You are on page 1of 32

‫الدورة التاسعة عشرة‬

‫إمارة الشارقة‬
‫دولة المارات العربية المتحدة‬

‫العنف السري ضد‬


‫الطأفال‬
‫وعوائق تحقيق مهمة الستخلفا‬
‫التعبدي ‪ ،‬والمقاصد العليا‬
‫للشريعة ‪ ،‬والشهود الحضاري‬

‫إعداد‬
‫د‪ .‬رشا عمر الدسوقي‬

‫‪0‬‬
‫المبحث الول‬
‫خطورة العنف على الطفل وتعارضه مع القيم القرآنية‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫إن هدف هذه الدراسة هو توضيح مدى خطورة العنف السري على الطفل‬
‫المسلم ‪ .‬فالتخبط وعدم اتباع المنهج القرآني وتطبيقه وفق النموذج‬
‫والرشادات النبوية الحنيفة‪ ،‬تؤدي إلى عواقب وخيمة أوضحها المنهج الرباني‬
‫السباق لكل علم‪ ،‬ثم أكدها الطب الحديث بعد ذلك‪ .‬وترى هذه الدراسة أن‬
‫فقدان القدرة العقلية للفرد المسلم على البداع والبتكار والتقدم بخطوات‬
‫سريعة‪ ،‬ترتقي إلى أعلى المستويات التي تتوق إليها المة المسلمة‪ ،‬أحد أسبابها‬
‫الساسية هو ارتكاب جناية العنف التربوي‪ ،‬المؤدية إلى تحجيم قدرات الطفل‬
‫البداعية وكبت طاقاته الفكرية وتكريس المعاناة في محاولت التلقي‬
‫والبرمجة الطبيعية الفطرية التي أودعها ال تعالى فيه مسبقاا‪ .‬ويتضح ذلك لنا‬
‫بصورة جلية من خللا الدراسات والتحليلت الطبية العديدة التي يدرجها البحث‬
‫للبرهان على ذلك‪.‬‬

‫المطلب الول‬
‫تعريف العنف وبيان خطورته من الناحية الطبية‪:‬‬

‫العنف لغة هو "ضد الرفق‪ ،‬و أعنفته أنا أو عنفته تعنيفا‪ .‬والعنيف من ل رفق‬
‫له"‪ .‬و"اعتنف المر‪ ،‬أخذه بعنف‪1 ".‬وقد اتفقت المعاني والمترادفات في معظم‬
‫معاجم اللغة العربية على لفظ العنف وما يحويه من معان توصيفية للخلللق‬
‫والطباع والنواحي النفسية كاللوم المتكرر‪ ،‬والقسوة ‪ ،‬والكراهية ‪ ،‬والشدة ‪،‬‬
‫والغلظة‪ ،‬وما ينتج عن ذلك من إلحاق الضرر كفقدان الشعور الذاتي بالمن‬
‫والطمأنينة والكرامة‪ .‬وقد استند معظم محللي سلوك العنف ضد الطفالا في‬
‫العالم إلى تعريف منظمة الصحة العالمية وهو ‪":‬الستعمالا المتعمد للقوة‬
‫الفيزيائية ‪ ،‬المادية ‪ ،‬أو القدرة ‪ ،‬سواء بالتهديد أو الستعمالا المادي الحقيقي‬
‫ضد الذات أو ضد شخص آخر أو ضد مجموعة أو مجتمع ‪ ،‬بحيث يؤدي إلى‬
‫حدوث ) أو رجحان حدوث ( إصابة أو موت أو إصابة نفسية أو سوء النماء أو‬
‫الحرمان‪ ".‬ويشمل " كافة أشكالا العنف أو الضرر أو الساءة البدنية أو العقلية‬

‫الفيروز أبادى‪ ،‬القاموس المحيط )لبنان‪ :‬دار الفكر‪) 1415/1995 ،‬ص ‪.756‬‬ ‫‪1‬‬

‫يدرج لحقا باسم القاموس المحيط‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫أو الهمالا أو المعاملة المنطوية على إهمالا أو إساءة المعاملة أو الستغللا‬
‫‪ 1"...‬ويعني مصطلح العنف السري ‪ :‬كل عنف يقع في إطار العائلة ومن قبل‬
‫أحد أفراد العائلة بما له من سلطة أو ولية أو علقة بالمجني عليه‪.‬‬
‫ووفقاا للدراسة التي قامت بها منظظمة المم المتظحدة لرعاية الطفولة‬
‫والمومة‪" ،‬اليونيسف‪ "،‬يتضح مدى خطورة العنف على مخ الطفل في مراحل‬
‫النمو‪ .‬ففي فترة الستة شهور الولى يتشكل ‪ %50‬فقط من جهاز المخ‪ ،‬ثم‬
‫يستمرظ بالنمو حتى سنظ العاشرة‪ .‬وبالنظر المتفحص في التحليلت الطبية‬
‫تتضح لنا مدى عواقب ممارسة العنف في هذه الفترة الحرجة والخطيرة من عمر‬
‫الطفل والمعروفة بفترة التكوين والنمو‪ .‬فإذا تعرظضّ الطفل لي نوع من أنواع‬
‫العنف‪ ،‬ينطبع أثر ذلك على فكره ومخيلته وكيانه الذهني والنفسي‪ ،‬وتتشكل‬
‫‪2‬‬
‫شخصيته حسب ما اختزنته الذاكرة بصورة ل إرادية في العقل الباطن‪.‬‬
‫والعنف ضد الطفالا ظاهرة عالمية؛ فهناك أربعة مليين طفل يتعرضون‬
‫للعنف في الوليات المتحدة‪ 3.‬وبما أن قانون الدولة يحتظم انتزاع الطفل من‬
‫بيت السرة الذي تم فيه العتداء محل الجناية؛ فإنه قد نتج عن ذلك وضع‬
‫عشرات اللف من الطفالا في بيوت الرعاية‪ .‬وإذا عمم هذا القانون في البلد‬
‫السلمية‪ ،‬لنا أن نتخيل كم ستفقد المة السلمية من أبناء المسلمين‪ ،‬وفى‬
‫مصر‪ ،‬أصدر المركز القومي للبحوث الجتماعية والجنائية إحصائيات عن‬
‫العنف ضد الطفالا‪ ،‬مفادها أن ‪ %65‬من الجرائم التي ترتكب ضد الطفل تأتي‬
‫من أسرته‪ ،‬و"القانون المصري‪ -‬على سبيل المثالا ‪-‬ل ينص على وجه الخصوص‬
‫على حظر ضرب الطفالا داخل السرة؛ إل أن العتداء البدني على الطفالا يشكل‬
‫جريمة وفقاا للقواعد العامة في قانون العقوبات ‪ ،‬بما في ذلك إذا كان العتداء‬
‫قد تم في إطار السرة‪ .‬وتشير الدراسات المتوفرة حولا الساليب العقابية التي‬

‫تقرير الدورة الحادية والستون للجمعية العامة للمم المتحدة‪ 29 ،‬أغسطس‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ، 2006‬البند ‪ 62‬من "جدولا العمالا المؤقت ‪" :‬تعزيز حقوق الطفالا وحمايتها‪".‬‬
‫يعرظرف الطفل لغرضّ هذه الدراسة على النحو الوارد في المادة ‪ 1‬من اتفاقية حقوق‬
‫الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة‪ ،‬ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك‬
‫بموجب القانون المنطبق عليه"‪ .‬وبالتالي فإن المعلومات المتعلقة باستراتيجية‬
‫التصدي للعنف ضد الفتيات والفتيان دون سن الثامنة عشرة ينبغي توفيرها في كل‬
‫أجزاء الستبيان‪ .‬وهو التعريف المعتمد في اغلب البلدان العربية إل في الحالت التي‬
‫حددت فيها القوانين الوطنية سنا أخرى‪ 16 ،‬سنة مثل‪.‬‬
‫وضع الطفالا في العالم ‪ ، 2005‬الطفولة المهددة ‪ ،‬منشورات اليونيسيف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫"أطفالا ل يعرفون معنى الحنان‪ :‬العنف السرى ضد الطفل ظاهرة تهدد مستقبل"‬ ‫‪3‬‬

‫صفحة السرة‪ ،‬العرب‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫‪2‬‬
‫يمارسها الوالدان مع البناء أن أسلوب الضرب باليدي استحوذ على أعلى نسبة )‬
‫‪ ،(%30‬يليه أسلوب التوبيخ والتهزيء )‪ ،(%24‬يليه أسلوب الحرمان من‬
‫المصروف أو الكل أو الخروج )‪ .(%20‬وبيظنت الدراسة تباينات بين المناطق‬
‫الريفية والحضرية‪ ،‬حيث كان السلوب الكثر شيوعاا في الولى هو الحرمان‬
‫بينما ساد التوبيخ في المناطق الحضرية‪ 1 ".‬وقد أقر مركز الهرام في دراسته‬
‫مقتل ‪ 166‬طفلا نتيجة العتداء عليهم ووقوع ‪ 48‬حادثة عنف أسري أدت إلى‬
‫قتل ‪ 47‬طفل خللا النصف الولا من عام ‪ .2008‬ونتج عن المسح الذى أجري‬
‫في مصر أن ‪ % 37‬من الطفالا يفيدون بأن آباءهم ضربوهم أو وربطوهم‬
‫بإحكام‪ ،‬وأن ‪ % 26‬منهم قد أبلغوا عن إصابات مثل الكسور‪ ،‬أو فقدان الوعي‪2 ،‬أو‬
‫إعاقة مستديمة نتيجة لذلك‪.‬‬
‫لقد أظهرت التقارير الدولية "أن معظم الطفالا الذين يتعرضون للعنف‬
‫يتغيظرون داخلياا بسبب وضعهم في حالة الردظ العنيف أو الهرب مما يخيف‪ .‬وقد‬
‫أظهرت اللقاءات البؤرية مع الطفالا بعضاا من أشكالا العقوبات القاسية مثل؛‬
‫الضرب بسلك الكهرباء‪ ،‬والضرب بالخيزران‪ ،‬والضرب بخرطوم الماء‪ ،‬والنطح‬
‫بالرأس‪ ،‬واللكم وربط الرجل بالحبالا والصفع على الوجه واللعن والسب‬
‫والهانة والحبس في الحمام أو في حوش البيت والتهديد بالقتل والطرد من‬
‫المنزلا‪ 3".‬وتظهرالنتائج المرعبة لهذه السلوكيات في إحصائيات دولية أيضا‪،‬‬
‫ما يدلا على أن غريزة الغضب المؤدي إلى حب الفتراس والتجني لو لم يهذبها‬
‫المنهاج الرباني القرآني والنبوي؛ لدت إلى جرائم تستحق العقوبات من المنظور‬
‫السلمي في نظام التشريع الجنائي‪ .‬فتقرر منظمة الصحة العالمية أن ما‬
‫يتراوح بين ‪ 80‬و ‪ % 98‬من الطفالا يتعرضون للعنف المنزلي وحوالي‬
‫‪ 5300‬طفل قد توفي في عام ‪ 2002‬نتيجة للقتل ‪.‬وأن ‪5000 -2000‬‬
‫طفل يقتلون سنوياا من قبل آبائهم‪ 4 .‬وقد قرر أساتذة الجتماع في المركز‬
‫القومي للبحوث الجنائية أن ضرب الطفالا وتعنيفهم يربظي لديهم عقد نفسية‪،‬‬
‫‪.5‬‬
‫إذ أنها تتحولا إلى سلوك شاذ يصعب السيطرة عليه‬
‫دراسة المين العام للمم المتحدة حولا العنف ضد الطفالا‪ ،‬التقرير القليمي‪ ،‬منطقة‬ ‫‪1‬‬

‫الشرق الوسط وشمالا أفريقيا‪ ،‬مايو ‪.2005‬‬


‫تقرير مركز الهرام‪ ،‬سلسلة الحقوق القتصادية والجتماعية‪.14/9/2008 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫دراسة المين العام للمم المتحدة حولا العنف ضد الطفالا‪ :‬التقرير القليمي‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫منطقة الشرق الوسط وشمالا أفريقيا‪ ،‬مايو ‪. 2005‬‬


‫دراسة باولو سيرجيو بنهيرو بناء على طلب السكرتير العام للمم المتحدة عن‬ ‫‪4‬‬

‫العنف ضد الطفالا‪ .‬منظمة الصحة العالمية‪.2005 ،‬‬


‫أمثالا الدكتور عدلى السمرى‪ ،‬أنظر ماجد يوسف داوى‪ ،‬ص ‪6‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪3‬‬
‫والذى يهمنا هو النتائج الطبية لكل هذا ‪ ،‬بعد معرفة حجم الكارثة؛ فيؤكظد‬
‫أطبظاء علم الخليا أنظ الهل يصوغون شخصيظة ولدهم في هذه الفترة‪ ،‬بوعي أو‬
‫بدون وعي أوعلم كاف أو دراسة تربوية‪ .‬وقد أثبتت الختبارات المعملية وما‬
‫نتج عنها من استنتاجات علمية أن الحالة الجسدية العصبية للطفل يمكن أن‬
‫تحدث تغيظراا في كيفية تطور المخ‪ ،‬وهذا التغيظر بدوره يؤدي إلى تغيرات‬
‫فسيولوجية وعاطفية وسلوكية ‪ .‬ولقد أوضحت البراهين والدلة الطبية أن ال‬
‫تعالى شكل المخ في طور النمو بحيث ينظم ردود فعله وفقا للنمط الذى يراه أو‬
‫يتعرضّ له‪ ،‬كما أن ردود فعله تتوقف على حدة العنف الواقع عليه وقوته‪.‬‬
‫ويمكن أن يؤثرالتعدي على جسد الطفل الصغير إلى تغيرات في طريقة نمو مخه‬
‫قبل تمايز وتحولا الخليا العصبية في تلك الفترة الخطيرة من حياته‪ ،‬وهى‬
‫فترة التشكيل والتكوين لمخه وأعصابه وشخصيته‪ .‬وقد أثبتت الختبارات‬
‫المعملية أن التعرظضّ المستمر للعنف يؤثر على قدرة المخ في الستجابة‬
‫للضغوط الخارجية التي يتعرضّ لها الشخص مستقبل‪ .‬كما أن الهجمة على‬
‫هذه الضحية الصغيرة تكرظس عجزا متزايدا في الرد على أي تعد واقع في فترة‬
‫لحقة في المستقبل ‪ ،‬عند مواجهة تحديات العلقات الجتماعية في دنياه الجديدة‬
‫‪ ،‬بمشاقها وتعقيداتها رغم إظهار القدرة المؤقتة الحالية على الصمود‪ .‬وحين‬
‫يتعرضّ الطفل للضغط غير المتوقع‪ ،‬تتضح ظاهرة الفقدان الوظيفي للخليا‬
‫الدماغية‪ .‬فالتكرار النمطي لسلوك معين يطبعه في الذاكرة ويغير الحراك‬
‫‪1‬‬
‫الوظيفي للخليا بطرق مستديمة‪.‬‬
‫لقد أودع ال تعالى العقل قدرات دفاعية غريزية؛ فالتعرضّ للعنف يحدث‬
‫تغييرا باطنيا لإراديا في طرق التفكير والستجابة للتعدي ورد الفعل الدفاعي‬
‫عن النفس؛ التي أصبحت في موقف الضحية المعتدى عليها‪ .‬ولقد وصف‬
‫المحللون طرق ردود الفعل المختلفة للطفل المعتدى عليه بتحليل سلوكياته ‪،‬‬
‫فالجسم أصبح مهيأا بصورة آلية لرد الفعل وفقا لما هو مخزظن في الذاكرة‪.‬‬
‫ولكن إذا وقع العنف على الرضيع ‪ ،‬فإن أثره يتضح في البكاء وعبوس الوجه أو‬
‫الصراخ أو في التمرير والتغييب اللى لما وقع عليه من هجوم‪ .‬أما في مرحلة‬
‫النمو فإن الستجابة للستثارة تصبح عن طريق ردة الفعل النفعالية القوية‪.‬‬
‫وتعتبر المرحلة الولى للستثارة المستمرة عبارة عن إنذار استغاثي لمركز‬
‫‪1‬‬
‫‪Perry, B.D. "The Neurodevelopmental Impact of Violence in Childhood." Textbook of‬‬
‫‪Child and Adolescent‬‬ ‫‪E.G. Krug et. al. (eds.) World Report on Violence and Health‬‬
‫‪(Geneva, World Health Organization Forensic Psychiatry, eds., D. Schetky and E.P.‬‬
‫‪Benedek (Washington D.C.: American Psychiatric Press, Inc., 2001), Chapter 18, pp.‬‬
‫‪ .‬يدرج لحقا باسم الكاتب ‪221-238‬‬

