You are on page 1of 199

‫إعداد‪ :‬محمدكامل‬

‫والنصوص‬
‫األبحاث‬
‫جائزة أبو الحسن سالم في البحث العلمي‬
‫حضور التراث الشعبي يف إخراج النص الشكسبيري‬ ‫البحث الفائز‬
‫مناذج مختارة من عروض حلم ليلة صيف عربيا وعامليا‬ ‫لعام ‪2022‬‬
‫الباحثة شيماء محمد إسماعيل‬

‫مسابقة املونودراما‬ ‫مسابقة النصوص القصيرة‬ ‫مسابقة النصوص الطويلة‬


‫مونودراما‪ :‬راقص الفالمنكو‬ ‫مسرحية‪ :‬السيدة إيزيس‬ ‫مسرحية ‪ :‬سادل احلياة الطريف‬
‫تأليف‪ :‬سيد محمد عبد الرازق‬ ‫تأليف‪ :‬أمين هشام حسن‬ ‫تأليف‪ :‬ميثم هاشم طاهر‬

‫جائزة يسري الجندي في التأليف المسرحي‬

‫إعداد‪ :‬محمدكامل‬
‫والنصوص‬
‫األبحاث‬
‫مهرجان شرم الشيخ الدولي‬
‫للمسرح الشبابي‬
‫الدورة السابعة ‪2022‬‬

‫األبحاث‬
‫والنصوص‬
‫إعداد وتقدمي‬
‫محمد أحمد كامل‬
‫إخراج فني‪ :‬وليد يوسف‬
‫‪2‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫برعاية‪:‬‬
‫• وزارة الثقافة‬
‫• محافظة جنوب سيناء‬
‫• وزارة السياحة واآلثار‬
‫شارك فى التأسيس‪:‬‬
‫• جمعية نادى املرسح املرصي للثقافة والفنون‬
‫• الهيئة املرصية العامة للتنشيط السياحى‬
‫الشركاء الرئيسني‪:‬‬
‫• الهيئة العامة لقصور الثقافة‬
‫• الهيئة الدولية للمرسح‬
‫• الهيئة العربية للمرسح‬
‫• بلدية ظفار‬
‫• مرسح الشارقة الوطني‬
‫• املجلس األعىل للثقافة‬
‫• البيت الفنى للفنون الشعبية واالستعراضية‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫الشريك اإلعالمى‪:‬‬
‫• الكيان‬
‫الفندق الشريك‪:‬‬
‫• مجموعة درميز للمنتجعات السياحية‬
‫الناقل الرمسى احمللى‪:‬‬
‫• رشكة انشنت تريجر‬
‫الراديو الرمسى‪:‬‬
‫• انرجى ‪NRG‬‬
‫الشريك الطيب‪:‬‬
‫• داوو كلينك‬
‫الشريك الصحفي‪:‬‬
‫• بوابة أخبار اليوم‬
‫بالتعاون مع‪:‬‬
‫• نقابة الفنانني العراقيني‬
‫• نقابة الفنانني الكويتني‬
‫• املركز الثقاىف اإليطاىل‬
‫• نقابة املهن السينامئية‬
‫• ماز إيجانيس‬
‫• دار حاىب للنرش‬
‫• مؤسسة إتجاهات‬

‫‪3‬‬
‫الفنان واملخرج‬
‫مازن الغرباوى‬
‫مؤسس ورئيس املهرجان‬

‫دورة سابعة تضاف لعمر مهرجان أصبح اآلن على خارطة مهرجانات الصف األول على‬
‫صعيد الوطن العربي و العالم أجمع‪ ،‬إن مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي‬
‫مازال على عهده بشباب مصر املبدع الذي ال تعيقه أزمات وال تثنيه حتديات ألنه قادر على‬
‫صنع مستقبله ورسم مساره بيده من خالل تفكيره اإلبداعي الطموح املستند إلى عراقة‬
‫هذه احلضارة وإميان هذا الشعب بقدرته الدائمة على البناء‪.‬‬
‫لقد كان احللم يف بدايته صعبا أو مستحيال وهو أن تقام على أرض سيناء وبعيداً عن‬
‫األماكن التقليدية فعالية فنية دولية كبرى حتتضن إبداعات املسرحيني الشباب من جميع‬
‫أنحاء العالم‪ ،‬حلم حتقق مع إقامة الدورة األولى من هذا املهرجان فى عام ‪.2016‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫واآلن قد مرت ست سنوات وسنة سابعة تلوح يف األفق‪ ،‬تتويج سنوي جلهد يستمر‬
‫لعام كامل من العمل الشاق واجلهد املضني ‪ ..‬فقط لنجتمع مجددا هنا حتت هذه‬
‫السماء وفوق هذه األرض ‪ ..‬أرض السالم‪ ،‬لنعلن معا وسويا بدء فعاليات دورة جديدة‬
‫من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي و ذلك بعد أيام قليلة من استضافة‬
‫مصر للعالم أجمع خالل قمة املناخ العاملية لتؤكد مصر دائما وأبدا أنها األم احلاضنة‬
‫لكافة شعوب العالم فهي األولى على األرض وستظل األبقى على جميع األصعدة‪.‬‬
‫و جندد القول أن احللم لم يقتصر على إقامة املهرجان فقط‪ ،‬بل أنه ككل األحالم‬
‫ظل ينمو ويكبر ويدفعنا جميعا ً لتحقيق ما هو أكثر‪ ،‬لنضع بني أيديكم اليوم نتاج عمل‬
‫مؤسسي حقيقي يقوم فيه كل فرد بدور محدد منوط به وهو قادر على إجنازه‪ ،‬ليبقى‬
‫احللم األكبر متوجا باستدامة هذا املهرجان ليكون دليالً راسخا ً على أن الثقافة والفنون‬
‫االستثمار احلقيقي لتظل راية التنوير التي حتملها مصر حكومة وشعبا ً عالية خفاقة‪.‬‬
‫إن هذا املهرجان لم يعد مجرد فعالية سنوية تقام كل عام من أجل االحتفاء باملسرح‬
‫وفنونه فقط‪ ،‬وإمنا حتول إلى جسر حقيقي للتواصل بني شباب العالم‪ .‬واستطعنا‬
‫أن نبنى جسورا من خالل تواصلنا مع أهلنا وذوينا على أرض سيناء يف الوديان‬
‫واملدن ‪ -‬فى الشمال واجلنوب‪ ،‬والوصول إليهم بل وتشجيع بعضهم على التطوع‬
‫بشكل فعال داخل أروقة املهرجان‪ ،‬ذلك ألنهم أمنوا بالرسالة التنويرية للفن وأحقيتهم‬
‫يف امتالك أحالمهم وحتقيقها ومنها هذا املهرجان‪ .‬إن كنا قد بدأنا بحلم بسيط‬
‫فها هو احللم يكبر ليؤكد أن مصر قادرة بشبابها وأن ريادتها يف كل مجال هي ريادة‬
‫مستحقة ونتيجة حتمية على قدرة هذا الشباب على البناء نحو مستقبل أكثر ازدهاراً‬
‫ال يسعني يف بداية هذه الدورة إال أن أشكر كل من دعم وحفز‪ ،‬وكل عمل بجد وإصرار وكل‬
‫من انتقد من أجل صورة أكثر بهاءاً ‪ ..‬فلوال هذا الدعم وذلك العمل وتلك االنتقادات رمبا‬
‫لم نكن لنتمكن من االستمرار بهذا الزخم احلقيقي فباألصالة عن نفسي وبالنيابة عن كل‬
‫من شارك ولو بحبة عرق أو كلمة بسيطة يف إقامة فعاليات هذه الدورة أتقدم لكم بعظيم‬
‫الشكر على حضوركم وأقدم لكم وافر املحبة والتقدير ‪ ..‬سالم للعالم أجمع من مصر على‬
‫لسان شبابها وقلبها النابض ‪ ..‬سالم لنا جميعا ً من شرم الشيخ مدينة السالم‬

‫‪4‬‬
‫د‪ .‬إجني البستاوي‬
‫مدير عام املهرجان‬

‫ونحن يف مستهل السنة السابعة من عمر املهرجان ال يسعني غير الشعور بالغبطة من‬
‫وصولنا إلى إيقاع عمل متناغم بني اللجنة العليا للمهرجان وجلانه التنفيذية هو السر‬
‫الكامن وراء إجناح إقامة الدورات السابقة والوصول إلي إقامة دورة سابعة نترك لكم أنتم‬
‫كما اعتدنا احلكم على جناحها عقب انتهاء فعالياتها‪ .‬هذا التناغم هو املفتاح أمام تطوير‬
‫األداء الذي يشهده املهرجان يف كل دورة من دورات انعقاده‪ .‬لقد بدأ املهرجان مبسار‬
‫تسابقي واحد واآلن وصلنا إلى ثالث مسارات تسابقية للعروض وثالث مسارات أخرى‬
‫للمتسابق يف مجاالت التأليف املسرحي والبحث العلمي والعمل األول للشباب واحتفاء‬
‫سنوي بأفضل شخصية مسرحية شابة وعلى مدار سبع سنوات متكن املهرجان من تأسيس‬
‫نفسه على اخلارطة الدولية للمهرجانات املسرحية التي تدعم إبداعات الشباب وليس أدل‬
‫على هذا من كم بروتوكوالت التعاون التي وقعها املهرجان مع هيئات مسرحية عربية ودولية‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫مرموقة وحجم احلفاوة والترحاب بإقامة كل دورة وحجم اإلقبال من املبدعني املصريني‬
‫والعرب والعامليني على املشاركة يف فعاليات املهرجان‪ .‬فمنذ نشأت فكرة هذا املهرجان‪،‬‬
‫ومنذ إقامة دورته ‪ -‬األولى منذ ست سنوات‪ ،‬كان الهدف دائما غير مقتصر على إقامة دورة‬
‫من مهرجان وإمنا هو كيفية التأكد من أن التأثير املطلوب من املهرجان قد حتقق‪ .‬لذلك‬
‫كان تطوير األداء العام للجان املهرجان هو الهدف األصعب واملستمر‪ ،‬يقف وراء جيش جرار‬
‫من املتطوعني الشباب ومن الناصحني واملحبني من ذوي اخلبرة من كبار الفنانني يف مصر‬
‫والعالم ‪ .‬كان الهدف التأكد من استمرارية هذا الكيان بجهد كل املخلصني ونصائحهم‬
‫ودعمهم الدائم وكان القرار هو أن يبدأ اإلعداد للدورة اجلديدة صبيحة يوم مغادرة الوفود‬
‫لشرم الشيخ يف الدورة املنتهية‪ ،‬وبالطبع فإن خطوة اإلعداد األولى تبدأ بتقييم األداء عن‬
‫الدورة السابقة وحتديد مواطن الضعف والقوة والنجاحات واإلخفاقات وأسبابها‪ .‬تلك‬
‫هي خبرتنا املتراكمة على مدار اإلعداد لسبع دورات متتالية يف ظل ظروف متغيرة تصل‬
‫يف قسوتها أحيانا ً إلى التهديد بإلغاء الدورة كما سبق وواجهنا يف الدورة اخلامسة بسبب‬
‫جائحة كورونا‪ ،‬األمر الذي اقتضى التحلي ببعض املرونة وتأجيل موعد املهرجان عن موعده‬
‫الطبيعي بدال من إلغائه فكان لنا السبق بافتتاح أولي الفعاليات الفنية بعد مرور املوجة‬
‫األولي األشد قسوة من اجلائحة مؤكدين على قدرة شباب املسرح دائما على الصمود‬
‫واإلبداع يف أحلك الظروف‪.‬‬
‫إن قدرة املهرجان على االستمرار وتطوير أدائه املستمر لم يكن ليتحقق لوال ما توليه‬
‫الدولة املصرية ممثلة يف وزارة الثقافة بكافة هيئاتها ومحافظة جنوب سيناء بكافة أجهزتها‬
‫من عناية ورعاية ودعم اتساقا ً مع استراتيجية بناء وعي املواطن املصري‪ ،‬فما تغرسه من‬
‫قيم بني الشباب حصاد مستحق لنا يف املستقبل‪ .‬كذلك نثمن كل اجلهود التي بذلت من‬
‫الكيانات املسرحية املصرية والعربية لدعم هذا املهرجان‪ ،‬فشكراً لكل حبة عرف سالت‬
‫من أجل أن تلقاكم هنا يف موعدنا السنوي لنحتفل معا ً بشمعة جديدة نضيئها يف عمر هذا‬
‫املهرجان ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫اللجنة العليا للمهرجان‬
‫الوظيفة داخل اللجنة العليا‬ ‫االسم‬ ‫م‬
‫رئيسا‬ ‫الفنان القدير محمد صبحى‬ ‫‪1‬‬
‫عضوا ‪« -‬الرئيس الشرفى للمهرجان»‬ ‫‪ 2‬سيدة املسرح العربى سميحة أيوب‬
‫عضوا ‪ -‬مؤسس ورئيس املهرجان‬ ‫الفنان واملخرج مازن الغرباوى‬ ‫‪3‬‬
‫عضوا ‪ -‬مدير عام املهرجان‬ ‫د‪ .‬إجنى البستاوى‬ ‫‪4‬‬
‫عضوا‬ ‫د‪ .‬عادل عبده‬ ‫‪5‬‬
‫عضوا‬ ‫د‪ .‬هشام عزمي‬ ‫‪6‬‬
‫عضوا‬ ‫د‪ .‬سامح مهران‬ ‫‪7‬‬
‫عضوا‬ ‫د‪ .‬دينا أمني‬ ‫‪8‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫عضوا‬ ‫الفنان طارق صبري‬ ‫‪9‬‬

‫اللجان التنفيذية للمهرجان‬


‫مقرر اللجنة‬ ‫اسم اللجنة‬ ‫م‬
‫ندى عزيز‬ ‫جلنة التنسيق واملتابعة واملدير التنفيذي للمهرجان‬ ‫‪1‬‬
‫محمد طارق‬ ‫‪ 2‬جلنة املنصات الرقمية واملدير التنفيذي املساعد‬
‫مادونا سمير‬ ‫جلنة العالقات العامة وسكرتارية املهرجان‬ ‫‪3‬‬
‫عدنان درويش‬ ‫مسئول النقل‬ ‫‪4‬‬
‫جمال عبد الناصر‬ ‫جلنة اإلعالم‬ ‫‪5‬‬
‫إبراهيم احلسيني‬ ‫جلنة النشر‬ ‫‪6‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬مصطفى سليم‬ ‫جلنة اإلصدارات والندوات‬ ‫‪7‬‬
‫محمد دسوقي‬ ‫جلنة األفالم والتوثيق‬ ‫‪8‬‬
‫نور السيد‬ ‫جلنة التجهيزات الفنية‬ ‫‪9‬‬
‫علي السوري‬ ‫مدير التسويق‬ ‫‪10‬‬
‫محمد فاضل‬ ‫مدير املواقع اإللكترونية والسوشيال ميديا‬ ‫‪11‬‬
‫ساندرا عزت البنا‬ ‫مكتب رئيس املهرجان‬ ‫‪12‬‬

‫‪6‬‬
‫رسالة حب وامتنان‬
‫ونحن يف مستهل فعاليات الدورة السابعة من مهرجان شرم‬
‫الشيخ الدولي للمسرح الشبابي‪ ،‬يتشرف فريق عمل املهرجان‬
‫بكافة جلانه التنفيذية بإهداء هذا اإلصدار ألحد أهم أعمدة‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫املهرجان منذ دورته األولى‪ ،‬األستاذ واملعلم واألب الكبير لنا‬


‫جميعا‪ ،‬الذي نستلهم منه دائما ‪ ..‬القوة والصبر واإلصرار على‬
‫العطاء واإلخالص بال حساب‪ ،‬غمرنا بحبه وعلمه ولم يبخل على‬
‫أحد ممن عرفه بقطرة عرق أو جهد واحدة‪ ،‬فلن تويف كلماتنا‬
‫جميعا حبنا وامتناننا لرئيس جلنة اإلصدارات والندوات مبهرجان‬
‫شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي ورئيس قسم الدراما والنقد‬
‫املسرحي باملعهد العالي للفنون املسرحية بالقاهرة‪ ،‬األستاذ‬
‫الدكتور مصطفي سليم‬

‫محمد أحمد اكمل‬

‫‪7‬‬
‫جائزة أبو احلسن سالم يف البحث العلمي‬
‫النسخة الثانية ضمن فعاليات الدورة السابعة‬

‫الشروط والضوابط العامة للمشاركة‬


‫‪ - 1‬أن يتراوح البحث بني ‪ 10000-5000‬كلمة‪ ،‬كحد أقصى‪.‬‬
‫‪ - 2‬تقدمي البحوث باللغة العربية‪.‬‬
‫‪ - 3‬مراعاة قواعد اللغة العربية فى الكتابة‪ ،‬ويف الترقيم‪.‬‬
‫‪ - 4‬يجب أن ميتاز العمل املقدم بالسالمة اللغوية‪.‬‬
‫‪ - 5‬إخراج البحث فى حلة متناسقة وجميلة‪ ،‬احتراما ً للمتلقي‪ ،‬والقارئ‬
‫العربي‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫ّ‬
‫‪ - 6‬أل يكون البحث منشوراً‪ ،‬أو مقدما ً باعتباره بحثا لنيل اإلجازة‪ ،‬أو‬
‫املاجستير‪ ،‬أو حتى جزء من أطروحة الدكتوراه‪ ،‬أو مت تقدميه ألهداف‬
‫الترقية العلمية‪ ،‬وذلك قبل وأثناء وقت املسابقة‪ ،‬وميكن استخدامه يف أي من‬
‫هذه األغراض بعد املسابقة‪.‬‬
‫‪ّ - 7‬أل يكون البحث قد فاز بجائزة مشابهة‪.‬‬
‫‪ - 8‬جدية املوضوع املطروح وأصالته املعرفية‪ ،‬وجدته النظرية يف مقاربة‬
‫الظواهر النقدية املسرحية‪.‬‬
‫‪ - 9‬التحديد الواضح لإلشكالية البحثية من خالل تغطية ما سبق إجنازه‬
‫من دراسات حولها‪ ،‬مع مراعاة حتري األمانة العلمية يف التعامل مع تلك‬
‫األبحاث السابقة‪.‬‬
‫‪ - 10‬مراعاة شرط االبتكار‪ ،‬واإلبداع تناول املوضوع‪ ،‬والبحث عن سبل‬
‫مفهمة القراءة املنجزة‪.‬‬
‫‪ - 11‬التحديد الواضح للمنهج املستخدم يف دراسة اإلشكالية البحثية‪.‬‬
‫‪ - 12‬ضرورة العناية بالتوثيق السليم والتام لقائمة مصادر البحث‬
‫ومراجعه‪ ،‬وذلك عبر كتابة كل مصدر بلغته األصلية وباللغة العربية أيضا‪.‬‬
‫‪ - 13‬وضع إطار مرجعي للمفاهيم‪ ،‬واملصطلحات املستخدمة يف البحث‪،‬‬
‫وكتابة املقابالت باللغة األجنبية التي أخذت منها يف حالة اإلحالة عليها‪.‬‬
‫‪ - 14‬إال يتجاوز عمر الباحث ‪ /‬الباحثة خمسة وثالثون عاما يف نوفمبر‬
‫‪2021‬‬
‫‪ - 15‬تتاح جائزة البحث العلمي هذا العام لكافة الباحثني املصريني‬

‫‪8‬‬
‫والعرب‪.‬‬
‫‪ - 16‬التيمة األساسية ملوضوع املسابقة هذه الدورة بعنوان (مسرح الشارع‬
‫والفضاءات غير التقليدية – األسس الفلسفية والرهانات اجلمالية)‪.‬‬
‫‪ - 17‬عدد صفحات البحث يف حدود ‪ 50‬صفحة‪.‬‬
‫‪ - 18‬ال تقبل البحوث التي سبق نشرها‪.‬‬
‫‪ - 19‬تكتب البحوث واألوراق العلمية باستخدام برنامج ‪ Word‬مع‬
‫استعمال خط ‪ Traditionnel Arabic‬بحجم ‪ ،16‬و‪Times New‬‬
‫‪ Roman‬بالنسبة للبحوث واألوراق العلمية املكتوبة باللغة الفرنسية‬
‫واالجنليزية بحجم ‪ ،14‬ومسافة األسطر‪ 1.5 :‬سم‪.‬‬
‫‪ - 20‬ترفق البحوث مبلخصات باللغة العربية‪ ،‬وكلمات مفاتيح يف حدود‬
‫‪ 50‬كلمة‪.‬‬
‫املرفقات الالزمة‪:‬‬
‫‪ .1‬صورة من جواز السفر‪ ،‬أو إثبات الهوية‪.‬‬
‫‪ .2‬سيرة ذاتية مفصلة‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫‪ .3‬صورة شخصية‪.‬‬
‫‪ .4‬إقرار بعدم فوزه البحث املقدم بجائزة أخرى مشابهة‪.‬‬
‫‪ .5‬إقرار بعدم نشر البحث قبل مروره على جلنة حتكيم اجلائزة‪.‬‬
‫متنح جائزة أبو احلسن سالم للبحث العلمي‪:‬‬
‫املركز األول‪ :‬قيمة اجلائزة ‪ 8‬األف جنيها مصريا متنح للحاصل علي املركز‬
‫األول لنيل جائزه أبو احلسن سالم للبحث العلمي يف الدورة السادسة من‬
‫مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي‪.‬‬
‫وشهادة موثقة من رئيس املهرجان ستنشر يف املجلة املحكمة للمهرجان‬
‫مستقبال‪ ،‬باإلضافة إلى درع الدورة‪.‬‬
‫ستتم استضافة الفائزان باجلائزة حلضور فعاليات الدورة السابعة من‬
‫مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي واملنعقد من ‪ 30 - 25‬نوفمبر‬
‫‪ 2022‬وكذلك املشاركة املجانية بأحد الورش التي تقدمها إدارة املهرجان‪.‬‬
‫مواعيد اجلائزة‬
‫تفتح اجلائزة يف وجه املرشحني املصريني والعرب ابتداءا من يوم اإلثنني‬
‫املوافق ‪ 26‬أغسطس ‪ 2022‬وآخر موعد لتلقي الترشيحات واألطروحات هو‬
‫يوم اخلميس املوافق ‪ 26‬أكتوبر ‪.2022‬‬
‫علي أن يتم إرسال األبحاث علي العنوان اإللكتروني التالي‪sitfy. :‬‬
‫‪ magazine@gmail.com‬مع كافة املرفقات السابق ذكرها‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫جائزة املسرح الشبابي يف البحث العلمي‬
‫(جائزة أبو احلسن سالم ‪ -‬النسخة الثانية‬
‫ضمن فعاليات الدورة السابعة)‬

‫جلنة التحكيم‬
‫جلنة التحكيم وتقوم بتحكيم األبحاث املتقدمة ملسار التسابق‬
‫اخلاص بالبحث العلمي وتضم يف عضويتها كال من‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬

‫‪10‬‬
‫أبو الحسن سالم ‪...‬‬
‫تاريخ من اإلبداع والتميز‬
‫محمد أحمد اكمل‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫لإلبداع سح ٌر خاص يكمن يف الكلمات التي تتألأل علي سطور‬


‫الكتب واملقاالت‪ ،‬الكلمة التي تسأل عبد الرحمن الشرقاوي يف‬
‫مسرحيته الشعرية احلسني ثائراً حني قال‪« :‬أتعرف ما معنى‬
‫الكلمة‪ ،‬مفتاح اجلنة فى كلمة‪ ،‬دخول النار على كلمة‪ ،‬وقضاء اهلل‬
‫هو كلمة‪ ،‬الكلمة نور‪ ..‬وبعض الكلمات قبور»‪ .‬فاملسؤولية الواقعة‬
‫علي عاتق املبدع يف حتمله ملعني ومغزى كلماته ملسئولية ليست‬
‫بالقليلة‪ ،‬ومن هنا تكمن قيمة املبدع احلق ومن يحفظ هبة اهلل‬
‫عليه ويراعي ما يكتب عند غوصه إلي أعماق موهبته ليطير‬
‫يف سماء األبداع محلقا ً بخياله منغمسا ً بأفكاره ليخلق إبداعا‬
‫نتاج موهبته الفذة باهراً كل من يطلع علي إبداعه‪ ،‬فاملوهوب هو‬
‫املختار من اهلل واألبداع هي الهبة اإلضافية التي يثني اهلل بها‬
‫علي صفوة املوهوبني‪ .‬وكم هو رائع أن جتد مبدعا يحافظ علي‬
‫موهبتيه وينميها ويتألق بها‪.‬‬
‫وكم من مبدع يف كافة املجاالت إعالمية كانت أم فنية لكلماته‬

‫‪11‬‬
‫تأثيرأ واضحا وفعاالً يف متابعيه‪ ،‬لكن يبقي اإلبداع مقتصر‬
‫علي مجاال بعينه قد يكون مبدعه موهوبا ً يف فئة أخرى يف نفس‬
‫املجال لكن إبداعه يقتصر علي مجال بعينه فعلي سبيل املثال ال‬
‫احلصر» قد يكون مؤلف مسرحي موهوب لكنه مبدع يف البحث‬
‫العلمي» وهذا املثال ينطبق علي أحد عظماء البحث العلمي يف‬
‫مصر والوطن العربي‬
‫فهو كاتب وناقد ومخرج مسرحي من مواليد طما – سوهاج‬
‫عام‪ 1941‬حاصل علي الدكتوراه عن (اإليقاع يف فنون التمثيل‬
‫واإلخراج املسرحي) ‪ 1986‬وهو أستاذ علوم املسرح بجامعة‬
‫اإلسكندرية – قسم املسرح ‪ -‬كلية اآلداب باإلضافة لكونه‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫مدير املحكي املسرحي بقلعة قايتباي باإلسكندرية – املركز‬
‫القومي للفنون التشكيلية ‪ - 1982‬رئيس قسم املسرح بآداب‬
‫اإلسكندرية‪ .‬بدأت ممارساته للمسرح مخرجا ً هاويا ً يف عام‬
‫‪1964‬م ‪ .‬وهو عضو بنقابة املهن التمثيلية ( شعبة نقد) وباحتاد‬
‫الكتّاب‪ ،‬أخرج ما يزيد على ‪ 40‬عرضا ً مسرحيا ً كتب العديد‬
‫من املسرحيات و عشرات الدراسات املسرحية يف علوم املسرح‬
‫وفنونه ونقده ونظرياته وجمالياته‪.‬‬
‫هو أبو احلسن سالم الذي ارتبط اسمه بالبحث العلمي مع‬
‫كل هذا اإلجناز يف املجال املسرحي بني األخراج والتأليف‪،‬‬
‫ألفكاره يف البحث العلمي ريادتها ولنظرته الفلسفية يف البحث‬
‫يف علوم املسرح واألدب أصالتها فقد رأي أن املخرج املسرحي‬
‫ال يقتصر دوره علي كونه علي دراية ووعي باخلطاب الدرامي‬
‫للنص وكيفية إخراجه للنور وحسب‪ ،‬فعليه أن يكون على دراية‬
‫تامه بكل ما يحيط بالنص املسرحي املؤلف من كافة نواحية‬
‫اجتماعيا وسياسيا وثقافيا ليكون العرض ملما ً بكافة اجلوانب‬
‫املطلوبة لتصل الرؤية بصوره واضحة للمتلقي‪ ،‬وهذا ما حاول‬

‫‪12‬‬
‫منذ صغره أن يطبقه حني أسس فرقة املسرح السياسي ‪1964‬م‪،‬‬
‫ومن بعدها فرقة مسرح السامر باإلسكندرية ‪ ،1969‬وغيرهم‬
‫من الفرق املسرحية التي كان أثره يف إنشائها واضحا ً أمثال‬
‫فرقة سيد درويش االستعراضية الغنائية ‪1973‬م‪ ،‬جمعية الدراما‬
‫‪ 1976‬م‪ ،‬ومسرح قلعة قايتباي ‪1981‬م ‪ .‬ولم يقتصر نشاطه يف‬
‫نشر الفن علي خشبة املسرح فحسب بل خاض جتارب أخرى‬
‫علي اجلانب العلمي وشارك يف تأسيس قسم املسرح بآداب‬
‫اإلسكندرية ‪1982‬م‪ ،‬ودبلوم دراسات مسرح الطفل بكلية رياض‬
‫األطفال ‪1989‬م‪ ،‬وشعبة املسرح بقسم اإلعالم بجامعة امللك‬
‫سعود ‪1991‬م ‪.‬‬
‫ليصبح أثره ممتداً ملسافات طويلة علي املستوي العلمي والفني‬
‫ونظراً لتفرده يف الفكرة والبحث العلمي جند أن له عددا ال بأس‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫به من الكتب البحثية املنشورة بداية من املسرح وتراثه مروراً‬


‫مبعانات النص عند الترجمة وحتي معمار النص ومعمار العرض‬
‫املسرحي قد حتدث عنه وأخيرا وليس أخرا شغل فكرة املسرح‬
‫واملجتمع ومدي تأثره باإلرهاب وما يحيط باملجتمع من مخاطر‪،‬‬
‫فالنص املسرحي يخرج من نبض املجتمع حتي إن كان النص‬
‫مجتمع أخر وكثير ما يرتبط‬
‫ٍ‬ ‫مترجما فهو من نسيج أحداث‬
‫ترجمة النصوص مبا حتمله من تشابه يف الشكل أو املضمون‬
‫مع مجتمع املترجم بشكل أو بأخر سواء يف الفكرة أو املضمون‬
‫يف فترة زمنية ما‪.‬‬
‫واستكماالً إلبداعه علي مستوى العمل األكادميي فأن له العديد‬
‫من الكتابات من املقاالت والدراسات املتخصصة يف مجالت‬
‫الثقافة املصرية وجرائدها‪ ،‬مجلة املسرح املصرية وجريدة‬
‫القاهرة‪ ،‬ومجلة إبداع‪ ،‬وآفاق ثقافية‪ ،‬وتراث املسرح ‪ .‬وكذلك‬
‫يف املجالت واجلرائد الثقافية السعودية مثل الرياض‪ ،‬اجلزيرة‪،‬‬

‫‪13‬‬
‫املنهل‪ ،‬املدينة‪ ،‬املسائية‪ ،‬اليوم‪ ،‬قوافل‪ ،‬عكاظ‪ ،‬رؤى‪ ،‬الفيصل‪،‬‬
‫البالد ‪ .‬هذا باإلضافة إلي تسجيل العديد من اللقاءات الثقافية‬
‫حول املسرح واألنشطة يف التليفزيون املصري ( األولى والثانية‬
‫واخلامسة) وقناة النيل الثقافية‪ ،‬و‪ ،MBC ،ART‬وأوربت ‪.‬‬
‫ومع كل هذا األبداع علي املستوي البحث األكادميي واألخراج‬
‫املسرحي جند أن له بصمة كممثل حني شارك بالتمثيل يف‬
‫مسلسالت تليفزيونية تاريخية مثل‪« :‬ال إله إالّ اهلل‪ ،‬األبطال‪،‬‬
‫رحالت بنت بطوطة‪ ،‬حتت ظالل السيوف‪ ،‬فارس السيف‬
‫والقلم‪ ،‬األبطال»‪ ،‬حيث استهدفت املمارسة احلية إلثراء النظرية‬
‫يف مجال درس التمثيل مع إتاحة الفرصة لطالب القسم يف‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫املمارسة واالحتكاك بقطاع اإلنتاج ‪.‬‬
‫وال يقف إبداع كلماته عند البحث العلمي وإن كان التألق األكبر‬
‫له يف البحث العلمي‪ ،‬فقد حلقت كالمته يف سماء التأليف‬
‫املسرحي لتخرج لنا بعدد من النصوص املسرحية مثل‪« :‬ملحمة‬
‫شعب‪ -‬حلم ليلة صيد ‪ -‬ليلة من ليالي علي علولّال ‪ -‬ليش يا‬
‫عليش ؟ ‪ ....‬غيرها من األعمال التأليفية‪.‬‬
‫ويبقي السؤال ملاذا مع كل هذا األبداع الفني يظل البطل يف‬
‫حياته هو البحث العلمي؟‬
‫قد يكون السبب ما خلفه من إجنازات أكادميية وبحث علمي‬
‫يف مجال املسرح ومترده علي منط اإلخراج املسرحي الغير‬
‫واعي بكل اجلوانب املنوطة بالعمل املسرحي سواء علي مستوى‬
‫الدراما كانت أم املجتمع مما جعل أعماله بشكل أو بأخر تتبع‬
‫الشكل البحثي يف كيفية عرض الفكرة أقرب إلي الكمال وهذا‬
‫ما صنع الريادة ألفكاره يف البحث العلمي والنقد‪.‬‬
‫حيث أن للعروض التي وقع اختياره عليها ألخراجها لها طابع‬
‫من التمرد سواء لكتابها أم لطبيعة األعمال نفسها مثل‪ « :‬سعد‬

‫‪14‬‬
‫اليتيم‪ ،‬قصر ثقافة األنفوشي‪1967 ،‬م‪ -‬مأساة احلالج‪ ،‬مخرج‬
‫مساعد حلسن عبد السالم‪ ،‬مسرح اجليب السكندري‪1967 ،‬م‪-‬‬
‫ملحمة شعب‪ ،‬مسرح سيد درويش‪ ،‬مسرح اجلمهورية بالقاهرة‬
‫ونادي شركة النحاس باإلسكندرية ‪ 1970‬م مسرح املركز الثقايف‬
‫السوفيتي باإلسكندرية (تأليف وإخراج)» ‪.‬‬
‫ومن التمرد علي الواقع املسرحي والوضع االجتماعي خرج لنا‬
‫العديد والعديد من األعمال التي ملست املجتمع فنيا واجتماعيا‪.‬‬
‫و له علي اجلانب العلمي إجنازاً أخر ال يقل أهمية عن إجنازه‬
‫الفني‪-:‬‬

‫املؤهالت ‪:‬‬
‫‪ -1‬ليسانس آداب من قسم اللغة العربية بجامعة اإلسكندرية‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫بكلية اآلداب بتقدير عام جيد يف ‪1978‬م ‪.‬‬


‫‪ -2‬ماجستير يف اآلداب من قسم اللغة العربية ( أدب مسرح )‬
‫جامعة اإلسكندرية عام ‪1983‬م ‪.‬‬
‫‪ -3‬دكتوراه يف اآلداب من قسم اللغة العربية ( نظرية املسرح يف‬
‫النص والعرض ) جامعة اإلسكندرية ‪1986‬م ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬التدرج الوظيفي واألكادميي‪:‬‬
‫‪ -1‬مدرس لغة عربية باإلسكندرية ‪1981– 1978 .‬م‬
‫‪ -2‬منشئ ومدير مسرح قلعة قايتباي بقلعة قايتباي ‪1981‬‬
‫–‪1983‬م‬
‫‪ -3‬مدرس مساعد بقسم املسرح بكلية اآلداب باإلسكندرية‬
‫‪1987 –1984‬م‬
‫‪ -4‬مدرس أدب املسرحي بقسم املسرح بكلية اآلداب ‪- 87‬‬
‫‪1993‬م ‪.‬‬
‫‪ -5‬أستاذ مشارك للدراسات املسرحية بجامعة امللك سعود‬

‫‪15‬‬
‫بالرياض قسم اإلعالم شعبة املسرح ( إعارة ) ‪1995 – 1991‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬أستاذ مساعد لنظرية املسرح بقسم املسرح بآداب‬
‫اإلسكندرية ‪1997 - 93 .‬م ‪.‬‬
‫‪ -7‬رئيس قسم املسرح بكلية اآلداب بجامعة اإلسكندرية ‪1996‬م‬
‫‪ -8‬أستاذ علوم املسرح بكلية اآلداب جامعة اإلسكندرية ‪2000‬م‬
‫الكتب املؤلفة املنشورة ‪:‬‬
‫‪-1‬املسرح العربي والتراث‪ ،‬مطابع جامعة اإلسكندرية‪ ،‬مبشاركة‬
‫د‪ .‬أحمد عتمان‪ ،‬ود‪ .‬صالح فضل‪ ،‬ود‪.‬عبد العزيز حمودة ‪.‬‬
‫مهدي بندق ‪1989‬م ‪.‬‬
‫‪-2‬معمار النص ومعمار العرض املسرحي‪ ،‬ط‪ ،1‬اإلسكندرية‪،‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫دار املطبوعات احلديثة ‪ ،1990‬ط‪ ،2‬الرياض‪ ،‬النرجس‬
‫‪1993‬م‪،‬ط‪،3‬مركز اإلسكندرية للكتاب‪.1998‬‬
‫‪ -3‬حيرة النص املسرحي بني الترجمة واالقتباس واإلعداد‬
‫والتأليف‪ ،‬ط‪ ،1‬الرياض‪ ،‬مطبعة الشرق األوسط ‪1992‬م‪ ،‬ط‪2‬‬
‫الرياض ط‪ .‬النرجس ‪1993‬م‪ ،‬ط‪ 3‬مركز اإلسكندرية للكتاب‬
‫‪1998‬م ط‪ 4‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ‪.2007‬‬
‫‪ -4‬مصادر الثقافة املسرحية ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬ط‪ ،2‬الرياض‪ ،‬مطبعة‬
‫النرجس ‪ ،1994‬ط‪ 3‬مركز اإلسكندرية للكتاب ‪1998‬م ‪.‬‬
‫‪ -5‬مقدمة يف نظرية مسرح الطفل ( املسرح املدرسي ومشكلة‬
‫النص ) اإلسكندرية‪ ،‬مركز األبحاث األكادميية‪1995 ،‬م ط‪ 2‬دار‬
‫الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ‪. 2005‬‬
‫‪ -6‬املسرح واملجتمع ( يف ثالثة أجزاء ) ( تربية اإلرهاب بني‬
‫وسائل اإلعالم واملسرح )‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪. 2004 ،‬‬
‫‪ -7‬دور اإليقاع يف النص املسرحي ج‪ ،1‬اإلسكندرية‪ ،‬مركز‬
‫األبحاث األكادميية‪1997 ،‬م ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ -8‬مقدمة يف نظرية املسرح الشعري‪ ،‬دار نشر حورس للطباعة‬
‫والتوزيع‪1999 ،‬م ‪.‬ط‪ 2‬دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ‪2006‬‬
‫‪ -9‬نهار اليقظة يف املسرحية العربية ( املسرح السعودي بني‬
‫التراث واحلداثة ) مركز اإلسكندرية للكتاب ‪1999‬م‪ ،‬ط‪ 2‬دار‬
‫الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية ‪.2004‬‬
‫‪ -10‬اجتاهات النقد املسرحي يف املسرح املعاصر بني النظرية‬
‫والتطبيق‪ ،‬املركز القومي للمسرح بوزارة الثقافة املصرية‪2001 ،‬م‬
‫ط‪ 2‬القاهرة دار طيبة ‪ 2003‬ط‪ 3‬دار حورس باإلسكندرية‪2005‬‬
‫‪ -11‬دور اإليقاع يف العرض املسرحي بني املمثل واملخرج‬
‫اإلسكندرية‪،‬مركز األبحاث األكادميية‪،‬ج‪2،2001‬م‬
‫‪ -12‬جماليات فنون املسرح بني اللقطة الزمانية واللقطة املكانية‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬سام سكرين‪. 2001،‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫‪ -13‬املمثل وفلسفة املعامل املسرحية‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الوفاء‪،‬‬


‫اإلسكندرية‪.2004،‬‬
‫‪ -14‬املخرج املسرحي والقراءات املتعددة للنص‪ ،‬دار الوفاء لدنيا‬
‫الطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.2003 ،‬‬
‫‪ -15‬مسرح الطفل ( النظرية – التأليف – العرض )‪ ،‬دار الوفاء‬
‫لدنيا الطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.2004 ،‬‬
‫‪ -16‬الظاهرة الدرامية وامللحمية يف رسالة الغفران‪ ،‬دار الوفاء‬
‫لدنيا الطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.2004 ،‬‬
‫‪ -17‬اإليقاع يف فنون التمثيل واإلخراج املسرحي‪ ،‬دار الوفاء‬
‫لدنيا الطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.2004 ،‬‬
‫‪ -18‬فنون العرض املسرحي ومناهج البحث‪ ،‬دار الوفاء لدنيا‬
‫الطباعة والنشر‪ ،‬اإلسكندرية‪.2004 ،‬‬
‫‪ -19‬مقدمة يف نظرية املسرح الشعري‪ ،‬ط‪ 2‬دار الوفاء لدنيا‬
‫الطباعة والنشر – اإلسكندرية ‪2005‬م‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -20‬املوسوعة املصورة لعروض املسرح العربي‪ ،‬ج ‪( 2‬املسرح‬
‫املصري) دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ‪2006‬م‬
‫‪ -21‬الرقص املسرحي والرؤى اإلخراجية لوليد عوني‬
‫اإلسكندرية دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر‪2007‬‬
‫‪ -22‬أحمد فؤاد سليم‪ ،‬دراسة نقدية ألعماله التشكيلية‪ ،‬وزارة‬
‫الثقافة املصرية‪ ،‬مركز اجلزيرة للفنون التشكيلية‪ ،‬قطاع الفنون‬
‫التشكيلية ‪2008‬‬

‫البحوث املنشورة ‪ ( :‬خالل مشاركات يف املؤمترات والندوات)‬


‫‪ -1‬املسرح ودوره يف تكوين الرأي العام‪ ،‬املؤمتر الدولي األول‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫للمسرح وقضايا املجتمع العربي جامعة اإلسكندرية‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب‪ ،‬قسم املسرح‪ ،‬قاعة املؤمترات الكبرى ‪.1996‬‬
‫‪ -2‬جماليات اللقطة املكانية واللقطة الزمانية يف فنون املسرح‪،‬‬
‫مؤمتر الدولي األول للمسرح وقضايا املجتمع العربي‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب – قسم املسرح – جامعة اإلسكندرية ‪.1996‬‬
‫‪ -3‬إشكالية املنهج يف الدراسات املسرحية بني التدريس‬
‫والبحث‪ ،‬املؤمتر الدولي األول للمسرح وقضايا املجتمع العربي‪،‬‬
‫جامعة اإلسكندرية‪ ،‬كلية اآلداب‪ ،‬قسم املسرح‪ ،‬قاعة املؤمترات‬
‫الكبرى ‪.96‬‬
‫‪ -4‬املسرح السعودي بني املصادر التراثية واملصادر احلداثية‪،‬‬
‫ملتقى القاهرة العلمي لعروض املسرح العربي‪ ،‬هيئة قصور‬
‫الثقافة‪ ،‬شيراتون اجلزيرة‪ ،‬القاهرة‪1994،‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬املسرح املدرسي السعودي ومشكلة النص‪ ،‬مهرجان التراث‬
‫والثقافة ( اجلنادرية) السعودية‪ ،‬الرياض فندق الرياض‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬املسرحية بني الرطانة وتعدد الترجمة والتعريب‪ ،‬ندوة تعريب‬
‫العلوم‪ ،‬جامعة عني شمس‪ ،‬اجلمعية املصرية لتعريب العلوم‪،‬‬

‫‪18‬‬
‫‪1998‬م ‪.‬‬
‫‪ -7‬تعريب علوم املسرح ومشكلة الصياغة‪ ،‬جامعة عني شمس‪،‬‬
‫اجلمعية املصرية لتعريب العلوم‪ ،‬القاهرة‪1997،‬م ‪.‬‬
‫‪ -8‬ذاكرة املسرح السكندري ( الكتّاب )‪ ،‬هيئة قصور الثقافة‪،‬‬
‫إقليم غرب ووسط الدلتا الثقايف‪ ،‬مؤمتر أدب املسرح‪ ،‬قصر‬
‫ثقافة مرسى مطروح‪1997 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -9‬بيرم بني دراميات املحاكاة وغنائيات احلكي يف القصيدة‬
‫العامية واملسرح‪ ،‬ندوة بيرم التونسي باملجلس األعلى للثقافة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الزمالك‪1996 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -10‬التعبير الدرامي الشعبي بني عبد اهلل الندمي ويعقوب‬
‫صنوع وابن دانيال‪ ،‬ندوة عبد اهلل الندمي‪ ،‬إقليم غرب ووسط‬
‫الدلتا الثقايف‪ ،‬قصر ثقافة التذوق‪ ،‬سيدي جابر ‪1996‬م ‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫‪ -11‬مسرح توفيق احلكيم بني تعدد القراءات النقدية وإعادة‬


‫كتابة النص‪ ،‬مؤمتر « توفيق احلكيم حضور متجدد «‪ ،‬املجلس‬
‫األعلى للثقافة‪ 28 ،‬نوفمبر ‪ 3 -‬ديسمبر‪1998 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -12‬املسرح املصري يف عصر العوملة‪ ،‬مؤمتر األدب العربي‬
‫والعاملية‪ ،‬املجلس األعلى للثقافة‪ 7 - 4 ،‬ديسمبر ‪1999‬م ‪.‬‬
‫‪ -13‬هوية التعبير الدرامي يف املسرح العربي‪ ،‬ندوة تعريب‬
‫العلوم اخلامسة‪ ،‬جامعة عني شمس‪ ،‬اجلمعية املصرية لتعريب‬
‫العلوم‪2000 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -14‬نظرية املؤامرة يف املسرح العربي‪ ،‬ندوة تعريب العلوم‬
‫السادسة‪ ،‬جامعة عني شمس‪ ،‬اجلمعية املصرية لتعريب العلوم‪،‬‬
‫‪2001‬م ‪.‬‬
‫‪ -15‬جتديد حاجتنا إلى الغناء الدرامي واملسرحي‪ ،‬جلنة املسرح‪،‬‬
‫املجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مارس ‪2001‬م ‪.‬‬
‫‪ -16‬ظواهر درامية يف املسرح املصري يف العصور الوسطى‪ ،‬ندوة‬

‫‪19‬‬
‫الثقافة يف مصر يف العصور الوسطى‪ ،‬معهد جوته واجلزويت‬
‫باإلسكندرية‪2001 ،‬م ‪.‬‬
‫‪ -17‬الفاعل الفلسفي يف اإلبداع املسرحي عند لويس عوض‪،‬‬
‫مؤمتر» مشروع لويس عوض الثقايف « املجلس األعلى للثقافة‪،‬‬
‫‪ 29‬سبتمبر ‪ 1 -‬أكتوبر ‪2001‬م ‪.‬‬
‫‪ -18‬الثالث املرفوع يف املسرح السكندري‪ ،‬مؤمتر أدباء مصر يف‬
‫األقاليم بالفيوم‪ ،‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬النصف الثاني‬
‫من أكتوبر ‪2001‬م ‪.‬‬
‫‪ -19‬الفكر واجلنس بني احلضور املادي واحلضور الرمزي‪،‬‬
‫احتفالية صالح عبد الصبور‪ ،‬مشروع إبداعي متجدد‪ ،‬املجلس‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫األعلى للثقافة ‪ 14 - 12‬نوفمبر ‪2001‬م ‪.‬‬
‫‪ -20‬التعبير احلركي وإعادة إنتاج الداللة بني النص والعرض‬
‫املسرحي‪ ،‬مؤمتر العلوم اإلنسانية وتكاملها بكلية اآلداب ‪-‬‬
‫جامعة املنيا‪ 21 - 19 ،‬مارس ‪2002‬م ‪.‬‬
‫‪ -21‬املخرج واجتاهات التعبير يف عروض املسرح املصري – بني‬
‫جتريب الرواد وجتريب الشباب‪ ،‬مهرجان عمون ملسرح الشباب‬
‫‪ -‬وزارة الثقافة األردنية ‪ 24 - 11‬أغسطس ‪2002‬م ‪.‬‬
‫‪ -22‬حيرة الناقد املسرحي أمام جهود العشماوي النقدية ‪-‬‬
‫ندوة تكرمي األستاذ الدكتور محمد زكي العشماوي املجلس‬
‫األعلى للثقافة ‪ 4 - 3‬نوفمبر ‪2002‬م ‪.‬‬
‫‪ -23‬ارتباك اإلبداع املسرحي يف فن املؤلف وفن املخرج املسرحي‬
‫‪ -‬مؤمتر (اإلبداع العربي املعاصر ) كلية الفنون اجلميلة بجامعة‬
‫اليرموك األردنية‪ ،‬إربد‪ 26 - 24 ،‬ديسمبر ‪2002‬م ‪.‬‬
‫‪ -24‬الثالث املرفوع يف النقد غير املشروع – حوار متصل حول‬
‫القول بغيبة املسرح الشعري – ‪.2004‬‬
‫حوارية القطع والوصل مع كتاب الشاعر مهدي بندق – موقع‬

‫‪20‬‬
‫احلوار املتمدن – أبو احلسن سالم‪.‬‬
‫‪ -25‬املسرح والتفاعل االتصالي بني التوظيف اإلبداعي‬
‫والتوظيف العلمي للمعرفة‪ ،‬مؤمتـر الـفن العربي املعاصر ‪-23‬‬
‫‪2004/11/25‬م ‪ -‬جامعة اليرموك – األردن‪.‬‬
‫‪ -26‬حيرة الباحث املسرحي بني نظرية (العامل املستقل)‬
‫ونظرية (املتخلفات واملتغيرات املتالزمة) مؤمتر (أزمة املنهج‬
‫يف الدراسات اإلنسانية)‪ ،‬اجلمعية املصرية للنقد األدبي وكلية‬
‫اآلداب بجامعة اإلسكندرية‪ 28-26 ،‬نوفمبر ‪.2005‬‬
‫‪ -27‬مؤمتر إبسن العاملي‪ ،‬املجلس األعلى للثقافة ‪.2006‬‬
‫‪ -28‬مئة وأربعة عشر مقاال ودراسة على املوقع الفرعي من‬
‫احلوار املتمدن أبو احلسن سالم وعلى مواقع (املسرح دوت‬
‫كوم) و(املسرح دوت كوم – تواصل) وموقع (مسرحيون) وموقع‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫جروب محبي د أبو احلسن سالم ‪ facebook.com -‬وموقع‬


‫‪google>groups.com/group/el_kambousha‬‬
‫وموقع ‪ knol.com‬وغيرها‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫شيماء محمد إسماعيل‬
‫● حاصله علي بكالوريوس املعهد العالي للفنون‬
‫املسرحية – قسم الدراما والنقد املسرحي عام ‪2005‬‬
‫● تعمل حاليا مديرا لدار عرض العائم الصغير باجليزة‬

‫‪22‬‬
‫البحث الفائز‬
‫لعام ‪2022‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫حضور الرتاث الشعيب‬


‫يف إخراج النص الشكسبريي‬
‫مناذج مختارة من عروض حلم ليلة صيف عربيا وعامليا‬

‫الباحثة‬
‫شيماء محمد إسماعيل‬

‫‪23‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫قائمة املحتويات‬
‫مقدمة‬
‫املبحث األول ‪ :‬تعدد قراءات النص الشكسبيري‬
‫املبحث الثاني ‪ :‬قراءات يف عروض عاملية وعربية‬
‫خامتة‬

‫‪24‬‬
‫مقدمة‬
‫يف غمرة ما يسميه د‪/‬صالح الراوي بالتركات الضارة يجب‬
‫أن نعود للمفاهيم األصلية لنبدأ اخلطي بوثوق ووعي خالق‬
‫يف مجال شديد اخلطورة رغم كل محاوالت التسطيح ووصمة‬
‫بالبرود وتكمن تلك اخلطورة أنه علم يعكس وعيا اجتماعيا‬
‫وثقافيا واقتصاديا بكل املنتجات الثقافية أي يعطي لكل أشكال‬
‫العلم األخري مؤشرات تعينه علي فهم جماعة ما كانت تعيش أو‬
‫مازالت يف زمن ما ومكان (وطن) ما‪.‬‬
‫فنحن أمام ثقافة تعكس صراعا جدليا صانعا للتطور بني‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ثقافة تنتجها (جماعة شعبية تواجه بها طبقة اجتماعية نقيضة‬


‫ومن هذا املنطلق نفرق بدقة بني مصطلحات عديدة وضعت‬
‫يف مقابل مصطلح فولكلور ومنها تراث شعبي ومأثور شعبي‬
‫وموروث شعبي‬
‫وتنقسم الثقافة الشعبية إلى فروع وأقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬التراث الشعبي‬
‫ويتمثل يف ضروب الثقافة املنقرضة التي انقطعت آثارها من‬
‫الواقع املُعاش للجماعة ومضي عليه زمن يعيش يف طي النسيان‬
‫مثل قصص الرومانس و شغؤاء التربادور والفرق اجلوالة وسرد‬
‫املقامات يف مجالس الندمان ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬املأثورات الشعبية‬
‫ويتمثل يف ضروب الثقافة احلية التي مازالت ُتارس‬
‫وظائفها االجتماعية يف واقع اجلماعة الشعبية مثل طقوس‬
‫امليالد والعبور واملوت‪.‬‬
‫وتعد «حلم ليلة منتصف الصيف» من أروع ما كتب شكسبير‬

