Professional Documents
Culture Documents
حّرا
ت َ
الَمو ُ
حّبا".
كان عنوان الفلم الفرنسي مقاربًا لهذا العنوان " ،الَموت ُ
كانت تلك الفترة هي السبعينات التي يحتمل أنها كانت أحلى بكثير من هذه السنين
التي نعيشها منذ عقود ،أو رّبما أننا كنا أقل تحسسًا وفهمًا لما يدور من حولنا ،
فلكل عمر حصته من الدراك و الهموم .
اليوم ،نشطت وكالت النباء بإظهار لقطات منتخبة عالميًا ،لتشرح لنا معنى ما
ن هذه أشد السنين حرارة منذ مائة عام .سواق سيارات صل إليه العلماء من أ ّ
تو ّ
يصبون الماء على مبردات سياراتهم ،والعشب الخضر البهيج ،في متنزه
هايدبارك اللندني وقد إستحال إلى ما يشبه فروة نوال السعداوي ،إنها نهاية
العالم ،وهذه هي تباشيرها ،ما لم يفعل الساسة والدهاة العتاة في أميركا وبقية دول
العالم شيئًا حيال الموضوع.
لم تفعل كل تلك اللقطات مفعولها بنا نحن العراقيين ،هذا ما أحسست به كوني واحدًا
من أبناء هذا الشعب المعّرف وفق السطور التالية ) مكروه دوليًا ،مضطهد حكومّيا،
مستبعد أممّيا ،مسلوق مشوي مشعوط صيفيًا ،متجمد منكمش منزٍو متوقع شتوّيا(
صّبي( فوق الرادييترات ،والتي عرضوها متصّورين أنها صّبي الماي ُ .أما فعالية ) ُ
جديدة علينا وطارئة ،فهذه قد تجاوزناها نحن السواق العراقيون ،لن سياراتنا
وإزدحاماتنا لم يعد ينفع معها تبريد الرادييترات ،لقد طّورنا )المبّرد( منذ عشرين
سنة ،حاوية ماء معدنية تستقر على سقف السيارة ،كل ما على السائق فعله عندما
يرى مؤشر درجة حرارة المحرك ينذر بالخطر ،هو مّد اليد اليسرى نحو حنفية
تعترض أنبوبة التوصيل بين المبرد وبين الشاور الموجه على الرادييتر ،الحرارة
هي أم الختراع!
أما المعيشة في البيت ،يقظة ومنامًا ،فتلك قصة ل تتحمل المقالة حجم معاناتها
،هناك أشكال من البؤس والمعاناة لم تخطر على بال البشر بعد ،هل جربتم أن
)تهّفوا( بالمهفات اليدوية فوق رءوس أطفالكم الصغار ،حتى تسقط المهفات من
أيديكم من فرط التعب والنعاس واليأس ؟ هل جربتم النوم وسط فقاعة حرارية تهبط
عليكم من السقف المحترق حال إنطفاء الكهرباء ،لتخنق أنفاسكم وتتوقف الحياة إل
من بضعة أنفاس حذرة قدر إدامة الحياة ،ولتستيقظوا صباحًا ،وبقعة عرق صفراء
هائلة تحيط بأجسادكم وبرءوسكم ،ومطلوب منكم رغم كل هذا أن تكونوا في الدوام
قبيل البتداء ،السابعة صباحًا ،فالدارات الحديدية ل تعرف أعذارًا ،تعيش
شيزوفرينيا جماعية ،وتكيل بمكيالين ،ل شغل لها بما جنته أيدي الوزارات
الخرى !!،هذه أشكال من البؤس نعيشها منذ عشرين سنة بالضبط ،ول يبدو أنها
بسبيل المغادرة ،مطلقًا ،لذا قرر غالبية العراقيون أن يغادروا هم بدًل من إنتظار
مغادرتها.
