Professional Documents
Culture Documents
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
The drug addiction phenomenon: between the motives and the theories explaining
them
ملخص:
تهدف هذه الدراسة للكشف عن الدوافع الوراثية والنفسية واالجتماعية املؤدية لإلدمان على املخدرات واألطر النظرية املفسرة لها ،املتمثلة في النظرية
الوراثية والتي ترجع اإلدمان على أساس وراثي ،في حين ترى نظرية التحليل النفس ي عدم وجود شخصية إدمانية موحدة ،وبأن مشكلة السلوك اإلدمانى يخص كل
البنيات النفسية الذهانية والعصابية والحاالت الحدية .بينما يتجه التفسير السلوكي لظاهرة اإلدمان على نظرتي التعلم وخفض التوتر ،بينما تذهب نظرية التعلم
االجتماعي إلى أن الجماعات املرجعية لها دور كبير في بلورة السلوك االجتماعي ومن بينها ظاهرة اإلدمان ،وأخيرا تؤكد النظرية املعرفية على أن الناس ال يقعون فجأة
وبشكل ال يقبل التفسير ضحايا إلدمان املخدرات ،حيث أنهم يتطورون بشكل نشط في استخدامهم لها ،وتلعب اتجاهاتهم ومعتقداتهم ونواياهم وتوقعاتهم دورا مهما
في هذا التورط بها.
كلمات مفتاحية :املخدرات ،اإلدمان ،األطر النظرية ،دوافع االدمان
Abstract:
This study aims to uncover the genetic, psychological and social that lead to drug
addiction and the theoretical that explaining them, represented by genetic theory, which
returns addiction on a genetic basis, while the psychoanalytic theory considers the absence of
a unified addictive personality, and that the problem of addictive behavior concerns. While
the behavioral explanation theory of addiction is directed it to the learning and reducing
stress, however. the social learning theory goes that reference groups have a major role in
crystallizing social behavior, including the phenomenon of addiction, and finally the
The theory of knowledge confirm that people do not suddenly and inexplicably fall victim to
drug addiction. As they actively develop in their use of it, and their attitudes, beliefs,
intentions and expectations play an important role in this involvement.
Keywords: Addiction; Drugs; theoretical frameworks; Addictive motives
ص 67 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
مقدمـ ـ ـ ــة:
تعرف املجتمعات اليوم العديد من التغيرات والتحديات على مختلف االصعدة وامليادين االقتصادية منها
والسياسية والثقافية واالجتماعية ،...وان كان التغيير أمر طبيعي كشريعة كونية ،فإن التحديات واملشاكل تختلف
من مجتمع إلى أخر وفق تطعيمه وحصانته ،وكيفية رصده لها والبحث عن حلول وميكانزمات لتجاوزها.
وتعد ظاهر ة االدمان على املخدرات من الظواهر الخطيرة التي استفحلت في كل املجتمعات وباتت كالطاعون
ً
تنخر في أجزاءه ،فوفقا ألطلس منظمة الصحة العاملية(-الوحدة الخاصة) ،فإن نسبة % 5,7-%3,5ممن تتراوح
يقدر ما بين %10و%15 أعمارهم بين 15و 64سنة على الصعيد العالمي يستخدمون مخدرات غير مشروعة ،بينما َّ
1
منهم يصابون باالعتماد أو بنمط من االستخدام الضار.
لتعاني كل الدول املتقدمة واملتخلفة من مخاطر هذه الظاهرة ،ما دفع العديد من املتخصصين والخبراء
للبحث في دوافعها ومسبباتها ،إليجاد تفسيرات من شأنها االجابة عن تساؤالت لطاملا اثار ت الجدل وأسالت الحبر
في العديد من الدراسات ومن أهمها؛ هل املدمن شخصية غير سوية يجب عقابه والتخلص منه ،ام ان ادمان
املخدرات وتعاطيها هو ظاهر اجتماعية ونفسية ووراثية ،أو هو طريقة دفاعية للهروب من براثن واقع مرير ،وان كان
كذلك فلماذا يتعاطى االغنياء املخدرات واملشاهير ،وإن كل هذه التساؤالت وغيرها تضعنا أمام تعقد املشكلة وتشعب
مؤشراتها.
ولقد قطعت الدول املتقدمة أميال كبيرة في البحث عن جذور املشكلة واليقظة بكافة مسبباتها وتأثيراتها
على املجتمع إليجاد حلول واستراتجيات كفيلة للتخلص أو التخفيف من حدتها ،بينما حاولت الدول النامية استيراد
هذه الدراسات الجاهزة وتطبيقها في املجتمع ،رغم خواصه املغايرة ،ما يدفعنا ملحاولة رصد والتعريف بأهم نظريات
االدمان على املخدرات املفسرة لها ومناقشتها ،ايمانا منا بما تحمله هذه القضية من أبعاد سلبية وأثار وخيمة
على مستقبل أبنائنا ومستقبل وطننا.
اشكالية الدراسة :
يعتبر االدمان على املخدرات من بين أهم املواضيع التي أثارت اهتمام الباحثين في مختلف التخصصات
الوراثية والنفسية واالجتماعية ،...محاولين البحث في أصولها وأسبابها وطرق عالجها .القتراح جملة من النظريات
املفسرة لها ملساعدة هذه الفئة واملجتمع ككل.
ومن هذا املنطلق ،ونظرا ملخاطر االدمان على املخدرات على الفرد واملجتمع ،وقلة املراجع العربية التي تعالج
النظريات املفسرة لها،حاولنا من خالل هذه الدراسة اإلحاطة بهذه الظاهرة من خالل اإلجابة التساؤل املركزي:
ما هي الدوافع واألطر النظرية املفسرة لظاهرة تعاطي املخدرات؟
وتتفرع منه مجموعة من التساؤالت الفرعية :
-ما هي الدوافع املؤدية لظاهرة اإلدمان املخدرات؟
-كيف تفسر النظرية الوراثية ظاهرة تعاطي املخدرات؟
-كيف تفسر نظرية التحليل النفس ي ظاهرة تعاطي املخدرات؟
-كيف تفسر النظرية السلوكية ظاهرة تعاطي املخدرات؟
-كيف تفسر النظرية التعلم االجتماعي ظاهرة تعاطي املخدرات؟
-كيف تفسر النظرية املعرفية ظاهرة تعاطي املخدرات؟
ص 68 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
-كيف تفسر النظرية االجتماعية ظاهرة تعاطي املخدرات؟
-2أهمية الدراسة :
.تنبع أهمية هذه الدراسة من أهمية املوضوع الذي يتناول "الدوافع واألطر النظرية املفسرة لظاهرة
اإلدمان على املخدرات" ،ففي ظل تزايد عدد املتعاطين واملدمنين على هذه السموم القاتلة ،حيث "كونها مست هذه
الظاهرة 220مليون شخص في العالم أي ما يعادل %3إلى 2 ،"%5ما دفع العديد من املتخصصون في مختلف
املجاالت لالهتمام بها وفي هذا اإلطار حاولنا من خالل هذه الورقة الكشف عن مختلف األسباب والعوامل املؤدية
بالشباب إلى اإلدمان عليها من خالل طرح مجموعة من النظريات واملقاربات التي شخصت هذه الظاهرة ومن أهمها
الوراثية والتحليلية( التحليل النفس ي) و االجتماعية ،والسلوكية ،واملعرفية...
