You are on page 1of 69

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫الباضيــة في ميدان الحــق‬

‫الفصل الول‪ :‬معرفة الحقيقة وأسباب الجنوح الفكري‬

‫الفصل الثاني‪ :‬إفتراءات كتََاب المقالت على الباضية‬

‫الفصل الثالث‪ :‬مفـــــاهيم يجب أن تختفـــي‬

‫الفصل الرابع‪ :‬المســـــائل الخلفيــــــة‬

‫أدلة استقامة الباضية‬

‫المقدمة‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫الحمد ل القائل ‪ " :‬واعتصموا بحبل ال جميعا ول تفرقوا " ‪ ،‬والصلة والسلم على سيدنا محمد‬
‫الداعي إلى الوحدة والوئام والناهي عن الفرقة والخصام وعلى آله وصحبه الكرام‬
‫وبعد ‪،،،‬‬
‫إن التباين و الختلف سمة من سمات البشر تعود إلى طبيعة العجز البشري ‪ ،‬وقد ابتليت بالفتراق كل‬
‫المم ولم تسلم حتى أمة محمد ‪ -‬صلى ال عليه وآله وسلم ‪ -‬التي أرسل ال إليها أعظم رسول وأنزل‬
‫إليها أجلّ كتاب حذرت فيه من الفرقة حيث قال ال سبحانه " واعتصموا بحبل ال جميعا ول تفرقوا "‬
‫آل عمران ‪ ، 103‬وقال سبحانه " ول تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك‬
‫لهم عذاب عظيم " آل عمران ‪ ، 105‬وقال سبحانه " ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم " النفال ‪46‬‬
‫‪،‬‬
‫ليس العيب أن يخطئ النسان أو يقصر أو يخالف فل كمال إل ل ‪ ،‬فالخطأ مع الستغفار يغتفر وإن كان‬
‫فادحا ولكن الذي ل يغتفر هو خلق مكابرة الحق بالباطل والصرار عليه والستكبار عن الرجوع للحق‬
‫والعراض عن منهج القرآن الذي فيه هداية الناس والذي أمر ال سبحانه وتعالى فيه أن يحتكم إليه‬
‫في أي نزاع حيث قال سبحانه " يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا ال وأطيعوا الرسول وأولي المر منكم‬
‫فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير وأحسن‬
‫تأويل " النساء ‪، 59‬‬
‫وليس عيبا النقد التقويمي والبَنّاء ‪ ،‬بل هو أحد خصائص السلم الكبرى وهو وظيفة اجتماعية‬
‫ضرورية لكشف جوانب الخطأ لن النسان قد ل يكتشف خطأه أو خطأ جماعته وقد يصعب عليه‬
‫العتراف بالخطأ ويحاول الهروب منه ‪ ،‬ملقيا اللوم على غيره ‪.‬‬
‫وإنما العيب تلك الحملة الهوجاء التي يشنها أصحاب بعض الفرق السلمية على الفرق الخرى‬
‫لمحاولة تشويه تلك الفرق وطمس حقيقتها وتفريق أمة السلم التي ل يستفيد منه إل أعداء ال الذين‬
‫يكيدون للسلم ليل نهار من غير هوادة ‪0‬‬
‫والباضية ممن أصلوا بنار الفتنة التي أوقدها هؤلء المتعصبون الذين توجههم السياسة الماكرة‬
‫وأهواؤهم النفسية معرضين عن تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تدعو للوحدة‬
‫وتحذر من الفرقة وتحذر من الكذب وظلم الخرين وتدعو إلى العدل مهما بلغ بغض أولئك القوم يقول‬
‫ال تعالى " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ل شهداء بالقسط و ل يجرمنكم شنآن قوم على أن ل‬
‫تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا ال إنّ ال خبير بما تعملون "سورة المائدة ‪8‬‬
‫فهذه الحملة التعسفية التي شنها هؤلء على الباضية بالفتراءات التي سطروها في كتبهم أو بما‬
‫تفوهت به ألسنتهم لطمس الحق بإخفاء حقيقة المذهب الباضي عن الناس هي سبب كتابة هذه‬
‫الرسالة الصغيرة الني سميتها " الباضية في ميدان الحق " لزاحة ركام الباطل وظلمة الظلم بنور‬
‫الحق الذي جاء به القرآن والسنة النبوية وذلك بالحتكام إلى كتاب ال وسنة نبيه صلى ال عليه وسلم‬
‫واتباع هديهما في قول الصدق وقبول الحق " ضمنتها خمسة فصول ‪ :‬الول في معرفة الحقيقة‬
‫والثاني في ذكر بعض الدعاءات على الباضية وبيان كذبها وثالثها في مفاهيم يجب أن تختفي والرابع‬
‫في المسائل الخلفية وختمت ذلك بذكر أدلة استقامة الباضية ‪ ،‬هذا وصلى ال على سيدنا محمد وآله‬
‫وصحبه وسلم‬

‫ناصر بن مطر بن سعيد المسقري ‪0‬‬

‫الفصل الول‬
‫معرفة الحقيقة وأسباب الجنوح الفكري‬
‫الباب الول‬
‫الطريق الصحيح لمعرفة الحقيقة‬

‫إن من يريد الخير لمة السلم عليه أن يبحث عن الحقيقة ويعبر عنها كما هي وهذا سيقرب المسلمين‬
‫من بعضهم حيث أن نقاط الخلف تكون قليلة جدا بخلف الحاقدين الذين يجعلون الخلف يزيد ويتسع‬
‫فإذا كان في خمس نقاط يجعلونه عشرا ‪0‬‬
‫ول يمكن أن يصل الباحث إلى الحقيقة وهو يبحث عنها من غير مصدرها فكيف يعرف حقيقة فرقة من‬
‫عند خصومها – إن صح التعبير –‬
‫وكذلك ل يمكن أن يصل إلى الحقيقة إل باستقراء تام للفرقة أو الموضوع وأيضا ل يمكن الوصول إلى‬
‫الحقيقة إل بالتخلص من أسباب الخطأ والجنوح الفكري الذي يعمي النسان ويصمه فيرى مال ترى‬
‫عيناه ويسمع مال تسمع أذناه ‪.‬‬
‫ولقد أجاد العلمة الشيخ عبدالرحمن الميداني في كتابه " بصائر للمسلم المعاصر " في إيضاح الطريق‬
‫التي توصل إلى الحقيقة وإيضاح أسباب الجنوح الفكري التي تبعد النسان عن إدراك الحقيقة ‪.‬‬
‫ومن تمام الفائدة نبقى مع العلمة الميداني نقلت ذلك مع بعض التصرف بالختصار والزيادة‪.‬‬
‫يقول الميداني في الكتاب المذكور ‪-:‬‬
‫( إن لكل أمر حقيقة ‪ ،‬ولكل حقيقة حدود ومقادير وكل إدراك أو تعبير عنه يهدف إلى إصابة الحقيقة ولو‬
‫دعاء له أحد الوجوه التالية ‪-:‬‬
‫(‪ )1‬أن يطابق الحقيقة مطابقة تامة وهو تمام الحق ‪0‬‬
‫(‪ )2‬أن يزيد عليها من غيرها وذلك تجاوز وغلو وفيه من الباطل بقدر الزيادة ‪0‬‬
‫(‪ )3‬أن ينقص منها وذلك تقصير أو قصور فإن كان مع إدعاء المطابقة ففيه باطل بقدر النقص ‪.‬‬
‫(‪ )4‬أن ينحرف عن مطابقتها وذلك تجاوز وقصور وفيه من الباطل بمقدارهما إن كان مع إدعاء المطابقة‬
‫‪.‬‬
‫(‪ )5‬أن يخرج عن الحقيقة خروجا كليا وهو إدراك أو تعبير كله باطل ‪.‬‬
‫إن الزيادة على حدود الحقيقة التي يوجه لها الدراك مع تصور أو ادعاء إن هذه الزيادة داخلة في حدود‬
‫الحقيقة تعميما فاسدا غير مطابق للحقيقة يسند إليها أحكاما وصفات ليست لها ‪.‬‬
‫والتعميم الفاسد في الحكم قد ينجم عنه قلب الحق باطل والباطل حقا ‪ ،‬والمعمم تعميما فاسدا قد يقبل‬
‫المذهب كله لنه قد رأى بعضه حقا ‪ ،‬وقد يرفض المذهب كله لنه قد رأى بعضه باطل‪.‬‬
‫إن على الباحث طالب الحق أن يجزئ عناصر الموضوع العام أو عناصر المذهب ‪ ،‬ويبحث كل جزء‬
‫فيه بحثا مستقل ويعطي حكمه عليه بالدليل ول يصح له أن يعطي حكما عاما بالصحة لمجرد أن رأى‬
‫بعض عناصر الموضوع صحيحة أو رأى بعض مسائل المذهب صحيحة ‪ ،‬فكثير من الخطاء تأتي من‬
‫الحكم على الكل بسبب ما اقتضاه الحكم على البعض ويسقط في الخطأ أو الغلط هنا فريقان ‪-:‬‬
‫(أ) فريق يحكم ببطلن كل عناصر الموضوع أو المذهب وقضاياه ومقولته لنه رأى خطأ أو بطلنا في‬
‫بعضها ‪0‬‬
‫(ب) وفريق يحكم بالصحة لكل عناصر الموضوع أو كل مسائل المذهب وقضاياه ومقولته لنه رأى‬
‫بعضها صحيحا ‪0‬‬
‫والمنهج الفكري السليم الذي يجب إتباعه في الحكام التعميمية هو أن الجزم بالتعميم ل يكون إل‬
‫باستقراء تام لكل الوحدات الجزئية التي تدخل في العموم ‪ ،‬لن الستقراء الناقص دللته ضعيفة ل يصلح‬
‫العتماد عليه ‪ ،‬و إن على الباحث أن يقسم الموضوع إلى عناصره ليعرف مدى صحة كل عنصر حتى‬
‫(‪)1‬‬
‫يأتي عليها كلها ول يغتر بالعناصر الصحيحة لن قليل من السم يكفي للفساد‬
‫إن معظم السقطات الشنيعة تأتي من التعميمات الفاسدة ومن المثلة على التعميمات الفاسدة رفض كل ما‬
‫عند المذاهب المخالفة لن بعض ما فيها باطل ‪ ،‬واعتقاد أن كل مسائل المذهب الذي ينتمي إليه المعمم‬
‫هي حق ‪ ،‬مع أنه ل يفحص كل مسألة من مسائله فحصا عمليا استدلليا ‪ .‬إن مثل هذا التعميم ل يقبل به‬
‫(‪)1‬‬
‫منطق الحق ‪ ،‬إنما يدفع إليه التعصب والجهل وعدم البصيرة العلمية الربانية ‪.‬‬

‫الباب الثاني‬
‫أسباب الخطأ أو الجنوح الفكري‬

‫السبب الول‬
‫الوهم الناشئ عن اضطراب نفسي أو عدم اتزان فكري ‪:‬‬
‫فكم يكون الخطأ أو الجنوح الفكري عن الحقيقة ناشئا عن الوهم الذي يحدثه الخوف أو الطمع أو الشهوة‬
‫العارمة أو الغضب ‪ ،‬وبالوهم يرى الرائي ما ل ترى عيناه ويسمع ما ل تسمع أذناه ويصغّر الكبير ويكبّر‬
‫الصغير (‪ ) )2‬فيجانب الحقيقة ول يقبل النصح والرشاد ‪.‬‬
‫فكم من أخطاء تقع بهذه السباب ‪.‬‬
‫فكم من أناس وقعوا في الباطل ومعصية ال بسبب الخوف ‪.‬‬
‫وكم من أخطاء وقعت بالطمع ربما من أقلها أن يزوج الرجل ابنته لمن يدفع له أكثر ‪.‬‬
‫وكم وقع العشاق في ضياع لحياتهم بسبب متابعة شهواتهم ‪.‬‬
‫وأما الغضب فأخطاؤه كثيرة جدا ‪ ،‬يقول صاحب تهذيب الحياء ‪ :‬وأما أثره في اللسان فانطلقه بالشتم‬
‫والفحش من الكلم الذي يستحي منه ذو العقل ويستحي منه قائله عند فتور الغضب ‪ ،‬وربما انطلقت لسانه‬
‫بما يسبب له مشاكل اجتماعية مثل الطلق ‪ ،‬وأما أثره على العضاء فالضرب والتهجم والتمزيق والقتل‬
‫(‪) 1‬‬
‫والجرح عند التمكن من غير مبالة ‪.‬‬
‫السبب الثاني‬
‫ضعف الدراك أو وسيلته مع الغرور النفسي ‪:‬‬
‫ينتج عن هذا السبب توهم كمال الدراك وكمال الوسيلة ثم ينتج عنه توهم معرفة الحقيقة معرفة كاملة‬
‫مستوعبة ‪.‬‬
‫والغرور بالنفس ينفخ فيها حتى تتورم تورما مرضيا فيغشي البصيرة والفكر وأدوات الحس وقد يطمسها‬
‫أحيانا فيقع المغتر في أخطاء كثيرة تجر عليه ولمن تبعه نكبات وبليا وشرور عظيمة ‪.‬‬
‫إن الغرور بالنفس يصيب الفراد والجماعات ‪.‬‬
‫ومن هنا وقع الذين ينكرون الغيبيات كالملئكة والجن توهما منهم بأن لديهم الداة المدركة مع وسائلها‬
‫التي تجعلهم يدركون حقيقة الواقع بصفة استغراقية فما لم يدركوه فهو غير موجود ‪.‬‬
‫وهذا الغرور بوسائلهم الضعيفة قد عطّل عقولهم عن التسليم بالبديهة التي تقرر أن عدم وجدان صاحب‬
‫(‪) 2‬‬
‫الدراك الناقص للشيء ل يدل على عدم وجود ذلك الشيء)‪.‬‬
‫وكم من إنسان يغتر بكثرة أتباعه وحزبه أو مذهبه فل يلتفت إلى غيره معتقدا أنه مصيب للحق وللطريقة‬
‫السليمة والكثرة هي دليل ذلك مع أن كثرة الناس في إتباع شيء معين ل تدل على أنه حق ‪ ،‬ويدل على‬
‫ذلك القرآن والواقع وسنوضحه في موضعه إن شاء ال ‪.‬‬
‫السبب الثالث‬
‫انحراف النظر عن رقعة الحقيقة ‪:‬‬
‫وهذا نوع من الحول الفكري ( فقد يبدأ النظر برؤية الجزاء الولى من الحقيقة ثم ينحرف عنها فيغره‬
‫البدء الصحيح ثم ل يدرك أنه قد انحرف عن الحقيقة بعد ذلك ‪،‬كمن يبدأ السير في طريق بداية صحيحة‬
‫ثم يسير غير متحرٍ لصحة مسيره مع كل خطوة ويضل ول يصل إلى الهدف بل يقع في المتاهات وهو‬
‫يزعم أنه على صواب متوهما ذلك بسبب بدايته الصحيحة )‪.‬‬
‫السبب الرابع‬
‫اشتباه الحقيقة بما جاورها ‪:‬‬
‫بهذا السبب تختلط أرض الحقيقة بما جاورها فيحدث الخطأ وقد نبّه رسول ال – صلى ال عليه وسلم –‬
‫على ضرورة أخذ الحذر من الوقوع في المشتبهات في الحديث الذي رواه مسلم والبخاري عن النعمان‬
‫بن بشير – رضي ال عنهما قال سمعت رسول ال – صلى ال عليه وسلم يقول " إن الحلل بيّن‬
‫والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه‬
‫وعرضه ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام ‪ "00000‬الحديث ‪.‬‬

‫السبب الخامس‬
‫تشابه الحقائق في صفاتها ولو تباعدت ‪:‬‬
‫قد ينشأ الخطأ عن تشابه الحقيقة مع غيرها في الشكل أو الصورة أو اللون أو غير ذلك ولو لم يكن‬
‫المتشابهان متجاورين كمن يرى السراب ماء ‪.‬‬
‫وكذلك نظر الكافرين إلى أعمالهم حيث يرون أنها تشبه العمال التي تحقق لصحابها السعادة فيجتهدون‬
‫في سبيل ذلك ول يصلون إلى هدفهم ‪ ،‬قال ال تعالى في سورة الكهف " قل هل ننبئكم بالخسرين أعمال‬
‫‪ ،‬الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ‪ ،‬أولئك الذين كفروا بآيات ربهم‬
‫ولقائه فحبطت أعمالهم فل نقيم لهم يوم القيامة وزنا (‪105-103‬‬
‫ومن الغلط التي وقع فيها كثير من الناس بهذا السبب إطلقهم على نظام السلم أسماء مبادئ غير‬
‫إسلمية بل هي مضادة للسلم إل أن بينها وبين نظام السلم شبها جزئيا فاشتبه المر عليهم وساعد‬
‫على هذا الرؤية الفاسدة والتسرّع في الحكم ‪ ،‬ومن أمثلة ذلك إطلق أسماء الشتراكية أو الرأسمالية أو‬
‫الديمقراطية أو الدكتاتورية على نظام السلم الذي هو شيء آخر ‪.‬‬

‫السبب السادس‬
‫ردود الفعال الفكرية السريعة بمؤثرات نفسية ‪:‬‬
‫وكثيرا ما يكون الخطأ الفكري ناشئا عن ردود الفعال الفكرية السريعة إلى الضد القصى المقابل لفكرة‬
‫باطلة رفضوها أو مذهب رأوا فساده فلم يقبلوه ‪.‬‬
‫وبسبب هذا النتقال السريع الذي هو من قبل ردود الفعال غير الواعية يتركون الوساط التي قد تكون‬
‫الحقيقة في واحد منها أو موزعة الجزاء بين الوساط وقد يكون ما رفضوه بعض الحق مختلطا بباطل‬
‫كثير وفيما انتقلوا إليه بعض الحق مختلطا بباطل كثير وبعملهم هذا ينتقلون من خطأ إلى خطأ آخر مثل‬
‫الذي فرّوا منه ‪ ،‬وربما يكون الذي انتقلوا إليه أفحش وأشد بعدا عن الحقيقة ‪.‬‬
‫ومثال ذلك حقد العمّال على الرأسمالية المقيتة فثاروا عليها ورفضوها لكنهم انتقلوا _ بردود الفعال‬
‫السريعة المعاكسة _ إلى الضد القصى فسقطوا في براثن المنظمات الشيوعية والشتراكية وتركوا‬
‫الوسط الذي هو النفع والصلح والعدل وهو نظام السلم ‪ ،‬فعندما اشتووا بنار الشيوعية المقيتة عميت‬
‫بصائرهم مرة أخرى وقاموا ينادون بالرأسمالية ‪.‬‬
‫السبب السابع‬
‫سوابق الفكار ‪:‬‬
‫إن سوابق الفكار الثابتة حول موضوع معين تجعل فكر النسان موجها شطر هذه السوابق ومحجوبا‬
‫عن غيرها ‪.‬‬
‫فهي تغشي البصر والبصيرة وتجعل الفكر يجنح وينحرف عن وجه الصواب إل في حال أن تكون‬
‫سوابق الفكار من الحقائق الواضحة غير مختلطة بباطل ‪.‬‬
‫ويضل كثير من الناس متخبطا ل يتضح له الحق ول ينكشف له وجهه مع أن الموضوع يتعلق بقضية من‬
‫القضايا الساسية المهمّة مهما عرضت له الدلّة والبراهين ‪ ،‬ل لن الدلة غير كافية للقناع بالحق ولكن‬
‫لن سوابق الفكار كان لها سلطان على عقولهم وتأثير فيها وتغشية على بعض قدرات الرؤية لديها ‪.‬‬
‫‪:‬‬
‫اللف فلللف استهواء خاص يجعل المألوف محببا للنفوس ‪ ،‬ومحلّ للطمأنينة والسكينة ‪ ،‬ويجعله مأنوسا‬
‫غير مستغرب لدى العقول حتى يكون كالبديهيات التي ل تناقش ول تحتاج إلى أدلّة أو براهين ‪ ،‬فهي‬
‫تتمسك به على أنه حق جليّ جدا ولو كان باطل واضح البطلن في حقيقة أمره إل أن اللف حجب‬
‫بصيرة العقل عن فحصه وتقويمه بميزان المنطق السليم والنظر التأملي الصحيح فجعله من المسلّمات‬
‫التي ل تحتاج نظرا ول استدلل ‪.‬‬
‫الستكبار عن التهام بالتزام الخطأ وعدم استبصاره طوال المدة السالفة التي استبدت فيها سوابق الفكار‬
‫بقناعة العقل وارتياح النفس ‪.‬‬
‫ويبدوا أن الرجوع عن الخطأ إلى الصواب يجرح كبر المتكبرين أصحاب النانيات فيصرون على الخطأ‬
‫ويعاندون ولو ظهر لهم وجه الحق وكثيرا ما يحجب عنهم كبرهم رؤية وجه الحق والصغاء إلى دليله ‪.‬‬
‫وقد وقع كثير من المشركين في هذا الخطأ لنهم صعب عليهم ترك ما ألفوه من الصنام والرجوع إلى‬
‫(‪)1‬‬
‫حقيقة التوحيد ولن كبرهم منعهم من أن يتهموا هم وآباؤهم بأنهم كانوا في ضلل وجهل )‪.‬‬
‫ونجد عند أصحاب المذاهب كثيرا من هذا العناد الصارف عن الحق فل يقبلوا الحق في أي مسألة قال به‬
‫مذهب آخر بسبب سوابق الفكار التي سيطرت عليهم في مذهبهم وحب مذهبهم فنجد أنهم يمتنعون حتى‬
‫عن الحوار في ذلك بدعوى أنه إظهار للباطل ‪ ،‬فلينتبه إلى ذلك لنه من أسباب فرقة المسلمين وعدم‬
‫الوصول إلى وحدتهم ‪.‬‬
‫السبب الثامن‬
‫التعصب لشخص أو قوم أو جماعة أو فكرة قديمة ‪:‬‬
‫إن التعصب ظاهرة موجودة في مختلف المجتمعات البشرية وفي مختلف مستوياتها ‪.‬‬
‫يقول العلّمة عبد الرحمن الميداني ‪ " :‬وهذه ظاهرة تمثل انحرافا مرضيا حينما ل تكون ذات مضمون‬
‫أخلقي كريم لنتصار حزب ال وجماعة الحق فيما يدعون إليه من الحق على أننا حينئذ ل نسميه تعصبا‬
‫بل هو انتصار للحق بالحق " (‪ ، )1‬ولكن ل يؤخذ النتصار للحق ذريعة لتقليد أعمى ‪.‬‬
‫والتعصب فرع من فروع النانية الفردية أو الجماعية ‪ ،‬فليحذر المسلم من اتباعها لنها مناصرة للباطل‬
‫سواء مناصرة لهواه وشهواته أو لجماعته أو لمن يواليه عامة ‪.‬‬
‫وللسف الشديد نلحظ أن التعصب موجود عند معظم الفرق والطوائف وأصناف الناس حتى عند العلماء‬
‫‪.‬‬
‫وهو الداء المهيمن على عقول ونفوس الماديين وأصحاب الهواء ومتبعي الديان المحرّفة كاليهود‬
‫والنصارى ‪.‬‬
‫وموجود في دوائر جزئية عند المسلمين أيضا ‪ ،‬فنلحظه عند الفقهاء والمفسرين والدباء والشيوخ‬
‫والدعاة والوعّاظ وغيرهم ‪.‬‬
‫إنهم في غمرة التعصب يندفعون اندفاع السكارى واندفاع محجوبي البصار إل من زاوية الرؤية التي‬
‫حصروا أنفسهم فيها فهم ل يرون إل من خللها ‪ ،‬كوحيد القرن الذي يرتبط بصره بخطوط الرؤية‬
‫(‪)1‬‬
‫المتصلة برأس قرنه الذي يريد أن يبعج به بطن عدوه وهو هائج ثائر ‪.‬‬
‫السبب التاسع‬
‫التسرّع في الحكم مع عدم وضوح الرؤية ‪:‬‬
‫إن التسرع والندفاع في إصدار الحكام دون روية ودون تحرّ للحقيقة ول صبر في البحث عنها بل‬
‫الكتفاء ببادئ الرأي يوقع في أخطاء كثيرة ‪ ،‬يقول الشيخ أحمد بن النظر ‪:‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫ل تلوميه على ما صنعا كل ما طار وشيكا وقعا‬
‫(والكتفاء ببادئ الرأي سمة العامة والدهماء الذين تحركهم العواطف النية وتوجههم النفعالت غير‬
‫الواعية وتتحكم بهم الغوغائية ويشغلهم عادة أصحاب المصالح والهواء ‪ ،‬ولذلك إن أكثر الفكار‬
‫المسيطرة عليهم التي تتحكم بها تعميمات باطلة ومبادئ ل تعتمد على حق وعقائد ل تستند إلى براهين‬
‫(‪)1‬‬
‫ول أدلة كافية للقناع بل عواطف ل قيمة لها في ميزان الفكر السليم ول في ميزان الواقع التجريبي ‪.‬‬
‫وهذا ليس منهاج المسلم المستنير بالقرآن والسنة لن القرآن الكريم حذّر من ذلك وأخبر أن ذلك يوقع في‬
‫الظلم وتكون عاقبته الندامة ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا‬
‫قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " الحجرات ‪ ، 6‬ويقول الرسول – صلى ال عليه وسلم – ‪" :‬‬
‫التأني من ال والعجلة من الشيطان " رواه الترمذي ‪.‬‬
‫فعلى المسلم أن يضبط نفسه ول يندفع تحت أي تأثير لصدار الحكام والردود السريعة ويفحص القضية‬
‫فحصا دقيقا ويتأكد من صحة الخبر ‪.‬‬
‫السبب العاشر‬
‫مؤثرات الهواء والشهوات والمصالح الخاصة ‪:‬‬
‫يقول الشيخ نور الدين السالمي – رحمه ال ‪: -‬‬
‫حبـك للشـيء يغطي عيبه ويستـرنّ عيبـه وريبه‬
‫حبـك يعـمي ويصمّ فاحذر من الهـوى فإنـه لم يذر‬
‫(‪)1‬‬
‫بـل حـب ما يحبه مولكا من دينه فهو الذي هداكا‬
‫ويقول العلّمة عبد الرحمن الميداني ‪ " :‬ومن شأن أهواء النفوس وشهواتها ومصالحها الخاصة أن تعمي‬
‫بصيرة النسان وتصيبها بالعشى أو تمدّ عليها غشاوة ما فيرى النسان بسبب ذلك الحق باطل والباطل‬
‫حقا ‪ ،‬أو تختلط عليه المور وتلتبس في فكره صور الشياء بنسبة ما وذلك على مقدار غلظ الغشاوة ‪.‬‬
‫ومما ل شك فيه أن الهوى الطاغي يعمي عن رؤية الحق ويصم الذان عن سماع كلمة الحق فمن كان له‬
‫هوى في اتجاه فكري معين حجب عنه هذا الهوى رؤية التجاهات الخرى فهو ل يرى إل الذي دفعه أو‬
‫جذبه إليه هواه ومن يريد إقناعه بتصحيح رؤيته لغير اتجاه هواه ل يجد لديه أذنا تسمع له نصحا ‪ ،‬أو‬
‫فكرا يفهم منه بيانا ‪ ،‬لن ذهنه منصرف عنه انصرافا كليّا ‪ ،‬والسبب في ذلك مؤثرات الهوى التي حجبت‬
‫الذهن والبصيرة عن الحقيقة وعزلت الحواس عن إدراك ما يعرض عليها ‪ ،‬فالعين ل ترى إل أشكال‬
‫ورسوما وظواهر ‪ ،‬والذن ل تسمع إل أصواتا وحروفا فمخاطبتها كالذي ينعق بما ل يسمع إل دعاء‬
‫(‪) 1‬‬
‫ونداء ‪.‬‬
‫السبب الحادي عشر‬
‫التقليد العمى ‪:‬‬
‫التقليد العمى ينشأ عن التعصب أو الثقة الجمالية بالمام المقلّد أو الثقة بمنهجه أو طريقة اجتهاده ‪.‬‬
‫فالمقلّد للمام دون بصيرة في كل خطوة يخطوها يقع في كل الخطاء التي يقع فيها إمامه تلقائيا ‪.‬‬
‫ومن الحق أن التقليد ضرورة إذ ل يمكن أن يكون كل إنسان مجتهد بنفسه ولنا في أصحاب رسول ال –‬
‫صلى ال عليه وسلم – أسوة حسنة حيث كان فيهم أئمة يستنبطون ويفتون وآخرون يستفتون ويعملون بما‬
‫يفتيهم به أئمتهم ‪ ،‬لكن من الخطأ أن يدّعي المقلّد أن إمامه على صواب وما عداه باطل ‪ ،‬لن مثل هذا‬
‫الدعاء ل يملكه إمامه نفسه لن الجتهاد في المسائل الجتهادية الخلفية ل يقدم أكثر من دليل ترجيحي‬
‫والدليل الترجيحي ل يعطي يقينا بأن ما وصل إليه الجتهاد هو الحق قطعا وما عداه باطل قطعا (‪، )2‬‬
‫والعصمة للنبياء فقط ‪.‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫افتراءات كتّاب المقالت على الباضية‬
‫الباب الول‬
‫أسباب التعصب ضد الباضية‬

‫أول‪ :‬إنكارهم الظلم في كل زمان وخاصة زمن بني أمية حيث سلطت عليهم الدولة الموية إعلمها‬
‫طمّاعون فيما لدى الدولة ‪ ،‬وليس‬
‫الهادر فكالت عليهم التهم كيل فانطلت على البعض وساعد في نشرها ال ّ‬
‫من المستغرب وجود مثل هؤلء الطماعين فهم موجودون في كل زمان ‪ ،‬كذلك ليس من المستغرب كيل‬
‫التهم على المصلحين فرسول ال – صلى ال عليه وسلم – لم يسلم من ذلك ‪ ،‬وهذه طريقة متبعة إلى‬
‫يومنا هذا ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬كون الباضية متفقين مع الخوارج في الخروج عن علي – كرم ال وجهه – بسبب عدم قبول‬
‫التحكيم سهّل إلصاقهم بالخوارج ‪.‬ومروق الخوارج من الدين سهل الفتراء على الباضية ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الكاذيب التي سطرها كتاب المقالت في كتبهم ‪ ،‬فكتاب المقالت الذين سطروا الكاذيب ضلوا‬
‫وأضلوا وصاروا قنطرة عبور للحاقدين سواء قصدوا ذلك أو وقعوا ضحية ‪.‬‬
‫أما كونهم ضلوا فهم مسئولون عما كتبوه يوم القيامة ‪.‬‬
‫وأما كونهم أضلوا فكتبهم أصبحت مرجعا لكل من أراد أن يعرف شيئا عن الباضية ‪ ،‬ووثقوا بها فيما‬
‫قالت لسببين ‪ :‬لكون هؤلء الكتاب من العلماء المشهورين ‪ ،‬ولكون هذه الدعاءات موجودة في عدة كتب‬
‫مع أن مصادر هذه الكتب غير متنوعة وإنما نقل الثاني ما كتبه الول وهكذا ‪.‬‬
‫فكونت هذه الكتب لدى قارئها صورة بغيضة عن هذه الفرقة السلمية فرأى أن من واجبه حماية الناس‬
‫من الوقوع فيها وإنقاذ المنتمين إليها من الضياع ‪ ،‬وهذا رأي في محله لو كان ما كتب عن الباضية‬
‫صحيحا لن ما كتب عنهم ينفر منه الطبع السليم ‪ ،‬ولكن في الحقيقة من وقع في شباك هذه الكتب جرفه‬
‫السيل وهو ل يدري ‪ ،‬لن ما كتب عنهم ل يمت إليهم بصلة ‪.‬‬
‫فإن من يقرأ عن الباضية في كتب المقالت ويقارن ذلك بكتب الباضية يجد عجبا ‪ ،‬حيث ل يجد أي أثر‬
‫لما كتب عنهم وذلك لن كتّاب المقالت لم يكتبوا شيئا حقيقيا عن الباضية بسبب أن الباضية في نظرهم‬
‫فرقة ضالة يجب أن يلقى بها في مكان سحيق ‪ ،‬سواء كان هذا الحكم نابعا منهم أو وقعوا ضحية لغيرهم‬
‫فقاموا بالتضليل على هذا المذهب وطمس حقيقته بشتى الساليب ‪ ،‬واتفاق الكثير منهم على ذلك ليس‬
‫صدفة وإنما بسبب وحدة عقيدتهم عن هذا المذهب وأخذ الثاني ما كتبه الول وتبعهم الخرون من غير‬
‫تتبع للحقيقة من كتب الباضية مع أن بعضهم شرط على نفسه أخذ ذلك من كتبهم ‪ .‬باستثناء بعض الكتاب‬
‫المنصفين فلهم الشكر والتقدير ‪.‬‬
‫ويدل على ما أقول ‪:‬‬
‫(‪ )1‬إنهم لم يكتبوا شيئا عن أئمة الباضية مثل جابر بن زيد وأبي عبيدة وغيرهم‬
‫(‪ )2‬لم يذكروا عقائد الباضية ‪.‬‬
‫(‪ )3‬لم يذكروا شيئا من آراء الباضية الفقهية ‪.‬‬
‫(‪ )4‬لم يذكرا إل النزر اليسير من مبادئ الباضية تنحصر في السياسة وحقوق المسلمين على بعضهم ‪.‬‬
‫بل ذكروا بدائل للتضليل‬
‫فقسموا الباضية إلى فرق أصلية ‪ ،‬وأخرى فرعية استنتجوها من وحي خيالهم لمسرحية بيع أمة وذكروا‬
‫لها عقائد شرك بال ‪.‬‬
‫والباضية ل يعرفون شيئا عن تلك الفرق ول يوجد أي ذكر لها ول لعقائدها ول لئمتها في كتب‬
‫الباضية سواء الذي ألفت قبل كتب المقالت أو التي ألفت بعدها ويبرؤن منها إن كان لها وجود أصل‬
‫وممن ألصقها بهم ‪.‬‬
‫حاولوا طمس الحقيقة بالتعميمات الفاسدة حيث أنهم ألصقوا الباضية بالخوارج والفرق الضالة وشتى‬
‫التهامات الخرى سأذكرها فيما بعد ‪.‬‬
‫وانتشرت هذه الفتراءات في الكتب الخرى وعلى السنة الخطباء الحاقدين وفي الشرطة السمعية إلى‬
‫يومنا هذا مثل كتاب الباضية الذي سيأتي الرد عليه المحشي بالكاذيب وبقى الباضية يعانون منها‬
‫متخذين موقف الدفاع عن أنفسهم‬
‫وما كنت اكتب كلمة واحدة مما قاله أهل المقالت السابقين مما خالفوا فيه الواقع لو أن المتأخرين اتبعوا‬
‫الحق و لم يظلوا يرددون تلك الكاذيب‪.‬‬
‫من يعرف النطق منكم صار يشتمنا كأنه فرض عين عندكم شهرا‬
‫ولكن ما الذي حمل هؤلء الكتّاب على هذه الفتراءات حيث دونوا اسم الباضية وكتبوا أشياء ل تمت‬
‫إليهم بصلة ؟!!‬
‫يقول البعض ربما أن ذلك يعود إلى قلة معرفتهم بالمذهب الباضي بسبب أن حركته كانت سرية ‪ ،‬وفي‬
‫الحقيقة أن هذا ليس شيئا مقنعا لمرين ‪:‬‬
‫أول ‪ -:‬إن كتب المقالت التي كثر فيها الكذب على الباضية بدأ تأليفها في القرن الرابع الهجري وقبل‬
‫كتابتهم هذه كان المذهب منتشرا ‪ ،‬ففي عمان بويع بالخلفة قبل هذا التاريخ حوالي ستة أئمة ‪،‬بدءا من‬
‫المام الجلندى بن مسعود الذي بويع في عام ‪ 132‬ه وفي المغرب الئمة الرستميون كانت دولتهم تغطي‬
‫حيزا كبيرا من المغرب العربي من الجزائر إلى ليبيا ودامت أكثر من ‪ 150‬سنة ‪،‬من ‪ 296- 144‬هـ وهو‬
‫قبل القرن الرابع الهجري وكذلك المام عبدال بن يحيى الكندي في اليمن وصل نفوذه إلى الحجاز فهل‬
‫بعد هذا تعذر الحصول على المعلومات ‪ ،‬هذا بالنسبة للقدماء فكيف بالمتأخرين ؟‬
‫ثانيا ‪ -:‬إذا كانوا أخذوا من غير الثقات فقد وقعوا فيما نهى ال عنه حيث قال ال سبحانه ‪ " :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين "الحجرات ‪6‬‬
‫وفيما عده رسول ال صلى ال عليه وسلم كذبا في قوله ‪ " :‬كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع "‬
‫متفق عليه‬
‫ثالثا‪ -:‬إن كانوا ل يعرفون شيئا عن الباضية وكتبوا عنهم لكمال كتبهم فقد وقعوا فيما نهى ال عنه‬
‫حيث قال ‪ " -:‬ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول )‬
‫السراء ‪36‬‬
‫وإن كان قد حملتهم إلى ذلك كراهية هذا المذهب فال سبحانه نهى أن يحمل النسان بغضه على الظلم‬
‫وأمره بدل ذلك بالعدل حيث قال عز من قائل " ل يجرمنكم شنئان قوم على أن ل تعدلوا اعدلوا هو أقرب‬
‫للتقوى " المائدة ‪ ) 8‬أي ل يحملكم بغض أي قوم على ظلمهم وإنما عليكم العدل في كل شيء ‪.‬‬
‫وأي ظلم يعمله هؤلء على هذا المذهب أكثر من وصفهم بالضلل ونسبة الشرك إليهم وال يقول " إن‬
‫الشرك لظلم عظيم " لقمان ‪13‬‬
‫وإن كان قصدهم النتصار للحق لكون أنهم يرون أنفسهم على حق وغيرهم على باطل ‪ ،‬فإن هذه‬
‫الدعوى كل يدعيها كما نص على ذلك حديث الفتراق ولكن الحق غير محتاج إلى تأييد بالباطل فالحق‬
‫والباطل ضدان ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ " -:‬وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا " السراء ‪81‬‬
‫وقال ‪ "-:‬بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " النبياء ‪18‬‬
‫لم تقم السماوات والرض إل بالحق بل لم يخلق ال هذا الكون إل بالحق والباطل ل يأتي إل بباطل ‪،‬‬
‫كيف يدعي شخص أن الفرقة التي ينتمي إليها متبعة الحق وهو في نفس الكتابة التي كتبها لم يستطع‬
‫سلوك طريق الحق ؟!‬

