Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة السادسة الصحافة العربية بين الرأي و الخبر د. السيد لطفي
المحاضرة السادسة الصحافة العربية بين الرأي و الخبر د. السيد لطفي
منذ فجر الصحف اإلخبارية العربية ،وهي مرتبطة بالسلطة ،وعلى عكس الميديا
وسائل اإلعالم األمريكية ،لم تمر الميديا العربية بعملية الكسب التجاري في الصحف
وال ارتبطت بظهور الطبقة البرجوازية الوسطى .
في فترة ما قبل الحقبة االستعمارية كان الشعر أحد الوسائل المهمة لالتصال في العالم
العربي ،فكان يستخدم وسيلة إلخبار الشعوب في الجزيرة العربية حول إنجازات
القبائل وهزائم أعدائهم ،وبذلك لعب الشعر دورا رئيسيا تعبويا ودعائيا .
بعد مجئ اإلسالم ظهرت سبل أخرى جديدة مثل األئمة أو الوعاظ في المساجد الذين
كانوا يتواصلون شفهيا مع المجموع حول موضوعات متنوعة أثناء خطبة الجمعة ،
فاإلمام في المسجد والمنادي في المدينة كانا يلعبان دورا في نشر المعلومات وإيصال
الرسائل ذات المغزى المهم من الجهات الرسمية إلى الشعب .
كانت هناك أيضا قنوات أخرى مثل " نميمة السوق " حيث القيل والقال واالتصاالت
الشخصية تلعب دورا مهما في نشر الخبر هنا وهناك ،فقد ظلت لالتصاالت الشخصية
غير الرسمية دورها المهم بين العرب حتى وقتنا هذا .
وعلى الرغم من دخول الطباعة إلى العالم العربي خالل القرن الثامن عشر ،فإن أول جريدة
عربية ظهرت في القرن التالي له .
خضعت الصحف الصادرة في المنطقة مع بدء منتصف القرن التاسع عشر لسيطرة
اإلمبراطورية التركية ،وفي دول المغرب العربي ( تونس -الجزائر -المغرب )
أصدر المستعمر الفرنسي الصحف باعتبارها همزة الوصل بين المستعمرة الجديدة
والجزر الرئيسية .
أما في مصر فقد كان الحاكم محمد علي يراعى إصدار الصحف لكونها وسيلة تمدن
وتحضر في البالد ،كما استخدم الخديوي إسماعيل الصحافة في خططه التحديثية .
كان محتوى الصحف األولى في المنطقة العربية قاصرا على الرسائل الرسمية من
المؤسسة السياسية الخاصة بالشؤون الداخلية وأيضا الخارجية ،وإذا تفحصنا جريدة
الوقائع المصرية عند نشأتها نجد أن المواد التي كانت تتضمنها الصحيفة كانت عشوائية
وتفتقر إلى التصنيف الواضح الذي يتم تطبيقه اليوم في األخبار ،وكانت تحتوي على
بعض الشؤون الداخلية والمحاكمات المدنية ،كما تحتوي على قصص حول العالقات
مع الدول األخرى ،وكانت األخبار السياسية عن أحوال الدول الخارجية هي الغالبة .
شهدت العقود األولى القليلة للصحافة العربية حداثة المضمون وتطور الشكل ،ويرجع
ذلك للنخبة المتعلمة من الصحفيين الرواد األوائل وبخاصة في لبنان وسوريا الذين لم
يدخلوا مهنة الصحافة من أجل الربح ،بل في الحقيقة لم تكن الصحافة كمهنة مصدرا
للربح .
أدرك المثقفون سلطة الصحافة كأداة تعبئة سياسية ووسيلة لنشر قناعاتهم السياسية
واأليديولوجية ،كما ساهم الحكام أيضا في تأكيد هذه النظرة النفعية للصحافة وبدأوا في
تأييد الصحف التي تدعم سياستهم ،فعلى سبيل المثال اشترى الخديوي إسماعيل أسهما
في جريدة le tempsالفرنسية كي يضمن التغطية التي تنحاز لسياساته ،كما قدم
رشاوى للعديد من الصحفيين .
