‫الفصل األول‬

‫حول منهجية علم االقتصاد وأهمية دراسته‬

‫لقد أصبح اإللمام باساسيات علم االقتصاد ضرورة ملحة في عالمنا المعاصر ‪ ,‬إذ أصبحت‬
‫قضايا االقتصاد تشغل حيزا" كبيرا في حياتنا اليومية ‪ .‬وأصبحت الظروف‬
‫االقتصادية وتفاعالتها تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على مسيرة الحياة السياسية‬
‫واالجتماعية في معظم دول العالم ‪ .‬ولقد شهد القرن الماضي اهتماما ملحوظا بعلم‬
‫االقتصاد نتيجة التطور في الحياة المعيشية لإلنسان وتزايد حاجاته تبعا لذلك ‪.‬‬
‫إضافة إلى تشابك مصالح الدول وتنوع مشكالت التنمية وتعقدها‪.‬‬

‫تعريف علم االقتصاد‬

‫ما المقصود بعلم االقتصاد ؟ هل هوالعلم الذي يهتم بدراسة الثروة كما يقول البعض‪ ,‬ام هو العلم الذي يهتم‬
‫بكيفية تحسين الحياة المادية لإلنسان والمجتمع كما يقول البعض االخر‪ .‬أم هو العلم الذي يهتم بكيفية إشباع‬
‫حاجات اإلنسان باستخدام موارده المحدودة؟ في الواقع يصعب إيجاد تعريف شامل ودقيق ومختصر لعلم‬
‫االقتصاد وهدفنا من دراسته ليس مجرد التوصل إلى تعريف دقيق له بل إبراز أدوات التحليل األساسية‬
‫التي تساعد على تفسير نشاط اإلنسان اإلنتاجي واالستهالكي بصورة منطقية‬
 ‫أوال ‪ -‬بناء النظريات االقتصادية وأهميتها‬
‫النظرية هي تيسير( تجريد) لعالقات قائمة كمحاولة إليجاد تفسيرات لألسباب‬
‫والنتائج المتصلة بظاهرة معينة ‪ ,‬أي أن النظرية تهدف إلى تفسير ما يحدث‬
‫أومحاولة توقعه ‪ .‬فالنظرية االقتصادية تشمل مجموعة من التعميمات المتعلقة‬
‫بنشاط اإلنسان اإلنتاجي واالستهالكي ‪ ,‬وتكون تلك التعميمات صحيحة عند‬
‫تحقق افتراض معين ‪ ,‬أو مجموعة من االفتراضات عن الظاهرة المعينة ‪.‬‬
‫لذلك فالشرط األساسي لبناء النظرية هو وجود فرضية أو أكثر ‪ ,‬ثم استنتاج‬
‫يتبع الفرضية ‪ ,‬وعالقة منطقية تربط بين الفرضية واالستنتاج ‪.‬‬
‫ما معنى االفتراض في البناء النظري ؟‬
 ‫ألن علم االقتصاد يحاول تفسير العالقات والظواهر االجتماعية والسلوكية‬
‫المتشابكة يعمد الباحث االقتصادي إلى وضع الفرضيات التي مهمتها‬
‫التيسير بغية الوصول إلى التعميمات ‪ ,‬وهذا جوهر عملية التجريد ‪ .‬فإذا‬
‫أردنا البحث عن تأثير السعر على المشتريات من سلعة معينة فإننا نهمل‬
‫مثال أثر زيادة السكان مع اننا نعرف ان زيادة السكان تؤدي لزيادة‬
‫المشتريات ‪ ,‬ونهمل أيضا أثر الدخل مع أن الزيادة في الدخل مثال تؤدي‬
‫لزيادة المشتريات ونركز على الجانب الذي يهمنا و هو السعر ونفترض‬
‫لغرض التجريدالنظري أن العوامل األخرى غير مؤثرة على المشتريات من‬
‫السلعة مجال البحث‪.‬‬

‫تعرف طريقة البناء المنطقي لربط الظواهر االقتصادية بأسلوب االستنباط‬

‫أي محاولة الوصول إلى استنتاج منطقي من عدة فرضيات ‪.‬‬
‫وقد يلجأ الباحث االقتصادي في معرض تحليله للظواهر الحياتية إلى بناء‬
‫النماذج االقتصادية لتيسير الواقع فالنموذج يمكن من عرض النظرية‬
‫بطريقة يسهل فهمها‬
‫وقد يلجأ الباحث االقتصادي إلى استخدام الحقائق االقتصادية ( احصائيات ‪,‬‬
‫وقائع ‪ ) ...‬للبرهنة على مالءمة نظرية معينة مع الواقع وهو ما يعرف‬
‫بأسلوب االستقراء أي محاولة استخالص الكليات أو القوانين من الجزئيات‪.‬‬