‫‪4‬‬
‫الجهاز العصبي وهوامشه‪ ،‬والتي تحث المخ للدفاع والنتباه والتأهب في حالة‬
‫الشعور بالتهديد والثارة والقلق‪ ،‬وهذه النفعالت تؤثر أيضا على القشرة‬
‫الدماغية‪ .‬إن استجابة المخ تتخذ هذه الصورة التى تسمى حالة "الستثارة‬
‫التفاعلية المتواصلة"‪ continuum hyperarousal‬فبهذه الصورة جعل ال‬
‫تعالى الجهاز العصبي ينظم الستجابات العصبية الجسدية لمواجهة التهديد‬
‫الخارجي‪ 1.‬وقد أثبت العلم أن النسان له عقل يفكر وعقل يشعر‪" .‬إنظ البوابة‬
‫التي يمر فيها تعلم النسان للنفعالت أو نقطة اللتقاء بين التفكير والعاطفة‬
‫المتمثلة في الدائرة العصبية "الميجدال" وتقع في مقدمة الفص المامي للمخ‬
‫‪ ،‬وهي التي تمثل المخزن الذي يحتفظ فيه النسان بخبراته التي يكتسبها عما‬
‫يفضله وعما يرفضه خللا حياته‪ .‬فلدينا عقلن؛ عقل يفكر وعقل يشعر وينفعل‬
‫‪2‬‬
‫وهما يبنيان حياتنا العقلية‪".‬‬
‫وحين يتعرضّ الطفل إلى العنف في السنين الولى‪ ،‬يتكيف بصورة سماها‬
‫الطباء "بالنفصالية" ‪ .dissociation‬وتتعلق بهذه الحالة النفصالية آليات‬
‫ذهنية معينة ‪ ،‬تنهي تعلق الطفل الواعي بالمحيط الخارجي؛ فيتركز اهتمامه‬
‫بأغوار نفسه ومشاعره الداخلية‪ ،‬أي ينشط عقله الشاعر ويخمد عقله المفكر‪.‬‬
‫هذا يعني أنه قد تنتج ردود فعل عديدة منها عدم التركيز‪ ،‬أو حالة الذهولا‪ ،‬أو‬
‫تحديق النظر دون وعي بما حوله‪ ،‬كما يؤدي إلى تجنب الحداث والشخاص في‬
‫المحيط الخارجي‪ ،‬والسرحان‪ ،‬واللمبالة ‪ ،‬وتنمل الجسم أو تصلبه وأحيانا‬
‫الغماء‪ .‬وكما سيتضح في تحليل المنهج السلمي لحقا‪ ،‬تفتح هذه الحالة‬
‫للطفل كما هائل من المشاعر السلبية والوساوس التى تضله عن الصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬وتدفعه إلى محاولة إيجاد البدائل بعيدا عن المنهج المفترضّ أن يتبعه‬
‫الوالدان المربيان‪ .‬وقد يهرب الطفالا ذهنيا بطرق أخرى عن طريق تقمص‬
‫شخوص أو أبطالا مسلسلت كرتونية قوية ‪ ،‬تعوضهم عن التألم من حالة‬
‫المهانة التى يعانون منها ‪ .‬وتظهر في البنات خاصة حالة الهروب الذهني في‬
‫أحلم اليقظة والرؤى النهارية لبطلت جميلت يحظين بإعجاب من حولهن‪.‬‬
‫ويقولا العلماء القائمون على فحص تلك الحالت‪ ،‬أن ردود فعل الطفل في حالة‬

‫سمى الطباء هذه الحالة "الكفاح أو الهروب" ‪ . Fight or Flight ،‬للتفصيل ‪ ،‬أنظر‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬
‫نبيل حاجى نائف‪" ،‬فى دماغنا عقلن" باب الصحة والحياة العرب السبوعية السبت‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 9/8/2008‬ص‪.28‬‬
‫‪5‬‬
‫الصدمة النفسية عند حدوث التعدي بالتعنيف أو الضرب ‪ ،‬تتراوح بين النفصالا‬
‫‪1‬‬
‫أو الستثارة والستجابة التفاعلية المباشرة مع الحدث‪.‬‬
‫ويزداد اعتبارنا لقدرات الطفل الذهنية إذا درسنا كيفية تجهيز ال تعالى‬
‫المخ ‪ ،‬بالقدرة على التفاعل والختزان والستخدام الماهر للتجارب‪ .‬وما يتطلبه‬
‫العالم الخارجي من العقل هو عمل ضخم ل يمكن تخيله‪ .‬فإلى جانب خلق ال‬
‫تعالى في المخ ‪ ،‬القدرة على التحكم في عمل جميع الحواس في الجسم‬
‫ومراقبتها‪ ،‬أودع في ذلك الجهاز أيضا ‪ ،‬القدرة على تلقيه منفردا المعلومات عن‬
‫العالم الخارجي ‪ ،‬وتننظيمها عن طريق المليين من حواس الستقبالا والعضاء‬
‫الداخلية‪ .‬وبطريقة تلقائية‪ ،‬يختزن المخ التجارب الماضية ثم يستجيب لهذه‬
‫التجارب ويتكيف معها بطرق مناسبة‪ .‬وقد أكد علماء العصاب أن تفاعل المخ‬
‫مع البيئة الخارجية هو متطلب أساسي لعمله‪ .‬فالتجارب العاطفية الولى للطفل‪،‬‬
‫تحفر في كيانه الذهني وتصبح مخزظنة في ذاكرته‪ ،‬وأولا من يتفاعل مع‬
‫الطفل من الخارج هو الوالدان أو من يقوم برعايته‪ .‬وهذا التفاعل هو بمثابة‬
‫جزء ل يتجزأ من عملية النمو‪ ،‬منذ اليام الولى للولدة‪ .‬هذا يعنى باختصار بأنه‬
‫لبد من أن يقوم بعملية التعلم والمعرفة والتلقي والبرمجة‪ ،‬بصفة مستمرة‬
‫ومركزة‪ 2.‬وهذا الكيان الصغير‪ ،‬الذى ل حولا له ول قوة‪ ،‬وديعة من ال وأمانة‬
‫بين يدي والديه‪ .‬جاهز لتلقي خير الكلم وأحسنه‪ ،‬ول ينزلا على مسامعه إل ما‬
‫يثري عاطفته وروحه المتفتحة للحياة ‪ ،‬وينمي قدراته على التفاعل البناء‬
‫والتلقي السليم واسترجاع كل ما هو مشجع ومثرر للثقة بالنفس وللتطلع‬
‫للنجاح وللنبوغ الفطري‪.‬‬
‫فحين تقع الصدمة الذهنية لجهاز المخ‪ ،‬بسبب تجارب سلبية أو مؤلمة ‪ ،‬تعاد‬
‫عملية التلقي والبرمجة‪ ،‬بما يناسب التجربة العاطفية الجديدة‪ .‬فالمعروف أن‬
‫السرة تمنح الطفل الشعوربالطمأنينة وتهيء له الجو الهادىء والسكينة القلبية‬
‫والنفسية‪ .‬وأي فعل عكس ذلك‪ ،‬يلحدث لديه هزة أو صدمة نفسية لنه فوجيء‬
‫بعكس ما توقظع‪ .‬وتكون الصدمة لدى الطفل أشد حين تقع من أقرب الناس إليه‬
‫داخل مآواه الوحيد‪ ،‬ومحضنه الذى اعتاده ول يعرف غيره‪ .‬ومن العجيب أن‬
‫المعتدي على الطفل ل يعلم مدى خطورة اعتدائه وما ينتج عنه‪ .‬فالسب أو‬
‫الستهزاء أو التهديد والتخويف أوالركل أو الضرب بآلة ما مهما كانت خفيفة‪،‬‬
‫أنظر ‪Perry .B.D‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪Shore, R. " What Have We Learned," Rethinking the Brain (New York : Families Work 2‬‬
‫)‪ , Institute, 1997‬يدرج هذا المرجع فيما بعد باسم الكاتب‪pp. 15-27 .‬‬

‫‪6‬‬
‫حادة أو غير حادة ‪ ،‬يحدث ردود فعل في الجسم ل يمكن للطفل التحكم بها‬
‫بصورة واعية أو مدروسة‪ .‬ولكن أودعها ال تعالى في جهاز مناعة المخ لتدافع‬
‫عنه تلقائيا إذا واجه الخطر‪ .‬ورد الفعل هذا مثل أي مقاومة أو دفاع تقوم به‬
‫البكتيريا عندما يهاجم الجسم أى مرضّ عضوي مهما كان بسيطا كالزكام أو‬
‫نزلة البرد‪ ،‬أو خطيرا كالسل والتيفود‪ .‬وحين تتم حالة التعدي يقوم المخ‬
‫بإفراز مواد معينة تؤثر في وظائف الجسم كله ؛ في ضربات القلب‪ ،‬والضغط‬
‫ومعدلت التنفس ‪ ،‬والجلوكوز والحركة الطبيعية للعضلت‪ .‬كما تؤدي إلى‬
‫فقدان الشهية والرغبة في الهروب والقلق‪ ،‬والتوتر الدائم‪ .‬كل هذه التجهيزات‬
‫الداخلية تعد الجسم للدفاع عن نفسه أو الهروب من الهجمة المنتظرة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫المحتملة‪.‬‬
‫كما يرجع أطباء علم النفس أسباب العتللا العقلي والجسدي إلى سوء‬
‫معاملة الطفل في سنواته الولى‪ .‬ومن المراضّ التي تداهمه؛ مرضّ الكتئاب‬
‫أو التعرضّ له بصورة تنذر بتطوره إلى مراحل أكثر تعقيدا‪ .‬والكثير من‬
‫العلماء يرى أن الكتئاب هو نتيجة انخفاضّ النشاط في الفصوص المامية‬
‫للمخ‪ .‬إن صح هذا‪ ،‬فإن التطور الفجائي للنصف اليسر من كرة الدماغ يعجل‬
‫من خطورة الكتئاب‪ .‬وبنفس الشكل فإن الكهرباء الزائدة في النظام الحوفي‪،‬‬
‫والتغيرات في تطور المستقبلت التى تعدلا من القلق الكائن‪ ،‬تهيء لوجود‬
‫اعتللا بسبب حالة الذعرالموجودة وزيادة خطر الصدمة البعدية للضغط ‪ .‬أضف‬
‫إلى هذا‪ ،‬أن التغيرات العصبية الكيميائية لهذه الجزاء من الدماغ ‪ ،‬ترفع من‬
‫معدلت الستجابة للضغوطات ‪ ،‬مما يؤدي إلى زيادة استجابة الهرمونات للضغط‪،‬‬
‫الذي يؤدي بدوره إلى حالة من اليقظة المفرطة وإلى تنشيط الجانب اليمن من‬
‫الدماغ ‪ ،‬مما يصبغ البصيرة بالسلبية والشك‪ .‬كذلك فإن التغيرات في حجم‬
‫قرين الدماغ مع حدوث التغيرات غير الطبيعية في المحور الحوفي تزيد من‬
‫‪2‬‬
‫ظهور العراضّ النفصالية وتدهور الذاكرة‪.‬‬

‫أنظر ‪. .Perry B.D‬وانظر كذلك دراسة ماجد يوسف داوى‪ ،‬العنف ضد الطفل‬ ‫‪1‬‬

‫وانعكاساته على مفهوم الذات‪ 22 ،‬آب‪ . 2008 ،‬الدراسة موجودة في جميع مواقع‬
‫الشبكة الدولية التى تتناولا العنف ضد الطفالا‪ .‬تدرج هذه الدراسة لحقا باسم ماجد‬
‫يوسف داوى‪.‬‬
‫‪Martin H. Teicher, "Wounds That Time Won’t Heal: The Neurobiology of‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪Child Abuse," Cerebrum: The Dana Forum on Brain Science, Volume 2, Number 4,‬‬
‫‪.Fall 2000, p.12‬‬

‫‪7‬‬
‫أما عن العتللا الجسدي‪ ،‬فيظهرحين يتعرضّ المخ لمواقف صعبة أو ضاغطة‬
‫على قدرات تحمظل العبء الخارجي‪ .‬عندها يزداد نشاطه بصورة ملحوظة‪.‬‬
‫فهناك علقة وثيقة بين التجربة وما تعلمه المخ؛ حيث يقوم بعمل ممرات‬
‫عصبية تساعد الوظائف العديدة ‪ ،‬حتى تمر الشارات بسهولة ويصبح تصنيف‬
‫المعلومات سهل نسبيا‪ .‬وحين تصعد الخلية هذا السلم ‪ ،‬تتصل بأنواع مختلفة من‬
‫الجينات التى تحدد شخصية الخلية ‪ cell identity‬فإذا طرأ شىء ما من الخارج‬
‫له تأثير عاطفي أو نفسي سلبي ‪ ،‬أحدث تعثرا في طريق الخلية مما يؤدي إلى‬
‫نتائج كارثية‪ .‬فإذا رست الخليا في الزمان والمكان غير المناسبين ‪ ،‬بسبب‬
‫الصدمة يمرضّ النسان بأمراضّ مزمنة مثل الصرع المبكر‪ ،‬السترسالا في‬
‫ة‪1.‬‬
‫التخيل ‪ ،‬وعدم التركيز هروبا من الواقع‪ ،‬أو النفصام في الشخصي‬
‫وللعنف اللفظي والجسدي أثر خطير على استكمالا النمو الطبيعي للخليا‬
‫العصبية في دماغ الطفل‪ .‬فإن هناك جزءا آخر يلعب دورا رئيسيا في الستجابة‬
‫للخوف ‪ ،‬وهو قرين الدماغ الذى يقع في المنطقة السطحية بين القشرة الدماغية‬
‫والجزء الخلفي من مقدمة المخ‪ .‬ولهذا الجزء وظيفة رئيسية في التذكر‬
‫والتعلم ‪ ،‬وفي النظام المستقل للعصاب والوظائف العصبية الصماوية‪ .‬وحين‬
‫تصل المخ إشارات باحتمالا حدوث هجوم ما على الجسد ‪ ،‬تنشط أجهزة الدماغ‬
‫للتحرك‪ .‬والذى يحدث هو أن هرمونات الجهاد والضغط للخليا العصبية‬
‫الناقلة‪ ،‬تستهدف منطقة قرين الدماغ مما يحدث تغيراا ببنيته الساسية‬
‫وحجمه‪ .‬واستخلص الطباء أن الضغط المتكرر يمنع النموالطبيعي للخليا‬
‫العصبية في جزء معين من قرين الدماغ‪ .‬وهذا التأثير غالبا ما يغير القدرة على‬
‫التذكر الطبيعي والتعلم والتلقي المعرفي ‪ ،‬وهذه الحالة تصاحب مجموعة‬
‫العراضّ الخاصة بعواقب الزمة العصبية النفسية الكائنة والتى تسمى ب ‪post‬‬
‫‪.traumatic stress disorder‬‬
‫كما جهز ال تعالى المخ بالقدرة على الدفاع عن طريق الفرازات الداخلية‬
‫المهدئة ‪،‬عندما تحدث الزمة العصبية حفاظا على كيانه‪ .‬فحالة الشعور‬
‫بالنهزامية تضع الطفل في موقف المكافح دون أن يدري‪ ،‬ولهذا يبدأ المخ في‬
‫العمل ‪ ،‬إما للرد أو للهرب ‪ ، fight or flight ،‬فيفرز مادة الا ‪Epinephrine‬‬
‫المعروفة بالدرينيلين وهى مادة عصبية ناقلة‪ .‬كما يفرز ما يتعلق بها من‬
‫منشطات‪ .‬غير أن هذا له عواقبه ‪ ،‬كذلك لنه يحدث انخفاضا في ضغط الدم‬
‫وفى معدلت ضربات القلب‪ .‬كما أن الخليا العصبية الدوبامينية تلعب دورا‬

