Professional Documents
Culture Documents
إمارة الشارقة
دولة المارات العربية المتحدة
إعداد
د .رشا عمر الدسوقي
0
المبحث الول
خطورة العنف على الطفل وتعارضه مع القيم القرآنية
تمهيد:
إن هدف هذه الدراسة هو توضيح مدى خطورة العنف السري على الطفل
المسلم .فالتخبط وعدم اتباع المنهج القرآني وتطبيقه وفق النموذج
والرشادات النبوية الحنيفة ،تؤدي إلى عواقب وخيمة أوضحها المنهج الرباني
السباق لكل علم ،ثم أكدها الطب الحديث بعد ذلك .وترى هذه الدراسة أن
فقدان القدرة العقلية للفرد المسلم على البداع والبتكار والتقدم بخطوات
سريعة ،ترتقي إلى أعلى المستويات التي تتوق إليها المة المسلمة ،أحد أسبابها
الساسية هو ارتكاب جناية العنف التربوي ،المؤدية إلى تحجيم قدرات الطفل
البداعية وكبت طاقاته الفكرية وتكريس المعاناة في محاولت التلقي
والبرمجة الطبيعية الفطرية التي أودعها ال تعالى فيه مسبقاا .ويتضح ذلك لنا
بصورة جلية من خللا الدراسات والتحليلت الطبية العديدة التي يدرجها البحث
للبرهان على ذلك.
المطلب الول
تعريف العنف وبيان خطورته من الناحية الطبية:
العنف لغة هو "ضد الرفق ،و أعنفته أنا أو عنفته تعنيفا .والعنيف من ل رفق
له" .و"اعتنف المر ،أخذه بعنف1 ".وقد اتفقت المعاني والمترادفات في معظم
معاجم اللغة العربية على لفظ العنف وما يحويه من معان توصيفية للخلللق
والطباع والنواحي النفسية كاللوم المتكرر ،والقسوة ،والكراهية ،والشدة ،
والغلظة ،وما ينتج عن ذلك من إلحاق الضرر كفقدان الشعور الذاتي بالمن
والطمأنينة والكرامة .وقد استند معظم محللي سلوك العنف ضد الطفالا في
العالم إلى تعريف منظمة الصحة العالمية وهو ":الستعمالا المتعمد للقوة
الفيزيائية ،المادية ،أو القدرة ،سواء بالتهديد أو الستعمالا المادي الحقيقي
ضد الذات أو ضد شخص آخر أو ضد مجموعة أو مجتمع ،بحيث يؤدي إلى
حدوث ) أو رجحان حدوث ( إصابة أو موت أو إصابة نفسية أو سوء النماء أو
الحرمان ".ويشمل " كافة أشكالا العنف أو الضرر أو الساءة البدنية أو العقلية
الفيروز أبادى ،القاموس المحيط )لبنان :دار الفكر) 1415/1995 ،ص .756 1
تقرير الدورة الحادية والستون للجمعية العامة للمم المتحدة 29 ،أغسطس 1
، 2006البند 62من "جدولا العمالا المؤقت " :تعزيز حقوق الطفالا وحمايتها".
يعرظرف الطفل لغرضّ هذه الدراسة على النحو الوارد في المادة 1من اتفاقية حقوق
الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ،ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك
بموجب القانون المنطبق عليه" .وبالتالي فإن المعلومات المتعلقة باستراتيجية
التصدي للعنف ضد الفتيات والفتيان دون سن الثامنة عشرة ينبغي توفيرها في كل
أجزاء الستبيان .وهو التعريف المعتمد في اغلب البلدان العربية إل في الحالت التي
حددت فيها القوانين الوطنية سنا أخرى 16 ،سنة مثل.
وضع الطفالا في العالم ، 2005الطفولة المهددة ،منشورات اليونيسيف. 2
"أطفالا ل يعرفون معنى الحنان :العنف السرى ضد الطفل ظاهرة تهدد مستقبل" 3
دراسة المين العام للمم المتحدة حولا العنف ضد الطفالا :التقرير القليمي، 3
3
والذى يهمنا هو النتائج الطبية لكل هذا ،بعد معرفة حجم الكارثة؛ فيؤكظد
أطبظاء علم الخليا أنظ الهل يصوغون شخصيظة ولدهم في هذه الفترة ،بوعي أو
بدون وعي أوعلم كاف أو دراسة تربوية .وقد أثبتت الختبارات المعملية وما
نتج عنها من استنتاجات علمية أن الحالة الجسدية العصبية للطفل يمكن أن
تحدث تغيظراا في كيفية تطور المخ ،وهذا التغيظر بدوره يؤدي إلى تغيرات
فسيولوجية وعاطفية وسلوكية .ولقد أوضحت البراهين والدلة الطبية أن ال
تعالى شكل المخ في طور النمو بحيث ينظم ردود فعله وفقا للنمط الذى يراه أو
يتعرضّ له ،كما أن ردود فعله تتوقف على حدة العنف الواقع عليه وقوته.
ويمكن أن يؤثرالتعدي على جسد الطفل الصغير إلى تغيرات في طريقة نمو مخه
قبل تمايز وتحولا الخليا العصبية في تلك الفترة الخطيرة من حياته ،وهى
فترة التشكيل والتكوين لمخه وأعصابه وشخصيته .وقد أثبتت الختبارات
المعملية أن التعرظضّ المستمر للعنف يؤثر على قدرة المخ في الستجابة
للضغوط الخارجية التي يتعرضّ لها الشخص مستقبل .كما أن الهجمة على
هذه الضحية الصغيرة تكرظس عجزا متزايدا في الرد على أي تعد واقع في فترة
لحقة في المستقبل ،عند مواجهة تحديات العلقات الجتماعية في دنياه الجديدة
،بمشاقها وتعقيداتها رغم إظهار القدرة المؤقتة الحالية على الصمود .وحين
يتعرضّ الطفل للضغط غير المتوقع ،تتضح ظاهرة الفقدان الوظيفي للخليا
الدماغية .فالتكرار النمطي لسلوك معين يطبعه في الذاكرة ويغير الحراك
1
الوظيفي للخليا بطرق مستديمة.
لقد أودع ال تعالى العقل قدرات دفاعية غريزية؛ فالتعرضّ للعنف يحدث
تغييرا باطنيا لإراديا في طرق التفكير والستجابة للتعدي ورد الفعل الدفاعي
عن النفس؛ التي أصبحت في موقف الضحية المعتدى عليها .ولقد وصف
المحللون طرق ردود الفعل المختلفة للطفل المعتدى عليه بتحليل سلوكياته ،
فالجسم أصبح مهيأا بصورة آلية لرد الفعل وفقا لما هو مخزظن في الذاكرة.
ولكن إذا وقع العنف على الرضيع ،فإن أثره يتضح في البكاء وعبوس الوجه أو
الصراخ أو في التمرير والتغييب اللى لما وقع عليه من هجوم .أما في مرحلة
النمو فإن الستجابة للستثارة تصبح عن طريق ردة الفعل النفعالية القوية.
وتعتبر المرحلة الولى للستثارة المستمرة عبارة عن إنذار استغاثي لمركز
1
Perry, B.D. "The Neurodevelopmental Impact of Violence in Childhood." Textbook of
Child and Adolescent E.G. Krug et. al. (eds.) World Report on Violence and Health
(Geneva, World Health Organization Forensic Psychiatry, eds., D. Schetky and E.P.
Benedek (Washington D.C.: American Psychiatric Press, Inc., 2001), Chapter 18, pp.
.يدرج لحقا باسم الكاتب 221-238
4
الجهاز العصبي وهوامشه ،والتي تحث المخ للدفاع والنتباه والتأهب في حالة
الشعور بالتهديد والثارة والقلق ،وهذه النفعالت تؤثر أيضا على القشرة
الدماغية .إن استجابة المخ تتخذ هذه الصورة التى تسمى حالة "الستثارة
التفاعلية المتواصلة" continuum hyperarousalفبهذه الصورة جعل ال
تعالى الجهاز العصبي ينظم الستجابات العصبية الجسدية لمواجهة التهديد
الخارجي 1.وقد أثبت العلم أن النسان له عقل يفكر وعقل يشعر" .إنظ البوابة
التي يمر فيها تعلم النسان للنفعالت أو نقطة اللتقاء بين التفكير والعاطفة
المتمثلة في الدائرة العصبية "الميجدال" وتقع في مقدمة الفص المامي للمخ
،وهي التي تمثل المخزن الذي يحتفظ فيه النسان بخبراته التي يكتسبها عما
يفضله وعما يرفضه خللا حياته .فلدينا عقلن؛ عقل يفكر وعقل يشعر وينفعل
2
وهما يبنيان حياتنا العقلية".
