Professional Documents
Culture Documents
المقدمة:
من الجدية بمكان أن نعرف دور الفكاهة في الحياة الموزونة ،ومن الهزل بمكان أن نغفلها ونحاول إقامة الحياة دونها.
النظرة الجادة -أي المحيطة -للحياة تعترف بدور الترويح والفكاهة فيها ..كذلك تعترف النظرة الجادة للحياة بدور
الحاجات التسع األخرى وضرورة إشباعها إشباعا ً موزوناً ..تلك هي الحجة النظرية .ولكن بصرف النظر عن
التنظير ،ال نجد مجتمعا ً إنسانيا ً واحدا ً خال من أدب الفكاهة ..التراث الفرعوني ،والبابلي ،واآلشوري ،واليوناني،
والروماني ،والعبري ،والعربي القديم زاخر بأدب الفكاهة ودليل على دورها النفسي واالجتماعي في حياة البشر .
إن لغة العرب ليست وسيلة تعبير فحسب ،ولكنها أيضا ً ديوان العرب وموسوعة معارفهم .ولبيان آرائهم عن الفكاهة
قال الجوهري :الفكاهة بالفتح مصدر فكه الرجل فهو فكه ،إذا كان طيب النفس مزاحا ،والفكاهة المزاح .وفي حديث
أنس :كان النبي (صلى هللا عليه وسلم) من أفكه الناس مع صبي .وفي حديث آخر أنه " كان صلى هللا عليه وسلم من
أفكه الناس مع نسائه" ..وقال أبو زيد :رجل فكه وفاكه وفيكهان ،وهو الطيب النفس المزاح.
مزح :المزاح هو الدعابة .المزاح نقيض الجد .قال األزهري المزاح من الرجال هم الخارجون من طبع الثقالء
دعب :دعابة مداعبة داعبه -أي مازحه ،واالسم الدعابة والمداعبة .والمداعبة الممازحة .وفي الحديث أن النبي (صلى
هللا عليه وسلم) كان فيه دعابة -حكاه ابن األثير في النهاية .وفي الحديث أن النبي (صلى هللا عليه وسلم)قال لجابر
وقد تزوج :أبكرا ً تزوجت أم ثيباً؟ قال بل ثيباً ،فقال له :هال تزوجت بكرا ً تداعبها وتداعبك
---------------------------------------
-1إحسان عباس ،تاريخ النقد األدبي عند العرب ،ط ، 4دار الثقافة ،بيروت 1983م
2
هزأ :والهزأ والهزؤ السخرية .ويقال هزئ به ومنه .ورجل هزأة ،أي يهزأ به الناس .سخر منه ،هزئت به سخرت منه
هزل :الهزل نقيض الجد .وتقول هزل يهزل هزالً قال الكميت:
الضحك :الضحك ظهور الثنايا من الفرح .وفي الحديث :يبعث هللا السحاب فيضحك -جعل انجالءه عن البرق ضحكا ً
كما يفتر الضحاك عن الثغر .ويقال :ضحكت األرض إذا أخرجت نباتها وزهرتها .الضحك إذن ظاهرة محسوسة
مشاهدة تجسدها حركة في الوجه وظهور الثنايا .ومن الضحك ما هو طيب ومنه ما هو خبيث ما كان منه نتيجة هزء
وسخرية وهزل فهو خبيث لذلك نسبت الفكاهة والدعابة لبعض أفعال وأقوال النبي (صلى هللا عليه وسلم) ولم تنسب له
ما هو الضحك؟ ولماذا يحدث نحن البشر إذا شاهدنا جماال رائعا في البحر ،أو النهر ،أو الشجر ،أو المدر ،أو القمر،
أو الصخر ،أو البشر ال نملك إال أن نعجب به معبرين بإحدى عبارات اإلعجاب :هللا ،يا سالم ،ما شاء هللا ،أو أمثالها.
كذلك هنالك مواقف إذا مرت علينا ال نملك إال أن نبتسم أو نقهقه ها ها ها لماذا؟!.
الضحك انفعال تنقبض له 15عضلة من عضالت الوجه ويصحبه تغيير في نبرة التنفس إذا عرضنا إنسان العين
لضوء قوي فإنه ينكمش من تلقاء نفسه وإذا تعرض اإلنسان لموقف فكه فإنه يضحك من تلقاء نفسه ،هذا يشير إلى
أ .الصفة األولى :هي أن الضحك يخدم غرضا حيويا لإلنسان مثلما يخدم انكماش إنسان العين مع الضوء غرضا
---------------------------------------
إحسان عباس ،تاريخ النقد األدبي عند العرب ،ط ، 4دار الثقافة ،بيروت 1983م -
أحالم ّ
الزعيم ،أبو نواس بين العبث واالغتراب والتمرد ،دار العودة ،بيروت 1981م -
3
ب .الصفة الثانية :هي أن الضحك أكثر تعقيدا من انكماش إنسان العين ألن فيه جوانب حسية وجوانب نفسية ،الجانب
الحسي هو تقلص عضالت الوجه وانحسار الشفتين عن األسنان واختالف نبرة التنفس ،أما األثر النفسي فهو االبتهاج
أو السرور .هنالك أحوال كثيرة ذات أثر نفسي مثل الضحك ولكن الضحك يختلف عنها .فإذا هممت بإقناع شخص
بحجة ما فإنك ال تستطيع أن تجزم بعد سماع الحجة أنه اقتنع بها ولكن إذا عرضت شخصا لموقف فكه فإن ضحكه
فالضحك هو انفعال حسي ونفسي بمواقف فكهة .وهو طبيعي في اإلنسان بحيث ال يعرف مجتمع إنساني لم يمارس
قال أرسطو "إن اإلنسان هو الحيوان الوحيد الذي يضحك!" ..لقد أثبتت بعض الدراسات العلمية الحديثة أن في بعض
الكائنات يوجد شيء شبيه للضحك استجابة لبعض المؤثرات ،ولكن ومع ذلك فإن هذه الدراسات تؤكد أن ضحكها
يختلف عن اإلنسان ألنه يفتقد عنصر الوعي بالذات الذي يوجد في الضحك اإلنساني .