‫أنظر ‪R. Shore‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪8‬‬
‫هاما في ردود الفعل ‪،‬عند الشعور بالنهزامية‪ .‬وهذه الهرمونات هى بمثابة‬
‫الجائزة أو الثواب المؤثر في التعديلت المطلوبة لمواكبة الحالة ‪ ،‬مثل إفرازات‬
‫المورفين الطبيعي المخفف لللم والمعاناة‪ .‬وهذه المخدرات الربانية ‪ ،‬الطبيعية‬
‫تغيرالواقع الزماني والمكاني المؤلم المحيط ‪.‬‬
‫أما عن ردة فعل الجسم لللم الجسدي‪ ،‬فتتضح من وصف الجلد وأنواعه في‬
‫القرآن‪ .‬استنتج منها العلماء تقسيم العصاب المتخصصة في جسم النسان لنقل‬
‫أنواع اللم‪ ،‬حتى كشف علم التشريح اليوم دور "النهايات العصبية" في إتمام‬
‫مهمتها‪ .‬وقد ارتبط اللم الجسدي في القرآن بتعذيب الكافرين‪ .‬ول يتخيل‬
‫إنسان أن يعذب جسد طفل بإنزالا اللم عليه كما ينزله ال على الكافرين ‪،‬‬
‫ليحدث نفس الثر عليه‪ .‬فهناك خمسة عشر مركزا لمختلف أنواع الحساس‬
‫العصبي‪ ،‬قد تم اكتشافها من قبل علماء الطب والتشريح‪ .‬قسموها إلى ثلثة‬
‫مستويات‪ :‬سطحي وعميق ومركب‪ ،‬يتراوح الحساس باللم بين اللمس‬
‫والحرارة ‪ ،‬ويصل إلى العضلت‪ .‬وقد يعود الحساس سريعا أو قد يلعطل لسنة أو‬
‫سنتين ‪ ،‬أو قد ل يعود مطلقا‪ 1.‬ومع أن تلك المعلومة قد تكون بسيطة‪ ،‬إل أن‬
‫معظم الباء الذين يمارسون العنف الجسدي على الطفالا ‪ ،‬قد تجاهلوها كما‬
‫دلت الحصاءات أعله‪.‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫تعارض العنف مع المنهج الرباني الذي وافقه العلم‪:‬‬

‫أول‪ :‬تعارض العنف مع روح القرآن وحثه على الرحمة‪:‬‬


‫من كل ما سبق ‪ ،‬نستخلص أن العنف يتعارضّ مع روح القرآن؛ فمن مبادىء‬
‫الرحمة التي يعرفها كل مسلم ‪ ،‬أن ال تعالى رحم عباده بإنزالا الكتاب المبين‬
‫‪،‬الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه ‪ ،‬ليعلم البشر كيف يتخذونه‬
‫منهجا لحياتهم ‪ ،‬وإل ضلوا ولكانت الحياة لغزا ل حل له ‪ ،‬والممات نهاية ل تعرف‬
‫الحكمة منه‪ ،‬والخرة يستوي فيها الصالح والطالح ‪ ،‬البريء والمجرم‪ .‬وكل‬
‫سورة في التنزيل الحكيم بداية بتأكيد الرحمة في البسملة‪ ،‬ليتذكر المسلم أن‬
‫خالق الكون بما فيه من معجزات وآيات وجمالا واتساع وتركيبات‪ ،‬قد سخره‬
‫سبحانه للنسان ‪ ،‬وهذا من رحمته جل وعل‪ .‬فرحمته تثبت له على ما يليق‬
‫بجلله وعظمته ‪ ،‬وهي ل تنفك عنه‪ .‬فهي اسم كتبه على نفسه عز وجل‪ ،‬ليعلم‬

‫د‪ .‬سالم عبد ال‪" ،‬الحساس باللم بين الطب والقرآن‪ "،‬الرؤية‪ ،‬العدد ‪ 138‬السنة‬ ‫‪1‬‬

‫الولى‪ ،‬الجمعة ‪ 27‬يونيو ‪ 23 2008‬جمادى الخرة ‪. 1429‬‬


‫‪9‬‬
‫البشر بأنه ل يظلم أحدا ‪ ،‬وأنه قد عاهد عباده بإنزالها عليهم ؛ "كرتربر رربظلكلمم‬
‫عرلرى نرفمسههه الرظرحممرةر" )النعام‪ .(54 :‬فقد وسعت رحمته كل شيء‪ .‬وهى‬
‫تدلا على الفضل والكرم وتحمل معاني مجازية عديدة ‪ ،‬كما في قوله تعالى‬
‫"وربك الغني ذو الرحمة " )النعام‪.(133:‬‬
‫فهي رسالة قرآنية قوية تدفع النسان مرارا للرحمة والتراحم ‪ ،‬حتى تصبح‬
‫جزءا ل يتجزأ من كيانه النساني‪ ،‬وفؤاده وإيمانه بأصل الرحمة ومنبعها‪ .‬وقد‬
‫وردت في القرآن على ستة عشر وجه‪ ،‬في حوالي مئتين وثمانية وستين موضعاا‪.‬‬
‫وهى تدلا على العطف والحنان‪ .‬ومن يملكها يكون غنيا في خلقه‪ ،‬ثريا في روحه‪،‬‬
‫معطاء في حنانه‪ .‬يقالا‪ :‬رحمه يرحمه‪ ،‬إذا رقظر له‪ ،‬وتعطف عليه‪ .‬والرظلحم‬
‫والمرحمة والرحمة بمعنى واحد ‪ ،‬وهى تتلزم مع الرقة ودماثة الخلق ورقي‬
‫السلوك ‪ ،‬لنها منظة من ال تتجلى في آيات كثيرة منها "ررأمفرةا‬
‫ورررحممرةا")الحديد ‪) .27‬ويؤكد ال عز وجل أنها نعمة ترفع القسر والضيق‬
‫والضغط والكربات‪ ،‬فالتخفيف والتيسير من الرحمة‪ ،‬كما يؤكد سبحانه‪:‬‬
‫“ذلك ترخمفهيفف مظهن رظربظهكلمم ورررحممرةف" )البقرة‪ .(178 :‬وهى منظة منه‬
‫سبحانه يعصم بها المرء من نفسه المظارة بالسوء ‪ .‬إن قسوة القلب ‪ ،‬والغلظة ‪،‬‬
‫والغضب ‪ ،‬والعنف كلها صفات طبيعية أو مكتسبة‪ ،‬تدلا على التخلق بما ليس هو‬
‫حسن ول يؤدي إلى حسن‪ ،‬فهي صفات سيئة تؤدي إلى ما هو سيء‪ .‬ولهذا فال‬
‫يرحم عباده بالنعام عليهم بها ‪،‬كما قالا سبحانه‪" :‬إهلظر مرا ررحهمر رربظى"‬
‫)يوسف‪ (53:‬وهو يصطفي من يشاء ليزكيه بها ‪" ،‬يرخمترصظل بهررحممرتههه مرن‬
‫يرشراءل" )البقرة‪ (105 :‬ومثلها "ما يفتح ال للناس من رحمة فل ممسك لها"‬
‫)فاطر‪ .(2:‬ورحمة ال بعباده كنبع ل ينضب؛ فقد صوره ال لنا بأنه ل نهائي‬
‫"قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي لمسكتم خشية النفاق" )السراء‪:‬‬
‫‪ .(100‬كل هذا ليعترف العبد بنعمة ال عليه وكل هذا أيضا يحث العبد على‬
‫العطاء الوجداني والعاطفي بدون إحصاء ‪،‬لن ال ل يحصي ما يعطي لعباده‪ .‬وهو‬
‫جل وعل الحنظان المنظان ‪،‬الذي يغدق على من سعى إليه باستجابة ل حد لها‬
‫ويرزق من يشاء بغير حساب‪.‬‬
‫فالعبد يدعو ال أن ينعم عليه برحمة في العقل‪ ،‬تمنحه الحكمة في الفكر‪،‬‬
‫ويتعامل بها مع الخلق‪ ،‬ورحمة في الطبع‪ ،‬يخالق الناس بها بخلق حسن‪ ،‬ورحمة‬
‫في القلب تفجر طاقات الحنان ‪ ،‬ليحتضن أطفاله وينقذهم من الضللا‪ ،‬ورحمة‬
‫في الداء يتقن بها عمله‪ ،‬ويكسب بها رحمة الخالق ليؤكد أنها فضل من ال ومنة‬
‫‪ ،‬تدخله الجنة التى يرجوها بنيته الصادقة ل ؛" أولئك يرجون رحمة ال "‬

‫‪10‬‬
‫)البقرة‪ ،(218:‬أي‪ :‬يطمعون أن يرحمهم ال‪ ،‬فيدخلهم جنته بفضل رحمته‬
‫إياهم‪ ،‬كما في قراءة الية ‪":‬ورآترانهي ررحممرةا مظهنم عهندههه " )هود‪.(28:‬‬
‫ويدعوه العبد برحمة في المعاش والرزق ‪ ،‬فالرزق الوفير والخير الكثير هو من‬
‫رحمته سبحانه‪ ،‬فيأتى بالمطر ليعم الخير بأشكالا كثيرة ؛ منها إضفاء جمالا‬
‫الخضار والشجار والنباتات والزروع الكثيفة والزهور والورود بأنواعها‬
‫وروائحها ‪،‬من كل زوج بهيج ‪،‬ليرتاح بها المرء وتفرج بها النفس ‪،‬وتنعم العين‬
‫بألوانها والروح ببهجتها ‪،‬ودلا على ذلك سبحانه بآيات كثيرة منها قوله تعالى‪:‬‬
‫"بلشمراا بريمنر يردريم ررحممرتههه" )العراف )‪ :57‬ومنها "قللم بهفرضمله اللظهه‬
‫‪1‬‬
‫وربهررحممرتههه فربهذرلهكر فرلميرفمررحلوام( يونس‪.(58 :‬‬

‫الشيخ أبي عمران موسى بن عمر المصمودي الحسني العلمي‪ ،‬البحر الملئان في‬ ‫‪1‬‬

‫اقتناص درر معاني القرآن‪ .‬الموقع‪. www.tafsir.org/vb/showthread :‬استعان هذا‬


‫البحث بالتجميع فقط وأعاد تفسير وتصنيف المعانى الواردة لتواكب الموضوع‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعارض العنف مع سنن النبي القولية عن الرحمة‪:‬‬
‫لقد أرسل ال عز وجل خاتم النبيين‪ ،‬وإمام المرسلين وسيد الخلق أجمعين‪،‬‬
‫رحمة للعالمين؛ "وما أرسلناك إل رحمة للعالمين" )النبياء‪ .(107 :‬وتتجلى‬
‫هذه الصفة السامية ‪ ،‬في رسالة نبي الرحمة ‪ ،‬وفى كريم شخصيته ‪ ،‬وفى جل‬
‫معاملته‪ ،‬مع الصغير قبل الكبير‪ ،‬والغنى والفقير‪ ،‬السيد والمسود‪ ،‬العربي‬
‫والعجمي‪ ،‬المسلم واليهودي‪ .‬وقد أرشدنا إلى الرحمة في أقواله وأفعاله‪.‬‬
‫واستكمال لمباديء الرحمة الواضحة في القرآن‪ ،‬فأحاديثه عنها ‪ ،‬صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬هى مفتاح المنهج النبوي التربوي‪ ،‬المبني عليها وما يلحق بها من طباع‬
‫الحلم والصبر والليونة والهوادة والرأفة والرفق‪ .‬ومن أقواله ‪ ،‬صلى ال عليه‬
‫وسلم‪ ،‬التي تحث على التخلق بها وبالحلم ونبذ الغضب ‪" :‬لما قضى ال الخلقر‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫كتب في كتابهه على نفسهه‪ ،‬فهو موضوعف عنده‪ :‬إن رحمتي تغلب غضبي‪".‬‬
‫وقد حث عليها في أحاديث عدة ‪ ،‬ورغب فيها وفى توصيل الرحام ‪ ،‬كما في قوله‬
‫"الراحمون يرحمهم الرحمن‪ .‬ارحموا من في الرضّ يرحمكم من في السماء‪.‬‬
‫الرحم شجنةمن الرحمن‪ 2‬فمن وصلها وصله ال ومن قطعها قطعه ال ‪ 3".‬كما‬
‫وردت في قوله "جعل ال الرحمة مئة جزء‪ .‬فأمسك عنده تسعة وتسعين‪.‬‬
‫وأنزلا في الرضّ جزءاا واحدا ‪ .‬فمن ذلك الجزء تتراحم الخلئق ‪ .‬حتى ترفع‬
‫الدابة حافرها عن ولدها ‪ ،‬خشية أن تصيبه‪ 4 ".‬فالم والب مرحمة لولدهما ‪،‬‬
‫كتب عليهما حتما أن يصل رحمهما به ول يقطعاه بالغلظة والقسوة‪ .‬ومن‬
‫ترغيبه في الرفق أنه قالا‪" :‬يا عائشة ! إن ال رفيق يحب الرفق ويعطي على‬
‫الرفق ما ل يعطي على العنف ‪ .‬وما ل يعطي على ما سواه‪ 5".‬إن الرفق ل يكون‬
‫‪6‬‬
‫في شيء إل زانه ‪ .‬ول ينزع من شيء إل شانه‪".‬‬

‫رواه مسلم وكذلك البخاري والنسائي وابن ماجه وأخرجه الترمذي بسند حسن‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح ‪.‬‬
‫القاموس المحيط‪ ،‬والشجنه الغصن المشتبك والشعبة من كل شىء والشجنه عروق‬ ‫‪2‬‬

