You are on page 1of 213

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫ِإشراقة الحج‬
‫بقلم الدكتور عدنان علي رضا النحوي‬
‫الشهادتان والشعائر أركان السلم الخمسة ‪ ،‬هي الساس الذي تقوم عليه‬
‫سائر التكاليف الربانية ‪ ،‬لتؤلف هذه التكاليف الربانّية والساس الذي تقوم‬
‫عليه بناء السلم كله ‪ ،‬بناء متينا ً وأساسا ً متينا ً ‪ ،‬فل ُيقبل من عبد عم ٌ‬
‫ل إل إذا‬
‫قام على الركان الخمسة ‪ ،‬على هذا الساس ‪.‬‬
‫ولقد فرض الله سبحانه وتعالى هذه الشعائر رحمة منه سبحانه وتعالى‬
‫بعباده ‪ .‬فالله سبحانه وتعالى لم يخلق النسان عبثا ً ولم يتركه سدى ‪ .‬فقد‬
‫خلقه ليوفي بمهمة في الحياة الدنيا ‪ ،‬وهي محور مسؤوليته ‪ ،‬وأساس‬
‫محاسبته يوم القيامة بين يدي الله ‪ .‬خلقه الله لمهمة يؤديها في الحياة الدنيا‬
‫من خلل ابتلء وتمحيص ‪ ،‬فل يخرج النسان من هذه الدنيا إل وقد استكمل‬
‫رزقه وأجله وتمحيصه في الدنيا ‪:‬‬
‫) تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ‪ .‬الذي خلق الموت‬
‫والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمل ً وهو العزيز الغفور (‬
‫] تبارك ‪[ 2 ، 1 :‬‬
‫وكذلك قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫ل مسمى عنده ثم أنتم تمترون‬ ‫م قضى أجل ً وأج ٌ‬ ‫) هو الذي خلقكم من طين ث ّ‬
‫(‬
‫] النعام ‪[ 2 :‬‬
‫وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ":‬أيها الناس ! اتقوا الله وأجملوا في الطلب ‪ ،‬فإن نفسا ً لن تموت‬
‫حتى تستوفي رزقها ‪ ،‬وإن أبطأ عنها ‪ .‬فاتقوا الله و أجملوا في الطلب ! خذوا‬
‫ل ودعوا ما حّرم "‬ ‫ما ح ّ‬
‫] رواه ابن ماجه [ ‪1‬‬
‫ً‬
‫ه التي ل تحصى ‪ ،‬فضل منه سبحانه وتعالى ‪ ،‬لتعين‬ ‫ووّفر الله للنسان ن ِعَ َ‬
‫م ُ‬
‫خل ِقَ لها ‪ .‬ومن أهم هذه النعم الشعائر‬ ‫مة التي ُ‬ ‫النسان على الوفاء بالمه ّ‬
‫التي فرضها الله سبحانه وتعالى رحمة منه بعباده ‪ ،‬لتكون متماسكة فيما‬
‫بينها ومتماسكة مع التكاليف الربانّية الخرى التي تقوم عليها ‪ .‬وبغير هذه‬
‫الشعائر ل يستطيع النسان الوفاء بالمهمة التي خلق لها ‪:‬‬
‫ها ِإن النسان‬‫دوا ِنعمت الله ل ُتح ُ َ‬
‫صو‬ ‫موه وِإن ت َعُ ّ‬ ‫ل ما سألت ُ ُ‬ ‫من ك ُ ِ‬ ‫) وآتاكم ِ‬
‫لظلوم كفاٌر (‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫] إبراهيم ‪[ 34 :‬‬
‫وكذلك قوله تعالى ‪:‬‬
‫خر لكم ما في السموات وما في الرض وأسبغ عليكم‬ ‫) ألم تروا أن الله س ّ‬
‫ِنعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ول هدى ول‬
‫منيرٍ (‬
‫كتاب ُ‬
‫] لقمان ‪[ 20 :‬‬
‫هذه الشعائر كلها مصدر طاقة تمد ّ النسان بالعزيمة والقوة ليوفي بعهده مع‬
‫ليمان والتوحيد ‪،‬‬ ‫الله ‪ ،‬وعبادته وأمانته ‪ ،‬وخلفته في الرض ‪ ،‬وعمارتها با ِ‬
‫وليوفي بسائر التكاليف الربانّية التي تقوم على هذا الساس المتين ‪:‬‬
‫الشهادتان والشعائر ‪.‬‬
‫ده بالطاقة والقوة ‪ ،‬وتغسل عنه ذنوبه‬ ‫ل شعيرة يؤديها المؤمن تم ّ‬ ‫وك ّ‬
‫وأخطاءه ‪ ،‬ويزيد هذا المدد بالطاقة حين تعمل الشعائر كلها في حياة المؤمن‬
‫‪ ،‬مرتبطة بالشهادتين ‪ ،‬مصدر اليمان والتوحيد وصفاء النية وإخلصها لله‬
‫سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ِإن أهمية النّية وإخلصها وارتباطها بالشعائر وبكل عمل يقوم به المؤمن‬
‫تنجلي حين ندرك أن النّية الواعية يقظة في القلب وجمال في النفس ‪.‬‬
‫دد للمؤمن هدفه وغايته‬ ‫ح ّ‬
‫وتستكمل النّية هذه اليقظة والجمال ‪ ،‬حين ت ُ َ‬
‫والدرب الذي يوصل إلى الغاية والهدف ‪.‬‬
‫بهذا التصور يقبل المؤمن على الحج بالنّية الواعية اليقظة ‪ ،‬وهو يدرك أن‬
‫الحج شعيرة ترتبط بسائر الشعائر وبالنية وإخلصها ‪ ،‬وأنها فرض فرضه الله‬
‫سبحانه وتعالى نعمة منه ورحمة ‪ ،‬لتعين النسان على الوفاء بالمانة والعبادة‬
‫والمهمة التي خلقه الله من أجلها ‪:‬‬
‫) ‪ ...‬ولله على الناس حج البيت من استطاع ِإليه سبيل ً ومن كفر فإن الله‬
‫ي عن العالمين (‬ ‫غن ّ‬
‫] آل عمران ‪[ 97 :‬‬
‫ً‬
‫وبذلك يصبح إنكار فريضة الحج كفرا ‪ .‬وإنه إنكار يذهب بالطاقة التي يحتاجها‬
‫النسان ليوفي بمهمته وأمانته ‪ .‬فكل شعيرة مصدر طاقة ضرورية للنسان ‪،‬‬
‫وفريضة الحج مصدر طاقة عظيمة للمؤمنين ‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد كانت الشعائر كلها ماضية مع النبياء والمرسلين ‪ ،‬فدينهم جميعا دين‬
‫وة‬‫قبلون هم والمؤمنون على الحج ليستمدوا منه ّ‬
‫ق‬ ‫واحد هو السلم ‪ .‬وكانوا ي ُ ِ‬
‫وعزما ً ‪ ،‬وليبتغوا منه فضل ً ‪ ،‬وليشهدوا منافع لهم ‪ ،‬وليذكروا الله ‪ ،‬وليدعوا‬
‫دهم ذلك كله بالقوة والطاقة في مسيرة الحياة ‪ ،‬يوفون‬ ‫حوا بالدعاء ‪ ،‬ليم ّ‬
‫ويل ّ‬
‫بعهد وأمانة وعبادة وخلفة ‪ ،‬ل يستطيعون الوفاء بها إل بهذه الطاقة والقوة ‪.‬‬
‫ولنستمع إلى نداء الله سبحانه وتعالى إلى إبراهيم عليه السلم ‪ ) :‬وأذن في‬
‫الناس بالحج يأتوك رجال ً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا‬
‫منافع لهم ويذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة النعام فكلوا منها‬
‫وأطعموا البائس الفقير (‬
‫] الحج ‪[ 28 ، 27 :‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫هكذا يجمع الحج الناس في مختلف مستوياتهم ‪ ،‬متساويين أمام الله ‪ ،‬يعطف‬
‫غنيهم على فقيرهم فيصبح الفقير في ذمة المسلمين جميعا ً ‪ ،‬يحفظون‬
‫حقوقه ‪ ،‬فيأكلون وُيطِعمون البائس الفقير ‪ ،‬ليمتد هذا التواصل مع المسيرة‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كلها ‪ ،‬ل ينقطع بعد انتهاء الحج ‪ .‬دروس ومواعظ في الحج ل تكاد تنتهي ‪.‬‬
‫وتعرض اليات الكريمة في سورة الحج نعم الله على عباده المؤمنين وهم‬
‫في ظلل المغفرة وأنداء الرحمة ‪:‬‬
‫حّلت لكم النعام إل ما‬ ‫) ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأ ُِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ ِ ُ ُ‬
‫رجس من الوثان واجتنبوا قول الّزور (‬ ‫يتلى عليكم فاجتنبوا ِ‬
‫ال‬
‫] الحج ‪[ 30 :‬‬
‫ثم تعرض السورة الكريمة خصائص المؤمنين الذين يقبلون بها على فريضة‬
‫الحج ‪:‬‬
‫جلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمى‬ ‫َ‬ ‫) الذين إذا ُذكر الله و ِ‬
‫الصلة ومما رزقناهم ينفقون (‬
‫] الحج ‪[ 35 :‬‬
‫وفي سورة البقرة ‪:‬‬
‫) الحج أشهٌر معلومات فمن فرض فيهن الحج فل رفث ول فسوق ول جدال‬
‫في الحج وما تفعلوا من خيرِ يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى‬
‫ن يا أولى اللباب (‬ ‫واّتقو ِ‬
‫] البقرة ‪[ 197 :‬‬
‫خصائص ل بد ّ أن تكون مغروسة في القلب ليجنوا ثمار الحج وبركته ‪ ،‬وثمار‬
‫الشعائر كلها ‪ .‬ول بد للحجيج أن يتزودوا بكل ما يحتاجونه ‪ ،‬وخير زاد لهم‬
‫التقوى ‪:‬‬
‫قون يا أولى اللباب (‬ ‫ن خير الزاد التقوى وات ّ‬ ‫) ‪ ...‬وتزّودوا فإ ّ‬
‫] البقرة ‪[ 197 :‬‬
‫ومن آيات الحج في سورة البقرة وآل عمران والحج ندرك كيف ترتبط‬
‫فريضة الحج بسائر الشعائر وبالشهادتين ‪ ،‬لتكون كلها مصدر طاقة عظيمة‬
‫للنسان المؤمن ل غناء له عنها ‪ ،‬نعمة عظيمة من الله تمده بالعزيمة والقوة‬
‫خل ِقَ لها ‪ ،‬بالتكاليف الربانّية التي تقوم على هذه‬ ‫لينهض للوفاء بالمّهمة التي ُ‬
‫الركان ‪ :‬الشهادتين والشعائر ‪ .‬وهكذا كان دور الحج في بناء النفوس‬
‫والقلوب والعزائم أيام النبوة الخاتمة ‪ .‬واليوم نحتاج إلى أن تعود عملّية البناء‬
‫متكاملة لتبني الجيل المؤمن بخصائصه الربانّية ‪ ،‬عسى أن ينزل الله نصره‬
‫علينا ‪.‬‬
‫ِإن واقعنا اليوم يفرض علينا أن نجعل من الحج وسائر الشعائر قوة ِإيقاظ ‪،‬‬
‫حتى يعلم المسلم أنه ل ُيقصد من أداء الشعائر الوقوف عندها ‪ ،‬ثم النطواء‬
‫في البيت أو الجري اللهث وراء الدنيا ‪ ،‬غافل ً عن التكاليف الربانّية التي‬
‫تقوم على هذه الشعائر ‪.‬‬
‫فكثير من الحجيج إذا َأدوا فريضته ‪ ،‬مضوا فشغلتهم الدنيا بأهوائها وفتنتها ‪،‬‬
‫خِلقوا للوفاء بها ‪:‬‬ ‫ناسين المهمة التي ُ‬
‫أين الحجيج وكل قلب ضارع ومشارف الدنيا له آذان‬
‫ل وفّرق جمعهم ُبلدان‬ ‫نزعوا عن الساحات وانطلقت بهم سب ُ ٌ‬
‫وطوتهم الدنيا بكل ضجيجها وهوى يمّزق شملهم وهوان‬
‫م له ومكان‬ ‫ت أو حر ٌ‬ ‫مهم عرفا ُ‬ ‫ومضى الحجيج كأنهم ما ض ّ‬
‫مة واحدة في الحج وبعد الحج ‪ .‬فمن‬ ‫يقبل المؤمنون على الحج ليكونوا أ ّ‬
‫فرض منهم الحج فل رفث ول فسوق ول جدال ‪ ،‬رحمات تنّزل على العباد ‪،‬‬
‫ذكر ودعاء !‬
‫إننا ننظر في واقع المسلمين اليوم ‪ ،‬لندرك أنه من واجبنا تحريك النّية لتكون‬
‫يقظة ووعيا ً وجمال ً ‪ ،‬ولتكون وعيا ً لحقيقة الحج ولهدافه المرجوة ‪ ،‬ليكون‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سب عليها يوم‬ ‫كر النسان بمسؤوليته التي سيحا َ‬ ‫مصدر طاقة وقوة ‪ ،‬ت ُذ َ ّ‬
‫القيامة ‪ ،‬ولتطهر النسان من آثامه وأخطائه ‪:‬‬
‫ج‬
‫فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬من ح ّ‬
‫لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه "‬
‫] صحيح الجامع الصغير وزيادته رقم ‪[ 6197 :‬‬
‫الحج مصدر طاقة بناء وتربية وإعداد ‪ ،‬وطاقة تطهير وتنقية للنفس ‪ ،‬وطاقة‬
‫دعوة وبلغ وتذكير ‪ .‬الحج ِإعداد للمسلم لينطلق فيوفي بمسؤولياته ل ليركن‬
‫ويستريح وتطويه الدنيا بزخرفها ‪.‬‬
‫ما بال بعض المسلمين اليوم ‪ ،‬إذا أّدوا شعيرة عادوا إلى بيوتهم أو إلى‬
‫دنياهم ‪ ،‬نسوا التكاليف التي عليهم ‪ ،‬وتركوا الميادين مفتحة لعداء الله ‪ .‬ثم‬
‫يأخذهم التلوم عند حلول النكبات والفواجع ‪ ،‬قدرا ً من عند الله بما كسبت‬
‫أيدي الناس ‪.‬‬
‫الحج فرصة عظيمة يسّرها الله للمؤمنين ‪ ،‬تلتقي جموعهم لقاء خير ‪،‬‬
‫لينظروا في أنفسهم و واقعهم ومسؤولياتهم ‪ ،‬لينظر العلماء والدعاة فهم‬
‫أولى الناس بالنظر ‪ ،‬فهم النموذج المرتجى ‪ ،‬ليوفوا بالمانة التي وضعها الله‬
‫في أعناقهم ‪ ،‬في هذه اللحظات القاسّية التي تعاني المة فيها من قوارع‬
‫الفرقة والمزلة والهوان ‪ .‬هم أولى الناس ليقولوا قولة الحق التي تجمع المة‬
‫على الحق ‪ ،‬ليرشدوا الناس إلى الصراط المستقيم الذي أمر الله باتباعه ‪،‬‬
‫ص عليها‬
‫إلى الهداف الربانّية والتكاليف الربانّية التي تقود إليها ‪ ،‬والتي ن ّ‬
‫الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫ولينظر الدباء في رسالتهم وكم أوفوا بالمانة ليساهموا في حماية المة‬
‫ونصرة دين الله ‪ ،‬ولينظر رجال الفكر والسياسة والقتصاد ‪ ،‬ورجال الميادين‬
‫المختلفة ‪ ،‬فلينظروا جميعا ً كم أوفوا بالمانة وبعهدهم مع الله ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫من بين اللم والدماء والشلء في فلسطين وكثير من أرض السلم ‪ ،‬تنطلق‬
‫إشراقة الحج لتهب القلوب يقظتها ‪ ،‬وتهب النفوس عزيمتها ‪ ،‬وتهب المة‬
‫لحمتها لحمة الخوة في الله تجمع وتحنو ‪ ،‬ول تفّرق وتمّزق ‪.‬‬
‫أيها المسلمون ! أنتم أمة واحدة ‪ ،‬تحملون رسالة واحدة وأمانة واحدة‬
‫سبون عليها بين يدي الله يوم القيامة يوم ل ينفع مال ول بنون ‪.‬‬ ‫ستحا َ‬
‫ليت المسلم يقف اليوم وقفة محاسبة إيمانّية قبل فوات الفرصة ‪ .‬فالحياة‬
‫الدنيا هي الفرصة الخيرة للنسان ليصلح ويتوب ‪ .‬ليت المسلمين يقفون‬
‫هذه الوقفة اليمانية ‪ ،‬مع أيام الحج المباركة ‪ ،‬يراجعون أنفسهم ‪ ،‬يدرسون‬
‫واقعهم من خلل منهاج الله ‪ ،‬فيعرفون أخطاءهم ‪ ،‬فيعالجونها ويتوبون ‪.‬‬
‫فالحج موعظة وتذكير لمن يريد الله له الهداية ‪.‬‬
‫) ‪ ...‬وتوبوا إلى الله جميعا ً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون (‬
‫] النور ‪[ 31 :‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ )‪ (1‬سنن ابن ماجه ـ تحقيق د‪.‬‬
‫العظمي ‪ ) :‬رقم ‪ . ( 216 :‬صحيح الجامع الصغير وزيادته ‪ ) :‬رقم ‪( 2742 :‬‬
‫‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ابتعاث السطورة مؤامرة جديدة تواجه الفكر السلمي‬


‫الستاذ أنور الجندي‬
‫هناك حصيلة ضخمة من الساطير والخرافات تتمثل في قصص وملحم‪.‬‬
‫وتتخذ من المعتقدات الوثنية موضوعا ً لها‪ ،‬وهي تفسر أحداث الحياة وظواهر‬
‫الطبيعة على ضوء هذه المعتقدات وتنسبها إلى تدخل اللهة وأنصاف اللهة‬
‫في شئون البشر ولقد كان لليونان أساطيرهم وكان للعرب في الجاهلية‬
‫أساطيرهم والغالب أن الغريق والعرب في الجاهلية اشتقوا معتقداتهم‬
‫السطورية من الفرعونية الوثنية القديمة‪.‬‬
‫هذا التراث من الساطير والخرافات‪ ،‬المتصل بطوالع النجوم وأفلك البروج‪،‬‬
‫وأسرار الرقام ومجموع التعاويذ الخاصة بطرد الرواح الشريرة‪ ،‬كان بمثابة‬
‫تجارة للكهنة القدامى في الحضارات المصرية والشورية والبابلية القديمة‬
‫ولقد كان اليهود هم حملة لواء هذه الساطير والخرافات بالضافة إلى فن‬
‫السحر الذي يخصصوا فيه‪.‬‬
‫هذه الحصيلة يجرى تجديدها في العصر الحديث على نحو من الهتمام‬
‫الواسع‪ ،‬والتركيز الشديد على أفق الفكر السلمي بعد أن جاء السلم‬
‫فحطم هذا التراث كله‪ ،‬وقضى عليه وذلك حين قدم صحاح الخبار والصور‬
‫والعقائد فيما يتعلق بمختلف شئون الغيب‪ ،‬وأجاب عن كل السئلة التي‬
‫جاءت بها هذه الساطير والخرافات بمثابة محاولت بشرية ضالة مضلة إزاء‬
‫هذه المور‪.‬‬
‫عالم الغيب‪:‬‬
‫ً‬
‫لقد أعطى السلم منهجا كامل ً للميتا فيزيقا أو ما يسمونه عالم الغيب‪،‬‬
‫فكشف عن حقائق عالم الجن والملئكة ورسالت النبياء والوحي‪ ،‬وخلق‬
‫السموات والرض والرياح والبحار والكواكب والقمار‪ ،‬وأوضح علقة النسان‬
‫بها‪ ،‬ودعا النسان إلى أن يعبد خالق هذه الكواكب‪ ،‬وأن ل يسجد للشمس ول‬
‫للقمر‪ .‬وأن يعرف أنه تبارك وتعالى هو رب )الشعري( اليمانية التي كان‬
‫يعبدها العرب في الجاهلية‪ .‬كذلك فقد دعا النسان إلى عبادة الله الواحد‬
‫الخالق‪ ،‬وحرره من عبادة الصنام والوثان والصور‪ ،‬وعلمه أن هذه كلها ل‬
‫تملك له نفعا ً ول ضرًا‪ ،‬كما كشف الله تبارك وتعالى سنن الخلق وتصريف‬
‫الرياح‪ ،‬وإنشاء السحب وسوقها إلى حيث يأمرها بأن تمطر فيصيب بهذا‬
‫الغيث من يشاء ويصرفه عمن يشاء‪.‬‬
‫لكل دار دواء إل الموت‪:‬‬
‫وبذلك قضى على الساطير العديدة التي كانت تتحدث عن الشياطين التي‬
‫تسوق الرياح‪ ،‬كذلك دعا إلى التداوي من المراض‪ ،‬وأخبر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بأن الله تبارك وتعالى خلق لكل داء إل السام )أي الموت(‪.‬‬
‫وبذلك قضى على ما كان يقوم به كهنة بابل من بعض الطقوس لشفاء‬
‫المرضى أو طرد الرواح الشريرة أو ما كانوا يصفونه للتهاب العين من‬
‫انتزاع أحشاء ضفدع صفراء‪.‬‬
‫كذلك دعا السلم إلى دحض ما يسمى طوالع النجوم وأفلك البروج وتأثيرها‬
‫على خطوط البشر وأسرار الرقام‪ ،‬فإن هذه كلها ل تملك لنفسها شيئا ً ول‬
‫تستطيع أن تقدم للنسان أي دليل على غيب‪ ،‬فالغيب كله لله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫المنهج التجريبي‪:‬‬
‫وكانت دعوة السلم إلى البشرية أن تنظر إلى خلق السموات والرض‪،‬‬
‫وإلى كيف بدأ الله الخلق‪ ،‬والتأمل في هذا الكون الذي هدى المسلمين إلى‬
‫بناء المنهج العلمي التجريبي الذي نشأت عليه الحضارة الحديثة‪ .‬والذي إدعاه‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القس روجر بيكون وفرانسيس بيكون ومن ذهب مذهبهم‪.‬‬


‫وبذلك تحرر العقل البشري من الساطير والوثنيات والخرافات القديمة‪،‬‬
‫وانسحق هذا الركام كله تحت أقدام الحقائق‪ ،‬وتحت أضواء نور العلم‬
‫الحقيقي‪.‬‬
‫غير أننا نرى الن أن هناك محاولة مستميتة لحياء هذا الركان‪ ،‬وإعادة إذاعة‬
‫هذه الخرافات التي سادت في العصور القديمة من جديد بعد أن حطمها‬
‫السلم‪ ،‬وأقام مفهوما ً أصيل ً لكل ما يتصل بعالم الغيب ولما يتصل بخلق‬
‫الكون والسموات والرض‪.‬‬
‫عودة إلى الساطير‪:‬‬
‫هذا الركام الوثني والبشري تجرى إعادة صياغته في أساليب براقة وكتب‬
‫فاخرة‪ ،‬وتحمله إلى الناس صحف ومجلت راقية الطباعة‪ ،‬ويحمل لواء‬
‫الدعوة إليه كتاب لهم شهرة ذائعة‪ ،‬حيث يجد إعجابا ً وإقبال ً وافتنانا ً من‬
‫الشباب المسلم‪ ،‬الذي لم تتشكل له خلفية أساسية من مفهوم السلم‪،‬‬
‫تحميه من تقبل هذه السموم‪ .‬ول ريب أن بعض البلد السلمية قد خضعت‬
‫لهذه الفكار الزائفة‪ ،‬عندما ضعف مفهومها السلمي في مرحلة التخلف‪،‬‬
‫ولكنهم وقد عادوا اليوم ينفضون عنهم غبارها‪ ،‬عليهم أن يتحرروا منها‪ ،‬وأن‬
‫الصورة التي سجلها مثل أدوار لين في كتابه )المصريون المحدثون( ل تمثل‬
‫إل مرحلة الضعف التي سيطرت فيها مفاهيم باطلة‪ ،‬حيث تسربت الخرافات‬
‫والساطير مرة أخرى إلى المجتمعات تحت أسماء التمائم والتطير‪ ،‬وتقمص‬
‫الرواح‪ ،‬قد كتب لين ذلك في نفس الوقت الذي كان المام محمد بن عبد‬
‫الوهاب يجاهد في الجزيرة العربية ونجد لتطهير السلم من هذه الخرافات‪.‬‬
‫بين الفك والتنجيم‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن عجب أن تذيع بعض المجلت كتبا ً مسمومة تحت اسم "علم الساطير"‬
‫لتخدع المسلمين عن حقائق دينهم‪ ،‬للبشر‪ ،‬وفي هذا ارتداد إلى مجاهل‬
‫التنجيم وشعوذة المنجمين‪ ،‬مما يتناقض مع مفهوم السلم الصيل‪ ،‬ومع‬
‫منهج البحث العلمي الصحيح‪ ،‬ولريب أن وراء هذه الهواء قوى تغريبية‬
‫وتلمودية خطيرة تحاول أن تفرض هذه المفاهيم المسمومة الزائفة‪ ،‬بحيث‬
‫تقول أن هناك صلة بين وجود الكواكب في أبراج معينة وبين الحداث‪ ،‬أي أن‬
‫مواليد برج معين تتميز شخصياتهم بظواهر معينة تختلف عن مواليد البراج‬
‫الخرى‪.‬‬
‫ولقد حرى العلماء المسلمون علم الفلك الحديث من خرافات التنجيم‬
‫القديمة وفرقوا بين التنجيم وبين دراسة الفلك ومواقع النجوم‪ ،‬ولكن دعاة‬
‫التلمودية يحاولون إعادته مرة أخرى إلى الساطير‪.‬‬
‫والحق أنه ل صلة مطلقا ً بين الكواكب وبين ميول المواليد‪ ،‬أو شخصياتهم ول‬
‫توجد أي إشعاعات خاصة نابعة من هذا الكوكب أو ذاك تؤثر على الناس‪.‬‬
‫خلط العلوم بالساطير‪:‬‬
‫بل إن بعض الباحثين في علوم النفس والخلق‪ ،‬يعتمدون على بعض‬
‫الساطير القديمة الزائفة‪ ،‬في إقرار أوضاع معينة على أنها حقائق – كما‬
‫فعل فرويد في تحليل أسطورة أوديب – التي أقام عليها نظريته‪ ،‬وقد اختار‬
‫الرموز الصلية لنظرياته في العقل الباطن والغريزة الجنسية من واقع هذه‬
‫الساطير وكذلك فعل سارتر‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولقد تبين أن معظم أساطير الولين هي من صنع خيال السومريين والبابليين‬


‫وأنها قد وضعت لتفسير الخليقة والتكوين وأحوال اللهة التي هي في صراع‬
‫مع النسان‪ ،‬وإيضاح حادثات الكون الكبرى وفكرة الجان والشياطين والروح‬
‫والنفس‪ .‬وقد انتشرت حتى بلغت الجزيرة العربية‪ ،‬ومنها ما رواه هيردوت‬
‫اليوناني وتيودور الصقلي وما ورد في العهد القديم‪.‬‬
‫وكلها كما قلنا محاولت لسد الفراغ النفسي لدى النسان إزاء الجوانب التي‬
‫يخشاها ول يعرف مصدرها‪ ،‬ول ريب أن هذا كان بضاعة الوثنيين وما زال‬
‫صناعة الكارهين لدين الله الحق‪ ،‬ذلك أن دين الله منذ أول البشرية قد قام‬
‫لمعتنقيه الجابات الكاملة لكل هذه التساؤلت وهدي نفوس البشر إلى الحق‬
‫والهدى‪ ،‬وقد قاومت الديان كلها الكهانة والعرافة )الكهانة تعني استطلع‬
‫المستقبل بينما تعني العرافة استرجاع الماضي( والقاسم المشترك بينهما‬
‫هو استطلع الغيب والتنبؤ‪.‬‬
‫ول ريب أن لدين الله الحق موقف مضاد للكهانة وهو يعتبرها قد انتهت بعد‬
‫النبوة "ل كهانة بعد النبوة" وقد أكد السلم أن الغيث ملك لله تبارك وتعالى‬
‫وحده وأن من قصد عرافا ً فصدقه ل تقبل صلته أربعين يومًا‪.‬‬
‫الوسائل‪:‬‬
‫وجملة القول في هذا أن السطورة هي بديل الحقيقة‪ ،‬وعندما تختفي‬
‫الحقيقة تنشأ القصة الخيالية والحقيقة هي الوحي‪ ..‬ولقد جرت في السنوات‬
‫الخيرة محاولة واسعة لعادة طرح الساطير اليونانية والعربية القديمة‪ ،‬عن‬
‫طريق الدب‪" :‬الشعر والقصة" وأعيد عرض هذه الخرافات الوثنية بأساليب‬
‫جديدة عن طرق فنون المسرح والشعر الملحمي‪ ،‬والنقد الدبي‪ ،‬وحشدت‬
‫أسماء كثيرة لعادة كتابة تاريخ السطورة في الداب العالمية‪ ،‬وكل هذا‬
‫ولشك يرمي إلى تحقيق هدف خطير هو شغل الذهان بأهواء البشرية‬
‫وضللتها في مرحلة طفولتها‪ ،‬ودفع ذوي الغراض إلى السطورة التي تمثل‬
‫طفولة النسان في مرحلة إنحرافه عن الدين الحق‪ ،‬إلى أن تصبح مصدرا ً‬
‫من مصادر المعرفة‪ ،‬وتوجه نحوها دراسات نفسية واجتماعية بقصد إحياء‬
‫الوثنية القديمة الممثلة في بروميثوس‪ ،‬وجلجامش‪ ،‬وأوزيريس‪ ،‬وعشتروت‪،‬‬
‫وزينوس‪.‬‬
‫هذه الساطير التي تحاول أن تعارض الله الواحد والدين الحق‪ ،‬وتقدم‬
‫مفهوما ً زائفا ً عن العلقة بين الله تبارك وتعالى وبين النسان بما تحمل من‬
‫تعدد في اللهة‪ ،‬بتقديم القرابين تارة‪ ،‬وما تصوره من صراع دائم بين النسان‬
‫وبين اللهة تارة أخرى‪ ،‬هذه اللهة الظامئة إلى الشر والنتقام وما يكون‬
‫دائما ً من هزيمة النسان أمام اللهة‪.‬‬
‫مفهوم الدين الحق‪:‬‬
‫وهذا في جملته غير صحيح في النظر العلمي الصحيح‪ ،‬وفي مفهوم الدين‬
‫الحق‪ ،‬الذي يتمثل فيه الله تبارك وتعالى إلها ً واحدا ً رحيما ً يقبل التوب ويغفر‬
‫الذنب وهو بعباده غفور رحيم‪ ،‬وكيف أن العلقة بين النسان وخالقه علقة‬
‫عبودية وإيمان وتسليم )إيمان بالبعث والجزاء وتسليم بالقضاء والقدر( وتقبل‬
‫كامل لعطاء الله كله وأمره كله‪ ،‬فليس هناك ما يومئ من قريب أو بعيد إلى‬
‫هذا الذي يصورونه زيف باسم الصراع بين النسان المسلم وجهه لربه وبين‬
‫الخالق الرحيم‪ ،‬ولقد زيف الدين الحق مفاهيم الساطير ورجال اللهوت حين‬
‫ردوا المراض إلى عوامل خفية‪ ،‬منها حقد الشيطان وغضب الله‪ ،‬وما يتصل‬
‫بذلك من مفاهيم زائفة في السجن والجن والخوارق‪ ،‬حتى ردوا الوبئة‬
‫والزوابع والقحط وكسوف الشمس وخسوف القمر إلى الشياطين‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫كذلك فقد فرق الدين الحق بين اللوهية والنبوة‪ ،‬وبين النبوة والنسان على‬
‫نحو يحول جون هذا الخلط الذي تقع فيه الساطير بين آلهة وإنصاف اللهة‬
‫وبين البطال‪ ،‬وبذلك دحض فكرة أن يكون هناك آلهة لكل عالم من العوالم‬
‫كآلهة الجبال والمطار والرياح والحرب والخمر والجمال‪ ،‬او أن يكون هناك‬
‫أنصاف آلهة من البطال القادة‪ :‬وسجل هذا سيدنا يوسف على قومه من‬
‫وقت بعيد حيث قال‪:‬‬
‫}أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار‪ ،‬ما تعبدون من دونه إل أسماء‬
‫سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان‪ ،‬إن الحكم إل لله أمر أل‬
‫تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس ل يعلمون{ يوسف‪،39 :‬‬
‫‪.40‬‬
‫وهكذا جاءت أديان السماء‪ ،‬لتنسخ هذا الزيف جيل ً بعد جيل‪ ،‬فعلى لسان كل‬
‫نبي كانت الدعوة إلى تحرير البشرية من هذه الوثنية ومن عبادة الوثان‬
‫والصنام والتماثيل‪.‬‬
‫خرافات اللياذة والوديسة‪:‬‬
‫والمعروف أن هذه اللهة المدعاة لم تكن إل بشرًا‪ ،‬أعطى من القداسة قدرا ً‬
‫أخرجه عن طبيعة البشر فوصف بمثل هذه الصفات الزائفة على النحو الذي‬
‫نراه في ملحم الغريق وكملحمة الوديسة واللياذة‪ ،‬من أن اللهة عند‬
‫الغريق حاقدون على البشر‪ ،‬وإنها قاسية على الكائنات الخرى يغضبون‬
‫فيحولونهم إلى حيوانات أو نباتات أو أحجار أو مياه وقد وصفها الشاعر‬
‫"أوفيد" بأنها ينابيع النار والدمار والهوان لكل الداب العالمية‪.‬‬
‫ويرجع وصف اللهة بالقسوة إلى ما أوردته التوراة بأقلم الحبار من وصف‬
‫لله }جل وعل عما يقولون علوا ً كبيرًا{ بالله المنتقم القاسي‪.‬‬
‫المترجمون المسلموت أهملوا ترجمة الساطير‪:‬‬
‫ترجمت إلى اللغة العربية في العصور الخيرة إعداد من الملحم والساطير‬
‫اليونانية والفارسية‪ ،‬وقد غفل القائمون على هذه العمال عن أن العرب في‬
‫إبان نهضة الترجمة تنكبوا ترجمة الملحم والقصة والشعر بقصد واضح‪ ،‬هو‬
‫أنها تمثل "عواطف" و "مشاعر" أمم تختلف عن العرب في عقائدها وعاداتها‬
‫وتقاليدها‪ ،‬ولكن ترجمة هذه الساطير في العصور الخيرة‪ ،‬جاء في مرحلة‬
‫ضعف العرب والمسلمين عن مواجهة تيار الترجمة الخطير‪ ،‬الذي قادته قوى‬
‫التغريب والغزو الثقافي‪ ،‬بهدف طرح سموم الوثنية في أفق الفكر السلمي‪.‬‬
‫ذلك أن الملحم إنما تقوم على تصور أحداث غير صحيحة في طبيعتها‪ ،‬وإنما‬
‫هي موضوعة على طريقة التهويل والثارة وتضخيم الحداث‪ ،‬وتدافع الخيال‬
‫في أمواج من الخوارق التي تتنافى مع طبيعة النفس العربية والسلمية ومع‬
‫واقع الحياة نفسها‪ ،‬وقد قصد بإنشاء هذه الملحم والساطير في بيئاتها تغيير‬
‫وجهة الناس وتفكيرهم عن واقعهم المرير‪ ،‬إلى أجواء من الوهم والخيال‪،‬‬
‫ومن هنا فقد أعرضت الطبيعة العربية السلمية القائمة على الفطرة‬
‫والبساطة والواقع والصدق عن هذه الملحم‪ ،‬هذه الطبيعة التي تستمد‬
‫مقوماتها من خصائص مختلفة عن هذه الحقاد والهواء والمطامع والقتل‬
‫والتدمير‪ ،‬فالنفس العربية السلمية تستمد خصائصها من الشهامة والكرامة‬
‫والفروسية بكل مقومات المروءة وحماية الذماء والدفاع عن الجار وصفات‬
‫الكرم والشجاعة وإغاثة الملهوف‪.‬‬
‫وأغض طرفي إن بدت لي جارتي * * * حتى يواري جارتي مأواها‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه الخصائص العربية السلمية بعيدة عن المبالغة والعنف وصناعة الوقائع‬


‫السطورية‪ ،‬مرتفعة عن الخوارق عازفة عن الهواء المضلة‪ ،‬هذه الطبيعة‬
‫في الحقيقة استمدها العرب والمسلمون من ميراث الديان والنبوة بدءا‬
‫الحنيفية البراهيمية السمحاء ومتصلة بالنبوة المحمدية الكريمة‪ ،‬ولذلك فقد‬
‫رفضوا هذا اللون من الملحم والساطير وأعرضوا عنها‪ ،‬خاصة وقد قدم لهم‬
‫القرآن الواقعة الصحيحة والتاريخ الصحيح لكل ما حاولت الساطير تصويره‬
‫بالخداع والباطل‪ :‬من أمثال الطوفان وأهل الكهف وسليمان الحكيم وذي‬
‫القرنين }نحن نصقص عليك نبأهن بالحق{‪} ،‬ننح نقص عليك أحسن‬
‫القصص{‪.‬‬
‫نزعات ل يقبلها السلم‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وإذا كانت السطورة – كما تقول مصادر البحث الدبي العالمية – تمثل‬
‫الصراع بين النسان والقوى اللهية‪ ،‬فإن هذه النزعة وثنية طابعها‪ ،‬ولم يكن‬
‫من الممكن أن ينقلها السلم أو يقرها‪ ،‬ذلك – وكما قال أحد كبار الباحثين‬
‫الغربيين "جوستاف فون جرنبوم" – أن مفهوم النسان في السلم يمنع‬
‫وقوع أي صراع درامي‪ .‬ومن هنا فإن عزوف الدب العربي والسلمي عن‬
‫التمثيل والقصص والملحم يرجع إلى طبيعته الصيلة القائمى على الواقعية‬
‫والوضوح‪ ،‬أن هذه النزعة – نزعة الصراع بين النسان والقوى اللهية نزعة‬
‫وثنية في طابعها ل يعرفها السلم‪ ،‬ول تتمثل في نتاجه الدبي أو الفكري‪،‬‬
‫فلماذا هذه المحاولت الضخمة‪ ،‬التي يقدم بها بعض الشعراء والقصاصون –‬
‫التابعون للتغريب والغزو الثقافي – على طرح هذه الصور القاتمة في أفق‬
‫الفكر السلمي والدبي العربي الذي ل يتقلبها ويرفضها كما يرفض الجسم‬
‫العنصر الغريب‪ ،‬فضل ً عن أن هذه الروايات والملحم تغلب عليها روح‬
‫الزندقة واللحاد‪ ،‬وهي تتسم بفهم سيء لعلقات الرجل والمرأة‪ ،‬فهي‬
‫مكشوفة إباحية هي في مجموعها تصدر عن معين مسموم‪ ،‬وهي توصل أذى‬
‫السم إلى قارئها فتفسد نفوسا ً ذكية وأرواحا ً طاهرة‪.‬‬
‫وما الهدف؟‬
‫ولشك أن الهدف من هذا هو نفس الهدف الذي ترمي إليه دعوة التغريب‪:‬‬
‫من إفساد عقليات الشباب المسلم وعواطفه فضل ً عن خلق مفهوم منحرف‬
‫عن مفهوم الصالة والفطرة التي جاء بها السلم‪.‬‬
‫وحين نراجع ذلك الركام الذي ترجم في السنوات الخيرة من أمثال قصص‬
‫توفيق الحكيم "بيجماليون"‪" ،‬أهل الكهف"‪" ،‬الملك سليمان" وما نشره على‬
‫محمود طه من شعر في ديوانه "أرواح وأشباح" نجد هذا اللتقاء بين أساطير‬
‫اليونان والمسيحية والفراعنة‪ ،‬وتراث بابل وآشور والسرائيليات اليهودية‪ ،‬في‬
‫محاولة لحتواء الفكر السلمي والدب العربي اللذين هما بطبيعتهما‬
‫يتعارضان مع هذا التيار الخيالي المغرق في المبالغة الوثني التجاه‪ ،‬بما‬
‫أعطى السلم هذا الفكر وهذا الدب من طابع الوضوح والصراحة والطبيعة‬
‫المشرقو "ليلها كنهارها" وحيث ل يعرف السلم في باب القصة إل القصة إل‬
‫القصة الواقعية الصادقة البعيدة عن الزيف‪ ،‬المتحررة من التفاصيل الوهمية‪،‬‬
‫الهادفة إلى تقديم العبرة الخالصة بعيدا ً عن التخيل والمبالغة والتأثير‬
‫الخطابي‪.‬‬
‫ولريب أن هذه المحاولة الجديدة التي اقمت بها قوى التغريب تستهدف ما‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عجزت عنه هذه القوى في الماضي حين رفض المسلمون ترجمة الملحم‬
‫والساطير‪ ،‬ولذلك فإنه يجب التنبه لها ودحضها ومدفاعتها بكل قوة وكيف‬
‫يمكن أن يقبل هذا أهل السلم‪ ،‬وقد جاء السلم لينهي طفولة البشرية‬
‫وليعلن دخولها في مرحلة الرشد الفكري‪ ،‬هذا اللون من الدب أو القصة‪،‬‬
‫وقد أعلن الباحثون في العصر الحديث أن السطورة من مخلفات طرائق‬
‫في السلوك والتفكير وعادات مندرسة‪ ،‬حافظت على تفسير ساذج للعالم‬
‫الخارجي‪.‬‬
‫ل حاجة بنا إلى هذا اللون‪:‬‬
‫ول أعتقد أنه بعد أن تحدد هذا المؤقف العلمي وبعد أن أعطى المسلمون‬
‫منهجا ً كامل ً للميتافيزيقا )عام من وراء المادة( أن يكونوا في حاجة إلى إعادة‬
‫هذا اللون من مخلفات الجاهلية الوثنية القديمة‪ ،‬التي فضل السلم بين‬
‫البشرية وبينها بأضوائه السلطعة‪ ،‬وليس أدل على تخبط الغرب من أنه في‬
‫الوقت الذي يعلن فيه أن ينطلق في أبحاثه من النهج العلمي‪ ،‬أن يقبل هذه‬
‫الساطير لتقييم عليها نظريات وفروض ويعيد العالم من جديد إلى عصر‬
‫السطورة والغابة }الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور‪،‬‬
‫والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات{‪ .‬البقرة‪:‬‬
‫‪.257‬‬
‫ولعل من أخطر الدعوات التي يروج لها التلموديون هي محاولة إجراء‬
‫المقارنات بين الساطير وبين الديان وقولهم أن الديان القديمة ما هي إل‬
‫مجموعة من الساطير التي ل تصلح إل للتلهية وإمتاع الخيال‪ ،‬ومن وراء ذلك‬
‫القول المسموم هدف مبيت ترمي به اليهودية إلى إثارة التشكيك في دين‬
‫الله الحق الذي صاحب البشرية منذ نشأتها الولى وهداها جيل ً بعد جيل إلى‬
‫الحق‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫وبالجملة فإن القرآن الكريم‪ ،‬حين نزل وهو ما يزال وسيظل هدي للبشرية‬
‫إلى أن يرث الله الرض ومن عليها‪ ،‬قد ألغى تراث السطورة كله‪ ،‬وقدم بدل ً‬
‫منه تقريرا ً صادقا ً حقًا‪ ،‬في كل ما يتعلق بحوادث التاريخ ووقائعه القديمة‬
‫التي وصفت بأنها أساطير‪ ،‬وزيفت في العرض في العهد القديم‪ ،‬وخاصة فيما‬
‫يتعلق بنشأة الحياة والطوفان وغيره "سفر التكوين" وقد أعلن القرآن –‬
‫صادقا ً – أن ما يقدمه هو الحق الذي ل مرية فيه‪ .‬كذلك فإن الدب العربي لم‬
‫يكن في حاجة إلى السطورة‪ ،‬لنه قام على الحقيقة نفسها‪ ،‬ذلك أن‬
‫السطورة لم تكن في عرف أصحابها إل محاولة لملء فراغ الخيال بالنسبة‬
‫لمور غائبة‪ ،‬وقد قامت على معنى متوهم‪ ،‬بأن هناك فراغا ً بين النسان‬
‫وقوى الغيب وليس هذا صحيحا ً وقد جاءت الديان السماوية – دينا ً بعد دين –‬
‫لتنفيه وتكذبه – وقد أكد السلم حين طبقت تعاليمه أن ما بين النسان وربه‬
‫هي رابطة العبودية بين المخلوق وخالقه‪ ،‬ورابطة التكامل بين النسان‬
‫والكون‪ ،‬فهي رابطة العطاء المذلل للنسان‪.‬‬
‫}هو الذي جعل لكم الرض ذلول ً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه{‪.‬‬
‫الملك‪.15 :‬‬
‫ولم يعرف المسلمون الساطير في تاريخهم كله لن الحقائق التي جاءتهم‬
‫من رسالة السماء كانت كافية ومقنعة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ابتهالت‬
‫للشاعر الكبير‪ :‬بدوي الجبل‬
‫"مهداة إلى قبور حبيبة في بغداد ودمشق وحلب وحمص واللذقية"‬
‫ب‬ ‫ُ‬
‫هوايَ فل أجا ُ‬ ‫ب أدعو َ‬ ‫ل الغوطتان ول الشبا ُ‬
‫ب‬ ‫قبا ُ‬ ‫م من الُبحيرةِ والمآذن وال ِ‬ ‫أين الشآ ُ‬
‫ب‬‫ضرا ُ‬ ‫ف ال ِ‬ ‫وقبوُر إخواني وما أبقى من السي ِ‬
‫ب‬ ‫ت وللطيور على مشارفها اصطخا ُ‬ ‫الصامتا ُ‬
‫ب‬ ‫وثا ُ‬ ‫الغافيات فلم ت َُرع منها الزماجُر وال ِ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫انسكا‬ ‫أشتاقُ أحضُنها وألثمها وللدمع‬
‫ب‬‫صل ُ‬ ‫م ال ِ‬ ‫تحنو الدموع على القبور فتورق الص ّ‬
‫ب‬ ‫غربتنا انتحا ُ‬ ‫ة ولطول ُ‬ ‫ولها إلينا لهف ٌ‬
‫ب‬‫دكما انتسا ُ‬ ‫م مج َ‬ ‫يا شام‪ :‬يا ل ِد َةَ الخلود وض ّ‬
‫ب‬
‫ي اغترا ُ‬ ‫حب َ‬ ‫من لي بنزر من ثراك وقد أل ّ‬
‫س النواهد والملب‬ ‫مه وكأنه لع ُ‬ ‫فأش ّ‬
‫ب‬ ‫ه فترى الجواهُر كيف ي ُكت َن َُز الترا ُ‬ ‫ْ‬ ‫م ُ‬ ‫وأض ّ‬
‫ب‬ ‫عذا ُ‬ ‫م ِ‬ ‫هذا الديم شمائل غّر وأحل ٌ‬
‫ة وطفولة ورؤى كما عبر الشهاب‬ ‫وأموم ٌ‬
‫ووا وغابوا‬ ‫وتحّية مسكّية من سالفين هَ َ‬
‫خطاب‬ ‫جدود لهل وّدهم ِ‬ ‫وة وال ُ‬ ‫ومن الب ّ‬
‫ب‬‫هذا الديم أبي وأمي والبداية والمآ ُ‬
‫سخاب‬ ‫ووسائدي وقلئدي ودمى الطفولة وال ِ‬
‫ب‬
‫ة والصوا ُ‬ ‫ود َد ٌ ُيباع له الوفاء ول ندام َ‬
‫ي من النجوم ول ُألم ول ُأعاب‬ ‫أغلى عل ّ‬
‫ب‬
‫ك قد ُنسج الها ُ‬ ‫ب السماء ومن ِ‬ ‫ح من غي ِ‬ ‫الرو ُ‬
‫ب‬
‫ك والضحى أنا والُبحيرة ُ والضبا ُ‬ ‫س ِ‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫أشتاقُ َ‬
‫ب‬ ‫خضا ُ‬ ‫ل ال ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ت بالثلوج كأنما ن َ َ‬ ‫فرا ٌ‬ ‫ومض ّ‬
‫ب‬‫فلة وما الذئا ُ‬ ‫َتعوي الرياح فما القساوُر في ال َ‬
‫ب‬ ‫شعا ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل ولم ت ُعَْر ْ‬ ‫سي ُ ٌ‬‫ن ُ‬ ‫ن فلم ت َب ِ ْ‬ ‫ج ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫والثل ُ‬
‫ب‬‫سفوح هي السفوح ول الهضا ُ‬ ‫م ل ال ُ‬ ‫أخفى المعال ِ َ‬
‫ك – الغياب‬ ‫م – ول طلوع َ ل ِ‬ ‫ت فكيف ت ّ‬ ‫س ِغب ِ‬ ‫يا شم ُ‬
‫ب‬ ‫مسلمة الهوى فتألقي ُرفِعَ الحجا ُ‬ ‫ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫إن كن ِ‬
‫ب‬‫ب من السماء وقّر في الرض السحا ُ‬ ‫ل السحا ُ‬ ‫م ّّ‬
‫ب‬‫ق أسورة ٌ ِغضا ُ‬ ‫ُ‬
‫ن ملَء الف ِ‬ ‫وكأ ّ‬
‫ب‬‫ب ول ُيها ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫حس ٌ‬ ‫سما ُ‬ ‫ب وما َ‬ ‫ن ُيها ُ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح ْ‬ ‫ُ‬
‫***‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫شرا‬ ‫َ‬ ‫وال‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ط‬ ‫مع‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫ك‬‫ِ ُ ِ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫سا‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫أي‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫بحير‬ ‫ح ُ‬ ‫ال‬ ‫د َوْ َ‬
‫ب‬ ‫قرا ُ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ن الد َْوح في أحزانهِ الن َ َ‬ ‫بيني وبي َ‬
‫ب‬‫مذا ُ‬ ‫ج ال ُ‬ ‫ب والوَهَ ُ‬ ‫طي ُ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫موحشةٍ فأي َ‬ ‫ل ُ‬ ‫من ك ّ‬
‫ب‬ ‫ي الشبا ُ‬ ‫ب ولن يعود َ ل َ‬ ‫ك الشبا ُ‬ ‫وغدا ً يعود ُ ل َ‬
‫ب‬ ‫س من ُيسراهُ قا ُ‬ ‫ك يمينه والشم ُ‬ ‫دهُر مل ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ب‬ ‫م واغتيا ُ‬ ‫َلهفي عليهِ فطالما أشقاه ُ لو ٌ‬
‫ب‬ ‫ك بالشباب فما لنعمته استل ُ‬ ‫م الملئ ُ‬ ‫ن َعِ َ‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب‬ ‫معِهِ اصطحا ُ‬ ‫ق فما لل ِ‬ ‫ويُزوُرنا َلمعُ الُبرو ِ‬


‫ب‬ ‫ل ِرحا ُ‬ ‫ت وآما ٌ‬ ‫صَر ْ‬ ‫م قدِ اخت ُ ِ‬ ‫والُعمُر أيا ٌ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫حك يا شبا ُ‬ ‫جما ِ‬ ‫ن من ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب ولن أطا ِ‬ ‫عُد ْ يا شبا ُ‬
‫***‬
‫ب‬ ‫ب الُلبا ُ‬ ‫مّر والد ُ‬ ‫غربةٍ أنا والباُء ال ُ‬ ‫في ُ‬
‫ب‬ ‫ي القرا ُ‬ ‫ح وربما ب َل ِ َ‬ ‫فتو ُ‬ ‫ه ال ُ‬ ‫حل ّت ْ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫كالسي ِ‬
‫ب‬ ‫سهام ول أصا ُ‬ ‫قني ال ِ‬ ‫م فكيف َترش ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫طود ٌ أ َ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫قا ُ‬ ‫م به ول يخفى العُ َ‬ ‫ث فل ت ُل ِ ّ‬ ‫َيخفى الُبغا ُ‬
‫ب‬ ‫عندي للعظيم إذا َتكب َّر ل الِعتا ُ‬ ‫الك ِب ُْر ِ‬
‫ب‬ ‫ب واجِتنا ُ‬ ‫ل على الكواك ِ‬ ‫عندي له ُزهد ٌ ي ُدِ ّ‬ ‫ِ‬
‫ت وأرخصها اكتساب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ة طبع ْ‬ ‫شيم ٌ‬ ‫أغلى المروءة ِ‬
‫***‬
‫ب‬
‫صحا ُ‬‫س في الدنيا ِ‬ ‫ب فلي َ‬ ‫صحا ِ‬ ‫ت على ال ِ‬ ‫عتب ُ‬ ‫أنا ما َ‬
‫ب‬
‫م والثيا ُ‬ ‫خوات ُ‬ ‫ت ال َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن قد تفاص َ‬ ‫س ولك ْ‬ ‫خر ٌ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫مروءتهم وتطمعُ أن ُيدغدغها احِتل ُ‬ ‫َ‬ ‫ت ُ‬ ‫قم ْ‬ ‫عَ ِ‬
‫ب‬ ‫سبا ُ‬ ‫َ‬
‫ب اللئيم ِ وربما ن َب ُل ال ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ف عن َ‬ ‫ع ّ‬ ‫وأ ِ‬
‫ب‬‫ُ‬ ‫اغتصا‬ ‫ه‬
‫ُ ُ‬ ‫ت‬ ‫وبسم‬ ‫ر‬ ‫ز‬
‫ُ َ ِ ِ َْ ٌ‬ ‫ن‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫سل‬ ‫ر‬ ‫فبش‬ ‫حّيا‬
‫ب‬ ‫صا ُ‬ ‫ن– َ‬ ‫م ّ‬ ‫شهْد ُ – حين ي ُ َ‬ ‫ن ِبود ّهِ وال َ‬ ‫يا من َيم ّ‬
‫ب‬ ‫ك وأغرْتني ِقبا ُ‬ ‫ح لي أي ٌ‬ ‫أنا كالمسافِرِ ل َ‬
‫ب‬‫فقَ الُعبا ُ‬ ‫خضر واصط َ‬ ‫ض ال ُ‬ ‫ت حولي الريا ُ‬ ‫وتفّتح ْ‬
‫ب‬ ‫سرا ُ‬ ‫ك َيدي ففاجأني ال َ‬ ‫مل ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن النهَر ِ‬ ‫تأ ّ‬ ‫ووثق ُ‬
‫***‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جي غيَر جّبارِ السماء ول أها ُ‬ ‫أنا ل أر ّ‬
‫ب‬
‫ف اللهِ با ُ‬ ‫قتي بلط ِ‬ ‫ن اللهِ من ث ِ َ‬ ‫بيني وبي َ‬
‫ب‬‫رحا ُ‬ ‫أبدا ً ألوذ ُ به وتعرُفني الرائ ِك وال ِ‬
‫ُ‬
‫ب‬ ‫كنٌز َتضيق به الِعيا ُ‬ ‫لي عندهُ من أدمعي َ‬
‫***‬
‫ب‬ ‫حجا ُ‬ ‫ن به ِ‬ ‫ب‪ :‬باب ُك ل ي َُرد ّ اللِئذي َ‬ ‫َ‬ ‫يا ر ّ‬
‫ب‬ ‫م به ارتيا ُ‬ ‫ن ل ي ُل ِ ّ‬ ‫ه بيدي َيقي ٌ‬ ‫ح ُ‬ ‫مفتا ُ‬ ‫ِ‬
‫ب‬
‫ُ‬ ‫تشا‬ ‫ُ‬ ‫ول‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫بالريا‬ ‫ر‬‫ُ ُّ‬‫د‬ ‫تك‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫ة‬‫ّ ٌ‬ ‫ب‬ ‫ومح‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫الحسا‬ ‫ول‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫عل‬ ‫أملها‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫الحش‬ ‫ل‬ ‫وعباد ٌ‬
‫ة‬
‫ب‬
‫جوا ُ‬ ‫ن أدمعي ال َ‬ ‫ب فإ ّ‬ ‫ت عن الذنو ِ‬ ‫وإذا سأل َ‬
‫ب‬‫كتا ُ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫طها لرحمت َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أب ُ‬ ‫ي في يميني حي َ‬ ‫ه َ‬
‫ب وما أنابوا‬ ‫ن على الذنو ِ‬ ‫إّني لغب ِط عاكفي َ‬ ‫ُ‬
‫ك الهاني لتابوا‬ ‫لو لم يكونوا واثقين بَعفوِ َ‬
‫ب‬ ‫ف وانِتها ُ‬ ‫ك اخِتطا ٌ‬ ‫منهم غدا ً لكنوزِ رحمت َ‬
‫ب‬‫ك اقترا ُ‬ ‫سدَرت َ‬ ‫ولهم غدا ً بيقينهم من فيِء ِ‬
‫ب‬‫ف الِعذا ُ‬ ‫ت الن ُط َ ُ‬ ‫ك الدموعَ فروّ ِ‬ ‫ت جّنت َ‬ ‫قي ُ‬ ‫س َ‬ ‫و َ‬
‫ب‬‫ت فابت ََرد َ الَعذا ُ‬ ‫ت في نيرانك العََبرا ِ‬ ‫َ‬ ‫سكب ُ‬ ‫و َ‬
‫ب‬ ‫ت كعا ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ون َ َ‬ ‫ن فن َوَّر كوك ٌ‬ ‫عد ٍ‬ ‫ل في َ‬ ‫تنه ّ‬
‫ب‬ ‫ب ول الِعقا ُ‬ ‫هواك فل الثوا ُ‬ ‫َ‬ ‫قّربُتها ُزلفى َ‬
‫ب‬ ‫ركا ُ‬ ‫خ بغيرِ ساحت ِك ال ِ‬‫َ‬ ‫جى ل تنا ُ‬ ‫ت المر ّ‬ ‫أن َ‬
‫ب‬ ‫حبا ُ‬ ‫ت به َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م الطافيا ُ‬ ‫سك والنجو ُ‬ ‫الفقُ كأ ُ‬
‫ب‬ ‫ه الَربا ُ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫ك قطرةٌ مما تح ّ‬ ‫أنا من ِبحارِ َ‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب‬
‫مها قفٌر َيبا ُ‬ ‫سفارِ فض ّ‬ ‫قى بها َبعد َ ال ِ‬ ‫أل َ‬
‫ب‬
‫عقا ُ‬ ‫البحُر غايُتها فل واد ٍ َيصد ّ ول ُ‬
‫ب‬‫جنا ُ‬ ‫ك وال َ‬ ‫ُ‬
‫ط أهل ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫تو َ‬ ‫ن اغترب ِ‬ ‫مز ِ‬ ‫ة ال ُ‬ ‫يا دمع َ‬
‫ب‬‫ُ‬ ‫انجذا‬ ‫تها‬ ‫ِ‬ ‫روم‬ ‫ُ‬ ‫أ‬ ‫إلى‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫فللفرو‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫خطا‬ ‫حّثي ُ‬ ‫ُ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫تجا‬ ‫ٌ ُ‬ ‫ة‬ ‫وموحش‬ ‫يرقى‬ ‫ِ ٌ ُ‬ ‫ق‬ ‫ه‬‫فشا‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫خطا‬ ‫ُ‬ ‫ثي‬‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ُ‬
‫ب‬
‫ُ ُ‬ ‫حبا‬ ‫وال‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ح‬
‫ِ‬ ‫رو‬ ‫وشوق‬ ‫ل‬ ‫ُ‬ ‫الصي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ُِ‬‫ن‬ ‫د‬ ‫مع‬ ‫ر‬
‫ُ‬ ‫البح‬
‫ب‬‫ُ‬ ‫انسيا‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫م‬‫ِ‬
‫ْ َُ ْ َ ّ ِ‬‫ت‬‫ي‬ ‫ت‬ ‫عد‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫وإ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫وغدا ً ّ‬
‫ج‬ ‫لل‬
‫***‬
‫ب‬ ‫أنا ل أطي ُ‬‫ُ‬
‫صعا ُ‬ ‫دتني ال ِ‬ ‫ت وقد تح ّ‬ ‫ل إذا ابتهل ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ب‬ ‫فٌر ُيمّزُقها وَنا ُ‬ ‫ل أشتكي وبمهجتي ظ ُ ُ‬


‫ب‬
‫م الشكوى اقِتضا ُ‬ ‫ح الحياُء على الدموِع وأكر َ‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ب‬‫ل واكتئا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ى تج ّ‬ ‫ة وأس ً‬ ‫َ‬
‫تكفي بباب ِك وقف ٌ‬
‫***‬
‫ب‬‫ب لجمرت ِهِ التها ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫سريرتي ُ‬ ‫عطُر َ‬ ‫م ِ‬ ‫يا شا ُ‬
‫ب‬ ‫ة في الجواِح ل الَنواُر ول الَربا ُ‬ ‫ُ‬
‫ت اللبان َ ُ‬ ‫أن ِ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫والثوا‬ ‫ة‬
‫ّ ُ‬ ‫ي‬ ‫الهد‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫من‬ ‫لها‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫قبو‬ ‫و‬ ‫مهجتي‬ ‫ك ُ‬ ‫ل ِ‬
‫ب‬
‫كذا ُ‬ ‫ك ول ِ‬ ‫ن علي ِ‬ ‫م ّ‬ ‫عيني ول َ‬ ‫والنوُر في َ‬
‫ب‬
‫ب واحِتسا ُ‬ ‫م النوائ ِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ت‪ :‬تجل ّد ٌ َز َ‬ ‫عرف ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫أنا َ‬
‫ب‬ ‫عرا ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫مجّلي ٌ‬ ‫ت ُ‬ ‫ت فرّبما عََثر ْ‬ ‫ن عََثر ُ‬ ‫ولئ ْ‬
‫ب‬‫طل ُ‬ ‫ه ول َيعيا ال ِ‬ ‫وف ُ‬ ‫من ُيس ّ‬ ‫َيعيا بحقك َ‬
‫ب‬ ‫شوقَ الِغل ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ك وُيضرِ ُ‬ ‫ت أشواقي إلي ِ‬ ‫غالب ُ‬
‫ب‬ ‫خرا ُ‬ ‫ف عامرةٍ َ‬ ‫ك وأل ُ‬ ‫ت ُربا ِ‬ ‫مر ْ‬ ‫ت لو عَ َ‬ ‫وَوَدِد ْ ُ‬
‫ب‬‫سرا ُ‬ ‫َ‬
‫ك الشادي وللنغام ِ من كبدي ان ِ‬ ‫طيُر ِ‬ ‫أنا َ‬
‫ب‬‫ت أغاريدي وللمواِج زأٌر واحترا ُ‬ ‫سكب َ ْ‬ ‫ُ‬
‫ب‬‫ح وقّر في الموِج اضطرا ُ‬ ‫مَعها الريا ُ‬ ‫ت لتس َ‬ ‫فصغَ ْ‬
‫***‬
‫مَعنا َذها ُ‬
‫ب‬ ‫شذا َ‬ ‫ن ولل َ‬ ‫مشّردا ِ‬ ‫أنا والربيعُ ُ‬
‫ب‬ ‫ب ول الَربا ُ‬ ‫ُ‬
‫ك بعد َ ِغياِبنا غرِد ُ الطيو ِ‬ ‫َ‬ ‫ل الي ُ‬
‫ب‬‫ل مَتى اليا ُ‬ ‫جما ُ‬ ‫ل وال َ‬ ‫خمائ ِ ُ‬ ‫ل وال َ‬ ‫والنوُر يسأ ُ‬
‫جنيف ‪ 22‬شباط ‪1964‬‬
‫من قصيدة للشاعر من ديوانه‪.87-72 :‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ل من تحت النقاض‬ ‫ابتها ٌ‬


‫ب‬
‫حّر النحي ُ‬ ‫ة ال ُ‬‫ج َ‬‫مه َ‬‫ح ُ‬ ‫ب *** و قّر َ‬ ‫كوايَ القري ُ‬ ‫لش ْ‬ ‫إلهي م ّ‬
‫ب‬
‫ي الري ُ‬‫ل ما ُتلق ْ‬ ‫ب ***َيحاُر ل َِهو ِ‬ ‫ُ‬
‫ت بساحتنا كرو ٌ‬ ‫فقد حل ّ ْ‬
‫ب‬
‫ن و شي ُ‬ ‫شّبا ٌ‬ ‫ن ُ‬ ‫ل ***ينوُء بهِ ّ‬ ‫ت بأعباٍء ِثقا ٍ‬ ‫ق ْ‬ ‫و قد أل َ‬
‫*******‬
‫ب‬‫حقد ُ الرهي ُ‬ ‫دها ال ِ‬ ‫ق َ‬
‫ح ْ‬‫ج ِ‬ ‫متنا جموع ٌ *** ي ُؤّ ّ‬
‫ج ُ‬ ‫تداعت نحو أ ّ‬
‫ب‬
‫ن خصي ُ‬ ‫َ‬
‫لتورَِدنا المهال ِك في ديارٍ *** بها السلم رّيا ٌ‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب‬ ‫دنيا لهي ُ‬ ‫رنا جحيما ً *** لها في هذه ال ّ‬ ‫م في مآث ِ ِ‬ ‫و ُتضرِ َ‬
‫*******‬
‫ب‬
‫حد ُ في نواحيه الرقي ُ‬ ‫صرحا *** ي ُوَ ّ‬ ‫ً‬ ‫شي ْد َ َ‬ ‫جد ٍ قد ِ‬ ‫فكم من مس ِ‬
‫ب‬
‫ُ‬ ‫الصلي‬ ‫ع‬ ‫ف‬ ‫ر‬
‫ِ ِ ُ ِ َ‬ ‫ه‬ ‫ض‬ ‫أنقا‬ ‫على‬ ‫***‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫هشيم‬ ‫فته‬ ‫ّ‬ ‫ص‬
‫ي ُ‬ ‫أحال البغ ُ‬
‫ب‬
‫خطو ُ‬ ‫ت ال ُ‬ ‫ل ما د َهَ ِ‬ ‫ن ل َِهو ِ‬ ‫ى *** يئ ِ ّ‬ ‫خ مسج ً‬ ‫محرابهِ شي ٌ‬ ‫و في ِ‬
‫ب‬‫ف الدهرِ يدفُعها الهبو ُ‬ ‫صرو َ‬ ‫ل *** ُ‬ ‫من في ابتها ٍ‬ ‫مهي ِ‬ ‫و يشكو لل ُ‬
‫ب‬
‫شاه ُ المشي ُ‬ ‫ل تغ ّ‬ ‫ب *** و كم طف ٍ‬ ‫خطو ٍ‬ ‫ة من ُ‬ ‫ت الطفول َ‬ ‫و كم َده ِ‬
‫ب‬ ‫ب الرقي ُ‬ ‫مْيتا ذبيحا *** بأْيد الوغد إذ غا َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ل قضى َ‬ ‫و كم طف ٍ‬
‫ب‬‫كلى من اللوعات يجري *** على َوجَناتها الدمع السكي ُ‬ ‫و كم ث َ ْ‬
‫ب‬ ‫ك قري ُ‬ ‫قْيد قهرا *** و ما أنجاه ُ من فت ٍ‬ ‫ً‬ ‫ل نجلها في ال َ‬ ‫ُ‬ ‫َتجند َ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ب‬
‫م الحبي ُ‬ ‫ي يا ِنع َ‬ ‫ي إل ّ‬ ‫ي ث َكلى *** ُبن ّ‬ ‫تناديه المومة و ه َ‬
‫ب‬‫س يؤو ُ‬ ‫ً‬ ‫ف ثُ ّ‬ ‫قها بط َْر ٍ‬ ‫فَي َْر ُ‬
‫حو فِْرِدو ٍ‬ ‫م َيقضي *** شهيدا ن َ ْ‬ ‫م ُ‬
‫ب‬ ‫ن *** ُيراود طهَرها الوغد ُ الغري ُ‬ ‫ُ‬ ‫محصنةٍ رزا ٍ‬ ‫ذراء ُ‬ ‫و كم عَ ْ‬
‫ب‬‫ضو ُ‬ ‫َ‬
‫منٍج ي َُثوُر و ل غ ُ‬ ‫فتها مرارا *** و ل ُ‬ ‫ً‬ ‫و قد عَب َُثوا بعِ ّ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫معي ُ‬ ‫س لُهم ُ‬ ‫حقدا *** و كم فتكوا و لي ْ َ‬ ‫ن الحياء ِ‬ ‫م َ‬ ‫و كم وَأدوا ِ‬
‫ب‬‫ن رحي ُ‬ ‫لهل الحقّ ميدا ٌ‬ ‫ديار و كان فيها *** َ‬ ‫فت ال ّ‬ ‫و قد عَ َ‬
‫ب‬
‫ُ‬ ‫الرهي‬ ‫القصف‬ ‫حها‬ ‫َ‬ ‫صر‬ ‫مر‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫و‬ ‫***‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫لبا‬ ‫ُ ِ‬ ‫ة‬ ‫ّ‬
‫طغا‬ ‫ال‬ ‫فألَبسها‬
‫ب‬ ‫م و له َنعي ُ‬ ‫ب حائ ِ ٌ‬ ‫غرا ٌ‬ ‫خَلف الكابَر من َبنيها *** ُ‬ ‫و َقـ د َ‬
‫*******‬
‫ب‬‫جَرنا الصخي ُ‬ ‫ن *** فقد أعيا حنا ِ‬ ‫خت َُنا أني ٌ‬ ‫صْر َ‬ ‫َبني السلم َ‬
‫ب‬
‫ى سغي ُ‬ ‫ك و فت ً‬ ‫من ْهَ ٌ‬ ‫خ ُ‬ ‫ت *** و شي ٌ‬ ‫مكَرها ٍ‬ ‫ت َُرد ُّدها الّثكالى ُ‬
‫ً‬
‫كم بياتا *** فقوموا أو نهارا ل تهابوا‬ ‫ً‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن ط ََرَقت مسا ِ‬ ‫فإ ْ‬
‫ب‬ ‫جي ُ‬ ‫مست ِ‬ ‫صُرنا فأنُتم *** و إل ّ ؛ فالله ال ُ‬ ‫ض نا ِ‬ ‫فإن في الر ِ‬
‫*******‬
‫ب‬ ‫عنا المآسي و الخطو ُ‬ ‫صر ُ‬ ‫قنا ب ِي َد ِ العادي *** و ت َ ْ‬ ‫أُيهد َُر ح ّ‬
‫ب‬ ‫سنا َنسَتري ُ‬ ‫نول ْ‬‫َ‬ ‫عو ٌ‬ ‫ل ُنصَرت َِنا و فيكم *** لنا َ‬ ‫ُ‬ ‫و أنتم أه ُ‬
‫*******‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫مجي ُ‬ ‫ن هو ال ُ‬ ‫معت فأي َ‬ ‫صرختنا البرايا *** و إن س ِ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫معَ ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َ‬ ‫أ َ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ابن الفوارس‬
‫للشاعر جرير‪ :‬يمدح المهاجر بن عبد الله‬
‫ه‬
‫ف ُ‬ ‫ط كَ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ن َيب ُ‬ ‫جَر حي َ‬ ‫مها ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫إ ّ‬
‫عد ِ‬ ‫سا ِ‬‫عظم ِ ‪ii‬ال ّ‬ ‫ل َ‬ ‫طوي ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ط الَبنا ِ‬ ‫سب ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫َ ْ‬‫ضع‬ ‫توا‬ ‫َ‬ ‫د‬‫دو‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫ج‬ ‫ال‬ ‫إذا‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫أ‬ ‫(‬ ‫‪1‬‬ ‫م)‬ ‫قَ ْ ٌ‬
‫ر‬
‫عد ِ‬‫صا ِ‬‫ن الب ََزَرى )‪ (2‬بجد ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫سامى ِ‬ ‫َ‬
‫ب ‪ii‬الّثرى‬ ‫طي ُ‬ ‫دها ِ‬ ‫م ّ‬‫فروِع ي َُ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫َ‬ ‫اب‬ ‫يا‬
‫س ‪ii‬القائدِ‬ ‫س والرئي ِ‬ ‫فوار ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫واب َ‬
‫حمى‬ ‫ن المحارم ِ ‪ii‬وال ِ‬ ‫حام ٍ َيذود ُ )‪ (3‬عَ ِ‬ ‫َ‬
‫مقَنعا ً‬ ‫مك ‪َ ii‬‬ ‫َ‬ ‫ت فكان حك ُ‬ ‫ولقد ْ حكم َ‬
‫ه‬
‫م َتباَدروا ‪ii‬أبواب َ ُ‬ ‫خصو ُ‬ ‫وإذا ال ُ‬
‫شعوا‬ ‫َ‬
‫ن إذا رأوك ‪َii‬تخ ّ‬ ‫معتدو َ‬ ‫وال ُ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ت ‪ii‬بأرضهِ ْ‬ ‫أثني عليك إذا نزل َ‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ه‬
‫عطائ ِ‬ ‫ل ‪َ ii‬‬ ‫جزي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ك رّبي م ْ‬ ‫أعطا َ‬
‫ن أولو ‪ii‬الّلهى‬ ‫ُ‬ ‫آباؤ َ‬
‫متخّيرو َ‬ ‫ك ال ُ‬
‫ه‬
‫ة في ‪ii‬دين ِ ِ‬ ‫ك الُعصاةَ أذل ّ ً‬ ‫تر َ‬
‫ن ‪ii‬الُهدى‬ ‫مستبصرٍ فيها على دي ِ‬ ‫ُ‬
‫ف بها الّردى‬ ‫خو‬
‫َ ُ ِ‬ ‫م‬‫ال‬ ‫(‬ ‫‪7‬‬ ‫)‬ ‫ة‬ ‫جم‬
‫ُْ َ َ‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫أبلى‬
‫ة‬
‫ٍ‬ ‫بكرام‬ ‫تني‬ ‫جَبر َ ِ َ‬
‫نل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫م قد ْ َ‬ ‫ك ْ‬
‫م‬‫ن بغيرِ ما ‪ii‬أبليت َهُ ْ‬ ‫لوْ يقد ُُرو َ‬
‫ت عّنا ‪ii‬ك ُّلما‬ ‫شتوا ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫يا قات ِ َ‬
‫ن ذائ ِدِ‬ ‫ن ذَياَدة م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫‪ ...‬ل ت َعْد َ ُ‬
‫مساجدِ‬ ‫منابرٍ ‪ii‬و َ‬ ‫ن َ‬ ‫ت َزي َ‬ ‫خلق َ‬ ‫و ُ‬
‫خصم ٍ ‪ii‬شاهدِ‬ ‫مل َ‬ ‫س غائب َهُ ْ‬ ‫م ين َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ة ذي ُلبود ٍ )‪ (4‬حارد‬ ‫صول َ‬ ‫ن َ‬ ‫َيخشو َ‬
‫ت َثناَء جارٍ ‪ii‬حامدِ‬ ‫وإذا رحل َ‬
‫سد ِ‬‫م الحا ِ‬ ‫ل َرغ ُ‬ ‫ت فطا َ‬ ‫حتى َرضي َ‬
‫ي ماجدِ‬ ‫َ‬
‫م )‪ (5‬بكف ْ‬ ‫ت زناد ُهُ ُ‬ ‫وَرِي َ ْ‬
‫ص ماردِ ‪(ii(6‬‬ ‫لل ّ‬ ‫ُ‬
‫ن‪ ،‬وك ّ‬ ‫معتدي َ‬ ‫وال ُ‬
‫مقيم ِ ‪ii‬الخالدِ‬ ‫أبشْر بمنزلةِ ال ُ‬
‫مجاهِدِ‬ ‫ب الَبلِء ُ‬ ‫محَتس ِ‬ ‫م ُ‬ ‫أيا َ‬
‫ن عَد ُوّ ‪ii‬جاهدِ‬ ‫ت )‪ (8‬عَّني م ْ‬ ‫وَذبب َ‬
‫م أراقم ٍ )‪ (9‬وأساوِد ِ ‪(ii(10‬‬ ‫س ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫سقي َ‬ ‫ل ُ‬
‫ل ‪ii‬الباردِ‬ ‫ن الصي ِ‬ ‫يم َ‬ ‫ب ََرد َ الَعش ّ‬
‫)‪ (1‬قرم‪ :‬سيد كريم شجاع )‪ (2‬البزرى‪ :‬العدد الكثير )‪ (3‬يذود‪ :‬يحمي‬
‫)‪ (4‬ذو اللبود‪ :‬السد )‪ (5‬الزناد‪ :‬المعونة )‪ (6‬المارد‪ :‬الذي تجرد من الخير‬
‫ب‪ :‬دافع )‪ (10- 9‬الراقم والساود‪ :‬أخبث‬ ‫)‪ (7‬برجمة‪ :‬من قلع الروم )‪ (8‬ذ ّ‬
‫أنواع الحّيات‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ابن المقفع‬
‫)من كليلة ودمنة(‬
‫فارسي الصل‪ ،‬كان يدعى في مجوسيته روزبه بن دازويه‪ ،‬ولما أسلم سمي‬
‫عبد الله بن المقفع‪.‬‬
‫نشأ في البصرة نشأة عربية متأثرة بالثقافة الفارسية وكتب لبعض الولة من‬
‫أمويين وعباسيين‪ ،‬لنه من مخضرمي الدولتين‪.‬‬
‫ً‬
‫قتله والي البصرة سفيان بن معاوية بإيعاز من المنصور‪ ،‬متهما إياه بالزندقة‬
‫سنة ‪142‬هـ‪.‬‬
‫كان ابن المقفع عميق الثقافة في لغته الفارسية‪ ،‬مالكا ً ناصية الفصاحة‬
‫والبلغة في العربية‪.‬‬
‫ترجم كتبا ً ورسائل كثيرة من الفارسية إلى العربية‪ ،‬منها‪ :‬كليلة ودمنة‪،‬‬
‫والدب الصغير‪ ،‬والدب الكبير‪ ،‬والراجح أنه تصرف فيها‪ ،‬وزاد بعض الفصول‬
‫والبواب‪ ،‬فأصبحت مزيجا ً من الترجمة والتأليف‪ ،‬وجاءت عبارته سلسلة‬
‫رشيقة‪ ،‬قريبة المتناول ولكنها ل تخلو أحيانا ً من الضطراب والغموض‪ .‬ومع‬
‫ذلك يبقى لبن المقفع فضل الرتقاء بالفن النشائي إلى درجة عالية‪.‬‬
‫ومن كتابه )كليلة ودمنة( نورد الباب التالي‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحمامة والثعلب ومالك الحزين )وهو مثل الذي يرى الرأي لغيره‪ ،‬ول يراه‬
‫لنفسه(‪.‬‬
‫زعموا أن حمامة كانت ُتفرخ في رأس نخلة طويلة‪ ،‬ذاهبة في السماء‪،‬‬
‫فكانت الحمامة تشرع في نقل العش إلى رأس تلك النخلة‪ ،‬فل ُيمكنها ما‬
‫تنقل من العش‪ ،‬وتجعله تحت البيض إل بعد شدة وتعب ومشقة‪ ،‬لطول‬
‫النخلة وسحقها)‪ ،(1‬فإذا فرغت من النقل باضت ثم حضنت بيضها‪ ،‬فإذا‬
‫فقست)‪ (2‬وأدرك فراخها)‪ (3‬جاءها ثعلب قد تعّهد ذلك منها لوقت قد علمه‪،‬‬
‫ريثما ينهض فراخها‪ ،‬فيقف بأصل النخلة فيصيح بها ويتوعدها أن يرقى إليها‪،‬‬
‫أو تلقي إليه فراخها‪ ،‬فتلقيها إليه‪.‬‬
‫فبينما هي ذات يوم‪ ،‬وقد أدرك لها فرخان‪ ،‬إذ أقبل مالك الحزين)‪ (5‬فوقع‬
‫على النخلة‪ ،‬فلما رأى الحمامة كئيبة حزينة شديدة الهم‪ ،‬قال لها‪:‬‬
‫‪ -‬يا حمامة‪ ،‬مالي أراك كاسفة البال سيئة الحال؟‬
‫ت به)‪ (6‬كلما كان لي فرخان‪ ،‬جاءني‬ ‫فقالت له‪ :‬يا مالك الحزين‪ ،‬إن ثعلبا ً ُدهي ُ‬
‫يتهددني ويصيح في أصل النخلة‪ ،‬فأفرق منه)‪ (7‬فأطرح إليه فراخي‪.‬‬
‫قال لها مالك الحزين‪:‬‬
‫ي وغّرْر‬ ‫ُ‬
‫ي‪ ،‬فاْرقَ إل ّ‬‫‪ -‬إذا أتاك ليفعل ما تقولين فقولي له‪ :‬ل ألقي إليك فرخ ّ‬
‫ت عنك ونجوت بنفسي‪.‬‬ ‫ي‪ ،‬طر ُ‬ ‫بنفسك)‪ ،(8‬فإذا فعلت ذلك وأكلت فرخ ّ‬
‫فلما عّلمها مالك الحزين هذه الحيلة‪ ،‬طار فوقع على شاطئ نهر‪ ،‬وأقبل‬
‫الثعلب في الوقت الذي عرف إدراك فرخيها‪ ،‬فوقف تحت النخلة ثم صاح‪،‬‬
‫كما كان يفعل‪ .‬فأجابته الحمامة بما عّلمها مالك الحزين‪ .‬فقال لها‪:‬‬
‫‪ -‬أخبريني من عّلمك هذا؟‬
‫قالت‪ :‬عّلمني مالك الحزين‪.‬‬
‫جه الثعلب حتى أتى مالكا ً الحزين‪ ،‬على شاطئ النهر فوجده واقفًا‪ ،‬فقال‬ ‫فتو ّ‬
‫له الثعلب‪:‬‬
‫يا مالك الحزين‪ ،‬إذا أتتك الريح عن يمينك فأن تجعل رأسك؟‬
‫قال‪ :‬عن شمالي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإذا أتتك عن شمالك‪ ،‬فأين تجعل رأسك؟‬
‫قال‪ :‬أجعله عن يميني أو خلفي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإذا أتتك الريح من كل مكان وكل ناحية‪ ،‬فأين تجعله؟‬
‫ي‪.‬‬
‫قال‪ :‬تحت جناح ّ‬
‫قال‪ :‬وكيف تستطيع أن تجعله تحت جناحيك؟ ما أراه يتهيأ لك)‪.(9‬‬
‫قال‪ :‬بلى‪.‬‬
‫ضلكن الله علينا!‬ ‫قال‪ :‬فأرني كيف تصنع؟ فلعمري‪ ،‬يا معشر الطير‪ ،‬لقد ف ّ‬
‫ن تدرين في ساعة واحدة‪ ،‬مثل ما ندري في سنة‪ ،‬وتبُلغن مال نبلغ‪،‬‬ ‫إنك ّ‬
‫ك‪ ،‬فأرني كيف‬ ‫ً‬
‫ن من البرد والريح‪ ،‬فهنيئا ل ّ‬ ‫ن تحت أجنحتك ّ‬ ‫وُتدخلن رؤوسك ّ‬
‫تصنع؟‬
‫فأدخل الطائر رأسه تحت جناحيه‪ ،‬فوثب عليه الثعلب مكانه‪ ،‬فأخذه‪ ،‬فهمزه‬
‫همزة دقّ فيها عنقه)‪ (10‬ثم قال‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬يا عدو نفسه‪ ،‬ترى الرأي للحمامة‪ ،‬وتعلمها الحيلة لنفسها‪ ،‬وتعجُز عن ذلك‬
‫لنفسك‪ ،‬حتى يتمكن منك عدّوك؟‬
‫ثم قتله وأكله)‪.(11‬‬
‫الهوامش‬
‫سحق‪ :‬العلو‪.‬‬ ‫)‪ (1‬ال ّ‬
‫)‪ (2‬فقس الطائر بيضه‪ :‬أخرج ما فيها‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (3‬أدرك‪ :‬بلغ‪.‬‬


‫قد وعرف‪.‬‬ ‫)‪ (4‬تف ّ‬
‫)‪ (5‬مالك الحزين‪ :‬من طيور الماء‪.‬‬
‫)‪ُ (6‬بليت به وأصبت منه بشر‪.‬‬
‫)‪ (7‬أخاف‪ ،‬وهو مضارع‪ ،‬ماضيه‪ :‬فََر َ‬
‫ق‪.‬‬
‫)‪ (8‬غّرر فلن بنفسه‪ :‬عّرضها للهلك‪.‬‬
‫)‪ (9‬ما أظنك تستطيع ذلك‪.‬‬
‫)‪ (10‬ضغطه ودفعه وضربه‪.‬‬
‫)‪ (11‬كسرها‪.‬‬
‫)‪ (12‬كليلة ودمنة – بيروت ‪ – 1933‬صححها وعلق حواشيها‪ :‬أحمد حسن‬
‫طبارة‪) .‬ص ‪(287 – 285‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ابن باز ل يزال حيًا!‬


‫‪9/2/1423‬‬
‫أ‪.‬د‪.‬ناصر بن سليمان العمر‪ -‬المشرف العام على موقع المسلم‬
‫* كنت قد بدأت في إعداد مقال الشهر الذي سبق أن التزمت به لموقع‬
‫السلم اليوم‪ ،‬وكان هذا المقال هو آخر مقال حسب التفاق مع أخي‬
‫المشرف على الموقع‪ ،‬وفي أثناء إعداد ذلك المقال وقع في يدي كتاب‬
‫)جوانب من سيرة المام عبد العزيز بن باز‪ -‬رحمه الله( رواية الشيخ محمد‬
‫الموسى؛ مدير مكتب ‪-‬بيت‪ -‬سماحة الشيخ‪ ،‬وإعداد الشيخ محمد الحمد‪ ،‬نشر‬
‫دار ابن خزيمة‪.‬‬
‫ت‬ ‫ض العمال التي كن ُ‬ ‫م‪ ،‬تعطلت بع ُ‬‫وبدأت في قراءة الكتاب‪ ،‬وأصابني ن َهَ ٌ‬
‫أقوم بها‪ ،‬مع أنه جاء في ظروف عصيبة‪ ،‬وما مضى إل وقت يسير حتى‬
‫ت به تأثرا ً بالغا ً أثناء‬‫ت قراءته‪ ،‬علما ً أنه فوق )‪ (600‬صفحة‪ ،‬ولقد تأثر ُ‬ ‫أنهي ُ‬
‫وبعد قراءتي لهذا الكتاب‪ ،‬وظهر التأثر على عملي وعلقتي بمن حولي‪ ،‬ومع‬
‫ت في السنوات‬ ‫أن معرفتي بسماحة الشيخ بدأت قرابة )‪1390‬هـ(‪ ،‬وتوّثق ْ‬
‫الخيرة‪ ،‬وبخاصة بعد مشاركتي في التوعية في الحج ابتداء من عام‬
‫‪1404‬هـ‪ ،‬وازدادت هذه العلقة بعد بدء لقاءات المشايخ وطلب العلم من‬
‫أنحاء المملكة معه منذ عام ‪1411‬هـ‪ ،‬حتى رمضان عام ‪1415‬هـ‪ ،‬وهو آخر‬
‫ه‬
‫لقاء مع سماحته‪ ،‬حيث كانت خلوتي التي استمرت عدة سنوات‪ ،‬ولم تنت ِ ِ‬
‫تلك الخلوة إل بعد وفاته بشهر ونصف عام ‪1420‬هـ‪.‬‬
‫ت في هذا الكتاب عجبًا‪ ،‬وكأني أعرف الشيخ‬ ‫أقول‪ :‬ومع هذا كله‪ ،‬فقد رأي ُ‬
‫لول مرة‪ ،‬حيث كشف عن صفحات مطوية من حياته ل يعلمها إل القليل‬
‫ممن لزم الشيخ ملزمة خاصة‪ ،‬كراوي هذا الكتاب ومن نقل عنهم من‬
‫الملزمين للشيخ‪ -‬رحمه الله‪.-‬‬
‫ونظرا ً لتلك الدرر التي وقفت عليها‪ ،‬وحيث إن عددا من قراء هذه المقالة ل‬
‫ً‬
‫سر لهم الطلع عليه نظرا ً لمحدودية النسخ التي طبعت في الطبعة‬ ‫يتي ّ‬
‫الولى وتوزيعها في الداخل‪ ،‬بينما عدد من محبي الشيخ في أقطار الرض‪،‬‬
‫ولما للقدوة من تأثير عجيب في حياة الناس‪ ،‬حيث إن قصة واحدة أفضل من‬
‫ت عددا ً من الحقائق‬ ‫عشرات الدروس والمحاضرات‪ ،‬لذلك كله فقد اختر ُ‬
‫ت عدم التعليق عليها‪ ،‬لنها ناطقة بمرادها‪ ،‬وتحمل‬ ‫التي ذكرها الراوي‪ ،‬ورأي ُ‬
‫ت في التعريف‬ ‫ص سبق أن ُذكر ْ‬ ‫قوتها في ذاتها‪ ،‬وتحاشيت ما ورد من قص ٍ‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالكتاب‪ ،‬ونشر هذا التعريف في موقع السلم اليوم قبل عدة أسابيع‪.‬‬
‫وهذه الحقائق ل تغني عن قراءة الكتاب‪ ،‬والسعي الحثيث للحصول عليه‪،‬‬
‫وأنصح كذلك بنشره وقراءة مختارات منه على العامة والخاصة‪.‬‬
‫وستجد أن هذا الكتاب يكشف عن أنموذج فريد قد تمر عشرات السنين‪ ،‬بل‬
‫مئات السنين قبل أن يتكرر مثله‪ -،‬رحمه الله رحمة واسعة وعوض المة عنه‬
‫خيرًا‪.‬‬
‫م بنا إلى بعض تلك الدرر والفرائد والفوائد‪- :‬‬ ‫وهل ّ‬
‫إذا كان في مهمة عمل خارج المكتب سواء كان في الديوان الملكي‪ ،‬أو في‬
‫اجتماع في مكان آخر‪ ،‬أو كان في مراجعة للمستشفى‪ ،‬أو كان في محاضرة‬
‫في بعض القطاعات‪ ،‬ثم انتهى من مهمته– سأل عن الساعة‪.‬‬
‫فإذا قيل – مثل ً ‪ :-‬الساعة الثانية أو أكثر أو أقل قال‪ :‬نذهب إلى المكتب‪ ،‬فإذا‬
‫قيل له‪ :‬ضاق الوقت‪ ،‬وما بقي إل القليل‪ ،‬ول يستحق أن ُيذهب لجله قال‪:‬‬
‫ولو‪ ،‬نقضي بعض العمال في هذا الوقت‪.‬‬
‫وفي عامه الخير بدأ النتداب إلى مكة المكرمة في ‪1/12/1419‬هـ حتى‬
‫‪21/12/1419‬هـ‪ ،‬ولكنه مكث في الرياض بسبب مشورة الطباء؛ لنه لم‬
‫يتحمل الذهاب للحج‪.‬‬
‫ولما سئل عن المدة التي مكثها في الرياض؛ لتحسب له‪ ،‬قال‪ :‬ل تحسب لي‬
‫انتدابًا؛ لنني لم أذه ْ‬
‫ب!!‬
‫وقد ذكر لي أنه يتصل على أحد عشر رقمًا؛ ليقاظهم للصلة‪ ،‬وإذا رد ّ عليه‬
‫ة الشيخ‪ ،‬وقال‪ :‬الحمد الذي أحيانا بعدما أماتنا‬ ‫أحد منهم‪ ،‬سلم عليه سماح ُ‬
‫وإليه النشور‬
‫ولما أخبر بأن الموظفين الذين كانوا معه ليس لديهم مانع من السفر إلى‬
‫مكة‪ ،‬ولكنهم جلسوا؛ مراعاة لمصلحته‪ ،‬أبى أن تحسب لهم انتداب تلك‬
‫المدة‪.‬‬
‫فلما ألحوا عليه‪ ،‬قال‪ :‬نعطيهم من عندنا‪.‬‬
‫إذا سمع سماحته الذان بادر إلى متابعته‪ ،‬وترك جميع ما في يده من‬
‫العمال‪ ،‬وإذا كان أحد يحادثه‪ ،‬أو يهاتفه قال‪ :‬يؤذن؛ ليشعر من يحادثه أو‬
‫يهاتفه بأنه سيتابع المؤذن‪.‬‬
‫وإذا أّذن المؤذن وسماحته في مكالمة مهمة من خارج المملكة‪ ،‬أو مع‬
‫شخص كبير الشأن ثم انتهى من المكالمة أعاد متابعة الذان ولو بعد انتهاء‬
‫المؤذن‪.‬‬
‫كان ‪-‬رحمه الله‪ -‬هو الذي ينبه أولده‪ ،‬والعاملين لديه في بيته لصلة الفجر‪.‬‬
‫وقد ذكر لي أنه يتصل على أحد عشر رقمًا؛ ليقاظهم للصلة‪ ،‬وإذا رد ّ عليه‬
‫ة الشيخ‪ ،‬وقال‪ :‬الحمد الذي أحيانا بعدما أماتنا‬ ‫أحد منهم‪ ،‬سلم عليه سماح ُ‬
‫وإليه النشور‪.‬‬
‫في يوم من اليام كان سماحة الشيخ على موعد بعد صلة الفجر‪ ،‬فلم يص ّ‬
‫ل‬
‫في المسجد‪ ،‬وبعد أن علم أن الناس قد صلوا صلى‪ ،‬وقال للخوين الزميلين‬
‫الشيخ عبد الرحمن العتيق‪ ،‬والخ حمد بن محمد الناصر‪ :‬هذه أول مرة‬
‫تفوتني صلة الفجر‪ ،‬وهذه الحادثة أفادتنا أن سماحة الشيخ –رحمه الله‪ -‬كان‬
‫شديد المحافظة على صلة الجماعة؛ إذ كيف ل تفوته صلة الفجر مع‬
‫الجماعة طيلة عمره المديد إل مرة واحدة؟!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وربما ل ينام طيلة اليوم والليلة في رمضان إل أربع ساعات‪.‬‬


‫ج معه أعداد كثيرة من‬ ‫ج أنه يح ّ‬‫وكان من عادة سماحته في كل موسم ح ّ‬
‫الرجال والنساء‪ ،‬وأغلب هؤلء من الفقراء وغير السعوديين؛ فكل من طلب‬
‫من سماحته الصحبة‪ ،‬أو أوصى من يستأذنه فيها قال‪ :‬حياه الله‪ ،‬ول يسأل‬
‫عمن سيذهب معه‪ ،‬ول عن عددهم‪ ،‬ول عن ضيق المكان‪ ،‬ول عن سعته‪.‬‬
‫وكان عدد الذي يحجون مع سماحته‪ ،‬ويرافقونه في مخيمه ومقر إقامته في‬
‫ج‪.‬‬
‫ج‪ -‬يقدر بـ ‪ 800‬حا ّ‬‫الح ّ‬
‫دم لهم الطعام في منى وعرفة يتراوح ما‬ ‫وكان عدد الرجال والنساء الذين ُيق ّ‬
‫ج‪.‬‬‫بين ‪ 800‬إلى ‪ 1000‬حا ّ‬
‫ُ‬
‫وليس العجب من هذا‪ ،‬وإنما العجب أن يكفيهم طعام أخذ فيه حساب ‪500‬‬
‫شخص‪ ،‬ولكن البركة في طعامه ظاهرة للعيان‪ ،‬يشهد بذلك من وقف عليه؛‬
‫وكلما زاد العدد ظننا أنه لن يكفيهم‪ ،‬ومع ذلك يكفيهم ويبقى منه شيء‪.‬‬
‫أما عدد الذين يتناولون طعام الغداء مع سماحته في مكة فيتراوح عددهم ما‬
‫بين ‪ 300‬إلى ‪.400‬‬
‫ً‬
‫والله ثم والله‪ ،‬ثم والله إنني لم أكتب في حياتي كتابا إل وأريد بذلك وجه الله‬
‫فإذا قلنا لسماحته‪ :‬يا سماحة الشيخ! كل يرغب في الحج معكم‪ ،‬سواء من‬
‫داخل البلد أو خارجها‪ ،‬وأنتم تعلمون أن السيارات ل تكفي‪ ،‬وأن المكان‬
‫المخصص لكم ل يكفي‪ -‬قال‪ :‬الله المستعان‪ ،‬ما هي إل ساعات وينتهي كل‬
‫ج‬
‫شيء‪ ،‬اصبروا‪ ،‬واحتسبوا‪ ،‬وأبشروا بالجر الجزيل‪ ،‬وما يدريكم لعلنا ل نح ّ‬
‫سر المور‪ ،‬وينتهي كل شيء على ما يرام‪.‬‬ ‫بعد عامنا هذا‪ ،‬ستتي ّ‬
‫ل فرق عند سماحته بين الفقير والغني‪ ،‬والشريف والوضيع‪ ،‬والسفير‬
‫والوزير؛ فهم يجتمعون جميعا ً على المائدة‪ ،‬وكل من أكل مع سماحته جعل‬
‫يلتفت هنا وهناك ينظر في وجوه الناس على تباينهم‪ ،‬واختلف ألسنتهم‪،‬‬
‫ومراتبهم‪ ،‬وألوانهم فهذا عربي‪ ،‬وهذا أعجمي‪ ،‬وهذا أسود‪ ،‬وهذا أبيض‪ ،‬وهذا‬
‫من قريب‪ ،‬وهذا من بعيد‪.‬‬
‫وفي أحد اليام قال له أحد الحاضرين ممن يعرف سماحة الشيخ‪ :‬يا شيخ‬
‫ت‬
‫بعض هؤلء ل يعرفون أدب الكل‪ ،‬ول يحسن الجلوس معهم؛ فلو انفرد َ‬
‫عنهم‪ ،‬وأرحت نفسك من هؤلء؛ فقال سماحة الشيخ –رحمه الله‪ :-‬أنا الذي‬
‫ي‪ ،‬وراحتي بالكل معهم‪ ،‬والرسول‪ -‬صلى‬ ‫ت الطعام لهم‪ ،‬وهم جاؤوا إل ّ‬ ‫وضع ُ‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬كان يأكل مع أصحابه ومع الفقراء حتى مات‪ ،‬ولي فيه‬
‫أسوة حسنة‪ ،‬وسوف أستمّر على هذا إلى أن أموت‪ ،‬والذي ل يتحمل ول‬
‫يرغب الجلوس معهم نسامحه‪ ،‬ويذهب إلى غيرنا‪.‬‬
‫وإليك هذا المثال‪ :‬في عيد الفطر عام ‪ 1404‬هـ؛ حيث لم ينم سماحته ليلة‬
‫العيد؛ فقد كان يصلي القيام؛ إذ لم يأت خبر العيد إل متأخرًا‪ ،‬ثم استقبل‬
‫ُ‬
‫س بعد الصلة‪ ،‬فلما أّذن بالفجر قام للصلة‪ ،‬ثم رجع إلى منزله‪ ،‬واستعد ّ‬ ‫النا َ‬
‫للعيد‪ ،‬ثم ذهب لصلة العيد‪ ،‬وبعد الصلة واصل نهار العيد كله حتى بعد‬
‫العشاء ل يفتر‪ ،‬ول ينقطع؛ فتارة مع الهاتف على اختلف المتصلين‬
‫ت‪ ،‬وتارة مع المهّنئين بالعيد‪ ،‬وتارة مع‬ ‫وحاجاتهم‪ ،‬وتارة مع سائل أو مستف ٍ‬
‫شكاوى الناس ومشكلتهم‪ ،‬وطلباتهم‪ ،‬وشفاعاتهم‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ل‪ ،‬أو يكهر‪ ،‬أو ينهر‪.‬‬ ‫ومع ذلك ل نراه يضجر أو يم ّ‬
‫س كلهم بالبشاشة‪ ،‬والترحاب ول فرق في ذلك عنده بين أمير‪،‬‬ ‫بل يقابل النا َ‬
‫أو وزير‪ ،‬أو قريب‪ ،‬أو بعيد‪ ،‬أو من يعرفه‪ ،‬أو ل يعرفه‪.‬‬
‫ق‬
‫جهٍ بالطلقة مشر ِ‬ ‫ف بالسماحة ثّرة وإسفاُر و ْ‬ ‫تدفّقُ ك ّ‬
‫كل ذلك مع كبر سنه‪ ،‬وقلة نومه ذلك اليوم؛ فهذا هو منهجه‪ ،‬وديدنه‪ ،‬وخلقه؛‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فهو منهج رائع فريد لمن أراد التأسي بالعلماء العاملين الصالحين المؤِْثرين‬
‫أخراهم على دنياهم‪.‬‬
‫ومما يحسن ذِك ُْرهُ في هذا الصدد أن سماحة الشيخ يرى أن ليلة الجمعة‪،‬‬
‫وعصر الجمعة مثل بقية اليام في إلقاء الدروس‪ ،‬وقراءة بعض الحاديث‪،‬‬
‫خلفا ً لما يراه بعض الناس‪ ،‬حيث يتركون الدروس‪ ،‬والتحديث ليلة الجمعة‪ ،‬أو‬
‫بعد صلة العصر من يوم الجمعة‪.‬‬
‫ب أحدا ً له حق عليه‪.‬‬
‫ول أذكر أنه طال َ‬
‫وأذكر أن أحد المسؤولين الكبار عرض على سماحته الخروج للنزهة في‬
‫وقت الربيع‪ ،‬فقال سماحة الشيخ‪ :‬أنا ل أرغب الخروج‪ ،‬وليس من عادتي‪.‬‬
‫م الهواء‪.‬‬
‫فقال له المسؤول‪ :‬النفس تحتاج إلى الراحة‪ ،‬وتغيير الجو‪ ،‬وش ّ‬
‫م الهواء النظيف‬ ‫فقال سماحة الشيخ‪ -‬ممازحًا‪ :-‬الذي يرغب تغيير الجو‪ ،‬وش ّ‬
‫يخرج إلى السطح ويكفيه ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد حسبت له بعد المغرب في يوم من اليام ستين إجابة لستين سؤال‪ ،‬كل‬
‫ذلك في جلسة بعد المغرب‪ ،‬مع أنه لم يكن متفرغا ً للجابة وحدها‪ ،‬بل عن‬
‫يمينه وشماله اثنان من الكّتاب يتعاقبان القراءة عليه‪ ،‬والناس يتوالون‬
‫للسلم عليه‪ ،‬والهاتف ل يقف رنينه إلى غير ذلك مما مّر ذك ُْره في وصف‬
‫مجلسه‪.‬‬
‫ت عليه بعد صلة الفجر أربعين معاملة في ساعة‬ ‫وفي يوم من اليام قرأ ُ‬
‫ونصف الساعة‪.‬‬
‫ويقول الشيخ عبد الرحمن بن دايل‪ :‬أنتم ما أدركتم نشاط سماحته؛ إذ كان‬
‫في المدينة ل ينام بعد العشاء إل متأخرًا‪ ،‬وكان ل ينام بعد الفجر‪ ،‬ول الظهر‪،‬‬
‫ول العصر‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وأذكر أنه قبل سنتين من وفاته كان في الطائف‪ ،‬وزاره بعض الشباب من‬
‫خ قبل ذلك‪ ،‬وكان‬ ‫لبا ً في كلية الشريعة‪ ،‬وبعضهم لم يَر الشي َ‬ ‫الزلفي‪ ،‬وكانوا ط ّ‬
‫غاية ما يتمنون أن يروا سماحته في زيارتهم تلك‪.‬‬
‫ح عليهم بالعشاء‪ ،‬فقالوا‪:‬‬ ‫فلما ّ دخلوا مجلسه بعد المغرب حياهم‪ ،‬وأدناهم‪ ،‬وأل ّ‬
‫نحن ل نريد سوى رؤياك والسلم عليك‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ل بد ّ من العشاء‪ ،‬فوافقوا‪.‬‬
‫وكان في مجلسه بعد المغرب يلتفت إليهم‪ ،‬ويباسطهم‪ ،‬ويسألهم عن‬
‫ت مع سماحته في المختصر؛‬ ‫المشايخ في الزلفي‪ ،‬فلما صلينا العشاء دخل ُ‬
‫لقرأ عليه بعض الوراق والمعاملت ريثما يتم إعداد العشاء‪.‬‬
‫وكان الشباب الزائرون في المجلس ينتظرون‪.‬‬
‫ً‬
‫ت بالقراءة على سماحته رأيته منصرفا عني‪ ،‬ثم قال‪ :‬أبا موسى!‬ ‫فلما شرع ُ‬
‫ه عنك‪ ،‬هؤلء أبناؤك‪ ،‬وقد‬ ‫ت‪ :‬عفا الل ُ‬
‫ت‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬تركنا الضيوف‪ ،‬فقل ُ‬ ‫فقل ُ‬
‫جلسوا معك بعد المغرب‪ ،‬وسيجلسون معك بعد قليل على العشاء؛ فماذا‬
‫يريدون غير ذلك؟ ائذن لي بإكمال ما شرعنا بقراءته‪.‬‬
‫ت‪ :‬ل بأس عليهم‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ت بالقراءة‪ ،‬فقال‪ :‬أبا موسى‪ ،‬ضيوفنا؟ فقل ُ‬ ‫ثم شرع ُ‬
‫ت‪ :‬لن يلحق ذمتي شيء إن شاء الله‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫في ذمتك يا أبا موسى؟ فقل ُ‬
‫لندع القراءة الن‪ ،‬هيا إلى المجلس‪ ،‬فتركنا القراءة‪ ،‬وجلس معهم يباسطهم‪،‬‬
‫ويجيب على أسئلتهم‪.‬‬
‫فلما تناولوا طعام العشاء مع سماحته استأذنوا فقال‪ :‬ما نسمح لكم‪ ،‬ل بد ّ أن‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ح عليهم‪ ،‬وقال‪ :‬نحجز لكم‬ ‫تبيتوا عندنا‪ ،‬فقالوا‪ :‬عندنا مكان سنبيت فيه‪ ،‬فأل ّ‬
‫في الفندق‪ ،‬إن أردتم؛ لنه‪ -‬رحمه الله‪ -‬ظن أنهم مستحيون‪ ،‬فقالوا‪ :‬جزاك‬
‫الله خير الجزاء‪ ،‬وغفر لك‪ ،‬وجعلك ذخرا ً للسلم والمسلمين‪ ،‬لقد أعطيتنا‬
‫ملهم‬ ‫من وقتك ومجلسك فوق ما نستحق‪ ،‬وفوق ما تصورنا؛ فوّدعهم‪ ،‬وح ّ‬
‫م لمن أمامهم‪.‬‬ ‫السل َ‬
‫مع أن الشيخ لّين العريكة‪ ،‬سمح‪ ،‬هين إل أنه سرعان ما ينقلب أسدا ً هصورا ً‬
‫ض الحكم‪.‬‬‫ل يلوي على شيء‪ ،‬وذلك إذا علم أن المطّلق يريد نق َ‬
‫الشيخ قليل النوم‪ ،‬فل يأوي إلى فراشه إل بعد منتصف الليل فما فوق‪ ،‬ولم‬
‫يكن ينام بعد الفجر‪ ،‬ول أعلم أنه نام بعد الفجر‪ ،‬وربما يرتاح بعد الشمس‬
‫قلي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫قال في يوم من اليام بحضرة أكثر من عشرين من طلبةالعلم‪ :‬والله ثم‬
‫ت‪:‬‬ ‫والله‪ ،‬ثم والله إنني لم أكتب في حياتي كتابا ً إل وأريد بذلك وجه الله‪) .‬قل ُ‬
‫ت ذلك المجلس في بيته بالرياض(‪.‬‬ ‫وقد حضر ُ‬
‫ً‬
‫دثني الشيخ علي العتيق أن شخصا جاء إلى سماحة الشيخ قبل وفاته‬ ‫ح ّ‬
‫ً‬
‫بأربعين سنة‪ ،‬وشكا عليه الحال‪ ،‬فأمر له سماحة الشيخ بخمسين ريال‪ ،‬فأخذ‬
‫ة التي كتب فيها المر‪ ،‬وغير الكتابة من خمسين إلى‬ ‫ل الورق َ‬ ‫ذلك الرج ُ‬
‫ح عليه بسرعة صرفها‪ ،‬واّدعى‬ ‫خمسمائة ريال‪ ،‬وذهب إلى مأمور الصرف‪ ،‬وأل ّ‬
‫أنه سوف يسافر‪ ،‬فتردد مأمور الصرف‪ ،‬وقال‪ :‬ل يوجد مبلغ يفي بهذا‬
‫الطلب‪ ،‬ولم تجر العادة بمثل هذا المبلغ؛ لن السيولة في ذلك الوقت قليلة‬
‫جدًا‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ثم‬ ‫ة الشيخ‪ ،‬قال‪ :‬لم آمر إل بمبلغ خمسين ريا ً‬ ‫فلما راجع المأموُر سماح َ‬
‫سه ملي ًّا‪ ،‬وقال‪ :‬اصرفوها له؛ لعله محتاج‪.‬‬ ‫أطرق سماحته رأ َ‬
‫وإذا جاءه أحد من الناس‪ ،‬وقال‪ :‬إن الشيخ فلن بن فلن قد قال‪ :‬كذا وكذا‬
‫مما ل يليق‪ -‬نَهره سماحة الشيخ‪ ،‬وقال‪ :‬هو أوثق عندنا منك‪ ،‬أفنصدقك‬
‫ونكذب الشيخ فلنًا؟ ونحو ذلك‪.‬‬
‫وأذكر مرة أن أحد الطلب سأل سماحة الشيخ عن مقادير الديات‪ ،‬وقال‪ :‬يا‬
‫شيخ الدية الن فيها ظلم للمسلم؛ فإنها تحدد بمئة ألف‪ ،‬وأصلها مئة من‬
‫البل؛ فلو أن البل المذكورة في دية المسلم عرضت في السوق للبيع‬
‫لبلغت قيمتها أكثر من مئة ألف؛ فلو ُأعيد النظر في تقدير الدية‪.‬‬
‫در الدية علماء أعرف منك‪،‬‬ ‫فرد ّ عليه سماحة الشيخ بشدة‪ ،‬وقال‪ :‬الذي ق ّ‬
‫وأنت تعترض‪ ،‬وأنت في بداية الطريق؛ فيجب عليك أن تتأدب وتترك الكلم‬
‫الذي ل يعنيك‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن الرفق والتحمل هو دأب الشيخ‪ ،‬ولكنه يتقصد تربية الطلب‬
‫ق فاضل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ي‪ ،‬وخل ٍ‬
‫حتى يكونوا على منهج سو ّ‬
‫وآخر درس ألقاه كان في يوم الثنين ‪17/1/1420‬هـ‪ ،‬وقد استمر في الدرس‬
‫حتى الساعة الثامنة صباحا ً أي أن مدة الدرس استمرت قريبا ً من ثلث‬
‫ساعات‪.‬‬
‫وأذكر أنه سألني بعد الدرس عن الساعة فقلت‪:‬الساعة الن الثامنة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ت‬‫ت‪ :‬بل هي الثامنة يا سماحة الشيخ‪ ،‬فقال‪ :‬ما ظنن ُ‬ ‫تأكد لعلها السابعة؛ فقل ُ‬
‫أنها ثمان‪ ،‬القراء كثيرون‪ ،‬والوقت يمضي دون أن ندري؛ فهذا آخر درس‬
‫ألقاه‪-‬رحمه الله‪.-‬‬
‫د‪:‬‬‫وبع ُ‬
‫ت بزيارة لخي الشيخ محمد الموسى‬ ‫ت قراءة َ الكتاب حتى قم ُ‬ ‫ن أنهي ُ‬‫ما إ ْ‬
‫راوي هذا الكتاب‪ ،‬وشكرته وأخاه محمد الحمد على ما قاما به من جهد‪،‬‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت له‪ :‬ما سّر هذه الشخصية العجيبة؟ فقال‪ :‬كان الشيخ قد وضع رسول‬ ‫وقل ُ‬
‫ّ‬
‫الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أمام عينيه‪ ،‬وركز بصره وفكره على هديه‬
‫وسنته‪ ،‬يحرص أل يلتفت عنها يمنة أو يسرة‪ ،‬فهو قدوته وإمامه‪ ،‬فلذلك كانت‬
‫هذه الشخصية التي بهرت القريب والبعيد‪ ،‬العدو والصديق‪ ،‬فلله دره من‬
‫إمام‪ ،‬ق ّ‬
‫ل أن يتكرر في الزمان مثله‪.‬‬
‫ونسأل الله له الرحمة والغفران‪ ،‬وأن يعوض أهله وأمة المسلمين عنه خيرًا‪.‬‬
‫وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫والسلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪،،‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪----------------------------‬‬
‫* نشر في موقع السلم اليوم بتاريخ ‪9/2/1423‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ابن كثير ومنهجه في التفسير‬


‫إسماعيل بن عمرو بن كثير‪ ،‬الدمشقي‪ ،‬الفقيه الشافعي‪ .‬إمام جليل‪ ،‬وحافظ‬
‫عليم‪ ،‬ومفسر قدوة‪ ،‬طار صيته في الفاق‪ ،‬ونال القبول في الحياة قبل‬
‫الممات‪ ،‬تلقى العلم عن أكابر علماء عصره‪ ،‬ومن بينهم ابن تيمية الذي لزمه‬
‫فترة‪ ،‬وامتحن بسببه‪ ،‬وكان ميال ً إلى كثير من آرائه واجتهاداته‪.‬‬
‫كان ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬على مبلغ من العلم عظيم‪ ،‬وعلى مكان من العقل وفير‪،‬‬
‫شهد له أهل العلم بذلك؛ فهذا ابن حجر يصفه بأنه " كان كثير الستحضار‪،‬‬
‫حسن المفاكهة‪ ،‬وطارت تصانيفه في البلد في حياته‪ ،‬وانتفع بها الناس بعد‬
‫وفاته "‪ ،‬أما المام الذهبي فيقول في وصفه‪ " :‬المام المفتي‪ ،‬المحدث‬
‫قال‪ ،‬له تصانيف مفيدة "‪ .‬ومهما‬ ‫البارع‪ ،‬فقيه متفنن‪ ،‬محدث متقن‪ ،‬مفسر ن ّ‬
‫قال القائلون فيه‪ ،‬فإن شخصية ابن كثير العلمية تتجلى بوضوح لمن يقرأ‬
‫"تفسيره" أو "تاريخه" وهما من خير ما أّلف‪ ،‬وأجود ما َأخرج للناس‪ ،‬فقد‬
‫أجاد فيهما وأفاد‪.‬‬
‫فتفسيره ‪ -‬وهو موضوع حديثنا ‪ -‬المسمى " تفسير القرآن العظيم" ُيعد ّ من‬
‫أشهر ما د ُّون في موضوع التفسير بالمأثور‪ ،‬وهو بهذا العتبار يأتي بعد تفسير‬
‫الطبري‪.‬‬
‫ومما امتاز به هذا التفسير سهولة عبارته‪ ،‬وإيجاز صياغته؛ فقارئه ل يحتاج إلى‬
‫ضا ليس بالطويل الممل‪ ،‬ول بالوجيز‬ ‫كثير عناء لتحصيل المعنى المراد‪ ،‬وهو أي ً‬
‫قا وس ً‬
‫طا‪ ،‬بين بين‪.‬‬ ‫ل‪ ،‬بل كان طري ً‬ ‫خ ّ‬
‫الم ِ‬
‫منها كثيًرا من المور ذات‬‫در ابن كثير "تفسيره" بمقدمة هامة ض ّ‬ ‫وقد ص ّ‬
‫الصلة بالقرآن الكريم وتفسيره‪ ،‬واعتمد في ذلك على كلم شيخه ابن تيمية ‪-‬‬
‫رحمه الله ‪ -‬في مقدمته التفسيرية‪.‬‬
‫أما عن منهج ابن كثير في "تفسيره" فيمكن حصره في خطوات ثلث‪:‬‬
‫الولى‪ :‬اعتماده تفسير القرآن الكريم على المأثور؛ فهو أول ً يفسر الية بآية‬
‫أخرى‪ ،‬وهو في هذا شديد العناية‪ ،‬وبارع إلى أقصى غاية في سرد اليات‬
‫المتناسبة في المعنى الواحد‪ .‬ثم بعد ذلك يشرع في سرد الحاديث المتعلقة‬
‫بالية المراد تفسيرها‪ ،‬ويبين ما ُيقبل من تلك الحاديث وما ل ُيقبل‪ .‬ثم يشفع‬
‫جح‬‫من بعدهم من أهل العلم‪ ،‬وير ّ‬ ‫هذا وذاك بذكر أقوال الصحابة والتابعين‪ ،‬و َ‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رض عن كل نقل لم يصح ثبوته‪ ،‬وعن كل رأي لم ينهض‬ ‫ما يراه الرجح‪ ،‬وي ُعْ ِ‬
‫به دليل‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬ومن منهجه ‪ -‬وهو مما امتاز به ‪ -‬أن ينّبه إلى ما في التفاسير من‬
‫منكرات المرويات السرائيلية؛ فهو مثل ً عند تفسيره لقصة البقرة‪ ،‬وبعد أن‬
‫يسرد الروايات الواردة في ذلك نجده يقول‪ ..." :‬والظاهر أنها مأخوذة من‬
‫كتب بني إسرائيل‪ ،‬وهي مما يجوز نقلها‪ ،‬ولكن ل تصدق ول تكذب‪ ،‬فلهذا ل‬
‫يعتمد عليها إل ما وافق الحق عندنا‪ " ...‬وقد حدد موقفه من الروايات‬
‫السرائيلية‪ ،‬فقال‪ " :‬وإنما أباح الشارع الرواية عنهم‪ ،‬في قوله ‪ -‬صلى الله‬
‫وزه‬
‫عليه وسلم ‪ ...) :-‬وحدثوا عن بني إسرائيل ول حرج‪ ( ...‬فيما قد ُيج ّ‬
‫العقل‪ ،‬فأما فيما تحيله العقول‪ ،‬ويحكم فيه بالبطلن‪ ،‬ويغلب على الظنون‬
‫كذبه فليس من هذا القبيل"‪.‬‬
‫أما الخطوة الثالثة من منهجه‪ ،‬فتظهر من خلل التعرف على موقفه من آيات‬
‫الحكام‪ ،‬إذ نجده ينقل أقوال أهل العلم في مسائل الحكام‪ ،‬مشفوعة بأدلة‬
‫جح من أقوالهم ما يرى أن الدليل يدعمه‪ ،‬أو أن السياق‬ ‫كل منهم‪ ،‬ثم ُير ّ‬
‫يؤيده؛ وهو في كل ذلك مقتصد غير مسرف‪ ،‬ومعتدل غير مفرط‪.‬‬
‫وعلى الجملة‪ ...‬فإن تفسير ابن كثير من أخير التفاسير بالمأثور وأنفعها‪،‬‬
‫ما وحديًثا‪ ،‬ويكفيك في هذا ما‬ ‫ك بهذا قبول الناس له قدي ً‬ ‫ل‪ ،‬ي ُن ْب ِئ ُ َ‬
‫وأقومها سبي ً‬
‫قاله المام السيوطي ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬في حق هذا التفسير‪ " :‬بأنه لم يؤّلف‬
‫على نمطه مثله "‪.‬‬
‫طبع أكثر من طبعة‪ ،‬وقام على‬ ‫وبعد‪ ...‬يشار أخيًرا إلى أن هذا التفسير قد ُ‬
‫تحقيقه وتخريج أحاديثه عدد من العلماء‪ ،‬المشهود لهم بالخير والصلح‪ ،‬وقد‬
‫قدموا بعملهم هذا خدمة جليلة لهذا التفسير‪ ،‬الذي ل يزال يحظى برضى‬
‫الجميع من الخاصة والعامة‪.‬‬
‫نسأل المولى الكريم رب العرش العظيم‪ ،‬أن ينفعنا بما علمنا‪ ،‬وأن يعلمنا ما‬
‫صا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يلهمنا الصواب‬ ‫ينفعنا‪ ،‬وأن يجعل علمنا وعملنا خال ً‬
‫والسداد في المر كله‪ .‬والحمد لله بداية ونهاية‪ ،‬وسلم على عباده الذين‬
‫اصطفى‪.‬‬
‫‪30/05/2004‬‬
‫‪ http://www.islamweb.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ابن مغيث‬
‫اسمه ونسبه وكنيته‬
‫هو ا لمام العلمة الفقيه المحدث‪ ،‬قاضي القضاة بالندلس بقية العيان‪،‬‬
‫شيخ الندلس‪ ; ،‬يونس بن عبد الله بن محمد بن مغيث بن محمد بن عبد الله‬
‫بن الصفار ‪ ،‬القرطبي ‪ .‬يكنى بأبي الوليد ‪.‬‬
‫ولدته‬
‫ولد المام‪ ،‬أبو الوليد ولد سنة ثمان وثلثين وثلث مائة ‪.‬‬
‫طلبه للعلم وأبرز مشايخه‬
‫عرف بطلب العلم والرحلة في طلبه والعتناء بالسنة إلى جانب الهتمام‬
‫بالفقه فمن شيوخه أبو بكر محمد بن معاوية المرواني المعروف بابن الحمر‬
‫وعنه وعن غيره أخذ سنن النسائي وحدث بها كما تتلمذ على أبي الليثي‬
‫راوية الموطأ ‪ ،‬وإسماعيل بن بدر ‪ ،‬وأحمد بن ثابت التغلبي ‪ ،‬وتميم بن محمد‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القروي ‪ ،‬ومحمد بن إسحاق بن السليم القاضي ‪ ،‬وتفقه بالقاضي أبي بكر بن‬
‫زرب ‪ ،‬وروى أيضا عن خلق منهم ‪ :‬أبو بكر بن القوطية ‪ ،‬ويحيى بن مجاهد ‪،‬‬
‫وأبو جعفر بن عون الله ‪ ،‬وعني بالحديث جدا ‪ ،‬وأجاز له من مصر الحسن بن‬
‫رشيق ‪ ،‬ومن العراق أبو الحسن الدارقطني ‪.‬‬
‫أعماله‬
‫ي خطابة مدينة الزهراء مدة ‪ ،‬ثم ولي القضاء والخطابة بقرطبة مع‬ ‫ول ِ َ‬
‫الوزارة ‪ ،‬ثم عزل ‪ ،‬فلزم بيته ‪ ،‬ثم ولي قضاء الجماعة والخطابة سنة تسع‬
‫عشرة وأربع مائة حتى مات ‪.‬‬
‫علمه وبراعته وصفاته ومنتجاته العلمية‬
‫كان بليغ الموعظة ‪ ،‬وافر العلم ‪ ،‬ذا زهد وقنوع ‪ ،‬وفضل وخشوع ‪ ،‬قد أثر‬
‫ة لخبار الصالحين ‪.‬حفظا‬‫فظ َ ً‬
‫ح َ‬‫البكاء في عينيه ‪ ،‬وعلى وجهه النور ‪ ،‬وكان ُ‬
‫لكتاب الله عالما بالقراءات والحكام‬
‫صنف كتبا نافعة منها ‪ :‬كتاب "محبة الله" وكتاب "المستصرخين بالله" ‪،‬‬
‫وكتاب "المتهجدين" نشره للعلم وأشهر تلميذه‬
‫تصدى للتعليم وتتلمذ على يديه خلق ومنهم أئمة القراءات والحديث وكبار‬
‫الفقهاء وأئمة الجتهاد فقد حدث عنه ‪ :‬مكي بن أبي طالب ‪ ،‬وأبو عبد الله بن‬
‫عابد ‪ ،‬وأبو عمرو الداني ‪ ،‬وأبو عمر بن عبد البر ‪ ،‬وابن حزم ‪ ،‬ومحمد بن‬
‫عتاب ‪ ،‬وأبو الوليد الباجي‪ ،‬وحاتم بن محمد ‪ ،‬وأبو عمر بن الحذاء ‪ ،‬ومحمد‬
‫بن فرج الطلعي ‪ ،‬وخلق كثير ‪.‬‬
‫وفاته‬
‫مات )رحمه الله( في رجب سنة تسع وعشرين وأربع مائة ‪ ،‬وشّيعه خلق ل‬
‫يحصون ‪.‬‬
‫مصادر الترجمة‬
‫• أنوار البروق في أنواع الفروق‬
‫• مواهب الجليل في شرح مختصر خليل‬
‫• البحر المحيط‬
‫• حاشية الدسوقي على الشرح الكبير‬
‫• منح الجليل شرح مختصر خليل‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ابنتي والموضة!!‬
‫ما كبيًرا‪ ،‬ورخص لها من الزينة أكثر‬
‫اهتم السلم بزينة المرأة المسلمة اهتما ً‬
‫مما رخصه للرجل كالحرير والذهب‪ ،‬لن الزينة أمر فطري بالنسبة لها‪ ،‬وتلبية‬
‫لنداء النوثة لديها‪ ،‬ومع اهتمام السلم بالزينة فإنه لم يتركها عبًثا‪ ،‬ولكن وضع‬
‫القيود‪ ،‬والشروط‪ ،‬والقواعد‪ ،‬والضوابط في اللباس والحلي والطيب ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ولكن الذي يؤسف له اليوم أن بعض فتياتنا المسلمات لم يعدن متقيدات‬
‫بتعاليم السلم في موضوع الزينة واللباس‪ ،‬وأصبحت قضية التقليد للكافرات‬
‫قا سارت عليه تحت مسمى 'الموضة' فتعالي معي ابنتي‬ ‫والفاسقات طري ً‬
‫نضع الموضة في الميزان وتحت المجهر‪.‬‬
‫]‪ [1‬عوامل انتشار الموضة‪:‬‬
‫‪1‬ـ وسائل العلم لها دور كبير في انتشار الموضة بين الفتيات وإبراز‬
‫المشاهير فيها على أنهم أهل للقتداء بما في ذلك ملبسهم‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪2‬ـ هناك جزء من المسئولية يقع على التجار وأصحاب المحلت في تسلل‬
‫أزياء الموضة إلى بلد المسلمين‪.‬‬
‫‪3‬ـ الترف والبذخ الذي تعيشه بعض المجتمعات وسذاجة عقول بعض النساء‬
‫اللواتي ل يهمهن إل اسم الماركة‪.‬‬
‫ما في بلورة شخصية الفتاة‬ ‫‪4‬ـ كما تلعب التنشئة الجتماعية دوًرا مه ً‬
‫حا‬
‫واختياراتها واتجاهاتها‪ ،‬فالسرة التي تهمل الفتاة وتترك لها الباب مفتو ً‬
‫على مصراعيه والسرة التي تعتمد الكتب والقهر أسلوًبا في التربية يدفعان‬
‫الفتاة إلى التعويض عبر المؤثرات الخارجية‪ ،‬وتصبح مجرد تابع ومقلد‪،‬‬
‫وتختلط لديها المعايير السلوكية فتؤثر على اتجاهاتها النفسية وبالتالي على‬
‫أفكارها وآرائها‪.‬‬
‫‪5‬ـ إذا تحول الهتمام لدى الفتاة من المهم إلى الثانوي‪ ،‬ومن الجوهري إلى‬
‫الشكلي فإنها تجري وراء الموضة‪.‬‬
‫]‪ [2‬الموضة ‪ ..‬ومرض التقليد للكافرات وحكم الشرع في ذلك‪:‬‬
‫قا سارت عليه بعض الفتيات‬ ‫أصبحت قضية التقليد للكافرات والفاسقات طري ً‬
‫تحت مسمى الموضة‪ ،‬ولقد زحفت هذه الموضة لتمتد على مناحي الحياة‬
‫لتشمل الزياء والحذية وتصفيفات الشعر وماكياج الوجه‪.‬‬
‫ليس هذا فقط بل بدأت الموضة ترتبط بالحمية وتخسيس الجسم بين‬
‫الفتيات لتقليد عارضات الزياء اللتي تظهرن في مجلت الموضة في منتهى‬
‫الرشاقة‪،‬مما يثير في نفسية الفتاة الحساس بالعجز عن التشبه بهن‪.‬‬
‫ـ ومن مواصفات الزي الشرعي الذي يجب أن تتعود عليه الفتاة أل يشبه‬
‫لباس الرجال أو لباس الكافرات‪ ،‬ومن أسوأ الفتن التي تهدد مجتمعات‬
‫المسلمين التشبه بالكفار‪ ,‬حيث إن التشبه الظاهري يتسرب تدريجًيا إلى‬
‫القلب والعياذ بالله ـ فيكون كبيرة‪ ،‬والتشبه بالكافرات يدل على ضعف‬
‫الهوية‪ ،‬وعدم الثقة بالنفس‪ ،‬ورؤية أن ما عند الكفار من الدنيا خير وهو ليس‬
‫كذلك‪.‬‬
‫وقد نهانا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن التشبه فقال‪' :‬من تشبه بقوم‬
‫فهو منهم'‪.‬‬
‫ضا أل يكون لباس شهرة‪ ،‬وثوب الشهرة‬ ‫ـ ومن مواصفات الزي الشرعي أي ً‬
‫هو الثوب الذي يقصد بلبسه الشتهار بين الناس كالثوب النفيس الغالي الذي‬
‫يلبسه صاحبه تفاخًرا بالدنيا وزينتها‪.‬‬
‫يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‪]] :‬من لبس ثوب شهرة في الدنيا‬
‫ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة[[‪] .‬حسنه اللباني في صحيح سنن أبي‬
‫داود‪ ،‬رقم ‪.[3399‬‬
‫ـ وقد سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ عضو هيئة‬
‫كبار العلماء عن المجلت التي تعرض آخر صيحات موضات الزياء فأفتى‬
‫بأنها مجلت تنشر الخلعة والبذاءة والسفور‪ ،‬وهذه المجلت هدامة للخلق‬
‫مفسدة للمة بعيدة عن الحياء والفضيلة‪ ،‬ول يشك عاقل فاحص ماذا يريد‬
‫مروجوها بمجتمع إسلمي محافظ‪.‬‬
‫ـ فل بد أن تعي الفتاة المسلمة خطورة هذا المر‪ ،‬وأن تراعي عند اختيارها‬
‫ملبسها أل تكون غريبة اللوان‪ ،‬غالية الثمان‪ ،‬لفتة للنظار‪ ،‬وكذلك في‬
‫اختيار القصات والتسريحات‪ ,‬فتختار ما يناسب أذواق المسلمين وعاداتهم‪،‬‬
‫لن مخالفة ملبوس الناس يدعو إلى التعجب‪ ،‬فيجعل اللباس لباس شهرة‪.‬‬
‫]‪ [3‬الموضة وتفسير الطب النفسي‪..‬‬
‫ـ يفسر الدكتور على الحرجان اختصاصي الطب النفسي شغف النساء‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالموضة بأنه نابع من حس داخلي بقيم الجمال والشياء الجديدة‪ ،‬لكنه قد‬
‫يتحول إلى خلل عند رغبة بعض النساء في مواكبة الموضة واقتناء كل ما هو‬
‫جديد وعصري دون أن تمتلك السيولة المادية‪ ،‬وهذه تعرف بالشخصية‬
‫'النرجسية' التي تحب أن تكون حديث الخرين‪.‬‬
‫ـ وهناك بعض النساء يشعرن بالنقص ويندفعن وراء الموضة بشكل مرضي‬
‫لتغطية هذا النقص‪ ،‬فيقضين ساعات طويلة في السوق للتبضع والشراء‬
‫وتغطية لبعض الجوانب في شخصيتها‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ـ وتفسر الختصاصية الجتماعية فوزية العقيل التسابق المحموم بين الفتيات‬


