You are on page 1of 3

‫أسباب وطرق تليين القلوب والبكاء من خشية ال‬

‫ويستطيع المسلم أن يليّن قلبه ويدمع عينه بما يسمع ويقرأ ويرى ؛ وذلك‬
‫‪ -‬بعد توفيق ال تعالى ‪ ،‬وسنذكر ما تيسر من المرين – السباب‬
‫والحوال ‪ -‬لعلّ ال أن ينفع بها ‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬

‫‪ .1‬معرفة ال تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله ‪.‬‬


‫فمن عرف ال خافه ورجاه ‪ ،‬ومن خافه ورجاه رق قلبه ودمعت عينه ‪،‬‬
‫ومن جهل ربه قسى قلبه وقحطت عينه ‪.‬‬
‫ومقامات اليمان ‪ :‬الحب ‪ ،‬والخوف ‪ ،‬والرجاء ‪ ،‬وكل أولئك تدعو المسلم‬
‫للبكاء ‪.‬‬

‫قال أبو سليمان الداراني ‪ -‬كما ذكر عنه ابن كثير في ترجمته في " البداية‬
‫والنهاية " ( ‪ : ) 256 / 10‬لكل شيء علَم وعلَم الخُذلن ‪ :‬ترك البكاء من‬
‫خشية ال ‪.‬‬
‫فإذا خذل ال العبد ‪ :‬سلبه هذه الخصلة المباركة ‪ ،‬وصار شقيّا قاسي القلب‬
‫وجامد العين ‪.‬‬
‫فالمحب يبكي شوقاً لمحبوبه والخائف يبكي من فراقه وخشيت فراقه‬
‫والراجي يبكي لحصول مطلوبه فإذا أحببت ال دعاك حبّه للبكاء شوقاً له ‪،‬‬
‫وإذا خفت منه دعاك خوفُه للبكاء من خشيته وعقابه ‪ ،‬وإذا رجوته دعاك‬
‫رجاؤه للبكاء طمعاً في رضوانه وثوابه ‪.‬‬
‫وإلى هذه المور الثلثة ‪ -‬الحب ‪ ،‬والخوف ‪ ،‬والرجاء ‪ -‬أشار نبينا محمد‬
‫عليه الصلة والسلم في الحديث الذي رواه الشيخان عن أبي هريرة‬
‫رضي ال عنه ‪ :‬أن النبي صلى ال عيه وسلم قال ‪ " :‬سبعة يظلهم ال‬
‫في ظله يوم ل ظل إل ‪ ...‬ورجل ذكر ال خالياً ففاضت عيناه " رواه‬
‫البخاري ( ‪ ، ) 629‬ومسلم ( ‪. ) 1031‬‬
‫ومعنى " ذكر ال " خائفاً أو محبّا أو راجياً ‪ ،‬فإذا اتصف المسلم بهذا فهو‬
‫سعيد وإل فهو مخذول ‪.‬‬

‫‪ .2‬قراءة القرآن الكريم وتدبر آياته ‪.‬‬


‫قال ال تعالى ‪ -‬في وصف عباده العلماء الصالحين ‪ِ { : -‬إنّ الّذِينَ أُوتُواْ‬
‫سجّدًا ‪ .‬وَ َيقُولُونَ سُ ْبحَانَ رَبّنا‬
‫ن ِللْذْقَانِ ُ‬ ‫علَ ْيهِمْ َيخِرّو َ‬
‫الْ ِعلْمَ مِن قَ ْبلِهِ إِذَا يُ ْتلَى َ‬
‫ن َوعْدُ رَبّنا لَ َمفْعُو ًل ‪ .‬وَ َيخِرّونَ ِللْذْقَانِ يَبْكُونَ وَ َيزِي ُدهُ ْم خُشُوعًا }‬ ‫إِن كَا َ‬
‫[ السراء ‪. ] 109-107:‬‬

‫قال الطبري عند الكلم على هذه الية ‪ :‬يقول تعالى ذكره ‪ :‬ويخر هؤلء‬
‫الذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين ‪ ,‬من قبل نزول الفرقان ‪ ,‬إذا‬
‫يتلى عليه القرآن لذقانهم يبكون ‪ ,‬ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ‬
‫والعبر خشوعا ‪ ,‬يعني خضوعا لمر ال وطاعته استكانة له ‪.‬‬
‫" تفسير الطبري " ( ‪. ) 181 / 15‬‬

‫وقال القرطبي ‪ :‬هذا مدح لهم ‪ ,‬وحق لكل من توسم بالعلم ‪ ,‬وحصل منه‬
‫شيئا أن يجري إلى هذه المرتبة ‪ ,‬فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع‬
‫ويذل ‪.‬‬
‫" تفسير القرطبي " ( ‪. ) 341 / 10‬‬
‫{ من قبله } أي ‪ :‬من قَبل النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ويبكون عند سماع‬
‫ما نزل عليهم ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬من قَبل القرآن ‪ ،‬وهم اليهود والنصارى ‪ ،‬وهي بشرى للمتقين‬
‫منهم أنهم يسلمون ‪ ،‬وهو الذي حصل كما في قوله تعالى ‪ { :‬وَإِذَا سَمِعُواْ‬
‫مَا أُن ِزلَ ِإلَى الرّسُولِ تَرَى َأعْيُ َنهُمْ َتفِيضُ ِمنَ الدّ ْمعِ ِممّا عَرَفُواْ ِمنَ ا ْلحَق }‬
‫[ المائدة ‪. ] 83 :‬‬

