Professional Documents
Culture Documents
تيجان الحكي - قصص قصيرة سودانية PDF
تيجان الحكي - قصص قصيرة سودانية PDF
()1
تيجـــــــــان احلـــــــــكي
قصص قصرية
محم ـ ــد حسـ ـ ـ ـ ـ ــن النحـ ـ ـ ـ ــات محمـد الخ ـ ـ ـ ـ ــير حام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد
جمع وتحرير
جم لح مح للم
يع ا قوق فوةظ ؤلفين
اآلراء الواردة في هذه السلسـلة ،والكتابات املنشــورة بها؛ ال تعبر بالضرورة عن
آراء احملرر ،وال تتبنى رأي جهة ما ،وإمنا هي آراء الكتاب الشخصية ،وتعبر عن
رؤيتهم اخلاصة ويتحملون مسئوليتها األدبية والقانونية.
مجموعة من الكتاب السودانيني
تيجــــان احلــــكي
قصص قصيرة
المحتويات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-7-
071 كرنولوجيا الولد......................................................................... -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-2-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-01-
املقدمــــة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في البدء؛ نحمد الله تعالى ،ونشكر فضله الكبير ،بعد أن وفقنا،
وكلل مجهودنا ،بإجناز هذه اإلصدارة التي متثل الثمرة األولى من
املشروع الذي قررنا تنفيذه؛ وهو إصدار سلسلة من اإلبداعات
السودانية في مجاالت :القصة القصيرة ،القصص القصيرة جداً،
الشعر العربي الفصيح ،والكتابات العامية السودانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-09-
بعد كل ذلك عزيزي القارئ؛ ال نريد أن نحول بينك وهذه
النصوص القصصية التي تُقدم نفسها بنفسها ،وكل ما نرجوه
ونتمناه؛ أن نكون قد وفِقنا في مسعانا الذي رمينا إليه عند
تفكيرنا في هذا املشروع اإلبداعي ،آملني أن تُحقق لك قراءتك
لهذا الكتاب الفائدة والتشويق معاً ،فهما املتعتان األساسيتان
املنشودتان من كل قراءة.
محمد اخلير حامد
املُحــــــــرر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-03-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-04-
أمحـــــــــد أبوحــــــــــــــــــــازم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصوص:
نثار الهواجس واجلنون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-05-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-06-
نَثارُ اهلَوَاجِسِ والظنون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-99-
صفريُ اجلماجمِ اخلاوية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-94-
شخصياً ،بوصفكم املسؤول الوحيد ،عن ملف هذا اإلقليم امللتهب،
ودونكم الرسالة التي وجدتها بني األنقاض.
ورجاءً ثم رجاءً ،أن تتخلى عن عجالتك املعهودة ،وتتحلى بالصبر
هذه املرة ،لقراءةِ الرسالة التي أعتقد أنها مهمة ..مع خالص
حتياتي.
إلى اإلخوة في الطرفني:
(التستغربوا فعلى الرغم من القهر ،والظلم ،والعسف ،الذي
مسَّني ،وعائلتي ،وناب أهالي قريتي ،من طرفيكما ،فأنتم ما زلتم
إخوتي وأشهد الله أنكم كذلك ولكن صروف الدهر جعلتكم طرفي
نقيض.
واسمحوا لي هاهنا ،أن أرمز على أحد طرفيكم باحلرف (أ)
وعلى اآلخر باحلرف (ب) ،هذا ليس مواالة ألحد فيكما دون
اآلخر ،وال لتقليل أو تضخيم أمر أحدكما ،إمنا للترميز فقط،
إلبانة املواقف وإيضاحها ،لذلك أرجو أن ال يثير هذا التصنيف
اشمئزازكما ،فتختلفان بينكما على من يستحق التسمية باحلرف
األول ،وما مزايا هذا احلرف عن ذاك ،ويحتدم اخلالف بينكما ،ثم
تقتتالن حتى تسيل الدماء إلى الرُكب ،وحتلق أرواحٌ كثيرةٌ خارج
أطرها الطينية املهدمة.
أنا لست من سكان العاصمة ،وال تستهويني السكنى ،على هامة
الضجيج ،وصناديق األسمنت ،وال حتى تلك املزايا واإلمتيازات،
التي ينعم بها سكان هذه املدينة املعدنية املنعَّمة ،على الرغم من
املغريات التي جتعلني من سكان املدينة بال منازع .لذا آثرتُ البقاء
في مسقط رأسي ..قرية كسائر القرى ،صغيرة و نائية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-95-
ومن سوء أو حسن احلظ؛ وأنا لستُ متأكداً من ذلك متاماً ،فإن
قريتنا تقع في منطقةٍ يتنازع فيها طرفيكما ،وهي بذلك إما في
قبضة الطرف (أ) ،أو حتت سيطرة الطرف (ب).
إخوتي في الطرفني ،صدقوني أنا ال أكرهكم ،ولكني أكره
أفعالكم.
ففي تضاعيف ذلك الصباح الكالح ،استفقنا على هدير زوبعةٍ
طاحنة ،كمطارقِ اجلحيم ،وفوق فضاء بلدتنا غبار أسود ،يظلل
هامات البيوت في مثابرة غريبة ،ثم تتكاثف ذراته ،وتتمدد على
حلوقنا فتسد مجاريها ،مثل امتداد الوجع املباغت.
في تالفيف ذلك الصباح املشؤوم ،كان الرصاص يئزُّ فوق
رؤوسنا ،والدويُّ الفظيع ينزع طني األسوارِ وآجرها ثم يقذفه
بعيداً ،ويخلخلُ قواعد البيوت امللتحمة بجذور األرض ،وكان ملك
املوت يتنزه في بلدتنا ،بخطواتٍ مرفهةٍ ومطمئنةٍ ،يأخذ ما أمره
الله بأخذه حتت هذا اجلحيم املستعر.
عفواً إخوتي في الطرفني ،آمل أال تتضجروا من لغتي هذه،
وأرجو أن تثابروا على قراءة رسالتي لكم حتي نهايتها ،فأنا أميل
كثيراً إلستعمال لغةٍ ال تُستخدم في الرسائل العادية ،فقط ألنني
ميَّالٌ للتفاصيلِ الدقيقة ،كيما يبني (الغث من الثمني) واُقُسِمُ بالله
العظيم ،وكتابه الكرمي فإن اجلملة بني القوسني ،التعني أحدكما
بأيةِ حالٍ من األحوال ،وال أقصدُ بها اإلساءة لكما ،لذلك أرجو أن
تفهم في سياقها فقط ،من قِبلِ طرفيكما املوقرين هذا ما لزم
توضيحه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-96-
آن ذاك انتصر أحد طرفيكما على اآلخر ،وأحكم سيطرته على
القرية بعد حربٍ قاسية ،ثم تدفقت شاحنات ضخمة جتوب
طرقات قريتنا جيئةً وذهاباً ،تأمر األهالي بالتجمهر في الساحة
الرئيسة بالقرية ،وإال فالويل والثبور ملن تخلّف.
حني احتشدنا في املكان ،جيئ بشقيقي األكبر ،مصفداً بأغاللٍ
غليظةٍ ،وحُكِمَ عليه باإلعدام رمياً بالرصاص ،أمام األهالي ،ليكون
عبرةً ملن يعتبر ،بحجة أنه ينتمي للطرف النقيض ،ال لشيئ ،سوى
أنه كان يعتمر قبعةً عسكرية استعارها من شقيقنا األصغر ،ليواري
بها جرحاً غائرأً سببه رصاصةٌ طائشة ،عندما كان أحد عناصر
طرفيكما ينظف بندقيته ،دون مراعاتٍ ملن حوله.
تلك حلظات مرَّت على حلوقنا مثل اإلبر املسمومة ،ولكنها ما تفتأ
تعود مجدداً ،حني تنفُضُ عن أطرافها رماد السكون والبيات
املؤقَّت.
فها هو غبار حامض آخر ،ورصاصٌ ،ودويٌ ،وموتٌ مجاني ،ودمٌ
مهدورٌ للهباء ،و كائنات حديدية ضخمة ،تأكل كل شيء ،ثم تغرس
أسنانها الصلبة ،في جوف األرض املنكوبة ،تبحث عن مكامنٍ
غامضةٍ في األغوار ،ثم ما تفتأ تنفث في السماء ،دخانها األسود
الذي يسد مسام الهواء ،وجرافات جترف كل شيء يعترض
طريقها ،ثم تغزو الدروب بضجيجها اجلنوني ،لتدهس بال رحمةٍ
منها ،شجيرات الصفصاف اخلجولة ،التي إنطوت على حزنها
املتنامي ،و تبدت أحطاباً جافَّة ،وتسحقُ نباتات الطَرَفَةُ الرقيقة،
التي انحنتْ على جذوعها الرخوة .في وجعٍ دامٍ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-91-
قتالٌ جديد ،ومعركةٌ فتَّاكةٌ أخرى ..طرف آخر يَكِ ُّر بعنفٍ
شيطاني ،ويستعيد قبضته على القرية .وكالعادة ،أُمرنا
باالحتشاد ،في الساحة الرئيسة،
و حني احتشدنا في املكان ،هذه املرة ،جيئ بشقيقي األصغر،
مصفداً بأغاللٍ غليظةٍ ،وحُكِمَ عليه باإلعدام رمياً بالرصاص،
أمام األهالي ،ليكون عبرةً ملن يعتبر ،بتهمة أنه يوالي الطرف
اآلخر ،فقط الرتدائه حذاءً عسكرياً ،كان قد استعاره من شقيقنا
األكبر رحمه الله بعد أن أصابته شظيةً تائهةٌ ذات معركةٍ هوجاء.
أما أنا ،فالقوات في الطرف (أ) ،تُصِرُّ على القول بأنني رمادي
اللون ،ولستُ من النوع الذي يرجم باحلجارةِ ،وال حتي ذاك الذي
يجلبها ملن يرجمون بها ،وبيتي من زجاجٍ هني التهشيم ،لذا فال
خوف لهم مني.
وتوصمني قوات الطرف (ب) ،بأنني مثل (كلب السُرّه) ال
أستطيع أن أفعل ،وال أترك الكالب ألن تفعل ،لذلك فال قيمة
ألفعالي ،وال من جدوى لقتلي.
أما أهالي القرية ،فيصفونني بـــ (شوكة احلوت ..ال تنبلع وال
بتفوت) وبهذا التوصيف فإنهم يعتقدون بأنني سبب كل هذا
البالء ،وجالبٌ لغضبِ طرفيكما.
إخوتي في الطرفني ،أرجو أن تتسع صدوركم ،ومتتد حبال
صبركم ،لتقرأوا رسالتي حتى نهايتها ،مع يقيني الكامل من أنكم ال
تنصتون ملثل هذه الرسائل.
إن شهوة الدم التي تعتصركما ،وتتوكأ على مدارج الرحمة في
قلوبكم املتيبسة ،جتعل من صدوركم الطافحة بالريب والشكوك،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-97-
واحملشوة بالغِلِّ والدمار ،مكاناً اليعرف الرأفة ،وال يتَّسع لذرةٍ من
العاطفة ،فقد حولتما حياتنا إلى جحيمٍ ال يطاق ،وجعلتما من
احلدَادِ صبغةً تلون مداراتنا ،ومن نكهةِ الفرحِ اآلسرة ،لثغةً قارسة،
تتناوب على أفئدتنا املكلومة.
إخوتي في الطرفني ،ال نقول أن أرض الله واسعة ،حتى تقتتلوا
في مكانٍ آخر ،معاذ الله من ذلك ،ولكنَّا نقول بأن أرض الله تسع
اجلميع( ،ألفهم) و(باءهم) وغيرهما من الكائنات ،فكفوا عن قتال
بعضيكما ،واوقِفوا عنا هذا الترويع البغيض ،ولتستبدلوا
الرصاص بضحكاتٍ طرية وصادقة ،تخرج من احلنايا ،وأغنياتٌ
تغزل املسرّة للقلوب اليائسة ،وتنسج احلنني للغد املأمول ،وتفتح
كوةً للضوء ليغمر اجلميع ،وإال ستتناثر اجلماجم في كل مكان،
ليتخلل جتاويفها اخلاوية،عويل الريح ،وصفيرها الكئيب.
لكم أُخُوَّتِي اخلالصة /م/ع /إنابةً عن املكلومني بسعير قتالكم.)،
حني أكملتُ الرسالة التي وجدتها مندوبتنا بني الركام ،انتابني
غثيان حاد ،ومادت رأسي بدوار ماحق ،وزاد على كل هذه األوجاع،
ذلك الرنني امللح واملتفاقم ،للهاتف اخلاص مبهاتفات املسؤول
األول ،على رأس املنظومة ،وفي عجالةٍ من أمري تناولت الهاتف،
ألُصعق من جديد ،بخبر إختفاء زميلةً لنا بأحد مكاتبنا اإلقليمية،
في ظروفٍ غامضة.
أعود للملحوظة التي ذيلت بها رسالتها ،أقرأها من جديد،
بتمعُّنٍ فاحص .ملعرفةِ ما خلف السطور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-92-
تتمدد حشرجةٌ خانقة تقبض على حلقي اجلاف ،وزحار مالح
يتواثب على صدري ..تتطاول أسئلةٌ جارحة في احلنايا ،لتسُدَّ
منافذ الهواء.
ما هي الظروف الغامضة التي أخفت هذه الزميلة املثابرة،؟؟! ما
هي مالبسات هذه االختفاء الغريب ،؟؟!! وملاذا حتولت القرية ،إلى
كومةٍ من رمادٍ تتالعب به صغار العواصف؟؟! .
تعود أسئلتي خائبة ،إلى صدري املتخشِّب ،رماداً كاحلاً من آثام
احلريق ،تذروه رياحٌ طفيفة ،وزوبعة هامسة تدخل عبر جتاويف
اجلماجم اجلاثمة فوق الركام .ثم تخرج في صفير حزين يصمّ
اآلذان وميأل املدى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-31-
عبثُ األصابعِ اآلبقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-39-
يدور بخلدك قط ،أن وجاهة الغبطة املستفيضة على جوانحك،
ستتالشى في الهباء والعدم ،مثل غبارٍ أملس.
ها أنتذا حتوز على ثالثة محافظ جلدية ،كلها بالية وخفيفة
وعتيقة ،هي ثمرة جهدك اخملاتل لهذا اليوم ،تزمّ شفتيك متسائالً:
ـ كم تساوي حصيلة هذه احلافظات القدمية الهالكة الكاحلة؟؟.
تلقيها على الطاولة بامتعاضٍ بالغ ،تدعها برهة ريثما تخلع
ثيابك ،ثم تعود لتمارس عاداتك املكرورة ..تبعثر حصيلة أصابعك
اللئيمة على الطاولة العرجاء ،مثل كل مرة ،تعزل العمالت النقدية
على جانب من الطاولة ،وعلى اجلانبِ اآلخر منها تضع بطاقات
الهوية ،واألوراق األخرى ،وكعادتك دائماً تقرأها برويةٍ ،وأنت
تضحك في سرِّك على غفلةِ أصحابها ،قبل أن تُلقِمُها أللسنةِ
النيران.
باستياءٍ أصم تفضُّ احلافظة األخيرة ،كانت ممزقة احلواف،
خِفّتُهَا تنم عن ضآلة ما حتتويه ،توشك أن تصرف النظر ،ولكن
فضولك األرعن ،يحثُّك على الفعل ..تُقرّبٌ جوفها املُسطَّح
املستطيل أمام عينيك ،ال شيء سوى ورقة بالية ،حائلة اللون..
تنزعها عن بطنِ احلافظة بال مباالة ،لتجد على سطح الورقة ثمة
رسم تخطيطي ،وخارطة توضيحية ملوقع منزلٍ ما من هذه املدينة،
حتدِّثُك نفسك بأنك تعرف هذا املكان جيداً ،وثمة ورقة أخرى
ملفوفةٌ بعناية ..تفضُّ طياتها العديدة ..جتد مبلغاً مالياً ضئيالً..
تكتشف أن الورقة ذاتها كانت عبارة عن وصفةٍ طبيةٍ ملريضٍ ما..
في الزاوية العليا من الورقة ،حتوز ببياناتٍ إضافية ،عن اسم،
وعنوان ،وسكن املريض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-33-
ويا للمصادفة ،فقد كان اإلسم املدون على الورقة لطفلٍ ،يتطابق
متاماً ،مع اسم الطفل الذي ينغرس في جذور أحالمك ،مثل
أقباس ضوءٍ في ليلٍ صحراويٍ بهيم ..تلك األمنية العصية التي
تأبى على التجسَّد ،في طفلٍ يحمل اسمك ،ليغسله من غبار
الزمن ،ودرن الذكريات البغيضة ..متعن النظر مجدداً قي الورقة،
لتقرأ ما تبقى من اإلسم ،فتجده يتطابق هو اآلخر مع إسمك حتى
اجلد الثالث ،فتدرك أن احلافظة كانت لوالد هذا الطفل املريض.
مصادفة غريبة ،تلك التي جتد فيها إسمك ذاته ،بأجياله الثالث،
يحمله شخصٌ آخر ،واألغرب من ذلك كله ،اسم الطفل!! ذلك
األمل الذي يعشعش في خاطرك دون حتقق ..ترى ماذا يريد منك
القدر!!.
اليوم فقط ،تشعر باضمحاللٍ يوخز صميم روحك العليلة ،حتس
بقحطٍ يحزّ وجدانك الصدئ ،تتآكل دواخلك من مرارة نزقها
القدمي ،تدرك أن لعنة املاضي تالحق أيام عمرك ،يوماً بعد اآلخر،
يغمرك شعور ملتبس ،حتس بأن قشور ضميرك املشروخ ،تتعارض
على حلقك كغُصَةٍ نابية ،تضجُّ مواكب الفراغ في أضلعك ،توشك
على البكاء ..تنبجس في أفنية خاطرك ظالل ذكريات بعيدة،
فيرجتُّ جدار املاضي بذاكرتك التعيسة إلى التاسعة من عمرك،
حيث كان شقيقك األصغر ،يرزح حتت وطأةِ داء غريب ،يتطلب
األمر ،ترياقاً يستمر ملددٍ طويلة ،ال ميكن تفويت جرعةٍ واحدةٍ منه،
وإال فالكارثة املاحقة ستفتك بالصغير ..ينقدك والدكما ثمن
الدواء من الصيدلية ،ويحثُّك على اإلسراع ..تعبر الشارع الثالث،
بإجتاه الساحة الرئيسة في احلي ،حيث تنتصب املزالق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-34-
واألراجيح ،والكراسي الدَّوارة ،ولُعبة املراكب املتأرجحة ،والساقية
التي ال تَكِفُّ عن الدوران ..كل لعبةٍ ولها ثمنها ..رحت جتاري لهو
الطفولةِ ونزقها ،فتنخرط في متعك الصغيرة ،وقتاً طويالً ،تنسى
فيه محنة شقيقك األصغر ،وبينما كنت تتأهب لركوب لعبةٍ أخرى،
ترى والدكما وهو يحثُّ اخلطى صوب الصيدلية ،ثم يعود مسرعاً
وهو يحمل علبة الدواء ،تدرك أن تكليفك العائلي ،قد أضحى في
طور النسيان ،يراك وأنت تلهو مع الصبية ،يتوقف برهة ضئيلة
قرب املزالق واألراجيح ،يرميك بنظرةٍ حارقة كشُواظ اجلمر ،ثم
يواصل مسيره العجول.
تهدأُ عاصفة نزقك املوّار ،ويلوذ طّقس لهوك األهوج
بالسكون ،فتعود إلى الدار ،وقد خال جيبك من ثمن الدواء ،لترى
رهط من الرجال يحملون لفافةً بيضاء ،يتبعهم نواح والدتكما الذي
يؤكد بأن ضميم هذه اللفافة ،هو جثمان شقيقك األصغر.
عمَّ الصدى في خواء وكرك املتآكل اجلدران ،أنت لم تتدرّب على
األحزان كما ينبغي ،لذلك كان األمر صادماٍ حني لطمتك زوابع
اللحظة الفاجعة ..يتآزر عليك األسف ،ووميض الروح الشاردةِ
لتوها إلى موطنها األبدي ،فتتجعَّد دواخلك ،وتغدو مثل حذاءٍ
أرهقه الترحال.
وحشةٌ قامتة هبَّتْ عليك ،مثل شآبيب ظالمٍ كاسرة ،تدعوك بأن
ال يتكرر األمر ثانيةً ،وتدفعك دفعاً نحو فعلٍ تظنه سيكفِّر لك إثمك
القدمي ،فتزمع تنفيذه على الفور.
تنهض ،ترتدي ثيابك سريعاً ،تهرول لشراء الدواء ،ثم تتجه لعنوان
سكن الطفل ،وحينما تصل املكان متاماً ،وتتأكد من صحة العنوان،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-35-
ترى رهط من الرجال يحملون لفافةً بيضاء ،يتبعهم نواح المرأةٍ
ثكلى ،يؤكد بأن ضميم هذه اللفافة ،هو جثمان ذلك الطفل صاحب
الوصفة الطبية ،وجعٌ لئيم ،يتالعب مبكانٍ ما ،من دواخلك
املهشَّمة ،يتجلى عريك ،وتزداد غربتك ،فتسرج جياد دمعك
املطهمة ..تتحوصل عبرة ماحلة على حلقك اجلاف ،كنت تريد أن
تَلُفّكَ السكينة مثل كل األسوياء ،ولكن ..ها هي مراميك تخيب
وتتبدد ،تتراكم طبقات الصدأ على وجدانك الكسير ،وعلى
صدرك يتحشرج بكاء صامت ،وينزُّ وهنٌ حامض على مفاصلك،
جتدِّف في الهواء بقبضتيك تلعن القدر ،ولكن شيئاً حارقاً يتدفق
على كفيك ،تفتحهما ،ومتعن فيهما بنظرة مرتعشةٍ ،ترى رؤوس
أصابعك ،تنطف بالدمِ نُطُفاً تتوالى ،مثل بهيمةٍ منحورة ،تورق في
خاطرك حلظة حرّاقة ،تشي بأن سقمك الذي تعاني منه اآلن ،ال
يدانيه اجنرافك القدمي ،وال هذا النواح املستبد ،الذي ينحر
وجدانك اخلاوي إال من رمل األوهام ،والرغبة املستعرة لعويل
الفراغ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-36-
اهلـــــــادي راضـــــــي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصوص:
عسف العسس
أدخنة متصاعدة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-31-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-37-
عَسَفُ العَسَسْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
TO: ZOAL@HILA.SD.COM
FROM:FREEBOY@FREEDOM.COM
...وتسألني كيف حدث ذلك؟
OKيا صديقي سأخبرك مبا جرى:
كان القدر وحده ما جعلني أخرج ألجل شراء سيجار من البقال
اجملاور ملكان االجتماع ..وفي الطريق ،حدسي أدار نظري صوب
الشرق ،فرأيتهم قادمني ،ولم يكن أمامي غير أن أعبر النهر سباحة
إلى الضفة األخرى هرباً منهم.
كان الوقت شتاء ،والكون يزف الشمس إلى مخدعها الليلي.
وعند الشاطئ اآلخر ،كان احلال:
مسغبةٌ تنهشُ األحشاء..
زمهريرٌ يسدُ مسامات الدفء.
أبوابٌ موصدة.
خوفٌ وضياع.
واكتملت دائرة البؤس بهطول املطر.
كنت مبلالً ،جائعاً وبال مأوى .البناياتُ الشاهقة في ذاك احلي
الرابض على الضفة األخرى ،تنسف فرضية إطعام جائع ،أو إيواء
ضيف .األبواب موصدة مبزاليج ضخمة ،وأسيجة حديدية حول
املباني تكبت رغبة االقتراب منها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-32-
ومن شدة اجلوع يا رفيقي خلتُ حُبيبات املطر حليباً سماوياً
أرسله الرب لي ،وكان طعم املاء املتساقط من السماء كما احلليب
متاماً ،فاجلوع كافر يا صديقي.
رهق عجيب سرى في بدني .خطواتي واهنة ورأسي دوار.
استدعاني النوم فلبَّى جسدي املنهك النداء قرب إحدى تلك
البنايات الشاهقة.
توسدتُ شقائي ومنت.
وجدني رجل رحيم على تلك احلال ..مهمل ،قذر ،جائع ومستاء.
ال أذكر كم مرَّ عليَّ من الوقت قبل أن يوقظني الرجل الرحيم.
أووه ..تذكرت يا صديقي ،كان اآلذان يعلن ميقات صالة .الرجل
في طريقه إلى املسجد ،ولكَم تعجبتُ حني ناداني بـــ(الشيخ) .لكن
دهشتي زالت عندما نظرت إلى جلبابي املزركش وحتسستُ شعري
اجملدول -هو ال يدري أنني ما زركشتُ ثيابي وجدلتُ شعري إال
لتضليل العسس -وللعسس دوماً أخبار فاجعة ،هل سمعت يوما أو
رأيت عسساً مساملني؟.
باختصار :هَيّأ لي الرجل الرحيم مكاناً في املسجد القريب من
تلك البناية الشاهقة ،مكثتُ فيه حتى غادرت إلى حيث أنا اآلن...
واآلن:
أخبرني ..ما الذي جرى ويجري في البلدة بعد مغادرتي لها؟
TO: FREEBOY@FREEDOM.COM
ZOAL@HILA.SD.COFROM:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-41-
بعد خروجك انقلبت البلدة إلى ثكنة عسكرية .كأمنا البالد
خلت من كل املشاكل إال أنت ومن كانوا قربك .مت اعتقالي مع
يوسف التمرجي وأستاذ منير ومحمد اخلامت ابن العمدة .أما
اخلواجية أوجلا -ست املنظمة كما يناديها األهالي -فقد مت
طردها من احللة ومن البلد كلها .خرجتُ من املعتقل صباح اليوم،
وابن العمدة والتمرجي مت ترحيلهما إلى العاصمة .حدث ذلك بعد
اختفائك بيوم واحد ،ففي صباح اليوم الذي تال خروجك
األسطوري ،جاء أناس مريبني ،ليسوا بعسس ،لكنهم يقومون
بأعمال العسس .داهموا مقر أوجلا وفتشوه شبراً شبرا ،عثروا
على دفترك األحمر -لم أفهم سر وجوده بني أشياء أوجلا!! بعد
ذلك انبرى رجل من أشباه العسس ،وارتدى هذه املرة عباءة الفقيه،
جمع أهل القرية حتت ظل الشجرة املنتصبة أمام منزل العمدة.