-3أهداف الدراسة :تهدف الدراسة للكشف عن:
-الدوافع املؤدية لظاهرة اإلدمان املخدرات؛
-تفسير النظرية الوراثية لظاهرة تعاطي املخدرات؛
-تفسير نظرية التحليل النفس ي لظاهرة تعاطي املخدرات؛
-تفسير النظرية السلوكية لظاهرة تعاطي املخدرات؛
-تفسير النظرية التعلم االجتماعي لظاهرة تعاطي املخدرات؛
-تفسير النظرية املعرفية لظاهرة تعاطي املخدرات؛
-تفسير النظرية االجتماعية لظاهرة تعاطي املخدرات.
-4مفاهيم ومصطلحات الدراسة:
1-4مفهوم االدمان :واإلدمان لغة هو دمن علة الش يء لزمه وأدمن شرابه وغيره ،أدامه ولم يقلع عنه ،ويقال أدمن
3
األمر ،واظب عليه.
واصطالحا قد عرفت منظمة الصحة العاملية االعتماد(االدمان) بأنه :حالة من التسمم الدوري أو املزمن
الضار للفرد واملجتمع ،وينشأ بسبب االستعمال للعقار الطبيعي أو املصنع ،ويتصف بقدرته على إحداث رغبة ،أو
حاجة ملحة ،ال يمكن قهرها أو مقاومتها ،لالستمرار في تناول العقار والسعي الجاد للحصول عليه بأي وسيلة ممكنة،
لتجنب اآلثار املزعجة املترتبة على عدم توفره ،كما يتصف بامليل نحو زيادة كمية الجرعة ،ويسبب حالة من االعتماد
النفس ي أو العضوي على العقار ،وقد يدمن املتعاطي على أكثر من مادة واحدة(.اتجاهات الشباب البطال نحو تعاطي
4
املخدرات .
2-4مفهوم املخدر :هناك مجموعة من التعريفات االصطالحية للمخدرات ،منها أنها:
املادة التي يؤدي تعاطيها إلى حالة تخدير كلي أو جزئي مع فقد الوعي أو دونه ،وتعطي هذه املادة شعورا كاذبا
بالنشوة والسعادة ،مع الهروب من عالم الواقع إلى عالم الخيال.
مجموعة من العقاقير التي تؤثر على النشاط الذهني والحالة النفسية ملتعاطيها إما بتنشيط الجهاز العصبي
املركزي أو بابطاء نشاطه او بتسببها للهلوسة والتخيالت وهذه العقاقير تسبب االدمان وينتج عن تعاطيها الكثير من
5
مشكالت الصحة العامة واملشكالت االجتماعية( التصنيف الدولي لالضطرابات النفسية ICD10اإلصدار العاشرة.
ص 69 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
3-4اإلدمان عن املخدرات من الناحية اإلجرائية وتقصد به الباحثة تناول للمادة املخدرة بشكل مستمر
ومنتظم خالل فترات زمنية محددة بحيث تحدث للمتعاطي النشوة واملتعة املرغوب فيها مما ينعكس سلبا على ححته
النفسية والعقلية والجسدية واالجتماعية.
-5العوامل والدوافع املؤدية إلى تعاطي املخدرات:
من خالل استقرائنا للمداخل النظرية املفسرة ملشكلة تعاطي املخدرات واإلدمان عليها ،نجد أنه من الصعب
إرجاع هذه املشكلة لسبب واحد ومحدد ،كما ال يوجد لها سبب مباشر ،بل ثمة أسباب عديدة وراثية ونفسية
واجتماعية وأخرى بيئية واقتصادية تتداخل بعضها ببعض لتقدم لنا التفسير املناسب للمشكلة ويمكن تقسيمها
كاآلتي.
1-5العوامل الوراثية:
وثمة بعض الدراسات والنظريات التي ترجع جزءا من دوافع االنحراف واإلجرام إلى هذه العوامل التي تتركز
حول نظرية الوراثة والجينات الوراثية التي يكتسبها الفرد من األسرة ،وقد أكدت دراسة قام بها العالم (دوجدال)
ألسرة أمريكية كان فيها األب مدمنا على املخدرات أن تاريخ العائلة على مدى عدة أجيال كان غنيا باالنحرافات ما بين
اإلجرام والدعارة واإلدمان والتشرد واألمراض العقلية.
كذلك بينت بعض اإلحصائيات أن اإلدمان على املخدرات وتعاطي الخمور لهما تأثير بيولوجي على السلوك،
6
وهذا التأثير الخطير ينتقل إلى األبناء واملجتمع بأسره.
-2-5العوامل النفسية :وتتمثل فيما يلي
-شخصية املدمن:
يرجع الكثير من الباحثين أسباب اإلدمان إلى سمات معينة تعتبر من العوامل املساهمة في إدمان املخدرات،
فأسباب اإلدمان ولو تنوعت ال تعدو أن تكون ذات داللة على أن املدمنين يتميزون بخلل واضطراب في الشخصية
حيث يرى "رأفت عسكر" أن هناك عالقة وثيقة بين اضطرابات الشخصية وتعاطي األشخاص للمخدرات ليخففوا
من حدة اضطراباتهم أو ربما ليزيدوا من تفاعلهم مع البيئة التي يعيشون فيها كي تساعدهم املخدرات على توافقهم
أكثر مع حياتهم.
