You are on page 1of 40

‫نداء‬

‫إلى كل صاحب محل تجاري‬


‫قرأه وقدم له فضيلة الشيخ‬

‫عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين‬


‫واد‬ ‫دخيل بن ُ‬
‫غنيم الع ّ‬ ‫بقلم ‪َ :‬‬

‫المحتويات‬

‫مقدمة الشيخ ابن جبرين حفظه الله‬ ‫•‬


‫مقدمة الكتاب وفيها أسباب كتابته‬ ‫•‬
‫وابتغوا من فضل الله‬ ‫•‬
‫سهل يسهل عليك‬ ‫•‬
‫المحرم ثمنه محرم‬ ‫•‬
‫احذر الغش والتلبيس‬ ‫•‬
‫واحفظوا أيمانكم‬ ‫•‬
‫ل تبع على بيع أخيك‬ ‫•‬
‫اجتنب بيع ما فيه صور‬ ‫•‬
‫احذرهم‬ ‫•‬
‫ل تلهك سوق الدنيا عن سوق الخرة‬ ‫•‬
‫السهم المسموم‬ ‫•‬
‫أجب أمر ربك‬ ‫•‬
‫اتق مواضع التهم‬ ‫•‬
‫حافظ على أعراض المسلمين ومحارمهم‬ ‫•‬
‫قارب النجـــــاة‬ ‫•‬
‫كن مفتاحا للخير مغلقا للشر‬ ‫•‬
‫ل ضرر ول ضرار‬ ‫•‬
‫ل ترجمان بين العبد وربه‬ ‫•‬
‫وختـــــــامــــــا‬ ‫•‬
‫المصادر والمراجع‬ ‫•‬

‫مقدمة الشيخ ابن جبرين حفظه الله‬


‫الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‬

‫أما بعد فقد قرأت هذه الرسالة بعنوان ) نداء إلى كل صاحب محل تجاري (‬
‫ألفها الخ في الله ‪ :‬دخيل بن غنيم العواد فألفيتها رسالة قيمة نافعة لمن أراد‬
‫الله به خيرا ً ‪ ،‬وذلك أن الكثير من التجار يقعون في مخالفات تنافي الحكام‬
‫الشرعية ‪.‬‬
‫وة الدينية بين المسلمين‬ ‫ولقد أجاد الكاتب وأفاد فذ ّ‬
‫كر الباعة والتجار بالخ ّ‬
‫وأن من مقتضاها النصح لهم والحرص على إيصال الخير إليهم ودفع الضرر‬
‫كرهم بوجوب أو تأكيد السماحة في المعاملت‬ ‫عنهم بقدر الستطاعة وذ ّ‬
‫والحسان ودللة المسلم لخوانه على ما ينفعهم وتتحذيرهم عن الضرار‬
‫والشرور في دينهم ودنياهم حيث إن الكثير من التجار يهمهم حصول الرباح‬
‫ونما المرال واجتلب الجماهير إليهم بدعايات وإعلنات وبذل جوائز وإظهار‬
‫تخفيضات وهمية يقصدون من ورائها اكتساح الموال وتنمية الثروات دون‬
‫اهتمام بما يحصل على إخوانهم من الضرر في رفع الثمان ‪ ،‬أو عيب وخلل‬
‫في السلع أو الصناعة ‪ ،‬أو ضرر على الباعة الخرين الذين لم يدخلوا في‬
‫عمل الدعايات والجوائز ونحوها ‪.‬‬

‫وهكذا ما يقع من بعض الباعة من الغش والتدليس وإظهار المظهر الجذاب‬


‫في السلع لينخدع المشتري بما يراه ظاهرا ً كما في اللحوم والفواكه والغذية‬
‫وكما في حديث ذلك الرجل الذي جلب طعاما ً قد ابتل أسفله وقال ‪ :‬أصابته‬
‫السماء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬من غش فليس مني ‪ ،‬وذلك‬
‫لن الشرع الشريف حرم كل مافيه ضرر على عموم المسلمين مما يسبب‬
‫وقوع العداوة والبغضاء و الشحناء من آثار الظلم والخداع والحيل الباطلة‬
‫لكل أموال الناس عن طريق الغش والتدليس وإخفاء العيوب ‪ ،‬والمبالغة في‬
‫المدح الكاذب الذي ينتج عن رفع القيم وتهالك الناس و إكبابهم على استهلك‬
‫تلك السلع لجل الدعايات أو التخفيضات الوهمية ‪.‬‬

‫فعلى المسلم أن ينصح لخوانه في الدين ‪ ،‬وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من‬
‫الخير ‪ ،‬ويكره لهم الشر والضرر الذي يتوقاه يحذره ليكون المسلمون أمة‬
‫واحدة يتعاونون على البر والتقوى ‪ ،‬وعلى نصر الدين وقمع المفسدين ‪.‬‬
‫والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ‪.‬‬

‫وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫‪ 3/6/1419‬هـ ‪.‬‬

‫عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين ‪.‬‬

‫المحتويات‬

‫مقدمة الكتاب وفيها أسباب كتابته‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫ل اللهِ ‪ ،‬وعلى آله وصحِبه ومن واله‬


‫م على رسو ِ‬
‫سـل ُ‬
‫صـلةُ وال ّ‬
‫الحمد لله ‪ ،‬وال ّ‬
‫‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫ي‬ ‫ة اللهِ وبركاُته ‪ ،‬وأسأ ُ‬


‫ل الله العل ّ‬ ‫م علي َ‬
‫ك ورحم ُ‬ ‫سل ُ‬
‫م ‪ ،‬ال ّ‬ ‫فيا أيها ال ُ‬
‫خ الكري ُ‬
‫َ‬
‫ك لك في تجارِتك ‪ ،‬ويـبسط لك‬ ‫ً‬
‫ك موفقا حيثما كنت ‪ ،‬وأن يبار َ‬ ‫القديَر أن يجعل َ‬
‫َ‬
‫في رزِقك ‪ ،‬وينسأ لك في أجلك على حسن عمل)‪. (1‬‬
‫ق عليك ‪،‬‬
‫ب مشف ٍ‬
‫ث من قل ٍ‬
‫أخي المسلم ‪ ،‬إني أكتب لك هذا الّنداَء المنبع َ‬
‫ب لك ‪.‬‬
‫ومح ٍ‬

‫ت الموجهةِ إليك أموٌر منها ‪:‬‬


‫والذي دعاني لكتـــــابة هذه الكلما ِ‬

‫أول ً‪ :‬ما بيني وبينك من المحبة ؛ لننا مسلمان‪ ،‬فنحن أخوان تربطنا رابط ٌ‬
‫ة‬
‫هي أعظم من رابطة الّنسب ‪ .‬قال الّرسول صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫سِلمه ‪.(2) (( ....‬‬
‫))المسلم أخو المسلم ‪ ،‬ل يظلمه ‪ ،‬ول ي ُ ْ‬

‫بك ّ‬
‫ل واحدٍ‬ ‫ي وعليك أن يح ّ‬
‫وإذا عرفت ذلك فاعلم أن هذه الخوّة َ توجب عل ّ‬
‫ل ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ )):‬ل يؤمن‬‫منا لخيه ما يحب لنفسه ‪ ،‬قـال الّرسو ُ‬
‫ب لنفسه (( ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ب لخيه ما يح ّ‬
‫دكم حتى يح ّ‬
‫أح ُ‬

‫ك وعلى جميع المسلمين‬ ‫ي وعلي َ‬ ‫ه عل ّ‬ ‫ة ‪ ،‬فقد أوجبها الل ُ‬ ‫ب الّنصيح ِ‬ ‫ثانيا ‪ :‬واج ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫مُروْ َ‬
‫ض يأ ُ‬‫م أوْل َِياُء َ ب َعْ ٍ‬‫ضهُ ْ‬
‫ت ب َعْ ُ‬
‫مَنا ُ‬‫ن والمؤْ ِ‬ ‫قال الله ـ جل ذكره ـ ‪ }:‬والمؤْ ِ‬
‫مُنو َ‬
‫ض{ أي‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬
‫ضهُ ْ‬ ‫من ْك َرِ {]التوبة ‪ [31‬ومعنى }ب َعْ ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ن عَ ِ‬
‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫با ِل ْ َ‬
‫معُْروْ ِ‬
‫“ قلوبهم متحدة في التوادد ‪ ،‬والتحابب ‪ ،‬والتعاطف ؛ بسبب ما جمعهم من‬
‫أمر الدين ‪ ،‬وضمهم من أمر اليمان بالله ” )‪.(4‬‬

‫ن ‪ ،‬وعمـاَده‪،‬‬ ‫م الديـ ِ‬
‫ل ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ِقـوا َ‬ ‫وقـد بـين الّرسـو ُ‬
‫ة ‪ ،‬قلنا‪:‬‬
‫ن الّنصيح ُ‬ ‫ة ‪ ،‬فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ )):‬الدي ُ‬ ‫سه ‪ ،‬الّنصيح ُ‬‫وأسا َ‬
‫لمن ؟ قال ‪ :‬لله‪ ،‬ولرسوله ‪ ،‬ولئمة المسلمين وعامتهم (( ‪ .‬وقال صلى الله‬
‫)‪(5‬‬

‫ف عليه‬‫ن‪ ،‬ي َك ُ ّ‬ ‫ن أخو المؤم ِ‬ ‫ن ‪ ،‬والمؤم ُ‬


‫مْرآة ُ المؤم ِ‬
‫ن ِ‬
‫عليه وسلم ‪ )) :‬المؤم ُ‬
‫)‪(6‬‬
‫طه من ورائه ((‬ ‫حو ْ ُ‬
‫ضي ْعََته ‪ ،‬وي ُ‬
‫َ‬

‫ن يخبر بعيوب‬
‫ري الّناظَر ما فيه من العيوب ‪ ،‬كذلك المؤم ُ‬
‫فكما أن المرآة َ ت ُ ِ‬
‫ة عليه لئل يبقى عليه شيٌء منها إلى آخر وقته ‪.‬‬
‫)‪(7‬‬
‫أخيه شفق ً‬

‫ب من الله‬
‫ي وعليك أن يمسنا عذا ٌ‬
‫ة عل ّ‬ ‫ت شفق ً‬ ‫ثالّثا ‪ :‬وأناديك بهذه الكلما ِ‬
‫ب اللهِ شديد ٌ ‪.‬‬‫سبحانه وتعالى ‪ ،‬فإن عذا َ‬

‫ت خوفا ً علينا من سخ ِ‬
‫ط اللهِ ‪ ،‬ونقمِته ‪ ،‬ومقِته ؛‬ ‫رابعا ‪ :‬وأكتب لك هذه الكلما ِ‬
‫شيطان قد نصب‬ ‫ق على وجه الخصوص ؛ لن ال ّ‬ ‫ت في السوا ِ‬ ‫لنتشارِ المنكرا ِ‬
‫ب البلدِ إلى اللهِ سبحانه وتعالى‬‫فيها رايته قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬أحـ ّ‬
‫م الّنوويّ ـ رحمه‬‫ض البلد ِ إلى اللهِ السواقُ (( ‪ ،‬قال الما ُ‬
‫)‪(8‬‬
‫المساجد ُ ‪ ،‬وأبغ ُ‬
‫ّ‬
‫ه ـ ‪)) :‬لنهـا محل الغش والخداع والّربا واليمان الكاذبة ‪ ،‬وإخلف الوعد‬ ‫الل ُ‬
‫والعراض عن ذكر الله وغير ذلك مما في معناه (( وأزيد مما في معناه ‪:‬‬
‫إطلق الّنظرات في المحرمات ‪ ،‬وإيذاء المسلمين في أعراضهم‪.‬‬

‫ن‬‫نـإ ْ‬‫ل رضي الله عنه ‪)) :‬ل تكون َ ّ‬ ‫ي الجلي ُ‬


‫صحاب ّ‬‫ي‪ ،‬ال ّ‬
‫ن الفارس ّ‬‫وقال سلما ُ‬
‫ج منها ؛ فإنها معركة‬ ‫سوقَ ‪ ،‬ولآخَرمن يخر ُ‬ ‫ن يدخ ُ‬
‫ل ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫استطعت ـ أو َ‬
‫ل َ‬
‫شيطان بأهلها ‪،‬‬ ‫سوق وفع َ‬
‫ل ال ّ‬ ‫شيطان وبها ينصب رايته (( “فقد شبه ال ّ‬
‫)‪(9‬‬
‫ال ّ‬
‫سوق( من أنواع الباطل ” ‪.‬‬
‫)‪(10‬‬ ‫َ‬
‫ونيله منهم بالمعركةِ لكثرة ما يقع فيها )أي ال ّ‬
‫ف عموم ِ العقوبةِ من الله‬ ‫ت خو َ‬ ‫أخي الكريم ‪ ،‬إني أكتب إليك هذه الكلما ِ‬
‫ت وعدم ِ تغييرها ‪ ،‬قال ـ صلى الله عليه‬ ‫سبحانه وتعالى ‪ ،‬بظهور المنكرا ِ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل يَ ُ‬
‫ن عَلى أ ْ‬‫قدُِرو َ‬
‫صي ي َ ْ‬ ‫مَعا ِ‬ ‫م ِبال َ‬ ‫مل ِفيهِ ْ‬ ‫ن ِفي قوْم ٍ ي ُعْ َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ج ٍ‬‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ِ‬‫وسلم ـ ‪َ )):‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫موُتوا (( ‪.‬‬
‫)‪(11‬‬
‫ي‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ل‬
‫ٍ ِ ْ ْ ِ ْ َ ُ‬‫ب‬‫َ‬ ‫ق‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫ع‬ ‫ب‬
‫ُ َِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬
‫َ َُ ُ‬‫صا‬ ‫أ‬ ‫إل‬‫ِ‬ ‫روا‬ ‫ي‬
‫َُ ُّ‬‫غ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫فل‬ ‫ي ُغَي ُّروا عَل َي ْهِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ة ‪َ } :‬يا أّيها الذين آ َ‬‫ن حازم ٍ قال‪ :‬قرأ أبوبكرٍ هذه الي َ‬ ‫سب ِ‬‫َوعن قي ِ‬
‫س‬
‫ن الّنا َ‬ ‫م { ]المائدة‪ [105:‬قال‪ :‬إ ّ‬ ‫ض ّ‬
‫ل إَذا اهْت َد َي ْت ُ ْ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ضّرك ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م ل يَ ُ‬ ‫ف َ‬‫أن ْ ُ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫ت رسو َ‬ ‫ة على غيرِ موضِعها ‪ ،‬أل وإّني سمع ُ‬ ‫ن هذه الي َ‬ ‫ضُعو َ‬
‫يَ َ‬
‫م فلم يأخذوا على ي َد َْيه أو قال‪:‬‬ ‫س إذا رءوا الظال َ‬ ‫ن الّنا َ‬‫عليه وسلم يقول ‪ )) :‬إ ّ‬
‫مهم الله بعقابه (( ‪.‬‬
‫)‪(12‬‬ ‫ّ‬ ‫المنكَر فلم يغّيروه ع ّ‬

‫ص ‪ ،‬بل هو لعموم ِ الخلق ‪ ،‬فليس النكاُر‬ ‫ب ليس لحد مخصو ٍ‬ ‫وهذا الخطا ُ‬
‫م أّنه منكٌر‬
‫ب على من عَل ِ َ‬ ‫واجبا ً على فئةٍ من الّناس دو َ‬
‫ن فئةٍ ‪ ،‬بل هو واج ٌ‬
‫ن‪.‬‬ ‫وقدر على النكاِركائنا ً من كا َ‬

‫ل فيتبعون‬ ‫أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلني وإياك ممن يستمعون القو َ‬
‫عَباد *‬ ‫أحسنه فإن الله سبحانه وتعالى يقول في من هذه حاله ‪ }:‬فَب َ ّ‬
‫شْر ِ‬
‫ل فَيتبعو َ‬
‫م‬
‫ك هُ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه وأولئ ِ َ‬ ‫داهُ ْ‬ ‫سَنه أولئ ِ َ‬
‫ك الذين هَ َ‬ ‫ح َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫قو ْ َ َ ّ ِ ُ ْ َ‬ ‫معُوْ َ‬
‫ست َ ِ‬ ‫ال ّذِي ْ َ‬
‫ن يَ ْ‬
‫ُأوُلو الل َْباب{ ]الّزمر ‪. [18:‬‬

‫وقد وعد الله من فعل ما يوعظ به بأمور عظيمة هي غاية ما يتمناه كل‬
‫مسلم فقال جل ذكره ‪:‬‬

‫هم‬ ‫خْيرا ً لهم وأ َ َ‬


‫شد ّ َتـث ِْبـْيتا ً *ولهد َي َْنا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ن به ل َ َ‬
‫كا َ‬ ‫م فَعَُلوا ما ُيوعَظ ُوْ َ‬ ‫} ولو أن ّهُ ْ‬
‫))‬ ‫ن سعدي ـ رحمه الله‪:‬‬ ‫ة اب ُ‬‫ما{]الّنساء‪66:‬ـ ‪ [68‬قال العلم ُ‬ ‫قي ْ َ‬
‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬‫صَراطا ً ُ‬‫ِ‬
‫رتب ما يحصل لهم على فعل ما يوعظون به ‪ ،‬وهو أربعة أمور ‪:‬‬

‫خْيرا ً لهم {أي‪ :‬لكـانوا مـن الخيـار‬


‫ن َ‬ ‫أحدها‪:‬الخيرية في قولـه‪ }:‬ل َ َ‬
‫كا َ‬
‫المتصفـين بأوصافهم من أفعال الخير التي أمروا بها‪.‬‬

‫ه يثبت الذين آمنوا بسبب ما‬ ‫ت والّثبا ِ‬


‫ت وزيادته‪.‬فإن الل َ‬ ‫الّثاني ‪:‬حصو ُ‬
‫ل التثبي ِ‬
‫قاموا به من اليمان الذي هو القيام بما وعظوا به‪.‬‬

‫فيثبتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفتن ‪ ...‬والمصائب ويحصل لهم الّثبات‬
‫على الدين عند الموت وفي القبر‪.‬‬

‫ظـْيمًا{ أي في العـاجل والجل‬


‫جرا ً عَ ِ‬
‫ن ل َد ُّنا أ ْ‬
‫ث‪ :‬قولـــه }وإذا ً لت َي َْناهم م ْ‬
‫الّثـال ّ‬
‫الذي يكون للروح والقلب والبدن ومن الّنعيم المقيم مما ل عين رأت ول أذن‬
‫سمعت ول خطر على قلب بشر‪.‬‬

‫الّرابع ‪ :‬الهداية إلى صراط مستقيم ‪.(13) ((...‬‬


‫حواشي المقدمة ‪:‬‬

‫مُره‬
‫س خيٌر؟ قال صلى ال عليه وسلم‪ )) :‬من طال ع ُ ُ‬ ‫)‪ (1‬قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أيّ الّنا ِ‬
‫مُره وساء عمله (( رواه الترمذي وقال ‪" :‬هذا‬ ‫س شّر ؟ قال ‪ : ‬من طال ُ‬
‫ُ‬ ‫ع‬ ‫وحسن عمله ‪ ،‬قال‪:‬فأيّ الّنا ِ‬
‫حديث حسن صحيح " سنن الترمذي ‪6/622‬مع شرحها تحفة الحوذي‪ (2) .‬متفق عليه‪:‬أخرجه‬
‫البخاري‪،‬الفتح ‪ ،5/97‬ومسلم ‪120 /16‬بشرح الّنووي‪ (3).‬متفق عليه ‪ :‬أخرجه البخاري في ‪ :‬اليمان‬
‫الفتح ‪ ، 1/57‬ومسلم في اليمان شرح الّنووي ‪ (4). 2/16‬فتح القدير للشوكاني ‪ (5). 2/381‬رواه مسلم‬
‫‪39 /2‬بشرح الّنووي ‪ ،‬وأبوداود )‪ ، (4944‬والترمذي )‪، (1926‬والبخاري تعليقا ‪ ،‬في اليمان ‪ ،‬باب‪:‬قول‬
‫الّنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ ":‬الدين الّنصيحة"‪ (6) .‬رواه أبوداودفي الدب‪،‬باب الّنصيحة)‪،(4918‬‬
‫صمد بتوضيح الدب‬ ‫صمد‪ (7) .‬فضل الله ال ّ‬
‫والبخاري في الدب المفرد ‪،1/233‬مع شرحه فضل الله ال ّ‬
‫المفرد للجيلني ‪ 313 /1‬بتصرف‪ (8) .‬رواه مسلم في المساجد ‪ 5/170‬بشرح الّنووي‪ (9) .‬رواه مسلم‬
‫صحابة ‪ ،‬باب فضائل أم سلمة ‪ 7 /16‬بشرح الّنووي‪ (10) .‬شرح الّنووي على صحيح مسلم‬ ‫في فضائل ال ّ‬
‫‪ (11).16/7‬أخرجه أحمد في المسند ‪ ،4/366‬وابن حبان ‪ 458 /1‬الحسان ‪ ،‬قال محققه شعيب‬
‫الرناؤوط ‪)) :‬حسن (( ‪ ،‬وأبو داود )‪ (4339‬وابن ماجة )‪(12). (4009‬أخرجه أحمد ‪ 1/2‬وابن حبان في‬
‫صحيحه ‪ 1/462‬الحسان‪ ،‬وقال شعيب الرناؤوط “ إسناده صحيح ” ‪ (13).‬تفسيرابن سعدي رحمه الله‬
‫‪1/365‬ـ ‪. 366‬‬

‫المحتويات‬

‫وابتغوا من فضل الله‬


‫أخي التاجَر ‪ ،‬أنت في تجارتك تفيد مجتمَعك ‪ ،‬ذلك أن التجارة َ ل يمكن أن‬
‫سـتغنى عنها‪ ،‬ول يقوم بلد ٌ بدونها‪:‬‬
‫ُيـ ْ‬
‫)‪(1‬‬
‫ة أ ُُنـفـا‬ ‫ح ٌ‬
‫ل روض ً‬ ‫م ْ‬
‫هي الـتجارةُ ل ي ُعَْنى بها بلد ٌ حتى ي َُرى وهو َ‬

‫دفـا‬
‫ص َ‬
‫ن لم يأبوا َتعاطَيها فأيّ عذرٍ لمن عن نهجهم َ‬
‫دنا َ‬
‫ت عَ ْ‬
‫سادا ُ‬

‫ضـَيت‬‫غب فيها ـ سبحانه وتعالى ـ فقال في كتابه العزيز‪ }:‬فَإ َِذا قُ ِ‬ ‫وقد ر ّ‬
‫ه{ ] الجمعة‪ [10:‬وقال‬ ‫)‪(2‬‬
‫ل الل ّ ِ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫م ْ‬
‫ض واب ْت َُغوا ِ‬‫شُروا في الْر ِ‬ ‫صلةُ فاْنـت َ ِ‬
‫ال ّ‬
‫ه{‬ ‫ّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ض ِ‬ ‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫ض َيـب ْت َغُوْ َ‬‫ن في الْر ِ‬ ‫ضرِب ُوْ َ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫خُروْ َ‬
‫سبحانه وتعالى ‪َ }:‬وآ َ‬
‫]المزمل‪[20:‬‬

‫ل ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتـجارة مـع خديجة بنت‬ ‫وقد اشتغل الّرسو ُ‬
‫ل ‪ )) ،‬فلما‬ ‫ف وما ٍ‬ ‫ت شر ٍ‬ ‫خويلد ـ رضي الله عنها ـ ‪ ،‬وكانت امرأةً تاجرةً ‪ ،‬ذا َ‬
‫بلغها عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من صدق حديثه ‪ ،‬وعظم‬
‫أمانته ‪ ،‬وكرم أخلقه ‪ ،‬بعثت إليه ‪ ،‬فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى‬
‫شام تاجرا ‪ ،‬وتعطيه أفضل ما تعطي غيره من التجار(( )‪ (3‬وقد قبل رسول‬ ‫ال ّ‬
‫شام وربحت‬ ‫الله صلى الله عليه وسلم فخرج مع غلمها ميسرة حتى نزل ال ّ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ل صلى الله عليه وسلم على الكس ِ‬ ‫سو ُ‬‫ث الّر ُ‬ ‫التجارة ربحا ً عظيما ً ‪.‬وقد ح ّ‬
‫ل والبطالة ‪ ،‬قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪ )) :‬ما‬ ‫ذر من الكسـ ِ‬ ‫ل ‪،‬وح ّ‬
‫والعم ِ‬
‫ّ‬
‫ي الله داود َ ـ عليه‬ ‫ده وإن نب ّ‬‫لي ِ‬
‫م ِ‬‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬
‫ل ِ‬‫ن أن يأك َ‬ ‫م ْ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ل أحد ٌ طعاما قط خـيرا ِ‬ ‫أ َك َ َ‬
‫ده (()‪ (4‬وإنما ذكر صلى الله عليه وسلم داود عليه‬ ‫لي ِ‬ ‫م ِ‬‫ن عَ َ‬
‫م ْ‬ ‫م كان يأك ُ‬
‫ل ِ‬ ‫سل ُ‬‫ال ّ‬
‫السلم لينبه أمته على القتداء به ‪ ،‬وهكذا كان دأب أصحاب الّرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم فكانوا يعملون ‪ ،‬ويكسبون ‪ .‬قالت عائشة رضي الله عنها‪:‬‬
‫)‪(5‬‬
‫))كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم ((‬

‫ة على‬
‫دكم حزم ً‬
‫ب أحـ ُ‬
‫وقال الّرسول صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬لن يحـتــطــ َ‬
‫ل أحدا ً فيعطيه أو يمنعه (( )‪.(6‬‬
‫ظهره خيٌر له من أن يسأ َ‬

‫ب‬
‫وإذا رأيت الّرزقَ ضاقَ ببلـدةٍ وخشيت فيها أن يضيقَ المكس ُ‬
‫ب‬
‫فارحل فأرض الله واسعة الفضا طول وعرضا شرقها والمـغر ُ‬
‫حواشي وابتغوا ‪...‬‬

‫)‪ (1‬محل‪ :‬أي مجدب ‪ ،‬وروضه أنف‪ :‬أي جديدة الّنبت لم ت ُْرعَ ‪ (2).‬قيل‪ :‬المرهنا للباحة لمن له كفاف‬
‫سؤال وهومحرم عليه‬ ‫ولمن ليطيق التكسب ‪ ،‬وعلى الوجوب للقادر الذي لشيء عنده؛ لئليحتاج إلى ال ّ‬
‫مع القدرة على التكسب ‪ .‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري ‪ (3).4/288‬تهذيب سيرة ابن هشام ‪،‬عبد‬
‫رجل وعمله بيده الفتح ‪(5).4/303‬‬ ‫سلم هارون ص ‪ (4) .43‬أخرجه البخاري في البيوع ‪ ،‬باب كسب ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫سابق‪.‬‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫الموضع‬ ‫في‬ ‫‪،‬‬ ‫البخاري‬ ‫أخرجه‬ ‫(‬‫‪6‬‬ ‫)‬ ‫سابق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫الموضع‬ ‫في‬ ‫‪،‬‬ ‫البخاري‬ ‫أخرجه‬