‫الباب الثاني‬
‫ردود على كتاب المقالت‬

‫الباضية مع أبي الحسن الشعري‬

‫أبو الحسن من علماء القرن الرابع الهجري وهو من أوائل من كتب في الفرق السلمية وكتابه " مقالت‬
‫السلميين واختلف المصلين " أخطر كتاب حيث أن عددا كبيرا ممن جاءوا بعده اعتمدوا على كتابه‬
‫إلى يومنا هذا ربما ثقة به لسعة علمه ‪ ،‬فيا ليته كتب الحقيقة لينال أجرها عند ال ‪ ،‬ولكنه كتب أشياء ل‬
‫أساس لها على القل بالنسبة للباضية حيث قسمهم إلى فرق ليس لها وجود عند الباضية ونسب إليهم‬
‫أقوال ل تمت إليهم بصلة ‪ )1(.‬حيث قال‪:‬‬
‫الفرقة الولى ‪ -:‬الحفصية إمامهم حفص بن أبي المقدام ‪ ،‬زعم أن بين الشرك واليمان معرفة ال وحده‬
‫فمن عرف ال سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول أو جنة أو نار أو عمل بجميع الخبائث من قتل نفس‬
‫واستحلل الزنى وسائر ما حرم ال من فروج النساء فهو كافر برى من الشرك ‪.‬‬
‫الفرقة الثانية ‪ -:‬يسمون اليزيدية ‪ ،‬إمامهم يزيد بن أنيسة ‪ ،‬زعم أن ال سبحانه سيبعث رسول من العجم‬
‫وينزل عليه كتابا من السماء يكتب في السماء وينزل عليه دفعة واحدة وتولى أبو يزيد هذا من شهد للنبي‬
‫صلى ال عليه وسلم بالنّبوءة من أهل الكتاب وإن لم يدخل في دينه ولم يعمل بشريعته وزعم أنهم بذلك‬
‫مؤمنون ‪.‬‬
‫الفرقة الثالثة ‪ -:‬من الباضية أصحاب حارث الباضي ‪ ،‬قالوا في القدر بقول المعتزلة وخالفوا فيه سائر‬
‫الباضية ‪ ،‬وقالوا دار السلطان دار كفر "‬
‫الفرقة الرابعة ‪ -:‬يقولون بطاعة ل يراد ال بها على مذهب أبي الهذيل ‪ ،‬ومعنى ذلك أن النسان قد يكون‬
‫مطيعا ل إذا فعل شيئا أمره ال به وإن لم يقصد ال بذلك الفعل ول أراده به ‪0‬‬
‫وقال بعضهم ليس على الناس المشي إلى الصلة ول الركوب إلى الحج ول شيء من أسباب الطاعات‬
‫التي يتوصل بها إليها إنما عليهم فعلها فقط "‬
‫وقال جميعهم إن يستتيبوا من خالفهم في تنزيل أو تأويل فإن تاب وإل قتل كان ذلك الخلف فيما يسع‬
‫جهله أو فيما ل يسع جهله ‪0‬‬
‫وقالوا من زنى أو سرق أقيم عليه الحد ثم استتيب فإن تاب وإل قتل ‪0‬‬
‫وقال بعضهم ليس من جحد ال وأنكره مشركا حتى يجعل مع ال غيره ‪0‬‬
‫وقال بعضهم بتحليل الشربة التي يسكر كثيرها إذا لم تكن الخمر بعينها ‪0‬‬
‫إن ال يؤلم أطفال المشركين على طريق اليجاب ل طريق التجويز ‪.‬‬
‫أورد أبو الحسن قصة عن بيع الماء للمخالفين ‪ ،‬فذكر في هذه القصة أسماء منكرة النسب مثل إبراهيم‬
‫وميمون وعبد الجبار وسلمان وثعلبة وعبد الكريم بن عجرد وأم سعيد وأورد فيها أن إبراهيم أفتى‬
‫بالجواز وميمون برئ منه وقوم وقفوا وذكر في القصة أوصاف مثل العلماء والماء وامرأة ثعلبة وتكفير‬
‫بعضهم لبعض ‪.‬‬
‫إن ما قاله الشعري ل يعدو أن يكون سطورا من الفتراءات قصد بها التشنيع على المذهب الباضي‬
‫وتكريههم إلى الفرق السلمية الخرى ‪ ،‬ربما أن الشيخ الشعري وقع ضحية لصحاب الحقاد ضد‬
‫الباضية ولكن ذلك ل يخرجه من قوله صلى ال عليه وسلم ‪ -:‬كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع "‬
‫متفق عليه‬
‫ويدل على ما أقول ‪-:‬‬
‫أول ‪ -:‬إن الشعري قسم الباضية إلى أربع فرق ليس لها علقة بالمذهب الباضي في قليل أو كثير ‪،‬‬
‫فالفرق السلمية تنسب إلى المام الذي تقتنع تلك الفرق بآرائه الدينية وتأويله لنصوص العقيدة وهذا ل‬
‫يوجد له أثر بين الباضية والفرق المزعومة ‪ ،‬وكتب الباضية التي ألفت قبل وبعد الشعري شاهدة بذلك‬
‫ومستعدون لتوفير أي مرجع يريده الباحث المنصف ‪0‬‬
‫فالئمة الذين ذكرهم مجهولون ليس لهم أي ذكر في أي كتاب من كتب الباضية ل كتاب سيرة ول فقه‬
‫ول عقيدة ول غير ذلك ‪0‬‬
‫ونرى الشعري بنفسه أتى ببعضهم بدون أب وبعض الفرق لم يجد لها إماما قط ‪0‬‬
‫كما أن العقائد التي ذكرها الشعري لهذه الفرق هي عقائد شرك فكيف تعد من الفرق السلمية ؟ وهي ل‬
‫شك مخالفة لعقائد الباضية بل البعد بينهما أكثر من البعد ما بين السماوات والرض ‪.‬‬
‫فإن كان ل يوجد أي أثر لسيرة أئمة الفرق المذكورة عند الباضية ول عقائدهم ول آرائهم فكيف ساغ‬
‫للشعري أن يلحقهم بالباضية بل أن يجعلهم الباضية أنفسهم ؟!‬
‫ثانيا ‪ -:‬إن الشعري نسب أقوال لجميع الباضية وأقوال أخرى لبعضهم هي أيضا مخالفة لقوال‬
‫الباضية تماما ‪0‬‬
‫بعض الدلة من كتب الباضية على صحة ما أقول‬
‫(‪ )1‬الفرقة الولى نسب إليها القول ‪ -:‬إن الكفر بالرسل والجنة والنار ليس شركا‬
‫يقول العلّمة نور الدين السالمي الباضي في غاية المراد‬
‫وقد أتـت حجج البرهان ناطقة بالموت والبعث والحسبان فامتثل‬
‫وأنـه من أطـاع ال يدخـله جناتـه أبـدا ل يبتـغـي نـقل‬
‫(‪) 1‬‬
‫ومن عصاه ففي النيران مسكنه ولم يجد مفزعا عنـها فينـتقـل‬

‫(‪ )2‬الفرقة الثانية نسب إليها القول ‪ -:‬إن ال سيبعث رسول من العجم ويتولون أهل الكتاب الذين شهدوا‬
‫برسالة الرسول صلى ال عليه وسلم وإن لم يدخلوا في دينه والشيخ العلّمة نور الدين السالمي يقول في‬
‫بهجة النوار ‪-:‬‬
‫قـد نسخت شرائع الجميع سوى الهدى بشرعنا البديع‬
‫ومـاله أي شـرعنا مـغير فـهو علـى الدوام ل يغير‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫والحب للمؤمن من حـقوقه والبغض للكافر من عقوقه‬
‫والكل واجب على من عقل ويلزم الوقوف عمن جهل‬
‫‪ -3‬والفرقة الثالثة نسب إليها القول ‪ -:‬أنها قالت بقول المعتزلة في القدر‬
‫والباضية ل يقولون بقول المعتزلة في القدر ‪ ،‬قال نور الدين السالمي في غاية المراد ‪:‬‬
‫وإنما الفعل مخلوق ومكتسب فالخلق ل والكسب لمن عقل‬
‫‪-4‬والفرقة الرابعة نسب إليها القول ‪ -:‬صحة العمل ل من غير نية‬
‫والباضية يرون النية من قواعد الدين ل يتم العمل إل بها ‪ ،‬وثاني حديث في مسند الربيع بن حبيب قوله‬
‫صلى ال عليه وسلم (( العمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى )) ‪.‬‬
‫ويقول العلمة السالمي في غاية المراد ‪:‬‬
‫قواعد الدين علم بعده عمل ونية ورع عن كل ما حظل‬
‫وأما القول بأن الباضية ل يوجبون المشي للصلة والركوب للحج فهذا باطل‬
‫لن الباضية يرون أن كل مال يتم الواجب إل به فهو واجب ‪0‬‬
‫وأما القول باستتابة مخالفيهم فإن تابوا وإل قتلوا ‪ ،‬وكذلك القول بقتل السارق فهذا باطل لن الباضية‬
‫متقيدون بما جاء في القرآن والسنة من الحدود ول يزيدون عليها حرفا واحدا ‪ ،‬قال أبو حمزة الشاري –‬
‫رحمه ال ‪ -‬وهو على منبر رسول ال – صلى ال عليه وسلم ‪ " : -‬الناس منا ونحن منهم إل ثلثة ‪:‬‬
‫مشركا بال عابد وثن ‪ ،‬أو كافرا من أهل الكتاب ‪ ،‬أو متسلطا في الرض يحكم في عباد ال بغير ما أنزل‬
‫ال "‬
‫ويقول الباضية على لسان العلمة نور الدين السالمي – رحمه ال تعالى‬
‫ونحن ل نطـالب العبـادا فـوق شهـادتيـهم اعتـقادا‬
‫فمن أتـى بالجمـلتين قلنا إخـواننـا وبالحقـوق قمـنا‬
‫إل إذا مـا أظهروا ضلل واعتقـدوا فـي دينهم محال‬
‫قمنا نبيـن الصـواب لهم ونحسبـن ذاك مـن حقـهم‬
‫فما رأيـته مـن التحرير في كتـب التوحيـد والتقرير‬
‫حـل مسـائـل ورد شبه جـاء بـها مـن ضل للمنتبه‬
‫قمنا نردهـا ونبدي الحقا بجهدنا كي ل يـضل الخلقا‬
‫(‪1‬‬
‫لو سكتوا عنا سكتنا عنهم ونكتفي منهـم بأن يسـلموا‬
‫وأما القول ‪ -:‬ليس من جحد ال مشركا حتى يجعل معه شريكا فهذا باطل ‪،‬‬
‫يقول العلمة السالمي في غاية المراد ‪0‬‬
‫والشرك لبد من أن تعرفنه لكي تكون في مقعد عن غيه اعتزل‬
‫(‪) 1‬‬
‫وهو المساواة بين ال جل وبين الخلق أو جحده سبحانه وعل‬
‫وأما القول بتحليل المسكر غير الخمر ‪ ،‬فهذا أيضا مخالف لقول الباضية‬
‫يقول العلمة ابن النظر في الدعائم ‪:‬‬
‫والسكر مكروه حرام كله من كل مشروب ولو من ماء‬
‫وأما القول بأن ال يؤلم أطفال المشركين على طريق اليجاب ل على طريق التجويز فهو مخالف لما‬
‫يقوله الباضية‬
‫لن الباضية يقولون بان أطفال المشركين خدم لهل الجنة ‪0‬‬
‫ثالثا ‪ :‬قضية المة ‪ -:‬وأما قضية بيع المة المنسوبة إلى الباضية والتي ضلت السنة الحاقدين الذين‬
‫اتخذوا السب ديدنهم مثل مقبل الوادعي ترددها إلى اليوم فهي ل تعدو أن تكون مسرحية لشخصيات‬
‫مجهولة سواء ذكر منها بالسم أو بالوصف تمثل مشاجرة ‪ ،‬فما قيمة هذه المشاجرة بين أناس مجهولين‬
‫في تحقيق علمي يراد به إثبات العقائد وتصنيف فرق المة ‪0‬‬
‫إنها ليست إل أسماء مجردة ‪ ،‬ما الدليل أنهم من الباضية ؟!! لماذا ل يكونون من الفرق الخرى ؟!!‬
‫إن الباضية ل يكفرون الفرق الخرى ماداموا متأولين لكتاب ال أو سنة رسوله فكيف يكفرون بعضهم‬
‫بعضا ؟!!‬
‫كيف يكون تكفير في مسائل فقهيه اجتهادية ؟!!‬
‫الظاهر أن الباضية لم يحضروا هذا النزاع في بيع الماء لنهم ل يعرفون عنه شيئا تاريخيا ول دينيا ‪،‬‬
‫ولم يدخلوا تلك السوق الحامية ول شهدوا ذلك العرس الذي نتج عنه سيل من الشتائم وتبادل اللعنات‬
‫فنسبة هذه القصة إلى الباضية من أعجب العجب ونسبة أبطالها إلى أئمتهم وعلمائهم من أكاذيب التاريخ‬
‫التي لم تستتر حتى بقليل من الحياء ‪ ،‬وإن جازت حتى على كبار الئمة أمثال ابن الحسن ‪0‬‬
‫إن مخترع هذه القصة أراد أن يكثر من عدد الفرق المنسوبة إلى الباضية والتي ل أساس لها أصل حتى‬
‫يظهرهم بمظهر المتشرذمين الذين يتنازعون لتفه السباب فيتخالفون ويتفرقون انسياقا وراء العواطف‬
‫ودوافع الغضب أكثر مما هو انسياقا وراء دوافع العقيدة والدين ‪.‬‬
‫رابعا ‪ -:‬إن جميع السماء التي وردت فيما كتبه أبو الحسن عن الباضية ل علقة لها بالباضية إل‬
‫اسمين هما عبدال بن أباض و عبدال بن يزيد الفزاري كان من الباضية وخالفهم في بعض المسائل‬
‫فانفصل عنهم وانظم في فرقة النكار ‪ ،‬وقد ذكر ابن النديم عدد من الكتب المنسوبة إليه منها ‪-:‬‬
‫كتاب التوحيد ‪ ،‬كتاب الرد على المعتزلة ‪ ،‬وكتاب الرد على الرافضة ‪ ،‬وكتاب الستطاعة ‪ ،‬ول أعلم أن‬
‫شيئا من هذه الكتب قد بقي ‪ ،‬وأما أصحاب هذه الفرقة فليس لهم وجود فيما أعلم ‪0‬‬
‫وحتى هذا الفزاري ل يعد من الباضية بدليلين ‪-:‬‬
‫لنه خالف الباضية في العقيدة وانقسام الفرق بسبب العقائد ‪ ،‬وهذا الشعري نفسه كان من المعتزلة لمدة‬
‫أربعين سنة (‪ ، )1‬فعند ما خالفهم ولم ينظم إلى عقائد فرق أخرى نسب إليه فرقة ‪0‬‬
‫خامسا ‪ -:‬إن أبا الحسن لم يذكر أحدا من أئمة الباضية كجابر بن زيد وجعفر السماك العبدي وأبي‬
‫سفيان قنبر وصحار العبدي وأمثالهم من أئمتهم في النصف الثاني من القرن الول ول ذكر شيئا من‬
‫أقوالهم ‪0‬‬
‫ولم يذكر أحدا من أئمتهم في النصف الول من القرن الثاني أمثال أبي عبيدة ‪ ،‬مسلم أبي كريمة التميمي‬
‫وضمام ابن السائب وأبي نوح وصالح الدهان و عبدال بن يحيى الكندي ‪ ،‬والجلندى بن مسعود العماني‬
‫والخطاب عبدالعلى المعافري ‪ ،‬وهلل بن عطية الخراساني وأضرابهم ‪ ،‬ولم يذكر شيئا من أقوالهم ولم‬
‫يذكر أحدا من علماء النصف الثاني من القرن الثاني أمثال الربيع بن حبيب وأبي سفيان ومحبوب بن‬
‫الرحيل وعبدالرحمن بن رستم ول ذكر شيئا من أقوالهم ‪0‬‬
‫ولم يذكر أحدا من علمائهم في النصف الول للقرن الثالث أمثال أفلح بن عبد الوهاب والمهنا بن جيفر‬
‫وموسى بن علي وأضرابهم ول ذكر شيئا من أقوالهم ‪0‬‬
‫ولم يذكر أحدا من علمائهم في النصف الثاني من القرن الثالث أمثال محمد بن محبوب ومحمد بن عباد‬
‫(‪)2‬‬
‫والصلت بن مالك وغيرهم ول شيئا من أقوالهم ‪.‬‬
‫سادسا ‪ -:‬إن بعض من ذكرهم من أئمة الباضية ذكر لهم فرقا غير الباضية مثل العجاردة‬
‫سابعا ‪ -:‬إن تجاهل الشعري أئمة الباضية الحقيقيين ونسبتهم إلى أئمة مجهولين يؤدي إلى صرف‬
‫الناس عن معرفة حقيقة المذهب الباضي ويسهل الكذب عليهم لثبات تهمة الضلل عليهم بخلف لو أن‬
‫ذكرهم بأئمة معروفين عند الناس لن أئمة الباضية معروفين باتباع الحق وعدم الزيغ عنه مثل جابر بن‬
‫زيد وأبي عبيده وعبد ال بن يحيى ‪0‬‬
‫إن الشعري لو نسب الباضية إلى أئمتهم الحقيقيين مثل جابر بن زيد وأبو عبيده وعبد ال بن يحيى‬
‫وغيرهم لم يستطع أن يشوههم وينسبهم إلى الضلل لنهم معروفين عند الناس فأي شيء ينسبه إليهم‬
‫مخالف للواقع يكون معروفا ويكشف بسرعة ولكنه اختار أن يسلك بالباضية طريقا مظلما ل تتضح فيه‬
‫الرؤية ‪0‬‬
‫فأئمة الباضية ليس من ساقهم الشعري كالقطيع وأدخلهم في الباضية وإنما ينتمون إلى أئمة يشهد‬
‫التاريخ بعدالتهم ‪0‬‬
‫يقول المام إبراهيم بن قيس الحضرمي ‪-:‬‬
‫أدين دين المصطفى المكرم‬
‫من معـرب بسـموله أو مـعجـم اقفـو سبيل جـابر ومسـلم‬
‫وابـن الرحيـل العالـم المـحـكم إني إلى المسنتصرين أنتمـي‬
‫إنـي لربـاب العـل لسـتـمي إني من القوم القيـام القــوم‬
‫الـرائـمـيـن فـوق روم الـروم الشاريين الخطبـاء الحــكم‬
‫البـاهــرين بالمـقال الـمفحـم كابن بذيل وابن حصـن المعلم‬
‫والراسـبـي الشـاري المـعمـم وابن حديـر السيـد المـقدم‬
‫وطالب الحق ابن يحيى الحضرمـي وابن حميـد ذي العلوم الضيغم‬
‫إنـا لهـل العـدل والتـقـــدم إنا لصـحاب الصـراط القيم‬
‫الديـن ما دنـّا بـل تـوهــــم الحق فينـا الحق غـير أطسم‬
‫يا جـاهل بأمـرنـا ل تغـشــم توسمـن أو سل أولي التوسم‬

‫(‪)1‬‬
‫البغدادي والفرق السلمية‬

‫لقد جاء البغدادي بعد قرن من الشعري مقتفيا طريقه وملتمسا خطواته ‪0‬‬
‫وقد بدأ كتابه(الفرق بين الفرق) في مقدمته بكلمات رنّانة أتبعها بأحكام صارمة حيث قسم المّة إلى ثلثة‬
‫أقسام ‪:‬‬
‫قسم حكم بخروجهم من الملّة رغم انتسابهم إلى السلم ‪ ،‬وقسم ما أوردهم إل لذكر فضائحهم والتشنيع‬
‫عليهم وتلمس أخطائهم وإظهار ما به ضلوا في نظره ‪0‬‬
‫ثم حكم على القسمين بالضلل وقذف بهم جميعا في النار‪.‬‬
‫أما القسم الثالث فقد حكم عليه بالسعادة مسبقا أيضا لنه في نظره من أهل السنة ‪0‬‬
‫وليته حين تلمس أخطاء تلك الفرق التي عزلها عن السنة ‪ ،‬وفتش عن فضائحهم رجع إلى مصادرهم ولم‬
‫يأخذها من مصادر خصومهم – إن صح هذا التعبير ‪.‬‬
‫يقول المؤلف في الفصل الول من نفس الكتاب صفحة " ‪ " 13‬بعد أن ناقش معنى أمة السلم وعلم‬
‫تدل ‪ ،‬ما يلي ‪-:‬‬
‫من كانت بدعته من جنس بدعة المعتزلة أو الخوارج أو الرافضة المامية أو الزيدية أو من بدع النجاريه‬
‫أو الجهمية أو الضرارية اوالمجسمة فهو من المة في بعض الحكام وهو جواز دفنه في مقابر المسلمين‬
‫وفي أل يمنع حضه من الفيء إذا غزا مع المسلمين ‪ ،‬وفي أل يمنع من الصلة في المساجد ‪0‬‬
‫وليس من المة في أحكام سواها ‪ ،‬وذلك أنه ل يجوز الصلة عليه ول خلفه ول تحل ذبيحته ‪ ،‬ول نكاحه‬
‫لمرأة سنيه ول يحل للسني أن يتزوج المرأة منهم إذا كانت على اعتقادهم ‪0‬‬
‫وهذا الكلم يدل على ما ذكرناه من أنه أخرج المسلمين من ملة السلم رغم انتمائهم إليها لنه حكم‬
‫عليهم بأحكام المشركين ‪0‬‬
‫فقوله ل تجوز الصلة عليهم ول خلفهم دليل على اعتبارهم مشركين لن الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪ " -:‬الصلة جائزة خلف كل بار وفاجر وصلوا على كل بار وفاجر " وقال " الصلة على أهل‬
‫القبلة المقرين بال ورسوله واليوم الخر واجبة فمن تركها فقد كفر " وفي نسخة أنكرها بدل تركها ‪،‬‬
‫رواهما الربيع بن حبيب ‪.‬‬
‫وبقوله ل تحل ذبيحتهم جعلهم أشد كفرا من أهل الكتاب وساوى بينهم والوثنيين والشيوعين لن أهل‬
‫الكتاب تحل ذبائحهم ‪0‬‬
‫ويؤكد ذلك قوله ‪ :‬ول يحل للسني أن يتزوج المرأة منهم ‪ ،‬لن المسلم يباح له أن يتزوج الكتابية‬
‫الباضية عند البغدادي‬
‫لقد سلك البغدادي في كتابته عن الباضية مسلك الشعري في التضليل وعدم الرجوع إلى مصادر‬
‫الباضية ‪ ،‬بل إنه اعتمد عليه كثيرا ‪ ،‬تارة ينقل نفس العبارة وتارة أخرى ببعض التصرف ومع هذا لم‬
‫يذكر أنه نقل عنه ‪0‬‬
‫يقول في كتابه الفرق بين الفرق " ص ‪ " 103‬ما يلي ‪-:‬‬
‫أجمعت الباضية على القول بإمامة عبدال بن أباض ‪ ،‬وافترقت فيما بينها فرقا يجمعها القول بأن كفار‬
‫هذه المة يعنون مخالفيهم من هذه المة ‪ ،‬براء من الشرك واليمان ‪ ،‬وانهم ليسوا مؤمنين ول مشركين‬
‫ولكنهم كفار ‪ ،‬وأجازوا شهادتهم وحرموا دمائهم في السر واستحلوها في العلنية وصححوا مناكحتهم‬
‫والتوراث منهم وزعموا أنهم في ذلك محاربون ل ورسوله ل يدينون دين الحق ‪ ،‬وقالوا باستحلل بعض‬
‫أموالهم دون بعض والذي استحلوه الخيل والسلح ‪ ،‬فأما الذهب والفضة فإنهم يردونها على أصحابها‬
‫عند الغنيمة ‪0‬‬
‫ثم افترقت الباضية فيما بينها إلى أربع فرق وهي الحفصية والحارثية واليزيدية وأصحاب طاعة ل يراد‬
‫بها ال ‪0‬‬
‫مناقشة ما قاله ‪:‬‬
‫(‪ )1‬أما قوله ‪ -:‬افترقت فيما بينها فرقا ‪ ،‬مجانب للصواب لعدة أسباب ‪:‬‬
‫أول ‪ -:‬إن الباضية لم تفترق لن الفرقة تخرج عن الفرقة الصل إذا خالفت في العقائد وليس في‬
‫المسائل الجتهادية وعقائد الباضية ثابتة مدونة في كتبهم من قبل البغدادي والشعري وإلى يومنا هذا لم‬
‫تختلف بل ليس عندهم سلف وخلف كما عند غيرهم ‪0‬‬
‫ثانيا ‪ -:‬إن الفرق التي ذكرها مجهولة لدى الباضية تماما وليس لها ذكر ول لعقائدها ‪0‬‬
‫ثالثا ‪ -:‬إن هذه الفرق كما ذكرنا سابقا نسب إليها عقائد شرك ‪ ،‬إن كان لها وجود أصل وما في كتب‬
‫الباضية مخالف لها تماما سواء الكتب القديمة أو الحديثة ‪0‬‬
‫(‪ )2‬أما قوله ‪ -:‬يجمعها القول بأن كفار هذه المة يعنون مخالفيهم من المة براء من الشرك واليمان ‪،‬‬
‫فيه تضليل بسبب نسبة الكفر للمخالفين والحقيقة أن الباضية يطلقون على العاصي كافر كفر نعمة وهو‬
‫ما يسمى كفر دون كفر سواء كان العاصي مخالفا أو إباضيا ول معنى لتخصيص المخالفين ‪.‬‬
‫والذي أخرج فرق المسلمين المخالفة لمذهبه من السلم هو لنه حكم بعدم الصلة عليهم وتحريم‬
‫ذبائحهم كما ذكرناه سابقا ‪0‬‬
‫(‪ )3‬وأما قوله ‪ -:‬حرموا دماءهم في السر واستحلوها في العلن قصد به التضليل أيضا لن الباضية ل‬
‫يستحلون دماء المسلمين من أي فرقة بسبب خلفهم للباضية ل في السر ول في العلنية يقول العلّمة‬
‫السالمي ‪-:‬‬
‫وأول الفرض من تأصيله جمل ثلثة فزت إن تستحضر الجمل‬
‫(‪) 1‬‬
‫وإن أتيت بها نطقا حفظت بها للنفس والمال والسبي بهاحظل‬
‫ولكن الباضية يقاتلون الباغي سواء كان من الباضية أو من غيرهم ول علقة له بالمذهبية وهذا ما‬
‫قصد به جواز قتلهم في العلن ‪0‬‬
‫(‪ )4‬وأما قوله ‪ -:‬وصححوا مناكحتهم والتوارث منهم ‪ ،‬وزعموا في ذلك أنهم محاربون ل ورسوله ‪،‬‬
‫فنسبة القول بصحة التوارث والمناكحة صحيح ولكن هل أباحوا ذلك لنهم محاربون ال ورسوله ؟! ما‬
‫هذا إل تضليل ‪0‬‬
‫(‪ )5‬وأما قوله ‪ -:‬استحلوا الخيل والسلح ‪ ،‬فهذا غير صحيح‬
‫يقول المام الشاري إبراهيم بن قيس الحضرمي ‪:‬‬
‫ول هاربا ولىّ من الزحف مدبـرا ول تغنـموا مـن مسلميـن غنائـمـا‬
‫فإن حزتم من آلة الحرب منهــم سيوفا وأفـراسا ونـبل كـرائـمــا‬
‫فل بأس أن تستكتموها لحربــهم إلى أن يزول الحـرب عنـهم تنادمـا‬
‫(‪)2‬‬
‫ول غرم في أوزارهم إن تحطمت لدى الحرب بل بعض يرى الغرم لزما‬
‫(‪ )6‬وأما قوله ‪ -:‬وزعمت الباضية كلها أن دار مخالفيهم من أهل مكة دار توحيد ‪ ،‬إل معسكر السلطان‬
‫فإنه دار بغي عندهم ‪0‬‬
‫هذا القول أيضا فيه تضليل ومجانبة للحق في نقطتين ‪-:‬‬
‫(أ) تخصيص المخالفين من أهل مكة ‪ ،‬فإن الباضية يعتبرون أي بلد ينطق أهلها بالشهادتين فهي دار‬
‫توحيد ‪ ،‬من أي فرقة من الفرق السلمية كانت وأي بلد ‪0‬‬
‫(ب) قوله دار السلطان دار بغي ‪ ،‬لن الباضية يعتبرون دار السلطان العادل دار توحيد وعدل من أي‬
‫فرقة إسلمية كان ‪0‬وإذا كان غير عادل فهي دار ظلم من أي فرقة كان ‪0‬‬
‫وقد نقل البغدادي الكاذيب الذي قال بها الشعري ‪ ،‬منها ‪-:‬‬
‫(أ) عدم وجوب المشي للصلة ‪.‬‬
‫(ب) استتابة مخالفيهم وإل قتلوا ‪.‬‬
‫(ج) وقتل الزاني والسارق إذا لم يتوبا ‪.‬‬
‫وهذه كلها قد سبق تبيين عدم صحتها عن الباضية‬
‫وقد جاء بعموميات من القول ل أساس لها تركتها خوف الطالة ‪.‬‬
‫والمهم أن البغدادي قد اعتبر الباضية من الخوارج فرقة ضالة يجب أن يقال عنها فضائح وشنائع ليقذف‬
‫بها بعيدا فهذا هدفه الذي ذكرهم من أجله‬
‫ويدل على ذلك ‪-:‬‬
‫(‪ )1‬ابتعاده عن ذكر أئمة الباضية الحقيقيين مثل جابر بن زيد وأبو عبيده وغيرهم ‪ ،‬ونسبتهم إلى أئمة‬
‫مجهولين تبعا للشعري ‪0‬‬
‫(‪ )2‬تجاهله لعقائد الباضية ‪ ،‬وذكر الكاذيب والقوال المبهمة بدلها ليسلك بالباضية نفس الطريق‬
‫المظلم الذي سلكه الشعري ‪ ،‬وإل فالبغدادي كان يعيش في القرنين الرابع والخامس توالى قبل عهده عدة‬
‫أئمة في عمان واليمن والمغرب‬
‫(‪ )3‬بالضافة إلى دعوته للفرقة وإيقاد الفتنة وشق الصفوف حيث دعى إلى عدم زواج المسلمين من‬
‫بعضهم البعض وعدم الصلة خلف بعضهم وعدم أكل ذبائحهم ‪0‬‬
‫أيها القـادح فيـنا أقصـر أتدر ماذا قلت أم لم تشعر‬
‫قدحت في مذهب أهل الحق ويحك أغضبت إله الخلق‬
‫(‪) 1‬‬
‫فما الباضيـون إل عـلما لخلفاء الحق منا فاعلمـا‬