التراث اإلسالمي دالئل على وجود الضحك كثيرة ..لنبدأ بالقرآن وهو كما وصفه النبي (صلى هللا عليه وسلم) مأدبة
هللا ،مواقف الفكاهة في القرآن عديدة أذكر منها مشهد إبراهيم (عليه السالم) مع الوثنيين وقد حطم األصنام ثم وضع
الفأس على كتف أكبرها مدعيا أنه محطم اآلخرين فـ(نكسوا على رؤسهم) ذلك أنه وضعهم أمام مفارقة فهم يزعمون
أن التماثيل آلهة وهو يؤكد أنها ال تضر وال تنفع وال تستطيع حتى الدفاع عن نفسها ،قال تعالى( :فجعلهم جذاذا إال
كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون* قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم*
قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون * قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم * قال بل فعله كبيرهم هذا
---------------------------------------
إحسان عباس ،تاريخ النقد األدبي عند العرب ،ط ، 4دار الثقافة ،بيروت 1983م -
أحالم ّ
الزعيم ،أبو نواس بين العبث واالغتراب والتمرد ،دار العودة ،بيروت 1981م -
4
وكذلك موقف زوج عزيز مصر وقد دعت النساء الالئي كن ينكرن عليها افتتانها به ،فأعدت لهن متكئا وأمسكن
بالسكاكين وخرج عليهن يوسف (عليه السالم) فطاش صوابهن! .قال تعالى( :أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكأ وآتت
كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش هلل ما هـذا بشرا إن هـذا إال
ملك كريم)
وموقف سليمان عليه السالم من حديث النمل حيث حذرت إحداهن البقية من أن يحطمنهم سليمان وجنوده وهم ال
يشعرون ،قال تعالى( :حتى إذا أتوا على وادي النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم ال يحطمنكم سليمان
أما السيرة فتحدثنا أن النبي (صلى هللا عليه وسلم) كان أكثر الناس تبسما في وجوه أصحابه .ولربما ضحك حتى تبدو
نواجذه .ومن حديث جرير قال "ما حجبني رسول هللا صلى هللا عليه وسلم منذ أسلمت وال رآني إال ضحك" أو
"وال رآني إال تبسم في وجهي" .وأخرج اإلمام أحمد عن أم الدرداء "كان أبو الدرداء ،إذا حدث حديثا تبسم ،فقلت
:ال يقول الناس إنك ،أي :أحمق ؟ فقال " :ما رأيت ،أو ما سمعت ،رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يحدث حديثا إال
وكان الرسول صلى هللا عليه وسلم يدعو لطالقة الوجه وإلى االبتسام ،وقد قال( :تبسمك في وجه أخيك لك صدقة )
وقال من حدبث أبي هريرة( :إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ،فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) .وقال ألبي
ذر( :يا أبا ذر ،ال تحقرن من المعروف شيئا ،ولو أن تلقى أخاك بوجه منبسط) وقيل بوجه طليق ،وبوجه طلق .
وكان صلى هللا عليه وسلم يمازح أصحابه وقد ترددت الروايات التي تثبت ذلك ،فعن أنس بن مالك رضي هللا عنه
(قال لي رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :يا ذا األذنين) .
---------------------------------------
إحسان عباس ،تاريخ النقد األدبي عند العرب ،ط ، 4دار الثقافة ،بيروت 1983م -
5
وكان يستخدم النكتة اللفظية ،من ذلك ما روي من أن رجال أتى إلى النبي صلى هللا عليه وسلم ،فقال :يا رسول هللا
احملني قال النبي صلى هللا عليه وسلم ( :إني حاملك على ولد الناقة فقال يا رسول هللا ما أصنع بولد الناقة فقال رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم وهل تلد اإلبل إال النوق )
وكان يستخدم المزاح ليذهب الحزن عن الناس ،وقد روى أنس كيف أنه مازح أخاه أبا عمير وقد كان حزينا
صلى هللا عليه وسلم ،فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ،فإذا رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد
قبض بقفاي من ورائي ،قال :فنظرت إليه وهو يضحك ،فقال " :يا أنيس أذهبت حيث أمرتك ؟ " قال قلت :نعم ،
أنا أذهب ،يا رسول هللا قال أنس :وهللا لقد خدمته تسع سنين ،ما علمته قال لشيء صنعته :لم فعلت كذا وكذا ؟ أو
ومن مداعباته صلى هللا عليه وسلم لصحابته ما رواه أسيد بن حضير ،قال ( :بينما هو -يعني أسيد -يحدث القوم
وكان فيه مزاح بينا يضحكهم فطعنه النبي صلى هللا عليه وسلم في خاصرته بعود فقال :أصبرني فقال " :اصطبر "
قال :إن عليك قميصا وليس علي قميص " ،فرفع النبي صلى هللا عليه وسلم عن قميصه ،فاحتضنه وجعل يقبل
قال كعب بن مرة سمعته صلى هللا عليه وسلم يقول( :ارموا أهل صنع ،من بلغ العدو بسهم ،رفعه هللا به درجة " ،
قال :فقال عبد الرحمن بن أبي النحام :يا رسول هللا ،وما الدرجة ؟ قال :فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم :أما
وعن أنس (أن رجال من أهل البادية كان اسمه زاهرا ،وكان يهدي إلى رسول هللا صلى هللا عليه وسلم الهدية من
البادية ،فيجهزه رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا أراد أن يخرج ،فقال النبي صلى هللا عليه وسلم " :إن زاهرا
باديتنا ،ونحن حاضروه " .وكان النبي صلى هللا عليه وسلم يحبه ،وكان رجال دميما ،فأتاه النبي صلى هللا عليه
وسلم يوما وهو يبيع متاعه ،فاحتضنه من خلفه وال يبصره الرجل ،فقال :أرسلني من هذا ،فالتفت فعرف النبي
---------------------------------------
أحالم ّ
الزعيم ،أبو نواس بين العبث واالغتراب والتمرد ،دار العودة ،بيروت 1981م -
6
صلى هللا عليه وسلم ،فجعل ال يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى هللا عليه وسلم ،حين عرفه ،وجعل النبي
صلى هللا عليه وسلم يقول " :من يشتري العبد ؟ " فقال :يا رسول هللا ،إذا وهللا تجدني كاسدا ،فقال النبي صلى هللا
عليه وسلم :لكن عند هللا لست بكاسد أو قال :لكن عند هللا أنت غال) .