‫المحتويات‬

‫سّهل يسّهل عليك‬


‫ب‬
‫ل سب ُ‬‫ن جميعا ً ‪ ،‬والعد ُ‬
‫ل والحسا ِ‬‫ه سبحانه وتعالى عباَده بالعد ِ‬ ‫أمرالل ُ‬
‫ب الفوِز‬
‫ُ‬ ‫سب‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫والحسا‬ ‫‪،‬‬ ‫المال‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫رأ‬ ‫مجرى‬ ‫التجارة‬ ‫من‬ ‫يجري‬ ‫وهو‬ ‫‪،‬‬ ‫الّنجاةِ‬
‫سعادة ‪ ،‬وهو يجري من التجارة مجرى الّربح ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ل ال ّ‬ ‫وني ِ‬
‫سهولة في البيع فل يغبن أخاه المسلم‬ ‫والحسان يكون في ال ّ‬ ‫‪.1‬‬
‫بما ل يتغابن به في العادة ‪ ،‬فل يزيد عليه في الّثمن زيادة فاحشة عما‬
‫سلعة ‪ ،‬كما أنه ينبغي على المشتري إذا اشترى من‬ ‫تستحقه تلك ال ّ‬
‫ضعيف أوفقيرأن يحتمل الغبن ويتساهل ‪ ،‬ويكون به محسنا فأما إذا‬
‫اشترى من تاجر غني يطلب الربح الكثير فاحتمال الغبن حينئذ ليس‬
‫محمودا ً ‪.‬‬
‫ومن الحسان أن يقيل البائع من يستقيله ‪ ،‬وذلك إذا طلب‬ ‫‪.2‬‬
‫سلعة فعلى البائع أن يقبل ذلك ؛ لن المشتري ل‬ ‫المشتري إعادة ال ّ‬
‫م متضرر ‪ ،‬وينبغي أن ل يرضى البائعُ لنفسه أن‬ ‫يطلب ذلك إل لنه ناد ٌ‬
‫ن سببا ً في ضررِ أخيه‪ ،‬وهو موعود بأجر عظيم إذا قبل ذلك ‪ .‬قال‬ ‫يكو َ‬
‫ً‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬من أقال نادما صفقته أقال الله عثرته يوم‬
‫القيامة (( )‪.(2‬‬
‫سماحة في استيفاء الّثمن من‬ ‫سهولة ‪ ،‬وال ّ‬ ‫والحسان ‪ ،‬في ال ّ‬ ‫‪.3‬‬
‫حط بعضها ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫سن مرةً بالمسامحة و َ‬ ‫ح ِ‬ ‫المشتري‪ ،‬واستيفاء الديون ‪ ،‬في ُ ْ‬
‫ه رجل ً‬‫م الل ُّ‬
‫ل والتأخيرِ ‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬رح َ‬ ‫ومرةً بالمها ِ‬
‫سمحا ً إذا باع ‪ ،‬وإذا اشترى ‪ ،‬وإذا اقتضى (( ‪ .‬فليغتنم المسلم دعاء‬
‫)‪(3‬‬

‫الّرسول صلى الله عليه وسلم بالّرحمة ‪ ،‬وقال صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫سّهل عليك )‪. (5‬‬
‫سّهل ي ُ َ‬ ‫مح لك (( )‪ (4‬أي َ‬ ‫س َ‬
‫)) اسمح ي ُ ْ‬
‫حواشي سهل ‪...‬‬

‫شيخين‪ .‬وصححه اللباني‬‫)‪ (1‬الحياء ‪(2 ) .2/84‬أخرجه أبوداود ) ‪ ،(3460‬وابن ماجة )‪(2199‬والحاكم ‪ ،2/45‬وقال ‪ :‬صحيح على شرط ال ّ‬
‫في إرواء الغليل )‪ (3 ) . 5/182 (1334‬رواه البخاري في البيوع‪ ،‬الفتح ‪ (4 ) .306 /4‬رواه المام أحمد في المسند ‪ ،1/248‬وقال‬
‫العراقي ‪:‬رجاله ثقات تخريج ‪.‬الحياء ‪ ، 2/81‬وصححه اللباني في صحيح الجامع )‪ (5) . (993‬الّنهاية لبن الثير ‪.2/398‬‬

‫المحتويات‬

‫المحرم ثمنه محرم‬


‫م الذي ل يجوز لحدٍ أن يأخ َ‬
‫ذه ويستفيد َ منه‬ ‫شيَء المحر َ‬‫ن ال ّ‬
‫م‪،‬إ ّ‬‫أخي المسل َ‬
‫ً‬
‫مْركبا أم غيَر ذلك من‬ ‫بأي وجهٍ ‪ ،‬سواًء أكان مأكل أم مشربا أم ملبسا أم َ‬
‫م ثمُنه ‪ ،‬أي دخل في دائرة‬ ‫حُر َ‬
‫م بيُعه َ‬
‫حُر َ‬
‫م بيعه ‪ ،‬وإذا َ‬‫وجوهِ النتفاع ـ يحر ُ‬
‫الحرام فل يجوز بيعه ول شراؤه ول إهداؤه ول غير ذلك ‪.‬‬

‫م ثمَنه (()‪ (1‬؛ ولن‬


‫حّر َ‬‫م شيئا ً َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ه إذا َ‬‫قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ )) :‬إن الل ّ َ‬
‫ن‬
‫دعوةِ إلى المحّرم ‪ ،‬أو العانةِ والتشجيِع عليه ‪ ،‬فيكو ُ‬ ‫ن من قبيل ال ّ‬ ‫ذلك يكو ُ‬
‫ً‬
‫قّررِ شرعا أنه‬‫ل في الثم ومن الم َ‬ ‫َ‬
‫المعطي أو البائعُ أو المشتري شريك الفاع ِ‬
‫ة عليه لقوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬ ‫ل الحرام ِ ل يجوز العان ُ‬ ‫كما ل يجوز فع ُ‬
‫ن { ]المائدة‪[2:‬‬ ‫وى َول ت ََعاوَُنوا عََلى ال ِث ْم ِ َوالعُد َْوا ِ‬
‫ق َ‬
‫}وََتـَعاوَُنوا على الب ِّر والت ّ ْ‬
‫وهذا هو معنى القاعدة الفقهية "ما حرم أخذه حرم إعطاؤه " و "ما حرم‬
‫استعماله حرم اتخاذه " )‪. (2‬‬

‫إياك والحرام‬

‫ل‬
‫ن بلقاِء رّبـه ‪ ،‬المصدقُ بقو ِ‬ ‫م ‪ ،‬المشفقُ على نفسه ‪ ،‬الموق ُ‬ ‫أيهاالمسل ُ‬
‫)‪(3‬‬ ‫ّ‬ ‫ل الل ّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ )):‬إّنـك ُ ْ‬
‫م ملقو اللهِ حفاة ً عراة ً غرل ً((‬ ‫رسو ِ‬
‫ل اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي ل ي َْنـط ِقُ عن‬‫ّ‬ ‫ن رسو ِ‬‫ـ لقد جاَءك ع ْ‬
‫الهوى خبٌر صادق ‪ :‬أنك موقوف فمسئول عن مالك ‪ ،‬قال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ )) :‬ل تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه ‪ ،‬وعن علمه فيم‬
‫فعل ‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ‪ ،‬وعن جسمه فيم أبله (()‪.(4‬‬

‫ل جوابا ً مادمت في دارِ المهلة ‪ ،‬فاليوم عم ٌ‬


‫ل‬ ‫سؤا ِ‬
‫م لذلك ال ّ‬
‫فأعد ّ أّيها المسل ُ‬
‫ول حساب ‪ ،‬وغدا حساب ول عمل ‪.‬‬

‫واحذْر أن تظلم أخا ً لك فتأخذ ماله من غير وجه مباح ‪ ،‬فإنه سيأتي عليك يوم‬
‫سيئات قال ـ‬ ‫يكون الحساب فيه بغير الدرهم والدينار ولكن بالحسنات وال ّ‬
‫ه منها ‪ ،‬فإّنـه‬ ‫ْ‬
‫حل ِل ُ‬ ‫ة لخيه فل ْي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ن عنده مظلم ٌ‬ ‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم ـ‪َ )) :‬‬
‫ن لم يكن له‬ ‫ْ‬ ‫فإ‬ ‫حسناته‬ ‫من‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫ِ ْ ِ‬‫خ‬‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫خ‬
‫ُ َ‬‫ْ‬ ‫ؤ‬ ‫ي‬ ‫أن‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫م من ْ ِ‬
‫ب‬ ‫ق‬ ‫م ديناٌر ول دره ٌ‬‫ليس ث َ ّ‬
‫ُ‬
‫ت عليه(( ‪ ،‬فما أعظم الفرق بين ما‬ ‫)‪(5‬‬
‫ح ْ‬ ‫ت أخيه فَط ُرِ َ‬ ‫خذ َ من سيئا ِ‬‫تأ ِ‬ ‫حسنا ٌ‬
‫أخذته منه وما أخذه منك ! ‪.‬‬

‫دنيا والخرةِ ‪ ،‬وآك ُ‬


‫ل الحرام ِ‬ ‫ب في ال ّ‬‫حب ِهِ ‪ ،‬وعذا ٌ‬‫م على صا ِ‬ ‫شؤ ْ ٌ‬
‫ل الحرام ِ ُ‬ ‫ن َأك َ‬
‫إ ّ‬
‫ّ‬
‫ؤك وتوفقَ‬ ‫ب دعا ُ‬ ‫ن يجا َ‬
‫ه ـ أّيـهما تختاُر ‪ :‬أ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل يجاب له دعاٌء ‪ ،‬فانظر ـ وفقك الل ُ‬
‫معُ لك دعوة‬ ‫س َ‬
‫سماِء دون دعائك فل ت ُ ْ‬ ‫ن ت ُغْل َقَ أبواب ال ّ‬
‫خَرةِ ‪ ،‬أو أ ْ‬ ‫دنيا وال ِ‬
‫في ال ّ‬
‫‪ ،‬ول يحالفك توفيق في الدنيا ول في الخرة ‪ ،‬وتحرم الخير بسبب هذا‬
‫الكسب ‪.‬‬

‫ل إل‬ ‫قب َ ُ‬
‫ب ل يَ ْ‬
‫ه طي ّ ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫س‪،‬إ ّ‬ ‫قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ )) :‬أّيها الّنا ُ‬
‫س ُ‬
‫ل‬ ‫ن فقال‪َ}:‬يا أّيـَها الّر ُ‬ ‫ه أمَر المؤمنين بما أمر به المرسلي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫طيبـا ً ‪ ،‬وإ ّ‬
‫م { ]المؤمنون‪[51:‬‬ ‫ن علي ٌ‬ ‫مل ُوْ َ‬ ‫صاِلحا ً إ ِّني ب ِ َ‬
‫ما ت َعْ َ‬ ‫وا َ‬‫مل ُ ْ‬
‫ت واعْ ْ‬ ‫طـّيـَبا ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫ك ُُلوا ِ‬
‫م {]البقرة‪ [172:‬ثم‬ ‫ما َرَزقَْناك ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ن ط َي َّبا ِ‬‫م ْ‬ ‫وقال ‪ } :‬يا أيها الذين آمنوا ك ُُلوا ِ‬
‫سماِء ‪،‬يا رب‪ ،‬يارب ‪،‬‬ ‫مد ّ يديه إلى ال ّ‬ ‫ث أغبَر ‪ ،‬ي َ ُ‬ ‫فَر أشع َ‬ ‫س َ‬
‫ل ال ّ‬‫ذكر الّرجل يطي ُ‬
‫سـتجاب لـه(( ‪ .‬قال‬
‫)‪(6‬‬
‫م ‪ ،‬وغُذ ّيَ بالحرام ِ ‪ ،‬فأّنى ي ُ ْ‬ ‫ه حرا ٌ‬ ‫س ُ‬‫م ‪ ،‬وملب ُ‬ ‫ه حرا ٌ‬ ‫م ُ‬‫ومطع ُ‬
‫الّنووي ‪ )):‬أي من أين يستجاب لمن هذه صفتــه وكيف يستجاب له((‪.‬‬
‫ل الّناِر‪ .‬قال صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬ل‬ ‫ب دخو َ‬ ‫جهٍ موج ٌ‬‫ل الحرام ِ بأيّ و ْ‬ ‫وأ َك ْ ُ‬
‫سد ٍ‬
‫ج َ‬‫ل َ‬ ‫ت الّناُر أولى به (( ‪ .‬وفي رواية ‪)):‬ك ُ ّ‬‫ت إل كــان ْ‬
‫ح ٍ‬
‫س ْ‬
‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ت ِ‬‫م ن َب َ َ‬
‫ي َْرُبو لح ٌ‬
‫ت من‬ ‫م نب َ‬ ‫ة لح ٌ‬ ‫َ‬
‫ت فالّنار أولى به(( وفي رواية‪)):‬لن يدخل الجن ّ َ‬ ‫ح ٍ‬‫س ْ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ت ِ‬‫َنبـ َ‬
‫ت (( )‪.(7‬‬ ‫ح ٍ‬‫س ْ‬ ‫ُ‬

‫ل من الكبائر )‪ )) ، (8‬قال‬ ‫س بالباط ِ‬ ‫ل الّنا ِ‬


‫ل أموا ِ‬ ‫وهذا وعيد ٌ شديد ٌ يفيد ُ أن أك َ‬
‫ل الّربا وموكله ‪ ،‬وآك ُ‬
‫ل‬ ‫سارقُ ‪ ،‬وآك ُ‬ ‫ن ‪ ،‬وال ّ‬‫ب الخائ ُ‬ ‫العلماء ‪ :‬يدخل في هذا البا ِ‬
‫ص‬
‫ل الّرشوة ‪ ،‬ومنق ُ‬ ‫حد َهُ ‪ ،‬وآك ُ‬
‫ج َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ل اليتيم ِ وشاهد ُ الّزورِ ‪ ،‬ومن استعاَر شيئا ف َ‬ ‫ما ِ‬
‫)‪(9‬‬
‫ر((‬ ‫ّ‬
‫ب فغطاه ‪ ،‬والمقام ُ‬ ‫ً‬
‫ن ‪ ،‬ومن باع َ شيئا فيه عي ٌ‬ ‫ل والوز ِ‬
‫الكي ِ‬
‫س من الب ُن َْيان ‪ ،‬فإذا‬ ‫سا ِ‬ ‫ل ال َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫دين َ‬‫ل الط ّْعمة من ال ّ‬ ‫مث َ ُ‬
‫م ‪ )) ،‬إّنما َ‬ ‫أخي الكري َ‬
‫ج انهاَر‬
‫س واعْوَ ّ‬ ‫ف السا ُ‬ ‫ضعُ َ‬ ‫م البنيان وارتفع ‪ ،‬وإذا َ‬ ‫س وقوي استقا َ‬ ‫ت السا ُ‬ ‫ث َب َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قوى‬ ‫ه عَلى ت َ ْ‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬‫س َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫م ْ‬‫البنيان ووقع (( ‪،‬وقال الله ـ عز وجل ـ ‪ }:‬أفَ َ‬
‫)‪(10‬‬

‫هارٍ َفان َْهاَر ب ِهِ في‬ ‫ف َ‬ ‫ه عََلى َ‬ ‫خير أ َم م َ‬


‫جْر ٍ‬‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫س ب ُن َْيان َ ُ‬
‫س َ‬
‫نأ ّ‬‫ن َ ٌْ ْ َ ْ‬ ‫وا ٍ‬
‫ض َ‬‫من الله ورِ ْ‬ ‫ِ‬
‫م { ]التوبة‪. [109:‬‬ ‫)‪(11‬‬
‫جهَن ّ َ‬
‫َنارِ َ‬

‫ول يغرنك ما ترى من تهافت الّناس على الموال من حل ومن حرام ‪ ،‬فل‬
‫يدري النسان من أين كسب ماله ‪ ،‬بل لعله يقصد سبل كسب المال‬
‫صريح ‪ ،‬وهذه غفلة ما بعدها غفلة ‪ ،‬ولكن موعدنا‬ ‫صحيح ال ّ‬ ‫المحرمة بالّنص ال ّ‬
‫ّ‬
‫ن المرد ّ إلى اللهِ إلى جنةٍ أو نارٍ ‪ ،‬خـلود ٌ بل موت وإقامة بل‬
‫وإياهم غدا فـ )) إ ّ‬
‫ظعن(( )‪ (12‬كما قال صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫وهؤلء قد أخبر عنهم الّرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنهم سيأتون بعده ‪،‬‬
‫قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ‪ )):‬يأتي على الّنـاس زمان ل يبالي المرء ما أخذ‬
‫منه أمن الحلل أم من الحرام (( )‪. (13‬وهذا تحذيٌر منه ـ صلى الله عليه وسلم‬
‫ل على صدق نبوته ‪ ،‬حيث إن هذا المَر واقعٌ مشاهد الن ‪ ،‬فاحذر أخي‬ ‫ـ ودلي ٌ‬
‫أن تكون منهم ‪ ،‬فأطب مكسبك ‪ ،‬وإياك والحرام ‪.‬‬

‫ن وجندبا ً وأصحاَبه وهو يوصيهم ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬ ‫عن أبي تميمة قال ‪ :‬شهدت صفوا َ‬
‫هل سمعت من رسول الل ّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئا ً ؟ قال ‪ :‬سمعته‬
‫م‬
‫ه عليه يو َ‬‫م القيامة ‪ ،‬ومن شاقّ شقّ الل ّ ُ‬ ‫مع الل ّ ُ‬
‫ه به يو َ‬ ‫مع س ّ‬ ‫يقو ُ‬
‫ل ‪ :‬من س ّ‬
‫القيامةِ ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أوصنا ‪ .‬فقال ‪ :‬إن أول ما ينتن من النسان بطُنه ‪ ،‬فمن‬
‫ل بينه وبين الجّنة‬ ‫استطاع أل يأكل إل طيبا ً فليفعل ‪ ،‬ومن استطاع أل يحا َ‬
‫ف من دم هََراقه فليفعل (()‪.(14‬‬ ‫بملء ك ّ‬

‫ت آخذين‬ ‫شبها ِ‬ ‫ة في ت َوَّرعهم عن ال ّ‬ ‫صالح قدوة ً حسن ً‬ ‫وإن لك في سلفنا ال ّ‬


‫ما‬‫ن وَب َي ْن َهُ َ‬ ‫م ب َي ّ ٌ‬ ‫حَرا َ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ن وَإ ِ ّ‬ ‫ل ب َي ّ ٌ‬ ‫حل َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪)) :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ض ِ‬
‫عْر ِ‬‫دين ِهِ وَ ِ‬ ‫ست َب َْرأ ل ِ ِ‬ ‫تا ْ‬ ‫شب َُها ِ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫س فَ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬‫ن ك َِثيٌر ِ‬ ‫مهُ ّ‬ ‫ت ل ي َعْل َ ُ‬ ‫شت َب َِها ٌ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ش ُ‬
‫ك‬ ‫ُ ِ‬ ‫يو‬ ‫مى‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬
‫َ ْ‬‫ح‬ ‫عى‬ ‫َ‬ ‫ر‬
‫َْ‬ ‫ي‬ ‫عي‬ ‫ِ‬ ‫را‬ ‫َ‬
‫كال‬ ‫م‬ ‫را‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫في‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫َُ ِ َ َ ِ‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ها‬ ‫ب‬ ‫ش‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫َ‬
‫وَ َ ْ َ َ ِ‬
‫ع‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ّ‬ ‫َ ََ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي‬ ‫ه أل وَإ ِ ّ‬ ‫م ُ‬ ‫حارِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫مى اللهِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِ‬ ‫مى أل وَإ ِ ّ‬ ‫ح ً‬
‫ك ِ‬ ‫مل ِ ٍ‬
‫ل َ‬ ‫ن ل ِك ُ ّ‬ ‫ن ي َْرت َعَ ِفيهِ أل وَإ ِ ّ‬ ‫أ ْ‬
‫ه َأل‬ ‫سد ُ ك ُل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫سد َ ال ْ َ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫سد َ ْ‬ ‫ه وَإ َِذا فَ َ‬ ‫سد ُ ك ُل ّ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ح ال ْ َ‬ ‫صل َ َ‬‫ت َ‬ ‫ح ْ‬ ‫صل َ َ‬
‫ة إ َِذا َ‬ ‫ضغَ ً‬ ‫م ْ‬ ‫سد ِ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ب (( )‪.(15‬‬ ‫قل ْ ُ‬‫ي ال ْ َ‬‫وَهِ َ‬
‫وإليك هذا المثال الذي يوضح لك كيف كان ورعهم ‪ ،‬واتقاؤهم الحرام في‬
‫المأكل وغيره ‪:‬‬
‫ر‬
‫ج ‪ ،‬وكان أبو بك ٍ‬ ‫رج له الخرا َ‬
‫خ ِ‬
‫م يُ ْ‬
‫ق ـ رضي الله عنه ـ غل ٌ‬ ‫صدي ِ‬‫كان لبي بكرٍ ال ّ‬
‫م‪:‬‬ ‫ً‬
‫خَراجه ‪ ،‬فجاَء يوما بشيء فأكل منه أبوبكرٍ ‪ ،‬فقال له الغل ُ‬ ‫يأكل من َ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫س ُ‬
‫ح ِ‬
‫ر‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬ت َكّهنت في الجاهليةِ ‪ ،‬وما أ ْ‬ ‫أتدري ما هذا ؟ فقال أبوبك ٍ‬
‫دعته فأعطاني بذلك ‪ ،‬فهذا الذي أكلت منه ‪ ،‬فأدخل أبو‬ ‫خ َ‬
‫ة ‪ ،‬إل أّني َ‬
‫الكهان َ‬
‫بكر يده فقاء كل شيء في بطنه (( ‪.‬‬
‫)‪(16‬‬

‫وهذا موقف غني عن التعليق ‪ ،‬فأطل التأمل فيه ‪ ،‬وفقك الله لكل خير ‪ ،‬ثم‬
‫تذكر أخي أن ‪:‬‬

‫ه‬
‫م ُ‬ ‫ه يوما ً وَتـْبـ َ‬
‫قى فـي غـدٍ آثا ُ‬ ‫مـ ُ‬ ‫حـّله و َ‬
‫حَرا ُ‬ ‫المـال يذهب ِ‬

‫ه‬
‫م ُ‬
‫ب شـرابــه وطعا ُ‬
‫ق للهه حتى يطي َ‬
‫ي بـمت ٍ‬
‫س الـّتـق ّ‬
‫لـيـ َ‬

‫ه‬
‫م ُ‬
‫ث كل ُ‬
‫ن الحدي ِ‬
‫ن في حـس ِ‬
‫فه ويكو َ‬
‫بك ّ‬
‫ب ما تحوي وتكس ُ‬
‫ويطي َ‬

‫ه‬
‫م ُ‬
‫ي صـلتـه وسل ُ‬ ‫نـط َقَ الّنـب ّ‬
‫ي لنا به عن ربّـه فعلى الّنب ّ‬
‫)‪(17‬‬

‫حواشي المحرم‪...‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه المام أحمد في المسند ‪ ،1/247‬وأبوداود)‪ ،(3488‬والبيهقي ‪،6/13‬وصححه اللباني في‬
‫تخريج أحاديث الحلل والحرام للقرضاوي ص ‪ (2).192‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪،4/415‬والشباه‬
‫والّنظائرللسيوطي ص ‪ ،280‬وشرح القواعد الفقهية لحمد الّزرقا ص ‪ (3) .215‬أخرجه البخاري في‬
‫كتاب الّرقاق باب الحشر‪ 11/377 ،‬مع الفتح‪) ،‬ملقوالله( أي في الموقف بعد البعث)حفاة(بلخف‬
‫ف)غرل( جمع أغرل وهو القلف ‪ ،‬الذي بقيت غرلته‪،‬وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من‬ ‫ولنعل جمع حا ٍ‬
‫الذكر‪ (4) .‬أخرجه الترمذي في صفة القيامة ‪ ،‬ماجاء في شأن الحساب والقصاص‪.‬وقال‪ :‬حسن صحيح‬
‫‪ 7/101‬مع شرحه“تحفة الحوذي” وصححه اللباني في “صحيح الجامع” )‪ (5). (7177‬أخرجه البخاري‬
‫م ( أي هناك في يوم القيامة ‪).‬‬ ‫في الّرقاق‪ ،‬باب القصاص يوم القيامة ‪ 11/395 ،‬مع الفتح ‪ ،‬ومعنى ) ث َ ّ‬
‫‪ (6‬رواه مسلم ‪ ،‬في الّزكاة ‪ 7/99‬بشرح الّنووي ‪ (7).‬رواه الترمذي ‪ ،‬في كتاب الجمعة وقال‪)):‬حسن‬
‫سحت ‪. 2/225‬قال الذهبي ‪)):‬إسناده‬ ‫غريب(( ‪ 3/237‬مع شرحه ‪ .‬والدارمي في الّرقاق باب‪:‬في أكل ال ّ‬
‫صحيـح(( الكبائرص ‪ ،120‬وصححه اللباني ‪،‬صحيح الجامع )‪ (8). (1395‬فيض القدير ‪ ،‬شرح الجامع‬
‫صغير ‪ ،‬للمناوي ‪ (9). 5/18‬الكبائر للذهبي ص ‪ ، 120‬وقد ت ُك ُّلم في نسبة هذا الكتاب المطبوع فتنبه ‪).‬‬ ‫ال ّ‬
‫‪ (10‬من كلم الغزالي في الحياء ‪) (11).2/690‬شفا( أي حرف أوطرف )جرف( هومالم يبن له حابس‬
‫سيول وغيرها ‪) ،‬هار( أي منهار منهدم ‪ (12).‬رواه الحاكم والطبراني ‪ ،‬وصححه اللباني في صحيح‬ ‫يقيه ال ّ‬
‫سير ‪ ،‬انظرالّنهاية ‪،157 /3‬‬ ‫صحيحة)‪(1668‬و )الظعن( الرتحال وال ّ‬ ‫سلسلة ال ّ‬‫الجامع )‪ (1942‬وال ّ‬
‫والمصباح ص ‪ (13). 146‬رواه البخاري في البيوع باب‪:‬من لم يبال من حيث كسب المال الفتح‬
‫‪ (14). 4/296‬رواه البخاري في الحكام )‪ (93‬الفتح ‪ .13/128‬وفي الحديث زيادة على الّنهي عن أكل‬
‫ف‬
‫ل القبيِح في المؤمنين ‪ ،‬وكش ِ‬ ‫ي عن القو ِ‬ ‫الحرام ‪ :‬وعيد ٌ شديد ٌ لقتل المسلم بغير حق ‪ ،‬والّنه ُ‬
‫ي عن إدخال المشقة‬ ‫م جماعتهم ‪ ،‬والّنه ُ‬ ‫ك مخالفة سبيل المؤمنين ‪ ،‬ولزو ُ‬ ‫مساويهم ‪ ،‬وعيوِبهم ‪ ،‬وتر ُ‬
‫عليهم والضرار بهم ‪ (15).‬متفق عليه ‪ ،‬البخاري في اليمان باب فضل من استبرأ لدينه ‪ ،‬ومسلم في‬
‫شوكاني بجزء شرحه فيه واسمه‬ ‫شبهات ‪.‬وقدأفرده العلمة ال ّ‬ ‫المساقاة باب‪ :‬أخذ الحلل وترك ال ّ‬
‫شبهات عن المشتبهات ‪ ((...‬فراجعه إن شئت ‪ (16).‬رواه البخاري في مناقب النصار ‪(63)،‬‬ ‫)) كشف ال ّ‬
‫‪ 7/149‬الفتح ‪ (17) .‬مختصر شعب اليمان للقزويني ‪،‬ص ‪. 86‬‬

