You are on page 1of 4

‫دور المحكمة الرقمية في الرفع من جودة أداء المحاكم‬

‫إن إصالح العدالة ورغم ما بذل من جهود أمام تحد كبير يتمثل‬
‫في التخليق الستعادة الثقة المفقودة‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس سنحاول من خالل هذه المقالة العمل على‬


‫إبراز أهم ما يمكن أن تغيره المحكمة الرقمية على مستوى جودة‬
‫أداء المحاكم‬

‫إن النهوض باإلدارة القضائية وتحديثها شكل و ال زال خيارا‬


‫إستراتيجيا في برامج وزارة العدل و الحريات‪ ،‬وذلك إستجابة‬
‫منها ألوامر جاللة الملك الذي يولي اهمية كبيرة بقطاع العدل‬
‫بدءا من خطاب صاحب الجاللة في افتتاح دورة المجلس األعلى‬
‫للقضاء بالرباط بفاتح مارس ‪ 2002‬حيث عبر عن إرادته في إصالح‬
‫القضاء بقوله‪:‬‬
‫"بإلزامية التعبئة الكاملة و القوية للقضاة و لكل الفاعلين‬
‫في مجال العدالة للمضي قدما بإصالح القضاء نحو و جهته‬
‫الصحيحة و انتهاء زمن العرقلة و التخاذل و التردد و‬
‫االنتظارية‪".‬‬

‫ولم تقف إرادة إصالح القضاء عبر هذا الخطاب‪ ،‬وإنما‬


‫تعززت عبر عديد من الخطب الملكية فيما بعد‪ ،‬فبمناسبة عيد‬
‫العرش لسنة ‪ 2002‬سيؤكد جاللة الملك على منهجية‬
‫إصالح القضاء بقوله‪:‬‬
‫"ولهذه الغاية ندعو حكومتنا لإلنكباب على بلورة مخطط مضبوط‬
‫لإلصالح العميق بقضاء ينبثق من حوار بناء وانفتاح واسع على‬
‫جميع الفعاليات المؤهلة المعنية مؤكدين بصفتنا ضامنا الستقالل‬
‫القضاء حرصنا على التفعيل األمثل لهذا المخطط من أجل بلوغ ما‬
‫نتوخاه للقضاء من تحديث و نجاعة في إطار من النزاهة و‬
‫التجرد و المسؤولية"‪.‬‬

‫وقد تواتر هذا التوجه في عديد من الخطب الملكية‪،‬‬


‫تأكيدا على العزم في تحقيق قضاء أفضل‪ ،‬وهو ما تم تأكيده‬
‫أيضا عند افتتاح الدورة األولى للبرلمان بتاريخ ‪ 2‬أكتوبر‬
‫‪ 2000‬و الذي تميز بتأسيسه للمفهوم الجديد إلصالح العدالة‬
‫انطالقا من قاعدة " القضاء في خدمة المواطن"‬

‫فإرادة إصالح القضاء إذا حظي بأولوية عبر مختلف المحطات‬


‫الكبرى‪ ،‬وتتويجا لهذه اإلرادة قد جاء الميثاق بأهداف كبرى‬
‫إلصالح هذا القطاع في المغرب‪. ،‬‬

‫فمن بين هذه األهداف هو تحديث القضاء و الرفع من جودته‪ ،‬من‬


‫أجل تحقيق المكننة الشاملة إلدارة القضايا‪ ،‬و الوصول إلى‬
‫غاية حددت كهدف سيتم بلوغه في متم سنة ‪ 2020‬كأجل أقصى‬
‫لتحقيق الالتجسيد المادي للمساطر و اإلجراءات أمام المحاكم‪،‬‬
‫والحد من استعمال السجالت الورقية‪ ،‬و تجاوز مرحلة إزدواجية‬
‫العمل اليدوي و العمل المحوسب‪.‬‬

‫إن العمل بمحكمة رقمية سيتم عن طريق استخدام تقنيات‬


‫المعلومات و اإلتصال في إنجاز إجراءات التقاضي أمام المحاكم‪.‬‬
‫وذلك من خالل تحويل اإلجراءات اإلعتيادية (الورقية) إلى‬
‫إجراءات إلكترونية‪.‬‬

‫والبد من اإلشارة إلى أن ملفات الدعاوى اإللكترونية تختلف‬


‫بالضرورة عما هو موجود حاليا‪ ،‬فتزول اآللية التقليدية في‬
‫التدوين إلجراءات التقاضي‪ ،‬وتحل محلها آليات برمجية متطورة‬
‫تختلف من حيث الشكل و المضمون‪ ،‬كما تختلف آلية تقديم‬
‫البيانات‪ ،‬األمر الذي يؤدي الى سرعة البت في الدعاوى من جهة‪،‬‬
‫و توفير الجهد و المال على المتقاضين و محاميهم من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬

‫هذا وقد تمت تغطية حاجيات القضاة من الحواسيب المحمولة‬


‫سيسهل عملية تحرير و طبع األحكام و كذى جهاز كتابة الضبط ألجل‬
‫مواكبة هذا التطور‪.‬‬