وقف أمامهم كما الواعظ .بعض القوم تابعوه بانتباه ،والبعض
اآلخر ..ال .لكن اجلميع حدقوا فيه عندما رفع يده حامالً دفترك
األحمر .قال الرجل :هاهنا ما يؤكد مروق الولد من ألــ ،.......ثم
قرأ عليهم:
"اجملد للشيطان ..معبود الرياح
من قال (ال) في وجه من قالوا (نعم)
من علم اإلنسان متزيق العدم
من قال (ال) ..فلم ميت،
وظل روحاً أبدية األلم!
قال الرجل :ال يكتب مثل هذا الكالم إال مارق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-40-
لم تعد القرية كما كانت ،ولم يعد الناس هم الناس .غادر معظم
الشباب إلى املدينة بحثاً عن رزق أفضل بعد أن فشل املوسم
الزراعي ،وصديقنا عادل تزوَّج بنت رجل مهم في الدولة ،وحصل
على وظيفة مرموقة.
صدق قولك بأنه انتهازي ،متسلق وتافه.
TO: ZOAL@HILA.SD.CO
FROM:FREEBOY@FREEDOM.COM
يـاه ..الدفتر األحمر!!! كم افتقده اآلن .أولى صفحاته كتبت فيها
شعراً ألمل دنقل – الرجل اختار ذلك املقطع بخبث مدهش – وسر
وجود الدفتر بني طيات أوجلا سأخبرك عنه ،ولكن قبل ذلك
نسيت أن أذكر لك بأني غادرت املسجد ذات ليلة في ثياب أنثى -
املالبس أحضرها لي (مجدي كوارث) -وهذا الولد أمره عجيب.
ال أدري كيف وجد مكاني ،ولكني تفاجأت به يقتحم املسجد ذات
صالة ،ببنطاله املرتخي وتي شيرته األزرق ،خفتُ أن يفضح أمري
أمام سكان احلي الذين يؤدون صلواتهم في املسجد ،ونَمَتْ بيني
وبينهم عالقة جيدة ،ولكنه كان ذكياً وملاحاً كعادته ،فما إن رآني
حتى صار يصيح (مَدَد يا مان ..مَدَد يا مان) ،وانكفأ يُقبّلُ ظهر
كفي ..بعدها ،جلسنا طويال ندبر أمر خروجي من البلد ساملاً.
أما حكاية وجود دفتري األحمر وسط أشياء أوجلا ..ببساطة إني
قضيت بعض الوقت -قبل خروجي -معها ،فهي زوجتي .لم
أخبرك بذلك من قبل – أتخيلك اآلن مرتبكا كطفل ضُبط متلبساً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-49-
بفعل محظور – فقد كنت تسميها (باربي) ،ال عليك يا صديقي،
فأنا لم أخبرك ولم أٌخبر أحداً آخر ،ألننا تواثقنا – أوجلا وأنا-
على الكتمان العتبارات منطقية .فمن الطبيعي أن توجد أشيائي
بني أشيائها ،والدفتر نسيته مثلما نسيت أن أزيل بقايا تلك الليلة
عن وجهي وقميصي.
TO: FREEBOY@FREEDOM.COM
ZOAL@HILA.SD.COFROM:
قمة االرتباك يا صديقي ،أو باألحرى هو مزيج من الغضب
واحلرج ،غضب منك لعدم إخباري بأمر زواجك ،وحرج ألني
سميتها على دمية وهي زوجتك ..على أية حال ،معذرة يا صديق.
حتى اآلن لم يُفرج عن ابن العمدة والتمرجي ،و...
من الطارق؟؟
....................
من أنتم؟
....................
ماذا تريدون؟
.....................
إلى أين؟
...................................................................
....................................................................
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-43-
....................................................................
....................................................................
TO: ZOAL@HILA.SD.CO
FROM:FREEBOY@FREEDOM.COM
ما األخبار؟
ملاذا ال ترد على رسائلي؟
TO: FREEBOY@FREEDOM.COM
ASASFROM :
لن يرد في القريب العاجل ،ورمبا لن يرد إلى األبد .فهو مارق
مثلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-44-
َأدْخِنَةٌ مُتَصَاعِدَة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عَصِيرُ األَدْخِنَة:
وإذ رأيتُه -صباحاً -بجانبِ السورِ املتهالكِ متكئاً ،شاخصاً نحو
الالشيء ،باسماً بال معنى ،أدركتُ متاماً أنه قد أعلنَ انفصاله
عنّا ،وأنه اآلن يتسكعُ في حواري بلدةٍ شوارعها من زجاجٍ ،وماءها
حليب ،نساءها عاريات إال من قبعةٍ صغيرةٍ بيضاء تغطي أحد
النهدين ،رجالها طوال ،ضخام ،يرتدون السواد من قمةِ الرأس
حتى أخمص القدمني ،يطاردون النساء العاريات ،يطاردهم
شرطي يحمل هراوة.
دُخَانُ احلَشِيشْ:
حني مدّها إليَّ مشتعلةً ،كان يحفها اجلنون ،ويختبئ في جوفِها
املفتت بذور االنفصال والشرود ،قال إنها أتت من غرب البالد -
والغربُ خصيب -وأنها سُقيتْ مبياهِ غديرٍ ..حيث نساء مجنبات،
وصبايا مراهقات ،حائضات ..غسلن دنسهن .معتقة بعبق النساءِ
املتزوجات ورائحة دنس الصبايا املراهقات .قال خذ ،أيها الصديق
اندفن فيها وأنس مرارات السنني التي ضاعت في جحيم
االنتظار ..خذ ،جرِّب أن متص شذاها وتنفث شياطينها هكذا...
(دخانٌ كثيفٌ يَتَصَاعَدَ إِلَى أَعْلَى ،مُشَكِّالً حَلَقَاتٌ حَلَزَونِيَة بَيْضَاء
تَتَلَوّي كَأَفْعَى ِفي فَضَاِء الغُرْفَةِ).
كان يبحلق في تلك احللقات احللزونية ويتعوذ من الشيطان
الرجيم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-45-
دُخَانُ النّدْ:
قالت رفيقته :خذها منه أيها احلزين ،ادخل رحيقها في جوفِك
وأطرد شياطينهاخارجاً .وخذ مني هذا احملشو بالتعاويذ
والرضاب املقدس ـ عود الند سواك األولياء ـ كانت تقول أمي.
اشعِله ،دعه بدخانه املقدس يكبل شياطني تبغك ،يخاصرها،
يراقصها ،يشملها بجبورته وسطوته ،دعه يسكب فيها شيئاً من
تعاويذ ..رمبا تنجيك من اجلنون .اشعِله ،عله يضلل بسلطانه
العطِر هذا الشرطي املتربص.
سَفَرُ األَدْخِنَة:
كاألرجوحة تتحرك اللفافة بني شفتي ويدي ،أمص شذاها
وألفظ خارجاً شياطينها ،وعود الند في احتراقه يعبق فضاء
الغرفة بدخانه العطر.
األدخنة تتحد وتصعد إلى أعلى.
أتابع رحلة الصعود مبهوراً بالتشكالت السريالية ،والتكونات
الغرائبية املتحورة واملتخلقة عن التداخل املثير .فجأة ينبجس لي
من بني طيات األدخنة املتصاعدة – املتحورة – جوادٌ أصهبٌ
جميل ،أُسرجه ،أمتطي صهوته وأنطلق ..ملتحمان نغادر فضاء
الغرفة احملدود إلى الفضاء اخلارجي الال متناهي .كالبراق يسبح
جوادي اآلن في السماء ،أعبرُ سُحباً بيضاء وأخرى زرقاء ،مررتُ
بكتلة سحابية غطت الرؤية أمامي ،جتاوزتها مبهارة ألجد نفسي
أمام سحابة عابرة ..جوادي يتعثر ،يكبو ،أسقط ،جتذبني األرض،
أهوى بسرعة ينخلع على إثرها ذراعي األمين ،أواصل السقوط
بانحراف ،ينخلع ذراعي األيسر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-46-
ذراعاي انفصال ونَبَتَ مكانهما جناحان.
منتشياً أحلق في الفضاء الفسيح وفمي منقار.
بعيداً ..أرى حبيبتي ترقد على صدر غيمة ،ميألني غضب .أطير
نحوهما وأحط على نهدها املتكور ،ألثم شفتيها مبنقاري ،الشفتان
تدميان ،يغطيني لون الدم ،لون الدم يغطي السحاب .الدم ساخن
ومذيب ،يذيبني ،حبيبتي والغيمة ينصهرا ،جميعنا يحملنا ريح .مَ..
طَ ..رٌ ..
نَ
:
هـْ
:
طِ
:
لْ
أنزلُ ببلدة شوارعها من زجاج وماءها ،حليب ،نساءها عاريات إال
من قبعة صغيرة بيضاء تغطي أحد النهدين ،رجالها طوال ،ضخام،
يرتدون السواد من قمة الرأس حتى أخمص القدمني ،يطاردون
النساء العاريات ،يطاردهم شرطي يحمل هراوة ،انحشر وسطهم،
اجلميع يدخلون صومعة وكل امرأة تأخذ رجلها وتصفعه.
عَــــوْدَةٌ:
صفعتني رفيقته وقالت :عذراً أيها احلزين ،صفعتك ألني رأيتك
تدق بوابة اجلنون ،عُد اآلن ودع عنك امتصاص الشذى ،وال تنظر
إلى هذا املتصاعد أبداً في رحلته اجملنونة .هاتها وأشدو لنا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-41-
لم أشدُ .أردتُ أن أبكي ..انسللتُ خارجاً وبكيت.
سمعته يقول :خذي يا حبيبة ،كسِّريه ،اجعليه فتاتاً ،ثم على هذا
الورق الشفيف أنثريه وأطويه ..اصنعي لنا لفافة أخرى ،افركيها
على فخذك الرخامي لتتضمخ بشذاك يا حبيبة .فإنها أتت من
الغرب ..والغرب حبيب.
..وملا رأيته عند الصباح بجانب السور املتهالك متكئاً ،شاخصاً
نحو الال شيء ،باسماً بال معنى ،أدركت متاماً أنه قد أعلن
انفصاله عنا ،وأنه رمبا يتسكع في حواري بلدة شوارعها من زجاج،
وماءها حليب ،نساءها عاريات ،إال من قبعة صغيرة بيضاء تغطي
أحد النهدين ،رجالها طوال ،ضخام ،يرتدون السواد من قمة
الرأس حتى أخمص القدمني ،يطاردهم شرطي يحمل هراوة..
ولكن ليس هنالك ثمة أنثى تصفع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-47-
كَتِبْ الغِوَايَة ..مِحَايَة األَبَالسَة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.1املِحَايَة التي تَخُص الوَلَد حَمْدان – ولم يِتَسن له شُربها -كانت لعالجهِ من داءٍ
التقط عدواه من ود احللب ،كما زعمت أمه ،بيد أن والده اعتقد أن شيطاناً أصلع قد تبول
على رأس الصبي .عقد العزم على أخذه إلى شيخ حسان في خلوته الرابضة عند طرف
البلدة.
اخللوة تضج بالصبيان األشقياء ،يتلون القرآن في حضرة العِرِّيفْ ،وإذا ما الحقته
نداءات الشيخ املتكررة ..وغاب عن عيونهم؛ فإنهم يلعبون ،يتشاجرون ،يتنابذون،
ويضربون بعضهم بعضا.
اخللوة في نهارات البلدة املتعاقبة؛ وعندما يغيب الرجال ،تعج بالنساء طالبات
العمل ،بالصبايا احلائرات ،وباجملانني.
حني حط رحل الوالد وابنه حمدان؛ كانت البِتْ فِطَيْن تغادر اخللوة وعلى وجهها
يعربد احلبور .حكى الوالد للشيخ ،أن شيطاناً أصلع ،حسد ابنه على شعره املسترسل،
فبال على رأسه .وترك موضع البول ورذاذه ،فجوات في رأس الولد وصفها الوالد؛ بأنها
تشبه صلعة إبليس .قال األب للشيخ :أكتب له محاية حرق األبالسة.
استبقى الشيخ الولد إلى حني .كتب له على لوح نُحت من جذع شجرة سدر عمرها
خمسون عاماً" ،سورة الفاحتة ،آيةالكرسي ،خواتيم البقرة ،اإلخالص واملعوذتني ،ومحا
ما كتبه مباء الورد على آنية من فخار ،ثم كتب:
"بسم الله أرقيكم من كل شيء يؤذيكم ،من شر كل نفس ،أو عني حاسد ،الله يشفيكم،
بسم الله أرقيكم والله يشفيكم ( 3مرات )" ومحاها أيضاً ،ليكتب على اللوح:
"أعيذكم بكلمات الله التامة ،من كل شيطان وهامة ،ومن كل عني آلمة ( 3مرات )"ثم
ختم بــ"اللهم صل على محمد ،وعلى آل محمد ،كما صليت على إبراهيم ،وعلى آل
إبراهيم ،انك حميد مجيد ،وبارك على محمد ،وعلى آل محمد ،كما باركت على إبراهيم،
وعلى آل إبراهيم في العاملني ،إنك حميد مجيد".
ولكن ،ما حدث ،أن حمدان ابن السابعة لم يشرب تلك احملاية ،إمنا شرب من
آنية أخرى جتاور آنية عالجه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-42-
مَرْيَمْ( ،)2وَدَ اجلنَّة( ،)3البَقِيعْ( ،)4نَوّاي سائِق اللّوري( ،)5الفَكِي أبُو
شَامَة( )6وشَيْخ حَسَّان()7؛ شَهِدوا علَى انفِالتْ الوَلَدْ حَمْدَان مِنَ قَيدِ
بعد سبع سنني من تلك الشربة ،وبعد أن نبت شاربه ،صار يأتي بتصرفات باتت
حديث أهل البلدة.
.2مَرْيِم ،جارة لألُسرة ،ذات قهوة ،أَسَرَّتْ ألُمّه ،أن الفتى أتاها خلسة بِلَيْل ،أراد
أشياء ال تخص الرجال ،وجَهَرت بأن الفتى رمبا تاهت عنه رجولته ،فقد طلب منها
خُمْرة ودِلْكَة وقليل من الكَبَرَيْت .حني سمعت األم ذلك احلديث ،غابت عن الوعي ،وملا
استفاقت ،وجدته جالساً قرب رأسها ،يلوك لبانة ،يلقط حاجبيه ،ويبتسم للمرآة..
فغابت إلى األبد.
.3وَدْ اجلَنَّة ،رفيقه ،كانا يغنيان ألصدقائهما في جلسات األنس .يقلدان مطربي
جيلهم ،محمود ،عصام ،أحمد ،وليد ،نادر ،اجلزار ،وشكر الله .ذات أُنس لم يكن
حمدان بينهم ،قال ألترابه :أن حمدان صار يترمن بأغاني البنات ،وامتألت ذاكرة
هاتفه بأغنيات نانسي ،هيفاء ،جواهر ،عوضية عذاب ،حنان بلوبلو ،ستونا اجملروس،
وبت الدَّميْ ،وبات يتغنج حينما يؤدي تلك األحلان البناتية ،ويضع يديه على خاصرته
عندما يتحدث مع اآلخرين ،وصار ناعماً ،وقد ..........
.4البَقِيع ،أُخته الكبرى .فقدت اآلتي :روج ،فير آند لفلي ،قلم حواجب ،صابون
لنضارة الوجه ،مونكير ،كرمي مرطب للجسم ،عطر ماركة مهند ونور ،ومشد للصدر.
.5نَوّاي سائِقْ اللّوري ،زجره ذات ليلة ،وطرده من أمام باب منزله .قال لنفسه
بعد أن شيع الفتى الذي اندس في ظالم األزقة خجِالً( ،الوَدْ دا ما ..............وال
شنو؟).
.6الفَكي أبو شَامة ،إن ما يأتي به حمدان من تصرفات ،أمرغيرطبيعي ،هو من
نتاج الشيطان ،وتأثير إبليس اللعني ،وأعوانه شياطني اإلنس واجلن.
.7الشَيخ حسّان ،فليغفر لي الله ،لم يكن خطأي أن يشرب هذا الفتى قبل سبع
سنني محاية البت فطني بت جار النبي؛ يوم أرادت أن تغوي نوّاي سائق اللوري
بالكَتِبْ ،جاءت حتمل همَّها ،وأخبَرتَها أن كتابة الغواية ال تكتب إال بقلم من شجر
األراك ،على لوح منحوت من فرع شجرة اللوب أكملت العام من عمرها ،ومتحى مباء
الزعفران مخلوطاً ببذر سيسبان ،وعرق زجنبيل .جذر لعوت جاف ،وصَفَقة سَنَمَكّة.
وتضاف إليها بعد سبعة أيام ،نقع الهرقلية والكمأة والقصعني .وبعد أحد عشرة يوماً،
يضاف إليها مسحوق لسـان الغزال والداميانا .وأخبرتها أن األراك والاللوب قرب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-51-
(احلفير) ،بيد أن تلك األعشاب والعطور ال توجد إال عند العطارين باملدينة .فقالت:
أكتب لي تلك األشياء في ورقة .كتبتها ،وبعد يومني ،كانت العطور واألعشاب أمامي.
قالت أن نوّاي سائق اللوري هو من أحضرها ،بعد أن طلبت منه ذلك .أحضرها ولم
يكن يدري بأنه كان يحمل طقس غوايته.
كتبتُ الغواية ،ومحوتها على آنية شاء لها أن توضع بالقرب من إناء الصبي
حمدان .وملا رأيته صدفة ،ذات نهار خريفي؛ يشرب كَتِبْ الغواية دون أن يدري ،أدركت
منذ ذلك الزمان ،أن ما يحدث اآلن ..البد أن يحدث.
توضيح:
كَتِبْ الغواية إذا شربه الرجل البالغ ،أو املرأة البالغة ،فكل منهما يغوي اآلخر ،أما
إذا شربه غير البالغ ،فإن البنت تتذكّر بعد احليضة األولى ،والولد يتأنّثْ عندما ينبت
شاربه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-50-
السَّوَية .وشَيْخ حَسّان هُوَ مَنْ حدّثَ عَنْ وجُود التِبَاس ،غيَّر مَجْرى
حَيَاة الوَلَدَ عِنْدَمَا تَنَاول ،ذَات يَوْم ،كَتِباً ال يَخصّه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-59-
مجال الدين علي احلاج
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصوص:
وسقطت ورقة التوت
فقاعة صمت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-53-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-54-
وسقطت ورقة التوت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-51-
فقاعة صمت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(ال أحد غيرك يرتب هذه الفوضى) .قال وهو يرمي بامللف على
طاولة مكتبي؛ رفع السبابة وأضاف( :ال تنس أنك من طلب عمالً
إضافياً).
آه لو عرف ماذا فعل بي؟
لقد هز أركان روحي وهدم ذاتي.
بعد خروجه مباشرة؛ انهمكت أقلب أوراق امللف الصفراء الباهتة.
ثمة رسومات مبهمة وخطوط كنتورية لتضاريس مخيلة مجنونة.
يقتضي عملي متابعة أمر ازالة تلك البيوت التي قررت اللجنة
بجرة قلم محوها من على اخلارطة .مباني عتيقة هزت كيانها
حركة العمران املتسارعة؛ فبدت مثل رجل فقير معدم وجد نفسه
فجأة وسط صالة بورصة عاملية تعج بالثروة الصاخبة( .تلك
البيوت القدمية عار على النهضة العمرانية .لقد شوهت وجه
املدينة متاما) .هكذا رد املهندس رئيس جلنة التخطيط على
سؤال املذيعة املتأنقة عن القيمة التراثية لهذه البيوت؛ وعينه
تستقرأ أفكارا فاحشة.
كنت أرى البنايات الزجاجية تقف بخيالء على قارعة الطريق؛
وتنظر إلى بيوت البلدة القدمية من عل بإشمئزاز .وأسأل نفسي
من أين لهم كل هذه األموال؟
في زيارتي األولى للحي احملكوم بالفناء؛ أمر على البيوت؛ أتلو
قرار اللجنة عليها ككاهن أو مفتي وهي تقف صامتة حتضن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-57-
بعضها؛ وترمقني النوافذ بغنب العاجز أو احملكوم عليه باإلعدام
في جرمية لم يرتكبها؛ وكانت كل األدلة املادية والظرفية ضده.
برتابة أضع سهما باللون األحمر على صدرها ثم أعود بعد مدة؛
بعد انقضاء املهلة؛ ومعي كتيبة االعدام؛ أتكئ على جدار الالمباالة
وأرقب اآلالت املفترسة وهي تقضم أوصال البيوت كقطع
البسكوت بتلذذ .أقراص من الذكريات الهشة احملشوة بطبقة من
األصوات الناعمة؛ وطبقات من احلنني تلتهمها اآللة النهمة
املفجوعة في قضمة واحدة؛ تذوب األلفة بني فكيها في حلظة هي
مبقدار بلع الريق ومد اللسان لتذوق طعم الفاجعة في شفتي
صاحب الدار اليابستني املشققتني .حلظة بطول احلياة وعرضها؛
تستحيل فيها ذكرياته إلى ركام وتراب وغبار؛ وال تكتفي اآللة
القاسية بذلك وحسب؛ جتمعها في كومة كبيرة؛ كومة من احلجارة
املصبوغة باألحالم واآلمال والدموع ورسومات طفولية؛ حتملها
الشاحنات إلى مقبرة التاريخ حيث تتحلل وتذوب في تربة
النسيان.
كنت أضع السهم األحمر من جدار إلى جدار وكأنني أرقم بضاعة
رخيصة تالفة؛ وأخبئ عيني من النظرات خلف نظارة شمسية
سوداء .نظارة قامتة علها حتجب مالمح اإلنكسار والصدوع التي
كنت أراها في تلك البيوت قبل وجوه أصحابها .تلك الوجوه
البائسة كانت ترمقني بنظرات حزينة؛ وهي ترى حيواتها تتهاوى
حتت أقدامها وكأنها لم تكن؛ وتظل احلسرة محبوسة بفقاعة
الصمت التتفجر بهمسة .ما بال هؤالء الناس؛ ملاذا ال يصرخون؛
يسبون أو يستعطفون؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-52-
لو رفعت كفي وأنزلتها لتهاوت ذكرياتهم حتت قدمي ولو تركتها
مرفوعة في الهواء ينمو حاضرهم ويزهر ؛ ولكنهم ال يفعلون.
هل الكبرياء مينعهم أم أن قلة احليلة غطت قلوبهم وفاضت
وتدفقت كما مياه الصرف التي حتاوط بيوتهم من كل األركان؟
عندما فتحت امللف وظهر اسم احلي بحروفه املموّهة باخلط
األحمر؛ شعرت بنقزة في كبدي؛ رحت أقرأ األوراق؛ أنقر بطرف
عيني أسماء الشوارع واألزقة كما غراب حط على الشاطئ في
شباك ممتلئة باألسماك وكان الصياد غافال في بطن القارب.
الكلمات نبتت بيوت واألسطر متددت أزقة والفواصل استراحت
لنواصِ .أحاول أن أخبئ عيني بني األزقة وال أقدر؛ أنفاسي الهثة
وقلبي يدق .زقاق البحر؛ السوق؛ أبوعالمة صارت بذهني طبقة
شفافة من الثلج سرعان ما تذوب عندما تسطع عليها شمس
الصباح؛ توقفت عيناي عند اخملبز البلدي الذي يسد الزقاق
كقاطع طريق كرمي؛ خارت قواها؛ أسبلت جفنيها؛ أصابتها رجفة
متقطعة والدموع كما العرق تسيل .أراد املدير مكافأتي ولكنه
يعاقبني بهذا العمل .مسحت دموعي؛ أغلقت امللف وخرجت
مسرعاً.
وأنا أجتول في احلي القابع في فؤاد البلدة القدمية؛ أتطلع إلى
الشقوق والصدوع ليخرج منها صوت صديق طفولة يناكف أمه قبل
االستحمام .وتلك النوافذ السليمة واملكسرة رمبا يطل منها شبح
حب قدمي .وأتساءل:
كيف ميكنك أن تنحي شهوة اجترار املاضي وأنت أمام طبق مآلن
لشفتيه بخبز الذكريات الشهي الساخن؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-61-
كيف ستقنع نفسك أنك متضغ بخيالك أحداثا طفولية مضحكة؟
وهل ستترك لك قوانني لعبة احلياة مكانا لتمارس فيه مراهقتك
أم سيأخذك قلبك وسط كل هذا الضجيج إلى عوالم من السحر
الالمتناهي؟.
يندلق فوق رأسي الصوت العذب من الشرفة كماء بارد (حبيتك
بالصيف حبيتك بالشتي) .أتلكأ في عبور الطريق؛ تتجمد حواسي
كلياً .وأنا أتتطلع إلى وجه البدر من ثقوب الشرفة؛ أخاله يبتسم
لي؛ يضيء فلوات بقلبي التي ظلت معتمة لفترة طويلة؛ أبلع ريقي
اجلاف ويخفق قلبي كحلق ضفدع أفاق من بيات شتوي ليجد
الشمس ساطعة .وددت لو أسألها؛ هل أنا ذلك احلبيب الذي
تتغنني بحبه من الشرفة املطلة على البحر في كل الفصول؟
ومع علمي أنها كانت ستحرجني لو قالت نعم وجترحني لو قالت
ال ،ولكنني لم أكن الكترث .أكتفي باالجابة الرمادية لعل؛ أضع كفيَّ
املتعرقتني في جيوب بنطالي الوحيد وأمضي نشوان وأنا أدندن
بالنغمة احللوة؛ وأستلف سحر فيروز؛ فيخرج صوتي كالتيس
الصغير؛ يغازل معزة تفوقه في الطول.
أخيرا وصلت إلى الدار الذي ولد فيه جدي الرابع .دخلت من
الباب املشرع؛ أبي طامح فوق أريكته في الصالة وبجواره براد
الشاي؛ أنفاس طبخ أمي عابقة من املطبخ؛ احتضنني بشوق
وأجلسني بجواره وصب لي الشاي؛ قلب األم حدسها؛ فأتت
مهرولة حتمل سنواتها الستني وقرونا من اللهفة .قبلتني واشتمت
عنقي وحتسست وجهي وصدري وساعدي وصرخت( :ملاذا أنت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-60-
هزيل أال تصنع لك ابنة جنار املراكب الطعام؟) .وهرولت مهمهة
إلى املطبخ .قلت.
-أبي..
-ال تقل شيئا لن أترك داري.
ولكن يا أبي..
قاطعني بكفه املرفوعة.
-يا ولدي؛ قم بعملك واياك أن تتراجع؛ ونحن في احلي لنا
كالم ثان.
بعد مدة حضرت ومعي كتيبة االعدام وكانت الصحافة وقنوات
التلفزة حاضرة؛ والشمس في رابعة النهار وقفنا كجيشني متقابلني
في ساحة سوق النسوان وكان الترقب سيدنا القاسي الذي ال
يغمض له جفن؛ أبي يتوكأ حفيده ابن شقيقي ويتقدم احلشد؛
النساء أطلن من فوق الشرفات وأطلقن الزغاريد.
