You are on page 1of 10

‫التغطية اإلعالمية لظاهرة تعاطي المخدرات بين القبول والرفض االجتماعي‬

‫د‪ .‬بغدادباي عبد القادر‪/‬المركز الجامعي غليزان‬


‫د‪ .‬عبد اإلله بن شرقي‪/‬المركز الجامعي غليزان‬

‫ملخص‬

‫أصبحت ظاهرة اإلدمان آفة العصر‪ ،‬واستفحل خطر ما بني خمتلف فئات وطبقات اجملتمع‪ ،‬إذ أصبحت تشكل‬
‫مصدر قلق سواء بالنسبة للحكومات أو اجملموعات الدولية يف مجيع أحناء العامل مع وجود بعض التفاوت بني‬
‫البل دان يف حجم وخط ورة املش كلة تبع ا لل وعي االجتم اعي الس ائد وت وفر اإلرادة القوي ة وجتني د اإلمكاني ات‬
‫للتصدي هلذه الظاهرة اخلطرية‪ ،‬ومت جتدر اإلشارة إليه هو أن ظاهرة اإلدمان على املخدرات قد ألقت بظالهلا‬
‫على اجملتمع اجلزائري وهذا بالنظر للوض ع اجلغرايف والسياسي والتطورات اليت طرأت على احلي اة االجتماعية‬
‫والثقافية واالقتصادية وكذلك غياب ثقافة التعامل مع املتغريات املفاجئة والعنيفة اليت حتدث يف اجملتمع‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬املخدرات‪ ،‬التعاطي‪ ،‬اإلعالم‪ ،‬القبول‪ ،‬الرفض االجتماعي‪.‬‬

‫‪Abstract :‬‬
‫‪The phenomenon of addiction has become the scourge of the age and the danger‬‬
‫‪among the various classes and strata of society has become a source of concern‬‬
‫‪both for Governments and international groups around the world, with some‬‬
‫‪differences between countries in the magnitude and seriousness of the problem, The‬‬
‫‪phenomenon of drug addiction has cast a shadow over Algerian society,‬‬
‫‪considering the geographical and political situation and the developments in social,‬‬
‫‪cultural and economic life, as well as the lack of a culture of dealing with the‬‬
‫‪variable. Sudden and violent occurring in society.‬‬

‫‪Keywords: drugs, abuse, media, acceptance, social rejection.‬‬


‫مقدمة‬

‫تعترب ظاهرة اإلدمان على املخدرات من اآلفات اليت تعاين منها العديد من دول العامل‪ ،‬فهي تنتشر بشكل كبري‬
‫وخمي ف يف اجملتم ع اجلزائ ري‪ ،‬خاص ة يف أوس اط الش باب والش ابات‪ ،‬والكب ار والص غار‪ ،‬وطلب ة املدارس‬
‫واجلامعات‪...‬‬

‫ومما يبعث على اخلوف والقلق هو التزايد الكبري على اإلدم ان على املخ درات واملؤثرات العقلية بشكل واسع‬
‫خاص ة يف اآلون ة األخ رية‪ ...‬ه ذا كل ه جع ل (مافي ا) املخ درات تعم ل على ت رويج ش ائعات ودعاي ات مغرض ة‬
‫حول قدرة احلشيش واملخدرات واملؤثرات العقلية على إحداث الراحة‪ ،‬واالسرتخاء‪ ،‬والنشوة‪ ،‬وزيادة القدرة‬
‫اجلس مية والق درة اجلنس ية وم ا ش ابه ذل ك‪ ...‬يف ض وء اتس اع دائ رة التع اطي واالجتار فيه ا وهتريبه ا‪ ،‬وعالقته ا‬
‫مبختلف اجلرائم من عنف وسرقة والشذوذ اجلنسي‪ ،‬وجرائم أخرى من هذا النوع أكثر تأثريا وخطورة على‬
‫أمن وس المة اجملتم ع‪ ،‬وه ذا م ا نالحظ ه من تق ارير وتص رحيات األجه زة األمني ة والقض ائية أن أغلب اجلرائم‬
‫املرتكبة من قتل واعتداء على األموال واألنفس‪ ،‬إمنا تقع حتت تأثري املخدرات ومن هنا تتبني لنا أن هذه اآلفة‬
‫عبارة عن سالح هدام يهّد د البشرية‪ ،‬ألنه يتسلل إىل مجيع أفراد اجملتمع بأساليب خمتلفة ويعمل على سلب إرادة‬
‫األفراد‪ ،‬والسيطرة على عقوهلم وقدراهتم بأبسط الطرق واألساليب‪.‬‬

