Professional Documents
Culture Documents
لفضيلة الشيخ
www.almosleh.com
محاضرة – حال السلف مع القرآن
أيها الخوة الكرام هذا الكتاب كما ذكرت لكم فرح به
السلف فرحا ً عظيما ً أقبل عليه لم يشبع من تلوته ول من
3
)( السراء.82 :
4
)( الشورى.11 :
www.almosleh.com )(3
محاضرة – حال السلف مع القرآن
ن
م ْ ب َ شاُء وَي ُعَذ ّ ُن يَ َ ه فَي َغِْفُر ل ِ َ
م ْ م ب ِهِ الل ّ ُسب ْك ُ ْ
حا ِ خُفوهُ ي ُ َ تُ ْ
هذه الية يحفظها كثير منا ويقرؤها كثير منا )(10
شاُء﴾ يَ َ
لكنها ل تستوقف أكثرنا وذلك لننا نقرأ القرآن ل على
وجه التلقي لما فيه من المعاني نقرأ القرآن طلبا ً للجر
بقراءة لفظه دون نظر إلى ما تضمنه من المعنى ،صحابة
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما أنزل الله
جل وعل على رسول الله هذه الية التي فيها إثبات
الملك لله عز وجل إثبات ما في السماوات وما في
الرض له سبحانه وتعالى وأنه جل وعل يحاسب الناس
على ما دار في صدورهم وما جال في نفوسهم ولو لم
يتكلموا به و لو لم يعملوا صحابة رسول الله لما سمعوا
هذا اشتد عليهم المر فأتوا إلى رسول الله كما في
الصحيحين ثم بركوا على الركب أي جلسوا على الركب
من شدة ما جاءهم في هذه الية فقالوا :يا رسول الله
كلفنا من العمل ما نطيق :الصلة ،الصيام ،الجهاد،
الصدقة –أي كل هذا نطيقه -وقد نزلت علينا آية ل نطيقها
فقال رسول الله مؤدبا ً هؤلء معلما ً لهم كيف يتلقون
القرآن ،كيف يتلقون كلم رب العالمين ،قال لهم " :
أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من
)(11
قبلكم سمعنا وعصينا؟ قولوا :سمعنا وأطعنا "
فما كان منهم رضي الله عنهم إل أن انقادوا إلى توجيه
النبي وقالوا :سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك
المصير ،فلما اقترأها القوم وذلت بها ألسنتهم وتكلموا بها
وقرؤوها وقبلوها قبول ً تاما ً جاء التخفيف من رب العالمين
ل الل ّ ُ
ه ما ي َْفعَ ُ جاء الفرج من الله جل وعل الذي قالَ ﴿ :
م﴾) (12ما يفعل الله بعذابكم أي من ْت ُ ْم َوآ َشك َْرت ُ ْ ن َ م إِ ْ ذاب ِك ُ ْ
ب ِعَ َ
بإلحاق المشقة بكم إن شكرتم وآمنتم جاء الفرج من الله
جل وعل لهذه المة ونزل في كتاب الله جل وعل تزكيتها
وبيان فضل صحابة رسول الله فقال الله جل وعل﴿ :
10
البقرة.284 : )(
11
أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة في كتاب اليمان برقم )(
.179
12
)( النساء.147 :
www.almosleh.com )(6
محاضرة – حال السلف مع القرآن
ن
م َ لآ َ ن كُ ّ مُنو َ مؤ ْ ِ ن َرب ّهِ َوال ْ ُ م ْل إ ِل َي ْهِ ِ ما أ ُن ْزِ َ ل بِ َسو ُ ن الّر ُ م َ آ َ
َ
ه
سل ِ ِن ُر ُ م ْحدٍ ِ نأ َ سل ِهِ ل ن َُفّرقُ ب َي ْ َ ملئ ِك َت ِهِ وَك ُت ُب ِهِ وَُر ُ ِبالل ّهِ وَ َ
صيُر * ل ي ُك َل ّ ُ
ف م ِ ك ال ْ َ ك َرب َّنا وَإ ِل َي ْ َمعَْنا وَأ َط َعَْنا غُْفَران َ َ س ِ وََقاُلوا َ
سعََها﴾) (13فجاء التخفيف من رب العالمين ه ن َْفسا ً إ ِّل وُ ْ الل ّ ُ
بعد إثبات إيمانهم وقبولهم لما جاء عن الله وعن رسوله.
