Professional Documents
Culture Documents
07- تفسير سفر القضاة - القمص تادرس يعقوب ملطي
07- تفسير سفر القضاة - القمص تادرس يعقوب ملطي
@Ô ‹fl@lÏ‘»Ì@ëäÜbm@ò‡‘€a
من تفسير وتأمالت
اآلباء األولين
القضاة
إن كان سفر يشوع ىو سفر الخالص المجاني ،فيو يتسمم يشوع قيادة الشعب ليدخل بيم إلى
أرض الموعد ،يغمب األمم الوثنية ويممك ويقسم ،فإن سفر القضاة يكشف عن حال اإلنسان في أرض
الموعد ،وقد استيان بعطية اهلل العظمى ،وتَراخى في المطالبة بمواعيده اإلليية المجانية ،إذ فترت غيرة
الشعب وانصرف غالبيتو إلى مشاركة األمم الوثنية التي تركوىا في وسطيم في عبادتيم والتمذذ معيم
مستخدما األمم ذاتيا كعصا قاسية لمتأديب،
ً بالخطية .لكن اهلل ال يترك أوالده في الرجاسات إنما يؤدب
خالصا وينقذىم.
ً حتى متى رجع الشعب يرسل ليم اهلل
نستطيع أن نقول بأن ىذا السفر ىو سفر حياة كل مؤمن ذاق عذوبة الحياة الجديدة في المسيح
ال ،لكن عوض االنطالق فييا من قوة إلى قوة لبننا وعس ً
يسوع بكونيا األرض الروحية التي تفيض ً
مستيينا بفيض نعمة اهلل ،فيرتد إلى الحياة الجسدانية والفكر األرضي القاتل ،األمر الذي يدفع
ً يتراخى
مقدسا في الحق.
ً اهلل إلى تأديبو بالضيقات واآلالم حتى يرده إليو ا ًبنا
5
قضاة -المقدمة
قضاة
قضاة
اسم ىذا السفر في العبرية "شوفطيم" جمع "شوفط" ،أي (قاض)؛ وان كانت كممة "قاض" ال تعبر
دقيقا عن األصل العبري ،المأخوذ في الغالب عن الكنعانية (عا ،)3 :2والتي تعني "قائد" أوتعبير ً
ًا
(رئيس) .فإن القضاة المذكورين في ىذا السفر ليسوا قضاة بالمفيوم العام لنا ،فمم يكن عمميم القضاء
واصدار أحكام حسب شريعة مكتوبة أو تقميد شفوي .1بمعنى آخر لم تكن رسالتيم تحقيق العدل
بتطبيق القانون ،وانما رد البر واعادتو في حياة الجماعة ،والدفاع عن حقوق ىذه الجماعة وتخميصيا
من الضيق الذي تسقط فيو.2
ىؤالء القضاة الذين ظيروا في الفترة ما بين موت يشوع وبدء عصر المموك (شاول) ،كانوا ذوي
إلييا .بمعنى أن اهلل ىو الممك الحق لمشعب ،يعمل خالل
سمطة لكن ليس كالمموك .فكان الحاكم ً
رئيس الكينة كمبمغ لممقاصد اإلليية .وكان كل سبط يدبر أموره الخاصة بو بواسطة رئيس السبط ،أما
معا كمحاربة األعداء
األمور الكبرى التي تمس الجماعة عمى مستوى جميع األسباط أو بعضيا ً
والتخمص من نيرىم فيرجع إلى القاضي الذي ليس لو أن يسن الشرائع وال أن يضع أثقاالً عمى الشعب
وانما يحكم ويؤدب خاصة المنحرفين إلى العبادة الوثنية ويقود المعارك ضد األمم.
أحيانا الشعب يختارىم؛ وكان غالبيتو ال يحمل السمطة عمى
كان اهلل ىو الذي يقيم القاضي ،و ً
مستوى االثني عشر سبطًا بل عمى مستوى محمي.
غالبا ما كان ينظر لمقاضي كمخمص ،ينقذ الشعب من سطوة الوثنيين خالل التوبة والرجوع إلى
ً
اهلل مع الجياد.
كاتب السفر
كاتب ىذا السفر عمى ما يظن ىو صموئيل النبي كما جاء في التقميد الييودي 3وقبمو كثير من
آباء الكنيسة .وقد أكد ىذا شيادة السفر الداخمية ،إذ يظير أنو كتب بعد تأسيس النظام المموكي (:19
1؛ ،)15 :21وقبل سبي أورشميم ( ،)21 :1وضميا إلى مدن الييود في زمن داود الممك ( 2صم
1
Jerome Biblical Commentary, P 149.
2
John L. Mckenzie: Deict. of the Bible, P 465.
3
J. Raven: O.T. Introduction, P 159.
6
قضاة -المقدمة
1
)8-6 :5وبذلك يكون قد كتب في أيام شاول الممك أو بداية عيد داود الممك ،وكان نبي ذلك الزمان
ىو صموئيل.
ذىب البعض إلى أن كاتب السفر ىو حزقيا ،ونادى فريق آخر أن عز ار قد جمعو مما كتبو القضاة
كل في زمان قضائو .ويعتمد ىذا الفريق عمى العبارة "إلى سبي األرض" ( )3 :18حاسبين أن السفر
كتب بعد السبي البابمي ،لكن يظير مما جاء في (مز 61 ،6 :78؛ 1صم )11 :4إن السبي ىنا
خاليا من األلفاظ الكمدانية مما يؤكد
يعني ما حدث حين أخذ الفمسطينيون التابوت .ىذا وقد جاء السفر ً
كتابتو قبل السبي البابمي.
وحدة السفر
حاول بعض النقاد تمزيق وحدة السفر إلى ثالث وحدات بكون كاتب صمب السفر (ص )16-3
غير كاتب المقدمة (ص )2 ،1وغير كاتب الممحق لو (ص ،)21-17إذ يرون أن كاتب الممحق
جدا .وقد أكد ريتشارد فرنش Richard Valpy Frenchوحدة السفر خالل
في عصر متأخر ً
دراستو لو من الناحية المغوية إذ وجد كممات عبرية كثيرة مشتركة بين صمب السفر والممحق ،وبين
مقدمة السفر والممحق ،وبين المقدمة وصمب السفر.2
غاية السفر
يمكننا القول بأن الفترة التي عاصرىا القضاة ىي فترة إرتداد فييا انشغل الشعب عن متابعة الجياد
المتالك أرض الموعد وانيمكوا في العبادة الوثنية ومشاركة األمم رجاساتيم .لكنو وجدت قمة من
المؤمنين عبدوا اهلل ،كما يشيد بذلك وجود خيمة االجتماع في شيموه ( ،)31 :18واالحتفال بالعيد
السنوي ( )19 :21ووجود رئيس الكينة واالىتمام بتابوت العيد ( ،)28-27 :2٢وتقديم ذبائح هلل
(26-2٢ ،23 ،16-15 :13؛ ،)4 :21وممارسة الختان (3 :14؛ ،)18 :15وتقديم نذور لمرب
(3٢ :11؛ .)5 :13
جاء ىذا السفر ال ليعرض تاريخ ىذه الحقبة وانما ليعالج مشكمة االرتداد ،كيف يفقد الجماعة
المقدسة قدسيتيا ووحدتيا ،ويحطميا أمام العدو ويذليا .ىذا كمو ثمرة االرتداد وبسماح إليي حتى ترجع
وخالصا.
ً عونا
الجماعة إلى الرب بتوبة جماعية مشتركة وتنفتح قموب الكل هلل فيرسل ً
1
Richard V. French: Lex Mosaica, P 191.
2
Ibid 198 – 199: J. Raven: O.T. Introduction, P 158.
7
قضاة -المقدمة
محتوياته
يعالج ىذا السفر فترة ما بين قرنين وثالثة قرون أعقبت دخول شعب اسرائيل كنعان عمى يدي
يشوع ،تبدأ بموت يشوع وتنتيي بموت شمشون أو قبيل بداية صموئيل النبي وانطالق عيد المموك
عمى يديو (شاول ثم داود).
جد ا تحديد مدة ىذه الفترة من خالل السفر نفسو ،ألنو لو جمعنا الفترات التي حكم فييا
يصعب ً
عاما ،غير الفترة
القضاء مع فترات الضيق أو العبودية لألمم حيث لم يكن يوجد قضاة لوجدناىا ً 41٢
الحقيقية التي ال تصل إلى ىذا الرقم ،ألن خالفة القضاة لم تكن متتالية بل عاصر بعضيم اآلخر ،إذ
كان نفوذ البعض عمى مستوى محمي وليس عمى مستوى الشعب كمو .1ىذا وقد تأخر البعض عن
البعض اآلخر فمم يكن القضاة يمثمون حمقة متصمة كالمموك.
وفيما يمي جدول عام لمتواريخ الخاصة بالقضاة (مع مراعاة تداخل الفترات فيما بينيا).
السنوات الشاىد
8 العبودية لكوشان رشعتايم 8 :3
4٢ فترة قضاء عثنيئيل 11 :3
18 العبودية لعجمون 14 :3
8٢ سالم في أيام إىود وشمجر 3٢ :3
2٢ مضايقة يابين ليم 3 :4
4٢ فترة قضاء دبورة وباراق 31 :5
7 االستعباد لمديان 1 :6
4٢ فترة قضاء جدعون 28 :8
3 قاضيا)
ً حكم أبيمالك (ليس 22 :9
23 فترة قضاء تولع 2 :1٢
22 فترة قضاء يائير 3 :1٢
18 مضايقة العمونيين ليم 8 :1٢
6 فترة قضاء يفتاح 7 :12
1
Jerome Biblical Commentary, P 150.
8
قضاة -المقدمة
قاضيا في ىذا السفر ،حتى دعي بسفر االثنيً قاضيا منيم اثنا عشر
ً ورد في الكتاب المقدس 14
احدا ،إذ
قاضيا و ً
ً قاضيا ،واعتباره دبورة وباراق يمثالن
ً قاضيا ىذا باعتبار أبيمالك (ص )9ليس
ً عشر
يرى القديسان أمبروسيوس 1وجيروم 2أن دبورة كانت قاضية ،ويرى األول أن باراق كان ا ًبنا لدبورة
قاضيا.
ً األرممة والقاضية ،وكان مجرد قائد حرب وليس
1
Conc. Widows, Ch 8.
2
Ep. ad Furiam 17.
9
قضاة -المقدمة
أقسامه
يحوي ىذا السفر مقدمتين ،في األولى (ص )1يقدم لنا إمكانية اإلنسان أو الجماعة في أرض
ممخصا لالىوت ىذا
ً الموعد (الحياة الجديدة) أن يغمب ويممك بال انقطاع ،وفي الثانية (ص )2يقدم
السفر كمو في إيجاز .2كما يضم السفر ممحقين ىما عبارة عن حادثتين تمتا في عصر القضاة تكشفان
عن مدى ما وصل إليو الشعب من انحطاط أخالقي وفساد (ص .)21 :17
1
Cat. hect. 16:28
2
Mckenzie, P 464.
1٢
الباب األول
(مقدمة السفر)
يُعتبر األصحاحان األوالن مقدمة لسفر القضاة تكشف عن غاية السفر والىوتياتو .فإن كان السفر
يكشف عن فترة ارتداد عاشتيا الغالبية العظمى من الجماعة في وسط أرض الموعد ،ففي األصحاح
األول أبرز الروح القدس إمكانية اإلنسان في أرض الموعد أن يغمب أدوني بازق (إبميس) ويقتمع
الكنعانيين (أعمالو الشريرة) ،وكأن ما وصل إليو اإلنسان من ارتداد حدث ببل عذر ،إنما بسبب تياونو
مع الخطية بالرغم من اإلمكانيات الجديدة المقدمة لو لينعم بمواعيد اهلل الصادقة.
وجاء األصحاح الثاني يعرض لنا المفيوم البلىوتي لمسفر كمو ،ا
أال وىو أن "االرتداد" (أو االنحراف
عن اهلل) وكسر وصيتو ىما السبب في الضيق أو الم اررة التي حمت باإلنسان .فإن كان السفر يعمن
عما حل بالشعب من سمسمة من المتاعب والمضايقات التي حمت بيم بواسطة األمم ،إنما ىي صورة
الحي .في ىذا األصحاح نرى مبلك
ّ مبسطة لممذلة التي ىوى إلييا اإلنسان بإرادتو خبلل بعده عن اهلل
الرب وقد صعد من الجمجال حيث ذكرى "دحرجة عار مصر (العبودية) عنيم" ،إذ "جمجال" تعني
(دحرجة) (يش ،)9 :5منطم ًقا إلى "بوكيم" التي تعني "البكاء" ...وكأنو أراد أن يدخل بيم إلى الدموع
حتى في أرض الموعد ماداموا قد سقطوا في الشر .وباختصار نجد أن ىذا السفر ىو سمسمة ال تنقطع
معمنا في ىذا
من االنحراف ،فالمذلة ،فالصراخ ،فالتوبة ثم الخبلص! ىذا ىو الخط الرئيسي لمسفر كمو ً
األصحاح.
21
قضاة – األصحاح األول
األصحاح األول
1
PG 46:929 C.
21
قضاة – األصحاح األول
إذ سأل بنو إسرائيل الرب عمن يصعد أوالً لمحاربة الكنعانيين ،جاءت اإلجابة "ييوذا" وقد طمب
ييوذا من أخيو شمعون أن يصعد معو في قرعتو ليحارب .من ىو ييوذا الذي يبدأ بالحرب الروحية
سوى ربنا يسوع المسيح "الخارج من سبط ييوذا" ،ىذا الذي يقود بنفسو الموكب ليغمب وينتصر
غالبا ولكي يغمب" (رؤ .)1 :٦فإن كان
لحسابنا ،ىذا الذي رآه القديس يوحنا البلىوتي" :خرج ً
"شمعون" تعني (المستمع) 2ويشير إلى المؤمن الذي يصغي لسيده ويسمع صوتو في طاعة ،فإن
ييوذا أي ربنا يسوع في صراعو ضد العدو إبميس يطمب من شمعون أي من المؤمن المستمع لوصيتو
أن يشاركو الحرب الروحية .إذن فالمحارب ىو السيد المسيح الذي يدعونا أن نختفي فيو لكي بو
نجاىد ،وبو ننتصر ونكمل! وكما يقول القديس أغسطينوس[ :يسوع قائدنا سمح لنفسو بالتجربة حتى
يعمم أوالده كيف يحاربون.]1
إن كان "ييوذا" يعني "اعتراف" أو "إيمان" ،فإن ربنا يسوع المسيح يطالبنا في محاربتنا لمكنعانيين
الوثنيين أي لمخطايا التي ممكت في القمب أن ننطمق لمجياد خبلل اإليمان أو االعتراف باإليمان
"ييوذا" ،لكن ليس بدون "شمعون" أخيو ،أي ليس بدون العمل أو االستماع لموصية .كأن انطبلق
الحي غير
ّ ييوذا مع شمعون لممعركة األولى ضد الكنعانيين إنما يعمن الجياد الروحي خبلل اإليمان
المنفصل عن العمل ،فإنيما أخوان متبلزمان .بمعنى آخر ال انفصال بين نعمة اهلل المجانية والجياد
العممي ،وكما يقول القديس يوحنا الذىبي الفم[ :يطمب اهلل منا حجة صغيرة لكي يقوم ىو بكل
1
دائما مستعدة! إنيا تطمب الذين يقبمونيا بكل ترحيب .ىكذا إذ يرى سيدنا
العمل ] .كما يقول[ :النعمة ً
حبا ،يسكب عمييا غناه بفيض وغ ازرة تفوق كل طمبتو.]1
نفسا ساىرة وممتيبة ً
ً
انطمق ييوذا وفي صحبتو شمعون ليحاربا أدوني بازق ،ىذا الذي سبق فأذل سبعين مم ًكا بقطع
أسير وتُقطع
أباىم أيدييم وأرجميم وكانوا يمتقطون الفتات الساقط من مائدتو كالحيوانات ،فإذا بو يسقط ًا
َ
أباىم يديو ورجميو ويبقى تحت المائدة ذليبلً ...وكما قال" :كما فعمت كذلك جازاني اهلل" [.]٧
ُ
٦ 5
كممة "أدوني" تعني "سيد" أو "مالك" أو "رب" ،وكممة "بازق" تعني "مبرق" .والكممتان تمثبلن
سيدا ورًبا ومال ًكا عمى حياة اإلنسان الخاضع لمشورتو،
"أدونيا" أي ً
ً سمتي إبميس ،فقد أقام نفسو
2
لممؤلف :سفر العدد سنة ،29٩2ص .25
1
لممؤلف :اإلنجيل بحسب متى سنة ،29٩1ص .٩9
3
In Rom. PG 60:499.
4
In Gen. PG 53:76, 77.
5
James Strong: Dict. of The Words in the Hebrew Bible, article 113.
6
Ibid, article 966.
21
قضاة – األصحاح األول
و"مبرقًا" بخداعاتو الكاذبة .وقد أعمن الكتاب المقدس ىاتين السمتين ،فقيل عنو" :رئيس ىذا العالم قد
دين" (يو " ،)22 :2٦ألن الشيطان نفسو يغير شكمو إلى شبو مبلك نور" ( 1كو .)21 :22إذن
ئيسا عمى محبي العالم ،مبرًقا عمييم بنور مخادع
أدوني بازق يشير إلى الشيطان الذي أقام نفسو ر ً
عمى شبو مبلك ليقتنصيم وبالفعل أذل البشرية التي كانت تمثل سبعين مم ًكا ،فقد قطع أباىم أيدييم
وأرجميم ،لكن جاء ييوذا ليقطع بالصميب أباىم يدي إبميس ورجميو ويحني عنقو بالمذلة تحت قدمي
طا مثل البرق من السماء (لو )2٩ :2١عندئذ قال
اإلنسان .فقد رأى السيد المسيح الشيطان ساق ً
سمطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو وال يضركم شيء ،ولكن ال
ً لرسمو" :ىا أنا أعطيكم
تفرحوا بيذا أن األرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السموات" (لو -29 :2١
مدوسا تحت أقدامنا ال يقدر
ً .)1١ىذا ىو أدوني بازق الذي سقط من قموبنا كما من السماء وصار
أن يضرنا في شيء.
واآلن ماذا ُيعنى بقطع أباىم األيدي واألرجل؟
يرى كثير من اآلباء أن "إصبع اهلل" يرمز لمروح القدس ،فإذ قيل "لوحي حجر مكتوب بإصبع اهلل"
(خر )2٩ :12إنما يشير إلى كممة اهلل التي تنقش فينا بالروح القدس .فإن كان األصبع يشير إلى
الروح فقطع أدوني بازق أباىم أيدي وأرجل المموك السبعين إنما يعني نزعو روحيم وافقاد البشرية التي
تماما لحساب
كان يجب أن تممك في الرب كل قوتيا وحياتيا؛ قطع أباىم اليد يشير إلى توقف العمل ً
مممكة اهلل وقطع أباىم األرجل يشير إلى توقف الحركة أو االنطبلق في الطريق المموكي .ىكذا أذل
الشيطان البشرية ونزع عنيا عمميا المموكي وحركتيا السماوية ،وجعميا أسيرة قصره تأكل من الفتات
الساقط من مائدتو في التراب ،تسمك كحيوانات ببل كرامة وال سمطان روحي! لكن اهلل لم يترك أدوني
ظافر بيم فيو"
جيار ًا
ًا أبديا ،وانما عمى الصميب "إذ جرد الرياسات والسبلطين أشيرىم
بازق يذل خميقتو ً
(كو .)25 :1وكأنو قطع أباىم يديو ورجميو وجعمو تحت قدمي المؤمنين ببل سمطان!
فاقدا القدرة
صار موضع إبميس الجديد ليس في القمب كي يممك وانما تحت المائدة ُيداس باألقدامً ،
عمى العمل أو الحركة.
نال إبميس جزاء عممو ،وارتد فعمو إليو كما قيل ألىل أدوم" :عممك يرتد عمى رأسك" (عو .)25
ىذا القانون يخضع لو الجميع ،كقول الرب نفسو" :بالكيل الذي بو تكيمون ُيكال لكم" (مت .)1 :٩
أخير يقول الكتاب" :وأتوا بو إلى أورشميم فمات ىناك" [ .]٧فإن كانت "أورشميم" تعني "رؤية
ًا
السبلم" ،فبل يمكن أن يحل السبلم في القمب وال أن تعاينو النفس ما لم يمت أوالً أدوني بازق ،أي
25
قضاة – األصحاح األول
يضع نياية لعدو الخير إبميس .يموت إبميس فتحيا النفس في سبلم مع خالقيا مع إخوتيا وبقية الخميقة
بل وحتى مع نفسيا ،إذ تمتمئ بالسبلم الروحي الداخمي.
أورشميم التي ىي رمز لسبلم النفس مع اهلل وتمتعيا بالحياة ،ىي بعينيا موت إلبميس وىبلك
لمخطية.
لقد أتوا بالعدو من بازق إلى أورشميم ،أي من "المبرق" أو من خداعاتو التي تجعمو يبرق كمبلك
من نور ليموت في المدينة التي يحل الرب فييا بسبلمو.
بل شرقي
ىذا وان "بازق" ىي "خربة بزقة" ،وىي مدينة في وسط فمسطين ،تبعد حوالي 21مي ً
شكيم.2
1
New westminster Dict. of the Bible, P 114.
2٦
قضاة – األصحاح األول
2
إن كانت [أورشميم األرضية ىذه إنما ىي ظل أورشميم السماوية ] كما يقول القديس أغسطينوس،
ضرب اليبوسيين (الُ ُمداسون باألقدام) بفم السيف ،أي ُحطم في القمب كل
سكنا لييوذا إن ُ
فإنيا تصير م ً
ما يستحق أن ُيداس بالقدمين ،وأن أُشعمت المدينة بنار الروح القدس الذي ينزع عنيا البرود الروحي
ويميبيا بنيران الحب التي ال تنطفئ.
إذ تمتع ييوذا بأورشميم الممتيبة بنار الروح القدس ال يتوقف عن الجياد الروحي بل ينزل "لمحاربة
الكنعانيين سكان الجبل والجنوب والسيل" [ .]٩ىكذا ينزل من أورشميم المدينة المرتفعة حوالي
قدما ليحارب "الكنعانيين" التي تعني "اليياج" ،فبل يستطيع من يممك أورشميم أن تكون لو "رؤية
ً 1591
سبل م" أو أن يحتمل اليياج الداخمي لمقمب خبلل الخطية بل يحاربو حتى يكون لو السبلم الفائق في
المسيح يسوع .أما المناطق التي يحاربيا فيي:
أوالً :سكان الجبل ،وقد دعيت ىكذا ألن األرض جبمية ،تقع جنوبي أورشميم وتضم بيت لحم
وحبرون.
ثانيا :الجنوب ،تترجم عن العبرية ىكذا "الجنوب" ،لكنيا تعرف بالنجب .كممة نجب في العربية
تعني لحاء الشجر بعد جفافو ،أو قشرة ساقو الجافة .وقد دعيت المنطقة بالنجب بسبب إتساميا
بل جنوب حبرون حتى تصل إلى التية أو القفر ،يحدىا شرًقا بحر لوط
بالجفاف والقحط ،تمتد ٩١مي ً
وغرًبا سواحل البحر.
ثالثا :السيل وتترجم "ىشفمة" ،عبارة عن منطقة منخفضة تحت سفح التبلل تمتد بين الساحل
المنبسط وسمسمة جبال ييوذا ،وتتميز بخصوبة أرضيا وكثرة أشجارىا ونباتاتيا عمى عكس منطقة
النجب في عصر القضاة كان الفمسطينيون يشغمون الساحل المنبسط وبنو إسرائيل يشغمون جبال
ييوذا ،وكانت المعارك تدور بينيما في السيل (ىشفمة).
لقد حارب بنو ييوذا الكنعانيين في ىذه الماطق الثبلث :الجبل والنجب (الجفاف) والسيل ،وكأن
بني ييوذا الحقيقي – يسوع المسيح – يتعقبون الخطية بالروح القدس لكي يحطموىا منطمقين إلى
عاليا ببل خوف من سكانو ،والى النجب وسط القفار ببل ارتباك ،وفي السيل دون إغراء الجبل ً
لخضرتيا وثمارىا .إنيم تجاىدون في كل المواقع :الجبال والقفار واألراضي الخصبة ،ال يحطميم
عنف الخطية وقسوتيا وال تجتذبيم إغراءاتيا.
1
On Ps. 122.
2٩
قضاة – األصحاح األول
اىتمامات الجسد الحيواني (الحمار) لتطمب من أبييا السماوي ينابيع المياه الحية ،أي ثمار الروح عمى
مستوى سماوي ٍ
عال ،كما تنعم بالثمر الذي تعيش بو ىنا عمى األرض (الينابيع السفمى).2
يتحدث بعد ذلك عن التصاق بني القيني (وفي الترجمة السبعينية بنو حوباب القيني) ،أي أبناء
إخوة زوجة موسى ،ببني ييوذا إذ صعدوا من مدينة النخل أي أريحا التي خربت ولعنت لذا لم يذكر
ىنا اسميا ،وانطمقوا إلى برية ييوذا ،إذ كانوا ال يحبون سكنى المدن كسائر أىل البدو (إر -٦ :15
بل جنوبي حبرون) وسكنوا مع شعب ىذا الموضع أي عماليق!
،)٩في جنوبي عراد (تبعد 2٩مي ً
وىكذا اختمطت الحنطة بالزوان!
اشترك السبطان ييوذا وشمعون في ضرب "صفاة" ودعوىا "حرمة" ،والتي ىي في الغالب "تل
تماما وضربوىا بسبب ما
السبع" .كممة "حرمة" تحمل معنيين" :موضع مقدس ،خراب"؛ فقد حطموىا ً
قاسوه فييا من م اررة في حرب العمالقة (عد .)15 :21
أما المدن "غزة وأشقمون وعقرون" [ ،]١٨من عواصم الفمسطينيين الخمس ،فقد أخذىا
بل ،لذلك جاءت الترجمة السبعينية (لم يأخذىا ييوذا أي لم
زمانا طوي ً
الفمسطينيون لكنيم لم يبقوا فييا ً
يرثيا)...
"لم ُيطرد سكان الوادي ألن ليم مركبات من حديد" [ ،]١٩كان ذلك مع بدء ظيور العصر
الحديدي ،وقد احتكر الفمسطينيون صناعتو حتى ال ينتفع بو اإلسرائيميون ( 2صم ،)11-29 :21
ولكن نصرة داود عمى الفمسطينيين كانت بداية الستخدام الحديد كسمعة عامة في إسرائيل.
وسط ىذه االنتصارات المتتالية أعمن الكتاب تياون ىذا الشعب" :وبنو بنيامين لم يطردوا
اليبوسيين سكان أورشميم ،فسكن اليبوسيون مع بني بنيامين في أورشميم إلى ىذا اليوم" [.]٢١
وكما يقول العالمة أوريجينوس [ :إذ نسمع في اإلنجيل بأن الحنطة تنمو مع الزوان ،بنفس الطريقة
يوجد في أورشميم أي الكنيسة اليبوسيون الذي يسمكون بحياة رديئة ،ىؤالء الفاسدون في إيمانيم كما في
أعماليم وكل طريقة حياتيم .من المستحيل تتنقى الكنيسة بالكمية طالما ىي عمى األرض.]1
ومنسى" .يوسف" يعني "نمو" ،و"أفرايم" يعني "ثمر متكاثر"" ،منسى" أي "ينسى" ،فإن كنا في المرحمة
معا كأخوين متبلزمين عبلمة إتحاد اإليمان
األولى قد رأينا ييوذا يطمب من أخيو شمعون أن يخرجا ً
باالستماع لموصية أي بالعمل ،ففي ىذه المرحمة ينطمق يوسف أي النمو الروحي خبلل عمل أفرايم مع
منسى أي التمتع بثمر الروح مع نسيان محبة العالم.
ييوذا اقتنى أورشميم أي رؤية السبلم ،وبيت يوسف أخذ مدينة بيت إيل أي بيت اهلل؛ فباإليمان
(ييوذا) ننعم برؤية السبلم اإلليي الفائق داخمنا ،وبالنمو الروحي (يوسف) نصير نحن أنفسنا بيت إيل
مقدسا هلل.
ً مسكنا
ً أي
لي ست ىناك مدينة تحدث عنيا الكتاب المقدس بعد أورشميم مثل بيت إيل ،التي كانت تُدعى مدينة
لوز؛ أول ما قدم إبراىيم أرض الموعد نصب خيمتو في األراضي المرتفعة قرب بيت إيل (تك ٩ :21؛
،)1 :21ولما ىرب يعقوب من وجو عيسو متجيًا إلى ما بين النيرين بات في مكان قرب مدينة لوز،
حيث شاىد السمم السماوي ودعا المدينة بيت إيل (تك 29-22 :1٩؛ ،)21 :12ولؤلسف عند
انقسام المممكة أقام يربعام العجمين الذىبيين في بيت أيل ( 2مل )11–1٩ :21لذلك دعاىا ىوشع
النبي "بيت آون" أي بيت األصنام (ىو ،)٩ ،5 :2١فعوض تابوت العيد (القضاة )1٩ :1١الذي
ئيسيا لمعبادة الوثنية في إسرائيل (عا 1 :1؛ .)5 :5
مركز ر ً
بارك المدينة وقدسيا صارت ًا
أيضا إلى بيت إيل
أما كيف استولى بيت يوسف عمى بيت إيل فيقول الكتاب" :صعد بيت يوسف ً
والرب معيم" [ .]٢٢لقد دخموىا خبلل معية اهلل! ال نستطيع إقتحام بيت إيل أي بيت اهلل إالّ باهلل
نفسو الذي يحممنا فيو إلى بيتو ،ويكشف لنا أس ارره ،ويمتعنا بحياتو السماوية.