‫لمسايرة الموضة بأنهن يجدن في الموضة وما يصاحب عارضات الزياء من‬
‫جا مثالًيا يشبع حاجات لديهن‪،‬‬ ‫حا يسعيه للنتماء إليه‪ ،‬ونموذ ً‬‫وهج الضواء طمو ً‬
‫كما ل نستطيع أن نغفل عامل الغيرة والتنافس بين النساء الذي يدفع المرأة‬
‫إلى تقليد امرأة أخرى تحظى بالعجاب والطراء من الناس‪ ،‬وأحياًنا كثيرة‬
‫تتجاوز التقليد إلى البتكار والبحث عن كل ما هو غريب ولفت للنظر أكثر‪.‬‬
‫]مجلة السرة ـ العدد ‪.[109‬‬
‫]‪ [4‬الموضة ‪ ..‬والهزيمة النفسية‪:‬‬
‫من يتتبع أمر هذه الموضة من مبدئها إلى منتهاها يجدها شًرا في شر‪ ،‬وأن‬
‫الهدف منها هو تحطيم المرأة مادًيا عن طريق استنزاف أموالها‪ ،‬وإضاعة‬
‫وقتها فيما ل يضر ول ينفع‪ ,‬وتحطيمها معنوًيا وذلك لغير القادرات واللتي ل‬
‫يملكن من المال ما يحقق رغباتهن في الجري وراء الموضة فيصبن بالحباط‬
‫والعقد النفسية‪.‬‬
‫عا من العبودية لغير الله ـ تعالى ـ لنها تقود صاحبتها عند‬ ‫فضل ً عن أن فيها نو ً‬
‫السراف فيها إلى عبودية شهواتها‪ ،‬وتقديس جسدها وهذا له أثر مدمر على‬
‫السرة والمجتمع‪.‬‬
‫ـ وهذا التشبه يدفع إلى فتنة الحياة الدنيا ومظاهرها‪ ،‬ويقعد المنافسين وراء‬
‫عادات الجنبي وأزيائه وأخلقه عن كثير من الواجبات الدينية‪ ،‬والمسئوليات‬
‫ضا من العوامل التي تحطم الشخصية وتستأصل فضيلة‬ ‫الجتماعية‪ ،‬وهو أي ً‬
‫الشرف والعفاف لما يؤدي إليه من تفلت للغرائز‪ ،‬وانطلق للشهوات‬
‫والملذات‪.‬‬
‫]‪ [5‬الموضة ‪ ..‬وإفساد المجتمع وعلقة اليهود بذلك‪:‬‬
‫وإن معركة الموضة من أعتى وأشرس المعارك التي تخوضها المجتمعات‪،‬‬
‫لنها معركة تخاض بقفازات حريرية‪ ،‬وبعناوين مخادعة‪ ،‬فكل حركاتنا وسكناتنا‬
‫باتت تخضع لسلطة الموضة ومصممي الزياء الذين يصممون لنا الملبس‪،‬‬
‫ويحددون وزن الجسم‪ ،‬ويقررون لون الشعر وشكل النف‪ ،‬وسماكة الشفاة‪،‬‬
‫وطول الظافر‪.‬‬
‫ـ وها هي دور الزياء تنتشر في كثير من بلدنا وينظر إليها على أنها سمة‬
‫للرقي والتطور‪ ،‬وتتهافت الكثير من النساء على تلك الدور للمتابعة ولقتناء‬
‫ما ل يتناسب مع معتقداتهم ودينهم وهنا يأتي السؤال‪ :‬من الذي يصنع هذه‬
‫الموضة؟‬
‫اليهود وهم الذين يسيطرون على بيوت الزياء التي تصنع الموضة‪،‬‬
‫ضا على منابع العلم العالمي‪ ,‬ومن خلله يمارسون عملية‬ ‫ويسيطرون أي ً‬
‫سا بأنهم ناقصات‪ ،‬متخلفات‪،‬‬ ‫غسيل مخ للنساء‪ ،‬ويصنعون عندهم إحسا ً‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقبيحات إذا لم يسايرن صيحات الموضة‪.‬‬


‫ـ وقد عمل اليهود أيضا على السيطرة على معامل الملبس‪ ،‬والمساحيق‬
‫والعطور وما سواها من مستلزمات الموضة‪ ،‬هم بذلك يتوصلون إلى تحقيق‬
‫الغرضين‪ :‬السيطرة على المال وإفساد الدين والخلق‪.‬‬
‫ـ ومما يؤثر له أن وسائل العلم في أكثر الدول العربية تسير على نهج بيوت‬
‫الزياء العالمية‪ ،‬وتقلدها تقليد العمى‪ ،‬فنجد معظم مجلت المرأة العربية‬
‫تتبارى في تقديم آخر صيحات الموضة‪ ،‬وتقدم عارضات الزياء على أنهن‬
‫النموذج الرقى في الناقة والرشاقة والقدوة المثلى‪.‬‬
‫ـ واتباع خطوات الموضة فيه إفساد للمجتمع وإضاعة للمال والوقت‪.‬‬
‫* أما عن إضاعة المال‪:‬‬
‫ما لمصالحهم‪ ،‬ووضع الضوابط‬ ‫لقد امتن الله على عباده بالمال وجعله قيا ً‬
‫ل ي َد َكَ‬
‫جعَ ْ‬
‫لستعمال هذا المال‪ ،‬وقد وضع القيود في إنفاقه‪ ،‬قال تعالى‪َ} :‬ول ت َ ْ‬
‫سورًا{ ]السراء ‪/‬‬ ‫ح ُ‬ ‫مُلوما ً َ‬
‫م ْ‬ ‫ط فَت َ ْ‬
‫قعُد َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ل ال ْب َ ْ‬‫سط َْها ك ُ ّ‬‫ك َول ت َب ْ ُ‬ ‫ة إ َِلى عُن ُ ِ‬
‫ق َ‬ ‫مغُْلول َ ً‬
‫َ‬
‫‪.[29‬‬
‫وفي اتباع خطوات الموضة وقوع في براثن السراف والخيلء الذي نهى عنه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال‪]] :‬كلوا واشربوا والبسوا‬
‫قا‪ ،‬ك‪ /‬اللباس‪،‬‬ ‫وتصدقوا في غير إسراف ول مخيلة[[‪] .‬أخرجه البخاري ـ معل ً‬
‫ه‪.{...‬‬ ‫ة الل ّ ِ‬‫م ِزين َ َ‬ ‫حّر َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ل َ‬‫ب‪ /‬قول الله تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫وأما عن إضاعة المال‪:‬‬
‫فالمسلمة مطالبة بحفظ وقتها‪ ،‬ويجب أن تحفظ عمرها فيما يعود عليها‬
‫بالنفع في الدين والدنيا‪ ،‬وإضاعة الساعات الطوال أمام المرآة وتسريح‬
‫الشعر‪ ،‬والجري وراء الموضات‪ ،‬والتسكع بين محلت الزياء‪ ،‬كل هذا مضيعة‬
‫للوقت والعمر نهى الشارع عنه لن السلم جعل الزينة وسيلة وليست غاية‪،‬‬
‫وسيلة لتلبية نداء النوثة في المرأة‪ ،‬وللظهور أمام زوجها بالمظهر الذي‬
‫يجلب المحبة ويديم المودة‪.‬‬
‫ـ والجري وراء الموضة يدفع إلى فتنة الحياة الدنيا ومظاهرها ويقعد‬
‫المنافسين وراء عادات الجنبي وأزيائه وأخلقه عن كثير من الواجبات الدينية‬
‫ضا من العوامل التي تحطم الشخصية‬ ‫والمسئوليات الجتماعية‪ ،‬وهي أي ً‬
‫وتستأصل فضيلة الشرف والعفاف‪ ،‬لما يؤدي إليه من تفلت للغرائز وانطلق‬
‫للشهوات والملذات‪.‬‬
‫‪ -6‬الموضة ‪ ...‬والفرق بين الجمال والناقة‪:‬‬
‫الجمال الطبيعي هو البساطة النسانية والفطرة كما خلقها الله تعالى‪,‬‬
‫والجمال ل علقة له بالملبس والماكياج‪ ،‬والجمال المرهف العذب زهيد‬
‫الثمن تملكه كل فتاة دون أن تضيع وقتها في أسواق الملبس‪ ،‬والتصفح في‬
‫مجلت الزياء‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إنه جمال ينبع من الروح الكبيرة المستوعبة‪ ،‬والذهن المرن والقلب النابض‬
‫الرقيق‪ ،‬وهو جمال الخلق الكريم والعذوبة والخشوع لله والنزاهة‪.‬‬
‫ً‬
‫* أما التأنق فهو الجمال المصنوع بالوسائل اللية المصطنعة‪ ،‬فبدل من أن‬
‫تعتمد الفتاة على مرونة ذهنها وسعة ثقافتها‪ ،‬وجمال روحها‪ ،‬تجدها تعتمد‬
‫على كثرة ملبسها والتصنع في شعرها ولبس الملبس القصيرة التي تبرز‬
‫أعضاء الجسم‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ـ وقد تظن المرأة أن تبرجها شيء ظاهري ل يمس عقلها ـ وهي في هذا‬
‫مخطئة ـ فإن لكل عمل يقوم به النسان آثاًرا فكرية وروحية بعيدة المدى‪،‬‬
‫فإذا لم يتحكم العقل في سلوكنا تحكم سلوكنا في عقلنا‪.‬‬
‫ـ فالتأنق يذل المرأة ويقتل كبريائها‪ ،‬ويشعر المرأة بأن الجمال هو الشيء‬
‫الذي ينقصها ل الشيء الذي تملكه‪ ،‬فإذا أرادت أن تكون جميلة وجب عليها‬
‫أن تكافح وتعمل ليل نهار في استكمال ذاتها الناقصة‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وإنما هي ناقصة‬ ‫ـ فمبدأ التأنق يقوم على القرار بأن المرأة ل تملك جما ً‬
‫وعليها أن تصنع الجمال صنًعا‪.‬‬
‫ـ فالتأنق إكمال لنقص بخلف الجمال الذي هو فيض من السحر والعذوبة‬
‫يتدفق ويغمر الحياة كلها‪ .‬فالتأنق نقص والجمال فيض وطبيعة‪.‬‬
‫ـ ومبدأ التأنق يحرم نساء الطبقة الفقيرة أن يكن جميلت‪ ،‬وبذلك يصبح‬
‫الجمال حكًرا تملكه الطبقة المرفهة وحدها‪ ،‬فهو ضرب من الطبقية‬
‫ضا‬
‫الجتماعية‪ ،‬بينما الجمال مشاع يملكه الكل ول يشترى بالمال‪ ،‬والناقة أي ً‬
‫تقضي على الوقت والمال‪.‬‬
‫ـ إن السلم رفع ذوق المجتمع السلمي‪ ،‬وطهر إحساسه بالجمال فلم يعد‬
‫الطابع الحيواني للجمال هو المستحب بل الطابع النساني المهذب‪ ،‬وجمال‬
‫الكشف الجسدي جمال حيواني يهفو إليه النسان بحس الحيوان‪ ،‬أما جمال‬
‫قا‬‫الحشمة فهو الجمال النظيف الذي يرفع الذوق الجمالي ويجعله لئ ً‬
‫بالنسان‪ ،‬ويحيط بالنظافة والطهارة في الحس والخيال‪.‬‬
‫ـ ونلخص من كل ما سبق أن الموضة والناقة المصطنعة هي عدو الجمال‪.‬‬
‫]السرة ـ العدد ‪.[109‬‬
‫]‪ [7‬كيف نواجه طوفان الموضة‪:‬‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫وآت ِك ْ‬‫س ْ‬‫واِري َ‬ ‫‪1‬ـ تذكري أيتها الفتاة أن التقوى خير لباس‪ .‬قال تعالى‪} :‬ي ُ َ‬
‫خي ٌْر{‪] .‬العراف‪.[26 :‬‬ ‫وى ذ َل ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ق َ‬ ‫وَِريشا ً وَل َِبا ُ‬
‫س الت ّ ْ‬
‫قال ابن كثير رحمه الله تعالى‪' :‬ولباس التقوى هو اليمان بالله وخشيته‬
‫والعمل الصالح والسمت الحسن'‪] .‬تفسير ابن كثير ‪ 407 /2‬باختصار[‬
‫‪2‬ـ تزيني التزين المباح كالتحلي بالذهب والملبس الحسنة الجميلة والعناية‬
‫بالشعر وتصفيفه وتزيينه بما ل يشتمل على محظور شرعي‪.‬‬
‫‪3‬ـ اشغلي أوقاتك بما يفيد وخاصة بقراءة الكتب النافعة والستماع‬
‫للتسجيلت والشرطة النافعة‪.‬‬
‫قا لتعدد الملبس والفساتين بتكرار المناسبات وتذكري أنك‬ ‫‪4‬ـ ل داٍع مطل ً‬
‫ستسألين يوم القيامة عن قيمة ذلك الفستان من أين أتيت بها؟ وفيم‬
‫أنفقتها؟‬
‫وتذكري أن هناك من المسلمين والمسلمات من ل يجدون ما يكسون به‬
‫أجسادهم‪ ،‬فتصدقي لعل الله أن يكسوك من حرير الجنة‪ ،‬وتذكري وأنت‬
‫تشاهدين أزياء الموضة أن الناس سيخرجون من الدنيا بزي موحد واحد وهو‬
‫الكفن‪.‬‬
‫‪5‬ـ العلج المبكر لما يسمونه بالعصرية والنطلق والتمرد للفتيات في سن‬
‫المراهقة‪ ،‬وذلك عن طريق الصداقات مع ذات الخلق والدين والمانة‪،‬‬
‫وتعيش الفتاة مع صديقاتها حياة تتسم بالطاعة‪ ،‬وفي الوقت نفسه حياة كلها‬
‫انطلق ومرح مباح‪ ،‬وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال‪:‬‬
‫'المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل'‪.‬‬
‫ن{‪.‬‬ ‫دو ِ‬ ‫ّ‬
‫س إ ِل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن َوال ِن ْ َ‬ ‫ت ال ْ ِ‬
‫ج ّ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬
‫‪6‬ـ أن تعيش الفتاة معنى الية‪} :‬وَ َ‬
‫فالموضوع ليس مشكلة ملبس على الموضة‪ ،‬الموضوع أعمق من هذا‪،‬‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فعلى الم أن تتفهم طبيعة المرحلة التي تمر بها الفتاة‪ ،‬وبأسلوب الم‬
‫الحنون تفهم ابنتها أننا نعيش حياتنا لغرض وهدف وغاية أل وهي خلفة الله‬
‫في الرض‪ ،‬وكل ما يصب في هذا الهدف مما شرعه الله هو طاعة‪ ،‬فالمأكل‬
‫الحلل طاعة‪ ،‬والملبس الجميل المتناسق في ألوانه وشكله طاعة‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ابني عنيد ماذا أفعل ؟‬


‫الدكتور حسان شمسي باشا‬
‫كثيرا ما يشكو الباء والمهات من عناد أبنائهم ويتجلى ظهور العناد واضحا‬
‫في سن الخامسة من عمر الطفل ‪ ،‬أو سن الرابعة عشرة ‪ .‬ففي سن‬
‫الخامسة من عمر الطفل يحس الطفل بوجود الخرين ‪ ،‬ويخشى أن يضيع‬
‫وسطهم ‪ ،‬ولذا فإنه يسعى ليؤكد شخصيته فيظهر العناد ‪.‬‬
‫وفي سن الرابعة عشرة يكون الفتى قد تجاوز عالم الطفولة ‪ ،‬وشرع يدخل‬
‫في عالم الكبار والمراهقين ‪ ،‬وفي كلتا الحالتين ل خشية من ظهور العناد ‪،‬‬
‫مع العلم أنه عناد مؤقت ‪ ،‬وإذا واجهناه مواجهة ناجحة بترفق ‪ ،‬ولم نحاول‬
‫المواجهة بعنف ‪ ،‬فإنه سوف يتلشى ويذوب من نفسه ‪.‬‬
‫وقد يظهر العناد بتأثير مرور الطفل بإشكالت تتعلق بدراسته أو موقف‬
‫زملئه ‪ ،‬أو بتأثره من فشل ألم به ‪ ،‬أو ظهور من يسعى ليتطاول عليه ‪ .‬وقد‬
‫نكون نحن السبب في ظهور العناد ‪ ،‬فنطلب من أولدنا طلبات متعجلة دون‬
‫إيضاح ‪ ،‬أو طلبات متعددة في آن واحد ‪ ،‬أو نطلب طلبات غامضة مبهمة أو‬
‫غير ضرورية ‪ ،‬ول نسمح لهم أن يشرحوا مبرراتهم ‪.‬‬
‫‪ -‬حذار حذار من أن يتحول العناد إلى تمرد ‪.‬‬
‫‪ -‬حذار من تعدد الطلبات في وقت واحد ‪.‬‬
‫‪ -‬حاول أن تكتشف أسباب التمرد ) من رفاق السوء ‪ ،‬أو وعكة صحية ‪ ،‬أو‬
‫فشل معنوي عند الطفل وغيرها ( ‪.‬‬
‫‪ -‬ل تلجأ إلى التدليل المفسد أو الرشوة ‪.‬‬
‫‪ -‬ل ترضخ لمطالب الطفل المتمرد وتستسلم له ‪.‬‬
‫لماذا يعصي الطفال أوامر والديهم أحيانا ؟‬
‫‪ -‬إن كثيرا من أوامر الباء ونواهيهم ل تتفق مع ميول ورغبات الطفل ‪ ،‬كعدم‬
‫اللعب والقفز ‪ ،‬والسباحة وغيرها ‪.‬‬
‫‪ -‬وقد يرفض الطفل أوامر أبويه دلل وعنادا ‪ ،‬وذلك بسبب الدلل المفرط‬
‫الذي أعطي لذلك الطفل ‪.‬‬
‫‪ -‬وكثيرا ما تكون أوامر البوين مبهمة ‪ ،‬كقولنا له ‪ " :‬ل توسخ ثيابك " ‪ ،‬و"‬
‫أطع أبويك " ‪ ،‬والولى أن نقول له ‪ " :‬ضع الوعاء على الطاولة ‪ ،‬واشتغل به‬
‫بعيدا عن ثيابك " مثل ‪.‬‬
‫ل طاعة عمياء ‪:‬‬
‫إذا أردت من ابنك الجتهاد فكرر على سمعه ‪ " :‬من جد وجد ‪ ،‬ومن زرع‬
‫حصد " هيا يا بني لنجد ونجتهد ‪.‬‬
‫إن إجبار الطفل على الطاعة العمياء بصورة دائمة يخمد نفسه ويقتل‬
‫شخصيته ‪ ،‬ويعوده على عدم الثقة بالنفس ‪.‬‬
‫فإذا كنت ترغب في غرس عادة الطاعة في نفوس أبنائك فحاول أن تروض‬
‫نفسك على المور التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬ل تعط أوامر كثيرة دفعة واحدة ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -‬ل تلجأ إلى أسلوب الصرامة والقسوة والتهديد ‪.‬‬


‫‪ -‬ل تسمح مرة بما تنهى عنه مرة أخرى‬
‫‪ -‬ل تبالغ في تعجيل طفلك في عمل شيء ‪ ،‬وتجنب قول ‪ " :‬أسرع ‪. " ..‬‬
‫‪ -‬تذكر أن الطلب بلطف أعظم تأثيرا من التأنيب والتوبيخ ‪.‬‬
‫للمزيد من التفاصيل راجع كتابنا ‪ " :‬كيف تربي أبناءك في هذا الزمان ؟ "‬
‫وهو من منشورات دار البشير بجدة‬
‫هاتف وفاكس ‪6608904 :‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫اتباع الشهوات‪ ..‬والفرقة بين المسلمين ‪29/11/1425‬‬


‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن واله‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دي الّنا ِ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬
‫ما ك َ‬ ‫حرِ ب ِ َ‬‫ساد ُ ِفي الب َّر َوالب َ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫يقول الله _عز وجل_‪" :‬ظهََر ال َ‬
‫ن"‬ ‫جُعو َ‬ ‫م ي َْر ِ‬ ‫مُلوا ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ذي عَ ِ‬ ‫ض ال ّ ِ‬‫قُهم ب َعْ َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ِي ُ ِ‬
‫وإن من أعظم الفساد فساد ذات البين الناجم عن اتباع الشهوات‬
‫أوالشبهات‪.‬‬
‫إن الهواء والشهوات تدفع إلى ظلم الغير في سبيل تحصيل الشهوة فيقع‬
‫الخلف وينشأ الفتراق "فما يتنازع الناس إل حين تتعدد جهات القيادة‬
‫والتوجيه‪ ،‬وإل حين يكون الهوى المطاع هو الذي يوجه الراء والفكار‪ ،‬فإذا‬
‫استسلم الناس لله ورسوله انتفى السبب الول الرئيس للنزاع بينهم ‪ -‬مهما‬
‫اختلفت وجهات النظر في المسألة المعروضة ‪ -‬فليس الذي يثير النزاع هو‬
‫اختلف وجهات النظر‪ ،‬إنما هو الهوى الذي يجعل كل صاحب وجهة يصر عليها‬
‫مهما تبين له وجه الحق فيها! وإنما هو وضع "الذات"في كفة‪ ،‬والحق في كفة‬
‫وترجيح الذات على الحق ابتداء!‪ ..‬ومن ثم جاء هذا التعليم بطاعة الله‬
‫ورسوله عند المعركة‪ ..‬إنه من عمليات "الضبط"التي ل بد منها في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ه ك َِثيًرا لعَلك ْ‬
‫ُ‬ ‫ة َفاث ْب ُُتوا ْ َواذ ْك ُُروا ْ الل ّ َ‬ ‫م فِئ َ ً‬ ‫قيت ُ ْ‬‫مُنوا ْ إ َِذا ل َ ِ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫المعركة‪َ" "..‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫صب ُِروا ْ‬ ‫َ‬
‫م َوا ْ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ب ِري ُ‬ ‫شُلوا ْ وَت َذ ْهَ َ‬ ‫ف َ‬ ‫عوا ْ فَت َ ْ‬ ‫ه وَل َ ت ََناَز ُ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬ ‫ن * وَأ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫فل َ ُ‬‫تُ ْ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫ري َ‬‫صاب ِ ِ‬‫معَ ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫إِ ّ‬
‫وأما الشبهات والتأولت الفاسدة‪ ،‬فتبعد الناس عن الحق إلى أقوال وآراء‬
‫متباينة‪ ،‬ومن أظهر ذلك الفتراق الذي وقع في المة بانحراف ثنتين وسبعين‬
‫فرقة عن الجادة‪.‬‬
‫كما أن اتباع الشهوات والشبهات سبب لعدد من الفات الكفيلة بتمزيق‬
‫الصف وتفريق المة‪ ،‬ولعل من أهما ما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬البغي‬ ‫أو ً‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية‪ ،‬وهو صاحب تجربة واسعة مع المخالفين‪ ،‬قال‬
‫_رحمه الله_ )الفتاوى ‪":(483-14/482‬وأنت إذا تأملت ما يقع من الختلف‬
‫بين هذه المة علمائها وعبادها وأمرائها ورؤسائها وجدت أكثره من هذا‬
‫الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل كما بغت الجهمية على المستنة‬
‫في محنة الصفات و القرآن محنة أحمد و غيره‪ ،‬وكما بغت الرافضة على‬
‫المستنة مرات متعددة‪ ،‬وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته‪ ،‬وكما قد‬
‫تبغي المشبهة على المنزهة‪ ،‬وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم‪،‬‬
‫وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به وهو السراف المذكور‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في قولهم‪" :‬ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا"‪.‬‬


‫ثانيًا‪ :‬الغرور بالنفس‬
‫فالغرور بالنفس يولد العجاب بالرأي‪ ،‬والكبر على الخلق‪ ،‬فيصر النسان‬
‫على رأيه‪ ،‬ولو كان خطأ‪ ،‬ويستخف بأقوال الخرين‪ ،‬ولو كانت صوابًا‪،‬‬
‫فالصواب ما قاله‪ ،‬والخطأ ما قاله غيره‪ ،‬ولو ارعوى قليل ً واتهم نفسه‪ ،‬وعلم‬
‫أنها أمارة بالسوء‪ ،‬لدفع كثيرا ً من الخلف والشقاق‪ ،‬ولكان له أسوة بنبينا ‪-‬‬
‫ن الل ّهِ ل ِن ْ َ‬
‫ت‬ ‫م َ‬‫مةٍ ِ‬
‫ح َ‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الذي قال الله ‪ -‬تعالى ‪ -‬له‪" :‬فَب ِ َ‬
‫ما َر ْ‬
‫ك" )آل عمران‪ :‬من الية‬ ‫حوْل ِ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ضوا ِ‬ ‫ب َلن ْ َ‬
‫ف ّ‬ ‫قل ْ ِ‬
‫ظ ال ْ َ‬
‫ت فَظ ّا ً غَِلي َ‬‫م وَل َوْ ك ُن ْ َ‬
‫ل َهُ ْ‬
‫‪ ،(159‬وإذا كانت صفة التواضع ولين الجانب من أوائل صفات المؤمنين‪،‬‬
‫فإنها في حق من انتصب للعلم والدعوة والفتوى والتعليم أوجب وأكثر‬
‫ضرورة وإلحاحًا‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬سوء الظن بالخرين‬
‫فهو ينظر لجميع الناس بالمنظار السود‪ ،‬فأفهامهم سقيمة‪ ،‬ومقاصدهم‬
‫سيئة‪ ،‬وأعمالهم خاطئة‪ ،‬ومواقفهم مريبة‪ ،‬كلما سمع من إنسان خيرا ً كذبه‪،‬‬
‫أو أّوله‪ ،‬وكلما ُذكر أحد بفضل طعنه وجرحه‪ ،‬اشتغل بالحكم على النيات‬
‫والمقاصد‪ ،‬فضل ً عن العمال والظواهر‪ ،‬والمصادرة للخر قبل معرفة رأيه‪،‬‬
‫أو سماع حجته‪ .‬ثم هو ل يتوقف عند هذا الحد‪ ،‬بل لسانه طليق في أعراض‬
‫إخوانه‪ ،‬بسبهم‪ ،‬واتهامهم‪ ،‬وتجريحهم‪ ،‬وتتبع عثراتهم‪ ،‬فإن تورع عن الكلم‬
‫في أعراض غيره من الفضلء‪ ،‬سلك طريق الجرح بالشارة‪ ،‬أو الحركة‪ ،‬بما‬
‫يكون أخبث وأكثر إقذاعًا‪ ،‬مثل‪ :‬تحريك الرأس‪ ،‬وتعويج الفم‪ ،‬وصرفه‪،‬‬
‫والتفاته‪ ،‬وتحميض الوجه‪ ،‬وتجعيد الجبين‪ ،‬وتكليح الوجه‪ ،‬والتغير‪ ،‬والتضجر‪.‬‬
‫"وأنت ترى هؤلء الجراح القصاب‪ ،‬كلما مر على مل من الدعاة اختار منهم‬
‫)ذبيحًا( فرماه بقذيفة من هذه اللقاب المرة‪ ،‬تمرق من فمه مروق السهم‬
‫من الرمية‪ ،‬ثم يرميه في الطريق‪ ،‬ويقول‪ :‬أميطوا الذى عن الطريق فإنه‬
‫من شعب اليمان!"‬
‫رابعًا‪ :‬حب الظهور بالجدل والمماراة‬
‫ويكون دافع ذلك في الغالب هوى مطاعًا‪ ،‬وقد يكون قلة الفقه أوالفراغ‬
‫وترك الشتغال بما ينفع‪.‬‬
‫وقد روى المام أحمد وغيره عن أبي أمامة قال‪ :‬قال رسول الله _صلى الله‬
‫عليه وسلم_‪" :‬ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إل أوتوا الجدل‪ ،‬ثم قرأ‪" :‬ما‬
‫ضربوه لك إل جدل ً بل هم قوم خصمون"‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫قال المام أبو يوسف صاحب المام أبي حنيفة _رحمهما الله_‪" :‬الخصومة‬
‫في الدين بدعة‪ ،‬وما ينقض أهل الهواء بعضهم على بعض بدعة محدثة‪ .‬لو‬
‫كانت فضل ً لسبق إليها أصحاب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأتباعهم‪،‬‬
‫فهم كانوا عليها أقوى ولها أبصر‪ ،‬وقال الله _تعالى_‪" :‬فإن حاجوك فقل‬
‫أسلمت وجهي لله ومن اتبعن" ]آل عمران‪ ،[20:‬ولم يأمره بالجدل‪ ،‬ولو شاء‬
‫لنزل حججًا‪ ،‬وقال له‪ :‬قل كذا وكذا"‪.‬‬
‫وقال ابن قتيبة _رحمه الله_ يصف الحال في أيام السلف _عليه الرحمة‬
‫والرضوان_‪" :‬كان المتناظرون في الفقه يتناظرون في الجليل من الواقع‬
‫والمستعمل من الواضح وفيما ينوب الناس فينفع الله به القائل والسامع‪،‬‬
‫فقد صار أكثر التناظر فيما دق وخفي‪ ،‬وفيما ل يقع وفيما قد انقرض‪ ..‬وصار‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الغرض فيه إخراج لطيفة‪ ،‬وغوصا ً على غريبة‪ ،‬وردا ً على متقدم‪...‬‬
‫وكان المتناظرون فيما مضى يتناظرون في معادلة الصبر بالشكر وفي‬
‫تفضيل أحدهما على الخر‪ ،‬وفي الوساوس والخطرات ومجاهدة النفس‬
‫وقمع الهوى‪ ،‬فقد صار المتناظرون يتناظرون في الستطاعة والتولد‬
‫والطفرة والجزء والعرض والجوهر‪ ،‬فهم دائبون يخبطون في العشوات‪ ،‬قد‬
‫تشعبت بهم الطرق‪ ،‬قادهم الهوى بزمام الردى‪."..‬‬
‫فلما وقع الناس في الجدل تفرقت بهم الهواء‪ ،‬قال عمرو بن قيس‪ ":‬قلت‬
‫للحكم بن عتبة‪ :‬ما اضطر الناس إلى الهواء؟ قال‪ :‬الخصومات"‪.‬‬
‫وقد روي عن أبي قلبة –وكان قد أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله‬
‫_صلى الله عليه وسلم_‪ :‬ل تجالسوا أصحاب الخصومات فإني ل آمن أن‬
‫يغمسوكم في ضللتهم‪ ،‬أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون‪.‬‬
‫ً‬
‫قال معن بن عيسى‪" :‬انصرف مالك بن أنس _رضي الله عنه_ يوما من‬
‫المسجد وهو متكئ على يدي‪ ،‬فلحقه رجل يقال له أبوالحورية‪ ،‬كان يتهم‬
‫بالرجاء‪ ،‬فقال‪ :‬ياعبدالله! اسمع مني شيئا ً أكلمك به‪ ،‬وأحاجك وأخبرك‬
‫برأيي‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن غلبتني؟‬
‫قال‪ :‬إن غلبتك اتبعني‪.‬‬
‫قال‪ :‬فإن جاء رجل آخر فكلمنا فغلبنا؟‬
‫قال‪ :‬نتبعه!‬
‫فقال مالك _رحمه الله_‪ :‬يا عبدالله بعث الله _عز وجل_ محمدا ً _صلى الله‬
‫عليه وسلم_ بدين واحد وأراك تنتقل من دين إلى دين"‪.‬‬
‫وقال عمر بن عبدالعزيز‪" :‬من جعل دينه غرضا ً للخصومات أكثر التنقل"‪.‬‬
‫وجاء رجل إلى الحسن فقال‪" :‬يا أبا سعيد تعال حتى أخاصمك في الدين‪،‬‬
‫فقال الحسن‪ :‬أما أنا فقد أبصرت ديني‪ ،‬فإن كنت أضللت دينك فالتمسه"!‬
‫وإذا كان الجدل والمراء والخصومة في الدين مذمومة على كل حال فإنها‬
‫تتأكد في حق المقلدة والجهال‪.‬‬
‫ويتأكد ترك المراء والجدل في كل مال طائل من ورائه كملح العلوم والنوادر‪،‬‬
‫وما ل يثمر عمل ً غير السفسطة والتلسن‪.‬‬
‫أسأل الله أن يجنبنا وإياكم فتن الشهوات والشبهات‪ ،‬وأن يردنا إليه ردا ً‬
‫ل‪ ،‬وأن يؤلف بين قلوبنا‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه‪ ،‬وصلى الله وسلم‬ ‫جمي ً‬
‫على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫اتباع الهوى‬
‫يتناول الدرس تعريف اتباع الهوى وحقيقته في ميزان الشرع‪ ،‬والسباب التي‬
‫تدعو إلى ذلك‪ ،‬وما هي مظاهر اتباع الهوى وآثاره على الشخص نفسه ثم‬
‫أثره على العمل السلمي‪ ،‬وكيفية التغلب على الهوى ‪.‬‬
‫اتباع الهوى هو اتباع شهوة النفس دون حكم الشرع ‪ .‬وقد ورد ذم هذا الهوى‬
‫في نصوص منها ‪:‬‬
‫فسك ُم أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫داَء ل ِلهِ وَلوْ عَلى أن ْ ُ ِ ْ َ ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ط ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ِبال ِ‬ ‫مي َ‬
‫وا ِ‬ ‫ُ‬
‫مُنوا كوُنوا قَ ّ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ـ[ َياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ال ْوال ِدين واْل َقْربين إن يك ُن غَن ِيا أ َو فَقيرا َفالل ّ َ‬
‫ن‬‫وى أ ْ‬ ‫ما فََل ت َت ّب ُِعوا ال ْهَ َ‬
‫ه أوَْلى ب ِهِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ ْ ِ ً‬ ‫َ ِ َ ِ ْ َ ْ‬ ‫َ َْ ِ َ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫خِبيًرا]‪ ][135‬سورة‬ ‫ن َ‬ ‫ملو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬
‫ن بِ َ‬ ‫َ‬
‫ه كا َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫َ‬
‫ضوا فإ ِ ّ‬‫ووا أوْ ت ُعْرِ ُ‬ ‫ت َعْدُِلوا وَإ ِ ْ‬
‫ن ت َل ُ‬
‫النساء ‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حقّ وََل ت َت ّب ِِع‬ ‫س ِبال ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫جعَل َْنا َ‬


‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ض َفا ْ‬ ‫ة ِفي الْر ِ‬ ‫ف ً‬ ‫خِلي َ‬ ‫ك َ‬ ‫ـ [ َياَداوُد ُ إ ِّنا َ‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ لهُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫ضلو َ‬ ‫ّ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ إ ِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ضل ّ َ‬ ‫وى فَي ُ ِ‬ ‫ال ْهَ َ‬
‫ب ]‪ ][26‬سورة ص ‪.‬‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫سوا ي َوْ َ‬ ‫ما ن َ ُ‬ ‫ديد ٌ ب ِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ي‬‫ة هِ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫وى]‪[40‬فَإ ِ ّ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬ ‫س عَ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م َرب ّهِ وَن ََهى الن ّ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ف َ‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ـ[ وَأ ّ‬
‫مأ َْوى]‪ ] [41‬سورة النازعات ‪.‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ن َدا َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل ‪ ] :‬ال ْك َي ّ ُ‬ ‫م َقا َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫س عَ ْ‬ ‫ن أوْ ٍ‬ ‫دادِ ب ْ ِ‬ ‫ش ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ـ عَ ْ‬
‫ّ‬
‫مّنى عَلى اللهِ [‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬
‫ها وَت َ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أت ْب َعَ ن َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جُز َ‬ ‫ت َوالَعا ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ما ب َعْد َ ال َ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫ه وَعَ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد ‪.‬‬
‫أسباب إتباع الهوى‬
‫‪-1‬عدم التعويد على ضبط الهوى منذ الصغر ‪.‬‬
‫‪-2‬مجالسة أهل الهواء ومصاحبتهم ‪ ،‬فعن أبي قلبة رضي الله عنه قال ‪ ] :‬ل‬
‫تجالسوا أهل الهواء ‪ ،‬ول تجادلوهم ‪ ،‬فإني ل آمن أن يغمسوكم في صلتكم‬
‫أو يلبسوا عليكم ماكنتم تعرفون[ أخرجه الدارمي ‪ ،‬وعن الحسن وابن سيرين‬
‫أنهما قال ‪ ] :‬ل تجالسوا أهل الهواء ‪ ،‬ول تجادلوهم ‪ ،‬ول تسمعوا منهم‬
‫أخرجه الدارمي ‪.‬‬
‫ما قد َُروا‬ ‫َ‬ ‫‪-3‬ضعف المعرفة الحقة بالله والدار الخرة ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ [ :‬وَ َ‬
‫يٍء ‪ ][91]...‬سورة‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫شرٍ ِ‬ ‫ه عََلى ب َ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ إ ِذ ْ َقاُلوا َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫النعام ‪.‬‬
‫‪-4‬تقصير الخرين في القيام بواجبهم نحو صاحب الهوى ‪ ،‬قال تعالى ‪[ :‬‬
‫َ‬ ‫ُأول َئ ِ َ‬
‫م ِفي‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫م وَقُ ْ‬ ‫عظ ْهُ ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ض عَن ْهُ ْ‬ ‫م فَأعْرِ ْ‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن ي َعْل َ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫م‬‫من ْك ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م قَوًْل ب َِليًغا]‪ْ ][63‬سورة النساء ‪ ،‬ويقول سبحانه أيضا ً ‪ [ :‬وَل ْت َك ُ ْ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫م‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫من ْك َرِ وَُأول َئ ِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫أ ّ‬
‫ُ‬
‫ه عَن َْها قالت ‪:‬‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن]‪ ][104‬سورة آل عمران ‪ ،‬وعَ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫صّلى‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ل ظ َهْرٍ فَ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ب فَ ْ‬ ‫عن ْد َ َزي ْن َ َ‬ ‫ي وَ ِ‬ ‫حي َ ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫ة ب ِن ْ ِ‬ ‫في ّ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ل ب َِعيٌر ل ِ َ‬ ‫اعْت َ ّ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫طي ت ِلك الي َُهودِي ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ت ‪ :‬أَنا أعْ ِ‬ ‫قال ْ‬ ‫طيَها ب َِعيًرا [ ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ب ‪ ] :‬أع ْ ِ‬ ‫م ل َِزي ْن َ َ‬ ‫سل َ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ض‬
‫م وَب َعْ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫م َ‬ ‫جةِ َوال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ها َذا ال ْ ِ‬ ‫جَر َ‬ ‫م ‪ ،‬فَهَ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫ض َ‬ ‫فَغَ ِ‬
‫ر‪ .‬أخرجه أبو داود وأحمد ‪.‬‬ ‫ف ٍ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫ن لَ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬ ‫‪-5‬حب الدنيا والركون إليها مع نسيان الخرة ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ [ :‬إ ِ ّ‬
‫قاَءنا ورضوا بال ْحياة الدنيا واط ْ َ‬
‫ن َءاَيات َِنا‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مأّنوا ب َِها َوال ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن لِ َ َ َ َ ُ ْ ِ َ َ ِ ّ ْ َ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫ن]‪ ][8‬سورة يونس ‪.‬‬ ‫بو‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫نوا‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫وا‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ئ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫ُ‬ ‫[‬ ‫‪7‬‬ ‫ن]‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُ َ ِ ُ َ‬ ‫َ َ ُ ُ ّ ُ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫غافِ‬
‫‪-6‬الجهل بالعواقب المترتبة على اتباع الهوى ‪.‬‬
‫آثار اتباع الهوى‬
‫أول ً ‪ :‬آثار اتباع الهوى على العاملين‬
‫‪-1‬نقصان بل تلشي الطاعة من النفس ‪.‬‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ت َر ُ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ة قال ‪َ :‬‬ ‫ف ُ‬ ‫حذ َي ْ َ‬ ‫‪-2‬مرض القلب ثم قسوته وموته ‪ ،‬فعن ُ‬
‫عوًدا‬ ‫عوًدا ُ‬ ‫صيرِ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ب كال َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قلو ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن عَلى ال ُ‬ ‫َ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ض ال ْ ِ‬ ‫قول‪ ] :‬ت ُعَْر ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫ضاُء‬ ‫ت ِفيهِ ن ُك ْت َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ة سوداُء وأ َي قَل ْب أ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫فَأ َي قَل ْب أ ُ‬
‫ة ب َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ها‬‫َ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ٍ‬ ‫َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫في‬
‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ها‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫لى قَل ْبين عََلى أ َ‬
‫ت‬ ‫م ْ‬ ‫ما َدا َ‬ ‫ة َ‬ ‫ضّره ُ فِت ْن َ ٌ‬ ‫فا فََل ت َ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ث‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ض‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫صي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫تى‬ ‫ح ّ‬ ‫َ‬
‫معُْروًفا وَلَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف َ‬ ‫خًيا ل ي َعْرِ ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫م َ‬ ‫مْرَباّدا كالكوزِ ُ‬ ‫سوَد ُ ُ‬ ‫خُر أ ْ‬ ‫ض َوال َ‬ ‫ت َوالْر ُ‬ ‫ماَوا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫واهُ [ أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شرِ َ‬ ‫من ْكًرا إ ِل َ‬ ‫ي ُن ْك ُِر ُ‬
‫ماجة وأحمد ‪.‬‬
‫‪-3‬الستهانة بالذنوب والثام ‪ ،‬فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال ‪:‬‬
‫َ‬
‫ه ِفي‬ ‫ه ك َأن ّ ُ‬ ‫ن ي ََرى ذ ُُنوب َ ُ‬ ‫م َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ] :‬إ ِ ّ‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫َ‬ ‫خا ُ َ‬ ‫َ‬
‫ب وَقَعَ عََلى أن ْ ِ‬
‫فهِ‬ ‫ه ك َذ َُبا ٍ‬
‫جَر ي ََرى ذ ُُنوب َ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫فا ِ‬ ‫قعَ عَل َي ْهِ ‪ ،‬وَإ ِ ّ‬
‫ن يَ َ‬
‫فأ ْ‬ ‫ل يَ َ‬‫جب َ ٍ‬
‫ل َ‬ ‫ص ِ‬ ‫أ ْ‬
‫طاَر أخرجه البخاري ومسلم والترمذي ‪.‬‬ ‫ذا فَ َ‬
‫ل ب ِهِ هَك َ َ‬‫َقا َ‬

‫)‪(1 /‬‬
‫ك َفاعْل َم أ َنما يتبعون أ َهْواَءهُم وم َ‬ ‫جيُبوا ل َ َ‬
‫ع‬
‫ن ات ّب َ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫ْ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ّ َ َُِّ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫‪ [ -4‬فَإ ِ ْ‬
‫ن]‪ ][50‬سورة‬ ‫مي َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫دي ال ْ َ‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫دى ِ‬ ‫واه ُ ب ِغَي ْرِ هُ ً‬ ‫هَ َ‬
‫القصص ‪.‬‬
‫‪ -5‬البتداع في دين الله ‪ ،‬فعن حماد بن سلمة قال ‪ ] :‬حدثني شيخ لهم تاب‬
‫– يعني الرافضة – قال ‪ :‬كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئا جعلناه حديثا ‪ ،‬وعن‬
‫جابر بن عبدالله قال ‪ :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا خطب ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫موِر‬ ‫شّر اْل ُ‬ ‫مد ٍ و َ َ‬ ‫ح ّ‬‫م َ‬
‫ي هَد ْيُ ُ‬ ‫خي ُْر ال ْهَد ْ ِ‬ ‫ب الل ّهِ وَ َ‬ ‫مورِ ك َِتا ُ‬ ‫خي َْر اْل ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ب َعْد ُ فَإ ِ ّ‬ ‫]أ ّ‬
‫ة أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة‬ ‫ضَلل َ ٌ‬ ‫ل ب ِد ْعَةٍ َ‬ ‫حد ََثات َُها وَك ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫وأحمد‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫‪ -6‬التخبط وعدم الهداية إلى الطريق المستقيم ‪ :‬قال تعالى ‪ [ :‬أفََرأي ْ َ‬
‫ل عََلى‬ ‫َ‬
‫جعَ َ‬ ‫معِهِ وَقَل ْب ِهِ وَ َ‬ ‫س ْ‬‫م عََلى َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫عل ْم ٍ وَ َ‬ ‫ه عََلى ِ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ضل ّ ُ‬‫واه ُ وَأ َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬ ‫ات ّ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن]‪ ][23‬سورة الجاثية ‪.‬‬ ‫ن ب َعْد ِ اللهِ أفل ت َذ َكُرو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ديهِ ِ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاوَة ً ف َ‬ ‫صرِهِ ِغ َ‬ ‫بَ َ‬
‫ن‬
‫ضلو َ‬‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن كِثيًرا لي ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ -7‬إضلل الخرين وإبعادهم عن الطريق ‪ :‬قال تعالى ‪... [ :‬وَإ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪ ] ]119‬سورة النعام ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫دي‬
‫معْت َ ِ‬ ‫م ِبال ْ ُ‬ ‫ك هُوَ أعْل َ ُ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِ ّ‬ ‫م ب ِغَي ْرِ ِ‬ ‫وائ ِهِ ْ‬‫َ‬ ‫ب ِأهْ‬
‫ن ط ََغى]‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫‪ -8‬الصيرورة إلى الجحيم وبئس المصير ‪ :‬قال تعالى ‪ [ :‬فَأ ّ‬
‫مأ َْوى]‪ ][39‬سورة النازعات ‪.‬‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫م هِ َ‬ ‫حي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا]‪[38‬فَإ ِ ّ‬ ‫‪[37‬وََءاث ََر ال ْ َ‬
‫ثانيا ً ‪ :‬آثار اتباع الهوى على العمل السلمي‬
‫‪ -1‬ضعف بل تلشي كسب النصار ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفريق أو تمزيق وحدة الصف ‪.‬‬
‫‪ -3‬الحرمان من العون و التأييد اللهي ‪.‬‬
‫علج إتباع الهوى‬
‫‪-1‬التذكير بعواقب اتباع الهوى ‪.‬‬
‫‪-2‬النقطاع عن مجالسة ومصاحبة أهل الهواء ‪ ،‬واصطحاب أهل الصلح ‪.‬‬
‫‪-3‬التعريف بالله حق المعرفة ‪.‬‬
‫‪-4‬الوقوف على سير أصحاب الهواء وعاقبتهم ‪.‬‬
‫‪-5‬حياطة الخرين ورعايتهم لصاحب الهوى سواء بالكلم أو الفعل أو العتاب‬
‫أو التوبيخ أو الهجر أو القطيعة ‪.‬‬
‫رفوا بمجاهدة نفوسهم وأهوائهم ‪.‬‬ ‫سَير من عُ ِ‬ ‫‪-6‬الوقوف على ِ‬
‫‪-7‬التحذير من الركون إلى الدنيا والطمئنان بها مع الربط الشديد بالخرة ‪.‬‬
‫عَباِدي ك ُل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫‪-8‬الستعانة الكاملة بالله تعالى ‪ ،‬ففي الحديث القدسي ‪َ] :‬يا ِ‬
‫َ‬
‫م [ أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة‬ ‫دوِني أهْدِك ُ ْ‬ ‫ست َهْ ُ‬ ‫ه َفا ْ‬ ‫ن هَد َي ْت ُ ُ‬ ‫م ْ‬‫ل إ ِّل َ‬ ‫ضا ّ‬ ‫َ‬
‫من حديث أبي ذر‪.‬‬
‫‪-9‬مجاهدة النفس ‪.‬‬
‫ن‬‫م ِ‬ ‫‪-10‬التذكير بأن السعادة والراحة والطمأنينة في إتباع المشروع [ ‪ ...‬فَ َ‬
‫ف‬
‫خو ْ ٌ‬ ‫دايَ فََل َ‬ ‫ن ت َب ِعَ هُ َ‬ ‫م ْ‬ ‫قى]‪ ][123‬سورة طه ‪ [ .‬فَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ل وََل ي َ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫دايَ فََل ي َ ِ‬ ‫ات ّب َعَ هُ َ‬
‫ن ]‪ ][38‬سورة البقرة ‪.‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫َ‬
‫م وَل هُ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫للدكتور ‪ /‬السيد محمد نوح‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اتباع الهوى‬
‫يتناول الدرس تعريف اتباع الهوى وحقيقته في ميزان الشرع‪ ،‬والسباب التي‬
‫تدعو إلى ذلك‪ ،‬وما هي مظاهر اتباع الهوى وآثاره على الشخص نفسه ثم‬
‫أثره على العمل السلمي‪ ،‬وكيفية التغلب على الهوى ‪.‬‬
‫مفهوم اتباع الهوى ‪:‬‬
‫لغة ‪ :‬هو السير وراء ما تهوى النفس‪ ،‬وما تشتهي‪ ،‬بل ما تحب وتعشق ‪.‬‬
‫اصطلحا ‪ :‬المراد باتباع الهوى في الصطلح الشرعي والدعوي‪ :‬هو السير‬
‫وراء ما تهوى النفس وتشتهي‪ ،‬أو النزول على حكم العاطفة من غير تحكيم‬
‫العقل‪ ،‬أو رجوع إلى شرع‪ ،‬أو تقدير لعاقبة‪.‬‬
‫حقيقة اتباع الهوى في ميزان السلم‪:‬‬
‫اتباع الهوى المذموم في نظر السلم‪ -‬وهو المذكور في المعنى الصطلحي‪-‬‬
‫هو الذي عناه‪:‬‬
‫ن ت َعْدُِلوا ]‪] }[135‬سورة النساء[ وقوله‪ {:‬وَلَ‬ ‫قول الله‪ {:‬فََل تتبعوا ال ْهوى أ َ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َِّ ُ‬
‫ق‬
‫ما ي َن ْط ِ ُ‬ ‫ل اللهِ ]‪“ }[26‬سورة ص” وقوله‪ {:‬وَ َ‬ ‫ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ضل ّ َ‬ ‫وى فَي ُ ِ‬ ‫ت َت ّب ِِع ال ْهَ َ‬
‫َ‬
‫ف‬ ‫خا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫حى]‪] }[4‬سورة النجم[ { وَأ ّ‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ن هُوَ إ ِّل وَ ْ‬ ‫وى]‪[3‬إ ِ ْ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬ ‫عَ ِ‬
‫مأَوى]‪] }[41‬سورة‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي ال َ‬ ‫ة هِ َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫وى]‪[40‬فإ ِ ّ‬ ‫ن الهَ َ‬ ‫س عَ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م َرب ّهِ وَن ََهى الن ّ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫واه ُ ]‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ض‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫نا‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬‫ْ‬ ‫ئ‬ ‫ش‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫وقوله‪{:‬‬ ‫النازعات[‬
‫ْ ِ َ َّ َ َ َ‬ ‫َ ْ ِ َ َ ْ َ ُ َِ َ َ ِّ ُ ْ َ ِ‬
‫ن‬‫ِ َ‬ ‫م‬ ‫دى‬ ‫ن ات ّب َ َ َ َ ُ ِ ْ ِ ُ ً‬
‫ه‬ ‫ر‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫غ‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫وا‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫ض ّ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪] }[176‬سورة العراف[ وقوله‪{:‬وَ َ‬
‫الل ّهِ ]‪] }[50‬سورة القصص[ ‪ ..‬وآيات أخرى كثيرة‪.‬‬
‫ل‬‫م َ‬ ‫ه وَعَ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫ن َدا َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫ه‪ ] :‬ال ْك َي ّ ُ‬ ‫قوْل ِ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ي َ‬ ‫كما عناه الن ّب ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مّنى عَلى اللهِ [ رواه الترمذي‬ ‫ها وَت َ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أت ْب َعَ ن َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جُز َ‬ ‫ت َوالَعا ِ‬ ‫مو ْ ِ‬‫ما ب َعْد َ ال ْ َ‬ ‫لِ َ‬
‫معُْروًفا‬ ‫َ‬ ‫كال ُ‬ ‫ْ‬ ‫مْرَباّدا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف َ‬ ‫خًيا ل ي َعْرِ ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫م َ‬ ‫كوزِ ُ‬ ‫سوَد ُ ُ‬ ‫خُر أ ْ‬ ‫وابن ماجه ‪ .‬وقوله‪َ...] :‬وال َ‬
‫ه[ رواه مسلم وأحمد‪.‬‬ ‫وا ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫شرِ َ‬ ‫ما أ ُ ْ‬ ‫من ْك ًَرا إ ِّل َ‬ ‫وََل ي ُن ْك ُِر ُ‬
‫أسباب اتباع الهوى ‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم التعويد على ضبط الهوى منذ الصغر ‪ :‬ذلك أن النسان قد يلقى من‬
‫أبويه منذ الصغر حبا ً مفرطًا‪ ،‬بحيث يطغى هذا الحب على تنمية الضوابط‬
‫الفطرية والشرعية التي لبد منها لتنظيم الرغائب أو الدوافع‪ ،‬فيكبر هذا‬
‫النسان‪ ،‬ويكبر معه النسياق وراء العواطف والرغائب‪ ،‬حتى لو كانت مخالفة‬
‫ب على شيء شاب عليه‪ ،‬إل من رحم الله‪ ،‬قال‬ ‫للمشروع‪ ،‬إذ من ش ّ‬
‫في'منهج التربية السلمية'‪':‬والم التي ترضع طفلها كلما بكى‪ ،‬لكي يسكت‪،‬‬
‫أو لنها ل تطيق أن تسمعه يبكي‪ ،‬تضره بذلك؛ لنها ل تعينه على ضبط‬
‫رغباته‪ ،‬ول تعوده على ذلك الضبط في صغره‪ ،‬فل يتعوده في كبره‪ ،‬ومن منا‬
‫تتركه ظروف الحياة لرغباته يشبعها كما يشاء؟! وذلك فضل ً عن أن المسلم‬
‫بالذات ينبغي أن يتعلم الضبط‪ ،‬ويتعوده منذ باكر عمره ؛ لن الجهاد في‬
‫سبيل الله ل يستقيم في النفس التي ل تستطيع ضبط رغباتها‪ ،‬فتنساق معها‪،‬‬
‫وكيف يمكن الجهاد بغير ضبط للشهوات والرغبات‪ ،‬حتى إن كانت في دائرة‬
‫المباح الذي ل إثم فيه في ذاته‪ ،‬ولكنه يصبح إثما ً حين يشغل عن الجهاد في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شيَرت ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫جك ُ ْ‬ ‫م وَأْزَوا ُ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫م وَأب َْناؤُك ُ ْ‬ ‫ن َءاَباؤُك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سبيل الله‪ {:‬قُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ب إ ِلي ْك ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ضوْن ََها أ َ‬ ‫ن ت َْر َ‬ ‫ُ‬ ‫ساك ِ‬ ‫م َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫ساد َ َ‬ ‫نك َ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫جاَرة ٌ ت َ ْ‬ ‫ها وَت ِ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ل اقْت ََرفْت ُ ُ‬ ‫وا ٌ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫وَأ ْ‬
‫الل ّه ورسوله وجهاد في سبيله فَتربصوا حتى يأ ْتي الل ّ َ‬
‫دي‬ ‫ه َل ي َهْ ِ‬ ‫مرِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ َ ِ َ‬ ‫َ ِ ِ ِ ََ ّ ُ‬ ‫ِ ََ ُ ِ ِ َ ِ َ ٍ ِ‬
‫ً‬
‫ن]‪] }[24‬سورة التوبة[‪ .‬فكل ما ذكرته الية ليس محرما في‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫قو ْ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ذاته‪ ،‬ولكنه صار فسقا ً وحراما ً حين أصبح سببا ً في القعود عن الجهاد في‬
‫سبيل الله‪ ،‬وحين رجحت كفته في ميزان القلب على حب الله ورسوله‪،‬‬
‫والجهاد في سبيله! فما الوسيلة للستقامة على ميزان الله إل ضبط هذه‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرغبات‪ ،‬والستغناء عنها حين تحول بين النسان وبين سبيل الله! والضبط‬
‫مقدرة يتدرب النسان عليها‪ ،‬وعادة يتعلمها‪ ،‬وكلما تدرب عليها وهو صغير‬
‫كان أقدر عليها‪ ،‬وأكثر تمكنا ً منها‪ ،‬فيجدها حاضرة في أعصابه حين تفجؤه‬
‫الحداث' ‪.‬‬
‫‪ -2‬مجالسة أهل الهواء ومصاحبتهم ‪ :‬ذلك أن العواطف تنمو بالمجالسة‬
‫وطول الصحبة‪ ،‬وعليه فمن لزم مجالسة أهل الهواء‪ ،‬وأدام صحبتهم؛ فلبد‬
‫من تأثره بما هم عليه‪ ،‬لسيما إذا كان ضعيف الشخصية‪ ،‬عنده قابلية التأثر‬
‫بغيره من أولئك الناس‪..‬وقد وعى السلف هذا السبب‪ ،‬فأكثروا من التحذير‬
‫من مجالسة أهل الهواء‪ ،‬بل والتعامل معهم‪ ،‬فعن أبى قلبة قال‪ ...':‬ل‬
‫تجالسوا أهل الهواء‪ ،‬ول تجادلوهم‪ ،‬فإني ل آمن أن يغمسوكم في ضللتهم‪،‬‬
‫أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون' ‪ .‬وأ ُث َِر عن الحسن‪ ،‬وابن سيرين‬
‫قولهما‪':‬ول تجالسوا أصحاب الهواء ول تجادلوهم‪ ،‬ول تسمعوا منهم' ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ -3‬ضعف المعرفة الحقة بالله والدار الخرة ‪ :‬ذلك أن من ضعفت معرفته‬


‫بالله‪ ،‬وأنه وحده له الحكم‪ ،‬وإليه المرجع والمآب‪ ،‬وهو أسرع الحاسبين‪ ،‬كما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪] }[62‬سورة‬ ‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫سَرعُ ال ْ َ‬ ‫م وَهُوَ أ ْ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫قال سبحانه عن نفسه‪ {:‬أَل ل َ ُ‬
‫النعام[‪ ،‬من كان كذلك ل يقدر رّبه حق قدره‪ ،‬وبالتالي يفعل ما يفعل غير‬
‫مبال بما إذا كان ذلك يرضي الله أو يغضبه‪ ،‬ينجيه أو يهلكه‪ .‬وقد لفت الحق‬
‫سبحانه النظر إلى ذلك‪ ،‬وهو يتحدث عن الضالين والمكذبين‪ ،‬مبينا ً أن السبب‬
‫في ضلل هؤلء وتكذيبهم إنما يعود إلى عدم معرفتهم بالله حق المعرفة‪،‬‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ما قَد َُروا الل ّ َ‬ ‫وبالتالي عدم تقديرهم له حق قدره‪ ،‬إذ يقول سبحانه‪{ :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫ه عََلى ب َ َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫يٍء ]‪] }[91‬سورة النعام[ {َياأي َّها‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫شرٍ ِ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫قَد ْرِهِ إ ِذ ْ َقاُلوا َ‬
‫قوا ذ َُباًبا‬ ‫خل ُ ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ن الل ّهِ ل َ ْ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل َفا ْ‬ ‫مث َ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ب‬
‫ف الطال ِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ضعُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ذوه ُ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ست َن ْ ِ‬ ‫َ‬
‫شي ًْئا ل ي َ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫م الذ َّبا ُ‬ ‫سلب ْهُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫مُعوا ل ُ‬ ‫جت َ َ‬‫وَل َوِ ا ْ‬
‫زيٌز]‪“ }[74‬سورة‬ ‫قوِيّ عَ ِ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ إ ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ما قَد َُروا الل ّ َ‬ ‫ب]‪َ [73‬‬ ‫مط ُْلو ُ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ك وَإ َِلى‬ ‫ي إ ِل َي ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ن]‪[64‬وَل َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ح َ‬ ‫قد ْ أو ِ‬ ‫جاهُِلو َ‬ ‫مُروّني أعْب ُد ُ أي َّها ال ْ َ‬ ‫ل أفَغَي َْر الل ّهِ ت َأ ُ‬ ‫الحج” {قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ن]‪[65‬ب َ ِ‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫ملك وَلت َكون َ ّ‬ ‫َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫حب َط ّ‬ ‫ت لي َ ْ‬ ‫شَرك َ‬‫ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬
‫ن قب ْل ِك لئ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ميًعا‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫حقّ قَد ْرِهِ َواْلْر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ما قَد َُروا الل ّ َ‬ ‫ن]‪[66‬وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه َفاعْب ُد ْ وَك ُ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن]‬ ‫كو َ‬ ‫شرِ ُ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ه وَت ََعاَلى عَ ّ‬ ‫حان َ ُ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫مين ِهِ ُ‬ ‫ت ب ِي َ ِ‬ ‫مط ْوِّيا ٌ‬ ‫ت َ‬ ‫سماَوا ُ‬ ‫مةِ َوال ّ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ه ي َوْ َ‬ ‫قَب ْ َ‬
‫ضت ُ ُ‬
‫‪] }[67‬سورة الزمر[‪.‬‬
‫‪ -4‬تقصير الخرين في القيام بواجبهم نحو صاحب الهوى ‪ :‬فصاحب الهوى إذا‬
‫رأى ممن حوله استحسانا ً لما هو عليه‪ ،‬أو سكوتا ً وعدم إنكار بأي من وسائل‬
‫النكار‪ ،‬فإّنه يمضي ويتمادى فيما هو عليه‪ ،‬حتى يتمكن الهوى من قلبه‪،‬‬
‫ويسيطر على كل سلوكياته وتصرفاته‪ .‬ولعل هذا هو السر في تأكيد السلم‬
‫على مقاومة المنكرات‪ ،‬وعدم السكوت عنها ولكن بالسلوب المناسب‪ ،‬ومع‬
‫التكرار؛ نظرا ً لن غالبها ناشئ عن اتباع الهوى؛ إذ يقول الحق سبحانه‪{ :‬‬
‫ْ‬ ‫ول ْتك ُن منك ُ ُ‬
‫من ْك َ ِ‬
‫ر‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬ ‫ن إ َِلى ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ َ ْ ِ ْ ْ‬
‫ل‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫ن]‪] }[104‬سورة آل عمران[ ويقول‪{ :‬اد ْع ُ إ ِلى َ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ْ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫وَُأول َئ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن ]‪“}[125‬سورة‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫م ِبال ِّتي هِ َ‬ ‫جادِل ْهُ ْ‬ ‫سن َةِ وَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫عظ َةِ ال ْ َ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫مةِ َوال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫م قَوًْل ب َِليًغا]‪]}[63‬سورة‬ ‫َ‬
‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ِفي أن ْ ُ‬ ‫ل ل َهُ ْ‬ ‫م وَقُ ْ‬ ‫عظ ْهُ ْ‬ ‫النحل” ويقول‪{ :‬وَ ِ‬
‫النساء[‪.‬‬
‫ولعله السر كذلك في حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مجانبة من‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لمح فيهم ميًل إلى الهوى‪ ،‬وعدم رحابة الصدر لهم‪ ،‬لعلهم يتوبون أو يذكرون‪:‬‬
‫َ‬
‫ض ُ‬
‫ل‬ ‫ب فَ ْ‬ ‫عن ْد َ َزي ْن َ َ‬ ‫ي وَ ِ‬ ‫حي َ ّ‬
‫ت ُ‬ ‫ة ب ِن ْ ِ‬‫في ّ َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ل ب َِعيٌر ل ِ َ‬ ‫ه‪ :‬اعْت َ ّ‬ ‫ه عَن َْها أن ّ ُ‬ ‫ي الل ّ ُ‬‫ض َ‬ ‫ة َر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫عائ ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فَعَ ْ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫قال َ ْ‬ ‫طيَها ب َِعيًرا[ فَ َ‬ ‫ب‪ ] :‬أعْ ِ‬ ‫م ل َِزي ْن َ َ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ظ َهْرٍ فَ َ‬
‫َ ُ‬
‫ها َذا‬ ‫جَر َ‬ ‫م فَهَ َ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ة فَغَ ِ‬ ‫ك ال ْي َُهودِي ّ َ‬ ‫طي ت ِل ْ َ‬ ‫أَنا أعْ ِ‬
‫سرٍ َقا َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫ن َيا ِ‬ ‫مارِ ب ْ ِ‬ ‫ن عَ ّ‬ ‫فرٍ ‪ .‬رواه أبوداود وأحمد‪ .‬وَعَ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ض َ‬ ‫م وَب َعْ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫م َ‬ ‫جةِ َوال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬
‫ت عََلى الن ّب ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ن فَغَد َوْ ُ‬ ‫فَرا ٍ‬ ‫قوِني ب َِزعْ َ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫دايَ فَ َ‬ ‫ت يَ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ش ّ‬ ‫ت عََلى أهِْلي وَقَد ْ ت َ َ‬ ‫م ُ‬ ‫قَدِ ْ‬
‫ذا‬‫ل هَ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ب َفاغْ ِ‬ ‫ل اذ ْهَ ْ‬ ‫ي وََقا َ‬ ‫َ‬
‫م ي َُرد ّ عَل ّ‬ ‫َ‬
‫ت عَلي ْهِ فَل ْ‬ ‫َ‬ ‫م ُ‬ ‫سل ْ‬ ‫ّ‬ ‫م فَ َ‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫صّلى الل ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ك[ رواه أبوداود وأحمد‪.‬‬ ‫عَن ْ َ‬
‫‪ -5‬حب الدنيا والركون إليها مع نسيان الخرة ‪ :‬ذلك أن من أحب الدنيا‪،‬‬
‫وركن إليها‪ ،‬ونسي الخرة يتولد عنده سعي حثيث لتلبية كل ما يفرضه هذا‬
‫الحب وذلك الركون‪ -‬حتى وإن كان مخالفا ً لمنهج الله‪ -‬وذلك بعينه هو اتباع‬
‫ن َل‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫الهوى‪ .‬وقد لفت المولى النظر إلى هذا السبب في قوله‪{ :‬إ ِ ّ‬
‫قاَءنا ورضوا بال ْحياة الدنيا واط ْ َ‬
‫ن َءاَيات َِنا‬ ‫م عَ ْ‬ ‫ن هُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫مأّنوا ب َِها َوال ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن لِ َ َ َ َ ُ ْ ِ َ َ ِ ّ ْ َ َ‬ ‫جو َ‬ ‫ي َْر ُ‬
‫ن]‪] }[8‬سورة يونس[‪.‬كما‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سُبو َ‬ ‫ما كاُنوا ي َك ِ‬ ‫م الّناُر ب ِ َ‬ ‫مأَواهُ ُ‬ ‫ن]‪[7‬أولئ ِك َ‬ ‫غافِلو َ‬
‫ن‬
‫ن َدا َ‬ ‫م ْ‬ ‫س َ‬ ‫لفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم النظر في حديث‪ ] :‬ال ْك َي ّ ُ‬
‫ه[‬‫مّنى عََلى الل ّ ِ‬ ‫ها وَت َ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َت ْب َعَ ن َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫جُز َ‬ ‫ت َوال َْعا ِ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫ما ب َعْد َ ال ْ َ‬ ‫ل لِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَعَ ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ ْ‬
‫رواه الترمذي وابن ماجه ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ -6‬الجهل بالعواقب المترتبة على اتباع الهوى ‪ :‬فإن من جهل عواقب محظور‬
‫من المحظورات؛ وقع في هذا المحظور دون أدنى اهتمام أو مبالة‪ .‬ولعل‬
‫هذا هو السر في اهتمام الشارع الحكيم بالتذكير بالعواقب المترتبة على‬
‫المأمورات والمنهيات‪ ،‬كما أشرنا إلى ذلك غير مرة فيما تقدم من آفات‪.‬‬
‫آثار اتباع الهوى على العاملين‪:‬‬
‫‪ -1‬نقصان بل تلشي الطاعة من النفس‪ :‬فمتبع لهواه يعّز عليه‪ ،‬ويكبر في‬
‫نفسه أن يطيع غيره‪ :‬خالقا ً كان هذا الغير أو مخلوقًا؛ بسبب أن هذا الهوى قد‬
‫كن من قلبه‪ ،‬وملك عليه أقطار نفسه‪ ،‬فصار أسيرا ً لديه ودافعا ً له إلى‬ ‫تم ّ‬
‫ما أن يطيع رّبه‪،‬‬ ‫الغرور والتكّبر‪ ،‬وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه‪ ،‬فإ ّ‬
‫ما أن يطيع نفسه وهواه‪ ،‬وشيطانه‪ ،‬وهو ليس بمطيع رّبه‪ ،‬فلم يبق إل أن‬ ‫وإ ّ‬
‫ً‬
‫يكون مطيعا لهواه‪.‬‬
‫‪-2‬مرض القلب ثم قسوته وموته ‪ :‬فصاحب الهوى غارق في المعاصي‬
‫والسيئات‪ ،‬وهذه لها آثار خطيرة على القلب؛ إذ إنها تنتهي به إلى المرض‪ ،‬ثم‬
‫ل صّلى الل ّه عل َيه وسل ّم‪ ] :‬إن ال ْعبد إَذا أ َخط َأ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ ّ َْ َ ِ‬ ‫ُ َ ْ ِ َ َ َ‬ ‫القسوة أو الموت‪ ،‬كما َقا َ َ‬
‫ن‬
‫ه وَإ ِ ْ‬ ‫ل قَل ْب ُ ُ‬ ‫ق َ‬‫س ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫فَر وََتا َ‬ ‫ست َغْ َ‬ ‫سوَْداُء فَإ َِذا هُوَ ن ََزع َ َوا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ت ِفي قَل ْب ِهِ ن ُك ْت َ ٌ‬ ‫ة ن ُك ِت َ ْ‬ ‫طيئ َ ً‬‫خ ِ‬ ‫َ‬
‫ن عَلى‬ ‫َ‬ ‫ل َرا َ‬ ‫ّ‬
‫ه {ك َل ب َ ْ‬ ‫ّ‬
‫ذي ذ َك ََر الل ُ‬ ‫ّ‬
‫ن ال ِ‬‫ه وَهُوَ الّرا ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫حّتى ت َعْلوَ قَلب َ ُ‬ ‫عاد َ ِزيد َ ِفيَها َ‬ ‫َ‬
‫ن]‪] }[14‬سورة المطففين[ رواه الترمذي وابن ماجه‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫قُلوب ِهِ ْ‬‫ُ‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫وأحمد ‪ .‬وإذا مات القلب‪ ،‬فماذا بقي لهذا النسان؟! وقد َقا َ‬
‫ن ي َن ْظُرُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَلك ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫وال ِك ْ‬ ‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫صوَرِك ُ ْ‬‫ه َل ي َن ْظ ُُر إ َِلى ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫م‪ ] :‬إ ِ ّ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م [رواه مسلم وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬ ‫مال ِك ُ ْ‬‫م وَأعْ َ‬ ‫إ َِلى قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫‪-3‬الستهانة بالذنوب والثام ‪ :‬وذلك لن المتبع لهواه قد قسا قلبه ومات‪،‬‬
‫ويوم تقسو القلوب وتموت؛ تكون الستهانة والستهتار بالذنوب والثام‪،‬‬
‫والستهانة بالذنوب والثام هي عين الهلك والبوار‪ ،‬والخسران المبين‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم جدوى النصح والرشاد ‪ :‬لن المّتبع لهواه قد ركب رأسه‪ ،‬وصار عبدا ً‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لشهواته‪ ،‬وأنى لهذا أن يستجيب لنصح‪ ،‬أو ينفع فيه توجيه وإرشاد؟! ول خير‬
‫ك َفاعْل َ َ‬ ‫جيُبوا ل َ َ‬
‫ما‬‫م أن ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫في قوم ل يتناصحون ول يقبلون النصيحة {فَإ ِ ْ‬
‫هم ]‪] }[50‬سورة القصص[‪.‬‬ ‫واَء ُ‬ ‫يتبعو َ‬
‫ن أهْ َ‬‫َُِّ َ‬
‫‪ -5‬البتداع في دين الله ‪ :‬وذلك لن صاحب الهوى يميل كغيره من البشر إلى‬
‫إثبات ذاته ووجوده‪ ،‬وهو ل يرضى منهج الله طريقا ً لتحقيق هذا الميل‪ ،‬فلم‬
‫ماد بن سلمة‪:‬‬ ‫يبق إل أن يبتدع منهاجا ً يوافق أهواءه وشهواته‪ ،‬يقول ح ّ‬
‫دثني شيخ لهم تاب ‪ -‬يعني الرافضة ‪ -‬قال‪ :‬كنا إذا اجتمعنا فاستحسنا شيئا‪ً،‬‬ ‫'ح ّ‬
‫جعلناه حديثا'‪ .‬والبتداع هو الضلل‪ ،‬وكل ضلل في النار‪ ،‬كما يقول النبي‬ ‫ً‬
‫ُ‬
‫ل‬‫ة وَك ُ ّ‬ ‫حد َث َةٍ ب ِد ْعَ ٌ‬
‫م ْ‬‫ل ُ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫مورِ فَإ ِ ّ‬ ‫ت اْل ُ‬ ‫حد ََثا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪] :‬وَإ ِّياك ُ ْ‬
‫ة[رواه أبوداود والترمذي‪-‬بنحوه‪ -‬وابن ماجه وأحمد والدارمي ‪.‬‬ ‫ضَلل َ ٌ‬‫ب ِد ْعَةٍ َ‬
‫‪ -6‬التخّبط وعدم الهداية إلى الطريق المستقيم ‪ :‬فصاحب الهوى بعبوديته‬
‫لشهواته وميوله‪ ،‬قد أعرض عن مصدر الهداية والتوفيق‪ ،‬فمن أين يأتيه‬
‫التوفيق‪ ،‬والهداية إلى الصراط المستقيم؟! وصدق الله سبحانه إذ يقول‪{ :‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫معِهِ وَقَل ْب ِ ِ‬
‫ه‬ ‫س ْ‬‫م عََلى َ‬ ‫خت َ َ‬ ‫عل ْم ٍ وَ َ‬‫ه عََلى ِ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫ضل ّ ُ‬
‫واه ُ وَأ َ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬
‫ن ات ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ت َ‬‫أفََرأي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن]‪] }[23‬سورة‬ ‫ن ب َعْدِ الل ّهِ أفََل ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫م ْ‬‫ديهِ ِ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شاوَةً فَ َ‬ ‫صرِهِ ِغ َ‬ ‫ل عََلى ب َ َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫وَ َ‬
‫الجاثية[‪.‬‬
‫‪ -7‬ضلل الخرين وإبعادهم عن الطريق ‪ :‬ول تقتصر هذه الثار الضارة على‬
‫صاحب الهوى‪ ،‬بل كثيرا ً ما تتعداه إلى الخرين‪ -‬لسيما والسقوط‪ ،‬أو البعد‬
‫عن الطريق سهل مرغوب فيه‪ -‬وقد لفت سبحانه وتعالى النظر إلى ذلك في‬
‫م ب ِغَي ْرِ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫م]‪]}[119‬سورة النعام[‪.‬‬ ‫عل ٍ‬ ‫وائ ِهِ ْ‬ ‫ن ب ِأهْ َ‬ ‫ضّلو َ‬ ‫ن ك َِثيًرا ل َي ُ ِ‬ ‫قوله‪ {:‬وَإ ِ ّ‬
‫‪ -8‬الصيرورة إلى الجحيم وبئس المصير ‪ :‬فإن من عوقب بكل الثار التي‬
‫ن ط ََغى]‪[37‬وََءاث ََر‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫قدمنا‪ ،‬فإنما مأواه الجحيم‪ ،‬وصدق الله العظيم‪ {:‬فَأ ّ‬
‫مأ َْوى]‪] }[39‬سورة النازعات[‪.‬‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫م هِ َ‬ ‫حي َ‬‫ج ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫حَياةَ الد ّن َْيا]‪[38‬فَإ ِ ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫آثار اتباع الهوى على العمل السلمي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ضعف بل تلشى كسب النصار ‪ :‬وذلك أن العمل السلمي إذا قام على‬
‫أكتاف‪ ،‬أو كان في صفه من عرف باتباع الهوى‪ ،‬فإنه بذلك يسد الباب في‬
‫ذل‬ ‫وجه النصار الجدد‪ ،‬إذ ليس فيه حينئذ أسوة أو قدوة تغري باللتحاق به‪ ،‬وب ْ‬
‫الغالي والرخيص في سبيل نصرته‪ ،‬والمضي به قدما ً إلى المام‪ ،‬وهذا بدوره‬
‫يؤدي إلى طول الطريق مع كثرة التكاليف‪.‬‬
‫‪ -2‬تفريق أو تمزيق وحدة الصف ‪ :‬وذلك أن صف العمل السلمي إذا اشتمل‬
‫على أصحاب الهواء‪ ،‬فإنهم ينتهون به إلى التمزيق والفرقة‪ ،‬نظرا ً لضعف أو‬
‫تلشي مبدأ الطاعة عندهم‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -3‬الحرمان من العون والتأييد اللهي ‪ :‬فسنة الله في خلقه مضت أنه ل‬


‫يمنحهم العون أو التأييد إل إذا كانوا أهل ً لذلك‪ ،‬حتى إذا مكن لهم يكونون كما‬
‫َ‬ ‫َْ‬
‫كاةَ‬ ‫صَلة َ وََءات َ ُ‬
‫وا الّز َ‬ ‫ض أَقا ُ‬
‫موا ال ّ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫مك ّّناهُ ْ‬‫ن َ‬‫ن إِ ْ‬ ‫ذي َ‬‫قال سبحانه‪{ :‬ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫كر ]‪] }[41‬سورة الحج[‪.‬‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْ َ‬ ‫وا عَ ِ‬‫ف وَن َهَ ْ‬‫معُْرو ِ‬‫مُروا ِبال ْ َ‬
‫وَأ َ‬
‫ولعمري فإن صاحب الهوى بمعصيته لربه ولرسوله‪ ،‬يكون سببا ً في حجب‬
‫هذا العون وذلك التأييد اللهي للعمل السلمي‪ ..‬وما زالت وصايا عمر لمراء‬
‫الجيوش السلمية وجندها‪ ،‬إبان الفتوحات السلمية ترن في الذان؛ إذ قال‬
‫مره على العراق‪ ':‬يا سعد ل يغرنك من الله أن‬ ‫لسعد بن أبى وقاص حين أ ّ‬
‫قيل‪ :‬خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه‪ ،‬فإن الله ل يمحو‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السيئ بالسيئ‪ ،‬ولكن يمحو السيئ بالحسن‪ ،‬وإن الله ليس بينه وبين أحد‬
‫نسب إل بطاعته‪ ،‬فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء‪ ،‬الله رّبهم‪،‬‬
‫وهم عباده يتفاضلون بالعافية‪ ،‬ويدركون ما عند الله بالطاعة‪ ،‬فانظر المر‬
‫الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا عليه‬
‫فالزمه‪ ،‬فإنه المر‪ ،‬هذه عظتي إياك‪ ،‬إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك‪،‬‬
‫وكنت من الخاسرين' ‪.‬‬
‫علج اتباع الهوى ‪:‬‬
‫‪ -1‬التذكير بعواقب اتباع الهوى سواء على العاملين أو على العمل السلمي‪:‬‬
‫فإن ذلك له دور كبير في تخليص النفس من أهوائها وشهواتها‪ ،‬مادامت‬
‫مخالفة لمنهج الله ورسوله‪.‬‬
‫‪ -2‬النقطاع عن مجالسة ومصاحبة أهل الهواء ‪ :‬مع الرتماء في أحضان أهل‬
‫الصلح والستقامة‪ ،‬فإن ذلك يعين على تحرير النفس من وقوعها أسيرة‬
‫الهواء والشهوات‪.‬‬
‫‪ -3‬التعريف بالله ‪ -‬عز وجل ‪ -‬حقّ المعرفة‪ :‬فإن ذلك يولد في النفس حّبه‬
‫وإجلله‪ ،‬والنزول على حكمه في كل ما أمر به‪ ،‬وفي كل ما نهي عنه‪ ،‬بل‬
‫ويرّبي فيها كذلك مراقبته وخشيته‪ ،‬والطمع في جنته‪ ،‬ورضوانه‪ ،‬والخوف من‬
‫ناره وعقابه‪.‬‬
‫‪-4‬حياطة الخرين ورعايتهم لصاحب الهوى ‪ :‬تارة بالنصيحة المقرونة بآدابها‬
‫وشروطها‪ ،‬وتارة بإيقاع السلوك المثل أمامه‪ ،‬وتارة بالعتاب‪ ،‬وتارة بالتوبيخ‬
‫والتأنيب‪ ،‬وتارة بالهجر والقطيعة‪ ،‬إلى غير ذلك من أساليب‪ ،‬ووسائل الحياطة‬
‫والرعاية‪.‬‬
‫‪ -5‬الوقوف على سير أصحاب الهواء وعاقبتهم ‪ :‬سواء كانوا من هذه المة‬
‫أم من المم الخرى؛ فإن ذلك يولد في النفس نفورا ً من اتباع الهوى‪ ،‬لئل‬
‫تكون حديث كل لسان‪ ،‬ولئل ينزل بها من العقاب مثلما نزل بهؤلء‪.‬‬
‫‪ -6‬الوقوف على سير وأخبار من عرفوا بمجاهدة نفوسهم وأهوائهم ‪:‬‬
‫وإلزامها بحدود الله مثل عمر بن عبد العزيز‪ ،‬والحسن البصري‪ ،‬ومحمد بن‬
‫سيرين‪ ،‬والفضيل بن عياض‪ ،‬وعبد الله بن مبارك‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬فإن ذلك يحمل‬
‫على معنى القتداء والتأسي‪ ،‬أو على القل المحاكاة والمشابهة‪.‬‬
‫‪ -7‬التحذير من الركون إلى الدنيا والطمئنان بها‪ :‬مع الربط الشديد بالخرة‬
‫بحيث يبتغي المسلم فيما آتاه الله الدار الخرة‪ ،‬ول ينسى نصيبه من الدنيا‬
‫إن أمكن‪ ،‬وإل آثر الخرة عن الولى‪.‬‬
‫‪ -8‬الستعانة الكاملة بالله عز وجل ‪ :‬فإنه سبحانه يعين من لجأ إليه‪ ،،‬ولذ‬
‫بحماه‪ ،‬وطلب العون والتسديد منه‪ ،‬وصدق الله إذ يقول في الحديث‬
‫َ‬
‫م[ رواه مسلم‬ ‫دوِني أهْدِك ُ ْ‬ ‫ه َفا ْ‬
‫ست َهْ ُ‬ ‫ن هَد َي ْت ُ ُ‬
‫م ْ‬‫ل إ ِّل َ‬‫ضا ّ‬‫م َ‬ ‫عَباِدي ك ُل ّك ُ ْ‬ ‫القدسي‪َ ] :‬يا ِ‬
‫والترمذي وابن ماجه وأحمد ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -9‬مجاهدة النفس‪ ،‬وحملها قسرا على التخلص من أهوائها وشهواتها‪ :‬من‬
‫قبل أن يأتي يوم ل تملك نفس لنفس شيًئا‪ ،‬والمر يومئذ لله‪.‬‬
‫سعادة والراحة والطمأنينة والفوز‪ :‬إنما هي في اتباع‬ ‫‪ -10‬التذكير بأن ال ّ‬
‫ن‬
‫م ِ‬ ‫المشروع‪ ،‬ل في اتباع ما تملي النفس وما تهوى‪ ،‬وصدق الله إذ يقول‪ {:‬فَ َ‬
‫ع‬
‫ن ت َب ِ َ‬ ‫قى]‪]} [123‬سورة طه[ وقال سبحانه‪ { :‬فَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ش َ‬‫ل وََل ي َ ْ‬ ‫ض ّ‬ ‫دايَ فََل ي َ ِ‬ ‫ات ّب َعَ هُ َ‬
‫ن]‪]} [38‬سورة البقرة[ ‪.‬‬ ‫حَزُنو َ‬‫م يَ ْ‬ ‫َ‬
‫م وَل هُ ْ‬ ‫َ‬
‫ف عَلي ْهِ ْ‬ ‫خو ْ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دايَ فل َ‬ ‫هُ َ‬
‫تمت‬
‫من كتاب‪':‬آفات على الطريق' للدكتور‪ /‬السيد محمد نوح‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫الفصل الول‬
‫قواعد وأسس في السنة والبدعة‬
‫المبحث الول‬
‫الحث على اتباع السنة والتحذير من البدعة‬
‫وبيان أسباب البتداع‬
‫أول ً ‪ :‬اليات الكريمات التي تأمر بالتباع وتنهى عن البتداع ‪:‬‬
‫ل‬ ‫ما َفات ّب ُِعوه ُ وََل ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬
‫سب ُ َ‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫‪ .1‬قال الله تعالى ‪ ):‬وأن ه َ‬
‫ن ()‪.(1‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫م ب ِهِ لعَلك ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫صاك ْ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫سِبيل ِهِ ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م عَ ْ‬ ‫فّرقَ ب ِك ُ ْ‬ ‫فَت َ َ‬
‫قال القرطبي ‪ ]:‬هذه آية عظيمة ‪ ...‬فإنه لما نهى وأمر وحذر هنا عن اتباع‬
‫غير سبيله فأمر فيها باتباع طريقه [)‪.(2‬‬
‫فالصراط المستقيم المذكور في الية الكريمة هو سبيل الله الذي دعا إليه‬
‫وهو السنة والسبل هي سبل أهل الختلف الحائدين عن الصراط المستقيم‬
‫وهم أهل البدع والهواء )‪.(3‬‬
‫ة أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م فِت ْن َ ٌ ْ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ِ‬ ‫‪ .2‬وقال الله تعالى ‪ ):‬فَل ْي َ ْ‬
‫م ( )‪.(4‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫ً‬
‫قال الراغب الصفهاني ‪ ]:‬والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقا غير طريق‬
‫الخر في حاله أو قوله [ )‪.(5‬‬
‫وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال ‪ ]:‬سمعت مالك بن أنس وأتاه‬
‫رجل فقال ‪ :‬يا أبا عبد الله من أين أحرم ؟ قال ‪ :‬من ذي الحليفة من حيث‬
‫أحرم رسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ . -‬فقال ‪ :‬إني أريد أن أحرم من‬
‫المسجد ‪ .‬فقال ‪ :‬ل تفعل ‪ .‬قال ‪ :‬فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند‬
‫القبر ‪ .‬قال ‪ :‬ل تفعل فإني أخشى عليك الفتنة ‪ .‬فقال ‪ :‬وأي فتنة هذه ؟ إنما‬
‫هي أميال أزيدها ‪ .‬قال ‪ :‬وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة‬
‫صر عنها رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إني سمعت الله يقول ‪:‬‬ ‫ق ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م([‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫م فِت ْن َ ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫) فَل ْي َ ْ‬
‫)‪.(6‬‬
‫ه َفانت َُهوا ( )‪(7‬‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما َءاَتاك ُ ُ‬ ‫‪.3‬وقال الله تعالى‪ ):‬وَ َ‬
‫ُ‬
‫ل وَأوِلي‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫طيُعوا الّر ُ‬ ‫ه وَأ ِ‬ ‫طيُعوا الل َ‬ ‫مُنوا أ ِ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ .4‬وقال الله تعالى ‪َ ):‬ياأي َّها ال ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫م ت ُؤْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫يٍء فَُرّدوه ُ إ ِلى اللهِ َوالّر ُ‬ ‫ش ْ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫ن ت ََناَزعْت ُ ْ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫اْل ْ‬
‫ن ت َأِويًل ( )‪ .(8‬فأمر الله سبحانه وتعالى‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫خي ٌْر وَأ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫خرِ ذ َل ِ َ‬ ‫ِبالل ّهِ َوال ْي َوْم ِ اْل ِ‬
‫برد المتنازع فيه إلى قوله جل جلله وإلى قول الرسول‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪. -‬‬
‫مِتي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَلي ْك ْ‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫م ِدين َك ْ‬ ‫ت لك ْ‬ ‫مل ُ‬ ‫م أك َ‬ ‫‪ .5‬وقال الله تعالى ‪ ):‬الي َوْ َ‬
‫م ِديًنا ( )‪.(9‬‬ ‫سَل َ‬ ‫م اْل ِ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫وََر ِ‬
‫ً‬
‫قال المام مالك رحمه الله ‪ ]:‬ومن أحدث في هذه المة شيئا لم يكن عليه‬
‫سلفها فقد زعم أن رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬خان الدين لن الله‬
‫تعالى يقول ‪:‬‬
‫م ( فما لم يكن يومئذ دينا ً ل يكون اليوم دينًا[ )‪.(10‬‬ ‫) ال ْيو َ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ولن الله سبحانه وتعالى أخبر بأن الشريعة قد كملت قبل وفاة النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬فل يتصور أن يجيء إنسان ويخترع فيها شيئا ً لن الزيادة‬
‫عليها تعتبر استدراكا ً على الله سبحانه وتعالى وتوحي بأن الشريعة ناقصة‬
‫وهذا يخالف ما جاء في كتاب الله )‪.(11‬‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫ه َفاّتبُعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫حبو َ‬
‫م تُ ِ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫ل إِ ْ‬ ‫‪ .6‬وقال تعالى ‪ ):‬قُ ْ‬
‫م ()‪.(12‬‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫ذ ُُنوب َك ُ ْ‬
‫قال العلمة محمد المين الشنقيطي ‪ ]:‬تنبيه ‪ :‬يؤخذ من هذه الية الكريمة أن‬
‫علمة المحبة الصادقة لله ورسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬هي اتباعه ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فالذي يخالفه ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر إذ لو‬
‫كان محبا ً له لطاعه ومن المعلوم عند العامة أن المحبة تستجلب الطاعة‬
‫ومنه قول الشاعر ‪:‬‬
‫لو كان حبك صادقا ً لطعته إن المحب لمن يحب مطيع [)‪.(13‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه()‬ ‫ن ب ِهِ الل ّ ُ‬‫م ي َأذ َ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫عوا ل َهُ ْ‬ ‫كاُء َ‬
‫شَر ُ‬ ‫شَر َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫‪ .7‬وقال تعالى ‪ ):‬أ ْ‬
‫‪.(14‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الحاديث النبوية التي تأمر بالتباع وتنهى عن البتداع ‪:‬‬
‫‪ .1‬عن جابر بن عبد الله‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬كان رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬إذا خطب احمرت عيناه وعل صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر‬
‫جيش يقول ‪ :‬صبحكم ومساكم ‪ .‬ويقول ‪ :‬بعثت أنا والساعة كهاتين ‪ ،‬ويقرن‬
‫بين إصبعيه السبابة والوسطى ‪ .‬ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله‬
‫وخير الهدي هدى محمد وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة ( رواه مسلم‬
‫)‪.(15‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة النعام الية ‪. 153‬‬
‫)‪ (2‬تفسير القرطبي ‪. 7/137‬‬
‫)‪ (3‬انظر البداع ص ‪. 93-92‬‬
‫)‪ (4‬سورة النور الية ‪. 63‬‬
‫)‪ (5‬المفردات في غريب القرآن ص ‪. 156‬‬
‫)‪ (6‬العتصام ‪. 1/132‬‬
‫)‪ (7‬سورة الحشر الية ‪. 7‬‬
‫)‪ (8‬سورة النساء الية ‪. 59‬‬
‫)‪ (9‬سورة المائدة الية ‪. 3‬‬
‫)‪ (10‬العتصام ‪. 2/53‬‬
‫)‪ (11‬الموسوعة الفقهية ‪. 8/23‬‬
‫)‪ (12‬سورة آل عمران الية ‪. 31‬‬
‫)‪ (13‬أضواء البيان ‪ ، 1/217‬وانظر تفسير المنار ‪. 3/284‬‬
‫)‪ (14‬سورة الشورى الية ‪. 21‬‬
‫)‪ (15‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/464‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وفي رواية عند النسائي ‪ ]:‬وشر المور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة‬
‫ضللة وكل ضللة في النار [ وهو حديث صحيح كما قال الشيخ اللباني )‪.(1‬‬
‫ط لنا رسول الله‪-‬‬ ‫‪ .2‬وعن عبد الله بن مسعود‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ]:‬خ ّ‬
‫ط خطوطا ً‬ ‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يوما ً خطا ً ثم قال ‪ :‬هذا سبيل الله ثم خ ّ‬
‫عن يمينه وعن شماله ثم قال ‪ :‬هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو‬
‫َ‬
‫ق‬ ‫ل فَت َ َ‬
‫فّر َ‬ ‫ما َفات ّب ُِعوه ُ وََل ت َت ّب ُِعوا ال ّ‬
‫سب ُ َ‬ ‫قي ً‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫طي ُ‬ ‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫إليه ثم قرأ ‪ ):‬وَأ ّ‬
‫ن (( الية ‪ ،‬رواه الدارمي وأحمد‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫صاك ُ ْ‬
‫م وَ ّ‬‫سِبيل ِهِ ذ َل ِك ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫م عَ ْ‬
‫والنسائي وقال اللباني ‪ :‬حديث صحيح )‪.(2‬‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .3‬وعن أبي نجيح العرباض بن سارية‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬صلى بنا‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬صلة الفجر ثم وعظنا موعظة بليغة‬
‫ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل ‪:‬‬
‫يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا ‪ .‬فقال ‪ :‬أوصيكم بتقوى الله‬
‫والسمع والطاعة وإن كان عبدا ً حبشيا ً فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى‬
‫اختلفا ً كثيرا ً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها‬
‫بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة (‬
‫رواه أبو داود والترمذي وقال ‪ :‬حسن صحيح ورواه أحمد وابن حبان ‪ ،‬وهو‬
‫حديث صحيح صححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي )‪.(3‬‬
‫‪ .4‬وعن عائشة رضي الله عنهما قالت ‪ ):‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ : -‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ( رواه البخاري‬
‫ومسلم )‪.(4‬‬
‫ً‬
‫وفي رواية لمسلم ‪ ):‬من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ّ ( )‪.(5‬‬
‫قال الحافظ ابن رجب الحنبلي ‪ ]:‬وهذا الحديث أصل عظيم من أصول‬
‫السلم كما أن حديث " العمال بالنيات " ميزان للعمال في باطنها وهو‬
‫ميزان للعمال في ظاهرها فكما أن كل عمل ل يراد به وجه الله تعالى‬
‫فليس لعامله فيه ثواب فكذلك كل عمل ل يكون عليه أمر الله ورسوله فهو‬
‫مردود على عامله وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله‬
‫فليس من الدين في شيء [ )‪.(6‬‬
‫‪ .5‬وعن بلل بن الحارث‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬سمعت رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ :‬من أحيا سنة قد أميتت بعدي فإن له من الجر مثل‬
‫من عمل بها من الناس ل ينقص ذلك من أجورهم شيئا ً ومن ابتدع بدعة ل‬
‫ترضي الله ورسوله فإن له مثل إثم من عمل بها من الناس ل ينقص ذلك‬
‫من آثام الناس شيئا ً ( رواه الترمذي وابن ماجة ‪ .‬وقال الترمذي ‪ :‬هذا حديث‬
‫حسن ‪ .‬وقال البغوي ‪ :‬هذا حديث حسن ‪ .‬وصححه الشيخ اللباني )‪.(7‬‬
‫‪ .6‬وعن أبي شريح الخزاعي قال ‪ ):‬خرج علينا رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فقال ‪ :‬أليس تشهدون أن ل إله إل الله وأني رسول الله ؟ قالوا ‪:‬‬
‫بلى ‪ .‬قال ‪ :‬إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم‬
‫لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا ً ( رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد وقال‬
‫الشيخ اللباني ‪ :‬صحيح )‪.(8‬‬
‫‪ .7‬وعن ابن عباس أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬خطب الناس في‬
‫حجة الوداع فقال ‪ :‬إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكن رضي أن‬
‫يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا إني قد تركت فيكم‬
‫ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا ً كتاب الله وسنة نبيه [ رواه الحاكم وقال ‪:‬‬
‫صحيح السناد‪ .‬وقال الشيخ اللباني‪ :‬حسن‪ ...‬وله أصل في الصحيح )‪.(9‬‬
‫‪ .8‬وعن أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ : -‬إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته (‬
‫رواه الطبراني وإسناده حسن وصححه اللباني )‪.(10‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الثار الواردة عن السلف في لزوم السنة وذم البدعة ‪:‬‬
‫‪ .1‬عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال ‪ ]:‬كل بدعة ضللة وإن رآها‬
‫الناس حسنة [ رواه البيهقي في المدخل وقال الشيخ اللباني ‪ :‬صحيح‬
‫السناد )‪.(11‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن النسائي ‪ ، 189-3/188‬صحيح سنن النسائي ‪. 1/346‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬كتاب السنة ص ‪ ، 13‬مشكاة المصابيح ‪ ، 1/59‬سنن الدارمي مع شرحه‬


‫فتح المنان ‪. 2/241‬‬
‫)‪ (3‬عون المعبود ‪ ، 11/234‬تحفة الحوذي ‪ ، 7/365‬صحيح ابن حبان‬
‫‪ ، 1/178‬الفتح الرباني ‪ ، 1/188‬المستدرك ‪. 1/288‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 6/230‬صحيح مسلم مع شرح النووي ‪3/379‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم مع شرح النووي ‪. 3/380‬‬
‫)‪ (6‬جامع العلوم والحكم ص ‪. 81‬‬
‫)‪ (7‬سنن الترمذي مع شرحه عارضة الحوذي ‪ ، 107-10/106‬سنن ابن‬
‫ماجة ‪ ، 1/76‬شرح السنة ‪ ، 1/233‬صحيح سنن ابن ماجة ‪. 42-1/41‬‬
‫)‪ (8‬صحيح الترغيب والترهيب ص ‪. 21-20‬‬
‫)‪ (9‬المصدر السابق ص ‪ ، 21‬المستدرك ‪. 1/284‬‬
‫)‪ (10‬المصدر السابق ص ‪. 26-25‬‬
‫)‪ (11‬إصلح المساجد ص ‪ ، 13‬وانظر البدعة وأثرها السيء في المة ص ‪42‬‬
‫‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ .2‬وعن عبد الله بن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ]:‬القتصاد في السنة‬
‫خير من الجتهاد في البدعة [ رواه الدارمي والبيهقي وصححه الحاكم ووافقه‬
‫الذهبي وصححه اللباني )‪.(1‬‬
‫‪ .3‬وعنه أيضا ً قال ‪ ]:‬اتبعوا ول تبتدعوا فقد كفيتم [ رواه الطبراني في الكبير‬
‫ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي ورواه الدارمي )‪.(2‬‬
‫‪ .4‬وعنه أيضا ً قال ‪ ]:‬اتبعوا ول تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلله [ رواه أبو‬
‫خيثم في كتاب العلم وقال الشيخ اللباني هذا إسناد صحيح )‪.(3‬‬
‫‪ .5‬وعنه أيضا ً قال ‪ ]:‬أيها الناس إنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة‬
‫فعليكم بالمر الول [ رواه الدارمي وصححه الحافظ ابن حجر وابن رجب‬
‫الحنبلي )‪.(4‬‬
‫ً‬
‫‪ .6‬وعنه أيضا قال ‪ ]:‬تعلموا العلم قبل أن يقبض وقبضه أن يذهب أهله أل‬
‫وإياكم والتنطع والتعمق والبدع وعليكم بالعتيق [ رواه الدارمي ومعمر في‬
‫الجامع وابن عبد البر في جامع بيان العلم )‪.(5‬‬
‫‪ .7‬وعن حذيفة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ]:‬يا معشر القراء استقيموا فقد‬
‫سبقتم سبقا ً بعيدا ً فإن أخذتم يمينا ً وشمال ً لقد ضللتم ضلل ً بعيدا ً [ رواه‬
‫البخاري ‪.‬‬
‫قال الحافظ ‪ ]:‬قوله يا مشعر القراء ‪ :‬المراد بهم العلماء بالقرآن والسنة‬
‫العّباد [ )‪.(6‬‬
‫‪ .8‬وعنه ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ]:‬كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فل تتعبدوا بها فإن الول لم يدع للخر مقال ً فاتقوا‬
‫الله يا معشر القرآء خذوا طريق من كان قبلكم [ رواه الللكائي في شرح‬
‫أصول اعتقاد أهل السنة ‪ ،‬ومحمد بن نصر في السنة ‪ ،‬وأبو نعيم وابن‬
‫عساكر وذكره أبو شامة في الباعث وعزاه لبي داود وكذلك فعل السيوطي‬
‫وغيره وقال الشيخ اللباني لم أجده في السنن )‪.(7‬‬
‫‪ .9‬وقال أبو العالية ‪ ] :‬عليكم بالمر الول الذي كانوا عليه قبل أن يفترقوا [‬
‫ذكره ابن الجوزي وذكره السيوطي ورواه معمر في الجامع )‪.(8‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .10‬وقال الوزاعي ‪ ]:‬اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل‬
‫بما قالوا وكف عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما‬
‫وسعهم [ ذكره ابن الجوزي والسيوطي )‪.(9‬‬
‫‪ .11‬وقال عمر بن عبد العزيز ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ]: -‬سن رسول الله وولة‬
‫المر من بعده سننا ً الخذ بها تصديق بكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة‬
‫على دين الله ليس لحد تغييرها ول تبديلها ول النظر في شيء خالفها ‪ .‬من‬
‫عمل بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ومن خالفها اتبع غير سبيل‬
‫المؤمنين ووله الله ما تولى وأصله جهنم وساءت مصيرا ً [ رواه ابن عبد البر‬
‫وذكره الشاطبي في العتصام وقال إنه كان يعجب مالكا ً جدا ً )‪.(10‬‬
‫قال الشاطبي ‪ ]:‬وبحق وكان يعجبهم فإنه كلم مختصر جمع أصول ً حسنة من‬
‫السنة منها ما نحن فيه لن قوله ‪ :‬ليس لحد تغييرها ول تبديلها ول النظر في‬
‫شيء خالفها ‪ .‬قطع لمادة البتداع جملة ‪ .‬وقوله ‪ :‬من عمل بها فهو مهتد ‪.‬‬
‫مدح لمتبع السنة وذم لمن خالفها بالدليل الدال على ذلك ‪ ،‬وهو قول الله‬
‫سبحانه وتعالى‬
‫ن‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ْ‬
‫ل ال ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫َ‬
‫دى وََيتب ِعْ غي َْر َ‬ ‫ْ‬
‫ه الهُ َ‬ ‫َ‬
‫نل ُ‬‫ما ت َب َي ّ َ‬
‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬‫سول ِ‬ ‫َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫ن يُ َ‬
‫شاقِ ِ‬ ‫م ْ‬‫‪ ):‬وَ َ‬
‫صيًرا ([ )‪.(11‬‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساَء ْ‬‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬‫صل ِهِ َ‬ ‫ّ‬
‫ما ت َوَلى وَن ُ ْ‬ ‫ن ُوَل ّهِ َ‬
‫‪ .12‬وقال عمر بن عبد العزيز يوصي رجل ً ‪ ]:‬أوصيك بتقوى الله والقتصاد‬
‫في أمره واتباع سنة نبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وترك ما أحدث المحدثون‬
‫بعد ما جرت به سنته ‪ ...‬فعليك بلزوم سنته فإنها لك بإذن الله عصمة ‪[...‬‬
‫رواه أبو داود ‪ ،‬وقال الشيخ اللباني ‪ :‬صحيح مقطوع )‪.(12‬‬
‫‪ .13‬وعن الفضيل بن عياض رحمه الله قال ‪ ]:‬اتبع طرق الهدى ول يضرك‬
‫قلة السالكين وإياك وطرق الضللة ول تغتر بكثرة الهالكين [ ذكره الشاطبي‬
‫والسيوطي )‪.(13‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الباعث ص ‪ ، 13‬المر بالتباع ص ‪ ، 48‬صحيح الترغيب والترهيب ص ‪21‬‬
‫‪ ،‬سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان ‪. 2/288‬‬
‫)‪ (2‬مجمع الزوائد ‪ ، 1/181‬سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان ‪. 2/258‬‬
‫)‪ (3‬كتاب العلم ص ‪. 122‬‬
‫)‪ (4‬سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان ‪ ، 2/184‬المر بالتباع ص ‪. 60-59‬‬
‫)‪ (5‬سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان ‪ ، 2/115‬المصنف لعبد الرزاق‬
‫‪ ، 11/252‬جامع بيان العلم وفضله ‪ ،1/152‬وانظر المر بالتباع ص ‪. 59‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 17/15‬‬
‫)‪ (7‬الباعث ص ‪ ، 16-15‬التباع ص ‪ ، 62‬إصلح المساجد ص ‪ ، 12‬السلسلة‬
‫الضعيفة ‪. 1/374‬‬
‫)‪ (8‬تلبيس إبليس ص ‪ ، 8‬المر بالتباع ص ‪ ، 49‬المصنف لعبد الرزاق‬
‫‪. 11/367‬‬
‫)‪ (9‬تلبيس إبليس ص ‪ ، 9‬المر بالتباع ص ‪. 49‬‬
‫)‪ (10‬جامع بيان العلم وفضله ‪ ، 2/187‬العتصام ‪. 1/87‬‬
‫)‪ (11‬العتصام ‪. 1/87‬‬
‫)‪ (12‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 239-12/238‬صحيح سنن‬
‫أبي داود ‪. 3/873‬‬
‫)‪ (13‬العتصام ‪ ، 1/83‬المر بالتباع ص ‪. 152‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .14‬وعن عثمان الزدي قال ‪ ]:‬دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫فقلت له أوصني ‪ .‬فقال ‪ :‬عليك بتقوى الله والستقامة ‪ ،‬اتبع ول تبتدع [ ذكره‬
‫الخطيب في الفقيه والمتفقه ‪ ،‬والبغوي في شرح السنه ‪ ،‬وأبو شامة في‬
‫الباعث ‪ ،‬والسيوطي في المر بالتباع )‪.(1‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫تعريف البدعة لغة واصطلحا ً‬
‫أول ً ‪ :‬تعريف البدعة لغة ‪:‬‬
‫ً‬
‫قال ابن منظور ‪ :‬بدع الشيء يبدعه بدعا وابتدعه أنشأه وبدأه ‪ ...‬البديع‪،‬‬
‫ن‬
‫م َ‬‫عا ِ‬ ‫ما ك ُن ْ ُ‬
‫ت ب ِد ْ ً‬ ‫والبدع ‪ :‬الشيء الذي يكون أول ً ‪ ،‬وفي التنزيل ‪ ):‬قُ ْ‬
‫ل َ‬
‫ل ( أي ما كنت أول من أرسل وقد أرسل قبلي رسل كثير ‪.‬‬ ‫س ِ‬ ‫الّر ُ‬
‫والبدعة ‪ :‬الحدث وما ابتدع من الدين بعد الكمال ‪ ،‬وأبدع وابتدع وتبدع ‪ :‬أتى‬
‫دعه نسبه إلى البدعة ‪.‬‬ ‫ها ( وب ّ‬ ‫عو َ‬
‫ة اب ْت َد َ ُ‬‫ببدعة قال الله تعالى ‪ ):‬وََرهَْبان ِي ّ ً‬
‫واستبدعه ‪ :‬عده بديعا ً ‪ .‬والبديع المحدث العجيب ‪ .‬والبديع ‪ :‬المبدع وأبدعت‬
‫الشيء اخترعته ل على مثال ‪ .‬والبديع ‪ :‬من أسماء الله تعالى لبداعه الشياء‬
‫وإحداثه إياها ‪.(2) [ ...‬‬
‫وقال الراغب الصفهاني ‪ ]:‬البداع إنشاء صنعة بل احتذاء واقتداء ‪ ...‬والبديع‬
‫ما‬ ‫ض (‪ .‬وقوله تعالى ‪ ):‬قُ ْ‬ ‫َْ‬
‫ل َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ديعُ ال ّ‬ ‫يقال للمبدع نحو قوله ‪ ):‬ب َ ِ‬
‫ل ( قيل معناه مبدعا ً لم يتقدمني رسول ‪ ...‬والبدعة في‬ ‫س ِ‬
‫ن الّر ُ‬
‫م َ‬
‫عا ِ‬‫ت ب ِد ْ ً‬ ‫ك ُن ْ ُ‬
‫المذهب إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها‬
‫المتقدمة وأصولها المتقنة [ )‪.(3‬‬
‫عمل على غير مثال سبق فهو‬ ‫وقال أبو البقاء الكفوي ‪ ]:‬البدعة كل عمل ُ‬
‫بدعة [ )‪.(4‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬تعريف البدعة اصطلحا ‪:‬‬
‫ً‬
‫اختلفت أنظار العلماء في تعريف البدعة وتحديد مفهومها فمنهم من حصر‬
‫البدعة في باب العبادات فضيق مفهومها فقصرها على البتداع في باب‬
‫العبادات اصطلحا ً ‪.‬‬
‫ومنهم من وسع مفهومها فأطلقها على كل محدث من المور وجعلها تنقسم‬
‫إلى أقسام خمسة ‪ :‬فهي إما واجبة أو مندوبة أو مباحة أو مكروهة أو محرمة‬
‫)‪.(5‬‬
‫وقد سار على أحد هذين المنهجين علماء أجلء وعلماء أعلم لكل وجهة هو‬
‫موليها وكل منهم يقصد الوصول إلى ما اعتقد أنه الحق والصواب وكل منهم‬
‫اجتهد فله أجران إن أصاب وأجر واحد إن خالف قوله الصواب وسأذكر‬
‫المنهجين وأدلتهما وأبين ما أرى أنه الراجح مع الستدلل ‪.‬‬
‫مناهج العلماء في تعريف البدعة ‪:‬‬
‫المنهج الول في تعريف البدعة ‪:‬‬
‫يرى جماعة من أهل العلم منهم المام عز الدين بن عبد السلم سلطان‬
‫العلماء وابن الجوزي وأبو شامة المقدسي والنووي والعيني وابن الثير‬
‫والقرافي والحافظ ابن حجر والسيوطي وغيرهم )‪ (6‬أن البدعة تطلق على‬
‫كل محدثة لم توجد في كتاب الله سبحانه وتعالى ول في سنة رسوله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬سواء أكانت في العبادات أم العادات وسواء أكانت‬
‫محمودة أو مذمومة‪.‬‬
‫ويرى هؤلء العلماء أن البدعة تنقسم إلى حسنة وسيئة فإن وافقت السنة‬
‫فهي حسنة محمودة وإن خالفت السنة فهي سيئة مذمومة ‪.‬‬
‫وبناء على هذا الساس قالوا إن البدعة تنقسم إلى القسام الخمسة فهي إما‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن تكون واجبة أو مندوبة أو مباحة أو مكروهة أو محرمة ‪.‬‬


‫قال المام النووي ‪ ]:‬البدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن‬
‫في عهد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهي منقسمة إلى حسنة‬
‫وقبيحة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الفقيه والمتفقه ‪ ، 1/173‬شرح السنة ‪ ، 1/214‬الباعث ص ‪ ، 15‬المر‬
‫بالتباع ص ‪61‬‬
‫)‪ (2‬لسان العرب مادة بدع ‪. 342-1/341‬‬
‫)‪ (3‬المفردات ص ‪. 39-38‬‬
‫)‪ (4‬الكليات ص ‪. 226‬‬
‫)‪ (5‬انظر مسالك العلماء في تعريف البدعة في المصادر التية ‪ :‬قواعد‬
‫الحكام ‪ ، 2/172‬العتصام ‪ ، 1/37‬تهذيب السماء واللغات ‪ ، 3/22‬الباعث‬
‫ص ‪ ، 13‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪ ، 270‬المر بالتباع ص ‪ ، 81‬تلبيس‬
‫إبليس ص ‪ ، 16‬فتح الباري ‪ ، 5/156‬جامع العلوم والحكم ص ‪ ، 335‬الفروق‬
‫‪ ، 4/202‬تهذيب الفروق ‪ ، 4/217‬البداع ص ‪ ، 26‬البدعة ص ‪ ، 195‬إصلح‬
‫المساجد ص ‪ ، 14‬إتقان الصنعة ص ‪ ، 7‬السنة والبدعة ص ‪ ، 195‬السنن‬
‫والمبتدعات ص ‪ ، 15‬كلمة علمية هادئة في البدعة وأحكامها ص ‪ ، 12‬فتاوى‬
‫العقيدة ص ‪ ، 611‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء ‪، 2/321‬‬
‫الموسوعة الفقهية ‪.8/21‬‬
‫)‪ (6‬قواعد الحكام ‪ 2/172‬فما بعدها ‪ ،‬فتاوى العز بن عبد السلم ص ‪، 328‬‬
‫تلبيس إبليس ص ‪ ، 17-16‬تهذيب السماء واللغات ‪ ، 23-3/22‬الباعث ص‬
‫‪ ، 28‬الفروق ‪ ، 205-4/202‬النهاية ‪ ، 1/106‬عمدة القاري ‪ ، 8/245‬فتح‬
‫الباري ‪ ، 157-5/156‬المر بالتباع ص ‪ ، 89‬البداع ص ‪. 31‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫قال الشيخ المام ‪ -‬المجمع على إمامته وجللته وتمكنه في أنواع العلوم‬
‫وبراعته ‪ -‬أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلم رحمه الله في آخر كتاب‬
‫القواعد ‪ :‬البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومكروهة ومباحة ‪،‬‬
‫قال والطريق في ذلك أن تعرض البدعة على قواعد الشريعة فإن دخلت في‬
‫قواعد اليجاب فهي واجبة أو في قواعد التحريم فمحرمة أو الندب فمندوبة‬
‫أو المكروه فمكروهة أو المباح فمباحة وللبدع الواجبة أمثلة منها الشتغال‬
‫بعلم النحو الذي يفهم به كلم الله تعالى كلم رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وذلك واجب لن حفظ الشريعة واجب ول يتأتى حفظها إل بذلك وما‬
‫ل يتم الواجب إل به فهو واجب‪ .‬الثاني حفظ غريب الكتاب والسنة من‬
‫اللغة ‪ .‬الثالث تدوين أصول الدين وأصول الفقه ‪ .‬الرابع الكلم في الجرح‬
‫والتعديل وتمييز الصحيح من السقيم وقد دلت قواعد الشريعة على أن حفظ‬
‫الشريعة فرض كفاية فيما زاد على المتعين ول يتأتى ذلك إل بما ذكرناه ‪.‬‬
‫وللبدع المحرمة أمثلة منها ‪ :‬مذاهب القدرية والجبرية والمرجئة والمجسمة‬
‫والرد على هؤلء من البدع الواجبة ‪ .‬وللبدع المندوبة أمثلة منها إحداث الربط‬
‫والمدارس وكل إحسان لم يعهد في العصر الول ومنها التراويح والكلم في‬
‫دقائق التصوف وفي الجدل ومنها جمع المحافل للستدلل إن قصد بذلك‬
‫وجه الله تعالى ‪ .‬وللبدع المكروهة أمثلة كزخرفة المساجد وتزويق المصاحف‬
‫‪ .‬وللبدع المباحة أمثلة منها المصافحة عقب الصبح والعصر ومنها التوسع في‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اللذيذ من المآكل والمشارب والملبس والمساكن ولبس الطيالسة وتوسيع‬


‫الكمام وقد يختلف في بعض ذلك فيجعله بعض العلماء من البدع المكروهة‬
‫ويجعله آخرون من السنن المفعولة في عهد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فما بعده وذلك كالستعاذة في الصلة والبسملة هذا آخر كلمه [ )‬
‫‪.(1‬‬
‫ومن أشهر ما اعتمد هؤلء العلماء عليه ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬قول عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬الذي رواه المام البخاري بسنده عن عبد‬
‫الرحمن بن عبد بن عبد القاري أنه قال ‪ ]:‬خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة‬
‫في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ‪،‬‬
‫ويصلي الرجل فيصلي بصلته الرهط ‪ ،‬فقال عمر ‪ :‬إني أرى لو جمعت هؤلء‬
‫على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ثم خرجت‬
‫معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلة قارئهم ‪ ،‬قال عمر ‪ :‬نعم البدعة هذه‬
‫والتي ينامون عنها أفضل ‪ ،‬يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله [ )‪(2‬‬
‫وقوله أوزاع أي جماعة متفرقون ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ ]:‬في بعض الروايات نعمت البدعة بزيادة تاء [ )‪.(3‬‬
‫‪ .2‬عن مجاهد قال ‪ ]:‬دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد فإذا عبد الله بن‬
‫عمر جالس إلى حجرة عائشة وإذا أناس يصلون في المسجد صلة الضحى ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فسألناه عن صلتهم فقال ‪ :‬بدعة ‪ [ ...‬رواه البخاري ومسلم )‪.(4‬‬
‫وقال ابن أبي شيبة ‪ ]:‬حدثنا ابن علية عن الجريري عن الحكم بن العرج قال‬
‫‪ :‬سألت محمدا ً ‪ -‬كذا ‪ -‬عن صلة الضحى وهو مسند ظهره إلى حجرة النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬فقال ‪ :‬بدعة ونعمت البدعة [ )‪.(5‬‬
‫وقد ذكره الحافظ ابن حجر وعزاه لبن أبي شيبة وفيه ‪ :‬سألت ابن عمر ‪...‬‬
‫الخ ‪ .‬قال الحافظ ‪ :‬إسناده صحيح )‪.(6‬‬
‫ً‬
‫قلت ‪ :‬ولعل ما في سند ابن أبي شيبة من قوله " محمدا " خطأ من‬
‫النساخ ‪.‬‬
‫وقال الحافظ‪ :‬روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن سالم عن أبيه قال‪ :‬لقد‬
‫قتل عثمان وما أحد يسبحها وما أحدث الناس شيئا ً أحب إلي منها [ )‪.(7‬‬
‫وهو في المصنف كما قال الحافظ )‪.(8‬‬
‫قالوا إن ابن عمر سمى صلة الضحى جماعة في المسجد بدعة واستحسنها‬
‫)‪.(9‬‬
‫‪ .3‬واحتجوا بالحاديث التي تفيد انقسام البدعة إلى حسنة وسيئة فمن ذلك ‪:‬‬
‫أ‪ .‬حديث بلل بن الحارث ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬سمعت رسول الله‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ :‬من أحيا سنة قد أميتت بعدي فإن له من الجر مثل‬
‫من عمل بها من الناس ل ينقص ذلك من أجورهم شيئًا‪ .‬ومن ابتدع بدعة ل‬
‫ترضي الله ورسوله فإن له مثل إثم من عمل بها من الناس ل ينقص ذلك‬
‫من آثام الناس شيئا ً ( رواه الترمذي وحسنه وقد مضى تخريجه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تهذيب السماء واللغات ‪ ، 23-3/22‬وانظر كلم العز بن عبد السلم‬
‫الذي ذكره النووي في قواعد الحكام ‪. 174-2/172‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 156-5/155‬‬
‫)‪ (3‬فتح الباري ‪. 5/156‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 4/439‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪-3/381‬‬
‫‪. 382‬‬
‫)‪ (5‬مصنف ابن أبي شيبة ‪. 2/405‬‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (6‬فتح الباري ‪. 3/295‬‬


