Professional Documents
Culture Documents
يعتبر سيجموند فرويد هو صاحب نظرية التحليل النفسي وأول من أسسها في مجال الطب النفسي وكانت تعتمد
في جزء كبير منها عالى نظرته الخاصة والتي كونها من اطلعااته وقراءاته ثم من ملحظاته خاصة في فترة
عامله مع أستاذ وطبيب المراض العصبية في فرنسا داتشاركو واعاتمد كثيراا عالى بعض المفاهيم الفلسفية والتي
أثبت العلم الحديث خاصة في مجال الطب النفسي البيولوجي عادم تطابقها مع اكتشاف السباب البيولوجية وراء
.الكثير من المراض النفسية مثل مرض الفصام .ومرض الكتئاب ومرض الوسواس القهري
إن علماء النفس المحدثين ،في محاولتهم لفهم شخصية النسان والعوامل المحددة لها ،قد
عنوا بدراسة أثر كل من العوامل البيولوجية والجتماعية والثقافية في الشخصية ،وفي
دراستهم لتأثير العوامل البيولوجية على الشخصية ،قد اهتموا بدراسة أثر كل من الوراثة
والتكوين البدني ،وطبيعة تكوين الجهاز العصبي ،والجهاز الغدي وما يفرزه من هرمونات
متعددة ،وفي دراستهم لتأثير العوامل الجتماعية والثقافية على الشخصية ،فقد اهتموا
بدراسة تأثير خبرات الطفولة وخاصة فى السرة وطريقة معاملة الوالدين ،كما اهتموا
بدراسة تأثير الطبقات الجتماعية ،والثقافات الفرعية المدرسة ،المؤسسات الجتماعية
المختلفة ،وجماعات الرفاق والصدقاء.
غير أن علماء النفس المحدثين قد أغفلوا في دراستهم للشخصية تأثير الجانب الروحي من
النسان في شخصيته وسلوكه ،مما أدى إلى قصور واضح في فهمهم للنسان وفي
معرفتهم للعوامل المحددة للشخصية السوية وغير السوية ،كما أدى إلى عدم اهتذائهم
إلى مفهوم واضح دقيق للصحة النفسية .وأدى ذلك بالتالي إلى عدم اهتدائهم إلى الطريقة
المثلى في العلجا النفسي لضطرابات الشخصية.
وقد لحظ اريك فروم المحلل النفسي قصور علم النفس الحديث وعجزه عن فهم النسان
فهما صحيحا بسبب إغفاله دراسة الجانب الروحي في النسان .ويبدو ذلك واضحا من قوله:
" ...إن التقليد الذي يعد السيكولوجيا دراسة لروح النسان دراسة تهم بفضائله وسعادته-
هذا التقليد نبذ تماماا ،وأصبح علم النفس الكاديمي في محاولته لمحاكاة العلوم الطبيعية
والساليب المعملية في الوزن والحساب -أصبح هذا العلم يعالج كل شيء ما عدا الروح ،إذ
حاو ل ،هذا العلم أن يفهم مظاهر النسان التي يمكن فحصها في المعمل ،وزعم أن
الشعور ـ وأحكام القيمة ،ومعرفة لخير والشر ،ما هي إل تصورات ميتا فيزيقية تقع خارجا
مشكلت علم النفس .وكان اهتمامه ينصب في أغلب الحيان على مشكلت تافهة تتمشى
مع منهج علمي مزعوم ،وذلك بدل من أن يضع مناهج جديدة لدراسة
مشكلت النسان الهامة .وهكذا أصبح علم النفس علما يفتقر إلى موضوعه الرئيسي وهو
الروح ،وكان معنياا بالميكانيزمات ،وتكوينات ردود الفعال والغرائز ،دون أن يعنى بالظواهر
النسانية المميزة أشد التمييز للنسان :كالحب والعقل والشعور والقديم
وهذا القصور في فهم علماء النفس المحدثين للنسان قد دفع أبرا هام ماسلو أيضا إلى
اقتراح تصنيف جديد لدوافع النسان! يشمل الدوافع الروحية التي يغفلها عادة علماء النفس
المحدثون قي دراستهم لدوافع النسان .
إننا ل نستطيع أن نفهم النسان فهما واضحاا دقيقاا ،كما ل نستطيع أن نكون مفهوماا دقيقاا
وسليماا عن صحته النفسية دون أن نفهم جميع العوامل المحددة لشخصية النسان ،سواء
أكانت عوامل بيولوجية أم روحية أم اجتماعية أم ثقافية .