ولقد دلت العديد من الدراسات في هذا املجال على وجود عالقة بين اضطرابات الشخصية وإدمان املخدرات،
ومن بين هذه الدراسات نذكر بإيجاز ما يلي:
الدراسة التي أجراها سعد املغربي (عام )1966عن "سيكولوجية تعاطي األفيون" التي تبين منها أن إدمان
األفيون هو عرض الضطرابات عنيفة في الشخصية ،وفي الدراسة التي أجراها "مخرجي وشرر" عن "شخص ي املدمن"
والتي أجريت على ( )36طالبا جامعيا و( )36طالبة جامعية من متعاطي األفيون وجد فروق بين غير املتعاطين ألي
عقار وبين متعاطي األفيون في درجة استبصار الذات ،كما توصل "هلر"وموردكوف" ""Heller and Mordmoff
عام ( )1982إلى وجود سمتين لشخصية املدمنين:
7
األولى السيكوباتي ،والثانية هي الشخصية املضادة للمجتمع.
وفي يلي عرض ألهم تصنيفات الشخصية االدمانية
-الشخصية املتهيبة اجتماعيا SchizoidPersonality
ص 70 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
املتهيب أو الهياب اجتماعيا SociallyPhobicشخص خجول يفضل العزلة ويهرب من الناس ومن
التجمعات ،وال يقوى على مواجهتهم وال يقوى على التعبير عن رأيه ويشعر باضطراب شديد حين يضطر للتعامل مع
الناس في ظروف اضطرارية ،وقد يكتشف هذا اإلنسان أن إحدى املواد املخدرة تزيل خجله ،وتلغي توتره وتطلق
لسانه وتهدئ من فزع قلبه ،فيستطيع التعامل مع الناس بسهولة وبدون خجل ،ويجد نفسه مضطرا الستعمال هذه
املادة كلما اضطرته الظروف ملواجهة مسئولياته مع الناس
وهذا ما يجعله يلجأ إليها بشكل متقطع أو مستمر ،وقد يقوده سوء االستعمال لهذه املادة إلى التعود عليها أو
إدمانها ،ولكن ال عالج لحالته إال هذه املادة التي يعرف أنها تغير من شخصيته تماما فينعم ولو لوقت قصير بنعمة
8
التعامل الجري بال خوف من الناس.
-الشخصية االكتئابيةDepressivePersonality
يمتاز صاحب هذه الشخصية بمزاج هابط معظم ساعات النهار ،والشعور الدائم بالتعب وفقدان الطاقة،
كذلك بتناقص في القدرة على التركيز ،والتردد وعدم القدرة على القرارات الحاسمة ،وتكون لديه مشاعر من اليأس
واإلحباط الدائم ،وهذا اإلنسان معرض لنوبات حادة من هبوط املعنويات لعدة أيام قد يقاومها بإحدى املواد
املخدرة أو املنشطة بشكل متقطع أو مستمر ،وقد يقود سوء االستعمال ملثل هذه املواد إلى التعود عليها أو إدمانها
ولكن ال سوى له إال هذه املادة التي يعرف أنها ترفع معنوياته وتجلب له بعض السرور الذي يفقده بشكل دائم،
9
واملدمن عموما مكتئب ويلجأ للمخدرات للتخفيف من حدة اكتئابه.
-الشخصية السيكوباتيةPsychopathicPersonality:
ما يميز أححاب هذه الشخصية عدم اإلحساس بما هو صواب وما هو خطأ فهم يميلون إلى معيشة اللحظة
الراهنة فقط ويرغبون في لذة فورية من الدوافع العابرة دون التأجيل ،وتتصف بالالمباالة والكذب والخداع ،ويسعى
الشخص السيكوباتي نحو تحقيق ملذاته وإرضاء نزواته ،وعلى حساب كل القيم املتعارف عليها من مجتمعه ،فهو
يسرق ،يرتش ي ،يؤذي ،يدمن يفعل أي ش يء دون أن يتحرك لديه أدنى إحساس بألم أو ندم وبشكل عام فان
السيكوباتي ال يتعلم من أخطائه وال يجدي معه العقاب.
وقد تطرق العديد من العلماء لدراسة خصائص الشخصية السيكوباتية منهم "رابين" الذي حدد هذه
الخصائص فيما يلي:
-نقص الضمير
-عدم اإلفادة من التجارب السابقة
-عدم وجود خطة ثابتة للحياة
10
-العجز عن الحب.
-الشخصية القلقة:
تعاني هذه الشخصية من القلق والتوتر ،وسهولة االستثارة والعصبية واالندفاع وعدم الصبر مما يعرضه
للخطأ ،وغالبا ما يدمن الشخص املكروب حتى يقلل من مشاعر القلق والتوتر ليحل محلها االسترخاء والطمأنينة،
حيث يكتشف أن بعض املواد املخدرة تزيل كل التوترات وتجعله هادئا باردا ومسترخيا ومتأنيا ،ويجد نفسه مضطر
الستعمال مثل هذه املواد ومن ثمة التعود عليها أو إدمانها .ولكن ال خالص له من عذابه إال بهذه املواد املخدرة التي
11
تمحو كل مشاعر القلق والتوتر وتحل محلها االسترخاء والطمأنينة.
-الشخصية املغتربة:
ص 71 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
يتمثل االغتراب في شعور اإلنسان بانفصاله عن ذاته أو عن اآلخرين أو كليهما ،األمر الذي يؤدي إلى اليأس
والقنوط والعجز وفقدان املعنى وعدم اإلحساس بالقيمة ،ويعتقد الشخص الذي تنطبق عليه هذه الحالة أن
12
املخدرات يمكن أن تساعده على أن يحقق تقديرا أعلى لذاته ،وتجلب له تقدير الجماعة له على نحو يرضيه.
ووجد كذلك أن هناك مالمح معينة تميز شخصية املدمن:
عدم النضوج االنفعالي :يتميز املدمن بعدم قدرته على االعتماد على نفسه
الشخصية النرجسية :فالشخص املدمن يتميز بشخصية نرجسية تريد أن تحقق كل ما تريده فورا وفي
الحال
الشخصية املريضة جنسيا :في هذه الحال يكون اإلنسان(الشخص املدمن) مصاب بالضعف الجنس ي،
13
فيخدر نفسه هربا من مشاكله.
وهناك عوامل أخرى متعلقة دائما بشخصية املدمن وهي كالتالي:
ضعف الوازع الديني:إذ يعد الدين بما يحمله من مبادئ وتعاليم سمحة إحدى أبرز آليات الضبط
االجتماعي للفرد ،فهو كما يزوده بمنظومة قيمية تجعل منه فردا صالحا في املجتمع ،فهو يعمل على تقويم سلوكه
وضبطه كلما حاد عن الطريق الصحيح ،وقد كشفت كثير من الدراسات أنه كلما كانت درجة التدين لدى الفرد عالية
14
كلما قل اتجاهه نحو االنحراف وتعاطي املخدرات والعكس ححيح.
