين‪ ...‬وقد استخدم الرب دبورة لتغمب الجبابرة منيم‪.‬‬

‫إذ أراد اهلل نصرة ىذه البقية المسكينة أقام دبورة النبية التي جاءت األسباط تسير وراءىا مع باراق‬
‫ضد الكنعانيين‪ ،‬وقد عددت في التسبحة ىذه األسباط ىكذا‪:‬‬
‫أولً‪ :‬سبط أفرايم "جاء من أفرايم الذين مقرىم بين عماليق" [‪.]١٤‬‬
‫حصنا لإلسرائيميين من عماليق‪ ،‬خرجوا لمحرب مع‬
‫ً‬ ‫ساكنا في األرض التي تحسب‬
‫ً‬ ‫كان أفرايم‬
‫باراق‪.‬‬

‫ثانيا‪" :‬وبعدك بنيامين مع قومك" [‪ .]١٤‬كان نصيب بنيامين ما بين أفرايم وييوذا‪ ،‬وبالرغم من‬ ‫ً‬
‫قمة عددىم كانوا أشداء بأس‪ ،‬أقوياء‪ ،‬خرجوا لمحرب مع أفرايم يختمطون بيم‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬سبط منسى "من ماكير نزل قضاة (حكام)" [‪ .]١٤‬كانت عشيرة ماكير من سبط منسى‪،‬‬
‫الذين أقاموا غرب األردن‪ ،‬وقد اشتركوا مع باراق في الحرب‪ ،‬وكان منيم قادة الجيش (حكام)‪.‬‬

‫ابعا‪ :‬سبط زبولون "ومن زبولون ماسكون قضيب القائد" [‪ .]١٤‬جاءت الكممة العبرية التي‬ ‫ر ً‬
‫ترجمت "قائد" شفر أ ي "الكاتب"‪ ،‬فكان الكاتب يرفع العصا فوق البيائم ليكون العاشر من كل منيا‬
‫قدسا لمرب (ال ‪ ،)١١ :١١‬ل ذا رأى البعض إنو من زبولون قام الكاتب الذي يمسك بيده القضيب‬
‫ً‬
‫ليحصي الجنود ويكتب عددىم‪ .‬لعمو يشير بيذا إلى عمل تعداد لمجيش ليتمتع الكل بنصيبو في‬
‫الغنائم‪ .‬ويرى البعض أن قضيب القائد أو الكاتب ىنا يشير إلى مركزىم القيادي لتحريك الجيش‬
‫لمعمل‪.‬‬

‫‪4٣‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس‬

‫خامسا‪ :‬سبط يساكر "والرؤساء في يساكر مع دبورة‪ ،‬وكما يساكر ىكذا باراق‪ ،‬اندفع إلى‬
‫ً‬
‫الوادي وراءه" [‪ .]١٥‬ىنا تمدح رؤساء يساكر إذ خرجوا بأنفسيم مع دبورة التي كانت في ساحة‬
‫القتال‪ ،‬لم يرسموا رجاليم فحسب بل خرجوا بأنفسيم‪ .‬ولكي تُظير شجاعتيم وأقداميم لم تشبييم بباراق‬
‫الشجاع بل وشجعت باراق بيم زيادة في المديح‪ .‬لقد اندفع يساكر مع باراق إلى الوادي (‪ ،)٣5 :5‬أي‬
‫إلى السيل الذي ضم األعداء وفرسانيم ومركباتيم الحديدية‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬سبط نفتالي " زبولون شعب أىان نفسو إلى الموت مع نفتالي عمى روابي الحقل"‬ ‫ً‬
‫[‪ .]١٨‬في األصحاح السابق رأينا باراق يدعو زبولون ونفتالي إلى قادش لمحرب [‪ ]٣٣‬ويبدو أنو كان‬
‫ليم نصيب األسد في ىذه المعركة‪ ،‬لذلك مدحت زبولون بأنو ماسك بقضيب القائد [‪ ،]٣5‬واآلن في‬
‫ختام حديثيا عن األسباط تصف زبولون ونفتالي بأنيما خاط ار بحياتيما حتى الموت في شجاعة نادرة‬
‫وحب‪ .‬أما كونيما يخاطران عمى روابي (الرابية موقع مرتفع) الحقل‪ ،‬فعالمة الشجاعة أن يقفا في‬
‫مكان عال أمام العدو بال خوف‪ ،‬وفي الحقل حيث تم حصاد الكثيرين في ىذه المعركة‪.‬‬
‫إن كانت دبورة قد مدحت األسباط المشتركة مع باراق في الجياد‪ ،‬فبمطف وأدب وبخت األسباط‬
‫التي رفضت االشتراك معو‪ ،‬خاصة تمك التي قطنت شرقي األردن في أرض جمعاد "سبطا رأوبين وجاد‬
‫ونصف سبط منسى‪ ،"٣‬وقد اشترك معيما في ىذا التياون سبطا دان وأشير‪.‬‬
‫رأينا في دراستنا لسفر العدد أن السبطين والنصف سبط الذين أرادو السكنى شرقي األردن يمثمون‬
‫الييود الذين لم ينعموا بعبور األردن ليتمتعوا بميراث العيد الجديد‪ ،١‬أما سبط دان فيرى بعض اآلباء‬
‫أنو يشير إلى اليراطقة إذ منيم يخرج ضد المسيح في عصر االرتداد‪ ،١‬أما أشير فتذكر دبورة أنو كان‬
‫مقيما عمى ساحل البحر أي مرتبطًا بقالقل العالم واضطراباتو‪ .‬وكأن الفئات التي تحرم من إكميل‬
‫ً‬
‫النصرة ىم رافضوا المسيح يسوع (الييود)‪ ،‬والي ارطقة الحاممون لروح ضد المسيح‪ ،‬ومحبو العالم‬
‫والغارقون في اىتماماتو‪.‬‬
‫وبخت دبورة النبية األسباط القائمة شرقي األردن فقالت لرأوبين‪" :‬عمى مساقي (جداول) رأوبين‬
‫أقضية قمب عظيمة؛ لماذا أقمت بين الحظائر لسمع الصغير لمقطعان‪ ،‬لدى مساقي رأوبين مباحث‬
‫قمب عظيمة" [‪ .]١٦-١٥‬كأنيا تقول لرأوبين وىو البكر بين األسباط أنو قد خذل إخوتو إذ جمس عند‬

‫‪ ٣‬سفر العدد‪ ،٣٩4٣ ،‬ص ‪.١٣4-١٣٣‬‬


‫‪١‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪ ،١٣5 ،١٣١‬العالمة أوريجين‪ :‬في العدد عظة ‪.١4‬‬
‫‪3‬‬
‫‪St. Hippolytus of Rome: On Christ & Anti-Chirst.‬‬
‫‪4١‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس‬

‫مجاري المياه يتباحث في األمر فارتبط قمبو بخصوبة األرض عوض النزول مع إخوتو لمجياد ضد‬
‫العدو‪ .‬لقد فضل اإلقامة بجوار حظائر غنمو يسمع صفير الرعاة لمغنم عوض االستماع لصوت بوق‬
‫القتال‪ .‬ىذا السبط يمثل النفس التي ارتبطت بمجاري مياه العالم وتعمقت بالغنم أي بالجسد الحيواني‪،‬‬
‫بمعنى آخر أفسدت محبة العالم وشيوات الجسد روحيم عن الجياد الروحي ضد الخطية‪.‬‬
‫واآلن توبخ بقية األسباط القائمة شرقي األردن بقوليا‪" :‬جمعاد في عبر األردن سكن" [‪ .]١٧‬جمعاد‬
‫يمثل النفس التي ا ستكانت خمف األردن‪ ،‬فمم تقبل الدفن مع السيد المسيح في مياه األردن‪ ،‬إنيا تختار‬
‫الطريق السيل المتسع‪ ،‬ال طريق شركة اآلالم والدفن مع الرب!‬
‫إذ مدحت دبورة القاضية األسباط المشتركة مع باراق في المعركة ووبخت األسباط التي تكاسمت‪،‬‬
‫تتحدث عن العدو نفسو أو عن المعركة‪ ،‬فتقول‪:‬‬
‫"جاء مموك‪ ،‬حاربوا‪ ،‬حينئذ حارب مموك كنعان في تعنك عمى مياه مجدو‪ .‬بضع فضة لم يأخذوا"‬
‫[‪ .]١٩‬تتحدث ىنا عن المموك الذين آزروا ممك كنعان‪ ،‬فقد جاءوا إلى تعنك وىي مدينة تبعد حوالي‬
‫أرضا رممية)‪ .‬كانت ىذه المدينة تابعة ليساكر‬
‫خمسة أميال جنوب شرقي مجدو‪ ،‬اسميا كنعاني يعني ( ً‬
‫ثم صارت لمنسي ثم لالويين‪ .‬وقد ظن العدو حين نزل إلييا أنو يأخذ الغنائم والفضة فدية عن األسرى‬
‫أو يأخذ أجرة من ممك كنعان عن مساعدتيم لو‪ ،‬لكنيم فوجئوا بما لم يتوقعوا‪ ،‬إذ أروا السماء نفسيا‬
‫تحاربيم‪ " .‬من السموات حاربوا‪ ،‬الكواكب من حبكيا (طريق مسارىا) حاربت سيسرا‪ ،‬نير قيشون‬
‫جرفيم‪ ،‬نير وقائع نير قيشون‪ ،‬دوسي يا نفسي بعز" [‪.]٢١-٢٣‬‬
‫ثمنا لتعبيم مع إقتسام‬
‫بينما توقع حمفاء كنعان أن ينالوا النصرة بسيولة فيتمتعوا بأجرة من الفضة ً‬
‫لمغنيمة إذ بالطبيعة نفسيا تقف ضدىم‪ ،‬فالسموات ثارت ضدىم خالل ظروف الطبيعة القاسية حتى‬
‫أيضا‪.‬‬
‫بدت كواكبيا كجنود تحاربيم‪ ،‬ونير قيشون فاض بالمياه فجرف القتمى مع الجرحى واألحياء ً‬
‫ئيسيا في ىزيمة ممك كنعان وحمفائو!‬
‫دور ر ً‬
‫ذكر يوسيفوس أن الطبيعة لعبت ًا‬
‫حين يرجع اإلنسان إلى اهلل بالتوبة‪ ،‬ال تستطيع ضربات العدو الشمالية أو اليمينية أن تمحق بو‪،‬‬
‫عونا من السماء ويكون السمائيون والقديسون كجنود روحيين يستخدميم اهلل لعونو‪،‬‬
‫إنما يعطيو الرب ً‬
‫ومياه األنيار (ينابيع الروح القدس) تجرف الخطية وتيمكيا‪ ،‬عندئذ بقوة الروح يقول‪" :‬دوسي يا نفسي‬
‫ِ‬
‫دست يا نفسي األقوياء"‪ ،‬إذ تظفر بإبميس وأعمالو‬ ‫بعز"‪ ،‬أو كما جاءت في بعض الترجمات "لقد‬
‫زمانا! لتقل نفوسنا‪" :‬ال تشمتي بي ياعدوتي‪ ،‬إذا سقطت أقوم‪ ،‬إذا جمست‬
‫الشريرة التي أسرت النفس ً‬
‫في الظممة فالرب نور لي) (مي ‪.)4 :١‬‬

‫‪4١‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس‬

‫‪ .٥‬ىزيمة سيسرا‬
‫مستخدما الطبيعة لحساب‬
‫ً‬ ‫إذ كشفت دبورة في الفصل الثاني حقيقة المعركة‪ ،‬أن هلل قد تدخل‬
‫مؤمنيو تكشف اآلن في الفصل األخير من تسبحتيا عن ضعف سيس ار وىزيمتو‪ ،‬فتقول‪" :‬حينئذ‬
‫ضربت أعقاب الخيل من السوق سوق أقويائو" [‪ .]٢٢‬أدرك جيش سيس ار اليزيمة فحاول الفرار في‬
‫جنون وىمع فكان يضرب الخيل بشدة لميرب وكانت الخيل تضرب األرض بحوافرىا‪ ،‬لكن "باطل ىو‬
‫الفرس ألجل الخالص وبشدة قوتو ال ينجي" (مز ‪.)٣١ :١١‬‬
‫ما ىذا الخيل الذي يضرب بحوافره األرض وال ينجي َّ‬
‫إال اتكال اإلنسان عمى البشر أو عمى ذاتو‬
‫ال تعجز عن خالصو‪ .‬وكما يقول القديس أغسطينوس‪[ :‬مخدوع‬
‫في الخالص‪ ،‬فيكون كمن يركب خي ً‬
‫ىو اإلنسان الذي يظن أنو يقتني الخالص من البشر‪ ،‬أو ذاك الذي بتيور شجاعتو الذاتية ييرب من‬
‫اليالك‪.]٣‬‬
‫"العنوا ميروز قال مالك الرب‪ ،‬العنوا ساكنييا‪ ،‬ألنيم لم يأتوا لمعونة الرب معونة الرب بين‬
‫الجابرة‪ ،‬تبارك عمى النساء ياعيل امرأة حابر القيني" [‪ .]٢٤-٢٣‬حمت المعنة بمدينة "ميروز" بكل‬
‫سمبيا‪ ،‬فإذ رأت سيس ار ىارًبا لم تمسك‬
‫موقفا ً‬
‫سكانيا بيمنا حمت البركة عمى ياعيل ألن ميروز اتخذت ً‬
‫بو وال سممتو لمن سندىم الرب أما ياعيل فقتمتو‪ .‬مدينة ميروز تمثل اإلنسان الذي ال يجمع مع الرب‬
‫فيو يفرق (مت ‪١٣ :٣١‬؛ لو ‪ ،)١١ :٣٣‬أما ياعيل فتمثل اإلنسان العامل ضد مممكة إبميس لحساب‬
‫جبنا‪ ،‬أما المرأة الوحيدة في خيمتيا فأظيرت شجاعة ضد‬
‫الرب‪ .‬أظيرت ميروز المدينة بكل سكانيا ً‬
‫الشر!‬
‫تماما كانت بالقرب من نير قيشون‪ ،‬رأت جيش سيس ار ىارًبا وربما‬
‫يقال أن ميروز مدينة اندثرت ً‬
‫رأت سيس ار نفسو ييرب فمم تبالي ولم تسند شعب دبورة وباراق‪.‬‬
‫صارت ياعيل مباركة أكثر كل نساء الخيام‪ ،‬قدمت لسيس ار المبن (الزبدة) لتضربو بالوتد ومضراب‬
‫العممة (بو ُيضرب الوتد) في رأسو فسحقتو‪ ،‬وصار قتيالً عند رجمييا‪ ...‬وكما قمنا أنيا صورة لكنيسة‬
‫َ‬
‫فاقدا كل سمطان لو‬
‫األمم التي ضربت باإليمان بالصميب رأس الحية وسحقت إبميس تحت قدمييا ً‬
‫عمييا‪ ،‬بل وصار بيا حياة‪.‬‬
‫بينما انت صرت ياعيل لحساب مممكة الرب كانت أم سيس ار في قمقيا مع كبرياء قمبيا تولول‪ .‬لقد‬
‫توقعت بطشو السريع بيذا الشعب ورجوعو بغنائم كثيرة مع مركباتو‪ .‬لكن إحدى النساء في القصر‬

‫‪1‬‬
‫‪On Ps. 33.‬‬
‫‪45‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس‬

‫أجابتيا أالَّ تقمق فإنو منشغل بالغنيمة مع جنوده‪ ،‬يقتسم نساء إسرائيل ويسمب الثياب الثمينة المطرزة‬
‫ال‪ :‬يقتل الرجال (النفوس) ويقتنص النساء (األجساد)‬
‫الوجيين‪ ...‬ىذا ما اعتاد عميو ىذا العدو قب ً‬
‫كغنائم تعمل لحسابو ويستخدم كل مواىبيم (الثياب) لمشر‪.‬‬

‫‪ .٦‬ختام التسبحة‬
‫"ىكذا يبيد جميع أعدائك يارب‪ ،‬وأحباؤه كخروج الشمس في جبروتيا‪ .‬واستراحت األرض أربعين‬
‫سنة" [‪.]٣١‬‬
‫في بعض الترجمات "وأحباؤك"‪ ،‬تُشير إلى شعب اهلل الذي حطم اهلل عدوىم (إبميس) وأباده‪،‬‬
‫وبياء وتشتد ح اررتيا بعد انبثاقيا‪...‬‬
‫ً‬ ‫مجدا‬
‫فأشرقت كالشمس تزداد ً‬
‫لتسترح أرضنا أي جسدنا في الرب من الشيوات والحروب‪ ،‬مادام الرب نفسو ىو العامل فينا العدو‬
‫الحقيقي!‬

‫‪44‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس‬

‫األصحاح السادس‬

‫مالك الرب وجدعون‬


‫ومخمصا لمشعب‪.‬‬
‫ً‬ ‫قاضيا‬
‫ً‬ ‫إذ سقط الشعب تحت المذلة لممديانيين أرسل اهلل جدعون‬

‫‪.٦-١‬‬ ‫‪ .١‬إذالل المديانيين لمشعب‬


‫‪.١١-٧‬‬ ‫‪ .٢‬الحاجة إلى مخمص‬
‫‪.٢٤-١١‬‬ ‫‪ .٣‬ظيور مالك الرب لجدعون‬
‫‪.٢٧-٢٥‬‬ ‫‪ . ٤‬ىدم مذبح البعل‬
‫‪.٣٢-٢٨‬‬ ‫‪ .٥‬ىياج المدينة عميو‬
‫‪.٤١-٣٣‬‬ ‫وجزة الصوف‬
‫‪ .٦‬جدعون ّ‬

‫‪ .١‬إذالل المديانيين لمشعب‬


‫إذ استراح بنو إسرائيل لمدة أربعين سنة (‪ ،)١٣ :6‬نسوا الرب وصنعوا الشر في عينيو‪ ،‬فأسمميم‬
‫ليد مديان لمتأديب سبع سنوات‪ ،‬وكأن دائرة الخطية فالتأديب ثم الخالص تتكرر‪.‬‬
‫جاء بنو مديان من نسل قطورة سارية إبراىيم (تك ‪ ،)٥-٣ :٥6‬وىم جماعة من البدو سكنوا‬
‫شرقي وجنوب شرقي البحر األسود‪ .‬وكانوا ممموئين عنفًا حتى اضطر اإلسرائيميون إلى اليرب من‬
‫جورىم إلى الكيوف في الجبال [‪ . ]٥‬وقد اتفقوا مع العمالقة وبني المشرق (قبائل من عرب البادية)‬
‫عمى مضايقة اإلسرائيمين‪ ،‬فكمما زرع اإلسرائيميون قاموا بإتالف الحقول مع سمب حيواناتيم‪ ،‬حتى لم‬
‫يتركوا ليم القوت الضروري لمحياة [‪ .]٤‬كانوا ينزلون إلييم كغزوات مثل الجراد في الكثرة [‪ ]6‬ليدمروا‬
‫كل ماليم من مجيئك إلى غزة [‪ ،]٤‬أي من األردن حتى يصمون الحد األقصى إلسرائيل في غزة‪.‬‬
‫ىذه ىي الصورة المتكررة ال في عصر القضاة فقط وانما في حياة اإلنسان اليومية‪ ،‬عندما يستريح‬
‫عوض أن يشكر الرب ويسبحو إذا بو ينساه فيسقط تحت مذلة الخطية التي تتسمم سمطاًنا عميو خالل‬
‫تراخيو فتسطوا عمى حقولو الداخمية وتفقده حتى قوتو الضروري‪ .‬وكل خطية تسحب معيا خطية أخرى‬
‫حتى تصير الخطايا كحممة من الجراد تسطو عمى القمب والفكر واألحاسيس وتبتمع كل إمكانيات‬
‫اإلنسان وطاقاتو وتجرده من كل حيوية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس‬

‫‪ .٢‬الحاجة إلى مخمص‬


‫نبيا يكشف‬
‫مضايقة المديانيين إلسرائيل إنما جذبتو لمصراخ هلل من أجل الخالص‪ ،‬فأرسل اهلل ليم ً‬
‫معمنا ليم رحمة اهلل التي قوبمت بعصيانيم‪ .‬وىكذا إذ لم يكرسوا قموبيم لمرب خالل الراحة‬
‫ليم جراحاتيم ً‬
‫سمميم لمضيق ألجل خالصيم‪ ،‬وكأنو يمزميم بالتوبة خالل م اررة التأديب‪ .‬وكما يقول القديس‬
‫بفنوتيوس‪[ :‬بينما ننشغل بغنى ىذه الحياة وأطاييبيا إذ تحمق بنا تجربة فجأة فتيددنا بخسارة أو بموت‬
‫أحد األعزاء لنا‪ ...‬فما يدفعنا لالقتراب نحو اهلل استينا بالسير معو أيام ترفنا‪ .‬ىذه الدعوة اإللزامية‬
‫غالبا ما نجد ليا أمثمة في الكتاب المقدس عندما نق أر أنو بسبب خطايا بني إسرائيل يسمميم ألعدائيم‪.‬‬
‫ً‬
‫وبسبب طغيان األعداء وعبوديتيم القاسية يرجعون ثانية ويصرخون إلى الرب‪ ...‬في ىذا يقول المرتل‪:‬‬
‫"إذ قتميم طمبوه ورجعوا وبكروا إلى اهلل‪ ،‬وذكروا أن اهلل صخرتيم واهلل العمي مخمصيم" (مز ‪-١٤ :5٧‬‬
‫أيضا‪" :‬فصرخوا إلى الرب في ضيقيم فخمصيم من شدائدىم" (مز ‪.]٣)٣١ :٣٠5‬‬
‫‪ .)١6‬و ً‬
‫نبيا يكشف ليم عن محبة اهلل‬
‫ىكذا أرسل الرب ليم الضيق ليسحبيم لمخالص‪ ،‬وبعث إلييم ً‬
‫الفائقة‪ ،‬يقول لمييود إنو فينحاس بن العازار بن ىرون‪ .‬يبدو أن النبي تحدث معيم أثناء احتفاليم بأحد‬
‫األعياد‪ ،‬وكما ىي العادة يذكرىم بأعمال اهلل مع آبائيم ليبعث فييم روح الرجاء واليقين‪ ...‬خاصة‬
‫أحداث الخروج من أرض العبودية وطرد األمم من أماميم ليرثوا أرض الموعد؛ الخط الواضح في‬
‫معامالت اهلل مع شعبو في أغمب كتابات األنبياء‪.‬‬

‫‪ .٣‬ظيور مالك الرب لجدعون‬


‫عفرة التي ليوآش األبيعزري‪ ،‬وابنو جدعون كان‬
‫"وأتى مالك الرب وجمس تحت البطمة التي في ُ‬
‫يخبط حنطة في المعصرة لكي ييربيا من المديانيين‪ ،‬فظير لو مالك الرب‪ ،‬وقال لو‪ :‬الرب معك يا‬
‫جبار البأس" [‪.]١٢-١١‬‬
‫"مالك الرب" ىنا ىو أحد ظيورات ابن اهلل‪ ،‬ىذا واضح من قولو لجدعون‪" :‬أما أرسمتك؟!‪ ...‬إني‬
‫أكون معك" [‪ ، ]٣5-٣٤‬فالمالك ال يرسل األنبياء أو القضاة من عنده‪ ،‬وال يقل "أنا أكون معك"‪ ،‬إنما‬
‫ىذه كممات ابن اهلل الذي يعمن معيتو مع رجال اهلل‪ .‬وقد ُدعي ابن اهلل "مالك العيد" (مل ‪،)٣ :١‬‬
‫و"مالك الحضرة" (إش ‪.)١ :5١‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Cassian: Conf. 3:4.‬‬
‫‪65‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس‬

‫جالسا تحت شجرة البطمة في قرية "عفرة" التي تعني (غزالة) أو (ترابي "عفار")‪ ،‬تقع‬
‫ً‬ ‫ظير ابن اهلل‬
‫غربي األردن‪ ،‬سكنيا األبيعازريون من سبط منسى‪ ،‬ربما كان بيا مقدس (ىيكل) قبل أيام اإلسرائيميين‪،‬‬
‫وىي قرية الطيبة التي تبعد حوالي ثمانية أميال شمالي بيسان‪ .٣‬ظير ابن اهلل لجدعون‪ ،‬الذي يعني‬
‫اسمو "مخطب بشدة" أو "مصارع"‪ ،٥‬وكان يضرب سنابل الحنطة بالعصا لينتزع منيا الحبوب‪ ،‬ربما‬
‫غالبا ما‬
‫ألنو ان قد فقد أدوات الدرس بسبب ىجمات المديانيين‪ .‬كان يخبط الحنطة خفية في معصرة‪ً ،‬‬
‫كانت في كيف أو مغارة‪ ،‬حتى ال يراىا المديانيون وينيبونيا‪ ...‬ىكذا كان حال الشعب في ذلك‬
‫الحين‪.‬‬
‫رمز لممخمص الحقيقي يسوع المسيح‪ ،‬فقد ُوجد جدعون‬
‫يرى القديس أمبروسيوس في جدعون ًا‬
‫تحت البطمة وكأنو تحت ظالل حكمة الصميب الخشبة المحيية‪ ،‬وكان جدعون يخبط الحنطة بعصا‬
‫وكأنو كان يتنبأ بما يفعمو المخمص خالل التجسد العتيد أن يتم بطريقة سرية‪ .‬فالعصا في رأي القديس‬
‫أمبروسيوس ىي الصميب الذي يعزل الحنطة عن التبن‪ ،‬فيظير القديسون المختارون المختفون من‬
‫مفرز من أعمال اإلنسان العتيق‪.‬‬
‫المختبر (الحنطة) ًا‬‫الذين ىم بال نفع بل نفاية‪ .‬بالصميب يعمن الحق ُ‬
‫تظير الحنطة بالصميب في الكنيسة كما في المعصرة‪ ،‬ألن [الكنيسة ىي معصرة الينبوع الدائم الذي‬
‫يفيض بثمر الكرمة السماوية‪.]١‬‬
‫ىكذا يعمل جدعون الحقيقي – السيد المسيح – داخل كنيستو كما في المعصرة‪ ،‬يضرب بصميبو‬
‫طعاما!‬
‫ً‬ ‫سنابل الحنطة ليفرز الحبوب من التبن‪ ،‬وييرب الحنطة من المديانيين [‪ ]٣٣‬خفية حتى يقدميا‬
‫يفرز الرب القديسين ويخفييم فيو حتى ال يسمبيم عدو الخير بأعمالو الشريرة (المديانيين)‪ ،‬فيقدميم‬
‫سماويا‪ ،‬أو ثمر حقمو السماوي المفرح!‬
‫ً‬ ‫طعاما‬
‫ً‬ ‫لمرب‬
‫نعود إلى الحوار الذي تم بين مالك الرب وجدعون‪ ،‬فقد بدأ مالك الرب بالتحية‪" :‬الرب معك يا‬
‫جبار البأس" [‪ .]١٢‬لعل جدعون كان معروًفا بالشجاعة والقوة‪ ،‬إن كان كما يقول ىو‪" :‬ىا عشيرتي‬
‫ىي الذلى في منسى وأنا األصغر في بيت أبي" [‪ .]١٥‬اختار اهلل جدعون الشجاع القوي لئال يظن‬
‫قوما‪.‬‬ ‫ا‬
‫أحد أن اهلل ال يعمل إال بالضعفاء وقميمي المواىب‪ ...‬إنو بكثير أو قميل يخمص عمى كل حال ً‬
‫لكن فيما ىو قوي وشجاع كان يدرك بالمذلة من جية سبطو وعشيرتو ومن جية نفسو‪ ،‬فسبطو ىو‬

‫‪1‬‬
‫‪Mckenzie, P 628.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Strong: Hebrew & Chadee Dict., article 1439.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Caesarius of Arles: Sermon 117: 1; St. Ambrose: On the Holy Spirit 1:1.‬‬
‫‪6٧‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس‬

‫جسديا كرأوبين وال من سبط الالويين المقدس‬


‫ً‬ ‫سبط منسى القميل العدد والكرامة فيو ليس بالسبط البكر‬
‫لمرب‪ ...‬الخ‪ ،‬ىو نفسو األصغر بين إخوتو في السن كما في الكرامة‪.‬‬
‫رمز لمسيد المسيح "جبار البأس" إذ ىو كممة اهلل القدير الذي بو كان كل شيء‪،‬‬
‫كان جدعون ًا‬
‫عبدا‬
‫القادر أن يقيم من األموات ويخمق من العدم‪ ،‬وبالتجسد صار كمن ىو أصغر الجميع‪ ،‬إذ صار ً‬
‫وميانا‪ ،‬يدخل حتى إلى موت الصميب!‬
‫ً‬ ‫ال‬
‫وخادما لمبشرية‪ ،‬مرذو ً‬
‫ً‬
‫ممموء غيرة من جية إخوتو ليذا عندما قال مالك الرب‪" :‬الرب معك يا جبار‬
‫ً‬ ‫أيضا‬
‫ً‬ ‫جدعون‬ ‫ان‬ ‫ك‬
‫البأس"‪ ،‬أجاب‪ " :‬أسألك يا سيدي إن كان الرب معنا فمماذا أصابتنا كل ىذه؟ وأين كل عجائبو التي‬
‫أخبرنا بيا آباؤنا‪ ،‬قائمين‪ :‬ألم يصعدنا الرب من مصر؟! واآلن قد رفضنا الرب وجعمنا في كف‬
‫مديان" [‪ .]١٣‬لم يش ك في كممات الرب لكنو في دالة المحبة يعاتب إن كان اهلل معيم‪ ،‬ولم يقل‬
‫"معي"‪ ،‬إذ ال يستطيع جدعون أن يتذوق معية اهلل الشخصية بينو وبين اهلل خارج الجماعة المقدسة‪،‬‬
‫فكيف ُيصاب الشعب بيذا كمو بواسطة مديان؟! ال ينكر أعمال اهلل العجيبة مع آبائو‪ ،‬لكنو يستفسر إن‬
‫حقا ما أجمل قمب جدعون الحامل‬ ‫كان اهلل معيم فمماذا ال يتمتع جيمو بما تمتعت بو األجيال السابقة؟! ً‬
‫لمغيرة المتقدة نحو إخوتو في الرب‪ ،‬فيقف بقمب متسع وبدالة يعاتب الرب نفسو ليغتصب منو مراحمو!‬
‫"فالتفت إليو الرب (ييوه) وقال‪ :‬اذىب بقوتك ىذه وخمص إسرائيل من كف مديان‪ ،‬أما‬
‫أرسمتك؟!" [‪ .]١٤‬ىنا يتحدث عن مالك الرب أنو ييوه‪ ،‬الذي التفت إلى جدعون‪ ،‬فإذ أعمن جدعون‬
‫غيرتو ودخل مع الرب في حوار مفتوح استحق أن يكون موضوع التفاتو‪ ،‬إذ يفرح الرب بقمب كيذا‪،‬‬
‫إناء لمبر‪ .‬لقد سألو أن يذىب بقوتو ىذه‪ ،‬ربما يقصد بغيرتو المقدسة‪ ،‬ولعمو أراد‬
‫فيمتفت ليستخدمو ً‬
‫توبيخو عمى اتكالو عمى قوتو الشخصية‪ ...‬لكن الواضح من سياق الحديث أن الرب يدعوه لمعمل‪،‬‬
‫قائالً‪" :‬أما أرسمتك؟!" وكأنو يقول‪ :‬ال تخف مما أصابكم فإني أرسمك ألعمل بك كما عممت مع آبائك!‬
‫وكما سبق فقال ليشوع‪" :‬أما أمرتك؟!" (يش ‪.)١ ،٣ :٣‬‬
‫ىنا يقف جدعون في تواضع ال ليعتذر عن العمل وانما ليغتصب العمل اإلليي بروح التواضع‬
‫بقولو‪" :‬أسألك يا سيدي بماذا أخمص إسرائيل؟! ىا عشيرتي ىي الذلى في منسى وأنا األصغر في‬
‫بيت أبي" [‪ .]١٥‬ىنا يدعوه "سيدي" وبال عبرية "دوناوي" وىو لقب خاص باهلل وحده‪ ،‬يعترف جدعون‬
‫شخصيا‪ .‬ىذا ىو منيج كل العاممين بالحق في دائرة الرب‪ ،‬إذ يشعرون‬
‫ً‬ ‫بمذلة عشيرتو وبصغره ىو‬
‫بضعفيم مع ثقتيم باهلل العامل فييم يتمتعون بالقوة‪ .‬فنرى موسى يقول‪" :‬من أنا حتى أذىب إلى‬
‫فرعون‪ ،‬وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر؟!" (خر ‪ ،)٣٣ :١‬فكانت إجابة الرب في الحال‪" :‬أنا أكون‬

‫‪6١‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس‬

‫معك" (خر ‪ .)٣٥ :١‬بنفس الروح يعمن إشعياء في بدء عممو النبوي‪" :‬ويل لي إني ىمكت‪ ،‬ألني إنسان‬
‫أيضا يقول إرميا النبي‪" :‬آه يا سيد‬
‫نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين" (إش ‪)6 :5‬؛ و ً‬
‫الرب‪ ،‬إني ال أعرف أن أتكمم ألني ولد" (إر ‪.)5 :٣‬‬
‫إذ تمتع جدعون بالدعوة لمعمل بالرغم من اعترافو بضعفو وعجزه‪ ،‬وجاء الصوت اإلليي يؤكد معية‬
‫ال‪" :‬إن كنت قد وجدت‬
‫الرب لو وتقديم النصرة لو‪ ،‬طمب جدعون عالمة من الرب الذي يكممو‪ ،‬قائ ً‬
‫نعمة في عينيك فاصنع لي عالمة إنك أنت تكممني" [‪ .]١٧‬لماذا طمب جدعون عالمة ليتأكد إن‬
‫ال‪،‬‬
‫حمما أو خيا ً‬
‫الذي يحدثو ىو الرب؟ لعمو استكثر عمى نفسو أن يرى الرب نفسو فحسب ما يحدث ً‬
‫أو ألنو استكثر عمى نفسو أن يتسمم رسالة كيذه فأراد التأكد من شخصية من يحدثو‪ .‬أما العالمة التي‬
‫مجردا وانما أراد تقديم (منحة) لمضيف ليعمن الرب قبولو ىذه التقدمة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ال خارًقا‬
‫طمبيا فيي ليست عم ً‬
‫خبز غير مختمر‪.‬‬
‫وفطير أي ًا‬
‫ًا‬ ‫لحما (جدي معزى) في سل ومرًقا في قدر‬ ‫سألو أن ينتظر حتى يقدم لو ً‬
‫مد مالك الرب‬
‫فسألو مالك الرب أن يضع المحم والفطير عمى صخرة ويسكب المرق عمييما‪ ،‬إذ ّ‬
‫طرف العكاز الذي بيده صعدت نار من الصخرة وأكمت المحم‪ ،‬عندئذ اختفى مالك الرب‪.‬‬
‫كانت العالمة أن مالك الرب انتظر حتى يقدم جدعون التقدمة عمى الصخرة التي قامت بدور‬
‫نار لتأكل التقدمة بعد سكب المرق عمييا كماء يمنع من االحتراق (‪ ٣‬مل ‪–١١ :٣٧‬‬
‫المذبح‪ ،‬فأرسل ًا‬
‫معمنا قبولو اإلليي لمتقدمة (ال ‪٥٤ :١‬؛ ‪ ٣‬مل ‪.)١٧ :٣٧‬‬
‫‪ً ،)١6‬‬
‫روحيا ليذا المقاء‪ ،‬إذ يقول‪[ :‬الصخرة تُشير إلى جسد المسيح‪،‬‬
‫ً‬ ‫تفسير‬
‫ًا‬ ‫يقدم لنا القديس أمبروسيوس‬
‫إذ مكتوب‪" :‬ألنيم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتيم والصخرة كانت المسيح" (‪ ٣‬كو ‪...)٤ :٣٠‬‬
‫ىنا يعمن بشكل سري أنو عندما يصمب جسد الرب يسوع تُنزع خطايا العالم كمو‪ ،‬ليس فقط الخطايا‬
‫الفعمية وانما حتى شيوات الذىن الشريرة‪ .‬فمحم جدي المعزي ُيشير إلى الخطايا الفعمية‪ ،‬والمرق يشير‬
‫إلى إغراءات الشيوات؛ كما ىو مكتوب أن الشعب كان يشتيي المحم فناحوا قائمين‪" :‬من يطعمنا‬
‫لحما؟!" (عد ‪ .) ٤ :٣٣‬إذ مد المالك العكاز ولمس الصخرة فصدرت منيا نار‪ ،‬ىذه الحقيقة تعمن أن‬
‫ً‬
‫جسد المسيح الممتمئ بالروح اإلليي يحرق كل خطايا الطبيعة البشرية‪ ،‬لذلك قال الرب‪" :‬جئت أللقي‬
‫نار عمى األرض" (لو ‪ .]٣)٤١ :٣٥‬مرة أخرى يقول‪[ :‬الشجرة التي وقف تحتيا المالك والعكاز الذي‬
‫ًا‬
‫أمسك بو يشيران إلى الصميب‪ .‬الصخرة التي قدم عمييا جدعون المحرقة ىي المسيح‪ ،‬إذ يقول الرسول‬
‫"والصخرة كانت المسيح" (‪ ٣‬كو ‪ .)٤ :٣٠‬جدي المعزى الذي ُذبح ُيشير إلى الجنس البشري الذي‬

‫‪1‬‬
‫‪Caesarius 117:2.‬‬
‫‪5٠‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس‬

