You are on page 1of 23

‫محاضرة‬

‫حال السلف مع القرآن‬

‫لفضيلة الشيخ‬

‫‪www.almosleh.com‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫الحمد لله حمدا ً كثيرا ً طيبا ً مباركا ً فيه أحمده سبحانه‬


‫وأثني عليه الخير كله وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك له وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله صلى الله عليه‬
‫وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين‬
‫أما بعد ‪..‬‬
‫فإن نعم الله جل وعل على هذه المة أمة محمد صلى‬
‫الله عليه وعلى آله وسلم نعما ً عظيمة متنوعة متعددة ل‬
‫حصر لها ول يمكن لنسان أن يحيط بها في مجلس أو‬
‫مجالس إل أن أعظم ما أنعم الله به جل وعل على هذه‬
‫المة وعلى الناس عامة إنزال الكتاب الحكيم إنزال هذا‬
‫القرآن العظيم الذي امتن الله جل وعل بإنزاله على‬
‫الناس أجمعين فإن الله سبحانه وتعالى أنزل هذا الكتاب‬
‫خاتمة للكتب وجعله حجة على الخلق فهو أعظم آيات‬
‫النبياء أعظم ما جاءت به النبياء هو هذا الكتاب العظيم‬
‫لنه المعجزة الية العظيمة الباقية التي ل يحد أثرها زمان‬
‫ول مكان بل هي آية ما تعاقب الليل والنهار حتى إذا حيل‬
‫بين الناس وبين القبول وصرفت قلوبهم عن القبال على‬
‫الكتاب وتعطل النتفاع به يرفعه الله جل وعل في آخر‬
‫الزمان عندما ل ينتفع الناس به فإن من تعظيم الله لكتابه‬
‫أن يرفعه من المصاحف والصدور‪.‬‬
‫أيها الخوة الكرام‪ . .‬بشر الله جل وعل بإنزال هذا الكتاب‬
‫الحكيم بشر الله سبحانه وتعالى الناس عامة بإنزال هذا‬
‫َ‬
‫جاَءت ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫س قَد ْ َ‬ ‫الكتاب فقد قال جل وعل‪َ﴿ :‬يا أي َّها الّنا ُ‬
‫ة‬
‫م ٌ‬
‫ح َ‬
‫هدىً وََر ْ‬ ‫دورِ وَ ُ‬ ‫ص ُ‬
‫ما ِفي ال ّ‬ ‫شَفاٌء ل ِ َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫م ْ‬‫ة ِ‬ ‫عظ َ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ن﴾ ثم قال سبحانه وتعالى بعد هذه البشارة‬ ‫)‪(1‬‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ل ِل ُ‬
‫ل‬
‫ض ِ‬
‫ل ب َِف ْ‬ ‫والبيان لما جاء به النبي ‪ ‬قال الله جل وعل‪﴿ :‬قُ ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫ن﴾‬‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬‫ما ي َ ْ‬
‫م ّ‬‫خي ٌْر ِ‬
‫حوا هُوَ َ‬ ‫ك فَل ْي َْفَر ُ‬
‫مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ‬
‫ح َ‬‫الل ّهِ وَب َِر ْ‬
‫هذه البشارة أيها المؤمنون أيها الخوة الكرام تلقاها‬
‫رسول الله ‪ ‬تلقاها بالفرح فكان فرحا ً بكتاب الله جل‬
‫‪1‬‬
‫)( يونس‪.57 :‬‬
‫‪2‬‬
‫)( يونس‪.58 :‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫وعل فرحا ً بنعمه سبحانه وتعالى وما خصه الله به من هذا‬


‫الفضل العظيم فرحت به المة من صحابة رسول الله ‪‬‬
‫فكان هذا الكتاب من أعظم النعم عليهم وكان انقطاع‬
‫الوحي بموت النبي ‪ ‬من أعظم ما أصيبوا به لما في‬
‫ذلك من انقطاع المدد من السماء وانقطاع هذا الخير هذا‬
‫الكتاب فرح به التابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم‬
‫الدين لما تمتع به من الوصاف العظيمة التي تكفل‬
‫للناس سعادة الدارين سعادة الدنيا وفوز الخرة فإن هذا‬
‫الكتاب ل يقتصر نفعه على دار القرار على الدار الخرة‬
‫بل يجد المؤمن ثماره في الدنيا قبل الخرة فهو الكتاب‬
‫الذي تصلح به أمور الناس تستقيم به أحوالهم في الدنيا‬
‫وفي الخرة ولذلك بشر الله به الناس عامة فهو رحمة‬
‫و‬
‫ما هُ َ‬‫ن َ‬‫ن ال ُْقْرآ ِ‬
‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫وهدى وشفاء قال الله جل وعل‪﴿ :‬وَن ُن َّز ُ‬
‫ن ﴾)‪ (3‬وإنما خص المؤمنين بهذا‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫م ٌ‬
‫ح َ‬ ‫شَفاٌء وََر ْ‬
‫ِ‬
‫لكونهم المنتفعين من هذا القرآن وإل فإن القرآن رحمة‬
‫لكل أحد ففيه الهدى والنور فيه ترتيب شؤون حياة الناس‬
‫وإقامة معادهم وإصلح دنياهم وآخرتهم ولذلك هذا الكتاب‬
‫بهر عقول كثير من الناس حتى من لم يؤمنوا به فإن ما‬
‫فيه من البيان وما فيه من العجاز وما فيه من السرار‬
‫التي ل يحيط بها عقل ول يدركها بيان ول يحيط بوصفها‬
‫لسان أمر يفوق الوصف أمر يتجاوز التصور وذلك لنه‬
‫كلم رب العالمين والله جل وعل قد قال في محكم‬
‫صيُر﴾)‪ (4‬فليس‬ ‫ميعُ ال ْب َ ِ‬‫س ِ‬ ‫يٌء وَهُوَ ال ّ‬
‫ش ْ‬ ‫س كَ ِ‬
‫مث ْل ِهِ َ‬ ‫التنزيل‪﴿ :‬ل َي ْ َ‬
‫كمثل ربنا شيء ل في صفاته ول في ذاته ول في أفعاله‬
‫ول فيما يجب له سبحانه وتعالى ومن جملة ما وصف الله‬
‫به نفسه الكلم‪ ،‬فكلم ربنا جل وعل ليس كمثله شيء‬
‫كما أن صفاته سبحانه وتعالى ليس كمثلها شيء كما أن‬
‫سائر ما يتعلق به جل وعل ليس له نظير‪.‬‬

‫أيها الخوة الكرام هذا الكتاب كما ذكرت لكم فرح به‬
‫السلف فرحا ً عظيما ً أقبل عليه لم يشبع من تلوته ول من‬
‫‪3‬‬
‫)( السراء‪.82 :‬‬
‫‪4‬‬
‫)( الشورى‪.11 :‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫قراءته ففي أحوالهم وأمورهم وما نقل عنهم وما نقلته‬


‫كتب السير من أعمالهم ما يتبين به عظيم فرحهم بهذا‬
‫الكتاب وعظيم إقبالهم عليه وعظيم ما كانوا عليه من‬
‫تعظيم لهذا الكتاب العظيم إن السلف الصالح أيها الخوة‬
‫هم الصحابة بالدرجة الولى هم الذين شهدوا التنزيل‬
‫وأخذوا عن النبي ‪ ‬بل واسطة هم الذين اصطفاهم الله‬
‫جل وعل وخصهم بأن جعلهم أصحاب رسول الله صلى‬
‫الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم‪ ،‬هؤلء هم السلف‬
‫بالدرجة الولى ويلحقهم في الفضل من أثبت لهم الفضل‬
‫رسزول الله ‪ ‬حيث قال‪" :‬خير القرون قرني ثم‬
‫الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" )‪ (5‬فالتابعون‬
‫وتابعوهم ممن يندرج في مسمى السلف لنهم ممن أثبت‬
‫لهم النبي ‪ ‬الخيرية على سائر قرون المة والخيرية في‬
‫هذه المة ل يحصرها مكان ول زمان بل هي باقية فالله‬
‫جل وعل قد أثبت الخيرية لمن اتبع المهاجرين والنصار‬
‫)‪(6‬‬
‫ن﴾‬
‫سا ٍ‬‫ح َ‬ ‫م ب ِإ ِ ْ‬
‫ن ات ّب َُعوهُ ْ‬ ‫بإحسان فقال جل وعل‪َ﴿ :‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫فاتباع سلف المة بإحسان ينظمك في سلكهم ويضمك‬
‫إلى حزبهم ولو لم تكن معهم في زمانهم ولو افترقت‬
‫عنهم في مكانهم بل تشاركهم في الفضائل إذا شاركتهم‬
‫في العمال أيها الخوة الكرام إن هذا القرآن بين الله‬
‫جل وعل شأنه في كتابه الحكيم وكفى ببيان الله بيانا ً‬
‫وكفى بوصفه وصفا ً فهو جل وعل الحكيم الخبير العليم‬
‫الذي ل تخفى عليه خافية ول يبلغ الخلق مهما أوتوا ومهما‬
‫اجتمعوا من وصف الكتاب كما وصف الله جل وعل كتابه‬
‫ن‬‫قال الله جل وعل في وصف كتابه‪﴿ :‬ق * َوال ُْقْرآ ِ‬
‫جيدِ﴾)‪ (7‬فوصفه الله سبحانه وتعالى بالمجد والمجد في‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ِ‬
‫لغة العرب أيها الخوة السعة في أوصاف الكمال فكل ما‬
‫اتسع في أوصاف الكمال أثبت له هذا الوصف وأطلق‬
‫عليه هذا اللفظ فالمجيد أي الذي كمل في صفاته واتسع‬
‫في صفات الكمال والشرف حتى بلغ منتهاها وبلغ غايتها‬
‫‪5‬‬
‫)( أخرجه البخاري برقم ‪ 651‬وأخرجه مسلم برقم ‪.2535‬‬
‫‪6‬‬
‫)( التوبة‪.100 :‬‬
‫‪7‬‬
‫)( ق‪.1 :‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫كيف ل وهو الروح كيف ل وهو النور كيف ل وهو الهدى‬