حب اإلثارة:إذ تروج كثير من األقاويل أن املخدرات تلهب مشاعر اللذة ،وتحدث متعة عارمة لدى ممارسة
الجنس ،فيقبل الشباب عليها بشغف طلبا ملزيد من اإلثارة واللذة.
امللل :إن الحياة الروتينية ،وغياب مشاريع مستقبلية ،والفراغ النفس ي وتدني الطموح قد يجعل من
املخدرات مهربا
-األمراض النفسية والجسمية:
وهي حاالت مرضية يضطر املريض فيها إلى التعامل مع بعض أنواع األدوية ،ولكن االستعمال املتكرر دون
مراقبة طبية ،يمكن أن يؤدي إلى استعمال تلك األدوية لغرض آخر غير التداوي ،مما قد يوقع صاحبه في بؤرة
15
التعاطي.
حب التقليد:قد يرجع ذلك إلى ما يقوم به بعض املراهقين من محاوالت إلثبات ذاتهم وسعيهم للوصول
إلى الرجولة قبل أوانها عن طريق تقليد الكبار ،وخاصة األفعال املتعلقة بتعاطي املخدرات من أجل إطفاء طابع
16
الرجولة عليهم أمام الزمالء أو الجنس اآلخر.
3-5العوامل االجتماعية:
يقصد بالعوامل االجتماعية جميع الظروف واملتغيرات التي تحيط بالفرد منذ والدته وعبر مراحل حياته
املختلفة ،وهي متعددة ومختلفة في آن واحد ويتداخل في معطياتها عدة متغيرات متباينة األدوار ومتفاوتة األداء،
ترتبط جميعها بالبيئة االجتماعية املحيطة بالفرد ،والتي يمكن إدراجها فيما يلي:
ص 72 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
-األسرة:
بما أن األسرة هي الفضاء األول والرئيس ي الذي يتعلم فيه الفرد السلوك السوي والسلوك املنحرف ،فلقد أولى
لها العلماء والباحثون نصيبا وافرا من البحث واالهتمام في مجال تأثيرها على اتجاه األفراد نحو تعاطي املخدرات
واإلدمان عليها .إذ ال يختلف اثنان في أن األسرة هي الخلية األولى التي ينمو فيها الطفل ويكتسب أنماط السلوك التي
تؤهله للتكيف مع املجتمع ،حيث يتعلم منها عادات وتقاليد وقيم املجتمع ومنها يتعلم الحالل والحرام ،املستحب
واملستهجن ،وعن طريقها يعرف الفضيلة والرذيلة والسلوكات الحسنة والقبيحة.
تقوم األسرة بدور رئيس ي في عملية التطبيع االجتماعي للشباب ،فهي الجماعة التي يرتبط فيها بأوثق العالقات
باعتبارها املؤسسة األولى املسؤولة على عملية التنشئة االجتماعية ،فالفرد يقض ي في األسرة وقتا أكثر مما يقضيه في
املدرسة ومع أقرانه أو في العمل ،لذلك فالخلفية األسرية التي يهيئها الوالدان لها تأثير بالغ على نمو شخصية الشاب
وتوازنها ،وتكوين منظومة املبادئ والقيم االجتماعية والدينية والثقافية التي تجعل سلوك الفرد سلوكا سويا متوازنا،
ومتكيفا مع نظام املجتمع .لذا فانه ال يمكن ألي جماعة أن تحل محل األسرة في إعداد أفراد صالحين أسوياء .فإذا
استمرت األسرة في تربية أبنائها تربية اجتماعية سليمة فقد يساعد ذلك على الحيلولة بين أفرادها وبين أنماط
السلوك االنحرافي ،وإن أخفقت في طريقة تربيته لتحقيق أهدافها فقد تكون النتيجة فتح البوابة الرئيسية النحرافهم
نحو طرق السوء والضياع التي تقودهم إلى سبل االنحراف الكثيرة والتي منها تعاطي املخدرات ومن بين تلك العوامل
ما يلي:
-تفكك األسرة وانحالل الروابط العائلية في حاالت كثيرة مثل وفاة أحد الوالدين أو كليهما أو عمل األم
لفترات طويلة خارج املنزل ،وغياب األب عن البيت لفترات متواصلة ،وزواج األب بأكثر من واحدة ،مع قسوة زوجة
األب ،وعدم االست قرار العاطفي ،وفقدان االحترام املتبادل بين أفراد األسرة كل هذا يؤدي إلى تراجع الرقابة األسرية،
وتنعكس نتائجه على األبناء مما يؤدي إلى التشرد واللجوء إلى السرقة وتعاطي املخدرات ،وتدل معظم الدراسات على
أن الطالق من العوامل املسببة للتصدع األسري وانحراف األبناء
-جهل الوالدين بأساليب التربية وعدم القدرة على النصح والتوجيه لألبناء ،أو اإلهمال والنبذ أو الحماية
الزائدة والتدليل املفرط واالعتماد الدائم على الوالدين ،وعدم االعتدال في التعامل مع األبناء بين القسوة واللين،
17
جميعها تولد عند بعض األوالد شخصية عدوانية تسلطية تعجز عن التفاعل مع املجتمع.
-املشاكل األسرية :فانعدام الضبط االجتماعي داخل األسرة يشكل احتمالية للوقوع في تعاطي املخدرات،
كما أن املشاكل األسرية التي تخلق جوا أسريا مضطربا ومنفرا يدفع إلى التهرب من املنزل ،ويتيح فرص لتعاطي
18
املخدرات ومن ثم إدمانها لنسيان تلك املشاكل والهروب منها.
العالقات السيئة بين الوالدين واألبناء ،وما ينتج عنها من خالفات ومشاجرات مستمرة تؤدي إلى سوء -
تكيف الصغار وكثير من أشكال السلوك الخاطئ للكبار ،وذلك يدفع األبناء إلى االنحراف واإلدمان.
-سفر أولياء األمور أو اآلباء للخارج ،أو عدم تواجدهم ا في محل إقامة واحدة ،يعتبر من أكثر العوامل التي
19
تدفع باألبناء إلى اإلدمان.
ص 73 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
-إدمان أحد الوالدين للمخدرات أو املسكرات يؤثر تأثيرا مباشرا على الروابط األسرية نتيجة ما تعانيه
األسرة من الشقاق والخالفات الدائمة لسوء العالقات بين املدمن وبقية أفراد أسرته مما يدفع األبناء إلى االنحراف
20
والضياع.