‫‪ )1‬مفاهيم حول المخدرات‬

‫‪ -‬تعريف المخدرات لغة‪:‬‬

‫غالبا ما جند يف تعريفات املخدرات نوعا من الّلبس والتداخل يف معىن الكلمة وتعريفها‪ ،‬ويف حتديد ما هو خمّد ر‬
‫وم ا ه و غ ري خمّد ر‪ ،‬وأحيان ا يك ون هن اك اختالف يف التعري ف حس ب اجملال العلمي‪ ،‬فهن اك التعري ف اللغ وي‬
‫والتعريف العلمي‪ ،‬ولتعريف القانوين‪ ،‬والتعريف الديين والتعريف الطيب‪.‬‬

‫وبشكل عام جاء يف معاجم اللغ ة العربية (القاموس احمليط) شرح واف ملعىن املخ ّد ر‪ ،‬وهي كلمة مشتقة من‬
‫(خدر)‪ ،‬واملخدر يف اللغة‪ :‬هو املفرّت ‪ 1‬الذي يؤدي إىل الفتور أو إىل الكسل أو االسرتخاء‪ ،‬أو إىل النعاس والثق ل‬
‫يف األعضاء‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫هاني عرموش‪" ،‬المخدرات‪ :‬التعريف‪ ،‬اإلدمان‪ ،‬العالج‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيروت‪ ،1993 ،‬ص‪.11‬‬
‫وبشكل عام‪ ،‬تع ّر ف املخ ّد رات بأهنا كل م ادة طبيعية أو مستحضرة يف املصانع‪ ،‬من شأهنا إذا استخدمت يف‬
‫غ ري األغ راض الطبي ة أو الص ناعية املوجه ة أو الرش يدة أن ت ؤدي إىل حال ة من التع ود واإلدم ان‪ ،‬ال ذي يض ر‬
‫بالصحة اجلسمية والنفسية للفرد وللمجتمع‪ ،‬أو هي مواد تسبب لإلنسان (واحليوان) فقدان الوعي بدرجات‬
‫متفواتة‪ ، 2‬وهي مواد كيميائية تسبب النوم والنعاس‪ ،‬وغياب الوعي‪ ،‬املصحوب بتس كني األمل‪ ،‬أو تس بب التنبي ه‬
‫الزائد‪ ،‬واهللوسة وزيادة النشاط‪...‬‬

‫‪ -‬المخدرات من الجانب العلمي‪:‬‬

‫يعم ل اجلانب العلمي والط يب على إعط اء تعري ف دقي ق للمخ درات جيم ع في ه مجي ع ت أثريات النفس ية‬
‫واجلسدية والعقلية على مستعمليه‪.‬‬

‫فتذكر املخ درات هي م واد منشطة نفس يا بإمكاهنا إحداث آثار نفسية على جسد املتع اطي‪ ،‬كم ا أهنا تعرفها‬
‫بأهنا عقاقري املستخلصة من النباتات أو احليوانات أو مشتقاهتا أو مركب من املركبات الكيميائية واملشروبات‬
‫الكحولية اليت تؤثر سلبا أو إجيابا على الكائن احلي باإلضافة إىل األدوية املمنوعة وأدوية العالج املسموح هبا‪،‬‬
‫وهذه العقاقري تغري من حالة اإلنسان املزاجية‪ ،‬ويعتمد عليها اإلنسان يف حياته بسبب خاصيتها املخدرة‪ ،‬وليس‬
‫بسبب ضرورة عالج املرض الذي يستوجب تكرار استعمال دواء حمدد كأدوية مرضى السكري وأدوية خفض‬
‫الضغط الدموي‪ ،‬وهذه املواد قد تكون مهلوسة أو منبهة لألعصاب‪ ،‬وقد تكون مسكن لألمل وقد تلغيه هنائيا‬
‫ك األفيون ومش تقاته والكوك ايني‪ ،‬وهي تس بب يف بعض األحي ان النع اس أو الن وم أو حتدث غي اب ال وعي‬
‫‪3‬‬
‫الكامل‪.‬‬