‫ارتكب الخطية‪ .‬كما نفيم حقيقة لمس المالك لمصخرة بالعكاز وانطالق النار لتأكل جدي الماعز أنو‬
‫الصميب الذي لمس الصخرة أي المسيح‪ ،‬فانطمقت نار المحبة لتبيد خطايا الجنس البشري‪ .‬ح ًقا‪،‬‬
‫نار عمى األرض‪ ،‬فماذا أريد لو‬
‫المسيح – جدعون الحقيقي– يقول عن نفسو في اإلنجيل‪" :‬جئت أللقي ًا‬
‫اضطرمت؟!" (لو ‪.]٣)٤١ :٣٥‬‬
‫سر الصميب الذي فيو تغفر خطايانا الفعمية كما‬
‫كاشفا عن ّ‬
‫ً‬ ‫إذ أعمن الرب قبولو تقدمة جدعون‪،‬‬
‫شيواتنا الخفية في استحقاقات الدم‪ ،‬حيث تنطمق نار الحب اإلليي لتبيد كل ضعف فينا‪" ،‬ذىب مالك‬
‫الرب عن عينيو" [‪ .]٢١‬ىذا االنطالق كان بطريقة فائقة ال نستطيع التنبؤ عنيا‪ ،‬لكننا نعرف أنيا‬
‫ىزت أعماق قمب جدعون حتى ظن أنو ال يقدر بعد أن يعيش إذ رأى الرب‪ ،‬فقال‪" :‬آه يا سيدي‬
‫الرب‪ ،‬ألني رأيت مالك الرب وجيا لوجو" [‪ ،]٢٢‬لكن الرب أجابو "السالم لك‪ ،‬ال تخف‪ ،‬ال تموت"‬
‫[‪.]٢٣‬‬
‫يقينا أنو الرب‪ ،‬وأنو رآه وجيا لوجو‪ ،‬فحسب أنو لن يعيش‪،‬‬
‫خالل اختفاء مالك الرب عمم جدعون ً‬
‫كقول الرب لموسى‪" :‬ال تقدر أن ترى وجيي‪ ،‬ألن اإلنسان ال يراني ويعيش" (خر ‪ .)٥ :١١‬لكن الرب‬
‫طمأنو‪ ،‬أنو وان كان قد رآه إنما من قبيل تنازلو اإلليي‪ ،‬كشف لو ذاتو في رؤيا قدر ما يحتمل حتى ال‬
‫يموت‪ .‬وكما يقول القديس يوحنا الذىبي الفم في مقالو "عدم إدراك طبيعة اهلل" عمى لسان اهلل‪[ :‬ال‬
‫أعمن جوىري ذاتو‪ ،‬إنما أتنازل (في رؤى) بسبب ضعف ىؤالء الذي يرونني‪.]٥‬‬
‫مذبحا تذكارًيا لمرب‪ ،‬دعاه "ييوه شموم" أي "اهلل سالم"‪ ،‬ألن‬
‫ً‬ ‫أمام ىذا الحب اإلليي أقام جدعون‬
‫الرب وىبو السالم‪ ،‬إذ حسب كمماتو اإلليية "سالم لك" ليست تحية مجردة وانما عطية إليية تمأل‬
‫أعماقو في الداخل‪ ،‬وتمس حياتو بل وحياة كل الجماعة المقدسة‪.‬‬
‫ليت قمبنا يكون كعفرة األبيعزريين والتي تعني (أبي معين)‪ ،‬فيو نمتقي مع جدعون بخطايانا الفعمية‬
‫"سالما أترك‬
‫ً‬ ‫وأفكارنا الخفية عمى الصخرة لكي بالصميب يحرقيا كما بنار إليية‪ ،‬ونسمع صوت الرب‬
‫لكم‪ ،‬سالمي أنا أعطيكم‪ ،‬ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا‪ ،‬ال تضطرب قموبكم وال ترىب" (يو ‪:٣٤‬‬
‫إلييا يذكر أعمالو الخالصية عمى الدوام‪.‬‬
‫مذبحا ً‬
‫ً‬ ‫‪ .)٥5‬وليقم فيو‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 117:6.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Incomp. Of Cod 5:4. PG 48:740.‬‬
‫‪5٣‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس‬

‫‪ .٤‬ىدم مذبح البعل‬


‫ممكنا أن يبقى البعل مع الظيور‬
‫ً‬ ‫إذ ظير اهلل لجدعون‪ ،‬وتقدس الموضع بيذا الظيور لم يكن‬
‫اإلليي‪ ،‬وال أن تقدم محرقات لمرب مع ذبائح لمبعل‪ ،‬لذلك سأل الرب جدعون أن يتصرف في الثور‬
‫بانا لمبعل‪ ،‬وأن ييدم مذبح البعل (الشمس) الذي أقامو والده‪ ،‬ويقطع‬
‫الذي كان أبوه يعبده لمذبح قر ً‬
‫السارية التي عنده وىي عمود خشبي يقام في موضع مرتفع عنده تقدم العبادة لمبعل والعشتاروت‬
‫مذبحا لمرب‪ ،‬وأن يستخدم خشب‬
‫ً‬ ‫زوجتو‪ ،‬كما أمره بتقديم ثور ابن سبع سنوات باسم الرب بعد أن يبني‬
‫وقودا لممحرقة‪.‬‬
‫السارية ً‬
‫يحا لممارسة العمل الكينوتي عمى مستوى الجماعة‪ ،‬فيو ليس من‬ ‫لم يكن ىذا األمر اإلليي تصر ً‬
‫سبط الوي الذي كانوا في الغالب ىاربين من الضيق غير قادرين عمى ممارسة العبادة العامة بطقوسيا‬
‫فرديا‬
‫السميمة‪ .‬وال قدم المحرقة عند خيمة االجتماع في شيموه‪ ...‬وانما كان ىذا األمر يمثل عمالً ً‬
‫ستثنائيا‪ ،‬غايتو إذالل البعل والعشتاروت‪ ،‬خاصة أنو استخدم خشب السارية التي حطميا جدعون‬
‫ً‬ ‫ا‬
‫وقودا لممحرقة عوض النار المقدسة‪.‬‬
‫ً‬
‫عتيدا أن‬
‫وسر سماوي ً‬ ‫ومن جية أخرى فإن ىذا العمل كما يقول القديس أمبروسيوس عمل نبوي ّ‬
‫السر السماوي العتيد لذلك أطاع كممات الوحي وقتل الثور‬
‫يتم‪ ،‬إذ يقول‪[ :‬الحظ الرجل الحكيم النبوي ّ‬
‫ثور آخر ابن سبع سنوات ذبيحة لمرب‪ .‬بيذا العمل أظير‬ ‫مقدما ًا‬
‫ً‬ ‫الذي وضعو أبوه بجوار الوثن‪،‬‬
‫بوضوح شديد أنو بمجئ الرب تبطل كل الذبائح الوثنية وتبقى ذبيحة آالم الرب تُقدم اهلل كعمل تقوى‬
‫رمز لممسيح‪ ،‬لذلك كان ابن سبع سنوات‪ ،‬إذ في المسيح يحل ملء‬
‫حقا كان ىذا الثور ًا‬
‫لمشعب‪ً .‬‬
‫الفضائل السبع الروحية كقول إشعياء‪ .‬لقد قُدم المسيح مرة في رمز جدي معزي‪ ،‬وأخرى كغنمة‪،‬‬
‫ذبيحا باختياره (الوداعة)‪،‬‬
‫أيضا كثور‪ .‬كجدي معزي بكونو ذبيحة عن الخطايا‪ ،‬وكغنمة ألنو كان ً‬
‫و ً‬
‫السر‪.]٣‬‬
‫وكثور بكونو تقدمة بال عيب‪ .‬ىكذا سبق فرأى جدعون ّ‬
‫‪ .٥‬ىياج المدينة عميو‬
‫"فأخذ جدعون عشرة رجال من عبيده وعمل كما كممو الرب‪ ،‬واذ كان يخاف من بيت أبيو وأىل‬
‫المدينة أن يعمل ذلك نيارا فعممو ليال‪ ...‬فقال أىل المدينة ليوآش‪ :‬أخرج ابنك لكي يموت‪ ،‬ألنو‬
‫ىدم مذبح البعل وقطع السارية التي عنده" [‪.]٣١ ،٢٧‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Caesarius 117:3.‬‬
‫‪5٥‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس‬

‫سببا في‬
‫مقاوما ليذا العمل‪ ،‬وكان ىذا ً‬
‫ً‬ ‫يبدو أن يوآش كان منخرطًا في عبادة البعل بينما كان ابنو‬
‫اعتزال االبن عن أبيو‪ ،‬فكان لو عبيده الخاصين بو‪ ،‬اختار منيم عشرة رجال‪ ،‬ربما أكثرىم غيرة عمى‬
‫ال خوًفا من بيت أبيو األبيعزريين الذين تركوا عبادة اهلل‬
‫الحي‪ ،‬فقام جدعون وعبيده بالعمل لي ً‬
‫ّ‬ ‫عبادة اهلل‬
‫ال وبقوا مع‬‫وانحرفوا إلى عبادة الوثن‪ ،‬ومن أىل المدينة ربما يقصد الكنعانيين الذين كانوا يقطنونيا قب ً‬
‫األبيعزريين‪.‬‬
‫خادما لإلنسان‪ ،‬يقوده‬
‫ً‬ ‫ال الناموس بوصاياه العشرة‪ ،‬فقد أرسمو الرب‬
‫من ىم ىؤالء العبيد العشرة إ ّ‬
‫إلى ىدم مذبح الشر الداخمي والتمتع بذبيحة الصميب المحيية‪ .‬أما بيت األب وأىل المدينة فيمثمون ما‬
‫أعمنو السيد المسيح أن أعداء اإلنسان أىل بيتو‪ .‬أشد المقاومين لإلنسان شيوات جسده وانحالل فكره‬
‫وانحراف مشاعره‪ ،‬أما أخطر عدو فيو "األنا ‪ "ego‬أو الذات البشرية‪ ،‬التي تربض داخل اإلنسان لتقتل‬
‫حي‪.‬‬
‫فيو كل فكر روحي ّ‬
‫لنتمسك إذن بالناموس الروحي في المسيح يسوع كعشرة رجال‪ ،‬ولنعمل بالرب بالرغم من كل‬
‫مقاومة داخمية في الجسد أو الفكر أو األحاسيس حتى تُصمب الذات ويتجمى الرب نفسو فينا كما في‬
‫مذبحو أو ىيكمو السماوي‪.‬‬
‫نعود إلى جدعون لنجد أىل المدينة يبكرون‪ ،‬ربما ليعبدوا البعل عند شروق الشمس‪ ،‬بكونو إلو‬
‫الشمس واذ أروا ما حدث إللييم ثاروا عمى جدعون‪ ،‬ربما لعمميم أنو الرجل الغيور ضد الوثنية‪ ،‬ولما‬
‫ال‪" :‬أنتم تقاتمون لمبعل أم‬
‫سألوا أباه أن يقتموه‪ ،‬تأثر األب بشجاعة ابنو فوقف مستيزًئا بيم‪ ،‬قائ ً‬
‫تخمصونو‪ ...‬إن كان إليا فميقاتل لنفسو ألن مذبحو قد ُىدم" [‪ .]٣١‬إذ أخذ جدعون خطوة أيجابية‬
‫في دحض الشر‪ ،‬تشددت النفوس الضعيفة كنفس أبيو‪ ،‬وأدرك البعض بطالن العبادة الوثنية العاجزة‪.‬‬
‫وقد دعا يوآش ىذا اليوم "يربعل" التي تعني (يحارب البعل) أو كما يقول القديس إيريناؤس‪[ :‬ألن‬
‫يربعل تعني كرسي الحكم عمى البعل‪.]٣‬‬

‫وجزة الصوف‬
‫‪ .٦‬جدعون ّ‬
‫اجتمع المديانيون والعمالقة وبنو المشرق لمحاربة إسرائيل في وادي يزرعيل [‪ ،]١١‬ويعتبر ىذا‬
‫موقعا لممعارك‪ .‬يمتد ىذا الوادي من جبل الكرمل إلى وادي‬
‫ً‬ ‫كثير ما كان‬
‫الوادي في قمب فمسطين ليذا ًا‬

‫‪1‬‬
‫‪Fragments of Lost Writings 17.‬‬
‫‪5١‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس‬

‫األردن‪ ،‬يعبر أحد فروعو بين جبل تابور وتل مورة وآخر بين تل مورة وجبل جمبوع‪ .‬وقد حمل الوادي‬
‫حاليا مرج ابن عامر‪.‬‬
‫حاليا ىي قرية زرعين‪ ،‬ويسمى الوادي ً‬
‫ىذا االسم عن مدينة كانت ذات شأن‪ً ،‬‬
‫إذ رأى جدعون اجتماع األمم ونزوليم لمحرب ضرب بالبوق بعد أن لبسو روح الرب‪ ،‬فاختفى‬
‫جدعون في الرب كما يختفي الجسد في الثوب‪ ،‬وصار أداة لتحقيق غاية إليية‪ .‬والعجيب أن قومو‬
‫الذين كان يخشاىم (أبيعزر) اجتمعوا وراءه لمحرب‪ ،‬األمر الذي حدث فجأة بقوة ال عن تأثير جدعون‬
‫ال المقاومين إلى مجاىدين معو‪.‬‬
‫عمييم وانما بال شك ىو عمل روح الرب الذي لبس جدعون‪ ،‬محو ً‬
‫ىذه صورة حية تقوية يختبرىا المؤمن حين يسمك بروح الرب الذي تمتع بو خالل سري المعمودية‬
‫مقاوما بشيواتو إلى أداة مقدسة تعمل‬
‫ً‬ ‫والميرون‪ ،‬فبقدر ما يتجاوب معو يحول اهلل الجسد الذي كان‬
‫بكل طاقاتيا وأحاسيسيا لحساب مجد اهلل‪ ،‬متناغمة مع النفوس المقدسة ومتجاوبة مع عمل روح اهلل‪.‬‬
‫يعا فدعا بقية السبط كمو "جميع منسى" [‪ ،]١6‬كما‬
‫تشجع جدعون إذ رأى عشيرتو تتحول ىكذا سر ً‬
‫ال ألسباط أخرى كأشير وزبولون ونفتالي‪ ...‬والعجيب أن أشير الذي خذل دبورة ولم يشترك‬
‫أرسل رس ً‬
‫معيا في مقاومة سيس ار (‪ )٣5 :6‬جاء مع جدعون يشترك مع جبابرة زبولون ونفتالي‪ .‬وكأن ضعف‬
‫خائر من قبل وغير نافع‬
‫اإلنسان في المعركة الروحية ال يعني االستمرار في االستسالم‪ ،‬فمن كان ًا‬
‫لمخدمة قد يصير جبار بأس في الروح‪ .‬لذا فالقائد الروحي الحق ال يعتمد عمى الناجحين في جيادىم‬
‫الروحي وحدىم وانما يسند حتى الذين سبقوا ففشموا لعمو بروح الرب يقيميم ويكونون قادة روحيين ليم‬
‫عمميم وفاعميتيم في ممكوت اهلل‪.‬‬
‫طل عمى جزة‬
‫اآلن يطمب جدعون من الرب عالمة ليخرج لمحرب؛ في تواضع سألو أن يكون ّ‬
‫صوف يضعيا في البيدر بينما تكون األرض كميا جافة‪ ،‬فتحقق لو ذلك حتى عصر الجزة فمألت‬
‫طل‪ .‬وكان لياتين‬
‫تماما واألرض بيا ّ‬
‫قصعة ماء‪ .‬وبتذلل سألو عالمة أخرى أن تكون الجزة جافة ً‬
‫عبر عنو كثير من اآلباء‪:‬‬
‫روحيا ّ‬
‫ً‬ ‫مفيوما‬
‫ً‬ ‫العالمتين‬
‫يقول القديس أمبروسيوس ‪[ :‬الندى الذي عمى الجزة ىو اإليمان الذي كان في الييودية‪ ،‬ألن كممة‬
‫اهلل تنزل كندى‪ .‬يقول موسى‪" :‬لييطل كمطر تعميمي ويقطر كالندى كالمي" (تث ‪ .)٥ :١٥‬ىكذا‬
‫عندما كان العالم كمو جا ًفا بسبب ح اررة الخزعبالت التي لألمم غير المثمرة‪ ،‬كان ندى االفتقاد السماوي‬
‫ينزل عمى الجزة‪ ،‬أي في الييودية‪ .‬ولكن بعد أن رفضت "خراف إسرائيل الضالة" (مت ‪– )٥٤ :٣6‬‬
‫حتى كما أظن قد ُرمز إلييا بجزة الصوف – ينبوع المياه الحية جف ندى اإليمان في قموب الييود‪،‬‬
‫وتحول المجرى اإلليي إلى قموب األمم‪ .‬ليذا السبب‪ ،‬فإن العالم كمو اآلن مرطب بندى اإليمان أما‬

‫‪5٤‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس‬

‫الييود فحطموا أنبياء ىم ومرشدييم‪ .‬ال عجب إن كانوا اآلن يخضعون لجفاف عدم اإليمان‪ ،‬فقد حرميم‬
‫مطرا" (إش‬
‫ال‪" :‬أوصي الغيم أن ال يمطر (عمى ذلك الكرم) ً‬ ‫الرب اإللو من مطر األنبياء المستمر‪ ،‬قائ ً‬
‫مكرم ىو مطر السحابة النبوية‪ ،‬وكما قال داود‪" :‬ينزل مثل المطر عمى الجزاز ومثل الغيوث‬
‫‪ّ .)5 :6‬‬
‫الذارفة عمى األرض" (مز ‪ .) 5 :5٥‬لقد وعدتنا الكتب المقدسة بيذا المطر أن ينزل عمى العالم كمو‬
‫أيضا المطر‪ .‬جاء‬
‫ويرويو عند مجيء ربنا ومخمصنا بندى الروح اإلليي‪ .‬وقد جاء الندى بالفعل‪ ،‬و ً‬
‫عطشانا من قبل فميأت اآلن ليشرب من الروح اإلليي‬
‫ً‬ ‫الرب ومعو األمطار السماوية‪ .‬ليذا من كان‬
‫الداخمي‪ .‬ىذا ىو ما سبق فرآه جدعون‪ ،‬أن قبائل األمم تشرب باإليمان الثمين من الندى السماوي‬
‫[أخير عمى كل األرض كما في البيدر ارتوت الكنيسة بندى النعمة‬ ‫ًا‬ ‫الحقيقي‪ .]٣‬مرة أخرى يقول‪:‬‬
‫يابسا وجا ًفا من كل رطوبة كممة اهلل ومطرىا‪].٥‬‬
‫الروحية بينما بقي المجمع ً‬
‫يقول القديس أغسطينوس ‪[ :‬نزل المسيح نفسو كمطر عمى الجزة بينما كانت األرض جافة‪ ،‬وذلك‬
‫ال إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت ‪.]١)٥٤ :٣6‬‬
‫عندما قال‪" :‬لم أُرسل إ ّ‬
‫رطبا بندى‬
‫يقول القديس جيروم‪[ :‬عندما كانت جزة الييودية جافة بالرغم من أن كل العالم كان ً‬
‫السماء‪ ،‬وعندما جاء كثيرون من المشارق والمغارب (لو ‪ )٥١ :٣١‬وجمسوا في حضن إبراىيم (لو‬
‫عظيما في إسرائيل وحدىا (مز‬
‫ً‬ ‫‪ ،)٥٥ :٣5‬عندئذ توقفت معرفة اهلل عن ييوذا وعن أن يكون اسمو‬
‫‪ )٣ :55‬فقد بمغ صوت الرسل إلى كل األمم وأقواليم إلى أقاصي المسكونة (مز ‪].٤)٤ :٣١‬‬
‫يقول القديس إيريناؤس ‪[ :‬ىكذا أشار (جدعون) أنو ال يعود يكون لمييود الروح القدس من اهلل‪،‬‬
‫منتشر في‬
‫ًا‬ ‫مطرا" (إش ‪ ،)5 :6‬فالندى إنما ىو روح اهلل‪...‬‬
‫كقول إشعياء‪ :‬أوصى الغيم أن ال يمطر ً‬
‫كل األرض‪].6‬‬
‫يعمق القديس أمبروسيوس عمى تحقيق ىذه العالمة في البيدر (مكان جمع الحنطة) قائالً‪[ :‬لم‬
‫يضع جدعون الجزة بغير مباالة في حقل أو حديقة إنما وضعيا في البيدر حيث يوجد محصول‬
‫الحنطة‪" ،‬فالحصاد كثير والفعمة قميمون" (لو ‪ ،)٥ :٣٠‬ألنو خالل اإليمان بالرب يوجد حصاد مثمر‬
‫‪5‬‬
‫أيضا عمى الماء الذي بالجزة‪ ،‬إذ مأل قصعة لم يستخدمو‬
‫لمفضائل في الكنيسة العتيدة ]‪ .‬وكما يعمق ً‬

‫‪1‬‬
‫‪Caesarius 117:4.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid. 177: 6 (See Conc. Widows 3).‬‬
‫‪3‬‬
‫‪On Ps 72.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ep. 58:3‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Adv. Haer 3:17:3.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Caesarius 117:5.‬‬
‫‪56‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس‬

‫جدعون في غسل األرجل‪ ،‬إنما تركو لمسيد المسيح الذي وحده جاء ال لكي يُخدم بل لكي يخدم (مت‬
‫‪.٣)٥٧ :٥٠‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪55‬‬
‫قضاة – األصحاح السابع‬

‫األصحاح السابع‬

‫جدعون والمديانيون‬
‫اطمأن جدعون لمعية اهلل لو‪ ،‬فبكر في محاربة المديانيين‪:‬‬

‫‪.٨-١‬‬ ‫‪ .١‬اهلل يخمص بالقميل‬


‫‪.١٨-٩‬‬ ‫‪ .٢‬جدعون كرغيف شعير‬
‫‪.٢٣-١٩‬‬ ‫‪ .٣‬هزيمة المديانيين‬
‫‪.٢٥-٢٤‬‬ ‫‪ .٤‬القبض عمى غراب وذئب‬

‫‪ .١‬اهلل يخمص بالقميل‬


‫ألفا من‬
‫بكر جدعون ومعو الشعب إلى عين حرود بينما كان جيش المديانيين الذي قدر ﺒ ‪ً ٥٣٥‬‬
‫رجال الحرب عند تل مورة في الوادي‪.‬‬
‫"حرود" كممة عبرية تعني (ارتعاد)‪ ،‬يبدو أنو دعي ىكذا بسبب ما حل بجيش المديانيين من رعدة‬
‫واضطراب في ىذه المعركة [‪ .]٢٢–٥٩‬يقال أنيا "عين جمود" أو "عين جالوت" حرفت من "حرود"‬
‫خ الل خطأ في السمع والنطق؛ تقع شمالي غرب جبل جمبوع أو جبل جمعاد‪ ،‬نحو ميل شرق جنوبي‬
‫ي زرعيل وبالقرب من بيسان‪ .‬أما تل مورة فيبعد حوالي أربعة أميال من العين‪ ،‬ويسمى جبل الدوحى‬
‫قدما عن سطح البحر‪ ،‬وىو بين جبل تابور (الطور) شماالً وجمبوع (جبل فرقوع أو‬ ‫ارتفاعو ‪ً ٥٨٥٥‬‬
‫جنوبا‪ .‬أما كممة "مورة" فكنعانية تعني (معمم)‪.‬‬
‫فقوعة) ً‬
‫كانت المعركة في الوادي حيث جاء جدعون من عين حرود والكنعانيون من تل مورة‪ ،‬ولعل‬
‫مجيء جدعون إلى ىذه العين لم يكن بال معنى‪ ،‬فسر النصرة ىي اإلمكانيات اإلليية التي يتمتع بيا‬
‫عبا إلبميس‪ .‬وقد جاءت جميع‬ ‫المؤمن خالل ينبوع المعمودية التي دعيت بحرود (ارتعاد) ألنيا تمثل ر ً‬
‫ليتورچيات الكنيسة األولى تحمل خطين أ ساسيين ىما جحد الشيطان بكل طاقاتو والتمتع بإمكانيات‬
‫الثالوث القدوس‪ .‬يقول العالمة ترتميان‪[ :‬في الكنيسة تحت يد األسقف نشيد أننا نجحد الشيطان وكل‬
‫موكبو ومالئكتو‪ .]٥‬ويقول القديس كيرلس األورشميمي‪[ :‬بعد ذلك تمسحون عمى صدوركم لكي تمبسوا‬
‫درع العدل وتثبتو ضد حيل الشيطان‪ .‬وكما أن المسيح بعد المعمودية وحمول الروح القدس خرج‬

‫‪1‬‬
‫‪Chaplet 3.‬‬
‫‪٦٧‬‬
‫قضاة – األصحاح السابع‬

‫أيضا بعد المعمودية المقدسة والمسحة السرية تثبتون ضد القوة المضادة‪،‬‬


‫وحارب المعاند‪ ،‬ىكذا أنتم ً‬
‫البسين سالح الروح القدس الكامل‪ ،‬وتحاربون قائمين مع الرسول‪" :‬إني أستطيع كل شيء في المسيح‬
‫الذي يقويني" (في ‪.]٥)٥٣ :٤‬‬
‫ال‪" :‬لئال‬
‫جدا‪ ،‬قائ ً‬
‫ألفا‪ ،‬وقد اسكتثره الرب ً‬
‫كان عدد الشعب الذي خرج مع جدعون حوالي ‪ً ٣٢‬‬
‫جدا بالنسبة لجيش المديانيين‪ ،‬لكن‬
‫ال يدي خمصتني" [‪ .]٢‬مع أنو عدد قميل ً‬
‫يفتخر عمي إسرائيل قائ ً‬
‫اهلل أراد تأكيد النصرة ال بكثرة العدد وانما بعممو اإلليي في القموب النقية‪ .‬وكما يقول القديس‬
‫غريغوريوس النيسي‪[ :‬اهلل ال يسر بالعدد‪.]٢‬‬
‫ومرتعدا فميرجع وينصرف من جبل‬
‫ً‬ ‫أول عمل قام بو ىو المناداة في آذان الشعب‪" :‬من كان خائ ًفا‬
‫جمعاد" [‪ ،]٣‬وبالفعل رجع اثنان وعشرون أ ًلفا وبقي عشرة آالف‪ .‬لألسف كان الخائفون أكثر من ثمثي‬
‫عددا ليس بال نفع فحسب وانما بخوفيم ورعدتيم يفسدون القمة الشجاعة‪ .‬وكما‬
‫الجيش‪ ،‬ىؤالء يمثمون ً‬
‫جاء في سفر التثنية‪" :‬من ىو الرجل الخائف والضعيف القمب ليذىب ويرجع إلى بيتو لئال تذوب قموب‬
‫إخوتو مثل قمبو" (تث ‪.)٨ :٢٢‬‬
‫طالبا منو أن ينزل بيم إلى‬
‫كثير" [‪ً ،]٤‬‬
‫لم يكتف الرب بيذه التصفية‪ ،‬إذ يقول‪" :‬لم يزل الشعب ًا‬
‫الماء‪ ،‬ليفرز من يمغ بمسانو من الماء كما يمغ الكمب عن الذين يجثون عمى ركبيم لمشرب‪ ،‬فكان عدد‬
‫الذين ولغوا بيدىم إلى فميم فيم ثالثمائة رجل‪ ،‬ىؤالء ىم الذين استخدميم في الحرب‪ ،‬أما بقية الشعب‬
‫طا‬
‫فرجع كل واحد إلى مكانو‪ .‬يرى البعض في الذين أخذوا الماء في أيدييم ولغوا بفميم أكثر ضب ً‬
‫ألنفسيم من الذين شربوا من العين مباشرة وكأن اهلل انتقى ضابطي أنفسيم لمعمل بيم‪ .‬وكأن اهلل يعمل‬
‫بالقمة القميمة ج ًدا ليحارب بيم من كانوا كالجراد في الكثرة وجماليم ال عدد ليا كالرمل الذي عمى‬
‫شاطئ البحر في الكثرة [‪.]٥٢‬‬
‫ويرى القديس أغسطينوس‪ ٣‬أن رقم ‪ ٣٢٢‬يشير إلى الصميب‪ ،‬ألن حرف "‪ "T‬الذي يحمل شكل‬
‫الصميب يشير إلى رقم ‪ ٣٢٢‬في اليونانية‪ .‬ويقدم لنا القديس أمبروسيوس ذات التفسير إذ يقول‪:‬‬
‫[اختار جدعون ‪ ٣٢٢‬رجالً لممعركة لكي يظير أن العالم كان يجب أن يتحرر من ىجمات العدو‬

‫‪1‬‬
‫‪Myst. Hom. 3:4.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪The Last Farewell 7.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪On Ps. 68‬‬
‫‪٦٨‬‬
‫قضاة – األصحاح السابع‬

‫الخطيرة بسر الصميب‪ ،‬ال خالل الجماىير الغفيرة‪ ،‬فإن حرف "‪ "T‬في اليونانية يستخدم لرقم ‪٣٢٢‬‬
‫ويحمل شكل الصميب‪.]٥‬‬
‫ينطمق حامموا الصميب (الثالثمائة) لمجياد الروحي تحت قيادة جدعون الحقيقي‪ ،‬أما الجميور‬
‫الغفير فيرجع كل واحد إلى مكانو أو إلى "األنا"‪ ،‬إذ ال يصمح لمعمل الروحي‪ .‬بمعنى آخر من ال يحمل‬
‫سر الصميب في حياتو إنما يتقوقع حول الذات‪ ،‬ليعمل ال لحساب اهلل بل لحساب ذاتو‪.‬‬
‫حمل ىؤالء الرجال في أيدييم ز ًادا مع أبواقيم‪ ،‬وجاء في الترجمة السبعينية أنيم أخذوا الزاد واألبواق‬
‫من الشعب‪ ،‬أي من الباقين الراجعين إلى خياميم‪ ...‬ولعل ىذا الزاد يشير إلى اإليمان‪ ،‬واألبواق تشير‬
‫إلى كممة اهلل‪ ،‬فإننا ال نستطيع أن ننزل إلى المعركة الروحية ضد إبميس وكل أعمالو إال باإليمان‬
‫والتمسك بكممة اهلل‪ ،‬وكما يقول المرتل‪" :‬أتكمم بشياداتك قدام مموك وال أخزى‪ ...‬لك أنا فخمصني ألني‬
‫طمبت وصاياك" (مز ‪.)٩٤ ،٤٦ :٥٥٩‬‬

‫‪ .٢‬جدعون كرغيف شعير‬


‫شخصا فقط لمعمل معو من حوالي ‪ ٣٢‬ألف‪،‬‬
‫ً‬ ‫ىينا أن يرى جدعون اهلل يفرز لو ‪٣٢٢‬‬
‫لم يكن ً‬
‫ليحارب ‪ ٥٣٥‬ألفًا من رجال الحرب‪ ،‬خاصة وأن الحرب ستكون في السيل حيث ال توجد حصون‬
‫طبيعية أو مغاير تمنع سيام العدو‪ ،‬ىذا مع قمة اإلمكانيات أو العدة الحربية بسبب سمب المديانيين‬
‫ونيب كل ما كان لدييم خالل سبع سنوات االستعباد‪ .‬باإلضافو إلى ىذا لم يتدرب رجالو عمى الحرب‬
‫سنوات طويمة‪ ،‬فال يحممون خبرة‪ .‬بمعنى آخر كان جدعون يقود رجاالً قميمي العدد‪ ،‬ومسموبي العدة‪،‬‬
‫وعدا بالنصرة‪ .‬ولكي يثبت إيمانو سألو أن ينزل مع‬
‫وبال خبرة وال حصون؛ لكن كان معو الرب ييبو ً‬
‫"فوره" غالمو أو خادمو‪ ،‬وربما كان حامل سالحو‪ ،‬متنكرين وسط محمة المديانيين‪ ،‬إلى آخر‬
‫المتجيزين [‪ ]٥٥‬أي إلى آخر صفوف جيشيم المتييئ لمحرب‪ ،‬ليسمع بنفسو ويممس الرعب الحال‬
‫وسطيم من جيتو‪.‬‬
‫ال يخبر صاحبو أنو رأى في حمم "رغيف خبز شعير" يتدحرج في‬
‫ىناك سمع وسط األعداء رج ً‬
‫محمة المديانيين ويجئ إلى الخيمة ليضربيا فتسقط‪ ،‬ويقمبيا إلى فوق‪ ،‬كما سمع جدعون تفسير الحمم‬
‫من مدياني آخر إذ يقول لمن ىذا الحمم‪" :‬ليس ذلك إ ّال سيف جدعون بن يوآش رجل إسرائيل‪ ،‬قد‬
‫دفع اهلل إلى يده المديانيين وكل الجيش" [‪.]١٤‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Caesarius Ser. 117:3.‬‬
‫‪٦٩‬‬
‫قضاة – األصحاح السابع‬

‫الشعير ىو أرخص أنواع الخبز في فمسطين‪ ،‬يأكمو الفقراء ويقدم لمحيوانات‪ ،‬وكأن اهلل يعمن حتى‬
‫لمعدو‪ ،‬أنو يحطم المديانيين بجدعون الذي يبدو في الضعف والفقر كرغيف من الشعير بال ثمن! كنا‬
‫صخر يتدحرج إلى الوادي فيحطم من ينزل إليو‪ ،‬أما رغيف خبز الشعير يتدحرج‬
‫ًا‬ ‫نتوقع أن يرى العدو‬
‫أسا عمى عقب فيذا كما فسر المدياني نفسو أنو عمل إليي‪.‬‬
‫فيحطم الخيمة المموكية ويقمبيا ر ً‬
‫في وقت الضيق‪ ،‬ال يختبر المؤمنون وحدىم عمل اهلل معيم خالل تعزياتو السماوية الفائقة‪ ،‬إنما‬
‫يقف حتى المقاومين مندىشين أمام عمل اهلل بأوالده الذين يظيرون كرغيف خبز من الشعير!‬

‫‪ .٣‬هزيمة المديانيين‬
‫إن كان اهلل يستخدم أقل القميل ليعمن فضل القوة هلل ال منا لكنو يقدس العمل اإلنساني‪ ،‬وال يحقر‬
‫من الحكمة البشرية‪ ،‬وال يتجاىل الطاقات والمواىب‪ .‬ففي حرب جدعون ضد المديانيين إن كان قد‬
‫حسنا‪ ،‬إذ قسم الثالثمائة إلى ثالثة‬
‫وتدبير ً‬
‫ًا‬ ‫أفرز ‪ ٣٢٢‬رجالً فقط لمعمل لكنو وىب جدعون حكمة لمعمل‬
‫موقعا في جانب من جوانب المحمة حول المديانيين‪ ،‬وجاء الكل ليالً في اليزيع‬
‫ً‬ ‫أقسام‪ ،‬كل قسم يحتل‬
‫الثاني حيث كان الميل عند الييود ينقسم إلى ثالثة أقسام كل قسم ‪ ٤‬ساعات يبدأ القسم األول بالساعة‬
‫مساء‪ .‬وقد حمل كل رجل بوقًا ومعو جرة ومصباح‪ .‬وفي الميل إذ كان الجيش المدياني في‬
‫ً‬ ‫السادسة‬
‫نائما عدا بعض الحراس‪ ،‬فوجئوا بأصوات أبواق من كل جانب دفعة واحدة‪ ،‬كما كسر الرجال‬
‫أغمبيتو ً‬
‫معا‪،‬‬
‫الجرار ربما كل إنسان كسر جرتو في جرة أخيو فأحدثت أصواتًا كأن العدد الحربية قد تشابكت ً‬
‫ىذا مع وجود المصابيح أو المشاعل من بعد‪ ...‬ىذا كمو جعل جنود المديانيين يقومون فجأة ويظن‬
‫بعضا بالسيوف إذ‬
‫ً‬ ‫معا‪ ،‬فصاروا يضربون بعضيم‬
‫كل واحد أن المعركة قد دارت وتشابك الجيشان ً‬
‫حسب كل منيم في الظممة أن زميمو من الجيش المضاد‪ .‬ووقف رجال جدعون كل واحد في مكانو‬
‫بينما دارت المعركة بين المديانيين وىم ال يدرون أنيم يقاتمون أنفسيم بأنفسيم‪.‬‬
‫تطمع المديانيون إلى بعيد ف أروا رجال جدعون بمصابيحيم من كل جانب عن بعد فحسبوا إمدادات‬
‫جديدة غير التي بينيم تقاتميم‪ ،‬فاضطروا وسط الظالم أن يتركوا المحمة وييربوا إلى بيت شطة [‪]٢٢‬‬
‫أو "بيت ىشطة" التي تعني (بيت السنطة) حيث وجدت أشجار السنط‪ ،‬وىو موقع بين وادي يزرعيل‬
‫وزراح في وادي األردن‪.‬‬
‫ومن بيت شطة ىربوا إلى صردة في سيل أفرايم في غور األردن‪ ،‬اسميا يعني (مبرد) أو (ب ْرد)‪،‬‬
‫حاليا ربما مدينة "صرتان" في وادي األردن‪.‬‬
‫ً‬

‫‪٧٢‬‬
‫قضاة – األصحاح السابع‬

‫حاليا بتل‬
‫ومن ىناك ىربوا إلى حافة آبل محولة أي حدودىا‪ ،‬اسميا يعني (حقل الرقص)‪ ،‬وتعرف ً‬
‫ال جنوبي بيت‬
‫المقمب بوادي األردن‪ ،‬وان كان البعض يرى أنيا كانت غربي األردن عمى بعد ‪ ٥٢‬مي ً‬
‫شعان‪.‬‬
‫ومن حافة آبل محولة ذىبوا إلى طباة‪ ،‬وىي رأس أبو طابات‪ .‬وكأن العدو كان ىارًبا بال مطاردة‪،‬‬
‫ألن الرب نفسو كان يرعبيم‪ ،‬أو بمعنى آخر سمميم ألعماليم الشريرة التي تفقدىم سالميم واستقرارىم‬
‫ليعيشوا ىاربين بال توقف‪ .‬وكما يقول الحكيم‪" :‬الشرير يطرد بشره" (أم ‪" ،)٣٢ :٥٤‬الشرير ييرب وال‬
‫طارد" (أم ‪ .) ٥ :٢٨‬ىكذا ييرب الشرير تارة إلى بيت ىشطة أي بيت السنط لعمو يقدر أن يستظل‬
‫تحت اإلشجار كأبويو آدم وحواء الياربين من وجو اهلل‪ ،‬وأخرى ينطمق إلى صردة أي البرد الذي يحطم‬
‫فيو كل ح اررة روح‪ ،‬ومرة ثالثة ينطمق إلى حافة آبل حودة أي إلى حافة بيت الرقص لعل خالعة ىذا‬
‫وسالما‪ ...‬ولكنو في ىذا كمو يكون كطريد بال راحة‪ ،‬إذ ىو بعيد عن‬
‫ً‬ ‫العالم وممذاتو تقدر أن تيبو فرًحا‬
‫اهلل نفسو واىب السالم ومصدر الراحة الحقيقية‪.‬‬
‫والعجيب أنو وسط ىذا الرعب الذي حل بالمديانيين وىروبيم بال وعي من موقع إلى آخر طمب‬
‫جدعون من ساكني جبل أفرايم أن ينطمقوا ليستولوا عمى كل مخاوض المياه من منطقة المديانيين حتى‬
‫يبمغوا إلى بيت بارة إلى األردن‪ .‬و"بيت بارة" تعني (بيت بور) أو بيت األراضي غير الصالحة‬
‫غالبا ىي بيت عبرة (بيت العبور أو الخوض) أو‬
‫ال شمال شرقي أورشميم‪ً ،‬‬ ‫لمزراعة‪ ،‬تبعد حوالي ‪ ٣٢‬مي ً‬
‫تماما ومنعيم من اليروب‪.‬‬
‫ال‪ .‬وكان القصد من االستيالء عمى المياه تحطيم المديانيين ً‬
‫جنوبيا قمي ً‬
‫ماذا يعني حرمان المديانيين من المياه؟ ربما تشير المياه إلى عطايا اهلل ونعمو‪ ،‬فإن كان إبميس قد‬
‫استخدم حتى عطايا اهلل لنا ومواىبنا وطاقاتنا التي خمقيا اهلل فينا لحساب شره (أي شر إبميس)‪ ،‬فإننا إذ‬
‫نرجع إلى الرب ننسحب من العدو بكل طاقاتنا ومواىبنا‪ ،‬فال يكون لو فينا موضع‪ ،‬وال يعود يجد في‬
‫تماما بالنسبة لنا‪ ،‬وال تكون لو رجعة إلينا‬
‫طاقاتنا آالت تعمل لحسابو بفكره الشرير‪ .‬وىكذا ييمك العدو ً‬
‫وال مطمع فينا‪.‬‬

‫‪ .٤‬القبض عمى غراب وذئب‬


‫وذئبا في معصرة ذئب‪،‬‬
‫وذئبا‪ ،‬وقتموا غر ًابا عمى صخرة غراب‪ً ،‬‬
‫"وأمسكوا أميري المديانيين غر ًابا ً‬
‫وتبعوا المديانيين‪ ،‬وأتوا برأسي غراب وذئب إلى جدعون من عبر األردن" [‪.]٢٥‬‬