و كان ذلك آخر صوت نقلته القنوات الفضائية قبل أن ينقطع
البث املباشر لنقل وقائع جلسة البرملان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-69-
رغوة االبتسامة البيضاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الوقت هزيع ليل وقد طوى الظالم القرية حتت جناحه .وكان
السكون الواقف على أهبة يصب مزيدا من العتمة كلما تناهي إلى
مسامعه شخيب الطلمبات وهي تشفط مياه النيل بتواطؤ تام مع
القمر الذي غاب عن احلضور متحججاً بسوء األحوال اجلوية .في
هذا اجلو الكئيب املنذر بقدوم العاصفة كان حميدة يقاتل وحده
نواميس الكون .يشد العنان ويرفع سوطه ألعلى يسوط به ظهر
احلمار كلما أحس بأنه يتراخى في سحب العربة .احلمار املسكني
بدأ وكأنه يشاور عقله بأي طريق سيسحب العربة اللعينة والى أين
سوف يجرها؟ كما أن خروجه من الدار في هذا الوقت املتأخر من
الليل واخملالف ألوقات دوامه املتعارف عليها قد سبب له نوعا من
االرباك فأخذ يلف ويدور حول نفسه .يرفع رجله األمامية وقبل أن
يدقها ألسفل يحفر بها الطريق متقدما لألمام تتقهقر الرجل
اخللفية وتندق كوتد تثبّت جسمه في مكانه .هذا ما أثار حفيظة
حميدة وسبب له احلنق والغيظ (عر ..عر .الله يقطع طاريك.
املرض الـــ .)...انطلق احلمار يجر العربة بعد أن تلقى ضربة
موجعة وصل فيها رأس السوط الى خصيتيه املدلدلتني .احلمار
يعلم أن صاحبه ميلك قلباً عطوفاً ولكن في حاالت هياجه فهو ديك
أحمق .حميدة يشد العنان بيد ويرفع السوط في عني احلمار بيده
األخرى محذّرا ومتوعدا .وحني يطمئن أن خطته جنحت؛ فها هو
احلمار يركض بأقصى سرعة ساحبا معه العربة .كان حميدة يضع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-63-
السوط جانبا ويضم ابنته التي كانت جتلس بجواره الى حضنه.
(ها ..يا ست أبوها .ما أحسن؟) .ترفع الطفلة عينيها الذابلتني
بصعوبة فيطير قلب حميدة من الفرح (احلمد لله ما زالت حية).
يقول في نفسه ثم يشاركنا فرحته بصوت مسموع ويضيف (تعرفي
يا فطني( )8يا بنتي العقارب لدغتها هينة .اخلوف من لدغات
البشر) .يبتسم بسخرية ويقول( :البشر لدغتهم والقبر أسأليني
أنا .أنا أبوك املسكني دا يا ما تعرضت للدغاتهم السامة) .فطني
املسكينة تتمايل على حسب مزاج احلمار وخياراته في انتقاء
احلفر واملطبات التي كانت منتشرة بكثرة في الطريق .وفجأة
شعرت فطني بنوبات الغثيان ثم ما لبث أن مالت على جانب مثل
قلة صغيرة تدور بها تروس الساقية .حميدة ترك العنان على ظهر
احلمار ومال بجسمه وهو يحمل طفلته ذات العشر سنوات ومثلما
يفرغ قربة بطرف احلوض جعل ابنته فطني تفرغ وجعها بحرقة
فوق الرمال .حركة العربة املتمائلة وارجتاجها جراء سقوطها في
املطبات واحلفر تكفال بافراغ الباقي من قعر القلة .حني أفرغت
فطني وجعها شعر حميدة أنها أفرغت عمرها القصير للتو.
فاندلقت روحه وسالت من جميع أعضائه .دموعها وبقايا اخلوف
التي سالت من عينيها مسحها حميدة ببصره ولعن الزمن.
(استغفر الله العظيم) .مدد جسم الطفلة النحيل فوق العربة
وجعل رأسها يستند على حجره (هانت يا فطني كلها ساعة زمن
8فطني .بكسر الفاء وفتح الطاء مع تسكني الياء .تصغير متليح بالدارجة
السودانية السم فاطمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-64-
ونصل املركز الصحي .عر .عر .املرض الــــ .)..شد العنان وساط
ظهر احلمار برشقة من الضربات املوجعة فقفز احلمار ألعلى
كحصان جامح قبل أن يجر العربة وينطلق بها.
كانت البروق التي ظلت تضحك عليه منذ حلظة اسراجه للحمار
وتعليقه للعربة وخروجه من البيت وحتى هذه اللحظة قد دبّرت
أمرها متاما .وبدأ ريح أهوج يهب من جهة اجلنوب ورعد يدوي من
جهة القبلة .ثم ما لبث أن احترقت السماء .كأن البرق الالهب
سوطا من نار يبدأ من جهة القبلة ويلتف من خصر السماء نازال
ألسفل األفق كحزام من نار؛ فتسيل دموع السحب بغزارة .وما أن
تسكب غيمة مياهها وترحل؛ البرق الالهب ال يرحم السماء أبدا؛
يكر سحبا أخرى بسوطه الناري من مجاهل األفق البعيد كما
يسوق الراعي قطيع من االبل اجلهم من تخوم الصحراء ملورد املاء.
حني اشتد املطر العاصف بالبرق والرعد؛ خلع حميدة شاله من
رأسه؛ ولفه علي جسد طفلته املرجتف من البرد ورفع يديه ألعلى
مقوسا ظهره فانتفخ الصديري بسبب الهواء .ظهر حميدة احملني
والصديري املنفوخ شكال مظلة جلسم الطفلة( .تعرفي يا فطني
من أول لم نكن نعرف مثل هذه األمطار الغزيرة وفي موسم حش
التمر! املطر رحمة من الله ولكن املطر في موسم حش التمر
عذاب .أستغفر الله العظيم) .وكأنه تذكر شيئا (كله من جراء هذا
السد اللعني .املطر رحمة من الله .ولكن السد من أفعال البشر
وبعض البشر عقارب .أهلنا زمان قالوا يا ما حتت السواهي
دواهي .ونحن يا فطني يبدو أننا رفعنا ساهية كبيرة خرجت من
حتتها عقارب اجلبال السوداء وانتشرت في البالد) .ميسح املاء
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-65-
عن وجهه وينظر البنته .وجهها شاحب وابتسامة بريئه ترتسم على
شفتيها( .آآه يا فطني لو تعرفي مفعول هذه االبتسامة .كنت أعود
للبيت منهكا وجائعا آخر النهار وحني أرى االبتسامة البيضاء
طافية كرغوة احلليب فوق شفتيك أشعر بالشبع ويزول عني
التعب) .ابتسم وقال( :حتى احلمار كان مغرما بتلك االبتسامة.
فكنت أسمع ضحكاته تأتي من الزريبة وهو ميضع عليقته بتلذذ).
انحنى لألمام كانه يهمس باذن احلمار (أليس كذلك يا رفيقي
العزيز؟) .احلمار رفع أذنيه موافقا كالمه وسار مترنحا وهو يجر
العربة بالطني والوحل( .ملا قلنا الناس بحاجة للصحة والتعليم.
قالوا السد الرد .قلنا الهدام أكل الطني .قالوا الرد بالسد .قلنا
السرطان والهجرة أفرغت املدن والقرى .جمعوا خلقا كثير.
باللواري والبصات والقطارات والطائرات والدواب هتفوا فوق
رأسنا الليل بطوله السد ...السد .الرد ...الرد .أبوك يا فطني كان
الشعبة املزالفة وقفت في وجه املاكينة وقلت احلق .).يبتسم بأسى
ويقول (األرض والنخيل جرفتهم املياه .والتعويض املادي اشتريت
منه هذا احلمار والعربة وغرست الشقاء بالدروب) .كان البرق قد
أوقف الضرب فتوقفت السحب عن البكاء والنحيب وبدأ نسيم
عليل محمّل بعبق زهور السنط وثمار اجلوافة يهب من جهة
الوادي .وظهر على وجه حميدة االرتياح ألول مرة فابنته مستلقية
بجواره فوق العربة بسكينة مثل حورية صغيرة بعد أن غسلتها املياه
الربانية القادمة من السماء .احلمار أيضا بدأ نشيطا وهو يسحب
العربة في طريق مكسو باحلصى والرمل الذي غسلته مياه املطر
فبدأ المعا كبساط مذهب (جدك يا فطني قال ألمي ملا ذهبت اليه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-66-
خلطبة أمك .حميدة رجل فحل اال عيبه حاجتني أثنني .متلقي
حجج ومباري الغناء .الغناء ما بيأكل عيش ومتلقي احلجج برمي
نفسه في املصائب) .يضحك ساخرا (الله يرحمك يا عمي في
مصيبة أكبر من هذا السد اللعني) .التفت الى ابنته التي كان
جسدها امللفوف بالشال يتمايل كلحاف على الرحل( .ها يا ست
أبوها كأنك غير مصدقة أن أبوك كان فنانا في يوم من األيام .ليك
حق يا بنتي ألنك لم تستمعي ليّ في عز شبابي .لكن وال يهمك).
تنحنح وصدح بصوت مشبع باحلنني (سوقني معاك يا حمام
سوقني محل ما احلبيبة قريبة تراعي الغرام .فقارى ولكن غنايا.
غنايا بهذا الغمام).
و بعد قليل ملع نور شاحب مثل كشاف ضعفت بطاريته توقف
حميدة عن الغناء وقال مخاطبا ابنته فطني ودون أن يلتفت اليها
(آها .نحمد الله وصلنا املركز الصحي .قد يصرخ احلكيم بوجه
أبيك أو رمبا سبنا ولعن اليوم الذي رآنا فيه .ال تستغربي فعله يا
فطني .وأنا سوف أكون واجما ومنكسا رأسي وحينما أتكلم
سأتوسل اليه قائال هيا يا دكتور هيا أسرع .فطني بنتي قرصتها
عقرب .عليك أن تأتي باحلقنة بأسرع وقت وسبنا وألعن أهلنا
واليوم الذي رأيتنا فيه الحقا فسوف يثور بشدة ويسبني بأقذع
األلفاظ ويتهمني بأنني تدخلت في شغله .حني ترين كل ذلك
يحدث أمامك يا بنتي ال تفكري أن أباك رجال جبانا .كال يا بنتي
ليس جبنا مني .سهل جدا أن أستل سكيني التي ال تفارق ذراعي
وجخ أذبحه عند عتبة املكتب .ولكن يا بنتي هذا لن يفيد ولن يحل
املشكلة .املشكلة في النظام الصحي الذي بعثه الينا بال أجهزة وال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-61-
أدوية .كأنهم قالوا له أذهب الى أولئك البائسني وتدرّب على رؤية
الروح وهي تغادر اجلسد املنهك حتي تعود مختصا في كيفية
خروج الروح .هذا الدكتور املسكني امنا يفعل ذلك ليفش قهره
وعجزه فينا .اذن يا بنتي هو ضحية مثلنا لذا فان ذبحه ال يفيد
ورمبا فاقم املشكلة) .وكانت العربة وهي مندفعة قد ارتطمدت
بالباب اخلارجي للمركز الصحي فسقط بدوره على األرض وتعلق
بالعربة من أسفل فسحبه احلمار على األرض احلجرية ملسافة
مسببا صوتا مزعجا كان كافيا ليهب الطبيب ومساعديه مذعورين
من النوم .وقفوا أمام الصوت املزعج .حمار يقف بالفناء منكس
أذنيه ومرخي عضوه وبوله يسيل جدول يسقي شجرة النيم الواقفة
باجلوار .رجل خمسيني مكسور اخلاطر يحاول أن يقول شيئا
ولكن لسانه وأنفاسه املتسارعة ال تساعده على نطق احلروف
والكلمات بصورة سليمة فبدا وكأنه أخرس يتمتم ويحاول أن يتكلم
ويعبّر بعينيه وشفتيه ويديه ورجليه .هرول الطبيب نحوه .كشف
حميدة الشال عن وجه طفلته وحني سقط الشال عن جسم الطفلة
كاشفا بال شفقة ما فعله القدر .ابتلع الطبيب سبابه ولعناته التي
كانت واقفة في طرف لسانه؛ ورفع كفيه املفتوحني ألعلى قلّده
مساعداه كما يفعل املصلون خلف االمام في الدعاء .حميدة
ممسك برأس احلمار وعيونه منفوخة بالبكاء .احلمار ظل واقفا
منكسا أذنيه وعضوه مرتخ بعد أن أفرغ مثانته وشعر باالرتياح.
قال الطبيب مواسيا (لألسف االسعاف متعطل واال كنا أوصلناك
واجلثمان للبيت) .أدار حميدة عنق احلمار وصعد على العربة
وترك العنان للحمار؛ فهو يعرف طريق العودة جيدا .واستلقى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-67-
بجوار طفلته وهمس في أذنها( :ها .يا فطني ما رأيك لو أغني لك
أغنية حتى الطيف رحل خالني ما طيب لي خاطر).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-62-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-11-
عمر الصـــــــــــــــــــامي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصوص:
دار املنقوط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-10-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-19-
دار املنقوط
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-14-
مختلفة ،أمدد لها أطرافي املبرقعة لتراني كما أنا ،وأحيانا أحدثها
بألسنة قرد ،قرادة دبر ،قملة ثياب ضالة.
ال أقر بتجمد شيء ما ،اجلمادات كائنات حية بطريقة مغايرة،
حتى باب الغرفة حي يقبع في جسد الغرفة الكبير ،والغرفة حية
في جسد البيت الواسع ،والبيت في املدينة .الكون يحيا متداخال،
يتجاذب أطراف احلياة .الشئ الوحيد الذي لم يدخل بيتي هو
املرآة .لم أفكر إذا ما كانت حية أم ال! لم تعوزني أبدا؛ ألنني أري
وجهي في بؤبؤ الطيور ،وملعان أغطية الصراصير .أرى نفسي
مبتسما ،خفيف الروح ،عاشق بال أنثى ،أب وأم ،صياد وطريدة
جمعهما دغل موحش .وأنا أعبر في مملكتي رأيت بيت عنكبوت
بني السدرة والنخلة ،يلمع كأنه صيغ للتو من أحالم عنكبوت زاجل.
استوقفني وجهي املرسوم في مرآة العناكب ،لم أره منذ قرن ونيف!
للتو اكتشفت نفسي فهتفت لها :لقد هرمت يا صاح!
حتسست التجاعيد ،شيبي املتهالك ،بضع أسنان متناثرة على
حواف ابتسامتي .هل ستموت قريبا يا صاحبي؟ تنتقل إلى الطرف
اآلخر من التجاذب؟ وملن تؤول مملكتي املتوازنة؟ من للضب
العجوز ،احلرباء اجلرباء ،والنخلة الشمطاء؟ من ألوراق السدر
املتعطنة أللف خريف مضى؟! فزعت ،التاع قلبي؛ فهربت إلى
مخدعي أرجتف من برد الصيف غير املنضبط بالفصول.
منت ،لبست مخدعي وكوني وغططت في شخير هادر ..عادني
جدي ،فراؤه ناعم ،خلته مصالة ألبكار املؤمنني ،في يده عصا
أعلى قبضتها شكل هندسي يشبه املفتاح ،لطاملا رأيت ما يشبهه
في رسومات األسالف .غمزني بعصاه ،وقال لي (هل أفزعك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-15-
مرأى نفسك من اخلارج؛ ماذا لو رأيتها من الداخل؟ هل سيرتاح
قلبك؟ ملاذا لم حتدث كائنات دواخلك ،كما فعلت للعالم من حولك؟
رمبا حظيت باخللود والتمجيد!) .سكت يرمقني من مفتاح العصا،
ثم يحك بها أنفه املنبطحة بكبرياء (لم تخبرني أن بداخلي كائنات
يقتلها الصمت ،لم حتطني علما أن الضب على اجلدار ليس هو
الضب نفسه قبل عشرين سنة) قبل أن أكمل حديثي قاطعني
(وملاذا أخبرك أين كشوفاتك يا قردي األغلف؟ أين روحك التي
استلبتها من بني ساقيك؟) بدأ يسمعني ألفاظ خادشة حلياء
كائناتي ،ألفاظ أعياها االنتظام في موسيقى مملكتي .فتحت
عيني ألبصره؛ ألريه أي قرد أنا! لم أجده .كنت مستلقيا على
ظهري .بطني وصدري منفتحان ،بوابتهما صدئة ،تصدر أزيزا
حلظة جرجرتها لالنفتاح.
رفعت رأسي؛ ألرى أحشائي احلبيسة منذ فجر التاريخ ،هالني
أنها غير منقوطة كسائر جسدي من اخلارج! قلبي قمرية علقت
في شراك ،واهن الدقات ينبض ،متجعد وحوله شحمة صفراء.
رئتاي منفرجتان بال مباالة ،أبصرتهما رئتي نعجة معلقتني في
جزارة .كبدي ..آه من كبدي! تتخلله خطوط داكنة ودمامل
متحجرة .ظلت عيناي جتوالن في داخلي ،ظللت أشهد كائناته
مسيجة بالصمت ،تدور حول نفسها .رفعت بصري نحو نافذة
اجلدار ،رأيت شجيراتي تتقافز من أمكنتها ،تصفق بأجنحتها،
حاملة حشراتها ،واألعشاش .أجلت بصري في اجلدار ،عنكبوت
وضب ميرحان ،أغمضت عيني ألرى نفسي بنقاطي ،بشرتي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-16-
وأحشائي املفتوحة لسقف السماء ،وجهي لم يزل مبتسما،
ومملكتي تزفني لعمق توازنها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-11-
بني راما واملقهى املنكفئ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-76-
رسالة إىل نورا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-72-
نورا حسب الرسول ،تسكن قرية نائية على النيل ،أبوها مزارع
بسيط ،وفي أوقات أخرى مُرَبِّي غنم ،أُمُّها قعيدة املنزل ،لم تنل
حظاً من التعليم ،أشقاؤها سائقو لواري ،لستِ بيضاء وال بضة ،إن
لم تكوني بطة متاماً ،ترتدين نعالً من الرتابة والضَّجَرِ ،خرجتِ عن
جَرْسِكِ وما عدتِ حتى اآلن.
أعترفُ أَنَّ األلمَ سحقني ،وأحالني بدره على وجهك .أترين لو أن
الزوج املرتقب كان جتاني ،أسيواجهه ذووك بذات الرفض؟ قبل
دخول اجلامعة ما كنت اعرف أني مختلف ،وال كيف يراني اآلخر.
قبل أَنْ تنصبي لِي الفِخَاخ كُنْتُ وديعاً ال أفهم أن ثمة شيء مسكوت
عنه ،شيء يخصني يتعاطاه اآلخرون خلف ظهري ،عرفتُ كُلَّ ذلك
وأنا بني يديك ،وصدمتني املعرفة لم تكتفِ بِأَنْ تكوني صنمي
لشهر أو شهرين ،نصبتِ علىّ سُرادق العزاء أعواماً حسوماً،
سنوات خمس وأنا أتضور جوعاً ،أفتش عن قبول محتمل ،وأنت
تتالعبني بيّ كدمية من قصب صنعها أبوك ثم قذف بها إلى
املرعي.
نعم ..كنت أضربك أحياناً ،وأبكي عند قدميك مرات كثيرة ،في
حلظات متنيت الهروب بك إلى غابة أو صحراء بعيدة .بكاؤك
وإستنطاق نهديك لهما نفس املتعة ،قُبالتك وصفع وجهك لهما
ذات املذاق ،حدث كل هذا ألنني أحببتك بصدق ،وأنت جردتينى
من ذاتي التي تسكنني .لست مندهشاً لعودتك إلى صفعاتي
وبكائي غِب كل شجار وأنت مملوءة بالشبق ،باحثة عن لعبتك
املمتعة ،إذا أخشنتُ عليك أنعمتِ عليّ ،وإذا تلطفتُ بك ركبتِ
هامتي ،سنوات خمس أرهقنا فيها البكاء ،وأمتعنا البيوت النائية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-21-
حرضني صديقي العارف بتاكتيك البنات ،أن أفعل بك ما يجعلك
في زمرة النساء ،وسوس لي أنه في حال فقدك للبكارة ستكونني
لي ال محالة .طرحت عليك الفكرة ،وال أعرف اآلن ملاذا وافقت
دون تردد ،ولم أسألك ساعتها ،خرجنا لنفعلها ،وعدنا كما ذهبنا.
لم استطع إجلامك ،كبح جماحي كان أهون ،أعلم لو أنني فعلتها
فستكونني لي بالتدليس اإلجتماعي ،ولكن لن تكون لي نفسي،
سأبحث عن مهيد حيدر فال أجده ،وسأقذف بحبي إلى معركة ال
عالقة له بها وال قُبلة .فكرت أن أحلق بالشجاع صديق شول ،ولكن
أوتادي في احلياة كانت أعمق ،كتبت لك رسالة لتقرئيها بعد موتي
أسميتها وثيقة املوت ،ثم أحرقتها أمامك ،لطمتك على خدك،
وجثوت أقُبل قدميك.
صرت خليطاً من الدموع والفشل ،لم أعر الدارسة قلبي وعقلي،
فأعدتُ العام ،والعام الذي يليه ،لم تدخلي معي في حالة
اإلختالل ،حافظتِ على نقاء وجهك ونتيجتك ،فتركتي اجلامعة
قبلي ،وتركتيني أرشف دناني احملطمة ،تعرفني بقية القصة،
زواجك الفجائي ،نزوالً عند رغبة األسرة – كما أعلنت -وجنوني
العارم حتت ضربات العذاب .لن أحكي لكِ كيف مضت بي احلياة،
فهذا سرد ال يعنيك ،فقط أنظري لي من هنا ،من ذاتي ،لتبصري
هل كان قلبي مخادعاً؟ وهل كنت أستحق زراية احلياة؟ وأين؟ في
احلب! اآلن وقد علمت أن احلياة بدونك ممكنة ،األرض أكثر
اتساعاً ،والسماء ال تسقط على رأسي ،اآلن أكتب لك هذه الرسالة
بعد أن رأيت صدفة صورتك الشاحبة ،فإذا ضغطت على أرسل،
وجاءتك رسالتي إذهبي فأنا الطليق ....آه! عفواً نسيت أن أكتب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-20-
لكل أسمي للمرة األخيرة ،فلرمبا اعتراك الزهامير ،فصورتك ال
توحي بشيء أعرفه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-29-
سارة اجلــــــــــــــــــــــــاك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصوص:
جرح
سخرية
النحات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-23-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-24-
جرح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-25-
ابتسم الرجل بخبث ومضى ،يخبر السلطان بأن امراة خرفة
تريد جمع أبنائها ،بعد أن بذلنا اجلهد لتفريقهم ،في طريقه
قابل أخرى .نظرت إليه بصقت بإزدراء في وجهه وقالت:
-سب عليك الشوم ،البوم
مسح بصاقها بيده غسلها من ماء السبيل ،ضحك عليه النبي
اخلدر وقال له :
-ياحافر حفرة السوء وسع مراقدك فيها.
لسعته كلمات اخلدر ومضى مهروالً ،وصل إلى السلطان
دخل عليه دون استئذان ،أخبرة بخير أم رماة احلدق التي أتت
لتجمع ابناءها الذين فرقوهم ،ابتسم الشيطان.
أقيمت حفلة كبيرة في وسط املدينة ،اجتمع كل الناس،
وبالطبع أتت األم التي تبحث عن أبنائها حتمل قلبها النازف بني
كفيها ،لم جتدهم لكن وجدت مسوخهم ،يلبسون الصديريات
ويحملون السيوف ،تراقصهم فتياتهم املتلفحات بالفراد
والقرمصيص ،يتبادلون حركة اإلبل مع إخوانهم من الغرب
برقصة تعتمد في إيقاعها علي سير البقر ،ال يختلفون عنهم في
األزياء كثيراُ وال املالمح تتراوح بينهم راقصات بجرجارهن
األسود الزاهي وراقصني باجللباب األبيض ،تداخلت عليها
مالمحهم مالبسهم سيوفهم ورقصاتهم ،لم يخفق قلب أحدهم
ملا مرت من أمامهم ،فصاحت أوقفوا الطبول والرقص ،سكن كل
متحرك في ذاك املكان الفسيح ،أراد أن يهجم عليها القواد
الذي وجدها في مدخل املدينة ،نهره شيطانه أن قف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-26-
قلبها ينزف وخطواتها ثقيلة وقفت أمام البجاوي صاحب
الدرقة والسيف نظرت في عينيه مليا وقالت -:ألم أرضعك
ضوء شمس التاكا مع احلليب؟
ثم التفتت إلى صاحبات اجلرجار األسود :ألم أحفظكن
تاريخ أماني شيختو واننت حتبون في معابدها ،وانت ياحمي
ظهري من وحوش الصحراء اضارية إلم أعيذك بتعاويذ اجلبال
التسع وتسعون.
أين بقية إخوتكم وملاذا ترقصون ؟ هل حلصاد ؟ أم لتنصيب
ملك عادل ،ضحكت التي بصقت في وجه القواد
وقالت له:
-الليلة جاتكم
مر نبي الله اخلدر علي اجلمع وقال لهم اجمعوا إخوتكم،
عاجلوا جرح أمكم واطردوا الشيطان .أقصد السلطان من
بينكم ،أعيدوا صيغة اجلمع أو احيوها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-21-
سخرية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-22-
والده وهو مكفهر الوجه ،عن معاندة األخشاب له ،وعدم
انصياعها ألدواته ليشكلها كما يتمنى...
كانت الشمس قد جلست على عرشها في كبد السماء،
واشتد احلر على النجار وتالمذته ،فوهبهم فسحة من الوقت،
ليتسامروا مع بعضهم ،ويشربوا كوباً من الشاي ،وليعودوا الى
العمل مرة أخرى عند العصر ،طلب النجار من ابنه أن يعد لهم
الشاي ،لكن االبن تظاهر بعدم سماعه لوالده ،الذي قام بطلب
إعداد الشاي من تلميذٍ آخر؛ هب مسرعاً لتلبية طلب معلمه،
انتبذ اإلبن مكاناً قصياً حتت ظل الشجرة ،بعيداً عن أبيه
وتالمذته ،إال أن األب حمل كوبه وكوب ابنه وقصده في مكانه
القصي...
ابتسم قبل أن يلقي عليه السالم.
رد الولد بتأفف.
