Professional Documents
Culture Documents
إن الحقيق ة ال تي تجمع عليه ا الدراس ات االجتماعي ة التي أج ريت ح ول تفس ير ظ اهرة تع اطي المخ درات ،
هي أن مشكلة تعاطي المخدرات تمثل مشكلة متعددة األبعاد والمتغيرات ،فال توجد نظرية واحدة أو عامل
واحد أو متغير بعينه ،يمكن في ضوئه تفسير أسباب تعاطي المخدرات ،حيث تتعدد العوامل ،وتتباين
أهميتها من مجتمع آلخر ،ومن فرد آلخر ،ومع ذلك يمكن تحديد مجموعة من النظريات تتعلق بأسباب
حدوث تعاطي المخدرات ،ويمكن عرضها كما يلي :
النظرية السلوكية:
تشير العديد من الدراسات المتنوعة حول ظاهرة التعاطي على أن العديد من المتعاطين للمخدرات كانوا
يعيشون غربة وانعزالية ،ويعتقد أن األسباب المؤدية إلى التعاطي واإلدمان هي أسباب مركبة ،وغالبا ما
تكون ذات صلة متبادلة مع عوامل أخرى)MacGrath and Scarpitti, 1970, p2( .
فوفق ا للنظري ة الس لوكية هن اك عوام ل متع دد خارجي ة وداخلي ة ت دفع الف رد لالقب ال على تع اطي المخ درات
منه ا :األم اكن ال تي تث ير رغب ة الش رب ،المناس بات ال تي تلعب دور عوام ل إش راطية ،الظ روف العائلي ة
والمهنية المرتبطة بالتعاطي ،العوامل االنفعالية كالقلق والضغط والعوامل المعرفية كإنخفاض تقدير ال ذات،
فكلها مميزات قد تدفع الفرد لتعاطي المخدرات بغرض البحث عن اإلثارة أو خفض التوتر والضج ـ وقد
أوضح أصحاب هذا االتجاه أسباب سلوك تعاطي المخدرات كما يلي:
-نظرية التعلم :إن التدعيم االيجابي لقادر على أن يخلق عادة قوية هي عادة إشتهاء أي عقار ،لكننا نجد
بالنسبة للمهدئات مع ذلك عامال قويا آخر هو الخوف الفعلي من االمتناع عدة مرات ،نشأ عنه نمط من
استجابة التجنب الشرطية ،فإذا أضفنا ما كان يحدثه العقار ألول األمر من آثار لتدعيم ذلك وجدنا أنه قد
نشأ لدينا عادة إنعماس العقار بوصفها نمطا سلوكيا يستعصي تغييره(.شيلون كاشدان ،بس ،ص .)82
التعلم عن طري ق اإلش راط الكالس يكي :تنطب ق ميكانيزم ات االش راط الكالس يكي في تفس ير األع راض -1
الشائعة لإلدمان مثل إشتهاء المخدر والتحمل ،وقد تم تفسير هذه العملية من خالل نموذجين هما:
1
نم وذج اس تجابة االش راط بالتعويض ي :وض عه س يجل ) )Seigle 1987حيث ي رى أن المث يرات ●
البيئي ة المرتبط ة بتع اطي المخ درات تق ترن بآث ار المخ در في الجس م ،النتج اج اس تجابة ش رطية
مناقض ة أو مخالف ة لت أثير العق ار ،وه ذه االس تجابة التعويض ية ص ممت لخفض الت وازن الحي وي
للجسم ،حيث تزداد استجابة التوازن الحيوي االشراطي مع استمرار تعاطي العقار.
نموذج دافعية االشتهاء اإلشراطي للمخدر :وضعه ستيوارت وآخرون ()Stewart et all, 1984 ●
طبق ا له ذا النم وذج ف إن المث يرات الش رطية المرتبط ة لألث ار العزيزي ة الموجب ة للعق ار مث ل رائح ة
العقار ،أو األضواء التي تزين المكان الذي يتم فيها التعاطي للخمر أو الحقن للهروين ،يمكن أن
تصبح قادرة على استدعاء حالة الدافعية بنفس الدرجة التي يحدثها العقار ذاته ،وهذه الحالة تدفع
بقوة إلى البحث عن العقار وساتخدامه.
