You are on page 1of 94

‫مختصر تاريخ المسيحية في القرون‬

‫الخمسة األولى‬

‫أؾبد بشارة‬
‫‪amgdbishara0@gmail.com‬‬

‫‪1‬‬
‫الفهرس‬

‫‪2‬‬ ‫الفهرس‬
‫‪6‬‬ ‫القرن األول‪ :‬يسوع وكتبة العهد الجديد‬
‫‪ٙ‬‬ ‫اػبلفية اليهوديّة‬
‫‪ٚ‬‬ ‫العبادة اليهوديّة وتأثّبىا على اؼبسيحيّة‬
‫‪ٛ‬‬ ‫الَبصبة السبعينية‬
‫‪ٜ‬‬ ‫الكنيسة األوذل‬
‫ٓٔ‬ ‫ما بْب األسينيْب والكنيسة األوذل‬
‫ٔٔ‬ ‫انتشار اؼبسيحيّة بسوريا وأثره‬
‫ٖٔ‬ ‫كنيسة األمم‬
‫‪66‬‬ ‫القرن الثاني‬
‫‪ٔٙ‬‬ ‫اػبلفيات الثقافية للمسيحية اؼببكرة‬
‫‪ٔٙ‬‬ ‫‪plato‬‬ ‫أفبلطون‬
‫‪ٔٙ‬‬ ‫أرسطو‬
‫‪ٔٚ‬‬ ‫‪Philo‬‬ ‫فيلو‬
‫‪ٔٛ‬‬ ‫‪Ammonius Saccas‬‬ ‫أمونيوس ساكاس‬
‫‪ٔٛ‬‬ ‫‪Plotinus‬‬ ‫أفلوطْب‬
‫‪ٜٔ‬‬ ‫اإلطار العام للمسيحية ُب القرن الثاشل‬
‫ٕٕ‬ ‫الفن اؼبسيحي ُب القرن الثاشل‬
‫‪ٕٙ‬‬ ‫اآلباء الرسوليّون‬
‫‪ٕٛ‬‬ ‫اآلباء اؼبدافعون‬
‫ُ‬
‫‪03‬‬ ‫القرن الثالث‬
‫ٖٓ‬ ‫السكندريّون ومدرستهم‬
‫ٖٓ‬ ‫ا‬
‫العبلمة أورهبانوس‬
‫ٕٖ‬ ‫الصراع مع البابا ديبَبيوس‬

‫‪2‬‬
‫الفهرس‬

‫ٖٖ‬ ‫إدانتو‬
‫ٖٗ‬ ‫نياحتو‬
‫ٖ٘‬ ‫آراء العلماء وآباء الكنيسة عنو‬
‫‪ٖٚ‬‬ ‫تبلميذ أورهبانوس واؼبعجبون بو‬
‫‪ٖٛ‬‬ ‫شهادة القديس أثناسيوس لتعاليم أورهبانوس‬
‫ٓٗ‬ ‫نبذة عن بعض اؽبرطقات الٍب ظهرت ُب القرون الثبلثة األوذل‬
‫ٓٗ‬ ‫ىي اؽبرطقات والبدع‬
‫ما َ‬
‫ٓٗ‬ ‫السيمونيّة‬
‫ٔٗ‬ ‫األبيونيّة ‪ ،Ebionites‬اؼبتهودون أو اليهود اؼبتنصرين‬
‫ُ‬
‫ٕٗ‬ ‫الغنوصيّة ‪Gnosticism‬‬

‫ٗٗ‬ ‫أشهر أعضائها‬


‫ٗٗ‬ ‫‪Marcion‬‬ ‫ٔ‪ -‬ماركيون‬
‫ٗٗ‬ ‫‪Valentinus‬‬ ‫ٕ‪ -‬فالنتينوس‬
‫٘ٗ‬ ‫‪Basilides‬‬ ‫ٖ‪ -‬باسيليدس‬
‫‪ٗٙ‬‬ ‫اؼبونارخيّون ‪ ،Monarchianism‬أو اؼبوحدين‪ ،‬أو مؤؼبي اآلب‬
‫‪84‬‬ ‫مختصر تاريخ الرىبنة وتطورىا حتّى القرن الثالث‬
‫‪ٗٛ‬‬ ‫مصادر التاريخ الرىباشل‬
‫‪ٗٛ‬‬ ‫ما ىي أنبية دراسة تاريخ الرىبنة؟‬
‫‪ٜٗ‬‬ ‫أسباب انتشار اغبركة النسكية ُب العادل اؼبسيحي منذ القرن األول‬
‫ٓ٘‬ ‫الدعوة الرىبانية ُب العهد اعبديد‬
‫ٓ٘‬ ‫الدعوة غبياة البتولية من خبلل نصوص العهد اعبديد‬
‫ٕ٘‬ ‫مراحل الرىبنة وأىم شخصياهتا‬
‫ٕ٘‬ ‫ٔ‪ .‬مرحلة النسك‬
‫ٗ٘‬ ‫اإلكبرافات النسكية ُب اؼبسيحية اؼببكرة‬
‫ُ‬
‫٘٘‬ ‫ٕ‪ .‬مرحلة التوحد‬
‫‪66‬‬ ‫القرن الرابع‬

‫‪3‬‬
‫الفهرس‬

‫‪٘ٙ‬‬ ‫قوانْب اإليبان قبل ؾبمع نيقية‬


‫‪62‬‬ ‫مجمع نيقية المسكوني األول‬
‫ٕ‪ٙ‬‬ ‫مقدمة تارىبية‬
‫ٗ‪ٙ‬‬ ‫حول اصطبلح اؽبوموؤسيوس‬
‫٘‪ٙ‬‬ ‫حول أعمال ؾبمع نيقية وكل من قوانينو الصحيحة واؼبنسوبة إليو‬
‫‪66‬‬ ‫مجمع ال ُقسطنطينيَّة المسكوني الثاني‬
‫‪ٙٙ‬‬ ‫مقدمة تارىبية‬
‫‪ٙٚ‬‬ ‫البدع الٍب دحضها اَّمع‬
‫‪ٙٚ‬‬ ‫(ٔ) اإلفنوميُّون‬
‫‪ٙٛ‬‬ ‫(ٕ) اإلفدوكسيُّون‬
‫‪ٙٛ‬‬ ‫(ٖ) النٍّصف أريوسيٍّْب‬
‫‪ٜٙ‬‬ ‫(ٗ) ال اسابيليُّون‬
‫‪ٜٙ‬‬ ‫(٘) اؼبركليُّون‬
‫ٓ‪ٚ‬‬ ‫(‪ )ٙ‬القوتينيُّون‬
‫ٓ‪ٚ‬‬ ‫(‪ )ٚ‬األبوليناريُّون‬
‫ٓ‪ٚ‬‬ ‫حول قوانْب ؾبمع القسطنطينياة اؼبسكوشل الثاشل‬
‫‪22‬‬ ‫القرن الخامس واإلنشقاق‬
‫ٕ‪ٚ‬‬ ‫يستولوجي‬
‫ّ‬ ‫تطور الصراع اػبر‬
‫نظرة تارىبيّة على ُّ‬
‫ٕ‪ٚ‬‬ ‫أبوليناريوس‬
‫ٖ‪ٚ‬‬ ‫الطرسوسي‬
‫ّ‬ ‫ديودور‬
‫ٖ‪ٚ‬‬ ‫اؼبوبسويسٍب‬
‫ّ‬ ‫ثيودور‬
‫ٗ‪ٚ‬‬ ‫نسطور‬
‫‪ٚٚ‬‬ ‫أفسس‬
‫ما بعد ؾبمع ّ‬
‫‪ٚٛ‬‬ ‫تأزُّم اؼبوقف‬
‫‪ٚٛ‬‬ ‫إعادة الوحدة تُف اسر بطرق ـبتلفة‬
‫‪ٜٚ‬‬ ‫تغّب القيادة‬
‫ُّ‬

‫‪4‬‬
‫الفهرس‬

‫‪ٜٚ‬‬ ‫الطريق إذل خلقيدونيّة‬


‫ٓ‪ٛ‬‬ ‫موقف كنيسة اإلسكندريّة‬
‫ٔ‪ٛ‬‬ ‫أفسس الثاشل ‪ٜٗٗ‬م‬
‫ؾبمع ّ‬
‫ٔ‪ٛ‬‬ ‫ؾبمع خلقيدونية ٔ٘ٗم‬
‫ٖ‪ٛ‬‬ ‫بعد خلقيدونية‬
‫ٗ‪ٛ‬‬ ‫اؽبينوتيكون وؿباولة إعادة الوحدة‬
‫ٗ‪ٛ‬‬ ‫السكندري‬
‫ّ‬ ‫اػبريستولوجي‬
‫ٗ‪ٛ‬‬ ‫ٔ‪ -‬الىوت كامل للمسيح‬
‫ٗ‪ٛ‬‬ ‫ٕ‪ -‬بشريّة كاملة للمسيح‬
‫‪ٛٙ‬‬ ‫اغبقيقي وتبادل اػبواص‬
‫ّ‬ ‫ٖ‪ -‬االرباد‬
‫‪ٛٚ‬‬ ‫ٗ‪ -‬وقوع اآلالم واؼبوت على الكلمة‬
‫‪ٜٛ‬‬ ‫٘‪ -‬جسد اؼبسيح ـبلوق‬
‫ٓ‪ٜ‬‬ ‫‪ -ٙ‬اعبسد خلص من وقت اغببل بو‬
‫ٓ‪ٜ‬‬ ‫‪ -ٚ‬لقب والدة اإللو‬
‫ٕ‪ٜ‬‬ ‫‪ -ٛ‬مفهوم ارباد الطبائع‬

‫‪5‬‬
‫‪1‬‬
‫القرن األول‪ :‬يسوع وكتبة العهد الجديد‬
‫الخلفية اليهوديّة‬
‫يهودا‪ .‬وال يوجد ما يفرق بينهم وبين أقرانهم سوى اإليمان بأن يسوع الناصري ىو‬
‫اؼبسيحيون األوائل كانوا ً‬
‫ّ‬
‫المسيا المنتظر مشتهى األمم وقد جاء اآلن‪ .‬وسلَّموا أن بمجيئو تحقق لك شيء ويجب أن يضاف إلى إعالنات‬
‫اهلل السابقة لشعبو ‪ ،‬دون أن يعِب ىذا انفصال عن العهد القدصل الذي قطعو اهلل مع إبراىيم ويتمثل ُب اػبتان‪ ،‬أو عن‬
‫الناموس الذي أعطي ؼبوسى على جبل سيناء‪.‬‬
‫يدا قد حدث فهو من عمل اهلل الواحد نفسو خالق الكون‪ ،‬رب التاريخ‪ ،‬إلو إبراىيم واسحق‬‫إن كان ىناك شيئًا جد ً‬
‫ويعقوب واالثِب عشر سبطًا‪ .‬كبلمو إذل شعبو ُب العهد اعبديد هبب أن يكون متس ًقا مع كبلمو ُب اؼباضي على فم‬
‫األنبياء‪.‬‬
‫وبسبب ىذا الشعور العميق باالستمرارية للعهد القدصل‪ ،‬ظلت العديد من اؼبمارسات الطقسية واألفكار والعادات‬
‫اليهودية باقية وفبتزجة مع الفكر اؼبسيحي‪ .‬فقد آمن اليهود بفكرة سبق االختيار‪ ،‬ألن الرب سبق واختار إسرائيل ليكون‬
‫ىو الشعب اؼبختار‪ ،‬والغّب ملوث باؼبعتقدات والتأثّبات الوثنية‪ .‬ولكن مع وجود ىاتْب اػباصيتْب اللتْب نبا‪:‬‬
‫خصو الرب بها دون االعتماد على أية ميزة أو استحقاق ُب ىذا الشعب اؼبختار‪،‬‬‫(ٔ) العناية التي َّ‬
‫بل بفضل سيادة اهلل اؼبطلقة ومشيئتو غّب اؼبدركة‪.‬‬
‫(ٕ) دعوة إسرائيل ليقوم بعمل الكهنوت نيابة عن كلّ البشرية‪ .‬متمسكْب بناموسهم بشدة‪ ،‬مؤمنْب‬
‫بأن الرب أعطاه ؼبوسى على جبل سيناء‪.‬‬
‫كل الديانات الوثنية واعتربوىا من أعمال األرواح الشريرة‪ .‬وفي المجتمع اليونا‪-‬‬
‫لذا تبُب اليهود موق ًفا معاديًا ضد ّ‬
‫روماني كانوا منغلقين على أنفسهم مما عرضهم ذلك إلى الشك واالرتياب وفي بعض األحيان العداء واألذى‪.‬‬
‫كانوا يرفضون اؼبشاركة ُب اؼبمارسات الرومانية‪ ،‬على الرغم من أهنم يقدمون الذبائح بصفة يومية ُب ىيكلهم بأورشليم‬
‫على اسم اإلمرباطور‪ ،‬وكانوا يفتتحون جلسات ؾبمع السنهدرصل بقوؽبم‪:‬‬
‫[باسم الرب وعلى شرف اإلمرباطور‪].‬‬
‫وكان ما يميزىم عن الناس في مجتمعاتهم ىو عالمة الختان وما عرف عنهم عن عدم أكل لحم الخنزير وباقي‬
‫األطعمة غير الطاىرة‪ .‬ففي القرن الثاشل قبل اؼبيبلد فضال اؼبكابيون اؼبوت على أكل اػبنزير‪ .‬وال يبكن ً‬
‫أيضا لليهود أن‬
‫يأكلوا مع األفبيْب أو يقبلوا أي اعَباف بأي إلو وثِب ُب احملافل أو اؼبناسبات الرظبية‪.‬‬

‫‪ 1‬ملذبس ؾن نخاب‪ :‬اًىٌُسة األوىل‪ًِ ،‬رني شادوًم‪ ،‬حرمجة األب ًوحٌا ؾعا‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫يسىع وكتبة العهد اجلديد‬

‫السلطة احملتلة وحالة الفقر اؼبوجودة ُب فلسطْب أدت إذل نزوح صباعي لليهود لكل أكباء العادل القدصل‪ ،‬وظبوا ‟يهود‬
‫الشتات„‪ .‬لذا يبكن أن ذبد ذبمعات يهودية ُب أي مكان من كاديز (ُب أسبانيا) إذل كريبيا (ُب أوكرانيا)‪ُ .‬ب روما‬
‫ؾبمعا وذلك ُب القرن األول اؼبيبلدي‪ .‬وفي اإلسكندرية كانوا يمثلون جزءً‬
‫وحدىا كان يوجد إحدى عشر أو اثِب عشر ً‬
‫كبيرا من المجتمع ىناك وبلغ عددىم مليونًا وذلك في اإلسكندرية وكل أرض مصر ‪ ،‬وكانوا ً‬
‫دائما على صلة‬ ‫‪2‬‬
‫ً‬
‫بالسلطات احمللية‪ ،‬على الرغم من أن عزلتهم االجتماعية منعتهم من أن يكونوا أداة ضغط صباىّبي‪.‬‬

‫العبادة اليهوديّة وتأثيرىا على المسيحيّة‬


‫كل مكان كانوا يرفضون االختبلط بالسكان الوثنيْب بل ينغلقون على أنفسهم ؼبمارسة طقوسهم فكانوا يجتمعون‬
‫ُب ّ‬
‫كل سبت لتالوة المزامير وقراءة التوراة يتبعها عظة تفسيرية ثم الصالة‪ .‬والمستخدم لكتاب الصلوات اليومية‬
‫ّ‬
‫(كاألجبية) ىو وريث أصيل لهذه الطريقة في العبادة‪.3‬‬
‫وبالرغم من تشتتهم ُب أماكن بعيدة إال اهنم كانوا وبتفظون دبشاعر االنتماء إذل أرض آبائهم من خبلل الحج إليها‬
‫سنويًا وإرسال ضريبة سنوية لالىتمام بالهيكل‪ .‬وأحيانًا يسبب نقل العمبلت من مقاطعة يكون فيها عدد اليهود كبّب‬
‫إذل أورشليم مشكلة لدى الرومانيون اؼبسئولْب عن األموال‪ ،‬إال أهنم ُب ىذه األمور كما ُب غّبىا يَبكوا اليهود ليتصرفوا‬
‫كما يشاؤوا طاؼبا أن ىذا من مبادئ الدين األساسية‪.‬‬
‫ُب اؼبقابل وعلى الرغم من أن اػبتان فبنوع على اليونانيْب والرومانيْب إال أن ىناك العديد فبن اقبذبوا لفكرة اإللو‬
‫الواحد‪ ،‬وأخبلق اليهود السامية وأقدمية ‪-‬إن دل يكن أسلوب‪-‬أسفارىم اؼبقدسة‪ ،‬دون تبِب اؼبنهج النسكي فيما عدا‬
‫بعض الشيع اؼبنحرفة‪ ٘.4‬فقد نادت اليهودية بالطهارة والترابط األسري‪ ،‬وكانوا يساعدون بعضهم البعض‪ ،‬يزورن‬
‫المرضى‪ ،‬يدفنون الموتى‪ ،‬يستضيفون الغرباء‪ ،‬يتصدقون على الفقراء‪ .‬حول العديد من ىذه المجامع التي في‬

‫ُلذدرا يف اًىذب (أع ‪ )81‬وفَِو اًفَِسوف اٍهيودي اًشِري اكن سىٌدري أًضً ا‪ ،‬وُذا ما حـي‬ ‫‪ُ 2‬ذا ما ًؤًدٍ أًضً ا سفر األؾٌلل حِر ًذهر ان خشص ًُدؾي أبوًوس اكن ً‬
‫هيودًي إسىٌدراه ًَا م ً‬
‫ً‬
‫املس َحَون يف م ر يف بوانري املس َحَة اكهوا من أضي هيودي من هيود اإلسىٌدرًة نٌل ًخددث ؾمه فَِو كاابل‪ :‬يًددوا امه اكهوا من أضي ؿارا ي وذ كل فِ ٍُراؾون ؾوادا األكدمن‬
‫(ًوسابَوس اًلِ ري‪ ،‬اترخي اًىٌُسة‪ ،‬حرمجة ق‪ /‬مركس داود‪ ،‬اًلاُرة‪ 8191 -‬ص‪)19‬ي‪.‬‬
‫‪ً 3‬مت ؿاد ًة حرحِح ُذا اًرأي من كبي اًـٌَلء ألن املس َحَن الاوااي خططوا اًساؿات اًثاًثة واًسادسة واًخاسـة ٌَطبلة‪ ،‬وُذٍ الاوكات ثوازي اوكات اًطبلة ؾيد اٍهيود‪ .‬نٌل أن املس َحَون‬
‫الاوااي يف م ر اثدـوا اًـادات اٍهيودًة بدك ٍة ضارمة (ٌَمزًد راحؽ‪ :‬األحبَة أي ضَوات اًسواؾي‪ٌَ ،‬لمص ازياس َوس امللاري‪ ،‬اًلاُرة‪ -‬ابرًي ‪ ،6992‬ص ‪.)22 :29‬‬
‫لك من ًوس َفوس وبَََين اًىبري وفَِو واًـبلمة َُدوًَدس اًروما ي‪ .‬وكد اكهوا ٍمتسىون حبفغ األحاكم‬ ‫‪ 4‬رمبا ُو ُُيا ًلطد األس ًَِن ويه ش َـة ًُست مٌُحرفة‪ ،‬وكد نخب ؾمه بوكار هدري ّ‬
‫رق مُخخَف ٌة‪ ،‬مثي اًعِارة واإلبخـاد ؾن احلَف وحمدة اًفضَةل واًخحرر من الاس خـداد ٌَمخَاكت األرضَة وضدط اًيفس واًخواضؽ‪ ،‬واكهوا حيَون بيؼام‬ ‫األخبلكِة ً‬
‫حفؼا دكِلًا مُؼِرٍن حمدهت هلل بع ٍ‬
‫مَاك مشرت ًاك ٌَجمَؽ‪ٌَ( .‬مزًد راحؽ‪ :‬خمعوظات اًدحر املَت ٌَمؤرخ األهعايك أسد رس مت‪ .‬ونخاب‪ :‬وُساك ُكمران وخمعوظاهت ًؤلب رافااَي اًارامويس‬ ‫اًرشنة‪ ،‬فعـاهم ولك ما ميَىون ُو ً‬
‫اًلاُرة‪ ،6982 -‬ص ‪ )22 -81‬حيت ان اًىثري من ادلراسات احلدًثة اآلن حربط ًوحٌا املـمدان بعاافة األس ًَِن ( ‪see, Joseph A. Fitzmyer, The Dead Sea Scrolls and‬‬
‫‪Christian Origins, Studies in the Dead Sea Scrolls and Related Literature (Grand Rapids, MI; Cambridge, U.K.: William B.‬‬
‫‪)Eerdmans Publishing Company, 2000‬‬
‫‪5‬ظدلًا ملا كاهل فَِو وًوس َفِوس املؤرخ مه ش َـة األس ًَِن اًيت اس خلرت ؿىل شاظئ اًدحر املَت واكهوا ميارسون اًـزةل‪ .‬ومل ختاران خمعوظات وادي مقران ؾمه أي يشء‬

‫‪7‬‬
‫يسىع وكتبة العهد اجلديد‬

‫الشتات تجمع عدد من األمميين المتعبدين ودعوا ‟خائفي اهلل„ (االسم كان يطلق على أي عضو صالح في‬
‫المجمع)‪.‬‬
‫دخيال‪ ،‬لكن ىذا األمر‬
‫األممي عليو أن يخضع للختان ثم للمعمودية كما ىو شائع باألكثر ليمكنو أن يكون ً‬
‫نادرا بْب يهود الشتات اؼبتأثرين بالثقافة اؽبيللينية البعيدون عن السلطات (اليهودية) اؼبتزمتة ُب فلسطْب‪ ،‬ويقبلون‬
‫كان ً‬
‫األفبيْب كدخبلء دون إلزام باػبتان كضرورة للخبلص‪ .‬ومن ىذه الجماعات األممية (الدخالء) جاء أول من قبلوا‬
‫الكرازة بالمسيحية من غير أىل الختان‪ .‬وكانوا ً‬
‫فعبل شبرة صاغبة ليس فقط ألهنم متلقنْب الوصايا األخبلقية بل ألهنم‬
‫أيضا متعلمْب الكتب اؼبقدسة اليهودية‪.‬‬
‫ً‬
‫الدين اليهودي كان دين يعتمد على كتابو اؼبقدس بصورة أساسية زبتلف عن أي دين آخر‪ .‬إعادة تكوين اَّتمع‬
‫اليهودي مرة أخرى بعد العودة من السيب البابلي اعتمدت ُب األساس على ناموس موسى‪ .‬لقد توقف اهلل عن الكبلم مع‬
‫مقتصرا على المكتوب‪ ،‬ويحتاج إلى من يشرحو كالكتبة‬‫ً‬ ‫شعبو بصورة مباشرة ودل يعد ىناك أنبياء‪ .‬وإعالنو أصبح‬
‫وشيوخ الشعب ‪ .‬لذلك ًب إرفاق شرح للمدارس الرابية مع النصوص األصلية (الذي أظباه الرب تقليد الشيوخ‪ ،‬وقد أدت‬
‫ىذه التقاليد إذل نزاع حاد بْب الكنيسة واَّمع ُب القرن األول)‪.‬‬

‫الترجمة السبعينية‬
‫وؼبا دعت اغباجة إذل ترصبة الكتاب اؼبقدس إذل اليوناشل لليهود الذين ىم خارج فلسطْب‪ ،‬ظهرت عدة ترجمات منها‬
‫السبعينية أي الترجمة التي قام بها السبعون شي ًخا والتي صارت ىي النسخة المعتمدة لدى كنائس األمم األولى‪.‬‬
‫سبت الَبصبة ُب اإلسك ندرية ُب القرن الثالث قبل اؼبيبلد وربت رعاية اؼبلك بطليموس فيبلدلفيوس ملك مصر كما ىبربنا‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫تذكارا ؽبا‪ ،‬وترددت‬
‫احتفاال سنويًا طقسيًا ً‬
‫ً‬ ‫بالنسبة ليهود اإلسكندرية أحاطوا ىذه الَبصبة ُّالة من القداسة‪ ،‬وعملوا‬
‫شيخا وأسبوىا ُب إثنْب وسبعون‬
‫بعض القصص اؼبعجزية عنها‪ .‬فبا ىو جدير بالذكر أن بطليموس انتدب إثنْب وسبعون ً‬
‫شيخا مؤكدةـ‬
‫يوما‪ .‬فيلو الفيلسوف اليهودي آمن بأن ىذه الَبصبة حازت على معونة إؽبية‪ .‬إن قصة اإلثنْب والسبعون ً‬ ‫ً‬
‫وعدت الَبصبة السبعينية نسخة موحي ُّا وؽبا سلطة دل تناؽبا أي ترصبة أخرى‪ .‬فقط بعد أن اعتمدىا اؼبسيحيون انقلب‬
‫حٌب أن بعض الرابيْب كان يهاجم اليهودية اؽبيللينية كما‬
‫عليها اليهود‪ ،‬وصاروا يستخدمون ترصبات أكثر حرفية منها‪ّ .‬‬
‫معتربا أن ترصبة الكتاب اؼبقدس إذل اليونانية خطية تعادل‬
‫يهاجم اؼبسيحيْب ويرفض ترصبة الكتاب اؼبقدس إذل اليونانية ً‬
‫خطية عبادة العجل الذىيب‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫يسىع وكتبة العهد اجلديد‬

‫الكنيسة األولى‬
‫من البدء وُب صميم يقْب الكنيسة الوحدة مع إسرائيل واستمرارية معامبلت اهلل ُب اؼباضي مع ما عملو ُب يسوع‬
‫أيضا ُب أتباعو ُب اغباضر‪.‬‬
‫الناصري وعملو ً‬
‫في إنجيل متى يظهر يسوع أنو موسى الجديد المنحاز إلى شعبو عندما كان في مصر‪ ،‬وتعاليمو األخبلقية الٍب‬
‫تتماشى مع أظبى التعاليم اليهودية‪ .‬الرب ما جاء لينقض بل ليكمل ومهمة المسيحيين ىي جعل أقرانهم من اليهود‬
‫يتعرفون على مسيح الرب ‪-‬المسيَّا ‪-‬الذي أسلمو رؤسائهم جبهل ليقتل ُب عهد بيبلطس البنطي اغباكم الروماشل‪.‬‬
‫وأقامو اهلل من األموات معلنًا إياه اؼبسيح والرب‪ ،‬اؼبسيا اؼبنتظر‪.‬‬
‫واالعَباض بأن األنبياء قالوا إن اؼبسيا سوف يأٌب بالقوة واَّد وليس بالضعف والصلب‪ .‬كان الرد بأن اؼبسيح تأدل‬
‫جديدا بْب اهلل والناس‪ ،‬كما تنبأ أرميا النيب‬
‫ً‬ ‫عهدا‬
‫كما العبد اؼبتأدل ُب نبوة أشعياء‪ ،‬وكان ذلك فداءً عنا‪ ،‬ودبوتو صنع ً‬
‫(أرٖٔ‪.)ٖٗ-ٖٔ:‬‬
‫في البداية ظهرت المسيحية على أنها شيعة من شيع اليهودية التي كان من المعتاد وجود اختالفات مذىبية‬
‫بينها وبين بعض‪ .‬فاليهودية ليست مذىبًا و ً‬
‫احدا‪ .‬ىناك فرق بْب الفريسيْب والصدوقيْب يصل إذل حد اػببلف اغباد‪.‬‬
‫حرصا على التدين اغبرُب واغبفاظ على مبط اغبياة اليهودية ُب وجو التأثّب اؽبيلليِب‬
‫الفريسيْب‪ :‬كانوا أكثر اؼبذاىب ً‬
‫والسلطة الرومانية؛ وكانوا متمسكْب ليس بالناموس اؼبوسوي فحسب بل بتقاليد الشيوخ وتفسّبىم للناموس‪.‬‬
‫أما الصدوقيْب‪ :‬الذين كانوا من الطبقة األرستقراطية اغباكمة‪ ،‬سبسكوا فقط بناموس موسى ودل يرتبطوا بالتقليد ورفضوا‬
‫أن يصدقوا القيامة من األموات‪ 6‬كعقيدة ذكرت فقط ُب أسفار مثل سفر دانيال الذي كتب بعد موسى دبدة طويلة لذلك‬
‫فهو ُب نظرىم فاقد للمصداقية‪.‬‬
‫ىذا اػببلف الذي بْب الفريسيْب والصدوقيْب حول عقيدة القيامة م اكن بولس الرسول ُب وقت الحق من أن ينجو‬
‫بنفسو من مأزق (أعٖٕ‪ .)ٔٓ-ٙ:‬بالرغم من أن صفة العنف التصقت بالفريسيين كما جاء في إنجيل متى ‪ 20‬إال‬
‫أن عدد كبير منهم ومن ضمنهم القديس بولس الفريسي الشهير صاروا مسيحيين‪.‬‬
‫باإلضافة إذل الفريسيْب والصدوقيْب توجد صباعة أخرى وردبا صباعات مرتبطة ببعضها البعض يطلق عليهم‪:‬‬

‫‪ 6‬كدّم اًلدٌس نريًس األورشَميي ردًا ؿىل رفظ اًطدوكِن واًسامرًن ًـلِدة كِامة األموات يف ملاهل اًثامن ؾرش ًعاًيب اًـٌلد‪ ،‬نٌل أورد أمثةل مٌعلِة من اسفار مويس امخلسة فلط‬
‫ًُس خًبط ممها ؾلِدة اًلِامة اكًخايل‪ :‬يفِي اكن ممىٌ ًا أن ثخحول ؾطا موىس اًخلي إىل حَِّة‪ ،‬وغري ممىن أن حتَا أحساد األثلِاء وثلوم اثهَ ًة؟ وُي معي ُذا خبلف ًا ٌَعدَـة‪ ،‬وُي ال ًـودون مه‬
‫اثهَة حبسب اًعدَـة؟!‬
‫ُارا نٌل ًو اكهت يف احللول‪ ،‬وًو أمها وضـت يف مواضؽ خافة ومحَت يف ًَةل‬ ‫ً‬ ‫أز‬ ‫أزُرت‬ ‫سلف‬ ‫حتت‬ ‫أمها‬ ‫ًو‬‫و‬ ‫)‪.‬‬‫‪1‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪82‬‬ ‫أي‬ ‫(‬ ‫املاء‬ ‫احئة‬
‫ر‬ ‫بدون‬ ‫ت‬‫ازدُر‬ ‫ًىمها‬ ‫‪،‬‬ ‫عفت‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫أمها‬ ‫نذ كل ؾطا ُرون وًو‬
‫اًزُور وأمثر اًيدات اذي ٌ ُسلى س يٌُ ًا ؿدًدة‪ ،‬فِي كامت ؾطا ُرون من املوت‪ ،‬وُرون هفسَ ال ًلوم؟! ُي ًـمي هللا مـجزات يف اخلشب ًَضمن هل اًىِيوت‪ ،‬وال ًخـعف بلِامة ُرون‬
‫هفسَ؟‬
‫حتوًت امرأة إىل مَح ؿىل خبلف اًعدَـة‪ ،‬وحتول حسدُا إىل مَح‪ ،‬أفبل ٍرحؽ اٌَح إىل حل ؟! ُي حتوًت امرأة ًوط إىل معود مَح وامرأة إبراُمي أال ثلوم اثهَة؟!‬ ‫ّ‬
‫بأًة كوة ثغريت ًد موىس اًييب اًيت يف ساؿة ضارت اكًثَج وؿادت اثهَة بأمر هللا؟! فِي اكن أمرٍ حيمي كوة واآلن ببل كوة؟! (اًلدٌس نريًس األورشَميي‪ ،‬حِاثَ وملاالثَ ًعاًيب اًـٌلد‪ٌَ ،‬لمص‬
‫اتدرس ًـلوب ماًعي‪ ،‬األسىٌدرًة‪ ،86 :81 ،6998 -‬ص ‪)699‬ي‬

‫‪9‬‬
‫يسىع وكتبة العهد اجلديد‬

‫‟األسينيْب„‪ .‬بليِب الكبّب وفيلو ويوسيفيوس أعطوا وص ًفا ألسلوب حياهتم واألخّب كان على اتصال مباشر ُّم‪ .‬لقد‬
‫سباما وكان تجمعهم الرئيسي على الساحل الغربي للبحر الميت‪ ،‬بالرغم من وجود بعض‬ ‫مستقبل ً‬
‫ً‬ ‫ؾبتمعا‬
‫ً‬ ‫كونوا‬
‫أكيدا أن األسينيْب كانوا ضمن الجماعة التي‬
‫اؼبنتسبْب ؽبم ُب مواضع أخرى من اليهودية‪ .‬ومن احملتمل ولكن ليس ً‬
‫كانت تستعمل المخطوطات التي اكتشفت في وادي قمران لقربو من الشاطئ الغريب للبحر اؼبيت‪ .‬ىذه اعبماعة‬
‫رفضت الذبائح والكهنوت الرسمي والعبادة التي تمارس في ىيكل أورشليم‪ ،‬وتطلعوا إلى البطل الذي أسس ىذه‬
‫الجماعة ‟معلم البر„ الذي ىجم عليو الكهنة األشرار المتسلطين على إسرائيل‪.‬‬

‫ما بين األسينيين والكنيسة األولى‬


‫كل شيء بينهم‬ ‫يتشابو األسينيْب مع الكنيسة األوذل ُب بعض النواحي‪ .‬فكانوا مترابطين كجسد واحد وكان ّ‬
‫مشترًكا‪ ،‬و ّ‬
‫كل واحد يأخذ على قدر حاجتو‪ .‬حياهتم كانت بسيطة وكل من لو ثوبان يعطي ثوبًا ألخيو احملتاج ويلبس‬
‫اآلخر إذل أن يبلى‪ .‬وكانوا ـبتلفْب فيما بينهم على مسألة الدفاع عن أنفسهم‪ .‬فالغالبية رفضت حمل السالح‪ ،‬ولكن‬
‫بعضهم كان من الغيورين الذين كانوا يدافعون عن وطنهم ضد اؼبستعمر الروماشل‪.‬‬
‫مسرحا للحرب اليهودية الدموية ‪ٚٓ-ٙٙ‬م‪ ،‬األسينيين رفضوا العبودية على أساس أن البشر‬
‫ً‬ ‫وادي قمران صار‬
‫كل أعضاء جماعتهم من الممتنعين‬
‫جميعهم سواسية أمام خالقهم؛ وعلى الرغم من أنهم ال يحرمون الزواج إال أن ّ‬
‫عنو‪.‬‬
‫واالنضمام إذل ىذه اعبماعة كان يتطلب اختبارات ونذور يتعهد بها المنضم حديثًا‪ ،‬وأي تقصير يستوجب الطرد‪.‬‬
‫كانوا يمارسون طقس الغسل بالماء باستمرار‪.‬‬
‫ويشتركون في وليمة مقدسة غير مسموح للغريب عنهم أن يتناول منها‪.‬‬
‫أيضا فروق جوىرية كثّبة بْب األسينيْب والكنيسة األوذل‪:‬‬
‫وعلى اعبانب اآلخر ىناك ً‬
‫األسينيين كانوا متمسكين بشدة بوصية تقديس يوم السبت‪،‬‬
‫وكانوا يتحاشون االشتراك في أي احتفاالت رسمية‪.‬‬
‫باكرا ج ًدا‪،‬‬
‫وبحسب مصادرنا اليونانية كانوا يستيقظون قبل الفجر ويقدمون الصلوات ً‬
‫ولهم تعاليم سرية عن جذور األشياء واألحجار وأسماء المالئكة الخفية‪.‬‬
‫يهتمون ج ًدا بالمعاني الرمزية والروحية لألسفار‪ ،‬ويتنبأون بالمستقبل‪.‬‬
‫ىناك تشابو ُب اإلطار العام؛ فعلى سبيل اؼبثال ذكر ُب ـبطوطة اظبها ‟درج اغبرب„ خرب عن معركة فاصلة بْب أبناء‬
‫النور وأبناء الظلمة والٍب تشبو معركة ىرؾبدون الٍب ذكرت ُب سفر الرؤيا وردبا أيضا ما أشارت إليو الرسالة إذل أفسس‬
‫(إصحاح ‪.)ٙ‬‬

‫‪11‬‬
‫يسىع وكتبة العهد اجلديد‬

‫ولكن من اؼبنصف أن نقول إنو ُب النقاط التفصيلية فإن اؼبتشاُّات واؼبتطابقات ليست بكثّبة أو مؤثرة؛ باإلضافة إذل‬
‫أن ‟معلِّم البر„ ‪-‬الذي ىو قريب الشبو ج ًدا من يسوع‪ -‬ال يلعب ً‬
‫دورا رئيسيًا في فكر جماعة قمران كما يلعبو‬
‫يسوع في فكر وإيمان الكنيسة األولى‪.‬‬
‫كل منهما الضوء على اآلخر ولكن ال يمكن القول بأن‬ ‫باختصار؛ العهد الجديد ومخطوطات قمران يلقي ّ‬
‫أحدىما يشرح اآلخر‪ .‬من احملتمل أن يصّب األسيِب مسيحيًا ولكن من غّب اؼبمكن أن يكون ىناك أي استمرارية ؽبذه‬
‫اعبماعة داخل الكنيسة األوذل‪ .‬بل من العجيب أن اؼبسيحيْب األوائل تبنوا نظرة إهبابية للعبادة داخل اؽبيكل ُب أورشليم‬
‫أكثر من صباعة قمران نفسها (أع‪ .)ٚ،ٙ‬وُب ذات الوقت ىناك الكثّب هبعلنا نعتقد أن المسيحيين لن يحتملوا جماعة‬
‫تستحوذ عليها فكرة الحاجة المستمرة إلى التطهيرات الجسدية وطقوس الغسل بالماء التي تتخلل اليوم عدة‬
‫مرات‪.7‬‬