‫وتعرف أيضا بأهنا مواد تؤثر على اجلهاز العصيب املركزي ويسبب تعاطيها إىل حدوث تغريات يف وظائف املخ‪،‬‬
‫وتشمل هذه التغريات تنشيطا أو اضطرابا يف مراكز املخ املختلفة تؤثر على مراكز الذاكرة والتفكري والرتكيز‬
‫‪4‬‬
‫واللمس والشم والبصر والذوق والسمع واإلدراك والنطق‪.‬‬

‫المخدرات من الجانب القانوني‪:‬‬

‫‪ 2‬عادل الدمرداش‪" ،‬اإلدمان‪ ،‬مظاهره‪ ،‬وعالجه" سلسلة عالم المعرفة الكويت‪ ،1982 ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 3‬دردار فتحي‪" ،‬اإلدمان " دون طبعة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.36‬‬
‫‪ 4‬الفقي سعد‪" ،‬المخدرات واإلدمان‪ ،‬الظاهرة والعالج"‪ ،‬مركز اإلسكندرية للكتاب‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،2006‬ص‪.31‬‬
‫انطالق ا من التع اريف الطبي ة للمخ درات ع رف االجتاه الق انوين املخ درات بأهنا ك ل م ادة خ ام أو مستحض رة‬
‫حتتوي على مواد منبهة أو مسكنة من شأهنا إذا استخدمت يف غري األغراض الطبية أن تؤثر على النشاط الذهين‬
‫واحلال ة النفس ية ملتعاطيه ا‪ ،‬وت ؤدي إىل حال ة من اإلدم ان عليه ا مما يض ر ب الفرد جس ميا ونفس يا واجتماعي ا‬
‫‪5‬‬
‫واقتصاديا‪.‬‬

‫وع رفت ك ذلك بأهنا جمموع ة من املواد تس بب اإلدم ان وتس مم اجله از العص يب‪ ،‬وحيظ ر ت داوهلا أو زراعته ا أو‬
‫تصنيعها إال ألغراض حيددها القانون وال تستعمل إال بواسطة من يتم الرتخيص له‪ 6‬بذلك من أجل حص ر مجي ع‬
‫املواد ذات اخلصائص املعينة كيميائيا وفيزيولوجيا‪ ،‬مما يسمح مستقبال باكتشاف مواد خمدرة تدخل حتت املراقبة‬
‫واحلضر‪.‬‬

‫وقد جاء القانون اجلزائري الذي جعل جرمية املخدرات تستمد شرعيتها من قانون العقوبات وهو املتعلق حبماية‬
‫الص حة وترقيته ا يف نص ق انون رقم‪ 05-85 :‬املؤرخ يف ‪ 16‬فيف ري ‪ 1985‬يف م واد ‪243 ،242 ،190‬‬
‫باحلبس وغرامات املالية إذ تنص املادة ‪ 243‬على ما يلي‪" :‬يعاقب باحلبس من عشرة ‪ 10‬إىل ‪ 20‬عشرين سنة‬
‫وبغرام ة مالي ة ت رتاوح من ‪ 5000‬دج إىل ‪ 10.000‬دج ال ذين يص نعون بص فة غ ري ش رعية املخ درات أو‬
‫حيضروهنا أو حيولوهنا أو يستوردوهنا أو يتولون عبورها أو يصدروهنا أو يستودعوهنا أو يقومون بالسمسرة فيها‬
‫‪7‬‬
‫أو يبيعوهنا أو يرسلوهنا أو ينقلوهنا أو يعرضوهنا للتجارة بأي شكل كان"‪.‬‬