يعزو بعض البسطاء شدة الحر للجو ولقدار السماء ،وقد يكونون محقين بذلك ،كما
ن بعضهم الخر يعزوه لبحيرة تخص سدًا أنشأوه في الجوار ،ويعزو غيرهم المر أّ
إلى الحتباس الحراري وغاز الفريون ،لكن أنا ل أرى أحدًا غير المريكان سببًا
في مصائب العالم كله ،فمن أجل إنارة ملهي ونوادي لس فيَكاس ،ينبغي أن
تنطفئ النوار في كل مدن وقرى العراق ،وكي تكون مكاتب شركاتهم مبردة لحد
القشعريرة في عّز الصيف ،ينبغي أن يتم سلبنا نحن العراقيون من نفط منحه ال
ي عن الرقام ول داع لنا دون غيرنا .لست معنيًا بالحصائيات ،الموضوع غن ّ
للتشكيك به ،فالمريكان أنفسهم يعرفون لماذا تمتنع إداراتهم عن توقيع إتفاقيات
كبح الحتباس الحراري ،هم أنفسهم ،كشعب ،ل يرتضون أن يدفعوا خمسين سنتًا
ل ،ل يريدون أخرى لغالون الوقود ،ول يريدون أن تتحدد حياتهم المنّورة لي ً
لمؤخراتهم السمينة القبيحة أن تجد من يمنعها من المزيد من التورم ،فهذا شعب
يحمل إرث الجريمة كحكامه ،الناس على دين ملوكها ،أم تراه ،الملوك على دين
أناسهم ؟؟
وأعجب ما قرأت مؤخرًا ،مّما له مساس بهذا الكلم ،كانت مقالة لكاتب متدثر
بالشماغ الحمر ،أحسبه سعوديًا ،رغم انه مرتبط بالكويت من حيث بيئة العمل،
إسمه ...خلف العتيبي !!
يعرض خلف المتخلف هذا لقضية سخيفة ،هي خضوع زيتونة عمة أوباما
سس مقالته للمحاكمة للمرة الثانية ،بتهمة دخول أميركا بصورة غير شرعية ،وأ ّ
كلها على هذه الواقعة التي هي من صنف )،وتعظم في عين الصغير صغارها( .أنا
لم تستثرني المقالة إل لشيئين ،أولهما هو أنه ،وكعادة الكتاب السعوديين من
أمثاله ،جعل العراق ممسحة لقذاراته ونقطة الصفر للمقارنة مع أميركا ،وثانيهما
ب أميركا ول نتعرض لها بسوء. هو مطالبته لنا ،أل نس ّ
نحن العراقيون نعرف ما بنا ،ونفهم ما جرى على رءوسنا ،ول نخجل من القرار
بجرائم فلن وعلن من الركان السابقة ،لقد عشنا معهم وحفظنا قصصهم ،ولكننا
ف لّفه ،أن يتجاهل المراء المتغطرسين ل نراها من حق خلف العتيبي ومن ل ّ
والملوك المتعنطزين ،من بيئته الصلية ،وبيئته الصطناعية الخرى ،ليستر على
جرائمهم وسرقاتهم وتقصيراتهم بحق شعوبهم ،مستخدمًا العراق كغطاء .ل ملك
السعودية ،ول أمير الكويت ،أفضل حاًل وحكمًا وتصرفًا من أمثالهم في العراق،
قبل الحرب الخيرة وبعدها ،وليس هناك من شيء فعلوه ،لم يفعله الملك والمراء
في السعودية والكويت ،وليس هناك شيء من الكرامة للمواطن في بلدهم ،فالكبت
موجود في كل بيئة عربّية ،وغمط الحقوق هو سمة كل حاكم عربي ،ولكن
التسميات هي وحدها التي تختلف .ل أحكي هذه المقالة دفاعًا عن صدام حسين أو
ي كما سيتبادر لذهن البعض ،أنا يؤلمني جدًا أن يجعلوا العراق مضرب أمثال عد ّ
ل سبب حروبنا ومعاركنا لهم بينما هم أشد قذارًة مّما يوحون به لغيرهم ،وهم أص ً
بشكل أو بآخر فقد كانت الشاحنات الردنية تنقل سبائك الذهب من السعودية إلى
بغداد في العام ، 1981كانوا يحاربون إيران من خللنا ،ولم نجد منهم يدًا حانية
ول قلبًا متعاطفًا في كل أوقات المحنة التي مّرت علينا لحقًا ،بل مشاعر التشفي
والوعظ المتذاكي ،ل غيره ،أذكر كيف كان ضباطهم يتصرفون في المستوصف
السعودي العسكري في جانب الكرخ ،أذكر الصلف والعجرفة وأذكر كم كانت تافهة
وشكلّية مساعداتهم ،فوط نسائية ومقاعد متحركة يتم توزيعها ،لكل من هب و
ب ،بينما العراق كله عبارة عن جرح غائر يحتاج لقدرات مستشفيات متعددة وكل د ّ
التقنيات والمكانات عساها توقف بعضًا من نزيفه .لم يقدموا أّية فرصة لعلج جّدي
مّما كان يستحق إنشاء مركز مساعدات كذلك .وأنا ل أتمنى ،لكن أتخّيل فحسب،
ل،أ ّ
ي لو قامت إيران أو أميركا وإسرائيل ،بغارة محدودة على شمال السعودية مث ً
ي كانوا سينتخون به قبل ي بلد عرب ّ
ي رجال ،وأ ّ
أبطال كانوا سيخرجون إليهم ،وأ ّ
ب عن أراضيهم ومقدساتهم التي ستصبح فيما بين ليلة غيره ويطالبوه بالذ ّ
وضحاها ،مقدسات العراقيين قبل غيرهم !.