وكان صلى هللا عليه وسلم يمزح مع أقاربه ،فيأتي عليا ،وهو مضطجع في المسجد ،بعد أن سأل عنه فاطمة رضي
هللا عنها ،فقالت كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج ،فيقول له ( :قم أبا التراب قم أبا التراب)
وكان يمازح الصحابة ،وقد روي أن الصحابي نعيمان بن عمرو األنصاري رضي هللا عنه كان كثير الضحك حاضر
الطرفة سريع البديهة وقد أشار اإلمام النووي إلى كثرة مزاح نعيمان وضحك النبي صلى هللا عليه وسلم منه حتى قيل
إن الرسول قال عنه (يدخل الجنة وهو يضحك) .ولنعيمان األنصاري قصص كثيرة تدور حول دعابته مع رسول هللا
(صلى هللا عليه وسلم) ومع أصحابه .وقيل إنه كان ال يدخل المدينة ُ
طرفة ،أو فاكهة ،إال اشترى منها ،وأكل بعضها،
وأهدى الباقي إلى النبي صلى هللا عليه وسلم ،فإذا جاء صاحبها يطلب ثمنها من نُعيمان أحضره إلى النبي صلى هللا
عليه وسلم وقال :أعط هذا ثمن متاعه!! فيقول النبي صلى هللا عليه وسلم(( :أولم تهده لي؟)) فيقول :نعم ،ولكن ،وهللا
ليس عندي ثمنه ،ولقد أحببت أن تأكله .فيضحك النبي صلى هللا عليه وسلم ،ويأمر لصاحبه بالثمن.
ومن نوادره :أن أعرابيا ً دخل على النبي صلى هللا عليه وسلم وأناخ ناقته بفنائه ،وكانت – ناقة – فتية سمينة ،فقال
بعض أصحاب نُعيمان :لو عقرتها فأكلناها .فإنا قد قرمنا إلى اللحم .فقام نُعيمان وعقر الناقة .فخرج األعرابي من عند
النبي صلى هللا عليه وسلم ووجد ناقته تُسلخ ،ونُعيمان يتولى توزيع لحمها .فصاح :يا محمد ،واعقراه :واناقتاه .فخرج
الرسول صلى هللا عليه وسلم وقال(( :من فعل هذا؟)) فقالوا :النُعيمان .فأتبعه يسأل عنه ،حتى وجده قد دخل دار
ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب .واستخفى تحت سرب (دكة تكون خارج الغرفة) فوقه جريد .فأشار بعضهم إلى
ي يا
النبي صلى هللا عليه وسلم إلى مكانه :فأمر بإخراجه .وقال له(( :ما حملك على ما صنعت؟)) .قال :الذين دلوك عل ّ
---------------------------------------
أحمد بدوي ،أسس النقد األدبي عند العرب ،ط ، 2مكتبة نهضه مصر 1960م -
أحمد عطية هللا ،سيكولوجية الضحك ،دار إحياء التراث العربي -
7
رسول هللا ،هم الذين قَ ِرموا إلى اللحم ،وأمروني بعقر الناقة .فضحك رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وجعل يمسح
ولربما ضحك صلى هللا عليه وسلم من نوادر النعيمان عاما كامال؛ فعن أم سلمة "أن أبا بكر خرج تاجرا إلى بصرى
،ومعه نعيمان وسويبط بن حرملة ،وكالهما بدري ،وكان سويبط على الزاد ،فجاءه نعيمان ،فقال :أطعمني ،فقال
:ال ،حتى يأتي أبو بكر ،وكان نعيمان رجال مضحاكا مزاحا ،فقال :ألغيظنك ،فذهب إلى ناس جلبوا ظهرا ،فقال
:ابتاعوا مني غالما عربيا فارها ،وهو ذو لسان ،ولعله يقول :أنا حر ،فإن كنتم تاركيه لذلك ،فدعوني ،ال تفسدوا
علي غالمي ،فقالوا :بل نبتاعه منك بعشر قالئص .فأقبل بها يسوقها ،وأقبل بالقوم حتى عقلها ،ثم قال للقوم :
دونكم هو هذا ،فجاء القوم ،فقالوا :قد اشتريناك .قال سويبط :هو كاذب ،أنا رجل حر ،فقالوا :قد أخبرنا خبرك ،
وطرحوا الحبل في رقبته ،فذهبوا به ،فجاء أبو بكر فأخبر ،فذهب هو وأصحاب له ،فردوا القالئص وأخذوه "
فضحك منها النبي صلى هللا عليه وسلم وأصحابه حوال ".