‫‪25‬‬
‫يف امللهاة‪ ،‬إذ اعتمد فيها على التراث الشعبي يف نسيج درامي‬
‫معقد من ثالث حبكات وثالثة عوالم مختلفة ومتداخلة من‬
‫اجلن والبشر‪ ،‬تصور زوجني من العشاق من العائالت النبيلة يف‬
‫أثينا‪ ،‬ومجموعة من الشخصيات الهزلية من أهالي ريفها الذين‬
‫يحضرون عرضا ً مسرحيا ً لالحتفال بزواج الدوق وهيبوليتا‪.‬‬
‫إضافة إلى عالم اجلن الذي يتزعمه أوبيرون ‪Oberon‬‬
‫وملكة اجلن تايتانيا ‪ Titania‬وخادمهم البارع النشيط َبك‬
‫‪ Puck‬ويظهر شكسبير يف هذه املسرحية العواطف التي‬
‫حتكم اجلميع حتى اجلن‪ ،‬كاحلب والغيرة والكره أحياناً‪ ،‬يف‬
‫قالب رومانسي مضحك مليء باملعاني والعبر‪ ،‬وأروع ما يف هذه‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫املسرحية ومعظم نصوص شكسبير قوة إيحائها الذي تهديه‬
‫للمبدع من خالل تعدد فضاءات احلدث وتباينها بشكل ملحوظ‬
‫ومثير وجاذب للطاقة اإلبداعية‪.‬‬
‫لقد اهتم شكسبير بـ(املواقع املحايدة) والتي تتميز مبيزة‬
‫هامة هي غموض هويتها التي تفسح املجال للخيال والتصور‬
‫وتعدد الدالالت‪ ،‬كـ(الصحراء‪ ،‬العراء‪ ،‬امليتافيزيقيا‪ ،‬اجلزيرة‪...‬‬
‫الخ)؛ هذا ما يصنع الفارق‪ ،‬وكأنها حتمل طاقة كامنة تنتظر‬
‫التحقيق اجلمالي‪ ،‬فهي أشبه باملعادل اجلمالي املجسد ملا أسماه‬
‫حديثه عن شكسبير‬ ‫ِ‬ ‫الشاعر اإلجنليزي (جون كيتس) أثناء‬
‫بالقدرة السالبة»‪ ،‬فمن فرط تأثره بسطوة شكسبير لم يعرف‬
‫يفسر هذه السطوة إال بتعبير القدرة السالبة حيث يقول‪« :‬‬ ‫أن ِّ‬
‫تستطيع كشاعر‪ ،‬من فرط اهتمامك الكامن باملادة التي تتداولها‬
‫ب يف تلك املادة كعقل وكمخيلة‪ ،‬عندما تكون‬ ‫ْص َّ‬
‫بقدرتك‪ ،‬أن َتن َ‬
‫متقولبا مـع هذه املادة‪ ،‬مع اللغة‪ ،‬مع الشعر ذاته‪ ،‬فال ُب َّد سميائيا‬
‫أن يظهر شيء خارق‪ ،‬البد‪ ..‬املسألة هكذا‪ ،‬أي أنّك لن جتد‬
‫اخلارق إال إذا عقدت اتفاقا مع فاوست‪ ،‬فالشعر يف الفضاء أو‬

‫‪26‬‬
‫جيد ًا أن‬
‫اللغة ال ميكن أن ُيعقلن‪ ،‬وكل شاعر يأتي بنظرية يعرف ّ‬
‫هذه النظرية مؤقتة»(‪.)1‬‬
‫إن حركة املكان يف نصوص (شكسبير) ال حتسب حسابا‬
‫للزمن ونسبته إذ تتحرك دراما شكسبير يف أزمان طويلة نسبيا‬
‫ويتحرك املكان من خالل املواقع املحايدة التي يلج إليها يف توالد‬
‫يفرز بدوره أماكن عديدة‪.‬‬
‫إن هذا التوليد الداللي الذي تبيحه املواقع املحايدة على‬
‫املستوى اإليحائي يف النص الشكسبيري يجعلنا نقف وقفة أكثر‬
‫تأمال خلبايا اللغة وما فيها من أماكن متحركة مؤولة ورمزية يف‬
‫أحيان كثيرة‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫‪ -1‬بولص‪ ،‬سركون ‪ :‬أبكي حتى املوت‪ ،‬حوار أجراه ‪ :‬حسن جنمي‪ ،‬نسخة الكترونية‪،‬‬
‫‪http://www.kikah.com/indexarabic.asp?fna،e=kikaharabic‬‬

‫‪27‬‬
‫املبحث األول‬
‫تعدد قراءات النص الشكسبيري‬
‫شكسبير والكوميديا الرومانسية‪:‬‬
‫الكوميديا الرومانسية تختلف اختالفا ً كبيراً عن كوميديا‬
‫النقد االجتماعي أو كوميديا األمناط الساخرة أو كوميديا‬
‫املواقف الواقعية التي تقوم على املفارقات الضاحكة – تلك‬
‫األنواع التي تأثرت بالدرجة األولى بالكوميديات الرومانية‬
‫خاصة كوميديات تيرانس وبالوتس‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫وقد تبلورت الدراما اإلجنليزية بشخصيتها املتفردة نتيجة‬
‫البتعادها عن الدين والكنيسة (كما حدث يف أوروبا كلها)‬
‫وامتزاجها بالتراث األدبي الكالسيكي من ناحية وبالتراث األدبي‬
‫الشعبي من ناحية أخرى‪.‬‬
‫فالكوميديا الرومانسية اإلجنليزية كما نعرفها عند شكسبير‪:‬‬
‫تلك الكوميديا التي تدور حول احلب مبعناه الرومانسي‪،‬‬
‫والتي تعتمد يف بنائها الدرامي على تركيبة احلبكات الثنائية أو‬
‫املتعددة‪ ،‬وتتجاهل الوحدات الكالسيكية الثالث مع احتفاظها‬
‫بالتقسيم الكالسيكي إلى خمسة فصول مقسمة إلى مشاهد‪،‬‬
‫والتي تتحقق لها الوحدة الفنية ليس عن طريق وحدة احلدث‬
‫باملعنى األرسطي‪ ،‬وإمنا عن طريق ترابط حبكاتها ترابطا ً‬
‫استعاريا ً يحقق لها وحدة شعرية شعورية‪ ،‬تلك الكوميديا التي‬
‫تنهل بعمق من املصادر التالية ‪:‬‬
‫التراث الشعبي‪ ،‬والفولكلور الشفهي‪ ،‬واألدب‬
‫(‪)2‬‬
‫الكالسيكي‪.‬‬

‫‪ -2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪17‬‬

‫‪28‬‬
‫ومنها جمع شكسبير عوالم تعمر بكافة الطبقات والفئات‬
‫مثل األمراء والبسطاء وأبطال األساطير واحلواديت الشعبية‬
‫والسحرة واجلن‪.‬‬
‫يجزم يان كوت صاحب كتاب شكسبير معاصرنا معتمدا على‬
‫آ‪.‬إل‪.‬راوز‪:‬‬
‫«‪ ...‬بان أول متثيل ملسرحية حلم ليلة صيف كان بالقصر أو‬
‫(‪)3‬‬
‫البيت القدمي آلل ساوثهامبتون بلندن»‬
‫وألن املسرحية قدمت بأفق جتهيز لعرس كبير بأسرة آل‬
‫ساوثهامبتون فإن املسرحية عمرت مبا تعمر به أغاني األعراس‬
‫الشعبية يف العالم القدمي والتي كانت تعلم العروسني ما يجب‬
‫فعله بليلة الدخلة بفجاجة وإباحية تصل لدرجة وصف مالبس‬
‫اإلغراء وطرق اإلثارة ومواطنها‪ ...‬إلى أخره‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫من هنا فإن مسرحية حلم منتصف ليلة صيف كما يؤكد يان‬
‫كوت‪:‬‬
‫«من أشد مسرحيات شكسبير أيروسية وشبقا يعبر عنهما‬
‫(‪)4‬‬
‫بوحشية داخل النص»‬
‫يقول ول ديورانت يف كتابه قصة احلضارة‪:‬‬
‫إن رواية «حلم منتصف ليلة صيف» هراء قوي عوض عنه‬
‫(‪)5‬‬
‫مندلسون» يف معاجلته‪.‬‬
‫وهذا الرأي تؤكده خلفية النص التي ترجع لقوانني أثينا‬
‫القدمية وما تعكسه من هراء وعبث‪ ،‬فلقد كان هناك قانون يف‬
‫مدينة أثينا باليونان‪ ،‬يعطى احلق للمواطنني أن يجبروا بناتهم‬

‫‪-3‬بروك‪ ،‬بيتر ‪ :‬النقطة املتحولة‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة‪ ،‬عدد ‪ 154‬املجلس‬
‫الوطني للفنون واآلداب‪ 1991 ،‬ص‪109‬‬
‫‪-4‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪110‬‬
‫‪ -5‬ديورانت‪ ،‬ول ‪ :‬قصة احلضارة‪ ،‬اجلزء التاسع‪ ،‬ترجمة ‪ :‬زكي جنيب محمود‪ ،‬و‬
‫محمد بدران‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪ 2001 ،‬ص‪9465‬‬

‫‪29‬‬
‫على الزواج مبن يرضون هم عنهم‪ ،‬وإذا حدث ورفضت إحدى‬
‫الفتيات الزواج من الذي اختاره أبوها ليكون زوجا لها‪ ،‬يكون من‬
‫حق األب قانونا أن يطبق عليها عقوبة اإلعدام‪ ،‬ولكن ملا كان‬
‫أغلب اآلباء ال يرغبون يف قتل بناتهم‪ ،‬رغم اعتراضهم أحيانا‪،‬‬
‫لذا فان هذا القانون كان من النادر جدا أن يوضع موضع التنفيذ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من االنتقادات التي وجهت لهذه املسرحية‬
‫لضعف بنائها وسطحية شخصياتها إال أن املؤكد من تاريخ كتابة‬
‫هذه املسرحية منذ عرضها األول وحتى يومنا هذا أنها كانت‬
‫دوما ً من أحب مسرحيات شكسبير إلى قلوب القراء واملشاهدين‪،‬‬
‫بل وإلى كبار الشعراء من أمثال ميلتون وكيتس‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يشهد على ذلك إقبال املوسيقيني على تلحني عدة أوبرات‬
‫مستقاة منها‪ ،‬وقيام ماكس راينهارت بتحويلها إلى فيلم سينمائي‬
‫عام ‪ ،1935‬واملخرج املسرحي الشهير بيتر بروك بإخراجها‬
‫إخراجا ً فريداً يف بابه عام ‪ 1970‬لتقدميها على املسرح يف‬
‫ستراتفورد بلدة شكسبير‪ ،‬وتوالى عرضها عاما ً بعد عام يف‬
‫(‪)6‬‬
‫الهواء الطلق بحديقة ريجينتس بارك يف لندن‪..‬‬
‫كل هذا بالرغم من أنه نادراً ما ُوفق مخرج املسرحية طوال‬
‫القرون األربعة التي مرت على تأليفها إلى حتقيق التوازن‬
‫املثالي بني العناصر املختلفة فيها‪ ..‬ويقول النقاد اليوم إن‬
‫هذه املسرحية كانت من أحظى مسرحيات شكسبير بالشعبية‬
‫والنجاح يف القرن العشرين‪.‬‬
‫فإن كان البد من اإلشارة إلى محور رئيسي للمسرحية‪ ،‬فهو‬
‫األمناط املختلفة من احلب‪ ،‬وما حتف باحلب عاد ًة من متاعب‬
‫وصعاب‪ ..‬ففي املشهد األول من املسرحية حوار بني ليساندر‬
‫وهيرميا يؤكد هذا‪..‬‬
‫‪ -6‬موسى‪ ،‬فاطمة‪ :‬وليم شكسبير شاعر املسرح‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار الكتاب العربي‪1969 ،‬‬
‫ص‪16‬‬

‫‪30‬‬
‫ليساندر‪ :‬ما من شيء قراته‪،‬أو قصة سمعتها أو تاريخ حكي لي‬
‫(‪)7‬‬
‫إال واكد لي إن احلب الصادق لو يعرف الطريق املمهد»‬
‫واألهم من ذلك كله عند شكسبير هو إبراز فكرة أن احلب‬
‫أعمى‪ ،‬مبعنى أنه خاضع لنزوات قوى غير بشرية‪ ،‬ميثلها يف هذه‬
‫املسرحية اجلنيان أوبيرون وبك‪ ،‬مما يدفع العاشق دفعاً‪ ،‬ودون‬
‫إرادة منه‪ ،‬إلى توهم الفضائل واملحاسن كلها يف العاري منها‪،‬‬
‫والتعامي عنها يف املتحلي بها‪ ،‬والتنقل من هوى إلى آخر دون‬
‫أدنى مبرر‪ ،‬مع الظن أنه يف هواه األول كان واهما ً أو غراً بليداً‪،‬‬
‫ثم صارت له بعد زوال الوهم عينان مبصرتان واضحتا الرؤية‪..‬‬
‫«ليساندر ‪ :‬لم أكن قادرا على احلكم حني أقسمت لها أني‬
‫أهواها‪.‬‬
‫وال أنت يف وعيك اآلن إذ تقرر أن تنساها !‬ ‫هيلينا‪:‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫فهو قدر ال دخل إلرادات البشر فيه‪ ،‬وسهم من‬


‫سهوم‬
‫(‪)8‬‬ ‫ٍ‬
‫اجتاه شاء «‬ ‫كيوبيد يص ّوبه يف أي‬
‫واملسرحية بذلك يف غني عن البحث يف فكرتها فهي ببساطة‬
‫و يسر‪ ،‬إمنا تدعونا فحسب إلى االستمتاع بها‪ ،‬واالستغراق يف‬
‫شاعريتها وسحرها وسعة اخليال فيها وجمال نسيجها متعدد‬
‫األلوان‪ ،‬وهو استغراق يلهينا عن حشد من األخطاء التاريخية‬
‫وغير التاريخية التي وقع شكسبير سهواً فيها‪ ،‬أو كان متنبها ً‬
‫إليها ولكنه لم يعبأ بتصحيحها‪.‬‬
‫عنوان احللم الشكسبيري‪:‬‬
‫حلم ليلة صيف عنوان ال ضبابية فيه أما «حلم ليلة يف‬
‫منتصف الصيف» فعنوان يوحى بأن أحداثها وقعت يف منتصف‬

‫‪-7‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪125‬‬


‫‪-8‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪125‬‬

‫‪31‬‬
‫الصيف‪ ،‬بينما الواضح من النص ‪ -‬وفقا للمترجم حسني أحمد‬
‫أمني ‪ -‬أنها وقعت يف الفترة ما بني ‪ 29‬أبريل وأ ّول مايو‪ ،‬ففي‬
‫الفصل الرابع يتحدث ثيسيوس عن العشاق األربعة فيقول‪:‬‬
‫«ال بد أنهم استيقظوا يف ساعة مبكرة‪ ،‬لالحتفال بعيد الربيع‪،‬‬
‫(‪)9‬‬
‫وعندما سمعوا بعزمنا على املجىء‪ ،‬أتوا ليشهدوا االحتفال»‪.‬‬
‫مؤكدا أن‬
‫ً‬ ‫ويشير حسني أحمد أمني‪ ،‬إلى أنه يكاد يكون‬
‫املسرحية أُلِّفت كي متثل أثناء حفل ُعرس‪ ،‬وإن كان ثمة خالف‬
‫حول هوية صاحب احلفل‪ ،‬وحول ما إذا كانت امللكة إليزابيث‬
‫األولى من بني املدع ّوين إليه؛ فحديث ملك اجلان الطويل يف‬
‫بالي ْم ِن والبركات‪،‬‬
‫ختام املسرحية الذي يدعو فيه للعروسني ُ‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫ولنسلهما باحلظ السعيد‪ ،‬ولصاحب الدار باخلير والسرور‪ ،‬ال‬
‫يكاد يكون له مبرر غير متثيل املسرحية أثناء حفل زفاف‪.‬‬
‫أما عن حضور امللكة إليزابيث احلفل‪ ،‬فيرى البعض فى‬
‫ذلك استحالة‪ ،‬مع ما ورد يف الفصل األول من استنكار حلياة‬
‫العزوبة «وقد بقيت إليزابيث طيلة حياتها دون زواج»‪ ،‬يف حني‬
‫يرى اآلخرون أن ثناء أوبيرون‪ ،‬ملك اجلان‪ ،‬على إليزابيث يف‬
‫الفصل الثاني‪ ،‬يوحى بأنها كانت من بني احلاضرين يف العرض‬
‫األول للمسرحية‪.‬‬
‫ووفقا لنفس املصدر ‪ -‬يوضح املترجم أن املعجزة احلقيقية‬
‫التي حقَّقها شكسبير يف هذه املسرحية تتمثّل يف خلقه وحدة‬
‫واحدة‪ ،‬بالغة االنسجام والسالسة والعذوبة‪ ،‬من كل هذه‬
‫(‪)10‬‬
‫عدة‪.‬‬
‫العناصر‪ ،‬التي استوحاها من مصادر ّ‬
‫وال تنحصر عبقرية شكسبير يف استطاعته التوفيق واجلمع‬
‫بني كل تلك العناصر املتنافرة‪ ،‬يف بناء متثيلى واحد‪ ،‬وإمنا‬
‫‪-9‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪145‬‬
‫‪ -10‬أمني‪،‬حسني أحمد‪ :‬مقدمة ( شكسبير‪ :‬حلم ليلة صيف‪ ،‬ترجمة حسني أحمد‬
‫أمني‪ ،‬دار الشروق ‪ )1994‬ص‪7‬‬

‫‪32‬‬
‫تتعداها إلى قدرته على خلق جو سحري ُي َغلِّف املسرحية كلها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وهو ما ُيعتبر عنوان املسرحية‪« ،‬حلم ليلة يف منتصف الصيف»‪،‬‬
‫وتعبيرا عنه‪.‬‬
‫ً‬ ‫مفتاحا له‬
‫ً‬
‫وكذا مهارته يف املزج بني الكالسيكية والرومانسية والواقعية‬
‫يف تناوله ألحداثها‪ ،‬وتنقّله الرائع السلس بني استخدام العمال‬
‫للنثر‪ ،‬والعشاق للشعر امل ُ َقفَّى والنبالء للشعر املنثور‪ ،‬واجلن‬
‫لألغاني‪.)11(.‬‬
‫مترد العشاق وثورة الفضاء‪.‬‬
‫إن العشاق األربعة هيرميا‪ ،‬ليساندر‪ ،‬هيلينا ودمييتريوس‬
‫اعترضوا على قيم والديهم قبل كل شيء‪ ،‬فرفضت هيرميا رغبة‬
‫والدها يف الزواج من دمييتريوس ألنها كانت حتب ليساندر‪.‬‬
‫واألمر بالنسبة الجيوس والد هيرميا‪ ،‬يف رفضها غير املقبول‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ويف «حلم منتصف ليلة صيف» تواجه سلطة الرجال‬


‫شخصيات نسوية متمردة فهيرميا ترفض اتباع رغبة والدها يف‬
‫الزواج من دمييتريوس‪ .‬يف حني ملكة األمازون السابقة هيبوليتا‬
‫تزوجت من الدوق ثيسيوس‪ ،‬وملكة اجلنيات تيتانيا غير موافقة‬
‫على االقتران بأوبيرون وعدم إطاعة أوامره يف تسليم الصبي‬
‫املسروق له‪،‬على أية حال‪ ،‬يف نهاية املسرحية‪ ،‬أخذ النساء‬
‫املتمردات أماكنهم املناسبة واستقر بهن احلال‪ ،‬وحل اإلشكال‪.‬‬
‫ويتمثل مترد الفتيات والنسوة يف اعتراض هرميا على والدها‬
‫وهروبها من قانونه اجلائر‪ ،‬وصراع تيتانيا من أجل الصبي‬
‫املسروق‪ ،‬وضعف ملكة األمازون هيبوليتا واستسالمها لقسوة‬
‫امللك ثيسيوس‪.‬‬
‫مبا أن تقدمي مجموعة من النساء املتمردات يف «حلم ليلة‬
‫منتصف صيف» كان واضحاً‪ ،‬فإن مقاصد شكسبير السياسية‬

‫‪ -11‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪9‬‬

‫‪33‬‬
‫يف إيصال صراعات اجلنس هذه إلى املسرح تناقش على نطاق‬
‫واسع يف الوقت احلاضر‪.‬‬
‫سأركز اآلن على رأيني متطرفني‪ ،‬من جانب‪ ،‬رأي املؤرخون‬
‫احلداثييون أمثال ستيفن جرينبالت ‪Steven Greenblatt‬‬
‫الذي ناقش املؤشر الواضح على انحراف املرأة عن نظام املعايير‬
‫املبني على املسرح ويدل على الثورة‪ ..‬من جانب أخر النقاد من‬
‫النساء أمثال شيال نيلسون غارنر ‪Sheila Nelson Garner‬‬
‫التي اعتبرت احلل يف نهاية املسرحية يف تعزيز سلطة الرجال‪.‬‬
‫(‪)12‬‬

‫وتركز شيال نيلسون جارنر على النتيجة يف ثورة النساء‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يف نهاية املسرحية‪ ،‬ومناقشتها الرئيسة كانت‪ ،‬على الرغم‬
‫من االنتقادات الكثيرة التي تناولت عودة العشاق من عالم‬
‫اجلن‪« ،‬ومضامينها االجتماعية واجلنسية‪ ..‬التي مرت دون أن‬
‫تالحظ» كان املضمون الرئيس التغلب على السلطة الثوروية‬
‫للنساء‪ ،‬عندما وافقت النساء على الزواج‪ ،‬ورضني بسيادة أزواج‬
‫املستقبل‪ ،‬على الرغم من أن رغبة هيرميا بالزواج من ليساندر‬
‫كانت مسيطرة عليها وهي تبدو كسبت النقاش‪ ،‬وقد حددت‬
‫قوتها الثورية التمردية مرة أخرى بالزواج‪ ،‬وأصبحت مرة أخرى‬
‫مطيعة للرجل‪ .‬تبني غارنر بأن التجديد [يف التسلسل الهرمي‬
‫القائم] يف نهاية املسرحية يؤكد نظام سيادة األب يف األسرة‬
‫وسلطته‪ ،‬واإلصرار على حتديد سلطة املرأة‪.‬‬
‫إذ فهمت املسرحية على أنها حلم‪ ،‬هل سيكون لها بعد ذلك‬
‫نفس املعنى بالنسبة لنا‪ ،‬وكونها حلم رآه مجموعة العشاق يف‬
‫املسرحية؟ يخاطب باك اجلمهور بتأثير مماثل ملسرحية داخل‬
‫مسرحية تشجع اجلمهور على استخدام اخليال مرة أخرى‪.‬‬
‫‪ -12‬يزل‪ ،‬فضيلة‪ :‬دراسة نسوية ملسرحية (حلم ليلة منتصف صيف)‪ ،‬نسخة‬
‫الكترونية ‪http://www.startimes.com/f.aspx?t=19427529‬‬

‫‪34‬‬
‫إن ما يسميه باك «فكرة بليدة» يف الواقع هي فكرة جادة‬
‫جداً‪ ،‬واستخدام السخرية نستدل عليه من تعليق باك «كما أنني‬
‫باك الصادق» مبا أن العفاريت معروفة بكونها غير صادقة‪،‬‬
‫تالعبه مبشاعر العشاق يبني بأنه غير محترم وغير صادق‪.‬‬
‫الكيمياء الشكسبيرية‪:‬‬
‫من املشهور عن شكسبير أديب اللغة اإلجنليزية العمالق‬
‫أنه له باع وإدراك عميق باملشاعر اإلنسانية وحتليل سلوكها‬
‫ومشاعرها وكذلك له إطالع مدهش بالتاريخ واجلغرافيا‬
‫وثقافات الشعوب األخرى‪.‬‬
‫لكن باإلضافة لذلك يشير بعض الباحثني إلى أن هذا الكاتب‬
‫الفريد له كذلك إطالع جيد باألعشاب والسموم الكيميائية‬
‫واستخداماتها العالجية واألبعاد األسطورية واخلرافية املتعلقة‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫(‪)13‬‬
‫بها‪.‬‬
‫يف الواقع أننا ال نبالغ كثيرا يف تقرير أن العديد من‬
‫مسرحيات شكسبير الرنانة كان سوف تكون اقل وقعا أدبيا لو‬
‫خلت من العامل الكيميائي يف صميم حبكتها الدرامية‪ ،‬خذ على‬
‫ذلك مثال مسرحية (هاملت) التي وأن كانت أقيمت على الصراع‬
‫النفسي لكارثة قتل أبية عبر مؤامرة عائلية قذرة‪ ،‬إال أن القصة‬
‫كذلك اعتمدت وبشكل متكرر (وإن شئت فقل بشكل فج) على‬
‫احد املركبات الكيميائية وهو السم الذي يظهر يف جميع نواحي‬
‫الرواية فمنذ تسميم امللك األب بطريقة خادعة ليظهر كأنه قد‬
‫لدغته حية يف حديقة القصر‪ ،‬إلى شرب امللكة األم اخلائنة‬
‫لكأس السم عن طريق اخلطأ الذي اعد أصال لقتل هاملت‬
‫لتختتم املأساة بقتل العم اخلسيس بالسيف املسموم‬
‫‪ -13‬الغامدي‪ ،‬د‪ .‬أحمد ‪ :‬مقال الكيمياء الشكسبيرية‪ ،‬مجلة بيت معلمي الكيمياء‬
‫عدد ‪ ،55‬نسخة الكترونية‪،‬‬
‫‪http://www.bytocom.net/news.php?action=view&id=43‬‬

‫‪35‬‬
‫وملزيد من التدليل على أن احلبكة الدرامية الشكسبيرية‬
‫الفريدة كانت ستكون ناقصة وضعيفة لو فقدت عنصر العامل‬
‫الكيميائي‪ ،‬يكفي أن نشير إلى أن املسار القصصي ملسرحية‬
‫شكسيبر األكثر شهرة روميو وجولييت‪ ،‬كان سوف يختلف كثيرا‬
‫لو خلت املسرحية من البعد الكيميائي املتمثل يف تناول البطلة‬
‫املتيمة لدواء ومنوم خاص يعطل نشاطها الفسيولوجي الظاهري‬
‫فتبدو كامليتة ليتم بذلك خداع األسرتني املتعاديتني‪.‬‬
‫أما يف مسرحية حلم ليلة منتصف الصيف‪ ،‬فسنجد أن‬
‫احلبكة الهزلية كانت قائمة بشكل محوري على الكيمياء فبعد‬
‫خصام أوبيرون ملك اجلن مع زوجته املتعجرفة تيتانيا‪ ،‬يكيد‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫امللك للملكة حيث يدس لها من يقطر يف عينيها بعصارة زهرة‬
‫احلب السحرية التي جتعل الشخص يقع يف حب أول كائن‬
‫يبصره والذي كان من سوء حظ امللكة إنسان اخرق يضع راس‬
‫حمار على كتفيه‪.‬‬
‫إن الرابطة الكيميائية بني هذه املسرحية وعلم الكيمياء‬
‫تتجاوز دور الكيمياء يف تشكيل العواطف اإلنسانية وكيمياء‬
‫املشاعر إلى إعطاء منوذج مثير لالنتباه بني العلم والفن‪.‬‬
‫فقد طلبت شركة شكسبير امللكية‪ ،‬التي تتولى إقامة أهم‬
‫مسرحيات شكسبير يف نفس مسرح شكسبير الدائري الشهير‬
‫الذي أعيد بناءة بعد احلريق الذي دمره‪ ،‬من اجلمعية الكيميائية‬
‫البريطانية أن تنتج كيميائيا جرعة احلب املستخلصة من‬
‫الزهرة األسطورية املذكورة يف املسرحية ومن اجلدير بالذكر‬
‫أن هذا الطلب مت يف يوم عيد احلب الذي أرادت الشركة أن‬
‫متتزج فية كيمياء املشاعر بكيمياء العلم‪ .‬استجابة لهذا التحدي‬
‫طلبت اجلمعية الكيميائية من فرع العطور لشركة ‪ ICI‬أكبر‬
‫وأقدم الشركات الكيميائية يف بريطانياً‪ ،‬أن حتاول تصنيع‬

‫‪36‬‬
‫مركبات عضوية كيميائية عطرية حتقق هذا املزج بني األسطورة‬
‫والعلم(‪.)14‬‬
‫و قبل أن نودع أحالم الصيف اخلرافية والوادعة يجدر أن‬
‫نشير بنموذج آخر يربط بني شكسبير والكيمياء فمن غرائب‬
‫الصدف أن االسم املختصر لشركة شكسبير امللكية السابقة‬
‫الذكر هو ‪ RSC‬وهو باملناسبة نفس اختصار اجلمعية امللكية‬
‫الكيميائية البريطانية لذا فقد نكون بذلك لم نبالغ كثيرا يف‬
‫أن هنالك رابطة كيميائية (لعلها رابطة تساهمية) بني أديب‬
‫اإلجنليزية العبقري وبني العلم املحوري املوسوم بالكيمياء‪.‬‬
‫انه عمل مسرحي رائع‪ ،‬يوحى بأن هناك يف الطبيعة‬
‫مخلوقات غامضة‪ ،‬تعيش يف عالم آخر‪ ،‬تؤثر فيما حولها‪ ،‬وتؤثر‬
‫علينا أيضا‪ ،‬وأن كنا نراها أحيانا يف أحالم جميلة‪ ،‬أو يف أحالم‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫مخيفة مزعجة‪ ،‬على شكل كوابيس‪.‬‬


‫ولكنها يف رأى الكاتب أنها حلم لطيف يف ليلة صيف‪ ،‬حيث‬
‫أنها جمعت شمل العشاق حتت ضوء القمر يف أحضان الطبيعة‬
‫اخلالبة‪ ،‬وهذا املكان األمني الذي فر إليه اجلميع من ظلم‬
‫املجتمع واضطهاده‪.‬‬
‫وقد ألهمت الغابة بسحرها‪ ،‬وما فيها من كائنات سحرية‪،‬‬
‫من عالم اجلان وطقوسه الغريبة اجلذابة كاتبنا الكبير وليم‬
‫شكسبير ففجر لنا أروع األعمال املسرحية‪ ،‬يف ملهاة‪ ،‬بسيطة‬
‫يف حواراتها عميقة يف معانيها! الكامنة يف قصة احلب التي‬
‫جمعت األبطال «ليساندر وهرميا»‪« ،‬دميتريوس وهيلينا» وإن‬
‫كانت بالرغم من بساطتها صادقة جداً ووفية‪ ،‬فهي تالمس‬
‫الروح كثيراً‪ ،‬والتي تركز على أن احلب مشاعر نبيلة وإنسانية‬
‫تستحق كل التقدير والعرفان! خاصة وأن املفاهيم اختلطت هذا‬

‫‪ -14‬املرجع السابق‪http://www.bytocom.net/news.php?action=view&id=43 .‬‬

‫‪37‬‬
‫الزمن وقد جرد احلب من معانيه السامية!‬
‫(‪)15‬‬

‫لم يقتصر شكسبير على تصوير احلب‪ ،‬بل صور بساطة‬


‫مجموعة من العوام حتاول إجناز مسرحية كي تعرض أمام‬
‫امللك‪ ،‬كيف كانت حتاول مراعاة مشاعر امللك‪ ،‬محاولة بشتى‬
‫الطرق إيجاد السبل إلسعاده بالرغم من أن خبرتهم يف مجال‬
‫التمثيل معدومة باإلضافة إلى مشاعر لم يغفل عنها منها‪ :‬الغيرة‬
‫ومشاعر الكَبر التي قد تصيب اإلنسان على غفلة‪ ،‬من هنا يأتي‬
‫متيزها‪ ،‬إنها بحق مسرحية ممتعة وحواراتها تالمس القلب بكل‬
‫حواسه!‬
‫تفجرت املواهب والطاقات الدرامية يف تاريخ اجنلترا يف‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫العقد األخير من حكم امللكة إليزابيث األولى وكان الحترامها‬
‫وتبنيها ودفاعها املخلص عن هذا الفن االجتماعي الرفيع اكبر‬
‫األثر يف ذلك الرقي الذي ناله املسرح واملسرحيني والدراما‬
‫املسرحية بشكل عام ويف حدود اجنلترا‪.‬‬
‫«ومن هنا جاز تسمية هذا املسرح يف تلك احلقبة املمتازة‬
‫اإلليزابيثي‪ ،‬فلقد شهد حكم امللكة إليزابيث يف النصف الثاني‬
‫من القرن السادس عشر ذروة عصر النهضة يف اجنلترا‪.‬‬
‫وشهدت السنوات العشرون األخيرة من القرن السادس عشر‬
‫مولد املسرح الفني املعروف اليوم باسم املسرح اإلليزابيثي‪...‬وقد‬
‫بلغ قمة النضوج والشهرة يف نهاية حكم امللكة يف مطلع القرن‬
‫وشهد عصره الذهبي يف حكم خليفتها جيمس األول ‪ 1603‬مـ‬
‫(‪)16‬‬
‫‪1625‬م»‬
‫«استطاعت امللكة إليزابيث أن تطلب خدمات املحترفني من‬

‫‪ -15‬عكاوي‪ ،‬د‪ .‬رحاب‪ :‬مقدمة حلم ليلة صيف ترجمة د رحاب عكاوي‪ ،‬ط‪،1.‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان ‪ :‬دار احلرف العربي‪ 160 ،2009 ،‬صفحة ص‪.11‬‬
‫‪-16‬موسى‪ ،‬فاطمه‪ :‬وليم شكسبير شاعر املسرح‪ ،‬القاهرة ‪ :‬دار الكتاب العربي‬
‫‪ 1969‬ص‪16‬‬

‫‪38‬‬
‫املمثلني‪ ،‬مفضلة اياهم على الهواة‪ ......‬لقد بدأ املسرح املحترف‬
‫(‪)17‬‬
‫يتخذ شكله الكامل»‬
‫لقد ظهر املسرح اإلليزابيثي يف هذه الفترة كحقيقة واقعة‬
‫حيث مت بناء دور العرض املهمة‪،‬كما فعل جيمس برباج يف حدود‬
‫‪1576‬م عندما بنى مكانا َ للتفرج واملشاهدة على غرار حدائق‬
‫الدببة اطلق عيها اسم املسرح‪ ،‬وبنى منافسون له مسرحا َ آخر‬
‫ويف نفس العام هو‪ ،‬ستار‪ ،‬ويف األعوام التالية بني مسرح روز‬
‫(الوردة البيضاء) وكان ذلك عام‪1587‬م‪.‬‬
‫املنظر املسرحي‪ :‬يؤكد لويس فارجاس يف كتابه (املرشد إلى‬
‫فن املسرح الدراما) يف حديثه عن املناظر يف عصر النهضة على‬
‫ما يلي‪ »:‬لم تكن هناك مناظر طبيعية إال أن املسرح كان على‬
‫(‪)18‬‬
‫درجة عالية من الفاعلية بني املمثلني وجمهور النظارة»‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫يف حني مييل جون رسل تايلر الى االعتقاد بأن‪ ...»:‬املناظر‬
‫كانت قليلة إلى أقصى حد متثل غابة على نحو تقليدي أو شجرة‬
‫(‪)19‬‬
‫أو غرفة العرش‪ ،‬وغير ذلك»‬
‫األزياء واإلكسسوارات‪ :‬يذكر جون رسل تايلر‪« :‬أن املالبس [يف‬
‫(‪)20‬‬
‫عصر شكسبير] كانت تتسم باإلتقان مرار َا»‬
‫فالعرض املسرحي يعوض فقر املناظر‪ ،‬واإلضاءة بفخامة‬
‫املالبس الغالية‪..‬بهيجة األلوان‪ ...« ،‬وكان الكتاب يكثرون من‬
‫مناظر املواكب واالحتفاالت يف املسرحيات‪ ..‬وكانت املالبس متثل‬

‫‪-17‬فارجاس‪ ،‬لويس‪ :‬املرشد الى فن املسرح‪ ،‬ترجمة‪ :‬احمد سالمه موسى‪ ،‬دار‬
‫الشؤون الثقافية ص‪67‬‬
‫‪-18‬فارجاس‪ ،‬لويس ‪ :‬املرشد الى فن املسرح‪ ،‬ترجمة ‪ :‬احمد سالمه محمد بغداد ‪:‬‬
‫دار الشؤون الثقافية‪ ،‬ص ‪98‬‬
‫‪ -19‬تايلر‪ ،‬جون رسل‪ :‬املوسوعة املسرحية‪ ،‬ج ‪ ،1 /‬ترجمة ‪ :‬سمير عبد الرحيم‬
‫اجللبي‪ ،‬ط ‪ 1 /‬بغداد‪ :‬دار احلرية للطباعة والنشر‪ ،1990 ،‬ص ‪184‬‬
‫‪ -20‬تايلر‪ ،‬جون رسل‪ :‬مرجعسابق ص ‪18‬‬

‫‪39‬‬
‫أقيم ممتلكات الفرقة املسرحية‪ ،‬وال ننسى مساهمة الشعر يف‬
‫(‪)21‬‬
‫خلق اإلحساس باجلمال يف نفوس النظارة»‬
‫أما يف املسرحيات التي تقدم يف البالط فكان العرض يتميز‬
‫باملالبس الفخمة يف حني يذكر هوايتج‪:‬‬
‫«أن بعض الفرق كانت حتصل على ما يستغني عنه النبالء من‬
‫ثياب‪ ...‬وبهذا تتيح ملمثليها أن يظهروا يف أناقة وفخامة ما كانت‬
‫لتتوافر لهم بغير ذلك وحتى يف تلك الفترات كانت تبذل بعض‬
‫املحاوالت ملالئمة الثوب للشخصية‪ ..‬وهكذا‪ ..‬كان السائس يظهر‬
‫يف أسمال معاصرة … واخلادم يف زى اخلدمة املعاصرة واألجير‬
‫يف دثاره املعاصر‪ ،‬وظلت عادة مراعاة املقتنيات التاريخية للعصر‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫(‪)22‬‬
‫املسرحي يف تفاصيل املالبس مجهولة تقريب َا حتى عام ‪»1772‬‬
‫ويذكر االرديس نيكول بأن املسئولني عن اإلنتاج كانوا‬
‫يصرفون مبالغ طائلة على املالبس‪ ،‬وهناك قوائم جرد تشهد‬
‫بوضوح على غنى خزانة املالبس التابعة للمسرح‪»:‬هنا جند‬
‫صدريات من الساتان البرتقالي الغامق وأنواع من الساتان‬
‫األرجواني واألبيض واخلوخي كلها مطرزة باملخمل املذهب‪ ،‬هنا‬
‫جند أردية شيوخ وقبعات وقالنس وستر خضر لرجال روبن هود‬
‫(‪)23‬‬
‫وبدالت لشخوص معينة وألشباح‪..‬الخ»‬
‫ومن اجل أن نتصور بصورة جيدة وواضحة فأن اجلمهور كان‬
‫يرى ويشاهد عروضا َ ملونة غنية باملمثلني الذين يتألقون على‬
‫خشبة املسرح بألبستهم احلريرية والساتانية وهم مجهزون بكل‬
‫ما يالئم العروض املسرحية من مستلزمات‪.‬‬
‫وخالصة القول يف هذا املبحث أن املالبس يف العروض‬
‫‪-21‬موسى‪ ،‬فاطمة ‪ :‬مرجع سابق ص ‪24‬‬
‫‪-22‬هوايتج‪ ،‬فرانك أم ‪ :‬املدخل الى الفنون املسرحية‪ ،‬ترجمة‪ :‬كامل يوسف وآخرون‬
‫ص‪266‬‬
‫‪-23‬نيكول‪ ،‬االرديس ‪ :‬مرجع سابق ص‪92‬‬

‫‪40‬‬
‫املسرحية كانت تتسم بالفخامة وبهجة األلوان منسجمة مع‬
‫فخامة مالبس األمراء والنبالء واللوردات يف تلك الفترة الزمنية‪.‬‬
‫املاكياج واألقنعة ‪:‬إن األقنعة التي كانت تستخدم بكثرة يف‬
‫عروض القرون الوسطى والتي كانت متثل احليات ووحوش‬
‫التنني التي تقذف السنة النار واللهب من فمها قد اختفت من‬
‫العروض املسرحية يف هذا العصر‪:‬‬
‫«وقد مت االنتقال من سيطرة األقنعة إلى سيطرة املاكياج يف‬
‫العصر اإلليزابيثي‪ ،‬فما نبلغ عهد شكسبير حتى جند األقنعة‬
‫(‪)24‬‬
‫اختفت تقريبا َ»‬
‫إال أن هذا االختفاء لألقنعة لم يكن بصورة نهائية متاما َ‪،‬‬
‫فقد بقيت تستخدم بكثرة يف البالط امللكي حتى بعد انتهاء فترة‬
‫حكم امللكة إليزابيث األولى‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫واملسرحيات املقنعة أو ما تسمى مقنعات جيمس األول وتشهد‬


‫خليفته اليزابيث على ذلك‪ ...« :‬متثيليات األقنعة‪ ...‬شكل‪ ،‬من‬
‫التسلية الفخمة تطور إلى تسلية يف املناسبات اخلاصة يف العصر‬
‫(‪)25‬‬
‫اإلليزابيثي ووصل ذروة اإلتقان أبان حكم جيمس األول»‬
‫وهكذا حل املاكياج محل األقنعة يف املسارح العامة غير‬
‫امللكية‪ ،‬وتطور فن املاكياج شيئا َ فشيئا َ‪.‬‬
‫اإلضاءة املسرحية‪:‬لم تكن لإلضاءة املسرحية دور يذكر يوم‬
‫كانت املسارح بدون سقوف‪ ،‬فاالعتماد كان على «‪ ...‬ضوء النهار‬
‫وعلى خيال النظارة عند تقدمي املناظر الليلية»(‪ ...»)26‬فالعروض‬
‫(‪)27‬‬
‫كانت تقدم يف الساعة الثانية بعد الظهر»‬

‫‪-24‬هوايتنج ‪ :‬مرجع سابق ص ‪269‬‬


‫‪-25‬تايلر ‪ :‬رسل‪ :‬مرجع سابق ‪364‬‬
‫‪ -26‬موسى‪ ،‬فاطمه ‪ :‬وليم شكسبيرشاعر املسرح‪ ،‬القاهرة ‪ :‬دار الكتاب العبي ‪1969‬‬
‫ص‪22‬‬
‫‪ -27‬تايلر ‪ :‬مرجع سابق ص‪184‬‬

‫‪41‬‬
‫لكن األمر اختلف متاما َ عندما أصبحت للمسارح سقوف‪،‬‬
‫وهنا نأتي إلى رأي د محمد حامد علي الذي يقول‪ »:‬غير أن‬
‫تطور املسرح‪ ،‬حيث أصبح للمسرح سقف‪ ،‬فكان لزام َا على‬
‫العاملني استعمال اإلضاءة الصناعية‪ ،‬وقد استعملت الشموع يف‬
‫(‪)28‬‬
‫إضاءة مسرح شكسبير واملسارح الشعبية اإلجنليزية «‬
‫ويستمر د محمد حامد يف التوضيح فيقول ‪»:‬إن يف هذا‬
‫العصر ظل استعمال الزيوت والشموع لإلضاءة‪ ،...‬فقد كان‬
‫الضوء األساسي للمسرح مركز يف جنفة دائرية الشكل بها الكثير‬
‫من الشموع وكانت تضئ كالَ من الصالة وخشبة املسرح‪ ...‬كما‬
‫وضعت اإلضاءة أمام وخلف األجنحة‪ ...‬لتضئ املناظر وفوق‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫األلواح‪...‬إلضاءة الصالة‪ ،‬واستعملت اإلضاءة األرضية‪ ،‬لتضئ‬
‫املمثلني‪ ،‬ويف مشاهد الليل تخفض جزء من اإلضاءة وتغطى‬
‫بعض الشموع واملصابيح حتى يقترب اجلو من الواقع املسرحي‪،‬‬
‫وكان املمثلون يحملون يف أيديهم الشموع‪ ،‬ليوهموا املتفرج‬
‫(‪)29‬‬
‫بظالم الليل»‬
‫ومن جملة هذه اآلراء نستخلص أن اإلضاءة املسرحية لم‬
‫تكن موجودة يف النصف األول من هذا العصر بسبب فقدان دور‬
‫العرض للسقوف‪ ،‬وأصبحت ضرورة ملحة عند بناء السقوف‬
‫لدور العرض‪ ،‬فاستعملت الشمعة ومصابيح الزيت فكانت‬
‫البداية الستعمال اإلضاءة املسرحية‪.‬‬
‫موقع اجلمهور‪ :‬كان املتفرجون يف العصر اإلليزابيثي‬
‫يكادون يحيطون باملمثلني إلى حد االقتراب اللصيق باملسرحية‬
‫املعروضة‪ ،‬كما أن اجلمهور كان مدربا َ على قبول املعاجلات‬
‫التقليدية للواقع‪.‬‬
‫‪ -28‬علي‪ ،‬محمد حامد ‪ :‬اإلضاءة املسرحية ط ‪ 1 /‬بغداد ‪ :‬مطبعة الشعب ‪1975‬‬
‫ص ‪24‬‬
‫‪-29‬املرجع السابق ص‪26‬‬

‫‪42‬‬
‫«إن املسرح اإلليزابيثي كان مسرحا َ للشعب‪ ،‬بجميع طبقاته‪،‬‬
‫(‪)30‬‬
‫يجتمع فيه أحط األفراد إلى جانب امللكة إليزابيث نفسها»‬
‫ومن جانب آخر فقد كان املسرح من أهم أدوات الدعاية‬
‫السياسية يف ذلك الوقت‪ ،‬فاملدافعون عنه أمام هجمات املتزمتني‬
‫يبرزون دوره الدعائي كسبب يدعوا إلى التمسك بنقائه‪ ،‬أما‬
‫القصر امللكي مع تشجيعه للمسرح يفرض رقابة صارمة على ما‬
‫يعرض من مسرحيات‪ ،‬أما العديد من املوظفني‪ ،‬فكانوا ينظرون‬
‫نظرة استحسان إلى املسرح بأي شكل من األشكال‪.‬‬
‫غير أن السلطات البلدية يف لندن كانت تقف موقفا َ مناوئا َ‬
‫للمسرح بحيث كانت اعتراضاته كثيرة وعديدة‪ ،‬منها الدينية‬
‫والطبية واالقتصادية‪ ،‬حتى أنها كانت تعد التمثيل عمالَ إحلاديا‪،‬‬
‫يف حني املتزمتون من رجال السلطة كانوا على استعداد لوصف‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫دور العرض على أنها دور الشياطني غير أن‪ ،‬غالبية الناس‬
‫كانت مع املسرح‪ ،‬والقلة القليلة منهم كان يقف موقف املتزمت‬
‫الرافض له‪.‬‬

‫الغابة بوصفها فضاء خيالي‪.‬‬


‫ترتكز مسرحية «حلم ليلة منتصف صيف» على فكرة عالم‬
‫اخليال الذي يوازي عالم الواقع يف أثينا ‪ :‬الغابة الليلية كونها‬
‫مكانا ً لالنسالخ بدون رقابة أو سلطة‪ ،‬هنا يتحول بوتوم إلى‬
‫حمار ويقع يف احلب مع ملكة اجلنيات تيتانيا فيما يعرف بحلم‬
‫بوتوم‪ ،‬وهذا مثال على اختالل النظام االجتماعي وهو حلم‬
‫اليزابيثي مهم يعبر عن الرغبة يف امتالك سلطة على امللكة إذ‬
‫كانت هذه رغبة عامة يف العصور اإلليزابيثية‪.‬‬
‫يقول يان كوت عن غابة حلم ليلة صيف‪»:‬الغابة يف شكسبير‬

‫‪-30‬هوايتج ‪ :‬املرجع السابق ص ‪74‬‬

‫‪43‬‬
‫متثل الطبيعة دائما‪ ،‬والهروب إلى الغابة‪ ...‬هو هروب من العالم‬
‫القاسي»(‪)31‬هذا الهروب الذي يعكس حالة انقسام الذات كرد‬
‫فعل للصدمة واإلحباط وهذا ما يجعل الغابة متتلىء بالقوى‬
‫املنظورة التي هي انعكاس النقسام الذات ـ ذوات العشاق األربعة‪،‬‬
‫وحتى املمثل الشعبي املهان بوتوم وهذا ما يؤكده د‪ .‬شاكر عبد‬
‫احلميد يف كتابه الغرابة املفهوم وجتلياته يف األدب حيث يقول‪:‬‬
‫«ترتبط قصص االزدواج‪ ...‬بعمليات التحول ‪ :‬حتول اإلنسان‬
‫إلى حيوان أو العكس‪ ،‬والسيد إلى عبد أو العكس اإلنسان إلى‬
‫شيطان أو العكس‪ ،‬وبكل عمليات تغير الهوية وحتولها وجتاوزها‬
‫(‪)32‬‬
‫للحدود الطبيعية اخلاصة بها»‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫(‪)33‬‬
‫أما سي‪ .‬أل‪ .‬باربر فيرى أن «الغابات مناطق إثارة شديدة»‬
‫(‪)34‬‬
‫وهنا يعبر شكسبير عنها «رغبة الطبيعة التي تكتمل باالقتران»‬
‫وخلص باربر إلى أن «طريق الطبيعة الذي شعرت به تكون‪..‬‬
‫باألشياء التي تكونت خالل تصادمها مع الطبيعة «لذا بالنسبة‬
‫لباربر الغابة مكان أو ميدان للمحبني لتأكيد حبهم دون احلاجة‬
‫إلى إذن من والديهم األمر الذي جنحوا يف حتقيقه يف النهاية‪،‬‬
‫لذا احلصول على فرصة لكسر القواعد التي هرب منها العشاق‬
‫وكذلك بيتر كوينس إلى عالم اجلن اخليالي‪ ،‬لذا يلعب هذا‬
‫العالم اخليالي دوراً هاما ً يف إظهار شخصيات الذين رفضوا‬
‫املوافقة على النظام القائم آنذاك الذي كان يحدد أسس حياتهم‪.‬‬
‫ويقول بيتر بروك عن عالمات الفضاء يف احللم الشكسبيري‬

‫‪ -31‬كوت‪ ،‬يان‪ :‬شكسبير معاصرنا‪ ،‬ترجمة جبرا ابراهيم جبرا‪ ،‬بيروت‪ ،‬املؤسسة‬
‫العربية للدراسات والنشر ‪ 1980‬ص‪129‬‬
‫‪-32‬عبد احلميد‪ ،‬د‪ .‬شاكر ‪ :‬الغرابة املفهوم وجتلياته يف األدب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلسلة عالم‬
‫املعرفة‪ ،‬عدد ‪ 384‬املجلس الوطني للفنون واآلداب‪ 2012 ،‬ص‪174‬‬
‫‪-33‬يزل‪ ،‬فضيلة ‪ :‬مرجع سابق‬
‫‪-34‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫وما تثيره يف نفوسنا من أخيلة‪ »:‬وعندي فإن أعمال شكسبير‬
‫الكاملة تشبه نظاما ً متكامال للشفرة‪ ،‬تستثير كل شفرة منه‬
‫ذبذبات ونبضات فينا‪ ،‬وعلينا أن نحاول ‪ -‬على الفور‪ -‬أن جنعلها‬
‫كال متماسكا‪ ،‬إذا تقبلنا هذا النظر يف كتابة شكسبير‪ ،‬فسنجد أن‬
‫وعينا اليوم عون لنا‪ ،‬لكن هذا الوعي الذي نغامر باالعتماد عليه‪،‬‬
‫له أيضا غاباته املظلمة ودهاليزه التحتية وأجواؤه العليا‪ ،‬وتلك‬
‫الزوايا الغريبة يف أعمال شكسبير التي تبدو للوهلة األولى نائية‬
‫أو سحيقة‪ ،‬إذا نحن أطلقناها‪ ،‬ستوقظ مناطق سرية يف نفوسنا‪.‬‬
‫اجلن إذن هي القدرة على جتاوز القوانني الطبيعية والدخول‬
‫يف رقصة جزئيات الطاقة التي تتحرك بسرعة ال تصدق‪.‬‬
‫كيف سنعبر عن اجلنية بأزياء معينة أم مباكياج معني كما‬
‫كانوا يصورون الشيطان قبل ظهور الرومانسية بقرنني وهو‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ينفث النار؟!!‬
‫يرد بيتر بروك قائال‪:‬‬
‫«ليس هذا سوى مثال واحد فكلمة (جنية) حني جتتاز‬
‫فصوصنا الدماغية املثقلة بالنزعة التحليلية والثقافة والوعي‬
‫بالتاريخ‪ ،‬لن تنتج سوى تداعيات ميتة‪ ،‬أما إذا نحن أصغينا‬
‫بطريقة مختلفة إلى ما وراء ما ميكن إدراكه فسنصل إلى قيم‬
‫حيه‪ ،‬وإذا استطعنا أن نلمسها‪ ،‬تبدأ قطعة الفحم يف االشتعال»‪.‬‬
‫(‪)35‬‬