أيها الخوة ..الشاهد من هذه القصة من هذا الحديث أن
الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يتقبلون القرآن
ويتلقونه على أنه شيء يتلى وتستنبط منه الحكام
ويعرف ما فيه من المعاني فقط بل قرؤوه رضي الله
عنهم على أنهم هم المخاطبون هم المعنيون بما فيه من
المعاني ولذلك شق عليهم فراجعوا رسول الله في
الذي شق عليهم من هذا القرآن وهذا النبأ وهذه القصة
ليست الفريدة وليست الوحيدة التي حفظتها كتب السنة
في فعل الصحابة رضي الله عنهم عندما أنزل الله جل
وعل ما وجد الصحابة رضي الله عنهم فيه مشقة وفيه
عسرا ً وصعوبة في الصحيحين من حديث ابن
مسعود رضي الله عنه أن الله جل وعل لما أنزل
مُنوا نآ َ ذي َ قوله سبحانه وتعالى على رسوله﴿ :ال ّ ِ
مه ْو ُ ن َ م ُ
َ
م اْل ْ ه ُ ك لَ ُ م ب ِظُل ْم ٍ ُأول َئ ِ َ ه ْمان َ ُ سوا ِإي َ م ي َل ْب ِ ُ ول َ ْ َ
هذه الية فيها البشارة من الله جل وعل )(15) (14
ن﴾ دو َ هت َ ُ م ْ ُ
لمن آمن وسلم من أن يخلط إيمانه بظلم فقوله تعالى ﴿
كم ب ِظ ُل ْم ٍ﴾ أي لم يخلطوه بظلمُ﴿ ،أول َئ ِ َ مان َهُ ْ سوا ِإي َ م ي َل ْب ِ ُ وَل َ ْ
َ
ن﴾ لهم المن في الدنيا والخرة، دو َ مهْت َ ُم ُ ن وَهُ ْ م ُ م اْل ْ ل َهُ ُ
وهم مهتدون أيضا ً في الدنيا والخرة لن الهداية
المسؤولة والمثبتة لهل اليمان ليست فقط في الدنيا بل
الهداية في الدنيا والخرة وهداية الخرة أعظم من هداية
الدنيا لكنها ل تكون إل لمن اهتدى في الدنيا لن هداية
الخرة بها النجاة من أهوال ذلك الموقف العظيم الذي
كاَرى س َ م بِ ُ ما هُ ْ كاَرى وَ َ س َ س ُ تشيب فيه الولدان ﴿وَت ََرى الّنا َ
13
)( البقرة.286-285 :
14
النعام.82 : )(
15
أخرجه البخاري في كتاب أحاديث النبياء برقم 3110 )(
وأخرجه مسلم في كتاب اليمان برقم .178
www.almosleh.com )(7
محاضرة – حال السلف مع القرآن
ديد ٌ﴾) (16ذلك اليوم يحتاج به النسان ش ِب الل ّهِ َ ذا َن عَ َ وَل َك ِ ّ
إلى هداية يخرج بها من تلك الهوال ينجو بها من تلك
المزالق يجوز بها الصراط فإنه لو لم يهده الله جل وعل
إلى اجتياز الصراط لما اجتاز ولما تمكن من السلمة من
صراط ورد في وصفه أنه أدق من الشعر وأحد من
السيف.
أيها الخوة . .صحابة رسول الله لما نزلت عليهم الية أتوا
إلى النبي وقد شق عليهم المر فقالوا :يا رسول الله
من منا ما وقع في الظلم؟ كلنا أينا لم يظلم نفسه يعني َ
واقع في الظلم وهذه الية ل يحصل فيها المن ول
الهتداء إل باليمان الذي لم يخلط فيه النسان إيمانه
بظلم فشرط حصول المن والهتداء أن ل يقع النسان
في الظلم ففهم الصحابة أن هذا يشمل كل ظلم الدقيق
والجليل الصغير والكبير الشرك فما دونه فجاؤوا النبي
فشكوا له أنه ل سلمة من الظلم بل كل إنسان ظالم
كما قال النبي " :كل ابن آدم خطاء وخير
الخطائين التوابون ") (17وكما قال الله جل وعل قبل
جُهول ً﴾) (18حيث ن ظ َُلوما ً َ كا َ ه َ ن إ ِن ّ ُ سا ُمل ََها اْل ِن ْ َ
ح َ
ذلك﴿ :وَ َ
حمل المانة وقد أعرض عن حملها السماوات والرض
َْ َ
ضت َوالْر ِ ماَوا ِ س َة عََلى ال ّ مان َ َ ضَنا اْل َ والجبال ﴿إ ِّنا عََر ْ
وال ْجبال فَأ َبين أ َن يحمل ْنها وأ َ
ن مل ََها اْل ِن ْ َ
سا ُ ح َ
من َْها وَ َن ِ َ ق
ْ ف
َ شْ َْ َ ْ َ ْ ِ ََ َ َ ِ َ ِ
جُهول ً﴾ وهذا الوصف ل يختص بفرد من ن ظ َُلوما ً َ كا َه َ إ ِن ّ ُ
الناس ول بجنس منهم بل هو لعموم النسان لعموم
الناس فكلهم ظالم جهول ل يسلم النسان من هذين
الوصفين إل بالهتداء بكتاب الله وبما جاءت به الرسل
عن الله سبحانه وتعالى.