‫الشجر المشتبكة‪ .‬وبيني وبينه شجنة رحم‪ ،‬وشجنة رحم أي قرابة مشتبكة‪ .‬ص‬
‫‪.1089‬‬
‫رواه عبدال بن عمرو بن العاص ورد في سنن الترمذي برقم ‪ ،1924‬وهو حسن‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح‬
‫راوه أبو سعيد الخدري والمحدث‪ :‬البخاري في العلل الكبير برقم‪ .312 :‬خلصة‬
‫الدرجة‪ :‬عن ابن عمر وعن أبي سعيد أصح ‪.‬‬
‫راوه أبو هريرة وورد في المسند الصحيح لمسلم برقم ‪ ،2752‬ودرجته صحيح‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫روته أم المؤمنين عائشة رضى ال عنها ورد في المسند الصحيح لمسلم برقم‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 2593‬وهو صحيح‪.‬‬
‫روته عائشة رضى ال عنها وورد في المسند الصحيح برقم‪2594 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪12‬‬
‫ثالثا‪ :‬تعارض العنف مع تكريم الله النسان وحفظ عقله‬
‫لستخلفه في الرض‪:‬‬
‫لقد حاولت المنظمات العالمية إظهار قيمة النسان بعد أن أهدرت كرامته‪.‬‬
‫فسنت المم المتحدة له حقوقاا قد كتبها ال تعالى له في كتابه العزيز‪ ،‬قبل أية‬
‫سنن وأية قوانين دولية‪ .‬إن قيمة النسان وتكريمه تتجلى في آيات بدء الخلق‬
‫)البقرة‪ .(30:‬فقد سألا ال الملئكة أن تسجد تكريما له‪ ،‬كما فضله على سائر‬
‫الخلق؛ " و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من‬
‫الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيل" )سورة السراء ‪.(70 :‬‬
‫وأكد بذلك سبحانه على خلق النسان في "أحسن تقويم" )التين‪ (5 :‬وكما‬
‫قالا المفسرون "أنه ليس ل تعالى خلق هو أحسن من النسان؛ فإن ال خلقه حياا‪،‬‬
‫عالماا‪ ،‬قادراا‪ ،‬مريداا‪ ،‬متكلماا‪ ،‬سميعاا‪ ،‬بصيراا‪ ،‬مدبراا‪ ،‬حكيماا‪ .‬وهذه صفات‬
‫الرب‪ 1".‬كما تتجلى في اصطفاء النسان بالعقل وإعطائه مفاتيح الحكمة والعلم‪،‬‬
‫بتعليمه السماء كلها‪ ،‬وتعليمه ما لم يعلم ‪ ،‬وقد كان في ظلمة الرحم ل يعلم‬
‫شيئا ‪ ،‬وعلمه التمييز والبيان ) الرحمن‪ (3 :‬ووهبه القدرة على التعقل‬
‫والسماحة والحسان‪ .‬وأضفى عليه صفة تميز بها عن بقية الكائنات وهو نفحة‬
‫الروح فيه‪ .‬وهذه النفحة هى التى أعلته وأدت إلى تساميه وعلوه وارتقائه‬
‫‪،‬فالضمير‪ ،‬والكرامة‪ ،‬والشرف‪ ،‬والسمعة‪ ،‬تحيط بالنسان وترفعه بين الخلئق‪.‬‬
‫وما الصرار على تجاهل البعد الروحي للنسان إل طمس لمعالم إنسانيته وتبديد‬
‫لملكاته وإنكار لهويته‪ .‬فرغم الطين الذى خلقه ال منه‪ ،‬فقد أودع في قلبه‬
‫اليمان‪ ،‬وغذى روحه بالقرآن‪ ،‬وهو النور المنزلا من ال‪ ،‬نور السماوات والرضّ‪،‬‬
‫الذى يضيء القلب وينير العقل ‪،‬فرفعه من الرضّ إلى السماء‪ ،‬وانتشله من‬
‫حضيض الدنيا إلى حب جنات الخلود ‪ ،‬والسعي إلى النعيم الموعود‪.‬‬
‫وبذلك قد أهله ال تعالى للستخلف في الرضّ‪ .‬وهذه المهمة توضح قيمته‬
‫وتتوج وجوده وتدعو إلى الحفاظ عليه ‪ ،‬بشتى الصور‪ ،‬لتمام رسالته المنوط‬
‫بها ‪،‬حتى يلقى ال‪ .‬فهو أول مسؤولا ومكلف ‪ ،‬وأي انتهاك لحرية اختياره هى‬
‫اعتداء على إنسانيته‪ ،‬وإهدار لدميته؛ فالوالدان كلهما مسؤولا عن تجهيز‬
‫الطفل لمهمة الستخلف‪ ،‬ول يمكن له أن يصبح مسؤول إذا تعرضّ لجميع‬
‫الضغوط التي شرحناها سالفا ‪ ،‬والتي من شأنها أن تعوظقه فكريا ونفسيا ‪ ،‬وتخلق‬
‫عنده نظرة دونية لذاته ‪ ،‬التي من المفروضّ أن تحظى بالتكريم‪ ،‬كما سن ال لها‬

‫أ‪.‬د‪ .‬أحمد الريسونى‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬محمد الزحيلى‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬محمد عثمان شبير‪ ،‬حقوق النسان‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫)قطر‪ :‬وزارة الوقاف والشئون‬ ‫محور مقاصد الشريعة ‪ ،‬كتاب المة العدد ‪:87‬‬
‫السلمية ‪ ،)1423‬ص ‪ .44‬يشار إليه لحقا بعنوان الكتاب‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫أن تسمو وتعلو في إنجازاتها التى أراد ال لها باصطفاء النسان للخلفة في‬
‫الرضّ‪.‬‬
‫فالحفاظ على كيان النسان الصغير في طور نموه‪ ،‬هى مهمة النسان العاقل‬
‫الكبير‪ ،‬الذى اختار أن يكون أبا أو أما‪ .‬ومهمة الوالدين استخلفية غائية‪ .‬أرادها‬
‫ال تعالى كذلك‪ ،‬لتحمي مقاصد الشريعة "التي جاءت لتحقيق مصالح العباد‬
‫في دنياهم وآخرتهم‪ ،‬وحمايتهم من المفاسد ‪،‬وما يفضي إليها‪ ،‬أي أنها تمحورت‬
‫حولا جلب المصالح ودرء المفاسد‪ ،‬وأن هذه المصالح ل تتحقق‪ ،‬والمفاسد ل تدرأ‬
‫‪ ،‬إل بتوفير ما اصطلحوا على تسميته بالكليظات الخمس‪ ،‬أو الضروريات الخمس‪،‬‬
‫التي ل تستقيم الحياة وتستقر وتستمر إل بها‪ ،‬وهي‪ :‬الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والعقل‪،‬‬
‫والنسل‪ ،‬والمالا ‪ 1".‬وأولها حفظ العقل والنفس‪ ،‬ومن خللهما حفظ الدين‪ .‬فل‬
‫يحفظ دين إل من خللا نفس عاقلة مؤمنة‪ .‬فالعقل محل التكليف والوعي‬
‫بالمسؤولية‪ ،‬التى من أجلها خللق وعليها يلحاسب‪ .‬فكتاب ال عز وجل أوضح لنا‬
‫كيفية حماية العقل من التضليل والضللا‪ ،‬فحرم كل مسكر ومخدر للعقل‪،‬‬
‫ليكون مجندا ومنتبها وجاهزا لتلقي التكاليف الثقيلة ‪ ،‬ليحفظ النسان من‬
‫الضياع‪ .‬وإذا وعى المكلف المراد من الشرع‪ ،‬يقصد "من عمله بالتكاليف‬
‫الشرعية المقاصد التى وجه ال عباده إليها ‪ ،‬وارتضاها لهم ‪ ،‬فال سبحانه‬
‫‪2‬‬
‫وتعالى شرع لعباده العمالا التى تضمظنها دينه‪".‬‬
‫ومهما بلغ الوالدان من مكانة عالية‪ ،‬و بحكم أنهما والدان‪ ،‬وأن ال عز وجل‬
‫أمر أولدهما بالحسان إليهما واحترامهما ‪ ،‬فليس لهما في المقابل أن يتجبرا‬
‫على أطفالهما‪ .‬فقد منع ال في كتابه الكريم التذلل أو المذلة والخضوع لغيره‬
‫سبحانه‪ .‬فأوقف تأله البشر بعضهم على بعض ‪ ،‬وأوضح أن عبادة البشر من دون‬
‫خ‬
‫م‬
‫ه ا‬
‫هخبان خ ذ‬
‫وذر ا‬
‫م خ‬
‫ه ا‬ ‫ذوا ا أ ا‬
‫حخباخر ذ‬ ‫خ ذ‬
‫ال ل تصلح منهاجا للفلح في الدنيا؛ " ات ت خ‬
‫خ‬
‫ه " )التوبة‪.(31:‬‬ ‫ن الل ل ن‬
‫دو ن‬
‫من ذ‬
‫أارخباببا م‬
‫وقد منع ال عز وجل أن يظن إنسان أنه يمتلك إنسانا آخر ويتحكم فيه‪ ،‬وفي‬
‫إرادته‪ ،‬فيمتهنه ويذله ويسيطر عليه ويمنعه من التعبير عن رأيه ‪،‬ما دام في‬
‫حدود الشرع والحللا ‪،‬و ل يخل بأحكام الدين ومقاصد الشريعة‪ .‬ولهذا كان‬
‫الدين الحنيف هو أولا دين على وجه الرضّ ‪،‬تسامى على الديانات والفلسفات‬
‫المحيطة بالجزيرة العربية‪ ،‬في بلد الروم وفارس ‪،‬والتى أثرت على انتشار‬

‫حقوق النسان محور مقاصد الشريعة ص ‪.28‬‬ ‫‪1‬‬

‫عمر سليمان الشقر‪ ،‬مقاصد المكلفين فيما يتعب به لرب العالمين )الكويت‪ :‬مكتبة‬ ‫‪2‬‬

‫الفلح‪ (1981 ،‬ص ‪487‬‬


‫‪14‬‬
‫فكرة امتلك العبيد‪ ،‬والتحكم في مصائر البشر ‪،‬قبل مجيء رسولا الرحمة‪ ،‬صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ .‬لقد ألغى السلم التميز والتمييز والتعالي والكبر والتظالم‪،‬‬
‫وأللغيت جميع الفوارق القسرية‪ ،‬كاللون والعرق والجنس والذكورة والنوثة‪،‬‬
‫كما جلعلت هذه العلقة منبت النسانية وسبيل امتدادها وتشكلها وانتشارها من‬
‫‪1‬‬
‫رحم واحد‪.‬‬
‫كما أوضح لنا الكتاب المنير‪ ،‬أن جميع أنواع التجبر والسيطرة والطغيان‬
‫والطاغوتية والفرعنة والظلم‪ ،‬ومرتكبوها‪ ،‬جميعهم إلى زوالا ‪،‬إن آجل أو‬
‫عاجل‪ .‬ويتجلى ذلك بوضوح في سورة هود التي وصفها الرسولا صلى ال عليه‬
‫وسلم بأنها شيبته وأخواتها‪ 2.‬فقوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب‬
‫وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم فرعون ‪ ،‬ومن عربرد الدنيا وعربرد البشر من دون‬
‫ال أذاقهم ال تعالى ما استحقوا ‪ ،‬بسبب تعاليهم وتألههم على ال‪ ،‬فليس لحد أن‬
‫يظن نفسه أنه يمتلك ابنه يفعل فيه ما يشاء؛ لن البناء أمانة من ال ‪ ،‬ومنظة من‬
‫ال عليه‪ ،‬وزينة الحياة الدنيا‪ ،‬وجسر إلى الجنة لمن أحسن‪ ،‬فهم معنى البوة‬
‫والمومة واتبع منهج النبوة‪.‬‬
‫ويحب ال تعالى أن يأتي إليه البشر طائعين ‪،‬لقتناعهم بالمنهج وانعقاد‬
‫قلوبهم عليه حبا وتفضيل ‪،‬لنه وافق هواهم وما يرتاحون له إذا فهموه وقدروه‬
‫حق قدره‪ .‬ولو شاء ال لنزلا على خلقه من البشر آية من السماء ‪ ،‬فظلت‬
‫أعناقهم لها خاضعين ‪ ،‬فل إهكمرراهر في ٱلدظينه )البقرة‪ ،(256:‬ول يجبر أحد‬
‫عليه؛ وتكرر هذا المعنى‪ ،‬فأصبح قيمة جوهرية في كنه مبادئه‪ ،‬كما في الية‪:‬‬
‫"ورمرا أرنتر عرلريمههمم بهجربظرارر فرذركظرم بهٱلمقلرمءانه مرن يرخرافل ورعهيده" )ق‪:‬‬
‫‪ .(45‬وتأكيدا على ذلك؛ فقد أوضح لنا سبحانه أنه حرم الظلم على نفسه‪ ،‬جل‬
‫وعل‪ ،‬وأمر البشر أل يظلموا‪ ،‬وحرظم القهر والجبار والكراه بجميع أنواعه؛‬
‫فكفل حرية الختيار والفكر‪ ،‬ومنح العقل فسحة للتفاهم والتشاور والفهم‬
‫والتلقي‪ ،‬دون عنف أو تعنيف أو ترهيب‪ .‬فقد كرم ال العقل البشري‪ ،‬ومنح‬
‫النسان الحرية والرادة‪،‬التي بها يتحقق تكريمه وتكليفه ومسؤوليته‪.‬‬

‫د‪ .‬عمر عبيد حسنه‪ ،‬التفكك السرى‪ :‬السباب والحلولا المقترحة )قطر‪ :‬وزارة‬ ‫‪1‬‬

‫الوقاف والشئون السلمية( كتاب المة ‪83‬‬


‫نص الحديث "أن رجل قالا يا رسولا ال قد شبت قالا شيبتني هود وأخواتها ‪ ".‬راوه‬ ‫‪2‬‬