ابتسم األب وقال له سألتني قبل قليل عن معاندة األخشاب
لك ،وعدم انصياعها ألدواتك
أجاب الولد بتذمر نعم
األب سأسالك وعليك أن جتيبني قبل أن أخبرك مبا تريد
زاد الولد من تذمره وهو ينظر الى أبيه بنفاد صبر
-هل ابتسمت حني وصلت إلى مكان عملك
قال :الولد ال
-هل مسحت على القطعة اخلشبية ،قبل أن تضعها على
منضدة العمل .
قال :ال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-011-
-هل استأذنتها قبل أن تعمل أدواتك عليها
قال :ال
-إذن لن تستجيب لك وستستعصي عليك
وأخبره بحكمة معلمه العجوز:
-األشجار كرمية متنحنا أخشابها لننتفع بها ،لكنها متسك
روحها ،وال تهبك إياها ،فكن رحيماً على األخشاب حتى
ال تؤذي روح األشجار...
فهم الولد سر جناح والده ،لكنه استثقل نصيحته ،ولكن ال
مفر له من العمل بها ،ومن يومها صار يبتسم عندما يصل الى
مكان عمله ،يسلم على األخشاب ،ميسح بحنو على القطعة
اخلشبية التي يريد تشكيلها ،يستأذنها قبل إعمال أدواته عليها،
أطاعته األخشاب ،صار ماهراً ،يقصده الزبائن من الفيافي
البعيدة ،صار له أتباع وعُمال يأمترون بأمره وينتهون بنواهيه،
زاده ذلك تيهاً وغروراً...
وجوه جنمية سداسية الروؤس ،ذات مالمح باهتة؛ تؤدي
حركات غريبة ،يتتابع ظهورها برتابة؛ على إيقاع فحيحي
كئيب...
في صباح يوم من األيام ،سمعوا صوت صهيل خيول،
جلبة كبيرة وخطوات تئن األرض حتتها من قوتها ،سحابة من
الضباب والتراب حالت دون تبينهم ملا خلفها ،محتارين ينظرون
إلى اجملهول الذي يريدهم ،حتى غطاهم ترابها كحوا جميعاً
وعطسوا ،قبل أن يبصروا حاشية ملكية تقف أمامهم بكل
هيبتها وجاللها ،فتح باب العربة التي جترها األحصنة ،نزل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-010-
منها وزير ملك مملكتهم ،كان له كرش كبيرة يرتدي مالبس
ملونة بالذهب والفضة ،بدا كمهرج في سيرك كبير ،ميشي
بزهو وصلف ،سلم عليهم بصوت جهور
وقال:
-امللك يريد تعني جنار للقصر ،وله شرطٌ واحد ،أال يكن له
مثيل في املهارة ،علي إمتداد أرض اململكة واملمالك اجملاورة
قال الولد للوزير :
-أنا أمهر جنار في اململكة وال مثيل لي
الوزير:
-لو وجد لك امللك مثيال سيقتلك.
النجار املاهر:
-لن يجد لي مثيل.
الوزير:
-إذن فسأكتب اسمك في القائمة ،وهمس له في أذنه
ميكنني مساعدتك.
النجار املاهر:
-كيف ؟
الوزير:
-سأعطيك قائمة كل النجاريني املسجلني لدي في القائمة،
توأمت كيمياء الوزير وكيمياء النجار املاهر ،بينما نفرت منهما
كيمياء النجار األب وصديقته الشجرة التي سمعت همس الوزير
النجار االبن ...
النجار املاهر:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-019-
-ماذا أفعل بهم
الوزير:
-اقتلهم وتعال لتكون ذراعي اليمني في القصر ،لكن دون أن
تتلطخ يديك بدمائهم ،قال ذلك هامساً ،ثم عوى بصوت عال
ملفتا اجلميع ،سانتظرك العام القادم في مثل هذا الوقت...
أخذت القائمة قرأت أسماء النجارين املهرة ،حفظتهم عن
ظهر قلب ،في مرة من املرات قبل أن يكتمل العام ،كان أبي على
فراش املوت ،طلب مني أن أخذه الى مكان عملنا حتت الشجرة،
رفضت طلبه عدة مرات ،ولكنه ألح كثيراُ هذة املرة ،أخذته معي،
عانقته الشجرة بأغصانها وعانقها بنظرة عينيه احلانية ،عيناه
اللتان حاول بهما لفت نظري لكثير من األشياء ،لكني
جتاهلتهما عامدا ،انتهى من حتيته للشجرة ،جلس مبكاني
القصي الذي انتبذته سابقاً ،اغمض عينيه ،وتال عليّ القائمة
التي أعطاني إياها وزير امللك ،وجمت ورجفت ،وسألت نفسي
سراً ،كيف علم أبي بأمرها ،لم يطل احلديث عنهم ،فقط
أوصاني بأن أعتني بهم ،وأن أصل ودهم ألنهم أصدقاءه وزمالء
مهنته ،وأخبرني بأن املعلم العجوز ،هو من جمعهم ذات يوم،
وأورثهم جميعا مهارته في مهنة النجارة ،كانت كلماته( :عليك
أن حتفظ ودهم وتصلهم) ،ملكني عناوينهم عنوانا عنوانا ،وهذا
ما قفل عنه الوزير ،مضيت بأبي إلى املنزل ،بعد أن ودع شجرته
ومكان عمله؛ تالمذته وحياته ،تركني لشيطاني املبتسم داخلي،
فقد مات من كان يحميني منه ومن أهوائي...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-013-
اآلن فقط سأبدا في تنفيذ وصية الوزير ،نظر ملياً إلى
القائمة اختار التوائم ،قابيل وهابيل هكذا أسماهما أباهما
ظاناً من أنه سيكون آدم النجاريني ،لم يأخذ منه األمر وقتاً
طويال ً،مشى بينهما بذات فتنة احلسناء ،قتل هابيل قابيل،
ومضى لزوجته بأن اقتليه فقد قتل زوجك ،هكذا تخلص من
أول اسمني وأقرب أصدقاء ألبيه في القائمة ،بكى حتت ظل
الشجرة كل الليل ،كاد الندم يفتك بقلبه ،عندما تراءت له صورة
والده وتردد على مسامعه صوته وهو يقول له صل ودهم ،تداخل
له مع صوت الوزير بخيالئه ،اقتلهم وسأنتظرك في القصر،
ابتسم وهو يتخيل القصر وما يحوي ،مسح دموعه حدد هدفه
القادم ،نفست فيه أنا كل ثاني أكسيد الكربون احملتقن داخلي،
اختنق وفر هارباً من حتتي ...
علمّ الوزير بأن النجار املاهر بدأ في تنفيذ مهمته التي كلفه
بها ،ابتسم وتذكر وقفته املهينة وهو مطأطأ الرأس ،أمام
العجوز معلم النجاريني ،عندما طرده من رهطهم؛ فقد كان
ميشي بينهم بالفتنة ،ومنذها وهو حاقد عليهم جميعاً ،مللم
ابتسامته الفاضحة حلقده ،وبخبث بعث له رسالة عزاء في
والده مع رسوالَ من رجاله ،وصرة من املال ،وتهنئة ببداية
شروعه في مهامه ،قبل الصرة ،وأخبر الرسول بأن النجار
يوسف؛ في طرف اململكة يدين بغير دين امللك ،أخبر الرسول
الوزير ،أخبر الوزير امللك ،الذي زج بيوسف في اجلب ،فمات
حلظة ارتطامه بسطح مائه غريقاً ،وصلت النجار صرة مال
أخرى بعد أن ارتسمت اإلبتسامة الفاضحة على وجه الوزير،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-014-
بكى حتت ظل الشجرة كل الليل ،كاد الندم يفتك بقلبه ،عندما
تراءت له صورة والده وتردد على مسامعه صوته وهو يقول له
صل ودهم ،تداخل له مع صوت الوزير بخيالئه ،اقتلهم
وسأنتظرك في القصر ،ابتسم وهو يتخيل القصر وما يحوي،
مسح دموعه حدد هدفه القادم ،نفست فيه أنا كل ثاني أكسيد
الكربون احملتقن داخلي ،اختنق وفر هارباً من حتتي ..
بعث بخطاب لألخير ،مفاده أن الوزير وهبك األرض التي
جتاور أرضك ،حمل األخير اخلطاب وذهب لصاحب األرض،
يطلب منه إخالءها ،استغرب صاحب األرض .غضب وقتله،
استلم الصرة وأمره الوزير بصنع تابوت ،ليجمع فيه اجلثث
األربعة ،قبل أن ميارس طقس جلد الذات الذي اعتاد عليه ،فقد
صرت جثته اخلامسة ،لم يسلم ولم ميسح جزعي ،ولم
يستأذنني قبل أن يعمل علي ّ فأسه ،قطعني قسراً وصنع منِّي
تابوتاً ،أرسله إلى الوزير ،جمع الوزير اجلثث األربعة داخلي
وقبل أن يغلقني ،أضاف اليّ جثة النجار املاهر...
وجوه جنمية سداسية ،ذات مالمح باهتة؛ تؤدي حركات
غريبة ،يتتابع ظهورها برتابة ،أمام ناظري الوزير؛ على إيقاع
فحيحي كئيب ،وضعهم في قبو يؤدي إلى املمر الكبير املؤدي إلى
بحر القلزم ،متوقعاً هجمة امللك وعيونه للمكان واكتشافهم
ألمره ،فمن هناك يسهل التخلص من التابوت وما يحوي إلى
البحر ،أحاطوا به إحاطة السوار باملعصم ،أقلقوا منامه ونغصوا
صحوه ،زارهم مرة في القبو ،فتح التابوت نظر ملياً داخله حتى
وقع فيه ثم انغلق عليه ،أتى حرس امللك تخلصوا من كل ما خُزن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-015-
في القبو رموا بهم إلى البحر ،عند ارتطامهم باملاء خرجوا
جميعا من التابوت إال الوزير ،حيث تولى التابوت مهمة إيصاله
إلى مثلث برمودا..
لسان و شفتان يرددون حلن اجلحيم بصوت فحيحي..
أذنان ترقصان رقصة األلم ،على اللحن الفحيحي ،الذي
يتردد على اللسان والشفتان.
أنف يستنشق عطن جثث املوتى ورائحة الدم.
عينان جاحظتان ترسالن دمعاً أحمر ،أسفاً وندماً متسحه
يدان.
يحيطهم وجه جنمي سداسي..
اليدان مغموستان في بحر دماء..
كلهم داخل النقطة التي تتقاطع فيها أقطار مثلث برمودة.
جميعهم يتالومون ويسبون التابوت ،التابوت على الشاطئ
يضحك ضحكته األخيرة ،قبل أن تتفكك أجزاؤه ،راسمة جنمة
خماسية بريئة من جنمتهم ،سخرت منهم النجمة قبل صعودها
إلى السماء ،وأصبحت كل مساء تأتي وتضحك على ما آلوا إليه
ناقمة عليهم...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-016-
النحات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-011-
القس :هل أنتما مستعدان ألن تقبال البنني ،بحب من يد الله،
وأن تربياهما مبوجب شريعة املسيح والكنيسة ؟
العروسان :نعم
هنا يوعز القس للعروسني باإلعراب عن رضاهما
القس :فبما إنكما عازمان أن ترتبطا بعهد الزواج املقدس،
ليمسك كل منكما يد األخر
مسك كل منهما بيمني اآلخر.
فيسأل القس العريس:
-يا أركماني ،هل تريد أن تَتَّخذ حورية زوجةً لك ،وهل تَعِدُ
أن تكون لها أميناً في الضيق والرخاء ،في املرض
والصحة ،فتحبَّها وتُكرِمها طول أيام حياتك؟
فيجيب العريس :نعم أريد.
ثم يسأل العروس:
-يا حورية ،هل تريدين أن تتخذي أركماني زوجاً لك ،وهل
تعدين أن تكوني له أمينة في الضيق والرخاء ،في املرض
والصحّة ،فتُحبيه وتُكرميه ،طول أيام حياتك؟
فتجيب العروس :نعم أريد
العريس :أنا أركماني ،أقبلك ،يا حورية ،زوجةً لي ،وأُعدك أن
أكون لك أميناً في الضيق والرخاء ،في املرض والصحة ،فأحبك
وأكرمك طول أيام حياتي.
العروس :ياسيدي القس لقد أكرمني قبل أن يعرفني ،أال
يكرمني وأنا زوجته!! ،تنظر إليه وتنهمر دموعها بغزارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-017-
أنا حورية أقبلك يا أركماني ،زوجاً لي ،وأعدك أن أكون لك
أمينةً في الضيق والرخاء ،في املرض والصحة ،فأحبك
وأكرمك طول أيام حياتي.
بعد أن يتحقق القس من رضى العروسني ،ميد يده عليهما
يقول القس:
-فليؤيد الربُّ العطوف رضاكما هذا ،الذي أعلنتُماه أمام
الكنيسة ،ولْيُفِض بركته عليكما .وال يُفَرِقَنَّ اإلنسان .
احلاضرون :آميني
***
انتقلت مراسم الزواج من كنيسة التوحيد في فن فينة
بالقرب من بع قيشون ،إلى معبد املصورات شرق الروح...
موسيقى هادئة تنساب ،في بهو معبد املصورات الصفراء،
بعض املدعوين من أصدقائهما ،أمها ورهطها...
ينظر في عينيها ،يتيه في جمالهما ،ميضي بعيداً ،ومتضي.
***
ترجتف خوفاً ،تستحم بعرقها ،املدبوغ برائحة الزجنبيل،
فُطمت على شرب القهوة الداكنة السمرة ،املنكهة بالزجنبيل
احلار ،صار عرقها زجنبيلي ،تشتم رائحته؛ تعرج بها كبساط
ريح إلى ذاكرتها؛ حتج إلى منزلها في فن فينة...
جتد والدتها في املنزل ،حتت عريشة العنب ،املتوسطة
لدارهم في سفح اجلبل األخضر بادرته بالتحية قائلة:
-صباح اخلير
رد اجلبل مبتسما:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-012-
-صباح الصحة والعافية
أشرقت عليه الشمس؛ أضفت على خضرته غاللة ذهبية،
أوصاها كوني بردا وسالما عليهم.
راشقته مياه الوديان تعكس زرقة سمائها؛ ضمها على
خضرته بحنو .كونت ألوان طيف أبرزها البنفسجي .وقال:
كوني مغتسال باردا وشراب.
أتته الريح حتمل أشواق جبل البركل واإلهرامات ،قال لها:
اقرئيهم مني السالم ولتأت ببذور احلب واخلير .
إما ذرات ترابه املتفتتة من صخره بلون أدم فقال لها :أنا
أتعهدك بالعناية واخلصوبة...
أودعها ورهطها إلى أمهم ،وظل يراقبهم جميعا عن كثب.
تتطابق مالمحها وأمها ،ترتديان الزوريا البيضاء الباردة
صيفاً والدافئة شتاءاً ،خاطت األم من ذات القماش غطاء شعر،
تلبسه دائما ،اجلو هنا معتدل...
جاهلة بالوقت ،تصحو على رائحة حتميص النب ،استيقظت
أمها باكرا ،أنهت مهامها اليومية الصباحية ،وهاهي تُروِّح عن
نفسها بشرب النب ،انضمت إلى امها ورهطها في العريشة؛
يشربون القهوة ،يضحكون؛ تبتسم األم؛ تلمع سنها الذهبية،
تتأكد من سالمتهم؛ واستعدادهم إلستقبال اليوم اجلديد،
ميضون على مباركتها ،قهوة أمها ذات نكهة مميزة ،وطقوس
مختلفة ،لسفح اجلبل فنجان محدد ،يوضع بني الفناجني؛
تصب له من القهوة البكر ،يظل في مكانه حتى يستقيم مزاجهم
ومزاجه ،فهو يشارككهم حياتهم...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-001-
***
داكنةُ السمرة؛ تبعد شعرها الغزير املبعثر ،املتناثر عن وجهها،
لم متشطه منذ اختطافها ،زادها ذلك شراسة على شراستها ،التي
زادت بها عن نفسها ،ملا هوجمت في أثينا وقبيل اختطافها ،تبعهم
من هناك ،مؤانهم اجلوية والبحرية والبرية...
تنظر إليه ،تتوقع هجومه في هذه اللحظة ،تفصل بينهما
مسافة سنتمترية ،جتلس على األرض ،متكورة ضامة ركبتيها،
يخفي الورم عينيها الواسعتني العسليتني ،يسيل اخملاط من
أنفها األشم ،تزكمه رائحة األرض بعفونتها ،تردد كلمات مبهمة،
تتحرك شفتاها القرنفليتني ،إذ ال صوت يخرج من حنجرتها،
تغلبها بعض هنهنات البكاء...
يسمعها وال يلق لها باالً ،يرقد مستقيماً؛ ساقاه أمامه،
عيناه صغيرتان ،يحك أنفه بطرفه األمامي ،حكات متتاليات
متوترات ،يشتم رائحة خوفها؛ مختلطة برائحة عرينه العطنة،
يحول حاجز ما بينه وبينها ،يحس إجتاهها باإللفة ،أكل كل
اللواتي أهدين له في أوقات الوجبات ،؛ قطع حلمهن؛ رمى
عظامهن؛ لعق دمهن بلسانه؛ منظفا فمه وأسنانه ،الطقس هنا
إستوائيٌ حار...
تثاءبت عظام نائمة بجوارها ،أزعجتها رجفة الوافدة
اجلديدة؛ متلملت؛ دغدغها شعر الضحية السابقة املعجون
بالدم.
فسألته :أما زلت هنا ،ألم تعدك األرض إلى مكوناتك؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-000-
قالت األرض بصوت فخيم :هو ليس مني ،يحتاج لبعض
الوقت إلعادته.
العظام املتراكمة املتراكبة :كم نحن لألوبة.
تبتسم األرض إبتسامة رزينة وتقول :ستعودون بال شك.
قالت عظمة مشاكسة :ميضي العالم إلى األمام وأننت تردن
األوبة ،إننت عظمات خرفات.
ردت األرض بذات إبتسامتها :وإن تقدمن إلى االمام فهن
عائدات.
ينتظر مختطفوها حلظة انقضاضه عليها ،هم قوم يبحثون
عن رسولتهم التي بعثها إالههم ،في الهضبة األولى البعيدة،
ووصفها كاالتي :عمرها ثمانية عشر عاماً ،ال تزيد يوما وال
تنقص ،عذراء لم ميسسها رجل ،منحوت على رسغها األيسر؛
رمز العنخ منذ الوالدة ،عند لقائهم بها ،أمرهم أن تُمتحن
أصعب اإلمتحانات ،عندما تتجاوزتها؛ يقلوها الي هضبتهم
الثانية؛ يدخلوها معه؛ فإن لم يلتهمها؛ يخرجوها؛ ينصبوها
ملكة عليهم؛ إنطبقت عليها جميع مواصفات الرسولة ،لم يبق
إال الشرط األخير....
***
حتيط بصحن معبد اخلراف ،حجرات كثيرة ومتسعة ،يقيم
كل كاهن في مكانه احملدد ،حسب ترتيبه العقائدي ووظيفته
التي يؤديها ،من أكبرهم حتي أصغرهم ،شربت أرض أمون رع؛
من دم القربان؛ املقدم له ما شربت ،كان الناذرون التائبون؛
يقدمون له القرابني في املعبد...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-009-
دعا كبير الكهنة؛ إلى لقاء عاجل ،حتادرت اخلطى؛ تقصد
قاعة اإلجتماعات ،قطعت أجسام معتمة؛ رحلة أنوار القمر
املمتدة؛ مما لفت انتباهه ،فسأل الروح عما يجري قائال:
القمر :نعمت مساءا ياصديق.
الروح :نعمت مساءا ال أدري عَمَ تسأل.
القمر :هناك حركة مريبة بجوارك.
الروح :لنسال أرض املعبد.
القمر والروح ألرض املعبد :نعمت مساءاً.
أرض املعبد:نعمتما مساءا.
القمر والروح :ما الذي يجري بأرضك.
أرض املعبد:ال شيء بعض خطوات حادرة ،تتجه إلى قاعة
االجتماعات.
تقدمهم كبيرهم ،كان وجهه شاحباً ومتغضن ،جنح في
إرتداء قناع احلزن ،له عدة أقنعة يرتدي منهم ما يناسب مهمته
املُقدم عليها ،عيناه ثعلبيتان ،أنفه عريض ،وشفتاه سميكتان،
أمرد.
تسلل الهواء البارد إلى القاعة؛ راقص شمعات حوائطها،
أضافت بظاللها حملة أسى؛ على وجه كبيرهم ،توجس البقية،
يترقبون أمرا جلال ،حملت النسمات بنات الهواء ،عطر بخور
القاعة إليه...
***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-003-
أقرأ آخر كتاب صدر في أثينا ،وصلني لتوه عصر اليوم،
أدوِّن بعض مالحظاتي على ورقة واحتفظ بها داخل الكتاب،
الكتاب الذي بني يدي شيق وجميل وكتب بلغة جزلة...
أتخفف من كل أحمالي عندما أقرأ ،الزي امللكي ،التاج
والصوجلان ،عندما تقرأ يجب أن تكون تلميذاً تطلب العلم
واملعرفة ،القصة التي بني يدي تروي حكاية عروس البحر...
***
علمت مبروري مبعبد اخلراف ،بحياكة خيانة ما ،لم أتبني
ماهيتها ،حملت عطر البخور املميز ،دخلت عليه ،لم أجد امللك
أركماني ،وجدت فيلسوفا ومثقفا ،يعكف على قصة ،يقرأها
ويحللها ،استنشقني اشتم عطري ،شاغلت حدسه ،أغلق
الكتاب ،خرج إلى مجلسه؛ نادى احلاجب ،أمره بأن ينادي
أحدهم؛ ليتقصى أمر املعبد ،جنحت في مهمتي ،لفت إنتباهه
ملا يدور بعيداً ،وددت لو أكملت معه ،قصته الشيقة ،أسطورة
عروس البحر...
سمعت القصة من جدتي ذات ليل ،كنت في املهد ،أنام على
حكاياتها ،وها أنذا أجدها عند آخرون باختالف طفيف في
التفاصيل ،عروسهم بيضاء كقطعة ثلج ،ذات شعر أشقر طويل
تسرحه وهي جتلس على الشاطئ ،عروسنا سوداء كلؤلؤة نادرة،
ذات شعر قوي كثيف ومبعثر ،جتلس في صخور الشالالت ،هي
صعبة املنال ،عروساتهن غضبت عليهن أمهاتهن فأهدوهن
للبحر ،عروساتنا رضيت عليهن آلهتهن وأهدين للروح ،أمتنى لو
أحظى بإحداهن...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-004-
***
علم مبا يحاك باملعبد ،تغاضى وفي نفسه أمر ،يجلس على
عرشه بني حاشيته ،أتته الرسالة الكهنوتية التي تنص على:
(أنا اإلله أمون رع .آمرك بأن تقدم روحك قربانا لي ،عبر
تقليد االغتيال الطقوسي ،فان أجدادك يحتاجونك ،لفض
بعض األمور الشائكات هناك ،وقد رأينا أن صالح مملكتنا في
أن تكون بينهم .دمت ذخراً لنا وللمملكتك في احلياة وبعدها)
رسم مالمح التوتر؛ على وجهه بإتقان ،التقليد انتحار
محض ،بتجرع سم معني ،يقوم كبيرهم بتحضيره ،يُخلط بقهوة
الزجنبيل داكنة السمرة ،تعدها القربانة املنتظرة ،وعلى امللك
اإلستسالم التام ،ألمر رع وسم كهنته وقهوة قربانتهم...
***
ترجتف خوفاً ،تستحم بعرقها ،املدبوغ برائحة الزجنبيل،
فُطمت على شرب القهوة ،املنكهة بالزجنبيل احلار ،صار عرقها
زجنبيلي ،تشتم رائحته؛ تعرج بها كبساط ريح إلى ذاكرتها؛ حتج
إلى املعبد...
جتد كبيرهم في غرفة االغتيال الطقوسي ،املتوسطة للمعبد
أعلى جبل البركل
بادرته بالتحية قائلة :مساء اخلير
الكاهن :هذه أخر ليلة لك في احلياة
القربانة :أعلم يا سيدي ،علمت أن آخر واجباتي ،إعداد قهوة
موت امللك.
***
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-005-
يقتلني حزني عليها فهي في ريعان شبابها ،غدا ستكمل
الثامنة عشرة عاما ،وهي مباركة مولودة ورمز بيا العظيم
منحوت على رسغها ،متنيت تزويجها بأحد نبالء اململكة ،متنيت
حمل أحفادي أالعبهم وأسهم في تربيتهم ،لكن الكهنة
سيقدموها غدا قربانة وعروس بحر ألمون رع...
غلبها النعاس؛ قلبها مفطور على ابنتها ،تختلف املسميات
واملوت واحد ،رأته في منامها يقف بكل شموخه وعزته ،ورأت
رهطها معها ،في غابة كثيفة ،بجانب منابع الروح ،والشمس
حتي األرض معلنة حضورها ،كانوا يرتدون الزوريا البيضاء،
الدافئة شتاءا ،الباردة صيفاً ،يرقصون رقصة طقوسية ،لم
تعرفها من قبل ،كانوا صفاً ،مكون من خمسة نساء ورجلني،
ابنتها في منتصف الصف ،ترقص وتضحك وترمي الشبال،
بشعرها مينة ويسري ،كانوا ميدون أياديهم أمامهم ،يالقون بها
سيقانهم ،كمن يركض ،يعيدونها مرتني وفي الثالثة يرفقون
الشبال ،ويبرز نحت بيا العظيم في رسخ ابنتها عروس البحر،
يرددون نشيده بكلماته القوية...
خلقنا الله فسجدنا له وجعل العالم ليهتف لنا
فنحن االوائل في كونه وكل البشر أتوا بعدنا
فيا مجد كوش العظيم المجيد فمن فى الورى يك مثلنا
وكنداكة تنسج ثوب المهابة عزا وفخرا ليبقى لنا
يرقصون بالقوة ذاتها ،استيقظت وهي تدعوه بأن يحفظ
عروس البحر ،وأن يختار فدية تقدمها له بدال عن ابنتها ،تيقنت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-006-
من حدوث ذلك ،بعثت في قلبها األمل ،ابتسمت ملعت سنها
الذهبية...
***
منكب على منحوتتي ،علي ان أكملها فيما تبقي من اليوم،
أزيل بعض الزوائد بحوافها ،ابتعد عنها أنظر إليها أفخر بها،
متثالي يحاكي التمثال األصلي ألبادماك ،مستأنس به كمن نحته
قبل اليوم...
أتخفف من كل أحمالي عندما أنحت ،الزي امللكي ،التاج
والصوجلان ،عندما تبدع يجب أن تكون ناسكا ينتظر الوحي
واإللهام ،التمثال الذي بني يدي يحكي مجد أمة...