وكان النبي (صلى هللا عليه وسلم) يمازح أهله ويداعبهم ،وكان يسابق عائشة رضي هللا عنها ،ويقر لعبها مع
صواحبها فعنها رضي هللا عنها قالت ( :كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى هللا عليه وسلم ،وكان لي صواحب يلعبن
معي " ،فكان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه ،فيسربهن إلي فيلعبن معي) .
ويروي الحاكم من حديث عمرة قالت سألت عائشة كيف كان رسول هللا إذا خال مع نسائه ،قالت( :كان كالرجل من
رجالكم ،إال أنه كان أكرم الناس ،وأحسن الناس خلقا ،كان ضحاكا بساما)
وروى اإلمام أحمد بإسناد حسن أنه (كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يصف عبد هللا ،وعبيد هللا ،وكثيرا بني
العباس ،ثم يقول " :من سبق إلي فله كذا وكذا " قال :فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره ،فيقبلهم ويلتزمهم)
---------------------------------------
أحمد بدوي ،أسس النقد األدبي عند العرب ،ط ، 2مكتبة نهضه مصر 1960م -
أحمد عطية هللا ،سيكولوجية الضحك ،دار إحياء التراث العربي -
8
وقالت عائشة (دخلت على سودة بنت زمعة ،فجلست ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم بيني وبينها ،وقد صنعت
حريرة فجئت بها فقلت :كلي .فقالت :ما أنا بذائقتها ،فقلت :وهللا لتأكلين منها أو أللطخن منها بوجهك .فقالت :ما
أنا بذائقتها .فتناولت منها شيئا فمسحت بوجهها ،فجعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يضحك وهو بيني وبينها ،
فتناولت منها شيئا لتمسح به وجهي ،فجعل رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يخفض عنها ركبته _ وهو يضحك -
لتستقيد مني ،فأخذت شيئا فمسحت به وجهي ورسول هللا صلى هللا عليه وسلم يضحك) .كذلك أخرج أبو يعلى أنه
صلى هللا عليه وسلم كان يدلع لسانه للحسن بن علي ،فيرى الصبي لسانه فيهش له.
كذلك كان صحابة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يبادلونه الممازحة فيضحك ويتبسم لهم ،روي أن صهيبا (قدم على
النبي صلى هللا عليه وسلم وبين يديه تمر وخبز فقال " :ادن فكل " ،قال :فأخذ يأكل من التمر ،فقال له النبي صلى
هللا عليه وسلم " :إن بعينك رمدا " ،فقال :يا رسول هللا ،إنما آكل من الناحية األخرى ،قال :فتبسم النبي صلى هللا
كذلك روى عوف بن مالك األشجعي أنه مازح النبي (ص) قال( :أتيت رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في غزوة
تبوك وهو في قبة من أدم ،فسلمت فرد وقال " :ادخل" فقلت :أكلي يا رسول هللا ؟ قال " :كلك) .ذلك أنه سأل
ولما رأى النبي رجال ذا بشرة حمراء مازحه قائال :أنت أبو الورد ،يقول أبو الورد" :رآني النبي صلى هللا عليه وسلم
وعن جابر بن عبد هللا (أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان ال يلتفت إذا مشى ،وكان ربما تعلق رداؤه بالشجرة أو
الشيء فال يلتفت حتى يرفعوه ؛ ألنهم كانوا يمزحون ويضحكون ،وكانوا قد أمنوا التفاته صلى هللا عليه وسلم)
---------------------------------
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أحمد محمد الحوفي ،الفكاهة في األدب العربي وبعض دالالتها ،طبعة جامعة أم درمان اإلسالمية 1967 ،م -
9
كذلك كان الصحابة يمازحون بعضهم بعضا ،روى البخاري في األدب المفرد "كان أصحاب النبي صلى هللا عليه
وسلم يتبادحون بالبطيخ ،فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال" .وقيل للنخعي هل كان أصحاب رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم يضحكون ويمزحون؟ قال :نعم واإليمان في قلوبهم مثل الجبال الرواسي .وقيل البن سيرين هل كانوا
قال ابن مسعود" :خالط الناس ودينك ال تكلمنه والدعابة مع األهل " .
وقد روي أنه لما جاء أبو موسى األشعري من عند عمر مذعورا ً عندما استأذن ثالثا ً وانصرف حيث روى كالما عن
رسول هللا (ص) وقال له عمر :وهللا لتأتيني على هذا ببرهان أو ببينة أو ألفعلن بك ،فذهب إلى مجمع لألنصار ليبحث
وروي أن عبد هللا بن عمر كان يمازح موالة له فيقول لها :خلقني خالق الكرام ،وخلقك خالق اللئام .فتغضب وتصيح
ولكن بالرغم من كثرة المرويات عن ضحك الرسول عليه الصالة والسالم وكثرة تبسمه ،إال أن التراث اإلسالمي
زاخر بكل ما هو منفر عن الضحك ،ومحذر منه ،حتى صار الذين يرفعون الشعار اإلسالمي في الغالب يتخذون من
عبوس الوجه عالمة على التقوى أو العلم .ولكن النظرة المتمعنة في السيرة النبوية الشريفة ،وفي القرآن الكريم تؤكد
أن التبسم والضحك ليسا مذمومين ،بل العبوس والتقطيب هما اللذان ينفران الناس عن الدعوة .قال تعالى( :عبس
وتولى) ،وقال( :فبما رحمة من هللا لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب النفضوا من حولك ) .وقال( :ادع إلى سبيل
ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) ..هذه اآليات تؤكد أن اللين والبشر –والفكاهة من أهم
---------------------------------
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أحمد محمد الحوفي ،الفكاهة في األدب العربي وبعض دالالتها ،طبعة جامعة أم درمان اإلسالمية 1967 ،م -
10
لقد اعتبر المزاح من األشياء المطلوبة في اإلسالم شريطة أن يراعي عدة موجهات فيبتعد عن السخرية واالستهزاء
باآلخرين والتعالي عليهم ،وال يدخل فيه ترويع اآلخرين أو الكذب عليهم ..موجهات كثيرة موجودة في نصوص
الكتاب والسنة مثل قوله تعالى( :يا أيها الذين آمنوا ال يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم وال نساء من نساء
عسى أن يكن خيرا منهن وال تلمزوا أنفسكم وال تنابزوا باأللقاب بئس االسم الفسوق بعد اإليمان) .ومثل قول رسول
هللا صلى هللا عليه وسلم" :ال يحل لمسلم أن يروع مسلما" ،وقوله" :ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم " ،أو
قوله " :إن الرجل ليتكلم بالكلمة ليضحك بها جلساءه يهوي بها في النار أبعد من الثريا" .
