You are on page 1of 15

‫الرأي العام منذ العصور القديمة‬

‫وحتى العصر الحديث‬


‫المدرس الدكتور غزوان جبار محمد‪ -‬الجامعة المستنصرية‪ -‬كلية‬
‫اآلداب‪ -‬قسم اإلعالم‬
‫المحاضرة الثالثة‪ :‬الرأي العام منذ العصور القديمة وحتى العصر الحديث‬
‫• بدأ االهتمام بالرأي العام منذ عشرينيات القرن الماضي‪ ،‬ولكنه كظاهرة‬
‫فهو يعاصر المجتمعات اإلنسانية في نشأتها حيث إن الحضارات القديمة لم‬
‫تكن خالية من مفاهيم قريبة من مفهوم الرأي العام‪ ،‬وسنستعرض في‬
‫البداية التطور التاريخي لهذا المفهوم من البداية إلى أن أصبح مصطلحًا‬
‫شائع االستعمال والتداول‪ ،‬فاألشياء توجد أوال ثم تعرض أسماءها‪ ،‬ومنها‬
‫الرأي العام فهو قديم قدم البشرية‪ ،‬وإن كان كاصطالح من مصطلحات‬
‫العصر الحديث الذي تعددت فيه وسائل التعبير عن هذا الرأي العام من‬
‫الصحيفة إلى اإلذاعة إلى التلفزيون واالنترنت‪.‬‬
‫• وقد مّر مفهوم الرأي العام بمراحل مختلفة عبر العصور المختلفة أهمها‪:‬‬
‫‪:‬أوًال‬

‫الرأي العام في العصور‬


‫القديمة‪:‬‬
‫‪ -1‬الرأي العام في الحضارات العربية القديمة‪:‬‬
‫• عندما اكتشف اإلنسان الكتابة وما رافقها من ظهور الحضارات زادت أهمية‬
‫الرأي العام‪ ،‬فكان حكام (سومر) و(بابل) و(آشور) يقيمون للرأي العام وزنًا‬
‫ال بأس به‪ ،‬كما تكشف آثار مصر القديمة عن إدراك واضح للرأي العام‬
‫وتكشف عن أساليب راقية للتأثير فيه وتوجيهه الوجهة المطلوبة مثل‬
‫(تأليه) الفرعون وتقديس الكهان وتشييد المعابد وإقامة األهرامات‪ ،‬ولم‬
‫يكن هذا كله سوى أساليب متطورة للتأثير في الرأي العام‪.‬‬
‫‪:‬الرأي العام عند اإلغريق والرومان ‪2-‬‬

‫• لقد كان الرأي العام في أثينا واسبارطة هو الحاكم المباشر والذي يسيطر على كافة نشاطات‬
‫المدينة‪ ،‬حيث كان يتم ذلك عن طريق اجتماع من لهم حق المواطنة في هيئة أو برلمان‪ ،‬بحيث‬
‫تكون لهم جميع السلطات والصالحيات التخاذ القرارات التي تصب في مصلحة المجتمع وذلك بأخذ‬
‫رأي األغلبية‪.‬‬
‫• أما الدولة الرومانية فقد اتبعت ما كان سائدًا في أثينا واسبارطة واعتبرته مظهرًا من مظاهر‬
‫الديمقراطية مع اختالف أّن من كان له حق المواطنة في الدولة الرومانية هم فقط أبناء األسر‬
‫المعرفة بأصلها من نفس المدينة‪ ،‬واستثنت من ذلك العبيد ومن ال ينتمي إلى أرض روما‪ ،‬فلم‬
‫يكونوا يشاركوا في العملية الديمقراطية‪ ،‬وقد عبر عن الرأي العام في النصوص الرومانية بصوت‬
‫الشعب أو الجماهير‪.‬‬
‫‪:‬ثانيًا‬