‫ومن هنا نبدأ يف عرض مجوعة من الرؤى املختلفة لنص‬


‫حلم ليلة صيف برؤية بيترك بروك التي تعد من أهم الرؤى التي‬
‫قدمت لهذا النص الشكسبيري اخلالد‪.‬‬

‫‪-35‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪106‬‬

‫‪45‬‬
‫املبحث الثاني‬
‫قراءات يف عروض عاملية وعربية‬

‫‪ 1‬ـ حلم ليلة صيف بيتر بروك‪.1970‬‬


‫يعتبر عرض حلم ليلة صيف واحد من أشهر عروض بيتر‬
‫بروك الذي يطلق تسمية املسرح املقدس على هذا النوع من‬
‫املسرح من باب االختصار أو اإليجاز‪ ،‬ألن املسرح املقدس‬
‫بالنسبة له هو ذلك املسرح غير املرئي الذي يصبح بفعل التجربة‬
‫الفعالة واملكتشفات اجلديدة وامتحان ما توصلنا إليه يف السابق؛‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫مسرحا مرئياً‪.‬‬
‫ويقترح بيتر بروك أمثلة على بعض التمارين السهلة‬
‫جدا التي متنح النص‪ ،‬واحلالة املسرحية معناهما العميق‪،‬‬
‫مشيرا بشكل خاص‪ ،‬إلى مسرح البايوميكانيك(‪Theatre)36‬‬
‫‪ biomicanique‬ملايرهولد الذي قدم مشاهد الغرام على‬
‫األراجيح ‪ -‬يف عرض من العروض ملسرحية هاملت بحيث جعل‬
‫هاملت يرمي بحبيبته أو فيليا قريبا من املشاهدين وتأرجح هو‬
‫بحبل فوق رؤوسهم ‪ -‬ولقد تذكر بيتر بروك فعل التأرجح هذا‬
‫يف إخراجه اجلميل ملسرحية (حلم ليلة صيف)‪.‬‬
‫إن املسرح غير املرئي هو مسرح الالمعقول ومسرح الوحشية‬
‫معا‪ ،‬وهو مبوجب أرتو الذي يعتبر احلركة املسرحية «إشارة نقوم‬
‫من خاللها بصنع اللهب‪ /‬الشعلة» هو دائما «مسرح القسوة»‪،‬‬
‫واملسرح املقدس بذلك يلتقى مع مسرح الواقعة يف بعض‬
‫األهداف ذلك أن مسرح الواقعة يتطلب مشاركة اجلمهور فعليا‪،‬‬

‫‪ -36‬البايوميكانيك‪ :‬نظرية مسرحية وضعها املمثل واملخرج الروسي مايرهولد‬


‫‪ )1904-1874‬لتدريب جسم املمثل‬

‫‪46‬‬
‫وتكون الغاية منه إثارة أحداث تؤدي إلى خلق اثر فني مرجتل‪.‬‬
‫(‪)37‬‬

‫وعندما عرضت فرقة شكسبير امللكية «مسرحية حلم ليلة‬


‫منتصف الصيف» إخراج بيتر بروك عام ‪ 1970‬أعتبر العرض‬
‫نقطة حت ّول هامة يف تاريخ فرقة شكسبير امللكية‪ ،‬يف هذا‬
‫طم بروك كل التقاليد املتعارف عليها يف‬ ‫العرض التجريبي ح ّ‬
‫تقدمي أعمال شكسبير‪.‬‬
‫فألول مرة أصبحت شخصيات شكسبير تخاطب اجلمهور‬
‫مباشرة‪ ،‬من خالل األداء اجلسدي للممثلني الذين أفلحوا يف‬
‫خلق جسور العالقة مع املتفرجني‪.‬‬
‫اختار بروك أن يكون العشاق أناسا عاديني ومضحكني ممن‬
‫نألفهم يف حياتنا اليومية‪ ،‬فاجلمهور فوجئ بشخصيتي تتيانا‬
‫وأوبيرون وهما يلعبان دوريهما على املراجيح البهلوانية حاملني‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫على العصى أواني د ّوارة‪ ،‬مثلهم مثل العبي السيرك‪.‬‬


‫مثل هذه الوسيلة وغيرها من الوسائل املستوحاة من تقاليد‬
‫سحر اجلمهور الذي لم يتعود على تلقي‬ ‫ّ‬ ‫كوميديا ديآلرتي‬
‫املفاجآت التجريبية اخلارجة على النمط السائد يف التعامل‬
‫مع املسرحية‪ ،‬وأين؟ على املسرح التقاليد امللكي يف سترافورد‬
‫مسقط رأس شكسبير واهم أثر معماري للمسرح االليزابيثي‪.‬‬
‫لعبت سينوغرافيا العرض إلى جانب هذا التالحم بني املثل‬
‫واجلمهور دوري البطولة يف جناح هذا العرض الذي تكونت‬
‫سينوغرافيته ببساطة ال تتحقق بسهولة إال يف األعمال اخلالدة‪،‬‬
‫ويكفي ما خلقته التفاسير السينوغرافية من سحر وأفكار‬
‫ساهمت مع األداء اآلني وقتها يف فهم املسرحية املعروضة‬
‫االنفعال اجلمالي بها‪ ،‬فقد كانت حينها خارقة للعادة‪ ،‬ونذكر‬
‫هنا من بني عناصر السينوغرافيا يف عرض بروك حللم ليلة‬
‫‪Le happeningh -37‬الواقعة‪ :‬موجة ظهرت يف أمريكا يف سبعينات القرن‬
‫املاضي‪.‬فون‪ ،‬مارسيل فريد‪ :‬فن السينوغرافيا ومجاالت اخلبرة‪ ،‬مرجع سابق ص‪.22‬‬

‫‪47‬‬
‫منتصف الصيف العناصر التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ صندوق مكعب ابيض اللون مفتوحة أحد حوائطه‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫صورة رقم ‪ 1‬ـ ماكيت للتصميم النهائي لفضاء احللم الشكسبيري عند بروك‬

‫‪ 1‬ـ صندوق مكعب ابيض اللون مفتوحة أحد حوائطه‬

‫صورة رقم ‪ 2‬ـ التنفيذ العملي للتصميم النهائي لفضاء احللم الشكسبيري عند بروك‬

‫‪48‬‬
‫‪ 2‬ـ بابني يف اخللفية ‪.‬‬
‫ـ كبديل عن الغابة واألجواء الرومانسية املألوفة يف طرق‬
‫(‪)38‬‬
‫املعاجلة التقليدية إلخراج املسرحية‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صورة رقم ‪ 3‬ـ الحظ املداخل من والي الغابة االفتراضية‬


‫‪ 3‬ـ خامة الصفيح املستخدمة يف صناعة الرعد‪ :‬عندما رعدت‬
‫العواصف أمام اجلمهور شاهدوا الفنيني وهم يقومون بتحريك‬
‫الصفيح‪.‬‬
‫‪4‬ـ قوائم خشبية عالية‪ :‬باك – اجلني‪ ،‬ركب قوائم عالية‬
‫رفعته فوق جدران الديكور املحيطة باملشاهد‪.‬‬
‫‪ -38‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬

‫صورة رقم ‪ 4‬ـ الحظ القوائم اخلشبية التي يستخدمها العبي السيرك‬

‫‪ 5‬ـ أرجوحة فضائية‪.‬‬


‫ـ خلد احلمار وامللكة للنوم فيها ولم تنزاح حتى زوال فعل‬
‫السحر(‪ ،)39‬وهذا امتداد لفعل التأرجح الذي يالزم اجلميع‪.‬‬

‫‪ -39‬سيف‪ ،‬د‪.‬محمد‪ :‬رحلة يف أروقة كتاب الفضاء اخلالي‪،2004 -1 - 26 ،‬‬


‫مسرحيون‪( ،‬موقع الكتروني)‪،‬‬

‫‪50‬‬
‫صورة رقم ‪ 5‬ـ األرجوحة اخلاصة مبلكة اجلن وبوتوم‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صورة رقم ‪ 6‬ـ فعل التأرجح بني احلب والكراهية عالمة أساسية يف العرض‬
‫وخالصة القول ترى الباحثة أن بروك طبق مفاهيم‬
‫السينوغرافيا التجريبية فتمرد على شكل العلبة وصمم ثالثة‬
‫حوائط بيضاء ووضع داخلها مجموعة من احليل البهلوانية التي‬
‫‪http://www.masraheon.com/old/166.htm‬‬

‫‪51‬‬
‫عبرت عن حالة التأرجح التي يعانيها العشاق املراهقني كما‬
‫استخدم عناصر البيئة مثل الصفيح لصناعة املؤثرات‪.‬‬

‫‪2‬ـ حلم ليلة صيف موسيقى مندلسون إخراج رينهاردت ‪:1935‬‬


‫مثلما اهتم األدب والنقد بشكسبير اهتم املوسيقيون به وأكثر‬
‫من ارتباط اسمه من املوسيقيني بحلم ليلة صيف هو األملاني‬
‫فليكس مندلسون‪ ،‬الذي يظل عمله يف هذا املجال‪ ،‬األكثر قوة‬
‫وحضوراً‪.‬‬
‫لكن الغريب يف أمر مندلسون هو أن افتتاحية «حلم ليلة‬
‫صيف» لديه‪ ،‬إمنا حلنت فيما كان بعد يف سن السابعة عشرة‪،‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫أي يف العام ‪ ،1826‬وعاد وأكمل العمل يف عام ‪ 1843‬ليضحى‬
‫موسيقى مسرحية متكاملة تترجم أنغاما ً وأحلاناً‪ ،‬وال بد من‬
‫أن نوافق مع كل املؤرخني والنقاد الذين وجدوا دائما ً أن روح‬
‫عمل مندلسون هي األقرب الى روح عمل شكسبير‪ ،‬بحيث أن‬
‫معبر عن‬‫هذا األخير وجد يف املوسيقي األملاني الشاب خير ّ‬
‫جوهر مسرحيته وأجوائها ن وهذه القطعة املوسيقية الكبيرة‪،‬‬
‫على رغم أن مندلسون بدأ كتابتها باكراً‪ ،‬لم تقدم للمرة األولى‬
‫إال يف عام ‪ 1843‬ويف مدينة بوتسدام‪ ،‬وأتت يف حينه لتضم‪ ،‬الى‬
‫«االفتتاحية»‪« ،‬سكيرزو» و«انترمتزو» و«نوكتورن» (ليلية) و«مارش‬
‫(‪)40‬‬
‫زفاف»‪.‬‬
‫والغريب أن النقاد حني اكتشفوا العمل بكامله يوم تقدميه‬
‫للمرة األولى‪ ،‬أجمعوا على تكامله وانسيابيته‪ ،‬بني االفتتاحية‬
‫املبكّرة واملقطوعات التي كتبت الحقاً‪ ،‬وقالوا أن االفتتاحية‬
‫نفسها كانت‪ ،‬ومنذ البداية‪ ،‬حتمل يف أعماقها كل اللحظات‬
‫اللحنية الكبرى يف العمل بأكمله‪.‬‬
‫‪ -40‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫وأجمع الباحثون‪ ،‬وال يزالون حتى اليوم‪ ،‬على أن العمل‬
‫يبدو قريبا ً جداً من تصوير شكسبير القلمي له‪ ،‬وال سيما يف‬
‫مجال غوصه‪ ،‬يف شكل شديد األلفة‪ ،‬يف «حياة اجلن والعفاريت‬
‫واألرواح التي تسكن مناخ الغابة»‪.‬‬
‫وميكن كل من يتم ّعن يف عمل مندلسون أن يجد‪ ،‬باستثناء‬
‫«مارش الزفاف» الذي يحتفل احتفاالً صاخب ًا بزواج «تيسبي»‪،‬‬
‫كيف أن كل موسيقى العمل تبدو موسيقى جدية محلقة يف‬
‫الفضاء منشرحة وحافلة بأصداء عناصر الطبيعة‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صورة رقم ‪ 7‬ـ بوتوم قبل التحول فوق جزع شجرة رؤية ـ رينهاردت ‪1935‬‬

‫‪53‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫صورة رقم ‪ 8‬ـ بوتوم بعد التحول مع تيتانيا يف أحضان الطبيعة ـ رينهاردت ‪1935‬‬

‫صورة رقم ‪ 9‬ـ اجلني باك أحضان الطبيعة ـ رينهاردت ‪1935‬‬

‫‪54‬‬
‫غير أن «السكيرزو» التالي مباشرة يأتي أيضا ً أكثر خفة‬
‫وارتباطا ً بسحر الطبيعة‪ ،‬أما اجلمل املوسيقية األولى التي‬
‫كانت تبرز يف االفتتاحية فإنها سرعان ما تتكثف يف «الليلية»‬
‫لكي تتحول الى ما يشبه النشيد املهدى الى سالم الكون‪...‬‬
‫واملعزوف حتت ضوء القمر الشاحب‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صورة رقم ‪ 10‬ـ اجلن واجلنيات ينشدون أغاني احلب والسالم احتفاال باحلب ـ رينهاردت ‪1935‬‬

‫صورة رقم ‪ 11‬ـ حني صارت تياتنيا حورية مسحورة ـ رينهاردت ‪1935‬‬

‫‪55‬‬
‫وإذ يأتي «االنترمتزو» بعد ذلك جندنا يف وسط مشهد‬
‫احلب الذي يهيمن‪ ،‬أصالً‪ ،‬على الفصل الثاني من املسرحية‪،‬‬
‫وهو املشهد الذي تتصدره هرمياً‪ ...‬ففي هذا املشهد‪ ،‬وإذ تخفق‬
‫املوسيقى بضربات قلب عاشق‪ ،‬يكتشف املستمع أن ما يصغي‬
‫(‪)41‬‬
‫إليه ليس قلب امرأة‪ ،‬بل قلب حورية ليل حقيقية‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار نفسه لم يكونوا بعيدين من الصواب أولئك‬
‫النقاد الذين رأوا دائما ً أن مندلسون عرف يف جزء «الليلية» من‬
‫العمل «كيف يترجم أحسن مما فعل أي موسيقي آخر يف تاريخ‬
‫هذا الفن‪ ،‬الهدوء العميق الذي يخ ّيم على الطبيعة حتت ضوء‬
‫القمر»‪ ،‬وهو على أية حال واحد من املوضوعات األثيرة لدى‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫الشعراء والفنانني األملان حتى ولو لم يكونوا من الرومنتيكيني‪...‬‬
‫وخالصة القول ترى الباحثة أن رؤية مندلسون رؤية‬
‫رومانسية ركزت على السينوغرافيا الرومانسية التي ترسم صورة‬
‫شاعرية للطبيعة بغموضها وعواملها اخلفية وهذا يظهر جليا يف‬
‫مالبس اجلنيات والتخفي خلف األشجار والتالحم مع الورود‬
‫وافرع الشجر‪ ،‬كما تعكس السينوغرافيا صخب الطبيعة وثورتها‬
‫ويظهر هذا جليا يف االحتفاالت الصاخبة للجن يف البداية أنها‬
‫منوذج متكامل للسينوغرافيا الرومانسية‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ حلم ليلة صيف جون كايرد ‪:2000‬‬


‫استقدم املسرح امللكي يف استوكهولم‪ ،‬إلخراج حلم ليلة صيف‬
‫يف بداية األلفية الثالثة‪ ،‬املخرج البريطاني جون كايرد احد اهم‬
‫مخرجي بريطانيا يف الوقت احلاضر الذي عمل يف «رويال‬
‫شكسبير كومباني» اثني عشر عاما‪ ،‬وهذه هي املرة الثانية التي‬
‫يخرج فيها كايرد مسرحية حلم ليلة منتصف الصيف‪.‬‬
‫‪ -41‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫ويطرح كايرد رؤياه للغابة يف البيان الصحايف التمهيدي‬
‫للعرض على النحو التالي‪:‬‬
‫«أن املشهد األول يف املسرحية مشهد غريب جدا‪ ،‬كان بإمكان‬
‫هذا املشهد أن يكون مشهدا استهالليا ألية مسرحية تراجيدية‪،‬‬
‫فهو شبيه مبطلع مسرحية «روميو وجولييت»‪ ،‬أب غاضب‪ ،‬دوق‪،‬‬
‫أوالد يائسون‪ ،‬يعانون من مشاكل احلب األبدية‪.‬‬
‫ويف املشهد الثاني يدخل عدد من املمثلني وهم يخططون‬
‫إلخراج مسرحية‪ ،‬حينذاك فقط يدرك املرء من سياق األحداث‬
‫أن املسرحية كوميدية‪ ،‬ثم ننتقل مع باك واجلنيات الى الغابة‪،‬‬
‫ونفهم أن املسرحية ليست مجرد ملهاة‪ ،‬بل إنها كوميديا مجنونة‪،‬‬
‫عالم مجنون تالشت فيه قواعد السلوك اإلنساني بأسرها»(‪.)42‬‬
‫أن للعشاق واملجانني عقوال فوارة وخيالهم قوي خالق‪ ،‬يرى‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ما يعجز عن إدراكه العقل الهادئ (‪.)43‬‬


‫بهذا املنطق يرد الدوق على عشيقته هيبوليتا يف تفسيره‬
‫سلوك العشاق وما جرى لهم من أعاجيب القصص‪.‬‬
‫باملنطق نفسه يقيم جون كايرد عرضه املسرحي العشاق‬
‫مؤكدا بالدرجة األولى سلوك العشاق الساذج وتقلباتهم السريعة‬
‫املضحكة ومطارداتهم الهوجاء لبعضهم وحتوالتهم يف أقاليم‬
‫الغابة السحرية‪.‬‬
‫أن اإلطار األسطوري السهل للمسرحية واملمتع يف آن واحد‪،‬‬
‫يشكل نبرة العرض األساسية بعيدا عن تعقيدات املدارس‬
‫النفسية والتحليالت الفرودية التي ظلت تثقل كاهل هذه‬
‫‪ -42‬اجلاف‪ ،‬فاضل ‪ :‬مقال بعنوان ‪ :‬أحالم العشاق برؤية سويدية ـ استوكهولم‬
‫(جريدة الشرق األوسط‪ ،‬العدد ‪ ،2001 ،8226‬نسخة الكترونية‪،‬‬
‫‪http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&article=41‬‬
‫‪554&issueno=8226‬‬
‫‪ -43‬شكسبير‪ :‬حلم ليلة صيف‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪.‬محمد عناني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة املصرية‬
‫العامة للكتاب‪ ،1992 ،‬ص‪157‬‬

‫‪57‬‬
‫املسرحية اخلفيفة خفة األحالم الشفافة‪.‬‬
‫ومن الناحية الفنية أيضا يبتعد املخرج كل االبتعاد عن‬
‫األساليب املسرحية املقحمة والالمألوفة بقصد خلق تأثيرات‬
‫مسرحية يف األسلوب من النوع الذي يسمى أحيانا بالتجريبية‪.‬‬
‫فالغابة‪ :‬غابة فحسب واجلنيات ليست إال جنيات كما‬
‫تصورها الكتب واألساطير وليست ضربا من مرضى فرويد‬
‫(‪)44‬‬
‫املصابني بالهيستيريا‪ ،‬كما يقول الناقد السويدي ليف زيرن‪.‬‬
‫أما املوسيقى واملالبس‪ :‬فعصرية يختلط فيها السحر بالواقع‬
‫الفنتازي ‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬

‫صورة رقم ‪ 12‬ـ جانب من تصميمات ‪ Sue Blane‬للمالبس يف رؤية جون كايرد‬

‫‪ -44‬اجلاف‪ ،‬فاضل‪ :‬مقال بعنوان ‪ :‬أحالم العشاق برؤية سويدية‪ ،‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫صورة رقم ‪ 13‬ـ تقاليد الويست إند يف رؤية جون كايرد‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صورة رقم ‪ 14‬ـ الفرقة الشعبية يف مواجهة تقاليد الويست إند يف رؤية جون كايرد‬

‫‪4‬ـ حلم ليلة صيف لفرقة كركلا للرقص ‪.1994‬‬


‫يف حلم ليلة شرق التي قدمت يف شباط األولى من عام ‪1994‬‬
‫لفرقة كركال للرقص والتي حتمل اسم مخرجها يكون الرقص‬
‫وحده هو املتسيد على اإلمياء والتمثيل‪ ،‬لكن مبعاجلة درامية‬
‫واضحة ال تبتعد عن أية معاجلة إخراجية‪ ،‬ذلك ألن هناك خيط‬
‫رفيع بني املسرح الراقص‪ ،‬والرقص املسرحي‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫فالرقص املسرحي يف مسرحية تعتمد على التعبير أكثر‬
‫مما تعتمد على اللغة‪ ،‬وصوالً إلى أكبر عدد من اجلمهور‪ ،‬ومن‬
‫أوسع مداخل التفاهم العاملي من خالل لغة التعبير اجلسدي‪،‬‬
‫بكل مفاهيمها ومنحنياتها‪.‬‬
‫يقول كتيب عرض حلم ليلة شرق (عرض كركال)‪:‬‬
‫«إنها مسرحية مستوحاة من أغرب‪ ،‬وأغنى مسرحيات‬
‫شكسبير‪ ،‬األجواء املرحة‪ ،‬وما فيها من فرح ودهشة‪ ،‬وما‬
‫تتضمن من تناقضات بني العنف‪ ،‬واإلثارة‪ ،‬وحتت الظاهر‬
‫السحري اللعوب يسري تيار آخر أقل مرحاً‪ ،‬وأخفت بريقا ً وهو‬
‫حكاية العاطفية الشرقية عند مواجهة قوة فوضوية متناغمة‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يف ذاتها‪ ،‬ويف سجيتها‪ ،‬وكأنها قوة ما ورائية تبدو يف ظاهرها‬
‫متسقة النغم‪ ،‬واللحن‪ ،‬ولكنها يف حقيقتها ال متثل الصورة‬
‫الكاملة‪.‬‬
‫ألبسنا هذا العمل بيئتنا الشرقية ملا فيها من جماليات‬
‫مدهشة تراكمت عبر التاريخ فجاءت مليئة بالسحر‪ ،‬واخليال‬
‫لتزيني مجمل نوافذنا االجتماعية‪ ،‬وطموحنا هنا أن تأتي‬
‫املعاجلة مبا نقدمه يف مسرحنا الراقص لنعبر به عن زمن‬
‫وإنسان شرقي كجزء من زمن وإنسان العالم» (‪.)45‬‬
‫وإذا ما دخلنا عرض حلم ليلة شرقية‪ ،‬يف أمسية احللم‬
‫على مسرح املجمع الثقايف بأبوظبي ليلة شباط األولى من‬
‫عام ‪ ،1994‬فإن العرض يسحبنا عبر املوسيقى لرواية احلدث‬
‫بإمياءات راقصة‪ ،‬على أنغام املزمار‪ ،‬والدف فكانتا آلتان‬
‫تعبيريتان شاهدتني على ردود األفعال‪ ،‬وقد أوصلتا الصوت‬
‫املسموع‪ ،‬برؤية لها رونقها اخلاص‪ ،‬وباتساق جميل‪ ،‬أما ردود‬
‫األفعال للجماعة الراقصة فحاضرة صوتا ً وتصفيقاً‪ ،‬مضيفة‬

‫‪ -45‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫للمجموع معاني رشيقة وأبعاداً إضافية‪ ،‬تعبر لنا عن جماليات‬
‫الدخول إلى سوق شرقية‪ ،‬فهناك باعة وبائعات‪ ،‬وقرد‪،‬‬
‫وجميعهم يعبرون عن روح السوق الشرقية الذي ال يخلو من‬
‫الرواة‪ ،‬وبخاصة رواة السير واملالحم‪.‬‬
‫جاء كل ذلك من خالل استعراضات لونية حركية‪ ،‬وتناغمت‬
‫موسيقيا ً لتعطي للطابع الشرقي مقاساته املحسوبة يف ذلك‬
‫العصر الذي لم يدلنا على فترته كركال املخرج إال بكونه إما‬
‫معاصراً لشكسبير‪ ،‬أو أنه متداخل األزمان‪ ،‬متباعدة حتى‬
‫نهايات القرن التاسع عشر كما يظهر يف الصور رقم ‪15‬‬
‫و‪.16‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صورة رقم ‪ 15‬ـ غالف كتيب عرض حلم ليلة شرق لفرقة كركال اللبنانية‬

‫‪61‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫صورة رقم‪ 16‬ـ الرقص واألزياء والتدريبات يف رؤية كركال‬

‫بدأ كركال املخرج التقدمي البولوجي متوغالً يف أحداث‬


‫العرض‪ ،‬وبخاصة استعراض وضعيات السوق‪ ،‬من خالل‪:‬‬
‫«احلركة البانورامية من اليسار إلى اليمني‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬بينما‬
‫تتوقف األفعال يف وسط‪ ،‬اسفل ميني‪ ،‬ويسار املسرح عندما يراد‬
‫لها التأثير املناسب‪ ،‬بإتاحة الفرصة املكانية‪ ،‬والزمانية إلعطاء‬
‫مدلول مقصود‪ ،‬بينما تتفاعل قطع الديكورات املتحركة بحرية‪،‬‬
‫أمام الكواليس يف ديناميكية متوافقة مع ضرورة السكون‪،‬‬
‫ومعاني احلركة درامية‪ ،‬وألن ألوان األزياء تتضارب يف السوق‬
‫بكل التنقضات الشرقية الصارخة مرة‪ ،‬ومرة ثانية متداخلة‬
‫ببعضها وثالثة غير متراكبة‪ ،‬ليرينا زحمة السوق بكل فوضويتها‪،‬‬
‫(‪)46‬‬
‫وال تناسقها املربك حتى على النظر الشرقي‪.‬‬
‫وخالصة القول ترى الباحثة أن منطلقات التفاسير يف عرض‬
‫كركال انطلقت من رؤية بروك التجريبية التي دخلت يف محيط‬
‫املسرح االستعراضي وكأنه بروك بطعم االستعراض وهذا الطابع‬
‫‪ -46‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫االستعراضي فرض على السينوغرافيا أن تسمح بوجود مساحات‬
‫الستيعاب الرقصات بأعداد كبيرة من خالل استعراضات لونية‬
‫حركية‪ ،‬تناغمت موسيقي ًا لتعطي الطعم الشرقي دون أي اهتمام‬
‫بالزمن األصلي لألحداث وال بالعصر احلالي فهي رؤية تعتمد‬
‫على تداخل األزمان والقوميات‪.‬‬

‫‪5‬ـ حلم خالد الطريفي ومسرح الحلقة‪:‬‬


‫قدم املخرج األردني خالد الطريفي حلم ليلة حب من خالل‬
‫ورشة لتدريب جسد املمثل وقد زادت اخلبرة وتوفر العمق‪،‬‬
‫وتطور استخدام نفس العناصر وصار اكثر جمالية‪ ،‬وبساطة‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ونضج مركزا على بعض عناصر الفرجة مثل استخدام الدربكة‬


‫ومساحات األسود املحايد هنا مبعنى انه ال يعبر عن زمان ومكان‬
‫معينني‪.‬‬
‫قدم الطريقي كل مشاهد املسرحية يف‪:‬‬ ‫ّ‬
‫فضاء واحد على شكل حلقة‪ ،‬أو دائرة مغلقة‪ ،‬من دون‬
‫كواليس‪ ،‬مألها مبقاعد صغيرة (ستوالت) يستخدمها املمثلون‬
‫يف جلوسهم‪ ،‬وتبديل مالبسهم على مرأى من املتلقني‪ ،‬ويغيرون‬
‫مواقعها حسب مقتضيات كل مشهد‪ ،‬يف سياق متثّله جلماليات‬
‫الفرجة وتقاليد مسرح احللقة التي تبرز الطابع «اللعبي»‬
‫واالحتفالي‪ ،‬وهذا ما يظهر يف افتتاحية العرض كما توضح‬
‫الصور رقم ‪:20 ،19 ،18 ،17‬‬

‫‪63‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫شكل رقم ‪ :17‬بالن قاعة مركز محترف رمال للفنون يف جبل اللويبدة‬
‫القاعة التي عرض فيها الطريقي‬

‫صورة رقم‪ 18‬ـ حلم الطريقي وشكل الفرجة داخل احللقة‬

‫‪64‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صورة رقم‪ 19‬ـ حلم الطريقي وشكل الفرجة داخل احللقة‬

‫صورة رقم ‪ 20‬ـ حلم الطريقي وشكل الفرجة داخل احللقة‬


‫ذهبت الرؤية اإلخراجية للطريفي يف نحت فضائها املسرحي‪،‬‬
‫‪65‬‬
‫إلى جتسير املناخات الغربية للمسرحية األصلية‪ ،‬نحو تبيئة‬
‫وإحضار األجواء الشرقية‪ ،‬من خالل عالمات مركزية‪ ،‬هي أن‬
‫حيز األداء الذي حملته تقنيات املمثلني‪ ،‬جاء وفق شكل احللقة‪،‬‬
‫وجاءت أسماء الشخوص عربية‪ ،‬فاندفعت األحداث إلى أمام‬
‫باجتاه دائري‪ ،‬يف جميع املشاهد واللوحات‪ ،‬وكانت ترتبط حبكاتها‬
‫بتسلسل متطور وفق عنصر التشويق‪ ،‬ناسجة معمار حكايات‬
‫تتداخل تارة وتنفصل تاة أخرى‪ ،‬لشخصية ملك اجلان ورعيته‪،‬‬
‫ومن جهة أخرى مجريات قصص احلب ألناس بشريني‪ ،‬مظهرا‬
‫الفعل ألداء جميع املمثلني نوازع اخلير‪ ،‬والشر يف النفوس‪ ،‬وما‬
‫(‪)47‬‬
‫ميور فيها من هواجس وأمزجة وغرائز‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يف هذا العرض تبرز تلك الصيغ واألشكال عبر املزاوجة بني‬
‫اجلد والهزل‪ ،‬الكشف عن اللعبة املسرحية وآلياتها‪ ،‬توظيف‬
‫األغاني والرقصات واملوسيقى الشعبية احلية‪ ،‬ترصيع اللغة‬
‫العربية مبفردات وجمل من اللهجة املحكية (وأحيان ًا أكثر من‬
‫لهجة واحدة)‪.‬‬
‫كذلك اخللط بني األزياء الفولكلورية واحلديثة‪ ،‬التقريب‬
‫بني العالم اخليالي والعالم اليومي‪ ،‬إضفاء نوع من األسلبة‪ ،‬يف‬
‫بعض املشاهد‪ ،‬على أداء املمثلني‪:‬‬
‫(باملعنى الذي دعى إليه املخرج الروسي مايرخولد‪ ،‬أي إزاحة‬
‫عنصر املماثلة أومحاكاة الواقع عن األداء احلركي واإلميائي‬
‫والصوتي للممثل بإضفاء طابع مسرحي بحت عليه يدركه‬
‫املتلقي على أساس أنه نوع من اللعب)‪.‬‬
‫وأخير ًا تقدمي الفضاء املسرحي بوصفه مقترح ًا جمالي ًا‬
‫(أو إطار ًا تعبيري ًا مختزالً) تتشكل من خالله األشياء مبفردات‬
‫سينوغرافية بسيطة يحركها املمثلون‪،‬‬

‫‪ -47‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫(‪)48‬‬
‫ويغيرون مواقعها ودالالتها يف سياق أدائهم املسرحي‪.‬‬
‫وهذه السمات تتجلى بوضوح يف القطات التالية‪:‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صورة رقم ‪ 21‬ـ الحظ فكرة اللعب املكشوف حيث يعود املمثلون لكراسيهم‬
‫بدال من الكواليس‬

‫صورة رقم ‪ 22‬ـ الحظ فكرة اللعب املكشوف حيث يعود املمثلون لكراسيهم‬
‫بدال من الكواليس‬
‫‪ -48‬شاؤول‪ ،‬بول ‪ :‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫وخالصة القول ترى الباحثة أن خالد الطريقي استخدم‬
‫ببراعة نوعا من السينوغرافيا االحتفالية البسيطة التي تعتمد‬
‫على شكل احللبة والفرجة الشعبية يف املقهى الشعبي بعناصره‬
‫البصرية والسمعية املبسطة التي تتمسرح وفق طاقة املمثل‬
‫وقدرته على خلق التفاعل احلي مع اجلمهور يف الساحة الشعبية‬
‫مستخدما مفهوم التمسرح ومسرحة االشياء فالعصى مرة عجاز‬
‫ومرة سيف ومرة صوجلان وهكذا‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ حلم ليلة صيف فلسطينية في ألمانيا ‪.2011‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يف عام ‪ 2011‬قدم طاقم أكادميية الدراما واملسرح يف رام‬
‫اهلل عروض ملسرحيته «حلم ليلة صيف» للكاتب اإلجنليزي‬
‫وليام شكسبير‪ ،‬ضمن مهرجان مسرح شكسبير السنوي الذي‬
‫يعقد يف جامعة فولكفاجن للفنون األدائية يف مدينة أسني يف‬
‫أملانيا‪ ،‬ويهتم املهرجان باستضافة فرق مدارس ومعاهد التمثيل‬
‫يف العالم‪ ،‬ويف هذا العام جرى اختيار خمس مدارس متثيل هي‪:‬‬
‫مدرسة التمثيل التابعة ألكادميية الدراما يف رام اهلل‪ ،‬ومتثل دولة‬
‫فلسطني‪ ،‬املدرسة الثانية هي فرقة أكادميية املسرح يف شنغهاي‬
‫يف جمهورية الصني الشعبية ومدرسة املسرح التابعة جلامعة‬
‫كولومبيا يف الواليات املتحدة‪ ،‬وفرقة املسرح التابعة جلامعة‬
‫لوسيان بالجا يف رومانيا وأخيرا فرقة جامعة فولكفاجن للفنون‬
‫األدائية يف أملانيا بدعم من مؤسسة ميركاتور األملانية واملؤسسة‬
‫األكادميية األملانية للتبادل الثقايف‪.‬‬
‫وقد اختارت إدارة املهرجان مسرحية» حلم ليلة صيف « التي‬
‫قامت املدارس بتقدميها كل بلغتها وحسب رؤيتها الفنية‪ ،‬وقامت‬
‫إدارة أكادميية الدراما يف رام اهلل باختيار املخرج املسرحي سامر‬

‫‪68‬‬
‫الصابر‪ ،‬وهو مخرج فلسطيني‪ ،‬يحضر لشهادة الدكتورة يف‬
‫املسرح ويعيش يف الواليات املتحدة‪ ،‬حضر إلى رام اهلل كي يشرف‬
‫على إخراج العمل مبشاركة طالب التمثيل من السنة الثانية‬
‫(‪)49‬‬
‫والثالثة‪.‬‬
‫«حلم ليلة صيف»‪ :‬مسرحية كوميدية تندمج فيها ‪ 3‬قصص‪،‬‬
‫يدور محورها حول احلرية يف احلب ومعناه‪ .‬املحور األول للقصة‬
‫هو إجبار الفتاة على الزواج من شخص ال حتبه فتهرب مع‬
‫حبيبها إلى الغابة هناك يتبعها العاشق الولهان والفتاة التي‬
‫حتبه‪ ،‬املحور الثاني‪ ،‬محور اجلان الذين يلهون مع بني البشر‪.‬‬
‫املحور الثالث مجموعة من الصنايعية يرغبون يف تقدمي‬
‫مسرحية أمام دوق اثينا مبناسبة زواجه‪ ،‬وتختلط األمور عندما‬
‫يخطئ اجلان يف رش مسحوق احلب يف عيون أبناء وبنات مدينة‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫أثينا الذين حضروا إلى الغابة‪ ،‬هربا من واقعهم الصعب‪ ,‬ويف‬


‫النهاية تأتي النهاية السعيدة ويوفق اجلميع يف اختيار من يحب‪.‬‬

‫صورة رقم‪ 23‬ـ الحظ توزيع ثنائيات احلب على عدد من األدوار التعبيرية‬
‫‪ -49‬نعمت ياسمني القضماني‪ :‬مقال حلم ليلة صيف يف أملانيا‪ ،‬بلدي‪ ،‬مجلة‬
‫الكترونية السبت ‪2011 / 11 / 26‬‬
‫‪http://www.baladee.net/?articles=topic&topic=3678‬‬

‫‪69‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫صورة رقم‪ 24‬ـ الحظ تعدد اجلنسيات والتناغم بني عدد كبير من املمثلني‬
‫على اخلشبة‬
‫لم يقتصر عرض الفرق الفنية املختلفة لنفس املسرحية‬
‫خمس ليالي متتالية إمنا تبعه عرض دولي لنفس املسرحية‪،‬‬
‫اشرف عليه املخرج املسرحي برايان مايكل من أملانيا إذ قام‬
‫بدمج الفرق اخلمسة ضمن عرض مسرحي شامل‪ ،‬اختلطت فيه‬
‫األلوان املسرحية واألعراق البشرية‪ ،‬واللغات املختلفة من اللغة‬
‫العربية حتى األملانية‪ ،‬فالصينية‪ ،‬واللغة الرومانية واإلجنليزية‪،‬‬
‫توحدهم اللغة املسرحية املبنية على الصورة املسرحية‪،‬حيث‬
‫استعرض فيه أحداث وحبكة املسرحية من واقع العروض‬
‫اخلمسة‪ ،‬فكان لكل دور خمس شخصيات‪ ،‬وهكذا جمع على‬
‫املسرح أكثر من ‪ 82‬ممثال وممثلة قدموا أدوارهم على اخلشبة‪،‬‬
‫األمر الذي خطف األبصار وآثار اجلمهور يف تصفيق حار‬
‫ومتواصل‪ ،‬تقديرا لهذه التعددية واالنسجام الفني التام بني‬
‫اجلميع محققني يف ذلك احد أهم أهداف املهرجان‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صورة رقم‪ 25‬ـ الحظ االهتمام بعنصر التعبير اجلسدي واحللول‬


‫البهلوانية التي حتقق اإلبهار‬

‫ويذكر أن إدارة أكادميية الدراما املتمثلة باملدير العام ملسرح‬


‫القصبة الفنان جورج إبراهيم‪ ،‬والفنان إبراهيم املزين مدير‬
‫األكادميية وطاقم املدرسني منهم الفنان عماد جبارين واملخرج‬
‫فؤاد عوض والذين تواجدوا مع املمثلني أعربوا عن تقديرهم‬
‫لطاقم املمثلني الذين اكتسبوا خبرات جديدة من جزاء احتكاكهم‬
‫مع املمثلني من الدول األخرى‪ ،‬كما وأعربوا عن تقديرهم‬
‫لألهداف التي حققها املهرجان يف رفع شان لغة اجلسد يف‬
‫املسرح‪ ،‬وأهمية املمثل املسرحي كعنصر أساسي يف مركز احلدث‬
‫املسرحي وخالصة القول ترى الباحثة أن املخرجة األملانية‬
‫اعتمدت مثل خالد الطريقي على املمثل ولغة اجلسد يف صياغة‬
‫السينوغرافيا ولكن الطريفي استخدم احللبة واملقهى والفرجة‬
‫الشعبية إطارا أما املخرجة األملانية فقد استخدمت منهج مارتا‬
‫‪71‬‬
‫جرهام الذي يعتمد على الرقص احلديث أما العناصر املادية‬
‫األخرى فقد كانت بسيطة وتتلخص يف بعض األحبال التي تنزل‬
‫من الشواية وبعض البانوهات بحجم الكائن البشري لصياغة‬
‫احليل السحرية لباك والعشاق‪ ،‬أما البعد الزماني الذي تعكسه‬
‫الصورة فهو عصري تتداخل فيه األزمنة وهذا واضح يف املالبس‬
‫التي يتداخل فيها العصري مع الفانتازي‪.‬‬

‫‪ 7‬ـ حلم ليلة صيف في قاعة الجيزويت لايفا برجمان‪:‬‬


‫يف منتصف ليلة صيف شكسبيرية سكندرية جزويتية‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫سويدية قدمت املخرجة السويدية «إيفا برجمان»« يف عرض‬
‫مسرحي أعده املصري (سيد رجب) املتزوج باألمريكية التي‬
‫تشرف على إنتاج ذلك العرض (حلم منتصف ليلة صيف) عن‬
‫شكسبير ولكن يف لهجة عامية خليطة (مصرية ‪ -‬لبنانية ‪-‬‬
‫مغربية ‪ -‬فلسطينية) فما الذي يقوله العرض غير الذي قاله‬
‫النص الشكسبيري وكيف جسد مقولته البديلة ومن أين جاء‬
‫متويله الذي بلغ نصف مليون جنيه مصري‪.‬‬
‫الشك أن هذا العرض فيه من الفرجة الكثير من متثيل‬
‫وتعبير جسدي ورقص وموسيقى اجلاز باإلضافة إلى روح‬
‫الكوميديا واألداء التمثيلي املهجن املتداخل اللهجات ما بني‬
‫(املصرية ‪ -‬املغربية ‪ -‬اللبنانية ‪ -‬األردنية) واملعزوفات املوسيقية‬
‫ذات اإليقاعات الصاخبة والنغمات الغربية التي تغطي مع آالت‬
‫النفخ على نغمات آلة العود التائهة بني ذلك الصخب النغمي‬
‫واإليقاعي مبا يعكس األداء املوسيقي املهجن املتداخل النغمات‬
‫واإليقاعات‪.‬‬
‫والبد من التنويه هنا إلى حسن أداء غالبيه املمثلني املصريني‬
‫‪72‬‬
‫املشاركني يف ذلك العرض مثل الفنان (خالد الصاوي ‪ -‬سيد‬
‫رجب ‪ -‬رمضان خاطر ‪ -‬صالح السايح ‪ -‬حسني جابر ‪ -‬سارة‬
‫زغلول ‪ -‬آية سليمان ‪ -‬محمد عبد الواحد)‬
‫أخلص مما سبق إلى أن التمويل مهجن واألداء التمثيلي‬
‫مهجن واملوسيقى والغناء مهجن والصورة املسرحية بكاملها‬
‫مهجنة من األداء التمثلي واملوسيقى واألزياء والرقصات مبا‬
‫ميكن أن يطلق عليه (العرض الشامل) وهذا يحسب للعرض‬
‫حيث يخلق حالة فرجة فيها من اجلاذبية واملتعة الكثير‪.‬‬
‫لكن ماذا عن الفكر؟ هل هو فكر شكسبير كما كتبه يف‬
‫مسرحيته (حلم ليلة منتصف ليلة صيف)؟ بالتأكيد‪ :‬ال‪ .‬ليس‬
‫ألن نص العرض معد بقلم (سيد رجب) عن النص األصلي يف‬
‫الترجمة العربية اخلالبة بشعر د‪ .‬محمد عناني والتي نشرت من‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫قبل يف مجلة املسرح املصرية وكن بسبب فكر املخرجة السويدية‬


‫(إيفا برجمان) اإلنتاجي‪ )50(.‬وأكثر ما ميز العرض الطابع‬
‫التهريجي والطابع اإلرجتالي فهناك فرقة مسرحية مرجتلة من‬
‫مجموعة شباب مصري متخلف فهلوي‪ ،‬جاهل ومستمتع بجهله‪،‬‬
‫كسول‪ ،‬متلصص‪ ،‬ضحل التعبير يظل طوال فترة العرض عاجزاً‬
‫عن إنتاج العرض مع مالحظة أن أعضاء فرقة (النهضة والنور)‬
‫تلك يتحدثون بلهجة مصرية بتعبيرات شعبية تتخللها األغنيات‬
‫الشعبية (يا ورد على فل وياسمني)‬
‫يف مقابل فرقة مهجنة من مغربي ولبنانية وفلسطيني أردني‬
‫ولبناني ومصري‪ ،‬يؤدي كل منهم دوره بلهجته املحلية عن قصد‬
‫خللق نوع من التالقي املهجن النايف للهوية والعاكس حلالة‬
‫االنفصام اللغوي واألدائي‪ ،‬هذا إلى جانب وجود آلة العود‬
‫بنغمها احلنون يف مقابل أصوات آالت النفخ واإليقاع اجلهورية ‪.‬‬
‫‪-50‬عصمان فارس رؤية ثالث جتارب اليفا برجمان‪ :‬احلوار املتمدن دورية الكترونية‪،‬‬
‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=182763‬‬

‫‪73‬‬
‫هنا نالحظ أن مجموعة ممثلي أدوار الطبقة العليا واجلان‬
‫لديهم من اللياقة وتعدد املواهب يف التمثيل والرقص واألكروبات‬
‫واألزياء األنيقة البراقة وتصاحبهم فرقة موسيقية منضبطة‬
‫ومعزوفات ممتعة يف مقابل بؤس فرقة (النهضة والنور) املوحدة‬
‫اللهجة والثقافة الشعبية‪ ،‬فإذا الحظنا لفظة (قرب هنا‪ ..‬تعا‬
‫عندنا) التي تتكرر غناء مرجتالً بدون مصاحبة موسيقية يف‬
‫أفواه تلك الفرقة وزيها البسيط الفقير وتراخيهم وارجتالهم ثم‬
‫سرهم يف نهاية العرض خلف مجموعة املمثلني بلهجات (مغربية‬
‫(‪)51‬‬
‫‪ -‬شامية ‪ -‬مصرية متداخلة) منكسرين مطأطئ الرؤوس‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫صورة رقم‪ 26‬ـ الحظ االهتمام بعناصر الفرجة الشعبية والسيرك‬

‫استطاعت املخرجة ببراعتها خلق مركز قوة الفعل املسرحي‬


‫يف منتصف املسرح ويف مقدمة خشبة املسرح وخاصة يف مشاهد‬
‫فرقة الهواة املسرحية بقيادة السيد رجب‪ .‬احلوادث حتصل يف‬
‫مقدمة املسرح قريبا من اجلمهور‪ ،‬ويف مشهد العرس ونزول‬
‫الباشا وامللكة والعشاق إلى الصالة مع اجلمهور فأكدت املخرجة‬
‫علي مشاركتنا يف اللعبة املسرحية واملبنية علي احللم‪ .‬ويف‬
‫مشاهد سيد رجب‪ .‬يحاول مخاطبة املمثلني وكذلك بإشارة إلى‬
‫جمهور الصالة خللق الفعل املسرحي واملشاركة الوجدانية مع‬
‫(‪)52‬‬
‫األحداث‪.‬‬
‫وخالصة القول ترى الباحثة أن الرؤية كانت مهجنة مثلها‬
‫‪ -51‬ابو احلسن سالم ‪ :‬فلسفة الفوضى باجليزويت‪ :‬مقال‪ ،‬احلوار املتمدن‪/ 2008 ،‬‬
‫‪ ،17 / 11‬مجلة الكترونية‬
‫‪?http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp‬‬
‫‪ -52‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫مثل اللهجات واشكال التعبير يف العرض وقد استفادت املخرجة‬
‫من عناصر عديدة منها عناصر السيرك ومالبس البهلوانات‬
‫مما خلق سينوغرافيا مسرحية مستنبة من مفهوم امليتاتياترو‬
‫يف عرض احلقيقة الكامنة يف اخليال املسرحي وخلق روح‬
‫الكوميديا الشكسبيرية استنادا علي فكرة اعادة اخللق حيث‬
‫يلتهب اخليال ويحلق بنا يف عوالم شتي جتمع بني االنس واجلن‬
‫ويصبح احلب وجدان البشر‪،‬‬

‫‪ -8‬حلم ليلة صيف جريجوري دوران ‪.2006‬‬


‫على مسرح الفرقة امللكية ‪( RSC‬مسرح علبة) انطلقت الرؤية‬
‫التي قدمها جريجوري دوران قدمت يف إطار عصري ظهر جليا‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫يف تخيالت املالبس ذات الصبغة الطبقية التي ميزت ثالث‬


‫طبقات متناقضة خاصة طبقة أرباب املهن وطبقة امللوك وعلية‬
‫القوم وكانت كلها مالبس عصرية وحتى السحر الذي يغلف‬
‫علم اجلن غير املنظور مت العبير عنه من خالل مفاهيم السحر‬
‫اليوم وليس مفهومه يف العصور الوسطى املسيحية وهذا أيضا‬
‫ما انعكس يف املالبس الغريبة املستلهمة من األفالم األسطورية‬
‫واخليالية الغرائبية يف هوليود‪.‬‬
‫بدأت املسرحية مببارزة خشنة وعنيفة كمدخل غير متوقع‬
‫لواحدة من أشهر الكوميديات العاطفية يف العالم وان كان‬
‫شكسبير لم يظهر املبارزة التي كان من نتائجها اإليقاع بهيبوليتا‪.‬‬
‫إال أن جريجوري دوران جعلها افتتاحية مثيرة الفتة على‬
‫طريقة أفالم األكشن املصطنعة يف هوليود وسينما الشرق‬
‫األقصى حيث يطيرون ويهبطون ويفعلون ما ال يصدق يف الواقع‬
‫وان كان مصدقا يف الفن فقد دارت رحى املبارزة بني ثيسيوس‬
‫واألمازونية املاهرة هيبوليتا وانتهت بإنتصار ثيسيوس الذي‬

‫‪75‬‬
‫أوقع حبيبته يف أسره معلنا عن عشقه لها‪ ،‬وانصياعه لهواها يف‬
‫يوم يبتهج فيه العشاق وسرعان ما تتحول املبارزة احلربية إلى‬
‫مبارزة عاطفية تنتهي باالستعداد للبهجة واالحتفال بيوم احلب‬
‫وتفجر الرغبات معلنا عن النشوة االيروسية التي تغمر املحتفلني‬
‫كما كان يحد يف أعياد الربيع الديونسوسية‪.‬‬
‫لقد أصبح توظيف سلك الوبر تقنية أساسية طوال العرض‬
‫وهذا يظهر جليا يف مشاهد متعددة من املسرحية بعد ذلك كما‬
‫يف الصور رقم ‪.30‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬

‫صورة رقم‪ 30‬ـ الحظ استخدامات سلك الوير يف رؤية جريجوري دوران‬

‫وبعد هذه االفتتاحية ينقلنا دوران لسحر أكثر شموال‬


‫مستفيدا من مشروع مسرح الدمى الذي وضع دوران األساس‬
‫له قبل ذلك حيث استفاد ملا وصل إليه العبوه من املهارة يف‬
‫تغليف كافة املشاهد العاطفية بطابع مسرحي مكشوف للجمهور‬
‫يؤكد فكرة اللعب املكشوف كما يؤكد على تقنية املسرح داخل‬

‫‪76‬‬
‫املسرح مضيفا مساحة خيالية من الكوميديا على هامش النص‬
‫األصلي‪ ،‬ويظهر هذا جليا يف مشاهد تياتنيا وبوتوم بعد حتوله‬
‫الى حمار كما يف الصورتني رقم ‪.31‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صورة رقم‪ 31‬ـ الحظ استخدام العرائس يف املشاهد العاطفية بني تياتنيا واحلمار بوتوم‬