التعلم عن طري ق االش راط اإلج رائي :يهتم االش راط اإلج رائي باآلث ار ال تي تعقب الس لوك ،والفاص ل -2
الزم ني ال ذي يفص ل الس لوك وآث اره ،فمن المع روف أن تع اطي الكث ير من الم واد المخ درة يرتب ط
بالشعور بالنشوة والراحة بعد التعاطي بفترة قصيرة ،وال تأتي النتائج السلبية والضارة إال بعد فترة
طويل ة أو بعد االمتن اع عن المخدرة ،وهو م ا يدفع المدمن إلى االستمرار في التع اطي أو العودة بعد
االقالع.
كم ا ي رى إليس وآخ ر ( )Ellis( )1988إلى أن الديناميكي ة المعرفي ة األولي ة ال تي ت ؤدي إلى اإلدم ان
وتبقى على اس تمرار "التحم ل المنخفض لإلحب اط" تض اف إليه ا ثالث نم اذج نظري ة أخ رى تع زز الس لوك
اإلدماني وتقيه وهي االنسمام كنموذج للتعامل مع المواقف الصعبة ،االنسمام الكحولي يعادل فقدان قيمة
الذات وأخيرا نموذج الحاجة إلى االثارة.
كما يرى عالم النفس األمريكي مؤسس نظرية العالج العقالني االنفعالي السلوكي آلبرت إليس التي ترى
(هذه النظرية) بأن كثيرا من االستجابات السلوكية والوجدانية واالضطرابات النفسية تعتمد على معتقدات
فكرية خاطئة يبديها الفرد عن نفسه وعن العالم المحيط به ،ويميز آلبرت بين نمطين من التفكير:
2
أفكار عقالنية :وهي واعقية ومرغوبة ،تحقق لإلنسان مزيدا من التوافق والصحة النفسية. -1
أفكار ال عقالنية :وهي خيالية سلبية ،تصحبها عواقب انفعالية وأنماط سلوكية مضطربة ،وغير -2
مرغوبة كالقلق ،االكتئاب...
تنش أ ه ذه األفك ار الالعقالني ة حس ب إليس في مرحل ة الطفول ة المبك رة ،حيث يك ون الطف ل حساس ا
للمؤثرات الخارجية ،وأكثر قابلية لاليحاء ،والطفل في هذه المرحلة يعتمد على اآلخرين وخاصة الوالدين
في التخطيط واتخاذ القرارات ،وإ ذا كا بعض أفراد األسرة يميلون إلى الغضب والقلق ،ويط البون الطفل
بأه داف وطموح ات ال تص ل إليه ا ميكانيزمات ه ،فس وف يص بح الطف ل مض طرب والعقالني ،وق د يص بح
عدوانيا أو شاعرا بالذنب أو بعدم الكفاءة ،أو بالقصور الذاتي والضبط الذاتي.
ويرى إليس أن السلوك المضطرب ومن ضمنه سلوك تعاطي المخدرات وهو نمط من األفكار الالعقالنية
واالضطرابات االنفعالية.)L. Chalout, 2008(.
