You are on page 1of 3

‫اهداف‬

‫في عشرينيات وثالثينيات القرن العشرين‪ ،‬أحدث جوردون تشايلد ثورة في دراسة التطورية‬
‫الثقافية‪ .‬أجرى دراسة شاملة قبل تاريخية زودت الباحثين بدليل على االنتقال الثقافي األفريقي‬
‫واآلسيوي إلى أوروبا‪ .‬حارب العنصرية العلمية من خالل إيجاد أدوات وآثار للشعوب األصلية‬
‫من أفريقيا وآسيا وأظهر كيف أنها أثرت على تكنلوجيا الحضارات األوروبية‪ .‬عارضت األدلة‬
‫المثبتة في اكتشافاته فكرة التفوق والسيطرة اآلريين‪ .‬شرح تشايلد التطور الثقافي من خالل‬
‫نظريته في االختالف مع التعديالت في التجمع‪ .‬افترض أن الثقافات المختلفة توجد أساليب‬
‫منفصلة لتلبية احتياجاتها المختلفة‪ ،‬لكن عندما وقعت حضارتان ما على تماس طورتا وسائل‬
‫تأقلم متشابهة لحل المشاكل المتشابهة‪ .‬رافًض ا نظرية سبنسر للتطور الثقافي المتوازي‪ ،‬وجد‬
‫تشايلد أن التفاعل بين الثقافات ساهم في اجتماع جوانب متشابهة المرتبطة بثقافة ما بشكل‬
‫خاص‪ .‬أكد تشايلد على الثقافة البشرية كبنية اجتماعية بداًل من كونها نواتج للسياق البيئي أو‬
‫التكنلوجي‪ .‬وضع تشايلد مصطلحين جديدين هما ’الثورة الزراعية’ و ’الثورة الحضرية’ الذين‬
‫‪1‬‬
‫بقيا قيد االستخدام حتى اليوم في مجال أنثروبولوجيا ما قبل التاريخ‪.‬‬
‫كانت التطورية الجديدة األولى في سلسلة من نظريات التطور متعدد المسارات‬
‫الحديثة‪ .‬ظهرت في ثالثينيات القرن العشرين وتطورت بشكل واسع في الفترة‬
‫التالية للحرب العالمية الثانية كما ُأدخلت في كل من علمي األنثروبولوجيا واالجتماع‬
‫في ستينيات القرن الماضي‪ .‬تركز نظرياتها على األدلة المستمدة من التجربة من‬
‫جوانب علوم اآلثار واألحافير والتأريخ‪ ،‬وتحاول إلغاء أي إشارات إلى أنظمة من‬
‫القيم‪ ،‬بصرف النظر عن كونها قيًما أخالقية أو ثقافية‪ ،‬إنما تحاول البقاء على الحياد‬
‫وأن تكون وصفية ببساطة‪.‬‬
‫في حين بينت تطورية القرن التاسع عشر كيفية تطور الثقافة من خالل إعطاء‬
‫مبادئ عامة لعمليتها التطورية‪ ،‬صرف دعاة توجه االنصراف التاريخي نظرهم‬
‫عنها باعتبارها ’وحيدة العلوم’ في أوائل القرن العشرين‪ .‬كان مفكرو التطورية‬
‫الجديدة هم من أعاد التفكير التطوري كما طوروا هذا التفكير ليجعلوه مقبواًل لعلماء‬
‫األنثروبولوجيا المعاصرين‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪¹Sahlins, Marshall David; Service, Elman, (1960). Evolution and culture. Ann Arbor, MI: Univ. of‬‬
‫‪Michigan Press. .‬‬
‫ترفض التطورية الجديدة الكثير من أفكار التطورية االجتماعية التقليدية‪ ،‬خصوًصا‬
‫مبدأ التطور االجتماعي الذي كان مسيطًر ا إلى حد بعيد في النظريات السابقة‬
‫المتعلقة بعلم االجتماع والتطور‪ .‬ترفض التطورية الجديدة حجة الحتمية وتقدم مبدأ‬
‫االحتمالية‪ ،‬مشيرة إلى أن الحوادث غير المتوقعة واإلرادة الحرة يمكن أن تؤثر‬