تكوين النسان:
يتكون النسان كما أخبرنا القرآن الكريم من جسم وروح ،وروح النسان قبسة من روح ا
سبحانه وتعالى ،تميز بها عن سائر الحيوان ،وهي التي خصته بالستعداد لمعرفة ا
واليمان به وعبادته-،،تحصيل العلوم وتسخيرها فى عمارة الرض ،والتمسك بالقيم والمثل
العليا ،وبلوغ أعلى مراتب الكمال النساني ،وهي التي تؤهله لخلفة ا سبحانه وتعالى
في الرض .
ولكل من الجسم والروح حاجات ،ويشارك النسان الحيوان في حاجاته البدنية التي يتطلبها
حفظ الذات وبقاء النوع ،وما تثيره فيه من دوافع فسيولوجية مختلفة كالجوع والظمأ والدافع
الجنسي إلى غير ذلك من الدوافع الفسيولرجية الخرى ،غير إن النسان أيضا حاجاته
الروحية التي تشمل في تشوقه الروحي إلى معرفة ا سبحانه وتعالى واليمان به
وعبادته .
وهذه الحاجة فطرية في النسان ،فالنسان يشعر في أعماق نفسه بدافع يدفعه إلى
البحث والتفكير في خالقه وخالق الكون ،وإلى عبادته واللتجاء إليه ،وطلب العون منه .ولير
بعض آيات القرآن الكريم إلى أن دافع التدين فطري في النسان .قال تعالى:
فأقم وجهك للدين حنيفاا فطرة ا التى فطر الناس عليها ل تبديل لخلق ا ذلك الدين القيم
وكن أكثر الناس ل يعلمون
ففي هذه الية الكريمة إشارة واضحة إلى أن في فطرة النسان استعداد اا لمعرفة ا
سبحانه وتعالى وتوحيده وعبادته .
وقال ا-تعالى أيضاا:
وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا
بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين "
وتبين هذه الية أن ا جل شأنه أخرجا من صلب آدم وبنيه ذريتهم نسل ا بعد نسل على هيئة
ذر ،وذلك قبل خلق الدنيا ،وأشهدهم على أنفسهم بربوبيته تعالى حتى ل يقولوا يوم القيامة
إنهم كانوا عن هذا التوحيد غافلين .
وجاء في الحديث الشريف أيضاا ما يؤكد أن دافع التدين فطري في النسان .فقد جاء في
صحيح مسلم عن عباس ابن عمار قال :قال رسول ا صلى ا عليه وسلم يقول ا :إني
خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن ديتهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم ".
وجاء في حديث رواه المام أحمد وأخرجه النسائي في سننه أن رسول ا صلى ا عليه
وسلم قال " :أل إنها ليست نسمة تولد ال ولدت على الفطرة ،فما تزال عليه حتى يبين
عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها ".
الصراع بين الجانبين المادي والروحي في النسان:
يتضمن النسان إذن في شخصيته صفات الحيوان التي تتمثل في حاجاته البدنية التي
يتوقف على إشباعها حفظ ذاته وبقاء نوعه ،كما يتضمن في شخصيته أيضاا صفات الملئكة
التي تتمثل في تشوقه الروحي إلى معرفة ا تعالى واليمان به وعبادته .وقد يحدث بين
هذين الجانبين من شخصية النسان صراع ،فتجذبه أحياناا،حاجاته البدنية ومطالب الحياة
الدنيوية الخرى ،وتجذبه أحياناا حاجاته وأشواقه الروحية ومطالب الستعداد للحياة الخرى
الباقية .ويثير القرآن الكريم إلى هذا اله مراع النفسي بين الجانبين المادي والروحي في
النسان ،وذلك في قوله تعالى:
فأما من طغى واثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى
النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى .
ويثير القرآن ،الكريم أيضا إلى الصراع بين الجانبين المادي والروحي في النسان في وصفه
لنفضاض بعض المسلمين من حول الرسول عليه الصلة والسلم حينما سمعوا بأنباء
وصول قافلة محملة بالمؤونة إلى المدينة.
" وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند ا خير من اللهو ومن التجارة
وا خير الرازقين ).(8
ويثير القرآن الكريم أيضا إلى الصراع بين الجانبين المادي والروحي في النسان في ،صفه
تعالى لخروجا قارون على قومه في زينته ،مما جعل بعض كل الناس يتمنون أن يكون لهم
مثل ما لقارون من ثروة ،فيرد عليهم البعض الخر من ذوي العلم والتقوى بأن ما عند ا خير
وأبقى .