علمت مبتابعتي لهم في شوارع أثينا ،بأن جرمية ما تتم،
ضحيتها الفتاة داكنة السمرة ،حملت رائحة عرقها الزجنبيلي
املميز ،دخلت عليه في أستديو النحت ،لم أجد النحات العاملي
املشهور ،وجدت فيلسوفا ومثقفا ،يعكف على منحوتته ،يعمل
إزميله عليها ويزيل الشوائب ،استنشقني اشتم عطرها ،شاغلت
حدسه ،وضع اإلزميل ،خرج إلى باحة املعمل؛ نادى أحدهم،
طلب منه ترتيب شأن غيابه ،جنحت في مهمتي ،لفت انتباهه ملا
يدور بعيداً ،وددت لو أكملت معه ،نحت حتفته الفنية ،حتفته
األسطورية..
***
تهيأ معبد اخلراف ،إلستقبال أركماني امللك ،الذي سيأتي
لتنفيذ أمر أمون رع ،الناص علي أن يقتل نفسه بتجرع السم،
اخمللوط بقهوة الزجنبيل...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-001-
تهيأ قصر املصورات اجلديد ،لوداع أركماني امللك ،الذي
سيذهب لينهي أمر أمون رع ،الناص على أن يقتل نفسه ،بتجرع
السم اخمللوط بقهوة الزجنبيل...،
تهيأت ألن تُرمي بقلب الروح قربانة وعروس بحر ألمون رع،
وأنه سيأكلها بعد أن يجوع ...
تهيأوا للبحث عن آلهة أخرى ،إذا ما التهم هذه التي في
عرينه ،كما تهيأوا لتنصيبها ملكة أيضاً إذا لم يفعل...
تهيأت األم إلستقبال ابنتها ،املرهقة مما عانته ،ثم تراءت
لها...
جاهلة بالوقت ،تصحو على رائحة حتميص النب ،استيقظت
أمها باكرا ،أنهت مهامها اليومية الصباحية ،وها هي تُروِّح عن
نفسها بشرب النب ،انضمت إلى أمها ورهطها في العريشة؛
يشربون القهوة ،يضحكون؛ تبتسم األم؛ تلمع سنها الذهيبة،
تتأكد من سالمتهم؛ إستعدادهم إلستقبال اليوم اجلديد،
ميضون على مباركتها ،قهوة أمها ذات نكهة مميزة ،وطقوس
مختلفة ،لسفح اجلبل فنجان محدد ،يوضع بني الفناجني؛
تصب له من القهوة البكر ،يظل في مكانه حتي يستقيم مزاجهم
ومزاجه ،فهو يشارككهم حياتهم...
أشرقت عليه الشمس؛ أضفت على خضرته غاللة ذهبية،
أوصاها كوني بردا وسالما عليهم.
راشقته مياه الوديان تعكس زرقة سمائها؛ ضمها على
خضرته بحنو ،كونت ألوان طيف أبرزها البنفسجي .وقال:
كوني مغتسال باردا وشراب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-007-
أتته الريح حتمل أشواق جبل البركل واإلهرامات ،قال لها:
اقرئيهم مني السالم ولتأتي ببذور احلب واخلير.
أما ذرات ترابه املتفتتة من صخره بلون أدم فقال لها :أنا
أتعهدك بالعناية واخلصوبة ...
أودعها ورهطها إلى أمهم ،وظل يراقبهم جميعا عن كثب
***
حترك جيش أركماني العظيم من املصورات الصفراء
قاصداً معبد اخلراف في قمة جبل البركل املنحدر على الروح،
لينهي أمر أمون رع القاضي مبوته ،كان ذلك قبل بزوغ الفجر
بقليل...
الطبول تدق ،تقدمته فرقة موسيقى اجليش ،أوقفهم ليردد
نشيد بعانخي العظيم
إنني ال أكذب
ال أعتدي على ملكية غيري
ال أرتكب اخلطيئة
قلبي ينفطر ملعاناة الفقراء
ال أقتل شخصا دون جرم يستحق القتل
ال أقبل الرشوة ألداء عملٍ غير شرعي
ال أدفع بخادم استجار بي إلى صاحبه
ال أعاشر إمراة متزوجة
ال أنطق بحكم دون سند
ال أنصب الشراك للطيور املقدسة
أقدم اخلبز للجياع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-002-
املاء للعطشى
امللبس للعري
أفعل هذا في احلياة الدنيا
أسير في طريق اخلالق
مبتعدا عن كل ما يغضب املعبود
لكي أرسم الطريق لألحفاد الذين يأتون بعدي
في هذه الدنيا والذين يخلفونهم وإلى األبد
سمعت والدتها كلمات في صحوها ،متاثل ذلك النشيد في
منامها ،قامت ورهطها تقدموا اجليش راقصني رقصة الهايبو،
تلك الرقصه التي رأتها في منامها ،لكن عروس البحر لم تكن
بينهم ،كانوا كاملنومني متاما...
***
كان جسيما ذو هيبة تعلم فنون القتال منذ صغره في الغابة،
هناك التقاه ،كان متأملا وجريحا ،لم يتوقع أن ينقذه ،توقع أن
يجهز عليه ويقتله خوفا ورهبة ،أو أن يذهب إلى شأنه
استصغارا واستضعافا..
لم ألبِ توقعاته ،ولبيت ندائي الداخلي ،بأن كل روح يجب
أن حتيا ،كان شبال عندها ،انغرز سهم صياد ماهر أسفل عنقه،
كان جرحه غائرا ودمه فائرا ،كان علي أن أحتلى بالقوة اجللد
والقسوة إلخراج السهم ،كان أنينه خافتاً يغالب أمله...
حملني رغم ثقل وزني ،فهو فتى وقوي ،أسند رأسي على دبة
من األرض ،رفع رأسي ازداد األلم ،تأوهت بصوتٍ عال...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-091-
استجمعت ما أوتيت من قوة ،أمسكت بالسهم بكلتا يدي،
سحبته خرج من أسفل عنقه مسبباً جرحاً غائراً ،اندفع الدم
وغاب عن الوعي...
لم يكتفِ بذلك ،بل أخذ من ثمرة شجرة القرض ،التي ترميها
القرود على مرتادي الغابة ملالعبتهم...
طحنتها كما حكت لي جدتي في إحدى قصصها التي أنام
عليها ،أن ثمرة القرض الصغيرة املرة تبرئ اجلرح ،ولها فوائد
أخرى صنعت منها عجينة بأن صببت فيها قطرات من ماء
الروح ،ووضعتها على جرحه الغائر...
كان يعيد تطبيبي يوميا قبل أن يبدأ تدريبه ،وبعد أن ينهيه،
استمر ذلك ألسبوعٍ كامل...
بعدها مضى إلي قلب الغابة وكنا نتقابل ملاما
***
كان جسيما ذو حظوة ،المع السواد ،أنفه عريض ،عيناه
حادتان ،شفتاه ممتلئتان ،شعره كثيف ،قوي خشن ،رأسه كبير،
يتناسب وقامته ،يضع عليه تاج الذهب املطعم بالاللئ السوداء
النادرة ،يحمل صوجلانه بذات اليد التي طبب بها األسد ،يغطي
صدره العريض ،درع احلرب املوروث عن بيا العظيم ،سيفه في
غمده ،وقوسه وسهامه في كنانتها ،يركب حصانه القوي املتني،
الذي يحبه ويخلص له...
موكبه مهيب ،مؤيدوه ومحبوه على جانبي الطريق ،األم
ورهطها يرقصون أمامه ،رقصة حتاكي ركض صديقه احلميم،
عندما يريد اصطياد فريسته ،جيشه خلفه ،تصحبه دعوات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-090-
جدته التي ال حتب اخلراف ،هو من عل يتراءي في األفق كلوحة
مرسومة من خطوط نور ذهبية ،مضى علي بركة كل هؤالء،
تنتظره عروس البحر...
وصل نبأ املوكب إلى الكهنة ،في معبد اخلراف ،لم يعلموا أن
للملك ،نية غير التي عرفوها ،أعدت عروس البحر قهوة
بالزجنيبل ،حتى تخلط مع السم..
صهل حصانه وصلهم صوته زئيراً ،تداخلت أحاسيس من
كانوا في املعبد ،سمعت القربانة صوت غناء أمها من بني
اجلموع ،ابتسمت .ملع سن والدتها الذهبية ،خطفت خطوط
الشمس تلك اللمعة ظناً من أنها جزءا منها ،رسمت اخلطوط
صورته في أفق جبل البركل ،ظل يتراءى له ،يتبعه وكلما اقترب
منه صهل حصانه وعال صوته زئيراً مجلجالً ،هز أرجاء املعبد
وزلزلها على من فيها.
قالت اقترب خالصي
***
يسمعها وال يلق لها باالً ،يرقد مستقيماً؛ ساقاه أمامه ،عيناه
صغيرتان ،يحك أنفه بطرفه األمامي ،حكات متتاليات
متوترات ،يشتم رائحة خوفها؛ مختلطة برائحة عرينه العطنة،
يحول حاجز ما بينه وبينها ،يحس اجتاهها باإللفة ،يترك لها
عرينه ويخرج...
يصفق الشعب البدائي الذي كان ينتظر انقضاضه عليها،
يبكون يهنئون بعضهم ،فعناؤهم لم يذهب هباءاً ،وفقهم آلههم
في العثور على رسولتهم ومليكتهم...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-099-
هو مندس بينهم لم يلقوا له باالً في غمرة فرحهم...
***
كان جسيما ذو حظوة ،المع السواد ،أنفه عريض ،عيناه
حادتان ،شفتاه ممتلئتان ،شعره كثيف ،قوي خشن ،رأسه كبير،
يتناسب وقامته...
ترجتف خوفاً من تلك العجوز الشمطاء ،التي أتت
إلصطحابها ،إلكمال مراسم تنصيبها كملكة ...
أنا ال أعرف لغتهم وماذا سيفعلون بي؟
من هم؟ ماذا يريدون مني؟
كنت في طريقي إلكمال دراسة الفنون اجلميلة في أثينا،
لكنهم اختطفوني ،قطعنا املطارات واملوانئ .سرنا راجلني أليام
عدة ،لم يقدموا لي فيها الطعام فقط بعض املاء ،في هذة الغابة
الكثيفة األشجار ،وعرة املسالك ،أتوا بي إلى قلبها ،أدخولني
معه في عرينه وعلمت من حديث العظمات واألرض ،أنهم
قدموا له الكثير من الفتيات قبلي ،أكلهن بال تردد ،لم يأكلني
تركني وذهب ،أتتني هذه العجوز وخوفي منها أكبر من خوفي
منه...
سأخلصها من بني يدي هؤالء اجلهلة ،وسأخطفها كما فعلوا،
سأعيدها إلى ديارها ،ثم أعرف منها حقيقة ما تعرضت إليه،
هي تشبه منحوتتي التي تركتها في املتحف..
لكن ملاذا تركها ومضى خارج عرينه؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-093-
ال يعنيني أمره ،مايهمني األن هو تخليصها من حارستها
العجوز الشمطاء ،التي تدخن باستمرار وتضع عالمة حمراء
على جبينها...
سمعت من أحدهم القصة ،عن امللكة وكانوا يعنونها ،تكلم
ذلك الرجل إجنليزية فقيرة عبر هاتفه النقال ،كان يشرح
حملدثه أهمية احلدث بالنسبة لشعبهم ،وضرورة أن تأتي
القنوات التلفزيونية ،اإلذاعات والصحف لتغطيته ،لم يكن يعلم
أنني خطفتها ،وأنهم الميلكون مليكة وال رسولة لتنصيبها...
***
دكت خيول امللك أركماني ،جبل البركل ،زلزلت أرض معبد
اخلراف ،الكهنة اخلراف ركضوا إلى الروح ارمتوا بني موجاته
هربا من بطشه ،أغرقتهم موجاته ،جزاءا لغدرهم مبليكهم
احملبوب ،زغردت عروس البحر ،احتضنتها والدتها وقفت في
منتصف صف الراقصني ،واستانفوا الرقصة مكتملي العدد،
حتقق حلم األم...
رأها أركماني خلبت لبه ،رمبا حتقق حلمه بالزواج من حورية
من حوريات البحر ،منحوت على رسغها األيسر مفتاح احلياة،
لها وألحفادها القادمني...
انتهى عهد آمون رع وبدأ عهد أبا دماك ،رسمه لهم بخطوط
ذهبية كما رآه ،نحتوه بقلوب حتيا بحب أركماني وحب أبادماك،
كتب الشعر في حبه تال هذا النشيد في مدخل املصورات رحا
بنصره...
لك الشكر يا أبا دماك ...رب النقعة ...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-094-
اإلله العظيم ...رب املصورات
اإلله الضخم ...أسد اجلنوب القوي اليد
اإلله العظيم ...اإلله الذي يأتي ملن يستدعيه
اإلله العظيم الذي يحمل السر اخلفي في وجوده
السر الذي ال تراه العيون
هو رفيق الرجال والنساء
ال يعوقه معوق في السماء أو على األرض
في اسمه ميكن اإلزدهار للبشر
ينفث اللهيب على أعدائه بإسمه العظيم ذي القوة يقتل
العدو
هو اإلله الذي يعاقب من أجرم في ذاته
ويهيئ مكانا عليا للذين يهبون أنفسهم خلدمته
ويعطي من ينادي في حضرته باإلله السيد العظيم
ويرد عليه قائالً
إني أعطيكم كل شيء يخرج بالليل وكل شيء يحدث بالنهار
أعطيكم بسرور سنوات الشمس واألشهر القمرية
هكذا يقول رب املصورات الصفراء ،الذي يعطي احلياة كإله
الشمس إلى األبد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-095-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-096-
حماســــــن اجلـــــــــاك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصوص:
احذر خيالك
الشبح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-091-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-097-
احذر خيالك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-030-
كانت جتلس وحيدة منزوية تراقب الزبائن في هيجانهم
ودخولهم وخروجهم بعني فاحصة حتى تقع عينها على ذلك
الرجل اخلمسيني وسيم الطلعة فارع الطول.
تظل طول الوقت تراقبه بال كلل وال ملل ،تتجه ببصرها أينما
ذهب...
يعبرها الرجال ذهابا وإيابا ولكنهم ال ينتبهون لوجودها.
تظل هي في مكانها ال تبرحه حتى يغادرون ...
استمر احلال على هذا املنوال أياما وشهورا...
وفي يوم ماطر كئيب أعلن املؤذن عن موت أحدهم داعيا
الناس لتجهيز امليت ومواراته الثرى...
انفض سامر املقهى مبكرا وذهبوا ألداء الواجب وظلت
الطفلة وحيدة في الظالم وابتسامة تعلو وجهها
في مساء اليوم التالي جاءت الصغيرة كعادتها تبحث عن
الرجل !!..
وما إن ظهرت في ركن املقهى حتى سارع إليها واحتضنها
فحدثته معاتبة:
ملاذا تأخرت عليَّ يا أبي؟
فرد عليها :لكل أجل كتاب يابنيتي.
ثم أخذها من يدها وغادرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-039-
وتوقفت بداخله دارات الزمن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-033-
مرت األيام وكبر الصبي ،وكبر معه عشقه إلخالص ،فلم
يحدث نفسه بسواها أبدًا .وكان كل همّهُ أن ينال رضاها فعمل
جاهدًا ليل نهار في املزارع اجملاورة للبلدة وصار يكسب مبلغا
محترما من املال ...أصلح من شأن أسرته ونفسه فظهرت
وسامته بادية للعيان فالتفَّت حوله فتيات البلدة يطلنب ودّه ولكنه
كان في شغلٍ شاغل عنهن ال يرى سوى محبوبته إخالص ...
في مساء أحد األيام وصلت البلدة عربةٌ فارهةٌ لم تلج مثلها
البلدة قبل ذلك وكان خلف مقودها شابٌ جميل الهيئة حسن
املظهر تبدو عليه آثار الثراء الفاحش ...لم يكن هذا الشاب
سوى ابن عم إخالص الذي عاد من بالد الغربة منذ أيام ولم
يكن قدومه للقرية إال بغرض إمتام زواجه من إخالص ...
عاشت القرية أجمل لياليها في فرح وحبور وسرور ومغنى
وطرب ..لم يكن هناك حزين وال معذَّب سوى شخص واحد هو
اخلزين ...انتبذ أقصى مكان في البلدة ..مقابرها ورافق
األموات تلك الليلة والليالي التالية حتى انتهت أيام الزواج ..
عندما عاد من املقابر كانت قد تبدلت مالمحه كثيرا واتسخت
مالبسه وجتعَّد شعر رأسه وصار هائما في طرقات البلدة ال
ينتبه لشيءٍ وال يستوقفه أمر ...ظل على هذه احلال طوال عقد
ونصف من الزمان تداعبه الفتيات بتلك العبارة الشهيرة
(تعرسني يا اخلزين) ...فينفي األمر بشدة بهزةٍ عنيفة من
رأسه...
حتى كان ذلك اليوم الذي رجعت فيه إخالص وأسرتها من
بلد الغربة لتأدية واجب العزاء في وفاة أحد أعمامها ...رأى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-034-
اخلزين تلك الصبية ذات اخلمسة عشر ربيعًا وكأن عيناها
بركتا ماء زينة ذلك الوجه البدري املنير فاقترب منها ضاحكًا
وقال :إنتي رجعتي يا إخالص ..كنت عارفك بترجعي...
فنظرت اليه الفتاة ضاحكة بصوت كأنه رجع ناي رخيم وردت
عليه قائله :معقول أنا بشبه أُمي للدرجة دي يا عمو...؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-035-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-036-
حممد اخلري حامد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصوص:
طموح
السارقة األنيقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-031-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-037-
طموح
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قالت:
ـ ال أستطيع أن أحيا بدونك ،فأنت كل شيء في حياتي! .تودعني
كل ليلة ،وتصبّحني بابتسامتك اجلميلة.
كلمات جوفاء ،فارغة من أي معنى .كلمات ال تروي ظمئي،
واشتهائي .تقول ذلك وتستعملني أداةً ألهدافها ،أنا وأوراقها
املكدسة على مناضد غرفتها .نحن جميعاً منثل محور حياتها
ومصدر اهتمامها أو هكذا نبدو للعيان.
تغمرنا بحنانها الفياض؛ ورِقَّتها الكاذبة ،حينما حتتاج إلينا،
وتنسانا وقتما جتد أنيساً سوانا ،تلجأ إلينا دائماً في مساءاتها
احلزينة والدموع تطفح من عينيها .ال جتد لنفسها متنفساً غيرنا
في مثل تلك اللحظات العصيبة.
تأتي إلينا بكبريائها املكسورة ،وقلبها املسكني املهزوم مستأنسةً
بنا .تستأذنني في قضاء بعض الساعات من الليل ،جتدني لم أمن
وأنتظرها بلهفة ،هطولها يطرد النوم من جفوني ،أساعدها في
غمرة احتياجها لي ..تلمس أوراقها ..دفترها جتده يغالب النعاس
ويحاول أن يهزمه ليصمد مثلي .أقول لنفسي معزِّياً :رمبا عليَّ أن
أفرح ألن هناك من يساهر مثلي في هذا الوقت ويتفانى ..رمبا كنا،
أنا ،وهو الوحيدان الّلذان يعرفان أسرارها ويكتمانها بدافع احلب
واإلحساس والتقرب منها ،حتى ال تستبدلنا بغيرنا ،فأمثالي كُثر،
وأمثاله موجودون أيضاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-032-
أراها تفعل بي أشياء عجيبة ،متحوِّرة ومتكوِّرة ،تسرع ،وتبطىء،
ولكنها تبدأ دائماً من األعلى فتنزل بعد مسارٍ طويل إلى األسفل
قليالً قليالً..
بعض أصدقائي حتدثوا معي ،ووصفوا ما تفعله فقالوا :أنها
أشكال من الرسومات والفن التشكيلي .تسكبني حروفاً وأشكاالً
متناسقة ،عميقة الداللة ،بعضهم قال لي إنها تبدو كاللغات
القدمية ..هي لغة ال أفهمها ،لكنها جتد اإلعجاب من قبل
الكثيرين حولها .عرفت أنها تسميهم النُقاد واملعجبني..
البد أن هناك شيئاً ما يجعلها تتقرَّب إليَّ هكذا !!.ولكن أين أنا
منها؟! فبالرغم من تقرُّبها إليّ ،وتقرُّبي إليها ،فإننا لم نزل كما
نحن ،هي ،بعيدة عنِّي ،ولم أستطع أن أنال منها شيئاً.
كانت قاسية عليَّ كثيراً وال زالت ،لكن البد أن هناك وسيلة
للوصول إليها .إن لم يكن الوصول إلى قلبها؛ فألشياء أخرى إذن
عليّ أن أسعى.
هل يا ترى ،ستمنحني فرصة للتمتع بالنظر إلى عينيها ،أم سأظل
هكذا دائماً ،وجهي ووجهها مُبعدان قصداً عن بعضهما البعض؟!.
أو رمبا ،سأستمتع مبالمسة خديها؟! أميكنني لثمها وتقبيلها؟
أيحدث ذلك مثلما كنا قدمياً ،في السابق؟! أيام دراستها ،كانت
متنحني أجمل حلظات عمري ،فعندما تستعصي عليها مسألة ما
في االمتحان ،كانت تسرح بعيداً وتتنهد ويرجتف قلبها ،وقلبي
أيضاً .ترجتف هي خائفة ،بينما يرجتف قلبي القتراب حلظة
نشوته عندما تُقَربه من شفتيها ،وهي تفكِّر في حل املسألة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-041-
فتدغدغني دون وعْيٍّ منها ،وتضغط عليَّ بأسنانها بلطف ،وأنا
أتلذذ بذلك أميا تلذذ .حتركني على شفتيها وأنا أتلذذ أكثر ،وأكثر.
لطاملا متنيت أن أظل بتلك اجلنان العذبة طويالً .متر اللحظة
كاحللم .أستعيد وعيي ،أعتذر لنفسي ،هي ترجع إلى صوابها،
وسرعان ما تهتدي إلى حل مسألتها ،فأطيعها على الورق
بانصياع.
تقول لغيري :أنها حتبني ،وال تتحمل ابتعادي عنها .تصرِّح بذلك
عند حلظات انفعالها ،وفي التلفاز ،والصحف ،واإلذاعة.
هي تقول كل ذلك ،بينما حتول بني وصالنا .لكنني لم ..ولن ..
يتملكني اليأس ،وسأمضي في طريقي للوفاء بعهدي لنفسي
وأصدقائي .وأجعلها تعترف بفضلي عليها..
ال زلت أسكب رحيقي إلعالء شأنها ،أمنحها روحي،
إحساسي ،وزمني ،فتسكبني كما تريد ،وكيف تشاء .تخرجني
حرفاً ،وقصيدة ،ومقاالً ،ورواية ،وقصة وخاطرة.
أحترَّك بأناملها كما تريد ،وكيفما تشاء ،وأنا متلذذٌ بذلك.
أال يستحق ما فعلته لها؛ أن تعترف ،وبصدقٍ ،أمام اجلميع بأنني
كنت السبب األول واألخير في شهرتها؟! ..وخلودها؟!.
وأنني السبب في جمع كل هذا الكم الهائل من املعجبني
واملعجبات ..واجلوائز؟؟..
رمبا يرضي ذلك االعتراف طموحي!!
رمبا!! ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-040-
هروب إىل الشارع اخللفي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-044-
السارقة األنيقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بهدوءِ هرةٍ ألِفتْ مكانها املعتاد؛ جلستُ أنا على طاولةٍ بعيدةٍ
ومنزوية باملقهى الشعبي العتيق الذي أصبحت أزوره كثيراً هذه
األيام حتى كدت أصبح معلماً من معامله البارزة .بل صِرتُ متيقناً
من أن رواده املعتادين؛ متى ما جاؤوا إليه ولم يجدونني الستفسروا
صاحبه عنِّي ..جلست ووضعت رجلي اليمنى على اليسرى وطلبت
عصيراً مثلجاً .تعمدت أن أكون بعيداً عن بقية اجلالسني باملكان،
وفي نيتي أن أستجمع ما بذهني من أفكار وأطرحها على الدفتر
املفتوح أمامي ،فالقصة التي تدور تفاصيلها بذهني أرهقت روحي،
وعذّبت سريرتي ،جنَّنتْني فأصبحت هائماً بسببها كالدرويش.
أعرف أن والدة الوحي واإللهام وكتابة القصة أمراً مزعجاً،
هذا ما يقوله الشعراء والكتاب في كل احلوارات واملقابالت ،ألن
األفكار قد تتمرد كما يزعمون ،وأنا أخشى مترُّد فكرتي عليَّ..
فهل يا ترى تفعلها وحترجني فيهرب الوحي بسببها ،وال أجنح في
شيءٍ سوى أن أمنح صاحب املقهى الذي يحتويني اآلن قيمة
مشروبه الذي قدمه لي!!..
ومن موقعي البعيد عن بقية اجلالسني باملقهى؛ تأملتُ السماء
الصافية علَّها تلهمني افتتاحيةً جميلةً لقصتي التي أنوى كتابتها،
أو تطلق يراعي فيستمر انفجاره إلى ما ال نهاية ..كان اجلو بديعاً،
وكل األشياء تتداعى أمامي ،الباعة اجلائلون ،املارة ،الشحاذون،
غاسلو السيارات ،كلهم كانوا ميرون من أمامي وأنا أُفكِّر في
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-045-
ماستخرجه دواخلي من حروف ،وأسأل نفسي ..ماذا سوف أكتب
ياتُرى .؟؟
بدأت في شرب عصير الليمون ،حاولت أن أتذوَّقه وأحسّه
بطعم مختلف غير بقية شاربيه ،أو أن أصنع له في خيالي طعماً
آخراً ،أو وحياً مُلهماً فلم أستطع ..دندنت ببعض األغنيات
والقصائد احلبيبة إلى نفسي ،ولكني لم أُفلح في إخراج حرفٍ
واحدٍ يريحني من وجع ومعاناة األفكار املزعجة تلك ..وفجأة...
حملتها ،حملتها بعد أن كاد احللم أن يتبعثر ،وقاربت خطاي أن تبحر
في التوهان األبدي املريع ،وصحت في نفسي من املفاجأة احللوة
..وجدتها ..وجدتها ..