‫المحتويات‬

‫احذر الغش والتلبيس‬


‫ك لك في‬ ‫ه لما يحب ويرضى ‪ ،‬وبار َ‬ ‫م ـ وفقك الل ُ‬
‫م‪ :‬لتعل ْ‬
‫خ المسل ُ‬ ‫أيها ال ُ‬
‫ت في‬ ‫م ظلما ٌ‬ ‫م ‪ ،‬والظل ُ‬ ‫م ظل ٌ‬
‫ل تضر به أخاك المسل َ‬ ‫ل عم ٍ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫تجارتك ـ أ ّ‬
‫ن‬
‫م فإ ّ‬‫قوا الظل َ‬‫ب والقبرِ والحشرِ ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬اّتـ ُ‬ ‫القل ِ‬
‫م القيامةِ (()‪ (1‬وأنت يوم القيامة في أمس الحاجة إلى الّنور ‪،‬‬ ‫ت يو َ‬
‫م ظلما ٌ‬
‫الظل َ‬
‫فإذا سعى المتقون المؤمنون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت‬
‫ظلمات الظلم الظالم حيث ل يغني عنه ظلمه شيئا ً ‪ ،‬وإنما ينشأ الظلم عن‬
‫ظلمة القلب ؛ لنه لو استنار بنور الهدى لعتبر)‪.(2‬‬

‫ح‬
‫ك به ‪ ،‬فانص ْ‬ ‫مل َ َ‬
‫ب أن يعا ِ‬ ‫م في بيعك بما تح ّ‬ ‫ل أخاك المسل َ‬ ‫م ‪ ،‬عام ْ‬
‫أخي المسل َ‬
‫ْ‬
‫سـلعة ـ إن كان فيها عيوب تعلمها ـ يباَرك لك في بيعك ‪،‬‬ ‫ب ال ّ‬
‫له وَبـّين له عيو َ‬
‫ن بالخيارِ ما لم يتفّرقا ‪،‬‬ ‫ح تجارُتـك ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪ )):‬الب َي َّعا ِ‬ ‫وترب ْ‬
‫فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ‪ ،‬وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما((‬
‫)‪(3‬‬

‫ة‪:‬‬
‫ن في أمورٍ ثلث ٍ‬ ‫وتفصي ُ‬
‫ل الّنصِح المأمورِ به في المعاملةِ يكو ُ‬

‫م‪،‬‬
‫ب حرا ٌ‬‫ب ‪ ،‬والكذ ُ‬ ‫سـلعة بما ليس فيها ‪ ،‬فإّنـه كذ ٌ‬ ‫الول ‪ :‬أن ل تـْثني على ال ّ‬
‫ث ‪ )) :‬المـسلم‬ ‫سابق ‪ ،‬ومضى حدي ُ‬ ‫حقٌ للبركة ‪ ،‬كما في الحديث ال ّ‬ ‫م ِ‬
‫م ْ‬
‫وهو ُ‬
‫صال المنافقين ‪ ،‬قال‬ ‫خ َ‬ ‫ة من ِ‬ ‫َ‬
‫صل ٌ‬‫خ ْ‬‫ب َ‬ ‫ن الكذ َ‬ ‫ذبه ‪ ((...‬ث ُ َ‬
‫مإ ّ‬ ‫ْ‬
‫أخو المـسلم ِ ل ي َك ِ‬
‫صا ومن كانت فيه‬‫ً‬ ‫ً‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬أربع من كن فيه كان منافقا خال ّ‬
‫ة كانت فيه خصلة من الّنفاق حتى يدعها ‪ :‬إذا اؤتمن خان ‪ ،‬وإذا حدث‬ ‫خصل ٌ‬
‫كذب ‪ ،‬وإذا عاهد غدر ‪ ،‬وإذا خاصم فجر (( ‪ ،‬ثم إن كذبت على أخيك فقبل‬
‫)‪(4‬‬

‫م ‪ ،‬وقد عرفت ما في‬ ‫سلعة مصدقا ً لك فهو ـ مع كونه كذبا ً ـ تلبيس وظل ٌ‬ ‫ال ّ‬
‫التلبيس والظلم من العقوبة في الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫سـلعةِ خفّيها وجلّيها ول تكتم منها شيئا ً تعلمه‬ ‫ب ال ّ‬‫الّثاني ‪ :‬أن تظهَر جميعَ عيو ِ‬
‫‪ ،‬فذلك واجب ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬المسلم أخـو المسلم ول يح ّ‬
‫ل‬
‫م فيه عَْيبا ً إل َبـّينه له (()‪ ، (5‬فإن أخفيته كان ظلما ً‬‫لمسلم ٍ باعَ من أخيه بيعا ً يعل ُ‬
‫س‬‫شنا فلي َ‬ ‫نغ ّ‬‫م ْ‬
‫م ‪ ،‬بل قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪َ )) :‬‬ ‫وغشا ً ‪ ،‬والغِ ٌ‬
‫ش حرا ٌ‬
‫)‪(6‬‬
‫نا ((‬
‫م ّ‬
‫ِ‬

‫ومر الّرسول صلى الله عليه وسلم علىصبرة طعام)‪ (7‬فأدخل يده فيها فنالت‬
‫أصابعه بلل ً فقال ‪ )) :‬ما هذا يا صاحب الطعام قال ‪ :‬أصابته ال ّ‬
‫سماء)‪ (8‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬قال ‪ :‬أفل جعلته فوق الطعام كي يراه الّناس ‪ ،‬من غش فليس‬
‫)‪. (9‬‬
‫مني ((‬

‫ب بين المسلمين ‪ ،‬وقد مضى حديث‬ ‫وإخفاء العيب فيه تر ٌ‬


‫ك للّنصح الواج ِ‬
‫))الدين الّنصيحة(( وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال ‪ :‬بايعت الّنبي‬
‫قَنني فيما استطعت ‪،‬والّنصِح‬ ‫طاعة ‪،‬فَل َ ّ‬
‫سمع وال ّ‬
‫وسلم على ال ّ ِ‬ ‫صلى الله عليه‬
‫) ‪. (10‬‬
‫لك ّ‬
‫ل مسلم ((‬
‫ٍ‬
‫رهما من أنواع المقاييس ‪ ،‬فينبغي أن‬ ‫ن وغي ِ‬ ‫ل والوز ِ‬ ‫ل في الكي ِ‬ ‫ث ‪ :‬أن تعد َ‬ ‫الّثال ّ‬
‫ب أن يكيلوا لك ‪ ،‬قال الله سبحانه وتعالى ‪}:‬وَي ْ ٌ‬
‫ل‬ ‫ل للّنــاس كما تح ّ‬ ‫تكي َ‬
‫َ‬
‫م‬
‫م أو وََزن ُوْهُ ْ‬ ‫كاُلوهُ ْ‬
‫ن * وإذا َ‬ ‫ست َوْفُوْ َ‬‫س يَ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن إذا اك َْتالوا على الّنا ِ‬ ‫ن * الذي َ‬‫فـي َ‬ ‫مط َ ّ‬
‫ف ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫ظيم ٍ {]المطففين‪1:‬ـ ‪ [5‬فالله‬ ‫ن ل َِيوم ٍ عَ ِ‬‫مب ُْعوُثو َ‬‫م َ‬ ‫ن أولئ َ‬
‫ك أن ّهُ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن أل ي َظ ّ‬
‫سُرو َ‬ ‫خ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫سبحانه وتعالى يتوعد في هذه اليات الذين إذا اشتروا لنفسهم استوفوا في‬
‫الكيل والوزن وغيرهما ‪ ،‬وإذا باعوا ووزنوا لغيرهم نقصوا ـ بالخسران والهلك‬
‫م{ أي “‬ ‫ظي ٍ‬ ‫مب ُْعوُثو َ‬
‫ن ل َِيوم ٍ عَ ِ‬ ‫م َ‬‫ك أن ّهُ ْ‬‫ن أولئ َ‬ ‫‪ ،‬ثم يقول سبحانه وتعالى ‪} :‬أل ي َظ ُ ّ‬
‫سرائر والضمائر في‬ ‫أما يخاف أولئك من البعث والقيام بين يدي من يعلم ال ّ‬
‫يوم عظيم الهول ‪ ،‬كثير الفزع ‪ ،‬جليل الخطب ‪ ،‬من خسر فيه أدخل نارا ً‬
‫حامية ‪ ،‬يقومون حفاة عراة غرل ً ‪ ،‬في موقف صعب حرج ضيق ضنك على‬
‫المجرم ‪ ،‬ويغشاهم من أمر الله سبحانه وتعالى ما تعجز القوى والحواس‬
‫) ‪. (11‬‬
‫عنه ”‬

‫ق الل ّهِ ـ سبحانه وتعالى ـ في‬


‫م بحقو ِ‬
‫سر لك القيا ُ‬‫م ‪ ،‬حتى يتي ّ‬
‫أخي المسل َ‬
‫ً‬
‫قه ينبغي أن تعتقد َ جازما بأمرين ‪:‬‬‫خل ْ ِ‬
‫معاملةِ َ‬

‫سلِع وترويجها ‪ ،‬وثناَءك عليها بما ليس فيها‬


‫ب في ال ّ‬ ‫الول ‪ :‬أن إخفاَء العيو ِ‬
‫ن وسائرِ المقادير ـ ل يزيد في رزقك بل‬ ‫م عدلك في الكيل والوز ِ‬ ‫وعد َ‬
‫ة‬ ‫ّ‬
‫ش والتلبيس يهلكه الله دفع ً‬
‫ب بركَته ‪ ،‬وما تجمعه من الغِ ّ‬ ‫يمحقه ‪ ،‬ويذه ُ‬
‫ل من خيانةٍ ‪ ،‬كما ل ينقص من صدقةٍ ‪ ،‬ومن ل يعرف‬ ‫واحدةّ ‪ ،‬فإذا ً ل يزيد ما ٌ‬
‫دق بهذا ‪.‬‬
‫ن لم يص ّ‬ ‫ن إل بالميزا ِ‬
‫الّزيادةَ والّنقصا َ‬

‫ل‬
‫ن فوائد َ أموا ِ‬ ‫دنيا ‪ ،‬وأ ّ‬
‫ح الخرةِ وِغَناها خيٌر من ربِح ال ّ‬ ‫م أن رب َ‬‫الّثاني ‪ :‬أن تعل َ‬
‫سـَتجيُز‬
‫ف َيـ ْ‬
‫مر ‪ ،‬وتبقى مظالمها وأوزاُرها ‪ ،‬فكي َ‬ ‫دنيا َتـْنقضي بانقضاِء العُ ُ‬
‫ال ّ‬
‫كـّله في سلم ِ‬
‫ة‬ ‫ل الذي هو أدنى بالذي هو خيٌر ‪ ،‬والخيُر ُ‬ ‫ل أن يستبد َ‬ ‫العاق ُ‬
‫دين ‪.‬‬ ‫ال ّ‬

‫م والعاُر‬
‫من الحَرام ِ وَيـْبقى الث ُ‬
‫شْهوتـه ِ‬ ‫فـَنى الل ّ َ‬
‫ذاذ َة ُ ممن نا َ‬
‫ل َ‬ ‫تَ ْ‬
‫)‪(12‬‬
‫مَغـّبتها ل خيَر في ل َذ ّةٍ من بعدها الّناُر‬
‫ب سوٍء في َ‬
‫واق ُ‬
‫َتبقى عَ َ‬
‫ويقول الخر‪:‬‬

‫مري ُْرها‬
‫م فإّنه حلوته تفَنى ويـْبقى َ‬
‫فل تقرب المَر الـحرا َ‬

‫ل الّله ‪ ،‬ولكن ل‬ ‫ن محمدا ً رسو ُ‬ ‫م ‪ ،‬أنت تشهد أن ل إله إل الّله ‪ ،‬وأ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫أخي الم ْ‬
‫ة من‬ ‫ص ً‬‫ن خال ّ‬
‫ل بمقتضاها ‪ ،‬وأن تكو َ‬ ‫ن تعم َ‬‫ق بها ‪ ،‬بل لبد أ ْ‬‫يكفي مجرد ُ الّنط ِ‬
‫ل تدري ما إخلص ل إله إل الله؟ ‪ ،‬اقرأ معي هذا الحديث ‪ :‬قال‬ ‫ك ‪ ،‬فه ْ‬‫قلب َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ً‬
‫ن قال ل إله إل الله مخلصا دخل الجنة (( ِقـْيـ َ‬ ‫م ْ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪َ )) :‬‬
‫)‪. (13‬‬
‫صهـا ؟ قال ‪ :‬تحجزه عما حرم الله ((‬ ‫وما إخل ُ‬

‫ل لك ‪ :‬ليس المُر‬ ‫سلعةِ ‪ ،‬فلن تشترى ‪ِ ،‬قـي َ‬ ‫ب ال ّ‬


‫ت ‪ :‬إذا بينت عيو َ‬ ‫فإن قل َ‬
‫م الخَر ‪ ،‬أن ل يشتري‬ ‫سلم ِ الذي يخاف الل ّ َ‬
‫ه واليو َ‬ ‫شْر ُ‬
‫ط التاجرِ الم ْ‬ ‫كذلك ‪ ،‬إذ َ‬
‫ر‪،‬‬
‫كه ‪ ،‬ثم يقنع في بيعه بربٍح يسي ٍ‬ ‫س َ‬
‫سه لو أم َ‬
‫للبيِع إل الجيد َ الذي يرتضيه لنف ِ‬
‫فيبارك الل ّ ُ‬
‫) ‪. (14‬‬
‫ه له فيه ‪ ،‬ول يحتاج بعد ذلك إلى التلبيس والغش‬
‫حواشي احذر ‪...‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري في المظالم ‪ ،‬دون قوله ‪ )) :‬اتقوا الظلم(( فتح الباري ‪ 100 /5‬ومسلم في البر‬
‫صلة ‪ 134 /16‬بشرح الّنووي ‪ (2).‬ابن الجوزي ‪ .‬الفتح ‪ 5/100‬بتصرف ‪ (3).‬متفق عليه‪ :‬البخاري في‬ ‫وال ّ‬
‫صدق في‬‫ّ‬ ‫ال‬ ‫باب‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫البيوع‬ ‫في‬ ‫ومسلم‬ ‫‪،‬‬ ‫‪4/134‬‬ ‫الفتح‬ ‫‪،‬‬ ‫ونصحا‬ ‫يكتما‬ ‫ولم‬ ‫يعان‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫ال‬ ‫بين‬ ‫إذا‬ ‫باب‪:‬‬ ‫‪،‬‬ ‫البيوع‬
‫البيع والبيان ‪ (4).‬رواه البخاري ومسلم كلهما في اليمان ‪ (5).‬رواه أحمد ‪ ،‬وابن ماجه ‪ ،‬والحاكم ‪،‬‬
‫واللفظ لحمد وقال ابن حجر ‪ )):‬وإسناده حسن (( الفتح ‪ (6). 311 /4‬رواه مسلم في اليمان ‪108 /2‬‬
‫صبرة الكومة المجموعة من الطعام )الّنووي( ‪ (8).‬أي المطر ‪ (9).‬رواه مسلم في‬ ‫بشرح الّنووي ‪ (7).‬ال ّ‬
‫سابق‪ (10) .‬متفق عليه ‪ ،‬البخاري في الحكام ‪ ،‬الفتح ‪ ، 93 / 13‬ومسلم في اليمان باب‬ ‫الموضع ال ّ‬
‫بيان أن الدين الّنصيحة ‪ (11) .‬تفسير ابن كثير ‪ (12).483 /4‬ينسبان لعلي رضي الله عنه‪ ،‬انظر مجمع‬
‫الحكم والمثال ص ‪ (13) 444‬قال العراقي في تخريج الحياء ‪)):2/76‬أخرجه الطبراني وإسناده‬
‫سلع الحياء ‪.2/75‬‬
‫حسن(( ‪ (14) .‬انظر في وجوب بيان عيوب ال ّ‬

‫الحتويات‬

‫واحفظوا أيمانكم‬
‫ف لينفقَ سلعَته ‪ ،‬أو ليزيد َ‬ ‫م ‪ ،‬يعتاد ُ كثيٌر من الّتجارِ ‪ ،‬والباعةِ الحل َ‬ ‫أخي المسل َ‬
‫ّ‬
‫ة ‪ ،‬وقد توعّد َ الله سبحانه‬ ‫ف لينبغي البت َ‬ ‫ن الحل َ‬‫م ‪ ،‬فإ ّ‬‫خلقٌ ذمي ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ذا ُ‬ ‫ثمَنها ‪ ،‬وهَ َ‬
‫ل‬‫ن في قلبه مثقا ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ف وعيدا عظيما ‪ ،‬زاجرا من كا َ‬ ‫ً‬ ‫وتعالى المنفقَ سلعَته بالحل ِ‬
‫ن ب ِعَهْدِ الله‬ ‫شترو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن الذي َ‬‫ذرةٍ من إيمان ‪ ،‬يقول الله سبحانه وتعالى ‪ } :‬إ ّ‬
‫م الله َول ي َن ُظُرُ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م في الخرةِ ول ي ُكل ُ‬ ‫خلقَ له ْ‬ ‫كل َ‬ ‫وأيمان ِِهم ثمنا ً َقليل ً أولئ َ‬
‫م { ]آل عمران‪.[77:‬‬ ‫ب عَظ ِي ْ ٌ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫كيهم وله ْ‬‫مةِ َولي َُز ّ‬
‫قَيا َ‬
‫م ال ِ‬‫إليِهم يو َ‬

‫ن ‪ .‬وقد اشتم َ‬
‫ل على خمسةِ أموٍر‬ ‫ب المؤم ِ‬
‫وهذا كما ترى وعيد ٌ شديد ٌ يهّز قل َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ة‬
‫عظيم ٍ‬

‫ب لهم من نعيم ِ الجّنة ‪،‬‬


‫ت الخرةِ ‪ ،‬ولنصي َ‬
‫ظ لهم في خيرا ِ‬ ‫الول ‪ :‬أّنهم لح ّ‬
‫ن غيرهم ‪.‬‬‫وما أعد ّ الّله لهلها فيها دو َ‬

‫ن الّله ـ سبحانه وتعالى ـ ليكل ّ ُ‬


‫مُهم بما يسّرهم ‪.‬‬ ‫الّثاني ‪ :‬أ ّ‬

‫طف عليهم بخيرٍ ‪ ،‬مقتا ً من الّله لهم ‪.‬‬


‫ن الّله سبحانه وتعالى ليعْ ِ‬ ‫الّثال ّ‬
‫ث‪:‬أ ّ‬

‫س ذنوبهم ‪.‬‬ ‫الّرابـع ‪ :‬أ ّ ّ‬


‫ن الله سبحانه وتعالى ليطّهرهم من د َن َ ِ‬
‫جعا ً ‪.‬‬
‫ن لهم عذابا ً أليما ً مو ِ‬
‫الخامس ‪ :‬أ ّ‬

‫ة وهو في‬‫م سلع ً‬ ‫ن رجل ً أقا َ‬ ‫ن أبي أوفى ـ رضي الله عنه ـ أ ّ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫وعن عبدِ اللهِ ب ِ‬
‫َ‬
‫ي بها مالم ُيعط ليوقع فيها رجل ً من المسلمين ‪،‬‬ ‫ف بالله لقد أعط َ‬ ‫ّ‬ ‫ق فحل َ‬ ‫سو ِ‬
‫ال ّ‬
‫)‪. (2‬‬ ‫ً‬
‫منا قَِلـي ْل ً ‪{....‬‬
‫م ثَ َ‬
‫مان ِهِ ْ‬ ‫ّ‬
‫داللهِ وأي ْ َ‬
‫ن ب ِعَهْ ِ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫شت َُروْ َ‬ ‫ّ‬
‫ن الذِي ْ َ‬‫فنزلت ‪ } :‬إ ّ‬

‫مه ‪،‬‬ ‫ساو ُ‬ ‫ل يُ َ‬ ‫ما كان آخره جاَء رج ٌ‬ ‫ل الّنهارِ فل ّ‬ ‫ة أوّ َ‬ ‫م سلع ً‬ ‫ن رجل ً أقا َ‬ ‫وفي رواية ‪:‬أ ّ‬
‫من ََعها أّول الّنهارِ من كذا وكذا ‪ ،‬ولول المساُء ماباعها به ‪ ،‬فأنز َ‬
‫ل‬ ‫ف لقد َ‬ ‫فحل َ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ن ال ّذِي ْ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫)‪(3‬‬
‫ن ‪{...‬الية و قال صلى الله عليه‬ ‫شت َُروْ َ‬ ‫ه ـ عز وجل ـ ‪ } :‬إ ّ‬
‫ف عََلى‬ ‫حل َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫م ‪َ :‬ر ُ‬ ‫مةِ َول ي َن ْظ ُُر إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مهُ ُ‬ ‫ة ل ي ُك َل ّ ُ‬ ‫وسلم ‪َ)) :‬ثلث َ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫قد ْ أ َعْ َ‬
‫ن‬‫مي ٍ‬ ‫ف عََلى ي َ ِ‬ ‫حل َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ب ‪ ،‬وََر ُ‬ ‫كاذِ ٌ‬ ‫طى وَهُوَ َ‬ ‫ما أعْ َ‬ ‫م ّ‬ ‫طى ب َِها أك ْث ََر ِ‬ ‫سل ْعَةٍ ل َ َ‬ ‫ِ‬
‫ل‬‫قو ُ‬ ‫ماٍء فَي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ض‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ع‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ٌ‬
‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬
‫َ ُ ٍ ُ ْ ٍ ََ ُ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ما‬ ‫َ َِ َ‬‫ها‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫َ َ َْ َ َ ْ ِ َ‬
‫ي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ٍ‬ ‫ة‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬‫كا‬
‫َ‬ ‫الل ّه ‪ :‬ال ْيو َ‬
‫ضِلي ؛ ك َ َ‬
‫َ )‪(4‬‬ ‫من َعُ َ‬
‫داك (( و قال صلى‬ ‫ل يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ض َ‬ ‫ت فَ ْ‬ ‫من َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫ِ ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬
‫كي‬ ‫ز‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ْ‬
‫ُ ِ ِ ْ َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫إ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫يا‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫و‬‫َ‬
‫ُ ْ‬ ‫ي‬ ‫ه‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫م‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫ثل‬ ‫َ‬ ‫))‬ ‫‪:‬‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬
‫مَراٍر‬ ‫ث ِ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم َثل َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ها َر ُ‬ ‫قَرأ َ َ‬‫ل فَ َ‬ ‫م َقا َ‬ ‫َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫وَل َهُ ْ‬
‫ن‪،‬‬ ‫ل ‪َ ،‬وال ْ َ‬
‫مّنا ُ‬ ‫سب ِ ُ‬ ‫ل ‪ :‬ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ل الل ّهِ ؟ َقا َ‬
‫سو َ‬
‫م َيا َر ُ‬‫ن هُ ْ‬‫م ْ‬‫سُروا َ‬ ‫خ ِ‬‫خاُبوا وَ َ‬ ‫ل أ َُبو ذ َّر ‪َ :‬‬ ‫َقا َ‬
‫)‪(5‬‬
‫ب ((‬ ‫ف ال ْ َ‬
‫كاذِ ِ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬
‫حل ِ ِ‬ ‫سل ْعَت َ ُ‬
‫فق ُ ِ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫من َ ّ‬

‫شديد ِ في الخرةِ على المنفق سلعته بالحلف ‪ ،‬فإن‬ ‫وزيادة على هذا الوعيدِ ال ّ‬
‫ة‬ ‫ْ‬
‫سلعَ ِ‬‫ة ِلل ّ‬
‫ق ٌ‬
‫ف َ‬
‫من َ ّ‬
‫ف ُ‬
‫حل ِ ُ‬ ‫ْ‬
‫ذلك ممحق للبركة ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪)) :‬ال َ‬
‫ة ل ِل ْب ََرك َةِ (()‪(6‬وفي رواية ))للربح(( ‪.‬‬
‫ق ٌ‬
‫ح َ‬
‫م ِ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫حواشي واحفظوا ‪...‬‬

‫)‪ (1‬انظر تفسير المام الطبري لهذه الية ‪) 527 /6‬المعارف( ‪ (2).‬رواه البخاري في البيوع‪ ،‬الفتح‬
‫‪ (3). 4/316‬تفسير ابن جرير الطبري‪ :‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن ‪ (4). 6/533‬رواه البخاري في‬
‫كتاب التوحيد ‪ ،‬الفتح ‪ (5).13/423‬رواه مسلم في اليمان ‪،2/114 ،‬بشرح الّنووي ‪ (6).‬متفق‬
‫عليه‪:‬البخاري في البيوع‪ ،‬الفتح ‪ ،4/315‬ومسلم في البيوع ‪11/44‬بشرح الّنووي‪.‬‬

