You are on page 1of 4

‫اليوم الثامن‬

‫العدد ‪ 1361‬الخميس ‪ 24‬ذي القعدة ‪ 1430‬هـ ‪ 12 -‬نوفمبر ‪2009‬‬


‫ســـمــــــــــــــــــاور‬
‫أروى السيد‪:‬‬
‫صورتها لم تعد تغيب عني منذ رأيتها في إحدى مجلت المجتمع النيقة التي تعرض صور‬
‫المتأنقين المبتسمين دومًا‪ .‬لم أتعمد قراءة هذه النوعية من المجلت يومًا‪ ،‬لكنه الضجر وأنا‬
‫أنتظر دوري عند الحلق‪ .‬وعندما رأيتها‪ ،‬عرفتها‪ ،‬عرفتها من أول ابتسامة‪ .‬كانت ابتسامتها‬
‫تلك‪ ،‬التي أحفظها كما أحفظ أحرف اسمي من دون أن أفكر وأسترجعها كما أسترجع سورة‬
‫الفاتحة من دون جهد للتذكر‪ ،‬ابتسامتها العريضة وشفتاها الورديتان‪ ،‬إنها هي‪ ..‬أين هي؟‬
‫‪" -‬ياسر‪ ،‬لماذا أراك ساهمًا؟"‪.‬‬
‫‪ "" -‬ل شيء حياتي‪ ..‬اشتقت لك فقط"‪.‬‬
‫وأقبل جبين علياء وابتسامة "سماور" لتزال بين عيني‪ ،‬حتى اسمها‪ ،‬اسمها الغريب مازلت‬
‫أرى حروفه تحت الصورة مكتوبة أمامي وأنا أتطلع بالحائط‪ ،‬بخط رفيع " سماور و‪ "..‬ما كان‬
‫اسمه ذاك الذي كان يقف بقربها؟ ومن هو! من هذا الذي كان يقف بهذا القرب منها وكأنه قد‬
‫وضع يده حول كتفها‪ ..‬من هو‪ ..‬وأشعر بموجة غضب تجتاح جسدي كله‪.‬‬
‫‪" -‬ياسر‪ ،‬هل تريد أن تأكل الن؟"‬
‫أسمعها ول أرد‪ ،‬ما هذا الذي حدث لي بسبب صورة الحلق اللعين‪ ،‬لو لم يؤخرني وانتظرت‬
‫لما رأيت الصورة ولبقيت كما كنت‪ ،‬ل أذكرها إل نادرًا‪ ،‬أو أحيانًا أو ربما كثيرًا ولكن ليس بهذا‬
‫الشكل المزعج‪ ،‬أن أبتسم لرؤية صورتها ويتآكل قلبي ويغلي الدم في عروقي لرؤية هذا الذي‬
‫أتمنى أن يكون أخاها‪ ،‬رغم علمي أنه لم يكن هو‪.‬‬
‫‪" -‬ياسر ما بك؟ إذا لم تأكل‪ ،‬سآكل لوحدي!"‪.‬‬
‫‪" -‬أنا آت يا علياء" ول أتحرك من مكاني‪..‬‬
‫ي برأسها وتحيطني بذراعيها‪ ،‬أنظر إلى وجهها‬
‫‪" -‬ما الذي يشغل بالك؟" تجلس قربي وتميل عل ّ‬
‫السمر الجميل وعينيها العسليتين وأحقد على لحظة الحنان تلك‪ ،‬وأود أن أصرخ "ل تميلي‬
‫ي‪ ..‬ل تضعي رأسك على كتفي‪ ..‬أنا ل أستحق ذلك‪ ..‬أنا حقير وأفكر بسواك في هذه اللحظة‬ ‫عل ّ‬
‫بالذات"‪ .‬تسحبني علياء من ذراعي وكأنها تقرأ خاطري وتهمس »ل داعي لتخبرني أي شيء‪،‬‬
‫عندما تريد أن تتكلم تعرف دومًا أني هنا«‪ ،‬وأشعر بدفء كلمتها يطوقني وأحبها‪ ،‬أحب ذكاءها‪،‬‬
‫وجمالها وشعرها الغجري المفرود‪ ،‬أنا أحبها دومًا‪ ،‬لكن اللعنة عليك أيها الحلق‪ ..‬أيتها المجلة‪..‬‬
‫اللعنة على ابتسامتك يا سماور!‪..‬‬
‫"اسمي يعني نوعًا من أنواع الشاي! وأعلم تمامًا كم ذلك مضحك‪ ،‬لن الخرين يختارون لبناتهم‬
‫اسمًا من أسماء الزهور أو المجوهرات‪ ،‬لكن أبي ولشدة ولعه بالشاي‪ ،‬اختار لي هذا السم‬
‫المحرج‪ ،‬لكن وقعه على السمع جميل‪ ،‬أليس كذلك؟ هذا ما يهون علي!"‪.‬‬