‫انتشار المسيحيّة بسوريا وأثره‬


‫انزعاجا للمجامع اليهودية فبا أدي إذل أن نشأت حركة مضادة‬
‫ً‬ ‫مشاال داخل سوريا وكليكية أحدث‬
‫انتشار اؼبسيحية ً‬
‫ومسلحة ومؤيدة برسائل من الرؤساء في أورشليم يقودىا يهودي من كيليكية تلميذ للرابي اليهودي المشهور‬
‫غيورا للكنيسة‬
‫مضطهدا ً‬
‫ً‬ ‫غماالئيل يدعى بولس أو شاول الطرسوسي‪ ،‬فريسي مؤمن بكمال الناموس اؼبوسوي وبالتارل‬
‫غيورا؛ وكان‬
‫ورجبل ً‬
‫الوليدة‪ .‬وىو مسافر إذل دمشق تقابل فجأة مع اؼبسيح القائم‪ ،‬ومن تلك اللحظة صار مسيحيا مؤمنًا ً‬
‫عنده رغبة جارفة للتبشّب ونشر اإلقبيل بْب األمم‪.‬‬
‫على األرجح دل يكن بولس أول كارز للمسيحية بْب األمم‪ ،‬ولكن من البداية كان ىو العامل الرئيسي ُب ىذه اؼبهمة‪،‬‬
‫رسوال لؤلمم‪ ،‬يبارس السلطان الرسورل على كنائس األمم‬
‫مقتنعا أن دعوتو دعوة خاصة وفريدة ليكون ً‬
‫وىو نفسو كان ً‬
‫تأثّبا أكثر من وعظو)‪ ،‬ويبثلها وينوب عنها ُب اغبوار مع الكنيسة‬
‫سواء باالفتقاد أو بالرسائل (وقد وجد أن رسائلو تعطي ً‬
‫األم ُب أورشليم‪.‬‬
‫بينما تعطينا رسائل بولس الرسول وسفر األعمال بعض اإلشارات عن مبو الكنيسة ُب وسط األمم‪ ،‬ال نعلم إال القليل‬
‫عن الكنيسة األم ُب اليهودية‪ .‬أغلب التبلميذ االثِب عشر اختفوا فجأة من التاريخ‪ .‬دل يبق سوى بطرس ويوحنا ويعقوب‬
‫أخو الرب‪ ،‬وبعض األظباء‪.‬‬
‫حبلول القرن الثالث ظهرت بعض القصص والروايات الٍب ربكي عن إرساليات االثِب عشر‪،‬‬
‫توما ُب فارس واؽبند‪،‬‬

‫‪ 7‬وأمه ما ًُمزي املس َحَة ؾن األس ًَِن ُو أن املس َحَة يه هرازة ؿاملَة مؤسسة ؿىل اإلميان بشخص ٌسوع ال حرثدط بس َاسة مُـَية وال كاهون مُـن وال شـب مُـن‪ ،‬بُامن األس ًَِن مل‬
‫خيرحوا ؾن داةرة ادلًيهة اٍهيودًة املُيغَلة ابدً ا نٌل أهَ من أمه ثـاٍميِ ُو احلطول ؿىل اًار من خبلل حفغ انموس مويس‪ ،‬بُامن يف املس َحَة فاًار ابإلميان بشخص املس َح واًرشنة فَِ ؾن‬
‫ظرًق رسي املـمودًة واإلخفارسدِا وحِاة اًرشنة مؽ حٌلؿة املؤمٌن‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫يسىع وكتبة العهد اجلديد‬

‫أندراوس ُب سيكيثيا جنوب روسيا‪ ..‬إخل‪.‬‬


‫إال أن ىذه الروايات مثلها مثل قصص العصور الوسطى الٍب تقول إن يعقوب الرسول بشر ُب الفلبْب ويوسف الرامي‬
‫‪8‬‬
‫ُب إقبلَبا‪ .‬ومصدر ىذه الروايات عن الرسل كتب األبوكريفا التي انتشرت في النصف األخير من القرن الثاني‪.‬‬
‫يوجد تقليد من القرن الثاشل جدير بالتصديق يقول إن يوحنا بن زبدي عاش ُب أيامو األخّبة ُب أفسس‪ ،‬وفيلبس اؼببشر‬
‫وبناتو األربع اللواٌب كن يتنبأن (أعٕٔ‪ )ٜ:‬مات ُب فرهبية‪ .‬ىذا اػبروج الذي حدث لكنيسة أورشليم إذل أسيا الصغرى‬
‫قد يكون بسبب اغبرب اليهودية (من سنة ‪ ٙٙ‬م إذل ٓ‪ٚ‬م)‪ .‬واإلقبيل الرابع وبتوي على تعاليم التلميذ احملبوب‪ .‬حوارل‬
‫سنة ٕٓٓم نجد أن كنائس آسيا الصغرى تنظر إلى القديس يوحنا كمؤسس لها وتكرم رفاتو في قبره الذي في‬
‫‪ٜ‬‬
‫أفسس‪.‬‬
‫األفسسيْب يعتقدون أن القديسة العذراء مريم عاشت في بيت القديس يوحنا (انظر يو‪ ،)ٕٚ:ٜٔ‬وُب القرن‬
‫اػبامس كرست فيها أول كنيسة باسم السيدة العذراء‪ .‬ولكن من وجهة نظر أخرى أول من نادى ُّا كان إبيفانيوس سنة‬
‫٘‪ٖٚ‬م‪ ،‬الذي تكلم عن العذراء كسر خفي ٍ‬
‫متعال ال يدركو‪ ،‬أن القديسة مريم لم تذىب إلى أفسس ولم تذق الموت‬
‫أصال‪.‬‬
‫ً‬
‫يعقوب البار "أخو الرب" كان أسق ًفا على كنيسة أورشليم إذل يوم استشهاده ُبٕ‪ٙ‬م‪( .‬اغبدث الذي أثار استياء‬
‫اؼبسيحيون من أصل أفبي) خلفو ابن عم الرب (سمعان بن كلوبا)‪ .‬طبيعة العبلقة بْب يعقوب (البار أخو الرب) وبطرس‬
‫اؼبتقدمْب ُب الرسل والذين عهد الرب إليهما مسئولية الكنيسة غامضة وغّب معروفة‪.‬‬
‫ُب رسائل بولس الرسول وسفر األعمال قبد أن للكنيسة األولى سلطتان متوازيتان إخوة السيد المسيح واالثني‬
‫عشر ‪ ،‬وإن حدث بينهما أي خبلف فسرعان ما يزال (األعداد من مر ٖ‪ ٖ٘-ٖٔ:‬قد تلمح إذل ذلك)‪ .‬وحبسب‬
‫حٌب أن البعض ظن أن بطرس‬
‫التقليد الغريب (مت‪ )ٔٛ:ٔٙ‬دعي الرب بطرس باسم الصخرة الٍب يبُب عليها كنيستو‪ّ ،‬‬
‫وليس يعقوب ىو أسقف كنيسة أورشليم بعد الصعود‪ .‬السبلم اؼبوجود داخل الكنيسة األورل كما وصفو سفر أعمال‬
‫الرسل‪.‬‬
‫ضا‪ .‬اؼبشاجرة الشهّبة الٍب نشبت بينهما ُب انطاكية من اؼبؤكد أنو حدث عرضي أو‬
‫عالقة بطرس وبولس غامضة أي ً‬
‫دل وبدث بالصورة الٍب ًب وصفها ُب (غلٕ)‪ ،‬وعلى األقل فهما دل يفَبقا عند موهتما‪ .‬فكالىما مات في روما شهي ًدا‬
‫في االضطهاد الذي شنو نيرون‪ ٔٓ.‬ببل شك وجود بطرس ُب روما ُب ستينات القرن األول يبثل أنبية بالنسبة ؼبسيحيو‬

‫‪8‬‬
‫‪These are translated in M. R. James, The Apocryphal New Testament (Oxford.2nd edn., 1955). See also E. Hennecke's New‬‬
‫‪testament Apocryphal (ed. W. Schneemelcher, transl. R. M. Wilson, 2 vol., London, 2 nd edn., 1991).‬‬
‫‪9‬اًىذاب اًبلثن هلَوا من حرثََاهوس وخريوم كطة أن اًلدٌس ًوحٌا أًلي يف اًزًت املغًل يف روما ًىٌَ ُرب ساملًا؛ ويف اًلرن اًسابؽ كِي أن ُذا حدث ؾيد اًداب اًبلثُين وحيخفي بَ يف‬
‫‪2‬ماًو‪ ،‬أما ُذا األمر فاكن ً‬
‫جمِوال ؾيد اًىذاب اًَوانهَن‪.‬‬
‫‪ُ10‬ياك إشارة إىل اسدشِاد بعرس خاءت يف (ًو‪ )32:83 ،81:68‬ومن كال إهَ حدث يف روما لكمييدس يف رساًخَ إىل هورهثوس ورساةل أغياظَوس إىل روما واإلحٌلع اًـام ًخلََد ّ‬
‫لك‬
‫أابء اًىٌُسة يف اًلرن اًثا ي‪ .‬ابإلضافة إىل اًخذاكر اًس يوي والاحذفال اذي ًلام يف رضحيَ يف اًفاثَاكن وكد بين ؿام ‪899-829‬م‬

‫‪12‬‬
‫يسىع وكتبة العهد اجلديد‬

‫األمم ولكن ال توجد أي معلومات عن اؼبدة الٍب قضاىا أو العمل الذي قام بو‪ .‬وقصة إقامتو ُب روما مدة طبسة‬
‫عاما ىي رواية من القرن الثالث‪.‬‬
‫وعشرون ً‬
‫كنيسة األمم‬
‫ُب العادل القدصل عرف الناس على األقل ثبلثة أشياء عن اليهود‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬ال يندؾبون سواء بشكل مباشر أو غّب مباشر ُب الثقافة الوثنية (الذي يبدو كانعزال عن اَّتمع)‪.‬‬
‫ٕ‪ -‬وأيضًا يبتنعون عن تناول اللحم ليس فقط الذي قدم لؤلوثان بل أيضًا غبوم اػبنزير كافة (الذي‬
‫يبدو شيء باعث على السخرية)‪.‬‬
‫عمبل منفراً)‪.‬‬
‫ٖ‪ -‬وأيضًا ىبتنون األطفال الذكور (الذي يبدو ً‬
‫أوال‪ :‬ىل األفبي الذي‬
‫إن كانت الكنيسة قد تولت مهمة التبشّب بْب األمم‪ ،‬فمن الضروري حسم بعض اؼبسائل ً‬
‫يدخل اإليبان اؼبسيحي عليو أن يلتزم بكل ىذه احملظورات؟ اعبزء احملافظ رأى أنو على األفبي اؼبقبل على اؼبسيحية أال‬
‫يبتنع فقط عن الطعام اؼبقدم لؤلوثان بل عليو أيضا أن ىبتًب كعبلمة العهد الذي يبكنو من االنضمام لشعب اهلل‪ .‬واعبزء‬
‫اآلخر من اؼبسيحيْب اليهود الذين يروا أن اإلقبيل رسالة هبب أن تصل للعادل أصبع يرفضون ىذا الرأي احملافظ‪ .‬اػبتان‬
‫وحفظ الناموس اؼبوسوي ىبص الديانة اليهودية فقط‪ .‬بينما ُب اؼبسيح اهلل عمل مصاغبة مع البشرية كلها‪ ،‬ونقض اغباجز‬
‫أيضا اإلنسان وأخيو اإلنسان‪.‬‬
‫اؼبتوسط الذي يفصل ليس فقط بْب اإلنسان اػباطئ واهلل‪ ،‬بل ً‬
‫االختالف الحادث بين المحافظين والمنفتحين على العالم أدى إلى نزاع حاد وعنيف نتج عنو انعقاد مجمع‬
‫أورشليم (أع ‪ .)66‬والقرارات لتسوية ىذا النزاع كانت عبارة عن حل وسط ماعدا و ً‬
‫احدا ومن ناحية أو أخرى كانت‬
‫حٌب لو كانوا غّب ـبتونْب؛ إال أنو هبب أن‬
‫سبيل ُب صاحل اؼبنفتحْب‪ .‬الكنيسة األم اعَبفت باألمم الداخلْب إذل اؼبسيحية ّ‬
‫حٌب يكونوا ُب ضيافة اإللو)‬
‫يبتنعوا عن الوالئم الوثنية (كان من اؼبعتاد عند اليونانيْب أن يقيموا والئمهم ُب اؽبياكل ّ‬
‫والعبلقات اعبسدية خارج إطار الزواج (الزسل)‪ ،‬وىذا ما ربرص عليو الديانة اليهودية بشدة أكثر من أي ديانة وثنية‪.‬‬
‫رسالتا بولس إذل أىل كورنثوس سلطتا الضوء على بعض اػبلفية االجتماعية ؽبذه األوضاع‪.11‬‬
‫انقلب الجدال حول فائدة استمرارية الناموس الموسوي‪ .‬القديس بولس رأى أن جوىر األمر السؤال ما إذا كان‬
‫اإلنسان يستطيع أن يدخل ملكوت السماوات بواسطة فضائلو الٍب اكتسبها من خبلل طاعتو لوصايا اهلل؟ بولس يضع‬
‫ىذه الفكرة ُب مقابل الرضبة اإلؽبية والغفران الٍب وىبت لنا ؾبانًا ُب اؼبسيح يسوع‪ ،‬فمن خبلل اؼبعمودية يتحد اؼبؤمن‬

‫‪ 11‬ذ كل ألن رساًيت هورهثوس األويل واًثاهَة ُنخِبذا ردًا ؿىل رساةل وضَت من ويُسة هورهثوس هبا اًـدًد من األس تةل ؾن بـظ املشالك اًيت وخدت ؾيدمه ابحثن ؾن حَول ًِا ؾيد اًرسول‬
‫بوًس‪ ،‬وُذا ًوحض سبب نرثة املواضَؽ فهيا‪ُ .‬ذٍ اًرساةل اًيت محَِا إًََ اس خفاانس وفروثوانثوس وأخااَىوس (‪8‬هو‪ ،)89 :82‬وُذا اًرأي ٍُرحجَ أًضً ا ق‪ً .‬وحٌا مف اذُب (راحؽ‪ :‬ثفسري‬
‫رساةل بوًس اًرسول األويل إيل أُي هورهثوس‪ ،‬حزء اول‪ٌَ ،‬لدٌس ًوحٌا ذُيب اًف ‪ ،‬مؤسسة اًلدٌس اهعوهَوس‪ ،6982 -‬ص ‪)33‬‬

‫‪13‬‬
‫يسىع وكتبة العهد اجلديد‬

‫باؼبس يح ويتربر وندخل ُب عبلقة صحيحة مع الرب على أساس من األعمال الصاغبة والنمو ُب حياة القداسة‪ .‬لذلك‬
‫اؼبسيحيْب أحر ًارا من الناموس اؼبوسوي‪ .‬فهو ليس ثابتًا بل مؤقت وىو مؤدبنا إذل اؼبسيح (غلٖ)‪.‬‬
‫يعد إقباز للقديس بولس‪ ،‬الدفاع عن حرية ومساواة اؼبسيحيْب األفبيْب وأن وبصل من الكنيسة األم بأورشليم على‬
‫أيضا اعَبافًا بوضعو اػباص كرسول لؤلمم‪ .‬اللقب‬
‫اعَباف بعضوية كاملة لؤلفبي الداخل إذل اؼبسيحية‪ .‬وضمن لنفسو ً‬
‫الذي أدخلو ُب جدال عنيف‪ ،‬والٍب كانت أقوى حججو فيو ىو اغبقيقة الدامغة بوجود مسيحيْب كثّبين من األمم‪ .‬ردبا‬
‫يكون السبب ال رئيسي ُب قباح بولس الرسول ىو إمكانياتو غّب العادية ُب التكيف وقدرتو على تبِب موقف من يسمعوه‪،‬‬
‫واستطاع ترصبة اإلقبيل الفلسطيِب إذل لغة مفهومة للعادل اليوناشل‪ ،‬وىكذا أصبح بولس أول مدافع عن اؼبسيحية‪.‬‬
‫الجيل األول من مسيحيو فلسطين كانوا يتوقعون مجيء المسيح في مجده في المستقبل القريب‪ .‬بولس أدرك‬
‫أن اؼبناداة بنهاية العادل الوشيكة يضر أكثر فبا يفيد ُب تبشّب العادل اليوناشل الذي يسيطر عليو االىتمام والتفكّب ُب‬
‫بدايات األشياء ال هنايتها‪ .‬وح اول األمر من الَبكيز على ؾبيء اؼبسيح النهائي إذل الَبكيز على اؼبسيح حكمة اهلل اػبالق‪،‬‬
‫كل اؼبخلوقات اؼبتنوعة ُب الكون من االكببلل‪ .‬وعلام بأن اهلل‬
‫الكائن قبل الدىور منذ األزل وكلي القدرة الذي وبفظ ّ‬
‫حٌب تصل ُب النهاية إذل اعبنس البشري‬‫حال باألخص ُب كنيستو كما أن الروح ربل ُب اعبسد‪ ،‬ولذلك ستنمو وسبتد ّ‬ ‫ٌ‬
‫بأكملو‪ .‬بهذه الكلمات تكونت فكرة الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية في رسالة أفسس‪ .‬ألنو حبسب‬
‫كل اؼبسيحيْب متحدين ببعضهم البعض من خبلل وحدهتم بالرب بواسطة اإليبان واؼبعمودية؛ وبو‬ ‫تعليم بولس الرسول ّ‬
‫(اؼبسيح) الكنيسة تصّب صباعة مقدسة مدعوة ألداء دور الكهنوت نيابة عن العادل أصبع‪ ،‬تفسر اإلقبيل للبشرية‪ ،‬تتطلع‬
‫للمستقبل دون أن ترفع نظرىا عن عصر مؤسسيها من الرسل‪ .‬والكنيسة األم لكل ىذه اعبماعة العاؼبية ىي كنيسة‬
‫أورشليم‪ .‬بيد أن بولس وضع ُب ذىنو االذباه غربًا ناحية عاصمة العادل آنذاك لتشكل مركز ثقل مسيحي أفبي ونقطة‬
‫انطبلق للتبشّب ُب أسبانيا (الٍب ردبا يكون قد قبح ُب الوصول إليها)‪.12‬‬
‫نظر القديس بولس إذل الكنيسة على أهنا اَّتمع الذي تذوب فيو الفوارق بْب اليهود واألمم ولكن ظاىريًا يبقى ثنائي‬
‫كل الشعب اليهودي إذل اؼبسيحية‪ .‬وخربت أورشليم سنة ٓ‪ٚ‬م ثم‬
‫السمات‪ .‬ولكن اؼبسيحيْب اليهود أخفقوا ُب جذب ّ‬
‫تماما سنة ‪ 606‬م بعد صدور مرسوم ىادريان الذي يقضي بنفي جميع اليهود من اليهودية‪ ،‬وصارت‬ ‫دمرت ً‬
‫أورشليم مدينة يونانية وسميت آليا كابيتولينا‪ُّ ،‬ا ىيكل وثِب ومسرح‪.‬‬
‫ويعِب ىذا ربرر اؼبسيحية األفبية من جذورىا اؼبسيحية اليهودية؛ وما ؽبا من ثقل سواء بعدد أعضائها أو دبدى‬
‫انتشارىا اعبغراُب ُب سائر دول البحر اؼبتوسط زاد ىذا من ثقتها وشعورىا جبامعيتها للعادل أصبع‪ ،‬تتطلع إذل أن تظل‬

‫‪ 12‬بياء ؿىل رغدة بوًس اًرسول يف زًيرة أس داهَا حبسب هص (رو‪ ،)61 :88‬فُِياك ثلََد كدمي يف اًىٌُسة ًـود إيل ق‪ .‬إلكمييدس اًروما ي (يف رساًخَ األويل ‪ )9 :8‬إيل أن ٌَلدٌس بوًس‬
‫رحةل رابـة زار فهيا أس داهَا‪ ،‬وُو اًرأي اذي ًوافلَ أًضً ا ق‪ً .‬وحٌا مف اذُب (أهؼر‪ :‬ثفسري اًرساةل إيل هورهثوس‪ ،‬مرحؽ سابق‪ ،‬ص ‪ ،)639‬وًمت حرحِح ُذا اًرأي بسبب ان اًىٌُسة يف‬
‫أس داهَا اكهت مٌُؼمة ومُدسـة مٌُذ اترخي مُبىر‪ ،‬وإهَ حبسب ثلََد اًىٌُسة األس داهَة فإن مؤسسِا ُو ق‪ .‬بوًس اًرسول‪see,W.J. Conybeare and J.S. Howson, The Life ( .‬‬
‫‪)and Epistles of St. Paul, Grand Rapids, MI., Eerdmans Publishing Co. See the evidence presented by pages 738- 741.‬‬

‫‪14‬‬
‫يسىع وكتبة العهد اجلديد‬

‫أيضا‪ ،‬دبشهد استشهاد القديسْب بولس‬


‫مرتبطة بالرسل ليس فقط من خبلل الكنائس الشرقية بل ومن خبلل روما ً‬
‫وبطرس‪ .‬مفهوم بولس عن االستقبلل الظاىري لكنيسة األمم موجود داخل الكنيسة الواحدة جنبًا إذل جنب مع مفهوم‬
‫أيضا تنافسية‪ -‬اؼبسيحية ُب الغرب‬
‫اؼبسيحية اليهودية (اؼبرتبطة باليهودية)‪ ،‬ودبرور الزمن تطور ىذا إذل مفهوم استقبللية –و ً‬
‫مقابل اؼبسيحية الشرقية‪.‬‬
‫بالرغم من اضطهاد اليهود للمسيحيْب (ٔتسٕ‪ )ٔٗ:‬بقيت اؼبسيحية فَبة طويلة تعترب شيعة من شيع اليهود‪ .‬إال أن‬
‫االنفصال بات ال مفر منو‪ .‬نص‪ 13‬جاء ُب كتاب حياة كلوديوس لسيتونيوس يشّب إذل أنو منذ سنة ٓ٘م والصراع بْب‬
‫اليهود واؼبسيحيْب يدور ُب روما‪ُ .‬ب اليهودية حاول اؼبسيحيون البقاء على الصلة مع اليهود بقدر ما يستطيعون‪ ،‬إال أهنم‬
‫اضطهدوا بعنف‪ ،‬وفي عام ‪46‬م ليضمنوا انفصالهم نهائيًا‪ ،‬صدر حرم رسمي على شكل نص ليتورجي يقرأ في‬
‫المجامع‪[ :‬ليهلك الناصريين والهراطقة سر ًيعا وليمحوا من سفر الحياة]‬
‫إن وجود إرساليات إذل األمم سببت حرج للمرسلْب إذل اليهود من أىل بلدىم (رؤٔ‪ ٕٛ:‬توضح ىذه النقطة)‪،‬‬
‫وسلوك بعض من أخوهتم من األفبيْب دل يدعم موقفهم فهم ال يدينون بالفضل للديانة اليهودية‪ ،‬ويميلوا إلى الرأي‬
‫القائل بمعاداة الرب لهم وبأن خراب أورشليم بفعل أعدائهم الرومانيين في عام ‪23‬م لم يكن إال مجرد غضب‬
‫امتدادا لصبلبة رقاُّم ورفض االنصياع لكلمة الرب على فم‬
‫ً‬ ‫وحكم من الرب على صلب يسوع‪ ،‬األمر الذي كان‬
‫أنبياءه‪.‬‬
‫اؼبسيحيون اليهود الذين طردوا من ببلدىم ظلوا وبافظون على السبت‪ ،‬اػبتان وباقي اؼبمارسات اليهودية‪ .‬وىذا األمر‬
‫دل ينل است حسان اؼبسيحيون من أصل أفبي‪ ،‬فانعزلوا وصاروا ؾبموعة منفردة غّب مدعومة‪ُ .‬ب القرن الرابع وما بعده دل‬
‫توجد سوى كنائس يهودية قليلة ُب سوريا‪.‬‬
‫أطلق اؼبسيحيون اليهود على أنفسهم لقب ‟اإليبونيْب„ وىو لفظ عربي معناه ‟الفقراء„ ومن احملتمل أن يكون ىذا‬
‫أيضا بولس الرسول ُب رسائلو‪ 14.‬ومنذ أن رفض بعضهم‬ ‫اللقب ىو لقب اؼبسحيْب ُب أورشليم واليهودية الذي ذكره ً‬
‫قبول فكرة اؼب يبلد العذراوى للمسيح‪ ،‬صنف إيريناؤس اإليبونيْب ضمن ىرطقات أخرى تنكر ىذا؛ واعتقد ترتليانوس أن‬
‫كل اآلباء الذين كتبوا ضد اؽبرطقات اقتبسوا من كتابات اإليبونيْب‬
‫أظبهم على أسم رجل يدعى ‟إيبون„‪ ،‬وبعد ذلك ّ‬
‫اؼبشكوك ُب صحتها‪.‬‬

‫‪[13‬مبا أن اٍهيود ًفذـَون اًلبلاي بخحرًظ من هرٌس خوس ظردمه الكدًوس ن روما]‪.‬‬
‫‪14‬غي ‪89:6‬‬

‫‪15‬‬
‫القرن الثاني‬
‫الخلفيات الثقافية للمسيحية المبكرة‬
‫‪plato‬‬ ‫أفالطون‬
‫ولد أفبلطون أريستون ُب القرن اػبامس ق‪ .‬م‪ .‬ولد ُب أحداث مؤسفة حيث ُى ِزمت أثينا من إسبارطو‪.‬‬
‫حٌب مصر‬‫قام بالكثّب من الرحبلت حيث ذىب إذل ـبتلف اؼبدن اليونانيّة وجنوب إيطاليا‪ ،‬ووصل رحبلتو ُب الشرق ّ‬
‫القديبة‪.‬‬
‫كثّبا أن يعمم فلسفتو السياسيّة من خبلل اغبُ ّكام‪ ،‬خاصة مع ديونسيوس حاكم مدينة سّباقوصة‪ ،‬ولكنو‬
‫حاول ً‬
‫ستتغّب حينها األحوال السياسيّة‪.‬‬
‫حب الفلسفة‪ ،‬واحَبامها‪ٍ ،‬بّ ّ‬
‫اوال أن ينشيء الشباب على ّ‬
‫فشل‪ ،‬واقتنع حينها أن عليو ً‬
‫ومن ُىنا أنشأ مدرستو الفلسفيّة‪ ،‬وىي اوذل اؼبدارس الفلسفيّة ُب أثينا عند حديقة البطل أكاديبوس‪ ،‬وأظباىا‬
‫األكاديبيّة‪ ،‬وقد قامت على اغبوار والنقاش‪.‬‬
‫تقوم ركيزة نظريات أفبلطون الفلسفيّة على نظرية اؼبثل‪ ،‬وتقول النظريّة بأنّنا نعيش ُب عادل من الظبلل واألوىام‪ ،‬والٍب‬
‫ُ‬
‫لن نستطيع أن نكتشف حقيقتها اإال حْب نفك عنّا القيود الٍب تُكبلنا ُّذا العادل‪ ،‬وىذا وبدث عن طريق معرفة اغبقيقة‪..‬‬
‫ومن ُىنا جاء اؼبثل الذي وصلت شهرتو إذل شهرة أفبلطون نفسو‪ ،‬وىو الكهف‪ ،‬حيث يقول إنّنا كبيا داخل كهف‬
‫كبّب‪ُ ،‬مكبلْب إذل اغبائط‪ ،‬وال نرى سوى الظبلل اؼبنطبعة على حائط الكهف اؼبقابل ؼبدخلو الذي منو يأٌب النور من‬
‫عادل اغبقيقة‪ ,‬لكن الذين ُب الكهف‪ ،‬دل يروا سوى الظبلل‪ ،‬فاعتقدوا ّأهنا حقيقة‪.‬‬
‫وتنقسم النفس اإلنسانيّة عنده إذل ثبلث‪ :‬النفس الشهوانيّة‪ ،‬والنفس الغضبيّة أو اغبماسيّة‪ ،‬والنفس العاقلة‪ .‬وردبا من‬
‫ىذه الثبلثيّة ربدث أفلوطْب عن الثالوث الذي يوصلو كبو اهلل‪.‬‬
‫ومن ىذا التقسيم السابق أخذ أورهبانوس تقسيمو للنفوس الروحانيّة‪ ،‬ول ُقاراء الكتاب اؼبق ّدس‪.‬‬
‫ُ‬
‫أىم احملاورات الٍب استند عليها آباء الكنيسة‬‫وتعد ؿباورتيو ”تيماوس أو عن اػبلق‪ ،‬وفيدون أو عن النفس“ من ّ‬ ‫ُّ‬
‫عامة ُب تعاليمهم‪.‬‬
‫الشرقيّة ّ‬
‫كثّبا اآلباء الكبادوك‪ ،‬والسكندريون‪ ،‬ولكن السكندريّْب دخلت عليهم كتابات أُخرى طورت من‬
‫وقد تأثر بفلسفتو ً‬
‫فكرىم كما سنعرف‪.‬‬

‫أرسطو‬
‫ُولِد أرسطو طاليس نيقوماخوس ُب مدينة باسطاغّب على ساحل إيونيا ُب أوائل القرن الرابع ق‪ .‬م‪.‬‬
‫مات والده وىو ُب الثامنة عشر‪ ،‬فَبك مقدونيا والتحق بأكديبية أفبلطون بأثينا‪ ،‬وتتلمذ على يد أفبلطون الذي ؼبح‬
‫نبوغو ودعاه بـ”عقل األكاديبية“‪ ،‬ولسعة اطبلعو وقراءاتو دعاه بـ”ال َقاراء“‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫القرن الثاوي‪ ،‬الفه املسيحي واآلباء الرسىليىن واملدافعىن واخللفيات الثقافية‬

‫بعد وفاة أفبلطون‪ ،‬ترك األكاديبية وانتقل من أثينا إذل مقدونيا‪ ،‬وبعد ع ّدة سنوات دعاه فيليب ملك مقدونيا ليتلمذ‬
‫ابنو اإلسكندر (األكرب)‪ ،‬ولىب أرسطو الدعوة وتلمذ اإلسكندر ؼبدة أربع سنوات‪.‬‬
‫وبعد أن مات اؼبلك فيليب وقاد اإلسكندر اعبيش ليفتح شرق الببلد‪ ،‬غادر أرسطو مقدونيا إذل أثينا‪ ،‬وبدأ يتط اور‬
‫فكره عن فكر ُمعلٍّمو أفبلطون‪.‬‬
‫أسس مدرستو اػباصة ”اللوقيون“ لتكون منافسة لؤلكاديبيّة‪ ،‬أو لنقل متميّزة عنها‪ ،‬حيث أغبق ُّا متح ًفا بو العديد‬
‫ّ‬
‫العامة يلقي عليهم علومو‬
‫من النباتات واغبيوانات الٍب كان هبري عليها التجارب‪ ،‬وجعل فَبة مسائيّة خاصة باعبمهور من ّ‬
‫سباما على السفوسطائيّة الٍب فشل سقراط وأفبلطون ُب القضاء عليها‪.‬‬ ‫وخطاباتو‪ ،‬وىو ما قضى ً‬
‫نظرية اؼبعرفة عند أرسطو تبدأ من اغبواس الٍب تقودنا إذل اؼبعرفة العقليّة التأمليّة‪ ،‬فليس العقل اػبالص ىو ما يقودنا إذل‬
‫اؼبعرفة‪.‬‬
‫أىم ما ُيبيّز فلسفتو ىو اعبوىر والعرض ‪ συμβεβυκος‬وببساطة تعِب أ ّن اعبوىر ىو الطبيعة أو استقبلل الشيء بذاتو‬ ‫و ّ‬
‫ُب حدود‪ّ ،‬أما العرض فهو الوجود من خبلل الطاقات‪ ،‬فهو صورة اعبوىر ال اعبوىر ذاتو‪ .‬وإ ّن االرباد واالختبلط ال‬
‫جديدا ويتبلشيان فيو‪.‬‬
‫فإهنما يُنتجان شيئًا ً‬
‫وبدث بْب جوىرين‪ ،‬بل بْب طاقات جوىرين‪ ،‬إلنّو ُب حالة اختبلط جوىرين ّ‬
‫الروحي‪ ،‬وطبيعٍب اؼبسيح‪،‬‬
‫التارىبي و ّ‬
‫ّ‬ ‫من ىذه النظريّة أخذ األنطاكيّون تفسّباهتم عن‪ :‬وجهي الكتاب اؼبق ّدس‬
‫ُ‬
‫ومفهومهم عن التألُّو بالطاقات غّب اؼبخلوقة‪.‬‬
‫وىكذا قبد أ ّن أكثر من تأثر بفلسفتو ىم األنطاك‪.‬‬

‫‪Philo‬‬ ‫فيلو‬
‫يهودي عاش ُب الفَبة من (ٖٓ ق‪ .‬م‪٘ٓ -‬م)‪ ،‬دبدينة اإلسكندريّة‪ ،‬حيث التحق دبدرستها الفلسفيّة‪ ،‬وىو‬ ‫ّ‬ ‫فيلسوف‬
‫ديِب ُب عصره‪ ،‬حاول أن يوفق بْب الفلسفة اليونانيّة ونصوص الكتاب اؼبق ّدس‪ ،‬فكان ينطلق من اغبدث‬ ‫أشهر فيلسوف ّ‬
‫ُ‬
‫الفلسفي الذي وبملو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الديِب ليتحرك كبو اؼبفهوم‬
‫ّ‬
‫تأسست الرمزية ُب اليهودية اإلسكندرانية على وجهها األكمل على يد فيلون ‪ Philo‬الذي وضع ؽبا ً‬
‫نظاما‬ ‫ّ‬
‫‪15‬‬

‫لتضييق الفجوة بْب إعبلن العهد القدصل والفلسفة األفبلطونية‪ ،‬إذ ضبل إذل اليهود الفكر اؽبيليِب ُب شرح العهد القدصل‬
‫مستخدما الرمزية‪ .‬ويقارن فيلون اؼبعُب اغبرُب للكتاب بالظل‪ ،‬باحثًا عن اغبقيقة األصلية العميقة ُب‬
‫ً‬ ‫لكسب اؼبثقفْب‪،‬‬
‫اؼبعُب الروحي الذي يرمز إليو ‪ .‬وىو ُب ىذا ال يقلل من شأن اؼبعُب اغبرُب أو يتجاىل اؼبغزى التارىبي‪ ،‬لكنو ينظر إليو‬
‫‪16‬‬

‫كجسم اإلنسان الذي وبظى بكل احَبام ‪ ،‬وإن كانت النفس أشبن منو‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫‪15‬‬
‫‪Philo (c. 20 BC.- c. AD. 50), the Jewish thinker and exegete in whom that literature flourished also lived in Alexandria. He‬‬
‫‪belonged to a prosperous priestly family of Alexandria, and was firmly convinced that the teaching of the Old Testament could be‬‬
‫‪combined with Greek speculation. His philosophy of religion embodies such a synthesis.( Esmat Gabriel: St. Clement of Alexandria,‬‬
‫)‪Coptic Church Review, Spring 1980, v.1, No. 1, p. 22.‬‬
‫‪16‬‬
‫‪De confus. ling. 190.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪De. migrat. Abrah. 89-93; J.N.D. Kelly: Early Christian Doctrines, 1978, p. 9.‬‬

‫‪17‬‬
‫القرن الثاوي‪ ،‬الفه املسيحي واآلباء الرسىليىن واملدافعىن واخللفيات الثقافية‬

‫تأثر بو ودبنهجيتو ُب التوفيق بْب الدين والفلسفة صبيع آباء الكنيسة‪.‬‬

‫‪Ammonius Saccas‬‬ ‫أمونيوس ساكاس‬


‫مسيحي‬
‫ّ‬ ‫أحد أشهر ُمدرسي مدرسة اإلسكندريّة الفلسفيّة‪ ،‬خلط اؼبط اوب جّبوم ُب كتابو مشاىّب الرجال بينو وبْب‬
‫وبقي على مسيحيّتو‪ ،‬اإال إ ّن أغلب الدراسات اغبديثة ترفض كونو مسيحيًّا‪ ،‬فقد‬
‫يُدعى أمونيوس‪ ،‬فاعتقد أنّو مسيحيًّا ا‬
‫كان يوناشلّ الدين والثقافة‪.‬‬
‫كل تبلمذتو‪ ،‬فقد تتلمذ على يديو أفلوطْب‬
‫وقد دمج اؼبفاىيم الفلسفيّة بالصبغة الصوفيّة الدينيّة‪ ،‬وىو ما ظهر عند ّ‬
‫وأورهبانوس‪.‬‬

‫‪Plotinus‬‬ ‫أفلوطين‬
‫ولد أفلوطْب بليكوبوليس بأسيوط بصعيد مصر‪ ،‬وذىب إذل اإلسكندريّة ليتتلمذ على يد أمونيوس ساكاس‪ٍ ،‬بّ ذىب‬
‫إذل روما حيث أنشأ مدرستو الفلسفيّة ُىناك‪.‬‬
‫أسس الفلسفة األفبلطونيّة اغبديثة‪ ،‬وىي فلسفة سبزج بْب األرسطية والرواقيّة واألفبلطونيّة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وُب فلسفتو ُىناك ثبلثة مباديء انبثقت منها اغبياة‪ ،‬ىم الواحد أو اهلل والعقل أو صور األشياء اؼبوجودة‪ ،‬والنفس وىي‬
‫اؼبادي‪.‬‬
‫ما يتم بو ربقق الصور ُب العادل ّ‬
‫البشري لنرى اهلل‬
‫ّ‬ ‫ويتحدث عن االنتقال من النفس إذل العقل عن طريق التأمل‪ٍ ،‬بّ بكثرة التأمل ينخطف العقل‬
‫الواحد‪.‬‬
‫كل ما ُب العادل بالقوة‪ ،‬فهو ُمشتت مثل الرياح‪،‬‬
‫واإلنسان عند أفلوطْب عادل صغّب ‪ ،Microcosmos‬وبوي ُب داخلو ّ‬
‫وحادل كالطبيعة‪ ،‬وحياتو ُيبكن أن تنجرف كبو اؼبادة أو الطبيعة أو تسمو فوق السماوات باؼبعرفة والتأمل‪.‬‬
‫ومن فكرتو عن الثالوث‪ ،‬واإلنسان‪ ،‬والصوفيّة أي البطاف العقل وااللتصاق بالواحد أخذت عنو اؼبسيحيّة الكثّب من‬
‫لتؤسس عليو تعليمها‪.‬‬
‫الشروحات ّ‬
‫الشرقي‪ ،‬وال سيّما السكندريون‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اآلبائي‬
‫ّ‬ ‫وكان ؼبدرستو أثر كبّب على الفكر‬