‫وتعطي الدمى مستويات إضافية للمعني على النحو التالي ‪:‬‬


‫ـ الدمى الالعب اخلفي املحفز لعاطفة احلب‪.‬‬
‫ـ الدمى الشاهد األساسي على النوايا اخلفي‪.‬‬
‫ـ الدمى هي القرين املستجيب أوالعنيد لكل شخصية‪.‬‬
‫لقد احتاجت هذه املهارات فترة طويل للتدريب حيث قضى‬
‫دوران قرابة عامان يف إعداد الرؤية مع املصممني وتدريبات‬
‫مسرح الدمى وعام كامل من التدريب الشاق على املشاهد‬
‫(‪)53‬‬
‫اخلطرة باحللم الشكسبيري‪.‬‬
‫اهتم دوران بعالمات اجلنس يف العرض مستخدما الكواليس‬
‫وقد وضع حائطا يف اخللفية (بانوراما يف الوقت ذاته) متت من‬
‫خالله التواصل اجلسدي بني العشاق من خلفه ومن أمامه وقد‬
‫استخدمته الفرقة التمثيلية ذلك‪.‬‬
‫‪ -53‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫لقد كان للبانورما عدة وظائف على النحو التالي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ حائطا يوظف لعمليات كثيرة مثل‪ :‬التمسرح ـ ـ التنقل ـ ـ ـ‬
‫التخفي ـ ـ ـ صناعة اخلدع ـ ـ ـ التأثيرات العاطفية ـ ـ ـ التشويه‬
‫‪2‬ـ شاشة ظلية وشاشة عرض للخدع السحرية التي تظهر‬
‫عوالم كيوبيد واجلنيات‪.‬‬
‫‪3‬ـ القرص املستدير يحيل إلى القمر وليله الشاحب وما‬
‫يوحي به من أوهام وتخاريف احلب‪.‬‬
‫‪4‬ـ القرص املستدير عبر تأثيرات الضوء يحيل الى ضوء‬
‫النهار وسطوع الشمس يف صباح اليوم التالي ألحداث احللم‬
‫الشكسبيري‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫بعد املشهد االفتتاحي تبدأ احلبكة العاطفية يف التصاعد‬
‫يف مرحلة جديدة تقودها األمناط الكوميدية للعشاق وأعضاء‬
‫الفرقة واجلني باك محور األخطاء يف احلبكة العاطفية حيث‬
‫يهبط جريجوري دوران إلي األعماق السفلى يف تصويره لرحلة‬
‫ومطاردات الغابة فأعضاء الفرقة ملطخون بالبقع السوداء‬
‫ويرتدون الرث من املالبس العصرية‪.‬‬
‫أما اجلن فيرتدون مالبس غرائبية كالتي يرتديها أبطال‬
‫أفالم اخليال املستقبلي مثل ماتركس والتاريخ األسطوري مثل‬
‫قراصنة الكاريبي فاجلنيات يرتدون مثل القوط والتيتانيوم يف‬
‫التصورات املستقبلة بعد فناء األرض كما توضح الصورة رقم ‪36‬‬
‫التي جتمع بني ملك وملكة اجلن واحلمار بوتوم أثناء نومه يف‬
‫عربة شراء السلع التي تستخدم يف املاركت‪ ،‬والصورة رقم ‪37‬‬
‫والتي توضح رقصة اجلن وهم يتالعبون بأهواء العشاق‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صورة رقم ‪ 36‬ـ الحظ مالبس ملك وملكة اجلن حيث تظهر تأثير السينما األمريكة‬
‫وهناك أيضا مواقف مضحكة جدا مع العشاق الشباب‬
‫األربعة مبالبسهم العصرية الدالة على أمناطهم وصفاتهم‬
‫كاالندفاع والتوتر العاطفي واإلمالل‪ ...‬إلى آخره وهذا يظهر يف‬
‫مالبسهم التي توحي بأنهم طالب بإحدى اجلامعات العصرية‬
‫يف أحد األقاليم البعيدة عن العاصمة كما يف الصورة رقم ‪.38‬‬
‫لقد غاص جريجوري دوران يف أعماق املجتمع االستهالكي‬
‫مستعينا بأشياءه كمؤشرات لقوته الشرائية وأوضح مثال على‬
‫ذلك يتمثل يف عربة البضائع اليدوية كعالمة دالة على املجتمع‬
‫االستهالكي والتي حتمل املسخ متمثال يف بوتوم احلمار الذي‬
‫‪79‬‬
‫يركبها بينما يدفعه باك (الدليفري بوي) املروج لها حسب أوامر‬
‫سيده أوبرون‪ ،‬وكأن بوتوم هو السلعة املشوهة التي تباع ويشتريها‬
‫املغفلون حتت تأثير السحر رغم أنها معيوبة وماسخة ‪ 40‬حيث‬
‫نرى بوتوم احلمار مغروسا كسلعة فاسدة يف عربة املشتريات‬
‫وهو ال يبالي‪.‬‬
‫وجنده مسترخيا داخل العربة بينما يجلس باك املروج لها‬
‫واوبرون املنتج لهذه السلعة يتابعان إجنازهما أما تياتنيا فهي‬
‫املســتهلك املخدوع والغارق يف الشراء حتى الثمالة‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫صورة رقم ‪40‬ـ باك حاملا مسترخيا داخل عربة السلع وهو ال يبالي مبا يجري حوله‬

‫ولقد تعددت الرقصات يف احتفاالت احلب عند اجلن‬


‫ورقصات العرس يف نهاية املسرحية والتي متيزت بأسلوب مارتا‬
‫جرهام بتعبيريته وال تقليديته‪.‬‬
‫دوران يظهر اجلانب األكثر قتامة يف عناصر مسرحية‪ ،‬مثل‬
‫مالبس اجلنيات وعواملها فالغابة عند جريجوري دوران هو مكان‬
‫مخيف وينذر باخلطر الى حد بعيد وهو يعادل احلياة بكل ما‬
‫فيها من زيف خاصة يف ظل النظم الرأسمالية‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫ورغم أن املسرح كان عاريا خاليا من الزخارف حيث تسيطر‬
‫خامة السلوفان الشفاف على بيئة املكان املجسد على املنصة‬
‫والذي يعكس سحر كيوبيد واجلنيات حتت سالسل من املصابيح‬
‫املتأللئة‪ ،‬والعالم من زجاج القمر‪ ،‬الذي يظهر التوظيف الذكي‬
‫جلهاز عرض يخلق شاشة مضاءة وراء الصور الظلية التي‬
‫تصنع الغموض والترقب وراء هذا العالم السحري السفلي الذي‬
‫يتالعب فيه اجلن مبقدرات البشر‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صــورة رقم ‪ 42‬ـ اجلنيات حتت ضوء القم يف محيط شفاف‬


‫كما تغلف هذه اخلامات السلوفانية العاكسة كاملرآة رقصات‬
‫اجلن الغرائبية مبا تعكسه من قدرات سحرية تتجسد عبر‬
‫تكسير اجلسد والتشنج املهووس الذي نراه عند راقصي امليتال‬
‫األسود وعبدة الشيطان‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫صــورة رقم ‪ 43‬ـ رقصات اجلن يف مجال شفاف وإضاءة خيالية‬

‫ويقول ستيف أورم ‪:Steve Orme‬‬


‫«إن نسخة جريجوري دوران من حلم ليلة منتصف الصيف‬
‫نسخة ذكية وجيدة وممتعة للغاية‪ ...‬ستبقى يف الصدارة لسنوات‬
‫(‪)54‬‬
‫عديدة»‬
‫وهذا ما تؤكده فيونا ماونتفورد حني تصف جريجوري دوران‬
‫بأنه‪:‬‬
‫«‪ ...‬الساحر الذي قدم يف عمله سحرا يعادل سحر أوبرون‬
‫(‪)55‬‬
‫داخل املسرحية بل ويفوقه‪»...‬‬
‫وترى كارولني كيليت أن رؤية جريجوري دوران قد حطمت‬
‫الصور املحفوظة من عالم شكسبير وشخصياته ومناخاته وهذا‬

‫‪54-http://www.britishtheatreguide.info/reviews/‬‬
‫‪RSCdreamSO-rev.htm‬‬
‫‪ -55‬ماونتفورد‪ ،‬فيــونا‪ :‬حلظات سحرية يف حلم ليلة صيف‪ ،‬يناير ‪ ،2009‬نسخة‬
‫الكترونية‪ ،‬ترجمة‪ :‬الباحثة ‪http://www.telegraph.co.uk/culture/‬‬
‫‪theatre/7861645/Bottom-strikes-again.html‬‬

‫‪82‬‬
‫ما تعكسه صورة املرأة يف نسخة جريجوري حيث تقول‪:‬‬
‫« املرأة عند جريجوري دوران ليست كما هي عند شكسبير‬
‫يف حلم ليلة صيف إمرأة خجولة أسيرة لسلطة الرجل بل‬
‫على العكس امرأة مقاتلة ومتمردة وتفصح عن رفضها بتحد‬
‫(‪)56‬‬
‫كالعاصفة»‬
‫أن رباعي العشاق ال تقوم فيه املرأة مبجرد البكاء والعدو‬
‫وراء احلبيب فهي ليست مغلوب على أمرها بل هي ال تعبأ‬
‫بالتقاليد وقانون العيب أن كان األمر يتعلق مبن ترغب يف الزواج‬
‫منه‪.‬‬
‫وهذا ما تعكسه مشاهد الردح املتبادل بني العشاق والتي‬
‫أضاف لها دوران قدرا كبيرا من االنحطاط والصفاقة ‪.‬‬
‫هذا ما يظهر بوضوح يف الصورة رقم (‪ )..‬التي يصل فيها‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫النضال النسائي الى حد التراشق بالكلمات ثم إلى مباراة ركل‬


‫باألرجل‪.‬‬

‫صــورة رقم ‪ 44‬ـ مباريات الشجار بني الفتيات‬


‫وترى كارولني أن جريجوري دوران استطاع أن يوظف تكنيك‬
‫‪ -56‬كارولني كيليت‪ :‬حلم ليلة منصف الصيف كما يراها دوران‪ ،‬نســـخة الكترونية‬
‫ترجمة‪ :‬الباحثة ‪http://www.musicomh.com/theatre/midsummer-‬‬
‫‪nights-dream_0206.htm‬‬

‫‪83‬‬
‫املسرح داخل املسرح مبستوياته املختلفة أفضل توظيف حني‬
‫جعل فريق احلرفيني مناذج معاصرة للبسطاء من أبناء الطبقات‬
‫الفقيرة واملنهكة والتي حتلم وال متلك سوى الوعي اجلمالى‬
‫الذي تعكسه مهاراتهم املهنية كل ما ميلكون من حطام الدنيا‬
‫وهو بذلك يكشف عن السحر اخلاص باألعماق السفلى حيث‬
‫(‪)57‬‬
‫حضيض املجتمع االستهالكي الطاحن‪.‬‬
‫لقد استثمر دوران الكثير من التفاصيل ليعوض فقر‬
‫الزخرفة واجلو السلوفاني الشفاف من خالل عربات السوبر‬
‫ماركت والدراجات والطيران عبر سلك الوير يف الفضاء وبذلك‬
‫مأل الفضاء وزخرف العالم السلوفاني الشفاف والغامض الذي‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫(‪)58‬‬
‫تسيطر على مناخاته الليلية املظلمة والغموض‪.‬‬
‫ويف احلوار الذي أجراه فريان بورمان ‪Veryan Boorman‬‬
‫مع جريجوري دوران يؤكد األخير منطلقاته قائال‪:‬‬
‫« قدمت ثمانية عشرة مسرحية لشكسبير وكل جتربة كانت‬
‫حتديا يف ذاتها ويف حلم ليلة صيف كنت أمام مفهومني هما السحر‬
‫واحللم وكان املتلقي هو ما يعنيني ماذا يثار يف مخيلته حني نذكر‬
‫كلمة سحر هل يرى مصاصي الدماء أم يرى صورة مفستفوليس‬
‫وكذلك ماذا يعني احللم للمتلقى العصري‪.............‬‬
‫من هنا قدمت مالبس طبقية عصرية ألرباب املهن والعشاق‬
‫والنبالء فأظهرت ثالث طبقات دنيوية يتم تبديلها وتفتيتها‬
‫يف غابة السحر واالحالم حيث مت استدعاء الغرائب العصرية‬
‫لتصوير عوالم اجلن وكانت االضاءة تلعب دورا خاصا النها كانت‬
‫البديل عن أجواء الغابة التي لم يتبق منها بعد ثالثة سنوات‬

‫‪ -57‬املرجع السابق‬
‫‪ -58‬املرجع السابق دوران‪ ،‬جريجورى ‪ :‬دوران وحلم ليلة صيف‪ ،‬حوار أجـراه ‪ :‬فريان‬
‫بورمــان‪ ،‬نسخة الكترونية‪ ،‬ترجمة ‪ :‬الباحثة‬
‫‪http://www.rsc.org.uk/downloads/mnd_0508_01_transcript.pdf‬‬

‫‪84‬‬
‫من التحضير سوى قرص القمر‪/‬الشمس اخلفي والظاهر الوهم‬
‫(‪)59‬‬
‫واحلقيقة «‬
‫ويؤكد جوناثان باتي ‪ Jonathan Bate‬واريك رسمسون‬
‫‪ Eric Rasmussen‬يف كتابهما عن الشركة امللكية ‪ RSC‬حني‬
‫يتحدثان عن رؤية جريجوري دوران حللم ليلة صيف على املعنى‬
‫االجتماعي والسياسي النقدي الذي أشار له جريجوري دوران‬
‫ضمنيا يف عالمات فضائه ومدلوالتها فيقوالن‪:‬‬
‫« ان هروب العشاق هو بحث عن احلرية والبراءة والبساطة‬
‫التي يحيى بها ارباب املهن اعضاء الفرقة الشعبية اجلوالة وهو‬
‫يف الوقت نفسه هروب من قهر السلطة للمجهول داخل تلك‬
‫العوالم اخلفية التي تتالعب بدورها باإلنسان الذي يتحول إلي‬
‫دمية مثلة مثل الدمية التي متثله يف العرض‪ ،‬فاإلنسان يتالعب‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫مبثيله دمية‪ ،‬بينما يتالعب باك وابيرون باحلاملني العاشقني من‬


‫ذوي القلوب الرحيمة ألن ذوي القلوب القاسية ال يقعون حتت‬
‫تأثير السحر الذي أحال امللكة إلى شخصية هزلية وممسخرة‬
‫ألنها انحازت لعواطفها وكان عليها أن تتحمل العواقب فعلى‬
‫من يريد أن يحيا نهبا ألهوائه فليتحمل التبعات أما القساة‬
‫الذين يطئون بأحذيتهم أهوائهم فهم أصحاب النفوذ واجلاه‬
‫يزيدون يف مكاسبهم ويسيرون حسب خطوط مرسومة بدقة دون‬
‫مرعاة لألخرين ومشاعرهم فالقساة ينتصرون ولكن عند دوران‬
‫يصرخون صرختهم التعبيرية يف وجه السلطة األبوية وعوامل‬
‫(‪)60‬‬
‫الهدم اخلفية»‬
‫لقد استطاع جريجورى دوران إذن أن يستغل فضاء الرويال‬

‫‪ -59‬جوناثان ورسمسون ‪ :‬حلم ليلة صيف ومسرح شكسبير امللكي‪ ،‬نسخة الكترونية‪،‬‬
‫ترجمة ‪ :‬الباحثة ‪http://www.rscshakespeare.co.uk/assets/i/A%20‬‬
‫‪Midsummer%20Night›s%20Dream%20SAMPLE.pdf‬‬
‫‪ -60‬املرجع السابق‬

‫‪85‬‬
‫استغالال عصريا ورغم أنه قدم رؤيته يف فضاء مسرح العلبة‬
‫التقليدي إال انه كان غير تقليديا باملرة وهنا نقطة التميز يف‬
‫رؤيته من وجهة نظر الباحثة‪ ،‬فالتحدي األعنف هو الثورة على‬
‫األشكال التقليدية داخل فضاءاتها ومن عمقها ألن املواجهة‬
‫ستكون أسهل إذا انتقلنا إلي فضاءات غير تقليدية ويصبح‬
‫الفضاء غير التقليدي هو منطلق التجديد الوحيد وهذا يؤدي‬
‫إلي ضعف التجربة الن الفضاء هو يف حد ذاته إعادة إنتاج‬
‫للفكر وانعكاس لعالم املعنى الشعري‪.‬‬

‫‪ -9‬حلم ليلة صيف فايز قزق ‪:2005‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يف موقع غير مؤهل من حديقة تشرين بدمشق (مسرح‬
‫هواء طلق) اختار فايز قزق لعرضه فضاء طبيعيا يف الهواء‬
‫الطلق وقد برر قزق توظيفه لهذا الفضاء قائال‪ »:‬حلم‬
‫ليلة صيف كانت مترين ًا لتخرج الطلبة يف السنة الرابعة‪،‬‬
‫إن غنى النص بالشخصيات وتنوعها‪ ،‬وقراءة النص مبا فيه‬
‫من حتوالت ميتافيزيقية‪ ،‬كل هذا دفعني للبحث عن املكان‪،‬‬
‫وكنت مصر ًا أن يكون خارج املكان التقليدي‪ ،‬وبدأنا العمل‬
‫عليه ليتحول إلى مسرح‪ ،‬بذلنا جهد ًا كبير ًا أنا واملجموعة‪،‬‬
‫أمسك الطلبة باملعاول وبالطني‪ ،‬وخاضوا يف املاء‪ ،‬وحفروا‬
‫البحيرة الصغيرة‪ ،‬لقد قدمنا ما يف وسعنا لنرتب املكان على‬
‫نحو يليق بالعمل ومفرداته‪ ،‬ويقدم للجمهور متعة بصرية‬
‫وقد وقع اختياري للنص على أسس ثالثة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬ألن (حلم ليلة صيف) حتتوي على الكثير من‬
‫الشخصيات‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬األجواء الفنتازية املوجودة فيها هذه‬
‫الشخصيات‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬ال ضير أن يكون هناك نص أجنبي‪ ،‬يف تخريج‬
‫الطلبة بعرض يستوعب فضاء الهواء الطلق ويتجاوب‬
‫معه(‪.)61‬‬
‫إنها جتربةٌ عريقة يف الغرب وتنال إقباالً منذ أن بدأ املسرح‬
‫بها‪ ،‬كما فعل «موليير» وغيره من املسرحيني الذين استطاعوا‬
‫تشكيل فرقة خاصة بهم‪ ،‬فكانوا ينتقلون مع عددهم‬
‫وطاقمهم الفني والتمثيلي إلى القرى أو املناطق املجاورة‪،‬‬
‫ومعهم اخلشبة جزء ًا من جتهيزاتهم التي سيركبونها يف‬
‫الساحة العامة‪ ،‬وهي بالطبع ليست بالضخامة التي توازي‬
‫خشبات املسرح الثابت ولكن تكفي لتقدمي عرض بتقنيات‬
‫(‪)62‬‬
‫بسيطة‪.‬‬
‫جلس اجلمهور على كراسي تبعد عن أرض املسرحية‪،‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ووزعت اإلضاءة التي كان لها سحرها اخلاص‪ ،‬باستخدام‬


‫صوت املمثلني الطبيعي دون مكــبرات صوت‪ ،‬لنكون أمام‬
‫(‪)63‬‬
‫جتربة خاصة جد ًا من مسرح الهواء الطلق‬
‫فقد غاب كلّ ما ميكن أن جنده يف املسرح سوى منصة‬
‫خشبية من دون جدران‪ ،‬افترش األرض جمهور متنوع بكل‬
‫فئاته العمرية ابتداء من األطفال الذين استمتعوا باكتشاف‬
‫آليات عمل املسرحية‪ ،‬عندما كانوا يتلصصون على الكواليس‬
‫التي لم تكن متاحة للممثلني إال من خالل ارتفاع أقل من متر‬
‫غطى خلفية املنصة من األسفل فكان املمثلون يدخلون إليها‬
‫بصعوبة ليضعوا املكياج أو يأخذوا شيئا ً من اللوازم‪.‬‬

‫‪ -61‬قزق‪ ،‬فايز‪ :‬نحن لم نعد يف ركب املسرح العاملي ً‬


‫أصال!‪ ،‬جريدة النور‪ ،‬حوار‬
‫أجراه ‪ :‬عبد الرزاق دياب‪ ،‬نسخة الكترونية‬
‫‪http://www،an-nour،com/old/206/culture/culture-05،htm‬‬
‫‪ -62‬املرجع السابق‬
‫‪ -63‬املرجع السابق‬

‫‪87‬‬
‫وعلى عفوية هذه التجربة وبساطتها سنرى بأن جناحها يف‬
‫شد اجلمهور والتفاعل معه يؤهل لتوسيع هذه التجربة والعمل‬ ‫ّ‬
‫والنص‬
‫ّ‬ ‫عليها على نطاق أكبر‪ ،‬ألنها تقوم على قدرة املمثل‪،‬‬
‫احليوي الذي سيشد املشاهد ملتابعة العرض عندما تعطى له‬
‫حرية اجللوس واملشاهدة الزمن الذي يريده‪ ،‬فهذه األعمال ال‬
‫حتتمل إال افتراضني إما النجاح وإما الفشل‪.‬‬
‫من ركام شكل تلة ورماال يف حديقة تشرين عمل طلبة‬
‫املعهد املسرحي ألسابيع عدة ليحولوا هذا الركام إلى مسرح‬
‫حقيقي ميكنهم من اإلحساس بشكل أكبر بحاالتهم املسرحية‬
‫وهذا ما يظهر بوضوح يف الصورتني رقم ‪ ،47‬و‪ 48‬وهي مكونة‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫(‪)64‬‬
‫من لقطتني ملراحل العمل‪.‬‬

‫‪47‬ـ مراحل العمل إلنشاء مسرح مبنطقة مهملة من حديقة تشرين‬

‫‪ -64‬زاهر‪ ،‬سعاد ‪ :‬جريدة الثورة‪ ،‬دمشق‪ ،‬صفحة أخيرة‪ ،‬األربعاء ‪2005/5/11‬م‬


‫‪http://thawra،alwehda،gov،sy/_print_veiw،asp?FileNa‬‬
‫‪me=71675065920050510204330‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ 48‬ـ مراحل العمل إلنشاء مسرح مبنطقة مهملة من حديقة تشرين‬
‫ويذكر أن املمثل واملخرج املسرحي السوري فايز قزق كان‬
‫يذهب يوميا بطالب السنة الرابعة املرشحني لنيل شهادة اإلجازة‬
‫يف الفنون املسرحية إلى هواء طلق ليعيدوا تشكيل فضاء تلك‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫املنطقة من حديقة تشرين (‪.)65‬‬


‫إذن ال تكون الباحثة مبالغة حني تدعي أن سينوغرافيا‬
‫هذا العرض على وجه اخلصوص إبداع جمالي جماعي‪،‬‬
‫ال يبالي بديكور املسرح يف الصالة‪ ،‬أو هو ال يبالي باملنطق‬
‫املسرحي بغية رسم جذور ليلة صيف‪ ،‬هنا يكون الصيف‬
‫باطالً‪ ،‬هكذا تنفتح اجلهات أمام النص‪ ،‬ألن الفضاء املسرحي‬
‫الذي يقصده قزق بصحبة طالبه مفتوح على خمس جهات‪،‬‬
‫أربع جهات تظل معروفة للنظارة‪ ،‬أما اخلامسة فهي تلك‬
‫الفتحة العلوية الواصلة بني املنطق الذي يفترضه املخرج‪،‬‬
‫وما هو باطل زمنيا ً يف نص وليم شكسبير‪ ،‬وإمنا تنتهج له‬
‫وأنت غارق يف النوم قد يكون بسبب من نكران شرعية منامك‬
‫أصالً‪ ،‬املنام الذي يتوج الفضاء املسرحي مبذاق العصر ودقة‬
‫املالحظة وقوتها‪ )66( .‬وهذا ما يظهر جليا يف الصورة رقم ‪.49‬‬
‫‪ -65‬املرجع السابق‬
‫‪ -66‬يعقوب‪ ،‬فجر ‪ :‬الضحك‪ ...‬رغوة ذات ملوحة‪ ،‬جريدة املستقبل‪ ،‬العدد ‪2008‬‬

‫‪89‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫‪ 49‬ـ الشكل النهائي ملراحل العمل يف فضاء املنطقة املختارة من حديقة تشرين‬
‫ولقد استطاع عمل فايز قزق وممثلوه بتعاطيهم اجلميل مع‬
‫املكان والنص أن يجعلوا من شرائح املتفرجني حضوراً جميالً‬
‫ومتفائالً بصمت خالق‪،‬ولذا فقد متكن فايز قزق من خلق ثالث‬
‫مناخات واضحه يف العمل هي‪:‬‬
‫(الفرقة املسرحية من ارباب املهن‬
‫قصر سيسيوس بواجهته الضمنية‬
‫عالم اجلن بابتكاراته الغرائبية وباك اجلني بغرابة‬
‫(‪)67‬‬
‫نظراته )‪.‬‬

‫دمشق‪ 2005 ،‬ص ‪ 15‬م‬


‫‪ -67‬أبو راشد‪ ،‬عبد اهلل ‪ :‬حلم ليلة صيف لفايز قزق محاولة جادة إلعادة املسرح‬
‫إلى الناس وخلق جديد ملفهوم املسرح اجلماهيري‪ ،‬جريدة النور‪ ،‬سوريا‪2005/7/6 ،‬‬
‫‪http://www،an-nour،com/old/205/culture/culture-10،htm‬‬

‫‪90‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫‪ 50‬ـ مناخات غرائبية وعوالم خيالية متداخلة‬

‫‪51‬ـ مناخات غرائبية وعوالم خيالية متداخلة‬

‫‪91‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫‪ 52‬ـ باك اجلني ومناخات غرائبية وعوالم خيالية متداخلة‬
‫وهذه املناخات الثالثة شكلت مناخ ًا واحد ًا لعرض قد يكون‬
‫ممتع ًا يصب يف مفهوم احللم‪ ،‬مع بعض التحوالت الفنتازية‪،‬‬
‫كتحول (بوتوم) إلى (حمار)‪ ،‬إضافة إلى حمل العرض إلشارات‬
‫(‪)68‬‬
‫لطيفة عن عالقات احلب ومتجيده‪.‬‬
‫ويالحظ أن فايز قزق قد استطاع بنجاح أن يعمل على‬
‫مستويات عدة خللق أداء متفوق (ال يخلو من بعض الهنات) لدى‬
‫املمثل إليصال الشخصية الشكسبيرية التي ُي َع ّد العمل عليها‬
‫شاقا ً ومحكماً‪ ،‬فكان هناك تفرد لعمل كل الشخصيات على‬
‫املستوى الواحد‪.‬‬
‫ويلحظ اجلهد على مستوى اجلسد والنفس والصوت‪،‬‬
‫إضافة إلى خلق التناغم بني املناخات متقدمة اخلشبة (األرض)‬
‫(‪)69‬‬
‫واخللفية بعواملها اخلارقة والفنتازية‪.‬‬
‫‪ -68‬املرجع السابق‬
‫‪ -69‬املرجع السابق‬

‫‪92‬‬
‫ومتت عدة إدخاالت على النص (عبلة وعنتر)‪ ،‬واملقدمة التي‬
‫يؤديها فايز قزق بصوته‪ ،‬وهناك بعض االرجتاالت يف بعض‬
‫املشاهد‪ ،‬وخاصة مشاهد الفرقة املسرحية يف لعبة (الطرة‬
‫والنقش مثالً)‪ ،‬وهذه مساهمات من املخرج واملمثلني إلضفاء‬
‫(‪)70‬‬
‫املتعة على النص الشكسبيري وملوافقة الظرف املكاني‪.‬‬
‫كما أن هناك عمالً شاقا ً ودوؤبا ً على مفردات العرض‬
‫املسرحي‪ ،‬فتجهيز اخلشبة (األرض) لتقبل عرضا ً بهذه األجواء‬
‫لم يكن باألمر اليسير‪ ،‬فصنع املكان مت بجهد واضح يتمثل‬
‫يف‪(:‬زرع أشجار‪ ،‬حفر بحيرة صغيرة للماء‪ ،‬تسوية األرض‬
‫وفرشها)‪ .‬وهذا ما جعله يستثمر املاء يف البركة التي تقع يف‬
‫خلفية مكان التمثيل كما يف الصورة رقم ‪53‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫‪ 53‬ـ الحظ توظيف البحيرة‬


‫‪ -70‬املرجع السابق‬

‫‪93‬‬
‫أما املوسيقا التي كانت للمبدع رعد خلف‪ ،‬فقد ساهمت‬
‫بإضافة نكهة ممتعة للعمل من خالل االنتقال يف أجواء العمل‬
‫(‪)71‬‬
‫ومشاهده بانسجام خالق بني عوالم مختلفة ومتناقضة‪.‬‬
‫لقد تعامل املمثلون بإمكانات كبيرة لتشكيل فضاء (الغابة‪/‬‬
‫احلديقة) الواسع حركيا ً وصوتياً‪ ،‬وقد تضمن العرض مساحة‬
‫كبيرة للعب واملسرحة خاصة يف مشاهد املسرح داخل املسرح‬
‫التي خرقت عالقة الفرجة التقليدية التي تبنى على اإليهام‪ ،‬وقد‬
‫أعطى الفضاء للممثل املساحة املطلوبة إلبراز طاقاته اإلبداعية‬
‫يف التعامل مع التشكيالت املكانية املتعددة ولعل أهمها (البحيرة)‬
‫التي استخدمت بشكل درامي مميز حيث نزل إليها املمثلون عدة‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫مرات إلظهار عنصر املقالب الكوميدية‪ .‬إال أن التركيز على‬
‫حد من املساحة‬‫املستوى البصري أضعف اجلوانب األخرى‪ ،‬مما ّ‬
‫التي تسمح للممثلني بإظهار إمكاناتهم‪ ،‬التي كانت محاصرة‬
‫كذلك باإلفراط الكوميدي للمهرجني الذين اعتمدوا كثيرا على‬
‫كوميديا احلركة والبهلوانية كما يف الصورة رقم ‪.54‬‬

‫‪ 54‬ـ نالحظ هنا كوميديا احلركة وأداء مهرج فرقة املمثلني اجلوالة‬
‫‪ -71‬املرجع السابق‬

‫‪94‬‬
‫حافظ املخرج فايز قزق يف قراءته للنص الشكسبيري‪،‬‬
‫على البنية الدرامية للنص‪ ،‬وقام بإجراء بعض االختصارات‬
‫الضرورية‪ ،‬والتغييرات ولكن مبا يتالءم مع روح النص‪ ،‬وقد ركز‬
‫يف قراءته الدراماتورجية أيضا ً على العشاق يف رباعية احلب‪،‬‬
‫هيلينا حتب دميتريوس‪ ،‬دميتريوس يحب هيرميا‪ ،‬هيرميا حتب‬
‫ليساندر‪.‬‬
‫ففي رباعية احلب هذه ال يكاد الواحد من العشاق يتميز‬
‫عن اآلخر‪ ،‬أكثر من ذلك إنهم قابلون للتبادل‪ :‬ليساندر يالحق‬
‫هيلينا‪ ،‬وهيلينا تالحق دميتريوس‪ ،‬ودميتريوس يالحق هيرميا‪...‬‬
‫هذا العكس اآللي ملواضع الرغبة‪ ،‬هذا التبادل يف العشاق‪ ،‬ليس‬
‫مجرد أساس للحبكة بل انعكاس للجدلية األفالطونية التي‬
‫تقول بأن احلب يولد عن طريق اجلمال وينتهي إلى الرغبة‪،‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫تستبدل يف النص والعرض بجدلية يكون فيها إله احلب هو‬


‫«إيروس» القبح‪ ،‬الذي يولد عن طريق الرغبة (الشهوة) وينتهي‬
‫إلى احلماقة‪.‬‬
‫يتحول «كيوبيد» الذي يرشق سهام احلب إلى «جناحان‪،‬‬
‫بال عينني‪ ،‬يرمزان إلى عجلة طائشة‪ »...‬يتحول إلى قوة دافعة‬
‫عشواء هي الغريزة مجنحة ن هذا العبور من خالل الغريزة هو‬
‫الذي يبدو لنا أنه «حلم ليلة صيف»(‪ ،)72‬أو أن هذه الناحية من‬
‫«احللم» على األقل هي األكثر حداثة وكشفاً‪ ،‬وهذه هي التيمة‬
‫الرئيسية التي تربط معا ً احلبكات املنفصلة الثالث التي جتري‬
‫متوازية يف املسرحية (العشاق األربعة تيتانيا ‪ /‬بوتومذ أوبيرون‬
‫‪/‬تيتانيا)‪.‬‬
‫كل هذا يدور يف فضاء حديقة تشرين هذا الفضاء الواسع‪،‬‬

‫‪ -72‬علي‪ ،‬ميسون ‪ :‬نحن مادة كالتي تصنع منها األحالم‪ ،‬الثـــالثاء‪2005/7/12‬‬


‫‪http://thawra.alwehda.gov.sy/_print_veiw.asp?FileNa‬‬
‫‪me=95519101720050711121908‬‬

‫‪95‬‬
‫الذي ال يعود اختياره كما يظن البعض إلى مجرد رغبة يف تغيير‬
‫طبيعة وشكل العالقة مع املتفرجني فحسب‪ ،‬وال يف إلقاء العبء‬
‫األكبر على جسد املمثل من أجل خلق لغة فضائية تعتمد املكان‪/‬‬
‫الفراغ‪ ،‬لتحيل إلى شيء آخر غيره‪ ،‬مبعنى استغالل هذا املكان‬
‫إلنتاج دالالت العرض ولعل من هذه األسباب طبيعة النص ذاته‪،‬‬
‫الذي يعالج مشكلة هذا الفراغ باملعنى الفلسفي للكلمة‪ ،‬والذي‬
‫يعادل عند شكسبير الطبيعة‪.‬‬
‫فالغابة متثل الطبيعة‪ ،‬والهروب إلى الغابة هو هروب من‬
‫العالم القاسي‪ ،‬ولكن الغابة ليست وحدها هي الطبيعة‪ ،‬غرائزنا‬
‫أيض ًا هي الطبيعة وهي مجنونة جنون العالم بالذات‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫املمثل يف هذا الفضاء أمام حتد كبير‪ ،‬كيف ميكن له أن‬
‫يتحدى هذا الفراغ وأن ُيظهر كل ما يتعلق بالرؤية الفكرية‬
‫واإلخراجية للعرض‪.‬‬
‫لقد قرر فايز قزق أن يضع طلبته يف هذا الفراغ املكاني‪/‬‬
‫الزماني‪ ،‬محمالً إياهم مسؤولية كبيرة يف صياغة هذا الفضاء‬
‫جماليا ً ومكانياً‪ ،‬وبهذا ميكن أن تعود للمسرح أركانه األساسية‪:‬‬
‫(ممثل وجمهور وفضاء)‬
‫ال شيء أكثر من ذلك‪ ،‬لقد مت تقسيم الفضاء إلى مستويات‬
‫مكانية هي‪:‬‬
‫‪‬املستوى اخلاص بـ أوبيرون ملك اجلن‬
‫‪‬املستوى اخلاص بـتيتانيا وتابعاتها من‬
‫اجلنيات‬
‫‪‬املستوى اخلاص بالفرقة املسرحية وهذا‬
‫املستوى كان حيز ًا ألداء العشاق أيض ًا‬
‫(‪)73‬‬
‫‪‬البحيرة يف الوسط كمكان لعدة أفعال‪.‬‬

‫‪-73‬املرجع السابق‬

‫‪96‬‬
‫وقد شمل أداء املمثل وحركته هذه املستويات جميعاً‪ ،‬ما يتم‬
‫داخل الغابة أو خارجها وأعالي األشجار وحول البحيرة وبشكل‬
‫خاص حركة «باك» حــول أركان الفضاء‪ ،‬إذ بدا وكأنه يسحب‬
‫الشخصيات كلها بخيوط يف يده‪.‬‬
‫إنه يحرر الغرائز ويحرك آلية هذا العالم‪ ،‬ويسخر منها‬
‫يف ٍآن معاً‪ ،‬إنه مدير اللعبة واملخرج للمشاهد التي يبتدعها‬
‫أوبيرون‪.‬‬
‫وبهذا مت وبنجاح كبير استثمار أبعاد الفضاء بتناقضاتها‬
‫(فوق‪ /‬حتت) (الداخل‪ /‬اخلارج) وذلك بشكل درامي‪ ،‬إضافة‬
‫إلى االستفادة من أطراف احلديقة التي شكلت كواليس وممرات‬
‫لدخول وخروج املمثلني ولعبت دور صلة الوصل بني الداخل‬
‫(أماكن التمثيل) واخلارج(اماكن التوجيه)‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫يف «حلم ليلة صيف» مت تنظيم املعرفة الفضائية من قبل‬


‫عناصر العرض (بصريا ً وسمعيا ً وحركيا ً وكالمياً) من خالل‬
‫العالقات بني الشخصيات بطريقة ديناميكية عالية‪ ،‬فاللغة‬
‫البصرية (احلركية) معبرة عن تداخل العوالم الثالثة يف العرض‪:‬‬
‫‪‬القصر ‪ /‬النبالء‬
‫‪‬الغابة ‪ /‬اجلن‬
‫‪‬السوق ‪ /‬الفرقة املسرحية‬
‫والتركيز يف أداء املمثل والتعبير من خالل احلركة اخلارجية‪،‬‬
‫ويف املستوى املكاني‪ ،‬تصبح البحيرة يف وسط مساحة اللعب‪،‬‬
‫مكانا ً داالً ومتعدد االستخدامات‪ ،‬ولعل استخدامها األجمل‬
‫كان يف املشهد األخير (املسرح داخل املسرح) إذ توضع خشبة‬
‫املسرح يف ماء البحيرة لتكون أشبه باملسرح العائم‪ ،‬مما أدى‬
‫إلى حتول املمثل‪ /‬الشخصية إلى متفرج يشاهد أمامه عرضاً‪،‬‬
‫وإلى جعل الفضاء ينقسم إلى حيزين مكانيني هما ح ّيز اللعب‬

‫‪97‬‬
‫وح ّيز الفرجة‪ ،‬مما جعلنا كجمهور نرى أمامنا على املسرح صورة‬
‫لوضعنا كمتفرجني وجلوهر العالقة املسرحية‪.‬‬
‫إن وجود مسرحيتني مختلفتني‪ ،‬أعطى بعدين زمانيني تفاعال‬
‫وخلقا لعبة مرايا تقوم على االزدواجية‪ ،‬دفعتنا كجمهور لطرح‬
‫تساؤالت حول آلية تركيب املسرح وتأثيره على املتلقي وجوهر‬
‫الفرجة (‪.)74‬‬
‫ففي العرض هناك تداخل بني احلقيقة واحللم‪ ،‬اجلمهور يرى‬
‫الواقع أما الشخصيات فتبدو وكأنها يف حلم‪ ...‬فنتساءل أين‬
‫احلقيقة‪ ...‬هل هي يف احلياة أم يف الوهم (احللم)‪ ،‬وقد ساهمت‬
‫عناصر العرض األخرى من اإلضاءة إلى املوسيقى والرقص‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫واألزياء يف إبراز ثنائية الواقع‪ /‬احللم‪.‬‬

‫‪ -10‬حلم ليلة في أغسطس خالد جلال مركز الإبداع ‪:2002‬‬


‫حلم ليلة يف أغسطس‪ ،‬هو العنوان الذي اختاره خالد جالل‬
‫ملسرحية حلم ليلة صيف الذي اكتفى منها ببعض املقاطع‬
‫القليلة من النص األصلي والتركيز علي ست شخصيات‬
‫باملسرحية فقط من بني ستة وثالثون شخصية داخل النص‪،‬‬
‫فقد ركز األعداد فقط علي فكرة احلب وسوء الفهم الواقع بني‬
‫العاشقني إلي جانب شخصية ملك اجلن وخادمه باك الذي‬
‫يضع بعض القطرات يف أعني العاشقني ليستعيد كل محبوب‬
‫حبيبه (‪.)75‬‬
‫ولعل هذا العدد يذكرنا مبسرحية بيرانديللو الشهيرة ست‬
‫شخصيات تبحث عن مؤلف ولكن هذه املرة الشخصيات‬
‫‪-74‬املرجع السابق‬
‫‪ -75‬املرجع السابق‬

‫‪98‬‬
‫الست وجدت املؤلف وهو شكسبير ويبحثون اآلن عن الفضاء‬
‫واملخرج ليصبح العنوان الفرعي لعرض خالد جالل هو ‪ :‬ست‬
‫شخصيات تبحث عن فضاء ومخرج ويحيلنا هذا على مصادر‬
‫الرؤية اإلخراجية التي تبناها خالد جالل والتي تتلخص يف‬
‫عده مصادر وأهمها‪:‬‬
‫ـ بيرانديللو ومفاهيم التمسرح وامليتاتياترو‪.‬‬
‫ـ مفهوم الطفولة والتلقائية‪.‬‬
‫ـ احللول اخليالية للباتافيزيقي الفريد جاري‪.‬‬
‫ـ الصيغة العبثية اليونسكوية للكوميديا ديالرتي يف‬
‫مرجتلة أملا‪.‬‬
‫ـ فقرات املهرجني يف السيرك واملهرجانات والكرنفاالت‬
‫العامة التي شاهدها خالد جالل يف إيطاليا‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ويذكر أحد العاملني بالعرض أنه أثناء جلسات اإلعداد‬


‫األولى للمسرحية عرض خالد جالل صورتني من كتالوج‬
‫طبع بإيطاليا ملجموعتني من املهرجني وقال ملمثليه أريدكم‬
‫أن تقدموا ليلة مبهجة‬
‫ويتضح تأثير صياغة يونسكو للكوميديا ديالرتي‬
‫وخصائص أمناطها الهزلية املستنسخة يف أفالم شارلي‬
‫شابلن ولوريل وهاردي يف كم األخطاء احلركية واإلمياءات‬
‫والبانتومامي التعبيري املميز ألداء املهرجني السابقني من‬
‫مهرجي السيرك من مقالب وأالعيب استعاض بها خالد‬
‫جالل عن ثالثة أرباع النص فقدمه فيما ال يزيد عن خمسون‬
‫دقيقة كما يف الصورتني رقم ‪ 59‬ورقم ‪.60‬‬

‫‪99‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫صــورة رقم ‪ 59‬ـ نالحظ هنا التشابه الكبير بني الصورتني السابقتني‬
‫للمهرجني وهذه الصورة‬

‫صــورة رقم ‪ 60‬ـ األزياء تؤكد فكرة االعتماد على أداءات املهرجني يف السيرك‬
‫ولعل أبرز مظهر للتجويف املسرحي هو تكنيك املسرح داخل‬
‫املسرح‪ ،‬الذي يعاجله خالد جالل يف رؤيته حللم ليلة صيف‬

‫‪100‬‬
‫توظيفا ممتعا‪ ،‬حيث تؤكد إحدى الدراسات أنه ‪ ...»:‬من بني كل‬
‫التجويفات األدبية‪ ،‬فإن املسرح داخل املسرح هو الذي أثار‪ ،‬بدون‬
‫شك‪ ،‬جاذبية أكثر سواء لدى محتريف املس ــرح أو لدى املتخصصني‬
‫يف التفكير حول املسرح « (‪.)76‬‬
‫لقد ساهمت كل هذه املفاهيم يف إعادة خالد جالل إلنتاج‬
‫احللم الشكسبيري يف إطار تكنيك املسرح داخل املسرح ومفاهيم‬
‫امليتاتياترو وأساليب التعبير الطفولية والتي ظهرت يف العناصر‬
‫التالية‪:‬‬
‫ـ باروكات ملونة كما يف الصورة رقم ‪.61‬‬
‫ـ مالبس وأداءات املهرجني يف السيرك كما يف الصورة رقم‪.62‬‬
‫ـ أدوات منزلية بالستيكية مثل سالكة البالوعات‪.‬‬
‫ـ بالونات‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ـ ألعاب األطفال التهريجية‪.‬‬

‫صــورة رقم ‪ 61‬ـ توضح الباروكات التي يستخدمها فريق املمثلني املهرجني‬

‫لقد كان تكنيك املسرح داخل املسرح يف رؤية خالد جالل‬


‫حللم ليلة صيف هي املنطلق الذي رز عليه مما ساعده على‬
‫تقليص املمثلني مستعيضا عن معظم النص الشكسبيري‬
‫بأداء اجلروتسك والفارس العبثي وفق مفهوم امليتاتياترو‬
‫كبدائل فنية لالستخدامات التكنولوجية التي تتوفر يف هذه‬
‫‪76- Patrice Pavis - Dictionnaire du Théâtre - Edit Sociales - Paris‬‬
‫‪1987 – P237‬‬

‫‪101‬‬
‫القاعة املتعددة األغراض واملزودة بإمكانيات متميزة ميكس‬
‫أن تصنع الفارق ولكن خالد جالل حتدى تلك التكنولوجيا‬
‫واستثمرها ببخل شديد وركز على طاقة خياله وبساطة‬
‫التعبير فحقق بذلك نوعا آخر من اإلبهار يف الصورة‪.‬‬
‫لقد كان للسينوغرافيا يف معاجلة خالد جالل يف إطار‬
‫تكنيك املسرح داخل املسرح حضورا قويا وطاغيا من خالل‬
‫احللول الطفولية اخليالية وتقول عبلة الرويني الناقدة‬
‫املصرية بجريدة أخبار اليوم يف مقالها عن العرض‪:‬‬
‫« لم ينشغل خالد جالل بعالم شكسبير‪ ،‬لم ينشغل‬
‫بتقدمي النص املسرحي بصورته الكالسيكية أو حتى بأية‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫صورة متماسكة واضحة البناء والرؤية‪ ،‬بقدر انشغاله بتقدمي‬
‫مسرحية كوميدية ومشهدية معبرة وحالة مسرحية مبهجة‪،‬‬
‫من هنا كانت ‘السينوغرافيا‪ ،‬هي جوهر الرؤية املسرحية‬
‫من حيث االعتناء اجلمالي باإلكسسوار واملالبس والديكور‬
‫واإلضاءة وحركة املمثلني والتشكيل يف الفراغ املسرحي‪،‬‬
‫وكانت مساحة االرجتال واإلبداع اجلماعي وحرية اخليال‬
‫املبدع لدي املمثل ركيزة أساسية يف رؤية املخرج املدهش ـ ـ ــة‬
‫دون اهتمام كبير بالكلمة واألفكار والقضايا الكبري‪ ،‬األمر‬
‫ببساطة ليس أكثر من فرجة بسيطة ممتعة وجميلة»(‪.)77‬‬
‫لقد اعتمد املخرج على أالعيب السيرك وفقراته املبهجة‬
‫كما نشاهد يف مجموعة الصور التالية من ‪ 63‬وحتى ‪67‬‬
‫والتي تظهر حلظات متباينة حللبة التمثيل التي تشبه حلبة‬
‫السيرك‪:‬‬

‫‪ -77‬الرويني‪ ،‬عبلة ‪ :‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫صــورة رقم ‪ 63‬ـ توضح أداءات املهرجني داخل احللبة‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫صــورة رقم ‪ 64‬ـ توضح أداءات املهرجني داخل احللبة‬

‫‪103‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬

‫نالحظ يف الصورتني رقم ‪ 66‬و‪ 65‬حلظات متثيلية مختلطة باألداء التهريجي‬

‫‪104‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫نالحظ اإلبهار البصري الصورتني رقم ‪67‬‬

‫لقد أعاد خالد جالل إنتاج الكثير من العالمات مستثمرا‬


‫املنتجات البالستيكية وكرات األطفال وألعابهم البالستيكية‬
‫املتوفرة باألسواق وأضاف عليها األقنعة والباروكات امللونة‬
‫والشعر املستعار وسالكات البلوعات ومكياج املهرجني امللونة‬
‫ومالبسهم املتداخلة األلوان واملصنوعة من خامات غير مكلفة‬
‫‪105‬‬
‫ليصبح العرض منوذج متطور من املسرح محدود التكاليف‪.‬‬
‫وتقول الناقدة املصرية آمال بكير يف مقالها عن مسرحية حلم‬
‫ليلة يف أغسطس بجريدة األهرام‪:‬‬
‫«‪ ...‬املكان أو املسرح الذي عرضت به هذه املسرحي ‏ة يحتل مساحة‬
‫يف األراضي املحيطة بدار األوبرا املصري ‏ة ‏‪ ,‬يف الدور األول من املبني‬
‫يقع هذا املسرح الذي أحسن جتهيزه من ناحية التقنيات الفنية‬
‫وتلك التجهيزات هي التي تساعد علي اإلبداع أو لنقل تساعد‬
‫املخرج باالنطالق بإبداعه بدال من تلك األجهزة الباليه التي تقف‬
‫(‪)78‬‬
‫أمام أي تطوير حقيقي لعمل املخرج علي خشبة املسرح»‬
‫العمل يف األساس يحمل البهجة واملتعة واملرح من خالل فرقة‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫جواله تقدم فنونها هنا وهناك‏‪،‬‏ معتمدة علي مقاطع من النص‬
‫الشكسبيري األصلي ولكن باختصاره أو اختزاله يف ساعة زمنية‬
‫دون إخالل بالبناء الدرامي للنص األصلي‪ .‬‏‬
‫(‪)79‬‬

‫هنا ميكن أن نقول أنه تكثيف للعمل األصلي ولعل أهم ما‬
‫تقدمه لنا هذه املسرحية هو هذا املزج الذكي بني لغة شكسبير‬
‫أو اللغة الفصحي وبني العامية املصرية يف محاولة لتقريب هذه‬
‫النصوص العاملية إلي املتلقي دون اإلخالل باخلطوط الدرامية‬
‫األصلية‪.‬‬
‫وتصف آمال بكير سينوغرافيا الرؤية التي قدمها خالد جالل‬
‫قائلة‪:‬‬
‫«عمال ميكن وصفه بأنه كوميديا شعبية تعتمد علي اإليقاعات‬
‫فقط كموسيقي وتعتمد أيضا علي املالبس وبعض اإلكسسوارات‬
‫التي شكلت عاملا واسعا علي بساطتها منها جزء من شجرة‏‪،‬‏ بالونة‏‪،‬‏‬
‫وكان من بينها أيضا سالكة البالوعة التي استخدمت كسيف ثم‬
‫‪ -78‬بكير‪ ،‬آمال ‪ :‬حلم ليلة يف أغسطس‏‪.‬‏‪ .‬اجتاه جديد يف املسرح‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جريدة‬
‫األهرام‪ ،‬العدد ‪ 2002 ،42361‬نوفمبر ‪ 29‬ص‪28‬‬
‫‪ -79‬املرجع السابق‬

‫‪106‬‬
‫كميكروفون وهكذا»(‪.)80‬‬
‫لعل جماليات العرض املسرحي تبدأ من كتالوج العرض‬
‫‘البانفليت’ بتصميمه الالفت حيث قدم خالد جالل شخصيات‬
‫العرض من خالل شكل املروحة الورقية امللونة برسومات تصور‬
‫أبطال العرض وإكسسواراتهم ومالبسهم وتوقيعاتهم ‘‬
‫لقد حققوا كمجموعة ممثلني درجة من التوافق واالنسجام‬
‫واالنضباط يف األداء برغم الطبيعة االرجتالية واملساحات‬
‫املفتوحة لهم علي خشبة املسرح (‪.)81‬‬
‫وقدم املخرج مجموعة من اإلكسسوارات شكلت مبفرداتها‬
‫املختلفة ‪ -‬دمي وكرات بحر وبالونات وطراطير ومجموعة من‬
‫ألعاب األطفال ‪ -‬العنصر الرئيسي يف رؤية العرض اجلمالية مما‬
‫أضفي روحا طفولية مدهشة وألوانا مبهجة متاما‪ ،‬مثلما فعلت‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫املالبس اجلميلة التي قام بتصميمها د‪ .‬سمير شاهني وتصميم‬


‫األلوان واخلامات املستخدمة ملالبس الشخصيات لم تتوقف‬
‫عند حدود اجلماليات الشكلية لكن تعددت داللتها الوظيفية‬
‫(‪)82‬‬
‫مساهمة يف خلق حالة احتفالية وأسطورية وطفولية أيضا‪.‬‬
‫وكان بإمكان مصمم اإلضاءة حازم شبل أن يسهم بدرجة‬
‫أكبر يف تأكيد تلك اجلماليات علي املسرح لو واصل فكرته أو قام‬
‫بتطويرها‪ ،‬لكن اكتفي فقط بتشكيل ضوئي وحيد أبدعه بجمال‬
‫بني ملك اجلن وزوجته التي ظهرت فقط علي املسرح كبقعة ضوء‬
‫تتحرك علي خشبة املسرح‪ ،‬ثم لم يكرر بعد ذلك حركة اإلضاءة‬
‫وتشكيالتها (‪.)83‬‬

‫‪ -80‬املرجع السابق‬
‫‪ -81‬املرجع السابق‬
‫‪ -82‬املرجع السابق‬
‫‪ -83‬املرجع السابق‬

