You are on page 1of 3

‫الصحافة العربية بين الرأي و الخبر‬

‫منذ فجر الصحف اإلخبارية العربية ‪ ،‬وهي مرتبطة بالسلطة ‪ ،‬وعلى عكس الميديا‬ ‫‪‬‬
‫وسائل اإلعالم األمريكية ‪ ،‬لم تمر الميديا العربية بعملية الكسب التجاري في الصحف‬
‫وال ارتبطت بظهور الطبقة البرجوازية الوسطى ‪.‬‬
‫في فترة ما قبل الحقبة االستعمارية كان الشعر أحد الوسائل المهمة لالتصال في العالم‬ ‫‪‬‬
‫العربي ‪ ،‬فكان يستخدم وسيلة إلخبار الشعوب في الجزيرة العربية حول إنجازات‬
‫القبائل وهزائم أعدائهم ‪ ،‬وبذلك لعب الشعر دورا رئيسيا تعبويا ودعائيا ‪.‬‬
‫بعد مجئ اإلسالم ظهرت سبل أخرى جديدة مثل األئمة أو الوعاظ في المساجد الذين‬ ‫‪‬‬
‫كانوا يتواصلون شفهيا مع المجموع حول موضوعات متنوعة أثناء خطبة الجمعة ‪،‬‬
‫فاإلمام في المسجد والمنادي في المدينة كانا يلعبان دورا في نشر المعلومات وإيصال‬
‫الرسائل ذات المغزى المهم من الجهات الرسمية إلى الشعب ‪.‬‬
‫كانت هناك أيضا قنوات أخرى مثل " نميمة السوق " حيث القيل والقال واالتصاالت‬ ‫‪‬‬
‫الشخصية تلعب دورا مهما في نشر الخبر هنا وهناك ‪ ،‬فقد ظلت لالتصاالت الشخصية‬
‫غير الرسمية دورها المهم بين العرب حتى وقتنا هذا ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من دخول الطباعة إلى العالم العربي خالل القرن الثامن عشر ‪ ،‬فإن أول جريدة‬
‫عربية ظهرت في القرن التالي له ‪.‬‬
‫خضعت الصحف الصادرة في المنطقة مع بدء منتصف القرن التاسع عشر لسيطرة‬ ‫‪‬‬
‫اإلمبراطورية التركية ‪ ،‬وفي دول المغرب العربي ( تونس ‪ -‬الجزائر ‪ -‬المغرب )‬
‫أصدر المستعمر الفرنسي الصحف باعتبارها همزة الوصل بين المستعمرة الجديدة‬
‫والجزر الرئيسية ‪.‬‬
‫أما في مصر فقد كان الحاكم محمد علي يراعى إصدار الصحف لكونها وسيلة تمدن‬ ‫‪‬‬
‫وتحضر في البالد ‪ ،‬كما استخدم الخديوي إسماعيل الصحافة في خططه التحديثية ‪.‬‬
‫كان محتوى الصحف األولى في المنطقة العربية قاصرا على الرسائل الرسمية من‬ ‫‪‬‬
‫المؤسسة السياسية الخاصة بالشؤون الداخلية وأيضا الخارجية ‪ ،‬وإذا تفحصنا جريدة‬
‫الوقائع المصرية عند نشأتها نجد أن المواد التي كانت تتضمنها الصحيفة كانت عشوائية‬
‫وتفتقر إلى التصنيف الواضح الذي يتم تطبيقه اليوم في األخبار ‪ ،‬وكانت تحتوي على‬
‫بعض الشؤون الداخلية والمحاكمات المدنية ‪ ،‬كما تحتوي على قصص حول العالقات‬
‫مع الدول األخرى ‪ ،‬وكانت األخبار السياسية عن أحوال الدول الخارجية هي الغالبة ‪.‬‬
‫شهدت العقود األولى القليلة للصحافة العربية حداثة المضمون وتطور الشكل ‪ ،‬ويرجع‬ ‫‪‬‬
‫ذلك للنخبة المتعلمة من الصحفيين الرواد األوائل وبخاصة في لبنان وسوريا الذين لم‬
‫يدخلوا مهنة الصحافة من أجل الربح ‪ ،‬بل في الحقيقة لم تكن الصحافة كمهنة مصدرا‬
‫للربح ‪.‬‬
‫أدرك المثقفون سلطة الصحافة كأداة تعبئة سياسية ووسيلة لنشر قناعاتهم السياسية‬ ‫‪‬‬
‫واأليديولوجية ‪ ،‬كما ساهم الحكام أيضا في تأكيد هذه النظرة النفعية للصحافة وبدأوا في‬
‫تأييد الصحف التي تدعم سياستهم ‪ ،‬فعلى سبيل المثال اشترى الخديوي إسماعيل أسهما‬
‫في جريدة ‪ le temps‬الفرنسية كي يضمن التغطية التي تنحاز لسياساته ‪ ،‬كما قدم‬
‫رشاوى للعديد من الصحفيين ‪.‬‬
‫انطالقا من الحس المنادي بالوطنية في أوائل القرن العشرين ‪ ،‬لم يستخدم الصحفيون‬ ‫‪‬‬
‫الصحافة لنقل الخبر ‪ ،‬بل للتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم في صورة مقال ‪ ،‬كما‬