‫المحتويات‬

‫ل تبع على بيع أخيك‬


‫المسلم أخو المسلم ‪ ،‬ومن حقوق هذه الخوة أن يحب لخيه ما يحب لنفسه‬
‫من الخير ‪ ،‬ومن ذلك أليـبيع على بـيع أخيه ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫ض (( وقال أبو هريرة ‪ )):‬ن ََهى‬ ‫ضك ُ ْ َ‬
‫َ‬ ‫م عَلى ب َي ِْع ب َعْ ٍ‬ ‫)) لتلقـوا الّركبان ول ي َب ِعْ ب َعْ ُ‬
‫م‬
‫سَتا َ‬
‫ن يَ ْ‬‫ش … وَأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬‫ل الل ّهِ َ‬
‫سو ُ‬
‫ج ِ‬
‫ن الن ّ ْ‬
‫قي وَن ََهى عَ ِ‬ ‫ن الت ّل ّ‬‫م عَ ِ‬
‫سل َ‬
‫َ‬
‫َر ُ‬
‫خيهِ (( وهذا في حكم المرفوع ‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫سوْم ِ أ ِ‬ ‫َ‬
‫جل عَلى َ‬ ‫ُ‬ ‫الّر ُ‬

‫ي عن أربعة أمور محرمة يقع فيها كثير من الّناس‬


‫وفي هذين الحديثين نه ٌ‬
‫وهي ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ بيع الّرجل على بيع أخيه ‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ وسومه على سومه ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ وتلقي الّركبان ‪.‬‬

‫‪4‬ـ والّنجش ‪.‬‬

‫أما الول ‪ :‬وهو بيع الّرجل على بيع أخيه فيكون على صورتين ‪ :‬في البيع‬
‫وال ّ‬
‫شراء ‪.‬‬

‫الولى ‪ :‬أن يشتري “محمد” من “علي” سلعة مـا وهما في مجلـس العقد‬
‫ق ‪ ،‬فيأتي “زيد” ‪ ،‬ويعرض على“محمد” سلعة مثل‬ ‫لم يتفرقا ‪ ،‬وخيارهما با ٍ‬
‫التي اشترى من “علي” بأرخص ثمنا ً منها ‪ ،‬أو أجود منها بسعر سلعة‬
‫“علي” ‪.‬‬

‫الّثانية ‪ :‬أن يبيع “عثمان” سلعة على “إبراهيم” بخمسة آلف ثـم يجيء‬
‫سلعة بأكثر من الّثمن الذي دفعه‬
‫“أحمد” إلى “عثمان” فيطلب منه ال ّ‬
‫سلعة ‪ ،‬حتى يندم “عثمان” فيفسخ العقد ‪.‬‬ ‫“إبراهيم” في تلك ال ّ‬
‫وأما الّثاني ‪ :‬فهو سوم الّرجل على سوم أخيه ‪ ،‬وصورته‪:‬‬

‫ة ما ثم يأخذها رجل ليشتريها بثمن رضي به مالكها ثم بعد‬ ‫أن ُتعرض سلع ٌ‬
‫سلعة حتى يردها البائع من المشتري‬‫ذلك يجيء رجل آخر ويزيد في ثمن ال ّ‬
‫سلعة بالّثمن الذي عرضه عليه‬
‫الول ‪ ،‬فهنا جاء هذا الّرجل وقد رضي مالك ال ّ‬
‫الول ‪ .‬أما إذا لم يكن قد رضي بالّثمن الذي عرضه عليه الول ‪ ،‬أوكان‬
‫شيء معروضا لمن يزيد في الّثمن ‪ ،‬وبعض الّناس يزيد في ثمنه على بعض‬ ‫ال ّ‬
‫‪ ،‬فذلك غير داخل في الّنهي ‪.‬‬

‫وأما الّثال ّ‬
‫ث ‪ :‬فهو تلقي الّركبان ‪ ،‬وصورته ‪:‬‬

‫أن يأتي تاجر غريب عن البلد يحمل بضائع ‪ ،‬فيتلقاه تاجر من أهل البلد ‪ ،‬قبل‬
‫سوق ويعرف سعر البلد ‪ ،‬فيشتري منه بضاعته بأرخص من‬ ‫أن يقدم إلى ال ّ‬
‫سعرالبلد ‪ ،‬فهذا وكل ما أشبهه منهي عنه ‪ ،‬لما فيه من الخديعة ‪.‬‬

‫وأما الّرابع ‪ :‬فهو بيع الّنجش ‪ ،‬وصورته ‪:‬‬

‫سلعة وهوليريد شراءها بل ليخدع غيره ويغره‬ ‫أن يزيد الّرجل في ثمن ال ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ليزيد في ثمنها أكثر مما كان سيزيد لو لم يسمع ذلك الّناجش قال ابن أبي‬
‫أوفى ‪ “ :‬الّناجش آكل ربا ً خائن ” ويدخل في الّنجش من سئل عن ثمن‬
‫)‬
‫سلعة فأخبر بأكثر مما اشترى به ‪ ،‬قال البخاري ‪ “:‬وهو خداع باطل ليحل”‬ ‫ال ّ‬
‫شراء على‬‫‪ (3‬قال الّنووي ‪ “ :‬أجمع العلماء على منع البيع على بيع أخيه وال ّ‬
‫سوم على سومه ” ‪ ،‬وقال في الّنجش ‪ “ :‬وهذا حرام بالجماع ” و‬ ‫شرائه وال ّ‬
‫سلعة ‪.‬‬
‫أصل الّنجش الستثارة لن الّناجش يثير الّرغبة في ال ّ‬
‫حواشي ل تبع ‪...‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليهما ‪ ،‬أخرجهما البخاري في البيوع باب ‪ :‬ليبيع الّرجل على بيع أخيه وليسوم على سوم‬
‫أخيه حتى يأذن له أويترك ‪ ،‬الفتح ‪ ، 4/352‬ومسلم في البيوع ‪ 10/158 ،‬بشرح الّنووي ‪ (2).‬انظر في‬
‫سنة للمام البغوي ‪ 8/116‬وما بعدها ‪ ،‬وشرح الّنووي على صحيح مسلم‬ ‫هذه المور المحرمة ‪ :‬شرح ال ّ‬
‫‪ ،10/158‬وفتح الباري ‪ 4/352‬وما بعدها ‪ (3) .‬صحيح البخاري ‪10/355‬مع الفتح ‪.‬‬

‫المحتويات‬

‫اجتنب بيع ما فيه صور‬


‫صور‬
‫أخيالكريم ‪ ،‬لقد حذرنا الّرسول صلى الله عليه وسلم أشد التحذير من ال ّ‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫عن ْد َ الل ّهِ ي َوْ َ‬‫ذاًبا ِ‬ ‫س عَ َ‬ ‫ن أَ َ‬
‫شد ّ الّنا ِ‬ ‫‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم ‪ )):‬إ ِ ّ‬
‫صوَُر ل‬‫ذي ِفيهِ ال ّ‬ ‫ّ‬
‫ت ال ِ‬ ‫ْ‬
‫ن الب َي ْ َ‬‫ن (()‪ ،(1‬وقال صلى الله عليه وسلم‪ )) :‬إ ِ ّ‬ ‫صوُّرو َ‬ ‫م َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ملئ ِك َ ُ‬‫ه ال ْ َ‬
‫خل ُ ُ‬
‫)‪.(2‬‬
‫ة ((‬ ‫ت َد ْ ُ‬

‫قال الّنووي ‪ )):‬تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم ‪ ،‬وهومـن الكبائر‬
‫شديد المذكور في الحاديث وسواء صنعته بما‬ ‫لنه متوعد عليه بهذا الوعيد ال ّ‬
‫يمتهن أوبغيره فصنعته حرام بكل حال لن فيه مضاهاة لخلق الله سبحانه‬
‫وتعالى وسواء ماكان في ثوب أوبساط (()‪(3‬أو غيرها ‪.‬‬
‫فتصوير ماله روح من إنسان أوحيوان أوطيرأوغيرها محرم))ول فرق في‬
‫صورة لها ظل أو ل ‪ ،‬ولبين أن تكون مدهونة‬‫تحريم التصوير بين أن تكون ال ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫أو منحوتة أو منقوشة أو منقورة أو منسوجة ((‬

‫صور‬
‫وإليك أيها المسلم ‪ ،‬هذا الحديث العظيم الذي يبين لك حرمة كسب ال ّ‬
‫والتجار بها ‪.‬‬
‫َ‬ ‫عَن سِعيد ب َ‬
‫ما إ ِذ ْ أَتاهُ‬ ‫ه عَن ْهُ َ‬ ‫ضي الل ّ ُ‬ ‫س َر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ن عَّبا‬ ‫ِ‬ ‫عن ْد َ اب ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل ك ُن ْ ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ِ‬ ‫س‬
‫ح َ‬ ‫ن أِبي ال ْ َ‬ ‫ْ َ ِ ْ‬
‫شِتي من صنعة يدي ‪ ،‬وإني أ َ‬ ‫ل‪ِ :‬يا أ َ‬ ‫ل فَ َ‬
‫ع‬
‫صن َُ‬‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫عي‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ما‬
‫ِ َ ٌ ِ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫سا‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫إ‬
‫ّ ٍ ِ‬ ‫س‬ ‫با‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫قا َ َ َ‬
‫با‬ ‫ج ٌ‬‫َر ُ‬
‫ل اللهِ صلى‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫حد ّث ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫قا َ‬ ‫صاِويَر ‪ ،‬فَ َ‬
‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ك ِإل َ‬ ‫س‪:‬لأ َ‬ ‫ن عَّبا ٍ‬ ‫ل اب ْ ُ‬ ‫هَذِهِ الت ّ َ‬
‫ه‬‫معَذ ّب ُ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫صوَرة ً فَإ ِ ّ‬ ‫صوَّر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ‪َ )) :‬‬ ‫قو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬‫معْت ُ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ ،‬‬ ‫قو ُ‬ ‫الله عليه وسلم ي َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ديد َة ً ‪،‬‬ ‫ش ِ‬ ‫ل َرب ْوَة ً َ‬ ‫دا (( فََرَبا الّر ُ‬
‫ج ُ‬ ‫)‪(5‬‬
‫س ب َِنافٍِخ ِفيَها أب َ ً‬ ‫ح وَلي ْ َ‬ ‫خ ِفيَها الّرو َ‬ ‫ف َ‬ ‫حّتى ي َن ْ ُ‬ ‫َ‬
‫صن َعَ فَعَل َي ْكَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫قا َ‬ ‫ه ‪ ،‬فَ َ‬
‫ن تَ ْ‬ ‫ت ِإل أ ْ‬ ‫ن أب َي ْ َ‬ ‫حك ‪ ،‬إ ِ ْ‬ ‫ل )أي ابن عباس( ‪ :‬وَي ْ َ‬ ‫جهُ ُ‬‫فّر وَ ْ‬ ‫ص َ‬‫َوا ْ‬
‫)‪(6‬‬
‫ح ((‬ ‫س ِفيهِ ُرو ٌ‬ ‫يٍء لي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫جرِ ك ّ‬ ‫ش َ‬ ‫ذا ال ّ‬ ‫ب ِهَ َ‬
‫حواشي اجتنب ‪...‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه ‪ :‬أخرجه البخاري في اللباس باب ‪ :‬عذاب المصورين يوم القيامة ‪ .‬الفتح ‪، 10/382‬‬
‫ومسلم في اللباس ‪ ،‬باب ‪:‬لتدخل الملئكة بيتا فيه كلب ولصورة ‪ 14/92 ،‬بشرح الّنووي ‪ (2).‬متفق‬
‫عليه ‪ :‬البخاري في اللباس ‪ ،‬الفتح ‪ ، 10/391‬ومسلم في اللباس ‪ 84«14‬بشرح الّنووي ‪ (3) .‬شرح‬
‫الّنووي على صحيح مسلم ‪ (4) . 82، 14/81‬الفتح ‪(5) .10/390‬ربا ‪ :‬ذعر وامتل خوفا ‪ ،‬وهل يتنبه لهذا‬
‫أصحاب الرسوم الهزلية !‪(6) .‬متفق عليه ‪ :‬البخاري في البيوع ‪ ،‬الفتح ‪، 416«4‬ومسلم في اللباس‬
‫‪ 93«14‬بشرح الّنووي ‪.‬‬

‫المحتويات‬

‫احذرهم‬
‫س الصليب فهم يعظمونه ويعدونه شعارا ً لهم ‪،‬‬
‫إن من عقائد الّنصارى تقدي َ‬
‫ويسعون جاهدين بكل ما أوتوا من إمكانات ليدخلوا غيرهم في الّنصرانية “‬
‫المر الذي دفـع علماء اللهوت إلى وضع التنصير من بين العلوم اللهوتية‬
‫)‬
‫التي لها أصولها وفروعها ومناهجها ويدرس في كبرى الجامعات والمعاهد ”‬
‫‪(1‬‬

‫صليبيون وسائل خفية وحذرة في بعض البيئات لما رأوا من‬ ‫لقد سلك ال ّ‬
‫اعتزاز المسلم بعقيدته وتمسكه بها ‪ ،‬وفقدانه التصور أو القابلية لتغييرها ‪.‬‬

‫صليـب تـحت عيني المسلم ‪ ،‬يراه في‬ ‫هذه الوسيلة هي جعل شـعارهم ال ّ‬
‫المفروشات واللعاب وبرامج الحاسب واللت ‪ ،‬والعلمات التجارية‪،‬‬
‫سيارات والملبس وغيرها من الشياء التي يستعملها المسلم ‪ ،‬لماذا ؟‬ ‫وال ّ‬
‫صليب ‪ ،‬وتنكسر تلك الّنفرة منه فتمهد هذه‬ ‫حتى يألف المسلم مرأى ال ّ‬
‫الخطوة لما بعدها ؛ ولذلك فقد حمى المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫شرك وأسبابه ‪ ،‬فحذر وأنذر ‪،‬‬ ‫ل طريق يوصل إلى ال ّ‬ ‫جناب التوحيد ‪ ،‬وسد ك ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫وأبدى وأعاد ‪ ،‬وخص وعم ‪ ،‬وقطع الوسائل والذرائع المفضية إليه‬
‫فعن عائشة ـ رضي الله عنها “ أن الّنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬
‫ن‬
‫)‪(3‬‬
‫ه”‬
‫ض ُ‬
‫ق َ‬
‫ب ِإل ن َ َ‬ ‫شي ًْئا ِفيهِ ت َ َ‬
‫صاِلي ُ‬ ‫ي َت ُْر ُ‬
‫ك ِفي ب َي ْت ِهِ َ‬
‫ُ‬ ‫ن أ ُذ َي ْن َ َ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫مع َ أ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫ف ِبال ْب َي ْ ِ‬‫طو ُ‬ ‫ت ‪ “:‬ك ُّنا ن َ ُ‬ ‫ة َقال َ ْ‬ ‫نب ِ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫م عَب ْدِ الّر ْ‬
‫وعن أ ّ‬
‫حيهِ اط َْر ِ‬ ‫ن ‪ :‬اط َْر ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حيهِ فَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ال ْ ُ‬ ‫تأ ّ‬ ‫قال َ ْ‬
‫ب فَ َ‬ ‫صِلي ٌ‬‫مَرأةٍ ب ُْرًدا ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ت عََلى ا ْ‬ ‫فََرأ ْ‬
‫َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم َ‬
‫)‪(4‬‬
‫ه”‬ ‫ضب َ ُ‬‫ذا قَ َ‬ ‫حو َ ه َ َ‬ ‫ن إ َِذا َرأى ن َ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫سو َ‬ ‫َر ُ‬

‫فعليك ـ أخي التاجر ـ أن تراقب بضاعتك أيا كان نوعها‪ .‬ثم اعلم أن للصليب‬
‫أشكال كثيرة مختلفة يحاولون دسها إلينا في منتجاتهم التي يصدرونها ؛‬
‫ولذلك فقد تخفى على كثير من الّناس فتنبه لها ‪.‬‬
‫حواشي احذرهم ‪...‬‬

‫)‪ (1‬النشاط التنصيري في الوطن العربي ‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم عكاشة ‪ ،‬جامعة المام ‪ (2).‬انظر كتاب التوحيد‬
‫للمام محمد بن عبد الوهاب ‪ ،‬وحاشيته لبن قاسم ص ‪ (3).169‬أخرجه البخاري في صحيحه في اللباس‬
‫ساعاتي في الفتح الّرباني )‪: (17/285‬‬
‫الفتح ‪ (4).10/385 :‬أخرجه أحمد في المسند ‪ ، 6/140‬وقال ال ّ‬
‫“ إسناده جيد ” وأبو داود )‪. (3621‬‬

‫المحتويات‬

‫ل تلهك سوق الدنيا عن سوق الخرة‬


‫أخي الكريم ‪ ،‬اعلم ـ علمك الله كل خير ـ أنه ليجوزلعاقل أن يقدم دنياه‬
‫الّزائلة الفانية ‪ ،‬على آخرته الباقية ‪ ،‬وليجوز لمن عرف وأيقن يقينًاجازما ل‬
‫ً‬
‫ك ولريب ‪ ،‬بما أعده الله لعباده في جنته من الّنعيم المقيم ‪،‬‬‫يساوره ش ّ‬
‫وماتوعدهم به في ناره من العذاب الليم ـ أن يمنعه سوق الدنيا عن سوق‬
‫الخرة ‪ ،‬وما أسواق الخرة ؟ إنها المساجد وكل ما يقرب إلى الله من‬
‫العمال الصالحة ‪.‬‬
‫طاُء بن يسار )) إَذا مر عل َيه بعض من يبيع في ال ْمسجد دعاه فَ َ‬
‫ما‬
‫ه َ‬ ‫سأل َ ُ‬‫َ‬ ‫َ ْ ِ ِ َ َ ُ‬ ‫َ َ ٍ ِ َ ّ َ ْ ِ َْ ُ َ ْ َِ ُ ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل عَلي ْ َ‬‫ه َقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫معَ َ‬
‫ما هَ َ‬
‫ذا‬ ‫ق الد ّن َْيا وَإ ِن ّ َ‬
‫سو ِ‬
‫ك بِ ُ‬ ‫ن ي َِبيعَ ُ‬
‫ريد ُ أ ْ‬
‫ه يُ ِ‬
‫خب ََره ُ أن ّ ُ‬
‫نأ ْ‬‫ريد ُ فَإ ِ ْ‬‫ما ت ُ ِ‬‫ك وَ َ‬ ‫َ‬
‫)‪(1‬‬
‫رةِ ((‬ ‫َ‬ ‫خ‬
‫ِ‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫سو‬‫ُ‬

‫يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ مادحا ً عباده الذين يجمعون بين طلب الّرزق‬
‫ه فيَها‬ ‫ح لَ ُ‬
‫سب ّ ُ‬ ‫ن ت ُْرفَعَ وي ُذ ْك ََر فيَها اسم ُ‬
‫ه يَ َ‬ ‫ن الله أ ْ‬
‫ت أذِ َ‬‫بالبيع والعبادة ‪ }:‬في ب ُُيو ٍ‬
‫صلةِ وإيَتاِء‬ ‫ن ذِك ْرِ الله َوإَقام ِ ال ّ‬‫م تجاَرة ٌ َولَبيعٌ عَ ْ‬‫ل لت ُل ِْهيهِ ْ‬
‫جا ٌ‬
‫ل رِ َ‬
‫صا ِ‬
‫بالغدوّ َوال َ‬
‫ة{]الّنور‪ [36،37:‬فبينت الية أن من صفات المؤمنين أنهم يبيعون‬ ‫الّز َ‬
‫كا ِ‬
‫ويشترون ولكن إذا جاء وقت الصلة تركوا كل ذلك وأقبلوا عليها ‪.‬‬

‫فاحرص على أن تكون من هؤلء الذين أثنى الله عليهم في كتابه ‪ ،‬وإن لهم‬
‫عنده ـ سبحانه وتعالى ـ أجرا ً عظيما ً ‪ ،‬فإذا أ ُّذن للصلة ‪ ،‬فأغلق متجرك ‪،‬‬
‫وأقبل على الله ‪ ،‬وأد ّ ما افترضه عليك ‪ ،‬قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما‬
‫ت ع َل َي ْهِ ((‬
‫َ‬
‫ما افْت ََر ْ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬ ‫دي ب ِ َ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬
‫)‬
‫ض ُ‬ ‫م ّ‬
‫ي ِ‬ ‫ح ّ‬
‫يٍء أ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ي عَب ْ ِ‬ ‫قّر َ‬
‫ما ت َ َ‬
‫يروه عن ربه ‪ )) :‬وَ َ‬
‫‪(2‬‬
‫ب لمحبة الله سبحانه‬ ‫فإذا أديت الفريضة فأتبعها بالّنافلة ‪ ،‬فإن ذلك سب ٌ‬
‫وتعالى لك ‪ ،‬وكفى بهذا دافعا ً وحافزا ً ‪ ،‬فإن محبة الله للعبد أجل مطلوب ‪،‬‬
‫دي‬ ‫ما ي ََزا ُ‬
‫ل عَب ْ ِ‬ ‫سابق ‪ )) :‬وَ َ‬
‫وأعظم مرغوب ‪ ،‬ويتبين ذلك في تمام الحديث ال ّ‬
‫ه(( ثم إن الّنوافل تكمل ما نقص من الفريضة‬ ‫حّتى أ ُ ِ‬
‫حب ّ ُ‬ ‫ل َ‬
‫وافِ ِ‬ ‫ب إ ِل َ ّ‬
‫ي ِبالن ّ َ‬ ‫قّر ُ‬
‫ي َت َ َ‬
‫سهو والغفلة وغير ذلك ‪.‬‬ ‫بال ّ‬

‫م ‪ ،‬وهي أول ماتحاسب عليه يوم‬ ‫صلة شأُنها عظي ٌ‬


‫أخي المسلم ‪ :‬إن ال ّ‬
‫القيامة فإن صلحت أفلحت ‪ ،‬وإلخسرت خسارة عظيمة والعياذ بالله ‪.‬‬

‫م الذي يبين لك ماذكرته ‪ :‬قال الحسن البصري‬ ‫ث العظي َ‬


‫اقرأ معي هذا الحدي َ‬
‫سرلي جليسا صالحا ‪ ،‬قال ‪:‬‬‫رحمه الله ‪ )) :‬قدمت المدينة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬اللهم ي ّ‬
‫)‬
‫فجلست إلى أبي هريرة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إني سألت الله أن يرزقني جليسا صالحا‬
‫‪ ،(3‬فحدثني بحديث سمعته من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعل الله‬
‫أن ينفعني به ‪ ،‬فقال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪ )) :‬إن‬
‫ب به العبد ُ يوم القيامة من عمله صلته ‪ ،‬فإن صلحت فقد أفلح‬ ‫أول ما يحاس ُ‬
‫ً‬
‫وأنجح ‪ ،‬وإن فسدت فقد خاب وخسر ‪ ،‬فإذا انتقص من فريضته شيئا قال‬
‫الرب ـ تبارك وتعالى ـ انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من‬
‫)‪(4‬‬
‫الفريضة ‪ ،‬ثم يكون سائر عمله على ذلك ((‬

‫فإذا أديت الفريضة مع جماعة المسلمين فاخرج بعد ذلك إلى متجرك موفقا‬
‫ومباركا لك في تجارتك إن شاء الله ‪ ،‬وقد انشرح صدرك ‪ ،‬واطمأنت نفسك‪،‬‬
‫وعليك بذكر الله ‪ ،‬وسؤاله الّرزق الحلل ‪ ،‬والكسب الطيب ‪ .‬قال سبحانه‬
‫ل الله‬
‫ض ِ‬‫من فَ ْ‬
‫ض وابت َُغوا ِ‬
‫شروا في الْر ِ‬ ‫صلة َفانت ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ضي ْ‬ ‫وتعالى ‪ِ }:‬فإذا قُ ِ‬
‫ن { ]الجمعة‪ [10:‬وهذا هو حال المؤمن يؤدي‬ ‫حو َ‬ ‫م تفل ُ‬ ‫كروا الله كثيرا ً لعلك ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫واذ ْ ُ‬
‫فريضة الله ثم يسعى في أرض الله ويسأله من فضله وكرمه وجوده ‪ ،‬قال‬
‫ابن تيمية رحمه الله ‪ “ :‬وهذا وإن كان في الجمعة فمعناه قائم في جميع‬
‫صلوات ‪ ،‬ولهذا ـ والله أعلم ـ أمر الّنبي صلى الله عليه وسلم الذي يدخل‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ب رحمتك (( وإذا خرج أن يقول ‪)) :‬‬ ‫وا َ‬
‫ح ِلي أب ْ َ‬ ‫م افْت َ ْ‬ ‫المسجد أن يقول‪)) :‬الل ّهُ ّ‬
‫صحابة ـ‬ ‫ك (( ” وكان عراك بن مالك ـ وهوأحد ال ّ‬
‫)‪(5‬‬ ‫ضل ِ َ‬‫ن فَ ْ‬ ‫م ْ‬
‫ك ِ‬ ‫سأ َل ُ َ‬ ‫َ‬
‫الل ّهُ ّ‬
‫م إ ِّني أ ْ‬
‫رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال ‪:‬‬
‫اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك وانتشرت كما أمرتني فارزقني من‬
‫سلف ‪ :‬من باع واشترى يوم‬ ‫فضلك وأنت خير الّرازقين (( ‪ .‬وقال بعض ال ّ‬
‫)‪(6‬‬
‫صلة بارك الله له سبعين مرة ((‬ ‫الجمعة بعد ال ّ‬

‫أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده‬

‫صحابة والتابعين لهم بإحسان قدوة حسنة‬ ‫صالح من ال ّ‬ ‫ليكن لك في سلفنا ال ّ‬


‫فقدكانوامثاليحتذى في المحافظة على حرمات الله ‪ ،‬واتباع أوامره ‪،‬واجتناب‬
‫نواهيه ‪ ،‬قال قتادة رحمه الله‪ )):‬كـان القــــوم يتبايعون ويتجرون ‪ ،‬ولكنهم إذا‬
‫نابهم حق من حقوق الله لم تلههم تجارة ولبيع عن ذكر الله حتى يؤدوه إلى‬
‫)‪(7‬‬
‫الله ((‬

‫عن ذِك ْرِ الله‬ ‫جا ٌ‬


‫ل لُتلِهيهم تجارة ٌ َولبيعٌ َ‬ ‫وفيهم قال الله سبحانه وتعالى ‪ }:‬رِ َ‬
‫َوإَقام ال ّ‬
‫صلةِ { ‪.‬‬
‫سوق ‪،‬‬‫صحابي الجليل عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ في ال ّ‬ ‫كان ال ّ‬
‫صلة فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد ‪ ،‬فقال ابن عمر ‪ :‬فيهم‬ ‫فأقيمت ال ّ‬
‫)‪(8‬‬
‫ة{ وقال‬ ‫صل ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عن ذِكرِ الله َوإقام ال ّ‬ ‫ٌ‬
‫جال لُتلِهيهم تجارة ٌ َولبيعٌ َ‬ ‫نزلت ‪} :‬رِ َ‬
‫صلوات المكتوبات في الجماعة‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫وليدعون‬ ‫يتبايعون‬ ‫كانوا‬ ‫‪“:‬‬ ‫ثوري‬ ‫سفيان ال ّ‬
‫)‪(9‬‬
‫”‬