‫أتذكر حروف اسمها مطبوعة تحت الصورة وأنا في مكتبي اليوم التالي وما قالته لي وقد التقيتها‬
‫ل عن أصل‬ ‫أول مرة في الجامعة وكيف أني استغربت من هذه الفتاة التي أعطتني شرحًا كام ً‬
‫وفصل اسمها وأنا لم أسالها سوى "ما اسمك بالخير؟" وقد كان مقعدها بجانب مقعدي الدراسي‪،‬‬
‫ومنذ سمعت صوتها الذي كان يرقص وابتسمت‪ ،‬عرفت في لحظتها أنها ستكون مختلفة بالنسبة‬
‫ي عن الخريات‪ .‬أتذكر الصورة الن واسمها وابتسامتها وأفكر بأنني قد أستطيع الوصول‬ ‫إل ّ‬
‫إليها عبر معارفي في مجال العلم‪ ،‬وقد أستطيع الوصول للصحافي أو المصور الذي غطى‬
‫خبر حفل الستقبال ذاك ولكن ما الذي سأقوله له "أتعرف تلك الجميلة التي صورتها؟ أين هي؟‬
‫ومن ذاك الذي كان معها؟" ول أصدق لوهلة أنني أصبحت أتصرف كمراهق يدق الحب بوابة‬
‫قلبه للمرة الولى‪ ،‬فيرتبك ويغرق في أحـلم اليقظة‪ ..‬وأغرق في أحــلمي‪ ،‬أتخيل‬
‫سيناريوهــات الـلقـاء بعدما أجـــدها‪ ،‬كيف ستكون‪..‬‬

‫"سماور‪"..‬‬
‫"أنت‪ ..‬ياسر‪ "..‬وتقف من وراء طاولة مكتبها‪ ،‬وتطالعني نظرة الحنين للمجهول تلك التي تنام‬
‫في عينيها‪.‬‬
‫"أنت بخير؟ أنا فقط رأيت صورتك في مجلة‪ ،‬وبحثت عنك‪ ،‬وجئت لطمئن عليك"‪.‬‬
‫تصافحني بحرارة وتدعني للجلوس‪ ،‬وتجلس مقابلتي‪ ..‬ويغوص قلبي في بحر عينيها‪..‬‬
‫وسنتحدث ولن أخبرها في أول لقاء بأني تزوجت‪ ،‬وبأن زوجتي ابنة عائلة كبيرة وبأنها فائقة‬
‫الجمال والذكاء‪ ،‬ولن أستطيع أن أقول إنني أعيش حياة زوجية تعيسة‪ ،‬وإني تزوجت رغمًا عني‬
‫وبضغط من عائلتي‪ ،‬لنني في الحقيقة تزوجت بكامل إرادتي وعن‪ ..‬عن حب‪ ..‬لكنه ليس‬
‫كالحب الذي كان‪ ،‬ليس كذلك الشعور الذي كان بداخلي لك يا سماور‪ ..‬قبل أن أترك‪ ..‬نترك‪ ..‬ل‬
‫أدري‪.‬‬

‫أضطرب لفكرة السيناريو الول‪ ،‬إذا ابتسمت لي وفتحت لي بوابة قلبها ما الذي سيكون بعد‬
‫ذلك؟ ستصبح المور أكثر تعقيدًا‪ ،‬ربما أشعر بالسعادة في البداية‪ ،‬ولكن كيف الفرار من‬
‫ابتسامتها فيما بعد؟ إذًا سأفكر في السيناريو الثاني‪..‬‬

‫"سماور‪"...‬‬
‫"أنت!" وتقف وقد اتسعت حدقتا عينيها ول ابتسامة‪..‬‬
‫أتلعثم "نعم أنا‪ ..‬جئت فقط لطمئن عليك‪"..‬‬
‫ل" تقولها بحزم ول تبتسم‪.‬‬
‫"الن‪ ..‬جئت لكي تطمئن؟ كم هو لطيف فع ً‬
‫"نعم‪ ..‬رأيتك صورتك في مجلة‪ ..‬سماور أنا‪ "..‬وتقاطعني "أنا بخير يا سيدي وبأفضل حال وقد‬
‫تأخرت كثيرًا جدًا ولدي موعد عمل الن لذلك تستطيع الذهاب‪ "..‬وتجلس وتتظاهر بالنشغال‬
‫بالوراق التي بين يديها‪.‬‬

‫إنها ابنة المتناقضات‪ ..‬وديعة كفراشة حقل‪ ..‬أو متوحشة كهرة برية‪ ..‬بريئة كصلة الطفال‪..‬‬
‫مذنبة كمراهقة تخفي علقة حب‪ ..‬ضحية كالمسيح مصلوبًا‪ ..‬أو ظالمة كالفرعون يأمر بقتل كل‬
‫المواليد الذكور‪.‬‬