ويروي لنا الكتاب المقدس طريقة الدخول إلى بيت إيل بقولو:
أوالً" :واستكشف بيت يوسف عن بيت إيل" [ ،]٢٣أي أرسل بيت يوسف مراقبين أو جواسيس
يستكشفون أمرىا ،كما سبق فأرسل يشوع جاسوسين لمعرفة أسرار أريحا (يش .)2 :1إن كان يوسف
خداما
ً يمثل السيد المسيح في جوانب كثيرة فإن بيت يوسف يمثل الكنيسة التي ترسل مراقبين أي
لمكممة يشيدون لمحق ويفتتحون كل قمب لحساب مممكة اهلل ،لتجعل منو بيت إيل الحقيقي.
إن كانت النفس البشرية ىي بيت يوسف الحقيقي ،يميق بيا أالّ تكف عن استخدام كل طاقاتيا
وامكانياتيا ك مراقبين عمميم تقديس األعماق بالروح القدس ،لكي يظير القمب كبيت إيل ،متحققًا فيو
قول السيد المسيح" :ىا ممكوت اهلل داخمكم" (لو .)12 :2٩وقول الرسول" :أم لستم تعممون أن
جسدكم ىو ىيكل لمروح القدس الذي فيكم الذي لكم من اهلل وأنكم لستم ألنفسكم؟!" ( 2كو .)29 :٦
1١
قضاة – األصحاح األول
ثانيا :ينطمق المراقبون إلى مدينة "لوز" ،إذ قيل" :وكان اسم المدينة قبالً لوز" [ .]٢٣لم يذكر
ً
اسم المدينة ببل ىدف ،فإن الموز إنما ُيشير إلى كممة اهلل كقول الرب نفسو إلرميا (إر .)21-22 :2
وكما يقول العالمة أوريجينوس[ :إن الموز يحمل قشرة خارجية تجف وتسقط ،ولو غبلف صمب
حرفيا يكون
ً يكسر ،في داخمو الموز نفسو يؤكل .ىكذا يرى أن كممة اهلل أو الكتاب المقدس إذ فُسر
المر الجاف ،واذا توقف عند التفسير السموكي أو األخبلقي يكون كمن اىتم اإلنسان قد أكل الغبلف ّ
بالغبلف الصمب ،أما من يدخل إلى التفسير الروحي العميق فينعم بالموزة نفسيا الشيية والنافعة.]2
أرسل بيت يوسف المراقبين ليتعرفوا عمى لوز ويدخموا إلييا فينعموا ببيت إيل ،ىكذا ال تستطيع
النفس أن تصير بيتًا هلل ما لم ترسل المراقبين إلى كممة اهلل (لوز) وتتعرف عمى أسرار الكتاب المقدس
لتنطمق بالروح القدس المراقب الحقيقي ،القادر أن يدخل بيا إلى أعماق مفاىيم أس ارره الروحية .لقد
انطمق داود النبي بالروح إلى لوز حين قال "أبتيج أنا بكبلمك كمن وجد غنيمة وافرة" (مز :229
.)2٦1
خارجا من المدينة ،فقالوا لو أرنا مدخل المدينة فنعمل معك معروفًا"ً ثالثًا" :فرأى المراقبون رجالً
[ .]٢٤من ىو ىذا الرجل الذي يعرف مدخل المدينة والذي قاد المراقبين إلييا إالّ جماعة الييود الذين
أؤتمنوا عمى كممة اهلل وصارت إلييم النبوة ،فقد دخموا بالعالم إلى معرفة السيد المسيح وكشفوا لؤلمم
"بيت إيل" ومداخميا لحقيقية ،أما ىم فذىبوا إلى أرض الحثيين [ ]1٦وأقاموا ألنفسيم مدينة لوز حسب
أىوائيم .إنيم كعمال فمك نوح الذي صنعوا الفمك لنوح وعائمتو أما ىم فمم يخمصوا.
لقد عمل بيت يوسف معروفًا مع الرجل وعشيرتو وأطمقوىم [ ،]15لكن عوض أن يدخموا معيم
المدينة ويشتركوا معيم في الميراث إنطمقوا لمحياة مع الحيثيين يشاركونيم جحودىم وعدم إيمانيم!
ما صنعو الرجل مع بيت يوسف يفعمو الكثيرون حتى اليوم ،يقودون اآلخرين إلى معرفة الحق وأما
ىم فبل يدخمون .ىذا ما خشاه الرسول بولس لئبل يسقط فيو عندما قال" :أقمع جسدي وأستعبده حتى
فوضا" ( 2كو .)1٩ :9وما خشاه القديس يوحنا الذىبي
بعدما كرزت لآلخرين ال أصير أنا نفسي مر ً
الفم عمى نفسو ،إذ قال[ :إني أسكب الدموع عندما أرى نفسي في كرسي فوق كراسي اآلخرين ،وعندما
يُقدم لي احترام أكثر من غيري.]1
2
لممؤلف :آباء مدرسة اإلسكندرية األولون سنة ،29٩١ص .2٦١
1
الحب الرعوي ،ص .٩٦1
12
قضاة – األصحاح األول
.٤التياون مع الكنعانيين
"ىياجا" ،لذا فاستبقاء الكنعانيين وسطيم من أجل الجزية وعدم
ً قمنا أن كممة "الكنعانيين" تعني
سمطانا
ً طردىم [ ،11 ،1١-1٩الخ] إنما ُيشير إلى انحراف القمب إلى محبة المال .فقد أعطانا الرب
أن نطرد عنا كل ىياج وكل تشويش روحي ،لكن من أجل الجزية أي محبة العالم ال نطرده بل نستبقيو
لنفعنا الزمني ...األمر الذي يحطم النفس ىنا ويفقدىا أبديتيا ىناك.
11
قضاة – األصحاح الثاني
األصحاح الثاني
32
قضاة – األصحاح الثاني
ثالثًا :لخص مبلك الرب خطايانا في إعبلنو أنو لن ينكث العيد معنا إلى األبد واذا بنا نتجاىل
غيورا ،إنما يريدنا
عيدا مع سكان ىذه األرض ،أي مع الخطايا .فإن كان اهلل إليًا ً
العيد اإلليي لنقيم ً
في اتحاد معو عمى مستوى االتحاد الزواجي ،فكل اتحاد مع غيره (الخطايا) ُيحسب زنى ،بسببو ينحل
عقد اتحادنا الزواجي معو.
جدا ،فإذ نقيم العيد مع سكان ىذه األرض (الخطايا) ييبنا سؤال
ابعا :اهلل يقدس الحرية اإلنسانية ً
ر ً
قمبنا فبل يطردىم من أمامنا ...فيكونون مضايقين لنا ،وىكذا جعل اهلل من تصرفاتنا الشريرة فرصة
المرة تضيق عمينا فنرفع قموبنا بكامل حريتنا لنرى
لمتأديب .إنو ال يمزمنا بالتوبة ،لكن ثمار خطايانا ّ
األذرع األبدية مفتوحة لنا.
عمى أي األحوال فإن صعود مبلك الرب من الجمجال إلى بوكيم وحديثو معيم ىو بمثابة إعبلن
مقدما
ً عن العبلج قبل استعراض م اررة المرض .ىكذا يتعامل اهلل معنا ،إذ يفتح أمامنا أبواب الرجاء
حتى متى سقطنا نذكر رحمتو وننطمق بالروح القدس إلى بوكيم لنقدم ذبائح التوبة لمرب في استحقاقات
الدم الثمين.
واآلن إذ قدم العبلج بدأ يكشف عن ظيور المرض فتحدث عن عصر يشوع والشيوخ المرافقين لو
حيث شيد الكل أعمال اهلل العجيبة فمم ينحرفوا عن اإليمان ،لكن الجيل التالي "لم يعرف الرب وال
العمل الذي عمل إلسرائيل" [.]١١
.٢موت يشوع
إذ سمع يشوع كممات مبلك الرب في بوكيم ورأى الشعب يرفع صوتو ويبكي ألنو عرف ما سيحل
بو أو باألجيال المقبمة كثمرة لتياونيم مع األمم الوثنيةُ ،ذبحت ذبائح لمرب [ ،]٥ثم صرف يشوع
الشعب" ...كل واحد إلى ممكو ألجل امتالك األرض" [ ،]٦إي ذىب كل سبط ليممك ما قد تمتع بو
كنصيب لو.
معا مع يشوع لتمارس التوبة الجماعية في
يا ليا من صورة حية لمكنيسة الحقيقية ،إذ تجتمع ً
بوكيم ،وتقدم ذبيحة الرب بروح واحد جماعي ،لكن كل واحد يممك نصيبو! كأن الحياة الكنسية ىي
احدا ،لكن لكل عضو عممو وشركتو الخاصة .بمعنى آخر ال تعني الحياة
جسدا و ً
ً حياة جماعية تمثل
الجماعية تجاىل العمل الشخصي أو العبلقة الشخصية السرية التي تربط النفس باهلل ،كما أن العمل
الشخصي ال يوقف الحياة الجماعية ،بل ىما متبلزمان ومتكامبلن غير منفصمين .إني أعرف الرب
إليي كرأس خاص بي "حبيبي لي وأنا لو" (نش ،)1٦ :3ألتقي معو سرًيا عمى مستوى شخصي ،لكن
كعضو في الجماعة المقدسة ،فيو رأس الكنيسة (أف )33 :1التي أنا عضو فييا.
تحدث عن حال الشعب في عيد يشوع ،قائبلً " :وعبد الشعب الرب كل أيام يشوع وكل أيام
عمل إلسرائيل" [.]٧
الشيوخ الذين طالت أياميم بعد يشوع الذين رأوا كل عمل الرب العظيم الذي ُ
روحيا يعبد الشعب الرب في
ً متى كان يشوع الحقيقي ،يسوع المسيح ،ىو القائد لمكنيسة والمحرك ليا
ح اررة الروح؛ ومتى تسمم الكنيسة شيوخ أي رعاة أروا كل عمل الرب العظيم وتبلمسوا مع صميبو تبقى
الكنيسة ممتيبة بالروح ،أما إن تسمميا رعاة ليس ليم شركة مع يشوع الحقيقي فينحرف الشعب عن
عبادة اهلل الحقة.
أخير "مات يشوع بن نون عبد الرب إبن مئة وعشر سنين فدفنوه في تخم ممكو في تمنة
ًا
حارس في جبل أفرايم شمالي جبل جاعش" [.]٩-٨
إعبلن موت يشوع واالىتمام بدفنو في تخم نصيبو إنما يكشف لمشعب عن اإليمان بقيامة الجسد،
تماما.
األمر الذي لم يكن يستطيع الييود في ذلك الحين إدراكو ً
3٥
قضاة – األصحاح الثاني
3٦
قضاة – األصحاح الثاني
كان يقيم ليم قضاة يُخمصونيم من يد ناىبييم [ .]1٦ولؤلسف "عند موت القاضي كانوا يرجعون
يفسدون أكثر من آبائيم.]١٩[ "...
ىذه ىي قصة سفر القضاة كمو ،بل ىي قصة حياة الكثيرين منا ،سرعان ما ننسى معامبلت اهلل
فينجي ،لنعود مرة أخرى فننسى الرب ونتعدى
معنا لنسمك حسب أىوائنا واذ نخضع لثمر شرنا نصرخ ُ
عيده!
أما عبادة البعل فكانت تُقدم لئللو الكنعاني "بعل" وجمعو "بعميم" ،ومعناه "سيد" أو "رب" أو "زوج".
وكانت زوجتو اإللية عشتاروت .ىو إلو الخصب ورب المزارع والميتم بالحيوانات إلو الشمس ،وىي
فطير (إر ُ )1٨ :٧يرسم عميو صورة القمر .وكان المتعبدون
إلية القمر .لذا كانت النساء يعجن ليا ًا
أما ،وكانوا ُيقدمون ليما من أطفاليم ذبائح ومحرقات .إذ كانت
ليا يحسبون البعل ًأبا ليم وعشتاروت ً
جدا وتوىجت تمقي األم
بعض األصنام تصنع من النحاس مجوفة ،يوقدون تحتيا النيران ومتى إحمرت ً
رضيعيا عمى يديو المتوىجتين وتُضرب الطبول حتى ال تُسمع صرخات الرضيع وىو يحترق! وكان
أحيانا كاىنات ىن نساء وبنات
ً لمبعل كينة كثيرون يخدعون الناس بسحرىم وشعوذتيم ،كما ُوجدت
يقدمن أنفسين لمزنى والرجاسات كجزء من العبادة وطقس من طقوسيا (ىو .)12 :2
ىذا وقد انتشرت عبادة البعميم في الشرق بصورة متسعة حتى صار لبعض الببلد بعل خاص بيا
مثل بعل فغور ،وبعل زبوب الخ...
3٧
الباب الثاني
عصر القضاة
ص ٦١ - ٣
األصحاح الثالث
عثنيئيل بن قناز
بصمب السفر يعمن انحراف الشعب المتكرر وسقوطيم تحت
بعد المقدمة السابقة (ص )9 ،١بدأ ُ
الضيق وارسال اهلل قضاة إلنقاذىم:
.٦انحراف الشعب
"فيؤالء ىم األمم الذين تركيم الرب ليمتحن بيم إسرائيل كل الذين لم يعرفوا جميع حروب
كنعان ،إنما لمعرفة أجيال بني إسرائيل لتعميميم الحرب" []2-٦
صمب السفر بتقديم بيان عن األمم الذين تركيم الرب المتحان إسرائيل ،حتى تتدرب األجيال
يبدأ ُ
الجديدة كيف تحارب ،وىنا نبلحظ أن اإلسرائيميون قد تياونوا في طرد األمم ،فسمح اهلل ببقائيم في
وسطيم ،ليكونوا أداة لتدريب األجيال عمى الحرب ،ال بالمفيوم العام لمتدريب العسكري ،إنما ليتتبروا
كيف يغمبون وينتصرون تبلل الحياة التقوية واالتكال عمى الرب ،فيرون أعمالو معيم لنصرتيم ،ىكذا
تيرا!
يترج اهلل حتى من ضعفاتنا ً
يعمق األب دانيال عمى ىذه العبارة ،قائبلً[ :ترك األمم ال لينزع سبلم الشعب وال ليصيبيم ضرر،
إنما لعممو أن في ىذا تيرىم .فإذ يضايقيم األمم باليجوم يشعرون باحتياجيم إلى العناية اإلليية .ليذا
يستمرون متطمعين إلى اهلل ،طالبين معونتو ،وال يتياونون في كسل وال يفقدون فضيمة االحتمال
والعمل ،مجاىدين في الفضيمة.]١
1
Cassian: Conf. 4:6.
99
قضاة – األصحاح الثالث
أوالً :أقطاب (أمراء) الفمسطينيين التمسة ،وىم حكام المدن الفمسطينية الرئيسية التمس :جت
عظيما ذا بأس ،ومدنيم
ً شعبا
وأشدود وغزة وأشقمون وعقرون .كان الفمسطينيون في ذلك الحين ً
حصينة ،احتكروا صناعة اآلالت واألسمحة الحديدية ( ١صم .)9١–١9 :١0بعد موت يشوع أتذ
ال
بل منيم بمنساس البقر ( ،)0١ :0إ ّ
ييوذا غزة وأشقمون وعقرون ( ،)١8 :١وضرب شمجر 633رج ً
أن الفمسطينيين استردوا ىذه الببلد وسقط العبرانيون في قبضتيم ( ...)7-6 :١3وصارت ىناك عداوة
مستمرة بين بني إسرائيل والفمسطينيين.
4
ثانيا :جمع الكنعانيين ،١والصيدونيين ،والحويين 9سكان جبل لبنان والحثيين ،0واألموريين
ً
6 5
والفرزيين واليبوسيين (سكان أورشميم أو يبوس).
نساء وأعطوا بناتيم لبنييم وعبدوا آليتيم"
ً أما عبلمة االنحراف فيي" :اتخذوا بناتيم ألنفسيم
[ . ]١ىذه ىي العبلمة المزدوجة :االرتباط بغير المؤمنين تبلل العبلقة الزوجية ،وعبادة اآللية
الغريبة ،والعجيب أنو يبدأ بذكر الزواج بغير المؤمنين قبل عبادة اآللية األترى ،ألن األولى ىي العمة
والسبب والثانية ىي ثمرة طبيعية لئلنسان الشيواني الذي يقبل الزواج تارج دائرة اإليمان ،ليذا يحذرنا
الرسول ،قائبلً" :ال تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين ،ألنو أية تمطة لمبر واإلثم؟! وأية شركة لمنور
مع الظممة؟! وأي اتفاق لممسيح مع بميعال؟! وأي نصيب لممؤمن مع غير المؤمن؟!" ( 9كو -١4
.)١5
.2استعبادىم لكوشان
إذ ارتبطوا مع األمم تبلل عبلقات زوجية سقطوا معيم في عبادتيم لمبعميم والسواري (أعمدة تقام
كتماثيل لآللية) ،وليذا باعيم الرب لكوشان رشعتايم ممك أرام النيرين ،لمدة ثمان سنوات [.]8
03
قضاة – األصحاح الثالث
"كوشان" اسم سامي يعني "يتتص بكوش" ،و"رشعتايم" تعني "ذي الشرين" ،فإن كان الشعب قد
مزدوجا :الزواج بأُمميات ،وعبادة األوثان؛ ليذا أسمميم لمممك (ذي الشرين) ليكون عمة
ً شر
ارتكب ًا
تأديبيم لمدة ثمان سنوات بالكيل الذي بو يكيمون ُيكال ليم!
قاضيا
ً .٣إقامة عثنيئيل
مخمصا لبني إسرائيل فخمصيم :عثنيئيل بن قناز
ً "وصرخ بنو إسرائيل إلى الرب ،فأقام الرب
أخو كالب األصغر .فكان عميو روح الرب وقضى إلسرائيل ،وخرج لمحرب فدفع الرب ليده كوشان
رشعتا يم ممك آرام واعتزت يده عمى كوشان رشعتايم ،واستراحت األرض أربعين سنة" [.]٦٦–٩
سر الغمبة ِ
قاضيا لم يأت ُج ازفًا ،فقد أراد اهلل أن يكون أول القضاة ليعمن أن ّ
ً اتتيار عثنيئيل
9 ١
والتبلص يكمن في اهلل نفسو ،إذ كممة عثنيئيل تعني "استجابة اهلل" أو "قوة اهلل" .فما يتحقق من
تبلص ال يتم بقوة بشرية ،إنما ىو استجابة الرب الذي يسمع صرتات أوالده ويعمل فييم بقوتو
اإلليية.
عثنيئيل ىذا استولى عمى قرية سفر (كتاب) وتزوج بعكسة ابنة كالب أتيو (يش ١9–١5 :١5؛
قض .)١5–١0 :١فيو يمثل اإلنسان الروحي الذي ممك قرية الكتاب أي تعّرف عمى إسرار كممة اهلل
بطريقة روحية في حياة تقوية ،0فتأىل لتدمة الرب ،وأمكنو أن يغمب كوشان رشعتايم أي يغمب الشر
المزدوج الذي استعبد البشرية ،وبو تستريح األرض أربعين سنة .بمعنى آتر التمتع بكممة اهلل ىو
طريق الغمبة عمى الشر وتحطيم سمطانو واستعباده كما ىو طريق الراحة الحقيقية بنزع العار والذل .في
ىذا يقول المرتل" :دحرج عني العار واإلىانة ألني حفظت شياداتك" (مز .)99 :١١9
معمنا أن فضل
سر القوة في عثنيئيل" :كان عميو روح الرب" [ً ،]٦١
ويؤكد الكتاب المقدس أن ّ
القوة لروح الرب الحا ّل عميو وليس في ذاتو.
ٍ
قاض اسمو "عثنيئيل" ،وأظير إذن في أول القضاة أعمن اهلل قوتو واستجابتو لصموات شعبو تبلل
حال عميو ويقوده
أنو رجل الكتاب تبلل تصرفاتو "استولى عمى قرية سفر" ،وأكد أن روح الرب ّ
مدعوا من اهلل ،يحمل قوتو
ً ويرشده .ما أحوج الكنيسة في كل عصر إلى مثل عثنيئيل الذي يأتي
بل كممة الحق باستقامة!
وروحو ،مفص ً
١
المرجع السابق ،ص .١984
2
Strong A Concise Dict. of the words in the Hebrew Bible, article 6274.
0يشوع ،ص .١984
0١
قضاة – األصحاح الثالث
بو استراحت األرض أربعين سنة []١١؛ فإن كانت األرض تُشير إلى الجسد ورقم 43يُشير إلى
١
نفسا تسمك كيذا القاضي بروح الرب وتنعم بكممة اهلل
المطوبة ،فإنو إذ حممنا في داتمنا ً
ّ الحياة الزمنية
قائدا في داتمنا فنستريح
مقدسا في عينيو كل أيام زماننا .ليكن عثنيئيل ً
ً يستريح جسدنا في الرب ويكون
فائقا!
سبلما ً
ً ونمتمئ
قاضيا
ً .4إقامة إىود
في المرة األولى باعيم الرب لكوشان رشعتايم ممك أرام لمدة ثمان سنوات ،أما اآلن إذ رجعوا إلى
الشر فسمميم لعجمون ممك موآب لمدة ثماني عشر سنة حتى يتأدبوا باألكثر ...إننا إذ نكرر السقوط ال
اء أكثر فاعمية حتى وان بدا أكثر م اررة لشفائنا.
يقسو الرب عمينا وانما كطبيب يقدم دو ً
"عجمون" تعني (عجل سمين) أو (مثل العجل) ،كناية عن قوتو وغضبو الوحشي ،ىذا بجانب أنو
جدا [" .]١7شدد الرب عجمون" [ ،]٦2ال بمعنى أنو ألقى القسوة في قمبو ،إنما رفع
كان رجبلً سمينا ً
مستعينا ببني عمون ،إذ
ً يده اإلليية التي كانت تعوقو عن طبيعتو الوحشية نحو الييود ،فتشدد لمحرب
كان بنو موآب وبنو عمون متجاورين ،أرض موآب شرقي القسم الجنوبي من بحر لوط وبنو عمون
أيضا مع عماليق وىم قبائل بدوية متوحشة حمموا عداوة إلسرائيل
إلى جية الشرق منيم؛ كما تحالف ً
معا
ظيرت أثناء عبور األتير في البرية (تر 8 :١7؛ عد 99 :١0؛ .)95 :١4تحالف الثبلثة ً
وضربوا إسرائيل بالسيف وامتمكوا أريحا "مدينة النتل" [.]0
إن كان "الصديق كالنتمة يزىو" (مز ،)١9 :99فالكنيسة ىي مدينة النتل ،إن تركت إلييا
وانحرفت إلى العالم ت سايره في حياتو وأفكاره يسمح اهلل بتأديبيا بموآب وعمون والعمالقة ولكن إلى حين
حتى تتأدب وترجع إليو .وما أقولو عن الكنيسة ىنا أقصد الكنيسة عمى مستوي القمب (المؤمن) أو
عمى مستوى كنيسة البيت أو العائمة أو جماعة المؤمنين في بمد أو آتر الخ ...إن العدو ال يقدر أن
يقترب إلى مدينة النتيل مادام ليس لو موضع فييا ،لكن إن حممت مدينة النتيل سمات األمم الوثنية
تنحني بالعبودية ليم وتن كسر أماميم ،ويسمميا الرب ليم حتى تصرخ لتتقدس بو وتنزع اآللية الغريبة
عنيا ،بم عنى آتر ال يستطيع عجمون وحمفاؤه أن يدتموا إلى حياتك ويسيطروا عمى قمبك وفكرك مادام
ليس ليم موضع فيك ،لكن إن قبمت أفكارىم أو مارست عباداتيم أو سمكت حسب ىواىم تتفتح أبواب
قمبك أماميم ليدتموا ويممكوا عوض الرب!
١
اإلنجيل بحسب متى ص ،90ص .85
09
قضاة – األصحاح الثالث
1
New westminster Dict. of the Bible, article: 6274.
2
Strong A Concise Dict. of the words in the Hebrew Bible, article 261.
00
قضاة – األصحاح الثالث
تضميا إليو .وىكذا يُحسب كل منا "أشول" عندما ال يؤثر فينا الرجاء وال العوز .فبل يغوينا الرتاء وال
يدفع بنا نحو اإلىمال التطير ،كذلك ال يجذبنا العوز إلى اليأس والشكوى (التذمر) بل نقدم الشكر اهلل
في كل شيء]١
سيفا ذا حدين تقمده تحت ثيابو عمى فتذه اليمنى ليقتل بو
نعود إلى ىذا القاضي لنجده يحمل ً
عجمون ممك موآب بعد أن يقدم لو ىدية يحمميا كثير من الرجال؛ يقتمو بعد أن يصرف الرجال حاممي
اليدية ويتصرف معيم ،ليعود ويمتقي مع الممك عمى انفراد في عمية برود ،وىي عمية تاصة بعجمون
الحر .قتمو إىود بالسيف في عقر داره ومكان
في أعمى القصر يجمس فييا كمظمة صيفية ليتبرد من ّ
أمانو بعد أن قام عجمون عن كرسيو ليعود فيسقط عمى األرض في دمائو وال يجمس عمى كرسيو بعد.
ترك إىود السيف في بطن عجمون ولم يسحبو وانطمق من الرواق وأغمق أبواب العمية عمى القتيل .واذ
مغط رجميو في متدع البرود ،وىو تعبير متأدب عن دتولو ترج العبيد و أروا األبواب مغمقة قالوا :إنو ٍ
بل عمى األرض .واذ
إلى المرحاض ...واذ طال انتظارىم تجموا ،فأتذوا المفتاح وفتحوا ليجدوه قتي ً
ىرب إىود جمع بني إسرائيل في جبل أفرايم وأعمن أن الرب دفع إلييم أعداءىم ،فنزلوا وراءه وأتذوا
متاوض األردن إلى موآب وتمكنوا من قتل نحو عشرة آالف رجل كل نشيط وكل ذي بأس ولم ينج
أحد.
ىذه القصة كما عرضتيا في اتتصار شديد تحمل صورة رمزية رائعة لعمل المتمص الحقيقي
يسوع المسيح تبلل الصميب ،إذ نرى فييا اآلتي:
أوالً :اسم المتمص أو القاضي "إىود" وقمنا أنو يعني (أبي مجد أو جبلل) ،كما تعني (متحد) ،ففي
مجد إبنك ليمجدك إبنك
المسيح يسوع المتمص الحقيقي تمجد اآلب كقول السيد في ليمة آالموّ " :
مجد االبن اآلب؟ يقول القديسأيضا ...أنا مجدتك عمى األرض" (يو .)4 ،١ :١7كيف ّ ً
مجد ىو اآلب بالك ارزة بقيامتو ،]9وكما
أغسطينوس[ :إذ تمجد االبن تبلل قيامتو بواسطة اآلبّ ،
مجد االبن
يقول[ :تحقق ىذا بإنجيل المسيح بمعنى أن اآلب صار معروفًا لؤلمم تبلل االبن وبيذا ّ
اآلب[ ،]0يمجدك االبن ،بمعنى إنك تصير معروفًا لكل جسد أنت أعطيتو إياه.]4
1
Cassian Conf. 6:10.
2
In Ioan. tr 105:1
3
Ibid.
4
Ibid. 105:2.
04
قضاة – األصحاح الثالث
1
On Ps 45.
05
قضاة – األصحاح الثالث
الحر ،وىكذا التقى السيد المسيح مع عدو التير ابعا :كان عجمون في عمية برود كمن يستجم من ّ
ر ً
تبلل الصميب حين ظن العدو أنو كمن يستجم من نيران ك ارزة المسيح وح اررة أعمالو الفائقة ،فبينما
كان يظن في نفسو أن يستريح إذا بو ُيقتل.
خامسا :قتل إىود عجمون بعد أن قام من كرسيو الممكي ،فسقط عمى األرض قتيبلً ،وكأنو إبميس
ً
الذي فقد سمطانو (كو )١5 :9وسقط من السماء كالبرق (لو .)١8 :١3
سادسا :أغمق إىود عمى عجمون القتيل الباب حتى ال يفتحو إالَّ تدامو أو عبيده ،وىكذا إذ نزع
ً
تادما
ً ال من أراد أن يكون لو
الرب عن إبميس بالصميب سمطانو جعمو كقتيل ليس من يمتقي بو إ ّ
سمطانا
ً وعبدا .رجوع اإلنسان إلى مممكة إبميس إنما يتحقق بمحض إرادة اإلنسان ،إذ ال يحمل إبميس
ً
١
عميو يمزمو بالتضوع لو .ىذا ما أكده القديس يوحنا الذىبي الفم في كثير من مقاالتو .
يدي إىود ،قتل الشعب عشرة آالف جبار بأس من الموآبيين ،فإن
سابعا :بعد قتل عجمون عمى ّ
ً
تماما عمى يدي السيد المسيح عمى الصميب ،فإن عمل الكنيسة ،شعب المسيح،
كان إبميس قد تحطم ً
أالَّ تبقي ً
شيئا من أعمال إبميس داتل قمبنا .السيد المسيح غمب لحسابنا وتمص البشرية ،لكي ال
يتوقف المؤمنون بو عن الجياد الروحي ضد التطية – أعمال إبميس وجنوده – حتى النياية.
قاضيا
ً .٥إقامة شمجر
قام شمجر بعد إىود ،وال يعني ىذا أن إىود قد مات ،إذ يرى البعض أن شمجر حارب في أيام
محميا.
إىود وكان عممو ً
ربما لم يجد شمجر آلة لمحرب فاستتدم منساس بقر ،وىي أشبو بعصا في طرفيا حديدة حادة
تستتدم في رعاية البقر .عمى أي األحوال اهلل يعمل بالقميل كما بالكثير .إنو يستتدمنا لمعمل الروحي
حتى وان كنا ال نممك من المواىب والطاقات إالّ منساس بقر.