‫)‪ (7‬فتح الباري ‪. 3/295‬‬
‫)‪ (8‬مصنف عبد الرزاق ‪. 79-3/78‬‬
‫)‪ (9‬انظر البدعة ص ‪ ، 205‬البدعة والمصالح المرسلة ص ‪ ، 92‬الموسوعة‬
‫الفقهية ‪. 8/22‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫ب‪ .‬حديث المنذر بن جرير عن أبيه أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫) من سن في السلم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير‬
‫أن ينقص من أجورهم شيء ومن سن في السلم سنة سيئة كان عليه‬
‫وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء (‬
‫رواه مسلم )‪.(1‬‬
‫ج‪ .‬وفي رواية أخرى لحديث جرير قال ‪ :‬قال رسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫‪ ):‬من سن سنة خير فاتبع عليها فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقوص‬
‫من أجورهم شيئا ً ومن سن سنة شر فاتبع عليها كان عليه وزرها ومثل أوزار‬
‫من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئا ً ( رواه الترمذي وقال ‪ :‬هذا حديث‬
‫حسن صحيح )‪.(2‬‬
‫د‪ .‬وعن واثلة بن السقع ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬قال ‪ ):‬من سن سنة حسنة فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته‬
‫حتى تترك ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك ومن مات مرابطا ً‬
‫جرى عليه عمل المرابط حتى يبعث يوم القيامة ( رواه الطبراني في الكبير‬
‫بإسناد ل بأس به كما قال الحافظ المنذري ‪ ،‬وقال الشيخ اللباني ‪ :‬حسن )‬
‫‪.(3‬‬
‫قالوا إن هذه الحاديث تدل على انقسام البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة‬
‫‪ .‬بل إن المام النووي يرى أن حديث جرير بن عبد الله ‪ ):‬من سن في‬
‫السلم سنة حسنة فله أجرها ‪ ...‬الخ ( يعتبر تخصيصا ً لقوله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ) : -‬كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة ( وأن المراد به المحدثات‬
‫الباطلة والبدع المذمومة )‪.(4‬‬
‫كما أنهم قد استدلوا بأدلة أخرى يطول المقام بذكرها ‪.‬‬
‫المنهج الثاني في تعريف البدعة ‪:‬‬
‫وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن البدعة مخالفة للسنة ومذمومة شرعا ً‬
‫لنها محدثة ل أصل لها في الشرع وعلى هذا المام مالك والبيهقي‬
‫مِني‬ ‫والطرطوشي وشيخ السلم ابن تيمية والزركشي وابن رجب وال ّ‬
‫ش َ‬
‫الحنفي وغيرهم ‪ ،‬واختاره جماعة من العلماء المعاصرين )‪.(5‬‬
‫وأساس هذا المنهج هو تعريف البدعة بالمحدث المخالف للسنة الذي جعل‬
‫دينا ً قويما ً وصراطا ً مستقيما ً وعلى هذا مشى الشاطبي في أحد تعريفيه‬
‫للبدعة حيث قال ‪ ]:‬فالبدعة إذا عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي‬
‫الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ‪ .‬وهذا على‬
‫رأي من ل يدخل العادات في معنى البدعة وإنما يخصها بالعبادات [ )‪.(6‬‬
‫وقال الشاطبي ‪ ]:‬فالطريقة والطريق والسبيل والسنن هي بمعنى واحد وهو‬
‫ما رسم للسلوك عليه وإنما قيدت بالدين لنها فيه تخترع وإليه يضيفها‬
‫صاحبها وأيضا ً فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسم‬
‫بدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي ل عهد بها فيما تقدم ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولما كانت الطرائق في الدين تنقسم ‪ -‬فمنها ما له أصل في الشريعة ومنها‬


‫ما ليس له أصل فيها ‪ -‬خص منها ما هو المقصود بالحد وهو القسم المخترع‬
‫أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع إذ البدعة إنما خاصتها‬
‫أنها خارجة عما رسمه الشارع وبهذا القيد انفصلت عن كل ما ظهر لبادي‬
‫الرأي أنه مخترع مما هو متعلق بالدين كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة‬
‫وأصول الفقه وأصول الدين وسائر العلوم الخادمة للشريعة ‪ .‬فإنها وإن لم‬
‫توجد في الزمان الول فأصولها موجودة في الشرع [ )‪.(7‬‬
‫وقوله ] تضاهي الشرعية [ أي تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في‬
‫الحقيقة كذلك بل هي مضادة لها من أوجه متعددة ‪:‬‬
‫منها وضع الحدود كالناذر للصيام قائما ً ل يقعد ضاحيا ل يستظل والختصاص‬
‫ً‬
‫في النقطاع للعبادة ‪ ...‬ومنها التزام الكيفيات والهيئات المعينة كالذكر بهيئة‬
‫الجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولدة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫عيدا ً ‪.‬‬
‫ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في‬
‫الشريعة كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ]:‬يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى [ هو تمام معنى‬
‫البدعة إذ هو المقصود بتشريعها ‪.‬‬
‫وذلك أن أصل الدخول فيها يحث على النقطاع إلى العبادة والترغيب في‬
‫ن ( فكأن‬‫دو ِ‬
‫س ِإل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ن والن ْ َ‬‫ج ّ‬‫ت ال ْ ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬‫ذلك لن الله تعالى يقول ‪ ):‬وَ َ‬
‫المبتدع رأى أن المقصود هذا المعنى ولم يتبين له أن ما وضعه الشارع فيه‬
‫من القوانين والحدود كاف ‪ ...‬وقد تبين بهذا القيد أن البدع ل تدخل في‬
‫العادات فكل ما اخترع من الطرق في الدين مما يضاهي المشروع ولم‬
‫يقصد به التعبد فقد خرج عن هذه التسمية [ )‪.(8‬‬
‫استدل العلماء القائلون بذم البدعة بما يلي ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم مع شرح النووي ‪. 85-3/84‬‬
‫)‪ (2‬سنن الترمذي مع شرحه عارضة الحوذي ‪. 10/103‬‬
‫)‪ (3‬صحيح الترغيب والترهيب ص ‪. 30‬‬
‫)‪ (4‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪. 3/86‬‬
‫)‪ (5‬الفروق ‪ ، 4/202‬تهذيب الفروق ‪ ، 4/229‬الحوادث والبدع ص ‪، 21‬‬
‫اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪ ، 271-270‬جامع العلوم والحكم ص ‪، 335‬‬
‫البدع والمصالح المرسلة ص ‪. 107-103‬‬
‫)‪ (6‬العتصام ‪. 1/37‬‬
‫)‪ (7‬المصدر السابق ‪. 1/37‬‬
‫)‪ (8‬المصدر السابق ‪. 41-1/37‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫أول ً ‪ :‬إن الله سبحانه وتعالى قد أكمل هذا الدين قبل وفاة الرسول ‪ -‬صلى‬
‫َ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ -‬فقال سبحانه وتعالى ‪ ):‬ال ْيو َ‬
‫ت‬
‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫سَل َ‬
‫م ِديًنا ( )‪.(1‬‬ ‫م اْل ِ ْ‬
‫ت ل َك ُ ُ‬
‫ضي ُ‬
‫مِتي وََر ِ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬
‫فل يقبل من أي إنسان أن يزيد على الدين أو يخترع فيه شيئا ً لن هذه‬
‫الزيادة والختراع تعتبر استدراكا ً على الله تبارك وتعالى وتوحي بأن الشريعة‬
‫ناقصة وبأن محمدا ً ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لم يبلغ الرسالة تبليغا ً كامل ً )‪.(2‬‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال المام مالك بن أنس ‪ ]:‬من أحدث في هذه المة شيئا ً لم يكن عليه‬
‫سلفها فقد زعم أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬خان الرسالة لن‬
‫م( فما لم يكن يومئذ دينا ً ل يكون اليوم‬ ‫الله يقول ‪ ) :‬ال ْيو َ‬
‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬
‫م أك ْ َ‬
‫َ ْ َ‬
‫دينا ً )‪.(3‬‬
‫ولن الزيادة على الشريعة فيها إظهار الستظهار على الشارع وهو قلة أدب‬
‫معه لن شأن العظماء إذا حددوا شيئا ً وقف عنده وعد ّ الخروج عنه قلة أدب‬
‫)‪.(4‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬قالوا إن الحاديث الواردة عن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في‬
‫البدعة كلها على سبيل الذم ‪ ،‬فمن ذلك ما تقدم في حديث جابر قال ‪ ) :‬كان‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا خطب احمرت عيناه وعل صوته‬
‫واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول ‪ :‬صبحكم ومساكم ‪ .‬ويقول ‪ :‬بعثت‬
‫أنا والساعة كهاتين ‪ ،‬ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى ويقول ‪ :‬أما بعد‬
‫فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدى محمد وشر المور محدثاتها‬
‫وكل بدعة ضللة ( رواه مسلم ‪ ،‬وقد مضى ‪.‬‬
‫وفي رواية للنسائي ‪ ):‬وشر المور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة‬
‫ضللة وكل ضللة في النار (‪.‬‬
‫وكذلك ما جاء في حديث العرباض بن سارية وفيه‪ ) :‬صلى بنا رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬صلة الفجر ثم وعظنا موعظة بليغة ذرفت منها‬
‫العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل ‪ :‬يا رسول الله كأنها موعظة مودع‬
‫فأوصنا ‪ .‬فقال ‪ :‬أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا ً حبشيا ً‬
‫فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلفا ً كثيرا ً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء‬
‫الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور‬
‫فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة ( رواه أبو داود والترمذي وهو حسن‬
‫صحيح كما سبق ‪.‬‬
‫قالوا إن قول الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬كل بدعة ( كلية عامة‬
‫شاملة مسورة بأقوى أدوات الشمول والعموم " كل " والذي نطق بهذه‬
‫الكلية صلوات الله وسلمه عليه يعلم مدلول هذا اللفظ وهو أفصح الخلق‬
‫وأنصح الخلق للخلق ل يتلفظ بشيء ل يقصد معناه )‪.(5‬‬
‫قال عبد الله بن عمر ‪ ]:‬كل بدعة ضللة وإن رآها الناس حسنة [‬
‫وقد مضى ‪.‬‬
‫وقال المام أبو حنيفة ‪ ]:‬عليك بالثر وطريقة السلف وإياك وكل محدثة فإنها‬
‫بدعة [ ذكره ابن قدامة المقدسي في ذم التأويل )‪.(6‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ ]:‬أصول السنة عندنا ‪ :‬التمسك بما كان عليه أصحاب‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والقتداء بهم وترك البدع وكل بدعة‬
‫فهي ضللة [ ذكره ابن قدامة المقدسي في ذم التأويل )‪.(7‬‬
‫وقال ابن رجب الحنبلي ‪ ]:‬قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬كل بدعة‬
‫ضللة ( من جوامع الكلم ل يخرج عنه شيء وهو أصل عظيم من أصول‬
‫الدين وهو شبيه بقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬من أحدث في أمرنا هذا‬
‫ما ليس منه فهو رد ّ ( فكل من أحدث شيئا ً ونسبه إلى الدين ولم يكن له‬
‫أصل من الدين يرجع إليه فهو ضللة والدين بريء منه [ )‪.(8‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر بعد قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬كل محدثة بدعة‬
‫وكل بدعة ضللة ( قال ‪ ]:‬هذا قاعدة شرعية كلية بمنطوقها ومفهومها ‪ ،‬أما‬
‫منطوقها فكأن يقال ‪ ،‬حكم كذا بدعة وكل بدعة ضللة فل تكون من الشرع‬
‫لن الشرع كله هدى فإن ثبت أن الحكم المذكور بدعة صحت المقدمتان‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأنتجتا المطلوب [ )‪.(9‬‬


‫وأجاب المام الشاطبي عندما سئل ‪ ]:‬هل كل بدعة حسنت أو قبحت ضللة‬
‫لعموم الحديث أم تنقسم على أقسام الشريعة ؟ فأجاب ‪ :‬إن قول النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬كل بدعة ضللة محمول عند العلماء على عمومه‬
‫ل يستثنى منه شيء ألبتة وليس فيها ما هو حسن أصل ً إذ ل حسن إل ما‬
‫حسنه الشرع ول قبيح إل ما قبحه الشرع فالعقل ل يحسن ول يقبح وإنما‬
‫يقول بتحسين العقل وتقبيحه أهل الضلل [ )‪.(10‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬واحتجوا بما ورد في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪ ) :‬قال‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ : -‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه‬
‫فهو رد ( رواه البخاري ومسلم وقد سبق ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة المائدة الية ‪. 3‬‬
‫)‪ (2‬انظر البدعة والمصالح المرسلة ص ‪. 111‬‬
‫)‪ (3‬العتصام ‪. 2/53‬‬
‫)‪ (4‬تهذيب الفروق ‪. 4/218‬‬
‫)‪ (5‬انظر البداع في كمال الشرع ص ‪. 12‬‬
‫)‪ (6‬مجلة الحكمة عدد ‪ 11‬ص ‪. 159‬‬
‫)‪ (7‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫)‪ (8‬جامع العلوم والحكم ص ‪. 336‬‬
‫)‪ (9‬فتح الباري ‪. 17/11‬‬
‫)‪ (10‬فتاوى الشاطبي ص ‪ 181-180‬نقل ً عن مجلة الحكمة عدد ‪ 11‬ص‬
‫‪. 160‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وفي رواية لمسلم ‪ ):‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد ّ ( قال الحافظ‬
‫ابن رجب الحنبلي ‪ ]:‬وهذا الحديث أصل عظيم من أصول السلم كما أن‬
‫حديث " العمال بالنيات " ميزان للعمال في باطنها وهو ميزان للعمال في‬
‫ظاهرها فكما أن كل عمل ل يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب‬
‫فكذلك كل عمل ل يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله وكل‬
‫من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء [‬
‫)‪.(1‬‬
‫وقال المام الشوكاني ‪ ) :‬وهذا الحديث من قواعد الدين لنه يندرج تحته من‬
‫الحكام ما ل يأتي عليه الحصر وما أصرحه وأدله على إبطال ما فعله الفقهاء‬
‫من تقسيم البدع إلى أقسام وتخصيص الرد ببعضها بل مخصص من عقل ول‬
‫نقل فعليك إذا سمعت من يقول هذه بدعة حسنة بالقيام في مقام المنع‬
‫مسندا ً له بهذه الكلية وما يشابهها من نحو قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪: -‬‬
‫) كل بدعة ضللة ( طالبا ً لدليل تخصيص تلك البدعة التي وقع النزاع في‬
‫شأنها بعد التفاق على أنها بدعة فإن جاءك به قبلته وإن كاع كنت قد ألقمته‬
‫حجرا ً واسترحت من المجادلة ‪ .‬ومن مواطن الستدلل لهذا الحديث كل فعل‬
‫أو ترك وقع التفاق بينك وبين خصمك على أنه ليس من أمر رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وخالفك في اقتضاءه البطلن أو الفساد متمسكا ً بما‬
‫تقرر في الصول من أنه ل يقتضي ذلك إل عدم أمر يؤثر عدمه في العدم‬
‫كالشرط أو وجود أمر يؤثر وجوده في العدم كالمانع فعليك بمنع هذا‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التخصيص الذي ل دليل عليه إل مجرد الصطلح مسندا ً لهذا المنع بما في‬
‫حديث الباب من العموم المحيط بكل فرد من أفراد المور التي ليست من‬
‫ذلك القبيل قائل ً هذا أمر ليس من أمره وكل أمر ليس من أمره رد فهذا رد‬
‫وكل رد باطل فهذا باطل فالصلة مثل ً التي ترك فيها ما كان يفعله رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أو فعل فيها ما كان يتركه ليست من أمره‬
‫فتكون باطلة بنفس هذا الدليل سواء كان ذلك المر المفعول أو المتروك‬
‫مانعا ً باصطلح أهل الصول أو شرطا ً أو غيرهما فليكن منك هذا على ذكر [ )‬
‫‪.(2‬‬
‫رابعا ‪ :‬واحتجوا بما ورد عن السلف في ذم البدعة وأنهم قد فهموا من‬ ‫ً‬
‫الحاديث الواردة في ذم البدعة الطلق والعموم كقول ابن عمر ‪:‬‬
‫] كل بدعة ضللة وإن رآها الناس حسنة [ وقد مضى ‪.‬‬
‫ً‬
‫وقول ابن مسعود ‪ ]:‬اتبعوا ول تبتدعوا فقد كفيتم [ وقد مضى أيضا ‪،‬‬
‫وقول حذيفة ‪ ]:‬كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فل تتعبدوها فإن الول لم يدع للخر مقال ً فاتقوا الله يا معشر القرآء‬
‫وخذوا طريق من كان قبلكم [ وقد مضى أيضا ً ‪.‬‬
‫وقول ابن عباس ‪ ]:‬عليك بتقوى الله والستقامة ‪ ،‬اتبع ول تبتدع [ وقد مضى‬
‫أيضا ً وغير ذلك من الثار ‪.‬‬
‫وبناء على ما تقدم فهؤلء العلماء يرون أن كل بدعة في الدين ضللة فل‬
‫تنقسم البدعة في الدين إلى حسنة وسيئة بل هي قسم واحد وهي البدعة‬
‫السيئة وأن البدع ل تكون إل قبيحة مذمومة ‪.‬‬
‫كما أنهم قد استدلوا بأدلة أخرى يطول المقام بذكرها ‪.‬‬
‫المنهج المختار في تعريف البدعة ‪:‬‬
‫بعد إجالة النظر في أقوال العلماء واستعراض أدلتهم التي اعتمدوا عليها مما‬
‫ذكرته في هذا البحث ومما لم أذكره واطلعت عليه في كتبهم ولم أنقله‬
‫خشية الطالة فإني أرجح قول الفريق الثاني من العلماء وهو حصر البدعة‬
‫في باب العبادات والذي رجح هذا القول عندي ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬إن القول بأن البدعة في الدين تنقسم إلى حسنة وسيئة مما ل أصل له‬
‫في الشرع فل دليل عليه من قول الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فلم يرد‬
‫لفظ البدعة على لسان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إل على سبيل‬
‫الذم ‪.‬‬
‫وأما قول عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ) : -‬نعمت البدعة هذه ( فليس فيه ما يفيد‬
‫أن لفظ البدعة بمجرده يطلق في الشرع على ما هو حسن وإنما يقصد بقول‬
‫عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬البدعة بمعناها اللغوي فهي التي تنقسم إلى حسنة‬
‫وسيئة ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع‬
‫حسنها وهذه تسمية لغوية ل تسمية شرعية وذلك أن البدعة في اللغة تعم‬
‫كل فعل ابتداء من غير مثال سابق وأما البدعة الشرعية فكل ما لم يدل‬
‫عليه دليل شرعي [ )‪.(3‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقال المام الشاطبي مجيبا ومعلقا على قول عمر نعمت البدعة ‪ ]:‬بأن صلة‬
‫التراويح في رمضان جماعة في المسجد فقد قام بها النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬واجتمع الناس خلفه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬جامع العلوم والحكم ص ‪. 81‬‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬نيل الوطار ‪. 2/89‬‬


‫)‪ (3‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪. 276‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫فخرج أبو داود عن أبي ذر قال ‪ ) :‬صمنا مع رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬رمضان فلم يقم شيئا ً من الشهر حتى بقي سبع ‪ ،‬فقام بنا حتى ذهب‬
‫ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا ؟ فلما كانت الخامسة قام بنا حتى‬
‫ذهب شطر الليل فقلنا ‪ :‬يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة ؟ قال ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬إن الرجل إذا صلى مع المام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة ‪ .‬قال ‪ :‬فلما‬
‫كانت الرابعة لم يقم ‪ ،‬فلما كانت الثالث جمع أهله ونسائه والناس فقام بنا‬
‫حتى خشينا أن يفوتنا الفلح ‪ .‬قال ‪ ،‬قلت ‪ :‬وما الفلح ؟ قال السحور ‪ .‬ثم لم‬
‫يقم بنا بقية الشهر ( ونحوه في الترمذي وقال فيه‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫لكنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لما خاف افتراضه على المة أمسك عن ذلك‬
‫ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها ‪ ) :‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلته ناس ‪ .‬ثم صلى القابلة فكثر‬
‫الناس ثم اجتمعوا الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فلما أصبح قال ‪ ) :‬قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من‬
‫الخروج إل أني خشيت أن يفرض عليكم ( وذلك في رمضان وخرجه مالك‬
‫في الموطأ ‪.‬‬
‫فتأملوا ففي هذا الحديث ما يدل على كونها سنة فإن قيامه أول ً بهم دليل‬
‫على صحة القيام في المسجد جماعة في رمضان وامتناعه بعد ذلك من‬
‫الخروج خشية الفتراض ل يدل على امتناعه مطلقا ً لن زمانه كان زمان‬
‫ي وتشريع فيمكن أن يوحى إليه إذا عمل به الناس باللزام ‪ :‬فلما زالت‬ ‫وح ٍ‬
‫علة التشريع بموت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬رجع المر إلى أصله‬
‫وقد ثبت الجواز فل ناسخ له ‪.‬‬
‫وإنما لم يقم ذلك أبو بكر‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬لحد أمرين ‪ :‬إما لنه رأى أن‬
‫قيام الناس آخر الليل وما هم به عليه كان أفضل عنده من جمعهم على إمام‬
‫أول الليل‪ ،‬ذكره الطرطوشي ‪ ،‬وإما لضيق زمانه ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن‬
‫النظر في هذه الفروع مع شغله بأهل الردة وغير ذلك مما هو أوكد من صلة‬
‫التراويح ‪.‬‬
‫فلما تمهد السلم في زمن عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬ورأى الناس في المسجد‬
‫أوزاعا ً ‪ -‬كما جاء في الخبر ‪ -‬قال ‪ :‬لو جمعت الناس على قارئ واحد لكان‬
‫أمثل فلما تم له ذلك نبه على أن قيامهم آخر الليل أفضل ثم اتفق السلف‬
‫على صحة ذلك وإقراره والمة ل تجتمع على ضللة ‪.‬‬
‫وقد نص الصوليون أن الجماع ل يكون إل عن دليل شرعي ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فقد سماها عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬بدعة وحسنها بقوله ‪ :‬نعمت‬
‫البدعة هذه وإذا ثبت بدعة مستحسنة في الشرع ثبت مطلق الستحسان في‬
‫البدع ‪.‬‬
‫فالجواب ‪ :‬إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬ل أنها بدعة في المعنى فمن سماها بدعة بهذا العتبار فل‬
‫مشاحة في السامي وعند ذلك فل يجوز أن يستدل بها على جواز البتداع‬
‫بالمعنى المتكلم فيه ؟‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه فقد قالت عائشة رضي الله تعالى‬
‫عنها ‪ ):‬إن كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ليدع العمل وهو يحب‬
‫أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ([ )‪.(1‬‬
‫وقال ابن حجر المكي ‪ ]:‬وقول عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في التراويح نعمت‬
‫البدعة هي ‪ ،‬أراد البدعة اللغوية وهي ما فعل على غير مثال كما قال تعالى ‪:‬‬
‫ل ( وليست البدعة شرعا ً فإن البدعة الشرعية‬ ‫س ِ‬ ‫ن الّر ُ‬
‫م َ‬
‫عا ِ‬
‫ت ب ِد ْ ً‬‫ما ك ُن ْ ُ‬ ‫) قُ ْ‬
‫ل َ‬
‫ضللة كما قال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.(2) [ -‬‬
‫‪ .2‬قال الشاطبي ‪ ]:‬إن هذا التقسيم ‪ -‬تقسيم البدعة خمسة أقسام ‪ -‬أمر‬
‫مخترع ل يدل عليه دليل شرعي بل هو في نفسه متدافع لن من حقيقة‬
‫البدعة أن ل يدل عليها دليل شرعي ل من نصوص الشرع ول من قواعده إذ‬
‫م‬
‫لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ث ّ‬
‫بدعة وكان العمل داخل ً في عموم العمال المأمور بها أو المخير فيها ‪) [ ...‬‬
‫‪.(3‬‬
‫‪ .3‬إن قول الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬كل بدعة ضللة ( عام في‬
‫كل بدعة أحدثت بعده ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬للتقرب بها إلى الله عز وجل‬
‫‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬وهؤلء المعارضون يقولون ‪ :‬ليست كل بدعة‬
‫ضللة ‪ ،‬والجواب ‪ :‬أما أن القول ‪ ):‬أن شر المور محدثاتها وأن كل بدعة‬
‫ضللة وكل ضللة في النار ( والتحذير من المور المحدثات ‪ :‬فهذا نص‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فل يحل لحد أن يدفع دللته على ذم‬
‫البدع ومن نازع في دللته فهو مراغم ‪ -‬أي مكابر معاند ‪ -‬وأما المعارضات ‪:‬‬
‫فالجواب عنها بأحد جوابين ‪.‬‬
‫ً‬
‫إما بأن يقال ‪ :‬ما ثبت حسنه فليس من البدع ‪ ،‬فيبقى العموم محفوظا ل‬
‫خصوص فيه ‪.‬‬
‫وإما أن يقال ‪ :‬ما ثبت حسنه فهو مخصوص من هذا العموم فيبقى العموم‬
‫محفوظا ً ل خصوص فيه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬العتصام ‪ ، 195-1/193‬وانظر الحوادث والبدع ص ‪ ، 52-51‬البداع ص‬
‫‪80-78‬‬
‫)‪ (2‬الفتاوى الحديثية ص ‪. 281‬‬
‫)‪ (3‬العتصام ‪. 192-1/191‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وإما أن يقال ‪ :‬ما ثبت حسنه فهو مخصوص من العموم والعام المخصوص‬
‫دليل فيما عدا صورة التخصيص ‪ ،‬فمن اعتقد أن بعض البدع مخصوص من‬
‫هذا العموم احتاج إلى دليل يصلح للتخصيص وإن كان ذلك العموم اللفظي‬
‫المعنوي موجبا ً للنهي ‪.‬‬
‫ثم المخصص ‪ :‬هو الدلة الشرعية من الكتاب والسنة والجماع نصا ً‬
‫واستنباطا ً وأما عادة بعض البلد أو أكثرها وقول كثير من العلماء أو العباد أو‬
‫أكثرهم ونحو ذلك ‪ :‬فليس مما يصلح أن يكون معارضا ً لكلم رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حتى يعارض به ‪.‬‬
‫ومن اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناء على أن‬
‫المة أقرتها ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا العتقاد ‪ ،‬فإنه لم يزل ول يزال‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المحدثة المخالفة للسنة ول يجوز‬


‫دعوى إجماع بعمل بلد أو بلد من بلدان المسلمين فكيف بعمل طوائف منهم‬
‫؟ وإذا كان أكثر أهل العلم لم يعتمدوا عليهم عمل علماء أهل المدينة‬
‫وإجماعهم في عصر مالك بل رأوا السنة حجة عليه كما هي حجة على غيرهم‬
‫مع ما أوتوه من العلم واليمان فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادت أكثر‬
‫من اعتادها عامة أو من قيدته العامة أو قوم مترئسون بالجهالة لم يرسخوا‬
‫في العلم ول يعدون من أولي المر ول يصلحون للشورى ولعلهم لم يتم‬
‫إيمانهم بالله وبرسوله أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل‬
‫الفضل عن غير روية أو لشبهة أحسن أحوالهم فيها ‪ :‬أن يكونوا فيها بمنزلة‬
‫المجتهدين من الئمة والصديقين ؟‬
‫والحتجاج بمثل هذه الحجج والجواب عنها معلوم أنه ليس طريقة أهل العلم‬
‫لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق كثير من الناس حتى من‬
‫المنتسبين إلى العلم والدين وقد يبدو لذوي العلم والدين فيها مستند آخر من‬
‫الدلة الشرعية والله يعلم أن قوله بها وعلمه لها ليس مستندا ً آخر من الدلة‬
‫الشرعية وإن كان شبهة وإنما هو مستند إلى أمور ليست مأخوذة عن الله‬
‫ول عن رسوله من أنواع المستندات التي يستند إليها غير أولي العلم‬
‫واليمان وإنما يذكر الحجة الشرعية حجة على غيره ودفعا ً لما يناظره ‪.‬‬
‫والمجادلة المحمودة ‪ :‬إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند‬
‫القوال والعمال وأما إظهار العتماد على ما ليس هو المعتمد في القول‬
‫والعمل ‪ :‬فنوع من النفاق في العلم والجدل والكلم والعمل ‪.‬‬
‫وأيضا ً فل يجوز حمل قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬كل بدعة ضللة (‬
‫على البدعة التي نهى عنها بخصوصها لن هذا تعطيل لفائدة هذا الحديث ‪،‬‬
‫فإن ما نهى عنه من الكفر والفسوق وأنواع المعاصي قد علم بذلك النهي ‪،‬‬
‫أنه قبيح محرم سواء كان بدعة أو لم يكن بدعة ‪ ،‬فإذا كان ل منكر في الدين‬
‫إل ما نهى عنه بخصوصه سواء كان مفعول ً على عهد رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬أو لم يكن وما نهى عنه فهو منكر سواء كان بدعة أو لم يكن ‪:‬‬
‫صار وصف البدعة عديم التأثير ‪ ،‬ل يدل وجوده على القبح ول عدمه على‬
‫الحسن بل يكون قوله ‪ ) :‬كل بدعة ضللة ( بمنزلة قوله ‪ ):‬كل عادة ضللة (‬
‫أو ‪ ):‬كل ما عليه العرب والعجم فهو ضللة ( ويراد بذلك ‪ :‬أن ما نهى عنه‬
‫من ذلك فهو الضللة ‪.‬‬
‫وهذا تعطيل للنصوص من نوع التحريف واللحاد ليس من نوع التأويل السائغ‬
‫وفيه من المفاسد أشياء ‪.‬‬
‫أحدها ‪ :‬سقوط العتماد على هذا الحديث فإن ما علم أنه منهى عنه‬
‫بخصوصه فقد علم حكمه بذلك النهي وما لم يعلم يندرج في هذا الحديث فل‬
‫يبقى في هذا الحديث فائدة مع كون النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان‬
‫يخطب به في الجمع ويعده من جوامع الكلم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن لفظ البدعة ومعناها يكون اسما ً عديم التأثير فتعليق الحكم بهذا‬
‫اللفظ أو المعنى تعليق له بما ل تأثير له كسائر الصفات العديمة التأثير ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن الخطاب بمثل هذا إذا لم يقصد إل الوصف الخر ‪ -‬وهو كونه منهيا ً‬
‫عنه ‪ -‬كتمان لما يجب بيانه وبيان لما لم يقصد ظاهره فإن البدعة والنهي‬
‫الخاص بينهما عموم وخصوص إذ ليس كل بدعة جاء عنها نهي خاص وليس‬
‫كل ما جاء فيه نهي خاص بدعة فالتكلم بأحد السمين وإرادة الخر تلبيس‬
‫محض ل يسوغ للمتكلم إل أن يكون مدلسا ً كما لو قال " السود " وعنى به‬
‫الفرس أو " الفرس " وعنى به السود ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرابع ‪ :‬أن قوله ‪ ):‬كل بدعة ضللة وإياكم ومحدثات المور ( إذا أراد بهذا ما‬
‫فيه نهي خاص كان قد أحالهم في معرفة المراد بهذا الحديث على ما ل يكاد‬
‫يحيط به أحد ول يحيط بأكثره إل خواص المة ومثل هذا ل يجوز بحال ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬أنه إذا أريد به ما فيه النهي الخاص كان ذلك أقل مما ليس فيه‬
‫نهي خاص من البدع فإنك لو تأملت البدع التي نهى عنها بأعيانها وما لم ينه‬
‫عنها بأعيانها وجدت هذا الضرب هو الكثر واللفظ العام ل يجوز أن يراد به‬
‫الصور القليلة أو النادرة ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫فهذه الوجوه وغيرها توجب القطع بأن هذا التأويل فاسد ل يجوز حمل‬
‫الحديث عليه سواء أراد المتأول أن يعضد التأويل بدليل صارف أو لم يعضده‬
‫فإن على المتأول بيان جواز إرادة المعنى الذي حمل الحديث عليه من ذلك‬
‫الحديث ثم بيان الدليل الصارف له إلى ذلك ‪.‬‬
‫وهذه الوجوه تمنع جواز إرادة هذا المعنى بالحديث ‪.‬‬
‫فهذا الجواب عن مقامهم الول ‪.‬‬
‫وأما مقامهم الثاني فيقال ‪ :‬هب أن البدع تنقسم إلى حسن وقبيح فهذا القدر‬
‫ل يمنع أن يكون هذا الحديث دال ً على قبح الجميع لكن أكثر ما يقال أنه إذا‬
‫ثبت أن هذا حسن يكون مستثنى من العموم وإل فالصل أن كل بدعة‬
‫ضللة ‪.‬‬
‫فقد تبين أن الجواب عن كل ما يعارض به من أنه حسن وهو بدعة إما بأنه‬
‫ليس ببدعة وإما بأنه مخصوص فقد سلمت دللة الحديث ‪.‬‬
‫وهذا الجواب إنما هو عما ثبت حسنه ‪.‬‬
‫فأما أمور أخرى قد يظن أنها حسنة وليست بحسنة أو أمور يجوز أن تكون‬
‫حسنة ويجوز أن ل تكون حسنة فل تصلح المعارضة بها بل يجاب عنها‬
‫بالجواب المركب ‪.‬‬
‫ً‬
‫وهو إن ثبت أن هذا حسن فل يكون بدعة أو يكون مخصوصا وإن لم يثبت أنه‬
‫حسن فهو داخل في العموم ‪.‬‬
‫وإذا عرفت أن الجواب عن هذه المعارضة بأحد الجوابين فعلى التقديرين‬
‫الدللة من الحديث باقية ل ترد بما ذكروا ول يحل لحد أن يقابل هذه الكلمة‬
‫الجامعة من رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الكلية وهي قوله ‪ ):‬كل‬
‫بدعة ضللة ( بسلب عمومها وهو أن يقال ‪ :‬ليست كل بدعة ضللة فإن هذا‬
‫إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل [ )‪.(1‬‬
‫‪ .4‬ويضاف إلى ما قرره شيخ السلم ابن تيمية أن قول الرسول‬
‫ورة‬‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬كل بدعة ضللة ( كلية عامة شاملة مس ّ‬
‫بأقوى أدوات الشمول والعموم " كل " والذي نطق بهذه الكلية وهو الرسول‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يعلم مدلول هذا اللفظ وهو أفصح الخلق وأنصح‬
‫الخلق للخلق ل يتلفظ إل بشيء يقصد معناه )‪.(2‬‬
‫‪ .5‬ل تعارض بين قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬من سن في السلم‬
‫سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ( رواه مسلم ‪،‬‬
‫وبين قوله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬كل بدعة ضللة ( ‪ ،‬فإنه ل يمكن أن‬
‫يصدر عن الصادق المصدوق قول يكذب قول ً آخر له ول يمكن أن يتناقض‬
‫كلم رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أبدا ً وبيان دفع التعارض بين‬
‫الحديثين أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ ):‬من سن في‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم ( والبدع ليست من السلم ‪ ،‬ويقول ‪ ):‬حسنة ( والبدعة ليست‬


‫بحسنة وفرق بين السن والبتداع ‪.‬‬
‫ويمكن أن يقال إن معنى قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬من سن ( أي من‬
‫أحيا سنة كانت موجودة فعدمت فأحياها وعلى هذا فيكون " السن " إضافيا ً‬
‫نسبيا ً كما تكون البدعة إضافية نسبية لمن أحيا سنة بعد أن تركت ‪.‬‬
‫ويمكن أن يقال أيضا ً إن سبب ورود الحديث ‪ ):‬من سن ( وهو قصة النفر‬
‫الذين وفدوا على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وكانوا في حالة شديدة من‬
‫الضيق فدعا النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إلى التبرع لهم فجاء رجل من‬
‫النصار بصرة من فضة كادت تثقل يده فوضعها بين يدي الرسول ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ، -‬فجعل وجه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يتهلل من الفرح‬
‫والسرور وقال ‪ ):‬من سن في السلم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل‬
‫بها إلى يوم القيامة ( فهنا يكون معنى " السن " سن العمل تنفيذا ً وليس‬
‫سن العمل تشريعا ً فصار معنى ) من سن في السلم سنة حسنة ( من عمل‬
‫بها تنفيذا ً ل تشريعا ً لن التشريع ممنوع )‪.(3‬‬
‫ة بدعة فيقال‪ ):‬إنما‬‫وأما الجواب عن تسمية ابن عمر لصلة الضحى جماع ً‬
‫ة ل أنها مخالفة‬ ‫أنكر ابن عمر ملزمتها وإظهارها في المسجد وصلتها جماع ً‬
‫للسنة فصلة الضحى ثابتة في السنة ل شك في ذلك ول ريب )‪.(4‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪. 274-270‬‬
‫)‪ (2‬البداع في كمال الشرع ص ‪. 18‬‬
‫)‪ (3‬المصدر السابق ص ‪ 20-18‬بتصرف ‪.‬‬
‫)‪ (4‬فتح الباري ‪ ، 3/295‬وانظر شرح النووي على صحيح مسلم ‪، 2/343‬‬
‫‪. 3/382‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫إذا تقرر هذا فإن البدعة هي التعبد لله بما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى ول‬
‫جاء به الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولم يأت عن الخلفاء الراشدين‬
‫وهذا ل يكون إل في العقائد والعبادات فالبدعة التي تعد بدعة في الدين هي‬
‫البدعة في العقيدة أو العبادة قولية أو فعلية كبدعة نفي القدر وبناء المساجد‬
‫على القبور وإقامة القباب على القبور وقراءة القرآن عندها للموات‬
‫والحتفال بالموالد إحياء لذكرى الصالحين والوجهاء والستغاثة بغير الله‬
‫والطواف حول المزارات فهذه وأمثالها كلها ضلل لقول النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) : -‬إياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة‬
‫ضللة ( لكن منها ما هو شرك أكبر يخرج من السلم كالستغاثة بغير الله‬
‫فيما هو من وراء السباب العادية والذبح والنذر لغير الله إلى أمثال ذلك مما‬
‫هو عبادة مختصة بالله ومنها ما هو ذريعة إلى الشرك كالتوسل إلى الله بجاه‬
‫الصالحين والحلف بغير الله وقول الشخص ما شاء الله وشئت ول تنقسم‬
‫البدع في العبادات إلى الحكام الخمسة كما زعم بعض الناس لعموم‬
‫الحديث ‪ ):‬كل بدعة ضللة ([ )‪.(1‬‬
‫ً‬
‫وأما المور العادية والدنيوية فالمحدث منها ل يسمى بدعة شرعا وإن سمي‬
‫بدعة لغة فل تعد المحدثات الجديدة بدعا ً في الدين مثل الطائرات ووسائل‬
‫التصالت ومكبرات الصوت ‪ ...‬الخ ‪.‬‬
‫وكذلك ما يعد من الوسائل كتعلم العلوم المختلفة كعلم النحو وكذا طبع‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المصحف وحفظه بوسائل الحفظ الحديثة كالشرطة المسجلة والحاسوب‬


‫ونحوها فهذه الوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد فإذا كانت الغايات‬
‫مشروعة كانت وسائلها المؤدية إليها مشروعة وليست من البدع في شيء‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫الصل في العبادة التباع‬
‫إن الصل في باب العبادات هو اتباع الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بدون‬
‫زيادة ول نقصان فليس لحد مهما كان أن يزيد في العبادة شيئا ً ول أن ينقص‬
‫منها شيئا ً وقد أمر الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في حديثين صحيحين‬
‫مشهورين باللتزام بالعبادة كما فعلها هو عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫أولهما ‪ :‬قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬صلوا كما رأيتموني أصلي ( وهذا‬
‫بعض حديث رواه المام البخاري في صحيحه بسنده عن أبي قلبة قال ‪:‬‬
‫حدثنا مالك ‪ -‬هو ابن الحويرث ‪ -‬رضي الله عنه ‪ - -‬قال ‪ ):‬أتينا رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين يوما ً وليلة‬
‫وكان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬رحيما ً رفيقا ً فلما ظن أنا قد‬
‫اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه ‪ .‬قال ‪ :‬ارجعوا إلى‬
‫أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وذكر أشياء أحفظها أو ل أحفظها‬
‫وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم‬
‫أكبركم ( )‪.(2‬‬
‫فهذا الحديث الصحيح الصريح يقرر هذا الصل وهو لزوم التباع في الصلة‬
‫كما كان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يصلي ‪ .‬فنؤدي الصلة كما وردت عن‬
‫رسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بل زيادة ول نقصان ‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬قول الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬خذوا عني مناسككم (‬
‫وهو حديث صحيح رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم بألفاظ‬
‫متقاربة )‪.(3‬‬
‫ً‬
‫روى المام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي الزبير أنه سمع جابرا يقول‪:‬‬
‫) رأيت النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يرمي على راحلته يوم النحر ويقول ‪:‬‬
‫لتأخذوا مناسككم فإني ل أدري لعلي ل أحج بعد حجتي هذه ( )‪.(4‬‬
‫قال المام النووي في شرحه للحديث ‪ ) :‬وأما قوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫‪ ) :‬لتأخذوا مناسككم ( فهذه اللم لم المر ومعناه خذوا مناسككم وهكذا‬
‫وقع في رواية غير مسلم ‪ ،‬وتقديره هذه المور التي أتيت بها في حجتي من‬
‫القوال والفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم فخذوها عني‬
‫واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس ‪.‬‬
‫وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ): -‬صلوا كما رأيتموني أصلي ([ )‪.(5‬‬
‫ولفظ رواية النسائي ‪ ):‬رأيت رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يرمي‬
‫الجمرة وهو على بعيره وهو يقول يا أيها الناس خذوا عني مناسككم فإن ل‬
‫أدري لعلي ل أحج بعد عامي هذا ( )‪.(6‬‬
‫فهذان الحديثان يدلن على أن الصل في العبادات هو التوقيف على رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فل يثبت شيء من العبادات إل بدليل من‬
‫الشرع ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬وجماع الدين أصلن أن ل يعبد إل الله ول‬
‫نعبده إل بما شرع ل نعبده بالبدع ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬فتاوى اللجنة الدائمة ‪. 2/321‬‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 2/252‬‬


‫)‪ (3‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪ ، 3/419‬سنن أبي داود مع شرحه عون‬
‫المعبود ‪ ، 5/310‬سنن النسائي ‪ ، 5/270‬سنن ابن ماجة ‪. 2/1006‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 3/419‬‬
‫)‪ (5‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪. 3/420‬‬
‫)‪ (6‬سنن النسائي ‪. 5/270‬‬

‫)‪(12 /‬‬
‫َ‬ ‫حا وََل ي ُ ْ‬
‫دا ( )‬‫ح ً‬
‫ك ب ِعَِباد َةِ َرب ّهِ أ َ‬‫شرِ ْ‬ ‫صال ِ ً‬‫مًل َ‬‫ل عَ َ‬ ‫م ْ‬‫قاَء َرب ّهِ فَل ْي َعْ َ‬‫جوا ل ِ َ‬‫ن ي َْر ُ‬‫كا َ‬‫ن َ‬
‫م ْ‬‫) فَ َ‬
‫‪.(1‬‬
‫ً‬
‫وذلك تحقيق الشهادتين شهادة أن ل إله إل الله وشهادة أن محمدا رسول‬
‫الله ‪ ،‬ففي الولى ‪ :‬أن ل نعبد إل إياه ‪.‬‬
‫وفي الثانية ‪ :‬أن محمدا ً هو رسوله المبلغ فعلينا أن نصدق خبره ونطيع أمره‬
‫وقد بين لنا ما نعبد الله به ونهانا عن محدثات المور وأخبر أنها ضللة ‪ ،‬قال‬
‫ف‬
‫خو ْ ٌ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ وََل َ‬‫جُرهُ ِ‬ ‫تعالى ‪ ):‬بَلى من أ َسل َم وجهه ل ِل ّه وهُو محسن فَل َ َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ َ ُ ْ ِ ٌ‬ ‫َ ْ ْ َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ([ )‪.(2‬‬ ‫حَزُنو َ‬ ‫م يَ ْ‬‫م وََل هُ ْ‬ ‫عَل َي ْهِ ْ‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية أيضا ً ‪ ]:‬إن تصرفات العباد من القوال والفعال‬
‫نوعان عبادات يصلح بها دينهم وعادت يحتاجون إليها ‪.‬‬
‫فباستقراء أصول الشريعة نعلم أن العبادات التي أوجبها الله أو أحبها ل يثبت‬
‫المر بها إل بالشرع ‪.‬‬
‫وأما العادات فهي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والصل فيه‬
‫عدم الحظر فل يحظر منه إل ما حظره الله سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫ً‬
‫وذلك لن المر والنهي هما شرع الله والعبادة ل بد أن تكون مأمورا بها فما‬
‫لم يثبت أنه مأمور به كيف يحكم عليه بأنه محظور ؟ ولهذا كان أحمد وغيره‬
‫من فقهاء أهل الحديث يقولون ‪ :‬إن الصل في العبادات التوقيف فل يشرع‬
‫منها إل ما شرعه الله وإل دخلنا في معنى قوله تعالى ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ه ([)‪.(3‬‬ ‫ن ب ِهِ الل ُ‬‫م ي َأذ َ ْ‬‫ما ل َ ْ‬
‫ن َ‬‫دي ِ‬‫ن ال ّ‬‫م َ‬‫م ِ‬ ‫عوا ل َهُ ْ‬‫شَر ُ‬ ‫كاُء َ‬‫شَر َ‬ ‫) أم لهم ُ‬
‫وقال العلمة ابن القيم ‪ ... ]:‬ول دين إل ما شرعه الله فالصل في العبادات‬
‫البطلن حتى يقوم دليل على المر ‪.‬‬
‫والصل في العقود والمعاملت الصحة حتى يقوم دليل على البطلن‬
‫والتحريم ‪.‬‬
‫والفرق بينهما أن الله سبحانه وتعالى ل يعبد إل بما شرعه على ألسنة رسله‬
‫فإن العبادة حقه على عباده وحقه الذي أحقه هو ورضي به وشرعه‪ .‬وأما‬
‫العقود والشروط والمعاملت فهو عفو حتى يحرمها ‪.‬‬
‫ولهذا نعى الله سبحانه وتعالى على المشركين مخالفة هذين الصلين وهو‬
‫تحريم ما لم يحرمه والتقرب إليه بما لم يشرعه ‪.(4) [ ...‬‬
‫ومما يؤيد هذا الصل ويدل عليه وقوف الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم‬
‫من السلف عند ما حد ّ رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فمن ذلك ‪:‬‬
‫‪ .1‬ما ثبت عن عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ): -‬أنه قبل الحجر السود‬
‫وقال ‪ :‬إني لقبلك وإني لعلم أنك حجر ولكني رأيت رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يقبلك ( متفق عليه )‪.(5‬‬
‫قال المام النووي ‪ ]:‬وأما قول عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ): -‬لقد علمت أنك‬
‫حجر وإني لعلم أنك حجر وأنك ل تضر ول تنفع ( فأراد به بيان الحث على‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القتداء برسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في تقبيله ونبه على أنه لول‬
‫القتداء به لما فعله ‪.‬‬
‫وإنما قال ‪ ):‬وإنك ل تضر ول تنفع ( لئل يغتر بعض قريبي العهد بالسلم‬
‫الذين كانوا ألفوا عبادة الحجار وتعظيمها رجاء نفعها وخوف الضرر بالتقصير‬
‫في تعظيمها وكان العهد قريبا ً بذلك ‪ ،‬فخاف عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن يراه‬
‫بعضهم يقبله ويعتني به فيشتبه عليه فبين أنه ل يضر ول ينفع بذاته وإن كان‬
‫امتثال ما شرع فيه ينفع بالجزاء والثواب ‪.(6) [ ...‬‬
‫‪ .2‬وثبت عن عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في حادثة تقبيل الحجر السود وما قال‬
‫فيه أنه قال بعد ذلك ‪ ):‬فما لنا وللرمل ؟ إنما كنا راءينا المشركين وقد‬
‫أهلكهم الله ثم قال ‪ :‬شيء صنعه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فل نحب أن‬
‫نتركه ( رواه البخاري)‪.(7‬‬
‫ومعنى قوله ) رائينا ( من الرؤية أي أريناهم بذلك أنا أقوياء قاله الحافظ ابن‬
‫حجر )‪.(8‬‬
‫وجاء في رواية أخرى عن عمر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قوله ‪ ):‬فيم الرملن الن‬
‫والكشف عن المناكب وقد أظهر الله السلم ونفى الكفر وأهله ؟ ومع ذلك‬
‫ل ندع شيئا ً كنا نفعله على عهد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ( -‬رواه‬
‫ابن ماجة بنحوه ورواه أحمد)‪.(9‬‬
‫‪ .3‬وعن يعلى بن أمية قال ‪ ):‬طفت مع عمر بن الخطاب فلما كنت عند‬
‫الركن الذي يلي الباب مما يلي الحجر أخذت بيده ليستلم فقال ‪ :‬أما طفت‬
‫مع رسول الله ؟ قلت ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬فهل رأيته يستلمه قلت ل ؟ قال ‪ :‬فأبعد‬
‫عنه فإن لك في رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أسوة حسنة ( رواه‬
‫أحمد ورجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني في الوسط كما قال الهيثمي ‪،‬‬
‫ورواه البيهقي أيضا ً )‪.(10‬‬
‫‪ .4‬وفي رواية عند المام أحمد أن يعلى بن أمية قال ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة الكهف الية ‪. 110‬‬
‫)‪ (2‬العبودية ص ‪. 171-170‬‬
‫)‪ (3‬القواعد النورانية ص ‪. 79-78‬‬
‫)‪ (4‬إعلم الموقعين ‪. 1/344‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 4/217‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 3/396‬‬
‫)‪ (6‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪. 3/397‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 4/217‬‬
‫)‪ (8‬فتح الباري ‪. 4/217‬‬
‫)‪ (9‬سنن ابن ماجة ‪ ، 2/984‬الفتح الرباني ‪. 12/20‬‬
‫)‪ (10‬مجمع الزوائد ‪ ، 3/240‬الفتح الرباني ‪ ، 12/32‬سنن البيهقي ‪. 5/77‬‬

‫)‪(13 /‬‬

‫) طفت مع عثمان ‪ ( ...‬فذكر نحو الحديث السابق ‪ ،‬قال الساعاتي ‪ ] :‬فلعل‬


‫القصة وقعت ليعلى بن أمية مرتين مرة مع عمر ومرة مع عثمان ‪ .‬ورواه أبو‬
‫يعلى بإسنادين أحدهما رجاله رجال الصحيح وسند المام أحمد فيه راوٍ لم‬
‫م [ )‪.(1‬‬
‫يس ّ‬
‫‪ .5‬وعن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه طاف مع معاوية‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬بالبيت فجعل معاوية يستلم الركان كلها فقال له ابن عباس ‪ ):‬لم‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يستلمهما‬
‫ن‬ ‫قد ْ َ‬
‫كا َ‬ ‫؟ فقال معاوية ‪ :‬ليس شيء من البيت مهجورا ً ‪ .‬فقال ابن عباس ‪ ) :‬ل َ َ‬
‫ُ‬
‫ة ( فقال معاوية ‪ :‬صدقت ( رواه أحمد‬ ‫سن َ ٌ‬‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫والترمذي ‪ ،‬وقال ‪ ) :‬حسن صحيح ‪ ،‬والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم أن‬
‫ل يستلم إل الحجر السود والركن اليماني ( ورواه البخاري تعليقا ً )‪.(2‬‬
‫قال الشيخ الساعاتي معلقا ً على كلم ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم ‪] :‬‬
‫يعني ‪ -‬أي معاوية ‪ -‬أنها كلها أركان البيت فل نستلم البعض ونترك البعض ‪.‬‬
‫يريد ابن عباس أننا لم نترك استلم الركنين هجرا ً للبيت ولكننا رأينا رسول‬
‫م ِفي‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫كا َ‬ ‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يفعل ذلك ففعلنا مثله ) ل َ َ‬
‫قد ْ َ‬
‫ُ‬
‫ة ( فرجع معاوية إلى قول ابن عباس رضي الله عنهم‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬‫سو ِ‬ ‫َر ُ‬
‫حينما ظهر له الدليل وقال صدقت ‪ .‬وهكذا شأن المؤمن إذ ظهر له الحق‬
‫وكان مخالفا ً لرأيه طرح رأيه واتبع الحق والرجوع إلى الحق فضيلة [ )‪.(3‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ ]:‬وأجاب الشافعي عن قول من قال ليس شيء من‬
‫البيت مهجورا ً بأنا لم ندع استلمهما هجرا ً للبيت وكيف يهجره وهو يطوف‬
‫به ؟ ولكن نتبع السنة فعل ً أو تركا ً ولو كان ترك استلمهما هجرا ً لهما لكان‬
‫ترك استلم ما بين الركان هجرا ً ول قائل به [ )‪.(4‬‬
‫‪ .6‬وعن حذيفة بن اليمان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬كل عبادة ل يتعبدها‬
‫أصحاب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فل تعبدوها فإن الول لم يدع‬
‫للخر مقال ً فاتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم ( وقد‬
‫مضى ‪.‬‬
‫‪ .7‬وقد ورد عن نافع أن رجل ً عطس إلى جنب ابن عمر فقال ‪ ]:‬الحمد لله‬
‫والسلم على رسول الله ‪ .‬قال ابن عمر ‪ :‬وأنا أقول الحمد لله والسلم على‬
‫رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬علمنا‬
‫أن نقول ‪ :‬الحمد لله على كل حال [ رواه الترمذي والحاكم وقال الحاكم ‪:‬‬
‫صحيح السناد غريب ووافقه الذهبي وحسنه الشيخ اللباني )‪.(5‬‬
‫‪ .8‬وورد عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجل ً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من‬
‫ركعتين يكثر فيهما الركوع والسجود فنهاه فقال ‪ ]:‬يا أبا محمد يعذبني الله‬
‫على الصلة ؟! قال ‪ :‬ل ولكن يعذبك على خلف السنة [ رواه البيهقي وعبد‬
‫الرزاق والخطيب )‪.(6‬‬
‫‪ .9‬وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال ‪ ]:‬سمعت مالك بن أنس وأتاه‬
‫رجل فقال ‪ :‬يا أبا عبد الله من أين أحرم ؟ قال ‪ :‬من ذي الحليفة من حيث‬
‫أحرم رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ . -‬فقال ‪ :‬إني أريد أن أحرم من‬
‫المسجد ‪ .‬فقال ‪ :‬ل تفعل ‪ .‬قال ‪ :‬فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند‬
‫القبر ‪ .‬قال ‪ :‬ل تفعل فإني أخشى عليك الفتنة ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬وأي فتنة هذه ؟ إنما هي أميال أزيدها ‪ .‬قال ‪ :‬وأي فتنة أعظم من أن‬
‫صر عنها رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬؟‬ ‫ترى أنك سبقت إلى فضيلة ق ّ‬
‫ة أوَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م فِت ْن َ ٌ ْ‬ ‫صيب َهُ ْ‬‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬‫ن عَ ْ‬
‫فو َ‬‫خال ِ ُ‬
‫ن يُ َ‬ ‫حذ َرِ ال ِ‬
‫ذي َ‬ ‫إني سمعت الله يقول ‪ ) :‬فَل ْي َ ْ‬
‫م ( [ ذكره الخطيب البغدادي والشاطبي )‪.(7‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬‫يُ ِ‬
‫‪ .10‬قال الشيخ اللباني ‪ ]:‬روى الطبراني بسند صحيح عن طلحة بن مصرف‬
‫قال ‪ ]:‬زاد ربيع بن خيثم في التشهد وبركاته ‪ ":‬ومغفرته "! فقال علقمة‬
‫نقف حيث عُّلمنا ‪ :‬السلم عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ‪.‬‬
‫وعلقمة تلقى هذا التباع من أستاذه عبد الله بن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫فقد ثبت عنه أن كان يعلم رجل ً التشهد فلما وصل إلى قوله ‪ ":‬أشهد أن ل‬
‫إله الله " قال الرجل ‪ :‬وحده ل شريك له ‪ .‬فقال عبد الله ‪ :‬هو كذلك ولكن‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ننتهي إلى ما عُّلمنا أخرجه الطبراني في الوسط بسند صحيح [ )‪.(8‬‬


‫__________‬
‫)‪ (1‬مجمع الزوائد ‪ ، 3/240‬الفتح الرباني ‪. 12/32‬‬
‫)‪ (2‬الفتح الرباني ‪ ، 12/41‬تحفة الحوذي ‪ ، 3/505‬صحيح البخاري مع الفتح‬
‫‪. 220-4/219‬‬
‫)‪ (3‬الفتح الرباني ‪. 12/41‬‬
‫)‪ (4‬فتح الباري ‪. 4/220‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي ‪ ، 5/76‬المستدرك ‪ ، 5/377‬صحيح سنن الترمذي ‪2/353‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (6‬سنن البيهقي ‪ ، 2/466‬مصنف عبد الرزاق ‪ ، 3/52‬الفقيه والمتفقه‬
‫‪. 1/147‬‬
‫)‪ (7‬الفقيه والمتفقه ‪ ، 1/148‬العتصام ‪. 1/132‬‬
‫)‪ (8‬انظر صفة صلة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ص ‪ 145‬هـ ‪. 2‬‬

‫)‪(14 /‬‬

‫‪ .11‬وعن علي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬لو كان الدين بالرأي لكان أسفل‬
‫الخف أولى بالمسح من أعله وقد رأيت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫يمسح على ظاهر خفيه ( رواه أبو داود والدارمي وصححه الحافظ ابن حجر‬
‫واللباني )‪.(1‬‬
‫وبناء على هذا الصل المهم فإنه يشترط في العبادات التباع ول يجوز‬
‫البتداع وحتى يكون التباع صحيحا ً ل بد أن يكون العمل موافقا ً للشريعة في‬
‫المور الستة التالية ‪ ] :‬الول ‪ :‬السبب فإذا تعبد النسان لله عبادة مقرونة‬
‫بسبب ليس شرعيا ً فهي بدعة مردودة على صاحبها مثال ذلك أن بعض‬
‫الناس يحيي ليلة السابع والعشرين من رجب بحجة أنها الليلة التي عرج فيها‬
‫برسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فالتهجد عبادة ولكن لما قرن بهذا‬
‫السبب كان بدعة لنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعا ً وهذا‬
‫الوصف ‪-‬موافقة العبادة للشريعة في السبب‪ -‬أمر مهم يتبين به ابتداع كثير‬
‫مما يظن أنه من السنة وليس من السنة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬الجنس فل بد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها فلو تعبد‬
‫إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة مثال ذلك أن يضحي‬
‫رجل بفرس فل يصح أضحية لنه خالف الشريعة في الجنس فالضاحي ل‬
‫تكون إل من بهيمة النعام البل ‪ ،‬البقر ‪ ،‬الغنم ‪.‬‬
‫در فلو أراد إنسان أن يزيد صلة على أنها فريضة فنقول ‪ :‬هذه‬ ‫ق ْ‬
‫الثالث ‪ :‬ال َ‬
‫بدعة غير مقبولة لنها مخالفة للشرع في القدر ومن باب أولى لو أن‬
‫النسان صلى الظهر مثل ً فصلى خمسا ً فإن صلته ل تصح بالتفاق ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬الكيفية فلو أن رجل ً توضأ فبدأ بغسل رجليه ثم مسح رأسه ثم غسل‬
‫يديه ثم وجهه فنقول‪ :‬وضوؤه باطل لنه مخالف للشرع في الكيفية‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬الزمان فلو أن رجل ً ضحى في أول أيام ذي الحجة فل تقبل‬
‫الضحية لمخالفة الشرع في الزمان وسمعت أن بعض الناس في شهر‬
‫رمضان يذبحون الغنم تقربا ً لله تعالى بالذبح وهذا العمل بدعة على هذا‬
‫الوجه لنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إل الضحية والهدي‬
‫والعقيقة أما الذبح في رمضان مع اعتقاد الجر على الذبح كالذبح في عيد‬
‫الضحى فبدعة وأما الذبح لجل اللحم فهذا جائز ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السادس ‪ :‬المكان فلو أن رجل ً اعتكف في غير مسجد فإن اعتكافه ل يصح‬
‫وذلك لن العتكاف ل يكون إل في المساجد ولو قالت إمرأة أريد أن أعتكف‬
‫في مصلى البيت فل يصح اعتكافها لمخالفة الشرع في المكان ‪ .‬ومن المثلة‬
‫لو أن رجل ً أراد أن يطوف فوجد المطاف قد ضاق ووجد ما حوله قد ضاق‬
‫فصار يطوف من وراء المسجد فل يصح طوافه لن مكان الطواف البيت ‪،‬‬
‫ن َوالّرك ِّع‬ ‫مي َ‬ ‫ن َوال ْ َ‬
‫قائ ِ ِ‬ ‫في َ‬ ‫ي ِلل ّ‬
‫طائ ِ ِ‬ ‫قال الله تعالى لبراهيم الخليل ‪ ):‬وَط َهّْر ب َي ْت ِ َ‬
‫جود ِ ([ )‪.(2‬‬
‫س ُ‬‫ال ّ‬
‫فائدة لطيفة ‪ :‬قال الشيخ تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي ‪ ]:‬وجدت بخط‬
‫الوالد ‪ -‬رضي الله عنه ‪- -‬يقصد والده وهو المام علي بن عبد الكافي‬
‫السبكي ‪ : -‬فكرت عند الضطجاع في قول المضطجع ‪ :‬باسمك اللهم‬
‫وضعت جنبي وباسمك أرفعه ‪ ،‬فأردت أن أقول ‪ :‬إن شاء الله تعالى ‪ ،‬في "‬
‫َ‬
‫شاَء‬‫ن يَ َ‬‫دا إ ِّل أ ْ‬‫ك غَ ً‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫يٍء إ ِّني َفا ِ‬
‫ع ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫قول َ ّ‬
‫ن لِ َ‬ ‫أرفعه " لقوله تعالى ‪ ):‬وََل ت َ ُ‬
‫ه ( ثم قلت في نفسي ‪ :‬إن ذلك لم يرد في الحديث في هذا الذكر‬ ‫الل ّ ُ‬
‫المنقول عند النوم ولو كان مشروعا ً لذكره النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫الذي أوتي جوامع الكلم فتطلبت فرقا ً بينه وبين كل ما يجريه النسان من‬
‫المور المستقبلة المستحب فيها ذكر المشيئة ‪.‬‬
‫ول يقال ‪ :‬إن " أرفعه " حال ليس بمستقبل لمرين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬أن لفظه وإن‬
‫كان كذلك لكنا نعلم أن رفع جنب المضطجع ليس حال اضطجاعه ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أن استحباب المشيئة عام فيما ليس بمعلوم الحال أو المضي ‪.‬‬
‫وظهر لي أن الولى القتصار على الوارد في الحديث في الذكر عند النوم‬
‫بغير زيادة وأن ذلك ينبه على القاعدة ويفرق بها بين تقدم الفعل على الجار‬
‫والمجرور وتأخره عنه فإنك إذا قلت ‪ :‬أرفع جنبي باسم الله كان المعنى‬
‫بالخبار الرفع وهو عمدة الكلم وجاء الجار والمجرور بعد ذلك تكملة وإذا‬
‫قلت ‪ :‬باسم الله أرفع جنبي كان المعنى الخبار بأن الرفع كائن باسم الله‬
‫وهو عمدة الكلم ‪.‬‬
‫فافهم هذا السر اللطيف وتأمله في جميع موارد كلم العربية تجده يظهر لك‬
‫به شرف كلم المصطفى ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وملزمة المحافظة على‬
‫الذكار المأثورة عنه عليه أفضل الصلة والسلم [ )‪.(3‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫ل يجوز إثبات نوع من العبادات‬
‫لدخوله تحت الدليل العام بل ل بد من دليل خاص‬
‫وهذه مسألة مهمة ينبغي التنبيه عليها لن كثيرا ً من المبتدعين يزعمون أن‬
‫الدليل العام يؤيد بدعتهم فمثل ً يقولون إن تلوة القرآن في المآتم‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 1/192‬سنن الدارمي مع‬
‫شرحه فتح المنان ‪ 4/264‬التلخيص الحبير ‪ ، 160 /1‬صحيح سنن أبي داود‬
‫‪. 1/33‬‬
‫)‪ (2‬البداع في كمال الشرع ص ‪. 23-20‬‬
‫)‪ (3‬طبقات الشافعية ‪. 10/287‬‬

‫)‪(15 /‬‬

‫" الختمة " تدخل تحت الدلة العامة التي تحض على قراءة القرآن الكريم‪.‬‬
‫ويقولون مثل ً إن الصلة على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد الذان ‪ -‬كما‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يفعله كثير من المؤذنين بحيث أنهم يجعلونها جزًء من الذان ‪ -‬مشروعة لنها‬
‫ما‬
‫سِلي ً‬ ‫سل ّ ُ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫صّلوا عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫مُنوا َ‬
‫نآ َ‬ ‫داخله تحت عموم قوله تعالى ‪ ):‬يا أُيها ال َ‬
‫ذي َ‬
‫( )‪.(1‬‬
‫والجواب على هذه المقولة إنه ل بد من دليل خاص للعبادات حتى تكون‬
‫صحيحة وموافقة لما جاء به النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول يكفي‬
‫الستدلل بعموم الدلة وكونها داخلة في هذا العموم فمثل ً لو قال شخص‬
‫عندما رأى المصلين في المسجد يصلون سنة الفجر أشتاتا ً في أنحاء‬
‫المسجد فقال ‪ :‬يا جماعة هل اجتمعتم وصلينا سنة الفجر في جماعة لنه صح‬
‫في الحديث قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬يد الله على الجماعة ( ‪،‬‬
‫أو لن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ ) :‬صلة الجماعة تفضل صلة‬
‫الفرد بخمس أو سبع وعشرين درجة (‪.‬‬
‫فاستدلل هذا الرجل بالدلة العامة ل يقبل ول يصح ول يجوز أن تدخل سنة‬
‫الفجر في هذه العمومات ولو لم يثبت لدينا أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال ل تصلوا سنة الفجر في جماعة ‪ .‬حيث ل يوجد لدينا حديث بهذا‬
‫المعنى ‪ ،‬فصلة سنة الفجر في جماعة بدعة وإن كان الشرع قد حث على‬
‫الجماعة وعلى صلة الجماعة وأن صلة الجماعة أفضل من صلة الفرد )‪.(2‬‬
‫فقد يكون الفعل طاعة وعبادة في وقت ول يكون كذلك في وقت آخر قال‬
‫الحافظ ابن رجب الحنبلي ‪ ]:‬وليس ما كان قربة في عبادة يكون قربة في‬
‫غيرها مطلقا ً ‪ .‬فقد رأى النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬رجل ً قائما ً في‬
‫الشمس فسأل عنه ‪ ،‬فقيل ‪ :‬إنه نذر أن يقوم ول يقعد ول يستظل وأن يصوم‬
‫فأمره النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يقعد ويستظل وأن يتم صومه (‬
‫فلم يجعل قيامه وبروزه في الشمس قربة يوفى بنذرهما وقد روى أن ذلك‬
‫كان في يوم جمعة عند سماع خطبة النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو على‬
‫المنبر فنذر أن يقوم ول يقعد ول يستظل ما دام النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬يخطب إعظاما ً لسماع خطبة النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولم يجعل‬
‫النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ذلك قربة يوفى بنذره مع أن القيام عبادة في‬
‫مواضع أخرى كالصلة والذان والدعاء بعرفة والبروز للشمس قربة للمحرم‬
‫فدل على أنه ليس كل ما كان قربة في موطن يكون قربة في كل المواطن‬
‫وإنما يتبع في ذلك كله ما وردت به الشريعة في مواضعها وكذلك من تقرب‬
‫بعبادة نهى عنها بخصوصها كمن صام يوم العيد أو صلى وقت النهي [ )‪.(3‬‬
‫وقال الحافظ المقدسي ‪ -‬أبو شامة ‪ ]: -‬وأما القسم الثاني ‪ :‬الذي يظنه‬
‫معظم الناس طاعة وقربة إلى الله تعالى وهو بخلف ذلك أو تركه أفضل من‬
‫فعله فهذا الذي وضعت هذا الكتاب لجله وهو ما قد أمر الشرع به في صورة‬
‫من الصور في زمان مخصوص أو مكان معين كالصوم بالنهار والطواف‬
‫بالكعبة أو أمر به شخص دون غيره كالذي اختص به النبي‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬من المباحات والتخفيفات فيقيس الجاهل نفسه عليه فيفعله وهو‬
‫منهي عن ذلك ويقيس الصور بعضها على بعض ول يفرق بين الزمنة‬
‫والمكنة ويقع ذلك من بعضهم بسبب الحرص على الثار من إيقاع العبادات‬
‫والقرب والطاعات فيحملهم ذلك الحرص على فعلها في أوقات وأماكن‬
‫نهاهم الشرع عن إيجاد تلك الطاعات فيها ‪.‬‬
‫ومنها ما هو محرم ومنها ما هو مكروه ويورطهم الجهل وتزيين الشيطان في‬
‫أن يقولوا هذه طاعات قد ثبتت في غير هذه الوقات فنحن نفعلها أبدا ً فإن‬
‫الله تعالى ل يعاقبنا على طاعة قد أمرنا بها وحثنا عليها وندبنا إلى الستكثار‬
‫منها وهذا مثل صلواتهم في الوقات المكروهة للصلة وهي خمسة أوقات أو‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ستة معلومة عند الفقهاء ‪ .‬ثبت نهي الشرع عن الصلة فيها وكصومهم في‬
‫اليام المنهي عن الصوم فيها كصوم يومي العيد ويوم الشك وأيام منى‬
‫التشريق وكوصالهم في الصيام الذي هو من خصائص المصطفى‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وقد اشتد نكيره‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على من تعاطى ذلك‬
‫فهؤلء وأمثالهم متقربون إلى الله تعالى بما لم يشرعه بل نهى عنه ‪ ):‬وَإ َِذا‬
‫فسدوا في اْل َرض َقاُلوا إنما نحن مصل ِحو َ‬
‫م‬ ‫ن أَل إ ِن ّهُ ْ‬
‫م هُ ُ‬ ‫ِّ َ َ ْ ُ ُ ْ ُ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م َل ت ُ ْ ِ ُ‬
‫ل ل َهُ ْ‬‫ِقي َ‬
‫ن (‪.‬‬‫شعُُرو َ‬ ‫َ‬
‫ن ل يَ ْ‬ ‫َ‬
‫ن وَلك ِ ْ‬
‫دو َ‬‫س ُ‬
‫ف ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫وما أحسن ما قال ولي الله أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى ‪ :‬ليس‬
‫لمن ألهم شيئا ً من الخير أن يعمل به حتى يسمعه من الثر فإذا سمعه من‬
‫الثر عمل به وحمد الله تعالى حين وافق ما في قلبه ‪ .‬وقال أيضا ً ‪ -‬رحمه‬
‫الله ‪ : -‬ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما ً فل أقبلها إل بشاهدين‬
‫عدلين ‪ :‬الكتاب والسنة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سورة الحزاب الية ‪. 56‬‬
‫)‪ (2‬انظر فتاوى اللباني ص ‪. 50-49‬‬
‫)‪ (3‬جامع العلوم والحكم ص ‪. 83-82‬‬

‫)‪(16 /‬‬

‫وقال المام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في كتاب " الحياء " ‪ :‬من‬
‫توجه عليه رد وديعة في الحال فقام وتحرم بالصلة التي هي أقرب القربات‬
‫إلى الله تعالى عصى به فل يكفي في كون الشخص مطيعا ً كون فعله من‬
‫جنس الطاعات ما لم يراع فيه الوقت والشرط والترتيب واغتر بعض الجهال‬
‫ب (‪ .‬وظن أن هذا يقتضي‬ ‫جد ْ َواقْت َرِ ْ‬‫س ُ‬‫المتعلمين منهم بقوله تعالى ‪َ ):‬وا ْ‬
‫عموم السجود في جميع الوقات وان كل سجود على الطلق يحصل به‬
‫القرب من الله تعالى وهو قرب الكرامة واعتضد بما جاء قبل ذلك من‬
‫صّلى ( وغفل‬ ‫َ َ‬
‫دا إ َِذا َ‬
‫ذي ي َن َْهى عَب ْ ً‬‫ت ال ّ ِ‬‫التعجيب والنكار في قوله تعالى ‪ ):‬أَرأي ْ َ‬
‫عن أن السجود المقرب إلى الله تعالى هو السجود المأذون فيه وهو‬
‫المشروع ل كل سجود من حيث الصورة ‪.‬‬
‫والنكار في الية وقع على من نهى عن الصلة المأذون فيها وهي المشروعة‬
‫فتلك ل ينبغي لحد أن ينهى عنها أما إذا صلى العبد صلة قد علمنا نهي‬
‫الشارع عنها فإنه يجب على كل أحد علم به نهيه عنها فإن الشارع هو الذي‬
‫نهاه وقد ثبت ‪ ) :‬أن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬نهى عن الصلة بعد صلة‬
‫الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلة العصر حتى تغرب الشمس ( أخرجاه‬
‫في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ‪.‬‬
‫وقال عقبة بن عامر ‪ ):‬ثلث ساعات كان رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ينهى أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا ‪ :‬حين تطلع الشمس بازغة حتى‬
‫ترتفع ‪ ،‬وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضّيف الشمس‬
‫للغروب حتى تغرب ( أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫وفيه من حديث أبي هريرة‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ) :‬قال رسول الله‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬إذا أقيمت الصلة فل صلة إل المكتوبة ( زاد بعض الرواة‬
‫‪-‬وليس في كتاب مسلم‪ )-‬قيل ‪ :‬يا رسول الله ‪ :‬ول ركعتي الفجر ‪ ،‬قال ‪ :‬ول‬
‫ركعتي الفجر (‪.‬‬
‫وفي رواية أن رجل قال ‪ ):‬يا رسول الله ! أي من ساعات الليل والنهار‬ ‫ً‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تأمرني أن ل أصلي فيها ؟ فقال ‪ :‬نعم إذا صليت الصبح فأقصر عن الصلة ‪...‬‬
‫( الحديث ‪ ،‬وهو في السنن الكبير ‪.‬‬
‫وفيه وفي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها ‪ ):‬أن النبي‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ويواصل وينهى عن الوصال (‬
‫‪.‬‬
‫وفي صحيح البخاري وغيره أن عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬كان ‪:‬‬
‫) ينهى عن الركعتين بعد العصر ويضرب الناس عليهما ! وقال ابن عباس ‪:‬‬
‫كنت أضرب الناس مع ابن الخطاب رضي الله عنهما عليهما ( ‪.‬‬
‫وقال أيضا ً ‪ ) :‬كنت أصلي وأخذ المؤذن في القامة فجذبني النبي‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وقال ‪ :‬أتصلي الصبح أربع (‪.‬‬
‫ً‬
‫وعن ابن عمر رضي الله عنهما ‪ ):‬أنه رأى رجل يصلي بعد الجمعة ركعتين‬
‫في مقامه فدفعه (‪ .‬وفي رواية ‪ ):‬أنه أبصر رجل ً يصلي ركعتين في مقامه‬
‫فدفعه (‪.‬‬
‫وفي رواية ‪ ):‬أنه أبصر رجل يصلي الركعتين والمؤذن يقيم فحصبه وقال‪:‬‬ ‫ً‬
‫أتصلي الصبح أربعا ً ( أخرجهن البيهقي في السنن الكبير ‪.‬‬
‫وقد جاء في الصحيح هذا اللفظ مرفوعا ً من حديث عبد الله بن مالك بن‬
‫بجينة ‪.‬‬
‫قال البيهقي ‪ :‬روينا عن عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه كان إذا رأى‬
‫رجل ً يصلي وهو يسمع القامة ضربه ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أيجوز لمسلم أن يسمع هذه الحاديث والثار ثم يقول ‪ :‬إن النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬نهى الناس عن الصلة من حيث هي صلة وإن عمر‬
‫َ َ‬
‫دا إ َِذا‬
‫ذي ي َن َْهى عَب ْ ً‬ ‫ت ال ّ ِ‬ ‫وابن عباس رضي الله عنهما داخلن تحت قوله ‪ ):‬أَرأي ْ َ‬
‫ب(‬ ‫جد ْ َواقْت َرِ ْ‬
‫س ُ‬ ‫ه َوا ْ‬ ‫صّلى ( وأن يقال لهما جوابا ً عن نهيهما ‪ ) :‬ك َّل َل ت ُط ِعْ ُ‬ ‫َ‬
‫فكذلك كل من نهى عما نهى الشرع عنه ل يقال له ذلك ول يستحسنه من‬
‫قائله ويسطره متبجحا ً به إل جاهل محرف لكتاب الله تعالى مبدل لكلمه قد‬
‫سلبه الله تعالى لذة فهم مراده من وحيه وإن كان هذا من أوضح المواضع‬
‫فكيف مما يدق معانيه وتلطف إشاراته !! ورده على الناهي عن ذلك ممتثل ً‬
‫ه( يتضمن الرد على رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬ ‫بقوله تعالى ‪ ):‬ك َّل َل ت ُط ِعْ ُ‬
‫وسلم ‪ -‬فإنه هو الذي نهى وأمرنا بإنكار المنكر والله حسيب من افترى ‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا ممن يدخل في عموم ما روي عن رسولك ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬مرسل ً ومرفوعا ً من حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص‬
‫رضي الله عنهما وغيرهما ‪ ):‬يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه‬
‫تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ([ )‪.(1‬‬
‫ونقل السيوطي كلم أبي شامة المقدسي في كتابه المر بالتباع وأقره عليه‬
‫)‪.(2‬‬
‫وقال الحافظ تقي الدين بن دقيق العيد ‪ ]:‬وقد اختلفت الحاديث في أعداد‬
‫ركعات الرواتب فعل ً وقول ً ‪ ،‬واختلفت مذاهب الفقهاء في الختيار لتلك‬
‫العداد والرواتب ‪ ،‬والمروي عن مالك ‪ :‬أنه ل توقيت في ذلك ‪ .‬قال ابن‬
‫القاسم صاحبه ‪ :‬وإنما يوقت في هذا أهل العراق ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الباعث ص ‪. 43-38‬‬
‫)‪ (2‬المر بالتباع ص ‪. 166-153‬‬

‫)‪(17 /‬‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحق ‪ -‬والله أعلم ‪ -‬في هذا الباب ‪ -‬أعني ما ورد فيه أحاديث بالنسبة إلى‬
‫التطوعات والنوافل المرسلة ‪ -‬أن كل حديث صحيح دل على استحباب عدد‬
‫من هذه العداد أو هيئة من الهيئات أو نافلة من النوافل ‪ :‬يعمل به في‬
‫استحبابه ‪ .‬ثم تختلف مراتب ذلك المستحب ‪ .‬فما كان الدليل دال ً على تأكده‬
‫‪ -‬إما بملزمته فعل ً أو بكثرة فعله وإما بقوة دللة اللفظ على تأكد حكمه وإما‬
‫بمعاضدة حديث آخر له أو أحاديث فيه ‪ -‬تعلو مرتبته في الستحباب ‪ .‬وما‬
‫يقصر عن ذلك كان بعده في المرتبة ‪ .‬وما ورد فيه حديث ل ينتهي إلى‬
‫الصحة فإذا كان حسنا ً عمل به إن لم يعارضه صحيح أقوى منه ‪ ،‬وكانت‬
‫مرتبته ناقصة عن هذه المرتبة الثانية أعني الصحيح الذي لم يدم عليه أو لم‬
‫يؤكد اللفظ في طلبه ‪ .‬وما كان ضعيفا ً ل يدخل في حيز الموضوع فإن أحدث‬
‫شعارا ً في الدين ‪ :‬منع منه ‪ .‬وإن لم يحدث فهو محل نظر يحتمل أن يقال ‪:‬‬
‫إنه مستحب لدخوله تحت العمومات المقتضية لفعل الخير واستحباب الصلة‬
‫ويحتمل أن يقال ‪ :‬إن هذه الخصوصيات بالوقت أو بالحال والهيئة والفعل‬
‫المخصوص ‪ :‬يحتاج إلى دليل خاص يقتضي استحبابه بخصوصه وهذا أقرب‬
‫والله أعلم ‪.‬‬
‫وهاهنا تنبيهات ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬أنا حيث قلنا في الحديث الضعيف ‪ :‬إنه يحتمل أن يعمل به لدخوله‬
‫تحت العمومات فشرطه ‪ :‬أن ل يقوم دليل على المنع منه أخص من تلك‬
‫العمومات مثاله ‪ :‬الصلة المذكورة في أول ليلة جمعة من رجب ‪ :‬لم يصح‬
‫فيه الحديث ول حسن فمن أراد فعلها ‪ -‬إدراجا ً لها تحت العمومات الدالة‬
‫على فضل الصلة والتسبيحات ‪ -‬لم يستقم لنه قد صح أن النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ): -‬نهى أن تخص ليلة الجمعة بقيام ( وهذا أخص من العموميات‬
‫الدالة على فضيلة مطلق الصلة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن هذا الحتمال الذي قلناه ‪ -‬من جواز إدراجه تحت العمومات ‪ -‬نريد‬
‫به في الفعل ل في الحكم باستحباب ذلك الشيء المخصوص بهيئته الخاصة ‪،‬‬
‫لن الحكم باستحبابه على تلك الهيئة الخاصة ‪ :‬يحتاج دليل ً شرعيا ً عليه ول‬
‫بد ‪ ،‬بخلف ما إذا فعل بناء على أنه من جملة الخيرات التي ل تختص بذلك‬
‫الوقت ول بتلك الهيئة‪ .‬فهذا هو الذي قلنا باحتماله ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬قد منعنا إحداث ما هو شعار في الدين ‪ .‬ومثاله ‪ :‬ما أحدثته الروافض‬
‫من عيد ثالث سموه عيد الغدير ‪ .‬وكذلك الجتماع وإقامة شعاره في وقت‬
‫مخصوص على شيء مخصوص لم يثبت شرعا ً وقريب من ذلك ‪ :‬أن تكون‬
‫العبادة من جهة الشرع مرتبة وجه مخصوص فيريد بعض الناس ‪ :‬أن يحدث‬
‫فيها أمرا ً آخر لم يرد به الشرع زاعما ً أنه يدرجه تحت عموم ‪ .‬فهذا ل يستقيم‬
‫‪ .‬لن الغالب على العبادات التعبد ومأخذها التوقيف ‪ .‬وهذه الصورة ‪ :‬حيث ل‬
‫يدل دليل على كراهة ذلك المحدث أو منعه‪ .‬فأما إذا دل فهو أقوى في المنع‬
‫وأظهر من الول‪ .‬ولعل مثال ذلك ‪ ،‬ما ورد في رفع اليدين في القنوت فإنه‬
‫قد صح رفع اليد في الدعاء مطلقا ً فقال بعض الفقهاء ‪ :‬يرفع اليد في القنوت‬
‫لنه دعاء ‪ .‬فيندرج تحت الدليل المقتضي لستحباب رفع اليد في الدعاء وقال‬
‫غيره ‪ :‬يكره لن الغالب على هيئة العبادة التعبد والتوقيف ‪ .‬والصلة تصان‬
‫عن زيادة عمل غير مشروع فيها فإذا لم يثبت الحديث في رفع اليد في‬
‫القنوت ‪ :‬كان الدليل الدال على صيانة الصلة عن العمل الذي لم يشرع ‪:‬‬
‫أخص من الدليل الدال على رفع اليد في الدعاء ‪.‬‬
‫‪ ...‬والتباين في هذا يرجع إلى الحرف الذي ذكرناه وهو إدراج الشيء‬
‫المخصوص تحت العمومات أو طلب دليل خاص على ذلك الشيء الخاص‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وميل المالكية إلى هذا الثاني ‪ .‬وقد ورد عن السلف الصالح ما يؤيده في‬
‫مواضع أل ترى أن ابن عمر رضي الله عنهما قال في صلة الضحى ‪ ) :‬إنها‬
‫بدعة ( لنه لم يثبت عنده فيها دليل ‪ .‬ولم ير إدراجها تحت عمومات الصلة‬
‫لتخصيصها بالوقت المخصوص ‪ .‬وكذلك قال في القنوت الذي كان يفعله‬
‫الناس في عصره ‪ ):‬إنه بدعة ( ولم ير إدراجه تحت عمومات الدعاء ‪ .‬وكذلك‬
‫ما روى الترمذي من قول عبد الله بن مغفل لبنه في الجهر بالبسلمة ‪ ):‬إياك‬
‫والحدث ( ولم ير إدراجه تحت دليل عام وكذلك ما جاء عن ابن مسعود ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬فيما أخرجه الطبراني في معجمه بسنده عن قيس بن أبي‬
‫حازم ‪ ،‬قال ‪ ):‬ذكر لبن مسعود قاص يجلس بالليل ويقول للناس ‪ :‬قولوا كذا‬
‫وقولوا كذا ‪ ،‬فقال ‪ :‬إذا رأيتموه فأخبروني ‪ .‬قال ‪ :‬فأخبروه ‪ .‬فأتاه ابن‬
‫مسعود متقنعا ً ‪ .‬فقال ‪ :‬من عرفني فقد عرفني ‪ .‬ومن لم يعرفني فأنا عبد‬
‫الله بن مسعود ‪ .‬تعلمون أنكم لهدى من محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وأصحابه يعني أو إنكم لمتعلقون بذنب ضللة ( وفي رواية ‪ ) :‬لقد جئتم‬
‫ً‬
‫ببدعة ظلماء أو لقد فضلتم أصحاب محمد‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬علما ( ‪،‬‬
‫فهذا ابن مسعود أنكر هذا الفعل مع إمكان إدراجه تحت عموم فضيلة الذكر‬
‫على أن ما حكيناه في القنوت والجهر بالبسملة من باب الزيادة في العبادات‬
‫[ )‪.(1‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫تقسيم السنة النبوية إلى فعلية وتركية‬
‫وأثر الجهل بهذا الصل في البتداع‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إحكام الحكام ‪. 202-1/199‬‬

‫)‪(18 /‬‬

‫من المعلوم عند الصوليين أن السنة النبوية هي ‪ :‬ما ثبت عن الرسول ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من قول أو فعل أو تقرير ‪.‬‬
‫وأفعال الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬جزء من السنة النبوية باعتبارها‬
‫مصدرا ً من مصادر التشريع السلمي وأفعال الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬على أقسام ‪:‬‬
‫منها الفعال الجبلية التي صدرت عن الرسول عليه الصلة والسلم بمقتضى‬
‫خلقته وجبلته وطبيعته كلباسه وقعوده ونومه فهذه وأمثالها ل يجب على المة‬
‫اتباعها ‪.‬‬
‫ومن الفعال ما كان خاصا ً به ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كزواجه أكثر من أربٍع‬
‫من النساء فهذه ل تشاركه فيها المة بالتفاق ‪.‬‬
‫ومن الفعال التي صدرت عنه ما كان بيانا ً لمجمل كبيانه للصلة والصيام‬
‫مَبين في الحكم من‬ ‫والزكاة فهذا بالتفاق بين أهل العلم يكون البيان تابعا ً لل ُ‬
‫وجوب أو ندب أو إباحة ‪.‬‬
‫والفعال التي صدرت عن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وعلمت صفة‬
‫الفعل فجمهور العلماء على القتداء به على تلك الصفة فإن كان الفعل واجبا ً‬
‫فالقتداء به واجب وإن كان مندوبا ً فالقتداء به مندوب وإن كان مباحا ً‬
‫ح‪.‬‬‫فالقتداء به مبا ٌ‬
‫وأما الفعال التي صدرت عن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وجهلت صفة‬
‫حكمها أواجبة هي أو مندوبة أو مباحة فهي محل خلف عند الصوليين )‪.(1‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهناك أفعال تركها الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولم يفعلها وهذه على‬
‫نوعين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أفعال تركها الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لعدم توفر الدواعي‬
‫لفعلها كجمع المصحف وتضمين الصناع ونحوها قال الشاطبي ‪ ]:‬أحدهما أن‬
‫يسكت عنه لنه ل داعية له تقتضيه ول موجب يقدر لجله كالنوازل التي‬
‫حدثت بعد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فإنها لم تكن موجودة ثم‬
‫سكت عنها مع وجودها وإنما حدثت بعد ذلك فاحتاج أهل الشريعة إلى النظر‬
‫فيها وإجرائها على ما تقرر في كلياتها ‪ .‬وما أحدثه السلف الصالح راجع إلى‬
‫هذا القسم كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع وما أشبه ذلك مما‬
‫لم يجر له ذكر في زمن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولم تكن من‬
‫نوازل زمانه ول عرض للعمل بها موجب يقتضيها ‪ .‬فهذا القسم جارية فروعه‬
‫على أصوله المقررة شرعا ً بل إشكال فالقصد الشرعي فيها معروف من‬
‫الجهات المذكورة قبل [ )‪.(2‬‬
‫والثاني ‪ :‬أفعال تركها الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع توفر الدواعي‬
‫لفعلها ومع ذلك لم يفعلها فدل على أن المشروع فيها هو الترك ل الفعل‬
‫كترك الذان للعيدين وتركه صلة ليلة النصف من شعبان وتركه التلفظ بالنية‬
‫وتركه أن يقول للمأمومين قبل بدء الصلة استحضروا النية وغير ذلك ‪.‬‬
‫قال الشوكاني ‪ ]:‬تركه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬للشيء كفعله له في‬
‫التأسي به فيه [‪.‬‬
‫وقال ابن السمعاني ‪ ]:‬إذا ترك الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬شيئا ً وجب‬
‫علينا متابعته فيه أل ترى أنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لما قدم إليه الضب‬
‫فأمسك عنه وترك أكله أمسك الصحابة وتركوه إلى أن قال لهم ‪ :‬إنه ليس‬
‫بأرض قومي فأجدني أعافه وأذن لهم في أكله وهكذا تركه‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬لصلة الليل جماعة خشية أن تكتب على المة [ )‪.(3‬‬
‫وقال الشاطبي ما ملخصه ‪ ]:‬إن سكوت الشارع عن الحكم الخاص أو تركه‬
‫أمرا ً وموجبه المقتضي له قائم وسببه في زمان الوحي موجود ولم يحدد فيه‬
‫الشارع أمرا ً زائدا ً على ما كان من الدين فهذا القسم باعتبار خصوصه هو‬
‫البدعة المذمومة شرعا ً لنه لما كان الموجب لشريعة الحكم موجود ثم لم‬
‫يشرع كان صريحا ً في أن الزائد على ما ثبت هنالك بدعة مخالفة لقصد‬
‫الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حد ّ هنالك بل زيادة ول نقصان‬
‫منه [ )‪.(4‬‬
‫قال الشيخ اللباني ‪ ]:‬ومن المقرر عند ذوي التحقيق من أهل العلم أن كل‬
‫عبادة مزعومة لم يشرعها لنا رسول الله بقوله ولم يتقرب هو بها إلى الله‬
‫بفعله فهي مخالفة لسنته‪ ،‬لن السنة على قسمين ‪ :‬سنة فعلية وسنة تركية‪،‬‬
‫فما تركه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من تلك العبادات فمن السنة تركها ‪ ،‬أل‬
‫ترى مثل ً أن الذان للعيدين ودفن الميت مع كونه ذكرا ً وتعظيما ً لله عز وجل‬
‫لم يجز التقرب به إلى الله عز وجل ‪ ،‬وما ذلك إل لكونه سنة تركها رسول‬
‫الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وقد فهم هذا المعنى أصحابه ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فكثر عنه التحذير من البدع تحذيرا ً عاما ً كما هو مذكور في موضعه‬
‫حتى قال حذيفة بن اليمان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ): -‬كل عبادة لم يتعبدها أصحاب‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فل تعبدوها ( وقال ابن مسعود‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ ) : -‬اتبعوا ول تبتدعوا فقد كفيتم ‪ ،‬عليكم بالمر العتيق ([ )‪.(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬أصول السرخسي ‪ ، 2/86‬كشف السرار ‪ ، 3/200‬حاشية التفتازاني‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على شرح العضد ‪ ، 2/22‬فواتح الرحموت ‪ ، 2/180‬شرح الكوكب المنير‬


‫‪. 2/178‬‬
‫)‪ (2‬الموافقات ‪. 2/409‬‬
‫)‪ (3‬إرشاد الفحول ص ‪. 42‬‬
‫)‪ (4‬العتصام ‪. 1/361‬‬
‫)‪ (5‬حجة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ص ‪. 101-100‬‬

‫)‪(19 /‬‬

‫وقال العلمة القسطلني ‪ ]:‬وتركه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬سنة كما أن‬
‫فعله سنة فليس لنا أن نسوي بين فعله وتركه فنأتي من القول في الموضع‬
‫الذي تركه بنظير ما أتى به في الموضع الذي فعله [ )‪.(1‬‬
‫وقال ابن النجار الحنبلي ‪ ]:‬التأسي برسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫فعلك كما فعل لجل أنه فعل وأما التآسي في الترك فهو أن تترك ما ترك‬
‫لجل أنه ترك [ )‪.(2‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬فصل نقل الصحابة ما تركه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬وأما نقلهم لتركه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فهو نوعان وكلهما سنة ‪.‬‬
‫أحدهما ‪ :‬تصريحهم بأنه ترك كذا وكذا ولم يفعله ‪ ،‬كقوله في شهداء أحد ‪:‬‬
‫ولم يغسلهم ولم يصل عليهم ‪ .‬وقوله في صلة العيد ‪ :‬لم يكن أذان ول إقامة‬
‫ول نداء ‪ .‬وقوله في جمعه بين الصلتين ‪ :‬ولم يسبح بينهما ول على إثر واحدة‬
‫منهما ‪ .‬ونظائره ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬عدم نقلهم لما لو فعله لتوفرت هممهم ودواعيهم أو أكثرهم أو‬
‫واحد منهم على نقله فحيث لم ينقله واحد منهم البتة ول حدث به في مجمع‬
‫أبدا ً علم أنه لم يكن وهذا كتركه التلفظ بالنية عند دخوله في الصلة أو تركه‬
‫الدعاء بعد الصلة مستقبل المأمومين وهم يؤمنون على دعائه دائما ً بعد‬
‫الصبح والعصر أو في جميع الصلوات وتركه رفع يديه كل يوم في صلة‬
‫الصبح بعد رفع رأسه من الركوع الثانية ‪ ،‬وقوله ‪ :‬اللهم اهدنا فيمن هديت ‪.‬‬
‫يجهر بها ويقول المأمومون كلهم ‪ :‬آمين ‪ .‬ومن الممتنع أن يفعل ذلك ول‬
‫ينقله عنه صغير ول كبير ول رجل ول امرأة البتة وهو مواظب عليه هذه‬
‫المواظبة ل يخل به يوما ً واحدا ً وتركه الغتسال للمبيت بمزدلفة ولرمي‬
‫الجمار ولطواف الزيارة ولصلة الستسقاء والكسوف ‪.‬‬
‫ومن هاهنا يعلم أن القول باستحباب ذلك خلف السنة فإن تركه‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬سنة كما أن فعله سنة فإذا استحببنا فعل ما تركه كان نظير‬
‫استحبابنا ترك ما فعله ول فرق ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬من أين لكم أنه لم يفعله وعدم النقل ل يستلزم نقل العدم ؟‬
‫فهذا سؤال بعيد جدا ً عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه ولو صح هذا‬
‫السؤال وقبل لستحب لنا مستحب الذان للتراويح وقال ‪ :‬من أين لكم أنه‬
‫لم ينقل ؟ واستحب لنا مستحب آخر الغسل لكل صلة ‪ ،‬وقال ‪ :‬من أين لكم‬
‫أنه لم ينقل ؟ واستحب لنا مستحب آخر النداء بعد الذان للصلة يرحمكم‬
‫الله ورفع بها صوته وقال ‪ :‬من أين لكم أنه لم ينقل ؟‬
‫واستحب لنا آخر لبس السواد والطرحة للخطيب وخروجه بالشاويش يصيح‬
‫بين يديه ‪ .‬ورفع المؤذنين أصواتهم كلما ذكر الله واسم رسوله جماعة‬
‫وفرادى وقال ‪ :‬من أين لكم أن هذا لم ينقل ؟ واستحب لنا آخر صلة ليلة‬
‫النصف من شعبان أو ليلة أول جمعة من رجب وقال ‪ :‬من أين لكم أن‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إحياءهما لم ينقل ؟ وانفتح باب البدعة وقال كل من دعا إلى بدعة من أين‬
‫لكم أن هذا لم ينقل ؟[ )‪.(3‬‬
‫وقال الشاطبي ‪ ]:‬والثاني أن يسكت عنه وموجبه المقتضي له قائم فلم يقرر‬
‫فيه حكم عند نزول النازلة زائد على ما كان في ذلك الزمان فهذا الضرب‬
‫السكوت فيه كالنص على أن قصد الشارع أن ل يزاد فيه ول ينقص لنه لما‬
‫كان هذا المعنى الموجب لشرع الحكم العملي موجودا ً ثم لم يشرع الحكم‬
‫دللة عليه كان ذلك صريحا ً في أن الزائد على ما كان هنالك بدعة زائدة‬
‫ومخالفة لما قصده الشارع إذ فهم من قصده الوقوف عند ما حد هنالك ل‬
‫الزيادة عليه ول النقصان منه [ )‪.(4‬‬
‫وقال الشاطبي أيضا ً ‪ ]:‬وتقرير السؤال أن يقال في البدع مثل ً إنها فعل ما‬
‫سكت الشارع عن فعله أو ترك ما أذن في فعله ‪ ،‬أو تقول ‪ :‬فعل ما سكت‬
‫الشارع عن الذن فيه أو ترك ما أذن في فعله أو أمر خارج عن ذلك ‪ .‬فالول‬
‫كسجود الشكر عند مالك حيث لم يكن ثم دليل على فعله والدعاء بهيئة‬
‫الجتماع في أدبار الصلوات والجتماع للدعاء بعد العصر يوم عرفه في غير‬
‫عرفات والثاني كالصيام مع ترك الكلم ومجاهدة النفس بترك مأكولت معينة‬
‫والثالث كإيجاب شهرين متتابعين في الظهار لواجد الرقبة ‪ .‬وهذا الثالث‬
‫مخالف للنص الشرعي فل يصح بحال فكونه بدعة قبيحة بّين‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البداع ص ‪. 36‬‬
‫)‪ (2‬شرح الكوكب المنير ‪. 2/196‬‬
‫)‪ (3‬إعلم الموقعين ‪. 391-2/389‬‬
‫)‪ (4‬الموافقات ‪. 2/410‬‬

‫)‪(20 /‬‬

‫وأما الضربان الولن وهما في الحقيقة فعل أو ترك لما سكت الشارع عن‬
‫فعله أو تركه فمن أين يعلم مخالفتهما لقصد الشارع أو أنهما مما يخالف‬
‫المشروع ؟ وهما لم يتواردا مع المشروع على محل واحد بل هما في المعنى‬
‫كالمصالح المرسلة والبدع إنما أحدثت لمصالح يدعيها أهلها ويزعمون أنها‬
‫غير مخالفة لقصد الشارع ول لوضع العمال أما القصد فمسلم بالفرض وأما‬
‫الفعل فلم يشرع الشارع فعل ً نوقض بهذا العمل المحدث ول تركا ً لشيء‬
‫فعله هذا المحدث كترك الصلة وشرب الخمر بل حقيقته أنه أمر مسكوت‬
‫عنه عند الشارع والمسكوت من الشارع ل يقتضي مخالفة ول يفهم للشارع‬
‫قصدا ً معينا ً دون ضده وخلفه فإذا كان كذلك رجعنا إلى النظر في وجوه‬
‫المصالح فما وجدنا فيه مصلحة قبلناه إعمال ً للمصالح المرسلة وما وجدنا فيه‬
‫مفسدة تركناه إعمال ً للمصالح أيضا ً وما لم نجد فيه هذا ول هذا فهو كسائر‬
‫المباحات إعمال ً للمصالح المرسلة أيضا ً ‪.‬‬
‫فالحاصل أن كل محدثة يفرض ذمها تساوي المحدثة المحمودة في المعنى‬
‫فما وجه ذم هذه ومدح هذه ؟ ول نص يدل على مدح ول ذم على الخصوص ‪.‬‬
‫وتقرير الجواب ما ذكره مالك وأن السكوت عن حكم الفعل أو الترك هنا ‪-‬‬
‫إذا وجد المعنى المقتضي للفعل أو الترك إجماع من كل ساكت على أن ل‬
‫زائد على ما كان ‪ .‬وهو غاية في هذا المعنى قال ابن رشد ‪ :‬الوجه في ذلك‬
‫أنه لم يره مما شرع في الدين ‪ -‬يعني سجود الشكر ‪ -‬ل فرضا ً ول نفل ً إذ لم‬
‫يأمر بذلك النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول فعله ول أجمع المسلمون على‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫اختيار فعله والشرائع ل تثبت إل من أحد هذه الوجوه قال ‪ :‬واستدلله على‬
‫أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لم يفعل ذلك ول المسلمون بعده‬
‫بأن ذلك لو كان لنقل ‪ ،‬صحيح إذ ل يصح أن تتوفر دواعي المسلمين على‬
‫ترك نقل شريعة من شرائع الدين وقد أمروا بالتبليغ ‪ ،‬قال ‪ :‬وهذا أصل من‬
‫الصول ‪ ...‬وهو أصل صحيح إذا اعتبر وضح به الفرق بين ما هو من البدع وما‬
‫ليس منها ودل على أن وجود المعنى المقتضى مع عدم التشريع دليل على‬
‫قصد الشارع إلى عدم الزيادة على ما كان موجودا ً قبل ‪ ،‬فإذا زاد الزائد ظهر‬
‫أنه مخالف لقصد الشارع فبطل )‪.(1‬‬
‫ومن أوضح المثلة التي ساقها شيخ السلم ابن تيمية على هذا القسم وهو‬
‫ما تركه النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع قيام المقتضى له الذان للعيدين‬
‫فينبغي تركه وإن كان فيه مصلحة ظاهرة وهي دعوة الناس للصلة وإعلمهم‬
‫بها فهو غير مشروع ما دام أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قد تركه رغم‬
‫دخوله تحت بعض العمومات كما وضحه شيخ السلم بقوله ‪ ]:‬الذان في‬
‫العيدين فإن هذا لما أحدثه بعض المراء أنكره المسلمون لنه بدعة فلو لم‬
‫يكن كونه بدعه دليل ً على كراهته وإل لقيل هذا ذكر لله ودعاء للخلق إلى‬
‫عبادة الله فيدخل في العمومات كقوله تعالى ‪ ):‬اذ ْك ُُروا الل ّ َ‬
‫ه ذِك ًْرا ك َِثيًرا(‬
‫عا إ َِلى الل ّهِ ( أو يقاس على الذان‬ ‫وقوله تعالى ‪ ):‬وم َ‬
‫ن دَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ن قَوًْل ِ‬
‫م ّ‬ ‫س ُ‬‫ح َ‬
‫نأ ْ‬‫َ َ ْ‬
‫في الجمعة فإن الستدلل على حسن الذان في العيدين أقوى من الستدلل‬
‫على حسن أكبر البدع بل يقال ‪ :‬ترك رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬له‬
‫مع وجود ما يعتقد مقتضيا ً وزوال المانع سنة كما أن فعله سنة ‪.‬‬
‫فلما أمر بالذان في الجمعة وصلى العيدين بل أذان ول إقامة كان ترك الذان‬
‫فيهما سنة فليس لحد أن يزيد في ذلك بل الزيادة في ذلك كالزيادة في‬
‫أعداد الصلة وأعداد الركعات أو الحج فإن رجل ً لو أحب أن يصلي الظهر‬
‫خمس ركعات وقال ‪ :‬هذا زيادة عمل صالح لم يكن له ذلك ‪ ...‬وليس له أن‬
‫يقول ‪ :‬هذه بدعة حسنة ‪ ،‬بل يقال له ‪ :‬كل بدعة ضللة ونحن نعلم أن هذا‬
‫ضللة قبل أن نعلم نهيا ً خاصا ً عنها أو أن نعلم ما فيها من المفسدة ‪.‬‬
‫فهذا مثال لما حدث مع قيام المقتضى له وزوال المانع لو كان خيرا ً ‪ ،‬فإن‬
‫كل ما يبديه المحدث لهذا من المصلحة أو يستدل به من الدلة قد كان ثابتا ً‬
‫على عهد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ومع هذا لم يفعله رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فهذا الترك سنة خاصة مقدمة على كل عموم وكل‬
‫قياس ‪.‬‬
‫ومثال ما حدثت الحاجة إليه من البدعة بتفريط من الناس تقديم الخطبة‬
‫على الصلة في العيدين فإنه لما فعله بعض المراء أنكره المسلمون لنه‬
‫بدعة واعتذار من أحدثه بأن الناس قد صاروا ينفضون قبل سماع الخطبة‬
‫وكانوا على عهد رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ل ينفضون حتى يسمعوا‬
‫أو أكثرهم فيقال له ‪ :‬سبب هذا تفريطك فإن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫كان يخطبهم خطبة يقصد بها نفعهم وتبليغهم وهدايتهم وأنت تقصد إقامة‬
‫رياستك وإن قصدت صلح دينهم فلست تعلمهم ما ينفعهم فهذه المعصية‬
‫منك ل تبيح لك إحداث معصية أخرى بل الطريق في ذلك أن تتوب إلى الله‬
‫وتتبع سنة نبيه وقد استقام المر وإن لم يستقم فل يسألك الله عز وجل إل‬
‫عن عملك ل عن عملهم ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الموافقات ‪. 414-2/411‬‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(21 /‬‬

‫وهذان المعنيان من فهمهما انحل عنه كثير من شبه البدع الحادثة ( )‪.(1‬‬
‫إن الجهل بهذا الصل المهم أوقع كثيرا ً من الناس في البدع فانظر إلى البدع‬
‫التي يفعلها الناس اليوم ترى أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قد تركها مع‬
‫أن الدواعي لفعلها كانت موجودة على عهد النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫فانظر إلى تلفظ كثير من المصلين بالنية فتسمع الواحد منهم يقول بصوت‬
‫مرتفع ‪ :‬نويت أن أصلي أربع ركعات فرض صلة الظهر مقتديا ً ‪ ...‬الخ ولم‬
‫يؤثر مثل ذلك عن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول علمه لحد من‬
‫أصحابه كما في حديث المسيء صلته حيث قال له النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬إذا قمت إلى الصلة فكبر ‪..‬الخ رواه أصحاب السنن وهو حديث‬
‫صحيح ‪ .‬ولم يقل قل نويت أن أصلي كذا وكذا فلو كان ذلك مشروعا ً لعلمه‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لذلك الرجل فإن تأخير البيان عن وقت‬
‫الحاجة ل يجوز كما هو معلوم عند الصوليين ‪.‬‬
‫وكذلك قراءة القرآن الكريم على القبور رحمة بالميت تركه رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مع قيام المقتضي للفعل وهو الشفقة على الميت‬
‫وعدم المانع منه فتركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكيف يعقل أن يترك الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬شيئا نافعا يعود على‬
‫أمته بالرحمة ؟ وهو بالمؤمنين رؤوف رحيم ‪ .‬فهل يعقل أن يكون هذا بابا ً من‬
‫أبواب الرحمة ويتركه الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬طوال حياته ول يقرأ‬
‫على ميت مرة واحدة ؟‬
‫وكذلك الحتفال بمولده ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬تركه ولم يفعله وكذا تركه‬
‫الصحابة الجلء مع توفر الدواعي لفعله فإن يوم ميلده كان يتكرر كل عام‬
‫ومع ذلك لم يحتفل رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بمولده ول أمر أحدا ً‬
‫من الصحابة بالحتفال بذكرى مولده كما أمرهم بالصلة والسلم عليه كما‬
‫هو معروف فدل تركه ذلك على أن الحتفال بمولده غير مشروع ‪.‬‬
‫إذ لو كان الحتفال بالمولد مشروعا ً لبينه رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ولفعله ‪.‬‬
‫ً‬
‫ولو كان الحتفال بمولده‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مشروعا لسبقنا إليه‬
‫الصحابة رضي الله عنهم فوالله لقد كانوا أشد حبا ً لرسول الله‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وأكثر أدبا ً مع رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من‬
‫المسلمين الذين يحتفلون بالمولد ‪.‬‬
‫ثم إن بدعة الحتفال بالمولد حدثت بعد مئات السنين على السلم فأين كان‬
‫المسلمون طوال هذه السنوات الطويلة ؟ فقد قيل إن أول من احتفل‬
‫بالمولد هو صاحب إربل الملك العظيم مظفر الدين كوكبرى الذي توفي سنة‬
‫‪ 630‬هجري ‪.‬‬
‫والسؤال أين كان العلماء والعباد والمسلمون طوال ستمائة عام ؟ لماذا لم‬
‫يحتفلوا بالمولد ؟ وأين كان أهل القرون الثلثة الولى ؟ وقد شهد لهم رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بالخيرية في قوله ‪ ) :‬خير الناس قرني ثم‬
‫الذين يلونهم ثم الذي يلونهم ( رواه البخاري ومسلم واللفظ له )‪.(2‬‬
‫وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ‪ ... ]:‬فأما ما اتفق السلف على تركه فل‬
‫يجوز العمل به لنهم ما تركوه إل على علم أنه ل يعمل [ )‪.(3‬‬
‫وخلصة المر أنه ل يجوز لحد أن يأتي بعبادة لم يفعلها رسول الله‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه كما قال حذيفة ‪ ) :‬كل عبادة لم يتعبدها أصحاب‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فل تعبدوها ( ومعنى كلم حذيفة‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬أي ل تتقربوا بها إلى الله عز وجل ذلك لنها ليست عبادة أنتم‬
‫تظنونها عبادة ولكن الدليل على أنها ليست عبادة لنها لو كانت عبادة لجاء‬
‫بها رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.(4) -‬‬
‫المبحث السادس‬
‫تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية‬
‫قسم المام الشاطبي البدعة إلى قسمين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬البدعة الحقيقية ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬البدعة الضافية ‪.‬‬
‫أما البدعة الحقيقية فهي التي لم يدل عليها دليل شرعي ل من كتاب ول سنة‬
‫ول إجماع ول استدلل معتبر عند أهل العلم ل في الجملة ول في التفصيل )‬
‫‪.(5‬‬
‫فالبتداع في البدعة الحقيقية من جميع وجوهها فهي بدعة محضة ليست فيها‬
‫جهة تندمج بها في السنة فهي خارجة عن الشرع من كل وجه )‪.(6‬‬
‫ومن أمثلة البدعة الحقيقية ‪:‬‬
‫‪ .1‬اختراع عبادة ما أنزل الله بها من سلطان مثل الطواف بمقامات الولياء‬
‫والصالحين كما يزعم الزاعمون ‪.‬‬
‫فإن الطواف المشروع في السلم هو الطواف بالكعبة المعظمة فقط لنه‬
‫الذي قامت عليه الدلة من كتاب الله وسنة رسوله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫فلذا فإن طواف بعض الجهلة من العوام بمسجد قبة الصخرة باطل شرعا ً ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪. 281-279‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 6/187‬صحيح مسلم مع شرح النووي ‪. 6/68‬‬
‫)‪ (3‬فضل علم السلف على الخلف ص ‪ 31‬نقل ً عن البدعة وأثرها السيء ص‬
‫‪. 18‬‬
‫)‪ (4‬انظر فتاوى اللباني ص ‪. 188‬‬
‫)‪ (5‬العتصام ‪. 1/286‬‬
‫)‪ (6‬البداع ص ‪. 55‬‬

‫)‪(22 /‬‬

‫وقد رأيت بعض النساء يطفن بمسجد قبة الصخرة في يوم جمعة من شهر‬
‫رمضان في إحدى السنوات وهذا منكر عظيم ويبدو أنه وجد منذ عهد بعيد‬
‫حيث ذكر شيخ السلم ابن تيمية أن من البدع المحدثة والمنكرة الطواف‬
‫بالصخرة فقال ‪ ... ]:‬ثم فيه أيضا ً مضاهاة للحج إلى المسجد الحرام وتشبيه‬
‫له بالكعبة ولهذا قد أفضى إلى ما ل يشك مسلم في أنه شريعة أخرى غير‬
‫شريعة السلم وهو ما قد يفعله بعض الضلل من الطواف بالصخرة ‪) [ ...‬‬
‫‪.(1‬‬
‫‪ .2‬ما زعمه الدجالون من المتصوفة من القول بسقوط التكاليف الشرعية‬
‫عند الوصول إلى مرتبة معينة من مراتب التصوف فل تجب عليهم صلة ول‬
‫صيام ول زكاة ول حج ‪ .‬وتباح لهم المحرمات كالزنا واللواط وشرب الخمر‬
‫وغيرها )‪.(2‬‬
‫وهذا كله من الدجل والخرافات والباطيل ومن تلبيس إبليس على هؤلء‬
‫الضالين المضلين ‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .3‬بناء الضرحة والنصب على القبور كما يشاهد الن من إقامة نصب‬
‫للشهداء فيبنون على القبر بناًء مرتفعا ً بالحجارة والرخام على أشكال‬
‫مختلفة ويكتبون عليه اليات القرآنية بالخط المذهب الجميل ويجعلون حول‬
‫هذه الضرحة الهياكل المعدنية على أشكال القباب ونحوها ‪.‬‬
‫وكل ذلك غير مشروع لما ثبت في الحديث الصحيح عن أبي الهياج السدي‬
‫قال ‪ ] :‬قال لي علي بن أبي طالب أل أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن ل تدع تمثال ً إل طمسته ول قبرا ً مشرفا ً إل‬
‫سويته[ رواه مسلم )‪.(3‬‬
‫ً‬
‫‪ .4‬تحريم الحلل أو تحليل الحرام اعتمادا على شبهات واهية ضعيفة فمن‬
‫تحريم الحلل ما جاء في الحديث عن عبد الله بن عباس أن رجل ً أتى النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فقال ‪ ) :‬يا رسول الله إني إذا أصبت اللحم انتشرت‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ي اللحم فأنزل الله ‪َ ):‬ياأي َّها ال ّ ِ‬ ‫للنساء وأخذتني شهوتي فحرمت عل ّ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫ن وَكلوا‬ ‫دي َ‬ ‫معْت َ ِ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬‫ه ل يُ ِ‬
‫ن الل َ‬ ‫م وََل ت َعْت َ ُ‬
‫دوا إ ِ ّ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ح ّ‬
‫ما أ َ‬
‫ت َ‬ ‫موا ط َي َّبا ِ‬ ‫حّر ُ‬‫َل ت ُ َ‬
‫حَلًل ط َي ًّبا ( ( )‪ .(4‬رواه الترمذي وقال ‪ :‬هذا حديث حسن‬ ‫ه َ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ما َرَزقَك ُ ُ‬ ‫م ّ‬
‫ِ‬
‫غريب ‪ .‬وقال الشيخ اللباني ‪ :‬صحيح )‪.(5‬‬
‫ومن تحليل الحرام ما يقوله أدعياء العلم من علماء السلطين من اعتبار‬
‫فوائد البنوك الربوية من الحلل ضاربين بعرض الحائط النصوص الصريحة‬
‫من كتاب الله وسنة رسوله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الواردة في تحريم الربا‬
‫)‪.(6‬‬
‫وأما البدعة الضافية فهي التي لها شائبتان إحدهما لها من الدلة متعلق فل‬
‫تكون من تلك الجهة بدعة والخرى ليس لها متعلق إل مثل ما للبدعة‬
‫الحقيقية فلما كان العمل الذي له شائبتان لم يتخلص لحد الطرفين وضعنا‬
‫له هذه التسمية وهي البدعة الضافية أي أنها بالنسبة إلى إحدى الجهتين‬
‫سنة لنها مستندة إلى دليل وبالنسبة إلى الجهة الخرى بدعة لنها مستندة‬
‫إلى شبهة ل إلى دليل أو غير مستندة إلى شيء ‪.‬‬
‫والفرق بينهما من جهة المعنى أن الدليل عليها من جهة الصل قائم ومن‬
‫جهة الكيفيات أو الحوال أو التفاصيل لم يقم عليها مع أنها محتاجة إليه لن‬
‫الغالب وقوعها في التعبديات ل في العاديات المحضة )‪.(7‬‬
‫وخلصة قول المام الشاطبي في البدعة الضافية أن المر يكون مشروعا ً‬
‫في الصل وقامت الدلة على مشروعيته ولكن الكيفية أو الهيئة التي يؤدى‬
‫بها ليست مشروعة فمن هنا سميت هذه البدعة إضافية لنها لم تتخلص لحد‬
‫الطرفين المخالفة الصريحة أو الموافقة الصريحة )‪.(8‬‬
‫ومن المثلة على البدعة الضافية ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬الذان للعيدين ولصلة الكسوف فالذان في أصله مشروع ولكن الذان‬
‫للعيدين والكسوف لم يثبت عن الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪. -‬‬
‫‪ .2‬ومن ذلك تخصيص اليام الفاضلة بأنواع من العبادات التي لم تشرع لها‬
‫تخصيصا ً كتخصيص اليوم الفلني بكذا وكذا من الركعات أو بصدقة كذا أو كذا‬
‫أو الليلة الفلنية بقيام كذا وكذا ركعة أو بختم القرآن فيها أو ما أشبه ذلك )‬
‫‪.(9‬‬
‫‪ .3‬ختم الصلة على الهيئة المعروفة التي يفعلها كثير من الئمة فإنه من جهة‬
‫كونه قرآنا ً وذكرا ً ودعاًء مشروع ومن جهة ما عرض له من رفع الصوت في‬
‫المسجد ومن جهة كونه لم يفعله الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬غير‬
‫مشروع )‪.(10‬‬
‫__________‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (1‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪. 310-309‬‬


‫)‪ (2‬انظر الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة ص ‪ ، 62،686‬البدعة ص‬
‫‪. 323‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 3/32‬‬
‫)‪ (4‬سورة المائدة اليتان ‪. 88-87‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي مع شرحه تحفة الحوذي ‪ ، 8/329‬صحيح سنن الترمذي‬
‫‪. 3/46‬‬
‫)‪ (6‬راجع كتاب د‪ .‬يوسف القرضاوي " فوائد البنوك هي الربا الحرام " ‪.‬‬
‫)‪ (7‬انظر العتصام ‪. 287-1/286‬‬
‫)‪ (8‬البدعة ص ‪. 324‬‬
‫)‪ (9‬العتصام ‪. 2/12‬‬
‫)‪ (10‬البداع ص ‪. 59‬‬

‫)‪(23 /‬‬

‫‪ .4‬الصلة والسلم على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد الذان بحيث‬
‫تجعل جزًء من الذان كما هو المعهود في كثير من المساجد فمن جهة‬
‫فالصلة والسلم على رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬مشروعان‬
‫ثابتان ‪ .‬ومن جهة أخرى من حيث جعلهما جزًء من الذان غير مشروعين ‪.‬‬
‫ولذا قال الشيخ ابن حجر المكي لما سئل عن الصلة والسلم على النبي‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد الذان كما يفعله المؤذنون اليوم فأجاب بأن‬
‫الصل سنة والكيفية بدعة )‪ (1‬كما سيأتي تفصيل كلمه في الفصل الثاني ‪.‬‬
‫‪ .5‬رفع الصوت بالذكار في الجنازة فالذكر من حيث الصل مشروع وثابت‬
‫ولكن باعتبار ما عرض له أنه في الجنازة مخالف لهدي المصطفى ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬لن السنة في الجنازة المشي بصمت وسكوت للتفكر في‬
‫حال الموت ‪.‬‬
‫‪ .6‬تخصيص زمان معين بعبادة معينة والمداومة على ذلك ‪ ،‬فإن ذلك بدعة‬
‫إضافية ومثاله ما ورد عن أبي البختري قال ‪ :‬أخبر رجل ابن مسعود ‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬أن قوما ً يجلسون في المسجد بعد المغرب فيهم رجل يقول ‪:‬‬
‫] كبروا الله كذا وسبحوا الله كذا وكذا واحمدوه كذا وكذا ‪ .‬قال عبد الله ‪:‬‬
‫فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني فأخبرني بمجلسهم ‪ ،‬فلما جلسوا أتاه الرجل‬
‫فأخبره فجاء عبد الله بن مسعود فقال ‪ :‬والذي ل إله غيره لقد جئتم ببدعة‬
‫ظلما ً أو قد فضلتم أصحاب محمد‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬علمًا‪ .‬فقال عمرو‬
‫بن عتبة ‪ :‬نستغفر الله ‪ .‬فقال ‪ :‬عليكم الطريق فالزموه ولئن أخذتم يمينا ً‬
‫وشمال ً لتضلن ضلل ً بعيدا ً [ رواه عبد الرزاق والدارمي بإسناد جيد وهو أثر‬
‫صحيح بمجموع طرقه )‪.(2‬‬
‫ويظهر أن ابن مسعود أنكر على هؤلء القوم واعتبر عملهم بدعة مع أن الذي‬
‫فعلوه ما هو إل تكبير وتسبيح وتحميد ولكن لما خصوا ذلك بزمان معين بدون‬
‫دليل شرعي أنكره عليهم ‪.‬‬
‫المبحث السابع‬
‫حكم البدعة‬
‫ً‬
‫إن البدعة مذمومة شرعا لنها إما زيادة في الدين أو نقص منه أو تغيير فيه‬
‫فهي تقع في دائرة النهي ول تخرج عنها ‪ ،‬قال الشاطبي يرحمه الله في بيان‬
‫حكم البدعة ما نصه ‪ ... ]:‬ثبت في الصول أن الحكام الشرعية خمسة نخرج‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عنها الثلثة فيبقى حكم الكراهية وحكم التحريم فاقتضى النظر انقسام البدع‬
‫إلى القسمين فمنها بدعة محرمة ومنها بدعة مكروهة وذلك أنها داخلة تحت‬
‫جنس المنهيات ‪ -‬وهي ‪ -‬ل تعدو الكراهة والتحريم فالبدع كذلك [ )‪.(3‬‬
‫وليس المقصود بالكراهة في كلم الشاطبي الكراهة التنزيهية وإنما الكراهة‬
‫التحريمية ‪ ،‬لن الكراهة التنزيهية اصطلح للمتأخرين لم يعرف عن‬
‫المتقدمين من السلف فلم يقولوا فيما ل حرج فيه إنه مكروه ولم يكن من‬
‫شأنهم أن يقولوا فيما ل نص فيه ‪ ،‬هذا حلل وهذا حرام لئل يكونوا ممن قال‬
‫حَل ٌ‬ ‫قوُلوا ل ِما تص ُ َ‬
‫م‬
‫حَرا ٌ‬
‫ذا َ‬‫ل وَهَ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫م ال ْك َذِ َ‬
‫ب هَ َ‬ ‫ف أل ْ ِ‬
‫سن َت ُك ُ ُ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫الله تعالى فيهم ‪ ):‬وََل ت َ ُ‬
‫ب ( )‪.(4‬‬ ‫فت َُروا عََلى الل ّهِ ال ْك َذِ َ‬
‫ل ِت َ ْ‬
‫قال الشاطبي ‪ ]:‬فإذا وجدت في كلمهم ‪ -‬أي السلف ‪ -‬في البدعة أو غيرها "‬
‫أكره هذا ول أحب هذا وهذا مكروه " وما أشبه ذلك فل تقطعن على أنهم‬
‫يريدون التنزيه فقط فإنه إذا دل الدليل في جميع البدع على أنها ضللة فمن‬
‫أين يعد فيها ما هو مكروه كراهية التنزيه ؟ [ )‪.(5‬‬
‫ً‬
‫ويقرر الشاطبي أنه ل يصح أن يراد بالبدعة المكروه تنزيها من حيث أن‬
‫مرتكب المكروه إنما قصده نيل غرضه وشهوته العاجلة متكل ً على العفو‬
‫اللزم فيه ورفع الحرج الثابت في الشريعة فهو إلى الطمع في رحمة الله‬
‫أقرب وأيضا ً فليس عقده اليماني بمتزحزح لنه يعتقد المكروه مكروها ً كما‬
‫يعتقد الحرام حراما ً وإن ارتكبه فهو يخاف الله ويرجوه والخوف والرجاء‬
‫شعبتان من شعب اليمان ‪.‬‬
‫فكذلك مرتكب المكروه يرى أن الترك أولى في حقه من الفعل وأن نفسه‬
‫المارة زينت له الدخول فيه ويود لو لم يفعل فل يزال إذا تذكر منكسر‬
‫القلب طامعا ً في القلع سواء عليه أخذ في أسباب القلع أم ل ‪.‬‬
‫ومرتكب أدنى البدع يكاد يكون على ضد هذه الحوال فإنه ي َعُد ُ ما دخل فيه‬
‫حسنا ً بل يراه أولى مما حد ّ له الشارع فأين مع هذا خوفه أو رجاؤه؟ وهو‬
‫يزعم أن طريقه أهدى سبيل ً ونحلته أولى بالتباع ؟ )‪(6‬‬
‫ويدل على أن البدعة ل تكون مكروهة تنزيها ً قوله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪): -‬‬
‫من رغب عن سنتي فليس مني ( وقد جاء هذا القول النبوي ردا ً على من‬
‫قال من الصحابة ‪ ):‬أما أنا فأقوم الليل ول أنام ( وعلى من قال ‪ ):‬أما أنا فل‬
‫أتزوج النساء ( وعلى من قال ‪ ) :‬أما أنا أصوم الدهر ول أفطر ( وهذا قد ورد‬
‫في حديث النفر الثلثة الذين سألوا عن عبادة النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬ا‬
‫الذي رواه البخاري ومسلم )‪.(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الفتاوى الفقهية الكبرى ‪ ، 1/131‬البداع ص ‪. 59‬‬
‫)‪ (2‬المصنف ‪ ، 222-3/221‬سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان ‪، 2/247‬‬
‫المر بالتباع ص ‪. 84‬‬
‫)‪ (3‬العتصام ‪. 37-2/36‬‬
‫)‪ (4‬سورة النحل الية ‪. 116‬‬
‫)‪ (5‬العتصام ‪. 2/55‬‬
‫)‪ (6‬العتصام ‪. 2/56‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 11/5‬صحيح مسلم مع شرح النووي ‪. 3/525‬‬