قال ابن القيم رحمه هللا ( :إن الناس ينفرون من الكثيف ولو بلغ في الدين ما بلغ ،وهلل ما يجلب اللطف والظرف من
القلوب فليس الثقالء بخواص األولياء ،وما ثقل أحد على قلوب الصادقين المخلصين إال من آفة هناك ،وإال فهذه
الطريق تكسو العبد حالوة ولطافة وظرفا ،فترى الصادق فيها من أحب الناس وألطفهم وقد زالت عنه ثقالة النفس
وكدورة الطبع) .وقال ابن عيينة ( :البشاشة مصيدة المودة ،والبر شيء هين :وجه طليق وكالم لين)
هنالك العديد من المرويات التي تظهر جانب المزاح والفكاهة لدى بعض العلماء واألدباء في التراث اإلسالمي .قال
أردت إال الخير .قال :أعلم أنك لو شتمتني لم ت ُ ِرد إال الخير.
!( .الحقا نورد مزحة للشعبي في مجلس بعض ملوك بني أمية)
---------------------------------
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أحمد محمد الحوفي ،الفكاهة في األدب العربي وبعض دالالتها ،طبعة جامعة أم درمان اإلسالمية 1967 ،م -
11
ووقع بين األعمش وامرأته وحشةٌ فسأل بعض أصحابه (ويقال :إنه أبو حنيفة) أن يصلح بينهما فقال :هذا سيدنا
عمش عينيه و ُحموشة ساقيه وضعف ركبتيه وقَزَ ل رجليه وجعل يصف فقال
ُ وشيخنا أبو محمد فال يزهدنّك فيه
لقد تناول كبار المفكرين اإلسالميين موضوع الفكاهة وعلقوا عليه ،وقال الغزالي إن الجد محتاج لشيء من اللهو
إلقامته واستمراره.
أما في األدب العربي فهناك أقالم أتحفت الناس بكثير من األدب الضاحك مثل الجاحظ صاحب كتاب البخالء،
ورسالة التربيع والتدوير التي وصف فيها أحد األدعياء وصفا رائعا مضحكا :كان ربع القامة تحسبه لسعة خاصرته
مدوراً!!.
لم يعرف أدب الفكاهة والضحك العالمي على مر العصور كاتبا ً في قامة أديبنا العربي أبو عثمان عمرو بن بحر
الجاحظ ،الذي مأل الدنيا وشغلها بفكاهته الالذعة ،وهو القائل« :من كانت فيه دعابة فقد برئ من الكبر».
فلم يترك الجاحظ شيئا ً في زمانه إال وسخر منه سخرية الذعة ،إلى حد أنه وجه سهام نقده الساخر إلى نفسه ،فضحك
فقد روى أنه شاهد امرأة من جميالت عصره تسير في شوارع بغداد سافرة الوجه ،فتبعها عبر الشوارع وهي راضية
مبتسمة ،حتى إذا جاءت إلى السوق دخلت إلى محل صائغ وأشارت له أن يتبعها ،فلما دخل قالت للصائغ« :لقد طلبت
ولم يكن الجاحظ إال واحدا ً من أعالم أدب الفكاهة العربي ،الذي ازدهر بقوة منذ القرن الثاني الهجري ،وتفوق فيه
العرب –بجدارة -على كافة شعوب العالم ،فهم قوم إذا ضحكوا ..ضحكت الدنيا.
---------------------------------
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أحمد محمد الحوفي ،الفكاهة في األدب العربي وبعض دالالتها ،طبعة جامعة أم درمان اإلسالمية 1967 ،م -
12
وثمة طائفة من مشاهير العلماء ،في فجر اإلسالم وضحاه ألفوا في هذا الباب ،منهم الخطيب البغدادي في كتابة
(التطفيل) ،والحصري القيرواني صاحب (زهر اآلداب) ،في كتابه (جمع الجواهر في الملح والنوادر) ،والثعالبي
صاحب (يتيمة الدهر) في كتابه (نتف الظرف) ،واألبشهي (المستطرف) ،وابن الجوزب في كتابه (أخبار الظراف
والمتماجنين)،
وهذه الكتب الفكاهية ال تخلو من فوائد علمية وأدبية؛ بل هي سجل صادق لتاريخنا السياسي واالجتماعي في زمانها.
ويربط علماء اللغة واألخبار بين الفكاهة والظرف ويوسعون في معانيها حتى يشمل جمال المظهر والمخبر ،وروعة
ولطف الخصال.
ومن هذا قول ابن الجوزي« :رد الظرف يكون في صاحبة الوجه ورشاقة القد ،ونظافة الجسم والثوب ،وبالغة اللسان
وعذوبة المنطق ،وفي خفة الحركة وقوة الذهن ومالحة الفكاهة والمزاح ،وكأن الظرف مأخوذ من الظرف الوعاء،
فكأنه وعاء لكل لطيف» .وقال الكسائي« :الظريف :الحسن الوجه واللسان».