‫ابن حزم والباضية‬

‫عاش في القرن الخامس الهجري وقد عني بالمذاهب السلمية ‪ ،‬وقد سلك ابن حزم هو الخر مسلك‬
‫المشنعين والكاذبين على الباضية بل في الحقيقة لم يذكر شيئا حقيقيا عن الباضية حالته حالة أسلفه ‪،‬‬
‫فلم يذكر أئمة الباضية والذين تعاقبوا في المشرق والمغرب كما بينا سابقا ولم يذكر عقائد الباضية ول‬
‫شيئا من سيرتهم مع مخالفيهم ‪ ،‬بل إنه أضاف افتراءات جديدة‬
‫فقد بدأ كلمه في كتابه " الفصل في الملل والنحل " ص ‪*)2( 188‬بذكر الفرق المجهولة عند الباضية‬
‫فرقة يزيد بن أنيسة أو فريد كما قال هو وما قالته تلك الفرق من الشرك ثم عقب عليه أن الباضية‬
‫يكفرون من قال بهذه القوال ؟ فما الغرض من ذكرها إلّ إظهار التفرق في الباضية والبعد عن ذكر‬
‫الحقائق ‪ ،‬ولماذا ألحقها أصل بفرق المسلمين ؟‪0‬‬
‫ثم قال " وقالت طائفة من أصحاب حارث الباضي إن من زنى أو سرق أو قذف فإنه يقام عليه الحد ‪ ،‬ثم‬
‫يستتاب مما فعل فإن تاب ترك وإن أبى التوبة قتل على الردة "‬
‫نرى ابن حزم يأتي بالفرقة الثانية التي ذكرها الشعري فرقة حارث الباضي وقد قدمنا الرد على إلصاق‬
‫هذه الفرقة بالباضية عند الرد على الشعري ‪.‬‬
‫وقوله قتل على الردة ‪ ،‬فالباضية ل يعتبرون صاحب الكبيرة مشركا وذكرت ذلك في الفرق بين‬
‫الباضية والخوارج ‪.‬‬
‫وقال في ص ‪: 189‬‬
‫" وشاهدنا الباضية عندنا بالندلس يحرمون طعام أهل الكتاب ويحرمون أكل قضيب التيس والثور‬
‫والكبش ويوجبون القضاء على من نام نهارا فاحتلم و يتيمّمون وهم على رؤوس البار التي يشربون‬
‫منها إل قليل منهم "‬
‫نرى ابن حزم يريد استكمال التشنيع الذي بدأه باستبدال أئمة الباضية بأئمة غيرهم وعقائد غير عقائدهم‬
‫بأن يضيف تشنيعات في المسائل الجتهادية التي تختلف فيه الفرقة الواحدة إلى عدة أقوال ليظهر اختلف‬
‫الباضية ‪0‬‬
‫فلنلقي نظرة عما قاله عن الباضية ‪-:‬‬
‫(‪ )1‬تحريم طعام أهل الكتاب‬
‫إطلق قول تحريم طعام أهل الكتاب غير صحيح لن الباضية يقولون بتحليل طعام أهل الكتاب وهناك‬
‫قول بأن طعام أهل الذمة منهم فقط ‪ ،‬لنهم يروا أن الية في أهل الذمة ولكن قطب الئمة يرجح القول‬
‫الول حيث يقول (في المذهب قول آخر أن تحل ذبائحهم ونكاح حرائرهم ولو لم يعطوا الجزية ولو‬
‫حاربوا لطلق القرآن عن اشتراط الجزية ونزل القرآن فيهم وهم محاربون ولم يشترطها وهو قول‬
‫(‪) 1‬‬
‫قومنا وبعض أصحابنا وهو الصحيح)‬
‫أما تحريم طعام أهل الكتاب على الطلق غير صحيح ‪.‬‬
‫(‪ )2‬تحريم قضيب التيس والثور والكبش‬
‫يقول الشيخ علي يحيى معمر لست أدري لماذا هذا الهتمام الكبير من العالم الكبير بهذه التي ل يعمد إلى‬
‫أكلها أحد ول يستسيغها أحد سواء كانت حلل أو حراما ‪ ،‬وقد صدق ابن حزم في هذه القضية فإن‬
‫الباضية يبعدونها لسببين ‪-:‬‬
‫(أ) لنها أشياء قذرة تقزز منها النفوس وينفر منها الطبع وليس فيها ما يغري على الكل أو يفيد الجسم ‪0‬‬
‫(ب)إنها حاملة بول ول تخلوا منه والبول عند كثير من المذاهب ومنها الباضية نجس‬
‫(‪ )3‬القضاء على المحتلم ‪ ،‬يقول ‪ " -:‬ويوجبون القضاء على من نام نهارا في رمضان فاحتلم "‬
‫وليس المر هكذا بهذا الجمال وإنما يوجبون القضاء على من أصبح جنبا مع شيء من التفريط عمل‬
‫بالحديث الشريف الذي رواه الربيع بن حبيب والبخاري ومسلم ومالك في الموطأ فهم يرون إن الصائم‬
‫الذي ينام في النهار فتصيبه الجنابة يجب عليه عند الستيقاظ المبادرة إلى الغتسال ول شيء عليه إذا لم‬
‫يهمل أو يتهاون ‪ ،‬أما إذا أهمل أو تهاون فيجب عليه القضاء لنه ضيع ‪0‬‬
‫(‪ )4‬التيمم عند وجود الماء ‪0‬‬
‫هذه دعوى باطلة فالباضية يعيشون مع الفرق الخرى فمن شاهد الباضية يعملون ذلك ليؤيد قول ابن‬
‫حزم ؟ أو من وجد جواز ذلك في كتبهم ؟!! ‪ ،‬بل يرون أن من تيمم ورأى الماء فسد تيممه وبطلت صلته‬
‫إن كان في الصلة يقول العلمة نور الدين السالمي في جوهر النظام ‪-:‬‬
‫ومن رأى الماء وقد تيمما فإن ذاك يفسد التيمما‬
‫ولو رأى ذلك في الصلة فإنها تبوء بالبتـات‬
‫ويقول ابن حزم ص ‪ ، 191‬والى قول الثعالبة رجع عبدال بن أباض فبرئ منه أصحابه فهم ل يعرفونه‬
‫اليوم ‪ ،‬ولقد سألت من هو في مقدمهم في علمهم ومذهبهم عنده فما عرف أحد منهم ‪0‬‬
‫يقول الشيخ علي يحيى معمر وهذا القول من أغرب القوال وإن كان قد تردد على كثير من اللسنة‬
‫والقلم ‪ ،‬من هم الثعالبة ؟وما هو قولهم الذي رجع إليه عبدال ابن أباض ؟ ولماذا رجع ؟ وهل رجع في‬
‫قول واحد أو في عدد من القوال ؟ أسئلة ليس لها جواب عند ابن حزم ‪0‬‬
‫وكيف ل يعرفه من هو في مقدمهم عنده وهو مذكور في معظم كتب السيرة سواء الباضية أو غيرها ؟‬
‫وكيف يبرؤون منه وهم ل يعرفونه ؟‬
‫لم يزعم أحد من الباضية أن عبدال بن أباض رجع إلى قول الثعالبة ول يوجد أحد منهم يبرأ من عبدال‬
‫بن أباض ‪ ،‬يقول السالمي عن ابن أباض ‪-:‬‬
‫فأظهر الحق على رغم العدى والكل من أعدائـه قد شهـدا‬
‫قد كان في أيـام عبـدالمـلك مع شدة المر وضيق المسلك‬
‫ناقـشـه وبيّـن الصـوابـا ولم يكن لبأسـه قـد هـابـا‬
‫وكان ل يـدعـوه إل بـاسمه تـعـززا بحـقـه وعـلمه‬
‫(‪) 1‬‬
‫فصار معروفا مـع الجميـع لما حـوى مـن شرف رفيع‬
‫ويقول ابن حزم في ص ‪ 191‬ما يلي ‪-:‬‬
‫" ومن حماقاتهم قول بكر بن أخت عبد الواحد بن يزيد ‪ ،‬فإنه كان يقول ‪-:‬‬
‫كل ذنب صغير أو كبير ولو كان أخذ حبة من خردل بغير حق أو كذبة خفيفة على سبيل المزاح فهي‬
‫شرك بال " ‪0‬‬
‫يقول الشيخ على بن يحيى بن معمر ‪ " -:‬هذه ليست من حماقات الباضية وإنما حماقات العالم الكبير ابن‬
‫حزم ‪ ،‬من هو هذا البكر الذي ل يعرف أبوه ول أمه ول حتى عصبة أبيه وإنما ينسب إلى أخواله ؟ ثم‬
‫يكون هذا البكر المجهول النسب إماما له أقوال يعتد بها ويذكر في الكتب ‪ ،‬ثم ساقه هذا العالم إلى صفوف‬
‫الباضية ونسبه إليهم وألقي عليهم تبعة حماقته‪،‬‬
‫في الواقع ل شيء أسخف من هذا التشنيع حيث يؤتى برجل مجهول يلقى به في قوم ويجعل إماما ويلقى‬
‫بتبعاته على تلك الفرقة ‪.‬‬
‫هذه ليست إل حماقات نسج خيوطها التعصب والنغلق والدعاية الفاجرة والخيال السقيم وعدم المانة‬
‫(‪) 1‬‬
‫في النقل والشهادة ثم توجيه السياسة الماكرة بأساليبها المختلفة ‪.‬‬
‫ويقول ابن حزم عن الباضية ‪ -:‬ل يجيزون أكل السمك إل بعد ذبحه‬
‫هذه فرية ظاهرة يشهد ببطلنها الواقع على مر القرون ‪ ،‬فهل أحد يدعي أنه رأى إباضيا يذبح سمكا ؟!!‬
‫ويقول يجيزون الحج في أي شهر من شهور السنة ‪.‬‬
‫وهذا أيضا إدعاء باطل يكذبه الواقع ‪،‬من رأى إباضيا حج في غير الوقات المحددة بالسنّة النبوية ؟!!‬
‫يقول العلمة الشيخ أحمد الخليلي ‪ -:‬وكيف يقولون ذلك وهم أحرص الناس على أداء مناسك الحج في‬
‫أوقاتها من غير تقديم أو تأخير‬
‫الصبر في الملك الديان مفروض فاصبر فإن سبيل الحق ميغوض‬

‫أبو المظفر السفراييني والباضية‬

‫من علماء القرن الخامس الهجري ‪ ،‬كتب عن الفرق السلمية في كتابه " التبصير " والقارئ لهذا‬
‫الكتاب يلحظ أنه صورة من كتاب البغدادي في عنفه وتهجمه على الفرق السلمية ‪.‬‬
‫ويلحظ انسياقه خلف الكتاب السابقين بنقل أكاذيب من غير تمحيص ‪ ،‬وقد لحظ محقق الكتاب محمد‬
‫الكوثر ملحظتين هي العنف وعدم عزو القوال ‪.‬‬
‫فذكر عن الباضية أنهم يستبيحون دماء مخالفيهم في العلنية ‪،‬وأنهم يستحلون بعض غنائم مخالفيهم‬
‫ويحرمون بعضها فيستحلون السلح والخيل وقد ذكر الفرق السابقة التي نسبها الشعري إلى الباضية‬
‫وكذلك البغدادي وعقائدهم الفاسدة ‪0‬‬
‫وقد عرض لمسرحية بيع الجارية التي استخرج منها أئمة فرق وتكفير ولكنه اختصرها ‪0‬‬
‫وهذه كلها أكاذيب قيلت عن الباضية وبينت سابقا كذبها ومخالفتها لما في كتب الباضية القديمة‬
‫والحديثة مما يدل أن المؤلف لم يثبت شيئا مما قاله وربما حقده وبغضه لهذه المذهب دفعه لذلك ‪ ،‬ولكن‬
‫ال يقول ‪" -:‬ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين ل شهداء بالقسط و ل يجرمنكم شنآن قوم على إل تعدلوا‬
‫اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا ال إن ال خبير بما تعملون " المائدة ‪8‬‬
‫وربما أنه جرى خلف السياسة حيث أننا نراه يتهجم تهجما شديدا على الفرق المعادية للظالمين ويفتخر‬
‫بالملوك الظالمين مما يدل على أن الهوى يسوقه وليس الحق‬
‫ومن هنا تعرف أن الهوا تقودهم للحق حين يروى‬
‫يقول في كتابه "التبصير" ص ‪ )1(176‬وهو يعد مآثر أهل السنة ‪0‬‬
‫وأما أنواع الجتهادات الفعلية التي مدارها على أهل السنة والجماعة في بلد السلم فمشهورة مذكورة‬
‫مثل المساجد والرباطات المثبتة في بلد أهل السنة ‪ ،‬إما في أيام بني أمية وإما في أيام بني العباس مثل‬
‫مسجد دمشق المبني في أيام الوليد بن عبدالملك وكان سنيا قتل في أيامه ما شاء ال من الخوارج‬
‫والروافض‬
‫نستنتج من هذه الجمل ما يلي ‪-:‬‬
‫(‪ )1‬تمجيده للظلمة مما يؤكد اتباعه هواه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬قوله ‪ " -:‬وكان سنيا قتل في أيامه ما شاء ال من الخوارج والروافض "‬
‫يدل دللة واضحة بأن تسميه المذاهب الربعة " أهل السنة " ليس نسبة إلى سنة الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم لن الوليد توفي سنة ‪ 96‬والمذاهب التي يطلق عليها لفظ أهل السنة لم توجد بعد فأبو حنيفة كان‬
‫غلما ومالك كان ابن سنة واحدة ‪ ،‬أما الشافعي وأحمد فلم يولدا بعد ‪.‬‬
‫وليس قتل المسلمين اتباعا للسنة ‪،‬‬
‫أبو الفتح الشهر ستاني والباضية‬

‫كان من علماء النصف الول من القرن السادس الهجري ويعتبر الكثيرون كتابه " الملل والنحل " من‬
‫أهم المراجع ويعتمدون عليه كمصدر ثابت ل يناقش ‪ ،‬فلنرى هل استطاع تجنب الخطاء الذي وقع فيها‬
‫غيره ؟‬
‫يقول في ص ‪ : 6‬وشرطي على نفسي أن أورد مذهب كل فرقة على ما وجدته في كتبهم من غير تعصب‬
‫لهم ول كسر عليهم ‪ ،‬دون أن أبين صحيحه من فاسده وأعين حقه من باطلة ‪0‬‬
‫وللسف أنه لم يوف بشروطه ‪ ،‬يقول الشيخ علي يحيى معمر " ومن مقدمة الكتاب جرد سيفه وجعل‬
‫ينظم صفوف الفرق ويصفها طوابير طويلة تمتد جذورها في أعماق التاريخ من عصره إلى عهد إبليس ‪،‬‬
‫متخذة في كل عصر مظهرا مناسبا من موقف إبليس إلى موقف المشركين والمنافقين إلى موقف الفرق‬
‫الضالة ‪ ،‬ويحاول ربط العلئق الوثيقة بين هذه الفرق الضالة وأسلفها في نظره من المنافقين أو‬
‫الشياطين ‪0‬‬
‫كما أنه لم يوف بشروطه في نقل عقائد المذاهب من كتبهم على القل بالنسبة للباضية ‪0‬‬
‫حيث قال في الجزء الول ص ‪: 212‬‬
‫" إن عبدال بن أباض خرج في عهد مروان بن محمد وقتل بثبالة "‪.‬‬
‫وهذا خطأ لن عبدال بن أباض كان في زمن عبدالملك بن مروان ومكاتباته له موجودة ‪ ،‬وقد توفي في‬
‫أواخر أيام عبدالملك ‪0‬‬
‫وقد نسب إلى الباضية ما قال به سابقوه من استحلل غنيمة السلح ‪ ،‬وإن دار السلطان دار بغي وهذا لم‬
‫يصح عن الباضية كما بينت ذلك‬
‫فعدم ذكر عقائد الباضية الصحيحة وذكر ما تناقلته كتب المقالت دليل على أنه لم يرجع إلى كتب‬
‫(‪)1‬‬
‫الباضية ‪.‬‬
‫ولكن الذي يستحق عليه الثناء أنه لم يذكر مسرحية المة وحسب الفرق المزعومة من الباضية‬
‫كالحفصية واليزيدية والحارثية فرقا مستقلة ‪ ،‬وهذا يعتبر في حد ذاته ردا على كتّاب المقالت ‪0‬‬

‫الستاذ الغوابي والباضية‬

‫هو مؤلف كتاب " تاريخ الفرق السلمية " بذل في كتابته جهدا مشكورا ليظهر بمظهر العتدال وعدم‬
‫التعصب وحاول جمع الفرق على صعيد المحبة ولكن بسبب اعتماده على كتب المقالت وثقته بهم لم‬
‫يسلم من النزلقات ‪ ،‬فمعظم ما كتبه مجانب للواقع ‪ ،‬بل اعتمد في بعض الحيان على المستشرقين وكان‬
‫الولى أن يتبع الحقيقة من أصولها فيكتب عن كل فرقة من كتبها ‪.‬‬
‫حاول أن ل ينساق مع التيار وأن يعمل بوعي ولكن مصادره حيرته ‪0‬‬
‫فعند عرضه لحركة الخوارج في التاريخ حسب مصادره السابقة ‪ ،‬ذكر أن أهل النهروان قتلوا جميعا ولم‬
‫ينج منهم إل تسعة أشخاص من أربعة آلف وإن الربعة آلف لم يستطيعوا أن يقتلوا من عدوهم إل تسعة‬
‫أشخاص كأنهم مقيدون وأولئك التسعة تفرقوا في البلد ول شك على هذا الحال ل تقوم لهم قائمة ‪0‬‬
‫ولكنه فوجئ وهو يستعرض أحداث التاريخ بأن العصر الموي ابتدأ من معاوية كان مشحونا بحركة‬
‫دائبة للخوارج فلم يظهر له كيف يربط الصلة ‪ ،‬فحاول أن يقدم حل بأن يجعل المحكمة سلفا للخوارج ‪،‬‬
‫ولكنه وجد أن المحكمة حسب مصادره انتهت في ‪ 37‬هجري وحركة الخوارج بقيادة الزارقة والنجدات‬
‫بدأت في أربعة وستين للهجرة كما يرى الغوابي ‪ ،‬إذن هناك انفصام تأريخي عملي بين المحكمة‬
‫والخوارج ‪0‬‬
‫وعندما استعرض مبادئ الخوارج وأفكارهم وجد مصادره ترميهم بالشذوذ والتشدد وضئالة الفهم ‪ ،‬فلما‬
‫استعرض فرقة الباضية التي يعتبرها من الخوارج حسب مصادره لم يجد فيها تلك الصورة الشرسة‬
‫البغيضة التي ترسم عن الخوارج فوقف وقفته الثانية من التأمل والتفكير ومصادره ل تقدم له الحل‬
‫فوضع فرضية أن الخوارج هم سلف الباضية ‪ ،‬والباضية هم الخلف ‪ ،‬ثم جعل هذه الفرضية حقيقة بني‬
‫عليها بحثه فيما بقي ‪.‬‬
‫وهذا مجانب للحقيقة من وجوه ‪-:‬‬
‫(‪ )1‬ليس للباضية سلف وخلف فالباضية مواقفهم ثابتة في الكتب التي ألفت منذ القرون الولى والى‬
‫يومنا هذا ‪ ،‬وسير الئمة الذين بويعوا بالمامة في عمان والمغرب والذين ذكرتهم سابقا موجودة وشاهدة‬
‫بذلك ‪0‬‬
‫(‪ )2‬تكاد تجمع كتب التاريخ أن نافع بن الزرق هو الذي حكم بالشرك على مخالفيهم ‪ ،‬وأسقط عنهم‬
‫حقوق المسلمين وكذلك تكاد تجمع على أن عبدال بن أباض من أوائل من رد على نافع هذا رأيه ‪0‬‬
‫(‪ )3‬إن سلف الباضية هو جابر بن زيد وعبد ال بن إباض وجعفر بن السماك العبدي وصحار بن‬
‫(‪)1‬‬
‫العباس العبدي وليس فوقهم إل صحابة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪0‬‬
‫ومن النزلقات التي أوقعته فيها مصادره هو متابعة تلك القوال المنسوبة إلى الباضية ‪ ،‬فذكر نفس‬
‫الفرق التي ذكرها من قبله وغيره وذكر القوال مثل جواز غنيمة السلح ‪0‬‬
‫وعلى كل حال فهو يشكر على محاولته اتباع الحقيقة وإن أبعدته عن ذلك مصادره ‪0‬‬
‫مع الستاذ عبدالقادر شيبة الحمد‬

‫هو مؤلف كتاب " الديان والفرق والمذاهب المعاصرة " والكتاب مقرر على طلب الشهادة العالية‬
‫بكلتي الشريعة وأصول الدين والستاذ مدرس بجامعة المدينة المنورة ‪ ،‬ويلقي دروسا في مسجد الرسول‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪0‬‬
‫كانت الظروف مهيأة له لو أراد أن يدعوا إلى وحدة الكلمة ولم الشمل وكان من اليسير عليه أن يتصل‬
‫بعلماء الفرق وهم يتوافدون على مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فيما يريد هو كتابته ولكن‬
‫كراهيته للفرق المخالفة لمذهبه جعلته ل يعطيها اهتماما ‪ ،‬فرق الباضية إلى سبع فرق وقال إن عبدال‬
‫(‪) 1‬‬
‫بن أباض خرج زمن مروان بن محمد وأنه رجع إلى الثعالبة‬
‫وهذه كلها غير صحيحة بينت عدم صحتها سابقا ‪0‬‬
‫لخص مبادئ الباضية في خمس نقاط بعضها غير صحيح ‪ ،‬وكأنّ الباضية ليس لديهم من الدين إل‬
‫النزر اليسير ‪.‬‬
‫ولو ألقى نظرة بسيطة إلى تآليف الباضية لوجد منها ما يصل إلى تسعين مجلد مثل قاموس الشريعة‬
‫ومنها سبعون مجلد ومنها خمسون مجلد ومنها مخصصة في أصول الدين وبعضها في أصول الفقه ‪0‬‬
‫ولكن ذكر هذه النقاط القليلة يشوه سمعة الباضية ‪.‬‬

‫مع عبد العزيز بن محمد عبد اللطيف‬

‫كاتب معاصر ألف كتيّبه الصغير المسمى " الباضية " متضمنا ‪ 16‬صفحة من الحجم الصغير ونشره‬
‫في سنة ‪ 1412‬هجري ‪ ،‬محشي بالتضليل ومخالفة الواقع سالكا طريق المغرورين بمذهبهم والذين ل‬
‫يرون الحق إل فيما قالوه وكأنه قرآن منزل وما عداه زيغ وضلل متهجمين على الفرق السلمية ‪0‬‬
‫(‪ )1‬يقول في ص ‪ " 5‬ل شك أن الباضية شرذمة قليلون "‬
‫ولسان حاله يقول " وإنهم لنا لغائضون " فنراه استخدم لهجة فرعون وهذا يكفي للرد عليه لن القليلين‬
‫هم قوم موسى والكثيرين هم قوم فرعون ‪0‬‬
‫(‪ )2‬وفي نفس الصفحة يقول ‪ " -:‬وأمر آخر جعلني أهتم بهم وهو دعوى علماء الباضية أنهم ليسوا من‬
‫الخوارج واتهامهم لكتّاب الفرق بالتحامل عليهم ‪0‬‬
‫أما كون الباضية ليسوا من الخوارج فسأوضح ذلك في باب " إلصاق الباضية بالخوارج " وأما إن كان‬
‫يريد تصديق كتّاب المقالت وتكذيب الباضية فليأت بدليل على صدق ما قاله كتّاب المقالت ‪ ،‬وكتب‬
‫الباضية موجودة ‪ ،‬فليأت بالفرق التي ذكروها أو العقائد المنسوبة إلى الباضية ‪0‬‬
‫(‪ )3‬وذكر في ص ‪ 6‬أنهم ل يريدون مناظرة مع الباضية وقال‪ :‬إن المناظرة توقع الناس في شكوك‬
‫وشبهات ‪0‬‬
‫صحيح ذلك ولكن هذه الشكوك ستقع ليس في الحق وإنما على المذهب الذي ل يسير على بينة واضحة ‪،‬‬
‫فالحق ليس محتاجا إلى مناصرة بالخفاء لن ال تكفل بإحقاقه ‪ ،‬ول يكون ذلك بإخافئه ‪0‬‬
‫وإذا كانت المناظرة ل تصلح لظهار الحق فهل يظهر الحق بالفتراءات والتضليل المتتابع على المذاهب‬
‫الخرى من غير بينة بل بدعوى مجردة باتباع الحق من غير إيضاح والعتماد على ما قيل على أن هذه‬
‫الفرق ضالة وتلك على حق ‪ ،‬أو العتماد قول من قال أن الكثرة ل يمكن أن تكون على باطل غير متدبرا‬
‫آيات القرآن التي تذم الكثرة وتمدح القلة والتي تعد بالعشرات ‪0‬‬
‫(‪ )4‬يقول في ص ‪ " 7‬أخبرني بعض الثقاة أن أحدا من طلبة العلم المغمورين من أبناء السنة قد ناقش‬
‫المفتي الخليلي في بعض مسائل العتقاد وأدحض شبهه وأظهر الحق أمامه حتى بهت " ‪0‬‬
‫ربما هذا الطالب صار أعلم من الذي امتنعوا عن المناظرة وأنا ل أوبخ العلماء بل أحترمهم لعلمهم ولكن‬
‫أوبخ من ينشر الكذب والفتراءات على العلماء بل على فرق إسلمية بأكملها ‪ ،‬وأقول له إننا ل نعمل في‬
‫الخفاء فال أمر بإظهار الدين وليس بإخفائه والدعوة مفتوحة لتظهر ما تقول ‪ 0‬لو كان حقا صريحا ما‬
‫تروجه ما كنت بالحق هيابا ومستترا‬
‫(‪ )5‬ويقول في ص ‪ 7‬أيضا فهم أصحاب عبدال بن أباض الذي خرج أيام مروان بن محمد ‪0‬‬
‫وقوله هذا يكذبه بنفسه ص ‪ 13‬حيث يقول " إن عبدال بن إباض يعتبر نفسه امتدادا للمحكمة الولى كما‬
‫في الرسالة التي بعثها إلى عبدالملك بن مروان " ‪ ،‬فإذا كان خروجه زمن مروان بن محمد فكيف يبعث‬
‫رسالة لمن كان قبله ؟!! ‪.‬‬
‫(‪ )6‬ونراه في ص ‪ 8‬يعيش في ضلل قديم ‪ ،‬حيث ذكر الفرق المزعومة للباضية الحفصية واليزيدية‬
‫والحارثية وقد بينت كذب هذه الدعاءات وبين كذب نسبة هذه الفرق إلى الباضية قبلي الشيخ علي يحيى‬
‫معمّر في كتابه " الباضية بين الفرق السلمية " ولكن أمثال هؤلء ل يتحرّون الصدق وإنما يتحرون‬
‫الكذب ‪.‬‬
‫(‪ )7‬وقد قال في ص ‪ " 10‬ويعطلون السنة النبوية ‪ ،‬بحديث جاء في مسند المام الربيع " إنكم ستختلفون‬
‫من بعدي ‪ ،‬فما جاءكم عني فاعرضوه على كتاب ال فما وافقه فعني وما خالفه فليس عني " ‪.‬‬
‫إذا كان رد السنة النبوية على القرآن تعطيل فماذا يقول في قول عمر بن الخطاب في حديث فاطمة بنت‬
‫قيس " ل أدع قول ربي لقول امرأة ل أدري أحفظت أم نسيت ‪ ،‬وعائشة أم المؤمنين في حديث عذاب‬
‫الميت ببكاء أهله احتجت في رد الحديث بقوله تعالى " ول تزر وازرة وزر أخرى " هل عطل‬
‫السنة ؟!!قال ابن القيم في "المنار المنبف" وللحديث الموضوع علمات منها مخالفة الحديث لصريح‬
‫القرآن‪ )1( .‬ويقول نور الدين السالمي في شرحه لهذا الحديث ( قوله " فماوافقه فعني" وهذا فيما وقع فيه‬
‫الختلف بين المة بدليل قوله " إنكم ستختلفون من بعدي " أما المتفق عليه أنه عنه صلى ال عليه وسلم‬
‫فل يحتاج إلى عرض ‪ ،‬بل يجب العمل به وإن خالف ظاهر الكتاب ‪ ،‬لنه إما ناسخ أو مخصص ‪ 00‬إلى‬
‫(‪) 1‬‬
‫آخره )‬
‫(‪ )8‬وفي ص ‪ 11‬يقول " ويجهلون الحاديث الصحيحة ويمتطون التأويل المتعسف فيحرفون الكلم عن‬
‫مواضعه " ويحتج في ذلك بتفسير الشيخ سالم بن حمود السمائلي " يقول السمائلي " وحديث من قال ل‬
‫إله إل ال دخل الجنة وإن زنى وإن سرق) ثم تاب فالزنى والسرقة ل يمنعان دخول الجنة للتائب من‬
‫الذنب فالتائب من الذنب كمن ل ذنب له ‪.‬‬
‫وفي الحقيقة أن هذا التأويل الذي انتقده يتفق مع قول ال تعالى ‪ " :‬وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل‬
‫صالحا ثم اهتدى " طه ‪ 82‬وأين هذا المضلل من الحاديث التي تتوعد من يأكل أموال الناس بالنار ولو‬
‫كان قليل ‪ ،‬فكيف أحد يسرق من أموال الناس ما يشاء ويدخل الجنة من غير توبة ؟!!‬
‫(‪ )9‬ويقول في صفحة ‪ 12‬في رده على السمائلي " وقوله عن حديث من مات ل يشرك بال شيئا دخل‬
‫الجنة " إذا مات غير مقترف لثم دخل الجنة " وصف هذا التأويل بأنه فاسد ومظلم ‪.‬‬
‫ولعل هذا المضلل يريد أن التأويل المشرق هو أن الشرك هو السبب الوحيد الذي يدخل النار متعاميا عن‬
‫اليات والحاديث الكثيرة في الكبائر الخرى التي تدخل النار ‪.‬‬
‫(‪ )10‬وفي ص ‪ 16‬ينصح الباضية أن يتجردوا بالدليل وأن يتخلوا عن ربقة التعصب والتقليد للباء ‪.‬‬
‫إن التقليد الذي وصف به الباضية ليس هو إل تقليد لمن قالوا ذلك قبله ونقل أشياء ل حقيقة لها قيلت من‬
‫ألف عام ‪ ،‬وإل فليأتنا بمسألة واحدة عن الباضية ل تستند إلى الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫ل يزال الحق فينا مذهبا رضي الخصم علينا أم أبى‬

‫مع أحد الكتاب المعاصرين‬

‫قال سماحة الشيخ أحمد الخليلي ( أن أحد الكاتبين كتب تعليقا على كتاب عماني في النساب ‪ ،‬جاء فيه‬
‫ذكر بني سليمة ‪ ،‬وإن منهم المام الشاري أبا حمزة المختار بن عوف الذي عرفه المام مالك ‪ ،‬كتب هذا‬
‫الكاتب تعليقا على هذا الكلم قال ‪ " :‬نعم لقد عرف المام مالك أبا حمزة باغيا ضال عن سبيل‬
‫المؤمنين ‪ ،‬حين هاجم الحرمين الشريفين خارجا على الدولة السلمية" ورد سماحته على هذا الكاتب‬
‫يقوله‪:‬‬
‫أي إنصاف في كلم هذا الكاتب الذي كتب عن أبي حمزة !! ‪ ،‬ووصفه بالخروج على الدولة السلمية‬
‫والضلل والضلل !! ‪ ،‬مع أن أبا حمزة لم يخرج إل على البغي والضلل ‪ ،‬ولم يقاوم إل الباطل وهذا‬
‫القائل يعني بالدولة السلمية بني أمية التي انتهكت حرمة الكعبة المشرفة فقصفتها بالمنجنيق ‪ ،‬وال‬
‫تعالى حرم القتال حول المسجد الحرام ‪ ،‬والدولة الموية هي التي قتلت سبط رسول ال _ صلى ال عليه‬
‫وسلم _ الحسين بن علي ‪ ،‬وهي التي استباحت حرم رسول ال _ صلى ال عليه وسلم _ ثلث أيام‬
‫بالمدينة المنورة ‪ ،‬وكانت وقعة الحرة التاريخية التي قتل فيها أكثر من عشرة آلف من أصحاب النبي _‬
‫صلى ال عليه وسلم _ ولم يبق بعدها بدري واحد ‪ ،‬وقد قيل أنه حمل في هذه الوقعة ‪ 300‬من البكار من‬
‫أهل المدينة بسبب معرة الجيش الموي ‪ ،‬فهل من الممكن أن توصف أنها متمسكة بالسلم ؟! ‪ ،‬وإن من‬
‫خرج عليها ضال مضل ‪ ،‬وإنه أحق أن يوصف بالبغي ؟! ‪ ،‬ومتى هاجم أبو حمزة الحرمين الشريفين‬
‫؟! ‪ ،‬إن أبا حمزة لم يقاتل في الحرمين الشريفين ‪ ،‬ولكنه قاتل في قديد لما اعترضه أهل المدينة وحاول‬
‫أن يقنعهم أن يرجعوا عنه ‪ ،‬ولكنهم أبوا الرجوع ‪ ،‬ثم قال لصحابه ‪ " -:‬كفوا عنهم ول تبدءوهم بالقتال‬
‫حتى يبدءوكم " ‪ ،‬ولما رموا أصحابه بسهامهم وأصاب بعضها بعضا من رجاله قال لصحابه ‪" -:‬‬
‫دونكم الن فقد حل قتالهم " ‪0‬‬
‫وقد كان تاريخه كله مثال للستقامة والنزاهة والبعد عن المؤثرات النفسية ‪ ،‬وكان أكثر ما يكون بعدا عن‬
‫النتقام للنفس أو لصحابه كما شهد التاريخ بذلك ‪ ،‬كما جاء في كتاب البلذري في " فتوحات البلدان " ‪،‬‬
‫وكتاب " الغاني " ‪ ،‬لبي الفرج الصفهاني وكتاب " مختارات الغاني " ‪ ،‬لبن منظور ‪ ،‬وهذه الكتب‬
‫كلها ليست عن الباضية ‪ ،‬فكيف يوصف الباضية بعد ذلك بالضلل ؟!! ‪.‬‬
‫عندما خرج قائد بني أمية ابن عطية ليقاتل الباضية الذين كانوا تحت لواء أبي حمزة الشاري بالمدينة‬
‫المنورة ‪ ،‬منع أبو حمزة أصحابه من قتالهم حتى يقيم الحجة على ابن عطية ‪ ،‬قال له ماذا تصنعون بكتاب‬
‫ال ؟ فأجابه أبن عطية نضعه في الجوالق ‪ ،‬قال له ‪ -:‬وماذا تصنعون باليتيم ؟ فأجابه نأكل ماله ونفجر‬
‫بأمه !! فهل السلم يقتضي أن يوضع كتاب ال في الجوالق ؟! ‪ ،‬وأن يؤكل مال اليتيم ويفجر بأمه ؟!‬
‫وهل السلم يقتضي أن من التزم طريق الحق وعمل بكتاب ال وسنة رسوله – عليه أفضل الصلة‬
‫والسلم – يعتبر من المارقين الخارجين عن هذا الدين الحنيف حتى يوصف أبو حمزة بأنه ضال مضل‬
‫(‪)1‬‬
‫خارج عن الدولة السلمية ‪.‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫مفـاهيـم يـجـب أن تـخـتـفـي‬

‫الباب الول‬
‫مسألة أن الحق عند الكثرة‬

‫يستدل البعض على أنهم على حق وأن غيرهم على باطل بكثرتهم وقلة غيرهم ويقولون ل يمكن أن يكون‬
‫هذا السواد العظم على باطل وفرقة صغيرة على حق ‪.‬‬
‫نقل الشيخ العلمة الميداني عن ابن تيمية قوله " ‪ 00‬ولهذا توصف الفرقة الناجية بأنهم أهل السنة‬
‫والجماعة وهم الجمهور الكبر والسواد العظم ‪ ،‬أما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع‬
‫والهواء ‪ ،‬ول تبلغ الفرقة من هؤلء قريبا من مبلغ الفرقة الناجية فضل أن تكون بقدرها بل قد تكون‬
‫(‪)1‬‬
‫الفرقة منها غاية في القلة وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والجماع ‪ " 000‬انتهى ‪.‬‬
‫ويقول عبد العزيز بن محمد عن الباضية ‪ " :‬وهي فرقة ذات أقلية مبعثرة في بعض بلد المسلمين ‪،‬‬
‫ويقول ‪ " :‬ل شك أن الباضية شرذمة قليلون(‪ )1‬هذا في كتابه وأما ضميره فيقول بما يتبع هذه الية بدليل‬
‫تهجمه على المذهب بالباطل كما أوردت ذلك ‪.‬‬
‫وبسبب هذا الغترار بالكثرة جعلهم يعتقدون أن أقوالهم على حق بل من البديهيات التي ل تناقش بدليل‬
‫أنهم يرفضون الحوار مع المذاهب الخرى ومن بينهم الباضية ويدعون أن غيرهم على ضلل ‪.‬‬
‫فهل ما يقولونه له أساس من الصحة أم أوقعتهم فيه أسباب الخطأ من غرور وسوابق الفكار والتعصب‬
‫للمذهب وغيرها ؟ فلنناقش هذه المسألة ‪.‬‬
‫لو عقدنا مقارنة لوجدنا ‪:‬‬
‫إن المسلمين أقل من المشركين " أعاذنا ال جميعا منهم "‬
‫والمؤمنين أقل من الفاجرين إلى غير ذلك ‪.‬‬
‫ولكن نترك هذا جانبا ولنحتكم إلى القرآن استجابة لقوله تعالى ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا أطيعوا ال وأطيعوا‬
‫الرسول وأولي المر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم‬
‫الخر ذلك خير وأحسن تأويل " النساء ‪59‬‬

‫فلنستمع إلى ما يقوله القرآن عن الكثرة ‪:‬‬


‫(‪ )1‬قوله تعالى ‪000 " :‬منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون " المائدة ‪66‬‬
‫(‪ " )2‬وحسبوا أل تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب ال عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم وال بصير بما‬
‫يعملون " المائدة ‪71‬‬
‫(‪00 " )3‬ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الرض لمسرفون " المائدة ‪32‬‬
‫(‪000 " )4‬وإن كثيرا من الناس لفاسقون " المائدة ‪49‬‬
‫(‪ " )5‬وترى كثيرا منهم يسارعون في الثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون " المائدة ‪62‬‬
‫(‪000 " )6‬وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا ‪ "000‬المائدة ‪68 ، 64‬‬
‫(‪ " )7‬ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط ال عليهم وفي العذاب هم‬
‫خالدون " المائدة ‪80‬‬
‫(‪ " )8‬ولو كانوا يؤمنون بال والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكنّ كثيرا منهم فاسقون " المائدة‬
‫‪81‬‬
‫(‪ " )9‬ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والنس له قلوب ل يفقهون بها ولهم أعين ل يبصرون بها ولهم‬
‫آذان ل يسمعون بها أولئك كالنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون " العراف ‪179‬‬
‫(‪000 " )10‬وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون " يونس ‪92‬‬
‫(‪000 " )11‬وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون " الروم ‪8‬‬
‫(‪000 " )12‬ولكن أكثر الناس ل يعلمون " الروم ‪ ،30 ، 9‬سبأ ‪ ، 36 ، 28‬غافر ‪ ، 57‬الجاثية ‪، 26‬‬
‫النحل ‪ ، 38‬يوسف ‪21‬‬
‫(‪ " )13‬ولقد ضل قبلهم أكثر الولين " الصافات ‪71‬‬
‫(‪000 " )14‬ولكن أكثر الناس ل يؤمنون " غافر ‪ ، 59‬الرعد ‪1‬‬
‫(‪000 " )15‬ولكن أكثر الناس ل يشكرون " غافر ‪61‬‬
‫(‪000 " )16‬فأبى أكثر الناس إل كفورا " الفرقان ‪ ، 50‬السراء ‪86‬‬
‫(‪000 " )17‬وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " يوسف ‪103‬‬