‫عقبة بن عامر المحدث‪ :‬الهيثمي في مجمع الزوائد برقم‪ . 7/40 :‬خلصة الدرجة‪:‬‬
‫رجاله رجالا الصحيح‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫وإلى جانب تعارضّ ممارسة العنف ضد الصغير‪ ،‬مع قيم تكريم النسان‬
‫المكلف بالستخلف‪ ،‬وحمايته من الظلم والكراه ‪ ،‬فهو يتعارضّ أيضا مع حفظ‬
‫ال النفس ‪ ،‬التى أوضحها لنا سبحانه بكل تعقيداتها‪ .‬ففي سورة الشمس‪ ،‬مثل‪،‬‬
‫يوضح لنا جل وعل أنه قد سوظاها وألهمها فجورها وتقواها ‪ ،‬كما يوضح أن‬
‫تزكيتها تؤدي إلى الفلح‪ ،‬وأن إفسادها يؤدي إلى الخسران ‪ .‬وتزكية النفس‬
‫هى أحد أهداف إرسالا الرسل جميعا ‪ ،‬وانتهائهم بخاتم النبيين وإمام المرسلين‬
‫‪،‬من أجل هدايتها وصلحها‪ .‬فتزكيتها هو الهدف الغائي والنهائي لهم‬
‫ولرســالتهم في هذه الحياة الدنيــــــــا‪ .‬ويأتي ذلك في آيـــات عديدة‬
‫خ‬
‫م آخيات نخنا‬ ‫عل خي اك ذ ا‬ ‫م ي خت اذلو خ‬ ‫منك ذ ا‬‫سول ب م‬ ‫م خر ذ‬ ‫فيك ذ ا‬ ‫سل اخنا ن‬ ‫ما أار خ‬ ‫منها ‪ " :‬ك خ خ‬
‫كوذنوا ا‬ ‫م تخ ذ‬ ‫ما ل خ ا‬ ‫كم ت‬ ‫م ذ‬ ‫عل م ذ‬ ‫وي ذ خ‬ ‫ة خ‬ ‫حك ا خ‬
‫م خ‬ ‫وال ا ن‬ ‫ب خ‬ ‫م ال اك نختا خ‬ ‫مك ذ ذ‬ ‫عل م ذ‬
‫وي ذ خ‬‫م خ‬ ‫كيك ذ ا‬ ‫وي ذخز م‬ ‫خ‬
‫ن إ نذا‬ ‫خ‬ ‫ني‬
‫ن‬ ‫م‬
‫ن‬ ‫مؤُ‬
‫ذ‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫لى‬ ‫خ‬ ‫ع‬
‫خ‬ ‫ه‬
‫ذ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬
‫ا خ ت‬‫م‬ ‫د‬ ‫خ‬
‫ق‬ ‫خ‬ ‫ل‬ ‫"‬ ‫ومنها‬ ‫(‪.‬‬ ‫‪151‬‬ ‫")البقرة‪:‬‬ ‫ن‬
‫خ‬ ‫مو‬ ‫خ‬
‫تخ ا ذ‬
‫ل‬‫ع‬
‫خ‬
‫م‬
‫ه ا‬ ‫كي ن‬ ‫وي ذخز م‬ ‫ه خ‬ ‫م آخيات ن ن‬ ‫ه ا‬ ‫ن‬ ‫عل خي ا‬‫م ي خت اذلو خ‬ ‫ه ا‬ ‫س ن‬ ‫ف ن‬ ‫ن أن ذ‬ ‫م ا‬ ‫سول ب م‬ ‫م خر ذ‬ ‫ه ا‬ ‫في ن‬ ‫ث ن‬ ‫ع خ‬ ‫بخ خ‬
‫ل‬
‫ضل ل‬ ‫في خ‬ ‫خ‬
‫لل ن‬ ‫قب ا ذ‬ ‫من خ‬ ‫ا‬ ‫خ‬
‫ونإن كاذنوا ن‬ ‫ة خ‬ ‫م خ‬ ‫حك خ‬‫ا‬ ‫ا‬
‫وال ن‬ ‫ب خ‬ ‫م الك نختا خ‬‫ا‬ ‫ه ذ‬ ‫م ذ‬ ‫م‬
‫عل ذ‬ ‫وي ذ خ‬ ‫خ‬
‫ن" )آلا عمران‪.(164:‬‬ ‫منبي ل‬ ‫م‬
‫ولن يزكي والد نفس ولده ‪ ،‬ويتوقع تقبل ولده ليات الحكمة المزكية‬
‫ويهديه إلى الصراط المستقيم‪ ،‬إن لم يكن قد زكى نفسه هو أول‪ ،‬بصفات الحلم‬
‫والصبر والناة‪ ،‬ودرب نفسه على التفاهم والقناع والنصح والرشاد‪ ،‬بدل من‬
‫الستعجالا والتسرع بالغضب والغلظة والقسوة‪ .‬فكل هذا ل يتناسب مع معاملة‬
‫النفس‪ ،‬التى شرح لنا ال مواطن ضعفها‪ ،‬وأدوات الحفاظ عليها أو تدميرها‪.‬‬
‫فالعنف والتخويف يدلا على الجهل بفهم ما أوضحه ال لنا‪ ،‬في كيفية الحفاظ‬
‫هذلو ب‬
‫عا ‪ ‬إ ن خ‬
‫ذا‬ ‫ق خ‬ ‫خل ن خ‬
‫ن ذ‬ ‫سا خ‬ ‫نا ا ن‬
‫لن خ‬ ‫عليها‪ ،‬فوصفها سبحانه لنا أدق الوصف‪ " :‬إ ن ت‬
‫ن‪‬‬‫صملي خ‬
‫م خ‬‫عا ‪ ‬إ نتل ال ا ذ‬
‫مذنو ب‬ ‫ه ال ا خ‬
‫خي اذر خ‬ ‫س ذ‬‫م ت‬ ‫وإ ن خ‬
‫ذا خ‬ ‫عا ‪ ‬خ‬ ‫جذزو ب‬
‫شمر خ‬ ‫ه ال ت‬
‫س ذ‬
‫م ت‬ ‫خ‬
‫ن " )المعارج‪ .(23-19:‬فالتخويف‬ ‫مو خ‬‫دائ ن ذ‬
‫م خ‬‫ه ا‬ ‫خ‬ ‫خ‬ ‫ت‬
‫صلت ن ن‬‫على خ‬ ‫م خ‬
‫ه ا‬‫ن ذ‬
‫ذي خ‬‫ال ن‬
‫والتهديد يصيب الطفل بالهلع والفزع‪.‬‬
‫كما أفهمنا القرآن أن النفس أنواع؛ إما أمارة بالسوء‪ ،‬أولوامة على الذنب‪،‬‬
‫أومطمئنة بإخضاع نفسها ل‪ ،‬بعد استقرار القلب لليمان وشفائها بالقرآن‪،‬‬
‫وانتهاج مسار سيد النام‪ .‬ولن يستقر قلب الولد وتطمئن نفسه بالسب والفحش‬
‫واستخدام البذاءات والستهزاء والترويع واليذاء والتهديد والرعب‪ ،‬بل ستتجه‬
‫به إلى التمرد والعصيان ‪،‬وترك القرآن‪ ،‬وتأمره بالسوء‪ ،‬وارتكاب المعاصي‬
‫والذنوب‪ 1.‬فالولى أن يتعلم الباء أن ذكر ال هو سبيل الرشاد‪" :‬قد أفلح من‬

‫في حالت رحمة ال تعالى بالولد‪ ،‬يتحدى الطفل سلوك الباء ويلجأ وحده إلى ال‬ ‫‪1‬‬

‫لنقاذ نفسه من الهلك‪.‬‬


‫‪16‬‬
‫تزكى وذكر اسم ربه فصلى" )العلى‪ (15-14 :‬وأن الدعاء للولد خير من‬
‫القبح والغل ‪،‬الذى يؤدي إلى الفشل والضطراب‪.‬‬
‫و في النهاية‪ ،‬إن العنف هو نتاج الغضب الذي يستحوذ على النسان‪ ،‬ول يمهله‬
‫فيرتكب الظلم‪ ،‬لعدم التروي والتأني في المور‪ ،‬والتحقق مما إذا كان الولد‬
‫يستحق التعنيف أو العنف الواقع عليه‪" .‬خللهقر المإهنسرانل مهنم عرجرلر ‪.‬‬
‫سرألرهيكلمم آيراتهي فرلرا ترسمترعمجهللونه" )النبياء‪ ، )37 :‬ولعدم ضبط نفسه‬
‫واللتزام بالضوابط الشرعية في التأديب‪ .‬وهذا يتعارضّ مع ما حث عليه ال عز‬
‫وجل من العتدالا والعدلا ‪ .‬ففيما روي عن ال تبارك وتعالى أنه قالا" يا عبادي!‬
‫إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما ‪ .‬فل تظالموا ‪ .‬يا عبادي!"‬
‫‪1‬‬
‫وفى رواية أخرى" إني حرمت على نفسي الظلم وعلى عبادي ‪ .‬فل تظالموا "‪.‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫تعارض العنف مع تشكيل العقل المقصدي وتحمل مسؤُولية‬
‫الستخلفا‪:‬‬

‫أول‪ :‬تحديد مواطأن الخلل‪:‬‬


‫لبد أن نقف أول على أصل مشكلة العنف وموقعها‪ ،‬بالنسبة للعلوم الدينية‪.‬‬
‫هل هى تعالج في باب العبادات أم باب المعاملت؟ لقد اهتم الفقهاء دائما بفقه‬
‫العبادات ‪ ،‬وأهملوا المعاملت‪ ،‬خاصة في المجالا التربوي‪ .‬لكن العلماء قد تعرضوا‬
‫لمعاناة المة بسبب إهمالا العلوم الجتماعية‪" .‬وهو مؤشر مؤرق بسبب غياب‬
‫فقهاء المجتمعات‪ ،‬وفقهاء التربية‪ ،‬وفقهاء التخطيط وفقهاء استشراف آفاق‬
‫المستقبل‪ ،‬وفقهاء علوم النسان‪ ،‬فقهاء الحضارة عامة‪ ،‬الذين يشكلون عقل المة ‪،‬‬
‫ويعرفون كيف يغترفون من هذا السلم‪ ،‬لمصلحة المة في واقعها المعاصر ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وكيف يتعاملون مع هذا السلم‪ ،‬ويعودون بالمة إليه‪".‬‬
‫ولمعالجة العنف‪ ،‬لبد من الفهم التربوي له كجزء هام من العلوم‬
‫الجتماعية والنسانية‪ ،‬كما لبد للمعالج‪ ،‬الدارس والفقيه من امتلك الدوات‬
‫والليات الضرورية‪ ،‬لفهم خطورة العادة السيئة وعواقبها على تطبيق الدين‪.‬‬
‫والمعالج لبد له من "إدراك أبعاد النسان‪ ،‬والتعرف على مفاتيح شخصيته‪،‬‬
‫وطرائق تفكيره‪ ،‬والسباب الحقيقية الكامنة وراء مشكلته ‪ ،‬وهو محل الحكم‬

‫رواه أبو ذر الغفاري وورد في المسند الصحيح برقم‪.2577 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد المجيد النجار‪ ،‬فقه التدين فهما وتنزيل‪ ،‬تقديم عمر عبيد حسنه‪ .‬نسخة‬ ‫‪2‬‬

‫الكترونية‪ ،‬كتاب المة ‪. /http://www.islamweb.net.qa 22‬‬


‫‪17‬‬
‫الشرعي‪ .‬وإنما النزولا والتزود قبله‪ ،‬بآليات فهم هذا الواقع‪ ،‬من العلوم‬
‫‪1‬‬
‫الجتماعية التي توقفت في حياة المسلمين منذ زمن‪".‬‬
‫إن الهجوم على عقل الطفل وتعقيد نفسيته‪ ،‬من السباب الساسية لتردي‬
‫المة‪ .‬ولن ترقى المة السلمية إلى أعلى المستويات الحضارية ‪،‬إل بالتنزيل‬
‫وبالهدي النبوي‪ ،‬فقد سبق أن رفعها عاليا وسطر لها تاريخا تحسدها عليه بقية‬
‫المم‪ .‬لكن الفكر السلمي قد منى بنظرة جزئية متقطعة تردد ما تعلظمته في‬
‫الماضي وتنكب عليه بدل من رؤية الحاضر بواقعه ومشاكله لتغيره بإبداع‬
‫وابتكار‪ .‬فالمة المسلمة أهل للتقدم في جميع مجالت المعرفة‪ ،‬بحكم عراقتها‬
‫وحضارتها‪ ،‬التى فاقت الحضارات كلها ‪ .‬غير أنها فقدت هويتها بسبب إهمالها‬
‫للعقل وتربيته وكيفية برمجته ودراسة سبل الحفاظ عليه‪ ،‬ليحسن التلقي‪،‬‬
‫وأهملت منحه الدوات الملئمة لتصفية ما يتعرضّ له‪ ،‬من معلومات‬
‫وتجارب‪،‬ليتختزنها ويحسن استخدامها‪ .‬وقد ترك العقل‪ ،‬بالمقابل‪ ،‬للفوضى‬
‫الفكرية ولرياح العلمانية العاتية‪ ،‬بدل من حمايته ليحسن تلقي المنهج الرباني‪.‬‬
‫وفى مضمار تغير سبل الفكر وتحويل القدرات الذهنية من النقل إلى البداع‪،‬‬
‫برزت اجتهادات العديد من العلماء ‪ ،‬في جميع المجالت‪ ،‬لمحاولة علج الخلل‪،‬‬
‫والتصور في الفكر السلمي‪ .‬وتمثلت هذه المحاولت في الدفع بالعقل‪ ،‬لتبني‬
‫النظرة الكلية الشمولية‪ ،‬من أجل التصدي لمشاكل المة ‪ ،‬التى تبدأ بتربية الفرد‬
‫المسلم‪ ،‬وملكاته الفكرية‪ .‬وهي التي إذا ما أحسن تنميتها‪ ،‬أحسنت التصدي‬
‫بالنظر الشمولي إلى الكليات‪ ،‬بدل من أنصاف الحلولا‪ ،‬وأنصاف الجتهادات‪،‬‬
‫وأنصاف النجازات‪ .‬فالعقل التجزيئى هو الذي وضعت في سبيل نموه العوائق‪،‬‬
‫وسلدظت في سبيل تطوره الطرق‪ ،‬وحلجظم عن النمو الطبيعي والرتقاء الفطري‪،‬‬
‫إذا ما لمس القرآن وامتزج بمعانيه السامية‪ .‬فالهجوم على العقل بالتعنيف‬
‫والعنف‪ ،‬يحرمه من النور الرباني‪ ،‬الذى يضفي البصيرة الثاقبة‪ ،‬ويضيء الطرق‬
‫المظلمة‪ ،‬ويوقظ العقولا من غفلتها‪ ،‬فيضفي على العقل بعد النظر‪ ،‬ويمنح الفرد‬
‫المسلم الفراسة الكافية ‪ ،‬لحمايته من الوقوع في ما يتهدده من خطر في الفكر‬
‫والمعتقد‪ ،‬ومن ثم في السلوك والتطبيق للمنهج الرباني‪ .‬ثم تحمل مسؤولية‬
‫الخلفة في الرضّ‪.‬‬
‫فالهدف في تغيير منهج التفكير عند الفرد المسلم ‪ ،‬هو استيعاب وتشرب‬
‫ثقافة التحولا‪ ،‬من "عملية التلقين والتلقي والقبولا والتوارث الجتماعي‬
‫للتقليد‪ ،‬إلى عملية التفكير والفاعلية والمناقشة والفحص والختبار والمراجعة‬
‫فقه التدين‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪18‬‬
‫والستدللا والستقراء والستنتاج وبناء العقل الفاعل الناقد ‪ ،‬والشخصية‬
‫الستقللية‪ ،‬التى تمتلك المعايير والمفاتيح والمنهج الصحيح للنمو والترقي‪،‬‬
‫وتمتلك حرية القبولا والرفض‪ ،‬ومفاتيح الحث والنظر‪ ،‬وبذلك يكون العطاء‬
‫التربوي والتعليمي من أبرز ما يميز نظرية المقاصد أو الجتهاد المقصدي‪،‬‬
‫حيث ينقل الفرد من العطالة إلى الفاعلية ‪،‬ويمنح للعقل دليل التفكير وللطاقات‬
‫دليل التشغيل‪ 1.‬كضرورة للنهوضّ بالقدرات العقلية المكتسبة للطفل‪ ،‬مما‬
‫يوافق القدرة على تحمظل المسؤولية الستخلفية‪ ،‬في النواحي الجتماعية‬
‫والعلمية والنهوضّ الحضاري ‪ ،‬بدل من حالة العجز الفكري بسبب العقلية‬
‫النقلية الناتجة عن عدم القدرة على الحراك الفكري‪ ،‬البداعي الخلق‪.‬‬
‫لهذا فلبد من إعادة صياغة طرق التربية‪ ،‬والمعاملة مع العقل وتشكيله‬
‫منذ بدء التكوين‪ .‬فإنه "من القضايا الجديرة بالوقف أيضا‪ ،‬ما تمنحه الثقافة‬
‫المقصدية من نقلة منهجية وأنظمة معرفية في المجالا التربوي‪ ،‬أو بناء العملية‬
‫التربوية والتعليمية‪ ،‬وتربية العقل بشكل أخص‪ 2".‬ولعل مقصدية وحكمة‬
‫التدرج التربوية‪ ،‬والبناء المتأني للعقل بفهم مقاصد الفكر ومآلت أفعالا العباد‬
‫‪،‬هو أولا خطوة لصلح سلوك المربي‪ ،‬وإصلح أسلوبه في معاملة العقل النامي‪.‬‬
‫فالعنف مفسدة لبد من درءها حتى تتحقق المصلحة‪ ،‬ولبد للمربى من فهم‬
‫أحكام التشريع تدريجيا ‪ ،‬ثم وتنزيل الشرع على الواقع ثم يتبني الطفل المتلقي‬
‫هذا النموذج في الفهم والتنزيل‪ .‬وهذا المنهج يهدف إلى نقل العقل من عقل ناقل‬
‫إلى عقل غائي "تعليلي ‪ ،‬تحليلي ‪ ،‬برهاني ‪ ،‬استقرائي‪ ،‬استنتاجي‪ 3".‬وعملية البناء‬
‫هذه لن تتم طالما يلعب المربي دور المتسلط على عقلية الطفل ‪،‬فل يترك له‬
‫فرصة لفهم المراد‪ .‬فهذا المربي ل يضع نصب عينيه المنهج الرباني‪ ،‬ويطبقة‬
‫كما يريد الشارع ‪،‬وإنما تصبح شخصيته وعاداته وسلوكياته هي المنهج نفسه‬
‫أو بديل عنه‪ .‬ويفرضّ على الطفل القتداء بهذه الشخصية ‪،‬على علتها‪ ،‬فيظل‬
‫الطفل في حالة التلقي المعرفي والعقيدي والسلوكي لما يعلمه له البوان‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬انتقاء العمال بالنيات‪ ،‬والفعال بالمآلت ودرء‬
‫المفاسد في التطبيقات‪:‬‬
‫أهم قاعدة من القواعد المقاصدية المنهجية‪ ،‬التي لبد للمربي أن يفقظه‬
‫نفسه فيها ‪،‬هي إعطاء الوسيلة حكم المقصد‪ .‬فالمشرع يجب أن يضع نصب عينيه‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫‪1‬‬

