Professional Documents
Culture Documents
مفهوم -الحق- في فلسفة حنا أرندت السياسية
مفهوم -الحق- في فلسفة حنا أرندت السياسية
ابراهيم تيروز
يمثل التفكير الفلسفي في المفاهيم السبيل األضمن لتجاوز ما قد يعتري وعينا من نسيان ،إذ يمكننا
القول بأن تاريخ اإلنسانية برمته هو بمثابة انماء للمفاهيم وللتصورات تنظيرا وممارسة ،ولهذا ال
يكف اإلنسان عن الحاجة إلى تحيين مكاسبه ،والى استعادة مراحل تدرجه في بلوغها ،إذ بفعل
تعاقب األجيال وبفعل االنغماس في الظرفي والملح زمنيا ،يكتسح النسيان لحظات مهمة من تاريخ
هذا التطور .وبفعل هذا النسيان يسقط الفكر في آفة االختزال وأحادية البعد ،وتغيب من ذاكرته
المفارقات والتناقضات التي أفرز توترها وصراعها ما بلغه هذا اإلنسان من تطور على مستوى
الفكر .ولعل هذا بالضبط ما حذا بأفالطون ومن قبله سقراط الى القول بأن المعرفة تذكر ،و األوضح
من ذلك هو ما نلفيه لدى نيتشه من ربط لوهم الحقيقة بالنسيان .فضدا على آفة النسيان هذه نزعم
أننا في هذه الورقة سننبش في مفهوم له ماله من مكانة مركزية في حياتنا الفكرية والسياسية،
وسننبش فيه باألخص رفقة مفكرة ألمانية معاصرة متميزة نعتقد أنها استطاعت ال بفضل مؤهالتها
وأدواتها الفلسفية فقط أن تبلور تصورات عميقة بصدد هذا المفهوم ولكن بفعل ما عرفه أيضا
معيشها الوجودي من خصوصية و ما اكتنفه من مآزق وتحديات أيضا .وسنحاول في الختام أن
نخرج بإضاءات يمكن أن تهم واقعنا الوطني والتاريخي اليوم.
-1استشكال مفهوم الحق.
تنبع اشكالية مفهوم الحق من ارتباط هذا المفهوم في مستوى أول بمفهوم اإلنسان وفي مستوى
ثان بمفهوم الدولة .ذلك أن منظورنا للحق سوف يختلف حتما باختالف منظورنا لهذين المفهومين.
فاذا انحزنا في تصورنا حول االنسان الى اعتباره كائنا محكوما كغيره بسلطة هذا العالم وحتمياته,
فاننا ال شك سنرى في الدولة امتدادا طبيعيا لوجود االنسان كقوة تصارع غيرها من أجل البقاء,
وسيكون الحق حينئذ هو ما يتحصل من ميزان القوى المتصارعة في الدولة وبالدولة .أما إذا
انحزنا الى اعتبار االنسان كائنا مستقال عن العالم وقادرا على فرض ارادته وحكمته وفضيلته
عليه ،أي على هذا العالم ،فسنرى في الدولة تجسيدا لتلك اإلرادة ومسافة من التسامي والتعالي
قطعها اإلنسان في عالقته بالعالم وبالطبيعة ،وسيكون الحق حينها هو ما يجب أن يكون وليس ما
تمليه القوة ،بل ما تمليه الحرية الممكنة للجميع.
إذا كان مفهوم الحق يرتبط في األصل باإلنسان فمنذ ظهور الدولة وتطورها كامتداد له و الرادته،
صار الحق مرتبطا ارتباطا وثيقا بماهيتها وطبيعتها ,وذلك إلى درجة يمكن القول معها بأن
"الحق" اليوم هو فضيلة الدولة إذ ال حق خارج الدولة و إن كان ال حق أيضا مع االستسالم الكلي
لها.
فالدولة ضرورة ال محيد عنها ،وسيادتها سد منيع ضد أي نكوص نحو همجية الفوضى والتسيب،
ومن ثمة يجب ضمان استمراريتها وسيادتها ,غير أن الدولة إذا ما استقلت في وجودها عن أغلبية
المواطنين وانفصلت عن إرادتهم ,ستتحول ال شك الى مصدر لقهرهم وقمعهم وهضم حقوقهم,
فالحق إذن هو ذلك الوسط العدل بين رذيلتين يمكن أن تقع فيهما الدولة أال وهما :الطغيان
واالستبداد من جهة والتسيب والفوضى وضعف السلطة من جهة أخرى.