‫ولنستمع إلى ما يقوله القرآن عن القلة ‪-:‬‬


‫(‪ )1‬قوله تعالى ‪000 " :‬فلما كتب عليهم القتال تولوا إل قليل منهم وال عليم بالظالمين " البقرة ‪246‬‬
‫(‪000 " )2‬كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن ال وال مع الصابرين " البقرة ‪149‬‬
‫(‪ " )3‬ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إل قليل منهم ‪ "00‬النساء ‪66‬‬
‫(‪ 000 " )4‬ولول فضل ال عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان إل قليل " النساء ‪83‬‬
‫(‪000 " )5‬ولو أنهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم ال بكفرهم فل‬
‫يؤمنون إل قليل " النساء ‪46‬‬
‫(‪000 " )6‬وأهلك إل من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إل قليل " هود ‪40‬‬
‫(‪ " )7‬فلول كان قبلكم من القرون أولو بقية ينهون عن الفساد في الرض إل قليل ممن أنجينا منهم‬
‫‪ "000‬هود ‪116‬‬
‫(‪000 " )8‬وقليل من عبادي الشكور " سبأ ‪13‬‬
‫(‪00 " )9‬وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما‬
‫هم ‪ "000‬ص ‪24‬‬
‫(‪ " )10‬وقليل من الخرين " الواقعة ‪14‬‬
‫(‪ " )11‬قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لحتنكن ذريته إل قليل " السراء‬
‫‪62‬‬
‫(‪ " )12‬إن هؤلء لشرذمة قليلون " الشعراء ‪54‬‬
‫(‪000 " )13‬ول تزال تطلع على خائنة منهم إل قليل منهم فاعف عنهم واصفح إن ال يحب المحسنين "‬
‫المائدة ‪.130‬‬

‫نحن الحمـاة لديـن ال ما طلعت شمس وما غربت رجل وفرسانا‬


‫نحن القليـل وفي القرآن مشتهر مدح القليل فسل إن كنت حيرانا‬
‫نحن الجماعة والجـماع معترف للعادلين ولـو قد كـان انـسانا‬
‫نحن الشراة فهل من أعصر سلفت إل نقيـم بهـا ل سـلـطـانا‬
‫لسنا نخيف سبـيل العـالمين ول أيضـا ننبـه غيـر الضد يغشانا‬
‫لسنا نـسائـل خلـق ال مـالهم حرصا ولسنا نولي المر خوانا‬
‫لسنـا نـرد لهـل الذنب معذرة من تاب من كفـره أو فعله كانا‬
‫لسنـا نقاتل مـن يبغـي مفاوضة قبل الدعاء ول مـن قبـل يبدانا‬
‫لسنا نحرم ما قـد حل مـن دمه حتى يفيء إلى ذي العرش إذعانا‬
‫ل نستـحل لـه مال ول ولـدا كالمشركيـن ول نكسـوه إيـمانا‬
‫(‪) 1‬‬
‫من شاء يعلم مـا كانـت أوائلنا فيـه فسيرتـنا تكفيـه بـرهـانا‬

‫الباب الثاني‬
‫مسألة اتهام الباضية بكراهية الصحابة‬
‫لقد كثر التشنيع على الباضية في قضية الصحابة ممن يقتفون نهج المفسدين وممن ضلوا بضللهم ‪،‬‬
‫فمنهم القائل ‪ -:‬إن الباضية يكرهون الصحابة ‪ ،‬ومنهم القائل يكفرون الصحابة إلى غير ذلك ‪0‬‬
‫ويتخذون من فتنة الصحابة ذريعة للتشنيع ونشروا هذه الشاعات في المحاضرات والكتب التي ألفوها‬
‫والتي تبع فيها الخر ما قاله الول في هذه القضية ‪ ،‬وفي كثير من القضايا من غير بحث عن الحقيقة أو‬
‫تحرّ لها ‪.‬‬
‫وهم ل شك مجانبون للحقيقة كما سيتضح ذلك إن شاء ال فيما يلي ‪-:‬‬
‫أول ‪ -:‬إن آراء الباضية ومواقفهم في أي مسألة من مسائل الدين ل تبنى من قول فلن وفلن ول‬
‫تحركها الهواء والطماع ‪ ،‬وإنما هي مواقف ثابتة مستمدة من أصول الدين الحنيف ‪ ،‬وموقف الباضية‬
‫من الصحابة رضوان ال عليهم كغيره مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية ‪ ،‬فهم يحترمون الصحابة‬
‫ويقدرونهم تبعا للقران الكريم قال ال تعالى ‪ " -:‬محمد رسول ال والذين معه أشداء على الكفار رحماء‬
‫بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضل من ال ورضوانا ‪ ،‬سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم‬
‫في التوراة ومثلهم في النجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزرّاع‬
‫ليغيض بهم الكفار وعد ال الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما " سورة الفتح ‪29‬‬
‫وقوله تعالى ‪ " -:‬والسابقون الولون من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي ال عنهم‬
‫ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم " التوبة ‪100‬‬
‫وفي رواية البخاري عن عمران بن حصين قال رسول ال صلى ال عليه وسلم " خير أمتي قرني ثم‬
‫الذين يلونهم ثم الذين يلونهم "‪0‬‬
‫ولوان أحد أنفق مثل أحد ذهبا لما ساوى مد أحدهم أو نصيفه كما أخبر بذلك الرسول صلى ال عليه وسلم‬
‫‪0‬‬
‫فلهم الفضل في السبق إلى السلم ولهم الفضل بصحبة الرسول – صلى ال عليه وسلم ‪ ، -‬ولهم الفضل‬
‫في الدفاع عنه – صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ولهم الفضل في بذل أرواحهم لنشر السلم ‪.‬‬
‫فهم الحجّة والقدوة ونكنّ لهم الحترام والتقدير ‪ ،‬وندعو لهم بالرحمة والمغفرة وكتبنا شاهدة بذلك ‪.‬‬
‫يقول نور الدين السالمي – رحمه ال – في أول قصيدة غاية المراد في العتقاد‪:‬‬
‫ثم الصلة علـى المختـار سيدنـا ومن إلى قاب قوسين دنا فعـل‬
‫والل والصحب ما كان الهدى علما يهدي به ال للخيرات من عقل‬
‫ويقول في آخر القصيدة ‪:‬‬
‫ثم الـصـلة وتسـليم يقـارنـها على الذي ختم المولى به الرسل‬
‫والل والصحب ما لحت فضائلهم ومن لهم في سبيل المكرمات تل‬
‫ويقول الشيخ العلمة ناصر بن سالم الرواحي – رحمه ال ‪: -‬‬
‫وآمنــت برسـول ال طـائفة أعطاهم السبق فيه سـابق القدر‬
‫زكى قلوبهم النور المبـين كمـا يزكو النبات بما يلقى من المطر‬
‫لقى صدورهم اليمان فانشرحت له وقاموا به في عزم منتصـر‬
‫نور بواطنهم نـور ظـواهـرهم نور خلئقهم في الفعل والخبر‬
‫تضائق المل العلـى مكانتهـم في فطرة ال ل في فطرة البشر‬
‫خير القرون قرن المصطفى وكذا حكم القرينين ل ينفك من أثـر‬
‫(‪)1‬‬
‫فمات عنهم رسـول ال عـدّتهم كالنبياء عدول الحكم والسيـر‬
‫ولكن هنالك ثوابت جاء بها السلم يجب التقيّد بها وعدم الزيغ عنها لن أي خروج عنها يعني التخبّط‬
‫والتخليط في المواقف إذا لم تكن مبنية على قواعد متينة ‪.‬‬
‫ومن هذه الثوابت أن ل عصمة إل للنبياء فقط ‪ ،‬وأما الصحابة – رضوان ال عليهم – فهم كغيرهم من‬
‫الناس معرّضون للخطأ وقد حدث ذلك عند بعضهم ‪ ،‬فمنهم من أنزل ال فيه قوله ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين " الحجرات ‪ 6‬ومنهم‬
‫صاحب الشملة التي أخذها قبل قسم الغنائم وأخبر الرسول صلى ال عليه وسلم بأنها ستشتعل عليه نارا ‪،‬‬
‫وغير ذلك ‪.‬‬
‫يقول العلمة ناصر بن عديّم الرواحي – رحمه ال – ‪:‬‬
‫وهم وإن شرفوا من أجل صـحبته فحكم تكليفهم كالحكم فـي البشـر‬
‫ومدحه لهـم فـرع استقامتــهم في طاعة ال ل مدحا على الغـير‬
‫وللموفّــين في اليمـان متجـه ما جاء من مدحهم في محكم السور‬
‫والحب والبغض فرضان استحقهما خصمان في ال من بر ومن فجـر‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫نادى العشيرة في رأس الصفا عـلنا وصاح فيهم رسول ال بالنـذر‬
‫فانظر إلى حكمة التخصيص كيف أتت للقربين من أهل البدو والحضر‬
‫ليـعـلموا أنـه التكليـف ل نسـب يغني ول فيه دون ال من وزر‬
‫لو كان بالشـرف التكلـيف مرتفعـا إذن تعطل عدل ال فـي الفطـر‬
‫(‪)1‬‬

‫ثانيا ‪:‬‬
‫موقف الباضية من الخليفتين عثمان بن عفّان وعلي بن أبي طالب – كرم ال وجهه‬
‫من أقوال المشنعين في هذه القضية ‪ :‬أن الباضية يقولون عن عثمان أنه صاحب بدع ويكفرون علي بن‬
‫أبي طالب ‪.‬‬
‫ولقد ردّ عليهم سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي(‪ )1‬بقوله ‪ " :‬وهل قال الباضية عن عثمان أكثر مما‬
‫قاله ابن قتيبة في كتابه المامة والسياسة في ص ‪ 35‬و ‪ 36‬حيث قال ‪ " :‬وذكروا أنه اجتمع أناس من‬
‫أصحاب النبي – صلى ال عليه وسلم – فكتبوا كتابا ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول ال –‬
‫صلى ال عليه وسلم – وسنة صاحبيه ‪ ،‬وما كان من هبته خمس أفريقية لمروان وفيه حق ال ورسوله ‪،‬‬
‫ومنهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ‪ ،‬وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدوا سبعة دور بناها في‬
‫المدينة ‪ ،‬دار لنائلة ودار عائشة وغيرهما من بنات أهله ‪ ،‬وبنيان مروان القصور بذي خشب ‪ ،‬وعمارته‬
‫للموال من الخمس الواجب ل ورسوله ‪ ،‬وما كان من إفشائه العمل والوليات في أهله وبني عمه من‬
‫بني أمية أحداث غلمة ‪ ،‬ل صحبة لهم للرسول‪-‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬ول تجربة لهم بالمور ‪ ،‬وما كان‬
‫من الوليد بن عقبة بالكوفة ‪-‬وهو أمير عليها – إذ صلى بهم الصبح وهو سكران أربع ركعات ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫إن شئتم زدتكم ثلثا ‪ ،‬وتعطيله إقامة الحد وتأخيره ذلك عنه ‪.‬‬
‫وتركه المهاجرين والنصار ل يستعملهم على شيء ‪ ،‬ول يستشيرهم واستغنى برأيه عن رأيهم ‪ ،‬وما‬
‫كان من الحمى الذي حمى حول المدينة ‪ ،‬وما كان من إدارة القصائع والرزاق والعطيات على أقوام‬
‫بالمدينة ليس لهم صحبة بالنبي ‪ ،‬ثم ل يغدون ول يذبون ‪ ،‬وما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط ‪،‬‬
‫وأنه أول من ضرب بالسياط ظهور الناس ‪ ،‬وإنما كان ضرب الخليفتين بالدرة والخيزران ‪.‬‬
‫ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان ‪ ،‬وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن السود‬
‫وكانوا عشرة ‪ ،‬فلما خرجوا والكتاب بيد عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده ‪ ،‬فمضى حتى‬
‫جاء دار عثمان ‪ ،‬فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات ‪ ،‬فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني‬
‫أمية ‪ ،‬فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له ‪ :‬أنت كتبت هذا الكتاب ؟ فقال نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬ومن كان معك ؟ فقال ‪:‬‬
‫كان معي نفر تفرقوا فرقا منك ‪ ،‬قال من هم ؟ قال ‪ :‬ل أخبرك بهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فلم اجترأت عليّ من بينهم ؟‬
‫قال مروان ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ :‬إن هذا العبد السود – يعني عمارا – قد جرأ الناس عليك ‪ ،‬وإنك إن‬
‫قتلته نكلت به من وراءه ‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬اضربوه فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه ‪،‬‬
‫فأغشي عليه ‪ ،‬فجروه حتى تركوه على باب الدار ‪ ،‬فأمرت به أم سلمة – زوج النبي – صلى ال عليه‬
‫وسلم – فأدخل منزلها ‪ ،‬وغضبت فيه بنو المغيرة – وكان حليفهم – فلما خرج عثمان لصلة الظهر‬
‫عرض له هشام بن الوليد فقال له ‪ :‬أما وال لو مات عمار من ضربه لقتلن به رجل عظيما من بني أمية‬
‫‪ ،‬فقال عثمان ‪ :‬لست هناك ‪ 000‬الخ " ‪.‬‬
‫وليس أكثر مما قاله الداعية سيد قطب في كتابه العدالة الجتماعية في السلم ص ‪ 159‬حيث قال ‪" :‬‬
‫وهذا التصور لحقيقة الحكم تغير شيئا ما دون شك على عهد عثمان ‪ ،‬وإن بقي في سياج السلم ‪ ،‬لقد‬
‫أدركت الخلفة عثمان وهو شيخ كبير ‪ ،‬ومن وراءه مروان بن الحكم يصرف المر بكثير من النحراف‬
‫عن السلم ‪ ،‬كما أن طبيعة عثمان الرخية ‪ ،‬وحدبه الشديد على أهله ‪ ،‬قد ساهم كلهما في صدور‬
‫تصرفات أنكرها الكثيرون من الصحابة من حوله ‪ ،‬وكانت لها معاقبات كثيرة ‪ ،‬وأثار في الفتنة التي‬
‫عانى السلم منها كثيرا ‪.‬‬
‫منح عثمان من بيت المال زوج ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مائتي ألف درهم ‪ ،‬فلما أصبح الصباح‬
‫جاءه زيد بن أرقم خازن بيت مال المسلمين ‪ ،‬وقد بدا في وجهه الحزن ‪ ،‬وترقرقت في عينه الدموع ‪،‬‬
‫فسأله أن يعفيه من عمله ‪ ،‬ولما علم منه السبب وعرف أنه عطيته لصهره من مال المسلمين ‪ ،‬فقال‬
‫مستغربا ‪ " :‬أتبكي يا ابن أرقم أن وصلت رحمي " فرد الرجل الذي يستشعر روح السلم المرهف " ل‬
‫يا أمير المؤمنين ولكن أبكي لني أظنك أخذت هذا المال عوضا عما أنفقته في سبيل ال في حياة الرسول‬
‫– صلى ال عليه وسلم ‪ ، -‬وال لو أعطيته مائة درهم لكان كثيرا " فغضب عثمان على الرجل الذي ل‬
‫يطيق صدره هذه التوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين ‪ ،‬وقال له ‪ " :‬ألق يا ابن أرقم‬
‫فإنا سنجد غيرك "‬
‫والمثلة كثيرة في سيرة عثمان على هذه التوسعات ‪ ،‬فقد منح الزبير ذات يوم تسعمائة ألف ‪ ،‬ومنح طلحة‬
‫مائتي ألف ‪ ،‬ونفل مروان بن الحكم ثلث خراج أفريقية ‪ ،‬ولقد عاتبه في ذلك ناس من الصحابة على‬
‫رأسهم علي بن أبي طالب فأجاب ‪ :‬إن لي قرابة ورحما ‪ ،‬فأنكروا عليه وسألوه ‪ :‬فما كان لبي بكر وعمر‬
‫قرابة ورحم ؟ فقال ‪ :‬إن أبا بكر وعمر يحتسبان في منع قرابتهما وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي ‪ ،‬فقاموا‬
‫عنه غاضبين يقولون ‪ :‬فهديهما وال أحب إلينا من هذا ‪.‬‬
‫وغير المال كانت الوليات تغدق على الولة من قرابة عثمان ‪ ،‬وفيهم معاوية الذي وسع عليه في الملك‬
‫فضم إليه فلسطين وحمص ‪ ،‬وجمع له قيادة الجناد الربعة ‪ ،‬ومهد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلفة‬
‫علي ‪ ،‬وقد جمع المال والجناد ‪ ،‬وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول ال – صلى ال عليه وسلم – الذي‬
‫آواه عثمان ‪ ،‬وجعل ابنه مروان بن الحكم وزيره المتصرف ‪ ،‬وفيهم عبدال بن سعد بن أبي السرح أخوه‬
‫من الرضاعة ‪.‬‬
‫ولقد كان الصحابة يرون هذه التصرفات خطيرة العواقب فيتداعون إلى المدينة لنقاذ تقاليد السلم ‪،‬‬
‫وإنقاذ الخليفة من المحنة ‪ ،‬والخليفة في كبرته ل يملك أمره من مروان ‪ ،‬وإنه لمن الصعب أن تتهم روح‬
‫السلم في عثمان ‪ ،‬ولكن من الصعب أيضا أن نعفيه من الخطأ الذي نلتمس أسبابه في ولية مروان‬
‫الوزارة في كبرة عثمان‪.‬‬
‫ولقد اجتمع الناس فكلفوا علي بن أبي طالب أن يدخل فيكلمه ‪ ،‬فدخل إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬الناس وراءي وقد‬
‫كلموني فيك ‪ ،‬وال ما أدري ما أقول لك ‪ ،‬وما أعرف شيئا تجهله ‪ ،‬ول أدلك على شيء ل تعرفه ‪ ،‬إنك‬
‫لتعلم ما نعلم ‪ ،‬ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ول خلونا بشيء فنبلغكه ‪ ،‬ول خصصنا بأمر دونك ‪،‬‬
‫وقد رأيت وسمعت وصحبت رسول ال – صلى ال عليه وسلم – ونلت صهره ‪ ،‬وما ابن قحافة بأولى‬
‫بعمل الحق منك ‪ ،‬ول ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك ‪ ،‬وإنك أقرب إلى رسول ال – صلى ال‬
‫عليه وسلم – منهما ونلت ما لم ينال ‪ ،‬ول سبقاك إلى شيء ‪ ،‬فال ال في نفسك ‪ ،‬فإنك وال ما تبصر من‬
‫عمى ول تعلم من جهل ‪ ،‬وإن الطريق لواضح بيّن ‪ ،‬وإن أعلم الدين لقائمة ‪.‬‬
‫تعلم يا عثمان أن أفضل عباد ال عند ال إمام عادل هدي وهدى ‪ ،‬فأقام سنة معلومة ‪ ،‬وأمات بدعة‬
‫متروكة ‪ ،‬فو ال إن كليهما لبين ‪ ،‬وإن السنن لقائمة لها أعلم ‪ ،‬وإن شر الناس عند ال إمام جائر ضل‬
‫وضل به ‪ ،‬فأمات سنة معلومة وأحيا بدعة متروكة ‪ ،‬وإني سمعت رسول ال – صلى ال عليه وسلم –‬
‫يقول ‪ " :‬يؤتى يوم القيامة بالمام الجائر وليس معه نصير ول عاذر فيلقى في جهنم " ‪.‬‬
‫فقال عثمان ‪ " :‬قد وال علمت ليقولن الذي قلت ‪ ،‬أما وال لو كنت مكاني ما عنفتك ول أسلمتك ول عبت‬
‫عليك ‪ ،‬وما جئت منكرا أن وصلت رحما وسددت خلة ‪ ،‬وآويت ضائعا ‪ ،‬ووليت شبيها بمن كان عمر‬
‫يولي ‪ ،‬أنشدك ال يا علي ‪ ،‬هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك ؟ ‪ ،‬قال نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فلم تلوموني إن‬
‫وليت ابن عامر في رحمه وقرابته ؟ فقال علي ‪ :‬سأخبرك ‪ ،‬إن عمر كان كل من ولى فإنما يطأ على‬
‫صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ‪ ،‬ثم بلغ به أقصى الغاية ‪ ،‬وأنت ل تفعل ‪ ،‬ضعفت ورققت على‬
‫أقاربك ‪ ،‬قال عثمان ‪ :‬وأقرباؤك أيضا ‪ ،‬قال علي ‪ :‬لعمري إن رحمهم مني لقريبة ولكن الفضل في‬
‫غيرهم ‪ ،‬قال عثمان ‪ :‬هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلفته كلها ؟ فقد وليته ‪ ،‬قال علي ‪ :‬أنشدك ال هل‬
‫تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يرف غلم عمر منه ؟ قال نعم ‪ ،‬قال علي ‪ :‬فإن معاوية يقطع‬
‫المر دونك ‪ ،‬وأنت ل تعلمها فيقول للناس هذا أمر عثمان فيبلغك ول تغير على معاوية ‪.‬‬
‫ثم يقول الستاذ شهيد السلم بعد ذلك ‪ ":‬وأخيرا ثارت الثائرة على عثمان واختلط فيها الحق بالباطل‬
‫والخير بالشر ‪ ،‬ولكن ل بد لمن ينظر في المور بعين السلم ويستشعر المور بروح السلم أن يقرر‬
‫أن تلك الثورة في عمومها كانت ثورة من روح السلم ‪ ،‬وذلك دون إغفال لما كان وراءها من كيد‬
‫اليهودي عبدال بن سبأ " ‪.‬‬
‫ولننقل هنا أيضا ما قاله ابن قتيبة في كتاب " المامة والسياسة " ص ‪ 46‬في دفن عثمان لنستجلي الحقيقة‬
‫‪ ،‬يقول ‪ " :‬وذكروا أن عبدالرحمن بن أزهر قال ‪ " :‬لم أكن دخلت في أمر عثمان ل عليه ول له ‪ ،‬فإني‬
‫لجالس بفناء داري ليل بعد ما قتل عثمان بليلة إذ جاءني المنذر بن الزبير فقال ‪ :‬إن أخي يدعوك فقمت‬
‫إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنا أردنا أن ندفن عثمان فهل لك ؟ فقلت ‪ :‬وال ما دخلت في شيء من شأنه وما أريد من ذلك‬
‫ثم انصرف فاتبعته ‪ ،‬فإذا هم في نفر فيهم جبير بن مطعم ‪ ،‬وأبو الجهم بن حذيفة ‪ ،‬والمسور بن مخرمة ‪،‬‬
‫وعبد ال بن أبي بكر ‪ ،‬وعبد ال بن الزبير ‪ ،‬فاحتملوه على الباب ‪ ،‬وإن رأسه ليقول طق طق ‪ ،‬فوضعوه‬
‫في موضع الجنائز ‪ ،‬فقام إليهم رجال من النصار فقالوا لهم ‪ :‬ل وال ل تصلون عليه ‪ ،‬فقال أبو جهم ‪:‬‬
‫أل تدعونا نصلي عليه فقد صلى عليه ال تعالى وملئكته ‪ ،‬فقال له رجل ‪ :‬إن كنت فأدخلك ال مدخله ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬حشرني ال معه فقال ‪ :‬إن ال حاشرك مع الشياطين ‪ ،‬وال إن تركناكم به لعجز منا ‪ ،‬فقال القوم‬
‫لبي الجهم ‪ :‬أسكت عنهم وكف ‪ ،‬فكف واحتملوه ‪ ،‬ثم انطلقوا مسرعين ‪ ،‬وإني أسمع وقع رأسه على‬
‫اللوح حتى وضعوه في أدنى البقيع ‪ ،‬فأتاه جبلة بن عامر الساعدي من النصار ‪ ،‬فقال ‪ :‬ل وال ل تدفنوه‬
‫في بقيع رسول ال – صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ول نترككم تصلون عليه ‪ ،‬فقال أبو الجهم ‪ :‬انطلقوا بنا فإن‬
‫لم نصل عليه فإن ال قد صلى عليه ‪ ،‬فخرجوا ومعهم عائشة بنت عثمان معها مصباح في "حق" حتى‬
‫إذا أتوا " حش كوكب " حفروا له حفرة ثم قاموا يصلون عليه ‪ ،‬وأمهم جبير بن مطعم ‪ ،‬ثم أدلوه في‬
‫حفرته ‪ ،‬فلما رأته ابنته صاحت ‪ ،‬فقال ‪ :‬وال لئن لم تسكتي لضربن الذي في عينيك ‪ ،‬فدفنوه ولم يلحدوه‬
‫باللبن ‪ ،‬وحثوا عليه التراب " ‪.‬‬
‫وأضيف إلى ذلك ‪ :‬وهل أكثر مما نقله ابن الثير والطبري عن الصحابة رضوان ال عليهم حيث قال ‪" :‬‬
‫وقيل كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم إلى من بالفاق منهم ‪ :‬إن أردتم الجهاد فهلموا إليه‬
‫(‪)1‬‬
‫فإن دين محمد قد أفسده خليفتكم فأقيموه " ‪.‬‬
‫فلما كان ما قاله الباضية لم يزد حرفا واحدا عما قاله منتقدوهم في كتبهم فلماذا يُخصّ الباضية بأنهم‬
‫قالوا إن عثمان صاحب بدع إل للتشنيع ؟!!‬

‫وأما موقف الباضية من علي بن أبي طالب – كرم ال وجهه ‪: -‬‬


‫فهم يعترفون بخلفته وأنه على حقّ في قتاله معاوية بن أبي سفيان ‪ ،‬وأما تخطئتهم له في قبول التحكيم‬
‫فليست نابعة من هوى نفس أو محاباة لحد وإنما من الدلة القاطعة التي تثبت أن معاوية كان باغيا والتي‬
‫سأذكرها في ما بعد ‪ ،‬وال سبحانه حكم على الفئة الباغية بان تقاتل حتى تفيء إلى أمر ال بقوله ‪ " :‬فإن‬
‫بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال ‪0‬‬
‫وأما قضية التكفير فالباضية ل يكفرون أحدا من المسلمين طالما أنه متأول لكن قد يطلقون على العاصي‬
‫بأنه كافر نعمة بمعنى أنه لم يشكر النعمة واستخدمها في معصية ال ‪ ،‬وهذا ما يسمى كفر دون كفر ‪.‬‬
‫وهم يلتزمون الحترام الكامل عند ذكر ما أخطأ فيه من قبول التحكيم‬
‫فهذا الشاعر الفقيه ناصر بن سالم الرواحي – رحمه ال – يقول ‪:‬‬
‫أبا حسن ذرها حكومـة فاسـق جراحات بدر في حشاه تفور‬
‫أبا حسن أقدم فأنت عـلى الهدى وأنت بغايات الغـوي بصير‬
‫أبا حسـن ل تعـطيـن دنيـة وأنت بسلطان القديـر قدير‬
‫أبا حسن ل تـنس أحـدا وخندقا وما جر عير قبلـه ونفـير‬
‫أبا حسن أين السوابـق غودرت وأنت أخوه والغـدير غدير‬
‫أبا حسن إن تعطها اليوم لم تزل يحل عراهــا فاجر ومبير‬
‫(‪)1‬‬
‫أبا حسـن طلـقتـها لطليقـها وأنت بقيد الشعـري أسير‬

‫ثالثا ‪ -:‬النظر في مواقف أهل السنة ‪:‬‬


‫عندما نتتبع مواقف أهل السنة نجد من مواقفهم ‪:‬‬
‫قولهم أن عثمان قتل ظلما وعدوانا ‪.‬‬
‫إن فتنة الصحابة اجتهادية ‪ ،‬المصيب مأجور والمخطئ معذور ‪.‬‬
‫يقولون إنهم يدافعون عن الصحابة‬
‫فإذا أمعنا النظر في هذه القوال وجدنا فيها نظر ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إن قولهم ‪ :‬أن عثمان قتل ظلما وعدوانا هو مخالف لما ذكر عن الصحابة بل فيه تهجم عليهم لعدة‬
‫أسباب ‪:‬‬
‫إن الصحابة أنفسهم أنكروا على عثمان أشياء كثيرة ذكرها غير الباضية مثل ما في كتاب المامة‬
‫والسياسة لبن قتيبة وابن الثير والطبري و سيد قطب كما ذكر سابقا ‪.‬‬
‫نصيحة علي بن أبي طالب له دليل على أنهم نصحوه عن شيء أنكروه عليه ‪.‬‬
‫إن الذين جاءوا لحصار عثمان جاءوا بمكاتبة من أهل المدينة لهم وقادتهم من الصحابة ‪ ،‬فالذين جاءوا‬
‫من مصر على رأسهم عبد الرحمن بن عديس وهو صحابي أحدي بايع تحت الشجرة ‪ ،‬والذين جاءوا من‬
‫الكوفة على رأسهم زيد بن صوحان العبدي والشتر النخعي (‪ )1‬وزيد صحابي جليل ‪ ،‬والذين جاءوا من‬
‫البصرة على رأسهم حرقوص بن زهير وهو صحابي جليل شهد الرسول له بالجنة ثلث مرات ‪.‬‬
‫فعلى زعمهم يكون هؤلء الصحابة أول الظالمين لعثمان ‪.‬‬
‫(‪ )4‬إن عثمان لم يقتل غيلة وإنما حوصر أكثر من أربعين يوما ‪ ،‬والصحابة ل يدافعون عنه مع أن‬
‫عددهم يبلغ حوالي مائة ألف ‪ ،‬فلو قلنا أنهم غير راضين مع أنهم لم يدافعوا عنه وصفناهم بالجبن وبترك‬
‫الواجب وهو الدفاع عن خليفة المسلمين ‪ ،‬فال تعالى يقول ‪ " :‬قاتلوا في سبيل ال أو ادفعوا " آل عمران‬
‫‪ 167‬فحاشاهم عن الجبن وترك الواجب عليهم ‪ ،‬فكيف وقد دكّوا حصون كسرى وقيصر ‪.‬‬
‫(‪)5‬ما ذكره ابن الثير من جواب أهل المدينة لعثمان عندما خاطبهم " وأما قولك أنه ل يحل إل قتل ثلثة‬
‫فإنا نجد في كتاب ال قتل غير الثلثة الذين سميت ‪ :‬قتل من سعى في الرض فسادا وقتل من بغى وقاتل‬
‫على بغيه ‪ ،‬وقتل من حال دون شيء من الحق ومنعه وقاتل دونه ‪ ،‬وقد بغيت ومنعت وحلت دونه‬
‫وكابرت عليه ولم تقد من نفسك ما ظلمت وقد تمسكت بالمارة علينا ‪ ،‬فإن زعمت أنك لم تكابرنا عليها‬
‫فإن الذين قاموا دونك ومنعوك منا إنما يقاتلونك لتمسكك بالمارة فلو خلعت نفسك لنصرفوا عن القتال‬
‫(‪)1‬‬
‫فسكت عثمان "‪.‬‬
‫وأما قولهم أن عثمان منع أهل المدينة عن الدفاع عنه فيتعارض مع ما ذكره الطبري ‪ :‬أن عثمان كتب‬
‫إلى معاوية يستنجده حيث أرسل له رسالة قال فيها ‪ " :‬بسم ال الرحمن الرحيم ‪ ،‬أما بعد فإن أهل المدينة‬
‫قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة فابعث إلي من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كل صعب وذلول "‬
‫‪ )1(.‬هذا ما ذكرته كتب التاريخ وال أعلم‬
‫وأما قولهم أن فتنة الصحابة اجتهادية وأن المصيب فيها مأجور والمخطئ معذور وأن معاوية وعمرو بن‬
‫العاص وأشياعهم مجتهدون فهم معذورون ‪.‬‬
‫فربما صدر عنهم بحسن نية لكي ل يتجرأ الناس لسب الصحابة ولكن هذه المور ل تعالج بهذه الطريقة‬
‫لن هناك قاعدة ل يصح أن تغفل وهي أن المصيب ل يجوز أن يخطّأ والمخطئ ل يجوز أن يصوّب لنه‬
‫يترتب على ذلك ولية وبراءة ‪ ،‬فالولية والبراءة فرض واجب ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ " :‬ل تجد قوما يؤمنون‬
‫بال واليوم الخر يوادّون من حادّ ال ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم "‬
‫المجادلة ‪. 22‬‬
‫ولو كان كل مجتهد مصيب لما حكم رسول ال – صلى ال عليه وسلم – بالنار لكل الفرق ما عدا واحدة ‪.‬‬
‫مع أن كل الدلئل تدل أن معاوية باغ وليس مجتهد ومن ذلك ‪:‬‬
‫ما ذكره الطبري ‪ :‬يقول عمرو لمعاوية وهو يحثه للقتال ‪ " :‬أما وال إن قاتلنا معك نطلب بدم الخليفة إن‬
‫في النفس من ذلك ما فيها حيث نقاتل من نعلم سابقته وفضله وقرابته ولكن إنما أردنا هذه الدنيا فصالحه‬
‫(‪)1‬‬
‫معاوية وعطف عليه " ‪.‬‬
‫إن معاوية رأى جيشه قتل عمار بن ياسر ورسول ال – صلى ال عليه وسلم – قال لعمار ‪ :‬تقتلك الفئة‬
‫الباغية فلم يرتدع ‪.‬‬
‫إنه يعلم أنه يقاتل من ارتضاه المسلمون خليفة لهم ويعلم فضله عليه ‪ ،‬فهل هو مجتهد في انتزاع إمامة‬
‫المسلمين من يدهم وتولي المر قهرا ؟!!‬
‫إنه عندما ولي المر لم يسلك مسلك الخلفاء وإنما سلك مسلك الملوك وقد أرغم الصحابة على اتباعه ‪.‬‬
‫هل هو مجتهد في إلزامه الناس لعن علي بن أبي طالب على المنابر ؟!!‬
‫هل يعد اجتهادا قتل من يمتنع عن لعن علي بن أبي طالب مثلما قتل حجر بن عدي وأصحابه ‪ ،‬المشهور‬
‫بالزهد والورع ‪ ،‬وقد قال معاوية عند موته ‪ " :‬يومي بك طويل يا حجر بن عدي (‪ )1‬قال العلمة نور‬
‫الدين السالمي – رحمه ال ‪: -‬‬
‫وظهرت مـن بعـد ذا أناس عمهم فـي الديـن اللـتباس‬
‫فجعلوا الجـميع في الولية فأخـطأوا بـذلـك الهـداية‬
‫ولم يكن لهـم عـليه سلف من صحب أحمد الذين اختلفوا‬
‫وذاك أن المتـقـاتلـينـا مـع الـقـتـال يـتلعنـونا‬
‫وجعلهم جميعهم في مـنزلة خلف حكم مـا اللـه أنزله‬
‫لنمـا وليـة الـمـحـقّ غيـر البـراءة لهـل الفسق‬
‫والكل فرض وعلينا نجـعل أصناف هذا الخلق حيث نزلوا‬
‫وقولهم إن الجميع اجتهـدوا فأخطأ البعض وبعض أرشدوا‬
‫وكل من في دينه قد اجتـهد يعذر إن أخـطـأ إذ لم يعتمد‬
‫ليس بشيء والحديـث وردا في حاكم اخطأ حين اجـتهدا‬
‫وذاك في الفـروع ل سواها فمخطئ الدين صل لـظـاها‬
‫إل إذا مـا تاب مـن قريب وقام للمحـق بالـتـصـويب‬
‫فمخطئ الدين يسمى مستحلّ في ديـنه وهـو بـذلكم مظل‬
‫لو كان كـل مـستحل يُعذر نجا أولو الضلل ممـن غيروا‬
‫والخبر الصحيح في افتراق أمـتـه مـخالـف الطـلق‬
‫لنـه قد جعـل السـلمة لفرقـة كانـوا أولـي استقامة‬
‫(‪) 1‬‬
‫وبالهلك للبواقـي حـكما كذلك الجماع أيضـا فاعـلما‬
‫وأما قولهم أنهم يدافعون عن الصحابة فذلك غير واضح لننا نراهم يدافعون عن بني أمية ويلتمسون لهم‬
‫العذار ويتخطون كل الدلئل التي تدل على خطئهم ‪ ،‬وأما أهل النهروان فيكيلون لهم السب كيل مع أنهم‬
‫من الصحابة وفيهم من شهد له الرسول – صلى ال عليه وسلم – بالجنة مثل حرقوص بن زهير‬
‫السعدي ‪ ،‬يقول العلمة نور الدين السالمي ‪:‬‬
‫وقولهم نسكت عن حـروبهـم نحن ول نخوض في عيـوبهم‬
‫كذب فقد خاضوا وسبوا الصحبا إذ وجهـوا للـنهروان السـبا‬
‫ولعنوهـم وهـم قـد طلبـوا حقا ومن خوف الضلل هربوا‬
‫وفيهم مـن شهـد الـرسـول ثـلث مـرات لـه يـقـول‬
‫أول من يدخل مـن ذا البـاب فهـو إلـى الجنـة والثـواب‬
‫وفي الثلث يدخـلن حرقوص نجـل زهير وهو المخصوص‬
‫وفيهـم مـن شـهـد المشاهدا وكـان خصـمه بـذاك شاهدا‬
‫قـد أنـكـروا المنكر إذ رأوه وسلكوا الطـريـق إذ أتـوه‬
‫عضـوا علـى وصية المختار فـي سيـرة الئـمة البـرار‬
‫وعـنـد هـذا كلـه فالـقـوم يصدر منهـم شتمهـم واللـوم‬
‫قد عولوا في عذر نجل صـخر علـى أمـور لـم تـكن بعذر‬
‫وكلهـا مع الـتـزام الـحـق موجودة فيمن رمـوا بالفـسق‬
‫(‪)1‬‬
‫فمـن هـناك تـدر أن الهوا تقودهم ل الحـق حيـن يروى‬