‫المخدرات من الجانب الشرعية اإلسالمية‬

‫هناك اعتقاد خاطئ يف اجملتمعات اإلسالمية بأن اهلل حرم اخلمر ولكنه مل يرد نص ال يف القرآن أو السنة وال يف‬
‫أق وال الص حابة م ا حيرم املخ درات وتعاطيه ا‪ ،‬ه ذا كل ه جع ل بعض األف راد داخ ل اجملتم ع يقوم ون مبختل ف‬
‫واجب اهتم الديني ة لكنهم ال جيدون س ببا مقنع ا المتن اعهم عن املخ درات رغم إدراكهم مبخاطره ا‪ ،‬فق د ق ال‬
‫رسول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم‪" :‬آن من احلنطة مخرا ومن الشعري مخرا‪ ،‬وأنا أهنا حلم عن مسكر‪ ،‬وما أسكر‬
‫كثريه فقليله حرام"‬
‫‪8‬‬
‫وقال أيضا‪" :‬كل مسكر حرام"‬

‫‪ 5‬رجب ابراهيم‪" ،‬الحشيش ومقارنته بالخمر"‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.21‬‬


‫‪ 6‬بوزيدي كمال‪ ،‬ظاهرة المخدرات بين المخاطر والعالج‪" ،‬مجلة الصراط"‪ ،‬كلية أصول الدين‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬ع‪ ،2004 ،10‬ص‪.279‬‬
‫‪ 7‬نصر الدين مبروك‪" ،‬جريمة المخدرات في ضوء القوانين واالتفاقيات الدولية" دار هومة‪ ،‬الجزائر‪ ،2007 ،‬ص‪.29‬‬
‫‪ 8‬عبد الحليم عويس‪" ،‬المخدرات والتدخين في ضوء الفقه اإلسالمي‪ ،‬دين وتراث"‪ ،‬د‪.‬ت ص‪.35‬‬
‫وهذا دليل على أن املخدرات مل تكن معروفة يف هذه الفرتة الزمنية‪ ،‬حيث أن املخدرات عرفت على حد قول‬
‫الشيخ‪ :‬حسن خملوف يف غزوة التتار بالشرق يف املائة السادسة بعد اهلجرة‪ ،‬ومن مت أمجع فقهاء املسلمني الذين‬
‫عرفت عهدهم املخدرات وحرمتها وحرمت االجتار هبا‪ ،‬فقد نقل عن ابن احلجر عن بعض العلماء "أن يف أكل‬
‫احلشيشة مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية" وعن ابن تيمية أن من قال حبلما كفر وأقر على ذلك أهل مذهبه‪،‬‬
‫ويق ول ابن متيم ة أيض ا أن "احلشيش ة أخبث من اخلم ر من جه ة أهنا تفس د العق ل واملزاج حىت يص ري يف الرجل‬
‫ختنث ودياث ة وغ ري ذل ك من الفس اد‪ ،‬واخلم ر أخبث من جه ة أهنا تقض ى إىل املخاص مة واملقاتل ة وكالمها يبع د‬
‫عن ذكر اهلل تعاىل وعن الصالة‪.‬‬

‫‪ )2‬مفاهيم اإلدمان على المخدرات‬

‫‪ -‬اإلدمان أو إساءة استعمال العقاقير‬

‫يعرف اإلدمان يف الطب بأنه "امليل الشديد إىل الكحول أو إىل املخدر‪ ،‬ونشوء عادة استعماله بصورة ملّح ة‪،‬‬
‫واعتباره شيئا ال يستغىن عنه‪ ،‬وحبيث يتطلب ذلك من الفرد املدمن تعاطي مقادير متزايدة منه‪ ،‬وذلك للحصول‬
‫‪9‬‬
‫على التأثري املطلوب‪.‬‬

‫وتظه ر أع راض اإلدم ان عن دما يص ل الف رد إىل مرحل ة التس مم املزمن ال ذي ي ؤثر ب دوره يف النش اط العقلي‬
‫والنفسي واجلسمي واملهين واألسري واالجتماعي‪ ...‬كما تظهر هذه األعراض عندما يتوقف الفرد املدمن عن‬
‫تعاطي املادة أو عندما تنقص املادة اليت يتعاطاها بصورة كبرية‪ ،‬وتسمى هذه بأعراض االنسحاب‪.‬‬

‫ويف عام (‪ )1964‬أصدرت منظمة الصحة العاملية (‪ )W.H.O‬تعميما استبدلت فيه كلمة اإلدمان بعبارة‬
‫"االعتماد على العقاقري" أي أن كلمة إدمان تعين االعتماد على العقاقري أو سوء استعمال العقاقري‪ ،‬مبعىن سوء‬
‫االستعمال الذي يتم من دون رأي الطبيب أو االختصاصي‪.‬‬