-تأثير الحي السكني:
إذ إن طبيعة املنطقة واملجتمع الذي يوجد فيها لها تأثير كبير خاصة إذا ما كانت املنطقة موبؤة ويكثر مثل هذا
في املناطق الهامشية أو الفقيرة أو املناطق العشوائية نتيجة ملا تعانيه من أمراض ححية ونفسية واجتماعية وأزمات
21
اقتصادية .ففي مثل هذه املجتمعات يصبح التعاطي واإلدمان أمرا معتادا دون أي حياء أو خوف.
-جماعة الرفاق:
تلعب جماعات الرفاق واألصدقاء دورا مهما في عملية تعاطي املخدرات ،وتبرز تلك األهمية إذا علمنا أن
املوقف االجتماعي الذي غالبا ما يحيط بأول مرة ملمارسة التعاطي قد اتصف بأنه عادة ما يكون جلسة أححاب،
فعضوية الفرد في الجماعة تتيح له فرصة محاولة تجربة املخدر فضال عن وجود متعاطين آخرين بالفعل داخل
الجماعة يشجعونه ،وأحيانا ما يدفعونه إلى التعاطي ،ويصبح التعاطي في حد ذاته مفتاح االستمرار في عضوية تلك
22
لجماعة.
4-5عوامل خاصة باملادة املتعاطاة:
توفر املخدر وسهولة الحصول عليه :مما يجعل سعره في متناول الكثيرين فتتسع بالتالي الفرصة للتعاطي
واإلدمان.
طريقة التعاطي مثل تعاطي املخدرات بالفم أو الشم فانه يسهل اإلدمان عليها ،بينما يقلل استخدامها بطريقة
الحقن من فرص اإلدمان يضاف إلى ذلك مرات التعاطي ،فالتعاطي املستمر واليومي يزيد من فرص اإلدمان
بخالف االستخدام املؤقت والذي يحدث في املناسبات كاألعياد واألفراح وغيرها فانه يقلل من فرص اإلدمان.
نظرة املجتمع للمادة املخدرة ،كأن ينظر إليها بش يء من التسامح لسبب غير ححيح مثل الظن بأن اإلسالم
حرم الخمر ولم يحرم املخدرات ألنه لم يرد لها ذكر في القران وال في السنة ،وهو ظن خاطئ.
الخواص الكيميائية والبيولوجية للمخدر ،فقد ثبت علميا أن لكل مخدر خواصه وتأثيراته املختلفة على
اإلنسان ،كذلك ثبت أن أي شخص بعد أن يستخدم أنواعا مختلفة من املخدرات فانه ال يلبث أن يفضل
"صنفا" منها ويدمن عليه ،وذلك لوجود نوع من التوافق بين هذا املخدر وتأثيراته من جهة وشخصية هذا
اإلنسان من جهة أخرى ،لدرجة أنه قيل إن الشخص يبحث عن املخدر الذي يناسب شخصيته ،وهو ما يقول
عنه العوام "املزاج"
فالشخص املصاب باالكتئاب يستخدم مخدرات تسبب له اإلحساس بالرضا والسرور والتعالي ،في حين أن
الشخص الذي يعاني من التفكك الداخلي في الذات واضطراب في العالقات باآلخرين أو في الوجدان واملشاعر وهو ما
23
يعرف بـ ـ "الشخصية الفصامية" يفضل املخدرات التي تساعده على إعادة االنتظام واإلحساس بالواقع.
نستخلص مما تم ذكره أن املخدرات ظاهرة مرضية اجتماعية تتداخل فيها مجموعة من العوامل ،فمنها ما
يتعلق بالعوامل النفسية التي ترجع لشخصية املدمن منها القلق واالكتئاب وحب االستطالع وامللل وضعف الوازع
ص 74 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
الديني ...الخ ،ومنها كذلك ما يتعلق بالعوامل االجتماعية وبالتحديد العوامل األسرية كالشجارات والخالفات العائلية،
جهل الوالدين بأساليب التربية الصحيحة والقدوة السيئة للوالدين نحو أبنائهم...كذلك العوامل االقتصادية سواء
متعلقة باألسرة أو املجتمع كلها عوامل تسهم بشكل كبير في تفاقم من حجم هذه الظاهرة.
-6النظريات املفسرة لسلوك اإلدمان على املخدرات
لإلدمان أسباب تتمثل في دوافعه املتعددة واملتباينة ،وملا كانت لإلدمان أبعاده البيولوجية والسيكولوجية
واالجتماعية والبيئية فقد جاءت الكثير من النظريات العلمية املفسرة لهذه الظاهرة وموضحة ملسبباتها ،وفقا لكل
جانب علمي ومعرفي من جوانبها املتعددة ،وفيما يلي سنعرض مجموعة من املداخل النظرية لتفسير إدمان املخدرات
والتي هي كالتالي:
-1-6النظرية الوراثية:
تفسر هذه النظرية فكرة اإلدمان على أساس وراثي ،أي أن خاصية اإلدمان تنتقل من اآلباء إلى األبناء كما هو
الحال بالنسبة للصفات الوراثية األخرى.
وقد استمدت أدلتها انطالقا من دراسة الحيوانات في املختبر ،ودراسة التاريخ العائلي ودراسة التوائم ،ودراسة
التبني ،ودراسة السمات السلوكية والنفس عصبية ،وتؤكد هذه النظرية أنه تم التمكن من مالحظة أن الفئران التي
تعلم آباؤها إدمان املخدرات ،كانت تدمن أيضا هذه املواد دون تدريب ،وهو ما أوضحته دراسة (ولكر ،)Walkerكما
أكد نفس الباحث أن نسبة حدوث اإلدمان ألبناء من آباء يتعاطون املخدرات تتراوح بين ( 13و )17أمثال نسبة
حدوث ذلك من أبناء آباء ال يتعاطون املخدرات
وهذا يعني أن امليول االدمانية تظهر عند األفراد من نفس العائلة ،وقد أوضحت هيئة األمم املتحدة في دراسة
على األطفال واملخدرات ،أن آالف األطفال في العالم يولدون مدمنين على الهيروين بسبب إدمان أمهاتهم على هذا
24
املخدر ،فيكون أول ش يء يعرفونه في العالم هو األلم الحاد بسبب االنقطاع عن تعاطيه.