‫‪18‬‬
‫اإلطار العام للمسيحية في القرن الثاني‬
‫ثي اؼبستلم من الرسل‪ ،‬سواء فبا كتبوه وتركوه لنا ُب العهد اعبديد‪ ،‬أو فبا سلاموه‬‫بعد أن عاشت الكنيسة اإليبان الثالو‬
‫ّ ُ‬
‫شفاىة‪ ،‬وعاش ُب خربة الكنيسة كجماعة ليتورجيّة ُمتعبدة‪ ،‬وبعد رحيل آخر الرسل (القديس يوحنا البلىوٌبّ)‪ٍ ،‬بُا مرحلة‬
‫وهبردىا‬
‫اؼبسيحي‪ ،‬الذي كان ىبالفهم الرأي‪ ،‬ويتصدى ؼبعتقداهتم‪ ،‬ويفضحها‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫االصطدام باليهود والرومانيّون‪ ،‬مع اإليبان‬
‫من معانيها‪.‬‬
‫كان صوت اؼبسيحيّْب ىذا‪ ،‬إنطبلقًا من األمانة الٍب أودعها اؼبسيح ُب الكنيسة‪ ،‬إذ اعلن ؽبا عن إلو يسكن فيها‪،‬‬
‫وىي بدورىا ربيا كارزة لو‪ ،‬بالعمل وبالكلمة‪ ،‬وما ال ُيبكن أن تقبلو على نفسها‪ ،‬ىو أن تطمر ىذه الوزنة مثل العبد‬ ‫َ‬
‫اعببان‪ ،‬الذي انتظر الساعة األخّبة ليُعيدىا إذل سيده (متٕ٘‪ ،)ٖٔ -ٔٗ :‬بل أن تستثمرىا‪ ،‬وربميها‪ ،‬وتصوهنا‪،‬‬
‫شبعا لكل ما يُثار من أفكار حول اإليبان‪.‬‬
‫وتُدافع عنها عند اغباجة‪ ،‬وتسرب الغُب اؼبوجود فيها‪ ،‬لتستمد منو غذاء ُم ً‬
‫بشر بتعاليمو‪ ،‬وتَد ِرس‬
‫انطبلقًا من ىذه الرسالة‪ ،‬الٍب سلّمها يسوع اؼبسيح للكنيسة‪ ،‬وائتمنها عليها‪ ،‬راحت الكنيسة تُ ّ‬
‫‪18‬‬
‫ُب الوقت عينو‪ ،‬صفات اؼبعلم‪ ،‬لَبد على تساؤالت شخصيّة‪ ،‬وعلى استفهامات اؼبرتدين اعبُ ّدد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كانت األجوبة ُب البدء تعتمد ُكلّيًّا على الكتب اؼبق ّدسة‪ ،‬إذ كانت اغبرب مع اليهود‪ ،‬ويكفي إثبات مسيّانيّة يسوع‬
‫ُ‬
‫الكتايب‪ ،‬فأصبح التقليد ىو اؼبقياس‬
‫ّ‬ ‫للنص‬ ‫تلفة‬ ‫ـب‬
‫ُ‬ ‫ات‬
‫ّب‬‫تفس‬ ‫من‬ ‫اعبماعة‬ ‫حٌب ال تتشتّت‬
‫تطور الوضع‪ّ ،‬‬
‫حٌب يؤمنون‪ٍ .‬ب‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الذي يُبُب عليو تفسّب العهدين‪ ،‬والتّعليم البلىوٌبّ على السواء‪ .‬بعد قليل‪ ،‬واجو اؼبسيحيّون الوثنيّْب‪ ،‬فكان البد من‬
‫كل‬
‫النظري‪ ،‬وعلوم اللغة‪ .‬إذا أضفنا إذل ّ‬
‫ّ‬ ‫وىي الفلسفة والبحث‬
‫التعامل معهم من نفس األرضيّة الٍب يتحركون منها للنقد‪َ ،‬‬
‫علمي الكنيسة األولْب كبو‬
‫كل ذلك العوامل الٍب دفعت ُم ّ‬
‫ما سبق اؽبرطقات الٍب نشأت ُب بوادر اؼبسيحيّة‪ ،‬فإنّنا قبد من ّ‬
‫األصلي الذي وضعو الرسل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يتغّب أساسو‬
‫وتطور عرب القرون واللغات‪ ،‬ودل ّ‬
‫اؼبسيحي‪ ،‬الذي مبا ّ‬
‫ّ‬ ‫تأسيس علم البلىوت‬
‫وكبتتو الكنيسة على مدى العصور‪.‬‬
‫عند قراءتنا للنصوص البلىوتيّة عند آباء ما قبل القديس إيرينيئوس –وال سياما حقبة اآلباء الرسوليّون واؼبدافعون‪-‬‬
‫ُ‬
‫جل اىتمامهم ُمنصبًا على الشأن‬ ‫نظامي‪ ،‬بل كان ا‬
‫ّ‬ ‫هبب أن نضع ُب أذىاننا أن ىؤالء اآلباء دل يفكروا بوضع الىوت‬
‫عملي أمام التحديّات الٍب‬
‫ّ‬ ‫لموه من تعاليم الرسل‪ ،‬وكيفية تطبيق ىذه التعاليم بشكل‬ ‫تس ّ‬
‫الرعوي‪ ،‬أي التمسك دبا َ‬
‫ّ‬
‫تواجهها الكنيسة ُب ذلك العصر‪.‬‬
‫كما أ ّن آباء حقبة ما قبل نيقية‪ ،‬عاشوا ورحلوا قبل بدء اَّامع اؼبسكونيّة ومشكلة ربديد الصيغ اإليبانيّة‪ ،‬تلك اَّامع‬
‫اغبارل‪ ،‬مثل‪ :‬ثبلثة أقانيم وجوىر واحد‪،‬‬
‫حٌب عصرنا ّ‬ ‫الٍب كبتّت الصيغ البلىوتيّة‪ ،‬تلك اؼبُستخدمة ُب الشرح البلىوٌبّ ّ‬
‫مفهوم األقنوم‪ ،‬مفهوم الطبيعة‪ ،‬مفهوم اعبوىر‪ ...‬وغّبىا‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬فإ ّن ىؤالء اآلباء قد كبتوا ألفاظهم البلىوتيّة اػباصة‪ ،‬تلك األلفاظ اؼبختلفة ‪ُ-‬ب الغالب‪ -‬عن اؼبفاىيم اللفظية‬
‫ُ‬
‫اؼبستخدمة ُب الشروحات البلىوتيّة منذ فَبة ما بعد نيقية‪ .‬ىذا األمر الذي جعلهم ُب كثّب من األحيان موضع شك‬
‫ُ‬

‫‪ ٔٛ‬اهؼر‪ :‬أهعوان ؾرب‪ ،‬مُشال أبرص (األبوان)‪ ،‬اجملمؽ املسىو ّ ي األول (ًديان‪ :‬مًشورات املىذدة اًدوًس َة‪ ،)8119 ،‬ص ‪.39 ،32‬‬

‫‪19‬‬
‫القرن الثاوي‪ ،‬الفه املسيحي واآلباء الرسىليىن واملدافعىن واخللفيات الثقافية‬

‫وريبة من الباحثْب ُب ما إذا كانوا يعتقدون ِ‬


‫االعتقاد السليم ُب اإليبان‪ ،‬أم كان لديهم خلط بْب األقانيم‪ ،‬أو أ ّهنم اعتقدوا‬
‫‪19‬‬
‫ُب التبعية‪.‬‬
‫كبّبا ُب أسلوب التفسّب وُب استخدام‬ ‫تأثّبا ً‬
‫أيضا اؽبرطقات واؼبُشكبلت البلىوتيّة الٍب كانوا يواجهوهنا‪ ،‬كان ؽبا ً‬ ‫ً‬
‫فمثبل النص اؼبذكور ُب إقبيل ق‪ .‬يوحنا ”أيب أعظم مِب“ (يوٗٔ‪ ،)ٕٛ :‬فمع هناية القرن الثاشل وبدايات‬ ‫اؼبصطلحات‪ً .‬‬
‫ُ‬
‫ىي ؿباولة للتمييز بوضوح بْب اآلب واالبن‪ ،‬ذلك أل ّهنم كانوا‬
‫َ‬ ‫الشاىد‬ ‫ؽبذا‬ ‫أورهبانوس‬
‫و‬ ‫تليان‬
‫ر‬ ‫ت‬ ‫ات‬‫ّب‬‫تفس‬ ‫قبد‬ ‫الثالث‬ ‫القرن‬
‫نمي اعبامد‬
‫ُب مواجهة اؽبرطقة اؼبونارخيّة أو السابليّة الٍب تُش ّدد بشكل ُمفرط على وحدانيّة اهلل عبعلها أقرب للشكل الص ّ‬
‫سباما ‪ -‬كما‬
‫دائما على أن اؼبسيح ىو اهلل مثل اآلب ً‬ ‫الواحد ع ّدديًّا‪ .‬وعلى الرغم من أن ترتليان وأورهبانوس كانا يؤكدان ً‬
‫سنرى ُب الفصول القادمة ‪ -‬اإال ّإهنم رغبوا من خبلل ىذا الشاىد ُب التمييز بْب اآلب واالبن وايضاح أهنما أقنومان‬
‫اآلبائي من خبللو للتدقيق على الوحدة بْب اآلب‬ ‫ّ‬ ‫احدا‪ .‬بينما نفس ىذا النص ُب القرن الرابع أذبو التفسّب‬
‫أقنوما و ً‬
‫وليسا ً‬
‫اجهها الكنيسة ُب عصرىم ليست اؼبونارخيّة‪ ،‬بل اآلريوسيّة الٍب تُنادي بأ ّن االبن إلو‬ ‫واالبن‪ ،‬وذلك أل ّن اؼبُشكلة الٍب تو ّ‬
‫أقل من اآلب‪ ،‬أو دبعُب آخر فهي تُنادي بإؽبْب‪ 20.‬وؽبذا فاػبلفيات الثقافيّة والبلىوتيّة ُمهمة للغاية ؼبعرفة ما كان مقصد‬
‫كل أب من اآلباء بتدقيق‪.‬‬
‫ّ‬
‫يُعترب القرنْب الثاشل والثالث‪ ،‬مرحلة حاظبة ُب تاريخ الكنيسة‪ ،‬فلم تعد اؼبسيحيّة ؿبصورة ُب ؾبموعات صغّبة‪ ،‬تنتمي‬
‫اسعا من‬
‫انتشارا و ً‬
‫ً‬ ‫ومنتشرة ُجغرافيًا‬
‫اجتماعيًّا إذل األقليات‪ .‬بل‪ ،‬أصبحت ُمتأصلة تأص ًبل متينًا ُب طبقات اَّتمع كلها‪ُ ،‬‬
‫اؼبحيط األطلسي إذل ببلد فارس‪.‬‬
‫ُ‬
‫مرت بأحداث ىدوء وسبلم طويلة‪ ،‬وقد‬ ‫ّ‬ ‫بل‬ ‫ستمر‪،‬‬ ‫اؼب‬ ‫لبلضطهاد‬ ‫ة‬‫ّ‬‫اؼبسيحي‬ ‫تتعرض‬ ‫دل‬ ‫ا‪،‬‬‫غالب‬
‫ّ ً‬ ‫ره‬‫نتصو‬ ‫فبا‬ ‫العكس‬ ‫على‬
‫ُ‬
‫الداخلي‪ ،‬على السواء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كان ىذا خّب سبيل كبو انتشار الرسالة‪ ،‬ومبو الكنيسة‬
‫التطور الذي شهده‬
‫يقي‪ ،‬وأن ىذا ّ‬
‫وكما رأينا ُب الفصول السابقة‪ ،‬فإ ّن ُؿباربة البدع قد ّأدت إذل وضع علم الىوت ح ّق ّ‬
‫كلسس“ (‪ٔٛٓ -ٔٚٚ‬م) إذل ُمهاصبة‬ ‫شأوا أوقع الفبلسفة اليونانيّْب ُب القلق‪ .‬وىذا ما دفع ” ّ‬
‫اؼبسيحي‪ ،‬قد بلغ ً‬
‫ّ‬ ‫الفكر‬
‫اؼبسيحيّة واليهوديّة كمنشأ ؽبا‪ ،‬وتصدى لو العظيم أورهبانوس‪.‬‬
‫وتطور‬
‫أسس متينة‪ ،‬وبدأ ظهور إكلّبوس تراتييب حول األسقف‪ّ ،‬‬ ‫على صعيد آخر‪ ،‬اجتهدت الكنيسة ُب وضع ّ‬
‫ليتورجي‪ ،‬وقانوشلّ وتنظيمي إن صح قولنا‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد انعق ّدت الكثّب من اَّامع احمللية‪ ،‬الٍب ذبمع بْب كنائس تنتمي إذل بُقعة ُجغرافية ؿبدودة‪ .‬فزادت من أواصل‬
‫حٌب إن القديس كربيانوس‪ ،‬قد صبع حولو واحد وسبعْب أسق ًفا ُب مدينة قرطاجنة عام ‪ٕ٘ٙ‬م‪،‬‬ ‫الوحدة بْب اؼبسيحيّْب‪ّ .‬‬
‫وىو أوذل اَّامع احمللية اؽبامة‪.‬‬

‫‪ٜٔ‬‬
‫‪ُ :Subordination‬رظلة‪ ،‬غاً ًدا ما ثًُسب إىل بـظ آابء ما كبي هَلِة هَوس خٌُوس وحرثََان وأزٌُاغوراس وأورجياهوس‪َ ،‬‬
‫ويه يف اجملمي ثـين ّأن الابن واًروح اًلدس أكي من اآلب‬
‫واتبـن هل‪.‬‬
‫ٕٓ‬
‫مؤسسة اًلدٌس أهعوهَوس‪ 89 ،)6988 ،‬وما بـدُا‪.‬‬ ‫ٌَمزًد اهؼر‪ :‬حورج ؾوض‪ ،‬اآلابء واًىذاب ا ُمللدّ س (اًلاُرة‪ّ :‬‬
‫‪21‬‬
‫القرن الثاوي‪ ،‬الفه املسيحي واآلباء الرسىليىن واملدافعىن واخللفيات الثقافية‬

‫طويبل‪ ،‬إذ بعد وقت ليس ببعيد‪ ،‬سيثّب الشيطان دقلديانوس ليُذيق اؼبسيحيّْب أشد أنواع‬
‫لكن دل سبتد ىذه الفَبة ً‬
‫ّ‬
‫‪21‬‬
‫االضطهادات وأعنفها على مدى التاريخ‪ ،‬ذاك الذي سوف يستمر كبو شباشل سنوات (ٖٖٓ‪ٖٔٔ :‬م)‪.‬‬

‫ٕٔ اهؼر‪ :‬أهعوان اًغزال‪ ،‬ضدحي محوي (األبوان)‪ ،‬اترخي اًىٌُسة ا ُملفطي (بريوت‪ :‬دار املرشق‪ ،)6996 ،‬ص ‪.92 ،98‬‬

‫‪21‬‬
‫الفن المسيحي في القرن الثاني‬
‫الفن وجد قيامتو ُب اؼبسيح‪ ،‬فصار أيقونة‪.‬‬
‫بول إفدوكيموف‪.‬‬
‫ىي أعضاء جسد‬‫كل أدوات العبادة‪ ،‬ليست ُؾبّرد ؾبموعة ُمصط ّفة ُب انتظام‪ ،‬كما وبدث ؼبعروضات اؼبتاحف‪ .‬بل‪َ ،‬‬
‫كل أساسات اغبياة‬
‫واحد‪ ،‬هتدف إذل استعبلن فرح الكنيسة باػببلص‪ ،‬وكرازهتا ُّذا الفرح‪ُ ،‬ب صبال ُمق ّدس ُمتكامل مع ّ‬
‫اؼبسيحيّة األُخرى‪.‬‬
‫والتعبّب بالفن‪ ،‬وال سيّما األيقونة اؼبرسومة‪ ،‬ىو ترابط بْب اغبس واغبضرة‪ ،‬بْب الشعور الذي يتدفق ُب خلجات النفس‬
‫ليأسر‬
‫ئي لكل تدبّب اػببلص‪ .‬فالفن اؼبُق ّدس يتعدى حدود االنفعاالت ّ‬ ‫الفعال اؼبر ّ‬
‫من االنبهار باعبمال‪ ،‬وبْب اغبضور ّ‬
‫عيِب اعبسد‪ُ ،‬منطل ًقا كبو‬
‫اؼبادي الذي ال ترى غّبه ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلنسان عن طريق اإليقنوغرافيا‪ ،‬ليتجاىل اإلنسان عن طريقها الواقع‬
‫شعبل النار اؼبق ّدسة القابعة بداخلو‪ ،‬فيجعلو ينبض باغبياة‪.‬‬
‫ظباوي‪ُ ،‬م ً‬
‫ّ‬ ‫الرؤية اغب ّقيقيّة لكونو كائن‬
‫ُ‬
‫وؿباطة باعبمال اؼبق ّدس‪ ،‬سواء ُب أغباهنا العذبة‬
‫ىذا ما ُيبيز الكنيسة األرثوذكسيّة على وجو اػبصوص‪ّ ،‬أهنا ُمزينة ُ‬
‫ُ‬
‫الشجيّة اؼبتجهة صوب اإللو‪ ،‬أو من خبلل الرسومات األيقوينيّة الٍب‬
‫ُ‬
‫كل جانب‪ُ ،‬ب مشهد ال يُوجد لفظ يُعرب عنو‪ ،‬غّب أنّو‬ ‫ّ‬ ‫من‬ ‫ُربيط ُّا‬
‫”وببس األنفاس“‪.‬‬
‫طور اؼبسيحيّون األوائل الفن‪ ،‬حبيث دل يعد ينقل ما للعادل اؼبنظور‬
‫ّ‬
‫أيضا‪ ،‬فأضفوا عليو اؼببلمح الروحيّة واإليبانيّة‬
‫فقط‪ ،‬بل وغّب اؼبنظور ً‬
‫الٍب سبيّز معتقدىم اعبديد‪ .‬فأي فن دوره أن يعكس واقع اغبياة‬
‫وتطلعاهتا‪ ،‬ومن ٍبُا يسمو كبو رؤية جديدة‪ ،‬وىكذا كان الفن‬
‫اؼبسيحي ُب بذوره األوذل‪ ،‬إذ عكس إيبان الكنيسة الناشئة‪ ،‬ومبلمح‬
‫ّ‬
‫حياهتا‪.‬‬
‫اؼبسيحي‪ ،‬إذل ثبلث‪:‬‬
‫ّ‬ ‫مر عليها الفن‬
‫وُيبكن تقسيم اؼبراحل الٍب ّ‬
‫السريّة‪.‬‬
‫ٔ‪ -‬مرحلة الدعوة ّ‬
‫ٕ‪ -‬مرحلة االدعوة الصروبة بعد قسطنطْب اؼبلك‪.‬‬
‫اؼبسيحي بعد القرن السادس‪ ،‬والذي انقسم إذل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ٖ‪ -‬الفن‬
‫ذلك‪22.‬‬
‫وبيظنطي‪ ..‬وغّب‬ ‫قبطي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اؼبسيحي‪ ،‬والٍب سنتناول دراستها‪ ،‬مع الَبكيز على ”رمز‬
‫ّ‬ ‫ما يُهمنا باألكثر ىو اؼبرحلة األوذل من مراحل الفن‬
‫صور بالفن ُب الكنيسة األوذل‪.‬‬
‫السمكة“ كشرح الىوٌبّ ُم ّ‬

‫ٕٕ ؾفِف اٍهبًيس (دنخور)‪ ،‬اًفٌون اًلدمية‪ ،‬املُجدل األول (ًديان‪ :‬دار اًرااد‪ ،)8116 ،‬ص ‪.618‬‬

‫‪22‬‬
‫القرن الثاوي‪ ،‬الفه املسيحي واآلباء الرسىليىن واملدافعىن واخللفيات الثقافية‬

‫اؼبسيحي ُب ىذه اغبقبة األوذل ينزع إذل الروحانيّة والتجريد‪ ،‬ففي ىذا العصر تظهر الرغبة ُب تصوير اعبانب‬
‫ّ‬ ‫كان الفن‬
‫اغبسي‪ .‬حيث كان اغبضور الروحاشلّ ىو ما يُلهب مشاعر الفنان ُب ىذه السنوات البكر‪ ،‬وىذا دفعو إذل‬ ‫ّ‬ ‫الروحي‪ ،‬ال‬
‫ّ‬
‫التمثيلي‬
‫ّ‬ ‫اؼبلحمي‬
‫ّ‬ ‫سباما دبذىب اػببلص‪ .‬فقد كان أشبّو باألسلوب‬ ‫كل تفاصيل اإليبان إذل لغة رمزيّة‪ُ ،‬متعلٍّقة ً‬
‫ترصبة ّ‬
‫‪.Illustrative‬‬
‫صنّاع ىواة‪ ،‬أو نقاشْب بُسطاء‪،‬‬
‫يتجلى ىذا‪ ،‬بوجو خاص‪ُ ،‬ب صور السراديب‪ ،‬فقد كانت كلّها تقريبًا من عمل ُ‬
‫الشعيب السائد‪ ،‬والذي تعلّموه‪ُ ،‬ب أبسط الصور التعبّبيّة‪ .‬وقد استخدم ُب ذلك أبسط‬ ‫ّ‬ ‫يعربون عن اإليبان‬‫حيث كانوا ّ‬
‫الرموز التصويريّة الٍب كانت من بواقي العصر الروماشلّ اؼبتأخر‪ ،‬كما يستخدم اؼبرء لغة‪ ،‬فقد كانت أداتو ُب التعبّب عن‬
‫‪23‬‬ ‫ُ‬
‫الكنسي‪ ،‬ووسيلة لتّعليم البسطاء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إيبانو‪ .‬فقد كان الفن‪ُ ،‬رّدبا دون قصد منهم‪ ،‬أداة للتّعليم‬
‫كان الفن ُب بداية اؼبسيحيّة ُؾبّرد إشارات تستهدف التّعليم‪ُ ،‬معلنة اػببلص باقتفاء آثاره‪ .‬وُيبكن تقسيم ىذه‬
‫اإلشارات إذل ثبلثة أقسام‪:‬‬
‫كل ما يتعلق باؼباء‪ ،‬كفلك نوح وحوت يونان واألظباك‪.‬‬ ‫ٔ‪ّ -‬‬
‫كل ما يتعلق باػببز واػبمر‪ ،‬كسنابل اغبقل‪ ،‬والكرمة‪.‬‬
‫ٕ‪ّ -‬‬
‫كل ما يتعلق باػببلص ومن حصلوا عليو‪ ،‬كالفتية الثبلثة ُب‬ ‫ٖ‪ّ -‬‬
‫آتون النار‪ ،‬ودانيال ُب ُجب األسود‪ ،‬ولعازر اؼبقام من القرب‬
‫ُ‬
‫اغبجري‪.‬‬
‫ّ‬
‫دل يكن الفن ُب ذلك الوقت ُؾبّرد ىواية‪ ،‬أو ُمتعة فقط‪ ،‬بل كان‬
‫وسيلة ُب تّعلّيم اؼبوعوظْب وتبشّب الوثنيّْب‪.‬‬
‫فعالة أمام العادل‪ ،‬لشرح ما ال ُيبكن شرحو بوسيلة بسيطة وسريعة تثبت‬
‫وقد كانت الرمزيّة ضروريّة جدًّا‪ ،‬فهي وسيلة ّ‬
‫‪24‬‬
‫ُب الذىن‪ ،‬كما يقول القديس باسليوس‪” :‬ما تنقلو الكلمات إذل األذن‪ ،‬يُظهره الرسم بصمت من خبلل األيقونة“‪.‬‬
‫فقد دأبت اعبماعات اؼبسيحيّة ُب القرون األوذل على استعمال الرموز للتعبّب عن إيباهنا خفية‪ ،‬بسبب االضطهاد‬
‫اسعا بْب مؤمِب البحر األبيض‬
‫انتشارا و ً‬
‫ً‬ ‫أىم تلك الرموز وأقدمها ىو رمز السمكة‪ ،‬الذي انتشر‬‫الذي تعرضت لو‪ .‬وكان ّ‬
‫‪25‬‬
‫السكندري يكتب‪” :‬ليكن خاسبنا على شكل ظبكة‬
‫ّ‬ ‫إكليمندس‬ ‫ق‪.‬‬ ‫قبد‬ ‫إننا‬ ‫حٌب‬
‫ّ‬ ‫اؼبتوسط طوال القرون األربعة األوذل‪.‬‬
‫حٌب نتذكر بطرس الرسول صياد السمك‪ ،‬واألطفال الذين انتشلوا ُب‬ ‫أو ضبامة أو سفينة ُمنطلقة كبو الريح‪ّ ،‬‬
‫‪26‬‬
‫اؼبعموديّة“‪.‬‬

‫ٖٕ أرهودل ُاوزر‪ ،‬اًفن واجمل متؽ ؿار اًخارخي‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬حرمجة د‪ /‬فؤاد زهرًي (اًلاُرة‪ :‬مىذدة األرسة‪ ،)6988 ،‬ص ‪.896 -828‬‬
‫‪24‬‬
‫‪P.G. 31, col. 509A.‬‬
‫ٕ٘ سايم ح ّبلق (األب)‪ ،‬رمز اًسمىة ؾيد املس َحَّن (بريوت‪ :‬دار املرشق‪ ،)6986 ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪26‬‬
‫‪Paedagogus, 3: 2.‬‬

‫‪23‬‬
‫القرن الثاوي‪ ،‬الفه املسيحي واآلباء الرسىليىن واملدافعىن واخللفيات الثقافية‬

‫أوال ُب اإلسكندريّة‪.‬‬
‫وىذه اإلشارة العفويّة للرمز من كليمندس‪ ،‬دون اغباجة إذل شرح الرمز‪ ،‬تؤيد ظهور ىذا الرسم ً‬
‫لكن‪ ،‬ما ىو اؼبعُب البلىوٌبّ لرمز السمكة ىذا؟‬
‫ّ‬
‫وىي „‪ -ἰχθύς‬إكثوس‟ من اغبروف األوذل‬ ‫ُهبيبنا عن ىذا السؤال‪ ،‬ق‪ .‬أغسطينوس‪ ،‬ويقول‪” :‬إ ّن رمز السمكة‪َ ،‬‬
‫سريًّا‬
‫للكلمات اػبمس „‪ ‟Ιησους Χριστος Θεου Υιος Σφτηρ‬والٍب تعِب ‟يسوع اؼبسيح ابن اهلل ُـبلّص„‪ ،‬ففيها يُشار ّ‬
‫‪27‬‬
‫إذل اسم اؼبسيح“‪.‬‬
‫حٌب اليوم ُب‬‫فمعروف عن اؼبسيحيّْب ّأهنم يستخدمون التعبّبات اؼبُختصرة لئلشارة إذل إيباهنم‪ ،‬وىذا موجود ّ‬
‫وىي اغبروف األوذل‬‫فمثبل ُب أيقونة اؼبسيح ضابط الكل‪ ،‬قبد فوق رأس اؼبسيح اغبروف‪َ ،“Ις. Χς” :‬‬ ‫األيقونات‪ً ،‬‬
‫واألخّبة من الكلمة‪ -Ιησους Χριστος” :‬يسوع اؼبسيح“‪.‬‬
‫السبب ُب عبوء الكنيسة إذل استخدام الرموز والتورية ُب التعبّب عن إيباهنا‪ ،‬راجع إذل ّأهنا قد عانت أشد اؼبعاناة‪،‬‬
‫ُ‬
‫وعُذبت أشد التعذيب‪ُ ،‬ب سنوات كرازهتا األوذل والٍب امتدت إذل‬
‫ما يقرب من قرنْب من الزمان‪ .‬فقد كانت الكنيسة ُمضطرة الزباذ‬
‫ىذا اؼبنحى خوفًا من بطش ونقد الوثنيّْب‪ ،‬ومن جو أُخرى فقد‬
‫عانت بسببو أشد اؼبعاناة‪ .‬فقد ا ُهتِ ّم اؼبسيحيّْب ّ‬
‫بأهنم يذحبون‬
‫ُ‬
‫أيضا‬
‫ً‬ ‫الكثّب‬ ‫ذلك‬ ‫وغّب‬ ‫اجتماعاهتم‪،‬‬ ‫ُب‬ ‫الدماء‬ ‫األطفال ويشربون‬
‫اضحا جليًّا ُب الدفاعات األوذل عن‬‫قد قيل عنهم‪ .‬وىذا ما قبده و ً‬
‫‪28‬‬
‫اؼبسيحيّة ٍ‬
‫لكل من‪ :‬يوستينوس‪ ،‬وأثيناغوراس‪ ،‬وترتليان‪.‬‬
‫أبرز األمثلة عن ازباذ الكنيسة األوذل ؼبنهجية التعاليم اػبفية‬
‫والرمزيّة عن اإليبان‪ ،‬يوجد ُب واحد من أشهر النقوش القديبة‪ ،‬على‬
‫مسيحي يُدعى أبّبكيوس‪ ،‬يعود ؼبا قبل العام ‪ٕٔٙ‬م‪.‬‬‫ّ‬ ‫قرب شخص‬
‫وىو عبارة عن ٕٔ بيتًا من الشعر‪ ،‬جاء فيو‪:‬‬
‫”باالسم أنا أبّبكيوس‪ ،‬تلميذ للراعي الصاحل!‪ ...‬لقد علامِب التقوى بكتاباتو!‪ ...‬أرسلِب إذل روما ألطالع على‬
‫كل النواحي‪ ،‬ورأيت الشعب الذي عليو اػبتم العظيم‪،‬‬
‫اؼبملكة وأرى اؼبلكة بلباسها اؼبوشاى بالذىب‪ ...‬ذىبت ُب ّ‬
‫طعام »ظبكة« من الينبوع‪ ،‬عظيمة‪ ،‬وطاىرة‪ ،‬كانت‬
‫ووضع أمامي ٌ‬ ‫وكان بولس معي رفي ًقا يقودشل باإليبان أينما سرت‪ُ ،‬‬
‫قد اصطادهتا عذراء ببل دنس وأعطتها لؤلصدقاء ليأكلوا منها على الدوام!! مع طبر حلو‪ ،‬وكأس فبزوج‪ ،‬مع خبز‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪De. Civit. Dei XVIII.‬‬
‫يف نخابَ ؾن املـمودًّة‪ً ،‬لول اًـ ّبلمة حرثََان‪” :‬أ ّما حنن اًسمم اًطغري‪ ،‬فٌخّدؽ مثي مسىذيا املس َح‪ ،‬وهودل من املاء“ (ؾن املـمودًّة‪.)8 ،‬‬
‫‪ ٕٛ‬اهؼر‪ً :‬وس خٌُوس‪ ،‬ادلفاع‪9 ،2 :8 ،‬؛ حرثََان‪ ،‬ادلفاع‪.9 ،‬‬

‫‪24‬‬
‫القرن الثاوي‪ ،‬الفه املسيحي واآلباء الرسىليىن واملدافعىن واخللفيات الثقافية‬

‫ألكمل اثنْب وسبعْب سنة‪.‬‬


‫اغبق أنا ُب طريقي ٍّ‬ ‫أنا أبّبكيوس الواقف اآلن أمرت أن تُنقش ىذه الكلمات‪ ،‬وُب ّ‬
‫‪29‬‬
‫فمن يفهم ىذا ويؤمن بالذي كتبت‪ ،‬عليو أن يصلٍّي من أجل أبّبكيوس!!“‬
‫َ‬
‫و ّأول ما قبد رمز السمكة ”‪ -ἰχθύς‬إكثوس“ قبدىا على قرب فتاة تُدعى ليفيا برميتيفا ‪ Livia Primitiva‬ويعود تارىبو‬
‫على بداية القرن الثاشل اؼبيبلدي‪.‬‬
‫منقوشا على قرب شخص يُدعى سبتيمس سافّبنس ‪ Septimus severinus‬حيث وبمل النقش صورة ظبكتْب‬ ‫ً‬ ‫ٍب قبده‬
‫أيضا ُب مواضع أُخرى كثّبة‪.‬‬
‫بينهما مرساة‪ .‬ويعود تارىبو إذل هناية القرن الثاشل اؼبيبلدي‪ .‬وقبده ً‬
‫كل‪ ،‬فإ ّن رمز السمكة ”‪ -ἰχθύς‬إكثوس“ ىو دليل واضح على إيبان اعبماعة اؼبسيحيّة األوذل باؼبسيح كابن‬ ‫على ٍ‬
‫هلل اآلب‪ ،‬والذي ذبسد ػببلص البشريّة‪ .‬ىذا األمر الذي يعِب بالتبعية اإليبان باآلب كأب للوغوس الذي ولده‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫‪J. Quasten, I, p. 172.‬‬

‫‪25‬‬
‫اآلباء الرسوليّون‬
‫ىذا االسم ”اآلباء الرسوليّون“ يُطلق على ؾبموعة من ال ُكتااب والكتابات الٍب تلت أخر أسفار العهد اعبديد‪ ،‬أي‬
‫ىي أقدم كتابات وصلت إلينا بعد نصوص العهد اعبديد‪ 30.‬ىذه النصوص بالرغم من كوهنا كتابات غّب قانونيّة‪ ،‬اإال إ ّهنا‬
‫َ‬
‫‪31‬‬
‫للمهتمْب بدراسة اؼبسيحيّة اؼببكرة‪.‬‬
‫كنزا شبينًا ُ‬
‫تُعترب ً‬
‫ُ‬
‫األنطاكي‪ ،‬بوليكاربوس أسقف ظبّبنا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اآلباء الرسوليّون ُىم سبعة ُكتااب كنسيّْب‪( :‬كليمندس الروماشلّ‪ ،‬أغناطيوس‬
‫ىرماس‪ ،‬بابياس‪ ،‬ديوجينوس‪ ،‬ورسالة برنابا)‪ .‬رسالة الراعي ؽبرماس ورسالة برنابا ينتميان من حيث الشكل واؼبوضوع إذل‬
‫وىي أقرب لكتابات اآلباء اؼبدافعْب‪( ،‬يوستينوس‪،‬‬
‫الرؤيوي‪ ،‬بينما رسالة ديوجينتوس يغلب عليها الطابع الدفاعي َ‬
‫ّ‬ ‫األدب‬
‫ُ‬
‫وأثيناغوراس‪ ،‬أرستيدس األثيِب‪ ،‬تاتيان السوري‪ ...‬وغّبىم)‪ .‬بينما قبد رسائل ”كليمندس وأغناطيوس وبوليكاربوس“‬
‫كتايب‬
‫مؤخرا ّ‬‫أقرب ما يكون للرسائل الرعوية الرسوليّة ُب العهد اعبديد من حيث األسلوب‪ .‬وقد أُضيف إذل ىذه البلئحة ً‬
‫الديداخي‪ ،‬وتسابيح ُسليمان‪.‬‬
‫اىتمامها بأحوال الكنيسة وشئوهنا الداخليّة‪ ،‬والتأكيد على الوحدة ربت‬ ‫من السمات الغالبة على ىذه الكتابات ىو ّ‬
‫ِظ ّل اإلفخارستيّا الٍب يقودىا إمام (األسقف) ذاك الذي ىو دبثابة الرأس للرعيّة وهبب أن يتحدوا معو‪ .‬وقد كانت ؽبذه‬
‫حٌب أ ّن ـبطوطات الكتاب اؼبق ّدس كانت تُلحق ُّا ىذه الكتابات‪ُ ،‬رّدبا‬ ‫كبّبا ُب الكنيسة األوذل‪ّ ،‬‬
‫تقديرا ً‬
‫الكتابات ً‬
‫ُ‬
‫لقراءهتا ُب اػبدمات الليتورجيّة‪ .‬فتتسم كتابات اآلباء الرسوليّْب بسمات الرعاية‪ّ ،‬أما من جهة أسلوُّا وؿبتوياهتا فإ ّهنا‬
‫تشبو كث ًّبا كتابات العهد اعبديد وخاصة رسائل الرسل‪ .‬لذلك‪ُ ،‬يبكن اعتبارىا نقطة الوصل بْب زمن الرؤيا وزمن التقليد‪،‬‬
‫موحدا ُب اآلراء الٍب‬
‫اؼبسيحي األ ّول‪ .‬وينتمي اؼبؤلفون إذل بقاع خاصة‪ ،‬ومع ذلك فإ ّهنم ُيبثلون عاؼبا ً‬
‫ّ‬ ‫ىاما لئليبان‬
‫وشاىدا ً‬
‫ً‬
‫ً‬
‫تعطينا صورة للعقيدة اؼبسيحيّة خبلل ىذه اغبقبة‪.‬‬
‫كل ىذه الكتابات ُب ظباىا اإلسخاتولوجيّة‪ ،‬فمجيء اؼبسيح وشيك الوقوع‪ .‬ومن الناحية األُخرى‪ ،‬مازال‬ ‫وتتشابو ّ‬
‫شخص اؼبسيح يُذكر ُب جبلل وُّاء بسبب العبلقة اؼبباشرة الٍب كانت بْب ال ُكتااب والرسل‪.‬‬
‫ُ‬
‫اؼبسيحي‪ ،‬فكتاباهتم كانت تتضمن منطوقات مألوفة‬‫ّ‬ ‫يبان‬ ‫ئل‬ ‫ل‬ ‫علمي‬
‫دل يقصد اآلباء الرسوليّْب أن يُق ّدموا أي شرح ّ‬
‫عموما تُق ّدم عقيدة واحدة عن طبيعة شخص اؼبسيح‪،‬‬ ‫لكن‪ ،‬الكتابات ً‬ ‫أكثر من كوهنا ربديدات الىوتيّة عقائديّة‪ّ .‬‬
‫فاؼبسيح بالنسبة ؽبم ىو ابن اهلل الذي ىو موجود قبل الدىور والذي ذبسد من أجل خبلصنا‪ ،‬وىو من اشَبك مع‬
‫األقنومْب األخرين وُب خلقة العادل‪.‬‬
‫األخروي ىو‬
‫ّ‬ ‫لوجي أو‬
‫يؤثر على كتابات اآلباء الرسوليّْب قرُّم الشديد من الرسل ومن عصر اؼبسيح‪ ،‬والبُعد اإلسخاتو ّ‬
‫الطابع اؼبميز لتلك الكتابات‪ ،‬إذ كانت اشتياقاهتم ُربٍّرك فكرىم وكياهنم كبو ؾبيء اؼبسيح‪ ،‬ذلك الذي كانوا ينتظرونو أن‬
‫لكن‪ُ ،‬ب ذات الوقت‪ ،‬فإنّنا قبد‬
‫شرحا نظاميًّا للعقيدة اؼبسيحيّة‪ّ ،‬‬
‫وبدث وشي ًكا جدًّا ُب أيامهم‪ .‬وىذه الكتابات ليست ً‬