١
راجع القديس يوحنا الذىبي الفم ،١983 ،ص .09١-0١8
06
قضاة – األصحاح الرابع
األصحاح الرابع
1
On Ps. 83.
٣3
قضاة – األصحاح الرابع
الفرح) يقطف وسط الخميط مف األمـ ،بمعنى أف اإلنساف يفقد فرحو الروحي حينما يتحوؿ قمبو إلى
حروشة األمـ الوثنية أي خميط مف الخطايا والرجاسات.
صور متباينة لشخص السيد المسيح وعممو الخالصي ،فإف دبورة تحمؿ
ًا إف كنا نرى في القضاة
صورة حية لكنيسة المسيح في جوانب كثيرة منيا:
أولا :مف جية االسـ "دبورة" أي (نحمة) ،وقد قيؿ عف الكنيسة كنحمة" :شفتاؾ ياعروس تقطراف
شيدا ،تحت لسانؾ عسؿ ولبف" (نش ،)١٢ :٤كما قيؿ عنيا" :النحمة ضئيمة بيف الطير وشيدىا
ً
أعذب ما يستساغ مف الطعاـ" (سي .)٣ :١١ويقوؿ القديس غريغوريوس النيسي[ :النحمة محبوبة
دوما لبموغ
مف كؿ أحد ،ويقدرىا الجميع ،فبالرغـ مف ضعؼ قوتيا لكنيا تحمؿ حكمة عموية وتسعى ً
حياة الكماؿ ...ىكذا يميؽ بنا (كالنحمة) أف نطير عمى مروج التعاليـ الموحى بيا ،ونجمع مف كؿ منيا
1
Conc. Widows 8 (44).
2
Ibid. 51.
٣3
قضاة – األصحاح الرابع
مخازننا التي لمحكمة .ىكذا يتكوف العسؿ في داخمنا وكأنو ذلؾ المحصوؿ الحمو الذي يخزف في قموبنا
كما في خمية نحؿ ،وبواسطة التعاليـ المتنوعة تتشكؿ في ذاكرتنا مخازف عمى مثاؿ الخاليا الشمعية
التي ال تيمؾ .يمزمنا أف نكوف كالنحمة فإف عسميا حمو ولدغتيا ال تؤذي ،ننشغؿ في عمؿ الفضيمة
الياـ .إنيا تنيمؾ بالحؽ في تحويؿ أتعاب ىذه الحياة إلى بركات أبدية ،وتقديـ جيادىا لصحة مموؾ
أيضا النفس تجتذب العريس ،ويعجب بيا المالئكة ،الذيف يكمموف قوتيا في الضعؼ
وشعوب .ىكذا ً
خالؿ الحكمة المكرمة.]١
ثانيا :اسـ رجميا "لفي دوث" وىو جمع مؤنث لمكمة "لفيد" أو "لبيد" وتعني (مشرؽ أو مصباح أو
ا
٢
مشعؿ) .أما عريس الكنيسة فيو ذاؾ الذي قاؿ" :أنا نور العالـ" (يو ١٢ :3؛ .)٥ :3إنو يشرؽ في
كنيستو لكي تستنير بو (مت ،)١٤ :٥وكما يقوؿ القديس يوحنا الذىبي الفم عمى لساف السيد
المسيح[ :حقًا أنا الذي أوقد النور ،أما استمرار أيقاده فيتحقؽ خالؿ جيادكـ أنتـ ...بالتأكيد ال تقدر
سببا في تغيير العالـ
المصائب أف تعطؿ بياءكـ إف كنتـ ال تزالوف تسمكوف الحياة الدقيقة ،فتكونوف ً
كمو .إذف ،فمتُظيروا حياة تميؽ بنعمتو حتى إذ تكرزوف في أي موضع يصاحبكـ ىذا النور.]٣
ثالثاا :كانت دبورة " جالسة تحت نخمة دبورة بين الرامة وبيت إبل في جبل أفرايم" [ .]٥ما ىذه
ال خشبة الصميب التي
النخمة التي دعيت باسميا ،وكانت تجمس تحتيا ليصعد إلييا رجاؿ لمقضاء ،إ ّ
تحدثت عنيا الكنيسة العروس ،قائمة" :تحت ظمو اشتييت أف أجمس وثمرتو حموة في حمقي" (نش :٢
.)٣كانت دبورة تجمس تحت شجرة الصميب بيف "الرامة" التي تعني (مرتفعات) ،وبيت إيؿ التي ىي
ثمر
(بيت اهلل) ،في جبؿ أفرايـ أي جبؿ الثمر المتكاثر .وكأف جموسيا تحت الصميب قد وىبيا ًا
متكاثر ،إذ كانت تجمس عمى المرتفعات (الرامة) فوؽ ىموـ العالـ واغراءاتو ،عند بيت إيؿ إي في
ًا
بيت الرب لتنعـ بمعيتو عمى الدواـ .ما أحوجنا أف نكوف كدبورة نعمؿ بغير انقطاع في دائرة الصميب،
مرتفعة قموبنا إلى السمويات ومنطمقة إلى بيت اهلل األبدي فننعـ بثمر الروح المتكاثر.
1
Comm. on Can’t, Ser. 9
2
Strong Hebrew & Chadec Dict., articles 3940, 3941.
٣
اإلنجيؿ بحسب متى ص .١١٥
٣3
قضاة – األصحاح الرابع
يصؼ القديس أمبروسيوس حاؿ دبورة كقاضية قبؿ انطالقيا لمحرب ،قائالً[ :في وقت السمـ ال
نجد شكوى وال خطأ في ىذه ال مرأة ،بينما كاف غالبية القضاة عمة لخطايا ارتكبيا الشعب ليس
بصغيرة].١
ابعا :تُشير دبورة إلى الكنيسة في حث أوالدىا عمى الجياد الروحي ضد إبميس وأعمالو الشريرة،
ر ا
أي الرجاسات والخطايا ،فقد أرسمت دبورة إلى باراؽ بف أبينوعـ مف قادش نفتالي تطالبو بالزحؼ عمى
جبؿ تابور ومعو عشرة آالؼ رجؿ مف بني نفتالي ومف بني زبولوف لمحاربة سيس ار رئيس جيش يابيف.
يرى القديس أمبروسيوس أف باراؽ ىو ابنيا ،بينما يرى بعض الحاخامات الييود أف باراؽ نفسو
ىو لفيدوت زوجيا ،إذ أف لفيدوت كما قمنا يعني برؽ أو مشعؿ .والمعنى يقترب مف كممة باراؽ التي
تعني برؽ أو بارؽ .وقد ُدعي ىكذا بسبب نشاطو وسرعة حركتو خاصة في الحروب ،يتحرؾ كالبرؽ
الخاطؼ.
يرى القديس أمبروسيوس أف دبورة نجحت في عمميا كقاضية خالؿ نجاحيا في حياتيا العائمية،
ناجحا ،وسممتو لقيادة الجيش بالرغـ مف المخاطر التي قد تالحقو .يقوؿ
ً إذ قدمت ابنيا باراؽ رجالً
القديس[ :ىذه المرأة ،قبؿ كؿ شيء ىيأت كؿ التدابير الخاصة بالحرب ،مظيرة أف احتياجات العائمة
ال تعتمد عمى المصادر العامة وانما االلتزامات العامة تقوـ خالؿ تدبير الحياة العائمية ،فقدمت ابنيا
قائدا لمجيش لنعرؼ أف أرممة استطاعت أف تدرب مصارًعا ،عممتو كأـ ،وأمرتو كقاضية؛ بشجاعتيا ً
٢
دربتو وكنبية قدمتو لمنصرة ] ،كما يقوؿ[ :يا لعظمة عزيمة أرممة لـ تحتجز ابنيا عف المخاطر خالؿ
عاطفة األمومة بؿ بالحري في غيرة األـ حثت ابنيا أف يذىب ليغمب ،وكانت نقطة قرار النصرة في يد
امرأة.]٣
لقد حثت دبورة باراؽ – ًأيا كانت قرابتو ليا– ال لينطمؽ وحده وانما ليأخذ معو عشرة آالؼ رجؿ مف
بني نفتالي ومف بني زبولوف لمحاربة سيس ار المنجذب إلى نير قيشوف ،فيدفعو الرب ليديو .فإف كاف
باراؽ يشير إلى الحياة المستنيرة في الرب كالبرؽ ،سريعة الحركة ،فإنو يميؽ بالمؤمف في جياد الروحي
أف يكوف كباراؽ ،أما العشرة آالؼ رجؿ فيشيروف إلى اإلنساف الحافظ لمناموس (رقـ )١4بطريقة
يوما عند الرب كألؼ سنة ،أما كونيـ رجاالً فإنو
روحية سماوية (× )١444أو بطريقة إليية ،ألف ً
يميؽ بالمؤمف أالا يحمؿ في داخمو تدليؿ النساء وال عجز األطفاؿ ،بؿ نضوج الرجاؿ وجديتيـ .ىؤالء
1
Conc. Widows 8 (45).
2
Ibid.
3
Ibid. 8 (46).
٤4
قضاة – األصحاح الرابع
الرجاؿ يقدموف مف بني نفتالي تعني (متسع) وبني زبولوف تعني (مسكف) أي يكوف ليـ القمب المتسع
كمسكف اهلل نفسو.
إف انطمؽ المؤمف كباراؽ برجالو أي يقدـ كالبرؽ الخاطؼ ومعو الفكر الروحي لموصية كفكر
يعيشو ويختبره ،فيو نضوج الروح ،ولو القمب المتسع كمسكف اهلل وكؿ البشرية عندئذ يجتذب اهلل سيس ار
مف قيشوف التي تعني (منحني) ليسممو في يده ،أي يخضع حركات العدو الشرير الممتوية المنحنية
تحت قدميو.
نير قيشوف يسقي مرج إبف عامر ،تجري إليو المياه مف جبؿ تابور وتالؿ الناصرة وجبؿ حرموف
الصغير وجمبوع ،وىو يجري في وسط سيؿ ابف عامر بمجرى ممتو ومعوج متجيًا نحو الشماؿ الغربي
فيدخؿ سيؿ عكا ويصب بالقرب مف حيفا مف جية الشماؿ ،ويسميو العرب "نير المقطع" .أغمب
مجراه يجؼ في الصيؼ .عمى شاطئو قتؿ إيميا النبي كينة البعؿ ( ١مؿ .)٤4 :١3
1
Ibid. 8 (47).
٤١
قضاة – األصحاح الرابع
سمائيا (يبرؽ)
ً عونا
غالبا ما كانت تجمب القراءة في أقواؿ األنبياء وأعماليـ ً
"باراؽ" تعني (مبرقا) ،إذ ً
عمى اآلباء ...فالنصرة ابتدأت مف اآلباء (الييود) وانتيت بالكنيسة.]١
يروي لنا الكتاب المقدس قصة نصرة ياعيؿ (كنيسة األمـ) عمى سيس ار ىكذا:
أولا" :دعا باراق زبولون ونفتالي إلى قادش وصعد ومعو عشرة آلف رجل ،وصعدت دبورة معو"
[ .]١١لـ نسمع في بداية االنطالؽ عف دور قامت بو ياعيؿ (األمـ) ،إنما قاـ باراؽ الذي يمثؿ آباء
الييود الذيف أبرقت فييـ نبوات العيد القديـ ،وانطمؽ معو دبورة (روح النبوة) ...وكاف بدء االنطالؽ
مع زبولوف ونفتالي (أي القمب المتسع كمسكف هلل) ،مف قادش التي تعني (قداسة) .وكأف ىذه البداية
تمثؿ جياد رجاؿ العيد القديـ خالؿ روح النبوة لينطمقوا لمحرب خالؿ الحياة التقوية المقدسة.
ثانيا :يأتي الكتاب بعبارة اعتراضية تييئ الذىف لمتعرؼ عمى ياعيؿ زوجة حابر القيني ،إذ يقوؿ:
ا
" وحابر القيني إنفرد من قايين من بني حوباب حمى موسى وخيم حتى إلى بموطة في صعنايم التي
عند قادش" [" .]١١حابر" يعني (محالفة) ،قد إنفرد مف العشيرة المنسوبة إلى قاييف ،أي اعتزؿ
خيـ في منطقة بموطة
القينييف ،لكنو لـ يتمتع بالميراث في أرض الموعد رغـ إيمانو بإلو إسرائيؿ ،لذلؾ ّ
أمميا وارتبط بصداقة
صعنايـ ليكوف عمى حدود الكنعانييف واسرائيؿ ،فتحالؼ مع ممؾ الكنعانييف بكونو ً
مع بني إسرائيؿ كدخيؿ.
بعضا مف األمـ الذيف بحسب الناموس الطبيعي عرفوا الرب ،لكنيـ لـً لعؿ حابر ىذا يمثؿ
يتخمصوا مف التحالؼ مع الكنعانييف إذ كانوا يسمكوف في الرجاسات ،حتى انطمقت منيـ "ياعيؿ" أي
كنيسة األمـ تقتؿ إبميس "سيسرا" وترفض رجاساتو وعباداتو الوثنية.
ثالثاا " :قالت دبورة لباراق :قم ،ألن ىذا ىو اليوم الذي دفع فيو الرب سيسرا ليدك .ألم يخرج
سر النصرة لباراؽ أالّ وىو التمتع بالقيامة مع الرب القائـ مف
الرب قدامك؟!" [ .]١٤كشفت دبورة عف ّ
األموات ،محطـ إبميس وجنوده ،إذ قالت لو "قـ".
ما أحوجنا أف نسمع صوت الكنيسة "دبورة" ،لننعـ بالقيامة فال يكوف لسيس ار قوة عمينا ألف الرب
القائـ مف األموات "يخرج قدامنا" كبكر الراقديف ،يدفع سيس ار ليدنا.
ابعا" :فنزل باراق من جبل تابور ووراءه عشرة آلف رجل" (عد .)١٤كاف باراؽ عمى جبؿ ر ا
متجميا ىناؾ ،فقالوا عمى
ً تابور كمف ىو في حصنو ومأمنو ،وكأنو كاف مع التالميذ الذيف أروا الرب
1
Ibid. 8 (48).
٤٢
قضاة – األصحاح الرابع
لساف بطرس" :جيد يارب أف نكوف ىينا" .وقد أمرىـ الرب بالنزوؿ ليحمؿ الصميب ويحممونو معو،
اىبا الغمبة لتالميذه فيو.
فيعمف بقيامتو نصرتو عمى سيسرا ،و ً
خامسا " :فأزعج الرب سيسرا وكل المركبات وكل الجيش بحد السيف أمام باراق ،فنزل سيسرا
ا
عن المركبة وىرب عمى رجميو" [ .]١٥إف كاف باراؽ قد نزؿ مف جبؿ تابور ومعو عشرة آالؼ رجؿ،
فإنو لـ يكف يممؾ مركبات ،فكاف بالنسبة لجيش سيس ار أقؿ بكثير في العدد التي يقدره يوسيفوس بػ
أيضا أقؿ في اإلمكانيات إذ يقدر عدد مركباتو بثالثة
ألفا مف الرجاؿ ،وبعشرة آالؼ فارس ،و ًً ٣44
آالؼ منيا تسعمائة مف حديد .لكف اهلل كعادتو ال يخمص باإلمكانيات البشرية الجبارة وانما إذ تقدـ
ويقاؿ أف العدو إذ رأي الجيش ينزؿ عميو بغتة اضطرب وصار في حيرة،
صفوؼ شعبو أزعج العدوُ .
معا فاضطروا إلى تركيا والسير عمى األقداـ ،خاصة وأف يوسيفوس
فيربوا فكانت المركبات تصطدـ ً
عظيما أفقدىـ التدبر في األمر ،فكاف اإلسرائيميوف يالحقونيـ،
ً وبردا
ير تساقط ً مطر غز ًا
يقوؿ بأف ًا
وكأنيـ يترنموف مع المرتؿ قائميف" :ىؤالء بالمركبات وىؤالء بالخيؿ ،أما نحف فاسـ إلينا نذكر" (مز
.)3 :٢4
جدا فنزؿ مف مركبتو بكونيا موضع تركيز العدو ،خاصة وأنيا
أدرؾ سيس ار أف العدو اقترب منو ً
معا.
أوشكت عمى االنكسار ،كما أدرؾ أنو مف السيؿ أف يجد لنفسو مخبأ عف أف يختفي ىو ومركبتو ً
ىكذا غمب باراؽ ورجالو سيس ار وجيشو ال بكثرة العدد أو اإلمكانيات وانما باسـ رب الجنود .يقوؿ
القديس أمبروسيوس[ :ال تغمب الكنيسة قوات العدو بأسمحة ىذا العالـ ،بؿ بأسمحة روحية "قادرة باهلل
ظنونا" ( ٢كو .)٥-٤ :١4إف عطش سيس ار قد أُطفئ بإناء مف المبف إذ
ً عمى ىدـ حصوف ،ىادميف
ُغمب بالحكمة ،فما ىو صحي بالنسبة لنا كطعاـ ،فإنو بالنسبة لمعدو ُيضعؼ قوتو ويقتمو .أسمحة
الكنيسة ىي اإليماف ،أسمحتيا ىي الصالة التي تغمب العدو.]١
1
Ibid. 8 (59).
٤٣
قضاة – األصحاح الرابع
لكونيا امرأة .والعجيب أنو وجدىا خارجة الستقبالو بكممات تبدو لطيفة لمغاية ،واف كانت قد خدعتو
بالكذب وقتمتو األمر الذي يتنافى مع واجبات الضيافة .لعؿ ياعيؿ فعمت ىذا ليس مف ذاتيا وانما
خالؿ إعالف بطريقة أو بأخرى ألف سيس ار حميؼ رجميا ،وكانت في ىذا تمثؿ الكنيسة التي خرجت مف
خيمتيا القديمة أو إنسانيا القديـ لكي تبدو كمف يستقبؿ سيس ار فتقتؿ إبميس مف حياتيا وتصير خيمتيا
ومقدسا لمرب .بمعنى آخر إف كانت الخيمة تمثؿ الجسد الذي إستضاؼ بشيواتو إبميس،
ً قبر لمعدو
ًا
فخالؿ النعمة اإلليية يعمف اإلنساف جحده لعدو الخير وكؿ أعمالو فيتقدس الجسد القاتؿ لمشيوات
والحامؿ لروح الرب فيو.
ال مف الماء حتى يبدو أنو ال يطمع في شيء ويكفي استضافتيا لو وانقاذىا حياتو
طمب سيس ار قمي ً
غالبا مف الجمد يوضع فيو المبف فيختمر ...وكأنيا قد أسكرتو حتى يغط
لبنا مف الوطب وىو ً فأعطتو ً
ال تعاليـ اإليماف التي
مع التعب الشديد واإلرىاؽ في نعاس ثقيؿ فتحقؽ خطتيا .ما ىو ىذا المبف إ ّ
ال إلبميس وميم ًكا لو.
تروي نفس المؤمف وتسكرىا بحب اهلل ،لكنو يكوف قات ً
في القديـ ماؿ إبميس إلى حواء يتسمؿ إلييا خالؿ الحية ويخدعيا بثمر التفاح ليدخؿ خيمتيا فيقتميا
طعاما
ً مع رجميا ونسميما إلى األبد ،واآلف حواء (ياعيؿ) تخرج إليو لتبدو كمف تستضيفو وتقدـ لو
لتق تمو فتنقذ الكؿ منو ،فال يكوف لو بعد موضع في خيمتيا أو خيمة رجميا أو خياـ نسميما مف
بعدىما.
ليمت سيس ار بيد امرأة بالميتدة (الوتد) الخشبي الذي في يدىا حيث قارت إليو (تمشت نحوه عمى
نوما فيموت [ .]١١بمعنى
أطراؼ أصابعيا) ،لتضربو بالوتد في صدغو لينفذ في األرض وىو مثقؿ ً
آخر لتمت شيوات إبميس فينا بيد الكنيسة عروس المسيح الحاممة لمصميب (الوتد) ،في خفة وبسرعة
نوما قبؿ أف يدخؿ بأفكاره إلى األعماؽ
تضرب إبميس في رأسو أي في بداية أفكاره وىو بعد مثقؿ ً
لتصحو وتممؾ .لنضرب بالصميب في صدغو أي نرفض أفكاره ونصمبيا فتتنقى أعماقنا لحساب الرب.
٤٤
قضاة – األصحاح الخامس
األصحاح الخامس
تسبحة دبورة
يرى غالبية الدارسين أن تسبحة دبورة ،والتي تُدعى "أغنية النصرة" أو "نشيد الغمبة" ،من وضع
دبورة نفسيا ،وضعتيا بأسموب شعري رائع وفي بالغة تفوق أىل زمانيا .لذلك فيي أقدم جزء في سفر
القضاة .ويرى العالمة أوريجينوس أن ىذه التسبحة ىي تسبحة اإلنسان المجاىد ،الذي يكون كدبورة
اىبا إيانا النصرة
أو النحمة ،يترنم بيا أثناء جياده الروحي حيث يزعزع الرب الجبال الوعرة أمامنا ،و ً
أبديا.
لكي نممك ً
عددا ،تنقسم إلى ثالثة أقسام أو فصول كل قسم يتكون من ٩أعداد (،٣٣-١ والتسبحة تضم ً ١٣
،)١٣-١١ ،١٣-٣١أما العددان ١ ،٣فيما مقدمة لمتسبحة ،والعدد ٣١مقدمة لمقسم الثاني ،والعدد
١٣خاتمة التسبحة.
.١مقدمة التسبحة
"فترنمت د بورة وباراق بن أبينوعم في ذلك اليوم قائمين :ألجل قيادة القواد في إسرائيل ،ألجل
ا نتداب الشعب (تقدميم لمحرب باختيارىم) ،باركوا الرب" [.]٢-١
نادر ما يرجع هلل بالشكر
طالبا الخالص ،لكن عند الفرح ًا غالبا ما يصرخ اإلنسان ً
عند الضيق ً
والتسبيح ألجل أعمالو معنا .لقد صرخ عشرة رجال برص ،قائمين" :يا معمم ارحمنا" (لو ،)٣١ :٣١واذ
شفاىم رجع واحد منيم فقط ليمجد اهلل بصوت غريب وكان سامرًيا ،لذا قال الرب" :أليس العشرة قد
مجدا هلل غير ىذا الغريب الجنس؟!"
طيروا فأين التسعة؟! ألم يوجد من يرجع ليعطي ً
54
قضاة – األصحاح الخامس
إذ خمص الرب شعبو من سيس ار ويابين عمى يدي دبورة وباراق ،انطمقت دبورة تسبح الرب ومعيا
باراق ،لعميا وضعت التسبحة بإرشاد إليي وقدمتيا لباراق ،فقادت دبورة النساء لمعمل المالئكي
التسبيحي وقاد باراق الرجال .عند عبور البحر األحمر انطمق موسى بالتسبيح (خر )٣ :٣4ووراءه
تمثل المريمات المواتي أع َّ
من القيامة قبل التالميذ وكان لين النصيب األول في التمتع ببيجة القيامة
والتمتع بالرب القائم من بين األموات.
ماذا قاال؟" :ألجل قيادة القواد في إسرائيل" ،بمعنى أنيما يسبحان اهلل الذي عمل في القادة الذين
تسمموا مركز القيادة في الحرب معرضين حياتيم لمخطر من أجل إخوتيم .وكأن دبورة وباراق وىما
يمجدان اهلل واىب النصرة ال يتجاىالن جياد أحد وتعبو! وقد جاءت الترجمة السريانية والكمدانية:
"ألجل إنتقام إسرائيل" ،أي من أجل ما وىبو اهلل إلسرائيل من قوة لإلنتقام من سيسرا.
طوعا ،فإن كان القادة قد تسمموا مواقعيم
ً "ألجل إنتداب الشعب" أي لقبوليم العمل (الحرب)
طوعا ...وكأن النصرة الروحية إنما ىي ثمر عمل اهلل في القادة كما في
ً أيضا جاىد بفرح
فالشعب ً
الشعب .ليتنا في األعمال الناجحة ننسب الفضل كمو هلل ،وال نتجاىل دور القادة وال الشعب.
لعل دبورة بقوليا" :باركوا الرب" تطمب من القادة الذين كانوا أمناء في مواقعيم ولمشعب الذي جاء
ال تميييم النصرة من تقديم تسبحة الحمد هلل والشكر لنعمتو الغنية ،وانما يتمثمون بالرسول
طوعا لمعمل أ ّ
ً
شيئا كأنو من أنفسنا بل كفايتنا من اهلل" ( ١كو :١بولس القائل" :ليس أننا كفاة من أنفسنا أن نفتكر ً
.)4
54
قضاة – األصحاح الخامس
٣
احدا ،فتكرار كممة "أنا"
يرى القديس أغسطينوس أن رقم ١يشير إلى "الحب" إذ يجعل االثنين و ً
إال وىي سمة الحب، مرتين يشير إلى سمة دبورة الحقيقية أي الكنيسة ،القادرة عمى الترنم والتسبيحَّ ،
الذي بدونو ال يتقبل الرب عبادتيا أو تسابيحيا ،كقول الرسول" :إن كنت أتكمم بألسنة الناس والمالئكة
صنجا يرن" ( ٣كو .)٣ :٣١
ً نحاسا يطن أو
ً ولكن ليس ل ّي محبة فقد صرت
أيضا قطرت،
"يارب بخروجك من سعير بصعودك من صحراء أدوم ،األرض ارتعدت ،السموات ً
كذلك السحب قطرت ماء" [ .]٤تعود دبورة تذا كرتيا إلى معامالت اهلل مع آبائيا حين كانوا في البرية
قوما رحل ،من الذي سندىم ضد أرض سعير وأدوم غيره (عد ١١ :١٣؛ !)5 :١٣اهلل الذي خمص ً
في القديم آباءىم ىو ىو بعينو يرافقيم في جيادىم ضد سيس ار ويابين ممك الكنعانيين.
سر النصرة بقوليا لمرب "بخروجك ...بصعودك" ،فاهلل ال يقف في معزل عن اإلنسان
تعمن دبورة ّ
بل في حبو لنا دائم الحركة من أجمنا ،فبحبو يخرج من سعير (التي تعني شعر وىو اسم عيسو بكونو
أيضا) .وكأنو بالحب ينزل إلينا ويحل
مشعرا) ويصعد من أدوم (تعني دم أو أرض وىو اسم عيسو ً
ً
بيننا لكي يخرجنا من "سعير" أي من الفكر الجسداني ،ويصعد بنا إلى ما فوق آدوم أي فوق الدم
واألرض .بالمسيح يسوع نخرج ونصعد فال نعيش بعد عمى المستوى الجسدي الدموي األرضي ،إنما
نشاركو الحياة الجديدة لنحيا في السمويات ،وكما يقول القديس يوحنا الذىبي الفم[ :كأن اإلنسان قد
أُخذ إلى السماء عينيا ويقف بجوار عرش المجد.]١
ىكذا ت ؤكد دبورة النبية في تسبحتيا أن اهلل ىو العامل فينا ،فإذ نحممو داخمنا نخرج من سعير
ونصعد من أدوم الرمزية ،أما ثمر ىذا العمل فيو:
أولً" :األرض ارتعدت" [ . ]٤ىنا يشير إلى الخشية التي حمت باألمم تجاه إسرائيل حين سمعوا عن
أعمال اهلل معيم ،وكما يقول موسى النبي :يسمع الشعوب فيرتعدون ،تأخذ الرعدة سكان فمسطين،
حينئذ يندىش أمراء آدوم ،أقوياء موآب تأخذىم الرجفة يذوب كل سكان كنعان" (خر ٣4-٣5 :٣4؛
راجع يش .)٣٣–٩ :١
أيضا تشير إلى الجسد ،فإذ يعمل اهلل فينا يرتعد الجسد بمعنى يخشى اهلل فال يسمك في
األرض ً
أنيارا" (حب :١
شيواتو وممذاتو بل يخضع لروح الرب .وكما قيل في حبقوق النبي" :شققت األرض ً
٣
(أيضا القديس أغسطينوس :تفسير يوحنا مقال .)4 :٣١
ً راجع زكريا ،ص ٣١٣
2
In Ioan, hom. 46.
5١
قضاة – األصحاح الخامس
.) ٩فإن كانت أرضنا أي جسدنا قفراء ،فإن الرب يفجر فينا بصميبو ينابيع روحو القدوس كأنيار ماء
حي.
ّ
أيضا قطرت ،كذلك السحب قطرت ماء" [ .]٤إن كانت األمم الوثنية كاألرض
ثانيا" :السموات ً ً
أمطار تحول القفر إلى فردوس .باهلل
ًا ارتعدت أمام اهلل ،فإن أوالده كسموات تقطر ندى وكسحب تيطل
القدوس تحمل حياتنا الداخمية – كسموات – ندى الروح القدس وأمطاره السماوية.
ما نقولو عن األمم الوثنية وأوالد اهلل نكرره بخصوص الجسد والروح ،فإن كان الجسد كاألرض
يرتعد أمام اهلل فال يطمب شيواتو ،فإن الروح كسماء تقدم بالرب كل مطر مفرح.
ثالثًا" :تزلزلت الجبال من وجو الرب" [ .]٥وكما يقول إشعياء النبي" :حين صنعت مخاوف لم
ننتظرىا نزلت تزلزلت الجبال من حضرتك" (إش .)١ :45
في دراستنا لسفر حزقيال رأينا اهلل يقيم نفوس قديسيو كجبال مقدسة يسكنيا ،ترتفع فوق األرضيات،
ال دنسة معثرة تتسم بكبرياء النفس وعصيانيا لموصية .٣مثل
أيضا يقيم من خدامو جبا ً
وعدو الخير ً
ىذه الجبال تزلزل من وجو الرب ،فيسقط تشامخيا وتنسحق قدامو.