‫‪107‬‬
‫اخلامتة ‪:‬‬
‫ال حدود لتفسير النص الشكسبيري وهو ما يتضح يف منوذج‬
‫حلم ليلة صيف الذي مثله مثل نصوص شكسبير األخرى ال يخلو‬
‫من العناصر التراثية اجلاذبة للطبقات املختلفة للمتلقني‪.‬‬
‫فمسرح شكسبير مثلما تأثر بتراث األدب الالتيني إال أنه أعاد‬
‫إنتاج تراثه الشعبي املعاصر من نظرة انتقائية للقوى غير املنظورة‬
‫من أشباح وقوى ميتافيزيقية كالعواصف والنبوءات واخلياالت‬
‫باإلضافة لأللغاز والقصص الرومانسية الشائعة والفرق اجلوالة‬
‫واملهرجني واألساطير واألمثال والقصص البطولية واملبارزات‬
‫وغيرها من مظاهر تراثية‪.‬‬
‫ونالحظ هنا أن معظم املخرجني الذين تعرضوا لهذه العناصر‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫التراثية حاولوا حتويل هذه العالمات التراثية لعالمات عصرية‬
‫دون أن يفقدوا وظيفتها‪-:‬‬
‫مثال بيتر بروك استثمر فكرة حرية الظهور واالختفاء‬
‫لشخصيات اجلن ليعبر عن هذه احلرية من خالل حركة األرجوحة‬
‫بينما أضفى الطريفي على العرض العناصر التراثية املحلية التي‬
‫متثل الثقافة العربية ليعبر عن البيئة التي يقدم فيها العرض بينما‬
‫أزاح جريجوري دوران العناصر التراثية ليعادلها بعالمات املجتمع‬
‫االستهالكي أما فايز قزق فقد حاول التركيز على فكرة املهرجني‬
‫كفلسفة للعرض يف حني قدم رينهاردت التفسير املباشر للنص‬
‫الشكسبيري يف إطار دراما موسيقية مبهرة‪ ،‬بينما حاول خالد‬
‫جالل استثمار عناصر الكوميديا االرجتالية‪ ،‬أما جتربة كراكال‬
‫فقد استبدلت بيئة العالمات التراثية بتراث املودرا الهندي يف‬
‫ثوب تنكري‪.‬‬
‫ولن أكون أندهش إطالقا إذا شاهدت إزاحة للجن ليحل محلها‬
‫السايبورج لتتجاوب مع جمهور ما بعد جيل ماتريكس‪.‬‬
‫إن البحث يف شكسبير ممتع والرحلة بني جنبات العروض أكثر‬
‫متعة خاصة وأنها شملت مجموعة متنوعة من املخرجني الكبار‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫‪109‬‬
‫جائزة املسرح الشبابي يف التأليف املسرحي‬
‫(جائزة يسري اجلندي)‬
‫جلنة حتكيم‬

‫وتقوم بتحكيم النصوص املسرحية املتقدمة ملسار التسابق اخلاص‬


‫بالتأليف املسرحي وتضم يف عضويتها كال من‪:‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬

‫‪110‬‬
‫جائزة‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫يسري الجندي‬

‫‪111‬‬
‫جائزة يسري اجلندي يف التأليف املسرحي‬
‫(النسخة السادسة) – الدورة السابعة‬
‫جائزة املسرح الشبابى يف التأليف املسرحي‬
‫( جائزة الكاتب الكبير الراحل ‪ /‬يسرى اجلندى )‬
‫ضمن فعاليات الدورة السابعة ملهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح‬
‫الشبابي‬
‫تشجيعآ حلركة الكتابة املسرحية املصرية والعربية يعلن مهرجان شرم‬
‫الشيخ الدولى للمسرح الشبابي برئاسة الفنان واملخرج ‪ /‬مازن الغرباوي‬
‫والتي ستعقد دورته السابعة يف الفترة من ‪ 30 – 25‬نوفمبر ‪ 2022‬مبدينة‬
‫شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية‪ ،‬يعلن عن جائزة املسرح الشبابي يف‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫التأليف املسرحي‪.‬‬
‫املهداة هذا العام لروح الكاتب الراحل األستاذ ‪ /‬يسرى اجلندى ‪.‬‬
‫اجلائزة (للنص املسرحي الطويل والقصير واملونودراما) وال تقبل النصوص‬
‫املعدة عن أصول مسرحية أو غير مسرحية و ذلك حرصآ وبحثآ عن الكاتب‬
‫الدرامي املسرحي الشاب ‪ .‬و دعما للطاقات واألقالم الشابة الصاعدة‬
‫واملتسلحة برؤية علمية ترنو للتقدم به بنزوع تفاؤلي يرتكز على طاقات‬
‫الشباب الواعد وفق الشروط التالية ‪-:‬‬
‫يتم فتح باب التقدمي بالنصوص اعتبارا من يوم اجلمعة ‪ 19‬أغسطس‬
‫‪ 2022‬إلى يوم األربعاء ‪ 19‬أكتوبر ‪ 2022‬ولن تلقى أمانة اجلائزة أي اعتبار‬
‫للنصوص التي ترد لها بعد هذا التاريخ ما لم يذكر عكس ذلك‪.‬‬
‫املسابقة مفتوحه أمام كتاب املسرح املصريني‪ ،‬وأيضا كتاب املسرح يف‬
‫جميع البالد العربية‪ ،‬أو العرب املقيمني يف بالد املهجر املختلفة‪ ،‬وسيتم‬
‫استضافة الفائزين باجلوائز الثالثة حلضور الندوة اخلاصة بالفائزين ضمن‬
‫الفعاليات بالدورة السادسة‪.‬‬
‫أال يزيد عمر املتسابق يف شهر نوفمبر ‪ 2022‬عن ( ‪ ) 40‬سنة‪.‬‬
‫املسابقة لنصوص املسرح ‪-:‬‬
‫النصوص الطويلة‬
‫النصوص القصيرة‬
‫نصوص املونودراما‬
‫ويفضل أن تكون النصوص بالعربية الفصحى ‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫على أن يتقدم الكاتب بنص واحد ألحد أفرع املسابقة‪ ،‬ال يسمح باملشاركة‬
‫لنفس الكاتب ألكثر من فرع‪.‬‬
‫ترسل النصوص مع نبذة عن السيرة الذاتية للكاتب‪ ،‬صورتني شخصيتني‬
‫بجودة عالية‪ ،‬صورة من جواز السفر‪ ،‬وتليفونه املحمول لسهولة التواصل‬
‫معه باإلضافة إلى قرار موقع من املتقدم للجائزة مبلكيته للنص املسرحي‪،‬‬
‫وسيتم إلغاء اجلائزة إن ثبت أن النص منتحل أو مسروق وستتخذ كافة‬
‫اإلجراءات القانونية من قبل إدارة املهرجان جتاه من يثبت عليه ذلك‪ ،‬وعليه‬
‫وحده تقع كافة املسئوليات اجلنائية واألدبية‪ ،‬ترسل كل هذه الطلبات على‬
‫إمييل املهرجان التالي ‪:‬‬
‫‪Sitfy.magazine@gmail.com‬‬
‫يتم فرز وحتكيم النصوص املقدمة من قبل جلنة علمية متخصصة يتم‬
‫تشكيلها من قبل إدارة املهرجان‪ ،‬وستبدأ اللجنة عملها مبجرد قفل باب‬
‫التقدمي‪.‬‬
‫النصوص املقدمة للجائزة ال ترد ألصحابها وال يجوز الطعن على قرارات‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫جلنة التحكيم بأى شكل من األشكال فهى قرارات نهائية وملزمة‪.‬‬


‫أال يكون النص املقدم قد نشر يف أية مطبوعة ورقية أو على املواقع‬
‫اإللكترونية‪ ،‬أو قدم مسرحيا يف أية جهة كانت‪ ،‬مبا فيها فرق الهواة‪.‬‬
‫‪-10‬أال يكون قد شارك يف مسابقة أخرى مهما كان مستواها العلمى‬
‫والفكرى‪.‬‬
‫آخر موعد لقبول النصوص املسرحية املشاركة ‪ 19‬أكتوبر ‪ 2022‬وترسل‬
‫على اإلمييل التالي ‪:‬‬
‫‪Sitfy.magazine@gmail.com‬‬
‫• لالستفسارات يرجى املتابعة مع إدارة التنسيق مسابقة التأليف‬
‫باملهرجان على األرقام التالية‪01064142222002 :‬‬

‫اجلوائز‬
‫‪ -‬نشر النصوص الفائزة يف كتاب وذلك إلتاحتها للمخرجني واملمثلني‬
‫ودارسى املسرح‪ ،‬وذلك مع تقدمي نقدى وحتليلى لتلك النصوص الفائزة‬
‫‪ -‬سيتم استضافة الفائزين باجلوائز الثالثة حلضور الندوة اخلاصة‬
‫بالفائزين ضمن فعاليات الدورة السابعة‪.‬‬
‫‪ -‬سيقام مؤمتر صحفى خالل فعاليات املهرجان للتعريف بكتاب النصوص‬
‫الفائزة وإلقاء الضوء على منجزهم اإلبداعي>‬

‫‪113‬‬
‫يسري الجندي ‪...‬‬
‫ونداهة التراث الشعبي‬
‫محمد أحمد اكمل‬

‫للتراث للشعبي هالة حتيط مبريديها وتناديهم ليغصوا‬


‫يف أعماقها كما «النداهة» صاحبة الصوت الساحر التي‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫جتذب مريديها إلي إعماقها مأخوذين بجمال صوتها‪.‬‬
‫فكما يقول املثل الشعبي «من فات قدميه تاه‪ ،‬واللى مالوش‬
‫ماضى مالوش حاضر» فقدمي اإلنسان هو تراثه وتاريخه‪،‬‬
‫فالشخصية املصرية هى حصيلة التقاء ثقايف فريد‪ ،‬وإسهام‬
‫حضاري فذ‪ ،‬وتاريخ ممتد‪ ،‬تواصلت فيه مصر مع غيرها‬
‫وأنتجت شخصية مصرية وهوية فريده من نوعها‪ ،‬تلك التى‬
‫نبعت من حواريها وشوارعها وأقاليمها املختلفة‪ ،‬وأفرزت‬
‫تفردها وعبقريتها التى ظهرت من خالل كافة أشكال الفنون‬
‫التراثية التى تزخر بها مصر‪ ..‬حكايات أبو زيد الهاللى‬
‫وعاشق املداحني والست خضرة والسقا واألراجوز واحلكواتى‬
‫وع األصل دور وخليك فاكر مصر جميلة‪.‬‬
‫التراث الشعبي هو ذاكرة الوطن وهويته والتراث‬
‫الشعبي يتكون من عادات الناس وتقاليدهم‪ ،‬وما ُيعبرون‬
‫عنه من آراء وأفكار يتناقلونها جيالً بعد جيل‪ ،‬وهو استمرار‬
‫للفولكلور الشعبي كاحلكايات الشعبية‪ ،‬واألشعار والقصائد‬

‫‪114‬‬
‫املتغنى بها‪ ،‬وقصص اجلن الشعبية‪ ،‬والقصص البطولية‪،‬‬
‫واألساطير‪ ،‬ويشتمل على الفنون واحلرف‪ ،‬وأنواع الرقص‬
‫واللعب‪ ،‬واألغاني‪ ،‬واحلكايات الشعرية لألطفال‪ ،‬واألمثال‬
‫السائدة واأللغاز‪ ،‬واملفاهيم اخلرافية‪ ،‬واالحتفاالت واألعياد‬
‫الدينية ‪ .‬والتراث دائما وأبداً هو أحد الركائز األساسية‬
‫للفنون فمنذ اليونان وكان ألساطيرهم دورا هاما يف نشأت‬
‫فن املسرح فأسطورة العقاب الذي ميتد لثالثة أجيال متتالية‬
‫كانت هي بذرة نص سوفوكليس اخلالص أوديب‪ ،‬وغيرها من‬
‫األعمال التي تأثرت بأساطير مجتمعاتها لتخرج لنا إبداعا‬
‫أصيالً ملجتمعه ومع انغماسه يف محليته يصل إلي العاملية‬
‫واخللود حتي مع وفاة خالقة وهو املؤلف‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫والتراث هو النداهة التي جذب سحرها وروعتها عددا‬


‫ليس بالقليل من الكتاب سواء علي مستوي املسرح أو السينما‬
‫والتلفزيون‪ .‬ولكن من بني كل من انغمسوا يف سحر التراث‬
‫ظهر لنا واحد من القالئل املبدعني يف التراث الشعبي ولقب‬
‫بفارس الدراما الشعبية‪.‬‬
‫هو كاتب مصري ولد يف محافظة دمياط يف ‪ ،1942‬اهتم‬
‫يف كتابته بالتراث الشعبي خاصة‪ ،‬وقد ساهم يف تطوير‬
‫جهاز الثقافة اجلماهيرية أثناء توليه منصب املستشار‬
‫الفني له عام ‪ .1982‬وقد تولى العديد من إدارة املناصب‪،‬‬
‫فعمل بوزارة الثقافة منذ عام ‪ 1970‬وقد عمل مديراً ملسرح‬
‫السامر بالقاهرة عام ‪ 1974‬ثم كان مديراً للفرقة املركزية‬
‫للثقافة اجلماهيرية عام ‪ 1976‬ثم مستشاراً لرئيس الهيئة‬
‫للشئون الفنية والثقافية حتى أحيل للمعاش يف ‪ .2002‬وقد‬
‫قدم العديد من األعمال الكتابية التي قدمت يف السينما‬

‫‪115‬‬
‫والتلفزيون واملسرح‪ .‬وقد بدأ تواجده يف الساحة املسرحية‬
‫منذ ستينيات القرن العشرين‪ .‬هو الكاتب واملؤلف يسري‬
‫اجلندي الذي غاص يف بحور التراث ملبيا ً نداء النداهه‬
‫التي سحرته مبا يف التراث من إبداعات وحكايات ال حصر‬
‫لها ليخرج لنا بأعمال درامية جتوب شاشات التليفزيون‬
‫وخشبات املسارح نابعه من التراث لتبرز قيم املجتمع املصري‬
‫وأخالقه وما يدور يف دواخل مجتمعه سلبيا ً كان أم إيجابياً‪.‬‬
‫يشكل التراث أثراً واضح يف أعمال يسري اجلندي‬
‫املسرحية حيث يحتل موقعا ً متميزاً بني كتاب املسرح املصري‬
‫والعربي باجتهاداته املستمرة يف تأصيل شكل مسرحي عربي‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫له رؤاه املعاصرة مستلهما ً التراث الشعبي‪ ،‬وقد بدأ تواجده‬
‫يف الساحة املسرحية ابتداء من أواخر الستينيات بكتابة‬
‫مسرحية‪ :‬ما حدث لليهودي التائه مع املسيح املنتظر وتتالت‬
‫بعدها مسرحيات مهمة حيث توجت اجتهاداته عام ‪1981‬‬
‫بحصوله على جائزة الدولة التشجيعية يف املسرح ووسام‬
‫العلوم والفنون من الطبقة األولى ثم جائزة الدولة للتفوق‬
‫عام ‪ 2005‬للفنون‪ .‬مثلت أعماله يف العديد من الدول العربية‬
‫كما مثلت أعماله يف عدة مهرجانات دولية وعربية‪ .‬قدمت‬
‫له احتادات الفنانني العرب أول افتتاح مسرحي مبسرحية‬
‫«واقدساه»‪.‬‬
‫كما قدم عدد من األعمال الدرامية التي يعشقها اجلمهور‬
‫العربي منها‪ ،‬مستلهما من التراث الشعبي‪ :‬علي الزيبق‪،‬‬
‫شارع املواردي‪ ،‬علي بابا واألربعني حرامي‪ ،‬السيرة الهاللية‪.‬‬
‫قدم جمهورية زفتى‪ ،‬ومسلسل جحا املصري‪ ،‬قدم من‬

‫‪116‬‬
‫خالله تراث «جحا»‪ ،‬بطريقته اخلاصة‪ ،‬ومسلسل «ناصر»‬
‫والذي دارت أحداثه عن قصة حياة الزعيم الراحل جمال‬
‫عبد الناصر إضافة إلي مسلسل من أطلق الرصاص على‬
‫هند عالم‪ ،‬تدور أحداث املسلسل حول الصحفية «هند عالم»‬
‫الذى يتعرض زوجها عالم الذرة الشهير لالغتيال‪ ،‬ومؤخراً‬
‫مسلسل مصر اجلديدة‪ ،‬دارت أحداث املسلسل السيرة‬
‫الذاتية للمناضلة املصرية قدم املسلسل هدى شعراوي‪.‬‬
‫وهكذا جذبت نداهة التراث الشعبي يسري اجلندي إليها‬
‫ليخرج لنا أعماالً متأثرة ومؤثرة يف التراث الشعبي تظهر‬
‫شغفه للتراث علي املستويني املسرحي والتلفزيوني‪ ،‬فتالمس‬
‫أعماله مع التراث واملجتمع املصري األصيل جعل ألعماله‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫طابعا ً خاصا ً غاية يف األهمية وارتبط بها املشاهد املصري‬


‫لفترة طويلة‪.‬‬
‫ولم يتوقف إبداع يسري اجلندي عند حد التأليف‬
‫وإبداعاته فيه بل تقلد عدد من املناصب إلهامه والتي ساهم‬
‫من خاللها بنشر الوعي الثقايف بشكل كبير‪ .‬حيث تولى‬
‫مناصب حكومية متعددة فعمل بوزارة الثقافة منذ عام ‪1970‬‬
‫وعمل مدير ملسرح السامر بالقاهرة يف ‪ 1974‬ثم مديرا‬
‫للفرقة املركزية للثقافة اجلماهيرية يف ‪ 1976‬ثم مستشارا‬
‫للشئون الفنية والثقافة عام ‪ 1982‬حتى تقاعده يف ‪.2002‬‬
‫ومدير عام للمسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة حتى عام‬
‫‪ .1996‬نال العديد من اجلوائز على مدى مشواره الفني‬
‫من بينها وسام العلوم والفنون من الطبقة األولى يف ‪1981‬‬
‫وجائزة الدولة للتفوق بفئة الفنون يف ‪ .2005‬وكان عضو‬

‫‪117‬‬
‫جلنة املسرح باملجلس األعلى للثقافة لعدة سنوات‪ ،‬وأخيراً‬
‫عضو جلنة الدراما العليا باحتاد اإلذاعة و التليفزيون‪.‬‬
‫وقد «ورد عنه باملوسوعة القومية للشخصيات املصرية‬
‫البارزة التي أصدرتها الهيئة العامة لالستعالمات بوزارة‬
‫اإلعالم املصرية أنه «كاتب مسرحي اهتم اهتماما ً خاصا ً‬
‫بالتراث الشعبي يف معظم ما كتبه‪ ،‬كما ساهم يف تدعيم و‬
‫تطوير مسرح الثقافة اجلماهيرية ملا ميثله هذا املسرح من‬
‫أهمية للجماهير العريضة على امتداد مصر»‪.‬‬
‫واستمر عطائه الفكري والثقايف من خالل دراسات و‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫مقاالت عدة نشرت له يف املجالت الثقافية املصرية والعربية‬
‫إضافة إلي فصول من كتابه «مالحظات نحو تراجيديا‬
‫معاصرة» احلائز على جائزة النقد مناصفة يف مؤمتر األدباء‬
‫الشبان عام ‪ 1969‬مبصر و التي حصل فيها أيضا ً على‬
‫جائزة التأليف املسرحي مناصفة‪ ,‬كما حصل على جائزة‬
‫أفضل نص مسرحي يف ملتقى املسرح العربي‪.‬‬
‫وينتهي مشواراً حافالً باإلبداعات علي كافة األصعدة‬
‫يف عام ‪ 2022‬ليرحل عنا يسري اجلندي عن عمر يناهز‬
‫الثمانني‪ ،‬ليسدل الستار علي حكاية يسري اجلندي ونداهة‬
‫التراث الشعبي تاركا ً لنا تاريخا ً حافالً بالنجاحات وفيما يلي‬
‫نستعرض بعض من إجنازاته‪:‬‬
‫أعمال مثلت مصر يف مهرجانات عربية‪:‬‬
‫‪« ‬عنترة» يف مهرجان قرطاج ‪.1977‬‬
‫‪« ‬عاشق املداحني» يف مهرجان قرطاج ‪.1978‬‬
‫‪« ‬القضية ‪ »88‬يف مهرجان بغداد ‪.1988‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ ‬قدمت بعض من أعماله يف عدد من الفرق العربية‪.‬‬
‫‪ ‬ساهم يف إقامة عدد من مهرجانات املسرح كان أبرزها‬
‫ملتقى القاهرة للمسرح العربي عام ‪.1994‬‬
‫جوائز الدراما التليفزيونية‬
‫‪ ‬جائزة أحسن تأليف يف مهرجان التليفزيون الثالث عن‬
‫مسلسل ( السيرة الهاللية عام ‪.) 1996‬‬
‫‪ ‬جائزة أحسن تأليف يف مهرجان التليفزيون الثالث عن‬
‫سهرة ( ليلة القتل األبيض )‪.‬‬
‫‪ ‬جائزة أحسن تأليف يف مهرجان التليفزيون الرابع عن‬
‫مسلسل ( جمهورية زفتى )‪.‬‬
‫‪ ‬جائزة أحسن تأليف يف مهرجان التليفزيون الرابع عن‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫سهرة ( الزائرون غاضبون )‪.‬‬


‫‪ ‬جائزة أحسن تأليف يف مهرجان التليفزيون الرابع عن‬
‫املسلسل اإلذاعي ( سامحوني ماكانش قصدي ) ‪.1997‬‬
‫‪ ‬جائزة أحسن تأليف يف مهرجان التليفزيون اخلامس عن‬
‫سهرة ( أحمد عبد املعطي يقابل إخناتون )‪.‬‬
‫‪ ‬جائزة أحسن تأليف يف مهرجان التليفزيون السابع عن‬
‫مسلسل ( حروف النصب)‪.‬‬
‫‪ ‬جائزة أحسن تأليف يف مهرجان التليفزيون التاسع عن‬
‫مسلسل ( جحا املصري )‪.‬‬
‫‪ ‬جائزة أحسن تأليف يف مهرجان التليفزيون احلادي عشر‬
‫عن مسلسل ( الطارق )‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫ميثم هاشم طاهر‬
‫‪ -‬حاصل على شهادة دكتوراه فلسفة يف اللغة العربية‬
‫بتخصص األدب احلديث‪ ،‬جامعة البصرة‪ /‬كلية‬ ‫ّ‬ ‫وآدابها‪،‬‬
‫اآلداب‪.‬‬
‫‪ -‬يعمل أستاذ ًا يف الكلية التربوية املفتوحة‪ /‬ذي قار‪/‬‬
‫العراق‬
‫‪ -‬حائز على املركز األول يف جائزة «راشد بن حمد الشرقي»‬
‫يف دولة اإلمارات‪ ،‬الدورة الثانية ‪ ،0202‬عن روايته «صانع‬
‫األكواز»‪.‬‬
‫‪ -‬حائز على املركز األول يف جائزة «الشارقة»‪ ،‬الدورة ‪،52‬‬
‫‪ ،2202‬عن مسرحيته «العاقر واملهد»‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫أوالً‬
‫مسابقة‬
‫النصوص الطويلة‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫سادل احلياة الطريف‬

‫تأليف‬
‫ميثم هاشم طاهر‬

‫(العراق)‬

‫‪121‬‬
‫‪i.i‬الشخصيات‪:‬‬
‫الراهب‪ :‬رجل يف بداية األربعينيات‬
‫يتجسد على هيئة رجل‬ ‫ّ‬ ‫طيف املوت‪ :‬طيف‬
‫خمسيني‪.‬‬
‫‪iiii‬الديكور‪ :‬يف الطرف الشمال خيمة برتقال ّية ذات‬
‫سحّاب كبير يف صحراء‪ ،‬بقربها شجرة سدر صحراوية‬
‫تتو ّسط املسرح‪ ،‬حتيطها أزهار صفر‪ ،‬وعلى ميني الشجرة‬
‫صخرة‪ ،‬وعلى شمالها صخرة أخرى‪ ،‬وبني الصخرتني‬
‫والشجرة وبني حافّة املسرح نار مشتعلة‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫‪iiiii‬اإلضاءة‪ :‬تعتمد املسرحية على اإلضاءة يف بعض‬
‫املواقف التي تقتضي استغراق ًا ذاتي ًا أو شعر ّي ًا‪.‬‬
‫‪iviv‬املوسيقى‪ :‬آللة العود مهمة إكساء االستغراق‬
‫ي مبقام «الصبا زمزم» الذي مينح لالستغراق بعد ًا‬ ‫الشعر ّ‬
‫أسيان ًا‪.‬‬

‫(الراهب يرتدي سمالً أبيض ثخيناً‪ ،‬من الصوف املزغّب‪،‬‬


‫يجلس على صخرة شمال شجرة السدر الصحراوية حافياً‪،‬‬
‫يقلّب احلطب املشتعل بقضيب حديد ّي رفيع‪ ،‬وخلفه يف طرف‬
‫سحاب كبير‪ ،‬فيما الصخرة األخرى‬
‫املسرح خيمة برتقال ّية ذات ّ‬
‫ميني الشجرة فارغة‪ ،‬يظلم املسرح‪ ،‬وتسقط بقعة الضوء على‬
‫وجهه الشاحب)‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫(يحدق باللهب املتطاير) قد م ّرت إحدى وعشرون ليلة‬ ‫ّ‬ ‫الراهب‪:‬‬
‫اإللهي املنعش‬
‫ّ‬ ‫جناحي حتت الرذاذ‬‫ّ‬ ‫منذ أن أفردت‬
‫يف هذا العراء القاحل (يطرح القضيب احلديدي‬
‫ت مثل الظلّ ‪،‬‬ ‫أرضا َ‪ ،‬ويشبك أصابعه) نحيل صر ُ‬
‫علي أحد وال ذئب حتّى‪،‬‬ ‫إحدى وعشرون ليلة لم مي ّر ّ‬
‫ال أحد‪ .‬كان اهلل معي‪ .‬وكانت الصحراء تستمرئ‬
‫بكائي وصلواتي وأدعيتي‪ ...‬لم أكن أبكي تكفيراً عن‬
‫ذنب بل شوقا ً للقاء اهلل‪ ،‬حتى ال َنوار‪ ،‬تلكم احلبيبة‬
‫الراحلة نفسها لم تكن إال جتلّيا ً من جتلّيات اهلل يف‬
‫قلبي‪ .‬التغيير الوحيد الذي حدث يف غضون الليالي‬
‫الواحدة والعشرين‪ ،‬كانت صيرورة األفق الكاكي إلى‬
‫زاه‪ ،‬وعقد صداقات حميمة مع معجزات‬ ‫أخضر ٍ‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫اهلل النابتة يف هذه العزلة الرملية‪ ،‬النوار األصفر‪،‬‬


‫رشاد الب ّر‪،‬‬
‫والبختري األرجواني‪ ،‬واألقحوان األبيض‪ّ ،‬‬
‫والشيح‪ ،‬وثمة ألق يكتسي السدرة الصحراوية اليتيمة‬
‫(ميسح جذع السدرة) صنو روحي‪ ،‬ومعادلي األخضر‪،‬‬
‫ت هنا مثلها؟ كيف كانت وعاشت وقاومت‬ ‫كيف انغرس ُ‬
‫وحيدة يف هذه الظروف املستحيلة؟ حتت ظاللها‬
‫طلعت أزهار صفر يبدو أنّها ليست من نباتات‬
‫الصحراء‪ ،‬ال أعرف ما اسمها سوى أ ّن عبيرها ُمسكر‬
‫أخّاذ‪( .‬يصيخ السمع) ثمة همهمة‪( ...‬يتكئ الراهب‬
‫على جذع سدرته الوحيدة) من هنا؟‬
‫(يضاء النور)‬
‫متجسداً على هيئة رجل‬ ‫ّ‬ ‫(يدخل من ميني املسرح طيف املوت‬
‫خمسيني‪ ،‬يرتدي جلبابا ً قرمزياً‪ ،‬حليته رماد ّية طويلة‪ ،‬يف ميينه‬
‫ّ‬
‫عصا خيزران)‪.‬‬
‫مي املوت أجالً أل ّن كلّ َن َفس مبثابة‬
‫س ّ‬
‫أجش) ُ‬
‫ّ‬ ‫طيف املوت‪( :‬صوته‬

‫‪123‬‬
‫تأجيل عجيب للموت (يصمت هنيهة) وأنا املوت‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬مبتسما ً بامتعاض) ال أملك املزاج احلسن لهذه املزح‬
‫ت ظمآنا ً سقيتك‪ ،‬أو جائعا ً أطعمتك‪ ،‬أو‬ ‫الباهتة‪ ،‬إن كن َ‬
‫بردانا ً آويتك‪ ،‬ودعك من هذا املزاح‪..‬‬
‫طيف املوت‪( :‬ضاحكاً‪ ،‬يقترب من الراهب) أنت ال تخاف املوت‪،‬‬
‫فقد وهبك اهلل فؤاداً صلبا ً يليق بأسد‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬يلقي عليه نظرات غير مبالية) أقبل إطراءك‪ ،‬دون أن‬
‫أرى نفسي خليقا ً بذلك‪ ،‬لكن قل يا رجل‪ ،‬أ ّي شيء جاء‬
‫بك ليالً إلى هذا العراء الصحراوي القاحل؟‬
‫ألقبض روحك‪.‬‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫طيف املوت‪( :‬ما يزال ضاحكاً) جئ ُ‬
‫الراهب‪( :‬يومئ مبتسما ً بوقار وطمأنينة) هل أنت مالك املوت‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫عزرائيل؟‬
‫طيف املوت‪( :‬يربّت على كتفه) أنا املوت‪ ،‬الفعل نفسه ال فاعله‪.‬‬
‫يتجسد‬
‫ّ‬ ‫(ينحي يد طيف املوت عن كتفه) منذ متى‬ ‫ّ‬ ‫الراهب‪:‬‬
‫املوت الفعل للبشر؟ لو كنت املالك لكان جتسيدك‬
‫مقبوالً‪ ،‬فاالنتقال من الطاقة املالك ّية اللطيفة إلى‬
‫التجسد البشر ّي املاد ّي أمر ميكن استيعابه وفقا ً‬ ‫ّ‬
‫للقدرة اإللهية‪ ،‬وإمكانية أن توجد معادلة ما تضمن‬
‫علي‬
‫فيستغلق ّ‬
‫ّ‬ ‫ذلك التح ّول السلس‪ ،‬أ ّما املوت نفسه‬
‫يتجسد على هيئة بشر؟‬ ‫ّ‬ ‫فهمه‪ ،‬كيف لفعل أن‬
‫(يحك حليته الرماد ّية) أنا فعل‪ ،‬يف معادلة ما ميكن‬ ‫ّ‬ ‫طيف املوت‪:‬‬
‫تتجسد األفعال‬‫ّ‬ ‫أجتسد طيفا ً على هيئة بشر‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬ ‫أن‬
‫شخصيات يف احلكايات القدمية‪ ،‬سمعت ذات م ّرة‬ ‫ٍ‬
‫حكاية (يسعل) عن عصور ما قبل اإلنسان حيث كانت‬
‫مجسدة تسكن يف أكواخ‬ ‫ّ‬ ‫األفعال والعواطف كائنات‬
‫ب ساح ٌر‪ ،‬وأنا‬ ‫مهلهلة‪ ،‬فيها يكون احلزن طحاناً‪ ،‬واحل ّ‬
‫القران‬‫يفسر ِ‬‫ّاء‪ .‬وهذا ما ّ‬ ‫املوت أظهرني احلكّاء سق ً‬

‫‪124‬‬
‫االستعار ّي البشر ّي بيني وبني الكأس‪ .‬فإن كان‬
‫حلكّاء أ ّمي محدود القدرة أن مينح األفعال واملشاعر‬
‫أجساداً‪ ،‬فما بالك بخالق األكوان‪ ،‬أليس له القدرة‬
‫على صنع املعادلة املثلى للمنح والتح ّول؟‬
‫قياس غير مقنع بامل ّرة أو ألكون‬
‫ٌ‬ ‫الراهب‪ :‬ألصدقك القول‪ ،‬هذا‬
‫عقلي أكبر من أن أستوعبه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أكثر تواضعاً‪ ،‬رمبا معضل‬
‫طيف املوت‪( :‬يشير بسبابته نحو الراهب) تواضعك مبحلّه‪.‬‬
‫يتجسد املوت لي؟‬‫ّ‬ ‫الراهب‪ :‬السؤال األه ّم‪ ،‬ملاذا‬
‫طيف املوت‪( :‬يفرقع أصابعه) ليس لكلّ أحد أن ُينح هبة‬
‫اخلواص فحسب‪ ،‬يف ثواني‬ ‫ّ‬ ‫جسد له املوت‪،‬‬ ‫أن ُي ّ‬
‫احتضارهم األخيرة‪ ،‬قبيل أن تفيض الروح‪.‬‬
‫فالبد لي أن أحسن‬ ‫ّ‬ ‫الراهب‪( :‬مبتسماً) حتّى لو كنت املوت حقاً‪،‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ضيافتك‪.‬‬
‫عم الرجل املضياف أنت‪.‬‬ ‫طيف املوت‪( :‬ينحني احتراماً) ِون َ‬
‫الراهب‪( :‬يشير إلى الصخرة التي على ميني شجرة السدر)‬
‫اجلس هنا‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يجلس) ال وقت لد ّي‪ ،‬هناك شباب يشبهون احلياة‬
‫ينتظرونني يف جبهات احلروب‪ ،‬وعجائز يالزمون‬
‫الوسائد قد انتهى كدحهم يف هذا العالم ينتظرونني‬
‫أيضاً‪ ...‬مع ذلك أنت تستحق أن أجالسك‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬يقلّب اجلمر) ال أراها مزحة تليق بعمرك‪ ،‬وال أنا‬
‫أتقبله‪.‬‬
‫ألحتمل مزاحك الثقيل أو ّ‬ ‫ّ‬ ‫أملك مزاجا ً رائقا ً‬
‫طيف املوت‪ :‬ال أمازحك‪ ،‬أنا املوت‪ ،‬وأنت حتتضر يا صديقي‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬ال أشعر بذلك‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يقطف زهرة صفراء من محيط شجرة السدر)‬
‫مخدرة ومميتة يا صديقي‪ ،‬قد استنشقت‬ ‫ّ‬ ‫هذه زهرة‬
‫عبيرها القاتل أل ّيام‪ ،‬إنّها تقتلك من دون ألم وضجيج‪،‬‬

‫‪125‬‬
‫وما وظيفتي ّإل إسدال الستار على مشهدك األخير‬
‫يف هذا العالم‪.‬‬
‫أصدقك يا سادل الستائر‪ ،‬لكنك حتّى وإن‬ ‫ّ‬ ‫ت ال‬‫الراهب‪ :‬وإن كن َ‬
‫كنت املوت فال أهابك وال أخشاك‪.‬‬
‫لم تبدو وحيداً يف هذا العراء املوحش؟‬ ‫طيف املوت‪َ :‬‬
‫الراهب‪ :‬ال وحشة ملن كان اهلل أنيسه‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬األلفة اإلله ّية‪ ،‬أراهب أنت؟‬
‫الراهب‪ :‬الراهب األخير‪.‬‬
‫ولم الراهب األخير؟‬ ‫طيف املوت‪َ :‬‬
‫الراهب‪ :‬يبدو أ ّن العالم يغطس بر ّمته يف لذائذ العالم الفاني‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬وأنت تريد أن تنفد بجلدك من لوثة العالم؟‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫بعيني طيف املوت) ُمنيت باخلسارات‪ ،‬من هم‬ ‫ّ‬ ‫الراهب‪( :‬يحملق‬
‫على شاكلتي يخسرون دائماً‪ ،‬لذلك جلأت إلى العزلة‬
‫الصحراوية‪ ،‬وحيداً‪ ،‬ال أنيس لي ّإل اهلل‪.‬‬
‫(يضع طيف املوت عصاه بني قدميه‪ ،‬ويخرج من جيب‬
‫جلبابه القرمز ّي غليونا ً خشبيا ً أحمر‪ ،‬وعلبة فض ّية‪،‬‬
‫يضع الغليون يف فمه‪ ،‬ويلتقط من العلبة قليالً من‬
‫التبغ‪ ،‬ويغلق العلبة ويعيدها إلى جيبه‪ ،‬ميأل غليونه‬
‫بالتبغ‪ ،‬يولعه بعود الكبريت‪ ،‬ويسحب نفسا ً عميقاً‪،‬‬
‫وميده للراهب)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وينفخ الدخان على النار‪،‬‬
‫ت يدخّن؟ يا إلهي‪ ،‬هذه أغرب مزحة‬ ‫الراهب‪( :‬يضحك) املو ُ‬
‫سمعتها يوماً‪ ،‬على العموم‪ ،‬ال أدخّن‪ ،‬شكراً لك‪.‬‬
‫فالبد أن أج ّرب‬
‫ّ‬ ‫جتسدت على هيئة بشر‪،‬‬ ‫ت ّ‬ ‫طيف املوت‪ :‬ما دم ُ‬
‫التدخني بالبايب وقدح شاي ساخن‪ ،‬هل لديك إبريق؟‬
‫أريد شاياً‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬ليس لد ّي ّإل املاء واخلبز اليابس والتمر‪ ،‬واملطر منحني‬
‫رشاد الب ّر وفجل الصحراء‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫طيف املوت‪ :‬ال تبغ‪ ،‬ال شاي‪ ،‬ال طبخ‪ ،‬كيف تعيش؟‬
‫الراهب‪ :‬ليس مهماً‪ ،‬متر وخبز وماء يكفي حلياة كاملة‪ ،‬كل ما‬
‫سواها بذخ ال طائل منه‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬اجلسم يحتاج إلى التن ّوع‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬اجلسم يتك ّيف ضمن ما هو موجود‪ ،‬نحن علّمناه أن‬
‫لسد هذا النهم‪.‬‬
‫يكون نهماً‪ ،‬ومن ث ّم جشعا ً ّ‬
‫طيف املوت‪ :‬ملاذا خُلقت الثمار بشتى ألوانها وأشكالها ومذاقاتها‬
‫والفوائد التي أودعها اهلل فيها؟‬
‫الراهب‪ :‬ليس لي‪ ،‬فقد زهد جسمي بكل هذا الترف والزخرف‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬قل من ح ّرم زينة اهلل التي أخرجها لعباده والط ّيبات‬
‫من الرزق‪...‬‬
‫الراهب‪ :‬لم أح ّرمها بل زهد جسمي فيها‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫طيف املوت‪ :‬لم حت ّرمها بل حرمت نفسك وجسمك منها‪.‬‬


‫وإل ملاذا منح العنب‬ ‫الراهب‪ :‬اهلل مينح للنهم وللزاهد معاً‪ّ ،‬‬
‫إمكانية أن يكون خمراً؟‬
‫(يح ّرك طيف املوت بعصاه ذات املنبت األسود جمر النار)‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬منذ متى وأنت هنا؟‬
‫الراهب‪ :‬منذ واحد وعشرين يوماً‪ ،‬كنت قبل ذلك بيومني قد‬
‫تب ّرعت بكلّ ما أملك لعيال اهلل الفقراء‪ ،‬ويف اليوم‬
‫ت إلى اهلل‪،‬‬‫اآلخر مألت حقيبتي باخلبز والتمر‪ ،‬وسافر ُ‬
‫وحقيبة أخرى وضعت فيها فراشا ً من اللباد األبيض‪،‬‬
‫ت وجهي شطر الصحراء‪ ،‬هنا‬ ‫وغطاء صوف ّياً‪ ،‬وص ّوب ُ‬
‫ً‬
‫ألختلي بنفسي بعيداً عن القرف البشري‪ ،‬هنا وحيداً‬
‫ت‬
‫يف خيمة نصبتها‪ ،‬تكفي ألصوم هلل‪ ،‬أن أبلغَ امللكو َ‬
‫من خالل صيامي ووحدتي وعزلتي وصلواتي‪ .‬طلّقت‬
‫الدنيا ثالثا ً ومضيت عاريا ً ّإل من سمل أبيض ثخني‪،‬‬
‫من الصوف املزغّب‪ .‬ذلك الطفل البريء وحيداً يف‬

‫‪127‬‬
‫الصحراء‪ ،‬لم يخف من عتمتها وال ذئابها وال أفاعيها‪.‬‬
‫طلّق الدنيا ثالثاً‪ ،‬ليكون ناسكا ً راهبا ً يف معبد اهلل‬
‫الشاسع‪ ،‬الصحراء‪ ،‬يقوده إحساس غامض يف‬
‫ب اهلل من خالل اآلفاق املديدة‪،‬‬ ‫التالشي مع الكون‪ ،‬وح ّ‬
‫من خالل محيط من الوحشة والوحدة والصفير‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬أجلأت إلى هذا العراء املخيف لتختلي مع نفسك؟‬
‫الراهب‪ :‬لم أعد أحتمل البشر واأللم وعذابات الناس‬
‫واخلسارات‪.‬‬
‫يشدك إلى احلياة هناك؟‬ ‫طيف املوت‪ :‬أليس ثمة خيط له معنى ّ‬
‫الراهب‪ :‬ليس سوى أ ّمي‪ ،‬سأعود إليها بعد أن أنقّي نفسي هنا‬
‫متاماً‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫طيف املوت‪ :‬يبدو أنّني لن أمهلك حتى تعود إليها‪.‬‬
‫(يصمتان‪ ،‬كالهما ينظران إلى النار صامتني مقرورين‪ ،‬دون‬
‫يحدقان يف تلك‬ ‫أن ينظرا للشعلة‪ ،‬إمنا للشرر املتطاير عنها‪ّ ،‬‬
‫الشعلة الصفراء‪ ،‬عينا طيف املوت تلتمعان وهو يسحب أنفاسا ً‬
‫من غليونه‪ ،‬بينما الراهب متأ ّمالً‪ ،‬ظالم‪ ،‬تسقط بقعة ضوء على‬
‫الراهب)‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬عيناه تلتمعان مثل ذئب البوادي‪ ،‬أحر ّي بي أن أخشاه‪،‬‬
‫وعلى ماذا أخشى إن كان يريد أن يقتلني‪ ،‬فال بأس‬
‫يهمني ذلك‪.‬‬‫بذلك‪ ،‬رمبا يكون ذئبا ً بشرياً؟ ال ّ‬
‫(يضاء النور)‬
‫ت ذئبا ً بشرياً‪ ،‬أنا املوت‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يح ّرك رأسه نفياً) لس ُ‬
‫الراهب‪ :‬أكنت تنصت إلى هواجسي؟‬
‫طيف املوت‪( :‬يحملق يف الشعلة) وحني أشاهد صورة النار‬
‫أيضاً‪ ،‬أرى ناراً تناظرها تتقد يف قلبك أ ّيها الراهب‬
‫احلزين‪ .‬أرى دموعك حتى وإن جاهدت يف إخفائها‪،‬‬
‫أعاين هشّ اشة األطياف البشرية يف عينيك‪ ،‬ذكريات‪،‬‬

‫‪128‬‬
‫أشباح ماضية قادرة على سحق الكائن البشري‪،‬‬
‫وتفتيته حتت وطأة أقدامها‪.‬‬
‫الراهب‪ُ ( :‬يسند جبهته على طرف القضيب احلديدي‪ ،‬فيما‬
‫طرفه اآلخر نابت يف األرض) أميكن إلشارة يف حلم‬
‫تهومية أن تغ ّير اإلنسان؟‬
‫النفسي‪ ،‬قد ترى إشارة‬‫ّ‬ ‫ت أدري‪ ،‬حسب املوقف‬ ‫طيف املوت‪ :‬لس ُ‬
‫واحدة يف موقفني نفسيني مغايرين‪ ،‬فتكون االستجابة‬
‫متفاوتة مع أ ّن اإلشارة نفسها‪.‬‬
‫ت عائداً من بغداد‪ ،‬كنت‬ ‫الراهب‪ :‬قبل ثالثة وعشرين يوماً‪ ،‬كن ُ‬
‫أناجي طيف ال َنوار حبيبتي الراحلة‪ ،‬فيما كان الندى‬
‫يبلّل النافذة‪ ،‬وحني بلغ القطار قضاء البطحاء‪ ،‬ه ّومت‬
‫ت رؤيا غريبة‪ ،‬لم تستم ّر ّإل‬ ‫عيناي‪ ،‬ويف تهوميتي عش ُ‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ٍ‬
‫ثوان‪...‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يؤ ّجج النار بعصاه) ال تقلْ لي أنّك ف ّرطت بكلّ‬
‫شيء بسبب إشارة يف رؤيا تهومية‪ ،‬ال تقلّ أنّك ف ّرطت‬
‫بكلّ اإلمكانات السعيدة لعاملك‪ ،‬لتأتي إلى هنا‪ ،‬وحيداً‬
‫حتدث نفسك‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الراهب‪ :‬رؤيا بدت كحقيقة ناصعة‪ ،‬حقيقة من واقع موازٍ ‪.‬‬
‫السيما إذا ما قايسناها بغرائب ّية ما حدث بعد أن‬
‫استيقظت‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬الرؤى يف التهومي حقائق أيضاً‪ ،‬هكذا ُيقال‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬يومئ) أراني يف القطار نفسه‪ ،‬وقد جلست إزائي‬
‫ت أناجي طيفها‪ ،‬كم بكيت حني رأيتها‪،‬‬ ‫ال َنوار التي كن ُ‬
‫عيني‬
‫ّ‬ ‫ت أغمض‬ ‫تشابكت أيدينا‪ ،‬أخبرتها أنّني ما زل ُ‬
‫وأضع يد ّي كليهما على قلبي‪ ،‬استحضر وجهها‬
‫وصوتها وضحكتها‪ ،‬واللمعة اآلسرة يف عينيها‪ ،‬وأمتتم‬
‫باسمها قبل أن أغفو كصالة ليل ّية‪ ،‬ابتسمت لي‪،‬‬

‫‪129‬‬
‫ب باهلل‪.‬‬ ‫حبك ليمضي وذُ ْ‬ ‫وهمهمت بعبارة مبهمة‪ :‬دع َّ‬
‫كانت تلك لفتة إله ّية سعيدة تعادل كرب العمر كلّه‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬يجذبني فيكم أ ّيها البشر تلك املعادالت الشعر ّية‬
‫األنيقة‪...‬‬
‫ت وقد رأيت على النافذة الند ّية‬ ‫الراهب‪ :‬بعد ذلك استيقظ ُ‬
‫كتابة لم استبينها‪ ،‬كتبت من خارج القطار‪ ،‬رمبا‬
‫توقّف القطار يف محطة البطحاء‪ ،‬وكتبها أحد ما‪،‬‬
‫ورمبا كانت موجودة من قبل ولم أنتبه‪ ،‬لكني أر ّجح أ ّن‬
‫العبارة ُك ِت َبت فيما كن ُ‬
‫ت مه ّوماً‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬هل هي العبارة نفسها؟‬
‫الراهب‪ :‬لن تصدقني إن قلت أنّني حني نزلت يف محطة‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫الناصرية حيث أعيش‪ ،‬قرأت العبارة نفسها على‬
‫ب باهلل‪ .‬كانت هذه إشارة‬ ‫حبك ليمضي وذُ ّ‬ ‫النافذة‪ :‬دع ّ‬
‫إلي‪.‬‬
‫بليغة‪ .‬ومخيفة بالنسبة ّ‬
‫طيف املوت‪ :‬فعالً‪ ،‬ما كتب على النافذة الند ّية أغرب من رؤياك‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬يف تلك اللحظة ق ّررت أن أخرج عن ضيق النفس الفان ّية‬
‫احلي‪ ،‬ال أكره الناس‬
‫ّ‬ ‫إلى االتساع الفسيح ألبدية اهلل‬
‫إنا أرى أن سرائر‬ ‫ولم أحتامل على أحد بحياتي‪ّ ،‬‬
‫الناس تعتم يوما ً بعد آخر‪ ،‬وأخشى أن بقائي بينهم‪،‬‬
‫سيجعلني مثلهم‪ ،‬أن تتل ّوث مشاعري وأخسر روحي‪،‬‬
‫فاإلنسان ال ميوت حني تنقطع أنفاسه بل حني تعتم‬
‫سريرته‪ ،‬ستموت روحه‪ ،‬واملوت موت الروح ال اجلسد‪،‬‬
‫واآلن أنا أنشد الوحدة لكي ال أخسر روحي‪ ،‬وأتوغّل‬
‫يف عتمة ال نهاية لها‪.‬‬
‫عجل مبجيئي إليك‪،‬‬ ‫طيف املوت‪ :‬هروبك من موت الروح ّ‬
‫جسدك يحتضر‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬لنفترض أنّك صادق بدعواك‪ ،‬فاملوت اجلسدي وروحك‬

‫‪130‬‬
‫بيضاء نق ّية خير من حياة وروحك معتمة ميتة‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬وماذا رأيت يف عاملك األبيض اجلديد سوى هذه‬
‫الوحشة املديدة؟‬
‫ت لسبع‬ ‫ت يف االتساع الصحراوي املهيب‪ ،‬حافيا ً سر ُ‬ ‫الراهب‪ :‬ذب ُ‬
‫ساعات يف قلب اللون الكاكي وقد كلّلته سماء زرقاء‬
‫متتد‬
‫ّ‬ ‫مبقّعة بغيوم بيض‪ ،‬هناك حيث اآلفاق الرمل ّية‬
‫املعبد‪ ،‬وقرب شجرة سدر‬ ‫أمامي بعيداً عن الطريق ّ‬
‫نبتت يف العراء‪ ،‬نصبت حتت ظاللها خيمتي السياحية‬
‫السحاب‪ ،‬ال أحمل ماالً وال سالحا ً وال كتابا ً وال‬‫ّ‬ ‫ذات‬
‫أ ّي جهاز من أجهزة احلضارة‪ ،‬وال حتى عصا سوى‬
‫حقيبة مألتها أرغفة ومتراً‪ ،‬وحلسن احلظ كان ثمة‬
‫بئر يبعد عنّي مسافة أربعني قدماً‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫طيف املوت‪( :‬يربّت كتف الراهب) حني اخترت اهلل كافأك‬


‫بالغيم والسدرة والبئر‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬ما إن المست أقدامي تلك البقعة من الصحراء التي‬
‫ارتضيتها عزلةً عن العالم حتى نقّطت تلك الغيوم‬
‫البيض رذاذاً‪ ،‬فأدخلت زادي ومتاعي يف اخليمة‪،‬‬
‫ذراعي كجناحي مالك يتبلّل بالرذاذ‬ ‫ّ‬ ‫ت فارداً‬
‫وخرج ُ‬
‫املنعش‪ ...‬كنت أبكي حتت املطر‪ ،‬وحده اهلل من‬
‫يستطيع أن يرى الدمع حتت املطر‪ ،‬نقّيت روحي من‬
‫كلّ ما يشوبها‪ ،‬ليس يف قلبي وعقلي إال نور اهلل وقد‬
‫غمرهما كل ّياً‪ ،‬أفرد يد ّي كجناحني وأشعر أنني قد‬
‫ت إلى فراشة‪ ،‬كلّ ما مضى من حياتي ليس ّإل‬ ‫حت ّول ُ‬
‫اخلادرة‪ ،‬واليوم قد صرت فراشة‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬قد يشيخ اإلنسان وميوت ولم يخرج من كونه يرقة‬
‫أو خادرة أو شرنقة‪ ...‬وحدهم العارفون من يصلون‬
‫إلى مرحلة الفراشة قبالة نور اهلل الساطع يف قلوبهم‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫ب‪ ،‬أمنحني القدرة‬ ‫الراهب‪( :‬ينظر إلى السماء) أنا الفراشة يا ر ّ‬
‫ألستوعب سطوع نورك‪ ،‬دون أن احترق‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬أسمعت يوما ً أ ّيها الراهب الط ّيب مبفارقة احلكيم‬
‫حلُم منذ زمن غابر أنّه قد حت ّول‬ ‫الطاوي‪ ،‬ذاك الذي َ‬
‫إلى فراشة‪ ،‬وقد أدخل سامعيه والعالم من بعدهم‬
‫ت أنني‬ ‫بحرج فكر ّي حني ألقى تساؤله املح ّير‪ :‬قد حلم ُ‬
‫ت فراشة‪ ،‬وقد نسيت كوني إنسانا ً متاماً‪ ،‬وقد‬ ‫صر ُ‬
‫حلُم أنّه‬
‫ت إنسانا ً َ‬ ‫ت دون أن أعرف ما اذا كن ُ‬ ‫استيقظ ُ‬
‫ت إل فراشةً حتلم‬ ‫ّ‬ ‫فراشة‪ ،‬أم أنّني يف احلقيقة لس ُ‬
‫أنّها إنسان‪*1‬؟‬
‫(يقوم الراهب ويفرد ذراعيه‪ ،‬وينظر إلى السماء)‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫الراهب‪ :‬ما عاد لتساؤل احلكيم الطاوي أ َّي معنى‪ ،‬فأنا اآلن‬
‫إنسان فراشة‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يقبض حليته) يف النهاية من بوسعه البرهنة على‬
‫أنّكم لستم فراشات حتلم بأنّها بشر؟‬
‫الراهب‪( :‬ينزل ذراعيه ويعود ليجلس على صخرته) مسكينة هي‬
‫الفراشة إذن إن كان القرف البشر ّي حلمها‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬بل قلْ جاثومها املريع‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬يؤ ّجج النار بقضيبه احلديدي) احلب صنعة اهلل‬
‫العظيمة‪ ،‬مبقدوره وحده أن يح ّول جاثوم احلياة إلى‬
‫حلم سعيد‪ ،‬يا صديقي املنتحل شخصية املوت‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يبتسم) يا صديقي الراهب‪ ،‬حني أسبر ثلوم‬
‫ب الذي من‬ ‫قلبك وأحصيها‪ ،‬أرى اجلاثوم أهون‪ ،‬احل ّ‬ ‫ِ‬
‫املفترض أن يرأب صدوعك قد زادها عدداً وعمقاً‪،‬‬
‫اإللهي‪ ،‬صيغتك‬ ‫ّ‬ ‫أنت اآلن تبحث عن اهلل‪ ،‬عن الوجد‬

