You are on page 1of 2

‫كتابات أبو الحق‬

‫سابع عشر من آذار‬


‫‪2010‬‬

‫أعطيك ما أعطيك ؟؟‬

‫عوده بن أبو محمد ‪...‬‬


‫ليس إسم شيخ من شيوخ الخليج أو مشايخ الفضائيات‪..‬كما يوحي لمن يعاينه‬
‫‪..‬عوده إبن أبو محمد هو طفل من عرب الموصل ‪ ،‬وهناك مثله آلف مؤلفة من‬
‫الطفال الضائعين‪ ،‬في كل بقعة عراقّية ‪ ..‬طفل هزيل الجسم ‪ ،‬دون التاسعة‪ ،‬أسمر‬
‫بملمح متسخة ‪ ،‬والحذاء المتهريء والمتسخ ذاك ‪ ،‬عمره أكبر من عمر َمن‬
‫يرتديه ‪ ،‬ويكاد أن يحكي أنه قد قطع لتّوه كيلومترات متعددة سيرًا بصاحبه ‪ ،‬من‬
‫حيث يسكن في قرية "بعويزه" شمال الموصل إلى جسر المثنى حيث رأيته‪..‬قدمان‬
‫ضئيلتان تسوقانه وسلسلة فقرية غضة تعتليه ‪ ،‬تحمل كيسًا به بضعة عشرات من‬
‫علب اللمنيوم المدعوسة ‪ ،‬يجمعها ليبيعها مقابل ‪ 500‬دينار )‪ 40‬سنتا( للكيلو‬
‫غرام الواحد من وزنها‪ ،‬هذا هو مشوار يومه في تجميع مخلفات البيبسي وأخواته‬
‫من سواقي الشوارع ومزابل الرصفة ‪ ،‬ليعيل عائلته التي تيتمت منذ خمسة شهور‬
‫فتحّول حمل العائلة كله فوق رأس هذا المخلوق الضئيل الذي بالكاد يعرف شكل‬
‫الحياة أو يفهم ألغازها ‪ ،‬في عهد تسمع فيه بمئات المليارات يتم إنفاقها ومشاريع‬
‫ليس للعراقيين إل إسمها ‪ ..‬لعنة ال على القوم الظالمين‪.‬‬
‫أعطاني إسمه ولم تسعفه ذاكرته بترديد إسم والده‪ ،‬حار وتلعثم‪ ،‬وحك رأسه وهمهم‬
‫ي عرب هو ‪،‬وليعّين لي مثابة سكناه‬ ‫‪ ،‬ومن ثم قالها‪. ".‬أبو محمد" ‪ ..‬ل يعرف من أ ّ‬
‫ردًا على سؤالي‪) ،‬ول تضحكوا رجاءًا فهو جّد صغير ليأتي بأفضل منها(‪ ،‬فقد قال‬
‫لي أن طريقي للوصول لبيته هو الحضور لقريته تلك ‪ ،‬والستفسار عن بيت "أبو‬
‫محمد" فحسب !! ‪ ،‬إسأل عن بيت أبو محمد ‪ !!!!...،‬كّل هذا ) للعلم فقط ‪ ،‬لمن ل‬
‫يعرف عّم أحكي (‪ ،‬في قرية بها مائة وخمسين" أبو محمد" وبعضها فيه محمّدان‬
‫وليس مجّرد محمد !!‬
‫يا لبؤس العراق ويا لطعم الحياة المحتضرة !!‬
‫رجائي أن تقع عليها عينا كل سياسي عراقي داعر‪ ،‬وكل برلماني عراقي داعر‪،‬‬
‫ليعرفوا جميعًا أين وصل العراق بزودهم وجهدهم العاقر ‪،‬وإلى أين وصلوا هم‬
‫بدماء أبناء العراق و حيواتهم المتمرمرة هذه ‪..‬‬
‫‪ "..‬مصائب قوم عند قوم فوائد"‪ ،‬تلك نعرفها‪ ،‬لكن هل خطر ببال حكيم أن يقول "‬
‫فوائد قوم على رءوس قوم مصائب" ؟؟‬

‫تسألني ربع دينار ) ‪ 20‬سنتًا( يا عوده يا إبن أبي محمد ‪،‬ربع دينار لتبتاع به‬
‫)بسكت كيك(‪ ،‬لن معدتك خاوية منذ الصباح ‪ ،‬أنا قرأت جوعك في عينيك قبل أن‬
‫ي‪ ،‬أّيها‬
‫تحكيها‪ ،‬وفي كل ملمح وجهك أيها الصغير المتضّور‪ ،‬أيها الشهيد الح ّ‬
‫صر‪..،‬وكم هناك مثلك من الضائعين في كل‬ ‫المظلوم بل قضية ‪،‬بل محامي‪ ،‬بل منا ِ‬
‫العراق!‬
‫أعطيك ما أعطيك‪..‬في عيدك الغالي؟‬
‫تسألني أن أعينك ‪ ،‬وكلفة لوحة دعاية إنتخابية مفردة‪ ،‬من ذوات الحجم الصغير‪،‬‬
‫تكفي ليس لملء بطون عائلتك وجيرانهم ‪ ،‬بل لتبييض ملمحك ومنحك رونقًا سلبه‬
‫ل‪،‬‬
‫منك لصوص الحكومة ومتسابقو النتخابات ‪..‬تكفي لرّدك للمدرسة رّدا جمي ً‬
‫ومنح العراق رقمًا موجبًا آخر‪ ،‬رقمًا آخر غير سالب‪ ،‬مهما كان ضئيل‪ ،‬من أجل‬
‫مستقبل أفضل‪،‬لك‪ ،‬لي‪،‬و للجميع ‪.‬‬
‫أعطيك ما أعطيك ‪ ،‬لجوفك الخالي ؟‬
‫وهل لكل دراهمي أن تكفيك‪ ،‬وتغنيك‪ ،‬وتشبع الجوع الذي فيك ؟‬
‫في عراق كان له قبل قرون بعيدة َمن يعاتب نفسه ويؤنبها‪ ،‬يحس بالغيرة والحرص‬
‫على دابة تعثر في طرقه البعيدة ‪ ،‬فمن له اليوم ؟‬
‫أعطيك ما أعطيك ‪ ،‬في عراقك الخالي؟‬
‫وغدًا تكبر وتفهم‪ ،‬وتجد من يسأل عنك‪،‬ل لينصفك أو يساندك‪ ،‬بل ليجعلك ترتدي‬
‫الخاكي وتدفع ضريبة المواطنة‪ ،‬في وطن ل حقوق فيه ‪ ،‬بل الكثير من الواجبات ‪..‬‬

You might also like