‫‪30‬‬
‫‪Tony Lane, A Concise History of Christian Thought, Rev. Ed. of: Harper's Concise Book of Christian Faith., Completely Revised‬‬
‫‪and Expanded Edition (Grand Rapids, MI: Baker Academic, 2006), 8.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪Bart D. Eherman, ed., tran., The Apostolic Fathers (London: Harvard University Press, 2003), I.‬‬

‫‪26‬‬
‫القرن الثاوي‪ ،‬الفه املسيحي واآلباء الرسىليىن واملدافعىن واخللفيات الثقافية‬

‫ومصطلحات‬ ‫اؼبسيحي ُمثبتًا داخلها من خبلل تلك التعبّبات العرضيّة الٍب كتبوىا بعفويّة غّب ُمتكلٍّفة دبقاييس ُ‬
‫ّ‬ ‫اإليبان‬
‫تخصصة ُب تقدصل‬
‫لكن‪ ،‬برغم أ ّن تعبّباهتم غّب ُم ّ‬
‫العقيدة الٍب صيغت ُمصطلحاهتا بعدىم بعدة قرون ُب ؾبمع نيقية‪ّ .‬‬
‫التعاليم الثالوثيّة‪ُ ،‬رّدبا يرجع ذلك إذل أ ّن اؽبرطقات ضد الثالوث الق ّدوس دل تكن قد ظهرت ُب حيز الوجود بعد ُب‬
‫مؤسس على اآلب واالبن والروح القدس‪.‬‬ ‫أيامهم‪ .‬اإال إ ّهنم قد أوضحوا جببلء أ ّن إيباهنم ورجاؤىم وحبّهم ّ‬

‫‪27‬‬
‫المدافعون‬
‫اآلباء ُ‬
‫فرضت الظروف على اؼبسيحيّْب ُب القرنْب الثاشل والثالث أن يواجهوا حربًا على جبهتْب‪ ،‬فقد كانت تواجو الدولة‬ ‫ّ‬
‫الرومانيّة الٍب أعدت جيوشها‪ ،‬وشح ّذ فبلسفتها أقبلمهم ؼبحاربة اؼبسيحيّة‪ ،‬ومن جهة أُخرى‪ ،‬كانت تُواجو اليهوديّة الٍب‬
‫ُ‬
‫تغلغلت تعاليمها إذل بعض اؼبسيحيّْب األوائل‪ .‬وبْب ىذا وذاك‪ ،‬كانت الكنيسة ُذباىد للحفاظ على نقاوة وطهارة‬
‫عقيدهتا‪.‬‬
‫اؼبسيحي كانوا ّأما من خلفية يهوديّة‪ ،‬أو من بيئة فلسفيّة تنجذب للفكر أكثر من‬
‫ّ‬ ‫فالداخلْب اعبُ ّدد إذل اإليبان‬
‫ّ‬
‫اإليبان‪ .‬وجاء ىؤالء وأولئك ُؿبملْب بأفكار قديبة‪ ،‬ترسخت معهم‪ ،‬ودل يستطيعوا التخلي عنها بسهولة حْب دخلوا‬
‫األول أن يرت ّد باؼبسيحيّة من النعمة إذل الناموسيّة‪ ،‬وىم األبيونيون أو اؼبتهودون‪ .‬وحاول الفريق‬
‫اؼبسيحيّة‪ .‬فحاول الفريق ّ‬
‫‪32‬‬
‫اآلخر ربويل اؼبسيحيّة إذل ديانة أفبلطونيّة حبتة‪ ،‬مثل الغنوصيّون بفرقهم اؼبختلفة‪.‬‬
‫ُ‬
‫فكان لز ًاما أن يظهر داخل الكنيسة‪ ،‬إنتاج أديب من نوع جديد‪ ،‬وىو كتابات اؼبدافعون ‪ ،Apologists‬وقد حاول ىؤالء‬
‫ُ‬
‫االمرباطوريّة إذل جانب اؼبسيحيّة‪ ،‬ودفع األفكار‬ ‫اؼبدافعْب دفع التهم عن اؼبسيحية‪ ،‬وُب نفس الوقت‪ ،‬ربح اغبكومة و ِ‬
‫ّ‬
‫اػباطئة الٍب كانت تُشاع عن اؼبسيحيّْب‪.‬‬
‫الوثِب‪ ،‬واص ًفا اؼبسيحيّة بأهنا‪:‬‬
‫اؼبسيحي‪ ،‬ما كتبو سويتونيوس اؼبؤرخ ّ‬
‫ّ‬ ‫من ىذه االهتامات الٍب سجلها لنا التاريخ غّب‬
‫‪33‬‬
‫”خرافة جديدة‪ ،‬سحرية ومؤذية‪ ،‬تُعلنها صباعة من الناس يدعون مسيحيّْب“‪.‬‬
‫عرضها للخطر‪ .‬بينما وصفها بالـ ”جديدة“ يعِب أهنا ُهت ّدد‬‫تشوه الديانة الرومانيّة الرظبية‪ ،‬وتُ ّ‬
‫فوصفها باػبرافة يعِب أهنا ّ‬
‫استقرار الدولة ونظامها‪.‬‬
‫صفات ُمشاُّة قبدىا عند اؼبؤرخ الروماشلّ الشهّب ”تاسيتوس“‪ ،‬حيث يصف اؼبسيحيّة ُىنا كالتارل‪:‬‬
‫”بعد أن قُِمعت تلك اػبرافة اؼبشؤومة ُب مهدىا‪ ،‬على يد اإلمرباطور طيبآريوس‪ ،‬عادت فظهرت‪ ،‬ال‬
‫ُب اليهوديّة وحسب‪ ،‬حيث نشأ الشر‪ ،‬بل ُب روما أيضًا‪ ،‬إذل حيث يفد كلّ ما ىو قبيح ومُشْب ُب‬
‫‪34‬‬
‫العادل‪ ،‬وهبد اتباع كثّبين“‪.‬‬
‫سريّة التعاليم اؼبسيحيّة ُب مهدىا‪ ،‬خوفًا من‬ ‫ِ‬
‫كما ُوصفت بالـ”ديانة ذات الطقوس الغامضة“‪ ،‬وذلك بسبب ّ‬
‫االضطهاد من جهة‪ ،‬ومن جهة أُخرى حفاظًا على ق ّدسية التعاليم‪ .‬جاء ىذا الوصف ُب األحكام الشرعية ليوليوس‬
‫باولوس‪ ،‬كالتارل‪:‬‬

‫ٕٖ إٍرًي نريىز‪ ،‬املس َحَّة ؿار اًـطور‪ ،‬حرمجة ؿاظف سايم (كارص‪ :‬هَلوس َا‪ ،)8116 ،‬ص ‪.881‬‬
‫ٖٖ حِاة هريون‪.6 :82 ،‬‬
‫ٖٗ احلوًَات‪.22 :88 ،‬‬

‫‪28‬‬
‫القرن الثاوي‪ ،‬الفه املسيحي واآلباء الرسىليىن واملدافعىن واخللفيات الثقافية‬

‫”ىؤالء من يُنادون بأديان جديدة‪ ،‬تُعلن طقوسًا غامضة وعادات غريبة‪ ،‬تشوش على عقول الناس‪ ،‬إن‬
‫كانوا من أصحاب الطبقات العُليّا سوف يتمّ نفيهم‪ ،‬وإن كانوا من الطبقات الدُنيا‪ ،‬سوف يُعاقبون‬
‫‪35‬‬
‫باإلعدام“‪.‬‬
‫من األمثلة الصارخة على التعنت واألحكام اعبائرة ضد اؼبسيحيّْب‪ ،‬قبد ُب واحدة من رسائل بيليِب‪ ،‬قبده يكتب‪:‬‬
‫”ىذه ىيَ القاعدة الٍب اتّبعتها ُب مُعاملة أولئك الذين أحيلوا على ألهنم مسيحيّون‪ .‬لقد سألتهم إن‬
‫كانوا مسيحيّْب‪ ،‬والذين اعَبفوا بذلك‪ ،‬سألتهم ثانية وثالثة مُهدّدًا إياىم بالتعذيب‪ .‬والذين أصرّوا على‬
‫جواُّم أعدمتهم‪ .‬فأيًا كان معُب اعَبافهم‪ ،‬كنت مُقتنعًا بأنو البد من أن أُعاقب –على األقل‪ -‬ذلك‬
‫العنادو التعنت‪ .‬وىُناك آخرون ِمن مَن يتمتعون باؼبواطنية الرومانيّة‪ ،‬يتملكهم اعبنون نفسو‪ ،‬فكتبت ُب‬
‫حقهم كيما يتمّ إرساؽبم إذل روما‪.‬‬
‫قببل‪ ،‬فإ ّن رفعوا الصلوات لؤلؽبة ُب الصيغة الٍب أُلقيها‬
‫أمّا الذين أنكروا اهنم مسيحيّون‪ ،‬وكانوا مسيحيّْب ً‬
‫عليهم‪ ،‬وقربوا النبيذ والبخور أمام صورتك الٍب أُحضرىا إليهم (اإلمرباطور)‪ ،‬مع سباثيل اآلؽبة‪ ،‬وجدّفوا‬
‫على اؼبسيح‪ ،‬وىيَ أمور يُُُقال إ ّهنا ال ُيبكن أن تصدر عن أي مسيحيّ حقّيقيّ‪ ،‬فقد رأيت من‬
‫‪36‬‬
‫واجيب أن أُطلق سراحهم“‪.‬‬
‫فكان عمل اؼبدافعْب كاؼبحامْب‪ ،‬يُدافعون عن قضية اؼبسيحيّْب أمام بطش الدولة الغاشم واعبائر حب ّقهم‪ .‬فنجد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لكن على األعمال‪ ،‬وإن كان اؼبسيحيّون ال يسلكون‬ ‫ّ‬ ‫االسم‪،‬‬ ‫على‬ ‫اغبكم‬ ‫هبب‬ ‫ال‬ ‫أنو‬ ‫على‬ ‫د‬ ‫د‬
‫يوستينوس الشهيد ُ ّ‬
‫ش‬ ‫ي‬
‫طريق اعبُرم‪ ،‬فيجب على الدولة أن ترفع األحكام عنهم‪ 37.‬وترتليان كان يُطالب بأالّ ُوبكم عليهم حكم ُمسبق‪ 38.‬وإ ّن‬
‫‪39‬‬
‫سريّة‪.‬‬
‫ديانتنا ال يوجد ُّا تعاليم ّ‬
‫‪40‬‬
‫هنرب من اغبياة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫وبأننا‬ ‫الوثِب‪ ،‬أن االعَباف بتفوق اهلل على اإلمرباطور ليس ذنبًا‪،‬‬
‫أيضا للعادل ّ‬
‫ويوضح اؼبدافعون ً‬
‫ُ‬
‫وال نرفضها‪ ،‬بل نرفض التسليات اؼبخلة‪ 41،‬وأن اؼبسيحيّون إن كانوا ُملحدين‪ ،‬فهم ُملحدون من جهة آؽبة روما الباطلة‬
‫ُ‬ ‫‪42‬‬
‫فقط‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫‪Collected Sentences, V. 21; Origen, Against Celsus, VIII: 17, III: 14.‬‬
‫‪ ٖٙ‬اًرساةل‪.8 -6 :12 :89 ،‬‬
‫‪ ٖٚ‬ادلفاع ‪2 :8‬؛ أزٌُاغوراس‪ ،‬ادلفاع ‪8‬؛ حرثََان‪ ،‬ادلفاع ‪8 :3 ،8 ،2 :8‬؛ زَوفَِس‪ ،‬إىل أوثوًَىس ‪.86 :8‬‬
‫‪ ٖٛ‬ادلفاع ‪88 ،89 :6‬؛ ًوس خٌُوس‪ ،‬ادلفاع ‪.9 :8‬‬
‫‪ ٖٜ‬اًرد ؿىل لكسوس‪.9 :8 ،‬‬
‫ٓٗ حرثََان‪ ،‬ادلفاع ‪3 -8 :39‬؛ أزٌُاغوراس‪ ،‬ادلفاع‪.83 ،9 ،‬‬
‫ٔٗ حرثََان‪ ،‬ادلفاع ‪3 :26‬؛ ‪.2 -3 :31‬‬
‫ٕٗ ًوس خٌُوس‪ ،‬ادلفاع ‪.2 :8‬‬

‫‪29‬‬
‫القرن الثالث‬
‫السكندريّون ومدرستهم‬
‫مؤسسها‪ ،‬وقد أنشأىا كمدرسة للموعوظْب‪ ،‬حيث يتق ّدم‬
‫ُىبربنا اؼبط اوب جّبوم أن القديس مرقس الرسول نفسو ىو ّ‬
‫اؼبسيحي والكتاب اؼبق ّدس كمرحلة تأىيليّة للعماد اؼبق ّدس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إليها أولئك الراغبون ُب دراسة اإليبان‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ُسست لتواجو العادل اليوناشلّ‪ ،‬ليس كعد ٍو‪ ،‬بل لتجذب طبقة اؼبث ّقفْب‬‫أُطلق عليها ”األكاديبيّة اؼبسيحيّة األوذل“‪ .‬وقد أ ّ‬
‫والفبلسفة إذل اؼبسيحية‪ .‬كانت مثل ٍ‬
‫معهد للدراسات اؼبسيحيّة اؼبتقدمة‪ .‬وكما يقول ‪:Farrar‬‬ ‫ّ‬
‫عمبل أخطر فبا‬
‫دل تكن ىناك مدينة ُب اإلمرباطورية أُسند إذل الباحثْب العظماء معلمي اؼبسيحيّة فيها ً‬
‫أُسند للذين ُب مدينة اإلسكندريّة‪ .‬فقد كانت مركزًا ألعظم نشاط عقلي حي‪ .‬ىناك وُجدت مضاربات‬
‫بْب الناس من كلّ دين وجنس‪ُ ،‬ب تفاعل مع بعضهم البعض‪ ...‬ففي مدينة مثل ىذه ‪ -‬اإلسكندريّة‬
‫‪ -‬دبتحفها ومكتباهتا وؿباضراهتا ومدارسها الفلسفية وؾبامعها (اليهودية) الفخمة وملحديها العلنيْب‬
‫وأفكارىا الشرقية الباطنية العميقة‪ ،‬ال وبمل فيها اإلقبيل قوة إن دل يكن قادراً على خلق معلمْب قادرين‬
‫على ؾباُّة فبلسفة وثنيْب ويهود أفبلطونيْب وشرقيْب اختاروا خليطًا من الفلسفات‪ ،‬هباُّوهنم بنفس‬
‫أُسّسهم‪ .‬فمثل ىؤالء اؼبفكرين يرفضون اإلنصات ؼبن ىم غّب قادرين على فهم أفكارىم واالىتمام دبا‬
‫‪43‬‬
‫ينشغلون بو وتفنيد حججهم األساسية‪ُّ ،‬ذا يلتقون ُّم بروح مسيحي لطيف‪.‬‬
‫ّ‬
‫أيضا بأفلوطْب وفيلو‪ ،‬فنتج عن ىذا اػبليط‪ ،‬جبانب الثراء‬‫كان آباء اإلسكندريّة أفبلطونيّْب باألساس‪ ،‬لكنّهم تأثروا ً‬
‫كل ىذا ّأدى إذل وجود‬‫الثقاُب اؼبوجود باإلسكندريّة‪ ،‬حيث يوجد ُّا اؼبسيحيّْب جنبًا إذل جنب مع الوثنيّْب واليهود‪ّ ،‬‬
‫كل مدرسة فكريّة ما يتوافق والعقائد اؼبسيحيّة‪ .‬فقد اعتمدوا على‬
‫السكندري‪ ،‬حيث أخذوا من ّ‬
‫ّ‬ ‫خاصة باالىوت‬
‫ظبات ّ‬
‫أفبلطون ُب شرحهم لؤلخرويّات وطبيعة اهلل‪ ،‬واعتمدوا على أفلوطْب ُب شرحهم للتألو واالرباد بْب اإلنسان واهلل‪ ،‬وأخذوا‬
‫لكل من‬
‫كزا ّ‬ ‫السكندري على تنوعو وآفاقو الواسعة وصار مر ً‬
‫ّ‬ ‫الرمزي للكتاب اؼبق ّدس‪ ،‬وىكذا نتج الفكر‬
‫ّ‬ ‫من فيلو التفسّب‬
‫ُ‬
‫كل العادل‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫يرغب ُب تعلم اؼبسيحيّة ُب ّ‬
‫َّ‬
‫العالمة أوريجانوس‬
‫حٌب ٖٕٔم‪ٍ .‬بُا ذىب إذل‬ ‫ِ‬
‫عميدا ؼبدرسة اإلسكندريّة منذ العام ٖٕٓ ّ‬
‫ُولد أورهبانوس باإلسكندريّة عام ٘‪ٔٛ‬م وصار ً‬
‫أسس مدرستها البلىوتيّة‪ ،‬وعلام ُّا ّ‬
‫حٌب سنة ‪ٕٜٗ‬م‪ .‬وكان أورهبانوس واسع العلم واؼبعرفة‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫قيصريّة فلسطْب‪ ،‬و ّ‬
‫أوال وقبل‬
‫فاؼبعرفة والعلم الغزير دل يدفع بأورهبانوس إذل الكربياء والتشامخ‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬كان يدرك أن الكارز يلزمو ً‬

‫‪43‬‬
‫‪FW Farrar, Lives of the Fathers, vol 1, London, 1907, pp. 350-351.‬‬

‫‪31‬‬
‫القرن الثالث‬

‫مرات كثّبة حينما كان يقف أمام عبارة صعبة يتوقّف عن الكبلم ويطلب من‬
‫كل شيء أن يكون رجل صبلة‪ .‬وُب ّ‬ ‫ّ‬
‫‪44‬‬
‫فهما أفضل للنص‪.‬‬
‫سامعيو الصبلة من أجلو لينال ً‬
‫اىتم دبمارسة الصبلة بكوهنا جزءًا ال يتجزأ‬
‫مؤسس ّي التعاليم النسكيّة‪ ،‬وجبانب حياتو النسكيّة ّ‬
‫ويُعترب أورهبانوس أحد ّ‬
‫أمرا ضروريًا لنوال‬
‫من اغبياة النسكيّة‪ ،‬تسنده ُب ربرير النفس ودخولو إذل اإلرباد مع اهلل بطريقة أعمق‪ .‬يرى ُب الصلوات ً‬
‫‪46‬‬
‫اإلؽبي‪ 45.‬وقد رأى إ ّن اإلنسان يطلب اإلرباد مع اهلل خبلل حفظ البتوليّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نعمة خاصة من قِبَل اهلل لفهم النص‬
‫‪49‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪47‬‬
‫ي‪.‬‬
‫تقرا اَّد البشر ّ‬
‫فينسحب عن العادل وىو بعد يعيش فيو‪ُ ،‬مق ّد ًما تضحية ُب أمور الَبف قدر ما يستطيع‪ُ ،‬ؿب ً‬
‫ثوذكسي‪ُ .‬ب الكثّب من‬
‫ّ‬ ‫نحرُب الفكر إذل اإليبان األر‬
‫رد الكثّب من اؼبرتدين أو ُم ّ‬
‫ألورهبانوس مكانة عظيمة ُب وقتو ُب ّ‬
‫‪50‬‬
‫اؼبؤرخ يوسابيوس إذل‬
‫ّ‬ ‫أشار‬ ‫وقد‬ ‫تتم دعوتو إذل العربية ليتناقش مع األساقفة ُب أمور اإليبان والعقيدة‪،‬‬
‫اؼبناسبات‪ ،‬كانت ّ‬
‫وجهة نظر األسقف بريلوس‬
‫العريب الذي ُعقد ُب عام ٕٗٗم ؼبناقشة ّ‬
‫اثنْب من ىذه اؼبناقشات‪ ،‬نذكر منها ذلك اَّمع ّ‬
‫‪ُ Barylius‬ب شخص السيد اؼبسيح‪ .‬انعقد ىذا اَّمع على مستوى واسع‪ ،‬وقد أدان األسقف بسبب قولو إ ّن اهلل أقنوم‬
‫باطبل إقناعو أن يعود إذل اإليبان اؼبستقيم‪ 51.‬أسرع أورهبانوس إذل العربيّة وقبح ُب إقناع األسقف الذي‬
‫واحد‪ ،‬وقد حاولوا ً‬
‫يبدو أنو بعث إليو برسالة شكر‪ 52،‬وصار من أكرب اؼبدافعْب عنو‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫ُ‬
‫تعرف أورهبانوس على صديق ثري‪ ،‬يُدعى أمربوسيوس‪ 54،‬كان يتّبع ىرطقة فالنتينوس‪ ،‬وىو من عائلة طيبة ويشغل‬ ‫ّ‬
‫فبتازا‪ ،‬إذ إلتقى أورهبانوس بأمربوسيوس‪ ،‬جذبو إذل اإليبان اؼبستقيم وأظهر لو فساد ىرطقة فالنتينوس الٍب سقط‬
‫كزا ً‬ ‫مر ً‬
‫فيها‪ .‬وإذ أعجب أمربوسيوس بصديقو‪ ،‬ضغط عليو أن يكتب‪ ،‬وأم ّده بأكثر من سبعة من الكتبة ُب دورات جبانب الكثّب‬
‫من النُ ّساخ وبعض الفتيات اللواٌب هبدن الكتابة‪ 55.‬وفيما بعد صار أمربوسيوس ىذا أحد اؼبعَبفْب‪ُ 56‬ب أثناء اضطهاد‬
‫مكسيميان‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪In Gen Hom.2: 3.‬‬
‫‪45‬‬
‫‪Hom. Jer. 6: 3‬‬
‫‪46‬‬
‫‪In Num. hom. 11: 3‬‬
‫‪47‬‬
‫‪In Levit. hom.11: 1.‬‬
‫‪48‬‬
‫‪Ibid 15: 2.‬‬
‫‪49‬‬
‫‪In Joan.28: 23.‬‬
‫‪50‬‬
‫‪C. Knetschmar: Origens Und dei Arber, Zeilsch. Theolo. Kirsh 50 (1953) P 258 – 280.‬‬
‫‪51‬‬
‫‪Fairweather, P. 60.‬‬
‫‪52‬‬
‫‪Jerome: Cata c. 60; Socrate 6:39.‬‬
‫ٖ٘ آابء مدرسة اإلسىٌدرًّة األوًون‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫ٗ٘‬
‫ًُس ُو اًلدٌس أمارس َوس أسلف مِبلن‪ ،‬فلد اكن أمارس َوس ضدًلًا ألورجياهوس‪ ،‬واكن ؿٌَلهًَّا‪ ،‬و ً‬
‫ثرًي‪ً ،‬يفق من ماهل اخلاص خلدمة اًخـاًمي اًيت ًلوم هبا أورجياهوس‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫‪Eus. H. E. 3: 23: 2, 3.‬‬
‫‪ ٘ٙ‬املُـرتف‪ُ :‬و من ثـ َّذب ؿىل امس املس َح‪ ،‬وألخي إمياهَ بَ‪ ،‬وػ ّي اثب ًخا يف إمياهَ‪ً ،‬ىٌ َّ مل ًيي إلكَي اًشِادة‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫القرن الثالث‬

‫رد الكثّب من ُمشتٍب الفكر إذل اإليبان‪ ،‬يكتب اؼبؤرخ يوسابيوس‪” :‬إذ جذبت‬ ‫عن الدور الذي قام بو أورهبانوس ُب ّ‬
‫كل موضع‪ ،‬جاءوا إليو ىبتربون قدرة ذكائو ُب العلوم الدينيّة‪،‬‬‫ظبعة أورهبانوس العلميّة أنظار الكثّبين‪ ...‬ور ّن صداىا ُب ّ‬
‫ردىم لئليبان اؼبستقيم)‪ ،‬وع ّدد ليس بقليل من أبرز الفبلسفة‪ ،‬وتل ّقوا التّعليم‬
‫فتتلمذ على يديو كثّب من اؽبراطقة (الذين ّ‬
‫ُ‬
‫حٌب بْب اليونانيّْب‬ ‫على يديو ال ُب األمور الدينيّة فحسب بل والفلسفة الدنيويّة‪ ...‬لقد اشتهر كفيلسوف عظيم ّ‬
‫فكثّبا ما أشاروا إليو ُب كتاباهتم‪ ،‬بل وأحيانًا كانوا‬
‫أنفسهم‪ ...‬ويشهد لنبوغو ُب ىذه العلوم فبلسفة عصره اليونانيّْب‪ً ،‬‬
‫‪57‬‬
‫ليبدي رأيو فيها“‪.‬‬
‫يكتبون إىداءً إليو ُب ُمق ّدمة كتاباهتم‪ ،‬كما كان بعضهم يق ّدمون لو مؤلفاهتم ّ‬
‫ربل بالكنيسة‪ ،‬يصفو لنا شيخ مؤرخي الكنيسة‪ ،‬يوسابيوس‬ ‫كما كان لو دور بارز ُب أوقات االضطهاد الٍب كانت ّ‬
‫القيصري على النحو التارل‪ّ ” :‬برز اظبو بْب قادة اإليبان‪ ،‬وذلك بسبب اللطف والرعاية والرقّة الٍب أظهرىا كبو الشهداء‬
‫ّ‬
‫والقديسْب‪ ،‬سواء كانوا معروفْب لديو أو غرباء عنو‪ .‬كان يرافقهم ُب السجن ويبكث معهم أثناء اؼبحاكمة‪ ،‬بل يبقى‬
‫ُ‬
‫ووبيّيهم بقبلة دون أي اعتبار ؼبا ينتج عن‬ ‫يهتم ُّم ُ‬
‫حٌب غبظات اؼبوت‪ ...‬غالبًا عندما كان يذىب إذل الشهداء ّ‬ ‫معهم ّ‬
‫ذلك‪ ،‬فكان الوثنيّون احمليطون ُّم يثورون عليو ويكادوا أن يهجموا عليو ليضعوا حدًّا غبياتو“‪ 58.‬ويقول األب والعادل‬
‫اآلبائي فرار ‪” :Farrar‬إ ّن قديسْب وشهداء اشتهوا اعبلوس عند قدميو“‪ 59.‬ويروي لنا أبيفانيوس‪ 60‬قصة عن رعاع‬
‫ّ‬
‫الوثنيّْب الذين أمسكوه ذات يوم وىو سائر ُب الطريق وضبلوه بضجيج شديد إذل ىيكل سّبابيوم الشاىق‪ ،‬وحلقوا رأسو‪،‬‬
‫رغما عنو‪ٍ ،‬بُا أخرجوه خارج اؽبيكل وأصعدوه على القمة‬
‫ووضعوا عليها قلنسوة‪ ،‬وألبسوه ُحلّة بيضاء على طريقة كهنتهم ً‬
‫الكربى الٍب أعلى السلم‪ ،‬وأعطوه سعف النخل‪ ،‬وأمروه أن يقوم بتوزيعو على عبدة األوثان اَّتمعْب حولو‪ ،‬وكانوا‬
‫ىلموا‬
‫يسخرون بو مصفقْب‪ .‬فأسرع أورهبانوس يلوح باألغصان وينثرىا على اؼبتجمهرين وىو يقول بصوت عظيم‪ّ ” :‬‬
‫لكن‬
‫فصّروا بأسناهنم عليو وأرادوا قتلو‪ّ ،‬‬
‫خذوا ىذه األغصان ال برسم األوثان بل باسم يسوع اؼبسيح خالق اإلنسان“‪َ ،‬‬
‫ب أنقذه من أيديهم‪.‬‬
‫الر ّ‬
‫ّ‬
‫الصراع مع البابا ديمتريوس‬
‫ارل عام ‪ٕٔٙ‬م إذ هنب اإلمرباطور كاركبل ‪ Caracalla‬مدينة اإلسكندريّة وأغلق مدارسها واضطهد ُمعلّميها‬
‫حو ّ‬
‫رحب بو‬
‫رحب بو صديقو القدصل اإلسكندر أسقف أورشليم كما ّ‬ ‫وذحبهم‪ّ ،‬قرر أورهبانوس أن يذىب إذل فلسطْب‪ .‬ىناك ّ‬
‫ثيؤكتستوس ‪ Theoctistus‬أسقف فلسطْب‪ ،‬الذين دعاه أن يشرح الكتاب اؼبق ّدس ُب اجتماعات اؼبسيحيّْب‪ ،‬وُب‬
‫ُ‬
‫حضرهتما‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪Euseb. H. E 6: 18: 2-4; 6: 19: 1.‬‬
‫‪58‬‬
‫‪Eus. H. E. 6:3:3-7.‬‬
‫‪59‬‬
‫‪Farrar, vol 1, P 426.‬‬
‫ٓ‪ٙ‬‬
‫اترخي اًىٌ ُّسَ‪ٌَ ،‬لس ّ‬
‫مًس ًوحٌا‪ ،‬ص ‪.32‬‬

‫‪32‬‬
‫القرن الثالث‬

‫السكندري جدًّا‪ ،‬ألنّو حسب عادة الكنيسة السكندريّة آن إذ أ ّن العلماشلّ ال يستطيع أن يعظ‬
‫ّ‬ ‫غضب البابا ديبَبيوس‬
‫ُب حضرة األسقف‪ ،‬فأمر بعودتو إذل اإلسكندريّة سر ًيعا‪ .‬وبالفعل أطاع أورهبانوس بطريركو ُب خضوع‪ ،‬وبدت األمور‬
‫ارل‬
‫لكن ىذا اغبديث صار ُمق ّدمة لصراع أوشك أن وبدث بعد عدة سنوات (واستمر حو ّ‬ ‫قببل‪ّ ،‬‬‫تسّب كما كانت عليو ً‬
‫عاما)‪.‬‬
‫٘ٔ ً‬
‫اؼبؤرخ يوسابيوس دفاع األسقفْب اإلسكندر وثيؤكتستوس عن نفسيّهما‪ ،‬والذي جاء فيو‪” :‬جاء ُب رسالتو‪،‬‬ ‫قد أورد ّ‬
‫يقرر‬
‫أنّو دل يسمع عن أمر كهذا من قبل‪ ،‬وال حدث إذل اآلن أن وعظ علمانيّون ُب حضرة أساقفة! ولست أدري كيف ّ‬
‫أمرا غّب صحيح‪ ،‬ألنّو مٌب ُوِجد أناس قادرون على تّعليم اإلخوة وبثّهم األساقفة القديسون على وعظ الشعب‪ .‬ىذا ما‬
‫ً‬
‫كلسس بولينوس‪ ...‬واألرجح أ ّن ىذا حدث‬
‫حدث ُب الراندا عندما طلب ذلك نيون من يولبس‪ ،‬وُب أيقونيّة عندما أمر ّ‬
‫‪61‬‬
‫ُب أماكن أُخرى ال نعلمها“‪.‬‬
‫وبقي عامْب غائبًا عن اإلسكندريّة‪.‬‬ ‫رسل ا‬ ‫أُ ِ‬
‫العبلمة أورهبانوس إذل اليونان لضرورة ُملحة تتعلق ببعض الشئون الكنسيّة‪ ،‬ا‬
‫قسا‬
‫عرب بفلسطْب‪ ،‬وُب قيصريّة ُسيّم ً‬
‫تفويضا كتابيًّا من بطريركو‪ .‬وُب طريقو ّ‬
‫ً‬ ‫لحا‪ ،‬وكان وبمل‬
‫ص ً‬‫ذىب إذل آخائية ليعمل ُ‬
‫‪62‬‬
‫روحي مثل أورهبانوس بلغ أعلى اؼبستويات الروحيّة والدراسيّة أن‬
‫بواسطة أسقفها‪ .‬فقد بدى لؤلساقفة أنّو ال يليق دبرشد ّ‬
‫يبقى علمانيًّا‪ .‬ىذا وقد أرادوا أن يتجنّبوا اؼبخاطر الٍب يثّبىا البابا ديبَبيوس بسماحهم لو أن يعظ وىو علماشلّ ُب‬
‫حضرهتم‪.‬‬
‫وقد اعترب البابا ىذه السيامة أكثر خطئًا من التصرف السابق‪ ،‬حاسبًا إيّاىا سيامة باطلة لسببْب‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬إ ّن أورهبانوس قد قَبِل السيامة من أسقف آخر غّب أسقفو‪ ،‬دون أخذ تصريح من األسقف التابع لو‪.‬‬
‫حٌب اليوم ال هبوز سيامة من ىبصي‬
‫ٕ‪ -‬إذ كان أورهبانوس قد خصى نفسو‪ ،‬فهذا وبرمو من نوال درجة كهنوتيّة‪ ،‬فإنّو ّ‬
‫نفسو‪ .‬وإخصائو لنفسو ىذا‪ ،‬يرجع إذل حضور النسوة كي يستمعن حملاضراتو‪ ،‬ولكي ال ربدث عثرة رأى أن ينفذ حرفيًّا‬
‫لكن يبدو أنّو ق ّدم توبة على ىذا‬
‫أناسا خصوا أنفسهم من أجل ملكوت اهلل (مت ٕٔ‪ّ ،)ٜٔ:‬‬ ‫ما ورد ُب اإلقبيل أن ً‬
‫‪63‬‬
‫تفسّبا رمزيًّا ال حرفيًّا‪.‬‬
‫فسره ً‬‫الفعل‪ ،‬حيث قبده ُب تفسّبه ؽبذا النص من إقبيل مٌب‪ّ ،‬‬
‫إدانتو‬
‫دل وبتمل البابا ديبَبيوس ىذا اؼبوقف فدعى النعقاد ؾبمع من األساقفة والكهنة باإلسكندريّة‪ .‬رفض اَّمع القرار‬
‫‪64‬‬
‫السابق مكتفيًّا باستبعاده عن اإلسكندريّة‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪Eus. H. E. 6:19:17, 18.‬‬
‫‪62‬‬
‫‪Eus. H. E. 6:23:4.‬‬
‫‪63‬‬
‫‪On. Matt. 19: 12.‬‬
‫‪64‬‬
‫‪H. M. Gwatkin: Early Church History, London 1909, vol 2, P. 192.‬‬

‫‪33‬‬
‫القرن الثالث‬

‫ؾبمعا من األساقفة وحدىم عام ٕٖٕم‪ ،‬قام بإعبلن بطبلن كهنوت‬ ‫دل يكن ىذا القرار كافيًا إلرضاء البابا‪ ،‬فدعى ً‬
‫أورهبانوس واعتباره ال يصلح بعد للتّعليم‪ ،‬كما أعلن عن وجود بعض األخطاء البلىوتيّة ُب كتاباتو‪.‬‬
‫بالرغم من أ ّن أورهبانوس ُرّدبا قد أخطأ ُب قبول الدرجة الكهنوتية من غّب أسقفو‪ ،‬اإال إنّو الرجل النبيل الذي أطاع‬
‫معتربا استبعاده عن األرض ‪-‬الغالية عليو جدًّا‬
‫كل انقسام‪ ،‬أطاع بروح مسيحيّة ال ربمل شيئًا من األنانيّة‪ً ،‬‬
‫القرار ُمتحاشيًا ّ‬
‫أكثر من أيّة بقعة أُخرى على األرض‪ -‬ليست بالتضحية ال ُكربى من أجل حفظ وحدة الكنيسة‪ .‬فبالرغم من وجود‬
‫أصدقاء ؽبم سلطاهنم ُب اإلسكندريّة وُب اػبارج‪ ،‬وكان يبكنو أن يقود حركة مضادة للبابا‪ ،‬لكنّو أىب أن يفعل شيئًا من‬
‫ىذا‪.‬‬
‫شاعرا أنّو لن يوجد من يقدر أن يفصلو عن كنيستو احملبوبة‪ ،‬إذ يقول‪” :‬وبدث أحيانًا أ ّن‬
‫ُب ىدوء‪ ،‬ترك اإلسكندريّة ً‬
‫باغبق ال يزال ُب الداخل‪ ،‬والبعض يبدو كما لو كانوا ُب الداخل مع أ ّهنم ُب اغب ّقيقة ىم ُب‬
‫رجا‪ ،‬ويكون ّ‬‫إنسانًا يُطرد خا ً‬
‫‪65‬‬
‫اػبارج“‪.‬‬
‫كانت ىذه العاصفة الٍب ثارت ض ّد أورهبانوس ببل شك صفعة مرعبة‪ ،‬ومع ذلك فإنّنا نراه وىو يتح ّدث عنها يتكلّم‬
‫‪66‬‬
‫بإتزان‪ ،‬إذ يقول ُب ُمق ّدمة الكتاب السادس إلقبيل يوحنا‪:‬‬
‫”بالرغم من العاصفة الٍب ىبّت ض ّدنا ُب اإلسكندريّة أكملت اَّلّد اػبامس (من تفسّب إقبيل القديس يوحنا)‬
‫فعبل ُب اَّلّد السادس حْب طُردت من أرض مصر‪ .‬منذ‬ ‫أل ّن يسوع أمر الرياح واألمواج أن هتدأ‪ .‬لقد بدأت ً‬
‫باغبق غريبة عن اإلقبيل‪ ،‬ىكذا يطلق علينا‬
‫ىي ّ‬ ‫العدو يضاعف عنفو‪ ،‬فينشر رسائلو اعبديدة‪ ،‬الٍب َ‬
‫ذلك اغبْب و ّ‬
‫لكن‪ ،‬ال يبس ىذا األمر‬
‫الشريرة قادمة علينا من مصر‪ .‬وكان للعقل أن يشّب علينا أن نستعد للمعركة‪ّ .‬‬
‫الرياح ّ‬
‫حٌب نقدر أن نكمل أعمالنا السابقة اػباصة بدراسة الكتاب‬
‫سبلمنا إذل حد كبّب فيعود اؽبدوء إذل ذىننا ّ‬
‫اؼبق ّدس“‪.‬‬
‫ُ‬
‫نياحتو‬
‫ألقي القبض على أورهبانوس‪ .‬تع ّذب جسده‪،‬‬ ‫مرة أُخرى‪ ،‬و ا‬‫ُب أيام داكيوس ‪ ،)ٕ٘ٔ-ٕٜٗ( Decius‬ثار االضطهاد ّ‬
‫‪67‬‬
‫وى ّدد باإلعدام حرقًا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أياما كثّبة‪ُ ،‬‬
‫الداخلي‪ ،‬وربطت قدماه ُب اؼبقطرة ً‬
‫ّ‬ ‫ألقي ُب السجن‬
‫ووضع ُب طوق حديدي ثقيل و ا‬ ‫ُ‬
‫احتمل أورهبانوس ىذه العذابات بشجاعة‪ ،‬وإن كان دل يبت أثناءىا‪ ،‬لكنّو مات بعد فَبة قصّبة‪ُ ،‬رّدبا كان متأثـًّرا‬
‫باآلالم الٍب غبقت بو‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫‪Hom Levit 14:3.‬‬
‫‪66‬‬
‫‪In Joan 6:1, 8-11.‬‬
‫‪67‬‬
‫‪Eus. H. E. 6:39:5.‬‬