كانت شابة ثالثينية ،جميلة ،أنيقة الهندام واملظهر ،تبدو على
مالمحها آثار نعمة ورفاهية .ليس هذا هو املهم في القصة لكن
األهم من ذلك كله هو ما فعلته تلك الشقية وحوَّلت الدنيا واملكان
أمامي الى مسرحٍ عجيب ..فقد رأيتها وهي بكامل جمالها وأناقتها
تسرع اخلطى خلف رجلٍ عجوزٍ وبحرفيَّةٍ متثيليةٍ نادرة حتتَك
بجسمه وتسرق من كيسٍ يحمله حزمةً من األوراق املالية التي يبدو
أنه قد صرفها تواً من البنك .فعلتْ ذلك دون أن يحس هو بأي
شيء ..رأيتها من مكاني تفعل ما فعلته ومتر من أمامه مبتسمة
الوجه ،مدعيةً براءة خجولة ،وسذاجة أنثى تنتظر املغازلة من رجل
ستيني مراهق ،ثم ألقت عليه التحية ومضت بسرعة غريبة وكأن
شيئاً لم يحدث !!!
ووجدتني مندهشاً وعاجزاً عن فعل أي شيء ،فاقداً لقدرتي
على التصرف السريع ،متلكتني احليرة ،ما بني الصراخ؛ وتنبيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-046-
الرجل للحاق بالفتاة ،والقبض عليها ،وزجرها ،ثم جرِّها إلى قسم
الشرطة وحبسها ،أم االكتفاء باملشاهدة وتشجيع اللعبة
احللوة!!؟؟.
واحترت في أمري ..
مرت عدة ثوان لم أفعل فيها أي تصرف بل ظللت مندهشاً مبا
حدث...
رمبا كان بحثي عن قصةٍ أكتبها ،خاطرةٍ هاربة التقطها ،أو فكرة
عتيقة بوجداني ،أو حكاية من رحم خيالي ،أجنح في إخراجها؛ هو
ما قادني لفعل ما فعلت .فقد وجدتُ أقدامي دومنا تردد تقودني
خلفها بنفس سرعة خطواتها حتى ال تتوه عنِّي بني الزحام ،وجريت
خلفها مسرعاً .فالسوق العربي عند هذه الساعة يبدو مزدحماً
لدرجة يصعب فيها السير سريعاً دون االصطدام بشخصٍ واقفٍ
أو معاكسٍ في االجتاه .أما هي؛ فقد كانت سريعةً ومحترفة في كل
شيء ،حتى في طريقة اختراقها للممرات ،والزُقاقات ،واملضائق
احلرجة ،كانت بارعة في اللف والدوران.
فكَّرتُ أن أوقِّف عبثي الذي أقوم به ..وقلت لنفسي لم ال جتر
خلفها بسرعة .تلحق بها وتعنِّفها ،وتقوم بأخذ ما سرقت من
جنيهات وإرجاع املبلغ لصاحبه وإنهاء املغامرة ..لكنني رفضت
الفكرة بعد أن انتبهت وتذكرت موقفي الذي أنا فيه االن ..فمن
سيصدق أنني لست اللص احلقيقي ،ومن سيشهد لصاحلي؟
ورمبا رجعت باملبلغ فوجدت الشخص املسروق قد حشد رجال
الشرطة وقاموا مبا عليهم من واجب ،وبعد فتح البالغ وبداية
التحرِّي عن احلادثة سيتعقد املوقف أكثر...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-041-
إذن علي أن أفكر في مشكلتي فقط ،ووجدتني أهمس وأحاور
أفكاري ودواخلي من جديد:
"إن انهيت املغامرة فمن أين ستأتي اخلاطرة ؟ ومن الذي سيكتب
القصة!!..؟؟"..
مشيت خلفها من شارع القصر جنوباً ،مروراً بشارع السيد عبد
الرحمن ،حتى دخلتْ شارع احلرية متجهةً الى موقف املواصالت
بالقرب من كُبري احلرية .وسرعان ما تنبهتُ للزحام الذي ستدخل
عليه بعد أمتار قادمة ،وهنا شعرتُ باخلطر ..فاذا هربتْ منِّي
ودخلت ضمن هذا العدد الكبير من الناس؛ وأنا ال أعرف البص
الذي تنوي االجتاه نحوه؛ ستفلتْ منِّي بالتأكيد ويكون كل شيء قد
ضاع وانتهى ..وقلت لنفسي مهدداً"..هنا يجب أن تنه املغامرة..
تقبض عليها ..وتختم قصتك ،فاألمر بعد هذا احلدَّ قد يخرج عن
السيطرة..
وكأنها كانت تسمعني وتقرأ أفكاري ،أو رمبا تشعر بخوفي
وخشيتي من هروبها ،فسرعان ما أشارت لصاحب مركبةٍ كان مير
بالقرب من مكانها مسرعاً قبل أن يتوقف وينزل عنها مساعده
الصغير وهو يتصايح بواحدة من عباراتهم املتكررة السريعة التي
حتدد وجهة العربة ..تأكدتُ من صحة سماعي للعبارة بعد أن
حملتُ املكتوب بظهر العربة "اخلرطوم -الفردوس" لكنها لم جتد
مكاناً وواصلت مسيرها نحو سيارات أخرى داخل الزحام..
طمأنني ذلك ،وتأكدتُ من استمرار مغامرتي االختيارية وبصورةٍ
سلسة ..فهي تسكن إذن في نفس اجتاهي الذي أقصده ،وال خوف
بعد ذلك من هروبها خاصةً وأن املركبات املتجهة إلى االجتاه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-047-
املقصود متوفرة في هذا املوقف وليست مزدحمة ،ومتى ما هي
اختارت واحدة وركبت سأكون خلفها ،وأجلس بجوارها ،أو على
األقل؛ سأجنح في حجز موقعي باملقعد اخللفي ملكان جلوسها
وأراقبها حتى النهاية..
لكن؛ ما الذي يحدث أمامي؟!...
يتعالى الصراخ ..يشتبك أمامي اثنان من الواقفني في انتظار
البص القادم ،وأجدني في وسط هذا املعترك الغريب مدافعاً عن
نفسي ..أنسى مهمتي األساسية التي أوصلتني إلى هذا املكان،
وأغرق في تفاصيل املعركة التي لست طرفاً فيها ،وأنتبه بعد ذلك
للسارقة فأبحث عنها وال أجدها ...
أين هي اآلن ؟ وكيف ذهبت دون أن أراها .؟ .ومتى ذهبت؟ وإلى
أين؟
..أخذتني احليرة..
ورُحتُ أجري هنا وهناك ،أدور حول املركبات التي كانت تقف
بالقرب منها قبل حلظات ،بل خُيِّل إليَّ ،وظننت أنها كادت أن تركب
بها وتذهب ..خاجلتني كثير من األحاسيس ..لقد رأيتها بأم أعيني
تشير إلى واحدةٍ من هذه املركبات .أين ذهبت يا تُرى؟! ..ووجدتني
أبحث من غير جدوى ،ألنني لم أجد لها أثراً ،أو خيطاً في املكان،
"كأنها فص ملح وذاب"..
واحترت في أمري ..وأمرها ..وباغتتني التساؤالت ..ماذا أفعل
حيال صاحب املبلغ املسروق!! من املؤكد أنه اآلن قد انتبه لسرقة
املبلغ ،وسيكون قد أبلغ الشرطة و بدأ بحثه عن اللص!!...
ماذا أفعل إذن؟؟ ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-042-
وقبل أن تهزمني هذه األفكار والتخيالت رُحت بال وَعْيٍ منِّي
أدافع عن نفسي وأطيِّب خاطرها..
"قد أكون مذنباً .لكن نيتي لم تكن قطعاً الدفاع عن عملية
السرقة ..كنت أُمنِّي نفسي بركوب املغامرة ثم القبض عليها بكل
هدوء ،وإرجاع املبلغ إلى صاحبه ..كنت أظنني "أرسني لوبني"،
"احملقق كونن" ..رمبا شخصية أخرى جديدة ال أدري..
وأخذني التفكير والتأرجح ،بل التهافت هنا وهناك ..جرى ذهني
كثيراً وبحث عن حل للمعضلة ..تيقنتُ من فشلي حتى ضحكتُ
على نفسي وقررت شيئاً ملواساتها ..قلتُ :على العموم .هي هربت
ولن أجدها مرةً أخرى ،لكن ما أثق فيه أنني الوحيد الذي يعرف
سر هذه السرقة ..أعرف ما جنته الفتاة ..وما جنيته أنا ،وحدي
كنت من ميلك السرّ ،وليس هناك من أحد غيري يعرف شيئاً عن
ما حدث ..فلترجع إلى القصة فإنها لم تنته بعد.
وعادت أفكاري اجملنونة من جديد..
أخذتْ نفسي حتفزني هذه املَرَّة للبحث عنها بقوة ،وقلتُ بإصرار
داخلي يجب أن أجدها ..تلك السارقة األنيقة يجب القبض
عليها ..فهي مفتاح القصة كلها ..لكن كيف؟ وأين ؟ ومتى ؟؟ .هذا
هو السؤال؟..
خطرتْ لي فكرة ،وصحتُ بغيظ ولوم داخلي :فلتذهب وجتلس
جوار واحدة من ستات الشاي القابعات باملوقف وتطلب منها كوباً
من الشاي املنعنع ،وبدون سكر ،ليشتغل املخ ويبرق ذهنك بحلٍ
جديد..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-051-
جلستُ على (بنْبَّرٍ) صغيرٍ تدَّلتْ حباله من األسفل ،وضعت يدي
على جبهتي معلناً فشلي للكل ،ومعبِّراً عن حالتي اليائسة .وفي
غمرة هذا الضجيج والزحام قررت أن أواصل كتابة القصة..
أخرجت القلم والورقة من جيب قميصي وبدأت في استدرار
احلكاية واسترجاع أفكاري التي تصحرتْ وذابت وقستْ عليَّ..
شعرتُ بأن ذهني بات مجهداً وراء هذه املغامرة العجيبة ،بل أن
عقلي املرهق تعب حد اجلنون ..وأنا أتفرَّسُ في وجوه العابرين
أمامي ،أحسستُ بحالتي التي أصبحت درجةً ما بني الوعي
واجلنون ،شيئاً بني احلقيقة واخليال ..صرتُ مثل كائنٍ ال وجود
له ،ضقتُ من نفسي ،وتصرفاتي ،وأفعالي ،وتصحر أفكاري
وإبداعي ...
كنت في مرحلة أقرب لليأس من احلياة ،ولم أنتبه للقلم الذي
مترَّد عليَّ ،وتسلل بهدوء حتى أفلت نفسه من بني أصابعي،
ولطمني على خدي غاضباً وثائراً..
أصابتني الدهشة ،وأجلمت احلاضرين مباغتته لي .لدرجة أن
جعلت (ست الشاي) نفسها تصرخ وتولول هاربة ..ضج املكان
بالهرج .ورأيت في وسط هذه الفوضى ،قلمي هنالك؛ ميسك
بورقتي ويكتب عليها نهايةً للقصة التي عذَّبتني ،ويصرخ في
وجهي:
"أنت كاتبٌ فاشل ،ومحقق غبي ،وال تستحق أية مكافآت..
وواصل حديثه" ،ولكن رغم ذلك سأحلها وأختمها لك"..
-استلِم ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-050-
قالها ورمى بحزمة النقود املسروقة أمامي ..ثم مَزَّق الورقة
وغاب ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-059-
حممد حسن النحَّات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصوص:
فندق 03
زهرة اجليبسوفيال
نافذة مائلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-053-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-054-
فندق 03
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-055-
جلس الصبي قُبالتي وأنا أخط بخط مرهق وصفته الطبية،
كانت الساعة قد جتاوزت الواحدة صباحاً ،أطرقت برأسي
مفكِّراً ...الصبي ومن معه لم يفصحا عن سبب اجلروح ،التزما
الصمت والصغير لم يستجب إلحلاحي حتى بعد أن انفردت به.
كان هادئاً ولم يبد أي هلع ،مددت الوصفة لألربعيني وأنا أملي
عليه كيفية استخدامها ،شكراني وشد الصبي على يدي ،عندما
استدارا التمع بذهني سؤاالً لم أدر كيف فات عليّ طرحه هتفت:
"هل أنت والده ؟ ".
ابتسم الصبي ابتسامة واهنة فيما أطلق الرجل ضحكة قصيرة
قائالً " :ال ...هو أعز من ذلك...إنه زميل الكفاح "
خرجا وكفيهما متعانقني.
ليالً كنت أنام بغرفة استراحة الطبيب لوحدي فكما تعلم ال
طبيب غيري هنا ،فيما ينام الصيدلي واملمرض في غرفة أخرى،
ويتوسد احلارس العجوز بساطاً بالقرب من البوابة .ورديتي تنتهي
في الثامنة صباحاً فتتسلمها مني طبيبة وهكذا أعود ليالً للمشفى
مرة أخرى ،ما كان يجعلني أحسد زميلتي أن عدد املرضى نهاراً
يعد على أصابع الكف فيما يتضاعف عددهم بورديتي بصورة
موجعة جتعلني أسهر حتى الصباح في معظم األيام ،وحتى عندما
أهجع مبكراً يقلق منامي صوت ضحكات خافتة ،همهمات
مكتومة ،أنات ضعيفة ،وهسيس خطوات تتجول في املمر أمام
غرفتي ،كنت ال آبه بكل ذلك ما دام بابي لم يطرق إيذاناً بوجود
مريض.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-056-
عندما قابلت مدير املشفى يومذاك استقبلني بترحاب كبير
بسعة الفرجة بني سنتيه األماميتني ،طالع أوراقي باهتمام وجال
بي في األنحاء معرفاً إياي باملكان واملكان بي وحتدث عن طبيعة
العمل وأمور أخرى ،وعند البوابة ربت على كتفي وقرب عيناه من
وجهي قائالً بجفنني يرفان كجناحيّ عصفور " :ستسمع أصواتاً...
ستقابل أناساً ...ال تأبه لشئ مهما كان غريباً ...ستمر فترتك هنا
بسالم " .وقتها لم أفهم ولكنني اكتشفت أن احدى عينيه حوالء !.
تزايد عدد مرضاي مع األيام ...وكان ذلك مزعجاً لعدة أسباب،
أوالً؛ ال يأتون إال بعد منتصف الليل ،ثانياً معظم شكواهم عن
ضربات سياط وجروح مجهولة املصدر ،حروق وصعقات كهربائية
في جميع أنحاء أجسادهم ،ثالثاً صباحاً ينكر الصيدلي أن أحدهم
قد صرف دواءً بعد منتصف الليل ،فإذن من أين يجلبون الدواء
الذي أراهم خارجني به وغرفة الفحص قبالة البوابة ؟! .لم أشك
في قواي العقلية وشككت بعقلية الرجل ،فإما أن يكون مخبوالً أو
لصاً غبياً .
أيقظتني مثانتي طالبةَ إفراغها ،خرجت إلى احلمام وأنا أتخبط
في ظلمات النوم والليل واملمر أمامي يبدو بال نهاية ،اصطدمت
برجلٍ منحنٍ لم أره في الظالم ،اعتذر واعتذرت ...قال لي أنه
يبحث عن حذائه الضائع ،كان يرتدي حذاءً واحداً مهترئاَ ويحمل
حتت إبطه كرة لم أتبينها ،واصلت سيري وأنا أنف أية صلةٍ لي
بحذائه .أفرغت مثانتي وعندما عدت شاهدته يواصل بحثه ومع
ضوء الشارع الواهن رأيته بوضوح أكثر ،ضخم اجلثة وطويل كنخلة
معمرة ،فركت عينيٍّ ،صحيح أني ال أرتدي نظاراتي لكن بصري
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-051-
ليس بهذا السوء ،هل الرجل بال رأس ؟! وهل الكرة حتت إبطه
لديها شفتني وصفي أسنان ناصعة البياض؟! أعدت فرك عينيّ
ألفتحهما على اختفاء العمالق.
تزايدت األحداث التي تطير العقل ،زمالئي ينفون ما أحتدث عنه
ويؤكدون أنها الهواجس التي أخافت األطباء من قبلي فتركوا
العمل ويبدو أنني أسير في الطريق نفسه واملدير ذو اجلفنني
اللذان يرفان كجناحيّ عصفور ال ينفك من ترديد جملة غبية
خاوية " :ال تخف ...فقط ال تأبه لشئ".
واحلارس العجوز الذي أحس أنه يداري سراً ما يقول وهو يخلع
طقم أسنانه " :ميكنك أن تذهب ...لكني أؤكد لك أن املرضى قد
أحبوك ...أنت طبيب طيب ...ال تخذلهم !".
في تلك الليلة الباردة قررت ترك العمل ،سأخلد للنوم وفي
الصباح سأعلن قراري للمدير وليضرب رأسه باحلائط .أيقظتني
طرقات ببابي وصوت أحدهم يعلمني بوجود مريض ،ارتديت
البالطو فوق مالبسي وحملت سماعتي وخرجت .عند غرفة
الفحص هالني عددهم ،كانوا بالعشرات ورمبا املئات! ...وكأنني
لست أنا ...خطوت بهدوء حتى جلست خلف الطاولة ...جلت
بنظري فيهم ...ذاك الصبي والرجل األربعيني ...وهذا املسن
صاحب املرض العضال واملصعوق كهربائياً ...وبجواره شاب
جبرت كسر يده قبل أيام و اآلن يده مِعوجَة كما رأيتها أول مرة...
وهنالك الرجل النخلة الذي يبحث عن فردة حذائه ،حقاً كان يحمل
رأسه املقطوعة حتت ابطه ...لم أكن خائفاً بل هادئاً كجبل...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-057-
معظمهم كانوا مرضى ما بعد منتصف الليل وأخرين أشاهدهم
ألول مرة ...شبكت أصابعي وقلت " :هه ..وماذا بعد؟!"
اختلطت أصواتهم وعال ضجيجهم ،كانوا يتحدثون في نفس
الوقت لكني كنت أسمع كل واحد منهم على حدة كما قلت لك لم
أكن أنا إذن هذا املبني كان قدمياً معتقالً لتهذيب من قالوا ال في
وجه من ال يرضى إال بنعم ،أخبرني بذلك الشاب ذو اليد املِعوجَة،
مقطوع الرأس أجابني بأن اجلالدين أطلقوا على املكان " فندق
الشيطان" ومن يلجه ال يخرج ...الصبي حدثني عن أم مكلومة
مازالت تنتظر عودته ...أخر جال بي في زمان الشعر الكثيف
والبناطيل الواسعة وموسيقى الروك ...رأيت وقفات احتجاجية
ومظاهرات واعتقاالت ليلية وعريس انتزع من أحضان عروسه في
ليلة الدخلة .ثقل رأسي بحكاياتهم وآالمهم فأسندته بيدي...
وساد صمت كثيف ،وفجأة بدأت تتعالى أصواتهم ،ببطء وايقاع
رتيب من الصمت إلى الهتاف ثم الصراخ احلاد...
ساعدنا ...ساعدنا ...ساعدنا
دسست أصبعي في أذني
" كيف أساعدكم ؟! "
وضع أحدهم أمامي دفتراً ضخماً ،أسود الغالف ،معنون بخطٍ
دامِ " فندق ..03القصة الكاملة "
" أكتبنا أيها الطيب ..أكتب قصصنا لتمسح أحزان أحبابنا ويكفوا
عن انتظارنا ،أكتبنا لتطارد الكوابيس جالدينا ،أكتبنا لتفك أسرنا
من هذا املكان اللعني ولنبدأ رحلتنا األبدية ".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-052-
وجدت نفسي أفتح الدفتر وبدأت أخط حكاويهم .ما أن ينتهي
أحدهم من إمالئي حكايته حتى يتحوَّل إلى فراشةٍ زاهية األلوان
ترفرف في سعادة ،ثم تتحول إلى نقطةِ ضوء مرحة تطوف فوق
رؤوسنا ثم تخترق السقف مسافرة إلى األعلى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-061-
زهرة اجليبسوفيال
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-060-
حتى فخذيها البضني ،انتعلت حذاءً إغريقيا المعاً بخيوط مذهبة
تلتف حول ساقيها الناعمتني حتى منتصفهما ،وخال وجهها من
املساحيق فبدت أجمل ما يكون ،وأمسكت منديالً أبيضاً تكفكف به
أدمعها .أحضرت لها الهاتف كما طلبت من طرف الصالة الى
وسطها حيث جتلس ،بينما قلبت صفحات نوتة صغيرة وبدأت
تتصل على أهلنا ومعارفنا مخبرة إياهم بالوفاة املفاجئة .اتصلت
أوالً على " صمويل " صديق األسرة املقرب الذى حضر في ملح
البصر .دخل علينا وهو يربط ربطة عنقه ،احتضنني سريعاً وهو
يهمس بتعازيه احلارة التي بدت لي مفتعلة ثم غاب في أحضان
"الزارا " لدقائق جعلت الغيرة تتصاعد داخلي ..وجتاهالني متاماً.
صمويل :تعازيّ عزيزتي ..فجعني اخلبر حقيقة.
الزارا وهى تنهنه :كان بصحة جيدة ،عندما حاولت ايقاظه لم
يستجب.
صمويل ضاغطاً على كفها :أنا هنا وأيام احلزن هذه ستنتهي.
وسحبها إلى صدره.
توافد األهل واألصدقاء أفراداً وأزواجاً ..حضر العم "كارلوس"
وزوجته اجلميلة املراهقة ،اخلالة "أماديس" التي لم أتوقع
حضورها ،ورب العمل السيد "مكسيمو غوميث" ،وعدد من
األصدقاء ،كما حضر القس "خوسيه" الذي يبدو أنه أوقظ من نوم
عميق فقد كان يتثاءب دون احترام في وجوهنا وبصحبته رجل
غليظ املالمح نعته مبندوب مؤسسة دفن املوتى وقادتهما اخلادمة
إلى غرفة امليت .شد اجلميع على يدي معزياً ثم أسرعوا إلى
"الزارا" متحلقني حولها معددين مناقب املتوفي في أسىً ،كنت أرى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-069-
أن جل اهتمامهم ليس مسلطاً على احلديث عن املرحوم وإمنا على
صدرها ! ما عدا العم "كارلوس" الذي كان مشغوالً بفتاته ملتصقاً
بها كأنها ستهرب .كان يسود جوٌ من عدم االحترام للفاجعة
ويتجاهلني اجلميع دون استثناء وأنا سيد الدار .
نفد صبري وتوسعت حيرتي فانتزعت "الزارا" من وسطهم
فتأوهوا جميعاً كأمنا أغلقت تلفازاً يبث مسلسالً محبباً_
وجررتها خلفي إلى غرفة املكتب.
" -ما الذي يحدث هنا يا الزارا"
متخطت في منديلها ومسحت دمعاً لم أره
" -أخبريني بالله عليك ما هذا اجلنون ..وملن هذه التعازي؟!"
تبدل حالها إلى كلبة تنبح بوجهي " :أال تعلم ؟! كلهم يعلمون وأنت
تتظاهر بالبالدة "
عضضت على أسناني" :ال أتظاهر بشئ ..جدياً ال أعرف ملاذا
أتوا معزيني ومن هذا املرحوم باألعلى"
تصايحنا كأصمني ثم فتح الباب ليظهر "صمويل" قائالً " :كفا..
ماذا هنالك ..شجاركما يصل إلى الضيوف وستكثر األقاويل"
دفعته بعيدا عنها" :صمويل أنت أقرب أصدقائي لكني ال
أفهمك ..أنت تتجاهلني وتلتصق بزوجتي في حضوري ..ماذا
هنالك ؟! "
حك صمويل رأسه ثم رفع عينيه إليها" :حقا ال يعلم؟"
هزت رأسها باإليجاب
قال" :إذن يجب أن نخبره ..البد أن يعرف"
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-063-
سحباني من يديّ كطفل تائه وصعدا بي الدرج والزارا متسِّد كف
راحتي.
وقفا بي أمام الباب وقالت" :ال تخف ..أريدك شجاعاً ..يجب أن
تواجه األمر"
و دخال بي
عادت ساقاي إلى عادتهما السيئة ومن حيث ال أعلم صدحت
موسيقى جنائزية ،دفعاني إلى األمام ،والقس الذي كف عن
التثاؤب ،كف أيضاً عن تالوة اإلجنيل وأفسح لي الطريق ..غرفتي
كما هى إال من تابوت قبيح أضيف بالقرب من النافذة املطلة على
الشارع ..تقدمت ببطء ..ورأيته ممدداً في التابوت وراحتاه على
صدره ومرتدياً البدلة الزرقاء التي ابتعتها من رحلتي األخيرة إلى
جنيف ..وجهه هادئ وشاحب إلى حد ما ،وشفتاه انفرجتا قليالً
عن نصف ابتسامة ..كان أنا ..أنا ميت ممدد في تابوت.
وانساب بولي
" أسف يا عزيزي ،كان يجب أن تعلم ،البد أن تذهب ..أنت مت
واألموات ال يبقون ..لقد كنا كرميني معك ،ولم نتضجر من بقائك
حتى األن لكن حاملا يقبر هذا التابوت يجب أن تذهب دون رجعة "
كان هذا صمويل ممسكاً كتفاي براحتيه وضاغطاً عليهما بقوة،
نفرت أدمعي ،هل هذا حلم ؟! هل أنا أهذئ ؟! ..ال ..أنت ال حتلم..
أنت تتذوق ملح دموعك وتتألم من قبضة صديقك .عاد القس إلى
تالوته متمنياً لى حظاً أفضل في الضفة األخرى ..وعادت زوجتي
إلى ضيوفها باألسفل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-064-
باألسفل بدأ احلديث ينحرف عن املرحوم ،نقاشات ال معنى لها
وال متت للمناسبة بصلة ،ثم متادى السيد "مكسيمو غوميث"
وأطلق نكتة بذيئة تعالت لها ضحكاتهم التي سرعان ما ابتلعوها
عندما حدجتهم خالتي بنظرات نارية .في هذا املنزل شخصان
يبكياني بصدق ..خالتي وأنا !
حملوا التابوت وزجُّوا به في عربة يجرها حصانان عجوزان،
القس تهفف بكتابه حاثاً إياهم على اإلسراع فالغيظ شديد .ساروا
خلف العربة التي سارت ببطء مقيت إلى املقبرة القريبة ،صمويل
ميسك بيد الزارا وال يكف عن الهمس بأذنها وهي تكفكف دمعاً
أصر أنني ال أراه ..ثم من خلفهم اجلمع الصغير وأنا في املؤخرة
متاماً .اختاروا لي قبراً شنيعاً بالقرب من بركة ماء آسن ..أنزلوا
التابوب ..ألقى القس موعظته على عجل ..أهالوا علىٍّ التراب..
وضع كل ضيف وردا على قبري ،ورد اجليبسوفيال الذى ال أحبه..
جتاهلوني متاماً وصافحوا الزارا وغادروا سعداء بنهاية هذا
الواجب الثقيل .خال املكان إال مني وزوجتي وصديقي املقرب.