بعد أن عرضت دبورة أعمال اهلل مع اآلباء في وسط البرية ،عادت لتصف حاليم في أياميا
وحاجتيم إلى عمل اهلل ،فقالت:
"في أيام شمجر بن عناة في أيا م ياعيل إستراحت الطرق (لم تستخدم الطرق) ،وعابرو السبل
ساروا في مسالك معوجة .خذل الحكام (توقف سكان القرى) في إسرائيل ،خذلوا حتى قمت أنا
أما في إسرائيل" [.]٧-٦
دبورة ،قمت ً
يبدو أن الضيقة حمت بالشعب في أواخر أيام القاضي شمجر ( ،)١٣ :١وال نعمم إن كانت دبورة
ق د عاصرتو أم ال ،أما ياعيل ىنا فيرى البعض أنيا ياعيل زوجة حابر التي قتمت سيسرا ،فربما كانت
معروفة بغيرتيا عمى إسرائيل لخالصو لكنيا كانت تعمل في الخفاء خشية بطش سيس ار بيا ،ويرى
مرة
آخرون أنيا ياعيل أخرى كان ليا دورىا في أيام شمجر .عمى أي األحوال تقدم لنا دبورة صورة ّ
لمضايقات الكنعانيين ليم فقد أغمقوا عمييم الطرق الرئيسية حتى اضطر الييود في سفرىم أن
يستخدموا المسالك الفرعية المعوجة والخطيرة ،وصارت الحقول بال فالحين إذ ىربوا إلى المدن
قفر بال ثمار .إنيا صورة عمل
يتحصنون فييا خشية بطش الكنعانيين ،فصارت األراضي الخصبة ًا
54
قضاة – األصحاح الخامس
عدو الخير مع البشرية ،إذ يغمق أماميا الطرق اإلليية خالل قطع الرجاء أو إغراءات الشر ،ويدخل
بيا في المسالك الممتوية الشريرة حتى ينحرف بيا عن غايتيا ،ويحول حقميا الداخمي إلى قفر وجنتيا
إلى برية قاحمة .وبقيت البشرية ىكذا حتى قامت الكنيسة الروحية (دبورة) وأعمنت أمومتيا في الرب...
أما ،أي قبول
ال بقبول دبورة ً
ممكنا التحرر من م اررة الكنعانيين إ ّ
ً أما في إسرائيل" .وكأنو لم يكن
"قمت ً
أمومة الكنيسة الروحية .لذلك يقول القديس يوحنا الذىبي الفم[ :ال تعتزل الكنيسة ،ألنو ال شيء
أقوى منيا (كإيمان وحياة) .الكنيسة ىي رجاؤك وخالصك وممجأك ،إنيا أعمى من السماء ،وأوسع من
دائما في كامل حيويتيا.]٣
المسكونة .إنيا لن تشيخ قط ،بل ىي ً
"اختار آلية حديثة؛ حينئذ حرب األبواب ،ىل كان ُيرى مجن أو رمح في أربعين إل ًفا من
إسرائيل؟!" [.]٨
لم يقف الدمار خالل مضايقة الكنعانيين ليم من الخارج ،وانما تحقق خالل الفساد الداخمي ،إذ لجأ
الييود إلى آلية غريبة حديثة ،وكما قيل في سفر التثنية" :ذبحوا ألوثان ليست هلل ،آللية لم يعرفوىا
أحداث قد جاءت من قريب" (تث .)٣١ :١١ليذا تركيم الرب حتى صارت الحرب عند األبواب،
فتحول الموضع الذي كان مجالس الرؤساء والحكام إلى ممحمة دماء ،أمام ىذا المشيد ماذا يفعل
ألفا من الرجال إذ ال يحمل مجن الروح وال رمح اإليمان! لقد
إسرائيل حتى وان ضم جيشو أربعين ً
حرميم الكنعانيون من حمل السالح ،بل ىم حرموا أنفسيم من السالح الروحي بانحرافيم نحو العبادة
الوثنية!
إذ صار حال الشعب ىكذا ،ضيق في الخارج وفساد في الداخل ،لم يتركيم الرب بل أرسل إلييم
(طوعا) إلنقاذ الكل؛ إذ تطالب الشعب أن يبارك الرب عمى ىذا العمل ،قائمة:
ً ندبا
قضاة قبموا العمل ً
" قمبي نحو قضاة إسرائيل المنتدبين في الشعب ،باركوا الرب" [ .]٩ىكذا إذ قبل القضاة العمل وسط
أيضا عظماء الشعب أن يسبحوا الرب الذي أرسميم لخالصيم" :أييا الراكبون
لمرة تطالب ً
الضيقات ا ّ
األتن الصحر ،الجالسون عمى طنافس ،والسالكون في الطريق ،سبحوا" [ .]١٣إن كان الشعب
أيضا بالعظماء الراكبين األتن القادمة من
الفقير الذي يسير عمى قدميو في الطريق يشكر اهلل ،فيميق ً
الصحراء ،وىي من األتن الغبراء في حمرة خفية مع بياض قميل ،وىي نوع نادر ال يركبو إالَّ األغنياء،
جميعا فميسبحوا
ً فيقصد بيم رجال القضاء ،ىؤالء
أما الجالسون عمى طنافس أي عمى سجاد ثمين ُ
الرب.
5٩
قضاة – األصحاح الخامس
تختم دبورة الفصل األول من تسبحتيا بقوليا" :من صوت المحاصين بين األحواض ىناك يثنون
عمى حق الرب ،حق أحكامو في إسرائيل ،حينئذ نزل شعب الرب إلى األبواب" [ .]١١جاء األصل
غامضا لذا اختمف الدارسون في تفسير ىذه الخاتمة .فرأى البعض أن المحاصين ىم رماة ً العبري
السيام بينما رأى الغالبية أنيم المتقاسمون الغنائم ،كل يأخذ حصتو ،فيأتون بحصصيم من الغنائم إلى
أحواض المياه لتشرب وىم يسبحون الرب ويثنون عمى عممو إذ وىبيم النصرة وقدم ليم من األعداء
غنائم كثيرة يدخمون بيا إلى أبواب مدينتيم.
1
On Ps. hom 7.
2
On Ps. 68.
4٣
قضاة – األصحاح الخامس
بالحرية ،فصرنا في المسيح يسوع أبناء هلل ،يسبينا حبو المفرح ...فصرنا كمن في سبي الحب ،غنائم
طوعا بعد تذوقنا م اررة سبي الشر!
محبتو الفائقة .دخمنا إلى خدمة البر بفرح ً
إذ أراد اهلل نصرة ىذه البقية المسكينة أقام دبورة النبية التي جاءت األسباط تسير وراءىا مع باراق
ضد الكنعانيين ،وقد عددت في التسبحة ىذه األسباط ىكذا:
أولً :سبط أفرايم "جاء من أفرايم الذين مقرىم بين عماليق" [.]١٤
حصنا لإلسرائيميين من عماليق ،خرجوا لمحرب مع
ً ساكنا في األرض التي تحسب
ً كان أفرايم
باراق.
ثانيا" :وبعدك بنيامين مع قومك" [ .]١٤كان نصيب بنيامين ما بين أفرايم وييوذا ،وبالرغم من ً
قمة عددىم كانوا أشداء بأس ،أقوياء ،خرجوا لمحرب مع أفرايم يختمطون بيم.
ثالثًا :سبط منسى "من ماكير نزل قضاة (حكام)" [ .]١٤كانت عشيرة ماكير من سبط منسى،
الذين أقاموا غرب األردن ،وقد اشتركوا مع باراق في الحرب ،وكان منيم قادة الجيش (حكام).
ابعا :سبط زبولون "ومن زبولون ماسكون قضيب القائد" [ .]١٤جاءت الكممة العبرية التي ر ً
ترجمت "قائد" شفر أ ي "الكاتب" ،فكان الكاتب يرفع العصا فوق البيائم ليكون العاشر من كل منيا
قدسا لمرب (ال ،)١١ :١١ل ذا رأى البعض إنو من زبولون قام الكاتب الذي يمسك بيده القضيب
ً
ليحصي الجنود ويكتب عددىم .لعمو يشير بيذا إلى عمل تعداد لمجيش ليتمتع الكل بنصيبو في
الغنائم .ويرى البعض أن قضيب القائد أو الكاتب ىنا يشير إلى مركزىم القيادي لتحريك الجيش
لمعمل.
4٣
قضاة – األصحاح الخامس
خامسا :سبط يساكر "والرؤساء في يساكر مع دبورة ،وكما يساكر ىكذا باراق ،اندفع إلى
ً
الوادي وراءه" [ .]١٥ىنا تمدح رؤساء يساكر إذ خرجوا بأنفسيم مع دبورة التي كانت في ساحة
القتال ،لم يرسموا رجاليم فحسب بل خرجوا بأنفسيم .ولكي تُظير شجاعتيم وأقداميم لم تشبييم بباراق
الشجاع بل وشجعت باراق بيم زيادة في المديح .لقد اندفع يساكر مع باراق إلى الوادي ( ،)٣5 :5أي
إلى السيل الذي ضم األعداء وفرسانيم ومركباتيم الحديدية.
سادسا :سبط نفتالي " زبولون شعب أىان نفسو إلى الموت مع نفتالي عمى روابي الحقل" ً
[ .]١٨في األصحاح السابق رأينا باراق يدعو زبولون ونفتالي إلى قادش لمحرب [ ]٣٣ويبدو أنو كان
ليم نصيب األسد في ىذه المعركة ،لذلك مدحت زبولون بأنو ماسك بقضيب القائد [ ،]٣5واآلن في
ختام حديثيا عن األسباط تصف زبولون ونفتالي بأنيما خاط ار بحياتيما حتى الموت في شجاعة نادرة
وحب .أما كونيما يخاطران عمى روابي (الرابية موقع مرتفع) الحقل ،فعالمة الشجاعة أن يقفا في
مكان عال أمام العدو بال خوف ،وفي الحقل حيث تم حصاد الكثيرين في ىذه المعركة.
إن كانت دبورة قد مدحت األسباط المشتركة مع باراق في الجياد ،فبمطف وأدب وبخت األسباط
التي رفضت االشتراك معو ،خاصة تمك التي قطنت شرقي األردن في أرض جمعاد "سبطا رأوبين وجاد
ونصف سبط منسى ،"٣وقد اشترك معيما في ىذا التياون سبطا دان وأشير.
رأينا في دراستنا لسفر العدد أن السبطين والنصف سبط الذين أرادو السكنى شرقي األردن يمثمون
الييود الذين لم ينعموا بعبور األردن ليتمتعوا بميراث العيد الجديد ،١أما سبط دان فيرى بعض اآلباء
أنو يشير إلى اليراطقة إذ منيم يخرج ضد المسيح في عصر االرتداد ،١أما أشير فتذكر دبورة أنو كان
مقيما عمى ساحل البحر أي مرتبطًا بقالقل العالم واضطراباتو .وكأن الفئات التي تحرم من إكميل
ً
النصرة ىم رافضوا المسيح يسوع (الييود) ،والي ارطقة الحاممون لروح ضد المسيح ،ومحبو العالم
والغارقون في اىتماماتو.
وبخت دبورة النبية األسباط القائمة شرقي األردن فقالت لرأوبين" :عمى مساقي (جداول) رأوبين
أقضية قمب عظيمة؛ لماذا أقمت بين الحظائر لسمع الصغير لمقطعان ،لدى مساقي رأوبين مباحث
قمب عظيمة" [ .]١٦-١٥كأنيا تقول لرأوبين وىو البكر بين األسباط أنو قد خذل إخوتو إذ جمس عند
مجاري المياه يتباحث في األمر فارتبط قمبو بخصوبة األرض عوض النزول مع إخوتو لمجياد ضد
العدو .لقد فضل اإلقامة بجوار حظائر غنمو يسمع صفير الرعاة لمغنم عوض االستماع لصوت بوق
القتال .ىذا السبط يمثل النفس التي ارتبطت بمجاري مياه العالم وتعمقت بالغنم أي بالجسد الحيواني،
بمعنى آخر أفسدت محبة العالم وشيوات الجسد روحيم عن الجياد الروحي ضد الخطية.
واآلن توبخ بقية األسباط القائمة شرقي األردن بقوليا" :جمعاد في عبر األردن سكن" [ .]١٧جمعاد
يمثل النفس التي ا ستكانت خمف األردن ،فمم تقبل الدفن مع السيد المسيح في مياه األردن ،إنيا تختار
الطريق السيل المتسع ،ال طريق شركة اآلالم والدفن مع الرب!
إذ مدحت دبورة القاضية األسباط المشتركة مع باراق في المعركة ووبخت األسباط التي تكاسمت،
تتحدث عن العدو نفسو أو عن المعركة ،فتقول:
"جاء مموك ،حاربوا ،حينئذ حارب مموك كنعان في تعنك عمى مياه مجدو .بضع فضة لم يأخذوا"
[ .]١٩تتحدث ىنا عن المموك الذين آزروا ممك كنعان ،فقد جاءوا إلى تعنك وىي مدينة تبعد حوالي
أرضا رممية) .كانت ىذه المدينة تابعة ليساكر
خمسة أميال جنوب شرقي مجدو ،اسميا كنعاني يعني ( ً
ثم صارت لمنسي ثم لالويين .وقد ظن العدو حين نزل إلييا أنو يأخذ الغنائم والفضة فدية عن األسرى
أو يأخذ أجرة من ممك كنعان عن مساعدتيم لو ،لكنيم فوجئوا بما لم يتوقعوا ،إذ أروا السماء نفسيا
تحاربيم " .من السموات حاربوا ،الكواكب من حبكيا (طريق مسارىا) حاربت سيسرا ،نير قيشون
جرفيم ،نير وقائع نير قيشون ،دوسي يا نفسي بعز" [.]٢١-٢٣
ثمنا لتعبيم مع إقتسام
بينما توقع حمفاء كنعان أن ينالوا النصرة بسيولة فيتمتعوا بأجرة من الفضة ً
لمغنيمة إذ بالطبيعة نفسيا تقف ضدىم ،فالسموات ثارت ضدىم خالل ظروف الطبيعة القاسية حتى
أيضا.
بدت كواكبيا كجنود تحاربيم ،ونير قيشون فاض بالمياه فجرف القتمى مع الجرحى واألحياء ً
ئيسيا في ىزيمة ممك كنعان وحمفائو!
دور ر ً
ذكر يوسيفوس أن الطبيعة لعبت ًا
حين يرجع اإلنسان إلى اهلل بالتوبة ،ال تستطيع ضربات العدو الشمالية أو اليمينية أن تمحق بو،
عونا من السماء ويكون السمائيون والقديسون كجنود روحيين يستخدميم اهلل لعونو،
إنما يعطيو الرب ً
ومياه األنيار (ينابيع الروح القدس) تجرف الخطية وتيمكيا ،عندئذ بقوة الروح يقول" :دوسي يا نفسي
ِ
دست يا نفسي األقوياء" ،إذ تظفر بإبميس وأعمالو بعز" ،أو كما جاءت في بعض الترجمات "لقد
زمانا! لتقل نفوسنا" :ال تشمتي بي ياعدوتي ،إذا سقطت أقوم ،إذا جمست
الشريرة التي أسرت النفس ً
في الظممة فالرب نور لي) (مي .)4 :١
4١
قضاة – األصحاح الخامس
.٥ىزيمة سيسرا
مستخدما الطبيعة لحساب
ً إذ كشفت دبورة في الفصل الثاني حقيقة المعركة ،أن هلل قد تدخل
مؤمنيو تكشف اآلن في الفصل األخير من تسبحتيا عن ضعف سيس ار وىزيمتو ،فتقول" :حينئذ
ضربت أعقاب الخيل من السوق سوق أقويائو" [ .]٢٢أدرك جيش سيس ار اليزيمة فحاول الفرار في
جنون وىمع فكان يضرب الخيل بشدة لميرب وكانت الخيل تضرب األرض بحوافرىا ،لكن "باطل ىو
الفرس ألجل الخالص وبشدة قوتو ال ينجي" (مز .)٣١ :١١
ما ىذا الخيل الذي يضرب بحوافره األرض وال ينجي َّ
إال اتكال اإلنسان عمى البشر أو عمى ذاتو
ال تعجز عن خالصو .وكما يقول القديس أغسطينوس[ :مخدوع
في الخالص ،فيكون كمن يركب خي ً
ىو اإلنسان الذي يظن أنو يقتني الخالص من البشر ،أو ذاك الذي بتيور شجاعتو الذاتية ييرب من
اليالك.]٣
"العنوا ميروز قال مالك الرب ،العنوا ساكنييا ،ألنيم لم يأتوا لمعونة الرب معونة الرب بين
الجابرة ،تبارك عمى النساء ياعيل امرأة حابر القيني" [ .]٢٤-٢٣حمت المعنة بمدينة "ميروز" بكل
سمبيا ،فإذ رأت سيس ار ىارًبا لم تمسك
موقفا ً
سكانيا بيمنا حمت البركة عمى ياعيل ألن ميروز اتخذت ً
بو وال سممتو لمن سندىم الرب أما ياعيل فقتمتو .مدينة ميروز تمثل اإلنسان الذي ال يجمع مع الرب
فيو يفرق (مت ١٣ :٣١؛ لو ،)١١ :٣٣أما ياعيل فتمثل اإلنسان العامل ضد مممكة إبميس لحساب
جبنا ،أما المرأة الوحيدة في خيمتيا فأظيرت شجاعة ضد
الرب .أظيرت ميروز المدينة بكل سكانيا ً
الشر!
تماما كانت بالقرب من نير قيشون ،رأت جيش سيس ار ىارًبا وربما
يقال أن ميروز مدينة اندثرت ً
رأت سيس ار نفسو ييرب فمم تبالي ولم تسند شعب دبورة وباراق.
صارت ياعيل مباركة أكثر كل نساء الخيام ،قدمت لسيس ار المبن (الزبدة) لتضربو بالوتد ومضراب
العممة (بو ُيضرب الوتد) في رأسو فسحقتو ،وصار قتيالً عند رجمييا ...وكما قمنا أنيا صورة لكنيسة
َ
فاقدا كل سمطان لو
األمم التي ضربت باإليمان بالصميب رأس الحية وسحقت إبميس تحت قدمييا ً
عمييا ،بل وصار بيا حياة.
بينما انت صرت ياعيل لحساب مممكة الرب كانت أم سيس ار في قمقيا مع كبرياء قمبيا تولول .لقد
توقعت بطشو السريع بيذا الشعب ورجوعو بغنائم كثيرة مع مركباتو .لكن إحدى النساء في القصر
1
On Ps. 33.
45
قضاة – األصحاح الخامس
أجابتيا أالَّ تقمق فإنو منشغل بالغنيمة مع جنوده ،يقتسم نساء إسرائيل ويسمب الثياب الثمينة المطرزة
ال :يقتل الرجال (النفوس) ويقتنص النساء (األجساد)
الوجيين ...ىذا ما اعتاد عميو ىذا العدو قب ً
كغنائم تعمل لحسابو ويستخدم كل مواىبيم (الثياب) لمشر.
.٦ختام التسبحة
"ىكذا يبيد جميع أعدائك يارب ،وأحباؤه كخروج الشمس في جبروتيا .واستراحت األرض أربعين
سنة" [.]٣١
في بعض الترجمات "وأحباؤك" ،تُشير إلى شعب اهلل الذي حطم اهلل عدوىم (إبميس) وأباده،
وبياء وتشتد ح اررتيا بعد انبثاقيا...
ً مجدا
فأشرقت كالشمس تزداد ً
لتسترح أرضنا أي جسدنا في الرب من الشيوات والحروب ،مادام الرب نفسو ىو العامل فينا العدو
الحقيقي!
44
قضاة – األصحاح السادس
األصحاح السادس
65
قضاة – األصحاح السادس
1
Cassian: Conf. 3:4.
65
قضاة – األصحاح السادس
جالسا تحت شجرة البطمة في قرية "عفرة" التي تعني (غزالة) أو (ترابي "عفار") ،تقع
ً ظير ابن اهلل
غربي األردن ،سكنيا األبيعازريون من سبط منسى ،ربما كان بيا مقدس (ىيكل) قبل أيام اإلسرائيميين،
وىي قرية الطيبة التي تبعد حوالي ثمانية أميال شمالي بيسان .٣ظير ابن اهلل لجدعون ،الذي يعني
اسمو "مخطب بشدة" أو "مصارع" ،٥وكان يضرب سنابل الحنطة بالعصا لينتزع منيا الحبوب ،ربما
غالبا ما
ألنو ان قد فقد أدوات الدرس بسبب ىجمات المديانيين .كان يخبط الحنطة خفية في معصرةً ،
كانت في كيف أو مغارة ،حتى ال يراىا المديانيون وينيبونيا ...ىكذا كان حال الشعب في ذلك
الحين.
رمز لممخمص الحقيقي يسوع المسيح ،فقد ُوجد جدعون
يرى القديس أمبروسيوس في جدعون ًا
تحت البطمة وكأنو تحت ظالل حكمة الصميب الخشبة المحيية ،وكان جدعون يخبط الحنطة بعصا
وكأنو كان يتنبأ بما يفعمو المخمص خالل التجسد العتيد أن يتم بطريقة سرية .فالعصا في رأي القديس
أمبروسيوس ىي الصميب الذي يعزل الحنطة عن التبن ،فيظير القديسون المختارون المختفون من
مفرز من أعمال اإلنسان العتيق.
المختبر (الحنطة) ًاالذين ىم بال نفع بل نفاية .بالصميب يعمن الحق ُ
تظير الحنطة بالصميب في الكنيسة كما في المعصرة ،ألن [الكنيسة ىي معصرة الينبوع الدائم الذي
يفيض بثمر الكرمة السماوية.]١
ىكذا يعمل جدعون الحقيقي – السيد المسيح – داخل كنيستو كما في المعصرة ،يضرب بصميبو
طعاما!
ً سنابل الحنطة ليفرز الحبوب من التبن ،وييرب الحنطة من المديانيين [ ]٣٣خفية حتى يقدميا
يفرز الرب القديسين ويخفييم فيو حتى ال يسمبيم عدو الخير بأعمالو الشريرة (المديانيين) ،فيقدميم
سماويا ،أو ثمر حقمو السماوي المفرح!
ً طعاما
ً لمرب
نعود إلى الحوار الذي تم بين مالك الرب وجدعون ،فقد بدأ مالك الرب بالتحية" :الرب معك يا
جبار البأس" [ .]١٢لعل جدعون كان معروًفا بالشجاعة والقوة ،إن كان كما يقول ىو" :ىا عشيرتي
ىي الذلى في منسى وأنا األصغر في بيت أبي" [ .]١٥اختار اهلل جدعون الشجاع القوي لئال يظن
قوما. ا
أحد أن اهلل ال يعمل إال بالضعفاء وقميمي المواىب ...إنو بكثير أو قميل يخمص عمى كل حال ً
لكن فيما ىو قوي وشجاع كان يدرك بالمذلة من جية سبطو وعشيرتو ومن جية نفسو ،فسبطو ىو
1
Mckenzie, P 628.
2
Strong: Hebrew & Chadee Dict., article 1439.
3
Caesarius of Arles: Sermon 117: 1; St. Ambrose: On the Holy Spirit 1:1.
6٧
قضاة – األصحاح السادس
6١
قضاة – األصحاح السادس
معك" (خر .)٣٥ :١بنفس الروح يعمن إشعياء في بدء عممو النبوي" :ويل لي إني ىمكت ،ألني إنسان
أيضا يقول إرميا النبي" :آه يا سيد
نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين" (إش )6 :5؛ و ً
الرب ،إني ال أعرف أن أتكمم ألني ولد" (إر .)5 :٣
إذ تمتع جدعون بالدعوة لمعمل بالرغم من اعترافو بضعفو وعجزه ،وجاء الصوت اإلليي يؤكد معية
ال" :إن كنت قد وجدت
الرب لو وتقديم النصرة لو ،طمب جدعون عالمة من الرب الذي يكممو ،قائ ً
نعمة في عينيك فاصنع لي عالمة إنك أنت تكممني" [ .]١٧لماذا طمب جدعون عالمة ليتأكد إن
ال،
حمما أو خيا ً
الذي يحدثو ىو الرب؟ لعمو استكثر عمى نفسو أن يرى الرب نفسو فحسب ما يحدث ً
أو ألنو استكثر عمى نفسو أن يتسمم رسالة كيذه فأراد التأكد من شخصية من يحدثو .أما العالمة التي
مجردا وانما أراد تقديم (منحة) لمضيف ليعمن الرب قبولو ىذه التقدمة.
ً ال خارًقا
طمبيا فيي ليست عم ً
خبز غير مختمر.
وفطير أي ًا
ًا لحما (جدي معزى) في سل ومرًقا في قدر سألو أن ينتظر حتى يقدم لو ً
مد مالك الرب
فسألو مالك الرب أن يضع المحم والفطير عمى صخرة ويسكب المرق عمييما ،إذ ّ
طرف العكاز الذي بيده صعدت نار من الصخرة وأكمت المحم ،عندئذ اختفى مالك الرب.
كانت العالمة أن مالك الرب انتظر حتى يقدم جدعون التقدمة عمى الصخرة التي قامت بدور
نار لتأكل التقدمة بعد سكب المرق عمييا كماء يمنع من االحتراق ( ٣مل –١١ :٣٧
المذبح ،فأرسل ًا
معمنا قبولو اإلليي لمتقدمة (ال ٥٤ :١؛ ٣مل .)١٧ :٣٧
ً ،)١6
روحيا ليذا المقاء ،إذ يقول[ :الصخرة تُشير إلى جسد المسيح،
ً تفسير
ًا يقدم لنا القديس أمبروسيوس
إذ مكتوب" :ألنيم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتيم والصخرة كانت المسيح" ( ٣كو ...)٤ :٣٠
ىنا يعمن بشكل سري أنو عندما يصمب جسد الرب يسوع تُنزع خطايا العالم كمو ،ليس فقط الخطايا
الفعمية وانما حتى شيوات الذىن الشريرة .فمحم جدي المعزي ُيشير إلى الخطايا الفعمية ،والمرق يشير
إلى إغراءات الشيوات؛ كما ىو مكتوب أن الشعب كان يشتيي المحم فناحوا قائمين" :من يطعمنا
لحما؟!" (عد .) ٤ :٣٣إذ مد المالك العكاز ولمس الصخرة فصدرت منيا نار ،ىذه الحقيقة تعمن أن
ً
جسد المسيح الممتمئ بالروح اإلليي يحرق كل خطايا الطبيعة البشرية ،لذلك قال الرب" :جئت أللقي
نار عمى األرض" (لو .]٣)٤١ :٣٥مرة أخرى يقول[ :الشجرة التي وقف تحتيا المالك والعكاز الذي
ًا
أمسك بو يشيران إلى الصميب .الصخرة التي قدم عمييا جدعون المحرقة ىي المسيح ،إذ يقول الرسول
"والصخرة كانت المسيح" ( ٣كو .)٤ :٣٠جدي المعزى الذي ُذبح ُيشير إلى الجنس البشري الذي
1
Caesarius 117:2.
5٠
قضاة – األصحاح السادس
ارتكب الخطية .كما نفيم حقيقة لمس المالك لمصخرة بالعكاز وانطالق النار لتأكل جدي الماعز أنو
الصميب الذي لمس الصخرة أي المسيح ،فانطمقت نار المحبة لتبيد خطايا الجنس البشري .ح ًقا،
نار عمى األرض ،فماذا أريد لو
المسيح – جدعون الحقيقي– يقول عن نفسو في اإلنجيل" :جئت أللقي ًا
اضطرمت؟!" (لو .]٣)٤١ :٣٥
سر الصميب الذي فيو تغفر خطايانا الفعمية كما
كاشفا عن ّ
ً إذ أعمن الرب قبولو تقدمة جدعون،
شيواتنا الخفية في استحقاقات الدم ،حيث تنطمق نار الحب اإلليي لتبيد كل ضعف فينا" ،ذىب مالك
الرب عن عينيو" [ .]٢١ىذا االنطالق كان بطريقة فائقة ال نستطيع التنبؤ عنيا ،لكننا نعرف أنيا
ىزت أعماق قمب جدعون حتى ظن أنو ال يقدر بعد أن يعيش إذ رأى الرب ،فقال" :آه يا سيدي
الرب ،ألني رأيت مالك الرب وجيا لوجو" [ ،]٢٢لكن الرب أجابو "السالم لك ،ال تخف ،ال تموت"
[.]٢٣
يقينا أنو الرب ،وأنو رآه وجيا لوجو ،فحسب أنو لن يعيش،
خالل اختفاء مالك الرب عمم جدعون ً
كقول الرب لموسى" :ال تقدر أن ترى وجيي ،ألن اإلنسان ال يراني ويعيش" (خر .)٥ :١١لكن الرب
طمأنو ،أنو وان كان قد رآه إنما من قبيل تنازلو اإلليي ،كشف لو ذاتو في رؤيا قدر ما يحتمل حتى ال
يموت .وكما يقول القديس يوحنا الذىبي الفم في مقالو "عدم إدراك طبيعة اهلل" عمى لسان اهلل[ :ال
أعمن جوىري ذاتو ،إنما أتنازل (في رؤى) بسبب ضعف ىؤالء الذي يرونني.]٥
مذبحا تذكارًيا لمرب ،دعاه "ييوه شموم" أي "اهلل سالم" ،ألن
ً أمام ىذا الحب اإلليي أقام جدعون
الرب وىبو السالم ،إذ حسب كمماتو اإلليية "سالم لك" ليست تحية مجردة وانما عطية إليية تمأل
أعماقو في الداخل ،وتمس حياتو بل وحياة كل الجماعة المقدسة.