‫‪34‬‬
‫القرن الثالث‬

‫اإلسكندري ديونسيوس‪ ،‬الذي كان تلمي ًذا ألورهبانوس ُب مدرسة اإلسكندريّة‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫قبل أن يبوت أرسل إليو البابا‬
‫أيضا‪ ،‬رسالة ”عن االستشهاد“‪ ،‬لعلّو بذلك أراد أن ُهب ّدد العبلقة بْب ا‬
‫العبلمة‬ ‫خلف ىّباقليس ُب الباباويّة وزعامة اؼبدرسة ً‬
‫السكندري أورهبانوس وكنيسة اإلسكندريّة‪.‬‬
‫ّ‬
‫عاما‪ 68،‬وقد اىتّ ّم مسيحيّو‬
‫ُب عام ٕٗ٘ م رقد أورهبانوس ُب مدينة صور بفلسطْب وكان عمره ُب ذلك اغبْب ‪ً ٜٙ‬‬
‫عظيما‪ ،‬فدفنوه إزاء اؼبذبح‪ ،‬وغطّوا قربه ببوابة من الرخام‪ ،‬نقشوا عليها‪ُ ”:‬ىنا يرقد العظيم‬
‫ً‬ ‫ىتم ًاما‬
‫صور جبسده ا ّ‬
‫أورهبانوس“‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫الرخامي ُب أواخر القرن الثاشل عشر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وقد شاىد الكاتب غيليوم الصوري ىذا القرب والباب‬

‫آراء العلماء وآباء الكنيسة عنو‬


‫بجلْب بنتينوس‬
‫ألكسندروس أسقف أورشليم الذي كان يتطلّع إذل أورهبانوس كمعلّمو وصديقو‪ ،‬خليفة االستاذين اؼبُ ّ‬
‫وإكليمندس‪ ،‬بل وأعظم منهما‪ .‬ففي اليوم التارل لنياحة القديس إكليمندس‪ ،‬كتب ألكسندر ألورهبانوس ىكذا‪:‬‬
‫”إنّنا نعرف جيدًا األبوين الطوباويّْب اللذين سلكا الطريق قبلنا وسنلحق ُّما سريعًا‪” :‬بنتينوس‬
‫الطوباويّ واؼبعلّم القدير‪ ،‬وإكليمندس اؼببجّل معلّمي ومعيِب‪ ،‬وأيضًا آخرين مثلهما‪ ،‬وقد تعرّفت‬
‫‪70‬‬
‫خبلؽبما عليك‪ ،‬إذ أنت ىو فبتاز معهما‪ ،‬يا معلّمي وأخي“‪.‬‬
‫فهو اؼبعلّم والباحث اؼبمتاز ُب الكنيسة األوذل‪ ،‬شخصيّتو ال يشوُّا عيب‪ ،‬وبمل ُب تّعليمو دائرة معارف موسوعيّة‪،‬‬
‫ُ‬
‫ويعترب أحد اؼبفكرين األصليْب الذين شاىدىم العادل“‪” 71.‬يرى البعض ُب ا‬
‫العبلمة أورهبانوس أعظم فكر وبمل عم ًقا‬
‫‪72‬‬
‫ظهر ُب تاريخ الكنيسة“‪.‬‬
‫وصفو القديس ديديبوس الضرير ىكذا‪” :‬أعظم معلّم للكنيسة بعد الرسل“‪ ،‬نقلها لنا القديس جّبوم‪ ،‬وقد وضعها‬
‫‪73‬‬
‫ُب ُمق ّدمة ترصبة ”عظات حزقيال“ ؼبعلّمو العظيم‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫حجتو الٍب ال تقاوم وإذل مثابرتو‪.‬‬ ‫لُِقب ا‬
‫العبلمة أورهبانوس بـ”أدمانتيوس“ أي ”الرجل الفوالذي“‪ ،‬إشارة إذل ّقوة ّ‬
‫كتب بروفيسور كواسًب استاذ علم الباترولوجي الشهّب ُب بداية دراستو عن أورهبانوس ما يلي‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫‪Eus. H.E. 7:1‬‬
‫‪ ٜٙ‬راُس أساكفة ضور‪ ،‬ودل حو ّايل ؿام ‪8839‬م وثًِح ؿام ‪8813‬م‪.‬‬
‫‪70‬‬
‫‪Eus. H.E. 6:14:8-9.‬‬
‫‪71‬‬
‫‪Quasten: Patrology, vol 2, P 37‬‬
‫‪72‬‬
‫‪Carl S. Meyer: The Church, P 32.‬‬
‫‪73‬‬
‫‪Jerome: Praef. in Hom. Orig. in Exech‬‬
‫ٗ‪ ٚ‬آابء مدرسة اإلسىٌدرًّة األوًون‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫‪35‬‬
‫القرن الثالث‬

‫”بلغت مدرسة اإلسكندريّة (البلىوتيّة) أنبيتها العُظمى بقيادة أورهبانوس‪ ،‬اؼبعلم والعادل البارز للكنيسة‬
‫األوذل‪ ،‬إنسان ببل لوم ُب أخبلقو‪ ،‬وذو معرفة موسوعيّة‪ ،‬وأحد أكثر مفكري العادل أصالة ُب العصور‬
‫‪75‬‬
‫قائبل‪” :‬رغم أ ّن أورهبانوس أعطى اىتمامًا عظيمًا بدراسة الكتاب‬
‫كلها“‪ .‬ويكمل ُب حديثو عنو‪ً ،‬‬
‫اؼبقدّس‪ ،‬واعترب الفلسفة ُؾبرّد خادمة للمسيحيّة‪ ،‬إذ قبده يؤكد على أنبّيّة الكتاب اؼبق ّدس أكثر من‬
‫ُ‬ ‫‪76‬‬
‫ُ‬
‫معلّمو كليمندس اإلسكندريّ“‪.‬‬
‫ويذكر كواسًب‪ ،‬أ ّن أورهبانوس بالغ ُب استعمال الطريقة الرمزيّة ُب تفسّب الكتاب اؼبق ّدس فبا نتج عنو بعض األخطاء‪.‬‬
‫ُ‬
‫وؽبذا السبب حدث خبلف ُب الرأي بْب اآلباء منذ القرن الرابع حول ما ورد ُب كتابات أورهبانوس من بعض األفكار‬
‫األول‬
‫إذل أن انتهى األمر ُب القرن السادس بإدانة األفكار اػباطئة الشائعة عنو‪ُ ،‬ب ؾبمع عقده اإلمرباطور جوستنيانوس ّ‬
‫بالقسطنطينيّة سنة ٖٗ٘‪ ،‬وىو اَّمع اؼبسكوشلّ اػبامس عند الروم‪ ،‬والذي دل تشَبك فيو الكنيسة القبطية األرثوذكسيّة‬
‫طبعا ألنّو بعد انشقاق ؾبمع خلقيدونية تارىبيًّا‪.‬‬
‫ً‬
‫ويضيف كواسًب‪:‬‬
‫”كان مصّب أورهبانوس أن يكون عبلمة اختبلف وتعارض‪ ،‬أثناء حياتو‪ ،‬كما بعد وفاتو أيضًا‪ .‬ويندر‬
‫جدا‪ .‬صحيح أنّو ارتكب بعض األخطاء‪،‬‬ ‫أن قبد شخصًا مثلو لو أصدقاء كثّبون جدًّا وأعداء كثّبون ًّ‬
‫ك أحد أنّو كان تواقًا وراغبًا بشدة أن يكون مسيحيًّا على الدوام‪ ،‬مستقيم اإليبان‪،‬‬
‫لكنّ ال ُيبكن أن يش ّ‬
‫عميقًا ُب إيبانو وثقتو باهلل‪ .‬فهو يسجل ُب بداية كتابو البلىوٌبّ الرئيسيّ ”اؼببادئ“‪” :‬إ ّن ما هبب أن‬
‫مقبوال على أنّو ىو وحده اغبقّيقة واغبقّ‪ ،‬ىو ما ال ىبتلف من أي جهة من اعبهات مع التقليد‬ ‫يكون ً‬
‫الكنسيّ والرسورلّ“‪ 77.‬ولقد جاىد أورهبانوس بكل قواه لكي يتّبع ىذه القاعدة وختم جهاده ىذا‬
‫بدمو ُب هناية حياتو“‪.‬‬
‫قال عنو العادل والبلىوٌبّ جان دانيلو‪:‬‬
‫”يبكن القول بإ ّن كتابات أورهبانوس تشّب إذل فَبة حاظبة ُب كلّ ميادين الفكر اؼبسيحيّ‪ .‬فقد حبث ُب‬
‫تاريخ نسخ الكتاب اؼبقدّس اؼبتنوّعة‪ ،‬كما أ ّن تعليقاتو على اؼبعاشل اغبرفيّة والروحيّة للعهد القدصل‬
‫ُ‬
‫واعبديد‪ ،‬جعلتو مؤسّسًا للدراسة العلميّة للكتاب‪ .‬ىو أوّل من وضع النظرة البلىوتيّة العظيمة‪ ،‬وأوّل‬
‫من حاول تقدصل تفاسّب منهجيّة لؤلسرار اؼبسيحيّة‪ .‬إنّو أوّل من وصف الطريق الذي تسلكو النفس ُب‬

‫‪75‬‬
‫‪Quasten Vol.II, p.37.‬‬
‫‪76‬‬
‫‪Quasten, Patrology, Vol.II.p.42.‬‬
‫وًُـد ُذا أحد األخعاء احللِلِ ّة اًيت وكؽ فهيا اًـ ّبلمة أورجياهوس‪ ،‬بـىس بلِة األخعاء اًـلِدًة املًُسوبة ابخلعأ إًََ‪.‬‬
‫‪ٚٚ‬‬
‫حول املدادئ‪Deprinc. Praef. 2 ،‬‬

‫‪36‬‬
‫القرن الثالث‬

‫رجوعها هلل‪ ،‬وُّذا يكون أوّل مؤسّس لبلىوت اغبياة الروحيّة‪ .‬كذلك نتساءل‪ :‬إن كان يعترب ىو‬
‫‪78‬‬
‫السلف ‪-‬إذل حد ما‪ -‬لظهور اغبركة الرىبانيّة الكربى ُب القرن الرابع“‪.‬‬
‫قائبل‪:‬‬
‫نزي ‪ً ،Vincent of Lerins‬‬
‫أيضا األب فنسنت اللّب ّ‬
‫مدحو ً‬
‫”إن كان من جهة اغبياة فعظيمة ىيَ صناعتو! عظيمة ىيَ نقاوتو وصربه واحتمالو! من جهة النبل فأيّ‬
‫شرف أعظم من أن يولد ُب بيت يتجمد باالستشهاد؟! إن كان من جهة الفصاحة واغبكمة والفلسفة‬
‫فقد فاق اعبميع‪ .‬زبرّج من أحضانو معلّمون ببل حصر وكهنة ومعَبفون‪ .‬أي مسيحيّ ال يكرمو كنيب أو‬
‫حٌب ربسّست‬‫حٌب األمراء كرّموه‪ .‬ال يكفيِب اليوم كلو أن أخربك عن عظمتو أو ّ‬
‫فيلسوف ومُعلّم؟! فإنّو ّ‬
‫‪79‬‬
‫نصيبًا منها!“‪.‬‬
‫تالميذ أوريجانوس والمعجبون بو‬
‫ُب اإلسكندريّة تتلمذ (البابا) ديونسيوس على يديو‪ ،‬وحينما بدأ العادل ينقلب عليو بق اي البابا يشعر أنو مدين باعبميل‬
‫لو‪ ،‬فأرسل إليو رسالة عن االستشهاد عام ‪ٕٜ٘‬م‪.‬‬
‫الرمزي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وقد مدحو القديس ديديبوس الضرير مدير مدرسة اإلسكندريّة وأكمل عملو ُب حقل التفسّب والبلىوت‬
‫الرسورل ول ّقبو بألقاب صبيلة مثل‪” :‬العجيب“ و”العامل باغبب“‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ودافع عنو البابا أثناسيوس‬
‫ّأما اآلباء الكبادوك فقد أحبّوه وورثوا تعاليمو‪ 80،‬تلك الٍب نُِقلت إليهم بواسطة تلميذه القديس غريغوريوس صانع‬
‫العجائب الذي تتلمذ ىو وأخوه ثيودورس على يديو بسبب اىتمامهما بالعلوم اليونانيّة وحبّهما للفلسفة‪ ،‬لكنّو استبدل‬
‫عظيما ُب‬
‫غّبهتما القديبة ُب الفلسفة والعلوم اليونانيّة‪ ،‬بدراسة البلىوت‪ ،‬وإذ لبثا ُب الدراسة طبس سنوات‪ ،‬أظهرا تق ّدما ً‬
‫‪81‬‬
‫حٌب ُسيام كبلنبا أسق ًفا ُب كنائس بنطس رغم حداثة سنهما‪.‬‬
‫الروحيًّات ّ‬
‫ي فيو الشكل‬
‫ينزي وباسيليوس الكبّب‪ ،‬وإن كانا دل يقببل نظامو البلىوٌبّ بكليّتو‪ ،‬لكنّهما رأ ا‬
‫فالقديسْب غريغوريوس النز ّ‬
‫اؼبسيحي اؼبعروف ُب ذلك اغبْب‪ ،‬فتتلمذا على منهجو‪ ،‬كما ض اما بعض أقوالو ُب كتاب‬
‫ّ‬ ‫مي‬
‫الوحيد الكاُب للفكر العل ّ‬
‫عقلي‪ُ .‬ب‬
‫األسس الٍب بواسطتها ُيبكن تقدصل اإليبان ُب الىوت ّ‬
‫”الفيلوكاليا“ شهادة العتقادنبا أ ّن فكر أورهبانوس وبوي ّ‬
‫ؿباولتهما أرادوا ربقيق ىذا اغبُلم‪” :‬ربالف اإليبان مع العلم“‪ ،‬والذي وجدوا بذرتو األوذل عند أورهبانوس‪ 82.‬كما تأثر بو‬
‫‪83‬‬
‫كبّبا ُب ُمعاعبتو ؼبوضوع العاؼبْب اؼبنظور وغّب اؼبنظور‪ ،‬من خبلل كتابو عن الروح القدس‪.‬‬
‫تأثرا ً‬
‫القديس باسيليوس ً‬

‫‪78‬‬
‫‪J. Danièlou: Origen, N.Y 1955, P, VII.‬‬
‫‪79‬‬
‫‪Adv Haer 23.‬‬
‫‪80‬‬
‫‪Stanley M. Burgess, The Spirit and the Church, 1984. P. 132.‬‬
‫‪81‬‬
‫‪Euseb. H. E 6: 30.‬‬
‫‪82‬‬
‫‪J. H Strawley: The Catechtical Oration of Gregory of Nyssa, Cambridge 1905. PX.‬‬
‫ٖ‪ ٛ‬اتدرس ًـلوب مَعي (اًلمص)‪ ،‬اًلدٌس ابسََوس اًىبري‪ ،‬اجلزء اًثاًر (اإلسىٌدرًّة‪ :‬ويُسة مارحرحس إس دورثٌُج‪ ،)6982 ،‬ص ‪.681‬‬

‫‪37‬‬
‫القرن الثالث‬

‫‪84‬‬
‫وقد شارك القديسان‬ ‫لََقب القديس غريغوريوس النيصي ا‬
‫العبلمة أورهبانوس بـ ”زعيم الفبلسفة اؼبسيحيّْب“‪،‬‬
‫تشرب بروحو أكثر منهما‪ ،‬يظهر ذلك بوضوح ُب مقالو‬ ‫ا‬
‫السابقان اعتقادنبا ذباه العبلمة أورهبانوس ومنهجو‪ ،‬وإن كان قد ّ‬
‫‪ Oratio Catechelica‬الذي يقَبب جدًّا من روح كتاب ”اؼببادئ“ ألورهبانوس أكثر من أي عمل آخر ُب القرن‬
‫الرابع‪ 85.‬لقد حفظ القديس الكثّب من مقاالتو‪ ،‬وأدرك بفهم منهجو‪ ،‬وإن كان قد رفض مبالغاتو‪ .‬لقد أخذ عنو بعض‬
‫الرمزي وتّعليمو ُب حريّة اإلنسانيّة‪ ،‬واعتقاده ُب الصبلح اؼبطلق لكل األشياء‪ ..‬لكنّو دل يكن ُؾبّرد ناقل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أفكاره وتفسّبه‬
‫ُ‬
‫ويعترب القديس أوغريس من بنطس ىو اؼبسئول عن نشر تعاليمو بْب رىبان مصر‪ ،‬فقد اعتمد على كتاباتو وكان‬
‫‪86‬‬
‫أيضا تسلّم القديس يوحنا كاسيان تعاليمو وُّذا انتقلت إذل الرىبنة الغربية‪.‬‬
‫ينشرىا أثناء وجوده ُب مصر‪ .‬ومن خبللو ً‬
‫ونسخ دبفيليوس البّبوٌب تلميذ بّبوس مدير مدرسة اإلسكندريّة معظم مؤلفات أورهبانوس بيده وشغف بقراءهتا‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫تأثّبا ُمطل ًقا‪.‬‬
‫تأثّر األب مكسيموس اؼبعَبف بأورهبانوس ً‬
‫أع ِجب بو جدًّا‪ ،‬ودافع عنو بش ّدة‪.‬‬
‫عُ ِرفت أعمالو ُب الغرب بواسطة روفينوس اإلكويلي‪ ،‬الذي ُ‬
‫ويعترب القديسان ىيبلري وأمربوسيوس مدينان لتفاسّبه بالكثّب‪.‬‬
‫أ اما القديس جّبوم فقد كان منذ صباه اؼبب ّكر ُمعجبًا بو جدًّا‪ ،‬دعاه ”أعظم ُمعلمي الكنيسة بعد الرسل“‪ 88،‬دفع‬
‫ُ‬
‫مشهورا ُب الغرب‪ .‬معرفتو للتفسّب جائت عن‬
‫ً‬ ‫اظبو‬ ‫وجعل‬ ‫ة‪،‬‬‫ّ‬‫البلتيني‬ ‫إذل‬ ‫مقاالتو‬ ‫كل كتبو‪ ،‬وترجم الكثّب من‬
‫الكثّب ليقتِب ّ‬
‫عدو لدود ضد أورهبانوس‪.‬‬
‫ينزي‪ .‬لكنّو‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬انقلب إذل ّ‬
‫رجال أورهبانوسيّْب مثل ديديبوس الضرير وغريغوريوس النز ّ‬
‫كما مدحو القديس أغسطينوس‪.‬‬
‫األولْب مدحو يوسابيوس وسقراط جدًّا‪.‬‬
‫بْب اؼبؤرخْب ّ‬
‫أخّبا أتذ ّكر ُؾبّرد أظباء لتبلميذه واؼبعجبْب بو‪ :‬القديس يوحنا أسقف أورشليم‪ ،‬ويوسابيوس أسقف ‪،Vercellae‬‬
‫ً‬
‫ُ‬ ‫‪89‬‬
‫تعرض ذىيب الفم لكثّب من اؼبتاعب‪ .‬والقديس ببلديوس‪ ،‬وتوتيم أسقف سيٍب‬
‫واإلخوة الطوال القامة‪ ،‬الذين بسببهم ّ‬
‫عدو أورهبانوس‪.‬‬
‫الذي اعَبض على أبيفانيوس ّ‬
‫شهادة القديس أثناسيوس لتعاليم أوريجانوس‬
‫‪De‬‬ ‫األول اؼبنعقد سنة ٕٖ٘‬
‫الرسورل كتابًا للدفاع عن صيغة إيبان ؾبمع نيقية اؼبسكوشلّ ّ‬
‫ّ‬ ‫كتب القديس أثناسيوس‬
‫‪Decretis‬‬

‫ٗ‪ ٛ‬راحؽ مًس ًوحٌا ص ‪21‬؛ خمخ ر اترخي األمة اًلبع َّة‪ ،‬ص‪.319-312‬‬
‫‪85‬‬
‫‪Harnak: History of Dogma, vol 4, P 334.‬‬
‫‪86‬‬
‫‪Dom Marsili Giovanni: Cassiano ed Evagris Pontics, Rome 1936.‬‬
‫‪87‬‬
‫‪FR. Von Balthassi: Kosmische Liturgie, Freiburg in Breisgau 1941.‬‬
‫‪88‬‬
‫‪Praef in Quaest in Gen.‬‬
‫‪ ٜٛ‬راحؽ‪ :‬اًلدٌس ًوحٌا ذُيب اًف ‪ً ،‬ؤلب اتدرس ًـلوب‪ ،‬اإلسىٌدرًّة ‪8198‬م‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫القرن الثالث‬

‫وُب الفصل (‪ )ٙ‬من ىذا الدفاع يستشهد القديس أثناسيوس بأربعة آباء ومعلّمْب استلم منهم آباء ؾبمع نيقية اإليبان‬
‫اؼبستقيم بأن ابن اهلل من نفس جوىر اآلب‪ .‬وقد كان أورهبانوس ىو أحد ىؤالء اآلباء الذين استشهد ُّم‪.‬‬
‫ُ‬
‫وننقل ىنا ما كتبو القديس أثناسيوس عن إيبان أورهبانوس‪:‬‬
‫”وفيما ىبص الوجود األزرلّ للكلمة مع اآلب‪ ،‬وأن الكلمة ليس من جوىر آخر بل ىو من اآلب‬
‫ذاتو‪ ،‬كما قال األساقفة ُب اَّمع‪ ،‬يبكنكم أن تسمعوا أيضًا من أورهبانوس؛ ؿبب األتعاب‪ 90،‬أل ّن ما‬
‫كتبو من باب البحث والتدريب‪ ،‬ال ينبغي ألى أحد أن يعتربه ُؾبرّد مشاعره الشخصيّة‪ ،‬بل ىى أفكار‬
‫الفرق اؼبتصارعة ُب البحث‪ ،‬أمّا ما يعلنو بصورة مؤكدة وؿبدّدة‪ ،‬فهذا ىو فكر ىذا اإلنسان احملب‬
‫لؤلتعاب‪ ...‬فهو يقدّم اعتقاده الشخصيّ ىكذا‪[ :‬صورة اإللو غّب اؼبنظور ىى صورة غّب منظورة‪ ،‬بل‬
‫أذباسرّ وأقول دبا أنو صورة اآلب فهو كان موجودًا دائمًا‪ .‬ألنّو مٌب كان اهلل ‪-‬الذي حبسب يوحنا يدعى‬
‫حٌب يتجرأ أي إنسان أن يؤكد أن أصل‬ ‫النور (ألن ”اهلل نور“)‪ -‬مٌب كان بدون ُّاء َّده الذاٌب‪ّ ،‬‬
‫قببل؟ لكنّ مٌب كان صورة اآلب الٍب ال يعرب عنها‪ ،‬واعبوىر الذي ال‬
‫وجود االبن كأنو دل يكن موجودًا ً‬
‫يسمى وال ينطق بو‪ ،‬ذلك التعبّب والكلمة‪ ،‬والذي يعرف اآلب‪ ،‬مٌب كان غّب موجود‪ .‬بل دع ذلك‬
‫الذي يتجاسرّ أن يقول‪” :‬كان االبن غّب موجود ُب وقت ما“‪ ،‬دعو يفهم جيدًا أنو ُّذا ىو يقول إ ّن‬
‫اغبكمة دل تكن موجودة ُب وقت ما‪ ،‬والكلمة دل يكن موجودًا‪ ،‬واغبياة دل تكن موجودة“‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫‪φιλοπόνου = Labour – Loving.‬‬
‫أورد اًلدٌس أزياس َوس ُذا اًوضف مبدح أورجياهوس مرة ُأخرى يف اًرساةل اًرابـة إىل األسلف رسابَون ؾن اًروح اًلدس (اهؼر اًرسااي ؾن اًروح اًلدس إىل رسابَون ‪ )1:2‬اًرتمجة‬
‫اًـربَة‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫نبذة عن بعض الهرطقات التي ظهرت في القرون الثالثة األولى‬
‫ىي الهرطقات والبدع‬
‫ما َ‬
‫ىي كلمة يونانيّة ”‪ “Hairesis -αίρεσις‬ومعناىا اختيار‪ ،‬وقد استخدمت للتعبّب عن اؼبدارس الفكرية‬
‫كلمة ىرطقة َ‬
‫إؽبيّلينية‪ ،‬اليونانيّة‪ ،‬كما استخدمت ُب العهد اعبديد دبعُب ”شيعو‪ ،‬مذىب‪ ،‬بدعة“‪ ،‬وذلك للتعبّب عن اعبماعات اليهوديّة‬
‫مثل ”شيعة ‪ αίρεσις‬الصدوقيْب‟ (أع٘‪ ،)ٔٚ:‬و„مذىب ‪ αίρέσεως‬الفريسيْب‟ (أع٘ٔ‪٘:‬؛ أع‪.)٘:ٕٙ‬‬
‫اليهودي يوسيفوس اؼبعاصر لتبلميذ اؼبسيح (ٖ٘‪ٔٓٓ-‬م) ُّذا اؼبعُب‪ ،‬وطبقها على‬ ‫ّ‬ ‫قد استخدمها اؼبؤرخ والكاىن‬
‫ُ‬
‫وىي الفريسيْب والصدوقيْب واآلسينيّْب‪ 91.‬كما استخدمت من وجهة نظر‬ ‫اؼبذاىب اليهوديّة الٍب كانت سائدة ُب عصره‪َ ،‬‬
‫اليهود لوصف اعبماعة اؼبسيحيّة ُب أيامها األوذل والٍب نظروا إليها كجماعة خارجة من اليهوديّة ومن ٍبُا ُدعيت بـ”الطريق‬
‫كل مكان“ (أع‪ ،)ٕٕ:ٕٛ‬كما ُو ِصف‬ ‫الذي يقال لو شيعة ‪( “αίρεσιν‬أعٕٗ‪ ،)ٔٗ:‬و”مذىب ‪ αίρέσεως‬يقاوم ُب ّ‬
‫القديس بولس بـ” ُمق ّدام شيعة ‪ αίρέσεως‬الناصريْب“ (أعٕٗ‪.)٘:‬‬
‫واستخدمت ُب الكنيسة األوذل دبعُب ”بدعة ‪( “αίρεσεις‬غل٘‪ ،)ٕٓ:‬لوصف اعبماعات الٍب خرجت عن التسليم‬
‫الرسورل وتعاليم الكنيسة‪ ،‬والذين ُوصفوا بأصحاب ”البدع ‪ٔ( “αίρεσεις‬كؤٔ‪ ،)ٜٔ:‬والذين يقول عنهم القديس‬ ‫ّ‬
‫ب الذي اشَباىم هبلبون على أنفسهم‬
‫الر ّ‬
‫بطرس أهنم معلمون كذبة ”الذين يد ّسون بدع ‪ αίρεσεις‬ىبلك وإذ ىم ينكرون ّ‬
‫سريّعا“ (ٕبطٕ‪.)ٔ:‬‬
‫ىبلكا ّ‬
‫شاع بعد ذلك تعبّب ىراطقة للتعبّب عن أصحاب البدع واؽبرطقات الٍب خرجت عن اؼبسيحيّة وصار ؽبم فكرىم‬
‫اػباص‪ .‬يقول ا‬
‫العبلمة ترتليان‪:‬‬
‫”ألهنم ىرطقة فبل يبكن أن يكونوا مسيحيّْب حقّيقيّْب ألهنم حصلوا على ما أتّبعوه ليس من اؼبسيح بل‬
‫باختيارىم اػباص‪ ،‬ومن ىذا السعي جلبوا على أنفسهم وقبلوا اسم ىراطقة‪ .‬وىكذا فلكوهنم غّب‬
‫مسيحيّْب دل ينالوا أي حقّ ُب األسفار اؼبسيحيّة اؼبقدّسة؟ ومن العدل أن نقول ؽبم “ من أنتم؟ من‬
‫ُ‬
‫أين ومٌب جئتم؟ وألنكم لستم منا ماذا تفعلون دبا ىو لنا؟ حقًّا‪ ،‬بأي حقّ يا مركيون تقطع خشيب؟‬
‫‪92‬‬
‫ربول ؾباري نبعي؟“‬ ‫ومن الذي ظبح لك يا فالنتينوس أن ٍّ‬
‫السيمونيّة‬
‫كل ىرطقة وبدعة‬
‫عاصرا للرسل (أع‪ ،)ٔٓ :ٛ‬وقد نسب إليو آباء الكنيسة ّ‬
‫نسبة إذل سيمون الساحر‪ ،‬الذي كان ُم ً‬
‫دخلت إذل اؼبسيحيّة‪ ،‬يقول عنو القديس يوستينوس‪” :‬إنو ولد ُب قرية جيتون‪ ،‬ووصل إذل روما ُب عهد اإلمرباطور‬

‫‪91‬‬
‫‪Jud. II ,Viii,I, Ant. XIII,V,9.‬‬
‫‪92‬‬
‫‪Tertullian, The Prescription Against Heretics.‬‬

‫‪41‬‬
‫اهلرطقات‬

‫كلوديوس‪ ،‬حيث عُبِد كإلو“‪ 93.‬يكتب عنو القديس كّبلس األورشليمي‪” :‬ىذا الرجل بعد أن طرده الرسل جاء إذل‬
‫ذباسر بفمو اؼبملوء ذبدي ًفا أن ي ّدعي أنو ىو الذي ظهر على جبل سيناء‬
‫روما‪ ،‬واستمال إليو زانية تُدعى ىيبلنة‪ ،‬وقد ّ‬
‫يقي‪ 94،‬وبعد ذلك كالروح القدس الذي وعد اؼبسيح أن‬‫كاآلب‪ ،‬وظهر كيسوع اؼبسيح بْب اليهود‪ ،‬وليس ُب جسد ح ّق ّ‬
‫‪95‬‬
‫كمع ٍز“‪.‬‬
‫يُرسلو ُ‬
‫المتنصرين‬
‫األبيونيّة ‪ ،Ebionites‬المتهودون أو اليهود ُ‬
‫ظلوا ُمتمسكْب بتقاليدىم اليهوديّة‪ ،‬ورفضوا اإليبان بالثالوث‪ .‬وقالوا بأن الروح القدس قوة مؤنثة وأهنا أم اؼبسيح‪ .‬وقد‬
‫حٌب القرن السابع‪ .‬كانوا وبفظون السبت على الرغم من احتفاؽبم بيوم‬ ‫تزعمهم كّبنثوس‪ ،‬وقد أ ارقت ىذه البدعة الكنيسة ّ‬
‫األحد مع اؼبسيحيّْب‪ ،‬ورفضوا اؼبيبلد العذراوي‪ ،‬كما علاموا ً‬
‫أيضا بالتبِب‪ ،‬أي أن يسوع كان ُؾبّرد إنسان ارتفع ُب اَّد‬
‫واربد باهلل من أجل فضائلو‪ ،‬وُّذا فليس ىو اهلل الظاىر ُب اعبسد‪.‬‬
‫وىي من الكلمة العربيّة ( ֶא ְביר ֹן)‪ ،‬وصبعها أبيونيم‪ ،‬والٍب تعِب ”الفقراء“‪،‬‬‫دعاىم رجال الكنيسة بـ”األبيونيْب“‪َ ،‬‬
‫نسبة إذل فقر تعاليمهم وضحالتها‪.‬‬
‫قائبل‪:‬‬ ‫وقد ربدث عنهم ا‬
‫العبلمة ىيبوليتس الروماشلّ ً‬
‫”يعَبف األبيونيون‪ ،‬على آية حال‪ ،‬أن العادل خُِلق بواسطة الذي ىو اهلل باغبقّيقة‪ ،‬لكنّهم يزعمون عن‬
‫اؼبسيح أساطّب مثيلة دبا زعمو كّبنثوس وكربوكريتس‪ .‬ويعيشون حبسب عادات اليهود زاعمْب أهنم‬
‫يتربّرون بإسبام الناموس‪ .‬لذلك فقد كان ‪-‬حبسب األبيونيْب‪ -‬أن اؼبخلّص دُعيا مسيح اهلل ويسوع‪ ،‬ألنّو‬
‫حٌب لو حفظ أي أحد أخر‪ ،‬وسبّم الوصايا احملتواة‬ ‫وال واحد من بقية البشر حفظ الناموس سبامًا‪ .‬ألنّو ّ‬
‫ُب الناموس سيكون ىذا مسيحًا‪ .‬ويزعم األبيونيْب‪ ،‬أهنم ىم أيضًا عندما يتممون الناموس‪ ،‬بنفس‬
‫‪96‬‬
‫الطريقة سيصبحون مسحاء؛ ألهنم يؤكدون أن رّبّنا نفسو كان إنسانًا مثل كلّ البشر“‪.‬‬
‫جديدا مع‬
‫ً‬ ‫ب‬‫الر ّ‬
‫أسسو ّ‬‫لقد كان أغلب األبيونيْب مسيحيّْب‪ ،‬لكنّهم رفضوا االعَباف جبديد اإلقبيل‪ ،‬العهد الذي ّ‬
‫الكنيسة‪ ،‬وظلوا ُمتمسكْب بالشريعة اليهوديّة‪ .‬ويرفض ىؤالء األبيونيون أن يكون اؼبسيح قد ولِد من عذراء‪ ،‬ىو ـبلوق‬
‫مثل رؤساء اؼببلئكة‪ ،‬وىو يبلك على اؼببلئكة‪ ،‬وعلى صبيع اػببلئق‪.‬‬
‫اغبسايب‬
‫ّ‬ ‫كل ما يُه ّدد فكرة التوحيد بالشكل‬
‫الثالوثي‪ ،‬ورفضت ّ‬
‫ّ‬ ‫وعليو‪ ،‬فقد اسقطت األبيونيّة من حسباهنا اإليبان‬
‫كل خليقتو‪ ،‬وىذا ما عُ ِرف‬
‫البشري‪ ،‬لذا‪ ،‬اعتربت اؼبسيح ُؾبّرد ـبلوق‪ ،‬اصطفاه اهلل غبسن سلوكو‪ ،‬وإيبانو‪ ،‬وجعلو ابنًا فوق ّ‬
‫ّ‬
‫فيما بعد بـ”التبنويّة“‪.‬‬

‫ٖ‪ ٜ‬هواسنت‪ ،‬ابحروًويج‪ ،‬مرحؽ سابق‪ ،‬ص ‪.616‬‬


‫اًخلارب بن اًفىر اًس ميو ي وفىر اًِرظلة اًغيوضَّة‪.‬‬ ‫ٗ‪ ٜ‬اكهت اًغيوضَّة ثـخلد أن اجلسد ُو رش نٌل اًـامل ّ‬
‫املادي اذي خَلَ اإلهل اًرشٍر‪ ،‬وُُيا ًؼِر مدى ّ‬
‫٘‪ ٜ‬امللاالت ًعاًيب اًـٌلد ‪.82 :2‬‬
‫‪96‬‬
‫‪Refutation of All Heresies 7: 22.‬‬