‫بشكل كبير على عملية التطور االجتماعي‪ .‬تدعم التطورية الجديدة أيًضا مفهوم‬
‫التاريخ المغاير‪ ،‬لتسأل «ماذا لو؟» وتأخذ بعين االعتبار كثيًر ا من الطرق الممكنة‬
‫التي كان من الممكن للتطور االجتماعي أن يسلكها أو ال يسلكها‪ ،‬وبالتالي تسمح‬
‫بوجود حقيقة تطور الثقافات المختلفة بأشكال مختلفة‪ ،‬حتى أن بعضها قد يجتاز‬
‫مراحل كاملة كانت ثقافات أخرى قد مرت بها‪ .‬تؤكد التطورية الجديدة على أهمية‬
‫الدليل المستمد من التجربة‪ .‬في حين تستخدم نظرية التطور الثقافي من القرن التاسع‬
‫عشر أحكاًما تقييمية وافتراضات من أجل تفسير المعطيات‪ ،‬تعتمد التطورية الجديدة‬
‫‪2‬‬
‫على المعلومات القابلة للقياس من أجل تحليل عملية التطور االجتماعي الثقافي‪.‬‬
‫حاول ليزلي وايت مؤلف كتاب تطور الثقافة‪ :‬تقدم الحضارة حتى سقوط روما‬
‫المنشور عام ‪ 1959‬وضع نظرية تفسر تاريخ اإلنسانية بأكمله‪ .‬العامل األهم في‬
‫هذه النظرية هو التكنلوجيا‪ .‬نقتبس من الكتاب قواًل مميًز ا له هو‪ :‬تكون األنظمة‬
‫االجتماعية محكومة باألنظمة التكنلوجية‪ ،‬مما يقارب النظرية السابقة للويس هنري‬
‫مورغان‪ .‬يقترح وايت معياًر ا جديًد ا لتقييم تقدم المجتمع هو مقدار الطاقة التي‬
‫يستهلكها هذا المجتمع‪ ،‬ويميز بالتالي بين خمس مراحل مختلفة للتطور البشري‪ .‬في‬
‫المرحلة األولى‪ ،‬يستخدم البشر طاقة عضالتهم الخاصة‪ ،‬وفي المرحلة الثانية‬
‫يستخدمون طاقة الحيوانات المستأنسة‪ ،‬وفي الثالثة يستخدمون طاقة النباتات (يشير‬
‫وايت هنا إلى الثورة الزراعية)‪ .‬في المرحلة الرابعة يتعلمون توليد الطاقة من‬
‫المصادر الطبيعية مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي‪ .‬في المرحلة الخامسة واألخيرة‬
‫يتمكن البشر من حصد الطاقة النووية‪.‬‬
‫ثمة العديد من الباحثين المبكرين الذين سعوا إلى وضع تعريف دقيق لماهية المدينة‬
‫وتحديد الطرق التي تميز بها الحضريُة أساليَب المعيشة في المدينة الحديثة عما كان‬

‫‪2‬‬

‫‪White, Leslie (1959) The Evolution of Culture; The Development of Civilization to‬‬
‫‪the Fall of Rome. Mcgraw-Hill.‬‬
‫ُيعتبر «مجتمًعا بدائًيا»‪ .‬يزداد االعتراف ضمن علم اإلنسان الحضري بأن هناك‬
‫نقاط تشابه هامة بين المجتمعات الحضرية وغير الحضرية‪ ،‬رغم وجود فروقات‬
‫ذات داللة في ميزات التنظيم وأشكاله بينها‪ ،‬إلى درجة إمكانية فهم المدينة أيًضا في‬
‫دراسات علم اإلنسان بصفتها شكاًل من أشكال المجتمع‪ .‬إن علم اإلنسان الحضري‬
‫‪3‬‬
‫مجال بحثي واسع ودائم التطور‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫بيتر ف‪ .‬دراكر ‪ :1976‬التكنولوجيا واإلدارة والمجتمع‪ ،‬ترجمة صليب بطرس‪ ،‬الهيئة المصرية العامة ‪³‬‬
‫‪.‬للكتاب‪ ،‬القاهرة‬

You might also like