‫وتعرف منظمة العاملية للصحة اإلدمان‪ 10‬بأنه "حال ة نفس ية أو عض وية تنتج عن تفاع ل العق ار يف جس م الك ائن‬
‫احلي‪ ،‬وينتج عن عملية اإلدمان ما يسمى بالتعلق أو االعتماد‪ ،‬كما ينتج عن ذلك أمناط سلوكية واستجابات‬
‫خمتلفة تشمل الرغبة يف التعاطي وزيادة اجلرعة لإلحساس باآلثار النفسية املطلوبة"‪.‬‬

‫‪ 9‬فيصل محمد خير الزواد‪" ،‬األمراض العصابية والذهانية واالضطرابات السلوكية"‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،1984 ،‬ص‪.73‬‬
‫‪ 10‬جوي موزير‪" ،‬البرامج والمشاكل المتعلقة باالعتماد على الكحول والمخدرات"‪ ،‬منظمة الصحة العالمية‪ ،‬جنيف‪ ،1974 ،‬ص‪.411‬‬
‫وكذلك عرف اإلدمان من قبل منظمة الصحة العاملية بأنه‪" :‬حالة من التسمم الدوري أو املزمن الضار بالفرد‬
‫وباجملتمع‪ ،‬وينشأ ذلك عن االستعمال املتكرر للعقار الطبيعي أو املصنع‪ ،‬ويتصف ذلك بنشوء حاجة أو رغبة‬
‫ملحة ال ميكن قهرها أو مقاومتها لالستمرار يف تناول العقار والسعي اجلاد للحصول عليه بأي وسيلة ممكنة‪،‬‬
‫ولتجنب اآلثار املزعجة املرتتبة عن عدم توفره‪ ،‬كما يتصف ذلك بامليل حنو زيادة كمية اجلرعة‪ ،‬ويسبب ذلك‬
‫حال ة من االعتم اد النفس ي أو العض وي على العق ار وق د ي دمن املتع اطي على أك ثر من م ادة واح دة‪ ،‬كم ا أن‬
‫أعراض اإلدمان ختتلف بصورة كبرية من مادة إىل أخرى‪ ،‬بسبب التأثري الفارماكو ديناميكي للمادة‪.‬‬

‫ويرى بعض الباحثني‪ 11‬أن عملية اإلدمان ختتلف عن عملي ة التع ود يف أن التع ود حال ة نفس ية مزاجي ة أو عقلي ة‪،‬‬
‫تنش أ من خالل رغب ة إرادي ة واعي ة لتع اطي العق ار أو التع ود علي ه‪ ،‬واالنقط اع من مرح ة التع ود ال ي ؤدي إىل‬
‫أع راض س حب العق ار ال يت يتع رض إليه ا املدمن‪ ،‬يض اف إىل ذل ك أن الف رد يف حال ة التع ود ال يزي د اجلرع ة‬
‫لسنوات‪ ،‬إال أن هذه املرحلة من التعود قد تتطور إىل حالة اإلدمان‪.‬‬

‫‪ )3‬عالقة المخدرات بالجريمة‪:‬‬

‫املخ درات يف ح د ذاهتا جرمية من أعظم اجلرائم‪ ،‬ت ؤدي إىل هالك العق ل واجلس م والنفس واملال واألف راد‬
‫واجملتمعات‪ ،‬فكل القوانني سواء كانت وضعية أو شرعية حترم املخدرات ملاهلا من تأثري سليب على احلياة النفسية‬
‫واالجتماعية والعقلية للفرد‪ ،‬فهي تؤدي إىل فقدان سيطرة املتعاطي أو املدمن على االنفعاالت املختلفة مما جيعله‬
‫ال يستطيع التحكم يف سلوكياته وال غرائزه الدافعة حنو السلوك االجرامي مبختلف أشكاله‪.‬‬

‫‪ -‬االتجاه القائل بسببية المخدرات للجريمة‪:‬‬

‫يرى أصحاب هذا االجتاه بأن املخدرات تؤدي إىل ارتكاب اجلرائم بشكل أو بآخر مباشرة أو بدون مباشرة‬
‫وهو ما سنبنيه يف الدراسات التالية‪:‬‬