‫‪41‬‬
‫اهلرطقات‬

‫ذكرىم القديس جّبوم‪ُ ،‬ب إحدى رسائلو إذل القديس أغسطينوس‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬
‫”إ ّن اؼبسألة الٍب ىيَ موضوع اؼبناقشة‪ ...‬يبكن أن تُلخص ُب اآلٌب‪ :‬أنو منذ الكرازة باقبيل اؼبسيح‪،‬‬
‫وبفظ اليهود الذين آمنوا وصايا الناموس حبرص‪ ...‬فإ ّن كان ىذا صحيحًا‪ ،‬فإننا نسقط ُب ىرطقة‬
‫كّبينثوس وإبيون اللذين‪ ،‬رغم إيباهنما باؼبسيح‪ ،‬حُرما بواسطة اآلباء من أجل ىذا اػبطأ الواحد أهنما‬
‫خلطا بْب شعائر وطقوس الناموس من جهة‪ ،‬وإقبيل اؼبسيح من اعبهة األخرى‪ ،‬وأعلنا إيباهنما ُب ما‬
‫ىو جديد بينما دل يتخليا عن ما ىو قدصل‪ .‬وؼباذا أربدث عن اإلبيونيْب‪ ،‬الذين يداعون اهنم مسيحيّون؟‬
‫فإنّو ُب أيامنا ىذه توجد طائفة بْب اليهود والٍب تتخلل كلّ ؾبامع الشرق‪ ،‬وتدعى طائفة ‪ Minei‬وىيَ‬
‫اآلن أيضًا قد حُرمت بواسطة الفريسيْب‪ .‬وأتباع ىذه البدعة يُعرفون ”بالناصريْب“‪ .‬يؤمنون باؼبسيح أنو‬
‫ابن اهلل وقد وُلد من العذراء مرصل‪ ،‬ويقولون إن الذي تأدل ربت حُكم بيبلطس البنطي وقام ثانيةً ىو‬
‫نفسو الذي نؤمن بو‪ .‬لكنّ بينما ىم يرغبون أن يكونوا يهودًا وُب نفس الوقت مسيحيّْب صاروا ليسوا‬
‫يهودًا وال مسيحيّْب‪ ...‬لذلك إن كان اليوجد بديل لنا سوى أن نقبل يهودًا ُب الكنيسة‪ ،‬ىم‬
‫واؼبمارسات الٍب يفرضها ناموسهم‪ ،‬وإن كان باختصار‪ ،‬سوف يُعلن شرعيًا بالنسبة ؽبم أن يستمروا ُب‬
‫كنائس اؼبسيح وأن يبارسوا ما اعتادوا فبارستو ُب ؾبامع الشيطان‪ ،‬سأقول لك رأيي ُب ىذا األمر‪ ،‬إهنم‬
‫‪ٜٚ‬‬
‫لن يصبحوا مسيحيّْب‪ ،‬لكنّهم سيحولوننا إذل يهود“‪.‬‬
‫‪Gnosticism‬‬ ‫الغنوصيّة‬
‫كل شئ‪،‬‬ ‫أو ”العرفان‪ ،“γνωσις -‬أي الذين يبتغون اؼبعرفة‪ .‬تيار خلط بْب الدين والفلسفة‪ ،‬يرتكز على اؼبعرفة ليشرح ّ‬
‫ري‪ ،‬الذي ىو كائنات ُمنبثقة‬
‫والسياما البلىوتيًّات‪ .‬واؽبدف النهائي من اؼبعرفة حبسب الغنوصيّة‪ ،‬ىو خبلص اعبنس البش ّ‬
‫من اإللو‪ ،‬وقد ًَبا حبسها داخل أجساد ُب عادل الشر‪.‬‬
‫وقد تاثرت الغنوصيّة بع ّدد من الفلسفات اليونانيّة‪ ،‬وأخذت منها عناصر ُـبتلفة تكونت من خبلؽبا تعاليمها الدينية؛‬
‫فقد أخذت عن األفبلطونيّة اغبديثة فكرة الوسطاء بْب اهلل والعادل‪ ،‬وعن الفيثاغورية النظرة النسكيّة الزىديّة واؼبتصوفة‪،‬‬
‫األخبلقي للفرد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وعن الرواقيّة الواجب‬
‫األول وبداية القرن الثاشل‪ُ ،‬ب اإلسكندريّة‪ ،‬وأنطاكيّة‪ ،‬وروما‪ .‬ولقائها مع‬ ‫وقد انتشرت الغنوصيّة ُب أوائل القرن ّ‬
‫اؼبسيحيّة قد أكسبها أنبّيّة بالغة‪ ،‬إذ تسلّلت بْب اؼبؤمنْب‪ ،‬وخاصة اؼبثقفْب‪ ،‬الذين أرادوا وضع ماىية عقلية للمسيحيّة‪.‬‬
‫ُ‬
‫أىم قادهتا‪ ،‬واُنتِجت خبللو الكثّب من األعمال واألناجيل‬
‫وقد كان أزىر عصورىا ىو القرن الثاشل‪ ،‬الذي فيو ظهر ّ‬
‫‪98‬‬
‫الغنوصيّة‪ ،‬الٍب اكتُ ِشفت حديثًا من خبلل ”مكتبة قبع ضبادي“ ُب مصر‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫‪BJ Kidd, ed., Documents Illustrative of the History of the Church, vol. 1, Macmillan, New York, 1932, pp. 265, 266.‬‬
‫‪ً ٜٛ‬ـود اًفضي يف مـرفذيا ابًغيوضَّة إىل مىذدة جنؽ حٌلدي‪ ،‬فلبي اندشافِا مل ىىن هـرف ؾمها غري ما خاء يف نخاابت اآلابء اذٍن واهجوُا‪ ،‬مثي إٍرهُئوس وَُدوًَخوس وأبَفاهَوس‪ ..‬وغريمه‪.‬‬
‫ُىرر‪ .‬وُذٍ اًيطوص مجَـِا كد متت حرمجهتا من اًَوانهَّة إىل اًلبعَة‪ .‬وكد اندُشفت يف ؿام‬‫ُجدلا‪ ،‬ثخضمن واحد ومخسن ًهطا‪ ،‬بـضِا م ّ‬‫ويه ٍلوؿة من اخملعوظات جشمي زبلزة ؾرش م ً‬ ‫َ‬
‫‪42‬‬
‫اهلرطقات‬

‫األول ”سيمون“ وىو‬ ‫فقد أخذوا شيئًا ما دبا تقولو الكنيسة‪ ،‬وإمبا بصورة مش اوىة وعلى اتساع ربليلي‪ ،‬وكان زعيمها ّ‬
‫ساحر سفر األعمال‪ ،‬وكان قبل عماده يُدعى من صبيع الشعب ”قوة اهلل العظيمة“ (أع ‪ ،)ٔٓ:ٛ‬لِ ّما كان يأتيو من‬
‫معجزات‪ .‬وكان قد تلقاى بعض تعاليم الرسل ُب ما ىبتص بأن القوة اإلؽبيّة إمبا تتصل مباشرة باسم الروح القدس كما ىو‬
‫مد اون بوضوح ُب سفر األعمال (أع ‪ ،)ٜٔ-ٜ:ٛ‬لكنّو إرتد من بعد عماده (من أيدي الرسل) وًبّ عزلو عن الكنيسة‪،‬‬
‫ىي ق اوة مؤناثة‪ .‬وتقول الغنوصيّة بالثنائية‪ ،‬أي أهنا‬
‫ىي ”الباراكليت“ وأن القوة الٍب تنبثق من اهلل َ‬
‫فا ادعى أن شريكتو ىيبلنة َ‬
‫خّب يسعى إلنقاذ البشر‪ .‬كما تؤمن أن بأن أرواح البشر من بْب ىذه‬ ‫تؤمن بإؽبْب‪ ،‬إلو شرير قد خلق العادل‪ ،‬وإلو ّ‬
‫وىي سجينة أجساد نُفخت بداخلها‪ ،‬وتسعى للخبلص من خبلل النسك مع اؼبعرفة‪ ،‬وُّذا تطهر‬ ‫الكائنات اإلؽبيّة‪َ ،‬‬
‫اإلؽبي‪.‬‬
‫الروح وتعود بعد اؼبوت إذل ّ‬
‫وُيبكن تلخيص اػبطوط العامة للعقائد الغنوصيّة كالتارل‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬يوجد تعارض تام بْب النظام الكوشل ؽبذا العادل‪ ،‬وبْب اهلل الفائق السمو بغّب حدود‪ ،‬وال ُيبكن التوفيق بينهما حبال‬
‫من األحوال‪ .‬فالعادل ُب الغنوصيّة ىو عادل من الصراعات اؼبستمرة‪ ،‬واالنقسام والتضاد بْب النور والظلمة‪ ،‬وداخل‬
‫ُ‬
‫اؼبادي‪ ،‬وتؤدي ىذه الثنائية إذل رفض مبدأ وحدة اػبالق‪ ،‬الذي ىو أساس تقليد‬ ‫اإلنسان ذاتو بْب الروحاشل و ّ‬
‫اؼبسيحي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اليهودي و‬
‫ّ‬ ‫الفكر‬
‫فهي تؤمن خبلق العادل من خبلل إؽبْب‪:‬‬
‫الغنوصي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الديبورج‪ ،‬خالق ىذا العادل‪ ،‬وُّذا فهو خالق الشر‪ ،‬وىو إلو العهد القدصل‪ ،‬حبسب الفكر‬
‫وىناك كائن وسيط بْب النور والظُلمة يُدعى ”الروح‪ ،‬أو اللوغوس“‪.‬‬
‫ُ‬
‫كل شئ‪ ...‬وغّب ذلك‪.‬‬
‫واإللو األظبى‪ ،‬الذي يدعونو بصفات سلبية‪ ،‬أي‪ :‬الغّب موصوف‪ ،‬غّب اؼبعروف‪ ،‬بداية ّ‬
‫اإلؽبي األظبى‪.‬‬
‫دائما‪ ،‬وزبص الكائن ّ‬ ‫إؽبي ً‬
‫الغنوصي يؤمن أن الروح اإلنساشلّ‪ ،‬مصدرىا ّ‬
‫ّ‬ ‫ٕ‪-‬‬
‫ٖ‪ -‬الروح الذي ىو من اإللو األظبى‪ ،‬اختلط بعنصرين أدسل منو‪ ،‬وىم من نتاج الديبيورج الشرير‪ ،‬نبا النفس واعبسد‪.‬‬
‫ويظل اإلنسان على غّب درآية أو ال يعرف بوجود الروح‪.‬‬
‫اإلؽبي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ٗ‪ -‬وىذا الروح وبتاج إذل فاد‪ ،‬كيما ُىبلّصو من قيود اعبسد‪ ،‬الذي ىو دبثابة سجن للمخلوق ّ‬
‫فدراسة ُمدقّقة ؽبا ذبعلنا ُقبزم أ ّهنا خليط ما بْب إؽبيّلينيّة والعربانيّة‪ .‬ومن أشهر قادهتا‪ :‬ماركيون‪ ،‬باسيليدس‪ ،‬فالنتينوس‪.‬‬

‫‪8182‬م ؾيد حبي اًعارف‪ ،‬يف اًضفة اًرشكِة ًوادي اًيَي‪ ،‬ؿىل ًد فبلح م ري ًُدؾى‪” :‬مُحمد ؿىل اًس ّمان“ (اهؼر‪ :‬ش يودة ماُر إحسق (اًلس)‪ً ،‬وحٌا وس مي(ادلنخور)‪ ،‬حراث األدب‬
‫مؤسسة اًلدٌس مركس دلراسات اًخارخي اًلبعي‪ ،)6993 ،‬ص ‪.)868‬‬ ‫اًلبعي (اًلاُرة‪ّ :‬‬
‫‪43‬‬
‫اهلرطقات‬

‫أشهر أعضائها‬
‫‪Marcion‬‬ ‫‪ -6‬ماركيون‬
‫أحد ىراطقة القرن الثاشل‪ُ ،‬وبسب كواحد من الغنوصيّْب‪ُ ،‬ولِد ُب بنطس‪ ،‬وكان يعمل ُب صناعة السفن‪ ،‬انتمى إذل‬
‫كنيسة روما‪ ،‬وقد حرمتو عام ٗٗٔم بسبب أفكاره اؼبنحرفة‪ ،‬فقد كان ُمعاديًا لليهوديّة‪ ،‬ويرفض العهد القدصل‪.‬‬
‫ُ‬
‫ألّف كتاب للعهد اعبديد خاص بو‪ ،‬صبعو من بعض رسائل بولس‪ ،‬ومن أجزاء من إقبيل لوقا‪ .‬وقد ّأدعى أن للعادل‬
‫وؿبب وىو من كشفو لنا اؼبسيح‪ ،‬الذي ذبسد ظاىريًا‬ ‫ومنتقم وىو إلو العربانيّْب‪ ،‬وآخر بار ُ‬‫إؽبْب‪ ،‬أحدنبا ظادل وشرير ُ‬
‫فقط‪ ،‬ودل يكن لو جسد من غبم ودم مثلنا‪ .‬لذا‪ ،‬قبد القديس إيرينيئوس يقول عنو‪” :‬عندما يقسم ماركيون اهلل إذل اثنْب‪،‬‬
‫‪99‬‬
‫عادل‪ ،‬فهو ُب اغب ّقيقة يضع هناية لؤللوىة كلها“‪.‬‬
‫احدا صاحلٌ واآلخر ٌ‬
‫معلنًا أن و ً‬
‫كل من يوستينوس‪ ،‬وترتليان‪ ،‬وأورهبانوس‪ ،‬وإيرينيئوس‪ ،‬وحاربوا ىذه البدعة الٍب دل تنتو اإال مع مطلع القرن‬
‫وقد واجهو ّ‬
‫العاشر‪.‬‬
‫يقول عنو ق‪ .‬كّبلس األورشليمي‪:‬‬
‫”لتمقتوا أيضًا أتباع ماركيون الذين يفصلون بْب أقوال العهد القدصل والعهد اعبديد أل ّن ماركيون أعظم‬
‫اؼبنافقْب‪ ،‬زعم بوجود ثبلثة آؽبة‪ ،‬وإذ عرّف أن ُب العهد اعبديد شهادات األنبياء عن اؼبسيح‪ ،‬ترك‬
‫‪100‬‬ ‫ُ‬
‫حٌب ترك اؼبلك بغّب شهادة“‪.‬‬
‫ّ‬ ‫القدصل‬ ‫العهد‬ ‫من‬ ‫اؼبأخوذة‬ ‫الشهادات‬
‫‪Valentinus‬‬ ‫‪ -2‬فالنتينوس‬
‫أسس ُىناك مدرسة‪ ،‬وؼبا ُح ِرم من الكنيسة‬
‫علما مصريًا بدأ نشاطو ُب اإلسكندريّة‪ٍ ،‬بُا ذىب إذل روما حيث ّ‬
‫كان ُم ً‬
‫ثبلثْب‬
‫أنشأ صباعة خاصة ُمستقلة‪ ،‬وىو أحد اؽبراطقة الغنوصيّْب اؼبشهورين‪ .‬وكان يؤكد على أن اإللوىيّة تتكون من ّ‬
‫إيونًا‪ 101‬منهم الروح القدس‪ .‬وقال إ ّن إنبثاق الروح القدس ليس بصورة مباشرة من اهلل‪.‬‬
‫وقال إ ّن اإللو فيتوس (أي العمق) ولد شبانية أيونات‪ ،‬ومنهم ُولد عشرة‪ ،‬ومن العشرة ُولد أثنا عشر ذكرا وأنثى‪ ،‬وولد‬
‫سيغا (أي الصمت)‪ ،‬من ىذا اإللو فيتوس‪ ،‬ومن سيغا ولد الكلمة‪ ،‬كما قال إ ّن كمال اآلؽبة ىو كائن يُدعى اغبكمة‪،‬‬
‫‪102‬‬
‫وىو اؼبسيح!!‬

‫‪99‬‬
‫‪DW Bercot, ed., A Dictionary of Early Christian Beliefs, Hendrickson Publishers, Massachusetts, 1998, p. 419.‬‬
‫ٓٓٔ امللاالت ًعاًيب اًـٌلد ‪.9 :82‬‬
‫يه موحودات أو آًِة ػِرت نفِظ من اإلهل األؿىل‪.‬‬
‫اًغيوص َ‬
‫ّ‬ ‫ٔٓٔ اإلًوانت‪ :αἰών -‬يف اًفىر‬
‫ٕٓٔ اًلدٌس نريًس األورشَميي‪ ،‬اًـؼات‪.81 ،89 :2 ،‬‬

‫‪44‬‬
‫اهلرطقات‬

‫جسدا إنسانيًّا ح ّقيقيًّا‪ ،‬بل ازبّذ ىيئة اعبسد‪ ،‬مظهر اعبسد وىيئة اإلنسان ألنّو ال يبكن أن‬
‫وقال إ ّن اؼبسيح دل يتخذ ً‬
‫جسدا ظبائيًّا أو أثّبيًا‪ ،‬وىو‪ ،‬حسب قولو دل يُولد من العذراء‬
‫ىي شر حبسب اعتقاده! ازبّذ ً‬ ‫يأخذ جسد من اؼبادة الٍب َ‬
‫‪103‬‬
‫لكن جسده اؽبوائي مار من خبلل جسدىا العذراوي!!‬ ‫ّ‬
‫‪Basilides‬‬ ‫‪ -0‬باسيليدس‬
‫حبسب إيرينيئوس‪ ،‬فإ ّن باسيليدس كان ُمعلّ ًما ُب اإلسكندريّة‪ ،‬وعاش ُب عهد اإلمرباطور ىدريان‪ ،‬وأنطونيوس بيوس‬
‫‪104‬‬
‫إقبيبل ليس ُب حوزتنا منو سوى شذرة واحدة‪ ،‬وكتاب آخر باسم ”التفسّب‪،“Exegetica -‬‬ ‫(ٕٓٔ‪ٔٗ٘ -‬م)‪ .‬كتب ً‬
‫السكندري‪ 106.‬كما ألّف مزامّب وأناشيد دل‬
‫ّ‬ ‫وإكليمندس‬ ‫‪105‬‬
‫بقي لنا منو بعض الشذرات الٍب اقتبسها ىيجيمونيوس‪،‬‬‫ا‬
‫يبقى منها شئ‪.‬‬
‫الغنوصي‪ ،‬والٍب تُدعى ”إيونات“‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العقائدي ُب أنو يؤمن بإنبثاقات الفيض ُب اإللوىة‪ ،‬حبسب الفكر‬
‫ّ‬ ‫يتلاخص فكره‬
‫وىي تتساوى مع ع ّدد أيام السنة‪ .‬وإن اؼبسيح‪ ،‬وىو‬
‫تسكن ُب ثبلشبائة طبس وستْب من السماوات الٍب خلقتها لنفسها‪َ ،‬‬
‫االبن البكر هلل‪ ،‬وىو ”النوس“ أو العقل‪ ،‬قد جاء لينجي الذين يؤمنون بو من سلطان العادل‪ .‬وعند الصلب جاء ظبعان‬
‫ظل يسوع واق ًفا ُّيئة ظبعان‬‫ُلقي شبهو عليو‪ ،‬وصلب مكانو باعبهل واػبطأ‪ ،‬بينما ّ‬ ‫القّبواشل ليحمل معو الصليب‪ ،‬فأ ا‬
‫‪107‬‬
‫غّب ىيئتو بإرادتو‪ ،‬وصعد إذل الذي أرسلو‪.‬‬
‫يسخر منهم‪ٍ ،‬بُا ّ‬
‫تبعا لتعاليمهم ويصوغون تعاليمهم بألفاظ وعبارات‬ ‫الغنوصيّون اؼبسيحيّون باالصبال يفسرون العقائد اؼبسيحيّة ً‬
‫مسيحيّة‪ .‬فهم يُقيامون الثنائية على ما يزعمون من تعارض بْب التوراة واإلقبيل‪ ،‬إذ يقولون إن التوراة تصور إؽبًا قاسيًا‬
‫جبارا‪ ،‬بينما اإلقبيل يكشف لنا عن إلو وديع حليم َخ اّب للغاية‪ .‬فذىب باسيليدس للقول بإن إلو العهد القدصل ما ىو اإال‬‫ً‬
‫رئيس اؼببلئكة األشرار‪ ،‬وال صلة بْب اؼبسيح اؼبخلّص وبْب اؼبسيح اغبرىب الذي وعد بو أنبياء العهد القدصل الناطقون عن‬
‫تاما‪ ،‬ويقبلون‬
‫لكن اؼبسيح جاء لتحقيق رسالة مساندة للمسيحيّة‪ .‬لذلك كان الغنوصيّون ينبذون التوراة نب ًذا ً‬
‫وحى إؽبهم‪ّ ،‬‬
‫من بْب األناجيل والرسائل ما يروق ؽبم‪ ،‬ووبذفون ما ال يقبلونو من الفصول واآليات اؼبناقضة آلرائهم‪.‬‬
‫باسيليدس يضع بعد (اآلب) شباسل ُؾبّرًدات مشخصة صدر بعضها عن بعض‪ ،‬الواحد تلو اآلخر‪ ،‬منها اغبكمة‬
‫األول الصادرين عن اغبكمة صنعوا السماء األوذل‪ ،‬واؼببلئكة الصادرين عنهم صنعوا‬
‫والعدالة والسبلم‪ ،‬ويقول إ ّن اؼببلئكة ّ‬
‫السماء الثانية‪.‬‬

‫ٖٓٔ‬
‫حٌ ّا حرحس اخلرضي (ادلنخور اًلس)‪ ،‬اترخي اًفىر املس ّ‬
‫َحي‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ص ‪.699‬‬
‫ٗٓٔ ضد اًِرظلات ‪.8 :62 :8‬‬
‫‪105‬‬
‫‪Acta Archelai, 67: 4- 11.‬‬
‫‪106‬‬
‫‪Stormat. 4: 12: 81: 1- 88.‬‬
‫‪ ٔٓٚ‬اهؼر‪ :‬ضد اًِرظلات ‪.2 ،3 :62 :8‬‬

‫‪45‬‬
‫اهلرطقات‬

‫أراد اآلب أن يقضى على العمل اؼبشئوم الذي عملو الصانع‪ ،‬وأن ىبلّص اإلنسانيّة التعيسة الٍب دل ىبلقها‪ ،‬والٍب دل‬
‫تكن تعرفو فنزل اؼبسيح من السماء دل يولد من العذراء مرصل‪ ،‬بل ظهر تام التكوين‪ ،‬وأخذ يعلّم ويعرف الناس باآلب‪ ،‬ودل‬
‫جسدا ماديًّا‪ ،‬بل ظهر ُب شبو جسد‪ ،‬أل ّن اؼبادة رديئة‪ ،‬وألهنا ملك الصانع‪.‬‬
‫يتخذ لو ً‬
‫افَبق الغنوصيّون فيما يَبتب على رداءة اؼبادة واحتقار اعبسم‪ ،‬فذىب فريق إذل منع الزواج‪ ،‬وذىب فريق آخر إذل‬
‫إباحة صبيع األفعال‪ ،‬وإعفاء النفس من تبعية ضعف اعبسم‪ّ ،‬أما ما ذىب إليو باسيليدس‪ ،‬فهو‪ :‬إن الشهوة اعبنسية ولو‬
‫أ ّهنا طبيعيّة‪ ،‬اإال إ ّهنا ليست ضرورية‪.‬‬
‫مغايرا هلل‪ ،‬وأن‬
‫صانعا ً‬
‫كان اؼبسيحيّْب ينكرون ذلك أشد االنكار‪ ،‬كما كانوا ينكرون التعاليم الغنوصيّة‪ُ ،‬ب أن للعادل ً‬
‫للنفس حياة سابقة على اغبياة األرضيّة‪ ،‬وأن اػبطية األصلية ارتكبت ُب العادل اؼبعقول‪ ،‬وأن اؼبادة شريرة بالذات‪ ،‬وأن‬
‫األجسام ال تقوم‪ .‬وؼبا كانت ىذه القضايا أفبلطونيّة‪ ،‬وكان الغنوصيّون يستشهدون بأفبلطون ُب ص ّددىا‪ ،‬فقد دعا‬
‫مهما بالنسبة للفلسفات اؼبسيحيّة‪.‬‬
‫البعض من اؼبسيحيّْب أفبلطون بأنو أب البدع‪ُ ،‬ب الوقت الذي كان فيو غّبىم يعتربه ً‬
‫داخلي ؼبواجهة ىذه األخطار الغنوصيّة وصارعت أكثر من قرنْب لتوضح باألقوال‬
‫ّ‬ ‫لقد عاشت الكنيسة ُب صراع‬
‫البلىوتيّة خطورة التعاليم الغنوصيّة اؼبسيحيّة‪.‬‬

‫المونارخيّون ‪ ،Monarchianism‬أو الموحدين‪ ،‬أو مؤلمي اآلب‬


‫ؼبي اآلب“‪ ،‬ألهنم يقولون أن اهلل واحد صمد‪،‬‬
‫صاليب اآلب‪ ،‬أو مؤ ّ‬
‫وىي قريبة الشبو من األبيونية‪ ،‬وقد ُظبيات بـ” ّ‬
‫باؼبفهوم الصنمي الع ّددي‪ ،‬وىم بذلك هبعلون من اآلب مصلوبًا على الصليب‪ ،‬إذ تبلشى مفهوم األقانيم‪ ،‬وصار اآلب‬
‫واالبن والروح القدس ُؾبّرد صور تعبّبية عن اهلل الواحد ع ّدديًا‪.‬‬
‫العبلمة ترتليان‪ ،‬ونوئيتوس الذي كتب ضده ا‬
‫العبلمة ىيبوليتس‬ ‫وأشهر فبثليها ىم براكسياس الذي كتب ضده ا‬
‫الروماشلّ‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫”نوئيتوس الذي من ظبّبنا‪ ،‬طلا علينا ُّرطقتو الٍب جلبها عن إبيجونوس‪ ،‬ووصل ُّا إذل روما‪ ،‬وقد‬
‫أيّدىا كاليستوس (رئيس أساقفة روما ُب ذلك اغبْب)‪ ،‬ويقول إ ّن اهلل اآلب خالق الكون‪ ،‬ىو الذي‬
‫‪108‬‬
‫دُعيا أيضًا باالبن‪ ،‬وىذا شخص واحد‪ ،‬إمبا مُقسم من جهة االسم فقط“‪.‬‬
‫وىي تعِب أن االبن متطابق مع اآلب (يُعرف على أنو اآلب‪،‬‬
‫ينادون بأن الروح القدس ىو أصل وجود اآلب واالبن‪َ .‬‬
‫أو أهنما واحد)‪ .‬ومنهم من يعتقدون بأن اآلب نفسو نزل إذل بطن العذراء‪ ،‬وىو نفسو ُولد منها‪ ،‬وىو نفسو قد تأدل على‬
‫الصليب‪ ،‬وُب اغب ّقيقة ىو نفسو يسوع اؼبسيح‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫‪Refutation of all Heresies, I, 23.‬‬

‫‪46‬‬
‫اهلرطقات‬

‫لقد كان براكسيوس ىو ّأول من جلب ىذا النوع من الضبلل من آسيا إذل روما‪ ،‬حْب رحل إليها ُب عهد اإلمرباطور‬
‫مرقس أوريليوس‪ ،‬وقد ىاصبو ا‬
‫العبلمة ترتليان دبهارة‪ 109،‬ودعاه‪” :‬حامل رسالة الشيطان اؼبزدوجة“‪ ،‬فمن جهة ىو ينكر‬
‫الروح القدس‪ ،‬ومن جهة أُخرى فهو يصلب اآلب‪.‬‬
‫وكلمة ”مونارخيًّا‪ “μοναρχια -‬كانت ُب األصل كلمة أرثوذكسيّة‪ ،‬تُستخدم ُب التعبّب عن وحدة الرأسة الٍب لآلب‪،‬‬
‫أي أن اآلب ىو األصل والينبوع الذي ولد منو االبن‪ ،‬وانبثق عنو الروح القدس‪.‬‬
‫وتنقسم اؼبونارخيّة حبسب منحاىا البلىوٌبّ إذل قسمْب كبّبين‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬التبِب ‪ :Adoptianosme‬تُعلم ىذه النظرية‪ ،‬بأن اؼبسيح‪ ،‬كسائر البشر‪ ،‬ولد كإنسان فقط‪ ،‬ومبا مثل سائر الناس‪،‬‬
‫ربديدا وقت عماده ُب هنر األردن‪ ،‬وبعضهم‬
‫نظرا لتقواه‪ ،‬وحدث ىذا ً‬ ‫خاصا لو‪ً ،‬‬‫وأن اهلل اآلب قد جعل منو ابنًا ً‬
‫يقولون أن ىذا التبِب حدث بعد القيامة‪ .‬وقد قال ُّذه النظرية‪ :‬ثيودوتُس‪ ،‬بولس الساوساطي‪.‬‬
‫أسسها سابليّوس أحد أساقفة اؼبدن اػبمس الغربية‪ ،‬وقد نادى‬ ‫ٕ‪ -‬الشكليّة‪ ،‬أو الدوسيتيّة‪ :‬إحدى شيع اؼبونارخيّة‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫عي االبن‪ ،‬وعندما‬
‫عي اآلب‪ ،‬وعندما خلّصنا ُد ا‬ ‫لكن لو أظباء ُمتع ّددة‪ ،‬فعندما خلقنا ُد ا‬
‫بأن اهلل أقنوم واحد‪ّ ،‬‬
‫عي الروح القدس‪.‬‬
‫ق ّدسنا ُد ا‬
‫جرد أن ارتقى كاليستوس كرسي بطريركية روما (‪ٕٔٚ‬م) قام بعزل سابليّوس من شركة الكنيسة‪.‬‬ ‫دبُ ّ‬

‫الرسورل ضد اؼبونارخيّْب ُب كتابو ”شرح اإليبان“‪ ،‬يقول‪:‬‬


‫ّ‬ ‫كتب القديس أثناسيوس‬
‫وكبن نؤمن باؼبثل بالروح القدس (ٔكوٕ‪ .)ٔٓ:‬وال نعتقد بـ ”ابن‪-‬آب“ كما يفعل السابيليون‪...‬‬
‫ىادمْب بنوة االبن‪ .‬وال كبن نعزو إذل اآلب اعبسد القابل لؤلدل الذي ضبلو االبن من أجل خبلص العادل‬
‫كلو‪ ،‬وال نعتقد بثبلثة أقانيم متفرقة عن بعضها البعض‪ ،‬مثل ثبلثة أشخاص منفصلْب بدنيًا (أو‬
‫شخصيًّا)‪ ،‬فذلك سوف يفضي إذل تعدّد اآلؽبة الذي للوثنيّْب‪ ،‬لكنّ على العكس‪ ،‬كنهر مولود من‬
‫منبع وىو غّب منفصل عن منبعو‪ ،‬مع أن ىناك شكبلن واظبان‪ ...‬لكنّ الينبوع (أو اؼبنبع) ليس ىو‬
‫النهر وال النهر ىو اؼبنبع لكنّ كلّ منهما ىو اؼباء نفسو‪ ...‬وىكذا تتدفق األلوىة من اآلب إذل االبن‬
‫بغّب تغّب االنفصال‪ ...‬وكبن ال نعتقد ُب ابن اهلل الذي ىو اهلل اػبالق كلّ األشياء‪ ،‬أنو ”ـبلوق“ أو‬
‫‪111‬‬
‫آت من عدم الوجود“‪ ،‬لكنّو ىو الكائن من الكائن‪.‬‬‫”مصنوع“ أو ” ٍ‬

‫‪ ٜٔٓ‬وحرثََان ُو أول من اس خـمي ًفغ موانرخًِّا‪ ،‬اكمس ًِذٍ اًِرظلة (اهؼر‪ :‬ضد براهس َاس ‪.)8 :89‬‬
‫‪110‬‬
‫‪Expositio Fidei,1.‬‬

‫‪47‬‬
‫مختصر تاريخ الرهبنة وتطورها حتى القرن الثالث‬
‫مصادر التاريخ الرىباني‬
‫‪ -6‬ىستوريا موناخرم ‪ ،‬عمل بيقدم سّب للرىبان وتعاليمهم ُب شكل رحلة لسبع رىبان إذل صحراء مصر‪ ،‬وغّب‬
‫معروف على وجو الدقة كاتب العمل ده‪ ،‬وىناك شك ما بْب روفينوس وجّبوم‪.‬‬
‫‪ -2‬سير بعض آباء الرىبنة‪ ،‬ودي اللي كتبها عنهم تبلميذىم زي سّبة أنطونيوس ألثناسيوس‪ ،‬أو اؼبعجبْب حبياهتم‬
‫زي سّبة أنبا بوال عبّبوم‪.‬‬
‫‪ -0‬التاريخ اللوزياكي لبيالديوس ‪ ،‬وىو من أىم اؼبصادر عن التاريخ الرىباشل إلن الكاتب كان على معرفة شخصية‬
‫بالناس اللي كتب عنهم‪.‬‬
‫‪ -8‬كتابات خاصة بالسلوكيات والعادات الرىبانية زي كتابات افجاريوس البنطي‪ ،‬ويوحنا كاسيان‪ ،‬ودي بَبجع‬
‫أنبيتها إلهنا بتعرفنا على النمط الرىباشل وتطوره عرب العصور‪.‬‬
‫‪ -6‬تعاليم اآلباء الرىبان‪ُ ،‬ب نظر العامة الناسك اؼبتوحد لو توقّب خاص‪ .‬آباء الصحراء ُب مصر ُب النصف الثاشل‬
‫من القرن الرابع كانت اعبموع زبرج لزيارهتم باستمرار ويسألوهنم السؤال اؼبعتاد‪ :‬قل رل كلمة منفعة يا أيب ُّا أخلص‪.‬‬
‫وإجاباهتم سجلت وصبعت ُب فردوس اآلباء ‪ .Apophthegms of the Fathers‬وصار من البديهي أن تكون كلمات من‬
‫يقطن الصحراء بالقرب من اهلل موحى ُّا‪( .‬ىنري شادويك الكنيسة األوذل)‬

‫ما ىي أىمية دراسة تاريخ الرىبنة؟‬


‫أبدا بْب عقيدة الكنيسة والبلىوت النظري من جهة‪ ،‬واػبربة الشخصية واألخبلقية من‬
‫‪ -‬التقليد الشرقي مش بيميز ً‬
‫جهة أخرى‪ .‬بيوضح ده ُب مقولة الىوٌب أرثوذكسي من القرن اللي فات اظبو فيبلريت أسقف موسكو‪ ،‬بيقول‪" :‬ما من‬
‫سر من أسرار حكمة اهلل اػبفية ينبغي أن يبدو لنا غريبًا أو متساميًا بالكلية‪ ،‬بل علينا‪ ،‬بكل تواضع‪ ،‬أن نُكيف ذىننا‬
‫سر‪ ،‬إذل أن تتجلى ُب‬ ‫على تأمل اإلؽبيات"‪ .‬أو دبعُب تاشل‪ ،‬إن األسرار اإلؽبية والبلىوت ىي حقيقة بنتعلمها على أهنا ّ‬
‫واقع حياتنا اؼبعاش‪ .‬فالبلىوت والتصوف مش متعارضْب‪ ،‬إمبا متكاملْب والغُب ألحدىم عن اآلخر‪.‬‬
‫ُ‬
‫كل تاريخها‪ ،‬نبا ق‪ .‬يوحنا اإلقبيلي البلىوٌب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في‬ ‫فقط‬ ‫إلثنين‬ ‫الىوتي‬ ‫لقب‬ ‫اعطت‬ ‫الكنيسة‬ ‫بنبلقي‬ ‫كده‬ ‫‪ -‬علشان‬
‫والقديس غريغوريوس النيزينزي‪ ،‬واإلثنْب بيتميز منهجهم بالتصوف‪ .‬وبتضيف ليهم الكنيسة اليونانية ظبعان البلىوٌب‬
‫كل الىوت وقمتو‪.‬‬
‫أيضا كان راىب متصوف‪ .‬فالصوفية ُب الفكر اؼبسيحي ىي كمال ّ‬ ‫اغبديث‪ ،‬وىو ً‬
‫‪ -‬الفكر المسيحي كمان بيختلف عن الفكر الغنوسي‪ ،‬إلن اؼبنهج الغنوسي بينشد اؼبعرفة ُب ذاهتا‪ ،‬وبيضع‬
‫اػببلص ُب الوصول للمعرفة‪ ،‬وحٌب اؼبسيح ُب الفكر الغنوسي ىو اؼبخلص إلنو أتى باؼبعرفة الكاملة‪ ..‬أما ُب اؼبسيحية‪،‬‬
‫ُ‬
‫فاؼبعرفة ىي عامل ُب خدمة غاية أظبى وهنائية‪ ،‬وىي اإلرباد باهلل‪ ،‬أو اللي بيسميو اآلباء اليونان الثيئوسيس أو التألو‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫الرهبنة‬

‫‪ -‬المفهوم ده‪ ،‬اللي ىو اإلتحاد باهلل أو الثيئوسيس أو التألو‪ ،‬ىو اللي دافعت عنو الكنيسة على مر عصورىا‬
‫ضد الهرطقات‪ ،‬فالكنيسة حاربت الغنوسية إلهنا بَبفض تكوين عبلقة شركة بْب اإلنسان واهلل‪ ،‬وحاربت اآلريوسية إلهنا‬
‫بتقول إننا إربدنا دبخلوق متألو مش اهلل اغبقيقي‪ ،‬وحاربت النسطورية إلهنا بَبفض الشركة اغبقيقية مع اهلل‪ ،‬وبتقول إننا‬
‫متحدناش باهلل‪ ،‬إلن اؼبسيح نفسو متحدش باهلل‪ ،‬إمبا كان اهلل بيحل فيو حلول مؤقت‪ ،‬مش حلول جوىري وحقيقي‪.‬‬
‫‪ -‬الصراعات الكنسية كان الرىبان عامل قوي ج ًدا فيها‪ ،‬مثل األنبا أنطونيوس ُب مرحلة الصراع اآلريوسي عندما‬
‫نزل إذل األسكندرية ُب غياب األسقف أثناسيوس ليشدد من عزم الشعب‪ُ -‬ب عصر األنبا شنودة رئيس اؼبتوحدين قام‬
‫الرىبان ُّدم كتّب من اؼبعابد الوثنية‪ -‬الصراع حول أوريجينوس والصراع بْب اإلخوة الطوال وروفينوس وجّبوم وغّبىم‪-‬‬
‫الصراع حول شخص المسيح وتدخل الرىبان ببل نوم ً‬
‫مثبل‪.‬‬
‫كل ما قيل فهناك أنبية كبّبة للتعرف على تاريخ الروحانية اؼبسيحية‪ ،‬أو تاريخ الرىبنة‪ ،‬إذ كيف ُيبكننا أن نتعلم‬
‫ألجل ّ‬
‫"معلمي اغبياة الروحية" كما يدعوىم‬ ‫طريق حياة الكمال اؼبسيحية‪ ،‬تلك اغبياة اؼبماثلة لعقيدهتا النظرية‪ ،‬دون النظر إذل ُ‬
‫البلىوٌب األرثوذكسي فبلديبّب لوسكي‪.‬‬

‫أسباب انتشار الحركة النسكية في العالم المسيحي منذ القرن األول‬


‫ٔ‪ -‬هبب أن نعَبف أن أحد األسباب الٍب أدت إذل أزدياد أعداد النُ ّساك كانت حاالت اإلضطهاد اؼبريرة الٍب مرت‬
‫ُّا الكنيسة األوذل من الرومان واليهود على السواء‪ ،‬فهرب بعض الناس إذل الصحاري والرباري كي يستطيعون من التعبد‬
‫بعيدا عن اضطرابات العادل‪.‬‬
‫إلؽبهم ُب ىدوء وسكينة ً‬
‫بيكتب ىنري شادويك عن الفَبة دي وبيقول‪:‬‬
‫"االنعزال عن اعبمال الباطل كان أيسر على من يتوقعون قرب هناية العادل فبن يظنون أن الزمن مستمر‬
‫يورثونو ألطفاؽبم‪ .‬عارض القديس بولس امتناع أىل كورنثوس عن الزواج اعتمادًا‬‫وفبن ؽبم من اؼبتاع ما ٍّ‬
‫على فكرة ثنائية اؼبادة والروح الغنوسية‪ .‬لكن على أساس أن الوقت مقصر ظبح ؼبن ؽبم زوجات أن‬
‫يسلكوا كمن ليس ؽبم‪ .‬وعندما بات واضحًا أن الوقت ليس مقصراً بالدرجة الٍب كان يظنها الرسول‪،‬‬
‫إال أن مشاعر الشهيد ظلت حية ُب القلوب نتيجة عدم استقرار اغبياة ربت نّب االضطهادات وإدراك‬
‫أن الصبلح اغبقيقي ليس موجود ُب متع ىذا العادل‪( .‬ىنري شادويك‪ ،‬الكنيسة األوذل)"‬
‫ٕ‪ -‬اإلذباه اإلسخاتولوجي للكنيسة األوذل‪ ،‬فمن اؼبعروف إن الكنيسة الوذل كانت تؤمن دبجئ الرب خبلل اعبيل‬
‫قادما على السحاب‪ ،‬وعلى ذلك فكان الَبك الفعلي غبياة العادل‬
‫الذي وبيون فيو‪ ،‬وأهنم سوف يشاىدون الرب بأعينهم ً‬
‫أمرا طبيعيًا‪.‬‬
‫ً‬
‫ٖ‪ -‬النصوص اإلقبيلية الكثّبة الٍب يزخر ُّا العهد اعبديد‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫الرهبنة‬

‫الدعوة الرىبانية في العهد الجديد‬


‫يؤرخ القديس يوحنا ذىيب الفم [‪ ٗٓٚ – ٖٗٚ‬م] لتاريخ البتولية ُب كتاباتو فيقول‪:‬‬
‫"ُب العهد اعبديد ‪...‬خرج صبال البتولية جليًا إذل النور‪".‬‬
‫‪ST. JOHN CHRYSOSTOM, Letter to a young window in N.P.N.F.IX. (Grand rapids, Michigan: WM.B.Eerdmans‬‬
‫)‪Publishing Company, 1956‬‬
‫سباما من جهة أصلها والدافع إليها وفبارساهتا ‪ ...‬ويؤكد آباء‬
‫فحياة البتولية ُب العهد اعبديد‪ ،‬عهد اؼبسيا‪ ،‬جديدة ً‬
‫الكنيسة ىذه اغبقيقة فيقول القديس أمبروسيوس [ ٖٓٗ‪:] ٖٜٚ -‬‬
‫"فمن ذا الذي يستطيع أن ينكر أن ىذه اغبياة‬
‫العذراوية تستمد قوهتا من السماء‪ ،‬تلك اغبياة‬
‫الٍب دل توجد على األرض إال عندما نزل رب‬
‫اَّد وأخذ جسدًا بشريًا؟!"‬
‫‪ST.AMBROSE, Concerning Virgins, book I in N.P.N.F, vol. X, P.365‬‬

‫وىذا مايشّب إليو البابا أثناسيوس [ ٖٔٔ – ٖٕٖم ] ُب حديثو إرل بعض العذارى‪:‬‬
‫"لو دل يتجسد االبن الكلمة كيف كان يبكن االرتباط بو؟!‬
‫ولكن عندما أخذ الرب جسدًا بشريًا من السيدة العذراء مرصل‪،‬‬
‫أصبحًب عذاري وعرائس للمسيح‪ .‬فلقد زرع والداكن فيكن بذرة االشتياق إرل حياة الفضيلة وقام‬
‫تصـرن عذاري‬‫برعايتها حسنًا‪ٍ ،‬ب مبٌاىا اػبًب الذي ألقي بكلمتو ُب قلوبكن فنمى فيكن االشتياق ألن ِ‬
‫مكرسات لو‪ .‬فيجب عليكن أن تنظرن الي سيرة العذراء مريم كمثال وصورة للحياة السمائية‪".‬‬
‫‪See ST. ATHANASIUS, First Letter to Virgins, P.288‬‬
‫قائبل‪:‬‬
‫ويرجع اغبياة البتولية بعض آباء الكنيسة غبياة العذراء مرصل ويسوع‪ ،‬زي ما بيُعلق القديس جّبوم ً‬
‫"لقد تقدست البتولية ُب شخص الرب يسوع وأمو العذراء القديسة مرصل‪ .‬إذ أن كليهما بتول‪".‬‬
‫‪ST.Jerome, Letters to Eustochium, Letter XXII On the Preservation of Virginity in N.P.N.F., Series II, Vol. P.29‬‬

‫الدعوة لحياة البتولية من خالل نصوص العهد الجديد‬


‫العهد اعبديد دل ينقل لنا التعليم النسكي ُب صيغ تعليمية‪ ،‬بل وجد التعليم النسكي مكانو وسط تعاليم أُخرى ُمقدمة‬
‫بشكل وعظي للجماعات اؼبسيحية حبسب ما تطلبتو الظروف‪.‬‬
‫كل يوم‬
‫التعليم النسكي كلو ُملخص ُب كلمات يسوع‪" :‬إن أراد أحد أن يأٌب ورائي‪ ،‬فلينكر نفسو ووبمل صليبو ّ‬
‫ويتبعِب‪ ..‬مت‪ ،ٕٗ :ٔٙ‬مر‪."ٕٗ :ٛ‬‬
‫فالنسك ُب اؼبسيحية لو دعامتين أساسيتْب نبا‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬إنكار الذات‪ ،‬واللي بيدخل ربتو مفهوم الفقر اإلختياري‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الرهبنة‬

‫ٕ‪ -‬التصميم القاطع باتباع يسوع والتمثل بيو‪.‬‬


‫إنكار الذات أو الفقر اإلختياري كمان بيظهره يسوع ُب قصة الشاب الغِب‪ ،‬اللي قال لو اؼبسيح‪" :‬إن أردت أن‬
‫كل أمالكك وأعط الفقراء‪ ،‬فيكون لك كنز في السماء‪ ،‬وتعال اتبعني‪ ..‬مت‪-ٔٙ :ٜٔ‬‬
‫كامال‪ ،‬فأذىب وبع ّ‬
‫تكون ً‬
‫مرقسٓٔ‪ -ٔٚ :‬لو‪."ٔٛ :ٔٛ‬‬
‫ىنا الزم ننوه إن الممتلكات الدنيوية في حد ذاتها شئ جيد‪ ،‬إال أن التعادل معها بشكل مفرط‪ ،‬بمعنى أن‬
‫بدال من أن تتسلط أنت عليها‪ ،‬فإهنا ُب ىذه اغبالة تعد عائ ًقا ليس للحياة السماوية‬ ‫تملكك ىي وتسيطر عليك‪ً ،‬‬
‫فبدال من أن كبيا لنستمتع باغبياة‪ ،‬كبن كبيا لنضخم ثروتنا وكبافظ عليها‪ ،‬أي‬
‫أيضا‪ً ،‬‬ ‫فقط‪ ،‬بل على مستوى اغبياة العادية ً‬
‫بدال من اغبياة ألجل أنفسنا‪ ،‬أصبحنا كبيا ألجل أمبلكنا‪..‬‬
‫أنو ً‬
‫كل واحد منكم ال يترك جميع أموالو ال‬
‫مفهوم الَبك ده بنبلقيو كمان عند ق‪ .‬لوقا دل بيقول عن اؼبسيح‪" :‬كذلك ّ‬
‫يقدر أن يكون لي تلمي ًذا" (لوٗٔ‪)ٖٖ :‬‬
‫أيضا‪ ،‬فبل يقدر‬
‫حٌب نفسو ً‬
‫إرل وال يبغض أباه وأمو وامرأتو وأوالده وإخوتو وأخواتو‪ّ ،‬‬
‫كمان بيقول‪" :‬إن كان أحد يأٌب ا‬
‫أن يكون رل تلمي ًذا" (لوٗٔ‪ -ٕ٘ :‬متٓٔ‪)ٖٚ :‬‬
‫كمان الترك في األناجيل لو مفهوم مختلف ‪ ،‬فبطرس طلب منو يسوع حبسب إقبيل لوقا إنو يتبعو‪ ،‬وبيقول الكتاب‬
‫كل شئ وتبعو‪ ،‬لكن من تسلسل اغبداث فيما بعد بنعرف إن بطرس على أرض الواقع دل يتخلى عن أي‬ ‫فللوقت ترك ّ‬
‫شئ‪ ،‬بل على العكس عنده بيتو وزوجتو وأوالده وضباتو وعايش معاىم وعزم يسوع عنده وسطهم‪ ،‬كمان بيمتلك مركبتو‬
‫وأدوات الصيد بتاعتو وكل شئ‪ .‬فماذا ترك إذن؟! لقد ترك التعبد ؼبثل ىذه األشياء‪ ،‬أصبح ُب حرية دون أن يتقيد بأي‬
‫حرا يتبع اؼبسيح أينما ذىب‪.‬‬
‫فبا يبلك‪ ،‬دل تعد تربطو اؼبمتلكات باألرض بل صار ً‬
‫بولس الرسول ُب كورنثوس األوذل اإلصحاح السابع بيقول‪" :‬غير المتزوج يهتم فيما للرب كيف يرضي الرب‪ ،‬أما‬
‫المتزوج فيهتم فيما للعالم‪ ،‬كيف يرضي امرأتو"‪ .‬لكنو بيوضح إن ده مش وصية إؽبية بقدر ما ىو رؤية شخصية‬
‫ل لقديس بولس بسبب الضيقة اؼبوجودة على اؼبؤمنْب ُب عصره‪ ،‬ومفهومو عن قرب هناية العادل‪ ،‬فيقول‪" :‬إنني أُعطي رأيًا‬
‫حسن لإلنسان أن يكون ىكذا"‬ ‫ٌ‬ ‫كمن رحمو الرب أن يكون أمينًا‪ ،‬فأظن أنو حسن بسبب الضيق الحاضر‬
‫(ٔكو‪.)ٕٙ ،ٕ٘ :ٚ‬‬
‫يعلق الكثّبون من أباء الكنيسة األورل على كلمات معلمنا القديس بولس الرسول‪ ..‬فيقول القديس جيروم ُب رسالتو‬
‫اؼبكتوبة ُب عام ٗ‪ٖٛ‬م إرل تلميذتو استوخيوم العذراء‪:‬‬
‫بتوال ليس رغمًا عنو بل بإرادتو اغبرة‪”.‬‬
‫"ؼباذا يفضل القديس بولس الرسول البتولية؟ ألنو ىو أيضًا كان ً‬
‫أمرا من الرب خبصوص البتولية؟ وهبيب بأنو "مايُقدم باإلرادة اغبرة وليس‬ ‫ويتساءل جّبوم ؼباذا دل يأخذ الرسول ً‬
‫باإلجبار تكون لو قيمة أعظم‪ .‬فلو كان ىناك أمر بالبتولية‪ ،‬لكان ذلك يعِب ربرصل أو منع ما قدسو اهلل أي الزواج‪"..‬‬
‫‪ST.Jerome, Letter xxii to Eustochium in N.P.N.F, SeriesII, Vol. VI, p.30‬‬

‫‪51‬‬
‫الرهبنة‬

‫وبتفضيل البتولية على الزواج يوضح القديس جّبوم أنو‪:‬‬


‫" اليُنقص من شأن الزواج عندما يضع البتولية ُب مكانة متقدمة ولكنو يوضح للعذاري رفعة مكانتهن‬
‫الٍب تسمو على كلّ ماىو أرضي‪".‬‬
‫‪ST.Jerome, Letter xxii to Eustochium in N.P.N.F, SeriesII, Vol. VI, p.29‬‬
‫طبعا العهد اعبديد ملئ بالتعاليم الٍب استقت منها الرىبنة منهجها‪ ،‬مثل إخضاع اعبسد للروح‪ ،‬قمع شهوات اعبسد‪،‬‬
‫ً‬
‫الصبلة الدائمة‪ ..‬وغّبىا‪ ..‬لكن سنكتفي حاليًا ُّذا القدر‪.‬‬

‫مراحل الرىبنة وأىم شخصياتها‬


‫مرت الرىبانية بأربع مراحل‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬مرحلة النسك‪.‬‬
‫ٕ‪ -‬مرحلة التوحد ومثاؽبا األنبا بوال‪.‬‬
‫ٖ‪ -‬مرحلة التجمعات الرىبانية وبدأىا األنبا أنطونيوس‪ ،‬وبعده أمونيوس ومقاريوس‪.‬‬
‫ٗ‪ -‬مرحلة الشركة الباخومية‪.‬‬

‫‪ .6‬مرحلة النسك‬
‫عرفت الكنيسة منذ بدايتها أشخاص أطلق عليهم لقب نُ ّساك‪ ،‬وىؤالء ىم من تركوا شهوات ومتطلبات العادل‬
‫وسبسكوا بالبتولية‪ ،‬بيكتب ىنري شادويك‪" :‬خالل القرن الثاني كان ىناك بعض المسيحيين في مناطق متفرقة رفضوا‬
‫كل الوقت‬
‫كل ممتلكاتهم إال القليل‪ ،‬التزموا أمام أنفسهم وأمام مجتمعهم باالنعزال وتكريس ّ‬
‫الزواج وتخلوا عن ّ‬
‫في الصالة وعمل الرحمة‪ .‬ىؤالء النساك لم يجمعهم حياة شركة لها قوانين أو زي خاص أو صندوق مالي موحد‬
‫– بالرغم من وجود نماذج سابقة للمعيشة المشتركة في الجماعات التي كانت تسكن على حدود اليهودية مثل‬
‫جماعة األسينيين أو جماعة وادي قمران التي حفظت لنا مخطوطات البحر األحمر‪ ،‬أو جماعة الثيرابيوتا في‬
‫اإلسكندرية التي ذكرىا فيلو السكندري"‪( .‬ىنري شادويك‪ ،‬الكنيسة األوذل)‬
‫نذكر من ىذه اَّموعات‬
‫أيضا‪ :‬تاريخ الكنيسة‪،‬‬
‫‪ -‬البنات األربع العذارى الذين لفيلبس الذين ذكرىم سفر أعمال الرسل (ٕٔ‪ ،ٛ :‬انظر ً‬
‫يوسابيوس القيصري‪.)ٖٔ :ٖ ،‬‬
‫‪ -‬كليمندس السكندري بيذكر شخص اظبو نيقوالوس‪ ،‬اظبو ارتبط ُّرطقة النيقوالويْب‪ ،‬ويقول أنو كان لو أربع بنات‬
‫حٌب يوم انتقاؽبن (‪.)stor. 2: 118‬‬
‫بقْب عذارى ّ‬

‫‪52‬‬
‫الرهبنة‬

‫حٌب انتقالو‪.‬‬
‫‪ -‬يوحنا الرسول ظل متبتل ّ‬
‫‪ -‬يعقوب الرسول أسقف أورشليم‪ ،‬كان يعيش عيشة ىي أقرب ؼبا نعرفو عن حياة الرىبان فيما ىبص التقشف والفقر‬
‫االختياري‪ .‬يتكلم عنو مؤرخ اظبو ىيجسيوس فيقول‪" :‬لم يكن يشرب الخمر أو أي شراب ُمسكر‪ ،‬وال يأكل أي‬
‫لحوم‪ ،‬وال يقص شعره‪ ،‬ولم يدىن نفسو اطالقًا بالدىن‪ ،‬وامتنع عن االستحمام‪ ،‬وكان يذىب إلى الهيكل وحده‪،‬‬
‫ودائما يجدونو يصلي عن الشعب" (تاريخ الكنيسة‪ ،‬يوسابيوس القيصري‪.)ٕٖ :ٕ ،‬‬
‫ً‬
‫كما نرى فإن النسك والبتولية كانت غّب مغلقة على جنس بعينو‪ ،‬بل كانت للجنسْب على السواء‪ .‬كما أن ىذا‬
‫اؼبذىب أو أسلوب اغبياة التقوية اؼبسيحية أزدىر بشكل كبّب خبلل القرن الثاشل‪ ،‬وىذا يتجلى على اػبصوص ُب كتابات‬
‫كل من‪:‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬إغناطيوس األنطاكي اللي اتكلم عنهم ُب رسالتو لكنيسة ظبّبنا (ٖٔ‪)ٔ :‬‬
‫‪ -‬بوليكاربوس الذي كتب بعده ببضع سنوات إذل كنيسة فيليب فلم ينس البتوليْب الذين هبب أن يكون ضمّبىم ببل‬
‫لوم وتكون حياهتم طاىرة (ُب ٘‪)ٖ :‬‬
‫ذاكرا البتوليْب الذين ُب كنيسة روما‬
‫‪ -‬كذلك اشار إليهم كتاب الراعي ؽبرماس ً‬
‫‪ -‬يوستينوس من أوائل القرن الثاني كتب في دفاعو عن المسيحية‪ ،‬يقول‪" :‬كثّبون ىم الرجال والنساء الذي‬
‫حٌب سن الستْب والسبعْب‪ ،‬وأشل ألفخر أن أعطيكم أمثلة عنهم"‬
‫تبعوا اؼبسيح من طفولتهم‪ ،‬من حافظوا على العفة ّ‬
‫(الدفاع األول‪)84 :66‬‬
‫‪ -‬ترتليان‪ -‬كربيانوس‪ -‬رسالتا اكليمندس للبتوليْب‪ -‬مائدة العشر عذارى ؼبيثوديوس األوليميب‬
‫وربديدا ُب عملو ضد كلسوس ربدث عن ىؤالء البتوليْب الذين يعيشون حية البتولية الكاملة‬‫ً‬ ‫‪ -‬عظات أورهبانوس‪،‬‬
‫من أجل الصبلة (ضد كلسوس‪.)ٗٛ :ٚ‬‬
‫وبيكتب اؼبؤرخ ىنري شادويك عن أنواع النساك ُب الوقت ده‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫"أغلب النساك كانوا بسطاء إذل حد ما‪،‬‬
‫طويبل بعد أن صارت للحركة النسكية أساسها البلىوٌب اؼبتْب‪ُ .‬ب كتابات كليمندس‬
‫ولكن دل يدم ىذا ً‬
‫السكندري وأورهبانوس على األخص قبد أن كلّ العناصر األساسية للتعليم النسكي موجودة بالفعل‪.‬‬
‫التعليم الذي سيطر عليو مبوذج الشهيد الذي ال يرجو شيئًا من ىذا العادل بل يبحث عن االشَباك مع‬
‫الرب ُب آالمو‪ .‬بالضبط مثلما كان الصليب ىو نصرة الرب على قوات الشر‪ ،‬كذلك الشهيد يشَبك‬
‫ُب ىذا النصر باستشهاده‪ .‬واستمر النساك ُّذه الروح بعد انتهاء عصور االضطهاد‪ .‬وسعوا لتحقيق‬
‫بذل الذات نفسو من خبلل االنفصال عن العادل‪ .‬بذل الذات كما جاء ُب اإلقبيل‪ ،‬يبتزج مع البساطة‬
‫والتقشف اؼبوروثة من اآلداب الكبلسيكية السابقة‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫الرهبنة‬

‫اغبركة النسكية ضمت إليها ليس البسطاء فقط بل أيضًا من اؼبتعلمْب فلسفة أفبلطون ومثلو األعلى ُب‬
‫االستشهاد سقراط‪ ،‬ومبادئ [سينيكا الفيلسوف الرواقي] عن ضبط النفس‪ ،‬وتعاليم الرواقية عن‬
‫السعادة اغبقيقية الٍب تكمن ُب قمع الرغبة فيما ال يبكن للمرء أن وبصل عليو ووبتفظ بو‪ ،‬فمن ٍب‬
‫إطباد الشهوات مطلوب من أجل حياة صحيحة" (ىنري شادويك‪ ،‬الكنيسة األوذل)‪.‬‬

‫المبكرة‬
‫اإلنحرافات النسكية في المسيحية ُ‬
‫حٌب على‬
‫ظهرت صباعات نسكية بتدعو للنسك الشديد لدرجة تدمّب اعبسد‪ ،‬ورفض الزواج ُب اؼبُطلق‪ ،‬فالزواج ُؿبرم ّ‬
‫عامة الشعب‪.‬‬
‫كثّبا بالفكر الغنوسي وكانت تُدعى "‪ "encratism‬أو الممتنعون‪.‬‬
‫ىذه اغبركة تأثرت ً‬
‫بنبلقي فكر اعبماعات دي‪ ،‬باإلضافة للفكر الغنوسي ُب كتّب من كتب األبوكريفا اللي ظهرت ُب أواخر القرن األول‬
‫مثبل‪ :‬مكتوب ُب أعمال بولس وتكال‪ ،‬إن بولس دخل إيقونية عند منزل أنسيفورس‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫وبدايات القرن الثاشل‪ً .‬‬
‫طاىرا ألن اهلل سوف يكلمهم‪ ،‬طوبى طوبى للذين عندىم زوجاتا وكأنهم ليسوا‬
‫"طوبى للذين يحفظون جسدىم ً‬
‫متزوجين ألنهم يرثون اهلل‪ ،‬طوبى ألجساد العذارى ألنهن سوف يرضين اهلل ولن يفقدوا مكافأة طهارتهن" (أعمال‬
‫بولس وتكبل‪.)٘ ،‬‬
‫وُب كتاب أعمال يوحنا األبوكريفي وُب (العدد ٖ‪ )ٙ‬بيتكلم عن دروزيانا اؼبرأة اللي أنفصلت عن زوجها لفَبة طويلة‪،‬‬
‫للدرجة أن زوجها وضعها حية ُب مقربة وأغلق عليها‪ ،‬وقال ؽبا‪" :‬كوشل رل زوجة‪ ،‬كما كنٍب من قبل‪ ،‬وإال سوف سبوتْب"‪.‬‬
‫وقد فضلت اؼبوت على أن تشَبك ُب ىذه األدران‪.‬‬
‫بيكتب ىنري شادويك عن الفَبة دي وبيقول‪:‬‬
‫ؾبهوال‬
‫"ثارت مشكلة الىوتية حادة حول وجود معيارين وطريقْب للحياة الروحية‪ .‬األمر الذي ظل ً‬
‫لفَبة طويلة ىو ىل ىذين الطريقْب نبا ؾبرد تعبّب عن فكرة أن ىناك درجتْب على األقل من النمو‬
‫واإلدراك الروحي والسلوك لكنهما متاحْب للجميع‪ ،‬أم أن الفرق يعِب أن اؼبتزوجْب الذين يعيشون ُب‬
‫العادل‪ ،‬ىم معينْب لدرجة أدسل بالطبيعة‪ ،‬ليس ؽبم أن يصلوا للدرجات العليا ُب الصبلة ورؤية اهلل‪.‬‬
‫فبحسب أورهبانوس‪ ،‬على سبيل اؼبثال‪ ،‬النصوص الٍب ترجح كفة الرأي األول عديدة‪ ،‬لكن ُب مواضع‬
‫أخرى قبد أن الرأي الثاشل متضمن بشكل خطّب‪ .‬ففي واحدة من عظاتو تكلم عن جيش اؼبسيح‬
‫ؾبموعة صغّبة من اؼبقاتلْب وصبع غفّب من األتباع الذين يساعدون اعبند ُب حرُّم ضد قوات الشر‬
‫لكنهم ال وباربون بأنفسهم" (ىنري شادويك‪ ،‬تاريخ الكنيسة)‬
‫سباما عندما أنكر جوفنيان بشدة أفضلية حياة البتولية‬
‫ُب أواخر القرن الرابع حدث نزاع عكسي ً‬
‫‪54‬‬
‫الرهبنة‬

‫طبعا كان عدو الكنيسة اللدود ىو اإلفراط واؼببالغة بكافة صورىا‪ ،‬وعلشان كده بنبلقي الرسول بولس‬
‫ُب الوقت ده ً‬
‫ُ‬
‫بينصح تلميذه تيموثاوس‪ ،‬وبيقول‪" :‬المتكلمين في رياء بأقوال كاذبة‪ ،‬ومانعين عن الزواج‪ ،‬وأمرين أن يُمتنع عن‬
‫أطعمة قد خلقها اهلل لتتناول بالشكر من المؤمنين" (ٌٔبٗ‪ .)ٕ :‬ولذا نسمع أحد اآلباء اؼبصريْب ىبرب القديس يوحنا‬
‫شرا يماثل النهم"‪)Confer. 2: 16) .‬‬
‫كاسيان‪" :‬الصوم بمبالغة يولد ً‬

‫حٌب ُب الكتابات النسكية األوذل‪ ،‬كان ُب ربذير‬


‫ودائما الكنيسة تعلم أن اؼبضجع غّب دنس‪ّ ،‬‬
‫فالزواج أمر جيد‪ً ،‬‬
‫كل حياتو للرب‪،‬‬
‫رفضا للزواج ُب ذاتو‪ ،‬إمبا لتكن ّ‬
‫شديد من رفض الزواج‪ ،‬فنعم الناسك ال يتزوج‪ ،‬لكن عدم زواجو ليس ً‬
‫ضا للزواج‪ ،‬بل‬
‫زي ما بتقول التعاليم الرسولية (‪" :)apostolical constitutions‬إنو يلزم النساك أنفسهم بالبتولية‪ ،‬ليس رف ً‬
‫ليتيحوا ألنفسهم مزي ًدا من الوقت في الصالة"‪( .‬التعاليم الرسولية‪.)ٕٗ :ٛ ،‬‬
‫أيضا ميثوديوس األوليميب ُب كتابو وليمة العشر عذارى‪ ،‬كتب‪" :‬عندما أدخل الكلمة البتولية ُب العادل دل يقصد‬ ‫ً‬
‫إطبلقًا إلغاء الزواج‪ ،‬فلم يلغ األمر الذي ورد ُب سفر التكوين وىو "أشبروا وأكثروا"‪ ،‬فاهلل ُب الزواج يربط الرجل باؼبرأة الٍب‬
‫خلقها ىو" (وليمة العشر عذارى‪.)ٔ :ٕ ،‬‬
‫ويقص علينا يوسابيوس القيصري قصة أسقف يُدعى بنتيوس الكنوسي‪ ،‬جبزيرة كريت‪ ،‬أراد أن يفرض البتولية على‬
‫كافة المؤمنين دون استثناء‪ ،‬ولكنو قوبل بتوبيخ شديد (تاريخ الكنيسة‪ ،‬يوسابيوس القيصري‪.)ٕٖ :ٗ ،‬‬

‫‪ .2‬مرحلة التوحد‬
‫وأىم أمثلتها ىو األنبا بوال أول السواح‪.‬‬
‫جّبوم اتكلم عن بوال الراىب اؼبصري وىو أول شخص سار ُب النظام الرىباشل ده‪ ،‬وجّبوم ُب اعبزئية دي استقى‬
‫معلوماتو من أماطاس ومقار ونبا من تبلمذة القديس أنطونيوس‪.‬‬
‫بوال ده كان من طيبو وعشان كده أطلقوا عليو بوال الطييب‪ ،‬وتوجو إذل الصحراء خوفًا من اإلضطهاد اللي حصل في‬
‫عهد دكيوس وفاليريان في بدايات القرن التالت‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫القرن الرابع‬
‫قوانين اإليمان قبل مجمع نيقية‬
‫اؼبسيحي ُب العادل اؽبليِب‬
‫ّ‬ ‫ىي الرمز لئليبان‬
‫حٌب صارت ”السمكة“ َ‬ ‫كان اإليبان باؼبسيح اؼبُخلّص ىو مركز البشارة‪ّ ،‬‬
‫وذلك ألهنا ُب اليونانيّة ”‪ - ἰχθύς‬إكسوس“ تشمل اغبروف األوذل من العبارة ”يسوع اؼبسيح‪ ،‬ابن اهلل اؼبخلّص“‪ .‬وقد‬
‫العبلمة ترتليان بذلك كما شهدت نقوش السراديب الرومانيّة‪ .‬وردت ىذه العبارة الرمزيّة ُب مؤلفات ال ُكتااب‬ ‫شهد ا‬
‫اؼبسيحي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عرب عن اؼبعتقد‬
‫اؼبسيحيّْب ُب نطاق واسع كقانون إيبان يُ ّ‬
‫الش َمع‪ְ -‬ש ֵמע“ والٍب تعِب‬ ‫ىذا دل تستحدثو اؼبسيحية‪ ،‬فقد سبقتها اليهودية إذل ذلك‪ ،‬من خبلل ما يسمى بـ” ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪111‬‬
‫اح ٌد“ (تث‪ .)ٗ :ٙ‬يُعترب ىذا ىو أقدم قانون إيبان‬ ‫”اظبع“‪ ،‬اؼبأخوذة من اآلية‪” :‬اِ ْظبع يا إِسرائِيل‪ :‬الرب إِؽبنَا رب و ِ‬
‫َْ َ َْ ُ ّ ّ ُ ّ ّ َ‬
‫‪112‬‬
‫اليهودي‪ ،‬ففيو‬
‫ّ‬ ‫تعبد‬ ‫اؼب‬ ‫عند‬ ‫نشوة‬ ‫اللحظات‬ ‫أكثر‬ ‫من‬ ‫وىو‬ ‫عرفتو البشريّة‪ ،‬فقد كان يُتلى يوميًا ُب الصلوات اليهوديّة‪.‬‬
‫ُ‬
‫حٌب أنّو قد جاء ُب اؼبدراش‪” :‬إ ّن اهلل عُ ِرف ُب العادل‪ ،‬بسبب أنّنا ضبلنا الشهادة‬‫يرى أنّو يتقابل مع اهلل‪ ،‬وفيو يشهد هلل‪ّ ،‬‬
‫‪113‬‬
‫اليهودي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لو“‪ ،‬ويرون أ ّن ىذا القانون ىو جوىر اإليبان‬
‫كل‬
‫بعد ؾبئ السيد لو اَّد‪ ،‬وإذ انطلقت الكنيسة ُب عصر الرسل تكرز وتبشر العادل باػببلص كان لز ًاما أن يعَبف ّ‬
‫جهرا ُب صيغة ُـبتصرة قبلما يتقبّل العضويّة ُب جسد اؼبسيح‪ ،‬أي قُبيل عماده مباشرة‪ .‬وذلك كما فعل‬ ‫موعوظ بإيبانو ً‬
‫األثيويب (أع ‪ )ٖٚ :ٛ‬حْب أعلن رغبتو ُب العماد ُمعَبفًا ”أنا أومن أ ّن يسوع اؼبسيح ىو ابن اهلل“‪.‬‬‫ّ‬ ‫اػبصي‬
‫تعبّبا عن واقع الكنيسة‪ .‬ولقد سبت صياغة العقائد كردود‬
‫تعبّبا فرديًّا نظريًّا‪ ،‬بل كانت ً‬
‫فلم تكن العقيدة آن ذاك ُؾبّرد ً‬
‫‪114‬‬
‫اعبوىري ىو اغبفاظ على جوىر رسالة اإلقبيل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أفعال ضد التأويبلت اػباطئة الٍب للهراطقة‪ ،‬وقد كان ىدفها‬
‫سمى واحد‪ ،‬فالبعض‬ ‫لكن‪ ،‬دل يكن لو ُم ّ‬
‫يتح ّدث عن قانون اإليبان فيما قبل ؾبمع نيقية الكثّب من آباء الكنيسة‪ّ ،‬‬
‫‪ ،“κανὼ‬وُب أحيان أُخرى كان يُدعى بـ”قانون‬ ‫أطلق عليو اسم‪” :‬قاعدة اإليبان“‪- regula fidei” ،‬‬

‫اغبق“‪.‬‬
‫ّ‬
‫القيصري‪ ،‬عندما يتح ّدث عن ُـبالفة اؽبراطقة لئليبان‬
‫ّ‬ ‫األول للكنيسة يوسابيوس‬
‫ىبربنا عن قاعدة اإليبان اؼبؤرخ ّ‬
‫ثوذكسي‪ ،‬قبده يكتب‪ ” :‬لقد تركوا قاعدة اإليبان القدصل‪ ،‬لذلك‪ ،‬ىم ال يعرفون اؼبسيح‪ ،‬وال فحصوا الكتب كما‬
‫ّ‬ ‫األر‬
‫‪115‬‬
‫ينبغي“‪.‬‬

‫ٔٔٔ اهؼر أًضً ا‪ :‬ثر‪68 :2‬؛ ‪6‬مص‪66 :9‬؛ ‪36 :66‬؛ ‪8‬مي‪29 :1‬؛ ‪8‬أخ‪69 :89‬؛ مز‪38 :81‬؛ إش‪89 :23‬؛ ًواَي‪69 :6‬؛ زك‪ُ .1 :82‬ذٍ اًيطوص اًيت ثدّبؽ كاهون ”امسؽ“‪ ،‬وجُش ّدد‬
‫ؿىل وحداه َّة هللا ومَُىَ‪ .‬وًِا مثَبلهتا يف اًـِد اجلدًد‪ ،‬اهؼر‪ :‬مر‪61 :86‬؛ ًو‪3 :89‬؛ ‪8‬هو‪2 :1‬؛ غبل‪69 :3‬؛ ‪8‬يت‪.8 :6‬‬
‫ٕٔٔ ٌَمزًد اكرأ‪ :‬رافااَي اًارامويس (اًراُب اًلمص)‪ّ ،‬اًر ّب إًِيا ّر ّب واحد (اًلاُرة‪ :‬اًىرمة‪.)6988 ،‬‬
‫‪113‬‬
‫‪Sifri 346 on Deuteronomy 33: 5; Midrash Tehilim 123: 2; Pesikta 12: 102b; Yalkut 1: 275, 2: 317.‬‬
‫‪114‬‬
‫‪Paul Tillich, A History of Christian Thought, XXXIX‬‬
‫٘ٔٔ اترخي اًىٌُسة ‪.61 :8‬‬

‫‪56‬‬
‫قىاوني االميان قبل ويقية‬

‫قائبل‪” :‬لقد كتبنا كتبًا دفاعية عن اإليبان‪ ،‬بكفاية واسهاب‪،‬‬


‫اغبق“‪ً ،‬‬
‫بينما ُىبربنا ىيبوليتوس الروماشلّ عن ”قاعدة ّ‬
‫‪116‬‬
‫اغبق لكل من يرغب“‪.‬‬
‫وشرحنا قاعدة ّ‬
‫السكندري أظباء قانون اإليبان على النحو التارل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫يُع ّدد اؼبعلٍّم إكليمندس‬
‫ُ‬
‫”إ ان اإليبان لو قاعدة‪ ،‬وأ ّن ىذه القاعدة ىيَ قانون اإليبان‪ ،‬أو القانون الكنسيّ‪ ،‬أو قاعدة اغبقّ‬
‫‪117‬‬
‫والتسليم“‪.‬‬
‫ثوذكسي‪ ،‬وتُفرز اؽبرطقات‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وىي الٍب يُقاس عليها التّعليم األر‬
‫ىي اؼبقياس‪َ ،‬‬
‫ىبربنا ترتليان إ ّن قاعدة اإليبان ىذه‪َ ،‬‬
‫وحٌب بولس الرسول بعد اىتدائو‪ ،‬صعد إذل أورشليم‪ ،‬كي يُقارن قاعدة‬
‫”ىذه القاعدة ىيَ من الرسل‪ّ ،‬‬
‫إقبيلو‪ ،‬بقاعدة اإليبان عند باقي الرسل‪ ،‬وىذه القاعدة ىيَ الٍب يتمّ دبوجبها فرز اؽبرطقات‬
‫‪118‬‬
‫واؽبراطقة“‪.‬‬
‫كل ما ىبص‬‫كل الكنائس‪” :‬إ ّن ّ‬ ‫اغبق ىذه كانت ُمنتشرة ومعروفة ُب ّ‬ ‫أورهبانوس‪ ،‬وىو من ىو‪ ،‬يقول إ ّن قاعدة ّ‬
‫كل وعظ وكرازة هبب أن يتّبع ىذه‬ ‫كل الكنائس‪ ،‬و ّ‬ ‫اؼبسيح‪ ،‬قد ح ّددتو الكنائس‪ ،‬حسب القاعدة الٍب تقبلها ّ‬
‫‪119‬‬
‫القاعدة“‪.‬‬
‫نصا يشمل عناصر اإليبان اعبوىريّة للمسيحيّة‪ُ ،‬مرتبطة باللٍّتورجياا والكتاب اؼبق ّدس‪ ،‬وىو‬‫فقد كان قانون اإليبان ً‬
‫ُ‬
‫َبسخ ُب تّعليم الكنيسة‬
‫فسر ويعظ اؼبعلمون من خبللو‪ ،‬وىو ليس باألمر اؼبستحدث‪ ،‬بل ىو ُم ٍّ‬ ‫اؼبقياس الذي وبكم ويُ ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫منذ نشأهتا‪.‬‬
‫جهاري يُعلن اإليبان الراسخ ُب‬
‫ّ‬ ‫اغبي ُب الكنيسة‪ ،‬أو ىو تعبّب‬
‫تعبّبا فكريًّا عن اإليبان ّ‬
‫وقد كانت قوانْب اإليبان ىذه ً‬
‫الكنيسة‪ .‬وقبد لو ىيئة أوليّة ُب بعض نصوص العهد اعبديد‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫اغببشي‪ ،‬قُبيل معموديتو على يد فيلبس‪ ،‬قبد إحدى األشكال األوذل العَباف اإليبان‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ُ -‬ب اعَباف اػبصي‬
‫يح ُى َو ابْ ُن اهللِ‟“‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫”فَـ َق َ ِ‬
‫ال‪„ :‬أَنَا أُوم ُن أ ّن يَ ُس َ‬
‫وع الْ َمس َ‬ ‫اب َوقَ َ‬
‫َج َ‬ ‫وز‟‪ .‬فَأ َ‬ ‫كل قَـ ْلبِ َ‬
‫ك َهبُ ُ‬ ‫ت تـُ ْؤم ُن م ْن ّ‬ ‫س‪„:‬إِ ْن ُكْن َ‬ ‫ال فيلُبُّ ُ‬
‫(أع‪.)ٖٚ :ٛ‬‬
‫ب يـُ ْؤَم ُن بِِو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت بَِف ِم َ ِ‬ ‫‪” -‬إلنّ َ ِ‬
‫ك أ ّن اهللَ أَقَ َاموُ م َن األ َْم َوات‪ ،‬خلّ َ‬
‫صت‪.‬أل ّن الْ َق ْل َ‬ ‫ت بَِق ْلبِ َ‬‫وع‪َ ،‬و َآمْن َ‬‫ب يَ ُس َ‬ ‫الر ّ‬
‫كب ّ‬ ‫ك إِن ْاعتَـَرفْ َ‬
‫ص“ (روٓٔ‪.)ٔٓ ،ٜ :‬‬ ‫ف بِِو لِْل َخبلَ ِ‬‫لِْلِ ٍّرب‪َ ،‬والْ َف َم يـُ ْعتَـَر ُ‬
‫ب‪ ،‬وأنّوُ ُدفِ َن‪،‬‬ ‫َج ِل َخطَايَانَا َحسب الْ ُكتُ ِ‬
‫َ َ‬
‫‪” -‬فَإنِِّب سلامت إِلَي ُكم ُِب األَاوِل ما قَبِْلتُو أَنَا أَيضا‪ :‬إ ّن الْم ِسيح م ِ‬
‫ات م ْن أ ْ‬
‫َ ََ َ‬ ‫َ ُ ًْ‬ ‫َْ ُ ْ ْ‬
‫ب“ (ٔكو٘ٔ‪.)ٗ ،ٖ :‬‬ ‫ث َحسب الْ ُكتُ ِ‬ ‫وأنّو قَام ُِب الْيـوِم الثاالِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُ َ َْ‬