‫وقفة تأمل‬
‫إذا تأملنا موقف الباضية من الصحابة وجدنا ‪:‬‬
‫إن الباضية يكنون للصحابة الحترام والتقدير ويعتبرونهم الحجة والقدوة ويعترفون لهم بالفضل في‬
‫أشياء عديدة ‪.‬‬
‫إن القول بأن الباضية يكرهون الصحابة قول ل دليل عليه إذ أن الباضية يتولون الصحابة بدليل أنهم‬
‫يترضون عنهم ويترحمون لهم والترضي والترحم هما عين الولية وكتبهم مليئة بذلك ‪.‬‬
‫إن الباضية يرون الصحابة – رضوان ال عليهم ‪ -‬هم كغيرهم من البشر غير معصومين من الخطأ إذ‬
‫لم يقم دليل على عصمتهم ‪.‬‬
‫إن القول بأن الباضية يقولون عن عثمان ‪ :‬بأنه صاحب بدع ‪ ،‬يقصد به التشنيع على الباضية وإل فإن‬
‫الباضية لم يزيدو حرفا واحدا عما ذكرته كتب المشنعين أنفسهم ‪ ،‬فلماذا يجعل هذا القول من خصائص‬
‫المذهب الباضي ؟!!‬
‫إن الباضية لم يكفروا علي بن أبي طالب ول أحدا من المسلمين مادام متأول ولكن يسمون العاصي كافر‬
‫نعمة بمعنى أنه لم يستخدم هذه النعم في طاعة ال تعالى ‪.‬وربما استوهم البعض من ذلك‬
‫إنهم يعتبرون تحكيم الحكمين خطأ ليس لهوى نفس أو مطمع سياسي أو دنيوي وإنما مستند على أدلة ‪.‬‬
‫إن قول من قال بأن عثمان بن عفان قتل ظلما وعدوانا هو بمثابة من يبني قصرا ويهدم مصرا لنه برأ‬
‫واحدا ووجه التهمة إلى عشرات اللف من الصحابة إذ أن ما نقل عن أهل المدينة يدل على رضاهم‬
‫بذلك لما ثبت في كتب التأريخ من كلمهم ‪ ،‬ولما ذكرته كتب التأريخ من الحداث التي عملها عثمان ‪،‬‬
‫وطول الحصار وهم ساكتون ‪ ،‬ولنهم منعوا من دفنه في البقيع ولم يشيعوا جنازته ‪ ،‬فالقول بقتله ظلما‬
‫يعني رضا الصحابة بذلك الظلم ‪.‬‬
‫إن القول بأن عثمان منع أهل المدينة من الدفاع عنه ليس بشيء لما ذكر أنه استنجد بمعاوية وهو في‬
‫الشام فكيف يمنع أهل المدينة من الدفاع عنه ويستنجد بمن في الشام ؟!! بالضافة إلى أنه ذكر في رسالته‬
‫لمعاوية عدم رضا أهل المدينة عنه ‪.‬‬
‫إن القول بأنهم كلهم مجتهدون خطأ فلو كان المر كذلك لكانت كل الفرق السلمية ناجية ‪ ،‬مع ما ثبت أن‬
‫معاوية لم يخرج لنصرة الدين ‪.‬‬

‫تنبيه هام‬
‫إن قضية الصحابة ينبغي الكف عن ذكرها واتباع قول ال تعالى ‪ " :‬تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم‬
‫ما كسبتم ول تسألون عما كانوا يعملون "البقرة ‪ 134‬واتباع قوله – صلى ال عليه وسلم – " إذا وصلتم‬
‫أصحابي فكفوا " ‪ ،‬وما كنت لكتب كلمة واحدة في هذا المختصر عن هذه القضية لول أن زُجّ بنا في‬
‫ذلك زجّا حيث جعلت قضية تشنيع على المذهب الباضي وإظهاره بالنحراف ليظهر المشنعون أنهم‬
‫على الحق وغيرهم على باطل ‪.‬‬
‫فليس من ديننا الشتم ول اللعن ول التشهير ‪ ،‬هذا إذا كان في غير الصحابة فكيف بصحابة رسول ال –‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪. -‬‬
‫وفي هذا الموضوع يقول العلمة نور الدين السالمي – رحمه ال ‪: -‬‬
‫نحن اللى نسكت عما قد مضى ول نعد الشـتم دينا يرتضى‬
‫ومـا ذكـرتـه بهـذا الـنظم لم يك بالسـب ول بـالشتم‬
‫لكنه كـشـف لصـل المـر ليظهر المخطئ من ذي العذر‬
‫نقول تـلك أمـة وقـد خلـت وكل فرقة لها مـا كسـبت‬
‫وديـنـنـا لـم يـتوقـفـنـا لشتم مـن ضـل فنـشـتمنا‬
‫وفي صنوف طاعـة الرحمـن شغل عن الفضـول باللسـان‬
‫يلزمنا أن نـنكـرن المـنكرا وما يزيـد لـم يكـن ليذكرا‬
‫لو كـان العـتقاد موقوفا على ذكـر المضلـين إذن تـطوّل‬
‫وامتـلت مجـلـدات العـلم بالسب والشـتم لهل الظـلم‬
‫(‪)1‬‬
‫هيهات لـيـس ذاك عندنا بشي بل فعـله يعـرف عندنا بغيّ‬

‫جاهلنا ل يعـرف الخـلفا بينـهم حتـى المـمات وافا‬


‫وعالم بالخـتلف يمضي في السر ما يلزمه من فرض‬
‫خوفا من الجهال أن يقولوا ما لم يكـن لهـم بـه دخول‬
‫هم منعوا بأن يقول الجاهل ما لـم يكـن له بعلم حاصل‬
‫إن سمعوا من جـاهل مقال بغير علـم أنـكـروه حـال‬
‫قالوا فإن العلما قـد حكموا في ذاك بالـذي قـد عـلموا‬
‫وأنت إن علمت مثل علمهم جاز لك الحكـم بمثل حكمهم‬
‫وذاك للقيـام بالواجب من معنى البراءة الذي كان زُكن‬
‫وإن جهلت فرضك الوقوف وهو سبـيل عنـدنا معروف‬
‫وكان مـن قولهم ل تبحثن عـن حـدث لجل منه تبرأن‬
‫لنه تجسـس مـمـنـوع ل يفعلنه عنـدنا المـطيـع‬
‫وقد تناسوا أمر ذاك الحدث من قولهم ل تبحثن ل تبحث‬
‫(‪)1‬‬
‫فما مضـى قبلك لو بساعة فدعه ليس البحث عنه طاعة‬

‫بيان موجز لقضية التحكيم‬


‫مضى الخليفتان أبو بكر الصديق وعمر الفاروق والناس يكنون لهما الشكر والتقدير لما قاما به من جهد‬
‫في الحفاظ على السلم ونشره ‪.‬‬
‫ثم بايع المسلمون الخليفة الثالث عثمان بن عفان فقام بالعدل لفترة من الزمن ‪ ،‬ولكنه ضعف فقام من‬
‫حوله من بني أمية يقتطعون المر دونه ‪ ،‬وأنكر عليه المسلمون كما أنكروا عليه بعض الحداث الخرى‬
‫ولكنه لم يتخلى عن ذلك فحوصر في بيته وقتل ‪.‬‬
‫فبايع المسلمون علي بن أبي طالب – كرم ال وجهه – فخرج معاوية بن أبي سفيان باغيا على إمام‬
‫المسلمين بجيش من الشام متذرعا بالمطالبة بدم عثمان بن عفان فكانت موقعة صفين بين علي بن أبي‬
‫طالب ومعاوية فحمل جيش علي على جيش معاوية وقتل آلفا كثيرة منهم ‪ ،‬ولما رأى معاوية الهزيمة‬
‫قال لعمرو بن العاص ‪ :‬أخرج ما في خبأتك يا عمرو فقال عمرو ‪ :‬من عنده مصحف فليرفعه على‬
‫الرماح منادين بطلب حكم القرآن فأثرت هذه المكيدة على جيش علي فانقسموا بعضهم موافق على وقف‬
‫القتال واللجوء إلى التحكيم وبعضهم معارض ‪.‬‬
‫ولكن عليا مضى في أمر التحكيم فبعث حكما وهو أبو موسى الشعري وبعث معاوية حكما هو عمرو بن‬
‫العاص فاتفق الحكمان أول على خلع الثنين ثم يختار الناس من يريدون(‪ ، )1‬ولكن عند إعلن ذلك خلع‬
‫أبو موسى عليا ومعاوية وصعد عمرو المنبر وقال ‪ :‬اثبت معاوية كما أثبت خاتمي هذا ‪ ،‬فخرج عدد من‬
‫أصحاب علي الذين لم يرضوا بالتحكيم أصل وقالوا ل حكم إل ل وسموهم المحكمة وهم أهل النهروان‬
‫الذين قتلهم علي ‪.‬‬

‫الباب الثالث‬
‫مسألة إلصاق الباضية بالخوارج‬

‫كثيرا ما نقرأ ونسمع ما يبذله بعض المذاهب في إلصاق الباضية بالخوارج وذلك ل لشيء إل لقصد‬
‫التشنيع عليهم واظهارهم بالفساد والمروق من الدين بل إنهم عندما يذكرون الخوارج يقولون " الباضية‬
‫حاليا‬

‫ولكن ما الذي يدل على أنه ل ينبغي وصف الباضية بأنهم خوارج ؟‬
‫الجواب ‪ :‬أشياء كثيرة ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬إذا نظرنا إلى التعريفات التي أوردها أصحاب المقالت للخوارج مثل الشهرستاني والشعري‬
‫نجدها عامة تنطبق على الكثيرين من أصحاب الفتنة وغيرهم ‪.‬‬
‫فتعريف الشهرستاني للخوارج ‪ :‬هو كل من خرج على المام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه ‪ ،‬يسمى‬
‫خارجيا سواء كان الخروج أيام الصحابة على الئمة الراشدين أو كان بعدهم من التابعين لهم بإحسان‬
‫والئمة في كل زمان‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وتعريف الشعري ‪ " :‬والسبب الذي سموا له خوارج خروجهم على علي بن أبي طالب "‬
‫فإذا فكرنا في التعريفين وجدناهما يؤكدان أن سبب التسمية هو الخروج على المام سواء من خصه‬
‫بالمام علي أو من عمم ‪.‬‬
‫فما الذي جعل الباضية من الخوارج ومعاوية وأتباعه ليسوا من الخوارج ؟!!‬
‫ثانيا ‪ :‬إذا كانوا يصفون الباضية بأنهم خوارج لتأييدهم المحكمة و يعتبرن خروج المحكمة مروق من‬
‫الدين فكيف يكون خروج المحكمة عن علي – كرم ال وجهه – مروق من الدين وخروج معاوية وأتباعه‬
‫ولعن علي على المنابر ليس مروقا من الدين ؟‍‍!!‬
‫مع أن خروج المحكّمة ليس لطلب الدنيا مثلما هو الحال عند معاوية وعمرو بن العاص ولم ينسب اليهم‬
‫أي قول أو فعل يدل على مروقهم من الدين‪،‬والخوارج الذين نسبت اليهم أعمال وأقوال تدل على المروق‬
‫من الدين بدؤوا من نافع بن الزرق بعد أكثر من ثلثين سنة ‪ ،‬وإنما أنكر المحكمة على علي توقفه عن‬
‫قتال البغاة وتحكيم الحكمين في شيء حكم ال فيه بقوله تعالى ‪ " :‬فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا‬
‫التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال " ‪.‬‬
‫فقد قالوا لبن عباس " إن البغي جريمة مثل جريمة السرقة ‪ ،‬قد حكم ال فيها بقتال الباغي حتى يرجع‬
‫عن بغيه مثلما حكم على السارق بقطع يده ‪ ،‬فهل السارق إذا وجب عليه الحد يبعث إليه حكم ؟‬
‫وعندما حجهم ابن عباس بقوله تعالى ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا ل تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم‬
‫متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة " المائدة ‪ ، 95‬قالوا له ‪:‬‬
‫أخبرنا عن من قتل الصيد وهو محرم هل يسعه أن يحكّم في الصيد من دينه استحلل قتل الصيد وهو‬
‫محرم ويستحل قتل الصيد في الحرم ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬قالوا ‪ :‬كيف يسع عليا أن يحكم في دين ال من يدين‬
‫باستحلل ما حرم ال من دماء المسلمين ويحرم ما أحل ال من قتال الفئة الباغية ‪.‬‬
‫ثم قالوا ‪ :‬نذكرك بال يا ابن عباس ‪ :‬هل تعلم أن أبا موسى كان شاكا في قتال الفئة الباغية ‪ ،‬يحرم ما أحل‬
‫ال من قتال الفئة الباغية ويخذل الناس عن القتال ‪ ،‬وعمرو بن العاص استحل ما حرم ال من دماء‬
‫(‪) 1‬‬
‫المسلمين فقال ‪ :‬اللهم نعم ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إن اسم الخوارج يطلق على الفرق التي مرقت من الدين لحكمهم على المسلمين بأحكام المشركين‬
‫مثل جواز قتل المسلمين وسبي نسائهم وذرياتهم وغنم أموالهم ‪ ،‬ويدل على ذلك ما نراه من تفسير‬
‫أحاديث المروق من الدين فيهم ‪ ،‬وإن كان علماء الباضية يقولون ليس بالضرورة أن تكون هذه‬
‫الحاديث خاصة بهم إذ يمكن أن تشمل علماء السوء في كل زمان فإنهم يتفقون مع من يقول إن هذه‬
‫الفرق مثل الزارقة والصفرية وغيرهم مرقت من الدين ‪ ،‬يقول العلمة نور الدين السالمي في جوهر‬
‫النظام ‪:‬‬
‫ومال أهل البغي ل يحل وإن يكن قوم له استحلوا‬
‫ثم ذكر الذين استحلوا أموال المسلمين ووصفهم بالمروق حيث قال ‪:‬‬
‫خوارج ضلت فصارت مارقة من دينها صـفرية أزارقة‬
‫فعرضوا للناس بالسيـف كما قد استحلوا المال منهم مغنما‬
‫وأمـة المـختـار فارقتـهم وضـللـتهـم وفسـقتـهم‬
‫ووردت فيـهم عـن المختار جمـلة أخبـار مـع الثار‬
‫وفيـهـم المـروق يعـرفنا ومنـهم ل شـك نـبـرأنا‬
‫ونستنتج من هذا ‪:‬‬
‫إن هذه التسمية ذم مطلق ‪.‬‬
‫إن الباضية ليسوا منهم لنهم ل يشاركونهم في السبب الذي سموا من أجله بهذا السم ‪.‬‬
‫إن الباضية يبرؤون من هذه الفرق وهذا دليل أنهم ليسوا منهم ‪.‬‬
‫إن تسمية الباضية بالخوارج هو من باب التنابز باللقاب الذي نهى ال تعالى عنه ‪ ،‬خاصة أن المعنى‬
‫المعول عليه في عصرنا الحاضر هو المروق من الدين لنه ل يكاد يذكر أحد الخوارج إل ويربطه‬
‫بأحاديث المروق من الدين ‪.‬‬
‫حتى على فرض إن المحكمة الذين يؤيدهم الباضية يسمون بالخوارج فل ينطبق على الباضية فالفرقة‬
‫السلمية تسمى بإمامها الذي اقتنعت بآرائه والباضية لهم اسم مستقل ولهم أئمة ‪.‬‬
‫فإطلق أي لقب على إنسان يكره ذلك اللقب هو تنابز باللقاب حتى ولو كان له علقة بذلك اللقب ‪ ،‬فكيف‬
‫والباضية ل تنطبق عليهم هذه التسمية ويكرهونها لما تحمل من معنى النحراف عن الدين ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬إن الحجة التي يحتجون بها على إن الباضية من الخوارج هي كون الباضية يتفقون مع‬
‫الخوارج في بعض النقاط القليلة ‪.‬‬
‫ولكن هذه حجة واهية لن الفرق السلمية ل بد أن تلتقي مع بعضها في بعض النقاط ‪.‬‬
‫والختلف بين الباضية والخوارج في العقيدة وغيرها كثير سأذكره إن شاء ال ‪.‬‬
‫وبالرغم من هذا كله أخذوا يتبعون شتى الساليب في إثبات هذه التهمة‬
‫لمحاولة التلعب بعقول الناس بإظهار السلوب العقلي في بعض الحيان ‪.‬‬

‫سؤال مردود على صاحبه‬


‫يقول عبد العزيز بن محمد عبد اللطيف في كتيبه " الباضية " ص ‪14-13‬‬
‫" هل الباضية من الخوارج ؟ والن أسرد أخي القارئ القواسم المشتركة والمور المتفق عليها بين‬
‫الخوارج والباضية وسيظهر لك تلقائيا الجواب عن هذا السؤال هل الباضية من الخوارج أم ل ؟ فقام‬
‫يعدد ما هو صحيح وما هو غير صحيح " الباضية امتداد للمحكمة ويقولون بخلق القرآن ويعطلون‬
‫صفات ال ويقولون بتخليد أهل الكبائر في النار وينكرون الشفاعة للعاصي ويجيزون الخروج على أئمة‬
‫الجور ويتهجمون على معاوية ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص " ‪.‬‬
‫وأنا ل أريد هنا مناقشة النقاط التي ذكرها إنما أريد أن أبين خطأ ما يريد أن يثبته من أن التشابه في هذه‬
‫الصفات يدل على أن الباضية من الخوارج‬
‫فأقول إن هذا تعميم فاسد ‪ ،‬و السقطات الشنيعة تأتي من التعميمات الفاسدة ‪.‬‬
‫إن تشابه السد مع القرد في بعض الشياء ل يعني أن السد قرد ‪ ،‬وكذلك تشابه بعض الفرق في بعض‬
‫العقائد والراء ‪.‬‬
‫وإل فإننا نرى اليهود يقولون بالرؤية ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ " :‬وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى ال‬
‫جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون " البقرة ‪ ، 55‬وقالوا بالخروج من النار‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬ذلك بأنهم‬
‫قالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون "آل عمران ‪ ، 24‬ووصفوا ال‬
‫بصفات خلقه عندما أشكلت عليهم اليات المتشابهة ويقولون بالشفاعة لهل الكبائر وقالوا بأن أحبارنا‬
‫ستشفع لنا ‪ ،‬ويقولون إن الذنوب تغفر من غير توبة ‪ ،‬يقول تعالى ‪ " :‬فخلف من بعدهم خلف ورثوا‬
‫الكتاب يأخذون عرض هذا الدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم‬
‫ميثاق الكتاب أل يقولوا على ال إل الحق ودرسوا ما فيه والدار الخرة خير للذين يتقون أفل تعقلون "‬
‫العراف ‪169‬‬
‫فهل القائلين من المسلمين بهذه المسائل نعدهم من اليهود ؟!!‬

‫بعض أوجه الختلف بين الباضية والخوارج‬


‫(‪) 1‬‬

‫الخوارج ‪:‬‬
‫(‪ )1‬اعتبروا أنفسهم المسلمين المؤمنين المستخلفين في الرض واعتبروا أعدائهم مشركين ‪.‬‬
‫(‪ )2‬أباحوا دماء المسلمين في السر والعلنية ‪.‬‬
‫الباضية‬
‫قد تقدم قول أبي حمزة " الناس منا ونحن منهم ‪ " 000‬وقول السالمي ‪-:‬‬
‫ونحن ل نطالب العبادا فوق شهادتيهم اعتقادا‬
‫فأين مقال الباضية من مقالهم‬
‫(‪ )3‬الخوارج ‪ :‬يقولون ‪ :‬ما كف أحد عن القتال منذ أنزل ال البسط إل وهو كافر ‪ ،‬يعني يكفرون القاعد‬
‫عن القتال ‪.‬‬
‫الباضية ‪:‬‬
‫يعتمدون على الدعوة والقناع ول يلجئون إلى العنف ‪ ،‬وأدل شيء على ذلك طريقة الكتمان والدعوة‬
‫السرية مثل ما فعل أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي وجابر بن زيد الزدي رغم إنكارهم الشديد‬
‫على حكام الدولة الموية لسلوكها المنحرف عن الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫وطريقة الكتمان باللجوء إلى الدعوة السرية ليست مخصصة بوقت بل هي طريقة يتبعها الباضية عندما‬
‫يظهر أعداء السلم ولم يكن لهم القدرة لمقاومتهم حتى يستطيعوا ذلك وذلك عندما يكونوا نصف عدوهم‪.‬‬
‫(‪ )4‬يقول الخوارج ‪ :‬إن صاحب الكبيرة مشرك ‪ ،‬ويقول بعضهم إن الصرار على الصغيرة شرك وعدم‬
‫الصرار ولو على كبيرة ليس بشرك ‪.‬‬
‫والباضية ل يقولون بذلك كما يدل على ذلك قول أبي حمزة المتقدم " الناس منا ونحن منهم ‪000‬إلخ "‬
‫وقول السالمي المتقدم " ونحن ل نطالب العبادا ‪ 000‬الخ " ‪ ،‬لكنهم يسمون العاصي كافر نعمة بمعنى أنه‬
‫استخدم شيئا من نعم ال في معصية ال وهذا ما يسمى كفر دون كفر وله أدلة كثيرة ‪.‬‬
‫(‪ )5‬الخوارج ‪ :‬أوجدوا مبدأ امتحان لكل من يلتحق بهم ليتأكدوا من مطابقة آرائه لرائهم وعقائدهم ‪.‬‬
‫والباضية ل يوجد لديهم مثل هذا المبدأ ويعتبرون جميع المسلمين متساوين في الحقوق فل يمتحنوا أحدا‬
‫لهذا الغرض ول يتجسسوا عليه لن التجسس عندهم حرام حتى على الكافر إل في حالت شرعها‬
‫السلم ‪.‬‬
‫(‪ )6‬الخوارج ‪ :‬يعتقدون أنه يجوز أن يبعث ال نبيا يعلم أنه يكفر بعد نبوته وأنه كان كافرا قبل بعثته ‪.‬‬
‫والباضية يقولون بعصمة النبياء يقول نور الدين السالمي رحمه ال ‪:‬‬
‫وواجب عليك أن تعرف ما يجوز للرسل وما قد لزما‬
‫وما استحال عنهم فاللزم في حقهم نعتا هي المكارم‬
‫كالصدق والتبليغ والمانة والعقل والضبط وكالفطانة‬
‫(‪) 1‬‬
‫والمستحيل ضدها كالكذب وكالجنون وارتكاب الريب‬
‫(‪ )7‬الخوارج ‪ :‬يستحلون دماء أهل العهد والذمة وأموالهم ويستحلون دماء من يعيشون في كنفهم من‬
‫المسلمين ‪.‬‬
‫الباضية ‪ :‬يقول المام السالمي – رحمه ال ‪: -‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ويرفع الحرب لجزية أتت منهم وفي المجوس حكمهم ثبت‬
‫(‪ )8‬الخوارج ‪ :‬تولوا أصحاب الحدود والجنايات منهم ‪.‬‬
‫الباضية ‪ :‬يقول المام السالمي – رحمه ال ‪: -‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫ولية المؤمن فرض حققا وهكذا براءة الذ فسقا‬
‫(‪)9‬الخوارج قالوا لعل ال يعذب المؤمنين بذنوبهم بغير النار ثم يدخلهم الجنة‬
‫الباضية ‪:‬يقول الشيخ أبي طاهر الجيطالي ‪:‬مما يجب اعتقاده على كل مكلف أن يعلم إن ل ثوابا ليشبهه‬
‫(‪)1‬‬
‫ثواب وثوابه الجنة وهي ثواب ال لوليائه في الخرة‪.‬‬
‫(‪ )10‬أجمعت النجدات من الخوارج أن ل حاجة للناس إلى إمام وإنما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم ‪.‬‬
‫والباضية ‪ ،‬يقول نور الدين السالمي في غاية المراد‪:‬‬
‫إن المامة فرض حينما وجبت شروطها ل تكن عن شرطها غفل‬
‫(‪ )11‬يقول بعض الخوارج ‪ :‬الفعل من العبد خلق وإبداع لن ال تعالى فوضها للعباد ‪.‬‬
‫والباضية يقولون ‪:‬‬
‫ومن يقل إلهـنا لـم يـخلق أفعالنا بعدا لـه مـن أحمـق‬
‫لقولـه لكـل شـيء خالق سبحانه الـرب المليك الرازق‬
‫لو كـان خـالق سواه لزما تعدد اللـه قـطعـا حتـما‬
‫ولـو تعـدد اللـه لـظهر فسـاد هـذا العالم الذي بهر‬
‫لكن لنا في فعلـنا اكتسـاب به الثـواب وبـه العـقـاب‬
‫‪)2‬‬
‫من ثم قد نيل به على الرتب إل النبـوات فلـيس تكتسب‬
‫ويقول الشيخ ابن النظر ‪:‬‬
‫خلق العالم ذو العـز ومـا أحدث العالم من خير وشـر‬
‫(‪)1‬‬
‫فالفاعيـل اكتساب للورى ومن الرحمن خلـق وفطر‬

‫(‪ )12‬ويقول بعض الخوارج ‪ :‬القدر خيره وشره من العبد ‪.‬‬


‫الباضية يقول المام السالمي ‪ :‬وما يجب اليمان به قضاء ال وقدره لنهما أصلن من أصول الدين‬
‫وركنان من اليمان " ‪.‬‬
‫(‪ )13‬يقول الخوارج من أقام في دار كفر فهو كافر ل يسعه إل الخروج ‪.‬‬
‫والباضية يقولون على لسان نور الدين السالمي ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وبعد ما فتحت أم القرى نسخت ما كان من هجرة مفروضها اتصل‬
‫فل تجب الهجرة حتى من دار الكفر إل إذا منع عليه إقامة الدين وتعذر عليه ذلك‬
‫(‪ )14‬يقول بعض الخوارج ‪ :‬تجب البراءة من الطفل حتى يدعى إلى السلم ويجب دعاؤه إذا بلغ‬
‫الباضية ‪ ،‬قال القطب ‪ " :‬تجب ولية غير البالغ لنه تعالى يمن بالرحمة ول يظلم بالعذاب ‪ ،‬ولن كل‬
‫(‪)3‬‬
‫مولود يولد على الفطرة ‪.‬‬
‫(‪ )15‬الخوارج أباحوا أموال المسلمين واعتبروها حلل في السر والعلنية ‪.‬‬
‫أما الباضية فقد أطبقت كتبهم على أنه ل يحل شيء من أموال المسلمين وإن كانوا بغاة ولو في حالة قتال‬
‫‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وهذا ما يقوله نور الدين السالمي – رحمه ال – في جوهر النظام ‪:‬‬
‫ومال أهـل البغـي ل يحـل وإن يكن قوم لـه استحـلوا‬
‫ثم ذكر الذين استحلوا أموال المسلمين بقوله ‪:‬‬
‫خوارج ضلت فصارت مارقة من دينها صفريـة أزارقة‬
‫فحكـموا بحـكم المشـركينا جهل على بغاة المسـلمينا‬
‫واحتج بفعل أصحاب رسول ال – صلى ال عليه وسلم – في ذلك فقال ‪:‬‬
‫ولم يكن غنم بيـوم الجمـل ويوم صفين وسبي من علي‬
‫كذاك يوم الدار أيضا لم يكن سبي ول غنـم فكيف يقبلن‬
‫فعلهم الحجـة فيـما فعلـوا ونقلهم فيما له قد نـقلـوا‬
‫ولم يكـن للعمـرين فيهـم سبي ول غنم كما قد زعموا‬
‫لن خصـمهـم بالرتـداد يدعون ل بالبغـي والفسـاد‬
‫(‪ )16‬الخوارج ‪ :‬منهم من قال إن التقية جائزة ولو في قتل نفس ‪.‬‬
‫والباضية يقولون ‪:‬‬
‫ولم تجـز تقيـة بالفعـل كالحرق والغرق ومثل القتل‬
‫لكن جواز ما أبيح للضرر كالكل للميتة والدم اشتـهر‬
‫(‪ )17‬ينكر بعض الخوارج سورة يوسف من القرآن ويزعمون أنها قصة من القصص ‪.‬‬
‫أما الباضية فيعرفون القرآن أنه كلم ال ووحيه وتنزيله نزل به الروح المين على سيدنا محمد – صلى‬
‫ال عليه وسلم – المبدوء بسورة الفاتحة والمنتهي بسورة الناس "‬
‫(‪ )18‬الخوارج ‪ :‬قالت الشيبانية من الثعالبة أن ال لم يعلم حتى خلق لنفسه علما ‪ ،‬والشياء تصير معلومة‬
‫له عند حدوثها ووجودها ‪.‬‬
‫الباضية ‪ :‬يقول المام نور الدين السالمي – رحمه ال ‪: -‬‬
‫(‪) 1‬‬
‫فهو عليم ل بعلم جلبا وهو سميع ل بسمع ركبا‬
‫(‪ )19‬يجيز بعض الخوارج نكاح بنات البنت وبنات أولد الخوة والخوات بدعوى أن القرآن الكريم لم‬
‫يذكرهم في المحرمات ‪.‬‬
‫ويقول الباضية في جامع البسيوي " فحرام تزويج المهات وما ولدت وبنات البن وبنات البنات‬
‫والخوات وما ولدن وأمهات المهات وإن علون والخوات وبناتهن وإن سفلن والعمات والخالت وبنات‬
‫(‪)2‬‬
‫الخوة وما ولدن وبني الخوة وما ولدوا "‬
‫(‪ )20‬قال بعض الخوارج ‪ :‬تؤدي الحائض جميع الشعائر الدينية أثناء فترة الحيض ‪.‬‬
‫ويقول المام السالمي في شرح الجامع الصحيح ‪ " :‬والحيض في اللغة مصدر حاض إذا سال وفي‬
‫الشرع دم ينفضه رحم امرأة سليمة من الداء أو الصغر وحكمه إن يمنع الصوم والصلة والجماع وتلوة‬
‫(‪)3‬‬
‫القرآن ومس المصحف ودخول المسجد ‪ ،‬ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلة " ‪.‬‬
‫(‪ )21‬بعض الخوارج أسقط الحدود التي لم ترد في القرآن مثل رجم الزاني وحد قذف المحصنين من‬
‫الرجال مع وجوبه على المحصنات من النساء ‪.‬‬
‫ويقول الشيخ نور الدين السالمي في شرح الجامع الصحيح عن الرجم ‪ :‬وهو سنة مجمع عليها وحكي عن‬
‫الخوارج والنظام وأصحابه من المعتزلة إنكاره ‪ ،‬ول مستند لهم إل أنه لم يذكر في القرآن وهذا باطل فقد‬
‫(‪)1‬‬
‫ثبت بالسنة المتواترة ‪.‬‬
‫(‪)22‬يقول بعض الخوارج إن ال علي عزيز عظيم جليل كبير ل لعزة وعظمة وجلل وكبرياء وكذلك‬
‫سائر الصفات التي ليست له ولم يوصف بها لمعان ‪.‬‬
‫الباضية ‪ :‬يقول نور الدين السالمي ‪:‬‬
‫نعبده جل امتثال أمره سبحانه ونهيه وزجره‬
‫فإن يشا يرحمنا بفضله وإن يشا عذبنا بعدله‬
‫(‪)1‬‬
‫فالملك والعزة والسلطان له كذا القدرة والبرهان‬
‫(‪ )23‬الخوارج ‪:‬‬
‫أباحوا قتل الطفال ممن لم يكونوا في معسكرهم واعتبروهم خالدين في النار الباضية ‪:‬‬
‫يقول المام الشاري إبراهيم بن قيس الحضرمي مخاطبا جيشه ‪:‬‬
‫ول تقتلوا طفل وشيخا وغادة ومن كان مجروحا من البتر جاثما‬
‫(‪ )24‬الخوارج ‪:‬‬
‫قال البدعية نقطع أن من اعتقد اعتقادنا فهو في الجنة ول نقول إن شاء ال فان ذلك شك في العتقاد فنحن‬
‫من أهل الجنة قطعا من غير شك‪.‬‬
‫الباضية ‪ :‬يقول نور الدين السالمي ‪:‬‬
‫فان يشا يرحمنا بفضله وإن يشا عذبنا بعدله‪.‬‬
‫(‪ )25‬الخوارج‪ :‬اليمان بالعلم بالقلب دون القول والعمل‪.‬‬
‫الباضية‪ :‬يقول نور الدين السالمي‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إيماننا القول والتصديق مع عمل فالقول مر فصدقه وكن عمل‬