ولكن العرب ينفرون من اإلسراف في المزاح ،ويرون أن يكون بقدر ما يجدد الهمة ويزكي النشاط لذلك قالوا:
ويعود مؤرخو الفكاهة والظرف بهما إلى أقدم العصور ،وذلك طبيعي؛ فالضحك من خصائص اإلنسان دون سائر
الحيوان ،وقد عرف أهل المنطق القدامى اإلنسان بأنه (حيوان ضاحك) مثلما عرفوه بأنه (حيوان ناطق) لذلك ال
نستغرب إذا نسبت روايات الفكاهة والظرف إلى شعراء الالتين واليونان وأن يروي عن (تراس ومينادر) الكثير من
الروايات المضحكات وال نعجب أن ينسب إلى األنبياء روايات كثيرة فيها ظرف وفكاهة مثل قصة سليمان (عليه
السالم) والهدهد وحيل سليمان للوصول إلى الحقيقة كحادثة األوز وسارقتها.
---------------------------------
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أحمد محمد الحوفي ،الفكاهة في األدب العربي وبعض دالالتها ،طبعة جامعة أم درمان اإلسالمية 1967 ،م -
13
وحفل الشعر العربي منذ القدم بالتهكم والهزل ،وما الهجاء سوى أحد فنون هذا الشعر ،إذ يقوم على التندر بالمهجو
والتهكم به ،ومن هجاء أحد الشعراء لبني تميم وتعييرهم بأكلهم للضب الذي يدل على الفقر والمسبغة بما يتنافى مع ما
وهذا الشاعر الضبي يقذع في السخرية من بني العنبر الذين ال يغيثون قومه حين يستغيثون بهم ،ويقول إن من
يرجوهم مع أنهم ال يسارعون إلى نجدة كمن يرجو الغوث من األجنة في بطون أمهاتها فقال فيهم:
وحين أصبح الخلفاء واألمراء العرب القدامى يعيشون في ترف؛ طلبوا من يضحكهم ويسري عنهم ،لذلك كثر األدباء
من شعراء وغيرهم على أبوابهم إلضحاكهم بالفكاهات والنوادر ،ومنهم أشعب وأبو دالمة وأبو الحسين الخليع وأبو
العبر ،حتى كان منهم من يقلد أصوات البهائم والطيور ولهجات األقطار المختلفة تقليدا ً دقيقا ً بأسلوب مضحك..
روى الجاحظ عنهم في (البيان والتبيين) أن من أشهرهم أبا ربوبة الزنجي الذي كان يقف بباب الكرخ فينهق فال يبقي
وحكى الثعالبي في (يتيمة الدهر) أن أبا محمد بن زريق الكوفي ،كان كاتبا ً شاعراً ،وكان من عجائب الدنيا في الفكاهة
والمحاكاة ،وكان يتردد على مجلس الوزير المهلبي ويحكي له النوادر ويقلد اآلخرين فيعجب الناظر والسامع له.
---------------------------------
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أحمد محمد الحوفي ،الفكاهة في األدب العربي وبعض دالالتها ،طبعة جامعة أم درمان اإلسالمية 1967 ،م -
14
وفي القرن الرابع الهجري صار للشعر الهزلي مجتمع وشعراء متخصصون ،على رأسهم ابن الحجاج البغدادي الذي
كان يعتبر صاحب مذهلة وأصالة في مدرسة الهزل ،وعاصره ابن سكرة الذي اشتهر بهجائه الهزلي بجارية تدعى
(ضمرة) قال الثعالبي« :إنه نظم في هجائها عشرة آالف بيت» .وقيل فيه وفي ابن الحجاج « :إن زمانا ً جاد بهما
لسخي» .وفي مصر عرف محمد الوهراني في القرن السادس الهجري بإمامته في الفكاهة ,وبخاصة رسائله الهزلية
استفاضت كتب األدب الفكاهي بأخبار عرب البادية ,من ذلك أن األعرابي في سبيل الظرف والفكاهة كان ال يحفل
بالمال والكسب المادي ،فقد روى ابن الجوزي أن أبا نواس خرج إلى السوق لشراء أضحية فاجتمع بأعرابي ظريف،
---------------------------------
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أحمد محمد الحوفي ،الفكاهة في األدب العربي وبعض دالالتها ،طبعة جامعة أم درمان اإلسالمية 1967 ،م -
15
فقال أبو نواس:
فقال األعرابي:
فدفع إليه أبو نواس خمسة عشر درهما ً وأخذ كبشا ً يساوي ثالثين درهما ً.
ولعل رواة األدب العربي القدامى قد عنوا بالظرف والفكاهة دفاعا ً عن مكانة العربي وإن كان بدوياً ،وداللة على أنه
يرتفع إلى مصاف أرقى الناس فكرا ً وأترفهم عيشاً ،وإن كان من سكان البادية أهل الخشونة في العيش والحياة الفقيرة
المتواضعة.
وأعالم الفكاهة في األدب العربي القديم كثيرون ،ولعل بشار بن برد وأبا العيناء (من شعراء العصر العباسي األول)
يأتيان في المقدمة،
وأما بشار بن برد فله نوادر ساخرة من أعالم عصره صارت مضرب األمثال على كل لسان وتعجب منها األدباء،
لكنها جرت على صاحبها الويالت والعناء ،فبسبب هجائه الساخر جافاه الصوفي واصل بن عطاء وأهدر دمه.