وعلي ه ف إن فروي د يفس ر ظ اهرة اإلدم ان على المخ درات في ض وء االض طرابات ال تي يعيش ها الم دمن في
طفولته المبكرة ،وهي ترجع في أساسها إلى اضطراب عالقة الحب بينه وبين والديه ،هذه العالقة تسقط
على المخدر الذي يصبح رمزا لموضوع الحب األصلي( ،عفاف محمد عبد المنعم ، 2003 ،ص ) 85 ،
وهو يتعاطى المخدرات ألنه يجد فيها عونا وسندا مفتقدا يساعده في الحفاظ على التوازن بينه وبين واقعه
واإلبقاء عليه عند حد أدنى من االستقرار ،وهو كذلك وسيلة عالج ذاتي يلجأ إليها المدمن إلشباع حاجات
طفلية الشعورية ،وذلك نظرا الضطراب نموه النفسي والجنسي وتثبيت الطاقة الغريزية في منطقة الفم ،
ه ذه الص فات تظه ر بط رق مختلف ة على الف رد منه ا على س بيل المث ال اإلنس ان ال ذي يعم ل على تف ادي
الشعور بالعجز والسلبية وعدم القدرة على تحمل التوتر النفسي واأللم واإلحباط التي تخدش نرجسيته ،و
3
كل ذلك ناتج عن عدم استطاعة المدمن الوصول إلى اإلشباع من خالل القنوات العادية فيلجأ إلى البحث
عن اإلشباع عن طريق تعاطي المخدرات مما يتولد لديه لهفة مستمرة لتعاطي المخدر الذي يؤدي إلى
التخفيف من الحصر أو الحصول على النشوة ( محمد علي جعفر ، 1974 ،ص .)109
فاألص ل في ظ اهرة األدم ان حس ب ه ذه المدرس ة ه و تحقي ق النش وة والس رور،عن طري ق المخ در أو
بعب ارة أخ رى التخفي ف من حال ة اإلكتئ اب ال تي يع اني منه ا الم دمن ،وليس مج رد إزال ة الت وترات
الفس يولوجية الناش ئة عن ت أثير المخ در ،فاإلتجاه ات الشخص ية لتع اطي المخ در مش حونة بش حنات انفعالي ة
شديدة ،وتفسر اإلدمان بأنه:
تعبير وظيفي لذات عليا ناقصة. ●
تعويض عن إحباط شديد ينتج عن حرمان من إشباع بعض الحاجات األساسية. ●
أما ماكليالند MC CLELLANDصاحب نظرية اإلعتمادية فيرى أن الذكورة المبالغ فيها تكون رد فعل
ض د حاج ات اإلعتمادي ة األساس ية ال ذي يش عر به ا ال ذكر ،ويف ترض أن مرحل ة م ا قب ل إدم ان الكح ول
تصاحبها رغبة أولية أو حاجة اعتمادية ،ولكن يشعر الفرد بالخجل من هذه الرغبة ،فالذكر في مرحلة
ما قبل إدمان الكحول يرغب في الرعاية األمومية واالنتباه إليه ،وفي نفس الوقت يريد أن يتحرر من ه ذه
العناية وهذا بدوره يؤدي إلى صراع اعتمادي له أصوله في خبرات الطفولة ،فالمظهر الكاذب للرجولة
ذات الثق ة في النفس يتط ور لكي يخفي الحاج ة لالعتمادي ة والتع اطي يش بع حاج ات اإلعتمادي ة بتزوي د
الشخص بمشاعر الدفء والراحة ،والقدرة المطلقة ،فأثناء الشرب يعاد موقف العناية األمومية ،ووفقا
لذلك فإن الدافع للشرب يكمن في الرغبة إلشباع الحاجة لالعتمادية وليس للشعور بالقوة ،فإدراكات القوة
هي صورة سطحية مختبئة ضمن مكافآت اإلعتمادية ،وبذلك تكون اإلعتمادية وليس البحث عن القوة هي
المبتغى الرئيسي إلدمان
(فايد ، 1994 ،ص .)181
ويعت بر روزنفيل د Rosenfieldأن المخ درات ترم ز في حقيق ة األم ر إلى موض وع ميت أو م ريض،
وبتعاطيها فالمدمن يحاول أن يخفف من شعوره بالذنب ،كما يمكن اعتبارها كمحاولة انتحارية ال ش عورية،
أما لوبفيك Loboficفيركز على العناصر االكتئابية ،والتي الحظها عند الشباب المدمن ،فيرى أن المدمن
4
على المخ درات يعيش في دائرة مفرغة ،فمن الحاجة إلى الشعور بالذنب ،ومن الشعور إلى االكتئاب إلى
الحاجة إلى المخدر.