وحين يتعرضّ الطفل إلى العنف في السنين الولى ،يتكيف بصورة سماها
الطباء "بالنفصالية" .dissociationوتتعلق بهذه الحالة النفصالية آليات
ذهنية معينة ،تنهي تعلق الطفل الواعي بالمحيط الخارجي؛ فيتركز اهتمامه
بأغوار نفسه ومشاعره الداخلية ،أي ينشط عقله الشاعر ويخمد عقله المفكر.
هذا يعني أنه قد تنتج ردود فعل عديدة منها عدم التركيز ،أو حالة الذهولا ،أو
تحديق النظر دون وعي بما حوله ،كما يؤدي إلى تجنب الحداث والشخاص في
المحيط الخارجي ،والسرحان ،واللمبالة ،وتنمل الجسم أو تصلبه وأحيانا
الغماء .وكما سيتضح في تحليل المنهج السلمي لحقا ،تفتح هذه الحالة
للطفل كما هائل من المشاعر السلبية والوساوس التى تضله عن الصراط
المستقيم ،وتدفعه إلى محاولة إيجاد البدائل بعيدا عن المنهج المفترضّ أن يتبعه
الوالدان المربيان .وقد يهرب الطفالا ذهنيا بطرق أخرى عن طريق تقمص
شخوص أو أبطالا مسلسلت كرتونية قوية ،تعوضهم عن التألم من حالة
المهانة التى يعانون منها .وتظهر في البنات خاصة حالة الهروب الذهني في
أحلم اليقظة والرؤى النهارية لبطلت جميلت يحظين بإعجاب من حولهن.
ويقولا العلماء القائمون على فحص تلك الحالت ،أن ردود فعل الطفل في حالة
سمى الطباء هذه الحالة "الكفاح أو الهروب" . Fight or Flight ،للتفصيل ،أنظر 1
المرجع السابق.
نبيل حاجى نائف" ،فى دماغنا عقلن" باب الصحة والحياة العرب السبوعية السبت 2
9/8/2008ص.28
5
الصدمة النفسية عند حدوث التعدي بالتعنيف أو الضرب ،تتراوح بين النفصالا
1
أو الستثارة والستجابة التفاعلية المباشرة مع الحدث.
ويزداد اعتبارنا لقدرات الطفل الذهنية إذا درسنا كيفية تجهيز ال تعالى
المخ ،بالقدرة على التفاعل والختزان والستخدام الماهر للتجارب .وما يتطلبه
العالم الخارجي من العقل هو عمل ضخم ل يمكن تخيله .فإلى جانب خلق ال
تعالى في المخ ،القدرة على التحكم في عمل جميع الحواس في الجسم
ومراقبتها ،أودع في ذلك الجهاز أيضا ،القدرة على تلقيه منفردا المعلومات عن
العالم الخارجي ،وتننظيمها عن طريق المليين من حواس الستقبالا والعضاء
الداخلية .وبطريقة تلقائية ،يختزن المخ التجارب الماضية ثم يستجيب لهذه
التجارب ويتكيف معها بطرق مناسبة .وقد أكد علماء العصاب أن تفاعل المخ
مع البيئة الخارجية هو متطلب أساسي لعمله .فالتجارب العاطفية الولى للطفل،
تحفر في كيانه الذهني وتصبح مخزظنة في ذاكرته ،وأولا من يتفاعل مع
الطفل من الخارج هو الوالدان أو من يقوم برعايته .وهذا التفاعل هو بمثابة
جزء ل يتجزأ من عملية النمو ،منذ اليام الولى للولدة .هذا يعنى باختصار بأنه
لبد من أن يقوم بعملية التعلم والمعرفة والتلقي والبرمجة ،بصفة مستمرة
ومركزة 2.وهذا الكيان الصغير ،الذى ل حولا له ول قوة ،وديعة من ال وأمانة
بين يدي والديه .جاهز لتلقي خير الكلم وأحسنه ،ول ينزلا على مسامعه إل ما
يثري عاطفته وروحه المتفتحة للحياة ،وينمي قدراته على التفاعل البناء
والتلقي السليم واسترجاع كل ما هو مشجع ومثرر للثقة بالنفس وللتطلع
للنجاح وللنبوغ الفطري.
فحين تقع الصدمة الذهنية لجهاز المخ ،بسبب تجارب سلبية أو مؤلمة ،تعاد
عملية التلقي والبرمجة ،بما يناسب التجربة العاطفية الجديدة .فالمعروف أن
السرة تمنح الطفل الشعوربالطمأنينة وتهيء له الجو الهادىء والسكينة القلبية
والنفسية .وأي فعل عكس ذلك ،يلحدث لديه هزة أو صدمة نفسية لنه فوجيء
بعكس ما توقظع .وتكون الصدمة لدى الطفل أشد حين تقع من أقرب الناس إليه
داخل مآواه الوحيد ،ومحضنه الذى اعتاده ول يعرف غيره .ومن العجيب أن
المعتدي على الطفل ل يعلم مدى خطورة اعتدائه وما ينتج عنه .فالسب أو
الستهزاء أو التهديد والتخويف أوالركل أو الضرب بآلة ما مهما كانت خفيفة،
أنظر Perry .B.D 1
Shore, R. " What Have We Learned," Rethinking the Brain (New York : Families Work 2
) , Institute, 1997يدرج هذا المرجع فيما بعد باسم الكاتبpp. 15-27 .
6
حادة أو غير حادة ،يحدث ردود فعل في الجسم ل يمكن للطفل التحكم بها
بصورة واعية أو مدروسة .ولكن أودعها ال تعالى في جهاز مناعة المخ لتدافع
عنه تلقائيا إذا واجه الخطر .ورد الفعل هذا مثل أي مقاومة أو دفاع تقوم به
البكتيريا عندما يهاجم الجسم أى مرضّ عضوي مهما كان بسيطا كالزكام أو
نزلة البرد ،أو خطيرا كالسل والتيفود .وحين تتم حالة التعدي يقوم المخ
بإفراز مواد معينة تؤثر في وظائف الجسم كله ؛ في ضربات القلب ،والضغط
ومعدلت التنفس ،والجلوكوز والحركة الطبيعية للعضلت .كما تؤدي إلى
فقدان الشهية والرغبة في الهروب والقلق ،والتوتر الدائم .كل هذه التجهيزات
الداخلية تعد الجسم للدفاع عن نفسه أو الهروب من الهجمة المنتظرة،
1
المحتملة.
كما يرجع أطباء علم النفس أسباب العتللا العقلي والجسدي إلى سوء
معاملة الطفل في سنواته الولى .ومن المراضّ التي تداهمه؛ مرضّ الكتئاب
أو التعرضّ له بصورة تنذر بتطوره إلى مراحل أكثر تعقيدا .والكثير من
العلماء يرى أن الكتئاب هو نتيجة انخفاضّ النشاط في الفصوص المامية
للمخ .إن صح هذا ،فإن التطور الفجائي للنصف اليسر من كرة الدماغ يعجل
من خطورة الكتئاب .وبنفس الشكل فإن الكهرباء الزائدة في النظام الحوفي،
والتغيرات في تطور المستقبلت التى تعدلا من القلق الكائن ،تهيء لوجود
اعتللا بسبب حالة الذعرالموجودة وزيادة خطر الصدمة البعدية للضغط .أضف
إلى هذا ،أن التغيرات العصبية الكيميائية لهذه الجزاء من الدماغ ،ترفع من
معدلت الستجابة للضغوطات ،مما يؤدي إلى زيادة استجابة الهرمونات للضغط،
الذي يؤدي بدوره إلى حالة من اليقظة المفرطة وإلى تنشيط الجانب اليمن من
الدماغ ،مما يصبغ البصيرة بالسلبية والشك .كذلك فإن التغيرات في حجم
قرين الدماغ مع حدوث التغيرات غير الطبيعية في المحور الحوفي تزيد من
2
ظهور العراضّ النفصالية وتدهور الذاكرة.