‫فعلى مستوى تطوير البرامج المعلوماتية‪:‬‬

‫سيمكن من التدبير الجيد للملفات بما فيها السجل العدلي في‬


‫إطار برامج الطلبات عبر اإلنترنيت و السجل التجاري عبر‬
‫برنامج السجل التجاري الوطني و برنامج إنشاء مقاوالت عبر‬
‫اإلنترنيت وإدخال تقنية المراسالت اإلدارية بين مختلف محاكم و‬
‫مصالح اإلدارية المركزية‪ ،‬موقع ‪ web‬الخاص بكل محكمة‪ ،‬ومشروع‬
‫المكتب اإلفتراضي للمحامي‪ ،‬كلها تطبيقات و برامج ستؤدي دورها‬
‫في الرفع من جودة العمل القضائي‪.‬‬

‫كما سيساعد أحداث شبابيك اإلستقبال بمحاكم المملكة من تقديم‬


‫خدمات ذات جودة و بالسرعة و الشفافية المطلوبة‪.‬‬

‫هذا دونما إغفال دور التقاضي عن بعد في حسن تقديم الخدمات‬


‫القضائية و تقريبها من زبناء العدالة‪.‬‬

‫وتمكين المحامين من اإلطالع وتتبع مآل ملفاتهم و قضاياهم عبر‬


‫الموقع اإللكتروني للمحكمة‪.‬‬

‫هذا مع العلم أن إعتماد التوقيع اإللكتروني من شأنه خلق نوع‬


‫من الشفافية زيادة على التقليل من إجراءات التبادل المادي‬
‫للمعلومات عبر األوراق التي تتطلب التصوير‪ ،‬وتبادل اإلطالع‬
‫عليها من قبل أطراف الدعوى‪.‬‬

‫مما سيؤدي إلى نوع من السرعة و الدقة بالنسبة إلى المتقاضين‬


‫و محاميهم‪ ،‬وهناك من التجارب العديدة التي إستحسنت التعامل‬
‫مع اآللة أفضل من التعامل مع اإلنسان‪ ،‬فهي ال تفرق بين متقاض و‬
‫آخر‪ ،‬ال من حيث المظهر وال المركز اإلجتماعي‪ ،‬كما أنه ال يمكنها‬
‫تلقي الرشوة لتغليب طرف على آخر‪.‬‬

‫من جهة أخرى ستخفف المحكمة الرقمية االزدحام في المحاكم‪ ،‬كما‬


‫ستقلل االحتقانات والتوتر و المشاحنات بين الخصوم؛ خصوصا في‬
‫الدعاوى التجارية والمالية‪ ،‬والدعاوى األسرية‪.‬‬

‫أما على مستوى توفير الجهد بالنسبة الى القضاة‪:‬‬


‫ستسهم المحكمة الرقمية بادخار نشاط القاضي الذي يهدر كثير‬
‫منه في تهدئة الخصوم‪ ،‬وسيساعده إستخدام التقنيات الحديثة في‬
‫زيادة عدد الدعاوى التي ينظرها القاضي في اليوم الواحد؛ ألن‬
‫تعامله سيكون مع المستندات اإللكترونية في المراحل األولى‬
‫للدعوى‪.‬‬

‫كما يهدف العمل من خالل هذه التطبيقات في اإلرتقاء بأداء‬


‫القضاة‪ ،‬فعندما يستخدم القاضي برامج إلكترونية قانونية‪،‬‬
‫تحتوي على النصوص القانونية‪ ،‬واإلجتهادات القضائية إلصدار‬
‫حكمه‪ ،‬فإن ذلك سيساعده في التغلب على ضيق الوقت‪ ،‬وضخامة‬
‫المهام المسندة إليه باستخدامه التقنيات الحديثة‪.‬‬

‫كما أن عمل المحكمة الرقمية سيسهل عملية تدقيق الدعاوى‬


‫عبر اإلتصال بملف الدعوى عن بعد‪ ،‬وتمكن محاكم اإلستئناف‬
‫والنقض من الدخول الى ملف الدعوى األصل عند اللزوم؛ دون‬
‫أعباء مالية‪ ،‬وال مراسالت بريدية‪ ،‬وال تأخير في الرد المطلوب‪.‬‬

‫أما على مستوى تحسين شروط العمل بالنسبة إلى الجهاز اإلداري‬
‫القضائي‪:‬‬

‫فسيؤدي إلى إرتفاع مستوى أمان سجالت المحكمة‪،‬ألن الوثائق و‬


‫المستندات اإللكترونية أكثر صدقية؛ فمن السهل إكتشاف أي‬
‫تغيير فيها‪ ،‬إلى جانب سهولة اإلطالع عليها و الوصول إليها‪.‬‬

‫التعجيل في إصدار الصكوك القضائية وكذا اإلسراع في تنفيذ‬


‫األحكام‪.‬‬

‫كما تهم التقنيات المعلوماتية في اإلستغناء عن األرشيف‬


‫القضائي الضخم‪ ،‬وإدخالها معلوماتيا بإستعمال أقراص ونسخ‬
‫إحتياطية منها‪ ،‬بحيث ال تشغل إال حيزا مكانيا بسيطا‪ ،‬بدال من‬
‫المستودعات الضخمة التي تشغل أماكن واسعة‪.‬‬