‫كيف ل وهو شفاء لما في الصدور كما قال الله جل وعل‪:‬‬
‫شَفاٌء ﴾)‪ (8‬وقوله سبحانه‬ ‫ما هُوَ ِ‬ ‫ن َ‬‫ن ال ُْقْرآ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫﴿وَن ُن َّز ُ‬
‫ن ﴾ من هنا ليست للتبعيض بل هي‬ ‫ن ال ُْقْرآ ِ‬ ‫م َ‬‫وتعالى‪ِ ﴿ :‬‬
‫لبيان الجنس أي إن كل القرآن شفاء لما في الصدور وهو‬
‫يشفي من المراض الحسية ويشفي في الصل وفي‬
‫الساس وبالدرجة الولى من أمراض القلوب من أمراض‬
‫الشبهات من أمراض الشهوات‪.‬‬
‫أيها الخوة‪ . .‬إن سلف المة أقبلوا على هذا القرآن وإن‬
‫ة مع بعض أحوالهم يتبين بها ما كانوا عليه رحمهم الله‬ ‫وقف ً‬
‫من حسن التعامل مع هذا القرآن وليس عجبا ً فإن السلف‬
‫الذين نتندر بما كانوا عليه من الفضائل ونتعجب مما كانوا‬
‫عليه من السبق كانوا رضي الله عنهم على هذه المنزلة‬
‫وبلغوا هذه المرتبة بما ارتسموه من قول الله جل وعل‬
‫وتوجيه رسوله ‪ ‬فهذه المة التي هي خير أمة أخرجت‬
‫للناس إنما خرجت من بين دفتي المصحف الكريم من‬
‫بين هذا القرآن الحكيم خرجت على ضوء توجيهات هذه‬
‫اليات المبينات وهذا القرآن العظيم‪ ،‬قال الله جل وعل‬
‫في وصف هذه المة وأول من يدخل فيها الصحابة رضي‬
‫ْ‬ ‫خير أ ُمة أ ُ‬
‫ن‬
‫مُرو َ‬ ‫س ت َأ ُ‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫لل‬
‫ِ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫خ‬‫ْ‬ ‫م َ َْ ّ ٍ‬ ‫الله عنهم‪﴿ :‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ن ِبالل ّهِ﴾)‪ (9‬هذه المة‬ ‫مُنو َ‬ ‫من ْك َرِ وَت ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫إنما خرجت من ذلك أي خرجت على هذه الصفة وعلى‬
‫هذا النحو من هذا القرآن الكريم ول عجب بعد هذا أن‬
‫تنقل السير والسنن والكتب والدواوين عن أصحاب‬
‫رسول الله ‪ ‬ومن تلقوا عنهم من التابعين وتابعيهم أن‬
‫تنقل العجائب في التعامل مع القرآن الحكيم‪. .‬‬
‫إن وقفة مع بعض ما حفظته السنة من تعامل الصحابة‬
‫وتلقيهم الحي للقرآن العظيم يعجب منها النسان ففي‬
‫الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬نزل‬
‫ما ِفي‬ ‫على رسول الله ‪ ‬قول الله جل وعل‪﴿ :‬ل ِل ّهِ َ‬
‫م َأو‬
‫سك ُ ْ‬
‫َ‬
‫ما ِفي أن ُْف ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ن ت ُب ْ ُ‬‫ض وَإ ِ ْ‬ ‫َْ‬
‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫ماَوا ِ‬‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪8‬‬
‫)(السراء‪.82 :‬‬
‫‪9‬‬
‫)( آل عمران‪.110 :‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(5‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ب َ‬ ‫شاُء وَي ُعَذ ّ ُ‬‫ن يَ َ‬ ‫ه فَي َغِْفُر ل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ب ِهِ الل ّ ُ‬‫سب ْك ُ ْ‬
‫حا ِ‬ ‫خُفوهُ ي ُ َ‬ ‫تُ ْ‬
‫هذه الية يحفظها كثير منا ويقرؤها كثير منا‬ ‫)‪(10‬‬
‫شاُء﴾‬ ‫يَ َ‬
‫لكنها ل تستوقف أكثرنا وذلك لننا نقرأ القرآن ل على‬
‫وجه التلقي لما فيه من المعاني نقرأ القرآن طلبا ً للجر‬
‫بقراءة لفظه دون نظر إلى ما تضمنه من المعنى‪ ،‬صحابة‬
‫رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أنزل الله‬
‫جل وعل على رسول الله ‪ ‬هذه الية التي فيها إثبات‬
‫الملك لله عز وجل إثبات ما في السماوات وما في‬
‫الرض له سبحانه وتعالى وأنه جل وعل يحاسب الناس‬
‫على ما دار في صدورهم وما جال في نفوسهم ولو لم‬
‫يتكلموا به و لو لم يعملوا صحابة رسول الله لما سمعوا‬
‫هذا اشتد عليهم المر فأتوا إلى رسول الله ‪ ‬كما في‬
‫الصحيحين ثم بركوا على الركب أي جلسوا على الركب‬
‫من شدة ما جاءهم في هذه الية فقالوا‪ :‬يا رسول الله‬
‫كلفنا من العمل ما نطيق‪ :‬الصلة‪ ،‬الصيام‪ ،‬الجهاد‪،‬‬
‫الصدقة –أي كل هذا نطيقه‪ -‬وقد نزلت علينا آية ل نطيقها‬
‫فقال رسول الله ‪ ‬مؤدبا ً هؤلء معلما ً لهم كيف يتلقون‬
‫القرآن‪ ،‬كيف يتلقون كلم رب العالمين‪ ،‬قال لهم ‪" :‬‬
‫أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من‬
‫)‪(11‬‬
‫قبلكم سمعنا وعصينا؟ قولوا‪ :‬سمعنا وأطعنا "‬
‫فما كان منهم رضي الله عنهم إل أن انقادوا إلى توجيه‬
‫النبي ‪ ‬وقالوا‪ :‬سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك‬
‫المصير‪ ،‬فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم وتكلموا بها‬
‫وقرؤوها وقبلوها قبول ً تاما ً جاء التخفيف من رب العالمين‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما ي َْفعَ ُ‬ ‫جاء الفرج من الله جل وعل الذي قال‪َ ﴿ :‬‬
‫م﴾)‪ (12‬ما يفعل الله بعذابكم أي‬ ‫من ْت ُ ْ‬‫م َوآ َ‬‫شك َْرت ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ذاب ِك ُ ْ‬
‫ب ِعَ َ‬
‫بإلحاق المشقة بكم إن شكرتم وآمنتم جاء الفرج من الله‬
‫جل وعل لهذه المة ونزل في كتاب الله جل وعل تزكيتها‬
‫وبيان فضل صحابة رسول الله ‪ ‬فقال الله جل وعل‪﴿ :‬‬
‫‪10‬‬
‫البقرة‪.284 :‬‬ ‫)(‬
‫‪11‬‬
‫أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة في كتاب اليمان برقم‬ ‫)(‬
‫‪.179‬‬
‫‪12‬‬
‫)( النساء‪.147 :‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫ن‬
‫م َ‬ ‫لآ َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن َرب ّهِ َوال ْ ُ‬ ‫م ْ‬‫ل إ ِل َي ْهِ ِ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫ل بِ َ‬‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫م َ‬ ‫آ َ‬
‫َ‬
‫ه‬
‫سل ِ ِ‬‫ن ُر ُ‬ ‫م ْ‬‫حدٍ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫سل ِهِ ل ن َُفّرقُ ب َي ْ َ‬ ‫ملئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِهِ وَُر ُ‬ ‫ِبالل ّهِ وَ َ‬
‫صيُر * ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫ف‬ ‫م ِ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ك َرب َّنا وَإ ِل َي ْ َ‬‫معَْنا وَأ َط َعَْنا غُْفَران َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫وََقاُلوا َ‬
‫سعََها﴾)‪ (13‬فجاء التخفيف من رب العالمين‬ ‫ه ن َْفسا ً إ ِّل وُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫بعد إثبات إيمانهم وقبولهم لما جاء عن الله وعن رسوله‪.‬‬
‫أيها الخوة‪ ..‬الشاهد من هذه القصة من هذا الحديث أن‬
‫الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يتقبلون القرآن‬
‫ويتلقونه على أنه شيء يتلى وتستنبط منه الحكام‬
‫ويعرف ما فيه من المعاني فقط بل قرؤوه رضي الله‬
‫عنهم على أنهم هم المخاطبون هم المعنيون بما فيه من‬
‫المعاني ولذلك شق عليهم فراجعوا رسول الله ‪ ‬في‬
‫الذي شق عليهم من هذا القرآن وهذا النبأ وهذه القصة‬
‫ليست الفريدة وليست الوحيدة التي حفظتها كتب السنة‬
‫في فعل الصحابة رضي الله عنهم عندما أنزل الله جل‬
‫وعل ما وجد الصحابة رضي الله عنهم فيه مشقة وفيه‬
‫عسرا ً وصعوبة في الصحيحين من حديث ابن‬
‫مسعود رضي الله عنه أن الله جل وعل لما أنزل‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫قوله سبحانه وتعالى على رسوله‪﴿ :‬ال ّ ِ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫و ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬
‫َ‬
‫م اْل ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫م ب ِظُل ْم ٍ ُأول َئ ِ َ‬ ‫ه ْ‬‫مان َ ُ‬ ‫سوا ِإي َ‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫َ‬
‫هذه الية فيها البشارة من الله جل وعل‬ ‫)‪(15) (14‬‬
‫ن﴾‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫لمن آمن وسلم من أن يخلط إيمانه بظلم فقوله تعالى ﴿‬
‫ك‬‫م ب ِظ ُل ْم ٍ﴾ أي لم يخلطوه بظلم‪ُ﴿ ،‬أول َئ ِ َ‬ ‫مان َهُ ْ‬ ‫سوا ِإي َ‬ ‫م ي َل ْب ِ ُ‬ ‫وَل َ ْ‬
‫َ‬
‫ن﴾ لهم المن في الدنيا والخرة‪،‬‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬‫م ُ‬ ‫ن وَهُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫م اْل ْ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫وهم مهتدون أيضا ً في الدنيا والخرة لن الهداية‬
‫المسؤولة والمثبتة لهل اليمان ليست فقط في الدنيا بل‬
‫الهداية في الدنيا والخرة وهداية الخرة أعظم من هداية‬
‫الدنيا لكنها ل تكون إل لمن اهتدى في الدنيا لن هداية‬
‫الخرة بها النجاة من أهوال ذلك الموقف العظيم الذي‬
‫كاَرى‬ ‫س َ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما هُ ْ‬ ‫كاَرى وَ َ‬ ‫س َ‬ ‫س ُ‬ ‫تشيب فيه الولدان ﴿وَت ََرى الّنا َ‬
‫‪13‬‬
‫)( البقرة‪.286-285 :‬‬
‫‪14‬‬
‫النعام‪.82 :‬‬ ‫)(‬
‫‪15‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب أحاديث النبياء برقم ‪3110‬‬ ‫)(‬
‫وأخرجه مسلم في كتاب اليمان برقم ‪.178‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫ديد ٌ﴾)‪ (16‬ذلك اليوم يحتاج به النسان‬ ‫ش ِ‬‫ب الل ّهِ َ‬ ‫ذا َ‬‫ن عَ َ‬ ‫وَل َك ِ ّ‬
‫إلى هداية يخرج بها من تلك الهوال ينجو بها من تلك‬
‫المزالق يجوز بها الصراط فإنه لو لم يهده الله جل وعل‬
‫إلى اجتياز الصراط لما اجتاز ولما تمكن من السلمة من‬
‫صراط ورد في وصفه أنه أدق من الشعر وأحد من‬
‫السيف‪.‬‬
‫أيها الخوة‪ . .‬صحابة رسول الله لما نزلت عليهم الية أتوا‬
‫إلى النبي ‪ ‬وقد شق عليهم المر فقالوا‪ :‬يا رسول الله‬
‫من منا ما وقع في الظلم؟ كلنا‬ ‫أينا لم يظلم نفسه يعني َ‬
‫واقع في الظلم وهذه الية ل يحصل فيها المن ول‬
‫الهتداء إل باليمان الذي لم يخلط فيه النسان إيمانه‬
‫بظلم فشرط حصول المن والهتداء أن ل يقع النسان‬
‫في الظلم ففهم الصحابة أن هذا يشمل كل ظلم الدقيق‬
‫والجليل الصغير والكبير الشرك فما دونه فجاؤوا النبي ‪‬‬
‫فشكوا له أنه ل سلمة من الظلم بل كل إنسان ظالم‬
‫كما قال النبي ‪ " :‬كل ابن آدم خطاء وخير‬
‫الخطائين التوابون ")‪ (17‬وكما قال الله جل وعل قبل‬
‫جُهول ً﴾)‪ (18‬حيث‬ ‫ن ظ َُلوما ً َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫سا ُ‬‫مل ََها اْل ِن ْ َ‬
‫ح َ‬
‫ذلك‪﴿ :‬وَ َ‬
‫حمل المانة وقد أعرض عن حملها السماوات والرض‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ة عََلى ال ّ‬ ‫مان َ َ‬ ‫ضَنا اْل َ‬ ‫والجبال ﴿إ ِّنا عََر ْ‬
‫وال ْجبال فَأ َبين أ َن يحمل ْنها وأ َ‬
‫ن‬ ‫مل ََها اْل ِن ْ َ‬
‫سا ُ‬ ‫ح َ‬
‫من َْها وَ َ‬‫ن ِ‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫ْ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ش‬‫ْ‬ ‫َْ َ ْ َ ْ ِ ََ َ‬ ‫َ ِ َ ِ‬
‫جُهول ً﴾ وهذا الوصف ل يختص بفرد من‬ ‫ن ظ َُلوما ً َ‬ ‫كا َ‬‫ه َ‬ ‫إ ِن ّ ُ‬
‫الناس ول بجنس منهم بل هو لعموم النسان لعموم‬
‫الناس فكلهم ظالم جهول ل يسلم النسان من هذين‬
‫الوصفين إل بالهتداء بكتاب الله وبما جاءت به الرسل‬
‫عن الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫أيها الخوة الكرام‪ . .‬لما جاء الصحابة رضي الله عنهم إلى‬
‫النبي ‪ ‬يشكون ما في هذه الية ويبينون مشقتها على‬
‫رسول الله ‪ ‬قال لهم‪ :‬ليس الذي تظنون‪ .‬أي‬
‫‪16‬‬
‫الحج‪.2 :‬‬ ‫)(‬
‫‪17‬‬
‫أخرجه الترمذي في سننه من حديث أنس بن مالك في كتاب‬ ‫)(‬
‫صفة القيامة برقم ‪.2423‬‬
‫‪18‬‬
‫الحزاب‪.72 :‬‬ ‫)(‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(8‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫ليس الظلم هو الذي ذهبتم إليه إنما هو قول‬