تأبطا ذراعا بعض
قال لي " :صديقي ال تقلق على الزارا ..هى في عينيّ "
ابتسمت في غنج ثم كشرت في وجهي" :عزيزي أنا أسفة ،كل شئ
انتهى ،إياك أن تلحق بنا ..الوداع "
ثم أرسلت قبلة في الهواء نحوي ،وأدارا ظهريهما لي
وقفت حائراً مكتئباً حتى غابا عن نظري وصمويل ال يكف عن
الهمس اللعني في أذنها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-065-
نافذة مائلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-066-
عندما ابتعتُ هذا املنزل لم أضف إليه إال هذه النافذة ،طلبتُ
مِن البناء اختالق نافذة معتمة على اجلدار املقابل للطريق على أنْ
تكون مائلة! نظر إليَّ متعجباً إال أنَّه رضخ ملشيئتي ،بينما زُيِّنت
احلوائط األخرى بصور شاطئ املسيلة وجزيرة فيلكا اخلالبة،
وبيت السدو التراثي ،وأبراج الكويت الثالثة .هذه الغرفة هي
الوحيدة التي أشغلها .هنا أجد نفسي أقرب ما أكون إلى زوجتي
التي تركتها هنالك حتت أنقاض املدينة اجلامعية .مِن هنا أراقب
الطريق ،العالم مِن خلف نافذتي يبدو مختلفاً كليةً ،مِن هنا يتعرَّى
اجلميع أمامي ،قد أبدو مختالً وأنا أقضي ساعات طوال أتلصص
على جيراني ،لكن ماذا ستفعل لو كنتَ تعاني مِن الوحدة مثلي؟!.
قلبتُ الصحيفة فلم أجد خبراً ولو صغيراً عن وقفاتنا املتكررة،
نرفعُ شعاراتنا وتبح أصواتنا وتغلي أدمغتنا كاملراجل حتت لهيب
الشمس ،وال جند صدى ،املركبات مترق مِن خلفنا مُخَلِّفة بعض
النظرات الفضولية فقط ،هي لعبة وقت كما قال العجوز:
ينتظرونكم أنْ تكلوا ومتلوا.
العجوز هو الوحيد الذي حاز على اهتمامي مِن كل أهل احلي،
سكنتُ قبله بفترة وجيزة ،ظهر ذات ليل شاتٍ ،كان راجالً ويتلفح
عباءة حجازية باهتة ،يتوكأ على عصا أبنوسية ،وتتبعه عربة نقل
تُقل زوجه العجوز وابنه وبناته الثالث وعدد من األحفاد الصغار،
في هدوء سكنوا منزالً متهالكاً بني بنايتني فخمتني .أخبرني فيما
بعد أنَّ صاحب البيت تعاطف مع حاله؛ فمنحه السكنى إلى حني.
عَدَّلتُ جلستي وأنا أتابع جاري الشاب الذي ظهر أمام منزله،
مرتدياً بنطال جينز قصير حتى منتصف الساق وفانيلة ذات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-061-
حمَّاالت حمراء مُبْرِزَة عضالت ال بأس بها وخلف أذنه سيجار،
راوح بني قدميه ،فرك يديه ،ونظر بحقد إلى العجوز ،دعك أنفه
األفطس وأطلق سباباً بذيئاً قرأته على شفتيه ثم اختفى .وضعت
املرقاب جانبا وأنا أطلق ضحكة جذلة .العجوز ال يدري شيئاً لكنه
حجر عثرة أمام نزوات الشاب وجارتنا الفاتنة .عندما وضعتْ
طفلها الثاني ذهبتُ مهنئاً زوجها ذا األنف الدقيق ،ولم أندهش
عندما حملتُ الطفل وشاهدتُ أنفه األفطس.
رفع العجوز رأسه نحو نافذتي ،تراجعتُ بظهري على املقعد.
نظراته هذه دوماً تربكني ،بالرغم مِن أنَّ الزجاج معتم ويستحيل أنْ
يراني إال أنَّ نظراته تخترق العتمة وتخترقني ،وأشعر أنَّه يعلم أنَّني
خلف النافذة أرقبه .عاد إلى جلسته األولى ،كان كما رأيته أول
مرة ،عباءة حجازية بالية والعصا وعمامة ضخمة تنتحب على
ماض زاهر.
صرتُ خبيراً بتقلبات العجوز النفسية ،يستلطفني أحياناً
ويدعوني جملالسته ،وحيناً يطردني ككلب أجرب .ذات صفو ومِن
بني ضحكاته أخبرتُه أنَّنِي أعلم أنهم ميرون بضائقة مالية؛ فابنه
على باب الله ،وبناته ال يعملن وأحفاده موزعون على املدارس،
أنهيتُ مقدمتي مُبْرِزَاً حِزْمَة نقود .تبدَّلت مالمحه واحتقنت عيناه
بالدم ،هزَّ عصاه في وجهي ثم أشار إلى منزلي وزأر كأسد داسه
الزمن " :اذهب ".انسحبت خجالً ولم يحادثني ألسبوع ،وتعلَّمت
دسَّ النقود في يد ابنه.
ذات يوم سألني( :هل تريد تعويضاً ملقتل زوجتك)؟ تلعثمت
نافضاً االتهام عني( :زوجتي ال تُعَوَّض مبال ،هنالك فقدتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-067-
مدخراتي وفقدتُ حياتي مبوت حبيبتي ،أنا أساند الضحايا
أمثالي ،أريدُ اعترافاً منهم بأنهم تركونا في العراء تتناوشنا
الذئاب ،أريدُ اعتذاراً رسمياً عن تقصيرهم مبواطنيهم باملهجر).
قهقه العجوز( :اعتذار ورسمي).
بانَ ضيقي مبالمحي( :لِمَ السخرية؟ .يبدو أنَّني سأندم على
مسامرتك).
هممتُ باملغادرة عندما جذبني مِن يدي ثم ربَّت على فخذيَّ
مهدئاً( :ال تكن غضوباً .إنني ال أسخر منك بل مِن حالنا جميعاً،
وضعنا كنافذتك مائل ،امنحني أذنيك؛ وستنسى ترهات االعتذار
هذه).
شبكَ يديه على عصاه ،ووضع ذقنه عليهما ودون أنْ ينظر إليَّ
حتدَّث:
(يا بني .خسائرك كانت بأرض غريبة ،ومِن أناس أغراب قذفوا
قنابلهم مينة ويسرة دون متييز ،ماذا لو مقتلعوك مِن أرضك
وقاتلوك هم بنو جلدتك؟ في زمان ما لم أكن العجوز الذي تراه،
كنتُ هنالك .بأرض الفردوس ،زرعها أخضر ال يصفرُّ ،وماؤها
عذب صاف ،وعشيرة طيبة مساملة ،كنتُ حينذاك كبيراً للبلدة ،لم
أكن خيال املآته الذي تراه اآلن ،أفقر رجالنا كان غنياً بحسابات
هذا الزمان ،اآلن ال ضيف يزورني وذاك مِن لطف الله؛ فلو جاء لن
أجد ما أجود به عليه .اليوم أنا مُتَعَطِّل كشابٍ أخرق مِن مدينتكم،
خرطومكم التي ال أجد بها راحة ،مدينة تعيش لنفسها ،وال تستقبل
غريباً حتى تتالعب بأخالقه وماضيه ،عندما ألقي السالم على
هذه املأفونة وأشار إلى منزل جارتنا ذي الطوابق الثالث والتي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-062-
كانت من كبار كارهي أسرة العجوز ألنهم وببيتهم الطيني يقللون
مِن " برستيج " احلي! ..ال ترد وتشتم أحفادي كلما وجدتهم يلعبون
في ظل منزلها.
آيييه! كُنَّا في اجلنة عندما داهمنا الشيطان ،نتصيد أخبار
احلرب الدائرة في حذر ،ولكننا لم نحسب أنَّ لهيبها سيمسنا .ذات
صيف والكل في مقيل ،أو يعمل في احلقول باغتونا ـ متخط في كم
جلبابه ـ باغتونا كضباع اجلبل ،نهشونا كجيفة ،وعندما وصلوا إلى
داري لم أجد أنا الشيخ العجوز إال عصاي ملواجهتهم بها ،تقاذفوني
ككرة ،صفعوا زوجتي وربطوها كنعجة ،وجروا ابنتي ـ تساقطت
دموعه بينما احتقن وجهي ـ تناوب على اغتصابها خمسة منهم وأنا
األب مرمياً كخرقة بالية مشجوج الرأس انتحب كالنساء ،ابني
األكبر ظهر كبطل مِن رمل؛ فأردوه بالرصاص دون أنْ يطرف لهم
جفن ،وقتها حمدت الله أنَّ ابني اآلخر باحلقل.
نشج وهو يحاول كبت أحزانه.
(تركونا وليتهم لم يفعلوا ،وجدت فمي مختلطاً بلعابي وملح
دموعي ودمي ،هل كان دم أسناني اخمللوعة أم دماء ابنتي
املسفوكة؟! وهربنا تاركني كل شي خلفنا ،وتشرَّدتْ عشيرتي ،جُلّهم
"باركسوني" و"فرشنا " بتشاد ،وقلة في "اجلنينة" و"الفاشر" .طوال
فترة هروبنا ظَلَّت ابنتي املذبوحة مكتئبة وترميني بنظرات الئمة
كأنَّني أخطأتُ ولم أمت كأخيها األكبر! نزلنا عند قريب لنا
"باألبيض" وبعد يومني مِن إقامتنا وجدنا ابنتي تلفظ أنفاسها
األخيرة بعد ابتالعها الصبغة ،وحتى وهى تتحشرج حدجتْنِي
بنظراتها الالئمة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-011-
ـ أيها الغضوب هل ستنتظر اعتذاراً؟!
وجدتُ دموعي تزرف بغزارة وتختلط بدموعه وأنا أعانقه.
تفقدتُ هاتفي ،وأنا أشدو بشعر طريف حفظته عن العجوز:
دا وادي ولد الدندول الله يبارك فيه.
كساني لي توب وجبه وسروال.
وعمة توتال وملف شنشال.
أنا ضنيب القط ،قبيل ما بعرف املشي حسا بقيت قدال.
أعدتُ الهاتف إلى الشحن ،وعدتُ إلى مقعدي أمام النافذة،
وكنتُ الشاهد الوحيد .لم يحتج األمر إلى دابة األرض كما حدث
مع سليمان ،تكفلت اجلاذبية بإسقاط العجوز على وجهه في بركة
آسنة أمامه .اختلط بياض عمامته بسواد الطني .ألصقتُ وجهي
بزجاج النافذة متسمراً مِن هول املوقف عندما توقفتْ دراجة نارية
عليها شابان لم أرهما مِن قبل .أسرع أحدهما وانحنى على
العجوز .فتش جيوبه وعندما لم يعثر على شئ اقتلع العصا مِن يده
ثم ركله في بطنه في حنق وقفز خلف السائق .وفرَّا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-010-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-019-
حممد خلف اهلل سليمان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصوص:
حمّال نوبي
كرنولوجيا الولد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-013-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-014-
محال نويب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-012-
كرنولوجيا الولد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(أ)
(ب )
(ت )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-070-
بجارية أخته قد أتته بهدية وقالت :إن سيدي قدم البارحة من
السفر.
ضرب الولد رأسه على احلائط ...وأفاق ...واتخذ كتاب
(الكاماسوترا) أوضاعاً مختلفة فصارت املرأة غزاالً وبقرة سماوية
وكوبرا ومحارة تكسو نفسها بخالصات الورد والطيب والزعفران.
(ث )
الولد الذي ركل امللك برجله في منامه ،ركل ديناراً عليه صورته
في صحوه...
(ج)
أرسلته أمه لبيت ناس التاية بنت الفضل ،دخل ،ووجدها جتلس
في (بنبر) الصطياد الشمس ،وكأمنا تراه ألول مرة...
رددت هامسة
أهو الولد...
أم امللك ؟
امللك...
أم الولد ؟
الـ ...وحتول (بنبر) التاية بنت الفضل إلى عرش عظيم.
لم تكن التاية بنت الفضل ترى طشاشاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-079-
مسحت وجهها بطرف ثوبها ،وسقطت املرآة على األرض
وتهشمت ،فتطيرت احلاجة من شر هذا اليوم وشر ما بعده وتناثر
وجه الولد شظايا.
(ح)
ما جاء في اخلبر أن الولد الذي شرب سيجارة (بنقو) قبل ثالثني
عاماً صمت منذ ذلك احلني ولم يكلم بعدها إنسياً...
رمبا يتراءى له اآلن شبح صديقه الذي اختطفه النهر وظل
غائصاً في قيعانه املزركشة...
لقد تبدى له الصمت في صورة غريق ،وغدا يلتقط األصوات
التي حتوم في الفضاء منذ قرون ،وال تستقر...
أصوات ديانا في الغابة...
وصوت اخلليل (إتلم خيل الضل على األريل في مشارعه الصيد
ورد وقيل).
أصوات امللوك وهم يوبخون الوزراء ،يولون ويعزلون وينهون
ويأمرون أصوات الكهنة وهم يرددون التراتيل الدينية القدمية...
أصوات السحرة واملشعوذين والعرافني...
وصوت يونس إمرة القائل (طلعت على شجرة البرقوق وأكلت
منها العنب فنهرني صاحب البستان وقال لي :لِم تأكل جوزي ؟)
أصوات املؤذنني...
أصوات لغات سندية وبنجابية وأوردية وآرامية وفارسية والتينية
صوت النداءات في األسواق..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-073-
صوت شهرزاد...
وأحاديث معروف االسكافي وهو يسرد ألهل مدينة اختيان خنت
حكايته اجلديدة...
أصوات كازنتزاكي وكافكا ولوتريامون...
أصوات املمرورين واملتنبئني واجملانني...
أصوات املغنيني...
أصوات املشاجرات والشتائم...
صوت املرأة وهي تضطرب في فراشها...
صوت التاية بنت الفضل...
صفير الناس في السينما...
صراخات الكرة...
هسيس األرواح التي تسكن األشجار...
ومازال الولد يجمع األصوات بحثاً عن صوته الذي راح مع النهر
متتبعا املوجة...
كان احلديد نفط ذلك الزمان...
والولد جاء من بالد بعيدة...
(خ)
في اليوم السابع ،استراح الولد الذي تشوشت حواسه وما فتئ
يفتش صوته اخلاص ،وهو يتجول بني مدينة وأخرى وزمن وآخر...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-074-
إسراء البدوي ومعراجه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمام احملطة يقف بائع احللوى الضرير اليوم بأكمله ميدّ صندوقاً
من احللوى للسابلة ،أدخل شخص يده فى جيبه ،وأخرج نقوداً
وضعها فى كف الضرير دون أن يأخذ احللوى ،ركض البائع خلفه،
وهو يتحسس فراغاً وهمياً ،تناثرت محتويات الصندوق ،دهستها
السيارات املارة سريعاً ،اندفع البائع مهروالً ،تواصلت أبواق
العربات وهديرها املرعب ،تدحرج البائع الضرير حتت عجالتها،
نطفة فعلقة ،فمضغة ،والساعة تضج بعويل قاسٍ ،يرتفع ،ثم ينزرع
الصمت على األبعاد الالمحدودة من الطريق ،استلقى اجلسد
الطازج والدم الهادر يلون األسفلت ...مات.
واملدينة ،التنني االسمنتى الهائل تعيش حياتها االعتيادية ،يخرج
العمال واملوظفون فى متام السابعة صباحاً ،حركة املرور سالكة،
احلوانيت تفتح أبوابها للريح ،والزبائن ،وتالميذ املدارس ،السواح
املبكرون يلتقطون الصور و(سلمان البدوى) يرى عامله أكثر عمقاً،
واتساعاً ،يبصره بكلتا عينيه بوضوح مشرق منذ بدء التكوين حتى
حلظة اكتمال اخلليقة ،وإبداعات اخلالق فى يوم مقداره خمسون
ألف سنة ،يتسع فضاء (البدوي) ،ويستوعب بعداً ميتافيزيقياً ال
حد له ،يحلق كنورس بحري ،بوصلة للبحارة والصعاليك ،ليشكل
عوامله من الناس ،واحملطة ممثل يدمر احليطان الزائدة على رؤس
األشهاد ،ويعيد البناء ميارس عادته املتجذرة فى جتريد اخللق،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-075-
وتشريحهم ،يحاورهم حواراً داخلياً مضنيا ،ويكشف أزماتهم دون
أن يخاطبهم ،يسافر ،تكثر مشاهداته ،رغم إنه لم يفارق املكان.
الوقت الساعة السابعة صباحاً ،وموظف يسرع اخلطى ،تفتح
احملال التجارية أبوابها للريح والزبائن وتالميذ املدارس ،والنيل ال
يغضب اال نادراً ،كالـ ..ومتاماً يجيء النيل سكراناً مترعة كؤوسه
باخلمر واألسى ،لم متر الفتاة التي تبتسم له أحياناً ،توارى األوالد
خلف كتبهم املدرسية.
يأتي (الباص) الذي يستقله ،وألنه رأى وبكل تأكيد شيئاً غريباً
فى هذا اليوم ،لم يدرك (الباص) (نخلة راحت للنبي محمد،
وشكت العباد الذين حاولوا اقتالعها ألنها تعوق مسيرتهم ،مسح
النبي عليها بيده فاستقامت ،وصارت مزاراً).
حتى النخيل يعرف كيف يطرح أحزانه ،هزى إليك بجذع النخلة
تساقط أفراحاً ،وأشواقاه إلى أفراحي التي ملا تأت بعد ،وأنا
(سلمان البدوي) الواقف هنا من زمن لم تشر إليه الساعة املعلقة
فى كل مكان ،وغير املسؤول عن تناقضات هذا العالم ،واملسؤول
عنها فى نفس الوقت ،ال ألني أنتظر (الباص) ،بل ألني أشارك
آخرين فى انتظاره ،وأنا بهذا كله لم أخسر أي شيء ،ألني لم
اكتسب شيئاً بالفعل ،لكني رأيت أمراً عجباً ،فهل أواصل مسيرتي
العرجاء ،أم أنتظر (الباص) الذي قد ال يأتي مطلقاً؟
أهاجر إلى جذوع األشجار ،وزرقة النهر ،أصفر إلى أسراب
العصافير ،أعانق القباب ،واألضرحة ،أرحل إلى وادٍ غير ذي زرع،
الصباحات البهيجة ،وممالك العهد القادم ،رسومات األطفال،
فوضى األشياء اجلميلة ،أتخطى تواريخ الالهوت ،األزمنة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-076-
السحيقة الغارقة فى الطوفان الدموي ،املتجرعة ألنخاب احلزن
اإلنساني منذ العصر النيوليثى ،الساكنة فى جوف احلوت اإللهي،
واملدينة السدميية غير اخملططة جغرافياً ،إذ جعل عاليها أسفلها،
وأسفلها عاليها ،وحق عليها العذاب ،ودمرت تدميراً ،ترتفع فيها
البنايات ،والنخيل واألبنوس ،والسدر ،ألشجارها رؤوس أطفال
مقطعة ،وحلواريها رائحة اللحم البشري املشوي ،تنتحر فيها
العصافير انتحاراً جماعيا وسط طبول املوت ويتالشى الصوت
إلى األبد ،واحلنطة تلعن الشمس ،والورود يقتلها الظمأ في
صناديق مغلقة عليها (خطر) ،مرسومة عليها جمجمة بعظمني
متناحرين ،أين يذهب البدوي والساعة ،اإليقاع ينبض فى شرايني
التوجس ،واحلرائق تلتهم الشرف اجلديدة ،واملالبس املنشورة
على حبل الغسيل ،وحتط فراشة جناحيها املتعبني على كم قميص
أبيض ،فتشتعل الفراشة ،والقميص ،وتسري النيران ،تتدافع
اجلموع ،يصطف صفوفا تلتهب حناجرهم ،تنتفض حلاهم،
وتسمع الصراخ ،العنف يكتب اسمه على اجلدران ،ولوحات
املدارس ،حتترق الصحف الصفراء ويصمت املذياع.
تعوي كالب احلارة العجفاء ،الذعر يسكن احليطان ،األطفال
والنساء والشيوخ يركضون ،يسقط طفل على حلية شيخ ،وشيخ
ثمل على ثدي عجوز ،وشجرة صلبة ،وعاتية ضاربة جذورها في
األرض ،وفرعها في السماء.
قادتنى قدماي إلى إسراء في األرض ،ومعراج فى صباح يوم أكثر
اخضراراً ،إلى أن بلغت سدرة املنتهى ،أعد اخلطو ،أمتلك العالم
واألشياء ،أكلم الطير ،أضاحك النمل ،تنكشف الرؤية ،أتوحد،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-071-
أبصر أطفاالً يأتون ،ويرتدون ثياباً بهية ،ويأتي الرجال بنضارتهم،
وبشارتهم ،سقطوا على األرض ،وتشبثوا بذراتها املتناهية ،كانت
األجساد تشتعل ،والقلوب تشع ملعانا ،و(البدوي) داخل الزمان،
واملكان يرفع ساقه اليسرى ليركب (الباص) القادم لتوه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-077-
منصور الصويـــــم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نصوص:
حزين مثل دوالب خشبي قدمي
استحـــــــالب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-072-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-021-
حزين مثل دوالب خشيب قدمي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الرجل حزين فعالً ،حزين جداً ،حزن مسكني ،متوارٍ ،ال
يالحظ ،متالشٍ ،في الظل ،مثل دوالب خشبي قدمي؛ منسي في
الظلمة ،داخل مخزن قدمي ،ممتلئ باألشياء واألدوات اخلربة،
مستنفدة الفائدة ،ضائعة الزمن .يقف على قوائم ثالث فقط ،كأنه
سينكفئ على وجهه لوال انفتاح بابيه وتساندهما على األرض اتقاءً
للسقوط .أرففه الداخلية متساقطة ،مائلة ،مثقوبة ونخرة .ضوء
من غبار يتسلل عبر ثقب في اجلدار يضربه في القلب املنبعج ثم
يرتد منكسرا إلى اخلارج في شريط طويل يقرأ األشياء القدمية
املتراكمة فوق بعضها حتى السقف .مثل الرجل احلزين جداً يحدق
الدوالب باألرض ،أرضه بالذات ،وكأن رأسه مشدودة إليها
بسالسل من حديد.
الرجل احلزين ،مثل الدوالب اخلشبي القدمي ،كان ممسكاً
بفنجان قهوة ،في احلقيقة كوب قهوة ،كوب من تلك األكواب
الزجاجية الرخيصة املستخدمة بكثافة لدى بائعات الشاي
املنتشرات هناك وهنا ،وهو كان يجلس هناك؛ حتت ظل شجرة لبخ
ضخمة ،على تكوين أسمنتي شائه ،كان أثراً على بناية ما؛ بني
أصابعه كوب القهوة السوداء ،ارتشف منه رشفات صغيرة وتركه
جامداً هكذا بينما أسلم عينيه لسالسل األرض جتذبه إلى
التحديق نحو نقطة ما .املكان حوله ضاجاً باحلركة والكالم
وصدى ارتطام األكواب باملالعق ورشفات الشاي والقهوة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-020-
وضحكات بائعة الشاي اجملاملة ودوي نفير سيارات بعيدة؛ لكنه
مثل الدوالب اخلشبي القدمي كان غارقاً في غربته ،منكفئا على
وجهه يكاد يسقط لوال يده الغائصة في التراب املبتل باملاء.
لم يتذكر أحد قط الدوالب القدمي بعد رميه في مخزن األشياء
البالية .لم ينتبه أحد قط للرجل احلزين اجلالس ممسكاً بكوب
القهوة السوداء ويده مغروسة في التراب .رمبا كان الدوالب هدية
عروس -ماتت منذ وقت طويل -في يوم زفافها ،وال شك أن
رفوفه املتشققة تضمخت في أزمانه القدمية بعبق العطور
والصندل ،وضمّت في حنان ثياباً حريرية ونقوداً وذكريات ثمينة.
ورمبا كانت للرجل احلزين جداً ،حياة تسبق هذه اللحظة الضائعة
املتقشرة كطالء فورمايكا الدوالب القدمي .رمبا كان حزيناً ولكن
ليس إلى هذه الدرجة ،أو لم يكن حزينا حتى ،ال توجد أمام عينيه
سالسل غبارية من ضوء تشده إلى األرض ليحدق في حفرة حزنه
اآلخذة في االتساع مع كل رشفة من قهوته السوداء الباردة.
رمبا ما كان هناك قط رجل حزين إلى هذه الدرجة من احلزن
القدمي اللئيم الذي ال ينتهي ،مثل دوالب خشبي قدمي يكاد ينتهي
بني ركام األدوات الصدئة املنسية في مخزن متداعي احلوائط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-029-
استحـــــــالب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-024-
لذة خاصة ألجل السلطان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* املعانقة:
في اللحظة التي أحس فيها الرجل بارتفاع يد السياف عالياً،
غمره إحساس مشرق بهي أضاء أمامه شريط حياته بأكمله،
وجعله يحس بسعادة ولذة لم يجربهما طول عمره .فتح عينيه
املسبلتني لبرهة خاطفة تابع خاللها وبانبهار تام غرابة ما يحيط
به؛ الرجال الواجمني ،النساء الباكيات في ألم وصمت ،واألعداد
الهائلة لعساكر السلطان ،ثم السلطان في بهرجته وزينته ،ووهمه
الكبير.
كم كان يخاف هذه اللحظة الفاصلة بني وجوده وفنائه ،حتى إنه
وقبل قليل حني قيدوا يديه وقدميه ،ورتبوا لعنقه موضع الفصل
كان يرتعش ويحس بالدمع بارداً يلتصق بحدقتيه ،لكنه اآلن في
هذه البرهة املمتدة لسنوات يحس بالراحة واملعنى".لم يكن هباءً"
قال لنفسه ،ثم أغمض عينيه وابتسم وهو يبصر املوت؛ أنيقاً
وجميالً يتقدم ويقترب منه ،يربت على خده ثم يعانقه ،ويحتضنه.
كالبرق ملع نصل السيف ،وهو يقطع سريعاً العنق ويفصل الرأس
األصلع عن اجلسد ،ليتدحرج ويقع بني قدمي السلطان بالذات.
النسوة املتشحات بالسواد أطلقن زغاريد حزينة متقطعة ،مفعمة
باأللم واحلسرة للفقد األبدي .الرجال األكثر صالبة من الوهم،
أطلقوا صيحات عنيفة ،مرعدة متجِّد امليت واحلياة واملطر.