وأخيرا يمكننا القول بأن أححاب هذه النظرية يرجعون سلوك التعاطي إلى دور املوروثات التي حملها
املتعاطي من الوالدين أو من األسرة املدمنة والدور الذي يمكن أن تلعبه في التأثير أو خلق االستعداد للتعاطي
واإلدمان على املواد املخدرة
-2-6نظرية التحليل النفس ي:
أجمع أنصار نظرية التحليل النفس ي على عدم وجود شخصية إدمانية موحدة ،حيث يرى بارجوري ( Bergeret,
،)1981والفنستاين ( )Olivenstie ،1991أن مشكل اإلدمان يخص كل البنيات النفسية الذهانية والعصابية
والحاالت الحدية.
ولذا تفسر ظاهرة إدمان املخدرات في ضوء االضطرابات التي تعتري املدمن في طفولته األولى ،ومن هنا فان
ظاهرة اإلدمان ترجع في أساسها إلى اضطراب العالقات الحبية بين املدمن ووالديه ،اضطرابات يتضمن ثنائية
العاطفة أي الحب والكراهية للوالد في نفس الوقت ،هذه العالقة املزدوجة تنقل للمخدر الذي يصبح رمزا ملوضوع
الحب األصلي.
عالوة على ذلك فإن املدمن يقبل على املخدر بحثا عن التوازن بينه وبين واقعه ،فالعقار هنا وسيلة عالج ذاتي
يلجأ إليها الشخص إلشباع حاجات طفلية ال شعورية ،فنمو املدمن النفس ي الجنس ي مضطرب لتثبيت الطاقة
ص 75 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
الغريزية في الفم ،وعندما يكبر تظهر على شخصيته صفات التثبيت منها :السلبية واالتكالية ،عدم القدرة على تحمل
التوتر النفس ي واإلحباط.
فاإلدمان حسب هذه النظرية يعتبر نكوصا إلى املرحلة الفمية ،واملدمن هو فرد يلجأ للمخدر بسبب صعوبة
مواجهة الصراعات التي تعبر عن الشعور بفقدان املوضوع ،فالتنظيم العقلي للمدمن يشير إلى نرجسيته الهشة والى
25
التقدير املنخفض للذات ،فنجد بارجوري يشير إلى أن معظم املدمنين ينتمون إلى شخصية ذات طبيعة اكتئابية.
ويمكن تلخيص تفسير مدرسة التحليل النفس ي لإلدمان في النقاط التالية:
-تعبير وظيفي لذات عليا ناقصة؛
-تعويض عن إشباع شديد نتج عن حرمان من إشباع بعض الحاجات األساسية؛
-سلوك شخص ي يشكل عصابا؛
-سلوك يعبر عن فقد املعايير االجتماعية؛
26
-التعاطي للمخدرات مظهرا من مظاهر االضطراب والسلوك الشاذ.
وخالصة القول إن أغلبية أححاب هذه النظرية يرجعون سلوك تعاطي املخدرات واإلدمان عليها إلى الصراعات
النفسية التي تعود أساسا إلى:
الحاجة إلى اإلشباع الجنس ي النرجس ي في املرحلة الفمية
الحاجة إلى الشعور باألمن والراحة النفسية
الحاجة إلى تقدير الذات.
-3-6النظرية السلوكية:
يعتمد التفسير السلوكي لظاهرة اإلدمان على نظرتي التعلم وخفض التوتر ،فحسب هذا التفسير فان سلوك
اإلدمان أو التعاطي هو سلوك متعلم ومكتسب عن طريق االستمرار واملداومة على أخذ الجرعات والكميات من املادة
املخدرة ،ومن ثم فان املداومة على فعل أي ش يء يؤدي إلى تعلم هذه الفعل.
يرى أححاب نظرية التعلم أن املدمن يلجأ إلى الشراب أو التعاطي للشعور بالسكينة والهدوء ،مما يدفعه إلى
التكرار في ذلك في مرات مقبلة ليحصل على نفس الشعور فحسب نظرية التعلم فان سلوك التعاطي يكون عن طريق
التكرار فتلك الرغبة القاهرة في الحصول على املخدر لتخفيف اآلثار املزعجة تجعل املدمن يكرر تناول املادة التي
اعتاد عليها وبالتالي يصبح هذا السلوك معتاد ومألوف أي متعلم.
أما نظرية خفض التوتر فتجعل كل السلوكات واألفعال التي نقوم بها تهدف إلى تحقيق هدف واحد ومحدد هو
خفض التوتر الذي نشعر به ،حيث تعتبر كل السلوكات جهدا يهدف إلى خفض التوتر ،ومثال عن ذلك املدمن الذي
يسعى وراء الحصول على املخدر ،فسلوكه هذا يهدف إلى الحصول على املتعة واالنشراح وتجنب القلق والتوتر
27
الناجمين عن انسحاب املخدر.
وخالصة النظرية السلوكية ترى أن تعاطي الشخص للمخدرات هو في األساس سلوك متعلم تعلمه الفرد من
البيئة التي يعيش فيها ،وكذلك تعزى هذه النظرية سلوك التعاطي إلى الحالة النفسية وما يشعر به املدمن من توتر
وقلق واكتئاب تولد له الحاجة للتعاطي وبالتالي تعزز لديه سلوك التعاطي وتكون بمثابة املثير الشرطي الشتهاء تعاطي
املخدرات.
ص 76 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
-4-6نظرية التعلم االجتماعي:
تذهب نظرية التعلم االجتماعي إلى أن الجماعات املرجعية لها دور كبير في بلورة السلوك االجتماعي ،إذ تؤكد
النظرية على أن سلوكيات اإلنسان هي سلوكيات متعلمة من اآلخرين ،عن طريق املحاكاة واالختالط ،فالطفل يتعلم
كيف يأكل وكيف ينام بواسطة الجماعة املرجعية (األسرة) ،فالسلوك اإلنساني سلوك غير موروث وإنما يكتسبه
اإلنسان عن طريق التعلم وبواسطة التفاعل والتواصل مع أشخاص آخرين ،وقد تكون الجماعة املرجعية تنتهج
سلوكا ايجابيا وهذا محفز إلى أن تكون سلوكيات أفراد الجماعة سلوكيات ايجابية ،وقد تكون الجماعة املرجعية
تنتهج سلوكا سلبيا وهذا محفز الى أن تكون سلوكيات األفراد سلبية ،ويؤكد أححاب هذه النظرية على مفهوم التقليد
حيث يختار الفرد لنفسه مثال يحذو حذوه ،كما يؤكدون على ظاهرة االندماج التي تعني ضرورة اندماج الشخص مع
الجماعة وعلى ذلك تفسر نظرية التعلم االجتماعي تعاطي املخدرات واإلدمان عليها ،بأنه سلوك متعلم ،ناتج عن
مخالطة املتعاطي للجماعة املرجعية (املتعاطين) بحيث يستمر الفرد في التعاطي ليشعر باالنتماء إلى الجماعة كما أن
28
الجماعة تدعم هذا السلوك.