أنظر . .Perry B.Dوانظر كذلك دراسة ماجد يوسف داوى ،العنف ضد الطفل 1
وانعكاساته على مفهوم الذات 22 ،آب . 2008 ،الدراسة موجودة في جميع مواقع
الشبكة الدولية التى تتناولا العنف ضد الطفالا .تدرج هذه الدراسة لحقا باسم ماجد
يوسف داوى.
Martin H. Teicher, "Wounds That Time Won’t Heal: The Neurobiology of 2
Child Abuse," Cerebrum: The Dana Forum on Brain Science, Volume 2, Number 4,
.Fall 2000, p.12
7
أما عن العتللا الجسدي ،فيظهرحين يتعرضّ المخ لمواقف صعبة أو ضاغطة
على قدرات تحمظل العبء الخارجي .عندها يزداد نشاطه بصورة ملحوظة.
فهناك علقة وثيقة بين التجربة وما تعلمه المخ؛ حيث يقوم بعمل ممرات
عصبية تساعد الوظائف العديدة ،حتى تمر الشارات بسهولة ويصبح تصنيف
المعلومات سهل نسبيا .وحين تصعد الخلية هذا السلم ،تتصل بأنواع مختلفة من
الجينات التى تحدد شخصية الخلية cell identityفإذا طرأ شىء ما من الخارج
له تأثير عاطفي أو نفسي سلبي ،أحدث تعثرا في طريق الخلية مما يؤدي إلى
نتائج كارثية .فإذا رست الخليا في الزمان والمكان غير المناسبين ،بسبب
الصدمة يمرضّ النسان بأمراضّ مزمنة مثل الصرع المبكر ،السترسالا في
ة1.
التخيل ،وعدم التركيز هروبا من الواقع ،أو النفصام في الشخصي
وللعنف اللفظي والجسدي أثر خطير على استكمالا النمو الطبيعي للخليا
العصبية في دماغ الطفل .فإن هناك جزءا آخر يلعب دورا رئيسيا في الستجابة
للخوف ،وهو قرين الدماغ الذى يقع في المنطقة السطحية بين القشرة الدماغية
والجزء الخلفي من مقدمة المخ .ولهذا الجزء وظيفة رئيسية في التذكر
والتعلم ،وفي النظام المستقل للعصاب والوظائف العصبية الصماوية .وحين
تصل المخ إشارات باحتمالا حدوث هجوم ما على الجسد ،تنشط أجهزة الدماغ
للتحرك .والذى يحدث هو أن هرمونات الجهاد والضغط للخليا العصبية
الناقلة ،تستهدف منطقة قرين الدماغ مما يحدث تغيراا ببنيته الساسية
وحجمه .واستخلص الطباء أن الضغط المتكرر يمنع النموالطبيعي للخليا
العصبية في جزء معين من قرين الدماغ .وهذا التأثير غالبا ما يغير القدرة على
التذكر الطبيعي والتعلم والتلقي المعرفي ،وهذه الحالة تصاحب مجموعة
العراضّ الخاصة بعواقب الزمة العصبية النفسية الكائنة والتى تسمى ب post
.traumatic stress disorder
كما جهز ال تعالى المخ بالقدرة على الدفاع عن طريق الفرازات الداخلية
المهدئة ،عندما تحدث الزمة العصبية حفاظا على كيانه .فحالة الشعور
بالنهزامية تضع الطفل في موقف المكافح دون أن يدري ،ولهذا يبدأ المخ في
العمل ،إما للرد أو للهرب ، fight or flight ،فيفرز مادة الا Epinephrine
المعروفة بالدرينيلين وهى مادة عصبية ناقلة .كما يفرز ما يتعلق بها من
منشطات .غير أن هذا له عواقبه ،كذلك لنه يحدث انخفاضا في ضغط الدم
وفى معدلت ضربات القلب .كما أن الخليا العصبية الدوبامينية تلعب دورا
8
هاما في ردود الفعل ،عند الشعور بالنهزامية .وهذه الهرمونات هى بمثابة
الجائزة أو الثواب المؤثر في التعديلت المطلوبة لمواكبة الحالة ،مثل إفرازات
المورفين الطبيعي المخفف لللم والمعاناة .وهذه المخدرات الربانية ،الطبيعية
تغيرالواقع الزماني والمكاني المؤلم المحيط .
أما عن ردة فعل الجسم لللم الجسدي ،فتتضح من وصف الجلد وأنواعه في
القرآن .استنتج منها العلماء تقسيم العصاب المتخصصة في جسم النسان لنقل
أنواع اللم ،حتى كشف علم التشريح اليوم دور "النهايات العصبية" في إتمام
مهمتها .وقد ارتبط اللم الجسدي في القرآن بتعذيب الكافرين .ول يتخيل
إنسان أن يعذب جسد طفل بإنزالا اللم عليه كما ينزله ال على الكافرين ،
ليحدث نفس الثر عليه .فهناك خمسة عشر مركزا لمختلف أنواع الحساس
العصبي ،قد تم اكتشافها من قبل علماء الطب والتشريح .قسموها إلى ثلثة
مستويات :سطحي وعميق ومركب ،يتراوح الحساس باللم بين اللمس
والحرارة ،ويصل إلى العضلت .وقد يعود الحساس سريعا أو قد يلعطل لسنة أو
سنتين ،أو قد ل يعود مطلقا 1.ومع أن تلك المعلومة قد تكون بسيطة ،إل أن
معظم الباء الذين يمارسون العنف الجسدي على الطفالا ،قد تجاهلوها كما
دلت الحصاءات أعله.
المطلب الثاني
تعارض العنف مع المنهج الرباني الذي وافقه العلم:
د .سالم عبد ال" ،الحساس باللم بين الطب والقرآن "،الرؤية ،العدد 138السنة 1
10
)البقرة ،(218:أي :يطمعون أن يرحمهم ال ،فيدخلهم جنته بفضل رحمته
إياهم ،كما في قراءة الية ":ورآترانهي ررحممرةا مظهنم عهندههه " )هود.(28:
ويدعوه العبد برحمة في المعاش والرزق ،فالرزق الوفير والخير الكثير هو من
رحمته سبحانه ،فيأتى بالمطر ليعم الخير بأشكالا كثيرة ؛ منها إضفاء جمالا
الخضار والشجار والنباتات والزروع الكثيفة والزهور والورود بأنواعها
وروائحها ،من كل زوج بهيج ،ليرتاح بها المرء وتفرج بها النفس ،وتنعم العين
بألوانها والروح ببهجتها ،ودلا على ذلك سبحانه بآيات كثيرة منها قوله تعالى:
"بلشمراا بريمنر يردريم ررحممرتههه" )العراف ) :57ومنها "قللم بهفرضمله اللظهه
1
وربهررحممرتههه فربهذرلهكر فرلميرفمررحلوام( يونس.(58 :
الشيخ أبي عمران موسى بن عمر المصمودي الحسني العلمي ،البحر الملئان في 1
11
ثانيا :تعارض العنف مع سنن النبي القولية عن الرحمة:
لقد أرسل ال عز وجل خاتم النبيين ،وإمام المرسلين وسيد الخلق أجمعين،
رحمة للعالمين؛ "وما أرسلناك إل رحمة للعالمين" )النبياء .(107 :وتتجلى
هذه الصفة السامية ،في رسالة نبي الرحمة ،وفى كريم شخصيته ،وفى جل
معاملته ،مع الصغير قبل الكبير ،والغنى والفقير ،السيد والمسود ،العربي
والعجمي ،المسلم واليهودي .وقد أرشدنا إلى الرحمة في أقواله وأفعاله.
واستكمال لمباديء الرحمة الواضحة في القرآن ،فأحاديثه عنها ،صلى ال عليه
وسلم ،هى مفتاح المنهج النبوي التربوي ،المبني عليها وما يلحق بها من طباع
الحلم والصبر والليونة والهوادة والرأفة والرفق .ومن أقواله ،صلى ال عليه
وسلم ،التي تحث على التخلق بها وبالحلم ونبذ الغضب " :لما قضى ال الخلقر،
1
كتب في كتابهه على نفسهه ،فهو موضوعف عنده :إن رحمتي تغلب غضبي".
وقد حث عليها في أحاديث عدة ،ورغب فيها وفى توصيل الرحام ،كما في قوله
"الراحمون يرحمهم الرحمن .ارحموا من في الرضّ يرحمكم من في السماء.
