Professional Documents
Culture Documents
مقدمـــة .
المبحث األول :طبيعة الفكر االنساني و أوضاع الصحافة قبل الثورة الصناعية.
-المطلب األول :طابع الفكر االنساني قبل النهضة الفكرية في القرن : 18
-المطلب الثاني :أوضاع الصحافة في القرن الثامن عشر قبل النهضة الفكرية.
-المطلب الثالث :سيطرة الكنيسة و تقيد الفكر و الصحافة .
المبحث الثاني :تطور الفكر و الحريات في القرن 18و أثره على الصحافة .
خـــاتمة :
قـــائمة المراجع .
مقدمة
تعتبر وسائل االعالم و االتصال في وقتنا الحالي قوة بمثابة قوة قائمة بذاتها المحتوى اللذي توفره
فقد استطاعت منذ ظهورها في القرون الماضية فرض وجودها و كونها حدث رئيسيا في تاريخ
البشرية بشكل عام ومع مرور اال زمنة تطورت هذه الوسائل في تقنياتها مما ادى الى تطور تأثير
وبروزه يكل اكبر و اكثر وضوحا ايضا فأصبح تأثيرها يشمل السلوك و المواقف و المعارف
لألفراد و المجتمع وعبر اصعدة مختلفة سواء اجتماعي او اقتصادي او حتى سياسي وخصوصا
الصحافة .
وبما ان الصحافة وسيلة إعالم يتمحور أساسها حول الخبر و الكلمة و تستهدف الرأي العام فقد
نشأ الخالف حول حريتها منذ أن بدأت الطباعة الحديثة في القرن الخامس عشر الميالدي ألن
للكلمات قوة و تأثير كبير على الناس ،هذا بغض النظر عن ارتباط الصحافة بواقع المجتمعات ،
حيث ان الصحافة هي وسيلة و قدرة تمكن افراد المجتمع من التعبير عن آٍرائهم و المطالبة
بحقوقهم و تنقلها عن طريق الصحف و المجالت المختلفة ،فقد جعل هذا الحكام وزعماء الكنيسة
يفرضون قيودا على الصحافة مثلها ومثل الفكر ،حتى القرن الثامن العشر .
ونحن من خالل هذه الدراسة سنسلط الضوء على تطور الفكر و الحريات في القرن 18و عالقته
و أثره على الصحافة من خالل اإلجابة على التساؤالت التالية :
ما عالقة تطور الفكر و الحريات في القرن الثامن عشر بالصحافة ؟ أو بمعنى آخر كيف أثر
تطور الفكر و الحريات على الصحافة في تلك الفترة ؟
المبحث األول :طبيعة الفكر و أوضاع الصحافة قبل الثورة الصناعية.
المطلب االول :طابع الفكر االنساني قبل النهضة الفكرية في القرن : 18
كانت طريقة الحياة في القرن الثامن عشر و قبل تطور الفكر تختلف من مكان آلخر ،اعتمادًا على المناخ
والتربة والبعد عن المدن والطرق التجارية .وكانت حياة معظم الناس القاسية تدور حول المواسم
الزراعية( الزرا عة والفالحة والحصاد وتسويق المحصول) .وعاش الناس تحت الخوف الدائم الحتمال
فشل محاصيلهم .والكثير منهم عانوا من سوء التغذية .ونتيجة لذلك أصابتهم األمراض ،وشا عت األوبئة.
وق ّل انتاج العمال كما قلّ عدد الذين يحصلون على دخول كبيرة ،وانحصرت هذه القلة في مالك
األراضي الزراعية ورجال األعمال وذوى المناصب الرفيعة .وكان القليل من المال يدَّخر أو يتم
استثماره في مشروعات تجارية .وفي واقع الحال كان هنالك قليل من فرص االستثمار .