‫ثانيا ‪ -‬الحقائق والنظريات‬

‫يحاول كثير من االقتصاديين اكتشاف الحقائق االقتصادية العامة وتفسيرها ‪.‬‬
‫لذلك يفرق بعض االقتصاديين بين ما هو كائن حقيقة وبين ما يجب أن‬
‫يكون ‪ ,‬أي بين الحقائق االقتصادية المجردة وبين وجهة النظر أو الموقف‬
‫من تلك الحقائق ‪ .‬وعلى ضوء ذلك يفرقون بين االقتصاد الموضوعي أي‬
‫تفسير الحقائق كما هي وبين االقتصاد القيمي أي وجهة النظر أو السياسة‬
‫االقتصادية المراد اتخاذها ‪ .‬فاالقتصاد الموضوعي ينظر إلى الحقائق‬
‫ويوضح طبيعة العالقات التي تربطها ‪ .‬أما االقتصاد القيمي فيوضح‬
‫السياسة المراد اتخاذها سواء من قبل الفرد أو المجتمع أي أنه يمثل وجهة‬
‫نظر أو رأي حول الواقع‪.‬‬
 ‫ترئ فئة غير قليلة من االقتصاديين و منهم االقتصادية البريطانية جون‬
‫روبنسون والسويدي جون ميردال واالمريكي جون جالبريث أن التفرقة‬
‫بين ما هو موضوعي وما هو قيمي في إطار العالقات االقتصادية تفرقة‬
‫غير صحيحة وأن وجهات النظر أو السياسات تؤثر على ما يوصف بأنه‬
‫وضعي لدرجة أنه يصعب تحديد الحقيقة الموضوعية بمعزل عن‬
‫التراكمات القيمية المتصلة بها ‪ .‬ولقد أثبتت تجارب الدول صعوبة التفرقة‬
‫بين ما هو موضوعي وما هو قيمي في مجال العالقات االقتصادية إذ أن‬
‫الباحث االقتصادي يبحث في العالقات في زمن ومكان محددين وهو‬
‫يؤثر ويتأثر بالظروف السائدة ‪ .‬وفي نظرته للحقائق االقتصادية يتأثر‬
‫بخلفيته وقراءاته المتأثرة هي ذاتها بوجهات نظر سابقة حول الواقع‪.‬‬

‫نستنتج من السابق ان االقتصاد هو احد فروع العلوم االجتماعية و ان‬

‫النطريات هي محاوالت لتسهيل الواقع لغرض الوصول الئ تعميمات‬
‫لفهم الواقع‪ ,‬و محاولة توقع ما يمكن ان يحدث في مجاالت العالقات‬
‫االقتصادية‪.‬‬
 ‫ثالثا ‪ -‬فروع علم االقتصاد وصالته بالعلوم األخرى‬
‫يتم عادة تقسيم التحليل االقتصادي إلى قسمين أساسيين ‪ :‬التحليل االقتصادي‬
‫الجزئي والتحليل االقتصادي الكلي ‪ .‬ويركز التحليل االقتصادي الجزئي على‬
‫وحدات القرار االقتصادي كالمنتج أو المستهلك ‪ ,‬أما التحليل االقتصادي الكلي‬
‫فهو يعنى بالكيفية التي يعمل بها االقتصاد الوطني بمجموعه ألنه يهتم بدراسة‬
‫مستوى اإلنتاج والدخل على مستوى الدولة ويبحث في أسباب التقلبات‬
‫االقتصادية وعوامل النمو واالنكماش االقتصادي و غير ذلك ‪.‬‬

‫وقد توثقت صلة علم االقتصاد بالعلوم االجتماعية والعلوم األخرى ويعود ذلك‬
‫إلى التطور الحاصل في مجاالت العلوم األخرى ‪ .‬ففي مجال أبحاث سلوك‬
‫المستهلك تبدو االستفادة من إسهامات علم النفس ‪ ,‬أما في مجال عالقات العمل‬
‫وتوزيع الدخل فتتضح عالقة علم االقتصاد بعلم االجتماع‪.‬‬
 ‫و في مجال دراسات التطور و التنمية االقتصادية تتضح اهمية العالقة بين التاريخ و‬
‫االقتصاد‪ .‬اما الدراسات الجغرافية فيبدو اثرها واضحا في مجال دراسة الموارد االقتصادية‬
‫و توزيعها حسب االقاليم و المناطق‪.‬‬
‫أما عالقة االقتصاد بالرياضيات واإلحصاء والحاسب اآللي فتبدو من خالل استخدام‬
‫النماذج الرياضية واإلحصائية وحزم الحاسب اآللي في األبحاث االقتصادية وتكاد ال تخلو‬
‫منهجية لالقتصاد في أي جامعة من مواد كاالقتصاد الرياضي أو القياسي ‪ .‬وتبدو عالقة‬
‫االقتصاد بعلم تطور اإلنسان في مجال الدراسات االقتصادية حول أنماط اإلنتاج المختلفة‬
‫وحول النمو االقتصادي ‪ .‬أما عالقة االقتصاد بالفيزياء فتبدو من خالل استخدام االقتصاد‬
‫لفكرة التوازن أو الكفاءة أو المرونة‪.‬‬
‫ويرتبط االقتصاد بإدارة األعمال التي تهتم بالمنشأة وهي إحدى اهتمامات علم االقتصاد ‪.‬‬
‫وبينما ينظر علم االقتصاد إلى المنشأة من الخارج ويحلل سلوكها االقتصادي ينصب اهتمام‬
‫إدارة األعمال على المنشأة وقضاياها من الداخل ‪ .‬وفي مجال دراسات التنمية االقتصادية‬
‫تبدو أهمية العالقة بين التاريخ واالقتصاد ‪ .‬وفي مجال دراسات الموارد االقتصادية‬
‫وتوزيعها حسب األقاليم والمناطق تبدو العالقة بين الجغرافيا واالقتصاد ‪.‬‬
 ‫أما العالقة بين االقتصاد والسياسة فقديمة قدم علم االقتصاد نفسه ‪ .‬ولقد بدأ االقتصاد‬
‫كعلم لالقتصاد السياسي واقتضت ضرورة التطور في المعرفة وتسهيل عملية التحليل أن‬
‫ينفصل علم االقتصاد عن السياسة ‪ ,‬ولكن يبقى األفراد وعالقاتهم المعيشية وسبل‬
‫تطورها من أساسيات اهتمام علم االقتصاد ‪ .‬فاالقتصاد يتأثر بالمتغيرات السياسية ويؤثر‬
‫بها ‪.‬‬