‫الله جل وعل في قول لقمان لبنه وهو يعظه‪﴿ :‬‬
‫م﴾‬
‫ظي ٌ‬‫ع ِ‬ ‫م َ‬‫ك ل َظُل ْ ٌ‬ ‫شْر َ‬ ‫ن ال ّ‬‫ه إِ ّ‬ ‫ك ِبالل ّ ِ‬ ‫ر ْ‬ ‫ي ل تُ ْ‬
‫ش ِ‬ ‫َيا ب ُن َ ّ‬
‫)‪(19‬‬

‫)‪ (20‬فالظلم الذي في الية هو الشرك فهان المر على‬


‫الصحابة رضي الله عنهم والشاهد أيها الخوة أن الصحابة‬
‫رضي الله عنهم لم يتلقوا القرآن تلقيا ً باردا ً بل تلقوه‬
‫للعمل وأخذوا به على أنهم هم المعنيون يقول ابن‬
‫مسعود رضي الله عنه‪" :‬إذا سمعت الله جل وعل في‬
‫َ‬
‫مُنوا﴾ فأرعها سمعك يعني أصغ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كتابه يقول‪َ﴿ :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫إليها وأعطها أذنك فهي إما خير تؤمر به أو شر تنهى‬
‫عنه"‪ ،‬وهذا لكونهم أخذوا القرآن للتلقي والعمل وأن كل‬
‫ما فيه خطاب لكل من سمعه خطاب لكل من بلغه وليس‬
‫المخاطب فيه قوم مضوا ولم يبقَ لنا منه إل أن نتعبد‬
‫ونتقرب إلى الله جل وعل بما فيه من اللفاظ وما فيه من‬
‫الكلم الذي جّرد عن معناه ولم يقصد بما تضمنه‪ .‬إن‬
‫الصحابة رضي الله عنهم ضربوا في هذا أمثلة رائعة‬
‫وانقادوا لما في كتاب الله جل وعل انقيادا ً تامًا‪ :‬هذا أبو‬
‫بكر رضي الله عنه تتهم إبنته عائشة بالزنى ويبرئها الله‬
‫جل وعل في سورة النور في قصة الفك يبرئها الله‬
‫سبحانه وتعالى ويتبين أن من جملة من رمى عائشة‬
‫وتكلم فيها مسطح بن اثاثة وهو قريب لبي بكر رضي‬
‫الله عنه كان فقيرا ً كان أبو بكر يصله بالعانة ثم لما تبين‬
‫المر وتبين براءة عائشة رضي الله عنها حلف أن ل يصله‬
‫شيئا ً من عطاياه بعد أن فعل ما فعل فأنزل الله جل وعل‬
‫َ ُ )‪(21‬‬ ‫حبو َ‬ ‫َ‬
‫م﴾‬
‫ه لك ْ‬‫ن ي َغِْفَر الل ّ ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫قوله سبحانه وتعالى ﴿أل ت ُ ِ ّ َ‬
‫فقال أبو بكر رضي الله عنه‪ :‬بلى بلى‪ .‬فانتهى أن يمتنع‬
‫مما جرت به يده رضي الله عنه من الصدقة والحسان‬
‫على مسطح بسبب ما كان منه من إساءة لعائشة رضي‬
‫الله عن الجميع‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫لقمان‪.13 :‬‬ ‫)(‬
‫‪20‬‬
‫)( أخرجه البخققاري فققي كتققاب أحققاديث النبيققاء برقققم ‪ 3110‬وأخرجققه‬
‫مسلم في كتاب اليمان برقم ‪.178‬‬
‫‪21‬‬
‫النور‪.22 :‬‬ ‫)(‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(9‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫أيها الخوة الكرام‪ . .‬إن الصحابة رضي الله عنهم تعاملوا‬