‫الباب الرابع‬
‫اتهام الباضية بالبدعة والتقليد‬

‫يورد البعض اتهامات وهمية على المذهب الباضي منبعثة من كراهية هذا المذهب أو جريا وراء التقليد‬
‫العمى والتعصب واتباع الهوى من غير دليل واحد يثبت شيئا من هذه التهامات ‪ ،‬وهذه التهامات هي‬
‫‪:‬‬
‫الباضية أهل بدعة‬
‫الباضية يقلدون أشياخهم ول يقبلون الدليل ‪.‬‬
‫الباضية متعصبون‬
‫إلى غير ذلك من التهامات الباطلة التي تتكرر في الكتب والمحاضرات ‪.‬‬
‫وأنا أتساءل لماذا يصرون على إلصاق هذه التهامات بالباضية ؟‬
‫هل الباضية يعبدون القبور ؟ هل يقدسون الشخاص كما يفعل غيرهم ؟ هل هناك أي مسألة عند‬
‫الباضية ل تستند إلى دليل من القران أو السنة ؟‬
‫أدعو أي باحث عن الحقيقية أن يأتي ولو بمسألة واحدة عند الباضية ل تستند إلى دليل‪ .‬أو تقرب إلى ال‬
‫بما لم يأذن به الشرع‬
‫ومن أجل توضيح الحق في هذا الجانب وبيان من الولى بهذه التهامات الباضية أم الحشوية والذين‬
‫يلصقون أنفسهم بأهل السنة نناقش شيئين ‪،‬‬
‫أول ‪ :‬أقوال الطرفين في هذا الجانب ثم نناقش المسائل الخلفية بين الباضية وأهل السنة لنه إذا كان‬
‫هناك ابتعاد للباضية عن الدليل من القرآن والسنة فل يكون في المسائل المتفق عليها وإنما في المسائل‬
‫الخلفية‬
‫وأريد أن أنبه أن المسائل الخلفية بين الباضية وأهل السنة ليس كما يظن من وقعوا ضحية للمشنعين‬
‫أنها ل تعد ول تحصى وإنما في عدد قليل ‪ ،‬ولكن أبدأ أول بما يقوله كل من الباضية والحشوية في‬
‫الدعوة إلى اتباع الدليل أو إلى اتباع التقليد ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬أقوال الحشوية الملصقين أنفسهم بأهل السنة في الدعوة إلى التقليد ‪:‬‬
‫يقول الصاوي في حاشيته على تفسير الجللين في تفسير سورة الكهف ‪ " :‬يجب على الناس جميعا أن‬
‫يتبعوا المذاهب الربعة ويجب على الناس أن يقلدوا الئمة الربعة ومن لم يقلدهم فهو ضال مضل ‪ ،‬ول‬
‫يبعد أن يقع في الكفر ولو أنه وافق ظاهر القرآن والحاديث الصحيحة وأقوال الصحابة " ‪.‬‬
‫ويقول الطحان في شريط مسجل ‪ " :‬ل خير في قرآن بل سنة ول خير في سنة بل فهم لسلفنا الكرام "‬
‫وقال ‪ " :‬فكل من يدعو إلى قرآن بل سنة فهو‬
‫(‪)1‬‬
‫ضال وكل من يدعو إلى كتاب وسنة بل فهم لسلفنا البرار فهو ضال "‬
‫لم تقتصر تشتم الخيار قاطبة حتى تجهمت أمرا يجلب الخطرا‬
‫تقول ل خير في القرآن قط ول في سنة سنها من أنقذ البشرا‬
‫في أي شيء يكون الخير بعدهما أفي الخزعبلة العمياء أنت ترى‬
‫فهل أحد من الباضية يدعو إلى تقليد الباضية ولو خالف القرآن‬
‫والسنة ؟!!‬
‫وهل يوجد في الباضية من ينفي الخير عن القرآن والسنة ويثبته في سلفه ؟!!‬
‫مع أن ال سبحانه وتعالى يقول ‪ " :‬ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين " سورة البقرة ‪2‬‬
‫ويقول ‪ " :‬تلك آيات القرآن وكتاب مبين هدى وبشرى للمؤمنين " النمل ‪2-1‬‬
‫أليس منطق هذا الحشوي يتفق مع منطق الكافرين كما وصفهم ال بقوله ‪ " :‬وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما‬
‫أنزل ال وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم ل يعلمون شيئا ول يهتدون "‬
‫المائدة ‪. 104‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أعمال الحشوية التعصبية ‪:‬‬
‫سب الباضية في الكتب والمحاضرات ‪.‬‬
‫الكذب على الباضية المدون في الكتب من غير استحياء والذي ل يعد ول يحصى متجاهلين نهي ال‬
‫ورسوله عن الكذب والظلم ‪.‬‬
‫حرق كتب الباضية علنا وإن كان ليس فيها أمور خلفية ‪.‬‬
‫عدم ذكر أي قول من أقوال الباضية وكأنها لم تكن من أقوال علماء المسلمين ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬ما يقوله الباضية عن التقليد ‪:‬‬
‫يقول الشيخ سعيد بن خلفان الخليلي ‪:‬‬
‫لن نرتضي التقليد دون تحقق إل لرسل ال يتلوا مصـحفه‬
‫ويقول نور الدين السالمي رحمه ال ‪:‬‬
‫والصل للفقه كتـاب الباري إجماع بعد سنـة المختـار‬
‫(‪)1‬‬
‫والجتهاد عند هـذي مـنعا وهالك مـن كان فيها مبدعا‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫نقدم الحديث مهـما جـاء على قيـاسنـا ول مـراء‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫حسبك أن تتـبع المـختارا وإن يقـولوا خالـف الثارا‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫ونحن حيث أمر القرآن ل حيث ما قال لنا فلن‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫فنأخذ الحـق مـتى نـراه لو مبـغض لنـا بـه أتـاه‬
‫والباطل المردود عندنا ولو أتى به الخل الذي له اصطفوا‬
‫ويقول ‪:‬‬
‫لنني أقفـو الدليـل فاعلمـا لم أعتمد على مقـال العلـما‬
‫فالعلماء استخرجوا ما استخرجوا من الدليـل وعليـه عرجوا‬
‫فهـم رجـال وسـواهم رجـل والحق ممن جاء حتما يقبـل‬
‫إن قول الباضية إنهم يتبعون الدليل ول يرضون التقليد ليست كلمات رنانة وإنما هو مبدأ ملزم هالك من‬
‫خالفه هذا ما يقوله نور الدين السالمي ‪:‬‬
‫والجتهاد عند هذي منعا وهالك من كان فيها مبدعا‬
‫كما إن الباضية لم يقتصروا في أخذ الدليل من مسند المام الربيع وحده كما يقول المظللون وإنما كتب‬
‫الحديث جميعها هي مصدر لتلقي الحديث مثل البخاري ومسلم والموطأ والنسائي وغيره ‪ ،‬وكتب‬
‫الباضية مليئة بالستدلل بهذه الحاديث الموجودة في تلك الكتب ‪.‬‬
‫وأيضا فإن قول الباضية إنهم يأخذون الحق متى يرونه ليس ادعاء باطل وإنما هي حقيقة ثابتة فالمكتبة‬
‫الباضية مليئة بكتب المخالفين من تفاسير وكتب السنة وشرحها وكتب عديدة في جميع الفنون ‪ ،‬كما أن‬
‫أقوال الئمة الربعة وغيرهم من العلماء مليئة بها كتب الباضية والعالم يرجح القول الذي يرى الدليل‬
‫معه بغض النظر عن قائل هذا القول ‪ ،‬وإن شئت أن تتأكد إن هذه هي طريقة المذهب فخذ معارج المال‬
‫للمام نور الدين السالمي العماني‪ ،‬وخذ البعد المكاني فانظر الذهب الخالص وشامل الصل والفرع‬
‫للشيخ محمد بن يوسف إطفيش وهو من المغرب ‪.‬‬
‫وهنا يرى الباحث المنصف الفرق الكبير بين من يقتني كتب المخالفين وينقل منها ويحترم آراءها وبين‬
‫من يحرقها علنا ويسب أصحابها ‪.‬‬

‫الباب الخامس‬
‫اتهام الباضية بالتعطيل‬

‫الباضية والحمد ل يثبتون جميع صفات ال الذاتية والفعلية ‪ ،‬فماذا يقصد هؤلء الحشوية بأن الباضية‬
‫معطلة ؟‬
‫هل يقصدون قول الباضية إن صفات ال هي ذاته وينفون الزيادة ‪ ،‬فهذا القول يتناسب مع كمال ال‬
‫سبحانه ‪ ،‬حيث أنه يقتضي أن ذات ال كاملة سميعة وبصيرة وعليمة وغير ذلك من الصفات يعني أنها‬
‫غير مفتقرة إلى جهاز سمعي وجهاز بصري إلى غير ذلك ‪.‬‬
‫ولكن القول بأن صفات ال شيء زائد على الذات يقتضي أن الذات ليست سميعة بنفسها وليست بصيرة‬
‫بنفسها بل هي مفتقرة إلى أجهزة سمعية وبصرية ‪.‬‬
‫يقول ابن العربي الندلسي المالكي‪ :‬ل فرق بين قول القائل ان صفات ال غيره وبين قول اليهود إن ال‬
‫(‪) 1‬‬
‫فقير إل تحسين العبارة " ‪.‬‬
‫أم لنهم قاموا بتأويل المتشابه من القرآن والخبار تنزيها ل تعالى‬
‫فهذا التأويل لم ينفرد به الباضية ‪ ،‬فهذا الفخر الرازي يقول ‪ " :‬إن جميع فرق السلم مقرّة بأنه ل بد‬
‫من التأويل في بعض ظواهر القرآن والخبار ‪ ،‬ويواصل الستدلل بقوله ‪ :‬أما في القرآن بعدة وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬هو أنه ورد في القرآن ذكر الوجه وذكر العين وذكر الجنب الواحد وذكر اليدي وذكر الساق‬
‫الواحدة ‪ ،‬فلو أخذنا بالظاهر يلزمنا إثبات شخص له وجه واحد وعلى ذلك الوجه أعين كثيرة وله جنب‬
‫واحد وعليه أيد كثيرة وله ساق واحدة ول نرى في الدنيا شخصا أقبح صورة من هذه الصورة القبيحة‬
‫المتخيلة ‪ ،‬ول أعتقد أن عاقل يرضى بأن يصف ربه بهذه الصفة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬قوله تعالى ‪ " :‬ولتصنع على عيني " لو فسر بظاهره لقتضى أن يكون موسى – عليه السلم –‬
‫مستقرا على تلك العين ملتصقا بها ‪ ،‬وذلك ل يقوله عاقل ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬قال ال تعالى ‪ " :‬فقدموا بين يدي نجواكم صدقة " وقال ‪ " :‬بين يدي رحمته " فالنجوى‬
‫(‪) 1‬‬
‫والرحمة ليس لهما عضوان مسميان باليدين ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬إن قولهم في تفسير قوله تعالى " ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " بأن ال أمر الملئكة تسجد‬
‫لدم لنه خلقه بيده ‪ ،‬ولو كانت اليد عبارة عن القدرة لكانت علة هذه المسجودية حاصلة في كل‬
‫المخلوقات ‪.‬‬
‫الجواب ‪ :‬لو كان خلق آدم باليدين هو سبب اصطفائه لستحقت البهائم أيضا هذا الصطفاء لقوله تعالى ‪:‬‬
‫" أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون " يس ‪71‬‬
‫الخامس ‪ -:‬إن ال قال " نسو ال فنسيهم " التوبة ‪ 67‬وقال ‪ " :‬وما كان ربك نسيا " ولو كان النسيان في‬
‫اليتين بمعنى واحد فكيف يثبته ال ثم ينفيه ؟!!‬
‫هل يريدون منا أن نصف ال بصفات خلقه كما فعل الحشوية المشبهة حيث وصفوا ال بصفات خلقه‬
‫ونفوا اللوهية عمن ل يتصف بهذه الصفات‬
‫(‪)1‬‬
‫كقول ابن خزيمة " إن من ل رجل له ول يد ول عين ول أذن فهو غير جدير باللوهية " ‪.‬‬
‫محتجا في ذلك بقوله تعالى ‪ " :‬ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم‬
‫لهم آذان يسمعون بها " العراف ‪ ، 195‬ونسي أن الية تعني أنكم أكمل من هذه الصنام فكيف تعبدونها‬
‫‪ ،‬ول تعني أن الخالق ل بد أن توجد فيه هذه الصفات تعالى ال عن ذلك ‪.‬‬
‫يقول سماحة الشيخ أحمد الخليلي ‪:‬‬
‫(ولقد رد على الحشوية كثير من المحققين من أهل السنة من المذاهب الربعة بمن فيهم المذهب الحنبلي‬
‫الذي ألصق الحشوية أنفسهم به واعتبروا هذه العقيدة يهودية المنبت واعتبروهم كفارا ‪.‬‬
‫ومن أئمة المذاهب الربعة الذين قالوا ذلك العلمة تقي الدين الحصني الشافعي في كتابه الذي سماه "‬
‫دفع شبه من شبه وتمرد " ونسب ذلك إلى السيد الجليل المام أحمد " فقد جاء في مقدمة هذا الكتاب ‪" :‬‬
‫وبعد فإن سبب وضعي لهذه الحرف اليسيرة ما دهمني من الحيرة من أقوام أخباث السريرة يظهرون‬
‫النتماء إلى مذهب السيد الجليل المام أحمد ‪ ،‬وهم على خلف ذلك والفرد الصمد ‪ ،‬والعجب أنهم‬
‫يعظمونه في المل ‪ ،‬ويتكاتمون إضلله مع بقية الئمة ‪ ،‬وهم أكفر ممن تمرد وجحد ويضلون عقول‬
‫العوام وضعفاء الطلبة "‬
‫ثم استمر على ذلك إلى أن قال بعد ما وصف كلم كل من ابن حامد والقاضي وابن الزاغوني من أئمة‬
‫هؤلء الحشوية المشبهة ‪ ،‬وما جاء في كلمهم من التشبيه ل تبارك وتعالى بخلقه ‪ ،‬قال في هؤلء ‪" :‬‬
‫هي نزعة سامرية في التجسيم ونزعة يهودية في التشبيه ‪ ،‬وكذا نزعة نصرانية ‪.‬‬
‫ونجد أن العلمة الكبير الزبيدي الحسيني الشافعي قال في كتابه القيم " إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء‬
‫علوم الدين " ‪ )1( :‬قال ابن القشيري ‪ :‬وقد نبغت نابغة من الرعاع لول استزل لهم العوام بما يقرب من‬
‫أفهامهم ويتصور في أوهامهم لجللت هذا المكتوب عن تلطيخه بذكرهم ‪ ،‬يقولون ‪ :‬نحن نأخذ بالظاهر‬
‫ونتحرى اليات الموهمة تشبيها والخبار المقتضية حدا وعضوا على الظاهر ‪ ،‬ول يجوز أن نطرق‬
‫التأويل إلى شيء من ذلك ‪ ،‬ويتمسكون بقول ال تعالى ‪ " :‬وما يعلم تأويله إل ال " وهؤلء – والذي‬
‫أرواحنا بيده – أضر على السلم من اليهود والنصارى والمجوس وعبدة الوثان لن ضللت الكفار‬
‫ظاهرة يتجنبها المسلمون ‪ ،‬وهؤلء أتوا الدين والعوام من طريق يغتر به المستضعفون ‪ ،‬فأوحوا إلى‬
‫أوليائهم بهذه البدع وأحلوا في قلوبهم وصف المعبود سبحانه بالعضاء والجوارح والركوب والنزول‬
‫والتكاء والستلقاء والستواء بالذات والتردد في الجهات ‪ ،‬فمن أصغى إلى ظاهرهم يبادر بوهمه إلى‬
‫تخيل المحسوسات ‪ ،‬فاعتقد الفضائح فسال به السيل وهو ل يدري ‪.‬‬
‫ولنترك ما يقوله علماء المذاهب الثلثة الحنفية والشافعية والمالكية ولنأت إلى ما يقوله أحد علماء الحنابلة‬
‫‪ ،‬مع أن هؤلء الحشوية يلتصقون بالمذهب الحنبلي ‪ ،‬فهذا العلمة الكبير أبو الفرج عبد الرحمن بن‬
‫الجوزي الحنبلي يقول في مقدمة كتابه " دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه " ‪ " :‬ورأيت من أصحابنا من‬
‫تكلم في الصول بما ل يصلح وانتدب للتصنيف ثلثة ‪ :‬أبو عبدال بن حامد وصاحبه القاضي وابن‬
‫الزاغوني ‪ ،‬فصنفوا كتبا شانوا بها المذهب ورأيتهم نزلوا إلى مرتبة العوام ‪ ،‬فحملوا الصفات على‬
‫مقتضى الحس ‪ ،‬فسمعوا أن ال خلق آدم على صورته ‪ ،‬فأثبتوا له صورة ووجها زائدا على الذات‬
‫وعينين ولهوات ‪ ،‬وأضراسا وأضواء لوجهه هي السبحات ‪ ،‬ويدين وأصابع وكفا ‪ ،‬وخنصرا وإبهاما ‪،‬‬
‫وصدرا وفخذا ‪ ،‬وساقين ورجلين ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬ما سمعنا بذكر الرأس‪ ،‬وقالوا ‪ :‬يجوز أن يمس ‪ ،‬ويدني العبد‬
‫من ذاته ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬ويتنفس ‪ ،‬ثم يرضون العوام بقولهم ‪ :‬ل كما يعقل ‪ ،‬وقد أخذوا بالظاهر في‬
‫السماء والصفات فسموها بالصفات تسمية مبتدعة ‪ ،‬ل دليل لهم في ذلك من النقل ول من العقل ‪ ،‬ولم‬
‫يلتفتوا إلى النصوص الصارفة عن الظواهر إلى المعاني الواجبة ل تعالى ‪ ،‬ول إلى إلغاء ما يوجبه‬
‫الظاهر من صفات الحدوث ‪ ،‬ولم يقتنعوا بأن يقولوا صفة فعل ‪ ،‬حتى قالوا صفة ذات ‪ ،‬ثم لما أثبتوا أنها‬
‫صفات ذات قالوا ‪ :‬ل نحملها على توجيه اللغة ‪ ،‬مثل يد على نعمة وقدرة ‪ ،‬ومجيء وإتيان على بر‬
‫ولطف ‪ ،‬وساق على شدة بل قالوا ‪ :‬نحملها على ظواهرها المتعارفة ‪ ،‬والظاهر هو المعهود من نعوت‬
‫الدميين ‪ ،‬والشيء إنما يحمل على حقيقته إذا أمكن ‪ ،‬ثم يتحرجون من التشبيه ويأنفون من إضافته إليهم‬
‫ويقولون ‪ :‬نحن أصحاب السنة ‪ ،‬وكلمهم صريح في التشبيه ‪ ،‬وقد تبعهم خلق من العوام ‪.‬‬
‫وقال في نفس الكتاب ص ‪ " : 274‬وقال ابن حامد المجسم ‪ :‬رأيت بعض أصحابنا يثبتون ل وصوفا في‬
‫ذاته بأنه يتنفس ‪ ،‬قال ‪ :‬وقالوا الرياح الهابة مثل الرياح العاصفة والعقيم ‪ ،‬والجنوب والشمال ‪ ،‬والصبا‬
‫والدبور ‪ ،‬مخلوقة إل ريحا من صفاته هي ذات نسيم حياتي وهي من نفس الرحمن ‪ ،‬قلت – أي ابن‬
‫الجوزي ‪ : -‬على من يعتقد هذه اللعنة ‪ ،‬لنه يثبت جسدا مخلوقا ‪ ،‬وما هؤلء بمسلمين "‬
‫فترون أن ابن الجوزي نفى عنهم السلم ‪ ،‬ولئن لم يكونوا مسلمين فما هم إل كفار ‪ ،‬فهذا نص أحد أئمة‬
‫الحنابلة بل هو من أكبر علمائهم ‪.‬‬
‫ونجد العلمة السيد محمد رشيد رضا الذي عصفت به العواصف فألقته في قاع العقيدة الحشوية ‪ ،‬وذلك‬
‫واضح في تفسيره المنار عندما يأتي إلى اليات المتشابهات ‪ ،‬فإنه عندما يتحدث عن أي آية من هذه‬
‫اليات يحاول جهده أن يحملها على ظاهرها ‪.‬‬
‫يقول في كتابه " الوحي المحمدي " ص ‪ " 146‬إن الركن الول والعظم من هذه الركان ‪ ،‬وهوا‬
‫اليمان بال تعالى قد ضل فيه جميع القوام والمم ‪ ،‬حتى أقربهم عهدا بهداية الرسل ‪ ،‬فاليهود على‬
‫حفظهم لصل عقيدة التوحيد ‪ ،‬قد غلب عليهم التشبيه ‪ ،‬وغاب عنهم أن يجمعوا بين النصوص المتشابهة‬
‫في صفات ال وبين عقيدة التنزيه ‪ ،‬وقد جعلوا ال كالنسان يتعب ويندم ‪.‬‬
‫فترون أنه يثبت بأن منشأ ضلل اليهود هو كونهم عجزوا عن الجمع بين النصوص المتشابهة وبين‬
‫عقيدة التنزيه ‪ ،‬وهذا المر عينه هو الذي وقعت فيه المجسمة الحشوية ‪ ،‬فإنهم عجزوا عن ذلك ‪ ،‬بل‬
‫(‪)1‬‬
‫أخلدوا إلى الخذ باليات المتشابهة وتركوا الخذ باليات المحكمة )‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬
‫المـسـائل الـخـلفـيـة‬
‫والن نستعرض المسائل الخلفية بين الباضية وأهل السنة لنرى إن كان الباضية مبتدعين ول يقبلون‬
‫بالدليل ويتبعون أقوال شيوخهم ويتركون السنة كما يقول بذلك المشنعون على الباضية متبعا مبدأ الدليل‬
‫والمقارنة ‪.‬‬

‫الباب الول‬
‫الجانب السياسي‬

‫(أ) قول أهل السنة ‪ :‬الخلفة تكون في قريش ول يجوز الخروج على الحاكم ما دام يقول ل إله إل ال "‬
‫ب – قول الباضية ‪ :‬يرى الباضية أن إقامة الخلفة السلمية فرض واجب اذا كملت شروطها ول‬
‫يشترطون القرشية ول يلجئون إلى استخدام العنف فل يحملون سيوفهم ضد الناس بتهور ‪.‬‬
‫ولكنهم يعتمدون على الدعوة والقناع إن هدفهم الساسي هو إقامة شرع ال في الرض ‪ ،‬ولكن الصراع‬
‫بين الحق والباطل هو سنة ال في أرضه جعله ال ابتلء واختبارا لعباده المخلصين لدينه ‪.‬‬
‫والباضية عندما يرون أعداء ال متسلطين في الرض بغير الحق وليس لهم القدرة على مقاومتهم‬
‫لظهار الحق يلجئون إلى الكتمان وذلك بنشر الوعي الديني ليزيد حزب ال ويقاوم الفساد فإذا أنسوا من‬
‫أنفسهم القوة وذلك بأن يكونوا نصف عدوهم بناء على قوله تعالى ‪ " :‬فإن يكن منكم مائة يغلبوا مائتين‬
‫" ‪ ،‬في ذلك الحين يرى الباضية أن ليس للمسلمين العذر في البقاء تحت إمرة الظلمة مع قدرتهم على‬
‫مقاومة الظلم وإقامة العدل فيرون أن مبايعة خليفة للمسلمين يقوم بالعدل أمر واجب ‪ ،‬يقول المام نور‬
‫الدين السالمي – رحمه ال – ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫إن المامة فرض حينما وجبت شروطها ل تكن عن شرطها غفل‬
‫ولقد لخص الشيخ علي يحيى معمر – رحمه ال – أهم أصول الباضية السياسية (‪ )2‬في النقاط التالية ‪:‬‬
‫عقد المامة فريضة بفرض ال المر والنهي – والقيام بالعدل وأخذ الحقوق من مواضعها ووضعها في‬
‫مواضعها ‪ ،‬ومجاهدة العدو والدليل عليها من الكتاب والسنة والجماع ‪.‬‬
‫رئاسة الدولة السلمية ( الخلفة ) ليست مقصورة على قريش أو على العرب وإنما يراعى فيها الكفاءة‬
‫المطلقة فإن تساوت الكفاءات كانت القرشية أو العروبة مرجحة ‪.‬‬
‫ل يحل الخروج على المام العادل ‪.‬‬
‫الخروج على المام الجائر ليس واجبا كما تقول الخوارج ‪ ،‬وليس ممنوعا كما يقول الشاعرة والسلفية‬
‫وإنما هو جائز بترجح استحسان الخروج إذا غلب الظن نجاحه ‪ ،‬ويستحسن البقاء تحت الحكم الظالم إذا‬
‫غلب على الظن عدم نجاح الخروج أو خيف أن يؤدي إلى مضرة تلحق بالمسلمين أو تضعف قوتهم على‬
‫العداء في أي مكان من بلد السلم ‪.‬‬
‫والباضية عندما يتكلمون عن الئمة الجورة ل يقصدون مخالفيهم فقط كما توحي به عبارات المؤرخين‬
‫وكتاب المقالت ‪ ،‬وإنما يقصدون أئمة الجور الذين انحرفوا عن حكم ال سواء كانوا من أتباع المذهب‬
‫الباضي أو من أتباع غيره ‪ ،‬فالجور ليس له مذهب ‪.‬‬
‫المام يختار عن طريق الشورى واتفاق أغلبية أهل الحل والعقد ‪.‬‬
‫المام هو المسئول عن تصرفات ولته ‪ ،‬ويستحسن له أن يستشير أهل الحل والعقد من أهل كل منطقة‬
‫في تولية العمال عليهم وعزلهم عنهم ‪.‬‬
‫ل يجوز أن تبقى المة السلمية دون إمام أو سلطان ‪.‬‬
‫الحاكم الجائر يطالب أول بالعدل فإن لم يستجب طولب باعتزال أمور المسلمين فإن لم يستجب جاز القيام‬
‫عليه وعزله بالقوة ولو أدى ذلك إلى قتله إذا كان ذلك ل يؤدي إلى فتنة أكبر ‪.‬‬
‫الحاكم الجائر سواء كان من الباضية أو من غيرهم هو وأعوانه في براءة من المسلمين ومعسكره‬
‫معسكر بغي ‪.‬‬
‫بلد المخالفين لهم في المذهب بلد إسلم ولو كان سلطانهم جائرا ‪.‬‬
‫ل يجوز العتداء على دولة مسلمة قائمة داخل حدودها إل ردا لعدوان‬
‫يجوز أن تتعدد المامات في المة المسلمة إذا اتسعت رقعتها وبعدت أطراف البلد عنها أو قطع بين‬
‫أجزاءها عدو بحيث يعسر حكمها بنظام واحد أو يكون ذلك سببا لنهيارها وتشتت قواها وتعطل مصالح‬
‫الناس فيها‬
‫وهكذا لقد عمل الباضية على تطبيق مبدأ وجوب إقامة الخلفة السلمية والذي يسمونها بالمامة وهي‬
‫عبارة عن قيادة دينية سياسية مأخوذة من قول ال تعالى لعبده إبراهيم – عليه السلم – " إني جاعلك‬
‫للناس إماما " أي قدوة وقائدا في الخير ‪.‬‬
‫ولقد ابتدأت الخلفة السلمية عند الباضية منذ القرن الثاني الهجري فقد بويع المام طالب الحق في‬
‫اليمن عام ‪128‬هـ كما بويع المام الجلندى بن مسعود في عُمان عام ‪ 132‬وبويع المام أبو الخطاب‬
‫المعافري عام ‪ 140‬في طرابلس ‪ ،‬ولقد بويع في عُمان وحدها أكثر من ستين إماما أقاموا شرع ال في‬
‫أرضه ‪.‬‬
‫يقول الشيخ ناصر بن سالم الرواحي – رحمه ال ‪: -‬‬
‫تعـاقبـت خلفـاء ال منـصبها منذ الجلندى وختـم الكـل عزّان‬
‫أئمـة حفـظ الديـن الحنيف بهم مـن يـوم قيـل لديـن ال أديان‬
‫صيد شراة أباة الضيم أسد شرى شمـس العـزائم أواهون رهبان‬
‫سفن النجاة هداة النـاس قادتـهم طهر السـرائر للسـلم حيطان‬
‫وقف على السنة البيضاء سعيـهم وفي الجهادين ان عزوا وإن هانوا‬
‫ما زايلت خطوة المختار خطوتهم ول ثنى عـزمهم نفـس وشيطان‬
‫(‪)1‬‬
‫فجاهدوا واستقاموا في طريقتـه عزومهم لصـروح الديـن أركان‬

‫ويقول الدكتور حسين عيد غانم غباش في كتابه " عمان والديمقراطية السلمية " في مقدمة الكتاب ‪" :‬‬
‫ينم تأريخ عمان وثقافتها_ وهما في الكثر مجهولن_ عن صنوف من الصالة ويفتحان على أبواب من‬
‫الخصائص المميزة ‪ ،‬فلقد التصق هذا التأريخ منذ القرن الثاني الهجري ( الثامن الميلدي ) ولفترة تزيد‬
‫على ألف عام في جوهره بتأريخ حركة فريدة نشأت وازدهرت على خلفية مذهب إسلمي أقلي هو‬
‫المذهب الباضي ‪ ،‬وانطبعت هذه الحقيقة بالسعي إلى تشييد إمامة عادلة وناجحة وفق النموذج الباضي‬
‫للدولة السلمية ‪.‬‬
‫ولقد وجدت الحركة الباضية هويتها العقائدية والفكرية في زمن مبكر ‪ ،‬ومن خلل محافظتها على مبدأ‬
‫الشورى والنتخاب الحر للئمة مبدأ الجماع والتعاقد يمكن أن تعد وأن تعد نفسها الوريث الحقيقي لتقاليد‬
‫الخلفاء الراشدين ‪11‬هـ ‪632‬م –‪40‬هـ ‪661‬م ‪ ،‬وبشكل خاص الفترة الولى من فترة أبي بكر وعمر بن‬
‫الخطاب رضي ال عنهما ‪.‬‬
‫تعد دولة الخلفة هذه الفترة المثالية والنموذجية للدولة السلمية بعد وفاة الرسول – صلى ال عليه وسلم‬
‫– وتمثل هذه الفترة بالنسبة للباضية وغيرهم المرجعية السلمية الوحيدة ‪ ،‬ومنها استلمت الحركة‬
‫الباضية رؤيتها وشرعيتها ومبادئها وقوانينها الدستورية وكل ذلك في سبيل إقامة الدولة والمجتمع‬
‫السلميين المثاليين من خلل تشييد نظام المامة "‬

‫شروط المام‬

‫وفق الدستور الباضي يجب على المام أن يكون عادل حكيما شجاعا شريفا قادرا على نشر العدالة بين‬
‫الناس والسهر على حقوقهم ومصالحهم وأن يحكمهم بالعدل التام حسب الشريعة السلمية ‪ ،‬ول ينبغي‬
‫أن يكون المام حسودا ول حقودا ول بخيل ول متعجل ول مبذرا ول غدّارا ‪ ،‬ويجب أل يكون ماكرا ول‬
‫(‪)1‬‬
‫مقعدا ول أعمى ول أبكم ول أصم "‪.‬‬
‫يقول المام الشاري إبراهيم بن قيس الحضرمي يصف الهدف الذي قامت المامة من أجله‬
‫وال ل أشرا قـمنا ول بـطرا ل ول طلبـا ملـكا وعـدوانا‬
‫لكن كقدوتنا بالعـدل إذ نبـذت آيات خـالقنا والحـق قـد بانا‬
‫شكرا لخالقنا إذ نحن ليس كمن ضل السبيل ورام المـلك طغيانا‬
‫إن الله هدانا جلّ جـلّ إلـى أهدى الهداية والعرفـان عرفانا‬
‫إنا نقول بحكـم ال قـد شهدت كل البـرية فـي التحكيم قتلنا‬
‫إنا على بصر من ديننـا وعلى قصد السبيل أخو العـدوان يلقانا‬
‫إنا نحث على مرضـاة خـالقنا دينا ونخلع من قـد رام عصيانا‬
‫إنا نميز مـا بيـن الولـي وما بين العدوّ كما قـد قـال مولنا‬
‫(‪)1‬‬
‫لم يرض أولـنا قدمـا مداهنة في دينهم وكـذا لم نرض إدهانا‬
‫ولقد كان الئمة يأخذون العهود على ولتهم وقضاتهم لقامة العدل ‪ ،‬ولقد اخترت نقل بعض البيات عن‬
‫المام الشاري إبراهيم بن قيس الحضرمي لولته وقضاته حيث قال ‪:‬‬
‫نظمت لكم عهدا فل بـد مـن عهد يكـون إلـى قاض ووال عـلى الجند‬
‫ليحمـل كـل مـا تحمـل مشـفقا ويعلـم أن ال ل غـيـره قـصـدي‬
‫فمن منهمـا خـان اللـه عـزلته ومن لم يخن عهدا شددت بـه عضدي‬
‫وما أنـا إل ناقـض العهـد خـائن إذا لم أزل من خان ممن ولـى عهدي‬
‫على الناس عصياني وإسقاط حرمتي إذا لم أطع ذا العرش أو لم أصن عقدي‬
‫فيا أيهـا القاضـي نصبـت لمعظم من المر فانظر ما تعيـد ومـا تبدي‬
‫نصبت ومن ينصب لحكم القضا فقد تنصـب للبـلـوى علـى خـطر أد‬
‫حملت أمانات فكـن مـن حسابـها على وجـل واذكـر منـاقشـة الفرد‬
‫فإن السما والرض أعرضـن خيفة وأشفقن من حمـل المانـة والعـهد‬
‫فخـذ بكـتـاب ال واقتـد بأحـمد وأتباعه ترشـد وترشـد إلـى الرشد‬
‫وما غاب من عـلـم عليـك فانـه إلـى العـلمـا بـال بـال فـاستهد‬
‫ول تقض إل عـن فـراغ وخلوة عن الملل المذموم والغضب المـردي‬
‫وواس بعينيك الخصـوم مـلحـظا وساو سواء مجـلس الحـر والعبـد‬
‫وأطرق إذا جاءتـك حجـة مـدع قليل كذا أطـرق إذا احتج ذو الجحد‬
‫ول تتهـم خصـما لخصـم ولو بدا لوهمك وهـم مـن سـديد ول وغد‬
‫وقال ‪:‬‬
‫ويا أيهـا الوالـي جعلتـك واليـا على طاعة الرحمن والمصطفى النجدي‬
‫وللمر بالمعـروف والنـفي للذى وإخماد نـار الجـور والقـمع للضد‬
‫وترك الهـدايـا والتـجـارة إنـها تبث علـى الوالي أذى العزل والطرد‬
‫(‪)1‬‬
‫ولطفك والحسان بالنـاس كـن بهم رؤوفا لطـيفا بالمـشيب وبـالمـرد‬