‫‪٧٥‬‬
‫قضاة – األصحاح السابع‬

‫وذئبا‪ ،‬وأتوا برأسييما إلى‬


‫لم يقف األمر عند حرمان المديانيين من المياه وانما قتموا إميرييم غرًابا ً‬
‫جدعون بعد أن تبعوا المديانيين في ىروبيم‪ ،‬وقد دعيت الصخرة التي قتل عمييا غراب بصخرة غراب‪،‬‬
‫والمعصرة التي قتل فييا ذئب بمعصرة ذئب‪.‬‬
‫إن كانت الحمامة تشير إلى الروح القدس كما إلى الكنيسة المنقادة بالروح القدس‪ ،‬فالغراب يشير‬
‫إلى الروح الشرير كما إلى مممكة إبميس‪ .‬ففي قصة نوح انطمق الغراب من الفمك ليعيش عمى الجثث‬
‫الميتة‪ ،‬بال عودة إلى نوح‪ ،‬وكأنو بالروح الشرير الذي انحدر من مركزه السماوي ونزل ليعيش عمى‬
‫ال بموت اآلخرين وفسادىم‪ .‬وما يفعمو الروح الشرير إنما يسكبو‬
‫الفساد‪ ،‬ينتقل من جثة إلى جثة‪ ،‬متيم ً‬
‫في حياة األشرار الحاممين سماتو والسالكين بفكره الدنس‪.‬‬
‫وكما يشير الحمل إلى السيد المسيح والى كل مؤمن اتحد بو‪ ،‬ىكذا يشير الذئب إلى عدو الخير‬
‫ساكبا من ىذا الروح عمى تابعيو‪ ،‬يفترسون الحمالن الوديعة‬
‫ً‬ ‫إبميس الذي في طبعو الشراسة واالفتراس‪،‬‬
‫بال ذنب‪.‬‬
‫وذئبا أميري المديانيين يشيران إلى عدو الخير إبميس من جية حبو لمفساد‬
‫بمعنى آخر فإن غرًابا ً‬
‫(الغراب) واالفتراس (الذئب)‪ ،‬لكننا إذ نرتبط بجدعون الحقيقي ربنا يسوع المسيح‪ ،‬نقتل في داخمنا كل‬
‫وذئبا‪.‬‬
‫شوق لمدنس وكل ميل لمعنف واالفتراس‪ ،‬وكأننا نقتل فينا غرًابا ً‬
‫وذئبا قد قتال عمى صخرة وفي معصرة عمى التوالي‪ ،‬فإن كانت الصخرة تشير‬ ‫والعجيب أن غرًابا ً‬
‫إلى السيد المسيح كقول الرسول (‪ ٥‬كو ‪ )٤ :٥٢‬والمعصرة تشير إلى الكنيسة فإن عدو الخير إبميس‬
‫بكل فساده وعنفو يفقد حياتو وكيانو خالل إتحادنا بالسيد المسيح صخرتنا‪ ،‬وعضويتنا الروحية في‬
‫الكنيسة‪.‬‬

‫وذئبا ورجاليما نستطيع أن نقول بين‬


‫في ختام ىذه المعركة التي فييا غمب جدعون ورجالو غرًابا ً‬
‫سر القوة يكمن في الطريق الروحي الذي انتيجو جدعون من جوانب عديدة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬كان رجالو ثالثمائة نسمة‪ ،‬وكما قمنا أعمنوا بيذا أنيم حامموا الصميب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬انقسموا إلى ثالث فرق تعمل في وقت واحد وبروح واحدة تحت قيادة جدعون‪ ،‬وكأنيم‬ ‫ً‬
‫‪٥‬‬
‫بالكنيسة الحاممة سمة القيامة‪ ،‬ألن رقم ‪ ٣‬يشير إلى القيامة بعد الدفن في القبر مع السيد المسيح ‪.‬‬

‫‪٥‬‬
‫راجع تفسير يشوع ‪.٢ :٣‬‬

‫‪٧٢‬‬
‫قضاة – األصحاح السابع‬

‫ار تنكسر ىي األجساد المتنسكة خالل‬ ‫ثالثًا‪ :‬حمل كل رجل بوقًا وىو كممة اهلل المنذرة لمنفس‪ ،‬وجرًا‬
‫ومصباحا ىو عمل نعمة اهلل التي تيب النفس استنارة‪.‬‬
‫ً‬ ‫إماتتيا عن شيواتيا لتتقدس في الرب‪،‬‬
‫ابعا‪ :‬قتميم لغراب وذئب أي رفضيم لروح الفساد والشراسة‪.‬‬
‫ر ً‬
‫ىذا ىو طريق الغمبة الروحية تحت قيادة السيد المسيح – جدعون الحقيقي – واىب النصرة‪.‬‬

‫‪٧٣‬‬
‫قضاة – األصحاح الثامن‬

‫األصحاح الثامن‬

‫قتل زبح وصممناع‬


‫بروح االتضاع كسب جدعون رجال أفرايم الثائرين‪ ،‬وبروح الجياد انطمق ليأتي بممكي مديان زبح‬
‫وصممناع ليقتميما‪.‬‬

‫‪.3-1‬‬ ‫‪ .1‬مصالحة رجال أفرايم‬


‫‪.9-4‬‬ ‫‪ .2‬موقف سكوت وفنائيل‬
‫‪.21-11‬‬ ‫‪ .3‬قتل ممكي مديان‬
‫‪.28-22‬‬ ‫‪ .4‬صنع أفود ذهبية‬
‫‪.35-29‬‬ ‫‪ .5‬موت جدعون‬

‫‪ .1‬مصالحة رجال أفرايم‬


‫كان سبط أفرايم لو قوتو بين األسباط‪ ،‬ويحتل أفضل أراضي الميعاد‪ ،‬حتى عندما انقسمت إسرائيل‬
‫إلى مممكتين دعيت األسباط العشرة بأفرايم (إر ‪ .)٠٢ ،3١ ،٩ :13‬كان ىذا السبط يتوقع طمبو من‬
‫جدعون عند قيامو بالمعركة ضد المديانيين‪ ،‬واذ لم يفعل ىذا خاصمو بشدة [‪ .]3‬وقد ظيرت قدرة‬
‫جدعون القيادية الحكيمة في مواجية ىذا الموقف بمطف شديد واتضاع امتص غضبيم‪ ،‬فقد استغل‬
‫قتميم ألميري مديان غراب وذئب وقال ليم‪" :‬ماذا فعمت اآلن نظيركم؟! أليست خصاصة أفرايم خيرا‬
‫من قطاف أبيعزر؟! ليدكم دفع اهلل أميري المديانيين غرابا وذئبا‪ .‬وماذا قدرت أن أعمل نظيركم؟!"‬
‫[‪.]3-2‬‬
‫في اتضاع أعمن أن ما يبقى في كرم أفرايم (الخصاصة) ليو أفضل مما يقطف من كرم عشيرتو‬
‫"أبيعزر"‪ ،‬واذ مدحيم عمى إتيانيم برأس األميرين أي القائدين المديانيين ارتخت روحيم عنو‪ .‬وكما‬
‫يقول الكتاب‪" :‬الجواب المين يصرف الغضب" (أم ‪.)3 :31‬‬
‫كان يمكن لجدعون أن يوبخيم ألن المديانيين استعبدوىم ‪ 4‬سنوات ولم يتحرك منيم أحد‪ ،‬لكنو‬
‫استعدادا لممعركة وأما ىم‬ ‫كقائد حكيم أبرز فييم الجانب الطيب‪ ،‬موضحا أن ما عممو لم يكن إالا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فقاموا بالعمل الالئق بكرامتيم وعظمتيم‪ ،‬فكسبيم في صفة عوض أن يخسرىم كأعداء يقاومونو‪ .‬لقد‬
‫محتاجا إلى كممة تشجيع ال إلى مقاومة وتوبيخ!‬
‫ً‬ ‫حسب أفرايم صغير النفس‬

‫‪47‬‬
‫قضاة – األصحاح الثامن‬

‫‪ .2‬موقف سكوت وفنائيل‬


‫أمر ال‬
‫إذ الحق اإلعياء رجال جدعون خالل مطاردتيم لممديانيين‪ ،‬سأل جدعون أىل سكوت ًا‬
‫شيئا أالا وىو القميل من الخبز ليؤالء الرجال القميمين الذين يحاربون العدو لحساب كل الجماعة‪،‬‬
‫يكمفيم ً‬
‫خاصة وأنيم لم يتوقفوا عن الجياد بل ىم سائرون لإلتيان برأسي ممكي مديان زبح وصممناع‪ .‬كان‬
‫يميق بأىل سكوت أن يحاربوا مع جدعون لمتحرر من عبودية المديانيين فإذ لم يكن لدييم اإليمان‬
‫سوءا من رجال أفرايم ألنيم‬
‫الكافي ليذا العمل فال أقل من تقديم الخبز لو ولجنوده‪ .‬ىؤالء كانوا أكثر ً‬
‫باردون في مشاعرىم‪ ،‬مستسممون لمعبودية‪ ،‬ومثبطون ليمم العاممين‪ ،‬فكانوا أخطر من األعداء‬
‫أنفسيم‪ .‬لم يتوقفوا عند عدم العطاء وانما في سخرية حاولوا تثبيط ىمميم بقول رؤسائيم لو‪" :‬هل أيدي‬
‫زبح وصممناع بيدك اآلن حتى نعطي جندك خبزا؟!" [‪.]6‬‬
‫"سكوت" تعني (مظاالً) ‪ ،‬وىو موضع شرقي األردن وشمال يبوق‪ ،‬موقعو اآلن تل أخصاص غربي‬
‫دير عمة بالقرب من اليبوق (نير الزرقاء) عمى بعد ‪ 7‬أميال شرقي األردن‪ .‬وقد حممت اسمو "سكوت"‬
‫بعد أن أقام يعقوب فيو مظالت لو ولبنيو ولمواشيو (تك ‪ ،)34 :11‬وىو من نصيب سبط جاد‪.‬‬
‫اضطر جدعون أن ييدد أىل سكوت‪ ،‬قائالً‪ " :‬لذلك عندما يدفع الرب زبح وصممناع بيدي أدرس‬
‫لحمكم مع أشواك البرية بالنوارج" [‪ .]7‬بدا جدعون المتضع لمغاية أمام اهلل (‪ )31 :6‬وأمام رجال‬
‫وعنيفا مع أىل سكوت‪ ،‬إذ يود أن يعرييم ليغطي لحميم باألشواك ويدوس‬
‫ً‬ ‫حازما لمغاية بل‬
‫ً‬ ‫أفرايم‬
‫فارز التبن عن الحنطة‬
‫عمييم بالنوارج لعمو كقاضي إلسرائيل رأى من واجبو تأديب ىؤالء القوم بعنف ًا‬
‫بنوارج التأديب حتى ال تحل المعنة بالشعب كمو‪.‬‬
‫لو كان أىل سكوت حنطة لمجدتيم النوارج إذ تفرز الحنطة عن التبن‪ ،‬ولكن ألنيم أشواك تحطميم‬
‫النوارج وتجمعيم لمحرق‪ .‬الحنطة ال تخاف النورج بل تنتظره بفرح أما الشوك والتبن فيرىبانو!‬
‫لحما‪ ،‬وينبع‬
‫ما ىدد بو جدعون ال يمس أىل سكوت وحدىم بل يمحق بكل إنسان يحمل في داخمو ً‬
‫جسديا‬
‫ً‬ ‫في أرضو الداخمية أشواك المعنة‪ ،‬بمعنى آخر يسقط تحت نورج جدعون الميمك من كان يعيش‬
‫(لحميا) بفكره وقمبو وحياتو‪ ،‬حامالً أشواك لعنة الخطية فيو‪ ،‬أما من يسمك بالروح ويكون لو الثمر‬
‫ً‬
‫السماوي فال تستطيع النوارج أن تؤذيو بل بالحري تمجده‪.‬‬
‫لينزع الرب عنا فكرنا المحمي وليحرق فينا أشواك الخطية الخانقة لمنفس ليحطم فينا كل ما ىو‬
‫غريب بنورجو (صميبو) المقدس لكي نحيا بالحق كروحيين نسكن في السماويات‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫قضاة – األصحاح الثامن‬

‫أيضا أىل فنوئيل‪ ،‬فأجابيم جدعون‪" :‬عند رجوعي بسالم‬


‫وما فعمو أىل سكوت بجدعون فعمو ً‬
‫أهدم هذا البرج" [‪.]9‬‬
‫مخيم شرقي األردن‪ ،‬شرق سكوت‪ ،‬فيو نظر يعقوب اهلل وجيًا‬ ‫كممة "فنوئيل" تعني (وجو اهلل)‪ ،‬وىو ّ‬
‫لوجو (تك ‪)1٢ :1٠‬؛ وقد كان يميق بناظري وجو اهلل أن ينزلوا مع جدعون ليحاربوا المديانيين‪ ،‬لكنيم‬
‫احتموا في برج مدينتيم أثناء المعركة‪ ،‬وعندما انتيت رفضوا تقيم الخبز لجدعون ورجالو‪ .‬إنيم يمثمون‬
‫اإلنسان الذي نال خبرة روحية مع الرب إلى حين‪ ،‬كمن رآه وجيًا لوجو‪ ،‬لكنو يرفض الجياد الروحي‬
‫ال عمى بره الذاتي (برجو)‪ ...‬ليذا يستحق ىدم ىذه الذات حتى يرجع إلى الرب برجو الحقيقي‬
‫متك ً‬
‫الحصين‪.‬‬
‫بمعنى آخر إن كان أىل سكوت يمثمون اإلنسان الجسداني الذي يستحق تحطيم لحمو وكسر‬
‫أشواك شيواتو الجسدية فإن أىل فنوئيل يمثمون اإلنسان الذي لو سمة الروح الخارجية لكنو متقوقع‬
‫حول ذاتو "األنا ‪ ."EGO‬األول مصاب بالضربات الشمالية أي خطايا الجسد‪ ،‬والثاني بالضربات‬
‫اليمينية أي البر الذاتي‪ .‬األول يحتاج إلى نورج جدعون أي صميب الرب لتحطيم شيوات جسده‬
‫وصمبيا والثاني يحتاج إلى آالت جدعون (صميبو) لتحطيم برجو الذاتي‪.‬‬

‫‪ .3‬قتل ممكي مديان‬


‫ممكي مديان زبح وصممناع في قرقر ومعيما ما تبقى من الجيش ‪ 31‬ألفا‪ ،‬بينما سقط ‪3٠٢‬‬
‫ّ‬ ‫كان‬
‫ألفًا من مخترطي السيف [‪ .]3٢‬صعد جدعون في طريق ساكني الخيام شرقي نوبح ويجبية وضرب‬
‫الجيش‪ ،‬واذ ىرب الممكان تبعيما وأمسك بيما [‪.]3٠‬‬
‫نذير آللية المديانيين‪ ،‬وأما "صممناع" فمديانية‪ ،‬تعني‬
‫كممة "زبح" تعني (ذبيحة)‪ ،‬ربما ألنو كان ًا‬
‫(الذي لم يقدم لو ممجأ) أو (ليس لو ظل) أو (اإللو "صمم" أي "المظمم" أو "زحل" يحكم)‪ .‬وكممة "قرقر"‬
‫معناىا (مسطح حتى األرض) وىي مدينة قرب تخم جاد الشرقي ربما كانت في وادي سرحان‪.‬‬
‫كان مديان يعتز بجيشو البالغ ‪ 311‬أ ًلفا من مخترطي السيف‪ ،‬لكنو لم يبقى مع الممكين سوى ‪31‬‬
‫ألفا منيكي القوى ويائسين‪ ،‬أما الممكان فيشيران إلى إبميس وأتباعو فاألول باسمو يعني أنو ذبيحة‬
‫لألصنام واآلخر يعمن مممكة اإللو صمم أو اإللو المظمم‪ ...‬واآلن إذ قاد جدعون الحقيقي – يسوع‬
‫المسيح – المعركة الروحية خالل رجالو حاممي الصميب لم يبق إلبميس ا‬
‫إال أن ييرب إلى قرقر أي‬
‫ينزل إلى (مستوى األرض)‪ ،‬يفقد سمطانو وميابتو أمام المؤمنين‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫قضاة – األصحاح الثامن‬

‫قويا وعنيفًا لو ‪ 311‬ألفا من رجال الحرب‪ ،‬لكنو من يختفي في‬


‫إن كان العدو يبدو في البداية ً‬
‫جدعون الحقيقي يستيين بإبميس ويسحقو تحت قدميو كمن ىو ساقط عمى األرض‪ .‬وكما يؤكد ربنا‬
‫سمطانا لتدوسوا الحيات والعقارب‬
‫ً‬ ‫طا مثل البرق من السماء؛ ىا أنا أعطيكم‬
‫يسوع‪" :‬رأيت الشيطان ساق ً‬
‫وكل قوة العدو وال يضركم شيء" (لو ‪.)3٩ :3٢‬‬
‫ىذا ما أكده القديس يوحنا الذهبي الفم في كثير من مقاالتو وكتاباتو‪ ،‬بل وأفرد مقاالت خاصة‬
‫عن عدم قيام سمطان إلبميس عمينا‪.3‬‬
‫صعد جدعون في البرية‪ ،‬في طريق ساكني الخيام ليمحق بالممكين فذىب إلى شرقي نوبح ويجبية‬
‫بعيدا‬
‫حيث ضرب الجيش واذ ىرب الممكان اقتفى أثرىما وأمسك بيما‪ .‬لقد ظن الممكان أنيما في أمان ً‬
‫عن جدعون‪ ،‬لكنيما فوجئا بو وسط البرية‪ ...‬وكان جدعون يمثل السيد المسيح الذي أصعد بروحو‬
‫القدوس إلى البرية ليدخل مع إبميس في معركة عمى الجبل انتيت بنصرة الرب لحسابنا وىزيمة العدو‪.‬‬
‫فكثير ما‬
‫ًا‬ ‫افقا لممعركة‬
‫"نوبح" كممة عبرية تعني (نباح)‪ ،‬مدينة في نصيب جاد‪ .‬وقد جاء االسم مو ً‬
‫يشبو إبميس بالكمب الذي ينبح عند داره بعنف لكنو ال يقدر أن يؤذي إالا الخائف‪ ...‬يشتم رائحة‬
‫الخائف من إف ارزات جسمو الناتجة عن الخوف فيياجمو‪ ،‬أما الثابت الشجاع فتيرب الكالب منو‪ .‬ىكذا‬
‫ترىبنا الشياطين بنباحيا‪ ،‬لكنيا تتسم بالجبن الشديد وتيرب أمام المؤمنين الحقيقيين‪.‬‬
‫أما "يجبية" فتعني (مرتفعة)‪ ،‬ربما تكون "جبييات" الحالية وىي قرية تبعد ‪ 6‬أميال شمال غربي‬
‫عمان عمى طريق السمط‪ .‬بالحقيقة دارت المعركة عند يجبية أي عمى المرتفعة أو المتشامخة‪ ،‬إذ ىذه‬
‫ىي سمة العدو األولى‪ ،‬فبسبب كبريائو دخل في عداوة مع اهلل‪ ،‬نزل إلى معركة خاسرة تنتيي بيالكو‬
‫األبدي‪ .‬ولعل "المرتفعة" أيضا تعني الجبل المرتفع الذي فيو دارت معركة التجربة (مت ‪ ،)7‬أو لعميا‬
‫ت شير إلى الصميب المرتفع عمى جبل الجمجثة‪ ،‬فيو تمت نصرتنا في ربنا يسوع المسيح عمى الظممة‬
‫القاتمة‪.‬‬
‫إذ أمسك بالممكين رجع جدعون من الحرب "من عند عقبة حارس" [‪ .]13‬كممة "حارس" تعني‬
‫في العبرية (الشمس)‪ ،‬لذلك جاءت الترجمة الكمدانية السابقة‪" :‬قبل طموع الشمس"‪ ،‬لكن البعض يرى‬
‫أنو انطمق من مرتفع حارس أي (مرتفع الشمس)‪ ،‬ربما ألن عميو كانت تقام عبادة الشمس‪.‬‬
‫غالما عن أسماء شيوخ سكوت فكانوا سبعة وسبعين رجالً‪ ،‬فعل‬
‫ً‬ ‫واذ رجع جدعون إلى سكوت سأل‬
‫قاسيا عمى إخوتو خاصة أثناء الضيق‪ ،‬إذ منعوا‬ ‫ا‬
‫بيم كما سبق فيددىم ليتعمم الشعب كمو أال يكون ً‬

‫‪3‬‬
‫راجع‪ :‬من يقدر أن يؤذيك؟‪" ،‬ىل لمشيطان سمطان عميك؟"‬

‫‪44‬‬
‫قضاة – األصحاح الثامن‬

‫قاسيا لكننا إلى اآلن نراه في أغمب دول‬


‫الخبز عن رجالو وىم خارجون لمحرب‪ .‬ىذا الحكم وان بدا ً‬
‫عنيفا في فترات الحروب والطوارئ ألجل سالمة الجماعة‪.‬‬
‫العالم ما لم يكن في جميعيا يكون الحكم ً‬
‫أيضا كما سبق فحكم عميو‪.‬‬
‫وصنع جدعون ببرج فنوئيل ً‬
‫ىنا نالحظ أن رقم ‪ 44‬ىو بعينو الرقم الذي نطق بو السيد المسيح عندما سألو بطرس الرسول‪:‬‬
‫"يا رب كم مرة يخطئ إل اي أخي وأنا أغفر لو‪ ،‬ىل إلى سبع مرات؟" أجابو‪" :‬ال أقول لك إلى سبع مرات‬
‫بل إلى سبعين مرة سبع مرات" (مت ‪ .)٠٠-٠3 :3١‬ويعمق القديس أغسطينوس عمى ىذا الرقم‬
‫معمنا أن الناموس يمثل رقم ‪ ،3٢‬وكسر الناموس يمثل وصية مستترة ضمننا ىي‪" :‬ال تكسر الناموس"‬
‫ً‬
‫تضاف لموصايا العشر فتكون الوصية الحادية عشر‪ .‬فإن كان رقم ‪ 44‬ىو حاصل ضرب ‪ 4×33‬فإنو‬
‫أيضا وصايا العيد الجديد (‪ ،)4‬وكأننا نغفر‬
‫يرمز إلى اإلنسان الكاسر لكل وصايا العيد القديم (‪ )33‬و ً‬
‫عن أية خطية يرتكبيا إنسان وجدت في الكتاب المقدس‪ .‬بنفس الفكر يمكننا القول بأن جدعون قتل‬
‫الشيوخ السبعة والسبعين بالنوارج بين األشواك إشارة إلى السيد المسيح الذي حطم بصميبو جميع‬
‫خطايانا وعصياننا وكسرنا لموصايا الواردة في العيدين مع تحطيم أشواك المعنة التي حمت بنا‪.‬‬
‫العجيب أن جدعون لم يقتل الممكين في الحال بل أخذىما ليراىما أىل سكوت وأىل فنوئيل‪ ،‬وقد‬
‫سأليما عن الرجال الذين قتموىما في جبل تابور‪ ،‬واذ اعترفا بقتميم‪ ،‬أصدر الحكم عمييما بأن يقتال‪،‬‬
‫فطمب من ابنو البكر "يثر" أن يقوم ويقتميما‪ ،‬واذ خاف كفتى طمبا ىما منو‪" :‬قم أنت وقع عمينا ألنه‬
‫مثل الرجل بطشه" [‪ . ]21‬بيذا ربما أراد جدعون أن يكشف ألىل سكوت وأىل فنوئيل أنو غير‬
‫متعطش لسفك الدماء‪ ،‬فال يحكم عمى أحد إالا بعد أن يفحص أمره‪ ،‬وحتى بعد اعترافيما بشرىما أراد‬
‫أن يقتميما ابنو ليظير أنو لم يكن شغوًفا نحو قتميما ‪ ...‬إنو كقاض يحب العدل لكن بحزم‪.‬‬
‫بعد قتمو ليما "أخذ األهمة التي في أعناق جمالها" [‪ ،]21‬كانا قد وضعاىا كأحجبة ربما لمحفظ‬
‫من األضرار إذ كانا يعبدان ال قمر‪ ،‬وكأنو أخذ آليتيما التي لم تستطيع أن تحمييما‪ .‬كانت ىذه األىمة‬
‫أيضا الرجال (‪ )٠6 :١‬والنساء (إش ‪ )3١ :1‬لتجمب ليم الحظ وتحفظيم من الشر‪.‬‬
‫يمبسيا ً‬

‫‪ .4‬صنع أفود ذهبية‬


‫برىن جدعون إنو مقود بالروح إذ نجح عندما دخل في امتحان قاس‪ ،‬فقد طمبو الشعب أن يممك‬
‫عمييم‪ ،‬قائمين لو‪ " :‬تسمط عمينا أنت وابنك وابن ابنك ألنك خمصتنا من يد مديان" [‪ .]22‬ىذه ىي‬
‫المرة األولى التي فييا تظير محاولة إسرائيل إلقامة النظام الممكي المتوارث‪ .‬وكان إسرائيل يحسب أن‬
‫اهلل نفسو ىو ممكو‪ ،‬لذلك عندما طمبوا من صموئيل إقامة ممك قال الرب‪" :‬إياي رفضوا حتى ال أممك‬

‫‪4١‬‬
‫قضاة – األصحاح الثامن‬

‫عمييم" (‪ 3‬صم ‪ .)4 :١‬فإذ كان جدعون سال ًكا بالروح لم تغره السمطة بل قال‪" :‬ال أتسمط أنا عميكم‬
‫وال يتسمط ابني عميكم؛ الرب يتسمط عميكم" [‪ .]23‬بعبارتو ىذه كشف جدعون عن أعماق قمبو أنو‬
‫خادما لمرب ولشعبو‪َ ،‬قبِ َل العمل من أجل الطاعة‬
‫ً‬ ‫في عممو كقاض لم يشتو السمطة بل كان بالحقيقة‬
‫وفي يقين أن اهلل ىو العامل‪.‬‬
‫إن كان جدعون قد نجح في رفضو الممك لنفسو وألبنائو لكنو في ضعف بشري طمب من الشعب‬
‫طا ذىبية‬
‫أن يقدم لو األقراط الذىبية التي أخذوىا غنيمة من المديانيين‪ ،‬إذ كان لممديانيين أق ار ً‬
‫جدا أمام عممو الخالصي ورفضو الممك لنفسو‬ ‫كاإلسماعيميين‪ .‬حسب الشعب ىذه العطية قميمة ً‬
‫ألفا وسبع مئة شاقل من الذىب‪ ،‬أي ما يزيد عمى ‪ ٠6‬أقة‬
‫وألبنائو‪ ،‬فقدموا لو طمبتو فكان وزن األقراط ً‬
‫أفودا اختمف‬
‫من الذىب‪ ،‬مما يدل عمى غنى المديانيين المفرط‪ .‬وقد صنع جدعون بيذا الذىب ً‬
‫المفسرون في أمرىا‪ ،‬فالبعض رأى أن األفود ىي مالبس رئيس الكينة (خر ‪ .)7 :٠١‬وكأن جدعون‬
‫الذي رفض الممك سقط في شيوة الكينوت بالرغم من كونو ليس من سبط الوي‪ .‬ورأى آخرون أن‬
‫أفودا لألصنام خالليا يطمبون‬
‫األفود ىنا خاصة باألصنام‪ ،‬إذ كان الوثنيين يقيمون في كل بيت ً‬
‫المشورة قبل كل تصرف (‪ 3‬صم ‪3٠-٩ :٠1‬؛ ‪ ،)١-4 :1٢‬ويعممون ذلك بالقول‪" :‬وكان ذلك‬
‫لجدعون وبيته فخا" [‪.]27‬‬
‫أمينا لمرب ومات بشيبة صالحة [‪،]٠‬‬
‫كثير من الدارسين يروا أن جدعون لم يعبد األوثان‪ ،‬إذ بقى ً‬
‫وقد حسبو الرسول بولس من رجال اإليمان‪ ،‬إنما ما صنعو من أفود احتفظ بو دون التعبد لو‪...‬‬

‫‪ .5‬موت جدعون‬
‫استراحت األرض أربعين سنة في أيام جدعون‪ ،‬وكان المديانيون في مذلة أمامو‪.‬‬
‫يذكر لنا الكتاب عن أوالده السبعين‪ ،‬وعن ابنو أبيمالك من سريتو التي في شكيم‪ ،‬وذلك ألن‬
‫متفقا مع أىل والدتو – أىل شكيم – ضد إخوتو السبعين ليتسمط‬
‫األخير كما سنرى يقوم بدور شرير ً‬
‫عمى إس ارئيل‪.‬‬
‫بموت جدعون رجع إسرائيل إلى الشر وجعموا ليم "بعل بريث" أي (سيد العيد) إليًا‪ ،‬وكأنيم أقاموا‬
‫عيدا مع البعل كاسرين العيد مع اهلل‪.‬‬
‫ً‬

‫‪4٩‬‬
‫قضاة – األصحاح التاسع‬

‫األصحاح التاسع‬

‫فتنة أبيمالك‬
‫مييجا أىل شكيم‬
‫ً‬ ‫مفسدا‪ ،‬قتل إخوتو ليممك‪،‬‬
‫ً‬ ‫إنسانا‬
‫ً‬ ‫كان جدعون رجل إيمان لكن بعد موتو قام ابنو‬
‫– أىل والدتو – لقتل إ خوتو السبعين‪ ،‬فمم يدم ممكو سوى ثالث سنوات انتيت بالغدر بو وتأديب أىل‬
‫شكيم عمى ما فعموه‪.‬‬

‫‪.6-1‬‬ ‫‪ .1‬قتمه إخوته‬


‫‪.21-7‬‬ ‫‪ .2‬حديث يوثام مع شكيم‬
‫‪.25-22‬‬ ‫‪ .3‬غدر أهل شكيم بأبيمالك‬
‫‪.41-26‬‬ ‫‪ .4‬هزيمة جعل بن عابد‬
‫‪.49-42‬‬ ‫‪ .5‬أبيمالك يضرب شكيم‬
‫‪.57-55‬‬ ‫‪ .6‬قتل أبيمالك بامرأة‬

‫‪ .1‬قتمه إخوته‬
‫غالبا ما كانت‬
‫ابنا لجدعون من سرية لو من شكيم من قبيمة ليا سطوتيا ونفوذىا‪ً ،‬‬ ‫كان أبيمالك ً‬
‫ىذه القبيمة كنعانية‪ ،‬وكان أبيمالك إذ يشعر أنو ال يرث مع إخوتو السبعين ألنو ابن سرية‪ ،‬لذلك كان‬
‫أيضا يتعاطفون معو ضد إخوتو‪.‬‬‫مرتبطًا بعائمة أمو‪ ،‬وكانوا ىم ً‬
‫ذىب أبيمالك إلى عائمة أمو ليثيرىم بأن إخوتو السبعين يريدون أن يممكوا ويتسمطوا‪ ،‬مع أن أباىم‬
‫جدعون رفض السمطة لنفسو أو ألوالده‪ ،‬لذلك سأليم أن يساندوه ليممك بمفرده خير من أن يممك‬
‫معا عمييم‪ .‬ىنا يظير حب السمطة في حياة أبيمالك‪ ،‬األمر الذي دفعو إلى قتل جميع إخوتو‬
‫السبعون ً‬
‫(عدا يوثام اليارب) عمى حجر واحد‪ ،‬وقد قضى حياتو القصيرة في ممكو ممموءة قالقل انتيت بقتمو‪.‬‬
‫عاما وعاش ىو‬
‫بمعنى آخر أن كان جدعون قد نجح في رسالتو وبسببو استراحت األرض أربعين ً‬
‫ورجالو وكل الشعب مرفوعي الرأس أمام المديانيين إنما ألن قمب جدعون ال يحمل شوقًا نحو السمطة‬
‫حبا لمكرامة‪ ،‬أما أيام ابنو فكانت شريرة‪ ،‬تحطم ىو وأىل بمده وكل الشعب بسبب حبو لمسمطة‪ .‬ليذا‬
‫وال ً‬
‫يقول القديس أغسطينوس‪[ :‬ليكن المشتغمون بحياة الخدمة في ىذا العالم بعيدين كل البعد عن محبة‬

‫‪88‬‬
‫قضاة – األصحاح التاسع‬

‫الكرامة ومظير القوة‪.]8‬‬


‫إن كان أبيمالك قد أخطأ في حبو لمتسمط‪ ،‬فإن األفراميين ساكني شكيم أخطأوا إذ قبموه مم ًكا كطمب‬
‫عائمتو (الوثنية)‪ .‬لقد أجرم الممك والرعية‪ ،‬األول في حبو لمكرامة البشرية واآلخرون في سوء اختيارىم‪.‬‬
‫ما نقولو عن أبيمالك إنما نكرره في اختيار أي راع أو خادم في كرم الرب‪ .‬وكما يقول القديس يوحنا‬
‫الذهبي الفم‪ [ :‬إن ىؤالء الذين ينتمون إلى المسيح يدمرون ممكوتو أكثر من األعداء والمقاومين لو‪،‬‬
‫وذلك باختيارىم غير المستحقين لمخدمة‪ ...‬ال يكفي أن يعتذروا عمن اختاروه بعدم معرفتيم لو‪ ،‬ألن‬
‫ال لمطبيب لكي يفحصو‪،‬‬
‫عذرىم ىذا يزيد من مسئوليتيم‪ ...‬أليسوا إن أرادوا شراء عبد‪ ،‬يقدمونو أو ً‬
‫ويطمبون من البائع ضمانات‪ ،‬ويستعممون عنو من جيرانو‪ ،‬وبعد ىذا كمو ال يتجاسرون عمى شرائو بل‬
‫شخصا إلى وظيفة عظيمة كيذه يقدم‬
‫ً‬ ‫يطمبون فرصة ليكون العبد تحت االختبار‪ ،‬ومع ىذا فمن يقدم‬
‫شيادتو وتزكيتو باستيتار دون اعتناء أو تدقيق‪ ،‬إنما لمجرد لتمبية رغبة البعض؟!‪ ...‬فمن إ ًذا يتوسط‬
‫لنا في ذلك اليوم‪ ،‬إن كان الذين يدافعون عنا ىم أنفسيم يكونون محتاجين إلى من يدافع عنيم؟!‪.]2‬‬
‫كانت مؤىالت أبيمالك "أنا عظمكم ولحمكم" [‪ ،]2‬فتحولت الخدمة إلى مجامالت لحساب القرابة‬
‫الدموية والعالقات الشخصية‪ ،‬وكان منطق أىل شكيم (من إسرائيميين وكنعانيين) ىكذا‪" :‬أخونا هو"‬
‫[‪ ،]3‬أي من مدينتنا‪ ،‬لن يقاومنا‪ ،‬بل يسندنا حين يممك!‬
‫قدم أقرباء أبيمالك لو سبعين شاقل فض ة من بيت المال في ىيكل بعل بريث أو بعل العيد‪ ،‬وىو‬
‫مبمغ صغير لمغاية بالنسبة لما اتسمت بو بيوت المال التابعة لميياكل الوثنية في ذلك الوقت‪ .‬أُعطى‬
‫ار ينفذون خطة قتل إخوتو‪ .‬وبالفعل استأجر الرجال وذىب بيم إلى‬
‫ال أشرًا‬
‫ىذا المبمغ ليستأجر بو رجا ً‬
‫ينج أحد سوى األصغر "يوثام" إذ رأى ىجوم األعداء عمى‬
‫" ُعفرة" ليقتميم جمي ًعا عمى حجر واحد‪ ،‬ولم ُ‬
‫إخوتو فاختبأ‪.‬‬
‫قُتموا في ُعفرة التي تعني (غزالة) أو (ترابي)‪ ،‬قرية الطيبة‪ ...3‬عندئذ اجتمع أىل شكيم وكل سكان‬
‫القمعة (ربما يقصد برج شكيم أو حصنيا) وأقاموا أبيمالك مم ًكا‪ ،‬وىذه ىي المرة األولى التي فييا نسمع‬
‫عن وجود ممك بين بني إسرائيل‪ ،‬لكنو لم يكن مم ًكا عمى كل األسباط‪ ،‬إذ يبدو أن حدود مممكتو ىي‬
‫شكيم وبعض البالد المجاورة‪ ...‬لذا لم يحسب كممك إلسرائيل مثل شاول أو داود‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫لممؤلف‪ :‬الحب الرعوي‪ ،8965 ،‬ص ‪.896‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.238 ،238‬‬
‫‪3‬‬
‫راجع تفسير قض ‪.88 :6‬‬

‫‪88‬‬
‫قضاة – األصحاح التاسع‬

‫أُقيم مم ًكا عند بموطة النصب‪ ،‬وىي شجرة بموط ربما كان الكنعانيون يعتبرونيا مقدسة‪ ،‬عندىا‬
‫يقدمون العبادة الوثنية‪ ،‬أما اإلسرائيميون فكانوا يعتزون بيا‪ ،‬ألن أباىم يعقوب طمر اآللية الغريبة‬
‫واألقراط عندىا (تك ‪ )4 :35‬وتحتيا أقام يشوع حجر الشيادة (يش ‪ ،)26 :24‬ليذا السبب دعيت‬
‫بموطة النصب حيث نصب تحتيا حجر الشيادة‪ .‬ويرى البعض أن ىذه البموطة اتخذت كعمود ينشرون‬
‫عميو عمميم لذا دعيت بالنصب‪ ،‬أي العمم المنصوب‪.‬‬

‫‪ .2‬حديث يوثام مع شكيم‬


‫"ييوثام" كممة عبرية تعني (ييوه تام أو كامل)‪.‬‬
‫إذ رأى ييوثام ىجوم األعداء عمى إخوتو ىرب‪ ،‬فجاء قوم يخبرونو بما فعل أبيمالك بيم وكيف‬
‫اغتصب السمطة وأقام نفسو مم ًكا عمى أىل شكيم‪ ،‬فذىب يوثام ووقف عمى جبل جرزيم ورفع صوتو‬
‫مناديا أىل شكيم أن يسمعوا لو‪ ،‬ثم أخذ يروي ليم مثل األشجار والعوسج ليوبخيم عمى اختيار أبيمالك‬
‫ً‬
‫مم ًكا‪ ،‬وقتميم إخوتو بال ذنب‪.‬‬
‫نحن نعمم أن الوادي الذي فيو تقع شكيم (نابمس)‪ ،‬يقع بين جبل الجرزيم وعيبال‪ ،‬عمى األول وقف‬
‫نصف األسباط ينطقون بالبركات وعمى الثاني النصف اآلخر ينطقون بالمعنات (يش ‪.)35-33 :8‬‬
‫وقف يوثام عمى الجبل يتكمم كما عمى منبر‪ ،‬وفي وسط الصحراء يدوي الصوت‪ ،‬فيمكن سماعو في‬
‫شكيم بل وعمى الجبل المقابل عيبال‪ .‬تكمم من جبل البركة ال جبل المعنة حتى يقبموا السماع لو حتى‬
‫النياية‪ ،‬إذ بدأ بالمثل بطريقة غامضة ومشوقة حتى يجتذبيم لالستماع والتفكير وختمو بالنتيجة المؤلمة‬
‫حتى إذا ما ثاروا عميو يستطيع أن ييرب في إحدى مغائر الجبل وكيوفو الكثيرة فال يعرفون لو أثر‪.‬‬
‫قال يوثام "مرة ذهبت األشجار لتمسح عميها مم ًكا" [‪ .]8‬إنيا قصة خيالية يظير فييا األشجار‬
‫معا‪ ،‬وتفكر وتطمب أن تقيم ليا مم ًكا‪ ،‬وىو بيذا يجتذبيم لالستماع خالل التمثيل الخيالي‪ ،‬ومن‬
‫تتحرك ً‬
‫ناحية أخرى يستطيع أن يعمن ما في داخمو من م اررة نفس دون تجريح بأسماء معينة‪.‬‬
‫"فقالت لمزيتونة‪ :‬أ ممكي عمينا‪ .‬فقالت لها الزيتونة‪ :‬أأترك دهني الذي به يكرمون بي اهلل‬
‫والناس وأذهب لكي أممك عمى األشجار؟!" [‪ .]9-8‬ما ىذه الزيتونة ا‬
‫إال الكنيسة الحية أو بمعنى أدق‬
‫المؤمن المرتبط بالكنيسة والمغروس فييا كزيتونة خضراء‪ ،‬وكما يقول المرتل‪" :‬أما أنا فمثل زيتونة‬
‫خضراء في بيت اهلل" (مز ‪ ،)8 :52‬ويقول النبي‪" :‬زيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة دعا الرب‬
‫ا ِ‬
‫سمك" (إر ‪ .) 86 :88‬فالمؤمن المثمر بالروح إذ ىو ممتمئ في الداخل ال يسعى نحو السمطة‪ ،‬وحتى‬
‫حينما ُيطمب ليممك يشتيي إن أمكن أن يخدم اهلل والناس بزيت النعمة الداخمي وال ينشغل بالمظاىر‬