يريد خلف المتخلف ،أن نرفع قبعاتنا ،عفوًا ،شماغاتنا ،إعجابًا بعدم إنحياز القضاء
الميركي ،وكأنما نحن معنيين بزيتونة أو پاپاي !! القضاء المريكي الذي بّرأ
مجرمين من جيشهم السافل ،قتلوا وإغتصبوا ،في )المحمودية( وفي )حديثة(،
ومجرمي بلك ووتر وجريمة) ساحة النسور( ،لم تحضر أّيا من تلك الممارسات
المتجردة عن أية عدالة ونزاهة في دماغه فخلف متخلف ينظر للخلف ،ينتقي من
العدالة الميركية ما يراه مناسبًا للحديث عنه .كل ما حضر بباله هو ،زيتونة،
ويريدنا ،وهذا أهم ما في مقالته ،أن نتوقف عن لعن أميركا ،لن أميركا بنظره
ي بلد عربي تمتلك عدالة الفاروق بحيث أنها تحاكم عمة الرئيس في حين أن أ ّ
) غير السعودية والكويت طبعًا( لن يجرؤ على فعل ذلك !! ،وهذه أكبر عقدة للخونة
سوءة كمؤخرة العنز ،ما أن العرب من أصحاب القلم المأجورة ،أنهم مكشوفو ال َ
تبث وسائل إعلم الغرب شيئًا من هذا القبيل ،حتى ُيثقلوه وَيزنوه بكل إساءات ذلك
ل ،إن صّرحت جحين الكفة لصالح العدو دومًا ،ففرنسا مث ً البلد وإجرامه مر ّ
ل ،قام أمثال خلف العتيبي من فورهم تصريحًا مفردًا في صالح فلسطينيي غزة ،مث ً
بتصفير رصيدها من جرائم في الجزائر وسوريا ومصر وطالبونا بأن نبصق على
تاريخنا مذكرين إيانا بكل عيوبنا ،لكنهم ل يذكروننا أبدًا بمجرم إسمه الحجاج بن
يوسف الثقفي هو من بقية تراثهم السود ،رجم أهله الرسول الكريم في وحدته
قبيل فتح مكة بسنين ،ورجموا العراق كله عقب وفاة الرسول بأنموذجه الكسيف .
جب علينا أن ننسى جرائمها بحق وإن قامت الوليات المتحدة بمحاكمة زيتونة ،تو ّ
العالم كله ،وبحق العراق وفلسطين وأفغانستان ،ربما يرتجي خلف العتيبي منا أن
نفرد لها ركعتي شكر كل صباح ،ربما يريدنا أن نسّبح بحمدها ونصلي عليها ونسلم
!!
ي فروخ فّرخ الغرب يوم جّندكم ،يا أبواقًا متبرعة وألسنة
يا فروخ الغرب ،وأ ّ
متفرعة تلهج بحمد الغرب وتعيب علينا كّل شيء ،ل تعيبه على أنفسها أو على
أميركتها العزيزة ،أوّد أن أعرف شيئًا واحدًا ل غيره ..لم تلبس الشماغ الحمر ل
ي تلبيس وتدليس تفعله ؟زلت ؟ لجل أ ّ
نحن نسب أميركا لن في ذلك حسنات كثيرة،أقلها كي ل ينسى العالم إساءاتها
وينخدع بتصريحات أمثالك من البواق الرخيصة ،وكذلك ،لن هذا هو تقديرها
الحقيقي ،فالحّر الذي يشوينا هو بسبب تعنتها وصلفها وأنانيتها ،والحرب التي
تبيدنا وتحرقنا كل ساعة من أيامنا وليالينا هي نتاج خطط أميركا وأطماع أميركا
وتعصب حكام أميركا ،وكل جرم تصادف على أرض العراق منذ عقود هو نتيجة
برامج أميركا وسياساتها ،وأنت نفسك ،مع سيادة الملك والمراء ،نتاج غير
شرعي كذلك ،لسياسات أميركا في المنطقة ودعمها لكم مقابل خدماتكم ،وإل ما
كنتم لتصمدوا ليلة واحدة بوجه العصار الذي يترصدكم ،وسنرى وقتها ،ما الذي
ستنزعونه قبل غيره ،السراويل البيضاء أم الشماغات الحمر !!