‫‪ *1‬بتص ّرف‪ :‬عن كتاب (تشوانغ تسي) للمؤلّف‪ :‬تساي شي تشني‪ .167 :‬واحلكيم الطاوي‬
‫هو تشوانغ تسي‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫الروحانية األخيرة للتعويض عن احلب املفقود‪ ،‬وترميم‬
‫ثلوم قلبك‪ ،‬واخلروج عن احلياة اجلاثوم‪.‬‬
‫تسميني حمامة‪ ،‬كانت‬ ‫ّ‬ ‫ت طفالً كانت أ ّمي‬ ‫الراهب‪ :‬عندما كن ُ‬
‫براءتي احلكاية املثال ّية للجارات وه ّن يعيرن أطفاله ّن‬
‫املشاكسني‪ ،‬عمري اآلن ثالث وأربعون عاماً‪ ،‬بتول لم‬
‫أضاجع امرأة طيلة حياتي‪ ،‬هذه العفّة لم تكن خياراً‬
‫ت ملكة ذاتية لقمع الغلمة‪ ،‬ذلك‬ ‫ح ّراً فحسب‪ ،‬بل ط ّور ُ‬
‫سخه يف داخلي حب‬ ‫الزهد بالنساء واللذّ ة والط ّيبات ر ّ‬
‫طاهر أنهاه املوت‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬مستغرباً) أنا؟‬
‫الراهب‪ :‬يبدو أنّك تنسى ضحاياك‪.‬‬
‫طبيعي‪ ،‬فقد أهلكت‬‫ّ‬ ‫طيف املوت‪ :‬رمبا أل ّن النسيان يف مهنتي أم ٌر‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ما ال ُيحصى من األحياء على م ّر الدهور‪.‬‬


‫الراهب‪( :‬يقلّب اجلمر بقضيبه احلديد ّي) كنّا معا ً يف الثالثة‬
‫والعشرين‪ ،‬كنت حلظة موت حبيبتي ال َنوار أقلّم‬
‫أغصان شجرة العنب املتسلّقة فوق التعريشة اخلشب ّية‬
‫يف حديقة منزلي‪ ،‬بينما كانت يف حجرتها‪ ،‬تس ّرح‬
‫كرسي‬
‫ّ‬ ‫شعرها الطويل‪ ،‬وانكسر فجأة أحد سيقان‬
‫البامبو الذي جتلس عليه‪ ،‬فتهاوت لتنزل بيافوخها‬
‫على احلافّة احلديد ّية لسريرها‪ .‬وحني نقلوها‬
‫للمستشفى أخبرهم الطبيب أنّها ماتت بنزيف داخلي‬
‫كرسي وحافة سرير استطاعا‬ ‫ّ‬ ‫يف املخ‪ .‬تخ ّيل ساق‬
‫أن ينهيا حياة شابّة مليئة عيونها باألحالم‪ ،‬وذلك‬
‫الغض الذي كان يشذّ ب أغصان شجرة العنب‬ ‫ّ‬ ‫الشاب‬
‫يف حديقة منزله ويفكّر يف احلياة السعيدة التي‬
‫ب‪ ،‬قد توغّل يف موت آخر‪ ،‬ال‬ ‫سيعيشها بقرب من يح ّ‬
‫يشبه موت الروح حيث تطغى العتمة‪ ،‬وال يشبه موت‬

‫‪133‬‬
‫اجلسد‪ ،‬ثمة طراز ثالث من املوت‪ ،‬يشبهك وال يشبهك‬
‫سميته موت القلب‪ ،‬حني حملت نعش النوار‬ ‫أيضاً‪ّ ،‬‬
‫حباً‪ ،‬قد‬
‫على كتفي‪ ،‬يا إلهي‪ ،‬قلبي لم يخفق بعدها ّ‬
‫يد ّق بانتظارك أنت لكنّك موت اجلسد‪ ،‬ال الروح وال‬
‫(يتحسر) ٍآه أ ّيها املوت الصديق‪ ،‬كيف لساق‬
‫ّ‬ ‫القلب‪.‬‬
‫حبا ً طاهراً؟‬
‫كرسي وحافّة سرير أن يئدا ّ‬ ‫ّ‬
‫طيف املوت‪ :‬ألم يقل شاعر حكيم منكم أن األسباب متعددة‬
‫واملوت واحد‪ ،‬أنا واحد‪ ،‬لكن ثمة أسباب تافهة بقدر‬
‫ما هي حزينة‪ ،‬بل رمبا املوت بسبب تافه يكون أكثر‬
‫امليتات حزنا ً وأسى‪ .‬أنا واحد‪ ،‬أ ّما َم ْوت الروح وموت‬
‫القلب فاستعارتان شعر ّيان للنسخة احلقيقية لي‪،‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫لتلك الرهبة‪ ،‬وتلك املهابة‪ ،‬وذلك اإلنهاء املرير الذي‬
‫أزاوله حقائقه عند نهاياتكم األكيدة‪ ،‬هذه االستعارات‬
‫الشعر ّية تعلّمتها منكم أ ّيها البشر احلزانى‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬يتأ ّمل اللهب املتطاير) لم أستطب امرأة بعد تلك‬
‫احلبيبة الراحلة‪ ،‬وكلّ اللوم الذي تع ّرضت إليه خالله‬
‫هاته األعوام املديدة كان يصطدم بجدار صلد‪.‬‬
‫ب‪ ،‬ال يح ّول جاثوم احلياة إلى حلم سعيد كما‬ ‫طيف املوت‪ :‬احل ّ‬
‫ت بل ذلك العزاء اجلميل األنبل الذي غرسه اهلل يف‬ ‫قل َ‬
‫عاملكم البشع الوضيع‪.‬‬
‫(يصمتان‪ ،‬الراهب األخير يقلّب جمر النار بقضيبه‬
‫يبدل طيف املوت تبغ غليونه‪ ،‬ويشعله‬ ‫احلديد ّي‪ ،‬بينما ّ‬
‫بعود الكبريت‪ ،‬يسحب نفسا ً عميقاً‪ ،‬يسعل‪ ،‬ويلقي‬
‫الدخان على نار الراهب)‪.‬‬
‫ت يوما ً أ ّيها الصديق املنتحل‬ ‫الراهب‪( :‬مبتسماً) هل أحبب َ‬
‫شخص ّية املوت؟‬
‫طيف املوت‪( :‬ينظر إليه مستغرباً) لست من سنخ عاملكم‪ ،‬لي‬

‫‪134‬‬
‫متجسدة بصورة‬ ‫ّ‬ ‫هيولى فعل ّية قد تتخذ صورة فاعل ّية‬
‫رجل أو امرأة‪.‬‬
‫جتسدت م ّرة بصورة امرأة؟‬ ‫ّ‬ ‫الراهب‪( :‬يطرق مبتسماً) هل‬
‫طيف املوت‪ :‬أتريد أن تسمع طُرفة غريبة بعض الشيء؟‬
‫ط َرف أيضاً؟ (يرفع رأسه إلى‬ ‫الراهب‪( :‬يضحك) وتُلقي ال ُ‬
‫السماء) ما هذا املقلب يا رب؟‬
‫جلسور‪.‬‬‫ت مقلبا ً أ ّيها الراهب الط ّيب ا َ‬ ‫طيف املوت‪ :‬لس ُ‬
‫(وميد له كلتا يديه متظاهراً باملرح) ها أنا أصغي‬ ‫ّ‬ ‫الراهب‪:‬‬
‫إليك‪ ،‬فال ِق طرفتك أ ّيها املوت الفكه املليح‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يقهقه) م ّرة جتسدت بصورة امرأة حتمل رمحا ً‬
‫ت أن أُثني محاميا ً شابا ً بدينا ً لكي ال ينتحر‬ ‫ذهبيا ً وأرد ُ‬
‫تنمرت عليه محامية أخرى كان مولعا ً بها‪،‬‬ ‫بعد أن ّ‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫يلتف على عنقه‪ :‬ماذا تفعلني‬ ‫ّ‬ ‫سألني فيما كان حبله‬
‫هنا؟ قلت‪ :‬أنا املوت وجئت ألستلم الطرد‪ .‬ابتسم‪ :‬ما‬
‫ت له‪ :‬روحك‪ .‬قال‪ :‬وهل يتجلّى املوت‬ ‫الطرد؟ غمز ُ‬
‫ت له‪ :‬يا بليد العتب‬ ‫دائما ً بصورة امرأة فاسقة؟ قل ُ‬
‫ت تذكيرك أ ّن هناك ماليني النساء‬ ‫علي ال عليك‪ ،‬أرد ُ‬ ‫ّ‬
‫يف العالم‪ ،‬لكي أثنيك عن االنتحار‪ ،‬لكن يبدو أنّك‬
‫الكرسي‪ ،‬ظلّ يصيح‪ :‬أمزح‪ ،‬أمزح‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ت‬
‫تستحق‪ .‬وركل ُ‬
‫ال أريد أن أموت‪.‬‬
‫طب حاجبيه) ومات؟‬ ‫الراهب‪( :‬يق ّ‬
‫طيف املوت‪ :‬لم يحتمل السقف الرطب اخلاوي وزنه البالغ‬
‫أربعمائةَ وثالثني رطالً‪ ،‬فسقط عليه‪( .‬يضحك)‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬ومات؟‬
‫طيف املوت‪ :‬لم ميت بل بقي يف املستشفى لعشرين يوماً‪ ،‬وقد‬
‫تقاسمت الكسور والرضوض وجهه وجسده‪ ،‬وحني‬
‫تنمر عليه طبيبه‬ ‫أخبر طبيبه أنّه رآني على هيئة امرأة ّ‬

‫‪135‬‬
‫أيضاً‪ :‬هذي هلوسة من يأكل ثالثني لوح «سنيكرز» يف‬
‫آخر الليل‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬االنتحار أمر مؤسف ال يحسن حتويله إلى مزحة‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬لو أنّه قد انتحر فعالً ملا ألقيت هذه الدعابة‪ ،‬فأنا‬
‫أمتلك من اللياقة ما يكفي‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬يظهر لي أ ّن منظورك للحظات اإلنسان األخيرة فيه‬
‫جلزع احلزين لتلك‬ ‫جلذل ما يناقض منظورنا ا َ‬ ‫من ا َ‬
‫اللحظات‪ ،‬سواء أفاقدين كنّا أم مفقودين‪.‬‬
‫طيف املوت‪ّ :‬إل الطواغيت فلحظة موتهم نكد‪ ،‬فيما أسقط على‬
‫عقبي من الضحك حينما أميت البخالء‪ ،‬ذات م ّرة‬ ‫ّ‬
‫مازحت بخيالً قبيل أن أميته‪ ،‬قلت له امنحك عامني‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫إن أنفقت نصف ما متلك للفقراء‪ ،‬تعرف أن هناك‬
‫يختص‬
‫ّ‬ ‫بنداً إلهيا ً ُيؤ ّجل من خالله األجل‪ ،‬وهذا البند‬
‫مبن يصل األرحام ويدفع الصدقات‪ .‬لكن البخيل‬
‫ت‪ ،‬ماذا‬ ‫ت‪ ،‬أم ْ‬‫حني سمع باملقايضة صاح بي‪ :‬أم ْ‬
‫تنتظر إ ّيها املوت اللعني‪ ،‬أمتْني‪ .‬بينما الطواغيت‪ ،‬فإ ّن‬
‫ظالل ضحاياهم حتتشد يف حدقات أعينهم‪ ،‬فيهلعون‬
‫أجتسد بكلّ وجوه ضحاياهم‪ ،‬فيهلعون‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حني يرونني‬
‫إلي ضعفاء يولولون‪ ،‬قبل أن أستلّ أرواحهم‬ ‫سلون ّ‬ ‫يتو ّ‬
‫بفأس صدئة يشبه إلى حد ما استالل شعرة علقت‬
‫منذ األزل يف باطن صخرة‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬يا لها من ِعظة!‬
‫أشد ما يكربني‪،‬‬‫طيف املوت‪ :‬أ ّما موت الصبيان‪ ،‬فيا إلهي‪ ،‬هذا ّ‬
‫التقط روحهم كما يزيح َبنا ٌن حنون قطر َة ندى من‬
‫التهدم‬
‫ّ‬ ‫بتلة توليب رقيقة‪ ،‬وابتعد بعجالة‪ ،‬أتفادى رؤية‬
‫املريع لوالديه‪ ...‬متيتني تلك املشاهد‪ ،‬لكن ال شيء‬
‫بيد ّي‪ ،‬ثمة حكمة إله ّية يف كلّ فقد‪ .‬اإلنسان لن يرى‬

‫‪136‬‬
‫الصبي‬
‫ّ‬ ‫ذلك مطلقاً‪ ،‬يظلّ باب األ ّم موارباً‪ ،‬لعلّ ذلك‬
‫يعود‪ ،‬حتّى حتني حلظتها وأخرج بيسر وحزن روحها‪،‬‬
‫يظل الباب موارباً‪ ،‬فيما أخلّصها من املعاناة الطويلة‬
‫واحلداد الذي بدا قدراً ال أمد له ّإل حني أرتّب‬
‫لقاء سعيداً مع ولدها الراحل‪ ،‬عندها تعتريني نشوة‬ ‫ً‬
‫السلوان‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬رقيق وشاعر ّي ونبيل أنت أ ّيها املوت‪ ،‬ليس بوسعي‬
‫سوى أن أنحني لك‪.‬‬
‫(ينحني الراهب له‪ ،‬فيما يضع طيف املوت غليونه يف‬
‫فمه)‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يضحك) قل ذلك حني حتني حلظتك‪.‬‬
‫ت هنا‬ ‫الراهب‪ :‬ستمهلني حتّى أرى أ ّمي‪ ،‬سأطمع بنبلك‪ ،‬إن م ّ‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ستأكلني ذئاب الصحراء‪ ،‬وسيبقى باب أ ّمي منتظراً‬


‫ت بني يديها‪ ،‬سيكون‬ ‫قرعي حتّى متوت‪ ،‬بينما لو م ّ‬
‫بابها بعدئذ موارباً‪ ،‬وهذا أقل أملا ً وحزناً‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬يبدو لي ذلك عادالً‪ ،‬لكنّني سادل ستائر ال صانع‬
‫الدراما‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬أتعرف ما آخر عبارة قالتها النوار يف التفاتها األخير‬
‫إلي‪ ،‬حدث ذلك قبل وفاتها بتسع عشرة ساع ًة وثالث‬ ‫ّ‬
‫عاطفي‬
‫ّ‬ ‫شاعر‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫أ‬ ‫من‬ ‫أعرف‬ ‫ال‬ ‫دقيقة؟‬ ‫وأربعني‬
‫استعارت هذه العبارة املبتذلة العميقة‪ ،‬وال أعرف ملاذا‬
‫قالت لي ذلك‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬االبتذال املصنوع من التكرار والتداول لن ُيطف َئ‬
‫ملعان العبارات الرفيعة‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬قالت‪ :‬دع الباب موارباً‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬دع الباب موارباً!‬
‫(ينهض الراهب عن صخرته‪ ،‬يخطو باجتاه احلافّة اليمني‬

‫‪137‬‬
‫للمسرح‪ ،‬ظالم‪ ،‬وتسقط بقعة ضوء عليه‪ ،‬وموسيقى «صبا‬
‫زمزم» تنبثق من آلة عود ترافق إنشاد الراهب)‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬دع الباب مواربا ً‬
‫لعلّهم يعودون يوما ً‬
‫يقدمون بني أيدينا الذابالت عذر غيابهم‬ ‫ّ‬
‫يبوحون لنا بس ّر رقيق احلواشي‬
‫(كنّا نعرف أنّكم بانتظارنا‪ ،‬لن يكون األمر صائبا ً لو نسي َتم)‬
‫دع الباب مواربا ً‬
‫قد يعودون يوما ً‬
‫يعيدون للعيون وقد خبت ملعتها الصاف ّية‬
‫يعيدون لألفواه املتيبسة طراوة األغنيات‪..‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يعيدون للوجوه الدائرة حول نار الغياب الول َع التليد باالبتسامات‬
‫والهوس باحلديث عن العطور والشعر‬ ‫َ‬ ‫واحلكايات‬
‫والتمائم‪.‬‬
‫يعيدون للتيه املعتم الفتات مضيئة تشير إلى وعود بسعادات‬
‫تشبه أحالم فتية‪.‬‬
‫يعيدون للنيلوفر العائم فوق جراحنا اسماءهم‪.‬‬
‫دع الباب مواربا ً‬
‫سوف يعودون يوما ً‬
‫يخيطون ما م ّزقه الفقد‬
‫يوضبون خزانة القلب حلما ً حلما ً‬
‫سنلمع أزرار قمصاننا م ّرة أخرى‬ ‫ّ‬ ‫عندها‬
‫نشذّ ب أظافرنا م ّرة أخرى‬
‫ننزع الزغب الكثيف من حتت أعيننا م ّرة أخرى‬
‫نصفّف ذوائبنا املهملة م ّرة أخرى‬
‫طر رقابنا م ّرة أخرى‬ ‫نع ّ‬
‫ونزيح غبار األسى عن حلانا‬

‫‪138‬‬
‫عن مناكبنا‬
‫عن جواربنا‬
‫خبأت يف شقوق الرخام أسرارنا‬ ‫عن تلك املصاطب الشجينة وقد ّ‬
‫األليفة وكلمات الشغف األسنى‪ ،‬واألغنيات واألمنيات‬
‫والضوء‪.‬‬
‫ال تغلقوا األبواب‬
‫إنّهم يعودون‬
‫(يضاء النور‪ ،‬وتصمت آلة العود)‪.‬‬
‫طيف املوت‪ٍ :‬آه‪ ،‬ما أتعس البشر! تولدون كأغنية حب محاطني‬
‫باملعنى والفرح والتمائم‪ ،‬وتشقّون احلياة كاملواويل‬
‫الشجية‪ ،‬كأشباح حائرة‪ ،‬تكتبون حكايتكم باخلطى‬
‫ب غالباً‪ ،‬ومتوتون بال‬ ‫واحللم‪ ،‬بالقلق واأللم‪ ،‬وباحل ّ‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫حلن مثلما ُيغلَق كتاب‪ ،‬مثلما تنطفئ كلمة مبهمة يف‬


‫شفتي أبكم‪.‬‬‫ّ‬
‫الراهب‪( :‬يصفّق الراهب وما يزال يف حافّة املسرح) أنت شاعر‬
‫أيضا ً أ ّيها املوت‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬أنا رفيق اإلنسان منذ البدايات‪ ،‬ويف اجلزء املتعلّق‬
‫بي ملست تلك األحاسيس‪ ،‬السيما حني ينتظر الشعراء‬
‫حلظة النهاية‪ ،‬كنت أصغي إليهم‪ ،‬وأملس جمر رؤاهم‪،‬‬
‫فأمنحهم بعض الوقت ألتعلّم‪.‬‬
‫ب تصنعان الشعراء يا‬ ‫الراهب‪( :‬يعود إلى صخرته) أنت واحل ّ‬
‫صديقي‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬ينظر إلى ساعة يده) أ ّي حياة بال حب شيء ما‬
‫شاحب يشبه املوت‪ ،‬يشبهني‪ .‬أتريد أن تعلّمني هذه‬
‫احلقيقة؟‬
‫ت يرتدي ساعة يد!‬ ‫الراهب‪ :‬املو ُ‬
‫طيف املوت‪( :‬متفاخراً) وماركة «بالنكبان» أيضاً‪ ،‬كنت قد‬

‫‪139‬‬
‫قايضتها مع رجل يحتضر بعد أن مأل أحدهم صدره‬
‫بالرصاص‪ ،‬كان الدم يشخب من رئتيه فيما أصوات‬
‫سيارة الشرطة تسمع من قريب‪ ،‬فقال‪ :‬لك هذه‬
‫الساعة الثمينة وامنحني حتى أفضح قاتلي أل ّول‬
‫شرطي‪.‬‬
‫ّ‬
‫رش الهزل على‬ ‫الراهب‪( :‬يبتسم) يح ّيرني ميلك الغريب يف ّ‬
‫حكاياتك القامتة الكئيبة‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬ذلك أل ّن ذاكرتي ليس فيها سوى حكايات اللحظة‬
‫االخيرة التي تراها قامتة كئيبة (يشير بغليونه إلى‬
‫إنا‬ ‫ت وحشا ً أو أفتقر للذوق واللياقة‪ّ ،‬‬ ‫صدره) أنا لس ُ‬
‫مهمتي الوحيدة أن أخلّص اإلنسان من معاناة هذا‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫املسمى حياة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الوهم املضجر‬
‫الراهب‪ُ :‬يقال‪ ،‬إ ّن املوت احلقيقة الراسخة التي ال ميكن‬
‫التشكيك فيها‪ ،‬إنّه الصحو بينما احلياة كما تصفها‬
‫ويصفها احلكماء غيرك بالوهم م ّرة‪ ،‬وبالرقدة م ّرة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬وقد ك ّرس شعراؤكم حتليم العالم وتوهيمه أيضاً‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬لكن ملاذا نفترض احلياة بوصفها غفوة‪ ،‬حلماً‪ ،‬ووهماً‪،‬‬
‫واملوت حقيقة‪ ،‬بينما يجد اإلنسان الواقعي أ ّن املوت‬
‫عد ٌم للحياة‪ ،‬واحلياة وجود‪ ،‬فلماذا نحلّم املوجود‬
‫ومننح العدم وجوداً حقيقياً؟‬
‫طيف املوت‪ :‬رمبا‪ ،‬أل ّن اإلنسان منذ بِ دء تشكّل وعيه بالعالم‬
‫فان عدم‪ ،‬أ ّي كلّ حقيقة‬ ‫تاق إلى اخللود‪ .‬وكلّ ما هو ٍ‬
‫معدلة ومخاتلة عن الوهم‪.‬‬ ‫ال تكون أبد ّيةً فهي صيغة ّ‬
‫الراهب‪ :‬وجودنا ليس عدما ً بل حقيقة صغيرة فان ّية‪ ،‬واملوت‬
‫حقيقة وعدم‪ ،‬الدرجة الصفر التي من خاللها نبتدئ‬
‫حقيقة كبرى‪ ،‬أ ّي حيا ًة أخرى أبد ّية‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫طيف املوت‪ :‬بل الوجود املختوم بالفناء ليس حقيقة أبداً‪ّ ،‬‬
‫إنا‬
‫مساحة ريبة يعشّ ش يف مداها الباهت األلم واليأس‬
‫واحلزن واحلب والكراهية‪ ،‬واملرض والكوارث واخلوف‬
‫والضجر‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬مبتسماً) متزمت أنت يا صديقي املنتحل شخصية‬
‫املوت‪.‬‬
‫ت أن‬‫طيف املوت‪( :‬يسحب حليته) ال أقبل باالختالف‪ ،‬تعلّم ُ‬
‫أميت ال أن أحاور‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬علينا إذن أن ننصت إليك ال أن نختلف معك أو‬
‫نهرب منك‪ ،‬كما علينا أن ننصت إلى اهلل من خاللك‪.‬‬
‫ونتلمس الطريق إليه من خالل عتمة مساحة الريبة‬ ‫ّ‬
‫تلك…‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫طيف املوت‪ :‬يا لها من سلوانات تشبه االستغراق مبوسيقى‬


‫صوف ّية متنح الغمر الروحي واإلحساس باألبدية‬
‫لهياكلكم اخلاوية املعنى‪ ،‬فيما تغرقون بحطام دنيا‬
‫حقيرة‪ ،‬يريد العدميون إقناعكم دوما ً أ ّن ال حقيقة‬
‫رافديني‬
‫ّ‬ ‫نبي‬
‫سواها‪ ،‬واخللود كذبة أطلقها يف نيسان ّ‬
‫السواعد الق ّو َة يف الغرس‬
‫َ‬ ‫إقطاعي قدمي ليمنح‬
‫ّ‬
‫واحلصاد‪.‬‬
‫يحدق الراهب بالشرر املتطاير‬‫(يقوم طيف املوت‪ ،‬بينما ّ‬
‫من الشعلة‪ ،‬يح ّرك طيف املوت يديه وقدميه ليشرع برقصة‬
‫غريبة‪ ،‬دورانها أقرب إلى الرقصة املولو ّية‪ ،‬وحركات اليد‬
‫واألقدام أقرب إلى رقصة دنيوية‪ ،‬ويدور حول الراهب والنار‬
‫والسدرة‪ ،‬وما يزال الغليون يف يده)‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬املوت يرقص!‬
‫إلي‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬انضم ّ‬
‫أحتسس من كلّ طقس فيه رقص‪ ،‬السيما رقصة املوت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الراهب‪:‬‬

‫‪141‬‬
‫سمعت عنها ما يشني‪.‬‬
‫اآلدمي‬
‫ّ‬ ‫طيف املوت‪( :‬يقف جواره) غالبا ً ما أتنكّر باجلسد‬
‫ألج ّرب بعض املرح الصويفّ‪ ،‬أ ّما تلك الطقوس‬
‫فأباطيل وأضاليل‪ ،‬أنا منها براء‪ .‬إنّها تزيد من قتامة‬
‫صورتي وغموضها يف عيون البشر‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬مع ذلك‪ ،‬ال أجيد الرقص‪ ،‬حتّى وإن كنت أجيده فليس‬
‫لد ّي طاقة كفايةً ألجاري رقصك‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يجلس‪ ،‬ينقر بشفة الغليون على جبينه‪ ،‬يتأفف)‬
‫ت من وظيفتي كسادل ستائر يا صديقي الراهب‪.‬‬ ‫سئم ُ‬
‫تبدل‬ ‫الراهب‪( :‬يضع يديه متشابكتني على رأسه) يقلقني ّ‬
‫مزاجك بالثواني‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫مغتماً) أنا سادل احلياة‬ ‫ّ‬ ‫طيف املوت‪( :‬يسحب نفسا ً من غليونه‬
‫البغيض‪ ،‬بعد ماليني السنني ستقترب الشمس يوما ً ما‬
‫من األرض‪ ،‬عندها سيكون األحياء قد رحلوا جميعاً‪،‬‬
‫الدرامي يف‬
‫ّ‬ ‫األزلي‬
‫ّ‬ ‫ت طرودهم وأنهيت الكدح‬ ‫استلم ُ‬
‫اخلشبة املأساو ّية للحياة‪ ،‬ستحترق الغابات وتتبخّر‬
‫البحار‪ ،‬وتذوب الصخور الص ّم‪ ،‬وسأسدل الستارة‬
‫األخيرة على هذا العالم‪ ،‬لن يبقى أحد فيه سواي‪،‬‬
‫راهبا ً أخيراً‪ ،‬يجوس ظلمة األرض امللتهبة املسجورة‬
‫بالغبار القرمزي السا ّم‪ ،‬أرقص وحيداً‪ ،‬أدور حول هذه‬
‫الكرة العجيبة التي كانت يوما ً ما زرقاء آهلة باحلياة‬
‫جلمال والقبح البشر ّي‪.‬‬ ‫وا َ‬
‫الراهب‪( :‬يشير إليه) أنت الراهب األخير إذن ال أنا‪.‬‬
‫طيف املوت‪ :‬أنا الراهب األخير (يضحك) األخير جداً‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬يقطف زهرة صفراء) أتصور أ ّن هذه األزهار الفاقعة‬
‫هي من أوجدتك‪.‬‬
‫إلي‪.‬‬
‫مهدت الطريق ّ‬ ‫طيف املوت‪ :‬هي من استدعتني فعالً‪ ،‬فقد ّ‬

‫‪142‬‬
‫كل‪ ،‬ليس ألنّك سادل احلياة الفظيع‪ ،‬بل ألنّك الهلوسة‬ ‫الراهب‪ّ :‬‬
‫اللطيفة التي تع ّوض وحشتي باألنس‪.‬‬
‫ت إليك ألسلّي‬ ‫طيف املوت‪( :‬ينظر مرة أخرى إلى ساعته) ما جئ ُ‬
‫وحشتك‪ ،‬بل ألقبض روحك‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬مبتسما ً ويبدو عليه الشحوب) مهما كانت إرادة اإلنسان‬
‫يف العزلة يبقى مفطوراً على األلفة‪ ،‬ويفضحه النزوع‬
‫ت املوت‪،‬‬
‫إلى األنس‪ .‬حتى لو مع املوت نفسه‪ .‬رمبا لس َ‬
‫إنا روح شفيفة من تلك األرواح الطافية يف العالم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ب العراء والصحراء ومتقت احلجر واألسيجة‬ ‫حت ّ‬
‫والسقوف‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يقذف الزهرة الصفراء السا ّمة يف النار) كما قلت‬
‫مخدرة‬‫لك‪ ،‬أنا املوت‪ ،‬وهذه الزهرة التي رميتها زهرة ّ‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫وسا ّمة‪ ،‬أنت تهلوس‪ ،‬حتتضر‪ ،‬قد خذلك جسدك‬


‫اآلن‪ ،‬لن حتتمل عبير الزهرة والبرد والتعب والقيام‬
‫ب‪ ،‬أنت تذوي ببطء‪ ،‬شعلتك‬ ‫والصيام‪ ،‬وذكريات احل ّ‬
‫ضوء تلو ضوء‪ ،‬ووحيداً حتتضر‪ ،‬تنتظر انطفاء‬ ‫ً‬ ‫تخبو‬
‫روحك املضيئة بطمأنينة من دون ألم‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬يتكّئ عليه) ال أريد اآلن سوى أن أموت يف حضن‬
‫أ ّمي‪ .‬هل بوسعك يا صديقي املوت أن توصلني إليها‪،‬‬
‫وتقبض روحي هناك‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يطالع ساعته م ّرة ثالثة) حانت حلظتك يا صديقي‬
‫الراهب‪.‬‬
‫أصدق‬
‫ّ‬ ‫ت ال‬
‫الراهب‪( :‬بضيق وامتعاض‪ ،‬ويبدو منهكاً) ما زل ُ‬
‫أنّك املوت‪ ،‬وإن كنت أعرف أ ّن املوت الرفيق الدائم‬
‫لإلنسان يف هذه الرحلة احلزينة منذ والدته حتّى‬
‫اللحظة التي ينقطع رجاؤه يف هذا العالم‪ ،‬مع هذا‬
‫عليك أن تنتظرني لتقبض روحي يف حضن أ ّمي‪،‬‬

‫‪143‬‬
‫تقدمه لرجل يوشك أن ينطفئ‬ ‫إرجاء نبيالً ّ‬
‫ً‬ ‫واعتبره‬
‫كان قد بذل كلّ شيء للخروج من عتمة العالم املل ّوث‬
‫الزائل نحو وجه اهلل الباقي‪.‬‬
‫أقدر رغبتك هذه‪ ،‬لكن للموت مواقيته‪.‬‬ ‫طيف املوت‪ّ :‬‬
‫الراهب‪ :‬إذن‪ ،‬سأقاومك وأصرعك ورمبا أميتك‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يقهقه عالياً‪ ،‬ويشير إلى الزهرة الصفراء املحترقة)‬
‫مخدرة‪ ،‬ويبدو أ ّن جسدك قد تنشّ ق‬ ‫هذه زهرة خطيرة‪ّ ،‬‬
‫منها جرعا ً هائلة؟ ها هي جتعلك تهذي وتخ ّرف‪ ،‬وإلّ‬
‫كيف تظ ّن أن باستطاعتك أن ُتيت املوت؟‬
‫( ُيشهر الراهب قضيبه احلديدي ويهجم على املوت‪،‬‬
‫يتصارعان بني النار وشجرة السدر والصخرتني‪ ،‬يرفع‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫الراهب إلى األعلى ويقذفه بعيداً)‪.‬‬‫َ‬ ‫طيف املوت‬
‫الراهب‪( :‬منحنيا ً بحزن) أمهلني‪.‬‬
‫(ميد للراهب يده) انهض‪ ،‬أغلب من صرعتهم كانوا‬ ‫ّ‬ ‫طيف املوت‪:‬‬
‫سلون إلرجاء حلظة النها ّية‪ ،‬حتّى ولو لدقيقة‪ ،‬ماذا‬ ‫يتو ّ‬
‫بوسعها أن متنحهم هذه الدقيقة؟ حتى لو زادت ألفا ً‬
‫فأنا املصير الوحيد‪ ،‬أنا الكأس الذي البد أن تُسقون‬
‫تشبثكم املرير‬ ‫من لبنه أو زعافه‪ ،‬أنا السقّاء‪ ،‬ويقرفني ّ‬
‫باحلياة حتّى لو كانت صراعا ً م ّراً ضد داء عضال‪.‬‬
‫سل إليك‪ ،‬فقط أمهلني ألموت بني يد ّي أ ّمي‪.‬‬ ‫الراهب‪ :‬ال أتو ّ‬
‫طيف املوت‪ :‬لن استمع إليك‪ ،‬حانت حلظتك‪.‬‬
‫يحك بأصابع‬ ‫ّ‬ ‫الراهب‪( :‬يقف متكئا ً على قضيبه احلديد ّي‪،‬‬
‫ت‬‫ت صب ّيا ً شاهد ُ‬ ‫كفّه اليمنى جبينه) أذكر عندما كن ُ‬
‫صليبي يلتقي باملوت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فيلماً‪ *2‬يف السينما‪ ،‬عن فارس‬
‫ت‬
‫وقد لعبا الشطرجن على شاطئ بحر ما‪ ،‬كان املو ُ‬
‫شخصا ً ال يشبهك‪ ،‬وجهه أمرد‪ ،‬ويتسربل برداء أسود‪.‬‬

‫‪ * 2‬فيلم «اخلتم السابع» للمخرج السويدي انغمار بيرغمان‬

‫‪144‬‬
‫طيف املوت‪ :‬فيلم اخلتم السابع‪ ،‬شاهدته أيضاً‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬هل ح ّقا ً أنّك العب شطرجن ماهر؟‬
‫طيف املوت‪ :‬للسيناريست أخيلته اللذيذة‪.‬‬
‫ت تدعني‬ ‫ت أقبض روحي هنا‪ ،‬وإن خسر َ‬ ‫الراهب‪ :‬نتبارى إن فز َ‬
‫ت يف حضن أ ّمي‪.‬‬ ‫ألمو َ‬
‫طيف املوت‪( :‬يبتسم) لم أالعب أحداً من قبل‪ ،‬غير أنّك بدوت‬
‫شجاعا ً سخ ّيا ً ط ّيبا ً لذلك سأمنحك فرصةً لتالعبني‬
‫لعلّك تنجو‪ ،‬لكن ليس لعبة الشطرجن‪ ،‬فهذه اللعبة‬
‫حتتاج إلى عقل ذكي ومستريح‪ ،‬وأنت خاوٍ متعب‬
‫مرعوب‪ ،‬واملرعوبون ال يفوزون‪ ،‬حاول أن جتد لعبة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬غاضباً) لست مرعوبا ً منك‪ ،‬املوت أوهى من أن ُيرجف‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫قلبي‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬مصفّقاً) أعرف ذلك‪ ،‬دعنا نرمي زهر النرد‪،‬‬
‫ت أرجئ موتك حتى بلوغك منزل أ ّمك‪ ،‬وإن‬ ‫إن ربح َ‬
‫ت لن أمهلك ثانيةً واحد ًة‪.‬‬ ‫ربح ُ‬
‫ّ‬
‫املتفصد عرقاً) كل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الراهب‪( :‬ميسح بسبابته والوسطى جبينه‬
‫كل لن ألعب بزهر النرد‪ ،‬ال أريد أن أرهن نفسي‬ ‫ّ‬
‫للحظ‪ ،‬دعنا نلعب الشطرجن‪ ،‬على األقل سأموت‬
‫مقاتالً ال مقامراً‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يتكئ على شجرة السدر‪ ،‬وغليونه يف طرف فمه)‬
‫ت مكانك ملا اخترت أن ألعب الشطرجن مع‬ ‫لو كن ُ‬
‫املوت‪ ،‬فمهما يكون مدى ذكائك لن تسلم منّي‪ ،‬فأنا‬
‫أذكى‪ ،‬لذلك أنصحك باملقامرة ال بالقتال‪ ،‬فاحلكمة‬
‫والشجاعة أن تقامر مع املوت ال أن تقاتله ألنك ستبدو‬
‫حينها مضحكاً‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬متأفّفاً) ما دامت فرصي يف الفوز عليك بالشطرجن‬

‫‪145‬‬
‫ث‬
‫تبدو معدومة‪ .‬لنج ّرب رمي ال ُعملة املعدن ّية إذن‪ ،‬حي ُ‬
‫تكون االحتماالت متكافئة‪ ،‬فإ ّن كانت صورة فعليك أن‬
‫متهلني‪ ،‬وإن كانت كتابة‪ ،‬فلك أن تنهي ما جئت ألجله‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬ضاحكاً) وما فرقها عن زهر النرد‪ ،‬أنت جت ّرب‬
‫حظّك يف كليهما‪ّ .‬إل إذا كنت تتص ّور أنّني سأغشّ ك‪.‬‬
‫وإل ففي النرد إمكانية التعادل‪،‬‬ ‫حسناً‪ .‬أنت ال تثق يفّ‪ّ .‬‬
‫وتكرار التجربة‪ ،‬جتربة حظّك‪.‬‬
‫(مغتماً)‪ ،‬أريد أن يكون األمر حاسماً‪ ،‬ار ِم العملة‬ ‫ّ‬ ‫الراهب‪:‬‬
‫املعدن ّية أوالً‪.‬‬
‫طيف املوت (يومئ‪ ،‬يفتّش يف جيوب جلبابه القرمزي‪ ،‬ليظهر‬
‫عملة معدن ّية من جيب صغير أدنى يسار جلبابه‪،‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫هي‪.‬‬
‫يرميها للراهب)‪ .‬هذه ّ‬
‫ملكي!‬
‫ّ‬ ‫عراقي‬
‫ّ‬ ‫الراهب‪( :‬يلتقط العملة‪ ،‬يقلّب وجهيها) درهم‬
‫عراقي أ ّيها املوت؟‬
‫ّ‬ ‫(يبتسم) هل أنت‬
‫طيف املوت‪ :‬ال تلهني عنك باألسئلة‪ ،‬ار ِم العملة أنت‪ ،‬فإن كانت‬
‫صورة امللك سأمهلك‪ ،‬وإن ظهرت الكتابة فلن أنتظر‬
‫تشهدك األخير يا صديقي‪.‬‬ ‫ّإل ّ‬
‫الراهب‪( :‬يقبض العملة املعدن ّية يف جتويف راحته املقبوضة‬
‫ويقبل إبهامه) لم مير بخاطري يوما ً ما‬ ‫ّ‬ ‫وير ّجهما‪،‬‬
‫أنني سأقامر بحياتي مع املوت‪ ،‬يتجاذبني شعوران‬
‫يف هذه اللحظة‪ :‬اخلوف الفطري إحساسا ً بالنهاية‪،‬‬
‫واحلماس يف مقارعة املوت نفسه‪.‬‬
‫ت واحلياة‪.‬‬ ‫س املو ُ‬
‫جلسو ِر اليائ ِ‬ ‫ِ‬
‫القلب ا َ‬ ‫طيف املوت‪ :‬يتساوى عند‬
‫(يرمى الراهب العملة عالياً‪ ،‬يراقب صعودها على‬
‫ارتفاع متر ونصف املتر‪ ،‬وهبوطها السريع على ظاهر‬
‫كفّه اليسرى‪ ،‬ويطبق عليها براحته اليمنى)‪.‬‬
‫طيف املوت‪( :‬يوقفه) مهالً‪ ،‬قبل أن ترفع يدك وتكشف عن‬

‫‪146‬‬
‫النتيجة‪ ،‬أخبرني عن كلمتك األخيرة‪ ،‬ألنّه إن كانت‬
‫ما حتت راحتك الكتابة‪ ،‬ستخسر‪ ،‬عندها لن أمنحك‬
‫ثاني ًة‪.‬‬
‫الراهب‪( :‬يضحك بهيستيريا) كلمتي األخيرة؟‬
‫لم تضحك؟ هل تندهش إذا أخبرتك‬ ‫طيف املوت (مستغرباً) َ‬
‫ّ‬
‫سجلً كبيراً أوثّق فيه الكلمات األخيرة التي‬ ‫أ ّن عندي‬
‫يطلقها املوشكون على الرحيل‪ ،‬أراها مضحكة أحياناً‪،‬‬
‫وشج ّية غالباً‪ ،‬لك ّن األهم أنّها يف احلالتني صادقة‪ ،‬أنا‬
‫أضع اإلنسان وجها ً لوجه مع حقيقته‪ ،‬وحني أقترب‬
‫منه لن يشهد زوراً‪ ،‬سيلّخص حياته بكلمة أخيرة‪،‬‬
‫حتّى وإن كانت كلمته ال معنى لها‪.‬‬
‫الراهب‪ :‬حسنا ً سأقول‪ :‬يا إلهي احلبيب‪ ،‬أمهلني ألرى وجه أ ّمي‪.‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ت‪ ،‬وأمهلتك‬ ‫طيف املوت‪ :‬وإن ظهرت حتت راحتك الصورة‪ ،‬وفز َ‬
‫أحبتك‪ ،‬ماذا ستكون‬ ‫حتّى تعود ملنزل أ ّمك‪ ،‬ومتوت بني ّ‬
‫حينها كلمتك األخيرة‪.‬‬
‫إلي يا سادل احلياة الطريف‪ ،‬تعال‬ ‫الراهب‪( :‬مبتسماً) تعال ّ‬
‫لتستلم الطرد‪.‬‬
‫ظالم‬
‫انتهت‬
‫‪2022 / 9 / 21‬‬

‫‪147‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫أمين هشام حسن‬
‫كاتب مسرحي وسيناريست‪ ،‬ومصحح لغوي ‪ -‬مخرج ومعد‬
‫ومصحح لغوي حر لألفالم واملسلسالت املدبلجة لعدة‬
‫استوديوهات‬
‫حاصل على ليسانس يف اللغة العربية وآدابها والعلوم‬
‫اإلسالمية‪ ،‬كلية دار العلوم – جامعة القاهرة ‪8102‬‬
‫حاصل على املرتبة األولى يف مسابقة التأليف املسرحي عن‬
‫نص (طسم وجديس) – الهيئة العربية للمسرح ‪.8102‬‬
‫*حاصل على املركز األول يف التأليف املسرحي على مستوى‬
‫جامعة القاهرة يف التصفيات املؤهلة ملهرجان إبداع عن نص‬
‫(أيام عربية) ‪.7102‬‬
‫*حاصل على املركز األول يف التأليف املسرحي عن نص (أيام‬
‫عربية) يف امللتقى األدبي األول لشباب اجلامعات املصرية –‬
‫جامعة جنوب الوادي ‪8102‬‬

‫‪148‬‬
‫ثانيًا‬
‫مسابقة النصوص‬
‫القصيرة‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫مسرحية‬
‫السيدة إيزيس‬

‫تأليف‬
‫أمين هشام حسن‬

‫‪149‬‬
‫*الزمان‪ :‬تدور األحداث يف الزمن املعاصر‪.‬‬

‫*املكان‪ :‬تدور األحداث يف غرفة فوق سطح بناية ما يوحي‬


‫بالعزلة‪.‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫*الشخصيات‪:‬‬

‫يوسف ندمي‪ :‬أربعيني‪ ،‬كاتب مسرحي وروائي‪ ،‬يعيش يف‬


‫غرفته ال يفارقها‬

‫املندوب‪ :‬يف نفس عمر يوسف‪ ،‬واسمه يوسف ندمي‬

‫السيدة إيزيس‪ :‬شابة سمراء‪ ،‬محبوبة يوسف ندمي وملهمته‬

‫‪150‬‬
‫االفتتاح‬
‫(تفتح الستار)‬
‫(( سلويت))‬
‫(نرى ظالل ظل كرسي‪ ،‬ظل رجل يدخل ويقف على الكرسي‪،‬‬
‫يسقط أمامه حبل مشنقة يضعه حول عنقه ويشده‪ ،‬ظل امرأة‬
‫تدخل ‪ ،‬متسك الرجل من كتفه‪ ،‬حترره من احلبل املعلق‪ ،‬نسمع‬
‫موسيقى فالس‪ ،‬يقدم الرجل لها وردة‪ ،‬تأخذها منه وتقبلها‪،‬‬
‫تدريجيا)‬
‫ً‬ ‫يرقصان الفالس يف سعادة تخفت املوسيقى‬
‫إظالم‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫يتسرب شعاع ضوء عبر شرفة على ميني املسرح ببطء ليمأل‬
‫املكان بإضاءة خافتة‪ ،‬تزداد اإلضاءة فنرى تفاصيل غرفة‬
‫متواضعة فوق سطح بناية قدمية‪ ،‬على ميني املسرح باب الغرفة‬
‫مغلق‪ ،‬ومثبت فيه من الداخل شماعة مالبس معلق عليها عباءة‬
‫وقبعة وشعر مستعار‪ ،‬وصندوق خشبي مغلق على هيئة تابوت‪،‬‬
‫مزخرف بنقوش قدمية وصور ورموز‪ ،‬منيز منها ((العنخ)) مفتاح‬
‫احلياة يف اخللفية بطول الغرفة مكتبة ضخمة تكتظ بالكتب‪،‬‬
‫يتوسطها مكتب خشبي عتيق يتدلى فوقه مصباح‪ ،‬أمام املكتب‬
‫ط عليها بالطباشير‬ ‫كرسي يواجه املكتبة‪ ،‬أعلى املكتب سبورة ُخ ّ‬
‫جدول أليام األسبوع‪ ،‬وعلى ميني املكتب‪ :‬ساعة بندول خشبية‬
‫ضخمة بدون عقارب‪ ،‬وسلة مهمالت وعلى يسار املسرح سرير‬
‫بجانبه صندوق مكعب فوقه منبه‪ ،‬وصينية نحاسية عليها عدة‬
‫لصنع القهوة ومشغل شرائط ‪-‬كاسيت‪ -‬وصف من الشرائط يف‬
‫منتصف املسرح‪ ،‬طاولة دائرية تتسع لشخصني‪ ،‬وحولها كرسيان‬

‫‪151‬‬
‫املشهد األول‬
‫(على السرير رجل وامرأة نائمان‪،‬‬
‫يرن املنبه‪ ،‬يستيقظ الرجل يف هدوء‪ ،‬يزيح الغطاء يجلس على‬
‫السرير يتثاءب‪،‬‬
‫جيدا ويربت عليها)‬
‫يقبل املرأة النائمة بجانبه‪ ،‬يغطيها ً‬
‫الرجل‪ :‬صباح اخلير يا إيزيس‬
‫(يرتدي نظارته الطبية وميد يده للكاسيت ويقلب يف‬
‫الشرائط باح ًثا عن شريط)‪،‬‬
‫ماذا تفضلني هذا الصباح؟ انتقي أنت‪ ،‬كما تشائني‬
‫‪...‬وجدته‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫(يشغل الكاسيت)‬
‫فورا‬
‫سأعد القهوة ً‬
‫(يقبلها‪ ،‬يضع منشفته على كتفه ويخرج من اليسار‪،‬‬
‫متوترا‪،‬‬
‫ً‬ ‫يدق جرس الباب‪ ،‬يعود الرجل‬
‫يلقي املنشفة على السرير‪ ،‬يخفض صوت الكاسيت‪،‬‬
‫صوت الدق مستمر)‬
‫من هذا؟ هيا قومي بسرعة‪ ،‬دعيني أساعدك‬
‫(يزيح الغطاء فنرى ((مانيكان)) دمية ترتدي فستا ًنا‪،‬‬
‫يحملها الرجل ويضعها واقفة بجانب السرير‪،‬‬
‫يتجه إلى الباب ويحضر باروكة معلقة على الشماعة‬
‫ويلبسها للدمية ويصلح هندامها‪ ،‬وينصت إليها)‪،‬‬
‫أنت محقة السبورة‪،‬‬
‫(يسرع إلى املكتب ويستعرض السبورة املعلقة فوقه‪،‬‬
‫وصوت الدق مستمر وهو يقرأ)‬
‫األحد أين األحد هذا هو األحد‪ ،‬األحد شحنة الكتب‪،‬‬
‫(يتجه نحو الباب ويرتدي الروب املعلق خلفه)‬

‫‪152‬‬
‫وصلت الكتب املطلوبة‪،‬‬
‫(ميسك مقبض الباب ويتراجع)‬
‫غريبة‪ ،‬عادة يتركها احلارس على الباب دون أن يطرقه‪،‬‬
‫(يتشجع ويفتح الباب‬
‫متعبا يرتدي معط ًفا ويحمل حزمة‬‫فيظهر رجل كهل يبدو ً‬
‫كتب ثقيلة)‬
‫املندوب‪ :‬صباح اخلير‪ ،‬السيد يوسف ندمي؟‬
‫يوسف‪ :‬نعم أنا يوسف ندمي‬
‫املندوب‪ :‬أنا مندوب دار حياة للنشر‪،‬‬
‫يوسف ‪ :‬تفضل تفضل‬
‫ً‬
‫حامل حزمة كتب ثقيلة)‬ ‫(يدخل املندوب‬
‫املندوب‪ :‬أين أضع هذه الكتب؟‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫يوسف‪ :‬هنا‪ ،‬دعني أساعدك‬


‫(يشير له على املكتب فيضع املندوب الكتب عليه)‬
‫استرح استرح‬
‫(يجلس املندوب منهكًا على الكرسي األمين للطاولة‪ ،‬يخرج‬
‫يوسف من اليسار وهو يحدث نفسه)‬
‫غريبة‪ ،‬ملاذا لم يصعد بها احلارس كما يفعل كل مرة؟‬
‫حامل كوب ماء ويقدمه للمندوب الذي ما‬ ‫ً‬ ‫(يدخل يوسف‬
‫زال ينهج)‬
‫شكرا‬
‫املندوب‪ً :‬‬
‫يوسف‪:‬من فضلك ناولني املعطف‪ ،‬استرح أرجوك أنت يف بيتك‬
‫(يعلق يوسف املعطف على شماعة املالبس ويحكم غلق‬
‫الباب‬
‫ويعود ليجلس على الكرسي األيسر للطاولة)‬
‫كيف صعدت سبعة طوابق بهذا احلمل الثقيل وأنت يف‬

‫‪153‬‬
‫عمرك هذا؟!‬
‫(يبتسم املندوب)‬
‫كم عمرك؟‬
‫املندوب‪ :‬أنا من مواليد عام النكسة‬
‫يوسف‪ :‬يا للمصادفة السعيدة‬
‫(يقف يوسف ويشد على يديه)‬
‫أيضا من مواليد النكسة‬
‫أنا ً‬
‫مندهشا ويتعانقان)‬
‫ً‬ ‫(يقف املندوب‬
‫ما اسمك؟‬
‫املندوب‪ :‬يوسف ندمي‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يوسف‪ :‬ال ال متزح‪ ،‬كيف هذا؟ أنا يوسف ندمي‬
‫(يجلسان يخرج املندوب محفظته ويخرج منها بطاقة هوية‬
‫يقدمها ليوسف فيأخذها ويقرأ)‬
‫يوسف ندمي رجل أعمال‪ ،‬صاحب بازار‬
‫شائعا‪ ،‬ال‬
‫ً‬ ‫اسما‬
‫عفوا لم أكن أقصد‪ ،‬لكن يوسف ندمي ليس ً‬ ‫ً‬
‫تفهمني خطأً‬
‫املندوب‪ :‬ال عليك يا سيد يوسف فقط أردت أن أطمئنك‬
‫متطفل‪ ،‬ماذا فعلت احلياة برجل‬ ‫ً‬ ‫يوسف‪ :‬لكن وال حتسبني‬
‫مندوبا لتوصيل الكتب إلى‬
‫ً‬ ‫أعمال‪ ،‬وصاحب بازار حتى صار‬
‫املنازل؟ أظن أنها مهنة شاقة وعائدها قليل‪ ،‬ماذا أصابك؟‬
‫البورصة؟ ال ُب َّد أنها البورصة‪ ،‬ضاربت برأس مالك كله يف‬
‫مفلسا‪ ،‬أليس األمر كذلك؟‬
‫ً‬ ‫البورصة فانهارت وأصبحت‬
‫املندوب‪( :‬يضحك) نعم ليس األمر كذلك‪ ،‬األمر أعقد من ذلك‬
‫بكثير‬
‫يوسف‪ :‬ما األمر إذن؟‬
‫املندوب‪ :‬أتريد ح ًقا أن تعرف ما جرى لي؟‬