‫)‪(24 /‬‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فأتى النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بهذه العبارة وهي أشد شيء في النكار‬
‫ولم يكن ما التزم به هؤلء الثلثة من الصحابة إل فعل مندوب أو ترك مندوب‬
‫إلى فعل مندوب آخر ‪.‬‬
‫ويدل على ذلك أيضا ً ما جاء في الحديث أنه عليه الصلة والسلم ‪ ):‬رأى رجل ً‬
‫قائما ً في الشمس فقال ‪ :‬ما بال هذا ؟ قالوا ‪ :‬نذر أل يستظل ول يتكلم ول‬
‫يجلس ويصوم ‪ ،‬فقال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ : -‬مره فليجلس‬
‫وليتكلم وليستظل وليتم صومه ( رواه البخاري )‪.(1‬‬
‫قال المام مالك ‪ ]:‬وقد أمره رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أن يتم ما‬
‫كان لله طاعة ويترك ما كان لله معصية [ )‪.(2‬‬
‫ويدل على ذلك أيضا ً ما رواه المام البخاري في صحيحه عن قيس بن أبي‬
‫حازم قال ‪ ]:‬دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها زينب بنت المهاجر‬
‫فرآها ل تكلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬مالها ل تكلم ؟ قالوا ‪ :‬حجت مصمتة ‪ .‬قال لها ‪:‬‬
‫تكلمي فإن هذا ل يحل هذا من عمل الجاهلية … [ )‪.(3‬‬
‫فتأمل كيف جعل القيام في الشمس وترك الكلم من المعاصي مع أنهما من‬
‫المباحات ولكن لما أجريت مجرى المشروعات صارت معصية لله عند المام‬
‫مالك كما في الول وعند أبي بكر‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬في الثاني ‪.‬‬
‫فالبدعة معصية لله تعالى لنها مضادة للشارع الحكيم ومراغمة له حيث‬
‫نصب المبتدع نفسه منصب المستدرك على الشريعة وهذا ل يصح أبدا ً ‪.‬‬
‫وكذلك فإن كل بدعة وإن قَّلت تشريع زائد أو ناقص أو تغيير للصل الصحيح‬
‫سواء أكانت البدعة منفردة عن المشروع أو ملحقة بالمشروع فكل ذلك‬
‫يكون قادحا ً في المشروع )‪.(4‬‬
‫وما دامت البدعة معصية فهي محرمة ويؤيد هذا المعنى قوله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ): -‬كل بدعة ضللة ( ‪ .‬وكذلك كل ما ورد في ذم البدع مما‬
‫يقتضي التأثيم والتهديد والوعيد‪ .‬وهذا من خصائص المحرم في الشرع ‪،‬‬
‫فالبدعة محرمة ولكن وكما هو معلوم فليس جميع المحرمات في رتبة واحدة‬
‫بل متفاوتة ‪ ،‬فقتل النفس بغير حق محرم والكذب محرم ولكن بينهما تفاوت‬
‫فليس من يقتل بريئا ً كمن يكذب ‪ ،‬وكذلك فإن البدعة محرمة وهي متفاوتة‬
‫ومنقسمة إلى صغيرة وكبيرة والكبيرة ليست في درجة واحدة بل متفاوتة‬
‫أيضا ً ‪.‬‬
‫فأما البدعة الصغيرة فهي البدعة الجزئية الواقعة في الفروع الجزئية بشرط‬
‫أن تكون مبنية على شبهة تخيل أنها شرع ودين ‪ ،‬فإنها إذا كانت كذلك ل‬
‫يتحقق دخولها تحت الوعيد بالنار الوارد في شأن البدعة وإن دخلت تحت‬
‫الوصف بالضلل كما ل يتحقق ذلك في سرقة لقمة أو التطفيف بحبة وإن‬
‫كان داخل ً تحت وصف السرقة بل المتحقق دخول عظائمها وكلياتها كمن‬
‫سرق نصابا ً موجبا ً للقطع )‪.(5‬‬
‫ويرى المام الشاطبي أن البدعة ل تكون صغيرة إل إذا توفرت فيها الشروط‬
‫التالية ‪:‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬أن ل يداوم عليها فإن الصغيرة من المعاصي لمن داوم عليها‬
‫تكبر بالنسبة إليه ‪ ،‬لن ذلك ناشىء عن الصرار عليها والصرار على الصغيرة‬
‫يصيرها كبيرة ‪ ،‬ولذلك قالوا ل صغيرة مع إصرار ول كبيرة مع استغفار ‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أن ل يدعو إليها فإن البدعة قد تكون صغيرة بالضافة ثم‬
‫يدعو مبتدعها إلى القول بها والعمل على مقتضاها فيكون إثم ذلك كله عليه‬
‫فإنه الذي أثارها وسّبب كثرة وقوعها والعمل بها فإن الحديث الصحيح قد‬
‫أثبت أن كل من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها ل ينقص‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذلك من أوزارهم شيئا ً ‪.‬‬


‫الشرط الثالث ‪ :‬أن ل تفعل في المواضع التي هي مجتمعات الناس أو‬
‫المواضع التي تقام فيها السنن وتظهر فيها شعائر الدين لن إظهارها في‬
‫مثل تلك الماكن دعوة للعوام للقتداء بالمبتدع فإن العوام أتباع كل ناعق ل‬
‫سيما البدع التي وكل الشيطان بتحسينها للناس والتي للنفوس في تحسينها‬
‫هوى وإذا اقتدى بصاحب البدعة الصغيرة كبرت بالنسبة إليه لن كل من دعا‬
‫إلى ضللة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها فعلى حسب كثرة التباع يعظم‬
‫عليه الوزر ‪.‬‬
‫كما وأن إظهار البدع في الماكن التي تظهر فيها السنن كالمساجد يؤدي إلى‬
‫الظن أنها من السنن لن العوام يظنون ذلك ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 14/401‬‬
‫)‪ (2‬الستذكار ‪. 15/49‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 8/148‬وقد نسب الشيخ علي محفوظ هذا‬
‫القول إلى الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهو خطأ انظر البداع ص ‪145‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر العتصام ‪. 61-2/60‬‬
‫)‪ (5‬البداع ص ‪. 147‬‬

‫)‪(25 /‬‬

‫وحكى ابن وضاح قال ‪ ]:‬ثوب المؤذن بالمدينة في زمان مالك فأرسل إليه‬
‫مالك فجاءه فقال له مالك ‪ :‬ما هذا الذي تفعل ؟ فقال ‪ :‬أردت أن يعرف‬
‫الناس طلوع الفجر فيقوموا ‪ .‬فقال له مالك ‪ :‬ل تفعل ‪ ،‬ل تحدث في بلدنا‬
‫شيئا ً لم يكن فيه ‪ ،‬قد كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بهذا البلد‬
‫عشر سنين وأبو بكر وعمر وعثمان فلم يفعلوا هذا ‪ ،‬فل تحدث في بلدنا ما‬
‫لم يكن فيه ‪ ،‬فكف المؤذن عن ذلك وأقام زمانا ً ثم إنه تنحنح في المنارة عند‬
‫طلوع الفجر فأرسل إليه مالك فقال له ‪ :‬ما الذي تفعل ؟ قال ‪ :‬أردت ان‬
‫يعرف الناس طلوع الفجر ‪ .‬فقال له ‪ :‬ألم أنهك أن ل تحدث عندنا ما لم‬
‫يكن ؟ فقال ‪ :‬إنما نهيتني عن التثويب ‪ .‬فقال له ‪ :‬ل تفعل ‪ ،‬فكف زمانا ً ‪ .‬ثم‬
‫جعل يضرب البواب ‪ .‬فأرسل إليه مالك فقال‪ :‬ما هذا الذي تفعل ؟ فقال‪:‬‬
‫أردت أن يعرف الناس طلوع الفجر ‪ .‬فقال له مالك ‪ :‬ل تفعل ل تحدث في‬
‫بلدنا ما لم يكن فيه ‪.‬‬
‫قال ابن وضاح ‪ :‬وكان مالك يكره التثويب ‪ -‬قال ‪ -‬وإنما أحدث هذا بالعراق ‪.‬‬
‫قيل لبن وضاح ‪ :‬فهل كان يعمل به بمكة أو المدينة أو مصر أو غيرها من‬
‫المصار ؟ فقال ‪ :‬ما سمعته إل عند بعض الكوفيين والباضيين ‪.‬‬
‫فتأمل كيف منع مالك من إحداث أمر يخف شأنه عند الناظر فيه ببادي الرأي‬
‫وجعله أمرا ً محدثا ً وقال في التثويب ‪ :‬إنه ضلل وهو بين لن كل محدثة بدعة‬
‫وكل بدعة ضللة ولم يسامح للمؤذن في التنحنح ول في ضرب البواب ‪ .‬لن‬
‫ذلك جدير بأن يتخذ سنة كما منع من وضع رداء عبد الرحمن بن مهدي خوف‬
‫أن يكون حدثا ً أحدثه [ )‪.(1‬‬
‫الشرط الرابع ‪ :‬أن ل يستصغرها ول يستحقرها ‪ -‬وإن فرضناها صغيرة ‪ -‬فإن‬
‫ذلك استهانة بها والستهانة بالذنب أعظم من الذنب لن النسان إذا استعظم‬
‫هذا الذنب من نفسه صغر هذا الذنب عند الله تعالى وكلما استصغره كبر‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عند الله تعالى لن استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه وكراهته له وذلك‬
‫النفور يمنع من شدة تأثره به واستصغاره يصدر عن اللف به )‪.(2‬‬
‫وأخيرا ً أذكر ما قاله الشيخ اللباني في حكم البدعة ‪:‬‬
‫] يجب أن نعلم أن أصغر بدعة يأتي بها الرجل في الدين هي محرمة بعد تبين‬
‫كونها بدعة وليس في البدع ‪ -‬كما يتوهم البعض ‪ -‬ما هو في رتبة المكروه‬
‫فقط [ )‪.(3‬‬
‫المبحث الثامن‬
‫أسباب البتداع‬
‫وقد أرجع الشيخ اللباني أسباب البتداع إلى عدة أمور ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أحاديث ضعيفة ل يجوز الحتجاج بها ول نسبتها إلى النبي‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬ومثل هذا ل يجوز العمل به عندنا على ما بينته في مقدمة "‬
‫صفة صلة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ " -‬وهو مذهب جماعة من أهل‬
‫العلم كابن تيمية وغيره ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أحاديث موضوعة أو ل أصل لها خفي أمرها على بعض الفقهاء فبنوا‬
‫عليها أحكاما ً هي من صميم البدع ومحدثات المور !‬
‫قلت ‪ :‬وهذان السببان يعودان إلى الجهل بالسنة النبوية عامة ‪ ،‬والجهل بعلم‬
‫مصطلح الحديث خاصة فكثير ممن يقعون في البدع ل يفرقون بين ما يصح‬
‫الستدلل به من الحاديث وبين ما ل يصح فل يعرفون الحديث الصحيح من‬
‫الضعيف والموضوع ‪ .‬ويأخذون الحديث من أي مصدر كان حتى من كتب‬
‫الموضوعات ‪ ،‬كمثل ذلك الخطيب الذي كان يخطب الجمعة فقال في خطبته‬
‫‪ :‬قال النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في الحديث الموضوع كذا وكذا ‪ ، ...‬ول‬
‫يعرف هذا المسكين ما هو الحديث الموضوع ؟!‬
‫مع أن أهل العلم متفقون على أنه ل يجوز العمل بالحديث الموضوع لنه‬
‫كذب على رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ . -‬ومن المعلوم أن كثيرا ً من‬
‫البدع استندت إلى أحاديث موضوعة متهافتة )‪.(4‬‬
‫الثالث ‪ :‬اجتهادات واستحسانات صدرت من بعض الفقهاء خاصة المتأخرين‬
‫منهم لم يدعموها بأي دليل شرعي ‪ ،‬بل ساقوها مساق المسلمات من‬
‫المور ‪ ،‬حتى صارت سننا ً تتبع ! ول يخفى على المتبصر في دينه أن ذلك مما‬
‫ل يسوغ اتباعه‪ ،‬إذ ل شرع إل ما شرعه الله تعالى ‪ ،‬وحسب المستحسن ‪ -‬إن‬
‫كان مجتهدا ً ‪ -‬أن يجوز له هو العمل بما استحسنه ‪ ،‬وأن ل يؤاخذه الله به ‪،‬‬
‫أما أن يتخذ الناس ذلك شريعة وسنة فل ثم ل ‪ .‬فكيف وبعضها مخالف للسنة‬
‫العملية ‪. ...‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬عادات وخرافات ل يدل عليها الشرع ول يشهد لها عقل وإن عمل بها‬
‫بعض الجهال واتخذوها شرعة لهم ولم يعدموا من يؤيدهم ولو في بعض ذلك‬
‫ممن يدعي العلم ويتزيا بزيهم )‪.(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬العتصام ‪ . 70-2/69‬والتثويب الذي كرهه المام مالك هو ما أحدثه‬
‫بعض المؤذنين بعد النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا أذن المؤذن فاستبطأ‬
‫القوم قال بين الذان والقامة ‪ :‬قد قامت الصلة حي على الصلة حي على‬
‫الفلح فهذا هو التثويب الذي كرهه أهل العلم ‪ ،‬انظر سنن الترمذي مع‬
‫شرحه التحفة ‪ ، 1/507‬وما قاله الشاطبي في الموضع المذكور أول هذا‬
‫الهامش ‪.‬‬
‫)‪ (2‬العتصام ‪. 72-2/65‬‬
‫)‪ (3‬حجة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ص ‪. 103‬‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (4‬انظر البدع الحولية ص ‪. 52-51‬‬


‫)‪ (5‬مناسك الحج والعمرة ص ‪. 45-44‬‬

‫)‪(26 /‬‬

‫ويضاف إلى ما قاله الشيخ اللباني أن من أسباب البدع أيضا ً تحيكم العقل‬
‫في النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة نبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫الواردة في العبادات مع أن العقل ل مدخل له في هذا الباب لنه ل يستطيع‬
‫أن يدرك أسرار التشريع في العبادات فلو سأل أعقل الناس نفسه لماذا‬
‫نصلي المغرب ثلث ركعات ولماذا نصلي العشاء أربعا ً لما وجد جوابا ً مقبول ً‬
‫عقل ً ‪.‬‬
‫ولو سأل آخر نفسه لماذا نصلي التراويح جماعة ول نصلي سنة العشاء‬
‫جماعة ؟ مع أن كل ً منهما سنة ‪.‬‬
‫ولو قلنا لماذا نقرأ القرآن في الصلة حال القيام ول نقرأه حال الركوع‬
‫والسجود ؟ والقرآن هو القرآن ‪.‬‬
‫فالصل في هذا الباب أن ل ينبغي للعقل أن يتقدم بين يدي الشرع ول بد من‬
‫الوقوف عند موارد النصوص ‪ ،‬فإن الله سبحانه وتعالى جعل للعقول في‬
‫إدراكها حدا ً تنتهي إليه ل تتعداه ولم يجعل لهاء سبيل ً إلى الدراك في كل‬
‫مطلوب كما قال الشاطبي )‪.(1‬‬
‫ب أخرى للبدع فيها مجال للنظر )‪.(2‬‬ ‫ويمكن اعتبار أسبا ٍ‬
‫المبحث التاسع‬
‫أسباب انتشار البدع‬
‫يمكن إرجاع انتشار البدع للسباب التية ‪:‬‬
‫‪ .1‬سكوت كثير من أهل العلم والمنتسبين للعلم الشرعي كأئمة المساجد‬
‫وأساتذة العلم الشرعي في الجامعات عن البدع لنهم كما يزعمون ل يريدون‬
‫إثارة العامة عليهم ‪ .‬ومن باب المحافظة على القديم وإبقائه على قدمه ؟!‬
‫‪ .2‬عمل الكثير من أهل العلم والمنتسبين للعلم الشرعي وخاصة في بلدنا‬
‫بالبدع وتأييدهم لها وعملهم على انتشارها لموافقتها أهوائهم أو مشاربهم‬
‫الحزبي الضيقة فتقلدهم العامة لثقتها بهم فيقولون قال الشيخ الفلني قال‬
‫كذا وكذا وفعل كذا فيحتجون على صحة موقفهم بأقوال المشايخ وأفعالهم‬
‫مع أنه ل دليل في ذلك ما لم يكن موافقا ً للشرع ‪.‬‬
‫‪ .3‬تبني الحكام والمسؤولين للبدع وتشجيعها لموافقتها لهوائهم ولخدمتها‬
‫لغراضهم كما هو مشاهد في حفلت الموالد والهجرة والسراء والمعراج‬
‫وغير ذلك من المواسم المنسوبة إلى الدين زورا ً وبهتانا ً كما سيأتي في‬
‫الفصل الثاني ‪.‬‬
‫‪ .4‬نظرا ً لمضي مدة على انتشار البدع وتناقل الناس لها جيل ً بعد جيل صار‬
‫مغروسا ً في أذهان العامة أن هذه البدع من الدين وصار اعتبار البدع من‬
‫الدين قضية مسلمة فأصبح من الصعوبة بمكان وقف انتشارها إل بجهود‬
‫كبيرة وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى )‪.(3‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫البدع المنتشرة بين الناس في المساجد وغيرها‬
‫المبحث الول‬
‫البدع المتعلقة بالذان‬
‫وفيه مسائل ‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسألة الولى ‪ :‬قراءة القرآن قبل الذان للصلوات الخمس وقبل الذان‬
‫للجمعة ‪:‬‬
‫اعتاد كثير من المؤذنين أن يبثوا قراءة آيات من القرآن الكريم بواسطة آلة‬
‫التسجيل عبر مكبرات الصوت قبل الذان للصلة بوقت يسير كعشر دقائق أو‬
‫أقل أو أكثر ‪.‬‬
‫وصارت هذه العادة التزاما ً يوميا ً بحيث إن المؤذن لو أخل بذلك قوبل بالنكار‬
‫من بعض المصلين ‪.‬‬
‫وهذا المر بدعة غير مشروعة مخالفة لهدي المصطفى‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فما ثبت عن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه أمر المؤذن أن‬
‫يقرأ شيئا ً من القرآن الكريم قبل الذان ول نقل مثل ذلك عن الصحابة‬
‫والتابعين لهم ‪.‬‬
‫ومن المقرر عند أهل العلم أنه ل يجوز تخصيص عبادة بوقت معين بدون‬
‫دليل شرعي ‪.‬‬
‫وقد أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء عن سؤال متعلق بحكم‬
‫قراءة القرآن قبل الذان ونصه ‪ ]:‬ما حكم السلم في قراءة القرآن يوم‬
‫الجمعة قبل صلة الظهر بمكبرات الصوت ‪ .‬إذا قلت هذا أمر غير وارد يقول‬
‫لك تريد أن تمنع قراءة القرآن ‪ .‬وما رأيكم في البتهالت الدينية تسبق أذان‬
‫الفجر بقليل بمكبرات الصوت إذا قلت هذا أمر ليس له دليل يقول لك هذا‬
‫عمل خير يوقظ الناس لصلة الفجر ‪.‬‬
‫الجواب ‪ :‬ل نعلم دليل ً يدل على وقوع ذلك في عهد الرسول‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ول نعلم أحدا ً من الصحابة عمل به وكذلك البتهالت التي تسبق‬
‫الذان للفجر بمكبرات الصوت فكانت بدعة وكل بدعة ضللة وقد ثبت أن‬
‫النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ) :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه‬
‫فهو رد ( )‪.(4‬‬
‫ج ٌ‬
‫ل عليه الذان ‪:‬‬ ‫مس َ‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬الذان بواسطة شريط ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬العتصام ‪. 2/318‬‬
‫)‪ (2‬انظر أسبابا ً أخرى للبدع في البدع الحولية ص ‪ 37‬فما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر البدع الحولية ص ‪. 75-71‬‬
‫)‪ (4‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ‪ ، 3/353‬وانظر فتاوى إسلمية‬
‫‪. 1/381‬‬

‫)‪(27 /‬‬

‫بعض المؤذنين وأئمة المساجد يعجبون بأصوات مؤذنين مشهورين فيسجلون‬


‫أذانهم على شريط ثم عندما يحين وقت الذان يبثون الذان بواسطة مكبرات‬
‫الصوت وهذا أمر مبتدع مخالف لهدي المصطفى‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫حيث ثبت في الحديث عن مالك بن الحويرث قال ‪ ) :‬أتيت الرسول‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬في نفر من قومي فأقمنا عنده عشرين ليلة وكان رحيما ً‬
‫رفيقا ً فلما رأى شوقنا إلى أهلينا قال ‪ :‬إرجعوا فكونوا فيهم وعلموهم وصلوا‬
‫فإذا حضرت الصلة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم ( رواه البخاري ومسلم )‬
‫‪.(1‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ): -‬لو يعلم الناس ما في النداء والصف الول ثم لم يجدوا إل أن‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يستهموا عليه لستهموا ولو يعلمون ما في التهجير لستبقوا إليه ولو يعلمون‬
‫ما في العتمة والصبح لتوهما ولو حبوا ً ( رواه البخاري ومسلم )‪.(2‬‬
‫جاء في قرار مجلس المجمع الفقهي السلمي التابع لرابطة العالم السلمي‬
‫ما يلي ‪:‬‬
‫] إن الكتفاء بإذاعة الذان في المساجد عند دخول وقت الصلة بواسطة آلة‬
‫التسجيل ونحوها ول يجوز في أداء العبادة ول يحصل به الذان المشروع وإنه‬
‫يجب على المسلمين مباشرة الذان لكل وقت من أوقات الصلة في كل‬
‫مسجد على ما توارثه المسلمون من عهد نبينا ورسولنا محمد ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬إلى الن والله الموفق [ )‪(3‬‬
‫وأجابت الهيئة الدائمة للبحوث العلمية والفتاء على سؤال يتعلق بالموضوع‬
‫بقولها ‪:‬‬
‫] إنه ل يكفي في الذان المشروع للصلوات المفروضة أن يأذن من الشريط‬
‫المسجل عليه بل الواجب أن يؤذن المؤذن للصلة بنفسه لما ثبت من أمره‬
‫عليه الصلة والسلم بالذان والصل في المر الوجوب [ )‪.(4‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬الصلة على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد الذان بحيث‬
‫تكون جزًء منه ‪:‬‬
‫اعتاد كثير من المؤذنين أن يصلوا على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في‬
‫أذانهم وصارت الصلة على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬جزءا ً من الذان‬
‫وهذا المر الصل فيه سنة والكيفية بدعة وبيان ذلك بما يلي ‪:‬‬
‫إن الصلة والسلم على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬سنة بعد الذان ل‬
‫فرق في ذلك بين مؤذن وغيره ويدل على ذلك ما ثبت في الحديث عن عبد‬
‫الله بن عمرو بن العاص ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه سمع النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫ي فإنه‬
‫وسلم ‪ -‬يقول ‪ ) :‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عل ّ‬
‫ي صلةً صلى الله عليه بها عشرا ً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها‬ ‫من صلى عل ّ‬
‫منزلة في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن‬
‫سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ( رواه مسلم )‪.(5‬‬
‫ومن المعلوم أن ألفاظ الذان وكلماته توقيفية ل يصح أن يزاد عليها أو ينقص‬
‫منها شيء وكلمات الذان تبدأ بقول المؤذن ‪ ) :‬الله أكبر ‪ ،‬الله أكبر ( ‪،‬‬
‫وتنتهي بقوله ‪ ) :‬ل إله إل الله ( فهذا هو المأثور من لدن رسول الله‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وكان عليه الصحابة والتابعون وأهل القرون الثلثة الولى‬
‫المشهود لهم بالخيرية ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 2/251‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/302‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 237 -2/236‬صحيح مسلم بشرح النووي‬
‫‪. 2/118‬‬
‫)‪ (3‬انظر القول المبين ص ‪. 176‬‬
‫)‪ (4‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ‪. 67-6/66‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/66‬‬

‫)‪(28 /‬‬

‫وبناء على ما سبق أقول إن الصلة والسلم على رسول الله ل يصح أن‬
‫تجعل جزًء من ألفاظ الذان فإن جعلت جزًء منه كما يفعل كثير من المؤذنين‬
‫فهي من هذا الوجه وبهذه الكيفية بدعة وإن كان الصل فيها سنة فالمطلوب‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من المؤذن بعد انتهاء الذان أن يصلي ويسلم على النبي‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فإن فعل ذلك فقد أصاب السنة ‪ .‬وأما إذا جهر بالصلة والسلم‬
‫وجعلها جزًء من الذان فقد ابتدع وأحدث حدثا ً لم يكن على عهد رسول الله‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه والسلف الصالح من أئمة المسلمين وقد‬
‫بين الشيخ علي محفوظ تاريخ هذه البدعة فقال ‪ ]:‬ومن البدع المختلف في‬
‫حسنها وذمها الصلة والسلم على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عقب‬
‫الذان جهرا ً ما عدا الصبح والجمعة اكتفاء بما يقع قبلهما وما عدا المغرب‬
‫لضيق وقتها والذي أحدث ذلك هو محتسب القاهرة صلح الدين عبد الله‬
‫ً‬
‫البرلسي وأمر به في مصر وأعمالها ليلة الجمعة فقط ثم صار ذلك عاما على‬
‫يد نجم الدين الطنبدي لسبب مذكور في كتب التاريخ ففي خطط المقريزي ‪:‬‬
‫وأما مصر فلم يزل الذان بها على مذهب القوم " الفاطميين " إلى أن استبد‬
‫السلطان صلح الدين يوسف بن أيوب بسلطنة ديار مصر وأزال الدولة‬
‫الفاطمية سنة سبع وستين وخمسمائة وكان ينتحل مذهب المام الشافعي‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬وعقيدة الشيخ أبي الحسن الشعري رحمه الله فأبطل من‬
‫الذان ) حي على خير العمل ( وصار يؤذن في سائر إقليم مصر والشام‬
‫بأذان أهل مكة وفيه تربيع التكبير وترجيع الشهادتين فاستمر المر على ذلك‬
‫إلى أن بنت التراك المدارس بديار مصر وانتشر مذهب أبي حنيفة‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬في مصر فصار يؤذن في بعض المدارس التي للحنفية بأذان أهل‬
‫الكوفة وتقام الصلة أيضا ً على رأيهم وما عدا ذلك فعلى ما قلنا إل أنه في‬
‫ليلة الجمعة إذا فرغ المؤذنون من التأذين سلموا على رسول الله‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وهو شيء أحدثه محتسب القاهرة صلح الدين عبد الله بن عبد‬
‫الله البرلسي بعد سنة ستين وسبعمائة فاستمر إلى أن كان في شعبان سنة‬
‫إحدى وتسعين وسبعمائة ومتولي المر بديار مصر المير منطاش القائم‬
‫بدولة الملك الصالح المنصور أمير حاج المعروف بحاج ابن شعبان بن حسين‬
‫بن محمد بن قلون فسمع بعض الفقراء الخلطين سلم المؤذنين على‬
‫رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في ليلة الجمعة وقد استحسن ذلك‬
‫طائفة من إخوانه فقال لهم ‪ :‬أتحبون أن يكون هذا السلم في كل أذان ؟‬
‫قالوا نعم فبات تلك الليلة ‪ ،‬وأصبح متواجدا ً يزعم أنه رأى رسول الله في‬
‫منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين‬
‫بالسلم على رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في كل أذان فمضى إلى‬
‫محتسب القاهرة وهو يومئذ نجم الدين محمد الطنبدي وكان شيخا ً جهول ً‬
‫سيء السيرة في الحسبة والقضاء متهافتا ً على الدرهم ولو قاده إلى البلء ‪،‬‬
‫ل يحتشم من أخذ البرطيل والرشوة ول يراعي في مؤمن إل ً ول ذمة ‪ .‬قد‬
‫ضرى على الثام وتجسد من أكل الحرام ‪ .‬يرى أن العلم إرخاء العذبة ولبس‬
‫الجبة ويحسب أن رضاء الله سبحانه في ضرب العباد بالدرقة وولية الحسبة‬
‫لم تحمد الناس قط أياديه ول شكرت أبدا ً مساعيه بل جهالته شائعة وقبائح‬
‫أفعاله ذائعة ‪ .‬وقال له ‪ :‬رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن‬
‫يزيدوا في كل أذان قولهم الصلة والسلم عليك يا رسول الله كما يفعل في‬
‫كل ليالي الجمع ‪.‬‬
‫فأعجب الجاهل هذا القول وجهل أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ل‬
‫يأمر بعد وفاته إل بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته وقد نهى‬
‫م‬ ‫َ‬
‫الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة في شرعه حيث يقول ‪ ) :‬أ ْ‬
‫ْ‬
‫ه ( وقال رسول الله ‪-‬‬ ‫ن ب ِهِ الل ّ ُ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي َأذ َ ْ‬ ‫ن َ‬
‫دي ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬ ‫عوا ل َهُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫شَر ُ‬ ‫شَر َ‬
‫كاُء َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫م ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬إياكم ومحدثات المور ( فأمر بذلك في شعبان‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من السنة المذكورة وتمت هذه البدعة واستمرت إلى يومنا هذا في جميع‬
‫ديار مصر وبلد الشام وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة‬
‫الذان الذي ل يحل تركه وأدى ذلك إلى أن زاد بعض أهل اللحاد في الذان‬
‫ببعض القرى السلم بعد الذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا فل‬
‫حول ول قوة إل بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون [ )‪.(1‬‬
‫وقال العلمة مل علي القاري ‪ ... ]:‬فما يفعله المؤذنون الن عقب الذان من‬
‫العلن بالصلة والسلم مرارا ً أصله سنة والكيفية بدعة لن رفع الصوت في‬
‫المسجد ولو بالذكر فيه كراهة سيما في المسجد الحرام لتشويشه على‬
‫الطائفين والمصلين والمعتكفين [ )‪.(2‬‬
‫وبّين الحافظ ابن حجر أن ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة‬
‫ة‬
‫ومن الصلة على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ليس من جملة الذان ل لغ ً‬
‫ول شرعا ً )‪.(3‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البداع ص ‪ ، 174-172‬وانظر حاشية ابن عابدين ‪. 1/390‬‬
‫)‪ (2‬مرقاة المفاتيح ‪. 350-2/349‬‬
‫)‪ (3‬فتح الباري ‪. 2/232‬‬

‫)‪(29 /‬‬

‫وقال ابن الحاج ‪ ]:‬وكذلك ينبغي أن ينهاهم ‪ -‬أي المؤذنين ‪ -‬عما أحدثوه من‬
‫صفة الصلة والتسليم على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عند طلوع الفجر‬
‫وإن كانت الصلة والتسليم على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من أكبر‬
‫العبادات وأجلها فينبغي أن يسلك بها مسلكها فل توضع إل في مواضعها التي‬
‫جعلت لها ‪.‬‬
‫أل ترى أن قراءة القرآن من أعظم العبادات ومع ذلك ل يجوز للمكلف أن‬
‫يقرأه في الركوع ول في السجود ول في الجلوس أعني الجلوس في الصلة‬
‫لن ذلك ليس بمحل للتلوة ‪.‬‬
‫فالصلة والتسليم على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أحدثوها في أربعة‬
‫مواضع لم تكن تفعل فيها في عهد من مضى والخير كله في التباع لهم‬
‫رضي الله عنهم ‪ ...‬والصلة والتسليم على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ل‬
‫يشك مسلم أنها من أكبر العبادات وأجلها وإن كان ذكر الله تعالى والصلة‬
‫والسلم على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حسنا ً سرا ً وعلنا ً لكن ليس لنا‬
‫أن نضع العبادات إل في مواضعها التي وضعها الشارع فيها ومضى عليها‬
‫سلف المة [ )‪.(1‬‬
‫وقال الشيخ ابن حجر المكي ‪ ]:‬قد أحدث المؤذنون الصلة والسلم عقب‬
‫الذان للفرائض الخمس إل الصبح ‪ ...‬ولقد استفتي مشايخنا وغيرهم في‬
‫الصلة والسلم عليه‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد الذان على الكيفية التي‬
‫يفعلها المؤذنون فأفتوا بأن الصل سنة والكيفية بدعة وهو ظاهر ‪.(2) [ ...‬‬
‫وأشار الشيخ ابن حجر المكي إلى أن الصلة والسلم على النبي‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬قبل الذان ليست سنة فمن أتى ذلك معتقدا ً سنيته في ذلك‬
‫المحل المخصوص نهي عنه ومنع منه لنه تشريع بغير دليل ومن شرع بل‬
‫دليل يزجر عن ذلك وينهى عنه )‪.(3‬‬
‫وسئل الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية عن الصلة والسلم على‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عقب الذان ؟ فأجاب ‪ ]:‬أما الذان فقد جاء‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في ‪ -‬الفتاوى ‪ -‬الخانية أنه ليس لغير المكتوبات وأنه خمس عشرة كلمة‬
‫وآخره عندنا ل إله إل الله وما يذكر بعده أو قبله كله من المستحدثات‬
‫المبتدعة ابتدعت للتلحين ل لشيء آخر ول يقول أحد بجواز هذا التلحين ول‬
‫عبرة بقول من قال ‪ :‬إن شيئا ً من ذلك بدعة حسنة لن كل بدعة في‬
‫العبادات على هذا النحو فهي سيئة … [ )‪.(4‬‬
‫وقال الشيخ سيد سابق ‪ ]:‬الجهر بالصلة والسلم على رسول الله‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬عقب الذان غير مشروع بل هو محدث مكروه [ )‪.(5‬‬
‫وأجاب العلمة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي الديار السعودية على سؤال‬
‫حول الصلة والسلم على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد الذان فأجاب ‪]:‬‬
‫هذا المقام فيه تفصيل فإن كان المؤذن يقول ذلك بخفض صوت فذلك‬
‫مشروع للمؤذن وغيره ممن يجيب المؤذن لن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ي فإنه من صلى‬ ‫قال ‪ ):‬إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا عل ّ‬
‫ي واحدة صلى الله عليه بها عشرا ً ثم اسألوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة‬ ‫عل ّ‬
‫في الجنة ل تنبغي إل لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو‪ ،‬فمن سأل لي‬
‫الوسيلة حلت له الشفاعة ( أخرجه مسلم في صحيحه ‪.‬‬
‫وروى البخاري في صحيحه ‪ ،‬عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال‬
‫رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬من قال حين يسمع النداء اللهم رب‬
‫هذه الدعوة التامة والصلة القائمة آت محمدا ً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما ً‬
‫محمودا ً الذي وعدته ‪ ،‬حلت له شفاعتي يوم القيامة ( ‪.‬‬
‫أما إن كان المؤذن يقول ذلك برفع صوت كالذان فذلك بدعة لنه يوهم أنه‬
‫من الذان والزيادة في الذان ل تجوز لن آخر كلمة‪ ):‬ل إله إل الله ( فل يجوز‬
‫الزيادة على ذلك ‪ .‬ولو كان ذلك خيرا ً لسبق إليه السلف الصالح بل لعلمه‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أمته وشرعه لهم وقد قال عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ ):‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد ( أخرجه مسلم في‬
‫صحيحه وأصله في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها ‪ .‬وأسأل الله‬
‫سبحانه أن يزيدنا وإياكم وسائر إخواننا في الفقه في دينه وأن يمن علينا‬
‫جميعا ً بالثبات عليه إنه سميع قريب [ )‪.(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المدخل ‪. 256-2/255‬‬
‫)‪ (2‬الفتاوى الكبرى الفقهية ‪. 1/131‬‬
‫)‪ (3‬المصدر السابق ‪. 1/131‬‬
‫)‪ (4‬البداع ص ‪. 175‬‬
‫)‪ (5‬فقه السنة ‪. 1/122‬‬
‫)‪ (6‬فتاوى إسلمية ‪. 241-1/240‬‬

‫)‪(30 /‬‬

‫وقال الشيخ محمد عبد السلم الشقيري ‪ ]:‬ثم اعلم أن الصلة على النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد النداء لم تكن بهذه الكيفية المعلومة الن قطعا ً‬
‫مه لهم النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫بل كانت سرا ً وباللفظ الوارد الذي عل ّ‬
‫حينما سألوه بقولهم ‪ :‬قد علمنا السلم عليك فكيف نصلي ؟ فقال لهم‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬قولوا اللهم صل على محمد ( الحديث ‪ ،‬فهذه الكيفية‬
‫مبتدعة محدثة لم يأمر بها رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولم تفعل في‬
‫حياته ول مرة واحدة ‪ .‬ولم يفعلها بلل في جميع تأذيناته بين يدي النبي ‪-‬‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول مرة واحدة ‪ .‬ول أحد من جميع مؤذني النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولم تفعل في عهد الخلفاء الراشدين أصل ً ول في‬
‫عصر سائر الصحابة ول التابعين ول تابعي التابعين ول الئمة الربعة‬
‫المعتبرين ‪ ،‬وإنما حدثت في عصر الملك صلح الدين على يد رجل من‬
‫الجاهلين المتصوفين وأنكرها بعض أهل العلم العاملين وهي ل تزال تنكرها‬
‫قلوب العارفين بشرع المين حتى يأذن الله بإبطالها وإعادتها إلى أصلها على‬
‫يد عبد من عباده الصالحين [ )‪.(1‬‬
‫وزعم بعضهم أن الصلة والسلم على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد‬
‫الذان وبالكيفية التي يفعلها المؤذنون ليست بدعة لنها تدخل في عموم قول‬
‫الله تعالى ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ما ( )‪.(2‬‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫صلوا عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫ن َءا َ‬‫ذي َ‬‫) َياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ي مرة صلى الله‬ ‫وعموم قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬من صلى عل ّ‬
‫عليها بها عشرا ً ( رواه مسلم ‪ ،‬فهذا عام يشمل جميع الوقات ويدخل في‬
‫عمومه الصلة والسلم بعد الذان )‪.(3‬‬
‫والجواب عن ذلك من وجهين ‪:‬‬
‫الوجه الول ‪ :‬إنه ل يصح الستدلل بهذه النصوص العامة وتخصيصها بأفعال‬
‫عامة الناس الذين ابتدعوا هذه البدعة ‪.‬‬
‫ول بد من دليل شرعي يخصص هذه العمومات ويقيد المطلق منها ولم‬
‫يوجد ‪.‬‬
‫الوجه الثاني ‪ :‬إن هذه الصلة والتسليم على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ما عرفت إل في عصور متأخرة وابتدعت على يد بعض الجهلة من العامة‬
‫فأين كان عنها الصحابة والتابعون وأهل القرون الثلثة المفضلة ‪.‬‬
‫فلو كانت مشروعة لسبقونا إليها وكل الخير في اتباع من سلف ‪.‬‬
‫وخلصة المر أن علينا اتباع السنة وهي كما وردت بها الحاديث وهي الصلة‬
‫والسلم على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بشرط أن ل تجعل جزًء من‬
‫الذان فنقول للمؤذن إذا انتهيت من الذان فصل على النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬بعد ذلك ول تجعلها جزًء من أذانك ‪.‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬الذكر قبل أذان الفجر وقبل أذان العشاء ليلتي الثنين‬
‫والجمعة ‪.‬‬
‫اعتاد بعض المؤذنين على التذكير قبل أذان صلة الفجر وخاصة في شهر‬
‫رمضان المبارك ومن هذه الذكار ‪:‬‬
‫دا وَل َ ْ‬
‫م‬ ‫خذ ْ وَل َ ً‬ ‫ذي ل َ ْ‬
‫م ي َت ّ ِ‬ ‫مد ُ ِللهِ ال ّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ح ْ‬ ‫‪ -‬أن يتلو المؤذن قول الله تعالى ‪ ):‬وَقُ ِ‬
‫ل وَك َب ّْرهُ ت َك ِْبيًرا ( )‪.(4‬‬ ‫ن الذ ّ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ك وَل َ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ِ‬‫ك ِفي ال ْ ُ‬ ‫ري ٌ‬‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ي َك ُ ْ‬
‫‪ -‬ومنها قول المؤذن قبل الذان ‪ :‬سبحان الواحد الحد سبحان الفرد الصمد ‪،‬‬
‫سبحان الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا ً أحد ‪.‬‬
‫ومن الذكار التي يقولها بعض المؤذنين قبل أذان العشاء ليلة الجمعة ‪:‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫موا‬‫سل ُ‬ ‫صّلوا عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫ن َءا َ‬ ‫ذي َ‬‫ي َياأي َّها ال ّ ِ‬ ‫ن عََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫صّلو َ‬ ‫ه يُ َ‬ ‫ملئ ِك َت َ ُ‬‫ه وَ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫]) إ ِ ّ‬
‫ما (‪.‬‬ ‫سِلي ً‬ ‫تَ ْ‬
‫أكرم مثوانا يا رب بحرمة ليلة الجمعة ‪ ،‬وأكرم مثوانا ببركة ليلة الجمعة ‪،‬‬
‫فاطمة الزهراء هللت وكبرت بنبوؤة والدها المصطفى وحق ليلة الجمعة ‪.‬‬
‫وخلقت لنا عقول ً ‪ .‬وأرسلت لنا رسول ً ‪.‬‬
‫فمال عبادك يا الله ل يولون جهدا ً في الحصول عل ثواب ليلة الجمعة ‪.‬‬
‫أنزلت لنا القرآن وحيا ً واقيا ً من لدن حكيم عليم ‪ ،‬فما تجاهلت !؟حتى أنزلت‬
‫سورة سميتها سورة الجمعة ‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يا رب ‪ ...‬قدس القداس سطعت أنوارها من أقصاها ‪.‬‬


‫نور القصى من نور المصطفى فأكثروا يا زوار القصى من الصلة على‬
‫المصطفى ليلة الجمعة ‪.‬‬
‫ل حول ول قوة إل بك يا الله عند ضعفي إن كنت قد حرمت من دخول‬
‫المسجد القصى في ليلة الجمعة ‪.‬‬
‫إلهي ومولي ‪ ،‬أنت ربي ‪ ،‬أنت حسبي ‪ ،‬فأعطني الشهادة في سبيلك بحق‬
‫حرمة ليلة الجمعة ‪.‬‬
‫ذرفت عيوني دمعا ً من خشيتك يا الله فامنحني يا مولي صبرا إذا حرمت من‬
‫ً‬
‫ذكرك في أقصاك )‪ (5‬ليلة الجمعة ‪.‬‬
‫موسى بشر محبي المصطفى وعيسى هتف في محبي المصطفى فاقسم‬
‫الله لمحمد أن يكون هو البادي ليلة الجمعة ‪.‬‬
‫يا مالك الكون إليك المرتجى والمنتهى ‪.‬‬
‫فاجعل نهايتنا يا الله فاتحة خير بحق حرمة ليلة الجمعة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬السنن والمبتدعات ص ‪. 234‬‬
‫)‪ (2‬سورة الحزاب الية ‪56‬‬
‫)‪ (3‬انظر إتقان الصنعة ص ‪. 50-49‬‬
‫)‪ (4‬سورة السراء الية ‪. 111‬‬
‫)‪ (5‬قوله أقصاك بالضافة إلى كاف المخاطب والمقصود بها الله جل جلله‬
‫وهي إضافة غير صحيحة لن المعني يصير أقصاك أي أبعدك ‪.‬‬

‫)‪(31 /‬‬

‫أيها القصى منك شهدوا أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله وأبشر يا‬
‫مسجد الله أن ل متسع في جنباتك إل لمؤمن هتف بحرمة ليلة الجمعة ‪.‬‬
‫كيف ل أقصد أبوابك يا الله من مكان طهارة السلم ومسرى محمد خير‬
‫النام ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ة‬ ‫مُنوا إ َِذا ُنودِيَ ِلل ّ‬
‫صل ِ‬ ‫ن َءا َ‬
‫ذي َ‬
‫وأنت أنزلت يا مولي على حبيبي محمد ‪َ ):‬ياأي َّها ال ِ‬
‫معَةِ ( اشفع لنا يا بحر علم الله ‪.‬‬ ‫ج ُ‬‫ن ي َوْم ِ ال ْ ُ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫قصدت باب الرجاء والناس قد رقدوا وبت أشكو إلى مولي ما أجد وقلت يا‬
‫أملي في كل نائبة عليك من بكشف الضر اعتمد ‪.‬‬
‫أشكو إليك يا رب اشكوا إليك أمورا ً أنت تعلمها ما لي على حملها صبر ول‬
‫جلد ‪.‬‬
‫وقد مددت إليك يدي بالذل سائلة يا خير من مدت إليه يد‬
‫فل تردنها إليك يا رب خائبة فبحر جودك يروي كل من يرد [‪.‬‬
‫وغير ذلك من الذكار ‪ ،‬وهذه الذكار وغيرها كلها من المور المبتدعة التي‬
‫يجب تركها اقتداًء بسنة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪. -‬‬
‫قال ابن الجوزي ‪ ... ]:‬ومنه أنهم يخلطون أذان الفجر بالتذكير والتسبيح‬
‫والمواعظ ويجعلون الذان وسطا ً فيختلط ‪ ،‬وقد كره العلماء كل ما يضاف‬
‫إلى الذان ‪ ...‬وكل ذلك من المنكرات [)‪.(1‬‬
‫وبّين الحافظ ابن حجر أن ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة‬
‫ليس من جملة الذان ل لغة ول شرعا ً )‪.(2‬‬
‫قال في شرح العمدة من كتب الحنابلة ‪ ]:‬يكره قول المؤذن قبل الذان ‪:‬‬
‫دا ( الية وكذلك إن وصله بعد بذكر لنه‬ ‫خذ ْ وَل َ ً‬ ‫ذي ل َ ْ‬
‫م ي َت ّ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ ال ّ ِ‬‫ح ْ‬‫ل ال ْ َ‬
‫) وَقُ ِ‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫محدث ‪.‬‬
‫ويكره قوله قبل القامة‪ :‬اللهم صل على محمد‪ ،‬ونحو ذلك من المحدثات ‪.‬‬
‫وفي القناع وشرحه من كتبهم أيضا ً ‪ :‬وما سوى التأذين قبل الفجر من‬
‫التسبيح والنشيد ورفع الصوت بالدعاء ونحو ذلك في المآذن فليس بمسنون ‪.‬‬
‫وما أحد من العلماء قال إنه يستحب بل هو من جملة البدع المكروهة لنه لم‬
‫يكن في عهده‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول عهد أصحابه وليس له أصل فيما‬
‫كان على عهدهم يرد ّ إليه فليس لحد أن يأمر به ول ينكر على من تركه ول‬
‫يعلق استحقاق الرزق به لنه إعانة على بدعة ول يلزم فعله ولو شرطه‬
‫واقف لمخالفته السنة [ )‪.(3‬‬
‫وقال الشيخ سيد سابق تحت عنوان ما أضيف إلى الذان وما ليس منه ‪:‬‬
‫] الذان عبادة ومدار المر في العبادات على التباع فل يجوز لنا أن نزيد شيئا ً‬
‫في ديننا أو ننقص منه وفي الحديث الصحيح ‪ ):‬من أحدث في أمرنا هذا ما‬
‫ليس منه فهو رد ( أي باطل ‪ .‬ونحن نشير إلى أشياء غير مشروعة درج عليها‬
‫الكثير حتى خيل للبعض أنها من الدين وهي ليست منه في شيء ‪ ،‬من‬
‫ذلك ‪ ...‬التسبيح في الفجر [ ثم نقل كلم صاحب القناع وشرحه المتقدم )‬
‫‪.(4‬‬
‫المسألة الخامسة ‪:‬‬
‫ل هُو الل َ‬
‫ن‬‫م ي َك ُ ْ‬ ‫م ُيول َد ْ وَل َ ْ‬ ‫م ي َل ِد ْ وَل َ ْ‬‫مد ُ ل َ ْ‬ ‫ص َ‬
‫ه ال ّ‬ ‫حد ٌ الل ّ ُ‬
‫هأ َ‬ ‫ُ‬ ‫قراءة سورة الخلص ) قُ ْ َ‬
‫ب ال ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫حد ٌ ( ثلثا ً قبل إقامة الصلة وكذلك قراءة ) قُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ق ِ‬ ‫فل ِ‬ ‫عوذ ُ ب َِر ّ‬ ‫لأ ُ‬ ‫وا أ َ‬ ‫ف ً‬ ‫ه كُ ُ‬‫لَ ُ‬
‫شّر‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ِ و َ ِ‬‫ت ِفي ال ْعُ َ‬ ‫فاَثا ِ‬ ‫شّر الن ّ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ب وَ ِ‬ ‫ق إ َِذا وَقَ َ‬ ‫س ٍ‬ ‫شّر َ‬
‫غا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫خل َقَ وَ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫شّر َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫سد َ ( وقراءة ) قُ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫س ِ‬ ‫س إ ِلهِ الّنا ِ‬ ‫ك الّنا ِ‬ ‫مل ِ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫عوذ ُ ب َِر ّ‬‫لأ ُ‬ ‫سدٍ إ َِذا َ‬
‫ح َ‬ ‫حا ِ‬ ‫َ‬
‫س(‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫س ِ‬ ‫دورِ الّنا ِ‬ ‫ص ُ‬‫س ِفي ُ‬ ‫سو ِ ُ‬ ‫ذي ي ُوَ ْ‬ ‫س ال ِ‬
‫خّنا ِ‬‫س ال َ‬ ‫وا ِ‬ ‫س َ‬ ‫شّر الوَ ْ‬
‫ثم يدعو المؤذن بقوله ‪ ] :‬لمواتنا ولمواتكم وللمسلمين الفاتحة [ ثم يقرؤها‬
‫وبعد ذلك يقيم الصلة ‪ .‬وهذه الصيغة يحافظ عليها بعض المؤذنين خاصة في‬
‫صلة الفجر وهي بدعة مخالفة لهدي المصطفى ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪. -‬‬
‫قال الشيخ القاسمي ‪ ]:‬قراءة سورة الخلص ثلثا ً قبل إقامة الصلة إعلنا ً‬
‫بأنه ستقام الصلة فهي بدعة ل أصل لها ول حاجة لها [ )‪.(5‬‬
‫وهذه بدعة لنها لم ترد عن رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول أمر أحدا ً‬
‫من المؤذنين أن يفعلها قبل إقامة الصلة ‪ .‬ولن فيها تشويشا ً على المصلين‬
‫في المسجد وقد نهى النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن التشويش على‬
‫المصلين ولو كان ذلك بقراءة القرآن الكريم كما ورد في الحديث ‪ ):‬أن‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬خرج على الناس وهم يصلون وقد علت‬
‫أصواتهم بالقراءة فقال ‪ :‬إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ول‬
‫يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ( رواه مالك في الموطأ وروى مثله أبو داود‬
‫وأحمد والبيهقي وصححه الشيخ اللباني )‪.(6‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫البدع المتعلقة بالنية‬
‫وفيه مسائل ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬الجهر بالنية ‪:‬‬
‫اعتاد كثير من المصلين أن يتلفظوا بالنية جاهرين بها فتسمع أحدهم يقول‬
‫قبل أن يحرم بصلة الظهر ‪ :‬نويت أصلي أربع ركعات فرض صلة الظهر‬
‫جماعة مقتديا ً بهذا المام مستقبل ً الكعبة الشريفة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تلبيس إبليس ص ‪. 137‬‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬فتح الباري ‪. 2/232‬‬


‫)‪ (3‬نقل ً عن إصلح المساجد ص ‪. 134-133‬‬
‫)‪ (4‬فقه السنة ‪. 122-1/121‬‬
‫)‪ (5‬إصلح المساجد ص ‪. 106-105‬‬
‫)‪ (6‬موطأ مالك ‪ ، 1/90‬المنهل العذب المورود ‪ ، 7/262‬صحيح سنن أبي‬
‫داود ‪ ، 1/247‬وانظر الستذكار ‪. 162-4/161‬‬

‫)‪(32 /‬‬

‫وهذا التلفظ جهرا ً بالنية بدعة سيئة مذمومة مخالفة لهدي الرسول‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وتوضيح ذلك بما يلي ‪:‬‬
‫ً‬
‫أول ً ‪ :‬إن النية من عمل القلب وليست من عمل اللسان لذلك فإن كثيرا من‬
‫أهل العلم يعرفون النية بأنها عزيمة القلب أو قصد القلب ‪.‬‬
‫قال المام الخطابي ‪ ]:‬النية قصدك الشيء بقلبك وتحري الطلب منك له ‪.‬‬
‫وقيل عزيمة القلب [ )‪.(1‬‬
‫وقال المام القرافي ‪ ]:‬هي قصد النسان بقلبه ما يريده بفعله [ )‪.(2‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬والنية هي القصد والرادة والقصد والرادة‬
‫محلهما القلب دون اللسان باتفاق العقلء [ )‪.(3‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬النية عمل القلب [ )‪.(4‬‬
‫وقال أبو إسحاق الشيرازي ‪ ]:‬لن النية هي القصد بالقلب [ )‪.(5‬‬
‫وقال التيمي هي ‪ ]:‬وجهة القلب [ )‪.(6‬‬
‫وقال البيضاوي ‪ ]:‬النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا ً لغرض‬
‫من جلب نفع أو دفع ضر حال ً أو مآل ً [ )‪ .(7‬وغير ذلك من التعريفات ‪.‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬والنية محلها القلب باتفاق العلماء فإن نوى‬
‫بقلبه ولم يتكلم بلسانه أجزأته النية باتفاقهم [ )‪.(8‬‬
‫وقال شيخ السلم أيضا ً ‪ ]:‬محل النية القلب دون اللسان باتفاق أئمة‬
‫المسلمين في جميع العبادات [ )‪.(9‬‬
‫وقال السيوطي ‪ ]:‬محلها القلب في كل موضع [ )‪.(10‬‬
‫وقال الشيخ أحمد الشويكي الحنبلي ‪ ]:‬ومحلها القلب [ )‪ .(11‬وهذا الذي‬
‫عليه المحققون من العلماء )‪.(12‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إن الصل في العبادات التوقيف على رسول الله‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬كما قررته سابقا ً ولم ينقل عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه‬
‫تلفظ بالنية وكذلك لم ينقل عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه عّلم أحدا ً‬
‫من الصحابة التلفظ بالنية ولو كان التلفظ مشروعا ً لنقل إلينا كما نقلت إلينا‬
‫أدق أعمال الصلة وغيرها ‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬كان‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا قام إلى الصلة‬
‫قال ‪ ):‬الله أكبر ( ولم يقل شيئا ً قبلها ول تلفظ بالنية البتة ول قال ‪ :‬أصلي‬
‫لله صلة كذا مستقبل الكعبة أربع ركعات إماما ً أو مأموما ً ‪ .‬ول قال ‪ :‬أداًء ول‬
‫قضاًء ول فرض الوقت وهذه عشر بدع لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح‬
‫ول ضعيف ول مسند ول مرسل لفظة واحدة منها البتة ‪ .‬بل ول عن أحد من‬
‫أصحابه ول استحسنه أحد من التابعين ول الئمة الربعة [ )‪.(13‬‬
‫وقال العلمة القسطلني ‪ ]:‬وبالجملة فلم ينقل أحد أنه ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬تلفظ بالنية ول علم أحدا ً من أصحابه التلفظ بها ول أقره على ذلك‬
‫بل المنقول عنه في السنن أنه قال ‪:‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫] مفتاح الصلة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم [‪.‬‬


‫وفي الصحيحين أنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لما علم المسيء صلته قال له‬
‫‪ ):‬إذا قمت إلى الصلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ( فلم يأمره‬
‫بالتلفظ بشيء قبل التكبير [ )‪.(14‬‬
‫وقال العلمة القسطلني أيضا ً ‪ ... ]:‬ولقد صّلى‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أكثر‬
‫من ثلثين ألف صلة فلم ينقل عنه أنه قال ‪ :‬نويت أن أصلي صلة كذا وكذا‬
‫وتركه‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬سنة ‪ ،‬كما أن فعله سنة فليس لنا أن نسوي‬
‫بين ما فعله وتركه فنأتي من القول في الموضع الذي تركه بنظير ما أتى به‬
‫في الموضع الذي فعله ‪.(15) [ ...‬‬
‫ونقل ابن القيم عن شيخه شيخ السلم ابن تيمية قوله ‪ ]:‬ومن هؤلء من‬
‫يأتي بعشر بدع لم يفعلها رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول أحد من‬
‫أصحابه واحدة منها فيقول ‪ :‬أعوذ بالله من الشيطان الرجيم نويت أصلي‬
‫صلة الظهر فريضة الوقت أداء لله تعالى إماما ً أو مأموما ً أربع ركعات‬
‫مستقبل القبلة ‪ ،‬ثم يزعج أعضاءه ويثني جبهته ويقيم عروق عنقه ويصرخ‬
‫بالتكبير كأنه يكبر على العدو ‪ ،‬ولو مكث أحدهم عمر نوح عليه السلم يفتش‬
‫هل فعل رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أو أحد من أصحابه شيئا ً من‬
‫ذلك لما ظفر به إل أن يجاهر بالكذب البحت ‪ ،‬فلو كان في هذا خيٌر لسبقونا‬
‫إليه ولدلونا عليه فإن كان هذا هدى فقد ضلوا عنه وإن كان الذي كانوا عليه‬
‫هو الهدى والحق فماذا بعد الحق إل الضلل [ )‪.(16‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مقاصد المكلفين ص ‪. 24‬‬
‫ً‬
‫)‪ (2‬الذخيرة ‪ ، 1/240‬وانظر المنية في إدراك النية للقرافي أيضا ص ‪. 17‬‬
‫)‪ (3‬مجموع الفتاوى ‪. 22/236‬‬
‫)‪ (4‬بدائع الفوائد ‪ 3/192‬نقل ً عن مقاصد المكلفين ص ‪. 30‬‬
‫)‪ (5‬المهذب مع المجموع ‪. 3/276‬‬
‫)‪ (6‬مقاصد المكلفين ص ‪. 30‬‬
‫)‪ (7‬المرجع السابق ص ‪. 31‬‬
‫)‪ (8‬مجموع الفتاوى ‪. 18/262‬‬
‫)‪ (9‬مجموع الفتاوى ‪. 218-22/217‬‬
‫)‪ (10‬الشباه والنظائر ص ‪. 76‬‬
‫)‪ (11‬التوضيح في الجمع بين المقنع والتنقيح ‪. 1/233‬‬
‫)‪ (12‬انظر فتح الباري ‪ ، 1/14‬مرقاة المفاتيح ‪ ، 1/94‬الفروع ‪، 1/139‬‬
‫النصاف ‪ ، 1/142‬زاد المعاد ‪ ، 1/201‬دليل الفالحين ‪ ، 1/54‬المواهب‬
‫اللدنية ‪ ، 1/72‬الهداية مع شرح فتح القدير ‪. 1/232‬‬
‫)‪ (13‬زاد المعاد ‪. 1/201‬‬
‫)‪ (14‬المواهب اللدنية ‪. 4/72‬‬
‫)‪ (15‬المصدر السابق ‪ ، 4/73‬وانظر مرقاة المفاتيح ‪. 1/97‬‬
‫)‪ (16‬إغاثة اللهفان ‪. 139-1/138‬‬

‫)‪(33 /‬‬

‫كما أنه ثبت أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لم يكن يتلفظ بالنية بل‬
‫كان يبدأ الصلة بالتكبير كما صح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها‬
‫قالت ‪ ):‬كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يستفتح الصلة بالتكبير‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والقراءة بالحمد لله رب العالمين ( رواه مسلم )‪.(1‬‬


‫وثبت في الحديث عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن الرسول ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬قال للمسيء صلته عندما قال له ‪ ):‬علمني يا رسول الله ‪،‬‬
‫قال له ‪ :‬إذا قمت إلى الصلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ‪( ...‬‬
‫رواه البخاري ومسلم )‪. (2‬‬
‫وقال العلمة مل علي القاري ‪ ]:‬وقد ثبت أنه عليه الصلة والسلم قام إلى‬
‫الصلة فكبر فلو نطق بشيء آخر لنقلوه ‪ .‬وورد في حديث المسيء صلته‬
‫أنه قال له ‪ ) :‬إذا قمت إلى الصلة فكبر ( فدل على عدم وجود التلفظ [ )‬
‫‪.(3‬‬
‫ثالثا ‪ :‬لم يقل أحد من الئمة الربعة ول غيرهم من العلماء الكبار بالتلفظ‬ ‫ً‬
‫بالنية ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬والجهر بالنية ل يجب ول يستحب باتفاق‬
‫المسلمين بل الجاهر بالنية مبتدع مخالف للشرع إذا فعل ذلك معتقدا ً أنه من‬
‫الشرع فهو جاهل ضال ‪.(4) [ ...‬‬
‫وقال شيخ السلم أيضًا‪ ] :‬إن التلفظ بالنية ل يجب عند أحد من الئمة [ )‪.(5‬‬
‫وقال الشيخ ابن أبي العز الحنفي ‪ ]:‬فإنه لم يقل أحد من الئمة الربعة ل‬
‫الشافعي ول غيره باشتراط التلفظ بالنية وإنما النية محلها القلب باتفاقهم ‪...‬‬
‫[ )‪.(6‬‬
‫وقال القاضي جمال الدين أبو الربيع سليمان بن عمر الشافعي ‪ ]:‬وأما الجهر‬
‫بها وبالقراءة خلف المام ليس من السنة بل مكروه ‪ .‬فإن حصل به تشويش‬
‫على المصلين فحرام ‪ ،‬ومن قال بأن الجهر بلفظ النية من السنة فهو‬
‫مخطىء ول يحل له ول لغيره أن يقول في دين الله تعالى بغير علم ‪.‬‬
‫ومنهم أبو عبد الله محمد بن القاسم التونسي المالكي ‪ ،‬قال ‪ :‬النية من‬
‫أعمال القلوب فالجهر بها بدعة مع ما في ذلك من التشويش على الناس ‪.‬‬
‫ومنهم الشيخ علء الدين بن العطار عفا الله عنه قال ‪ :‬ورفع الصوت بالنية‬
‫مع التشويش على المصلين حرام إجماعا ً ومع عدمه بدعة قبيحة فإن قصد‬
‫به الرياء كان حراما ً من وجهين كبيرة من الكبائر والمنكر على من قال بأن‬
‫ذلك من السنة مصيب ومصوبه مخطئ ‪ .‬ونسبته إلى دين الله اعتقادا ً كفر‬
‫وغير اعتقاد معصية ‪.‬‬
‫كن من زجره زجره ومنعه وردعه ولم ينقل هذا‬ ‫ويجب على كل مؤمن تم ّ‬
‫النقل عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول عن أحد من أصحابه ول‬
‫عن أحد ممن يقتدى به من علماء السلم ‪.‬‬
‫ومنهم الشيخ العلمة أبو عبد الله محمد بن الحريري النصاري ‪ ،‬قال في هذه‬
‫المسألة ‪ :‬ما كان النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول أصحابه رضي الله عنهم‬
‫ول أحد من الئمة الربعة ول علماء المسلمين يفعل مثل ذلك ‪ ...‬فإن زعم‬
‫الفاعل لذلك أن هذا هو دين الله تعالى فقد كذب على الله تعالى وعلى‬
‫رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأدخل في دين الله ما ليس منه يستتاب‬
‫بعد التعريف وتزاح عنه الشبهة التي عرضت له فإن تاب وإل قتل بذلك [ )‬
‫‪.(7‬‬
‫رابعا ‪ :‬نسب بعض الشافعية وهو أبو عبد الله الزبيري للمام الشافعي أنه‬ ‫ً‬
‫يوجب التلفظ بالنية تعلقا ً بأن الشافعي قال في كتاب " المناسك " ول يلزمه‬
‫إذا أحرم بقلبه أن يذكره بلسانه وليس كالصلة التي ل تصح إل بالنطق ‪،‬‬
‫فتأول ذلك على وجوب النطق بالنية ‪.‬‬
‫قال الماوردي ‪ ]:‬وهذا فاسد وإنما أراد ‪ -‬الشافعي ‪ -‬وجوب النطق بالتكبير ثم‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مما يوضح فساد هذا القول حجاجا ً ‪ :‬أن النية من أعمال القلب فلم تفتقر إلى‬
‫غيره من الجوارح كما أن القراءة لما كانت من أعمال اللسان لم تفتقر إلى‬
‫غيره من الجوارح [ )‪.(8‬‬
‫وقال المام النووي مخطئا ً كلم الزبيري ‪ ]:‬قال أصحابنا غلط هذا القائل‬
‫وليس مراد الشافعي بالنطق في الصلة هذا بل مراده التكبير [ )‪.(9‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬قول من قال باستحباب التلفظ بالنية ليساعد اللسان القلب )‪،(10‬‬
‫ل دليل عليه من الشرع ولم يقل بالستحباب أحد من الئمة الربعة ول‬
‫غيرهم من الئمة السابقين بل المنصوص عن المامين مالك وأحمد أنه ل‬
‫يستحب التلفظ بالنية كما بينه شيخ السلم ابن تيمية )‪.(11‬‬
‫وقد سأل أبو داود ‪ -‬في مسائل أحمد ‪ -‬المام أحمد فقال ‪ ]:‬يقول المصلي‬
‫قبل التكبير شيئا ً ؟ قال ‪ :‬ل [ )‪.(12‬‬
‫ويجاب على قولهم باستحباب التلفظ بالنية بوجوه ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/159‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 3/383‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/82‬‬
‫)‪ (3‬مرقاة المفاتيح ‪. 1/95‬‬
‫)‪ (4‬مجموع الفتاوى ‪. 22/218‬‬
‫)‪ (5‬المصدر السابق ‪. 22/221‬‬
‫)‪ (6‬التباع ص ‪. 62‬‬
‫)‪ (7‬مجموعة الرسائل الكبرى ‪ ، 256-1/254‬وانظر مقاصد المكلفين ص‬
‫‪. 124-123‬‬
‫)‪ (8‬الحاوي الكبير ‪. 92-2/91‬‬
‫)‪ (9‬المجموع ‪ ، 3/277‬وانظر مجموع الفتاوى ‪ ، 22/221‬زاد المعاد‬
‫‪ ، 1/201‬التباع ص ‪ ، 62‬مقاصد المكلفين ص ‪. 125‬‬
‫)‪ (10‬مغني المحتاج ‪. 1/343‬‬
‫)‪ (11‬مجموع الفتاوى ‪ ، 22/221‬وانظر مقاصد المكلفين ص ‪. 126‬‬
‫)‪ (12‬مسائل أحمد ص ‪ 31‬نقل ً عن المر بالتباع ص ‪. 295‬‬

‫)‪(34 /‬‬

‫الول ‪ :‬إن الستحباب حكم شرعي ل يكون إل بدليل ‪ ،‬ول دليل ‪ .‬قال المام‬
‫الذرعي ‪ ]:‬ول دليل للندب [ )‪.(1‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬ولو كان مستحبا ً لفعله النبي‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ولعظمه المسلمون [ )‪.(2‬‬
‫وقال شيخ السلم أيضا ً ‪ ]:‬وكل ما يحدث في العبادات المشروعة من‬
‫الزيادات التي لم يشرعها رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فهي بدعة بل‬
‫كان‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يداوم في العبادات على تركها ‪ ،‬ففعلها‬
‫والمداومة عليها بدعة وضللة من وجهين ‪ :‬من حيث اعتقاد المعتقد أن ذلك‬
‫مشروع مستحب أي يكون فعله خير من تركه مع أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬لم يكن يفعله البتة فيبقى حقيقة هذا القول إنما فعلناه أكمل وأفضل‬
‫مما فعله رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪. -‬‬
‫وقد سأل رجل مالك بن أنس عن الحرام قبل الميقات فقال ‪ :‬أخاف عليك‬
‫الفتنة ‪ .‬فقال له السائل ‪ :‬أي فتنة في ذلك ؟ وإنما زيادة أميال في طاعة‬
‫الله عز وجل ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال ‪ :‬وأي فتنة أعظم من أن تظن في نفسك أنك خصصت بفضل لم يفعله‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪. -‬‬
‫وقد ثبت في الصحيحين أنه قال ‪ ):‬من رغب عن سنتي فليس مني ( فأي‬
‫من ظن أن سنة أفضل من سنتي فرغب عما سنيته معتقدا ً أنما رغب فيه‬
‫أفضل مما رغب عنه فليس مني ‪ ،‬لن خير الكلم كلم الله وخير الهدى هدي‬
‫محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ( -‬كما في الصحيح عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬أنه كان يخطب بذلك يوم الجمعة ‪.‬‬
‫فمن قال ‪ :‬إن هدي غير محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أفضل من هدي‬
‫محمد فهو مفتون بل ضال ‪ ،‬قال الله تعالى ‪ -‬إجلل ً له وتثبيت حجته على‬
‫الناس كافة ‪: -‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م(‬‫ب أِلي ٌ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫ة أوْ ي ُ ِ‬
‫م فِت ْن َ ٌ‬
‫صيب َهُ ْ‬
‫ن تُ ِ‬
‫مرِهِ أ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬
‫فو َ‬
‫خال ِ ُ‬
‫ن يُ َ‬
‫ذي َ‬‫حذ َرِ ال ّ ِ‬
‫) فَل ْي َ ْ‬
‫أي ‪ :‬وجيع ‪.‬‬
‫وهو ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قد أمر المسلمين باتباعه ‪ ،‬وأن يعتقدوا وجوب‬
‫ما أوجبه واستحباب ما أحبه وأنه ل أفضل من ذلك فمن لم يعتقد هذا فقد‬
‫عصى أمره ‪ ،‬وفي صحيح مسلم عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه‬
‫قال ‪ ):‬هلك المتنطعون ‪ -‬قالها ثلثا ً ‪ ( -‬أي المشددون في غير موضع التشديد‬
‫‪ ،‬وقال أبي بن كعب وابن مسعود ‪ :‬اقتصاد في سنة خير من اجتهاد في بدعة‬
‫[ )‪.(3‬‬
‫الوجه الثاني ‪ :‬ثبت أنه عليه الصلة والسلم لم يتلفظ بالنية كما سبق وقد‬
‫ذكرت أدلة ذلك تحت قولي ثانيا ً ‪.‬‬
‫الوجه الثالث ‪ :‬إن المتلفظ بالنية يفعل ويداوم على فعل لم يفعله الرسول ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولم يداوم عليه وهذا بدعة واضحة عند أهل العلم ‪.‬‬
‫الوجه الرابع ‪ :‬ل مدخل للتلفظ بالنية في حصولها في القلب والتلفظ بها‬
‫عبث والقصد أمر ضروري لفعل الفاعل ‪:‬‬
‫ً‬
‫لقد ظن القائلون بالستحباب أن للتلفظ مدخل في تحصيل النية بأن يؤكد‬
‫عزيمة القلب وهذا خطأ فإن القائل ‪ -‬إذا قال نويت صلة الظهر أو نويت رفع‬
‫الحدث ‪ -‬إما أن يكون مخبرا ً أو منشئا ً فإن كان مخبرا ً فإما أن يكون إخباره‬
‫لنفسه أو لغيره وكل ذلك عبث ل فائدة فيه ‪ ،‬لن الخبار إنما يفيد إذا تضمن‬
‫تعريف المخبر ما لم يكن عارفا ً وهذا محال في إخباره لنفسه ‪ ،‬وإن كان‬
‫إخبارا ً لغيره بالنية فهو عبث محض وهو غير مشروع ول مفيد وهو بمثابة‬
‫إخباره بسائر أفعاله من صومه وصلته وحجه وزكاته بل بمنزلة إخباره له عن‬
‫إيمانه وحبه وبغضه بل قد يكون في هذه الخبار فائدة وأما إخبار المأمومين‬
‫أو المام بالنية فعبث محض ‪.‬‬
‫ول يصح أن يكون ذلك إنشاًء فإن اللفظ ل ينشئ وجود النية وإنما إنشاؤها‬
‫إحضار حقيقتها في القلب ل إنشاء اللفظ الدال عليها ‪.‬‬
‫والذي يوجد حقيقتها في القلب العلم الذي يتقدمها ويسبقها فالنية تتبع العلم‬
‫فمن علم ما يريد فعله ل بد أن ينويه ضرورة كمن قدم بين يديه طعام ليأكله‬
‫فإذا علم أنه يريد الكل فل بد أن ينويه وكذلك الركوب وغيره ‪.‬‬
‫ولو كلف العباد أن يعملوا بغير نية كلفوا ما ل يطيقون فإن كل أحد إذا أراد‬
‫أن يعمل عمل ً مشروعا ً أو غير مشروع فعلمه سابق إلى قلبه وذلك هو النية‬
‫وإذا علم النسان أنه يريد صلة أو صوما ً أو طهارة فل بد أن ينويه ‪ -‬إذا علمه‬
‫‪ -‬ضرورة وإنما يتصور عدم النية إذا لم يعلم ما يريد مثل من نسي الجنابة‬
‫واغتسل للنظافة أو للتبرد أو من يريد أن يعّلم غيره الوضوء ولم يرد أن‬
‫يتوضأ لنفسه أو من ل يعلم أن غدا ً من رمضان فيصبح ناويا ً للصوم وأما الذي‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يعلم أن غدا ً من رمضان وهو يريد الصوم فهذا ل بد أن ينويه ضرورة ول‬
‫يحتاج أن يتكلم به )‪.(4‬‬
‫الوجه الخامس ‪ :‬إن القول بوجوب التلفظ أو استحبابه له آثار سيئة فقد أوقع‬
‫كثيرا ً من الناس في الوسوسة في الصلة وغيرها ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مغني المحتاج ‪. 1/343‬‬
‫)‪ (2‬مجموع الفتاوى ‪. 22/222‬‬
‫)‪ (3‬المصدر السابق ‪. 224-22/223‬‬
‫)‪ (4‬مقاصد المكلفين ص ‪. 133-132‬‬

‫)‪(35 /‬‬

‫قال ابن الجوزي ‪ ]:‬واعلم أن الوسوسة في نية الصلة سببها خبل العقل‬
‫وجهل بالشرع ‪ ،‬ومعلوم أن من دخل عليه عالم فقام له وقال ‪ :‬نويت أن‬
‫أنتصب قائما ً تعظيما ً لدخول هذا العالم لجل علمه مقبل ً عليه بوجهي ‪ ،‬سفه‬
‫في عقله فإن هذا قد تصور في ذهنه منذ رأى العالم ‪ ،‬فقيام النسان إلى‬
‫الصلة ليؤدي الفرض أمر يتصور في النفس في حالة واحدة ل يطول زمانه‬
‫وإنما يطول زمان نظم هذه اللفاظ واللفاظ ل تلزم والوسواس جهل محض‬
‫‪ ،‬وإن الموسوس يكلف نفسه أن يحضر في قلبه الظهرية والدائية والفرضية‬
‫في حالة واحدة مفصلة بألفاظها وهو يطالعها وذلك محال ‪،‬‬
‫ولو كلف نفسه ذلك في القيام للعالم لتعذر عليه فمن عرف هذا عرف النية[‬
‫)‪.(1‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬بل التلفظ بالنية نقص في العقل والدين ‪ ،‬أما‬
‫في الدين فلنه بدعة وأما في العقل فلنه بمنزلة من يريد يأكل طعاما ً‬
‫فيقول ‪ :‬نويت بوضع يدي في هذا الناء أني أريد آخذ منه لقمة فأضعها في‬
‫فمي فأمضغها ثم ابلعها لشبع ‪ .‬مثل القائل الذي يقول ‪ :‬نويت أصلي فريضة‬
‫هذه الصلة المفروضة علي حاضر الوقت أربع ركعات في جماعة أداء لله‬
‫تعالى ‪ ،‬فهذا كله حمق وجهل وذلك أن النية بليغ العلم ‪ ،‬فمتى علم العبد ما‬
‫يفعله كان قد نواه ضرورة ‪ ،‬فل يتصور مع وجود العلم بالعقل أن يفعل بل نية‬
‫ول يمكن مع عدم العلم أن تحصل نية ‪.‬‬
‫وقد اتفق الئمة على أن الجهر بالنية وتكريرها ليس بمشروع بل من اعتاد‬
‫ذلك فإنه ينبغي له أن يؤدب تأديبا ً يمنعه عن ذلك التعبد بالبدع وإذاء الناس‬
‫برفع صوته لنه قد جاء الحديث ‪ ):‬أيها الناس كلكم يناجي ربه فل يجهرن‬
‫بعضكم على بعض بالقراءة ( فكيف حال من يشوش على الناس بكلمه بغير‬
‫قراءة ؟ بل يقول ‪ :‬نويت أصلي ‪ ،‬أصلي فريضة كذا وكذا ‪ ،‬في وقت كذا وكذا‬
‫من الفعال التي لم يشرعها رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.(2) [ -‬‬
‫وقال ابن الحاج ‪ ]:‬وما تقدم من أن النية ل يجهر بها فهو عام في المام‬
‫والمأموم والفذ فالجهر بها بدعة على كل حال إذ أنه لم يرو أن النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬ول الخلفاء ول الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين جهروا‬
‫بها فلم يبق إل أن يكون الجهر بها بدعة [ )‪.(3‬‬
‫وهذا الحكم وهو عدم جواز التلفظ بالنية وأنه بدعة يعم جميع العبادات من‬
‫الطهارة والصلة والصيام والعتكاف والحج وغيرها ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬طلب المام من المأمومين أن يستحضروا النية ‪:‬‬
‫اعتاد كثير من أئمة المساجد بعد إقامة الصلة وقبل أن يكبروا تكبيرة الحرام‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يقولوا للمصلين استحضروا النية ‪.‬‬


‫وهذا المر باستحضار النية بدعة مخالفة لهدي الرسول‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وما فعله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول أحد من أصحابه ‪.‬‬
‫والنية تكون في قلب النسان حاضرة ول تحتاج إلى استحضار فهي حاصلة‬
‫في قلبه وتحصيل الحاصل محال ‪.‬‬
‫فالمصلون حينما تقام الصلة ويقفون في الصفوف ويسمعون المام يأمر‬
‫بتسوية الصفوف ل شك أن نياتهم حاصلة في قلوبهم فهم يوقنون أنهم‬
‫سيصلون تلك الصلة التي أقيمت فمن العبث أن يقال لهم استحضروا النية‬
‫كما أنه من العبث أن يقال لمن وضع الطعام أمامه ليأكل قيل له استحضر‬
‫نية الكل فهذه النية موجودة في القلب ويستقبح القول باستحضارها لنها‬
‫حاضرة ‪.‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أنه لم ينقل عن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه أمر‬
‫الصحابة باستحضار النية وكان ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يؤمهم في كل يوم‬
‫خمس مرات وصلى بهم إماما ً آلف الصلوات فلو وقع ذلك منه ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬لنقله لنا الصحابة كما نقلوا لنا دقائق المور في صفة صلته‬
‫وغيرها من العمال والثابت أن الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان يأمر‬
‫بتسوية الصفوف ثم يكبر تكبيرة الحرام وقد ورد في ذلك عدة أحاديث‬
‫منها ‪:‬‬
‫‪ .1‬عن أنس ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول ‪ ،‬تراصوا واعتدلوا ( رواه‬
‫البخاري ومسلم )‪.(4‬‬
‫‪ .2‬عن النعمان بن بشير قال ‪ ):‬كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح حتى رأى أنا قد عقلنا عنه ثم‬
‫خرج يوما ً فقام حتى كاد يكبر فرأى رجل ً باديا ً صدره من الصف فقال ‪ :‬عباد‬
‫ون صفوفكم أو ليخالفن الله وجوهكم ( رواه مسلم )‪.(5‬‬ ‫الله لتس ّ‬
‫‪ .3‬وفي رواية أخرى عن النعمان قال ‪ ):‬كان رسول الله‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يسوي يعني صفوفنا إذا قمنا للصلة فإذا استوينا كبر ( رواه أبو داود‬
‫وقال الشيخ اللباني صحيح )‪.(6‬‬
‫ومثل ذلك ورد عن الصحابة رضي الله عنهم فقد روى مالك بإسناده عن نافع‬
‫أن عمر ابن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف فإذا جاؤوه فأخبروه أن قد‬
‫استوت كبر ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تلبيس إبليس ص ‪. 139-138‬‬
‫)‪ (2‬مجموع الفتاوى ‪. 232-22/231‬‬
‫)‪ (3‬المدخل ‪. 2/282‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 2/349‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/117‬‬
‫)‪ (5‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/117‬‬
‫)‪ (6‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 2/259‬صحيح سنن أبي داود‬
‫‪. 1/131‬‬

‫)‪(36 /‬‬

‫وروى مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه انه قال ‪ ]:‬كنت مع عثمان‬
‫بن عفان فقامت الصلة وأنا أكلمه في أن يفرض لي فلم أزل أكلمه وهو‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يسوي الحصباء بنعليه حتى جاءه رجال قد كان وكلهم بتسوية الصفوف‬
‫فأخبروه أن الصفوف قد استوت‪ ،‬فقال لي‪ :‬استو في الصف ثم كبر [ )‪.(1‬‬
‫فهذه الحاديث عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والثار عن الصحابة‬
‫رضي الله عنهم في صفة ما كانوا يفعلون قبل تكبيرة الحرام من تسوية‬
‫الصفوف والمر بها ثم تكبيرة الحرام ولم ينقل أنهم كانوا يقولون للمصلين‬
‫استحضروا النية‪ .‬وهذا واضح الدللة لكل منصف أن هذا القول بدعة ينبغي‬
‫تركها ‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫ختم الصلة الجماعي‬
‫اعتاد كثير من أئمة المساجد والمصلين بعد التسليم من صلة الجماعة أن‬
‫يستقبل إمام المسجد المصلين ثم يبدؤون بقراءة الذكار المأثورة وغير‬
‫المأثورة على هيئة الجتماع ورفع الصوت ‪.‬‬
‫فيسبحون ويحمدون ويكبرون ثم يقرؤون بعض السور بشكل جماعي ثم‬
‫يدعو إمام المسجد وهم يؤمنون على دعائه ثم يختمون ذلك بقراءة الفاتحة‬
‫لرواح أموات المسلمين ‪.‬‬
‫وهذه الهيئة المسماة ختم الصلة بدعة غير مشروعة ومخالفة لما كان عليه‬
‫الهدي النبوي كما سأبينه بعد قليل ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬أما دعاء المام والمأمومين جميعا ً عقيب‬
‫الصلة فهو بدعة لم يكن على عهد النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.(2) [ -‬‬
‫وقال الشيخ علي محفوظ ‪ ]:‬ومن البدع المكروهة ختم الصلة على الهيئة‬
‫المعروفة من رفع الصوت به وفي المسجد والجتماع له والمواظبة عليه‬
‫حتى اعتقد العامة أنه من تمام الصلة وأنه سنة ل بد منها مع أنه مستحب‬
‫انفرادا ً سرا ً فهذه الهيئة محدثة لم تعهد عن رسول الله صلوات الله وسلمه‬
‫عليه ول عن الصحابة وقد اتخذها الناس شعارا ً للصلوات المفروضة عقب‬
‫الجماعة وقد صرح كثير من الفقهاء بأن إحداث الشعار في الدين مكروه ولذا‬
‫قال المام ابن الصلح بكراهة ما يفعله الناس بعد فراغهم من السعي بين‬
‫الصفا والمروة من صلة ركعتين على متسع المروة وكيف يجوز رفع الصوت‬
‫هل‬‫ة إ ِن ّ ُ‬
‫في َ ً‬
‫خ ْ‬
‫عا وَ ُ‬
‫ضّر ً‬ ‫عوا َرب ّك ُ ْ‬
‫م تَ َ‬ ‫به والله تعالى يقول في كتابه الحكيم ‪ ):‬اد ْ ُ‬
‫ن ( والتضرع من الضراعة وهي الذلة والخشوع والستكانة‬ ‫دي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫معْت َ ِ‬ ‫ح ّ‬
‫يُ ِ‬
‫والخفية بضم الخاء وكسرها السرار به فإنه أقرب إلى الخلص وأبعد عن‬
‫الرياء وانتصابهما على الحال أي ادعوه متضرعين بالدعاء مخفين له مسرين‬
‫ن ( في الدعاء بترك ما أمروا به‬ ‫دي َ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫معْت َ ِ‬ ‫ح ّ‬
‫ه ل يُ ِ‬‫به ثم علل ذلك بقوله ‪ ):‬إ ِن ّ ُ‬
‫من التضرع والخفاء كما ل يحب العتداء في سائر الشياء والعتداء تجاوز‬
‫الحدود فيها فمن جاوز ما أمره الله به في شيء من الشياء فقد اعتدى‬
‫والله ل يحب المعتدين ول يشملهم برحمته وإحسانه وتدخل المجاوزة في‬
‫الدعاء في هذا العموم دخول ً أوليا ً وحسبك في تعيين السرار بالدعاء اقترانه‬
‫بالتضرع في هذه الية الكريمة فالخلل به كالخلل بالتضرع في الدعاء وإن‬
‫دعاًء ل تضرع فيه ول خشوع لقليل الجدوى فكذلك دعاء ل خفية فيه ول‬
‫إسرار ول وقار [ )‪.(3‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬وأما الدعاء بعد السلم من الصلة مستقبل القبلة‬
‫أو المأمومين فلم يكن ذلك من هديه‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول روي عنه‬
‫بإسناد صحيح ول حسن [ )‪.(4‬‬
‫وختم الصلة بهذه الطريقة غير معروف عن الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬بل كان هديه‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد الصلة كما يلي ‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال المام النووي ‪ ]:‬وروينا في صحيح مسلم عن ثوبان ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫قال ‪ :‬كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا انصرف من صلته‬
‫استغفر ثلثا ً وقال ‪ :‬اللهم أنت السلم ومنك السلم تباركت يا ذا الجلل‬
‫والكرام ‪.‬‬
‫قيل للوزاعي وهو أحد رواة الحديث ‪ :‬كيف الستغفار ؟ قال ‪ :‬تقول أستغفر‬
‫الله أستغفر الله ‪.‬‬
‫وروينا في صحيحي البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة ‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان إذا فرغ من الصلة وسّلم قال ‪:‬‬
‫ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل شيء‬
‫قدير ‪ ،‬اللهم ل مانع لما أعطيت ول معطي لما منعت ‪ ،‬ول ينفع ذا الجد منك‬
‫الجد ‪.‬‬
‫وروينا في صحيح مسلم عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان‬
‫يقول دبر كل صلة حين يسّلم ‪ :‬ل إله إل الله وحده ‪ ،‬ل شريك له ‪ ،‬له الملك‬
‫وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير ‪ ،‬ل حول ول قوة إل بالله ‪ ،‬ل إله إل الله‬
‫‪ ،‬ول نعبد إل إياه ‪ ،‬له النعمة وله الفضل ‪ ،‬وله الثناء الحسن ل إله إل الله ‪،‬‬
‫مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ‪.‬‬
‫قال ابن الزبير ‪ :‬وكان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يهلل بهن دبر كل‬
‫صلة [ )‪.(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الموطأ ‪ ، 147-1/146‬وانظر مصنف عبد الرزاق ‪ ، 2/47‬الستذكار‬
‫‪ ، 6/187‬سنن الترمذي مع شرحه التحفة ‪. 2/16‬‬
‫)‪ (2‬مجموع الفتاوى ‪. 22/519‬‬
‫)‪ (3‬البداع ص ‪. 284-283‬‬
‫)‪ (4‬زاد المعاد ‪. 1/257‬‬
‫)‪ (5‬الذكار ص ‪. 58‬‬

‫)‪(37 /‬‬

‫وقال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬فصل ‪ :‬فيما كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬يقوله بعد انصرافه من الصلة وجلوسه بعدها وسرعة النتقال منها‬
‫وما شرعه لمته من الذكار والقراءة بعدها ‪.‬‬
‫كان إذا سّلم استغفر ثلثا ً وقال ‪ :‬اللهم أنت السلم ومنك السلم تباركت يا‬
‫ذا الجلل والكرام ‪ .‬ولم يمكث مستقبل القبلة إل مقدار ما يقول ذلك بل‬
‫يسرع النتقال إلى المأمومين ‪ .‬وكان ينفتل عن يمينه وعن يساره وقال ابن‬
‫مسعود ‪ :‬رأيت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كثيرا ً ينصرف عن يساره‬
‫‪.‬‬
‫وقال أنس ‪ :‬أكثر ما رأيت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ينصرف عن‬
‫يمينه والول في الصحيحين والثاني في مسلم ‪.‬‬
‫وقال عبد الله بن عمرو ‪ :‬رأيت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ينفتل‬
‫عن يمينه وعن يساره في الصلة‪ .‬ثم كان يقبل على المأمومين بوجهه ول‬
‫ة منهم دون ناحية وكان إذا صلى الفجر جلس في مصله حتى‬ ‫يخص ناحي ً‬
‫تطلع الشمس[ )‪.(1‬‬
‫ثم ذكر نحو كلم النووي السابق ثم قال ‪ ]:‬وندب أمته إلى أن يقولوا في دبر‬
‫كل صلة ‪ :‬سبحان الله ثلثا ً وثلثين والحمد لله كذلك والله أكبر كذلك ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتمام المائة ‪ :‬ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو‬
‫على كل شيء قدير ‪.‬‬
‫ً‬
‫وفي صفة أخرى ‪ :‬التكبير أربعا وثلثين فيتم به المائة ‪.‬‬
‫وفي صفة أخرى ‪ :‬خمسا ً وعشرين تسبيحة ومثلها تحميدة ومثلها تكبيرة‬
‫ومثلها ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد وهو على كل‬
‫شيء قدير ‪.‬‬
‫وفي صفة أخرى ‪ :‬عشر تسبيحات وعشر تحميدات وعشر تكبيرات [ )‪.(2‬‬
‫وقال الشيخ علي محفوظ ‪ ]:‬وغير خاف عليك أن ختم الصلة على الحالة‬
‫المعلومة من البدع الضافية التي هي مثار الخلف بين أنصار السنة والبدعة‬
‫فإنه مشروع باعتبار غير مشروع باعتبار آخر فإنك إذا نظرت إليه من جهة‬
‫كونه قرآنا ً وذكرا ً ودعاًء وجدته مشروعا ً وإذا نظرت إليه من ناحية ما عرض‬
‫له من الهيئة برفع الصوت ‪ ،‬واجتماع المستغفرين ‪ ،‬وفي المسجد والمواظبة‬
‫عليه وجدته غير مشروع فما أكثر التباس الباطل بالحق على كثير من الناس‬
‫اللهم أرنا الحق حقا ً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطل ً وارزقنا اجتنابه إنك رب‬
‫التوفيق والهداية يا رحمن [ )‪.(3‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫بدعة المصافحة بعد الصلة‬
‫وقول المصلي للخر ‪ :‬تقبل الله منا ومنكم‬
‫كثير من المصلين وبمجرد انتهاء المام من التسليم يمدون أيديهم لمن هم‬
‫على أيمانهم وشمائلهم لمصافحتهم قائلين ‪ :‬تقبل الله مّنا ومنكم ‪.‬‬
‫وهذه بدعة مخالفة لهدي النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وبيان هذا من‬
‫وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬إن المصافحة من السنن المتفق عليها عند لقاء المسلم مع أخيه‬
‫المسلم ‪.‬‬
‫فقد روى المام البخاري بإسناده عن قتادة قال‪ -‬رضي الله عنه ‪ ): -‬قلت‬
‫لنس ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أكانت المصافحة في أصحاب النبي‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬نعم ( )‪.(4‬‬
‫وجاء في الحديث عن البراء بن عازب‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪) : -‬ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إل غفر‬
‫الله لهما قبل أن يتفرقا ( رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وقال الشيخ‬
‫اللباني ‪ :‬صحيح )‪.(5‬‬
‫ووردت أحاديث أخرى في المصافحة ‪ ،‬ويؤخذ من هذه الحاديث أن‬
‫المصافحة سنة عند كل لقاء بين مسلمين ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إن ما اعتاده الناس من المصافحة بعد الصلوات ل أصل له في‬
‫الشرع على هذا الوجه بل هو بدعة لن المصافحة مشروعة عند القدوم‬
‫واللقاء ويستثنى من هذا من قدم إلى الصلة ولم يجتمع بمن يصافحه قبل‬
‫الصلة فالمصافحة في حقهما مشروعة حينئذ ‪.‬‬
‫وما قاله بعض العلماء من أن المصافحة عقب الصلوات بدعة مباحة فقد‬
‫أجاب عليه الحافظ ابن حجر بقوله ‪ ]:‬قلت ‪ :‬وللنظر فيه مجال فإن أصل‬
‫صلة النافلة سنة ومع ذلك فقد كره المحققون تخصيص وقت بها دون‬
‫وقت ‪ ،‬ومنهم من أطلق تحريم مثل ذلك كصلة الرغائب التي ل أصل لها[)‬
‫‪.(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زاد المعاد ‪. 297-1/295‬‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬المصدر السابق ‪ ، 299-1/298‬وانظر عمل اليوم والليلة ص ‪ 180‬فما‬


‫بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (3‬البداع ص ‪. 285‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 13/294‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 14/80‬سنن الترمذي مع‬
‫شرحه التحفة ‪ 7/429‬سنن ابن ماجة ‪ ، 2/1220‬صحيح سنن الترمذي‬
‫‪ ، 2/353‬السلسلة الصحيحة ‪. 2/44‬‬
‫)‪ (6‬فتح الباري ‪. 13/294‬‬

‫)‪(38 /‬‬

‫وأجاب على ذلك أيضا ً العلمة علي القاري فقال ‪ ]:‬إن إتيان السنة في بعض‬
‫الوقات ل يسمى بدعة مع أن عمل الناس في الوقتين المذكورين ليس على‬
‫وجه الستحباب المشروع فإن محل المصافحة المشروعة أول الملقاة وقد‬
‫يكون جماعة يتلقون من غير مصافحة ويتصاحبون بالكلم ومذاكرة العلم‬
‫وغيره مدة مديدة ثم إذا صلوا يتصافحون فأين هذا من السنة المشروعة ؟‬
‫ولهذا صرح بعض علمائنا بأنها مكروهة حينئذ وأنها من البدع المذمومة ‪ ،‬نعم‬
‫لو دخل أحد في المسجد والناس في الصلة أو على إرادة الشروع فيها فبعد‬
‫الفراغ لو صافحهم لكن بشرط سبق السلم للمصافحة فهذا من جملة‬
‫المصافحة المسنونة بل شبهة [ )‪.(1‬‬
‫إذا تقرر هذا فأقول إن المصافحة عقب الصلة بدعة وليس لها دليل من سنة‬
‫ول أثر واللتزام بها هدي لم يدل عليه الشرع فيكون بدعة )‪.(2‬‬
‫وقد نص على بدعتيها كثير من أهل العلم قال العز بن عبد السلم ‪:‬‬
‫] المصافحة عقيب الصبح والعصر من البدع إل لقادم لم يجتمع بمن يصافحه‬
‫قبل الصلة فإن المصافحة مشروعة عند القدوم [ )‪.(3‬‬
‫وقال التركماني ‪ ]:‬وأما المصافحة في الصلتين بعد صلة العصر وبعد صلة‬
‫الصبح فبدعة من البدع التي استوى طرفاها ل أصل لها في الشرع واختار‬
‫بعض العلماء تركها لنها زيادة في الدين [ )‪.(4‬‬
‫وقد سئل شيخ السلم ابن تيمية عن المصافحة عقيب الصلة هل هي سنة‬
‫أم ل ؟ فأجاب ‪ :‬الحمد لله ‪ ،‬المصافحة عقيب الصلة ليست مسنونة بل هي‬
‫بدعة [ )‪.(5‬‬
‫ونقل ابن عابدين عن بعض فقهاء الحنفية قوله ‪ ]:‬تكره المصافحة بعد أداء‬
‫الصلة بكل حال لن الصحابة رضي الله عنهم ما صافحوا بعد أداء الصلة‬
‫ولنها من سنن الروافض [ )‪.(6‬‬
‫وقال ابن الحاج ‪ ]:‬وينبغي ‪ ...‬أن يمنع ما أحدثوه من المصافحة بعد صلة‬
‫الصبح وبعد صلة العصر وبعد صلة الجمعة بل زاد بعضهم في هذا الوقت‬
‫فعل ذلك بعد الصلوات الخمس وذلك كله من البدع وموضع المصافحة في‬
‫الشرع إنما هو عند لقاء المسلم لخيه ل في أدبار الصلوات الخمس وذلك‬
‫كله من البدع فحيث وضعها الشرع نضعها فينهى عن ذلك ويزجر فاعله لما‬
‫أتى من خلف السنة [ )‪.(7‬‬
‫وقال اللكنوي ‪ ]:‬إنهم قد اتفقوا على أن هذه المصافحة ليس لها أصل في‬
‫الشرع ثم اختلفوا في الكراهة والباحة والمر إذا دار بين الكراهة والباحة‬
‫ينبغي الفتاء بالمنع فيه لن دفع مضّرة أولى من جلب مصلحة فكيف ل يكون‬
‫أولى من فعل أمر مباح على أن المصافحين في زماننا يظنونه أمرا ً حسنا ً‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويشنعون على مانعه تشنيعا ً بليغا ً ويصرون عليه إصرارا ً شديدا ً وقد مّر أن‬
‫الصرار على المندوب يبلغه إلى حد ّ الكراهة فكيف إصرار البدعة التي ل‬
‫أصل لها في الشرع وعلى هذا فل شك في الكراهة وهذا هو غرض من أفتى‬
‫بالكراهة مع أن الكراهة إنما نقلها من نقلها من عبارات المتقدمين والمفتين‬
‫فل يوازيها روايات مثل صاحب " جمع البركات "‬
‫و" السراج المنير " و" مطالب المؤمنين " من تساهل مصنفيها في تحقيق‬
‫الروايات أمر مشهود وجمعهم كل رطب ويابس معلوم عند الجمهور والعجب‬
‫من صاحب " خزانة الرواية " حيث قال فيها في عقد الللئ ‪ ،‬قال عليه‬
‫السلم ‪ ):‬صافحوا بعد صلة الفجر يكتب الله لكم بها عشرا ً ( وقال عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ):‬صافحوا بعد العصر تؤجروا بالرحمة والغفران ( ولم‬
‫يتفطن أن هذين الحديثين وأمثالهما موضوعان وضعهما المصافحون فإن لله‬
‫وإن إليه راجعون [ )‪.(8‬‬
‫الثالث ‪ :‬إن قول المصلي لمن هو على يمينه وشماله عند مصافحته " تقبل‬
‫الله " بدعة أيضا ً ] ولم نعلم عن أحد من الصحابة أو السلف الصالح رضي‬
‫الله عنهم أنهم كانوا إذا فرغوا من صلتهم التفت أحدهم عن يمينه وشماله‬
‫مصافحا ً من حوله مباركا ً له بقبول الصلة ولو فعل ذلك أحد منهم لنقل إلينا‬
‫ولو بسند ضعيف ولنقله لنا أهل العلم الذين خاضوا في كل بحر فغاصوا في‬
‫أعماقه واستخرجوا منه أحكامه الكثيرة ولم يفرطوا في سنة قولية أو فعلية‬
‫أو تقريرية أو صفة [ )‪.(9‬‬
‫الرابع ‪ :‬إن هذه المصافحة وقولهم تقبل الله منا ومنكم تقطع على كثير من‬
‫المصلين تسبيحهم وذكرهم المشروع ول ينبغي للمسلم أن يقطع تسبيح أخيه‬
‫المسلم إل بسبب شرعي وهذه المصافحة ليست كذلك )‪.(10‬‬
‫الخامس ‪ :‬إن كثيرا ً من المصلين الذين يداومون على هذه البدعة يتركون في‬
‫مقابلها سنة ثابتة عن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فنراهم يصافحون‬
‫من حولهم من المصلين ثم بعد ذلك يقومون إلى صلة السنة البعدية ثم‬
‫يخرجون من المسجد ويتركون سنة التسبيح والذكار الواردة بعد الصلوات‬
‫المفروضات فهؤلء أساؤوا حيث إنهم التزموا البدعة وتركوا السنة ول حول‬
‫ول قوة إل بالله العلي العظيم ‪.‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مرقاة المفاتيح ‪. 8/458‬‬
‫)‪ (2‬معجم المناهي اللفظية ص ‪. 206‬‬
‫)‪ (3‬فتاوى العز بن عبد السلم ص ‪. 389‬‬
‫)‪ (4‬اللمع في الحوادث والبدع ‪. 1/283‬‬
‫)‪ (5‬مجموع الفتاوى ‪. 23/339‬‬
‫)‪ (6‬حاشية ابن عابدين ‪. 6/381‬‬
‫)‪ (7‬المدخل ‪. 2/223‬‬
‫)‪ (8‬القول المبين ص ‪. 296‬‬
‫)‪ (9‬القول المبين ص ‪. 293‬‬
‫)‪ (10‬المصدر السابق ص ‪. 296‬‬

‫)‪(39 /‬‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بدع محدثة في دعاء القنوت‬


‫ً‬
‫ثبت أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قنت في الفجر بعد الركوع شهرا ثم‬
‫ترك القنوت وثبت أنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان يقنت في النوازل وترك‬
‫القنوت عند عدمها وثبت أنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قنت في الوتر وتركه‬
‫أحيانا ً أخرى )‪.(1‬‬
‫وجاء في الحديث أن النبي عّلم دعاء القنوت لبن بنته الحسن بن علي رضي‬
‫الله عنهم ‪ ،‬قال الحسن ‪ -‬رضي الله عنه ‪ : -‬علمني رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬كلمات أقولهن في الوتر ‪ :‬اللهم اهدني فيمن هديت وعافني‬
‫فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما‬
‫قضيت فإنك تقضي ول يقضى عليك وإنه ل يذل من واليت تباركت ربنا‬
‫وتعاليت ( رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة )‪.(2‬‬
‫وفي رواية عند البيهقي زيادة ‪ ):‬ول يعز من عاديت ( بعد قوله ‪ ):‬ول يذل من‬
‫واليت ( )‪.(3‬‬
‫وزاد النسائي في آخر الدعاء ‪ ):‬وصلى الله على النبي محمد ( وقال النووي ‪:‬‬
‫وإسناده حسن أو صحيح )‪ .(4‬وقال الترمذي ‪ ]:‬هذا حديث حسن ل نعرفه إل‬
‫من هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي واسمه ربيعة بن شيبان ‪ .‬ول‬
‫نعرف عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في القنوت شيئا ً أحسن من هذا [‬
‫وصححه الشيخ اللباني )‪.(5‬‬
‫وقد أحدث الناس بدعا ً كثيرة في القنوت أذكر منها ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬تقليب اليدين عند الدعاء وقول المأمومين بعض الكلمات عند دعاء‬
‫المام كقولهم ‪ :‬حق ‪ ،‬حق ‪ ،‬أشهد ‪ ،‬ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وهذا التقليب للكفين لم يرد عن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في دعاء‬
‫القنوت ل في قنوت الفجر ول في قنوت الوتر وإنما ورد تقليب الكفين في‬
‫دعاء الستسقاء خاصة ولعل الحكمة في الشارة بظهر الكفين في‬
‫الستسقاء دون غيره التفاؤل بتقليب الحال كما قيل في تحويل الرداء كما‬
‫أفاده الشوكاني )‪.(6‬‬
‫ولم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم حال القنوت في الصلة إل التأمين وأما‬
‫زيادة هذه اللفاظ نحو ‪ :‬حق ‪ ،‬وأشهد فليس لها مستند ‪ ،‬بل هي بدعة لن‬
‫الدعاء من العبادة والصل في العبادة التوقيف )‪.(7‬‬
‫ولو فعله الصحابة رضي الله عنهم لنقل إلينا كما نقل أنهم كانوا يؤمنون على‬
‫دعاء النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كما جاء في الحديث عن ابن عباس‬
‫رضي الله عنهما قال ‪ ]:‬قنت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬شهرا ً‬
‫متتابعا ً في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح دبر كل صلة إذا قال‬
‫سمع الله لمن حمده في الركعة الخيرة يدعو على أحياء من بني سليم‬
‫ويؤمن من خلفه [ رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح كما قال المام‬
‫النووي )‪.(8‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬مسح الوجه والبدن في دعاء القنوت ‪:‬‬
‫إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من دعاء القنوت أمر مشهور بين عامة‬
‫الناس ولكن هذا المر مع شهرته وانتشاره وعمل كثير من الناس به ل سند‬
‫له عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول عن السلف الصالح رضي‬
‫الله عنهم وإن قال به بعض الفقهاء ‪.‬‬
‫قال المام النووي رحمه الله عند حديثه عن هذه المسألة إن فيها وجهين‪:‬‬
‫الول أنه يستحب وذكر جماعة من الفقهاء الذين قالوا بذلك ثم قال النووي ‪:‬‬
‫والثاني ل يمسح وهذا هو الصحيح صححه البيهقي والرافعي وآخرون من‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المحققين )‪.(9‬‬
‫ثم ذكر كلم البيهقي التالي وأنقله من سننه رحمه الله حيث قال ‪ ]:‬فأما‬
‫مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظ عن أحد من السلف‬
‫في دعاء القنوت وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلة وقد‬
‫روي عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حديث ضعيف وهو مستعمل عند‬
‫بعضهم خارج الصلة ‪.‬‬
‫وأما في الصلة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح ول أثر ثابت ول قياس ‪،‬‬
‫فالولى أن ل يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع‬
‫اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلة وبالله التوفيق [ )‪.(10‬‬
‫وأقول جزى الله أئمتنا وعلمائنا خيرا ً فإنهم وّقافون عند موارد النصوص فإن‬
‫الخير كل الخير في التباع وإن الشر كل الشر في البتداع ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر زاد المعاد ‪ 1/271‬فما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 4/211‬سنن الترمذي مع‬
‫شرحه التحفة ‪ ، 461-4/460‬سنن النسائي ‪ ، 3/248‬سنن ابن ماجة ‪1/370‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (3‬سنن البيهقي ‪. 2/209‬‬
‫)‪ (4‬سنن النسائي ‪ ، 3/248‬الخلصة ‪. 1/455‬‬
‫)‪ (5‬سنن الترمذي مع شرحه التحفة ‪ ، 4/461‬إرواء الغليل ‪. 2/172‬‬
‫)‪ (6‬نيل الوطار ‪. 4/10‬‬
‫)‪ (7‬انظر السنن والمبتدعات ص ‪ ، 62‬القول المبين ص ‪ ، 132‬المسجد في‬
‫السلم ص ‪247‬‬
‫)‪ (8‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 4/224‬الخلصة ‪. 1/461‬‬
‫)‪ (9‬المجموع ‪ ، 3/501‬وانظر روضة الطالبين ‪. 1/360‬‬
‫)‪ (10‬السنن الكبرى ‪. 2/212‬‬

‫)‪(40 /‬‬

‫وأما الحديث الذي أشار إليه البيهقي فهو ما رواه أبو داود في سننه بسنده‬
‫عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الرسول ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ):‬سلوا الله ببطون أكفكم ول تسألوه بظهورها‬
‫فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ( قال أبو داود روي هذا الحديث من غير‬
‫وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضًا)‪.(1‬‬
‫وقد علق الشيخ اللباني على هذه الرواية ‪ ):‬فإذا فرغتم فامسحوا بها‬
‫وجوهكم ( فقال ‪ ]:‬وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرة ٌ ولم أجد لها حتى الن‬
‫شاهدا ً ‪ [ ...‬ثم قال ‪ ... ]:‬ل يصلح شاهدا ً للزيادة حديث ابن عمر مرفوعا ً ‪:‬‬
‫) كان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما‬
‫حتى يمسح بهما وجهه ( لن فيه متهما ً بالوضع ‪ -‬أي الكذب ‪ -‬وقال أبو‬
‫ث منكٌر أخاف أن ل يكون له أصل [ )‪.(2‬‬ ‫زرعة ‪ :‬حدي ٌ‬
‫وروى البيهقي بسنده عن علي الباشاني قال ‪ :‬سألت عبد الله بن المبارك‬
‫عن الذي إذا دعا مسح وجهه ‪ ،‬قال ‪ :‬لم أجد له ثبتا ً أي مستندا ً )‪.(3‬‬
‫] وسئل المام مالك عن الرجل يمسح بكفيه وجهه عند الدعاء ‪ ،‬فأنكر ذلك‬
‫وقال ‪ :‬ما علمت [ )‪.(4‬‬
‫وقال المروزي ‪ ] :‬وأما أحمد بن حنبل ‪ ،‬فحدثني أبو داود قال ‪ :‬سمعت أحمد‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ من الوتر ‪ ،‬فقال ‪ :‬لم أسمع فيه‬
‫بشيء ‪ .‬ورأيت أحمد ل يفعله [ )‪.(5‬‬
‫وأجاب شيخ السلم ابن تيمية عن سؤال حول مسح الوجه عند الدعاء‬
‫فقال ‪ ] :‬وأما رفع النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يديه في الدعاء فقد جاء‬
‫فيه أحاديث كثيرة صحيحة ‪ .‬وأما مسح وجهه بيديه فليس عنه فيه إل حديث‬
‫أو حديثان ل يقوم بهما حجة [ )‪.(6‬‬
‫وقال العز بن عبد السلم ‪ ]:‬ول يمسح وجهه بيديه عقب الدعاء إل جاهل [ )‬
‫‪.(7‬‬
‫وأما مسح غير الوجه بعد الدعاء كالصدر فلم يؤثر فيه شيء من حديث أو أثر‬
‫كما قال د‪ .‬بكر أبو زيد فقد حقق مسألة مسح الوجه وما يتعلق بها تحقيقا ً‬
‫موسعا ً وأجاد فيه وأفاد )‪.(8‬‬
‫وقال المام النووي ‪ ] :‬قلت ‪ :‬ل يستحب مسح غير وجهه قطعا ً ‪ ،‬بل نص‬
‫جماعة على كراهته [ )‪.(9‬‬
‫المبحث السادس‬
‫بدع الجمعة‬
‫وفيه مسائل ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬الصلة والسلم على رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قبل أذان الجمعة ‪:‬‬
‫ومن البدع ما يفعله المؤذنون من الصلة والسلم على رسول الله قبل أذان‬
‫الجمعة الثاني الذي يكون بين يدي الخطيب حيث إن المؤذن يبدأ بقراءة الية‬
‫َ‬
‫صّلوا عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫مُنوا َ‬
‫ن َءا َ‬ ‫ي َياأي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن عََلى الن ّب ِ ّ‬‫صّلو َ‬
‫ه يُ َ‬‫ملئ ِك َت َ ُ‬ ‫ه وَ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫الكريمة ‪ ):‬إ ِ ّ‬
‫ما ( )‪ (10‬وبعد ذلك يشرع في الذان ‪.‬‬ ‫سِلي ً‬ ‫سل ّ ُ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫وهذه بدعة وتشريع بغير دليل ولم ينقل ذلك عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ول أمر بذلك أحدا ً من مؤذنيه ولم يفعله أئمة الهدى من الصحابة‬
‫والتابعين وقد نص الحافظ ابن حجر العسقلني بأن ما أحدث قبل أذان‬
‫الجمعة من الصلة والسلم على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ليس من‬
‫جملة الذان وليس كذلك ل لغة ول شرعا ً )‪.(11‬‬
‫وقال ابن الحاح ‪ ] :‬وينبغي له ‪ -‬أي المام ‪ -‬أن ينهى المؤذنين عما أحدثوه‬
‫من أن المام إذا خرج على الناس في المسجد يقوم المؤذنون إذ ذاك‬
‫ويصلون على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ويكررون ذلك مرارا ً حتى يصل‬
‫إلى المنبر وإن كانت الصلة على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من أجل‬
‫العبادات [ )‪.(12‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ] :‬والسنة في الصلة على النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬أن يصلي عليه سرا ً كالدعاء ‪ ،‬أما رفع الصوت بها قدام بعض‬
‫م اتفاقا ً [ )‪.(13‬‬ ‫الخطباء فمكروهٌ أو محر ٌ‬
‫وسئل شيخ السلم ابن تيمية عن رجل مؤذن يقول عند دخول الخطيب إلى‬
‫ي ‪ ( ...‬فقال رجل ‪ :‬هذا بدعة فما‬ ‫ن عََلى الن ّب ِ ّ‬‫صّلو َ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ملئ ِك َت َ ُ‬‫ه وَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫الجامع ‪ ):‬إ ِ ّ‬
‫يجب عليه ؟‬
‫فأجاب ‪ :‬جهر المؤذن بذلك كجهره بالصلة والترضي عند رقي الخطيب‬
‫المنبر أو جهره بالدعاء للخطيب والمام ونحو ذلك لم يكن على عهد رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وخلفائه الراشدين ول استحبه أحد ٌ من الئمة ‪،‬‬
‫وأشد ُ من ذلك الجهر بنحو ذلك في الخطبة وكل ذلك بدعة والله أعلم ( )‪(14‬‬
‫‪.‬‬
‫وذكر الشيخ ابن حجر المكي أن الصلة والسلم على النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم ‪ -‬قبل الذان ليس من السنة ومن أتى بها معتقدا ً بسنيتها في ذلك‬
‫المحل المخصوص ينهي عنه ويمنع منه‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪. 4/251‬‬
‫)‪ (2‬السلسلة الصحيحة ‪. 2/146‬‬
‫)‪ (3‬السنن الكبرى ‪. 2/212‬‬
‫)‪ (4‬كتاب الوتر للمروزي ص ‪ 236‬نقل ً عن الجزاء الحديثية ص ‪. 83‬‬
‫)‪ (5‬كتاب الوتر ص ‪ ، 236‬نقل ً عن الجزاء الحديثية ص ‪.84‬‬
‫)‪ (6‬مجموع الفتاوى ‪. 519 /22‬‬
‫)‪ (7‬فتاوى العز بن عبد السلم ص ‪. 392‬‬
‫)‪ (8‬الجزاء الحديثية ص ‪.103-43‬‬
‫)‪ (9‬روضة الطالبين ‪ ، 1/360‬وانظر الفتح الرباني ‪. 3/316‬‬
‫)‪ (10‬سورة الحزاب الية ‪. 56‬‬
‫)‪ (11‬فتح الباري ‪ ، 2/232‬وانظر البداع ص ‪. 168‬‬
‫)‪ (12‬المدخل ‪. 2/424‬‬
‫)‪ (13‬الختيارات العلمية ص ‪. 48‬‬
‫)‪ (14‬الفتاوى الكبرى ‪. 1/129‬‬

‫)‪(41 /‬‬

‫لنه تشريع بغير دليل ومن شرع بل دليل يزجر عن ذلك وينهى عنه )‪. (1‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬نداء المؤذن بين يدي خطيب الجمعة بالحديث النبوي ‪ ) :‬إذا‬
‫قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والمام يخطب فقد لغوت (‪:‬‬
‫من البدع المنتشرة في كثير من المساجد يوم الجمعة أن المؤذن بعد انتهائه‬
‫من الذان الثاني ‪ -‬وهو الذي يكون بين يدي الخطيب ‪ -‬ينادي بالحديث عن‬
‫أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ):‬إذا‬
‫قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والمام يخطب فقد لغوت ( وهذا الحديث‬
‫ثابت وصحيح فقد رواه البخاري ومسلم )‪ ،(2‬ولكن مناداة المؤذن به في كل‬
‫جمعة بدعة ليس لها مستند من الشرع ‪ .‬فالرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫لم يأمر أحدا ً من مؤذنيه أن ينادي بهذا الحديث بين يديه ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ولو فعل ذلك لنقل وكذا لم ينقل عن أئمة الهدى من الصحابة‬
‫والتابعين ‪.‬‬
‫وتسمى هذه البدعة وما قبلها الترقية قال الشيخ اللباني عند ذكره لبدع‬
‫الجمعة ‪:‬‬
‫ي ‪ (...‬ثم حديث‬ ‫ن عََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫صّلو َ‬ ‫ه يُ َ‬‫ملئ ِك َت َ ُ‬‫ه وَ َ‬‫ن الل ّ َ‬
‫] الترقية ‪ ،‬وهي تلوة آية ‪ ):‬إ ِ ّ‬
‫) إذا قلت لصاحبك ‪ ( ...‬يجهر بذلك المؤذنون عند خروج الخطيب حتى يصل‬
‫إلى المنبر [ )‪.(3‬‬
‫قال الشيخ علي محفوظ ‪ ]:‬ومن البدع ما يقع عقب هذا الذان عند المنبر‬
‫ن عََلى الن ّب ِ ّ‬
‫ي ‪(...‬‬ ‫صّلو َ‬ ‫ملئ ِك َت َ ُ‬
‫ه يُ َ‬ ‫ه وَ َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫مما يسمى بالترقية وهو تلوة آية ‪ ):‬إ ِ ّ‬
‫ثم حديث ‪ ):‬إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة والمام يخطب أنصت فقد لغوت (‬
‫ة‬
‫رواه البخاري ‪ ،‬ول شك أنه من البدع المذمومة ‪ ،‬ففي الدر المختار أنها بدع ٌ‬
‫ة تحريما ً عند أبي حنيفة ل عند أبي يوسف ومحمد ‪ ،‬وأما التأمين عند‬ ‫مكروه ٌ‬
‫ً‬
‫الدعاء والترضي عن الصحابة والدعاء للسلطان فمكروهٌ اتفاقا ‪ .‬وفي البحر ‪:‬‬
‫اعلم أن ما تعورف من أن المرقي للخطيب يقرأ الحديث النبوي وأن‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المؤذنين يؤمنون عند الدعاء ويدعون للصحابة بالترضي وللسلطان بالنصر‬


‫إلى غير ذلك فكله حرام على مقتضى مذهب أبي حنيفة رحمه الله ‪ ،‬وأغرب‬
‫منه أن المرقي ينهى عن المر بالمعروف بمقتضى الحديث الذي يقرؤه ثم‬
‫يقول ‪ :‬أنصتوا رحمكم الله ‪ ،‬ولم أَر نقل ً في وضع هذا المرقي في كتب أئمتنا‬
‫‪.‬‬
‫وفي كتب السادة المالكية ‪ :‬ومن البدع المكروهة التي ابتدعها أهل الشام‬
‫وهم بنو أمية الترقية وما يقوله المرقي من ‪ :‬صلوا عليه ‪ ،‬وآمين ‪ ،‬ورضي‬
‫الله عنهم ‪ ،‬فهو مكروه وكذا قوله الحديث عند فراغ المؤذن قبل الخطبة [ )‬
‫‪.(4‬‬
‫وقال ابن الحاج ‪ ] :‬وينهى ‪ ...‬عما أحدثه من ندائه عند إرادة الخطيب الخطبة‬
‫بقوله للناس ‪ :‬أيها الناس صح عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه‬
‫قال ‪ ):‬إذا قلت لصاحبك والمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت (‬
‫أنصتوا رحمكم الله [ )‪.(5‬‬
‫وقد يقول قائل إن ما يقوم به المؤذن من المناداة بهذا الحديث هي من باب‬
‫تذكير المصلين حتى يكفوا عن الكلم أثناء خطبة الجمعة ‪.‬‬
‫والجواب ‪ :‬إن المناداة بهذا الحديث صارت من شعائر صلة الجمعة ‪ ،‬بحيث‬
‫إن المؤذن يحافظ عليها محافظة شديدة وقد اعتقد أكثر العامة أنه جزء من‬
‫صلة الجمعة وأذكر أن أحد خطباء الجمعة أنكر في مستهل خطبة الجمعة‬
‫على المؤذن مناداته بالحديث بين يدي ذلك الخطيب فما كان من المصلين إل‬
‫أن أنكروا على الخطيب اعتراضه مع أن الخطيب هو المصيب والمتبع للسنة‬
‫والمؤذن هو المخطئ والمبتدع ‪.‬‬
‫ويقال أيضا ً إن تذكير المصلين ل يكون باتخاذ هذا الحديث شعارا ينادى به في‬
‫ً‬
‫كل جمعة والتذكير والتعليم يقوم بهما إمام الجمعة في خطبة الجمعة فإنه‬
‫إن رأى أحدا ً يتكلم أثناء الخطبة طلب منه السكوت وذكر للناس الحكم‬
‫الشرعي في الكلم أثناء الخطبة ‪.‬‬
‫وقد قال جمهور أهل العلم بمنع جميع أنواع الكلم أثناء خطبة الجمعة لهذا‬
‫الحديث ولغيره من الحاديث التي تنهى عن الكلم أثناء الخطبة )‪.(6‬‬
‫قال المام النووي ‪ ]:‬قال القاضي ‪ :‬قال مالك وأبو حنيفة والشافعي وعامة‬
‫العلماء يجب النصات للخطبة ‪.(7) [ ...‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬دعاء المؤذن عند جلوس الخطيب بين الخطبتين ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الفتاوى الكبرى الفقهية ‪. 1/131‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 3/65‬صحيح مسلم مع شرح النووي ‪. 2/453‬‬
‫)‪ (3‬الجوبة النافعة ص ‪. 67‬‬
‫)‪ (4‬البداع ص ‪. 169-168‬‬
‫)‪ (5‬المدخل ‪. 2/425‬‬
‫)‪ (6‬فتح الباري ‪. 3/66‬‬
‫)‪ (7‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪. 2/453‬‬