)فخرجا على قومه في زينته قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه
لذو حظ عظيم .وقال الذين أتوا العلم ويلكم ثواب ا خير لمن آمن وعمل صالحا ول يلقاها إل
الصابرون .
وتشير آيات أخرى كثيرة إلى هذا الصراع في النسان بين الجانبين المادي والروحي .ومن
أمثلة ذلك:
9يا أيها الذين آمنوا ل تلهكم أموالكم ول أولدكم عن ذكر ا ومن يفعل ذلك فأولئك هم
الخاسرون " ).(10
" إنما أموالكم وأولدكم فتنة وا عنده أجر عظيم( ).(11
إن الصراع النفسي بين الجانبين المادي والروحي في النسان هو الصراع النفسي
الساسي الذي يعانيه النسان في هذه الحياة وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله:
" لقد خلقنا ال نسان في كبد " )(12
إن إغفال المطالب الروحية للنسان ،يجعل حياة النسان خالية من المعاني السامية التي
تجعل للحياة قيمة ،وتفقده شعوره برسالته الكبرى في الحياة كخليفة ل تعالى في
الرض ،فتضيع منه الرؤية الواضحة لهدافه الكبرى في الحياة وهي عبادة ا .والتقرب
إليه ،ومجاهدة النفس في سبيل بلوغ الكمال النساني .ويتملك النسان في هذه الحالة
الشعور بالضياع ويصبح فريسة للقلق .وقد صور القرآن الكريم حالة الصراع والقلق التي
تنتاب النسان الذي يفقد إيمانه بال سبحانه و تعالى بالحالة التي يشعر بها النسان الذي
يخر من السماء فتتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق.
" ومن يشرك بال فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق
ويصور النبي عليه الصلة والسلم الصراع بين الجانبين المادي والروحي في النسان
تصويراا واقعياا بقوله عليه الصلة والسلم ":مثلي كمثل رجل استوقد ناراا فلما أضاءت ما
حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعن فيها وجعل ،يحجزهن ويغلبنه
فيتقحمن فيها ،قال :فذلكم مثلي أو مثلكم أنا آخذ بحجزكم عن النار هلم عن النار هلم عن
النار فتغلبوني وتقحمون فيها " ،رواه مسلم.
ففي هذا الحديث الشريف تصوير بارع للصراع بين الشهوات الحسية ومغريات الحياة
الدنيوية ،وبين الوازع الديني الذي يمنع الناس من النغماس في ملذاتهم وشهواتهم.
ولعل مشيئة ا تعالى قد اقتضت أن يكون أسلوب النسان في حل هذا الصراع بين
الجانبين المادي والروحي في شخصيته هو الختبار الحقيقي الساسي الذي وضعه ا-
جل شأنه -للنسان في هذه الحياة .يقول تعالى:
" الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمل ا )14
وقال الرسول عليه الصلة والسلم في هذا المعنى" :إن الدنيا خضرة حلوة وان ا
مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فان أول فتنة بني إسرائيل
كانت في النساء " رواه مسلم .وقال عليه الصلة والسلم أيضا" :الكيس من دان نفسه
وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على ا الماني " .رواه الترمذي
وأحمد والحاكم.
فمن استطاع أن يوفق بين الجانبين المادي والروحي في شخصيته ،وأن يحقق بينهما أكبر
قدر مستطاع من التوازن ،فقد نجح في هذا الختبار ،واستحق( ن يثاب على ذلك بالسعادة
في الدنيا والخرة.
من عمل صالحاا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن
ما كانوا يعملون! ).(1
وأما من انساق وراء شهواته البدنية وأغفل مطالبه الروحية ،فقد فشل في هذا الختبار،
واستحق أن يجازى على ذلك بالشقاء في ا لدنيا والخرة:
" ومن أعرض عن ذكري فإن معيشة ضنكأ ونحشره يوم القيامة أعمى " ).(16
والعصر إن النسان لفي خسر إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا
بالصبر " ).(17
وقد كان من رحمة ا سبحانه وتعالى بالنسان ،ومن نعمه العظيمة عليه ،أن أمده بجميع
المكانات اللزمة لحل هذا الصراع ،واجتياز هذا الختبار الصعب ،بأن وهبه العقل ليميز بين
الخير والشر ،وبين الحق والباطل .كما أمده سبحانه بحرية الرادة والختيار ليستطيع أن يبت
في أمر هذا الصراع ،وأن يختار -الطريق الذي يريده لحل هذا الصراع .وأن -حرية إرادة
النسان في اختيار الطريق الذي يحل به هذا الصراع إنما يمثلن مسئوليته وحسابه ،كما
أنهما يضعان الساس )سعادته وشقائه ).(18
" وهديناه النجدين ).(19
إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ).(20
وقل الحق ،من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.(21) " ...
ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ).(22
حالت النفس الثلث
وحينما يتغلب الجانب المادي في حياة النسان ،فينساق وراء أهوائه وشهواته ،ويهمل
مطالبه الروحية ،فإنه يصبح في معيشته أشبه بالحيوان ،بل أضل سبيل لنه لم يستخدم
عقله الذي ميزه ا سبحانه وتعالى به على الحيوان" .
أر أريت من أتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيل أم تحاسب أن كثرهم يسمعون أو يعقلون
إن هم إل كالنعام
بل هم أضل سبيل " ).(23
والنسان الذي يعيش هذا النوع من المعيشة يكون غير ناضج الشخصية ،ويكون أشبه
بالطفل الذي ل يهمه إل إشباع حاجاته ورغباته ،ولم تقو إرادته بعد ،ولم يتعلم كيف يتحكم
في أهوائه وشهواته ،ويصبح خاضعاا لترجيه "نفسه المارة بالسوء !
" وما أبرئ نفسي إن النفس لمارة بالسوء إل ما رحم ربي إن ربي كفور رحيم
وحينما يبلغ النسان مرتبة أعلى من النضوجا والكمال ،يبدأ ضميره في الستيقاظ ،فيستنكر
ضعف أرادته وانقياده .
لهوائه وشهواته وملذات الحياة الدنيوية مما يوقعه في الخطيئة والمعصية ،فيشعر بالذنب،
ويلوم نفسه ويتجه إلى ا سبحانه وتعالى مستغفراا ،فإنه يصبح في هذه الحالة تحت
تأثير" النفس اللوامه ".
" ل أقسم بيوم القيامة ول أقسم بالنفس اللوامة.(35) ،
واذا أخلص النسان بعد ذلك في توبته ،وأخلص في تقربه ل تعالى بالعبادات والعمال
الصالحة ،والبتعاد عن كل ما يغضب ا ،وتحكم تحكما كامل في هوائه وشهواته وقام
بتوجيهها إلى الشباع بالطريقة التي حددها الشرع فحقق بذلك التوازن التام بين مطالبه
البدنية ومطالبه الروحية ،فإنه يصل إلى أعلى مرتبة من النضوجا والكمال النسانية ،وهي
المرتبة التي تكون فيها النفس النسانية في حالة اطمئنان وسكينة ،وينطبق عليها وصف "
النفس المطمئنة".
" يأيتها النفس ،المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي
جنتي
ويمكن أن نتصور هذه المفاهيم الثلثة للنفس ،وهي النفس المارة بالسوء ،والنفس
اللوامة ،والنفس المطمئنة على أنها حالت تتصف بها شخصية النسان في مستويات
مختلفة من النضج التي تمر بها أثناء صراعها الداخلي بين الجانبين المادي والروحي من ،
طبيعة تكوينها .فحينما تكون شخصية النسان في ادنى مستوياتها النسانية بحيث تسيطر
عليها الهواء والشهوات الملذات البدنية والدنيوية ،فإنها تكون في حالة ينطبق عليها وصف
النفس المارة بالسوء .وحينما تبلغ الشخصية أعد ،مستويات النضج والكمال النساني حيث
يحدث التوازن التام بين المطالب البدنية والروحية فإنها تصبح في الحالة التي ،ينطبق عليها
وصف النفس المطمئنة .وبين هذين المستويين مستوى آخر متوسط بينهما يحاسب فيه
النسان نفسه على ما يرتكب من أخطاء ،ويسعى جاهداا للمتناع عن ارتكاب ما يغضب ا
ويسبب به تأنيب الضمير ،ولكنه ل ينجح دائمـاا في مسعاه ،فقد يضعف أحياناا ويقع ني
الخطيئة .ويطلق إلى الشخصية في هذا المستوى النفس اللوامة ).(27
الشخصية السورة:
إن الحل المثل للصراع بين الجانبين المادي والروحي في النسان هو التوفيق بينهما ،بحيث
يقوم النسان بإشباع حاجاته البدنية في الحدود التي أباحها الشرع ،ولقوم في الوقت
نفسه بإشباع حاجاته الروحية .ومثل هذا التوفيق بين حاجات البدن وحاجات الروح يصبح
أمراا ممكناا إذا التزم النسان في حياته بالتوسط و -العتدال ،وتجنب السراف والتطرف