‫‪154‬‬
‫يوسف‪ :‬إن سمح وقتك بذلك‬
‫املندوب‪ :‬وهل يسمح وقتك أنت؟ إنها حكاية طويلة إنها قصة‬
‫حياتي‬
‫يوسف‪ :‬ال تشغل بالك لدي من الوقت ما يكفي ألسمع قصتك‬
‫املندوب‪ :‬ألن أعطلك عن الذهاب إلى عملك؟‬
‫يوسف‪ :‬العمل؟ أنا أعمل هنا‬
‫املندوب‪ :‬تعمل يف هذه الغرفة؟‬
‫يوسف‪ :‬نعم‪ ،‬صباح كل أحد أستيقظ‪ ،‬أفتح باب غرفتي فأجد‬
‫خارجها أورا ًقا تركها مندوب دار النشر‬
‫املندوب‪ :‬أورا ًقا؟!‬
‫يوسف‪ :‬نعم‪ ،‬مخطوطات كتب وروايات‪ ،‬أحملها وأعكف عليها‬
‫كامل وأظل أحررها وأصححها وأدققها حتى‬ ‫ً‬ ‫أسبوعا‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ً‬
‫أنتهي منها‪ ،‬ثم أجمعها وأرتبها وأعيدها مساء السبت‬
‫خارج الغرفة‪ ،‬فيأتي املندوب صباح األحد ويأخذها‪ ،‬ويترك‬
‫أورا ًقا جديدة ألعمل عليها‪ ،‬وكذلك يترك ظر ًفا فيه راتبي‪،‬‬
‫ك اح ِ‬
‫ك‬ ‫هنا محل عملي لن تعطلني عن شيء‪ ،‬اح ِ‬
‫املندوب‪ :‬يبدو أنك بالفعل تريدني أن أحكي‬
‫صباحا مصحح لغوي‪ ،‬ويف‬ ‫ً‬ ‫سرا يا صديقي‪ ،‬أنا‬‫يوسف‪ :‬ال أخفيك ً‬
‫املساء كاتب روائي ومسرحي‬
‫املندوب‪ :‬تؤلف روايات ومسرحيات؟‬
‫يوسف‪ :‬أجل أجل‬
‫(يقف يوسف يسدل ستارة الشرفة فتخفت اإلضاءة‪،‬‬
‫ويتجه إلى الباب يرتدي عباءة وقبعة)‬
‫عندما يغيب آخر شعاع للشمس وتظلم الدنيا إال من وجه‬
‫القمر الساطع يف سماء احلياة تتسلل من خلف أستار‬
‫شرفتي أطياف أرواح وأشباح‪،‬‬

‫‪155‬‬
‫املندوب‪ :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫(يشعل عود بخور ميسكه بيده ويتقمص دور الراوي)‬
‫يوسف‪ :‬يأتون من املاضي السحيق أو املستقبل البعيد من عوالم‬
‫صخبا‬
‫ً‬ ‫متباينة من شتى بقاع األرض‪ ،‬وميلؤون رأسي‬
‫علي حكاياتهم الغريبة العجيبة‬ ‫ّ‬ ‫جا‪ ،‬وميلون‬‫وضجي ً‬
‫املدهشة‪ ،‬أضحك وأبكي أحب وأكره وأنتقم وأسامح‪ ،‬أغوص‬
‫يف أعماق يأسي وأعرج إلى السماء بأجنحة من ضياء‬
‫األمل وأعود إلى األرض فأنصت ملا يقولون وأخط ما‬
‫قصصا وحكايات تبدو‬
‫ً‬ ‫يروون‪ ،‬فتنبت على أوراقي البيضاء‬
‫صغيرة ثم تنمو وتزهر وتثمر‪ ،‬وحدسي يخبرني أن وراءك‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫أيها الرجل حكاية مثيرة‬
‫املندوب‪ :‬أما أنا فحدسي يخبرني أن هذه الغرفة تخبئ بني ثناياها‬
‫الب الطازج‬‫بعض ُ‬
‫يوسف‪ :‬حدس صائب‪ ،‬واختيار موفق‪ ،‬وذوق رفيع‪ ،‬نعم بالطبع هذا‬
‫وقت القهوة‬
‫يضع يوسف عود البخور على املكتب‪ ،‬يزيح ستار الشرفة‬
‫فتزداد اإلضاءة‪،‬‬
‫يخلع العباءة والقبعة يعلقهما على الباب‪ ،‬ويعود ليجلس‬
‫على السرير أمام الصندوق‬
‫واحدا يضعه يف الكاسيت ويشغله‪،‬‬
‫ً‬ ‫يقلب الشرائط ويختار‬
‫ثم يبدأ يف إعداد القهوة بينما يقف املندوب ويتفقد الغرفة)‬
‫املندوب‪ :‬غرفتك جميلة‪ ،‬هل تعيش مبفردك؟‬
‫يوسف‪ :‬ال ال‬
‫(يترك كنكة القهوة ويقف بجانب الدمية ويشير إليها)‬
‫عفوا‪ ،‬نسيت أن أعرفك على السيدة إيزيس‪ ،‬شريكتي يف‬ ‫ً‬
‫الغرفة وشريكتي يف احلياة‬

‫‪156‬‬
‫(يقف املندوب ويقترب وينحني)‬
‫املندوب‪ :‬حتياتي للسيدة الفاضلة إيزيس‪،‬‬
‫(يتأمل املندوب إيزيس ثم يلتفت إليه)‬
‫أرى أن لديك مكتبة ضخمة هل تسمح لي؟‬
‫طبعا‪ ،‬أرجوك تفضل‬ ‫يوسف‪ً :‬‬
‫(يقوم املندوب يتفحص املكتبة‪ ،‬ويجلس يوسف ويكمل‬
‫إعداد القهوة)‬
‫هل تعلم أن هذه الكتب تأتيني مجا ًنا؟‬
‫املندوب‪ :‬مجا ًنا؟‬
‫عاما راسلتني دار حياة للطباعة والنشر‬ ‫يوسف‪ :‬نعم‪ ،‬من عشرين ً‬
‫والتوزيع‪ ،‬لتهنئني بفوزي يف مسابقتها الختيار أفضل‬
‫قارئ‪ ،‬هل تعرف ماذا كانت اجلائزة؟‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫املندوب‪ :‬دعني أخمن‪ ،‬رمبا خمسة كتب مجانية كل شهر مدى‬


‫احلياة؟‬
‫يوسف‪ :‬ال ال متزح كيف عرفت؟‬
‫املندوب‪ :‬أنا أعمل يف دار حياة!‬
‫يوسف‪ :‬نعم نعم‪ ،‬كانت أعظم جائزة نلتها يف حياتي‪ ،‬تخيل صرت‬
‫أنول ما أمتناه من الكتب وأنا جالس يف مكاني ودون أن أدفع‬
‫شي ًئا‪ ،‬بعد أن كنت أشقى وأنا أدور يف زحام املدينة وضجيجها‬
‫باح ًثا عن كتاب بني املكتبات‪ ،‬وحسرتي إن وجدته بعد عناء‬
‫غالبا‪ ،‬فاضطر إلى التوفير يف الطعام‬ ‫إذ يعجزني ثمنه ً‬
‫والشراب ورمبا االقتراض ألشتريه‬
‫املندوب‪ :‬إلى هذه الدرجة تقدر الكتب يا سيد يوسف؟‬
‫يوسف‪ :‬الكتابة مهنتي والقراءة متعة حياتي‬
‫املندوب‪ :‬وهل قرأت كل هذه الكتب يا سيد يوسف؟‬
‫يوسف‪ :‬باستثناء الكتب التي أحضرتها معك اليوم نعم‪ ،‬لألسف‬

‫‪157‬‬
‫قرأت كل ما أمامك‬
‫املندوب‪ :‬وملاذا تأسف إذا كانت القراءة متعتك يف احلياة؟‬
‫آسف من انقضاء املتعة‪ ،‬كنت أرغب لو لم أقرأها ألتذوق‬ ‫يوسف‪َ :‬‬
‫لذة قراءتها للمرة األولى‪ ،‬بالطبع هناك كتب تستحق‬
‫القراءة أكثر من مرة‪ ،‬كلما قرأتها فكأمنا تقرأها ألول مرة‪،‬‬
‫وتشعر بنفس اللذة‪ ،‬أال يساورك هذا الشعور أحيا ًنا؟‬
‫املندوب‪( :‬يتلعثم) تسألني أنا؟!‬
‫يوسف‪ :‬نعم ماذا أصابك؟‬
‫كتابا يف حياتي‬
‫املندوب‪ :‬احلقيقة أنا لم أكمل ً‬
‫يوسف‪ :‬مستحيل‪ ،‬وملاذا تعمل يف دار حياة للنشر إن كنت ال حتب‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫الكتب؟‬
‫املندوب‪ :‬أنا مجرد مندوب‬
‫كتابا من املكتبة ينظر فيه وهو يتابع‬ ‫(يسحب املندوب ً‬
‫كالمه)‬
‫عملي ال يتطلب مني قراءة ما أوصله‪ ،‬أنا ال أكره الكتب‪،‬‬
‫مرارا وفشلت يف كل مرة أن أنهي الكتاب‬‫لقد حاولت القراءة ً‬
‫نادما على ذلك‪ ،‬وال أظن القراءة مهمة‬ ‫ً‬ ‫وأنا اآلن لست‬
‫خصوصا يف هذه األيام‬
‫ً‬
‫يوسف‪ :‬مستحيل‪ ،‬القراءة مهمة يف كل حني‬
‫ً‬
‫طويل يف‬ ‫رمبا كانت مهمة يف وقت سابق‪ ،‬يبدو أنك مكثت‬
‫سريعا‬
‫ً‬ ‫هذه الغرفة‪ ،‬لقد تغير العالم‬
‫ال سبيل للمعرفة سوى بالقراءة مهما تغير العالم‪ ،‬هكذا‬
‫كانت وتكون وستكون‬
‫كتابا ً‬
‫كامل‬ ‫املندوب‪ :‬اسمح لي يا سيد يوسف‪ ،‬فأنا أمامك لم أقرأ ً‬
‫يف حياتي‬
‫(يضع املندوب الكتاب على الطاولة)‬

‫‪158‬‬
‫ً‬
‫جاهل‬ ‫وال أظن ذلك يجعلني‬
‫يوسف‪ :‬ح ًقا؟ قل لي إذن‪ ،‬كيف تعرف الصواب واخلطأ؟ كيف تفهم‬
‫احلياة؟‬
‫املندوب‪ :‬من احلياة نفسها من جتربتي مع احلياة‬
‫يوسف‪ً :‬أيا تكن جتربتك فثمة أمور لن جتدها إال يف الكتب‬
‫املندوب‪ :‬كما أنني أشاهد التلفاز من حني آلخر‪ ،‬وأتابع األفالم‬
‫واألخبار وآخر األنباء وعروض األزياء والطقس وكرة‬
‫القدم‪ ،‬والتاريخ والطبيخ كل شيء‪ ،‬فقط باملشاهدة‪ ،‬ولى‬
‫زمان الكتب‪ ،‬أصبحت الرؤية لغة العالم‬
‫يوسف‪ :‬الكتاب هو أصل املعرفة‪ ،‬صانعو األفالم واملسلسالت‬
‫ومعدو البرامج والنشرات حتى متعهدو احلفالت ومنظمو‬
‫املسابقات يقرؤون‪ ،‬ثم يختارون وينتقون ما يشاءون‪ ،‬ثم‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫يقدمون لك ما يريدون‪ ،‬قشور من املعرفة املهجنة جلهالة‬


‫ممنهجة‪ ،‬ال سبيل ملعرفة حقيقية إال بالكتاب‬
‫املندوب‪ :‬رمبا تكون مح ًقا‬
‫يوسف‪ :‬الكتب هي سجل البشر‪ ،‬ديوان اآلدمية‪ ،‬ضرورة إنسانية‪،‬‬
‫وستظل باقية ما دامت احلياة‪ ،‬تؤثر وتلهم ومتتع‪ ،‬وتفتح‬
‫آفا ًقا ملستقبل أرحب وأفضل‬
‫(يأخذ يوسف الكتاب من الطاولة ويعيده للمكتبة‪ ،‬ويعود‬
‫إلعداد القهوة)‬
‫املندوب‪ :‬أحترم وجهة نظرك‬
‫كتابا ويتصفحه)‬
‫(يقرأ عناوين الكتب يف املكتبة ويتناول ً‬
‫مكتبة رائعة‪ ،‬ال شك أنها أخذت الكثير من عمرك‬
‫يوسف‪ :‬بل هي عمري كله‪ ،‬بدون سكر؟‬
‫املندوب‪ :‬كيف عرفت؟ نعم بدون سكر‬
‫(يتجه املندوب إلى ميني املسرح ويجلس على التابوت‬

‫‪159‬‬
‫املغلق ويتصفح الكتاب)‬
‫ما حاجتك مبكتبة ضخمة مثل تلك تشغل معظم مساحة‬
‫غرفتك الصغيرة؟‬
‫يوسف‪ :‬ماذا تقصد؟‪..‬‬
‫(يخرج املندوب هاتفه ويرفعه بيده)‬
‫املندوب‪ :‬أعني أال متلك شي ًئا كهذا؟‬
‫ال أعرف كيف تطيقون هذا الشيء!‬
‫أحدا ال ميلك هات ًفا حتى اآلن كيف تعيش؟‬ ‫ال أصدق أن ً‬
‫يوسف‪ :‬أعيش كالناس‬
‫املندوب‪ :‬الناس يعيشون بالهاتف‪ ،‬كيف تتواصل مع أصحابك؟‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يوسف‪ :‬سأقتبس من قصيدة أحمد شوقي ألرد عليك‬
‫واف ًيا ِإ ّل ِ‬
‫الكتابا‬ ‫الصحابا * * َلم أ َِجد لي ِ‬‫تب ِ‬ ‫أَنا َمن َب َّد َل بِ ال ُك ِ‬
‫املندوب‪ :‬دعك من احلديث مع األصدقاء واألحباب ومعرفة آخر‬
‫املستجدات حلظة حدوثها‪ ،‬أال تعلم أن هذا الشيء الذي‬
‫تتجنبه ميكنّك من االطالع على آخر إصدارات دور النشر‪،‬‬
‫وقراءة أضعاف هذه الكتب‬
‫يوسف‪ :‬حاولت وفشلت‪ ،‬افتقدت متعة الورق‪ ،‬ملمسه‪ ،‬رائحته‬
‫جيدا؟‬
‫دخل ً‬ ‫املندوب‪ :‬قل لي يا سيد يوسف‪ ،‬هل يدر عليك عملك ً‬
‫(يحمل يوسف صينية القهوة وينتقل من السرير إلى‬
‫الطاولة‬
‫فينتقل املندوب من التابوت ليجلس معه ويضع هاتفه‬
‫بينهما على الطاولة)‬
‫دخل‪ ،‬وإال ما اضطررت‬ ‫يوسف‪ :‬ال أخفي عليك التأليف ال يدر ً‬
‫للعمل كمصحح لغوي‪ ،‬عملي يف التصحيح يغطي‬
‫متطلباتي البسيطة ويسدد فواتير الكهرباء واملاء والغاز‬
‫السخيفة‬

‫‪160‬‬
‫املندوب‪ :‬وكيف تشتري طعامك وشرابك دون أن تغادر غرفتك؟‬
‫ودون هاتف يتيح لك أن تطلب ما تريد‬
‫(يقدم له القهوة)‬
‫وقلما‪ ،‬أكتب‬
‫ً‬ ‫يوسف‪ :‬األمور أبسط من ذلك بكثير‪ ،‬أحضر ورقة‬
‫ما أحتاجه خالل أسبوع من الطعام والشراب والسجائر‬
‫وغيرها‪ ،‬وأشبك الورقة بالنقود‪ ،‬وأعلقها صباح كل خميس‬
‫على باب غرفتي من اخلارج‪،‬‬
‫ويف املساء أجد ما طلبت أمام بابي‪ ،‬فال أضطر ملغادرة‬
‫أبدا‬
‫غرفتي ً‬
‫املندوب‪ :‬ومن يأتي مبشترياتك؟ أظن األرواح واألشباح أليس‬
‫كذلك؟‬
‫يوسف‪( :‬يضحك) ال تفرط يف اخليال‪ ،‬يأتي بها حارس العقار‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫املندوب‪ :‬أنت إذن حبيس هذه الغرفة؟‬


‫يوسف‪ :‬أنا حر لم يحبسني أحد‬
‫املندوب‪ :‬أنت الذي حبست نفسك يف غرفتك‬
‫يوسف‪ :‬أليس هذا أفضل من أن يحبسني الناس؟‬
‫املندوب‪ :‬وملاذا يحبسك الناس؟‬
‫يوسف‪ :‬أتسألني أنا؟ اسألهم هم ألست تعيش معهم يف عاملهم‬
‫املزيف؟‬
‫املندوب‪ :‬هل حبسوك من قبل؟‬
‫ملزما أن أرتدي ما‬
‫ً‬ ‫يوسف‪ :‬نعم عندما كنت أحيا بينهم‪ ،‬كنت‬
‫أسيرا لعقلهم اجلمعي‪،‬‬
‫ً‬ ‫يعجبهم‪ ،‬وأكتب ما يعجبهم‪ ،‬وأظل‬
‫لن تفهمني ألنك واحد منهم‪ ،‬بربك هل سألت نفسك مرة‬
‫بصدق‪“ :‬هل اخترت مالبسي ألنها تريحني وتعجبني أم‬
‫ألنها ستعجب الناس؟” ال أظن أنها تعجبك‪ ،‬ما يهمك أنها‬
‫عفوا أنا حر أفعل ما أشاء وألبس ما أشاء‪ ،‬لست‬
‫تعجبهم‪ً ،‬‬

‫‪161‬‬
‫أنا السجني‬
‫فعل سجني‪ ،‬ولكنني على األقل حي‬ ‫أنت محق‪ ،‬أنا ً‬
‫اآلن تراني مي ًتا؟‬
‫املندوب‪ :‬نعم أنت ميت بني هذه اجلدران‪ ،‬لقد انتحرت يوم اعتزلت‬
‫العالم‬
‫يوسف‪ :‬أي عالم؟ هذا العالم املزيف الفاسد؟‬
‫(ينظر يوسف إلى هاتف املندوب وميسكه بيده)‬
‫انظر لتلك الصورة على هاتفك‬
‫املندوب‪ :‬ماذا بها؟‬
‫يوسف‪ :‬مزيفة كعاملك الفاسد‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫املندوب‪ :‬ال ياسيد يوسف الصورة حقيقية‬
‫يوسف‪ :‬مستحيل‪ ،‬الصورة مزيفة‪ ،‬فالنجوم ال تبدو يف السماء‬
‫بهذه األلوان‪ ،‬وهذا البريق‬
‫مستحيل أن تراها من غرفتك على حقيقتها‬
‫مزيفة مزيفة‬
‫املندوب‪ :‬حقيقية حقيقية‬
‫يوسف‪ :‬أترضى بحكم إيزيس؟‬
‫املندوب‪ :‬كامل احترامي للسيدة إيزيس وحكمها إن كان هذا ال‬
‫يزعجها‬
‫(يأخذ يوسف الهاتف من يده ويقوم ويتجه إلى إيزيس‬
‫ويقربه من وجهها)‪،‬‬
‫يوسف‪ :‬ما رأيك يا إيزيس؟‬
‫(ينتظر ردها‪ ،‬ينتبه يعود ويعطيه هاتفه ويجلس)‬
‫حتى إيزيس مزيفة‪ ،‬رغم أنها الدم الذي يجري يف شرياني‪،‬‬
‫دم فاسد كعاملك املزيف املخادع القابع خارج غرفتي‬
‫ملندوب‪ :‬وأين احلقيقة إذن يف هذه الغرفة؟‬

‫‪162‬‬
‫يوسف‪ :‬احلقيقة هي رواياتي ومؤلفاتي‬
‫ملندوب‪ :‬أتذكر كم رواية ألفتها يا سيد يوسف؟‬
‫كبرا صدقني ال أذكر فعلً‬
‫فخرا أو ً‬
‫يوسف‪ :‬ليس ً‬
‫ملندوب‪ :‬وال أول رواية ألفتها؟‬
‫يوسف‪ :‬أول رواية؟ كيف أنساها؟‬
‫عاما م ّر على تأليفها؟‬
‫ملندوب‪ :‬كم ً‬
‫عاما كاملة؟‬
‫عاما‪ ،‬عشرون ً‬‫يوسف‪ :‬عشرون ً‬
‫(يلتفت إلى إيزيس)‬
‫أليس كذلك يا إيزيس أتذكرين؟‬
‫ملندوب‪ :‬وهل كانت السيدة إيزيس موجودة يف ذلك الوقت؟‬
‫طبعا كانت موجودة‪ ،‬ولوالها ما انتهيت من كتابة الرواية‬ ‫يوسف‪ً :‬‬
‫أبدا‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ً‬
‫ملندوب‪ :‬السيدة إيزيس هي ملهمتك إذن؟‬
‫يوسف‪ :‬األمر أعمق من ذلك بكثير‪ ،‬وشرحه يطول وأنا أريد أن‬
‫أسمع حكايتك‬
‫(يخرج املندوب علبة سجائره ويقدم له سيجارة)‬
‫ملندوب‪ :‬وما املانع؟ تسمع حكايتي وأسمع حكايتك‬
‫يوسف‪ :‬حكايتي طويلة ومملة‪ ،‬تراجيديا إنسانية حزينة‪ ،‬لن‬
‫متتعك وأخشى أال يتسع لها وقتك‬
‫ملندوب‪ :‬ال عليك‪ ،‬فأنا من اليوم يف إجازة طويلة‬
‫يوسف‪ :‬اتفقنا إذن من يبدأ يف قص حكايته؟‬
‫ملندوب‪ :‬من يبدأ؟ من يبدأ؟ عندي اقتراح قد يعجبك‬
‫(يخرج املندوب من جيبه عملة ويطلقها بأصبعه يف الهواء‬
‫ويلقفها)‬
‫يوسف‪ :‬ما رأيك لو أجرينا قرعة؟‬
‫ملندوب‪ :‬قرعة؟ ال‪ ،‬أنا ال أؤمن باحلظ‬

‫‪163‬‬
‫يوسف‪ :‬إذن ماذا تقترح؟‬
‫ملندوب‪ :‬ال أعرف‬
‫عمرا‬
‫يوسف‪ :‬فليبدأ أكبرنا ً‬
‫ملندوب‪ :‬حس ًنا‪ ،‬يف أي شهر ولدت عام النكسة؟‬
‫يوسف‪ :‬يف شهر النكسة‬
‫(يقف يوسف ويشد على يديه)‬
‫أيضا من مواليد شهر‬
‫ملندوب‪ :‬مدهش! يا للمصادفة السعيدة أنا ً‬
‫النكسة‬
‫(يقفان ويتعانقان)‬
‫يوسف‪ :‬حس ًنا كيف نبدأ؟‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫ملندوب‪ :‬ما رأيك أن نبدأ بالسيدة إيزيس امللهمة؟ إن كان هذا ال‬
‫يضايقك‬
‫جدا‬
‫يوسف‪ :‬بل يسعدني ً‬
‫(يقوم ويغير شريط الكاسيت ويحمل إيزيس ويضعها‬
‫بينهما خلف الطاولة)‬
‫تعرفت على إيزيس يف مقهى بوسط املدينة يرتاده أهل‬
‫األدب والفن‪ ،‬كانت رسامة فقيرة جاءت من أقصى املدينة‬
‫تسعى لبيع لوحاتها‪ ،‬وكنت وقتها أبحث عن ناشر ألولى‬
‫رواياتي‬
‫ملندوب‪ :‬أكنت انتهيت من كتابة روايتك األولى؟‬
‫تقريبا‪ ،‬كنت يف الفصل األخير‪ ،‬لم تتركني إيزيس‬ ‫ً‬ ‫يوسف‪ :‬أجل‪ ،‬ال‪،‬‬
‫أكملها‪ ،‬تعرفنا حتدثنا تواعدنا تورطنا دون أن ندري يف‬
‫قصورا على‬
‫ً‬ ‫قصة حب طائشة‪ ،‬وغرقنا يف أوهامنا‪ ،‬وبنينا‬
‫كاتبا مرمو ًقا‪ ،‬وهي ستكون رسامة‬ ‫غدا سأكون ً‬ ‫الرمال‪ً ،‬‬
‫مشهورة‪ ،‬لدينا متع احلياة‪ ،‬املال واألوالد والبنات‬
‫ملندوب‪ :‬وتأتي الرياح مبا ال تشتهي السفن‬

‫‪164‬‬
‫يوسف‪ :‬وتأتي الرياح عاصفة مدمرة‪ ،‬تقتلع أحالمنا من جذورها‪،‬‬
‫حتطم شراعنا‪ ،‬وتستلب مجدافنا‪ ،‬وتقذف بنا على صخرة‬
‫اليأس املرير يف بحر هائج أحمق لنتجرع مرارة احلياة‬

‫(إظالم)‬

‫املشهد الثاني‬

‫(نفس ديكور املشهد السابق بدون الدمية‪،‬‬


‫املسرح مظلم‪ ،‬بقعة ضوء تخرج من املصباح املعلق فوق‬
‫املكتب‪ ،‬عود البخور مشتعل‬
‫يوسف يجلس على مكتبه يواجه املكتبة نراه من ظهره‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫مرتديا العباءة والقبعة على رأسه‪،‬‬


‫ً‬
‫يكتب بسرعة‪ ،‬يرفع القلم وينظر إلى ما كتب ويقرأ)‬

‫«تلبد‪ ..‬ماذا أصابه؟‪ ..‬لطاملا شدا بالغناء كالكروان‪..‬‬


‫يوسف‪ّ :‬‬
‫وأحالما فارعة وارفة نضرة‪..‬‬
‫ً‬ ‫ولطاملا شعت روحه آماالً‬
‫هو اآلن محطم منطفئ‪ ..‬خياله ينضب‪ ،‬وأوراقه تذبل‬
‫وتتساقط‪ ..‬خ ّيم الغمام على مقلتيه واستوطنها‪ ..‬فغابت‬
‫رماديا‪ ..‬وبدا املوت يدق‬
‫ً‬ ‫ألوان احلياة وأمسى الوجود‬
‫ناقوسه‪ ..‬ليس من الضروري أن يسقط جثة هامدة حتى‬
‫ميوت‪ ..‬ال كل من مات مات‪ ،‬وال كل حي حي»‬

‫(يزمجر‪ ،‬يقطع ورقة يطبقها بيده ويرميها على األرض‪،‬‬


‫مجددا)‬
‫ً‬ ‫يقرأ‬
‫حافيا‬
‫ً‬ ‫«لكنه اآلن ينوي مفارقة احلياة‪ ..‬غادر صومعته‬

‫‪165‬‬
‫عاريا إال من سروال مهترئ قصير بالكاد غطى عورته‪..‬‬ ‫ً‬
‫وهام يف الشوارع كمجذوب‪ ..‬لم يبا ِل بعيون اخللق املصوبة‬
‫نحوه‪ ..‬وال بتعليقاتهم‪ ..‬وصل إلى اجلسر وتخطى سوره‪..‬‬
‫وقال يف قرارة نفسه‪« :‬إذا كنت سأموت بعد برهة‪ ..‬فاألولى‬
‫أن أودع احلياة بأغنية أخيرة»‬
‫ً‬
‫منفعل‪،‬‬ ‫(يزمجر ويقطع الورقة ويرميها‪ ،‬يزفر‬
‫مسرعا ليجمع كومة‬‫ً‬ ‫يرن جرس الباب‪ ،‬يقوم ليفتح‪ ،‬يعود‬
‫األوراق من األرض ويلقيها يف السلة‪،‬‬
‫يطفئ املصباح ويضيئ األنوار‪ ،‬يفتح الباب يجد إيزيس‬
‫تدخل إيزيس حتمل لوحاتها وهي تنهج)‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫إيزيس‪ ،‬ماذا فعلت؟‬
‫(ترمي إيزيس لوحاتها على الطاولة بغضب وجتلس‪،‬‬
‫يخلع يوسف العباءة والقبعة ويعلقهما على الشماعة وراء‬
‫الباب ويعود ليقف خلفها)‬
‫حتما سيندمون‬‫ال عليك‪ ،‬هم من خسروا إبداعك‪ً ،‬‬
‫إيزيس‪ :‬ماذا فعلت أنت؟‬
‫يوسف‪ :‬أنا عالق يف الفصل األخير‪ ،‬كلما كتبت أمزق ما كتبته‪،‬‬
‫أشعر أنه مزيف‪ ،‬لكنني ما زلت أحاول‬
‫إيزيس‪ :‬الناشر‪ ،‬ماذا فعلت مع الناشر؟ ألم تقابله اليوم؟‬
‫ً‬
‫طويل ولم يأت‬ ‫يوسف‪ :‬الناشر؟ كال‪ ،‬لم أقابله‪ ،‬انتظرته‬
‫إيزيس‪ :‬هل اتصلت به؟‬
‫يوسف‪ :‬نعم بعد أن يئست من مجيئه‪ ،‬لكنه لم يتذكرني‪ ،‬ذكرته‬
‫مهتما مبا أكتب‪ ،‬لقد خسر هو‬ ‫ً‬ ‫بنفسي فأخبرني بأنه ليس‬
‫وحتما سيندم‬
‫ً‬ ‫اآلخر‬
‫إيزيس‪( :‬تصيح) كفى سئمت سئمت‬
‫ِ‬
‫سئمت مني يا إيزيس؟‬ ‫يوسف‪:‬‬

‫‪166‬‬
‫إيزيس‪ :‬سئمت من عبارات املواساة‪ ،‬وسئمت من عيشة التسول‪،‬‬
‫أحمل كل يوم لوحاتي وأدور بها‪ ،‬وال أجد لها مشترٍ ‪ ،‬وسئمت‬
‫من كونك عاج ًزا عن نشر كتاباتك‬
‫يوسف‪ :‬ال تستسلمي لليأس‪ ،‬ما زلنا يف أول الطريق‪ ،‬األمر يحتاج‬
‫إلى بعض الصبر‬
‫قريبا‪ ،‬اسمع يا‬
‫إيزيس‪ :‬نفد صبري‪ ،‬وأخشى أننا نصل إلى النهاية ً‬
‫متاما وتبحث عن عمل يدر‬
‫يوسف‪ ،‬عليك أن تنسى الكتابة ً‬
‫ً‬
‫دخل ميكننا من احلياة‬
‫يوسف‪ :‬أنا ال أعرف يف احلياة غير الكتابة‬
‫إيزيس‪ :‬إذن فلن تستمر احلياة على هذا النحو‬
‫يوسف‪ :‬هذا ما عندي‪ ،‬هل تقترحني شي ًئا؟‬
‫إيزيس‪ :‬فلنرحل من هذه املدينة التي ال ترانا‪ ،‬نسافر نهاجر ال‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫عيش لنا هنا‬


‫يوسف‪ :‬نهاجر؟! وإلى أين نذهب؟‬
‫إيزيس‪ :‬إلى أي مكان يسمح لنا باحلياة‪ ،‬ما رأيك يف رأس اخلليج؟‬
‫رمبا وجدنا هناك فرصة أفضل‬
‫يوسف‪ :‬رأس اخلليج‬
‫(إظالم)‬
‫املشهد الثالث‬

‫(نفس الديكور بالدمية‪ ،‬يوسف واملندوب جالسان على‬


‫الطاولة والدمية واقفة بينهما)‬
‫وطبعا لم ترق لك فكرة السيدة إيزيس بالسفر‬‫ً‬ ‫املندوب‪:‬‬
‫طبعا‪ ،‬أتظن أنني أستطيع التوقف عن الكتابة؟! بل هل‬ ‫يوسف‪ً :‬‬
‫بعيدا عن هذا املكتب خارج هذه‬
‫تظن أنني أستطيع الكتابة ً‬
‫الغرفة؟! محال‪ ،‬أنا احلوت متى خرجت من البحر أموت‬

‫‪167‬‬
‫املندوب‪ :‬ماذا فعلت إذن؟‬
‫يوسف‪ :‬أنا لم أفعل شي ًئا‪ ،‬أما إيزيس فجمعت أغراضها ورحلت‬
‫إلى رأس اخلليج‪،‬‬
‫(يقف يوسف وميسك بطرف فستان الدمية)‬
‫ت من اخلياط قبل‬ ‫ً‬
‫جميل؟ طلب ُ‬ ‫أترى‪ ،‬هذا فستانها أليس‬
‫عاما أن يحيكه ليكون هدية عيد ميالدها‪ ،‬ووافق‬ ‫عشرين ً‬
‫ت قبل أن تطفئ‬ ‫أن أعطيه ثمنه بالتقسيط‪ ،‬لكنها رحل ْ‬
‫شمعتها وترى فستانها اجلديد‬
‫املندوب‪ :‬يا للمأساة!‬
‫يوسف‪ :‬وبعد رحيلها بأسبوعني‪ ،‬أسبوعني فقط أرسلت لي تعلمني‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫مناسبا يف رأس اخلليج‬
‫ً‬ ‫وزوجا‬
‫ً‬ ‫مالئما‬
‫ً‬ ‫أنها وجدت ً‬
‫عمل‬
‫ردا؟‬‫املندوب‪ :‬تزوجت؟ وهل أرسلت لها ً‬
‫يوسف‪ :‬ال‪ ،‬عكفت على الفصل األخير وأنهيت الرواية‬
‫املندوب‪ :‬أما زلت حتتفظ بتلك الرواية؟‬
‫يوسف‪ً :‬‬
‫طبعا وبكل أعمالي‬
‫املندوب‪ :‬وأين هذه األعمال؟‬
‫يوسف‪ :‬هنا يف هذا التابوت أحتب أن تطلع عليها؟‬
‫املندوب‪ :‬أعمالك يف التابوت‬
‫يوسف‪ :‬نعم يف هذا الصندوق الكبير‬
‫(يتجه يوسف وخلفه املندوب إلى التابوت ميني املسرح‪،‬‬
‫ويفتح يوسف غطاء التابوت‪ ،‬فتبرز من التابوت ملفات‬
‫ورزم من األوراق تكاد تسقط منه‪ ،‬يندهش املندوب)‬
‫املندوب‪ :‬ما كل هذه األوراق؟‬
‫يوسف‪ :‬هذه أعمالي‬
‫(يحدق املندوب يف التابوت املمتلئ على آخره باألوراق‪،‬‬
‫يخرج منه رزمة أوراق وميسكها بيده)‬

‫‪168‬‬
‫املندوب‪ :‬أعمالك؟!‬
‫يوسف‪ :‬نعم‪ ،‬أتسخر من أعمالي؟‬
‫املندوب‪ :‬لم أقصد‪ ،‬أنا فقط مندهش‪ ،‬فعادة جند يف التوابيت جث ًثا‬
‫رزما من األوراق‬
‫أو كنو ًزا‪ ،‬ال ً‬
‫يوسف‪ :‬هذه األوراق هي إبداعي‪ ،‬بنات أفكاري‪ ،‬قطفتها بيدي من‬
‫عقلي وقلبي‪ ،‬ورويتها بدمي‪ ،‬هي املاضي واحلاضر واآلتي‪،‬‬
‫نفسي وذاتي‪ ،‬مشاعري وانفعاالتي‪ ،‬أحالمي وأوهامي‪،‬‬
‫وخويف ورجائي‪ ،‬وراحتي وعنائي‪ ،‬وفرحتي وشقائي‪ ،‬هي أنا‪،‬‬
‫أجزائي أعضائي أو قل أشالئي‪ ،‬وهي ما ستبقى بعد فنائي‬
‫كتابا منها‪ ،‬وميسكه‬
‫(يتحرك املندوب نحو املكتبة ويسحب ً‬
‫بيده األخرى)‬
‫املندوب‪ :‬إذن قل لي‪ ،‬ملاذا لم جتمعها يف كتاب كهذا؟‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫منفعل يسحب األوراق منه وميسكها‬ ‫ً‬ ‫(يتجه إليه يوسف‬


‫بيده ويسحب الكتاب وميسكه بيده األخرى)‬
‫يوسف‪ :‬وما الفرق بينهما هذه أوراق وهذه أوراق؟ هل ستختلف‬
‫كتابا كهذا لم‬
‫كتابا أو ظلت أورا ًقا؟ إن ً‬
‫األفكار إن طُبعت ً‬
‫يكتبه مؤلفه بهذا التنسيق ولم يرسم له هذا الغالف‪،‬‬
‫والناس ال تقرؤه ألنه على هذا الشكل‪ ،‬بل ألنه يستحق‬
‫ك‬‫ك اح ِ‬
‫القراءة يوسف‪ :‬حتى ماذا؟ اح ِ‬
‫عاما‪ ،‬قررت أن أترك البحر‬ ‫املندوب‪ :‬سأحكي لك‪ ،‬من عشرين ً‬
‫واستقر يف رأس اخلليج‪ ،‬جمعت ما معي من مال واشتريت‬
‫حانو ًتا أمام امليناء وحولته إلى بازار أبيع فيه التذكارات‪،‬‬
‫وسميته بازار يوسف ندمي‪ ،‬كنت كل صباح أفتح البازار‬
‫مبكرا‪ ،‬وأنتظر الزبائن‬
‫ً‬
‫أرباحا؟‬
‫ً‬ ‫وحقق‬ ‫البازار‬ ‫جنح‬ ‫وهل‬ ‫يوسف‪:‬‬
‫املندوب‪ :‬نعم أقبل السياح وأثرياء رأس اخلليج على شراء الهدايا‬

‫‪169‬‬
‫والتماثيل‬
‫يوسف‪ :‬إذ ْن سارت األمور على ما يرام‬
‫املندوب‪ :‬أجل‪ ،‬لكن ال أخفي عليك‪ ،‬بعد شهرين فقط بدأت أشعر‬
‫بامللل‪ ،‬كانت صافرات السفن الغادية والرائحة أمامي تبعث‬
‫يف قلبي حنني وتدعوني لركوب البحر من جديد‬
‫(يصب له يوسف ويشرب معه)‬
‫(مستمتعا) اهلل اهلل‪ ،‬اشرب اشرب‬
‫ً‬ ‫يوسف‪:‬‬
‫املندوب‪ :‬ذات صباح‪ ،‬دخلت البازار فراشة سمراء شقية‪ ،‬بعيون‬
‫واسعة وابتسامة رقيقة‪ ،‬وشفاه غليظة‪ ،‬تفوح منها رائحة‬
‫الياسمني‪ ،‬شابة تبحث عن عمل‪ ،‬أعجبتني لباقتها فعينتها‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يف البازار‪ ،‬وبهذه املناسبة السعيدة دعوتها على العشاء‬
‫مساء حتت الفنار القدمي‪ ،‬وركبنا‬
‫ً‬ ‫يف يوم العطلة‪ ،‬تواعدنا‬
‫قاربا مبجدافني إلى حانة اخل ّيام‬ ‫ً‬
‫يوسف‪ :‬حانة اخل ّيام؟‬
‫املندوب‪ :‬حانة صاخبة على لسان جزيرة الفردوس‪ ،‬كنت أرتادها‬
‫كلما رسوت يف رأس اخلليج‪ ،‬طعام وشراب ورقص وموسيقى‪،‬‬
‫ونساء ينجذبن الصطياد بحار‪ ،‬أو صاحب بازار‪ ،‬كما‬
‫ينجذب الفراش إلى يوسف‪ :‬النار‬
‫يوسف‪ :‬اهلل اهلل‪ ،‬اشرب اشرب‬
‫املندوب‪ :‬ليلتها‪ ،‬جلسنا على طاولة تضيئها الشموع بني سحب‬
‫دخان غائمة‪ ،‬وقرع كؤوس ملتهبة‪ ،‬وضحكات ماجنة‪ ،‬وعازف‬
‫أوكرديون يدور يف احلانة بأحلانه ورماد سيجارته يتساقط‬
‫على حليته الكثة‪ ،‬وفجأة يوسف‪ :‬نظرت إليها ّ‬
‫وشبت يف‬
‫نفسي رغبة جامحة‪ ،‬وراهنت نفسي أنها سترفض طلبي‬
‫يوسف‪ :‬ماذا طلبت منها أيها العربيد؟ قبلة ساخنة؟‬
‫بعيدا‪ ،‬طلبت منها أن ترافقني إلى‬ ‫املندوب‪ :‬ال ال يذهب خيالك ً‬

‫‪170‬‬
‫شقتي‬
‫يوسف‪ :‬وهل وافقت الفراشة السمراء؟‬
‫املندوب‪ :‬حتولت الفراشة السمراء إلى عنقاء‪ ،‬وقفت ومدت‬
‫جناحها وصفعتني مبخالبها على وجهي صفعة دوت يف‬
‫حانة اخل ّيام كأجراس كنيسة القيامة ليلة عيد امليالد‬
‫(يصب له يوسف ويشرب معه)‬
‫يوسف‪( :‬يضحك) اشرب اشرب‬
‫املندوب‪ :‬أفقت فوجدتني أقف فوق الطاولة وأطلبها للزواج أمام‬
‫اجلميع‬
‫يوسف‪ :‬مجنون ورب فينوس‬
‫ت‪ ،‬فسحبتها معي فوق الطاولة ورحنا نرقص‬ ‫املندوب‪ :‬وافق ْ‬
‫للصباح‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫يوسف‪ :‬مجنونة ورب كيوبيد‬


‫املندوب‪ :‬والناس يرقصون معنا ويحتفلون بنا‬
‫يوسف‪ :‬مجانني ورب أفروديت‬
‫املندوب‪ :‬خرجنا من حانة اخل ّيام إلى بيتي‪ ،‬وهناك وعلى فراشي‪...‬‬
‫(هامسا) انتبه‪ ،‬الحظ أن معنا سيدة فاضلة ال نريد‬ ‫ً‬ ‫يوسف‪:‬‬
‫خدش حيائها‬
‫(يقف املندوب وينحني)‬
‫املندوب‪ :‬كامل احترامي للسيدة إيزيس يوسف‪ :‬حس ًنا‪ ،‬وماذا بعد‬
‫أن أن أن‪...‬مت الزفاف؟‬
‫رسميا بالتصرف من‬‫ً‬ ‫ً‬
‫توكيل‬ ‫ت لها‬
‫املندوب‪ :‬بعد شهر العسل‪ ،‬وثّق ُ‬
‫بيع وشراء وإدارة كافة ممتلكاتي‪ ،‬وتركت رأس اخلليج وعدت‬
‫لركوب البحار‬
‫يوسف‪ :‬ملاذا عدت للسفر مرة أخرى؟‬
‫املندوب‪ :‬ال أدري‪ ،‬البحر لي كهذه الغرفة لك‪ ،‬إن خرجت منه أموت‪،‬‬

‫‪171‬‬
‫أتفهمني يا سيد حوت؟‬
‫يوسف‪ :‬بالطبع يا سيد يوسف‬
‫املندوب‪ :‬غبت عن رأس اخلليج وعدت بعد تسعة أشهر‬
‫يوسف‪ :‬فوجدتها وضعت لك ً‬
‫طفل؟‬
‫ً‬
‫أطفال‬ ‫املندوب‪ :‬لم أجنب منها‬
‫طبيبا؟ منذ متى وأنت تشتكي‬
‫ً‬ ‫يوسف‪ :‬أنا آسف‪ ،‬لكن هل استشرت‬
‫من هذه احلالة؟‬
‫(يشير املندوب إلى إيزيس)‬
‫املندوب‪ :‬سيد يوسف السيدة إيزيس‬
‫عفوا يا عزيزتي‪ ،‬لم أقصد شي ًئا‪ ،‬كنت أمزح معه فقط‬ ‫يوسف‪ً :‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫املندوب‪ :‬أقترح أن نتوقف عن الشراب‬
‫يوسف‪ :‬ما رأيك يف فنجان قهوة؟‬
‫املندوب‪ :‬نعم قهوة‪ ،‬لنشرب القهوة‬
‫يوسف‪ :‬بعد أن ننهي هذه الزجاجة‬
‫يتبق الكثير‬
‫املندوب‪ :‬على أي حال لم َ‬
‫يوسف‪ :‬فيها ما يكفي لكأسني‪،‬‬
‫(يصب له يوسف ويشرب معه)‬
‫اشرب وأكمل حكاية السيدة‪ ،...‬باملناسبة ماذا كان اسمها؟‬
‫عموما كانت حتب أن أناديها حياة‬
‫ً‬ ‫املندوب‪ :‬ال يهم دعك من اسمها‪،‬‬
‫حياة‪ ،‬السيدة حياة‬
‫املندوب‪ :‬يف ليلة صفا اعترفت لي حياة‪ ،‬بأنها كانت على عالقة‬
‫بشاب يف مدينتها‬
‫يوسف‪ :‬وهل استمرت هذه العالقة بعد الزواج؟‬
‫(يشير املندوب إلى إيزيس)‬
‫املندوب‪ :‬سيد يوسف السيدة إيزيس‬
‫يوسف‪ :‬لم أقصد شي ًئا‪ ،‬أنا آسف‬

‫‪172‬‬
‫مسرعا يضع الزجاجة والكأسني على‬ ‫ً‬ ‫(يقوم يوسف‬
‫املكتب‪ ،‬ويجلس على السرير يغير شريط الكاسيت ويعد‬
‫القهوة)‬
‫جدا لفنجان قهوة‬‫أظن أن الوقت مناسب ً‬
‫(يقف املندوب ويتأمل إيزيس)‬
‫متاما‪ ،‬إال أنه‬
‫ً‬ ‫املندوب‪ :‬اطمئن قطعت حياة عالقتها بهذا الشاب‬
‫كان يرسل لها من حني آلخر هدايا‪ ،‬وكانت حتفظها وال ترد‬
‫عليه‬
‫عفوا وهل كانت السيدة حياة تطلعك على هذه الهدايا؟‬ ‫يوسف‪ً :‬‬
‫ً‬
‫مرسل إليها‪،‬‬ ‫بريديا‬
‫ً‬ ‫طردا‬
‫املندوب‪ :‬ذات ليلة شتاء‪ ،‬فتحت أمامي ً‬
‫وإذا به رزمة ضخمة من األوراق‪ ،‬تصفحتها فوجدتها رواية‪،‬‬
‫أخبرتني حياة أن هذا هو الطرد الثالث الذي يصلها خالل‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫هذا العام‬
‫(يحمل يوسف الفنجانني ويجلس على الطاولة)‬
‫يوسف‪ :‬وهل اطلعت على الطردين اآلخرين؟‬
‫املندوب‪ :‬نعم‪ ،‬روايتان على الشاكلة نفسها‬
‫يوسف‪ :‬وهل قرأت الروايات؟‬
‫املندوب‪ :‬حاولت مع واحدة لكني فشلت لم أستطع إكمالها‬
‫يوسف‪ :‬أكانت سيئة لهذه الدرجة؟‬
‫املندوب‪ :‬ال ال أنا السيئ‪ ،‬كما أخبرتك‪ ،‬لم أكمل رواية يف حياتي‪،‬‬
‫أصل‪ ،‬فحياة كانت متيمة‬ ‫ثم لم تكن هناك حاجة لقراءتها ً‬
‫بها‪ ،‬تكاد حتفظ كلماتها‪ ،‬ثم ال تتوقف عن ترديدها صباح‬
‫مساء‬
‫يوسف‪ :‬إلى هذا احلد تأثرت السيدة حياة بالروايات؟‬
‫املندوب‪ :‬لم تكن تقرأها وحسب بل كانت تستوحي منها موضوعات‬
‫للوحاتها‪ ،‬وكانت ترسمها لساعات طويلة وببراعة شديدة‪،‬‬

‫‪173‬‬
‫لقد غ ّيرت هذه الروايات مسار حياتي‬
‫يوسف‪ :‬ماذا فعلت بك تلك الروايات؟‬
‫املندوب‪ :‬دمرتني‬
‫يوسف‪ :‬كيف ذلك؟‬
‫مسافرا يف البحر‪ ،‬دخل البازار صاحب دار نشر‬
‫ً‬ ‫املندوب‪ :‬بينما كنت‬
‫عني اخلليج ليشتري تذكارًا‪ ،‬وتعرفت عليه حياة فكلمته‬
‫وعرضت عليه اللوحات والروايات فأعجبته‪ ،‬واتفقا على‬
‫طبعها ونشرها‬
‫جناحا؟‬
‫ً‬ ‫يوسف‪ :‬وهل حققت الروايات‬
‫مذهل‪ ،‬دفع بدار النشر إلى جتديد التعاقد مببلغ‬‫ً‬ ‫جناحا‬
‫ً‬ ‫املندوب‪:‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫أكبر وإعادة نشر الروايات يف طبعات متتالية‬
‫يوسف‪ :‬ال ال أنت تبالغ‬
‫املندوب‪ :‬انظر بنفسك‪ ،‬هذه هي الطبعة اخلامسة من املجموعة‬
‫الكاملة‬
‫(يقفان يتجهان إلى حزمة الكتب على املكتب)‬
‫يوسف‪ :‬أنا لم أطلب روايات‪ ،‬الكتب املطلوبة كتب تاريخية‬
‫املندوب‪ :‬نعتذر لك يا سيد يوسف‪ ،‬كتب التاريخ اختفت فجأة‪،‬‬
‫ضا عنها‬
‫فاخترنا لك هذه الروايات عو ً‬
‫(يفك املندوب احلزمة ويقلب يوسف يف الكتب ويقرأ‬
‫العناوين)‬
‫يوسف‪ :‬رجال بال نساء تأليف يوسف ندمي‪ ،‬رسوم حياة الطبعة‬
‫اخلامسة‪،‬نساء بال رجال يوسف ندمي‪،‬حياة‪ ،‬املندوب‪ :‬رجال‬
‫بال رجال يوسف‪ ،‬حياة‪ ،‬نساء بال نساء‬
‫املندوب‪ :‬أصدقت اآلن؟‬
‫يوسف‪ :‬أوضعت اسمك على كتب غيرك؟ أليس هذا تزيي ًفا‬
‫وتزويرا؟‬
‫ً‬

‫‪174‬‬
‫املندوب‪ :‬أجل‬
‫يوسف‪ :‬وما الذي دفعك لهذه اجلرمية الشنعاء؟‬
‫املندوب‪ :‬لم أفعل شي ًئا‪ ،‬حياة هي من فعلت‪ ،‬تعاقدت مع دار النشر‬
‫مبوجب التوكيل‪ ،‬فطبعت الدار الروايات يوسف‪ :‬ووزعتها‬
‫قبل أن أعود من السفر‬
‫املندوب‪ :‬وماذا فعلت بعد عودتك؟‬
‫لم أفعل شي ًئا قُضي األمر‪ ،‬الروايات كانت على األرصفة ويف‬
‫املكتبات تدور حولها مناقشات وتعقد ندوات‪ ،‬ويتناولها‬
‫النقاد يف الصحافة واإلعالم‬
‫يوسف‪ :‬وهل شاركت يف هذه الندوات؟‬
‫املندوب‪ :‬ندوات!! بالطبع ال‪ ،‬حياة هي التي كانت تشارك‪ ،‬وكانت‬
‫تعتذر عن غيابي بحجة السفر‪ ،‬لدرجة أنهم لقبوني‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫باألديب الرحالة‬
‫كتابا فيصدم)‬
‫(يتصفح يوسف ً‬
‫يوسف‪ :‬هذه كلماتي أيها اللص املزيف من أين حصلت عليها؟‬
‫كيف فعلت ذلك؟‬
‫املندوب‪ :‬لم أفعل شي ًئا‪ ،‬حياة هي التي حصلت عليها من صاحبها‬
‫أسماء لرواياتي تركتها بدون عنوان‪ ،‬من وضع‬ ‫ً‬ ‫يوسف‪ :‬لم أضع‬
‫هذه األسماء؟‬
‫املندوب‪ :‬حياة‬
‫يوسف‪ :‬مستحيل‪ ،‬أمتأكد أن زوجتك اسمها السيدة حياة؟‬
‫املندوب‪ :‬حياة اسم الشهرة‪ ،‬أما اسمها احلقيقي إيزيس‪ ،‬وباملناسبة‬
‫لم تعد زوجتي لقد طلقتها‬
‫(ميسك يوسف بياقة املندوب ويعنفه)‬
‫يوسف‪ :‬انتحلت شخصيتي وسرقت إبداعي وأفكاري‪ ،‬سأبلغ‬
‫الشرطة وأقاضيك أنت ودار حياة يف املحاكم‬