الرحم شجنةمن الرحمن 2فمن وصلها وصله ال ومن قطعها قطعه ال 3".كما
وردت في قوله "جعل ال الرحمة مئة جزء .فأمسك عنده تسعة وتسعين.
وأنزلا في الرضّ جزءاا واحدا .فمن ذلك الجزء تتراحم الخلئق .حتى ترفع
الدابة حافرها عن ولدها ،خشية أن تصيبه 4 ".فالم والب مرحمة لولدهما ،
كتب عليهما حتما أن يصل رحمهما به ول يقطعاه بالغلظة والقسوة .ومن
ترغيبه في الرفق أنه قالا" :يا عائشة ! إن ال رفيق يحب الرفق ويعطي على
الرفق ما ل يعطي على العنف .وما ل يعطي على ما سواه 5".إن الرفق ل يكون
6
في شيء إل زانه .ول ينزع من شيء إل شانه".
رواه مسلم وكذلك البخاري والنسائي وابن ماجه وأخرجه الترمذي بسند حسن 1
صحيح .
القاموس المحيط ،والشجنه الغصن المشتبك والشعبة من كل شىء والشجنه عروق 2
الشجر المشتبكة .وبيني وبينه شجنة رحم ،وشجنة رحم أي قرابة مشتبكة .ص
.1089
رواه عبدال بن عمرو بن العاص ورد في سنن الترمذي برقم ،1924وهو حسن 3
صحيح
راوه أبو سعيد الخدري والمحدث :البخاري في العلل الكبير برقم .312 :خلصة
الدرجة :عن ابن عمر وعن أبي سعيد أصح .
راوه أبو هريرة وورد في المسند الصحيح لمسلم برقم ،2752ودرجته صحيح. 4
روته أم المؤمنين عائشة رضى ال عنها ورد في المسند الصحيح لمسلم برقم: 5
2593وهو صحيح.
روته عائشة رضى ال عنها وورد في المسند الصحيح برقم2594 : 6
12
ثالثا :تعارض العنف مع تكريم الله النسان وحفظ عقله
لستخلفه في الرض:
لقد حاولت المنظمات العالمية إظهار قيمة النسان بعد أن أهدرت كرامته.
فسنت المم المتحدة له حقوقاا قد كتبها ال تعالى له في كتابه العزيز ،قبل أية
سنن وأية قوانين دولية .إن قيمة النسان وتكريمه تتجلى في آيات بدء الخلق
)البقرة .(30:فقد سألا ال الملئكة أن تسجد تكريما له ،كما فضله على سائر
الخلق؛ " و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من
الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيل" )سورة السراء .(70 :
وأكد بذلك سبحانه على خلق النسان في "أحسن تقويم" )التين (5 :وكما
قالا المفسرون "أنه ليس ل تعالى خلق هو أحسن من النسان؛ فإن ال خلقه حياا،
عالماا ،قادراا ،مريداا ،متكلماا ،سميعاا ،بصيراا ،مدبراا ،حكيماا .وهذه صفات
الرب 1".كما تتجلى في اصطفاء النسان بالعقل وإعطائه مفاتيح الحكمة والعلم،
بتعليمه السماء كلها ،وتعليمه ما لم يعلم ،وقد كان في ظلمة الرحم ل يعلم
شيئا ،وعلمه التمييز والبيان ) الرحمن (3 :ووهبه القدرة على التعقل
والسماحة والحسان .وأضفى عليه صفة تميز بها عن بقية الكائنات وهو نفحة
الروح فيه .وهذه النفحة هى التى أعلته وأدت إلى تساميه وعلوه وارتقائه
،فالضمير ،والكرامة ،والشرف ،والسمعة ،تحيط بالنسان وترفعه بين الخلئق.
وما الصرار على تجاهل البعد الروحي للنسان إل طمس لمعالم إنسانيته وتبديد
لملكاته وإنكار لهويته .فرغم الطين الذى خلقه ال منه ،فقد أودع في قلبه
اليمان ،وغذى روحه بالقرآن ،وهو النور المنزلا من ال ،نور السماوات والرضّ،
الذى يضيء القلب وينير العقل ،فرفعه من الرضّ إلى السماء ،وانتشله من
حضيض الدنيا إلى حب جنات الخلود ،والسعي إلى النعيم الموعود.
وبذلك قد أهله ال تعالى للستخلف في الرضّ .وهذه المهمة توضح قيمته
وتتوج وجوده وتدعو إلى الحفاظ عليه ،بشتى الصور ،لتمام رسالته المنوط
بها ،حتى يلقى ال .فهو أول مسؤولا ومكلف ،وأي انتهاك لحرية اختياره هى
اعتداء على إنسانيته ،وإهدار لدميته؛ فالوالدان كلهما مسؤولا عن تجهيز
الطفل لمهمة الستخلف ،ول يمكن له أن يصبح مسؤول إذا تعرضّ لجميع
الضغوط التي شرحناها سالفا ،والتي من شأنها أن تعوظقه فكريا ونفسيا ،وتخلق
عنده نظرة دونية لذاته ،التي من المفروضّ أن تحظى بالتكريم ،كما سن ال لها
أ.د .أحمد الريسونى ،أ.د .محمد الزحيلى ،أ.د .محمد عثمان شبير ،حقوق النسان: 1
)قطر :وزارة الوقاف والشئون محور مقاصد الشريعة ،كتاب المة العدد :87
السلمية ،)1423ص .44يشار إليه لحقا بعنوان الكتاب.
13
أن تسمو وتعلو في إنجازاتها التى أراد ال لها باصطفاء النسان للخلفة في
الرضّ.
فالحفاظ على كيان النسان الصغير في طور نموه ،هى مهمة النسان العاقل
الكبير ،الذى اختار أن يكون أبا أو أما .ومهمة الوالدين استخلفية غائية .أرادها
ال تعالى كذلك ،لتحمي مقاصد الشريعة "التي جاءت لتحقيق مصالح العباد
في دنياهم وآخرتهم ،وحمايتهم من المفاسد ،وما يفضي إليها ،أي أنها تمحورت
حولا جلب المصالح ودرء المفاسد ،وأن هذه المصالح ل تتحقق ،والمفاسد ل تدرأ
،إل بتوفير ما اصطلحوا على تسميته بالكليظات الخمس ،أو الضروريات الخمس،
التي ل تستقيم الحياة وتستقر وتستمر إل بها ،وهي :الدين ،والنفس ،والعقل،
والنسل ،والمالا 1".وأولها حفظ العقل والنفس ،ومن خللهما حفظ الدين .فل
يحفظ دين إل من خللا نفس عاقلة مؤمنة .فالعقل محل التكليف والوعي
بالمسؤولية ،التى من أجلها خللق وعليها يلحاسب .فكتاب ال عز وجل أوضح لنا
كيفية حماية العقل من التضليل والضللا ،فحرم كل مسكر ومخدر للعقل،
ليكون مجندا ومنتبها وجاهزا لتلقي التكاليف الثقيلة ،ليحفظ النسان من
الضياع .وإذا وعى المكلف المراد من الشرع ،يقصد "من عمله بالتكاليف
الشرعية المقاصد التى وجه ال عباده إليها ،وارتضاها لهم ،فال سبحانه
2
وتعالى شرع لعباده العمالا التى تضمظنها دينه".
ومهما بلغ الوالدان من مكانة عالية ،و بحكم أنهما والدان ،وأن ال عز وجل
أمر أولدهما بالحسان إليهما واحترامهما ،فليس لهما في المقابل أن يتجبرا
على أطفالهما .فقد منع ال في كتابه الكريم التذلل أو المذلة والخضوع لغيره
سبحانه .فأوقف تأله البشر بعضهم على بعض ،وأوضح أن عبادة البشر من دون
خ
م
ه ا
هخبان خ ذ
وذر ا
م خ
ه ا ذوا ا أ ا
حخباخر ذ خ ذ
ال ل تصلح منهاجا للفلح في الدنيا؛ " ات ت خ
خ
ه " )التوبة.(31: ن الل ل ن
دو ن
من ذ
أارخباببا م
وقد منع ال عز وجل أن يظن إنسان أنه يمتلك إنسانا آخر ويتحكم فيه ،وفي
إرادته ،فيمتهنه ويذله ويسيطر عليه ويمنعه من التعبير عن رأيه ،ما دام في
حدود الشرع والحللا ،و ل يخل بأحكام الدين ومقاصد الشريعة .ولهذا كان
الدين الحنيف هو أولا دين على وجه الرضّ ،تسامى على الديانات والفلسفات
المحيطة بالجزيرة العربية ،في بلد الروم وفارس ،والتى أثرت على انتشار
عمر سليمان الشقر ،مقاصد المكلفين فيما يتعب به لرب العالمين )الكويت :مكتبة 2
د .عمر عبيد حسنه ،التفكك السرى :السباب والحلولا المقترحة )قطر :وزارة 1
عقبة بن عامر المحدث :الهيثمي في مجمع الزوائد برقم . 7/40 :خلصة الدرجة:
رجاله رجالا الصحيح.