قبل الثورة الصناعية ،خضعت معظم الدول األوروبية لحكم ملكي ،كان لمالَّك األرض الكبار ،والتجار
األغنياء ،ولبعض رجال الكنيسة في هذه الدول ،نفوذ سياسي كبير .لكن العمال والمزارعين خفتت
أصواتهم في الحكومة .بل إن الكثير من الدول لم تجر انتخابات .وعلى الرغم من وجود برلمان في
بريطانيا ،فلم يسمح بالتصويت إال لدافعي الضرائب من الذكور .وغالبًا فإن قلة من المقترعين هي التي
تحدد من يمثل مقاطعة ما في بريطانيا .وقد تغيَّرت كل هذه األحوال االجتماعية واالقتصادية والسياسية
1
مع تطور الثورة الصناعية .
المطلب الثاني :أوضاع الصحافة في القرن الثامن عشر قبل النهضة الفكرية :
كانت الصحافة في القرن الثامن عشر أبعد ما تكون عن الحرية كما تدل على ذالك شواهد العصر نفسه
إذ كانت تسوده االمتيازات و كان تأسيس جريدة أمرا محاطا بالصعوبات التي يمكن التغلب عليها ،و
لذالك كانت الصحف السياسية قليلة العدد .
ولكن هذا لم يمنع من ظهور بعض الصحف السياسية لكن بصعوبة بالغة و ضغط شديد مثل جريدة
فردان التي كانت تطبع في مدينة فردان فقد حازت استحسان لندن و فيينا فضال عن فرساي و مدريد و
كان اسمها الحقيقي مجلس أمراء أوروبا أو ثبت تاريخي وسياسي لحوادث العصر ..
نجد أيضا الجازيت دي فرانس التي استمرت في الظه ور و لكن في تواضع ودون نشاط ملحوظ ،و أما
جورنال ' ديسافان' فقد جعل منها " دوبو نتشارتران " لسانا للدولة و عين لضمان حسن تحريرها
مجموعة من األدباء المتخصصين في شتى فروع األدب بعد أن تبين أن المهمة كانت أشق من أن
يضطلع بها شخص واحد .
و كما كان الشأن في كل العصور عندما يصيب الحرية نوع من التضييق كانت الصحافة األدبية تزدهر
و يكثر عددها ،ويقول فولتير أنه كانت تظهر في أوروبا 173جريدة أدبية في الشهر .
وقد كثر عدد الصحف األدبية في القرن الثامن عشر كثرة هائلة .
إميل بوفان ،تاريخ الصحافة ،تر :محمد اسماعيل ،وكالة الصحافة العربية ،مصر ، 2018 ،ص 30-27 1
وقد افتتح "جرانجيه الكتبي " ما يسميه ( بالقاعة األدبية ) حيث يتمكن كل من يدفع ثالثة دراهم للجلسة
من االستمرار ساعات طويلة متصلة في قراءة كل ماهو جديد من األنباء " .
ومما يجدر بالذكر ان الصحف السرية كانت سائدة في تلك الحقبة و كانت حافلة بأخبار الكنيسة و رجال
الدين ،و ظلت المجالت المخطوطة قائمة طيلة القرن الثامن عشر .
وفي انجلترا خالل القرن الثامن عشر استفادت الصحاف من النزاع بين حزبي األحرار و المحافظين .
و قد ظهرت في انكلترا خالل تلك الفترة أو صحيفة يومية أوروبية في سنة 1702وهي صحيفة "ديلي
كرانت" .
وكانت جميع طبقات المجتمع في لندن تهتم بالصحف ،وقد دهش مونتسكيو ،حينما الحظ ان أحد عمال
المباني قد أرسل وهو في استراحة العمل إلحضار إحدى المجالت .
عموما في انجلترا او فرنسا او هلوندا وفي أغلب انحاء أوروبا كان الهدف الوحيد للصحف في مستهل
ظهورها جمع االنباء ونشرها على الجمهور ،وكانت الرقابة الغيورة التي تأخذ بخناقها ال تسمح لها
بإضافة أي تعليقات عند رواية الحوادث و بذالك اصبحت مهمتها مجرد قصة شاهد عيان يرويها ارضاء
للفضول البشري ،ثم انقلبت اآلية فيما بعد إذ عملت السياسة التي طالما حاربت ظهور الصحف على
اإلكثار منها ،ورأت األحزاب السياسية في الصحف معينا ال غنى عنه و تكبدت كبار الشخصيات الكثير
من التضحيات حتى تجعل في خدمتها أداة عرفوا خطورتها و سخروها للدفاع عن مذاهبهم و مهاجمة
2
منافسيهم .