‫‪82‬‬
‫قضاة – األصحاح التاسع‬

‫الخارجية ميما تكن كرامتيا‪ .‬إنو يقول مع الزيتونة صاحبة الثمر‪" :‬أأترك دىني (زيت الزيتون) الذي بو‬
‫يكرمون بي اهلل والناس وأذىب ألممك عمى األشجار؟!"‪ .‬فما يبيج قمبيا أن تقدم زيتيا في المنارة‬
‫وشبعا ليم (يستخدم في‬
‫ً‬ ‫شفاء لمناس (يستخدم كدواء)‬
‫ً‬ ‫الذىبية لتحترق أمام مذبح اهلل‪ ،‬وتيب بزيتيا‬
‫الطعام)‪ُ ،‬يستيم ك زيتيا في بيت اهلل وفي حياة الناس أفضل من أن تنشغل بكرامات بين إخوتيا‬
‫األشجار‪.‬‬
‫" ثم قالت األشجار لمتينة تعالي أنت أممكي عمينا‪ .‬فقالت لها التينة‪ :‬أأترك حالوتي وثمري‬
‫أيضا كالزيتونة تُشير إلى الكنيسة الحية التي‬
‫الطيب لكي أممك عمى األشجار؟!" [‪ .]11-15‬التينة ً‬
‫تضم أعضاءىا في داخميا كالبذر الرفيع تحتضنو بغالف روح الحب والوحدة الحمو كقول القديس‬
‫طيبا لكل‬ ‫يوحنا الذهبي الفم‪[ :8‬وكأن التينة تتمسك بالغالف الحمو أي بروح الحب والوحدة لتقدم ًا‬
‫ثمر ً‬
‫نفس عوض االنشغال بالكرامات الزمنية التي تمزق الوحدة وتنزع الحب عن الجماعة المقدسة‪.‬‬
‫" فقالت األشجار لمكرمة تعالي أنت وأممكي عمينا‪ .‬فقالت لها الكرمة‪ :‬أأترك مسطاري الذي يفرح‬
‫اهلل والناس وأذهب لكي أممك عمى األشجار؟!" [‪ .]13-12‬إن كانت الزيتونة اشتيت أن تقدم زيتًا‬
‫ويستيمك ألجل اهلل والناس‪ ،‬والتينة تقدم روح الحب والوحدة من أجل شبع كل نفس‪ ،‬فالكرمة‬
‫يحترق ُ‬
‫جديدا)‪ ،‬فيي تفرح‬
‫ً‬ ‫مسطار (خم ار‬
‫ًا‬ ‫وىي تمثل الكنيسة بكونيا بيت الصميب فييا يعصر العنب لينتج‬
‫بالصميب واأللم لكي ُيسر بيا اهلل ويفرح الناس عوض طريق الكرامة المتسع والسيل‪ .‬إنيا تقبل الطريق‬
‫الكرب والباب الضيق من أجل الرب وخالص الناس (مت ‪ .)84 :7‬خالل الصميب (المعصرة) تنتج‬
‫خمر يستخدم كسكيب عمى الذبيحة اليومية (خر ‪ُ )48-38 :29‬يشير إلى فرح اهلل المرتبط‬ ‫الكرمة ًا‬
‫بذبيحة المسيح‪ ،‬أو لتعزيتيا الممتحمة بالضيقات من أجل الرب‪.2‬‬
‫أخير إذ جاءت األشجار إلى العوسج تطمب ذات األمر‪" ،‬قال العوسج‪ :‬إن كنتم بالحق‬ ‫ًا‬
‫تمسحونني عميكم مم ًكا فتعالوا واحتموا تحت ظمي‪ ،‬والا فتخرج نار من العوسج وتأكل أرز لبنان"‬
‫[‪ .]15-14‬العوسج نبات ذو أشواك يظير عادة في المناطق الجافة ال يحتاج إلى مياه كثيرة‪ .‬لقد‬
‫عموا وضخامة من نبات‬‫طمب العوسج من األشجار أن تحتمي تحت ظمو مع أن األشجار أكثر ً‬
‫العوسج الصغير الحجم‪ ،‬ىذا وورقو وأشواكو حادة ال يستطيع أحد أن يستظل تحتو‪ ،‬واذ ىو قميل‬
‫الرطوبة يتعرض لمحرق‪ ،‬بل ويسبب احت ارًقا لألشجار التي بجواره‪ .‬ىكذا يشبو يوثام أبيمالك بالعوسج‬

‫‪8‬‬
‫راجع لممؤلف‪ :‬اإلنجيل بحسب متى‪ ،‬ص ‪.883‬‬
‫‪2‬‬
‫راجع تفسير ‪ 2‬تي ‪.6 :4‬‬

‫‪83‬‬
‫قضاة – األصحاح التاسع‬

‫الشجيرات الجافة التي بال نفع‪ ،‬بل بيا أشواك مؤذية‪ ،‬وبسبب تعرضيا لمحريق تحطم األشجار التي‬
‫حوليا‪.‬‬
‫يوبخ يوثام أىل شكيم ألنيم قتموا إخوتو الذين ال يطمبون السمطة بل ىم كالزيتونة والتينة والكرمة‬
‫يودون الخدمة والبذل‪ ،‬وأقاموا أبيمالك العوسج الذي يحترق بشره ويحترقون ىم معو بعد أن تصيبيم‬
‫أشواكو المؤذية‪.‬‬
‫قبل أن ييرب يوثام وبخيم ألنيم ردوا محبة جدعون وجياده األمين ألجميم بقتل أبنائو‪ ،‬وفي‬
‫أيضا بكم‪ .‬وا ال فتخرج نار من‬
‫تحذير ختم قولو‪" :‬فافرحوا أنتم بأبيمالك وليفرح هو ً‬
‫ًا‬ ‫سخرية ممموءة‬
‫أبيمالك وتأكل أهل شكيم وسكان القمعة‪ ،‬وتخرج نار من أهل شكيم وسكان القمعة وتأكل أبيمالك"‬
‫[‪ .]25-19‬ظنوا في اختيارىم لمن ىو من مدينتيم أنو قادر أن يسندىم‪ ،‬لكنيم لم يدركوا أن شره‬
‫كالنار تخرج منو كما من العوسج لتحرقيم مع أنيا كأشجار األرز‪ ،‬وبسبب شرىم إذ اشتركوا معو في‬
‫قتل إخوتو السبعين وتمميك رجل فاسد عمييم تخرج نار لتأكمو ىو! كأن االختيار السيء لمقيادة الروحية‬
‫معا! إنو احتماء بالعوسج الممموء أشوا ًكا‪ ،‬يظن أنو قادر عمى حماية غيره‪،‬‬
‫ميمكة لمخادم والمخدومين ً‬
‫فإذ بو يمتيب بنار الشر فيحترق ويحرق المحتمين فيو‪.‬‬
‫إذ قال يوثام ىذا ىرب إلى بئر وأقام ىناك من وجو أبيمالك [‪ .]28‬توجد أماكن كثيرة تحمل ىذا‬
‫االسم‪ ،‬فالبعض يرى أنو ذىب إلى بئر سبع‪ ،‬والبعض يرى أنو ذىب إلى ما يسمى اآلن "البيرة" تبعد‬
‫ممكنا ليوثام أن ييرب من أىل شكيم الذين‬ ‫ً‬ ‫عشرة أميال شمال أورشميم‪ ...‬عمى أي األحوال لم يكن‬
‫مّمكوا "أبيمالك" عمييم‪ ،‬أي ييرب من الشر الذي ُيرى في إبميس مم ًكا عميو‪ ،‬إالا باالحتماء في البئر‬
‫اىبا إيانا‬
‫الحقيقية أي مياه المعمودية المقدسة‪ ،‬التي فييا سحق السيد المسيح إبميس تحت قدميو‪ ،‬و ً‬
‫بروحو القدوس روح البنوة‪ ،‬فنقبل اهلل اآلب مم ًكا عمينا عوض أبيمالك (تعني أبي يممك)‪.‬‬

‫‪ .3‬غدر أهل شكيم بأبيمالك‬


‫مسح أىل شكيم أبيمالك مم ًكا‪ ،‬لكنو لم يممك عمى إسرائيل وانما عمى منطقة شكيم‪ ،‬فقد كرىو بقية‬
‫ومحبا ليا‪ .‬وليذا قيل‪:‬‬
‫ً‬ ‫مغتصبا لمسمطة‬
‫ً‬ ‫أيضا ألنو ابن سرية وألنو كان‬
‫األسباط ربما ألجل قتمو إخوتو و ً‬
‫"مَمك"‪ ،‬وال نعرف كيف عاش ىذه السنوات الثالثة‪،‬‬
‫"تأرس أبيمالك عمى إسرائيل ثالث سنين"‪ ،‬ولم يقل‪َ :‬‬
‫رديا بينو وبين أىل شكيم [‪ ،]23‬بمعنى أن اهلل ترك الطرفان يدركان شر‬ ‫روحا ً‬
‫لكن الرب أرسل ً‬
‫بعضيما البعض‪ ،‬فصار فييما روح البغضة والكراىية والغدر‪ .‬وكأن الذين شددوا يديو لقتل إخوتو‬
‫صاروا ال يطيقونو؛ ربما شعروا أن من يقتل إخوتو ألجل اغتصاب السمطة كيف يمكن أن يبذل ألجل‬

‫‪84‬‬
‫قضاة – األصحاح التاسع‬

‫آخرين؟!‬
‫"فوضع له أهل شكيم كمي ًنا عمى رؤوس الجبال وكانوا يستمبون كل من عبر بهم في الطريق‪،‬‬
‫فأُخبر أبيمالك" [‪ .]25‬الذي دابر خطة لقتل إخوتو‪ ،‬اآلن يقف أقرباؤه ليدبروا خطة لمخالص منو‪،‬‬
‫وكما قيل بإشعياء النبي‪" :‬ويل لك أييا المخرب وأنت لم تُخرب‪ ،‬وأييا الناىب ولم ينيبوك؛ حين تنتيي‬
‫من التخريب تُخرب‪ ،‬وحين تفرغ من النيب ينيبونك" (إش ‪ .)8 :33‬الذين شددوا يديو ليقتل إخوتو‬
‫ار عمى جبال الجرزيم وعيبال المحيطة بشكيم‬‫ليممك‪ ،‬اآلن يبذلون الجيد ليقتموه ىو‪ ،‬فوضعوا رقباء أشرًا‬
‫حتى يروا من يصمح لتدبير خطتيم نحوه‪ ،‬وكانوا يسمبون كل من يمر بالطريق‪ ،‬وربما ليثيروا قالقل في‬
‫المنطقة فيرتبك أبيمالك ويخرج ليرى األمر بنفسو فيقتموه‪.‬‬

‫‪ .4‬هزيمة جعل بن عابد‬


‫رأى الكمين رجالً ُيدعى جعل بن عابد‪ ،‬اسمو عبري يعني "كراىية"‪ ،‬كان يكره أبيمالك ربما لخوفو‬
‫أن الذي قتل إخوتو ال يؤتمن الجانب؛ وكان معو إخوتو ربما جماعة من المصوص أو قطاع الطريق‬
‫يعممون تحت قيادتو‪ ،‬ففرح بو أىل شكيم إذ أروا فيو أنو قادر عمى تحقيق خطتيم‪.‬‬
‫قسما من العنب‬‫بدأ تحقيق الخطة بطقس ديني وثني إذ خرجوا إلى الحقل وقطفوا كروميم وداسوا ً‬
‫تمجيدا [‪ ]27‬أي تغنوا آلليتيم وسبحوا ليا أثناء‬
‫ً‬ ‫في المعصرة كعادة تمك األيام لعمل الخمر‪ ،‬ثم صنعوا‬
‫قطف الكروم ودوسيا في المعصرة‪ ،‬كعادة األمم‪ .‬لذلك إذ يؤدب الرب موآب قيل‪" :‬انتزع الفرح‬
‫خمر في المعاصر؛ أبطمت‬
‫واالبتياج من البستان‪ ،‬ال يُغني في الكروم وال يترنم‪ ،‬وال يدوس دائس ًا‬
‫اليتاف" (إش ‪.)9 :86‬‬
‫إذ عصروا العنب بالترنم دخموا بيت "بعل بريث" إلييم وأكموا في الييكل وشربوا‪ ،‬ولعنوا أبيمالك‬
‫ممعونا فيدبرون قتمو ويغمبونو بسبب سقوطو‬
‫ً‬ ‫[‪ ]27‬بمعنى أنيم طمبوا من آليتيم أن يتخمى عنو ويكون‬
‫تحت لعنة إلييم‪.‬‬
‫ال‪:‬‬
‫إذ رأى جعل بن عابد ىذا الموقف الشعبي أخذتو الغيرة وبدأ يستخف بأبيمالك ويستيزئ بو قائ ً‬
‫"من هو شكيم (أي أبي مالك الذي يممك عمى شكيم) حتى نخدمه؟! أما هو بن يربعل (أي ابن مقاتل‬
‫البعل أو عدو اآللهة) وزبول وكيمه؟! اخدموا رجال حمور أبي شكيم‪ ،‬فمماذا نخدمه نحن؟!" [‪.]28‬‬
‫بمعنى أنو كان األولى بالممك نسل حمور أي ساللة المموك الشرعيين ال ىذا الغريب ابن السرية‪ .‬إن‬
‫كان شكيم ب ن حمور قد اغتصب دينو ابنة يعقوب فقتمو شمعون والوي مع رجال المدينة (تك ‪،)34‬‬
‫ود مع أىل شكيم‪ ،‬وكان ألىل شكيم سطوة وتقدير خاص‪ .‬وجاء اسم‬
‫فقد دخل إسرائيل في عالقة ّ‬
‫‪85‬‬
‫قضاة – األصحاح التاسع‬

‫أساسيا في إبرام المعاىدات عند األموريين في القرن ‪88‬‬


‫ً‬ ‫مظير‬
‫ًا‬ ‫"حمور" من "ذبيحة الحمار" التي كانت‬
‫ق‪.‬م‪.‬‬
‫سمع زبول رئيس مدينة شكيم ونائب أبيمالك ما قالو جعل بن عابد وعرف أنو يستعد لمقاتمة‬
‫وغالبا ىي أرومة [‪ ]48‬ومعناىا بالعبرية‬
‫ً‬ ‫الممك‪ ،‬واذ كان الممك يقطن خارج المدينة في ترمة [‪]38‬‬
‫(ارتفاع)‪ .‬ظن البعض أنيا "األرمة" الحديثة وىي تبعد ‪ 6‬أميال شمال شرقي شكيم‪ .‬تظاىر زبول‬
‫سر يخبره بما جرى‪ ،‬وسألو ا‬
‫أال يدخل المدينة وانما ينزل برجالو‬ ‫بالصداقة مع جعل وأرسل إلى الممك ًا‬
‫ال ويكمن في الحقل‪ ،‬واذ يخرج جعل ورجالو في الصباح يحاربيم عند أبواب المدينة فال تكون‬
‫خفية لي ً‬
‫لجعل حصون يحتمون فييا‪ .‬واذ سمع الممك قسم رجالو إلى أربعة فرق ولما رأى جعل الرجال قادمين‬
‫ال قال لزبول‪ " :‬هوذا شعب نازل عن رؤوس الجبال‪ ،‬فقال له زبول‪ :‬إنك ترى ظل الجبال كأنه‬
‫لي ً‬
‫أناس" [‪ .]36‬ىكذا كان زبول يخدع جعل حتى يفسد خطتو ضد أبيمالك ويعيقو عن االستعداد لمحرب‬
‫معو‪ .‬لكن إذ عاد فرأى إحدى الفرق نازلة من المرتفعات عن طريق بموطة العائفين [‪ ]37‬أي بموطة‬
‫جدا وأدرك‬
‫المشتغمين بالعيافة ومعرفة الغيب‪ ،‬عاد يؤكد لزبول أنيم فرقة قادمة لمحرب‪ ،‬واذ اقتربت ً‬
‫ال قد تورط في استخفاف قال لو‪ " :‬أين اآلن فوك الذي قمت به من هو أبيمالك حتى‬ ‫زبول أن جع ً‬
‫ك ال بالعمل‪ .‬فخرج جعل أمام أىل‬
‫نخدمه؟!" [‪ .]38‬وكأنو يقول لو‪ :‬إنك رجل كالم تحمل قوتك في في َ‬
‫شكيم ليحارب أبيمالك‪ ،‬فانيزم جعل وىرب بعد أن سقط كثيرون من رجالو عند مدخل الباب‪ ،‬أي في‬
‫موقع المعركة ذاتيا عند باب مدينة شكيم‪ ...‬واذ ىرب جعل إلى المدينة طارده أبيمالك‪ ،‬إن لم يكن‬
‫اجز برجالو عن‬
‫ضعيفا وع ًا‬
‫ً‬ ‫برجالو (رجال حرب) فبإثارة أىل شكيم والوشاية بو بعد أن ظير ليم جعل‬
‫مقاومة أبيمالك‪.‬‬
‫الفساد كالنار تأكل بعضيا البعض‪ ،‬إذ دب في أبيمالك وأىل شكيم إلقامة األول مم ًكا وانتفاع‬
‫اآلخرين بذلك‪ ،‬غدر أىل شكيم بو مستخدمين وسيمة شريرة "جعل بن عابد رجالو المصوص"‪ ،‬فيمكت‬
‫الوسيمة وتأزم الموقف إذ عرف الممك ما بقمب أىل شكيم فأراد أن ينتقم حتى النياية‪ ،‬لكنو وان حطميم‬
‫ِ‬
‫يستطع اليروب من جريمة القتل التي ارتكبيا ضد إخوتو بصورة بشعة!‬ ‫لم‬

‫‪ .5‬أبيمالك يضرب شكيم‬


‫ال ورجالو‪ ،‬وخرجوا إلى الحقل‬
‫إذ أدرك أىل شكيم فشل خطتيم حاولوا استرضاء أبيمالك فطردوا جع ً‬
‫قسم رجالو إلى ثالث فرق‪ .‬اقتحم ىو وفرقتو مدخل‬
‫يخبرون أبيمالك بعمميم ىذا‪ ،‬لكنو إذ عرف غدرىم ّ‬
‫ممحا‪.‬‬
‫باب المدينة وقامت الفرقتان بقتل كل من في الحقول‪ ...‬ثم دخل وقتل الشعب وىدميا وزرعيا ً‬
‫‪86‬‬
‫قضاة – األصحاح التاسع‬

‫ممحا في األرضي الزراعية ليفسدىا وانما كناية كانت تستخدم‬


‫عبارة "زرعيا ممحا" ال يعني أنو ألقي ً‬
‫ال بال عالج‪.‬‬
‫زمانا طوي ً‬
‫لمتعبير عن الخراب الذي يحل ببمد ليبقى ً‬
‫سمع أىل البرج بما حدث في المدينة فمجأوا إلى صرح (حصن) بيت إيل بريث‪ ،‬يحتمون بالبرج‬
‫كحصن مادي وباآللية الوثنية‪ ...‬لكن أبيمالك صعد برجالو إلى جبل صممون؛ يرى البعض أنو جبل‬
‫سميمان وىو جزء من جبل الجرزيم في جنوبو‪ ،‬ويرى آخرون أنو جبل السالمية أو جبل عيبال‪ .‬وقد‬
‫سمى "صممون" بسبب األشجار التي تظممو‪ ،‬ألن "صممون" تعني (ظميل)‪.‬‬
‫فأسا وقطع غصن شجرة‪ ،‬ففعل رجالو مثمو‪ ،‬ووضعوا األغصان عمى الصرح وأحرقوه‬ ‫حمل الممك ً‬
‫حرفيا‪ ،‬إذ خرج‬
‫بمن فيو فمات جميع أىل شكيم نحو ألف رجل وامرأة [‪ .]49‬وكأنو قد تحقق مثل يوثام ً‬
‫من العوسج نار والتيمت أشجار األرز [‪.]28 ،85‬‬

‫‪ .6‬قتل أبيمالك بامرأة‬


‫إذ قتل أبيمالك أىل شكيم وأىمك بالنار والدخان كل من كان بالحصن ذىب إلى تاباص واستولى‬
‫عمييا‪ .‬وىي مدينة اسميا عبري معناه (بياء) أو (ضياء)‪ ،‬قريبة من شكيم‪ ،‬تعرف اآلن بطوباس‪ ،‬تبعد‬
‫‪ 88‬أميال شمال شرقي شكيم (نابمس) عمى طريق "بيسان" أو (بيت شان)‪ ،‬لعل ىذه المدينة إذ عرفت‬
‫أيضا بثورة ضده‪ ،‬إذ كان الكل يود الخالص منو‪.‬‬‫تحركات أىل شكيم في البداية قامت ىي ً‬
‫ىرب الكل إلى البرج في وسط المدينة ليحتموا فيو‪ ،‬واذ اقترب من الباب ليحرقو بالنار طرحت امرأة‬
‫قطعة من حجري الرحى عمى رأسو فشجت جمجمتو [‪ .]53‬لمحال دعا الغالم حامل عدتو وطمب منو‬
‫أن يخترط السيف ويقتمو حتى ال يُقال عنو أنو قتمتو امرأة‪...‬‬
‫إن كان العوسج في جفافو يكون عمة حرق أشجار األرز التي ممّكتو عميو [‪ ،]85‬فإن العوسج نفسو‬
‫أيضا معيا‪ ،‬فييمك الممك الشرير أو الخادم أو الراعي الشرير مع شعبو!‬
‫يحترق ً‬
‫لقد اختاروا أبيمالك ال لفضيمة فيو وانما لقرابة الجسد ألىل شكيم فأىمكيم وىمك معيم‪ ،‬لذلك جاء‬
‫في قوانين الرسل كما في مجمع أنطاكية‪[ :‬األسقفية ال تورث وال يصح الوصية بيا وال اليبة بيا لقريب‬
‫أو غريب‪ ،‬ألن الكينوت ال يورث‪.]8‬‬

‫‪8‬‬
‫رسطا ‪ ،78‬طك ‪.23‬‬

‫‪87‬‬
‫قضاة – األصحاح العاشر‬

‫األصحاح العاشر‬

‫انحراف إسرائيل‬
‫في ىذا األصحاح نجد قصة السقوط المتكررة بالرغم من اىتمام اهلل بشعبو‪:‬‬

‫‪.2-١‬‬ ‫‪ .١‬إقامة تولع بن فواة‬


‫‪.5-3‬‬ ‫‪ .2‬إقامة يائير الجمعادي‬
‫‪.١1-6‬‬ ‫‪ .3‬إذاللهم ببني عمون‬

‫‪ .١‬إقامة تولع بن فواة‬


‫" وقام بعد أبيمالك لتخميص إسرائيل تولع بن فواة بن دودو رجل من يساكر‪ ،‬كان ساك ًنا في‬
‫شامير في جبل أفرايم" [‪.]١‬‬
‫"شامير" أو "شامور" اسم عبري معناه (شوك) أو (صوان)‪ ،‬ربما ىي ساتور الواقعة بين السامرة‬
‫وجنين‪ ،‬قام فييا تولع القاضي مع أنو من سبط يساكر والمدينة في جبل أفرايم‪ ،‬قام ليخمص إسرائيل‬
‫غالبا ما اتسمت بالسالم‪.‬‬
‫عاما‪ً ،‬‬
‫ربما من تحرشات خفيفة لم تستحق الذكر‪ .‬وقد مضى إلسرائيل ‪ً 32‬‬
‫"تولع" تعني (دودة) أو (قماش قرمزي)‪ ،‬و"فواة" تعني (عروق الصباغين)‪ ...‬وكأنو إذ انتيى حكم‬
‫نار دمرتو ودمرت من أقامو مم ًكا عمييم‪ ،‬ىذا الذي‬
‫أبيمالك الرجل المحب لمسمطة‪ ،‬العوسج الذي أخرج ًا‬
‫لم ييمكو أعداء من الخارج وانما قتمو أىل بيتو وىو قتميم؛ بموتو قام قاض وىو تولع بن فواة‪ ،‬وكأنو‬
‫سالما‬
‫ً‬ ‫بالقماش القرمزي الذي من صنعة الصباغين‪ ،‬اصطبغ بالدم المقدس (القرمز)‪ ،‬فأعطى لمشعب‬
‫ساكنا في شامير ودفن فييا‪ ،‬أي عاش وسط األشواك‪.‬‬
‫عاما‪ ،‬مع أنو كان ً‬ ‫‪ً 32‬‬
‫اختار أبيمالك الطريق السيل فأمن حياتو ومممكتو بقتل إخوتو‪ ،‬فمم يتسمط إلا ثالث سنوات لم يذق‬
‫تماما‪ ،‬أما تولع وان كان كدودة حقيرة لكنو قبل طريق األشواك‬
‫فييا طعم الراحة‪ ،‬انتيت بمأساة حطمتو ً‬
‫واآللم فقدم لشعب اهلل سنوات طويمة ممموءة راحة‪ .‬وكأنو يمثل الراعي الذي يحمل األشواك لكي‬
‫يستريح اآلخرون‪ ،‬يموت كل يوم لينعم إخوتو بالحياة في الرب‪ .‬ما أجمل كممات القديس يوحنا‬
‫الذهبي الفم الراعي الباذل‪[ :‬ليتكم تستطيعون معاينة النيران الممتيبة في قمبي لتعرفوا إني أحترق أكثر‬
‫من سيدة شابة تئن بسبب ترمميا المبكر‪ ،‬فإني لست أظنيا تحزن عمى زوجيا‪ ،‬ول يحزن أب عمى ابنو‬

‫‪88‬‬
‫قضاة – األصحاح العاشر‬

‫كحزني أنا عمى ىذا الجميور الحاضر ىنا!‪[ ،]1‬إني أود أن أقدم بكل سرور عيني ربوات المرات وأكثر‬
‫– إن أمكن – من أجل توبة نفوسكم‪.]3‬‬

‫‪ .2‬إقامة يائير الجمعادي‬


‫إذ دفن تولع الذي يحمل اسمو معنى (دودة)‪ ،‬بعد أن قدم لمشعب راحة لسنوات طويمة‪ ،‬قام يائير‬
‫غالبا ما كانت سنوات سالم‪ ،‬ول نعرف عن أيامو سوى أنو كان‬ ‫الجمعادي ليقضي إلسرائيل ‪ 33‬سنة ً‬
‫ولدا يركبون ثالثين جح ًشا عالمة الكرامة والغنى‪ ،‬وليم ثالثون مدينة ىي في حقيقتيا مزرعة‬
‫لو ثالثون ً‬
‫مدنا‪ .‬وقد سميت "حووت يائير" أي (مزارع يائير)‪.‬‬
‫امتألت بالمباني والمنشآت فدعيت ً‬
‫إن كان اسم "تولع" بالعبرية يعني (دودة) عالمة اتضاعو‪ ،‬أو (قماش قرمزي) عالمة اصطباغو‬
‫بدم المخمص والتطير بو‪ ،‬فإن "يائير" تعني (ينير)‪ .‬فاألول "تولع" حمل دم السيد المسيح ليقضي بروح‬
‫نور لمعالم‬
‫الوداعة‪ ،‬والثاني "يائير" يحمل استنارة الروح القدس‪ ،‬روح السيد المسيح نفسو‪ .‬ليصير ًا‬
‫كمرسمو القائل‪" :‬أنتم نور العالم" (مت ‪ .)11 :5‬يرى البعض أن يائير ىذا ربما يكون من نسل يائير‬
‫المذكور في سفر العدد (‪.)11 :23‬‬
‫إن كان يائير يشير إلى النفس المستنيرة بالروح القدس خالل مياه المعمودية فإن أولده الثالثين‬
‫يشيرون إلى مواىب اإلنسان وأحاسيسو وطاقاتو التي تتقدس كأولد لو في الرب‪ ،‬يركب كل منيم‬
‫مقدسا‬
‫ً‬ ‫وغنيا في الرب ويممك عمى مدينة أو مزرعة إذ يصير كل ما بداخمنا‬‫مكرما ً‬
‫ً‬ ‫جح ًشا أي يصير‬
‫مكرما بالحياة المقدسة!‬
‫ً‬ ‫لمرب‪ ،‬ل يميق بو أن يسمك في الرجاسات أو يستخدم لمشر إنما يكون‬
‫أما رقم ‪ 23‬ىنا فيشير إلى "معمودية السيد المسيح"‪ ،‬إذ اعتمد في مياه األردن في سن الثالثين‪،‬‬
‫خالل معموديتو صار لنا حق التمتع بالمعمودية‪ .‬نحسب فيو ممو ًكا وكينة مقدسين فيو‪ ،‬نممك كأحرار‬
‫ول نستعبد إلبميس وأعمالو الشريرة‪ .‬ىذا ما دفع القديس جيروم لمقول‪[ :‬لم يكرز المخمص نفسو‬
‫بممكوت السموات ا‬
‫إل بعد تقديسو األردن بتغطيسو في العماد‪.]2‬‬

‫‪ .3‬إذاللهم ببني عمون‬


‫إذ استراح الشعب عاد يشترك مع الوثنيين أو األمم في عبادتيم لألوثان‪ ،‬فصاروا يعبدون البعميم‬
‫أي آلية الشمس‪ ،‬والعشتاروت آلية القمر؛ كما عبدوا آلية أرام وعاصمتيا دمشق‪ ،‬منيا اإللو رمون (‪3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪In Hebr. hom 23:9.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪In Acts hom 3.‬‬
‫‪2‬‬
‫لممؤلف‪ :‬اإلنجيل بحسب متى ص ‪.75‬‬

‫‪89‬‬
‫قضاة – األصحاح العاشر‬

‫مل ‪ )18 :5‬إلو الرعد واألمطار‪ .‬وعبدوا آلية صيدون أي صيدا ومنيا البعميم والعشتاروت وان كان‬
‫لكل أمة بعميا الخاص وعشتاروتيا الخاصة بيا؛ وآلية موآب مثل كموش وبعل فغور؛ وآلية بني‬
‫عمون مثل ممكوم أو مولك (ل ‪ ،)31 :18‬وآلية الفمسطينيين مثل داجون وىو إلو السمك وكان تمثالو‬
‫مركب من وجو إنسان ويدي وجسم سمكة‪.‬‬
‫جنبا إلى جنب مع عبادتيم هلل‪ ،‬وكأنيا سمة عدم التعصب‪ ،‬لكن‬ ‫ل بعبادة ىذه اآللية ً‬ ‫بدأوا أو ً‬
‫سرعان ما تركوا عبادة اهلل الحي حيث الطريق الضيق واكتفوا بالعبادة الوثنية حيث الباب المتسع‬
‫والطريق السيل‪ .‬وكان ثمر شرىم أن اهلل الذي اقتناىم بحبو باعيم لمفمسطينيين ولبني عمون [‪ ]7‬حتى‬
‫جدا [‪ ،]9‬واذ صرخوا إلى الرب عاتبيم‬
‫يتذوقوا م اررة ما اختاروه‪ ،‬فصاروا في مذلة ‪ 18‬سنة‪ ،‬وتضايقوا ً‬
‫عمى تصرفاتيم الجاحدة ومقابمتيم رعايتو وخالصو ليم من الضيق بالشر‪ ...‬وفي أبوة حازمة قال "ال‬
‫أعود أخمصكم" [‪ ،]١3‬ل ليغمق الباب‪ ،‬وانما ليؤكد ليم حزمو ويطالبيم بالدخول إلى العمق في حل‬
‫مشكمتيم‪ .‬والدليل عمى ذلك أنيم إذ أزالوا اآللية الغريبة من وسطيم وعبدوا الرب "ضاقت نفسه بسبب‬
‫حبا‪ ،‬ل يستطيع أن يرى‬‫مشقة إسرائيل" [‪ .]١6‬وكأنو لم يحتمل مشقتيم ول آلميم‪ .‬إنو أب ممموء ً‬
‫دموع أبنائو‪ ،‬فيقول في سفر النشيد‪" :‬حولي عني عينيك فإنيما قد غمبتاني" (نش ‪ .)5 :6‬فإنو إذ يؤدب‬
‫جميعا‪ .‬ل أجري حمو غضبي‪ ،‬ل‬
‫ً‬ ‫بحزم يعود بحبو ليقول‪" :‬قد انقمب عم اي قمبي‪ ،‬اضطرمت مراحمي‬
‫أعود أخرب أفرايم‪ ،‬ألني اهلل ل إنسان‪ ،‬القدوس في وسطك فال آتي بسخط" (ىو ‪.)9-8 :11‬‬
‫عجيب ىو الرب في محبتو‪ ،‬فيو ل يحتمل توبة إنسان‪ ،‬ولعل أعظم مثل لذلك ما فعمو مع أخآب‬
‫الشرير الذي قتل وورث (‪ 1‬مل ‪ ،)19 :31‬وقد شيد عنو الكتاب‪" :‬لم يكن كأخآب الذي باع نفسو‬
‫لعمل الشر في عيني الرب" (‪ 1‬مل ‪ )35 :31‬لكنو إذ سمع كالم الرب ضده عمى لسان إيميا النبي‬
‫مسحا عمى جسده‪ ،‬ولم يحتمل الرب ىذا المنظر‪ ،‬بل قال إليميا النبي‪" :‬ىل رأيت‬
‫ً‬ ‫وشق ثيابو وجعل‬
‫كيف اتضع أخآب أمامي؟ فمن أجل أنو قد اتضع أمامي ل أجمب الشر في أيامو" (‪ 1‬مل ‪.)39 :31‬‬
‫ىكذا إذ رجع الشعب إلى اهلل لم يتركيم وعندما نزل بنو عمون إلى جمعاد واجتمع بنو إسرائيل في‬
‫مخمصا ىو يفتاح الجمعادي‪.‬‬
‫ً‬ ‫المصفاة [‪ ]17‬كان اهلل يييئ ليم‬
‫"المصفاة" اسم عبري معناه (برج النواطير) دعي مصفاة جمعاد (‪ ،)39 :11‬ورامة المصفاة (يش‬
‫‪ ،)36 :12‬وراموث جمعاد (‪ 1‬مل ‪ .)12 :1‬وىي موضع الرجمة التي أقاميا يعقوب وقوم لبان‬
‫شيادة عمى العيد الذي أقيم بينيم (تك ‪ .)19 :21‬ربما موضعيا تل رميث‪ ،‬أو السمط‪ ،‬وكانت من‬
‫نصيب جاد‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫قضاة – األصحاح الحادي عشر‬

‫األصحاح الحادي عشر‬

‫قاضيا‬
‫ً‬ ‫إقامة يفتاح‬
‫متسعا ليم‪،‬‬
‫ً‬ ‫قمبا‬
‫ابنا المرأة زانية طرده إخوتو لكي ال يرث في بيت أبييم‪ ،‬ولكنو حمل ً‬
‫كان يفتاح ً‬
‫واذ كان روح الرب عميو قام ليخمصيم‪.‬‬

‫‪.3-1‬‬ ‫‪ .1‬ىروب يفتاح من إخوتو‬


‫‪.11-4‬‬ ‫‪ .2‬شيوخ جمعاد ويفتاح‬
‫‪.28-12‬‬ ‫‪ .3‬حوار مع ممك بني عمون‬
‫‪.44-29‬‬ ‫‪ .4‬نذر يفتاح المرير‬

‫‪ .1‬ىروب يفتاح من إخوتو‬


‫كممة "يفتاح " تعني (الذي يفتح)‪ ،‬ولعمو بيذا االسم حمل صورة رمزية لسمة السيد المسيح‬
‫وتصرفاتو الخالصية‪ .‬فإذ كان قمب إخوتو مغمقًا فطردوه من بينيم حتى ال يرث في بيت أبييم‪ ،‬اضطر‬
‫إلى اليروب إلى أرض طوب أي (الطيبة) شرق األردن‪ ،‬خارج حدود إسرائيل كما يبدو من (‪ 2‬صم‬
‫جنودا منيا عندما أىان داود الممك‪ ،‬ويقال أنيا تبعد ‪91‬‬
‫ً‬ ‫‪ )6 :91‬حيث استأجر حانون ممك عمون‬
‫مخمصا‬
‫ً‬ ‫أميال جنوب جدة وتسمى اآلن مقيس أو أم قيس‪ ،‬ومع ىذا فقد فتح يفتاح قمبو ليقوم ويقودىم‬
‫موضعا‬
‫ً‬ ‫إياىم من بني عمون‪ .‬كأنو رمز لمسيد المسيح الذي أغمقت البشرية أبوابيا أمامو فمم يجد لو‬
‫موضعا‬
‫ً‬ ‫يولد فيو بين الناس‪ ،‬فولد في مذود بقر‪ ،‬وفي خدمتو أعمن صراحة أن ابن اإلنسان ليس لو‬
‫يضع فيو رأسو (مت ‪ ،) 21 :8‬لكنو وىو المطرود من الييود بكل فئاتيم مع األمم فتح قمبو بالحب‬
‫أبديا (‪ 2‬كو ‪.)98 :5‬‬
‫مصالحا إيانا معو ً‬
‫ً‬ ‫عمى الصميب ليضم الجميع ويحمميم إلى حضن أبيو‪،‬‬
‫السيد المسيح ىو يفتاح الحقيقي‪ ،‬الذي يفتح وال أحد يغمق (رؤ ‪ ،)7 :3‬يفتح لمؤمنيو أبواب‬
‫الفردوس بعد أن أحكمنا إغالقو بالعصيان‪.‬‬
‫وقد دعي يفتاح بالجمعادي من جانبين؛ ألنو نشأ في جمعاد‪ ،‬وألن أبيو يدعى "جمعاد"‪.‬‬
‫أكد الكتاب أنو "ابن زنى"‪ ،‬لكن ىذا ال يعيبو‪ ،‬فاالبن ال يطالب بخطية أبيو (حز ‪ ،)21 :98‬إنما‬
‫إن أخطأ ىو يموت‪ .‬حقًا لقد حرمتو الشريعة من دخول جماعة الرب‪ ،‬أي من العضوية في المجمع‪،‬‬
‫لكنيا لم تحرمو من قيادة الجيش والقضاء وال من التمتع بالميراث األبدي (تث ‪ .)3-2 :23‬في ىذا‬