15
وإلى جانب تعارضّ ممارسة العنف ضد الصغير ،مع قيم تكريم النسان
المكلف بالستخلف ،وحمايته من الظلم والكراه ،فهو يتعارضّ أيضا مع حفظ
ال النفس ،التى أوضحها لنا سبحانه بكل تعقيداتها .ففي سورة الشمس ،مثل،
يوضح لنا جل وعل أنه قد سوظاها وألهمها فجورها وتقواها ،كما يوضح أن
تزكيتها تؤدي إلى الفلح ،وأن إفسادها يؤدي إلى الخسران .وتزكية النفس
هى أحد أهداف إرسالا الرسل جميعا ،وانتهائهم بخاتم النبيين وإمام المرسلين
،من أجل هدايتها وصلحها .فتزكيتها هو الهدف الغائي والنهائي لهم
ولرســالتهم في هذه الحياة الدنيــــــــا .ويأتي ذلك في آيـــات عديدة
خ
م آخيات نخنا عل خي اك ذ ا م ي خت اذلو خ منك ذ اسول ب م م خر ذ فيك ذ ا سل اخنا ن ما أار خ منها " :ك خ خ
كوذنوا ا م تخ ذ ما ل خ ا كم ت م ذ عل م ذ وي ذ خ ة خ حك ا خ
م خ وال ا ن ب خ م ال اك نختا خ مك ذ ذ عل م ذ
وي ذ خم خ كيك ذ ا وي ذخز م خ
ن إ نذا خ ني
ن م
ن مؤُ
ذ ا ل ا لى خ ع
خ ه
ذ ل لال ن
ا خ تم د خ
ق خ ل " ومنها (. 151 ")البقرة: ن
خ مو خ
تخ ا ذ
لع
خ
م
ه ا كي ن وي ذخز م ه خ م آخيات ن ن ه ا ن عل خي ام ي خت اذلو خ ه ا س ن ف ن ن أن ذ م ا سول ب م م خر ذ ه ا في ن ث ن ع خ بخ خ
ل
ضل ل في خ خ
لل ن قب ا ذ من خ ا خ
ونإن كاذنوا ن ة خ م خ حك خا ا
وال ن ب خ م الك نختا خا ه ذ م ذ م
عل ذ وي ذ خ خ
ن" )آلا عمران.(164: منبي ل م
ولن يزكي والد نفس ولده ،ويتوقع تقبل ولده ليات الحكمة المزكية
ويهديه إلى الصراط المستقيم ،إن لم يكن قد زكى نفسه هو أول ،بصفات الحلم
والصبر والناة ،ودرب نفسه على التفاهم والقناع والنصح والرشاد ،بدل من
الستعجالا والتسرع بالغضب والغلظة والقسوة .فكل هذا ل يتناسب مع معاملة
النفس ،التى شرح لنا ال مواطن ضعفها ،وأدوات الحفاظ عليها أو تدميرها.
فالعنف والتخويف يدلا على الجهل بفهم ما أوضحه ال لنا ،في كيفية الحفاظ
هذلو ب
عا إ ن خ
ذا ق خ خل ن خ
ن ذ سا خ نا ا ن
لن خ عليها ،فوصفها سبحانه لنا أدق الوصف " :إ ن ت
نصملي خ
م خعا إ نتل ال ا ذ
مذنو ب ه ال ا خ
خي اذر خ س ذم ت وإ ن خ
ذا خ عا خ جذزو ب
شمر خ ه ال ت
س ذ
م ت خ
ن " )المعارج .(23-19:فالتخويف مو خدائ ن ذ
م خه ا خ خ ت
صلت ن نعلى خ م خ
ه ان ذ
ذي خال ن
والتهديد يصيب الطفل بالهلع والفزع.
كما أفهمنا القرآن أن النفس أنواع؛ إما أمارة بالسوء ،أولوامة على الذنب،
أومطمئنة بإخضاع نفسها ل ،بعد استقرار القلب لليمان وشفائها بالقرآن،
وانتهاج مسار سيد النام .ولن يستقر قلب الولد وتطمئن نفسه بالسب والفحش
واستخدام البذاءات والستهزاء والترويع واليذاء والتهديد والرعب ،بل ستتجه
به إلى التمرد والعصيان ،وترك القرآن ،وتأمره بالسوء ،وارتكاب المعاصي
والذنوب 1.فالولى أن يتعلم الباء أن ذكر ال هو سبيل الرشاد" :قد أفلح من
في حالت رحمة ال تعالى بالولد ،يتحدى الطفل سلوك الباء ويلجأ وحده إلى ال 1
المطلب الثالث
تعارض العنف مع تشكيل العقل المقصدي وتحمل مسؤُولية
الستخلفا:
عبد المجيد النجار ،فقه التدين فهما وتنزيل ،تقديم عمر عبيد حسنه .نسخة 2
18
والستدللا والستقراء والستنتاج وبناء العقل الفاعل الناقد ،والشخصية
الستقللية ،التى تمتلك المعايير والمفاتيح والمنهج الصحيح للنمو والترقي،
وتمتلك حرية القبولا والرفض ،ومفاتيح الحث والنظر ،وبذلك يكون العطاء
التربوي والتعليمي من أبرز ما يميز نظرية المقاصد أو الجتهاد المقصدي،
حيث ينقل الفرد من العطالة إلى الفاعلية ،ويمنح للعقل دليل التفكير وللطاقات
دليل التشغيل 1.كضرورة للنهوضّ بالقدرات العقلية المكتسبة للطفل ،مما
يوافق القدرة على تحمظل المسؤولية الستخلفية ،في النواحي الجتماعية
والعلمية والنهوضّ الحضاري ،بدل من حالة العجز الفكري بسبب العقلية
النقلية الناتجة عن عدم القدرة على الحراك الفكري ،البداعي الخلق.
لهذا فلبد من إعادة صياغة طرق التربية ،والمعاملة مع العقل وتشكيله
منذ بدء التكوين .فإنه "من القضايا الجديرة بالوقف أيضا ،ما تمنحه الثقافة
المقصدية من نقلة منهجية وأنظمة معرفية في المجالا التربوي ،أو بناء العملية
التربوية والتعليمية ،وتربية العقل بشكل أخص 2".ولعل مقصدية وحكمة
التدرج التربوية ،والبناء المتأني للعقل بفهم مقاصد الفكر ومآلت أفعالا العباد
،هو أولا خطوة لصلح سلوك المربي ،وإصلح أسلوبه في معاملة العقل النامي.
فالعنف مفسدة لبد من درءها حتى تتحقق المصلحة ،ولبد للمربى من فهم
أحكام التشريع تدريجيا ،ثم وتنزيل الشرع على الواقع ثم يتبني الطفل المتلقي
هذا النموذج في الفهم والتنزيل .وهذا المنهج يهدف إلى نقل العقل من عقل ناقل
إلى عقل غائي "تعليلي ،تحليلي ،برهاني ،استقرائي ،استنتاجي 3".وعملية البناء
هذه لن تتم طالما يلعب المربي دور المتسلط على عقلية الطفل ،فل يترك له
فرصة لفهم المراد .فهذا المربي ل يضع نصب عينيه المنهج الرباني ،ويطبقة
كما يريد الشارع ،وإنما تصبح شخصيته وعاداته وسلوكياته هي المنهج نفسه
أو بديل عنه .ويفرضّ على الطفل القتداء بهذه الشخصية ،على علتها ،فيظل
الطفل في حالة التلقي المعرفي والعقيدي والسلوكي لما يعلمه له البوان.