ليت قمبنا يكون كعفرة األبيعزريين والتي تعني (أبي معين) ،فيو نمتقي مع جدعون بخطايانا الفعمية
"سالما أترك
ً وأفكارنا الخفية عمى الصخرة لكي بالصميب يحرقيا كما بنار إليية ،ونسمع صوت الرب
لكم ،سالمي أنا أعطيكم ،ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا ،ال تضطرب قموبكم وال ترىب" (يو :٣٤
إلييا يذكر أعمالو الخالصية عمى الدوام.
مذبحا ً
ً .)٥5وليقم فيو
1
Ibid. 117:6.
2
Incomp. Of Cod 5:4. PG 48:740.
5٣
قضاة – األصحاح السادس
1
Caesarius 117:3.
5٥
قضاة – األصحاح السادس
سببا في
مقاوما ليذا العمل ،وكان ىذا ً
ً يبدو أن يوآش كان منخرطًا في عبادة البعل بينما كان ابنو
اعتزال االبن عن أبيو ،فكان لو عبيده الخاصين بو ،اختار منيم عشرة رجال ،ربما أكثرىم غيرة عمى
ال خوًفا من بيت أبيو األبيعزريين الذين تركوا عبادة اهلل
الحي ،فقام جدعون وعبيده بالعمل لي ً
ّ عبادة اهلل
ال وبقوا معوانحرفوا إلى عبادة الوثن ،ومن أىل المدينة ربما يقصد الكنعانيين الذين كانوا يقطنونيا قب ً
األبيعزريين.
خادما لإلنسان ،يقوده
ً ال الناموس بوصاياه العشرة ،فقد أرسمو الرب
من ىم ىؤالء العبيد العشرة إ ّ
إلى ىدم مذبح الشر الداخمي والتمتع بذبيحة الصميب المحيية .أما بيت األب وأىل المدينة فيمثمون ما
أعمنو السيد المسيح أن أعداء اإلنسان أىل بيتو .أشد المقاومين لإلنسان شيوات جسده وانحالل فكره
وانحراف مشاعره ،أما أخطر عدو فيو "األنا "egoأو الذات البشرية ،التي تربض داخل اإلنسان لتقتل
حي.
فيو كل فكر روحي ّ
لنتمسك إذن بالناموس الروحي في المسيح يسوع كعشرة رجال ،ولنعمل بالرب بالرغم من كل
مقاومة داخمية في الجسد أو الفكر أو األحاسيس حتى تُصمب الذات ويتجمى الرب نفسو فينا كما في
مذبحو أو ىيكمو السماوي.
نعود إلى جدعون لنجد أىل المدينة يبكرون ،ربما ليعبدوا البعل عند شروق الشمس ،بكونو إلو
الشمس واذ أروا ما حدث إللييم ثاروا عمى جدعون ،ربما لعمميم أنو الرجل الغيور ضد الوثنية ،ولما
ال" :أنتم تقاتمون لمبعل أم
سألوا أباه أن يقتموه ،تأثر األب بشجاعة ابنو فوقف مستيزًئا بيم ،قائ ً
تخمصونو ...إن كان إليا فميقاتل لنفسو ألن مذبحو قد ُىدم" [ .]٣١إذ أخذ جدعون خطوة أيجابية
في دحض الشر ،تشددت النفوس الضعيفة كنفس أبيو ،وأدرك البعض بطالن العبادة الوثنية العاجزة.
وقد دعا يوآش ىذا اليوم "يربعل" التي تعني (يحارب البعل) أو كما يقول القديس إيريناؤس[ :ألن
يربعل تعني كرسي الحكم عمى البعل.]٣
وجزة الصوف
.٦جدعون ّ
اجتمع المديانيون والعمالقة وبنو المشرق لمحاربة إسرائيل في وادي يزرعيل [ ،]١١ويعتبر ىذا
موقعا لممعارك .يمتد ىذا الوادي من جبل الكرمل إلى وادي
ً كثير ما كان
الوادي في قمب فمسطين ليذا ًا
1
Fragments of Lost Writings 17.
5١
قضاة – األصحاح السادس
األردن ،يعبر أحد فروعو بين جبل تابور وتل مورة وآخر بين تل مورة وجبل جمبوع .وقد حمل الوادي
حاليا مرج ابن عامر.
حاليا ىي قرية زرعين ،ويسمى الوادي ً
ىذا االسم عن مدينة كانت ذات شأنً ،
إذ رأى جدعون اجتماع األمم ونزوليم لمحرب ضرب بالبوق بعد أن لبسو روح الرب ،فاختفى
جدعون في الرب كما يختفي الجسد في الثوب ،وصار أداة لتحقيق غاية إليية .والعجيب أن قومو
الذين كان يخشاىم (أبيعزر) اجتمعوا وراءه لمحرب ،األمر الذي حدث فجأة بقوة ال عن تأثير جدعون
ال المقاومين إلى مجاىدين معو.
عمييم وانما بال شك ىو عمل روح الرب الذي لبس جدعون ،محو ً
ىذه صورة حية تقوية يختبرىا المؤمن حين يسمك بروح الرب الذي تمتع بو خالل سري المعمودية
مقاوما بشيواتو إلى أداة مقدسة تعمل
ً والميرون ،فبقدر ما يتجاوب معو يحول اهلل الجسد الذي كان
بكل طاقاتيا وأحاسيسيا لحساب مجد اهلل ،متناغمة مع النفوس المقدسة ومتجاوبة مع عمل روح اهلل.
يعا فدعا بقية السبط كمو "جميع منسى" [ ،]١6كما
تشجع جدعون إذ رأى عشيرتو تتحول ىكذا سر ً
ال ألسباط أخرى كأشير وزبولون ونفتالي ...والعجيب أن أشير الذي خذل دبورة ولم يشترك
أرسل رس ً
معيا في مقاومة سيس ار ( )٣5 :6جاء مع جدعون يشترك مع جبابرة زبولون ونفتالي .وكأن ضعف
خائر من قبل وغير نافع
اإلنسان في المعركة الروحية ال يعني االستمرار في االستسالم ،فمن كان ًا
لمخدمة قد يصير جبار بأس في الروح .لذا فالقائد الروحي الحق ال يعتمد عمى الناجحين في جيادىم
الروحي وحدىم وانما يسند حتى الذين سبقوا ففشموا لعمو بروح الرب يقيميم ويكونون قادة روحيين ليم
عمميم وفاعميتيم في ممكوت اهلل.
طل عمى جزة
اآلن يطمب جدعون من الرب عالمة ليخرج لمحرب؛ في تواضع سألو أن يكون ّ
صوف يضعيا في البيدر بينما تكون األرض كميا جافة ،فتحقق لو ذلك حتى عصر الجزة فمألت
طل .وكان لياتين
تماما واألرض بيا ّ
قصعة ماء .وبتذلل سألو عالمة أخرى أن تكون الجزة جافة ً
عبر عنو كثير من اآلباء:
روحيا ّ
ً مفيوما
ً العالمتين
يقول القديس أمبروسيوس [ :الندى الذي عمى الجزة ىو اإليمان الذي كان في الييودية ،ألن كممة
اهلل تنزل كندى .يقول موسى" :لييطل كمطر تعميمي ويقطر كالندى كالمي" (تث .)٥ :١٥ىكذا
عندما كان العالم كمو جا ًفا بسبب ح اررة الخزعبالت التي لألمم غير المثمرة ،كان ندى االفتقاد السماوي
ينزل عمى الجزة ،أي في الييودية .ولكن بعد أن رفضت "خراف إسرائيل الضالة" (مت – )٥٤ :٣6
حتى كما أظن قد ُرمز إلييا بجزة الصوف – ينبوع المياه الحية جف ندى اإليمان في قموب الييود،
وتحول المجرى اإلليي إلى قموب األمم .ليذا السبب ،فإن العالم كمو اآلن مرطب بندى اإليمان أما
5٤
قضاة – األصحاح السادس
الييود فحطموا أنبياء ىم ومرشدييم .ال عجب إن كانوا اآلن يخضعون لجفاف عدم اإليمان ،فقد حرميم
مطرا" (إش
ال" :أوصي الغيم أن ال يمطر (عمى ذلك الكرم) ً الرب اإللو من مطر األنبياء المستمر ،قائ ً
مكرم ىو مطر السحابة النبوية ،وكما قال داود" :ينزل مثل المطر عمى الجزاز ومثل الغيوث
ّ .)5 :6
الذارفة عمى األرض" (مز .) 5 :5٥لقد وعدتنا الكتب المقدسة بيذا المطر أن ينزل عمى العالم كمو
أيضا المطر .جاء
ويرويو عند مجيء ربنا ومخمصنا بندى الروح اإلليي .وقد جاء الندى بالفعل ،و ً
عطشانا من قبل فميأت اآلن ليشرب من الروح اإلليي
ً الرب ومعو األمطار السماوية .ليذا من كان
الداخمي .ىذا ىو ما سبق فرآه جدعون ،أن قبائل األمم تشرب باإليمان الثمين من الندى السماوي
[أخير عمى كل األرض كما في البيدر ارتوت الكنيسة بندى النعمة ًا الحقيقي .]٣مرة أخرى يقول:
يابسا وجا ًفا من كل رطوبة كممة اهلل ومطرىا].٥
الروحية بينما بقي المجمع ً
يقول القديس أغسطينوس [ :نزل المسيح نفسو كمطر عمى الجزة بينما كانت األرض جافة ،وذلك
ال إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت .]١)٥٤ :٣6
عندما قال" :لم أُرسل إ ّ
رطبا بندى
يقول القديس جيروم[ :عندما كانت جزة الييودية جافة بالرغم من أن كل العالم كان ً
السماء ،وعندما جاء كثيرون من المشارق والمغارب (لو )٥١ :٣١وجمسوا في حضن إبراىيم (لو
عظيما في إسرائيل وحدىا (مز
ً ،)٥٥ :٣5عندئذ توقفت معرفة اهلل عن ييوذا وعن أن يكون اسمو
)٣ :55فقد بمغ صوت الرسل إلى كل األمم وأقواليم إلى أقاصي المسكونة (مز ].٤)٤ :٣١
يقول القديس إيريناؤس [ :ىكذا أشار (جدعون) أنو ال يعود يكون لمييود الروح القدس من اهلل،
منتشر في
ًا مطرا" (إش ،)5 :6فالندى إنما ىو روح اهلل...
كقول إشعياء :أوصى الغيم أن ال يمطر ً
كل األرض].6
يعمق القديس أمبروسيوس عمى تحقيق ىذه العالمة في البيدر (مكان جمع الحنطة) قائالً[ :لم
يضع جدعون الجزة بغير مباالة في حقل أو حديقة إنما وضعيا في البيدر حيث يوجد محصول
الحنطة" ،فالحصاد كثير والفعمة قميمون" (لو ،)٥ :٣٠ألنو خالل اإليمان بالرب يوجد حصاد مثمر
5
أيضا عمى الماء الذي بالجزة ،إذ مأل قصعة لم يستخدمو
لمفضائل في الكنيسة العتيدة ] .وكما يعمق ً
1
Caesarius 117:4.
2
Ibid. 177: 6 (See Conc. Widows 3).
3
On Ps 72.
4
Ep. 58:3
5
Adv. Haer 3:17:3.
6
Caesarius 117:5.
56
قضاة – األصحاح السادس
جدعون في غسل األرجل ،إنما تركو لمسيد المسيح الذي وحده جاء ال لكي يُخدم بل لكي يخدم (مت
.٣)٥٧ :٥٠
1
Ibid.
55
قضاة – األصحاح السابع
األصحاح السابع
جدعون والمديانيون
اطمأن جدعون لمعية اهلل لو ،فبكر في محاربة المديانيين:
1
Chaplet 3.
٦٧
قضاة – األصحاح السابع
1
Myst. Hom. 3:4.
2
The Last Farewell 7.
3
On Ps. 68
٦٨
قضاة – األصحاح السابع
الخطيرة بسر الصميب ،ال خالل الجماىير الغفيرة ،فإن حرف " "Tفي اليونانية يستخدم لرقم ٣٢٢
ويحمل شكل الصميب.]٥
ينطمق حامموا الصميب (الثالثمائة) لمجياد الروحي تحت قيادة جدعون الحقيقي ،أما الجميور
الغفير فيرجع كل واحد إلى مكانو أو إلى "األنا" ،إذ ال يصمح لمعمل الروحي .بمعنى آخر من ال يحمل
سر الصميب في حياتو إنما يتقوقع حول الذات ،ليعمل ال لحساب اهلل بل لحساب ذاتو.
حمل ىؤالء الرجال في أيدييم ز ًادا مع أبواقيم ،وجاء في الترجمة السبعينية أنيم أخذوا الزاد واألبواق
من الشعب ،أي من الباقين الراجعين إلى خياميم ...ولعل ىذا الزاد يشير إلى اإليمان ،واألبواق تشير
إلى كممة اهلل ،فإننا ال نستطيع أن ننزل إلى المعركة الروحية ضد إبميس وكل أعمالو إال باإليمان
والتمسك بكممة اهلل ،وكما يقول المرتل" :أتكمم بشياداتك قدام مموك وال أخزى ...لك أنا فخمصني ألني
طمبت وصاياك" (مز .)٩٤ ،٤٦ :٥٥٩
1
Caesarius Ser. 117:3.
٦٩
قضاة – األصحاح السابع
الشعير ىو أرخص أنواع الخبز في فمسطين ،يأكمو الفقراء ويقدم لمحيوانات ،وكأن اهلل يعمن حتى
لمعدو ،أنو يحطم المديانيين بجدعون الذي يبدو في الضعف والفقر كرغيف من الشعير بال ثمن! كنا
صخر يتدحرج إلى الوادي فيحطم من ينزل إليو ،أما رغيف خبز الشعير يتدحرج
ًا نتوقع أن يرى العدو
أسا عمى عقب فيذا كما فسر المدياني نفسو أنو عمل إليي.
فيحطم الخيمة المموكية ويقمبيا ر ً
في وقت الضيق ،ال يختبر المؤمنون وحدىم عمل اهلل معيم خالل تعزياتو السماوية الفائقة ،إنما
يقف حتى المقاومين مندىشين أمام عمل اهلل بأوالده الذين يظيرون كرغيف خبز من الشعير!
.٣هزيمة المديانيين
إن كان اهلل يستخدم أقل القميل ليعمن فضل القوة هلل ال منا لكنو يقدس العمل اإلنساني ،وال يحقر
من الحكمة البشرية ،وال يتجاىل الطاقات والمواىب .ففي حرب جدعون ضد المديانيين إن كان قد
حسنا ،إذ قسم الثالثمائة إلى ثالثة
وتدبير ً
ًا أفرز ٣٢٢رجالً فقط لمعمل لكنو وىب جدعون حكمة لمعمل
موقعا في جانب من جوانب المحمة حول المديانيين ،وجاء الكل ليالً في اليزيع
ً أقسام ،كل قسم يحتل
الثاني حيث كان الميل عند الييود ينقسم إلى ثالثة أقسام كل قسم ٤ساعات يبدأ القسم األول بالساعة
مساء .وقد حمل كل رجل بوقًا ومعو جرة ومصباح .وفي الميل إذ كان الجيش المدياني في
ً السادسة
نائما عدا بعض الحراس ،فوجئوا بأصوات أبواق من كل جانب دفعة واحدة ،كما كسر الرجال
أغمبيتو ً
معا،
الجرار ربما كل إنسان كسر جرتو في جرة أخيو فأحدثت أصواتًا كأن العدد الحربية قد تشابكت ً
ىذا مع وجود المصابيح أو المشاعل من بعد ...ىذا كمو جعل جنود المديانيين يقومون فجأة ويظن
بعضا بالسيوف إذ
ً معا ،فصاروا يضربون بعضيم
كل واحد أن المعركة قد دارت وتشابك الجيشان ً
حسب كل منيم في الظممة أن زميمو من الجيش المضاد .ووقف رجال جدعون كل واحد في مكانو
بينما دارت المعركة بين المديانيين وىم ال يدرون أنيم يقاتمون أنفسيم بأنفسيم.
تطمع المديانيون إلى بعيد ف أروا رجال جدعون بمصابيحيم من كل جانب عن بعد فحسبوا إمدادات
جديدة غير التي بينيم تقاتميم ،فاضطروا وسط الظالم أن يتركوا المحمة وييربوا إلى بيت شطة []٢٢
أو "بيت ىشطة" التي تعني (بيت السنطة) حيث وجدت أشجار السنط ،وىو موقع بين وادي يزرعيل
وزراح في وادي األردن.
ومن بيت شطة ىربوا إلى صردة في سيل أفرايم في غور األردن ،اسميا يعني (مبرد) أو (ب ْرد)،
حاليا ربما مدينة "صرتان" في وادي األردن.
ً
٧٢
قضاة – األصحاح السابع
حاليا بتل
ومن ىناك ىربوا إلى حافة آبل محولة أي حدودىا ،اسميا يعني (حقل الرقص) ،وتعرف ً
ال جنوبي بيت
المقمب بوادي األردن ،وان كان البعض يرى أنيا كانت غربي األردن عمى بعد ٥٢مي ً
شعان.
ومن حافة آبل محولة ذىبوا إلى طباة ،وىي رأس أبو طابات .وكأن العدو كان ىارًبا بال مطاردة،
ألن الرب نفسو كان يرعبيم ،أو بمعنى آخر سمميم ألعماليم الشريرة التي تفقدىم سالميم واستقرارىم
ليعيشوا ىاربين بال توقف .وكما يقول الحكيم" :الشرير يطرد بشره" (أم " ،)٣٢ :٥٤الشرير ييرب وال
طارد" (أم .) ٥ :٢٨ىكذا ييرب الشرير تارة إلى بيت ىشطة أي بيت السنط لعمو يقدر أن يستظل
تحت اإلشجار كأبويو آدم وحواء الياربين من وجو اهلل ،وأخرى ينطمق إلى صردة أي البرد الذي يحطم
فيو كل ح اررة روح ،ومرة ثالثة ينطمق إلى حافة آبل حودة أي إلى حافة بيت الرقص لعل خالعة ىذا
وسالما ...ولكنو في ىذا كمو يكون كطريد بال راحة ،إذ ىو بعيد عن
ً العالم وممذاتو تقدر أن تيبو فرًحا
اهلل نفسو واىب السالم ومصدر الراحة الحقيقية.
والعجيب أنو وسط ىذا الرعب الذي حل بالمديانيين وىروبيم بال وعي من موقع إلى آخر طمب
جدعون من ساكني جبل أفرايم أن ينطمقوا ليستولوا عمى كل مخاوض المياه من منطقة المديانيين حتى
يبمغوا إلى بيت بارة إلى األردن .و"بيت بارة" تعني (بيت بور) أو بيت األراضي غير الصالحة
غالبا ىي بيت عبرة (بيت العبور أو الخوض) أو
ال شمال شرقي أورشميمً ، لمزراعة ،تبعد حوالي ٣٢مي ً
تماما ومنعيم من اليروب.
ال .وكان القصد من االستيالء عمى المياه تحطيم المديانيين ً
جنوبيا قمي ً
ماذا يعني حرمان المديانيين من المياه؟ ربما تشير المياه إلى عطايا اهلل ونعمو ،فإن كان إبميس قد
استخدم حتى عطايا اهلل لنا ومواىبنا وطاقاتنا التي خمقيا اهلل فينا لحساب شره (أي شر إبميس) ،فإننا إذ
نرجع إلى الرب ننسحب من العدو بكل طاقاتنا ومواىبنا ،فال يكون لو فينا موضع ،وال يعود يجد في
تماما بالنسبة لنا ،وال تكون لو رجعة إلينا
طاقاتنا آالت تعمل لحسابو بفكره الشرير .وىكذا ييمك العدو ً
وال مطمع فينا.
٧٥
قضاة – األصحاح السابع
٥
راجع تفسير يشوع .٢ :٣
٧٢
قضاة – األصحاح السابع
ار تنكسر ىي األجساد المتنسكة خالل ثالثًا :حمل كل رجل بوقًا وىو كممة اهلل المنذرة لمنفس ،وجرًا
ومصباحا ىو عمل نعمة اهلل التي تيب النفس استنارة.
ً إماتتيا عن شيواتيا لتتقدس في الرب،
ابعا :قتميم لغراب وذئب أي رفضيم لروح الفساد والشراسة.
ر ً
ىذا ىو طريق الغمبة الروحية تحت قيادة السيد المسيح – جدعون الحقيقي – واىب النصرة.
٧٣
قضاة – األصحاح الثامن
األصحاح الثامن
47
قضاة – األصحاح الثامن
41
قضاة – األصحاح الثامن
46
قضاة – األصحاح الثامن
3
راجع :من يقدر أن يؤذيك؟" ،ىل لمشيطان سمطان عميك؟"
44
قضاة – األصحاح الثامن
4١
قضاة – األصحاح الثامن
عمييم" ( 3صم .)4 :١فإذ كان جدعون سال ًكا بالروح لم تغره السمطة بل قال" :ال أتسمط أنا عميكم
وال يتسمط ابني عميكم؛ الرب يتسمط عميكم" [ .]23بعبارتو ىذه كشف جدعون عن أعماق قمبو أنو
خادما لمرب ولشعبوَ ،قبِ َل العمل من أجل الطاعة
ً في عممو كقاض لم يشتو السمطة بل كان بالحقيقة
وفي يقين أن اهلل ىو العامل.
إن كان جدعون قد نجح في رفضو الممك لنفسو وألبنائو لكنو في ضعف بشري طمب من الشعب
طا ذىبية
أن يقدم لو األقراط الذىبية التي أخذوىا غنيمة من المديانيين ،إذ كان لممديانيين أق ار ً
جدا أمام عممو الخالصي ورفضو الممك لنفسو كاإلسماعيميين .حسب الشعب ىذه العطية قميمة ً
ألفا وسبع مئة شاقل من الذىب ،أي ما يزيد عمى ٠6أقة
وألبنائو ،فقدموا لو طمبتو فكان وزن األقراط ً
أفودا اختمف
من الذىب ،مما يدل عمى غنى المديانيين المفرط .وقد صنع جدعون بيذا الذىب ً
المفسرون في أمرىا ،فالبعض رأى أن األفود ىي مالبس رئيس الكينة (خر .)7 :٠١وكأن جدعون
الذي رفض الممك سقط في شيوة الكينوت بالرغم من كونو ليس من سبط الوي .ورأى آخرون أن
أفودا لألصنام خالليا يطمبون
األفود ىنا خاصة باألصنام ،إذ كان الوثنيين يقيمون في كل بيت ً
المشورة قبل كل تصرف ( 3صم 3٠-٩ :٠1؛ ،)١-4 :1٢ويعممون ذلك بالقول" :وكان ذلك
لجدعون وبيته فخا" [.]27
أمينا لمرب ومات بشيبة صالحة [،]٠
كثير من الدارسين يروا أن جدعون لم يعبد األوثان ،إذ بقى ً
وقد حسبو الرسول بولس من رجال اإليمان ،إنما ما صنعو من أفود احتفظ بو دون التعبد لو...
.5موت جدعون
استراحت األرض أربعين سنة في أيام جدعون ،وكان المديانيون في مذلة أمامو.
يذكر لنا الكتاب عن أوالده السبعين ،وعن ابنو أبيمالك من سريتو التي في شكيم ،وذلك ألن
متفقا مع أىل والدتو – أىل شكيم – ضد إخوتو السبعين ليتسمط
األخير كما سنرى يقوم بدور شرير ً
عمى إس ارئيل.
بموت جدعون رجع إسرائيل إلى الشر وجعموا ليم "بعل بريث" أي (سيد العيد) إليًا ،وكأنيم أقاموا
عيدا مع البعل كاسرين العيد مع اهلل.
ً
4٩
قضاة – األصحاح التاسع
األصحاح التاسع
فتنة أبيمالك
مييجا أىل شكيم
ً مفسدا ،قتل إخوتو ليممك،
ً إنسانا
ً كان جدعون رجل إيمان لكن بعد موتو قام ابنو
– أىل والدتو – لقتل إ خوتو السبعين ،فمم يدم ممكو سوى ثالث سنوات انتيت بالغدر بو وتأديب أىل
شكيم عمى ما فعموه.
.1قتمه إخوته
غالبا ما كانت
ابنا لجدعون من سرية لو من شكيم من قبيمة ليا سطوتيا ونفوذىاً ، كان أبيمالك ً
ىذه القبيمة كنعانية ،وكان أبيمالك إذ يشعر أنو ال يرث مع إخوتو السبعين ألنو ابن سرية ،لذلك كان
أيضا يتعاطفون معو ضد إخوتو.مرتبطًا بعائمة أمو ،وكانوا ىم ً
ذىب أبيمالك إلى عائمة أمو ليثيرىم بأن إخوتو السبعين يريدون أن يممكوا ويتسمطوا ،مع أن أباىم
جدعون رفض السمطة لنفسو أو ألوالده ،لذلك سأليم أن يساندوه ليممك بمفرده خير من أن يممك
معا عمييم .ىنا يظير حب السمطة في حياة أبيمالك ،األمر الذي دفعو إلى قتل جميع إخوتو
السبعون ً
(عدا يوثام اليارب) عمى حجر واحد ،وقد قضى حياتو القصيرة في ممكو ممموءة قالقل انتيت بقتمو.
عاما وعاش ىو
بمعنى آخر أن كان جدعون قد نجح في رسالتو وبسببو استراحت األرض أربعين ً
ورجالو وكل الشعب مرفوعي الرأس أمام المديانيين إنما ألن قمب جدعون ال يحمل شوقًا نحو السمطة
حبا لمكرامة ،أما أيام ابنو فكانت شريرة ،تحطم ىو وأىل بمده وكل الشعب بسبب حبو لمسمطة .ليذا
وال ً
يقول القديس أغسطينوس[ :ليكن المشتغمون بحياة الخدمة في ىذا العالم بعيدين كل البعد عن محبة
88
قضاة – األصحاح التاسع
8
لممؤلف :الحب الرعوي ،8965 ،ص .896
2
المرجع السابق ،ص .238 ،238
3
راجع تفسير قض .88 :6
88
قضاة – األصحاح التاسع
أُقيم مم ًكا عند بموطة النصب ،وىي شجرة بموط ربما كان الكنعانيون يعتبرونيا مقدسة ،عندىا
يقدمون العبادة الوثنية ،أما اإلسرائيميون فكانوا يعتزون بيا ،ألن أباىم يعقوب طمر اآللية الغريبة
واألقراط عندىا (تك )4 :35وتحتيا أقام يشوع حجر الشيادة (يش ،)26 :24ليذا السبب دعيت
بموطة النصب حيث نصب تحتيا حجر الشيادة .ويرى البعض أن ىذه البموطة اتخذت كعمود ينشرون
عميو عمميم لذا دعيت بالنصب ،أي العمم المنصوب.
82
قضاة – األصحاح التاسع
الخارجية ميما تكن كرامتيا .إنو يقول مع الزيتونة صاحبة الثمر" :أأترك دىني (زيت الزيتون) الذي بو
يكرمون بي اهلل والناس وأذىب ألممك عمى األشجار؟!" .فما يبيج قمبيا أن تقدم زيتيا في المنارة
وشبعا ليم (يستخدم في
ً شفاء لمناس (يستخدم كدواء)
ً الذىبية لتحترق أمام مذبح اهلل ،وتيب بزيتيا
الطعام)ُ ،يستيم ك زيتيا في بيت اهلل وفي حياة الناس أفضل من أن تنشغل بكرامات بين إخوتيا
األشجار.
" ثم قالت األشجار لمتينة تعالي أنت أممكي عمينا .فقالت لها التينة :أأترك حالوتي وثمري
أيضا كالزيتونة تُشير إلى الكنيسة الحية التي
الطيب لكي أممك عمى األشجار؟!" [ .]11-15التينة ً
تضم أعضاءىا في داخميا كالبذر الرفيع تحتضنو بغالف روح الحب والوحدة الحمو كقول القديس
طيبا لكل يوحنا الذهبي الفم[ :8وكأن التينة تتمسك بالغالف الحمو أي بروح الحب والوحدة لتقدم ًا
ثمر ً
نفس عوض االنشغال بالكرامات الزمنية التي تمزق الوحدة وتنزع الحب عن الجماعة المقدسة.
" فقالت األشجار لمكرمة تعالي أنت وأممكي عمينا .فقالت لها الكرمة :أأترك مسطاري الذي يفرح
اهلل والناس وأذهب لكي أممك عمى األشجار؟!" [ .]13-12إن كانت الزيتونة اشتيت أن تقدم زيتًا
ويستيمك ألجل اهلل والناس ،والتينة تقدم روح الحب والوحدة من أجل شبع كل نفس ،فالكرمة
يحترق ُ
جديدا) ،فيي تفرح
ً مسطار (خم ار
ًا وىي تمثل الكنيسة بكونيا بيت الصميب فييا يعصر العنب لينتج
بالصميب واأللم لكي ُيسر بيا اهلل ويفرح الناس عوض طريق الكرامة المتسع والسيل .إنيا تقبل الطريق
الكرب والباب الضيق من أجل الرب وخالص الناس (مت .)84 :7خالل الصميب (المعصرة) تنتج
خمر يستخدم كسكيب عمى الذبيحة اليومية (خر ُ )48-38 :29يشير إلى فرح اهلل المرتبط الكرمة ًا
بذبيحة المسيح ،أو لتعزيتيا الممتحمة بالضيقات من أجل الرب.2
أخير إذ جاءت األشجار إلى العوسج تطمب ذات األمر" ،قال العوسج :إن كنتم بالحق ًا
تمسحونني عميكم مم ًكا فتعالوا واحتموا تحت ظمي ،والا فتخرج نار من العوسج وتأكل أرز لبنان"
[ .]15-14العوسج نبات ذو أشواك يظير عادة في المناطق الجافة ال يحتاج إلى مياه كثيرة .لقد
عموا وضخامة من نباتطمب العوسج من األشجار أن تحتمي تحت ظمو مع أن األشجار أكثر ً
العوسج الصغير الحجم ،ىذا وورقو وأشواكو حادة ال يستطيع أحد أن يستظل تحتو ،واذ ىو قميل
الرطوبة يتعرض لمحرق ،بل ويسبب احت ارًقا لألشجار التي بجواره .ىكذا يشبو يوثام أبيمالك بالعوسج
8
راجع لممؤلف :اإلنجيل بحسب متى ،ص .883
2
راجع تفسير 2تي .6 :4
83
قضاة – األصحاح التاسع
الشجيرات الجافة التي بال نفع ،بل بيا أشواك مؤذية ،وبسبب تعرضيا لمحريق تحطم األشجار التي
حوليا.