‫‪99‬‬
‫قضاة – األصحاح الحادي عشر‬

‫يقول القديس جيروم‪[ :‬كان يفتاح الذي يحسبو الرسول في عداد األبرار (عب ‪ )32 :99‬ابن زانية‪.‬‬
‫لقد قيل‪" :‬النفس التي تخطئ ىي تموت" (خر ‪ .)4 :98‬النفس التي ال تخطئ تحيا‪ .‬ىكذا ال تنسب‬
‫فضائل الوالدين أو رذائميم لألبناء؛ اهلل ال يحاسبنا إال من الوقت الذي فيو ولدنا في المسيح من‬
‫جديد‪.]9‬‬
‫كان يميق بإخوة يفتاح أن يكسبوا أخاىم‪ ،‬ال أن يخسروه بال ذنب ارتكبو ىو‪ ،‬فبغير حكمة طردوه‪،‬‬
‫فاجتمع معو رجال بطالون كانوا يخرجون معو ربما لمسمب والنيب‪ ...‬فجرفوه إلى االلتصاق باألشرار‬
‫أيضا‪.‬‬
‫وممارسة ما ال يميق‪ ،‬األمر الذي كان ال يبرر يفتاح لكنو ال يعفي إخوتو من المسئولية ً‬

‫‪ .2‬شيوخ جمعاد ويفتاح‬


‫طرد يفتاح من إخوتو فيرب إلى ما وراء إسرائيل‪ ،‬إلى أرض طوب‪ ....‬وكأنو بالسيد المسيح‬
‫المطرود من خاصتو لييرب خارج إسرائيل‪ ،‬منطمقًا إلى الجمجثة بكونيا "أرض طوب الحقيقية"‪ ،‬إذ‬
‫ىناك تجمت طيبة ا لرب وأعمنت أحشاؤه الممتيبة بالحب نحو كل أحد‪ .‬وكما قال الرب نفسو‪" :‬ألنو‬
‫ىكذا أحب اهلل العالم حتى بذل ابنو الوحيد لكي ال ييمك كل من يؤمن بو بل تكون لو الحياة األبدية"‬
‫(يو ‪.)96 :3‬‬
‫حين طرد يفتاح من جمعاد استند اخوتو بال شك عمى حكم قضائي صدر من شيوخ جمعاد‪ ،‬واآلن‬
‫قائدا فنحارب بني‬
‫جاء الشيوخ أنفسيم يسألونو العودة لمحاربة بني عمون‪ ،‬قائمين لو‪" :‬تعال وكن لنا ً‬
‫عمون" [‪ . ]6‬ويبدو أنيم طمبوه كقائد حرب فقط بكونو جبار بأس‪ ،‬لكنو لم يقبل أن يسندىم في الحرب‬
‫معمنا احتجاجو‪" :‬أما أبغضتموني أنتم‪ ،‬وطردتموني من بيت أبي‪ ،‬فمماذا أتيتم‬
‫ويطردوه في السمم‪ً ،‬‬
‫أسا (أي في حالتي الحرب والسمم)‪ ،‬أكد‬
‫إلي اآلن إذ تضايقتم؟!" [‪ .]7‬وحينما سألوه أن يكون ليم ر ً‬‫َّ‬
‫أسا" [‪ ...]9‬ودخل يفتاح في عالقة مع الرب في المصفاة [‪.]99‬‬
‫ليم‪" :‬فأنا لكم ر ً‬
‫ال روحيين حين تسمموا مراكز قيادية انحرفوا‪ ،‬إذ‬
‫يفتاح يمثل شخصية فريدة‪ ،‬فقد اعتدنا أن نجد أبطا ً‬
‫ابتمعتيم محبة السمطة والكرامة‪ ،‬أما يفتاح فقد بدأ حياتو مع رجال بطالين كانوا يخرجون معو‪ ،‬وحينما‬
‫دائما إلسرائيل في الحرب كما في السمم‪ ...‬لكنو ما‬
‫أسا ً‬
‫قائدا لمحرب اشتيى أن يكون ر ً‬
‫سئل أن يكون ً‬
‫أن تسمم العمل حتى رأيناه رجل إيمان عجيًبا في تصرفاتو‪ .‬فإن كان البعض ال يحتممون المسئولية وال‬

‫‪1‬‬
‫‪Ep. 60:8.‬‬
‫‪92‬‬
‫قضاة – األصحاح الحادي عشر‬

‫داخميا لينطمقوا إلى بدايات جديدة لعمل‬


‫ً‬ ‫روحيا‪ ،‬فإن البعض اآلخر ترىبيم المسئولية‬
‫ً‬ ‫الكرامة فينيارون‬
‫روحي ٍ‬
‫نام في الرب‪.‬‬
‫تسمم يفتاح العمل بعد حواره مع شيوخ جمعاد ال من أيدييم بل من أيدي الرب نفسو‪ ،‬ليذا لم يعتمد‬
‫ال‪" :‬إذا أرجعتموني لمحاربة بني عمون ودفعيم‬
‫عمى ذاتو‪ ،‬وال عمى رجالو‪ ،‬بل عمى الرب نفسو‪ ،‬قائ ً‬
‫الرب أمامي‪ .]9[ "...‬إن كانوا ىم يرجعونو لكنو يحارب بالرب نفسو‪ ،‬سر غمبتو ونصرتو‪ ،‬بيذا الروح‬
‫يقول القديس يوحنا الذىبي الفم‪[ :‬ال نقدر أن نجري في طريق اهلل إال محمولين عمى أجنحة الروح‪].9‬‬

‫‪ .3‬حوار مع ممك بني عمون‬


‫بدأ يفتاح عممو بحكمة روحية عالية فمم ينطمق لمحاربة بني عمون بالرغم من إذالليم لشعب‬
‫إلي‬
‫سالما‪ ،‬قائالً‪" :‬مالي ولك أنك أتيت َّ‬
‫ً‬ ‫إسرائيل سنوات طويمة‪ ،‬لكنو بروح الحكمة أرسل ليطمب‬
‫لممحاربة في أرضي؟!" [‪ .]12‬أرسل إليو بمطف يسألو أال يحاربو في أرضو‪ ،‬لكن ممك بني عمون‬
‫أجابو أنو يحاربو‪ ،‬ألنو قد اغتصب أرضو عندما صعد إسرائيل من مصر ودخل أرض الموعد‪ .‬حقيقة‬
‫األمر أن إسرائيل قد منع من محاربة بني موآب وبني عمون (تث ‪ ،)99 ،9 :2‬لكن األرض موضع‬
‫خالفيم كانت في األصل لبني عمون وقد استولى عمييا األموريين (عد ‪ ،)26 :29‬واذ منع سيحون‬
‫ممك األموريين إسرائيل من العبور عمييا بسالم وخرج لمحاربتيم غمبوه واستولوا عمى أرضو التي ىي‬
‫في األصل غالبيتيا لبني عمون ولبني موآب‪ ،‬فما استولوا عميو إنما من األموريين‪ .‬فمطالبة بني عمون‬
‫بأرضو الممتدة من نير أرنون والذي يعني اسمو (مصوب)‪ ،‬إلى نير اليبوق والذي يعني اسمو (مفرغ)‬
‫وىو نير الزرقاء‪ ،‬إلى نير األردن‪ ،‬ىي مطالبة بدون حق‪.‬‬
‫عاما فصارت حقًا‬
‫ىذا ومن جانب آخر فإن إسرائيل كان قد استولى عمى األرض منذ حوالي ‪ً 311‬‬
‫لو بوضع اليد [‪.]26‬‬
‫أما الحجة الثالثة التي قدميا يفتاح لمممك فيي أن ما نالو إسرائيل في الواقع ليس من بني عمون أو‬
‫بني موآب وال من األموريين‪ ،‬إنما تسمميا من الرب نفسو‪ ،‬كعطية إليية‪" :‬واآلن الرب إلو إسرائيل قد‬
‫طرد األموريين من أمام شعبو إسرائيل‪ ،‬أفأنت تمتمكو؟! أليس ما يممكك إياه كموش إليك تمتمك‪،‬‬
‫وجميع الذين طردىم ا لرب إلينا من أمامنا فإياىم نممك؟!" [‪ .]24-23‬وكأن موضع الحوار وموقعو‬
‫ليس األرض وانما مممكة اهلل‪ ،‬فاهلل وىبيم أن يممكوا ويطردوا األمم فيل يرفضون عمل اهلل معيم؟‬

‫‪1‬‬
‫‪PG 57:30, 53:228.‬‬
‫‪93‬‬
‫قضاة – األصحاح الحادي عشر‬

‫األرض في ذاتيا – في عيني يفتاح – تحمل عالمة ممكية الرب وقبول المؤمنين لوعوده وعطاياه‪،‬‬
‫شخصيا‪ .‬بيذا الفكر تطمع الرسول بولس إلى‬
‫ً‬ ‫وكل ت ار ٍخ في امتالكيا يحسب إىانة موجو ضد اهلل‬
‫زمانا‪ ،‬لكنو إذ طرد‬
‫أعضاء جسده وكأنيا باألرض التي ممك عمييا بنو عمون وبنو موآب واألموريين ً‬
‫اهلل الشر عن ىذه األعضاء ليممك بنفسو عمييا‪ ،‬فيل يسمميا اإلنسان لألمم الوثنية (لمخطايا‬
‫والشيوات) مرة أخرى؟! وكما يقول الرسول بولس‪" :‬أفآخذ أعضاء المسيح وأجعميا أعضاء زانية؟!" (‪9‬‬
‫كو ‪.)95 :6‬‬
‫لقد سممنا اهلل حياتنا متجددة فيو بالروح القدس‪ ،‬وكأنيا باألرض الممتدة من أرنون (المصوب) إلى‬
‫ال فيو‪ .‬ىكذا تمتد حياتنا من األرنون أي نبدأ‬
‫اليبوق (مفرغ) إلى األردن حيث نجد السيد المسيح حا ً‬
‫بعمل التصويب أو تصحيح حقيقي داخمي بروح اهلل القدوس‪ ،‬إلى اليبوق حيث يحدث تفرغ كامل من‬
‫معمنا نصرتو‬
‫الشر وكل أعمال إبميس الذي احتل الموقع‪ ،‬إلى األردن ليممك السيد المسيح في مياىو ً‬
‫وفاتحا أبواب السماء لنسمع صوت اآلب المفرح وحمول الروح القدس! إذ‬
‫ً‬ ‫عمى لويثان الساكن في المياه‬
‫تسممنا ىذه الحياة الجديدة في الرب أو األرض المفرغة من إبميس ليممك الرب عمييا‪ ،‬ال يميق بنا أن‬
‫نترك العدو يحتميا مرة أخرى!‬
‫ما أجمل ما قالو يفتاح‪" :‬فامتمكوا من أرنون إلى اليبوق‪ ،‬ومن القفر إلى األردن" [‪ !]22‬كأنو‬
‫يقول أن المؤمن يممك من موضع التصويب الداخمي إلى التفريغ‪ ...‬أي يسمكوا في حياتيم الروحية‬
‫تماما عن إبميس وأعمالو‪ .‬أما قولو‪:‬‬
‫عمميا‪ ،‬فإذ يطمبون تصحيحي حياتيم وتجديدىا في الرب يتفرغون ً‬
‫ً‬
‫"من القفر إلى األردن"‪ ،‬فتعني كمن ينتقل من القفر والقحط إلى الفردوس حيث يوجد السيد المسيح‬
‫شجرة الحياة داخمو‪ .‬فاألردن أو المعمودية ليس إال عودة إلى الحياة الفردوسية عمى مستوى سماوي‪ ،‬إذ‬
‫ىي دخول إلى االتحاد مع اآلب في ابنو يسوع المسيح كعضو في جسده المقدس‪ ،‬بالروح القدس‪ .‬ىذه‬
‫إحساسات آباء الكنيسة عند حديثيم مع الموعوظين‪ ،‬إذ كانوا يشعرونيم أنيم يقودونيم إلى الفردوس‬
‫عينو‪ ،‬من ىؤالء اآلباء القديس يوحنا الذىبي الفم واألب ثيؤدور الميصي‪.‬‬
‫أخيرا‪ ،‬إذ أراد يفتاح من ممك بني عمون أن يراجع نفسو في ق ارره بمحاربة إسرائيل سألو أن يتمثل‬
‫ً‬
‫أيضا أرضو كبني عمون‪ ،‬لكنو لم يحارب إسرائيل‪ ،‬أو ربما بعدما بدأ بالمحاربة‬
‫بممك موآب‪ ،‬فإنو فقد ً‬
‫عاد ليراجع نفسو فامتنع عن المحاربة‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫قضاة – األصحاح الحادي عشر‬

‫‪ .4‬نذر يفتاح المرير‬


‫ال‪ :‬إن دفعت بني عمون ليدي‪ ،‬فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي‬
‫نذر لمرب قائ ً‬
‫"ونذر يفتاح ًا‬
‫لمقائي عند رجوعي بالسالمة من عند بني عمون يكون لمرب وأصعده محرقة" [‪.]31-34‬‬
‫شيئا من الحكمة‪ ،‬ولعل اهلل أراد أن يمقن‬
‫كان ىذا النذر‪ -‬في رأي كثير من اآلباء – ال يحمل ً‬
‫قاسيا‪ ،‬فسمح بخروج ابنتو الوحيدة العذراء لمقائو‪ ،‬فصار‬
‫درسا ً‬
‫يفتاح بل وكل المؤمنين عبر األجيال ً‬
‫يفتاح في م اررة‪ .‬لما رآىا مزق ثيابو‪ ،‬وقال‪" :‬أه يا بنتي قد أحزنتني حزًنا‪ ،‬وصرت بين مكدري‪ ،‬ألني‬
‫قاسيا‪،‬‬
‫نذر ً‬‫قد فتحت فمي إلى الرب وال يمكنني الرجوع" [‪ .]35‬يقول القديس أمبروسيوس‪[ :‬كان ًا‬
‫لكن تحقيقو كان أكثر م اررة‪ ،‬فإذ تممو دخل في عمة شديدة لمحزن‪ ...‬إنو من األفضل أال تنذر من أن‬
‫تنذر ماال يرغب اهلل في تقديمو لو‪ ].9‬كما يقول‪[ :‬كان األفضل لو أال ينذر بالمرة من أن يقوم بإماتة‬
‫ابنتو‪].2‬‬
‫ويرى القديس يوحنا الذىبي الفم أن اهلل لم يوقف تقديم ىذه الذبيحة كما فعل في ذبح إسحق‬
‫درسا لمبشرية‪ ،‬فال يتسرع أحد بتقديم نذر بقسم‬
‫بالرغم من عدم قبولو الذبائح البشرية‪ ،‬وذلك لكي تكون ً‬
‫لئال يفقدون أوالدىم إذ يقول‪[ :‬بسماحة تحقيق مثل ىذا النذر وضع اهلل نياية لتكرار مثل ىذا في‬
‫‪3‬‬
‫حقا إنو لم يوقف تحقيق ىذه الذبيحة‪ ،‬وان كان قد عبر عن سروره بمنعيا في‬
‫المستقبل ‪ ].‬كما يقول‪ً [ :‬‬
‫مظير أنو في كمتا الحالتين ال يسر بمثل ىذه‬
‫ًا‬ ‫حالة إسحق إذ لم يسمح بإتماميا (تك ‪،)92 :22‬‬
‫الذبائح‪].4‬‬
‫عمى أي األحوال بالرغم من كراىية اهلل لمذبائح البشرية لكن يفتاح وابنتو – ربما بعدم معرفة –‬
‫اشتاقا أن يقدما أغمى ما لدييما هلل‪ ،‬فيفتاح لم يتراجع عن نذره مع أن ابنتو عذراء ووحيدة‪ ،‬بمعنى آخر‬
‫يفقد نسمو إلى األبد‪ .‬وقدمت ابنتو حياتيا بالرغم من م اررة نفسيا ألنيا تموت بال نسل ويمحقيا العار‪،‬‬
‫وليذا السبب قالت ألبييا‪" :‬ا تركني شيرين فأذىب وأنزل عمى الجبال وأبكي عذراويتي أنا‬
‫وصاحباتي" [‪ . ]37‬كانت تبكي عذراويتيا إذ كانت كل فتاة في إسرائيل تشتاق أن يكون ليا نسل لعل‬
‫المسيا المخمص يأتي منو‪ ،‬واآلن إذ تموت عذراء تفقد ىذا الرجاء‪ ...‬عمى أي األحوال كان يمكن ليا‬

‫‪1‬‬
‫‪Duties of the clergy 3:12 (78, 79).‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid. 2:50 (264).‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Conc. Stat. hom 14:7.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪95‬‬
‫قضاة – األصحاح الحادي عشر‬

‫أن تفمت بطريق أو بآخر لكنيا منذ البداية قالت ألبييا‪" :‬افعل بي كما خرج من فيك" [‪ ،]36‬وبعد‬
‫الشيرين عادت بكامل حريتيا تسمم نفسيا لمموت بيدي أبييا‪.‬‬
‫رمز لإلنسان الذي يقدم حياتو (ابنتو الوحيدة)‬
‫لقد قدم يفتاح ابنتو ذبيحة هلل‪ ،‬وكان في ىذا يحمل ًا‬
‫ذبيحة حب هلل‪ .‬ليذا عندما فقد أحد النبالء األثرياء يوليان زوجتو وبنتيو كتب إليو القديس جيروم‬
‫نذر بتكريسيا لمعبادة هلل‪ ،‬األمر الذي يفرح قمب اهلل أفضل من‬
‫مقدما هلل حياتو ًا‬
‫ً‬ ‫ليدخل إلى الرىبنة‪،‬‬
‫تقدمات كثيرة‪ .‬يقول لو‪[ :‬قد م يفتاح ابنتو العذراء‪ ،‬ليذا وضعو الرسول في عداد القديسين (عب ‪:99‬‬
‫‪ .)32‬ال أريدك أن تقدم لمرب ما قد يسرقو لص منك أو يستولي عميو عدو‪ ...‬إنما قدم هلل ما ال‬
‫يستطيع عدو أن ينزعو عنك‪ ،‬وال طاغية أن يغتصبو منك‪ ،‬بل يذىب معك إلى القبر‪ ،‬ال بل إلى‬
‫الممكوت‪ ،‬إلى نعيم الفردوس‪].9‬‬
‫أخير يعمل القديس يوحنا الذىبي الفم سر نحيب العذارى بقولو [بيذا يجعمن الرجال أكثر حكمة‬
‫ًا‬
‫متفقا مع فكر اهلل‪].2‬‬
‫في المستقبل‪ ،‬فيدركون أن ما حدث لم يكن ً‬

‫‪1‬‬
‫‪Ep. 118:5.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Conc. Stat. hom 14:7.‬‬
‫‪96‬‬
‫قضاة – األصحاح الثاني عشر‬

‫األصحاح الثاني عشر‬

‫حرب يفتاح مع أفرايم‬


‫عوض أن يشكر رجال أفرايم يفتاح عمى جياده ضد بني عمون‪ ،‬ومحاربتو إياىم لحساب إسرائيل‬
‫كميا أرسموا ينتقدونو بطريقة مثيرة كعادتيم؛ لكن يفتاح لم يكسبيم كجدعون (‪ )3-1 :8‬بل قاوميم‬
‫ألفا من رجال أفرايم‪.‬‬
‫وحاربيم فقتل حوالي ‪ً 24‬‬
‫‪.7-1‬‬ ‫‪ .1‬محاربته أفرايم‬
‫‪.11-8‬‬ ‫‪ .2‬إبصان‬
‫‪.12-11‬‬ ‫‪ .3‬إيمون الزبولوني‬
‫‪.15-13‬‬ ‫‪ .4‬عبدون بن هميل‬

‫‪ .1‬محاربته أفرايم‬
‫ُعرف أفرايم بأبطالو لكنو حمل روح الكبرياء‪ ،‬ليذا أرادوا أن يكونوا في المقدمة عمى الدوام؛ حينما‬
‫انتصر جدعون وبخوه ألنو لم يرسل إلييم ليحاربوا معو فكسبيم بروح االتضاع (‪ .)3-1 :8‬واآلن إذ‬
‫نجح يفتاح في عممو عبروا إليو في مصفاة جمعاد لييددوه‪" :‬نحرق بيتك عميك بالنار" [‪ ،]1‬ال لخطأ‬
‫ذنبا ال‬ ‫َّ‬
‫ارتكبو إال أنو لم يطمبيم ليحاربوا معو‪ .‬لقد حسبوا إنقاذه لسائر إسرائيل دون االعتراف بسيادتيم ً‬
‫يغتفر‪.‬‬
‫حيا ومعو أىل بيتو‪ ،‬وعوض أن يكسبيم بروح‬
‫لم يقف األمر عند العتاب بل بمغ التيديد بحرقو ً‬
‫الوداعة واالتضاع عاتبيم أنيم لم يقوموا بدورىم في الخالص من يد العمونيين‪ ،‬وأنو عندما صرخ‬
‫معمنا‬
‫إلييم إخوتيم استيانوا بيم حتى لجأ الجمعاديون إلى يفتاح‪ .‬ىكذا فضحيم يفتاح عوض تكريميم‪ً ،‬‬
‫تضحيتو من أجل الشعب بقولو‪ " :‬ولما رأيت أنكم ال تخمصون وضعت نفسي في يدي" [‪ .]3‬أي‬
‫عرض حياتو لمخطر‪ .‬عاد مرة أخرى يعمن أن اهلل نصره‪ ،‬وكأن محاربتيم لو إنما ىي مقاومة هلل نفسو‬
‫العامل فيو [‪.]3‬‬
‫معمنا أنيم ُدعوا لممحاربة ولم يستجيبوا‪ ،‬واتياميم‬
‫لم يقف األمر عند التوبيخ بإظيارىم كاذبين‪ً ،‬‬
‫باإلىمال وعدم االكتراث‪ ،‬كما اتيميم بمقاومتيم هلل نفسو واىب النصرة لو‪ ،‬وانما جمع كل رجال جمعاد‬
‫وحارب أفرايم‪ .‬أما سبب الحرب فيو إىانة أفرايم ألىل جمعاد‪ ،‬إذ كانوا يقولون ليم‪" :‬أنتم منفمتوا‬

‫‪79‬‬
‫قضاة – األصحاح الثاني عشر‬

‫أفرايم‪ ،‬جمعاد بين أفرايم ومنسى" [‪ ،]4‬بمعنى أن أىل أفرايم كانوا ييينون أىل جمعاد باتياميم أنيم‬
‫في حقيقة أمرىم مجموعة من الياربين من أفرايم بسبب لصوصيتيم أو ارتكابيم جرائم قتل إلخ‪...‬‬
‫فكانوا ييربون من أفرايم وال يذىبون إلى منسى بل يبقون في جمعاد‪ ،‬أي يمجأون إلى األرض التي بين‬
‫أراضي السبطين‪.‬‬
‫وقف رجال جمعاد عند مخاوض األردن حتى ال ييرب أحد من األفراميين‪ ،‬فإن اجتاز أحد يسألونو‬
‫إن كان أف اريمي‪ ،‬فإن أجاب باإليجاب قتموه‪ ،‬وان أجاب بالنفي سألوه أن يقول "شبولت"‪ ،‬وتعني‬
‫سينا‪ ،‬كبعض قرى‬ ‫(مخاضة) فإن نطقيا "سبولت" عرفوه أنو أف اريمي‪ ،‬إذ ينطق أىل أفرايم الشين ً‬
‫كبير منيم بمغوا‬
‫عددا ًا‬
‫ال "سمس"‪ .‬بيذا ذبحوا عمى مخاوض األردن ً‬ ‫الصعيد إذ يقولون عن الشمس مث ً‬
‫ألفا من أفرايم‪.‬‬
‫مع قتمى الحرب ‪ً 24‬‬
‫إن كان أىل أفرايم يالمون عمى كبريائيم الذي سحقيم‪ ،‬فإن يفتاح خسر ىذا السبط وأفقد الجماعة‬
‫عشرات األلوف بمقاومتو لمسبط عوض كسبو بالحب الممموء اتضاعا‪.‬‬

‫‪ .2‬إبصان‬
‫ال نعرف عن ىذا القاضي سوى اسمو ومركز عممو "بيت لحم" أي (بيت الخبز) التي عمى ما يظن أنيا‬
‫ليست بيت لحم ييوذا كما ظن يوسيفوس بل‪" :‬بيت لحم زبولون" (يش ‪ .)11 ،1 :17‬كما نعرف أنو أنجب‬
‫ابنا وثالثين ابنو وزوج الكل من الخارج ربما ليتسع نطاق العائمة‪ ،‬واذ قضى إلسرائيل سبع سنوات‬
‫ثالثين ً‬
‫مات إبصان ودفن في بيت لحم‪.‬‬
‫لم نعرف الكثير عن ىذا القاضي وعن القاضيين التاليين‪ ،‬ربما ألنيم لم يدخموا في ضيقات أو لم‬
‫أياما ىادئة وماتوا‪ ...‬عمى أي األحوال‪ ،‬فإن القضاة‬
‫تكن ليم مواقف معينة‪ ،‬إنما قضوا مع الشعب ً‬
‫المذ كورين في ىذا السفر يمثمون عينات متباينة ونوعيات مختمفة من المؤمنين‪ ،‬والكل استحق أن‬
‫ُيسجل اسمو في سفر الحياة‪ ،‬لكن الذين عاشوا وقت الضيق ينالون مكافأة أعظم إن يسمكوا بروح‬
‫اإليمان الحي‪.‬‬

‫‪ .3‬إيمون الزبولوني‬
‫"إيمون" اسم عبري يعني (بموطة)؛ قضى إلسرائيل عشر سنين ومات في "إيمون" وىي قرية في‬
‫زبولون‪ ،‬غير إيمون التي في دان (يش ‪ .)23 :17‬يرى البعض أن اسميا يعني (مكان اإليل)‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫قضاة – األصحاح الثاني عشر‬

‫‪ .4‬عبدون بن هميل‬
‫"عبدون" تعني (عبد)‪ ،‬و"ىميل" يعني (تيميل) أو (حمد)‪.‬‬
‫نشأ في "فرعتون" التي في أفرايم‪ ،‬اسميا يعني (ارتفاع)‪ ،‬وىي فرعانة تبعد سبعة أميال ونصف‬
‫جنوب غربي شكيم (نابمس)‪.‬‬
‫حفيدا يركبون سبعين جح ًشا عالمة‬
‫ً‬ ‫ابنا وثالثين‬
‫قضى إلسرائيل ثمان سنين‪ ،‬وقد أنجب أربعين ً‬
‫الغنى والكرامة‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث عشر‬

‫األصحاح الثالث عشر‬

‫شمشون‬
‫ٍ‬
‫كقاض يخمصيم‪.‬‬ ‫إذ دفع الرب إسرائيل ليد الفمسطينيين أربعين سنة لمتأديب‪ ،‬كان يعد ليم شمشون‬

‫‪.7-1‬‬ ‫‪ .1‬مالك الرب وامرأة منوح‬


‫‪.22-8‬‬ ‫‪ .2‬مالك الرب ومنوح‬

‫‪ .1‬مالك الرب وامرأة منوح‬


‫إذ عاد بنو إسرائيل يصنعون الشر دفعيم الرب ليد الفمسطينيين أربعين سنة [‪ ،]0‬وقد كان‬
‫لمفمسطينيين في ذلك الزمان حتى أيام داود شأن عظيم‪ ،‬وىم غرباء عن الكنعانيين‪ ،‬يدعون بالكفتوريين‬
‫نسبة إلى موطنيم األصمي كفتور "جزيرة كريت"‪.‬‬
‫يرى البعض أن األربعين سنة انتيت بما ورد في (‪ 0‬صم ‪ ،)01 :7‬فيكون عالي الكاىن قد مات‬
‫نحو الزمان الذي ب مغ فيو شمشون كمال الرجولية‪ .‬ويرى بعض المفسرين أن شمشون قضى في أثناء‬
‫أحيانا‬
‫ً‬ ‫أيام قضاء إيمون في شمالي فمسطين‪ ،‬وربما كان بدء عممو في أيام يفتاح‪ .‬ىكذا كان القضاة‬
‫يظيرون في وقت واحد في مناطق مختمفة‪ ،‬خاصة وأن الفمسطينيين وبني عمون استعبدوا إسرائيل في‬
‫وقت واحد‪ ،‬فجاء تاريخ يفتاح يعمن إنقاذىم من بني عمون وتاريخ شمشون يعمن معامالت اهلل مع‬
‫شعبو بإنقاذىم من الفمسطينيين‪.‬‬
‫إعالنا لألقنوم الثاني‪ ،‬كممة اهلل‪ ،‬جاء‬
‫ً‬ ‫وغالبا ما يكون‬
‫ً‬ ‫بدء حياة شمشون بظيور مالك الرب نفسو‪،‬‬
‫المرأة منوح العاقر يعمن ليا عن والدتيا لشمشون والتزاميا باالستعداد والتييئة لمجيء ىذا القاضي‬
‫"شمشون" نذير الرب‪.‬‬
‫كان والدا شمشون في "صرعة"‪ ،‬مدينة اسميا عبري معناه (ضربة) أو (زنبور)‪ ،‬كانت في ساحل‬
‫ييوذا ثم صارت لدان (يش ‪11 :01‬؛ ‪ .)10 :09‬تعرف اليوم بصرعة أو سوره‪ ،‬تبعد حوالي ‪ 01‬ميالً‬
‫غرب أورشميم‪ 31 ،‬ميالً شرقي يافا‪ ،‬قائمة عمى تل يشرف عمى وادي سورق أو وادي الصرار‪.‬‬
‫في صرعة وجد رجل تقي يدعى "منوح"‪ ،‬وىو اسم عبري معناه (نياح) أو (راحة)‪ .‬ولعل والديو كانا‬
‫منوحا لم يقم بأي‬
‫ً‬ ‫منوحا‪ ،‬شوقًا إلى الراحة من األتعاب‪ ...‬لكن‬
‫ً‬ ‫يشعران بالمذلة لكن في رجائيما دعاه‬
‫دور ظاىري ممموس في خالص الشعب‪ ،‬إنما قدم بتقواه ىو وزوجتو "شمشون"‪ ،‬رجل اإليمان! ويمكننا‬

‫‪011‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث عشر‬

‫ثمر في الرب‪ ،‬حتى‬


‫منوحا وزوجتو قدما هلل والجماعة المقدسة بحياتيما المقدسة وصمواتيما ًا‬
‫ً‬ ‫القول أن‬
‫وان كانا لم يقطفا منو في حياتيما عمى األرض‪.‬‬
‫يقول الكتاب‪" :‬وامرأة عاقر لم تمد" [‪]2‬؛ وربما حكم عمييا األقرباء والغرباء بأحكام كثيرة في‬
‫وعارا‪ .‬لكن اهلل في طول أناتو كان ينتظر ما‬
‫القمب‪ ،‬إذ كان العقر في نظر إسرائيل عالمة غضب اهلل‪ً ،‬‬
‫أحوجنا أن نقبل الثمر من يد اهلل‪ ،‬ال خالل الطبيعة‪ ،‬حتى وان تأخر‪ ،‬وان كان في تأخره ما يشوه‬
‫صورتنا في عيون الناس‪.‬‬
‫عمي)‪ .‬إن‬
‫جاء في التممود أن اسم زوجة منوح "ىصمفوتي"‪ ،‬وىو اسم عبري يعني (يعطي الظل ّ‬
‫كان منوح يشير إلى النفس التي وجدت نياحيا أو راحتيا في الرب بالروح القدس‪ ،‬فإن ىصمفوتي تشير‬
‫عقيما‪ ،‬وال يأتي بثمر من ذاتو‬‫ً‬ ‫ال‪ ،‬وال يبقى‬
‫إلى الجسد الذي ينعم بظل الصميب عميو‪ ،‬فال يمثل ثق ً‬
‫فائقا ىو "شمشون" الحقيقي أي (الشمس)‬ ‫روحيا ً‬
‫ً‬ ‫ثمر‬
‫بحسب الطبيعة إنما ينال خالل الوعد اإلليي ًا‬
‫الحقيقية‪ ...‬بتجمي السيد المسيح شمس البر فينا‪.‬‬
‫"فتراءى مالك الرب لممرأة‪ ،‬وقال ليا‪ :‬ىا ِ‬
‫أنت عاقر لم تمدي‪ ،‬ولكنك تحبمين وتمدين اب ًنا" [‪.]3‬‬
‫كانت المرأة في عيني إخوتيا موضع عار‪ ،‬لكنيا في عيني اهلل تستحق أن يظير ليا في شكل‬
‫ِ‬
‫ولكنك تحبمين وتمدين‬ ‫مالك‪ ،‬قدر ما تحتمل الرؤية‪ .‬وىا ىو يبشرىا بنفسو‪" :‬ىا ِ‬
‫أنت عاقر لم تمدي‪،‬‬
‫ابنا "‪ ،‬وكأنو يؤكد ليا أنيا حسب الطبيعة ال تقدر بذاتيا أن تنجب‪ ،‬لكن ما تنالو ىو ثمرة وعده اإلليي‬
‫ً‬
‫ومحبتو‪.‬‬
‫مسكرا‪ ،‬أي ال تشرب أي مادة تسكرىا سواء من عصير‬ ‫ً‬ ‫أمرىا مالك الرب أال َّ تشرب ًا‬
‫خمر أو‬
‫مقدسا وىو بعد‬
‫ً‬ ‫جوا‬
‫نجسا‪ ...‬وكأن الرب كان يييئ لشمشون ً‬ ‫شيئا ً‬‫العنب أو غير العنب؛ وأال َّ تأكل ً‬
‫حرمانا بل مشاركة مفرحة لجنينيا الذي دعي‬
‫ً‬ ‫جنين في أحشاء أمو! ىذا المنع لم يكن في عيني األم‬
‫لمعمل وتييئو لو وىو بعد في األحشاء!‬
‫نذيرا‬ ‫ِ‬
‫بشرىا مالك الرب‪" :‬فيا أنت تحبمين وتمدين اب ًنا وال يع ُل موسى رأسو‪ ،‬ألن الصبي يكون ً‬
‫هلل من البطن‪ ،‬وىو يبدأ يخمص إسرائيل من الفمسطينيين" [‪.]2‬‬
‫إن كان النذير بوجو عام يرمز لمسيد المسيح‪ ،‬الممسوح لخالصنا‪ ،‬فيو يشتم اآلب رائحة الرضا‬
‫جميعا‪ ،‬لذلك فيو يمثل الرأس الذي ال ينزع عنو المؤمنون بو كشعر رأس يتحدون‬
‫ً‬ ‫نيابة عن المؤمنين‬
‫بو ويحيون‪ .‬ليذا "ال يعل موسى رأسو"‪ ،‬حتى ال ينزع المؤمنون عن الرأس‪.‬‬

‫‪010‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث عشر‬

‫انطمقت المرأة تخبر رجميا بما رأت وما سمعت‪ ،‬فوصفت لو مالك الرب الذي ظير عمى شكل‬
‫جدا" [‪.]6‬‬
‫بشري حتى تقدر أن تعاينو وتسمع لو وتتحدث معو‪ ،‬وقد وصفتو أنو‪" :‬كمنظر اهلل مرىب ً‬
‫تحدثت مع رجميا بثقة عجيبة في كممات مالك الرب ولم تتشكك كسارة أميا‪ .‬لقد أليبت قمب رجميا‬
‫نحو رؤيتو حتى سأل اهلل أن يرسمو ثانية ويتحدث معو‪.‬‬

‫‪ .2‬مالك الرب ومنوح‬


‫أيضا رجل اهلل الذي‬
‫وثق منوح كامرأتو بالوعد اإلليي‪ ،‬وصمى هلل قائالً‪" :‬أسألك يا سيدي أن يأتي ً‬
‫أرسمتو ويعممنا ماذا نعمل لمصبي الذي يولد" [‪ .]8‬لقد أخبرتو امرأتو بكل شيء‪ ،‬وكان في كالميا‬
‫تأكيدا لما تمتعت بو زوجتو من وعد إذ تظير من لغتو ثقتو في‬
‫ً‬ ‫كل الكفاية‪ ،‬لكن ما طمبو الرجل ليس‬
‫الوعد‪ ...‬إنما يطمب أن يأتي ليراه ويتمتع بصوتو‪ ،‬وينال البركة التي ناليا امرأتو‪.‬‬
‫حقق اهلل لمنوح طمبتو فظير مالك الرب المرأتو ثانية وىي جالسة في الحقل‪ ،‬فأسرعت تخبر رجميا‬
‫الذي دخل معو في حوار مفتوح‪ .‬واذ كرر لو مالك الرب الوعد والوصية الخاصة بابنيما‪ ،‬سألو‬
‫منوحا ظنو‬
‫ً‬ ‫كجدعون (‪" :)09-08 :6‬دعنا نعوقك ونعمل لك جدي معزى" [‪ ...]12‬لكن يبدو أن‬
‫نبيا – فأراد أن يقدم لو جدي المعزى كطعام مطبوخ‪ .‬وقد صحح لو مالك الرب األمر‪،‬‬
‫إنسانا – ربما ً‬
‫ً‬
‫بقولو‪" :‬ولو عوقتني ال آكل من خبزك‪ ،‬وان عممت محرقة فممرب أصعدىا" [‪ .]16‬ال يفيم من ىذا أن‬
‫إنسانا فال يميق تقديم محرقة لو ما لم يدرك منوح حقيقة‬‫ً‬ ‫منوحا ظنو‬
‫ً‬ ‫المتكمم ال يقبل المحرقة‪ ،‬وانما ألن‬
‫صالحا إال َّ واحد وىو‬
‫ً‬ ‫صالحا‪ ،‬ليس أحد‬
‫ً‬ ‫أمره‪ .‬بنفس الطريقة يقول السيد المسيح لمشاب‪" :‬لماذا تدعوني‬
‫صالحا ما لم يعترف أوالً بالىوتو‪.‬‬
‫ً‬ ‫مؤكدا لو أنو ال يميق دعوتو‬
‫ً‬ ‫اهلل" (مت ‪،)07 :09‬‬
‫لقد أكد لو مالك الرب أنو ال يجوز تقديم العبادة إال َّ هلل وحده‪ ،‬وكما يقول القديس أثناسيوس‬
‫الرسولي‪[ :‬هلل وحده يميق العبادة‪ ،‬ى ذا ما نعرفو من المالئكة أنفسيم‪ ،‬فإن كانت المالئكة أسمى من‬
‫الخالئق األخرى في المجد لكنيم خميقة ال يقدم ليم العبادة‪ ،‬إنما نعبد الرب‪.]0‬‬
‫ال‪" :‬ما اسمك‬
‫احتار منوح في أمر المتكمم فأراد التعرف عميو من اسمو ليقدم لو التكريم الالئق‪ ،‬قائ ً‬
‫حتى إذا جاء كالمك نكرمك؟" [‪ .]17‬كأنو يقول لو‪ :‬أريد أن أتعرف عميك من اسمك حتى إذا ما‬
‫لي ولزوجتي أرد لك الجميل حسب ما يميق بشخصك‪.‬‬
‫تحقق كالمك ّ‬

‫‪1‬‬
‫‪Adv. Arian., Dis 2:16‬‬
‫‪013‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث عشر‬