ثانيا :انتقاء العمال بالنيات ،والفعال بالمآلت ودرء
المفاسد في التطبيقات:
أهم قاعدة من القواعد المقاصدية المنهجية ،التي لبد للمربي أن يفقظه
نفسه فيها ،هي إعطاء الوسيلة حكم المقصد .فالمشرع يجب أن يضع نصب عينيه
عمر عبيد حسنة ،التفكير المقصدى) ،المكتب السلمى (1999 :ص .30يدرج 2
19
ما يترتب على إعمالا الوسيلة،من المصالح والمفاسد .فتقويم مآلت الفعالا
1
لمصلحة تلجلب أو مفسدة تلدرأ ،هو مقياس القدام على فعل ما أو الحجام عنه.
وهذا المقياس الشرعي ،يطبق على البوين وأطفالهما ،وهما أمانة في أعناقهما
ثم تجنى ثمار ذلك في المجتمع والدولة ،أي ابتداء بالوحدة الصغيرة إلى
الوحدة الكبر بطريقة تصاعدية .فالمفسدة التى يتوقف عليها العمل ،تجنب
العبد التخبط في الوحدة الصغرى ،وهى السرة ثم تجنظب أفراد المجتمع
،التخبط فيه ،ثم تجنظب الدولة مبالغ باهظة ،للتحكم في الفساد الناتج عن ذلك،
وما ينتشر في المجتمع من جرائم بين الناشئة وأطفالا الشوارع ،المهملين
أوالهاربين من أسرهم نتيجة للعنف السري .وبطبيعة الحالا ،إذا تجنظب
المربون العنف وما يترتب عليه من مفسدة ،وانتشر التعقل والتفهيم ،كمنهج
تعامل مع الناشئة ،أدى ذلك إلى استعادة حضارة القرآن.
فلن قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده من العمل موافقا لقصد الشارع
من التشريع ،لبد من تعديل نية المكلف وقصده ،فقد يكون الفعل مشروعا ،
كتأديب الولد لمصلحة يفترضها المربي .وغالبا ما يريد المربي المساك بزمام
المور ،لحكام السيطرة وعدم تفلت الولد .غير أن هذا المسلك له ضوابطه
الشرعية ،التى تجاهلها ،فيؤدي سلوكه إلى مآلا غير مشروع ،لفقدانه ضوابط
الشرع وعدم تغليب مصلحة الولد ،من منظور الشرع ،على المصلحة الفردية
الظاهرة في التأديب لخضاع الولد .فلبد للوالدين من أن يسأل أنفسهما أول ما
الهدف من التعنيف والعنف بالسلوب الخاطىء الذي شرحناه سالفا؟ هل سيأتي
بنتائج تواكب مقصد الشرع أم تأتي بعكس ذلك من نتائج سلبية؟ فإذا غفل
المربي عن نتائج الفعالا ،فقد غفل عن النية في انتقائها .فالتعنيف كهدف في
حد ذاته يتنافى مع إنزالا اللم على الفرد المسلم ،لتناقض ذلك مع قيم الدين
،التى سنفصلها ببيان المنهج التربوي.
إذن فالنية لبد أن تمحظص قبل القدام على الفعل .ويدلا على ذلك أحاديث
كثيرة ،منها الحديث المعروف عند العلماء والعوام "إنما العمالا بالنيات ،وإنما
لكل امرىء ما نوى ،فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ،أو إلى امرأة ينكحها ،
فهجرته إلى ما هاجر إليه 2".ومن القواعد الشرعية أيضا أن المشقظة تجلب
عمر سليمان الشقر ،مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين )الكويت :مكتبة 1
الفلح (1981 ،ص .500أنظر كذلك مقالا مصطفى حسنين" ،اعتبار مآلت
الفعالا ودوره في إثراء الجتهاد المقاصدي "،المجلس العلمى
http://majles.alukah.net/showthread.php?t=351
رواه عمر بن الخطاب وورد في البخارى في الجامع الصحيح برقم .1 2
20
التيسير ،ودليلها :قولا ال تعالى " ورمرا جرعرلر عرلريمكلمم فهي الدظهينه مهنم
حرررجر")الحج ( 78:وقوله صلى ال عليه وسلم " بعثت بالحنيفية
السظرممحرة ".كما أن أي ضرر واقع يلزالا فورا بحكم الشرع ،والدلة القرآنية
كثيرة ،منها "وإن يمسسك ال بضر فل كاشف له إل هو" )النعام ،17:
يونس (107:وقوله "وإذا مس النسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما"
)يونس .(12 :والضرر هو ما يكون بغير قصد ،والضرارما يكون بقصد.
واستساغة فعل أو تركه هو من باب التحسين والتقبيح العقلي ،الذى يتوافق
مع الشرع .فإن خلود الحكام والقيم الشرعية ،وكونها خاتم الشرائع ،ل تكلف
المؤمن إل بما هو حسن ،وهو ما يضفي على تلك الحكام صفة البدية ،ويوجب
اللتزام بها .فالغطرسة والتسلط دون داع مثل ،توصف بالقبح لنها تحدث
اضطرابا في البنية السرية .ول يستعيض المربي بالحسن والقبح العقلي بدون
موافقة الشرع .فالطبيعي أن كل إنسان يجد في نفسه حسن العدلا وقبح الظلم
ويعرضهما على عقله ،ويختار العدلا وينفر من الظلم .فعلى هدى مقدمة
المصالح والمفاسد ،ومقدمة اعتبار مآلت الفعالا وموافقة قصد المكلف قصد
1
الشارع يصبح الفعل سليما.
فإذا كان القرآن والسنة هما المرجعية الكائنة ،في ضمير الوالدين ،فلبد
لهما أن يعتبرا علة الفعل ومآله .فيحدداه ويقارنا بين القدام على الفعل
لختياره ،وبين نتيجة ذلك الفعل .أي أن يفكرا في ما هو حاليظر وما هو مآليظر.
فإذا توقعا ضررا في المآلا بعد تقويم المر ،بسبب اعتبار المناط الحالي ،أحجما
عن التعنيف أو إيلم الولد ،وإذا توقظرعرا نفعا ومصلحة راجحة من إعمالا ما هو
ناتج عن الفعل ،أي مقصوده ومآله ،قاما به" .لقد وضعت الشريعة لتكون أهواء
العباد تابعة لمقصود الشارع )ل العكس( ،ولقد وسع الشارع على العباد في
شهواتهم وتنعماتهم بما يكفيهم ،ول يفضي إلى مفسدة ول إلى مشقة 2".وإذا
اختار المربي العنف وسيلة للتأديب ،فهو ل يضر بعقل الولد فقط ،بل يؤصل فيه
عمر سليمان الشقر مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين )الكويت :مكتبة 1
الفلح (1981 ،ص .500يدرج لحقا باسم مقاصد المكلفين" .أما المآلا :فأقرب
استعمالته إلى هذا السياق :أنه مصدر ميمي من آلا الشيء يؤولا بمعنى رجع.
واصطلحا :يمكن تعريف اعتبار مآلت الفعالا بأنه :الحكم على المور بالنظر إلى ما
ينتج عنها من مفاسد لجتنابها ،أو مصالح لتحصيلها ،وعليه فاعتبار المآلا هو" :تنقيح
مناط التصرف بالنظر إلى ما يؤولا إليه )المناط المآلي( إذا ترتب عليه دفعل مفسدة
واقعة أو متوقعة ،أو تحصيل مصلحة راجحة متوقعة " ".أنظر مقالا "مآلت الفعالا".
د .جمالا الدين عطية ،نحو تفعيل مقاصد الشريعة )دمشق:دار الفكر للطباعة 2
22
وسخره لنا" 2والهدف السمى للمؤمن هو بلوغ الجنة .ولن يتم هذا قسرا أو
جبرا .والذى ل خلف فيه أن النسان يريد تحقيق ما اجتمع عليه البشر أجمعون
،وهو السعادة أي "طرد الهم والغم" فل تتحقق سعادة ال بهذا الطرد 2.ول
تتحقق خلفة إل بتغيير السلوكيات المعطلة لدوات وآليات الستقبالا .فالتدين
إذن هو جهاد لنجاز الدين ،فيه معاناة يكابدها النسان عبر واقعه الذاتي
والموضوعي ،لتزكية النفس وتحقيق مهمة نشره في الرضّ ،بالطرق
المواكبة للشرع لتحقيق الخلفة.