قيد الحكام وزعماء الكنيسة كتابة مواد معينة وتوزيعها حتى من قبل أن توجد الصحافة .وفي تلك األيام،
حينما كانت المواد كلها تُكتب باليد ،كانت الكتب التي تُعد ضارة تُصادر أو تُخزن .ومنذ القرن الخامس
الميالدي ،فرضت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية قيودًا على المواد التي تعدها معارضة لتعليمات الكنيسة.
وكان على المطابع أن تحصل على ترخيص من المحكمة ،أو من الهيئة الدينية ألي مواد تريد نشرها .وقد
قام الشاعر اإلنجليزي ،والكاتب السياسي جون ميلتون عام 1644م بنقد مثل هذا الترخيص في كُتيبه آريو
باغيتيكا ،وكانت هذه المقالة من أوائل المقاالت التي ناقشت حرية الصحافة .وفي القرن الثامن عشر
الميالدي حصل الصحفيون على حق االطالع على تقارير جلسات البرلمان ونشرها .وتمكن بذلك الناس
العاديون من قراءة ما يُقال .وبحلول القرن التاسع عشر الميالدي ،حصلت صحافة كثير من الدول على
قدر كبير من الحرية.
أساءت بعض الجهات استخدام حرية الصحافة .ففي أواخر القرن التاسع عشر الميالدي ،مثالً ،نشرت
بعض صحف الواليات المتحدة مواد زائفة ومثيرة لتجذب القراء ،وقد فضل بعض الناس أن تُوقف النظم
الحكومية مثل هذه التصرفات.
المبحث الثاني :تطور الفكر و الحريات في القرن 18و أثره على الصحافة .
اكتست الميول التاريخية والتوجهات الفكرية في القرن الثامن عشر طاب ًعا عقليًّا غلبت عليه النزعة
عتم ًدا على منهج النقد
الواقعية والنظرة اإلنسانية؛ ما ساعد الكتابة التاريخية على أن تنحو من ًحى عمليًّا م ِ
والتمحيص ،ومستندًا إلى أصول البحث الموضوعي ،من أجل الوصول إلى الفهم السليم والتقييم الصحيح
لقضايا التاريخ .وقد عكس هذا التوجه تطلعات حركة التنوير Aufklärung/ Lumièresالتي عرفتها
فرنسا وتأثرت بها أقطار أوروبية كثيرة خالل القرن الثامن عشر ،وهي في األساس فلسفة عقلية تجريبية
مادية تؤمن بالعقل ،وتنأى عن الغيبيات ،وترفض الميتافيزيقا ،وتنظر إلى الدين بعين الريبة ،وتهتم
بالرياضيات والفلك والطبيعة والكيمياء والتاريخ الطبيعي والجغرافيا والطب ،وتسعى إلى التجديد
والتغيير ،وتبحث عن الحقيقة في كل شيء ،تحذو حذوها في ذلك ثقةٌ مطلقة بالعقل وإيمان عميق بقدرة
اإلنسان على صنع مستقبله ،وهذا ما جعلها تركز في اهتمامها على اإلنسان ،وعلى الوسائل التي تكفل له
الرقي والسعادة.
تجاوبت الدراسات التاريخية مع توجهات حركة التنوير ،فأعادت دراسة العصور الكالسيكية ،وتجاوزت
فكر عصر النهضة في محاولتها إلعادة صوغ التاريخ البشري من خالل رؤية وضعية تزاوج بين
التاريخ والفلسفة وعلوم الطبيعة ،وتقوم على فكرة التقدم واالرتقاء في جميع مظاهر الحياة اإلنسانية.