‫جاءت اإلجابة‪" :‬لماذا تسأل عن اسمي وىو عجيب؟!" [‪ ،]18‬وجاءت في الترجمة السبعينية‪:‬‬
‫أيضا عجيب!"‪ .‬ىكذا يدعى اسم اهلل "عجيًبا"‪ ،‬إذ جاء في أشعياء‪" :‬ألنو يولد‬
‫"لماذا تسأل عن ىذا؟ إنو ً‬
‫أبديا رئيس‬
‫قدير ًأبا ً‬
‫مشير إليًا ًا‬
‫ًا‬ ‫عجيبا‬
‫ً‬ ‫ابنا وتكون الرياسة عمى كتفو ويدعى اسمو‬
‫ولد ونعطى ً‬
‫لنا ٌ‬
‫السالم" (إش ‪ .)6 :9‬وكما يقول القديس غريغوريوس النيصي‪[ :‬نتعمم من ىذا أنو يوجد اسم واحد‬
‫لمطبيعة اإلليية ىو "العجيب" يكشف عن ما ينبع في القمب بخصوصيا بطريقة ال ينطق بيا‪ .]0‬بمعنى‬
‫آخر أن اسمو "عجيب" أي فائق لإلدراك والنطق يدخل بالقمب كما بالفكر إلى حالة من الدىشة‬
‫والعجب‪.‬‬
‫خالل االسم "عجيب" كشف شخص المتكمم أنو أقنوم إليي‪ ،‬لذا قام منوح ليقدم جدي معزى تقدمة‬
‫إال السيد المسيح‪ ،‬حيث فيو تقدم ذبائح حبنا‪ ،‬إذ صار ىو‬ ‫لو عمى الصخرة [‪ .]09‬ما ىذه الصخرة َّ‬
‫نفسو ذبيحة حبنا‪.‬‬
‫ما أن أصعد منوح جدي المعزى والتقدمة عمى الصخرة حتى انسحب قمبيما إلى منظر عجيب‪ .‬لقد‬
‫شاىدا صعود لييب نار من الصخرة – أي من المذبح – نحو السماء‪ ،‬وقد صعد مالك الرب في‬
‫لييب المذبح‪ ،‬فسقطا عمى وجيييما إلى األرض [‪ .]31‬امتأل رىبة وخشية إذ رأيا مالك الرب يرتفع‬
‫إلى السماء وسط المييب الناري‪ .‬إنيا صورة حية لمعمل الخالصي بالصميب‪ ،‬ففيو يقدم السيد المسيح‬
‫نارا‪ ،‬خالليا يمحو كل خطايانا (جدي المعزى)‪ ،‬ويرتفع بنا خالل لييب محبتو‬
‫نفسو ذبيحة حب ممتيبة ً‬
‫كأعضاء في جسده المقدس‪ ...‬يحممنا معو إلى سمواتو لنصير نحن أنفسنا لييب نار أي شعمة التيبت‬
‫باتحادىا معو‪.‬‬
‫"فقال منوح المرأتو نموت موتًا ألننا قد رأينا اهلل‪ .‬فقالت لو امرأتو‪ :‬لو أراد الرب أن يميتنا لما‬
‫أخذ من يدنا محرقة وتقدمة‪ ،‬ولما أرانا كل ىذه‪ ،‬ولما كان في مثل ىذا الوقت أسمعنا مثل ىذه"‬
‫[‪.]23-22‬‬
‫لقد تعمم منوح من موسى أنو ال يستطيع أحد أن يرى اهلل ويعيش (تك ‪3 :13‬؛ خر ‪.)31 :11‬‬
‫بعضا‬
‫ً‬ ‫لكن امرأتو أدركت أن اهلل برحمتو أظير نفسو ال ليميتيما بل ليقبل محرقتيما وتقدمتيما ويرييما‬
‫من أس ارره وييبيما مواعيده‪ .‬أظير نفسو قدر ما تحتمل بصيرتيما أن تنظره‪ ،‬حتى ينعما بما ىو‬

‫‪1‬‬
‫‪Adv. Eunomoius 8:1.‬‬
‫‪011‬‬
‫قضاة – األصحاح الثالث عشر‬

‫لخالصيما وبنيانيما‪ .‬وكما يقول القديس يوحنا الذىبي الفم عمى لسان اهلل نفسو‪[ :‬ال أعمن جوىري‬
‫ذاتو‪ ،‬إنما أتنازل (في رؤى) بسبب ضعف ىؤالء الذين يرونني‪.]0‬‬
‫رأت امرأة منوح في الرؤيا ثالث أمور‪ :‬اهلل يقبل المحرقة والتقدمة عالمة رضائو عمييما‪ ،‬وأنو‬
‫أراىما كل ىذه األسرار عالمة قدرتو الفائقة التي ال تحد‪ ،‬واسمعيما وعده ليما بإنجاب ابن نذير لو‬
‫عالمة حبو ليما‪.‬‬
‫ابنا دعتو "شمشون"‪ .‬يرى القديس جيروم أن الكممة مشتقة من‬
‫بعد ىذه الرؤيا ولدت امرأة منوح ً‬
‫"شمس" و"أون" (أي قوة)‪ ،‬وكأن اسمو يعني (قوة الشمس)‪ .‬ويرى البعض أنيا تعني (شمسي)‪،‬‬
‫وآخرون أنيا تعني (قوي) مشتقة من كممة "شمم"‪.‬‬
‫رمز لشمس البر‪ ،‬المخمص الحقيقي‪ ،‬يسوع المسيح‪،‬‬
‫تمتع منوح وامرأتو بيذا المولود الذي جاء ًا‬
‫وكما يقول الكتاب‪" :‬ابتدأ روح الرب يحركو" [‪...]22‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Incomp. Of God 5:4, PG 48:740.‬‬
‫‪011‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع عشر‬

‫األصحاح الرابع عشر‬

‫زواج شمشون بأممية‬


‫أصر شمشون أن يتزوج بأممية بالرغم من عدم رضا والديو في البداية‪ ،‬وقد أقيمت وليمة لمدة‬
‫أمور‬
‫سبعة أيام قدم فييا أحجية تعرف عمييا الفمسطينيون خالل زوجتو‪ .‬وقد حممت قصة زواجو ًا‬
‫روحية عميقة‪.‬‬

‫‪.4-1‬‬ ‫‪ .1‬زواجو بأممية‬


‫‪.9-5‬‬ ‫‪ .2‬شق شبل األسد‬
‫‪.21-11‬‬ ‫‪ .3‬أحجيتو ألصحابو‬

‫‪ .1‬زواجو بأممية‬
‫" ونزل شمشون إلى تمنة ورأى امرأة في تمنة من بنات الفمسطينيين‪ ،‬فصعد وأخبر أباه وأمو‬
‫وقال‪ :‬قد رأيت امرأة في تمنة من بنات الفمسطينيين‪ ،‬فاآلن خذاىا لي امرأة‪ ...‬ولم يعمم أبوه وأمو‬
‫أن ذلك من الرب‪ ،‬ألنو كان يطمب عمة عمى الفمسطينيين" [‪.]4 ،2-1‬‬
‫"تمنة " اسم عبري معناه (قسم معين)‪ ،‬وىي مدينة عمى حدود أراضي ييوذا‪ ،‬أعطيت بعد ذلك‬
‫قدما‬
‫حاليا تبنة‪ ،‬عمى ىضبة تعمو ‪ً 020‬‬
‫لسبط دان (يش ‪ ،)24 :51‬كان يقطنيا فمسطينيون‪ ،‬تسمى ً‬
‫قدما عن سطح‬
‫تفاعا من صرعة مدينة شمشون والتي تعمو ‪ً 5100‬‬
‫عن سطح البحر‪ ،‬لذلك فيي أقل ار ً‬
‫البحر‪ ،‬لذا يقول‪" :‬نزل شمشون"‪ .‬وىي تبعد حوالي ‪ 3‬أميال جنوب غربي بيت شمس‪.‬‬
‫عمى خالف الشريعة التي تمنع الزواج باألمميات (خر ‪ )51 :32‬ومصاىرتيم (تث ‪)2-3 :0‬‬
‫نزل شمشون إلى تمنة ليتزوج بامرأة فمسطينية يقول عنيا القديس أغسطينوس أنيا زانية‪ ،‬إن لم تكن‬
‫روحيا بعبادتيا الوثنية‪ .‬لقد أصر شمشون أن يأخذ ىذه األممية بالرغم من رفض‬
‫ً‬ ‫جسديا فيي زانية‬
‫ً‬
‫مبدئيا‪ ،‬واذ أعمن أنيا حسنت في عينيو رضخ األبوان وىما ال يعممان "أن ذلك من الرب" [‪ ،]2‬إذ‬
‫ً‬ ‫أبويو‬
‫حول رغبة شمشون في الزواج من الغمف ليكون عمة ليالكيم‪.‬‬
‫رمز لعمل السيد المسيح‪ ،‬الذي نزل ال إلى "تمنة" أي إلى (قسم معين)‪ ،‬وانما إلى‬
‫حمل ىذا العمل ًا‬
‫عروسا ىي كنيستو الممتدة من أقاصي المسكونة إلى أقاصييا‪.‬‬
‫ً‬ ‫األرض ليخطب لنفسو من بين األمم‬

‫‪501‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع عشر‬

‫روحيا‪ ،‬األمر الذي لم تسترح لو خاصتو (جماعة الييود) إذ لم يعمموا أن‬


‫ً‬ ‫نزل ليخطب البشرية لنفسو‬
‫األمر إليي من قبل السماء عينيا‪.‬‬

‫‪ .2‬شق شبل األسد‬


‫فحل عميو روح‬
‫إذ نزل شمشون ووالده إلى تمنة وأتوا إلى كروميا "واذا بشبل أسد يزمجر لمقائو‪ّ ،‬‬
‫الرب فشقو كشق الجدي وليس في يديو شيء‪ ،‬ولم يخبر أباه بما فعل‪ ،‬فنزل وكمم المرأة فحسنت‬
‫دبر من النحل‬
‫في عيني شمشون‪ .‬ولما رجع بعد أيام لكي يأخذىا مال لكي يرى رمة األسد‪ ،‬واذا ُ‬
‫في جوف األسد مع عسل‪ ،‬فاشتار منو عمى كفيو وكان يمشي ويأكل وذىب إلى أبيو وأمو‬
‫وأعطاىما فأكال ولم يخبرىما أنو من جوف األسد اشتار العسل" [‪.]9-5‬‬
‫ما ىي كروم تمنة إال كرم اهلل نفسو‪ ،‬الذي نزل إليو الكممة اإلليي ليخطب عروسو الكنيسة‬
‫المقدسة‪ .‬لقد نزل شمشون وقبل أن يمتقي بالمرأة كان مع والديو‪ ،‬واذا بو يمتقي مع شبل األسد الجائع‪،‬‬
‫كان يزمجر ليفترس‪ ،‬وكأنو بالسيد المسيح الذي كان بين خاصتو الييود قبل أن يمتقي بعروسو األممية‬
‫ممتمسا من يبتمعو (‪ 5‬بط ‪ ،)8 :1‬واذ بو يشقو‬
‫ً‬ ‫في أصميا‪ ،‬وقد التقى بإبميس الذي يجول كأسد مزمجر‬
‫بيديو حين بسطيما عمى الصميب‪ .‬وكما لم يخبر شمشون والديو باألمر‪ ،‬ىكذا لم يستطع أن يتعرف‬
‫الييود – خاصة المسيح – عمى سر الصميب‪ ،‬أو سر غمبة المسيح عمى إبميس‪.‬‬
‫لقد عاد لممرة الثانية ليأخذ امرأتو التي سبق فخطبيا‪ ،‬واذ مال لكي يرى جثة األسد واذا بو دبر من‬
‫يعا وسكنيا النحل وأخرج عسالً‪ ،‬فاشتار منو‬
‫النحل في جوف األسد مع عسل‪ .‬لقد جفت رمة األسد سر ً‬
‫أي جمع العسل واستخرجو من وقبو‪ ،‬وحممو عمى كفيو وكان يمشي ويأكل وقدم لوالديو ولم يخبرىما‬
‫ربما لكي ال يكشف األمر حتى يقدم األحجية الخاصة بيذا العسل‪ ،‬أو ربما ألنو خشى أن يمتنعا عن‬
‫أكمو ألنو مستخرج من جيفة ميتة‪ ،‬أو خشى أن يحزنا ألنو نذير وال يميق بو أن يممس جيفة لئال‬
‫يتنجس‪ .‬عمى أي األحوال إن كان بالصميب قد مات بالحقيقة سمطان األسد أي إبميس وصار جثة‬
‫ىامدة بالنسبة لممؤمنين‪ ،‬فقد قد م لنا نحن المؤمنين عسل أسرار محبة اهلل الفائقة‪ ،‬ننعم بيا خالل يدي‬
‫شمشون الحقيقي‪ ،‬يسوع المسيح‪ .‬وقد أكل منو والده أي خاصتو الييودية‪ ،‬إذ صار من بينيم مؤمنون‬
‫بو‪.‬‬
‫رمز لعمل السيد المسيح الخالصي‪ ،‬فتحدثوا عن‬
‫جذبت ىذه القصة الواقعية فكر اآلباء بكونيا ًا‬
‫مفيوميا الروحي‪ ،‬وفيما يمي بعض مقتطفات من كممات القديس أمبروسيوس في ىذا الشأن‪:‬‬

‫‪501‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع عشر‬

‫‪ ‬ولد شمشون بوعد إليي‪ ،‬ورافقو الروح (‪ ...)41 :53‬وىكذا إذ تظمل بالسر العتيد طمب لو زوجة‬
‫حقا يبدو‬
‫من الغرباء‪ ،‬وكما ىو مكتوب لم يعرف أبوة وأمو السبب‪ ،‬وكان األمر من قبل الرب‪ً .‬‬
‫شمشون أقوى من اآلخرين ألن روح الرب قاده‪ ،‬وتحت قيادتو حارب الشعب الغريب بمفرده‪ ،‬وفي‬
‫وقت آخر وقف أمام ىجمات األسد العنيفة ومزقو بيديو بطريقة فائقة‪ .‬ليتو حافظ عمى النعمة بالقوة‬
‫‪5‬‬
‫التي بيا غمب الوحش المفترس!‬

‫‪ ‬الشعب األممي الذي آمن صار لو العسل؛ الشعب الذي كان قبالً تحت العبودية صار اآلن شعب‬
‫المسيح‪.4‬‬

‫‪ ‬يا لو من سر إليي! يا لو من سر واضح! لقد ىربنا من القاتل وغمبنا القوي‪ .‬صار لنا طعام الحياة‬
‫جائعا لموتنا المذري! لقد تحولت المخاطر إلى سالم‪ ،‬والم اررة إلى‬
‫ال ً‬ ‫في ذات الموضع الذي كان قب ً‬
‫‪3‬‬
‫حالوة‪ ،‬وجاءت النعمة عوض العصيان والقوة خالل الضعف‪ ،‬والحياة بدل الموت!‬

‫رمز لمميراث الذي يخمص‪.2‬‬


‫‪ ‬قتل شمشون كييودي ىذا األسد فوجد في جوفو عسالً‪ً ،‬ا‬
‫القديس أمبروسيوس‬

‫جدا‪ .‬فبالنسبة لنا نجد في فم‬


‫‪ ‬قال بعض األباء أن األسد يشير إلى المسيح ربنا‪ ،‬ىذا األمر الئق ً‬
‫طعاما من العسل‪ ،‬ألنو أي شيء أحمى من كممة اهلل؟!‪...‬‬
‫ً‬ ‫المسيح بعد موتو‬
‫ال‪ ،‬واآلن صاروا جسد‬
‫جسدا باط ً‬
‫ً‬ ‫ال‬
‫أيضا فيم األسد عمى أنو األمم الذين آمنوا‪ ،‬إذ كانوا قب ً‬
‫يمكن ً‬
‫المسيح الذي فيو خزن الرسل – كنحل – عسل الحكمة الذي جمعوه من ندى السماء ومن أزىار‬
‫ال شرسين كاألسود لكنيم إذ قبموا‬
‫النعمة اإلليية‪ .‬وىكذا جاء طعام من فم الذي مات‪ ،‬إذ كان األمم قب ً‬
‫كممة اهلل التي تسمموىا بقمب ورع أنتجوا ثمر الخالص‪.‬‬

‫‪ ‬شمشون يرمز لمشعب الييودي الذي قتل السيد المسيح عندما طمب االتحاد المرغوب فيو مع‬
‫الكنيسة‪ .‬بالتأكيد لم يثبت اتحاد الكنيسة مع المسيح قبمما يموت األسد الخارج من سبط ييوذا‪.‬‬
‫مب حين قتمو الييود‪ ،‬لكنو غمب بنصرتو عمى‬
‫مب وغمب‪ .‬غ َ‬
‫لذلك فإن ربنا ىو ذات األسد الذي غ َ‬
‫الشيطان بموتو عمى الصميب‪...‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Of the Holy Spirit 2, Introd. 5, 6.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Of the Holy Spirit 2, Introd. 5, 6.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid. 8, 9.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid. 8, 9.‬‬
‫‪500‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع عشر‬

‫طعاما لمحية‪ ،‬فإذ يأكمنا المسيح (نصير‬


‫ً‬ ‫طعاما هلل (عسالً في أحشاء األسد) حتى ال نكون‬ ‫ً‬ ‫‪ ‬لنكن‬
‫ال) حتى ال يمتيمنا الشيطان (فنكون ترًابا)‪.‬‬
‫عس ً‬
‫‪1‬‬
‫القديس أغسطينوس‬

‫‪ ‬عندما وجد العسل في فم األسد‪ ،‬يفيم أنو تعاليم المسيح‪ ،‬إذ نق أر "ما أحمى قولك (مواعيدك) لحنكي‬
‫حقا كما يأتي النحل إلى خمية العسل ىكذا يسرع‬‫أحمى من العسل لفمي" (مز ‪ً .)503 :551‬‬
‫جماعات المسيحيين إلى تعاليم المسيح كما إلى خمية العسل الحموة‪.4‬‬
‫القديس أغسطينوس‬

‫‪ .3‬أحجبتو ألصحابو‬
‫أيضا ثالثون من األصحاب‬
‫حاضر و ً‬
‫ًا‬ ‫صنع شمشون وليمة في بيت العروس وكان والده‬
‫الفمسطينيين‪ ،‬فسأليم شمشون أن يقدم ليم أحجية فإن فسروىا خالل أيام العرس السبعة يعطى لكل‬
‫قميصا (صدرية من الكتان كممبس داخمي)‪ ،‬وحمة ثياب وىي خاصة بحضور الوالئم‬
‫ً‬ ‫واحد من الثالثين‬
‫والمناسبات عوض الثوب اليومي‪ .‬وان لم يفسروىا يمتزم كل واحد منيم بتقديم حمة لشمشون‪ .‬واذ‬
‫أجابوا بالقبول قال ليم‪" :‬من اآلكل خرج أكل‪ ،‬ومن الجافي خرجت حالوة" [‪ .]14‬صاروا يتشاورون‬
‫ثالثة أيام فمم يستطيعوا حل األحجية [‪ ،]52‬وكان في اليوم السابع أنيم ىددوا المرأة‪ ،‬قائمين‪" :‬تممقي‬
‫رجمك لكي ُيظير لنا األحجية لئال نحرقك وبيت أبيك بنار‪ .‬ألتسمبونا دعوتمونا أم ال" [‪ .]15‬بكت‬
‫المرأة أمام شمشون مدعية أنو يكرىيا وال يحبيا حتى أخفى عنيا سر األحجية‪ .‬فقال ليا‪" :‬ىوذا أبي‬
‫وأمي لم أخبرىما فيل إياك أخبر؟!" [‪ .]16‬واذ بكت لديو السبعة أيام التي لموليمة أخبرىا في اليوم‬
‫السابع ألنيا ضايقتو‪ ،‬فأظيرت التفسير لبني شعبيا‪ .‬وعند غروب الشمس جاء الرجال يقولون‪" :‬أي‬
‫شيء أحمى من العسل؟! وما أجفى من األسد؟!" [‪ .]11‬فقال ليم‪" :‬لو لم تحرثوا عمى عجمتي لما‬
‫وجدتم أحجيتي" [‪ .]11‬بيذا القول أوضح ليم أنو عرف بأنيم تعمموا حل األحجية من امرأتو التي‬
‫ضغطوا عمييا كما بمحراث حتى أخرجوا ما بداخميا كاألرض المحروثة يظير ما في باطنيا‪ .‬واذ قال‬
‫ىذا "ح ّل عميو روح الرب" [‪ ،]11‬فنزل إلى أشقمون وقتل ثالثين رجالً وأتى بحمميم لمظيري األحجية‪،‬‬
‫وحمي غضبو وصعد إلى بيت أبيو بينما صارت امرأتو لصاحبو‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Caesarius, Ser. 119:1-3.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid. 119:5.‬‬
‫‪508‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع عشر‬

‫ىذا الحدث يكشف لنا عن قول الكتاب‪ " :‬ولم يعمم أبوه وأمو أن ذلك من الرب‪ ،‬ألنو كان يطمب‬
‫عمة عمى الفمسطينيين" [‪ .]4‬فقد تحولت أيام الوليمة إلى مناحة عوض الفرح إذ كانت امرأتو تبكي‬
‫جدا في اليوم األخير‪ ...‬وىكذا لم تكن وليمة وال‬
‫كل يوم وتسألو عن تفسير األحجية حتى ضيقت عميو ً‬
‫غما عمييا ىي وبني شعبيا‪ .‬ىذا وكان الرجال في حيرة وارتباك طوال األسبوع حتى‬ ‫كانت فرًحا بل ً‬
‫اضطروا إلى تيديد العروس البائسة‪ .‬وانتيت الوليمة بمقتل ثالثين من الرجال وسمب حمميم‪ ،‬وانطمق‬
‫شمشون إلى بيت أبيو وصارت امرأتو لصاحبو!! أي عرس ىذا؟!‬
‫ىذا وال ننسى تأكيد الكتاب أن روح اهلل كان يحركو‪ ،‬إذ قيل "فكبر الصبي وباركو الرب وابتدأ روح‬
‫الرب يحركو" (‪)41-42 :53‬؛ وعند قتل األسد قيل‪" :‬فحل عميو روح الرب فشقو" [‪ ،]1‬وعند نزولو‬
‫ألرض أشقمون لقتل األعداء قيل‪" :‬وحل عميو روح الرب" [‪ ...]51‬فإن كنا نسمع بعد ذلك أن سر قوتو‬
‫في شعره‪ ،‬إنما ألن الشعر كان إشارة إلى تكريسو لمرب ونذر حياتو لو‪ ،‬فالقوة ليست في الشعر ذاتو‬
‫وانما في روح الرب الذي يحركو‪ .‬لقد عبر القديس أغسطينوس عن ىذا بقولو‪[ :‬لقد جاءت القوة التي‬
‫لشمشون أييا األعزاء المحبوبون من نعمة اهلل أكثر من الطبيعة‪ .‬فمو كانت قوتو في الطبيعة لما فارقتو‬
‫جدا إال فيما قالو الكتاب المقدس‪" :‬روح الرب يحركو"‬
‫عند حمق شعره‪ .‬إذن أين كانت قوتو العظيمة ً‬
‫إناء‪ ،‬والملء ىو في الروح‪ .‬اإلناء‬
‫(‪ .)41 :53‬قوتو إنما ترجع إلى روح الرب‪ ،‬أما شمشون فكان ً‬
‫يمكن أن يكون مآلًنا أو فارًغا؛ ىذا ولكل إناء كمالو من آخر‪ .‬ىكذا كانت النعمة تمتدح عندما دعي‬
‫مختار!‪.]5‬‬
‫ًا‬ ‫إناء‬
‫بولس ً‬
‫يعمق القديس أغسطينوس عمى زواج شمشون من ىذه المرأة الوثنية واقامة الوليمة وتقديم أحجيتو‬
‫ألصحابو وكشف سرىا لممرأة بقولو‪[ :‬الزانية التي تزوجيا شمشون ىي الكنيسة التي كانت قد ارتكبت‬
‫الزنى مع األوثان قبل أن تتعرف عمى اهلل الواحد‪ ،‬ىذه التي أتحد بيا السيد المسيح بعد ذلك‪ .‬عمى أي‬
‫األحوال إذ استنارت وقبمت منو اإليمان تأىمت لتعمم أسرار الخالص منو‪ ،‬فقد كشف ليا أسرار‬
‫الخفيات السماوية‪ .‬أما بخصوص السؤال الذي ضمر في الكممات‪" :‬من اآلكل خرج أكل ومن الجافي‬
‫حقا من اآلكل أي‬
‫خرجت حالوة" [‪ ،]52‬ماذا يعني ىذا إال السيد المسيح نفسو القائم من األموات؟! ً‬
‫من الموت الذي التيم كل شيء وابتمعو‪ ،‬جاء منو الطعام القائل‪" :‬أنا ىو الخبز الذي نزل من السماء"‬
‫(يو ‪ .)25 :1‬لقد اىتدى األمم وقبموا حالوة الحياة من ذاك الذي حمل ظمم البشرية بم اررة‪ ،‬والذي‬
‫مر وم اررة ليشربيا‪ .‬ىكذا خرج من فم األسد الميت أي من موت السيد المسيح الذي‬
‫قدمت لو خالً ًا‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 118:2.‬‬
‫‪501‬‬
‫قضاة – األصحاح الرابع عشر‬

‫دبر من النحل‪ ،‬أي جماعة من المسيحيين‪ .‬وعندما قال شمشون‪" :‬لو لم تحرثوا عمى‬‫ربض ونام كأسد ٌ‬
‫عجمتي لما وجدتم أحجيتي" [‪ ،]58‬فإن ىذه العجمة ىي الكنيسة التي صارت ليا أسرار إيماننا معمنة‬
‫ليا بواسطة رجميا‪ .‬فبواسطة تعاليم الرسل والقديسين وخالل ك ارزتيم انتشرت أسرار الثالوث والقيامة‬
‫والدينونة وممكوت السموات والوعد بالمكافأة بالحياة األبدية إلى أقاصي األرض‪...]5‬‬
‫ويعمق القديس أمبروسيوس عمى قول الكتاب‪" :‬فمم يستطيعوا أن يحموا األحجية في الثالثة أيام"‬
‫ممكنا أن تعرف األسرار إال بإيمان الكنيسة في اليوم‬
‫ً‬ ‫[‪ ]52‬وبقوا حتى اليوم السابع بقولو‪[ :‬لم يكن‬
‫السابع‪ ،‬الوقت الذي فيو يكمل الناموس (رقم ‪ 0‬يشير لمكمال) بعد آالم المسيح (أي بعد ثالثة أيام‬
‫دفنو)‪ ،‬ليذا نجد الرسل كانوا غير قادرين أن يفيموا "ألن يسوع لم يكن قد مجد بعد" (يو ‪.]4)31 :0‬‬
‫كان البد لمرجال أن ينتظروا ثالثة أيام التي فييا دفن المسيح ليتمجد بصميبو وقيامتو‪ ...‬وفي اليوم‬
‫السابع حيث يعمن كمال الناموس خالل إنجيل الحق يدركون السر خالل الكنيسة‪.‬‬
‫ويعمق القديس أمبروسيوس عمى الحمل بقولو‪[ :‬في الحمل نالوا مكافأة الحكمة كعالمة المناقشة‬
‫التي خالليا حمت األحجية وفسرت‪.]3‬‬
‫أخير فإن الوليمة التي فييا عرفت الكنيسة (المرأة) األسرار‪ ،‬وأذاعتيا عمى العالم الوثني (الثالثين‬
‫ًا‬
‫من األصحاب)‪ ،‬فتمتعوا بحمل الخالص من خالل مياه المعمودية (ألن رقم ‪ 30‬يذكرنا بالسن الذي‬
‫فيو اعتمد الرب)‪ ،‬ىي بعينيا كانت سر ىالك ثالثين من الغرباء وسمب حمميم‪ .‬وكأن ما ينالو اإلنسان‬
‫وسمبا‬
‫ً‬ ‫من نعم وبركات خالل عمل شمشون الحقيقي ووليمتو الخالصية إنما حسب ىال ًكا إلبميس‬
‫ال كوكب الصبح‬ ‫لممتمكاتو التي سبق فاغتصبيا‪ .‬لقد نزعت عن إبميس كل إمكانياتو بعد أن كان قب ً‬
‫ومجمسو في السماويات لينعم اإلنسان بإمكانيات سما وية ويرتفع بين الطغمات المالئكية‪ .‬في مياه‬
‫المعمودية ننعم بالحمل البيية بينما يحرم إبميس من سمطانو عمينا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 118:3.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Of the Holy Spirit 2, Introd. 7.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid. 10.‬‬
‫‪550‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس عشر‬

‫األصحاح الخامس عشر‬

‫صراع شمشون مع العدو‬


‫فوجئ شمشون أن زوجتو قد أخذىا صاحبو امرأة لو‪ ،‬فكان ذلك انطالقة صراع مع العدو الذي أذل‬
‫شعبو سنوات طويمة‪.‬‬

‫‪.7-1‬‬ ‫‪ .1‬حرق حقول العدو‬


‫‪.17-8‬‬ ‫‪ .2‬قتمه ألف رجل‬
‫‪.22-18‬‬ ‫‪ .3‬خروج ماء من الكفة‬

‫‪ .1‬حرق حقول العدو‬


‫بعد مدة إذ خمد غضب شمشون أراد أن يرجع إلى امرأتو فأخذ معو جدي معزى كيدية لممصالحة‪،‬‬
‫كثير (تك ‪11 :83‬؛ لو ‪ ،)92 :11‬واذ نزل إلى تمنة منعو‬
‫وكان جدي المعزى من اليدايا المألوفة ًا‬
‫والدىا من الدخول‪ ،‬قائالً‪" :‬إني قمت أنك قد كرهتها فأعطيتها لصاحبك‪ ،‬أليست أختها الصغيرة أحسن‬
‫مسمما ابنتو لصاحب‬
‫ً‬ ‫عوضا عنها" [‪ .]2‬لقد أخطأ أبوىا‪ ،‬ألنو تعجل في األمر‬
‫ً‬ ‫منها؟! فمتكن لك‬
‫زوجيا قبل أن يطمقيا رجميا أو حتى ينذره بذلك‪ ،‬وقد ظن أن صغر سن أختيا أو جماليا يعوض‬
‫شمشون عن حبو المرأتو‪ ،‬لكن الحب ال ُيرشى بالجمال وال بصغر السن! عمى أي األحوال كان ذلك‬
‫عمة لينطمق شمشون وقد حل عميو روح الرب وحرق حقول األعداء بأخذ مشاعل ووضعيا بين ذنبي‬
‫ثعمبا ليذا اليدف‪ .‬واذ أحرق حقوليم‬
‫معا بعد أن أمسك ‪ً 833‬‬ ‫كل ثعمبين (ابن آوى) مربوطين ً‬
‫ومخازنيم اغتاظ األعداء فانطمقوا إلى امرأة شمشون وأحرقوىا وأباىا بالنار‪ .‬لكن ىذا العمل لم يرض‬
‫شمشون إذ حسبو إىانة لو بحرق امرأتو‪ ،‬لذلك أراد أن يعود فينتقم منيم ثانية حتى يكف عن االنتقام‪.‬‬
‫قطعا بعضيم فوق بعض‬
‫عظيما" [‪ ،]8‬أي جعميم بضرب السيف ً‬‫ً‬ ‫ضربا‬
‫ً‬ ‫"وضربهم ساقًا عمى فخذ‬
‫أخير "أقام في شق صخرة عيطم" [‪.]8‬‬
‫فصار الساق فوق الفخذ والقدم فوق الرأس وما إلى ذلك‪ .‬و ًا‬
‫يعمق القديس أغسطينوس عمى ىذا الحديث بقولو‪[ :‬قيل أن غضب شمشون قد حمي ألن‬
‫صاحبو تزوج امرأتو (‪ .)93-12 :11‬ىذا الصاحب ىو رمز لكل اليراطقة‪ .‬حقًا أنو لسر عظيم أييا‬
‫بعيدا عنو‪ .‬بانفصاليم عن‬
‫اإلخوة‪ ،‬فاليراطقة الذين يقسمون الكنيسة يريدون الزواج بزوجة الرب وحمميا ً‬
‫الكن يسة واألناجيل يحاولون بشرىم أي زناىم اقتناء الكنيسة كنصيب ليم‪ ،‬ليذا يقول الخادم األمين‪،‬‬

‫‪111‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس عشر‬

‫صديق عروس الرب‪" :‬ألني خطبتكم لرجل واحد ألقدم عذراء عفيفة لممسيح" (‪ 9‬كو ‪ .)9 :11‬وبغيرة‬
‫إيمانو أدرك الصديق الشرير (الذي يود اغتصاب العروس لو)‪ ،‬إذ يقول "ولكنني أخاف أنو كما خدعت‬
‫الحية حواء بمكرىا ىكذا تفسد أذىانكم عن البساطة التي في المسيح (يسوع)" (‪ 9‬كو ‪...)8 :11‬‬
‫اآلن‪ ،‬لنرى كيف فعل شمشون عممو السري عندما أُصير بواسطة صاحبو في شخص امرأتو‪ .‬لقد أخذ‬
‫الثعالب‪ ،‬أي أصدقاءه الزناة الذين قيل عنيم في نشيد األنشاد‪" :‬خذوا لنا الثعالب الصغار المفسد‬
‫لمكروم" (نش ‪ .)11 :9‬ماذا يعني بقولو "خذوا"؟ أي امسكوىا‪ ،‬دينوىا‪ ،‬اضغطوا عمييا‪ ،‬حتى ال تفسد‬
‫كروم الكنيسة‪ .‬ماذا يعني بقولو‪" :‬خذوا الثعالب" ا‬
‫إال إدانة اليراطقة بسمطان القانون اإلليي‪ ،‬لنسرع‬
‫ونقيدىم بشيادة الكتاب المقدس كما بقيود! لقد أمسك شمشون الثعالب ووضع مشاعل نار وسط‬
‫أذياليم بعد أن ربطيم اثنين اثنين‪ .‬ماذا يعني رباط أذيال الثعالب؟ ما ىي أذيال اليراطقة إال ما بمغوه‬
‫من نتائج ىرطقتيم (كذيل ليم)‪ .‬ىذه تربط‪ ،‬أي تقيد وتدان وتُميب النار في أذياليا‪ ،‬إذ أفسدوا الثمار‬
‫واألعمال الصالحة لمذين سقطوا تحت خداعاتيم‪.]1‬‬
‫قطعا بال ترتيب ىرب إلى شق (كيف) في‬
‫إذ أحرق شمشون مزارع األعداء وضربيم حتى جعميم ً‬
‫قمة صخرة بعيطم‪" .‬عيطم" كممة عبرية تعني (مآوى لمكواسر)‪ ،‬تقع عمى بعد حوالي ميمين جنوب‬
‫غربي بيت لحم بأرض ييوذا‪.‬‬
‫عمى أي األحوال إن كنا مع شمشون نرفض كل فكر يفسد كنيسة اهلل‪ ،‬ونميب ذيمو بالنار ليحطم‬
‫ثمر الشر ومممكة إبميس فإنو يميق بنا أن نيرب إلى الشق أو الجنب المطعون الذي لمسيد المسيح‬
‫الصخرة الحقيقية‪ .‬لنذىب إلى عيطم‪ ،‬إلى (مآوى الكواسر)‪ ،‬فندخل في جراحات المسيح ونحتمي فييا!‬

‫‪ .2‬قتمه ألف رجل‬


‫إذ أحرق شمشون حقول الفمسطينيين وقتل الكثيرين منيم شعر أىل ييوذا بالتزام أن يسمموا شمشون‬
‫في أيدي الفمسطينيين الذين يسودونيم حتى يأمنوا شرىم‪ .‬لقد حسبوا أنو من األفضل أن يموت شمشون‬
‫عن الشعب كمو‪ ،‬وكأنو رمز لمسيد المسيح الذي قيل عنو من خاصتو‪" :‬خير لنا أن يموت إنسان واحد‬
‫عن الشعب وال تيمك األمة كميا" (يو ‪ .)13 :11‬وىكذا كما قيد رجال ييوذا شمشون بحبمين جديدين‬
‫وأسمموه لألعداء دون أن يقتموه بعد أن اتيموه أنو مجدف وصانع شر‪ ،‬وكأنيم أرادوا أن يوثقوه بحبمين‬
‫جديدين‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Caesarius, Ser. 118:4.‬‬
‫‪119‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس عشر‬

‫التقى شمشون باألعداء وىو مقيد بالحبمين الجديدين‪" ،‬فحل عميه روح الرب‪ ،‬فكان الحبالن المذان‬
‫عمى ذراعيه ككتان أُحرق بالنار فانحل الوثاق عن يديه" [‪ .]14‬كأنو بالسيد المسيح الذي واجو‬
‫العدو عمى الصميب‪ ،‬إذ ىو "القيامة" لم يستطع الموت أن يمسك بو‪ ،‬وال الجحيم أن يعوقو‪ ،‬فحطم بنار‬
‫الىوتو حبمي الموت والجحيم‪ ،‬وأعمن كسر سمطانيما عن مؤمنيو المتحدين معو‪.‬‬
‫عوض أن يقتمو األعداء أمسك بمحي حمار أي فكو وكان طرًيا فقتل بو ألف رجل [‪ .]11‬ماذا‬
‫تماما‪،‬‬ ‫ا‬
‫يعني ىذا إال أن اإلنسان وقد نزل خالل الخطية إلى الحيوانية غير العاقمة‪ ،‬وقد حطمو الموت ً‬
‫وأمسك بو السيد من جديد كما يمسك بفك حمار‪ ،‬وأعطاه كممة اإليمان الحي الذي بو يقتل القوات‬
‫الشريرة المقاومة أو عمل إبميس الذي ُيرمز لو بألف رجل شرير‪.‬‬
‫نما "بمحي حمار كومة كومتين‪ ،‬بمحي حمار قتمت‬
‫لقد أراد أن يحقر من العدو المغموب فقال متر ً‬
‫ألف رجل" [‪ .]11‬وكأنو يقول أنو بفك حمار حول العدو إلى كومة‪ ،‬كومتين‪ ،‬ثالث كومات إلخ‪،‬‬
‫وىكذا صار يحصي أكوام الموتى‪ ...‬ىذه ىي تسبحة النصرة!‬
‫اما من القتمى تحققت بفك أو لحي حمار سميت المنطقة "رمت لحي" أي‬
‫إذ صارت المنطقة أكو ً‬
‫(مرتفعات الفك)‪.‬‬

‫‪ .3‬خروج ماء من الكفة‬


‫جدا فدعا الرب وقال‪ :‬إنك قد جعمت بيد عبدك هذا الخالص العظيم‪ ،‬واآلن أموت من‬
‫"ثم عطش ً‬
‫العطش وأسقط بيد الغمف‪ .‬فشق اهلل الكفة التي في لحي‪ ،‬فخرج منها ماء فشرب ورجعت روحه‬
‫فانتعش‪ ،‬لذلك دعا اسمها عين هقوري" [‪.]19-18‬‬
‫يرى البعض أن شمشون يستخدم ىنا التورية‪ ،‬فإذ دعا المكان "رمت لحي" دعا العين التي أخرج لو‬
‫ماء من المنبت السن الذي في فك‬
‫ماء بـ "الكفة" وتعني (منبت السن)‪ ،‬وكأن اهلل أخرج لو ً‬
‫اهلل منيا ً‬
‫الحمار‪.‬‬
‫إن كان قد قتل ألف رجل شرير بالفك فإنو يشير إلى عمل اهلل الخالصي وتحطيم قوى الشيطان‪،‬‬
‫فإن فيض الماء من كفة الفك يشير إلى ما تبع ىذا العمل الخالصي عمى الصميب من فيض مياه‬
‫الروح القدس التي تنعش النفس وتجددىا في المعمودية‪.‬‬
‫يعمق القديس أغسطينوس عمى تصرفات شمشون بالفك وخروج ماء من كفة الفك بقولو‪[ :‬أىمك‬
‫شمشون ألف رجل بفك من جسم حمار؛ فقد ُمثل األمم بالحمار‪ ،‬إذ يتحدث الكتاب عن الييود واألمم‬
‫ال‪" :‬الثور يعرف قانيو والحمار معمف صاحبو" (إش ‪ .)8 :1‬فقبل مجيء السيد المسيح مزق‬ ‫قائ ً‬
‫‪118‬‬
‫قضاة – األصحاح الخامس عشر‬