‫عمر عبيد حسنة‪ ،‬التفكير المقصدى‪) ،‬المكتب السلمى‪ (1999 :‬ص ‪ .30‬يدرج‬ ‫‪2‬‬

‫لحقا باسم التفكير المقصدى‪.‬‬


‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪19‬‬
‫ما يترتب على إعمالا الوسيلة‪،‬من المصالح والمفاسد‪ .‬فتقويم مآلت الفعالا‬
‫‪1‬‬
‫لمصلحة تلجلب أو مفسدة تلدرأ ‪،‬هو مقياس القدام على فعل ما أو الحجام عنه‪.‬‬
‫وهذا المقياس الشرعي‪ ،‬يطبق على البوين وأطفالهما‪ ،‬وهما أمانة في أعناقهما‬
‫ثم تجنى ثمار ذلك في المجتمع والدولة‪ ،‬أي ابتداء بالوحدة الصغيرة إلى‬
‫الوحدة الكبر بطريقة تصاعدية‪ .‬فالمفسدة التى يتوقف عليها العمل‪ ،‬تجنب‬
‫العبد التخبط في الوحدة الصغرى‪ ،‬وهى السرة ثم تجنظب أفراد المجتمع‬
‫‪،‬التخبط فيه ‪،‬ثم تجنظب الدولة مبالغ باهظة ‪،‬للتحكم في الفساد الناتج عن ذلك‪،‬‬
‫وما ينتشر في المجتمع من جرائم بين الناشئة وأطفالا الشوارع ‪،‬المهملين‬
‫أوالهاربين من أسرهم نتيجة للعنف السري‪ .‬وبطبيعة الحالا‪ ،‬إذا تجنظب‬
‫المربون العنف وما يترتب عليه من مفسدة‪ ،‬وانتشر التعقل والتفهيم‪ ،‬كمنهج‬
‫تعامل مع الناشئة‪ ،‬أدى ذلك إلى استعادة حضارة القرآن‪.‬‬
‫فلن قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده من العمل موافقا لقصد الشارع‬
‫من التشريع ‪،‬لبد من تعديل نية المكلف وقصده ‪،‬فقد يكون الفعل مشروعا ‪،‬‬
‫كتأديب الولد لمصلحة يفترضها المربي‪ .‬وغالبا ما يريد المربي المساك بزمام‬
‫المور‪ ،‬لحكام السيطرة وعدم تفلت الولد‪ .‬غير أن هذا المسلك له ضوابطه‬
‫الشرعية ‪،‬التى تجاهلها ‪ ،‬فيؤدي سلوكه إلى مآلا غير مشروع ‪،‬لفقدانه ضوابط‬
‫الشرع وعدم تغليب مصلحة الولد ‪،‬من منظور الشرع ‪،‬على المصلحة الفردية‬
‫الظاهرة في التأديب لخضاع الولد‪ .‬فلبد للوالدين من أن يسأل أنفسهما أول ما‬
‫الهدف من التعنيف والعنف بالسلوب الخاطىء الذي شرحناه سالفا؟ هل سيأتي‬
‫بنتائج تواكب مقصد الشرع أم تأتي بعكس ذلك من نتائج سلبية؟ فإذا غفل‬
‫المربي عن نتائج الفعالا‪ ،‬فقد غفل عن النية في انتقائها‪ .‬فالتعنيف كهدف في‬
‫حد ذاته يتنافى مع إنزالا اللم على الفرد المسلم‪ ،‬لتناقض ذلك مع قيم الدين‬
‫‪،‬التى سنفصلها ببيان المنهج التربوي‪.‬‬
‫إذن فالنية لبد أن تمحظص قبل القدام على الفعل‪ .‬ويدلا على ذلك أحاديث‬
‫كثيرة‪ ،‬منها الحديث المعروف عند العلماء والعوام "إنما العمالا بالنيات‪ ،‬وإنما‬
‫لكل امرىء ما نوى‪ ،‬فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ‪ ،‬أو إلى امرأة ينكحها ‪،‬‬
‫فهجرته إلى ما هاجر إليه‪ 2".‬ومن القواعد الشرعية أيضا أن المشقظة تجلب‬

‫عمر سليمان الشقر‪ ،‬مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين )الكويت‪ :‬مكتبة‬ ‫‪1‬‬

‫الفلح‪ (1981 ،‬ص ‪ .500‬أنظر كذلك مقالا مصطفى حسنين‪" ،‬اعتبار مآلت‬
‫الفعالا ودوره في إثراء الجتهاد المقاصدي‪ "،‬المجلس العلمى‬
‫‪http://majles.alukah.net/showthread.php?t=351‬‬
‫رواه عمر بن الخطاب وورد في البخارى في الجامع الصحيح برقم ‪.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪20‬‬
‫التيسير‪ ،‬ودليلها ‪ :‬قولا ال تعالى " ورمرا جرعرلر عرلريمكلمم فهي الدظهينه مهنم‬
‫حرررجر")الحج‪ ( 78:‬وقوله صلى ال عليه وسلم " بعثت بالحنيفية‬
‫السظرممحرة‪ ".‬كما أن أي ضرر واقع يلزالا فورا بحكم الشرع ‪ ،‬والدلة القرآنية‬
‫كثيرة‪ ،‬منها "وإن يمسسك ال بضر فل كاشف له إل هو" )النعام ‪،17:‬‬
‫يونس‪ (107:‬وقوله "وإذا مس النسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما"‬
‫)يونس‪ .(12 :‬والضرر هو ما يكون بغير قصد ‪ ،‬والضرارما يكون بقصد‪.‬‬
‫واستساغة فعل أو تركه هو من باب التحسين والتقبيح العقلي‪ ،‬الذى يتوافق‬
‫مع الشرع‪ .‬فإن خلود الحكام والقيم الشرعية‪ ،‬وكونها خاتم الشرائع‪ ،‬ل تكلف‬
‫المؤمن إل بما هو حسن‪ ،‬وهو ما يضفي على تلك الحكام صفة البدية‪ ،‬ويوجب‬
‫اللتزام بها‪ .‬فالغطرسة والتسلط دون داع مثل‪ ،‬توصف بالقبح لنها تحدث‬
‫اضطرابا في البنية السرية‪ .‬ول يستعيض المربي بالحسن والقبح العقلي بدون‬
‫موافقة الشرع‪ .‬فالطبيعي أن كل إنسان يجد في نفسه حسن العدلا وقبح الظلم‬
‫ويعرضهما على عقله‪ ،‬ويختار العدلا وينفر من الظلم‪ .‬فعلى هدى مقدمة‬
‫المصالح والمفاسد‪ ،‬ومقدمة اعتبار مآلت الفعالا وموافقة قصد المكلف قصد‬
‫‪1‬‬
‫الشارع يصبح الفعل سليما‪.‬‬
‫فإذا كان القرآن والسنة هما المرجعية الكائنة‪ ،‬في ضمير الوالدين‪ ،‬فلبد‬
‫لهما أن يعتبرا علة الفعل ومآله‪ .‬فيحدداه ويقارنا بين القدام على الفعل‬
‫لختياره ‪،‬وبين نتيجة ذلك الفعل‪ .‬أي أن يفكرا في ما هو حاليظر وما هو مآليظر‪.‬‬
‫فإذا توقعا ضررا في المآلا بعد تقويم المر‪ ،‬بسبب اعتبار المناط الحالي‪ ،‬أحجما‬
‫عن التعنيف أو إيلم الولد‪ ،‬وإذا توقظرعرا نفعا ومصلحة راجحة من إعمالا ما هو‬
‫ناتج عن الفعل‪ ،‬أي مقصوده ومآله‪ ،‬قاما به‪" .‬لقد وضعت الشريعة لتكون أهواء‬
‫العباد تابعة لمقصود الشارع )ل العكس( ‪،‬ولقد وسع الشارع على العباد في‬
‫شهواتهم وتنعماتهم بما يكفيهم‪ ،‬ول يفضي إلى مفسدة ول إلى مشقة‪ 2".‬وإذا‬
‫اختار المربي العنف وسيلة للتأديب‪ ،‬فهو ل يضر بعقل الولد فقط‪ ،‬بل يؤصل فيه‬
‫عمر سليمان الشقر مقاصد المكلفين فيما يتعبد به لرب العالمين )الكويت‪ :‬مكتبة‬ ‫‪1‬‬

‫الفلح‪ (1981 ،‬ص ‪ .500‬يدرج لحقا باسم مقاصد المكلفين‪" .‬أما المآلا‪ :‬فأقرب‬
‫استعمالته إلى هذا السياق‪ :‬أنه مصدر ميمي من آلا الشيء يؤولا بمعنى رجع‪.‬‬
‫واصطلحا‪ :‬يمكن تعريف اعتبار مآلت الفعالا بأنه‪ :‬الحكم على المور بالنظر إلى ما‬
‫ينتج عنها من مفاسد لجتنابها‪ ،‬أو مصالح لتحصيلها‪ ،‬وعليه فاعتبار المآلا هو‪" :‬تنقيح‬
‫مناط التصرف بالنظر إلى ما يؤولا إليه )المناط المآلي( إذا ترتب عليه دفعل مفسدة‬
‫واقعة أو متوقعة‪ ،‬أو تحصيل مصلحة راجحة متوقعة‪ " ".‬أنظر مقالا "مآلت الفعالا‪".‬‬
‫د‪ .‬جمالا الدين عطية ‪ ،‬نحو تفعيل مقاصد الشريعة )دمشق‪:‬دار الفكر للطباعة‬ ‫‪2‬‬