‫أولئك الّرجال “لم تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملذ ّ بيعها وربحها عن ذكر‬
‫ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم ‪ ،‬والذين يعلمون أن الذي عنده هو خيرلهم‬
‫ق ‪ ،‬ولهذا قال سبحانه‬ ‫وأنفع مما بأيديهم لن ما عندهم ينفد وما عندالله با ٍ‬
‫ة{ أي‬ ‫َ‬
‫صلةِ وإيَتاِء الّزكا ِ‬‫عن ذِك ْرِ الله َوإَقام ال ّ‬
‫وتعالى ‪ } :‬لُتلِهيهم تجارة ٌ َولبيعٌ َ‬
‫)‪(10‬‬
‫يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم”‬

‫الخاسرون إذا ربح الناس‬

‫أما أولئك الذين منعتهم أسواق الدنيا عن أسواق الخرة ‪ ،‬ونسوا أو تناسوا ما‬
‫صلة فهم الخاسرون يحبسون أنفسهم‬ ‫هم مقدمون عليه ‪ ،‬فأضاعوا فريضة ال ّ‬
‫س‬
‫ن الّنا ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫فو َ‬
‫خ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫صلة ‪ }:‬ي َ ْ‬
‫في محلتهم ‪ ،‬حتى ينتهي المسلمون من ال ّ‬
‫م { ]الّنساء‪[108:‬‬
‫معَهُ ْ‬
‫ن الله وَهُوَ َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫فو َ‬
‫خ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫َولي َ ْ‬

‫صلة ‪ ،‬إن أولئك قد حرموا‬‫أو يقفون على الطرقات يراقبون الذاهبين إلى ال ّ‬
‫دين ‪ ،‬وهي‬ ‫ال‬
‫ُ ّ‬ ‫د‬‫عما‬ ‫صلة‬‫أنفسهم خيرا عظيما ‪ ،‬وأضاعوا أمرا ً جسيما ً إذ ال ّ‬
‫ركُنه الّركين ‪ ،‬و الحد ّ الفاصل بين الكفر واليمان قال ـ صلى الله عليه وسلم‬
‫) ‪(11‬‬
‫صلةِ ((‬
‫ك ال ّ‬ ‫ن ال ْك ُ ْ‬
‫فرِ ت َْر ُ‬ ‫ن ال ْعَب ْد ِ وَب َي ْ َ‬
‫ـ‪ )) :‬ب َي ْ َ‬
‫صلة ببشرى عظيمة من صاحب رسول‬ ‫أبشر أيها المسلم المحافظ على ال ّ‬
‫الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ ،‬عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما فقد دخل‬
‫ما ‪ :‬يأيها الّناس أبشروا‬
‫فرأى قوما يصلون ‪ ،‬فقال بعث الّنار أحد ‪ ،‬ثم قرأ ‪َ } :‬‬
‫) ‪(12‬‬
‫ن{‬ ‫ّ‬
‫صلي َ‬‫ن الم َ‬
‫م ْ‬ ‫قَر َقالوا لم ن َك ُ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫س َ‬ ‫سل َك َك ُ ْ‬
‫م في َ‬ ‫فإنه ما منكم من َ‬

‫أما بعث الّنار الذي ذكره ـ رضي الله عنه ـ ‪ ،‬فإليك خبره ‪ ،‬حتى تعرف عظم‬
‫هذه البشرى ‪ :‬عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن الّنبي صلى الله‬
‫خي ُْر ِفي‬‫ك َوال ْ َ‬ ‫سعْد َي ْ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ل ل َب ّي ْ َ‬ ‫قو ُ‬‫م فَي َ ُ‬ ‫ه ت ََعاَلى َيا آد َ ُ‬‫ل الل ّ ُ‬‫قو ُ‬ ‫عليه وسلم قـال‪ )):‬ي َ ُ‬
‫ةَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫نك ّ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫ث الّنارِ قا َ‬ ‫َ‬
‫ث الّنارِ قا َ‬ ‫ل أَ ْ‬
‫قو ُ‬ ‫ك فَي َ ُ‬ ‫ي َد َي ْ َ‬
‫مائ ٍ‬
‫سع َ ِ‬ ‫ف تِ ْ‬ ‫ل أل ٍ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ما ب َعْ ُ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫ج ب َعْ َ‬ ‫خرِ ْ‬
‫مل ََها وَت ََرى‬ ‫ح ْ‬ ‫ل َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ح ْ‬ ‫ت َ‬‫ل َذا ِ‬ ‫ضعُ ك ُ ّ‬ ‫صِغيُر } وَت َ َ‬ ‫ب ال ّ‬‫شي ُ‬ ‫ن فَعِن ْد َه ُ ي َ ِ‬ ‫سِعي َ‬ ‫ة وَت ِ ْ‬ ‫سعَ ً‬‫وَت ِ ْ‬
‫) ‪(13‬‬
‫ديد { ((‬ ‫ش ِ‬ ‫ب اللهِ َ‬‫ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫َ‬
‫سكاَرى وَلك ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫سكاَرى وَ َ‬ ‫َ‬ ‫س ُ‬ ‫الّنا َ‬

‫يمشون نحو بيوت الله إذ سمعوا )الله أكبر( في شوق وفي جـذل‬

‫أرواحهم خشعت لله في أدب قلوبهم من جـلل الله في وجــل‬

‫نجواهم ربنا جئـناك طـائعة نفوسنا ‪ ،‬وعصينـا خـادع المـل‬

‫إذا سجى الليل قاموه وأعينهم من خشية الله مثل الجـائد الهطـل‬

‫صلة ول أكـذوبة الكســل‬


‫هم الّرجـال فل يلهيهم لعب عن ال ّ‬
‫حواشي ل تلهك ‪...‬‬

‫)‪ (1‬الموطأ ‪ ،‬للمام مالك رحمه الله ‪ (2). 1/174‬رواه البخاري في الّرقاق ‪ ،‬باب ‪ :‬التواضع ‪ ،‬الفتح‬
‫‪11/340‬ولعظم هذا الحديث فقد أفرده الشوكاني بكتاب شرحه فيه سماه “ قطر الولي في معرفة‬
‫الولي”‪ (3) .‬انظر إلى حرص هذا التابعي الجليل على الجليس الصالح ‪ ،‬فإنه خير معين على الخير‬
‫صلة )‪ (864‬باب قول الّنبي ـ صلى‬ ‫فاحرص عليه ‪(4) .‬أخرجه أحمدفي المسند ‪ ، 2/290‬وأبوداود في ال ّ‬
‫صلة ‪ ،‬باب ‪ :‬أول ما‬‫الله عليه وسلم ـ ‪)):‬كل صلة ليتمها صاحبها تتم من تطوعه ‪ ،‬والترمذي في ال ّ‬
‫يحاسب به العبد يوم القيامة ‪ 2/463‬مع شرحه “ تحفة الحوذي ” وحسنه الترمذي ‪ ،‬والبغوي في شرح‬
‫السنة ‪ ،4/159‬وصححه ابن حجر كما في“الفتح ”‪ ، 11/343‬وتحفة الحوذي ‪ (5) .‬أخرجه أحمد في‬
‫المسند ومسلم )‪ 5/224 (713‬بشرح النووي ‪ ،‬وأبو داود)‪ (465‬وكلم ابن تيمية في الوصية الصغرى ص‬
‫‪ ، 46‬تحقيق سليم الهللي ‪ (6) .‬أخرجه أحمد في المسند باقي مسند النصار ومسلم )‪5/224 (713‬‬
‫بشرح النووي ‪ ،‬وأبو داود)‪ ، (465‬وكلم ابن تيمية في الوصية الصغرى ص ‪ 46‬تحقيق سليم الهللي ‪) .‬‬
‫‪(7‬ذكرهما ابن كثير في تفسيره للية ‪ (8) . 4/367‬أخرجه البخاري رحمه الله في البيوع ‪ ،‬الفتح‬
‫‪ (9) . 4/297‬أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير في تفسير الية ‪ ،‬وانظر تفسير ابن كثير ‪ ، 3/295‬وفتح‬
‫الباري ‪ (10) . 4/297‬فتح الباري ‪ 4/297‬وقال ‪ )) :‬أخرجه أبونعيم في الحلية (( ‪ (11) .‬تفسير ابن كثير‬
‫ح ” وأبو داود )‪ (13) .(4678‬أخرجه‬ ‫حي ٌ‬
‫ص ِ‬
‫ن َ‬
‫س ٌ‬
‫ح َ‬
‫ث َ‬‫دي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫‪ (12). 3/295‬الترمذي )‪ (2544‬وقال “هَ َ‬
‫ذا َ‬
‫ساعة‬‫سنة ‪(14). 2/174‬أخرجه البخاري في الّرقاق ‪ ،‬باب قوله ‪}: I‬إن زلزلة ال ّ‬ ‫البغوي في شرح ال ّ‬
‫شيء عظيم{ ‪ 11/388‬مع الفتح ‪ .‬ومعنى أخرج بعث الّنار‪:‬أي ميز أهل الّنار من غيرهم‪.‬‬

‫المحتويات‬

‫السهم المسموم‬
‫أيها الخ الكريم ‪ ،‬يامن جعل رضى ربه أسمى هدف ‪ ،‬والفوز بالجنة أكرم‬
‫غاية ‪ ،‬والّنجاة من الّنارأعظم مرغوب ممتثل بذلك أمر ربك إذ يقول ـ جل‬
‫ن{‪.‬‬‫دو َ‬
‫س إلليعب ُ‬
‫ن والن َ‬
‫ت الج ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬
‫شأنه ـ ‪ }:‬وَ َ‬

‫أخي المسلم ‪ ،‬إن في جسدك عضوا صغير الحجم ‪ ،‬بقدر مضغة الطعام ‪،‬‬
‫جليل القدر هو في جسدك كالملك المتصرف في الجنود ‪ ،‬التي تصدر كلها‬
‫عن أمره ‪ ،‬ويستعملها فيما يشاء ‪ ،‬فكلها تحت سيطرته وقهره ‪ ،‬وتكتسب‬
‫منه الستقامة والّزيغ ‪ ،‬وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله ‪ ،‬فإن صلح صلح‬
‫الجسد كله ‪ ،‬وإن فسد فسد الجسد كله ‪ ،‬فهل عرفت هذا العضو الخطير إنه‬
‫القلب ذلك الملك المتربع بين حنايا صدرك !‪.‬‬

‫إذا عرفت منزلة القلب ‪ ،‬وأن صلحه صلح لسائر جسدك ‪ ،‬وفلح لك في‬
‫سعادة مطلب عزيز ‪ .‬وأن‬
‫دنياك وآخرتك ‪ ،‬وسعادة دائمة في الدارين ‪ ،‬وال ّ‬
‫فساده فساد لسائر جسدك ‪ ،‬وخراب لدنيك وآخرتك ‪ ،‬وشقاء وعيشة نكدة‬
‫في الدارين ‪.‬‬
‫َ‬
‫جعَل َْنا ل ُ‬
‫ه ُنوًرا يمشي ب ِهِ في‬ ‫مْيتا ً فَأ ْ‬
‫حي َي َْناه ُ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫يقول سبحانه وتعالى ‪ }:‬أوَ َ‬
‫خارٍِج منَها { ]النعام‪ [122:‬ففي هذه‬ ‫سب َ‬ ‫ت لي َ‬ ‫َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه في الظ ّل ُ َ‬
‫مث َل ُ ُ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬‫س كَ َ‬
‫الّنا ِ‬
‫صالح الحي ‪ ،‬وحال القلب المظلم ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫القلب‬ ‫لحال‬ ‫عجيب‬ ‫تصوير‬ ‫الية‬

‫“وإن هذه العقيدة تنشيء في القلب حياة بعد الموت ‪ ،‬وتطلق فيه نورا بعد‬
‫الظلمات حياة يعيد بها تذوق كل شيء ‪ ،‬وتصور كل شيء ‪ ،‬وتقدير كل شيء‬
‫بحس آخر لم يكن يعرفه قبل هذه الحياة ‪ ...‬هذه التجربة لتنقلها اللفاظ ‪،‬‬
‫يعرفها فقط من ذاقها ‪ ،‬والعبارة القرآنية هي أقوى عبارة تحمل حقيقة هذه‬
‫)‪(1‬‬
‫التجربة ”‬

‫فالقلب الحي إذا عرضت عليه القبائح نفرمنها بطبعه وأبغضها ‪ ،‬ولم يلتفت‬
‫إليها بخلف القلب الميت ‪ ،‬فإنه ليفرق بين الحسن والقبيح ‪ ،‬كما قال ابن‬
‫مسعود رضي الله عنه )) هلك من لم يكن له قلب يعرف به المعروف وينكر‬
‫)‪(2‬‬
‫به المنكر ((‬

‫سليم الذي لينجو يوم القيامة إل‬


‫صحيح هو القلب ال ّ‬
‫أخي الكريم ‪ ،‬إن القلب ال ّ‬
‫من أتى الله به فهو شرط الفلح والفوز في ذلك اليوم العظيم قال ـ سبحانه‬
‫وتعالى ـ ‪ }:‬يوم لينفع مال ول بنون إل من أتى الله بقلب سليم { ‪.‬‬

‫سليم هو الذي سلم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة‬
‫وال ّ‬
‫تعارض خبره ‪.‬‬

‫سليم ‪ :‬ليس بينه وبين قبول الحق ومحبته وإيثاره سوى‬ ‫صحيح ال ّ‬
‫والقلب ال ّ‬
‫إدراكه فهو صحيح الدراك للحق ‪ ،‬تام النقياد والقبول له ‪.‬‬

‫والقلب الميت القاسي ‪ :‬ل يقبله ول ينقاد له ‪.‬‬

‫والقلب المريض ‪ :‬إن غلب عليه مرضه التحق بالميت القاسي ‪ ،‬وإن غلبت‬
‫سليم )‪ ،(3‬فهذا القلب له حياة وبه علة ففيه من محبة‬ ‫عليه صحته التحق بال ّ‬
‫الله سبحانه وتعالى واليمان به والخلص له والتوكل عليه ماهو مادة حياته ‪،‬‬
‫شهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والكبر‬ ‫وفيه من محبة ال ّ‬
‫والعجب ‪ ،‬ماهو مادة هلكه ‪ ،‬وهو ممتتحن بين داعيين ‪ :‬داع يدعوه إلى الله‬
‫)‪(4‬‬
‫ورسوله والدار الخرة ‪ ،‬وداع يدعوه إلى العاجلة ”‬

‫أخي المسلم ‪ ،‬إذا عرفت هذه المور من أحوال القلوب ‪ ،‬وأن نجاتك يوم‬
‫القيامة مشروطة بسلمة قلبك‪ ،‬فيجب عليك حينئذ أن تعتني بقلبك أتم‬
‫العناية ‪ ،‬فتعرف مايدخله من الخواطر ‪ ،‬وتحفظ الّنوافذ الموصلة إليه من كل‬
‫مايضعفه ويمرضه‪ ،‬وأن أعظم نافذة على قلبـك وأخطـر منفـذ إليه هو العين‬
‫فالعين رائد القلب وهي منظاره التي يرى بها المحسوسات‪.‬‬

‫وأنت ترى مايرتاد السواق من الّنساء المتبرجات ‪ ،‬المائلت المميلت‪ ،‬اللتي‬


‫خّلص جنده وأعوانه ‪،‬‬ ‫ن من ُ‬ ‫شيطان على فتنة الخلق ‪ ،‬فك ّ‬ ‫استعان بهن ال ّ‬
‫ة‬
‫دي فِت ْن َ ً‬
‫ت ب َعْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ما ت ََرك ُ‬
‫والّنساء فتنة أي فتنة ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم ‪َ )) :‬‬
‫َ‬
‫)‪(5‬‬
‫ء ((‬
‫سا ِ‬
‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬
‫ل ِ‬
‫جا ِ‬‫ضّر عََلى الّر َ‬
‫أ َ‬

‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ضَرةٌ وَإ ِ ّ‬
‫خ ِ‬ ‫حل ْوَة ٌ َ‬ ‫ن الد ّن َْيا ُ‬ ‫وقـال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ )) :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫ل فِت ْن َ ِ‬ ‫ساَء فَإ ِ ّ‬
‫ن أوّ َ‬ ‫قوا الن ّ َ‬ ‫قوا الد ّن َْيا َوات ّ ُ‬ ‫ن َفات ّ ُ‬ ‫مُلو َ‬ ‫م ِفيَها فَي َن ْظ ُُر ك َي ْ َ‬
‫ف ت َعْ َ‬ ‫فك ُ ْ‬
‫خل ِ ُ‬
‫ست َ ْ‬
‫م ْ‬
‫ُ‬
‫)‪(6‬‬
‫ء ((‬‫سا ِ‬‫ت ِفي الن ّ َ‬ ‫َ‬
‫ل كان َ ْ‬‫سَراِئي َ‬ ‫ب َِني إ ِ ْ‬

‫وكن على ذكر من قول سلمان الفارسي رضي الله عنه ‪)) :‬لتكونن ـ إن‬
‫سوق ول آخرمن يخرج منه ‪ ،‬فإنها معركة‬ ‫استطعت ـ أول من يدخل ال ّ‬
‫سوق ‪،‬‬‫شيطان قد حط رحله في ال ّ‬ ‫شيطان ‪ ،‬وبها ينصب رايته (( ‪ ،‬فال ّ‬
‫)‪(7‬‬
‫ال ّ‬
‫وجمع جنده وأعوانه ليوقع عباد الله في مساخط الله ‪ ،‬حتى يكونوا تبعا له‬
‫في الدنيا والخرة ‪ ،‬فأدار المعركة عليهم ورفع رايته ‪ ،‬فمن اتبع خطواته‬
‫ساقه أمامه ‪ ،‬ومن تذكر ربه ‪ ،‬وكف جماح نفسه نجا بإذن الله ‪.‬‬

‫أخي المسلم ‪ ،‬إن أعظم نافذة ينفذ منها ال ّ‬


‫شيطان إلى قلبك هي العين فهو‬
‫يزين لها المشاهد ‪ ،‬حتى تنقلها إلى القلب ‪ ،‬فهي رأس الحواس ‪ ،‬وأخوف‬
‫حواسك عليك ‪ ،‬وأقربها إلى الستيلء على عقلك وقلبك ‪.‬‬

‫والعين رائد القلب ‪ ،‬وهي مبدأ الّزنا والعياذ بالله فحفظها مهم ‪ ،‬وإن كثيرا‬
‫من الّناس يستهين بإطلق نظره في المحرمات ‪ ،‬والفات كلها منه تنشأ ‪،‬‬
‫فمن أطلق نظره أورد نفسه موارد الهلك ‪ ،‬وقد قال صلى الله عليه وسلم‬
‫لعلي رضي الله عنه ‪ ،‬وهومـن هو عفـة وتقـوى وهدى ‪ )) :‬يا علي لتتبع‬
‫)‪(8‬‬
‫نظرة ‪ ،‬فإن لك الولى وليست لك الخرة ((‬ ‫النظرة ال ّ‬

‫فالّنظرة الولى خاطفة ‪ ،‬وليس لها أثر ‪ ،‬أما الّثانية فإن القلب ينتبه ‪،‬‬
‫صورة فيه ‪،‬‬ ‫شيطان يعتور القلب حتى يمكن تلك الّنظرة منه فتستقر ال ّ‬ ‫وال ّ‬
‫)‪(9‬‬
‫رة ٌ ((‬
‫صو َ‬ ‫خ ُ‬
‫ل ب َي ًْتا ِفيهِ ُ‬ ‫ملئ ِك َ َ‬
‫ة ل ت َد ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬
‫وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ )):‬إ ِ ّ‬
‫فكيف بالقلب!!‬
‫وقال جرير رضي الله عنه ‪َ )) :‬‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم عَ ْ‬
‫ن‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫سأل ْ ُ‬
‫َ‬
‫فجاَءة فَأ َمرِني أ َ َ‬
‫)‪(10‬‬
‫ري((‬ ‫صرِ َ َ َ ِ‬
‫ص‬ ‫ب‬ ‫ف‬ ‫نأ ْ‬‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ن َظ َرِ ال ْ ُ َ ِ‬

‫فالّنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب النسان ‪ ،‬فإن الّنظرة تولد الخطرة ‪،‬‬
‫شهوة إرادة ‪ ،‬وقد‬ ‫والخطرة تولد فكرة ‪ ،‬ثم تولد الفكرة شهوة ‪ ،‬ثم تولد ال ّ‬
‫صبر على ألم ما بعده ‪ ،‬ولهذا قال‬ ‫صبر على غض البصر ‪ ،‬أيسر من ال ّ‬ ‫قيل ‪ :‬ال ّ‬
‫شاعر ‪:‬‬‫ال ّ‬

‫كل الحوادث مبداها من الّنظـر ومعظم الّنار من مستصغر ال ّ‬


‫شرر‬

‫سهم بين القوس والوتـر‬


‫كم نظرة بلغت في قلب صاحبها كمبلغ ال ّ‬

‫والعبد مادام ذاطرف يقلبه في أعين الغيد موقوف على الخطــر‬

‫يسر مقلته ماضر مهجته لمرحبا بسرور عـاد بالضـــــرر‬

‫كل‬
‫صبر وُ ِ‬
‫سلمة ‪ ،‬ومن ادعى ال ّ‬ ‫أيها المسلم ‪“ :‬من قارب الفتنة بعدت عنه ال ّ‬
‫ظر)(‪ ،‬وأحق الشياء بالضبط والقهر اللسا ُ‬
‫ن‬ ‫ب نظرةٍ لم تنا َ‬
‫إلى نفسه ‪ ،‬ور ّ‬
‫ن‪:‬‬
‫والعي ُ‬
‫) ‪(12‬‬
‫حْيـن‬
‫ق رب برق فيه صواعـق َ‬ ‫شـمْ)‪(11‬ك ّ‬
‫ل بر ٍ‬ ‫فـتـبصر ولت َ َ‬

‫واغضض الطرف تسترح من غرام تكتـسـي فيه ثوب ذل وشين‬


‫)‪(13‬‬
‫فبلء الفتى مـوافقـة الّنفــ ـس وبدء الهوى طموح العــين‬
‫حواشي السهم ‪...‬‬
‫سابق‬‫)‪ (1‬الظلل ‪ (2). 3/1200‬إغاثة اللهفان لبن القيم ‪ (3). 1/20‬إغاثة اللهفان ‪ (4). 1/14‬المرجع ال ّ‬
‫‪ (5). 1/9‬متفق عليه ‪ ،‬البخاري في الّنكاح ‪ ،‬الفتح ‪ ، 9/137‬ومسلم في الذكر والدعاء ‪ 54 /17‬بشرح‬
‫الّنووي ‪ (6).‬أخرجه مسلم ‪ (7). 17/55‬سبق تخريجه ‪ (8).‬أخرجه أحمد في المسند ‪ ،5/351‬وأبوداود‬
‫في الّنكاح)‪ (2149‬باب‪ :‬مايؤمر من غض البصر ‪ ،‬والترمذي في الدب ‪ ،‬تحفة الحوذي ‪ ، 8/61‬وحسنه‬
‫اللباني في صحيح الجامع )‪ (9). (7830‬مسلم )‪ (2106‬وأبو داود )‪ (10). (4155‬أخرجه مسلم في‬
‫الدب ‪ ،‬باب ‪ :‬نظر الفجاءة ‪ 14/139‬بشرح الّنووي ‪ (11).‬أي ‪ :‬رب نظرة ليوجد لها مثيل فيما تتركه‬
‫من آثار ‪ (12).‬أي ‪ :‬لتنتظر الخير بعد كل برق ‪ (13).‬حين أي ‪ :‬هلك ودمار ‪ (14).‬طموح العين ‪ :‬تطلعها‬
‫وكثرة التفاتها‪،‬صيد الخاطر لبن الجوزي ص ‪.27‬‬

‫المحتويات‬

‫أجب أمر ربك‬


‫يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ ‪ }:‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا‬
‫فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون { ]الّنور‪[30:‬‬

‫أخي ‪ ،‬هذا أمر من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من‬
‫أبصارهم عما حرم الله عليهم فل ينظروا إل ما أباح الّنظر إليه‪ ،‬وأن يغضوا‬
‫أبصارهم عن المحارم ‪.‬‬

‫سلف ‪ :‬الّنظرسهم‬
‫ولماكان الّنظرداعية إلى فساد القلب ‪ ،‬كما قال بعض ال ّ‬
‫سم إلى القلب ‪ ،‬أمرالله بحفظ الفروج كماأمربحفظ البصارالتي هي بواعث‬
‫إلى ذلك ‪ ،‬قال سبحانه وتعالى ‪} :‬قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا‬
‫)‪(1‬‬
‫فروجهم {‬

‫أخي المسلم ‪ “ ،‬إن السلم يهدف إلى إقامة مجتمع نظيف ‪ ،‬لتهاج فيه‬
‫شهوات في كل لحظة ‪ ،‬فعمليات الستثارة المستمرة تنتهي إلى سعار‬ ‫ال ّ‬
‫شهواني لينطفئ وليرتوي ‪ ،‬والّنظرة الخائنة ‪ ..‬ل تصنع شيئا إل أن تهيج ذلك‬
‫سعار الحيواني المجنون ‪.‬‬
‫ال ّ‬

‫وغض البصر من جانب الّرجال أدب نفسي ‪ ،‬ومحاولة للستعلء على الّرغبة‬
‫في الطلع على المحاسن ‪ ،‬كماأن فيه إغلقا للنافذة الولى من نوافذ الفتنة‬
‫)‪(2‬‬
‫سهم المسموم”‬
‫والغواية ومحاولة عملية للحيلولة دون وصول ال ّ‬

‫غض البصر تطهير للقلب‬

‫يقول ـ سبحانه وتعالى ـ ‪ }:‬ذلك أزكى لهم { أي أطهر لقلوبهم‪ ،‬وأنقى‬


‫لدينهم ‪ ،‬كماقيل ‪ :‬من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته “ فغض‬
‫البصر ‪ ،‬وحفظ الفرج ‪ ،‬أطهر للمشاعر ‪ ،‬وأضمن لعدم تلوثها بالنفعالت‬
‫شهوية في غير موضعها المشروع الّنظيف ‪ ،‬وعدم ارتكاسها إلى الدرك‬ ‫ال ّ‬
‫الحيواني الهابط ‪ ،‬وهو أطهرللجماعة ‪ ،‬وأصون لحرماتها وأعراضها ‪ ،‬وجوها‬
‫الذي تتنفس فيه ‪.‬‬