الرجال الغارقون في جلة فزعهم اخلاص رددوا بقوة طبل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-025-
أبكم":عاش السلطان ..عاش السلطان" .السلطان البهرجي
املنتفخ ،أخذ يبحلق بحسرة في الرأس املقطوع املرمي بني قدميه،
وعلى شفتي الرأس ابتسامة رضا .هربت كل األلوان من وجه
السلطان ،وتركته أبيض كالورق .بقدمه ركل الرأس املقطوع وقال
همساً" :كم هو سعيد ..كم أنا تعيس" ،ثم تدحرجت دمعتان على
وجنتي السلطان السمينتني.
*املوت يهمس بالسر في أذن السياف:
في آخر الليل انزوى السياف وحيداً في ركن حجرته ،حزيناً
وكئيباً .أمسك كفه بيده ،وألم خفيف آخذ في وخزه .ألم ظل يحسه
طوال سبعة وثالثني عاماً ،قطع فيها مئات الرؤوس واأليدي
واألقدام .ألم خفيف بطرف إصبعه السبابة ،يتفاقم عقب كل حكم
ينفذه ثم ال شيء .سبعة وثالثون عاماً لم يقرب فيها اخلمر ،لم
تزره أشباح موتاه .في كل ليلة طيلة هذه السنوات كان يضع رأسه
فقط ليسافر في سبات عميق ممزوج باألحالم السلطانية
املتوردة ،لكن هذه الليلة كم يحس باالنقباض واالحتراق ،منذ أن
أطاح برأس الصباح وملح -في برهة خاطفة -وجه السلطان
امللطخ بعبط السنني ،برهة كانت كافية لتكشف أمامه فداحة ما
ظل يعانيه بقرب هذا الرجل البرميل .زفر بعمق وقال" :كم هو
كريه".
أغمض عينيه ،وهو يحس بالهواء الرطب املنعش يدغدغ وجهه
ويرطب جلده .تنفس بعمق وأحس ببعض الراحة ملقدم رفيقه
ومؤانسه طوال السنوات املاضية؛ املوت -صديقه األثير -يقترب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-026-
منه ويجلس بقربه ويربت بيده الثلجية على كتفه .ابتسم املوت في
طيبة وحب حقيقيني وقال له":صديقي ،يجب أن تهاجر".
نظر إلى املوت بعينني متحجرتني وآالم إصبعه السبابة تتفاقم.
أضاف املوت" :يجب أن تهاجر ..إذا بقيت حتى الغد سيورطك
السلطان في آخر نزوات عبطه األبدي ،وحينها لن جتد من
ينقذك ،حتى أنا ستجدني متورطاً في لف احلبل حول عنقك".
هزّ السياف رأسه ببطء وسأل صديقه املوت" :أهاجر إلى أين؟
أنا ال أعرف بالداً غير هذه".
أجابه املوت سريعاً وصوته مشحون بالفرح واللذة" :إلى الشمال
اذهب ..إلى البعيد ،هناك ستجد لك مكاناً رحباً لتمارس جتهمك
اجلميل ،وستجدني هناك الستقبالك ..أعدك".
ضغط املوت بيده الباردة الثلجية على فخذ السياف ،ودّعه
وذهب .فيفجر تلك الليلة اعتلى السياف أوراق هويته ورحل .حدق
في القصر السلطاني وهو مير من فوقه ،أحنى هامته قليالً ولوح
بيده ألنوار القصر الباهرة وقال" :باي ..باي سلطان".
* السلطان يطلق سراح أشجانه:
بعد أن ركل بقدمه الرأس املبتسم لم يلتفت إلى أحد ،لم يصافح
األيدي املمدودة لتهنئه بالقضاء على املارق ،لم يستمع لزغاريد
النسوة املستفزة ،وال لصيحات الرجال املتحدية ،ملح فقط ،ولبرهة
خاطفة ،عيني السياف البراقتني ،وبهما وجد كل اإلجابات على
أسئلة سنينه املنقضية الهالكة املتسربلة بالوهم والعبط األبديني.
مللم عباءته ومضى إلى غرفته ،أغلقها عليه وأخذ ينشج في صمت
ونبل جديدين عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-021-
عند أول الليل مسح بكم جلبابه دموعه وأخذ يحدق في وجهه
املنعكس من املرآة أمامه":إذن أخيراً تكشفت لك األشياء ،ما تبحث
عنه ،ما قضيت عمرك تفتش عليه وتنقب التراب واألنفس بحثاً
عنه ..قطعت الرؤوس ألجله ،وأحرقت املدن لتظفر به ،وهو قربك
يرافقك صباح مساء ،وأنت أعمى ال تراه .كم من رؤوس تأوهت
قدامك ورسمت بأهازيجها املعنى؟ كم من وجوه في اللحظات
احلاسمة النادرة أهدتك احلقيقة لكنك لم تفهم؟ ولوال هذا الرجل
وارتطام رأسه بقدميك ،واكتشافك املباغت للعالقة املدهشة بني
ألق وجهه والبريق الشجني لعيني السياف؛ لوال هذه اللحظة
اخلاطفة الباهرة لظللت أبداً ترفل في عباءات غبائك".
قال هذا ومسح بكم جلبابه دمعه أخرى حتدرت على خده .هز
رأسه بعنف وهمس بنشوة االكتشاف" :املوت ما تبحث عنه يا
سلطان الغفلة".
سمعه املوت -الذي كان مستلقياً على الفراش السلطاني يتابع كل
شيء -فأجفل وأحس بخوف غريزي على صديقه السياف .تسلل
بهدوء وترك السلطان يسبح منتشياً في بحيرة اكتشافه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-022-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-911-
املؤلفون وكتاب القصص
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-910-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-919-
أمحد اجلايل أمحد أبوحازم:
-اللقب :أحمد ابو حازم
-امليالد 0 :يناير 0261م
-دبلوم هندسة ديكور التصميم الداخلي املعهد االستشاري
الهندسي اخلرطوم.
-روائي وقاص وإعالمي.
-معد ومقدم برامج ثقافية بإذاعة البيت السوداني وإذاعة
الشباب و الرياضة.
-عمل صحفياً بعدد من الصحف احمللية .
-أحد مؤسسي نادي القصة السوداني .
-عضو مؤسس لرابطة الكتّاب السودانيني .
-عضو مؤسس لنادي التراث والثقافة الوطنية.
-عضو مؤسس ملنتدى (ضي القمر).
-األمني العام السابق ملنتدى السرد.
-باحث وناشط في مجال العمل الثقافي.
-شارك في عدد من الورش املتخصصة في الكتابة
السردية.
-مُحَكِّم في عدد من مسابقات القصة القصيرة بالسودان.
-قدم العديد من األوراق املتخصصة في مجال القصة
القصيرة والسرد عموماً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-913-
اإلصدارات:
-مجموعة قصصية مشتركة مع أعضاء نادي القصة
السوداني "كتاب دروب جديدة – أفق أول" .
-ترجمت قصته "خدر النهارات النائمة" إلى اللغة الفرنسية
(من كتيبات املركز الثقافي الفرنسي باخلرطوم).
اجلوائز:
-اجلائزة الثالثة في مسابقة علي املك للقصة القصيرة التي
نظمها املركز الثقافي الفرنسي باخلرطوم .
-اجلائزة األولى للقصة القصيرة التي نظمتها إذاعة ملتقى
النيلني .
-اجلائزة األولى للقصة القصيرة جلائزة الطيب صالح
العاملية لإلبداع الكتابي الدورة األولى ،التي تنظمها شركة زين
للهاتف السيار ،عن مجموعته القصصية (يناير بيت الشتاء).
-اجلائزة التقديرية في مسابقة الطيب صالح للكتابة
الروائية مركز عبد الكرمي ميرغني الثقافي بأمدرمان.
-يعمل األن مُعد ومُقدم برامج ثقافية في إذاعتي :أم درمان
،FM93وإذاعة البيت السوداني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-914-
اهلادي علي راضي:
كاتب وصحافي يعمل بالتعليم العام -والية اخلرطوم.
-رئيس منتدى السرد والنقد .9109 – 9100
-نائب رئيس منتدى السرد والنقد .9103 – 9109
-عضو مؤسس -جماعة الغاليري الثقافية.
-عضو مؤسس -املركز السوداني للثقافة والتوثيق.
-عضو مؤسس -منتدى نياال الثقافي.
-عضو مؤسس -فرقة جبل مرة املسرحية.
-عضو مجلس عمادة مركز الدراسات الثقافية.
-عضو رابطة الكتاب السودانيني.
-عضو حتالف منظمات من أجل دارفور.
-عمل محرراً بالقسم الثقافي – صحيفة الوطن -9111
.9112
-محرر بجريدة القصة السودانية الشهرية .9112
-شارك في حترير كتاب قصص شعبية لألطفال.
-شارك في تنظيم عدد من املسابقات والورش واملهرجانات.
اجلوائز:
-0املركز األول جلائزة الطيب صالح العاملية لإلبداع الكتابي
.9106عن مجموعة (فانتازيا أُنثى الشط).
-9املركز األول في مسابقة أفضل قصة إنسانية على مستوى
الشرق األوسط وشمال إفريقيا ،من اللجنة الدولية للصليب
األحمر .9117 ،عن قصة (الطائر املعدني).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-915-
-3اجلائزة التقديرية جلائزة الطيب صالح لإلبداع الروائي
،9107عن راوية (فريق الناظر).
-4جائزة محلية اخلرطوم للقصة القصيرة.9101
-5جائزة منتدى السرد والنقد في القصة القصيرة .9112
-6جائزة مسابقة القصة القصيرة – كلية اإلمام الهادي
.9115
الورش واحملاضرات-:
-ورشة الكتابة اإلبداعية -اجمللس الثقافي البريطاني.
-الورشة املستمرة للقصة القصيرة -نادي القصة السوداني.
-ورشة الكتابة اإلبداعية -منتدى السرد والنقد.
-ورشة اإلبداع في خدمة األيتام.
-الدورة التدريبية لألسس العامة لكتابة القصة والسيناريو -
املستشارية الثقافية اإليرانية بالتعاون مع كلية اإلمام الهادي
اجلامعية.
-ورشة الكتابة اإلبداعية -مجموعة ملتنا كتاب.
-ورشة أسس فن القصة القصيرة -النادي األدبي كلية الطب
جامعة اخلرطوم.
-محاضرة فن القصة القصيرة احلديثة -كلية الوسيلة للعلوم
والتكنولوجيا.
-محاضرة فن القصة القصيرة وأفق التجريب -مركز ري
ووردينق للتدريب.
اإلصدارات:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-916-
(عسف العسس) ،مجموعة قصص قصيرة -دار كلمات للنشر –
ط.9101 0
(فانتازيا أنثى الشط) مجموعة قصص قصيرة -حائزة على
جائزة الطيب صالح العاملية لإلبداع الكتابي .9106
البريد اإللكترونيHADIRADI2@GMAIL.COM:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-911-
مجال الدين علي احلاج:
امليالد اخلرطوم بحري ،السودان .يحمل بكالريوس العلوم
البيطرية .وماجستير األحياء الدقيقة ،كلية الدراسات العليا
جامعة اخلرطوم .ويعمل حالياً استشاري ضبط اجلودة مبدينة
الدمام باململكة العربية السعودية.
النشاطات األدبية:
-عضو مجلس قطاع الثقافة واحلضارة مسئول عن محور
تطوير التعليم بالسودان مبجلس اخلبراء للسودانيني العاملني
باخلارج.
-عضو املكتب الثقافي بتجمع خريجي جامعة اخلرطوم.
مسئول عن خريجي املهجر.
-عضو في كثير من اجلمعيات واملنتديات الثقافية املهتمة
بقضايا الفكر والثقافة واألدب في السودان والوطن العربي.
اإلصدارات واملنشورات األدبية:
( -جنوكورو) ،رواية ،مكتبة جزيرة الورد -القاهرة .طبعة ثانية
.9106
( -فلني جذور الصفصاف) ،رواية ،حائزة على جائزة الطيب
صالح التقديرية لالبداع الروائي (مركز عبد الكرمي ميرغني)
،9106صادرة عن مداد للنشر -دبي.
( -الباترا مخاوي الطير) ،رواية ،حائزة على جائزة الطيب صالح
التقديرية لإلبداع الروائي (مركز عبد الكرمي ميرغني) 9101
صادرة عن دار األدب العربي -الدمام.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-917-
-قصة (سواد النهار) نشرت ضمن مجموعة قصصية (آن لنا
أن نروي) عن دار بال أقنعة بيروت مع مجموعة من القاصني
العرب.
-قصص منشورة في كتاب (ضفاف السرد) الصادر عن منتدى
النورس الدولي الثقافي وضم نخبة من القاصني العرب.
-له عدد من القصص القصيرة املنشورة بالصحف واملواقع
االلكترونية املهتمة( .موقع القصة العربية ،أنطلوجيا السرد
العربي ،صحيفة الراكوبة األلكترونية ومدونة من باريس
وغيرها.)..
-شارك في معارض كتب دولية .وأستُضيف باألجهزة اإلعالمية.
كما قُدِّمت حول كتاباته دراسات نقدية ،وكُرِّم بواسطة اجلالية
السودانية بالسعودية ،املنطقة الشرقية مبناسبة الفوز باجلائزة
التقديرية ملسابقة الطيب صالح لإلبداع الروائي (مركز عبد
الكرمي ميرغني) للمرة الثانية على التوالي.
-مهتم بقضايا الثقافة السودانية والتراث السوداني واألدب
الشعبي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-912-
عمر الصامي:
-مواليد كوستي حي النصر في 0219/9/92
-تخرج في كلية اآلداب جامعة اخلرطوم.
-ساهم في تأسيس وقيادة عديد من الكيانات األدبية
واالجتماعية.
-أسس مع آخرين نادي القصة السوداني وترأس مكتبه التنفيذي
لدورة واحدة.
-نشر عديد من املقاالت والقصص والنصوص الشعرية في
الصحف واجملالت احمللية والعربية.
صدر له حتى اآلن:
-مارخدر :رواية
-اإليقاع األخير لسيدنا الزغرات :مجموعة قصص
-العجكو مرة أخرى :مجموعة قصص
-أوان وردة األبنوس :مجموعة أقاصيص
-له عدد من الكتب حتت الطبع
E.MAIL:OMARALSAIEM@YAHOO.COM
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-901-
سارة محزة اجلاك عبد اهلل:
من مواليد اخلرطوم في العام0891م ،شهر فبراير يوم
األربعاء املوافق الثالث عشر منه.
متتهن الهندسة املعمارية ،والكتابة.
تعاونت في إصدار ملف صحيفة األحداث الغراء ،ومجلة أيام
وليالي ،وصحيفة األيام امليمونة ...
رشحت لنيل جائزة الطيب صالح للرواية في العام 5112
عن رواية بعنوان (املعتقة).
نشرت العديد من النصوص في الصحف السيارة وبعض
املواقع اإللكترونية كمجلة املنخل واحملالج وفوبيا.
اجلوائز:
نالت عدداً من اجلوائز في البرامج اإلذاعية ،املعنية -
بالقصة القصيرة مثل حوارية احلنني وقاطرة وظالل
وغيرها ...
اجلائزة األولى في مسابقة منتدى السرد والنقد للقصة -
القصيرة في العام 5118عن نص بعنوان (إهتزاز في
شبكية البصيرة).
اجلائزة الثانية في مسابقة الطيب صالح للقصة -
القصيرة في العام 5118عن نص بعنوان (تأكل)،
مركز عبد الكرمي ميرغني.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-900-
-اجلائزة األولى في مسابقة الطيب صالح للرواية ،مركز
عبد الكرمي ميرغني ،في دورتها العاشرة في اكتوبر عام
5105برواية تنضوي حتت اسم (خيانتئذ).
-حازت على جائزة الكتابة املسرحية عن نص الزغرودة
األخيرة عام 5102
اإلصدارات:
أصدرت في العام 5118باكورة إنتاجها في مجال القصة
القصيرة ،كانت بعنوان (صلوات خالسية) ونشرتها دار
احلضارة بالقاهرة .كما صدرت الرواية الفائزة (خيانتئذ)
مطلع مارس من العام .5102ومت إعادة طباعة كل من (صلوات
خالسية) و(خيانتئذ) في العام 5102م ،كما طبعت اجملموعة
القصصية الثالثة (كمبا) في 5102م .واجملموعة القصصية
الثالثة (بروباقاندا) في5102
أصدرت الطبعة األولى من رواية السوس -عن دار روافد
للنشر -مصر – 5102م.
املشاركات:
-شاركت في ورشة كتابة احلنني في السرد -املركز
الثقافي األملاني -اخلرطوم -بحضور الكاتبة األملانية
رشا خياط -اكتوبر 5102م.
-شاركت في مؤمتر الكاتبات السودانيات واجلنوب
سودانيات بجامعة إكسفورد في يونيو 5102م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-909-
حماسن الطيب اجلاك:
كاتبة تسكن مبدينة عطبرة .وتعمل في مجال التدريب -
والتنمية البشرية.
درست بجامعة السودان كلية علوم احلاسوب. -
تكتب القصة القصيرة والقصيرة جداً. -
عضو إحتاد األدباء والكتاب السودانني. -
عضو جمعية وهج الثقافية. -
لها نشاط كبير وإسهامات ثقافية في مجال الكتابة -
ورعاية الشباب وقامت بتأسيس جمعية معني القصة
الثقافية.
عضو في مجموعات عديدة على مواقع التواصل -
العربية.
عضو خمسة جلان حتكيم دائمة للقصة القصيرة جدا -
على مستوى العالم العربي.
متتلك مجموعة مقدرة من القصص ،بعضها منشور -
باملنتديات ومواقع التواصل االجتماعي واملواقع
اإللكترونية والبعض اآلخر لم يُنشر بعد.
لم تُنشر لها كتب منفردة لكنها شاركت في تأليف عديد -
الكتب املشتركة في مجال القصة مع كُتاب من العالم
العربي.
ربة منزل وأم خلمسة شباب. -
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-903-
حممد اخلري حامد:
كاتب وباحث وإعالمي .كتب عموداً ثابتاً بصحف سودانية
مختلفة ،كما نشرت له مجالت عربية معروفة كالفيصل السعودية،
والرافد اإلماراتية ،ونزوى العمانية ،واملثقف ،وديوان العرب.
يحمل درجة الدبلوم العالي في اإلدارة (جامعة اخلرطوم).
بكالوريوس االقتصاد القياسي واالحصاء االجتماعي (جامعة
اخلرطوم) ،بكالوريوس التأمني (جامعة النيلني).
عمل موظفاً بالقطاع اخلاص في مجاالت :التأمني والدعاية
واإلعالن والصحافة .واشتغل مُعدَّاً ومقدِّماً للبرامج بإذاعات:
(الرياضية ،FM 014الصحة واحلياة ،FM 016وإذاعة نور
)FM 01503بالسودان.
باحث في مجال السياسة والعالقات الدولية واالستراتيجية.
نّشرت له أبحاث ،وقدَّم العديد من الدراسات واألوراق العلمية
مبؤمترات دولية.
شارك في فعاليات ومهرجانات ثقافية دولية عديدة منها :مؤمتر
الدبلوماسية الثقافية بأملانيا ،وامللتقى األدبي األول لشباب
اجلامعات العربية بدولة اإلمارات العربية املتحدة ،ومؤمتر املركز
العربي لألبحاث بالدوحة (قطر) ،ومهرجان الشباب العربي
العاشر ،وبفعاليات دولية مختلفة بكل من اإلمارات ولبنان ومصر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-904-
حائز على عدد من اجلوائز في مجاالت التأليف ،منها:
-جائزة مركز الفكر اإلستراتيجي (لبنان) ألفضل الباحثني
العرب للعام 9107-9101م ،عن بحث بعنوان :مستقبل املنطقة
العربية ،بعد الربيع العربي.
-جائزة القصة القصيرة للكتاب السودانيني الشباب.
-فازت مجموعته "لعنة الساعة التاسعة القصصية"
باجلائزة الثانية ملسابقة نادي القصة السوداني.
-فاز باملركز األول في مجال القصة القصيرة بجامعة
اخلرطوم ،ومثَّل اجلامعة في امللتقى األدبي األول لشباب
اجلامعات العربية (جامعة اإلمارات -مدينة العني).
-أُختيرت نصوصه ضمن ثالثة كُتاب للقصة القصيرة،
وخمسة شعراء سودانيني شباب لتمثيل وفد السودان مبهرجان
الشباب العربي العاشر.
-اجلائزة الثانية في الشعر الفصيح مبسابقة االحتاد
الوطني للشباب السوداني في املوسم الشبابي السادس.
-نال املركز األول في مسابقة احتاد طالب والية اخلرطوم
جلامعات الوالية في مجال الشعر.
-جائزة مسابقة السيف الذهبي األدبية بجامعة اخلرطوم.
مؤلفاته املنشورة حتى اآلن :لعنة الساعة التاسعة
(قصص) ،تراتيل على رصيف الشجن (شعر) ،وابتسم
الشيطان (قصص) ،مستقبل املنطقة العربية بعد الربيع
العربي ،إسرائيل والقرن اإلفريقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-905-
حممد حسن النحات:
طبيب وكاتب قصة قصيرة ،وُلد في عام 0221م مبدينة األبيض،
ودرس مرحلة األساس مبدرستي :كتاب األبيض ،واحلارة
اخلامسة بأمدرمان .والثانوي مبدرسة الشيخ يوسف الدقير.
وتخرَّج في كلية الطب واجلراحة بجامعة النيل عام 9105م.
نُشرت له عدد من النصوص والقصص بامللفات الثقافية
للصحف السودانية.
حاصل على عدد من اجلوائز في مجال القصة القصيرة
منها:
-املركز األول بجائزة صحيفة الوسط البحرينية للقصة
9106م.
-فائز بجائزة عصير الكتب للقصة القصيرة بجمهورية
مصر العربية 9107م.
-املركز الثاني في مسابقة صالون جنيب للقصة القصيرة
بجمهورية مصر العربية 9106م.
-املركز الثالث في مسابقة الطيب صالح للقصة القصيرة
للكتاب السودانيني الشباب (مركز عبد الكرمي ميرغني) 9101م.
نُشر له حتى اآلن:
-نص (نافذة مائلة) ،بكتاب عصير الكُتب لألعمال
القصصية الفائزة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-906-
-نص (زهرة اجليبسوفيال) ،بكتاب "الضائعان وقصص
أخرى" ،الذي نشر عن مركز عبد الكرمي ميرغني لألعمال
القصصية الفائزة في عام 9106م.
-نص (فندق ،)03ضمن كتاب األعمال الفائزة بجائزة
صالون جنيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-901-
حممد خلف اهلل سليمان:
قاص وروائي وناقد.
مواليد 05مارس 0255م.
نشر في العديد من الصحف واجملالت والدوريات .وله
مشاركات في عدد من امللتقيات األدبية.
اجلوائز:
-حائز على املرتبة الثالثة جلائزة الشارقة لالبداع األدبي
في عام 0221م عن مجموعته القصصية (هوامش من
سيرة حمال نوبي).
-حائز على اجلائزة التقديرية في مسابقة الطيب صالح
لالبداع الروائي 9116م ،مركز عبد الكرمي ميرغني.
عن روايته (في تأويل مقام الورد).
صدر له:
( -في تأويل مقام الورد) ،الرواية الفائزة باجلائزة التقديرية
ملسابقة الطيب صالح لإلبداع الروائي مركز عبد الكرمي ميرغني
عام 9111م .الطبعة األولى دار جدار باإلسكندرية 9101م،
الطبعة الثانية عن دار املصورات باخلرطوم 9106م.
( -املغني واجلوقة) ،قصص ،مكتبة مدبولي بالقاهرة
0221م.
( -هوامش من سيرة حمال نوبي) ،قصص9119 ،م ،بعد
فوزها بجائزة الشارقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-907-
منصور إدريس حسن الصُويّم:
-االسم األدبي (منصور الصُويّم).
-امليالد :والية جنوب دارفور – مدينة نياال
-درس الدراسات النقدية كلية املوسيقى والدراما – جامعة
السودان للعلوم والتكنولوجيا.
-عمل محرراً وكاتباً صحفياً بصحيفة "األخبار" اليومية،
ومحرراً عاماً مبجلة "احلداثة السودانية"
اخلبرات السابقة:
-عمل صحفياً بصحف السودان" :األهرام اليوم ،اليوم
التالي ،الوطن" ،ومحررا عاما بصحيفة "تواصل اإللكترونية"
باململكة العربية السعودية
اإلصدارات:
له خمس روايات:
– "تخوم الرماد .9110
– ذاكرة شرير .9116
– أشباح فرنساوي .9104
– آخر السالطني ."9104
– "عربة األموات" .9106
– ثالثة كتب باملشاركة مع كتاب عرب وسودانيني
األعمال املترجمة:
-تُرجمت روايته ذاكرة شرير إلى اللغة الفرنسية ،تَرجمة
فرانس ميير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-902-
-تُرجمت روايته تخوم الرماد إلى اللغة اإلجنليزية ،تَرجمة
ناصر السيد النور.
-تُرجمت له قصص قصيرة إلى عدة لغات منها اإلجنليزية
والفرنسية والسويدية.
اجلوائز:
-جــائزة الطيب صالح لإلبداع الروائي 9115م .عن رواية
ذاكرة شرير – اخلرطوم السودان.
-جائزة هاي فستيفال ألفضل 32كاتبا عربيا دون األربعني
عن مجمل أعماله.
-جائزة الطيب صالح لإلبداع الكتابي – شركة زين في حقل
الترجمة (اجلائزة األولى) عن رواية (تخوم الرماد) للمترجم ناصر
السيدالنور.9109
-مِنحة الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) عن رواية
(آخر السالطني) – سيرة تاريخية عن السلطان علي دينار آخر
سالطني دارفور – .9100
املشاركات اخلارجية:
-شارك في ملتقى الرواية العاملي في مدينة ليون الفرنسية
في العام .9109
-شارك في ملتقى السرد العربي في مملكة املغرب 9107
-شارك في املهرجان األدبي املصاحب لفعاليات املسرح
اجلزائري في اجلزائر 9109م.
-شارك في مهرجان هايفيستفال بيروت 32في
لبنان9101م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-991-
-شارك في ورشة اجلائزة العاملية للرواية العربية "البوكر"
بإمارة أبو ظبي 9112
-شارك في مهرجان طيران اإلمارات لآلداب 9112
-أُختير ضمن ثمانية كتاب عرب شباب في أول ورشة للسرد
"الندوة" التابعة جلائزة البوكر العربية في العام 9112بإمارة دبي،
وصدر عن هذه الورشة كتاب باللغتني العربية واإلجنليزية للكتاب
الثمانية عن دار الساقي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-990-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-999-
حول سلسلة إبداعات سودانية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-994-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تيج ـ ـ ــان الحكي -قصص قص ـ ـ ـ ـ ـ ــيرة لمجمـ ــوعة من الكتاب السـ ـ ـ ـ ـ ــودانيين
-995-