يوبخ يوثام أىل شكيم ألنيم قتموا إخوتو الذين ال يطمبون السمطة بل ىم كالزيتونة والتينة والكرمة
يودون الخدمة والبذل ،وأقاموا أبيمالك العوسج الذي يحترق بشره ويحترقون ىم معو بعد أن تصيبيم
أشواكو المؤذية.
قبل أن ييرب يوثام وبخيم ألنيم ردوا محبة جدعون وجياده األمين ألجميم بقتل أبنائو ،وفي
أيضا بكم .وا ال فتخرج نار من
تحذير ختم قولو" :فافرحوا أنتم بأبيمالك وليفرح هو ً
ًا سخرية ممموءة
أبيمالك وتأكل أهل شكيم وسكان القمعة ،وتخرج نار من أهل شكيم وسكان القمعة وتأكل أبيمالك"
[ .]25-19ظنوا في اختيارىم لمن ىو من مدينتيم أنو قادر أن يسندىم ،لكنيم لم يدركوا أن شره
كالنار تخرج منو كما من العوسج لتحرقيم مع أنيا كأشجار األرز ،وبسبب شرىم إذ اشتركوا معو في
قتل إخوتو السبعين وتمميك رجل فاسد عمييم تخرج نار لتأكمو ىو! كأن االختيار السيء لمقيادة الروحية
معا! إنو احتماء بالعوسج الممموء أشوا ًكا ،يظن أنو قادر عمى حماية غيره،
ميمكة لمخادم والمخدومين ً
فإذ بو يمتيب بنار الشر فيحترق ويحرق المحتمين فيو.
إذ قال يوثام ىذا ىرب إلى بئر وأقام ىناك من وجو أبيمالك [ .]28توجد أماكن كثيرة تحمل ىذا
االسم ،فالبعض يرى أنو ذىب إلى بئر سبع ،والبعض يرى أنو ذىب إلى ما يسمى اآلن "البيرة" تبعد
ممكنا ليوثام أن ييرب من أىل شكيم الذين ً عشرة أميال شمال أورشميم ...عمى أي األحوال لم يكن
مّمكوا "أبيمالك" عمييم ،أي ييرب من الشر الذي ُيرى في إبميس مم ًكا عميو ،إالا باالحتماء في البئر
اىبا إيانا
الحقيقية أي مياه المعمودية المقدسة ،التي فييا سحق السيد المسيح إبميس تحت قدميو ،و ً
بروحو القدوس روح البنوة ،فنقبل اهلل اآلب مم ًكا عمينا عوض أبيمالك (تعني أبي يممك).
84
قضاة – األصحاح التاسع
آخرين؟!
"فوضع له أهل شكيم كمي ًنا عمى رؤوس الجبال وكانوا يستمبون كل من عبر بهم في الطريق،
فأُخبر أبيمالك" [ .]25الذي دابر خطة لقتل إخوتو ،اآلن يقف أقرباؤه ليدبروا خطة لمخالص منو،
وكما قيل بإشعياء النبي" :ويل لك أييا المخرب وأنت لم تُخرب ،وأييا الناىب ولم ينيبوك؛ حين تنتيي
من التخريب تُخرب ،وحين تفرغ من النيب ينيبونك" (إش .)8 :33الذين شددوا يديو ليقتل إخوتو
ار عمى جبال الجرزيم وعيبال المحيطة بشكيمليممك ،اآلن يبذلون الجيد ليقتموه ىو ،فوضعوا رقباء أشرًا
حتى يروا من يصمح لتدبير خطتيم نحوه ،وكانوا يسمبون كل من يمر بالطريق ،وربما ليثيروا قالقل في
المنطقة فيرتبك أبيمالك ويخرج ليرى األمر بنفسو فيقتموه.
8
رسطا ،78طك .23
87
قضاة – األصحاح العاشر
األصحاح العاشر
انحراف إسرائيل
في ىذا األصحاح نجد قصة السقوط المتكررة بالرغم من اىتمام اهلل بشعبو:
88
قضاة – األصحاح العاشر
كحزني أنا عمى ىذا الجميور الحاضر ىنا![ ،]1إني أود أن أقدم بكل سرور عيني ربوات المرات وأكثر
– إن أمكن – من أجل توبة نفوسكم.]3
1
In Hebr. hom 23:9.
2
In Acts hom 3.
2
لممؤلف :اإلنجيل بحسب متى ص .75
89
قضاة – األصحاح العاشر
مل )18 :5إلو الرعد واألمطار .وعبدوا آلية صيدون أي صيدا ومنيا البعميم والعشتاروت وان كان
لكل أمة بعميا الخاص وعشتاروتيا الخاصة بيا؛ وآلية موآب مثل كموش وبعل فغور؛ وآلية بني
عمون مثل ممكوم أو مولك (ل ،)31 :18وآلية الفمسطينيين مثل داجون وىو إلو السمك وكان تمثالو
مركب من وجو إنسان ويدي وجسم سمكة.
جنبا إلى جنب مع عبادتيم هلل ،وكأنيا سمة عدم التعصب ،لكن ل بعبادة ىذه اآللية ً بدأوا أو ً
سرعان ما تركوا عبادة اهلل الحي حيث الطريق الضيق واكتفوا بالعبادة الوثنية حيث الباب المتسع
والطريق السيل .وكان ثمر شرىم أن اهلل الذي اقتناىم بحبو باعيم لمفمسطينيين ولبني عمون [ ]7حتى
جدا [ ،]9واذ صرخوا إلى الرب عاتبيم
يتذوقوا م اررة ما اختاروه ،فصاروا في مذلة 18سنة ،وتضايقوا ً
عمى تصرفاتيم الجاحدة ومقابمتيم رعايتو وخالصو ليم من الضيق بالشر ...وفي أبوة حازمة قال "ال
أعود أخمصكم" [ ،]١3ل ليغمق الباب ،وانما ليؤكد ليم حزمو ويطالبيم بالدخول إلى العمق في حل
مشكمتيم .والدليل عمى ذلك أنيم إذ أزالوا اآللية الغريبة من وسطيم وعبدوا الرب "ضاقت نفسه بسبب
حبا ،ل يستطيع أن يرىمشقة إسرائيل" [ .]١6وكأنو لم يحتمل مشقتيم ول آلميم .إنو أب ممموء ً
دموع أبنائو ،فيقول في سفر النشيد" :حولي عني عينيك فإنيما قد غمبتاني" (نش .)5 :6فإنو إذ يؤدب
جميعا .ل أجري حمو غضبي ،ل
ً بحزم يعود بحبو ليقول" :قد انقمب عم اي قمبي ،اضطرمت مراحمي
أعود أخرب أفرايم ،ألني اهلل ل إنسان ،القدوس في وسطك فال آتي بسخط" (ىو .)9-8 :11
عجيب ىو الرب في محبتو ،فيو ل يحتمل توبة إنسان ،ولعل أعظم مثل لذلك ما فعمو مع أخآب
الشرير الذي قتل وورث ( 1مل ،)19 :31وقد شيد عنو الكتاب" :لم يكن كأخآب الذي باع نفسو
لعمل الشر في عيني الرب" ( 1مل )35 :31لكنو إذ سمع كالم الرب ضده عمى لسان إيميا النبي
مسحا عمى جسده ،ولم يحتمل الرب ىذا المنظر ،بل قال إليميا النبي" :ىل رأيت
ً وشق ثيابو وجعل
كيف اتضع أخآب أمامي؟ فمن أجل أنو قد اتضع أمامي ل أجمب الشر في أيامو" ( 1مل .)39 :31
ىكذا إذ رجع الشعب إلى اهلل لم يتركيم وعندما نزل بنو عمون إلى جمعاد واجتمع بنو إسرائيل في
مخمصا ىو يفتاح الجمعادي.
ً المصفاة [ ]17كان اهلل يييئ ليم
"المصفاة" اسم عبري معناه (برج النواطير) دعي مصفاة جمعاد ( ،)39 :11ورامة المصفاة (يش
،)36 :12وراموث جمعاد ( 1مل .)12 :1وىي موضع الرجمة التي أقاميا يعقوب وقوم لبان
شيادة عمى العيد الذي أقيم بينيم (تك .)19 :21ربما موضعيا تل رميث ،أو السمط ،وكانت من
نصيب جاد.
93
قضاة – األصحاح الحادي عشر
قاضيا
ً إقامة يفتاح
متسعا ليم،
ً قمبا
ابنا المرأة زانية طرده إخوتو لكي ال يرث في بيت أبييم ،ولكنو حمل ً
كان يفتاح ً
واذ كان روح الرب عميو قام ليخمصيم.
99
قضاة – األصحاح الحادي عشر
يقول القديس جيروم[ :كان يفتاح الذي يحسبو الرسول في عداد األبرار (عب )32 :99ابن زانية.
لقد قيل" :النفس التي تخطئ ىي تموت" (خر .)4 :98النفس التي ال تخطئ تحيا .ىكذا ال تنسب
فضائل الوالدين أو رذائميم لألبناء؛ اهلل ال يحاسبنا إال من الوقت الذي فيو ولدنا في المسيح من
جديد.]9
كان يميق بإخوة يفتاح أن يكسبوا أخاىم ،ال أن يخسروه بال ذنب ارتكبو ىو ،فبغير حكمة طردوه،
فاجتمع معو رجال بطالون كانوا يخرجون معو ربما لمسمب والنيب ...فجرفوه إلى االلتصاق باألشرار
أيضا.
وممارسة ما ال يميق ،األمر الذي كان ال يبرر يفتاح لكنو ال يعفي إخوتو من المسئولية ً
1
Ep. 60:8.
92
قضاة – األصحاح الحادي عشر
1
PG 57:30, 53:228.
93
قضاة – األصحاح الحادي عشر
األرض في ذاتيا – في عيني يفتاح – تحمل عالمة ممكية الرب وقبول المؤمنين لوعوده وعطاياه،
شخصيا .بيذا الفكر تطمع الرسول بولس إلى
ً وكل ت ار ٍخ في امتالكيا يحسب إىانة موجو ضد اهلل
زمانا ،لكنو إذ طرد
أعضاء جسده وكأنيا باألرض التي ممك عمييا بنو عمون وبنو موآب واألموريين ً
اهلل الشر عن ىذه األعضاء ليممك بنفسو عمييا ،فيل يسمميا اإلنسان لألمم الوثنية (لمخطايا
والشيوات) مرة أخرى؟! وكما يقول الرسول بولس" :أفآخذ أعضاء المسيح وأجعميا أعضاء زانية؟!" (9
كو .)95 :6
لقد سممنا اهلل حياتنا متجددة فيو بالروح القدس ،وكأنيا باألرض الممتدة من أرنون (المصوب) إلى
ال فيو .ىكذا تمتد حياتنا من األرنون أي نبدأ
اليبوق (مفرغ) إلى األردن حيث نجد السيد المسيح حا ً
بعمل التصويب أو تصحيح حقيقي داخمي بروح اهلل القدوس ،إلى اليبوق حيث يحدث تفرغ كامل من
معمنا نصرتو
الشر وكل أعمال إبميس الذي احتل الموقع ،إلى األردن ليممك السيد المسيح في مياىو ً
وفاتحا أبواب السماء لنسمع صوت اآلب المفرح وحمول الروح القدس! إذ
ً عمى لويثان الساكن في المياه
تسممنا ىذه الحياة الجديدة في الرب أو األرض المفرغة من إبميس ليممك الرب عمييا ،ال يميق بنا أن
نترك العدو يحتميا مرة أخرى!
ما أجمل ما قالو يفتاح" :فامتمكوا من أرنون إلى اليبوق ،ومن القفر إلى األردن" [ !]22كأنو
يقول أن المؤمن يممك من موضع التصويب الداخمي إلى التفريغ ...أي يسمكوا في حياتيم الروحية
تماما عن إبميس وأعمالو .أما قولو:
عمميا ،فإذ يطمبون تصحيحي حياتيم وتجديدىا في الرب يتفرغون ً
ً
"من القفر إلى األردن" ،فتعني كمن ينتقل من القفر والقحط إلى الفردوس حيث يوجد السيد المسيح
شجرة الحياة داخمو .فاألردن أو المعمودية ليس إال عودة إلى الحياة الفردوسية عمى مستوى سماوي ،إذ
ىي دخول إلى االتحاد مع اآلب في ابنو يسوع المسيح كعضو في جسده المقدس ،بالروح القدس .ىذه
إحساسات آباء الكنيسة عند حديثيم مع الموعوظين ،إذ كانوا يشعرونيم أنيم يقودونيم إلى الفردوس
عينو ،من ىؤالء اآلباء القديس يوحنا الذىبي الفم واألب ثيؤدور الميصي.
أخيرا ،إذ أراد يفتاح من ممك بني عمون أن يراجع نفسو في ق ارره بمحاربة إسرائيل سألو أن يتمثل
ً
أيضا أرضو كبني عمون ،لكنو لم يحارب إسرائيل ،أو ربما بعدما بدأ بالمحاربة
بممك موآب ،فإنو فقد ً
عاد ليراجع نفسو فامتنع عن المحاربة.
94
قضاة – األصحاح الحادي عشر
1
Duties of the clergy 3:12 (78, 79).
2
Ibid. 2:50 (264).
3
Conc. Stat. hom 14:7.
4
Ibid.
95
قضاة – األصحاح الحادي عشر
أن تفمت بطريق أو بآخر لكنيا منذ البداية قالت ألبييا" :افعل بي كما خرج من فيك" [ ،]36وبعد
الشيرين عادت بكامل حريتيا تسمم نفسيا لمموت بيدي أبييا.
رمز لإلنسان الذي يقدم حياتو (ابنتو الوحيدة)
لقد قدم يفتاح ابنتو ذبيحة هلل ،وكان في ىذا يحمل ًا
ذبيحة حب هلل .ليذا عندما فقد أحد النبالء األثرياء يوليان زوجتو وبنتيو كتب إليو القديس جيروم
نذر بتكريسيا لمعبادة هلل ،األمر الذي يفرح قمب اهلل أفضل من
مقدما هلل حياتو ًا
ً ليدخل إلى الرىبنة،
تقدمات كثيرة .يقول لو[ :قد م يفتاح ابنتو العذراء ،ليذا وضعو الرسول في عداد القديسين (عب :99
.)32ال أريدك أن تقدم لمرب ما قد يسرقو لص منك أو يستولي عميو عدو ...إنما قدم هلل ما ال
يستطيع عدو أن ينزعو عنك ،وال طاغية أن يغتصبو منك ،بل يذىب معك إلى القبر ،ال بل إلى
الممكوت ،إلى نعيم الفردوس].9
أخير يعمل القديس يوحنا الذىبي الفم سر نحيب العذارى بقولو [بيذا يجعمن الرجال أكثر حكمة
ًا
متفقا مع فكر اهلل].2
في المستقبل ،فيدركون أن ما حدث لم يكن ً
1
Ep. 118:5.
2
Conc. Stat. hom 14:7.
96
قضاة – األصحاح الثاني عشر
.1محاربته أفرايم
ُعرف أفرايم بأبطالو لكنو حمل روح الكبرياء ،ليذا أرادوا أن يكونوا في المقدمة عمى الدوام؛ حينما
انتصر جدعون وبخوه ألنو لم يرسل إلييم ليحاربوا معو فكسبيم بروح االتضاع ( .)3-1 :8واآلن إذ
نجح يفتاح في عممو عبروا إليو في مصفاة جمعاد لييددوه" :نحرق بيتك عميك بالنار" [ ،]1ال لخطأ
ذنبا ال َّ
ارتكبو إال أنو لم يطمبيم ليحاربوا معو .لقد حسبوا إنقاذه لسائر إسرائيل دون االعتراف بسيادتيم ً
يغتفر.
حيا ومعو أىل بيتو ،وعوض أن يكسبيم بروح
لم يقف األمر عند العتاب بل بمغ التيديد بحرقو ً
الوداعة واالتضاع عاتبيم أنيم لم يقوموا بدورىم في الخالص من يد العمونيين ،وأنو عندما صرخ
معمنا
إلييم إخوتيم استيانوا بيم حتى لجأ الجمعاديون إلى يفتاح .ىكذا فضحيم يفتاح عوض تكريميمً ،
تضحيتو من أجل الشعب بقولو " :ولما رأيت أنكم ال تخمصون وضعت نفسي في يدي" [ .]3أي
عرض حياتو لمخطر .عاد مرة أخرى يعمن أن اهلل نصره ،وكأن محاربتيم لو إنما ىي مقاومة هلل نفسو
العامل فيو [.]3
معمنا أنيم ُدعوا لممحاربة ولم يستجيبوا ،واتياميم
لم يقف األمر عند التوبيخ بإظيارىم كاذبينً ،
باإلىمال وعدم االكتراث ،كما اتيميم بمقاومتيم هلل نفسو واىب النصرة لو ،وانما جمع كل رجال جمعاد
وحارب أفرايم .أما سبب الحرب فيو إىانة أفرايم ألىل جمعاد ،إذ كانوا يقولون ليم" :أنتم منفمتوا
79
قضاة – األصحاح الثاني عشر
أفرايم ،جمعاد بين أفرايم ومنسى" [ ،]4بمعنى أن أىل أفرايم كانوا ييينون أىل جمعاد باتياميم أنيم
في حقيقة أمرىم مجموعة من الياربين من أفرايم بسبب لصوصيتيم أو ارتكابيم جرائم قتل إلخ...
فكانوا ييربون من أفرايم وال يذىبون إلى منسى بل يبقون في جمعاد ،أي يمجأون إلى األرض التي بين
أراضي السبطين.
وقف رجال جمعاد عند مخاوض األردن حتى ال ييرب أحد من األفراميين ،فإن اجتاز أحد يسألونو
إن كان أف اريمي ،فإن أجاب باإليجاب قتموه ،وان أجاب بالنفي سألوه أن يقول "شبولت" ،وتعني
سينا ،كبعض قرى (مخاضة) فإن نطقيا "سبولت" عرفوه أنو أف اريمي ،إذ ينطق أىل أفرايم الشين ً
كبير منيم بمغوا
عددا ًا
ال "سمس" .بيذا ذبحوا عمى مخاوض األردن ً الصعيد إذ يقولون عن الشمس مث ً
ألفا من أفرايم.
مع قتمى الحرب ً 24
إن كان أىل أفرايم يالمون عمى كبريائيم الذي سحقيم ،فإن يفتاح خسر ىذا السبط وأفقد الجماعة
عشرات األلوف بمقاومتو لمسبط عوض كسبو بالحب الممموء اتضاعا.
.2إبصان
ال نعرف عن ىذا القاضي سوى اسمو ومركز عممو "بيت لحم" أي (بيت الخبز) التي عمى ما يظن أنيا
ليست بيت لحم ييوذا كما ظن يوسيفوس بل" :بيت لحم زبولون" (يش .)11 ،1 :17كما نعرف أنو أنجب
ابنا وثالثين ابنو وزوج الكل من الخارج ربما ليتسع نطاق العائمة ،واذ قضى إلسرائيل سبع سنوات
ثالثين ً
مات إبصان ودفن في بيت لحم.
لم نعرف الكثير عن ىذا القاضي وعن القاضيين التاليين ،ربما ألنيم لم يدخموا في ضيقات أو لم
أياما ىادئة وماتوا ...عمى أي األحوال ،فإن القضاة
تكن ليم مواقف معينة ،إنما قضوا مع الشعب ً
المذ كورين في ىذا السفر يمثمون عينات متباينة ونوعيات مختمفة من المؤمنين ،والكل استحق أن
ُيسجل اسمو في سفر الحياة ،لكن الذين عاشوا وقت الضيق ينالون مكافأة أعظم إن يسمكوا بروح
اإليمان الحي.
.3إيمون الزبولوني
"إيمون" اسم عبري يعني (بموطة)؛ قضى إلسرائيل عشر سنين ومات في "إيمون" وىي قرية في
زبولون ،غير إيمون التي في دان (يش .)23 :17يرى البعض أن اسميا يعني (مكان اإليل).
78
قضاة – األصحاح الثاني عشر
.4عبدون بن هميل
"عبدون" تعني (عبد) ،و"ىميل" يعني (تيميل) أو (حمد).
نشأ في "فرعتون" التي في أفرايم ،اسميا يعني (ارتفاع) ،وىي فرعانة تبعد سبعة أميال ونصف
جنوب غربي شكيم (نابمس).
حفيدا يركبون سبعين جح ًشا عالمة
ً ابنا وثالثين
قضى إلسرائيل ثمان سنين ،وقد أنجب أربعين ً
الغنى والكرامة.
77
قضاة – األصحاح الثالث عشر
شمشون
ٍ
كقاض يخمصيم. إذ دفع الرب إسرائيل ليد الفمسطينيين أربعين سنة لمتأديب ،كان يعد ليم شمشون
011
قضاة – األصحاح الثالث عشر
010
قضاة – األصحاح الثالث عشر
انطمقت المرأة تخبر رجميا بما رأت وما سمعت ،فوصفت لو مالك الرب الذي ظير عمى شكل
جدا" [.]6
بشري حتى تقدر أن تعاينو وتسمع لو وتتحدث معو ،وقد وصفتو أنو" :كمنظر اهلل مرىب ً
تحدثت مع رجميا بثقة عجيبة في كممات مالك الرب ولم تتشكك كسارة أميا .لقد أليبت قمب رجميا
نحو رؤيتو حتى سأل اهلل أن يرسمو ثانية ويتحدث معو.
1
Adv. Arian., Dis 2:16
013
قضاة – األصحاح الثالث عشر
جاءت اإلجابة" :لماذا تسأل عن اسمي وىو عجيب؟!" [ ،]18وجاءت في الترجمة السبعينية:
أيضا عجيب!" .ىكذا يدعى اسم اهلل "عجيًبا" ،إذ جاء في أشعياء" :ألنو يولد
"لماذا تسأل عن ىذا؟ إنو ً
أبديا رئيس
قدير ًأبا ً
مشير إليًا ًا
ًا عجيبا
ً ابنا وتكون الرياسة عمى كتفو ويدعى اسمو
ولد ونعطى ً
لنا ٌ
السالم" (إش .)6 :9وكما يقول القديس غريغوريوس النيصي[ :نتعمم من ىذا أنو يوجد اسم واحد
لمطبيعة اإلليية ىو "العجيب" يكشف عن ما ينبع في القمب بخصوصيا بطريقة ال ينطق بيا .]0بمعنى
آخر أن اسمو "عجيب" أي فائق لإلدراك والنطق يدخل بالقمب كما بالفكر إلى حالة من الدىشة
والعجب.
خالل االسم "عجيب" كشف شخص المتكمم أنو أقنوم إليي ،لذا قام منوح ليقدم جدي معزى تقدمة
إال السيد المسيح ،حيث فيو تقدم ذبائح حبنا ،إذ صار ىو لو عمى الصخرة [ .]09ما ىذه الصخرة َّ
نفسو ذبيحة حبنا.
ما أن أصعد منوح جدي المعزى والتقدمة عمى الصخرة حتى انسحب قمبيما إلى منظر عجيب .لقد
شاىدا صعود لييب نار من الصخرة – أي من المذبح – نحو السماء ،وقد صعد مالك الرب في
لييب المذبح ،فسقطا عمى وجيييما إلى األرض [ .]31امتأل رىبة وخشية إذ رأيا مالك الرب يرتفع
إلى السماء وسط المييب الناري .إنيا صورة حية لمعمل الخالصي بالصميب ،ففيو يقدم السيد المسيح
نارا ،خالليا يمحو كل خطايانا (جدي المعزى) ،ويرتفع بنا خالل لييب محبتو
نفسو ذبيحة حب ممتيبة ً
كأعضاء في جسده المقدس ...يحممنا معو إلى سمواتو لنصير نحن أنفسنا لييب نار أي شعمة التيبت
باتحادىا معو.
"فقال منوح المرأتو نموت موتًا ألننا قد رأينا اهلل .فقالت لو امرأتو :لو أراد الرب أن يميتنا لما
أخذ من يدنا محرقة وتقدمة ،ولما أرانا كل ىذه ،ولما كان في مثل ىذا الوقت أسمعنا مثل ىذه"
[.]23-22
لقد تعمم منوح من موسى أنو ال يستطيع أحد أن يرى اهلل ويعيش (تك 3 :13؛ خر .)31 :11
بعضا
ً لكن امرأتو أدركت أن اهلل برحمتو أظير نفسو ال ليميتيما بل ليقبل محرقتيما وتقدمتيما ويرييما
من أس ارره وييبيما مواعيده .أظير نفسو قدر ما تحتمل بصيرتيما أن تنظره ،حتى ينعما بما ىو
1
Adv. Eunomoius 8:1.
011
قضاة – األصحاح الثالث عشر
لخالصيما وبنيانيما .وكما يقول القديس يوحنا الذىبي الفم عمى لسان اهلل نفسو[ :ال أعمن جوىري
ذاتو ،إنما أتنازل (في رؤى) بسبب ضعف ىؤالء الذين يرونني.]0
رأت امرأة منوح في الرؤيا ثالث أمور :اهلل يقبل المحرقة والتقدمة عالمة رضائو عمييما ،وأنو
أراىما كل ىذه األسرار عالمة قدرتو الفائقة التي ال تحد ،واسمعيما وعده ليما بإنجاب ابن نذير لو
عالمة حبو ليما.
ابنا دعتو "شمشون" .يرى القديس جيروم أن الكممة مشتقة من
بعد ىذه الرؤيا ولدت امرأة منوح ً
"شمس" و"أون" (أي قوة) ،وكأن اسمو يعني (قوة الشمس) .ويرى البعض أنيا تعني (شمسي)،
وآخرون أنيا تعني (قوي) مشتقة من كممة "شمم".
رمز لشمس البر ،المخمص الحقيقي ،يسوع المسيح،
تمتع منوح وامرأتو بيذا المولود الذي جاء ًا
وكما يقول الكتاب" :ابتدأ روح الرب يحركو" [...]22
1
Incomp. Of God 5:4, PG 48:740.
011
قضاة – األصحاح الرابع عشر
.1زواجو بأممية
" ونزل شمشون إلى تمنة ورأى امرأة في تمنة من بنات الفمسطينيين ،فصعد وأخبر أباه وأمو
وقال :قد رأيت امرأة في تمنة من بنات الفمسطينيين ،فاآلن خذاىا لي امرأة ...ولم يعمم أبوه وأمو
أن ذلك من الرب ،ألنو كان يطمب عمة عمى الفمسطينيين" [.]4 ،2-1
"تمنة " اسم عبري معناه (قسم معين) ،وىي مدينة عمى حدود أراضي ييوذا ،أعطيت بعد ذلك
قدما
حاليا تبنة ،عمى ىضبة تعمو ً 020
لسبط دان (يش ،)24 :51كان يقطنيا فمسطينيون ،تسمى ً
قدما عن سطح
تفاعا من صرعة مدينة شمشون والتي تعمو ً 5100
عن سطح البحر ،لذلك فيي أقل ار ً
البحر ،لذا يقول" :نزل شمشون" .وىي تبعد حوالي 3أميال جنوب غربي بيت شمس.
عمى خالف الشريعة التي تمنع الزواج باألمميات (خر )51 :32ومصاىرتيم (تث )2-3 :0
نزل شمشون إلى تمنة ليتزوج بامرأة فمسطينية يقول عنيا القديس أغسطينوس أنيا زانية ،إن لم تكن
روحيا بعبادتيا الوثنية .لقد أصر شمشون أن يأخذ ىذه األممية بالرغم من رفض
ً جسديا فيي زانية
ً
مبدئيا ،واذ أعمن أنيا حسنت في عينيو رضخ األبوان وىما ال يعممان "أن ذلك من الرب" [ ،]2إذ
ً أبويو
حول رغبة شمشون في الزواج من الغمف ليكون عمة ليالكيم.
رمز لعمل السيد المسيح ،الذي نزل ال إلى "تمنة" أي إلى (قسم معين) ،وانما إلى
حمل ىذا العمل ًا
عروسا ىي كنيستو الممتدة من أقاصي المسكونة إلى أقاصييا.
ً األرض ليخطب لنفسو من بين األمم
501
قضاة – األصحاح الرابع عشر
501
قضاة – األصحاح الرابع عشر
ولد شمشون بوعد إليي ،ورافقو الروح ( ...)41 :53وىكذا إذ تظمل بالسر العتيد طمب لو زوجة
حقا يبدو
من الغرباء ،وكما ىو مكتوب لم يعرف أبوة وأمو السبب ،وكان األمر من قبل الربً .
شمشون أقوى من اآلخرين ألن روح الرب قاده ،وتحت قيادتو حارب الشعب الغريب بمفرده ،وفي
وقت آخر وقف أمام ىجمات األسد العنيفة ومزقو بيديو بطريقة فائقة .ليتو حافظ عمى النعمة بالقوة
5
التي بيا غمب الوحش المفترس!