---------------------------------
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أحمد محمد الحوفي ،الفكاهة في األدب العربي وبعض دالالتها ،طبعة جامعة أم درمان اإلسالمية 1967 ،م -
16
ولكن لروح بشار الساخرة فضل عليه أيضاً؛ فقد قربته من الخليفة المهدي ،وتغاضى عن إساءته ألقرب الناس إليه،
فهذا المعلى بن طريف مولى المهدي سأل مرة الحاضرين من علماء وشعراء عن المقصود بالنحل والشراب في اآلية
(وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ً ومن الشجر ومما يعرشون ،ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل
ربك ذلالً يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك آلية لقوم يتفكرون) ،فقال بشار :النحل
والشراب هما اللذان يعرفهما الناس ،فقال له المعلى« :هيهات يا أبا !..النحل بنو هاشم والشراب هو علمهم» ،فقال له
بشار« :أراني هللا طعامك وشرابك وشفاءك فيما يخرج من بطون بني هاشم» فغضب المعلى وشتم بشاراً ،وظن أنه
نال منه مقتالً عند الخليفة ،فلما بلغ أمرهما المهدي دعاهما وحدثه بشار بالحديث ،فضحك المهدي كثيرا ً حتى أمسك
بطنه.
وإذا كان علم الجاحظ في قمة العلم العربي لعصره الذهبي األول ،فإن فن الجاحظ الفكاهي يعتبر قمة الفن العربي
الفكاهي لكل عصر ..وال عجب في ذلك؛ فالعلم والفن أخوان متالزمان ،ويرى فيهما خير ما في أساس التركيب؛ ألن
الضحك هو أول خير يظهر من المولود ،وعليه ينبت شحمه ،ويكثر دمه الذي هو علة سروره ،ومادة قوته .يقول
الجاحظ« :ومتى أريد بالمزح النفع ،وبالضحك الشيء الذي جعل له الضحك ،صار المزح جدا ً والضحك وقاراً.»..
لذلك شاعت الفكاهة ،وعوامل السرور في الجاحظ الذي يرى ذلك أمرا ً ضروريا ً لتنشيط الذهن وإدخال السرور على
القلب ،وتزويد الحي بطاقة خالقة في مجالي العلم والعمل ،ولهذا يقوم كتابه (البخالء) الذي جمع أروع نوادر األشحاء
وحكايتهم التي يحتجون بها للبخل واالقتصاد ،ويورد من الطرائف الكثير ،فيقول« :ولك في هذا الكتاب ثالثة أشياء:
تبين حجة طريفة ،وتعرف حيلة لطيفة ،واستفادة نادرة عجيبة» .ويقول« :وأنت في ضحك منه إذا شئت ،وفي لهو إذا
مللت الجد.»..
---------------------------------
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أيمن محمد زكي العشماوي ،خمريات أبي نواس ،دراسة تحليلية في المضمون والشكل ،دار المعرفة الجامعية 1998 ،م -
17
ومن أروع ما كتب الجاحظ في هذا المقام (رسالة التربيع والتدوير) التي سخر فيها من الوزير أحمد عبدالوهاب،
أقام الجاحظ سخريته على أساليب فنية محكمة ..يخرج في السخرية من موضوع إلى موضوع ،ويقلبه على جميع
الجوانب ،ويمزقه دون أن يحس القارئ بغير اإلعجاب باألديب ،واالندماج في روعة بيانه وجمال تصويره ،وقد
اعتمد الجاحظ على المتناقضات في السخرية من منظر الوزير ومخبره مثل قوله« :ومن غريب ما أعطيت وبديع ما
أوتيت أنا لم نر مقدودا ً واسع البطن غيرك ،وال رشيقا ً مستفيض الخاصرة سواك ..فأنت المديد وأنت البسيط وأنت
الطويل وأنت القصير ..فيا شعرا ً جمع األعاريض ،ويا شحما ً جمع االستدارة والطول».
ويرفع الجاحظ الوزير إلى أعلى عليين تهكماً ،ثم ينزل به إلى الدرك األسفل مبالغة في التقريع والسخرية ..فيقول له:
«وأنا أبقاك هللا أعشق إنصافك كما تعشق المرأة الحسناء ،وأتعلم خضوعك للحق كما أتعلم الفقه في الدين» ،ويطنب
في ذلك أيما إطناب ،ثم ينتقل الجاحظ إلى العلم والحكمة فيسأل الوزير ابن عبدالوهاب« :فخبرني ما جرى بينك وبين
هرمس في طبيعة الفلك ،وعن سماعك من أفالطون ،وما دار بينك وبين أرسطو طاليس ..وأي نوع اعتقدت ،وأي
شيء اخترت؟ فقط أبت نفسي غيرك ..ولوال أني كلفت برواية األقاويل ومغرم بمعرفة االختالف ،ما سمعت من أحد
سواك وما انقطعت إلى أحد غيرك» ..إنه يراه جامع العلوم والحكم!
وهكذا تهكم الجاحظ من الحياة واألحياء وصاغ تهكمه على أساس من العلم الراسخ والفلسفة العميقة والفن الباهر ،بل
إنه تهكم من الحياة كلها بصغارها وكبارها ،وعلمائها وأدعيتها ،بل سخر مما يسمى بـ(العظمة) وجعلها هبا ًء منثوراً،
ومع ذلك فهو بسخريته يبصرنا بالحياة ،ويدفعنا إلى التواضع والعمل ،ولنرتفع عن الصغائر كلها..
الفكاهة يمكن أن تكون سليقية مطبوعة وتوجد في األشخاص والشعوب خفيفة الظل .ومن الفكاهة ما هو مصنوع،
وهو الذي يبذل فيه أصحابه جهدا وتكلفا ً وهي في ذلك مثل كل األداء اإلنساني فمن الشعراء من ينطلق شعره بسهولة
18
كأنه يغرف من بحر ،ومنهم من يصارع المعاني كأنه ينحت من صخر يمكن أن نسمي الشخص المطبوع فكها ونسمي
اآلخر متفكها.