‫والله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الذي يأخذهم بهذه الوقاية ‪ ،‬وهو العليم بتركيبهم‬
‫)‪(3‬‬
‫الّنفسي وتكوينهم الفطري ‪ ،‬الخبير بحركات نفوسهم ‪ ،‬وحركات جوارحهم”‬
‫}إن الله خبير بما يصنعون { ويقول ـ سبحانه وتعالى ـ ‪ }:‬يعلم خائنة‬
‫)‪(4‬‬
‫العين { أي ‪ :‬الّنظر إلى مانهى عنه ‪.‬‬

‫ولغض البصر فوائد‬

‫أخي الكريم ‪ ،‬إن في غض البصر عما ليجوز الّنظر إليه فوائد كثيرة أرجوأن‬
‫)‪(5‬‬
‫تقف عندها بتأمل وتفكر ‪ ،‬ومنها‬

‫‪ 1‬أنه امتثال لمر الله الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده …وما‬
‫سعد من سعد في الدنيا والخرة إل بامتثال أوامره ‪ ،‬وماشقي من شقي في‬
‫الدنيا والخرة إل بتضييع أوامره ‪.‬‬

‫سهم المسموم الذي لعل فيه هلكه إلى قلبه ‪.‬‬


‫‪ 2‬أنه يمنع من وصول أثر ال ّ‬

‫‪ 3‬أنه يورث القلب أنسا بالله ‪ ،‬وليس على العبد شيء أضر من إطلق البصر‬
‫فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه ‪.‬‬

‫‪ 4‬أنه يقوي القلب ويفرحه ‪ ،‬كما أن إطلق البصر يضعفه ويحزنه ‪.‬‬

‫‪ 5‬أنه يكسب القلب نورا ‪ ،‬كما أن إطلقه يكسبه ظلمة ‪ ...‬وإذا استنار القلب‬
‫أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب ‪ ،‬كما أنه إذا أظلم أقبلت سحائب‬
‫شر عليه من كل مكان ‪.‬‬ ‫البلء وال ّ‬

‫‪ 6‬أنه يفرغ القلب للتفكر في مصالحه والشتغال بها ‪ ،‬وإطلق البصر يشتت‬
‫عليه ذلك ‪ ،‬ويحول بينه وبينها ‪ ،‬فتنفرط عليه أموره ‪ ،‬ويقع في اتباع هواه‬
‫وفي الغفلة عن ذكر ربه ‪ ،‬قال ـ سبحانه وتعالى ـ ‪}:‬ول تطع من أغفلنا قلبه‬
‫عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا {]الكهف‪ [28:‬وإطلق الّنظر يوجب‬
‫هذه المور الّثلثة بحسبه ‪.‬‬

‫أيهاالخ المسلم ‪ ،‬من الخلوة في محلك بالمرأة فإنك بعملك هذا تعرض‬
‫نفسك لخطرعظيم قدحذرك منه رسولك الكريم أشد التحذير قال ـ صلى‬
‫صارِ َيا‬
‫ن الن َ‬
‫م َ‬ ‫ج ٌ‬
‫ل ِ‬ ‫قا َ‬
‫ل َر ُ‬ ‫ل عََلى الن ّ َ‬
‫ساِء فَ َ‬ ‫خو َ‬ ‫م َوالد ّ ُ‬ ‫الله عليه وسلم ـ ‪ )):‬إ ِّياك ُ ْ‬
‫َ َ‬
‫موُ ال ْ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬‫َقا َ‬ ‫ت ال ْ َ‬‫ل الل ّهِ أفََرأي ْ َ‬
‫سو َ‬
‫(‬‫‪6‬‬ ‫)‬
‫ت (( ‪.‬‬‫موْ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫و‬
‫م َ‬‫ح ْ‬ ‫َر ُ‬
‫ل با َ‬
‫)‪(7‬‬
‫((‬
‫حَرم ٍ‬
‫م ْ‬
‫معَ ِذي َ‬ ‫ج ٌ ِ ْ‬
‫مَرأةٍ ِإل َ‬ ‫خل ُوَ ّ‬
‫ن َر ُ‬ ‫وقال صلى الله عليه وسلم ‪ )):‬ل ي َ ْ‬

‫أخي الكريم ‪ ،‬إن ال ّ‬


‫شيطان ينتظر هذه اللحظة التي تخلو فيها بامرأة ليزين‬
‫لكما ما ل يرضي الله ‪ ،‬فإذاماحدث وأن خلوت بامرأة عن أعين الّناس فانتبه‬
‫صدور {‬ ‫فإن الله يراك ‪ ،‬ويعلم سرك ونجواك }يعلم خائنة العين وماتخفي ال ّ‬

‫إذاماخلوت الدهريومافلتقل خلوت ولكن قل علي رقيب‬

‫ولتحسبن الله يغفل ساعة ول أن ما تخفي عليه يغيـب‬


‫واعلم أن عليك شاهدين ل يغيبان ‪} :‬وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين‬
‫يعلمون ماتفعلون{ ]النفطار‪[11:‬‬

‫كيف يخلو وعنده كاتباه شاهداه وربه ذو الجلل‬

‫فاحذر أن يكتبا في صحيفتك ما ليسرك أن تراه حين تتطاير الصحف ‪ ،‬فإن‬


‫ذلك يوم عصيب ‪ ،‬فتمثل تلك اللحظة الّرهيبة ‪ ،‬التي أنت فيها ـ وقد تملكك‬
‫الخوف ‪ ،‬وعلتك الدهشة ‪}:‬اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا{‬
‫]السراء ‪. [14 :‬‬

‫فأحسن العمل أيها الخ الكريم ‪ ،‬فإن الحساب دقيق ‪.‬‬

‫شمال‬‫قال المام الحسن البصري ـ رحمه الله ـ وتل} عن اليمين وعن ال ّ‬


‫قعيد { ‪ “ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬بسطت لك صحيفتك ‪ ،‬ووكل بك ملكان كريمان ‪،‬‬
‫أحدهما عن يمينك ‪ ،‬والخر عن شمالك ‪ ،‬فأما الذي عن يمينك فيحفظ‬
‫حسناتك ‪ ،‬وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك ‪ ،‬فاعمل ما شئت أقلل أو‬
‫أكثر ! حتى إذا مت طويت صحيفتك فجعلت في عنقك معك في قبرك حتى‬
‫تخرج يوم القيامة كتابا تلقاه منشورا ً } اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك‬
‫)‪(8‬‬
‫حسيبا ً { فقد عدل والله من جعلك حسيب نفسك ”‬

‫أخي المسلم ‪ ،‬إذا خلوت عن الّناس ‪ ،‬ودعتك نفسك إلى ريبة فتذكر هذا‬
‫مِتي‬ ‫الحديث العظيم ‪ :‬قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ )) :‬لعْل َمن أ َقْواما م ُ‬
‫نأ ّ‬ ‫َ ً ِ ْ‬ ‫َ ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل هََباًء‬ ‫ج ّ‬
‫ه عَّز وَ َ‬ ‫جعَل َُها الل ّ ُ‬ ‫ضا فَي َ ْ‬ ‫ة ِبي ً‬‫م َ‬‫ل ت َِها َ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫مَثا ِ‬ ‫تأ ْ‬ ‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫مةِ ب ِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬‫ن ي َوْ َ‬ ‫ي َأُتو َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ح ُ‬‫م وَن َ ْ‬‫من ْهُ ْ‬‫ن ِ‬‫كو َ‬ ‫ن ل نَ ُ‬ ‫م ل ََنا أ ْ‬ ‫جل ّهِ ْ‬‫م ل ََنا ‪َ ،‬‬ ‫فهُ ْ‬ ‫ل الل ّهِ ِ‬
‫ص ْ‬ ‫سو َ‬ ‫ن‪َ :‬يا َر ُ‬ ‫ل ث َوَْبا ُ‬ ‫من ُْثوًرا‪َ ،‬قا َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫م ‪َ،‬قا َ‬ ‫َ‬
‫لك َ‬ ‫ن اللي ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫م وَي َأ ُ‬ ‫جلد َت ِك ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ‪،‬وَ ِ‬ ‫وان ُك ْ‬ ‫خ َ‬
‫م إِ ْ‬ ‫ما إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ل‪:‬أ َ‬ ‫ل ن َعْل ُ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫)‪(9‬‬
‫ها ((‬‫حارِم ِ اللهِ ان ْت َهَكو َ‬ ‫م َ‬‫وا ب ِ َ‬‫خل ْ‬ ‫م إ َِذا َ‬ ‫وا ٌ‬
‫م أق َ‬ ‫ن‪ ،‬وَلك ِن ّهُ ْ‬ ‫ذو َ‬ ‫خ ُ‬
‫ت َأ ُ‬

‫فانظر في حالك إذا خلوت بمحارم الله ‪ ،‬عسى ألتكون ممن يجعل الله‬
‫عمله هباء منثورا ‪ ،‬ذلك الذي إذا اختفى عن أعين الّناس خوفا منهم ‪،‬‬
‫أوحياء ‪ ،‬لم يخف من الله ولم يستحي منه وهو مطلع عليه ‪.‬‬

‫ب وقوعه في هوة شقوة في عيش الدنيا والخرة‬ ‫)) فرب خال بذنب كان سب َ‬
‫وكأنه قيل له ‪ :‬ابق بما آثرت ‪ ،‬فيبقى أبدا في التخبيط ‪ ،‬قال أبوالدرداء‪:‬إن‬
‫العبد ليخلو بمعصية الله سبحانه وتعالى فيلقي الله بغضبه في قلوب‬
‫) ‪(10‬‬
‫المؤمنين من حيث ل يشعر ((‬

‫حواشي أجب ‪...‬‬

‫سنة للبغوي‬‫سابق ‪ (4).‬شرح ال ّ‬


‫)‪ (1‬تفسير ابن كثير للية ‪ (2). 3/281‬الظلل ‪ (3). 4/2512‬المرجع ال ّ‬
‫شافي ‪ ،‬لبن القيم ص ‪ 258‬بتصرف ‪ (6).‬الحمو ‪:‬‬ ‫‪ (5). 9/23‬الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء ال ّ‬
‫أقارب الّزوج كأخيه وابن عمه ونحوهما ‪ (7).‬أخرجهما البخاري في الّنكاح ‪ ،‬الفتح ‪ ، 9/330‬ومسلم‬
‫‪ (8). 4/1711‬تفسير ابن كثير للية ‪ ، 3/28‬قال ابن كثير ‪ “ :‬هذا من أحسن كلم الحسن رحمه الله ” ‪.‬‬
‫)‪ (9‬رواه ابن ماجه عن ثوبان وصححه اللباني في صحيح الجامع رقم)‪ (10). (4904‬صيد الخاطر لبن‬
‫الجوزي ص ‪. 235‬‬

‫المحتويات‬
‫اتق مواضع التهم‬
‫أيها المسلم ‪ ،‬إنك تكرم نفسك ‪ ،‬وتعرف لها حقها ‪ ،‬فاحفظها عن كل موضع‬
‫قد يساء بك الظن فيه ‪ ،‬فل تضعها في موضع ريبة ‪:‬‬

‫إذا أنت لم تعرف لنفسك حقها هوانا بها كانت على الّناس أهونا‬

‫وليعني هذا أنك ل تثق بنفسك ‪ ،‬أوأن الّناس مخطئون إن أساءوا بك الظن ‪،‬‬
‫بل إن هذا من إكرام الّنفس ‪ ،‬ومن النفة مما ينقصها ‪ ،‬وهذا خلق علمناه‬
‫الّرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ ،‬وإليك هذه القصة ‪:‬‬

‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬ ‫سو ِ‬ ‫ي صلى الله عليه وسلم إ َِلى َر ُ‬ ‫ج الن ّب ِ ّ‬ ‫ة َزوْ ُ‬ ‫في ّ ُ‬‫ص ِ‬ ‫جاءت َ‬
‫ن‬
‫ضا َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جد ِ ِفي العَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وسلم ت َُزوُره ُ ِفي اعْت ِ َ‬
‫ن َر َ‬ ‫م ْ‬ ‫خرِ ِ‬ ‫شرِ الَوا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كافِهِ ِفي ال َ‬
‫ي صلى‬ ‫م الن ّب ِ ّ‬ ‫ب)أي تذهب إلى بيتها( فَ َ‬
‫قا َ‬ ‫قل ِ ُ‬ ‫ت ت َن ْ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫ة ‪،‬ث ُ ّ‬ ‫ساعَ ً‬ ‫عن ْد َه ُ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫حد ّث َ ْ‬ ‫فَت َ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مّر‬‫ة َ‬ ‫م َ‬‫سل َ‬ ‫م َ‬ ‫بأ ّ‬ ‫عن ْد َ َبا ِ‬ ‫جد ِ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال َ‬ ‫ت َبا َ‬ ‫حّتى إ َِذا ب َلغَ ْ‬ ‫قل ِب َُها َ‬ ‫معََها ي َ ْ‬ ‫الله عليه وسلم َ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫ل لهُ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ِ‬ ‫ما عَلى َر ُ‬ ‫َ‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫صارِ فَ َ‬ ‫ن الن َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫جل ِ‬ ‫َر ُ‬
‫قال‬ ‫ي فَ َ‬ ‫حي َ ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫ة ب ِن ْ ُ‬
‫في ّ ُ‬
‫ص ِ‬ ‫ي َ‬ ‫ما هِ َ‬ ‫ما‪ ،‬إ ِن ّ َ‬ ‫ُ‬
‫سل ِك َ‬ ‫َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬عَلى رِ ْ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ن‬
‫ي صلى الله عليه وسلم ‪:‬إ ِ ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ما ف َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ وَكب َُر عَلي ْهِ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ن اللهِ َيا َر ُ‬‫ّ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫‪ُ :‬‬
‫ما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ّ‬
‫ف ِفي قلوب ِك َ‬ ‫قذ ِ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫تأ ْ‬ ‫شي ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫مب ْلغَ الد ّم ِ ‪ ،‬وَإ ِّني َ‬ ‫ن َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ن الن َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َب ْلغُ ِ‬ ‫شي ْطا َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ً‬
‫شي ْئا ((‬ ‫َ‬

‫والّرسول لم ينسبهما إلى أنهما يظنان به سوءا ِلما تقرر عنده من صدق‬
‫شيطان ذلك ‪ ،‬لنهما غير‬ ‫إيمانهما ولكن خشي عليهما أن يوسوس لهما ال ّ‬
‫معصومين ‪ ،‬فقد يفضي بهما ذلك إلى الهلك ‪ ،‬فبادر إلى إعلمهما حسما ً‬
‫للمادة ‪ ،‬وتعليما ً لمن بعدهما ‪ ،‬إذا حدث له مثل ذلك (()‪ (2‬ويستفاد من الحديث‬
‫“ التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في النسان ‪ ،‬وطلب السلمة‬
‫والعتذار العذار الصحيحة ‪ ،‬وأنه متى فعل ما ينكر ظاهره مما هو حق وقد‬
‫يخفى أن يبين حاله ليدفع ظن السوء”)‪ (3‬قال علي بن أبي طالب ‪ )):‬إياك وما‬
‫)‪(4‬‬
‫يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره((‬

‫)‪(5‬‬
‫((‬ ‫قال ابن الجوزي ‪ )):‬ومن له نفس ليقف في مقام تهمة لئل يظن به‬

‫عـّز فل ذام )‪(6‬لديـه ولغش‬


‫ضه و َ‬
‫وماالمرء إلمن وقى الذم عـر َ‬

‫وليس بمن يرضى الدناءة والخنى طباعا ول من دأبه الهجر والفحش‬


‫حواشي اتق مواضع ‪...‬‬

‫)‪ (1‬متفق عليه البخاري في العتكاف الفتح ‪ 4/278‬ومسلم في الداب ‪ ،‬باب ‪ :‬بيان أنه يستحب لمن‬
‫سوء به ‪ ،‬مسلم بشرح‬
‫رؤي خاليا بامرأة وكانت زوجته أو محرما له أن يقول ‪ :‬هذه فلنة ليدفع ظن ال ّ‬
‫الّنووي ‪ (2). 14/156‬فتح الباري ‪ (3). 4/208‬شرح الّنووي على صحيح مسلم ‪ (4). 14/156‬مصائب‬
‫‪ (6 ).‬الذام ‪ :‬العيب ‪.‬‬
‫شيطان لبن مفلح المقدسي ص ‪ (5). 110‬صيد الخاطر ص ‪399‬‬ ‫النسان من مكائد ال ّ‬

‫المحتويات‬

‫حافظ على أعراض المسلمين ومحارمهم‬


‫أخي المسلم الكريم ‪ ،‬الغيورعلى محارم المسلمين ‪ ،‬إن لك عرضا كأمك و‬
‫أختك وزوجتك وبنتك لترضى لهن مايخدش حياءهن ‪ ،‬أليس كذلك ؟ إنك‬
‫تغارعليهن ‪ ،‬بل لورأيت أحدا يسيء إليهن لغلى قلبك كما يغلي القدر على‬
‫الّنار ‪ ،‬وهذا أمرحسن ؛ فهو من صفات المؤمنين ‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ )) :‬إن الله يغار وإن المؤمن يغار ‪ ،‬وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه‬
‫)‪(1‬‬
‫((‬

‫أخي المسلم ‪ ،‬إذاكنت كذلك ـ ول أظنك إلكذلك ـ فإن عرض أخيك المسلم‬
‫حرام عليك ‪ ،‬ليجوز لك انتهاكه بأي وجه من الوجوه ‪.‬‬

‫قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ )) :‬كل المسلم على المسلم حرام دمه ‪ ،‬وماله‬
‫‪ ،‬وعرضه (()‪ (2‬فاحرص على عرض أخيك حرصك على عرضك ‪ ،‬وسبق في‬
‫الحديث)‪ )) (3‬ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه من الخير ((‪.‬‬

‫احذرأيها المسلم من تتبع عورات المسلمين ‪ ،‬ومن إيذائهم في أعراضهم ‪،‬‬


‫فإن هذا أمر عظيم ‪ ،‬ومن فعله متوعد بوعيد شديد ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪:‬‬
‫ل َيا‬‫قا َ‬ ‫ت َرِفيٍع فَ َ‬ ‫صو ْ ٍ‬‫من ْب ََر فََناَدى ب ِ َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ال ْ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫صعِد َ َر ُ‬ ‫)) َ‬
‫َ‬
‫ن َول‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن إ َِلى قَل ْب ِهِ ل ت ُؤُْذوا ال ْ ُ‬ ‫ما ُ‬‫ض الي َ‬ ‫ف ِ‬‫م يُ ْ‬ ‫سان ِهِ وَل َ ْ‬ ‫م ب ِل ِ َ‬ ‫سل َ َ‬‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫معْ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫ت‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ه‬ ‫خي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫را‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫عوا‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ول‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫رو‬
‫ُ َْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ِ ُ ْ ِ ََّ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ َ ِ ْ ِّ ُ َ ْ ََّ َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َُِّ‬ ‫ُ‬ ‫تُ َ ّ ُ‬
‫ي‬ ‫ع‬
‫)‪(4‬‬
‫حل ِهِ ((‬ ‫ف َر ْ‬ ‫جو ْ ِ‬ ‫ه وَل َوْ ِفي َ‬ ‫ح ُ‬‫ض ْ‬‫ف َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ه عَوَْرت َ ُ‬ ‫ن ت َت َب ّعَ الل ّ ُ‬‫م ْ‬ ‫وَ َ‬

‫أخي المسلم ‪ :‬إن لك في سلف المة خيَر قدوة ‪ ،‬فاهتد بهديهم ‪ ،‬وسر على‬
‫منهاجهم تفز برضى ربك ‪ ،‬وتنل جنته ‪ ،‬وتنج من ناره وعذابه ‪.‬‬

‫قال سلمان ـ رضي الله عنه ـ ‪ )):‬لن أموت ثم أنشر ‪ ،‬ثم أموت ثم أنشر ‪ ،‬ثم‬
‫)‪(5‬‬
‫أموت ثم أنشر ‪ ،‬أحب إلي من أن أرى عورة مسلم أويراها مني ((‬

‫وأوصى أحدهم ابنه فقال‪ ... )):‬يابني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات‬
‫)‪(6‬‬
‫بيته ‪ ،‬ومن سل سيف البغي قتل به ‪ ،‬ومن احتفر لخيه بئرا سقط فيها ((‬

‫غيرة العرب في الجاهلية !!‬

‫أخي الكريم ‪ ،‬لقد كان العرب في جاهليتهم ذوي غيرة مفرطة ‪ ،‬ل تكاد‬
‫توصف ‪ ،‬وأنفة عالية ‪ ،‬حتى كان الّرجل منهم يئد المولودة خشية العار ‪ ،‬وقد‬
‫صور الله ـ سبحانه وتعالى ـ حالة أحدهم إذا بشر بالنثى في قوله جل ذكره‪:‬‬
‫}وإذا بشر أحدهم بالنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من‬
‫سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب{ ]النحل‪. [58،59:‬‬
‫فإن أحدهم إذا بشر بالنثى حزن حزنا شديدا ‪ ،‬ويتوارى من القوم فيكره أن‬
‫يراه الّناس حياء وخجل مما أصابه ‪ ،‬وهو إما أن يترك هذه النثى مهانة‬
‫ليورثها ول يعتني بها ‪ ،‬أويدسها في التراب حية ‪ .‬خطب رجل إلى أحدهم‬
‫ابنته فقال ‪:‬‬

‫إني وإن سيق إلي المهـر‬

‫ألف وعبدان وخور عشـر‬

‫أحب أصهاري إلي القبـر‬

‫وكانت العفة حلية الّرجال ‪ ،‬ومفخرة من مفاخر البطال ‪ ،‬فهذا عنترة بن‬
‫شداد يفخر بأنه يغض بصره إن مرت به جارته حتى تدخل بيتها فيقول‪:‬‬

‫وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها‬

‫وكانت الخنساء قبل إسلمها في مراثيها لخيها صخر حفية بعفته وحيائه أن‬
‫يفعل الفاحشة أو يتبع بنظراته الّنساء فتقول ‪:‬‬

‫ولم تَره ْ جارة يمشي بساحتها لريبة حين يخلي بيته الجار‬

‫ن وهب بأنه عفيف الّنظرات فقال ‪:‬‬


‫ورثى أعشى باهلة المنتشَر ب َ‬
‫)‪(7‬‬
‫ستر عن أنثى يطالعها وليشد إلى جاراته الّنظرا‬
‫ليهتك ال ّ‬

‫ويقول الخر مفتخرا بعفافه ‪:‬‬

‫إن للجار إن تغيب عيـنا حافظا للمغيب والسرار‬

‫ما أبالي إن كان للباب ستر مسبل أم بقي بغير ستار‬

‫أخي المسلم ‪ :‬هكذا رأيت كيف كانت حياة العرب في جاهليتهم ‪ ،‬وكيف كان‬
‫عفافهم من غير وازع إيماني ‪ ،‬فما بال الّناس اليوم وقد أنزل إليهم قرآنا‬
‫يقول الله عنه ‪ }:‬لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من‬
‫خشية الله{ ] الحشر‪ [21 :‬أل إنه لم يقع في قلوبهم ‪ ،‬ولم يخالط بشاشة‬
‫س لتصدع من خشية‬ ‫أفئدتهم فهذا القرآن الذي لو أنزل على جبل شاهق را ٍ‬
‫الله ‪ ،‬فما لهذه القلوب القاسية ‪ }:‬ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم‬
‫لذكر الله وما نزل من الحق ول يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال‬
‫عليهم المد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون {]الحديد ‪[16 :‬‬

‫قال يزيد بن تميم ‪ )):‬من لم يردعه القرآن والموت ‪ ،‬ثم تناطحت الجبال بين‬
‫)‪(8‬‬
‫يديه لم يردع ((‬

‫حواشي حافظ على ‪....‬‬


‫)‪ (1‬متفق عليه ‪ ،‬البخاري في الّنكاح ‪ ،‬باب الغيرة الفتح ‪ ، 9/319‬ومسلم في التوبة ‪ 17/78‬بشرح‬
‫الّنووي ‪ (2).‬أخرجه مسلم في البر ‪ ،‬باب تحريم ظلم المسلم ‪16/121‬بشرح الّنووي ‪ (3).‬في‬
‫المقدمة ‪(4).‬رواه المام أحمد في المسند ‪ ، 4/421‬والترمذي وحسنه في البر ‪ 6/182‬مع تحفة‬
‫الحوذي وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب ‪ ،177 /3‬والرناؤطيان‪:‬عبد القادر في ذيل مختصر‬
‫شعب اليمان ص ‪ 5‬وشعيب في شرح السنة ‪ (5). 104 /13‬الزهد للمام أحمدص ‪ (6).192‬حياة‬
‫الحيوان الكبرى للدميري ‪ (7). 2/5‬الحياة العربية من الشعر الجاهلي ‪ ،‬د‪ .‬الحوفي ‪ (8).362،365‬الّزهد‬
‫للمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ ص ‪. 210‬‬

‫المحتويات‬

‫قارب النجــــــاة‬
‫واقِِع ِفيَها‬ ‫دودِ الل ّهِ ‪َ،‬وال ْ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫قائ ِم ِ عََلى ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬
‫َ‬
‫قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪َ )):‬‬
‫فل ََها‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ها وَب َعْ ُ‬‫عل َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ضهُ ْ‬‫ب ب َعْ ُ‬ ‫صا َ‬ ‫فين َةٍ فَأ َ‬ ‫س ِ‬‫موا عََلى َ‬ ‫ل قَوْم ٍ ا ْ‬
‫ست َهَ ُ‬ ‫مث َ ِ‬‫‪،‬ك َ َ‬
‫َ‬
‫قاُلوا ‪:‬ل َ ْ‬
‫و‬ ‫م فَ َ‬ ‫ن فَوْقَهُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫مّروا عََلى َ‬ ‫ماِء َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫فل َِها إ َِذا ا ْ‬
‫ست َ َ‬ ‫س َ‬‫ن ِفي أ ْ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬‫كا َ‬‫‪،‬ف َ َ‬
‫ما أَراُدوا هَل َ ُ‬‫َ‬ ‫أ َّنا َ‬
‫كوا‬ ‫م وَ َ‬‫كوهُ ْ‬ ‫ن ي َت ُْر ُ‬ ‫ن فَوْقََنا ‪،‬فَإ ِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ن ُؤْذ ِ َ‬ ‫خْرًقا وَل َ ْ‬‫صيب َِنا َ‬ ‫خَرقَْنا ِفي ن َ ِ‬
‫َ‬ ‫ن أَ َ‬
‫)‪(1‬‬
‫عا ((‬‫مي ً‬‫ج ِ‬
‫وا َ‬ ‫ج ْ‬ ‫وا وَن َ َ‬ ‫ج ْ‬‫م نَ َ‬‫ديهِ ْ‬ ‫ذوا عََلى أي ْ ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ميًعا ‪،‬وَإ ِ ْ‬ ‫ج ِ‬‫َ‬