الشعب األممي الذي آمن صار لو العسل؛ الشعب الذي كان قبالً تحت العبودية صار اآلن شعب
المسيح.4
يا لو من سر إليي! يا لو من سر واضح! لقد ىربنا من القاتل وغمبنا القوي .صار لنا طعام الحياة
جائعا لموتنا المذري! لقد تحولت المخاطر إلى سالم ،والم اررة إلى
ال ً في ذات الموضع الذي كان قب ً
3
حالوة ،وجاءت النعمة عوض العصيان والقوة خالل الضعف ،والحياة بدل الموت!
شمشون يرمز لمشعب الييودي الذي قتل السيد المسيح عندما طمب االتحاد المرغوب فيو مع
الكنيسة .بالتأكيد لم يثبت اتحاد الكنيسة مع المسيح قبمما يموت األسد الخارج من سبط ييوذا.
مب حين قتمو الييود ،لكنو غمب بنصرتو عمى
مب وغمب .غ َ
لذلك فإن ربنا ىو ذات األسد الذي غ َ
الشيطان بموتو عمى الصميب...
1
Of the Holy Spirit 2, Introd. 5, 6.
2
Of the Holy Spirit 2, Introd. 5, 6.
3
Ibid. 8, 9.
4
Ibid. 8, 9.
500
قضاة – األصحاح الرابع عشر
عندما وجد العسل في فم األسد ،يفيم أنو تعاليم المسيح ،إذ نق أر "ما أحمى قولك (مواعيدك) لحنكي
حقا كما يأتي النحل إلى خمية العسل ىكذا يسرعأحمى من العسل لفمي" (مز ً .)503 :551
جماعات المسيحيين إلى تعاليم المسيح كما إلى خمية العسل الحموة.4
القديس أغسطينوس
.3أحجبتو ألصحابو
أيضا ثالثون من األصحاب
حاضر و ً
ًا صنع شمشون وليمة في بيت العروس وكان والده
الفمسطينيين ،فسأليم شمشون أن يقدم ليم أحجية فإن فسروىا خالل أيام العرس السبعة يعطى لكل
قميصا (صدرية من الكتان كممبس داخمي) ،وحمة ثياب وىي خاصة بحضور الوالئم
ً واحد من الثالثين
والمناسبات عوض الثوب اليومي .وان لم يفسروىا يمتزم كل واحد منيم بتقديم حمة لشمشون .واذ
أجابوا بالقبول قال ليم" :من اآلكل خرج أكل ،ومن الجافي خرجت حالوة" [ .]14صاروا يتشاورون
ثالثة أيام فمم يستطيعوا حل األحجية [ ،]52وكان في اليوم السابع أنيم ىددوا المرأة ،قائمين" :تممقي
رجمك لكي ُيظير لنا األحجية لئال نحرقك وبيت أبيك بنار .ألتسمبونا دعوتمونا أم ال" [ .]15بكت
المرأة أمام شمشون مدعية أنو يكرىيا وال يحبيا حتى أخفى عنيا سر األحجية .فقال ليا" :ىوذا أبي
وأمي لم أخبرىما فيل إياك أخبر؟!" [ .]16واذ بكت لديو السبعة أيام التي لموليمة أخبرىا في اليوم
السابع ألنيا ضايقتو ،فأظيرت التفسير لبني شعبيا .وعند غروب الشمس جاء الرجال يقولون" :أي
شيء أحمى من العسل؟! وما أجفى من األسد؟!" [ .]11فقال ليم" :لو لم تحرثوا عمى عجمتي لما
وجدتم أحجيتي" [ .]11بيذا القول أوضح ليم أنو عرف بأنيم تعمموا حل األحجية من امرأتو التي
ضغطوا عمييا كما بمحراث حتى أخرجوا ما بداخميا كاألرض المحروثة يظير ما في باطنيا .واذ قال
ىذا "ح ّل عميو روح الرب" [ ،]11فنزل إلى أشقمون وقتل ثالثين رجالً وأتى بحمميم لمظيري األحجية،
وحمي غضبو وصعد إلى بيت أبيو بينما صارت امرأتو لصاحبو.
1
Caesarius, Ser. 119:1-3.
2
Ibid. 119:5.
508
قضاة – األصحاح الرابع عشر
ىذا الحدث يكشف لنا عن قول الكتاب " :ولم يعمم أبوه وأمو أن ذلك من الرب ،ألنو كان يطمب
عمة عمى الفمسطينيين" [ .]4فقد تحولت أيام الوليمة إلى مناحة عوض الفرح إذ كانت امرأتو تبكي
جدا في اليوم األخير ...وىكذا لم تكن وليمة وال
كل يوم وتسألو عن تفسير األحجية حتى ضيقت عميو ً
غما عمييا ىي وبني شعبيا .ىذا وكان الرجال في حيرة وارتباك طوال األسبوع حتى كانت فرًحا بل ً
اضطروا إلى تيديد العروس البائسة .وانتيت الوليمة بمقتل ثالثين من الرجال وسمب حمميم ،وانطمق
شمشون إلى بيت أبيو وصارت امرأتو لصاحبو!! أي عرس ىذا؟!
ىذا وال ننسى تأكيد الكتاب أن روح اهلل كان يحركو ،إذ قيل "فكبر الصبي وباركو الرب وابتدأ روح
الرب يحركو" ()41-42 :53؛ وعند قتل األسد قيل" :فحل عميو روح الرب فشقو" [ ،]1وعند نزولو
ألرض أشقمون لقتل األعداء قيل" :وحل عميو روح الرب" [ ...]51فإن كنا نسمع بعد ذلك أن سر قوتو
في شعره ،إنما ألن الشعر كان إشارة إلى تكريسو لمرب ونذر حياتو لو ،فالقوة ليست في الشعر ذاتو
وانما في روح الرب الذي يحركو .لقد عبر القديس أغسطينوس عن ىذا بقولو[ :لقد جاءت القوة التي
لشمشون أييا األعزاء المحبوبون من نعمة اهلل أكثر من الطبيعة .فمو كانت قوتو في الطبيعة لما فارقتو
جدا إال فيما قالو الكتاب المقدس" :روح الرب يحركو"
عند حمق شعره .إذن أين كانت قوتو العظيمة ً
إناء ،والملء ىو في الروح .اإلناء
( .)41 :53قوتو إنما ترجع إلى روح الرب ،أما شمشون فكان ً
يمكن أن يكون مآلًنا أو فارًغا؛ ىذا ولكل إناء كمالو من آخر .ىكذا كانت النعمة تمتدح عندما دعي
مختار!.]5
ًا إناء
بولس ً
يعمق القديس أغسطينوس عمى زواج شمشون من ىذه المرأة الوثنية واقامة الوليمة وتقديم أحجيتو
ألصحابو وكشف سرىا لممرأة بقولو[ :الزانية التي تزوجيا شمشون ىي الكنيسة التي كانت قد ارتكبت
الزنى مع األوثان قبل أن تتعرف عمى اهلل الواحد ،ىذه التي أتحد بيا السيد المسيح بعد ذلك .عمى أي
األحوال إذ استنارت وقبمت منو اإليمان تأىمت لتعمم أسرار الخالص منو ،فقد كشف ليا أسرار
الخفيات السماوية .أما بخصوص السؤال الذي ضمر في الكممات" :من اآلكل خرج أكل ومن الجافي
حقا من اآلكل أي
خرجت حالوة" [ ،]52ماذا يعني ىذا إال السيد المسيح نفسو القائم من األموات؟! ً
من الموت الذي التيم كل شيء وابتمعو ،جاء منو الطعام القائل" :أنا ىو الخبز الذي نزل من السماء"
(يو .)25 :1لقد اىتدى األمم وقبموا حالوة الحياة من ذاك الذي حمل ظمم البشرية بم اررة ،والذي
مر وم اررة ليشربيا .ىكذا خرج من فم األسد الميت أي من موت السيد المسيح الذي
قدمت لو خالً ًا
1
Ibid. 118:2.
501
قضاة – األصحاح الرابع عشر
دبر من النحل ،أي جماعة من المسيحيين .وعندما قال شمشون" :لو لم تحرثوا عمىربض ونام كأسد ٌ
عجمتي لما وجدتم أحجيتي" [ ،]58فإن ىذه العجمة ىي الكنيسة التي صارت ليا أسرار إيماننا معمنة
ليا بواسطة رجميا .فبواسطة تعاليم الرسل والقديسين وخالل ك ارزتيم انتشرت أسرار الثالوث والقيامة
والدينونة وممكوت السموات والوعد بالمكافأة بالحياة األبدية إلى أقاصي األرض...]5
ويعمق القديس أمبروسيوس عمى قول الكتاب" :فمم يستطيعوا أن يحموا األحجية في الثالثة أيام"
ممكنا أن تعرف األسرار إال بإيمان الكنيسة في اليوم
ً [ ]52وبقوا حتى اليوم السابع بقولو[ :لم يكن
السابع ،الوقت الذي فيو يكمل الناموس (رقم 0يشير لمكمال) بعد آالم المسيح (أي بعد ثالثة أيام
دفنو) ،ليذا نجد الرسل كانوا غير قادرين أن يفيموا "ألن يسوع لم يكن قد مجد بعد" (يو .]4)31 :0
كان البد لمرجال أن ينتظروا ثالثة أيام التي فييا دفن المسيح ليتمجد بصميبو وقيامتو ...وفي اليوم
السابع حيث يعمن كمال الناموس خالل إنجيل الحق يدركون السر خالل الكنيسة.
ويعمق القديس أمبروسيوس عمى الحمل بقولو[ :في الحمل نالوا مكافأة الحكمة كعالمة المناقشة
التي خالليا حمت األحجية وفسرت.]3
أخير فإن الوليمة التي فييا عرفت الكنيسة (المرأة) األسرار ،وأذاعتيا عمى العالم الوثني (الثالثين
ًا
من األصحاب) ،فتمتعوا بحمل الخالص من خالل مياه المعمودية (ألن رقم 30يذكرنا بالسن الذي
فيو اعتمد الرب) ،ىي بعينيا كانت سر ىالك ثالثين من الغرباء وسمب حمميم .وكأن ما ينالو اإلنسان
وسمبا
ً من نعم وبركات خالل عمل شمشون الحقيقي ووليمتو الخالصية إنما حسب ىال ًكا إلبميس
ال كوكب الصبح لممتمكاتو التي سبق فاغتصبيا .لقد نزعت عن إبميس كل إمكانياتو بعد أن كان قب ً
ومجمسو في السماويات لينعم اإلنسان بإمكانيات سما وية ويرتفع بين الطغمات المالئكية .في مياه
المعمودية ننعم بالحمل البيية بينما يحرم إبميس من سمطانو عمينا.
1
Ibid. 118:3.
2
Of the Holy Spirit 2, Introd. 7.
3
Ibid. 10.
550
قضاة – األصحاح الخامس عشر
111
قضاة – األصحاح الخامس عشر
صديق عروس الرب" :ألني خطبتكم لرجل واحد ألقدم عذراء عفيفة لممسيح" ( 9كو .)9 :11وبغيرة
إيمانو أدرك الصديق الشرير (الذي يود اغتصاب العروس لو) ،إذ يقول "ولكنني أخاف أنو كما خدعت
الحية حواء بمكرىا ىكذا تفسد أذىانكم عن البساطة التي في المسيح (يسوع)" ( 9كو ...)8 :11
اآلن ،لنرى كيف فعل شمشون عممو السري عندما أُصير بواسطة صاحبو في شخص امرأتو .لقد أخذ
الثعالب ،أي أصدقاءه الزناة الذين قيل عنيم في نشيد األنشاد" :خذوا لنا الثعالب الصغار المفسد
لمكروم" (نش .)11 :9ماذا يعني بقولو "خذوا"؟ أي امسكوىا ،دينوىا ،اضغطوا عمييا ،حتى ال تفسد
كروم الكنيسة .ماذا يعني بقولو" :خذوا الثعالب" ا
إال إدانة اليراطقة بسمطان القانون اإلليي ،لنسرع
ونقيدىم بشيادة الكتاب المقدس كما بقيود! لقد أمسك شمشون الثعالب ووضع مشاعل نار وسط
أذياليم بعد أن ربطيم اثنين اثنين .ماذا يعني رباط أذيال الثعالب؟ ما ىي أذيال اليراطقة إال ما بمغوه
من نتائج ىرطقتيم (كذيل ليم) .ىذه تربط ،أي تقيد وتدان وتُميب النار في أذياليا ،إذ أفسدوا الثمار
واألعمال الصالحة لمذين سقطوا تحت خداعاتيم.]1
قطعا بال ترتيب ىرب إلى شق (كيف) في
إذ أحرق شمشون مزارع األعداء وضربيم حتى جعميم ً
قمة صخرة بعيطم" .عيطم" كممة عبرية تعني (مآوى لمكواسر) ،تقع عمى بعد حوالي ميمين جنوب
غربي بيت لحم بأرض ييوذا.
عمى أي األحوال إن كنا مع شمشون نرفض كل فكر يفسد كنيسة اهلل ،ونميب ذيمو بالنار ليحطم
ثمر الشر ومممكة إبميس فإنو يميق بنا أن نيرب إلى الشق أو الجنب المطعون الذي لمسيد المسيح
الصخرة الحقيقية .لنذىب إلى عيطم ،إلى (مآوى الكواسر) ،فندخل في جراحات المسيح ونحتمي فييا!
1
Caesarius, Ser. 118:4.
119
قضاة – األصحاح الخامس عشر
التقى شمشون باألعداء وىو مقيد بالحبمين الجديدين" ،فحل عميه روح الرب ،فكان الحبالن المذان
عمى ذراعيه ككتان أُحرق بالنار فانحل الوثاق عن يديه" [ .]14كأنو بالسيد المسيح الذي واجو
العدو عمى الصميب ،إذ ىو "القيامة" لم يستطع الموت أن يمسك بو ،وال الجحيم أن يعوقو ،فحطم بنار
الىوتو حبمي الموت والجحيم ،وأعمن كسر سمطانيما عن مؤمنيو المتحدين معو.
عوض أن يقتمو األعداء أمسك بمحي حمار أي فكو وكان طرًيا فقتل بو ألف رجل [ .]11ماذا
تماما، ا
يعني ىذا إال أن اإلنسان وقد نزل خالل الخطية إلى الحيوانية غير العاقمة ،وقد حطمو الموت ً
وأمسك بو السيد من جديد كما يمسك بفك حمار ،وأعطاه كممة اإليمان الحي الذي بو يقتل القوات
الشريرة المقاومة أو عمل إبميس الذي ُيرمز لو بألف رجل شرير.
نما "بمحي حمار كومة كومتين ،بمحي حمار قتمت
لقد أراد أن يحقر من العدو المغموب فقال متر ً
ألف رجل" [ .]11وكأنو يقول أنو بفك حمار حول العدو إلى كومة ،كومتين ،ثالث كومات إلخ،
وىكذا صار يحصي أكوام الموتى ...ىذه ىي تسبحة النصرة!
اما من القتمى تحققت بفك أو لحي حمار سميت المنطقة "رمت لحي" أي
إذ صارت المنطقة أكو ً
(مرتفعات الفك).
الشيطان األمم إلى قطع وتبعثروا كعظام جافة من جسم حمار ،لكن لما جاء المسيح – شمشون
جميعا بيديو الطاىرتين .أصمحيم بقوتو ،وبيم غمب خصومو .ىكذا نحن الذين ً الحقيقي – أمسك بيم
ال حتى قتمنا ،أمسك بنا المسيح وجعمنا بر اهلل بالرغم من جفافنا لعدم وجود
سممنا أعضاءنا لمشيطان قب ً
قديما صمى شمشون فانطمق ينبوع من الفك ،وتحقق ذلك فينا
ندى نعمة اهلل غيرنا إلى ينابيع وأنيارً .
بوضوح إذ يقول الرب نفسو" :من آمن بي تجري من بطنو أنيار ماء حي" (يو .]1)83 :1
تذكار لدعائو
ًا أخير إذ شرب شمشون من العين دعا اسمو "عين ىقوري" [ ،]12أي (عين الداعي) ًا
إلى اهلل واستجابة اهلل لدعائو.
1
Ibid. 119:4.
111
قضاة – األصحاح السادس عشر
شمشون ودليمة
إن كان روح اهلل قد الزم شمشون فوىبو قوة ،لكن إذ سقط شمشون في حب دليمة واتكأ برأسو عمى
ركبتييا فقد مجد نذره ،وحرم من بصيرتو ،وصار سخرية لمعدو.
1
Ibid. 118:5
115
قضاة – األصحاح السادس عشر
دخل إلى الجحيم كما بيت الزانية مفتوح لمجميع بال عائق .ويعمل القديس أغسطينوس ذلك بأن
الكتاب لم يذكر عن شمشون أنو اتحد مع الزانية وانما زارىا لينام أو يضطجع ىناك .لقد انتظره
األعداء عند باب المدينة ليمسكوه عند خروجو .وكأنما قد جمس الحراس عند القبر لإلمساك بالرب
القائم من األموات ،لكنيم لم يقدروا عمى معاينتو .لقد قام في نصف الميل وحمل معو أبواب المدينة
إلى الجبل بعدما ترك بيت الزانية .فإن كانت الزانية ت شير إلى المجمع الذي حكم عميو بالموت ،فإنو
محطما أبواب
ً بعد انفصال المجمع عنو قام الرب خفية كما في منتصف الميل نازًعا أبواب المدينة أي
الياوية .لقد نزعيا ولم يردىا ،وكأنو يحمل صورة السيد الذي حطم أبواب الموت .لقد صعد إلى قمة
الجبل ،ونحن نعمم بالحق أن السيد المسيح قام وصعد إلى السماوات.
كثير من اآلباء قد
جانبا رمزًيا في القصة ،لكننا ال ننكر أن ًا
إن كان القديس أغسطينوس قد رأي ً
حبا فييا.
أروا في تصرف شمشون خطأ ...إذ ال يميق بو أن يدخل بيت زانية ويضطجع ىناك ً
يقول القديس أمبروسيوس[ :غمب شمشون القوي الشجاع األسد لكنو لم يستطع أن يغمب ىواه.
قطع وثق أعدائو لكنو عجز عن قطع حبال شيوتو .أحرق أكداس الظالمين الكثيرين ،لكن أحرقو لييب
المذة الممنوعة التي أوقدتيا فيو امرأة واحدة] .والقديس أغسطينوس نفسو ال يبرر تصرفات شمشون،
إذ يقول [ :عندما حقق شمشون فضائل ومعجزات كان يمثل السيد المسيح رأس الكنيسة ،وعندما كان
يعمل بحكمة كان صورة لمذين يسمكون في الكنيسة بالبر ،لكنو عندما كان يغمب ويسمك بالتياون فكان
يمثل الخطاة في الكنيسة.]1
.2حبو لدليمة
" وكان بعد ذلك أنو أحب امرأة في وادي سورق اسميا دليمة ،فصعد إلييا أقطاب الفمسطينيين،
وقالوا ليا :تممقيو وانظري بماذا قوتو العظيمة ،وبماذا نتمكن منو لكي نوثقو إلذاللو ،فنعطيك كل
واحد أل ًفا ومئة شاقل فضة" [.]5-4
إن كان روح الرب قد حل عمى شمشون في أكثر من موقع فكان يقوم بدور قيادي ناجح ،لكنو إذ
تماما ،وكما يقول القديس يوحنا الذىبي الفم[ :كثير من الرجال ىمكوا في
سقط في حب دليمو انيار ً
1
Ibid. 118:3
116
قضاة – األصحاح السادس عشر
1
الزواج مثل شمشون ،ولكن ليس بسبب الزواج في ذاتو وانما بسبب إرادتيم المنحمة ] .ويقول األب
أفراىات[ :حارب (العدو) شمشون خالل امرأة حتى سمبو نذره.]2
أما كممة "دليمة" فيي اسم عبري يعني (مدلمة) أو (معشوقة) ،يرى بعض الدارسين أنيا حممت ىذا
االسم بعدما كبرت وصارت موضع حب الكثيرين وعشقيم ،إذ عاشت كزانية .وكانت محبة لممال ليذا
عندما جاءىا أقطاب الفمسطينيين الخمسة ،أمراء المدن الرئيسية (جت وأشدود وغزة وأشقمون
وعقرون) ،ووعدوىا بتقديم كل واحد منيم ألف ومئة شاقل فضة لتسميم شمشون .وكما يقول
أمبروسيوس [ :أليست محبة دليمة لممال ىي التي خدعت شمشون أكثر الرجال شجاعة؟! ىذا الذي
مزق األسد الزائر بيديو.]3...
حاليا وادي الصرار ويبدأ عمى
نشأت دليمة في وادي سورق ،أي (وادي الكرم المختار) وىو يدعى ً
ال غرب أورشميم ويمتد إلى البحر األبيض المتوسط كما يوجد واد شمال ىذا الوادي اسمو
بعد 13مي ً
"خربة سوريق".
.3مخاتمتو لدليمة
إذ أحب شمشون دليمة صارت تسألو ثالث مرات" :أخبرني بماذا قوتك العظيمة؟ وبماذا توثق
إلذاللك؟" [ . ]13 ،11 ،6لقد ظنت دليمة كأقطاب الفمسطينيين أن شمشون يحمل قوة فائقة نتيجة
عاديا يمكن التغمب عميو ،ليذا كانت دليمة تمح عميو
ً إنسانا
ً عمل سحري إن أبطل فقد قوتو وصار
لتعرف ىذا السر .ومن جانب آخر نري الفمسطينيين كانوا يكمنون في البيت وينتظرون حتى تالطفو
دليمة وتعرف سر قوتو ليواجيوه بعد سحب طاقتو الغريبة .أما من جية شمشون نفسو فقد عرف منذ
المحظة األولى ىدفيا من السؤال وليذا خاتميا وخدعيا ،وكان يجب أن ييرب من بيتيا لكن حبو
الشديد ليا أو بمعنى أخر استعباده لشيوتو من نحوىا جعمو يتياون في األمر واثقًا أنو لن يكشف ليا
كثير إذ سقط في حبال الشر وانيار.
سره وانما يحقق رغبتو من جيتيا ،لكنو لم يستطع المقاومة ًا
في المرة األولى قال ليا أنو يضعف إن أوثق بسبعة أوتار طرية ال تجف ،أي سبعة حبال من
الكتان أو غيره من النباتات ...عوض أن ينتيرىا ويوقف سؤاليا كذب عمييا ففقد صدقو وحكمتو
وميابتو أماميا.
1
On Philip hom 12.
2
Demon. 6 on Monks 3.
3
Duties of the Clergy 2:26 (131).
117
قضاة – األصحاح السادس عشر
وفي المرة الثانية إذ ألحت عميو قال ليا أنو يضعف إن أوثق بحبال جديدة لم تستعمل من قبل.
وفي المرة الثالثة قال ليا إنو يضعف إن ضفرت خصمو السبع مع السدى ،وىي الخيوط الطويمة
التي تستخدم في آلة النسيج ،بخالف المحمو وىي الخيوط العريضة .وقد فعمت ذلك وىو نائم ومكنتيا
بالوتد ...وىنا اقترب إلى كشف السر إذ بدأ يحدثيا عن شعره وخصمو السبع.
عمى أي األحوال في المرة األولى قطع األوتار كما يقطع فتيل المشاقة إذا شم النار؛ المشاقة ىو
ما يسقط من الكتان عند مشقو أو تمشيطو ليغزل ويستخدم كفتائل لمسرج .أما في المرة الثانية فقطع
الحبال الجديدة عن ذراعيو كخيط ،وفي الثالثة انتبو من نومو وخمع وتد النسيج والسدى.
1
On the Great Athans. 26.
118
قضاة – األصحاح السادس عشر
فسيعاني من جسده ما عاناه شمشون من المرأة (دليمة) .لذلك يميق بنا أييا األعزاء المحبوبون بمعونة
اهلل أن نجاىد ما استطعنا محقيقين قول الرسول عن نفسو" :أقمع جسدي وأستعبده (أخضعو)" ( 1كو
.) 27 :9لنحذر بمعونة اهلل من موسى العدو الذي حمق رأس الجنس البشري عندما انخدع آدم وحواء
أيضا ،ألن رأسنا ىو المسيح .إن كنا نستسمم المرأة أي لشيوات الجسد
بحيمة لئال يعمو رأسنا نحن ً
المتممقة أو لمشرور األخرى فإننا ننخدع ونحرم من النعمة الروحية ونكون كمن نزع عنو شعر النذر...
يوجد موسى يقطع بطريقة نافعة وآخر بطريقة ضارة ،موسى الشفاء واىب الجمال لنا ىو المسيح ربنا،
الذي يقطع من قموبنا أفكار الشر الضارة .إنو يحمق الرذائل عن النفس ،ينير الرأس ،وييب الذىن
ال ويحررنا من الشعر المميت الذي لمعبودية البائسة ويجعل حياتنا مقدسة وفي طيارة وتدبير
جما ً
عندما تنمو كشعر النذير من جديد ...انظروا لقد أظيرت الموسى الذي نطمبو ،أما اآلخر فنرفضو
ونتجنبو .الموسى المكرم ىو المسيح والموسى الميمك ىو الشيطان .المسيح ىو رأسنا كقول الرسول،
والشعر إما أن يكون فضائل أو رذائل ،لذلك عندما تحدث النبي عن خطاياه قال" :أكثر من شعر
رأسي (الذين يبغضونني بال سبب)" (مز .)4 :69فالفصائل والرذائل يرمز ليا بالشعر ،عندما نحمق
بالمسيح نتحرر من كل الرذائل ،وعندما نحمق بالشيطان نحرم من كل الفضائل .]1كما يقول[ :إن
خضع إنسان لشيوة أو انيمك في ممذة يفعل بو جسده ما فعمتو دليمة بشمشون.]2
مرة أخرى يقول القديس أغسطينوس[ :اآلن ماذا يعني أن شمشون يحمل قوة في شعره؟ الحظوا
ىذا بدقة أييا اإلخوة .أنو لم يحمل قوة في يديو وال في قدميو وال في صدره وال في رأسو وانما في
شعره .ما ىو الشعر؟ يجيب الرسول أن الشعر غطاء ( 1كو ،)15 :11وكأن المسيح حمل القوة في
الغطاء عندما اختفى (احتمى) في ظالل الشريعة القديمة ...ماذا يعني أن سر شمشون قد صار
موضوع خيانة (من دليمة) وأن رأسو قد حمقت؟ الشريعة قد احتقرت والمسيح صمب! لو لم يزدروا
بالشريعة (حمق الرأس) لما قتموا المسيح ،إذ عرفوا أنو ليس من حقيم قتمو .لقد قالوا لمحاكم" :ال يجوز
أحدا" (يو .]3)31 :18
لنا أن نقتل ً
.5سقوط شمشون
1
Caesarius Ser. 120:2.
2
Ibid. 118:6.
3
Ibid.
119
قضاة – األصحاح السادس عشر
إذ سمم شمشون نفسو لدليمة وكشف ليا أس ارره أنامتو عمى ركبتييا [ ...]19وفي ىذه المرة لم يقل
الكتاب" :حل عميو روح الرب" بل قال" :أخرج حسب كل مرة وأنتفض" [ .]21حينما يسمم اإلنسان
ال عمى قوتو.
لشيوات جسدية فتذلو الشيوات يفقد رعاية اهلل لو ،فيخرج لينتفض ،وكأنو يخرج بذاتو متك ً
وىكذا تمتحم محبة الشيوات باألنا ،وعوض انطالقو بالروح لمجياد ينحصر في األنا عمى ركبتي
ممذاتو.
لقد سقط الجبار ال عمى ركبتي دليمة وانما عمى ركبتي ممذاتو الزمنية؛ بسبب ىذه الممذات فتح باب
النقاش مع دليمة كما مع الحية فمم يصمد كأبويو األولين بالرغم مما أتسم بو من قوة .لو أنو أغمق باب
الحوار كيوسف مع امرأة فوطيفار ،القائل في قوة وصراحة" :كيف أصنع ىذا الشر العظيم وأخطئ إلى
اهلل؟!" وىرب دون نقاش أو عتاب وانتصر بقوة اهلل.
"لم يعمم أن الرب قد فارقو" [ ،]21ىذه ىي كارثتو أنو فقد معية الرب ،فخسر سر قوتو ،انحط
إلى المذلة بين يدي العدو ،وفقد بصيرتو ،وأقتيد إلى حيث ال يريد ،وأوثق بسالسل وصار يطحن في
بيت السجن كإحدى الحيوانات .صار سخرية في عيني األشرار بعدما كانوا ييابونو ويرتعبون منو .في
حقا إن الشيطان عدونا يسخر بالخطاه بشدة عندما تنتيك نعمة
ىذا يقول القديس أغسطينوسً [ :
المسيح ،حدث عندما نزع عن شمشون شعره .إنو يفقدىم بصيرة أعينيم ،ويضعيم في السجن،
ويجعميم كالحمير يدورون في حجر الطاحونة .]1كما يقول[ :نصحنا ربنا خالل النبي" :ال تكونوا
كفرس أو بغل بال فيم" (مز ،)9 :32حتى ال نفشل في إخضاع عنقنا لنير المسيح ونصيره كالحمار
مكرما لكنو سقط في الرذيمة ،كما فعل شمشون
ً ال أن يدور في الطاحونة ...بالحقيقة كان اإلنسان
مؤى ً
عندما ترك الحكمة والنعمة فعوقب بالعمى والطحن .ىكذا يتأىل اإلنسان لممارسة عمل الحيوانات إن
حرم نفسو من نور العقل .فمن يخضع لجسده ولممذاتو خالل تممق الشريرات يصير كالحيوانات
يطحن ،يصير كحمار أو بغل يربط في حجر الرحى بعد عصب عينيو الجسديتين فتضعفان .النفس
التي تسقط في الممذات تكون أعين ذىنيا قد أصابتيا العمى خالل فساد الحياة ،وتدور في فكرىا
األخطاء كما لو كانت تطحن في طاحونة الشيوات القاسية ،بدون بصيرة وتحت قيادة آخر :من يقف
ممموء بظممة خطاياه ...يعاني في داخمو من
ً في طريق الخطاة يربط بقيود شيواتو ،ويكون في سجنو
قيود الطاحونة .إنو يدير صخرة قمبو الذي تقسى خالل تمسكو بالشر فصار كحجر رحى ،ويطحن
1
Ibid. 120:3.