‫‪ /‬دراسة الدكتور "بسكر"‪Pescor‬‬

‫ق ام "بس كر" يف حبث ه على عين ة تتك ون من ‪ 1000‬حال ة من املدمنني للمخ درات من ن زالء مستش فى الع ام‬
‫بواشنطن عام ‪ ،1943‬حيث درس تارخيهم اإلجرامي قبل اإلدمان وبعده‪.‬‬

‫‪ 11‬عدنان الدوري‪" ،‬أساليب الجريمة وطبيعة السلوك اإلجرامي"‪ ،‬مطبوعات جامعة الكويت‪ ،1973 ،‬ص‪.911‬‬
‫وتوص ل إىل نس بة ‪ %75‬من ه ذه احلاالت مل يس بق هلم ارتك اب اجلرائم قب ل اإلدم ان وإمنا ارتكبوه ا بع د‬
‫‪12‬‬
‫اإلدمان‪.‬‬

‫‪ /‬دراسة الدكتور "فوجل" ‪Vogel‬‬

‫درس الدكتور "فوجل" عددا كبريا من األحداث املدمنني نزالء املستشفى العام بواشنطن عام ‪ ،1937‬وتوصل‬
‫من هذه الدراسة إىل نسبة ‪ %67‬من هؤالء األحداث ختلو حياهتم من اإلجرام قبل اإلدمان وإمنا قاموا هبا بعد‬
‫ذلك‪.‬‬

‫‪ /‬دراسة الدكتور "وولف" ‪Wolf‬‬

‫كتب ال دكتور وول ف يف كتاب ه بعن وان "احلش يش يف أمريك ا الالتيني ة" وبني العالق ة املوج ودة بني املخ درات‬
‫واجلرمية‪ ،‬إذ بني ب أن احلش يش يعم ل على تض خيم املش اعر واالنفع االت واالجتاه ات الداخلي ة أي أن املتع اطي‬
‫يشعر بدوافعه النفسية الكامنة‪ ،‬كما تثار وتتضخم ختيالته إىل أقصى درجة وهو حتت تأثري املخدر‪ ،‬وهنا يقع‬
‫األفراد ذوو االجتاهات العدوانية يف اجلرمية‪ ،‬ذلك ألن مشاعرهم تتضخم‪ ،‬فضال عن حتررهم من الكف والضبط‬
‫الطبيعي عندهم‪ .‬ومن مث يفسد حكمهم على األشياء ويندفعون حنو ارتكاب اخلطأ واجلرمية‪.13‬‬

‫ويدكر "وولف" على رأيه بآراء الكثري من األطباء العقليني الذين أكدوا بأن احلشيش كباعث للعنف واجلرمية‪،‬‬
‫كما برهن "وولف" باملالحظة العامة املعروف يف الربازيل وهي أن املدمنني ينصحون املبتدئني من باب الوقاية‬
‫أال يتناولوا املخدر يف حضرة أشخاص ال يستلطفوهنم‪ ،‬جتنبا للوقوع يف نقاشات وخالفات مثرية قد تدفع إىل‬
‫الشعور بالتحدي املتوهم ألتفه األسباب ومن مث قد حيدث من النتائج العنيفة ما ال حتمد عقباه‪.‬‬

‫ويضيف الدكتور "وولف" وبناء على مالحظاته‪ ،‬أن احلشيشيثري الدافع اجلنسي اثارة غري طبيعية‪ ،‬حبيث كثري ما‬
‫يدفع إىل اجلرائم واالحنرافات اجلنسية‪ ،‬وينتهي إىل التأكيد بأن املخدر يطلق سراح امليول الالشعورية يف الفرد‪،‬‬
‫وأم ا عن رد الفع ل املباش ر للتخ دير فه و الش عور بالراح ة واملرح وه و ش عور وق يت ك اذب يتح ول بس هولة إىل‬
‫مشاعر عدوانية هتمل معها القدمي واألخالق واملعايري االجتماعية والضوابط القانونية والدينية‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪Pescormj : « AstatisticalAnalysis of the clinical records of hospitalised dry Addicts » supplement n° 143‬‬
‫‪washingtongouverment printing office 1943.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Wolff p.o « Marihuna in latin AmericaLincorepress, washington 1948, pp 23.28.‬‬
‫‪ -‬اإلتجاه القائل بعد سببية المخدرات للجريمة‪:‬‬
‫‪14‬‬
‫‪ /‬دراسة الطبيب "برومبرغ"‪Bromberg‬‬