أيها الخوة الكرام . .لما جاء الصحابة رضي الله عنهم إلى
النبي يشكون ما في هذه الية ويبينون مشقتها على
رسول الله قال لهم :ليس الذي تظنون .أي
16
الحج.2 : )(
17
أخرجه الترمذي في سننه من حديث أنس بن مالك في كتاب )(
صفة القيامة برقم .2423
18
الحزاب.72 : )(
www.almosleh.com )(8
محاضرة – حال السلف مع القرآن
25
المزمل.5 : )(
26
المزمل.6-5: )(
27
أخرجه أبوداود في كتاب الصلة برقم .740 )(
28
)( أخرجه مسلم في كتاب صلة المسافرين وقصرها برقم .1291
www.almosleh.com )(12
محاضرة – حال السلف مع القرآن
29
المائدة.118 : )(
30
أخرجه النسائي في كتاب الفتتاح برقم .1000 )(
www.almosleh.com )(13
محاضرة – حال السلف مع القرآن
َ َ
ن تأ ْ سي َّئا ِ حوا ال ّ جت ََر ُنا ْ ذي َب ال ّ ِ س َ ح ِ م َ كرر قوله تعالى﴿ :أ ْ
ت﴾) (31ردد هذه الية حا ِ صال ِ َمُلوا ال ّ مُنوا وَعَ ِ نآ َ ذي َ كال ّ ِم َ جعَل َهُ ْ نَ ْ
حتى أصبح ،وورد ذلك أيضا ً عن أسماء رضي الله عنها أنها
بذا َ ه عَل َي َْنا وَوََقاَنا عَ َ ن الل ّ ُ م ّ قرأت قوله تعالى﴿ :فَ َ
موم ِ﴾) (32فوقفت رضي الله عنها عندها فجعلت تعيدها س ُ ال ّ
ي ذلك ي ذلك هذا الراوي يقول :فطال عل ّ وتدعو فطال عل ّ
فذهبت إلى السوق فقضيت حاجتي ثم رجعت وهي
تعيدها وتدعو رضي الله عنها .هذا التدبر للقرآن ،فالتكرار
في آيات القرآن ليس تكرارا ً لطلب الجر بقراءة الحرف
إنما هو لطلب ما فيها من المعاني وطلب ما فيها من
الخير وورد أن ابن مسعود رضي الله عنه ردد قوله
عْلما ً﴾) (33وورد عن سعيد بن جبير ب زِد ِْني ِ ل َر ّ تعالى﴿ :وَقُ ْ
ن
جُعو َ وما ً ت ُْر َ رحمه الله أنه ردد قول الله تعالىَ﴿ :وات ُّقوا ي َ ْ
ِفيهِ إ َِلى الل ّهِ ﴾) (34وورد ذلك عن جمع من التابعين
والصحابة رضي الله عنهم .والترديد للية ليس أمرا ً
مشروعا ً في الفرائض لن النبي لم يفعل ذلك ولم
ينقل عنه إنما هو في النوافل كما جاء ذلك في أثر حديث
أبي ذر الذي رواه النسائي وغيره هذا الترداد لليات هو
من شواهد أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتدبرون
القرآن لن الترداد والتكرار لهذه اليات إنما هو للنظر في
معانيها ،وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطيلون البكاء
عند آيات الكتاب ول عجب فقد رأوا ذلك من رسولهم
وقبل ذلك فإن الله جل وعل أثنى في كتابه على النبياء
وعلى أولي العلم الذين يخرون للذقان سجدا ً والذين
يخرون للذقان يبكون مما في هذا الكتاب من المواعظ
كقال الله جل وعل في وصف جماعة من النبياءُ﴿ :أول َئ ِ َ
ال ّذي َ