وتأثرت المدرسة التاريخية األوروبية التحررية ذات النزعة النقدية والرؤية الواقعية التي واكبت حركة
التنوير ب عاملين أساسيين :أولهما يتصل بالمادة التاريخية في حد ذاتها ،وثانيهما يعود إلى نوعية األفكار
الفلسفية التي بدأت تنتشر منذ القرن السابع عشر ،وكان لها بحلول القرن الثامن عشر تأثير في الدوائر
صا في األوساط المثقفة .وقد ارتبطت تلك الفكرية األوروبية ،وفي قناعات الفرد األوروبي ،خصو ً
األفكار والرؤى التحررية بفالسفة ومفكرين كان في طليعتهم شارل لوي مونتسكيو وفولتير ودنيس
ديدرو وكوندورسيه.4
3مجموعة من المؤلفين ،الموسوعة العربية العالمية ( النسخة االلكترونية ) ،أعمال الموسوعة للنشر و التوزيع ،المملكة السعودية ، 2004 ،
(مقالة ،حرية الصحافة ).
4ناصر الدين سعيدوني ،الفكر التاريخي االوروبي من القرن السادس عشر الى القرن الثامن عشر ،المركز العربي لألبحاث و دراسة السياسات
،ص .55-54
المطلب الثاني :تطور الفكر و الحريات و أثره على الصحافة :
لقد ساعد على ازدهار الصحف و نهضتها باإلضافة الى اختراع الطباعة و تطور الفن الطباعي الذي أدى
الى اتساع حجم الجمهور القارئ المتابع لها بعد ان كان مقصورا على فئت معينة تتعامل مع األوراق و
الرسائل الخبرية المنسوخة ،إنشاء الخدمات البريدية و تنظيمها مما ساعد على جمع األخبار و نقلها و
تبادلها و أدى الى الرواج الذي عرفته الرسائل اإلخبارية و الدوريات .
كما استفادت الصحف من االختراعات الجديدة و خاصة السكك الحديدة و البواخر و وسائل النقل لمختلفة
التي سهلت عملية توزيع الصحف ،ووصول هذه الصحف الى مصادر األخبار والمعلومات ،باإلضافة
الى اختراع الوسائل البرقية و التلغرافية و نتائجها اإليجابية على تطور العمل الصحفي ،يضاف الى ذالك
الدور الذي لعبه تعميم التعليم ،و الديمقراطية التي شهدتها الساحة السياسية و التحديث الحضري الكبير .
و كذالك الدور الذي قامت به وكاالت االنباء في توزيع األخبار و تنويع مجاالتها وتسويقها للصحف التي
لم تكن قادرة على ا ستخدام أعداد كبيرة من المندوبين الذي ترسلهم لتغطية األحداث الكبيرة .
وكانت النتيجة المباشرة لذالك كل ه ،توسيع حقل االعالم الذي تقوم به الصحف و زيادة حب االستطالع
لدى قرائها ،وكذالك تخفيض سعر بيع النسخة الواحدة من الصحف و تناسب شعبية الصحافة مع ارتفاع
مستوى معيشة الجماهير و التقدم التكنلوجي الذي استفادت منه الصحف و أدى الى تحسين مستوى
انتاجيتها ،و توسعت آالت الطباعة الدوارة ( روتاتيف ) التي شهدت تحسنا مضطردا في ادائها ،وقد
استطاعت هذه اآلالت انجاز طبع 50الف نسخة من اثنتي عشرة صفحة في الساعة الواحدة ،و ادى
التقدم الكبيرة في الزيادة العددة للجمهور القارئ للصحف الى تأثيرات مهمة على مستوى اخراج الصحف
5
و تنوع الفئات التي تخاطبها .
إن النظام اإلعالمي الليبيرالي في الحقيقة هو نمط اإلعالم كأداة للرقابة على السلطة وهذا الدور
الرقابي لإلعالم على السلطة ارتبط بانتصار الليبرالية كفلسفة وأسلوب حياة في غرب أوربا و في
الواليات المتحدة األمريكية لم يتحقق مرة واحدة وإنما نما وتطور حسب تطور مسار الصراع االجتماعي
والسياسي لصالح الليبرالية في المجتمع الغربي ثم في غيره من مناطق العالم طوال القرنين التاسع عشر
والعشرين .
والنظام اإلعالمي ال حر شأنه شأن الفلسفة الليبرالية يدين ألفكار وفلسفات العديد من المفكرين والكتاب
مثل ( ج .ج .روسو ،مونتسكيو و فولتير من فرنسا ،جون استيوارت مل و جون لوك من انجلترا ،جون
ميلتون و توكفيل من الواليات المتحدة األمريكية ) وغيرهم.