‫يرى طبيب األمراض العقلية "برومربغ" أن احلشيش ال يعمل على خلق اجلرمية أو تشجيعها‪ ،‬وقد توصل إىل‬
‫ه ذه النتيج ة على أس اس مالحظ ات الب احثني للم دمنني يف الس جون والعي ادات‪ ،‬وك ذلك على أس اس بعض‬
‫التجارب اإلكلينيكية على املساجني ونزالء املستشفيات‪.‬‬

‫‪ /‬دراسة الدكتور "بورهيل" "‪"Bourhill‬‬

‫احتك الطبيب بورهيل بالسكان األصليني جلنوب افريقيا‪ ،‬وذلك أثناء عمله كطبيب لبعض شركات املناجم‪،‬‬
‫كما قام بإجراء جتارب علمية على مرض املدمنني من نزالء مستشفى مدينة "بريتوريا" ‪ ،Pretoria‬ومن هذه‬
‫الدراس ة مل يس تطع أن خيرج ب رأي فاض ح يف العالق ة بني اإلدم ان واجلرمية حيث وج د من دراس ة ت اريخ حي اة‬
‫املرض ى املدمنني أن نس بة ‪ %36‬منهم ك انوا خط را على الن اس قب ل دخ ول املستش فى ونس بة ‪ %13‬ك انوا‬
‫أخطر على املمتلكات أي نسبة ‪ %49‬من املرضى املدمنني حيملون تارخيا عدوانيا وأن نسبة ‪ %51‬مل يكونوا‬
‫‪15‬‬
‫كذلك وهذه النسب املتكافئة ال تعين ارتباط املخدر باجلرمية‪.‬‬

‫‪ /‬تقرير الدكتور بوكيه ‪Bouguet‬‬

‫درس الدكتور بوكيه موضوع احلشيش يف بلدان مشال افريقيا وحوض البحر األبيض املتوسط‪ ،‬وقدم يف هذا‬
‫الش أن تقري را إىل هيئ ة األمم املتح دة يتض من عالق ة احلش يش باجلرمية‪ ،‬رغم أن ه اع رتف بوج ود عالق ة م ا بني‬
‫املخدرات واجلرمية عند بعض دول العامل خاصة الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬حيث أن "بوكيه" يرى أن هذه‬
‫النتيج ة ال تنطب ق على بل دان مشال إفريقي ا وح ىت دول الع امل اإلس المي كك ل‪ ،‬حيث ق د ثبت ل ه من حبوث ه‬
‫ودراس اته ومالحظات ه أن اجلرائم قليل ة يف ه ذه البل دان وح ىت وإن وج دت فهي قليل ة ال تع دو بس رقات تافه ة‬
‫وأفع ال بس يطة كم ا ت بني ل ه أن ه يف ه ذه البل دان‪ ،‬غالب ا م ا ترتب ط املش اجرات وأفع ال العن ف ب اخلمر أك ثر من‬
‫‪16‬‬
‫ارتباطها باملخدر‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫‪Bromberg w and nodgers « marihuana and agressive crime » Journal of psychiatry 1949 pp 825.827‬‬
‫‪ 15‬المغربي سعد‪" ،‬ظاهرة تعاطي الحشيش" دار الراتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪ ،1984‬ص‪.149‬‬
‫‪ 16‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.150‬‬
‫إن املخ درات تعم ل على الت أثري يف احلال ة الذهني ة لإلنس ان‪ ،‬مما ي ؤدي إىل اإلخالل حبال ة الت وازن ال ذهين ل ه‪،‬‬
‫باإلض افة إىل الت أثري يف اجله از العص يب املرك زي‪ ،‬وإح داث تغ ريات يف وظ ائف املخ وكش ف االجتاه ات‬
‫الالشعورية والغرائز الطبيعية كما هي دون تعديل أو هتذيب ويتميز تكرار تعاطي هذه املواد اخلطرة إىل ضمور‬
‫الدماغ وإىل حدوث حاالت اجلنون‪ ،‬والتأثري على اجلهاز العصيب والنفسي والعضوي للمدمن‪ ،‬وبالتايل ميكن أن‬
‫يرتكب املدمن أفعاال تتعارض مع القانون والقيم األخالقية واالجتماعية‪ ،‬كارتكاب اجلرائم جبرأة دون خوف‬
‫من العقوبة‪ ،‬كما خيلق ذلك متاعب أسرية ومهنية‪ ،‬مما جيعلها عوامل مساعدة على اإلجرام ومسهلة لالحنالل‬
‫والتخلف االجتماعي املؤدي إىل انتشار اجلرمية‪.‬‬