سواء في إشباع دوافعه البدنية أو الروحية .فليس في السلم رهبانية تقاوم إشباع الدوافع
البدنية وتعمل على كبتها ) .(38كما ليس في السلم إباحة مطلقة تعمل على الشباع
التام للدوافع البدنية دون ضبط وتحكم ،وإنما ينادي السلم بالتوفيق بين دوافع كل من البدن
والروح ،واتباع طريق وسط يحقق التوازن رين الجانبين المادي والروحي في النسان .وفي
هذا المعنى يقول القرآن الكريم:
" وابتغ في آتاك ا الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا "
يتبع السلم في تربيته للنسان منهجا تربويا هادفاا يحقق التوازن بين الجانبين الروحي
والمادي في شخصية النسان ،مما يؤدي ،الى تكوين الشخصية السرية التي تتمتع
بالصحة النفسية .ولما كان معظم الناس يميلون إلى النشغال بتحصيل السعادة العاجلة
في هذه الحياة الدنيا ،ويغفلون العمال لتحصيل السعادة الجلة في الحياة الخرة ،كان
النسان في حاجة إلى منهج تربوي خاص يتضمن أسلوبين من التربية-:
السلوب الو ل هو تقوية الجانب الروحي في النسان عن طريق اليمان بال وتقواه ،وأداء
العبادات المختلفة .
والسلوب الثاني هو السيطرة على الجانب البدني في النسان كما يتمثل ذلك في
توجيهات السلم الخاصة بالسيطرة على الدوافع والنفعالت والتحكم في أهواء النفس.
اول -أسلوب تقوية الجانب الروحي في النسان:
ا -اليمان بال :
يدعو السلم إلى اليمان بال وتوحيده وعبادته .ويؤدي اليمان بال إلى تحرر النسان من
الخوف من الشياء التي يخاف منها معظم الناس .فالمؤمن الصادق اليمان ل يخاف من
الفقر أو المرض أو مصائب الدهر أو الموت أو الناس .فهو يعلم أن رزقه بيد ا تعالى وانه لن
يصيبه ال ما هو مقدر له.
وفي السماء ،رزقكم وما توعدون " " )(3
" كل نفس ذائقة الموت.(36) " ...
)ما أصاب من مصيبة ني الرض ول في أنفسكم ال في كتاب من قبل أن نبرأها إن في ذلك
على ا يسير " ).(37
وعن ابن عباس رضي ا عنهما قال " :كنت خلف النبي rفقال :يا غلم إني أعلمك كلمات
احفظ ا يحفظك احفظ ا تجده تجاهك .إذا سألت فاسأل ا وإذا استعنت فاستعن بال
وأعلم أن المة لو أجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إل بشيء قد كتبه ا لك وإن
اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إل بشيء قد كتبه ا عليك رفعت القلم وجفت
الصحف " رواه الترمذي
التقوى:
وتصاحب اليمان الصادق بال تقوى ا .والتقوى هي أن يقي النسان نفسه من غضب ا
وعذابه بالبتعاد عن
ارتكاب المعاصي واللتزام بمنهج ا تعالى ،فيفعل ما أمره ا تعالى به ،ويبتعد عما نهاه
عنه.
ويتضمن مفهوم التقوى أن يتوخى النسان دائما في أفعاله الحق والعدل والمانة والصدق،
وأن يعامل الناس بالحسنى ،ويتجنب العدوان والظلم .ويتضمن مفهوم التقوى كذلك (،ن
يؤدي النسان كل ما يوكل إليه من أعمال على أحسن وجه ،لنه دائم التوجه إلى ا تعالى
في كل ما يقوم به من أعمال ابتغاء مرضاته وثوابه .وهذا يدفع النسان دائما إلى تحسين
ذاته ،وتنمية قدراته ومعلوماته ليؤدي عمله دائما على أحسن وجه .إن التقوى بهذا المعنى
تصبح طاقة موجهة للنسان نحو السلوك الفضل والحسن ونحو نمو الذات ورقيها ،وتجنب
السلوك السيئ والمنحرف والشاذ .فالتقوى إذن من العوامل الرئيسية في نضوجا
الشخصية وتكاملها واتزانها ،وفي بلوغ الكمال النساني ،وتحقيق السعادة والصحة
النفسية .