‫)‪(42 /‬‬

‫قال الشيخ القاسمي ‪ ] :‬ومن المقرر في الفروع أن الخطيب إذا ارتقى‬


‫المنبر فل تبتدأ صلة ول يجهر بدعاء وذلك تأهبا ً لسماع الخطبة وإجلل ً للمقام‬
‫‪ ،‬وتخشعا ً لهذه العبادة السبوعية ‪ ،‬وهذا معلوم من موضوع الحتفال لداء‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فريضة الجمعة وقد اتفق الفقهاء على الحظر من الجهر بالذكر أو الستغفار‬
‫أو الدعاء أو النداء في تلك الحالة اتفاقا ً ل خلف فيه استدلل ً بما صح عن‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪ ):‬إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة‬
‫أنصت والمام يخطب فقد لغوت (‪ .‬فأثبت له اللغو بذلك مع أنه ينهى عن‬
‫منكر فكيف بمن ل يكون قوله كذلك ل جرم أنه أشد منه لغوا ً وإثما ً ‪ .‬إذا‬
‫تحقق ذلك تبين أن ما يقوله بعض المؤذنين يوم الجمعة بين يدي الخطيب إذا‬
‫جلس من الخطبة الولى ‪ :‬غفر الله لك ولوالديك ولنا ولوالدينا‬
‫والحاضرين ‪ ...‬الخ منكر يلزم إنكاره لنه ذكر غير مشروع في وقت هو وقت‬
‫الصمت أو التفكر القلبي للتعاظ فتفريق جمعية قلوب الحاضرين برفع‬
‫الصوت بذلك والجرأة على الجهر به في هذا الموضوع الرهيب ل يختلف‬
‫فقيه في نكارته فلذلك يلزم الخطيب ومن قدر على إزالته أن ينهى عنه‬
‫أسوة كل منكر والله أعلم [ )‪.(1‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬رفع الخطيب يديه عند الدعاء في الخطبة ‪:‬‬
‫الدعاء خلل خطبة الجمعة من السنة فيدعو الخطيب للمسلمين والمسلمات‬
‫ويستغفر لهم )‪ ، (2‬فقد روي في الحديث عن سمرة بن جندب ‪ ):‬أن رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات كل جمعة (‬
‫رواه الطبراني في الكبير والبزار بإسناد ضعيف كما قال الهيثمي ‪ ،‬وقال‬
‫الحافظ ابن حجر ‪ :‬رواه البزار بإسناد لين )‪.(3‬‬
‫ولكن رفع الخطيب يديه أثناء الدعاء ليس من السنة بل هو بدعة عند كثير‬
‫من أهل العلم ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬ويكره للمام رفع يديه حال الدعاء في الخطبة‬
‫لن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إنما كان يشير بإصبعه إذا دعا [ )‪.(4‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬وكان ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يشير بإصبعه‬
‫السبابة في خطبته عند ذكر الله سبحانه وتعالى ودعائه [ )‪.(5‬‬
‫ويؤيد ذلك ما جاء في الحديث أن عمارة بن رؤيبة رأى بشر بن مروان رفع‬
‫يديه في الخطبة فقال ‪ ]:‬قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬ما يزيد أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسّبحة [ رواه‬
‫مسلم)‪.(6‬‬
‫قال المام النووي ‪ ]:‬هذا فيه أن السنة أن ل يرفع اليد في الخطبة [ )‪.(7‬‬
‫وقال الشيخ خليل السهارنفوري ‪ ]:‬وحاصله أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬إذا كان يخطب على المنبر ما يشير إل بإلصبع السبابة وما يشير‬
‫بيديه فالشارة باليدين خلف السنة فهو مكروه [ )‪.(8‬‬
‫وقال أبو شامة المقدسي ‪ ] :‬وأما رفع أيديهم عند الدعاء فبدعة قديمة [ )‬
‫‪.(9‬‬
‫وقال جلل الدين السيوطي ‪ ... ] :‬ورفع أيديهم عند الدعاء فبدعة قبيحة [ )‬
‫‪.(10‬‬
‫المبحث السابع‬
‫بدع العيدين‬
‫وفيه مسائل ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬قول المؤذن عند المناداة لصلة العيد العبارة التالية ‪:‬‬
‫] الصلة جامعة على مذهب المام العظم أبي حنيفة النعمان يا أمة الهادي‬
‫عليه السلم [ ويكررها ثلثا ً ‪:‬‬
‫وهذا النداء بدعة ‪ ،‬وتوضيح ذلك من وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬من المعلوم أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان يصلي العيدين‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بدون أذان ول إقامة فقد صح في الحديث عن ابن جريح قال أخبرني عطاء‬
‫عن جابر وابن عباس رضي الله عنهم قال ‪ ):‬لم يكن يؤذن يوم الفطر ول يوم‬
‫الضحى ( رواه البخاري ومسلم )‪.(11‬‬
‫وزاد مسلم ‪ ]:‬ثم سألته بعد حين فأخبرني قال ‪ :‬أخبرني جابر بن عبد الله‬
‫النصاري أن ل أذان للصلة يوم الفطر حين يخرج المام ول بعد ما يخرج ول‬
‫إقامة ول نداء ول شيء ‪ ،‬ل نداء يومئذ ول إقامة [‪.‬‬
‫وأما المناداة لصلة العيدين بقولهم ‪ ):‬الصلة جامعة ( فلم تثبت عن النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إل بخبر مرسل وهو ما رواه الشافعي عن الزهري‬
‫أنه قال ‪ :‬وكان النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يأمر في العيدين المؤذن أن‬
‫يقول ‪ :‬الصلة جامعة ( وذكره البيهقي عن الشافعي أيضا ً وهو مرسل ضعيف‬
‫كما قال النووي )‪.(12‬‬
‫وقال المام النووي بعد أن ذكره ‪ ]:‬ويغني عن هذا الحديث الضعيف القياس‬
‫على صلة الكسوف فقد ثبتت الحاديث الصحيحة فيها ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إصلح المساجد ص ‪ ، 70‬وانظر الجوبة النافعة ص ‪.69‬‬
‫)‪ (2‬انظر المجموع ‪. 4/521‬‬
‫)‪ (3‬مجمع الزوائد ‪ ، 191-190 /2‬سبل السلم ‪ ، 2/57‬وانظر إعلء السنن‬
‫‪.8/75‬‬
‫)‪ (4‬الختيارات العلمية ص ‪. 48‬‬
‫)‪ (5‬زاد المعاد ‪1/428‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 6/162‬‬
‫)‪ (7‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪. 162/ 6‬‬
‫)‪ (8‬بذل المجهود ‪. 6/106‬‬
‫)‪ (9‬الباعث ص ‪. 142‬‬
‫)‪ (10‬المر بالتباع ص ‪. 247‬‬
‫)‪ (11‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 3/105‬صحيح مسلم مع شرح النووي‬
‫‪. 2/482‬‬
‫)‪ (12‬الم ‪ ، 1/235‬معرفة السنن والثار ‪ ، 5/64‬المجموع ‪. 5/14‬‬

‫)‪(43 /‬‬

‫منها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال ‪ ):‬لما كسفت الشمس في عهد‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬نودي بالصلة جامعة ( سيوفي رواية ‪:‬‬
‫) أن الصلة جامعة ( رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي الله عنها ‪ ):‬أن الشمس خسفت على عهد رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فبعث مناديا ً الصلة جامعة ( رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫ويستحب أن يقال الصلة جامعة لما ذكرناه من القياس على الكسوف ‪)[...‬‬
‫‪.(1‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكره ‪ ]:‬وهذا مرسل يعضده القياس على‬
‫صلة الكسوف لثبوت ذلك فيها [ )‪.(2‬‬
‫وقد أجاب العلماء على هذا الستحباب بأن الحديث مرسل ضعيف كما ذكره‬
‫المام النووي ‪ ،‬وبأنه لم يثبت ذلك من هدي الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫‪.‬‬
‫قال المام مالك إنه سمع غير واحد من علمائهم يقول ‪ :‬لم يكن في عيد‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفطر ول في الضحى نداء ول إقامة منذ زمان رسول الله إلى اليوم ‪ ،‬قال‬
‫مالك ‪ ]:‬وتلك السنة التي ل اختلف فيها عندنا [ )‪.(3‬‬
‫وقال ابن القيم ‪ ]:‬وكان ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا انتهى إلى المصلى أخذ‬
‫في الصلة من غير أذان ول إقامة ول قول ‪ :‬الصلة جامعة ‪ ،‬والسنة أنه ل‬
‫يفعل شيء من ذلك [ )‪.(4‬‬
‫وقال الشيخ ابن قدامة ‪ ]:‬وقال بعض أصحابنا ‪ :‬ينادى لها ‪ :‬الصلة جامعة وهو‬
‫قول الشافعي ‪ ،‬وسنة رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أحق أن تتبع [ )‬
‫‪.(5‬‬
‫وقال الشيخ محمود خطاب السبكي ‪ ]:‬وما روي من أنه ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬كان يأمر المؤذن أن يقول الصلة جامعة فهو مرسل عن الزهري‬
‫ضعيف كما ذكره النووي فل تقوم به حجة ‪.‬‬
‫وما قيل من أنه يقال فيها ذلك قياسا ً على الكسوف ل يعول عليه لن محل‬
‫القياس مسألة لم يعلم فيها نص ‪ ،‬وصلة العيد تكررت منه ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬في مجمع من الصحابة ‪ ،‬ومثل هذا تتوفر الدواعي على نقله تواترا ً‬
‫فل محل للقياس فيه ‪ .‬وروى مسلم عن عطاء عن جابر قال ‪ ) :‬أخبرني جابر‬
‫أن ل أذان لصلة يوم الفطر حين يخرج المام ول ما بعد يخرج ول إقامة ول‬
‫شيء( وهو بعمومه يشمل نفي قولهم الصلة جامعة ونحوها [ )‪.(6‬‬
‫ولم يرتض الصنعاني هذا القياس فقال ‪ ]:‬وأما القول بأنه يقال في العيد‬
‫عوضا ً عن الذان " الصلة جامعة " فلم ترد به سنة في صلة العيدين ‪ .‬قال‬
‫في الهدى النبوي ‪ :‬وكان ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا انتهى إلى المصلى أخذ‬
‫في الصلة ‪ :‬أي صلة العيد من غير أذان ول إقامة ول قول الصلة جامعة ‪،‬‬
‫والسنة أن ل يفعل شيء من ذلك ‪ ،‬وبه يعرف أن قوله في الشرح ‪:‬‬
‫ويستحب في الدعاء إلى الصلة في العيدين وغيرهما مما ل يشرع فيه أذان‬
‫كالجنازة ‪ :‬الصلة جامعة ‪ ،‬غير صحيح إذ ل دليل على الستحباب ولو كان‬
‫مستحبا ً لما تركه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والخلفاء الراشدون من بعده ‪،‬‬
‫نعم ثبات ذلك في صلة الكسوف ل غير ‪ ،‬ول يصح فيه القياس ‪ ،‬لن ما وجد‬
‫سببه في عصره ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولم يفعله ففعله بعد عصره بدعة‬
‫فل يصح إثباته بقياس ول غيره [ )‪.(7‬‬
‫وقال الشيخ الصاوي ‪ ]:‬تنبيه ل ينادى الصلة جامعة أي ل يندب ول يسن بل‬
‫مكروه أو خلف الولى لعدم ورود ذلك فيها فبالكراهة صرح في التوضيح‬
‫وقال ‪ :‬ابن ناجي وابن عمر إنه بدعة وما ذكره الخرشي من أنه جائز هنا‬
‫فغير صواب بل ما ورد ذلك إل في صلة الكسوف ومحل كونه مكروها ً أو‬
‫خلف الولى إن اعتقد مطلوبية ذلك وأما مجرد قصد العلم فل بأس به [ )‬
‫‪ (8‬وما قاله أخيرا ً غير مسّلم ‪.‬‬
‫ونقل الحطاب عن ابن ناجي في شرح الرسالة قوله ‪ ]:‬الذي تلقيناه من‬
‫مشايخنا أن مثل هذا اللفظ بدعة لعدم وروده [ )‪.(9‬‬
‫ويمكن أن يقال إن صلة الكسوف قد ثبتت المناداة لها بالصلة جامعة حيث‬
‫إن الكسوف يحدث فجأة فيحتاج إلى مناداة الناس وتنبيههم إلى الصلة ‪.‬‬
‫وأما صلة العيد فوقتها معلوم والناس يجتمعون لها فل حاجة فيها لهذا النداء‬
‫والله أعلم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬إن قول المؤذن بأن الصلة تقام على مذهب المام العظم أبي‬
‫حنيفة النعمان بدعة ما أنزل الله بها من سلطان وهذا التقييد للصلة بأنها‬
‫على مذهب أبي حنيفة تقييد باطل ما جاء به الشرع فلم يعهد عن أبي حنيفة‬
‫ول عن غيره من الئمة المتبوعين أنهم يقييدون الصلة بأن تكون على‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مذهبهم ول أعتقد أن أبا حنيفة لو كان حيا ً يرضى بذلك ‪.‬‬


‫والصل أن الصلة تكون كما كانت صلة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫القائل ‪ ]:‬صلوا كما رأيتموني أصلي [ رواه البخاري )‪. (10‬‬
‫ومن المعلوم أن أبا حنيفة وغيره من الئمة هم أتباع للنبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وليس النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬تابعا ً لواحد منهم ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المجموع ‪ ، 5/14‬وانظر شرح النووي على صحيح مسلم ‪. 2/483‬‬
‫)‪ (2‬فتح الباري ‪. 3/104‬‬
‫)‪ (3‬موطأ مالك ‪. 1/160‬‬
‫)‪ (4‬زاد المعاد ‪. 1/442‬‬
‫)‪ (5‬المغني ‪. 2/281‬‬
‫)‪ (6‬المنهل العذب المورود ‪. 6/325‬‬
‫)‪ (7‬سبل السلم ‪. 1/123‬‬
‫)‪ (8‬بلغة السالك ‪. 1/175‬‬
‫)‪ (9‬مواهب الجليل ‪. 2/570‬‬
‫)‪ (10‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 2/252‬‬

‫)‪(44 /‬‬

‫ومن العجيب الغريب أنهم يزعمون أن الصلة على مذهب أبي حنيفة ثم‬
‫يخالفونه في مسألة مشهورة وهي الجهر بالبسملة في الصلة وقد صليت‬
‫أكثر من مرة في مسجد كبير ينادى فيه لصلة العيد بالعبارة المذكورة ثم‬
‫صلى إمام المسجد صلة العيد وخالف مذهب أبي حنيفة فجهر بالبسملة في‬
‫أربعة مواضع من صلة العيد قبل قراءة الفاتحة وقبل السورة في الركعة‬
‫الولى وكذلك فعل في الركعة الثانية ‪.‬‬
‫مع أنه من المعلوم أن مذهب أبي حنيفة السرار ببسم الله الرحمن الرحيم‬
‫في هذه المواضع ‪.‬‬
‫قال صاحب المختار ‪ ]:‬ويقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ويخفيها ثم إن كان‬
‫إماما ً جهر بالقراءة في الفجر والوليين من المغرب والعشاء وفي الجمعة‬
‫والعيدين [ )‪.(1‬‬
‫الثالث ‪ :‬إن اللتزام بأداء صلة العيد على مذهب أبي حنيفة والذي ينص على‬
‫أن التكبيرات الزوائد ثلث في الولى بعد تكبيرة الحرام ثم يقرأ الفاتحة‬
‫وسورة وفي الركعة الثانية يبدأ بالقراءة ثم يكبر التكبيرات الثلث الزوائد‬
‫وتكبيرة للركوع )‪.(2‬‬
‫إن هذه الكيفية مرجوحة عند المحققين من العلماء والراجح هو مذهب‬
‫جمهور أهل العلم أنه يكبر سبعا ً في الولى وخمسا ً في الثانية وتكون‬
‫التكبيرات الزوائد قبل القراءة في الركعتين ويدل على ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬عن عائشة رضي الله عنها ‪ ):‬أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫كان يكبر في الفطر والضحى في الولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمس (‬
‫رواه أبو داود وقال الشيخ اللباني ‪ :‬صحيح )‪.(3‬‬
‫‪ .2‬وعن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده ‪ ):‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬كبر في العيدين في الولى سبعا ً قبل القراءة وفي الخرة خمسا ً‬
‫قبل القراءة ( رواه الترمذي ثم قال ‪ ]:‬حديث جد كثير حديث حسن وهو‬
‫أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬واسمه‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عمرو بن عوف المزني ‪ ،‬والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وهكذا روي عن أبي هريرة أنه صلى بالمدينة‬
‫نحو هذه الصلة وهو قول أهل المدينة وبه يقول مالك بن أنس والشافعي‬
‫وأحمد وإسحاق [ )‪.(4‬‬
‫وصححه الشيخ اللباني )‪.(5‬‬
‫‪ .3‬وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ‪ :‬قال النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ): -‬التكبير في الفطر سبع في الولى وخمس في الخرة والقراءة‬
‫بعدهما كلتيهما ( رواه أبو داود ‪ ،‬وقال المام النووي ‪ ]:‬رواه أبو داود وآخرون‬
‫بأسانيد حسنة فيصير بمجموعها صحيحا ً ‪ .‬قال الترمذي في كتاب العلل ‪:‬‬
‫سألت البخاري عنه فقال ‪ :‬هو صحيح ( )‪ (6‬وقال الشيخ اللباني ‪ :‬هو صحيح‬
‫)‪.(7‬‬
‫وغير ذلك من الحاديث ‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ ]:‬وكان ‪ - -‬صلى الله عليه وسلم ‪ - -‬يبدأ بالصلة قبل الخطبة‬
‫فيصلى ركعتين يكبر في الولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الفتتاح ‪ ...‬فإذا‬
‫فرغ من القراءة كبر وركع ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود كبر خمسا ً‬
‫متوالية فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة فيكون التكبير أول ما يبدأ به في‬
‫الركعتين والقراءة يليها الركوع [ )‪.(8‬‬
‫وهذا هو مذهب أكثر العلماء فقد نقل عن جماعة من الصحابة كعائشة وعمر‬
‫وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وجابر وزيد بن ثابت وابن عباس وابن عمر‬
‫رضي الله عنهم ونقل عن غيرهم أيضا ً ‪.‬‬
‫وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد والفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز‬
‫والزهري والمزني والوزاعي وإسحاق ومكحول والليث )‪.(9‬‬
‫وقال الحافظ ابن عبد البر ‪ ]:‬وقد روي عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫أنه كبر في العيدين سبعا ً في الولى وخمسا ً في الثانية من طرق حسان من‬
‫حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ‪ ...‬ومن حديث جابر ‪ ...‬ومن حديث‬
‫عائشة ‪ ...‬ومن حديث عمرو بن عوف ‪ ...‬ومن حديث ابن عمر ‪ ...‬ومن‬
‫حديث أبي واقد الليثي كلها عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.(10) [ ... -‬‬
‫وقال الشيخ المباركفوري بعد أن ذكر ما احتج به الحنفية ‪ ... ]:‬فل يصلح هذا‬
‫الحديث للستدلل وليس في هذا حديث مرفوع صحيح في علمي والله تعالى‬
‫أعلم ‪ ...‬فالولى للعمل هو ما ذهب إليه أهل المدينة ومالك والشافعي وأحمد‬
‫وغيرهم لوجهين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنه قد جاء فيه أحاديث مرفوعة عديدة وبعضها صالح للحتجاج‬
‫والباقية مؤيدة لها ‪.‬‬
‫وأما ما ذهب إليه أهل الكوفة فلم يرد فيه حديث مرفوع غير حديث أبي‬
‫موسى الشعري وقد عرفت أنه ل يصلح للحتجاج ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الختيار لتعليل المختار ‪. 1/50‬‬
‫)‪ (2‬الختيار لتعليل المختار ‪. 1/86‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 4/5‬صحيح سنن أبي داود‬
‫‪ ، 1/213‬إرواء الغليل ‪. 3/107‬‬
‫)‪ (4‬سنن الترمذي مع شرحه التحفة ‪. 67-3/65‬‬
‫)‪ (5‬صحيح سنن الترمذي ‪. 1/166‬‬
‫)‪ (6‬الخلصة ‪. 2/831‬‬
‫)‪ (7‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 4/6‬صحيح سنن أبي داود‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪. 1/213‬‬
‫)‪ (8‬زاد المعاد ‪. 444-1/443‬‬
‫)‪ (9‬المجموع ‪ ، 5/16‬المغني ‪ ، 2/282‬فتح المالك ‪ ، 3/347‬عون المعبود‬
‫‪ ، 4/10‬نيل الوطار ‪. 340-3/339‬‬
‫)‪ (10‬فتح المالك ‪. 347-3/346‬‬

‫)‪(45 /‬‬

‫والوجه الثاني ‪ :‬أنه قد عمل به أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وقد‬
‫تقدم في كلم الحافظ الحازمي أن أحد الحديثين إذا كان عمل به الخلفاء‬
‫الراشدون دون الثاني فيكون آكد وأقرب إلى الصحة وأصوب بالخذ‪.(1) [ ...‬‬
‫ثم ذكر قول الحنفية ثم قال ‪ ]:‬ليس يروى عن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫من وجه قوي ول ضعيف مثل قول هؤلء ‪ . [ ...‬ويضاف إلى ما سبق أن‬
‫الخذ بمذهب الحنفية في هذه المسألة يوقع كثيرا ً من المصلين في الخطأ‬
‫أثناء الصلة وذلك في الركعة الثانية حيث إن المام يبدؤها بالقراءة فيقرأ‬
‫الفاتحة ثم سورة ثم يكبر التكبيرة الولى من التكبيرات الثلث الزوائد فيظن‬
‫كثير من المصلين أنها تكبيرة الركوع فيركعون وعندما يكبر المام التكبيرة‬
‫الثانية من الزوائد يعلمون أنها لم تكن للركوع فيرفعون ‪ .‬فيحدث بسبب ذلك‬
‫أخطاء في الصلة وبلبلة في صفوف المصلين ‪.‬‬
‫وأخيرا ً يقال إن الناس معتادون في هذه البلد على تقليد مذهب الشافعي‬
‫في جميع الصلوات وأئمة المساجد ملتزمون بهذا التقليد فتراهم في صلة‬
‫الفجر يقنتون كما هو مذهب الشافعي فلماذا في صلة العيد ينتقلون لمذهب‬
‫أبي حنيفة ؟! إنها التقاليد الموروثة منذ زمن الدولة العثمانية ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬فرقة التكبير وما تقوم به من أمور مبتدعة ‪:‬‬
‫وتوضيح ذلك أن مجموعة من المؤذنين والقراء يجلسون على شكل حلقة ثم‬
‫يبدؤون بالتكبير الجماعي ويرددون بعض الذكار ثم يصيح أحدهم في نهاية‬
‫كل وصلة تكبير بصوت مرتفع الفاتحة ‪ ،‬وهكذا يعيدون الكرة مرة بعد مرة ثم‬
‫ينقطعون فيتلو أحد القراء آيات من القرآن الكريم ثم يعودون إلى التكبير‬
‫ويصيح أحدهم الفاتحة وهكذا دواليك وتستمر المجموعة في الزعق والصياح‬
‫إلى أن يحين موعد الصلة فيقوم أحدهم وينادي بقوله ‪ ]:‬الصلة جامعة على‬
‫مذهب المام العظم أبي حنيفة النعمان يا أمة الهادي عليه السلم [‪.‬‬
‫وهذه المور مبتدعة وبيان ذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫إن أصل التكبير مشروع في العيدين وهو من السنن الثابتة عن النبي‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وهو نوعان عند أهل العلم ‪.‬‬
‫الول ‪ :‬التكبيرات الزوائد في صلة العيد ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬التكبير في غير صلة العيد وهو قسمان ‪:‬‬
‫القسم الول ‪ :‬التكبير المرسل أو المطلق وهو الذي ل يتقيد بحال بل يؤتى‬
‫به في المنازل والمساجد والطرق ليل ً ونهارا ً وفي غير ذلك ‪.‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬المقيد وهو الذي يقصد التيان به في أدبار الصلوات وهو‬
‫مشروع في عيد الضحى دون عيد الفطر لنه لم ينقل عن النبي‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.(2) -‬‬
‫ومن الحاديث الثابتة في التكبير ما جاء في الحديث عن محمد بن أبي بكر‬
‫الثقفي قال ‪ ) :‬سألت أنسا ً ونحن غادون من منى إلى عرفات عن التلبية‬
‫كيف كنتم تصنعون مع النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬؟ قال ‪ :‬كان الملبي‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يلبي ل ينكر عليه ويكبر المكبر فل ينكر عليه ( رواه البخاري )‪.(3‬‬
‫وعن أم عطية النصارية رضي الله عنها قالت ‪ ):‬كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد‬
‫ن خلف الناس فيكبرن‬ ‫حتى نخرج البكر من خدرها حتى نخرج الحيض فيك ّ‬
‫بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته ( رواه البخاري‬
‫ومسلم )‪.(4‬‬
‫قال المام النووي ‪ ]:‬وقولها ‪ ):‬يكبرن مع الناس ( دليل على استحباب التكبير‬
‫لكل أحد في العيدين وهو مجمع عليه [ )‪.(5‬‬
‫وقال المام البخاري ‪ ]:‬باب التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة وكان عمر ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر‬
‫أهل السواق حتى ترتج منى تكبيرا ً ‪ ،‬وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك اليام‬
‫وخلف الصلوات وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه وتلك اليام‬
‫جميعا ً وكانت ميمونة تكبر يوم النحر وكان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان‬
‫وعمر بن عبد العزيز ليالي التشريق مع الرجال في المسجد [ )‪.(6‬‬
‫إذا ثبت هذا فإن التكبير في جملته مشروع فأما قراءة القرآن بين كل وصلة‬
‫من التكبيرات فلم يرد في ذلك أثر وإنما كان الصحابة يقتصرون على التكبير‬
‫فقط وما كانوا يقولون بعد انتهاء وصلة التكبير ) الفاتحة (‪،‬‬
‫فإن هذه بدعة فليس هذا المقام محل ً لقراءة الفاتحة وسيأتي تفصيل الكلم‬
‫على هذه البدعة عند الكلم على البدع المتعلقة بقراءة القرآن الكريم‪.‬‬
‫المبحث الثامن‬
‫بدع الجنائز‬
‫تشييع الجنازة واتباعها وحضور دفنها من السنن الثابتة عن الرسول‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬فقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة‪ -‬رضي الله‬
‫عنه ‪ -‬أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ) :‬حق المسلم على‬
‫المسلم خمس ‪ ،‬رد ّ السلم وعيادة المريض واتباع الجنائز وإجابة الدعوة‬
‫وتشميت العاطس ( رواه البخاري ومسلم )‪.(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تحفة الحوذي ‪. 3/71‬‬
‫)‪ (2‬المجموع ‪. 32-5/31‬‬
‫)‪ (3‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 115-3/114‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 3/115‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/485‬‬
‫)‪ (5‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪. 2/485‬‬
‫)‪ (6‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 3/114‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 3/356‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪-5/319‬‬
‫‪. 320‬‬

‫)‪(46 /‬‬

‫وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫) المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يخذله (‪.‬‬
‫ويقول ‪ ):‬والذي نفسي بيده ما تواد ّ اثنان فيفّرق بينهما إل بذنب يحدثه‬
‫أحدهما (‪.‬‬
‫وكان يقول ‪ ):‬للمسلم على المسلم ست يشمته إذا عطس ويعوده إذا مرض‬
‫وينصحه إذا غاب أو شهد ويسّلم عليه إذا لقيه ويجيبه إذا دعاه ويتبعه إذا مات‬
‫( رواه أحمد بإسناد حسن كما قال الشيخ اللباني )‪.(1‬‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعن أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه سمع رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪:‬‬
‫ً‬
‫) خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة ‪ ،‬من عاد مريضا وشهد‬
‫جنازة وصام يوما ً وراح إلى الجمعة وأعتق رقبة ( رواه ابن حبان وقال الشيخ‬
‫اللباني صحيح )‪.(2‬‬
‫وعن عامر بن سعد بن أبي وقاص أنه كان قاعدا ً عند ابن عمر إذ طلع خباب‬
‫صاحب المقصورة فقال ‪ :‬يا عبد الله بن عمر أل تسمع ما يقول أبو هريرة ؟‬
‫يقول ‪ :‬إنه سمع رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ :‬من خرج مع‬
‫جنازة من بيتها وصلى عليها واتبعها حتى تدفن كان له قيراطان من أجر كل‬
‫قيراط مثل أحد ومن صّلى عليها ثم رجع كان له من الجر مثل أحد (‪.‬‬
‫فأرسل ابن عمر خبابا ً إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه‬
‫فيخبره بما قالت وأخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتى‬
‫رجع إليه الرسول فقال ‪ :‬قالت عائشة صدق أبو هريرة فضرب ابن عمر‬
‫بالحصى الذي كان في يديه الرض ثم قال ‪ :‬لقد فرطنا في قراريط كثيرة ( ‪.‬‬
‫رواه مسلم )‪.(3‬‬
‫وعن ثوبان ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫) من صلى على جنازة فله قيراط وإن شهد دفنها فله قيراطان ‪ ،‬القيراط‬
‫مثل أحد ( رواه مسلم )‪.(4‬‬
‫وجاء في الحديث أيضا ً عن أبي هريرة ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬من شهد الجنازة حتى يصلي عليها‬
‫فله قيراط ‪ ،‬ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل ‪ :‬وما القيراطان ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬مثل الجبلين العظيمين ( رواه البخاري ومسلم )‪.(5‬‬
‫وينبغي للمسلم الذي يحضر الجنازة عند تشييعها ودفنها ‪ ،‬أن يستذكر مصيبة‬
‫الموت وأن يتعظ ويتفكر في هذا الميت ‪ ،‬وأن حال هذا المشيع سيصير إلى‬
‫مثل ما صار إليه الميت ‪ ،‬وهذا التذكر يدفع النسان إلى محاسبة النفس‬
‫والنظر والتفكر في أحواله ‪ ،‬فإن كان محسنا ً ازداد إحسانا ً وإن كان مسيئا ً‬
‫رجع وثاب إلى الرشد ‪ ،‬وهذا التفكر والتعاظ مقصود من حضور الجنائز فقد‬
‫ورد في الحديث عن أبي سعيد الخدري‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى‬
‫كركم الخرة (‬‫الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ):‬عودوا المرضى واتبعوا الجنائز تذ ّ‬
‫رواه أحمد وابن حبان وصححه وقال الهيثمي ‪ :‬رواه أحمد والبزار ورجاله‬
‫ثقات )‪ ،(1(6‬وقال الشيخ اللباني ‪ :‬إسناده حسن )‪.(2(7‬‬
‫وقد روي في الحديث ‪ ):‬أنه عليه الصلة والسلم ‪ ،‬كان إذا اتبع جنازة أكثر‬
‫الصمت ‪ ،‬ورؤي عليه الكآبة وأكثر حديث النفس ( رواه وكيع في الزهد وابن‬
‫المبارك في الزهد أيضا ً والطبراني وذكره السيوطي )‪ ،(3(8‬وله شاهد صحيح‬
‫‪ .‬فعن البراء بن عازب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬خرجنا مع رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في جنازة فانتهينا إلى القبر فجلس كأن على رؤوسنا‬
‫الطير ( رواه ابن ماجة ‪ ،‬وقال الشيخ اللباني ‪ :‬صحيح )‪.(9‬‬
‫وقال الفضيل بن عياض ‪ ]:‬كانوا إذا اجتمعوا في جنازة يعرف فيهم ثلثة‬
‫أيام [‪ .‬ورأى عبد الله بن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬رجل ً يضحك في جنازة‬
‫فقال ‪:‬‬
‫ً‬
‫] أتضحك مع الجنازة ! ل أكلمك أبدا [‪.‬‬
‫وكره العلماء أن يتكلم أحد في الجنازة ول بقول القائل ‪ :‬استغفروا لخيكم ‪،‬‬
‫فقد سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجل ً في جنازة يصيح ويقول ‪:‬‬
‫استغفروا لخيكم ‪ ،‬فقال ابن عمر ‪ :‬ل غفر الله لك‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سئل سفيان بن عيينة عن السكوت في الجنازة وماذا يجيء به ؟ قال ‪:‬‬ ‫و ُ‬


‫ن‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ت ِللّر ْ‬‫وا ُ‬
‫ص َ‬
‫ت ال ْ‬ ‫خ َ‬
‫شعَ ْ‬ ‫] تذكر به حال يوم القيامة ‪ ،‬ثم تل قوله تعالى ‪ ) :‬وَ َ‬
‫سا ( [ )‪.(10‬‬‫م ً‬
‫معُ ِإل هَ ْ‬
‫س َ‬
‫فل ت َ ْ‬
‫وقال قتادة ‪ ]:‬بلغنا أن أبا الدرداء ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬نظر إلى رجل يضحك‬
‫في جنازة فقال له ‪ :‬أما كان فيما رأيت من هول الموت ما ُيشغلك عن‬
‫الضحك [‪.‬‬
‫وكان مطرف يلقى الرجل من خاصة أهله في الجنازة فعسى أن يكون غائبا‬
‫فما يزيده على السلم ثم يعرض عنه اشتغال ً بما هو فيه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬صحيح الترغيب والترهيب ‪. 3/369‬‬
‫)‪ (2‬صحيح الترغيب والترهيب ‪. 3/369‬‬
‫)‪ (3‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪.17-3/16‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪.17-3/16‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 441-3/440‬صحيح مسلم بشرح النووي‬
‫‪. 15-3/14‬‬
‫)‪ (6‬الفتح الرباني ‪ ، 19/162‬صحيح ابن حبان ‪ ، 7/221‬مجمع الزوائد ‪. 3/29‬‬
‫)‪ (7‬أحكام الجنائز ص ‪. 67‬‬
‫)‪ (8‬الزهد لبن المبارك ص ‪ ، 82‬مجمع الزوائد ‪ ، 3/29‬المر بالتباع ص‬
‫‪. 252‬‬
‫)‪ (9‬انظر صحيح سنن ابن ماجة ‪ ، 1/259‬وانظر المشكاة ‪. 15/537‬‬
‫)‪ (10‬سورة طه الية ‪. 108‬‬

‫)‪(47 /‬‬

‫ذكر هذه الثار السيوطي )‪ (1‬ثم قال ‪ ]:‬فهذا خوف هؤلء السادات من‬
‫الموت فأما اليوم فغالب من تراه يشهد الجنازة يلهون ويضحكون ‪ ،‬وما‬
‫يتكلمون إل في ميراثه وما خلفه لورثته [)‪.(2‬‬
‫وقال المام النووي رحمه الله ‪ ]:‬يستحب له ‪ -‬أي الماشي مع الجنازة ‪ -‬أن‬
‫يكون مشتغل ً بذكر الله تعالى والفكر فيما يلقاه وما يكون مصيره وحاصل ما‬
‫كان فيه ‪ ،‬وأن هذا آخر الدنيا ومصير أهلها ‪ ،‬وليحذر كل الحذر من الحديث‬
‫بما ل فائدة فيه ‪ ،‬فإن هذا وقت فكر وذكر يقبح فيه الغفلة واللهو والشتغال‬
‫ي عنه في جميع الحوال‬ ‫بالحديث الفارغ ‪ ،‬فإن الكلم بما ل فائدة فيه منه ٌ‬
‫فكيف هذا الحال ‪.‬‬
‫واعلم أن الصواب المختار ما كان عليه السلف رضوان الله عليهم السكوت‬
‫في حال السير مع الجنازة ‪ ،‬فل يرفع صوتا ً بقراءة ول ذكر ول غير ذلك ‪،‬‬
‫والحكمة فيه ظاهرة وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق‬
‫ن بكثرة من‬ ‫بالجنازة وهو المطلوب في هذا الحال ‪ ،‬فهذا هو الحق ول تغتر ّ‬
‫يخالفه ‪ ،‬فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬ما معناه ‪:‬‬
‫الزم طرق الهدى ول يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضللة ول تغتر‬
‫بكثرة الهالكين [ )‪.(3‬‬
‫وبعد أن بينت ما هي السنة في تشييع الجنازة أذكر بعض البدع والمخالفات‬
‫التي تقع في الجنائز وفي ذلك مسائل ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬رفع الصوت بالذكر أثناء تشييع الجنازة ‪:‬‬
‫كقول أحدهم ‪ :‬وحدوا الله ‪ .‬فيجيبه المشيعون بقولهم ‪ :‬ل إله إل الله ‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكقول بعضهم ‪ :‬استغفروا لخيكم ‪ ،‬ونحو ذلك من العبارات وهذه بدعة لن‬
‫هذه الذكار ليس محلها حال تشييع الجنازة وقد كرهها كثير من العلماء ‪.‬‬
‫ذكر أبو شامة المقدسي عن سعيد بن المسيب أنه قال في مرضه ‪ ]:‬إياي‬
‫وحاديهم هذا الذي يحدو لهم يقول ‪ :‬استغفروا لخيكم [ وكرهه الحسن‬
‫والنخعي وابن جبير وأحمد وإسحاق وقال البيهقي ‪ ]:‬وروينا عن سعيد‬
‫والحسن البصري وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي أنهم كرهوا أن يقال في‬
‫الجنازة استغفروا له غفر الله لكم [ )‪.(4‬‬
‫وقال الشيخ علي محفوظ ‪ ]:‬ومن البدع السيئة الجهر بالذكر أو بقراءة‬
‫القرآن أو البردة أو دلئل الخيرات ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وكل هذا مكروه للجماع على أن السنة في تشييع الجنازة السكوت وجمع‬
‫الفكر للتأمل في الموت وأحواله وعليها عمل السلف رضوان الله عليهم[)‬
‫‪.(5‬‬
‫ويلحق بهذه البدعة ما تعارف عليه كثير من الناس في زماننا هذا أثناء نقل‬
‫الميت بسيارة مخصصة لنقل الموتى من قراءة القرآن الكريم بواسطة آلة‬
‫تسجيل في السيارة مع تركيب جهاز مكبر للصوت وقراءة آيات مخصوصة‬
‫من القرآن الكريم ‪.‬‬
‫كما وأنهم اعتادوا على أن يكتبوا آيات معينة من القرآن الكريم على‬
‫السيارات الخاصة بنقل الموتى ‪.‬‬
‫وأما تشييع الجنائز على أنغام الموسيقى الحزينة ورفع العلم وحمل أكاليل‬
‫الورود وحمل صور الميت وحمل بعض الموات على عربة مدفع فكل ذلك‬
‫من المور الممنوعة شرعا ً ‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬بدعة التلقين بعد الدفن ‪:‬‬
‫بعد دفن الميت وتسوية القبر عليه يقوم رجل ويلقن الميت بقوله ‪ ]:‬كل من‬
‫عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلل والكرام ‪ ،‬كل نفس ذائقة الموت وإنما‬
‫توفون أجوركم يوم القيامة ‪ ،‬الموت باب وكل الناس داخله الموت كأس وكل‬
‫الناس شاربه واعلم يا عبد الله وابن أمته أنك مت وأن الموت حق وأن‬
‫دخول القبر حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن سؤال الملكين حق ‪ ،‬فإذا‬
‫جاءك الملكان الموكلن بك وبالناس أجمعين فل يزعجاك ول يرعباك واعلم‬
‫أنهما خلق من خلق الله كما أنت خلق من خلقه‪ ،‬فإذا سألك ما ربك ‪ ،‬وما‬
‫قبلتك ‪ ،‬وما دينك ‪ ،‬وما منهاجك ‪ ،‬وما الذي عشت ومت عليه ؟ فقل لهما‬
‫بلسان طلق لبق من غير تلجلج ول وجل ول خوف منهما ول جزع فقل لهما‬
‫الله ربي حقا ً ‪ ،‬الله ربي حقا ً ‪ ،‬الله ربي حقا ً ‪ ،‬ومحمد نبيي صدقا ً ‪ ،‬وإبراهيم‬
‫الخليل أبي وملته ملتي والكعبة قبلتي ‪ ،‬وعشت ومت على قول ل إله إل الله‬
‫ة ماذا تقول في الرجل المبعوث‬ ‫‪ ،‬محمد رسول الله فإذا عادا وسألك ثاني ً‬
‫فينا وفيكم وفي الخلق أجمعين فاعلم أنهما يعنيان النبي محمد‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬فقل لهما هو نبينا وشفيعنا ورسولنا محمد أتانا بالحق دين‬
‫الهدى فاتبعناه وآمنا برسالته وصدقناه آمين آمين آمين ‪ ،‬يا مؤنس كل وحيد‬
‫ويا حاضرا ً لست تغيب آنس اللهم وحدته وارحم غربته ولقنه حجته وعّرفه‬
‫نبيه ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المر بالتباع ص ‪. 255-253‬‬
‫)‪ (2‬المر بالتباع ص ‪. 255‬‬
‫)‪ (3‬الذكار ص ‪ 136‬وانظر يسألونك ‪. 43-3/41‬‬
‫)‪ (4‬الباعث ص ‪ ، 150‬وانظر المر بالتباع ص ‪ ، 254-253‬سنن البيهقي‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪. 4/74‬‬
‫)‪ (5‬البداع ص ‪. 222‬‬

‫)‪(48 /‬‬

‫اللهم إن كان محسنا ً فزد في إحسانه وإن كان مسيئا ً فتجاوز عن سيئاته‬
‫اللهم أبدله دارا ً خيرا ً من داره وأهل ً خيرا ً من أهله ونقه من خطاياه كما ينقى‬
‫الثوب البيض من الدنس واغسله بالماء والثلج والبرد ووسع مدخله وأكرم‬
‫نزله اللهم ل تحرمنا أجره ول تفتنا بعده ‪ ،‬واغفر لنا وله وللمسلمين [ ثم‬
‫يقول الملقن للناس ‪ :‬انصرفوا مأجورين والتعزية من السنة يرحمكم الله ‪.‬‬
‫وهذا التلقين مبتدع وليس له سند من السنة عن الرسول‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وقد نص على أنه بدعة طائفة من أهل العلم ‪ ،‬قال العز بن عبد‬
‫السلم ‪ ]:‬لم يصح في التلقين شيء وهو بدعة وقوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ ): -‬لقنوا موتاكم ل إله إل الله ( محمول على من دنا موته ويئس من حياته [‬
‫)‪.(1‬‬
‫قل عن المام مالك القول بكراهة التلقين بعد الموت )‪.(2‬‬ ‫ون ُ ِ‬
‫وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي ‪ ]:‬فأما التلقين بعد الدفن فلم أجد فيه عن‬
‫أحمد شيئا ً ول أعلم فيه للئمة قول ً سوى ما رواه الثرم قال ‪ :‬قلت لبي عبد‬
‫الله ‪ :‬فهذا الذي يصنعون إذا دفن الميت ‪ :‬يقف الرجل ويقول ‪ :‬يا فلن ابن‬
‫فلن اذكر ما فارقت عليه شهادة أن ل إله إل الله ؟! فقال ‪ :‬ما رأيت أحدا ً‬
‫ن فقال ذلك ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫فعل هذا إل أهل الشام حين مات أبو المغيرة جاء إنسا ٌ‬
‫وكان أبو المغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم‬
‫كانوا يفعلونه ‪.(3) [ ...‬‬
‫وقال الشيخ المرداوي بعد أن ذكر أن مذهب الحنابلة إثبات التلقين بعد‬
‫الدفن ‪ ... ] :‬والنفس تميل إلى عدمه ‪.(4) [ ...‬‬
‫وقال شمس الحق العظيم آبادي ‪ ]:‬والتلقين بعد الموت قد جزم كثير أنه‬
‫حادث [ )‪.(5‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬ولم يكن يجلس ‪ -‬أي الرسول ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ - -‬يقرأ عند القبر ول يلقن الميت كما يفعله الناس اليوم [ )‪.(6‬‬
‫وقد احتج المثبتون للتلقين بعد الدفن بما روي في الحديث عن جابر بن‬
‫سعيد الزدي قال ‪ ]:‬دخلت على أبي أمامة وهو في النزع فقال لي ‪ :‬يا أبا‬
‫سعيد إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمر رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫أن نصنع بموتانا فإنه قال ‪ :‬إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند‬
‫رأسه فليقل ‪ :‬يا فلن ابن فلنة ! فإنه يستوي قاعدا ً فليقل ‪ :‬يا فلن ابن‬
‫فلنة فإنه سيقول أرشدني رحمك الله فليقل ‪ :‬اذكر ما خرجت عليه من دار‬
‫الدنيا ‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله وحده ل شريك له وأن محمدا ً عبده ورسوله‬
‫وأن الساعة آتية ل ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور فإن منكرا ً ونكيرا ً‬
‫يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول له ما نصنع عند رجل قد لقن حجته ؟‬
‫فيكون الله حجيجهما دونه [ قال الشيخ اللباني ‪ :‬منكر ‪ ،‬أخرجه القاضي‬
‫ً‬
‫ف جدا لم‬ ‫الخلعي في الفوائد ‪ . 55/2‬قلت ‪ -‬أي اللباني ‪ ]:-‬وهذا إسناد ضعي ٌ‬
‫أعرف أحدا ً منهم غير عتبة بن السكن ‪ .‬قال الدار قطني ‪ :‬متروك الحديث ‪.‬‬
‫ب إلى الوضع ‪ .‬والحديث أورده الهيثمي وقال ‪:‬‬ ‫وقال البيهقي ‪ :‬واهٍ منسو ٌ‬
‫] رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده جماعة لم أعرفهم [‪.‬‬
‫فالعجب من قول الحافظ في التلخيص بعد أن عزاه للطبراني ‪ :‬وإسناده‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صالح ‪ ....‬فأنى لهذا السناد الصلح والقوة وفيه هذا الرجل المجهول ؟! بل‬
‫فيه جماعة آخرون مثله في الجهالة … ثم ذكر الشيخ اللباني أن النووي‬
‫وابن الصلح والحافظ العراقي وابن القيم قد ضعفوا الحديث )‪.(7‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم بعد أن ساق الحديث ‪]:‬فهذا حديث ل يصح رفعه[ )‬
‫‪ .(8‬وذكر ابن علن قول الحافظ ابن حجر بعد تخريج حديث أبي أمامة‪ ] :‬هذا‬
‫ف جدا ً [ )‪.(9‬‬‫حديث غريب وسند الحديثين من الطريقين ضعي ٌ‬
‫وقال الصنعاني ‪ ]:‬ويتحصل من كلم أئمة التحقيق أنه حديث ضعيف والعمل‬
‫به بدعة ول يغتر بكثرة من يفعله [ )‪.(10‬‬
‫وقال الشيخ اللباني ‪ ]:‬واعلم أنه ليس للحديث ما يشهد له ‪ ،‬وكل ما ذكره‬
‫البعض إنما هو أثر موقوف على بعض التابعين الشاميين ل يصلح شاهدا ً‬
‫للمرفوع بل هو يعله وينزل به من الرفع إلى الوقف وفي كلمة ابن القيم‬
‫السابقة ما يشير إلى ما ذكرته عند التأمل ‪ ،‬على أنه شاهد قاصر إذ غاية ما‬
‫فيه ‪ :‬أنهم كانوا يستحبون أن يقال للميت عند قبره ‪ :‬يا فلن قل ل إله إل‬
‫الله ‪ ،‬قل أشهد أن ل إله إل الله " ثلث مرات " قل ‪ :‬ربي الله وديني السلم‬
‫ونبيي محمد ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬فتاوى العز بن عبد السلم ص ‪. 427‬‬
‫)‪ (2‬نقله صاحب كفاية الطالب الرباني نقل ً عن اليات البينات لللوسي ص‬
‫‪. 63‬‬
‫)‪ (3‬المغني ‪. 2/377‬‬
‫)‪ (4‬النصاف ‪. 2/549‬‬
‫)‪ (5‬عون المعبود ‪. 8/268‬‬
‫)‪ (6‬زاد المعاد ‪. 1/522‬‬
‫)‪ (7‬السلسلة الضعيفة ‪. 65-2/64‬‬
‫)‪ (8‬زاد المعاد ‪. 1/523‬‬
‫)‪ (9‬الفتوحات الربانية على الذكار النووية ‪. 4/196‬‬
‫)‪ (10‬سبل السلم ‪. 2/234‬‬

‫)‪(49 /‬‬

‫فأين فيه الشهادة على بقية الجمل المذكورة في الحديث مثل "ابن فلنة "‬
‫و"أرشدني " وقول الملكين "ما نصنع عند رجل " ‪ ...‬وجملة القول أن‬
‫الحديث منكر عندي إن لم يكن موضوعا ً ‪ ....‬ول يرد هنا ما اشتهر من القول‬
‫بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل العمال فإن هذا محله فيما ثبت‬
‫مشروعيته بالكتاب أو السنة الصحيحة ‪ ،‬وأما ما ليس كذلك فل يجوز العمل‬
‫فيه بالحديث الضعيف لنه تشريع ول يجوز ذلك بالحديث الضعيف لنه ل يفيد‬
‫إل الظن المرجوح اتفاقا ً فكيف يجوز العمل بمثله ؟! فليتنبه لهذا من أراد‬
‫السلمة في دينه فإن الكثيرين عنه غافلون نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق‬
‫[ )‪.(1‬‬
‫وقد احتج المثبتون للتلقين بما جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ):‬لقنوا موتاكم ل إله‬
‫إل الله ( رواه مسلم )‪.(2‬‬
‫وهذا الحديث ليس فيه التلقين بعد الموت وبعد الدفن وإنما هو في التلقين‬
‫عند الحتضار ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال المام النووي ‪ ]:‬قوله ‪ ):‬لقنوا موتاكم ل إله إل الله ( معناه من حضره‬
‫الموت والمراد ذكروه ل إله إل الله لتكون آخر كلمه كما في الحديث ‪ ):‬من‬
‫كان آخر كلمه ل إله الله دخل الجنة ( والمر بهذا التلقين أمر ندب وأجمع‬
‫العلماء على هذا التلقين [ )‪.(3‬‬
‫ل على من دنا موته‬ ‫وسبق كلم العز بن عبد السلم أن هذا الحديث محمو ٌ‬
‫ويئس من حياته ‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقال صاحب الهداية الحنفي ‪ ]:‬ولقن الشهادتين لقوله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ): -‬لقنوا موتاكم شهادة أن ل إله إل الله ( والمراد الذي قرب من‬
‫الموت [ )‪.(4‬‬
‫ومما يؤيد تفسير الميت بالمحتضر كما ذهب إليه كثير من أهل العلم ما ورد‬
‫في الحديث عن معاذ بن جبل ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬من كان آخر كلمه ل إله إل الله دخل الجنة ( رواه‬
‫أبو داود والحاكم وقال صحيح السناد ووافقه الذهبي وحسنه الشيخ اللباني )‬
‫‪.(5‬‬
‫ً‬
‫ومما يؤيد ذلك أيضا ما جاء في الحديث عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬لقنوا موتاكم ل إله إل الله فإنه من كان آخر‬
‫كلمته ل إله إل الله عند الموت دخل الجنة يوما ً من الدهر وإن أصابه قبل‬
‫ذلك ما أصابه( رواه ابن حبان والبزار وقال محقق صحيح ابن حبان ‪ :‬حديث‬
‫صحيح )‪.(6‬‬
‫والمشروع عند النتهاء من دفن الميت هو الستغفار للميت والدعاء له ‪ ،‬قال‬
‫العلمة ابن القيم ‪ ] :‬وكان ‪ -‬أي الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ - -‬إذا فرغ‬
‫من دفن الميت قام على قبره هو وأصحابه وسأل له التثبيت وأمرهم أن‬
‫يسألوا له التثبيت [ )‪.(7‬‬
‫ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن عثمان‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ) :‬كان‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال ‪:‬‬
‫استغفروا لخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الن يسأل ( رواه أبو داود والبيهقي‬
‫والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال النووي إسناده جيد وصححه اللباني‬
‫أيضا ً )‪.(8‬‬
‫فيجوز الوقوف عند قبر الميت بعد دفنه وإهالة التراب عليه للستغفار‬
‫والدعاء له بل ذلك مستحب كما دل عليه الحديث السابق ولم يرد في بيان‬
‫صفة الستغفار والدعاء للميت بعد الدفن حديث يعتمد عليه فيما نعلم وإنما‬
‫ورد المر بمطلق الستغفار والدعاء له بالتثبيت فيكفي في أمثال هذا المر‬
‫أي صفة استغفار ودعاء له كأن يقول ‪ :‬اللهم اغفر له وثبته على الحق ونحو‬
‫ذلك )‪.(9‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬قراءة الختمة للموات ‪:‬‬
‫من البدع المنتشرة في أيامنا هذه ما يفعله عامة الناس بعد دفن ميتهم إذ‬
‫يجلسون بعد صلة العصر في يوم الوفاة ويومين بعده فيقرؤون السور‬
‫الخيرة من القرآن الكريم ابتداًء من سورة الضحى إلى سورة الناس ثم‬
‫يقرؤون سورة الفاتحة وفواتح سورة البقرة وآية الكرسي وخواتيم سورة‬
‫البقرة وبعض اليات الخرى ثم يأتون ببعض الذكار ويهللون مئة مرة ونحو‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫وهنالك بعض المشايخ المتخصصين في القراءة على الموات الذين يحترفون‬
‫هذا العمل فيحضرونهم ومعهم مكبرات الصوت فيقرؤون الختمة بأجر متفق‬
‫عليه وبعد النتهاء يأكلون ما أعد لهم من طعام أو حلويات ويشربون القهوة‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والشاي وغيرها ‪ ،‬ويفعلون هذه البدعة ثلثة أيام اعتبارا ً من يوم الدفن ‪ ،‬ثم‬
‫يفعلونها ثلثة أيام خميس تالية ثم في الربعين وبعضهم يفعلها في ذكرى‬
‫مرور سنة على وفاة الميت وبعضهم يزيد على ذلك ‪.‬‬
‫وهذه كلها من البدع المخالفة لهدي الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وبيان‬
‫ذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سلسلة الحاديث الضعيفة ‪. 2/65‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/519‬‬
‫)‪ (3‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪. 2/519‬‬
‫)‪ (4‬الهداية ‪. 2/68‬‬
‫)‪ (5‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 8/267‬المستدرك ‪، 2/175‬‬
‫إرواء الغليل ‪3/149‬‬
‫)‪ (6‬صحيح ابن حبان ‪. 7/272‬‬
‫)‪ (7‬زاد المعاد ‪. 1/522‬‬
‫)‪ (8‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 9/30‬سنن البيهقي ‪، 4/56‬‬
‫المستدرك ؟؟ ‪ ،‬المجموع ‪ ، 5/292‬صحيح سنن أبي داود ‪. 2/620‬‬
‫)‪ (9‬فتاوى إسلمية ‪. 1/308‬‬

‫)‪(50 /‬‬

‫أول ً ‪ :‬لم ينقل عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول عن أحد من‬
‫أصحابه رضوان الله عليهم فعل مثل ذلك فهذه الختمة طريقة مبتدعة في‬
‫قراءة القرآن وفي الذكر ‪.‬‬
‫ثم إن تخصيص هذه الوقات وهي ثلثة أيام من يوم الدفن وثلثة أيام خميس‬
‫ويوم الربعين ‪ ،‬بهذه الختمة وهذه الذكار لم يقم عليه دليل من الشرع ول‬
‫يصح عند العلماء تخصيص زمان معين بعبادة معينة إل بدليل شرعي ول دليل‬
‫على ذلك ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إن أهل العلم متفقون على أنه ل يجوز التكسب بالقرآن الكريم وهذا‬
‫التكسب واضح في الجور التي تدفع لجماعة المقرئين والذين يحددون‬
‫السعار بناء على حالة الميت وأهله من حيث الغنى والفقر فهذه الموال‬
‫التي يأخذها هؤلء الذين يتكسبون بالقرآن محرمة عليهم ويدل على ذلك ما‬
‫يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬ما جاء في الحديث عن عبادة بن الصامت ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪:‬‬
‫ي رجل منهم قوسا ً‬ ‫) علمت ناسا ً من أهل الصفة القرآن والكتاب فأهدى إل ّ‬
‫فقلت ‪ :‬ليست بمال وأرمي بها في سبيل الله ‪ ،‬لتين رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫ي قوسا ً‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬فلسألنه فأتيته ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله رجل أهدى إل ّ‬
‫ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله‬
‫تعالى قال ‪ :‬إن كنت تحب أن تطوق طوقا ً من نار فاقبلها ( رواه أبو داود‬
‫وابن ماجة والبيهقي وصححه الشيخ اللباني )‪.(1‬‬
‫وجاء في رواية أخرى عند أبي داود أن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪) :‬‬
‫جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها ( )‪.(2‬‬
‫‪ .2‬وعن عمران بن حصين أنه مّر على قارئ يقرأ ثم سأل ‪ ،‬فاسترجع ثم قال‬
‫‪ :‬سمعت رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول ‪ :‬من قرأ القرآن‬
‫فليسأل الله به فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس ( رواه‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الترمذي وقال ‪ :‬حديث حسن ‪ ،‬وحسنه الشيخ اللباني )‪.(3‬‬


‫‪ .3‬وعن سهل بن سعد الساعدي ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬خرج علينا رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يوما ً ونحن نقترئ فقال ‪ :‬الحمد لله كتاب الله‬
‫واحد وفيكم الحمر وفيكم البيض وفيكم السود اقرؤه قبل أن يقرأه أقوام‬
‫وم السهم يتعجل أجره ول يتأجله ( رواه أبو داود ولحمد نحوه‬ ‫يقيمونه كما يق ّ‬
‫‪ ،‬وقال الشيخ اللباني ‪ :‬حسن صحيح )‪.(4‬‬
‫وقوله يقيمونه كما يقوم السهم أي يبالغون في القراءة كمال المبالغة لجل‬
‫الرياء والسمعة والمباهاة والشهرة )‪.(5‬‬
‫وهذه الحاديث تدل على أنه ل يجوز أخذ الجرة على مجرد قراءة القرآن‬
‫وقد نص أهل العلم على ذلك ‪ ،‬قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬وأما الستئجار‬
‫لنفس القراءة والهداء فل يصح ذلك ‪ ...‬فل يجوز إيقاعها إل على وجه‬
‫التقرب إلى الله تعالى وإذا فعلت بعروض لم يكن فيها أجر بالتفاق لن الله‬
‫تعالى إنما يقبل من العمل ما أريد به وجهه ل ما فعل لجل عروض الدنيا ‪...‬‬
‫وأما إذا كان ل يقرأ إل لجل العروض فل ثواب لهم على ذلك وإذا لم يكن في‬
‫ذلك ثواب فل يصل إلى الميت ‪.(6) [ ...‬‬
‫ونقل ابن عابدين عن الفتاوى التاترخانية أن دفع الجرة للقارئ باطل )‪.(7‬‬
‫وذكر ابن عابدين أيضا ً عن بعض الحنفية قوله ‪ ]:‬يمنع القارئ للدنيا والخذ‬
‫والمعطي آثمان [ )‪.(8‬‬
‫ونقل أيضا ً عن بعض الحنفية ‪ ]:‬وبالجملة الممنوع بيع الثواب ونية القراءة‬
‫لجل المال غير صحيحة بل هو رياء لقصده أخذ العوض في الدنيا ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬والحاصل أن ما شاع في زماننا من قراءة الجزاء بالجرة ل يجوز‬
‫لن فيه المر بالقراءة وإعطاء الثواب للمر والقراءة لجل المال فإذا لم يكن‬
‫للقارئ ثواب لعدم النية الصحيحة فأنى يصل الثواب إلى المستأجر ولول‬
‫الجرة ما قرأ أحد ٌ لحد ٍ في هذا الزمان بل جعلوا القرآن العظيم مكسبا ً‬
‫ة إلى جمع الدنيا إنا لله وإنا إليه راجعون … [ )‪.(9‬‬ ‫ووسيل ً‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬إحياء ذكرى الربعين ‪:‬‬
‫من البدع المنتشرة في بلدنا وغيرها إحياء ذكرى الربعين أي أربعون يوما ً‬
‫على موت فلن ففي يوم الربعين يجددون الحزان ويعلنون عن ذلك اليوم‬
‫للمل وأحيانا ً يتم العلن بالصحف ويدعون الناس للحضور ويعملون ختمة‬
‫للميت ثم يتناولون ما لذ وطاب من الطعام ‪ ،‬وهذه المور من البدع‬
‫المنكرة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 9/203‬سنن ابن ماجة‬
‫‪ ، 2/730‬سنن البيهقي ‪ ، 6/125‬صحيح سنن أبي داود ‪. 2/655‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪. 9/205‬‬
‫)‪ (3‬سنن الترمذي مع شرحه التحفة ‪ ، 8/189‬صحيح سنن الترمذي ‪. 3/10‬‬
‫)‪ (4‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 3/42‬الفتح الرباني ‪، 15/126‬‬
‫صحيح سنن أبي داود ‪. 1/157‬‬
‫)‪ (5‬عون المعبود ‪. 3/42‬‬
‫)‪ (6‬مجموع الفتاوى ‪. 316-24/315‬‬
‫)‪ (7‬رسالة شفاء العليل ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين ‪. 1/168‬‬
‫)‪ (8‬المصدر السابق ‪. 1/175‬‬
‫)‪ (9‬المصدر السابق ‪. 1/180‬‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(51 /‬‬

‫] والصل الصيل لهذه المآتم أنها من مخترعات قدماء المصريين بل هو من‬


‫أهم معتقداتهم فقد كانوا إذا مات فيهم أحد ٌ دفنوه ثم يعودون إليه بعد أربعين‬
‫يوما ً لينظروا حال جسده فإن كانت الرض قد أثرت في جسده فأبلته ظنوا‬
‫أن روحه قد حلت في شيء حقير وذلك لسوء عمله وإذا لم تؤثر الرض في‬
‫جسده ظنوا أن روحه قد حلت في شيء عظيم فيصنعون عنده الطعام‬
‫والشراب اعتقادا ً منهم بعودته إلى الحياة مرة أخرى ومما ل شك فيه أن هذا‬
‫المعتقد باطل من جهة الشرع والعقل [ )‪.(1‬‬
‫وينبغي أن يعلم أنه ليس من منهج السلم تجديد الحزان مرة بعد مرة بل‬
‫إن بعض العلماء قد كرهوا التعزية بعد ثلث ‪ ،‬قال المام النووي ‪ ] :‬قال‬
‫أصحابنا وتكره التعزية بعد الثلثة لن المقصود منها تسكين قلب المصاب‬
‫والغالب سكونه بعد الثلثة فل يجدد له الحزن [ )‪.(2‬‬
‫كما أن أهل الميت يتكلفون إعداد الطعام والشراب لهؤلء الناس المجتمعين‬
‫في الربعين وهذا قد يكلفهم كثيرا ً من المال وقد يؤدي ذلك إلى ضياع أموال‬
‫اليتام مما هو مخالف للشرع ‪.‬‬
‫وقد نص كثير من العلماء على بدعية هذه الربعين وذكرى مرور سنة أو أكثر‬
‫على وفاة الميت ‪ ،‬وقد بين الشيخ حسنين محمد مخلوف مفتي الديار‬
‫المصرية سابقا ً بدعية ذلك فقال ‪ ]:‬إن إقامة مأتم ليلة الربعين بدعة سيئة‬
‫مذمومة شرعا ً وإن عامة الناس يحرصون على إقامة مأتم ليلة الربعين‬
‫فيعلنون عنه في الصحف ويستأجرون القراء ويفد المعزون ول سند لشيء‬
‫من ذلك في الشريعة الغراء فلم يكن من هدي النبوة ول من عمل الصحابة‬
‫رضي الله عنهم ول من المأثور عن التابعين إقامة هذا المأتم بل لم يكن‬
‫معروفا ً عند جمهور المسلمين وإنما هو أمر استحدث أخيرا ً ابتداعا ً ل اتباعا ً‬
‫وفيه من البتداع ما ُنهي عنه شرعا ً وفيه إضاعة الموال في غير سبيلها‬
‫المشروع وفيه مع ذلك تجديد الحزن وتكرير العزاء وهو مكروه شرعا ً [)‪.(3‬‬
‫وقال العلمة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي الديار السعودية جوابا ً على‬
‫سؤال حول أصل الذكرى الربعينية ما نصه ‪ ]:‬الصل فيها أنها عادة فرعونية‬
‫كانت لدى الفراعنة قبل السلم ثم انتشرت عنهم وسرت في غيرهم وهي‬
‫بدعة منكرة ل أصل لها في السلم يردها ما ثبت من قول النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ): -‬من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ّ ([ )‪.(4‬‬
‫المسألة الخامسة ‪ :‬بدعة التأبين ‪:‬‬
‫من البدع المنتشرة في بلدنا إقامة حفلت التأبين للميت وخاصة إذا كان‬
‫الميت ذا مكانة رفيعة في المجتمع فيعين يوم للحتفال بتأبينه وتوزع رقاع‬
‫الدعوة فإذا حانت ساعة الحتفال استهله قارئ بتلوة آيات من الذكر الحكيم‬
‫وفي أحيان أخرى استهلوه بالوقوف دقيقة لذكرى الميت أو قراءة الفاتحة‬
‫على روحه ‪ ،‬ثم تلقى الكلمات والخطب ‪.‬‬
‫وهذا الحتفال بدعة تدور بين الكراهة والحرمة والغالب عليها التحريم لما يقع‬
‫فيها من المخالفات الشرعية والكذب في وصف حال الميت ومدح الفسقة‬
‫تاركي الصلة ووصفهم بأوصاف عظيمة ويزداد المر سوءا ً عندما يكون‬
‫المؤبن المادح من المنتسبين للعلم الشرعي المتزيين بزي المشايخ‬
‫فيذكرون في الميت من الوصاف جلها من الكذب الصراح وفيها تزوير‬
‫للحقائق كقولهم إن المة قد خسرت بموته خسارة ل تعوض وأن العلم قد‬
‫تيتم وأنه قد قضى حياته في أعمال البر والتقوى ويعددون من المحاسن ما‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هو كذب وافتراء محض فالناس يعلمون أن الميت كان على العكس من ذلك‬
‫فقد كان معلوما ً من أمره ترك الصلوات وما دخل المسجد وإل وهو في‬
‫النعش )‪.(5‬‬
‫وذكر الشيخ علي محفوظ أنه لما توفي الخليفة ببغداد أيام الملك الصالح‬
‫عمل الملك له عزاًء جمع فيه الكابر والعيان والقراء والشعراء فأنشد بعض‬
‫الشعراء في مرثيته‪:‬‬
‫مات من كان بعض أجناده الموت ومن كان يختشيه القضاء‬
‫فأنكر عليه الشيخ عز الدين بن عبد السلم رحمه الله تعالى وأمر بتأديبه‬
‫وحبسه وأقام بعد التعزير في الحبس زمانا ً طويل ً ثم استتابه بعد شفاعة‬
‫المراء والرؤساء فيه وأمره أن ينظم قصيدة يثني فيها على الله تعالى كفارة‬
‫لما تضمنه شعره من التعرض للقضاء بقوله ‪ :‬من كان بعض أجناده الموت ‪،‬‬
‫تعظيما ً لشأن هذا الميت ‪ ،‬وأن مثله ما كان ينبغي أن يخلو منه منصب‬
‫الخلفة ومتى تأتي اليام بمثل هذا ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬يختشيه القضاء ‪ ،‬يشير إلى أن الله تعالى كان يخاف منه وهذا كفٌر‬
‫ب منه ‪ ،‬رحم الله الشيخ فهكذا تكون الرجال وهكذا تكون العلماء‬ ‫أو قري ٌ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫ن أل ْ‬ ‫م الَغاُوو َ‬
‫وحسبك أن الله تعالى وصف الشعراء بقوله ‪َ ):‬والشعََراُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬
‫ن ( هي أودية الهجاء المحرم ونحوه مما ل يحل‬ ‫م ِفي ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫مو َ‬
‫ل َواد ٍ ي َِهي ُ‬ ‫ت ََر أن ّهُ ْ‬
‫قوله [ )‪.(6‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الربعين والخمسين والذكرى السنوية ص ‪. 12‬‬
‫)‪ (2‬المجموع ‪. 5/306‬‬
‫)‪ (3‬فتاوى شرعية ‪ 263-2/262‬باختصار ‪.‬‬
‫)‪ (4‬فتاوى إسلمية ‪ ، 1/312‬وانظر البداع ص ‪. 230‬‬
‫)‪ (5‬انظر البداع ص ‪. 243-242‬‬
‫)‪ (6‬البداع ص ‪. 243‬‬

‫)‪(52 /‬‬

‫والتأبين بدعة سواء كان قبل الدفن حيث يقف المشيعون على المقبرة‬
‫فيقوم المؤبنون بإلقاء الكلمات أو كان التأبين بعد الدفن مباشرة أو في‬
‫ذكرى الربعين أو غير ذلك ‪.‬‬
‫كما أن افتتاح الحتفال بالوقوف دقيقة حدادا ً على الميت أمر غير جائز شرعا ً‬
‫وقد أجاب العلمة الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي الديار السعودية عن سؤال‬
‫ة للموات فأجاب ‪ ] :‬ما يفعله بعض‬ ‫يتعلق بالوقوف حدادا ً مع الصمت تحي ً‬
‫الناس من الوقوف زمنا ً مع الصمت تحية للشهداء أو الوجهاء أو تشريفا ً‬
‫وتكريما ً لرواحهم من المنكرات والبدع المحدثة التي لم تكن في عهد النبي ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول في عهد أصحابه ول السلف الصالح ول تتفق مع‬
‫آداب التوحيد ول إخلص التعظيم لله بل اتبع فيها بعض جهلة المسلمين‬
‫بدينهم من ابتدعها الكفار وقلدوهم في عاداتهم القبيحة وغلوهم في رؤسائهم‬
‫ووجهائهم أحياًء وأمواتا ً وقد نهى النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن‬
‫مشابهتهم ‪.‬‬
‫والذي عرف في السلم من حقوق أهله الدعاء لموات المسلمين والصدقة‬
‫عنهم وذكر محاسنهم والكف عن مساويهم إلى كثير من الداب التي بينها‬
‫السلم وحث المسلم على مراعاتها مع إخوانه أحياًء وأمواتا ً وليس منها‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوقوف حدادا ً مع الصمت تحية للشهداء أو الوجهاء بل هذا مما تأباه أصول‬
‫السلم [ )‪.(1‬‬
‫المسألة السادسة ‪ :‬وضع جريد النخيل والزهور والورود على القبور ‪:‬‬
‫اعتاد كثير من الناس أن يضعوا جريد النخيل على القبور وخاصة في يومي‬
‫العيد عند زيارتهم للقبور وبعضهم يضع أكاليل الزهور والورود على القبور في‬
‫يومي العيد وفي غيرهما كما اعتاد كثير من الناس أن يحملوا أكاليل الورود‬
‫في الجنازة ثم بعد الدفن توضع على القبر ‪.‬‬
‫وبعضهم وخاصة من الحكام وأتباعهم يذهبون إلى ما يسمى نصب الجندي‬
‫المجهول أو نصب زعيم أو كبير فيضعون عليه أكاليل الزهور ‪ ،‬وهذه كلها من‬
‫البدع والمحدثات وبيان ذلك بما يلي ‪:‬‬
‫إن حمل أكاليل الورود في الجنازات ووضعها على القبر بعد الدفن ما هو إل‬
‫تقليد أعمى لغير المسلمين وكذلك وضع الكاليل على ما يسمى نصب‬
‫الجندي المجهول أو نصب الشهداء أو قبور الزعماء هو تقليد لغير المسلمين‬
‫وقد نهينا عن تقليدهم ‪.‬‬
‫وقد يستدل بعضهم على جواز وضع الجريد على القبور بما جاء في الحديث‬
‫عن ابن عباس عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬أنه مر بقبرين يعذبان‬
‫فقال ‪ :‬إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان ل يستتر من‬
‫البول وأما الخر فكان يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ثم‬
‫غرز في كل قبر واحدة فقالوا ‪ :‬يا رسول الله لم صنعت هذا ؟ فقال ‪ :‬لعله‬
‫يخفف عنهما ما لم ييبسا ( رواه البخاري ومسلم )‪.(2‬‬
‫والستدلل بهذا الحديث على أن وضع الجريد على القبور مشروع غير مسلم‬
‫‪ ،‬قال المام الخطابي ‪ ]:‬وأما غرسه ‪ - -‬صلى الله عليه وسلم ‪ - -‬شق‬
‫العسيب على القبر وقوله ) ولعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ( فإنه من ناحية‬
‫التبرك بأثر النبي ودعائه بالتخفيف عنهما وكأنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدا ً لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب‬
‫ى ليس في اليابس‬ ‫عنها وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معن ً‬
‫والعامة في كثير من البلدان تفرش الخوص في قبور موتاهم وأراهم ذهبوا‬
‫إلى هذا وليس لما تعاطوه من ذلك وجه والله أعلم [ )‪.(3‬‬
‫وما قاله الخطابي يدل على أن وضع الجريد على القبر خاص بالنبي‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬لن الله سبحانه وتعالى أعلمه أن الميتين يعذبان في‬
‫قبرهما ول أحد بعد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يعلم هل الموات‬
‫يعذبون في قبورهم أم ينعمون ؟ لنه ل وحي بعد محمد ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪. -‬‬
‫وقال ابن الحاج ‪ ]:‬فالجواب عن قوله عليه الصلة والسلم ‪ ):‬لعله يخفف‬
‫عنهما ما لم ييبسا ( راجع إلى بركة ما وقع من لمسه عليه الصلة والسلم‬
‫لتلك الجريدة وقد نص على ذلك المام الطرطوشي رحمه الله في كتاب "‬
‫ما ذكر هذا الحديث فقال عقبه ‪ :‬وذلك لبركة يده عليه‬ ‫سراج الملوك " له ‪ ،‬ل ّ‬
‫الصلة والسلم وما نقل عن واحد من الصحابة رضي الله عنهم فلم يصحبه‬
‫عمل باقيهم رضي الله عنهم إذ لو فهموا ذلك لبادروا بأجمعهم إليه ولكان‬
‫يقتضي أن يكون الدفن في البساتين مستحبا ً [ )‪.(4‬‬
‫وذكر صاحب عون المعبود أن مما يؤيد ما ذهب إليه الخطابي ‪ ]:‬ما ذكره‬
‫مسلم في آخر الكتاب في الحديث الطويل حديث جابر في صاحبي القبر‬
‫فأحببت بشفاعتي أن يرفع ذلك عنهما ما دام العودان رطبين [ )‪.(5‬‬
‫__________‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (1‬فتاوى إسلمية ‪. 1/311‬‬


‫)‪ (2‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 3/468‬صحيح مسلم مع شرح النووي ‪1/532‬‬
‫‪.‬‬
‫)‪ (3‬معالم السنن ‪. 1/18‬‬
‫)‪ (4‬المدخل ‪. 295-3/294‬‬
‫)‪ (5‬عون المعبود ‪. 1/25‬‬

‫)‪(53 /‬‬

‫وقال الشيخ أحمد محمد شاكر معقبا ً على كلم الخطابي المذكور سابقا ً ‪:‬‬
‫] وصدق الخطابي وقد ازداد العامة إصرارا ً على هذا العمل الذي ل أصل له‬
‫وغلوا فيه خصوصا ً في بلد مصر تقليدا ً للنصارى حتى صاروا يضعون الزهور‬
‫ة‬
‫على القبور ويتهادونها بينهم فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحي ً‬
‫ة للحياء وحتى صارت عادة شبيهة بالرسمية في المجاملت‬ ‫لهم ومجامل ً‬
‫الدولية فتجد الكبراء من المسلمين إذا نزلوا بلدةً من بلد أوروبا ذهبوا إلى‬
‫قبور عظمائها أو إلى قبر من يسمونه الجندي المجهول وضعوا عليها الزهور‬
‫وبعضهم يضع الزهور الصناعية التي ل نداوة فيها تقليدا ً للفرنج واتباعا ً لسنن‬
‫من قبلهم ول ينكر ذلك عليهم العلماء أشباه العامة بل تراهم أنفسهم‬
‫يصنعون ذلك في قبور موتاهم ولقد علمت أن أكثر الوقاف التي تسمى‬
‫ف ريعها على الخوص والريحان الذي يوضع في القبور‬ ‫ة موقو ٌ‬‫أوقافا ً خيري ً‬
‫وكل هذه بدع ومنكرات ل أصل لها في الدين ول مستند لها من الكتاب‬
‫والسنة ويجب على أهل العلم أن ينكروها وأن يبطلوا هذه العادات ما‬
‫استطاعوا [ )‪.(1‬‬
‫وقال الشيخ أحمد محمد شاكر أيضا ً ‪ ]:‬والصحيح أن وضع الجريدة كان خاصا ً‬
‫بالنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وخاصا ً بهذين القبرين بدليل أنه ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬لم يفعلها إل هذه المرة ولم يفعلها أصحابه ل في حياته ول بعده‬
‫وهم أفهم للدين وأحرص على الخير [ )‪.(2‬‬
‫وقال الشيخ محمود خطاب السبكي ‪ ]:‬ولم يثبت أنه عليه الصلة والسلم‬
‫فعل هذا الوضع على قبر أحد غير هذين فدل ذلك على أنها واقعة حال‬
‫وشفاعة خاصة وليست سنة عامة ويدل على ذلك أنه لم يثبت عن أحد من‬
‫الصحابة غير بريدة ول سيما الخلفاء الراشدين أنه وضع جريدا ً ول غيره على‬
‫القبور ولو كان ذلك سنة ما تركه أولئك الئمة وقد قال‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪: -‬‬
‫) فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ(‬
‫الحديث رواه المصنف ‪ -‬أي أبو داود ‪ -‬وابن ماجة وابن حبان في صحيحه‬
‫والترمذي وقال حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫وحجة بريدة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬ليست حجة على غيره كما هو معلوم فما‬
‫قاله الخطابي ومن ذكر معه هو الولى ول سيما أن غالب الناس اعتقد في‬
‫وضع الجريدة ونحوه اعتقادا ً تأباه الشريعة المطهرة كما هو معروف من‬
‫حالهم ونطقهم [ )‪ .(3‬وأثر بريدة الذي أشار إليه السبكي هو ما ذكره‬
‫البخاري تعليقا ً ‪ ] :‬وأوصى بريدة السلمي أن يجعل في قبره جريدتان [ )‪.(4‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ ]:‬وقد وصله ابن سعد من طريق مورق العجلي ‪...‬‬
‫وكأن بريدة حمل الحديث على عمومه ولم يره خاصا ً بذينك الرجلين قال ابن‬
‫رشيد ‪ ]:‬ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما فلذلك عقبه بقول‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ابن عمر إنما يظله عمله [ )‪.(5‬‬


‫وذكر المام العيني أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يرى أن وضع الجريد‬
‫على القبرين خاص بهما )‪.(6‬‬
‫وقال الشيخ محمد رشيد رضا عن حديث الجريدتين ] فإنه واقعة حال في‬
‫أمرٍ غيبي غير معقول المعنى والظاهر أنه من خصائص النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.(7) [ -‬‬
‫وقال الشيخ اللباني ‪ ]:‬لو كانت النداوة مقصودة بالذات لفهم ذلك السلف‬
‫الصالح ولعملوا بمقتضاه ولوضعوا الجريد والس ونحو ذلك على القبور عند‬
‫زيارتها ولو فعلوا لشتهر ذلك عنهم ثم نقله الثقات إلينا لنه من المور التي‬
‫تلفت النظر وتستدعي الدواعي نقله فإذ لم ينقل دل على أنه لم يقع وأن‬
‫التقرب به إلى الله بدعة ‪.(8) [ ...‬‬
‫وأجابت اللجنة الدائمة للبحوث والفتاء على السؤال المتعلق بوضع الجريد‬
‫على القبور ونصه ‪ ]:‬قال ابن عباس ‪ :‬مّر النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫بقبرين فقال ‪ ):‬إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان ل يستتر‬
‫من البول وأما الخر فكان يمشي بالنميمة ‪ .‬ثم أخذ جريدة رطبة فشقها‬
‫نصفين فغرز في كل قبر واحدة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ :‬لم فعلت ؟ قال ‪:‬‬
‫لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ( رواه البخاري ‪.‬‬
‫فهل يصح لنا القتداء بالنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في ذلك ؟ وهل يجوز‬
‫وضع ما شابه الجريدة من الشياء الرطبة الخضراء قياسا ً على الجريدة أو‬
‫يجوز غرس شجرة على القبر لتكون دائمة الخضرة لهذا الغرض ؟‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬تعليق الشيخ أحمد شاكر على سنن الترمذي ‪. 1/103‬‬
‫)‪ (2‬تعليق الشيخ أحمد شاكر على إحكام الحكام ‪. 1/107‬‬
‫)‪ (3‬المنهل العذب المورود ‪. 84-1/83‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 3/465‬‬
‫)‪ (5‬فتح الباري ‪. 3/466‬‬
‫)‪ (6‬عمدة القاري ‪. 6/252‬‬
‫)‪ (7‬تفسير المنار ‪. 8/264‬‬
‫)‪ (8‬أحكام الجنائز ص ‪. 201‬‬

‫)‪(54 /‬‬

‫الجواب ‪ :‬إن وضع النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬الجريدة على القبرين‬
‫ورجاءه تخفيف العذاب عمن وضعت على قبرهما واقعة عين ل عموم لها في‬
‫شخصين أطلعه الله على تعذيبهما وأن ذلك خاص برسول الله‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وأنه لم يكن منه سنة مطردة في قبور المسلمين وإنما كان‬
‫مرتين أو ثلثا ً على تقدير تعدد الواقعة ل أكثر ولم يعرف فعل ذلك عن أحد‬
‫من الصحابة وهم أحرص المسلمين على القتداء به‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وأحرصهم على نفع المسلمين إل ما روي عن بريدة السلمي ‪ :‬أنه أوصى أن‬
‫يجعل في قبره جريدتان ول نعلم أن أحدا ً من الصحابة رضي الله عنهم وافق‬
‫بريدة على ذلك ‪ ،‬وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه‬
‫وسلم [ )‪.(1‬‬
‫ويجب أن يعلم أنه ليس من منهج السلم في إكرام الشهداء الذين‬
‫يستشهدون في سبيل الله إقامة ما يسمى بنصب الشهداء أو نصب الجندي‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المجهول أو نحو ذلك من المسميات فهذه أمور مبتدعة ووافدة إلى ديار‬
‫السلم ‪.‬‬
‫المسألة السابعة ‪ :‬زيارة القبور يومي العيدي ‪:‬‬
‫جرت عادة كثير من الناس زيارة القبور يومي العيد ويكون ذلك بعد انتهاء‬
‫صلة العيد فيخرجون من المساجد ‪ -‬حيث إنهم يصلون العيد في المساجد‬
‫والسنة أن تصلى في مصلى العيد وهو غير المسجد ‪ -‬فيذهبون إلى المقابر‬
‫لزيارتها رجال ً ونساًء ويحملون معهم الحلويات والقهوة والشاي والزهور‬
‫والورود ويضعون جريد النخل على القبور ويختلط الرجال بالنساء وتنتهك‬
‫الحرمات ويهان الموات بالجلوس على القبور وكل ذلك على خلف السنة‬
‫النبوية وبيان ذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫إن الصل في زيارة القبور أنها سنة مشروعة ثابتة عن النبي‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فقد ثبت في الحديث عن بريدة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ):‬نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ( رواه مسلم )‪.(2‬‬
‫وفي رواية لبي داود ‪ ):‬نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها‬
‫تذكرة ( قال الشيخ اللباني ‪ :‬صحيح )‪.(3‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ): -‬زوروا القبور فإنها تذكر الموت ( رواه مسلم )‪ ،(4‬وغير ذلك من‬
‫الحاديث ‪.‬‬
‫فزيارة القبور سنة ثابتة ولكن الشارع الحكيم لم يخصص زمانا ً معينا ً لزيارتها‬
‫فتخصيص يومي العيد لزيارتها بدعة مكروهة لنه تخصيص للعبادة بوقت‬
‫معين بدون دليل شرعي ‪ .‬وقد تكون حراما ً إذا رافقتها المور المنكرة التي‬
‫تقع في أيامنا هذه من خروج النساء متبرجات واختلطهن بالرجال ويضاف‬
‫إلى ذلك انتهاك حرمات الموات من الجلوس على القبور ووطئها بالقدام ‪.‬‬
‫قال ابن الحاج ‪ ]:‬ومن عادته الذميمة ‪ -‬أي إبليس ‪ -‬أنه ل يأمر بترك سنة‬
‫وض لهم عن سرعة الوبة‬ ‫حتى يعوض لهم عنها شيئا ً يخيل إليهم أنه قربة ع ّ‬
‫زيارة القبور قبل أن يرجعوا إلى أهليهم يوم العيد وزين لهم ذلك وأراهم أن‬
‫زيارة القبور من الموتى في ذلك اليوم من باب البر وزيادة الود لهم وأنه من‬
‫قوة التفجع عليهم إذ فقدهم في مثل هذا العيد ‪.‬‬
‫وفي زيارة القبور في غير هذا اليوم من البدع المحرمات ما تقدم ذكره في‬
‫زيارة القبور فكيف به في هذا اليوم الذي فيه النساء يلبسن ويتحلين ابتداء‬
‫ويتجملن فيه بغاية الزينة مع عدم الخروج فكيف بهن في الخروج في هذا‬
‫اليوم فتراهن يوم العيد على القبور متكشفات قد خلعن جلباب الحياء عنهن‬
‫فبدل لهم موضع السنة محرما ً ومكروها ً ‪.(5) [ ...‬‬
‫قلت رحم الله ابن الحاج إذا كان هذا ما وصفه في زمانه من أحوال النساء‬
‫فكيف لو رأى ما يحصل في زماننا من تهتك وعري وانحلل وفساد فإنا لله‬
‫وإنا إليه راجعون‪ .‬ويضاف إلى ذلك أن النساء ممنوعات من زيارة القبور‬
‫على الراجح من أقوال أهل العلم فقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة ‪-‬‬
‫رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬لعن الله‬
‫زائرات القبور ( رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد وابن حبان وقال محققه‬
‫إسناده حسن ‪ ،‬وقال الشيخ اللباني ‪ :‬صحيح )‪.(6‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ‪ ):‬لعن رسول الله‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ( رواه أبو داود‬
‫والترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان وقال محققه إسناده صحيح ‪ ،‬وقال‬
‫الشيخ أحمد شاكر ‪ :‬حسن )‪.(7‬‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫__________‬
‫)‪ (1‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ‪. 327-3/326‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم مع رشح النووي ‪. 3/40‬‬
‫)‪ (3‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 9/41‬صحيح سنن أبي داود‬
‫‪. 2/623‬‬
‫)‪ (4‬صحيح مسلم مع شرح النووي ‪. 3/40‬‬
‫)‪ (5‬المدخل ‪. 1/280‬‬
‫)‪ (6‬سنن الترمذي مع شرحه التحفة ‪ ، 4/136‬سنن ابن ماجة ‪ ، 1/502‬الفتح‬
‫الرباني ‪ ، 8/161‬صحيح ابن حبان ‪ ، 7/452‬إرواء الغليل ‪. 3/232‬‬
‫)‪ (7‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 9/41‬سنن الترمذي ‪، 2/136‬‬
‫سنن النسائي ‪ ، 4/95‬صحيح ابن حبان ‪. 7/454‬‬

‫)‪(55 /‬‬

‫وعن علي‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬خرج رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫‪ ،‬فإذا نسوة جلوس فقال ‪ :‬ما يجلسكن ؟ قلن ‪ :‬ننتظر الجنازة ‪ ،‬قال ‪ :‬هل‬
‫تغسلن ؟ قلن ‪ :‬ل ‪ ،‬قال هل تدلين فيمن يدلي ؟ قلن ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬فارجعن‬
‫مأزورات غير مأجورات ( رواه البيهقي وابن ماجة وفي سنده اختلف )‪.(1‬‬
‫وغير ذلك من الحاديث التي دلت على تحريم زيارة النساء للقبور ‪ ،‬فهذه‬
‫أحاديث صريحة في معناها ‪ ،‬فإن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لعن‬
‫النساء على زيارة القبور ‪ ،‬واللعن على الفعل من أول الدلئل على تحريمه ‪،‬‬
‫ول سيما وقد قرنه في اللعن بالمتخذين عليها المساجد والسرج ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪ ]:‬فإن قيل فالنهي عن ذلك منسوخ‪،‬‬
‫كما قال أهل القول الخر ‪ ،‬قيل هذا ليس بجيد ‪ ،‬لن قوله ) كنت نهيتكم عن‬
‫زيارة القبور فزوروها ( هذا خطاب للرجال دون النساء فإن اللفظ لفظ‬
‫مذكر وهو مختص بالذكور ‪ ،‬أو متناول لغيرهم بطريق التبع فإن كان مختصا ً‬
‫بهم فل ذكر للنساء وإن كان متناول ً لغيرهم كان هذا اللفظ عاما ً وقوله‪:‬‬
‫) لعن الله زّوارات القبور ( خاص بالنساء دون الرجال ‪ ،‬أل تراه يقول ) لعن‬
‫الله زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج (‪ ،‬فالذين يتخذون‬
‫عليها المساجد والسرج لعنهم الله ‪ ،‬سواء أكانوا ذكورا ً أو إناثا ً وأما الذين‬
‫يزورون فإنما لعن النساء الزوارات دون الرجال ‪ ،‬وإذا كان هذا خاصا ً ولم‬
‫يعلم أنه متقدم على الرخصة كان متقدما ً على العام عند عامة أهل العلم‬
‫كذلك لو علم أنه كان بعدها [ )‪.(2‬‬
‫قال الشيخ أحمد محمد شاكر ‪ ]:‬وقد تأول بعضهم هذا الحديث في لعن‬
‫زائرات القبور ‪ ،‬فقال الترمذي فيما سيأتي في الجنائز ‪ ":‬وقد رأى بعض أهل‬
‫العلم أن هذا قبل أن يرخص النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في زيارة القبور‬
‫‪ ،‬فلماء رخص دخل في رخصته الرجال والنساء ‪ .‬وقال بعضهم إنما كره‬
‫زيارة القبور للنساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن " ويشير الترمذي بذلك إلى‬
‫حديث ‪ ):‬كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها( رواه مسلم وأبو داود‬
‫والنسائي ‪ .‬قال في عون المعبود )ج ‪3‬ص ‪ " (212‬المر للرخصة أو‬
‫للستحباب وظاهره الذن في زيارة القبور للرجال‪ .‬قال الحافظ في الفتح ‪:‬‬
‫واختلف في النساء ‪ ،‬فقيل ‪ :‬دخلن في عموم الذن وهو قول الكثر ومحله ما‬
‫إذا أمنت الفتنة ‪ ،‬وممن حمل الذن على عمومه للرجال والنساء عائشة ‪،‬‬
‫وقيل ‪ :‬الذن خاص بالرجال ول يجوز للنساء زيارة القبور ‪ ،‬انتهى "‪ .‬قال‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العيني ‪ ":‬وحاصل الكلم أن زيارة القبور مكروهة للنساء بل حرام في هذا‬


‫الزمان ‪ ،‬ول سيما نساء مصر ‪ ،‬لن خروجهن على وجه الفساد والفتنة ‪ ،‬وإن‬
‫ما رخصت الزيارة لتذكر أمر الخرة وللعتبار بمن مضى وللتزهد في الدنيا‬
‫انتهى "‪.‬‬
‫هذا قول العيني في منتصف القرن التاسع فماذا يقول لو رأى ما رأينا في‬
‫منتصف القرن الرابع عشر وإنا لله وإنا إليه لراجعون ‪ .‬والقول الصحيح الذي‬
‫نرضاه تحريم زيارة القبور على النساء مطلقا ً فإن النهي ورد خاصا ً بهن‬
‫والباحة لفظها عام والعام ل ينسخ الخاص ‪ ،‬بل الخاص حاكم عليه ومقيد‬
‫له [ )‪.(3‬‬
‫ة ‪ :‬قراءة القرآن على القبور ‪:‬‬
‫المسألة الثامن ُ‬
‫يقصد كثير من الناس القبور لزيارتها في يومي العيد كما سبق ويجلسون‬
‫حول القبر ومعهم المصاحف فيقرؤون ما تيسر من القرآن الكريم وخاصة‬
‫سورة " يس " ‪.‬‬
‫وقراءة القرآن على القبور من البدع المنتشرة وليست عبادة مشروعة على‬
‫الصحيح من أقوال أهل العلم حيث إنها لم تثبت عن الرسول‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ول عن الصحابة رضي الله عنهم ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬سنن البيهقي ‪ ، 4/77‬سنن ابن ماجة ‪ 1/503‬وانظر ما قاله في الزوائد‬
‫عن الحديث ‪.‬‬
‫)‪ (2‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪ ، 360-24/361‬وانظر يسألونك ‪-46 /3‬‬
‫‪. 47‬‬
‫)‪ (3‬تعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على سنن الترمذي ‪. 138-2/137‬‬

‫)‪(56 /‬‬

‫قال الشيخ علي محفوظ ‪ ]:‬ومن هذا الصل العظيم تعلم أن أكثر أفعال‬
‫الناس اليوم من البدع المذمومة كقراءة القرآن الكريم على القبور رحمة‬
‫بالميت ‪ :‬تركه النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وتركه الصحابة مع قيام‬
‫المقتضي للفعل وهو الشفقة بالميت وعدم المانع منه ‪ ،‬فعلى هذا الصل‬
‫المذكور يكون تركه هو السنة وفعله بدعة مذمومة ‪ -‬وكيف يعقل أن يترك‬
‫الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬شيئا ً نافعا ً يعود على أمته بالرحمة وهو‬
‫بالمؤمنين رؤوف رحيم ‪ ،‬فهل يعقل أن يكون هذا بابا ً من أبواب الرحمة‬
‫ويتركه الرسول طول حياته ول يقرأ على ميت مرة واحدة مع العلم بأن‬
‫القرآن الحكيم ما نزل للموات وإنما نزل للحياء نزل ليكون ترغيبا ً للمطيع‬
‫وترهيبا ً للعاصي ‪ ،‬نزل لتهذيب نفوسنا وإصلح شؤوننا أنزل الله عز وجل‬
‫القرآن كغيره من الكتب السماوية ليعمل على طريقه العاملون ويهتدي‬
‫َ‬
‫م‬‫ي أقْوَ ُ‬ ‫دي ل ِل ِّتي هِ َ‬ ‫ن ي َهْ ِ‬ ‫قْرَءا َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ن هَ َ‬ ‫بهديه المهتدون ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ ):‬إ ِ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ِ‬ ‫َ‬
‫جًرا كثبيًرا وَأ ّ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫تأ ّ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ن ي َعْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬‫شُر ال ْ ُ‬ ‫وَي ُب َ ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما ( فهل سمعتم أن كتابا من الكتب‬ ‫ذاًبا أِلي ً‬ ‫خَرةِ أعْت َد َْنا لهُ ْ‬ ‫ن ِبال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬
‫السماوية قرئ على الموات أو أخذت عليه الجور والصدقات ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل ما أ َسأ َل ُك ُم عَل َيه م َ‬
‫و‬
‫ن هُ َ‬
‫ن إِ ْ‬‫في َ‬ ‫َ‬
‫مت َكل ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬
‫ما أَنا ِ‬ ‫جرٍ وَ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ْ ِ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫والله يقول لنبيه ‪ ):‬قُ ْ َ‬
‫َ‬
‫ن ( لهم أن يتصدقوا على موتاهم لكن ل‬ ‫حي ٍ‬ ‫ن ن َب َأه ُ ب َعْد َ ِ‬‫م ّ‬ ‫ن وَل َت َعْل َ ُ‬ ‫مي َ‬‫ِإل ذِك ٌْر ل ِل َْعال َ ِ‬
‫ثمنا ً للقرآن [)‪.(1‬‬
‫ومذهب جمهور العلماء على أن القراءة على القبور غير مشروعة وهو‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد في رواية عنه ‪ ،‬قال شيخ السلم‬
‫ابن تيمية ‪ ]:‬ول يحفظ عن الشافعي في هذه المسألة كلم لن ذلك كان‬
‫عنده بدعة وقال مالك ما علمت أحدا ً يفعل ذلك فعلم أن الصحابة والتابعين‬
‫ما كانوا يفعلونه [ )‪.(2‬‬
‫جاء في الشرح الكبير ‪ ]:‬وكره قراءة بعده أي بعد موته وعلى قبره لنه ليس‬
‫من عمل السلف [‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال الدسوقي معلقا عليه ‪ ]:‬قوله لنه ليس من عمل السلف أي فقد كان‬
‫عملهم التصدق والدعاء ل القراءة [ )‪. (3‬‬
‫ولم يصح شيء عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في قراءة القرآن على‬
‫القبر بخلف ما ذكره بعض العلماء في الستدلل على جواز القراءة عند‬
‫القبر فمما ذكروه ‪:‬‬
‫‪ .1‬ما ذكره ابن عابدين عند تعليقه على قول صاحب الدر ‪ :‬قوله " ويقرأ يس‬
‫"‬
‫لما ورد ‪ ):‬من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له‬
‫بعدد من فيها حسنات ( )‪.(4‬‬
‫فهذا الحديث موضوع مكذوب على رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫أخرجه الثعلبي في تفسيره من طريق محمد بن أحمد الرياحي ‪ ...‬الخ‬
‫السند ‪.‬‬
‫وبين الشيخ اللباني أن هذا السناد مظلم هالك مسلسل بالعلل ثم بين حال‬
‫رواته )‪.(5‬‬
‫ً‬
‫وتكلم على الحديث أيضا الحافظ السخاوي وقال إنه ل يصح )‪.(6‬‬
‫ل هُو الل ّ َ‬
‫حد ٌ ( إحدى‬ ‫هأ َ‬‫ُ‬ ‫‪ .2‬ما روي في الحديث ‪ ):‬من مّر بالمقابر فقرأ ‪ ):‬قُ ْ َ‬
‫عشرة مرة ثم وهب أجره للموات أعطي من الجر بعدد الموات ( ‪ ،‬فهذا‬
‫الحديث قال عنه الشيخ اللباني ‪ ]:‬موضوع أخرجه أبو محمد الخلل في "‬
‫فضائل الخلص " والديلمي في مسند الفردوس … وذكره السيوطي في‬
‫ذيل الحاديث الموضوعة [ )‪.(7‬‬
‫هّ‬ ‫وقال الشيخ اللباني أيضا ً ‪ ]:‬وأما حديث ) من مّر بالمقابر فقرأ ‪ ):‬ق ْ‬
‫ل هُوَ الل ُ‬ ‫ُ‬
‫حد ٌ ( إحدى عشرة مرة ثم وهب أجره للموات أعطي من الجر بعدد‬ ‫َ‬
‫أ َ‬
‫الموات ( فهو حديث باطل موضوع ‪ ،‬رواه أبو محمد الخلل في القراءة على‬
‫القبور والديلمي عن نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن علي‬
‫الرضا عن آبائه وهي نسخة موضوعة باطلة ل تنفك عن وضع عبد الله هذا أو‬
‫وضع أبيه كما قال الذهبي في الميزان وتبعه الحافظ ابن حجر في اللسان ثم‬
‫السيوطي في ذيل الحاديث الموضوعة وذكر له هذا الحديث وتبعه ابن عراق‬
‫في تنزيه الشريعة المرفوعة عن الحاديث الشنيعة الموضوعة [ )‪.(8‬‬
‫‪ .3‬ما روي في الحديث ) من زار قبر والديه كل جمعة فقرأ عندهما يس غفر‬
‫له بعدد كل آية وحرف (‪.‬‬
‫قال الشيخ اللباني ‪ ]:‬موضوع رواه ابن عدي وأبو نعيم ‪ ...‬وقال ابن عدي ‪:‬‬
‫باطل ليس له أصل بهذا السناد ‪ ...‬ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات‬
‫من رواية ابن عدي فأصاب [ )‪.(9‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البداع ص ‪. 44‬‬
‫)‪ (2‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪ ، 380‬وانظر النصاف ‪،558-2/557‬‬
‫الفروع ‪.2/302‬‬
‫)‪ (3‬حاشية الدسوقي ‪.1/423‬‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (4‬حاشية ابن عابدين ‪.243-2/242‬‬


‫)‪ (5‬سلسلة الحاديث الضعيفة ‪. 398-3/397‬‬
‫)‪ (6‬الجوبة المرضية ‪. 1/170‬‬
‫)‪ (7‬سلسلة الحاديث الضعيفة ‪ ، 453-3/452‬وانظر الجوبة المرضية‬
‫‪. 1/170‬‬
‫)‪ (8‬أحكام الجنائز ص ‪. 193‬‬
‫)‪ (9‬سلسلة الحاديث الضعيفة ‪ ، 67-1/66‬وانظر الجوبة المرضية ‪. 1/171‬‬

‫)‪(57 /‬‬

‫إذا ثبت هذا فإن المشروع عند زيارة القبور هو السلم على الموات وتذكر‬
‫الخرة والدعاء والستغفار وأما قراءة القرآن فل ويدل على ذلك ما ورد عن‬
‫النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في هديه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لزيارة‬
‫القبور ‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬فصل في هديه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في زيارة‬
‫القبور ‪ ،‬كان إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم والترحم عليهم‬
‫والستغفار لهم وهذه هي الزيارة التي سنها لمته وشرعها لهم وأمرهم أن‬
‫يقولوا إذا زاروها ‪ ) :‬السلم عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا‬
‫إن شاء الله بكم لحقون نسأل الله لنا ولكم العافية ( )‪.(1‬‬
‫وهذا الحديث الذي ذكره ابن القيم رواه مسلم عن بريدة ولفظه ‪ ):‬كان‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان‬
‫قائلهم يقول ‪ -‬في رواية أبي بكر ‪ : -‬السلم على أهل الديار (‪.‬‬
‫وفي رواية زهير ‪ ):‬السلم عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا‬
‫إن شاء الله للحقون أسأل الله لنا ولكم العافية ( )‪.(2‬‬
‫وصح في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ‪ ):‬كان رسول الله ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كلما كان ليلتها من رسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول ‪ :‬السلم عليكم دار قوم مؤمنين‬
‫وأتاكم ما توعدون غدا ً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لحقون اللهم اغفر‬
‫لهل بقيع الغرقد ( )‪ (3‬وغير ذلك من الحاديث ‪.‬‬
‫فإن قيل إنه قد ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أوصى إذا دفن أن ُيقرأ‬
‫عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها كما ذكره جماعة من أهل العلم في قصة‬
‫منقولة عن المام أحمد )‪.(4‬‬
‫قال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬وقال الخلل في الجامع ‪ ،‬كتاب القراءة عند القبور‬
‫أخبرنا العباس بن محمد الدوري حدثنا يحيى بن معين حدثنا مبشر الحلبي‬
‫حدثني عبد الرحمن بن العلء بن اللجلج عن أبيه قال ‪ :‬قال أبي إذا أنا مت‬
‫ي التراب‬ ‫ن عل ّ‬‫س ّ‬‫فضعني في اللحد وقل ‪ :‬بسم الله وعلى سنة رسول الله و ُ‬
‫سنا ً واقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة فإني سمعت عبد الله بن عمر يقول ذلك‬
‫‪ ،‬قال عباس الدوري‪ :‬سألت أحمد ابن حنبل قلت ‪ :‬تحفظ في القراءة على‬
‫القبر شيئا ً ؟ فقال ‪ :‬ل وسألت يحيى بن معين فحدثني بهذا الحديث ‪.‬‬
‫قال الخلل ‪ :‬وأخبرني الحسن بن أحمد الوراق حدثني علي بن موسى الحداد‬
‫وكان صدوقا ً ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت مع أحمد بن حنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في‬
‫جنازة فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر فقال له أحمد ‪ :‬يا‬
‫هذا إن القراءة عند القبر بدعة ‪ ،‬فلما خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة‬
‫لحمد بن حنبل يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي ؟ قال ‪ :‬ثقة ‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كتبت عنه شيئا ً ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فأخبرني مبشر عن عبد الحمن بن العلء بن‬
‫اللجلج عن أبيه أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها‬
‫وقال ‪ :‬سمعت ابن عمر يوصي بذلك ‪ ،‬فقال له أحمد فارجع وقل للرجل يقرأ‬
‫[ )‪.(5‬‬
‫قال الشيخ اللباني ‪ ]:‬فالجواب عنه من وجوه ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن في ثبوت هذه القصة عن أحمد نظر ‪ ،‬لن شيخ الخلل الحسن بن‬
‫أحمد الوراق لم أجد له ترجمة فيما عندي الن من كتب الرجال وكذلك‬
‫شيخه على بن موسى الحداد لم أعرفه وإن قيل في هذا السند أنه كان‬
‫صدوقا ً فإن الظاهر أن القائل هو الوراق هذا وقد عرفت حاله ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أنه إن ثبت ذلك عنه فإنه أخص مما رواه أبو داود عنه ‪ ،‬وينتج من‬
‫الجمع بين الروايتين عنه أن مذهبه كراهة القراءة عند القبر إل عند الدفن ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أن السند بهذا الثر ل يصح عن ابن عمر ولو فرض ثبوته عند أحمد‬
‫وذلك لن عبد الرحمن بن العلء بن اللجلج معدود في المجهولين‪ ،‬كما يشعر‬
‫بذلك قول الذهبي في ترجمته من الميزان ‪ :‬ما روى عنه سوى مبشر هذا ‪،‬‬
‫ومن طريقه رواه ابن عساكر ‪ ...‬وأما توثيق ابن حبان إياه فمما ل يعتد به لما‬
‫اشتهر به من التساهل في التوثيق ولذلك لم يعرج عليه الحافظ في التقريب‬
‫‪ ،‬حين قال في المترجم ‪ :‬مقبول ‪ ،‬يعني عند المتابعة وإل فلين الحديث كما‬
‫نص عليه في المقدمة ومما يؤيد ما ذكرنا أن الترمذي مع تساهله في‬
‫التحسين لما أخرج له حديثا ً آخر وليس له عنده غيره سكت عليه ولم يحسنه‬
‫!‬
‫الرابع ‪ :‬أنه لو ثبت سنده عن ابن عمر فهو موقوف لم يرفعه إلى النبي‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فل حجة فيه أصل ً [ )‪.(6‬‬
‫المبحث التاسع‬
‫بدعة الحتفال بموسم النبي موسى عليه السلم‬
‫من البدع القديمة والمتجددة الحتفال بما يسمى بموسم النبي موسى‬
‫ويكون ذلك في أواخر فصل الشتاء من كل عام وتستمر الحتفالت أسبوعا ً‬
‫كامل ً ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬زاد المعاد ‪. 1/526‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 3/39‬‬
‫)‪ (3‬المصدر السابق ‪. 36-3/35‬‬
‫)‪ (4‬المغني ‪ ، 2/422‬الروح ص ‪. 10‬‬
‫)‪ (5‬الروح ص ‪. 10‬‬
‫)‪ (6‬أحكام الجنائز ص ‪ ، 193-192‬وانظر السلسلة الضعيفة ‪. 1/67‬‬

‫)‪(58 /‬‬

‫وكانت الحتفالت في السابق تأخذ صفة الحتفال الرسمي إذ كان ولة‬


‫الدولة العثمانية يشاركون ويشرفون على هذه الحتفالت ويحافظون على‬
‫المن والنظام كما أن مفتي القدس الذي كانت تعينه الدولة العثمانية كان له‬
‫دور واضح في هذه الحتفالت )‪.(1‬‬
‫وسأنقل وصفا ً للحتفال بموسم النبي موسى كتبه من حضر تلك الحتفالت‬
‫في عدة أعوام ‪ ،‬قال د‪ .‬كامل العسلي تحت عنوان ‪ :‬وصف الحتفالت‬
‫بموسم النبي موسى في القرن العشرين " ‪ ]:‬كان موسم النبي موسى عيدا ً‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شعبيا ً عاما ً اشترك فيه سكان المدن والقرى في فلسطين وخاصة من‬
‫مناطق القدس ونابلس والخليل وقرى الجبال وكان هناك برنامج زمني‬
‫للحتفالت نظن أنه وضع في جزء منه على القل في القرن الخير بعد أن‬
‫اشتد التنافس بين أهالي منطقتي نابلس والخليل خاصة في الشتراك في‬
‫الحتفالت وأيهما يكون له مكان السبق والصدارة فيها فتم ترتيب مواعيد‬
‫لقدوم الزوار ول نعرف تاريخا ً دقيقا ً لوضع برنامج الزيارة والمشاركة‬
‫لمختلف الجهات ولكننا نقول بصورة عامة إن أسبوع موسم النبي موسى‬
‫كان يحدد وفق عيد الفصح عند المسيحيين الرثوذكس وكان يأتي في‬
‫السبوع الذي يسبق أسبوع عيد الفصح في كل عام ‪ ...‬ذكرنا هذا لنبين أن‬
‫موسم النبي موسى يختلف من سنة لخرى تبعا ً لموعد عيد الفصح المتغير‬
‫بحيث يبدأ قبل أسبوع واحد من يوم الجمعة الحزينة التي تسبق عيد الفصح‬
‫بيومين ولو أردنا أن نضع بعد ذلك جدول ً زمنيا ً لحتفالت النبي موسى لقلنا‬
‫إن الحتفالت تبدأ يوم الخميس قبل الجمعة الحزينة بثمانية أيام بقدوم‬
‫موكب أهالي نابلس وفي يوم الجمعة يبدأ الحتفال الرسمي بزفة العلم من‬
‫الحرم الشريف !! إلى النبي موسى ويوم الحد يصل موكب أهل الخليل‬
‫وقراها ويوم الثنين تغادر أعلم القدس ونابلس والخليل إلى النبي موسى‬
‫وتمتد زيارة النبي موسى من يوم الجمعة إلى يوم الخميس التالي أي سبعة‬
‫أيام وفي يوم الخميس يعود الموكب إلى القدس باحتفال كبير كذلك وفي‬
‫يوم الجمعة الذي يطلق عليه اسم ) جمعة العليمات ( تعاد العلم إلى‬
‫أماكنها علم النبي موسى وعلم المسجد القصى وعلم النبي داود في‬
‫احتفالت تقام لذلك خصيصا ً وتبدأ الوفود بمغادرة القدس على الثر [ )‪.(2‬‬
‫ثم قال د‪ .‬العسلي‪ ]:‬موسم النبي موسى كما يصفه الدكتور توفيق كنعان ‪:‬‬
‫يبدأ الموسم نفسه يوم الجمعة الذي يسبق يوم الجمعة الحزينة عند كنسية‬
‫الروم الرثوذكس وينتهي يوم الخميس التالي ويسمى هذا اليوم ) جمعة‬
‫النزلة ( بينما يطلق على يوم الجمعة الذي يسبقه اسم ) جمعة المناداة ( لن‬
‫المناداة على الموسم أو العلن رسميا ً عن أن موسم النبي موسى يبدأ يوم‬
‫الجمعة التالية تبدأ في هذا اليوم وتسمى ليلة الخميس السابقة لجمعة النزلة‬
‫) ليلة الوقفة ( وكل من ينوي الشتراك في الموسم يتأهب لليام القادمة ‪...‬‬
‫تبدأ الزفة بإحضار علم النبي موسى من المكان الذي يحفظ فيه طوال‬
‫السنة ‪ ...‬وفي هذا المكان يجتمع الوجهاء وكثير من الموظفين ويسلم العلم‬
‫إلى المفتي على طبق وبعد قراءة الفاتحة ينشر المفتي العلم ثم يثبت في‬
‫الزانة ‪ ...‬تتحرك الزفة ببطء إلى الحرم الشريف وتدخل إليه من باب الحبس‬
‫‪ ...‬وكان يصاحب الزفة زمن التراك فرقة موسيقى عسكرية وحرس شرف‬
‫وبعد صلة الظهر تترك الزفة الحرم ‪ ...‬ويمضي المفتي الكبر وحملة العلم‬
‫وخدام النبي موسى الخرون قدما ً إلى خارج الحرم ‪ ...‬وفي هذه الثناء تكون‬
‫الطريق غاصة بجماهير النظارة وكذلك الشرفات والشبابيك والمقبرة‬
‫والبساتين الواقعة على طرف الطريق ‪ ...‬وفيه يتجمع الشباب في مجموعات‬
‫فمنهم من يعزف ومنهم من يرقص أو يغني في الطريق ويحمل الجمهور‬
‫أعلما ً كثيرة تمثل الولياء المختلفين في المدينة والقرى المجاورة وكل علم‬
‫له أتباعه ‪ ...‬وحالما يصبحون على مرمى النظر من مقام النبي موسى‬
‫يعيدون ترتيب صفوفهم ويرفعون العلم ويبدأ الموكب الرسمي من جديد‬
‫ويشرعون أول ً في عمل أكوام صغيرة من الحجارة كقناطر ‪ -‬وتسمى أيضا ً‬
‫شواهد لنها تشهد يوم الدين للذين قاموا بالزيارة ‪ -‬ويقرؤون الفاتحة ويرسل‬
‫الدرويش الذي يكون على رأس الموكب أحد أتباعه ليعلن قدومهم للدراويش‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخرين الذين سبقوا إلى النبي موسى ويدعى هذا الرسول بالنجاب ويربط‬
‫الشيخ الذي يرسله منديل ً حول رقبته ل يفكه إل الشيخ الذي يستقبل في‬
‫المقام ويركض النجاب إلى المقام مباشرة وهو يضرب طول الوقت على‬
‫نقارته ‪ ...‬ويقوم أكبر الدراويش سنا ً بفك المنديل المربوط حول عنقه وهو‬
‫يتلو الفاتحة ‪ ...‬أما ترتيب مواكب الزفة فيكون عادة على الوجه التالي ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر موسم النبي موسى في فلسطين ص ‪. 99-94،96،98‬‬
‫)‪ (2‬موسم النبي موسى في فلسطين ص ‪. 102-101‬‬

‫)‪(59 /‬‬

‫يسير حامل العلم أول ً ويتبعه الموسيقيون ويليهم بعض شباب المجموعة‬
‫يحيطون بقائدهم ويرقصون حسب اليقاع الذي يحدده وكل رقصة تكون‬
‫مصحوبة بالغناء يغني قائد المجموعة مقطعا ً فيكرره الخرون ويلوح بسيف‬
‫أو عصا أو بمنديل في الهواء ويرقص معهم وهكذا يحدد لهم اليقاع ويكون‬
‫الموسيقيون أحيانا ً كلهم أو بعضهم في الحلقة وفي أثناء الغناء والرقص‬
‫يصفق أعضاء المجوعة بأيديهم وفق إيقاع ثابت ‪ ...‬ويتقدم هؤلء ببطء إلى‬
‫أن يبلغوا المقام وترحب بعض النساء من النظارة بالقادمين بالزغاريد أو‬
‫بالغاني القصيرة التي تنتهي بقرقعة حادة باللسنة ومن الممتع أن نلحظ أن‬
‫الغناء والرقص والتصفيق واستعمال اللت الموسيقية ومشاركة جميع‬
‫الطبقات هي اليوم مثل ما كانت عليه قبل آلف السنين [‪.‬‬
‫ثم ذكر أنواع الرقصات التي كانت تؤدى في الموسم وأسماء اللت‬
‫الموسيقية ثم قال ‪ ]:‬واليقاع الذي يحدثه الطبل والكاسات يكون له دائما ً‬
‫تقريبا ً معنى محدد مثل‬
‫الله الله الله حي‬
‫آآآ‪ -‬آآآ‬
‫دا‪-‬يم دا‪-‬يم‬
‫‪-‬آ‪-‬آ‬
‫قي‪-‬وم قي‪-‬وم ‪-‬آ‪-‬آ [‪.‬‬
‫ثم ذكر بعض العبارات التي كانت على العلم ومنها ‪ ]:‬مددك يا سيدي أحمد‬
‫البدوي ‪ .‬سيدي أحمد الرفاعي ولي الله [‪.‬‬
‫ثم قال ‪ ]:‬وباستثناء نساء المدن اللتي يلزمن الغرف معظم الوقت أو يقفن‬
‫على الشرفة المكشوفة في الطابق الول فإن جميع الزائرات الخريات‬
‫يشاركن الرجال النشاطات المختلفة ويختلطن بهم باستمرار ‪ ...‬وهكذا‬
‫ينقضي السبوع باللعاب والغاني والحتفالت بصورة ممتعة [ )‪.(1‬‬
‫بعد هذا الوصف الذي كتبه د‪ .‬توفيق كنعان وهو رجل نصراني يظهر لنا أن‬
‫هذا الحتفال في لبه ولحمته وسداه مخالف لدين الله سبحانه وتعالى ولسنة‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأنه ترتكب فيها المخالفات الشرعية‬
‫الكثيرة باسم الدين وأن السلم بريء من هذه الحتفالت التي تنسب إلى‬
‫الدين زورا ً وبهتانا ً ‪.‬‬
‫فالذي يظهر من هذا الوصف أنه كان موسم رقص وطرب واختلط بين‬
‫النساء والرجال بل إن النساء كن يرقصن في الحلقات أمام الرجال وأن هذا‬
‫الموسم كان عليه مسحة من الصوفية المنحرفة ‪.‬‬
‫ولبيان بدعية الحتفال بموسم النبي موسى ل بد من بيان المور التالية ‪:‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أول ً ‪ :‬أين دفن موسى عليه السلم ؟‬


‫قال المام البخاري في صحيحه ‪ ":‬باب وفاة موسى وذكره بعد " ثم ساق‬
‫بإسناده إلى أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬أرسل ملك الموت إلى‬
‫كه فرجع إلى ربه فقال ‪ :‬أرسلتني إلى‬ ‫موسى عليهما السلم فلما جاءه ص ّ‬
‫عبد ل يريد الموت ‪ .‬قال ‪ :‬ارجع إليه فقل له يضع يده على متن ثور فله بما‬
‫غطت يده بكل شعرة سنة قال ‪ :‬أي رب ؟‬
‫ثم ماذا ؟ قال ‪ :‬الموت ‪ .‬قال ‪ :‬فالن ‪ .‬قال ‪ :‬فسأل الله أن يدينه من الرض‬
‫المقدسة رمية بحجر ‪ ،‬قال أبو هريرة ‪ :‬فقال رسول الله ‪ :‬لو كنت ثم لريتكم‬
‫قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الحمر [ ورواه مسلم أيضا ً )‪.(2‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ ]:‬وقوله فيه ‪ ):‬رمية حجر ( أي قدر رمية حجر أي‬
‫أدنني من مكان الرض المقدسة هذا القدر أو أدنني إليها حتى يكون بيني‬
‫وبينها هذا القدر وهذا الثاني أظهر وعليه شرح ابن بطال وغيره ‪ ...‬حكى ابن‬
‫بطال عن غيره أن الحكمة في أنه لم يطلب دخولها ليعمى قبره لئل تعبده‬
‫الجهال من ملته [ )‪.(3‬‬
‫وقال المام العيني ‪ ]:‬واختلف أهل السير في موضع قبره فقيل بأرض التيه‬
‫وهارون كذلك ولم يدخل موسى الرض المقدسة إل رمية حجر رواه الضحاك‬
‫عن ابن عباس وقال ‪ :‬ل يعرف قبره ورسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫أبهم ذلك بقوله ) إلى جانب الطريق عند الكثيب الحمر ( ‪ ،‬ولو أراد بيانه‬
‫لبّين صريحا ً وقال ابن عباس لو علمت اليهود قبر موسى وهارون لتخذوهما‬
‫إلهين من دون الله ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بباب لد بالبيت المقدس ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬قبره بين عالية وعويلة عند كنيسة توماء ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بالوادي في أرض ماء بين بصرى والبلقاء ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬قبره بدمشق ذكره ابن عساكر عن كعب الحبار ‪.‬‬
‫والصح أنه بالتيه قدر رمية حجر من الرض المقدسة [ )‪.(4‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر ‪ ]:‬وزعم ابن حبان أن قبر موسى بمدين بين المدينة‬
‫وبيت المقدس وتعقبه الضياء بأن أرض مدين ليست قريبة من المدينة ول‬
‫من بيت المقدس‪ .‬قال ‪ -‬أي الضياء ‪ :-‬وقد اشتهر عن قبر بأريحاء عنده كثيب‬
‫أحمر أنه قبر موسى وأريحاء من الرض المقدسة [ )‪ .(5‬قلت وظاهر حديث‬
‫أبي هريرة السابق يرد القول المشهور الذي ذكره الضياء لن أريحا من‬
‫الرض المقدسة وظاهر الحديث أنه لم يدخل الرض المقدسة وإنما سأل‬
‫الله أن يدنيه من الرض المقدسة ‪.‬‬
‫قال الحافظ ابن كثير ‪ ]:‬وقد زعم بعضهم أن موسى عليه السلم هو الذي‬
‫خرج بهم من التيه ودخل بهم الرض المقدسة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬موسم النبي موسى ص ‪ 119-101‬بتصرف واختصار ‪.‬‬
‫)‪ (2‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 252-7/251 ، 3/450‬صحيح مسلم بشرح‬
‫النووي ‪. 5/512‬‬
‫)‪ (3‬فتح الباري ‪. 3/450‬‬
‫)‪ (4‬عمدة القاري ‪. 11/141‬‬
‫)‪ (5‬فتح الباري ‪. 7/252‬‬

‫)‪(60 /‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا خلف ما عليه أهل الكتاب وجمهور المسلمين ‪ ،‬ومما يدل على ذلك‬
‫قوله ‪ :‬لما اختار الموت ‪ :‬رب أدنني إلى الرض المقدسة رمية حجر وحانت‬
‫وفاته عليه السلم أحب أن يتقرب إلى الرض التي هاجر إليها وحث قومه‬
‫عليها ولكن حال بينهم وبينها القدر ‪ ،‬رمية بحجر ولهذا قال سيد البشر‬
‫ورسول الله إلى أهل الوبر والمدر ‪ :‬فلو كنت ثم لريتكم قبره عند الكثيب‬
‫الحمر [ )‪.(1‬‬
‫وقال مجير الدين الحنبلي ‪ ]:‬ومات موسى ولم يعرف أحد من بني إسرائيل‬
‫أين قبره ول أين توجه [ )‪.(2‬‬
‫وقال القسطلني معلقا ً على الحديث السابق ‪ ]:‬وهذا ليس صريحا في‬
‫ً‬
‫العلم بقبره الشريف ومن ثم حصل الختلف فيه فقيل بالتيه وقيل بباب لد‬
‫ببيت المقدس أو بدمشق أو بواد بين بصرى والبلقاء أو بمدين بين المدينة‬
‫وبيت المقدس أو بأريحا وهي من الرض المقدسة [ )‪.(3‬‬
‫ونقل الشيخ عبد الغني النابلسي عن رسالة لمحمد بن طولون سماها " تحفة‬
‫الحبيب فيما ورد في الكثيب " ذكر فيها أن قبر موسى عليه السلم في‬
‫مسجد القدم قبالة الكثيب الحمر في دمشق الشام ‪ .‬ونقل عن ابن عساكر‬
‫أن قبر موسى عليه السلم في مسجد القدم ونقل عن ابن جبير أن قبر‬
‫موسى عليه السلم في مسجد القدم ‪.‬‬
‫ونقل عن أبي إسحاق الفزاري الشافعي مثل ذلك وذكر أن له رسالة‬
‫اسمها ‪ ]:‬تبيين المر القديم المروي في تعيين قبر موسى الكليم [ جزم فيها‬
‫بأن قبر موسى في دمشق الشام في مسجد القدم المذكور )‪.(4‬‬
‫وبعد هذا العرض الموجز لما قاله العلماء في بيان موضع قبر موسى عليه‬
‫السلم يظهر للباحث المنصف أنه ل يعرف على وجه التحديد محل قبر‬
‫موسى عليه السلم وكل ما ذكر في تحديد موضع قبره ظنون ضعيفة ليس‬
‫لها مستند صحيح ثابت وحديث الصحيحن ل يحدد موضع قبره عليه السلم ‪،‬‬
‫قال الرحالة الهروي ‪ ... ] :‬والصحيح أن قبره ل يعرف والله أعلم [ )‪.(5‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬وأما قبور النبياء فالذي اتفق عليه العلماء هو‬
‫قبر النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فإن قبره منقول بالتواتر وكذلك قبر‬
‫صاحبيه وأما قبر الخليل فأكثر الناس على أن هذا المكان المعروف هو قبره‬
‫وأنكر ذلك طائفة ‪ ،‬وحكي النكار عن مالك وأنه‬
‫قال ‪ :‬ليس في الدنيا قبر نبي يعرف إل قبر نبينا ‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪.(6) [ ... -‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬شد الرحال إلى القبور والمقامات ‪:‬‬
‫لو سلمنا جدل ً أن قبر موسى عليه السلم معلوم وأنه في المكان المعروف‬
‫اليوم بمقام النبي موسى فيحرم شد الرحال إليه لما ثبت في الحديث عن‬
‫أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي قال ‪ ):‬ل ُتشد الرحال إل إلى ثلثة‬
‫مساجد ‪ :‬المسجد الحرام ومسجد الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ومسجد‬
‫القصى [ رواه البخاري ومسلم )‪.(7‬‬
‫قال الحافظ ابن حجر ‪ ]:‬قوله ‪ ):‬ل تشد الرحال ( بضم أوله بلفظ النفي‬
‫والمراد النهي عن السفر إلى غيرها ‪ .‬قال الطيبي ‪ :‬هو أبلغ من صريح النهي‬
‫كأنه قال ‪ :‬ل يستقيم أن يقصد بالزيارة إل هذه البقاع لختصاصها بما اختصت‬
‫به [ )‪.(8‬‬
‫ً‬
‫وكذلك فإنه يحرم شرعا اتخاذ القبور مساجد سواء أكانت قبور أنبياء أو‬
‫غيرهم فل يجوز أن تبنى المساجد والمقامات على القبور وتتخذ محل ً للصلة‬
‫ومحل ً للزيارة والدعاء وغير ذلك ‪ .‬فقد جاء في الحديث عن عائشة وابن‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عباس رضي الله عنهم أن الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ ):‬لعنة الله‬
‫على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ( يحذر ما صنعوا ‪ .‬رواه‬
‫البخاري ومسلم )‪.(9‬‬
‫وفي رواية أخرى عن أبي هريرة أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال ‪ ):‬قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ( رواه البخاري ومسلم )‬
‫‪.(10‬‬
‫وثبت في الحديث عن جندب قال ‪ ):‬سمعت النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قبل أن يموت بخمس وهو يقول ‪ :‬إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل‬
‫فإن الله تعالى قد اتخذني خليل ً كما اتخذ إبراهيم خليل ً ولو كنت متخذا ً من‬
‫أمتي خليل ً لتخذت أبا بكر خليل ً ‪ ،‬أل وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور‬
‫أنبيائهم وصالحيهم مساجد ‪ ،‬أل فل تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن‬
‫ذلك ( رواه مسلم )‪.(11‬‬
‫ً‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية معقبا على هذه الحاديث ‪ ]:‬ولهذا اتفق السلف‬
‫على أنه ل يستلم قبرا ً من قبور النبياء وغيرهم ول يتمسح به ول يستحب‬
‫الصلة عنده ول قصده للدعاء عنده أو به لن هذه المور كانت من أسباب‬
‫الشرك وعبادة الوثان [ )‪.(12‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البداية والنهاية ‪. 1/296‬‬
‫)‪ (2‬النس الجليل ‪. 1/199‬‬
‫)‪ (3‬إرشاد الساري ‪. 2/494‬‬
‫)‪ (4‬الحضرة النسية ‪. 550-2/546‬‬
‫)‪ (5‬الشارات للهروي ص ‪ 13‬نقل ً عن موسم النبي موسى ص ‪.19‬‬
‫)‪ (6‬مجموع الفتاوى ‪. 27/444‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 3/306‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 3/517‬‬
‫)‪ (8‬فتح الباري ‪. 3/306‬‬
‫)‪ (9‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 2/78‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪-2/184‬‬
‫‪. 185‬‬
‫)‪ (10‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 2/79‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/184‬‬
‫)‪ (11‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/185‬‬
‫)‪ (12‬مجموع الفتاوى ‪. 27/31‬‬