‫الهوامش‪:‬‬

‫هاين عرموش‪" ،‬املخدرات‪ :‬التعريف‪ ،‬اإلدمان‪ ،‬العالج"‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بريوت‪ ،1993 ،‬ص‪.11‬‬ ‫‪)1‬‬
‫عادل الدمرداش‪" ،‬اإلدمان‪ ،‬مظاهره‪ ،‬وعالجه"‪ ،‬سلسلة عامل املعرف ‪.‬‬ ‫‪)2‬‬
‫دردار فتحي ‪" ،‬االدمان " دون طبعة ‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪36‬‬ ‫‪)3‬‬
‫الفقي سعد ‪ "،‬املخدرات و االدمان ‪ ،‬الظاهرة و العالج " ‪ ،‬مركز االسكندرية للكتاب ‪ ،‬االسكندرية‬ ‫‪)4‬‬
‫‪ ،2006‬ص‪31‬‬
‫رجب ابراهيم ‪ " ،‬احلشيش و مقارنته باخلمر " ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬د‪.‬ت ص‪21‬‬ ‫‪)5‬‬
‫بوزي دي كم ال ‪ ،‬ظ اهرة املخ درات بني املخ اطر و العالج ‪" ،‬جمل ة الص راط "‪ ،‬كلي ة اص ول ال دين ‪،‬‬ ‫‪)6‬‬
‫جامعة اجلزائر ‪ ،‬ع‪ ،2004 ،10‬ص ‪279‬‬
‫نصر الدين مربوك ‪" ،‬جرمية املخدرات يف ضوء القوانني و االتفاقيات الدولية " دار هومة ‪ ،‬اجلزائر ‪،‬‬ ‫‪)7‬‬
‫‪ ،2007‬ص ‪29‬‬
‫عبد احلليم عويس ‪" ،‬املخدرات و التدخني يف ضوء الفقه االسالمي ‪ ،‬دين و تراث "‪،‬د‪.‬ت ص‪35‬‬ ‫‪)8‬‬
‫فيص ل حمم د خ ري ال زواد ‪ ،‬االم راض العص ابية و الذهاني ة و االض طرابات الس لوكية "‪ ،‬دار القلم ‪،‬‬ ‫‪)9‬‬
‫بريوت ‪ ،1984 ،‬ص‪73‬‬
‫جوري م وزير ‪ ،‬الربامج و املش اكل املتعلق ة باالعتم اد على الكحول و املخ درات " ‪ ،‬منظم ة الص حة‬ ‫‪)10‬‬
‫العاملية ‪ ،‬جنيف ‪ ، 1974 ،‬ص ‪411‬‬
، ‫ مطبوع ات جامع ة الك ويت‬، " ‫ " اس اليب اجلرمية و طبيع ة الس لوك االج رامي‬، ‫ع دنان ال دوري‬ )11
911‫ ص‬،1973
149 ‫ ص‬،1984 ‫ لبنان‬، ‫ بريوت‬، ‫ "ظاهرة تعاطي احلشيش " دار الراتب‬، ‫املغريب سعد‬ )12

150‫ ص‬، ‫) نفس املرجع‬13

14) pescormj : « AstatisticalAnalysis of the clinical records of hospitalised


dry Addicts » supplement n°143 washingtongouverment printing office
1943.

15) Wolff p.o « Marihuna in latin AmericaLincorepress ,washington


1948 , pp 23.28 .

16) Bromberg w and nodgers « marihuana and agressive crime » Journal


of psychiatry 1949 pp 825.827

You might also like