‫الباب الثاني‬
‫مسائل الخلف في العقيدة‬

‫أول ‪ :‬مسألة خلق القرآن‬

‫إن مسألة قدم القرآن وخلقه فتنة أثارها اليهودي أبو شاكر الديصاني وكثر الكلم فيها بين القائلين بقدم‬
‫القرآن والقائلين بخلقه ‪.‬‬
‫أما القائلين بقدم القرآن فقد اختلفوا اختلفا كثيرا ‪ ،‬فلو أخذنا ما تقوله فرقة واحدة مثل الحنابلة وجدناهم قد‬
‫اختلفوا في ‪:‬‬
‫(أ) صوت قارئ القرآن وتلوته ‪.‬‬
‫(ب) الحروف الهجائية التي تتركب منها كلمات القرآن وغيره ‪.‬‬
‫(ج) تكلم ال هل بمشيئته أو بدونها ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬اختلفهم في الصوت ‪:‬‬
‫ذهب فريق منهم إلى قدم صوت القارئ واعتقاد أنه قائم بذات ال تعالى ‪ ،‬ومن هؤلء محمد بن داود‬
‫البصيصي وابن حامد وأبو نصر السجزي والقاضي أبو يعلى وأنكر عليهم ذلك أبو بكر وآخرون ‪،‬‬
‫وحكوا عن المام أحمد قوله " من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي ‪ ،‬ومن قال غير مخلوق فهو‬
‫(‪)1‬‬
‫مبتدع " ‪.‬‬
‫ويقول الشيخ أحمد الخليلي ‪ " :‬وفي هذا النص الذي رووه من التناقض ما ل يخفى على عاقل فإنه ل‬
‫توسط بين الخلق وعدمه ‪ ،‬فالشيء إما أن يكون مخلوقا أو غير مخلوق ‪ ،‬فإن كان مخلوقا فلماذا يضلل‬
‫القائل بخلقه ؟! وإن كان غير مخلوق فلماذا يبدّع من قال بعدم خلقه ؟!‬
‫ومن جهة أخرى كيف يكون صوت المخلوقين قديم وقائم بذات ال ؟!!‬
‫ثانيا ‪ :‬اختلفهم في الحروف ‪ :‬قال ابن تيمية ‪ " :‬لما تكلموا – أي الحنابلة – في حروف المعجم صاروا‬
‫بين قولين طائفة فرقت بين المتماثلين فقالت الحرف حرفان هذا قديم وهذا مخلوق ‪ ،‬فأنكر عليهم كثيرون‬
‫(‪)2‬‬
‫وقالوا هذا مخالف للحس والعقل‬
‫وذكر ابن تيمية أنه رأى بخط القاضي أبي يعلى قال ‪ " :‬نقلت من آخر كتاب الرسالة للبخاري في أن‬
‫القراءة غير المقروء ‪ ،‬وقال وقع عندي عن أحمد بن حنبل على اثنين وعشرين وجها كلها يخالف بعضها‬
‫بعضا ‪ ،‬والصحيح عندي أنه قال ‪ :‬ما سمعت عالما يقول لفظي بالقرآن غير مخلوق ‪،‬قال وافترق‬
‫(‪))1‬‬
‫أصحاب أحمد بن حنبل على نحو من خمسين " ‪.‬‬
‫يقول سماحة الشيخ أحمد الخليلي – حفظه ال – في الحق الدامغ ‪:‬‬
‫وهم في هذا التنازع ل يرجعون إلى أصل من كتاب أو سنة وإنما كل مستندهم ما يروونه عن المام‬
‫أحمد ويتأولون من كلمه فكأنهم جعلوا كلمه أصل من أصول الدين المستند إليها فأين هم من قول ال‬
‫تعالى ‪ " :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول إن كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير‬
‫وأحسن تأويل " النساء ‪ ، 259‬وأغمضوا أعينهم عن كل ما جاء عن ال ورسوله مما يجلوا وجه الحق‬
‫ويكشف سدول الجهل عن حقيقة هذه المسألة "‬
‫ثالثا ‪ :‬اختلفهم في كلم ال بمشيئته أو بغيرها ‪:‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬إن ال لم يتكلم بمشيئته ‪ ،‬وهم اتباع بن كلب القاضي وغيره وبنو قولهم هذا على أن كلم‬
‫ال الحرفي صفة قديمة قائمة بذات ال عز وجل ‪ ،‬فإن القديم بقدمه ل تسبقه مشيئة كالعلم والقدرة والحياة‬
‫وأمثالها من صفات ال تعالى ‪.‬‬
‫وقال بعضهم إن ال متكلم بمشيئته يتكلم متى شاء ‪.‬‬
‫وإذا رجعنا إلى كلم الشيخ ابن تيمية وجدناه يقول ‪ " :‬ول قال أحد منهم – أي السلف – إن نفس الكلم‬
‫المعين كالقرآن أو ندائه لموسى أو غير ذلك من كلمه المعين أنه قديم أزلي لم يزل ول يزال ‪ ،‬وأن ال‬
‫قامت به حروف معينة قديمة أزلية لم تزل ول تزال ‪ ،‬فإن هذا لم يقله ول دل عليه قول أحمد ول غيره‬
‫(‪)1‬‬
‫من أئمة المسلمين ‪ ،‬بل كلم أحمد وغيره من الئمة صريح في نقيض هذا " ‪.‬‬
‫فما دام ابن تيمية ينكر أزلية القرآن فلماذا يقال القرآن غير مخلوق ؟!!‬
‫فإن قيل إنكار القول بخلق القرآن هو إنكار كونه ناشئا عن غيره تعالى كما يفيده قول ابن تيمية " مع‬
‫قولهم إن كلم ال غير مخلوق وأنه منه بدأ ‪ ،‬ليس بمخلوق ابتدأ من غيره "‬
‫يعني أنهم ل يستطيعون إطلق كلمة مخلوق على القرآن حتى ل يفهم أن القرآن ابتدأ من غير ال ‪.‬‬
‫وفي الحقيقة إن وصف الشيء بأنه مخلوق ل يعني أنه ابتدأ من غير ال سبحانه ‪ ،‬فإن مبدأ الكون منه‬
‫تعالى ‪ ،‬قال تعالى ‪ " :‬أمّن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والرض أإله مع ال قل هاتوا‬
‫برهانكم إن كنتم صادقين " النمل ‪64‬‬
‫ومن التناقض في قول ابن تيمية قوله " إنه منه بدأ ليس بمخلوق " حيث نفى الخلق وأثبت البداية وهل‬
‫(‪) 2‬‬
‫البداية إل خلق ؟!!‬
‫قول الباضية في خلق القرآن ‪:‬‬
‫يقول الباضية بخلق القرآن ويستدلون بأربعة عشر دليل من القرآن وحده بالضافة إلى الدلة من السنة‬
‫والدلة العقلية ‪ ،‬فمن أدلة القرآن قوله تعالى " وخلق كل شيء فقدره تقديرا " الفرقان ‪ ، 2‬فالقرآن داخل‬
‫في عموم قوله " وخلق كل شيء " ومقدرة سوره وآياته وجمله وكلماته وحروفه وحركاته وتلوته‬
‫ومعانيه وأحكامه وأخباره ‪ ،‬والدلة موجودة في " الحق الدامغ " وفي مختصره ‪.‬‬
‫فهل هذه القوال المتضاربة متبعة للسنة والباضية الذين اعتمدوا على أدلة من القرآن والسنة هم مبتدعة‬
‫؟!!‬
‫الخلصة ‪ :‬نقلت هذا الجزء البسيط من أقوال القائلين بقدم القرآن والتي تدور حول ما قاله أئمتهم ليظهر‬
‫للباحث المنصف خطأ من قال " إن الباضية أهل بدعة " ‪.‬‬
‫وإل فإننا لو أخذنا المفيد من أقوال أهل السنة وجدنا أن الخلف بين الباضية وأهل السنة في هذه المسألة‬
‫ي كما يقول أبو إسحاق ‪ " :‬ولعل أعدل ما في هذه المسألة القول بأن الخلف فيها لفظي لن القائلين‬ ‫لفظ ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫بالخلق يعنون القرآن المتلو المكتوب وغيرهم يعني معانيه وال أعلم " ‪.‬‬
‫ربما أن التحليلت التالية تدل على ما قاله أبو إسحاق ‪:‬‬
‫(‪ )1‬إن التكلم بالقرآن غير أزلي وهذا ما يقره الباضية وأهل السنة ‪ ،‬يقول ابن القيم في الصواعق‬
‫المرسلة " وكذلك قوله تعالى " وإذا أردنا أن نهلك قرية"السراء ‪ 16‬سواء كان المر هنا أمر تكوين أو‬
‫(‪) 1‬‬
‫أمر تشريع فهو موجود بعد أن لم يكن "‬
‫(‪ )2‬إن معنى كلمة " قديم "أي لم يسبق وجوده عدم ‪ ،‬ومعنى " مخلوق " أي سبق وجوده عدم‪.‬‬
‫فلو جئنا إلى وجود القرآن المتلو المكتوب في المصاحف بهذه الصياغة ‪ ،‬كل حرف محتاج إلى آخر‬
‫لتتركب الكلمة وكل كلمة محتاجة إلى كلمة أخرى لتتركب الجملة ‪.‬‬
‫سبق وجوده في المصاحف عدم ‪ .‬لن المصاحف غير أزلية‬
‫وسبق وجوده في الصدور عدم لنه قبل أن ينزل لم يكن موجودا ل في مصحف ول في صدر ‪.‬‬
‫وكذلك ليس أزليا في اللوح المحفوظ لن اللوح المحفوظ مخلوق ‪.‬‬
‫وليس قائما بذات ال ‪.‬‬
‫ولكنه أزلي قديم في علم ال سبحانه ‪ ،‬وهذا يتفق عليه الجميع ‪.‬‬
‫إذن الكلم المنزل المركب من الحروف الذي تتلوه اللسن وتسمعه الذان وتعيه العقول التكلم به حادث‬
‫في أوقات محددة ( التكلم به غير قديم )‬
‫حادث في المصاحف ( وجوده في المصاحف غير قديم )‬
‫حادث في الصدور ( وجوده في الصدور غير قديم )‬
‫حادث في اللوح المحفوظ ( وجوده في اللوح المحفوظ غير قديم )‬
‫غير قائم بذات ال سبحانه ( ل توجد حروف ول أصوات أزلية قائمة بذات ال )‬
‫قديم في علم ال ‪.‬‬
‫إذن لم يبق وصف لهذا الكلم المعين بالقد م الّ وجوده في علم ال ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬نفي رؤية الباري جلّ وعل‬

‫من المعلوم أن الباضية ينفون رؤية ال في الدنيا والخرة ‪ ،‬وأهل السنة يثبتونها ‪ ،‬وأنا لست هنا بصدد‬
‫عرض الدلة لني ذكرتها في كتاب " العقيدة السلمية في ضوء العقل والنقل " ‪ ،‬ولكن أنبه على بعض‬
‫النقاط بناء على أدلة الطرفين التي ذكرتها هناك ‪.‬‬
‫أقوال المثبتين للرؤية ‪:‬‬
‫بعضهم يقول أنها يمكن أن تقع في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫وبعضهم يقول ل تقع إل في الخرة ول يراه إل المؤمنون ‪.‬‬
‫وقال آخرون إنه يرى ال جميع أهل الموقف مؤمنهم وكافرهم ‪.‬‬
‫وقال آخرون يراه المؤمنون والمنافقون دون الكافرين ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والقوال الثلثة الخيرة في مذهب المام أحمد وهي لصحابه ‪.‬‬
‫ونحن ل نستغرب هذا التضارب في القوال لنها مبنية على أدلة متضاربة ‪.‬‬
‫فحديث أبي هريرة يثبت حسب زعمهم الرؤية في الموقف ‪.‬‬
‫وحديث صهيب يثبتها في الجنة وسياقه دل على أنها أول مرة لو أخذ بظاهره ‪.‬‬
‫وحديث أبي هريرة يثبتها للمؤمنين والمنافقين ‪.‬‬
‫وحديث صهيب يثبتها للمؤمنين فقط ‪.‬‬
‫فنقول أول‪:‬‬
‫الحق واحد فأين الحق من هذه القوال ؟!!‬
‫لو قلتم أن الرؤية للمؤمنين فقط فماذا تعملون بحديث أبي هريرة الذي يثبتها للمنافقين أيضا ؟!!‬
‫لو قلتم الحق أن الرؤية للمؤمنين والمنافقين حسب حديث أبي هريرة مع قولكم أن الرؤية أكبر نعيم من‬
‫الجنة فلماذا يحرم ال المنافقين من النعيم الصغر ؟!!‬
‫وإذا قلتم أن ال يريهم نفسه ثم يحجبون ليتحسروا – كما قال بعضكم – فلماذا ل يدخلهم الجنة ويخرجهم‬
‫ليتحسروا ؟!!‬
‫لماذا لم يذكر ال نعيم الرؤية بالتفصيل كما ذكر نعيم الجنة بالتفصيل ؟!!‬
‫ثانيا ‪ :‬عندما احتج النافون للرؤية بآية محكمة تدل دللة صريحة على نفي الرؤية وهي قوله تعالى " ل‬
‫تدركه البصار وهو يدرك البصار وهو اللطيف الخبير " النعام ‪ 103‬رددتم هذا الحتجاج بشبهات من‬
‫الخيال ل أساس لها فكيف يطمئن أحد أن يبني عقيدته على تفسر آية محكمة بشبهة من الخيال تغير معنى‬
‫الية ول يجد لها أي تأييد في الكتب حيث قلتم ‪:‬‬
‫إن الدراك معناه الحاطة ‪ ،‬ولم نجد في كتب الصحاح من يفسر الدراك بالحاطة ‪،‬بل وجدنا حسبما‬
‫فسرناه فكيف يكون الرد حقيقة ؟!!‬
‫وقلتم أن الية جاءت لسلب العموم ل لعموم السلب فهل تستطيعون أن تطبقوا هذا التعليل على اليات‬
‫الخرى التي سيقت للمدح وتضمنت النفي مثل قوله تعالى " إن ال ل يحب المعتدين " البقرة ‪ 190‬؟!!‬
‫وقلتم إن عدم رؤيته ل يعد مدحا بسبب مشاركته غيره في ذلك كالرياح والرواح ‪ ،‬فهل تستطيعون‬
‫تطبيق هذا التعليل على قوله تعالى " ل تأخذه‬
‫سنة ول نوم " البقرة ‪ 255‬لن الجرام السماوية ل تنام ؟!!‬
‫أحتج النافون للرؤية بحديث أبي موسى الشعري الذي رواه الشيخان ‪ " :‬جنتان من فضة آنيتها وما فيها‬
‫وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إل رداء الكبرياء على وجهه‬
‫في جنة عدن‬
‫فهل رداء الكبرياء يزول عنه تعالى حتى تحصل الرؤية ؟!! تعالى ال عن ذلك ‪.‬‬
‫وأخيرا هل المذهب الذي قال بأربعة أقوال متضاربة مبنية على أدلة متضاربة لم يستطع المستدلين بها‬
‫الجمع بينها هي الحق واتباعا للقرآن والسنة ؟ والمذهب الذي قال بقول واحد تدعمه أدلة استطاع أهله أن‬
‫يردوا على جميع اعتراضات استدلله يقال أنه مجانب للحق وأنه مبتدع ؟!!‬
‫ثالثا ‪ :‬مسألة الشفاعة وعدم غفران الذنوب من غير توبة‬

‫لقد أتبع الحشوية أنفسهم هواها وأتوا لها بالمبررات لتفعل ما تشاء من‬
‫المنكرات من غير أن تخاف من عقوبة الملك الديان متبعين التأويل التعسفي‬
‫ليات القرآن الكريم والسنة النبوية وفوق ذلك يشنون حملة من النتقادات والسب على من أول تلك‬
‫اليات تأويل صحيحا ‪.‬‬
‫فقالوا ‪ :‬إن النسان بمجرد انتمائه إلى الدين السلمي بالنطق بالشهادتين صار له جواز سفر دبلوماسي‬
‫لدخول الجنة ‪ ،‬محتجين بقوله – صلى ال عليه وسلم – " من مات ل يشرك بال شيئا دخل الجنة "‬
‫وعندما قال الشيخ سالم بن حمود السمائلي هذا إذا لم يقترف إثما آخر ‪ ،‬قالوا هذا تأويل فاسد ‪.‬‬
‫وقالوا لو عمل النسان ما عمل ما دام قال ل إله إل ال فذنوبه مغفورة من غير توبة (‪ )1‬محتجين بقوله‬
‫تعالى ‪ " :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء ‪ 48‬وبقوله – صلى ال عليه‬
‫وسلم – ‪ " :‬من قال ل إله إل ال دخل الجنة وإن زنى وإن سرق " ‪ ،‬وعندما قال الباضية ‪ :‬إذا تاب ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬هذا تأويل فاسد ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬لو جاء وذنوبه مثل الجبال فسيخرج له بطاقة مكتوب فيها ل إله إل ال‬
‫فترجح على كل الذنوب وتلغيها ويدخل الجنة ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إن الرسول سيشفع لهل الكبائر ولو كانت هذه الكبيرة قتل النفس مع أن ال تعالى يقول ‪" :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها " النساء ‪93‬‬
‫وقالوا ‪ :‬إن من دخل النار من أهل الكبائر فسيخرج منها ‪.‬‬
‫فإذا كان من مات ل يشرك بال دخل الجنة بغض النظر عن الكبائر الخرى ‪ ،‬وإن الذنوب مغفورة من‬
‫غير توبة ‪ ،‬فما الذي يدخلهم النار إل الشرك ؟!! والمشركون مخلدون في النار فمن الذين قالوا عنهم‬
‫يخرجون من النار ؟!! ‪ ،‬فل شك إن هذه تأويلت فاسدة تجرىء الناس على معصية ال ‪.‬‬
‫فإذا كان ال سبحانه وتعالى وصف القول بالخروج من النار يسبب الغرور في الدين حيث قال سبحانه ‪:‬‬
‫" ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون " آل عمران ‪، 24‬‬
‫فكيف القوال الخرى ؟!!‬
‫فلو كان القول بالخروج من النار حقا لما سبب الغرور فالحق ل يسبب الباطل ‪.‬‬
‫ليس المر كما يعتقد هؤلء أن مجرد النتماء إلى هذا الدين يجعل النسان يفلت من الجزاء فلقد نص‬
‫القرآن الكريم في آيات كثيرة على أن كل من عمل صالحا جوزي بما عمل ‪ ،‬ومن عمل سيئا جوزي بما‬
‫عمل ‪ ،‬وقد حذر ال سبحانه وتعالى هذه المة من الغترار بالماني ‪ ،‬فقد قال عز من قائل ‪ " :‬ليس‬
‫بأمانيكم ول أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ول يجد له من دون ال وليا ول نصيرا " ‪.‬النساء‬
‫‪123‬‬
‫يقول سماحة الشيخ أحمد الخليلي ‪" :‬وفي ذكر أماني أهل الكتاب مع أماني هذه المة إشارة إلى أن بعض‬
‫أفراد هذه المة سوف يغترون كما اغتر أهل الكتاب ‪ ،‬وسوف يتعلقون بالماني راجين من ال سبحانه‬
‫وتعالى أن يغفر لهم ذنوبهم بمجرد انتمائهم إلى هذا الدين الحنيف وتصديقهم بالنبي – عليه أفضل الصلة‬
‫والسلم – وقد ذكر أماني هذه المة تحذيرا لهذه المة عن مسلك أهل الكتاب ليأخذ كل حذره وليعمل‬
‫جهده في طاعة ال سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫وقد جاءت آيات كثيرة تؤيد ما جاءت به الية من أن كل أحد سوف يجازى بعمله ‪ ،‬من ذلك قوله تعالى ‪:‬‬
‫"و من جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إل ما كنتم تعملون " النمل ‪ 90،‬وقوله سبحانه ‪:‬‬
‫" من جاء بالحسنة فله خير منها ‪ ،‬ومن جاء بالسيئة فل يجزى الذين عملوا السيئات إل ما كانوا يعملون‬
‫"القصص ‪ ، 84‬وهذه نصوص صريحة ل تقبل الجدل أن ال سبحانه وتعالى يجازي كل أحد بعمله خيرا‬
‫كان أو شرا ‪.‬‬
‫وقد بين سبحانه وتعالى أنه يغفر ذنوب التائبين ل ذنوب المصرين ‪ ،‬فقد قال عز من قائل " وإني لغفار‬
‫لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى "طه ‪ ، 82‬وبين سبحانه وتعالى أنه يغفر سيئات الذين يجتنبون‬
‫الكبائر ‪ ،‬أي يغفر صغائرهم دون كبائرهم ‪ ،‬ول يغفر الصغيرة إل مع اجتناب الكبيرة وشريطة عدم‬
‫الصرار عليها لقوله سبحانه وتعالى ‪ " :‬إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم‬
‫مدخل كريما "النساء ‪. 31‬‬
‫وإذا أدرك النسان ذلك فهم معنى قوله سبحانه وتعالى ‪ " :‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك‬
‫لمن يشاء "النساء ‪ 48‬فيغفر لمن يشاء إما بالتوبة والقلع عن الكبائر والرجوع إلى ال سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫وإما باجتناب الكبائر مع صدور بعض الصغائر من غير قصد الصرار عليها ومن غير الستمرار على‬
‫ارتكابها ‪ ،‬هذا هو المقصود بقوله ‪ " :‬ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ‪ ،‬فقد بين سبحانه في آيات أخرى‬
‫من يشاء لهم المغفرة وهم الذين يجتنبون الكبائر ول يصرون على الصغائر ‪ ،‬وقد جاء الحديث عن‬
‫رسول ال – صلى ال عليه وسلم ‪ " : -‬ل صغيرة مع الصرار ول كبيرة مع الستغفار " ‪.‬‬
‫وكما أنه سبحانه وتعالى حذر من أماني الغفران ‪ ،‬وبين أن كل أحد سوف يجزى بما كسب ‪ ،‬حذر أيضا‬
‫من أماني الشفاعة ‪ ،‬وقد وجه هذا التحذير إلى هذه المة ‪ ،‬فقد قال مخاطبا المؤمنين ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم ل بيع فيه ول خلة ول شفاعة والكافرون هم الظالمون " البقرة‬
‫‪ 254‬وقال سبحانه مخاطبا بني إسرائيل ‪ " :‬واتقوا يوما ل تجزي نفس عن نفس شيئا ول يقبل منها‬
‫شفاعة ول يؤخذ منها عدل ولهم ينصرون"البقرة ‪ ، 48‬وفي هذا أيضا تحذير لهذه المة ولغيرها من‬
‫التعلق بأماني الشفاعات ‪ .‬وبين تعالى أن الشفاعة ل تكون للظالمين بقوله ‪ " :‬ما للظالمين من حميم ول‬
‫شفيع يطاع " غافر ‪ . 18‬وهل من قائل أن أكل مال اليتيم بالباطل أو غصب أموالهم أو أعراضهم أو كان‬
‫قاتل أو غير ذلك بأنه غير ظالم ؟!‬
‫وأما ما قيل من أن النسان يشفع له النبيون يوم القيامة ‪ ،‬وسوف يتخلص من العقاب ‪ ،‬فقد بين سبحانه‬
‫وتعالى الذين يستحقون شفاعة النبيين وغيرهم في قوله ‪ " :‬ول يشفعون إل لمن ارتضى "النبياء ‪28‬‬
‫فالشفاعة تحق للرضى دون غيره ‪ ،‬وإن كان الرضى يستحق دخول الجنة قد تكون الشفاعة أيضا من‬
‫ضمن السباب التي تؤدي إلى دخول الجنة فقد يتوب التائب من معصيته ‪ ،‬ويجعل ال سبحانه وتعالى‬
‫(‪)1‬‬
‫للشفاعة نصيبا في قبول توبته ‪ ،‬وأما المصرون على الكبائر فل شفاعة لهم بهذه النصوص القاطعة " ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬مسألة الخلود في النار‬

‫اختلف المسلمون في خلود أهل الكبائر في النار ‪ ،‬فالبعض يقول يعذبون بقدر أعمالهم ثم يخرجون من‬
‫النار والبعض الخر يقول إن من دخل النار ل يخرج منها ‪ ،‬والباضية يقولون بالخلود ‪.‬‬
‫فإذا نظرنا إلى القول بخروج أهل الكبائر من النار وجدناه ضعيفا لعدة أشياء ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إنه جاء من عند اليهود كما صرح القرآن الكريم بذلك حيث قال سبحانه ‪ " :‬وقالوا لن تمسنا النار‬
‫إل أياما معدودة قل اتخذتم عند ال عهدا فلن يخلف ال عهده أم تقولون على ال ما ل تعلمون بلى من‬
‫كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة ‪81-80‬‬
‫ثانيا ‪ :‬إن في الية استنكار لهذه العقيدة وإنها غير مستندة إلى عهد ال ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬لقد صرحت الية أن من ارتكب سيئة وأحاطت به خطيئته – يعني أنه لم يتخلص منها بالتوبة –‬
‫فهو مخلد في النار ‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬ليس هناك آية واحدة في القرآن الكريم تذكر الخروج من النار بل القرآن أنكر قول اليهود ذلك ‪،‬‬
‫بالضافة إلى ذلك فإن آيات الخلود كثيرة ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬هناك أحاديث تنص على خلود أهل الكبائر وغيرهم في النار ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬كل ما تعلق به القائلون بالخروج من النار بعض الحاديث النبوية ‪ ،‬مع أن أحاديث أخرى تثبت‬
‫الخلود ومتفقة مع القرآن ‪.‬‬
‫فهل نأخذ الحاديث المتفقة مع آيات القرآن أم المختلفة معها ؟‪.‬‬
‫يقول السيد محمد رشيد رضا في تفسير المنار‪ " :‬وإذا كان من علل الحديث المانعة من وصفه بالصحة‬
‫(‪)1‬‬
‫مخالفته رواية لغيره من الثقات فمخالفة القطعي من القرآن أولى بسلب وصف الصحة عنه "‬
‫بالضافة إلى ذلك فإن عمر بن الخطاب رد حديث فاطمة بنت قيس لمخالفته القرآن ‪ ،‬كذلك السيدة عائشة‬
‫ردت حديث ابن عمر في تعذيب الميت ببكاء أهله لمخالفته القرآن ‪ ،‬وإذا كانوا في ذلك الوقت يرجعون‬
‫أحاديث الرسول – صلى ال عليه وسلم – إلى القرآن حتى ل يقعوا في الخطأ فكيف بعد ما اختلط الحابل‬
‫بالنابل ‪.‬‬
‫أما الباضية ومن معهم فقد بنوا قولهم بالخلود لكل من دخل النار ليس اتباعا للهوى وإنما على أدلة‬
‫قطعية من القرآن والسنة ل يشك في صحتها عاقل ‪.‬‬
‫فآيات القرآن صرحت في أن أصحاب الكبائر مخلدون في النار إن ماتوا مصرين عليها ولم يتوبوا منها ‪،‬‬
‫قال ال تعالى ‪ " :‬إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون ل يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن‬
‫كانوا هم الظالمين وقالوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون "الزخرف ‪75-74‬‬
‫يقول سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي – حفظه ال ‪ " : -‬وهل من قائل يقول إن الزاني الذي مات وهو‬
‫مصر على الزنا أو شارب الخمر أو قاتل النفس المحرمة بغير الحق أو آكل الربا أو المصر على ارتكاب‬
‫الكبائر ليس من المجرمين ؟!! من الذي يقول إن هؤلء ليسوا مجرمين ؟!! ويقول سبحانه وتعالى ‪ " :‬إن‬
‫البرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين " النفطار ‪ 16- 13‬بين‬
‫ال سبحانه وتعالى في هذه اليات أن الناس ينقسمون إلى قسمين ‪ :‬أبرار وفجار ‪ ،‬وبين أن البرار في‬
‫النعيم وأن الفجار في الجحيم وأنهم ل يغيبون عن هذا الجحيم ‪،‬‬
‫فهل يقول من يؤمن بال واليوم الخر أن الزنا من البر ؟!! وأن قتل النفس المحرمة من البر ؟!! وأن من‬
‫فعل شيئا من ذلك من البرار ؟!! وهل ينكر أحد من المؤمنين بال واليوم الخر أن هذه المعاصي ليست‬
‫من الفجور وأن فاعلها ليس من الفجار ؟!! ‪.‬‬
‫ويقول سبحانه وتعالى ‪ " :‬والذين ل يدعون مع ال إلها آخر ول يقتلون النفس التي حرم ال إل بالحق ول‬
‫يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القامة ويخلد فيه مهانا إل من تاب وآمن وعمل‬
‫عمل صالحا فأولئك يبدل ال سيئاتهم حسنات وكان ال غفورا رحيما " الفرقان ‪70_68‬‬
‫لقد نص ال سبحانه وتعالى في هذه اليات أن من قتل النفس المحرمة بغير حق ومن زنى فلهما حكم‬
‫المشرك في الخلود في النار ‪.‬‬
‫ولعل قائل يقول ‪ :‬إن الوعيد منصب على من جمع هذه الصفات جميعا ‪ ،‬أي من أشرك مع ال إلها آخر‬
‫وقتل النفس المحرمة بغير الحق وزنى ‪.‬‬
‫والجواب ‪ :‬إنه يلزم هذا القائل أن ل يخلد أحد في النار بسبب الشرك حتى يضم إلى الشرك قتل النفس‬
‫المحرمة بغير الحق والزنى ‪ ،‬أما إن أشرك ولم يقتل النفس المحرمة بغير الحق ولم يزن ‪ ،‬يلزمهم على‬
‫هذا القول أن ل يكون من الخالدين في النار ‪.‬‬
‫ويقول سبحانه وتعالى في آكل الربا ‪ " :‬فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى ال‬
‫ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون " البقرة ‪ ، 275‬فهذا نص صريح في أن آكل الربا من‬
‫أصحاب النار الذين يخلدون فيها ‪.‬‬
‫ويقول تبارك وتعالى ‪ " :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ‪ "000‬الية ‪ ،‬النساء ‪ 93‬فقد‬
‫بين سبحانه وتعالى أن قاتل النفس المؤمنة بغير حق مأواه جهنم وسوف يخلد فيها ‪،‬ويقول ال سبحانه‬
‫وتعالى ‪ " :‬ومن يعص ال ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين " النساء ‪. 14‬‬
‫فالية جاءت بعد تبيان أحكام المواريث وحكمت على المتعدي فيها بالخلود ‪ ،‬فهل التعدي في الميراث‬
‫(‪)1‬‬
‫شرك ؟!! " ‪.‬‬
‫وما وراء ذلك من اليات الكثيرة الناصة على الخلود في النار ‪ ،‬وهذه اليات كلها تدل على خطورة‬
‫عقيدة من يعتقد الخروج من النار أو العفو عن أهل الكبائر لما تجره من التهاون بأوامر ال والجرأة على‬
‫معاصيه " ‪.‬‬
‫وهناك أدلة أخرى من القرآن ذكرتها في كتاب " العقيدة السلمية في ضوء العقل والنقل " ‪.‬‬
‫وروى البخاري ومسلم وغيرهم من طريق ابن عمر أن النبي – صلى ال عليه وسلم – قال ‪ " :‬يدخل‬
‫أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم يا أهل النار ل موت ويا أهل الجنة ل موت كل خالد‬
‫فيما هو فيه " وروى مثله البخاري عن أبي هريرة والطبراني والحاكم وصححه من طريق معاذ ‪-‬‬
‫رضي ال عنه ‪. -‬‬
‫ودللة الحديث على الخلود من غير استثناء واضحة ‪.‬‬
‫كما وردت أحاديث صحيحة في مسلم والبخاري وغيرهم تنص بالخلود لمن ارتكب الكبائر ‪ ،‬وقد نصت‬
‫على خلود كل من ‪ :‬مدمن الخمر ‪ ،‬والعاق لوالديه ‪ ،‬والديوث ‪ ،‬ومن استرعاه ال رعية فأضاعها ‪ ،‬ومن‬
‫اقتطع حق مسلم بيمينه ‪ ،‬ومن قتل نفسه بحديدة أو بسم ‪ ،‬ومن يضربون الناس بالسياط ‪ ،‬والكاسيات‬
‫العاريات ‪ ،‬وهذه الحاديث موجودة في كتاب " الحق الدامغ " لسماحة الشيخ الخليلي وفي مختصره‬
‫‪.‬ومعظمها رواها الشيخان‬
‫أليست هذه كبائر غير الشرك ؟!!‬
‫هل العقوبة على استحللها دون فعلها ؟!!‬
‫يقول العلمة السيد محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار في الجزء الول ص ‪ " 112‬القاعدة السادسة‬
‫" أن الجزاء على اليمان والعمل معا لن الدين إيمان وعمل ومن الغرور أن يظن من ينتمي إلى نبي من‬
‫النبياء أن ينجوا من الخلود في النار بمجرد النتماء ‪ ،‬والشاهد عليه ما حكاه ال لنا عن بني إسرائيل من‬
‫غرورهم في دينهم وما رد به عليهم حتى ل نتبع سنتهم ‪ " :‬وقالوا لن تمسنا النار إل أياما معدودة "وبعد‬
‫ذلك يقول ‪ :‬ولكننا قد اتبعنا سننهم شبرا بشبر وذراعا بذراع مصداقا لما ورد في الحديث الصحيح ‪ ،‬وإنما‬
‫نمتاز عليهم بأن المتبعين بعض المة ل كلها وبحفظ نص كتابنا كله وضبط سنة نبينا في بيانه وبيان‬
‫(‪)1‬‬
‫حجة أهل العلم والهدى قائمة إلى يوم القيامة " ‪.‬‬
‫وقد قال في تفسير آية الربا " وقد أول المفسرون الخلود لتتفق مع المقرر في العقائد والفقه من كون‬
‫المعاصي ل توجب الخلود في النار فقال أكثرهم ‪ :‬من عاد إلى أكل الربا واستباحته اعتقادا ‪ ،‬ورده‬
‫بعضهم بأن الكلم في أكل الربا ‪ ،‬وما ذكر عند من جعله كالبيع هو بيان لرأيهم فيه قبل التحريم ‪ ،‬فهو‬
‫ليس بمعنى استباحة المحرم ‪ ،‬فإذا كان الوعيد قاصرا على العتقاد فحسب فل يكون هناك وعيد على‬
‫الكل بالفعل " ‪.‬‬
‫ويتابع السيد محمد رشيد رضا " والحق أن القرآن فوق ما كتب المتكلمون والفقهاء ‪ ،‬يجب إرجاع كل‬
‫قول في الدين إليه ‪ ،‬ول يجوز تأويل شيء منه ليوافق كلم الناس ‪ ،‬وما الوعيد بالخلود هنا إل كالوعيد‬
‫(‪)1‬‬
‫بالخلود في قتل العمد ‪ ،‬وليست هناك تسمية في اللفظ على إرادة الستحلل " ‪.‬‬
‫الباب الثالث‬
‫بعض مسائل الخلف الفقهية‬

‫مسألة صلة السفر‬


‫اختلف العلماء في هذه المسألة في عدة جوانب ‪:‬‬
‫في القصر هل هو واجب أم رخصة والتمام أفضل ‪.‬‬
‫في مسافة القصر التي يجب القصر عند بلوغها ‪.‬‬
‫في مدة القصر في السفر التي يجب فيها القصر‪.‬‬
‫يرى الباضية أن القصر واجب على كل من يتجاوز مسافة القصر وهي ما بين المدينة المنورة وذي‬
‫الحليفة وقدرت بفرسخين أو ‪12‬كم ‪ ،‬ومدة السفر إلى أن يعود إلى بلده ‪.‬‬
‫والقول بوجوب القصر لم ينفرد به الباضية وحدهم ‪ ،‬قال الخطابي في المعالم ‪ :‬وكان مذهب أكثر علماء‬
‫السلف وفقهاء المصار على أن القصر هو الواجب في السفر وهو قول علي وعمر وابن عباس وروي‬
‫(‪)1‬‬
‫ذلك عن عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن وقال حماد بن سليمان يعيد من صلى في السفر أربعا ‪.‬‬
‫وهذا القول يستند على أدلة قاطعة ل تقبل الشك ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إن رواة السير والحديث أجمعوا أن رسول ال – صلى ال عليه وسلم – لم يتم في سفر قط ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬إن رسول ال – صلى ال عليه وسلم – قال ‪ " :‬صلوا كما رأيتموني أصلي " ‪ ،‬وقد نقل إلينا‬
‫أصحابه – رضوان ال عليهم – أنهم رأوه يصلي في الحضر الظهر والعصر والعشاء أربعا وفي السفر‬
‫ركعتين ‪ ،‬وأنهم صلوا وراءه كذلك ولم يتم في سفر قط ‪ ،‬وما كان لنا أن نخالف رسول ال – صلى ال‬
‫عليه وآله وسلم – فيما شرع لنا ولو كان هناك حكم آخر لبينه لنا رسول ال – صلى ال عليه وآله وسلم‬
‫– إذ ل يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬إن هناك أحاديث صحيحة تبين أن الصلة فرضت ركعتين وبعضها يبين أن التمام في السفر‬
‫كالقصر في الحضر ‪.‬‬