ثالثا :تغيير ثقافة العنف:
إن قضية التدين قد أساء فهمها الكثيرون ،فمنهم من اقتطع من الدين ما وافق
هواه،وترك جله لنه استصعب تطبيقه لسوء فهمه له ،أو تطرف في تطبيقه ،رغم
نصيحة النبي بأن نوغل فيه برفق" .فالنسان مخلوق متدين ،والتدين نزعة
فطرية ،ل يمكن تصور إنسان بدون هذا النزوع المفطور في النسان ،وهو الذي
يشكل القابلية والتهيؤ لستقبالا الهدي اللهي "3.ومن أجل تجهيز آليات استقبالا
الهدي بصورة فطرية ،لبد من تغيير طرق الفهم والتطبيق ،بتغيير ثقافة العنف.
فالصعوبة التربوية تأتي من الرغبة في إخضاع الولد دون تجهيز نفسيته للفهم
والطاعة .والمر يسظره ال ورسوله دون إكراه أو معاناة .فوضع بذرة اليمان
في الولد ،وتغذيتها بالقرآن يسهل تلقي المعلومة ،أيا كانت ،واستيعابها
وتطبيقها .لن الكراه مخالف لفطرة النسان ،مخالف للحكمة التي وجد
النسان من أجلها .وكما أوضح العلماء ،إن النسان سجين ثقافته ،فل بد من
تربيته من جديد 4.لهذا يتمايز المسلم بثقافته الروحية والحرص على
توجيهها والحفاظ عليها" .فالنفس في طلب مرادها مترقية متسامية ،تطلب
الكمل والفضل والكمالا كله ،والفضل كله حازته الذات اللهية ،وتطلب
غريزة العقل مقتضى طبعها ،وهو المعرفة والعلم ،فتحرك الفكر إلى تحصيله،
وتشتاق إلى الكمالا العلى بمعرفة خالقها ،إذ ل ترى موجودا أكمل منه ،فل
تزالا تتطلع إلى جانبه بتصورات وأفكار تتعاقب عليها تلحم وتسدي وتعيد
وتبدي 5".ولن يتم ذلك كله إل بفك عقالا الفكر وتحرير قيود العقل وحماية
النفس مما يكدر صفوها.
23
لذلك كان حتما على الوالدين تغيير ثقافة العنف،لينطلق العقل ويتحرر
من أغللا العنف المتوارث ،أو ثقافة العنف المكتسبة ،والتى يتخذها الوالدان
بديل لما يوافق الفطرة التى فطر ال الناس عليها ،وهـي التوجيه والتفاهم
وتبادلا الرأي" .وبقدر ما يكون جهاز التوصيل سليما ،والرسالا صحيحا ،ويكون
المرسل بصيرا وفقيها بأساليب الخطاب" 1وبإنجاز مهمة الستخلف التعبدي.
المطلب الرابع
أسباب العنف ،المية الطبية ،الهمال العاطأفي ،والجهل
بالطب النبوي لعلجا الغضب
2
Dr. Redford Williams of Duke University, "Could Anger Be a Hereditary Trait?" Excerpt
By Rozanne M Puleo, ABCNews.com
Dr. Redford Williams of Duke University, "The Discovery of the Anger Gene' Could 3
2002
الدكتور محمد جميل الحبالا ،الطبيب الستشاري ،باحث في العجاز العلمي والطبي 1
في القران والسنة " ،مقالت في العجاز العلمي "،الرضاعة الطبيعية في الطب
والتعاليم السلمية 18--1 - 1427،هـ http://www.mohrat.com/modules.php .
المرجع السابق. 2
25
الضغط عليها للعمل من أجل إثبات ذاتها دون إتمام مهامها الربانية داخل أسرتها.
كما أن أحد السباب الرئيسية لعدم قدرتها إتمام مهمة المومة هو الميظة
الدينية رغم تواجدها بجانب طفلها وعدم معرفتها آليات التوجيه اللزمة
للتفهيم فيتطور المر إلى غضب شديد بسبب الضغوط النفسية؛ إما بسبب إجهاد
العمل أولعدم وعيها الكافى بطريقة توجيه ولدها وهذا له عواقبه النفسية .فقد
أوضحت دراسات عديدة أن المهات "يربظينظ العنف في أطفالهن ،وهي حقيقة ل
يمكن تجاهلها .إن حرمان الطفالا من رعاية وحنان البوين وانخفاضّ مستوى
الوعي لدى البوين والتمسك بالعادات والتقاليد السرية والخلفات السرية أو
المعاملة التمييزية" 1كل هذا يؤدى إلى الضغط النفسى والعنف في السلوك .و
حين تفرظغ شحنة الغضب تأتي من الجزء السفل من المخ والمفروضّ أن
القشرة الدماغية تعطينا القدرة على التحكظم في الغضب إذا أعطينا أنفسنا
الفرصة فيمكن لها أن تقوظم الغضب فنعيد النظر في ردود أفعالنا حتى نقرر أن
نتحرك 2.فتحكم الم يحميها ويحمي ولدها.
إن أهم فترة لتشكيل مخ الولد ونفسيته هي السنوات الولى .وتتشكل نفسيته
وشخصيته ما بين السنوات الولى والخامسة .فإهمالا الم لولدها باتخاذ
الخادمات البديلت لها في هذه الفترة لهو من أقوى العوامل في تأصيل الفراغ
العاطفي والكتئاب ثم الثورة الداخلية اللإرادية عند الولد ثم السلوكيات
العنيفة نتيجة لكل هذا .فهي تقطعه منها بعد أن كان متعلقا بها جسديا ونفسيا.
وقد أثبت الطباء أن الحبل السري بين الم والطفل ل ينقطع حتى بعد ولدته.
فنزعه من حضنها وضمها له ،ودفعه إلى الخادمة تجعله يجد نفسه بل محضن
آمن ويضطر إلى تصوظر أن الخادمة هى الم .وتنتشر هذه العادة الرديئة خاصة
في السر الثرية التي ل تضع الم فيها المومة أولوية لها .فالثراء الذى يسهظل
لها استقطاب الخدم يدعوها إلى التكاسل عن إتمام المهمة فالم والب ،كلهما،
لبد لهما من النتباه لشباع "الحاجات العاطفية الوجدانية للبناء والشفقة
والحب وتحريرهم من المخاوف والقلق وكل ما من شأنه أن يهدد أمنهم
النفسي .فيشعر البناء بأنهم محبوبون ومرغوب بهم ،وأنهم موضع اعتزاز
للسرة .فإذا دخلت الخادمة النسيج السري وأسندت إليها ،بصورة جزئية أو
كلية ،مهمة تربية الطفالا وتأمين حاجاتهم البيولوجية والعاطفية من عطف
26
وحنــان وأمومـة أصـبحت )الخادمة( بذلك أماا بديلة ...قد يتعلق بها
1
)الطفل( عاطفياا".
ثالثا :تفقه المأ في الدين والطب النبوي عن علجا الغضب:
أتى النبي ،صلى ال عليه وسلم ،بعلج الغضب قبل أن يأتي به الطب.
فأوصانا باجتنابه كما هو معروف للعلماء والعوام في حديثه المشهور" :عــن
أبي هريرة رضي ال عنه أن رجلا قالا للنبي :أوصني فقـالا:ل تغضـب ف ردد
مراراا فقالا:ل تغضب” 2،كما علمنا ضبط انفعالتنا وتصرفاتنا .وبهذا أنقذنا
من هلك أنفسنا كما أسلفت في توضيح عواقب الغضب والعنــف علــى المــخ.
وهدي النبي يؤكد ما جاء به القرآن في آيات عديدة عن تفادي الغضب وليونة
القلب منها "والذين يجتنبون كبائر الثــم والفــواحش وإذا مــا غضــبوا هــم
يغفــرون " )الشــورى (42 :وقــوله تعــالى" :الــذين ينفقــون فــي الســرظاء
والضرظاء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والــ يحــب المحســنين" )آلا
عمران ،(134 :وقوله "ول تستوي الحسنة ول السيئة ادفع بالتي هي أحسـن
فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليظف حميم" )فصلت .(34 :ومنها أيضــا
"وعباد الرحمن الذين يمشون على الرضّ هوناا وإذا خاطبهم الجاهلون قــالوا
سلماا" )الفرقان .(63 :ومن هـدي النـبي أيضـا وصـفه لنـا بعلج الغضـب
بالكتمان .فقد روى أبو هريرة رضي ال عنــه أن النــبي قــالا":ليــس الشــديد
بالصظرعة إنما الشديد الذي يملك نفســه عنــد الغضــب” 3وتكــرظر ذلــك فــي
الحديث عن القوي في جسده" ،أن النــبي صــلى الــ عليــه وســلم مــرظ بقــوم
يصطرعون فقالا :ما هذا ؟ قالوا :فلن ما يصارع أحدا إل صرعه ،قالا :أفل
أدلكم على من هو أشد منه ؟ رجل كلمــه رجــل فكظــم غيظــه فغلبــه وغلــب
شيطانه وغلب شيطان صاحبه 4".وعن معاذ بن أنس الجهنــي أن النــبي قــالا":
د .شادية التل" ،التفكك السرى دعوة للمراجعة "،في التفكك السرى:السباب 1
الدرجة] :صحيح[ .وعن أبي الدرداء قالا" :قلت يا رسولا ال دلظني على عمل يدخلني
الجنة قالا ":ل تغضب” رواه الطبراني بإسناد حسن.