وأخيرا نستنتج أن نظرية التعلم االجتماعي أكدت على أن سلوك التعاطي ماهو اال سلوك متعلم من الجماعة
املرجعية( األسرة ،األقران ،األصدقاء )..عن طريق املالحظة والتقليد واملحاكاة ،فإذا كانت الجماعة تمارس سلوكات
سلبية ( سلوك التعاطي) فإنها حتما ستؤثر على الفرد بانصياعه نحو ممارسة مثل هذه السلوكات والعكس ححيح
-5-6النظرية املعرفية:
تؤكد النظرية املعرفية على أن الناس ال يقعون فجأة وبشكل ال يقبل التفسير ضحايا إلدمان املخدرات ،حيث
أنهم يتطورون بشكل نشط في استخدامهم للمخدر ،وتلعب اتجاهاتهم ومعتقداتهم ونواياهم وتوقعاتهم دورا مهما في
هذا التورط مع املخدر،
ويؤكد أححاب هذه النظرية على دور التوقعات االيجابية من تعاطي املخدر على استمرار التعاطي وزيادة
الجرعة منه ،أيضا املعتقدات غير الواقعية تلعب دورا كبيرا في حدوث اإلدمان ،حيث يعتقد البعض أن املخدرات
تزيد من القدرة الجنسية ،وأنها تجعل الفرد يستطيع التعبير عن مشاعره بصورة أفضل.
أيضا إحكام السيطرة على التوتر والحزن واملشاعر املؤملة التي تعتري الفرد وتوفير مشاعر الراحة...الخ من
املعتقدات غير املنطقية التي تعتري ذهن الفرد والتي تؤدي به إلى استخدام املواد املخدرة ومن ثمة الوقوع في
اإلدمان ،وكذلك فاإلدمان هو ناتج عن الطريقة التي يفسر بها الفرد املواقف الحياتية التي يمر بها ،واألفكار التي تراود
األفراد بشأن هذه املواقف ،هذه األفكار التي تؤدي باألفراد إلى الشعور باأللم والكدر والحزن والقلق فتجدهم
29
يلجؤون إلى املخدرات كحل للحصول على الراحة والتخلص من كل تلك املشاعر املؤملة.
وأخيرا يتضح لنا من خالل هذه النظرية أن سلوك التعاطي يتولد من خالل معتقدات واألفكار الغير عقالنية
للمتعاطي التي كونها ويحملها عن املواد املخدرة ،فعلى حسب اعتقاده أن املخدرات هي مواد تشعر الفرد بالراحة
وتمكنه من التحرر من جميع مشاكله.
-7-6النظرية االجتماعية:
لقد أولى علم االجتماع اهتماما كبيرا بظاهرة اإلدمان وأعطاها تفسيرا نظريا يعتبرها سلوكا انحرافيا يتخذه
الفرد تعبيرا عن رفض االمتثالية واملسايرة للمعايير والقيم السائدة في املجتمع
ص 77 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
فسلوك التعاطي هو سلوك سلبي يظهره الفرد نتيجة مشاعر االغتراب والتباعد القوي عن املجتمع ،ورفض
كل ثقافة فرعية أخرى ،ألنه تبنى ثقافة التعاطي كثقافة فرعية خاصة به ،وأكثر من ذلك دخلت ضمن أهداف الفرد
الذاتية ،ويرجع بذلك انتشار ظاهرة إدمان املخدرات في كل املجتمعات إلى التغير في تركيب األسرة ووظيفتها ،والى
ضعف القيم الروحية ،واالتجاه نحو املادية املطلقة التي تجعل اإلنسان عموما و املراهق خصوصا يشعر بعدم
االطمئنان والثقة في املجتمع الذي ينتمي إليه ،فيتمرد عليه بتكوين جماعات فرعية خاصة به ،من سماتها تعاطي
املخدرات ،وهذا يشعره أنه فرد فعال له قيمته االجتماعية ،لكن تحركاته في حقيقة األمر ما هي إال سلوكات انحرافية
وخطيرة على حياته.
وال يقتصر تفسير علم االجتماع لظاهرة التعاطي على الثقافة واملعايير االجتماعية والقيم ،ومشاعر االغتراب،
بل يتعدى ذلك إلى إعطاء أهمية لحالة الضغط التي يعانيها الشباب ،واملترتبة عن الوضع االقتصادي األسري املتردي،
والبطالة واملشكالت األسرية والتعرض املستمر لإلحاطات.
كما تعطي هذه النظرية دورا بارزا وعالقة وطيدة للضبط االجتماعي بظاهرة اإلدمان على املخدرات وسواه من
الظواهر االنحرافية األخرى ،ويقصد بالضبط االجتماعي جميع القوانين الرسمية مثل القوانين التي تحكم االقتصاد
30
واألسرة وغيرها ،وحتى القوانين غير الرسمية التي يضعها األب ،سيد العشيرة ...إلخ .
ومما جاءت به هذه النظرية يتبين لنا أن لألسرة والبيئة الثقافية والعوامل االجتماعية دورا كبيرا وبارزا في
تفسير اإلدمان ،وأن ثمة ضغوط وظروف اجتماعية( جماعة الرفاق ،الفقر ،البطالة ،التهميش...الخ) تدفع بالفرد إلى
التعاطي واالنحراف ،وبشكل عام إلى اإلدمان
-7الخاتمة:
أكدت )2007(Nora D. Volkow, M.D.بأن معظم علماء القرون املاضية درسوا تعاطي املخدرات في ظل
األساطير واملفاهيم الخاطئة .كما أن العديد من العلماء الذين حاولوا دراسة السلوك أإلدماني في ،1930توصلوا إلى
أن مدمن املخدرات يفتقر إلى األخالق وقوة اإلرادة .لتترجم هذه اآلراء كاستجابات ضمن املجتمع ضد تعاطي
ً ً
املخدرات ،بل وعاملته كإخفاق أخالقي بدال من مشكلة ححية ،مما أدى إلى التركيز على العقوبة بدال من الوقاية
31
والعالج.