‫•الرأي العام في العصور الوسطى‬


‫(المسيحية واإلسالمية)‬
‫األديان السماوية‬
‫• لقد كان لألديان السماوية دور هام وكبير في تشكيل الرأي العام‪ ،‬حيث كان الباباوات‬
‫واألباطرة يستخدمون عبارات مثل الشعور العام والجمعي وهي مرادفة لمعنى الرأي‬
‫العام في المسائل الهامة‪ ،‬أما في اإلسالم فقد استفاد نظام الحكم فيه من تجارب األمم‬
‫والحضارات السابقة له‪ ،‬حيث كان مفهوم الديمقراطية يتماشى مع المفاهيم‬
‫اإلنسانية التي دعا إليها اإلسالم‪ ،‬فقد كان للرأي العام أهمية كبرى في الدولة‬
‫اإلسالمية وذلك من خالل تطبيق مبدأ الشورى كما اعترف اإلسالم بالحقوق‬
‫والحريات كحق الملكية الفردية والجماعية‪ .‬وأقام اإلسالم حرية الرأي وحرية‬
‫العقيدة وغير ذلك من الحريات األخرى‪.‬‬
‫‪:‬ثالثًا‬

‫•الرأي العام في العصر‬


‫الحديث‬
‫ابتداًء من كتابات ميكيا فيلي (‪ )1527 -1469‬حدث تطور معتبر في الكيفية التي‬
‫تناول الفكر الفلسفي ما يسمى (بالرأي العام)‪ ،‬فقد اعتبره عنصرًا يجب أن يؤخذ‬
‫بالحسبان في عملية الصراع من أجل السلطة‪.‬‬
‫• فيما كان روسو (‪ )1778 -1712‬أول فيلسوف يستخدم تعبير الرأي العام ومن أهم‬
‫كتابات روسو العديدة كتابه في العقد االجتماعي‪ ،‬ويمكن اعتبار الفكرة األساسية‬
‫وراء العقد االجتماعي هو موضوع الوحدة… وحدة البناء االجتماعي وذلك‬
‫بإخضاع المصالح الخاصة لإلدارة العامة‪ .‬فالحكومة دورها مساعد ألن اإلدارة‬
‫العامة هي مجموع إرادة الشعب الذي يضع القوانين والحكومة ما هي إالاالفراد‬
‫الذين يقومون بتنفيذ القوانين‪ ،‬وواضح أن مفهوم إرادة الشعب يشير في المعنى‬
‫العملي التطبيقي إلى جوهر الرأي العام في معناه المعاصر‪.‬‬
‫في القرن الثامن عشر المسمى بـ (عصر التنوير) جاءت الثورة األمريكية‬
‫وبعدها الفرنسية كأبرز حدثين يعبران عن دور وقوة الرأي العام‪.‬‬

‫• ثم جاء القرن التاسع عشر المليء باألحداث والتغيرات حيث‬


‫قامت الثورة الصناعية‪ ،‬وتطورت الكشوفات العلمية واختراع‬
‫وسائل االتصال الجديدة حتى أصبح الرأي العام ذو سطوة‬
‫وسلطان كبير‪ ،‬كان من نتائجه مطالبة العمال بوضع التشريعات‬
‫التي تضمن حقوقهم ومصالحهم‪.‬‬
‫وشهدت نهاية القرن التاسع عشر كتابات (جوستاف لوبون) العالم االجتماعي الذي‬
‫كان أحد األوائل الذين أدركوا فكرة (الجمهور) و (التكتل) الشعبي‪ ،‬وتأثيرها في العمل‬
‫السياسي‪.‬‬