‫‪175‬‬
‫املندوب‪ :‬دار حياة للطباعة والنشر والتوزيع دار وهمية ليس لها‬
‫وجود‪ ،‬وقانو ًنا ليست هناك جرمية‪ ،‬أنت الذي أرسلت‬
‫رواياتك مبحض إرادتك‪،‬‬
‫(يربت املندوب على يد يوسف املمسكة بياقته)‬
‫من فضلك‬
‫(يترك يوسف ياقته)‬
‫لقد طُبعت رواياتك وعليها اسمك‪ ،‬ما شكواك؟‬
‫يوسف‪ :‬هذا حقي األدبي‪ ،‬وأين حقي املادي؟‬
‫أموال من وراء رواياتك‪ ،‬ولكني قبلها لم‬ ‫ً‬ ‫املندوب‪ :‬ال أنكر جنيت‬
‫فقيرا‬
‫ً‬ ‫أكن‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫مشهورا‪ ،‬من يعرف يوسف ندمي الشيال أو‬ ‫ً‬ ‫وأيضا لم تكن‬
‫ً‬ ‫يوسف‪:‬‬
‫البحار أو حتى صاحب البازار‬
‫أحظ بها‪ ،‬أغلب‬
‫َ‬ ‫املندوب‪ :‬حتدثني عن الشهرة؟ حتى الشهرة لم‬
‫مسافرا يف رحالت طويلة‪ ،‬وإن عدت يف إجازات‬ ‫ً‬ ‫األوقات كنت‬
‫قصيرة متباعدة كنت أحرص على االبتعاد عن اجلميع‪ ،‬لذا‬
‫اقتنيت بي ًتا فوق صخرة نائية على جزيرة الفردوس كنت‬
‫دائما أختبئ من الناس‪ ،‬وأحرص‬ ‫أقضي فيه إجازتي‪ ،‬كنت ً‬
‫علي أحدهم‬ ‫أشد احلرص أال يتعرف ّ‬
‫يوسف‪ :‬ول َم كل هذا اخلوف من الناس؟‬
‫املندوب‪ :‬تخيل لو قابلني أحدهم وسألني بصفتي يوسف ندمي‬
‫املؤلف الشهير واألديب اللوذعي عن مدى اشتباك روايتي‬
‫واجتماعيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وفنيا‬
‫ً‬ ‫ثقافيا‬
‫ً‬ ‫األخيرة مع التحوالت الراهنة‬
‫أو دعتني قناة فضائية ألكون ضي ًفا يف برامجها األدبية‬
‫ألحتدث عن بناء احلبكة الدرامية‪ ،‬كنت يف رأس اخلليج‬
‫وحيدا ال أغادر بيتي‬
‫ً‬ ‫حا‪ ،‬كنت مثلك‬‫شب ً‬
‫وحيدا ومعك إيزيس؟!‬ ‫ً‬ ‫حا‬ ‫يوسف‪ :‬وإيزيس؟! كنت شب ً‬

‫‪176‬‬
‫املندوب‪ :‬السيدة الفاضلة إيزيس كانت هائمة يف رواياتك‪ ،‬حتلم‬
‫صباحا‪ ،‬وتتابع الطباعة والنشر‬
‫ً‬ ‫ليل وتصحو لترسمها‬ ‫بها ً‬
‫دائما‪ ،‬باختصار‪،‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬بصفتها زوجة املؤلف املسافر ً‬
‫السيدة إيزيس كانت تعيش معك أنت ال معي أنا‪ ،‬ولهذا‬
‫انفصلنا‬
‫يوسف‪ :‬وملاذا أرسلتك إيزيس اليوم؟ ماهي خدعتها اجلديدة؟‬
‫املندوب‪ :‬ال خداع بعد اليوم‪ ،‬جئتك بنفسي ألنني مللت من الزيف‬
‫واخلداع‪ ،‬فاض كيلي وطفح‪،‬ال عالقة إليزيس مبجيئي‬
‫جمعت أشالءك املبعثرة ووضعتها‬ ‫إليك‪ ،‬إيزيس هي من ّ‬
‫يف كتاب‪ ،‬فدبت الروح يف أوراقك املدفونة‪ ،‬اسمع‪ ،‬سأعرض‬
‫عليك صفقة‬
‫يوسف‪ :‬أتظن أني سأثق بك وأسمعك؟‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫بد أن ننهي هذا األمر اآلن‬


‫املندوب‪ :‬ستسمعني‪ ،‬ال َّ‬
‫يوسف‪ :‬وكيف ننهيه برأيك؟‬
‫املندوب‪ :‬أنا ال أعيش حياتي‪ ،‬أعيش حياتك أنت‪ ،‬لقد ُسلبت ذاتي‪،‬‬
‫تالشت شي ًئا فشي ًئا حتى توارت‪ ،‬كان يجب أال أتورط يف‬
‫كل هذا‪ ،‬لكن لم يفت األوان بعد‪ ،‬ما زلت أحيا‪ ،‬وأنت‪ ،‬لست‬
‫مجبرا أن متوت هنا غير مدرك كم يحب الناس أعمالك‪،‬‬ ‫ً‬
‫ويشهد لك العالم باإلبداع‪ ،‬لنعيد األمور إلى نصابها‪ ،‬اخرج‬
‫إلى هذا العالم يا سيد يوسف‪ ،‬مجدك ومحبيك وملهمتك‬
‫يف انتظارك‪ ،‬هاجر من هذه املدينة إلى رأس اخلليج‬
‫يوسف‪ :‬أخرج؟ بهذه السهولة؟!‬
‫املندوب‪ :‬وما مينعك؟‬
‫(يخرج محفظته ويستعرض ما فيها ويسلمها له)‬
‫اسمك يوسف ندمي؟ وهذا حسابك البنكي‪،‬‬
‫(يخرج من جيبه ميدالية مفاتيح)‬

‫‪177‬‬
‫وهذا مفتاح منزلك أجمل بيت يف جزيرة الفردوس‬
‫(يخرج ظر ًفا من سترته)‬
‫كدت أنسى‪ ،‬وهذه بطاقة دعوة حلضور العرض األول‬
‫أخيرا سيقابل‬
‫ً‬ ‫لفيلمك اجلديد ليلة اخلميس القادم‪،‬‬
‫اجلمهور األديب الرحالة بعد أن عاد من سفره الطويل‪،‬‬
‫اخرج للناس فهم ينتظرون رؤيتك يوسف‪ :‬وسماعك‬
‫يوسف‪ :‬وإيزيس؟‬
‫املندوب‪ :‬السيدة إيزيس تنتظرك يف رأس اخلليج‬
‫يوسف‪ :‬وأنت؟ أال حتتاج إلى هذه األشياء‬
‫مسرعا يرتدي مالبسه)‬
‫ً‬ ‫(يتجه يوسف إلى الباب‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫املندوب‪ :‬لقد اكتفيت منها‬
‫يوسف‪ :‬ألن تأتي معي؟‬
‫املندوب‪ :‬ال ال‪ ،‬رأس اخلليج لن يحتمل إال يوسف ندمي واحد‪،‬‬
‫سنتبادل األماكن وأبقى هنا مكانك ما رأيك؟‬
‫يوسف‪ :‬بالطبع إنها غرفة يوسف ندمي‪،‬‬
‫(ينتهي يوسف من ارتداء مالبسه ويعود)‬
‫يوسف‪ :‬هل ميكنني استعارة حذائك؟‬
‫املندوب‪ :‬بالطبع‪ ،‬إنه حذاء يوسف ندمي‬
‫يوسف‪( :‬يتبادالن الشبشب واحلذاء‪ ،‬يفتح يوسف الباب ويهم‬
‫باخلروج)‬
‫يوسف‪ :‬سآتي لزيارتك‬
‫فغالبا سأعود لركوب البحر‬
‫ً‬ ‫املندوب‪ :‬قد ال جتدني‬
‫(يخرج يوسف يغلق الباب برفق‪ ،‬يتجه املندوب نحو‬
‫طا ويشغله‪،‬‬‫الكاسيت وينتقي شري ً‬
‫ينظر لدمية إيزيس‪ ،‬يتحرك نحوها يحملها ويضعها يف‬
‫التابوت‪،‬‬

‫‪178‬‬
‫يخرج من التابوت رزمة ورق ويغلقه‪ ،‬ميدد جثته على‬
‫السرير ويقرأ من الورق)‬
‫عاريا‬
‫حافيا ً‬ ‫ً‬ ‫«اآلن عزم على مفارقة احلياة‪ ..‬غادر صومعته‬
‫إال من سروال قصير مهترئ بالكاد غطى عورته‪ ..‬وهام يف‬
‫الشوارع كمجذوب‪ ..‬لم يبا ِل بعيون الناس املصوبة نحوه‪..‬‬
‫وال بألسنتهم‪ ..‬وصل إلى اجلسر واعتلى سوره‪ ..‬ورأى حتته‬
‫املاء الراكد ينتظر خطوته ليبلعه‪ ..‬تراجع وقال نفسه‪:‬‬
‫« رمبا كان من املناسب أن أودع احلياة بأغنية أخيرة»‬
‫أغمض عينيه وشهق شهقة عميقة‪ ..‬فسمع صوتها يف قرارة‬
‫نفسه تنشد‪:‬‬
‫والُ ُّم َو ْال ْب َنة‪ ..‬وال َّزو َ‬
‫جةُ وال َْعز َْبا ُء‬ ‫يرة‪ْ ..‬‬
‫*»ألنّني األُو َلى َو ْالَ ِخ َ‬
‫والعاقر‪..‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫ْص ْون‪..‬‬‫أوالدي ال ُيح َ‬‫الوالدة‪..‬وأل َّن ِ‬‫َ‬ ‫ألن َِّني ال َْع َزا ُء ِف آال ِم‬
‫خت َزوجي‪..‬‬ ‫وألن َِّني ِذ َرا َعا أُ ِّمي‪..‬وأم أَبِ ي‪ ..‬وأُ ْ‬
‫َو َل َّن َزوجي هو ابني‪..‬‬
‫ألن َِّني ُك ُّل ذلك‪..‬‬
‫قد ُموا ِلي االحترا َم على الدوام‪* »..‬‬ ‫ِّ‬

‫أحس بيد متسكه من كتفه فأفاق من خياله وفتح عينيه‪..‬‬


‫فوجدها أمامه تنتشله من موته‪ ..‬وتبعث روحه من جديد»‬
‫تدريجيا حتى اإلظالم)‬
‫ً‬ ‫(يضع الكتاب‪ ،‬ينام‪ ،‬تخفت اإلضاءة‬

‫(ستار)‬

‫‪179‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬
‫سيد عبد الرازق‬
‫شاعر‪ ،‬وكاتب مسرحي‪ ،‬ومدقق لغوي‪ ،‬وطبيب بيطري حكومي‬
‫جائزة الشارقة لإلبداع العربي‪ ،‬فرع النص املسرحي‪ ،‬فبراير ‪1202‬م‪.‬‬
‫جائزة البردة‪ ،‬فرع شعر الفصحى‪ ،‬وزارة الثقافة والشباب وتنمية املجتمع‪،‬‬
‫ديسمبر ‪6102‬م‪.‬‬
‫جائزة البردة‪ ،‬فرع شعر الفصحى‪ ،‬وزارة الثقافة والشباب وتنمية املجتمع‪،‬‬
‫ديسمبر ‪4102‬م‪.‬‬
‫جائزة األمير عبداهلل الفيصل العاملية للشعر العربي‪ ،‬فرع الشعر املسرحي‪،‬‬
‫أكادميية الشعر العربي‪ ،‬يونيو ‪0202‬م‪.‬‬
‫جائزة احلرية لألسرى‪ ،‬فرع شعر الفصحى‪ ،‬هيئة شؤون األسرى واملحررين‪،‬‬
‫يوليو ‪7102‬م‪.‬‬
‫•جائزة مهرجان إبداع املسرحي‪ ،‬فرع تأليف األشعار‪ ،‬ثالث دورات متتالية‪،‬‬
‫املهرجان الثامن والتاسع والعاشر‪ ،‬جامعة أسيوط‪2202 -9102 ،‬م‪.‬‬
‫•جائزة وزارة الثقافة املركزية‪ ،‬فرع شعر الفصحى‪ ،‬مايو ‪9102‬م‪.‬‬
‫•جائزة وزارة الدفاع‪ ،‬فرع شعر الفصحى‪ ،‬إدارة الشئون املعنوية‪ ،‬ثالث دورات‬
‫متتالية‪ ،‬أغسطس‪4102‬م‪ ،‬يناير وأكتوبر ‪5102‬م‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫ثالثًا‬
‫مسابقة المونودراما‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫مونودراما‬
‫راقص الفالمنكو‬

‫تأليف‬
‫سيد محمد عبد الرازق‬

‫‪181‬‬
‫* من (أناشيد إيزيس) املكتشفة يف (جنع‬
‫حمادي)(املسرح مظلم‪ ،‬تضاء بؤرة يف وسط‬
‫املسرح‪ ،‬رجل ثالثيني مقيد يعطي ظهره‬
‫للجمهور‪ ،‬يسمع صوت دوي رصاص‪ ،‬يلقي‬
‫رأسه جانبا وميوت‪ ،‬يظلم املسرح)‬
‫**‬
‫(يضاء املسرح خاليا متاما من كل شيء‪،‬‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يدخل الرجل يطوف باملسرح جيئة وذهابا‬
‫مترقبا‪ ،‬ينظر إلى الكواليس ميينا ويسارا‬
‫بحذر‪ ،‬حتى يصل إلى وسط املسرح‪ ،‬يرقص‬
‫رقصة الفالمنكو ثم ينفجر ضاحكا‪)...‬‬
‫***‬
‫قلت لهؤالء املجانني إنهم لن يجدوني‪ ،‬منذ تلك الرصاصة التي‬
‫سكنت يف (يفتش يف جسده) ال أعرف على وجه التحديد أين‬
‫سكنت فقد كنت ميتا حينها‪ ،‬كل ما أذكره أن األوغاد التابعني‬
‫لفرانكو اقتادوني ومجموعة من هؤالء الذين ال ناقة لهم يف‬
‫األمر وال جمل‪ ،‬تعبير عربي جميل‪( ،‬منظ ًِّرا) دائما ما كنت يف‬
‫كتاباتي أجنح للتعبيرات العربية‪ ،‬ورمبا كان هذا سبب قتلي‪ ،‬لقد‬
‫قلت يوما إن دخول اإلسبانيني إلى غرناطة كان يوم شؤم‪ ،‬وإن‬
‫حضارة رفيعة بادت لتحل محلها قرى أكثر فجاجة (يفكر يف‬
‫السجع) و‪ ...‬جلاجة و‪ ...‬سماجة و‪ ،...‬ورمبا ألن زوج أختي كان‬
‫من اليساريني املعروفني يف مجلس النواب اإلسباني‪ ...‬تعرفون‬

‫‪182‬‬
‫أن املرء يف زمان ما ومكان ما قد يناله العقاب ملجرد النسب‬
‫أو اللون أو الدين أو العرق أو اجلنس‪( ...‬يضع يده على فمه‬
‫ويشهق) رمبا اعتبروني معاديا لإلسبانية‬
‫(متقمصا دور املحلل السياسي)‬
‫لكن ال أظن‪ ...‬أظن أن األمر متعلق بأسباب أخرى أكثر‬
‫حساسية وشمولية وتركيبا وترتيبا وتأثيرا‪ ،‬األمر الذي دعى‬
‫وساعد وبارك وبرر ل َق َتل َِتي أن يلجأوا إلى مشروع التخلص مني‬
‫دون تفكير‪ ،‬على الرغم من أن املشاريع تخضع لعوامل عديدة‬
‫منها التفكير والتخطيط واملبادرة والتنفيذ والتقييم واملراجعة‬
‫والتقومي و‪...‬‬
‫(مبلل) ما هذا لقد أصبحت ثرثارا جدا بعد املوت‪ ،‬املهم أنهم‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫لم يعطوا املسألة كثيرا من الوقت ‪ ...‬القرار ‪ ...‬ثم ‪( ...‬يشكل‬


‫أصابعه كمسدس) تك وانتهينا‪.‬‬
‫(يتجول يف املسرح)‬
‫حسنا ما الذي أحتاجه يف هذا السكن اجلديد؟ ‪ ...‬آه كتبي‪ ،‬ال‬
‫غنى لي عن كتبي‪ ،‬أين تركتها آخر مرة؟‬
‫(يخرج إلى الكالوس ثم يعود‬
‫محمال ببعض الكتب على‬
‫مقعد‪،‬يجلس ويبدأ يف ترتيب الكتب‬
‫مدندنا)‬
‫ضي‬‫عان ِقيني ق َِّب ِلي َعي َن َّي وا ْم ِ‬
‫ده ًشا ‪ِ ..‬‬
‫موتي ُم ِ‬
‫صب ُح ِ‬
‫هكذَ ا ُي ِ‬
‫عجبا! املوت يعطينا حر َّية غريبة‪ ،‬فأنا إسباني‪ ،‬ولدت يف‬
‫غرناطة‪ ،‬وبعد عمر من األلم والكتابة والتجوال والترحال قالوا‪:‬‬
‫(يخرج نظارة من جيبه‪ ،‬يأخذ‬
‫وضعية مذيع األخبار ممسكا ببعض‬

‫‪183‬‬
‫األوراق)‬
‫وقد لقي الفقيد مصرعه يف التاسع عشر من أغسطس عام ألف‬
‫وتسعمائة وستة وثالثني إبان حركة فرانكو التي قادها ليعيد‬
‫إلى إسبانيا مجدها التليد بعد أن وقعت ضحية للعنف والعنف‬
‫املضاد‪ ،‬أما عن الفقيد فقد سقط لتشابه اسمه ‪ ...‬وعمره ‪...‬‬
‫وشكله ‪ ...‬مع اسم مطلوب آخر (بإيقاع بطيء) وهذا يحدث‬
‫كثيرا أثناء احلروب‬
‫(يتأوه ثم يلقي األوراق‪ ،‬ميسح‬
‫وجهه‪ ،‬يالحظ النظارة فيلقيها‬
‫جانبا)‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫صراحة لم يقولوا الفقيد أو الشهيد أو حتى البليد ‪ ..‬احلقيقة‬
‫أنه لم ينشر أحد عني حينها أي شيء‪ ،‬كان فرانكو قابعا على‬
‫أنفاسهم كما يقبع الشريط الالصق‪ ،‬ثم توالت األحداث‬
‫(يبدأ يف التقافز وكأنه يعلق على مباراة‬
‫كرة قدم)‬
‫متردت املحمية اإلسبانية يف املغرب ‪ ...‬ثم متردت بامبلونا‪...‬‬
‫ومنها إلى بورغوس‪ ...‬ثم تداعت سرقسطة‪ ...‬وها هي بلد‬
‫الوليد على املحك‪ ...‬اآلن الدور على قادس‪ ،‬ثم على قرطبة‪...‬‬
‫ومن قرطبة إلى إشبيلية‪ ...‬سقطت إشبيلية ‪ ...‬ثم سقطت‬
‫احلكومة ‪ ...‬ثم ها هي اجلمهورية اإلسبانية الثانية ‪ ...‬ستسقط‪،‬‬
‫ستسقط‪ ،‬سقطــ ااااااا ت‪( ،‬يصفر ويتجه ألسفل يسار املسرح‬
‫ويرقص كالعب كرة قدم) هدف‪ ،‬هدف‪ ،‬هدف ‪ ...‬فرانكو واحد‬
‫‪( ...‬بخيبة) وأنا وإسبانيا صفر‪( ...‬صمت)‬
‫سئلوا عن فعلتهم قال فرانكو‪( ...‬يبدأ‬‫اجلميل يف األمر أنهم حني ُ‬
‫يف النحيب) لقد وقع ضحية للحرب‪ ،‬وعادة يسقط يف احلروب‬

‫‪184‬‬
‫بعض البرءاء اااااء الذين ال ناقة لهم وال جمل ‪( ...‬يتوقف)‬
‫ال إنني هكذا أكرر نفسي ‪( ..‬متباكيا مرة أخرى) البرءاء ااااء‬
‫البسطاء ااااء اللطفاء ااااء ‪ ..‬ال لقد أصبح ظلي هكذا ثقيال‬
‫جدا‪ ،‬أما عن اآلخرين فقد قالوا‪ :‬لقد قتله اجلينرال فرانكو ألنه‬
‫(يدور حول املقعد يف دائرة كأنه يوجه اتهامات بأصوات مختلفة)‬
‫يساري ‪ /‬جمهوري ‪ /‬شيوعي ‪ /‬اشتراكي ‪ /‬أناركي ‪ /‬منحاز ‪/‬‬
‫متورط ‪ /‬شاعر ‪ /‬مسرحي ‪ /‬غارق من رأسه إلى إصبعه يف‬
‫مثلي (يدور حول‬‫ّ‬ ‫خيانة إسبانيا‪( /‬هامسا يضع يده على فمه)‬
‫نفسه ناظرا ملؤخرته) أنا؟! مثلي؟!‬
‫(يسقط على املقعد‪ ،‬يتباكى‪ ،‬ثم فجأة يعود‬
‫لترتيب الكتب)‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫لكن ال يهم فأنا اآلن بعيد عن أيديهم وأتغنى بأغنية عربية‬


‫صدرت عام ألفني‪ ،‬قوة خارقة هذا املوت‪ ،‬يجوز بنا العالم زمانا‬
‫ومكانا دون قيد أو شرط أو حاجز أو سد أو ‪ ..‬أووه عدنا إلى‬
‫الثرثرة من جديد ‪ ...‬هكذا لن أنتهي من الترتيب قبل املساء‬
‫‪ ...‬ولكن أي مساء أنا ال أعرف إن كنت يف املساء أو الصباح أو‬
‫الظهيرة‪ ،‬على كل يجب أن أنتهي من الترتيب قبل (محتارا) ‪...‬‬
‫قبل أي شيء‪ ،‬أين أضع هذا املقعد؟‬
‫(يتلفت يف املكان‪ ،‬ويينقل الكرسي مرارا)‬
‫هنا ‪ ..‬ال ال ‪ ..‬بل هنا ‪ ..‬هنا أكثر ذوقا ‪ ..‬ما هذا السخف ‪..‬‬
‫هنا أفضل بكثير ‪..‬‬
‫(يجلس أخيرا عليه وميسك أحد الكتب‪،‬‬
‫يتصفحه)‬
‫ال أدري أين كان عقلي وأنا أكتب للعالم تلك الكلمات الشوهاء‬
‫أو العرجاء أو الصماء أو البكماء‪ ،‬ال ال إنني أظلم نفسي كثيرا‬

‫‪185‬‬
‫بهذا الوصف‪ ،‬بل إنها كانت ( ُم َنظ ًِّرا مرة أخرى‪ ،‬وبإلقاء شعري)‬
‫تستشرف املستقبل‪ ،‬وتنظر بعني ثاقبة إلى إسبانيا ما بعد‬
‫ت بزوال الفاشية واندحار هتلر وحلفائه يف‬ ‫فرانكو‪ ،‬ولقد تنبأ ْ‬
‫احلرب ‪...‬‬
‫(يلقي بالكتاب جانبا)‬
‫ما هذا الكذب الواضح؟ ال أعرف سبب جنوح الشعراء والكتاب‬
‫دائما إلى أن يتحدثوا عن املستقبل وأن يضعوا نبوءاتهم‬
‫الشخصية يف كتاباتهم زاعمني أنها جزء من اإللهام‪ ،‬صراحة‬
‫‪( ...‬هامسا) نحن كذابون جدا ‪ ...‬الكتابة عن النبوءات ثدي‬
‫متدفق ال يتوقف عن إدراره أبدا ‪ ..‬فإن صادف وحدثت النبوءة‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫فنحن أهل كشف‪ /‬واستشراف‪ /‬ورؤيا‪ /‬ورؤية مغايرة‪ /‬وقراءة‬
‫عبر الوعي السابق على العصر‪ /‬إلخ إلخ إلخ‪ ،‬وإن لم تتحقق‬
‫نتذرع بأن املوت عاجلنا وأن املستقبل يحمل يف رحمه نبوءاتنا‬
‫‪ ...‬وحينها سنكون متنا كما أنا اآلن وال يهم إن حدثت أم ال ‪..‬‬
‫ال يهم ‪ ..‬ورمبا كانت نبوءاتنا متأخرة وثرثارة وال شيء آخر‪...‬‬
‫(متأففا) أووه الوقت مير ‪ ...‬وما زال أمامي الكثير لترتيب‬
‫مثواي األخير أو ليس األخير‪ ،‬حسب هؤالء الذين يقلبون األرض‬
‫بحثا عني زاعمني أن لديهم حمضي النووي‪ ...‬وإلى أن حتني‬
‫هذه اللحظة ال بد من ترتيبه بشكل الئق ‪( ...‬يفكر) ما الذي‬
‫أحتاجه أيضا؟ آه املسدس‬
‫(يخرج إلى الكالوس يف الناحية األخرى‬
‫ويدخل حامال مسدسا عتيقا‪ ،‬بغضب‬
‫وتوعد)‬
‫هكذا لن أنسى من قتلوني أبدا‪ ،‬سأضع هذا املسدس دائما‬
‫أمامي‪ ،‬سأجلسهم هنا واحدا واحدا وأحاكمهم على ما فعلوه‬

‫‪186‬‬
‫‪ ..‬ما ذنب أختي كونشا وهم يقيدون معصميها بعد أن أبرحوا‬
‫والدي املسن ضربا ‪ ..‬كانوا يلطمونها (يجسد املشهد) انطقي‬
‫‪ ...‬أين ذهب أخوك اللعني ‪ ...‬هل يظن أنه سيتوارى عن عيوننا‬
‫ولن نصل إليه؟ لقد أصبح إلسبانيا جند يسهرون على حمايتها‬
‫من األوغاد اخلونة مثل أخيك‪ ،‬لقد انتصر القوميون يف النهاية‪،‬‬
‫كتائب الفاالنخ ترشق بالدم من يرشق إسبانيا حتى بالكلمة‪ ،‬لقد‬
‫انتصرنا رغم ما حاكه أخوك البغيض وأمثاله من مؤامرات ضد‬
‫الدولة‬
‫(يسقط املقعد على األرض‪ ،‬ويضع رجله‬
‫كأنه يضعه على رأسها وهي مقيدة يف‬
‫املقعد)‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫سفلة وضيعون ‪ ...‬ما الذي لم يعجبكم ‪ ...‬االنضباط‪ ،‬القيم‬


‫الكنسية املحافظة ‪ ...‬تريدونها دون ضابط أو رابط ‪ ...‬أيها‬
‫املت َفلِّتون اخلونة‬
‫(يهوي على رأسها باملسدس فينكسر جزء‬
‫منه‪ ،‬فيعود لهدوئه)‬
‫ما الذي فعلته اآلن يا لغبائي ‪ ..‬كيف سأحتفظ به مكسورا؟‬
‫ليس مهما‪ ،‬املهم أن أحتفظ به لوقته (يتلفت ميينا ويسارا) ماذا‬
‫تبقى؟ أشعر أنني نسيت شيئا ‪ ...‬أو رمبا أشياء ال أعرف ‪ ...‬نعم‬
‫تذكرت (يتعثر وهو يف طريقه للخروج‪ ،‬ويسقط) ثانية؟!‬
‫(يعود وهو يدفع البيانو العتيق إلى يسار‬
‫املسرح)‬
‫ألن أتخلص من هذه األمور السخيفة ‪ ...‬يف املاضي سلمنا‬
‫لألمر الواقع ولكن ملاذا اآلن؟ أخبرتني أمي أنني لم أتكلم حتى‬
‫الثالثة (يتلعثم) أمـ أمممــ مي ‪ ..‬ولم أمش حتى الرابعة (يحرك‬

‫‪187‬‬
‫أقدامه وهو يدفع البيانو بصعوبة بالغة) رمبا لهذا حينما قتلوني‬
‫وأنا يف الثامنة والثالثني من عمري كنت قد سابقت األيام بعد‬
‫أن انحلت عقدة لساني وقدمي وطفت بإسبانيا‪ ،‬مبدنها وقراها‬
‫وأحيائها‪( ،‬يطوف املسرح وهو يرقص الفالمنكو) غرناطة‪،‬‬
‫فوينتي فاكيروس‪ ،‬أسكيروسا‪ ،‬حي السكرامنتو الغجري ‪...‬‬
‫(يتوقف) آه ألغاني الغجر ‪ ..‬إنها تبعث األندلس من جديد‪،‬‬
‫(يعود للرقص) البيازين‪ ،‬مقهى أالميدا‬
‫(يجلس على الكرسي أمام البيانو‪ ،‬ويعزف‬
‫عزفا نشازا وهو يتغنى بأسماء املدن‬
‫ومعاملها)‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫مدريد‪ ،‬البرادو‪ ،‬أتنيو مدريد‪ ،‬الرتيرو ‪( ..‬يتوقف عن العزف‬
‫فجأة) فيثنار وألفاكار (يضرب بأصابعه العشر على البيانو‪،‬‬
‫يسقط على األرض للحظات‪ ،‬ثم يتدحرج) هكذا يف كل إسبانيا‬
‫كان لي موضع قدم ‪( ...‬بحنني كبير) يالها من أيام‪ ...‬ويلي لقد‬
‫نسيت أهم شيء‬
‫(يخرج إلى الكالوس‪ ،‬ويعود ومعه منديل‬
‫نسائي‪ ،‬يضعه على البيانو‪ ،‬ويبدأ يف النقر‬
‫على أصابع البيانو بهدوء)‬
‫آه يا آن ماريا ‪ ...‬لم يكسرني يف هذا العالم غيرك ‪ ...‬هل كنت‬
‫بعيدا عن قلبك إلى هذا احلد ‪( ...‬محتدا) أنا لست وغدا أو‬
‫وضيعا ‪ ...‬أنا لم أبع مبدئي يوما يا آن ‪ ...‬لقد كرهت فرانكو‬
‫وهتلر وموسوليني وما زلت أكرههم وسأكرههم حتى أموت ‪..‬‬
‫(يتوقف) ما هذا العته أنا ميت بالفعل‪ ،‬ليس مهما ‪ ...‬املهم أن‬
‫احلياة اآلن جميلة بعد أن قضوا جميعا ‪ ...‬أنت ال تقلني عنهم‬
‫جرما‪ ...‬لقد استعمرت قلبي‪ ،‬وزرعت راياتك الفاشية فيه‪ ،‬ثم‬

‫‪188‬‬
‫ما لبثت أن تركته للفوضى واجلراح واآلالم‪ ...‬تركته خلفك جثة‬
‫هامدة عفنة ينهشها دود األيام وحترقه إسبانيا بلهيبها ‪ ...‬ماذا‬
‫لو أنك أحببتني يا آن؟!‬
‫(يصدر نغمة ناشزة طويلة‪ ،‬منظرا)‬
‫احلقيقة أنه من اجلميل أنك تركتني‪ ،‬صحيح لقد وقع قلبي‬
‫حتت تأثير هزة قلبية مبقياس ثمانية على مؤشر ريختر‪ ،‬لكن‬
‫لوال صفعتك لقلبي ملا استطعت االندماج والتفاني واالنخراط‬
‫واالنشغال واإلخالص للعمل (يلقي املنديل من على البيانو)‬
‫موتي بغيظك يا آن (يخرج للمنديل لسانه)‪ ،‬تعبير عربي جميل‬
‫آخر‪ ،‬لقد كان لك الفضل بهجرانك الفظيع املريع الشنيع أن‬
‫أتبنى فكرة املسرح الذي يجوب إسبانيا‪ ،‬حتى ال أفرغ لتذكر‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫وجهك الدميم‪ ،‬أيتها الشمطاء‪( ...‬متباهيا) ليس املسرح فقط‬


‫ولكن للوحاتي التي لم تكن قد اكتملت‪ ،‬ها هي تلقي بثقلها يف‬
‫جاليري داملاو ‪ ...‬أشعر أنني لو كنت أكملت مسيرتي يف مسألة‬
‫الرسم هذه لرمبا كنت تفوقت على أخيك النرجسي سلفادور‬
‫دالي ‪ ...‬رمبا كانت لي ريادة السيريالية يف هذا العالم املقيت ‪...‬‬
‫(يلتقط املنديل من األرض‪ ،‬بغضب شديد)‬
‫هل تظنينني أكذب؟ (بهدوء تام) حسنا أنا كذبت هذه املرة فعال‪،‬‬
‫لكنها ليست املرة األولى التي أكذب فيها‬
‫(يتجه إلى الكتب‪ ،‬ويبدأ يف مسحها‬
‫باملنديل)‬
‫يف الوقت الذي أرسلني فيه والدي دون رودريغيز لدراسة احلقوق‬
‫(يتلفت حوله‪ ،‬هامسا) كنت أدرس أنا كلية اآلداب‪ ،‬وعلى كل أنا‬
‫لم أفلح ال يف هذه وال يف تلك‪ ،‬إنها حياة مريعة تلك احلياة‬
‫التي يتعلم أصحابها فيها فن احلياة من الكتاب‪ ،‬احلياة جتربة‬

‫‪189‬‬
‫والكتابة جتربة والشعر جتربة واملسرح جتربة‪ ،‬ال يتسور احلياة‬
‫إال من لم يستطع أن يرغمها على أن تفتح أبواب أسرارها له‪،‬‬
‫فيعيش على حافة غالفها منتظرا‪ ،‬وإن جتاسر يوما على تأملها‬
‫فهو يتأملها بعيون كاتب آخر أو رسام أو ملحن‪ ،‬تبا لهذه احلياة‬
‫التي تختبئ خلف ألف قناع‬
‫(ينتبه أن املنديل اتسخ)‬
‫ما الذي أفعله؟ أشعر أنني أفسد كل شيء (يضع املنديل بعناية‬
‫شديدة مكانه على البيانو) عودي يا حبيبتي إلى مكانك‬
‫(يرجع خطوات يتأمل فيها املكان)‬
‫ما الذي لم أحضره؟ ما الــــ‪ ...‬هل أنا مصاب باأللزهامير؟ يبدو‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫أنني كبرت يف السن؟ ما هذا إنني ابن ثمانية وثالثني فقط‪،‬‬
‫املسألة هي اإلجهاد وقلة النوم‪ ،‬أو قلة املوت ال أدري‬
‫(يجول ببصره‪ ،‬ثم يخرج‪ ،‬ويعود محمال‬
‫بحقيبة بها بعض الدوالرات‪ ،‬يخرج بعض‬
‫الدوالرات)‬
‫آه ليتك كنت حقيقة أيتها الدوالرات‪ ،‬كنت لن أبقى هنا طويال‬
‫حتت رحمة هؤالء‬
‫(يبدأ يف وضع الدوالرات يف مكانها وهو‬
‫يدندن األغنية الشعبية)‬
‫آه لو لعبت يا زهر‪ ،‬واتبدلت االحوال ‪ ...‬وركبت أول موجه يف‬
‫سكة االموال‬
‫حني كنت يف نيويورك أزعجني جدا ما رأيت يف أهم شارع يف‬
‫العالم يتالعب بالدوالرات ‪ ..‬وول ستريت ‪ ..‬حقيقة لم تكن‬
‫نيويورك كما توقعتها أبدا‪ ،‬فأنا ذلك الشاعر الغرناطي الريفي‬
‫البسيط‪ ،‬ونيويورك املدينة الصاخبة‪ ،‬مدينة احلديد والنار‪،‬‬

‫‪190‬‬
‫(هامسا) التي تعبد الدوالر‪ ،‬ناطحات سحاب تكاد تخترق‬
‫السماوات‪ ،‬حفالت صاخبة ومدينة ال تنام‪...‬‬
‫(ميثل دور الساحر)‬
‫لكن هذا الوجه السريع اإليقاع واملمتلئ بالبهرجة يخفي وجها‬
‫آخر من القسوة والغلظة ‪ ...‬نيويورك ‪ ...‬التي يعرفها الزنوج‬
‫يف حي هارلم وهم ميوتون من أجل اللقمة والعدالة واملساواة‪..‬‬
‫(يعود للتنظير) ألم أقل إن الغريزة اإلنسانية قد تصطدم مع‬
‫احلضارة املادية؟‪( ...‬متعجبا يهرش رأسه) ماذا‪ ...‬ألم أقلها‬
‫من قبل؟ (يتفحص الورق الذي كان ألقاه) ‪ ..‬حسنا ال يهم فها‬
‫أنا أقولها اآلن‪ ،‬وبكل صراحة لقد استفدت منها أميا استفادة‬
‫فقد صورت كل ما رأيت يف ديوان شعري‪ ،‬نعم قد يكون الشاعر‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫نفعيا بعض الوقت‪ ،‬وقد يستفيد من كل شيء حتى األشياء التي‬


‫يكرهها ويبغضها وميقتها ويعاديها‪ ،‬هكذا نحن الشعراء األشياء‬
‫املتضادة والتي تكره بعضها جنعلها أصدقاء‪( ...‬يتأمل املسرح)‬
‫واآلن ماذا بعد حقيبة الدوالرات؟ ‪ ...‬ماذا أيضا؟‬
‫(يخرج‪ ،‬ويعود مبحرمة حمراء ملصارع‬
‫ثيران)‬
‫أين سأضعك؟ ال أذكر على وجه التحديد‪ ،‬لكن يف املنتصف‬
‫ستبدين جلية وواضحة‪ ،‬لم أفهم يوما احلكمة من مصارعة‬
‫الثيران‪ ،‬ما الذي قد يثبته املرء لنفسه يف تلك احللبة الدموية‬
‫القاسية؟ هل هو حتد سافر لقوى الطبيعة؟ أم درس أخالقي‬
‫مدرسي يف أن العقل قد يتغلب على القوة؟ (متحسرا) أم أن‬
‫احلياة ال حتلو إال باملجازفة يف وجه املوت؟ ‪ ...‬املوت الذي‬
‫خطف زوج أختى كونشا ال لشيء سوى لقناعاته الشخصية‪،‬‬
‫والذي كانت رصاصاته محفورة يف مخزن الغالل يف بيت عمي‬

‫‪191‬‬
‫(يبدأ يف الغناء)‬
‫كان يا ما كان ‪ ...‬يف ليالي غرناطة الباردة‬
‫أن أتى لصان ‪ ..‬يهربان كالغزالة الشاردة‬
‫أحدهما مثقل باجلراح‬
‫وثانيهما مكسور اجلناح‬
‫وخلفهما احلرس املدني يخوض الدجي شاهرا للسالح‬
‫يف مخزن الغالل ‪ ..‬والساعات الطوال‬
‫مات ذو اجلراح ‪ ..‬ليسقط اآلخر يف يد السفاح‬
‫قتلوه رميا بالرصاص دومنا محاكمة‬
‫وحينما اعترض العم الغبي‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫(يتوقف عن الغناء) علموا وجهه فنون لعبة املالكمة‬
‫يالها من معادلة تلك التي تضعك يف املكان اخلطأ والزمان‬
‫اخلطأ‪ ،‬إجناثيو صديقي كان قد اعتزل مصارعة الثيران‪ ،‬لكن‬
‫الغريزة اإلنسانية ‪ ...‬ال ليست تلك التي تقف يف وجه احلضارة‬
‫املادية‪ ،‬بل تلك التي حتن لهتاف اجلماهير‬
‫(يبدأ يف التحرك لوسط املسرح)‬
‫وصيحات املعجبني كاملمثل الذي يتقدم بشغف إلى وسط املسرح‬
‫منتظرا من جمهوره تصفيقا حادا ‪ ،‬وصفيرا يصم اآلذان‪ ،‬وهم‬
‫يهتفون باسمه مدويا‪ ،‬وتتراشق على وجهه فالشات الكاميرات‪،‬‬
‫ميسك بيد فرقته املسرحية وينحني أمام جمهوره العظيم‬
‫(ينحني للجمهور ثم يتحرك للخلف) ثم يتراجع ويتراجع إلى‬
‫أن يكون نقطة صغيرة جدا ال يف عني اجلمهور وحده‪ ،‬بل يف‬
‫عني النقاد واملنتجني واملخرجني حتى يف عني زمالئه الذين‬
‫كانوا يقاسمونه اللقمة والشقاء‪ ،‬يتراجع ألن الزمن دار دورته‬
‫كما دار على إجناثيو يف الثالثة واألربعني ليقبع يف ظالم املسرح‬

‫‪192‬‬
‫خلف الستار وقد انفض العرض‪ ،‬إجناثيو لم يكن صاحب احللبة‬
‫لكن مصارعا آخر ترجاه أن يحل محله وقد كان ‪ ...‬ورمبا كان‬
‫فرانكو محقا يف أن موتي كان مجرد تشابه أسماء‪ ،‬على كل الثور‬
‫األسود أو فرانكو أو احلرس املدني‪ ،‬تعددت األسباب واملوت‬
‫واحد‪( ،‬مبتسما بحزن) إنه التعبير العربي الثالث لهذه الليلة‪،‬‬
‫يبدو أنها ليلة حافلة باملعاني واملرادفات والتراكيب والتعبيرات‬
‫واالستشهادات العربية‬
‫(فجأة يضرب على فخذه)‬
‫الثرثرة ‪ ...‬الثرثرة ‪ ...‬ما هذا اإليقاع البطيء‪ ،‬املهم ‪ ...‬ها أنا‬
‫وصديقي إجناثيو واللصان نتشارك نفس املصير‪ ،‬هو يقتله الثور‬
‫وأنا يقتلني فرانكو‪ ،‬واللصان يقتلهما احلرس املدني‪ ،‬جميعنا‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫حتدى قوة ال قبل له بها‪ ،‬احلبر يف مواجهة البارود‪ ،‬واملحرمة‬


‫احلمراء يف مواجهة قرون الثور الغاضب‪ ،‬والقانون يف مواجهة‬
‫الغابة‪ ،‬وألني أوقن أن الشعراء نفعيون فقد استغللت حادثة موته‬
‫وصغتها بالطبع يف إحدى قصائدي‪ ،‬بل إني وضعت حكمتي حول‬
‫املوت يف ثالثية مسرحية‪ ،‬شهدت منها اثنتني قبل موتي والثالثة‬
‫تركتها لعل مجنونا آخر يحب املوت يقدم على تنفيذها‬
‫(يتأمل املسرح)‬
‫اآلن أظن أنني جلبت كل شيء لسكني اجلديد‪ ،‬وأنه ينبغي علي‬
‫اخللود للراحة‪ ،‬فهؤالء الذين يبحثون عن قبري وعن جثتي لن‬
‫يهدأ لهم بال حتى يجدوني‪ ،‬لذلك أنا سآخذ قسطا من الراحة‬
‫قبل أن أضطر إلى الهرب من جديد والبحث عن موضع آخر‬
‫أنقل إليه كل آثاري كما كنت أفعل طوال اليوم ‪ ..‬حقا ال أعرف‬
‫ما الذي سيفيدهم يف رفاتي هؤالء املجانني‪ ،‬هل سيجعلون‬
‫من قبري مزارا سياحيا‪ ،‬أم مقاما صوفيا؟ ثم ما هذا التمثال‬

‫‪193‬‬
‫الباهت الرخيص الذي أقاموه لي عند املقبرة اجلماعية بني‬
‫فيثنار وألفاكار؟ أال تساوي ذكراي أكثر من متثال زهيد؟ ثم إنه‬
‫حتى ال يشبهني‪( ،‬متوعدا) لو أني أعرف أن هذا ما سيحدث‬
‫كنت ‪ ...‬كنت ‪ ...‬اللعنة لقد مت وانتهى األمر‪ ،‬ما الذي سيفيدني‬
‫حتى وإن صنعوا لي متثاال من البالتني؟ سأرتاح قليال وغدا‬
‫سيكون كل شيء على ما يرام‬
‫(ميدد جسمه على األرض‪ ،‬وميسك‬
‫باألوراق ليغطي بها وجهه‪ ،‬ثم يصرخ‬
‫ويلطم بها وجهه)‬
‫الااااا ‪ ..‬ليس مجددا ‪ ...‬يبدو أني يف رحلتي للموت نسيت عقلي‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫يف أحد الزنازين الفاشية‪ ،‬أو رمبا جاءت الرصاصة يف عقلي‬
‫ولهذا فأنا ال أكاد أتذكر حتى أنسى؟!‪( ...‬يتحسس رأسه من كل‬
‫اجتاه) ليس مهما ‪ ...‬املهم أني تذكرت‬
‫(يقوم ويخرج‪ ،‬ثم يدخل ومعه لوحة امرأة‬
‫مسنة ترقص الفالمنكو يف زي غجري‪،‬‬
‫يتأملها ويحتضنها ويبدأ يف الرقص)‬
‫آه أيتها اخلالة لويسا ‪ ..‬لم أكن أعرف حني رسمت هذه اللوحة‬
‫هل كنت أرسمك يف غرناطة أم أرسم فيك غرناطة بتاللها‬
‫وأنهارها وغجرها وأحيائها وحمرائها‪ ،‬لن أنسى تلك الليلة التي‬
‫رجتني فيها كونشا أن أختبئ يف بيت لويس روزاليس‪ ،‬لم أكن‬
‫أعرف أن لكونشا كل هذه القدرة على قراءة املستقبل‪ ،‬يومها‬
‫أخبرتني أنها ترى مخالب تعدو نحوي‪ ،‬وأن ثمة خنجر خلف‬
‫ستار نافذة الغرفة متوجه إلى صدري‪ ،‬ضحكت وقلت لها إنها‬
‫رمبا أثقلت العشاء‪ ،‬احلقيقة أنها لم تكن تناولت شيئا منذ يومني‬
‫منذ جاءت كتائب الفاالنخ الدموية واقتادوا زوجها إلى غير‬

‫‪194‬‬
‫ت مع أبي وإخوتي وقرروا أن أختبئ ‪ ...‬لم يقنعني‬ ‫رجعة‪ ،‬اجتمع ْ‬
‫أحد إال دمعة عينيها‬
‫(يتوقف عن الرقص ويضع اللوحة)‬
‫ولكن أختبئ‪ ...‬ملاذا؟ أنا لم أنخرط يوما يف حزب سياسي‪،‬‬
‫لم أترشح يوما لالنتخابات‪ ،‬لم أطرد من اجلامعة لدفاعي عن‬
‫أستاذ يساري مثل ما فعل سلفادور دالي ومع ذلك لم يقتل‪،‬‬
‫ملاذا أنا؟ ‪ ...‬واختبأت ‪( ...‬يراجع نفسه ويبدأ يف العد على‬
‫أصابعه) صحيح أنني رمبا شاركت يف فعالية للجمهوريني‪...‬‬
‫ورمبا كان جل أساتذتي منهم‪ ...‬ورمبا شاركت يف تكرمي بعض‬
‫رموزهم‪ ...‬أو وقعت على بيان ما أطلقوه مرة‪ ...‬لكنني لم أكن‬
‫يوما ضد إسبانيا‪ ،‬كان رفاقي يقولون إنه لو قامت حرب أهلية‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫يف إسبانيا وسينجو منها إسباني واحد سأكون أنا‪ ،‬فأنا لم أنحز‬
‫يوما لطرف على حساب اآلخر‪ ،‬كنت دوما إسبانيا إسبانيا فقط‪،‬‬
‫فلماذا يقتلونني يا لويسا؟‬
‫(يعود يحتضن اللوحة ويكمل الرقص)‬
‫كنت إسبان ّية ‪ ...‬إسبان ّية فقط‪ ،‬ال جمهورية وال قومية‪ ،‬بل‬‫ِ‬
‫علي إسبانيا‬
‫ماء إسبانيا وترابها‪ ،‬كنت لي حضنا حينما ضنت َّ‬
‫كلها بحضنها لدرجة أن أهلي اقترحوا أن أتسلل خلف خطوط‬
‫القوميني وأهرب إلى األرجنتني أو الواليات املتحدة أو حتى‬
‫كوبا‪ ،‬لم يكن لي كتف أستند إليه إال كتف اخلالة لويسا‪ ،‬حتى‬
‫ابن أخيك لويس كان يخشى على نفسه مني‪...‬‬
‫(يضع الصورة على الكرسي ويحاول‬
‫إقناعها)‬
‫احلقيقة معه كل احلق‪ ،‬تردده يف استضافتي ينم عن ذكاء فطري‪،‬‬
‫علي كتائب الفاالنخ من جوف‬ ‫فهو إن قبل بي يف بيته وقبضت َّ‬

‫‪195‬‬
‫بيته ووسط أسرته التي كان أكثرها من الفاالنخ أنفسهم سيتهمه‬
‫اجلمهوريون بأنه سلم رأسي وقبض ثالثني قطعة من الفضة‬
‫ليعيد متثيل مشهد يهوذا وهو يبيع املسيح‪ ،‬وإن هو أخفاني‬
‫عن الفاالنخ سيكون مجرما ألنه يتستر على مجرم هارب ورمبا‬
‫عرض نفسه وعرضك أيتها الطيبة للموت أو على أقل تقدير‬
‫لالعتقال وسخط القوميني مهددا مستقبل إخوته العاملني يف‬
‫الفاالنخ كلهم‪ ،‬آه يا لويسا لم يحببني غيرك‪ ،‬ولم ُينسني ُبعدي‬
‫عن أهلي غيرك‪ ،‬ولم ميسك كفي أحد حني كسر الفاالنخ الباب‬
‫ليقتادوني غيرك‪( ،‬متبسما بحزن) ما زالت آثار خربشات‬
‫أظافرك على كفي‪ ...‬لقد كنت شرسة كنمرة يختطفون أبناءها‬

‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬


‫أيتها اخلالة‪( ،‬يقلدها) ال تقل لي خالة‪ ،‬فقط قل لي لويييساااا‬
‫‪ ...‬ما أجملك يا ‪ ..‬لويييساااا‪...‬‬
‫(يضع الصورة يف مكانها على البيانو‪ ،‬بعد‬
‫أن يقبلها على رأسها)‬
‫آه لقد تعبت‪ ...‬حسنا فألخلد للموت اآلن بكل أريحية قبل أن‬
‫يزعجني أحدهم‪( ،‬وهو يلقي ظهره على الكرسي بهدوء) اآلن‬
‫(‪)3‬‬
‫أعانقك يا ذلك املكان اخلالد فى ذاكرتى أبد اآلبدين‬
‫(فجأة يرن هاتفه املحمول)‬
‫ما هذا؟ هاتف محمول أيضا‪( ...‬منتشيا يفرد ذراعيه) ما أجمل‬
‫عبور املوت للزمن‬
‫(يهز رأسه مدندنا بنغمة الرنني وينظر يف‬
‫الشاشة‪ ،‬ثم ينتتر فزعا)‬
‫أهال أهال يا كبير‪...‬‬
‫ال لم أكن نائما‪...‬‬
‫‪ 3‬من مسرحية إبليس ملحمود جمال احلدينى‬

‫‪196‬‬
‫متام ‪...‬‬
‫لقد وضعت كل قطعة من الديكور يف مكانها ‪...‬‬
‫ماذا؟ أنا؟ ال ‪...‬‬
‫ثق متاما ‪...‬‬
‫لقد تلقيت إنذارك املرة املاضية ونحن جنهز ملسرحية مصرع‬
‫جيفارا ولن أفعلها ثانيا ‪...‬‬
‫عمنا أنت مدير املسرح وأنا لن أخلف وعدي لك ‪ ..‬كلمة‬ ‫يا َّ‬
‫شرف ‪ ...‬واهلل لن أفعلها ثانية ‪..‬‬
‫نعم نعم كل شيء كما طلب املخرج متاما ‪ ..‬ال لم أفعل شيئا من‬
‫عند نفسي ‪...‬‬
‫البيانو واملسدس واملنديل والكتب كل شيء كما طلب متاما‪...‬‬
‫األبحاث والنصوص‬

‫حسنا سيدي ‪ ...‬ألقاك يف الصباح ‪...‬‬


‫ماذا؟ نعم‪ ،‬لقد أتقنت رقصة الفالمنكو متاما‪...‬‬
‫مشهد املوت؟ نعم لقد جربته ببقعة الضوء وسيبدو من خلف‬
‫الستار مدهشا‪ ...‬نعم سيدي ‪ ...‬سأُق َتلُ بشكل رائع ال تقلق ‪...‬‬
‫ماذا؟ اللوحة أمام باب املسرح ‪ ...‬ال لم أضعها بعد ‪ ...‬حاال‬
‫سأضعها اآلن (يبعد الهاتف عن أذنه متأذيا من علو الصوت)‬
‫ال تغضب سأضعها فورا‪ ...‬سيكون كل شيء على ما يرام متاما‬
‫حني تأتي ‪ ..‬ال تقلق ‪ ...‬مع السالمة‪ ،‬مع السالمة‬
‫(يخرج مسرعا ويأتي باللوحة إلى أسفل‬
‫وسط املسرح‪ ،‬يعدلها جتاه اجلمهور وهو‬
‫واقف أمامها‪ ،‬يظلم املسرح إال من بقعة‬
‫عليه‪ ،‬يتحرك من أمام اللوحة املكتوب‬
‫عليها بخط كبير‪ ...‬مسرحية لوركا)‬
‫(إظالم)‬

‫‪197‬‬
‫‪198‬‬
‫مهرجان «شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي» الدورة ‪7‬‬

You might also like