‫كانت فترة اختبار للهوية القومية واإلرث الثقافي ألولئك المثقفين ‪ ،‬ربما كان هذا أحد‬
‫األسباب وراء نجاح الصحافة بتحويلها لمنبر للمناظرات السياسية في البالد مصل‬
‫مصر ولبنان وسوريا والجزائر ‪ ،‬حيث يوجد االستعمار األوروبي هو التهديد األكبر‬
‫للحفاظ على الهوية القومية ‪.‬‬
‫أجبرت نسبة األمية المرتفعة في العالم العربي وقلة العوائد اإلعالنية في المنطقة في‬ ‫‪‬‬
‫أوائل القرن العشرين الصحف على االعتماد على إعانات القوى السياسية المختلفة كي‬
‫تستمر ‪ ،‬ومن جانبها رأت هذه القوى في الصحافة قناة ممتدة األذرع للترويج لمبادئها ‪،‬‬
‫بينما كانت الصحافة في البلدان األخرى التي تتمتع باالستقرار السياسي قناة من أجل‬
‫المثقفين لنشر إنتاجهم األدبي مع تركيز أقل على المحتوى السياسي وإن كانت بعض‬
‫األخبار التي تتعلق باألحداث القومية ‪.‬‬
‫في مصر طغى األسلوب األدبي على بعض المطبوعات المصرية ‪ ،‬مما شكل مصدر‬ ‫‪‬‬
‫إلهام لتطوير الصحافة في البلدان األخرى داخل المنطقة ‪ ،‬وكان الجيل األول من‬
‫الصحفيين في تلك الدول هم المصريون ‪.‬‬
‫اتسمت الصحافة في المنطقة العربية في بدايتها بالتركيز على جانب الرأي على حساب‬ ‫‪‬‬
‫الخبر ‪ ،‬وربما يرجع ذلك بشكل أساسي إلى أن الصحفيين األوائل كانوا أدباء من كتاب‬
‫المقاالت وناظمي القصائد الشعرية أمثال عباس العقاد ‪ ،‬طه حسين ‪ ،‬عبدالقادر المازني‬
‫‪ ،‬محمد حسين هيكل ‪ ،‬مصطفى لطفي المنفلوطي ‪ ....‬وغيرهم ‪ ،‬كما أن قارئ األدب‬
‫والنقد كان هو المستهلك األول للصحيفة ‪ ،‬وكانت الصحف تتصارع من أجل احتكار‬
‫أكبر عدد ممكن من أصحاب األسماء الالمعة في دنيا األدب ‪ ,‬تفرد لهم أهم صفحاتها‬
‫وتخضع هذه الصفحات الحتياجاتهم التي توضع في االعتبار‪.‬‬
‫من بين الصحف التي اهتمت بتلك الموضوعات ‪ :‬الجريدة – السياسة األسبوعية –‬ ‫‪‬‬
‫البالغ األسبوعي ‪.‬‬
‫عند نشأة األحزاب السياسية أخذت الصحف تستكتب األدباء حتى يقبل الجمهور علي‬ ‫‪‬‬
‫شرائها ‪ ,‬ولم يكتب األدباء في األدب وحدة ‪ ,‬بل كتبوا في السياسة ودخلوا في‬
‫خصوماتها الحزبية ‪ ,‬ونقلوا هذه الخصومات إلي معارك في األدب القديم والحديث ‪,‬‬
‫ومن هنا اتصلت الصحافة مباشرة بالحركة األدبية وتفاعلتا معًا ‪ ,‬وتأثرت كل منهما‬
‫باألخرى تأثيرًا واضحًا‪.‬‬
‫علي أن األمر لم يقتصر علي هذه الصحف الحزبية ‪ ,‬بل كانت هناك صحافة ثقافية ‪,‬‬ ‫‪‬‬
‫وتمثل مجلتا "الهالل " والمقتطف" هذا اللون من الصحافة ‪ ,‬ولم يقف األمر عند هذين‬
‫اللونين من الصحافة ‪ ,‬بل أن الصحافة الوطنية الثقافية الخالصة ولدت خالل تلك الفترة‬
‫وقد تمثلت هذه الصحافة في مجالت "الرسالة و الرواية و أبو للو و الثقافة وأمثالها" ‪.‬‬
‫تم تم نقل الصيغة األدبية من التقليد األوروبي لتلك الفترة وبخاصة الفرنسي ‪ ،‬فلقد‬ ‫‪‬‬
‫اعتاد الصحفيون األوروبيون على تصنيف أنفسهم على أنهم مبدعو أدب رفيع‬
‫ومفكرون سياسيون عالميون ‪ ،‬فلم يهتم الفرنسيون بجمع األخبار مكتفين بترجمة‬
‫نحتوى الصحافة البريطانية ‪ ،‬بينما ركزوا على كتابة تعليقاتهم ‪ ،‬حيث كان الحد الفاصل‬
‫بين الواقع والرأي غير واضح ‪.‬‬
‫بعد الحصول على استقاللها ‪ ،‬رأت الحكومات العربية القومية الجديدة في الصحافة‬ ‫‪‬‬
‫الوعد والوعيد متمثال في قدرة الصحافة على تعبئة الرأي العام وبخاصة بين النخبة ‪،‬‬
‫وفي المقابل سلطتها في تهديد األسس األيديولوجية للحكومات ‪.‬‬

You might also like