121
قضاة – األصحاح السادس عشر
1
أيضا يقول[ :من يمارس الخطايا يطحن حنطة
دقيقًا لمعدو خالل الحنطة الفاسدة التي لنفسو ] ...و ً
خبز لو تكون ىي مصدر جوع لنفسيا.]2
لمعدو خالل نخاع حياتو ليطعم الشيطان؛ بينما تصير النفس ًا
.6موت شمشون
ظن أقطاب الفمسطينيين أن إلييم داجون (نصفو األعمى عمى شكل إنسان واألسفل بدن سمكة)
ىو الذي أسمم ليم شمشون عدوىم ولم يدركوا أن سقوط شمشون ىو ثمرة مفارقة الرب لو بسبب
اما لشمشون أن يتأدب حتى يرجع إلى
انحالل حياتو في عالقتو مع دليمة .عمى أي األحوال كان لز ً
أيضا عمى شرىم ،فإن
الرب إليو بكل قمبو بعد أن يذوق ثمرة شره ،وفي نفس الوقت يتأدب الوثنيون ً
كان اهلل قد أسمم شمشون في يدىم ليسخروا بو كيفما شاءوا إنما حين يرجع بقوة أعظم ويحسب من
رجال اإليمان.
عبدا ذليالً فاقد البصيرة فيسخرون
في احتفاليم بإلييم وتقديم ذبائح لو جاءوا بشمشون ليراه الشعب ً
معانا في إذاللو إذ طابت قموبيم جعموه يرقص أماميم ليسخروا بو ويكون موضع
منو ويمجدوا إلييم ،وا ً
تسميتيم...
حقًا من يستطيع أن يعبر عن مشاعر شمشون غالب اآلالف وىو أعمى يطحن كالحيوانات في
بيت السجن ويمعب لتسميو أعدائو ...كل ىذا بسبب شيوة وقتية زائمة! ما ىي مشاعره نحو دليمة التي
سممتو جسدىا إلى حين لتسميمو ألعماق العبودية والذل!
عمى أي األحوال إذ بدأ شعر رأسو بنبت وتذلل قمبو في داخمو أدرك أن الرب يكون معو ،لذا صرخ
قمبو " :يا سيدي الرب اذكرني وشددني يا اهلل ىذه المرة فأنتقم نقمة واحدة عن عيني من
الفمسطينيين" [ .]28لقد أدرك وسط الضيق أن اهلل ىو سر قوتو ،ولم يعد يخرج لينتفض متكالً عمى
قائما عمييما واستند عمييما الواحد
ذاتو .قبض "عمى العمودين المتوسطين المذين كان البيت ً
بيمينو واآلخر بيساره ،وقال شمشون :لتمت نفسي مع الفمسطينيين .وانحنى بقوة فسقط البيت
عمى األقطاب وعمى كل الشعب الذي فيو كان الموتى الذين أماتيم في موتو أكثر من الذين أماتيم
في حياتو" [.]31-29
يعمق القديس أغسطينوس عمى األحداث األخيرة في حياة شمشون بقولو[ :السجن والطاحونة ىما
عمل ىذا العالم؛ عمى شمشون يشير إلى الذين أصابيم العمى بجحودىم ولم يعرفوا المسيح وال
1
Ibid.
2
Ibid.
121
قضاة – األصحاح السادس عشر
اختبروا سمطانو وصعوده إلى السماوات .ىذا العمى ي شير إلى ما أصاب الييود ،إذ امسكوا المسيح
وقدموه لمموت ،فإذا بو يقتل قاتميو .ليذا أحضره أعداؤه ليمعب كبيموان (بمياتشو) أماميم .الحظ ىنا
صورة الصميب .شمشون يبسط يديو لمعمودين كما لعارضتي الصميب ،لذلك بموتو غمب أعداءه ،ألن
آالمو صارت ىال ًكا لمضطيديو .لذلك يقول الكتاب" :فكان الموتى الذين أماتيم في موتو أكثر من
الذين أماتيم في حياتو" [ .]31لقد تحقق السر بوضوح في ربنا يسوع المسيح ،إذ أكمل الخالص
بموتو ىذا الذي أعمنو أثناء حياتو .]1كما يقول[ :الحقيقة المذكورة بأنو أىمك األعداء في موتو أكثر
حقا أن
مما في حياتو تعمن سر آالم المسيح ،فخالليا سقط بيت الشيطان وتيشمت مممكة الموتً .
البيت الذي ضم أقطاب الفمسطينيين يرمز إلى بيت مممكة الشيطان (فيو يعبد اإللو داجون) ،وقد جاء
عنو أنو يرتكز عمى عمودين ...ىما بال شك الطمع والممذات ،فال يوجد شر نفيمو إال وينبع عن
ىذين الشرين ...كما ىو مكتوب" :ألن محبة المال أصل لكل الشرور" ( 1تي ،)11 :6أما عن
الممذات فقيل أنيا تكدر الجسد (أم .)8 :11ىذا وأن شمشون يشير إلى ربنا يسوع المسيح ،أما دليمة
القاسية فت شير إلى المجمع ،شمشون اقتنصتو دليمة ،والمجمع اضطيد المسيح وصمبو عمى الجمجثة.
أما كون شمشون الممثل لممسيح قد أعمى فيشير إلى المسيحيين األشرار الذين آمنوا بالمسيح إلى حين
ولم يثابروا عمى اإليمان واألعمال الصالحة ...شمشون وضع في السجن بينما نزل المسيح إلى
الجحيم .شمشون بسط يديو لمعمودين فانيار بيت الفمسطينيين بأقطابو ،وبسط المسيح يديو لعارضتي
الصميب كما لعمودين فانطرح بيت الشيطان أو مممكتو وتدمر مع مالئكتو.]2
ويرى القديس إيريناؤس[ :الغالم الذي قاد شمشون بيده يشير إلى يوحنا المعمدان الذي أظير
لمناس اإليمان بالمسيح ،أما البيت الذي اجتمعوا فيو فيشير إلى العالم الذي يقطنو أمم وثنية متنوعة
جاحدة لإليمان تقدم الذبائح لألوثان ،وأن العمودين ىما العيدان إن حقيقة اتكاء شمشون عمى
العمودين تشير إلى تعمم الشعب سر المسيح (الذي ييدم الوثنية).]3
1
Ibid. 118:6.
2
Ibid. 120:4.
3
Frag from Lost Writings 27.
122
الباب الثالث
(ممحقان لمسفر)
تمثال ميخا
يقدم لنا الوحي اإلليي ىذه القصة ليكشف عن مدى العمى الروحي الذي أصاب الشعب ،فإذ
أفودا وترافيم في بيتيا ،وطمب ابنيا ميخا من أحد أوالده أن يكون
أرادت سيدة أن ترضي الرب أقامت ً
كاىنا ،حتى زارىم غالم من بني الوي فحسبوه رضى من اهلل وعالمة سروره أن يستأجروا الالوي في
ً
كاىنا.
بيتيم ً
.6-٧ .٧إقامة التمثال
.٧1-١ .١استئجار الوي كاه ًنا
.٧إقامة التمثال
"كان رجل من جبل أفرايم اسمه ميخا" [.]٧
حدثت ىذه القصة قبل أيام شمشون؛ يبدو أن ميخا كان يدعى "ميخييو" أي (من مثل ييوه) أو
"ميخائيل" أي (من مثل اهلل) ،ويرى عمماء الييود أنو قد صار اسمو "ميخا" بدل "ميخييو" ألنو عبد
األوثان .اسمو األول يدل عمى أن والديو كانا تقيين يعتقدان أن ليس مثل ييوه ،لكن والدتو انحرفت
جنبا إلى جنب مع عبادة اهلل فجعمت من الصنم مثالً هلل ،وىذا يخالف اسم ابنيا.
إلى العبادة الوثنية ً
ويبدو أن ميخا ىذا سرق من والدتو الغنية ألفًا ومئة شاقل من الفضة ،واذ لعنت السارق ،لم
يستطيع االبن أن يسمع المعنة بأذنيو فجاء بالفضة إلى أمو معترفًا [ ،]4أما ىي فرفضت أن ترد
الفضة إلى خزينتيا بل أرادت تقديسيا لمرب بعمل تمثال منحوت وتمثال مسبوك تسمميا البنيا
ليضعيما في بيتو في موضع مقدس .ىذه ىي صورة إنسانة تقية أرادت أن تقدس فضتيا المسروقة
لمرب فتقدم بيا تمثالين في بيت ابنيا ...وان كان البعض يرى أنيا لم تقصد العبادة الوثنية وانما عبادة
مقدسا لمرب .فعمل
ً اهلل الحي خالل التمثالين ...بيذا ظنت أنيا تنزع المعنة عن ابنيا ،وتجعل من بيتو
ثيابا لمكينة ،كما عمل ترافيم وىي تماثيل آشورية تستخدم كآلية خاصة بكل عائمة. أفودا أي ً
ميخا ً
ومأل ميخا يد أحد من بنيو [ ]5أي أعطاه تقدمات يقدميا لمرب ككاىن لمرب؛ ىكذا أقيم أحد أبناء
كاىنا ليس من قبل الرب بل من قبل أبيو ،فكان العمل كمو يكشف عن جيل العائمة وغباوتيا
ميخا ً
سواء في إقامة آلية أو مالبس الكينة أو الكينة أنفسيم .لكن ما حدث في ىذه العائمة كان مثالً
424
قضاة – األصحاح السابع عشر
لمفساد العام حتى تكرر القول " :وفي تمك األيام لم يكن ممك في إسرائيل ،كان كل واحد يعمل ما
يحسن في عينيه" [.]6
كاىنا حسب ىواه ،فإن كثيرين إلى يومنا ىذا
إن كان ميخا قد أقام من فضتو لنفسو إليًا ،ومن ابنو ً
يريدون أن يقيموا آلية حسب أىواءىم الخاصة ،منيم الذين تحدث عنيم الرسول بولس" :آليتيم
بطونيم" (في ،)41 :3ومنيم من كانت آليتيم كرامتيم الزمنية الخ ...أما بالنسبة لمكينة فكثيرون ال
يطمبون كينة مدعوين من اهلل يفصمون كممة الحق باستقامة وانما يريدون من أبنائيم كينة حتى
يقدمون ليم الوصية حسب أىوائيم ويشوىون الحق بما يشبع رغباتيم وممذاتيم.
425
قضاة – األصحاح الثامن عشر
ليجتو أنو الوي ،أو سمعوه يخدم فعرفوه ككاىن ،أو أنو سبق فمر بيم أثناء تجولو يطمب عمالً .بدأوا
يسألونو عن سبب مجيئو وعممو بشيء من االستغراب ،ربما ألنيم لم يكونوا يتوقعون االلتقاء بالوي
كاىن في ىذا الموقع .إذ عرفوا أنو كاىن سألوه أن يستشير الرب في أمرىم فكانت إجابتو" :اذهبوا
ظا لكم ييتم
حارسا لطريقكم وحاف ً
ً بسالم ،أمام الرب طريقكم الذي تسيرون فيه" [ ،]6أي أن اهلل يكون
بكم وينجح أعمالكم.
إنيا صورة تكشف عن بساطة قموب الكثيرين لكنيا بغير حكمة وال فيم روحي ...يشتاقون إلى
التسميم في يدي اهلل ويتعطشون إلى االلتجاه إليو لكن شركتيم مع الوثنيين أفسدت أفكارىم.
627
قضاة – األصحاح الثامن عشر
انطمق ستمائة رجل حرب من عشيرة الدانيين ومعيم نسائيم وأوالدىم وأمتعتيم [ ،]26وكأنيم
منطمقون ال لمحرب بل ليممكوا ،إذ عادة رجال الحرب أن يخرجوا لمحرب حتى يغمبوا و ٍ
عندئذ إذ
جدا بسكان اليش وحسبوا امتالكيايستولون عمى األرض يأتون بعائالتيم ،لكن ىؤالء الرجال استيانوا ً
أمر ال يحتاج إلى مجيود كبير وىو أمر محقق ،لذا أخذوا نساءىم وأوالدىم وأمتعتيم معيم ليممكوا.
ًا
إنيا صورة حية لمجياد الروحي فينطق اإلنسان كرجل حرب (روح قوية) ومعو امرأتو (جسده)
وأوالده (ثماره الروحية) وكل أمتعتو (أي طاقاتو) ...حتى إذ يستولى عمى موقع كان قد احتمو إبميس
يستقر ليممك بروحو وجسده وثماره الروحية وكل إمكانياتو المقدسة في الرب.
صعدوا وحموا في "قرية يعاريم" أي (قرية الغابات) ،وىى إحدى مدن الجبعونيين األربع (يش :9
)67عمى تخم ييوذا وبنيامين (يش 61-9 :65؛ )65-64 :68وتدعى "قرية بعل" ،من نصيب
ييوذاُ .يرجح أنيا قرية العنب التي تسمى أباغوش تبعد حوالي 9أميال غربي أورشميم.
حموا بالقرية مدة ليست بقميمة حتى دعيت "محمة دان" [ ،]62وربما كانت إقامتيم عمى حدود القرية
من ورائيم [ ،]62أي غربيا ،إذ اعتاد الكتاب أن يسمي الشرق أمام والغرب "وراء" والشمال "شمالو"
والجنوب "يمينو".
انطمقوا من قرية يعاريم إلى جبل أفرايم حيث جاءوا إلى بيت ميخا ،واذ أخبرىم الجواسيس بوجود
أفود وترافيم وتمثال منحوت وآخر مسبوك وكاىن وكأنيا مقدسات لمرب ،أصر الرجال عمى اغتصابيا
لنوال بركتيا ...فاغتصبوىا بال عائق ،ولما حاول الكاىن االعتراض ،قالوا لو" :اخرس ،ضع يدك عمى
فمك واذهب معنا وكن لنا ًأبا وكاه ًنا .أهو خير لك أن تكون كاه ًنا لبيت رجل واحد أم تكون كاه ًنا
أيضا الكاىن إذ
لسبط ولعشيرة في إسرائيل؟!" [ .]11صورة مؤلمة لمفاىيم الشعب في ذلك الحين و ً
كاىنا لجماعة كبيرة عوض تخصصو لبيت واحد .حمل ً طاب قمبو [ ]21عندما عرف أنو سيكون
الكاىن األفود والترافيم والتمثال المنحوت ألنيا أشياء خفيفة يمكن حمميا أما التمثال المسبوك فتركو
ليم لك ي يحممونو ...ودخل في وسط الشعب ليحتمي بيم من بيت ميخا .لقد وجد ما يشبع مطامعو
ومن يحميو من الناس ،لكنو لم يجد ما يشبع أعماقو وال من ينزع منو خزيو!
انطمقوا من بيت ميخا وكان األطفال والماشية والثقل قداميم [ .]26إنيم سمكوا كجسديين ،أما
متقدما الجسد (امرأتو) ومواىبو (األطفال) ،إذ يسمك الجسد بالروح
ً اإلنسان الروحي فينطمق بروحو
خاضعا لعمل الروح ،ال أن يتقدمو الجسد فتحيا الروح خاضعة لشيوات الجسد وممذاتو وال
ً القدس
متكبرة بالمواىب (األطفال).
628
قضاة – األصحاح الثامن عشر
629
قضاة – األصحاح التاسع عشر
الالوي وسريته
إن كانت قصة تمثالي ميخا تكشف عن عمى البصيرة الذي حل بالشعب ال عمى المستوى الفردي
أيضا ،فظنوا أنيم يرضون اهلل بإقامة تماثيل وأفود وترافيم مع كينة
وحده وانما عمى مستوى الجماعة ً
اغتصابا بالسرقة والعنف .فإن قصة الالوي
ً خاصة إن كانوا من سبط الوي ،حتى وان كان ذلك يتم
وسريتو التي ارتكب معيا إخوتو بنو بميعال الشر الميل كمو حتى الفجر حتى جاءت لتسقط عند الباب
ميتة ،تكشف عن بشاعة الفساد الخمقي الذي حل بيم في ذلك الحين.
031
قضاة – األصحاح التاسع عشر
قادما من الحقل ،وكان غر ًيبا عن جبعة؛ يبدو أنو رجل فقير جاء
في المساء تقدم إلييم رجل شيخ ً
يعمل كأجير طوال اليوم في الحقول .تقدم الشيخ لالوي وتعرف عميو وعرف أنو ال يجد من يستضيفو.
أيضا خبز وخمر لي وألمتك ولمغالم الذي مع عبيدك ،ليسقال الالوي" :عندنا تبن وعمف لحميرنا و ً
احتياج إلى شيء" [ ،]11وكأنو يود تأكيد أنو ليس في حاجة إال إلى المبيت .استضافو الفالح الشيخ
الفقير واذ كانوا يطيبون قموبيم إذ برجال بني بميعال يحيطون بالبيت قارعين الباب طالبين من الشيخ
أن ُيخرج الضيف .ىنا تعبير "بني بميعال" يراد بو البطالون واألشرار الذين ال يخافون اهلل.
حاول الشيخ إقناعيم بالعدول عن ذلك بإخراج ابنتو العذراء والمرأة السرية لالوي يفعمون بيما ما
شر بالالوي فمم يقبموا ...ىكذا يكشف عن استيانة الرجال بالنساء في ذلك الحين،
يشاءون وال يفعمون ًا
واستخفافيم بخطية الزنا ،فحسب إخراج ابنتو وامرأة الضيف ليم ليفعموا بيما الشر أكرم من أن يفعموا
شيئا بالضيف .أمسك الالوي بسريتو وأخرجيا إلييم إنقا ًذا لمموقف ،فصنعوا معيا الشر طوال الميل،
ً
فجاءت في الفجر وسقطت عند الباب ويداىا عمى العتبة فاقدة الحياة ...األمر الذي ربما لم يكن
يحدث لو باتوا في يبوس بين الغرباء.
جسديا بسبب ذات
ً إن كانت قد ارتكبت الشر بإرادتيا من أجل لذة الجسد ،فيا ىي تموت حتى
الخطية ،فصارت ليا شيوا تيا ىي شوكة الموت .أما بسط يدييا عمى العتبة فكان عالمة استغاثتيا
يحا ...إنيا بيذا تخاطب ضميره
برجميا الذي في جبن ألقى بامرأتو خارًجا لمشر لينام داخل البيت مستر ً
اإلنساني ،وتمثل صورة مؤلمة ال تفارق ذىنو كل أيام حياتو!
حمميا الالوي عمى الحمار وانطمق بيا في بيتو ليقطعيا بالسكين مع عظاميا إلى اثنتي عشر
عمميا بالثأر ،ويشكو ليم فظاعة بني جبعة .لقد
ً قطعة ليرسميا إلى جميع تخوم إسرائيل ،يطالبيم
مثير
وحشيا بسبب شدة غيظو ورغبتو في إثارة إسرائيل عمى جبعة ...وبالفعل كان األمر ًا
ً ارتكب عمالً
لمغاية ،حتى أن كل من رأى قطعة من جسم المرأة قال" :لم يكن ولم ُير مثل هذا من يوم صعود بني
إسرائيل من أرض مصر إلى هذا اليوم ،تبصروا فيه وتشاوروا وتكمموا" [.]31
ىذه قصة ُمرة بحق تعمن ما وصل إليو الكل من بشاعة ووحشية!
إذ كتب البابا أثناسيوس الرسولي بخصوص الم اررة التي حمت بالكنيسة بسبب األريوسيين في
خطاب دوري لألساقفة لم يجد ما يصف بو الكنيسة من معاناة فقال أن ما تعانيو الكنيسة أقسى مما
عاناه ىذا الالوي من جية زوجتو .وأقسى من كل اضطياد ،فإن الالوي تضرر في شخص واحد ىو
زوجتو أما ما فعمو أريوس فأساء إلى إيمان الكنيسة كميا.
030
قضاة – األصحاح العشرون
األصحاح العشرون
يرمون الحجر بالمقالع عمى الشعرة وال يخطئون [ .]27والعجيب أن يكون في سبط بنيامين الذي
العسر الذين يعممون بيسارىم ما يعممو غيرىم بيمينيم. يعني (ابن اليمين) ىذا العدد من ُ
ال [ ]29ومع ذلك انيزم
ال لمحاربة بني بنيامين فقال الرب :ييوذا أو ً
لقد سألوا اهلل من يصعد منيم أو ً
ألفا .وتشدد الشعب مرة أخرى وصعدوا أمام الرب وبكوا إلى
إسرائيل أمام بني بنيامين وقُتل منيم ً 33
المساء وسألوا" :هل أعود أتقدم لمحاربة بني بنيامين أخي؟ فقال الرب :اصعدوا إليه" [ ،]23وفي
ألفا .وعادوا مرة ثالثة إلى بيت إيل حيث بكوا وجمسوا
أيضا انيزم إسرائيل ومات منيم ً 29
ىذه المرة ً
أمام الرب وصاموا اليوم كمو حتى المساء وقدموا محرقات وذبائح سالمة أمام الرب وسألوا الرب حيث
غدا أدفعهم ليدك" [.]22
تابوت العيد قد نقل إلى بيت إيل ،...فجاءت اإلجابة" :اصعدوا ألني ً
لماذا انيزم بنو إسرائيل في المرة األولى والثانية مع أنيم سألوا الرب؟
أولً :ربما ألن إسرائيل لم يستشر الرب من أعماق قمبو إنما يمارس ذلك من قبيل الشكميات بعد أن
أعد نفسو لمحرب وأخذ ق ارره" :ال يذىب أحد منا إلى خيمتو وال يميل أحد إلى بيتو" [ ،]:وألقوا القرعة
ودبروا اختيار العشر منيم لمحرب ...وكأن سؤاليم لمرب إنما ىو عمل ثانوي تكميمي ،فال يحتل اهلل
المركز األول في حياتيم وال يسألونو المشورة في انسحاق واتضاع وتسميم.
ثانيا :كان سؤاليم في المرة األولى" :من يصعد لمحاربة بني بنيامين أخي؟" وكأنيم أخذوا القرار
ً
ال أن يسألوه ىل يصعدون أم بمحاربة أخييم وبقي أن يسألوه عمن يصعد لمحرب ،وكان الالئق بيم أو ً
ال ؟ لعل اهلل كان يرشدىم إلى مشورة أخرى بيا ينزع الفساد دون سفك كل ىذه الدماء.
ثالثًا :في الدفعتين األولى والثانية لم يقل ليم" :إني أدفعيم ليدك" ،فسمح ليم بالحرب لكن لم
يعدىم بالنصرة ألنو إن كان أىل جبعة قد صنعوا ىذا الفساد المر ،فإن الفساد كان قد دب في
اما أن يتأدب إسرائيل أوالً حتى إذ يقدم توبة صادقة يعود الرب فيؤدب سبط األسباط كميا ،فكان لز ً
بنيامين .اهلل ال يطمب صرخاتنا ولو طالت اليوم كمو ،إنما يطمب أوالً توبتنا ورجوعنا إليو ،فإن تقدست
أعماقنا يستجيب حتى لمصرخات الخفية وتنيدات القمب غير المسموعة.
ليتنا ال نكون كيذه األسباط نمتمئ غيرة ضد فساد اآلخرين بينما ال نبالي بالفساد الذي يدب في
حياتنا الداخمية ،حتى وان بدا فساد اآلخرين فاح ًشا إن قورن بتصرفاتنا الخفية أو الظاىرة .بمعنى آخر
لينق إسرائيل ما بالداخل حتى يقدر بالرب أن ينزع فساد الغير.
244
قضاة – األصحاح العشرون
إذ كان إسرائيل قد تأدب في الدفعتين السابقتين وتذلل بالتوبة أمام اهلل انطمق لمحرب ىذه المرة في
اليوم الثالث من بداية الحرب [ ،]3:وكما نعمم أن اليوم الثالث يشير إلى تمتعنا بقيامة السيد المسيح،
فال نصرة ضد الخطية وال غمبة عمى قوات الظممة إال بالتمتع بقوة قيامة الرب فينا.
كمينا يحيط بالجبعة وظير إسرائيل أمام بنيامين ليجتبو خارج المدينة ،واذ بدأ بنيامين
دبر إسرائيل ً
يضرب كاليومين السابقين انطمق إسرائيل البعض إلى السكك أي الطرق العامة المؤدية إلى بيت إيل
مختفيا في بعل تامار أي (إلو البمح أو التمر) وفي عراء
ً واآلخر نحو حقل جبعة ،وكان ىناك كمين
جبعة ،أي في أرض بال شجر وال بيوت مختف وراء الصخور...
انطمق الكمين المختفي وراء المدينة واقتحميا وضربيا بالسيف واذ أشعميا بالنار وصعد الدخان
ألفا من مخترطي الحرب منيم 29111قتموا
نحو السماء خرج الكمين اآلخر فسقط من بنيامين ً 36
في الحرب 6111 ،في الطرق 3111 ،عند صخرة رمون (صخرة الرمان) فيكون المجموع ،36111
ال إلى صخرة رمون ليقيموا ىناك 5
وبشيء من التدقيق 36211نسمة [ ،]46وقد ىرب 711رج ً
أشير [ ، ]58ربما تركيم اإلسرائيميون استيانة بعددىم .أما بقية رجال حرب بنيامين الذين كانوا يبمغون
فغالبا ما قتموا في اليومين األولين حينما غمب بنيامين إسرائيل.
37811نسمة ،أي ألف نسمة ً
ال،
عمى أي األحوال خسر إسرائيل في اليومين األولين حوالي 51أ ًلفا وفي اليوم الثالث ثالثين رج ً
وخسر بنيامين كل رجالو إما مقتولين أو ىاربين ...ىذه ىي ثمرة الخطية والفساد.
245
قضاة – األصحاح الحادي والعشرون
مرارة في إسرائيل
إذ تحطم سبط بنيامين شعر إسرائيل أنو فقد سبطًا بأكممو من أسباطو االنثن عشر ،فحدث م اررة
وندم.
.1ندم إسرائيل
غمب إسرائيل بنيامين لكن بقيت النفوس مرة ،فقد شعر إسرائيل أنو فقد سبطًا من أسباطو االنثن
صخرة رمون ،وكانوا قد أقسموا قبالً ف عشر ،إذ لم يبق منو إالّ ستمائة رجل حرب ىاربين ف
نيائيا .لذلك جاء
المصفاة أال يسمم أحد ابنتو زوجة لبنيامين ،وكأنيم بيذا حكموا عمى السبط بالزوال ً
عظيما.
ً بكاء
ً الشعب إلى بيت إيل وصار يبك
ندم إسرائيل ...واذ كانوا قد حذروا كل مدينة ال تشترك معيم ف الحرب أرسموا 56ألفًا من رجال
الحرب إلى مدينة يابيش جمعاد ،المدينة الوحيدة الت لم تشترك مع الجماعة ف الحرب ،فضربوا
المدينة بحد السيف وقتموا رجاليا ونساءىا وأطفاليا ما عدا الفتيات العذارى ،وكان عددىن 844فتاة.
بنيامينيا أعطوىم الفتيات نساء ليم
ً أتوا بالفتيات إلى شيموه ،واذ تصالح إسرائيل مع الـ :44رجالً
إلحياء السبط من جديد.
579
قضاة – األصحاح الحادي والعشرون
وقد ُختم السفر بالعبارة " :في تمك األيام لم يكن ممك في إسرائيل ،كل واحد عمل ما حسن في
عينيه" [ .]21وكأن غاية ىذا السفر إعالن فساد قمب اإلنسان ورغبتو ال ف الحرية وانما ف اإلباحية
ليعمل حسب ىواه بال ضابط.
57:
المحتويات
5 مقدمة ...............................................................................
6 قضاة ...............................................................................
الباب األول:
77 حال الشعب بعد يشوع (مقدمة السفر) ...............................................
73 األصحاح األول :االستيالء عمى بقية كنعان .......................................
33 األصحاح الثاني :مقدمة في الهوتيات السفر ......................................
الباب الثاني:
38 عصر القضاة .......................................................................
39 األصحاح الثالث :عثنيئيل بن قناز ................................................
37 األصحاح الرابع :دبورة النبية وباراق ...............................................
55 األصحاح الخامس :تسبحة دبورة .................................................
56 األصحاح السادس :مالك الرب وجدعون .........................................
67 األصحاح السابع :جدعون والمديانيون ............................................
75 األصحاح الثامن :قتل زبح وصممناع .............................................
88 األصحاح التاسع :فتنة أبيمالك ...................................................
88 األصحاح العاشر :انحراف إسرائيل ...............................................
97 قاضيا .......................................
ً األصحاح الحادي عشر :إقامة يفتاح
97 األصحاح الثاني عشر :حرب يفتاح مع أفرايم .....................................
788 األصحاح الثالث عشر :شمشون ..................................................
785 األصحاح الرابع عشر :زواج شمشون بأممية ......................................
777 األصحاح الخامس عشر :صراع شمشون مع العدو ...............................
775 األصحاح السادس عشر :شمشون ودليمة .........................................
الباب الثالث:
733 حادثتان أثناء عصر القضاة (ملحقان للسفر) ........................................
735 األصحاح السابع عشر :تمثال ميخا ..............................................
737
736 األصحاح الثامن عشر :اغتصاب التمثالين والكاهن ...............................
738 األصحاح التاسع عشر :الالوي وسريته ...........................................
733 األصحاح العشرون :حرب ضد سبط بنيامين .....................................
735 األصحاح الحادي والعشرون :م اررة في إسرائيل ...................................
738