نم ْ م ّم وَ ِ ن ذ ُّري ّةِ آد َ َم ْ ن ِ ن الن ّب ِّيي َ م َ م ِ ه عَل َي ْهِ ْ م الل ّ ُ ن أن ْعَ َ ِ َ
ن هَد َي َْنا م ْ م ّ ل وَ ِ سرائي َ م وَإ ِ ْ هي َ ن ذ ُّري ّةِ إ ِب َْرا ِ م ْ ح وَ ِ معَ ُنو ٍ مل َْنا َ ح َ َ
31
الجاثقية.21 : )(
32
الطور.27 : )(
33
طقه.114 : )(
34
البقرة.281 : )(
www.almosleh.com )(14
محاضرة – حال السلف مع القرآن
)(35
جدا ً وَب ُك ِي ّا ً﴾س ّخّروا ُ ن َ م ِح َت الّر ْ م آَيا ُ ذا ت ُت َْلى عَل َي ْهِ ْ جت َب َي َْنا إ ِ َ
َوا ْ
خّروا﴾ الذي يدل ويشعر بالمسارعة إلى وانظر إلى قولهَ ﴿ :
السجود وأن السجود سجود ذل وخضوع وانكسار وتضرع
جدا ً وَب ُك ِي ّا ً﴾ أيضا ً أخبر الله جل وعل عن قوم من س ّ خّروا ُ ﴿ َ
لما أ ُن ْزِ َ مُعوا َ س ِ ذا َ أهل الكتاب فقال سبحانه وتعالى﴿ :وَإ ِ َ
َ
ن
م َما عََرُفوا ِ م ّمِع ِ ن الد ّ ْ م َض ِ م ت َِفي ُ ل ت ََرى أعْي ُن َهُ ْ سو ِ إ َِلى الّر ُ
ن﴾) (36فشواهد دي َشاهِ ِ معَ ال ّ مّنا َفاك ْت ُب َْنا َ ن َرب َّنا آ َحقّ ي َُقوُلو َ ال ْ َ
ثناء الله جل وعل على الباكين عند تلوة القرآن كثيرة
وهي من الفضائل التي امتدح الله بها من امتدح من
النبيين ومن أولي العلم وممن تعقلوا وتدبروا ما في هذا
الكتاب من الحكم ولذلك كان سيد ولد آدم من أعظم
الخلق نصيبا ً في ذلك ففي حديث عبدالله بن
الشخير قال " :رأيت رسول الله يصلي بنا -أي
يصلي بالصحابة -وفي صدره أزيز كأزيز المرجل
من البكاء") (37والزيز هو الحركة والحنين الناتج عن
التدبر والتأثر بالقرآن الحكيم وقد صح عن النبي في
الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود أن
النبي قال لعبد الله بن مسعود" :اقرأ علي".
فقال عبدالله رضي الله عنه" :أقرأ عليك وعليك
أنزل؟ " قال النبي " :فإني أحب أن أسمعه
من غيري" يقول :فقرأت عليه سورة النساء
نم ْ جئ َْنا ِ ذا ِ ف إِ َ فك َي ْ َ حتى إذا جئت قوله تعالىَ ﴿ :
ً )(38
هيدا﴾ ء َ ه ُ عَلى َ جئ َْنا ب ِ َ ة بِ َ كُ ّ ُ
ش ِ ؤل ِ ك َ و ِ د َهي ٍ ش ِ م ٍلأ ّ
قال له رسول الله )) :أمسك فإذا عيناه
تذرفان بكاءا ً من تأثره بما سمع(().(39
وهذا أيها الخوة ليس في هذين فقط بل في مواضع
عديدة من هديه فإنه كان كثير البكاء لهذا القرآن وما
35
مريم.58 : )(
36
المائدة.83 : )(
37
أخرجه أحمد في من برقم .15722 )(
38
النساء.41 : )(
39
أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن برقم .4662 )(
www.almosleh.com )(15
محاضرة – حال السلف مع القرآن
44
آل عمران.165 : )(
45
الحزاب.21 : )(
www.almosleh.com )(19
محاضرة – حال السلف مع القرآن
51
النعام.122 : )(
www.almosleh.com )(23