‫وفي نفس الوقت ذاته يقلل هذا اإلستخدام من فقد ملفات‬


‫الدعاوى‪ ،‬أو تلفها‪ ،‬أو حفظها في مكان خطأ‪.‬‬

‫كل هذه المميزات في ظل تكييف تكنولوجيا المعلومات للتأقلم‬


‫مع العمل القضائي؛ في ظل محكمة رقمية سيساعد على بلوغ‬
‫األهداف المرسومة من خالل الرفع من جودة األداء في مرفق‬
‫العدالة‪.‬‬

‫وفي ختام هذه النقطة نود أن نشير إلى ما جاء في إحدى مداخالت‬
‫الهيئة المشرفة على هذا المشروع في جل الندوات التي قامت‬
‫بتنظيمها وزارة العدل و الحريات وذلك إثر تقديمهم ألهم‬
‫مميزاته‪ ،‬وبدأ العمل بمجموعة من التطبيقات التي من شأنها‬
‫إرساء دعائم محكمة رقمية في أفق ‪.2020‬‬

‫فحسب ما جاء في مداخلته أكد وزير العدل و الحريات أن الهدف‬


‫من رقمنة المحاكم هو أن تكون قادرة على إعطاء المعلومة في‬
‫وقتها‪ ،‬ليتابع المواطن القضايا بتفاصيلها مع إمكانية القضاء‬
‫على الورق واإلعتماد على الفضاء اإللكتروني‪.‬‬
‫كما أن إطالق الوزارة ألهم هذه التطبيقات من قبيل السجل‬
‫الوطني لإلعتقال اإلحتياطي وتتبع التنفيذ على شركات التأمين‬
‫ومكتبة عدالة سيساهم في تكريس المزيد من الشفافية وضمان‬
‫الحقوق الضرورية للمواطن‪ ،‬عالوة على تحصين وتوفير المادة‬
‫القانونية و القضائية وجعلها متاحة أمام العموم‪.‬‬

‫كما أبرز مدير التحديث والدراسات أن تطبيق تدبير السجل‬


‫الوطني لإلعتقال اإلحتياطي سيمكن من الربط المعلوماتي بين‬
‫مختلف المحاكم والتخلي عن الدعامات والسجالت الورقية‪ ،‬فضال عن‬
‫كونها تعد أداة إحصائية فعالة لرسم خريطة اإلعتقال اإلحتياطي‪.‬‬

‫وأضاف أن هذا التطبيق يروم أيضا ضبط إجراءات اإلعتقال‬


‫اإلحتياطي بالنيابة العامة ومؤسسة التحقيق و المحكمة‪،‬‬
‫والوقوف على وضعية الملفات المحالة على المؤسسات السجنية و‬
‫تصنيف المعتقلين حسب الجرائم المرتكبة‪ ،‬عالوة على تدبير‬
‫اإلحالة اإللكترونية للمعتقلين وإجراءات ترحيل ونقل‬
‫المعتقلين‪.‬‬

‫أما بخصوص تطبيق تتبع التنفيذ على شركات التأمين بتنفيذ‬


‫األحكام عن طريق إرسال قائمة الملفات‪ ،‬و ضبط إجراءات التنفيذ‬
‫داخل المحكمة سواء المحلية أو المنابة منها‪ ،‬وضبط تصفية‬
‫الملفات بعد التوصل بها من شركات التأمين‪ ،‬وإحالة قائمة‬
‫الملفات المنفذة على هيئة المحامين‪.‬‬

‫وفي معرض تقديمه لتطبيق مكتبة عدالة فقد أبرز مدير التشريع‬
‫بالوزارة أن األمر يتعلق بخزانة قانونية تتشكل من وثائق و‬
‫مدونات قانونية باإلضافة إلى اتفاقيات دولية‪ ،‬حيث أشار إلى‬
‫أن هذا التطبيق سيوفر تقنية بحت متقدمة ويمكن من التحديث‬
‫التلقائي للمحتويات وتقديم خدمة نقل محتويات الموقع‬
‫اإللكتروني للوزارة وجعله متاحا أمام المحاكم ونقابات هيآت‬
‫المحامين‪.‬‬

‫هذه كانت جملة من األهداف والتي تروم وزارة العدل و الحريات‬


‫من خالل هذه التطبيقات تحقيقها سعيا منها في الرفع من جودة‬
‫األداء القضائي‪.‬‬

‫وإذا كانت المحكمة الرقمية كمشروع عرفت بزوغ فجرها مع‬


‫منطلقات ميثاق إصالح منظومة العدالة فإن أمامها عدة رهانات‬
‫وجب تحقيقها تارة و تخطيها تارة أخرى‪ ،‬فماهي إذن أبرز هذه‬
‫الرهانات؟‬

‫إعداد‪:‬ذ‪/‬البوكريني عبد الحق‬

You might also like