راوه :أبو هريرة المحدث :البخاري ،الجامع الصحيح -الصفحة أو الرقم6114 : 3
خلصة الدرجة :صحيح .قد روي عن عكرمة في قوله تعالى "وسيظداا وحصوراا".
قالا:السيظد الذي ل يغلبه الغضب.
راوه :أنس بن مالك المحدث :ابن حجر العسقلني في فتح الباري لبن حجر الرقم: 4
راوه :معاذ بن أنس الجهني والمحدث :الترمذي المصدر :سنن الترمذي ،الرقم، : 1
بسبب تفاقم ظاهرة العنف السري ،يتناولا هذا البحث بالتحليل تعريف
العنف وعواقبه النفسية على الفرد المسلم في مرحلة التكوين والطفولة .ويعالج
بالتفصيل غياب فهم المهات والباء لمسؤولية تشكيل الشخصية المسلمة وبنائها
ويقوم بذلك من عدة جوانب منها المحافظة على الصحة العقلية والنفسية
والجسدية للطفل .ويؤدي عجز المربي عن فهم تلك المسؤولية واتخاذ المنهج
الوسطي الملئم الذي يشرحه البحث إلى الحيلولة دون تحقيق مهام الستخلف
التعبدي المستقبلي للطفل وفهمه لدوره السري المنوط به عند الكبر وتحمله
المسؤولية الستخلفية السرية المستقبلية .كما أن غياب ذلك المنهج
التربوي المبني على التيسير ورفع المشقة والحرج واستبداله باستخدام القسوة
والعنف دون التفهيم والتوجيه والصحبة الصادقة للطفل يحولا دون تحقيق
المقاصد العليا للشريعة في الحفاظ على المبادىء الخلقية السلمية الصيلة
في المعاملت واستكمالا المهمة السلمية الدعوية باتباع المنهج الوسطي في
التربية والتوجيه والتي تؤهل الفرد المسلم للشهود الحضاري .وغنيظ عن القولا
أن المنهج القرآني وتطبيقه في السنة النبوية قد فاق المناهج الغربية التربوية
التي ما زالت تعاني من ارتفاع معدلت العنف السري ضد المرأة والطفل وتعاني
من تصاعد العنف المسلح بين المراهقين وأطفالا المدارس كما تبين إحصائيات
هذه الدراسة والحالت المطروحة فيها.
أقسام البحث :يقوم المبحث الولا ببيان كيفية تعارضّ العنف مع القيم
القرآنية .يعرف المطلب الولا معنى العنف ويشرح أنواعه ويبين بالحصائيات
مدى انتشاره في الدولا السلمية ومدى خطورته من النواحي الطبية على
شخصية الطفل في فترة التكوين .ثم يبحث المطلب الثاني تعارضّ العنف مع
المنهج القرآني الذي وافقه العلم في تكريم بني آدم ويؤريد ذلك باليات
القرآنية والحاديث النبوية عن قيم الرحمة التي ينضوي عليها المنهج القرآني
التربوي وتطبيقه بجلء في سنظة رسولا ال صلى ال عليه وسلم .ويوضح
تعارضّ العنف مع التكريم وحفظ العقل لستقبالا التكليف بالستخلف في
الرضّ .كما يبين المطلب الثالث الحفاظ على عقل الفرد المسلم لتشكيل الفكر
المقاصدي كضرورة للنهوضّ بالقدرات العقلية المكتسبة للطفل مما يوافق
القدرة على تحمظل المسؤولية الستخلفية في النواحي الجتماعية والعلمية
والنهوضّ الحضاري بدل من حالة العجز الفكري بسبب العقلية النقلية الناتجة
29
عن عدم القدرة على الحراك الفكري البداعي الخلق .فالعوامل النفسية تشكل
أكبر العوائق في تحريك وتطوير القدرات الفكرية .وينتهي المطلب الرابع
إلى بيان أسباب العنف وفقدان المربي الحنان نتيجة المية التربوية الدينية التي
قد تكون بسبب عوامل وراثية ،أو جينية طبيعية ،أو بسبب عوامل مكتسبة؛
كالجهل الثقافي وغياب الوعي بمهمة الوالدين ومسؤوليتهما في طاعة ال
وتحقيق العبادة في المعاملت بتطبيق التكليف الصحيح بالدين وتحقيق مقاصد
الشرع العليا .ويطرح المطلب الخامس الحل بالتفصيل ،وهو فهم المومة
الواعية والرعاية المبنية على العطاء والحب والحنان وأثر ذلك على سلوك
الطفل وإنجازات؛ والتي تحقق بذلك أيضا تأصيل القدوة الصالحة المستندة إلى
مبادئ وقيم القرآن والسنة التي تتسم بالوسطية والعتدالا .أما المبحث الثاني
فالمطلب الولا فيه يبين أن العنف ضد الطفالا حالة مرضية لها انعكاسات
مرضية على الضحية .وهو يتعارضّ مع تأثير العجاز القرآني على نفسية
الطفل ،وتشكيل العقلية القرآنية بسبب الضطراب أو الخوف أو الجزع أو
الضعف أو الهتزاز نتيجة فقدان الطمئنان الناتج عن التعنيف اللفظي أو
العاطفي النفسي أو الضرب الذي يجرح النفس والبدن معا .و بالمقابل يشرح
المطلب الثاني بالتحليل والحصائيات ودراسة حالت واقعية؛ إيجابيات اللتزام
بضوابط التأديب الشرعي النبوي في الحفاظ على نفسية الطفل المستقبلة لوقع
القرآن المعجز عليها وشرح صدره وانفراجه وانطلقه وارتفاع نسبة ذكائه
وقدراته على التذكر والسترجاع ومن ثم التفوق الدراسي والنجاز الجتماعي
والعلمي لصالحه وصالح المجتمع المسلم والمة بصفة عامة .أما المطلب الثالث
فيبين؛ العواقب الخطيرة الجتماعية التربوية الناتجة عن تدمير نفسية الطفل
بالقسوة والعنف ومعاناة الطفل من مرضّ الكتئاب والحزن وفقدان الثقة
بالنفس والشعور بفقدان المحضن الذي يمنح المان والطمئنان ومن ثم يؤدى
إلى الحساس بالضياع ويؤدى إلى التخبط والتمرد على الوالدين والعقوق ،وإذا
تطورت المور يؤدى إلى التفلت والنحللا والهروب من بيت السرة والرتباط
بمن يعوضه عن الحرمان العاطفي خارج البيت؛ مثل أصحاب السوء أو الرفقاء
الفاسدين ومن ثم فقدان الهدي القرآني والصراط المستقيم .وبهذا تفقد المة
أحد أفرادها الذين كان من الممكن أن يصبحوا فخر هذه المة بخلللقهم الراقي
وإنجازهم العلمي وعلقاتهم الجتماعية المتحضرة .أما المبحث الثالث فيوضح
الوسطية في منهج القرآن ويبينها في أقوالا الرسولا وأفعاله .وسلوكه الذي
يتسم بالرأفة والرحمة والحلم والصبر وبعد النظر والمراعاة النفسية للصغير
30
والضعيف وكل هذا يعلي من قدر النسان المسلم ويكرمه منذ الصغر ويعمل
على التدرج في بنائه وتقويته لصلح السرة والمجتمع والدين والدعوة ونشر
التوحيد والعبودية والبصر والبصيرة بمنهج الحضارة والتقدم والفلح للدنيا
والخرة ولكي يصبح الفرد المسلم مؤهلا لمهمة الشهود الحضاري حجة على
المم جميعها.
31