إن العودة إلى الفلسفة السياسية الحديثة بالخصوص هو ما من شأنه أن يكفل تبين هذه المفارقات
وتوترها وتبين هذه اإلشكاالت وعمقها .فبالعودة مثال إلى كل من ميكافيلي وهربز سنجد دفاعا
واضحا عن ما يمكن أن نسميه بالحق في الدولة وسيادتها ,أو باألحرى حق الدولة في الوجود وفي
الحفاظ على استمراريتها ووحدتها وقوتها كضرورة ال غنى عنها لضمان حد أدنى من الحقوق,
خاصة وأن الدولة حينها كانت ال تزال تعاني من منافسة السلطة الدينية وفي حاجة ماسة الى
استكمال استقاللها عنها .لكن في المقابل وبالعودة مثال الى كل من جون لوك ومونتيسيكو سنجد
بشكل أوضح دفاعا عن دولة الحق وعن حق سابق على الدولة وال يقبل بأي شكل االختزال أو
االنتهاك في ظلها ,بل هو حق طبيعي ما وجدت الدولة اال لحمايته وانمائه .ولهذا يجب ضمان
التوازن الكافي بين الدولة من جهة والمجتمع المدني من جهة أخرى .ان هذا التقابل بين الدولة
والمجتمع المدني وبين سيادة الدولة وحرية الفرد وبين السلطة والحق الطبيعي وبين القانون
الوضعي والخاصية االنسانية هو عينه التقابل الذي لطالما تذبذب مفهوم الحق بين أطرافه ,وكأن
االنسان فكرا وممارسة يسعى باستمرار الى ضمان التوازن بين كفتين :كفة الحرية وكفة األمن
والسلم)1( .
فأي الكفتين أرجح في زمننا هذا؟ وما هي السبل الكفيلة باستعادة الوسط العدل األرسطي حيث
نصل الى الحق؟ وكيف ساهمت أرندت كفيلسوفة معاصرة في اعادة التأسيس لمفهوم الحق؟ والى
أي حد استطاعت أن تعمق وعينا بهذا المفهوم وأن تفتح أمامنا أفاقا وامكانات جديدة لممارسته؟
وبأي شكل يمكن للفكر المغربي السياسي المعاصر أن يستفيد من نبشها في أسس التوتاليتارية
وفي تفاهة الشر؟
الهـــــوامــــش
-)1تمت االستفادة بهذا الصدد من مقالة ل" :محمد أندلسي" بعنوان( :مفارقات مفهوم الحق
وشروط امكان تفكير فلسفي في مسألة "حقوق االنسان") وهي منشورة على شبكة االنترنت
:بموقع
http://mohamedandaloussi.maktoobblog.com/1464233
راجع ما أورده الشباك في كتابه التربية والحداثة والذي ترجمه السيد محمد أسليم وبالذات في-)2
.الفصل المخصص للتربية عند حنا أرندت
http://aslimnet.free.fr/traductions/chebbak/ha5.htm
" تصور "أنا أرندت: "محمد اندلسي" بعنوان: تمت االستفادة هنا من مقالة أخرى ل-)3
. وهي منشورة بنفس الموقع السابق.للسياسة
http://mohamedandaloussi.maktoobblog.com/457207
الترجمة والفلسفة2" : عز الدين الخطابي ضمنه لكتابه. كما يمكن الرجوح لمقال من ترجمة د-
.102 :" وذلك في ابتداء من "ص,"السياسية واألخالقية
راجع ما أورده "محمد سعد" في مقال له بعنوان "نقد الشر المحض" وهو أيضا متوفر على-)4
http://marocphilosophie.maktoobblog.com/85 :شبكة األنترنت بموقع
ابتداء من هذا العنوان ماتبقى من المقال هو عبارة عن ترجمة بتصرف لمقال بعنوان-)6
,» Raphaëlle Nollez-Goldbach, « Le droit d’apparaître
in Du tiers absent au tiers exclu, de l’invisibilité sociale et politique,
Buenos Aires, Argentine, 11 avril 2007
:ويمكن االطالع عليه من هنا
http://fr.scribd.com/doc/113353685/Le-droit-d%E2%80%99apparaitre-arendt
http://www.4shared.com/office/RPDt19cY/Le_droit_dapparatre_arendt_2.htm