‫مع القرآن تعامل ً ليس في جانب واحد ليس في جانب‬
‫التلقي‪ ،‬فاقوا المة في جوانب عديدة من ذلك قراءتهم‬
‫للقرآن فإن الصحابة رضي الله عنهم لزموا قراءة هذا‬
‫القرآن كان أحدهم يلقى أخاه في الطريق فيقول‪ :‬اجلس‬
‫بنا نؤمن ساعة فيقرأ أحدهم على الخر سورة العصر‬
‫كانوا إذا اجتمعوا كما ثبت عنهم رضي الله عنهم كانوا إذا‬
‫اجتمعوا جعلوا أحدهم يقرأ والبقية يستمعون للقرآن‬
‫فالقرآن كان مخالطا ً لحياتهم في قلوبهم في مجالسهم‬
‫في تذكرتهم وموعظتهم فالقرآن دخل معهم في كل أمر‬
‫وكانوا رضي الله عنهم مقترنين به مقبلين عليه مشتغلين‬
‫به عن غيره فلذلك فاقوا غيرهم في الفقه فاقوا غيرهم‬
‫في العمل فاقوا غيرهم في الجهاد فاقوا غيرهم فيما كتب‬
‫الله على أيديهم من النصر كل هذا كان بسبب ما كانوا‬
‫عليه من تعاهد القرآن والقبال عليه والخذ به والستكثار‬
‫منه‪. .‬‬
‫إن الصحابة رضي الله عنهم كان أحدهم يقرأ القرآن في‬
‫مجلسه يقرأ القرآن في صلته ول إشكال يقرأ القرآن في‬
‫طريقه يقرأ القرآن في كل شأنه وقد كان عثمان رضي‬
‫الله عنه ليلة مقتله تاليا ً لكتاب الله جل وعل حتى أنه ذكر‬
‫أن الذي قتله ‪-‬عليه من الله ما يستحق‪-‬قتله وكان في‬
‫يديه كتاب الله جل وعل‪.‬‬
‫أيها الخوة الكرام‪ . .‬سار السلف الصالح التابعون ومن‬
‫بعدهم على منوال أولئك في قراءة الكتاب الحكيم في‬
‫الخذ به رضي الله عنهم فهذا عثمان بن عفان يقول‪ :‬قد‬
‫رأيت من هو أعبد من حماد بن سلمة لكن ما رأيت أشد‬
‫مواظبة على الخير وقراءة القرآن والعمل لله تعالى منه‬
‫رضي الله عنه وقال آخر‪ :‬ما رأيت أحسن انتزاعا ً لما أراد‬
‫من آي القرآن من أبي سهيل بن زياد وكان جارنا وكان‬
‫يديم صلة الليل والتلوة فلكثرة درسه صار القرآن كأنه‬
‫بين عينيه يعني في الستشهاد والستفادة مما في هذا‬
‫القرآن من الحكام يقول أيضا ً آخر في وصف ما كان عليه‬
‫مالك بن أنس إمام دار الهجرة‪ :‬قيل لخت مالك بن أنس‪:‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(10‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫ما كان شغل مالك بن أنس في بيته بماذا يشتغل في بيته‬


‫بماذا يعمل في بيته قالت‪ :‬المصحف والتلوة‪ .‬هذا شغل‬
‫المام مالك رحمه الله في بيته المصحف والتلوة والثار‬
‫في ذلك كثيرة ومن العجيب أن بعض السلف كان إذا‬
‫اجتمع إليه أصحابه أوصاهم عند التفرق بأن ل يجتمعوا في‬
‫سيرهم بل يمشي كل واحد منهم بمفرده قال لهم‪ :‬إذا‬
‫خرجتم من عندي فتفرقوا لعل أحدكم يقرأ القرآن في‬
‫طريقه ومتى اجتمعتم تحدثتم فانشغلتم عن القرآن‪ .‬هكذا‬
‫كان السلف رحمهم الله في قراءتهم القرآن وإقبالهم‬
‫عليه وحرصهم على تلوته لكن هذه التلوة لم تكن مجرد‬
‫قراءة لللفاظ فإن الله سبحانه وتعالى أثنى على الذين‬
‫م قوما ً‬ ‫يتلون الكتاب ثناًء حسنا ً في كتابه ولكنه أيضا ً ذ ّ‬
‫يقرؤون الكتاب لكنهم ل يفقهون ما تضمنه الكتاب من‬
‫التوجيه فقال الله جل وعل في وصف طائفة من بني‬
‫َ‬ ‫إسرائيل‪﴿ :‬ومنه ُ‬
‫ي﴾‬ ‫ب إ ِّل أ َ‬
‫مان ِ ّ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ل ي َعْل َ ُ‬ ‫مّيو َ‬ ‫مأ ّ‬
‫)‪(22‬‬
‫َ ِ ُْ ْ‬
‫يعني إل قراءة ليس عندهم من معرفة كتاب الله ول من‬
‫نصيب من هذا الكتاب إل مجرد التلوة ليس عندهم فقه‬
‫ول معرفة ول فهم للمعنى ول تدبر ولذلك حث الله جل‬
‫وعل في كتابه على النظر في اليات ومن جملة ذلك‬
‫اليات التي تضمنها الكتاب الحكيم قال الله جل وعل‪﴿ :‬‬
‫ك ل ِي َد ّب ُّروا آَيات ِهِ وَل ِي َت َذ َك َّر ُأوُلو‬ ‫مَباَر ٌ‬ ‫ك ُ‬ ‫ب أ َن َْزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫ك َِتا ٌ‬
‫َ‬
‫ب﴾)‪ (23‬فهذا الكتاب أنزله الله جل وعل ووصفه بأنه‬ ‫اْلل َْبا ِ‬
‫مبارك ثم بين الطريق الذي تحصل به بركة هذا الكتاب‬
‫والطريق الذي تنال به خيرات هذا الكتاب فقال الله‬
‫مَباَر ٌ‬
‫ك ل ِي َد ّب ُّروا‬ ‫ك ُ‬ ‫ب أ َن َْزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ‬ ‫سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ك َِتا ٌ‬
‫آَيات ِهِ﴾ أي ليحصل لهم التدبر ول سبيل لتحصيل بركة‬
‫الكتاب إل بهذا وقد أمر الله جل وعل رسوله ‪ ‬في أول‬
‫البعثة أمره بقيام الليل فقال الله جل وعل لرسوله‪َ﴿ :‬يا‬
‫ه‬ ‫ل إّل قَِليل ً * ن ِصَف َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫أَ‬
‫من ْ ُ‬
‫ص ِ‬ ‫ه أوِ ان ُْق ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ق‬ ‫*‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ز‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫قَِليل ً * أوْ زِد ْ عَل َي ْهِ وََرت ّ ِ‬
‫ً )‪(24‬‬
‫أي ترسل في‬ ‫ن ت َْرِتيل﴾‬ ‫ل الُقْرآ َ‬
‫‪22‬‬
‫البقرة‪.78 :‬‬ ‫)(‬
‫‪23‬‬
‫ص‪.29 :‬‬ ‫)(‬
‫‪24‬‬
‫المزمل‪.4-3-2-1 :‬‬ ‫)(‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(11‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬
‫)‪(25‬‬
‫ك قَوْل ً ث َِقيل ً﴾‬‫سن ُل ِْقي عَل َي ْ َ‬ ‫قراءته ورتل القرآن ترتيل ً ﴿إ ِّنا َ‬
‫وهو القرآن فالقرآن قول ثقيل يحتاج إلى تهيئته ﴿إ ِّنا‬
‫طئا ً‬ ‫شد ّ وَ ْ‬ ‫ي أَ َ‬
‫ل هِ َ‬ ‫ة الل ّي ْ ِ‬
‫شئ َ َ‬ ‫ن َنا ِ‬ ‫ك قَوْل ً ث َِقيل ً * إ ِ ّ‬ ‫سن ُل ِْقي عَل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ً )‪(26‬‬ ‫َ‬
‫ن‬‫أمره بقيام الليل وعلل ذلك بقوله‪﴿ :‬إ ِ ّ‬ ‫م ِقيل﴾‬ ‫وَأقْوَ ُ‬
‫َ‬ ‫ي أَ َ‬
‫م ِقيل ً﴾ يعني يتفق فيها‬ ‫طئا ً وَأقْوَ ُ‬ ‫شد ّ وَ ْ‬ ‫ل هِ َ‬ ‫ة الل ّي ْ ِ‬ ‫شئ َ َ‬‫َنا ِ‬
‫ن‬ ‫قول اللسان مع تدبر القلب ونظره وتأمله وتفكره ﴿إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ي أَ َ‬
‫م ِقيل ً﴾ وناشئة الليل قيل‬ ‫طئا ً وَأقْوَ ُ‬ ‫شد ّ وَ ْ‬ ‫ل هِ َ‬ ‫ة الل ّي ْ ِ‬ ‫شئ َ َ‬‫َنا ِ‬
‫في تفسيرها‪ :‬أوقات الليل وقيل في التفسير أيضًا‪ :‬عمل‬
‫الليل وكل القولين يؤيد ما استشهدنا به من أن النبي ‪‬‬
‫أمره الله عز وجل بما أمره ووجهه بأن يكون ذلك في‬
‫الليل قياما ً لكونه أدعى لمواطأة القلب اللسان بالتدبر‬
‫وقد امتثل رسول الله ‪ ‬توجيه الله جل وعل وأمره‬
‫ففي صحيح مسلم عن أبي حذيفة بن اليمان‬
‫رضي الله عنه قال‪)) :‬صليت مع رسول الله ‪‬‬
‫ليلة فقرأ البقرة وآل عمران والنساء في‬
‫ركعة(()‪ (27‬كل هذا من نبينا ‪ ‬في ركعة في ليلة‪ ،‬وما‬
‫هي صفة هذه القراءة هل هي قراءة الهذ ّ والنثر الذي ل‬
‫يعقل له معنى ول يعرف له مقصود؟ ل والله‪ ،‬يقول‬
‫حذيفة رضي الله عنه في وصف قراءته ‪)) :‬إذا‬
‫مّر بآية فيها تسبيح سبح أو سؤال سأل أو تعوذ‬
‫تعوذ(()‪ (28‬هكذا كانت قراءة رسول الله ‪ ‬قراءة تدبر‬
‫ونظر وتفكر ليست قراءة هذ ّ كما قال ابن مسعود رضي‬
‫الله عنه في وصف القراءة التي ينبغي أن يكون عليها‬
‫المؤمن قال‪ " :‬ل تنثروه نثر الدقل ول تهذوه هذ ّ الشعر‬
‫قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب " هذا القرآن فيه من‬
‫العجائب والسرار ما ل ينفتح للذي يقرؤه قراءة عجلى‬
‫قراءة ل تدبر فيها ول نظر فإن الله جل وعل يمنع من‬
‫امتهن القرآن ولم يعطه حقه من أن يقف على أسراره‬