-1حق المواطن في أن يعرف حق طبيعي ،وكي يمارس المواطن هذا الحق الطبيعي البد لوسائل
اإلعالم أن تتمتع بحريتها كاملة دون أية قيود تأتي من خارجها.
تيسير ابو عرجة ،دراسات في الصحافة و االعالم ،الطبعة االولى ،دار مجدالوي ،عمان – األردن ، 2000 ،ص 29-28 5
-2إن احتكار المعرفة في وسيلة إعالم واحدة أو في عدة وسائل ذات اتجاه واحد يؤدي بالضرورة
إلى تحريف الحقائق وتشويشها ،في حين أن تعدد مصادر المعرفة بتعدد وسائل اإلعالم ذات
االتجاهات المتباينة كفيل بالكشف عن أي تحريف أو تلوين للحقائق.
-3ألي مواطن أو جماعة الحق في إصدار ما تشاء من وسائل اإلعالم ما دامت قادرة على ذلك،
دون الحاجة لربط هذا الحق بتصريح من السلطة الحاكمة.
-4حق المواطن في التعبير عن رأيه عن طريق إصدار وسائل اإلعالم أو العمل فيها ال يتحقق إذا
فرض على هذه الوسائل أي لون من ألوان الرقابة وأن أي تجاوز تقع فيه وسائل اإلعالم هو من
6
شأن القضاء وحده.
6محمد برقان ،نظريات اإلعالم ،مدخل لعلوم االعالم و االتصال ،كلية العلوم االنسانة و العلوم االسالمية ،قسم علوم االعالم و االتصال ،
جامعة وهران ، 1د/س ،ص11
7عبد الرزاق الدليمي ،نظريات االتصال في القرن الحادي و العشرين ،الطبعة العربية ،دار اليازوري ،عمان – األردن ، 2016 ،ص 111
وعموما فإن ظهور نظرية الحرية هذه كان نتاج ثالث عوامل رئيسية هي:
-العامل السياسي :الذي جعل من قضية حرية الصحافة مشكل سياسي بالدرجة األولى
الرتباط وسيلة اإلعالم (الصحافة) للتعبير عن الرأي العام الذي قد يتناقض مع سياسة
الحكام.
-العامل الفلسفي :كانت الفلسفة تربة خصبة لظهور نظرية حرية اإلعالم ،في أحضان
الفلسفة وجدت الحرية ملجأها و مربيا نصوحا لنشاطها ولفطامها ،وقد كان الحكام
األوروبيون في القرن األول في العصر الحديث يخافون من حرية الطبع والنشر كما
ذكرنا ،وكان موقفهم هذا يجعلهم في حالة يصطدمون بالكتاب والفالسفة الذين هم أكثر
لجوءا إلى فوائد المطبعة والنشر ،وعلى هذا األساس توجهت جهودهم إلى المطالبة
بحرية الطبع والنشر ،وأظهروا استيائهم من اإلجراءات التي كان الحكام يتخذونها ضد
حرية التعبير ،بما في ذلك الصحافة ،وألفوا كتبا ومقاالت تتضمن هذه المطالب،
وتطبع وتنشر بصفة سرية ،ففي سنة 1644وجه الفيلسوف الشاعر االنجليزي
ميرتون نداء حار يطالب فيه بحرية التعبير ،وصار هذا النداء بعد ذلك مرجعا لكل
الفالسفة والسياسيين ،وكان له بذلك أثر كبير على األوساط المختلفة التي كان يتكون
منها المجتمع االنجليزي .
-العامل االقتصادي :إن العامل االقتصادي يلعب دورا كبيرا في تحقيق نظرية حرية
اإلعالم ،إذ كانت النهضة االقتصادية التي عرفتها انجلترا في القرنين الثامن والتاسع
عشر مثاال حيا لفائدة الحرية في المجتمع ،كما كان يطالب بذلك الفالسفة ،والمعلوم أن
النهضة االقتصادية انطلقت من آلراء ريكاردو الذي يقول أن حرية العمل شرط
أساسي الزدهار النشاط االقتصادي في المجتمع.