‫)‪(61 /‬‬

‫وقال شيخ السلم أيضا ً ‪ ]:‬ول تستحب الصلة ل الفرض ول النفل عند قبر‬
‫نبي أو غيره بإجماع المسلمين بل ينهى عنه وكثير من العلماء يقول هي‬
‫باطلة لما ورد في ذلك من النصوص وإنما البقاع التي يحبها الله ويحب‬
‫الصلة والعبادة فيها هي المساجد التي قال الله تعالى فيها ‪:‬‬
‫ْ‬ ‫) في بيوت أ َذن الل ّ َ‬
‫ه ِفيَها ِبالغُد ُّو‬ ‫ح لَ ُ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫ه يُ َ‬
‫م ُ‬‫س ُ‬ ‫ن ت ُْرفَعَ وَي ُذ ْك ََر ِفيَها ا ْ‬‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ ٍ ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ل(‬‫صا ِ‬‫َوال َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خرِ وَأَقا َ‬
‫م‬ ‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫م َ‬‫ن َءا َ‬‫م ْ‬‫جد َ اللهِ َ‬ ‫سا ِ‬
‫م َ‬ ‫مُر َ‬ ‫ما ي َعْ ُ‬‫وقال تعالى ‪ ):‬إ ِن ّ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م َ‬‫ن ي َكوُنوا ِ‬ ‫سى أولئ ِك أ ْ‬ ‫ه فَعَ َ‬ ‫ش ِإل الل َ‬ ‫خ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫صلة َ وََءاَتى الّزكاةَ وَل ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ن ( وسئل النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) :-‬أي البقاع أحب إلى‬ ‫دي َ‬
‫مهْت َ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫الله ؟ قال ‪ :‬المساجد ‪ .‬قيل‪ :‬فأي البقاع أبغض إلى الله ؟ قال ‪ :‬السواق ( ‪.‬‬
‫وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ) : -‬من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نزل ً كلما غدا أو راح ( ‪.‬وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬إن العبد إذا تطهر‬
‫فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد ل يخرجه إل الصلة كانت خطوتاه‬
‫إحداهما ترفع درجة والخرى تحط خطيئة ( ‪.‬‬
‫فدين السلم هو اتباع ما بعث الله به رسوله من أنواع المحبوبات واجتناب‬
‫ما كرهه الله ورسوله من البدع والضللت وأنواع المنهيات [ )‪.(1‬‬
‫وروى الحافظ ابن وضاح القرطبي بإسناده عن العمش قال ‪ ]:‬حدثني‬
‫مروان بن سويد السدي قال ‪ :‬خرجت مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬
‫من مكة إلى المدينة فلما أصبحنا صّلى بنا الغداة ثم رأى الناس يذهبون‬
‫مذهبا ً فقال‪ :‬أين يذهب هؤلء ؟ قيل ‪ :‬يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬هم يأتون يصلون فيه ‪ .‬فقال ‪ :‬إنما هلك‬
‫من كان قبلكم بمثل هذا يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعا ً من‬
‫أدركته الصلة في هذه المساجد فليصل ومن ل فليمض ول يعتمدها [ )‪.(2‬‬
‫وذكر رواية أخرى عن المعرور بن سويد قال ‪ ]:‬خرجنا حجاجا ً مع عمر بن‬
‫الخطاب فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدره الناس يصلون فيه‪.‬‬
‫فقال عمر ‪ :‬ما شأنهم ؟ فقالوا ‪ :‬هذا مسجد صّلى فيه رسول الله ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬فقال عمر ‪ :‬أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم‬
‫مثل هذا حتى أحدثوها بيعا ً ‪ ،‬فمن عرضت له فيه صلة فليصل ومن لم‬
‫تعرض له فيه صلة فليمض ‪ [ ...‬ثم قال ابن وضاح ‪ ]:‬وكان مالك ابن أنس‬
‫وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الثار للنبي‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬ما عدا قباء وحده ‪ .‬قال ابن وضاح ‪ :‬وسمعتهم يذكرون أن‬
‫سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه ولم يتبع تلك الثار ول‬
‫الصلة فيها وكذلك فعل غيره ممن يقتدى به ‪ ،‬وقدم وكيع أيضا ً مسجد بيت‬
‫المقدس فلم ي َعْد ُ فعل سفيان [ )‪.(3‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬متى حدث الحتفال بموسم النبي موسى ‪:‬‬
‫إن موسم النبي موسى أحدث في العصور المتأخرة ولم يكن معروفا ً قبل‬
‫ذلك وإنما ابتدعت هذه البدعة بعد إنشاء المقام في المكان المعروف بالنبي‬
‫موسى وأول من أقام قبة وبنى مسجدا ً في ذلك المكان هو الظاهر بيبرس‬
‫سنة ‪ 668‬هـ عند عودته من الحج وزيارة بيت المقدس ثم زيد على البناء‬
‫سنة ‪ 875‬هـ ثم كملت عمارته سنة ‪ 885‬هـ )‪.(4‬‬
‫وقد زعم بعض الكاتبين أن السلطان صلح الدين اليوبي هو أول من أنشأ‬
‫موسم النبي موسى لمواجهة التجمعات الصليبية التي كانت تقام في عيد‬
‫الفصح )‪.(5‬‬
‫ولكن هذا الزعم ليس عليه دليل صحيح ‪ ،‬يقول الدكتور كامل العسلي ‪:‬‬
‫] وعلى أية حال فإنه من المهم أن نؤكد أننا لم نجد في الكتب القديمة التي‬
‫وضعت في العصر أليوبي ومنها كتاب العماد الصفهاني وابن واصل والبهاء‬
‫ابن شداد وأبي شامة المقدسي أي إشارة إلى الموسم ول إلى علقة صلح‬
‫الدين اليوبي أو ورثته بالموسم كما أنه ليس في الكتب التي وضعت زمن‬
‫اليوبيين ول في الكتب التي وضعت زمن المماليك أو العثمانيين حسب علمنا‬
‫ما يشير إلى أن الحتفال بالنبي موسى كان ذا صبغة سياسية ‪ .‬ومع السف‬
‫فل توفر لنا المادة التاريخية صورة واضحة مفصلة للحتفال نستطيع أن نتبين‬
‫فيها أهدافا ً سياسية بل بالعكس فإن القليل الذي وصل إلينا في الكتب يدل‬
‫على أن طابع الحتفال كان طابعا ً دينيا ً وترويحيا ً ول علقة له بالسياسة ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المصدر السابق ‪. 63-27/62‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (2‬البدع والنهي ص ‪. 48‬‬


‫)‪ (3‬المصدر السابق ص ‪. 50-49‬‬
‫)‪ (4‬النس الجليل ‪ ، 200-1/199‬طبقات الولياء والصالحين في الرض‬
‫المقدسة ‪ 70-2/69‬بلدنا فلسطين ‪. 2/576‬‬
‫)‪ (5‬المفصل في تاريخ القدس ص ‪ ، 177-176‬موسم النبي موسى ص‬
‫‪. 86‬‬

‫)‪(62 /‬‬

‫إن أول إشارة لموسم النبي موسى وقعنا عليها في الكتب ‪ ،‬وردت في "‬
‫إتحاف الخصا بفضائل المسجد القصى " لشمس الدين السيوطي المتوفى‬
‫بعد سنة ‪ 880‬هـ ‪ ...‬وقد دون السيوطي كتابه هذا سنة ‪ 875‬هـ والشارة‬
‫الثانية وجدناها في مخطوط " الدر النظيم في أخبار سيدنا موسى الكليم "‬
‫لبي البقاء نجم الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة المتوفى بعد سنة ‪ 901‬هـ‬
‫‪ ...‬أما الشارة الثالثة بحسب الترتيب الزمني فنجدها عند مجير الدين‬
‫الحنبلي الذي يحدد لنا لول مرة موعد الزيارة ومدتها في كتابه " النس‬
‫الجليل " الذي كتبه سنة ‪ 901-900‬هـ ‪ ...‬ويلحظ أن هؤلء الكتاب الثلثة لم‬
‫يشيروا إلى هدف للزيارة سوى الزيارة والتبرك والكل والشرب ‪ ...‬إن‬
‫المقتطفات التي أوردناها هي أهم ما وقعت أيدينا عليه عن تطورات الموسم‬
‫في عهد المماليك والمعلومات الواردة فيها نزرة وليس فيها كبير غناء ولم‬
‫نجد في كتابات القرن الثامن الهجري‪/‬الرابع عشر الميلدي أية إشارة إليه‬
‫ومع ذلك فيبدو أن زيارة النبي موسى اكتسبت أهمية متزايدة بعد بناء المقام‬
‫في القرن السابع‪/‬الثالث عشر ووصلت شعبية المقام ذروتها في عصر‬
‫المماليك في القرن التاسع وأوائل القرن العاشر الهجري ‪.(1) [ ...‬‬
‫وهذا الكلم يؤكد لنا أن موسم النبي موسى أمر مبتدع ليس له أصل صحيح‬
‫ول يجوز شرعا ً إضفاء أية قدسية عليه فليس له أي مستند ل من كتاب الله‬
‫ول من سنة رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪. -‬‬
‫المبحث العاشر‬
‫البدع المتعلقة بالمسجد القصى‬
‫وفيه مسائل ‪:‬‬
‫ً‬
‫المسألة الولى ‪ :‬بدعة تسمية المسجد القصى حرما ‪:‬‬
‫شاعت تسمية المسجد القصى المبارك بالحرم عند عامة الناس في ديار‬
‫فلسطين وعند بعض الكاتبين المعاصرين فنجدهم يطلقون على المسجد‬
‫القصى الحرم أو الحرم الشريف )‪.(2‬‬
‫وهذه التسمية غير صحيحة لن المعلوم عند أهل العلم أنه ل يوجد عند‬
‫المسلمين إل حرمان وهما حرم مكة وحرم المدينة وهذا باتفاق أهل العلم‬
‫وعند الشافعية أضافوا ثالثا ً وهو وادي وج بالقرب من الطائف وإليك تفصيل‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫م‬
‫ضَنا أوَل ْ‬ ‫ن أْر ِ‬ ‫م ْ‬‫ف ِ‬ ‫خط ْ‬ ‫معَك ن ُت َ َ‬ ‫دى َ‬ ‫ن نت ّب ِِع الهُ َ‬ ‫أول ً ‪ :‬قال الله تعالى ‪ ) :‬وََقالوا إ ِ ْ‬
‫َ‬
‫م‬‫ن أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫ن ل َد ُّنا وَل َك ِ ّ‬‫م ْ‬ ‫يٍء رِْزًقا ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫مَرا ُ‬ ‫جَبى إ ِل َي ْهِ ث َ َ‬
‫مًنا ي ُ ْ‬ ‫ما َءا ِ‬ ‫حَر ً‬‫م َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬‫مك ّ ْ‬ ‫نُ َ‬
‫ن ()‪. (3‬‬ ‫مو َ‬ ‫َ‬
‫ل ي َعْل ُ‬
‫والمقصود بالحرم في هذه الية الكريمة هو حرم مكة المكرمة )‪.(4‬‬
‫خط ّ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫حوْل ِهِ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫س ِ‬ ‫ف الّنا ُ‬ ‫مًنا وَي ُت َ َ‬ ‫ما َءا ِ‬‫حَر ً‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫وقال تعالى ‪):‬أو لم ي ََرْوا أّنا َ‬
‫مةِ الل ّهِ ي َك ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ن ( )‪.(5‬‬ ‫فُرو َ‬ ‫ن وَب ِن ِعْ َ‬ ‫مُنو َ‬‫ل ي ُؤْ ِ‬ ‫أفَِبال َْباط ِ ِ‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمقصود أيضا ً بالحرم في هذه الية الكريمة هو حرم مكة المكرمة )‪.(6‬‬
‫وثبت في الحديث عن عبد الله بن زيد‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ): -‬أن إبراهيم حّرم مكة ودعا لها وحرمت المدينة كما حرم‬
‫إبراهيم مكة ودعوت لها في مدها وصاعها مثل ما دعا إبراهيم لمكة ( متفق‬
‫عليه )‪.(7‬‬
‫وحرم مكة وحرم المدينة ثابتان بالدلة الصحيحة واتفق أهل العلم على ذلك‬
‫وأما وادي وج بالقرب من الطائف فقد اعتبره الشافعية حرما ً وخالفهم بقية‬
‫العلماء )‪.(8‬‬
‫واحتج الشافعية بما ورد في حديث الزبير‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬لما أقبلنا‬
‫مع رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من لية حتى إذا كنا عند السدرة‬
‫وقف رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في طرف القرن السود حذوها‬
‫فاستقبل نخبا ً ببصره وقال ‪ :‬مرة واديه ووقف حتى اتقف الناس كلهم ثم‬
‫قال ‪ :‬إن صيد وج وعضاهه حرم محرم لله وذلك قبل نزوله الطائف وحصاره‬
‫لثقيف( رواه أبو داود وأحمد والبيهقي )‪.(9‬‬
‫وقوله ‪ ):‬من لية ( هو جبل قرب الطائف ‪ ) ،‬وطرف القرن ( جبل قرب‬
‫الطائف أيضا ً وقوله ‪ ):‬فاستقبل نخبا ً ( هو واد بالطائف وقوله ‪ ):‬اتقف ( أي‬
‫حتى وقف الناس وقوله ‪ ):‬وعضاهه ( هو كل شجر فيه شوك )‪.(10‬‬
‫وهذا الحديث ضعيف ضعفه جماعة من أهل العلم ‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬ل يصح ‪ .‬ونحوه قال الزدي وذكر الخلل أن أحمد ضّعفه‪،‬‬
‫وضّعفه ابن حبان وضّعفه النووي )‪.(11‬‬
‫والراجح من أقوال أهل العلم أن " وج " ليس بحرم لضعف الحديث كما‬
‫سبق ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬موسم النبي موسى ص ‪. 89-87‬‬
‫)‪ (2‬انظر على سبيل المثال الحضرة النسية ‪ 1/289،484،485،491‬وغيرها‬
‫والعناوين من عمل محقق الكتاب ‪.‬‬
‫)‪ (3‬سورة العنكبوت الية ‪. 67‬‬
‫)‪ (4‬انظر تفسير القرطبي ‪. 13/300‬‬
‫)‪ (5‬سورة القصص الية ‪. 57‬‬
‫)‪ (6‬انظر تفسير القرطبي ‪. 13/363‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 5/250‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 3/491‬‬
‫)‪ (8‬المجموع ‪ ، 7/483‬زاد المعاد ‪. 3/508‬‬
‫)‪ (9‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 6/9‬سنن البيهقي ‪، 5/200‬‬
‫الفتح الرباني ‪. 23/300‬‬
‫)‪ (10‬عون المعبود ‪. 6/9‬‬
‫)‪ (11‬المجموع ‪ ، 7/480‬التلخيص الحبير ‪ ، 2/280‬الجوهر النقي ‪، 2/200‬‬
‫زاد المعاد ‪ 3/508‬بذل المجهود ‪. 9/378‬‬

‫)‪(63 /‬‬

‫وبناًء على ما تقدم ل يصح إطلق اسم الحرم إل على الحرمين حرم مكة‬
‫وحرم المدينة ول يجوز شرعا ً إطلق اسم الحرم على المسجد القصى‬
‫المبارك ول على المسجد البراهيمي في الخليل وتسميتهما حرما ً بدعة ل‬
‫أصل لها ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬وليس ببيت المقدس مكان يسمى حرما ً ول‬
‫بتربة الخليل ول بغير ذلك من البقاع إل ثلثة أماكن أحدها ‪ :‬هو حرم باتفاق‬
‫المسلمين وهو حرم مكة شرفها الله تعالى والثاني حرم عند جمهور العلماء‬
‫وهو حرم النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من عير إلى ثور بريد في بريد فإن‬
‫هذا حرم عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد وفيه أحاديث صحيحة‬
‫مستفيضة عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والثالث " وج " وهو واد‬
‫بالطائف فإن هذا روي فيه حديث رواه أحمد في المسند وليس في الصحاح‬
‫وهذا حرم عند الشافعي لعتقاده صحة الحديث وليس حرما ً عند أكثر العلماء‬
‫وأحمد ضعف الحديث المروي فيه فلم يأخذ به وأما ما سوى هذه الماكن‬
‫الثلثة فليس حرما ً عند أحد من علماء المسلمين فإن الحرم ما حّرم الله‬
‫صيده ونباته ولم يحرم الله صيد مكان ونباته خارجا ً عن هذه الماكن الثلثة [‬
‫)‪.(1‬‬
‫ً‬
‫وقال شيخ السلم أيضا ‪ ... ]:‬والقصى اسم للمسجد كله ول يسمى هو ول‬
‫غيره حرما ً وإنما الحرم بمكة والمدينة خاصة ‪ .‬وفي وادي وج بالطائف نزاع‬
‫بين العلماء [ )‪.(2‬‬
‫ً‬
‫ولم تثبت تسمية المسجد القصى حرما عن أحد من العلماء المحققين ولما‬
‫تكلم المام بدر الدين الزركشي عن الحكام المتعلقة بالمسجد القصى لم‬
‫يذكر منها شيئا ً في تسميته حرما ً وإنما سماه المسجد القصى كما هو شأن‬
‫بقية العلماء )‪.(3‬‬
‫كما أن الشيخ مجير الدين الحنبلي لم يستعمل كلمة الحرم في وصف‬
‫المسجد القصى في كتابه " النس الجليل بتاريخ القدس والخليل " وكذلك‬
‫الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه " الحضرة النسية في الرحلة القدسية‬
‫"‪.‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬بدع الصوفية في المسجد القصى والناشيد الدينية والفرق‬
‫المنشدة ‪:‬‬
‫اعتادت بعض فرق الصوفية القدوم إلى المسجد القصى بجماعات كثيرة‬
‫العدد وهم يعلقون مسابح كبيرة الحجم في رقابهم ويعقدون ما يسمونه‬
‫مجالس ذكر أو مديح للرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وبعض هؤلء‬
‫يستعملون الدفوف في إنشادهم داخل المسجد القصى ‪.‬‬
‫كما وأن بعض فرق النشاد والتي يسمونها زورا ً وبهتانا ً ‪ -‬فرق النشاد الديني‬
‫‪ -‬ينشدون أناشيدهم باستعمال الدفوف مع رفع الصوات ويردد عوام‬
‫المصلين معهم ويتحول المسجد القصى إلى ما يشبه جوقة غنائية كبيرة ‪.‬‬
‫وهذه المظاهر تشاهد في المسجد القصى عند عقد الحتفالت التي‬
‫يسمونها دينية كما في احتفالهم بالسراء والمعراج والمولد النبوي وذكرى‬
‫الهجرة وغيرها ‪.‬‬
‫وهذه المور كلها من البدع المخالفة لهدي المصطفى ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ولما كان عليه سلف المة من الصحابة والتابعين وأولي العلم‬
‫والتحقيق ‪.‬‬
‫وتظهر معالم هذه البدع فيما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أنه لم يثبت أن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قد اتخذ سبحة فضل أن‬
‫ً‬
‫يجعلها في رقبته ول ثبت هذا التعليق عن الصحابة ول عن التابعين وإنما‬
‫تعليق السبحات في العناق من المبتدعات ومن التشبه برجال الدين من‬
‫الملل الخرى ‪.‬‬
‫قال الشيخ علي محفوظ ‪ ]:‬ومن بدعهم ‪ -‬أي الصوفية ‪ -‬وضع السبحة في‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العنق أو اليد بدون الذكر فهو من فعل المرائين الذين يحبون أن يحمدوا بما‬
‫لم يفعلوا ويعرفوا من طريق الوهم والتضليل والطريق إلى الله عز وجل هي‬
‫متابعة رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وما سوى ذلك ضلل نعوذ بالله‬
‫منه [ )‪.(4‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬إن هذا النشاد الديني كما يسمونه ل يجوز فعله في المساجد لن‬
‫المساجد لها آدابها وأحكامها التي يجب المحافظة عليها ‪.‬‬
‫قال السيوطي ‪ ]:‬ومن ذلك ‪ -‬أي من البدع ‪ -‬الرقص والغناء في المساجد‬
‫وضرب الدف أو الرباب أو غير ذلك من آلت الطرب فمن فعل ذلك في‬
‫المسجد فهو مبتدع ضال مستحق للطرد والضرب لنه استخف بما أمر الله‬
‫بتعظيمه ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه(‬
‫م ُ‬ ‫ن ت ُْرفَعَ ( أي تعظم ) وَي ُذ ْكَر ِفيها ا ْ‬
‫س ُ‬ ‫هأ ْ‬‫ن الل ُ‬
‫ت أذِ َ‬‫قال الله تعالى ‪ ):‬في ب ُُيو ٍ‬
‫أي يتلى فيها كتابه وبيوت الله هي المساجد قد أمر الله بتعظيمها وصيانتها‬
‫عن القذار والوساخ ‪ ...‬والغناء والرقص فمن غنى أو رقص فهو مبتدع ضال‬
‫مضل مستحق للعقوبة [ )‪.(5‬‬
‫وإذا كان رفع الصوت بقراءة القرآن منهي عنه في المسجد فما بالك بهذه‬
‫الناشيد التي ترافقها الدفوف وما بالك بفعلها قبل صلة الجمعة بمناسبة‬
‫الحتفالت التي يسمونها دينية ‪ ،‬حيث يكون المسجد ممتلئا ً بالمسلمين الذين‬
‫ينتظرون صلة الجمعة فيشوش هؤلء المنشدون على عباد الله ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مجموع فتاوى شيخ السلم ‪. 15 -27/14‬‬
‫)‪ (2‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪. 434‬‬
‫)‪ (3‬إعلم الساجد بأحكام المساجد ص ‪ 191‬فما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (4‬البداع ص ‪ ، 324‬وانظر السنن والمبتدعات ص ‪ ، 256‬السلسلة‬
‫الضعيفة ‪. 1/117‬‬
‫)‪ (5‬المر بالتباع ص ‪. 275‬‬

‫)‪(64 /‬‬

‫قال الشيخ علي محفوظ ‪ ]:‬ومنها إقامة حلقات الذكر المحرف في المساجد‬
‫أيام المولد مع ارتفاع أصوات المنشدين مع التصفيق الحاد من رئيس‬
‫الذاكرين ) بل الراقصين ( وقد يضربون على البازة أو السلمية أثناء الذكر‬
‫وفي المسجد وكل ذلك غير مشروع بإجماع العلماء ولم يكن على عهد‬
‫رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم‬
‫من الصحابة والتابعين ول عهد الئمة الربعة المجتهدين رضي الله عنهم‬
‫أجمعين [ )‪.(1‬‬
‫ً‬
‫كما أن في هذا النشاد تشبها بالنصارى الذين يفعلون شبهه في كنائسهم‪.‬‬
‫ثم إن هذا النشاد الديني ليس له أصل صحيح يعتمد عليه فليس من جملة‬
‫القرب الشرعية ‪.‬‬
‫وقد سئل العز بن عبد السلم عن مثل ذلك ‪ ]:‬ما يقول سيدنا في جماعة من‬
‫أهل الخير والصلح والورع يجتمعون في وقت فينشد لهم منشد أبياتا ً في‬
‫المحبة وغيرها ‪ ،‬فمنهم من يتواجد فيرقص ومنهم من يصيح ويبكي ومنهم‬
‫من يغشاه شبه الغيبة عن إحساسه فهل يكره لهم هذا العمل أم ل ؟‬
‫فأجاب ‪:‬‬
‫الرقص بدعة ل يتعاطاه إل ناقص العقل ول يصلح إل للنساء [ )‪.(2‬‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونص الفقهاء على أنه ل يجوز شغل المساجد بالغناء والرقص )‪.(3‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬ومن أعظم ما يقوي الحوال الشيطانية سماع‬
‫الغناء والملهي وهو سماع المشركين قال الله تعالى ‪:‬‬
‫ة ( قال ابن عباس وابن عمر‬ ‫صدِي َ ً‬ ‫كاًء وَت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِإل ُ‬ ‫عن ْد َ ال ْب َي ْ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫صلت ُهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫) وَ َ‬
‫رضي الله عنهم وغيرهما من السلف " التصدية " التصفيق باليد والمكاء مثل‬
‫الصفير فكان المشركون يتخذون هذا عبادة وأما النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -‬وأصحابه فعبادتهم ما أمر الله به من الصلة والقراءة والذكر ونحو ذلك ‪،‬‬
‫والجتماعات الشرعية ولم يجتمع النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه‬
‫على استماع غناء قط ل بكف ول بدف ول تواجد ول سقطت بردته بل كل‬
‫ذلك كذب باتفاق أهل العلم بحديثه ‪.‬‬
‫ً‬
‫وكان أصحاب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إذا اجتمعوا أمروا واحدا منهم‬
‫أن يقرأ والباقون يستمعون وكان عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬يقول‬
‫لبي موسى الشعري ‪ :‬ذكرنا ربنا فيقرأ وهم يستمعون ومّر النبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬بأبي موسى الشعري وهو يقرأ فقال له ‪ ):‬مررت بك‬
‫البارحة وأنت تقرأ فجعلت أستمع لقراءتك فقال ‪ :‬لو علمت أنك تستمع‬
‫لحبرته لك تحبيرا ً ( أي لحسنته لك تحسينا ً كما قال النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ): -‬زينوا القرآن بأصواتكم ( وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬لله‬
‫أشهد أذنا ً أي استماعا ً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة‬
‫ي القرآن‬ ‫إلى قينته ( وقال ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لبن مسعود ‪ ):‬اقرأ عل ّ‬
‫فقال ‪ :‬أقرأ عليك وعليك أنزل ؟ فقال ‪ :‬إني أحب أن أسمعه من غيري‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫جئ َْنا ِ‬ ‫ف إ َِذا ِ‬ ‫فقرأت عليه سورة النساء حتى انتهيت إلى هذه الية ‪ ):‬فَك َي ْ َ‬
‫دا ( قال ‪ :‬حسبك فإذا عيناه تذرفان‬ ‫ؤلِء َ‬ ‫ك عََلى هَ ُ‬ ‫جئ َْنا ب ِ َ‬ ‫مةٍ ب ِ َ‬ ‫كُ ّ ُ‬
‫شِهي ً‬ ‫شِهيدٍ وَ ِ‬ ‫لأ ّ‬
‫من البكاء ‪.‬‬
‫ومثل هذا السماع هو سماع النبيين وأتباعهم كما ذكره الله في القرآن‬
‫ْ‬ ‫ك ال ّذي َ‬ ‫فقال ‪ُ ):‬أول َئ ِ َ‬
‫ملَنا‬ ‫ح َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ن ذ ُّري ّةِ َءاد َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الن ّب ِّيي َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن أن ْعَ َ‬ ‫ِ َ‬
‫جت َب َي َْنا إ َِذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫ن هَد َي َْنا َوا ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ن ذ ُّري ّةِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫معَ ُنوٍح وَ ِ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫مُعوا َ‬ ‫س ِ‬ ‫دا وَب ُك ِّيا ( وقال في أهل المعرفة ‪ ) :‬وَإ َِذا َ‬ ‫ج ً‬ ‫س ّ‬ ‫خّروا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ت الّر ْ‬ ‫َءاَيا ُ‬
‫مِع ( ومدح سبحانه أهل هذا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ ُن ْزِ َ‬
‫ن الد ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ض ِ‬ ‫في ُ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫ل ت ََرى أعْي ُن َهُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫ل إ ِلى الّر ُ‬
‫السماع بما يحصل لهم من زيادة اليمان واقشعرار الجلد ودمع العين فقال‬
‫تعالى ‪ ):‬الل ّه نز َ َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫جُلود ُ ال ّ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫شعِّر ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ي تَ ْ‬‫مَثان ِ َ‬ ‫شاب ًِها َ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ث ك َِتاًبا ُ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ُ َّ‬
‫ما‬ ‫ِّ َ‬ ‫ن‬‫إ‬ ‫‪):‬‬ ‫تعالى‬ ‫وقال‬ ‫(‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫ِ ِ‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ذ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬
‫ُُ ْ ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫م ثُ ّ َ ِ ُ ُ ُ ُ ْ َ‬
‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫لي‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م‬
‫ه َزاد َت ْهُ ْ‬ ‫م َءاَيات ُ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م وَإ َِذا ت ُل ِي َ ْ‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫جل َ ْ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫ن إ َِذا ذ ُك َِر الل ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن أول َئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫قو َ‬ ‫م ي ُن ْفِ ُ‬ ‫ما َرَزقَْناهُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫صلة َ وَ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫مو َ‬ ‫قي ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م ي َت َوَك ُّلو َ‬ ‫ماًنا وَعََلى َرب ّهِ ْ‬ ‫ِإي َ‬
‫م (‪.‬‬ ‫ري ٌ‬ ‫فَرةٌ وَرِْزقٌ ك َ ِ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫م وَ َ‬ ‫عن ْد َ َرب ّهِ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫م د ََر َ‬ ‫َ‬
‫قا لهُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫م ال ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬البداع ص ‪. 254-253‬‬
‫)‪ (2‬فتاوى العز بن عبد السلم ص ‪. 319-318‬‬
‫)‪ (3‬مجموع الفتاوى ‪. 4/16‬‬

‫)‪(65 /‬‬

‫وأما السماع المحدث سماع الكف والدف والقصب فلم تكن الصحابة‬
‫ً‬
‫والتابعون لهم بإحسان وسائر الكابر من أئمة الدين يجعلون هذا طريقا إلى‬
‫الله تبارك وتعالى ول يعدونه من القرب والطاعات بل يعدونه من البدع‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المذمومة حتى قال الشافعي ‪ :‬خلفت ببغداد شيئا ً أحدثته الزنادقة يسمونه‬
‫التغبير يصدون به الناس عن القرآن وأولياء الله العارفون يعرفون ذلك ‪،‬‬
‫ويعلمون أن للشيطان فيه نصيبا ً وافرا ً ولهذا تاب منه خيار من حضره منهم [‬
‫)‪.(1‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬بدعة الطواف بمسجد قبة الصخرة ‪:‬‬
‫بدعة الطواف بالصخرة بدعة قديمة ذكرها عدد من العلماء المتقدمين وما‬
‫زالت موجودة إلى وقتنا الحاضر وقد شاهدت بأم عيني عندما كنت طالبا ً في‬
‫المدرسة الثانوية الشرعية مجموعة من النسوة يطفن بمسجد الصخرة وكان‬
‫ذلك في شهر رمضان وفي يوم جمعة ‪.‬‬
‫م شرعا ً وبدعة منكرة ٌ فالسلم لم يشرع لنا إل‬‫والطواف بالصخرة محر ٌ‬
‫الطواف ببيت الله الحرام بمكة المكرمة فقط وكل طواف بما سواه منكر‬
‫ومحرم شرعا ً ‪.‬‬
‫قال الشيخ ابن الحاج ‪ ]:‬وليحذر مما يفعله بعضهم من هذه البدعة المستهجنة‬
‫وهو أنهم يطوفون بالصخرة كما يطوفون بالبيت العتيق [ )‪.(2‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬والعبادات المشروعة في المسجد القصى‬
‫هي من جنس العبادات المشروعة في مسجد النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫وغيره من سائر المساجد إل المسجد الحرام فإنه يشرع فيه زيادة على سائر‬
‫المساجد بالطواف بالكعبة واستلم الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر السود‬
‫وأما مسجد النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والمسجد القصى وسائر‬
‫المساجد فليس فيها ما يطاف به ول فيها ما يتمسح به ول ما يقبل فل يجوز‬
‫لحد أن يطوف بحجرة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول بغير ذلك من‬
‫مقابر النبياء والصالحين ول بصخرة بيت المقدس ول بغير هؤلء كالقبة التي‬
‫فوق جبل عرفات وأمثالها بل ليس في الرض مكان يطاف به كما يطاف‬
‫بالكعبة ومن اعتقد أن الطواف بغيرها فهو شر ممن يعتقد جواز الصلة إلى‬
‫غير الكعبة [ )‪.(3‬‬
‫ووصف السيوطي الطواف بالصخرة بأنه من فعل أهل الضلل )‪.(3‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬بدعة التمسح بالصخرة ‪:‬‬
‫معلوم أن مسجد قبة الصخرة أقيم على الصخرة التي قيل إن النبي‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬عرج منها إلى السموات العلى وزعم بعض الناس أنه يوجد‬
‫على الصخرة أثر قدمه الشريف‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪.(4) -‬‬
‫وهذا الكلم ليس بثابت بل هو من أوهام العوام لنه ل يعلم على وجه القطع‬
‫المحل الذي عرج منه النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬إلى السماء وإنما‬
‫المعروف أنه عرج به ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬من المسجد القصى‬
‫والمسجد القصى يطلق على كل المكان المعروف )‪.(5‬‬
‫كما أن الزعم بوجود أثر قدمه الشريف‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬على‬
‫الصخرة ما هو إل محض كذب وافتراء على رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪. -‬‬
‫وما ساقه الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته حول ذلك )‪ (6‬ما هو إل دجل‬
‫وخرافات ليس لها أصل علمي صحيح تقوم عليه ل بخبر أحاد ول بالتواتر كما‬
‫زعم الشيخ المذكور حيث إنه زعم أن ذلك ثابت بطريق التواتر )‪ (7‬بل ذلك‬
‫مجرد شائعات اكتسبت شهرة عند العامة ول أصل لكل هذه الخرافات فهي‬
‫كذب مختلق )‪.(8‬‬
‫وقد نص المحققون من العلماء والحفاظ على إنكار صحة آثار القدم النبوية‬
‫على الحجار وإن من علمات زيف آثار القدم ما قرره صاحب كتاب الثار‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النبوية ‪ -‬أحمد تيمور باشا ‪ -‬حين قابل بين المعروف من تلك الثار حيث‬
‫قال ‪ ]:‬المعروف الن من هذه الحجار سبعة أربعة منها بمصر وواحد بقبة‬
‫الصخرة ببيت المقدس وواحد بالقسطنطينة وواحد بالطائف وهي حجارة‬
‫سوداء إلى الزرقة في الغالب عليها آثار أقدام متباينة في الصورة والقدر ل‬
‫يشبه الواحد منها الخر [ )‪.(9‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬وما يذكره بعض الجهال فيها‬
‫‪ -‬أي في الصخرة ‪ -‬من أن هناك أثر قدم النبي وأثر عمامته وغير ذلك فكله‬
‫كذب [ )‪.(10‬‬
‫وقد روي في فضل الصخرة أحاديث كثيرة وكلها باطلة مكذوبة موضوعة‪،‬‬
‫قال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬وكل حديث في الصخرة فهو كذب مفترى والقدم‬
‫الذي فيها كذب موضوع مما عملته أيدي المزوريين الذين يروجون لها ليكثر‬
‫سواد الزائرين [ )‪.(11‬‬
‫ومن هذه الحاديث ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬مجموع الفتاوى ‪. 298-11/295‬‬
‫)‪ (2‬المدخل ‪. 4/256‬‬
‫)‪ (3‬مجموع الفتاوى ‪ (3) . 27/10‬المر بالتباع ص ‪.183‬‬
‫)‪ (4‬الحضرة النسية في الرحلة القدسية ‪ ، 1/347‬النس الجليل ‪. 2/54‬‬
‫)‪ (5‬انظر شرح العقيدة الطحاوية ص ‪ ، 273‬زاد المعاد ‪ ، 3/42‬بيت المقدس‬
‫ص ‪. 375‬‬
‫)‪ (6‬الحضرة النسية في الرحلة القدسية ‪. 367-1/355‬‬
‫)‪ (7‬المصدر السابق ‪. 1/359‬‬
‫)‪ (8‬التبرك أنواعه وأحكامه ص ‪. 353‬‬
‫)‪ (9‬المصدر السابق ص ‪. 353‬‬
‫)‪ (10‬مجموع الفتاوى ‪ ، 27/13‬وانظر اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪-317‬‬
‫‪. 318‬‬
‫)‪ (11‬المنار المنيف ص ‪. 87‬‬

‫)‪(66 /‬‬

‫‪ .1‬ما روي عن عبادة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أنه عليه الصلة والسلم قال ‪:‬‬
‫) صخرة بيت المقدس على نخلة والنخلة على نهر من أنهار الجنة وتحت‬
‫النخلة آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران تنظمان سموط أهل الجنة إلى‬
‫يوم القيامة( ذكره المنهاجي السيوطي ومجير الدين الحنبلي وعبد الغني‬
‫النابلسي)‪.(1‬‬
‫قال العلمة محدث العصر الشيخ اللباني يرحمه الله إنه حديث موضوع ونقل‬
‫عن الذهبي أن راوي الحديث محمد بن مخلد حدث بالباطيل ثم ذكر هذا‬
‫الحديث )‪.(2‬‬
‫وقال الهثيمي بعد أن ذكر الحديث ‪ ]:‬وفيه محمد بن مخلد الرعيني وهذا‬
‫الحديث من منكراته [ )‪.(3‬‬
‫‪ .2‬وما روي عن علي بن أبي طالب عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قال ‪ ):‬سيدة البقاع بيت المقدس وسيد الصخور صخرة بيت المقدس ( ذكره‬
‫المنهاجي السيوطي ومجير الدين الحنبلي )‪ .(4‬وهذا الحديث تفوح منه رائحة‬
‫الكذب ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .3‬وما روي عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬قال ) النهار كلها والسحاب والرياح من تحت صخرة بيت المقدس (‬
‫ذكره مجير الدين الحنبلي وعبد الغني النابلسي )‪.(5‬‬
‫وفي رواية أخرى ) المياه العذبة والرياح اللواقح من تحت صخرة بيت‬
‫المقدس ( )‪(6‬‬
‫‪ .4‬ومن الخرافات العجيبة ما ذكره عبد الغني النابلسي أن الصخرة معلقة‬
‫في السماء ل يمسكها إل الذي يمسك السماء أن تقع على الرض ‪ ...‬الخ )‪(7‬‬
‫وهذا عين الكذب والفتراء ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .5‬ومن الخرافات ما ذكره عبد الغني النابلسي أيضا أن النبي‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬لما صعد إلى السماء من الصخرة ليلة المعراج صعدت الصخرة‬
‫خلفه فأمسكتها الملئكة فوقفت بين السماء والرض )‪.(8‬‬
‫وهذا كذب ودجل بل خجل ول يصدقه إل من في عقله خبل ‪.‬‬
‫قال الشيخ علي محفوظ بعد أن ذكر هذه الخرافة ‪ ]:‬وهذا من الكاذيب‬
‫المشهورة ول أصل له في الدين [ )‪.(9‬‬
‫‪ .6‬ومن الخرافات أيضا ً ما نقله الشيخ عبد الغني النابلسي عن عطاء قال ‪] :‬‬
‫وكانت صخرة بيت المقدس طولها في السماء اثني عشر ميل ً ويقال إنه‬
‫ليس بينها وبين السماء إل ثمانية عشر ميل ً وكان أهل أريحا يستظلون بظلها‬
‫وكان عليها ياقوتة تغزل نساء البلقان على ضوئها بالليل ‪ .‬قال ‪ :‬ولم تزل‬
‫كذلك حتى غلبت عليها الروم بعد أن خربها بختنصر [ )‪.(10‬‬
‫وهذا عين الكذب والفتراء المحض ‪ .‬وغير ذلك من الخرافات والحاديث‬
‫الباطلة ‪.‬‬
‫وقد شاعت هذه الحاديث والقاويل بين عامة الناس وعند من كتبوا في‬
‫فضائل بيت المقدس والمسجد القصى مما أثر في نفوس العامة فصاروا‬
‫يتمسحون بالصخرة أو يقبلونها ويقدسونها وكل ذلك من البدع المنكرة ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬فصخرة ببيت المقدس ل يسن استلمها ول‬
‫تقبيلها باتفاق المسلمين بل ليس للصلة عندها والدعاء خصوصية على سائر‬
‫بقاع المسجد والصلة والدعاء في قبلة المسجد الذي بناه عمر بن الخطاب‬
‫للمسلمين أفضل من الصلة والدعاء عندها [ )‪.(11‬‬
‫ومن المعلوم عند العلماء المحققين أنه ل يشرع تقبيل أي شيء من‬
‫الجمادات إل الحجر السود لما ثبت في الصحيحين أن عمر‪ -‬رضي الله عنه ‪-‬‬
‫قال ‪ ) :‬والله إني لعلم أنك حجر ل تضر ول تنفع ولول أني رأيت رسول الله‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقبلك ما قبلتك ( )‪.(12‬‬
‫وقد سبق أنه لم يثبت شيء في فضل الصخرة على وجه الخصوص وإنما‬
‫الثابت ما ورد في فضائل المسجد القصى فمن ذلك ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حَرام ِ إ ِلى‬
‫جدِ ال َ‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫سَرى ب ِعَب ْدِهِ ل َْيل ِ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬
‫قوله تعالى ‪ُ ):‬‬
‫صيُر ( )‬ ‫ْ‬
‫ميعُ الب َ ِ‬
‫س ِ‬
‫ن َءاَيات َِنا إ ِّنه هُوَ ال ّ‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ه ل ِن ُرِي َ ُ‬ ‫َ‬
‫حوْل ُ‬ ‫ْ‬
‫ذي َباَركَنا َ‬ ‫ّ‬
‫صى ال ِ‬ ‫جدِ القْ َ‬
‫س ِ‬‫م ْ‬‫ال ْ َ‬
‫‪.(13‬‬
‫عن أبي هريرة ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن النبي قال ‪ ):‬ل تشد الرحال إل إلى ثلثة‬
‫مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ومسجد‬
‫القصى ( رواه البخاري ومسلم )‪.(14‬‬
‫وقد وردت بعض الحاديث في مضاعفة الصلة في المسجد القصى فمن‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫‪ .1‬عن أبي الدرداء قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬الصلة‬
‫في المسجد الحرام بمائة ألف صلة والصلة في مسجدي بألف صلة‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والصلة في بيت المقدس بخمسمائة صلة ( رواه الطبراني في الكبير‬


‫ورجاله ثقات وفي بعضهم كلم وهو حديث حسن كما قال الهيثمي )‪.(15‬‬
‫ورواه البزار وقال إسناده حسن )‪.(16‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬إتحاف الخصا ‪ ، 1/130‬النس الجليل ‪ ، 1/357‬الحضرة النسية ‪.1/318‬‬
‫)‪ (2‬السلسلة الضعيفة ‪. 407-3/406‬‬
‫)‪ (3‬مجمع الزوائد ‪. 9/218‬‬
‫)‪ (4‬إتحاف الخصا ‪ ، 1/132‬النس الجليل ‪. 1/357‬‬
‫)‪ (5‬النس الجليل ‪ ، 1/352‬الحضرة النسية ‪. 1/314‬‬
‫)‪ (6‬النس الجليل ‪. 1/352‬‬
‫)‪ (7‬الحضرة النسية ‪. 330-1/329‬‬
‫)‪ (8‬المصدر السابق ‪. 1/332‬‬
‫)‪ (9‬البداع ص ‪. 330‬‬
‫)‪ (10‬الحضرة النسية ‪. 1/333‬‬
‫)‪ (11‬مجموع الفتاوى ‪. 136-27/135‬‬
‫)‪ (12‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 4/208‬صحيح مسلم بشرح النووي‬
‫‪. 3/396‬‬
‫)‪ (13‬سورة السراء الية ‪. 1‬‬
‫)‪ (14‬صحيح البخاري مع الفتح ‪ ، 4/306‬صحيح مسلم مع شرح النووي‬
‫‪. 3/517‬‬
‫)‪ (15‬مجمع الزوائد ‪. 4/7‬‬
‫)‪ (16‬فتح الباري ‪. 4/309‬‬

‫)‪(67 /‬‬

‫وذكر المنذري الحديث وقال رواه الطبراني في الكبير وابن خزيمة في‬
‫صحيحه وذكر أن البزار قال ‪ :‬إسناده حسن ‪ ،‬وعقب المنذر على ذلك بقوله ‪:‬‬
‫كذا قال )‪.(1‬‬
‫والذي يظهر من كلم الشيخ اللباني على الحديث أنه يميل إلى تضعيفه )‪.(2‬‬
‫وقال الشيخ صالح آل الشيخ ‪ ]:‬وتحسين إسناده عندي مشكل لن سعيد بن‬
‫بشير ليس ممن يحتج بحديثه وقد تفرد به [ )‪.(3‬‬
‫وقال د‪.‬صالح الرفاعي ‪ ]:‬والخلصة أن حديث أبي الدرداء حديث حسن إل‬
‫قوله ‪ ) :‬وفي مسجد بيت المقدس خمسمئة صلة ( فإن هذه الجملة‬
‫ضعيفة [ )‪.(4‬‬
‫‪ .2‬وعن ميمونة مولة النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قالت ‪ ):‬قلت يا رسول‬
‫الله ! أفتنا في بيت المقدس ‪ .‬قال ‪ :‬أرض المحشر والمنشر إئتوه فصلوا فيه‬
‫فإن صلة فيه كألف صلة في غيره ‪ .‬قلت أرأيت إن لم نستطع أن أتحمل‬
‫إليه ! قال ‪ :‬فتهدي له زيتا ً يسرج فيه فمن فعل ذلك فهو كمن أتاه ( رواه‬
‫ابن ماجة وأحمد والطبراني وغيرهم قال الذهبي ‪ :‬هذا حديث منكر جدا ً )‪.(5‬‬
‫وتراجع الشيخ اللباني عن تصحيح هذا الحديث حيث كان قد صححه في‬
‫فضائل الشام ثم قال ‪ ]:‬ثم بدا لي أنه غير جيد السند فيه علة تقدح في‬
‫صحته [ )‪.(6‬‬
‫وقال الشيخ اللباني في موضع آخر ‪ ]:‬وأما حديث إن الصلة في بيت‬
‫المقدس بألف صلة فهو حديث منكر كما قال الذهبي ‪.(7) [ ...‬‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .3‬وعن أنس بن مالك ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ) -‬صلة الرجل في بيته بصلة وصلته في مسجد القبائل بخمس‬
‫وعشرين صلة وصلته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلة وصلته‬
‫في المسجد القصى بخمسين ألف صلة وصلته في مسجدي بخمسين ألف‬
‫صلة وصلته في المسجد الحرام بمئة ألف صلة ( رواه ابن ماجة وقال‬
‫البوصيري في الزوائد ‪ :‬إسناده ضعيف )‪ .(8‬وقال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬وهو‬
‫حديث مضطرب " إن الصلة فيه بخمسين ألف صلة " وهذا محال لن‬
‫مسجد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أفضل منه والصلة فيه تفضل‬
‫على غيره بألف صلة [ )‪.(9‬‬
‫ً‬
‫وقال الذهبي ] هذا منكر جدا [ )‪.(10‬‬
‫‪ .4‬وعن أبي ذر ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬تذاكرنا ونحن عند رسول الله‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أيهما أفضل أمسجد رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬أم بيت المقدس ؟ فقال رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ : -‬صلة‬
‫في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو وليوشكن‬
‫لن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الرض حيث يرى منه ببيت المقدس‬
‫خير له من الدنيا جميعا ً ( رواه الحاكم والطبراني والطحاوي وغيرهم ‪ .‬وقال‬
‫الحاكم هذا حديث صحيح السناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي )‪ .(11‬وقال‬
‫الهيثمي ‪ ]:‬رواه الطبراني في الوسط ورجاله رجال الصحيح [ )‪.(12‬‬
‫وصححه الشيخ اللباني بل قال عنه إنه أصح ما جاء في فضل الصلة في‬
‫المسجد القصى )‪.(13‬‬
‫وقال د‪ .‬صالح الرفاعي ‪ ]:‬والحديث في إسناده قتادة وهو مدلس ولم يصرح‬
‫بالتحديث ‪ ...‬فيخشى أن يكون دلسه ل سيما أن في متنه غرابة كما قال‬
‫المنذري فالحديث ضعيف السناد ولن قتادة لم يصرح بالتحديث [ )‪.(14‬‬
‫وقد بين الشيخ اللباني أن للحديث طريقان آخران فلذا صححه )‪.(15‬‬
‫وقد وردت أحاديث أخرى ضعيفة في مضاعفة الصلة في المسجد القصى )‬
‫‪.(16‬‬
‫ً‬
‫والذي يظهر لي أن أحسنها حال الحديث الخير حديث أبي ذر ثم الحديث‬
‫الول وهو حديث أبي الدرداء وقد قال عنه شيخ السلم ابن تيمية ‪ ... ]:‬وأما‬
‫في المسجد القصى فقد روي أنها بخمسين صلة وقيل بخمسمائة صلة وهو‬
‫الشبه [ )‪.(17‬‬
‫وقال ابن القيم ‪ ]:‬وقد روي في بيت المقدس التفضيل بخمسمائة وهو‬
‫أشبه [ )‪.(18‬‬
‫المبحث الحادي عشر‬
‫بدعة الحتفال بالمولد النبوي‬
‫من البدع المنتشرة في بلد العالم السلمي وفي بلدنا بدعة الحتفال‬
‫بالمولد النبوي بل أصبح يوم المولد النبوي عيدا ً رسميا ً تعطل فيه الدوائر‬
‫والمؤسسات الرسمية والمصانع أعمالها ويسمونه عيد المولد النبوي ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الترغيب والترهيب ‪. 2/175‬‬
‫)‪ (2‬إرواء الغليل ‪ ، 343-4/342‬تمام المنة ص ‪. 293‬‬
‫)‪ (3‬التكميل ص ‪. 49-48‬‬
‫)‪ (4‬الحاديث الواردة في فضائل المدينة ص ‪. 409‬‬
‫)‪ (5‬سنن ابن ماجة ‪ ، 1/451‬الفتح الرباني ‪ ، 23/293‬ميزان العتدال ‪2/90‬‬
‫نقل ً عن الحاديث الواردة في فضائل المدينة ص ‪. 423‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (6‬انظر فضائل الشام ص ‪ ، 15‬تحذير الساجد ص ‪. 198‬‬


‫)‪ (7‬تمام المنة ص ‪. 294‬‬
‫)‪ (8‬سنن ابن ماجة ‪. 1/353‬‬
‫)‪ (9‬المنار المنيف ص ‪. 93-92‬‬
‫)‪ (10‬ميزان العتدال ‪ 4/520‬نقل ً عن المصدر السابق ‪.‬‬
‫)‪ (11‬المستدرك ‪. 5/712‬‬
‫)‪ (12‬مجمع الزوائد ‪. 4/7‬‬
‫)‪ (13‬تحذير الساجد ص ‪ ، 198‬تمام المنة ‪ ، 294‬السلسلة الصحيحة‬
‫‪. 6/2/954‬‬
‫)‪ (14‬الحاديث الواردة في فضائل المدينة ص ‪. 423-422‬‬
‫)‪ (15‬السلسلة الصحيحة ‪. 955-6/2/954‬‬
‫)‪ (16‬انظر إعلم الساجد ص ‪ ، 202-201‬تحذير الساجد ص ‪. 197‬‬
‫)‪ (17‬مجموع الفتاوى ‪. 27/8‬‬
‫)‪ (18‬المنار المنيف ص ‪. 93‬‬

‫)‪(68 /‬‬

‫وتقام الحتفالت وتلقى الخطابات وتعقد حلقات النشاد وتقرأ قصة المولد‬
‫وقد يصاحب ذلك بعض المنكرات كاختلط الرجال بالنساء وما يتبع ذلك من‬
‫الرقص والتصفيق والتبرج وعزف الفرق الموسيقية داخل ساحات المسجد ‪.‬‬
‫إن هذه الحتفالت بدعة ول يجوز فعلها ول يصح اعتبار المولد عيدا ً من أعياد‬
‫المسلمين ويدل على عدم جواز كل ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إن هذا العمل ليس له أصل في الكتاب ول في السنة ولم يفعله‬
‫السلف الصالح بل ذلك من ] البدع المحدثة في الدين لن الرسول ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬لم يفعله ول خلفاؤه الراشدون ول غيرهم من الصحابة‬
‫رضوان الله على الجميع ول التابعون لهم بالحسان في القرون المفضلة‬
‫وهم أعلم الناس بالسنة وأكمل حبا ً لرسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ومتابعة لشرعه ممن بعدهم وقد ثبت عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه‬
‫قال ‪ ):‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ( أي مردود عليه وقال‬
‫في حديث آخر ‪ ):‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي‬
‫تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة‬
‫بدعة وكل بدعة ضللة ( ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما َءاَتاك ُ ُ‬ ‫والعمل بها وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين ‪ ):‬وَ َ‬
‫ن‬
‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬ ‫ه َفان ْت َُهوا ( وقال عز وجل ‪ ):‬فَل ْي َ ْ‬ ‫م عَن ْ ُ‬ ‫ما ن ََهاك ُ ْ‬ ‫ذوه ُ وَ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫فَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫م ( وقال سبحانه ‪ ):‬ل َ َ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫صيب َهُ ْ‬ ‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫م فِت ْن َ ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬‫ن تُ ِ‬ ‫مرِهِ أ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫ُ‬
‫خَر وَذ َك ََر الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م ال ِ‬ ‫ه َوال ْي َوْ َ‬ ‫جو الل ّ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة لِ َ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫سوَة ٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫ِفي َر ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫صارِ َوال ِ‬ ‫ن َوالن ْ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬‫مَها ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫ُ‬
‫ن الوّلو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫ك َِثيًرا( وقال تعالى ‪َ ) :‬وال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حت ََها‬ ‫ري ت َ ْ‬ ‫ج َِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَأعَد ّ لهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن َر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م ب ِإ ِ ْ‬ ‫ات ّب َُعوهُ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دا ذ َل ِك ال َ‬ ‫َ‬
‫ت لك ْ‬ ‫مل ُ‬ ‫م أك َ‬ ‫م ( وقال تعالى ‪ ):‬الي َوْ َ‬ ‫ظي ُ‬ ‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ن ِفيَها أب َ ً‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫الن َْهاُر َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ِديًنا ( واليات في هذا‬ ‫سل َ‬ ‫م ال ْ‬ ‫ت لك ُ‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ت عَلي ْك ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَأت ْ َ‬ ‫ِدين َك ُ ْ‬
‫المعنى كثيرة وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن الله سبحانه لم يكمل‬
‫الدين لهذه المة وأن الرسول عليه الصلة والسلم لم يبلغ ما ينبغي للمة أن‬
‫تعمل به حتى جاء هؤلء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به‬
‫زاعمين أن ذلك مما يقربهم إلى الله وهذا بل شك فيه خطر عظيم واعتراض‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الله سبحانه وعلى رسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والله سبحانه قد‬
‫أكمل لعباده الدين وأتم عليهم النعمة [ )‪.(1‬‬
‫وقال شيخ السلم ابن تيمية عن المولد ‪ ]:‬فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام‬
‫المقتضي له وعدم المانع منه ولو كان هذا خيرا ً محضا ً أو راجحا ً لكان السلف‬
‫رضي الله عنهم أحق به مّنا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وتعظيما ً له مّنا وهم على الخير أحرص [ )‪.(2‬‬
‫وقال الشيخ تاج الدين الفاكهاني ‪ ]:‬ل أعلم لهذا المولد أصل ً في كتاب ول‬
‫سنة ول ينقل عمله عن أحد من علماء المة الذين هم القدوة في الدين‬
‫المتمسكون بآثار المتقدمين [ )‪.(3‬‬
‫وقال الونشريسي تحت عنوان " التحبيس ‪ -‬الوقف ‪ -‬على إقامة ليلة المولد‬
‫ليس بمشروع " ‪ ]:‬وسئل الستاذ أبو عبد الله الحفار عن رجل حبس أصل‬
‫توت على ليلة مولد سيدنا محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ثم مات المحبس‬
‫فأراد ولده أن يتملك أصل التوت المذكور فهل له ذلك أم ل ؟‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬التحذير من البدع ص ‪. 4-3‬‬
‫)‪ (2‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪. 295‬‬
‫)‪ (3‬عمل المولد ص ‪ 21-20‬نقل ً عن التبرك أنواعه وأحكامه ص ‪، 362‬‬
‫وانظر الحاوي ‪ 191-1/190‬فقد نقل كلم الفاكهاني ‪.‬‬

‫)‪(69 /‬‬

‫فأجاب ‪ :‬وقفت على السؤال فوقه وليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم‬
‫أصحاب رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والتابعون لهم يجتمعون فيها‬
‫للعبادة ول يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة لن النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬ل يعظم إل بالوجه الذي شرع فيه تعظيمه ‪ ،‬وتعظيمه من أعظم‬
‫القرب إلى الله لكن يتقرب إلى الله جل جلله بما شرع ‪ ،‬والدليل على أن‬
‫السلف لم يكونوا يزيدون فيها زيادة على سائر الليالي أنهم اختلفوا فيها‪،‬‬
‫فقيل إنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولد في رمضان ‪ ،‬وقيل في ربيع ‪ ،‬واختلف‬
‫في أي يوم ولد فيه على أربعة أقوال ‪ ،‬فلو كانت تلك الليلة التي ولد في‬
‫صبيحتها تحدث فيها عبادة بولدة خير الخلق ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لكانت‬
‫معلومة مشهورة ل يقع فيها اختلف ‪ ،‬ولكن لم تشرع زيادة تعظيم أل ترى‬
‫أن يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس وأفضل ما يفعل في اليوم‬
‫الفاضل صومه وقد نهى النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن صوم يوم الجمعة‬
‫مع عظيم فضله فدل هذا على أنه ل تحدث عبادة في زمان ول في مكان إل‬
‫إن شرعت ‪ ،‬وما لم يشرع لم يفعل ‪ ،‬إذ ل يأتي آخر هذه المة بأهدى مما‬
‫أتى به أولها ولو فتح هذا الباب لجاء قوم فقالوا ‪ :‬يوم هجرته إلى المدينة يوم‬
‫أعز الله فيه السلم فيجتمع فيه ويتعبد ‪ ،‬ويقول آخرون الليلة التي أسري به‬
‫فيها حصل له من الشرف مال يقدر قدره فتحدث فيها عبادة ‪ ،‬فل يقف ذلك‬
‫عند حد ّ ‪ ،‬والخير كله في اتباع السلف الصالح الذين اختارهم الله له فما‬
‫فعلوا فعلناه وما تركوا تركناه فإذا تقرر هذا ظهر أن الجتماع في تلك الليلة‬
‫ليس بمطلوب شرعا ً بل يؤمر بتركه ووقوع التحبيس عليه مما يحمل على‬
‫بقاءه واستمراره ما ليس له أصل في الدين فمحوه وإزالته مطلوب شرعا ً [‬
‫)‪.(1‬‬
‫ً‬
‫وقال الونشريسي أيضا ‪ ]:‬وسئل سيدي أحمد القباب عما يفعله المعلمون‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من وقد الشمع في مولد النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬واجتماع الولد‬
‫للصلة على النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ويقرأ بعض الولد ممن هو حسن‬
‫الصوت عشرا ً من القرآن وينشد قصيدة في مدح النبي‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ويجتمع الرجال والنساء بهذا السبب ‪...‬‬
‫فأجاب بأن قال‪ :‬جميع ما وصفت من محدثات البدع التي يجب قطعها ومن‬
‫قام بها أو أعان عليها أو سعى في دوامها فهو ساٍع في بدعة وضللة ‪ ،‬ويظن‬
‫بجهله أنه بذلك معظم لرسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬قائم بمولده ‪،‬‬
‫وهو مخالف سنته مرتكب لمنهيات نهى عنها‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪، -‬‬
‫متظاهر بذلك محدث في الدين ما ليس منه ‪ ،‬ولو كان معظما ً له حق‬
‫التعظيم لطاع أوامره فلم يحدث في دينه ما ليس منه ‪ ،‬ولم يتعرض لما‬
‫َ‬ ‫فون عَ َ‬
‫م‬
‫صيب َهُ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬
‫مرِهِ أ ْ‬‫نأ ْ‬‫ْ‬ ‫خال ِ ُ َ‬
‫ن يُ َ‬ ‫حذ َرِ ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫حذر الله تعالى منه حيث قال ‪ ) :‬فَل ْي َ ْ‬
‫م ([ )‪.(2‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫فتن ٌ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ِ َْ‬
‫ً‬
‫ثانيا ‪ :‬إن الحتفال بالمولد النبوي واتخاذه عيدا فيه تشبه بأهل الكتاب‬ ‫ً‬
‫فالنصارى يحتفلون بعيد مولد عيسى عليه السلم كما يزعمون في نهاية كل‬
‫عام ميلدي ‪ ،‬وكذلك اليهود يحتفلون بأعياد زعموها لنبيائهم فإذا احتفل‬
‫المسلمون بعيد المولد النبوي غير المشروع فقد تشبهوا بأهل الكتاب وقد‬
‫نهينا عن التشبه بهم ‪ ،‬قال العلمة ابن القيم ‪ ]:‬ومن خص المكنة والزمنة‬
‫من عنده بعبادات لجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا‬
‫زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلد ويوم التعميد وغير ذلك‬
‫من أحواله [ )‪.(3‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إن الحتفال بالمولد أمر محدث لم تعرفه القرون الولى الفاضلة وأول‬
‫من أحدث هذه البدعة أحد خلفاء الدولة الفاطمية من الرافضة وهو المعز‬
‫لدين الله وذلك سنة ‪ 362‬هـ بالقاهرة فقد أحدث ستة موالد وهي ‪ :‬المولد‬
‫النبوي ومولد المام علي ومولد فاطمة ومولد الحسن والحسين ومولد‬
‫الخلفية المعاصر وبقيت هذه الموالد إلى أن أبطلها الفضل أمير الجيوش بن‬
‫بدر الجمالي سنة ‪ 488‬هـ ثم أعيد الحتفال بها سنة في خلفة المر بأحكام‬
‫الله سنة ‪ 524‬هـ ‪ ،‬وكان أول من أحدث الحتفال بالمولد النبوي بالعراق‬
‫صاحب إربل الملك أبو سعيد كوكبوري في القرن السابع الهجري )‪.(4‬‬
‫والسؤال أين كان المسلمون خلل عدة قرون عن هذا الحتفال لو كان‬
‫مشروعًا؟ وأين كان الصحابة والتابعون وسلف المة عن هذا الحتفال لو كان‬
‫مشروعا ً ؟‬
‫والله لو كان الحتفال بالمولد النبوي مشروعا ً لسبقونا إليه فإنهم أشد حبا ً‬
‫لله ولرسوله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ممن جاء بعدهم وهم أشد اتباعا ً ممن‬
‫خلفهم ‪.‬‬
‫رابعا ً ‪ :‬إن يوم مولد النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬ليس معلوما على الوجه‬
‫ً‬
‫القطعي فقد اختلف العلماء في تعيين يوم مولده فمنهم من قال ولد يوم‬
‫الثنين الثاني عشر من ربيع الول وهذا القول هو المشهور ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المعيار المعرب ‪. 100-7/99‬‬
‫)‪ (2‬المعيار المعرب ‪. 49-12/48‬‬
‫)‪ (3‬زاد المعاد ‪. 1/59‬‬
‫)‪ (4‬البداع ص ‪ ، 251‬التبرك أنواعه وأحكامه ص ‪ ، 361-360‬وانظر البدع‬
‫الحولية ص ‪ 137‬فما بعدها ‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(70 /‬‬

‫وقيل في الثاني منه وقيل في الثامن منه وقيل في العاشر وقيل في السابع‬
‫عشر منه وقيل في الثامن عشر منه ‪.‬‬
‫ورجح بعض العلماء المحدثين أنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولد في التاسع‬
‫من ربيع الول وحسب ذلك فلكيا ً )‪.(1‬‬
‫وبناء على هذا الختلف فإن جعل الحتفال بالمولد في الثاني عشر من ربيع‬
‫الول ل أصل له من الناحية التاريخية فهو تحكم بدون مستند )‪.(2‬‬
‫ووقوع هذا الخلف في يوم مولده يدل على أن الصحابة رضي الله عنهم لم‬
‫يروا أن لذلك اليوم شعارا ً خاصا ً به لنهم لو كان يعلمون أن لهذا اليوم شعارا ً‬
‫خاصا ً لعينوه واهتموا به ولصار معلوما ً مشهورا ً ولما لم يكن ذلك دل على‬
‫عدم مشروعية الحتفال من أصله ‪.‬‬
‫خامسا ً ‪ :‬إن احتفال كثير من المحتفلين بالمولد النبوي يتضمن في الغالب‬
‫مفاسد ومنكرات عديدة منها ‪:‬‬
‫أ‪ .‬إن كثيرا ً من القصائد والمدائح التي ي ُت ََغنى بها في المولد ل تخلو من ألفاظ‬
‫الشرك وعبارات الغلو في الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كما في قصيدة‬
‫البوصيري ‪:‬‬
‫يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم‬
‫إن لم تكن آخذا ً يوم المعاد يدي صفحا ً وإل فقل يا زلة القدم‬
‫فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم‬
‫فمثل هذه الوصاف ل تصح إل الله عز وجل فكيف تكون الدنيا والخرة من‬
‫جود النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬؟ وكيف يكون علم اللوح والقلم من علم‬
‫النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬؟ وماذا أبقى هذا الشاعر لله تعالى ؟!! )‪(3‬‬
‫ل شك أن هذا من الغلو وقد نهى النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عن الغلو‬
‫بقوله ‪ ):‬ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد‬
‫الله ورسوله ( رواه البخاري )‪.(4‬‬
‫وصح عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪ ):‬إياكم والغلو في الدين‬
‫فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ( رواه أحمد والنسائي وابن ماجة‬
‫وابن حبان وهو حديث صحيح صححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه النووي‬
‫واللباني وغيرهم )‪.(5‬‬
‫ب‪ .‬ومن البدع القبيحة التي تقع في بعض الحتفالت بالمولد النبوي قيام‬
‫الحاضرين تعظيما ً وإكراما ً عند ذكر ولدته ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وخروجه‬
‫إلى الدنيا لنهم يعتقدون حضور الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬لحتفالهم‬
‫كما زعموا ‪.‬‬
‫قال العلمة الشيخ عبد العزيز باز في إبطال هذه البدعة ‪ ]:‬ومن ذلك أن‬
‫بعضهم يظن أن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يحضر المولد ولهذا‬
‫يقومون له محيين ومرحبين وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل فإن‬
‫الرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ل يخرج من قبره قبل يوم القيامة ول يتصل‬
‫بأحد من الناس ول يحضر اجتماعاتهم بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة‬
‫وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة كما قال الله تعالى في‬
‫سورة المؤمنين ‪:‬‬
‫ن ( وقال النبي ‪ -‬صلى‬ ‫مةِ ت ُب ْعَُثو َ‬
‫قَيا َ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م ي َوْ َ‬ ‫ن ثُ ّ‬
‫مي ُّتو َ‬ ‫َ‬
‫كل َ‬ ‫م إ ِن ّك ُ ْ‬
‫م ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫) ثُ ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ ) : -‬أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة وأنا أول شافع‬
‫وأول مشفع ( عليه من ربه أفضل الصلة والسلم فهذه الية الكريمة‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحديث الشريف وما جاء في معناهما من اليات والحاديث كلها تدل على‬
‫أن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وغيره من الموات إنما يخرجون من‬
‫قبورهم يوم القيامة وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع‬
‫بينهم فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه المور والحذر مما أحدثه الجهال‬
‫وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان والله‬
‫المستعان وعليه التكلن ول حول ول قوة إل به [ )‪.(6‬‬
‫المبحث الثاني عشر‬
‫بدعة الحتفال بعيد الميلد‬
‫من البدع المنكرة التي انتشرت بين الناس إقامة حفلت عيد الميلد لبنائهم‬
‫وبناتهم فكلما مّر عام على موعد ولدة الشخص ابنا ً كان أو بنتا ً أو زوجا ً أو‬
‫زوجة يقيمون له حفلة عيد ميلد فيصنعون الحلوى وما يسمى بكعكة عيد‬
‫الميلد ويضعون عليها الشموع بعدد سنوات العمر التي مضت وينشدون‬
‫أنشوده مخصوصة لهذا الحتفال باللغة النجليزية ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪... Happy birth day to you‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر تفصيل ذلك في المواهب اللدنية ‪ ، 142-1/140‬شرح الزرقاني‬
‫على المواهب ‪ ، 248-1/246‬لطائف المعارف ص ‪. 185-184‬‬
‫)‪ (2‬انظر فتاوى العقيدة ص ‪. 621‬‬
‫)‪ (3‬فتاوى العقيدة ص ‪ ، 620-619‬التبرك أنواعه وأحكامه ص ‪. 366-365‬‬
‫)‪ (4‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 7/300‬‬
‫)‪ (5‬الفتح الرباني ‪ ، 12/169‬سنن النسائي ‪ ، 5/268‬سنن ابن ماجة‬
‫‪ ،2/1008‬صحيح ابن حبان ‪ ، 9/183‬المستدرك ‪ ، 2/120‬المجموع ‪،8/171‬‬
‫السلسلة لصحيحة ‪. 3/278‬‬
‫)‪ (6‬التحذير من البدع ص ‪. 6‬‬

‫)‪(71 /‬‬

‫ه بالنصارى فإن أصل فكرة عيد الميلد نبتت‬ ‫ة ومنكٌر وتشب ٌ‬


‫وهذا الحتفال بدع ٌ‬
‫من النصارى الذين يحتفلون بعيد ميلد عيسى عليه السلم في كل عام ‪،‬‬
‫فتقام له الحتفالت في الكنائس في أواخر الشهر الخير من العام الميلدي‬
‫عند بعض طوائف النصارى وتحتفل طوائف أخرى به في أوائل الشهر الول‬
‫من العام ومما يؤسف له أن بعض المسلمين يشاركون في هذه الحتفالت‬
‫معهم في كنائسهم ‪ ،‬وآخرون من المسلمين يقيمون حفلت الرقص والغناء‬
‫في هذه اليام ويتخلل هذه الحتفالت كثير من المنكرات أقلها اختلط‬
‫الرجال بالنساء المتبرجات ويتخللها الرقص وشرب الخمور وأمور أخرى‬
‫يخجل النسان من ذكرها فنسأل الله العفو والعافية‪.‬‬
‫وقد حذر العلماء منذ عهد بعيد من مشاركة المسلمين لهل الكتاب في‬
‫احتفالتهم الدينية وشعائرهم ويظهر من استقراء الكتب التي تحدثت عن هذه‬
‫المسألة أن بعض العوام من المسلمين ممن ضعف إيمانهم وكثر جهلهم‬
‫بأحكام السلم كانوا يشاركون النصارى احتفالتهم أو يظهرون مظاهر عيدهم‬
‫فقد حذر المام أبو بكر الطرطوشي المتوفى سنة ‪ 530‬هـ المسلمين من‬
‫المشاركة في هذه الحتفالت )‪.(1‬‬
‫وكذلك فعل شيخ السلم ابن تيمية المتوفى سنة ‪ 728‬هـ وتلميذه العلمة‬
‫ابن القيم والشيخ إدريس التركماني وكذلك فعل جلل الدين السيوطي‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وغيرهم )‪.(2‬‬
‫وقد اتفق أهل العلم على تحريم حضور أعياد أهل الكتاب والتشبه بهم فيها‬
‫وقد نص على ذلك فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وغيرهم )‪.(3‬‬
‫ومن نصوص العلماء في ذلك ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬ما ورد عن عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬ل تعلموا رطانة‬
‫العاجم ول تدخلوا على المشركين كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل‬
‫عليهم ( رواه عبد الرزاق والبيهقي وإسناده صحيح كما قال شيخ السلم ابن‬
‫تيمية وابن القيم )‪.(4‬‬
‫‪ .2‬وعن عمر أيضا ً أنه قال ‪ ) :‬اجتنبوا أعداء الله في دينهم ( رواه البيهقي )‬
‫‪.(5‬‬
‫‪ .3‬وعن عبد الله بن عمرو ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬من بنى ببلد العاجم‬
‫فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم‬
‫القيامة ( رواه البيهقي )‪.(6‬‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫‪ .4‬وقد ورد عن جماعة من التابعين في تفسير قوله تعالى ‪َ ):‬وال ِ‬
‫ن الّزوَر ( )‪ .(7‬أن ذلك أعياد المشركين ‪ ،‬فقد ورد عن محمد بن‬ ‫دو َ‬
‫شهَ ُ‬‫يَ ْ‬
‫سيرين أنه قال في تفسير الزور بأنه الشعانين ‪ -‬وهو عيد للنصارى ‪. -‬‬
‫وورد عن مجاهد أنه قال ‪ ]:‬هو أعياد المشركين ونحوه ورد عن الربيع بن‬
‫أنس والضحاك وأبي العالية وطاووس [ )‪.(8‬‬
‫‪ .5‬قال أبو القاسم هبة الله بن الحسين الطبري الفقيه الشافعي ‪ ]:‬ول يجوز‬
‫للمسلمين أن يحضروا أعيادهم لنهم على منكر وزور وإذا خالط أهل‬
‫المعروف أهل المنكر بغير النكار عليهم كانوا كالراضين به المؤثرين له‬
‫فنخشى من نزول سخط الله على جماعتهم فيعم الجميع نعوذ بالله من‬
‫سخطه [ )‪.(9‬‬
‫‪ .6‬وقال أبو الحسن المدي ‪ ]:‬ل يجوز شهود أعياد النصارى واليهود ‪ ،‬نص‬
‫ن الّزوَر (‬‫دو َ‬ ‫ن ل يَ ْ‬
‫شهَ ُ‬ ‫عليه أحمد في رواية مهنا ‪ .‬واحتج بقوله تعالى ‪َ ):‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫قال ‪ :‬الشعانين وأعيادهم )‪.(10‬‬
‫‪ .7‬وقال الشيخ إدريس التركماني ‪ ]:‬ومن قلة التوفيق والسعادة ما يفعله‬
‫المسلم الخبيث في يوم يعرف بالميلد فيشتري لولده القصب والشمع‬
‫والقفص ‪ ...‬فيقع في البدع ويخرج عن طريق النبي المختار صلوات الله عليه‬
‫وسلمه آناء الليل وأطراف النهار وفي فعلته هذه قد تشبه بالكفار ‪) [ ...‬‬
‫‪.(11‬‬
‫‪ .8‬وقال الشيخ إدريس التركماني أيضا ً ‪ ]:‬وقد أجمع الئمة على ما شرط‬
‫عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬وسائر الصحابة أن أهل الكتاب ل‬
‫يظهرون أعيادهم وشعائرهم في بلد المسلمين فإذا منعهم الشرع فمن لم‬
‫ينكر عليهم في إظهار ذلك وشاركهم في شيء من أفعالهم أو ساعدهم‬
‫بإعارة شيء أو كثر سوادهم حشر معهم [ )‪.(12‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬الحوادث والبدع ص ‪. 150‬‬
‫)‪ (2‬انظر اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪ 180‬فما بعدها ‪ ،‬أحكام أهل الذمة‬
‫‪ ، 2/156‬اللمع في الحوادث والبدع ‪ 1/293‬فما بعدها ‪ ،‬المر بالتباع ص‬
‫‪ 144‬فما بعدها ‪.‬‬
‫)‪ (3‬انظر أحكام أهل الذمة ‪ ، 2/156‬التشبه المنهي عنه ص ‪. 335‬‬
‫)‪ (4‬السنن الكبرى ‪ ، 9/234‬مصنف عبد الرزاق ‪ ، 1/411‬اقتضاء الصراط‬
‫المستقيم ص ‪ 199‬أحكام أهل الذمة ‪. 2/156‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (5‬السنن الكبرى ‪. 9/234‬‬


‫)‪ (6‬السنن الكبرى ‪. 9/234‬‬
‫)‪ (7‬سورة الفرقان الية ‪. 72‬‬
‫)‪ (8‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪ ، 181‬تفسير ابن كثير ‪. 329-3/328‬‬
‫)‪ (9‬أحكام أهل الذمة ‪. 2/156‬‬
‫)‪ (10‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪ ، 201‬أحكام أهل الذمة ‪. 2/157‬‬
‫)‪ (11‬اللمع في الحوادث والبدع ‪. 1/293‬‬
‫)‪ (12‬المصدر السابق ‪. 297-1/296‬‬

‫)‪(72 /‬‬

‫‪ .9‬وقال جلل الدين السيوطي ‪ ]:‬ومما يفعله كثير من الناس في أيام الشتاء‬
‫ويزعمون أنه ميلد عيسى عليه السلم فجميع ما يصنع أيضا ً في هذه الليالي‬
‫من المنكرات مثل ‪ :‬إيقاد النيران وإحداث طعام وشراء شمع وغير ذلك فإن‬
‫اتخاذ هذه المواليد موسما ً هو دين النصارى ليس لذلك أصل في دين السلم‬
‫ولم يكن لهذا الميلد ذكر في عهد السلف الماضين بل أصله مأخوذ عن‬
‫النصارى وانضم إليه سبب طبيعي وهو كونه شتاء المناسب ليقاد النيران [ )‬
‫‪.(1‬‬
‫وقال السيوطي أيضا ً ‪ ]:‬ومن ذلك أعياد اليهود أو غيرهم من الكافرين أو‬
‫العاجم والعراب الضالين ل ينبغي للمسلم أن يتشبه بهم في شيء من ذلك‬
‫ول يوافقهم عليه ‪.‬‬
‫ك عََلى‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫م َ‬ ‫قال الله تعالى لنبيه محمد‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬ث ُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ي ُغُْنوا عَن ْ َ‬
‫ك‬ ‫مل ْ‬ ‫ن إ ِن ّهُ ْ‬
‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬
‫ذي َ‬ ‫واَء ال ّ ِ‬ ‫مرِ َفات ّب ِعَْها َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫م َ‬ ‫ريعَةٍ ِ‬
‫ش ِ‬‫َ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ن (‪ .‬وأهواء‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬‫ي ال ُ‬ ‫ه وَل ِ ّ‬ ‫ض َوالل ُ‬ ‫م أوْل َِياُء ب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬‫ن ب َعْ ُ‬ ‫مي َ‬‫ن الظال ِ ِ‬ ‫شي ًْئا وَإ ِ ّ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫الذين ل يعلمون هو ‪ :‬ما يهوونه من الباطل فإنه ل ينبغي للعالم أن يتبع‬
‫الجاهل فيما يفعله من هوى نفسه ‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ب َعْدِ‬‫م ْ‬‫م ِ‬‫واَءهُ ْ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫قال الله تعالى لنبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬وَلئ ِ ِ‬
‫ن ( ‪ .‬فإذا كان هذا خطابه لنبيه ‪-‬‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك إ ًِذا ل َ ِ‬‫ن ال ْعِل ْم ِ إ ِن ّ َ‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاَء َ‬
‫ما َ‬ ‫َ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬فكيف حال غيره إذا وافق الجاهلين أو الكافرين‬
‫وفعل كما يفعلون مما لم يأذن به الله ورسوله !! ويتابعهم فيما يختصون به‬
‫من دينهم وتوابع دينهم!! وترى اليوم كثيرا ً من علماء المسلمين الذين‬
‫يعلمون العلم الظاهر وهم منسلخون منه في الباطن يصنعون ذلك مع‬
‫الجاهلين في مواسم الكافرين بالتشبه بالكافرين [ )‪.(2‬‬
‫‪ .10‬وقال السيوطي أيضا ً ‪ ]:‬واعلم أنه لم يكن على عهد السلف السابقين‬
‫من المسلمين من يشاركهم في شيء من ذلك فالمؤمن حقا ً هو السالك‬
‫طريق السلف الصالحين المقتفي لثار نبيه سيد المرسلين المقتدي بمن‬
‫أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين جعلنا الله منهم‬
‫بمنه وكرمه إنه جواد كريم ول ينظر الرجل إلى كثرة الجاهلين الواقعين في‬
‫مشابهة الكافرين والعلماء الغافلين وموافقتهم فقد قال السيد الجليل‬
‫الفضيل بن عياض ‪ -‬رضي الله عنه ‪ : -‬عليك بطريق الهدى وإن ق ّ‬
‫ل‬
‫السالكون واجتنب طريق الردى وإن كثر الهالكون ‪ .‬اللهم اجعلنا من‬
‫المهتدين المتبعين لثار سبيل الصالحين ول تجعلنا من الهالكين المتبعين لثار‬
‫سبيل الكافرين الضالين بمنك وكرمك إنك جواد كريم [ )‪.(3‬‬
‫‪ .11‬وسئل الشيخ العلمة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ‪ ]:‬عن حكم‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تهنئة الكفار بعيد الكريسمس ؟ وكيف نرد عليهم إذا هنؤونا بها ؟ وهل يجوز‬
‫الذهاب إلى أماكن الحفلت التي يقيمونها بهذه المناسبة ؟ وهل يأثم النسان‬
‫ة أو حياًء أو إحراجا ً‬
‫إذا فعل شيئا ً مما ذكر بغير قصد ؟ وإنما فعله إما مجامل ً‬
‫أو غير ذلك من السباب ؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك ؟‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬المر بالتباع ص ‪. 145‬‬
‫)‪ (2‬المصدر السابق ص ‪. 146‬‬
‫)‪ (3‬المصدر السابق ص ‪. 152‬‬

‫)‪(73 /‬‬

‫فأجاب فضيلته بقوله ‪ :‬تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم‬


‫الدينية حرام بالتفاق كما نقل ذلك ابن القيم ‪ -‬يرحمه الله ‪ -‬في كتابه "‬
‫أحكام أهل الذمة " حيث قال ‪ :‬وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام‬
‫بالتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول ‪ :‬عيد مبارك عليك أو تهنأ‬
‫بهذا العيد ونحوه فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو‬
‫بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثما ً عند الله وأشد مقتا من‬
‫ً‬
‫التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه ‪ .‬وكثير ممن‬
‫ل قدر للدين عنده يقع في ذلك ول يدري قبح ما فعل فمن هنأ عبدا ً بمعصية‬
‫أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ‪ .‬انتهى كلمه ‪ -‬يرحمه الله‬
‫‪ . -‬وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراما ً وبهذه المثابة التي ذكرها‬
‫ابن القيم لن فيها إقرارا ً لما هم عليه من شعائر الكفر ورضى به لهم وإن‬
‫كان هو ل يرضى بهذا الكفر لنفسه لكن يحرم على المسلم أن يرضى‬
‫بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره لن الله تعالى ل يرضى بذلك كما قال الله‬
‫شك ُُروا‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫فَر وَإ ِ ْ‬‫ضى ل ِعَِبادِهِ ال ْك ُ ْ‬ ‫م َول ي َْر َ‬ ‫ي عَن ْك ُ ْ‬ ‫ه غَن ِ ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن ت َك ْ ُ‬
‫فُروا فَإ ِ ّ‬ ‫تعالى ‪ ):‬إ ِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫مِتي‬ ‫م ن ِعْ َ‬ ‫ُ‬
‫ت عَلي ْك ْ‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ُ‬
‫م ِدين َك ْ‬ ‫ت لك ْ‬ ‫مل ُ‬ ‫ْ‬
‫م أك َ‬ ‫م( وقال تعالى ‪ ):‬الي َوْ َ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬‫ض ُ‬ ‫ي َْر َ‬
‫م ِديًنا ( وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين‬ ‫سل َ‬
‫م ال ْ‬ ‫ُ‬
‫ت لك ُ‬‫َ‬ ‫ضي ُ‬ ‫وََر ِ‬
‫للشخص في العمل أم ل ‪ .‬وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا ل نجيبهم على ذلك لنها‬
‫ليست بأعياد لنا ولنها أعياد ل يرضاها الله تعالى لنها إما مبتدعة في دينهم‬
‫وإما مشروعة لكن نسخت بدين السلم الذي بعث الله به محمدًا‪ -‬صلى الله‬
‫ن‬‫سلم ِ ِديًنا فَل َ ْ‬ ‫ن ي َب ْت َِغ غَي َْر ال ْ‬‫م ْ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬إلى جميع الخلق وقال فيه ‪ ):‬وَ َ‬
‫ن ( وإجابة المسلم دعوتهم بهذه‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬ ‫خَرةِ ِ‬ ‫ه وَهُوَ ِفي ال ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫قب َ َ‬
‫يُ ْ‬
‫المناسبة حرام لن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم‬
‫فيها ‪.‬‬
‫وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلت بهذه المناسبة أو‬
‫تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام أو تعطيل العمال ونحو ذلك‬
‫لقول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬من تشبه بقوم فهو منهم ( قال شيخ‬
‫السلم ابن تيمية في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب‬
‫الجحيم " ‪ :‬مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه‬
‫من الباطل وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلل الضعفاء ‪ .‬انتهى‬
‫ة أو‬ ‫كلمه ‪ -‬يرحمه الله ‪ -‬ومن فعل شيئا ً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجامل ً‬
‫توددا ً أو حياًء أو لغير ذلك من السباب لنه من المداهنة في دين الله ومن‬
‫أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم ‪.‬‬
‫والله المسئول أن يعز المسلمين بدينهم ويرزقهم الثبات عليه وينصرهم على‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أعدائهم إنه قوي عزيز [ )‪.(1‬‬


‫المبحث الثالث عشر‬
‫بدعة الحتفال بالسراء والمعراج‬
‫جرت عادة المسلمين في هذه الديار وغيرها على الحتفال بذكرى السراء‬
‫والمعراج في السابع والعشرين من شهر رجب من كل عام وفي هذا اليوم‬
‫تعطل الدوائر والمؤسسات والمدارس والجامعات وتقام الحتفالت في‬
‫المساجد وقبل بيان بدعية هذه الحتفالت أقول إن حادثة السراء والمعراج‬
‫حق وصدق ل شك في ذلك ول ريب وقد ثبت ذلك بكتاب الله سنة نبيه ‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وأشارت إلى ذلك أول آية من سورة السراء حيث‬
‫حَرام ِ إ َِلى‬ ‫َ‬
‫جدِ ال ْ َ‬‫س ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬‫سَرى ب ِعَب ْدِهِ ل َْيل ِ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫حا َ‬‫سب ْ َ‬
‫يقول الله تعالى ‪ُ ):‬‬
‫صيُر ( )‬ ‫ْ‬
‫ميعُ الب َ ِ‬ ‫س ِ‬‫ن َءاَيات َِنا إ ِّنه هُوَ ال ّ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ه ل ِن ُرِي َ ُ‬ ‫َ‬
‫حوْل ُ‬ ‫ْ‬
‫ذي َباَركَنا َ‬ ‫صى ال ّ ِ‬
‫جدِ القْ َ‬
‫س ِ‬
‫م ْ‬‫ال ْ َ‬
‫‪.(2‬‬
‫وأما أنه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أسري به في ليلة السابع والعشرين من‬
‫شهر رجب فلم يثبت ذلك بسند صحيح فقد اختلف العلماء في وقت السراء‬
‫والمعراج على أقوال كثيرة ‪ ،‬قال الحافظ ابن حجر ‪ ]:‬وذهب الكثر إلى أنه‬
‫كان بعد المبعث ثم اختلفوا فقيل قبل الهجرة بسنة قاله ابن سعد وغيره وبه‬
‫جزم النووي وبالغ ابن حزم فنقل الجماع فيه وهو مردود فإن في ذلك‬
‫اختلفا ً كثيرا ً يزيد على عشرة أقوال [ )‪.(3‬‬
‫ثم ذكر الحافظ هذه القوال وهي ‪:‬‬
‫‪ .1‬قبل الهجرة بثمانية أشهر ‪.‬‬
‫‪ .2‬قبل الهجرة بستة أشهر ‪.‬‬
‫‪ .3‬قبل الهجرة بسنة ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .4‬قبل الهجرة بأحد عشر شهرا ‪.‬‬
‫‪ .5‬قبل الهجرة بسنة وشهرين ‪.‬‬
‫‪ .6‬قبل الهجرة بسنة وخمسة أشهر ‪.‬‬
‫‪ .7‬قبل الهجرة بثمانية عشر شهرا ً ‪.‬‬
‫‪ .8‬قبل الهجرة بثلث سنوات ‪.‬‬
‫‪ .9‬قبل الهجرة بخمس سنوات ‪.‬‬
‫وكما أنهم اختلفوا في تحديد السنة التي حدثت فيها حادثة السراء والمعراج‬
‫فكذلك اختلفوا في الشهر الذي وقعت فيه ‪ ،‬فقيل ‪:‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬فتاوى العقيدة ص ‪. 248-246‬‬
‫)‪ (2‬سورة السراء آية ‪. 1‬‬
‫)‪ (3‬فتح الباري ‪. 8/201‬‬

‫)‪(74 /‬‬

‫كان ذلك في السابع والعشرين من رجب ‪ .‬وقيل في شهر رمضان ‪ .‬وقيل‬


‫في شهر شوال ‪ .‬وقيل في شهر ربيع الول ‪ .‬وقيل في شهر ربيع الثاني ‪.‬‬
‫وقد ذكر هذه القوال كلها الحافظ ابن حجر )‪.(1‬‬
‫وقال المام أبو الخطاب ابن دحية ‪ ]:‬وذكر بعض القصاص أن السراء كان‬
‫في رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب ‪ .‬قال المام أبو‬
‫إسحاق الحربي ‪ :‬أسري برسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ليلة سبع‬
‫وعشرين من شهر ربيع الول [ )‪.(2‬‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد بحث المسألة أيضا ً المام القرطبي في تفسيره وذكر الختلف الكبير‬
‫في تحديد وقت السراء والمعراج وزاد أنه قد روي أن السراء كان بعد مبعثه‬
‫بخمس سنين )‪.(3‬‬
‫وأضاف الحافظ ابن كثير أن من العلماء من يرى أن السراء والمعراج وقع‬
‫قبل الهجرة بستة عشر شهرا ً وكان ذلك في شهر ذي القعدة وذكر أن بعض‬
‫الناس ادعى أن ذلك كان أول ليلة جمعة من شهر رجب وعقب على ذلك‬
‫بأنه ل أصل )‪.(4‬‬
‫وقال العلمة أبو شامة المقدسي ‪ ]:‬وذكر بعض القصاص أن السراء كان في‬
‫رجب وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب [ )‪ ، (5‬وهذه العبارة‬
‫سبقت في كلم ابن دحية ‪.‬‬
‫وقال المام النووي ‪ ]:‬وكان السراء سنة خمس أو ست من النبوة وقيل سنة‬
‫اثنتي عشرة منها وقيل بعد سنة وثلثة أشهر منها وقيل غير ذلك ‪ .‬وكان ليلة‬
‫السابع والعشرين من شهر ربيع الول [ )‪.(6‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم ناقل ً عن شيخه شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬ولم يقم‬
‫دليل معلوم ل شهرها ول على عشرها ول على عينها بل النقول في ذلك‬
‫منقطعة مختلفة ليس فيها ما يقطع به ول شرع للمسلمين تخصيص الليلة‬
‫التي يظن أنها ليلة السراء بقيام ول غيره [ )‪.(7‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم أيضًا‪ ]:‬ول يجوز لحد أن يتكلم فيها بل علم ول يعرف‬
‫عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة السراء فضيلة على غيرها ل سيما‬
‫على ليلة القدر ول كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص‬
‫ليلة السراء بأمر من المور ول يذكرونها ولهذا ل يعرف أي ليلة كانت وإن‬
‫كان السراء من أعظم فضائله ومع هذا فلم يشرع تخصيص ذلك الزمان ول‬
‫ذلك المكان بعبادة شرعية بل غار حراء الذي ابتدأ فيه بنزول الوحي وكان‬
‫يتحراه قبل النبوة لم يقصده هو ول أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامه‬
‫بمكة ول خص اليوم الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ول غيرها ول خص المكان‬
‫الذي ابتدأ فيه بالوحي ول الزمان بشيء ومن خص المكنة والزمنة من عنده‬
‫بعبادات لجل هذا وأمثاله كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان‬
‫أحوال المسيح مواسم وعبادات كيوم الميلد ويوم التعميد وغير ذلك من‬
‫أحواله وقد رأى عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬جماعة يتبادرون مكانا ً‬
‫يصلون فيه فقال ‪ :‬ما هذا ؟ قالوا ‪ :‬مكان صّلى فيه رسول الله‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ . -‬فقال ‪ :‬أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد ؟ إنما هلك من‬
‫كان قبلكم بهذا ‪ ،‬فمن أدركته فيه الصلة فليصل وإل فليمض [ )‪ (8‬وقد ذكر‬
‫محققا الكتاب أن أثر ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وسنده‬
‫صحيح )‪.(9‬‬
‫وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ‪ ]:‬وقد روي أنه كان في شهر رجب حوادث‬
‫عظيمة ولم يصح شيء من ذلك فروي أن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫ولد في أول ليلة منه وأنه بعث في السابع والعشرين منه وقيل في الخامس‬
‫والعشرين ول يصح شيء من ذلك وروي بإسناد ل يصح عن القاسم بن محمد‬
‫أن السراء بالنبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كان في سابع وعشرين من رجب‬
‫وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره وروي عن قيس بن عباد قال‪ :‬في اليوم‬
‫العاشر من رجب [ )‪ .(10‬وبعد هذا العرض للقوال الواردة في وقت حادثة‬
‫السراء والمعراج أقول إنه لم يثبت بحديث صحيح ول خبر صحيح عن صحابي‬
‫توقيت هذه الحادثة ل في السابع والعشرين من رجب ول غيره وبناء على‬
‫ذلك ‪ ،‬فإن تحديد السابع والعشرين من رجب على أنه وقتها غير صحيح‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وينقصه الدليل الثابت وقد رأينا أن أهل العلم لم يثبتوا تلك الروايات الواردة‬
‫في تعيين وقت هذه الحادثة وحتى لو سلمنا جدل ً أن وقت حادثة السراء‬
‫والمعراج معلوم ل يجوز للمسلمين الحتفال بهذه المناسبة لن ذلك لم يرد‬
‫عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول يجوز لهم أن يعتبروها عيدا ً من‬
‫أعياد المسلمين تتعطل فيه العمال وتقام فيه الحتفالت لن ذلك زيادة في‬
‫الدين وشرع لم يأذن به الله ‪.‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬فتح الباري ‪. 8/280‬‬
‫)‪ (2‬أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب ص ‪. 54-53‬‬
‫)‪ (3‬تفسير القرطبي ‪. 10/210‬‬
‫)‪ (4‬البداية والنهاية ‪. 3/107‬‬
‫)‪ (5‬الباعث ص ‪. 116‬‬
‫)‪ (6‬فتاوى المام النووي ص ‪. 28‬‬
‫)‪ (7‬زاد المعاد ‪. 1/57‬‬
‫)‪ (8‬زاد المعاد ‪. 59-1/58‬‬
‫)‪ (9‬المصدر السابق ‪. 1/59‬‬
‫)‪ (10‬لطائف المعارف ص ‪. 233‬‬

‫)‪(75 /‬‬

‫قال الشيخ العلمة عبد العزيز بن باز ‪ ]:‬وهذه الليلة التي حصل فيها السراء‬
‫والمعراج لم يأت في الحاديث الصحيحة تعيينها وكل ما ورد في تعيينها فهو‬
‫غير ثابت عن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬عند أهل العلم بالحديث ولله‬
‫الحكمة البالغة في إنساء الناس لها ولو ثبت تعيينها لم يجز للمسلمين أن‬
‫يخصوها بشيء من العبادات فلم يجز لهم أن يحتفلوا بها لن النبي‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا بها ولم يخصوها‬
‫بشيء ولو كان الحتفال بها أمرا ً مشروعا ً لبينه الرسول‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬للمة إما بالقول أو الفعل ولو وقع شيء من ذلك لعرف واشتهر‬
‫ولنقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا فقد نقلوا عن نبيهم ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬كل شيء تحتاجه المة ولم يفرطوا في شيء من الدين بل هم‬
‫السابقون إلى كل خير فلو كان الحتفال بهذه الليلة مشروعا ً لكانوا أسبق‬
‫الناس إليه والنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬هو أنصح الناس للناس وقد بّلغ‬
‫الرسالة غاية البلغ وأدى المانة فلو كان تعظيم هذه الليلة والحتفال بها من‬
‫دين السلم لم يغفله النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولم يكتمه فلما لم يقع‬
‫شيء من ذلك علم أن الحتفال بها وتعظيمها ليس من السلم في شيء‬
‫وقد أكمل الله لهذا المة دينها وأتم عليها النعمة وأنكر على من شرع في‬
‫الدين ما لم يأذن به الله قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين من سورة‬
‫َ‬ ‫المائدة ‪ ):‬ال ْيو َ‬
‫ت ل َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬
‫م ن ِعْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫م أك ْ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫عوا‬‫شَر ُ‬ ‫َ‬
‫شَركاُء َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م لهُ ْ‬ ‫م ِديًنا ( ‪ ،‬وقال عز وجل في سورة الشورى )أ ْ‬ ‫سل َ‬ ‫ال ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م وَإ ِ ّ‬
‫ي ب َي ْن َهُ ْ‬
‫ض َ‬ ‫ق ِ‬‫لل ُ‬ ‫ص ِ‬‫ف ْ‬ ‫ة ال َ‬ ‫م ُ‬ ‫َ‬
‫ول كل ِ َ‬ ‫ه وَل ْ‬ ‫ن ب ِهِ الل ُ‬‫م ي َأذ َ ْ‬ ‫ما ل ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫ن ال ّ‬‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫َ‬
‫م ( وثبت عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬
‫مي َ‬ ‫ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬
‫في الحاديث الصحيحة التحذير من البدع والتصريح بأنها ضللة تنبيها ً للمة‬
‫على عظم خطرها وتنفيرا ً لهم من اقترافها ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين‬
‫عن عائشة‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬عن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫) من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ( وفي رواية لمسلم ‪ ) :‬من‬
‫عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد ( وفي صحيح مسلم عن جابر ‪ -‬رضي الله‬
‫عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬كان رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬يقول في خطبته يوم‬
‫الجمعة ‪ :‬أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬وشر المور محدثاتها وكل بدعة ضللة ([ )‪.(1‬‬
‫وقال الشيخ علي محفوظ ‪ ]:‬ومنها ليلة المعراج التي شرف الله تعالى هذه‬
‫المة بما شرع لهم فيها وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة‬
‫من المنكرات وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروبا ً كثيرة كالجتماع في‬
‫المساجد وإيقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات مع السراف في‬
‫ذلك واجتماعهم للذكر والقراءة وتلوة قصة المعراج وكان ذلك حسنا ً لو كان‬
‫ذكرا ً وقراءة وتعليم علم لكنهم يلعبون في دين الله فالذاكر على ما عرفت‬
‫والقارئ على ما سمعت فيزيد فيه ما ليس منه وينقص منه ما هو فيه وما‬
‫أحسن سير السلف فإنهم كانوا شديدي المداومة على ما كان عليه الرسول‬
‫‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ل يخرجون عن الثابت قيد شعرة ويعتقدون الخروج‬
‫عنه ضللة ل سيما عصر الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون الثلثة‬
‫المشهود لهم بالخير رضي الله عنهم أجمعين [ )‪.(2‬‬
‫المبحث الرابع عشر‬
‫بدعة الحتفال بالهجرة‬
‫ومن البدع المحدثة بدعة الحتفال بذكرى هجرة الرسول‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬في اليوم الول من شهر محرم من كل عام حيث يتخذ هذا اليوم‬
‫ة ‪ .‬وأول من احتفل برأس السنة الهجرية هم‬ ‫ة وهو بدع ٌ‬‫ة رسمي ً‬ ‫عيدا ً وعطل ً‬
‫الفاطميون في مصر كما اشر إلى ذلك المقريزي حيث قال ‪ ]:‬موسم رأس‬
‫السنة ‪ :‬وكان للخلفاء الفاطميين اعتناء بليلة أول محرم في كل عام لنها‬
‫أول ليالي السنة وابتداء أوقاتها ‪.(3) [ ...‬‬
‫ومن المعلوم لدى أهل الحديث والسيرة أن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫هاجر من مكة إلى المدينة في أوائل شهر ربيع الول من السنة الثالثة عشرة‬
‫لبعثته‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬حيث وصل إلى قباء إحدى ضواحي المدينة‬
‫النبوية لثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الول يوم الثنين كما قال الحافظ‬
‫ابن كثير )‪.(4‬‬
‫وقال العلمة القسطلني ‪ ]:‬وجزم ابن إسحاق أنه خرج أول يوم من ربيع‬
‫الول فعلى هذا يكون بعد البيعة بشهرين وبضعة عشر يوما ً وكذا جزم الموي‬
‫في المغازي عن ابن إسحاق فقال ‪ :‬كان مخرجه من مكة بعد العقبة‬
‫بشهرين وليال ‪ .‬قال ‪ :‬وخرج لهلل ربيع الول ‪ ،‬وقدم المدينة لثنتي عشرة‬
‫ليلة خلت من ربيع الول [ )‪.(5‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ‪. 3/45‬‬
‫)‪ (2‬البداع ص ‪. 272‬‬
‫ً‬
‫)‪ (3‬الخطط والثار للمقريزي ‪ 1/490‬نقل عن البدع الحولية ص ‪. 397‬‬
‫)‪ (4‬البداية والنهاية ‪. 3/188‬‬
‫)‪ (5‬المواهب اللدنية ‪ ، 1/288‬وانظر شرح الزرقاني على المواهب اللدنية‬
‫‪. 102-2/101‬‬

‫)‪(76 /‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ولم تكن هجرته‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬في الول من المحرم كما يظن‬
‫كثير من الناس وإنما حدث في عهد عمر بن الخطاب‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬أن‬
‫اتخذ التاريخ واختار الصحابة‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬التأريخ بهجرة المصطفى‪-‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬قال المام البخاري في الصحيح ‪:‬‬
‫) باب التاريخ من أين أرخوا ؟( ثم روى بسنده عن سهل بن سعد قال ‪ ] :‬ما‬
‫دوا إل من‬ ‫دوا من مبعث النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول من وفاته ما ع ّ‬ ‫ع ّ‬
‫مقدمه المدينة[ وقال الحافظ ابن حجر ‪ ]:‬وإنما أخروه ‪ -‬التاريخ ‪ -‬من ربيع‬
‫الول إلى المحرم لن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم إذ البيعة‬
‫وقعت في أثناء ذي الحجة وهي مقدمة الهجرة فكان أول هلل استهل بعد‬
‫البيعة والعزم على الهجرة هلل المحرم فناسب أن يجعل مبتدأ ‪ .‬وهذا أقوى‬
‫ما وقفت عليه من مناسبة البتداء بالمحرم [ )‪.(1‬‬
‫وبناًء على ما تقدم فإن الول من المحرم هو بداية السنة الهجرية وليس هو‬
‫موعد هجرة الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وعلى كل الحالين ل يجوز‬
‫اتخاذ الول من المحرم عيدا ً وتخصيصه بنوع من العبادة أو الذكر لن هذا‬
‫المر بدعة لم يفعلها الرسول ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولم يفعلها أحد من‬
‫خلفائه ول من صحابته فل يصح اتخاذه عيدا ً ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ ]:‬إذ العياد شريعة من الشرائع فيجب فيها‬
‫التباع ل البتداع وللنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬خطب وعهود ووقائع في‬
‫أيام متعددة مثل يوم بدر وحنين والخندق وفتح مكة ووقت هجرته ودخول‬
‫المدينة وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين ثم لم يوجب ذلك أن يتخذ‬
‫مثال تلك اليام أعيادا ً وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام‬
‫حوادث عيسى عليه السلم أعيادا ً أو اليهود وإنما العيد شريعة فما شرعه‬
‫الله اتبع وإل لم يحدث في الدين ما ليس منه [ )‪.(2‬‬
‫ويستدل أيضا ً على عدم شرعية الحتفال بذكرى الهجرة بما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬إن ما جرى في الزمان من الحداث والوقائع كالهجرة النبوية وليلة‬
‫السراء والمعراج وغزوات النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬وغيرها من‬
‫الحداث العظيمة ل يوجب ذلك أن تتخذ ذكريات هذه المناسبات مواسم‬
‫وأعيادا ً يحتفل بها أو تعظم على غيرها وتخصص ببعض العبادات وذلك لنها‬
‫لم تعظم أو تخصص من قبل الشرع ‪.‬‬
‫‪ .2‬من القواعد الشرعية المعروفة أن العبادة توقيفية كما قال تعالى ‪ ):‬ث ُّ‬
‫م‬
‫َ‬
‫ن ( )‪.(3‬‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫واَء ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مرِ َفات ّب ِعَْها َول ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬
‫ن ال ْ‬
‫م َ‬
‫ريعَةٍ ِ‬ ‫ك عََلى َ‬
‫ش ِ‬ ‫جعَل َْنا َ‬
‫َ‬
‫وقال نبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد‬
‫( ول ريب أن العياد والمواسم الدينية من مسائل العبادة وكذا طلب البركة‬
‫والخير والجر في زمان معين وليس في الشريعة السلمية ما يجيز التبرك‬
‫أو الحتفال بتلك المواسم ولذا لم يؤثر ذلك عن رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬ول عن صحابته ول عن التابعين لهم بإحسان ‪ .‬ففعل ذلك من البدع‬
‫التي أحدثها الناس في الدين مع ما فيها من التشبه بأهل الكتاب ومع ما قد‬
‫تتضمنه من المفاسد ‪.‬‬
‫‪ .3‬إذا كانت إقامة الحتفالت والعياد بهذه المناسبات من باب شكر الله‬
‫تعالى أو تعظيم نبيه ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬كما يدعي بعضهم ‪ ،‬فالجواب‬
‫على هذا ‪ :‬أن شكر الله تعالى إنما يكون بطاعته وعبادته عز وجل على وفق‬
‫شرعه سبحانه وتعالى كما أن تعظيم النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫واحترامه يكون بطاعته أيضا ً ومحبته والصلة عليه واتباع سنته عليه أفضل‬
‫الصلة والسلم وعدم البتداع في الدين ‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ .4‬ليس المقصود من القتداء بالرسول‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬والتعاظ‬


‫بسيرته والنتفاع بأحداثها وما فيها من دروس وعبر أن يكون ذلك مجرد‬
‫ذكريات فقط تقام لها الحتفالت والخطب في أيام محددة من السنة ثم‬
‫تنسى إنما المطلوب أن يكون النظر في سيرته‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫والنتفاع بما وقع فيها من أحداث ووقائع شريفة واستخراج الدروس والعبر‬
‫منها أن يكون ذلك طوال أيام السنة ولياليها على الوجه الشرعي فل يختص‬
‫بأوقات محددة [ )‪.(4‬‬
‫المبحث الخامس عشر‬
‫بدع موسمية أخرى‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬فتح الباري ‪. 8/270‬‬
‫)‪ (2‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪. 294‬‬
‫)‪ (3‬سورة الجاثية الية ‪. 18‬‬
‫)‪ (4‬التبرك أنواعه وأحكامه ص ‪. 379‬‬

‫)‪(77 /‬‬

‫وهنالك بدع موسمية أخرى منتشرة تعطل فيها العمال والجامعات‬


‫والمدارس وفي ذلك تعطيل لمصالح الناس وضرر يعود على طلب العلم‬
‫بسبب هذه العياد المزعومة كعيد رأس السنة الميلدية وهو اليوم الول من‬
‫شهر كانون الثاني من كل عام حيث إنه يوم عيد وعطلة رسمية في كثير من‬
‫البلد وكذلك عيد العمال ويقع في اليوم الول من شهر أيار من كل عام‬
‫وكذلك عيد الم في الحادي والعشرين من آذار من كل عام وعيد الستقلل‬
‫وعيد الشجرة وعيد الحب الذي هو مظهر من مظاهر الفسق والفجور وغير‬
‫ذلك من العياد ‪ ،‬فهذه العياد كلها مبتدعة ل يجوز للمسلم أن يحتفل بها أو‬
‫أن يلقي لها بال ً وقد صح في الحديث قول النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪: -‬‬
‫) من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد ( وليس الحتفال بهذه المناسبات‬
‫من عمله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول من عمل أصحابه رضي الله عنهم ول‬
‫من عمل سلف المة بل هو تشبه بأهل الكتاب وغيرهم من الناس )‪.(1‬‬
‫والمسلمون عندهم عيدان شرعيان فقط يحتفل بهما وهما عيد الفطر وعيد‬
‫الضحى فقد ورد في الحديث عن أنس‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ ):‬قدم رسول‬
‫الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال ‪ :‬ما‬
‫هذان ؟ قالوا ‪ :‬كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول‪ -‬صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ : -‬إن الله قد أبدلكم بهما خيرا ً منهما يوم الضحى ويوم الفطر ( رواه‬
‫أبو داود والنسائي وأحمد وقال شيخ السلم ابن تيمية وهذا إسناد على شرط‬
‫مسلم وصححه الشيخ اللباني )‪.(2‬‬
‫المبحث السادس عشر‬
‫البدع المتعلقة بقراءة القرآن الكريم‬
‫وفيه مسألتان ‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬ما يتعلق بسورة الفاتحة ‪:‬‬
‫اعتاد كثير من الناس على قراءة سورة الفاتحة عند النتهاء من إلقاء درس‬
‫أو موعظة وعند النتهاء من قراءة سورة من القرآن فعندما يختم القارئ‬
‫قراءته يقول للسامعين الفاتحة وكذلك عند عقد الزواج وعند النتهاء من‬
‫الصلة والسلم على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد الذان وعند المرور‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بالقرب من المقبرة وعند ختم الصلة وعند التفاق على صفقة بيع أو شراء ‪،‬‬
‫وعند إتمام صلح بين متخاصمين يقرؤون الفاتحة وغير ذلك من المواضع‪.‬‬
‫ول شك أن سورة الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن الكريم وهي السبع‬
‫م()‬ ‫ن ال ْعَ ِ‬
‫ظي َ‬ ‫مَثاِني َوال ْ ُ‬
‫قْرَءا َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬
‫سب ًْعا ِ‬
‫ك َ‬ ‫المثاني كما قال تعالى ‪)َ:‬وَل َ َ‬
‫قد ْ َءات َي َْنا َ‬
‫‪.(3‬‬
‫قال القرطبي ‪ ]:‬سميت بذلك لنها تثنى في كلى ركعة [ )‪.(4‬‬
‫وقد ثبت فضل سورة الفاتحة في عدة أحاديث منها ‪:‬‬
‫عن أبي سعيد بن المعلى ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال‪ ):‬مّر بي النبي ‪ -‬صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ -‬وأنا أصلي فدعاني فلم آته حتى صليت ‪ .‬ثم أتيت فقال ‪ :‬ما‬
‫منعك أن تأتي ؟ فقلت ‪ :‬كنت أصلي ‪ ،‬فقال ‪ :‬ألم يقل الله ) يا أيها الذين‬
‫ل ( ثم قال ‪ :‬أل أعلمك أعظم سورة في القرآن‬ ‫سو ِ‬ ‫جيُبوا ل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬
‫ست َ ِ‬
‫آمنوا ا ْ‬
‫قبل أن أخرج من المسجد ‪ .‬فذهب النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ليخرج‬
‫فذكرته فقال ‪ :‬الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم‬
‫الذي أوتيته ( رواه البخاري )‪.(5‬‬
‫وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال ‪ ):‬بينما جبريل قاعد عند النبي‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬سمع نقيضا ً من فوقه فرفع رأسه فقال ‪ :‬هذا باب من‬
‫السماء فتح اليوم لم يفتح قط إل اليوم ‪ ،‬فنزل منه ملك ‪ ،‬فقال ‪ :‬هذا ملك‬
‫نزل إلى الرض لم ينزل إل اليوم‪ ،‬فسّلم وقال ‪ :‬أبشر بنورين أوتيتهما لم‬
‫يؤتهما نبي قبلك‪ ،‬فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ بحرف منهما‬
‫إل أعطيته ( رواه مسلم )‪ .(6‬وغير ذلك من الحاديث ‪.‬‬
‫وقراءة الفاتحة وغيرها من سور القرآن الكريم عبادة من العبادات والصل‬
‫في العبادات التلقي عن رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ولم ينقل عن‬
‫رسول الله‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه كان يقرأ الفاتحة بعد وعظه وإرشاده‬
‫ول بعد صلة الجنازة ول عند الزواج ول في المناسبات التي شاع فيها قراءة‬
‫الفاتحة في زماننا هذا ‪.‬‬
‫وكل ذلك من المور المبتدعة المخالفة لهدي المصطفى‪ -‬صلى الله عليه‬
‫م البدو‬ ‫وسلم ‪ ، -‬قال الشيخ محمد رشيد رضا ‪ ]:‬فاعلم أن ما اشتهر وع ّ‬
‫والحضر من قراءة الفاتحة للموتى لم يرد في حديث صحيح ول ضعيف فهو‬
‫ت‬
‫كو ِ‬ ‫س ُ‬‫من البدع المخالفة لما تقدم من النصوص القطعية ولكنه صار ب ِ ُ‬
‫اللبسين لباس العلماء وبإقرارهم له ثم بمجاراة العامة عليه من قبيل السنن‬
‫المؤكدة أو الفرائض المحتمة [ )‪.(7‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬انظر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ‪. 3/59‬‬
‫)‪ (2‬سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ‪ ، 3/341‬سنن النسائي ‪، 3/179‬‬
‫الفتح الرباني ‪ ، 119-6/118‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪ ، 184‬صحيح‬
‫سنن أبي داود ‪. 1/210‬‬
‫)‪ (3‬سورة الحجر الية ‪. 87‬‬
‫)‪ (4‬تفسير القرطبي ‪. 1/112‬‬
‫)‪ (5‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 9/453‬‬
‫)‪ (6‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 417-2/416‬‬
‫)‪ (7‬تفسير المنار ‪. 8/268‬‬

‫)‪(78 /‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقال الشيخ اللباني ‪ … ]:‬ومما سبق تعلم أن قول الناس اليوم في بعض‬
‫ة بل‬ ‫ف للسنة المذكورة فهو بدع ٌ‬ ‫البلد ‪ ":‬الفاتحة على روح فلن " مخال ٌ‬
‫شك [ )‪.(1‬‬
‫وقراءة الفاتحة بنية قضاء الحاجات وتفريج الكربات وهلك العداء بدعة لم‬
‫يأذن بها الدين … وقراءة الفاتحة عند خطبة الزواج واعتقاد الناس أن‬
‫قراءتها عهد ل ينقض بدعة واعتقاد فاسد جاهل )‪.(2‬‬
‫وأجابت اللجنة الدائمة للفتاء السعودية برئاسة العلمة الشيخ عبد العزيز بن‬
‫باز رحمه الله عن سؤال حول حكم القول ‪ :‬الفاتحة على روح فلن ‪ ،‬أو‬
‫الفاتحة إن الله ييسر لنا ذلك المر وبعد ذلك بعد الميلد يقرؤون سورة‬
‫الفاتحة أو بعد أن يقرأ القرآن وينتهي من قراءته يقول الفاتحة ويقرؤها‬
‫الحاضرون ‪ ،‬وكذلك جرى العرف على قراءة الفاتحة قبل الزواج فما حكم‬
‫ذلك ؟ فأجابت اللجنة ‪:‬‬
‫] قراءة الفاتحة بعد الدعاء أو بعد قراءة القرآن أو قبل الزواج بدعة لن ذلك‬
‫لم يثبت عن النبي‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ول عن أحد من صحابته‪ -‬رضي‬
‫الله عنه ‪ -‬وقد ثبت عن النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪ ) :‬من عمل‬
‫عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد ّ ([ )‪.(3‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬ما يتعلق باستماع القرآن الكريم‪:‬‬
‫َ‬
‫ن(‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫صُتوا ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م ت ُْر َ‬ ‫ه وَأن ْ ِ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬ ‫ست َ ِ‬‫ن َفا ْ‬ ‫قْرَءا ُ‬ ‫يقول الله تعالى ‪ ):‬وَإ َِذا قُرِئَ ال ْ ُ‬
‫)‪.(4‬‬
‫فالمطلوب من السامعين للتلوة النصات والتدبر والتفكر في اليات‬
‫المتلوة ‪ ،‬ولكن كثيرا ً من السامعين يخلون بهذا الدب فتراهم يجلسون أمام‬
‫قارئ القرآن ويتحدثون فيما بينهم وإذا استمعوا فتسمعهم يقولون للقارئ‬
‫عند قراءته آية ‪ :‬الله الله ‪ .‬الله يفتح عليك ‪ .‬ما شاء الله ‪ .‬تبارك الله ‪ .‬اللهم‬
‫ل على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ، -‬وغير ذلك من اللفاظ وكل هذا‬ ‫ص ِ‬
‫من سوء الدب مع كتاب الله سبحانه وتعالى ومن المور المبتدعة ‪ ،‬قال العز‬
‫بن عبد السلم ‪ ]:‬الستماع للقرآن والتفهم لمعانيه من الداب المشروعة‬
‫المحثوث عليها والشتغال عن ذلك بالتحدث بما ل يكون أفضل من‬
‫الستماع ‪ ،‬سوء أدب على الشرع [ )‪.(5‬‬
‫وقال السيوطي ‪ ]:‬يسن الستماع لقراءة القرآن وترك اللغط والحديث‬
‫َ‬
‫صُتوا‬ ‫ه وَأن ْ ِ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬ ‫ن َفا ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫قْرَءا ُ‬ ‫بحضور القرآءة قال الله تعالى ‪ ):‬وَإ َِذا قُرِئَ ال ْ ُ‬
‫ن ([ )‪.(6‬‬ ‫مو َ‬‫ح ُ‬
‫م ت ُْر َ‬‫ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫وقد صح في الحديث عن عبد الله بن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال‬
‫ي ‪ .‬قلت ‪ :‬أقرأ عليك‬ ‫لي رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ ): -‬اقرأ عل ّ‬
‫وعليك أنزل ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الية ‪:‬‬
‫ك عََلى هَؤَُلِء َ‬ ‫ف إَذا جئ ْنا من ك ُ ّ ُ‬
‫دا ( قال ‪:‬‬ ‫شِهي ً‬ ‫جئ َْنا ب ِ َ‬‫شِهيد ٍ وَ ِ‬ ‫مةٍ ب ِ َ‬
‫لأ ّ‬ ‫) فَك َي ْ َ ِ ِ َ ِ ْ‬
‫حسبك الن ‪ ،‬فالتفت فإذا عيناه تذرفان ( رواه البخاري )‪.(7‬‬
‫وفي رواية لمسلم قال عبد الله‪ ) :‬فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل ()‪.(8‬‬
‫ولنا في رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬أسوة حسنة ‪ ،‬أما ما يفعله كثير‬
‫من الناس اليوم في مجال القرآن فهو أمٌر منكٌر مبتدع )‪.(9‬‬
‫قال الشيخ محمد عبد السلم ‪ ]:‬وقولهم لقارئ القرآن السيط ‪ :‬الله الله ‪،‬‬
‫كمان ‪ ،‬كمان يا أستاذ ‪ ،‬هيه هيه ‪ ،‬الله يفتح عليك ‪ .‬حرمه الله بقوله ‪ ) :‬وَإ َِذا‬
‫َ‬
‫ن ( والحق أنهم لم يلتذوا‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫صُتوا ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫ه وَأن ْ ِ‬ ‫مُعوا ل َ ُ‬ ‫ن َفا ْ‬
‫ست َ ِ‬ ‫قُرِئَ ال ْ ُ‬
‫قْرَءا ُ‬
‫بألفاظ القرآن لنهم لم يفقهوا لها معنى بل ما كانت لذتهم إل من حسن‬
‫نغمة القارئ والدليل على ذلك أنه لو قرأ قارئ ليس حسن الصوت‪ ،‬السورة‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بعينها ‪ ،‬التي كانت تتلى عليهم لنفضوا من حوله سابين لعنين له ولمن جاء‬
‫به قائلين ‪ :‬جايب لنا فقي حسه زي حس الوابور ‪.‬‬
‫م وَإ ِذاَ‬ ‫ُ‬
‫ت قلوب ُهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫جل ْ‬‫َ‬ ‫ه وَ ِ‬ ‫ّ‬
‫ولقد وصف الله المؤمنين من عباده بأنهم ‪ ):‬إ َِذا ذ ُك َِر الل ُ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫جُلود ُ ال ّ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬
‫شعِّر ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ماًنا ( وقال فيهم أيضا ً ‪ ):‬ت َ ْ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه َزاد َت ْهُ ْ‬ ‫م َءاَيات ُ ُ‬ ‫ت عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ت ُل ِي َ ْ‬
‫ه‬
‫دي ب ِ ِ‬ ‫دى الل ّهِ ي َهْ ِ‬ ‫ك هُ َ‬‫م إ َِلى ذِك ْرِ الل ّهِ ذ َل ِ َ‬
‫م وَقُُلوب ُهُ ْ‬ ‫جُلود ُهُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ت َِلي ُ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شو ْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫هاد ٍ ([ )‪.(10‬‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬‫ه فَ َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬‫ن يُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫شاُء وَ َ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫فهرس المحتويات‬
‫الموضوع ‪ ...‬رقم الصفحة‬
‫أقوال في التباع والبتداع ‪4 ...‬‬
‫المقدمة ‪5 ...‬‬
‫الفصل الول ‪ :‬قواعد وأسس في السنة والبدعة ‪9 ...‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬الحث على اتباع السنة والتحذير من البدعة وبيان أسباب‬
‫البتداع ‪11 ...‬‬
‫أول ً ‪ :‬اليات الكريمات التي تأمر بالتباع وتنهى عن البتداع ‪11 ...‬‬
‫__________‬
‫)‪ (1‬أحكام الجنائز ص ‪. 33‬‬
‫)‪ (2‬السنن والمبتدعات ص ‪ ، 217‬انظر يسألونك ‪. 268-4/267‬‬
‫)‪ (3‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية ‪. 2/384‬‬
‫)‪ (4‬سورة العراف الية ‪. 204‬‬
‫)‪ (5‬فتاوى العز بن عبد السلم ص ‪ ، 486-485‬وانظر التبيان في آداب حملة‬
‫القرآن ص ‪.49‬‬
‫)‪ (6‬التقان ‪. 1/145‬‬
‫)‪ (7‬صحيح البخاري مع الفتح ‪. 10/471‬‬
‫)‪ (8‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪. 2/413‬‬
‫)‪ (9‬انظر اللمع في الحوادث والبدع ‪ ، 1/57‬بدع القرآء ص ‪ ، 22‬البداع ص‬
‫‪. 231‬‬
‫)‪ (10‬السنن والمبتدعات ص ‪. 220-219‬‬