‫‪25‬‬
‫المزمل‪.5 :‬‬ ‫)(‬
‫‪26‬‬
‫المزمل‪.6-5:‬‬ ‫)(‬
‫‪27‬‬
‫أخرجه أبوداود في كتاب الصلة برقم ‪.740‬‬ ‫)(‬
‫‪28‬‬
‫)( أخرجه مسلم في كتاب صلة المسافرين وقصرها برقم ‪.1291‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(12‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫وعجائبه السلف رحمهم الله من الصحابة ومن بعدهم كان‬


‫أحدهم يجلس في تعلم سورة من القرآن سنين متطاولة‪،‬‬
‫فابن عمر رضي الله عنه جلس في تعلم سورة البقرة‬
‫ثمان سنين وقيل‪ :‬جلس اثنتي عشرة سنة في تعلم‬
‫سورة البقرة‪ ،‬وكانوا رضي الله عنهم كما قال أبو‬
‫عبدالرحمن السلمي‪ " :‬كان الذين يقرؤننا القرآن من‬
‫صحابة رسول الله ‪ ‬عثمان وأبي بن كعب وغيرهم ممن‬
‫كانوا يقرؤن التابعين يقولون‪ " :‬كنا على عهد النبي ‪ ‬ل‬
‫نتجاوز العشر آيات حتى نعرف ما فيها من القرآن والعلم‬
‫والعمل فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعًا" هكذا كان‬
‫صحابة رسول الله ‪ ‬رضي الله عنهم ابن مسعود يقول‪:‬‬
‫كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى‬
‫يعرف معانيهن والعمل بهن‪.‬‬
‫وروى مالك أن ابن عمر رضي الله عنه تعلم البقرة في‬
‫اثنتي عشرة سنة فلما ختمها نحر جزورا ً رضي الله عنه‬
‫وطول هذه المدة ليست فقط لحفظ ذلك وضبطه من‬
‫جهة اللفظ بل إن المظنون فيهم رضي الله عنهم أنهم‬
‫أسرع حفظا ً من المتأخرين لكنهم كانوا يتفقهون‬
‫وينظرون إلى ما تضمنه هذا الوحي من الخير العظيم‬
‫الذي حصل لهم الفقه فكلمهم رضي الله عنهم قليل لكنه‬
‫كثير البركة لنه نابع عن فقه ونظر دقيق أما كلم‬
‫المتأخرين فهو كثير لكنه قليل البركة‪.‬‬
‫أيها الخوة الكرام‪ . .‬الصحابة رضي الله عنهم كان أحدهم‬
‫يقيم الليل بآية واحدة وقد ورد ذلك عن النبي صلى الله‬
‫عليه وعلى آله وسلم كما في حديث أبي ذر فإنه‬
‫قال‪ :‬قام النبي ‪ ‬بآية يرددها حتى أصبح وهي‬
‫فْر‬‫غ ِ‬‫ن تَ ْ‬
‫وإ ِ ْ‬ ‫عَبادُ َ‬
‫ك َ‬ ‫م ِ‬‫ه ْ‬ ‫فإ ِن ّ ُ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عذّب ْ ُ‬‫ن تُ َ‬ ‫قوله تعالى‪﴿ :‬إ ِ ْ‬
‫فإن ّ َ َ‬
‫هذه الية أقام‬ ‫)‪(30)(29‬‬
‫م﴾‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫ك أن ْ َ‬ ‫م َ ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه ْ‬
‫النبي ‪ ‬ليلة تامة في ترديدها وقراءتها‪ ،‬وورد ذلك عن‬
‫جمع من الصحابة فعن تميم الداري رضي الله عنه أنه‬

‫‪29‬‬
‫المائدة‪.118 :‬‬ ‫)(‬
‫‪30‬‬
‫أخرجه النسائي في كتاب الفتتاح برقم ‪.1000‬‬ ‫)(‬

‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(13‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫تأ ْ‬ ‫سي َّئا ِ‬ ‫حوا ال ّ‬ ‫جت ََر ُ‬‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫كرر قوله تعالى‪﴿ :‬أ ْ‬
‫ت﴾)‪ (31‬ردد هذه الية‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫كال ّ ِ‬‫م َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬ ‫نَ ْ‬
‫حتى أصبح‪ ،‬وورد ذلك أيضا ً عن أسماء رضي الله عنها أنها‬
‫ب‬‫ذا َ‬ ‫ه عَل َي َْنا وَوََقاَنا عَ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫قرأت قوله تعالى‪﴿ :‬فَ َ‬
‫موم ِ﴾)‪ (32‬فوقفت رضي الله عنها عندها فجعلت تعيدها‬ ‫س ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ي ذلك‬ ‫ي ذلك هذا الراوي يقول‪ :‬فطال عل ّ‬ ‫وتدعو فطال عل ّ‬
‫فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي‬
‫تعيدها وتدعو رضي الله عنها‪ .‬هذا التدبر للقرآن‪ ،‬فالتكرار‬
‫في آيات القرآن ليس تكرارا ً لطلب الجر بقراءة الحرف‬
‫إنما هو لطلب ما فيها من المعاني وطلب ما فيها من‬
‫الخير وورد أن ابن مسعود رضي الله عنه ردد قوله‬
‫عْلما ً﴾)‪ (33‬وورد عن سعيد بن جبير‬ ‫ب زِد ِْني ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫تعالى‪﴿ :‬وَقُ ْ‬
‫ن‬
‫جُعو َ‬ ‫وما ً ت ُْر َ‬ ‫رحمه الله أنه ردد قول الله تعالى‪َ﴿ :‬وات ُّقوا ي َ ْ‬
‫ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ﴾)‪ (34‬وورد ذلك عن جمع من التابعين‬
‫والصحابة رضي الله عنهم‪ .‬والترديد للية ليس أمرا ً‬
‫مشروعا ً في الفرائض لن النبي ‪ ‬لم يفعل ذلك ولم‬
‫ينقل عنه إنما هو في النوافل كما جاء ذلك في أثر حديث‬
‫أبي ذر الذي رواه النسائي وغيره هذا الترداد لليات هو‬
‫من شواهد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتدبرون‬
‫القرآن لن الترداد والتكرار لهذه اليات إنما هو للنظر في‬
‫معانيها‪ ،‬وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطيلون البكاء‬
‫عند آيات الكتاب ول عجب فقد رأوا ذلك من رسولهم ‪‬‬
‫وقبل ذلك فإن الله جل وعل أثنى في كتابه على النبياء‬
‫وعلى أولي العلم الذين يخرون للذقان سجدا ً والذين‬
‫يخرون للذقان يبكون مما في هذا الكتاب من المواعظ‬
‫ك‬‫قال الله جل وعل في وصف جماعة من النبياء‪ُ﴿ :‬أول َئ ِ َ‬
‫ال ّذي َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ّ‬‫م وَ ِ‬ ‫ن ذ ُّري ّةِ آد َ َ‬‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الن ّب ِّيي َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه عَل َي ْهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ن أن ْعَ َ‬ ‫ِ َ‬
‫ن هَد َي َْنا‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫سرائي َ‬ ‫م وَإ ِ ْ‬ ‫هي َ‬ ‫ن ذ ُّري ّةِ إ ِب َْرا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح وَ ِ‬ ‫معَ ُنو ٍ‬ ‫مل َْنا َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬

‫‪31‬‬
‫الجاثقية‪.21 :‬‬ ‫)(‬
‫‪32‬‬
‫الطور‪.27 :‬‬ ‫)(‬
‫‪33‬‬
‫طقه‪.114 :‬‬ ‫)(‬
‫‪34‬‬
‫البقرة‪.281 :‬‬ ‫)(‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(14‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬
‫)‪(35‬‬
‫جدا ً وَب ُك ِي ّا ً﴾‬‫س ّ‬‫خّروا ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ِ‬‫ح َ‬‫ت الّر ْ‬ ‫م آَيا ُ‬ ‫ذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫جت َب َي َْنا إ ِ َ‬
‫َوا ْ‬
‫خّروا﴾ الذي يدل ويشعر بالمسارعة إلى‬ ‫وانظر إلى قوله‪َ ﴿ :‬‬
‫السجود وأن السجود سجود ذل وخضوع وانكسار وتضرع‬
‫جدا ً وَب ُك ِي ّا ً﴾ أيضا ً أخبر الله جل وعل عن قوم من‬ ‫س ّ‬ ‫خّروا ُ‬ ‫﴿ َ‬
‫ل‬‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫مُعوا َ‬ ‫س ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫أهل الكتاب فقال سبحانه وتعالى‪﴿ :‬وَإ ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ما عََرُفوا ِ‬ ‫م ّ‬‫مِع ِ‬ ‫ن الد ّ ْ‬ ‫م َ‬‫ض ِ‬ ‫م ت َِفي ُ‬ ‫ل ت ََرى أعْي ُن َهُ ْ‬ ‫سو ِ‬ ‫إ َِلى الّر ُ‬
‫ن﴾)‪ (36‬فشواهد‬ ‫دي َ‬‫شاهِ ِ‬ ‫معَ ال ّ‬ ‫مّنا َفاك ْت ُب َْنا َ‬ ‫ن َرب َّنا آ َ‬‫حقّ ي َُقوُلو َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ثناء الله جل وعل على الباكين عند تلوة القرآن كثيرة‬
‫وهي من الفضائل التي امتدح الله بها من امتدح من‬
‫النبيين ومن أولي العلم وممن تعقلوا وتدبروا ما في هذا‬
‫الكتاب من الحكم ولذلك كان سيد ولد آدم ‪ ‬من أعظم‬
‫الخلق نصيبا ً في ذلك ففي حديث عبدالله بن‬
‫الشخير قال‪ " :‬رأيت رسول الله ‪ ‬يصلي بنا ‪-‬أي‬
‫يصلي بالصحابة‪ -‬وفي صدره أزيز كأزيز المرجل‬
‫من البكاء")‪ (37‬والزيز هو الحركة والحنين الناتج عن‬
‫التدبر والتأثر بالقرآن الحكيم وقد صح عن النبي ‪ ‬في‬
‫الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود أن‬
‫النبي ‪ ‬قال لعبد الله بن مسعود‪" :‬اقرأ علي"‪.‬‬
‫فقال عبدالله رضي الله عنه‪" :‬أقرأ عليك وعليك‬
‫أنزل؟ " قال النبي ‪ " :‬فإني أحب أن أسمعه‬
‫من غيري" يقول‪ :‬فقرأت عليه سورة النساء‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫جئ َْنا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ف إِ َ‬ ‫فك َي ْ َ‬ ‫حتى إذا جئت قوله تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫ً )‪(38‬‬
‫هيدا﴾‬ ‫ء َ‬ ‫ه ُ‬ ‫عَلى َ‬ ‫جئ َْنا ب ِ َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫كُ ّ ُ‬
‫ش ِ‬ ‫ؤل ِ‬ ‫ك َ‬ ‫و ِ‬ ‫د َ‬‫هي ٍ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ٍ‬‫لأ ّ‬
‫قال له رسول الله ‪)) :‬أمسك فإذا عيناه‬
‫تذرفان بكاءا ً من تأثره ‪ ‬بما سمع(()‪.(39‬‬
‫وهذا أيها الخوة ليس في هذين فقط بل في مواضع‬
‫عديدة من هديه ‪ ‬فإنه كان كثير البكاء لهذا القرآن وما‬

‫‪35‬‬
‫مريم‪.58 :‬‬ ‫)(‬
‫‪36‬‬
‫المائدة‪.83 :‬‬ ‫)(‬
‫‪37‬‬
‫أخرجه أحمد في من برقم ‪.15722‬‬ ‫)(‬
‫‪38‬‬
‫النساء‪.41 :‬‬ ‫)(‬
‫‪39‬‬
‫أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم ‪.4662‬‬ ‫)(‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(15‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫تضمنه من الحكم وما تضمنه من العبر واليات وقد سار‬


‫على ذلك صحابة رسول الله ‪ ‬فأبو بكر الصديق رضي‬
‫الله عنه ابتنى بيتا ً وهو بمكة ابتنى مسجدا ً بفناء داره‬
‫وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فتتقصف عليه نساء‬
‫المشركين أي تجتمع وأبناؤهم يتعجبون منه وينظرون إليه‬
‫كاًء ل يملك دمعه حين‬ ‫وكان أبو بكر رضي الله عنه رجل ً ب ّ‬
‫يقرأ القرآن وهذا ليس خاصا ً بأبي بكر رضي الله عنه بل‬
‫إن عمر رضي الله عنه مع ما عرف به من الشدة والقوة‬
‫كاًء‪ ،‬يقول من روى من أصحاب‬ ‫كان رضي الله عنه ب ّ‬
‫السير‪ :‬إن عمر رضي الله عنه صلى بالجماعة الصبح‬
‫فقرأ سورة يوسف فبكى حتى سالت دموعه على ترقوته‪.‬‬
‫وفي رواية كان في صلة العشاء أي كان يقرأ ذلك في‬
‫صلة العشاء فهذا يدل على كثرة تكراره لهذه السورة‬
‫وأنه رضي الله عنه كثير البكاء ويقول عبدالله ابن شداد‬
‫بن الهاد قال‪ :‬سمعت نشيج عمر بن الخطاب وأنا في آخر‬
‫الصفوف في صلة الصبح يقرأ في سورة يوسف‪َ﴿ :‬قا َ‬
‫ل‬
‫حْزِني إ َِلى الل ّهِ﴾)‪. (40‬‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫ش ُ‬
‫كو ب َّثي وَ ُ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫أيها الخوة‪ . .‬إن الثار عن الصحابة رضي الله عنهم ومن‬
‫بعدهم في البكاء والتأثر بتلوة القرآن عديدة وكثيرة لكن‬
‫هنا وقفة مع حال السلف في التأثر والبكاء عند قراءة‬
‫القرآن البكاء نوعان‪ :‬نوع يأتي بل طلب وبدون تكلف وهو‬
‫ما يكون من تأثر طبيعي ل يطلبه النسان إنما هو ناتج‬
‫عن تدبره وتأمله لما في هذه من اليات من الترهيب أو‬
‫الترغيب أو عظيم صنع الله جل وعل أو عظيم وصفه‬
‫وهذا ل شك أنه الذي كان عليه حال السلف رضي الله‬
‫عنهم وهو دال على سلمة القلب ولينه وصحته وحياته‬
‫النوع الثاني‪ :‬وهو البكاء الذي يكون بطلب منه ما يكون‬
‫بطلب ينظر فيه النسان ويحث نفسه على النظر في‬
‫معاني الكتاب ليتأثر ومنه قول عمر رضي الله عنه للنبي‬
‫‪ ‬وأبي بكر لما رآهما يبكيان قال لهما رضي الله عنه‪ :‬يا‬
‫رسول الله أخبرني ما يبكيك وصاحبك فإن وجدت بكاءً‬
‫بكيت معكما وإن لم أجد تباكيت وليس المقصود أنه‬
‫‪40‬‬
‫يوسف‪.86 :‬‬ ‫)(‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(16‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫يتكلف البكاء إنما يطلب أسباب البكاء التي من أجلها‬


‫حصل البكاء للنبي ‪ ‬وأبي بكر وعليه يحمل قول النبي‬
‫‪ )) :‬إن هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه‬
‫فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا (()‪ (41‬فهذا الحديث يدل‬
‫على مشروعية التباكي لكنه التباكي الذي ليس فيه تكلف‬
‫وليس فيه طلب رياء ول سمعة إنما فيه طلب التأثر‬
‫بالكتاب إذا كان القلب قد منعه مانع أو عرض وحال دون‬
‫حصول البكاء منه حائل‪ .‬فينبغي لنا أن نطهر قلوبنا وأن‬
‫نطيبها ليحصل بها التأثر بالقرآن دون تكلف‪.‬‬
‫أيها الخوة‪ . .‬هذا التدبر وهذا الترداد وهذا البكاء ليس آنيا ً‬
‫محصورا ً بوقت القراءة ل يثمر أثرا ً ول يحصل به ثمر لما‬
‫بعد القراءة بل إن حال الصحابة رضي الله عنهم حال تأثر‬
‫ممتد حال تأثر غير منقطع ولذلك كانت أعمالهم رضي‬
‫الله عنهم على خير حال وعلى خير مطلوب لنهم رضي‬
‫الله عنهم أثمر هذا التأثر في حياتهم‪ ،‬والواقع في حياة‬
‫الناس اليوم أنك تجد في بعض الصلوات من يبكي عند‬
‫قراءة القرآن بكاًء خاشعا ً إل أن هذا ول يتجاوز حدود‬
‫المسجد الذي حصل فيه التأثر وحصل فيه البكاء فليس‬
‫لهذا البكاء أثر في العمل ول أثر في السلوك ول أثر في‬
‫الخلق ول أثر في ترك المعصية ول أثر في القبال على‬
‫الطاعة ول شك أن هذا قصور وأن هذا تقصير فيما ينبغي‬
‫أن يكون عليه أثر القرآن قال الله جل وعل في بيان أثر‬
‫القرآن على من اتبعه وأخذ به قال جل وعل‪ ﴿ :‬فَإ ِ ّ‬
‫ما‬
‫ُ‬ ‫يأ ْ‬
‫)‪(42‬‬
‫شَقى﴾‬ ‫ل َول ي َ ْ‬ ‫دايَ َفل ي َ ِ‬
‫ض ّ‬ ‫ن ات ّب َعَ هُ َ‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ى‬ ‫هد‬
‫ُ‬ ‫ني‬
‫ّ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ي‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫َ‬
‫ل يضل في عمله ول يشقى في مآله ول في حاله فهو‬
‫سالم من الضلل وسالم من الشقاء فلذلك ينبغي لقارئ‬
‫القرآن وسامعه أن يكون للقرآن أثر في سلوكه وخلقه‬
‫قال ابن مسعود رضي الله عنه‪ :‬ينبغي لحامل القرآن ‪ -‬ول‬
‫يلزم هذا أن يكون من الحافظ فقط بل هو لكل حامل له‬
‫ولو حمل شيئا ً منه ‪ -‬أن يعرف بليله إذا الناس نائمون‬
‫‪41‬‬
‫أخرجه ابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص في كتاب‬ ‫)(‬
‫إقامة الصلة والسنة فيها برقم ‪.1327‬‬
‫‪42‬‬
‫طقه‪.123 :‬‬ ‫)(‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(17‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫وبنهاره إذا الناس مفطرون وبحزنه إذا الناس يفرحون‬