‫يا أيها الذين آمنوا استجيبوا ل وللرسول‬

‫أخي المسلم ‪ ،‬إن ماأنزل الله ـ سبحانه وتعالى ـ في القرآن الكريم ‪ ،‬وفي‬
‫شريفة من الوامر والّنواهي ليختص بأحد من المسلمين دون‬ ‫سنة الّنبوية ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫أحد ‪ ،‬بل كل ما فيها من الحكام مطالب به كل مسلم بالغ عاقل يفهم‬
‫الخطاب ويرد الجواب في حدود الستطاعة وهذا أمر معروف ‪.‬‬

‫وأمر آخر وهو أن المسلم مطالب بأن يعمل بالسلم كله ‪ ،‬لأن يأخذ ما‬
‫يوافق هواه ‪ ،‬ويدع ماسوى ذلك ‪ ،‬يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ ‪ }:‬يا أيها‬
‫شيطان إنه لكم عدو‬ ‫سلم كافة ول تتبعوا خطوات ال ّ‬‫الذين آمنوا ادخلوا في ال ّ‬
‫مبين { ]البقرة ‪[208 :‬‬

‫فهذا أمر من الله ـ سبحانه وتعالى “ إلى عباده المؤمنين به ‪ ،‬المصدقــين‬


‫برسوله ‪ ،‬أن يأخذوا بجميع عرى السلم وشرائعه ‪ ،‬والعمل بجميع أوامره ‪،‬‬
‫وترك جميع زواجره ماستطاعوا من ذلك ” )‪ (2‬فالخطاب في الية لجميع‬
‫المسلمين )) بــالعمل بجميع شرائعه ‪ ،‬وإقامة جميع أحكامه وحدوده ‪ ،‬دون‬
‫)‪(3‬‬
‫تضييع بعضه والعمل ببعض ”‬

‫سنة‬‫أيها الخ المسلم ‪ ،‬لشك أنك موقن بما ذكرته لك ‪ .‬من أن القرآن وال ّ‬
‫مخاطب بهما جميع الخلق ‪ ،‬وأنه يجب العمل بجميع شرائع السلم وأحكامه ‪،‬‬
‫هذا هو مقتضى إسلمنا ‪ ،‬إذا فأنا أذ ّ‬
‫كرك هنا بحكم أنزله الله في كتابه ‪ ،‬وفي‬
‫سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أل وهو ‪ :‬المر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ .‬يقول الله سبحانه وتعالى ‪ }:‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير‬
‫يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون {]آل عمران‪:‬‬
‫‪.[104‬‬

‫ويقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ ‪ }:‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض‬


‫صلة ويؤتون الّزكاة ‪،‬‬
‫يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون ال ّ‬
‫ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم {] التوبة ‪:‬‬
‫‪. [74‬‬

‫وهذه الية فاصلة بين المؤمنين والمنافقين ‪ ،‬وفيها من صفات المؤمنين التي‬
‫تميزوا بها عن المنافقين ‪:‬‬

‫ـ موالة المؤمنين ومحبتهم ورحمتهم ومناصرتهم ‪.‬‬

‫ـ المر بالمعروف والّنهي عن المنكر ‪.‬‬

‫ـ طاعة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫صلة وإيتاء الّزكاة ‪.‬‬


‫ـ إقام ال ّ‬

‫صفات التحق بالمنافقين بحسب إخلله ‪ ،‬قال سبحانه‬ ‫فمن أخل بهذه ال ّ‬
‫وتعالى ‪ }:‬المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون‬
‫عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم‬
‫الفاسقون {] التوبة ‪ [67 :‬فصفات المنافقين على الخلف من صفات‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫من ْك ْ‬
‫ن َرأى ِ‬ ‫م ْ‬ ‫المؤمنين كما ترى ‪ .‬ويقول الّرسول صلى الله عليه وسلم ‪َ )):‬‬
‫قل ْب ِهِ وَذ َل ِكَ‬
‫ست َط ِعْ فَب ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫سان ِهِ فَإ ِ ْ‬
‫ست َط ِعْ فَب ِل ِ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫من ْك ًَرا فَل ْي ُغَي ّْره ُ ب ِي َدِهِ فَإ ِ ْ‬
‫ُ‬
‫)‪(4‬‬
‫ن((‬
‫َ‬
‫ما ِ‬ ‫لي َ‬‫فا ِ‬ ‫ضعَ ُ‬ ‫أ ْ‬

‫قال الّنووي رحمه الله ‪“:‬وقد تطابق على وجوب المر بالمعروف والّنهي عن‬
‫سنة ‪ ،‬وإجماع المة ‪ ،‬وهو أيضا من الّنصيحة التي هي الدين‬ ‫المنكر الكتاب وال ّ‬
‫(( )‪ (5‬والمر بالمعروف والّنهي عن المنكر فرض كفاية ‪ ،‬أي ‪ :‬إذا قام به من‬
‫يكفي سقط الثم والحرج عن الباقين ‪ ،‬أما إذا تركه جميع الناس ‪ ،‬أو قام به‬
‫)‪(6‬‬
‫من ل يكفي أثم كل من تمكن منه بل عذر‬

‫وهو متعين إذا كان في وضع ل يعلم به إل هو ‪ ،‬أول يتمكن من إزالته إل هو ‪.‬‬
‫وترك المر بالمعروف والّنهي عن المنكر موجب غضب الله ومقته ‪ ،‬وجالب‬
‫ن ِفي قَوْم ٍ‬ ‫ل يَ ُ‬
‫كو ُ‬ ‫ج ٍ‬‫ن َر ُ‬ ‫م ْ‬‫ما ِ‬‫سخطه وعقابه قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪َ )):‬‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م الل ُ‬ ‫ن ي ُغَي ُّروا عَل َي ْهِ َفل ي ُغَي ُّروا ِإل أ َ‬
‫صاب َهُ ُ‬ ‫ن عََلى أ ْ‬
‫قدُِرو َ‬ ‫صي ي َ ْ‬ ‫مَعا ِ‬‫م ِبال ْ َ‬
‫ل ِفيهِ ْ‬‫م ُ‬‫ي ُعْ َ‬
‫َ‬
‫ن قَب ْ ِ‬ ‫ب ِعَ َ‬
‫)‪(7‬‬
‫توا ((‬‫مو ُ‬‫ن يَ ُ‬‫لأ ْ‬ ‫م ْ‬‫ب ِ‬ ‫ذا ٍ‬

‫أخي المسلم ‪ ،‬أجب أمر ربك وأمر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪ ،‬ومر‬
‫بالمعروف وانه عن المنكر ‪ ،‬وهذا ل يتطلب منك جهدا كبيرا ‪ ،‬وليصرفك عن‬
‫عملك ‪ ،‬فإذا رأيت ـ وأنت في عملك ـ مال يرضي ربك فأنكره بلسانك ‪،‬‬
‫بكلمة طيبة هادئة ‪ ،‬ترضي ربك ‪ ،‬وتطهر مجتمعك ‪ ،‬فإن لم تستطع ـ ول‬
‫أظنك إل مستطيعا ً ـ فل أقل من أن تنكر بقلبك ‪ ،‬تبغض المنكر ‪ ،‬وترجو زواله‬
‫‪ ،‬وتعين وتشجع من يسعى في إزالته ‪ ،‬وليس دون إنكار القلب مرتبة ضعيفة‬
‫من مراتب اليمان ‪ ،‬فما دون ذلك إل الرضى بالمنكر ثم استحسانه ثم‬
‫المتابعة عليه وفعله ونشره بين الناس ‪ ،‬وكل ذلك ليس فيه من اليمان‬
‫مثقال حبة من خردل ‪ ،‬لنه عمل ل يقتضيه اليمان بحال من الحوال ‪ ،‬بل هو‬
‫)‪(8‬‬
‫مناف لمقتضياته‬
‫فليس لك عذر أمام الله ـ سبحانه وتعالى ـ في ترك هذا الواجب العظيم ‪،‬‬
‫الذي هو من أعظم قواعد السلم ‪.‬‬

‫فإن قال قائل ‪ :‬إني مقصر ‪ ،‬أو مرتكب لما أنهى عنه ‪ ،‬أو مفرط في بعض‬
‫صورة ‪.‬‬
‫المور الظاهرة أو الباطنة ‪ ،‬فل يسوغ أن آمر أو أنهى وأنا على تلك ال ّ‬

‫سوء وقد‬‫شيطان وتسويل من الّنفس المارة بال ّ‬ ‫قيل له ‪ :‬هذا تخذيل من ال ّ‬


‫قال أئمة العلم والهدى ‪ :‬ل يشترط في المر بالمعروف والّناهي عن المنكر‬
‫أن يكون كامل الحال ‪ ،‬ممتثل ما يؤمر به ‪ ،‬مجتنبا ما ينهى عنه ‪ ،‬بل عليه‬
‫المر وإن كان مخل بما يأمر به ‪ ،‬والّنهي وإن كان متلبسا ً بما ينهى عنه ‪ ،‬فإن‬
‫المسلم يجب عليه شيئان ‪:‬‬

‫الول ‪ :‬أن يأمر نفسه وينهاها ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬ويأمر غيره وينهاه ‪ .‬فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الخلل بالخر ‪.‬‬
‫قال سعيد بن جبير ‪ :‬لوكان المرء ل يأمر بالمعروف ولينهى عن المنكر حتى‬
‫)‬
‫ل يكون فيه شيء ما أمر أحد ٌ بمعروف ول نهى عن منكر ‪ ،‬قال المام مالك‬
‫‪ (9‬وصدق‪ :‬من ذا الذي ليس فيه شيء ؟!‬

‫لمثل هذا يذوب القلب من كمد‬

‫أخي المسلم ‪ ،‬إن كثيرا من الّناس لم يكتف بتركه المر بالمعروف والّنهي‬
‫عن المنكر حتى ضم إلى ذلك صفة أخرى هي أعظم شناعة من سابقتها ‪ ،‬أل‬
‫وهي الوقيعة في أعراض رجال الحسبة ‪ ،‬المرين بالمعروف والّناهين عن‬
‫قَرني)‪ (10‬ـ رحمه الله ـ إن المر‬
‫المنكر ‪ ،‬وما المر إل كما قال أويس ال َ‬
‫بالمعروف والّنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقا ‪ ،‬نأمرهم بالمعروف‬
‫فيشتمون أعراضنا ‪ ،‬ويجدون على ذلك أعوانا من الفاسقين حتى ـ والله ـ‬
‫)‪(11‬‬
‫لقد رموني بالعظائم ‪ ،‬وأيم الله ل أدع أن أقوم لله فيهم بحقه ((‬

‫إن هؤلء الذين ينتقصون القائمين بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ويتصيدون أخطاءهم ويعظمونها وينشرونها بين الّناس ‪ ،‬على خطر‬
‫عظيم ‪ ،‬وقد جمعوا صفات عظيمة ال ّ‬
‫شناعة‪:‬‬

‫ـ ففي فعلهم هذا إيذاء لخوانهم المؤمنين ‪ ،‬يقول الله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫}والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ماكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما‬
‫مبينا{]الحزاب‪ [58 :‬وإيذاء المؤمنين صفة من صفات المنافقين ‪ ،‬قال ـ‬
‫شر م َ‬
‫سل َ َ‬ ‫معْ َ َ َ ْ‬
‫)‪(12‬‬
‫سان ِهِ … (( الحديث‬
‫م ب ِل ِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ـ ‪َ )):‬يا َ‬

‫ـ وفيه تخذيل للمؤمنين ‪ ،‬المرين بالمعروف والّناهين عن المنكر ‪ ،‬وتثبيط‬


‫لهم ‪ ،‬وإضعاف من هممهم ‪ ،‬وهذه صفة المنافقين ‪ ،‬قال سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫}المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن‬
‫المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم { أما المؤمنون حقا ‪ ،‬فهم‬
‫يتعاونون ويشد بعضهم من أزر بعض ‪:‬‬

‫ف على الّرقاب‬ ‫إذا العبء الّثقيل توازعته أك ّ‬


‫ف القوم خ ّ‬
‫يقول الله سبحانه وتعالى ‪}:‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض‬
‫يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر{‪.‬‬

‫قال سفيان بن عيينة رحمه الله ‪)) :‬إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر المؤمن‬
‫)‪(13‬‬
‫وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق((‬

‫أخي المسلم ‪ ،‬إن بعض الّناس يقول عن المرين بالمعروف والّناهين عن‬
‫المنكر‪ :‬إنهم فضوليون ‪ ،‬وأقول ‪ :‬هل فعلهم هذا من عند أنفسهم أو هو أمر‬
‫من الله‪ ،‬إذا فقد وقعوا في خطأ عظيم ‪ ،‬إذ صيروا أمرا لله فضول‪.‬‬

‫وإليك هذا الخبر ‪ :‬قال عمر بن صالح ‪ :‬قال لي المام أبوعبدالله)أحمد بن‬
‫حنبل(‪ :‬يا أباحفص ‪ ،‬يأتي على الّناس زمان يكون المؤمن بينهم مثل الجيفة ‪،‬‬
‫ويكون المنافق يشار إليه بالصابع !!‬

‫فقلت ‪ :‬يا أبا عبد الله ‪ ،‬وكيف يشار إلى المنافق بالصابع ؟‪ .‬فقال ‪ :‬يا‬
‫أباحفص ‪ ،‬صيروا أمرالله فضول ‪ ،‬وقال ‪ :‬المؤمن إذا رأى أمرا بالمعروف ‪ ،‬أو‬
‫نهيا عن المنكر ‪ ،‬لم يصبر حتى يأمر وينهى ؛ يعني قال ‪ :‬هذا فضول ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫والمنافق كل شيء يراه قال بيده)‪ (14‬على فمه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬نعم الّرجل ليس‬
‫)‪(15‬‬
‫بينه وبين الفضول عمل ((‬

‫ـ ثم إن في لمز القائمين بأمر الله تنفيذا لمخططات العداء ‪ ،‬وتحقيقا‬


‫لهدافهم ‪ ،‬فقد بذل أعداء السلم جهدهم لتشويه صورة السلم ‪ ،‬وذلك عن‬
‫طريق تشويه صورة حامليه ‪ ،‬وبدءوا حملة مسعورة مستترة استعملت فيها‬
‫كل أفانين الدعاية والشاعة وأساليب علم الّنفس والجتماع لتشويه سمعة‬
‫)‪(16‬‬
‫علماء المة ”‬

‫أخي الكريم ‪ ،‬لو اشتغل كل واحد منا بعيوب نفسه ‪ ،‬واجتهد في إصلحها ‪،‬‬
‫لكان خيرا له وأنفع من اشتغاله بعيوب الخرين ‪ ،‬قال ابن حزم رحمه الله ‪“:‬‬
‫ي من نقص ‪ ،‬حاشا النبياء ـ صلوات الله وسلمه‬ ‫واعلم يقينا أنه ل يسلم إنس ّ‬
‫سخف والضعة‬ ‫عليهم ـ فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط ‪،‬وصارمن ال ّ‬
‫والّرذالة ‪ ...‬وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم بحيث ل يتخلف عنه متخلف‬
‫من الرذال ‪ ...‬فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه ‪ ،‬والشتغال بذلك عن‬
‫) ‪(17‬‬
‫العجاب بها وعن عيوب غيره التي ل تضره ل في الدنيا ول في الخرة”‬

‫قال صلى الله عليه وسلم ‪ )):‬يبصر أحدكم القذى في عين أخيه ‪ ،‬وينسى‬
‫الجذع في عينه (( )‪(18‬ويقول ال ّ‬
‫شاعر ‪:‬‬

‫لنفسي أبكي لست أبكي لغيرها لنفسي من نفسي عن الّناس شاغل‬

‫أيها المسلم ‪ ،‬إن هؤلء القائمين بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫يقومون بواجب عظيم عجزأوتكاسل عنه الكثيرون ‪.‬‬

‫هؤلء هم الذين يرتفع الثم والحرج بسببهم عن المجتمع ‪ ،‬إذلوسكت الجميع‬


‫لثم كل المجتمع ‪ ،‬وكذا لوقام بالمر من ل يكفي ‪.‬‬
‫سكوت عن‬
‫وهؤلء بعملهم تدفع أسباب العذاب والفتنة بإذن الله ‪ ،‬إذ ال ّ‬
‫المنكر سبب لوقوع العذاب ‪.‬‬

‫أرأيت أيها المسلم عظم جناية أولئك المتصيدين أخطاء هذه الّنخبة الطيبة‬
‫من المجتمع ‪ ،‬وإن العجب ل ينقضي من فعل أولئك أهو بغض للخير وانتشاره‬
‫‪ ،‬أم هو حب في المنكرات وشيوعها ‪ ،‬أم حسد أم جهل وبعد عن تعاليم‬
‫سنة أم غرور وانخداع ببريق زائف خادع ‪ ،‬وإل فما ينقمون منهم إل‬ ‫الكتاب وال ّ‬
‫أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ‪ ،‬ويقوموا لله بالقسط ‪ ،‬أل ما أحسن‬
‫أثرهم على الناس ‪ ،‬وأقبح أثر الناس عليهم ! ‪.‬‬

‫أخي الكريم ‪ :‬لنكن كما قال الله سبحانه وتعالى ‪}:‬والمؤمنون والمؤمنات‬
‫بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر {‪.‬‬

‫“ إن طبيعة المؤمن هي طبيعة المة المؤمنة ‪ ،‬طبيعة الوحدة وطبيعة‬


‫التكامل وطبيعة التضامن ‪ ،‬ولكنه التضامن في تحقيق الخير ودفع ال ّ‬
‫شر ‪.‬‬

‫شر يحتاج إلى الولية والتضامن والتعاون ‪ ،‬ومن هنا‬ ‫وتحقيق الخير ودفع ال ّ‬
‫تقف المة المؤمنة صفا واحدا ‪ ،‬لتدخل بينها عوامل الفرقة ‪ ،‬وحيثما وجدت‬
‫الفرقة في الجماعة المؤمنة فثمة ولبد عنصر غريب عن طبيعتها ‪ ،‬وعن‬
‫سمة الولى‬ ‫عقيدتها هو الذي يدخل بالفرقة ثمة غرض أو مرض يمنع ال ّ‬
‫) ‪(19‬‬
‫سمة التي يقررها العليم الخبير !”‬ ‫ويدفعها ال ّ‬

‫وكن على الدهر معوانا لذي أمل يـرجونداك فـإن الحر معوان‬
‫)‪(20‬‬
‫واشدديديك بحبل الله مـعتصما فإنه الّركن إن خانتك أركان‬
‫حواشي قارب ‪...‬‬

‫شهادات ‪ ،‬الفتح ‪ (2). 5/292‬تفسير ابن كثير ‪ (3). 1/247‬تفسير المام‬ ‫)‪ (1‬أخرجه البخاري في ال ّ‬
‫الطبري ‪ :‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن ‪) 4/255‬المعارف(‪ (4).‬أخرجه مسلم في اليمان ‪ ،‬باب بيان‬
‫كون الّنهي عن المنكر من اليمان ‪ 2/23 ،‬بشرح الّنووي ‪ (5).‬شرح الّنووي على صحيح مسلم ‪.22 /2 :‬‬
‫)‪ (6‬انظر‪ :‬شرح الّنووي على صحيح مسلم ‪ ، 2/23‬ورسالة المر بالمعروف والّنهي عن المنكر لبن‬
‫تيمية ص ‪ 29‬وإحياء علوم الدين للغزالي ‪ (7). 2/307‬سبق تخريجه ‪ (8).‬انظر الخلق السلمية ‪ ،‬عبد‬
‫الرحمن الميداني ‪ (9) .2/653‬انظر في هذه المسألة شرح الّنووي على صحيح مسلم ‪ ، 2/23‬وتفسير‬
‫قَرني‪ ،‬من عباد التابعين المقدمين‬ ‫ابن كثير ‪ ، 1/85‬وتفسير ابن سعدي ‪(10). 1/57‬هو أويس بن عامر ال َ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم ي َ ُ‬
‫قو ُ‬ ‫سو َ‬
‫ل ي َأِتي ع َلي ْك ْ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬‫قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‪َ )):‬‬
‫ص فَب ََرأ َ ِ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ضعَ د ِْرهَم ٍ ل ُ‬
‫موْ ِ‬
‫ه ِإل َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ب ِهِ ب ََر ٌ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬‫ن قََر ٍ‬‫م ْ‬ ‫مَراد ٍ ث ُ ّ‬
‫م ِ‬ ‫ن ُ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ل ال ْي َ َ‬
‫م ِ‬ ‫دادِ أهْ ِ‬‫م َ‬‫معَ أ ْ‬ ‫مرٍ َ‬
‫عا ِ‬
‫ن َ‬ ‫س بْ ُ‬
‫أوَي ْ ُ‬
‫فَر لك فافعَل(( أخرجه مسلم في‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ست َغْ ِ‬‫ن يَ ْ‬
‫تأ ْ‬ ‫ست َطعْ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ع َلى اللهِ لبّره ُ فإ ِ ِ‬ ‫س َ‬‫َوال ِد َة ٌ هُوَ ب َِها ب َّر لوْ أق َ‬
‫صفوة لبن الجوزي ‪ 3/33‬والعتصام‬ ‫فضائل أويس القرني ‪ 16/65‬بشرح الّنووي ‪ (11).‬صفة ال ّ‬
‫للشاطبي ‪ (12). 1/30‬سبق ‪ (13).‬المربالمعروف والّنهي عن المنكر للمام الخلل ص ‪ (14). 48‬كناية‬
‫عن إغلق الفم عن الكلم أي صمت فلم يأمر ولم ينه ‪ (15).‬المر بالمعروف والّنهي عن المنكر للمام‬
‫سير ‪،‬‬ ‫أبي بكر الخلل ص ‪ (16). 47‬المشايخ والستعمار ‪ ،‬حسني شيخ عثمان ص ‪ (17). 7‬الخلق وال ّ‬
‫أو‪:‬مداواة الّنفوس لبن حزم ص ‪ (18). 65‬أخرجه ابن حبان في صحيحه ‪ ،‬موارد الظمآن إلى زوائد ابن‬
‫حبان ص ‪ 453‬رقم )‪ (1847‬باب ‪ :‬فيمن ينهى عن منكر ويفعل أنكرمنه‪ ،‬وصححه اللباني ‪ ،‬صحيح‬
‫الجامع رقم)‪ (19) . (7890‬في ظلل القرآن ‪ (20). 3/1675 ،‬من قصيدة ‪ :‬عنوان الحكم للبستي ‪.‬‬

‫المحتويات‬
‫كن مفتاحًا للخير مغلقا للشر‬
‫أيهاالخ المسلم ‪ ،‬لقد بذل أعداء السلم جهدهم في إفساد المجتمعات‬
‫السلمية أخلقيا ً وفكريا ً ‪ ،‬وذلك حتى يتمكنوا من ال ّ‬
‫سيطرة الفكرية عليها ‪،‬‬
‫والتحكم في عقول أبنائها ‪ ،‬وقد سلكوا لتحقيق هذا الغرض سبل شتى ‪،‬‬
‫وليس هذا مجال الحديث عنها ‪ ،‬ولكنني أتحدث إليك عن واحدة من أبرز‬
‫وسائلهم أل وهي “الصحف والمجلت” فقد روجوا من خللها بضاعتهم ‪.‬‬

‫إن من يلقي نظرة خاطفة على هذه المجلت ‪ .‬لن يجد إل صورة فاتنة أو‬
‫خبرا مثيرا ً ‪ ،‬أو فكرا مدمرا ‪ ،‬أو قصصا ماجنة تثير الغرائز وتحرك الهواجس‬
‫وتوقض هاجع ال ّ‬
‫شهوة ‪.‬‬

‫ولو تتبعنا تاريخ صدور أوائل هذه المجلت فسنجد بعضها مرتبطا ً بالحرب‬
‫صليبي على المة السلمية ‪ ،‬وأما‬ ‫العالمية الولى التي تكاتف فيها الغزو ال ّ‬
‫أوائل المنشئين لهذه المجلت والقائمين عليها فل يخرجون عن صليبي حاقد‬
‫أو يهودي خبيث المقصد والطوية ‪ ،‬من مستعمر غاصب ‪ ،‬أو مستشرق يدس‬
‫السم في العسل ‪ ،‬ولك أن تطالع أي كتاب أرخ لتلك الفترة لتعرف صدق‬
‫مقولتي )‪ (1‬يقول أحد من نشأ وتفتحت عيناه على هذا الغثاء وهوخبيربهذا‬
‫شأن‪:‬‬‫ال ّ‬

‫صبا ‪ ،‬فإذا نحن في بيــداء موحشة نخبط في دروب‬ ‫“ لقد تفتحت أعيننا في ال ّ‬
‫ملتوية ‪ ،‬ونعرج يمنة ويسرة بعيدين عن جادة الحق ‪ ،‬وأبواق الّثقافة الدخيلة‬
‫سموم المخدرة حتى‬ ‫يقودون القافلة إلى مصرعها الوخيم ‪ ،‬وينفثون فيها ال ّ‬
‫تستكين لهم وتسلم قيادها ‪ ،‬وهي في غفلة عما انطوت عليه جوانحهم…‬
‫جاءوا بقصص خليع يثير الشهوة ‪ ،‬ويقتل الحياء ‪ ،‬ويلطم وجه الفضيلة‬
‫والشرف‪ ،‬ويوحي بالجرام والفسق…وأدب موبوء يزلزل العقيدة ويخدش‬
‫وجه العفاف ويعرض على الناس باسم القصة ‪ ،‬إنه أدب نغل)‪ ، (2‬وورد آسن ‪،‬‬
‫وغذاء عفن ‪ ،‬التقطه من يتجرون بعقلية الجماهير ‪ ،‬ومن وقعوا وقوع الذباب‬
‫على الفضلت الفاسدة من نفايات الحضارة الوربية ‪ ،‬وقدموه لقومهم في‬
‫شكل زري ‪ .‬إن الّنفوس المريضة ‪ ،‬والعقول الهزيلة التي يخلبها )‪(3‬الّزيف ‪،‬‬
‫وتغويها المظاهرالخداعة والقلوب الخالية من اليمان هي التي تهيم بالباطيل‬
‫)‪(6‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫البهتان ‪((...‬‬ ‫فتعتسف الطريق)‪ ،(4‬وتنفذ في سراديب‬