‫وإليك هذه الدلة لتطمئن إلى صحة ما قلناه ‪:‬‬


‫قد فرضت الصلة ركعتين ركعتين بمكة فلما قدم رسول ال – صلى ال عليه وسلم – المدينة زاد مع كل‬
‫ركعتين ركعتين إل في المغرب فإنها وتر النهار وصلة الفجر لطول قراءتها وكان إذا سافر صلى‬
‫الصلة الولى ‪ .‬رواه ابن خزيمة وأحمد والبيهقي وابن حبان من طريق عائشة أم المؤمنين رضي ال‬
‫عنهما‪.‬‬
‫فرضت الصلة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلة السفر وزيد في صلة الحضر " رواه‬
‫الربيع ومسلم عن أم المؤمنين عائشة ‪.‬‬
‫فرضت الصلة ركعتين ثم هاجر ففرضت أربعا وتركت صلة السفر على الول " رواه البخاري وأحمد‬
‫وزاد أحمد إل المغرب فإنها كانت ثلثا ‪.‬‬
‫" فرض ال الصلة في السفر ركعتين وفي الحضر أربعا " رواه مسلم والجصاص ‪.‬‬
‫" فرض ال الصلة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة " أخرجه‬
‫مسلم والنسائي وأبو داود ‪.‬‬
‫" صلة السفر ركعتان وصلة الضحى ركعتان وصلة الفطر ركعتان وصلة الجمعة ركعتان تمام غير‬
‫قصر على لسان محمد – صلى ال عليه وسلم – " رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ‪.‬‬
‫" على المقيم سبع عشرة ركعة وعلى المسافر إحدى عشرة ركعة " رواه الربيع بن حبيب ‪.‬‬
‫" صلة السفر ركعتان من خالف السنة كفر " أخرجه الطبراني عن ابن عمر في الكبير برجال الصحيح‬
‫‪.‬‬
‫" من صلى في السفر أربعا كمن صلى في الحضر ركعتين " رواه أحمد ‪.‬‬
‫قال قتادة ‪ :‬سمعت موسى بن سلمة قال ‪ :‬سألت ابن عباس فقلت ‪ :‬إني أكون بمكة فكيف أصلي ؟ قال ‪" :‬‬
‫ركعتين سنة أبي القاسم – صلى ال عليه وسلم – " رواه البيهقي ‪.‬‬
‫" قال ابن عمر صلة السفر ركعتان نزلت من السماء فإن شئتم فردوهما " رواه الطبراني ‪.‬‬
‫" كان – صلى ال عليه وسلم – إذا خرج من بيته مسافرا يصلي ركعتين ركعتين حتى يرجع " رواه‬
‫البيهقي عن ابن عباس ‪.‬‬
‫قال عمران بن الحصين " ما سافر رسول ال – صلى ال عليه وسلم – سفرا إل صلى ركعتين حتى‬
‫يرجع ‪ ،‬ويقول " يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين ‪ ،‬وأتى الجعرانة فاعتمر فيها ‪ ،‬وحججت مع أبي بكر‬
‫– رضي ال عنه – فصلى ركعتين ‪ ،‬واعتمرت مع عثمان فصلى ركعتين ركعتين صدرا من إمارته ثم‬
‫صلى عثمان أربعا " وروي الحديث من عدة طرق وبألفاظ مختلفة وهذه رواية البيهقي ‪.‬‬
‫صلة المسافر ركعتان حتى يؤوب إلى أهله أو يموت " رواه الخطيب والجصاص ‪.‬‬
‫قال ابن عمر صحبت رسول ال – صلى ال عليه وسلم – فكان ل يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر‬
‫وعمر وعثمان كذلك " أخرجه البخاري ومسلم وأحمد ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أقام رسول ال – صلى ال عليه وسلم – مددا مختلفة في أماكن مختلفة وفي كل ذلك يقصر الصلة ‪.‬‬
‫وعن ابن عمر قال ‪":‬إن رسول ال صلى ال عليه وآله وسلم أتانا ونحن ضلل فعلمنا‪ ،‬فكان مما علمنا‬
‫أن ال عز وجل أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر ‪ ،‬رواه النسائي)‬
‫وقد احتج القائلون بأن القصر رخصة ببعض الدلة ‪:‬‬
‫قوله تعالى ‪ " :‬ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلة " النساء ‪101‬‬
‫قالوا إن عدم نفي الجناح ل يدل على العزيمة وإنما على الرخصة ‪.‬‬
‫وأجيب( بأن هذا النقاش كان في زمن الصحابة رضوان ال عليهم حيث أخرج مسلم عن يعلى بن أمية‬
‫قال ‪ :‬قلت لعمر بن الخطاب ‪ " :‬ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا‬
‫" فقد أمن الناس فقال _ أي عمر _ عجبت مما عجبت منه فسألت رسول ال – صلى ال عليه وسلم –‬
‫عن ذلك فقال ‪ :‬صدقة تصدق ال بها عليكم فاقبلوا صدقته " ‪ ،‬إن الية نزلت في صلة الخوف ل في‬
‫صلة السفر فأشكلت على الصحابة فسألوا رسول ال – صلى ال عليه وسلم – فأجابهم بحكم صلة‬
‫السفر وقال إنها صدقة من ال ‪ ،‬نعمة من نعمه الكثيرة التي يجب شكرها ‪ ،‬وقد خشي رسول ال – صلى‬
‫ال عليه وسلم – أن يظن أن القصر رخصة فأصدر أمره بقبول حكم ال – فاقبلوا صدقته – والمر‬
‫للوجوب ‪.‬‬
‫ورفع الحرج في الية يعني التطمين واليناس لنهم يصلون الظهر والعصر والعشاء رباعية في الوطن‬
‫فظنوا أن القصر رخصة فبينت لهم الية أنه ليس رخصة وأن هذا شرع ال ول إثم فيه ‪ ،‬والشاهد على‬
‫هذا المعنى قوله تعالى ‪ " :‬إن الصفا والمروة من شعائر ال فمن حج البيت أو اعتمر فل جناح عليه أن‬
‫يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن ال شاكر عليم) البقرة ‪. 158‬‬
‫فقد جاءت الية للتطمين واليناس فقد سبق في أذهان الناس أن السعي بين الصفا والمروة من أعمال‬
‫الجاهلية لنهم كانوا يطوفون حول الصنمين أساف ونائلة فتحرجوا من ذلك فبين ال لهم أن السعي‬
‫(‪) 1‬‬
‫فريضة ل حرج فيه )‬
‫وقد أورد الشوكاني حججهم ورد عليها حيث قال ‪:‬‬
‫" والحجة الثانية قوله – صلى ال عليه وآله وسلم ‪ " : -‬صدقة تصدق ال بها عليكم فاقبلوا صدقته " فإن‬
‫الظاهر من قوله صدقة إن القصر رخصة فقط ‪.‬‬
‫وأجيب بأن المر بقبولها يدل على أنه ل محيص عنها وهو المطلوب ‪.‬‬
‫والحجة الثالثة ‪ :‬ما في صحيح مسلم وغيره أن الصحابة كانوا يسافرون مع رسول ال – صلى ال عليه‬
‫وسلم – فمنهم القاصر ومنهم المتم ومنهم الصائم ومنهم المفطر ل يعيب بعضهم على بعض " كذا قال‬
‫النووي في شرح مسلم ولم نجد في صحيح مسلم قوله فمنهم القاصر ومنهم المتم ‪ ،‬وليس فيه إل أحاديث‬
‫الصوم والفطار ‪ ،‬وإذا ثبت ذلك فليس فيه أن النبي – صلى ال عليه وسلم – اطلع عليهم وأقرهم عليه ‪،‬‬
‫وقد نادت أقواله وأفعاله بخلف ذلك ‪ ،‬وقد تقرر إن إجماع الصحابة في عصره – صلى ال عليه وسلم –‬
‫ليس حجة والخلف بينهم مشهور بعد موته ‪.‬‬
‫والحجة الرابعة ما روي عن عائشة قالت ‪ :‬خرجت مع النبي – صلى ال عليه وسلم – في عمرة‬
‫رمضان فأفطر وصمت وقصروا وأتممت ‪ ،‬فقلت بأبي وأمي أفطرت وصمت وقصرت وأتممت فقال ‪:‬‬
‫أحسنت يا عائشة " رواه الدار قطني وقال إسناده حسن ‪.‬‬
‫قال ابن حزم هذا حديث ل خير فيه وطعن فيه ‪ ،‬ورد عليه ابن النحوي قال في الهدي بعد ذكره لهذا‬
‫الحديث " وسمعت شيخ السلم ابن تيمية يقول هذا حديث كذب على عائشة ‪ ،‬ولم تكن عائشة لتصلي‬
‫بخلف صلة الرسول – صلى ال عليه وسلم – وسائر الصحابة وهي تشاهدهم يقصرون ثم تتم وحدها‬
‫بل موجب ‪ ،‬وكيف وهي القائلة فرضت الصلة ركعتين فزيدت في صلة الحضر وأقرت صلة السفر ‪،‬‬
‫فكيف تزيد على فرض ال وتخالف رسول ال وأصحابه ؟!‪.‬‬
‫ويقول الشوكاني بعد ذلك " وقد لح من مجموع ما ذكرناه رجحان القول بالوجوب ‪ ،‬وأما دعوى التمام‬
‫أفضل فمدفوعة بملزمته – صلى ال عليه وآله وسلم – للقصر في جميع أسفاره ‪ ،‬وعدم صدور التمام‬
‫(‪)1‬‬
‫عنه كما تقدم ‪ ،‬ويبعد أن يلزم – صلى ال عليه وسلم – طول عمره المفضول ويدع الفضل "‪.‬‬

‫وأما في مقدار المسافة التي يقصر فيها الصلة فقد اختلف العلماء في ذلك فذهب ابن حزم إلى أقل‬
‫مسافة وهو ميل واحد وقال البعض ثلثة أميال ‪ ،‬وذهب البعض إلى اشتراط السفر الطويل وأقله‬
‫مرحلتان عند البعض وثلث مراحل عند البعض الخر ‪.‬‬
‫وقال الباضية المسافة التي يجب فيها القصر فرسخان محتجين بما رواه أنس قال ‪ :‬صليت مع رسول ال‬
‫– صلى ال عليه وآله وسلم – الظهر بالمدينة أربعا وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين " متفق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ومما يدل على وجوب القصر في السفر القصير ما روي عن شعبة بن يحيى بن يزيد الهنائي سألت أنسا‬
‫عن قصر الصلة فقال ‪ :‬كان رسول ال – صلى ال عليه وسلم – إذا خرج مسيرة ثلثة أميال أو ثلثة‬
‫فراسخ صلى ركعتين " شعبة الشاك رواه أحمد ومسلم وأبو داود ‪.‬‬
‫قال في الفتح وهو أصح حديث ورد في ذلك وأصرحه ‪،‬‬
‫وقد حمله من خالفه على أن المراد المسافة التي يبدأ منها القصر ل غاية السفر ‪ ،‬قال ‪ :‬ول يخفى بعد هذا‬
‫الحمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال ‪ :‬سألت أنسا‬
‫عن قصر الصلة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال‬
‫أنس ‪ :‬فذكر الحديث ‪ ،‬قال فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر ل عن الموضع الذي يبتدأ منه‬
‫(‪) 1‬‬
‫القصر ‪.‬‬
‫وأما الذين اشترط السفر الطويل فقد أورد الرد عليهم سيد سابق حيث قال‬
‫" وأما ما ذهب إليه الفقهاء من اشتراط السفر الطويل وأقله مرحلتان عند البعض وثلث مراحل عند‬
‫البعض الخر فقد كفانا مؤنة الرد عليهم المام أبو القاسم الخرقي قال في المغني ‪ :‬قال المصنف ‪ :‬ول‬
‫أدري لما صار إليه الئمة حجة ‪ ،‬لن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة ول حجة فيها مع الختلف ‪ ،‬فقد‬
‫روي عن عمر وابن عباس خلف ما احتج به أصحابنا ‪ ،‬ثم لو لم يوجد ذلك لم يكن في قوله حجة مع‬
‫(‪)1‬‬
‫قول النبي – صلى ال عليه وسلم – وفعله "‬
‫فتبين أن القول بوجوب القصر في السفر القصير والذي بينه الحديث بالمسافة من المدينة إلى ذي الحليفة‬
‫وقاسه العلماء فوجدوه ‪ 12‬كم هو الصحيح ‪ ،‬وأن القول باشتراط السفر الطويل ل يستند إلى دليل ‪.‬‬
‫وفي مدة القصر اختلف العلماء إلى أقوال كثيرة فمنهم حدده بثلثة أيام ومنهم من قال ولو إلى سنين‬
‫ومنهم من قال غير ذلك ‪.‬‬
‫وقال الباضية بأن مدة القصر ما دام مسافرا وقد قال بهذا القول الصنعاني في سبل السلم وسيد سابق‬
‫وابن القيم حيث يرى ان القامة ل تخرج عن حكم السفر طالت أم قصرت ما لم يستوطن المكان الذي‬
‫أقام فيه ‪.‬‬
‫ولهذا القول أدلة كثيرة من هدي الرسول – صلى ال عليه وسلم – وهدي أصحابه ‪ ،‬فقد جاء عن الرسول‬
‫– صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫عن أبي هريرة أنه صلى مع الرسول – صلى ال عليه وسلم – إلى مكة في المسير والمقام بمكة إلى أن‬
‫رجعوا ركعتين ركعتين " رواه أبو داود الطيالسي في مسنده ‪.‬‬
‫وعن يحيى بن إسحاق عن أنس قال ‪ :‬خرجنا مع النبي – صلى ال عليه وسلم – من المدينة إلى مكة‬
‫فصلى ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة فقلت أفأقمتم بها شيئا قال أقمنا بها عشرا " متفق عليه ‪.‬‬
‫عن جابر قال ‪ " :‬أقام النبي – صلى ال عليه وسلم – بتبوك عشرين يوما يقصر الصلة " رواه أحمد‬
‫وأبو داود ‪.‬‬
‫وعن عمران بن حصين قال ‪ " :‬غزوت مع النبي – صلى ال عليه وسلم – وشهدت معه الفتح فأقام بمكة‬
‫ثماني عشرة ليلة ل يصلي إل ركعتين يقول يا أهل البلد صلوا أربعا فإنا سفر " رواه أبو داود ‪.‬‬
‫عن ثمامة بن شرحبيل قال ‪ :‬خرجت إلى ابن عمر فقلت ‪ :‬ما صلة المسافر ؟ فقال‪ :‬ركعتين ركعتين إل‬
‫صلة المغرب ثلثا ‪ ،‬قلت أرأيت إن كنا بذي المجاز ؟ قال ‪ :‬وما ذي المجاز ؟ قلت ‪ :‬مكان نجتمع فيه‬
‫ونبيع فيه ونمكث عشرين ليلة أو خمس عشرة ليلة ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أيها الرجل ‪ :‬كنت بأذربيجان ل أدري قال‬
‫أربعة أو شهرين فرأيتهم يصلون ركعتين ركعتين " رواه أحمد ‪.‬‬
‫صلة المسافر ركعتان حتى يؤوب إلى أهله أو يموت" رواه الخطيب والجصاص‪.‬‬
‫وأما هدي أصحابه – صلى ال عليه وسلم – فقد أورده سيد سابق في كتابه فقه السنة (‪ )1‬حيث قال ‪:‬‬
‫وقال نافع ‪ " :‬أقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين وقد حال الثلج بينه وبين الدخول "‬
‫وقال حفص بن عبيد ال ‪ " :‬أقام أنس بن مالك بالشام سنتين يصلي صلة المسافر "‬
‫وقال أنس ‪ " :‬أقام أصحاب النبي – صلى ال عليه وسلم – برام هرمز سبعة أشهر يقصرون الصلة "‬
‫وقال الحسن ‪ " :‬أقمت مع عبدالرحمن بن سمرة بكابل سنتين يقصر الصلة ول يجمع "‬
‫وقال إبراهيم ‪ " :‬كانوا يقيمون بالري السنة وأكثر من ذلك و بسجستان السنتين " فهذا هدي النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم وأصحابه كما ترى وهو الصواب ‪ .‬ففي هدي رسول ال صلى ال عليه وسلم النجاة وأما‬
‫التقليد العمى فهو سبيل ضعاف اليمان ‪.‬‬
‫وأما مذهب الناس فقال المام أحمد إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم وإن نوى دونها قصر‪ ،‬وحمل هذه الثار‬
‫على أن رسول ال – صلى ال عليه وسلم – لم يجمعوا القامة البتة بل كانوا يقولون ‪ :‬اليوم نخرج غدا‬
‫نخرج ‪.‬‬
‫ففي هذا نظر ل يخفى فإن رسول ال – صلى ال عليه وسلم – فتح مكة وهي ما هي وأقام فيها يؤسس‬
‫قواعد السلم ويهدم قواعد الشرك ويمهد أمر ما حولها من العرب ‪ ،‬ومعلوم قطعا أن هذا يحتاج إلى‬
‫إقامة أيام ول يتأتى في يوم واحد ول يومين ‪ ،‬وكذلك إقامته بتبوك فإنه أقام ينتظر العدو ‪ ،‬ومن المعلوم‬
‫قطعا أنه كان بينه وبينهم عدة مراحل يحتاج إلى أيام وهو يعلم أنهم ل يوافون في أربعة أيام ‪ ،‬وكذلك‬
‫إقامة ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلة من أجل الثلج ‪ ،‬ومن المعلوم أن مثل هذا الثلج ل‬
‫يتحلل ول يذوب في أربعة أيام بحيث تفتح الطرق ‪ ،‬وكذلك إقامة أنس بالشام سنتين يقصر ‪ ،‬وإقامة‬
‫الصحابة برام هرمز سبعة أشهر يقصرون ‪ ،‬ومن المعلوم أن مثل هذا الحصار والجهاد ل ينقضي في‬
‫أربعة أيام ‪ ،‬وقد قال أصحاب أحمد ‪ :‬إنه لو أقام لجهاد عدو أو حبس سلطان أو مرض قصر سواء غلب‬
‫على ظنه انقضاء الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة ‪ ،‬وهذا هو الصواب ‪ ،‬لكن شرطوا فيه شرطا ل دليل‬
‫عليه من كتاب ول سنة ول إجماع ول عمل الصحابة فقالوا شرط ذلك احتمال انقضاء الحاجة في المدة‬
‫التي ل تقطع حكم السفر وهي ما دون الربعة أيام ‪ ،‬فقال ‪ :‬من أين لكم هذا الشرط والنبي – صلى ال‬
‫عليه وسلم – لما أقام زيادة على أربع يقصر الصلة بمكة وتبوك لم يقل لهم شيئا ولم يبين لهم أنه لم يعزم‬
‫على إقامة أكثر من أربعة أيام وهو يعلم أنهم يقتدون به في صلته ‪ ،‬ويتأسون به في قصرها في مدة‬
‫إقامته فلم يقل لهم حرفا واحدا ل تقصروا فوق إقامة أربع ليال وبيان هذا من أهم المهمات ‪ ،‬وكذلك اقتداء‬
‫الصحابة به بعده ولم يقولوا لمن صلى معهم شيئا من ذلك "‪.‬‬

‫مسألة التسليم في الصلة هل واحدة أم اثنتان‬


‫اختلف العلماء في ذلك ‪ ،‬يقول المام السالمي ‪:‬‬
‫وسلمن يمنة ويسرى تسليمتين والشهير وترا‬
‫فالقائلون بالتسليمتين يحتجون بما رواه ابن مسعود أن النبي – صلى ال عليه وسلم – كان يسلم عن يمينه‬
‫وعن يساره ‪ :‬السلم عليكم ورحمة ال ‪ ،‬السلم عليكم ورحمة ال حتى يرى بياض خده " رواه الخمسة‬
‫وصححه الترمذي ‪.‬‬
‫وعن عامر بن سعيد عن أبيه قال" كنت أرى النبي صلى ال عليه وآله وسلم يسلم عن يمينه و عن يساره‬
‫حتى يرى بياض خده " رواه أحمد ومسلم والنسائي‬
‫واحتج القائلون بالتسليمة الواحدة بما روي عن هشام عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام‬
‫عن عائشة قالت كان رسول ال – صلى ال عليه وسلم – إذا أوتر بتسع ركعات لم يقعد إل في الثامنة‬
‫فيحمد ال ويذكره ويدعو ثم ينهض ول يسلم ثم يصلي التاسعة فيجلس فيذكر ال ويدعو ثم يسلم تسليمة‬
‫يسمعنا ثم يصلي ركعتين وهو جالس " رواه أحمد والنسائي وفي رواية أحمد ثم يسلم تسليمة واحدة‬
‫السلم عليكم يرفع بها صوته حتى يوقظنا "‬
‫وعن ابن عمر قال ‪ :‬كان رسول ال – صلى ال عليه وسلم – يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة واحدة‬
‫يسمعناها " رواه أحمد ‪.‬‬
‫وعن أنس عند أبي شيبة أن النبي – صلى ال عليه وسلم – سلم تسليمة واحدة ‪ ،‬وعن الحسن مرسل أن‬
‫(‪)1‬‬
‫النبي – صلى ال عليه وسلم – وأبا بكر وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة " ذكر ذلك أبو شيبة "‬
‫‪-‬‬

‫أدلة استقامة الباضية‬

‫إن قول الباضية بأنهم أهل الحق والستقامة ليس مجرد دعوى وإنما تؤيده عدة أدلة يدركها من حرّر‬
‫نفسه من ربقة التعصب ‪ ،‬ومن هذه الدلة ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬إنها الفرقة التي أقامت الخلفة السلمية لقامة شرع ال في أرضه حيثما وجدت هذه الفرقة في‬
‫عمان والمغرب واليمن ‪.‬‬
‫ففي عمان وحدها بويع بالخلفة أكثر من ستين إماما بيعة على مبدأ الشورى والتعاقد على نهج الخلفاء‬
‫الراشدين ‪ ،‬وليس هذا ادعاء فقط وإنما هو حقيقة واقعة ابحث عن سيرتهم هل تجدهم قصّروا في شيء‬
‫من شرع ال من إقامة حدود وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وغير ذلك ؟ هل تجد عندهم‬
‫القطاعيات ؟ هل تجدهم يقيمون السهرات الماجنة مثل من تدعوهم الفرق الخرى بالخلفاء من عباسيين‬
‫وأمويين وعثمانيين وغيرهم ؟‬
‫أنظر عهودهم إلى جيوشهم مثل عهد المام الصلت بن مالك لجيشه الذي أرسله لمقاتلة النصارى في‬
‫سقطرى والذي ركز فيه على تحذير الجيش من عصيان ال وحثهم على المعاملة الحسنة ورسم لهم‬
‫الخطوط العريضة التي يتبعونها في نهجهم مع أهل سقطرى أكثر من تركيزه على المكاسب العسكرية ‪.‬‬
‫وانظر عهود الئمة إلى ولتهم تدلك على سيرتهم ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى هل يعقل أن تكون الفرقة الناجية من الفرق التي لم تقم الخلفة السلمية لقامة شرع‬
‫ال على مر العصور ؟!! بل تحمي الظلمة والمتسلطين بقولها ل يجوز الخروج عليهم ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬بعدها عن عقائد اليهود ‪ ،‬مع أن بعض الفرق التي تدعي أنها المحقة اتفقت مع اليهود في خمس‬
‫مسائل عقائدية ذكرتها في باب " الفرق بين الباضية والخوارج " ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬وحدة رأيهم في مسائل العقيدة ‪ ،‬حتى في المسائل الخلفية ‪ ،‬ففي نفي الرؤية مثل لهم قول واحد‬
‫وكذلك في عدم الخروج من النار والشفاعة وغير ذلك ‪ ،‬بينما ل تجد هذا التفاق في الفرق الخرى ‪،‬‬
‫فالمثبتون للرؤية من أهل السنة لهم في الرؤية عدة أقوال وفي قدم القرآن عشرات القوال وفي الخروج‬
‫من النار أكثر من قول ‪.‬مع ان العقيدة ليس فيها اجتهاد ‪،‬فالحق واحد‪.‬‬
‫رابعا ‪ :‬قوة أقوالهم فليس هناك مسألة في العقيدة إل ولها أساس من القرآن والسنة ولم يستطع المخالفون‬
‫نقض تأويلهم لها ‪ ،‬بينما نرى أن لدى المخالفين أقوال تناقض القرآن كما بينت ذلك في نفي الرؤية ‪.‬‬
‫‪ ،‬ويرفضون الحوار باستمرار مدعين أن دلك إظهار للباطل ‪ ،‬وفي الحقيقة هو إفلس من الحجة فمثل‬
‫هم دائما يرددون أن الباضية أهل بدعة ‪،‬ونراهم يعرفون البدعة بأنها ‪ :‬التقرب إلى ال بما لم يأذن به ال‬
‫‪ ،‬والباضية كما ذكرت سابقا ليس لديهم أي نوع من هذه البدع فليس لديهم تمسح بالقبور وليس لديهم‬
‫تقديسا لشخاص ولم يذكر المخالفون في كتبهم عن الباضية بدعة محددة ‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬بعدهم عن الكذب عموما وعلى رسول ال – صلى ال عليه وسلم – خصوصا ‪ ،‬فهم أبعد ما‬
‫يكون عن وضع الحاديث ‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬عدم مناقضة بعضهم بعضا وسب بعضهم البعض بل ولعن بعضهم البعض كما يفعل غيرهم‬
‫وذكرته في باب " الرد على من اتهم الباضية بالتعطيل " نقل من كتبهم ‪.‬‬
‫سابعا ‪ :‬منهجيتهم العلمية‪ :‬وتبدوا واضحة فيما يلي ‪:‬‬
‫تحري الدقة في أحكامهم في كل شيء حتى مع الفرق الخرى ‪ ،‬ليس كما تفعل الفرق الخرى حيث يبدو‬
‫واضحا حكم الشرك على المسلمين في قول البغدادي في عدم جواز الصلة خلف الفرق الخرى ول‬
‫عليهم ول مزاوجتهم بالضافة إلى من يكفرون المسلمين ويستحلون دماءهم‪.‬‬
‫بعدهم عن الكذب على الفرق الخرى لظهار حجتهم عليهم كما رأيناه موجود ا عند الفرق الخرى ‪.‬‬
‫سعة أفقهم ورحابة صدورهم حيث أنهم يتبعون الحق فيأخذون الحاديث النبوية من جميع كتب السنة‬
‫وينقلون أقوال المخالفين ويرجحون أي قول يرون دليله أقوى بغض النظر عمن قاله ‪ ،‬وهذا واضح في‬
‫كتبهم ‪.‬‬
‫ثامنا ‪ :‬عدالتهم الجتماعية ‪ ،‬فالمواطنون من الفرق السلمية الخرى في ظل الدولة الباضية لهم كافة‬
‫الحقوق والواجبات التي يستحقها كل مسلم من إباضي وغيره ‪،‬إل الولية (الحب في ال) وإن حدث ما‬
‫يخالف ذلك فهو ظلم ‪ ،‬المبادئ الباضية بريئة منه ‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫بدا واضحا أن الباضية هم أهل الحق و الستقامة وإن ما قيل عنهم بأنهم أهل ضلل ليس إل ضباب من‬
‫الوهم يتلشى مع ظهور الحق ‪0‬‬
‫أسأل ال العلي القدير أن يوحد كلمة المسلمين على الحق وأن يؤلف بين قلوبهم ‪ ،‬وأن يفرق شمل أعدائهم‬
‫إنه سميع مجيب ‪ ،‬وصلى ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم‬

‫المراجع‬

‫فقه السنة ‪ ،‬سيد سابق ‪ ،‬الفتح العربي العلمي ‪ ،‬القاهرة ‪1414 ،‬هـ – ‪1993‬م ‪.‬‬
‫نيل الوطار ‪ ،‬الشيخ محمد بن علي بن محمد الشوكاني ‪ ،‬مكتبة القاهرة ‪1398 ،‬هـ – ‪1978‬م ‪.‬‬
‫قناطر الخيرات ‪ ،‬الشيخ أبي طاهر إسماعي ل بن طاهر الجيطالي ‪ ،‬دار النهضة للنشر والتوزيع ‪،‬‬
‫سلطنة عمان ‪ ،‬ط ‪1418 ، 2‬هـ – ‪1998‬م ‪.‬‬

‫الدعائم ‪ ،‬الشيخ أحمد بن النظر ‪ ،‬طبع وزارة التراث القومي والثقافة ‪ ،‬سلطنة عمان ‪ ،‬ط ‪1409 ، 2‬هـ ‪،‬‬
‫‪1988‬م ‪.‬‬
‫جوهر النظام ‪ ،‬العلمة نور الدين عبدال بن حميد السالمي ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬لبنان ‪1410 ،‬هـ ‪1989 -‬م ‪.‬‬
‫تحفة العيان بسيرة أهل عمان ‪ ،‬الشيخ نور الدين السالمي ‪ ،‬مكتبة الستقامة ‪ ،‬سلطنة عمان ‪.‬‬
‫الكامل في التأريخ ‪ ،‬ابن الثير محمد بن علي بن عبد الكريم ‪ ،‬دار الباز ‪ ،‬مكة المكرمة ‪ ،‬ط ‪1415 ، 2‬هـ‬
‫– ‪1995‬م ‪.‬‬
‫الباضية بين الفرق السلمية ‪ ،‬الشيخ علي يحيى معمر ‪ ،‬طبع وزارة التراث القومي والثقافة ‪،‬سلطنة‬
‫عمان ‪.‬‬
‫الحق الدامغ ‪ ،‬سماحة الشيخ أحمد الخليلي ‪ ،‬مكتبة الضامري للنشر والتوزيع ‪ ،‬سلطنة عمان ‪1412 ،‬هـ ‪.‬‬
‫وسقط القناع ‪ ،‬سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي ‪ ،‬مكتبة الضامري للنشر والتوزيع ‪ ،‬سلطنة عمان ‪،‬‬
‫‪1412‬هـ ‪.‬‬
‫أضواء على الباضية ‪ ،‬الشيخ علي يحيى معمر ‪ ،‬المطابع العالمية ‪ ،‬روي ‪ ،‬سلطنة عمان ‪.‬‬
‫المهذب من إحياء علوم الدين ‪ ،‬الشيخ صالح أحمد الشامي ‪ ،‬دار القلم ‪ ،‬دمشق ‪1413 ،‬هـ – ‪1993‬م ‪.‬‬
‫عمان والديمقراطية السلمية ‪ ،‬د ‪ .‬حسين عبيد غانم غباش ‪ ،‬دار الجديد ‪ ،‬لبنان ‪1997 ،‬م ‪.‬‬
‫أساس التقديس في علم الكلم ‪ ،‬المام فخر الدين الرازي ‪ ،‬دار الفكر اللبناني ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط ‪1993 ، 2‬م ‪.‬‬
‫البعد الحضاري للعقيدة الباضية ‪ ،‬الدكتور فرحات الجعبيري ‪ ،‬مطبعة اللوان الحديثة ‪ ،‬سلطنة عمان ‪.‬‬
‫الجامع الصحيح ‪ ،‬مسند المام الربيع بن حبيب ‪ ،‬مكتبة مسقط ‪ ،‬سلطنة عمان ‪1415 ،‬ه ‪1994‬م ‪.‬‬
‫الكشف والبيان ‪ ،‬الشيخ محمد بن سعيد القلهاتي ‪ ،‬وزارة التراث القومي والثقافة ‪ ،‬سلطنة عمان ‪،‬‬
‫‪1400‬هـ ‪.‬‬
‫إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين ‪ ،‬الشيخ محمد بن محمد الحسيني ‪ ،‬دار الكتب العالمية ‪،‬‬
‫بيروت ‪ 1409 ،‬هـ – ‪1989‬م ‪.‬‬
‫المامة والسياسة ‪ ،‬الشيخ محمد بن مسلم بن قتيبة الدينوري ‪ ،‬دار المنتظر ‪ ،‬بيروت ‪1405 ،‬هـ –‬
‫‪1985‬م ‪.‬‬
‫ديوان السيف النقاد ‪ ،‬المام إبراهيم بن قيس الحضرمي ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬وزارة التراث القومي والثقافة ‪ ،‬سلطنة‬
‫عمان ‪ 1409 ،‬هـ – ‪1988‬م ‪.‬‬
‫شرح الجامع الصحيح مسند المام الربيع ‪ ،‬الشيخ نور الدين السالمي ‪ ،‬المطبعة العمومية ‪ ،‬دمشق ‪،‬‬
‫‪1383‬هـ – ‪1963‬م ‪.‬‬
‫جامع أبي الحسن البسيوي ‪ ،‬الشيخ علي بن محمد بن علي البسيوي ‪ ،‬وزارة التراث القومي والثقافة ‪،‬‬
‫سلطنة عمان ‪ 1404 ،‬هـ – ‪1984‬م ‪.‬‬
‫كشف الحقيقة لمن جهل الطريقة ‪ ،‬الشيخ نور الدين السالمي ‪ ،‬مخطوطة‬
‫غاية المراد في العتقاد ‪ ،‬الشيخ نور الدين السالمي ‪ ،‬مخطوطة ‪.‬‬
‫العقود الفضية في الصول الباضية ‪ ،‬الشيخ سالم بن حمد الحارثي ‪.‬‬
‫دراسات في الفرق والمذاهب القديمة والمعاصرة ‪ ،‬عبد ال المين ‪ ،‬دار الحقيقة ‪ ،‬بيروت ‪.‬‬
‫الفرق السلمية مدخل ودراسة ‪ ،‬د ‪ .‬عبد الفتاح المغربي ‪ ،‬مكتبة وهبة ‪ ،‬ط ‪1415 ، 2‬هـ – ‪1995‬م ‪.‬‬
‫العدالة الجتماعية في السلم ‪ ،‬سيد قطب ‪ ،‬ط ‪ ، 7‬بيروت ‪1387 ،‬هـ _ ‪1976‬م‬
‫البداية والنهاية ابن كثير دار المعارف بيوت الطبعة الرابعة‪.‬‬
‫الصول اليمانية لدى الفرق السلمية الدكتور عبد الفتاح أحمد فؤاد دار المعرفة الجامعية السكندرية‪.‬‬
‫المدخل الى دراسة الديان والفرق والمذاهب العميد محمد أسود‪.‬‬
‫الفرق بين الفرق عبد القادر بن طاهر البغدادي دار الجيل بيوت ‪1408‬ه ‪1987‬م‬
‫الكشف عن الصابة في اختلف الصحابة محمد بن شامس البطاشي مكتبة الضامري مسقط السيب ‪.‬‬
‫فرق معاصرة تنتسب الى السلم وموقف السلم منها غالب ين علي عواجى مكتبة أضواء المنار‬
‫المدينة المنورة ‪ 1414 .‬ه‬
‫حادي الرواح إلى بلد الفراح ابن القيم الجوزية دار الكتاب العربي بيروت ‪1414‬ه ‪1994‬م‬
‫زاد المعاد في هدي خير العباد محمد صلى ال عليه وسلم ابن القيم الجوزية دار الكتاب العربي بيروت‪.‬‬
‫مقالت السلميين واختلف المصلين أبو الحسن علي بن إسماعيل الشعري مكتبة فراتز شتايز نفيسادن‬
‫‪1400‬ه ‪1980‬م‬
‫الفصل في الملل والنحل ابو محمد علي بن أحمد دار المعرفة بيوت ‪1395‬ه ‪1975‬م‬
‫الملل والنحل أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني مكتبة النجلو مصرية ‪1977‬م‬
‫التبصير في الدين أبو المظفر شاهفور بن طاهر السفراييني‬
‫الباضية عبد العزيز بن محمد دار طيبة الرياض ‪1412‬هـ‬
‫أحكام السفر في السلم علي يحيى معمر مكتبة الستقامة روي سلطنة عمان‬
‫الذهب الخالص محمد بن يوسف إطفيش المطابع العالمية روي سلطنة عمان‬
‫كشف الكرب محمد بن يوسف إطفيش وزارة التراث القومي والثقافة سلطنة عمان ‪1405‬هـ ‪1985‬م‬
‫قواعد السلم أبي طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي مكتبة الستقامة روي سلطنة عمان ‪1413‬هـ‬
‫‪1992‬م‬
‫المام الربيع بن حبيب مكانته ومسنده الشيخ سعيد بن مبروك القنوبي مكتبة الضامري سلطنة عمان‬
‫‪1416‬هـ ‪1995‬م‬
‫الوحي المحمدي محمد رشيد رضا ‪1404‬هـ ‪1984‬م‬
‫إسلم بل مذاهب الدكتور مصطفى الشكعة الدار المصرية اللبنانية ‪1414‬هـ ‪1994‬م‬
‫الفهرس‬

‫م‬ ‫الموضوع‬ ‫رقم‬


‫الصفحة‬

‫‪1‬‬ ‫مقدمة فضيلة الشيخ سعيد بن خلف الخروصي‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬ ‫مقدمة الكتاب‬ ‫‪3‬‬

‫‪3‬‬ ‫الفصل الول ‪ :‬معرفة الحقيقة وأسباب الجنوح الفكري‬ ‫‪5‬‬

‫‪4‬‬ ‫الباب الول ‪ :‬الطريق الصحيح لمعرفة الحقيقة‬ ‫‪5‬‬

‫‪5‬‬ ‫الباب الثاني ‪ :‬أسباب الخطأ أو الجنوح الفكري‬ ‫‪8‬‬

‫‪6‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬افتراءات كتّاب المقالت على الباضية‬ ‫‪18‬‬

‫‪7‬‬ ‫الباب الول ‪ :‬أسباب التعصب ضد الباضية‬ ‫‪18‬‬


‫‪8‬‬ ‫الباب الثاني ‪ :‬ردود على كتّاب المقالت‬ ‫‪22‬‬

‫‪9‬‬ ‫الباضية مع أبي الحسن الشعري‬ ‫‪22‬‬

‫‪10‬‬ ‫البغدادي والفرق السلمية‬ ‫‪32‬‬

‫‪11‬‬ ‫الباضية عند البغدادي‬ ‫‪34‬‬

‫‪12‬‬ ‫ابن حزم والباضية‬ ‫‪38‬‬

‫‪13‬‬ ‫أبو المظفر السفراييني والباضية‬ ‫‪43‬‬

‫‪14‬‬ ‫أبو الفتح الشهرستاني والباضية‬ ‫‪45‬‬

‫‪15‬‬ ‫الغوابي والباضية‬ ‫‪47‬‬

‫‪16‬‬ ‫مع الستاذ عبد القادر شيبة الحمد‬ ‫‪49‬‬

‫‪17‬‬ ‫مع عبد العزيز بن محمد عبد اللطيف‬ ‫‪50‬‬

‫‪18‬‬ ‫مع أحد الكتّاب المعاصرين‬ ‫‪54‬‬

‫‪19‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬مفاهيم يجب أن تختفي‬ ‫‪56‬‬

‫‪20‬‬ ‫الباب الول ‪ :‬مسألة أن الحق عند الكثرة‬ ‫‪56‬‬

‫‪21‬‬ ‫الباب الثاني ‪ :‬اتهام الباضية بكراهية الصحابة‬ ‫‪61‬‬

‫‪22‬‬ ‫وقفة تأمل‬ ‫‪77‬‬

‫‪23‬‬ ‫تنبيه هام‬ ‫‪78‬‬

‫‪24‬‬ ‫بيان موجز لقضية التحكيم‬ ‫‪80‬‬

‫‪25‬‬ ‫الباب الثالث ‪ :‬مسألة إلصاق الباضية بالخوارج‬ ‫‪81‬‬

‫‪26‬‬ ‫الباب الرابع ‪ :‬اتهام الباضية بالبدعة والتقليد‬ ‫‪94‬‬

‫‪27‬‬ ‫الباب الخامس ‪ :‬اتهام الباضية بالتعطيل‬ ‫‪99‬‬


‫‪28‬‬ ‫الفصل الرابع ‪ :‬المسائل الخلفية‬ ‫‪105‬‬

‫‪29‬‬ ‫الباب الول ‪ :‬الجانب السياسي‬ ‫‪105‬‬

‫‪30‬‬ ‫الباب الثاني ‪ :‬مسائل الخلف في العقيدة‬ ‫‪112‬‬

‫‪31‬‬ ‫أول ‪ :‬مسألة خلق القرآن‬ ‫‪112‬‬

‫‪32‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬نفي رؤية الباري جل وعل‬ ‫‪118‬‬

‫‪33‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬مسألة الشفاعة وعدم غفران الذنوب من غير توبة‬ ‫‪120‬‬

‫‪34‬‬ ‫رابعا ‪ :‬مسألة الخلود في النار‬ ‫‪124‬‬

‫‪35‬‬ ‫الباب الثالث ‪ :‬بعض مسائل الخلف الفقهية‬ ‫‪130‬‬

‫‪36‬‬ ‫مسألة صلة المسافر‬ ‫‪130‬‬

‫‪37‬‬ ‫مسألة التسليم في الصلة‬ ‫‪141‬‬

‫‪38‬‬ ‫أدلة استقامة الباضية‬ ‫‪142‬‬

‫‪39‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫‪145‬‬

‫‪40‬‬ ‫المراجع‬ ‫‪146‬‬

You might also like