‫وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخلطون‬
‫وبخشوعه إذا الناس يختالون وينبغي أن يكون باكيا ً‬
‫محزونا ً حكيما ً عليما ً سكينا ً ‪-‬أي ساكنًا‪ -‬ول يكون جافيا ً ول‬
‫غافل ً ول صاخبا ً ول صياحا ً ول حديدا ً ‪ -‬أي ول شديدا ً في‬
‫مطالبة الخلق ول معاملتهم‪ .-‬وقد ورد مثل هذا التوجيه‬
‫وبيان أثر القرآن على حامله وعلى القارئ له في عدة‬
‫أقوال من أقوال الصحابة رضي الله عنهم منها ما ورد‬
‫عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال‪ " :‬يا حملة‬
‫القرآن ‪ -‬أو قال‪ :‬يا حملة العلم ‪ -‬اعملوا به فإنما العلم‬
‫من عمل علم ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون‬
‫العلم ل يجاوز تراقيهم" أي ل يجاوز رؤوسهم ل يجاوز‬
‫حناجرهم بل مجرد قول على اللسان ليس له أثر على‬
‫القلب ول شك أن هذا الحاجز وهذا المانع يمنع من التأثر‬
‫بالقرآن والنتفاع به‪.‬‬
‫أيها الخوة الكرام‪ . .‬إن الصحابة رضي الله عنهم نزل‬
‫القرآن معالجا ً لمراضهم وما كان من الوقائع ولذلك كانوا‬
‫يتوقعون القرآن ويرقبون ويجلون ويخافون أن ينزل شيء‬
‫يبين شيئا ً من عوراتهم أو يكشف شيئا ً مما يكرهونه أو‬
‫يكون سببا ً لهلك بعضهم فكانوا رضي الله عنهم على غاية‬
‫الحذر والوجل في نزول القرآن وفي تلقيه ولذلك كانت‬
‫أحوالهم مستقيمة رضي الله عنهم‪.‬‬
‫الصحابة أيها الخوة كانوا إذا نزلت الية تلقوها على‬
‫الوصف السابق ثم كان العمل وكان القبال على سائر‬
‫العمل الصالح وكان إذا عاتبهم الله جل وعل وجد منهم‬
‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫النزجار كما قال الله جل وعل في قوله‪﴿ :‬أ َل َم يأ ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ِ‬
‫َ‬
‫)(‬ ‫)‪(43‬‬
‫حقّ﴾‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ل ِذِك ْرِ الل ّهِ وَ َ‬
‫ما ن ََز َ‬ ‫شعَ قُُلوب ُهُ ْ‬
‫خ َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫مُنوا أ ْ‬
‫آ َ‬
‫فكان الصحابة رضي الله عنهم يعاتبون بالقرآن فيحصل‬
‫منهم الستعتاب يحصل منهم المراجعة يحصل منهم‬
‫إصلح الخطأ إذا نزلت بهم مصيبة أو نزلت بهم هزيمة كما‬
‫جرى في أحد وطلبوا السبب جاءهم الجواب كما قالوا‬
‫ذا﴾ أي من أين أتينا؟ قال الله جل‬ ‫في غزوة أحد ﴿أ َّنى هَ َ‬
‫‪43‬‬
‫الحديد‪.16 :‬‬ ‫)(‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(18‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬
‫َ‬
‫م﴾)‪() (44‬‬ ‫سك ُ ْ‬‫عن ْدِ أن ُْف ِ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫ل هُوَ ِ‬‫وعل في بيان ذلك‪﴿ :‬قُ ْ‬
‫فالقرآن في حياة الصحابة يختلف عنه تماما ً في حياة‬
‫غيرهم ولذلك تميزوا عن غيرهم تميزا ً سابقا ً واضحا ً ل‬
‫يلحق مقامهم ول يدرك شرفهم رضي الله عنهم لكن كل‬
‫من سلك سبيلهم ممن اتبعهم بإحسان وسار على‬
‫طريقهم فإنه يحصل من الفضل والخير مثل ما حصلوا أو‬
‫قريبا ً منه‪.‬‬
‫أيها الخوة الكرام‪ ..‬الصحابة رضي الله عنهم اهتدوا‬
‫بالنبي ‪ ‬في قراءة القرآن وفي تلوته وفي العمل به‬
‫وفي جعله منهجا ً للحياة سئلت عائشة رضي الله عنها عن‬
‫خلق النبي ‪ ‬ما خلقه؟ كما في الصحيح فقالت للذي‬
‫سألها مستغربة ومنبهة قالت‪ :‬أولست تقرأ القرآن؟ قال‪:‬‬
‫بلى‪ .‬قالت في جملة مختصرة تجمل مسلك النبي ‪‬‬
‫وهديه وخلقه فقالت‪ :‬كان خلقه القرآن‪ .‬كان خلقه ‪‬‬
‫القرآن يعمل به في نهاره ويقوم به في ليله فهو قائم به‬
‫عامل به آناء الليل وآناء النهار ل يتركه لحظة من‬
‫اللحظات بل كان يترجم القرآن ويبينه للناس بقوله‬
‫وعمله وسائر شأنه ‪ ‬الصحابة رضي الله عنهم ساروا‬
‫على هذا المنوال فكانوا ينظرون إلى القرآن في كل‬
‫أحوالهم وفي كل أعمالهم ولذلك لما سئل ابن عمر رضي‬
‫ن‬ ‫الله عنه عن مسألة من مسائل الحج قال لهم‪﴿ :‬ل ََقد ْ َ‬
‫كا َ‬
‫ُ‬
‫ة﴾)‪ () (45‬لما طلبوه عن‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬‫سوَةٌ َ‬ ‫ل الل ّهِ أ ْ‬
‫سو ِ‬ ‫م ِفي َر ُ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫دليل فعل من الفعال لم يجبهم بأن النبي فعل أو ترك‬
‫إنما لفت أنظارهم إلى الدليل الكبر الذي ينتظم كل فعل‬
‫م ِفي‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫فعله ‪ ‬وكل قول قاله‪ ،‬قال لهم‪﴿ :‬ل ََقد ْ َ‬
‫كا َ‬
‫ُ‬
‫ة﴾‪.‬‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬‫سوَةٌ َ‬‫ل الل ّهِ أ ْ‬
‫سو ِ‬‫َر ُ‬
‫القرآن أيها الخوة منزلته عند السلف مقدمة على سائر‬
‫العلوم ولذلك كانوا ل يشتغلون مع القرآن بشاغل وقد‬
‫صح عن النبي ‪ ‬أنه منع كتابة الحديث حتى استقر المر‬
‫وميز القرآن عن غيره وحفظ القرآن عن غيره وقيل‪ :‬إن‬

‫‪44‬‬
‫آل عمران‪.165 :‬‬ ‫)(‬
‫‪45‬‬
‫الحزاب‪.21 :‬‬ ‫)(‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(19‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫منع النبي ‪ ‬عن كتابة غير القرآن في وقته ‪ ‬إنما كان‬


‫ليتميز القرآن عن غيره ولئل يشتغل الناس بغير القرآن‬
‫حتى بقوله ‪ ‬وقد تنبه الصحابة إلى هذا المر فكان‬
‫القرآن عندهم بالدرجة الولى حتى إنهم كانوا يقولون‪:‬‬
‫"إذا حفظ الرجل فينا سورة البقرة جد عندنا"‪ ،‬أي عظم‬
‫وارتفع قدره وكان له من المنزلة ما ليس لغيره‪ ،‬لنها‬
‫السورة التي تضمنت الحكام الكثيرة والوصاف العظيمة‬
‫لرب العالمين ففيها آية الكرسي التي هي أعظم آية في‬
‫كتاب الله جل وعل المهم أيها الخوة أن الصحابة كانوا ل‬
‫يعدلون بالقرآن شيئا ً والناظر في أحوال كثير ممن‬
‫يشتغلون بالعلم في هذه الزمنة يجد أنهم عن القرآن‬
‫معرضون والعراض ليس إعراض هجر وبعد إنما هو‬
‫إعراض ترتيب في أولويات طالب العلم إن أولى وأعظم‬
‫ما اشتغل به من أراد العلم أن يشتغل بالقرآن العظيم‬
‫حفظا ً وتلوة وتدبرا ً وفهما ً للمعنى وإقبال ً على ما قاله‬
‫أهل العلم في هذا الكتاب الحكيم‪.‬‬
‫وقد سار على هذا السلف الصالح فكانوا يقدمون القرآن‬
‫على كل أحد واستمع إلى ما جرى لبن خزيمة رحمه الله‬
‫وهو الملقب بإمام الئمة يقول ابن خزيمة‪ :‬استأذنت أبي‬
‫في الخروج إلى قتيبة ‪ -‬ليتلقى عنه – قال‪ :‬اقرأ القرآن‬
‫أول ً حتى آذن لك فاستظهرت القرآن أي حفظته فقال‪:‬‬
‫امكث حتى تصلي بالختمة ‪ -‬يعني حتى تصلي بنا وتختم‬
‫بالقرآن ‪ -‬يقول‪ :‬ففعلت فلما عيدنا أي انتهى رمضان‬
‫وختمت بهم القرآن أذن لي فخرجت إلى مرو ‪ -‬يطلب‬
‫هذا المحدث ليتلقى عنه ‪ -‬وسمعت بمرو من فلن وفلن‬
‫فنعي إلينا قتيبة أي إنه لم يدركه ولم يتلقّ عنه‪ ،‬والشاهد‬
‫من هذا أن السلف رحمهم الله ومن سلك سبيلهم ومن‬
‫سار على طريقهم كانوا يجعلون القرآن في المرتبة‬
‫الولى في التعلم وحال الناس اليوم أنهم يشتغلون بعلوم‬
‫اللت وبالعلوم الخرى عن القرآن فليس لهم نصيب من‬
‫التفسير ليس لهم نصيب من علم القرآن وما فيه من‬
‫الحكام بل حتى الذين يشتغلون بالقرآن تفسيرا ً ليس لهم‬
‫نصيب من القرآن في استنباط الحكام فالقرآن مشتمل‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(20‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫على أحكام وحكم كثيرة تحتاج إلى استنباط تحتاج إلى‬