‫)‪(79 /‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬الحاديث النبوية التي تأمر بالتباع وتنهى عن البتداع ‪14 ...‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الثار الواردة عن السلف في لزوم السنة وذم البدعة ‪17 ...‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬تعريف البدعة لغة واصطلحا ً ‪21 ...‬‬
‫أول ً ‪ :‬تعريف البدعة لغة ‪21 ...‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬تعريف البدعة اصطلحا ً ‪22 ...‬‬
‫مناهج العلماء في تعريف البدعة ‪23 ...‬‬
‫المنهج الول في تعريف البدعة ‪23 ...‬‬
‫أدلة القائلين بالمنهج الول ‪25 ...‬‬
‫المنهج الثاني في تعريف البدعة ‪28 ...‬‬
‫أدلة القائلين بالمنهج الثاني ‪30 ...‬‬
‫المنهج المختار في تعريف البدعة ‪35 ...‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬الصل في العبادة التباع ‪45 ...‬‬
‫الدلة من السنة على هذا الصل ‪45 ...‬‬
‫الدلة من آثار الصحابة على هذا الصل ‪48 ...‬‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المبحث الرابع ‪ :‬ل يجوز إثبات نوع من العبادات لدخوله تحت الدليل العام بل‬
‫ل بد من دليل خاص ‪56 ...‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬تقسيم السنة النبوية إلى فعلية وتركية وأثر الجهل بهذا‬
‫الصل في البتداع ‪65 ...‬‬
‫المبحث السادس ‪ :‬تقسيم البدعة إلى حقيقية وإضافية ‪74 ...‬‬
‫البدعة الحقيقية ‪74 ...‬‬
‫البدعة الضافية ‪76 ...‬‬
‫المبحث السابع ‪ :‬حكم البدعة ‪79 ...‬‬
‫المبحث الثامن ‪ :‬أسباب البتداع ‪86 ...‬‬
‫المبحث التاسع ‪ :‬أسباب انتشار البدع ‪88 ...‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬البدع المنتشرة بين الناس في المساجد وغيرها ‪89 ...‬‬
‫المبحث الول ‪ :‬البدع المتعلقة بالذان ‪91 ...‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬قراءة القرآن قبل الذان للصلوات الخمس وقبل الذان‬
‫للجمعة ‪91 ...‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬الذان بواسطة شريط مسجل عليه الذان ‪93 ...‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬الصلة على النبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بعد الذان بحيث‬
‫تكون جزًء منه ‪95 ...‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬الذكر قبل أذان الفجر وقبل أذان العشاء ليلتي الثنين‬
‫والجمعة ‪103 ...‬‬
‫المسألة الخامسة ‪ :‬قراءة سورة الخلص قبل إقامة الصلة ‪107 ...‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬البدع المتعلقة بالنية ‪108 ...‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬الجهر بالنية ‪108 ...‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬طلب المام من المأمومين أن يستحضروا النية ‪119 ...‬‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬ختم الصلة الجماعي ‪121 ...‬‬
‫المبحث الرابع ‪:‬بدعة المصافحة بعد الصلة وقول المصلي للخر تقبل الله‬
‫منا ومنكم ‪126 ...‬‬
‫المبحث الخامس ‪ :‬بدع محدثة في دعاء القنوت ‪131 ...‬‬
‫تقليب اليدين عند الدعاء ‪132 ...‬‬
‫مسح الوجه والبدن في دعاء القنوت ‪133 ...‬‬
‫المبحث السادس ‪ :‬بدع الجمعة ‪136 ...‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬الصلة والسلم على رسول الله ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪-‬‬
‫قبل أذان الجمعة ‪136 ...‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬نداء المؤذن بين يدي خطيب الجمعة بحديث النصات ‪...‬‬
‫‪138‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬دعاء المؤذن عند جلوس الخطيب بين الخطبتين ‪141 ...‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬رفع الخطيب يديه عند الدعاء في الخطبة ‪142 ...‬‬
‫المبحث السابع ‪ :‬بدع العيدين ‪144 ...‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬قول المؤذن عند المناداة لصلة العيد ) الصلة جامعة ( ‪...‬‬
‫‪144‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬فرقة التكبير وما تقوم به من أمور مبتدعة ‪152 ...‬‬
‫المبحث الثامن ‪ :‬بدع الجنائز ‪154 ...‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬رفع الصوت بالذكر أثناء تشييع الجنازة ‪158 ...‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬بدعة التلقين بعد الدفن ‪160 ...‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬قراءة الختمة للموات ‪166 ...‬‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسألة الرابعة ‪ :‬إحياء ذكرى الربعين ‪170 ...‬‬


‫المسألة الخامسة ‪ :‬بدعة التأبين ‪172 ...‬‬
‫المسألة السادسة ‪ :‬وضع جريد النخيل والزهور والورود على القبور ‪175 ...‬‬
‫المسألة السابعة ‪ :‬زيارة القبور يومي العيد ‪181 ...‬‬
‫المسألة الثامنة ‪ :‬قراءة القرآن على القبور ‪185 ...‬‬
‫المبحث التاسع ‪ :‬بدعة الحتفال بموسم النبي موسى عليه السلم ‪191 ...‬‬
‫وصف الحتفال ‪191 ...‬‬
‫أول ً ‪ :‬أين دفن موسى عليه السلم ‪195 ...‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬شد الرحال إلى القبور والمقامات ‪199 ...‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬متى حدث الحتفال بموسم النبي موسى ‪202 ...‬‬
‫المبحث العاشر ‪ :‬البدع المتعلقة بالمسجد القصى ‪204 ...‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬بدعة تسمية المسجد القصى حرما ً ‪204 ...‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬بدع الصوفية في المسجد القصى والناشيد الدينية والفرق‬
‫المنشدة ‪208 ...‬‬
‫المسألة الثالثة ‪ :‬بدعة الطواف بمسجد قبة الصخرة ‪213 ...‬‬
‫المسألة الرابعة ‪ :‬بدعة التمسح بالصخرة ‪214 ...‬‬
‫خرافات متعلقة بالصخرة ‪215 ...‬‬
‫المبحث الحادي عشر ‪ :‬بدعة الحتفال بالمولد النبوي ‪222 ...‬‬
‫الدلة على بدعيته ‪226 ...‬‬
‫المبحث الثاني عشر ‪ :‬بدعة الحتفال بعيد الميلد ‪230 ...‬‬
‫المبحث الثالث عشر ‪ :‬بدعة الحتفال بالسراء والمعراج ‪237 ...‬‬
‫المبحث الرابع عشر ‪ :‬بدعة الحتفال بالهجرة ‪243 ...‬‬
‫الدلة على عدم شرعيته ‪245 ...‬‬
‫المبحث الخامس عشر ‪ :‬بدع موسمية أخرى ‪247 ...‬‬
‫المبحث السادس عشر ‪ :‬البدع المتعلقة بقراءة القرآن الكريم ‪248 ...‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬ما يتعلق بسورة الفاتحة ‪248 ...‬‬
‫المسألة الثانية ‪ :‬ما يتعلق باستماع القرآن الكريم ‪251 ...‬‬
‫فهرس اليات ‪253 ...‬‬
‫فهرس الحاديث ‪259 ...‬‬
‫فهرس الثار ‪265 ...‬‬

‫)‪(80 /‬‬

‫فهرس المصادر والمراجع ‪269 ...‬‬


‫فهرس الموضوعات ‪286 ...‬‬
‫انتهى‬

‫)‪(81 /‬‬

‫اتباع منهج أهل السنة والجماعة فرض عين على كل مسلم‬


‫بقلم؛ إبراهيم بن عبد العزيز‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫السؤال‪ :‬فضيلة الشيخ حفظك الله تعالى‪ :‬أشرت في بعض دروسك إلى‬
‫وجوب اتباع أهل السنة والجماعة في العقيدة والمنهاج ‪ ،‬إل أنك لم تفصل‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسألة ولم تذكر أدلة على ذلك‪ ،‬فما هو الدليل الشرعي على وجوب اتباع‬
‫سبيل أهل السنة والجماعة جزاك الله خيرا ً ونفع بعلمك آمين؟‬
‫الجواب‪ :‬الحمد لله رب العالمين ‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ‪ ،‬ومن‬
‫سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ‪ ،‬أما‬
‫بعد ‪:‬‬
‫فإن اتباع سبيل أهل السنة والجماعة واجب بدللة الكتاب والسنة وإجماع‬
‫العلماء المعتبرين خلفا ً عن سلف ‪ ،‬وكل من يخالف ذلك عقيدة أو منهاجا ً فهو‬
‫آثم خارج عن الفئة المنصورة إلى يوم الدين‪.‬‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫دى وَي َت ّب ِعْ غَي َْر َ‬ ‫ْ‬
‫ه الهُ َ‬ ‫نل ُ‬‫َ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫ق الّر ُ‬ ‫من ي ُ َ‬
‫شاقِ ِ‬ ‫قال تعالى ‪ ) :‬وَ َ‬
‫صيرا ( ‪ (115) .‬النساء‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫صل ِهِ َ‬ ‫ما ت َوَلى وَن ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ن ن ُوَل ّهِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫فهذه الية الكريمة تبين بيانا ً واضحا ً ل يحتمل أدنى تأويل وجوب اتباع سبيل‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وقد قرن الله سبحانه بين مشاققة الرسول ‪ ،‬وبين اتباع غير‬
‫سبيل المؤمنين ‪ ،‬فكل من يتبع غير سبيل المؤمنين يكون مشاققا ً للرسول ‪،‬‬
‫وقد توعد الله سبحانه كل من خالف سبيل المؤمنين بجهنم وساءت مصيرا ً‬
‫أعاذنا الله منها ‪ ،‬والمقصود بسبيل المؤمنين الذي يجب على كل مسلم أن‬
‫ن‬
‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫يتبعه ‪ ،‬هو سبيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ‪ ،‬قال تعالى ‪َ ) :‬وال ّ‬
‫َ‬ ‫ال َوُّلو َ‬
‫م‬
‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ّر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫هم ب ِإ ِ ْ‬ ‫ن ات ّب َُعو ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫صارِ َوال ّ ِ‬ ‫ن َوالن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ن ِ‬
‫فوُْز‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ن ِفيَها أ ََبدا ً ذ َل ِ َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫حت ََها ال َن َْهاُر َ‬ ‫ري ت َ ْ‬ ‫ج ِ‬
‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَأعَد ّ ل َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ضوا ْ عَن ْ ُ‬ ‫وََر ُ‬
‫م ( ‪ (100) .‬التوبة‬ ‫ظي ُ‬‫ال ْعَ ِ‬
‫فهذه الية الكريمة إخبار من الله سبحانه يتضمن المدح الدال على الوجوب ‪،‬‬
‫فقد امتدح الله سبحانه طائفتين من الناس ‪ ،‬الطائفة الولى وهم المهاجرون‬
‫والنصار ‪ ،‬وقد جاء السياق في مدحهم مطلقا ً ‪ ،‬والطائفة الثانية وهم الذين‬
‫اتبعوهم بإحسان ‪ ،‬وقد جاء المدح مقيدا ً بقيدين اثنين ‪،‬أولهما ‪ :‬التباع ‪،‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬وصف التباع وهو الحسان ‪ ،‬وهذا دليل واضح على أن المقصود‬
‫بسبيل المؤمنين هو سبيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ‪.‬‬
‫مُنوا ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ومما يدلنا أيضا ً على وجوب اتباع سبيل الصحابة قوله تعالى ‪ ) :‬فإ ِ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬‫م الل ّ ُ‬ ‫فيك َهُ ُ‬ ‫سي َك ْ ِ‬
‫ق فَ َ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬‫م ِفي ِ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫دوا ْ وِّإن ت َوَل ّوْا ْ فَإ ِن ّ َ‬ ‫قدِ اهْت َ َ‬ ‫منُتم ب ِهِ فَ َ‬ ‫ما آ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ِ‬‫بِ ِ‬
‫م ( ‪ (137) .‬البقرة‬ ‫ْ‬
‫ميعُ العَِلي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫وَهُوَ ال ّ‬
‫وهذه الية تضمنت شرطا ً ترتبت عليه حقيقة‪ ،‬أي إن كان إيمان الناس مثل‬
‫إيمان الصحابة رضي الله تعالى عنهم فقد اهتدوا ‪ ،‬وهذا مفهوم موافقة للفظ‬
‫المتضمن مفهوم مخالفة للمعنى ‪ ،‬أي إن لم يؤمنوا بمثل ما آمنتم به ‪ ،‬فقد‬
‫ضلوا ‪ ،‬فعلق المولى سبحانه وتعالى الهداية على متابعة الصحابة رضي الله‬
‫ق‬ ‫شاقِ ِ‬ ‫من ي ُ َ‬ ‫تعالى عنهم ‪ ،‬وقد اتفقت هذه الية بالمعنى مع الية السابقة ‪) :‬وَ َ‬
‫ّ‬
‫ما ت َوَلى‬ ‫ن ن ُوَل ّهِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دى وَي َت ّب ِعْ غَي َْر َ‬ ‫ه ال ْهُ َ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬ ‫الّر ُ‬
‫صيرا ( ‪ (115) .‬النساء‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫صل ِهِ َ‬ ‫وَن ُ ْ‬
‫فانظر يرحمك الله تعالى إلى تطابق اللفظين في كلتا اليتين ‪ ) ،‬يشاقق (‬
‫) الهدى ( فالية الولى بينت أن من يخالف إيمانه إيمان الصحابة رضي الله‬
‫تعالى عنهم ‪ ،‬فهو في شقاق ‪ ،‬أي في منازعة للحق ‪ ،‬وكذلك الية الثانية تبين‬
‫أن من يتبع غير سبيل المؤمنين فإنما هو في شقاق ‪ ،‬ول ريب أن مشاققة‬
‫الحق خروج عن الهدى فتأمل ذلك ‪.‬‬
‫وعلى ما سبق تعلم أخي الحبيب أن اتباع سبيل المؤمنين ‪ ،‬الذي هو اتباع‬
‫الصحابة رضي الله تعالى عنهم واجب ‪ ،‬ويعتبر كل من خالفه مخالفا ً للحق‬
‫مشاققا ً له ‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويعزز هذا المعنى ما جاء في الحديث الصحيح عن العرباض بن سارية رضي‬


‫الله تعالى عنه قال ‪ :‬وعظنا رسول الله يوما ً بعد صلة الغداة موعظة بليغة‪،‬‬
‫ذرفت منها العيون‪ ،‬ووجلت منها القلوب‪ .‬فقال رجل‪ :‬إن هذه موعظة موّدع‬
‫فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال‪) :‬أوصيكم بتقوى الله‪ ،‬والسمع والطاعة‬
‫وإن عبد حبشي‪ ،‬فإنه من يعش منكم يرى اختلفا ً كثيرًا‪ ،‬فعليكم بسنتي وسنة‬
‫ضوا عليها بالنواجذ ‪،‬‬
‫الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ‪ ،‬تمسكوا بها وع ّ‬
‫وإياكم ومحدثات المور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة ( رواه المام‬
‫أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه بسند صحيح ‪.‬‬
‫ويشتمل الحديث على فوائد جمة يحتاج إليها طالب الحق الباحث عنه‬
‫ونستخلص منها ‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ : 1‬الربط بين سنة الرسول ‪ ،‬وسنة الخلفاء الراشدين وذلك من خلل قوله ‪:‬‬
‫) فعليكم بسنتي ‪ ،‬وسنة الخلفاء الراشدين ( وهذا أمر دال على الوجوب ‪،‬‬
‫فكما أن اتباع سنة الرسول واجبة ‪ ،‬فكذلك اتباع سنة الخلفاء الراشدين ‪،‬‬
‫حيث عطف الرسول اتباع سنة الخلفاء الراشدين على اتباع سنته فاقتضى‬
‫ذلك المشاركة في الحكم ‪.‬‬
‫‪ : 2‬إن سّنة الخلفاء الراشدين ‪،‬هي سنة الرسول ‪ ،‬وذلك من خلل تفريد‬
‫ضوا عليهما حيث ذكر‬ ‫ضوا عليها ( والصل أن يقال‪ :‬ع ّ‬
‫الضمير في قوله ‪) :‬ع ّ‬
‫سنتين ل سنة واحدة ‪ ،‬ومبنى هذا المر على موافقة الخلفاء الراشدين لسنة‬
‫المصطفى لذا وصفوا بالراشدين المهديين ‪ ،‬ولن يكونوا راشدين مهديين إل‬
‫باتباع الحق الذي دلهم عليه رسول الله ‪.‬‬
‫‪ : 3‬تعلق الضللة بمخالفة سبيلهم وذلك من قوله ‪ ) :‬وإياكم ومحدثات المور‬
‫( ‪ .‬فقد جاء هذا اللفظ بعيد المر بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين ‪ ،‬وعليه‬
‫يكون المخالف لسنة الخلفاء الراشدين مخالفا ً في حقيقة المر لسنة‬
‫الرسول ‪ ،‬مما يؤدي به ذلك إلى الوقوع في المحدثات التي هي من الضلل‬
‫المبين‪.‬‬
‫‪ : 4‬إن وقوع الخلف في المة من المور التي تؤدي إلى فشلها وهلكها ‪،‬‬
‫وإن سبيل الخروج منها هو اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين ‪،‬لذا شدد‬
‫الرسول في هذه المسألة ‪ ،‬وأمر بالتمسك بسنة الخلفاء الراشدين بكل ما‬
‫يستطيعه المسلم من قوة حتى ولو كان ذلك بنواجذه ‪.‬‬
‫ومفهوم الحديث بعموم ‪ ،‬أن المجتمع المسلم سوف يشهد اختلفات كثيرة ‪،‬‬
‫واضطرابات فكرية بحيث يصبح المسلم غارقا ً في متاهات اجتهادية يصل إلى‬
‫درجة ل يعرف بها طريق الحق الذي يجب أن يكون عليه ‪ ،‬ومن تمام ديننا‬
‫الحنيف ‪ ،‬بين ما يجب أن يكون عليه المسلم في هذه المتاهات الكثيرة ‪ ،‬وهو‬
‫اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين ‪ ،‬فهو طريق الحق ‪ ،‬وهو سبيل النجاة‬
‫في الدنيا والخرة ‪ ،‬والشاهد من الحديث أن الخلفاء الراشدين ل يتصفون‬
‫بهذا الوصف إل إن كانوا متبعين لسنة الرسول التي عليها الصحابة رضي الله‬
‫تعالى عنهم ‪ ،‬إذ سنة الخلفاء الراشدين ل تنفصل عن سنة الصحابة ‪.‬‬
‫ومن أدلة السنة على وجوب اتباع سبيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ‪ ،‬ما‬
‫جاء عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ‪ ،‬أن رسول الله قال ‪ ) :‬تفترق‬
‫أمتي على ثلث و سبعين ملة ‪ ،‬كلهم في النار إل ملة واحدة ‪ ،‬قالوا ‪ :‬و من‬
‫هي يا رسول الله ؟ قال ‪ :‬ما أنا عليه و أصحابي ( ‪ .‬أخرجه الترمذي و غيره‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بإسناد حسن‪.‬‬
‫وهذا الحديث موافق لما دلت عليه النصوص السابقة من الكتاب والسنة ‪،‬‬
‫ففيه إشارة واضحة إلى وجوب اتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم في‬
‫العقيدة والمنهاج ‪ ،‬ووجه ذلك فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ : 1‬الشارة إلى افتراق المسلمين إلى فرق كثيرة تكون جميعها هالكة إل‬
‫جماعة واحدة ‪ ،‬وهي التي تكون موافقة لما كان عليه الرسول وأصحابه ‪،‬‬
‫وهذا دليل واضح على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا على الحق باعتبار‬
‫من وافقهم من اتباع الفرقة الناجية ‪.‬‬
‫‪ : 2‬جاء الحديث بصيغة الخبار المتضمن للتحذير والمدح للدللة على شيئين‬
‫منفصلين ‪ ،‬فأما التحذير فمن خلل قوله صلى الله عليه وسلم ) كلها في‬
‫النار( وأما المدح فمن خلل قوله ) إل واحدة ( مما يدلنا ذلك على أن الفرقة‬
‫المستثناة من الهلك هي الفرقة الموافقة لما كان عليه الرسول وأصحابه ‪،‬‬
‫على خلفها من الفرق التي شملها الذم تضمنا ً ‪.‬‬
‫‪ : 3‬قوله ‪ ) :‬إل واحدة ( فهذا اللفظ دال على أن أهل الحق جماعة واحدة ‪،‬‬
‫وليسوا جماعات متفرقة ‪ ،‬لن المعنى – إل فرقة واحدة من بين هذه الفرق‬
‫ليست هالكة – وقد جاء وصف هذه الفرقة أي الناجية ‪ ،‬أنها تكون على مثل‬
‫ما يكون عليه الرسول وأصحابه ‪.‬‬
‫‪ : 4‬ما تضمنه الحديث من وجوب اتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم‬
‫باعتبارهم الفرقة الناجية ‪.‬‬
‫وعليه يكون اتباع الصحابة واجبا ً ‪ ،‬وأما من ذهب إلى تضعيف الحديث فل يعتد‬
‫بقوله فالحديث صحيح متنا ً وسندا ً ‪ ،‬والدلة القاطعة آنفة الذكر تدل على‬
‫معناه ‪.‬‬
‫ومن أدلة السنة على وجوب اتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما جاء في‬
‫الحديث المتفق على صحته عند أئمة الحديث عن معاوية بن أبي سفيان‬
‫وغيره أنه قال ‪:‬سمعت رسول الله يقول‪ ) :‬ل تزال طائفة من أمتي قائمة‬
‫بأمر الله ل يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون‬
‫على الناس (‪.‬‬
‫ومن الفوائد التي تضمنها الحديث الشريف ‪:‬‬
‫‪ : 1‬وجود طائفة ظاهرة على الحق ‪ ،‬وهي باقية ما بقيت السماوات‬
‫والرض ‪ ،‬وهي طائفة واحدة ل تتعدد إذ دل اللفظ على طائفة واحدة ل‬
‫طوائف متعددة ‪ ،‬وهذا الحديث من حيث المعنى يتفق مع الحديث قبله في‬
‫المعنى ‪ ،‬فقوله ‪ ) :‬إل واحدة ( يتفق مع قوله ‪ ) :‬ل تزال طائفة ( وعليه يكون‬
‫أهل الحق متوحدين متعاضدين ل متفرقين ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪ : 2‬دل سياق الحديث على أن الطائفة موجودة على عهد رسول الله ‪ ،‬وهي‬
‫باقية إلى قيام الساعة ‪ ،‬مما يدلنا ذلك بوضوح على أن الصحابة هم طليعة‬
‫هذه الطائفة ‪ ،‬فهم على الحق الذي من خالفهم عليه يكون ممن خذلهم‬
‫وأعرض عن منهجهم الحق ‪.‬‬
‫‪ : 3‬إن أصحاب الحق امتداد للطائفة المنصورة ‪ ،‬فل يكونون منقطعين عنها‬
‫أو مخالفين لها ‪،‬بل هم اتباع لهذه الطائفة يقولون بما قالوا به ‪ ،‬ويفعلون ما‬
‫فعلوه ‪ ،‬وهذا خلف واقع الجماعات إذ هي قائمة على أفكار اجتهادية مرجعها‬
‫إلى أفهام أشخاص قد يصيبون وقد يخطئون ‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ : 4‬إن هذه الطائفة موافقة للحق قائمة عليه ‪ ،‬فهي غير اجتهادية أو هوائية ‪،‬‬
‫بل هي طائفة تجعل اتباع الرسول منهجها وسبيلها لعبادة الله سبحانه ‪ ،‬ولم‬
‫تقم جماعة على وجه البسيطة تعرف باتباع الرسول سنة سنة إل الصحابة‬
‫رضي الله تعالى عنهم ‪ ،‬ومن كان على نهجهم ‪.‬‬
‫ومن الدلة أيضا ً على وجوب اتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ما جاء في‬
‫الحديث عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن النبي أنه قال‪) :‬النجوم أمنة‬
‫للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنة لصحابي فإذا ذهبت‬
‫أتى أصحابي ما يوعدون‪ ،‬وأصحابي أمنة لمتي‪ ،‬فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي‬
‫ما يوعدون( رواه مسلم‪.‬‬
‫وهذا الحديث دليل واضح على أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم هم‬
‫الطائفة المنصورة التي يجب على المسلمين اتباعهم ‪ ،‬فكما دل الحديث‬
‫على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أمنة أصحابه‪ ،‬كذلك دل الحديث‬
‫على أن الصحابة هم أمنة المة فيتفق اللفظ مع اللفظ ‪ ،‬والحكم مع الحكم‪.‬‬
‫وكذلك ما جاء في الحديث الصحيح عن عمران بن حصين رضي الله تعالى‬
‫عنه قال‪ :‬قال رسول الله ‪ ) :‬خير أمتي قرني‪ ،‬ثم الذين يلونهم ثم الذين‬
‫يلونهم ( ‪ .‬قال عمران‪ :‬فل أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلثة‪ -‬متفق عليه‪.‬‬
‫والحديث صريح الدللة بوجوب اتباع الصحابة رضي الله تعالى عنهم ‪ ،‬إذ‬
‫وصفهم بخير الناس ‪ ،‬ول يستحقون هذه الوصف إل لموافقتهم للحق الذي‬
‫كان عليه الرسول ‪ ،‬فهم خير الناس ‪ ،‬ولم تأت هذه الخيرية لمجرد الصحبة‬
‫بل لما قاموا به من جهود جبارة لخدمة هذا الدين ‪ ،‬وبذل النفس والنفيس‬
‫في سبيله ‪ ،‬ومن المعلوم ضرورة أن الله سبحانه ل يقبل العمل إل بشرطين‬
‫‪ ،‬الخلص والصواب ‪ ،‬ووصفه صلى الله عليه وسلم لصحابه بالخيرية يقتضي‬
‫قبول أعمالهم الدالة على صحة وسلمة منهجهم الذي كانوا عليه ‪.‬‬
‫وقد جاءت هذه الدلة المتعددة من الكتاب والسنة صريحة الدللة على‬
‫وجوب اتباع الصحابة رضي الله عنهم ‪ ،‬وعلى أن مخالفتهم أثم عظيم‬
‫يستحق المخالفون لهم عذاب الله سبحانه في الدنيا والخرة ‪ ،‬وهنالك أدلة‬
‫أخرى تدل على هذا المر تضمنا ً منها ‪:‬‬
‫َ‬
‫داء‬ ‫ش ّ‬ ‫هأ ِ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل الل ّهِ َوال ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ ّر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫أول ً ‪ :‬المدح المطلق ‪ ،‬قال تعالى ‪ّ ) :‬‬
‫وانا ً‬ ‫ض َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫جدا ً ي َب ْت َُغو َ‬ ‫س ّ‬ ‫كعا ً ُ‬ ‫م ُر ّ‬ ‫م ت ََراهُ ْ‬ ‫ماء ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فارِ ُر َ‬ ‫عََلى ال ْك ُ ّ‬
‫َ‬
‫م ِفي‬ ‫مث َل ُهُ ْ‬ ‫م ِفي الت ّوَْراةِ وَ َ‬ ‫مث َل ُهُ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫جود ِ ذ َل ِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أث َرِ ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫جوهِِهم ّ‬ ‫م ِفي وُ ُ‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ج‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ق‬ ‫سو‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫وى‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫غ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ز‬ ‫فآ‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫أ‬‫ْ‬ ‫ط‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ُ ِ ِ ُْ ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ا ِ ِ ِ َ ْ ٍ‬
‫ر‬ ‫ز‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫جي‬ ‫لن‬
‫فَرةً‬‫مغْ ِ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫فاَر وَعَد َ الل ّ ُ‬ ‫م ال ْك ُ ّ‬ ‫ظ ب ِهِ ُ‬ ‫الّزّراع َ ل ِي َِغي َ‬
‫ظيما ً ( ‪ (29) .‬الفتح‬ ‫َ‬
‫جرا ً عَ ِ‬ ‫وَأ ْ‬
‫صارِ َوال ّ ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ال َوُّلو َ‬
‫هم‬ ‫ن ات ّب َُعو ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوالن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ساب ِ ُ‬ ‫وقوله تعالى ‪َ) :‬وال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫حت ََها الن َْهاُر‬ ‫ري ت َ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ه وَأعَد ّ لهُ ْ‬ ‫ضوا عَن ْ ُ‬ ‫م وََر ُ‬ ‫ه عَن ْهُ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن ّر ِ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِإ ِ ْ‬
‫م ( ‪ (100) .‬التوبة‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ن ِفيَها أَبدا ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ظي ُ‬ ‫فوُْز العَ ِ‬ ‫ك ال َ‬ ‫دي َ‬ ‫خال ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫م ي َب ْت َُغو َ‬ ‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫من ِديارِهِ ْ‬ ‫جوا ِ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ري َ‬ ‫ج ِ‬ ‫مَها ِ‬ ‫قَراء ال ُ‬ ‫ف َ‬ ‫وقوله تعالى ‪) :‬ل ِل ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ن )‪(8‬‬ ‫صادُِقو َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫َ‬
‫ه أوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫سول ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫صُرو َ‬ ‫وانا وََين ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ن الل ّهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ّ‬ ‫فَ ْ‬
‫ن ِفي‬ ‫دو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وَل ي َ ِ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫جَر إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫حّبو َ‬ ‫م يُ ِ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما َ‬ ‫لي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ْ‬ ‫داَر َ‬ ‫ؤوا ال ّ‬ ‫ن ت َب َوّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫م وَل َوْ َ‬ ‫َ‬
‫ن عََلى أن ُ‬ ‫ُ‬
‫من‬ ‫ة وَ َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫صا َ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ب ِهِ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما أوُتوا وَي ُؤْث ُِرو َ‬ ‫م ّ‬ ‫ة ّ‬ ‫ج ً‬ ‫حا َ‬ ‫م َ‬ ‫دورِهِ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ُ‬
‫ن( ‪ (9) .‬الحشر‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُيوقَ ُ‬
‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫سهِ فأوْلئ ِك هُ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ح نَ ْ‬ ‫ش ّ‬
‫وغيرها من اليات الدالة على مدح الله المطلق لصحاب محمد رسول الله ‪،‬‬
‫مما يدلنا ذلك على موافقة الصحابة للحق الذي يريده الله سبحانه ‪ ،‬وإل لما‬
‫استحقوا هذا المدح ‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬الثناء على مواقفهم وأعمالهم ومن المثلة على ذلك قوله تعالى ‪ِ ) :‬‬
‫م َ‬
‫من‬‫من ُْهم ّ‬
‫ه وَ ِ‬
‫حب َ ُ‬ ‫من قَ َ‬
‫ضى ن َ ْ‬ ‫ه عَل َي ْهِ فَ ِ‬
‫من ُْهم ّ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫عاهَ ُ‬ ‫صد َُقوا َ‬
‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ديل ً ( ‪ (23) .‬الحزاب‬ ‫ما ب َد ُّلوا ت َب ْ ِ‬
‫َينت َظ ُِر وَ َ‬

‫)‪(3 /‬‬

‫جَرةِ فَعَل ِ َ‬
‫م‬ ‫ش َ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ك تَ ْ‬‫ن إ ِذ ْ ي َُباي ُِعون َ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ي الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫قد ْ َر ِ‬ ‫وقوله سبحانه ‪) :‬ل َ َ‬
‫ريبا ً ( ‪ (10).‬الفتح‬ ‫م فَْتحا ً قَ ِ‬
‫َ‬
‫م وَأَثاب َهُ ْ‬ ‫ة عَل َي ْهِ ْ‬ ‫كين َ َ‬‫س ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م فََأنَز َ‬ ‫ما ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫َ‬
‫ثالثا ً ‪ :‬الدللة الصريحة على فضلهم وعدم مساواة الخرين لهم ‪ ،‬كما في‬
‫ت‬‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ث ال ّ‬ ‫ميَرا ُ‬ ‫ل الل ّهِ وَل ِل ّهِ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫قوا ِفي َ‬ ‫م أ َّل ُتنفِ ُ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫قوله تعالى ‪) :‬وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َواْل َْر‬
‫ة‬
‫ج ً‬‫م د ََر َ‬ ‫ك أعْظ ُ‬ ‫ل أوْلئ ِ َ‬ ‫فت ِْح وََقات َ َ‬ ‫ل ال َ‬ ‫من قَب ْ ِ‬ ‫فق َ ِ‬ ‫ن أن َ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫من ُ‬ ‫وي ِ‬ ‫ست َ ِ‬‫ض َل ي َ ْ‬ ‫ِ‬
‫مُلو َ‬
‫ن‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫سَنى َوالل ّ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫ه ال ْ ُ‬‫من ب َعْد ُ وََقات َُلوا وَك ُّل ً وَعَد َ الل ّ ُ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬‫ن َأن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫خِبيٌر ( ‪(10) .‬الحديد‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬‫وال ِهِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ ب ِأ ْ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫دوا ْ ِفي َ‬ ‫جاهَ ُ‬ ‫جُروا ْ وَ َ‬ ‫ها َ‬ ‫مُنوا ْ وَ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقوله تعالى ‪):‬ال ّ ِ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫عند َ الل ّهِ وَأوْل َئ ِ َ‬ ‫فسه َ‬ ‫َ‬
‫ن ( ‪(20) .‬التوبة‬ ‫فائ ُِزو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ة ِ‬ ‫ج ً‬ ‫م د ََر َ‬ ‫م أعْظ َ ُ‬ ‫وَأن ُ ِ ِ ْ‬
‫وإن كانت الية عامة فيمن اتصف بتلك الصفات إل أن دخول الصحابة في‬
‫هذه الية من باب أولى ‪.‬‬
‫ومما ذكرنا من اليات الكريمات المشتملة على ثناء الله سبحانه على صحابة‬
‫رسوله العام الشامل ليمانهم‪ ،‬وأعمالهم‪ ،‬وأخلقهم ‪ ،‬لدليل على صحة‬
‫معتقدهم ومنهجهم‪ ،‬ولول موافقتهم للحق واتباعهم له لما استحقوا كل هذا‬
‫الفضل والثناء ‪ ،‬وقد جاءت السنة صريحة ببيان فضل الصحابة وعدم مساواة‬
‫الناس لهم بالفضل والجر كما في الحديث المتفق على صحته عند أئمة‬
‫الحديث أن الرسول قال ‪) :‬ل تسبوا أصحاِبي فوالذي نفسي ِبيده لو َأن‬
‫أحدكم َأنفق مثل أحد ذهًبا ما َأدرك مد َأحدهم ول نصيفه ( ‪.‬‬
‫فهذه الدلة قاطعة بوجوب اتباع سبيل المؤمنين ‪ ،‬وهو سبيل الصحابة رضي‬
‫الله تعالى عنهم ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وهذا المنهج هو المنهج‬
‫الذي عرف بمنهج أهل السنة والجماعة التي يجب على كل مسلم أن يكون‬
‫فيه ‪ ،‬وهذه التسمية ليست تسمية محدثة بل هي تسمية عرفت زمن‬
‫الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما جاء ذلك في تفسير ابن عباس رضي الله‬
‫َ‬
‫ت‬‫سوَد ّ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫جوه ٌ فَأ ّ‬ ‫سوَد ّ وُ ُ‬ ‫جوه ٌ وَت َ ْ‬ ‫ض وُ ُ‬ ‫م ت َب ْي َ ّ‬ ‫تعالى عنمها لقوله تعالى ‪) :‬ي َوْ َ‬
‫ن ( ‪ (106).‬آل‬ ‫فُرو َ‬ ‫ْ‬
‫م ت َك ُ‬ ‫ُ‬
‫ما كن ْت ُ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ْ‬
‫ذوقوا العَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫فْرُتم ب َعْد َ ِإي َ‬ ‫م أ َك ْ َ‬ ‫جوهُهُ ْ‬ ‫وُ ُ‬
‫عمران قال‪ :‬تبيض وجوه أهل السنة والجماعة‪ ،‬وتسود وجوه أهل الفرقة‬
‫والضللة وقد نقل ابن كثير رحمه الله تعالى عن ابن عباس رضي الله تعالى‬
‫عنهما أنه قال‪ :‬يعني يوم القيامة حين تبيض وجوه أهل السنة والجماعة‪،‬‬
‫ود وجوه أهل البدعة والفرقة‪ ،‬قاله ابن عباس رضي الّله عنهما‪.‬‬ ‫وتس ّ‬
‫وهذا الثر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما صحيح ‪ ،‬وقد درج العلماء‬
‫قديما ً وحديثا ً على تسمية أهل الحق بأهل السنة والجماعة ‪.‬‬
‫وتقوم هذه التسمية على أصلين عظيمين ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أهل السنة ‪ ،‬وهذا من باب المضاف والمضاف إليه ‪ ،‬فأهل السنة إذن‬
‫هم اتباعها الذين ل يخرجون عنها ‪ ،‬فل يكون أهل الحق إل متبعين للسنة ‪،‬‬
‫وعليه فكل مخالف للسنة ل يعتبر من أهل الحق ‪ ،‬فاتباع السنة ضابط من‬
‫الضوابط التي يميز بها أهل الحق عن غيرهم ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬الجماعة ‪ ،‬فقد جاء وصف أهل الحق بأنهم أهل جماعة إذ عطف لفظ‬
‫الجماعة على لفظ أهل السنة ‪ ،‬فكما أن أهل الحق معروفون باتباعهم للسنة‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،‬كذلك هم معروفون باجتماعهم عليها ‪ ،‬فل يكون أهل السنة متفرقين بل‬
‫مجتمعين ‪ ،‬وعليه فهذان وصفان ثابتان لهل الحق ‪ ،‬وهما اتباع السنة‬
‫والجتماع عليها ‪،‬وأهل الحق متصفون بهاتين الصفتين ‪ ،‬فإن فقدوا إحدى‬
‫الصفتين خرجوا عن كونهم أهل سنة وجماعة ‪ ،‬وهذان الصلن قائمان على‬
‫أدلة قطعية ل يخالف فيها مسلم ‪ ،‬وإن كان كثير من المسلمين يخالفون‬
‫هذين الصلين بأقوالهم وأفعالهم إما جهل ً ‪ ،‬وإما اتباعا ً للهوى عافانا الله‬
‫سبحانه ‪.‬‬
‫‪ : 1‬الدلة على وجوب التباع ‪:‬‬
‫الدلة على وجوب التباع كثيرة معلومة ‪ ،‬بل هي من لوازم التوحيد ‪ ،‬فكلمة‬
‫التوحيد مشتملة على حقيقتين ‪ ،‬الولى تفريد الله سبحانه بالعبادة ‪ ،‬فل‬
‫معبود بحق سواه ‪ ،‬الثاني ‪ ،‬تفريد الرسول بالتباع ‪ ،‬فل متبوع بحق إل‬
‫الرسول ‪.‬‬
‫أدلة وجوب اتباع الرسول من القرآن ‪:‬‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فْر لك ْ‬ ‫ه وَي َغْ ِ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫حب ِب ْك ُ‬ ‫َ‬
‫ه فات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫حّبو َ‬
‫م تُ ِ‬ ‫ل ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫قال تعالى ‪ ) :‬قُ ْ‬
‫َ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ل فِإن ت َوَل ّوْا ْ فَإ ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ه َوالّر ُ‬ ‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬‫لأ ِ‬ ‫م )‪ (31‬قُ ْ‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر ّر ِ‬‫ه غَ ُ‬‫م َوالل ّ ُ‬‫ذ ُُنوب َك ُ ْ‬
‫ن( ‪ (32) .‬آل عمران‬ ‫ري َ‬‫كافِ ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬‫ح ّ‬ ‫ل َ يُ ِ‬
‫وما يستفاد من هاتين اليتين الكريمتين ‪:‬‬
‫‪ : 1‬أن محبة الله سبحانه ل تكون إل من خلل متابعة الرسول صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وذلك لتضمنها للشرط ‪ ،‬أي إن كان حبكم لله حبا ً صادقا ً فإنه‬
‫يحملكم على اتباع النبي ‪ ،‬وما يفهم في مقابل هذا اللفظ ‪ ،‬أن عدم متابعتكم‬
‫للرسول دليل على عدم محبتكم لله سبحانه ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫‪ : 2‬وجوب اتباع الرسول لحتمية وجوب محبة الله سبحانه‪ ،‬فحب الله من‬
‫من‬ ‫س َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬
‫اليمان الواجب الذي ينتفي اليمان بانتفائه قال تعالى ‪) :‬وَ ِ‬
‫وَ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫حب ّا للهِ وَل ْ‬ ‫ً‬ ‫شد ّ ُ‬ ‫مُنوا ْ أ َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ب الل ّهِ َوال ّ ِ‬‫ح ّ‬‫م كَ ُ‬ ‫دادا ً ي ُ ِ‬
‫حّبون َهُ ْ‬
‫َ‬
‫ن الل ّهِ أن َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫خذ ُ ِ‬‫ي َت ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن العَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ديد ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ميعا وَأ ّ‬ ‫ج ِ‬‫قوّة َ ل ِلهِ َ‬ ‫ن ال ُ‬‫بأ ّ‬ ‫ذا َ‬ ‫موا إ ِذ ْ ي ََروْ َ‬ ‫ن ظل ُ‬ ‫ذي َ‬
‫ي ََرى ال ِ‬
‫ب(‪ (165) .‬البقرة‬ ‫ذا ِ‬ ‫ال ْعَ َ‬
‫واتخاذ النداد من دون الله ومحبتهم مع الله شرك ‪ ،‬فكيف إذا خل قلب العبد‬
‫من محبة الله ؟ وبما أن محبة الله ل تتحقق إل بمتابعة الرسول كان اتباعه‬
‫واجبا ً ‪.‬‬
‫‪ : 3‬محبة الله لمن يتبع رسوله ‪ ،‬إذ علق الله سبحانه وتعالى محبته للعباد‬
‫باتباعهم للرسول ‪،‬وحب الله دليل على المدح المتضمن للوجوب ‪ ،‬أي يجب‬
‫على المسلم أن يسلك السبل التي يتوصل من خللها إلى حب الله له ‪ ،‬ومن‬
‫أعظم هذه السبل متابعة الرسول مما دلنا ذلك على الوجوب ‪.‬‬
‫‪ : 4‬ما تضمنته الية الكريمة من كون التولي عن طاعة الله والرسول من‬
‫صفات الكفر التي ل يحبها الله سبحانه ‪ ،‬ول شك بأن أهل الحق ل يتصفون‬
‫بصفات يبغضها الله سبحانه ويذم عليها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫مرِ ِ‬‫نأ ْ‬ ‫ن عَ ْ‬ ‫فو َ‬ ‫خال ِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫حذ َرِ ال ِ‬ ‫دليل آخر على وجوب التباع قال تعالى ‪) :‬فَلي َ ْ‬
‫م ( ‪(63) .‬النور‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َأن تصيبهم فتن ٌ َ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫صيب َهُ ْ‬
‫ة أوْ ي ُ ِ‬ ‫ُ ِ َُ ْ َِْ‬
‫وهذه الية الكريمة اشتملت على تحذير شديد لمن خالف أمر الرسول ‪ ،‬بل‬
‫جاءت نتائج المخالفة واضحة وهي إحدى أمرين ‪ ) :‬أن تصيبهم فتنة ( أو ‪:‬‬
‫) يصيبهم عذاب أليم ( ‪ .‬وهذا التحذير المتضمن للوعيد الشديد الدال على‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذم والتحريم لدليل صريح على وجوب متابعة الرسول في كل ما أمر به‬
‫ونهى عنه وفق ما هو مقرر عند العلماء ‪.‬‬
‫َ‬
‫ه فانت َُهوا‬‫م عَن ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ما ن ََهاك ْ‬ ‫ُ‬
‫خذوه ُ وَ َ‬ ‫َ‬
‫سول ف ُ‬ ‫ُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ما آَتاك ُ ُ‬ ‫دليل آخر ‪ :‬قال تعالى ‪) :‬وَ َ‬
‫ب ( ‪ (7) .‬الحشر‬ ‫ِ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫ديد ُ ال ْ ِ‬
‫ع‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫ه إِ ّ‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫َوات ّ ُ‬
‫وهذه الية الكريمة دالة على وجوب متابعة الرسول في كل شيء إذ – ما –‬
‫اسم موصول دال على العموم ‪ ،‬مما يفهم من ذلك أن الرسول معصوم بكل‬
‫ما يقوم به من أعمال تعبدية بدللة إطلق المتابعة في المر والنهي ‪ ،‬وإل لما‬
‫جاء المر بوجوب المتابعة بعموم ‪ ،‬وعليه يكون المر في هذه الية الكريمة‬
‫من صيغ المر واجب التباع ‪.‬‬
‫أدلة من السنة الصحيحة على وجوب التباع ‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال‪ ) :‬كل أمتي يدخلون الجنة‬
‫إل من أبى‪ ،‬قالوا‪ :‬يا رسول الله ومن يأبى؟ قال‪ :‬من أطاعني دخل الجنة‬
‫ومن عصاني فقد أبى( ‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫فهذا الحديث صريح الدللة على وجوب متابعة الرسول في ما أمر به ‪ ،‬ونهى‬
‫عنه ‪ ،‬إذ علق دخول الجنة على متابعته ‪ ،‬فكل من اتبعه فهو من أهل النجاة ‪،‬‬
‫وعليه كل من خالفه فهو من أهل الهلك ‪ ،‬ول أدل من هذا السياق على‬
‫فرضية اتباع الرسول ‪.‬‬
‫حديث آخر ‪ :‬أخرج المامان البخاري ومسلم في صحيحيهما أن أبا هريرة‬
‫رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله قال ‪ ) :‬من أطاعني فقد أطاع الله‪،‬‬
‫ومن عصاني فقد عصى الله‪ ،‬ومن أطاع أميري فقد أطاعني‪ ،‬ومن عصى‬
‫أميري فقد عصاني( ‪.‬‬
‫وهذا الحديث الصحيح يربط ما بين طاعة الله سبحانه ‪ ،‬وطاعة رسوله ‪ ،‬ثم‬
‫يرجع الطاعتين إلى طاعة واحدة ‪ ،‬وهي طاعة الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬ول‬
‫خلف في وجوب طاعة الله سبحانه ‪.‬‬
‫وإن كانت هذه الدلة بظاهرها تدل على وجب اتباع الرسول ‪ ،‬فهنالك أدلة‬
‫آخرى تدل على حرمة مخالفته ومغايرة سبيله منها ما جاء في الصحيحين‬
‫عن عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬عن النبي أنه قال ‪ ) :‬من أحدث في أمرنا هذا‬
‫ما ليس منه فهو رد ( ‪ .‬والحداث في الدين هو كل عبادة يتقرب بها إلى الله‬
‫سبحانه عن غير طريق الرسول إما أصل ً أو كيفًا‪.‬‬
‫وكذلك ما جاء في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي كان يقول‬
‫في خطبة يوم الجمعة ‪ ) :‬أما بعد ‪ :‬فإن خير الحديث كتاب الله ‪ ،‬وخير الهدي‬
‫هدي محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وشر المور محدثاتها ‪ ،‬وكل بدعة ضللة (‬
‫‪.‬‬
‫والتحذير من المحدثات ما هو إل إلزام باتباع الرسول بكل ما جاءنا به ‪ ،‬وهذا‬
‫ما كان ظاهرا ً في الصحابة رضي الله تعالى عنهم ‪ ،‬والمر في ذلك أوضح‬
‫من أن يستدل عليه ‪ ،‬وما ينبغي التنبيه إليه هو أن الصحابة رضي الله تعالى‬
‫عنهم كانت متابعتهم للرسول أبرز أعمالهم التي أثنى الله عليهم لجلها إذ‬
‫من‬‫من ُْهم ّ‬‫ه عَل َي ْهِ فَ ِ‬
‫دوا الل ّ َ‬‫عاهَ ُ‬‫ما َ‬ ‫صد َُقوا َ‬ ‫ل َ‬ ‫جا ٌ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫قال سبحانه ‪ِ ) :‬‬
‫ديل( ‪(23) .‬الحزاب‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ما ب َد ّلوا ت َب ْ ِ‬ ‫من َينت َظ ُِر وَ َ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ه وَ ِ‬‫حب َ ُ‬‫ضى ن َ ْ‬ ‫قَ َ‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فالصحابة رضي الله تعالى عنهم عرفوا باتباعهم الحقيقي للرسول فقد أخذوا‬
‫أحكام الدين عنه دون أن يزيدوا أو ينقصوا فيه ‪ ،‬وهذا سبب فلحهم ورضى‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الله سبحانه عنهم ‪ ،‬والشاهد في الية الكريمة قوله تعالى ‪ ) :‬وما بدلوا تبديل ً‬
‫( فالصحابة رضي الله عنهم لم يبدلوا ولم يحرفوا إنما أخذوا الدين وفق ما‬
‫جاءهم به النبي ‪ ،‬وقد جاء في الحديث الصحيح أن الحداث في الدين من‬
‫أبرز ما يرتب على المسلم حرمان الثواب والنجاة يوم القيامة قال ‪ ) :‬إني‬
‫ي فوالله ليقتطعن دوني رجال فل‬ ‫فرطكم على الحوض انتظر من يرد إل ّ‬
‫قولن ‪ :‬أي رب مني ومن أمتي فيقول إنك ل تدري ما عملوا بعدك مازالوا‬
‫يرجعون على أعقابهم ( ‪ .‬أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫ووجوب التباع ‪ ،‬وحرمة البتداع قاعدة عامة من قواعد ديننا الحنيف ‪ ،‬بل إن‬
‫العمل ل يقبل من أي عامل إل من خلل الصحة والخلص لقوله تعالى ‪:‬‬
‫شر مث ْل ُك ُم يوحى إل َ َ‬ ‫َ‬
‫قاء‬ ‫جو ل ِ َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫حد ٌ ف َ َ‬ ‫ه َوا ِ‬ ‫م إ ِل َ ٌ‬ ‫ما إ ِل َهُك ُ ْ‬ ‫ي أن ّ َ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫ما أَنا ب َ َ ٌ ّ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫) قُ ْ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫حدا ( ‪ (110) .‬الكهف ‪،‬وأهل‬ ‫شرِك ب ِعَِباد َةِ َرب ّهِ أ َ‬ ‫صاِلحا وَل ي ُ ْ‬ ‫مل َ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َرب ّهِ فَلي َعْ َ‬
‫السنة هم أهل اتباع ‪ ،‬لذا سموا بأهل السنة ‪ ،‬أي بسبب اتباعهم للسنة وعدم‬
‫مخالفتهم لها ‪ ،‬سموا بذلك ‪ ،‬أي بأهل السنة ‪ ،‬فل يكون أهل الحق إل متبعين‬
‫للسنة الصحيحة ‪.‬‬
‫‪ : 2‬الدلة على وجوب الجتماع ‪:‬‬
‫سبق الذكر بأن أهل السنة والجماعة يتصفون بصفتين أساسيتين ل تنفصل‬
‫إحدهما عن الخرى وهما الولى ‪ :‬التباع ‪،‬ومضى القول فيه ‪ ،‬الثانية ‪:‬‬
‫الجتماع ‪ ،‬وهي صفة لزمة لهل الحق ‪ ،‬فأهل الحق من صفاتهم اللزمة‬
‫اجتماعهم على الحق ‪ ،‬وعدم تفرقهم في الدين وقد جاءت الدلة القاطعة‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫الدلة من القرآن ‪:‬‬
‫هّ‬
‫ت الل ِ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫فّرُقوا َواذ ْك ُُروا ن ِعْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ميعا وَل َ ت َ َ‬ ‫ً‬ ‫ج ِ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫حب ْ ِ‬ ‫موا ب ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫منها قوله تعالى ‪َ) :‬واعْت َ ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫كنت َ‬
‫ى‬‫م عَل َ‬ ‫ُ‬
‫وانا وَكنت ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫مت ِهِ إ ِ ْ‬ ‫حُتم ب ِن ِعْ َ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن قُلوب ِك ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫داء فَأل ّ َ‬ ‫م أعْ َ‬ ‫م إ ِذ ْ ُ ُ ْ‬ ‫عَل َي ْك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ن(‪.‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫م آَيات ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َي ّ ُ‬ ‫من َْها ك َذ َل ِ َ‬ ‫كم ّ‬ ‫قذ َ ُ‬ ‫ن الّنارِ فَأن َ‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٍ ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫)‪(103‬آل عمران‬
‫ت‬‫م الب َي َّنا ُ‬ ‫ْ‬ ‫جاءهُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫فوا ِ‬ ‫ْ‬ ‫خت َل ُ‬‫َ‬ ‫فّرُقوا َوا ْ‬‫ْ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫وقوله تعالى ‪) :‬وَل ت َكوُنوا كال ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م ( ‪(105) .‬آل عمران‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫فا ً ك َأن ُّهم ُبنَيا ٌ‬ ‫ص ّ‬ ‫سِبيل ِهِ َ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫قات ُِلو َ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وقوله تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ص ( ‪ (4) .‬الصف‬ ‫صو ٌ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ّ‬
‫فهذه اليات دليل واضح على وجوب الجتماع وحرمة الفتراق‪ ،‬وهذا ما‬
‫تجسد في الصحابة رضي الله تعالى عنهم في عهد النبي ونزل القرآن مثبتا ً‬
‫له ‪ ،‬واصفا ً المؤمنين بأعلى درجات الجتماع واللفة من ذلك قوله تعالى ‪:‬‬
‫كعا ً‬ ‫م ُر ّ‬ ‫داء عََلى ال ْك ُ ّ‬ ‫ل الل ّه وال ّذين مع َ‬ ‫سو ُ‬
‫م ت ََراهُ ْ‬ ‫ماء ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫فارِ ُر َ‬ ‫ش ّ‬ ‫هأ ِ‬ ‫ِ َ ِ َ َ َ ُ‬ ‫مد ٌ ّر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫) ّ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫جودِ‬ ‫س ُ‬ ‫ن أث َرِ ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫جوهِِهم ّ‬ ‫م ِفي وُ ُ‬ ‫ماهُ ْ‬ ‫سي َ‬ ‫وانا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ن اللهِ وَرِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ّ‬ ‫ن فَ ْ‬ ‫جدا ي َب ْت َُغو َ‬ ‫س ّ‬ ‫ُ‬
‫ه‬ ‫ر‬ ‫ز‬ ‫َ‬
‫فآ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫ش‬ ‫َ‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫جي‬ ‫لن‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫را‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫في‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ذ َل‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫هّ‬
‫فاَر وَعَد َ الل ُ‬ ‫ُ‬
‫م الك ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ب الّزّراع َ ل ِي َِغيظ ب ِهِ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫سوقِهِ ي ُعْ ِ‬ ‫وى عَلى ُ‬ ‫َ‬ ‫ست َ َ‬‫ست َغْلظ َفا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َفا ْ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ظيما ( ‪(29) .‬الفتح ‪.‬‬ ‫جرا عَ ِ‬ ‫فَرةً وَأ ْ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫ملوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ما أل ّ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ف ْ‬ ‫ميعا ً ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬ ‫م ل َوْ أن َ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫وقوله سبحانه ‪) :‬وَأل ّ َ‬
‫ه أل ّ َ‬ ‫َ‬
‫م ( ‪(63) .‬النفال‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م وَل َك ِ ّ‬ ‫ن قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫فالله سبحانه يصف المؤمنين بأنهم متحابون متلحمون متعاضدون‪ ،‬وهذا ما‬
‫يجب أن يكون عليه المؤمنون كما جاء في الحديث عن النعمان بن بشير‬
‫رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله ‪ ) :‬مثل المؤمنين في توادهم‬
‫وتراحمهم مثل الجسد الواحد‪ ،‬إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد‬
‫بالسهر والحمى ( ‪ .‬متفق عليه ‪ .‬وكل هذه المعاني تدل على اجتماع‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلمين وعدم تفرقهم على خلف واقعهم في هذا الزمان ‪ ،‬وهذا خلف‬
‫الحق الذي يجب أن يكون المسلمون عليه ‪،‬فالمسلمون مطلوب منهم أن‬
‫يجتمعوا على الحق ‪ ،‬واجتماعهم على الحق دليل واضح على موافقتهم له ‪،‬‬
‫على خلف تفرقهم فهو دليل بعدهم عن المنهج الحق الذي عليه أهل الحق ‪،‬‬
‫وى وَل َ ت ََعاوَُنوا ْ‬ ‫أهل السنة والجماعة قال تعالى ‪) :‬وَت ََعاوَُنوا ْ عََلى اْلبّر َوالت ّ ْ‬
‫ق َ‬
‫ب ( ‪ (2) .‬المائدة‬ ‫قا ِ‬‫ديد ُ ال ْعِ َ‬
‫ش ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬
‫ه إِ ّ‬ ‫عََلى ال ِث ْم ِ َوال ْعُد َْوا ِ‬
‫ن َوات ّ ُ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وهذا خطاب عام من الله سبحانه لعباده المؤمنين ‪ ،‬يأمرهم من خلله‬


‫بالتعاون على البر والتقوى ‪،‬وينهاهم عن التعاون على الثم والعدوان ‪ ،‬وهو‬
‫أمر يدل على الوجوب لترتب الطلب والتحذير ‪ ،‬وهذا مسألة ل يختلف فيها‬
‫المسلمون نظريا ً ‪ ،‬بل الخلف فيها عمليا ً ‪ ،‬أي من حيث الحكم فكل‬
‫المسلمين متفقون على وجوب التعاون ‪ ،‬أما من حيث التطبيق ‪ -‬فالله‬
‫المستعان –‪.‬‬
‫الدلة من السنة ‪:‬‬
‫ومن أدلة السنة على وجوب الجتماع قوله ‪) :‬عليكم بالجماعة‪ ،‬وإّياكم‬
‫والفرقة ( ‪ .‬رواه أحمد الترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪.‬‬
‫وورد في حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي أنه قال ‪ ) :‬فعليك‬
‫بالجماعة‪ ،‬فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية( ‪ .‬رواه أبو داود والنسائي‬
‫والحاكم‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث صدوق رواته‪.‬‬
‫و في حديث حذيفة بن اليمان الشهير في الصحيحين‪ ،‬ومطلعه‪ :‬كان الناس‬
‫يسألون رسول الله عن الخير‪ ،‬وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني إلى‬
‫قوله ‪ ) :‬تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ( ‪.‬‬
‫وهذه الحاديث مبينة لوجوب اجتماع المسلمين ‪،‬وهي مسألة أصلية يقوم‬
‫عليها ديننا الحنيف ‪ ،‬لذا شدد السلم على كل ما يحول دون الجتماع‬
‫من ب َعْدِ‬‫فوا ْ ِ‬‫خت َل َ ُ‬
‫فّرُقوا ْ َوا ْ‬
‫ن تَ َ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كوُنوا ْ َ‬ ‫كالتفرق والختلف قال تعالى ‪) :‬وَل َ ت َ ُ‬
‫م ( ‪ (105) .‬آل عمران‬ ‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫م عَ َ‬
‫ذا ٌ‬ ‫ت وَأ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ل َهُ ْ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬
‫جاءهُ ُ‬
‫ما َ‬
‫َ‬
‫ومن أدلة السنة على حرمة التفرق والختلف ما رواه أبو داود وابن ماجه‬
‫عن معاوية رضي الله عنه عن النبي أنه قال‪ ) :‬أل إن من قبلكم من أهل‬
‫الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة‪ ،‬وإن هذه المة ستفترق على ثلث‬
‫وسبعين‪ :‬ثنتان وسبعون في النار‪ ،‬وواحدة في الجنة‪ ،‬وهي الجماعة (‪.‬‬
‫وكذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي أنه‬
‫قال‪ ) :‬ل يحل دم امرئ مسلم يشهد أن ل إله إل الله وأني رسول الله إل‬
‫بإحدى ثلث‪ :‬الثيب الزاني‪ ،‬والنفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه المفارق‬
‫للجماعة ( ‪.‬‬
‫ومن منطلق الحفاظ على وحدة المة أوجب الله سبحانه تنصيب إمام واحد‬
‫للمسلمين في شتى بقاع الرض وشدد على الخروج عليه فقد جاء في‬
‫الحديث الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى عن ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه قال‪) :‬من رأى من أميره شيئا ً يكرهه‬
‫ة جاهلية ( ‪.‬‬ ‫ميت ً‬ ‫فليصبر‪ ،‬فإّنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا ً فيموت‪ ،‬إل مات ِ‬
‫خدري عن رسول الله أنه قال‪ ) :‬إذا‬ ‫وما رواه مسلم أيضا ً عن أبي سعيد ال ُ‬
‫بويع لخليفتين فاقتلوا الخر منهما ( ‪ .‬وروى مسلم عن عرفجة قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله يقول ‪ ) :‬من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عصاكم‪ ،‬أو يفرق جماعتكم فاقتلوه ( ‪.‬وروى مسلم أيضا ً عن أبي حازم قال‪:‬‬
‫قاعدت أبا هريرة خمس سنين فسمعته يحدث عن النبي ‪ ،‬قال‪ ) :‬كانت بنو‬
‫إسرائيل تسوسهم النبياء‪ ،‬كلما هلك نبي خلفه نبي‪ ،‬وإنه ل نبي بعدي‪،‬‬
‫وستكون خلفاء فتكثر‪ ،‬قالوا فما تأمرنا قال‪ :‬فوا ببيعة الول فالول‪،‬‬
‫وأعطوهم حقهم‪ ،‬فإن الله سائلهم عما استرعاهم ( ‪.‬‬
‫ما يستفاد من عموم الدلة ‪:‬‬
‫‪ : 1‬أن المسلمين أمة واحدة ‪ ،‬متآلفة متراحمة ‪.‬‬
‫‪ : 2‬أن وحدة المة واجبة ‪ ،‬ويكون ذلك ضمن جماعة واحدة تحت راية‬
‫واحدة ‪،‬بإمرة أمير واحد ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ : 3‬أن كل ما يحول دون تحقق هذا المر يعتبر حراما ومنه التفرق والختلف‬
‫ومفارقة الجماعة ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ : 4‬أن كل من فارق الجماعة يعتبر آثما يجازى على فعله أسوء الجزاء ‪.‬‬
‫ويستدل بعموم الدلة على أن أهل الحق مجتمعين غير متفرقين ‪ ،‬وبهذا أخي‬
‫الحبيب تعلم أن مصطلح أهل السنة والجماعة ليس مصطلحا ً محدثا ً ‪ ،‬بل هو‬
‫مصطلح موجود معروف منذ زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ‪ ،‬وأنه دال‬
‫على أصلين يعرف بهما أهل الحق من غيرهم ‪ ،‬وهما التباع والجتماع ‪ ،‬وكل‬
‫جماعة خرجت عن ذلك ل تعتبر من أهل السنة والجماعة التي يجب على كل‬
‫مسلم أن يكون فيها ‪.‬‬
‫حقيقتان تقومان على هذين الصلين ‪:‬‬
‫لقد عرفنا فيما سبق أن أهل السنة والجماعة ‪ ،‬أهل اتباع واجتماع ‪ ،‬وأن‬
‫هاتين الصفتين من أبرز ما يتميز بهما أهل الحق عن غيرهم ‪ ،‬إل أن في المة‬
‫التباسات كثيرة تحول دون الوصول إلى الجماعة الحق نظرا ً لكثرة وقوع‬
‫الخلف فيها ‪ ،‬فما من فرقة إل وتدعي أنها على الحق المبين ‪ ،‬وأنها الجماعة‬
‫التي يجب على المسلمين أن يكونوا فيها أو يعملوا معها ‪ ،‬وأن من خالفها‬
‫يعتبر آثما مخالفا ً للحق المبين ‪ ،‬وما من فرقة من هذه الفرق إل وتأتي بأدلة‬
‫كثيرة على صحة مذهبها وبطلن من يخالفها ‪ ،‬مما أوقع كثيرا ً من الباحثين‬
‫عن الحق في حيص بيص وأصبح الحليم فيهم حيرانا ً مما يتعين علينا بيان ذلك‬
‫بيانا ً ل نبقي معه أدنى ريب لمن يريد الحق ‪ ،‬ول يزيد الظالمين إل خسارة‬
‫‪.‬وهذا البيان قائم على الصلين الذين يميزان سبيل أهل السنة عن غيره ‪:‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫‪ : 1‬التباع ‪ :‬والمقصود بالتباع ‪ ،‬اتباع سبيل المؤمنين ‪ ،‬وهم الصحابة‬


‫والتابعون لهم بإحسان ‪ ،‬ول يكون ذلك إل من خلل ما أجمعوا عليه ‪ ،‬ل فيما‬
‫اختلفوا فيه ‪،‬فالمقصود بالمتابعة متابعة الرسول فيما كان دليله دليل ً‬
‫صريحا ً ‪،‬أما ما كان دليله محتمل ً غير مخالف لصول الشريعة ‪،‬فهو واقع في‬
‫دائرة الجتهاد التي ل يعاب الناس عليه ‪ ،‬وعليه يجب على المسلم أن يكون‬
‫متبعا ً لما قام إجماع المة عليه ‪ ،‬فإن خالف إجماع المة فهو أحد الضالين‬
‫الذين يعملون على إخراج المة عن سبيلها القويم ‪ ،‬وذلك لقوله تعالى ‪:‬‬
‫ن‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫سِبي ِ‬ ‫ه ال ْهُ َ‬
‫دى وَي َت ّب ِعْ غَي َْر َ‬ ‫ن لَ ُ‬‫ما ت َب َي ّ َ‬
‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫سو َ‬
‫ق الّر ُ‬ ‫من ي ُ َ‬
‫شاقِ ِ‬ ‫)وَ َ‬
‫صيرا ( ‪ (115) .‬النساء‬ ‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ساء ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫جهَن ّ َ‬
‫صل ِهِ َ‬ ‫ّ‬
‫ما ت َوَلى وَن ُ ْ‬‫ن ُوَل ّهِ َ‬
‫وقد مضى القول بأن المقصود بسبيل المؤمنين ‪ ،‬هو سبيل الصحابة رضي‬
‫الله عنهم ‪،‬وهذا ما دلت عليه الدلة القاطعة ‪ ،‬فكل من خالف سبيل الصحابة‬
‫يعتبر مبتدعا ً كالفرق الهالكة التي أصل هلكها نابع من مخالفتها لسبيل‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصحابة رضي الله تعالى عنهم في العقيدة أو المنهاج ‪ ،‬فكل فكر لم يعرف‬
‫في زمن الصحابة ‪ ،‬فهو فكر أجنبي عن المسلمين إل أن يكون عليه دليل من‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬ومن الفكار الدخيلة على السلم ما روج إليه أهل الكلم‬
‫واعتبروه من عقائدهم ‪ ،‬كالقول بخلق القرآن ‪ ،‬ونفي صفات الله سبحانه أو‬
‫تشبيهها ‪ ،‬والقول بعدم اليمان بخبر الواحد ‪ ،‬وبوحدة الوجود ‪ ،‬وغيرها من‬
‫الفكار الكثيرة التي لم تعرف في زمن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ‪ ،‬فإن‬
‫عدم طرق الصحابة لهذه المواضيع وعدم خوضهم فيها وهم أصحاب التباع‬
‫الحق‪ ،‬لدليل واضح على خروج أصحاب هذه القوال عن التباع الذي هو دليل‬
‫على صحة المعتقد والمنهج ‪.‬‬
‫‪ : 2‬الجتماع ‪ :‬الجتماع هو الصل الثاني التي يستدل من خلله على معرفة‬
‫أهل الحق من غيرهم ‪ ،‬فكل قول أو عمل يؤدي إلى تفرق المة يعتبر محرما ً‬
‫شرعا ً لحيلولته دون اجتماع المة الواجب ‪ ،‬وهذا ما يقع فيه كثير من‬
‫المسلمين ‪ ،‬فإننا نرى حتى أصحاب الدعوة إلى وحدة المسلمين متفرقين‬
‫متعادين ‪،‬وهذا من التناقضات الظاهرة ‪ ،‬إذ كيف يدعو إلى وحدة المسلمين‬
‫من هو أحد أسباب تفرقهم؟ ومرجع هذا التناقض إلى الخروج عن المنهج‬
‫الحق ‪ ،‬فإن هؤلء المفرقين للمة الداعين إلى وحدتها ‪ ،‬إنما فرقوا المة‬
‫بسبب دعوتهم للناس من أجل أن يتبنوا ما تبنوه هم من خلل الجتهادات‬
‫الخاصة ‪ ،‬وإل فمن ضرورات توحيد المة أن يكون الداعون إلى ذلك قائمين‬
‫معة غير مفرقة ‪ ،‬وهذا ل يكون إل من خلل دعوة الناس إلى‬ ‫على أسس مج ّ‬
‫التمسك بالصول التي ل يختلف فيها ‪ ،‬والعراض عن كل ما هو اجتهادي ‪،‬‬
‫لن المة لن تجتمع على مذهب زيد وعمر ‪ ،‬ولكنها تجتمع على الصول‬
‫المتفق عليها وهي ما تكون أدلتها أدلة مقطوع بها ‪ ،‬ول يتحقق ذلك إل باتباع‬
‫و‬
‫الصول دون الفروع وبهذا جاءت الدلة من الكتاب والسنة قال تعالى ‪) :‬هُ َ‬
‫ت‬‫شاب َِها ٌ‬ ‫مت َ َ‬
‫خُر ُ‬ ‫ب وَأ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫م ال ْك َِتا‬ ‫ك ال ْكتاب منه آيات محك َمات هُ ُ‬
‫نأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َِ َ ِ ْ ُ َ ٌ ّ ْ َ ٌ‬ ‫ل عَل َي ْ َ‬ ‫ال ّذِيَ َأنَز َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ه اب ْت َِغاء ال ْ ِ‬
‫فت ْن َةِ َواب ْت َِغاء ت َأِويل ِ ِ‬ ‫من ْ ُ‬‫ه ِ‬ ‫شاب َ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫م َزي ْغٌ فَي َت ّب ُِعو َ‬
‫ن َ‬ ‫ن في قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َْ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫فَأ ّ‬
‫عند ِ َرب َّنا‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ل ّ‬ ‫مّنا ب ِهِ ك ُ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن ِفي ال ْعِل ْم ِ ي َ ُ‬ ‫خو َ‬
‫س ُ‬ ‫ه َوالّرا ِ‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫م ت َأِويل َ ُ‬
‫ما ي َعْل َ ُ‬‫وَ َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ب( ‪(7) .‬آل عمران‬ ‫ما ي َذ ّكُر إ ِل أوْلوا اللَبا ِ‬ ‫وَ َ‬
‫يتبين من خلل هذا النص القرآني ‪ ،‬أن آيات القرآن الكريم تنقسم إلى‬
‫قسمين ‪ ،‬القسم الول ‪ :‬اليات المحكمة ‪ ،‬القسم الثاني ‪ :‬اليات المتشابهة ‪،‬‬
‫فكل اليات المحكمة والمتشابهة من القرآن الكريم ‪ ،‬وكل المتبعين لهما‬
‫متبعون ليات القرآن الكريم ‪ ،‬إل أن المتبع للمتشابه من القرآن مائل عن‬
‫الحق متبع للهوى ‪ ،‬على خلف المتبع للمحكم ‪ ،‬فهو متبع للحق موافق له ‪،‬‬
‫والفرق بين القسمين من اليات ‪ ،‬أن القسم الول وهو المحكم ‪ ،‬ل يختلف‬
‫الناس فيه ‪ ،‬وعليه ل يتفرقون ‪ ،‬على خلف القسم الثاني ‪ ،‬فإنه يكون سببا ً‬
‫لتفرق المة ‪ ،‬ويتفق مع هذا النص ما جاء في الحديث الصحيح عن النعمان‬
‫بن بشير رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت رسول الله يقول ‪ ) :‬إن الحلل بين‬
‫والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ل يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى‬
‫الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ‪ ،‬ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام‬
‫ـ كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ـ أل وإن لكل ملك حمى ‪،‬‬
‫أل وإن حمى الله محارمه أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد‬
‫كله ‪،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله أل وهي القلب ( ‪.‬متفق عليه‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والحديث بمدلوله العام ‪ ،‬يدل على أن الواجب على المسلم اتباع الحلل‬
‫البين ‪ ،‬وهو الواضح الذي ل شبهة فيه ‪ ،‬وهو الذي ل يختلف على حله‬
‫المسلمون ‪ ،‬وكذلك الواجب عليه اجتناب الحرام البين ‪ ،‬وهو الذي ل يختلف‬
‫على تحريمه المسلمون ‪ ،‬وقد بين الرسول أن بين الحلل البين ‪ ،‬والحرام‬
‫البين ‪ ،‬أمور مشتبه بها‪ ،‬أي ليست حلل ً بينا ً ‪ ،‬أو حراما ً بينا ً ‪ ،‬فهي إذن تحتمل‬
‫الوجهين ‪،‬وهذا القسم الذي يجب على المسلمين أن يتقوه ‪ ،‬وبناء على هذا‬
‫الصل فإن المسلمين ل يختلفون ‪ ،‬وبهذا يجتمعون ‪ ،‬أما إذا وقعوا في‬
‫المتشابهات ‪ ،‬ومنها ما وقع الخلف فيه بين المسلمين‪ ،‬فإنهم يقعون في‬
‫الحرام البين الذي جاء النص دال ً عليه ‪ ،‬ول يقال في هذا الموضع ‪ :‬إنه ل‬
‫يجوز العمل بما اختلف فيه أهل العلم من أحكام شرعية مبناها الجتهاد ‪،‬‬
‫فهنالك من الناس من يعلم حقيقة المسائل التي بين الحلل البين ‪ ،‬والحرام‬
‫البين كما بين ذلك الرسول بقوله ‪ ) :‬ل يعلمها كثير من الناس ( فقوله ل‬
‫يعلمها كثير من الناس ‪ ،‬دليل واضح على أن بعض الناس يعلمون ما تشابه‬
‫منه إن كان متعلقه بالحكام الشرعية التي يتوصل إليها من خلل التتبع‬
‫والستقراء ‪ ،‬وقد اختلف أهل العلم في مسألة تقليد عالم فيما توصل إليه‬
‫من خلل اجتهاده ‪ ،‬ولكن ما اتفق عليه أهل العلم المعتبرون خلفا ً عن‬
‫سلف ‪ ،‬هو حرمة اتباع عالم بعينه يقوم على شخصه الولء والبراء ‪ ،‬أو‬
‫العتقاد أنه على الحق المبين دون غيره من العلماء‪ ،‬وهذا عين ما نراه في‬
‫مجتمعنا اليوم ‪ ،‬فكثير من المسلمين يعتقدون أن الحلل والحرام راجع إلى‬
‫أقوال علمائهم ‪ ،‬فما قال علماؤهم قالوا به ‪ ،‬وما توقفوا عنه ‪ ،‬توقفوا عنه ‪،‬‬
‫إل فيما يتعلق بمسائل ل تعارض ما هم عليه ‪ ،‬وهذا هو ما حرمه السلم‬
‫وعاب عليه ‪ ،‬إذ جعل أولئك مصادر تشريعاتهم أقوال علمائهم التي بنوها على‬
‫غلبة الظن ‪ ،‬وفي كثير من الحيان تكون مخالفة لما أجمع عليه أهل السنة‬
‫م أ َْرَبابا ً‬
‫م وَُرهَْبان َهُ ْ‬ ‫حَباَرهُ ْ‬
‫خ ُ َ‬
‫ذوا ْ أ ْ‬ ‫والجماعة كما تقرر ذلك آنفا ً ‪ ،‬قال تعالى ‪ ) :‬ات ّ َ‬
‫ُ‬
‫ه إ ِل ّ هُ َ‬
‫و‬ ‫حدا ً ل ّ إ ِل َ َ‬
‫دوا ْ إ َِلها ً َوا ِ‬
‫مُروا ْ إ ِل ّ ل ِي َعْب ُ ُ‬
‫ما أ ِ‬
‫م وَ َ‬
‫مْري َ َ‬
‫ن َ‬
‫ح اب ْ َ‬‫سي َ‬‫م ِ‬ ‫ن الل ّهِ َوال ْ َ‬‫من ُدو ِ‬ ‫ّ‬
‫ن ( ‪ (31) .‬التوبة‬ ‫ُ‬
‫شرِكو َ‬ ‫ما ي ُ ْ‬‫ه عَ ّ‬‫حان َ ُ‬
‫سب ْ َ‬
‫ُ‬
‫وقد جاء في تفسير هذه الية ما جاء عن عدي بن حاتم رضي الله عنه الذي‬
‫قال فيه رسول الله له‪ ):‬ألم يحلوا لكم الحرام فأطعتموهم ‪ .‬قال عدي رضي‬
‫الله عنه‪ :‬بلى‪ ،‬قال ‪ :‬وحرموا عليكم الحلل فأطعتموهم ‪ .‬قال‪ :‬بلى‪ ،‬قال‬
‫صلى الله عليه وسلم فتلك عبادتكم إياهم ( ‪ .‬رواه ابن ماجة والترمذي‬
‫وحسنه ‪.‬‬
‫وهكذا المسلمون إذا جعلوا مرجع تحليلهم وتحريمهم إلى أقوال علمائهم ‪،‬‬
‫وأقاموا الولء والبراء فيهم ‪ ،‬وقعوا فيما وقع فيه بنو إسرائيل ‪ ،‬فسلكوا بذلك‬
‫سبيل المغضوب عليهم والضالين ‪ ،‬ولن يكون في حال من الحوال أهل‬
‫الحق مشابهين لهل الباطل في أي عمل قام الدليل على النهي عنه وورد‬
‫الذم عليه ‪ ،‬ومن خلل هذين الصلين التباع ‪ ،‬والمقصود به اتباع سبيل‬
‫المؤمنين – الصحابة ومن تبعهم بإحسان – فيما أجمعوا عليه ‪ ،‬والجتماع ‪،‬‬
‫وهو اجتماع أهل الحق على إقامة هذا الدين نميز بين أهل التباع ‪ ،‬وأهل‬
‫البتداع ‪ ،‬وهذا ملخص ما دل عليه مصطلح –أهل السنة والجماعة – فأهل‬
‫السنة هم أهل التباع القائم على الجماع ‪،‬المجتمعون عليه ‪.‬‬
‫فوائد ل بد من ذكرها ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬إن حكم اجتماع المسلمين يكون على المسائل التي دل عليها النص‬
‫الصريح ‪ ،‬أو التي قام الجماع عليها ‪ ،‬أما ما كان ظنيا ً ‪،‬فيجوز الختلف فيه‬
‫شريطة أن ل يقوم الولء والبراء فيه‪ ،‬أو يؤدي إلى تفريق المة ‪ ،‬وقد دلت‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على ذلك النصوص الشرعية لما جاء في الحديث عن الّنزال بن سبرة قال‬
‫سمعت عبد الله بن مسعود قال‪ :‬سمعت رجل قرأ آية سمعت من النبي‬
‫خلفها فأخذت بيده فأتيت به رسول الله فقال ‪ ) :‬كلكما محسن فاقرآ ( قال‬
‫شعبة – أحد رواة الحديث – أكبر علمي أن النبي قال ‪) :‬فإن من كان قبلكم‬
‫اختلفوا فُأهلكوا ( ‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫وكذلك حديث عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ‪ :‬قال النبي يوم الحزاب ‪:‬‬
‫) ل يصلين أحد العصر إل في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر في الطريق‬
‫فقال بعضهم ل نصلي حتى نأتيها وقال بعضهم بل نصلي لم يرد منا ذلك‬
‫فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدا منهم(‪ .‬رواه‬
‫البخاري ‪ ،‬وعليه ل يكون قولنا متعلقا ً بالمسائل الجتهادية المحتملة القائمة‬
‫على النصوص الشرعية ‪ ،‬شريطة أن ل تكون مخالفة نصا ً صريحا ً ‪ ،‬أو إجماعا ً‬
‫معتبرا ً ‪ ،‬ول يكون الولء والبراء قائما ً عليها كما ذكر ‪ ،‬فهذه أمور تحول دون‬
‫اجتماع المة ‪ ،‬وقد تجلى الجتماع في أعلى صوره في واقع الصحابة رضي‬
‫الله تعالى عنهم رغم اختلفاتهم المتعددة في كثير من المسائل الفقهية‬
‫وغيرها ‪ ،‬ومع ذلك لم يؤد هذا الختلف إلى التفرق والتباغض بينهم بل كانوا‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو ُ‬ ‫مد ٌ ّر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫إخوانا ً بكل ما تحمل الكلمة من معنى قال تعالى ‪ّ ) :‬‬
‫وال ّذين مع َ‬
‫ضل ً‬
‫ن فَ ْ‬ ‫جدا ً ي َب ْت َُغو َ‬ ‫س ّ‬ ‫كعا ً ُ‬ ‫م ُر ّ‬ ‫م ت ََراهُ ْ‬ ‫ماء ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح َ‬‫فارِ ُر َ‬ ‫داء عََلى ال ْك ُ ّ‬ ‫ش ّ‬
‫هأ ِ‬ ‫َ ِ َ َ َ ُ‬
‫م ِفي‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫د‬ ‫جو‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫من الل ّه ورضوانا ً سيماهُم في وجوههم من أ َ‬
‫َ ُ ْ‬ ‫ّ ُ ِ‬ ‫ُ ُ َ ِ ِ ّ ْ َ ِ‬ ‫ِ َ ْ ِ‬ ‫ِ َ ِ ْ َ‬ ‫ّ َ‬
‫وى عََلى‬ ‫ست ََ‬ ‫ْ‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ظ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫غ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ز‬
‫ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫فآ‬ ‫ه‬ ‫أ‬ ‫ْ‬ ‫ط‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ج‬ ‫ر‬
‫َ َ‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ز‬ ‫َ‬ ‫ك‬
‫ِ ِ ِ َ ْ ٍ‬ ‫ل‬ ‫جي‬ ‫ْ‬
‫لن‬ ‫ا‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ َ ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ة‬ ‫را‬ ‫الت ّ ْ َ‬
‫و‬
‫ُ‬
‫ملوا‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫فاَر وَعَد َ الل ُ‬ ‫ْ‬
‫م الك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ب الّزّراع َ ل ِي َِغيظ ب ِهِ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫سوقِهِ ي ُعْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ظيما ( ‪(29) .‬الفتح‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫جرا عَ ِ‬ ‫فَرةً وَأ ْ‬‫مغْ ِ‬
‫ُ ّ‬ ‫هم‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫حا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫ال ّ‬
‫ثانيا ‪ :‬إن الله سبحانه حرم على المسلمين ‪،‬التفرق والختلف ‪ ،‬وكل ما يؤدي‬ ‫ً‬
‫إلى التفرق والختلف فهو محرم ‪ ،‬من ذلك التحزب ‪ ،‬فهو من أبرز ما يفرق‬
‫بين المة الواحدة ‪ ،‬وقد جاء المر باعتزال الفرق كلها كما في حديث حذيفة‬
‫بن اليمان رضي الله تعالى عنه قال ‪ ) :‬كان الناس يسألون رسول الله عن‬
‫الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركنى ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول الله إنا كنا‬
‫فى جاهلية وشر وجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال ‪" :‬‬
‫نعم " ‪ ،‬قلت ‪ :‬وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال ‪ " :‬نعم وفيه دخن " ‪ ،‬قلت‬
‫‪ :‬وما دخنه ؟ قال ‪ " :‬قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر ‪ ، " .‬قلت ‪:‬‬
‫فهل بعد ذلك الخير من شر قال ‪ " :‬نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم‬
‫إليها قذفوه فيها ‪ ، " .‬قلت ‪ :‬يا رسول الله صفهم لنا ‪ ،‬قال ‪ " :‬هم من جلدتنا‬
‫ويتكلمون بألسنتنا ‪ " .‬قلت ‪ :‬فما تأمرنى إن أدركنى ذلك ؟ قال ‪ " :‬تلزم‬
‫جماعة المسلمين وإمامهم ‪ ، " .‬قلت ‪ :‬فإن لم يكن لهم جماعة ول إمام ؟‬
‫قال ‪ " :‬فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك‬
‫الموت وأنت على ذلك ( ‪.‬رواه البخاري‬
‫فهذا الحديث يدل بوضوح على وجوب التمسك بجماعة المسلمين وإمامهم ‪،‬‬
‫واعتزال الفرق كلها في الحالة التي يكون المسلمون فيها من غير إمام أو‬
‫جماعة ‪ ،‬ولكن الحديث ل يدل على اعتزال أهل الحق ‪ ،‬بل يدل على اعتزال‬
‫الفرق المخالفة لهل الحق ‪ ،‬ويدلنا على ذلك أمران ‪:‬‬
‫أ ‪ :‬أن سياق الحديث يفصل بين الجماعة والمام فقول حذيفة ‪ ) :‬فإن لم‬
‫يكن لهم جماعة ول إمام ( يتبين منه أن الجماعة قد تكون من غير إمام ‪ ،‬أو‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المام من غير جماعة ‪ ،‬وإن كان الثاني بعيدا ً لقيام الدلة على خلفه ‪ ،‬إل أنه‬
‫قد تنفصل الجماعة عن المام حتى في وجوده ‪ ،‬كأن يكون المام مخالفا ً‬
‫لسبيل المؤمنين ‪ ،‬متبعا ً للبدع والضللة ‪ ،‬وقد وقع هذا في المسلمين على‬
‫الحقيقة ‪،‬على خلف الحتمال الول فهو محتمل الوقوع ‪ ،‬أي قد توجد‬
‫الجماعة ول يوجد المام ‪ ،‬كما هو الحال في هذا الزمان ‪.‬‬
‫ب ‪ :‬قيام الدلة على بقاء أهل الحق الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة كما‬
‫جاء في الحديث الصحيح عن الرسول قال ‪ ) :‬ل تزال طائفة من أمتي‬
‫قائمين بأمر الله ل يضرهم من خالفهم ول من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم‬
‫كذلك ( ‪.‬‬
‫ومن المعلوم ضرورة أن الرسول ل ينهى عن اعتزال هذه الطائفة الناجية ‪،‬‬
‫بل ينهى عن اتباع من يخالفها ‪ ،‬وبما أن الحديث صريح الدللة ببقاء هذه‬
‫الجماعة إلى أن يرث الله سبحانه الرض وما عليها ‪ ،‬فيكون العمل ضمن‬
‫هذه الطائفة من أفضل العبادات التي يتقرب بها إلى الله سبحانه ‪ ،‬على‬
‫خلف العمل في الفرق المخالفة لها ‪ ،‬فهو من أكبر الكبائر ‪ ،‬وعليه تعلم أن‬
‫المخالفين لهذه الطائفة المدعين للحق المبين ينقسمون إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫‪ : 1‬المخالفون لها عقيدة ومنهاجا ً ‪ :‬وهم الذين أعمى الله قلوبهم فضّلوا عن‬
‫الصراط ‪ ،‬ومن أولئك الفرق المعادية لها الداعية إلى غير سبيلها ‪.‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫‪ : 2‬المعتزلون لها ‪ :‬وهؤلء الذين آثروا العزلة على العمل خوفا ً من الفتنة ‪،‬‬
‫وإذ بهم قد وقعوا فيما هو أشد من ذلك ‪،‬وقعوا في التخاذل عن نصرة أهل‬
‫الحق والعمل معهم ‪ ،‬فل هم أظهروا الحق ‪ ،‬ول ذادوا عنه ‪ ،‬بل دفنوا أنفسهم‬
‫في العزلة أحياء ‪ ،‬وارتضوا بالذل والهوان ‪ ،‬وما حركهم إيمانهم للدفاع عن‬
‫عقيدتهم ‪ ،‬وأمتهم التي هي أحوج ما تكون لكل مسلم يقودها إلى الصراط‬
‫الحق المبين ‪ .‬وهؤلء ممن رفع شعاره عاليا ً ‪ :‬اللهم نفسي ‪،‬اللهم نفسي ‪،‬‬
‫فاعتزل الفرقة الناجية ‪ ،‬بل قد يكون مثبطا ً عنها بتخاذله المتولد عن يأسه‬
‫وجبنه عافانا الله سبحانه من ذلك ‪.‬‬
‫‪ : 3‬المدعون أنهم من الطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة ‪ ،‬الرافعون‬
‫شعار اتباع السلف الصالح ‪ ،‬وهم الذين تحزبوا أشد من تحزب المتحزبين ‪،‬‬
‫وذلك من خلل قيامهم على قواعد هشة‪ ،‬هم أول من ينتقدها ‪ ،‬وهو التباع‬
‫المذموم المتجسد بمعرفة الحق بالرجال ‪ ،‬فهم يقيمون ولءهم وبراءهم في‬
‫مشايخهم ‪ ،‬ول يعرفون الحق إل من أقوالهم ‪ ،‬أضف إلى ذلك تخذيلهم‬
‫للعاملين واتهامهم لهم ‪ ،‬والدعوة إلى تثبيت عروش الظلمة والذود عنهم بكل‬
‫ما أوتوا من قوة ‪ ،‬فهؤلء من أبعد الناس عن المنهج الحق ‪ ،‬وقد بينا حقيقتهم‬
‫برسالتنا ) احذروا أدعياء السلفية ( فلتراجع ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إن ما يتميز به أهل السنة والجماعة عن غيرهم متابعة رسول الله ‪،‬‬
‫واجتماعهم على المتابعة ‪ ،‬فهم مجتمعون غير متفرقين ‪ ،‬فالتفرق دليل عدم‬
‫متابعة الرسول وأهل الحق ما وافقوا الحق إل لحصول المتابعة ‪ ،‬ومن‬
‫المتابعة الجتماع ‪ ،‬وهذا ما دلت عليه النصوص الثابتة المبينة آنفا ً ‪ ،‬فأهل‬
‫السنة متعاضدون متراحمون ‪ ،‬مثلهم بالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه‬
‫عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ‪ ،‬ول يكون هذا الوصف مع‬
‫التفرق والختلف ‪ ،‬فاجتماع المؤمنين من أبرز الدلة الدالة على صدقهم ‪،‬‬
‫فل يكون أهل الحق إل مجتمعين ‪ ،‬وضابط الجتماع عدم الختلف المؤدي‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شُلوا ْ‬ ‫عوا ْ فَت َ ْ‬ ‫َ‬


‫ف َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وَل َ ت ََناَز ُ‬ ‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬
‫ه وََر ُ‬ ‫إلى الفشل كما قال سبحانه ‪ ) :‬وَأ ِ‬
‫ن ( ‪ (46) .‬النفال‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬
‫معَ ال ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫صب ُِروا ْ إ ِ ّ‬
‫م َوا ْ‬‫حك ُ ْ‬ ‫وَت َذ ْهَ َ‬
‫ب ِري ُ‬
‫ً‬
‫لذا حرص السلم على عدم تفرق المة حفاظا على قوتها ولحمتها ‪ ،‬وذلك‬
‫من خلل المر بتنصيب إمام يكون المسلمون كلهم تحت إمرته ‪ ،‬ومن الدلة‬
‫على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي أنه قال ‪:‬‬
‫ة جاهلية ‪ ،‬ومن‬ ‫) من خرج من الطاعة ‪ ،‬وفارق الجماعة ‪ ،‬فمات ‪ ،‬مات ميت ً‬
‫قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة ‪ ،‬أو يدعو إلى عصبة ‪ ،‬أو ينصر عصبة ‪،‬‬
‫فقتل فقتلة جاهلية ‪ ،‬ومن خرج على أمتي يضرب برها ‪ ،‬وفاجرها ‪ ،‬ول‬
‫يتحاشى من مؤمنها ‪ ،‬ول يفي لذي عهد عهده ‪ ،‬فليس مني ولست منه ( ‪.‬‬
‫فهذا الحديث الشريف يبين وجوب طاعة المام ‪ ،‬واعتبار من خالفه وخرج‬
‫عنه من المتصفين بصفات الجاهلية ‪ ،‬أعاذنا الله من ذلك ‪ ،‬فالمسلمون‬
‫يجتمعون تحت راية واحدة ‪ ،‬تحت نظام واحد ‪ ،‬تحت إمرة أمير واحد ‪ ،‬وإل‬
‫فالنتيجة التفرق والختلف ‪ ،‬وهذا ما ذمه الشارع ونهى المسلمين عنه ‪،‬‬
‫فالمسلمون أين ما كانوا ل بد لهم من وجود نظام ينتظمون به يحافظ على‬
‫وحدتهم وألفتهم ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن عمر أنه قال ‪ ) :‬إذا كنتم‬
‫ثلثة في سفر فأمروا عليكم أحدكم ذا أمير أمره رسول الله ( ‪ .‬قال‬
‫الحاكم ‪ :‬صحيح على شرط الشيخين‪.‬‬
‫وهذا الثر ثابت صحيح له حكم الرفع ‪ ،‬ول خلف في ذلك ‪ ،‬والعلة من تأمير‬
‫المير في السفر الحفاظ على وحدة الجماعة ‪ ،‬إذ المسافر منقطع عن‬
‫المارة الحقيقية ‪ ،‬لذا جاء تقيد المارة في السفر دون غيره ‪ ،‬مما يدلنا ذلك‬
‫على وجوب اجتماع المسلمين في الحضر والسفر ‪ ،‬أما في الحضر ‪ ،‬فمن‬
‫خلل طاعتهم لمام المسلمين ‪ ،‬وأما حال انقطاعهم عن إمارة المير العام ‪،‬‬
‫كأن يكونوا في سفر ‪ ،‬فمن خلل أمير السفر ‪ ،‬والجماعة اليوم قائمة‬
‫وستبقى قائمة إلى يوم القيامة ‪ ،‬واحتمال تفرقها قائم ‪ ،‬وعليه ل بد للجماعة‬
‫من أمير ينظم شؤونها ‪ ،‬ويجمع بين أفرادها حتى يتحقق لها الجتماع ‪ ،‬وهذا‬
‫المر يحتاج إلى تفصيل أكبر ‪ ،‬فليس المجال مجال تفصيل ‪.‬‬
‫خلصة القول ‪:‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫إن اتباع سبيل المؤمنين واجب ‪ ،‬وهو سبيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم ‪،‬‬
‫ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪ ،‬وهم المعروفون بأهل السنة والجماعة ‪،‬‬
‫أي أهل التباع والجتماع ‪ ،‬فل يكون أهل الحق إل متبعين مجتمعين ‪ ،‬غير‬
‫مختلفين أو متفرقين ‪ ،‬فهم جماعة واحدة متصلة منذ عهده وستبقى باقية‬
‫إلى قيام الساعة‪ ،‬ل يقومون على أفكار اجتهادية ‪ ،‬أو قواعد خلفية ‪ ،‬بل‬
‫يتبعون النصوص المحكمة وما قام عليه الجماع ‪ ،‬ول يوالون ويعادون في‬
‫أشخاص أو مذاهب أو أحزاب ‪ ،‬ول يعتزلون أهل الحق ‪ ،‬أو يخذلون عنهم ‪ ،‬بل‬
‫يعملون معهم ‪،‬ويبذلون في سبيل إقامة شرع الله النفس والنفيس ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فهم متحابون متراحمون متعاضدون ‪ ،‬كمثل الجسد الواحد الذي إذا‬
‫اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ‪ ،‬وكل من خالف‬
‫سبيلهم ‪ ،‬أو عمل بما يتناقض مع سبيلهم ‪ ،‬فهو من أهل الفرقة والضللة‬
‫المستحق لوعيد الله سبحانه ‪ ،‬ومن هذا المنطلق ‪ ،‬فإنني أدعو المسلمين‬
‫جميعا ً إلى التعرف على أهل السنة والجماعة ‪ ،‬والعمل معهم ‪ ،‬وعدم‬
‫خذلنهم ليتحقق لهم النصر والتمكين ‪ ،‬وليكونوا من أهل الحق العاملين‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفائزين بجنة عرضها السماوات والرض أعدها الله لعباده المتقين ‪،‬هذا‬
‫ل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه‬ ‫وبالله التوفيق وص ِ‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‬
‫وكتب ‪ :‬إبراهيم بن عبد العزيز بركات‬
‫‪ 18‬محرم ‪ 1426‬هـ‬
‫تم تنزيل هذه المادة من‬
‫شبكة أهل السنة السلمية‬
‫‪http://www.asunnah.net‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫اتفاق العمل السلمي ضرورة استراتيجية محمد خليفة صديق*‬


‫العمل السلمي بين التفاق والفتراق‪ ،‬هو عنوان لمؤتمر إسلمي يتداعى له‬
‫مجموعة من كبار الدعاة والمفكرين من أجل وضع النقاط على الحروف في‬
‫مستقبل العمل السلمي في ظل التحديات المعاصرة التي تواجه السلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وفي ظل التصدع الذي أصاب بنيان التيار السلمي في كل‬
‫مكان وتعدد واجهاته وجماعاته وفئاته‪.‬‬
‫ويحمد لقسم الثقافة السلمية بجامعة الخرطوم مبادرته للقيام بهذه الخطوة‬
‫ودعوة مجموعة من كبار الدعاة من خارج السودان لثراء فعاليات المؤتمر‬
‫وتبنيه لهذا المؤتمر الذي ينتظر أن يؤمه فضيلة الشيخ عبد الرحمن عبد‬
‫الخالق مشرف موقع الشبكة السلفية‪ ،‬والستاذ الدكتور عبد الكريم بكار‪،‬‬
‫والشيخ عبد الرحمن المحمود‪ ،‬والشيخ أحمد الصويان‪ ،‬وغيرهم‪ ،‬وهؤلء غير‬
‫مشاركتهم في أعمال المؤتمر ل شك أنهم سيحيون عددا ً من الندوات‬
‫والمحاضرات ستساهم في بذل العلم النافع في فضاء الخرطوم‪.‬‬
‫ويحمد للجنة العلمية للمؤتمر التي يرأسها د‪ .‬عبد الحي يوسف أنها وجهت‬
‫الدعوة لكافة المجموعات السلمية بالسودان سيما رموزها الكاديمية‬
‫والفكرية إيمانا منها بضرورة إشراك كل من يحمل هم الدعوة والبلغ‪ ،‬بقطع‬
‫النظر عن جماعته أو حزبه؛ حتى ل يكون هناك إقصاء لحد في مؤتمر يراد له‬
‫أن يؤسس لتفاق العمل السلمي‪.‬‬
‫ويلحظ من مقترح أوراق المؤتمر تركيزها في وحدة العمل السلمي على‬
‫تجارب جمعيات العلماء في عدد من الدول ولكن هناك تجارب لمجموعات‬
‫إسلمية تجمعت على هدف واحد كما حدث في السودان في الجبهة‬
‫السلمية للدستور التي جمعت الخوان المسلمين وأنصار السنة والمتصوفة‬
‫وكل السلميين من أجل إقرار الدستور السلمي وهناك تجربة جبهة الميثاق‬
‫السلمي وحديثا هناك تجربة التيار السلمي في جامعة الخرطوم‪.‬‬
‫كما أن هناك بعض الشخصيات التي يجتمع عليها السلميون بمختلف‬
‫اتجاهاتهم الفكرية وهي بذلك تساهم في وحدة العمل السلمي بملحظاتها‬
‫وفتاواها من أمثال الشيخ عبد العزيز بن باز‪ ،‬والشيخ ابن عثيمين‪ ،‬والشيخ‬
‫ناصر الدين اللباني رحمهم الله‪ ،‬وهذه تجارب شخصية بحاجة إلى دراسة‬
‫متأنية لستخراج مزاياها وفوائدها‪.‬‬
‫كما أن المؤتمر بحاجة لقرار برنامج عملي تطبيقي واقعي يجعل من وحدة‬
‫العمل السلمي نموذجا ً ماثل ً للعيان‪ ،‬يلمسه الجميع ويحسون بوجوده‪ ،‬حتى‬
‫ل يكون المؤتمر مجرد )طق حنك( وتوصيات توضع الضابير والدراج‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫اتفاقية سيداو وخطرها على السرة وفقهها في السلم‬


‫الشيخ المين الحاج محمد أحمد*‬
‫أيها المسلمون تداركوا معقلكم الخير‬
‫الكفار بقيادة أمريكا وأذنابها من الدول الوربية يودون أن يسيطروا ويهيمنوا‬
‫على العالم اجتماعيًا‪ ،‬بعد أن سيطروا عليه اقتصاديًا‪ ،‬وعسكريًا‪ ،‬وسياسيًا‪،‬‬
‫وإعلميًا‪ ،‬متخذين منظمات المم المتحدة‪ ،‬ومجلس المن‪ ،‬وهيئة الصحة‬
‫العالمية الهزيلة الضعيفة‪ ،‬والمنظمات الكنسية الخرى‪ ،‬مظلت لتحقيق‬
‫أغراضهم ومآربهم‪ ،‬وبث أحقادهم ضد السلم والمسلمين على وجه‬
‫الخصوص‪ ،‬تحت شعارات ومصطلحات براقة‪ ،‬خادعة‪ ،‬كاذبة‪ :‬حقوق النسان‪،‬‬
‫ومحاربة الرهاب‪ ،‬والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل – كما يزعمون –‬
‫التي خدعوا بها السذج والمغفلين من المنتسبين إلى السلم‪ ،‬مستغلين في‬
‫ذلك ومسخرين عملءهم وجواسيسهم من الشيوعيين والمنافقين‪ ،‬قوام‬
‫طابورهم الخامس في العالم‪ ،‬متخذين من المؤتمرات‪ ،‬والندوات‪،‬‬
‫والمنظمات الكنسية‪ ،‬وسيلة لتحقيق هذه الغراض الخبيثة التي ظاهرها فيه‬
‫الرحمة وباطنها من قبله العذاب والدمار‪.‬‬
‫في مقدمة هذه المور معقل من معاقل السلم‪ ،‬وعروة من عراه‪ ،‬لم‬
‫يتمكنوا من نقضها بالكلية كما نقضوا سابقاتها بعد‪ ،‬هذا المعقل هو السرة‬
‫المسلمة‪ :‬المهات‪ ،‬والطفال‪ ،‬وفقهها الذي كان بمعزل من كيدهم‬
‫ومؤامراتهم حينا ً من الدهر‪ ،‬حيث كانت دائرة الحوال الشخصية "فقه‬
‫السرة"‪ ،‬هي الدائرة الوحيدة التي يحكم فيها شرع الله‪.‬‬
‫من أجل ذلك كثفوا عقد المؤتمرات والندوات‪ :‬مؤتمر نيويورك‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫وج بمؤتمر بكين بالصين‪ ،‬الذي نتج عنه اتفاقية "سيداو" المشؤومة‪،‬‬ ‫الذي ت ّ‬
‫القائمة على أنقاض فقه السرة في السلم‪ ،‬حيث نقضت بنودها المتسترة‬
‫في قضية القضاء على التمييز ضد المرأة‪ ،‬ورفع الظلم عنها‪ ،‬وإزالة كل‬
‫أشكال التمييز بينها وبين الرجل‪ ،‬ضاربين عرض الحائط بالفروق الخْلقية‪،‬‬
‫والنفسية‪ ،‬والشرعية‪ ،‬بين الرجل والمرأة‪ ،‬التي أقرها ربنا على لسان المرأة‬
‫كا ُ‬
‫لنَثى"‪ ،‬ورادين لقول الله عز وجل‪:‬‬ ‫س الذ ّك َُر َ‬‫الصالحة والدة مريم‪" :‬وَل َي ْ َ‬
‫سُبوا ْ‬‫ما اك ْت َ َ‬
‫م ّ‬
‫ب ّ‬
‫صي ٌ‬
‫ل نَ ِ‬ ‫ض ّللّر َ‬
‫جا ِ‬ ‫ضك ُ ْ َ‬ ‫ض َ‬ ‫من ّوْا ْ َ‬
‫ما فَ ّ‬ ‫"وَل َ ت َت َ َ‬
‫م عَلى ب َعْ ٍ‬ ‫ه ب ِهِ ب َعْ َ‬‫ل الل ُ‬
‫ن"‪.‬‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ما اكت َ َ‬‫م ّ‬‫ب ّ‬‫صي ٌ‬‫ساء ن َ ِ‬ ‫وَِللن ّ َ‬
‫ثم سعوا لحمل كل الدول السلمية لقبول بنود هذه التفاقية‪ ،‬والعمل على‬
‫تنفيذها فورًا‪.‬الحامل للكفار للقدام على هذا العمل الجرامي الكبير أسباب‪،‬‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ .1‬الحسد‪ ،‬فطالما أن السرة تفككت في أمريكا وأوربا فلماذا تبقى السرة‬
‫المسلمة بمنأى عن ذلك؟‬
‫ً‬
‫‪ .2‬الحقد الدفين ضد السلم والمسلمين‪ ،‬الذي تبديه ألسنتهم أحيانا‪ ،‬وما‬
‫تخفي صدورهم أكبر وأكبر‪.‬‬
‫‪ .3‬انفراد أمريكا بالسيطرة والهيمنة على كل العالم‪ ،‬بعد أن قضت على‬
‫النمر الورقي – روسيا‪ ،‬حيث أضحت هي وصنائعها من الشيوعيين يدورون‬
‫في فلكها‪ ،‬وتحولوا بقدرة قادر إلى موالة المبريالية من غير حياء ول خجل‪،‬‬
‫وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل‪" :‬إذا لم تستح فاصنع ما‬
‫شئت"‪.‬‬
‫حيث لم يبق أمامهم سوى السلم السني فقط‪ ،‬أما الزبد فيذهب جفاء‪ ،‬فلبد‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من دحره حتى يسهل لهم قياد العالم‪ ،‬وأنى لهم ذلك؟ خاب فألهم وكذبت‬
‫نبوءتهم‪.‬‬
‫مْرَبع‬ ‫ً‬
‫مْرَبعا *** فاهنأ بطول سلمة يا ِ‬ ‫زعم الفرزدق أن سيقتل ِ‬
‫‪ .4‬استكانة حكام المسلمين‪ ،‬وخضوعهم للهيمنة المريكية‪ ،‬وتنفيذهم‬
‫مخططاتها‪ ،‬جّرأ الكفار على الستمرار في حربهم الصليبية على السلم‬
‫والمسلمين في كل المسارات‪.‬‬
‫ومن العجيب أن نجد بعض الدول السلمية سبقت هذه التفاقية‪ ،‬حيث‬
‫قلدتهم في ذلك وتشبهت بهم‪،‬وفي مقدمتها تونس‪.‬‬
‫وإن الجزائر الن تسعى للبدء في تنفيذ هذه البنود‪ ،‬حيث قدم رئيسها‬
‫مشروعا ً لتعديل شرط الولية في الزواج‪ ،‬ليكون من حق المرأة أن تلي أمر‬
‫نفسها ومن يليها‪ ،‬ردا ً لقوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬ل نكاح إل بولي وشاهدي‬
‫عدل"‪.‬‬
‫وهكذا نرى النتائج الخبيثة لهذه التفاقية شيئا ً فشيئا‪ً.‬‬
‫الذي يغيظ الكفار في فقه السرة السلمي‪ ،‬ويريدون تغييره وتبديله ليساير‬
‫ما هم عليه ما يأتي‪:‬‬
‫‪ .1‬إقرار المرأة في بيتها‪.‬‬
‫‪ .2‬قوامة الرجال على النساء في المامة الصغرى )الصلة(‪ ،‬والكبرى‬
‫)الحكم(‪ ،‬وفي النكاح‪.‬‬
‫‪ .3‬رعاية الوالدين لولدهما ومسؤوليتهما الكاملة عنهم‪.‬‬
‫‪ .4‬تشجيع السلم على الزواج المبكر‪ ،‬والحض على النجاب‪.‬‬
‫‪ .5‬تمييز الذكر على النثى في التعصيب فقط في الميراث‪.‬‬
‫‪ .6‬عدم مشاركة المحافظات من النساء في النتخابات ونحوها‪.‬‬
‫‪ .7‬حرمان غير المسلم والعدل من حضانة البناء‪.‬‬
‫‪ .8‬إباحة تعدد الزواجات‪.‬‬
‫‪ .9‬إلزام الرجال بالنفقة على من يعولون‪.‬‬
‫‪ .10‬قصر السلم قضاء الوطر على الزوجة وما ملكت اليمين‪.‬‬
‫‪ .11‬ختان النثى السني لنه يعدل من شهوة المرأة‪.‬‬
‫ولهذا نجد أن بنود هذه التفاقية جاءت لتقضي على ذلك كله‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فقد جاء في الجزء الول‪ ،‬المادة ]‪ -2‬أ[ من التفاقية‪) :‬تجسيد مبدأ عدم‬
‫التمييز بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية(‪ ،‬والله يقول‪" :‬وَل َي ْ َ‬
‫س الذ ّك َُر‬
‫لنَثى"‪.‬وكذلك في المادة ]‪ -2‬ز[‪) :‬إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات(‪،‬‬ ‫كا ُ‬
‫َ‬
‫ويعنون بذلك إبطال عقوبة جريمة الزنا‪ ،‬والجهاض‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬
‫وجاء في الجزء الثاني‪ ،‬المادة ]‪ -7‬أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج[ إعطاء المرأة جميع الحقوق‬
‫السياسية‪ ،‬بحيث يمكن أن تلي المامة الكبرى‪.‬‬
‫وجاء في الجزء الثالث‪ ،‬المادة ]‪-10‬ج[ تشجيع الختلط‪ ،‬الذي يعتبر من‬
‫العوامل الساسية لشاعة الفاحشة بين المؤمنين‪.‬‬
‫وفي الجزء الرابع‪ ،‬المادة ]‪ ،[2-15‬حيث نص على أن تكون المرأة والية على‬
‫نفسها ومن يليها‪.‬‬
‫ً‬
‫هذه مجرد أمثلة‪ ،‬فالتفاقية عموما تقوم على أنقاض السلم‪ ،‬ورد ما هو‬
‫معلوم من الدين ضرورة‪ ،‬ومعلوم أن حكم من رد ما هو معلوم من الدين‬
‫ضرورة الكفر والخروج من دائرة السلم‪ ،‬إذا توفرت الشروط وانتفت‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الموانع‪.‬‬
‫وعليه نرجو من جميع حكام المسلمين رفض هذه التفاقية‪ ،‬والحذر من الخذ‬
‫بها‪ ،‬وعلى العلماء وطلب العلم أن يبينوا للعامة مخالفة ذلك لما جاء به‬
‫الشارع الحكيم‪ ،‬حتى يهلك من هلك عن بينة‪ ،‬ويحيى من حي عن بينة‪.‬‬
‫ونرجو من إخواننا المخدوعين بها أن يعيدوا النظر في موقفهم هذا‪ ،‬وعليهم‬
‫أن ل ينخدعوا بدعايات أعداء السلم‪ ،‬وعملئهم‪ ،‬وصنائعهم‪.‬‬
‫وليعلم الجميع أن الدين تم وكمل‪ ،‬فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‪،‬‬
‫فوالله لن يضرن إل نفسه‪ ،‬وأن ما لم يكن في ذاك اليوم دينا ً فلن يكون‬
‫اليوم دينًا‪ ،‬كما قال مالك رحمه الله‪ ،‬وأنه ل يصلح آخر هذه المة إل بما صلح‬
‫به أولها‪ ،‬وقد صلح أولها بالعتصام بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وما أجمعت عليه المة‪.‬‬
‫وليتذكروا كذلك أن هذا الدين محفوظ بحفظ الله تعالى‪ ،‬وأن هذا العلم دين‪،‬‬
‫فلينظر كل منا ممن يأخذ ويتلقى دينه‪.‬‬
‫اللهم ألف بين قلوب المسلمين‪ ،‬واهدهم سبل السلم‪ ،‬وجنبهم الكفر‪،‬‬
‫والفواحش‪ ،‬والثام‪ ،‬وصلى الله وسلم على نبي الملحمة‪ ،‬الناهي عن التشبه‬
‫بالكفار‪ ،‬المفضي إلى غضب الجبار‪ ،‬وعلى آله وأصحابه الطهار‪ ،‬والسلم‬
‫علينا وعلى عباد الله الصالحين‪ ،‬ل ينال سلمنا الكفار‪ ،‬والمنافقين‪ ،‬والفجار‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫اتق الله يا شيخ حامد العلي‬


‫‪22-05-2004‬‬
‫لقد قرأت مقالتك العنترية ‪ ،‬المتعلقة بجامعة الدول العربية ‪ ،‬وكيف تصف‬
‫قممهم بالغمم ‪ ،‬وأمجادهم بالنقم ‪ ،‬أل تتقي الله يا ر جل ! ‪ ،‬هؤلء العظماء ‪،‬‬
‫يواصلون الليل والنهار ليدفعوا عن المة البلء ‪ ،‬فها هم يتكبدون مشقة‬
‫السفار ‪ ،‬ويقطعون لجل المة البحار ‪ ،‬ول يبالون بالخطار ‪ ،‬بل اجتمعوا‬
‫ليردعوا الشرار ‪ ،‬ويعيش أبناء أمتهم أحرارا ً ‪ ،‬فأول ما يناقشونه الرهاب ‪،‬‬
‫ومن انحرف عنهم من الشباب ‪ ،‬وكيف يسدوا عليهم كل باب ‪ ،‬لتكون‬
‫دعوتهم في تباب ‪ ،‬وبعد ذلك تصف قممهم بالغمم ‪ ،‬هذا شيء عجاب ! ما‬
‫رعيت في وصفك لهم الداب ‪.‬‬
‫ً‬
‫ثم هذه أعمالهم النافعة ‪ ،‬التي وصفتها بالخامعة ‪ ،‬منها إن كنت ناسيا ‪،‬‬
‫كلماتهم القاصية ضد يهود ‪ ،‬فهم يصفونهم بأمة الجهود ‪ ،‬لنهم ل يبالغون‬
‫برشق الضعفاء بالبارود ‪ ،‬فيقتلوا منهم بل حدود ‪ ،‬حتى يريحوا أنفسهم من‬
‫قضية طغى عليها الجمود ‪ ،‬وأقلقتهم في كل قعود ‪ ،‬ثم بعد ذلك تصف‬
‫قممهم بالغمم ‪ ،‬أليس هذا قول ً مليئا ً بالسقم ؟‬
‫وبعد ذلك موقفهم من العراق ‪ ،‬الذي طلقوه طلق فراق ‪ ،‬وقطعوا عنه كل‬
‫وفاق ‪ ،‬وضربوا أهله فوق العناق ‪ ،‬وأعانوا الكافر على أحقاده ‪ ،‬ثم تباكوا‬
‫على أمجاده ‪ .‬وبعد ذلك تصف قممهم بالغمم ‪ ،‬فعليك أن تبدي لذلك الندم ‪.‬‬
‫فاعلم أنهم قوم أمجاد ‪ ،‬دوما ً يحاربون الفساد ‪ ،‬ويدعون لصلح البلد ‪ ،‬فهذه‬
‫دعواتهم الصادقة في كل سفح وواد ‪ ،‬يريدون أن يخرجوا المسلمين من‬
‫الجمود والعناد ‪ ،‬ويؤخذوا بأيديهم إلى تقليد أهل الكفر واللحاد ‪ ،‬فهل في‬
‫ذلك جرم أو فساد ؟ أم هو العدل والرشاد فاتق الله فيهم يا من تصفهم‬
‫بالغمم فإنهم على المة نعم ‪.‬‬
‫وها هم اليوم مجتمعون ‪ ،‬وعلى هموم المة متفقون ‪ ،‬وكلنا أمل بأن يخرجوا‬
‫كما دخلوا كل بل أسوء مما كانوا ولهذا أهديهم في تجمعهم هذه البيات‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الموزونة على البحر الضروس لتنطرب منه النفوس‬


‫تدق الدفوف وتصدي الكفوف ويرقص الجبناء‬
‫على أنغام تتغنى بأشلء الشهداء‬
‫تدور الكؤوس وتنحني الرؤوس ويخطب الجاسوس‬
‫في قومه شامخا ً مواعظ الشرفاء‬
‫أما آن لليل الظلم يا قوم‬
‫أن ينجلي ويتجلى للنهار ضياء‬
‫والله المستعان‬
‫وكتب ‪ :‬إبراهيم بن عبد العزيز‬

‫)‪(1 /‬‬

‫اتقاء خطر السحر‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫أخي الحبيب ‪:‬‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‬
‫ن( )الذريات‪، (55:‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫فعُ ال ُ‬ ‫ْ‬
‫ن الذ ّكَرى ت َن ْ َ‬ ‫انطلقا من قوله تعالى ‪) :‬وَذ َك ّْر فَإ ِ ّ‬
‫وقوله صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل (( ‪ .‬أوجه‬
‫إليك هذه الرسالة ‪ ،‬والتي أتمنى أن تصلك وأنت بكل خير وعافية ‪.‬‬
‫وهي في بيان الشياء التي يتقى بها خطر السحر قبل وقوعه والشياء التي‬
‫يعالج بها‬
‫بعد وقوعه من المور المباحة شرعا ً انتقيتها لك من أقوال فضيلة الشيخ ‪/‬‬
‫عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى ‪ ،‬عسى أن تكون نافعة لمن‬
‫قرأها في الدنيا والخر ة ‪.‬‬
‫أما النوع الول ‪ - :‬وهو الذي يتقى به خطر السحر قبل وقوعه فأهم ذلك‬
‫وأنفعه هو التحصن بالذكار الشرعية والدعوات والتعوذات المأثورة ومن ذلك‬
‫قراءة آية الكرسي خلف كل صلة مكتوبة بعد الذكار المشروعة بعد السلم‬
‫ومن ذلك قراءتها عند النوم وآية الكرسي هو أعظم آية في القرآن وهي‬
‫ْ‬
‫ما ِفي‬ ‫ه َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ة َول ن َوْ ٌ‬ ‫سن َ ٌ‬ ‫خذ ُه ُ ِ‬ ‫م ل ت َأ ُ‬ ‫قّيو ُ‬‫ي ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه إ ِّل هُوَ ال ْ َ‬ ‫ه ل إ ِل َ َ‬ ‫قوله سبحانه } الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ما ب َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْد َه ُ إ ِّل ب ِإ ِذ ْن ِهِ ي َعْل َ ُ‬ ‫فع ُ ِ‬ ‫ش َ‬‫ذي ي َ ْ‬ ‫ن َذا ال ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ْ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬
‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سي ّ ُ‬‫سعَ كْر ِ‬ ‫شاَء وَ ِ‬ ‫مهِ إ ِل ب ِ َ‬ ‫عل ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫يٍء ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫حيطو َ‬ ‫م َول ي ُ ِ‬ ‫فهُ ْ‬
‫خل َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬
‫ديهِ ْ‬ ‫أي ْ ِ‬
‫ي ال ْعَ ِ‬ ‫َ‬
‫م {)‪ (1‬ومن ذلك‬ ‫ظي ُ‬ ‫ما وَهُوَ ال ْعَل ِ ّ‬ ‫فظ ُهُ َ‬ ‫ح ْ‬
‫ؤود ُه ُ ِ‬ ‫ض َول ي َ ُ‬ ‫ت َواْلْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ال ّ‬
‫قراءة } قل هو الله أحد { و } قل أعوذ برب الفلق { و } قل أعوذ برب‬
‫الناس { خلف كل صلة مكتوبة وقراءة السور الثلث ثلث مرات في أول‬
‫النهار وأول الليل ومن ذلك قراءة اليتين من آخر سورة البقرة في أول الليل‬
‫وهما قوله تعالى } آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن‬
‫بالله وملئكته وكتبه ورسله ل نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا‬
‫غفرانك ربنا وإليك المصير { إلى آخر السورة)‪ (2‬وقد صح عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ )) :‬من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه‬
‫من الله حافظ ول يقربه شيطان حتى يصبح (()‪ (3‬وصح عنه أيضا ً صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪ )) :‬من قرأ اليتين من آخر سورة البقرة في ليلة‬
‫كفتاه(()‪ (4‬والمعنى والله أعلم كفتاه من كل سوء ومن ذلك الكثار من‬
‫التعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق في الليل والنهار وعند نزول أي‬
‫ي صلى الله عليه‬ ‫منزل في البناء أو الصحراء أو الجو أو البحر لقول النب ّ‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم ‪ )) :‬من نزل منزل ً فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم‬
‫يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك)‪ (( (5‬ومن ذلك أن يقول المسلم‬
‫في أول النهار وأول الليل ثلث مرات ‪ ) :‬بسم الله الذي ل يضر مع اسمه‬
‫شيء في الرض ول في السماء وهو السميع العليم ()‪ (6‬لصحة الترغيب في‬
‫ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه الذكار والتعوذات من أعظم‬
‫السباب في اتقاء شر السحر وغيره من الشرور لمن حافظ عليها بصدق‬
‫وإيمان وثقة بالله واعتماد عليه وانشراح صدر لما دلت عليه وهي أيضا ً من‬
‫أعظم العلج لزالة السحر بعد وقوعه مع الكثار من الضراعة إلى الله‬
‫وسؤاله سبحانه أن يكشف الضرر ويزيل البأس ‪ ،‬ومن الدعية الثابتة عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك في علج المراض من السحر‬
‫وغيره وكان صلى الله عليه وسلم يرقي بها أصحابه )) اللهم رب الناس‬
‫ً‬
‫أذهب البأس اشف أنت الشافي ل شفاء إل ّ شفاؤك شفاء ل يغادر سقما (()‬
‫ي صلى الله عليه وسلم وهي‬ ‫‪ (7‬ومن ذلك الرقية التي رقى بها جبرائيل النب ّ‬
‫قوله ))بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو غين‬
‫حاسد الله يشفيك بسم الله ‪7‬‬

‫)‪(1 /‬‬
‫أرقيك (()‪ (8‬وليكرر ذلك ثلث مرات ‪ .‬ومن علج السحر بعد وقوعه أيضا ً‬
‫وهو علج نافع للرجل إذا حبس عن جماع أهله أن يأخذ سبع ورقات من‬
‫السدر الخضر فيدقها بحجر أو نحوه ويجعلها في إناء يصب عليه من الماء ما‬
‫يكفيه للغسل ويقرأ فيها آية الكرسي وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد‬
‫وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وآيات السحر التي في سورة‬
‫ي‬ ‫صا َ‬
‫ك فَإ َِذا هِ َ‬ ‫ق عَ َ‬ ‫سى أ َ ْ َ ْ‬ ‫حي َْنا إ َِلى ُ‬
‫َ‬
‫ن أل ِ‬ ‫مو َ‬ ‫العراف وهي قوله سبحانه } وَأوْ َ‬
‫ن )‪ (118‬فَغُل ُِبوا‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما َ‬
‫كاُنوا ي َعْ َ‬ ‫ل َ‬‫حقّ وَب َط َ َ‬ ‫ن )‪ (117‬فَوَقَعَ ال ْ َ‬ ‫ما ي َأ ْفِ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ف َ‬‫ق ُ‬ ‫ت َل ْ َ‬
‫ن )‪ (9){ (119‬واليات التي في سورة يونس وهي‬ ‫ري َ‬ ‫قل َُبوا َ‬
‫صاِغ ِ‬ ‫ك َوان ْ َ‬‫هَُنال ِ َ‬
‫} وقال فرعون ائتوني بكل سحر عليم )‪ (79‬فلما جاء السحرة قال لهم‬
‫موسى ألقوا ما أنتم ملقون )‪ (80‬فما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر‬
‫إن الله سيبطله ‪ -‬إن الله ل يصلح عمل المفسدين )‪ (81‬ويحق الله الحق‬
‫بكلماته ولو كره المجرمون {)‪ (10‬واليات التي في سورة طه } قالوا يا‬
‫موسى إما أن تلقى وإما أن نكون أول من ألقى )‪ (65‬قال بل ألقوا فإذا‬
‫حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى )‪ (66‬فأوجس في نفسه‬
‫خيفة موسى )‪ (67‬قلنا ل تخف إنك أنت العلى )‪ (68‬وألق ما يمينك تلقف‬
‫ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ول يفلح الساحر حيث أتى {)‪ (11‬وبعد قراءة‬
‫ما ذكر في الماء يشرب بعض الشيء ويغتسل بالباقي وبذلك يزول الداء إن‬
‫شاء الله وإن دعت الحادة لستعماله مرتين أو أكثر فل بأس حتى يزول الداء‬
‫‪ .‬ومن علج السحر أيضا ً وهو من أنفع علجه بذل الجهود في معرفة موضع‬
‫السحر في أرض أو جبل أو غير ذلك فإذا عرف واستخرج وأتلف بطل السحر‬
‫‪ .‬هذا ما تيسر بيانه من المور التي يتقي بها السحر ويعالج بها والله ولي‬
‫التوفيق ‪ .‬وأما علجه بعمل السحرة الذي هو التقرب إلى الجن بالذبح أو‬
‫غيره من القربات فل يجوز لنه من عمل الشيطان بل من الشرك الكبر‬
‫فالواجب الحذر من ذلك وفق الله المسلمين للعافية من كل سوء وحفظ‬
‫عليهم دينهم إنه سميع قريب وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد‬
‫وعلى آله وصحبه ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫________________________________________‬
‫)‪ (1‬سورة البقرة آية ‪.255‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة آية ‪.285‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري في صحيحه‪..‬‬
‫)‪ (4‬متفق عليه‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم وغيره‪.‬‬
‫)‪ (6‬رواه أبو داود والترمذي وصححه وابن حبان والحاكم ‪.‬‬
‫)‪ (7‬متفق عليه ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫اتقوا الله ما استطعتم‬