‫والتوزيع‪ ،2003،‬ص ‪.123‬‬


‫‪21‬‬
‫مبدأ العنف كوسيلة تربوية ناجحة‪ .‬وبهذا يتوارث جيل بعد جيل هذا السلوب‬
‫التربوي الخاطيء‪ ،‬الذى يودي بالعقل المبدع نتيجة القضاء على قدراته الفطرية‬
‫النامية‪ ،‬والتى تحتاج إلى ثقافة دينية نفسية تربوية ومعرفية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬نبذ العنف وتحقيق الستخلفا التعبدي‪:‬‬
‫أول‪ :‬التوحيد الخالص‪:‬‬
‫إن فهم مهمة الستخلف ‪ ،‬تصوغ نظرة الفرد المؤمن لنفسه‪ ،‬وتجرده من‬
‫الطماع والشهوات ‪ ،‬وتحدد دوره في الكون وما عليه تحقيقه في الحياة الدنيا‪.‬‬
‫وهى التي تميزه عن أتباع الديان الخرى‪ .‬ومهمة الستخلف تجعله يضع نصب‬
‫عينيه مقاصد الشرع‪ .‬لذلك فإن خلوص النية ل هي سر توجيه الروح إليه‬
‫سبحانه‪ .‬وقد كانت السمة البارزة لعصرالنبي وصحابته الكرام ‪،‬هى عدم‬
‫الخضوع لغيرال ‪ .‬فالدين ليس مجرد نظريات تفهم‪ ،‬أو آيات ترتل بل وعي‬
‫أوتدبر أو تعقل‪ ،‬أو أحاديث يتفاخرالمرء بحفظها‪ .‬فمشكلة العصر أن آليات‬
‫الفهم للمراد اللهي أصبحت مجرد نظريات ل تنزلا على الواقع‪ ،‬لتحقيق‬
‫المصالح التى يريدها الشرع‪ .‬وحتى إذا استطاع النسان فهم دينه‪ ،‬قد ل يملك‬
‫آليات التطبيق‪ ،‬بسبب تجزئة الرؤية‪ ،‬وعدم فهم الدين بكليته وشموليته‪" ،‬فقد‬
‫يحصل فهم الدين ‪ ،‬ولكن ل يحصل تطبيق الدين )أي التدين( على وجه قويم‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫يؤدي إلى الغرضّ من الدين‪".‬‬
‫ثانيا‪ :‬تحرير العقل وتفجير منابع اليمان في الطفل‪:‬‬
‫فمهمة الوالدين إذن هى الجهاد‪ ،‬لنجاز مهمة الستخلف‪ ،‬بتطبيق النهج‬
‫القرآني والنبوي في التربية‪ .‬وجزء من مهمتهما أيضا‪ ،‬التوصل إلى الكيفية التي‬
‫يستطيعا بها إثارة النزوع إلى التدين‪ ،‬وتفجير ينابيعه في نفس الولد‪ ،‬ومن ثم‬
‫تقويم سلوكه‪ ،‬بنهج الدين القويم‪ .‬وحتى يتحقق ذلك‪ ،‬لبد لعقل الطفل من‬
‫التلقي النسيابي للوحي‪ ،‬لمصدر الدين قرآنا وحديثا‪ ،‬دون عوائق أو موانع ‪.‬‬
‫ولبد لهما من تجهيز العقل بطريقة هادئة ‪،‬تسهل تقبل التنزيل وتغيير الرادة‪،‬‬
‫ثم طاعة المر وتطبيق التكليف الملزم‪" .‬إن مفهوم العبودية ل في السلم‬
‫يعنى الحرية‪ ،‬في أرقى صورها وأكمل مراتبها‪.‬‬
‫وإذا كانت صادقة تعني التحرر من سلطان المخلوقات‪ ،‬والتعبد لها‪ .‬لهذا‬
‫كان تحررالنسان من عبوديته للبشر‪ ،‬أو لفكر‪ ،‬أو ثقافة‪ ،‬أو سلوك ل يحظى‬
‫بمرضاة ال‪ ،‬هو أولا السبل للتعرف على مهمته الستخلفية‪ .‬فالمسلم الحق‬
‫ينظر إلى هذا الوجود نظرة صاحب السلطان‪ ،‬فال خلق كل ما فيه من أجلنا‬
‫فقه التدين‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪22‬‬
‫وسخره لنا"‪ 2‬والهدف السمى للمؤمن هو بلوغ الجنة‪ .‬ولن يتم هذا قسرا أو‬
‫جبرا‪ .‬والذى ل خلف فيه أن النسان يريد تحقيق ما اجتمع عليه البشر أجمعون‬
‫‪،‬وهو السعادة أي "طرد الهم والغم" فل تتحقق سعادة ال بهذا الطرد‪ 2.‬ول‬
‫تتحقق خلفة إل بتغيير السلوكيات المعطلة لدوات وآليات الستقبالا‪ .‬فالتدين‬
‫إذن هو جهاد لنجاز الدين‪ ،‬فيه معاناة يكابدها النسان عبر واقعه الذاتي‬
‫والموضوعي‪ ،‬لتزكية النفس وتحقيق مهمة نشره في الرضّ‪ ،‬بالطرق‬
‫المواكبة للشرع لتحقيق الخلفة‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬تغيير ثقافة العنف‪:‬‬
‫إن قضية التدين قد أساء فهمها الكثيرون‪ ،‬فمنهم من اقتطع من الدين ما وافق‬
‫هواه‪،‬وترك جله لنه استصعب تطبيقه لسوء فهمه له‪ ،‬أو تطرف في تطبيقه‪ ،‬رغم‬
‫نصيحة النبي بأن نوغل فيه برفق‪" .‬فالنسان مخلوق متدين‪ ،‬والتدين نزعة‬
‫فطرية‪ ،‬ل يمكن تصور إنسان بدون هذا النزوع المفطور في النسان‪ ،‬وهو الذي‬
‫يشكل القابلية والتهيؤ لستقبالا الهدي اللهي‪ "3.‬ومن أجل تجهيز آليات استقبالا‬
‫الهدي بصورة فطرية‪ ،‬لبد من تغيير طرق الفهم والتطبيق‪ ،‬بتغيير ثقافة العنف‪.‬‬
‫فالصعوبة التربوية تأتي من الرغبة في إخضاع الولد دون تجهيز نفسيته للفهم‬
‫والطاعة‪ .‬والمر يسظره ال ورسوله دون إكراه أو معاناة‪ .‬فوضع بذرة اليمان‬
‫في الولد‪ ،‬وتغذيتها بالقرآن يسهل تلقي المعلومة‪ ،‬أيا كانت‪ ،‬واستيعابها‬
‫وتطبيقها‪ .‬لن الكراه مخالف لفطرة النسان‪ ،‬مخالف للحكمة التي وجد‬
‫النسان من أجلها‪ .‬وكما أوضح العلماء‪ ،‬إن النسان سجين ثقافته‪ ،‬فل بد من‬
‫تربيته من جديد‪ 4.‬لهذا يتمايز المسلم بثقافته الروحية والحرص على‬
‫توجيهها والحفاظ عليها‪" .‬فالنفس في طلب مرادها مترقية متسامية‪ ،‬تطلب‬
‫الكمل والفضل والكمالا كله‪ ،‬والفضل كله حازته الذات اللهية‪ ،‬وتطلب‬
‫غريزة العقل مقتضى طبعها‪ ،‬وهو المعرفة والعلم ‪ ،‬فتحرك الفكر إلى تحصيله‪،‬‬
‫وتشتاق إلى الكمالا العلى بمعرفة خالقها‪ ،‬إذ ل ترى موجودا أكمل منه‪ ،‬فل‬
‫تزالا تتطلع إلى جانبه بتصورات وأفكار تتعاقب عليها تلحم وتسدي وتعيد‬
‫وتبدي‪ 5".‬ولن يتم ذلك كله إل بفك عقالا الفكر وتحرير قيود العقل وحماية‬
‫النفس مما يكدر صفوها‪.‬‬

‫مقاصد المكلفين‪ ،‬ص ‪.373‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 370‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫مقاصد المكلفين‪ ،‬ص ‪.348‬‬ ‫‪4‬‬

‫المرجع السابق ص ‪.366‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪23‬‬
‫لذلك كان حتما على الوالدين تغيير ثقافة العنف‪،‬لينطلق العقل ويتحرر‬
‫من أغللا العنف المتوارث‪ ،‬أو ثقافة العنف المكتسبة‪ ،‬والتى يتخذها الوالدان‬
‫بديل لما يوافق الفطرة التى فطر ال الناس عليها‪ ،‬وهـي التوجيه والتفاهم‬
‫وتبادلا الرأي‪" .‬وبقدر ما يكون جهاز التوصيل سليما‪ ،‬والرسالا صحيحا ‪ ،‬ويكون‬
‫المرسل بصيرا وفقيها بأساليب الخطاب"‪ 1‬وبإنجاز مهمة الستخلف التعبدي‪.‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫أسباب العنف‪ ،‬المية الطبية‪ ،‬الهمال العاطأفي‪ ،‬والجهل‬
‫بالطب النبوي لعلجا الغضب‬

‫أول‪ :‬تثقيف المأ عن جينات الغضب المؤُدلية للعنف‪:‬‬


‫لقد قرر الطباء أن التعرضّ لفترات طويلة من الغضب ترفع ضغط الدم‬
‫ونسب الدرينيلين والكورتيزون في الدم مما يؤثر في جهاز المناعة‪ .‬وأنه‬
‫يمكن للغضب أن يقتل النسان وأنه مرضّ وراثي وأن المراضّ المزمنة ترجع‬
‫‪2‬‬
‫كلها إلى الغضب المتوارث جينيا‪.‬‬
‫ورغم أن ال تعالى قد خلق جينات الغضب في بعض الناس‪ ،‬إل أنه يمكن‬
‫معالجتها منذ بداية حياة النسان‪ .‬فقد اكتشف العلم الحديث أن جينات الغضب‬
‫متوارثة تأتي مع فترة حمل الم‪ .‬وهذه الفترة هي التي تبدأ فيها بتضحياتها من‬
‫أجل جنينها ‪ .‬فإلى جانب تناولا الغذية المعينة التي يرشدها الطبيب بوجوب‬
‫أخذها لتغذية الجنين‪ ،‬لبد لها من تجنب الغضب‪ .‬فقد ثبت أنظ القليل من التغيظر‬
‫والتقلظب في بعض الجينات يؤدي إلى ارتفاع الضغط وتعرظضّ الصحة للخطر‪.‬‬
‫وقد ثبت علميا أن العمل الطبيعي لمادة السيروتونين في الجهاز العصبي‬
‫المركزي وانخفاضّ تلك المادة سببها طفرات الغضب والسلوك النفعالي‪.‬‬
‫ويبدو ذلك في إشارات انخفاضّ حامض ‪ 5‬الهيدروكسي المستقلب لتمثيل مادة‬
‫السيروتونين ‪ 5HT‬التي تتحولا بواسطة إنزيم ‪ MAO‬إلى هذه المادة وكذلك‬
‫انخفاضّ السائل المخي الشوكي ‪ .Cerebrospinal fluid‬كل هذا يؤدي إلى‬
‫الكتئاب والنفصام في الشخصية وفقد الشهية العصبي ‪anorexia nervosa‬‬
‫والرغبة في النتحار‪ .‬ولهذا جهظز ال تعالى جسم الم الحامل بكل ما يوازن‬
‫‪3‬‬
‫المواد اللزمة التي سيتوارثها الجنين‪.‬‬
‫فقه التدين فهما وتنزيل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Dr. Redford Williams of Duke University, "Could Anger Be a Hereditary Trait?" Excerpt‬‬
‫‪By Rozanne M Puleo, ABCNews.com‬‬

‫‪Dr. Redford Williams of Duke University, "The Discovery of the Anger Gene' Could‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪Anger Be a Hereditary Trait?" A program aired in "Good Morning America," April‬‬


‫‪24‬‬
‫ولبد للم أيضا من أن تقوم بإرضاع الوليد حولين كاملين‪ ،‬كما أمرها ال‬
‫عز وجل‪ ،‬إذا استطاعت و ل تتهرب من هذه المهمة بإرضاعه لبنا صناعيا أو لبن‬
‫البقر رغبة منها في الحفاظ على رشاقتها أو بسبب العمل‪ .‬فقد ثبت أن الحماضّ‬
‫المينية في حليب الم موجودة بالشكل الذي يفي بالمتطلبات الخاصة للطفل‬
‫ونمو جهازه العصبي ونموالدماغ ‪ .‬فمثل التاورين ‪ Tawrin‬هو من أهم‬
‫الحماضّ المينية الخاصة لنمو الدماغ ‪ .‬وهو ضعف ما يحويه حليب البقر‪.‬‬
‫كما خلق ال تعالى في حليب الم سكر الحليب )اللكتوز( ‪ Lactouse‬بنسبة‬
‫‪ %7‬بينما في حليب البقر ‪ % 4.7‬واللكتوز من السكريات الثنائية‬
‫)كلوكوز وكلكتوز( والكلكتوز يقوم بتشكيل المادة الدهنية ‪ Lipids‬في‬
‫الجزء العظم من مادة الدماغ )‪ .(Cerbrosidesglucolipids‬وتلك النسبة‬
‫العالية هي التي تساعد الدماغ في تكوينه ونموه وهي التي يحتاجها الرضيع‬
‫‪1‬‬
‫خاصة في الشهر الولى من عمره‪.‬‬
‫ول يقتصر حنان الم على التضحيات بالهتمام بغذائها وهى حامل من أجل‬
‫جنينها‪ ،‬وتفادي الغضب‪ ،‬والرضاع بعدها‪ ،‬بل عليها أيضا أن تضم صغيرها إليها‬
‫أطولا فترات ممكنة لتشعره بالمان والستقرار النفسي والحنان‪ .‬فهو ل يحس‬
‫بغيرها ول يعرف غيرها‪ .‬وكلما زاد الحنان في هذه الفترة‪ ،‬أصبح الطفل‬
‫طبيعيا‪ ،‬غير قلق‪ ،‬أو مضطرب‪ .‬ويزيد ذلك الضم من "السعادة والطمئنان‬
‫للطفل وهو يسمع دقات قلب أمه وهي تضعه على صدرها بحنان ويشم رائحتها ‪.‬‬
‫هذه الدقات التي تعوظد على سماعها وهو في بطن أمه جنينا‪ ،‬وهذه الرائحة التي‬
‫تعزز فيه روح المحبظة والعطف والوفاء ورابطة البنوة والطاعة والحترام ‪ ,‬مما‬
‫يؤدي إلى نشوء طفل مستقر نفسيا وعاطفيا إضافة إلى كونه صحيحاا جسميا‬
‫‪2‬‬
‫وبدنيا‪ ،‬فضلا عن تقوية الصلت بين أبناء السرة الواحدة اجتماعياا‪".‬‬
‫ثانيا‪ :‬رفع الضغوط النفسية عن المأ والولد ‪:‬‬
‫إن أحد أسباب العنف؛ هو هروب الم من مسؤولياتها التربوية ومنها منح‬
‫الطفل الدفء والحنان والطمئنان اللزم لكيانه الوجداني ‪ .‬وهذا الطمئنان لبد‬
‫من وجوده للتمكن الم من إتمام مهمة تربية شخصية ولدها السلمية‪ .‬وسبب‬
‫غياب الم قد يكون للعمل والتكسب لرفع مستوى المعيشة للسرة‪ ،‬أوبسبب‬

‫‪2002‬‬
‫الدكتور محمد جميل الحبالا‪ ،‬الطبيب الستشاري‪ ،‬باحث في العجاز العلمي والطبي‬ ‫‪1‬‬

‫في القران والسنة‪ " ،‬مقالت في العجاز العلمي‪ "،‬الرضاعة الطبيعية في الطب‬
‫والتعاليم السلمية‪ 18--1 - 1427،‬هـ ‪http://www.mohrat.com/modules.php .‬‬
‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪25‬‬
‫الضغط عليها للعمل من أجل إثبات ذاتها دون إتمام مهامها الربانية داخل أسرتها‪.‬‬
‫كما أن أحد السباب الرئيسية لعدم قدرتها إتمام مهمة المومة هو الميظة‬
‫الدينية رغم تواجدها بجانب طفلها وعدم معرفتها آليات التوجيه اللزمة‬
‫للتفهيم فيتطور المر إلى غضب شديد بسبب الضغوط النفسية؛ إما بسبب إجهاد‬
‫العمل أولعدم وعيها الكافى بطريقة توجيه ولدها وهذا له عواقبه النفسية‪ .‬فقد‬
‫أوضحت دراسات عديدة أن المهات "يربظينظ العنف في أطفالهن ‪ ،‬وهي حقيقة ل‬
‫يمكن تجاهلها ‪ .‬إن حرمان الطفالا من رعاية وحنان البوين وانخفاضّ مستوى‬
‫الوعي لدى البوين والتمسك بالعادات والتقاليد السرية والخلفات السرية أو‬
‫المعاملة التمييزية"‪ 1‬كل هذا يؤدى إلى الضغط النفسى والعنف في السلوك‪ .‬و‬
‫حين تفرظغ شحنة الغضب تأتي من الجزء السفل من المخ والمفروضّ أن‬
‫القشرة الدماغية تعطينا القدرة على التحكظم في الغضب إذا أعطينا أنفسنا‬
‫الفرصة فيمكن لها أن تقوظم الغضب فنعيد النظر في ردود أفعالنا حتى نقرر أن‬
‫نتحرك‪ 2.‬فتحكم الم يحميها ويحمي ولدها‪.‬‬
‫إن أهم فترة لتشكيل مخ الولد ونفسيته هي السنوات الولى‪ .‬وتتشكل نفسيته‬
‫وشخصيته ما بين السنوات الولى والخامسة‪ .‬فإهمالا الم لولدها باتخاذ‬
‫الخادمات البديلت لها في هذه الفترة لهو من أقوى العوامل في تأصيل الفراغ‬
‫العاطفي والكتئاب ثم الثورة الداخلية اللإرادية عند الولد ثم السلوكيات‬
‫العنيفة نتيجة لكل هذا‪ .‬فهي تقطعه منها بعد أن كان متعلقا بها جسديا ونفسيا‪.‬‬
‫وقد أثبت الطباء أن الحبل السري بين الم والطفل ل ينقطع حتى بعد ولدته‪.‬‬
‫فنزعه من حضنها وضمها له‪ ،‬ودفعه إلى الخادمة تجعله يجد نفسه بل محضن‬
‫آمن ويضطر إلى تصوظر أن الخادمة هى الم‪ .‬وتنتشر هذه العادة الرديئة خاصة‬
‫في السر الثرية التي ل تضع الم فيها المومة أولوية لها‪ .‬فالثراء الذى يسهظل‬
‫لها استقطاب الخدم يدعوها إلى التكاسل عن إتمام المهمة فالم والب ‪ ،‬كلهما‪،‬‬
‫لبد لهما من النتباه لشباع "الحاجات العاطفية الوجدانية للبناء والشفقة‬
‫والحب وتحريرهم من المخاوف والقلق وكل ما من شأنه أن يهدد أمنهم‬
‫النفسي‪ .‬فيشعر البناء بأنهم محبوبون ومرغوب بهم‪ ،‬وأنهم موضع اعتزاز‬
‫للسرة‪ .‬فإذا دخلت الخادمة النسيج السري وأسندت إليها‪ ،‬بصورة جزئية أو‬
‫كلية‪ ،‬مهمة تربية الطفالا وتأمين حاجاتهم البيولوجية والعاطفية من عطف‬