‫الشيطان األمم إلى قطع وتبعثروا كعظام جافة من جسم حمار‪ ،‬لكن لما جاء المسيح – شمشون‬
‫جميعا بيديو الطاىرتين‪ .‬أصمحيم بقوتو‪ ،‬وبيم غمب خصومو‪ .‬ىكذا نحن الذين‬ ‫ً‬ ‫الحقيقي – أمسك بيم‬
‫ال حتى قتمنا‪ ،‬أمسك بنا المسيح وجعمنا بر اهلل بالرغم من جفافنا لعدم وجود‬
‫سممنا أعضاءنا لمشيطان قب ً‬
‫قديما صمى شمشون فانطمق ينبوع من الفك‪ ،‬وتحقق ذلك فينا‬
‫ندى نعمة اهلل غيرنا إلى ينابيع وأنيار‪ً .‬‬
‫بوضوح إذ يقول الرب نفسو‪" :‬من آمن بي تجري من بطنو أنيار ماء حي" (يو ‪.]1)83 :1‬‬
‫تذكار لدعائو‬
‫ًا‬ ‫أخير إذ شرب شمشون من العين دعا اسمو "عين ىقوري" [‪ ،]12‬أي (عين الداعي)‬ ‫ًا‬
‫إلى اهلل واستجابة اهلل لدعائو‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 119:4.‬‬
‫‪111‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس عشر‬

‫األصحاح السادس عشر‬

‫شمشون ودليمة‬
‫إن كان روح اهلل قد الزم شمشون فوىبو قوة‪ ،‬لكن إذ سقط شمشون في حب دليمة واتكأ برأسو عمى‬
‫ركبتييا فقد مجد نذره‪ ،‬وحرم من بصيرتو‪ ،‬وصار سخرية لمعدو‪.‬‬

‫‪.3-1‬‬ ‫‪ .1‬شمشون في بيت زانية‬


‫‪.5-4‬‬ ‫‪ .2‬حبو لدليمة‬
‫‪.15-6‬‬ ‫‪ .3‬مخاتمتو لدليمة‬
‫‪.17-16‬‬ ‫‪ .4‬كشف سره لدليمة‬
‫‪.22-18‬‬ ‫‪ .5‬سقوط شمشون‬
‫‪.31-23‬‬ ‫‪ .6‬موت شمشون‬

‫‪ .1‬شمشون في بيت زانية‬


‫" ثم ذىب شمشون إلى غزة ورأى ىناك امرأة زانية فدخل إلييا‪ ،‬فقيل لمغزيين‪ :‬قد أتى شمشون‬
‫إلى ىنا‪ .‬فأحاطوا بو وكمنوا لو الميل كمو عند باب المدينة‪ ،‬فيدأوا الميل كمو قائمين‪ :‬عند ضوء‬
‫الصباح نقتمو‪ .‬فاضطجع شمشون إلى نصف الميل ثم قام في نصف الميل وأخذ مصراعي باب‬
‫المدينة والقائمتين وقمعيما مع العارضة ووضعيما عمى كتفو وصعد بيا إلى رأس الجبل الذي‬
‫مقابل حبرون" [‪.]3-1‬‬
‫إذ استطاع شمشون بفك حمار أن يقتل ألف رجل‪ ،‬فكر في الذىاب إلى أكبر مركز لمفمسطينيين‬
‫أال وىي غزة‪ ،‬فقد وثق أنو يستطيع بروح الرب أن يدخل إلييم ويخرج دون أن يصيبو منيم ضرر‪.‬‬
‫ذىب إلى بيت زانية فسمع أىل غزة‪ ،‬وجاءوا إلى أبواب المدينة يحرسوىا طوال الميل حتى متى خرج‬
‫في الصباح يمسكوه ويقتموه وقد أخطأ في ىذا بال شك وان كان رأي القديس أغسطينوس‪ 1‬أن ىذا‬
‫التصرف بكل دقائقو يمثل صورة حية لعمل الرب الخالصي بدخولو إلى الجحيم –بعد الصميب‪-‬‬
‫اىبا لمؤمنيو قوة قيامتو‪ .‬ففي رأيو أن شمشون يكون غير طاىر لو أنو ذىب إلى‬
‫ليحطم متاريسو و ً‬
‫رمز لمسيد المسيح الذي‬
‫المرأة الزانية بال ىدف سميم‪ ،‬أما إن كان قد ذىب كنبي فقد حمل في شخصو ًا‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 118:5‬‬
‫‪115‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس عشر‬

‫دخل إلى الجحيم كما بيت الزانية مفتوح لمجميع بال عائق‪ .‬ويعمل القديس أغسطينوس ذلك بأن‬
‫الكتاب لم يذكر عن شمشون أنو اتحد مع الزانية وانما زارىا لينام أو يضطجع ىناك‪ .‬لقد انتظره‬
‫األعداء عند باب المدينة ليمسكوه عند خروجو‪ .‬وكأنما قد جمس الحراس عند القبر لإلمساك بالرب‬
‫القائم من األموات‪ ،‬لكنيم لم يقدروا عمى معاينتو‪ .‬لقد قام في نصف الميل وحمل معو أبواب المدينة‬
‫إلى الجبل بعدما ترك بيت الزانية‪ .‬فإن كانت الزانية ت شير إلى المجمع الذي حكم عميو بالموت‪ ،‬فإنو‬
‫محطما أبواب‬
‫ً‬ ‫بعد انفصال المجمع عنو قام الرب خفية كما في منتصف الميل نازًعا أبواب المدينة أي‬
‫الياوية‪ .‬لقد نزعيا ولم يردىا‪ ،‬وكأنو يحمل صورة السيد الذي حطم أبواب الموت‪ .‬لقد صعد إلى قمة‬
‫الجبل‪ ،‬ونحن نعمم بالحق أن السيد المسيح قام وصعد إلى السماوات‪.‬‬
‫كثير من اآلباء قد‬
‫جانبا رمزًيا في القصة‪ ،‬لكننا ال ننكر أن ًا‬
‫إن كان القديس أغسطينوس قد رأي ً‬
‫حبا فييا‪.‬‬
‫أروا في تصرف شمشون خطأ‪ ...‬إذ ال يميق بو أن يدخل بيت زانية ويضطجع ىناك ً‬
‫يقول القديس أمبروسيوس‪[ :‬غمب شمشون القوي الشجاع األسد لكنو لم يستطع أن يغمب ىواه‪.‬‬
‫قطع وثق أعدائو لكنو عجز عن قطع حبال شيوتو‪ .‬أحرق أكداس الظالمين الكثيرين‪ ،‬لكن أحرقو لييب‬
‫المذة الممنوعة التي أوقدتيا فيو امرأة واحدة]‪ .‬والقديس أغسطينوس نفسو ال يبرر تصرفات شمشون‪،‬‬
‫إذ يقول‪ [ :‬عندما حقق شمشون فضائل ومعجزات كان يمثل السيد المسيح رأس الكنيسة‪ ،‬وعندما كان‬
‫يعمل بحكمة كان صورة لمذين يسمكون في الكنيسة بالبر‪ ،‬لكنو عندما كان يغمب ويسمك بالتياون فكان‬
‫يمثل الخطاة في الكنيسة‪.]1‬‬

‫‪ .2‬حبو لدليمة‬
‫" وكان بعد ذلك أنو أحب امرأة في وادي سورق اسميا دليمة‪ ،‬فصعد إلييا أقطاب الفمسطينيين‪،‬‬
‫وقالوا ليا‪ :‬تممقيو وانظري بماذا قوتو العظيمة‪ ،‬وبماذا نتمكن منو لكي نوثقو إلذاللو‪ ،‬فنعطيك كل‬
‫واحد أل ًفا ومئة شاقل فضة" [‪.]5-4‬‬
‫إن كان روح الرب قد حل عمى شمشون في أكثر من موقع فكان يقوم بدور قيادي ناجح‪ ،‬لكنو إذ‬
‫تماما‪ ،‬وكما يقول القديس يوحنا الذىبي الفم‪[ :‬كثير من الرجال ىمكوا في‬
‫سقط في حب دليمو انيار ً‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 118:3‬‬
‫‪116‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس عشر‬
‫‪1‬‬
‫الزواج مثل شمشون‪ ،‬ولكن ليس بسبب الزواج في ذاتو وانما بسبب إرادتيم المنحمة ]‪ .‬ويقول األب‬
‫أفراىات‪[ :‬حارب (العدو) شمشون خالل امرأة حتى سمبو نذره‪.]2‬‬
‫أما كممة "دليمة" فيي اسم عبري يعني (مدلمة) أو (معشوقة)‪ ،‬يرى بعض الدارسين أنيا حممت ىذا‬
‫االسم بعدما كبرت وصارت موضع حب الكثيرين وعشقيم‪ ،‬إذ عاشت كزانية‪ .‬وكانت محبة لممال ليذا‬
‫عندما جاءىا أقطاب الفمسطينيين الخمسة‪ ،‬أمراء المدن الرئيسية (جت وأشدود وغزة وأشقمون‬
‫وعقرون)‪ ،‬ووعدوىا بتقديم كل واحد منيم ألف ومئة شاقل فضة لتسميم شمشون‪ .‬وكما يقول‬
‫أمبروسيوس‪ [ :‬أليست محبة دليمة لممال ىي التي خدعت شمشون أكثر الرجال شجاعة؟! ىذا الذي‬
‫مزق األسد الزائر بيديو‪.]3...‬‬
‫حاليا وادي الصرار ويبدأ عمى‬
‫نشأت دليمة في وادي سورق‪ ،‬أي (وادي الكرم المختار) وىو يدعى ً‬
‫ال غرب أورشميم ويمتد إلى البحر األبيض المتوسط كما يوجد واد شمال ىذا الوادي اسمو‬
‫بعد ‪ 13‬مي ً‬
‫"خربة سوريق"‪.‬‬

‫‪ .3‬مخاتمتو لدليمة‬
‫إذ أحب شمشون دليمة صارت تسألو ثالث مرات‪" :‬أخبرني بماذا قوتك العظيمة؟ وبماذا توثق‬
‫إلذاللك؟" [‪ . ]13 ،11 ،6‬لقد ظنت دليمة كأقطاب الفمسطينيين أن شمشون يحمل قوة فائقة نتيجة‬
‫عاديا يمكن التغمب عميو‪ ،‬ليذا كانت دليمة تمح عميو‬
‫ً‬ ‫إنسانا‬
‫ً‬ ‫عمل سحري إن أبطل فقد قوتو وصار‬
‫لتعرف ىذا السر‪ .‬ومن جانب آخر نري الفمسطينيين كانوا يكمنون في البيت وينتظرون حتى تالطفو‬
‫دليمة وتعرف سر قوتو ليواجيوه بعد سحب طاقتو الغريبة‪ .‬أما من جية شمشون نفسو فقد عرف منذ‬
‫المحظة األولى ىدفيا من السؤال وليذا خاتميا وخدعيا‪ ،‬وكان يجب أن ييرب من بيتيا لكن حبو‬
‫الشديد ليا أو بمعنى أخر استعباده لشيوتو من نحوىا جعمو يتياون في األمر واثقًا أنو لن يكشف ليا‬
‫كثير إذ سقط في حبال الشر وانيار‪.‬‬
‫سره وانما يحقق رغبتو من جيتيا‪ ،‬لكنو لم يستطع المقاومة ًا‬
‫في المرة األولى قال ليا أنو يضعف إن أوثق بسبعة أوتار طرية ال تجف‪ ،‬أي سبعة حبال من‬
‫الكتان أو غيره من النباتات‪ ...‬عوض أن ينتيرىا ويوقف سؤاليا كذب عمييا ففقد صدقو وحكمتو‬
‫وميابتو أماميا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪On Philip hom 12.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Demon. 6 on Monks 3.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Duties of the Clergy 2:26 (131).‬‬
‫‪117‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس عشر‬

‫وفي المرة الثانية إذ ألحت عميو قال ليا أنو يضعف إن أوثق بحبال جديدة لم تستعمل من قبل‪.‬‬
‫وفي المرة الثالثة قال ليا إنو يضعف إن ضفرت خصمو السبع مع السدى‪ ،‬وىي الخيوط الطويمة‬
‫التي تستخدم في آلة النسيج‪ ،‬بخالف المحمو وىي الخيوط العريضة‪ .‬وقد فعمت ذلك وىو نائم ومكنتيا‬
‫بالوتد‪ ...‬وىنا اقترب إلى كشف السر إذ بدأ يحدثيا عن شعره وخصمو السبع‪.‬‬
‫عمى أي األحوال في المرة األولى قطع األوتار كما يقطع فتيل المشاقة إذا شم النار؛ المشاقة ىو‬
‫ما يسقط من الكتان عند مشقو أو تمشيطو ليغزل ويستخدم كفتائل لمسرج‪ .‬أما في المرة الثانية فقطع‬
‫الحبال الجديدة عن ذراعيو كخيط‪ ،‬وفي الثالثة انتبو من نومو وخمع وتد النسيج والسدى‪.‬‬

‫‪ .4‬كشف سره لدليمة‬


‫"ولما كانت تضايقو بكالميا كل يوم وألحت عميو ضاقت نفسو إلى الموت‪ ،‬فكشف ليا كل قمبو‬
‫وقال ليا‪ :‬لم يعل موسى رأسي ألني نذير اهلل من بطن أمي فإن حمقت تفارقني قوتي وأضعف‬
‫وأصير كأحد الناس" [‪.]17-16‬‬
‫كانت دليمة تضيق عميو بقوليا لو‪" :‬كيف تقول أحبك وقمبك ليس معي‪ ،‬ىوذا ثالث مرات قد‬
‫ختمتني ولم تخبرني بماذا قوتك العظيمة؟" [‪ ،]15‬فضاقت نفسو إلى الموت‪ .‬إذ انحنت نفسو لشيوات‬
‫جسده الشريرة تضيق نفسو منجرفة نحو الموت‪ ،‬عوض اتساعيا بالحب اإلليي لتقبل اهلل في داخميا‬
‫فتنفتح لخميقتو‪.‬‬
‫جدا حتى الموت لم يستطع أن يتكتم أس ارره الروحية فكشف ليا عن كل قمبو‪ ،‬قائالً‬
‫إذ ضاقت نفسو ً‬
‫ليا إنو كنذير ال يعل موسى رأسو‪ ،‬فإن حمقت تفارقو قوتو‪ .‬وقد عمق بعض اآلباء عمى ىذا التصرف‪،‬‬
‫منيم القديس غريغوريوس النزينزي‪ 1‬حينما تحدث عن القديس أثناسيوس كعمود في الكنيسة‪ ،‬شبو‬
‫مقاومة األشرار لمكنيسة بما فعمو األشرار بشمشون‪ ،‬إذ نزعوا عنو شعره سر قوتو؛ ىكذا قاوم األشرار‬
‫القديس أثناسيوس ك ار ٍع قوي يسند شعبو حتى إذ يحمقون شعر الكنيسة أي ينزعون عنيا مجدىا‬
‫يكونون قد نطقوا عمييا بالشر‪.‬‬
‫ولمقديس أغسطينوس تعميق عمى ىذا األمر نقتطف منو اآلتي‪[ :‬لنحذر أييا اإلخوة المحبوبون‬
‫جسديا‪ .‬لنفيم العقل بكونو الرجل (شمشون) والجسد‬
‫ً‬ ‫روحيا ما عاناه شمشون‬
‫ً‬ ‫قدرما نستطيع لئال نعاني‬
‫ترمز لو المرأة (دليمة)‪ .‬إن كان اإلنسان يخضع لجسده عندما يتممقو بمطف لالنيماك في الممذات‬

‫‪1‬‬
‫‪On the Great Athans. 26.‬‬
‫‪118‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس عشر‬

‫فسيعاني من جسده ما عاناه شمشون من المرأة (دليمة)‪ .‬لذلك يميق بنا أييا األعزاء المحبوبون بمعونة‬
‫اهلل أن نجاىد ما استطعنا محقيقين قول الرسول عن نفسو‪" :‬أقمع جسدي وأستعبده (أخضعو)" (‪ 1‬كو‬
‫‪ .) 27 :9‬لنحذر بمعونة اهلل من موسى العدو الذي حمق رأس الجنس البشري عندما انخدع آدم وحواء‬
‫أيضا‪ ،‬ألن رأسنا ىو المسيح‪ .‬إن كنا نستسمم المرأة أي لشيوات الجسد‬
‫بحيمة لئال يعمو رأسنا نحن ً‬
‫المتممقة أو لمشرور األخرى فإننا ننخدع ونحرم من النعمة الروحية ونكون كمن نزع عنو شعر النذر‪...‬‬
‫يوجد موسى يقطع بطريقة نافعة وآخر بطريقة ضارة‪ ،‬موسى الشفاء واىب الجمال لنا ىو المسيح ربنا‪،‬‬
‫الذي يقطع من قموبنا أفكار الشر الضارة‪ .‬إنو يحمق الرذائل عن النفس‪ ،‬ينير الرأس‪ ،‬وييب الذىن‬
‫ال ويحررنا من الشعر المميت الذي لمعبودية البائسة ويجعل حياتنا مقدسة وفي طيارة وتدبير‬
‫جما ً‬
‫عندما تنمو كشعر النذير من جديد‪ ...‬انظروا لقد أظيرت الموسى الذي نطمبو‪ ،‬أما اآلخر فنرفضو‬
‫ونتجنبو‪ .‬الموسى المكرم ىو المسيح والموسى الميمك ىو الشيطان‪ .‬المسيح ىو رأسنا كقول الرسول‪،‬‬
‫والشعر إما أن يكون فضائل أو رذائل‪ ،‬لذلك عندما تحدث النبي عن خطاياه قال‪" :‬أكثر من شعر‬
‫رأسي (الذين يبغضونني بال سبب)" (مز ‪ .)4 :69‬فالفصائل والرذائل يرمز ليا بالشعر‪ ،‬عندما نحمق‬
‫بالمسيح نتحرر من كل الرذائل‪ ،‬وعندما نحمق بالشيطان نحرم من كل الفضائل‪ .]1‬كما يقول‪[ :‬إن‬
‫خضع إنسان لشيوة أو انيمك في ممذة يفعل بو جسده ما فعمتو دليمة بشمشون‪.]2‬‬
‫مرة أخرى يقول القديس أغسطينوس‪[ :‬اآلن ماذا يعني أن شمشون يحمل قوة في شعره؟ الحظوا‬
‫ىذا بدقة أييا اإلخوة‪ .‬أنو لم يحمل قوة في يديو وال في قدميو وال في صدره وال في رأسو وانما في‬
‫شعره‪ .‬ما ىو الشعر؟ يجيب الرسول أن الشعر غطاء (‪ 1‬كو ‪ ،)15 :11‬وكأن المسيح حمل القوة في‬
‫الغطاء عندما اختفى (احتمى) في ظالل الشريعة القديمة‪ ...‬ماذا يعني أن سر شمشون قد صار‬
‫موضوع خيانة (من دليمة) وأن رأسو قد حمقت؟ الشريعة قد احتقرت والمسيح صمب! لو لم يزدروا‬
‫بالشريعة (حمق الرأس) لما قتموا المسيح‪ ،‬إذ عرفوا أنو ليس من حقيم قتمو‪ .‬لقد قالوا لمحاكم‪" :‬ال يجوز‬
‫أحدا" (يو ‪.]3)31 :18‬‬
‫لنا أن نقتل ً‬

‫‪ .5‬سقوط شمشون‬

‫‪1‬‬
‫‪Caesarius Ser. 120:2.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid. 118:6.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪119‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس عشر‬

‫إذ سمم شمشون نفسو لدليمة وكشف ليا أس ارره أنامتو عمى ركبتييا [‪ ...]19‬وفي ىذه المرة لم يقل‬
‫الكتاب‪" :‬حل عميو روح الرب" بل قال‪" :‬أخرج حسب كل مرة وأنتفض" [‪ .]21‬حينما يسمم اإلنسان‬
‫ال عمى قوتو‪.‬‬
‫لشيوات جسدية فتذلو الشيوات يفقد رعاية اهلل لو‪ ،‬فيخرج لينتفض‪ ،‬وكأنو يخرج بذاتو متك ً‬
‫وىكذا تمتحم محبة الشيوات باألنا‪ ،‬وعوض انطالقو بالروح لمجياد ينحصر في األنا عمى ركبتي‬
‫ممذاتو‪.‬‬
‫لقد سقط الجبار ال عمى ركبتي دليمة وانما عمى ركبتي ممذاتو الزمنية؛ بسبب ىذه الممذات فتح باب‬
‫النقاش مع دليمة كما مع الحية فمم يصمد كأبويو األولين بالرغم مما أتسم بو من قوة‪ .‬لو أنو أغمق باب‬
‫الحوار كيوسف مع امرأة فوطيفار‪ ،‬القائل في قوة وصراحة‪" :‬كيف أصنع ىذا الشر العظيم وأخطئ إلى‬
‫اهلل؟!" وىرب دون نقاش أو عتاب وانتصر بقوة اهلل‪.‬‬
‫"لم يعمم أن الرب قد فارقو" [‪ ،]21‬ىذه ىي كارثتو أنو فقد معية الرب‪ ،‬فخسر سر قوتو‪ ،‬انحط‬
‫إلى المذلة بين يدي العدو‪ ،‬وفقد بصيرتو‪ ،‬وأقتيد إلى حيث ال يريد‪ ،‬وأوثق بسالسل وصار يطحن في‬
‫بيت السجن كإحدى الحيوانات‪ .‬صار سخرية في عيني األشرار بعدما كانوا ييابونو ويرتعبون منو‪ .‬في‬
‫حقا إن الشيطان عدونا يسخر بالخطاه بشدة عندما تنتيك نعمة‬
‫ىذا يقول القديس أغسطينوس‪ً [ :‬‬
‫المسيح‪ ،‬حدث عندما نزع عن شمشون شعره‪ .‬إنو يفقدىم بصيرة أعينيم‪ ،‬ويضعيم في السجن‪،‬‬
‫ويجعميم كالحمير يدورون في حجر الطاحونة‪ .]1‬كما يقول‪[ :‬نصحنا ربنا خالل النبي‪" :‬ال تكونوا‬
‫كفرس أو بغل بال فيم" (مز ‪ ،)9 :32‬حتى ال نفشل في إخضاع عنقنا لنير المسيح ونصيره كالحمار‬
‫مكرما لكنو سقط في الرذيمة‪ ،‬كما فعل شمشون‬
‫ً‬ ‫ال أن يدور في الطاحونة‪ ...‬بالحقيقة كان اإلنسان‬
‫مؤى ً‬
‫عندما ترك الحكمة والنعمة فعوقب بالعمى والطحن‪ .‬ىكذا يتأىل اإلنسان لممارسة عمل الحيوانات إن‬
‫حرم نفسو من نور العقل‪ .‬فمن يخضع لجسده ولممذاتو خالل تممق الشريرات يصير كالحيوانات‬
‫يطحن‪ ،‬يصير كحمار أو بغل يربط في حجر الرحى بعد عصب عينيو الجسديتين فتضعفان‪ .‬النفس‬
‫التي تسقط في الممذات تكون أعين ذىنيا قد أصابتيا العمى خالل فساد الحياة‪ ،‬وتدور في فكرىا‬
‫األخطاء كما لو كانت تطحن في طاحونة الشيوات القاسية‪ ،‬بدون بصيرة وتحت قيادة آخر‪ :‬من يقف‬
‫ممموء بظممة خطاياه‪ ...‬يعاني في داخمو من‬
‫ً‬ ‫في طريق الخطاة يربط بقيود شيواتو‪ ،‬ويكون في سجنو‬
‫قيود الطاحونة‪ .‬إنو يدير صخرة قمبو الذي تقسى خالل تمسكو بالشر فصار كحجر رحى‪ ،‬ويطحن‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 120:3.‬‬
‫‪121‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس عشر‬
‫‪1‬‬
‫أيضا يقول‪[ :‬من يمارس الخطايا يطحن حنطة‬
‫دقيقًا لمعدو خالل الحنطة الفاسدة التي لنفسو ]‪ ...‬و ً‬
‫خبز لو تكون ىي مصدر جوع لنفسيا‪.]2‬‬
‫لمعدو خالل نخاع حياتو ليطعم الشيطان؛ بينما تصير النفس ًا‬

‫‪ .6‬موت شمشون‬
‫ظن أقطاب الفمسطينيين أن إلييم داجون (نصفو األعمى عمى شكل إنسان واألسفل بدن سمكة)‬
‫ىو الذي أسمم ليم شمشون عدوىم ولم يدركوا أن سقوط شمشون ىو ثمرة مفارقة الرب لو بسبب‬
‫اما لشمشون أن يتأدب حتى يرجع إلى‬
‫انحالل حياتو في عالقتو مع دليمة‪ .‬عمى أي األحوال كان لز ً‬
‫أيضا عمى شرىم‪ ،‬فإن‬
‫الرب إليو بكل قمبو بعد أن يذوق ثمرة شره‪ ،‬وفي نفس الوقت يتأدب الوثنيون ً‬
‫كان اهلل قد أسمم شمشون في يدىم ليسخروا بو كيفما شاءوا إنما حين يرجع بقوة أعظم ويحسب من‬
‫رجال اإليمان‪.‬‬
‫عبدا ذليالً فاقد البصيرة فيسخرون‬
‫في احتفاليم بإلييم وتقديم ذبائح لو جاءوا بشمشون ليراه الشعب ً‬
‫معانا في إذاللو إذ طابت قموبيم جعموه يرقص أماميم ليسخروا بو ويكون موضع‬
‫منو ويمجدوا إلييم‪ ،‬وا ً‬
‫تسميتيم‪...‬‬
‫حقًا من يستطيع أن يعبر عن مشاعر شمشون غالب اآلالف وىو أعمى يطحن كالحيوانات في‬
‫بيت السجن ويمعب لتسميو أعدائو‪ ...‬كل ىذا بسبب شيوة وقتية زائمة! ما ىي مشاعره نحو دليمة التي‬
‫سممتو جسدىا إلى حين لتسميمو ألعماق العبودية والذل!‬
‫عمى أي األحوال إذ بدأ شعر رأسو بنبت وتذلل قمبو في داخمو أدرك أن الرب يكون معو‪ ،‬لذا صرخ‬
‫قمبو‪ " :‬يا سيدي الرب اذكرني وشددني يا اهلل ىذه المرة فأنتقم نقمة واحدة عن عيني من‬
‫الفمسطينيين" [‪ .]28‬لقد أدرك وسط الضيق أن اهلل ىو سر قوتو‪ ،‬ولم يعد يخرج لينتفض متكالً عمى‬
‫قائما عمييما واستند عمييما الواحد‬
‫ذاتو‪ .‬قبض "عمى العمودين المتوسطين المذين كان البيت ً‬
‫بيمينو واآلخر بيساره‪ ،‬وقال شمشون‪ :‬لتمت نفسي مع الفمسطينيين‪ .‬وانحنى بقوة فسقط البيت‬
‫عمى األقطاب وعمى كل الشعب الذي فيو كان الموتى الذين أماتيم في موتو أكثر من الذين أماتيم‬
‫في حياتو" [‪.]31-29‬‬
‫يعمق القديس أغسطينوس عمى األحداث األخيرة في حياة شمشون بقولو‪[ :‬السجن والطاحونة ىما‬
‫عمل ىذا العالم؛ عمى شمشون يشير إلى الذين أصابيم العمى بجحودىم ولم يعرفوا المسيح وال‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid.‬‬
‫‪121‬‬
‫قضاة – األصحاح السادس عشر‬

‫اختبروا سمطانو وصعوده إلى السماوات‪ .‬ىذا العمى ي شير إلى ما أصاب الييود‪ ،‬إذ امسكوا المسيح‬
‫وقدموه لمموت‪ ،‬فإذا بو يقتل قاتميو‪ .‬ليذا أحضره أعداؤه ليمعب كبيموان (بمياتشو) أماميم‪ .‬الحظ ىنا‬
‫صورة الصميب‪ .‬شمشون يبسط يديو لمعمودين كما لعارضتي الصميب‪ ،‬لذلك بموتو غمب أعداءه‪ ،‬ألن‬
‫آالمو صارت ىال ًكا لمضطيديو‪ .‬لذلك يقول الكتاب‪" :‬فكان الموتى الذين أماتيم في موتو أكثر من‬
‫الذين أماتيم في حياتو" [‪ .]31‬لقد تحقق السر بوضوح في ربنا يسوع المسيح‪ ،‬إذ أكمل الخالص‬
‫بموتو ىذا الذي أعمنو أثناء حياتو‪ .]1‬كما يقول‪[ :‬الحقيقة المذكورة بأنو أىمك األعداء في موتو أكثر‬
‫حقا أن‬
‫مما في حياتو تعمن سر آالم المسيح‪ ،‬فخالليا سقط بيت الشيطان وتيشمت مممكة الموت‪ً .‬‬
‫البيت الذي ضم أقطاب الفمسطينيين يرمز إلى بيت مممكة الشيطان (فيو يعبد اإللو داجون)‪ ،‬وقد جاء‬
‫عنو أنو يرتكز عمى عمودين‪ ...‬ىما بال شك الطمع والممذات‪ ،‬فال يوجد شر نفيمو إال وينبع عن‬
‫ىذين الشرين‪ ...‬كما ىو مكتوب‪" :‬ألن محبة المال أصل لكل الشرور" (‪ 1‬تي ‪ ،)11 :6‬أما عن‬
‫الممذات فقيل أنيا تكدر الجسد (أم ‪ .)8 :11‬ىذا وأن شمشون يشير إلى ربنا يسوع المسيح‪ ،‬أما دليمة‬
‫القاسية فت شير إلى المجمع‪ ،‬شمشون اقتنصتو دليمة‪ ،‬والمجمع اضطيد المسيح وصمبو عمى الجمجثة‪.‬‬
‫أما كون شمشون الممثل لممسيح قد أعمى فيشير إلى المسيحيين األشرار الذين آمنوا بالمسيح إلى حين‬
‫ولم يثابروا عمى اإليمان واألعمال الصالحة‪ ...‬شمشون وضع في السجن بينما نزل المسيح إلى‬
‫الجحيم‪ .‬شمشون بسط يديو لمعمودين فانيار بيت الفمسطينيين بأقطابو‪ ،‬وبسط المسيح يديو لعارضتي‬
‫الصميب كما لعمودين فانطرح بيت الشيطان أو مممكتو وتدمر مع مالئكتو‪.]2‬‬
‫ويرى القديس إيريناؤس‪[ :‬الغالم الذي قاد شمشون بيده يشير إلى يوحنا المعمدان الذي أظير‬
‫لمناس اإليمان بالمسيح‪ ،‬أما البيت الذي اجتمعوا فيو فيشير إلى العالم الذي يقطنو أمم وثنية متنوعة‬
‫جاحدة لإليمان تقدم الذبائح لألوثان ‪ ،‬وأن العمودين ىما العيدان إن حقيقة اتكاء شمشون عمى‬
‫العمودين تشير إلى تعمم الشعب سر المسيح (الذي ييدم الوثنية)‪.]3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 118:6.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid. 120:4.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Frag from Lost Writings 27.‬‬
‫‪122‬‬
‫الباب الثالث‬

‫حادثتان أثناء عصر القضاة‬

‫(ممحقان لمسفر)‬

‫ص ‪.٧١-٧١‬‬ ‫‪ ‬تمثال ميخا‬


‫ص ‪.١٧-٧١‬‬ ‫‪ ‬الالوي وسريته‬

‫قاضيا‪ ،‬ختم السفر بحادثتين‬


‫ً‬ ‫إذ عرض لنا سفر القضاة معامالت اهلل مع شعبو خالل اثني عشر‬
‫خطيرتين تمتا خالل ىذه الحقبة‪ ،‬األولى‪" :‬قصة تمثال ميخا" التي تكشف عن مدى زيغان الشعب عمى‬
‫مستوى الالويين والعممانيين ‪ -‬إن صح ىذا التعبير ‪ -‬نحو العبادة الوثنية ممتزجة بشكمية العبادة هلل‬
‫إلراحة الضمير وتسكينو؛ أما الثانية‪" :‬قصة الالوي وسريتو" فتكشف عن مدى الفساد الخمقي الذي بمغ‬
‫إليو الشعب من شيوات وعنف بصورة ال توصف‪.‬‬
‫قضاة – األصحاح السابع عشر‬

‫األصحاح السابع عشر‬

‫تمثال ميخا‬
‫يقدم لنا الوحي اإلليي ىذه القصة ليكشف عن مدى العمى الروحي الذي أصاب الشعب‪ ،‬فإذ‬
‫أفودا وترافيم في بيتيا‪ ،‬وطمب ابنيا ميخا من أحد أوالده أن يكون‬
‫أرادت سيدة أن ترضي الرب أقامت ً‬
‫كاىنا‪ ،‬حتى زارىم غالم من بني الوي فحسبوه رضى من اهلل وعالمة سروره أن يستأجروا الالوي في‬
‫ً‬
‫كاىنا‪.‬‬
‫بيتيم ً‬
‫‪.6-٧‬‬ ‫‪ .٧‬إقامة التمثال‬
‫‪.٧1-١‬‬ ‫‪ .١‬استئجار الوي كاه ًنا‬

‫‪ .٧‬إقامة التمثال‬
‫"كان رجل من جبل أفرايم اسمه ميخا" [‪.]٧‬‬
‫حدثت ىذه القصة قبل أيام شمشون؛ يبدو أن ميخا كان يدعى "ميخييو" أي (من مثل ييوه) أو‬
‫"ميخائيل" أي (من مثل اهلل)‪ ،‬ويرى عمماء الييود أنو قد صار اسمو "ميخا" بدل "ميخييو" ألنو عبد‬
‫األوثان‪ .‬اسمو األول يدل عمى أن والديو كانا تقيين يعتقدان أن ليس مثل ييوه‪ ،‬لكن والدتو انحرفت‬
‫جنبا إلى جنب مع عبادة اهلل فجعمت من الصنم مثالً هلل‪ ،‬وىذا يخالف اسم ابنيا‪.‬‬
‫إلى العبادة الوثنية ً‬
‫ويبدو أن ميخا ىذا سرق من والدتو الغنية ألفًا ومئة شاقل من الفضة‪ ،‬واذ لعنت السارق‪ ،‬لم‬
‫يستطيع االبن أن يسمع المعنة بأذنيو فجاء بالفضة إلى أمو معترفًا [‪ ،]4‬أما ىي فرفضت أن ترد‬
‫الفضة إلى خزينتيا بل أرادت تقديسيا لمرب بعمل تمثال منحوت وتمثال مسبوك تسمميا البنيا‬
‫ليضعيما في بيتو في موضع مقدس‪ .‬ىذه ىي صورة إنسانة تقية أرادت أن تقدس فضتيا المسروقة‬
‫لمرب فتقدم بيا تمثالين في بيت ابنيا‪ ...‬وان كان البعض يرى أنيا لم تقصد العبادة الوثنية وانما عبادة‬
‫مقدسا لمرب‪ .‬فعمل‬
‫ً‬ ‫اهلل الحي خالل التمثالين‪ ...‬بيذا ظنت أنيا تنزع المعنة عن ابنيا‪ ،‬وتجعل من بيتو‬
‫ثيابا لمكينة‪ ،‬كما عمل ترافيم وىي تماثيل آشورية تستخدم كآلية خاصة بكل عائمة‪.‬‬ ‫أفودا أي ً‬
‫ميخا ً‬
‫ومأل ميخا يد أحد من بنيو [‪ ]5‬أي أعطاه تقدمات يقدميا لمرب ككاىن لمرب؛ ىكذا أقيم أحد أبناء‬
‫كاىنا ليس من قبل الرب بل من قبل أبيو‪ ،‬فكان العمل كمو يكشف عن جيل العائمة وغباوتيا‬
‫ميخا ً‬
‫سواء في إقامة آلية أو مالبس الكينة أو الكينة أنفسيم‪ .‬لكن ما حدث في ىذه العائمة كان مثالً‬

‫‪424‬‬
‫قضاة – األصحاح السابع عشر‬

‫لمفساد العام حتى تكرر القول‪ " :‬وفي تمك األيام لم يكن ممك في إسرائيل‪ ،‬كان كل واحد يعمل ما‬
‫يحسن في عينيه" [‪.]6‬‬
‫كاىنا حسب ىواه‪ ،‬فإن كثيرين إلى يومنا ىذا‬
‫إن كان ميخا قد أقام من فضتو لنفسو إليًا‪ ،‬ومن ابنو ً‬
‫يريدون أن يقيموا آلية حسب أىواءىم الخاصة‪ ،‬منيم الذين تحدث عنيم الرسول بولس‪" :‬آليتيم‬
‫بطونيم" (في ‪ ،)41 :3‬ومنيم من كانت آليتيم كرامتيم الزمنية الخ‪ ...‬أما بالنسبة لمكينة فكثيرون ال‬
‫يطمبون كينة مدعوين من اهلل يفصمون كممة الحق باستقامة وانما يريدون من أبنائيم كينة حتى‬
‫يقدمون ليم الوصية حسب أىوائيم ويشوىون الحق بما يشبع رغباتيم وممذاتيم‪.‬‬

‫‪ .١‬استئجار الوي كاه ًنا‬


‫لم يقف الفساد عند الشعب وحدىم إذ أقام الكثيرون ترافيم في بيوتيم كآلية يقدمون العبادة هلل‬
‫خالليا‪ ،‬فامتزجت العبادة الوثنية بعبادة اهلل الحي‪ ،‬وانما حتى الكينة والالويين نسوا رسالتيم كأناس‬
‫نصيبيم الرب وعمميم خدمة الييكل المقدس نيابة عن الجماعة كميا‪ ،‬وخرجوا يبحثون عن المال‪،‬‬
‫فص اروا في وسط الجماعة يسألون عمن يستأجرىم ليكونوا كينة خصوصيين ليم‪ .‬وفي أيام نحميا‬
‫نجدىم يعممون في الحقول (نح ‪ .)4 :43‬ىذه ىي الخميرة التي كان يجب أن تحمل في داخميا عمل‬
‫اهلل لتخمير العجين كمو‪ ،‬قد انيمكت بأمور العالم‪ ،‬وصارت مستأجرة لمعمل ال لحساب اهلل بل لحساب‬
‫بطونيم‪ .‬من بين ىؤالء الالويين‪ .‬وجد غالم أقام في بيت لحم بييوذا حتى حسب من عشيرة ييوذا‬
‫وىو الوي متغرب [‪ ، ]7‬لم يجد ىناك من يستأجره فترك بيت لحم وذىب إلى جبل أفرايم حيث التقى‬
‫وكاىنا مقابل عشرة شواقل فضة وحمة ثياب‬
‫ً‬ ‫بميخا الذي سألو أن يقيم عنده ليكون الالوي ًأبا لو‬
‫كاىنا عوض ابنو الذي كان لو‬
‫سعيدا إذ يقيم الالوي ً‬
‫ً‬ ‫بخالف قوتو اليومي‪ .‬ىكذا حسب ميخا نفسو‬
‫سخيا بالنسبة لمظروف التي كان الالويون يعيشون فييا فقبمو‪.‬‬
‫كاىنا [‪ .]5‬وجد الغالم الالوي العرض ً‬
‫ً‬
‫الويا‪ ...‬صورة مؤلمة لمفساد الذي دب في حياة‬‫فرح ميخا إذ صار لديو اآللية واألفود والكاىن ً‬
‫إسرائيل في ذلك الوقت‪ ،‬كثمرة اللتصاقيم بالوثنيين ومشاركتيم عبادتيم متجاىمين الشريعة اإلليية‪.‬‬