‫• وأخيرًا جاء القرن العشرين فتوج انتصارات الرأي العام بمزيد من االنتصارات ذلك‬
‫أن ظهور الراديو والتلفزيون والسينما قد جعل هذا القرن قرن الرأي العام‪ ،‬وكان‬
‫للحرب العالمية األولى التي شهدها هذا القرن أثر هام في تدعيم الرأي العام فظهور‬
‫الدراسات النفسية في القارة الجديدة بعد هذه الحرب التي ركزت على دراسة‬
‫السلوك‪ ،‬قادت إلى اكتشاف أن أصل السلوك ما هو إال بعض صور التهيؤ للعمل‬
‫وأطلقت عليه مفهوم (المواقف) أو (االتجاهات) وهذا المفهوم ليس إال الرأي العام‬
‫في جوهره‪ ،‬أو القاعدة التي يقوم عليها الرأي العام‪.‬‬
‫ومنذ بداية الثالثينات بدأ ما يسمى بأبحاث قياس الرأي العام حيث تقوم هذه‬
‫األبحاث بقياس المواقف وردود األفعال على القضايا والموضوعات التي‬
‫تشهدها الحياة السياسية واالجتماعية‪.‬‬
‫• إن األحداث الضخمة التي شهدها القرن العشرين والتي هزت الوجدان‬
‫العالمي بأسره بدءًا من الحرب العالمية األولى (‪ )1932-1929‬والحرب‬
‫العالمية الثانية‪ ،‬قد أثرت بهذا الشكل أو ذاك بالرأي العام وبدوره في‬
‫الحياة السياسية الوطنية والدولية ‪،‬وأصبح للرأي العام دور كبير في‬
‫صياغة األحداث وفي توجيهها وبات أصحاب القرار السياسي يضعونه‬
‫في حساباتهم سواء صرحوا بذلك أم لم يصرحوا به‪.‬‬
‫نتيجة لثورة المعلومات واالتصاالت والتقدم التكنولوجي في هذا العصر‬
‫الحديث‪ ،‬أدى ذلك لالهتمام بقضية الرأي العام التي كانت ثمرة مباشرة‬
‫لقضيتين أساسيتين هما‪:‬‬

‫• ‪-1‬المبادئ اإلنسانية والشعبية التي فرضت نفسها من‬


‫خالل الثورات االجتماعية والسياسية الكبرى‪.‬‬
‫• ‪-2‬إيمان الحكام بضرورة كسب الرأي العام طوعًا‬
‫باالستجابة له أو التأثير فيه عن طريق الدعاية واإلعالم‬
‫ليستجيب لهم‪.‬‬
‫ففي بداية العصر الحديث أبدى العديد من الفالسفة والعلماء اهتماما بالرأي العام مع اختالف‬
‫المصطلحات المستخدمة منهم‪ ،‬فكان اهتمام ميكافيلي اهتمامًا ضمنيًا بما يسمى بصوت الشعب وكان‬
‫مونتسكيو قد استخدم مصطلح العقل العام والذي قابله عند روسو مصطلح اإلرادة العامة‪،‬‬

‫• ولكن مع كل ما شهده هذا العصر الحديث من تطور وتقدم في وسائل المواصالت‬


‫واالتصاالت والتي كان لها الفضل في تجانس المجتمعات الكبرى فكرًا وفهمًا‬
‫وتمكين الشعوب من التفاعل مع بعضها البعض وتحويل هذا العالم إلى قرية صغيرة‬
‫وظهور مصطلحات جديدة كالعولمة والكوكبة والكونية‪ ،‬فقد بقي أهم شيء لم ُيذكر‬
‫فيما سبق كله أال وهو نضال الشعوب من أجل حقها في تقرير مصيرها باإلضافة‬
‫النتشار التعليم والثقافة وظهور مبادئ حقوق اإلنسان التي كان للرأي العام دورا‬
‫كبيرا فيها‪.‬‬
‫وفي هذا العصر الحديث اتسع نطاق االهتمام بالرأي العام كمًا وكيفًا‬
‫وتطورت وسائل االتصال حتى تتماشى مع زيادة عدد األفراد ومشاركة‬
‫الفرد العادي من بيته أو عمله في الرأي العام والتقاِئه بغيره من األفراد‬

‫• فأصبح الفرد يتمتع بالمواطنة بعيدًا عن الفروق العنصرية‬


‫من طبقة أو دين أو عقيدة أو غيرها مما كان سائدا في‬
‫المجتمعات القديمة‪ ،‬وهذا أدى بدوه إلى زيادة تأثير الرأي‬
‫العام فأصبح محل اهتمام الساسة ورجال الحكم في كل‬
‫أرجاء العالم ‪.‬‬

You might also like