‫واليات الوَل ‪ -‬في السراء ‪ -‬مكية ‪ ،‬ومما نزل في مكة ‪:‬‬


‫علَ ْيهِمْ ِمنَ النّبِيّينَ ِمنْ ذُرّيّةِ آَدَ َم وَ ِم ّمنْ‬‫لّ َ‬‫قولُه تعالى ‪ { :‬أُولَ ِئكَ الّذِينَ َأنْعَمَ ا ُ‬
‫ن هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُ ْتلَى‬
‫ح وَ ِمنْ ذُرّيّةِ إِ ْبرَاهِيمَ وَِإسْرَائِي َل وَمِ ّم ْ‬‫حَ َملْنَا َمعَ نُو ٍ‬
‫سجّدًا وَبُ ِكيّا } [ مريم ‪. ] 58 /‬‬ ‫ن خَرّوا ُ‬ ‫علَ ْيهِمْ آَيَاتُ ال ّرحْ َم ِ‬
‫َ‬

‫وآية " النجم " ‪:‬‬


‫شفَةٌ ‪.‬‬‫س َلهَا ِمنْ دُونِ الِّ كَا ِ‬ ‫ت الَْزِفَ ُة ‪ .‬لَيْ َ‬ ‫{ هَذَا نَذِيرٌ ِمنَ النّذُرِ الُْولَى ‪ .‬أَ ِزفَ ِ‬
‫ن ‪ .‬وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ‪.‬‬ ‫ن وَلَ تَ ْبكُو َ‬‫ضحَكُو َ‬ ‫ن هَذَا ا ْلحَدِيثِ تَ ْعجَبُونَ ‪ .‬وَ َت ْ‬ ‫أَفَ ِم ْ‬
‫سجُدُوا لِّ وَاعْبُدُوا } [ النجم ‪. ] 62 – 56 /‬‬ ‫فَا ْ‬
‫وهذا لتربية الصحابة على رقة القلب وصدق اليمان ‪ ،‬وأن الضحك الحق‬
‫ل يكون إل في الخرة‪.‬‬
‫ن ‪ .‬وَإِذَا َمرّوا ِبهِمْ‬ ‫ضحَكُو َ‬ ‫{ ِإنّ الّذِينَ َأجْ َرمُوا كَانُوا ِمنَ الّذِينَ آَ َمنُوا يَ ْ‬
‫ن ‪ .‬وَإِذَا ا ْن َقلَبُوا ِإلَى َأ ْهلِهِمُ ا ْن َقلَبُوا فَ ِكهِينَ ‪ .‬وَإِذَا رََأوْهُمْ قَالُوا ِإنّ‬
‫يَتَغَا َمزُو َ‬
‫علَ ْيهِ ْم حَا ِفظِينَ ‪ .‬فَالْ َيوْمَ الّذِينَ آَمَنُوا ِمنَ‬‫سلُوا َ‬ ‫َهؤُ َلءِ لَضَالّونَ ‪ .‬وَمَا أُ ْر ِ‬
‫ن ‪ .‬هَلْ ُثوّبَ الْ ُكفّارُ مَا كَانُوا َيفْ َعلُونَ‬
‫علَى الَْرَا ِئكِ يَ ْنظُرُو َ‬
‫ن‪َ .‬‬
‫ضحَكُو َ‬
‫الْ ُكفّارِ يَ ْ‬
‫‪ [ .‬المطففين ‪ ] 36 – 29 /‬وهي سورة مكية ‪.‬‬

‫‪ .3‬كثرة ذكر ال عز وجل ‪.‬‬


‫عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬سبعة يظلهم ال في‬
‫ظله يوم ل ظل إل ظله ‪ - ... :‬وذكر منهم ‪ - :‬ورجل ذكر ال خاليا ففاضت‬
‫عيناه ‪.‬‬
‫رواه البخاري ( ‪ ) 629‬ومسلم ( ‪. ) 1031‬‬
‫والخلوة مدعاة إلى قسوة القلب ‪ ،‬والجرأة على المعصية ‪ ،‬فإذا ما جاهد‬
‫النسان نفسه فيها ‪ ،‬واستشعر عظمة ال فاضت عيناه ‪ ،‬فاستحق أن‬
‫يكون تحت ظل عرش الرحمن يوم ل ظل إل ظله ‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪:‬‬
‫إن في القلب قسوة ل يذيبها إل ذكر ال تعالى ‪ ،‬فينبغي للعبد أن يداوي‬
‫قسوة قلبه بذكر ال تعالى وذكر حماد بن زيد عن المعلى بن زياد أن رجل‬
‫قال للحسن ‪ :‬يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي ‪ ،‬قال ‪ :‬أذبه بالذكر ؛ وهذا‬
‫لن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة فإذا ذكر ال تعالى ذابت‬
‫تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار ‪ ،‬فما أذيبت قسوة القلوب بمثل‬
‫ذكر ال عز وجل‪.‬‬
‫" الوابل الصيّب " ( ص ‪. ) 99‬‬
‫‪ .4‬الكثار من الطاعات ‪.‬‬
‫قال أحمد بن سهل ‪ -‬رحمه ال ‪ " : -‬قال لي أبو معاوية السود ‪ :‬يا أبا‬
‫علي من أكثر ل الصدق َندِيت عيناه ‪ ،‬وأجابته إذا دعاهما " ‪.‬‬

You might also like