‫*************‬
‫"عبدالقادر يا صديقي‪ ..‬كيف حالك؟"‬
‫"وال زمان! أحمد ال أن سمعت صوتك قبل أن أموت من أعباء العمل‪ ،‬والحياة"‪.‬‬
‫يضحكني عبدالقادر هذا دائمًا‪ ،‬يهوى عمله في التصوير ويعمل بمرتب جيد وفي أحد أهم‬
‫المجلت في البلد ولكنه دائم الشكوى‪ ،‬وكأن الشكوى أصبحت لزمة لكلمه وقد ألفته هكذا‬
‫وتعودت شكواه‪.‬‬
‫"ولماذا تريد أن تعرف أسماء الشركات التي شاركت في حفل الستقبال؟" يسألني‪.‬‬
‫"لنني أريد أن أدعو تلك الشركات لحفل سيقيمه البنك الذي أعمل فيه"‪.‬‬
‫"ورغم غرابة سؤالك وجوابك الغرب‪ ،‬إل أنني لن أسأل أكثر يا غريب الطوار!" ونقهقه‬
‫سويًا ويكمل هو "لي صديق يعمل بتلك المجلة‪ ،‬سأعطيك رقمه وسيساعدك‪ ،‬رائد شخص‬
‫متعاون جدًا"‪.‬‬

‫*************‬

‫رقمها الن بين يدي‪ ،‬إنه رقم الهاتف النقال‪ ،‬لقد كان صديق عبدالقادر متعاونًا جدًا وكانت‬
‫المصادفة بغاية الكرم معي‪ ،‬عندما جعلت سماور من المشرفين على حفل الستقبال فكان رقمها‬
‫مع المصور‪ ،‬وأقنعت نفسي بأنه القدر يعطيني علمات حتى أهاتفها‪ ،‬وأطمئن عليها‪ ..‬و‪ ..‬ول‬
‫أدري ماذا أيضًا‪ ،‬أنا أريد فقط أن أطمئن‪ ،‬ومن قال إن الحباء السابقين ل يمكن أن يبقوا‬
‫أصدقاء؟ أحمق هذا الذي قال ذلك‪ ،‬كلمه فيه مبالغة كبيرة‪ ..‬أنظر إلى كل هؤلء الجانب كيف‬
‫يحبون ويتزوجون ويتطلقون وقد يلتقون مرة أخرى ويصبحون أصدقاء‪ ..‬ونحن حتى لم نتزوج‪،‬‬
‫لم أستطع أن أكمل مشوار الحب معها‪ ،‬رغم أنني كنت متيمًا‪ ،‬لكن لسباب‪ ،‬ربما كانت أسرية‪،‬‬
‫عقدية‪ ،‬أسباب لم تعد تهم الن‪ ،‬اضطررت أن أخبرها بأني سأسافر في ليلة ممطرة‬ ‫طائفية‪ُ ،‬‬
‫ومازال مطر دموعها يطاردني في المنام‪.‬‬
‫ترتعش يدي‪ ،‬لكنني أرى ابتسامتها أمامي وفي موجة شوق عارمة‪ ..‬أضغط أزرار الهاتف‪،‬‬
‫وبعد أربع رنات بدت طويلة جدًا‪ ،‬أسمع صوتها يهتف‪.‬‬

‫“ألو‪ ..‬نعم؟” صوتها ليزال يحمل نغمة ضحكة عروس بحر ويخفق قلبي بعنف‪ ..‬ول أستطيع‬
‫أن أرد‪ ،‬أنظر إلى ساعة يدي وأتمنى لو تقف عقارب الساعة عند صوتها‪.‬‬

‫“ألو‪ ”..‬تكرر بشيء من الحدة‪ ،‬وأتخيلها قد بدأت تعقد حاجبيها‪..‬‬

‫أستجمع ما تبقى في حنجرتي من صوت‪ ،‬ألملم الصور التي كانت تجمعنا قبل خمس سنوات في‬
‫مخيلتي وأحاول أن أرتب الكلم‪ ،‬هل أبدأ بألو؟ أم مرحبا؟ أو ربما أناديها سماور‪ ..‬أفتح فمي‬
‫وقبل أن أنبس بأي حرف‪ ،‬أسمع صوتًا في الطرف الخر للهاتف‪ ،‬لطفل يبكي‪ ..‬ويغطي الجليد‬
‫لساني فجأة رغم أني كنت أتصبب عرقًا‪ ..‬أسمع صوت الطفل يبكي‪ ..‬وسماور تناجيه “حبيبي‬
‫حبيبي ها أنا قادمة‪.”..‬‬

‫وتغلق سماعة الهاتف‪..... ..‬‬

‫أروى السيد – مملكة البحرين‬

‫‪http://www.alwaqt.com/art.php?aid=186498‬‬

You might also like