انطالقا من الحس المنادي بالوطنية في أوائل القرن العشرين ،لم يستخدم الصحفيون
الصحافة لنقل الخبر ،بل للتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم في صورة مقال ،كما
كانت فترة اختبار للهوية القومية واإلرث الثقافي ألولئك المثقفين ،ربما كان هذا أحد
األسباب وراء نجاح الصحافة بتحويلها لمنبر للمناظرات السياسية في البالد مصل
مصر ولبنان وسوريا والجزائر ،حيث يوجد االستعمار األوروبي هو التهديد األكبر
للحفاظ على الهوية القومية .
أجبرت نسبة األمية المرتفعة في العالم العربي وقلة العوائد اإلعالنية في المنطقة في
أوائل القرن العشرين الصحف على االعتماد على إعانات القوى السياسية المختلفة كي
تستمر ،ومن جانبها رأت هذه القوى في الصحافة قناة ممتدة األذرع للترويج لمبادئها ،
بينما كانت الصحافة في البلدان األخرى التي تتمتع باالستقرار السياسي قناة من أجل
المثقفين لنشر إنتاجهم األدبي مع تركيز أقل على المحتوى السياسي وإن كانت بعض
األخبار التي تتعلق باألحداث القومية .
في مصر طغى األسلوب األدبي على بعض المطبوعات المصرية ،مما شكل مصدر
إلهام لتطوير الصحافة في البلدان األخرى داخل المنطقة ،وكان الجيل األول من
الصحفيين في تلك الدول هم المصريون .
اتسمت الصحافة في المنطقة العربية في بدايتها بالتركيز على جانب الرأي على حساب
الخبر ،وربما يرجع ذلك بشكل أساسي إلى أن الصحفيين األوائل كانوا أدباء من كتاب
المقاالت وناظمي القصائد الشعرية أمثال عباس العقاد ،طه حسين ،عبدالقادر المازني
،محمد حسين هيكل ،مصطفى لطفي المنفلوطي ....وغيرهم ،كما أن قارئ األدب
والنقد كان هو المستهلك األول للصحيفة ،وكانت الصحف تتصارع من أجل احتكار
أكبر عدد ممكن من أصحاب األسماء الالمعة في دنيا األدب ,تفرد لهم أهم صفحاتها
وتخضع هذه الصفحات الحتياجاتهم التي توضع في االعتبار.
من بين الصحف التي اهتمت بتلك الموضوعات :الجريدة – السياسة األسبوعية –
البالغ األسبوعي .
عند نشأة األحزاب السياسية أخذت الصحف تستكتب األدباء حتى يقبل الجمهور علي
شرائها ,ولم يكتب األدباء في األدب وحدة ,بل كتبوا في السياسة ودخلوا في
خصوماتها الحزبية ,ونقلوا هذه الخصومات إلي معارك في األدب القديم والحديث ,
ومن هنا اتصلت الصحافة مباشرة بالحركة األدبية وتفاعلتا معًا ,وتأثرت كل منهما
باألخرى تأثيرًا واضحًا.
علي أن األمر لم يقتصر علي هذه الصحف الحزبية ,بل كانت هناك صحافة ثقافية ,
وتمثل مجلتا "الهالل " والمقتطف" هذا اللون من الصحافة ,ولم يقف األمر عند هذين
اللونين من الصحافة ,بل أن الصحافة الوطنية الثقافية الخالصة ولدت خالل تلك الفترة
وقد تمثلت هذه الصحافة في مجالت "الرسالة و الرواية و أبو للو و الثقافة وأمثالها" .
تم تم نقل الصيغة األدبية من التقليد األوروبي لتلك الفترة وبخاصة الفرنسي ،فلقد
اعتاد الصحفيون األوروبيون على تصنيف أنفسهم على أنهم مبدعو أدب رفيع
ومفكرون سياسيون عالميون ،فلم يهتم الفرنسيون بجمع األخبار مكتفين بترجمة
نحتوى الصحافة البريطانية ،بينما ركزوا على كتابة تعليقاتهم ،حيث كان الحد الفاصل
بين الواقع والرأي غير واضح .
بعد الحصول على استقاللها ،رأت الحكومات العربية القومية الجديدة في الصحافة
الوعد والوعيد متمثال في قدرة الصحافة على تعبئة الرأي العام وبخاصة بين النخبة ،
وفي المقابل سلطتها في تهديد األسس األيديولوجية للحكومات .