وبالتالي فحرية العمل مرتبطة بحرية التعبير وخصوصا بحرية الصحافة ،وهو ما كان بالفعل
حيث عرفت أوروبا في بداية القرن التاسع عشر ازدهار ا كبيرا في ميدان الصحافة باعتبارها
نشاط اقتصاديا حيويا خصوصا مع تطور الطباعة و النشر.8
8صخري محمد ،قراءة في نظرية الحرية ( النظرية اللبريالية :إشكالية الحرية في مشروع قانون الصحافة بالمغرب نموذجا ،الموسوة
الجزائرية للدراسات السياسية و االستراتيجية ،نشر بتاريخ ، 2019-2-23تاريخ الزيارة ، 2021-12-9على الساعة ، 18:00متاح على
الرابط /https://www.politics-dz.com :
المطلب الثاني :خصائص نظرية الحرية اإلعالمية :
استندت نظرية الحرية لمبادئ عدة بنت عليها فلسفتها و أفكارها ،وتأثرت بآراء عدد من كبار
الفالسفة الغربيين في السياسة و االقتصاد و التربية ،منهم آدم سميث وجون لوك و جون ملتون
و ديكارت المارك و نيوتن ،وأكدت قدسية حرية التعبير و الرأي و الصحافة و حرية العقيدة و
العبادة ومع ذالك فإنها إرتكزت على جملة من المبادئ و تتمثل في :
-ان االنسان من حقه أن يتعرف على الحقيقة و ان يسعى اليها و يهتم و بها في كل وقت .
-ان الوسيلة الوحيدة للوقوف على الحقيقة و ان يسعى اليها و يهتم بها في كل وقت .
-ان الوسيلة الوحيدة للوقوف على الحقيقة هي ان تعرض بالمناقشات الحرة المفتوحة ،
فحسب ستيوارت ميل أن الحقيقة ال يمكن ان تظهر إال إذا عوضت من جهات شتى .
-إن اآلراء و إن اختلفت اختالفا بعيدا أو قريبا فانه ينبغي ان يتاح لكل ذي رأي فرصة
يعرض فيها رأيه و يحاول إقناع اآلخرين به .
-من حيث الفرد ان يعرف فهو حق طبيعي كحقه في الماء و الهواء و لكي يمارس هذا
الحق الطبيعي ال بد للصحافة ان تتمتع بحريتها كاملة دون أي قيود .
9خبيزي سامية ،محاضرات و اعمال موجهة لمقياس نظريات االعالم و االتصال ،السنة الثالثة ليسانس – تخصص اتصال ،كلية االعالم و
االتصال ،جامعة الجزائر ، 3ص 3
10
-حق الفرد ان يختار ما يريد معرفته .
اإلعالم الموضوعي مع السماح بالوصول إلى مصادر الخبر * -الحق في اإلعالم
حرية الصحافة تؤدي في بعض األحيان إلى بعض التجاوزات مثل * -الحق في الرد
11
السب ،القذف...،إلخ...ومن حق الفرد الرد عليها مع إجبار الوسيلة على الرد.
10عبد الرحمان مشاقبة ،نظريات اإلعالم ،ط ، 1دار أسامة للنشر و التوزيع ،األردن ، 2001 ،ص .156
11محمد برقان ،نظريات اإلعالم ،مدخل لعلوم االعالم و االتصال ،كلية العلوم االنسانة و العلوم االسالمية ،قسم علوم االعالم و االتصال ،
جامعة وهران ، 1د/س ،ص 9
خـــاتمة :
وخالصة القول ومن خالل ماتم التطرق اليه عبر مباحث هذه الدراسة الموجزة و التي تمحورت
حول تطور الفكر و الحريات في القرن 18و عالقته بالصحافة يمكننا استخالص النتائج التالية :
قبل الثورة الصناعية ،خضعت معظم الدول األوروبية لحكم ملكي ،كان لمالَّك األرض -
الكبار ،والتجار األغنياء ،ولبعض رجال الكنيسة في هذه الدول ،نفوذ سياسي كبيرو هو ما
أثر على الصحافة أيضا .