‫أخي المسلم ‪ :‬أما تحب أن تكون مفتاحا للخير ‪ ،‬مغلقا للشر ‪ ،‬فإن الّرسول‬
‫ح‬
‫فاِتي ُ‬
‫م َ‬
‫ن َ‬ ‫خَزائ ِ ِ‬‫ك ال ْ َ‬ ‫ن وَل ِت ِل ْ َ‬
‫خَزائ ِ ُ‬ ‫ذا ال ْ َ‬
‫خي َْر َ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم يقول‪ )):‬إ ِ ّ‬
‫هّ‬
‫ه الل ُ‬ ‫َ‬
‫جعَل ُ‬ ‫ل ل ِعَب ْد ٍ َ‬‫شّر ‪،‬وَوَي ْ ٌ‬ ‫مْغلقا ِلل ّ‬ ‫خي ْرِ ِ‬ ‫ْ‬
‫حا ل ِل َ‬ ‫فَتا ً‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ه الل ّ ُ‬‫جعَل َ ُ‬
‫طوَبى ل ِعَب ْد ٍ َ‬‫‪،‬ف َ ُ‬
‫)‪(7‬‬
‫ر((‬ ‫مْغلًقا ل ِل ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫شّر ِ‬ ‫حا َلل ّ‬‫فَتا ً‬
‫م ْ‬
‫ِ‬

‫أخي المسلم الغيورعلى دينه ومجتمعه ‪ ،‬بعد أن عرفت منشأ هذه المجلت‬
‫والقائمين عليها ‪ ،‬والهدف من إصدارها وترويجها في بلد المسلمين أقول لك‬
‫‪:‬‬
‫ـ إنك ببيعك إياها تعين هؤلء وأولئك على نشرسمومهم ‪ ،‬وزبالة أفكارهم‬
‫صور المثيرة للغرائز ‪ ،‬والمقالت المشوشة‬
‫وعلى إفساد مجتمعك بنشر ال ّ‬
‫للذهان ‪.‬‬

‫ـ فهل ترضى أن تكون ساعدا يحمل معول هدم لمجتمعك؟‬

‫ـ وهل طابت نفسك أن تكون ممن يعين على الثم والعدوان ‪ ،‬ويخذل أهل‬
‫الحق والداعين إليه ؟ ‪ ،‬والله سبحانه وتعالى يقول ‪ }:‬وتعاونوا على‬
‫البروالتقوى ولتعاونوا على الثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب{‬
‫]المائدة‪[2:‬‬

‫ـ وهل طابت نفسك واطمأن قلبك أن تكون ممن يشيعون الفاحشة في‬
‫المؤمنين وينشرون الفساد والنحلل بين أبناء المسلمين؟ والله جل ذكره‬
‫يقول ‪ }:‬إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم‬
‫في الدنيا والخرة والله يعلم وأنتم لتعلمون {]الّنور ‪[19 :‬‬

‫ـ ثم هل ترضى أن تأكل مال حراما‪،‬وتطعم أولدك وتكسوهم بمال حرام وقد‬


‫)‪(8‬‬
‫عرفت وعيد من أكل المال الحرام‬

‫وقد أفتى العلماء بحرمة بيع هذه المجلت ‪ ،‬وشرائها واقتنائها ‪ .‬قال فضيلة‬
‫شيخ محمد بن صالح العثيمين ‪ “ :‬إن اقتناء مثل هذه المجلت حرام ‪،‬‬ ‫ال ّ‬
‫وشراءها حرام ‪ ،‬وبيعها حرام ‪ ،‬ومكسبها حرام ‪ ،‬وإهداءها حرام ‪ ،‬وقبولها‬
‫)‪(9‬‬
‫حرام ‪ ،‬وكل ما يعين على نشرها بين المسلمين حرام ((‬

‫قفأيها المسلم ‪ ،‬المحب لدينه ‪ ،‬المشفق على نفسه مع نفسك وحاسبها‬


‫وتفكر في حالك ‪ ،‬وما جررته عليها ‪ ،‬أكل هذا من أجل مال حقير ‪ ،‬منزوع‬
‫البركة في الدنيا ‪ ،‬وهو عذاب أليم في الخرة ؟! ‪ ،‬إنك موقوف فمسؤول عن‬
‫مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته)‪ (10‬فماذا أنت قائل عندا لسؤال ؟ أتقول ‪:‬‬
‫شباب ؟ هذا‬‫كسبته من بيع مجلت تستثير الغرائز البهيمية ‪ ،‬وتسمم أفكار ال ّ‬
‫سر وأخفى ‪،‬‬ ‫جوابك ل محالة ‪ ،‬ولن تستطيع الحياد عنه ‪ ،‬فإن الله يعلم ال ّ‬
‫صادق المصدوق‬ ‫وذلك الموقف حق أنت مؤمن به ومصدق لنه جاء عن ال ّ‬
‫الذي ل ينطق عن الهوى ‪ .‬فهل ترضى بذلك جوابا‪،‬إذا‪:‬فكرفي المر‪ ،‬وتأمل‬
‫عاقبته‪:‬‬

‫خرِج‬ ‫خل ِهِ سبي َ‬


‫ل الم ْ‬ ‫مد ْ َ‬
‫ل َ‬ ‫ت دخو َ‬
‫ل أمر فالتمس من قب ِ‬ ‫س َ‬
‫م ْ‬
‫وإذا الت َ َ‬

‫راقب العواقب تسلم‬

‫أخي الكريم “ من لم يراقب العواقب غلب عليه الحس ‪ ،‬فعاد عليه باللم ما‬
‫صب مارجا منه الّراحة ‪ .‬وبيان هذا في المستقبل ‪،‬‬‫سلمة وبالن ّ َ‬
‫طلب منه ال ّ‬
‫يتبين بذكر الماضي ‪ ،‬وهو أنك لتخلو‪ ،‬أن تكون عصيت الله في عمرك أو‬
‫لك ّ‬
‫ل بما فيه !‬ ‫ت رح َ‬
‫ب طاعتك ؟ هيها َ‬‫أطعته‪ .‬فأين لذةُ معصيتك ؟وأين تع ُ‬
‫)‪(11‬‬
‫فليت الذنوب إذا تخلت خلت‬
‫وأزيدك في هذا بيانا ‪ :‬مّثل ساعة الموت ‪ ،‬وانظر إلى مرارة الحسرات على‬
‫التفريط ول أقول‪:‬كيف تغلب حلوة اللذات؛ لن حلوة اللذات استحالت‬
‫حنظل ‪ ،‬فبقيت مرارة السى بل مقاوم ‪ .‬أتراك ماعلمت أن المر بعواقبه ؟‬
‫)‪(12‬‬
‫فراقب العواقب تسلم ‪ ،‬ولتمل مع هوى الحس فتندم ”‬
‫حواشي كن مفتاحا للخير‪...‬‬

‫)‪ (1‬انظرمثلكتاب‪:‬في الدب الحديث ‪ ،‬عمر الدسوقي‪ ،‬في الدب الحديث تاريخ ودراسات ‪:‬د‪.‬محمد بن‬
‫سعد بن حسين ‪ ،‬رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ‪ ،‬محمودمحمدشاكر‪ (2).‬أي ‪ :‬فاسد ‪ (3).‬يخدعها ‪(4) .‬‬
‫اعتسف الطريق ‪ :‬ركبه من غير قصد ول هدى ‪ (5) .‬جمع سرداب وهو المكان الضيق ‪ (6) .‬في الدب‬
‫الحديث ‪ ،‬عمرالدسوقي ‪(7) .1/466‬رواه ابن ماجه في مقدمة سننه باب)‪ (19‬من كان مفتاحا للخير‪) .‬‬
‫‪ (8‬سبق ذكر الحاديث الواردة في ذلك ‪ (9) .‬خطبة حول فتن المجلت ص ‪ (10) . 15‬سبق الحديث‬
‫وتخريجه ‪ (11).‬تخلت ‪ :‬تركتك ‪ ،‬خلت ‪ :‬أي تركت لك بال خاليا ً من الهموم ‪ (12).‬صيد الخاطر لبن‬
‫الجوزي ص ‪. 24،25‬‬

‫المحتويات‬

‫ل ضــرر ول ضــرار‬
‫ـ‪1‬ـ‬

‫أيها الخ الكريم ‪ ،‬إن ديننا الحنيف أحل لنا من المعاملت والمكاسب ما‬
‫لضرر فيه ‪ ،‬ول إثم ‪ ،‬وأمرنا بالكل من الطيبات ؛ لما لها من أثر واضح على‬
‫البدن في نشاطه وسلوكه ‪ ،‬وطواعيته ‪ ،‬وحرم كل خبيث حسي أو معنوي لما‬
‫يكسب متعاطيه من آثار سيئة تضرالفردوالمجتمع ‪.‬‬

‫يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ عن نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪:‬‬
‫} ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث { ]العراف‪ . [157:‬فكل ما‬
‫أحل الله ـ سبحانه وتعالى ـ من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين وكل‬
‫)‪(1‬‬
‫ماحرمه فهوخبيث ضار في البدن والدين‬

‫ـ‪2‬ـ‬

‫سمحة هو إصلح الّنفوس وتنشئة النسان‬ ‫شريعة ال ّ‬‫ثم اعلم ‪ ،‬أن هدف هذه ال ّ‬
‫صادق البار الوفي ‪،‬‬ ‫صالح طاهر القلب ‪ ،‬نقي الّثوب ‪ ،‬ال ّ‬
‫شجاع المين ‪ ،‬ال ّ‬ ‫ال ّ‬
‫المخلص العادل الطيب ‪ ،‬سليم الّنية والطوية ‪ ،‬البعيد عن كل الدناس‬
‫شريعة محققة لهذه الغاية على‬ ‫والرجاس الحسية والمعنوية ‪ ،‬وقد جاءت ال ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫صور‬
‫أتم الوجوه وأكمل ال ّ‬

‫ـ‪3‬ـ‬

‫واعلم أن من القواعد الكلية لشريعتنا الغراء ‪ ،‬أنه ليجوز للنسان أن يضر‬


‫نفسه ‪ ،‬أويضرغيره بقول أوفعل أو سبب بغير حق ‪ ،‬وسواء كان له في ذلك‬
‫نوع منفعة أول ‪ ،‬وهذا عام في كل حال على كل أحد ‪ ،‬ولفظ القاعدة الجامع‬
‫)‪(3‬‬
‫))لضررولضرار ((‬
‫ـ‪4‬ـ‬

‫ثم اعلم أن من البدهيات أنه ليلزم في تحريم شيء ما أن ينص عليه بعينه ‪،‬‬
‫فإن الّرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما فصل وسمى مايعرفه أصحابه‬
‫ويشاهدونه واكتفى بالعمومات ‪ ،‬والقواعدالمجملة التي يدخل فيها ما يوجد‬
‫)‪(4‬‬
‫بعد‬

‫ـ‪5‬ـ‬

‫واعلم أيضا ‪ ،‬أنه يجب على المسلمين التعاون فيما بينهم على البر والتقوى‬
‫وهما كلمتان جامعتان يشملن كل خير ‪ ،‬وأليتعاونواعلى الثم ‪ ،‬وهو كلمة‬
‫جامعة لكل شر ‪.‬‬

‫وبعد هذه المقدمات الخمس المهمة لعلك عرفت المقصود بالكلم هنا إنني‬
‫أحدثك عن داء ابتلي به كثير من المسلمين استعمال وتجارة ‪ ،‬أل وهو ‪:‬‬
‫“الدخان”‪ ،‬فقد اتخذ مصدرا للكسب ‪.‬‬

‫أخي المسلم إني سائلك فأجب ‪:‬‬

‫ـ هل هومن الطيبات التي لها نفع في البدن والدين؟‪.‬‬

‫سمحة من إصلح الّنفوس‬


‫ـ هل بيعه واستعماله مما يحقق هدف شريعتنا ال ّ‬
‫صالح ‪ ،‬طاهر القلب ‪ ،‬البعيد عن كل الدناس والرجاس‬
‫وتنشئة النسان ال ّ‬
‫الحسية والمعنوية ؟‪.‬‬

‫ـ وهل في بيعه واستعماله إضرار بالّنفس ‪ ،‬وإضرار بالمسلمين ‪ ،‬أو ليس فيه‬
‫شيء من ذلك ؟‪.‬‬

‫ـ وهل بيعه والعانة على انتشاره بين المسلمين من التعاون على البر‬
‫والتقوى التي أمرنا الله ـ سبحانه وتعالى ـ بها في كتابه العزيز ‪ ،‬أوهومن‬
‫التعاون على الثم وال ّ‬
‫شر ؟‪.‬‬

‫أخي الكريم ‪ ،‬أجب على هذه السئلة الربعة بتجرد عن الهوى ‪ ،‬وحب في‬
‫الوصول إلى الحق ‪ ،‬ثم اعلم أن كلمة العلماء متفقة على تحريم الدخان‬
‫سواء في ذلك بيعه وشراؤه واستعماله أوتأجيرمحل على من يبيعه ‪ ،‬أو‬
‫العانة على بيعه بأي وجه ‪.‬‬

‫شيخ العلمة محمد بن إبراهيم رحمه الله‪“ :‬مما يعلم كل أحد‬‫قال سماحة ال ّ‬
‫تحريمنا إياه ـ يعني الدخان ـ نحن ومشايخنا ومشايخ مشايخنا وكافة‬
‫المحققين من أئمة الدعوة الّنجدية وسائر المحققين سواهم من العلماء في‬
‫عامة المصار من لدن وجوده بعد اللف بعشرة أعوام أو نحوها حتى يومنا‬
‫)‪(5‬‬
‫هذا استنادا ً على الصول الشرعية والقواعد المرعية ”‬
‫شيخ العلمة عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله ‪ “ :‬أما الدخان شربه‬ ‫وقال ال ّ‬
‫والتجار به والعانة على ذلك فهو حرام ل يحل لمسلم تعاطيه شربا‬
‫)‪(6‬‬
‫واستعمال و اتجارا ”‬

‫شيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله عددا ممن أفتوا بتحريمه‬ ‫وقد ذكرسماحة ال ّ‬
‫شيخ أحمد بن حجر آل أبوطامي ‪ ،‬ونقل تحريمه ال ّ‬
‫شيخ‬ ‫من كل مذهب وكذا ال ّ‬
‫)‪(7‬‬
‫حمود التويجري عن نحو خمسين عالما من مشاهير أتباع الئمة الربعة‬

‫وبعد ‪ .‬فليس هذا مجا َ‬


‫ل إطالة الكلم في حكم الدخان وأدلة تحريمه ولكنها‬
‫ذكرى للذاكرين ‪.‬‬

‫علن وُأظهرشربه بل نكير‬‫ولعلك تقول ‪ :‬إن من يبيعه أويستعمله كثير ‪ ،‬وقد أ ُ ْ‬


‫في السواق والمتاجر ‪ ،‬ثم تعتقد ويترجح لديك أن هؤلء الجناس مع كثرتهم‬
‫صواب ‪ ،‬فأقول لك ‪ :‬إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يقول ‪ }:‬وإن تطع‬ ‫أولى بال ّ‬
‫أكثرمن في الرض يضلوك عن سبيل الله * إن يتبعون إل الظن وإنهم إل‬
‫يخرصون{]النعام‪ [116:‬فليس لديهم برهان من ربهم وإنما هي ظنون‬
‫وأوهام وتخرصات يمليها عليهم الشيطان ‪ .‬وقال ـ سبحانه وتعالى ـ ‪ }:‬وإن‬
‫كثيرا من الّناس عن آياتنا لغافلون{ ]يونس ‪.[92 :‬‬
‫حواشي ل ضرر ‪...‬‬

‫)‪ (1‬تفسير ابن كثير ‪ (2). 2/254‬المقاصد العامة للشريعة السلمية ‪ ،‬عبد الرحمن عبد الخالق ص ‪. 13‬‬
‫)‪ (3‬وهو حديث للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪:‬أخرجه أحمد ‪ ، 5/326‬وابن ماجه )‪ (2340‬وغيرهم‬
‫وصححه اللباني في إرواء الغليل ‪ :‬رقم )‪ (4). (3/408 (896‬التدخين ‪ ،‬مادته وحكمه للشيخ عبد الله بن‬
‫جبرين ص ‪ (5) . 93‬فتوى في حكم شرب الدخان ص ‪ (6) . 1‬حكم شرب الدخان ‪ ،‬مطبوع مع الفتوى‬
‫سابقة ص ‪ (7) . 26‬التدخين مادته وحكمه للشيخ عبدالله بن جبرين ص ‪. 88‬‬ ‫ال ّ‬

‫المحتويات‬

‫ل ترجمان بين العبد وربه‬

‫عن عدي بن حاتم ـ رضي الله عنه ـ قال ‪ :‬قال رسول الله ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ ‪ )) :‬ما منكم من أحد إل سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر‬
‫أيمن منه فليرى إلما قدم من عمله ‪ ،‬وينظر أشأم منه فليرى إلماقدم ‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫نار ولوبشق تمرة ((‬
‫وينظربين يديه فليرى إل النار تلقاء وجهه ‪ ،‬فاتقوا ال ّ‬

‫فتأمل ـ أخي المسلم ـ موقفك غدابين يدي العزيز القهارفإنها والله ساعة‬
‫ليخفى على الموقنين رهبتها ‪ ،‬ولعلى المتقين شدتها ‪ ،‬فإياك والتخليط في‬
‫العمل والكسب فإن العمر قصير والجل قريب ‪ ،‬ول تغرنك الحياة الدنيا‬
‫وزينتها ‪:‬‬

‫ل‬ ‫ل َوتـوّقـعْ سـرعـ َ‬


‫ة الج ِ‬ ‫جـ ٍ‬
‫كن من الدنيا على وَ َ‬

‫ل‬
‫ب والمـ ِ‬
‫ة في الهوى والكس ِ‬
‫ب كـامـن ٌ‬
‫ة اللـبا ِ‬
‫آفـ ُ‬

‫ل‬
‫سم في العسـ ِ‬ ‫تـخدع النـسان ل ّ‬
‫ذتها فـهـي مثل ال ّ‬
‫ل‬
‫ل والـليالي فـيـك في عم ِ‬
‫أنت في دنـياك في عم ٍ‬
‫حواشي ل ترجمان ‪...‬‬

‫)‪ (1‬أخرجه البخاري في ‪ :‬التوحيد ‪ ،‬الفتح ‪.13/474‬‬

‫المحتويات‬

‫وختــــــــامــــا‬
‫أيهاالخ الكريم ‪ :‬لعلي أثقلت عليك فيما توجهت به إليك ‪ ،‬ولكن لبأس‬
‫فراحتك أريد ‪ ،‬وسعادتي وإياك في الدارين أنشد ‪ .‬فاتق الله ما استطعت ‪،‬‬
‫ففي تقوى الله كل خير ‪ ،‬وهي سبب في تفتح أبواب الّرزق قال سبحانه‬
‫وتعالى ‪ }:‬ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث ليحتسب {‬
‫]الطلق‪ [3:‬وبعد ‪ :‬فأسأل الله العلي القدير أن يحسن عاقبتنا في الموركلها‬
‫ويجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الخرة‪ ،‬وأن يتولني وإياك برحمته وتوفيقه‬
‫سلم عليك ورحمة الله وبركاته ‪.‬‬
‫وأستودعك الله الذي ل تضيع ودائعه ‪ ،‬وال ّ‬

‫سلم على رسول الله ‪.‬‬


‫صلة وال ّ‬
‫والحمد لله وال ّ‬

‫أرجو من كل أخ اطلع على هذا الجهد المتواضع فرأى فيه ما يحتاج إلى تنبيه‬
‫بزيادة أو نقص أو تعديل أو غير ذلك أن يبادر بالكتابة ‪ ،‬تحقيقا ً لقوله تعالى ‪:‬‬
‫}وتعاونوا على البر والتقوى{‬
‫‪alawoad@naseej.com‬‬

‫المحتويات‬

‫المصادر والمراجع‬

‫سير ‪ ،‬أو‪:‬مداواة الّنفوس لبن حزم‪.‬‬


‫الخلق وال ّ‬ ‫‪.1‬‬
‫الدب المفرد للبخاري‬ ‫‪.2‬‬
‫الشباه والّنظائر للسيوطي‬ ‫‪.3‬‬
‫المر بالمعروف والّنهي عن المنكر للمام أبي بكر الخلل‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الحسان بترتيب صحيح ابن حبان‪ ،‬حققه شعيب الرناؤوط‬ ‫‪.5‬‬
‫إحياء علوم الدين للغزالي‬ ‫‪.6‬‬
‫الخلق السلمية ‪ ،‬عبد الرحمن الميداني‬ ‫‪.7‬‬
‫إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل لللباني‬ ‫‪.8‬‬
‫العتصام للشاطبي‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫اغاثة اللهفان لبن القيم‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫تحفة الحوذي شرح سنن الترمذي‪.‬‬ ‫‪.11‬‬
‫تخريج أحاديث كتاب “ الحلل والحرام للقرضاوي” لللباني‬ ‫‪.12‬‬
‫تخريج العراقي لحاديث الحياء‬ ‫‪.13‬‬
‫التدخين ‪ ،‬مادته وحكمه للشيخ عبدالله بن جبرين ‪.‬‬ ‫‪.14‬‬
‫الترغيب والترهيب للمنذري‬ ‫‪.15‬‬
‫تفسير ابن سعدي‬ ‫‪.16‬‬
‫تفسير ابن كثير‬
‫‪.17‬‬
‫سلم هارون‬ ‫تهذيب سيرة ابن هشام ‪،‬عبد ال ّ‬ ‫‪.18‬‬
‫جامع البيان عن تأويل آي القرآن للمام ابن جرير الطبري‪.‬‬ ‫‪.19‬‬
‫شافي ‪ ،‬لبن القيم ‪.‬‬‫الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء ال ّ‬ ‫‪.20‬‬
‫حياة الحيوان الكبرى للدميري‪.‬‬ ‫‪.21‬‬
‫الحياة العربية من الشعر الجاهلي ‪ ،‬د‪ .‬الحوفي‪.‬‬ ‫‪.22‬‬
‫خطبة حول فتن المجلت ‪.‬‬ ‫‪.23‬‬
‫رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ‪ ،‬محمود محمدشاكر‪.‬‬ ‫‪.24‬‬
‫الّزهد للمام أحمد بن حنبل‪.‬‬‫‪.25‬‬
‫صحيحة لللباني‬ ‫سلسلة الحاديث ال ّ‬‫‪.26‬‬
‫سنن أبي داود‬
‫‪.27‬‬
‫سنن ابن ماجة ‪.‬‬
‫‪.28‬‬
‫سنن الترمذي‬
‫‪.29‬‬
‫سنن الدارمي‬
‫‪.30‬‬
‫السنن الكبرى للبيهقي‬
‫‪.31‬‬
‫سنة للمام البغوي‬ ‫شرح ال ّ‬
‫‪.32‬‬
‫شرح القواعد الفقهية لحمد الّزرقا ‪.‬‬ ‫‪.33‬‬
‫شرح الّنووي على صحيح مسلم‪.‬‬ ‫‪.34‬‬
‫صحيح البخاري‬
‫‪.35‬‬
‫صحيح الجامع الصغير لللباني‪.‬‬ ‫‪.36‬‬
‫صحيح مسلم‬‫‪.37‬‬
‫صفوة لبن الجوزي‬ ‫صفة ال ّ‬
‫‪.38‬‬
‫صيد الخاطر لبن الجوزي ‪.‬‬ ‫‪.39‬‬
‫فتح الباري بشرح صحيح البخاري‬ ‫‪.40‬‬
‫ساعاتي‪.‬‬
‫الفتح الّرباني في ترتيب مسند المام أحمد لل ّ‬ ‫‪.41‬‬
‫فتح القدير للشوكاني‬
‫‪.42‬‬
‫فتوى في حكم شرب الدخان‬ ‫‪.43‬‬
‫للشيخ محمد بن إبراهيم ‪.‬‬‫‪.44‬‬
‫صمد بتوضيح الدب المفرد للجيلني‬ ‫فضل الله ال ّ‬
‫‪.45‬‬
‫في الدب الحديث تاريخ ودراسات ‪:‬د‪.‬محمد بن سعدبن حسين‬ ‫‪.46‬‬
‫في الدب الحيث لعمر الدسوقي‬ ‫‪.47‬‬
‫في ظلل القرآن ‪ ،‬سيد قطب ‪.‬‬ ‫‪.48‬‬
‫صغير ‪ ،‬للمناوي‪.‬‬ ‫فيض القدير شرح الجامع ال ّ‬ ‫‪.49‬‬
‫الكبائر للذهبي‬
‫‪.50‬‬
‫كتاب التوحيد للمام محمد بن عبد الوهاب مع حاشيته لبن قاسم ‪.‬‬ ‫‪.51‬‬
‫مجمع الحكم والمثال ‪.‬‬‫‪.52‬‬
‫مختصر شعب اليمان للقزويني ‪.‬‬ ‫‪.53‬‬
‫المستدرك للحاكم‬‫‪.54‬‬
‫المسند للمام أحمد‬
‫‪.55‬‬
‫المشايخ والستعمار‪،‬حسني شيخ عثمان‪.‬‬ ‫‪.56‬‬
‫شيطان لبن مفلح المقدسي ‪.‬‬ ‫مصائب النسان من مكائد ال ّ‬ ‫‪.57‬‬
‫المصباح للفيومي‬
‫‪.58‬‬
‫المقاصد العامة للشريعة السلمية ‪ ،‬عبدالّرحمن عبدالخالق‬ ‫‪.59‬‬
‫موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان لبي بكر الهيثمي‬ ‫‪.60‬‬
‫الموطأ ‪ ،‬للمام مالك رحمه الله ‪.‬‬ ‫‪.61‬‬
‫النشاط التنصيري في الوطن العربي ‪ ،‬د‪ .‬إبراهيم عكاشة ‪ ،‬جامعة‬ ‫‪.62‬‬
‫المام ‪.‬‬
‫الّنهاية في غريب الحديث والثر لبن الثير‬ ‫‪.63‬‬
‫الوصية الصغرى لبن تيمية ‪ ،‬تحقيق سليم الهللي ‪.‬‬ ‫‪.64‬‬
‫المحتويات‬

‫عودة‬

You might also like