يستخم الكثرة من المختصين واألطباء هذا المنوذج لتفهم واستيعاب أسباب المرض والتعبير عن نشأته
ومعالجته والوقاية منه ،فينظرون إلى االدمان بوصفه تركيبة بيولوجية وسيكولوجية واجتماعهي ة –ثقافية
تحم ل ه ذا المتغ ير وتتض منه .ويض م ه ذا المنظ ور وي دمج في ثناي اه جمي ع س مات وخص ائص النظري ات
البيولوجية والسيكولوجية واالجتماعية الثقافية ،ويتناغم هذا النموذج وينسجم مع النظرة الكلية للمدمن.
5
الخالصة:
يب دو أن النظري ات ال تي تعرض نا له ا من خالل ه ذه المداخل ة لعبت دورا هام ا في إعط اء تفس يرا يعكس
الممارس ات السائدة في مج ال تعاطي المخ درات ،إذ أن أص حاب ك ل نظري ة حاولوا توض يح حسب مجال
تخصصهم الجانب الذي يؤدي ببعض األفراد إلى تعاطي العقاقير المخدرة.
وخالصة القول يمكن أن نضيف بناء عما سبق ذكره إن الشخص متعاطي المخدرات هو إنسان انحرف
عن المس ار الس وي في مرحل ة م ا من مراح ل تك وين شخص يته ،فه و ش خص لم يت درب على مه ارات
مواجه ة الض غوط وح ل المش كالت ال تي تعترض ه في حيات ه باالض افة إلى فش له في التعام ل م ع انفعاالت ه
وتحم ل االحب اط بش كل مقب ول ومناس ب للوض عيات ال تي تع ترض مس ار حيات ه .فلج وء الف رد للتع اطي ينم
على فقدان الفرد للكثير من المهارات والقدرات الالزمة للتعامل مع الذات ومع اآلخرين.
6
رفعت محمد ( ،)1989إدمان المخدرات :أضرارها وعالجها(،ط ،)3دار المعرفة للنشر والطباعة، -
بيروت.
س ويف مص طفى ( ،)2000مش كلة تع اطي المخ درات بنظ رة علمي ة ،ال دار المص رية اللبناني ة ،ب يروت، -
لبنان.
قم از فري دة ( ،)2009عوام ل الخط ر والوقاي ة من تع اطي الش باب للمخ درات ،رس الة ماجس تير غ ير -
منشورة تخصص علم االجتماع التنمية ،جامعة منتوري ،قسنطينة.
ش ابرول .ه ،)2001( .اإلدم ان في س ن المراهق ة ،ترجم ة ف ؤاد ش اهين ،دار عوي دات للنش ر والتوزي ع، -
بيروت ،لبنان.
ش لدون كاش دان ،علم النفس االكل نيكي ،ترجم ة عب د العزي ز س المة ( ،)1984دار الش روق ،ط،2 -
األردن.مش اقبة محم د أحم د ( ،)2007اإلدم ان على المخ درات-االرش اد والعالج النفس ي ،دار الش روق
للنشر والتوزيع ،عمان ،األردن.
صادقي فاطمة ،)2014( ،اآلثار النفسية |إلدم ان على المخدرات ،مجلة دراسات نفسية وتربوية ،مخبر -
تطوير الممارسات النفسية والتربوية ،عدد ،12الجزائر.
عبد المنعم عفاف محمد ( ،)2007االدمان ،دار المعرفة الجامعية ،القاهرة .مصر. -
عبد المنعم عفاف محمد ( ،)2003اإلدمان :دراسة نفسية أسبابه ونتائجه ،دار المعرفة الجامعية ،مصر. -
هالل محمد ناجي (،)1999اإلدمان المخدرات :رؤية علمية اجتماعية ،دار المعارف ،القاهرة. -
McGrath and Scarpitti, F,.(1970), youth and Drugs ; Perspectives on a social problem
.Illinois ;Scott Forssmann and Company
.Rasmussen, S,. (2000), Addition Treatment: Theory and Practice, London. Sage Publication, INC
http://www.webreview.dz /IMG/pdf/revue7-art2.pdf
http://www.mag-psy.or
.Hasem Guaguenh, Albert, Ellis Friends, Wet: A Rational Oasis Prospect Magazine
7
http://www.acofps.com/vb/archive/index.php