-3العبادات:
إن القيام بالعبادات المختلفة من صلة وصيام وزكاة وحج إنما يعمل على تربية شخصية
النسان وتزكية نفسه ،وتحليه بكثير من الخصال المفيدة التي تعينه على تحمل أعباء
الحياة ،والتي تساعد على تكوين الشخصية السوية التي تتمتع بالصحة النفسية .فالقيام
بهذه العبادات المختلفة تعلم النسان الصبر وتحمل المشاق ،ومجاهدة النفس والتحكم في
أهوائها ،وقوة الرادة وصلبة العزيمة ،وحب الناس والحسان إليهم ،وتنمي فيه روح التعاون
والتكافل ا لجتماعي.
ثانيأ -أسلوب ا )سيطرة على الجانب البدني في النسان:
ا -السيطرة على الدوافع:
يدعو السلم إلى السيطرة على الدوافع والتحكم فيها .ول يدعو السلم إلى كبت الدوافع
الفطرية ،كما أشرنا إلى ذلك من قبل ة ،و إنما يدعو إلى تنظيم إشباعها والتحكم فيها،
وتوجيهها توجيهاا سليما تراعى فيه مصلحة الفرد والجماعة .ويدعو القرآن الكريم والسنة
الشريفة إلى نوعين من التنظيم في إشباع الدوافع الفطرية.
ا
التنظيم الول هو إشباعها عن الطريق الحلل المسموح به شرعا ومن أمثلة هذأ التنظيم
إباحة إشباع الدافع الجنسي عن طريق الزواجا فقط ،وتحريم الزنا.
والتنظيم الثاني هو عدم السراف في إشباعها لما في ذلك من إضرار بالصحة البدنية
والنفسية .قال تعالى:
" يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ول تسرفوا إنه ل يحب المسرفين " )
.(39
وفي الحديث الشريف " :كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا في غير سرف ول مخيلة! " .رواه
البخاري.
ول يعنى القرآن الكريم بتوجيه النسان إلى السيطرة علي دوافعه الفسيولوجية فقط ،وانما
يعنى القرآن الكريم كذلك بتوجيهه إلى السيطرة على دوافعه النفسية أيضا .ففي كثير من
المواضع يحث القرآن الكريم على السيطرة على دافع العدوان ودافع التملك ،وأهواء النفس
وشهواتها المختلفة سواء كانت بدنية أو نفسية .وقام الرسول عليه الصلة والسلم أيضآ
بتوجيه الناس إلى التحكم في دوافعهم وشهواتهم .قال عليه الصلة والسلم " :ل يؤمن
أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما -جئت به رواه البخاري ،وقال عليه الصلة والسلم أيضا" :
حبط الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات " .ر وان مسلم.
السيطرة على النفعالت:
ويدعو القرآن الكريم الناس إلى السيطرة على انفعالتهم والتحكم فيها .وقد سبق القرآن
الكريم ل ذلك العلوم الطبية والنفسية الحديثة التي بينت أن اضطراب الحياة النفعالية
للنسان من السباب الهامة في نشوء كثير من أعراض المراض البدنية .ومن أمثلة ما جاء
في القرآن الكريم من دعوة إلى السيطرة على النفعالت نذكر اليات التالية التي تدعو إلى
السيطرة على انفعال الغضب.
" وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والرض أعدت للمتقين الذين ينفقون
في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وا يحب المحسنين
السيطرة على انفعالت الحزن والفرح والحب والكراهية وتنهى عن الزهو ،والكبرياء
والتعالي على الناس .كما نجد أيضا في الحديث الشريف دعوة إلى السيطرة على كثير من
هذه النفعالت.
توازن الشخصية والصحة النفسية
بهذين السلوبين ،أسلوب تقوية الجانب الروحي في النسان عن طريق اليمان بال
وتوحيده وعبادته ،وأسلوب السيطرة على الجانب البدني في النسان عن طر يق التحكم
في الدوافع والهواء والشهوات والنفعالت ،يستطيع النسان أن يحقق التوازن بين
الجانبين الروحي والبدني في شخصيته ،مما يؤدي إلى شعوره بالمن والطمأنينة ،ويحقق
له الصحة النفسية والسعادة في الدنيا والخرة.