‫ماجد يوسف داوى‪ ،‬ص ‪14‬‬ ‫‪1‬‬

‫"‪"?Could Anger Be a Hereditary Trait‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪26‬‬
‫وحنــان وأمومـة أصـبحت )الخادمة( بذلك أماا بديلة ‪ ...‬قد يتعلق بها‬
‫‪1‬‬
‫)الطفل( عاطفياا‪".‬‬
‫ثالثا‪ :‬تفقه المأ في الدين والطب النبوي عن علجا الغضب‪:‬‬
‫أتى النبي‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بعلج الغضب قبل أن يأتي به الطب‪.‬‬
‫فأوصانا باجتنابه كما هو معروف للعلماء والعوام في حديثه المشهور‪" :‬عــن‬
‫أبي هريرة رضي ال عنه أن رجلا قالا للنبي‪ :‬أوصني فقـالا‪:‬ل تغضـب ف ردد‬
‫مراراا فقالا‪:‬ل تغضب” ‪ 2،‬كما علمنا ضبط انفعالتنا وتصرفاتنا‪ .‬وبهذا أنقذنا‬
‫من هلك أنفسنا كما أسلفت في توضيح عواقب الغضب والعنــف علــى المــخ‪.‬‬
‫وهدي النبي يؤكد ما جاء به القرآن في آيات عديدة عن تفادي الغضب وليونة‬
‫القلب منها "والذين يجتنبون كبائر الثــم والفــواحش وإذا مــا غضــبوا هــم‬
‫يغفــرون " )الشــورى‪ (42 :‬وقــوله تعــالى‪" :‬الــذين ينفقــون فــي الســرظاء‬
‫والضرظاء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والــ يحــب المحســنين" )آلا‬
‫عمران‪ ،(134 :‬وقوله "ول تستوي الحسنة ول السيئة ادفع بالتي هي أحسـن‬
‫فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليظف حميم" )فصلت‪ .(34 :‬ومنها أيضــا‬
‫"وعباد الرحمن الذين يمشون على الرضّ هوناا وإذا خاطبهم الجاهلون قــالوا‬
‫سلماا" )الفرقان‪ .(63 :‬ومن هـدي النـبي أيضـا وصـفه لنـا بعلج الغضـب‬
‫بالكتمان‪ .‬فقد روى أبو هريرة رضي ال عنــه أن النــبي قــالا‪":‬ليــس الشــديد‬
‫بالصظرعة إنما الشديد الذي يملك نفســه عنــد الغضــب”‪ 3‬وتكــرظر ذلــك فــي‬
‫الحديث عن القوي في جسده‪" ،‬أن النــبي صــلى الــ عليــه وســلم مــرظ بقــوم‬
‫يصطرعون فقالا ‪ :‬ما هذا ؟ قالوا ‪ :‬فلن ما يصارع أحدا إل صرعه ‪ ،‬قالا ‪ :‬أفل‬
‫أدلكم على من هو أشد منه ؟ رجل كلمــه رجــل فكظــم غيظــه فغلبــه وغلــب‬
‫شيطانه وغلب شيطان صاحبه‪ 4".‬وعن معاذ بن أنس الجهنــي أن النــبي قــالا‪":‬‬

‫د‪ .‬شادية التل‪" ،‬التفكك السرى دعوة للمراجعة‪ "،‬في التفكك السرى‪:‬السباب‬ ‫‪1‬‬

‫والعواقب والحلولا‪ ،‬كتاب المة ‪) 85‬قطر‪:‬وزارة الوقاف والشئون السلمية (‪ .‬ص‬


‫‪34‬‬
‫الراوي‪ :‬أبو هريرة‪ ،‬المحدث‪ :‬البخاري ‪ ،‬الجامع الصحيح الرقم‪ 6116 :‬خلصة‬ ‫‪2‬‬

‫الدرجة‪] :‬صحيح[‪ .‬وعن أبي الدرداء قالا‪" :‬قلت يا رسولا ال دلظني على عمل يدخلني‬
‫الجنة قالا‪ ":‬ل تغضب” رواه الطبراني بإسناد حسن‪.‬‬
‫راوه‪ :‬أبو هريرة المحدث‪ :‬البخاري ‪ ،‬الجامع الصحيح ‪ -‬الصفحة أو الرقم‪6114 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫خلصة الدرجة‪ :‬صحيح‪ .‬قد روي عن عكرمة في قوله تعالى "وسيظداا وحصوراا"‪.‬‬
‫قالا‪:‬السيظد الذي ل يغلبه الغضب‪.‬‬
‫راوه‪ :‬أنس بن مالك المحدث‪ :‬ابن حجر العسقلني في فتح الباري لبن حجر الرقم‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،10/535‬خلصة الدرجة‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬


‫‪27‬‬
‫من كظم غيظاا وهو قادر على أن ينفذه دعاه ال علــى رؤوس الخلئــق يــوم‬
‫القيامة حتى يخيره من الحور العين فيزوجه منها ما شاء‪ 1”.‬وقد مدح النبي‬
‫‪2‬‬
‫الشجظر قائلا له‪":‬إن فيك خصلتين يحبهما ال الحلم والناة‪".‬‬

‫راوه‪ :‬معاذ بن أنس الجهني والمحدث‪ :‬الترمذي المصدر‪ :‬سنن الترمذي ‪ ،‬الرقم‪، :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2021‬خلصة الدرجة‪ :‬حسن غريب‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫المحدث‪ :‬السخاوي‪ ،‬المصدر‪ :‬المقاصد الحسنة‪ ،‬برقم‪ ،182 :‬خلصة الدرجة‪:‬‬
‫صحيح‪ .‬أنظر الدراسة الكاملة للعلمة الدكتور الطبيب‪ ،‬محمـد نزار الـدقر ‪،‬‬
‫اختصاصي بالمراضّ الجلدية والتناسلية والعلج التجميلي‪ ،‬الجزء الولا‪ ،‬الفصل‬
‫الخامس "الهدي النبوي في ضبط تصرفات النسان النفعالية وأثر ذلك في صحته "‬
‫‪http://www.sayedalmorsalin.com/www/news_view_1116.html‬‬
‫‪28‬‬
‫ملخص بحث العنف السري‬

‫بسبب تفاقم ظاهرة العنف السري‪ ،‬يتناولا هذا البحث بالتحليل تعريف‬
‫العنف وعواقبه النفسية على الفرد المسلم في مرحلة التكوين والطفولة‪ .‬ويعالج‬
‫بالتفصيل غياب فهم المهات والباء لمسؤولية تشكيل الشخصية المسلمة وبنائها‬
‫ويقوم بذلك من عدة جوانب منها المحافظة على الصحة العقلية والنفسية‬
‫والجسدية للطفل ‪ .‬ويؤدي عجز المربي عن فهم تلك المسؤولية واتخاذ المنهج‬
‫الوسطي الملئم الذي يشرحه البحث إلى الحيلولة دون تحقيق مهام الستخلف‬
‫التعبدي المستقبلي للطفل وفهمه لدوره السري المنوط به عند الكبر وتحمله‬
‫المسؤولية الستخلفية السرية المستقبلية‪ .‬كما أن غياب ذلك المنهج‬
‫التربوي المبني على التيسير ورفع المشقة والحرج واستبداله باستخدام القسوة‬
‫والعنف دون التفهيم والتوجيه والصحبة الصادقة للطفل يحولا دون تحقيق‬
‫المقاصد العليا للشريعة في الحفاظ على المبادىء الخلقية السلمية الصيلة‬
‫في المعاملت واستكمالا المهمة السلمية الدعوية باتباع المنهج الوسطي في‬
‫التربية والتوجيه والتي تؤهل الفرد المسلم للشهود الحضاري‪ .‬وغنيظ عن القولا‬
‫أن المنهج القرآني وتطبيقه في السنة النبوية قد فاق المناهج الغربية التربوية‬
‫التي ما زالت تعاني من ارتفاع معدلت العنف السري ضد المرأة والطفل وتعاني‬
‫من تصاعد العنف المسلح بين المراهقين وأطفالا المدارس كما تبين إحصائيات‬
‫هذه الدراسة والحالت المطروحة فيها‪.‬‬
‫أقسام البحث‪ :‬يقوم المبحث الولا ببيان كيفية تعارضّ العنف مع القيم‬
‫القرآنية‪ .‬يعرف المطلب الولا معنى العنف ويشرح أنواعه ويبين بالحصائيات‬
‫مدى انتشاره في الدولا السلمية ومدى خطورته من النواحي الطبية على‬
‫شخصية الطفل في فترة التكوين‪ .‬ثم يبحث المطلب الثاني تعارضّ العنف مع‬
‫المنهج القرآني الذي وافقه العلم في تكريم بني آدم ويؤريد ذلك باليات‬
‫القرآنية والحاديث النبوية عن قيم الرحمة التي ينضوي عليها المنهج القرآني‬
‫التربوي وتطبيقه بجلء في سنظة رسولا ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬ويوضح‬
‫تعارضّ العنف مع التكريم وحفظ العقل لستقبالا التكليف بالستخلف في‬
‫الرضّ‪ .‬كما يبين المطلب الثالث الحفاظ على عقل الفرد المسلم لتشكيل الفكر‬
‫المقاصدي كضرورة للنهوضّ بالقدرات العقلية المكتسبة للطفل مما يوافق‬
‫القدرة على تحمظل المسؤولية الستخلفية في النواحي الجتماعية والعلمية‬
‫والنهوضّ الحضاري بدل من حالة العجز الفكري بسبب العقلية النقلية الناتجة‬

‫‪29‬‬
‫عن عدم القدرة على الحراك الفكري البداعي الخلق‪ .‬فالعوامل النفسية تشكل‬
‫أكبر العوائق في تحريك وتطوير القدرات الفكرية‪ .‬وينتهي المطلب الرابع‬
‫إلى بيان أسباب العنف وفقدان المربي الحنان نتيجة المية التربوية الدينية التي‬
‫قد تكون بسبب عوامل وراثية‪ ،‬أو جينية طبيعية‪ ،‬أو بسبب عوامل مكتسبة؛‬
‫كالجهل الثقافي وغياب الوعي بمهمة الوالدين ومسؤوليتهما في طاعة ال‬
‫وتحقيق العبادة في المعاملت بتطبيق التكليف الصحيح بالدين وتحقيق مقاصد‬
‫الشرع العليا‪ .‬ويطرح المطلب الخامس الحل بالتفصيل‪ ،‬وهو فهم المومة‬
‫الواعية والرعاية المبنية على العطاء والحب والحنان وأثر ذلك على سلوك‬
‫الطفل وإنجازات؛ والتي تحقق بذلك أيضا تأصيل القدوة الصالحة المستندة إلى‬
‫مبادئ وقيم القرآن والسنة التي تتسم بالوسطية والعتدالا‪ .‬أما المبحث الثاني‬
‫فالمطلب الولا فيه يبين أن العنف ضد الطفالا حالة مرضية لها انعكاسات‬
‫مرضية على الضحية‪ .‬وهو يتعارضّ مع تأثير العجاز القرآني على نفسية‬
‫الطفل‪ ،‬وتشكيل العقلية القرآنية بسبب الضطراب أو الخوف أو الجزع أو‬
‫الضعف أو الهتزاز نتيجة فقدان الطمئنان الناتج عن التعنيف اللفظي أو‬
‫العاطفي النفسي أو الضرب الذي يجرح النفس والبدن معا‪ .‬و بالمقابل يشرح‬
‫المطلب الثاني بالتحليل والحصائيات ودراسة حالت واقعية؛ إيجابيات اللتزام‬
‫بضوابط التأديب الشرعي النبوي في الحفاظ على نفسية الطفل المستقبلة لوقع‬
‫القرآن المعجز عليها وشرح صدره وانفراجه وانطلقه وارتفاع نسبة ذكائه‬
‫وقدراته على التذكر والسترجاع ومن ثم التفوق الدراسي والنجاز الجتماعي‬
‫والعلمي لصالحه وصالح المجتمع المسلم والمة بصفة عامة‪ .‬أما المطلب الثالث‬
‫فيبين؛ العواقب الخطيرة الجتماعية التربوية الناتجة عن تدمير نفسية الطفل‬
‫بالقسوة والعنف ومعاناة الطفل من مرضّ الكتئاب والحزن وفقدان الثقة‬
‫بالنفس والشعور بفقدان المحضن الذي يمنح المان والطمئنان ومن ثم يؤدى‬
‫إلى الحساس بالضياع ويؤدى إلى التخبط والتمرد على الوالدين والعقوق‪ ،‬وإذا‬
‫تطورت المور يؤدى إلى التفلت والنحللا والهروب من بيت السرة والرتباط‬
‫بمن يعوضه عن الحرمان العاطفي خارج البيت؛ مثل أصحاب السوء أو الرفقاء‬
‫الفاسدين ومن ثم فقدان الهدي القرآني والصراط المستقيم‪ .‬وبهذا تفقد المة‬
‫أحد أفرادها الذين كان من الممكن أن يصبحوا فخر هذه المة بخلللقهم الراقي‬
‫وإنجازهم العلمي وعلقاتهم الجتماعية المتحضرة‪ .‬أما المبحث الثالث فيوضح‬
‫الوسطية في منهج القرآن ويبينها في أقوالا الرسولا وأفعاله‪ .‬وسلوكه الذي‬
‫يتسم بالرأفة والرحمة والحلم والصبر وبعد النظر والمراعاة النفسية للصغير‬

‫‪30‬‬
‫والضعيف وكل هذا يعلي من قدر النسان المسلم ويكرمه منذ الصغر ويعمل‬
‫على التدرج في بنائه وتقويته لصلح السرة والمجتمع والدين والدعوة ونشر‬
‫التوحيد والعبودية والبصر والبصيرة بمنهج الحضارة والتقدم والفلح للدنيا‬
‫والخرة ولكي يصبح الفرد المسلم مؤهلا لمهمة الشهود الحضاري حجة على‬
‫المم جميعها‪.‬‬

‫‪31‬‬

You might also like