غير أنه اليوم بفضل العلم والنظريات املفسرة لظاهرة اإلدمان اختلفت نظرة املجتمع إلى اإلدمان واملدنين،
حيث أكدت الدراسة بأن اإلدمان اضطراب ينتج بناء للعديد من العوامل من أهمها العوامل الوراثية والنفسية
واالجتماعية وضعف الوازع الديني ...ما دفع العديد من املتخصصين ملحاولة الكشف وتفسير هذه الظاهرة لتعميق
فهمها بهدف محاولة مساعدة هذه الفئة ،حيث ركزت كل نظرية على بعد معين .ولقد خلصت الدراسة بأن االدمان
على املخدرات ظاهرة معقدة قد ترجع لعدة أسباب نذكر منها:
-ترجع النظرية الوراثية االدمان على املخدرات الى الجينات الوراثية لألسرة والتي تنتقل الى االبناء ،حيث تؤكد
بأن خاصية اإلدمان تنتقل من اآلباء إلى األبناء كما هو الحال بالنسبة للصفات الوراثية األخرى.
-ترجع النظرية النفسية االدمان على املخدرات الى سمات الشخصية التي يكتسبها املدمن في الطفولة ،فهي
مشكل يخص كل البنيات النفسية الذهانية والعصابية والحاالت الحدية .وقد تظهر وتتطور الى ادمان
نتيجة لشخصية املدمن التي قد تكون سيكوباتية أو معادية للمجتمع ،كما قد تقع الشخصيات التي تتصف
ص 78 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
بالخجل والعزلة والهرب من الناس ،واالكتئاب ،والقلق ،واالغتراب ،والنرجسية ،واملريضة جنسيا ،والتي
تعاني ضعف الوازع الديني ،باالضافة الى املحبة االثارة أو التقليد فريسة لالدمان.
-ترجع النظرية االجتماعية االدمان على املخدرات بأنه سلوك انحرافي يتخذه الفرد تعبيرا عن رفض االمتثاله
للمعايير والقيم السائدة باملجتمع ،وقد تنتج هذه الظاهرة نتيجة لعوامل كثيرة تحيط بالفرد أهمها تفكك
ومشاكل االسرة وانحالل الروابط وجهل الوالدين بأساليب التربية ،وتأثير الحي أو الرفاق
ترجع النظرية السلوكية ظاهرة اإلدمان إلى نظرية التعلم وخفض التوتر ،فحسب هذا التفسير فان سلوك -
اإلدمان أو التعاطي هو سلوك متعلم ومكتسب عن طريق االستمرار واملداومة على أخذ الجرعات والكميات
من املادة املخدرة.
-ترجع النظرية املعرفية االدمان على املخدرات النظرية إلى املعتقدات غير املنطقية التي تعتري ذهن الفرد
والتي تؤدي به إلى استخدام املواد املخدرة ومن ثمة الوقوع في اإلدمان .كالشعور بالحزن والخوف والتوتر.
وبناء على املعطيات السابقة فإن فهم هذه ظاهرة من شأنه أن يساهم في تصميم برامج عالجية قائمة على
أسس علمية بعيدا عن األحكام الشخصية واالجتماعية .
الهوامش:
12املشرف ،عبد اإلله بن عبد هللا .والجوادي ،رياض بن علي .)2011( .املخدرات واملؤثرات العقلية (ط .)1الرياض :جامعة نايف
العربية للعلوم األمنية.ص92
ص 79 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف
العدد السادس جويلية ( / )2021ص80-67 مجلة التميز الفكري للعلوم االجتماعية واإلنسانية
ظاهرة اإلدمان على املخدرات :بين الدوافع واألطر النظرية املفسرة لها
13حسين ،أحمد شحاتة .)2006( .التدخين واإلدمان واعاقة التنمية (ط .)1القاهرة :مكتبة دار املعرفة.ص102
14البداينية ،ذياب موس ى .)2012( .الشباب واالنترنيت واملخدرات (ط .)1مركز الدراسات والبحوث ،جامعة نايف العربية للعلوم
األمنية ،اململكة العربية السعودية.ص 24
(.15نويبات ،قدور .الرمجع السابق.ص )75- 73
16الحراشة ،حسن .الجزاري ،بالل جالل علي .)2002( .إدمان املخدرات والكحوليات وأساليب العالج .األردن :دار حامد للنشر
والتوزيع.ص36
17جحيش ،لطيفة .)2012( .الخصائص االجتماعية والديمغرافية ملتعاطيات املخدرات في املجتمع الجزائري .مذكرة ماجستير في علم
االجتماع ،جامعة باجي مختار ،عنابة.ص34
18البريثن ،عبد العزيز بن عبد هللا .)2002( .الخدمة االجتماعية في مجال إدمان املخدرات (ط .)1الرياض :أكاديمية نايف العربية
للعلوم األمنية.ص100-99
.19غباري ،محمد سالمة .)2002( .اإلدمان :أسبابه ،نتائجه ،وعالجه (ط .)2اإلسكندرية :املكتب الجامعي الحديث.ص 55-54
20ناسو ،صالح سعيد( .د.ت) .دور املرشد النفس ي في املؤسسات التعليمية لوقاية الشباب من آفة املخدرات .مجلة البحوث النفسية
والتربوية .العدد السادس والعشرون.ص272
21حاج أحمد ،أم العز يوسف املبارك.املرجع السابق.ص54
22الجوهري ،محمد محمود .السمري ،عدلي محمود .)2011( .املشكالت االجتماعية (ط .)1األردن :دار املسيرة للنشر والتوزيع
والطباعة..ص373
.23املشرف ،عبد اإلله بن عبد هللا .والجوادي ،رياض بن علي .املرجع السابق.ص 87-85
(.24نويبات،قدور .املرجع السابق.ص )66
25صادقي ،فاطمة( .جوان .)2004اآلثار النفسية لإلدمان على املخدرات .دراسات نفسية وتربوية مخبر تطوير املمارسات النفسية
والتربوية ،عدد .12ص194-194
26املشرف ،عبد اإلله بن عبد هللا .والجوادي ،رياض بن علي .املرجع السابق.ص86
27سليماني ،فتيحة .)2012( .اإلدمان على املخدرات وأثر على الوسط األسري .مذكرة مقدمة لنيل شهادة املاجستير في علم النفس،
جامعة وهران .ص41
28ابريعم ،سامية.املرجع السابق.ص 111
29املرجع نفسه.ص111
(30نويبات ،قدور .املرجع السابق.ص)71 -70
31
Nora D. Volkow, M.D(n.d). Drugs, Brains, and Behavior The Science of Addiction. .(25/09/2020).from :
https://www.drugabuse.gov/sites/default/files/soa_2014.pdf
ص 80 تصدر عن كلية العلوم االجتماعية واإلنسانية جامعة الشاذلي بن جديد الطارف