‫نظر ول يمكن أن تستنبط ول أن تحصل ول أن تدرك إل‬
‫بإمعان النظر والتأمل والقراءة في كلم العلماء وجمع ما‬
‫تفرق من كلم أهل العلم في آيات الكتاب الحكيم ليحصل‬
‫للنسان الخير وليحصل له الفقه في كتاب الله عز وجل‬
‫والمعرفة بالقرآن الحكيم‪.‬‬
‫أيها الخوة الكرام‪ . .‬النبي ‪ ‬أعطانا معيارا ً دقيقا ً وميزانا ً‬
‫واضحا ً قسطا ً في مسألة الخيرية فقال ‪)) :‬خيركم‬
‫من تعلم القرآن وعلمه(()‪ (46‬وهذه شهادة من النبي‬
‫‪ ‬ممن ل ينطق عن الهوى في فضيلة تعلم القرآن‬
‫وتعليمه خيركم أي خير هذه المة من تعلم القرآن وليس‬
‫التعلم هنا فقط تعلم اللفاظ إنما هو تعلم اللفظ مع‬
‫المعنى خيركم من تعلم القرآن وعلمه فإقبال الناس‬
‫وإقبال المرء على القرآن دليل واضح على خيريته وله من‬
‫الخيرية بقدر هذا القبال فالذي يقبل فقط على حفظ‬
‫القرآن فيه من الخيرية ما يقابل الحفظ فقط والذي يقبل‬
‫على حفظه وفهم معناه وتدبره واستنباط الحكم والحكام‬
‫منه هذا فيه من الخيرية ما ليس في غيره‪ ،‬من يقبل على‬
‫هذا كله حفظا ً وفهما ً وتدبرا ً ويعقد ذلك بالعمل هذا فيه‬
‫من الخير ما ليس في غيره وهلم جّرًا‪ ..‬فبقدر أخذك‬
‫للقرآن علما ً وعمل ً بقدر ما يكون معك من الخير وبقدر ما‬
‫يحصل لك الكمال إذا استكملت مراتب التعلم ثم انتقلت‬
‫إلى مراتب التعليم‪ ،‬فالتعليم للقرآن العظيم من خير‬
‫العمال لنه به تحفظ الشريعة وليس فقط كما ذكرنا‬
‫التعليم للفظ بل التعليم للفظ والمعنى‪ ،‬والعجيب أيها‬
‫الخوة أنك إذا نظرت إلى سير العلماء على اختلف‬
‫أزمانهم ودرجاتهم في العلم ونفعهم للمة تجد أنهم في‬
‫آخر أوقاتهم يتحسرون على عدم الشتغال أو يندمون‬
‫على عدم الشتغال بالقرآن ودوا لو أنهم أعطوا القرآن‬
‫من النظر والبحث والتأليف والقراءة ما ليس لغيره من‬
‫العلوم وذلك لما وجدوا في القرآن من الثر والنفع والبقاء‬
‫‪46‬‬
‫أخرجه البخاري من حديث عثمان بن عفان في كتاب فضائل‬ ‫)(‬
‫القرآن برقم ‪.4639‬‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(21‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫فإن في القرآن من العلم ما ليس في غيره يكفي قول‬


‫ت ِفي‬ ‫ت ب َي َّنا ٌ‬ ‫ل هُوَ آَيا ٌ‬ ‫الله جل وعل في ذكر القرآن ﴿ب َ ْ‬
‫صدور ال ّذي ُ‬
‫م﴾)‪ () (47‬وقد طلب الكفار من النبي‬ ‫ن أوُتوا ال ْعِل ْ َ‬ ‫ُ ُ ِ ِ َ‬
‫‪ ‬اليات والمعجزات فجاءهم الجواب في قوله تعالى‪﴿ :‬‬
‫م﴾)‪() (48‬‬ ‫ب ي ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬‫م أ َّنا أ َن َْزل َْنا عَل َي ْ َ‬
‫م ي َك ِْفهِ ْ‬ ‫أوَل َ ْ‬
‫َ‬
‫فالكتاب أعظم آيات النبياء أعظم حجة وأعظم برهان‬
‫لكنه حجة وبرهان لمن تدبره وتأمله وأقبل عليه‪.‬‬
‫القرآن أيها الخوة يرفع الله به أقواما ً ويضع به آخرين كما‬
‫قال النبي ‪ ‬ول أدل ول أصدق من وقوع هذا الحديث في‬
‫واقع المة من رفع الله جل وعل لسلف المة بأخذهم‬
‫القرآن فإن الله رفع القرون المفضلة لما كانوا عليه من‬
‫القبال على هذا القرآن قراءة وعلما ً وعمل ً وتعليما ً‬
‫ودعوة وغير ذلك من أوجه النتفاع بالقرآن الحكيم‪.‬‬
‫أيها الخوة إننا في هذه الزمان المتأخرة التي بليت فيها‬
‫المة بالمصائب والرزايا من عدة جهات فيما يتعلق‬
‫بعلقتها بربها وبعلقتها بالخلق وعلقتها مع دينها تحتاج‬
‫المة إلى أن تراجع هذا الكتاب الذي قال فيه النبي‬
‫‪)) :‬تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا‬
‫بعدي أبدًا‪ :‬كتاب الله(()‪ (49‬فالواجب على المسلمين‬
‫أفرادا ً وجماعات أن يعودوا إلى هذا المعين الصافي إلى‬
‫هذا المنبع الصافي الذي ل تنضب فوائده ول تنتهي عجائبه‬
‫ول تنقضي أسراره وأسباب النجاة فيه فينبغي لنا أن نقبل‬
‫على هذا الكتاب فيه القصص فيه العبرة فيه العظة فيه‬
‫التثبيت فيه الهداية فيه النور كما قال الله جل وعل في‬
‫ك روحا ً م َ‬ ‫وصفه‪﴿ :‬وك َذ َل ِ َ َ‬
‫ت ت َد ِْري‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬‫مرَِنا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ ُ‬‫ك أوْ َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫دي ب ِهِ َ‬ ‫جعَل َْناهُ ُنورا ً ن َهْ ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن وَل َك ِ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ب َول اْلي َ‬ ‫ما ال ْك َِتا ُ‬ ‫َ‬
‫فهذا القرآن نور وروح فهذه أوصاف تبعث‬ ‫)‪(50‬‬
‫شاُء﴾‬ ‫نَ َ‬
‫‪47‬‬
‫العنكبوت‪.49 :‬‬ ‫)(‬
‫‪48‬‬
‫العنكبوت‪.51 :‬‬ ‫)(‬
‫‪49‬‬
‫)( أخرجه مالك في مسنده من حديث عمققر بققن الخطققاب رضققي اللققه‬
‫عنه بلفظ‪)) :‬تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب اللققه‬
‫وسنة نبيه(( برقم ‪.1395‬‬
‫‪50‬‬
‫الشورى‪52 :‬‬ ‫)(‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(22‬‬
‫محاضرة – حال السلف مع القرآن‬

‫الحياة في الفرد كما أنها تبعث الحياة في الجماعة وكما‬


‫أنها تبعث الحياة في المة فإن المة إذا أقبلت على‬
‫الكتاب بشرت بهذين الروح والنور‪ ،‬الروح يحصل به‬
‫الحياة والنور يحصل به التمييز بين الحق والباطل الخروج‬
‫من هذه الظلمات التي أحلكت بالمة وأحاطت بها من كل‬
‫جانب ل مخرج منها إل بالكتاب المبين والقرآن العظيم‬
‫ه ُنورا ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَل َْنا ل َ ُ‬ ‫مْيتا ً فَأ ْ‬
‫حي َي َْناهُ وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬‫قال الله جل وعل‪﴿ :‬أوَ َ‬
‫ج‬‫خارِ ٍ‬‫س بِ َ‬ ‫ت ل َي ْ َ‬ ‫ه ِفي الظ ّل ُ َ‬
‫ما ِ‬ ‫مث َل ُ ُ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫س كَ َ‬ ‫شي‪(51‬ب ِهِ ِفي الّنا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫نسأل الله جل وعل بأسمائه الحسنى وصفاته‬ ‫)‬
‫من َْها﴾‬‫ِ‬
‫العل أن يصلح أحوال المسلمين وأن يجعلنا من أهل‬
‫القرآن الذين هم أهل الله وخاصته فإنهم أهل الله‬
‫لقبالهم على صفة من صفاته وخاصته لنهم عظموا ما‬
‫عظم و أقبلوا على كتابه أسأل الله جل وعل أن يجعلنا‬
‫ممن تعلم القرآن وعلمه‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫النعام‪.122 :‬‬ ‫)(‬
‫‪www.almosleh.com‬‬ ‫)‪(23‬‬

You might also like