‫حين تطرح قضية من هموم المسلمين في أحد المجالس‪ ،‬ويتبادل الناس‬
‫الحوار والحديث حولها يتحدث الناس عن قضايا كبار‪ ،‬كالتآمر العالمي على‬
‫الدعوة‪ ،‬وتجفيف المنابع‪ ،‬ومواجهة الصحوة‪ ،‬وأن هذه المسائل تحتاج لحلول‬
‫جذرية ربما تضيق عنها جهود أمم ودول‪ ،‬فضل ً عن فئات محدودة من الدعاة‪،‬‬
‫وتربط كل قضية عملية تطرح أمام الناس بهذه القضايا الكبار‪.‬‬
‫وتبدو نتيجة النقاش أن هذه القضايا أكبر من جهد الفراد وطاقتهم‪ ،‬ويقف‬
‫المر عند هذا الحد‪ ،‬وحين تبحث عن جهود هؤلء ودعوتهم لترى شيئا ً يذكر‪،‬‬
‫فالطالب في جامعته‪ ،‬والمعلم في مدرسته‪ ،‬والموظف والعامل في قطاعه‬
‫ليس لهم أثر في محيطهم‪ ،‬بل ليرون ذلك ضمن دائرة اهتمامهم‪.‬‬
‫وهي القضية التي تحدث عنها أحد التربويين من خلل )دائرة الهتمام(‬
‫و)دائرة التأثير()]‪.([1‬‬
‫وبغض النظر عن كون هذا المنطق من التفكير وسيلة لتبرير القعود والكسل‪،‬‬
‫أو أنه نتاج اجتهاد واقتناع شخصي فالنتيجة العملية لذلك سيان‪.‬‬
‫ودون الدعوة لتسطيح الهتمام وقصر التفكير على المحيط الشخصي‬
‫المحدود‪ ،‬فإنه ينبغي أن يربى الناس على الهتمام في الميادين العملية التي‬
‫يجيدون التأثير فيها‪ ،‬بغض النظر عنها‪ ،‬وعن مدى ضآلة حجمها بالنسبة لقضايا‬
‫المة الكبار‪.‬‬
‫ينبغي أن يكون هم النسان أن يعمل‪ ،‬وأن يؤدي جهده في نطاقه ومحيطه‪،‬‬
‫منطلقا ً من قوله تبارك وتعالى )فاتقوا الله مااستطعتم( وقوله )ليكلف الله‬
‫نفسا ً إل وسعها( وهي قاعدة شرعية عظيمة‪.‬‬
‫ويدل على هذا المعنى أيضا ً قوله صلى الله عليه و سلم "اكلفوا من العمال‬
‫ماتطيقون"‪.‬‬
‫وتأمل قوله صلى الله عليه و سلم ‪":‬من رأى منكم منكرا ً فليغيره بيده‪ ،‬فإن‬
‫لم يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه"‪.‬‬
‫وأنبياء الله صلوات الله وسلمه عليهم كانوا يعيشون هم العمل‪ ،‬ويعنون‬
‫بدرجة كبيرة به‪ ،‬دون أن يحلقوا في الخيال والتنظير‪ ،‬أو الفراط في النظر‬
‫للمشكلت وتضخيمها )وما أنا إل نذير مبين( )إن عليك إل البلغ( ثم يسلمون‬
‫أمرهم لخالقهم تبارك وتعالى يحكم بينهم وبين قومهم بما يشاء‪.‬‬
‫وحين يحقق المسلم هذا المعنى‪ ،‬ويقوم بهذه المهمة في محيطه‪ ،‬ينطلق بعد‬
‫ذلك في التفكير فيما وراء هذا‪ ،‬والبحث عن وسائل تعينه على توسيع دائرة‬
‫تأثيره‪.‬‬
‫فلنحقق التوازن في هذا الميدان بين علو الهتمامات‪ ،‬والنظرة البعيدة‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العميقة‪ ،‬وبين الميادين العملية‪.‬‬


‫‪--------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫)]‪ ([1‬انظر‪ :‬التربية والتجديد لماجد عرسان الكيلني )‪(39-32‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫اتقوا الله يا أكلة لحوم البشر !!!‬


‫الشيخ محمد الهدار‪ -‬صحيفة أخبار بنغازي‪ /‬الشبكة‬
‫الحمد لله وكفى وسلم على عباده الذين اصطفى ‪ .‬وبعد ‪...‬‬
‫إن المتأمل والمتفحص لغالب مجالس الناس اليوم ذكورا وإناثا يجدها مليئة‬
‫بفاحشة نكراء وجريمة بشعة وإثم شنيع ‪ ،‬يراه بعض العلماء من كبائر الذنوب‬
‫‪ ،‬وهو محرم بنص الكتاب والسنة والجماع ‪،‬هذا الجرم هو أكل لحوم البشر‬
‫والخوض في أعراضهم ‪ ،‬وتسمى هذه الحالة بالغيبة ‪ ،‬قال الله تعالى ) ول‬
‫يغتب بعضكم بعضا ( ‪ ،‬ثم بين شناعة هذه الجريمة ووصف حال فاعليها بقوله‬
‫جل شأنه ) أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ( ‪ ،‬قال المام‬
‫القرطبى رحمه الله )مثل الله الغيبة بأكل الميتة ‪،‬لن الميت ل يعلم بأكل‬
‫لحمه كما أن الحي ل يعلم بغيبة من اغتابه(‪.‬وقال ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫‪ ) :‬إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة لن أكل الميت حرام مستقذر ‪ ،‬وكذا‬
‫الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس (‪.‬‬
‫وقال قتاده رحمه الله ‪ ) :‬كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا كذلك‬
‫يجب أن يمتنع من غيبته حيا (‪ .‬وقال الفقيه الشافعي ابن حجر الهيثمي رحمه‬
‫الله ‪ :‬الغيبة والنميمة حرام بالجماع‪ ،‬وإنما الخلف في الغيبة هل هي كبيرة‬
‫أو صغيرة ؟ ونقل الجماع على أنها كبيرة ‪،‬وقال آخرون ‪) :‬محله – أي‬
‫الجماع ‪ -‬إن كانت في طلبة العلم‪ ،‬وحملة القرآن‪ ،‬وإل كانت صغيرة ( ‪،‬وقال‬
‫القرطبي رحمه الله ‪) :‬ل خلف أن الغيبة من الكبائر ‪،‬وأن من اغتاب أحدا‬
‫عليه أن يتوب إلى الله عز وجل (‪ ،‬قلت‪ :‬وقد أمر الله في نهاية آيةتحريم‬
‫الغيبة بما يساهم ويساعد في القلع عن اقتراف هذا المنكر فقال سبحانه‬
‫)واتقوا الله إن الله تواب رحيم ( ‪.‬‬
‫روى أحمد وأبو داوود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ ) :‬لما عرج‬
‫بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ‪،‬‬
‫فقلت ‪ :‬من هؤلء يا جبريل ؟ قال ‪ :‬هؤلء الذين يأكلون لحوم الناس ‪،‬‬
‫ويقعون في أعراضهم ( ‪.‬‬
‫كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حذر منها أشد تحذير حيث روى‬
‫أحمد وأبو داوود والبيهقي أنه صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬يا معشر من آمن‬
‫بلسانه ولم يدخل اليمان قلبه ل تغتابوا المسلمين ‪ ،‬ول تتبعوا عوراتهم ‪ ،‬فإنه‬
‫من تتبع عورة أخيه المسلم ‪،‬تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته ‪ ،‬يفضحه‬
‫ولو في جوف بيته (‪.‬‬
‫وعموما داء الغيبة قد استشرى بين أفراد المجتمع استشراء النار في الهشيم‬
‫‪ ،‬إل من رحم ربي ‪ ،‬لدرجة أن بعض أهل العلم الشرعي تجده يمارسها مع‬
‫من يمارسها من العوام ‪ ،‬و لله در أستاذنا وشيخنا الفاضل محمد سالم‬
‫المزوغي حن قال ‪:‬‬
‫وقل من تجده منها سلم *** أنظر تراها حتى بين العلماء‬
‫والغيبة قد عرفها الرسول صلى الله عليه وسلم خير تعريف كما جاء في‬
‫صحيح مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عليه وسلم قال ‪ ) :‬هل تدرون ما الغيبة ؟ ( قالوا ‪ :‬الله ورسوله اعلم ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫) ذكرك أخاك بما يكره ( قيل ‪ :‬أرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال ‪ ) :‬إن‬
‫كان فيه ما تقول فقد اغتبته ‪ ،‬وإن لم يكن فيه فقد بهته ( ‪،‬أي قلت فيه بهتان‬
‫وهو أشد ظلما من الغيبة ؛ لنه كذب وافتراء ‪.‬وجاء في الموطأ مرسل ‪:‬أن‬
‫رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الغيبة ؟ فقال صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪) :‬أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع ( ‪،‬وقد شرح المام النووي –‬
‫رحمه الله – معنى الغيبة ‪.‬‬
‫وإليكم بعض ما قاله بتصرف ذكره بعض العلماء ‪ :‬الغيبة ذكر المرء بما‬
‫قه‬ ‫ْ‬
‫يكره ؛ سواء كان ذلك في بدن الشخص‪ ،‬أو دينه ‪،‬أو دنياه ‪،‬أو نفسه ‪ ،‬أو خل ِ‬
‫خُلقه ‪ ،‬أو ماله ‪ ،‬أو ولده ‪ ،‬أو زوجه ‪،‬أو خادمه ‪ ،‬أو ثوبه ‪،‬أو حركته ‪،‬‬
‫‪ ،‬أو في ُ‬
‫أو طلقته ‪ ،‬أو عبوسته ‪ ،‬أو غير ذلك مما يتعلق به ‪ ،‬سواء ذكرته باللفظ أو‬
‫بالشارة والرمز ‪.‬‬
‫ً‬
‫قلت ‪ :‬نسال الله السلمة والنجاة ‪ ،‬فالمر إذا ليس هينا ‪،‬وإن كان البعض‬
‫يحسبه هينا ‪،‬لكنه عند الله عظيم ؛ روى أحمد وأبو داوود والترمذي ‪ ،‬أن‬
‫عائشة رضي الله عنها قالت ‪:‬قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬حسبك من‬
‫صفية كذا وكذا ‪ ،‬قال بعض الرواة تعني أنها قصيرة ‪ ،‬فقال صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ) :‬لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته ( ‪.‬‬
‫ومما يؤسف له أن الغيبة أصبحت تطال حتى بعض علماء المة و صلحائها‬
‫كالمام مالك رضي الله عنه والمام أبي حنيفة والمام ابن حجر وغيرهم‬
‫رضي الله عن الجميع ورحمهم رحمة واسعة‪ ،‬فتقرأ وتسمع عمن يقول عن‬
‫المام مالك ‪ :‬الهالك ‪ ،‬ويقول عن المام أبي حنيفة ‪ :‬أبو جيفه ‪ ،‬وتسمع عمن‬
‫يقول عن النووي وابن حجر أنهما أصحاب بدع ‪...‬الخ ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وهذا أمر خطير ومعول هدم للفقه السلمي المبارك ‪ ،‬إذ أن اغتياب الئمة‬
‫العلم ‪ ،‬يعني عدم احترامهم ‪ ،‬وبالتالي عدم احترام ما قدموه للمة من علم‬
‫‪ ،‬وهذه هي الطامة والحالقة ‪،‬وهي بغي خطير يجلب لصاحبه العقوبة في‬
‫الدنيا قبل الخرة ‪ ،‬روى أبو داوود والترمذي عن أبي بكرة رضي الله عنه‬
‫قال ‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬ما من ذنب أجدر أن‬
‫يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الخرة مثل البغي‬
‫وقطيعة الرحم ( ‪ ،‬فغيبة العلماء والصلحاء والتقياء خرق في الدين خطير‬
‫حذر منه أهل العلم أشد تحذير ‪،‬فقال مالك ابن دينار رحمه الله ‪ ) :‬كفى‬
‫بالمرء شرا أن ل يكون صالحا ‪ ،‬وهو يقع في الصالحين ( وقال المام أحمد‬
‫بن الذرعي رحمه الله ‪ ) :‬الوقيعة في أهل العلم ل سيما أكابرهم ‪ ،‬من كبائر‬
‫الذنوب ( ‪ ،‬وقال المام أحمد بن حنبل رحمه الله ‪ ) :‬لحوم العلماء‬
‫مسمومة ‪ ،‬من شمها مرض ‪،‬ومن أكلها مات ( ‪ .‬ورحم الله من قال ‪ ) :‬إن‬
‫العلماء هم عقول المة والمة التي ل تحترم عقولها غير جديرة بالبقاء (‪.‬‬
‫فعجيب أمر من يسب العلماء ويطعن فيهم ويغتابهم ‪ ،‬أما علم أن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم نهى عن سب الديك ‪ ،‬لنه يدعو إلى الصلة ‪ ،‬كما روى أحمد‬
‫وأبو داوود ‪ ،‬فكيف يستبيح قوم إطلق ألسنتهم في ورثة النبياء الداعين إلى‬
‫الله عز وجل ؟!!! قال الله تعالى ) ومن أحسن قول ممن دعا إلى الله‬
‫وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ( ‪ ،‬فينبغي الذب عن عرض كل‬
‫مسلم وخصوصا العلماء والصلحاء والتقياء والدعاة ‪ ،‬وليبشر من كان هذا‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ديدنه بما رواه أحمد وغيره ‪،‬أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال‪ ) :‬من‬
‫ذب عن عرض أخيه بالَغيبة كان حق على الله أن يعتقه من النار (‪.‬‬
‫ويجب على كل مسلم بالغ عاقل ذكر أو أنثى أن يصن لسانه عن الغيبة‬
‫وفحش الكلم ول يتكلم إل بخير وبما ينفع ‪ ،‬لما جاء في الصحيح أن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ ) :‬من كان يؤمن بالله واليوم الخر فليقل‬
‫خيرا أو ليصمت ( ‪ ،‬وروى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ ):‬من حسن إسلم المرء تركه ما ل يعنيه ( ‪ ،‬وجاء في الصحيحين عن‬
‫أبي موسى الشعرى رضي الله عنه قال ‪ :‬قلت يا رسول الله أي المسلمين‬
‫أفضل ؟ قال ‪ ) :‬من سلم المسلمون من لسانه ويده ( ‪ .‬وجاء في صحيح‬
‫البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ ):‬من يضمن لي ما بين لحييه‬
‫وما بين رجليه أضمن له الجنة (‪.‬‬
‫وجاء في كتاب الذكار للمام النووي رحمه الله قال ‪ ) :‬بلغنا أن قس بن‬
‫ساعدة وأكثم بن صيفي اجتمعا ‪ ،‬فقال أحدهم لصاحبه ‪ :‬كم وجدت في ابن‬
‫آدم من العيوب ؟ فقال ‪ :‬هي أكثر من أن تحصى والذي أحصيته ثمانية آلف‬
‫عيب ‪ ،‬ووجدت خصلة إن استعملها سترت العيوب كلها ‪ ،‬قال ما هي ؟ قال ‪:‬‬
‫حفظ اللسان ( ‪ .‬وإن الفضيل بن عياض رحمه الله قال ‪ ) :‬من عد َ كلمه من‬
‫عمله قل كلمه في ما ل يعنيه ( ‪.‬‬
‫ومما ينفع في هذا المقام كذلك ما قاله أحد الصالحين ‪ ) :‬والله ما يحل لك‬
‫أن تؤذي كلبا أو خنزيرا بغير حق ‪ ،‬فكيف تؤذي مسلما ( ‪ .‬وأخرج مالك في‬
‫الموطأ عن يحي بن سعيد أن عيسى بن مريم عليه السلم لقي خنزيرا‬
‫بالطريق ‪ ،‬فقال له ‪) :‬أنفذ بسلم ( ‪ ،‬فقيل له تقول هذا لخنزير ؟ فقال‬
‫عيسى عليه السلم ‪ ) :‬إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء ( ‪ .‬وقال‬
‫يحي بن كثير رحمه الله ‪) :‬خصلتان إذا رأيتهما في الرجل فاعلم أنما وراءهما‬
‫خير منهما ‪ :‬إذا كان حابسا للسانه ‪ ،‬يحافظ على صلته ( ‪.‬‬
‫فعلى المرء أن يجاهد نفسه وينهها عن الغيبة وغيرها من الذنوب ‪ ،‬وليكن‬
‫قائدنا في ذلك خوف الله وتقواه ‪ ،‬وليرغب كل واحد منا نفسه بما سبق من‬
‫أدلة ‪ ،‬ويرغبها أيضا بمثل قوله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬أفضل الجهاد أن‬
‫تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل ( والحديث رواه أبو نعيم في‬
‫الحلية وهو صحيح عند بعض المحدثين ‪ ،‬وأختم هذه الكلمة بما رواه الترمذي‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬‬
‫المسلم أخو المسلم ‪ ،‬ل يخونه ‪ ،‬ول يكذبه ‪ ،‬ول يخذله ‪ ،‬كل المسلم على‬
‫المسلم حرام ‪ :‬عرضه وماله ودمه ‪ ،‬التقوى هاهنا ‪ -‬وأشارإلى صدره‬
‫الشريف – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ( ‪.‬‬
‫فعلينا أن نحفظ هذا الحديث ‪ ،‬ونعمل بمقتضاه ‪ ،‬ونتذكره بين الحين والخر ‪،‬‬
‫وُنذكر به ‪ ،‬وعلى الخوة أكلة لحوم البشر الميتة أن يتقو الله ربهم ‪ .‬وصلى‬
‫الله وسلم على سيدنا محمد أعظم من عَلم الناس الخير وعلى آله وصحابته‬
‫وأتباعه ‪ ،‬والحمد لله أول وآخرا ‪...‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫اتقوا النار ولو بشق تمرة‬


‫الشيخ المين الحاج محمد أحمد*‬
‫من الدواء الخبيثة‪ ،‬والمراض الخسيسة‪ ،‬أعني أمراض القلوب المعنوية التي‬
‫هي أخطر وأشد من أمراض البدان الحسية‪ ،‬الغفلة‪ ،‬وطول المل‪،‬‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والتسويف‪ ،‬وحب الدنيا‪ ،‬وكراهية الموت‪.‬‬


‫حيث أضحى ل تنفع معها ذكرى‪ ،‬ول تفيد بسببها موعظة ول فكرة‪ ،‬ول يؤثر‬
‫في النفوس زجر ول تخويف‪ ،‬ول آية ول حديث‪ ،‬لن الغفلة بلغت مداها‪،‬‬
‫والتسويف وطول المل غاية مناها‪.‬‬
‫هذا هو الفرق بيننا وبين سلفنا الطهار وسادتنا الخيار‪ ،‬كان أملهم في الدنيا‬
‫قصير‪ ،‬وخوفهم من الله وأهوال الطامة وأن تحبط أعمالهم كبير‪ ،‬ولم يأمنوا‬
‫مكر الله كما أمنا نحن‪ ،‬فالمؤمن يجمع بين العمل والخوف‪ ،‬والمنافق يجمع‬
‫يبن المل والتقصير‪.‬‬
‫قال الحسن‪ :‬إن المؤمن جمع إحسانا ً وشفقة‪ ،‬وإن الكافر جمع إساءة وأمنا‪ً.‬‬
‫ت ثلثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫يقول ابن أبي مليكة‪ :‬أدرك ُ‬
‫كلهم يخاف النفاق على نفسه‪.‬‬
‫وعندما سئل الحسن البصري رحمه الله‪ :‬أتخاف من النفاق؟! قال‪ :‬وما‬
‫يؤمنني وقد خافه عمر رضي الله عنه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وكان طاوس اليماني إذا مر ببائع الرؤوس وقد رآه يخرج رأسا مشويا غشي‬
‫عليه‪ ،‬ولم يتعش تلك الليلة‪.‬‬
‫وف بها عباده لينتهوا‪.‬‬ ‫وقال سفيان بن عيينة‪ :‬خلق الله النار رحمة يخ ّ‬
‫وكان صهيب بن سنان رضي الله عنه إذا ذكر الجنة طال شوقه لها‪ ،‬وإذا ذكر‬
‫النار طار نومه خوفا ً منها‪ ،‬كما وصفته زوجه رضي الله عنها‪.‬‬
‫ذكرني شدة الحر في هذه اليام قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن النار‬
‫اشتكت إلى ربها سبحانه وتعالى قائلة‪ :‬يا رب! أكل بعضي بعضًا؛ فجعل لها‬
‫فسا ً في الصيف‪ ،‬فشدة ما تجدون من البرد من‬ ‫فسا ً في الشتاء ون َ َ‬‫سين‪ ،‬ن َ َ‬
‫ف َ‬
‫نَ َ‬
‫زمهريرها‪ ،‬وشدة ما تجدون من الحر من سمومها"‪.‬‬
‫وقول ابن عمر رضي الله عنهما ناصحا ً لخوانه المسلمين ومحذرا لهم من‬
‫ً‬
‫نار الجحيم‪" :‬احذروا النار‪ ،‬فإن حرها شديد‪ ،‬وقعرها بعيد‪ ،‬ومقامعها من‬
‫حديد"‪ ،‬أوكما قال‪.‬‬
‫ً‬
‫إي وربي‪ ،‬فإن نار الخرة التي هي سبعون ضعفا من نار الدنيا حرها شديد‪،‬‬
‫ولو كانت مثل نار الدنيا لكفت‪ ،‬ولزجرت أصحاب القلوب والنهى‪.‬‬
‫وهل تدري أخي المسلم أن قارون الذي خسف به منذ أمد بعيد ل زال‬
‫يجلجل فيها لم يصل قعرها؟‬
‫وصح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬كنا مع رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم إذ سمع وجبة‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪ :‬ما هذا؟! قال‪ :‬قلنا‪:‬‬
‫جر رمي في النار منذ سبعين خريفًا‪ ،‬فهو‬ ‫ح َ‬
‫الله ورسوله أعلم؛ قال‪ :‬هذا َ‬
‫يهوي في النار حتى انتهى إلى قعرها"‪.‬‬
‫هذه النار التي وصفها لنا ربنا ورسولنا‪ ،‬ول ينبئك مثل خبير‪ ،‬النار التي ل تفنى‬
‫ول تبيد‪ ،‬والتي لهلها الخالدين فيها زفير وشهيق‪ ،‬النار التي ل تمتلئ بل‬
‫تطلب المزيد‪ ،‬النار التي طعام أهلها الغسلين‪ ،‬وشرابهم الحميم‪ ،‬كشرب‬
‫الهيم‪ ،‬الواجب على كل مسلم أن يقي نفسه ويسعى لوقاية أهلها منها‪ ،‬عمل ً‬
‫بوصية ربنا سبحانه وتعالى‪ ،‬اللطيف الرحيم بعباده‪ ،‬والناصح الكريم‪" :‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ً وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة‬
‫غلظ شداد ل يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون"‪.‬‬
‫ً‬
‫واتقاء النار ليس بالمر العسير لمن وفقه الله لذلك‪ ،‬فقد نجى الله بغيا من‬
‫بغايا بني إسرائيل لسقيها كلبا ً كان يأكل الثرى من العطش‪ ،‬حيث تدلت في‬
‫بئر وحملت له ماًء في موقها‪ ،‬فشكر الله لها هذا الصنيع‪ ،‬فغفر لها‪ ،‬وأدخلها‬
‫الجنة‪ ،‬ونجاها من النار‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد أرشد رسولنا إلى ما هو أيسر من ذلك‪ ،‬إلى التصدق ولو بشق تمرة‪ ،‬ولو‬
‫بكلمة طيبة‪ ،‬حيث قال‪" :‬من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق‬
‫تمرة فليفعل"‪.‬‬
‫جر رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬ ‫وعن وائل بن ُ ْ‬
‫ح‬
‫وسلم‪" :‬ما منكم من أحد إل سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان‪ ،‬فينظر‬
‫أيمن منه فل يرى إل ما قدم‪ ،‬وينظر أشأم منه فل يرى إل ما قدم‪ ،‬وينظر بين‬
‫يديه فل يرى إل النار تلقاء وجه‪ ،‬فاتقوا النار ولو بشق تمرة"‪.‬‬
‫وزاد ابن حجر‪" :‬ولو بكلمة طيبة"‪.‬‬
‫فالصدقة قليلة كانت أم كثيرة‪ ،‬إن كانت من صادق ومن كسب طيب‪ ،‬والله‬
‫ل يقبل إل طيبًا‪ ،‬من أجل القربات‪ ،‬وهي تطفئ غضب الرب سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫فعليك أخي المسلم أن ل تستحي من أن تتصدق بما تملك‪ ،‬شريطة أن تكون‬
‫طيبة بذلك نفسك‪.‬‬
‫قال المام النووي في شرح الحديث السابق‪) :‬وفيه الحث على الصدقة وأنه‬
‫ل يمتنع منها لقلتها‪ ،‬وأن قليلها سبب للنجاة من النار(‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقال المناوي‪") :‬اتقوا النار" أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية‪ ،‬أي حجابا ً من‬
‫الصدقة‪ ،‬ولو كان التقاء بالتصدق بشيء قليل جدا ً مثل شق تمرة‪ ،‬أي جانبها‪،‬‬
‫أونصفها‪ ،‬فإنه يفيد‪ ،‬فقد يسد الرمق‪ ،‬سيما للطفل‪ ،‬فل يحتقر المتصدق ذلك‪،‬‬
‫فلو هنا للتقليل كما تقرر‪ ،‬وهو معدود من معانيها كما في المغني عن اللخمي‬
‫وغيره‪ ،‬وقد ذكر التمرة دون غيرها كلقمة طعام لن التمر غالب قوت أهل‬
‫الحجاز‪ ،‬والتقاء عن النار كناية عن محو الذنوب‪" ،‬إن الحسنات يذهبن‬
‫السيئات"‪" ،‬أتبع السيئة الحسنة تمحها"‪ ،‬وبالجملة ففيه حث على التصدق‬
‫ولو بما ق ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫إلى أن قال‪") :‬بكلمة" أي فاتقوا النار بكلمة طيبة تطّيب قلب السائل مما‬
‫يتلطف به في القول والفعل‪ ،‬فإن ذلك سبب للنجاة من النار‪ ،‬وقيل‪ :‬الكلمة‬
‫الطيبة ما يدل على هدى‪ ،‬أويرد عن ردى‪ ،‬أويصلح بين اثنين‪ ،‬أويفصل بين‬
‫ل‪ ،‬أويكشف غامضًا‪ ،‬أويدفع تأثيرًا‪ ،‬أويسكن غضبًا(‪.‬‬ ‫متنازعين‪ ،‬أويحل مشك ً‬
‫قلت‪ :‬أعمال الخير كثيرة ومتنوعة‪ ،‬وأسباب دخول الجنة والنجاة من النار ل‬
‫تحصى‪ ،‬وكل ميسر لما خلق له‪ ،‬فمن الناس من يسر لقضاء حوائج الناس‪،‬‬
‫ومنهم من فتح له في الصلة‪ ،‬أوالصيام‪ ،‬أونشر العلم‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهذا من فضل‬
‫الله علينا وعلى الناس‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يشكرون‪.‬‬
‫فالسعيد كل السعادة من زحزح عن النار وأدخل الجنة‪ ،‬والتعيس الشقي من‬
‫حرم جنة عرضها السموات والرض كما أخبر الصادق المصدوق‪" :‬يؤتى بأنعم‬
‫أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة‪ ،‬فيصبغ في جهنم صبغة‪ ،‬ثم يقال له‪ :‬يا‬
‫م قط؟ فيقول‪ :‬ل والله يا رب؛‬ ‫ت خيرا ً قط؟ هل مّر بك نعي ٌ‬‫ابن آدم‪ ،‬هل رأي َ‬
‫ً‬
‫ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة‪ ،‬فيصبغ في الجنة صبغة‪،‬‬
‫ت بؤسا ً قط؟ هل مّر بك شدة قط؟ فيقول‪ :‬ل‬ ‫فيقال له‪ :‬يا ابن آدم! هل رأي َ‬
‫ت شدة قط" الحديث‪.‬‬ ‫والله يا رب‪ ،‬ما مر بي بؤس قط‪ ،‬ول رأي ُ‬
‫اللهم إنا أطعناك في أحب المور إليك وهو التوحيد‪ ،‬ولم نعصك في أبغض‬
‫المور إليك وهو الشرك‪ ،‬فاغفر لنا ما دون ذلك‪ ،‬فإنك أهل التقوى وأهل‬
‫المغفرة‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك وعظم على النبي المي الكريم‪ ،‬وعلى‬
‫صحابته والتابعين‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫اتواصوا به‬
‫المحتويات‬
‫نماذج من سير النبياء‪:‬‬
‫من ثمرات دراسة هذا الموضوع‬
‫نماذج من سير النبياء‬
‫موسى عليه السلم‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫مريم عليها السلم‬
‫مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عائشة رضي الله عنها‬
‫عثمان بن عفان رضي الله عنه‬
‫سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه‬
‫مع سائر السلف‬
‫المام البخاري‬
‫المام الشافعي‬
‫المام أحمد بن حنبل‬
‫ابن أبي عاصم‬
‫بقي بن مخلد‬
‫ابن قتيبه‬
‫محمد بن الفضل‬
‫المام البربهاري‬
‫أبو عثمان المغربي‬
‫الخطيب البغدادي‬
‫الشاطبي‬
‫ابن الجوزي‬
‫شيخ السلم ابن تيمية‬
‫محمد بن عبد الوهاب‬
‫الخلصة‬
‫مقدمة البتلء طريق النبياء‪:‬‬
‫هذه المحاضرة وقفات حول قول الله عز وجل )كذلك ما أتى الذين من‬
‫قبلهم من رسول إل قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون(‪.‬‬
‫ففي هذه الية أخبر تعالى أن القوام الذين أرسل الله عز وجل إليهم الرسل‬
‫قد اتفقوا كلهم جميعا ً على اتهام المرسلين بالسحر‪ ،‬وأنى أن يكون ذلك‬
‫وبينهم عصور وقرون متطاولة ‪.‬‬
‫وهي أيضا ً قضية نلحظها حينما نتعرض لقصص النبياء فنقرأ ما قال قوم نوح‬
‫لنبيهم نوح‪ ،‬وما قال قوم عاد لهود‪ ،‬وما قالت ثمود لصالح‪ ،‬وما قاله سائر‬
‫القوام المكذبين لنبيائهم المصلحين‪ ،‬نجد أنها كلمة واحدة‪ ،‬حتى كأنهم قد‬
‫تواصوا واتفقوا على هذا‪.‬‬
‫وسيكون حديثنا في ذكر بعض النماذج من اتهام المصلحين والطعن فيهم في‬
‫أمر دينهم‪.‬‬
‫ً‬
‫إن قضية الصلح تستوجب صراعا مع أهل الباطل؛ ذلك أن المصلحين يرون‬
‫واقعا ً ل يرضي الله ورسوله فيسعون إلى تغيره‪ ،‬والمصلح ل يكون مصلحا إل‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حين يرد إحقاق حق أو تغيير باطل‪ ،‬ول شك أن مصالح أهل الباطل سوف‬
‫تصطدم مع ما يدعو إليه هؤلء المصلحون‪ ،‬فيسعى هؤلء إلى تعويق‬
‫إصلحهم ودعوتهم من خلل تشويه سيرتهم‪ ،‬ويعلم هؤلء أن الدين هو‬
‫القضية التي يدعو إليها هؤلء‪ ،‬ومن ثم فالطعن في معتقدهم وتشويهه خير‬
‫وسيلة لتنفير الناس من دعوتهم‪.‬‬
‫إنها صورة واحدة من صور البتلء التي يتعرض لها المؤمنون‪ ،‬والبتلء سنة‬
‫ماضية سنة لمن آمن بالله عز وجل ) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا‬
‫وهم ل يفتنون‪ .‬ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن‬
‫الكاذبين ‪.‬‬
‫ولذا كان البتلء سنة في حق المؤمنين؛ فكل من يؤمن فلبد أن يبتلى فما‬
‫بالك بالمصلحين الذين يسعون إلى تغيير الواقع الذي يخالف شرع الله عز‬
‫وجل؟ لشك أنهم أكثر عرضة للبتلء والمتحان ‪.‬‬
‫وهذا المر نقرأه في سير النبياء وفي سير المصلحين‪ ،‬فكم عانى النبياء من‬
‫أعدائهم المكذبين وهي صور شتى من التكذيب والتعويق والبتلء‪ ،‬يسعى إليه‬
‫المفسدون من أقوامهم ويتواصون به جيل ً بعد جيل وقرنا ً بعد قرن‪.‬‬
‫ومن بعد النبياء كانت السنة كذلك نفسها للمصلحين‪ ،‬ويشعر المصلح الداعي‬
‫إلى الله عز وجل أنه حين يختار لنفسه هذا الطريق فإنه يضع نفسه مع هذه‬
‫القائمة ويسير مع هذا الركب‪ ،‬فلبد أن يصيبه ما أصابهم ويواجه بما ووجهوا‬
‫به‪.‬‬
‫من ثمرات دراسة هذا الموضوع‪:‬‬
‫إن الحديث عن هذا المر له ثمرات عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن فيه تسلية لمن يتصدى للدعوة إلى الله عز وجل فيصيبه ما يصيبه‬ ‫أو ً‬
‫من الفتنة والبتلء‪ ،‬وربما تعرض إلى الطعن في شخصه ودينه‪ ،‬فقد كان‬
‫أصدق الناس لهجة وأصفاهم سريره واتقاهم لله تعالى‪ ،‬وهم أنبياء الله‬
‫يتهمون في دينهم وربما اتهموا في أعراضهم‪ ،‬فغيرهم من باب أولى‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حين يسمع النسان اتهاما ً لحد من المصلحين‪ ،‬سواء أكان ممن يعيش‬
‫بين ظهرانيه‪ ،‬أو ممن مضى وسلف فلن يتسرع في تصديق ذلك وتلقيه‪.‬‬
‫ولنبدأ الحديث حول هذه النماذج من البتلء مقتصرين على اتهام المصلحين‬
‫في دينهم‪ ،‬وحين نتحدث عن المصلحين فإن أول من يتصدر هذه القائمة هم‬
‫رسل الله صلوات الله وسلمه عليهم‪ ،‬وقد واجهوا ما واجهوا من الطعن في‬
‫دينهم واعتقادهم غير ما واجهوه من البتلء في أمور أخرى‪.‬‬
‫نماذج من سير النبياء‬
‫موسى عليه السلم‪:‬‬
‫لقد تعزى نبينا عليه الصلة السلم بما أصابه فقال‪":‬رحم الله أخي موسى‬
‫فقد أوذي بأكثر مما أوذيت فصبر"‪.‬‬
‫لقد جاء موسى عليه السلم والناس يؤلهون فرعون من دون الله‪ ،‬ويعتقدون‬
‫أنه ربهم العلى فأرسله الله عز وجل ليخرج الناس من العبودية والذل‬
‫لفرعون إلى العبودية والذل لله تبارك وتعالى ‪ .‬فشرق أولئك بهذه الدعوة‪،‬‬
‫وشعر فرعون أن في هذا تحطيما ً للوهيته وجبروته وسلطانه على الناس‪،‬‬
‫فلم يجد مبررا ً أمام الناس إل أن يتهم موسى في دينه‪ ،‬كما قال تعالى )وقال‬
‫فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر‬
‫في الرض الفساد ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وحين صار ما صار من المناظرة بين موسى والسحرة فحشر فرعون سحرته‬
‫وجمع جبروته وسلطانه‪ ،‬وكان موعدهم يوم الزينة فاجتمعوا في هذا اليوم‬
‫فألقى موسى عصاه‪ ،‬فأدرك السحرة الحق فآمنوا بالله وخروا سجدًا‪ ،‬حينها‬
‫اتهمهم بعدم الصدق في إيمانهم‪ ،‬وأن هذا اليمان جزء من مؤامرة ُيستهدف‬
‫فيها فرعون ومجده )قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم إن هذا لمكر‬
‫مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون(‪.‬‬
‫واتهم موسى بأنه ساحر‪ ،‬وأنه هو الذي علم السحرة السحر )قال آمنتم له‬
‫قبل أن آذن اكم إنه لكبيركم الذي علمك السحر فلقطعن أيديكم وأرجلكم‬
‫من خلف ولصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا ً وأبقى(‬
‫ويحذر الله عباده المؤمنين مما فعله بنو اسرائيل مع موسى عليه السلم‬
‫)ياأيها الذين آمنوا لتكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند‬
‫الله وجيهًا( وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ما اتهمه به بنو إسرائيل في‬
‫حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪":‬إن موسى كان رجل ً حييا ً ستيرا ً ليرى من جلده شيء استحياء منه‪،‬‬
‫فآذاه من آذاه من بني إسرائيل‪ ،‬فقالوا‪ :‬مايستتر هذا التستر إل من عيب‬
‫بجلده‪ :‬إما برص وإما أد َْرة‪ ،‬وإما آفة‪ .‬وإن الله أراد أن يبرأه مما قالوا‬
‫لموسى‪ ،‬فخل يوما ً وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل‪ ،‬فلما فرغ أقبل‬
‫إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه‪ ،‬فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر‪.‬‬
‫فجعل يقول‪ :‬ثوبي حجر‪ ،‬ثوبي حجر‪ ،‬حتى انتهى إلى مل من بني إسرائيل‬
‫فرأوه عريانا ً أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون‪ ،‬وقام الحجر فأخذ ثوبه‬
‫فلبسه‪ ،‬وطفق بالحجر ضربا ً بعصاه‪ ،‬فوالله إن بالحجر لندبا ً من أثر ضربه‬
‫ثلثا ً أو أربعا ً أو خمسًا‪ ،‬فذلك قوله )ياأيها الذين آمنوا لتكونوا كالذين آذوا‬
‫موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها("‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫وهاهو محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة الخاتمة الذي اصطفاه‬
‫تعالى على البشر‪ ،‬هاهو أيضا ً يتهم في إخلصه وفي دينه؛ فحين قسم صلى‬
‫الله عليه وسلم قسمة لم ترق لبعض ضعاف اليمان قال أحدهم‪":‬إن هذه‬
‫لقسمة ما أريد بها وجه الله"‪ -‬قال ابن مسعود ‪ -‬فأتيت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فأخبرته‪ ،‬فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه‪ ،‬ثم قال‪":‬يرحم الله‬
‫موسى‪ ،‬فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" ‪.‬‬
‫مريم عليها السلم‪:‬‬
‫وهاهي مريم ابنة عمران تتهم في عرضها؛إذ قذفها اليهود عليهم لعنة الله‬
‫بالزنا والبهتان‪ ،‬حين أكرمها الله ونفخ فيها من روحه )فأتت به قومها تحمله‬
‫قالوا يامريم لقد جئت شيئا ً فريًا‪ .‬ياأخت هارون ماكان أبوك امرء سوء‬
‫وماكانت أمك بغيا( فأنطقه الله )إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًا( ومع‬
‫هذه الية الواضحة الخارقة حين نطق هذا الغلم وهو في المهد‪ ،‬مع ذلك كله‬
‫ل يزال أولئك يصرون على هذه الجريمة البشعة؛ فيتهمون هذه المرأة‬
‫الطاهرة التي يقول تبارك وتعالى عنها )إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك‬
‫على نساء العالمين(‬
‫مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫عائشة رضي الله عنها‪:‬‬
‫وكأنما تواصى هؤلء مع أوليائهم فتقذف عائشة رضي الله عنها بما قذفت به‬
‫مريم‪ ،‬ويسير المنافقون وراء أولئك اليهود فيشيعون الفرية ضد عائشة‪،‬‬
‫فتسمع عائشة ما يقال عنها وما تتهم به‪ ،‬ثم ترى من النبي صلى الله عليه‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وسلم ما ترى فتبقى حبيسة اللم وحبيسة هذه الفرية شهرًا‪ ،‬والتهام لعائشة‬
‫لم يكن اتهاما ً لعائشة وحدها بل كان اتهاما ً قبل ذلك كله للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وطعنا ً في فراشه وفي أحب الناس إليه‪.‬‬
‫عثمان بن عفان رضي الله عنه‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عن عثمان بن عبدالله بن موهب رحمه الله قال‪ :‬جاء رجل من أهل مصر‬
‫يريد حج البيت‪ ،‬فرأى قوما ً جلوسًا‪ ،‬فقال من هؤلء القوم؟ قالوا‪ :‬هؤلء‬
‫قريش‪ ،‬قال‪ :‬فمن الشيخ منهم؟ قالوا‪ :‬عبدالله بن عمر‪ ،‬قال‪ :‬يابن عمر‪ ،‬إني‬
‫سائلك عن شيء فحدثني‪ :‬هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫هل تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬هل تعلم أنه تغيب عن‬
‫بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬الله أكبر‪ ،‬وكأنما فرح هذا الرجل‬
‫لن يجد هذه النقيصة وهذه التهمة في خليفة رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم الذي كانت تستحي منه الملئكة‪ ،‬فلما قال ذلك قال ابن عمر‪ :‬تعال‬
‫أبين لك‪ ،‬أما فراره يوم أحد‪ ،‬فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له‪ ،‬وأما تغيبه عن‬
‫بدر‪ ،‬فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة‪،‬‬
‫فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا ً‬
‫وسهمه‪ ،‬وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان‬
‫لبعثه‪ ،‬فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان‪ ،‬وكانت بيعة الرضوان‬
‫بعدما ذهب عثمان إلى مكة‪ ،‬فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده‬
‫اليمنى‪ :‬هذه يد عثمان‪ ،‬فضربها على يده‪،‬كانت يد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم لعثمان خير من يد عثمان لعثمان وقال‪ :‬هذه لعثمان‪ ،‬ولهذا قال‬
‫بعضهم ثم قال ابن عمر‪ :‬اذهب بها الن معك" ‪ .‬والقصة في صحيح البخاري ‪.‬‬
‫وعن سعد بن عبيدة قال‪ :‬جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان‪ ،‬فذكر‬
‫عن محاسن عمله‪ ،‬قال‪ :‬فلعل ذلك يسوءك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأرغم الله‬
‫بأنفك‪ .‬ثم سأله عن علي‪ ،‬فذكر محاسن عمله قال‪ :‬هو ذاك‪ ،‬بيته أوسط‬
‫بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال‪ :‬لعل ذلك يسوءك؟ قال‪ :‬أجل‪،‬‬
‫قال‪ :‬فأرغم الله بأنفك‪ ،‬انطلق فاجهد علي جهدك" ‪.‬‬
‫نعم إن هؤلء يسوؤهم أن تذاع مناقب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ولهذا كبر هذا الرجل حين أقر له ابن عمر رضي الله عنه بتلك التهم التي‬
‫اتهم بها عثمان في دينه‪ ،‬وساءه حين برأه منها وذكر محاسنه‪.‬‬
‫سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه‪:‬‬
‫وممن اتهم في دينه أحد السابقين إلى السلم‪ ،‬وأحد العشرة المبشرين‬
‫بالجنة‪ ،‬عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال ‪ :‬شكا أهل الكوفة سعدا ً إلى‬
‫عمر‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنه ليحسن أن يصلي‪ ،‬فقال سعد‪ :‬أما أنا‪ ،‬فإني كنت أصلي بهم‬
‫صلة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلتي العشي ل أخرم منها‪ ،‬أركد في‬
‫الوليين‪ ،‬وأحذف في الخريين‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ذاك الظن بك ياأبا إسحاق‪ .‬أهل‬
‫الكوفة يعلمون صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلة؟ أهل الكوفة‬
‫يتهمون صاحب رسول الله الذي فداه الرسول بأبيه وأمه‪ ،‬يتهمونه أنه ل‬
‫يحسن أن يصلي؟ فبعث عمر رضي الله عنه رجال ً يسألون عنه بالكوفة‪،‬‬
‫فكانوا ليأتون مسجدا ً من مساجد الكوفة إل قالوا خيرًا‪ ،‬حتى أتوا مسجدا ً‬
‫لبني عبس‪ ،‬فقال رجل يقال له أبو سعده‪ :‬أما إذ نشدتمونا بالله )انظر إلى‬
‫شد بالله فقد تعينت عليه كلمة حق يجب أن يقولها‪،‬‬ ‫منطق هؤلء حين ن ُ ِ‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهؤلء كما أخبر تعالى )ويشهد الله على ما قلبه وهو ألد الخصام( ( فإنه كان‬
‫ل يعدل في القضية‪ ،‬ول يقسم بالسوية‪ ،‬ول يسير بالسرية‪ ،‬فقال سعد‪ :‬اللهم‬
‫إن كان كاذبًا‪ ،‬فأعم بصره‪ ،‬وأطل عمره‪ ،‬وعرضه للفتن‪ ،‬قال عبدالملك فأنا‬
‫رأيته بعد يتعرض للماء في السكك‪ ،‬فإذا سئل كيف أنت؟ يقول‪ :‬كبير مفتون‬
‫أصابتني دعوة سعد ‪.‬والقصة في البخاري ‪.‬‬
‫وعن قبيصة بن جابر قال‪ :‬قال ابن عم لنا يوم القادسية‪ :‬ألم تر أن الله أنزل‬
‫نصره وسعد بباب القادسية معصم فأبنا وقد أمت نساء كثيرة ونسوة سعد‬
‫ليس فيهن أيم‬
‫فبلغ سعدا ً قوله‪ ،‬فقال‪ :‬عيى لسانه ويده‪ ،‬فجاءت نشابة فأصابت فاه‬
‫فخرس‪ ،‬ثم قطعت يده في القتال‪ ،‬فقال ‪-‬أي سعد‪ :-‬احملوني على باب‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ثم كشف عن ظهره وفيه قروح فأخبر الناس بعذره‬ ‫فخرج به محمو ً‬
‫فعذروه‪ ،‬وكان سعد ل يجبن‪ ،‬وفي رواية يقاتل حتى ينزل الله نصره‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫وقطعت يده وقتل وهذا الخبر رواه الطبراني كما في المجمع وقال باسنادين‬
‫رجاله أحدهما ثقات‪.‬‬
‫مع سائر السلف‪:‬‬
‫ونتجاوز ما قيل عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وهو كثير إلى ما‬
‫قيل عن الئمة بعدهم‪:‬‬
‫المام البخاري‪ :‬ها هو المام البخاري رحمه الله صاحب الصحيح أصح كتاب‬
‫بعد كتاب الله‪ ،‬هاهو يتهم في عقيدته ودينه؛ فقد اتهم بأنه يقول بخلق القرآن‬
‫في مسألة اللفظ المشهورة وممن اتهمه محمد بن يحيى‬
‫قال محمد بن يحيى‪ :‬قد أظهر هذا البخاري قول اللفظية‪ ،‬واللفظية عندي‬
‫شر من الجهمية‪.‬‬
‫وحين قدم بخارى استقبله الناس‪ ،‬فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى‬
‫خالد بن أحمد أمير بخارى‪ :‬إن هذا الرجل يعني البخاري قد أظهر خلف‬
‫السنة‪ ،‬فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا‪ :‬لنفارقه‪ ،‬فأمره المير بالخروج‬
‫من البلد فأخرج رحمه الله ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وروى الحاكم عن محمد بن العباس الضبي قال‪ :‬سمعت أبابكر بن أبي عمرو‬
‫الحافظ البخاري يقول‪:‬كان سبب منافرة أبي عبدالله أن خالد بن أحمد‬
‫الذهلي المير خليفة الطاهرية ببخارى سأل أن يحضر منزله فيقرأ الجامع‬
‫والتاريخ على أولده‪ ،‬فامتنع عن الحضور عنده فراسله بأن يعقد مجلسا ً‬
‫لولده‪ ،‬ليحضره غيرهم‪ ،‬فامتنع وقال‪ :‬لأخص أحدًا‪ ،‬فاستعان المير بحريث‬
‫بن أبي الورقاء وغيره‪ ،‬حتى تكلموا في مذهبه‪ ،‬ونفاه عن البلد‪ ،‬فدعا عليهم‪،‬‬
‫فلم يأت إل شهر حتى ورد أمر الطاهرية‪ ،‬بأن ينادى على خالد في البلد‪،‬‬
‫فنودي عليه على أتان‪ ،‬وأما حريث فإنه ابتلي بأهله‪ ،‬فرأى فيهم مايجل عن‬
‫الوصف‪ ،‬وأما فلن فابتلي بأولده وأراه الله فيهم البليا‪ .‬وبقي المام البخاري‬
‫بعد ذلك إماما ً عالما ًَ يترحم الناس عليه‬
‫المام الشافعي‪ :‬والمام المجدد الشافعي رحمه الله اتهم بالتشيع لذا قال‬
‫هذه البيات المشهورة التي حكاها عنه الربيع بن سليمان‪ ،‬قال‪ :‬حججنا مع‬
‫الشافعي‪ ،‬فما ارتقى شرفًا‪ ،‬ولهبط واديًا‪ ،‬إل وهو يبكي وينشد‪ -:‬ياراكبا قف‬
‫بالمحصب من منى واهتف بقاعد خيفنا والناهض سحرا إذا فاض الحجيج إلى‬
‫منى فيضا ً كملتطم الفرات الفائض إن كان رفضا ً حب آل محمد فليشهد‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الثقلن أني رافضي قال الذهبي‪ :‬لو كان شيعيا ً وحاشاه من ذلك لما قال‪:‬‬
‫الخلفاء الراشدون خمسة‪ ،‬بدأ بالصديق‪ ،‬وختم بعمر بن عبدالعزيز‪ .‬وقال‬
‫أحمد عن ذلك‪ :‬اعلموا رحمكم الله أن الرجل من أهل العلم إذا منحه الله‬
‫شيئا ً من العلم‪ ،‬وحرمه قرناؤه وأشكاله‪ ،‬حسدوه فرموه بما ليس فيه‪،‬‬
‫وبئست الخصلة في أهل العلم‪ .‬ولما دخل مصر أتاه جلة أصحاب مالك‪،‬‬
‫وأقبلوا عليه‪ ،‬فلما رأوه يخالف مالكًا‪ ،‬وينقض عليه جفوه وتنكروا له‪ ،‬حتى‬
‫حدث أبو عبدالله بن منده قال حدثت عن الربيع أنه قال‪ :‬رأيت أشهب بن‬
‫عبدالعزيز ساجدا ً يقول في سجوده‪ :‬اللهم أمت الشافعي ليذهب علم مالك‪،‬‬
‫فبلغ الشافعي فأنشأ يقول‪ -:‬تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل‬
‫لست فيها بأوحد فقل للذي يبغي خلف الذي مضى تهيأ لخرى مثلها فكأن‬
‫قد ولهذا كان يقول الشافعي رحمه الله‪:‬رضى الناس غاية لتدرك‪ ،‬وليس إلى‬
‫السلمة منهم سبيل‪.‬‬
‫المام أحمد بن حنبل‪ :‬والمام أحمد رحمه الله محنته مشهورة‪ ،‬ابتلي واتهم‬
‫بأنه قد ابتدع في دين الله ما ليس فيه‪ ،‬وضرب وأوذي‪ ،‬وكانت تهمته في دينه‬
‫وأنه يفتري على الله تبارك وتعالى‪ ،‬ويبتدع ويتجرأ على الله عز وجل وقضيته‬
‫مشهورة نتجاوزها‪.‬‬
‫ابن أبي عاصم‪ :‬وممن اتهم في دينه المام أبي عاصم رحمه الله‪ ،‬قال عنه‬
‫الذهبي‪ :‬حافظ كبير‪ ،‬إمام بارع‪ ،‬مطيع للثار‪ ،‬كثير التصانيف ‪.‬‬
‫اتهم بالنصب‪ ،‬وأرسل له ليلى الديلمي غلما ً له ومخلة وسيفًا‪ ،‬وأمره أن‬
‫يأتيه برأسه فأتاه وهو في مسجده يحدث‪ ،‬فقال أن المير قد أمرني أن آتي‬
‫برأسك‪ ،‬فوضع الكتاب الذي كان يقرأ فيه على رأسه ثم أتاه آت فقال‪ :‬إن‬
‫المير ينهاك عن ذلك‪.‬‬
‫والشاهد أن المام أبي عاصم إمام من أئمة أهل السنة يتهم بأنه ناصبي‬
‫يبغض آل البيت‪.‬‬
‫بقي بن مخلد‪ :‬قال عنه الذهبي‪ :‬المام القدوة‪ ،‬شيخ السلم‪ ،‬أبو عبدالرحمن‬
‫الندلسي القرطبي‪ ،‬الحافظ صاحب التفسير والمسند اللذين لنظير لهما ‪.‬‬
‫وكان إماما ً مجتهدا ً صالحًا‪ ،‬ربانيا ً صادقا ً مخلصًا‪ ،‬رأسا ً في العلم والعمل‪،‬‬
‫عديم المثل‪ ،‬منقطع القرين‪ ،‬يفتي بالثر‪ ،‬وليقلد أحدًا‪ ،‬قدم إلى الندلس‬
‫فأحيا فيها مذهب أهل الحديث‪ ،‬فشرق به أولئك‪.‬‬
‫قال ابن حزم‪ :‬وكان حمد بن عبدالرحمن الموي صاحب الندلس محبا ً‬
‫للعلوم عارفًا‪ ،‬فلما دخل بقي الندلس بمصنف أبي بكر بن أبي شيبة‪ ،‬وقريء‬
‫عليه أنكر جماعة من أهل الرأي مافيه من الخلف واستبشعوه‪ ،‬ونشطوا‬
‫العامة عليه‪ ،‬ومنعوا من قراءته‪ ،‬فاستحضره صاحب الندلس محمد وإياهم‪،‬‬
‫وتصفح الكتاب كله جزءا ً جزءًا‪ ،‬حتى أتى على آخره‪ ،‬ثم قال لخازن الكتب‪:‬‬
‫هذا كتاب لتستغني خزانتنا عنه‪ ،‬فانظر في نسخه لنا‪ ،‬ثم قال لبقي‪ :‬انشر‬
‫علمك‪ ،‬وارو ما عندك‪ ،‬ونهاهم أن يتعرضوا له‪.‬‬
‫ابن قتيبه‪ :‬اتهمه سبط ابن الجوزي بأنه يميل إلى التشبيه‪ ،‬وأن كلمه يدل‬
‫عليه‪ ،‬وأنه يرى رأي الكرامية‪.‬‬
‫قال عنه شيخ السلم‪":‬ابن قتيبة من أهل السنة‪ ...‬وهو من المنتسبين إلى‬
‫أحمد وإسحاق والمنتصرين لمذاهب السنة المشهورة‪ ،‬وله في ذلك مصنفات‬
‫متعددة‪ .‬قال فيه صاحب التحديث بمناقب أهل الحديث‪ :‬هو أحد أعلم الئمة‬
‫والعلماء الفضلء‪ ،‬أجودهم تصنيفا ً وأحسنهم ترصيفًا‪ ...‬وكان أهل المغرب‬
‫يعظمونه ويقولون‪ :‬من استجاز الوقيعة في ابن قتيبة يتهم بالزندقة‪،‬‬
‫ويقولون‪ :‬كل بيت ليس فيه شيء من تصنيفه فل خير فيه‪ ،‬قلت ‪-‬أي شيخ‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم‪ :-‬ويقال هو لهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة‪ ،‬فإنه خطيب السنة‪،‬‬
‫كما أن الجاحظ خطيب المعتزلة" ‪.‬‬
‫هذه هي حال ابن قتيبة كما حكى شيخ السلم ومع ذلك يتهمه سبط ابن‬
‫الجوزي في عقيدته بالتشبيه وبأنه يرى رأي الكرامية‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫محمد بن الفضل‪ :‬قال السلمي في محن الصوفية‪ :‬لما تكلم محمد بن‬
‫الفضل ببلخ في فهم القرآن وأحوال الئمة‪ ،‬أنكر عليه فقهاء بلخ‪ ،‬وقالوا‪:‬‬
‫مبتدع‪ ،‬وإنما ذاك بسبب اعتقاده مذهب أهل الحديث‪.‬‬
‫المام البربهاري‪ :‬قال أبو الحسين الفراء‪ :‬كان للبربهاري مجاهدات ومقامات‬
‫في الدين‪ ،‬وكان المخالفون يغلظون قلب السلطان عليه‪ ،‬ففي سنة إحدى‬
‫وعشرين )وثلث مائة( أرادوا حبسه فاختفى‪ ،‬وأخذ كبار أصحابه‪ ،‬وحملوا إلى‬
‫البصرة‪ ،‬فعاقب الله الوزير ابن مقلة‪ ،‬وأعاد الله البربهاري إلى حشمته‬
‫وزادت‪ ،‬وكثر أصحابه‪ ،‬فبلغنا أنه اجتاز الجانب الغربي‪ ،‬فعطس فشمته‬
‫أصحابه‪ ،‬فارتفعت ضجتهم‪ ،‬حتى سمعها الخليفة‪ ،‬فأخبر بالحال فاستهولها‪ ،‬ثم‬
‫لم تزل المبتدعة توحش قلب الراضي حتى نودي في بغداد‪ :‬ل يجتمع اثنان‬
‫من أصحاب البربهاري؛ فاختفى وتوفي مستترا ً في رجب سنة ثمان وعشرين‬
‫وثلث مائة‪.‬‬
‫أبو عثمان المغربي‪ :‬ومنهم أيضا ً أبو عثمان المغربي قال عنه الذهبي ‪:‬المام‬
‫لم المغربي القيرواني نزيل‬ ‫القدوة شيخ الصوفية أبو عثمان سعيد بن س ّ‬
‫نيسابور‪.‬‬
‫قال السلمي‪ :‬كان أوحد المشايخ في طريقته‪ ،‬لم نر مثل في علو الحال‬
‫وصون الوقت‪ ،‬امتحن بسبب زور نسب إليه‪ ،‬حتى ضرب وشهر على جمل‬
‫ففارق الحرم ‪.‬‬
‫الخطيب البغدادي‪ :‬قال محمد بن طاهر‪ :‬حدثنا مكي بن عبدالسلم الرميلي‪،‬‬
‫قال‪ :‬كان سبب خروج الخطيب من دمشق إلى صور‪ ،‬أنه كان يختلف إليه‬
‫صبي مليح‪ ،‬فتكلم الناس في ذلك‪ ،‬وكان أمير البلد رافضيا ً متعصبًا‪ ،‬فبلغته‬
‫القصة‪ ،‬فجعل ذلك سببا ً إلى الفتك به‪ ،‬فأمر صاحب شرطته أن يأخذ‬
‫الخطيب بالليل فيقتله‪ ،‬وكان صاحب الشرطة سنيًا‪ ،‬فقصده تلك الليلة في‬
‫جماعة ولم يمكنه أن يخالف المير‪ ،‬فأخذه وقال‪ :‬قد أمرت فيك بكذا وكذا‪،‬‬
‫ول أجد لك حيلة إل أني أعبر بك عند دار الشريف ابن أبي الجن‪ ،‬فإذا حاذيت‬
‫الدار اقفز وادخل فإني ل أطلبك‪ ،‬وأرجع إلى المير فأخبره بالقصة‪ ،‬ففعل‬
‫ذلك‪ ،‬ودخل دار الشريف ابن أبي الحسن‪ ،‬فأرسل المير إلى الشريف أن‬
‫يبعث به‪ ،‬فقال‪ :‬أيها المير‪ ،‬أنت تعرف اعتقادي فيه وفي أمثاله‪ ،‬وليس في‬
‫قتله مصلحة‪ ،‬هذا مشهور بالعراق‪ ،‬إن قتلته قتل به جماعة من الشيعة‬
‫وخربت المشاهد‪ ،‬قال‪ :‬فما ترى؟ قال‪ :‬أرى أن ينزح من بلدك‪ ،‬فأمر‬
‫بإخراجه‪ ،‬فراح إلى صور وبقي فيها مدة ‪.‬‬
‫وقال أبو القاسم بن عساكر‪ :‬سعى بالخطيب حسين بن علي الدمنشي إلى‬
‫أمير الجيوش‪ ،‬فقال‪ :‬هو ناصبي يروي فضائل الصحابة وفضائل العباس في‬
‫الجامع‪.‬‬
‫وليست هذه التهمة نهاية ما تعرض له الخطيب من التهم فمن عجائب ذلك‬
‫ما اتهمه به النخشبي فقال في معجم شيوخه ومنهم أبو بكر أحمد بن علي‬
‫بن ثابت الخطيب‪ ...‬حافظ فهم ولكنه كان يتهم بشرب الخمر‪ ،‬كنت كلما‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقيته بدأني بالسلم‪ ،‬فلقيته في بعض اليام فلم يسلم علي‪ ،‬ولقيته شبه‬
‫المتغير‪ ،‬فلما جاز عني لحقني بعض أصحابنا‪ ،‬وقال لي‪ :‬لقيت أبابكر الخطيب‬
‫سكران! فقلت له قد لقيته متغيرا ً واستنكرت حاله‪ ،‬ولم أعلم أنه سكران‪.‬‬
‫قال ابن السمعاني‪ :‬ولم يذكر من الخطيب رحمه الله هذا إل النخشبي مع‬
‫أني لحقت جماعة كثيرة من أصحابه‪.‬‬
‫الشاطبي‪ :‬يقول عن نفسه مصورا ً ما اتهم به‪ :‬فتارة نسبت إلى القول بأن‬
‫الدعاء ل ينفع ول فائدة فيه؛ كما يعزي إلى بعض الناس؛ بسبب أني لم ألتزم‬
‫الدعاء بهيئة الجتماع في أدبار الصلة حالة المامة‪ ،‬وسيأتي ما في ذلك من‬
‫المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء ‪-‬وذلك أن هذه البدعة قد انتشرت‬
‫ل فأنكر المام‬‫عند الناس كانوا يلتزمون أن يدعو الناس بعد الصلة بصوت عا ٍ‬
‫الشاطبي هذه البدعة لنها لم تكن واردة عن سلف المة فاتهموه بأنه يرى‬
‫أن الدعاء أي أن دعاء الله عز وجل ل ينفع‪ -‬ثم قال ‪:‬وتارة نسبت إلى الرفض‬
‫وبغض الصحابة ‪-‬رضي الله عنهم ‪ -‬بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء‬
‫الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص‪ ،‬إذ لم يكن ذلك من شأن السلف‬
‫في خطبهم‪ ،‬ولذكره أحد من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب‪ .‬وتارة‬
‫ى إل من عدم‬ ‫أضيف إلي القول بجواز القيام على الئمة‪ ،‬وما أضافوه إل ّ‬
‫ذكرهم في الخطبة‪ ،‬وذكرهم فيها محدث لم يكن عليه من تقدم‪.‬ثم ذكر‬
‫جوانب أخرى اتهم فيها رحمه الله‪.‬‬
‫ابن الجوزي‪ :‬قال الذهبي‪ :‬وقد نالته محنة في أواخر عمره‪ ،‬وشوا به إلى‬
‫الخليفة الناصر عنه بأمر اختلف في حقيقته‪.‬‬
‫شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬فقد امتحن وابتلي في عقيدته فاتهم بأنه ينتقص‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين حين أفتى بتحريم شد الرجال إلى‬
‫زيارة القبور وأصابه في ذلك ما أصابه ‪.‬‬
‫واتهم أيضا ً ‪-‬حين أفتى في مسألة الطلق‪ -‬بخروجه عن إجماع الئمة الربعة‬
‫وشذوذه‪ ،‬واتهم في عقيدته حين صنف العقيدة الواسطية وعقدوا له مجالس‬
‫للمناظرة حكى أجزاء منها وهي موجودة في كتابه الفتاوى‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫محمد بن عبد الوهاب‪ :‬اتهم بتهم كثيرة‪ ،‬منها أنه ينطبق عليه قول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم حين قال ‪ " :‬اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قالوا‬
‫يارسول الله وفي نجدنا قال ‪ :‬اللهم بارك لنا في شامنا‪ ،‬ثم قال الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬نجد يطلع منها قرن الشيطان" قالوا ‪ :‬أن المقصود‬
‫نجد التي خرج فيها محمد بن عبد الوهاب‪.‬‬
‫والمقصود ينجد هذه بلد العراق حيث أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى‬
‫المشرق‪ ،‬وقال حيث يطلع قرن الشيطان وذلك أن العراق في جهة المشرق‬
‫وفعل ً منها الفتن والزلزل فالكثير من الفتن التي مرت بالمة إنما جاءت من‬
‫هناك ‪.‬‬
‫واتهم ببغض النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وأنه كان ينهى عن الصلة عليه‪،‬‬
‫واتهم بأنه صاحب مذهب خامس‪.‬‬
‫الخلصة‪ :‬الحديث حول هذه القضية حديث يطول لكن هذه هي صورة من‬
‫صور البتلء التي يتعرض لها المصلحون وذلك لسباب وعوامل منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬أن هؤلء المصلحين لبد أن يأتوا الناس بأمر لم يعهدوه‪ ،‬وإل ما معنى‬
‫الصلح؟ معنى الصلح أن يقول المصلح للناس إنكم تفعلون أمرا ً محرما‪ ،‬أو‬
‫ً‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تتركون واجبًا؛ فيصعب على الناس ويشق عليهم أن يتركوا ما ألفوه وما‬
‫اعتادوه؛ فيلجؤون إلى اتهامه في دينه ليبرروا موقفهم‪.‬‬
‫‪ – 2‬قد يدفع لذلك الحسد حين يكتب للمصلح شهرة حسنة وقبول لدى‬
‫الناس‪ ،‬وأكثر ما يقع ذلك من القران‪ ،‬وكما قيل‪ :‬حسدوا الفتى إذ لم ينالوا‬
‫سعيه‪.‬‬
‫وحينئذ يتلقف الشبة والتهام من كان في قلبه هوى‪ ،‬ومن كان يحمل‬
‫الستعداد من الداخل لن يسئ الظن بإخوانه المسلمين ‪.‬‬
‫أما الذين تربوا بتربية القرآن فيحكمهم قول الله عز وجل )لول إذ سمعتموه‬
‫ظن المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خيرًا( ‪) .‬فلول إذ سمعتموه قلتم ما يكون‬
‫لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم(‪.‬‬
‫ومما يلحظ في هذه المواقف أن هؤلء المبطلين ل بد أن يزينوا باطلهم‪ ،‬ول‬
‫بد أن يلبسوه لباسا ً يقبله الناس؛ لهذا فهم يخرجون القضية كما يقال إخراجا ً‬
‫مقبول؛ ذلك أنهم يستغلون موقفا ً وقع فيه أولئك يمكن أن يصدقهم فيه‬
‫الناس حين يتهمونهم‪ ،‬فموسى اتهم بالعيب في بدنه حين اغتسل بعيدا ً عن‬
‫قومه‪ ،‬ومريم اتهمت بالسوء لما جاءت تحمل معها الغلم‪.‬‬
‫ولما جاءت عائشة رضي الله عنها مع صفوان قال ذاك الرجل الفاجر كلمة‬
‫واحدة سارت بعد ذلك ‪ :‬امرأة نبيكم باتت مع رجل جاء بها يقودها فو الله ل‬
‫نجت منه ول نجا منها ? فسارت هذه الفرية ‪.‬‬
‫والمقصود أنها سنة الله تبارك وتعالى سنة الله أن يكون الصراع بين أهل‬
‫الحق وأهل الباطل‪ ،‬وسنة الله أن يبتلي المصلحون؛ ولهذا فينبغي للمسلم‬
‫أن ل يستجيب لما يسمع خاصة عن أهل العلم والمصلحين‪.‬‬
‫ً‬
‫أسأل الله عز وجل أن يقيض لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ناصرا ومعينا؛‬
‫إنه سميع مجيب هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد‪ ،‬وسبحانك اللهم‬
‫وبحمدك أشهد أن ل إله إل أنت أستغفرك وأتوب إليك ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫اجتماع أهل القبلة‪...‬دعوة للحياء‬


‫حسن عبد الحميد*‬
‫التفكير في المشاريع الكبرى‪ ،‬والفكار الرائدة في ساعات العسرة والضيق‬
‫يختلف عن التقرير في ذات المور في ساعات الرخاء‪ ،‬والسعة‪ ،‬والستقرار‪..‬‬
‫وإذا كانت الحاجة أم الختراع فإن الضرورة عند الفقهاء تبيح أمورا ل تباح في‬
‫غير أوقات الضرورة؛ لذلك نستغرب كثيرا ‪ -‬والعدو يقف على البواب ‪ -‬من‬
‫أنماط التفكير لدى البعض‪ ،‬ونزعات التنظير لدى البعض الخر عندما يتعلق‬
‫المر بموضوع كموضوع الوحدة السلمية في البلد الواحد لمواجهة أخطار‬
‫يتفق الجميع على تشخيصها وضررها على مجمل أوضاع المسلمين في هذا‬
‫البلد‪.‬‬
‫ومشروع اجتماع أهل القبلة الذي برز إلى الوجود في أكتوبر من العام‬
‫‪2004‬م كان من المشاريع الرائدة التي تنادي بالحد الدنى من التفاق بين‬
‫المسلمين‪ :‬حاكمين ومحكومين‪ ،‬سلفيين وصوفية‪ ،‬أهل السياسة والجهاد‪،‬‬
‫وأصحاب العلم والتربية‪ ،‬وهكذا مضت المور بسلسة بين مختلف هذه‬
‫دما بالمشروع إلى نهاياته‪ ،‬وفعل تمت تلوة‬‫التيارات التي تجاوبت للمضي قُ ُ‬
‫البيان التأسيسي في احتفال مهيب ضم ممثلين لكل هذه التيارات‪ ،‬وكان من‬
‫أهداف هذا التجمع‪:‬‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫* اجتماع فئات المسلمين إزاء التحديات الكبرى‪ ،‬والتناصر والتعاون فيما‬


‫بينهم‪ ،‬والتصدي للمخاطر الشاخصة التي تهدد أصول السلم‪ ،‬ووحدة البلد‪،‬‬
‫وتماسك المجتمع؛ مثل ما يحدث الن في دارفور‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫* التقليل من الحتكاك الداخلي‪ ،‬والتنازع بين فئات المسلمين في ذاتها‪.‬‬
‫* بذل النصح إلى السلطان بالوسائل الشرعية‪.‬‬
‫* التوافق على وحدة المواقف الشرعية في الحوادث‪ ،‬والنوازل في إطار‬
‫الضوابط الشرعية‪.‬‬
‫* تحديد قضايا التفاق‪ ،‬والبناء عليها‪ ،‬وقضايا الختلف‪ ،‬ومواصلة الحوار‬
‫حولها‪.‬‬
‫* التواضع على ترتيب الضرورات‪ ،‬واتخاذها دليل على أولويات العمل‪،‬‬
‫والعمل على توظيف الطاقات والموارد في البرامج المشتركة‪.‬‬
‫* سعة الصف‪ ،‬ودقة التنظيم‪ ،‬وشموله‪ ..‬ويقتضي ذلك التوافق أول‪ :‬على من‬
‫يدعى ليلتحق بهذا العمل؛ آخذين في العتبار أن سعة الصف‪ ،‬وكثرة السواد‬
‫أبلغ للغاية إن توفرت لها القيادة الحكيمة الحازمة‪.‬‬
‫ولكن منذ البداية وقف البعض موقف المتحفظ على هذا التجمع؛ بحجة أنه‬
‫يضم هذا التيار‪ ،‬أو ذاك من طوائف المسلمين‪ ..‬والبعض مضى خطوة أو‬
‫ما لم تمضي المور على ما يشتهي‪ ..‬ولكن المور مضت‬ ‫خطوتين‪ ،‬ثم غادر ل ّ‬
‫إلى لحظات تلوة البيان التأسيسي‪ ،‬ولم تبقَ إل الخطوة العملية المتمثلة في‬
‫تكوين مجلس للتنسيق؛ يقود العمل التنفيذي لهذا الجتماع‪ ،‬ويخطط‬
‫لمشاريع هذا التجمع‪ ..‬وفجأة وقف المشروع عند هذا الحد؛ ولم تفلح‬
‫المحاولت التي ُبذلت للمواصلة!!‪..‬‬
‫ولدي يقين قوى بأن البعض قد ألقى بهذا التجمع في )غيابت الجب(؛ حتى‬
‫يخلو لهم وجه أبيهم‪ ..‬وأسأل الله تعالى أن يقيض له بعض )السيارة( الذين‬
‫يمضون به إلى آفاق )التمكين(؛ متجاوزين به فتنة بعض سكان )القصور(!!‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫سَرة الفوت‬‫ح ْ‬
‫كرة الموت مع َ‬‫س ْ‬
‫اجتماع َ‬
‫الشيخ المين الحاج محمد أحمد*‬
‫الحمد لله الذي كتب الموت على كل حي‪ ،‬ولم يستثن منهم أحب خلقه‬
‫وعباده إليه‪ ،‬بل أذاقه رسله وأنبياءه‪ ،‬بل وأصفى أصفيائه وأحب أحبائه محمدا ً‬
‫صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم‪ ،‬فقال عز من قائل‪) :‬إنك ميت‬
‫ت فهم‬ ‫وإنهم ميتون( ‪ ،‬وقال‪ ) :‬وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن م ّ‬
‫الخالدون(‪) .‬كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا‬
‫ترجعون( ‪ ،‬وقال‪) :‬وما محمد إل رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات‬
‫ح فيما يرويه رسول الله صلى الله عليه‬ ‫أوقتل انقلبتم على أعقابكم(‪ ،‬وص ّ‬
‫وسلم عن ربه‪)) :‬وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض نفس‬
‫عبدي المؤمن‪ ،‬يكره الموت وأكره مساءته‪ ،‬ولبد منه((‪].‬رواه البخاري[‬
‫وبعد‪..‬‬
‫جاء في تفسير قوله تعالى‪) :‬والتفت الساق بالساق(‪ ،‬كما قال الحافظ ابن‬
‫رجب الحنبلي رحمه الله عن كثير من السلف‪" :‬أن المراد بذلك اجتماع‬
‫سكرة الموت مع حسرة الفوت"؛ فل يسأل عن سوء حاله‪ ،‬ول رداءة مآله‪.‬‬
‫فالسعيد من طاب للموت وطاب له الموت‪ ،‬فجعل يشتاق إلى لقاء ربه‬
‫لستعداده لذلك‪ ،‬وتوقعه لما هنالك‪ ،‬والشقي من اجتمعت عليه الحسرتان‪،‬‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتطابقت عليه الشدتان‪ ،‬واستبان له الخسران‪ ،‬وواجه مغبة التسويف‪،‬‬


‫والمماطلة‪ ،‬والنسيان‪.‬‬
‫اعلم أخي الكريم أن للموت سكرات وأي سكرات؟! قال تعالى‪) :‬وجاءت‬
‫سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد(؛ وصح عنه صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه قال‪)) :‬إن للموت سكرات((؛ وروي‪" :‬إن الموت أشد من ضرب‬
‫بالسيوف‪ ،‬ونشر بالمناشير‪ ،‬وقرض بالمقاريض"؛ ولهذا قال عيسى عليه‬
‫ون عليكم هذه السكرة"‪ ،‬وقال‬ ‫السلم‪" :‬يا معشر الحواريين ادعوا الله أن يه ّ‬
‫ً‬
‫لحوارييه‪" :‬ادعوا الله أن يخفف عني الموت‪ ،‬فقد خفت الموت خوفا أوقفني‬
‫مخافة الموت على الموت"؛ وروي عنه أنه لما قبض إبراهيم عليه السلم‬
‫سلى؛‬ ‫ت الموت؟ قال‪ :‬يارب‪ ،‬كأن نفسي تنزع بال ّ‬ ‫قال له عز وجل‪" :‬كيف وجد َ‬
‫فقال‪ :‬هذا وقد هونا عليك الموت"؛ وقال لموسى‪" :‬كيف وجدت طعم‬
‫الموت؟ قال‪ :‬وجدته كسفود أدخل في صوف فاجتذب؛ قال‪ :‬هذا وقد هونا‬
‫عليك الموت"‪.‬‬
‫إذا كانت هذه حال أولي العزم عند الموت‪ ،‬وقد هونه الله عليهم‪ ،‬فكيف‬
‫تكون حالنا نحن يا ترى؟!‬
‫إن كنا نحن أبناء الموتى‪ ،‬وأن الله نعى إلينا نبينا صلى الله عليه وسلم ونعانا‬
‫إلى أنفسنا‪ ،‬فما منا من أحد إل وهو يحمل أصل شهادة وفاته‪ ،‬وما يستخرج‬
‫له من شهادة بعد وفاته إن هي إل صورة من تلك الشهادة‪" :‬إنك ميت وإنهم‬
‫ميتون"‪" ،‬كل نفس ذائقة الموت"‪ ،‬التي هي توقيع بخراب الدنيا‪ ،‬كما قال‬
‫د‪،‬‬
‫ن تغ ّ‬ ‫ل أخاه وقد وجده يتغدى‪ ،‬فقال‪ :‬اد ُ‬ ‫ل لرج ٍ‬ ‫الحافظ ابن الجوزي؛ نعى رج ٌ‬
‫ي أخي من قبل؛ فتعجب الرجل‪ ،‬من نعاه إليه وهو أول قادم؟‬ ‫ي إل ّ‬
‫فقد ن ُعِ َ‬
‫فتلى عليه‪) :‬إنك ميت وإنهم ميتون(؛ وأرواحنا عارية في أجسادنا‪ ،‬ولبد‬
‫لصاحب العارية من ردها وقبضها‪.‬‬
‫لهذا علينا أن نكثر من ذكر هادم اللذات‪ ،‬ومفرق الجماعات‪ ،‬وميتم البنين‬
‫والبنات‪ ،‬ومؤيم الزواج والزوجات‪ ،‬ومنغص العيشات‪ ،‬وعلينا أن نستعد له‬
‫بتجديد التوبات‪ ،‬والحرص على الطاعات‪ ،‬والبعد عن المحرمات‪ ،‬والستعداد‬
‫للممات‪ ،‬والحذر من اجتماع الحسرات‪ ،‬والنغماس في الشهوات‪ ،‬واغتنام‬
‫الفرص‪ ،‬والستفادة من الوقات‪.‬‬
‫ألم تعلم أخي الكريم أن إسرافيل ملتقم بوقه للنفخة الولى قبل حين؟ وأن‬
‫الساعة كادت أن تسبق بعثة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ؟ وأن‬
‫أعمار هذه المة تتراوح بين الستين والسبعين‪ ،‬وقليل من يجاوز ذلك؟ فقد‬
‫ح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‪)) :‬أعمار أمتي بين الستين إلى‬ ‫ص ّ‬
‫السبعين‪ ،‬وقليل من يجاوز ذلك‪ ،‬وقال‪)) :‬أعذر الله إلى من بّلغه ستين من‬
‫عمره‪ ،‬وروي عنه أنه قال‪)) :‬معترك المنايا بين الستين إلى السبعين((‪ ،‬وفي‬
‫حديث آخر‪)) :‬إن لكل شيء حصادًا‪ ،‬وحصاد أمتي ما بين الستين إلى‬
‫السبعين((‪ ،‬وفي هذا المعترك ُقبض النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال سفيان‬
‫الثوري‪ :‬من بلغ سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليتخذ لنفسه كفنًا‪.‬‬
‫قال الفضيل بن عياض رحمه الله لرجل‪ :‬كم أتى عليك؟ قال‪ :‬ستون سنة؛‬
‫قال له‪ :‬أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك‪ ،‬يوشك أن تبلغ؛ فقال الرجل‪ :‬إنا‬
‫لله وإنا إليه راجعون؛ فقال الفضيل‪ :‬من علم أنه لله عبد‪ ،‬وأنه إليه راجع‪،‬‬
‫فليعلم أنه موقوف‪ ،‬وأنه مسؤول‪ ،‬فليعد للمسألة جوابًا؛ فقال الرجل‪ :‬ما‬
‫الحيلة؟ قال‪ :‬يسيرة؛ قال‪ :‬ما هي؟ قال‪ :‬تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى‪،‬‬
‫ت بما مضى وبقي‪.‬‬ ‫ت فيما بقي أخذ َ‬‫فإنك إن أسأ َ‬
‫وأنت أخي الشاب‪ ،‬ل تأمن مكر الله‪ ،‬ولتأمن الموت‪ ،‬ول تظن أنك في أمان‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ح‬
‫منه‪ ،‬فقد يموت الصغير‪ ،‬ويعمر الشيخ الكبير‪ ،‬ويهلك الصحيح‪ ،‬ويص ّ‬
‫ت؟ وكم من عروس‬ ‫ت‪ ،‬وشاب وشابة واري َ‬‫المريض؛ فكم من صغير دفن َ‬
‫ت؟ فقد مات أبناء وبنات رسول الله صلى الله‬ ‫ت؟ وشيخ عجوز عاصر َ‬ ‫قبر َ‬
‫عليه وسلم كلهم قبله إل فاطمة‪ ،‬ومات عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز‬
‫قبله‪،‬ـ هذا على سبيل المثال ل الحصرـ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ولله در المام أبي إسحاق اللبيري‪ ،‬حيث قال يعظ ابنه أبا بكر‪ ،‬ويحثه‬
‫ويحضه على طلب العلم‪ ،‬والستعداد للدار الخرة‪ ،‬في قصيدته التي مطلعها‪:‬‬
‫قال مذكرا ً ابنه أن الموت ليس قاصرا ً على الكبار دون الصغار‪:‬‬
‫كان آخر خطبة خطبها العبد الصالح‪ ،‬والمام العادل‪ ،‬والخليفة الراشد‪ ،‬عمر‬
‫بن عبد العزيز رحمه الله‪ ،‬أن قال فيها‪" :‬إنكم لم ُتخلقوا عبثًا‪ ،‬ولن ُتتركوا‬
‫سدى‪ ،‬وإن لكم معادا ً ينزل الله فيه للفصل بين عباده‪ ،‬فقد خاب وخسر من‬
‫حرم جنة عرضها السموات‬ ‫خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء‪ ،‬و ُ‬
‫والرض‪ ،‬أل ترون أنكم في أسلب الهالكين‪ ،‬وسيرثها بعدكم الباقون‪ ،‬كذلك‬
‫حتى ترد إلى خير الوارثين‪ ،‬وفي كل يوم تشيعون غاديا ً ورائحا ً إلى الله‪ ،‬قد‬
‫قضى نحبه‪ ،‬وانقضى أجله‪ ،‬فتودعونه‪ ،‬وتدعونه في صدع من الرض‪ ،‬غير‬
‫موسد ول ممهد‪ ،‬قد خلع السباب‪ ،‬وفارق الحباب‪ ،‬وسكن التراب‪ ،‬وواجه‬
‫الحساب‪ ،‬غنيا ً عما خلف‪ ،‬فقيرا ً عما أسلف‪ ،‬فاتقوا الله عباد الله قبل نزول‬
‫الموت‪ ،‬وانقضاء مواقيته‪ ،‬وإني لقول لكم هذه المقالة‪ ،‬وما أعلم عند أحد‬
‫من الذنوب أكثر مما أعلم عندي‪ ،‬ولكن أستغفر الله وأتوب إليه؛ ثم رفع‬
‫طرف ردائه‪ ،‬وبكى حتى شهق‪ ،‬ثم نزل‪ ،‬فما عاد إلى المنبر بعدها حتى مات‬
‫رحمة الله عليه"‪.‬‬
‫فالحذر الحذر أخي الكريم من الغفلة وطول المل‪ ،‬وحب الدنيا‪ ،‬وكراهية‬
‫الموت‪ ،‬فهذه أدواء مضلة‪ ،‬وأمراض مذلة‪ ،‬وأماني مخلة‪.‬‬
‫فالعاقل من دان نفسه وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز من أتبع نفسه هواها‬
‫وتمنى على الله الماني‪ ،‬واعلم أن اليمان ما وقر في القلب وصدقه العمل‪،‬‬
‫واحرص أن ل يكون يقينك بوعد الله وبالمغيبات شبيها ً بالشك‪ ،‬سيما الموت‪.‬‬
‫قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله‪" :‬لم أر يقينا ً أشبه بالشك كيقين الناس‬
‫بالموت‪ ،‬موقنون أنه حق‪ ،‬ولكن ل يعملون له"؛ فمن كد وجد‪ ،‬ومن زرع‬
‫حصد‪ ،‬ومن اجتهد نجح‪ ،‬ومن عمل أفلح‪.‬‬
‫واعلم أن دوام الحال من المحال‪ ،‬فاليوم في الدور وغدا ً في القبور‪ ،‬واتق‬
‫ليلة فجرها يوم القيامة‪ ،‬واعمل لدار السلمة‪ ،‬ول تعجز فتكون في دار‬
‫الندامة‪ ،‬فليس هناك إل داران‪.‬‬
‫قال القحطاني رحمه الله في نونيته‪:‬‬
‫فكن أخي الكريم من الكّيسين‪ ،‬عباد الله الفطنين‪ ،‬ول تكن من المغرورين‬
‫المخدوعين‪:‬‬
‫ً‬
‫أقول كل هذا ول أعلم أحدا عنده من الذنوب‪ ،‬وعليه من الوزر‪ ،‬ويحمل من‬
‫التقصير‪ ،‬والتفريط‪ ،‬والتسويف أكثر مني‪ ،‬ولكن أستغفر الله وأتوب إليه‪ ،‬فإنه‬
‫أهل التقوى وأهل المغفرة‪.‬‬
‫وأخيرا ً أقول كفى بالقرآن مذكرًا‪ ،‬وبالرسول صلى الله عليه وسلم مبشرا ً‬
‫ومنذرًا‪ ،‬وبالموت واعظًا‪ ،‬وبالدهر مفرقًا‪.‬‬
‫اللهم يسرنا لليسرى‪ ،‬وانفعنا بالذكرى‪ ،‬واجعلنا ممن يخشاك في السر‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ت‬‫ت له بالحسنى‪ ،‬وجعل َ‬ ‫والنجوى‪ ،‬وممن يتقيك حق التقوى‪ ،‬وممن ختم َ‬


‫عاقبته الفردوس العلى‪ ،‬وألحقت بهم أزواجهم‪ ،‬وذرياتهم‪ ،‬وذويهم‪ ،‬وأحبابهم‪،‬‬
‫في الجنات العلى‪ ،‬وصلى الله وسلم وبارك على الرحمة المهداة‪ ،‬والنعمة‬
‫المسداة‪ ،‬والسراج المنير‪ ،‬محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه السادات النجباء‪،‬‬
‫والكرام الفضلء‪ ،‬ما أقلت أرض وأظلت سماء‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫سلف في طلب العلم‬ ‫اجتهاد ال ّ‬


‫ولقد بلغ من حرصهم على الطلب الشيء العجيب ‪ ,‬حتى هجروا الوطان‬ ‫ّ‬
‫وفارقوا الهل والخلن في ط َِلب العلم ‪.‬‬
‫مط ُْلوًبا ‪(1 ).‬‬ ‫طالًبا فعززت َ‬ ‫ت َ‬ ‫ل ابن عباس ‪ :‬ذ َل َل ْ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ديًثا فاستفهمته ‪ ,‬فلقد كنت آتي باب أبي بن‬ ‫ح ِ‬ ‫حد ٌ َقط َ‬ ‫حد ّث َِني أ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ضا ‪َ :‬‬ ‫وقال أي ً‬
‫َ‬
‫كعب وهو نائم ‪ ,‬فأقيل على بابه ‪ ,‬ولو علم بمكاني لحب أن ُيوقَظ لي ؛‬
‫لمكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ,‬ولكني أكره أن أمله ‪( 2).‬‬
‫ن‬‫ل لي ابن شهاب ‪ :‬يا يونس ! ل تكابر العِْلم ‪ ,‬فَإ ِ ّ‬ ‫ن يزيد ‪َ :‬قا َ‬ ‫س بْ ُ‬ ‫ل ُيون ُ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫ك قَب ْ َ‬ ‫العلم أودية ‪ ,‬فأيها أخذت فيه قَط َعَ ب ِ َ‬
‫معَ اليام ِ‬ ‫خذ ْه ُ َ‬ ‫ن تبلغه ‪ ,‬ولكن ُ‬ ‫لأ ْ‬
‫مَلة ‪,‬‬ ‫َ‬
‫ج ْ‬ ‫مَلة ذهب عنه ُ‬ ‫ج ْ‬ ‫خذ َه ُ ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ن َرا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مَلة ؛ فَإ ِ ّ‬ ‫ج ْ‬ ‫م ُ‬ ‫والّليالي ‪ ,‬ول تأخذ العِل ْ َ‬
‫معَ الّلياِلي َوالَيام ِ ‪( 3).‬‬ ‫َ‬
‫شيِء َ‬ ‫شيَء ب َعْد َ ال ّ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ول َك ِ ّ‬
‫َ‬
‫وقام رجل إلى ابن المبارك فقال ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن في أيّ شيء أجعل‬
‫ل يومي في تعل ّم ِ القرآن ‪ ,‬أو في طلب العلم ‪ ,‬فقال ‪ :‬هل تقرأ من‬ ‫ض َ‬ ‫فَ ْ‬
‫ب العِل ْم ِ اّلذي‬ ‫ه ِفي ط َل َ ِ‬ ‫جعَل ْ ُ‬‫ل ‪َ :‬فا ْ‬ ‫م ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ل ‪ :‬ن َعَ ْ‬ ‫م به صلتك ‪َ ,‬قا َ‬ ‫قي ُ‬ ‫القرآن ما ت ُ ِ‬
‫قْرآن‪( 4).‬‬ ‫ف ب ِهِ ال ُ‬ ‫ي ُعَْر ُ‬
‫ه‬
‫ض ِ‬ ‫مَر ِ‬ ‫ن الّثوري في َ‬ ‫فيا َ‬ ‫س ْ‬ ‫خلوا عَلى ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ‪ :‬دَ َ‬ ‫صرة َقا َ‬ ‫وعن فَْرقد إمام مسجد الب َ ْ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ش ِ‬ ‫ت فَِرا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ي َد َه ُ ِإلى ت َ ْ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ه ؛ فَ َ‬ ‫جب َ ُ‬ ‫ث فَأعْ َ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬‫ل بِ َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫دثه َر ُ‬ ‫مات ِفيه ؛ َفح ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ديث ‪ .‬فقالوا له ‪ :‬على هذه الحال منك ؟‬ ‫ك الح ِ‬ ‫ب ذ َل ِ َ‬ ‫ه فَك َت َ َ‬ ‫حا ل َ ُ‬ ‫وا ً‬ ‫ج أل ْ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫فَأ ْ‬
‫حسًنا ‪( 5).‬‬ ‫ت َ‬ ‫قد ْ ك َت َب ْ ُ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫حسًنا ‪ ,‬وَإ ِ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫معْ ُ‬ ‫س ِ‬ ‫قد َ‬ ‫ن ‪ ,‬فَ َ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ه َ‬ ‫فقال ‪ :‬إ ِن ّ ُ‬
‫ذكر القرشي في ) ‪ (6‬ترجمة إبراهيم بن الجراح التميمي مولهم ‪-‬تلميذ أبي‬
‫ما‬ ‫مى عليه ‪ ،‬فل ّ‬ ‫عوده ‪ ،‬فوجدته مغ ً‬ ‫ل‪ :‬أتيته أ َ ُ‬ ‫يوسف وآخر من روى عنه‪َ -‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ج ُ‬ ‫ن ي َْرمَيها الّر ُ‬ ‫مارِ ‪ ،‬أ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫مي ال ْ ِ‬ ‫ل في َر ْ‬ ‫ض ُ‬‫ل لي‪ :‬يا إبراهيم ! أّيهما أفْ َ‬ ‫أفاق َقا َ‬
‫جًل أو َراكًبا؟‬ ‫َرا ِ‬
‫ت!‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أخطأ‬ ‫فقال‪:‬‬ ‫با‪.‬‬ ‫ً‬ ‫راك‬ ‫‪:‬‬ ‫فقلت‬
‫ت!‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أخطأ‬ ‫ل‪:‬‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫يا‪.‬‬ ‫ت ‪ :‬ماش ً‬ ‫قل ُ‬
‫ل ِفيها ‪-‬ي َْرضى الله عنك‪.-‬‬ ‫قلت ‪ :‬قُ ْ‬
‫دعاء ‪ ،‬فالفضل أن يرميه راجًل ‪ ،‬وأما ما كان ل‬ ‫ل ‪ :‬أما ما يوقف عنده لل ّ‬ ‫َقا َ‬
‫يوقف عنده ‪ ،‬فالفضل أن يرميه راكًبا)‪.( 7‬‬
‫ب الحديث منك يا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل أبو حاتم ‪َ :‬قا َ‬ ‫َقا َ‬
‫ص على طل ِ‬ ‫حَر َ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ل لي أبو زرعة ‪ :‬ما رأي ُ‬
‫ن أشبه‬ ‫م ْ‬‫أبا حاتم ! فقلت ‪ :‬إن عبد الرحمن ‪ -‬يعني ولده ‪ -‬لحريص ‪ ,‬فقال ‪َ :‬‬
‫ت عبد الرحمن عن اتفاق‬ ‫ل الّرقام ‪ -‬أحمد بن علي ‪ -‬سأل ُ‬ ‫م ‪َ ,‬قا َ‬ ‫أباه فما ظ َل َ َ‬
‫سماع له وسؤالته من أبيه ‪ ,‬فقال ‪ :‬ربما كان يأكل وأقرأ عليه ‪,‬‬ ‫كثرة ال ّ‬
‫ويمشي وأقرأ عليه ‪ ,‬ويدخل الخلء وأقرأ عليه ‪ ,‬ويدخل البيت في طلب‬
‫ل أباه أبا حاتم‬ ‫سأ َ ُ‬ ‫ل عَِلي بن إبراهيم ‪ :‬وبلغني أنه كان ي َ ْ‬ ‫شيء وأقرأ عليه ‪َ ,‬قا َ‬
‫علم ِ الحديث وغيره ؛ إلى وقت‬ ‫ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫في مرضه الذي توفي فيه عن أشياَء ِ‬
‫م وَ ل ‪( 8).‬‬ ‫َ‬ ‫ذهاب لسانه ‪ ,‬فكان يشير إليه بطرفه ‪ :‬ن َعَ ٌ‬

‫‪208‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضرمي ت )‬ ‫ح ْ‬
‫ض في ) ‪ (9‬في ترجمة مسّرة بن مسلم ال َ‬ ‫وذكر القاضي عيا ٌ‬
‫ضَر ابتدأ القرآن ‪ ،‬فانتهى‬ ‫حت ُ ِ‬ ‫‪- (373‬وكان من أهل العلم والزهد التام‪ -‬أنه لما ا ْ‬
‫ضى( ]طه‪،[84 /‬‬ ‫ب ل ِت َْر َ‬‫ك َر ّ‬ ‫ت إ ِل َي ْ َ‬
‫جل ْ ُ‬‫في "سورة طه" إلى قوله ت ََعاَلى‪) :‬وَعَ ِ‬
‫ففاضت نفسه‪.‬‬
‫ل منهم‬ ‫ل المعافى الن ّهَْرواني ) ‪ :(10‬وحكى لي بعض بني الفرات ‪ ،‬عن رج ٍ‬ ‫َقا َ‬
‫طبري ‪-‬رحمه الله‪ -‬قبل موته ‪ ،‬وتوفي بعد‬ ‫‪ :‬أنه كان بحضرة أبي جعفر ال ّ‬
‫ل منها ‪ ،‬فذ ُك َِر له هذا الدعاء) ‪ ، (11‬عن جعفر بن محمد ‪-‬عليهما‬ ‫ساعة أو أق ّ‬
‫ة فكتبها ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬أفي هذه الحال ؟!‬ ‫السلم‪ -‬فاستدعى محبرة وصحيف ً‬
‫فقال‪ :‬ينبِغي ل ِلنسا َ‬
‫موت ‪.‬اهـ‪.‬‬ ‫حّتى ي َ ُ‬‫س الِعلم ِ َ‬ ‫دع اقْت َِبا َ‬ ‫ن َل ي َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِْ َ ِ‬ ‫ََْ‬
‫شأ ِفي حجر أمه ‪ ,‬فألهمه الله حفظ‬ ‫َ‬ ‫صِغيٌر فَن َ َ‬ ‫َ‬
‫هو َ‬ ‫ت أُبوه وَ ُ‬ ‫ما َ‬
‫خارِيّ ‪َ ,‬‬‫وهذا الب ُ َ‬
‫الحديث وهو في المكتب ‪ ,‬وقرأ الكتب المشهورة وهو ابن ست عشر سنة ؛‬
‫ج وعمره‬ ‫ح ّ‬
‫حتى قيل إنه كان يحفظ وهو صبي سبعين ألف حديث سرًدا ‪ ,‬و َ‬
‫ثماني عشرة سنة ‪ ,‬فأقام بمكة يطلب بها الحديث ؛ ثم رحل بعد ذلك إلى‬
‫سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الّرحلة إليها ‪ ,‬وكتب عن أكثر‬
‫من ألف شيخ ‪ ,‬وروى عنه خلئق وأمم ‪ ,‬وقد روى الخطيب البغدادي عن‬
‫فا ؛ لم‬ ‫حيح من البخاري معي نحو من سبعين أل ً‬ ‫ص ِ‬ ‫ل ‪ :‬سمع ال ّ‬ ‫الفربري أنه َقا َ‬
‫يبق منهم أحد غيري ‪( 12).‬‬
‫ل ‪ :‬كنا مع البخاري بالَبصرة نكتب ‪ ,‬ففقدناه‬ ‫وعن عمر بن حفص الشقر َقا َ‬
‫دراهم‬ ‫ت وهو عُْريان وقد نفد ما عنده ‪ ,‬فجمعنا له ال ّ‬ ‫ما ‪ ,‬ثم وجدناه في بي ٍ‬ ‫أيا ً‬
‫حتى اشترينا له ثوًبا وكسوناه ‪(13 ).‬‬
‫بل ربما تبسط لهم الدنيا بسطا فيسخروها ويطوعوها في طاعة الله سبحانه‬
‫وتعالى ‪.‬‬
‫فهذا يحي بن معين ‪ ,‬كان والده على خراج الّري فمات ‪ ,‬فخلف ليحيى ابنه‬
‫ألف ألف درهم ؛ فانفقه كله على الحديث ‪ ,‬حتى لم يبق له نعل يلبسه ‪).‬‬
‫‪(14‬‬
‫وإذا عجزوا عن إيجاد المال لم يتعنوا في طلب العلم بل طوعوا أشياء مما ل‬
‫طلب ‪.‬‬ ‫يعبأ بها الّناس في ال ّ‬

‫)‪(1 /‬‬
‫َ‬
‫م في‬‫ب العِل ْ َ‬
‫ت أط ْل ُ ُ‬
‫ل ‪ :‬فَك ُن ْ ُ‬‫ل ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ما ٌ‬ ‫شاِفعي رحمه الله لم يكن له َ‬ ‫فهذا ال ّ‬
‫ظهور ‪ -‬أي ظهر الورق المكتوب فيه‬ ‫ديوان استوهب ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫إلى‬ ‫أذهب‬ ‫‪,‬‬ ‫داث َةِ‬
‫الح َ‬
‫‪ -‬أكتب فيها ‪(15 ).‬‬
‫ل الحاكم ‪ :‬وسألت محمد بن الفضل بن محمد عن جده ‪ -‬ابن خزيمة‬ ‫َقا َ‬
‫حيح ‪ -‬فذكر ‪ :‬أنه ل يدخر شيًئا جهده ؛ بل ينفقه على أهل العلم ‪,‬‬ ‫ص ِ‬‫ب ال ّ‬ ‫ح ُ‬ ‫صا ِ‬‫َ‬
‫ة الوزن ‪ ,‬ول يميز بين العشرة والعشرين ‪ ,‬ربما أخذنا‬ ‫ج َ‬
‫سن َْ‬ ‫َ‬ ‫يعرف‬ ‫ل‬ ‫وكان‬
‫منه العشرة ؛ فيتوهم أنها خمسة ‪( 16).‬‬
‫وكانوا ُيكيفون أوضاعهم وأمورهم ؛ حتى ثيابهم لطلب العلم ‪.‬‬
‫ضي ّقٌ ‪ ,‬فقيل له في ذلك‬ ‫م َ‬ ‫سعٌ وَك ُ ّ‬ ‫م َوا ِ‬ ‫سه ‪ :‬كان لبي داود ك ُ ّ‬ ‫ن َدا ّ‬ ‫ل اب ْ ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ج إ ِليه ‪( 17).‬‬ ‫َ‬ ‫حَتا ُ‬‫خُر ل ي ُ ْ‬ ‫ب ‪ ,‬وال َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫سعُ ل ِلكت ْ ِ‬
‫فقال ‪ :‬الوا ِ‬
‫ل ونفيس ‪ ,‬وما‬ ‫ولو نظر الّناظر إلى حالهم في طلب العلم ‪ ,‬وما بذلوه من غا ٍ‬
‫جاب ‪.‬‬ ‫ب العُ َ‬ ‫ج َ‬
‫ب لوجد العَ َ‬ ‫صَعا ٍ‬ ‫وقع لهم من ِ‬
‫خراش الحافظ يقول ‪ :‬شربت‬ ‫خراش ‪ :‬عبد الرحمن بن يوسف بن ِ‬ ‫فهذا ابن ِ‬
‫مّرات ‪ ,‬قلت ‪ -‬أي الخطيب ‪:‬‬ ‫س َ‬‫م َ‬ ‫خ ْ‬ ‫بولي في هذا الشأن ‪ -‬يعني الحديث ‪َ -‬‬

‫‪209‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫طراًرا ؛ عند عدم الماء ‪ -‬والله أعلم ‪(18 ).‬‬ ‫ل ذ َل ِ َ‬ ‫سُبه فَعَ َ‬ ‫َ‬
‫ض ِ‬ ‫فرِ ا ْ‬ ‫س َ‬ ‫ك في ال ّ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫ذل ‪ ,‬ورجعت‬ ‫ل الوخشي يوما ‪ :‬سمعت ‪ ,‬ورحلت ‪ ,‬وقاسيت المشاق ‪ ,‬وال ّ‬ ‫َقا َ‬
‫ش وما عرف أحد قدري ‪ ,‬ول فهم ما حصلته ‪ ,‬فقلت ‪ :‬أموت ول‬ ‫إلى وخ ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سّهل الله ووفق نظام الملك ؛ حتى‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪,‬‬ ‫ي‬ ‫ل‬‫ع‬
‫َََ ّ ُ َ ٌ َ ّ‬
‫ُ‬
‫د‬ ‫ح‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ح‬‫ر‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫ول‬ ‫‪,‬‬ ‫ري‬ ‫شُر ذِك ْ ِ‬ ‫ي َن ْت َ ِ‬
‫دث ‪ ,‬لقد كنت بعسقلن أسمع من ابن‬ ‫ح ّ‬ ‫بني هذه المدرسة فيها حتى أ َ‬
‫ما بل أكل ‪ ,‬فأخذت لكتب‬ ‫ي الّنفقة ‪ ,‬وبقيت أيا ً‬ ‫حح وغيره ‪ ,‬فضاقت عَل َ ّ‬ ‫مص ّ‬
‫كان خباز وقعدت بقربه لشم رائحة الخبز ‪ ,‬وأتقوى‬ ‫فعجزت ‪ ,‬فذهبت إلى د ُ ّ‬
‫بها ثم فتح الله ت ََعاَلى على ‪( 19)0‬‬
‫ة حتى أ َ َ‬
‫ه ؛ فيشتري‬ ‫م ُ‬‫كسُر قَل َ ُ‬ ‫هم ي َن ْ َ‬ ‫حد َ ُ‬‫نأ َ‬ ‫ّ‬ ‫ة عجيب ً َ ّ‬ ‫وقد بلغوا من الحرص درج ً‬
‫ما بدينار ‪.‬‬ ‫قل ً‬
‫فقد انكسر قلم محمد بن سلم البيكندي في مجلس شيٍخ له ‪ ,‬فأمر أن ينادى‬
‫قلم بدينار ‪ ,‬فطارت إليه القلم ‪(20 ).‬‬
‫ل الليث بن سعد ‪ :‬وضع الطست بين يدي ابن شهاب ‪ ,‬فتذكر حديًثا فلم‬ ‫َقا َ‬
‫تزل يده في الطست حتى طلع الفجر ؛ حتى صححه‪(21 ).‬‬
‫عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ‪ ,‬حتى أن كان خادمه‬ ‫ت ُ‬ ‫م ُ‬ ‫خد َ ْ‬ ‫ري ‪َ :‬‬ ‫ل الّزهْ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫غلمك العيمش ‪ -‬فتظن أني‬ ‫ن بالباب ؟ فتقول الجارية ‪ُ :‬‬ ‫م ْ‬ ‫ليخرج فيقول ‪َ :‬‬
‫غلمه ‪ -‬وإن كنت لخدمه حتى لستقي له وضوءه ‪(22 ).‬‬
‫ما‬‫طريقة ‪ ,‬صدوًقا عال ِ ً‬ ‫وكان ابن طاهر أحد الحفاظ ‪ ,‬حسن العتقاد ‪ ,‬جميل ال ّ‬
‫دم في طلب‬ ‫ما للثر يقول ‪ُ :‬بلت ال ّ‬ ‫سقيم ‪ ,‬كثير التصانيف ‪ ,‬لز ً‬ ‫صحيح وال ّ‬ ‫بال ّ‬
‫الحديث مرتين ‪ ,‬مرة ببغداد ‪ ,‬ومرة بمكة ‪ ,‬كنت أمشي حافًيا في الحّر ؛‬
‫فلحقني ذلك ‪ ,‬وما ركبت دابة قط في طلب الحديث ‪ ,‬وكنت أحمل ك ُُتبي‬
‫دا ‪ ,‬كنت أعيش على ما يأتي ‪.‬‬ ‫طلب أح ً‬ ‫على ظهري ‪ ,‬وما سألت في حال ال ّ‬
‫خا ‪ ,‬وكان قادًرا على‬ ‫ما في اليوم والليلة عشرين فرس ً‬ ‫وقيل ‪ :‬كان يمشى دائ ً‬
‫ذلك ‪(23 ).‬‬
‫ب عَّني بأصبهان أول سنة اثنتين وتسعين‬ ‫ُ‬
‫سلفي ‪ :‬وقد كت ِ َ‬ ‫هر ال ّ‬ ‫طا ِ‬ ‫ل أبو َ‬ ‫َقا َ‬
‫وأربع مائة ‪ ,‬وأنا ابن سبع عشرة سنة ‪ ,‬أو أكثر أو أقل بقليل ‪ ,‬وما في وجهي‬
‫شعرة ‪ ,‬كالبخاري رحمه الله ‪ -‬يعني لما ك َت َُبوا عنه ‪.‬‬
‫سلفي ينشد لنفسه‬ ‫ما أبا طاهر ال ّ‬ ‫سخاوي ‪ :‬سمعت يو ً‬ ‫شيخ علم الدين ال ّ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫َقا َ‬
‫ما ‪:‬‬ ‫ما قاله قدي ً‬
‫ث‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ل ‪ii‬ال َ‬ ‫أَنا من أهْ ِ‬
‫خي ُْر ‪ِii‬فئة‬ ‫م َ‬ ‫وَهُ ْ‬
‫جزت ت ِسِعين ‪ii‬وأرَ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ ُ‬
‫ماَئة‬ ‫ن ال ِْ‬ ‫ز‬ ‫جو‬ ‫جو أ َن أ َ‬
‫ْ ُ َ ّ‬ ‫ُ‬
‫قق الله رجاءك ‪ ,‬فعلمت أنه قد جاز المائة ‪ ,‬وذلك في سنة‬ ‫فقيل له ‪ :‬قد ح ّ‬
‫إثنتين وسبعين وخمس مائة ‪( 24).‬‬
‫ة نارٍ في الّتحصيل ‪(25 ).‬‬ ‫سلفي ببغداد كأنه شعل ُ‬ ‫ل ‪ :‬كان ال ّ‬ ‫صر َقا َ‬ ‫وعن ابن َنا ِ‬
‫ففي ترجمة أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي ت )‪- :( 26) (513‬رحمه الله‪ -‬أنه‬
‫شرِ الثمانين )‪( 27‬أشد ّ مما‬ ‫حْرصي على العلم ‪ ،‬وأنا في عَ ْ‬ ‫ل‪ :‬إني لجد ُ من ِ‬ ‫َقا َ‬
‫عشرين سنة ‪.‬‬ ‫ن ِ‬ ‫كنت أجده وأنا اب ُ‬
‫ت عنه‬ ‫دث ُ‬‫ح ّ‬
‫سلْيم بن أيوب الّرازي) ‪ُ : (28‬‬ ‫َ‬ ‫كر في ترجمة الفقيه ُ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل ابن عَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫سه على النفاس ‪ ،‬ل يدع وقًتا يمضي عليه بغير فائدة ‪،‬‬ ‫سب نف َ‬ ‫أنه كان يحا ِ‬
‫خنا أبو الفراج السفراييني‬ ‫ما ينسخ أو ي ُد َّرس أو يقرأ‪ ...‬ولقد حدثني عنه شي ُ‬ ‫إِ ّ‬
‫ريقي ‪.‬‬ ‫َ‬
‫جْزًءا في ط ِ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما إلى داره ورجع ‪ ،‬فقال ‪ :‬قد قرأ ُ‬ ‫أنه ن ََزل يو ً‬‫َ‬
‫قلم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قط ال َ‬ ‫فَتيه إلى أن ي َ ُ‬ ‫َ‬
‫وقال‪ :‬إنه كان ُيحّرك ش َ‬

‫‪210‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي عن ثعلب) ‪ (30‬أنه كان ل ُيفارقه‬ ‫حك َ‬ ‫ل‪ :‬و ُ‬‫سكري) ‪َ (29‬قا َ‬ ‫ل العَ ْ‬
‫وعن أبي هل ٍ‬
‫مقداَر‬ ‫َ‬
‫شَرط عليه أن يوسعَ له ِ‬ ‫ٌ‬
‫ب ي َد ُْرسه ‪ ،‬فإذا دعاه رجل إلى دعوةٍ ‪َ ،‬‬ ‫كتا ٌ‬
‫سوََرةٍ يضعُ فيها كتاًبا ويقرأ ‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫جاِئب الّزمان ‪ ,‬وتندر الخلن ‪ ,‬حتى‬ ‫َ َ‬ ‫ع‬ ‫يكونوا‬ ‫أن‬ ‫إلى‬ ‫الحال‬ ‫بهم‬ ‫وصل‬ ‫ولقد‬
‫سُنون ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫فيها‬ ‫تؤثر‬ ‫ول‬ ‫‪,‬‬ ‫هور‬
‫ُيقرن أحدهم بعجائب الدنيا التي ل تبليها ّ ُ‬
‫د‬ ‫ال‬
‫جائب ‪ :‬النيل ‪ ,‬والهرام ‪ ,‬وسعيد بن‬ ‫ل يحيى بن معين ‪ :‬رأيت بمصر ثلث عَ ِ‬ ‫َقا َ‬
‫ل الذهبي قلت ‪ :‬حسبك أن يحيى إمام المحدثين انبهر لبن‬ ‫عفير)‪َ ,( 31‬قا َ‬ ‫ُ‬
‫عفير ‪(32 ).‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ب‬‫حا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫ما ‪ ,‬فَن َظ ََر الى أ ْ‬ ‫س الّترفقي ‪ :‬خرج علينا سفيان بن عيينة يو ً‬ ‫ل العَْبا ُ‬ ‫َقا َ‬
‫ل مصر ؟ فقالوا ‪ :‬نعم ‪ ,‬فقال ‪ :‬ما فَعَ َ‬
‫ل‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أحد ٌ ِ‬ ‫الحديث ‪ ,‬فقال ‪ :‬أِفيك ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الّرملة ؟‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أحد ٌ ِ‬ ‫فيكم الّليث بن سعد ؟ فقالوا ‪ُ :‬توّفي ‪ ,‬فقال ‪ :‬أِفيك ْ‬
‫ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫مرة بن َرِبيعة الّرملي ؟ قالوا ‪ُ :‬توّفي ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ض ْ‬ ‫فقالوا ‪ :‬نعم ‪ ,‬فقال ‪ :‬ما فعل َ‬
‫ل ‪ :‬ما فعل بقية بن الوليد ؟‬ ‫َ‬
‫مص ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ ,‬قا َ‬ ‫أ َفيك ُم أحد م َ‬
‫ح ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ٌ ِ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫َ‬
‫شق ؟ قالوا ‪ :‬نعم ‪ ,‬قال ‪ :‬ما فعل‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل دِ َ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أحد ٌ ِ‬ ‫قالوا ‪ُ :‬توفي ‪ ,‬قال ‪ :‬أِفيك ْ‬
‫ساِرية ؟ قالوا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل قي ْ َ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م أحد ٌ ِ‬ ‫سِلم ؟ قالوا ‪ُ :‬توفي ‪ ,‬فقال ‪ :‬أِفيك ْ‬ ‫م ْ‬ ‫الوليد بن ُ‬
‫ل‪:‬‬ ‫فْريابي ؟ قالوا ‪ُ :‬توّفي ‪َ ,‬قا َ‬ ‫ِ‬ ‫ال‬ ‫يوسف‬ ‫بن‬ ‫محمد‬ ‫فعل‬ ‫ما‬ ‫‪:‬‬ ‫فقال‬ ‫‪ :‬نعم ‪,‬‬
‫فبكى طويل ‪ ,‬ثم أنشد يقول ‪:‬‬
‫سودٍ‬ ‫م ُ‬‫ت غَي َْر ‪َ ii‬‬ ‫سد ْ ُ‬ ‫ت الد َّياُر فَ ُ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫َ‬
‫سود َِد‪( 33).‬‬ ‫فّرِدي ِبال ّ‬ ‫قاِء ت َ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ل‪ :‬ابتدأني‬ ‫ن تيمية‪َ -‬قا َ‬ ‫دثني شيخنا ‪-‬يعني اب َ‬ ‫ل المام ابن القيم ) ‪ :(34‬وح ّ‬ ‫َقا َ‬
‫مطالعتك وكلمك في العلم يزيد المرض ‪،‬‬ ‫ض ‪ ،‬فقال لي الطبيب‪ :‬إن ُ‬ ‫ّ‬ ‫مر ٌ‬
‫فقلت له ‪ :‬ل أصبر على ذلك ‪ ،‬وأنا أحاكمك إلى علمك ‪ ،‬أليست الّنفس إذا‬
‫ض ؟ فقال ‪ :‬بلى ‪ ،‬فقلت له‪:‬‬ ‫ة فدفعت المر َ‬ ‫ويت الطبيع ُ‬ ‫سّرت وقَ ِ‬ ‫فرحت و ُ‬
‫ج عن‬ ‫ة ‪ ،‬فقال‪ :‬هذا خار ٌ‬ ‫ة فأجد ُ راح ً‬ ‫سي ُتسّر بالعلم فتقوى به الطبيع ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫فإن ن َ ْ‬
‫علجنا‪ ...‬اهـ‪.‬‬
‫ت‬
‫سخاوي )‪ ( 35‬عن القاضي شمس الدين بن الديري يقول ‪ :‬سمع ُ‬ ‫وذكر ال ّ‬
‫سطامي ‪-‬ببيت المقدس‪ -‬يقول وقد سأله رجل ‪ :‬هل‬ ‫خ علء الدين الب ِ ْ‬ ‫شي َ‬ ‫ال ّ‬
‫فُته ؟‬ ‫ص َ‬‫ت ‪ :‬كيف كانت ِ‬ ‫ي الدين ابن تيمّية ؟ فقال‪ :‬نعم ‪ .‬قل ُ‬ ‫رأيت الشيخ تق ّ‬
‫فقال ‪:‬‬
‫ملت كتًبا لها‬ ‫ُ‬ ‫صخرة‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ة‬
‫ّ ِ‬ ‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫ك‬ ‫كان‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫‪.‬‬ ‫نعم‬ ‫قلت‪:‬‬ ‫؟‬ ‫صخرة‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ة‬ ‫ُ‬
‫هل رأي َ ّ َ‬
‫ب‬ ‫ق‬ ‫ت‬
‫ن ينطق!! اهـ‪.‬‬ ‫لسا ٌ‬
‫بل العج والدهى الجد ‪ -‬أي جد شيخ السلم بن تيمية ‪.‬‬
‫شق العلم‪ :-‬وحدثني أخو‬ ‫ع ْ‬ ‫ل ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪- (36 ) -‬وهو يتكلم عن ِ‬ ‫َقا َ‬
‫شيخنا ‪ -‬يعني أحمد ابن تيمية ‪ -‬عبد ُ الرحمن ابن تيمية ‪ ،‬عن أبيه )عبد الحليم(‬
‫جد ّ )أبو البركات( إذا دخل الخلء يقول لي‪ :‬اقرأ ْ في هذا الكتاب‬ ‫ل‪ :‬كان ال َ‬ ‫َقا َ‬
‫صوَْتك حتى أسمعُ ‪ .‬اهـ‪.‬‬ ‫واْرفَعْ َ‬
‫سا‬ ‫ضْر ً‬ ‫ب ِ‬ ‫صد ُّقوا عَلْينا بما ل ي ُت ْعِ ُ‬ ‫َ‬ ‫م َناَدى ‪ :‬ت َ َ‬ ‫عال ِم ٍ ث ُ ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ض المتعلمين ببا ِ‬ ‫ّ‬ ‫وقف بع ُ‬
‫مكم أ َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شد ّ‬ ‫ما ونفقة ‪ .‬فقال ‪ :‬فاقتي إلى كل ِ‬ ‫سا ‪ ,‬فأخرج له طعا ً‬ ‫ف ً‬ ‫م نَ ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ول ي ُ ْ‬
‫دى ‪ .‬فأذن له الَعاِلم‬ ‫ل نَ َ‬ ‫سائ ِ ُ‬ ‫دى ل َ‬ ‫ب هُ َ‬ ‫َ‬
‫مكم ‪ ,‬إ ِّني طال ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ن َفاَقتي إلى طَعا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫سا ‪,‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫سأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وأفاده من ك ّ‬
‫ح لب ْ ً‬ ‫ض َ‬
‫م أوْ َ‬ ‫عل ٌ‬ ‫حا ‪ ,‬وهو يقول ‪ِ :‬‬ ‫ه فخرج جذل فر ً‬ ‫ل عَن ْ ُ‬ ‫ل ما َ‬
‫سا ‪(37 ).‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف ً‬ ‫ل أغَنى ن َ ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ٌْر ِ‬ ‫َ‬

‫‪211‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل أبو الوليد الباجي )‪:( 38‬‬ ‫َقا َ‬


‫َ‬
‫قيًنا‬‫ما ‪ii‬ي َ ِ‬‫عل ْ ً‬
‫م ِ‬‫ت أعْل َ ُ‬ ‫إ َِذا ك ُن ْ ُ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ساعَ ْ‬ ‫حَياِتي ك َ َ‬ ‫ميعَ َ‬ ‫ج ِ‬‫ن َ‬ ‫ب ِأ ّ‬
‫ضن ًِنا ‪ِii‬بها‬
‫ن َ‬ ‫كو ُ‬ ‫م َل أ َ ُ‬ ‫فَل ِ َ‬
‫ه‬
‫طاعَ ْ‬ ‫صَلح وَ َ‬ ‫وأ َ ْ ُ‬
‫جعَلها ِفي َ ٍ‬
‫]من كتاب "العبادة واجتهاد السلف فيها" للشيخ[‬
‫________________________________________‬
‫) ‪ (1‬جامع بيان العلم )‪(1/474‬‬
‫)‪ ( 2‬طبقات ابن سعد )‪(2/371‬‬
‫)‪ ( 3‬جامع بيان العلم )‪(1/431‬‬
‫)‪ ( 4‬تاريخ بغداد )‪(10/165‬‬
‫)‪ ( 5‬ابو نعيم "الحلية" )‪(7/64‬‬
‫ضّية )‪(76 /1‬‬ ‫م ِ‬ ‫)‪ ( 6‬الجواهر ال ُ‬
‫)‪ ( 7‬انظر "المجموع"‪ ،(168 /8) :‬و "أضواء البيان"‪ (308 /5) :‬وقال‪:‬‬
‫وأظهر القوال في المسألة هو القتداء بالنبي ‪ ،r‬وهو قد رمى جمرة العقبة‬
‫راكًبا‪ ،‬ورمى أيام التشريق ماشًيا ذهاًبا وإياًبا والله ت ََعاَلى أعلم اهـ‪.‬‬
‫) ‪ (8‬تهذيب الكمال )‪(24/387‬‬
‫) ‪ (9‬المدارك )‪(271 /6‬‬
‫) ‪ (10‬الجليس الصالح )‪(222 /3‬‬
‫)‪ ( 11‬وهو قوله‪)) :‬يا سابق الفوت‪ ،‬ويا سامع الصوت‪ ،‬ويا كاسي العظام‬
‫ما بعد الموت‪ ((...‬ثم يدعو بمسألته‪.‬‬ ‫لح ً‬
‫)‪ ( 12‬البداية والنهاية )‪(11/25‬‬
‫) ‪ (13‬سير أعلم النبلء )‪(12/448‬‬
‫) ‪ (14‬سير أعلم النبلء )‪(11/77‬‬
‫) ‪ (15‬تهذيب الكمال )‪(24/361‬‬
‫) ‪ (16‬سير أعلم النبلء )‪(14/370‬‬
‫) ‪ (17‬تذكرة الحفاظ )‪(2/592‬‬
‫) ‪ (18‬تاريخ بغداد )‪(10/280‬‬
‫) ‪ (19‬تذكرة الحفاظ )‪(3/1173‬‬
‫) ‪ (20‬سير أعلم النبلء )‪(10/629‬‬
‫) ‪ (21‬أبو نعيم الحلية )‪(3/361‬‬
‫)‪ ( 22‬أبو نعيم الحلية )‪(3/362‬‬
‫)‪ ( 23‬تذكرة الحفاظ )‪(4/1243‬‬
‫)‪ ( 24‬سير أعلم النبلء )‪(21/7‬‬
‫) ‪ (25‬تذكرة الحفاظ )‪(4/1301‬‬
‫)‪ ( 26‬الذيل على طبقات الحنابلة )‪(146 /1‬‬
‫) ‪ (27‬أي‪ :‬العشر التي فيها الثمانين )من ‪ 71‬إلى ‪.(79‬‬
‫) ‪ (28‬تبيين كذب المفتري )‪(263‬‬
‫)‪( 29‬كتاب "الحث على طلب العلم" )‪(77‬‬
‫)‪ ( 30‬أبو العباس اللغوي المعروف بث َعَْلب ت )‪(291‬‬
‫ل الذهبي ‪ :‬هو المام الحافظ ‪ ,‬العلمة الخباري الثقة ‪ ,‬أبو عثمان‬ ‫) ‪َ (31‬قا َ‬
‫المصري‬
‫) ‪ (32‬سير أعلم النبلء )‪(10/584‬‬
‫)‪ ( 33‬أبو نعيم "الحلية" )‪(7/289‬‬

‫‪212‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫روضة المحّبين )‪(70‬‬ ‫) ‪(34‬‬


‫)الجواهر والدرر)‪(117 /1‬‬ ‫)‪( 35‬‬
‫روضة المحبين )‪(70‬‬ ‫) ‪(36‬‬
‫أدب الدنيا والدين )‪(43‬‬ ‫) ‪(37‬‬
‫ترتيب المدارك‪(8/125) :‬‬ ‫)‪( 38‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪213‬‬

You might also like