كانت الصحافة في القرن الثامن عشر أبعد ما تكون عن الحرية كما تدل على ذالك شواهد -
العصر نفسه إذ كانت تسوده االمتيازات و كان تأسيس جريدة أمرا محاطا بالصعوبات
التي يمكن التغلب عليها ،و لذالك كانت الصحف السياسية قليلة العدد .
أدى التطور الفكري وظهور النزعة الفكرية التحررية الى ظهور النظام اإلعالمي -
الليبيرالي
و النظام االعالمي الليبرالي هو نمط اإلعالم كأداة للرقابة على السلطة وهذا الدور -
الرقابي لإلعالم على السلطة ارتبط بانتصار الليبرالية كفلسفة وأسلوب حياة في غرب
أوربا و في الواليات المتحدة األمريكية .
استفاداة الصحافة من التطور الفكري عبر االختراعات الجديدة التي ساعدت في العمل -
الصحفي و زيادة المبيعات .
أيضا و كما تطرقنا من خالل البحث فقد كان من آثار تطور الفكر و الحريات في القرن -
ال 18على الصحافة ظهور نظرية الحرية او كما تعرف ايضا بالنظرية الليبرالية التي
أيدت وأكدت قدسية حرية التعبير و الرأي و الصحافة و حرية العقيدة و العبادة .
تشكل حرية الصحافة و االعالم جزءا من الحريات العامة ،و رمزا لحرية الرأي و الفكر ،وال
شك أن حرية الصحافة كغيرها من الحريات االخرى ال يمكن تكون مطلقة دون تنظيم ،و إال
تحولت هذه الحرية الى فوضى و طغيان يعصف بحريات اآلخرين ،لذا يجب سن القوانين
المنظمة لها ،على ان ال تؤدي الى نقص في الحرية او االنتقاص منها ،و تختلف هذه التشريعات
من دولة الى اخرى وفقا للمذهب الفلسفي الذي يعتنقه المشرع ،و لطبيعة النظام السياسي القائم .
قـــائمة المراجع :
-1إميل بوفان ،تاريخ الصحافة ،تر :محمد اسماعيل ،وكالة الصحافة العربية ،مصر
.2018 ،
-2مجموعة من المؤلفين ،الموسوعة العربية العالمية ( النسخة االلكترونية ) ،أعمال
الموسوعة للنشر و التوزيع ،المملكة السعودية .2004 ،
-3ناصر الدين سعيدوني ،الفكر التاريخي االوروبي من القرن السادس عشر الى القرن
الثامن عشر ،المركز العربي لألبحاث و دراسة السياسات.2022 ،
-4تيسير ابو عرجة ،دراسات في الصحافة و االعالم ،الطبعة االولى ،دار مجدالوي ،
عمان – األردن .2000 ،
-5محمد برقان ،نظريات اإلعالم ،مدخل لعلوم االعالم و االتصال ،كلية العلوم
االنسانة و العلوم االسالمية ،قسم علوم االعالم و االتصال ،جامعة وهران ، 1
د/س.
-6عبد الرزاق الدليمي ،نظريات االتصال في القرن الحادي و العشرين ،الطبعة
العربية ،دار اليازوري ،عمان – األردن .2016 ،
-7عبد الرحمان مشاقبة ،نظريات اإلعالم ،ط ، 1دار أسامة للنشر و التوزيع ،األردن
.2001 ،
-8خبيزي سامية ،محاضرات و اعمال موجهة لمقياس نظريات االعالم و االتصال ،
السنة الثالثة ليسانس – تخصص اتصال ،كلية االعالم و االتصال ،جامعة الجزائر
،3د/س .
-9محمد برقان ،نظريات اإلعالم ،مدخل لعلوم االعالم و االتصال ،كلية العلوم
االنسانة و العلوم االسالمية ،قسم علوم االعالم و االتصال ،جامعة وهران ، 1
د/س.
-10صخري محمد ،قراءة في نظرية الحرية ( النظرية اللبريالية :إشكالية الحرية في
مشروع قانون الصحافة بالمغرب نموذجا ،الموسوة الجزائرية للدراسات السياسية و
االستراتيجية ،نشر بتاريخ ، 2019-2-23متاح على الرابط :
/https://www.politics-dz.com