‫‪425‬‬
‫قضاة – األصحاح الثامن عشر‬

‫األصحاح الثامن عشر‬

‫اغتصاب التمثالين والكاهن‬


‫كاىنا تكشف عما أصاب إسرائيل من عمى روحي‬ ‫إن كانت قصة ميخا واستئجاره الغالم الالوي ً‬
‫عمى مستوى األفراد والعائالت‪ ،‬فإن اغتصاب سبط دان لتمثالي ميخا والكاىن المقيم عنده يكشف عما‬
‫ىو أمر وأقسى وىو أن ىذا العمى أصابيم عمى مستوى الجماعة‪ ،‬عمى مستوى األسباط‪ ،‬إذ أراد دان‬
‫وكاىنا ولو باالغتصاب‪.‬‬
‫ً‬ ‫أن يقيم لنفسو إليًا‬

‫‪.2-1‬‬ ‫‪ .1‬دان يطمب ميراثًا‬


‫‪.6-3‬‬ ‫‪ .2‬الرسل في بيت ميخا‬
‫‪.11-7‬‬ ‫‪ .3‬عودتهم إلى أشتاؤل‬
‫‪.26-11‬‬ ‫‪ .4‬اغتصابهم األفود والكاهن‬
‫‪.31-27‬‬ ‫‪ .5‬استيالؤهم عمى اليش‬

‫‪ .1‬دان يطمب ميراثًا‬


‫"وفي تمك األيام لم يكن مم ٌك في إسرائيل؛ وفي تمك األيام كان سبط الدانيين يطمب له مم ًكا‬
‫(ميراثًا) لمسكنى‪ ،‬ألنه إلى ذلك اليوم لم يقع له نصيب في وسط أسباط إسرائيل" [‪.]2-1‬‬
‫"في تمك األيام لم يكن مم ٌك في إسرائيل"‪ ،‬إذ كان ذلك بعد موت يشوع في بداية فترة القضاة حيث‬
‫لم يكن إلسرائيل ممك‪ .‬رفضوا الرب مم ًكا ليم‪ ،‬ولم يكن ليم حتى ممك أرضي فصار الكل يعمل ما‬
‫يحسن في عينيو (‪ )6 :67‬عمى مستوى األفراد أو العائالت أو األسباط‪ ،‬ليس من قائد وال من مدبر‬
‫أو مشير! في ىذه اآلونة تطمع بنو دان ف أروا أن ما استمموه من أرض كميراث لمسبط ُيحسب كال‬
‫شيء بالنسبة لعددىم الضخم‪ ،‬وكأنيم بال نصيب في وسط إسرائيل فاختاروا خمسة رجال من ذوي‬
‫البأس كجواسيس يفحصون األرض التي يطمبون امتالكيا‪ ...‬انطمق ىؤالء الرجال لمعمل‪ ،‬وفي الطريق‬
‫مالوا إلى بيت ميخا في جبل أفرايم وباتوا ىناك‪.‬‬

‫‪ .2‬الرسل في بيت ميخا‬


‫إذ أقام الج واسيس الخمسة في بيت ميخا عرفوا صوت الغالم الالوي [‪ ،]3‬ىل بسبب سابق معرفة‬
‫إذ كان الغالم قبالً في بيت لحم وكانت ىناك خمطة بين سبطي ييوذا ودان ليست بقميمة‪ ،‬أم عرفوه من‬
‫‪626‬‬
‫قضاة – األصحاح الثامن عشر‬

‫ليجتو أنو الوي‪ ،‬أو سمعوه يخدم فعرفوه ككاىن‪ ،‬أو أنو سبق فمر بيم أثناء تجولو يطمب عمالً‪ .‬بدأوا‬
‫يسألونو عن سبب مجيئو وعممو بشيء من االستغراب‪ ،‬ربما ألنيم لم يكونوا يتوقعون االلتقاء بالوي‬
‫كاىن في ىذا الموقع‪ .‬إذ عرفوا أنو كاىن سألوه أن يستشير الرب في أمرىم فكانت إجابتو‪" :‬اذهبوا‬
‫ظا لكم ييتم‬
‫حارسا لطريقكم وحاف ً‬
‫ً‬ ‫بسالم‪ ،‬أمام الرب طريقكم الذي تسيرون فيه" [‪ ،]6‬أي أن اهلل يكون‬
‫بكم وينجح أعمالكم‪.‬‬
‫إنيا صورة تكشف عن بساطة قموب الكثيرين لكنيا بغير حكمة وال فيم روحي‪ ...‬يشتاقون إلى‬
‫التسميم في يدي اهلل ويتعطشون إلى االلتجاه إليو لكن شركتيم مع الوثنيين أفسدت أفكارىم‪.‬‬

‫‪ .3‬عودتهم إلى أشتاؤل‬


‫كانت كممات الغالم وىي أشبو بدعاء لمبركة والتشجيع في نظرىم مشورة إليية ونبوة دفعتيم‬
‫حاليا "تل القاضي"‪ ،‬وىي مدينة كنعانية في أقصى شمال‬ ‫لالنطالق إلى اليش أو (لشم) وتسمى ً‬
‫فمسطين في الوادي الذي لبيت رحوب‪ .‬اسميا "اليش" معناه (أسد)‪ .‬لقد وجد الجواسيس المدينة ضعيفة‬
‫لمغاية من الجانب العسكري‪ ،‬يسكنيا جماعة من التجار ىاجروا إلييا من صيدون‪ ،‬يميمون إلى السمم‬
‫حفاظًا عمى تجارتيم‪ .‬وىى بعيدة عن صيدا‪ ،‬ولم تقم تحالفًا مع أحد‪ ،‬وبال ممك‪ ...‬وكأن كل العوامل‬
‫تسندىم عمى االستيالء عمييا‪ ...‬لذلك رجع الجواسيس إلى إخوتيم يحثونيم عمى االنطالق إلييا بال‬
‫كسل‪.‬‬
‫(أسدا)‪ ،‬فإنيا تمثل مممكة إبميس التي ليا اسم األسد المرعب لكنيا في‬
‫ً‬ ‫إن كانت "اليش" تعني‬
‫واقعيا ضعيفة لمغاية وبال ممك حقيقي وال من يسندىا‪ ،‬يستطيع المؤمن الحقيقي أن يياجم العدو‬
‫ويغتصب موقعو ويممك ! ليتنا ال نياب إبميس وال نضطرب منو فيو مرعب بإغراءاتو وخداعاتو‪ ،‬لكننا‬
‫إن تمسكنا بربنا يسوع المصموب نقتحم مممكتو فنجده غاية في الضعف‪ .‬يقول القديس يوحنا الذهبي‬
‫الفم‪[ :‬إبميس ليس ىو السبب في آالمنا لو أخذنا حذرنا منو‪ ...‬فإن ضعيفي اإلرادة وغير المستعدين‬
‫والكسالى يسقطون حتى ولو لم يوجد إبميس‪ ،‬يسقطون بأنفسيم في أعماق الشر‪ .]...‬كما يقول‪[ :‬ال‬
‫روحيا بغير جسد‪ ،‬فميس شيء أضعف من ذاك الذي عالقتو بنا ىكذا‬
‫ً‬ ‫نخاف الشيطان حتى ولو كان‬
‫(ال يسيطر عمينا بغير سماح إليي)‪.]6‬‬

‫‪ .4‬اغتصابهم األفود والكاهن‬

‫‪ 6‬ىل لمشيطان سمطان عميك؟‪ ،6972 ،‬ص ‪.57 ،56‬‬

‫‪627‬‬
‫قضاة – األصحاح الثامن عشر‬

‫انطمق ستمائة رجل حرب من عشيرة الدانيين ومعيم نسائيم وأوالدىم وأمتعتيم [‪ ،]26‬وكأنيم‬
‫منطمقون ال لمحرب بل ليممكوا‪ ،‬إذ عادة رجال الحرب أن يخرجوا لمحرب حتى يغمبوا و ٍ‬
‫عندئذ إذ‬
‫جدا بسكان اليش وحسبوا امتالكيا‬‫يستولون عمى األرض يأتون بعائالتيم‪ ،‬لكن ىؤالء الرجال استيانوا ً‬
‫أمر ال يحتاج إلى مجيود كبير وىو أمر محقق‪ ،‬لذا أخذوا نساءىم وأوالدىم وأمتعتيم معيم ليممكوا‪.‬‬
‫ًا‬
‫إنيا صورة حية لمجياد الروحي فينطق اإلنسان كرجل حرب (روح قوية) ومعو امرأتو (جسده)‬
‫وأوالده (ثماره الروحية) وكل أمتعتو (أي طاقاتو)‪ ...‬حتى إذ يستولى عمى موقع كان قد احتمو إبميس‬
‫يستقر ليممك بروحو وجسده وثماره الروحية وكل إمكانياتو المقدسة في الرب‪.‬‬
‫صعدوا وحموا في "قرية يعاريم" أي (قرية الغابات)‪ ،‬وىى إحدى مدن الجبعونيين األربع (يش ‪:9‬‬
‫‪ )67‬عمى تخم ييوذا وبنيامين (يش ‪61-9 :65‬؛ ‪ )65-64 :68‬وتدعى "قرية بعل"‪ ،‬من نصيب‬
‫ييوذا‪ُ .‬يرجح أنيا قرية العنب التي تسمى أباغوش تبعد حوالي ‪ 9‬أميال غربي أورشميم‪.‬‬
‫حموا بالقرية مدة ليست بقميمة حتى دعيت "محمة دان" [‪ ،]62‬وربما كانت إقامتيم عمى حدود القرية‬
‫من ورائيم [‪ ،]62‬أي غربيا‪ ،‬إذ اعتاد الكتاب أن يسمي الشرق أمام والغرب "وراء" والشمال "شمالو"‬
‫والجنوب "يمينو"‪.‬‬
‫انطمقوا من قرية يعاريم إلى جبل أفرايم حيث جاءوا إلى بيت ميخا‪ ،‬واذ أخبرىم الجواسيس بوجود‬
‫أفود وترافيم وتمثال منحوت وآخر مسبوك وكاىن وكأنيا مقدسات لمرب‪ ،‬أصر الرجال عمى اغتصابيا‬
‫لنوال بركتيا‪ ...‬فاغتصبوىا بال عائق‪ ،‬ولما حاول الكاىن االعتراض‪ ،‬قالوا لو‪" :‬اخرس‪ ،‬ضع يدك عمى‬
‫فمك واذهب معنا وكن لنا ًأبا وكاه ًنا‪ .‬أهو خير لك أن تكون كاه ًنا لبيت رجل واحد أم تكون كاه ًنا‬
‫أيضا الكاىن إذ‬
‫لسبط ولعشيرة في إسرائيل؟!" [‪ .]11‬صورة مؤلمة لمفاىيم الشعب في ذلك الحين و ً‬
‫كاىنا لجماعة كبيرة عوض تخصصو لبيت واحد‪ .‬حمل‬ ‫ً‬ ‫طاب قمبو [‪ ]21‬عندما عرف أنو سيكون‬
‫الكاىن األفود والترافيم والتمثال المنحوت ألنيا أشياء خفيفة يمكن حمميا أما التمثال المسبوك فتركو‬
‫ليم لك ي يحممونو‪ ...‬ودخل في وسط الشعب ليحتمي بيم من بيت ميخا‪ .‬لقد وجد ما يشبع مطامعو‬
‫ومن يحميو من الناس‪ ،‬لكنو لم يجد ما يشبع أعماقو وال من ينزع منو خزيو!‬
‫انطمقوا من بيت ميخا وكان األطفال والماشية والثقل قداميم [‪ .]26‬إنيم سمكوا كجسديين‪ ،‬أما‬
‫متقدما الجسد (امرأتو) ومواىبو (األطفال)‪ ،‬إذ يسمك الجسد بالروح‬
‫ً‬ ‫اإلنسان الروحي فينطمق بروحو‬
‫خاضعا لعمل الروح‪ ،‬ال أن يتقدمو الجسد فتحيا الروح خاضعة لشيوات الجسد وممذاتو وال‬
‫ً‬ ‫القدس‬
‫متكبرة بالمواىب (األطفال)‪.‬‬

‫‪628‬‬
‫قضاة – األصحاح الثامن عشر‬

‫حاسبا أنيم كل رأسمالو‪ ،‬إذ قال ميخا‪:‬‬


‫ً‬ ‫حاول ميخا وأىل بيتو أن يستردوا معبوداتيم وكاىنيم‬
‫"آلهتي التي عممت قد أخذتموها مع الكاهن وذهبتم‪ ،‬فماذا لي بعد؟! وماذا تقولون لي‪ :‬مالك؟!"‬
‫[‪ .]24‬فيددوىم بنو دان‪ ...‬عندئ ٍذ رجع ميخا إلى بيتو إذ رآىم أشد منو‪.‬‬

‫‪ .5‬استيالؤهم عمى اليش‬


‫انطمقوا إلى "اليش" أي (األسد) كما في عرينو حتى يحطموا قوتو‪ ،‬وليس من يعينو!‬
‫حطموا المدينة واحرقوىا بالنار وأعادوا بناؤىا من جديد‪ ،‬ودعوىا دان‪ ...‬وكأنيم يمثمون المؤمن‬
‫الذي ينزل إلى مياه المعمودية ليحطم بالسيد المسيح المصموب قوتو ويخمع أعمالو الشريرة عنو‪ ،‬كمن‬
‫يحرقيا بالنار‪ ،‬ليحمل اإلنسان الجديد عمى صورة خالقو‪ .‬وعوض اليش التي إلبميس تقوم دان التي‬
‫تعني إدانة الخطية بالصميب وخالل الدفن مع ربنا يسوع‪.‬‬
‫كان يميق ببني دان وقد أحرقوا اليش وأقاموا دان أن يعيشوا لمرب‪ ،‬لكنيم لألسف أٌقاموا ألنفسيم‬
‫التمثال المنحوت‪ ...‬وكأنيم يمثم ون المؤمنين الذين بعدما تمتعوا باإلنسان الجديد عادوا إلى الخطية‬
‫وانحرفوا عن الحياة اإليمانية التقوية ليعيشوا حسب أىوائيم‪.‬‬

‫‪629‬‬
‫قضاة – األصحاح التاسع عشر‬

‫األصحاح التاسع عشر‬

‫الالوي وسريته‬
‫إن كانت قصة تمثالي ميخا تكشف عن عمى البصيرة الذي حل بالشعب ال عمى المستوى الفردي‬
‫أيضا‪ ،‬فظنوا أنيم يرضون اهلل بإقامة تماثيل وأفود وترافيم مع كينة‬
‫وحده وانما عمى مستوى الجماعة ً‬
‫اغتصابا بالسرقة والعنف‪ .‬فإن قصة الالوي‬
‫ً‬ ‫خاصة إن كانوا من سبط الوي‪ ،‬حتى وان كان ذلك يتم‬
‫وسريتو التي ارتكب معيا إخوتو بنو بميعال الشر الميل كمو حتى الفجر حتى جاءت لتسقط عند الباب‬
‫ميتة‪ ،‬تكشف عن بشاعة الفساد الخمقي الذي حل بيم في ذلك الحين‪.‬‬

‫‪.11-1‬‬ ‫‪ .1‬الالوي المتغرب وسريته‬


‫‪.31-11‬‬ ‫‪ .2‬الالوي يميل إلى جبعة بنيامين‬

‫‪ .1‬الالوي المتغرب وسريته‬


‫غالبا من العبيد‬
‫كانت السرية زوجة شرعية لكنيا في درجة أقل من الزوجة العادية‪ ،‬إذ كانت ً‬
‫أحيانا السرية من أسيرات الحرب‪...‬‬
‫ً‬ ‫المواتي يشترين بثمن‪ ،‬وكانت‬
‫يروي لنا ىذا األصحاح عن الوي كان يقطن متغرًبا في عقاب جبل أفرايم أو عند سفحو كما جاء‬
‫في بعض الترجمات‪ ،‬وكانت لو سرية من بيت لحم ييوذا ارتكبت الزنا‪ ،‬إذ خافت ىربت إلى بيت‬
‫أبييا‪ .‬ربما سمع زوجيا عن توبتيا وحزنيا الشديد عمى ما ارتكبت فذىب إلييا ليطيب خاطرىا‪ .‬وىناك‬
‫أمسكو والدىا ثالثة أيام يقدم فييا واجب الضيافة حسب العادة‪ ،‬وبعد انتياء الضيافة التقميدية بكر‬
‫الرجل لمسفر لكن والد الفتاة أظير محبة بقولو‪" :‬اسند قمبك بكسرة خبز وبعد ذلك تذهبون" [‪ ،]5‬وبعد‬
‫ابعا‪ .‬واذ تكرر األمر في اليوم الخامس أصر الالوي أن يرحل في‬
‫يوما ر ً‬
‫األكل ألح عميو أن يبقى ً‬
‫غروب اليوم ومعو الغالم وحماران مشدودان لو ولسريتو‪.‬‬

‫‪ .2‬الالوي يميل إلى جبعة بنيامين‬


‫انطمق الالوي وسريتو والغالم إلى يبوس (أورشميم) حيث كان يسكنيا اليبوسيون‪ ،‬واذ أراد الغالم أن‬
‫يميل ليبيت سألو الالوي أن يذىبوا إلى جبعة بنيامين أو الرامة ليبيتوا بين اخوتيم الييود‪ ،‬واذ حل بيم‬
‫الميل في الجبعة توقفوا في الساحة ولم يضميم أحد لممبيت‪.‬‬

‫‪031‬‬
‫قضاة – األصحاح التاسع عشر‬

‫قادما من الحقل‪ ،‬وكان غر ًيبا عن جبعة؛ يبدو أنو رجل فقير جاء‬
‫في المساء تقدم إلييم رجل شيخ ً‬
‫يعمل كأجير طوال اليوم في الحقول‪ .‬تقدم الشيخ لالوي وتعرف عميو وعرف أنو ال يجد من يستضيفو‪.‬‬
‫أيضا خبز وخمر لي وألمتك ولمغالم الذي مع عبيدك‪ ،‬ليس‬‫قال الالوي‪" :‬عندنا تبن وعمف لحميرنا و ً‬
‫احتياج إلى شيء" [‪ ،]11‬وكأنو يود تأكيد أنو ليس في حاجة إال إلى المبيت‪ .‬استضافو الفالح الشيخ‬
‫الفقير واذ كانوا يطيبون قموبيم إذ برجال بني بميعال يحيطون بالبيت قارعين الباب طالبين من الشيخ‬
‫أن ُيخرج الضيف‪ .‬ىنا تعبير "بني بميعال" يراد بو البطالون واألشرار الذين ال يخافون اهلل‪.‬‬
‫حاول الشيخ إقناعيم بالعدول عن ذلك بإخراج ابنتو العذراء والمرأة السرية لالوي يفعمون بيما ما‬
‫شر بالالوي فمم يقبموا‪ ...‬ىكذا يكشف عن استيانة الرجال بالنساء في ذلك الحين‪،‬‬
‫يشاءون وال يفعمون ًا‬
‫واستخفافيم بخطية الزنا‪ ،‬فحسب إخراج ابنتو وامرأة الضيف ليم ليفعموا بيما الشر أكرم من أن يفعموا‬
‫شيئا بالضيف‪ .‬أمسك الالوي بسريتو وأخرجيا إلييم إنقا ًذا لمموقف‪ ،‬فصنعوا معيا الشر طوال الميل‪،‬‬
‫ً‬
‫فجاءت في الفجر وسقطت عند الباب ويداىا عمى العتبة فاقدة الحياة‪ ...‬األمر الذي ربما لم يكن‬
‫يحدث لو باتوا في يبوس بين الغرباء‪.‬‬
‫جسديا بسبب ذات‬
‫ً‬ ‫إن كانت قد ارتكبت الشر بإرادتيا من أجل لذة الجسد‪ ،‬فيا ىي تموت حتى‬
‫الخطية‪ ،‬فصارت ليا شيوا تيا ىي شوكة الموت‪ .‬أما بسط يدييا عمى العتبة فكان عالمة استغاثتيا‬
‫يحا‪ ...‬إنيا بيذا تخاطب ضميره‬
‫برجميا الذي في جبن ألقى بامرأتو خارًجا لمشر لينام داخل البيت مستر ً‬
‫اإلنساني‪ ،‬وتمثل صورة مؤلمة ال تفارق ذىنو كل أيام حياتو!‬
‫حمميا الالوي عمى الحمار وانطمق بيا في بيتو ليقطعيا بالسكين مع عظاميا إلى اثنتي عشر‬
‫عمميا بالثأر‪ ،‬ويشكو ليم فظاعة بني جبعة‪ .‬لقد‬
‫ً‬ ‫قطعة ليرسميا إلى جميع تخوم إسرائيل‪ ،‬يطالبيم‬
‫مثير‬
‫وحشيا بسبب شدة غيظو ورغبتو في إثارة إسرائيل عمى جبعة‪ ...‬وبالفعل كان األمر ًا‬
‫ً‬ ‫ارتكب عمالً‬
‫لمغاية‪ ،‬حتى أن كل من رأى قطعة من جسم المرأة قال‪" :‬لم يكن ولم ُير مثل هذا من يوم صعود بني‬
‫إسرائيل من أرض مصر إلى هذا اليوم‪ ،‬تبصروا فيه وتشاوروا وتكمموا" [‪.]31‬‬
‫ىذه قصة ُمرة بحق تعمن ما وصل إليو الكل من بشاعة ووحشية!‬
‫إذ كتب البابا أثناسيوس الرسولي بخصوص الم اررة التي حمت بالكنيسة بسبب األريوسيين في‬
‫خطاب دوري لألساقفة لم يجد ما يصف بو الكنيسة من معاناة فقال أن ما تعانيو الكنيسة أقسى مما‬
‫عاناه ىذا الالوي من جية زوجتو‪ .‬وأقسى من كل اضطياد‪ ،‬فإن الالوي تضرر في شخص واحد ىو‬
‫زوجتو أما ما فعمو أريوس فأساء إلى إيمان الكنيسة كميا‪.‬‬

‫‪030‬‬
‫قضاة – األصحاح العشرون‬

‫األصحاح العشرون‬

‫حرب ضد سبط بنيامين‬


‫إذ استمم كل سبط جزًء من جسد زوجة الالوي وسمع الكل عما ارتكبو أىل جبعة بيا ىاج الكل‬
‫عمييم‪ ،‬وقام الكل ضدىم‪:‬‬

‫‪.13-1‬‬ ‫‪ .1‬هياج الكل ضد جبعة‬


‫‪.22-14‬‬ ‫‪ .2‬انهزام إسرائيل مرتين‬
‫‪.42–22‬‬ ‫‪ .3‬انهزام سبط بنيامين‬

‫‪ .1‬هياج الكل ضد جبعة‬


‫اجتمع بنو إسرائيل كرجل واحد من أقصى الشمال من دان (اليش) إلى بئر سبع في الجنوب‪،‬‬
‫ومن أرض جمعاد شرقي األردن (جبل عجمون) إلى بيت الرب في شيموه (سيمون)‪ .‬اجتمع الكل في‬
‫مستعدا لمحرب‪ ،‬ما عدا أىل مدينة يابيش جمعاد‪ ،‬واذ سمع‬
‫ً‬ ‫المصفاة (عمى بعد ثالثة أميال من جبعة)‬
‫الكل قصة الالوي وما فعمو أىل جبعة بسريتو أصروا عمى مقاتمة سبط بنيامين ما لم يسمموا بني‬
‫بميعال الذين في جبعة لقتميم ونزع الشر منيم‪ ،‬فمم يرد بنو بنيامين أن يسمعوا لصوت إخوتيم بني‬
‫إسرائيل [‪ .]24‬كانت الشريعة تأمر بقتل أمثال ىؤالء الرجال وحرق مدينتيم بالنار وكل أمتعتيم لتصير‬
‫تالً ال تُبنى بعد (تث ‪ ،)28-25 :24‬لكن بنو بنيامين أرادوا الدفاع عنيم فحدث انشقاق بين الجماعة‬
‫نفوسا كثيرة وكاد السبط أن يفنى‪ .‬لم يفكر سبط بنيامين في ثمر الفساد المر وانما كانت‬
‫ً‬ ‫وخسروا‬
‫حساباتو مادية‪ ،‬رأى في نفسو بالرغم من صغر عدده أنو قادر عمى مقاومة الجماعة كميا‪ ،‬إذ كان‬
‫البنيامينيون ميرة في الحرب (‪ 2‬أي ‪.)3 :23‬‬
‫يحا مع نفسو‪ ،‬يبتر الشر من داخمو ميما يكن الثمن‪ ،‬غير متكل‬ ‫ما أعظم أن يكون اإلنسان صر ً‬
‫عمى إمكانياتو الزمنية إنما يطمب بركة الرب الذي يقطن القموب المقدسة ويحتضن الراجعين إليو‪ .‬لنزع‬
‫تقديسا لنفوسنا في الرب‪.‬‬
‫ً‬ ‫عنا بني بميعال ليس خوفًا من الجماعة وانما‬

‫‪ .2‬انهزام إسرائيل مرتين‬


‫اجتمع من رجال إسرائيل أربعمائة ألف رجل مخترطو سيف [‪ ،]3‬وأما من بنيامين ستة وعشرون‬
‫ألفا ماعدا سكان جبعة وىم سبعمائة رجل منتخبون ُعسر‪ ،‬وكان ىؤالء السبعمائة يجيدون اليدف‬
‫ً‬
‫‪243‬‬
‫قضاة – األصحاح العشرون‬

‫يرمون الحجر بالمقالع عمى الشعرة وال يخطئون [‪ .]27‬والعجيب أن يكون في سبط بنيامين الذي‬
‫العسر الذين يعممون بيسارىم ما يعممو غيرىم بيمينيم‪.‬‬ ‫يعني (ابن اليمين) ىذا العدد من ُ‬
‫ال [‪ ]29‬ومع ذلك انيزم‬
‫ال لمحاربة بني بنيامين فقال الرب‪ :‬ييوذا أو ً‬
‫لقد سألوا اهلل من يصعد منيم أو ً‬
‫ألفا‪ .‬وتشدد الشعب مرة أخرى وصعدوا أمام الرب وبكوا إلى‬
‫إسرائيل أمام بني بنيامين وقُتل منيم ‪ً 33‬‬
‫المساء وسألوا‪" :‬هل أعود أتقدم لمحاربة بني بنيامين أخي؟ فقال الرب‪ :‬اصعدوا إليه" [‪ ،]23‬وفي‬
‫ألفا‪ .‬وعادوا مرة ثالثة إلى بيت إيل حيث بكوا وجمسوا‬
‫أيضا انيزم إسرائيل ومات منيم ‪ً 29‬‬
‫ىذه المرة ً‬
‫أمام الرب وصاموا اليوم كمو حتى المساء وقدموا محرقات وذبائح سالمة أمام الرب وسألوا الرب حيث‬
‫غدا أدفعهم ليدك" [‪.]22‬‬
‫تابوت العيد قد نقل إلى بيت إيل‪ ،...‬فجاءت اإلجابة‪" :‬اصعدوا ألني ً‬
‫لماذا انيزم بنو إسرائيل في المرة األولى والثانية مع أنيم سألوا الرب؟‬
‫أولً‪ :‬ربما ألن إسرائيل لم يستشر الرب من أعماق قمبو إنما يمارس ذلك من قبيل الشكميات بعد أن‬
‫أعد نفسو لمحرب وأخذ ق ارره‪" :‬ال يذىب أحد منا إلى خيمتو وال يميل أحد إلى بيتو" [‪ ،]:‬وألقوا القرعة‬
‫ودبروا اختيار العشر منيم لمحرب‪ ...‬وكأن سؤاليم لمرب إنما ىو عمل ثانوي تكميمي‪ ،‬فال يحتل اهلل‬
‫المركز األول في حياتيم وال يسألونو المشورة في انسحاق واتضاع وتسميم‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬كان سؤاليم في المرة األولى‪" :‬من يصعد لمحاربة بني بنيامين أخي؟" وكأنيم أخذوا القرار‬
‫ً‬
‫ال أن يسألوه ىل يصعدون أم‬ ‫بمحاربة أخييم وبقي أن يسألوه عمن يصعد لمحرب‪ ،‬وكان الالئق بيم أو ً‬
‫ال ؟ لعل اهلل كان يرشدىم إلى مشورة أخرى بيا ينزع الفساد دون سفك كل ىذه الدماء‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬في الدفعتين األولى والثانية لم يقل ليم‪" :‬إني أدفعيم ليدك"‪ ،‬فسمح ليم بالحرب لكن لم‬
‫يعدىم بالنصرة ألنو إن كان أىل جبعة قد صنعوا ىذا الفساد المر‪ ،‬فإن الفساد كان قد دب في‬
‫اما أن يتأدب إسرائيل أوالً حتى إذ يقدم توبة صادقة يعود الرب فيؤدب سبط‬ ‫األسباط كميا‪ ،‬فكان لز ً‬
‫بنيامين‪ .‬اهلل ال يطمب صرخاتنا ولو طالت اليوم كمو‪ ،‬إنما يطمب أوالً توبتنا ورجوعنا إليو‪ ،‬فإن تقدست‬
‫أعماقنا يستجيب حتى لمصرخات الخفية وتنيدات القمب غير المسموعة‪.‬‬
‫ليتنا ال نكون كيذه األسباط نمتمئ غيرة ضد فساد اآلخرين بينما ال نبالي بالفساد الذي يدب في‬
‫حياتنا الداخمية‪ ،‬حتى وان بدا فساد اآلخرين فاح ًشا إن قورن بتصرفاتنا الخفية أو الظاىرة‪ .‬بمعنى آخر‬
‫لينق إسرائيل ما بالداخل حتى يقدر بالرب أن ينزع فساد الغير‪.‬‬

‫‪ .3‬انهزام سبط بنيامين‬

‫‪244‬‬
‫قضاة – األصحاح العشرون‬

‫إذ كان إسرائيل قد تأدب في الدفعتين السابقتين وتذلل بالتوبة أمام اهلل انطمق لمحرب ىذه المرة في‬
‫اليوم الثالث من بداية الحرب [‪ ،]3:‬وكما نعمم أن اليوم الثالث يشير إلى تمتعنا بقيامة السيد المسيح‪،‬‬
‫فال نصرة ضد الخطية وال غمبة عمى قوات الظممة إال بالتمتع بقوة قيامة الرب فينا‪.‬‬
‫كمينا يحيط بالجبعة وظير إسرائيل أمام بنيامين ليجتبو خارج المدينة‪ ،‬واذ بدأ بنيامين‬
‫دبر إسرائيل ً‬
‫يضرب كاليومين السابقين انطمق إسرائيل البعض إلى السكك أي الطرق العامة المؤدية إلى بيت إيل‬
‫مختفيا في بعل تامار أي (إلو البمح أو التمر) وفي عراء‬
‫ً‬ ‫واآلخر نحو حقل جبعة‪ ،‬وكان ىناك كمين‬
‫جبعة‪ ،‬أي في أرض بال شجر وال بيوت مختف وراء الصخور‪...‬‬
‫انطمق الكمين المختفي وراء المدينة واقتحميا وضربيا بالسيف واذ أشعميا بالنار وصعد الدخان‬
‫ألفا من مخترطي الحرب منيم ‪ 29111‬قتموا‬
‫نحو السماء خرج الكمين اآلخر فسقط من بنيامين ‪ً 36‬‬
‫في الحرب‪ 6111 ،‬في الطرق‪ 3111 ،‬عند صخرة رمون (صخرة الرمان) فيكون المجموع ‪،36111‬‬
‫ال إلى صخرة رمون ليقيموا ىناك ‪5‬‬
‫وبشيء من التدقيق ‪ 36211‬نسمة [‪ ،]46‬وقد ىرب ‪ 711‬رج ً‬
‫أشير [‪ ، ]58‬ربما تركيم اإلسرائيميون استيانة بعددىم‪ .‬أما بقية رجال حرب بنيامين الذين كانوا يبمغون‬
‫فغالبا ما قتموا في اليومين األولين حينما غمب بنيامين إسرائيل‪.‬‬
‫‪ 37811‬نسمة‪ ،‬أي ألف نسمة ً‬
‫ال‪،‬‬
‫عمى أي األحوال خسر إسرائيل في اليومين األولين حوالي ‪ 51‬أ ًلفا وفي اليوم الثالث ثالثين رج ً‬
‫وخسر بنيامين كل رجالو إما مقتولين أو ىاربين‪ ...‬ىذه ىي ثمرة الخطية والفساد‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫قضاة – األصحاح الحادي والعشرون‬

‫األصحاح الحادي والعشرون‬

‫مرارة في إسرائيل‬
‫إذ تحطم سبط بنيامين شعر إسرائيل أنو فقد سبطًا بأكممو من أسباطو االنثن عشر‪ ،‬فحدث م اررة‬
‫وندم‪.‬‬

‫‪.11-1‬‬ ‫‪ .1‬ندم إسرائيل‬


‫‪.21-11‬‬ ‫‪ .2‬تدبير أمر زواج البنيامينيين‬

‫‪ .1‬ندم إسرائيل‬
‫غمب إسرائيل بنيامين لكن بقيت النفوس مرة‪ ،‬فقد شعر إسرائيل أنو فقد سبطًا من أسباطو االنثن‬
‫صخرة رمون‪ ،‬وكانوا قد أقسموا قبالً ف‬ ‫عشر‪ ،‬إذ لم يبق منو إالّ ستمائة رجل حرب ىاربين ف‬
‫نيائيا‪ .‬لذلك جاء‬
‫المصفاة أال يسمم أحد ابنتو زوجة لبنيامين ‪ ،‬وكأنيم بيذا حكموا عمى السبط بالزوال ً‬
‫عظيما‪.‬‬
‫ً‬ ‫بكاء‬
‫ً‬ ‫الشعب إلى بيت إيل وصار يبك‬
‫ندم إسرائيل‪ ...‬واذ كانوا قد حذروا كل مدينة ال تشترك معيم ف الحرب أرسموا ‪ 56‬ألفًا من رجال‬
‫الحرب إلى مدينة يابيش جمعاد‪ ،‬المدينة الوحيدة الت لم تشترك مع الجماعة ف الحرب‪ ،‬فضربوا‬
‫المدينة بحد السيف وقتموا رجاليا ونساءىا وأطفاليا ما عدا الفتيات العذارى‪ ،‬وكان عددىن ‪ 844‬فتاة‪.‬‬
‫بنيامينيا أعطوىم الفتيات نساء ليم‬
‫ً‬ ‫أتوا بالفتيات إلى شيموه‪ ،‬واذ تصالح إسرائيل مع الـ ‪ :44‬رجالً‬
‫إلحياء السبط من جديد‪.‬‬

‫‪ .2‬تدبير أمر زواج البنيامينيين‬


‫ممكنا‬
‫ً‬ ‫من مدينة يابيش جمعاد‪ ،‬وأما الباقون فإذ لم يكن‬ ‫تزوج بعض البنيامينيين بالفتيات الموات‬
‫إلسرائيم أن يعطييم ابنتو أوصى شيوخ الجماعة رجال بنيامين أن يترقبوا خروج الفتيات ف عيد الرب‬
‫ف شيموه واذ يرونين خارجات يرقصن يخرج الرجال من الكروم ويأخذ كل منيم فتاة لو زوجة‪ ،‬فإن‬
‫جاء آباؤىن أو إخوتين يطيب الشيوخ قموبيم‪ ،‬بأنو ال وسيمة لمبنيامينيين غير ىذه حتى يعمروا مدنيم‬
‫من جديد وال ينقطع سبطيم من بين أسباط إسرائيل‪.‬‬

‫‪579‬‬
‫قضاة – األصحاح الحادي والعشرون‬

‫وقد ُختم السفر بالعبارة‪ " :‬في تمك األيام لم يكن ممك في إسرائيل‪ ،‬كل واحد عمل ما حسن في‬
‫عينيه" [‪ .]21‬وكأن غاية ىذا السفر إعالن فساد قمب اإلنسان ورغبتو ال ف الحرية وانما ف اإلباحية‬
‫ليعمل حسب ىواه بال ضابط‪.‬‬

‫‪57:‬‬
‫المحتويات‬
‫‪5‬‬ ‫مقدمة ‪...............................................................................‬‬
‫‪6‬‬ ‫قضاة ‪...............................................................................‬‬

‫الباب األول‪:‬‬
‫‪77‬‬ ‫حال الشعب بعد يشوع (مقدمة السفر) ‪...............................................‬‬
‫‪73‬‬ ‫األصحاح األول‪ :‬االستيالء عمى بقية كنعان ‪.......................................‬‬
‫‪33‬‬ ‫األصحاح الثاني‪ :‬مقدمة في الهوتيات السفر ‪......................................‬‬

‫الباب الثاني‪:‬‬
‫‪38‬‬ ‫عصر القضاة ‪.......................................................................‬‬
‫‪39‬‬ ‫األصحاح الثالث‪ :‬عثنيئيل بن قناز ‪................................................‬‬
‫‪37‬‬ ‫األصحاح الرابع‪ :‬دبورة النبية وباراق ‪...............................................‬‬
‫‪55‬‬ ‫األصحاح الخامس‪ :‬تسبحة دبورة ‪.................................................‬‬
‫‪56‬‬ ‫األصحاح السادس‪ :‬مالك الرب وجدعون ‪.........................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫األصحاح السابع‪ :‬جدعون والمديانيون ‪............................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫األصحاح الثامن‪ :‬قتل زبح وصممناع ‪.............................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫األصحاح التاسع‪ :‬فتنة أبيمالك ‪...................................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫األصحاح العاشر‪ :‬انحراف إسرائيل ‪...............................................‬‬
‫‪97‬‬ ‫قاضيا ‪.......................................‬‬
‫ً‬ ‫األصحاح الحادي عشر‪ :‬إقامة يفتاح‬
‫‪97‬‬ ‫األصحاح الثاني عشر‪ :‬حرب يفتاح مع أفرايم ‪.....................................‬‬
‫‪788‬‬ ‫األصحاح الثالث عشر‪ :‬شمشون ‪..................................................‬‬
‫‪785‬‬ ‫األصحاح الرابع عشر‪ :‬زواج شمشون بأممية ‪......................................‬‬
‫‪777‬‬ ‫األصحاح الخامس عشر‪ :‬صراع شمشون مع العدو ‪...............................‬‬
‫‪775‬‬ ‫األصحاح السادس عشر‪ :‬شمشون ودليمة ‪.........................................‬‬

‫الباب الثالث‪:‬‬
‫‪733‬‬ ‫حادثتان أثناء عصر القضاة (ملحقان للسفر) ‪........................................‬‬
‫‪735‬‬ ‫األصحاح السابع عشر‪ :‬تمثال ميخا ‪..............................................‬‬
‫‪737‬‬
‫‪736‬‬ ‫األصحاح الثامن عشر‪ :‬اغتصاب التمثالين والكاهن ‪...............................‬‬
‫‪738‬‬ ‫األصحاح التاسع عشر‪ :‬الالوي وسريته ‪...........................................‬‬
‫‪733‬‬ ‫األصحاح العشرون‪ :‬حرب ضد سبط بنيامين ‪.....................................‬‬
‫‪735‬‬ ‫األصحاح الحادي والعشرون‪ :‬م اررة في إسرائيل ‪...................................‬‬

‫‪738‬‬

You might also like