النكات المسببة للضحك كثيرة منها ما هو مروي ومنها العملي ومنها الدرامي ومنها التشكيلي
إضافة للشعر الذي يذكر المفارقات أو يتالعب باأللفاظ ،فهنالك نوع من الشعر الفكه ،مثال قال أحد الشعراء يصف
داره:
أقرأ ألم نشرح ،تقرأ لي َعبَـس! تقرأ سعاد بضد ما أقرأ أنــا
---------------------------------
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أيمن محمد زكي العشماوي ،خمريات أبي نواس ،دراسة تحليلية في المضمون والشكل ،دار المعرفة الجامعية 1998 ،م -
19
أو كذلك الذي رواه الجاحظ في كتابه (الحيوان) من شعر يذكر حسن الدجاجة ونبل الديك .والشاعر رأى هذه المناظر
توجد الفكاهة في األمثال كما توجد في األشعار والحكم والنثر .وفي األمثال العربية هناك الكثير من التصاوير الفكهة،
وهنالك أقوال وأمثال كثيرة و لقد أبدع معظم العرب في ضرب األمثال في مختلف المواقف واألحداث فال يخلو
موقف من حياتنا العامة إال ونجد مثال ضرب عليه ،وال تخلو خطبة مشهورة وال قصيدة سائرة من مثل رائع مؤثر في
حياتنا.
---------------------------------
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أيمن محمد زكي العشماوي ،خمريات أبي نواس ،دراسة تحليلية في المضمون والشكل ،دار المعرفة الجامعية 1998 ،م -
20
فاألمثال أصدق شئ يتحدث عن أخالق األمة وتفكيرها وعقليتها ,و تقإلىدها وعاداتها ,ويصور المجتمع وحياته
وشعوره أتم تصوير فهي مرآة للحياة االجتماعية والعقلية والسياسية والدينية واللغوية ,وهي أقوي داللة من الشعر في
واألمثال إما حقيقية أو فرضية فالحقيقة :لها أصل وقائلها معروف غالبا والفرضية ما كانت من تخيل أديب ووضعها
عل لسان طائر أو حيوان أو جماد أو نبات أو ما شاكل ذلك والفرضية تساعد علي النقد والتهكم والسخرية وخاصة في
عصور االستبداد وهي وسيلة ناجحة للوعظ والتهذيب والفكاهة والتسلية مثل كليلة ودمنة وسلوان المطاع ,وفاكهة
الخلفاء
الخاتمة:
أدب الفكاهة من اآلداب الشيّقة والممتعة فهي (نزهة النفس وربيع القلب ومرتع السمع ومجلب الراحة ومعدن
السرور) وال يمكن أن نتصور العالم من دون فكاهة أو نتصور الحياة عابسة مقطبة الجبين مكفهرة المظهر وإذا كان
هذا مستطاعا ً فمن الذي يطيقها ويرضاها .أن الحياة بغير ضحك عبء ثقيل ال يحتمل وكما قال الرسول (ص):
(روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلوب إذا كلّت عميت) .فالفكاهة انتشرت علي مر العصور والتاريخ األدبي لكل
شعوب األرض ،وبينت ما لحاجة الفرد والمجتمع من أدب كهذا .وألهميته في حياة الناس شغل العلماء والمثقفون بله
األدباء والشعراء ،فهذا مكدوجل يقول( :إن الضحك يستخدم األعصاب والعضالت فهو غريزة مهمة) ،والضحك
حسب ما توصل إليه العلم الحديث يعيد لإلنسان أنسه وأمله وطبيعته ،بل انه يسهم في شفاء بعض األمراض التي
أصابت عالمنا المعاصر ،ولذلك كانت الفكاهة تطغي عقب المحن التي تمر بها الشعوب ،فينتشر المسرح الكوميدي
والشعر الساخر والمواقف الضاحكة مثل (البشاشة ،البهجة ،الجذل ،السرور ،الضحك ،الطرب ،الظرف ،المزحة..،
الخ
.
21
قائمــة المراجــع
إحسان عباس ،تاريخ النقد األدبي عند العرب ،ط ، 4دار الثقافة ،بيروت 1983م -
أحالم ّ
الزعيم ،أبو نواس بين العبث واالغتراب والتمرد ،دار العودة ،بيروت 1981م -
أحمد بدوي ،أسس النقد األدبي عند العرب ،ط ، 2مكتبة نهضه مصر 1960م -
أحمد عطية هللا ،سيكولوجية الضحك ،دار إحياء التراث العربي -
أحمد كمال زكي ،الحياة األدبية في البصرة إلى نهاية القرن الثاني الهجري ،دار المعارف ،مصر -
أحمد محمد الحوفي ،الفكاهة في األ دب العربي وبعض دالالتها ،طبعة جامعة أم درمان اإلسالالالالالالالمية ، -
1967م
أيمن محمد زكي العش الالالماوي ،خمريات أبي نواس ،دراس الالالة تحليلية في المض الالالمون والش الالالكل ،دار المعرفة -
الجامعية 1998 ،م
الفهرس
المقدمة2.......................................................................................................
المبحث األول :الفكاهة واأللفاظ المقاربة في اللغة2...............................................................
المطلب األول :أسباب الفكاهة فوائد الضحك3...................................................................
المطلب الثاني :الضحك في التراث اإلسالمي4...................................................................
المطلب الثالث :الفكاهة لدى الرسول وأصحابه5..................................................................
المطلب الرابع :الفكاهة لدى الصالحين واألدباء11................................................................
المبحث الثاني :أنواع الفكاهة في األدب العربي18................................................................
المطلب األول :الفكاهة في الشعر19...................................................................................................
المطلب الثاني :الفكاهة في األمثال20.................................................................................................
الخاتمة21..................................................................................................................................
22
المراجع22.................................................................................................................................
23