‫‪116‬‬
‫‪Eleneshos, 10: 5: 1.‬‬
‫‪ ٔٔٚ‬املخيوؿات ‪9 :9‬؛ ‪88 :2‬؛ ‪.81 :2‬‬
‫‪ ٔٔٛ‬ضد مرهَون ‪3 ،8 :8‬؛ ضد فاًيخٌُوس ‪.8 :2‬‬
‫‪ ٜٔٔ‬ثفسري ًوحٌا ‪82 :83‬؛ ؾؼات ؿىل إرمِا ‪.2 :8‬‬

‫‪57‬‬
‫قىاوني االميان قبل ويقية‬

‫وح‪ ،‬تَـَراءَى لِ َمبلَئِ َك ٍة‪،‬‬‫اعبَ َس ِد‪ ،‬تَـبَـّرر ُِب ُّ‬


‫الر ِ‬ ‫سر التاـ ْق َوى‪ :‬اهللُ ظَ َهَر ُِب ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اغبَ ٍّق َوقَاع َدتُوُ‪َ .‬وبِا ِإل ْصبَ ِاع َعظ ٌ‬
‫يم ُى َو ّ‬ ‫ود ْ‬‫‪َ ” -‬ع ُم ُ‬
‫‪120‬‬
‫ُوم َن بِِو ُِب الْ َعا َِدل‪ُ ،‬رفِ َع ُِب الْ َم ْج ِد“ (ٌٔبٖ‪.)ٔٙ ،ٔ٘ :‬‬‫ُك ِرز بِِو بـْب األُم ِم‪ ،‬أ ِ‬
‫َ َْ َ َ‬
‫وُّذا قبد أ ّن صيّغ قانون اإليبان‪ ،‬تعود بذرهتا األوذل إذل الرسل أنفسهم‪ ،‬وقد ظهر ُب أقدم أشكالو‪ ،‬كصيغة خاصة‬
‫اغبق ودخولو ”اغبياة ُب اؼبسيح يسوع“‪ .‬فقد كانت اؼبعموديّة‪ ،‬إحدى‬ ‫باؼبعموديّة‪ ،‬يعَبف ُّا طالب العماد ُمعلنًا قبولو ّ‬
‫اؼبسيحي بأكملو‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عمد مؤمن ومعَبف باإليبان‬ ‫حٌب تتأكد الكنيسة أ ّن اؼبُ ّ‬
‫الدوافع الٍب أدت إذل ظهور قانون اإليبان‪ّ ،‬‬
‫ُب الدوائر اليهوديّة كان يكفي لطالب العماد أن يُعلن ىذا القانون اإليباشلّ البسيط؛ أ ّن ”يسوع ىو اؼبسيّا“‪ ،‬أي ىو‬
‫اؼبخلّص الذي انتظره اآلباء وشهد عنو األنبياء‪ ،‬فيو كملت الشريعة ورب ّققت مواعيد اهلل للبشريّة‪ّ .‬أما بالنسبة لؤلمم‪ ،‬إذ دل‬
‫تكن ؽبم الشريعة وال عرفوا النبوات عن اؼبسيّا يعبدون آؽبةً كثّبًة وأربابًا كثّبة‪ ،‬كان لز ًاما على طالب العماد أن يُعلن‬
‫صي‪.‬‬
‫ح ّقيقة إيبانو بأكثر وضوح‪ :‬إيبانو باهلل الواحد اؼبثلث األقانيم‪ ،‬وعمل اؼبسيح اػببلّ ّ‬
‫اإلؽبي‪ ،‬دل يعد ”قانون‬ ‫ِ‬
‫وتشوه ح ّقيقة التجسد ّ‬ ‫إذ ظهرت غنوصيّات غّب أرثوذكسيّة تنادي بالثنائيّة‪ ،‬وُربقر من اؼبادة ّ‬
‫اغبي“‪ ،‬إمبا يلزم االعَباف بـ ”اغببل بو من‬‫اإليبان“ ُب صورتو األوذل كافيًا‪ ،‬أي ال يكفي إعبلن أ ّن ”اؼبسيح ابن اهلل ّ‬
‫الروح القدس‪ ،‬والدتو من العذراء مرصل‪ ،‬تأؼبو ُب عهد بيبلطس البنطي وموتو ودفنو (وليس كما علام الغنوصيّْب أنّو اختُ ِطف‬
‫‪121‬‬
‫إذل السماء من على الصليب أو قبيل صلبو)‪ ،‬وأ ّن الروح القدس حال ُب الكنيسة‪ ...‬إخل“‪.‬‬
‫األنطاكي‪ ،‬حيث يكتب‬
‫ّ‬ ‫قبد أوذل الصياغات اؼبعربة عن قانون اإليبان‪ ،‬خارج العهد اعبديد‪ ،‬عند القديس إغناطيوس‬
‫ُ‬
‫ُب رسالتو إذل ظبّبنا‪:‬‬
‫”أُ َِؾبد يسوع اؼبسيح الذي جعلكم حكماء‪ ,‬لقد أدركت أنّكم قد بُنيتم بأيبان ال يتزعزع‪ ،‬كأنّكم‬
‫مُسمرُون على صليب يسوع اؼبسيح باعبسد والروح‪ ،‬وثابتون بقوة ُب احملبة بدم اؼبسيح‪ ،‬الذي ىو‬
‫حقّيقة „من نسل داود باعبسد‟ (روٗ‪ ,)ٔ:‬وولد حقّيقة من العذراء‪ ،‬واعتمد من يوحنا „لتتم بو كلّ‬
‫عدالة‟ (مٌب٘ٔ‪ ,)ٖ:‬و ُظبٍّر من أجلنا على عهد بيبلطس البنطي وىّبودس رئيس الرُبع‪ ،‬وبثمرة صليبو‬
‫وآالمو اؼبقدّسة وجدنا اغبياة‪ ،‬وبقيامتو „رفع رايتو‟ (إش ‪ )٘:ٕٙ‬فوق العصور ليجمع قديسيو ومؤمنيو‪،‬‬
‫‪122‬‬ ‫ُ‬
‫ُب اليهوديّة واألمم‪ُ ،‬ب جسد واحد أي ُب كنيستو“‪.‬‬

‫بدال من‪” :‬هللا‪ θεός-‬ػِر يف اجلسد“‪ .‬وُذا ال ًُغري من مـىن اًيص مهاا ًَا‪ ،‬فلد اكن ُذا ثـدريًا رس ً‬
‫اةرًي‪-‬‬ ‫ٕٓٔ أغَب اًلراءات اًيلدًّة احلدًثة ٌَيص‪ ،‬ثلرأٍ ”اذي–‪ ὅς‬ػِر يف اجلسد“‪ً ،‬‬
‫‪ μυστήριον‬ؾن اًشخص (ٌسوع) اذي أؾعى اًـامل املـرفة ؾن هللا غري املُدرك‪ ،‬أو ًيلي ُو ثـدري ؾن هللا املُمجد‪ ،‬واذي ال ًُمىن مـرفذَ يف جمدٍ‪ .‬فـدم هعق الامس ”هللا“‪ ،‬اكن ثـدريًا‬
‫اٍهيودي اًلدمي ( ‪Philip Schaff, The Creeds of Christendom, With a History and Critical Notes, Volume‬‬ ‫ّ‬ ‫ؾن ُذا اإلخبلل اًرساةري ًئلهل‪ّ ،‬‬
‫حّت يف املفِوم‬
‫‪.)II: The Greek and Latin Creeds, With Translations (New York: Harper & Brothers, 1890), 7.‬‬
‫ٕٔٔ مٌ ًـا ٌَخىرار‪ًُ ،‬مىن اًرحوع إىل اًفطي اخلاص ابإلميان ابًثاًوث يف املـمودًّة‪ ،‬إذ خاء بَ اًىثري من كواهن اإلميان األوىل‪ ،‬واًيت آثران أال هُـَد نخاابهتا ُُيا‪.‬‬
‫َّ‬
‫ٕٕٔ اًرساةل إىل مسريان‪.8 ،‬‬

‫‪58‬‬
‫قىاوني االميان قبل ويقية‬

‫ُب رسالتو إذل تراليان قبد اعَبافًا إيبانيًّا آخر‪ ،‬كالتارل‪:‬‬


‫”صُمّوا آذانكم عندما تسمعون كبلمًا ال يكون عن اؼبسيح ابن داود من مرصل العذراء‪ ,‬عن اؼبسيح‬
‫حقا‪ ،‬وأكل وشرب‪ ،‬واحتمل اآلالم على عهد بيبلطس البنطي‪ ،‬ومات على الصليب أمام‬ ‫الذي وُِلد ًّ‬
‫‪123‬‬
‫السماء واألرض وما ربت األرض‪ ,‬وقام من بْب األموات“‪.‬‬
‫عند إغناطيوس‪ ،‬قبد أ ّن ح ّقيقة ميبلده من العذراء مرصل ُسبثل بُرىانًا على بشريّة يسوع‪ ،‬وىذا ُب سياق حربو ضد‬
‫كثّبا ما‬
‫بدعة اػبياليّْب أو الديسوتيّْب‪ .‬فكلمات مثل‪” :‬حقًّا أكل وشرب“‪ ،‬تؤكد على ح ّقيقة ذبسد الكلمة‪ ،‬و ً‬
‫استخدمتها الكنيسة لتُحارب ىذه البدع‪.‬‬
‫بوليكاربوس‪ُ ،‬ب رسالتو الوحيدة الٍب تركها لنا‪ ،‬قُبيل استشهاده‪ ،‬يكتب فيها‪:‬‬
‫”آمنوا دبن أقام سيدنا يسوع اؼبسيح من األموات‪ ،‬وأعطاه ؾبدًا‪ ،‬وأجلسو عن يبْب عرشو‪ ،‬وأخضع لو‬
‫‪124‬‬
‫كلّ ما ُب السماء وما على األرض‪ ،‬والذي تعبده كلّ نسمة‪ ،‬وسيأٌب ليدين األحياء واألموات“‪.‬‬
‫يوستينوس الشهيد‪ ،‬عندما سألو الوارل ”ريستكس“‪ ،‬عن إيبانو‪ .‬أجاب‪” :‬اإليبان الذي نعتنقو بتقوى‪ ،‬إنو اإللو صانع‬
‫كمعلن‬
‫أيضا‪ ،‬بيسوع اؼبسيح‪ ،‬ابن اهلل‪ ،‬والذي أخرب عنو األنبياء بانو سوف ينزل للبشريّة ُ‬‫العادل بأسره منذ البدء‪ ،‬و ً‬
‫‪125‬‬
‫ومعلم للعقائد اغبسنة“‪.‬‬ ‫للخبلص‪ُ ،‬‬
‫ُب ىذا االعَباف اإليباشلّ اؼبختصر‪ ،‬قبد القديس يوستينوس يتحدث عن اهلل اػبالق‪ ،‬وابنو يسوع الذي أخرب عنو‬
‫ُ‬
‫األنبياء‪ .‬والنبوة ُب تعاليم آباء ما قبل نيقية ُمرتبطة بشدة بالروح القدس ُمعطي النبوة‪ٍ .‬بُا أ ّن ىذا االبن ذبسد لكي يُعلمنا‬
‫التشوىات الٍب كانت ُب ُـبيبلت البشر لدى اهلل‪ٍ ،‬بُا يُعطينا اػببلص الذي منو‪.‬‬
‫العقائد اإلؽبيّة السليمة ويقضي على ّ‬
‫السكندري الشهّب‪ ،‬وأحد ُعمداء مدرسة اإلسكندريّة اؼبسيحيّة‪ ،‬والذي سوف نتناول تعاليمو‬
‫ّ‬ ‫أثيناغوراس‪ ،‬اؼبعلم‬
‫ُ‬
‫البلىوتيّة ُب فصل خاص من ىذا الكتاب‪ ،‬يقول ُب دفاعو عن اؼبسيحيّْب‪:‬‬
‫”لقد أشرت دبا فيو الكفاية إذل أنّنا لسنا مُلحدين أل ّن إؽبنا ىو اإللو الواحد غّب اؼبخلوق وأبديّ وغّب‬
‫مرئيّ وال يُشبهو شيء مُدرك‪ُ .‬يبكن معرفتو فقط بالعقل واؼبنطق‪ُ ،‬ؿبا ٌط بنور وصبال‪ ،‬بالروح والقوة‬
‫البلمُتناىية‪ ،‬الذي بكلمتو خُِلقت اؼبسكونة بَبتيب وإحكام‪.‬‬
‫ونؤمن بابن اهلل‪ ،‬ودعونا نعَبف أنّو ؼبن اؼبضحك أن يكون هلل ابن! لكنّ‪ ،‬فيما ىبص فكرنا عن اهلل‬
‫ُ‬
‫اآلب واالبن‪ ،‬فهو ُـبتلف سبامًا عن أساطّب الشُعراء الٍب تتضمن تعاليم عن آؽبة ال ىبتلفون عن البشر!‬
‫إ ّن ابن اهلل ىو كلمة اهلل (اللوغوس)‪ ،‬ىو الفكر الذي يُبدع والقوة الٍب زبلق‪ ،‬الذي دبوجب مشيئتو كان‬

‫ٖٕٔ إىل حراًَان‪1 ،‬؛ اهؼر أًضً ا‪ :‬مغًس َا‪.88 ،‬‬


‫ٕٗٔ اًرساةل إىل فَِيب‪.6 ،‬‬
‫اإلسىٌدري ٌدلراست املس َح َّة‪ ،)6982 ،‬ص ‪.899‬‬
‫ّ‬ ‫ٕ٘ٔ سريافمي اًارامويس (اًراُب)‪ ،‬اًشِادة يف هطوص اًـِد اجلدًد وحِاة اًىٌُسة األوىل (اًلاُرة‪ :‬مدرسة‬

‫‪59‬‬
‫قىاوني االميان قبل ويقية‬

‫كلّ شيء‪ ،‬فاآلب واالبن واحد‪ ،‬حيث إنّو من خبلل قوة ووحدة الروح‪ ،‬فإ ّن اآلب ُب االبن واالبن ُب‬
‫اآلب‪ .‬إ ّن ابن اهلل ىو فكر وكلمة اآلب‪ ..‬وىو مولود من اآلب‪ ،‬غّب ـبلوق‪ ،‬وإ ّن اهلل كان لديو الكلمة‬
‫ُب ذاتو منذ البدء‪ ،‬دل يوجد وقت كان فيو اهلل ببل كلمة‪..‬‬
‫ونعلم أيضًا‪ ،‬أ ّن الروح القدس الذي أظهر ذاتو من خبلل عملو ُب األنبياء‪ ،‬مُنبثق من اهلل‪ ،‬فهو ينبع‬
‫منو ويرجع إليو‪ ،‬مثل شعاع الشمس‪..‬‬
‫‪126‬‬
‫فنحن نعَبف بإلو واحد‪ ،‬آب وابن وروح قدس‪ ،‬ؽبم قوة واحدة“‪.‬‬
‫القرطاجِب‪ ،‬يكتب‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ُب واحدة من رسائل الشهيد كربيانوس‬
‫”بكل تأكيد‪ ،‬ال يؤمن ماركيون بنفس اإللو اآلب وخالق كلّ األشياء‪ ،‬كما نُ ٍّعلم كبن‪ ،‬ىل ىو يعَبف‬
‫بنفس االبن اؼبسيح اؼبولود من العذراء مرصل الذي ىو الكلمة اؼبتجسد‪ ،‬والذي ضبل خطايانا وقهر‬
‫ُ‬
‫اؼبوت‪ ،‬وىو أوّل من أسّس قيامة اعبسد ُب أقنومو‪ ،‬عندما أقام جسده‪ ،‬وأظهر لتبلميذه أنّو أقام نفس‬
‫‪127‬‬
‫اعبسد“‪.‬‬
‫الكل‪ ،‬ويؤكد إنسانيّة اؼبسيح اؼبأخوذة من العذراء مرصل‪ ،‬وأنّو حقًّا‬
‫كربيانوس ُىنا يتحدث عن اهلل اآلب اػبالق ضابط ّ‬
‫ُولِد ومات وقام‪.‬‬
‫اؼبسيحي بالثالوث القدوس‪ُ ،‬ب ثبلثة بنود‪ ،‬أشبو‬
‫ّ‬ ‫القديس إيرينيئوس من بدايات القرن الثاشل‪ ،‬يشرح خبلصة اإليبان‬
‫بقانون إيباشلّ‪ ،‬وىي‪:‬‬
‫”إ ّن البند األوّل من قانون إيباننا‪ ،‬وقاعدة البناء وأساس اػببلص ىيَ أ ّن‪„ :‬اهلل اآلب غّب اؼبولود‪ ،‬غّب‬
‫اؼبحوى‪ ،‬غّب اؼبرئي‪ ،‬إلو واحد خالق اعبميع‪ .‬والبند الثاشل‪ :‬ىو أ ّن كلمة اهلل ابن اهلل‪ ،‬يسوع اؼبسيح رّبّنا‪،‬‬
‫ُ‬
‫الذي تنبأ عنو األنبياء‪ ،‬الذي كلّ شيء بو كان وبتدبّب اآلب ُب األيام األخّبة صار إنسانًا بْب البشر‬
‫(يؤ‪ )ٔٗ :‬وتراءى للكل لكي يُبطل اؼبوت‪ ،‬ولكي هبمع كلّ شيء ويُظهر اغبياة ويصنع شركة بْب اهلل‬
‫واإلنسان‪ .‬والبند الثالث ىو أ ّن‪ :‬الروح القدس ىو الذي بواسطتو تنبأ األنبياء وتعلّم اآلباء بأمور اهلل‪،‬‬
‫والذي بواسطتو دخل األبرار إذل طريق الرب‪ ،‬كما أنّو انسكب ُب األيام األخّبة بطريقة جديدة على‬
‫‪128‬‬
‫جنس البشر ؾبدّدًا اإلنسان هلل“‪.‬‬
‫ُب مؤلفو الشهّب ”ضد اؽبرطقات“‪ ،‬يكتب‪:‬‬
‫”قد است لمت من الرسل‪ ،‬ومن تبلمذهتم‪ ،‬اإليبان بإلو واحد‪ ،‬آب ضابط الكل‪ ،‬خالق السماء واألرض‬
‫والبحار‪ ،‬وكلّ ما فيها‪ ،‬واإليبان بيسوع اؼبسيح الواحد‪ ،‬الذي ىو ابن اهلل‪ ،‬الذي ذبسد من أجل‬

‫‪126‬‬
‫‪A Pela Regarding Christians, 10.‬‬
‫‪ ٕٔٚ‬رساةل ‪.8 :93‬‬
‫‪ ٕٔٛ‬اًىرازة اًرسوً َّة ‪.2‬‬

‫‪61‬‬
‫قىاوني االميان قبل ويقية‬

‫خبلصنا‪ ،‬واإليبان بالروح القدس الذي أعلن التدبّب بواسطة األنبياء‪ ،‬أي دبجئ اؼبسيح‪ ،‬وميبلده‬
‫العذراويّ‪ ،‬وآالمو‪ ،‬وقيامتو من بْب األموات‪ ،‬وصعوده إذل السموات جسديًّا‪ ،‬وظهوره ثانية من السماء‪،‬‬
‫ُب ؾبد اآلب‪ ،‬لكي هبمع كلّ األشياء ُب نفسو‪ ،‬ولكي يُقيم أجساد كلّ البشر إذل اغبياة‪ ،‬لكي ذبثو‬
‫للمسيح يسوع‪ ،‬رّبّنا وإؽبنا و ُـبلّصنا‪ ،‬كلّ ركبة‪ ،‬حبسب مشيئة اآلب غّب اؼبنظور‪ ،‬ولكي يعَبف كلّ‬
‫لسان لو‪ ،‬ولكي هبري دينونة عادلة‪ ...‬ىذه الكرازة‪ ،‬وىذا اإليبان‪ ،‬ربفظو الكنيسة‪ ،‬رغم تشتتها ُب كلّ‬
‫‪129‬‬
‫العادل“‪.‬‬
‫ا‬
‫العبلمة ترتليان‪ ،‬ىو اآلخر يتحدث أكثر من مرة عن قانون اإليبان اؼبعروف ُب عصره‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫”قاعدة اإليبان‪ ،‬نعرفها صبيعًا ونُكرّرىا بروح واحد‪ ...‬نؤمن بإلو واحد عظيم‪ ،‬صانع العادل‪ ،‬وابنو‪،‬‬
‫يسوع اؼبسيح‪ ،‬الذي وُِلد من العذراء‪ ،‬وتأدل ُب عهد بيبلطس البنطي‪ ،‬وقام ُب اليوم الثالث‪ ،‬وصعد إذل‬
‫السماوات‪ ،‬وهبلس اآلن عن اليد اليُمُب لآلب‪ ،‬وسيأٌب ليدين األحياء واألموات‪ ،‬كما سيُقيم‬
‫‪130‬‬
‫األجساد“‪.‬‬
‫خاصا بطاليب العماد‪ ،‬إمبا صارت اغباجة ُملحة الستعمالو‬‫إذ بدأت اؽبرطقات والبدع تنتشر‪ ،‬دل يعد ”قانون اإليبان“ ً‬
‫الكنسي ُب العبادة الليتورچيّة والعبادة اػباصة‪ .‬بدأت اَّامع اؼبسكونيّة تضع قانون اإليبان‪ ،‬ألىداف دفاعيّة وتّعليميّة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫ففي ؾبمع نيقية ُوضع قانون اإليبان ليُحارب اآلريوسيّة‪.‬‬
‫العمادي القدصل‪ ،‬لكنّو أضاف إذل الفقرة الثانية اػباصة بالسيد اؼبسيح‬
‫ّ‬ ‫األورشليمي‬
‫ّ‬ ‫فإنّو وإن اقَبب من قانون اإليبان‬
‫حق‪ ،‬مولود غّب ـبلوق‪ ،‬واحد مع اآلب ُب اعبوىر“‪ .‬ىذه الصيغة ال‬ ‫حق من إلو ّ‬ ‫ىذه الصيغة‪” :‬نور من نور‪ ،‬إلو ّ‬
‫يستطيع اآلريوسيّون أن ينطقوا ُّا‪ ،‬فتفرزىم عن اؼبؤمنْب‪ُّ .‬ذا ق ّدم ؾبمع نيقية للكنيسة صيغة الىوتيّة ُمبسطة تعلن إيبان‬
‫حكرا على اؼبعمدين فقط‪.‬‬
‫الكنيسة‪ ،‬ويعَبف ُّا اؼبسيحيّون ويَبمبون ُّا ويُصلّوهنا‪ ،‬فلم تعد ً‬
‫ُ‬
‫ب احمليّي‪،‬‬‫الر ّ‬
‫النيقي صيغة خاصة بالروح القدس‪ّ ” :‬‬
‫ُب اَّمع اؼبسكوشلّ الثاشل بالقسطنطينيّة أُضيف إذل قانون اإليبان ّ‬
‫اؼبنبثق من اآلب‪ ،‬نسجد لو ومبجده مع اآلب واالبن‪ ،‬الناطق ُب األنبياء‪.“...‬‬

‫‪ ٕٜٔ‬ضد اًِرظلات‪.6 ،8 :89 :8 ،‬‬


‫‪130‬‬
‫‪De Virginibus Velandis, cap. 1; Adv. Praxeam, cap. 2; De Præscript. Hæret. cap. 13.‬‬

‫‪61‬‬
‫مجمع نيقية المسكوني األول‬
‫من كتاب [قوانْب اَّامع اؼبسكونية وخبلصة قوانْب اَّامع اؼبكانية] لـ الراىب القس أثناسيوس اؼبقاري‬

‫مقدمة تاريخية‬
‫يُدعى ؾبمع نيقية اؼبسكوشل األول ُب نفس قوانينو الٍب أصدرىا باسم "اَّمع الكبّب" و"اَّمع العظيم" و"اَّمع‬
‫اؼبقدس العظيم" و"اَّمع الكبّب اؼبقدس"‪ ،131‬وىو نفس االسم الذي يُدعى بو عند آباء الكنيسة‪ ،‬حيث يُدعى عندىم‬
‫"اَّمع اؼبقدس الكبّب"‪.132‬‬
‫وقد التأم ىذا اَّمع ُب مدينة نيقية‪ 133‬بيثينياة ُب يوم الثبلثاء ٕٓ مايو سنة ٕٖ٘م ُب عهد اإلمرباطور قسطنطْب‬
‫الكبّب (‪ٖٖٚ-ٖٓٙ‬م)‪ ،‬للناظر ُب بدعة أريوس‪ .‬وكان عدد آباء ىذا اَّمع‪ ،‬حبسب تقليد الكنيسة الذي وصل إلينا‪ ،‬ىو‬
‫‪ ٖٔٛ‬أُس ُقفاً‪ ،‬باإلضافة إذل عدد وافر من القسوس والشمامسة‪.‬‬
‫السكانية داخل حدود اإلمرباطورية‪ ،‬فقد حضره أكثر من مائة‬‫اجمعات ُّ‬
‫ودل يكن حضور األساقفة متناسباً مع الت ُّ‬
‫أسقف من آسيا الصغرى‪ ،‬وحوارل ثبلثْب من سوريا وفينيقيا‪ ،‬وأقل من عشرين من مصر وفلسطْب‪ ،‬كان منهم البابا‬
‫بصحبة رئيس مشامستو القديس أثناسيوس الرسورل‬ ‫ألكسندروس (ٕٖٔ‪ٖٕٛ-‬م) بطريرك اإلسكندرية التاسع عشر‪ُ ،‬‬
‫(‪ٖٖٚ-ٖٕٛ‬م)‪ ،‬والقديس بفنوتيوس أسقف طيبة (األقصر)‪ ،‬وىو أحد اؼبعَبفْب‪ .134‬أما الغرب فبالكاد حضر منو ثبلثة‬
‫أو أربعة أساقفة تصادف وجودىم ُب الببلط اإلمرباطوري آنئذ‪ ،‬وكان من بينهم اؼبستشار الديِب لئلمرباطور‪ ،‬وىو القديس‬
‫ىوسيوس (‪ ٖ٘ٚ-ٕ٘ٚ‬م) أسقف قرطبة (أسبانيا) الذي ترأس جلسات اَّمع‪ .‬أما سلفسَب أسقف روما‪ ،‬فقد أرسل‬
‫اثنْب من كهنة كنيسة روما ُيبثٍّبلنو‪.‬‬
‫وحضر أريوس‪ 135‬مع مشايعيو ُب اعبانب اؼبعرض‪ ،‬وكان أقوى اؼبؤيدين لو‪ ،‬األسقف يوسابيوس النٍّيقوميدي‪،136‬‬
‫صديق أريوس القدصل منذ أيام التلمذة ُب مدرسة أنطاكية البلىوتية‪.‬‬
‫أما خبلصة ذبديف أريوس على اآلب واإلبن‪ ،‬فيمكن إهبازىا ُب السطور القليلة التالية‪.‬‬

‫‪ 131‬اهؼر مثا ًال ذ كل اًلواهن (‪.)81 ،89 ،82 ،1 ،2 ،6 ،8‬‬


‫‪ 132‬اهؼر مثا ًال ذ كل‪ ،‬رسااي اًل ِّدٌس نريًس اًىبري (‪222-286‬م) إىل وسعور‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫اًطغرى‪ ،‬وث ُدؾى اً ََوم يإزهَقي يف حرهَا ؿىل حبرية إزهَق‪ .‬واكهت يه ؿامصة اإلماراظورًة اًدزيهع ََّة من س ية ‪8692‬م إىل س ية‬ ‫هَلِة أو هَلِا ‪ Nikaia‬يه مدًية كدمية يف آس َا ُّ‬
‫‪8628‬م‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫ُ‬
‫متسىَ ابإلميان‪ ،‬وكَـت ؾَيَ‪ .‬واش هتر ُبطيؽ املـجزات‪ .‬وًذهر ابن نار (‪8362+‬م) يف نخابَ يمطداح اًؼَمة يف إًضاح اخلدمة (‪)861‬ي –‬ ‫ثـرض ٌَـذاابت ؿىل ًد مىسمَان بسبب ُّ‬ ‫َّ‬
‫وُو ما جندٍ أًضا ً يف اخملعوظات كِد ادلِّ راسة – أهَ مل ٍىن بن األساكفة اًـ ‪ 381‬من مل ًُـ َّذب بسبب اإلميان‪ ،‬وًُس بَ من ذ كل اًـذاب ٌ‬
‫آاثر ػاُرة‪ ،‬إال أحد ؾرش َر ُخ ًبل فلط‪.‬‬
‫املساموساظي أسلف‬ ‫ثـَّل يف مدرسة أهعاهَة اًبلُوثَة ؿىل ًد مؤسسِا ًوس َان أو ًوهَاهوس‪ .‬واكن ُذا األخري كد ثخَمذ ؿىل ًد بوًس َّ‬ ‫‪ 135‬أرًوس (‪332-682‬م) ُو من مواًَد ًَبِا‪ ،‬و َّ‬
‫أهعاهَة اذي ؾُزل من مٌطدَ حوايل س ية ‪622‬م‪ .‬وبـد ؾودة أرًوس إىل اإلسىٌدرًة‪ُ ،‬رمس شٌلسا ً فهيا ؿىل ًد اًدااب بعرس خامت اًشِداء اًدعرٍرك (‪ .)89‬وبـد ػِور بوادر ُرظلذَ‪ ،‬ح َّذر‬
‫اًدااب بعرس من خيَفَ ؿىل اًىريس اإلسىٌدري من رسامة أرًوس اكُياً‪ .‬وًىن أرًوس اس خعاع بعبلوة حدًثَ وَُدة ظَـخَ وثلواٍ املطعيـة‪ ،‬أن حيطي ؿىل ُرثدة اًلسُس َة من اًدااب‬
‫أرش َبلوس اًدعرٍرك (‪ .)81‬وبـد هَاحة ُذا األخري‪ ،‬وإذا فشي خََفذَ اًدااب أًىس يدروس اًدعرٍرك (‪ )81‬يف أن ًُـَد أرًوس إىل اإلميان اًطحَح‪ ،‬ؾلد ٍلـن ماكهَن آخرٌُل اكن س ية‬
‫‪381‬م‪ ،‬حفرمَ وكعـَ من اًىٌُسة مؽ مؤًِّدًَ‪ ،‬واكهوا أس ُلفَن من ًَبِا‪ ،‬ومخسة وِية‪ ،‬وس خة شٌلمسة‪.‬‬
‫‪ُ 136‬و من أخعر اًشخطَات اًيت آذت اًىٌُسة‪ ،‬ومٌاواا ً ؾيَداً ٌَدااب أزياس َوس اًرسويل‪ ،‬اكن أسلفاً ًَاروت‪ ،‬وبـبلكاثَ اًس َاس َة ابًل ر اإلماراظوري‪ ،‬هلي أسلفِخَ إىل هَلومِدًي‬
‫اًـامصة اًلدمية ًئلماراظورًة‪ .‬وبـد بياء اًلسعيعًَِة‪ ،‬اهخلي إٍهيا وضار أسلفا ً ًِا س ية ‪332‬م‪ .‬وُو اذي َّمعد اإلماراظور كسعيعن اًىبري كبي وافذَ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫جممع القسطنطيمية‬

‫وقت حْب كان اهلل وحده‪ ،‬ودل يكن أباً بعد‪،‬‬


‫فعن اآلب قال أريوس‪ :‬إنو دل يكن اهلل أباً ُب كل حْب‪ ،‬بل كان ىناك ٌ‬
‫بل صار أباً فيما بعد‪.‬‬
‫وعن االبن قال أريوس‪ :‬إنو ـبلوق من العدم‪ ،‬فلم يكن موجوداً قبل أن ُىبلق‪ .‬وأن القوى اؼبخلوقة كثّبة‪ ،‬ومنها‬
‫اؼبسيح‪ .‬وأن حكمة اهلل ال تولد‪ ،‬وليس ؽبا بداية‪ .137‬وأن االبن قابل للتاغيّب‪ .‬وأن اآلب غّب مدرك وغّب منظور لبلبن‪،‬‬
‫بل أن االبن ال يعرف حٌب طبيعة اآلب‪ ،‬فهو من نفس طبيعة اؼببلئكة‪ .‬وأن الكلمة ليس إؽباً حقيقياً‪ ،‬وحٌب كان يُدعى‬
‫إؽباً‪ ،‬لكنو ليس إؽباً حقيقياً‪ .‬وأنو واح ٌد ضمن اؼبائة خروف‪.‬‬
‫أما خبصوص ان االبن واح ٌد من اآلب ُب الوحدانية‪ ،‬وأن من رأى االبن فقد رأى اآلب‪ ،‬فذلك ليس حبسب اعبوىر‪،‬‬
‫وإمبا ىو ؾبرد توافق اؼبباديء والتعاليم‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫وانتشرت ىذه التعاليم األريوسية بْب العامة من الناس‪ ،‬بعد أن دوهنا أريوس كمقطوعات شعرية‪ ،‬وغبانها على نغمات‬
‫األغاشل الشعبية ليتغُب ُّا العامة ُب األسواق‪ ،‬وأظباىا ‪( θάλεια‬ثاليا) أي "وليمة"‪ .‬فانتشرت تعاليمو اؼبضلة بْب الناس‪،‬‬
‫ُ‬
‫وتسربت إذل وجداهنم ُب غيبة منهم‪.‬‬
‫ىم اآلباء الشاغل‪ ،‬ىو التفتيش عن أمر واحد ال غّب‪ ،‬وىو‪" :‬ما الذي تسلّموه من آبائهم؟" مدركْب كل‬ ‫كان ُّ‬
‫مفسرين‪ .‬ودل يعَبفوا إال بواجب واحد ُملقى على عاتقهم‪ ،‬وىو أن يُسلٍّموا‬
‫اإلدراك‪ ،‬أن وظيفتهم ىي أن يكونوا شهوداً ال ٍّ‬
‫للمؤمنْب ما تسلّمتو الكنيسة بأمر الرب‪.‬‬
‫وبعد مداوالت ومشاورات حادة‪ ،‬قُدٍّم إذل اَّمع قاعدة اإليبان الٍب كانت كنيسة أورشليم تلقٍّنها للموعوظْب وقت‬
‫اؼبعمودية‪ ،‬وىي‪:‬‬
‫"نؤمن بإلو واحد‪ ،‬اهلل اآلب ضابط الكل‪ ،‬خالق كل شيء‪ ،‬ما يرى وما ال يرى‪ .‬ونؤمن برب واحد‬
‫يسوع اؼبسيح كلمة اهلل‪ ،‬إل و من إلو‪ ،‬نور من نور‪ ،‬حياة من حياة‪ ،‬االبن الوحيد بكر كل خليقة‪ ،‬مولود‬
‫من اآلب قبل كل الدىور‪ ،‬الذي بو خُلق كل شيء‪ ،‬وذبسد ألجل خبلصنا"‪.‬‬
‫ورغم أن قانون إيبان كنيسة أورشليم صحيح من جهة الكنيسة اعبامعة‪ ،‬لكنو ال يعطي جواباً ؿبدداً عن عبلقة االبن‬
‫باآلب‪ ،‬وىو احملور الرئيسي الذي بسببو انعقد ىذا اَّمع‪ .‬فكان أن أُضيف اصطبلح الـ ‪( όμοούσιος‬ىوموؤسيوس)‬
‫والذي يعِب "مسا ٍو ُب اعبوىر لـ" أو "من ذات جوىر الـ"‪ 138‬وىو التعبّب الذي حاصر األريوسيْب وكشف خداعهم‪ ،‬إذ‬

‫‪ 137‬بلول أرًوس‪ :‬يؾيدما أراد هللا أن خيَلٌا‪ ،‬ؾيداذ كام بطيؽ اكةن ما‪ ،‬و َّمساٍ اٌَوغوس واحلمكة والابن‪ ،‬يك خيَلٌا بواسعخَي‪ .‬وذ كل فِياك حمكخان‪ :‬ياألوىل مس خلةل وموحودة مؽ هللا‪ ،‬أما‬
‫الابن فلد خاء من خبلل ُذٍ احلمكة األوىل‪ ،‬وأن املس َح كد ُ ِّمسي احلمكة واًلكمة‪ ،‬بسبب اشرتانَ فلط يف ُذٍ احلمكة األوىل‪.‬‬
‫أهؼر‪ :‬امللاةل األوىل ضد األرًوس َن ٌَلدٌس أزياس َوس اًرسويل‪ ،‬مرنز دراسات اآلابء‪ ،‬حرمجة األس خاذ اكمي ؾدد اًس َد‪ ،‬وادلنخور هطحي ؾدد اًشَِد‪ ،‬اًلاُرة‪ ،‬دٌسمار ‪8112‬م‪ ،‬ص ‪89‬‬
‫‪ 138‬س دق أن اس خـمي اًلدٌس إٍرًياؤس (‪699-839‬م) ُذا اًخَّـدري‪ ،‬واس خـمهل أًضا ً اًـبلمة أورجياهوس (‪682-818‬م)‪ .‬فلد شاع اس خخدام ُذا اًخـدري يف اًىٌُسة كبي ٍلؽ هَلِة بيحو‬
‫فرس ذ كل مبـىن وحود إًَِن‪ .‬جمجمؽ هَلِة اكن ًدافؽ ؾن ؾلِدة أن الابن غري‬‫مخسن س ية‪ .‬وثـدري يمساو ًآلب يف اجلوُري‪ ،‬ال ًـين أن ُيا حوُران مدساوًيت ًلك من اآلب والابن‪ ،‬وإال ًُ َّ‬
‫مٌفطي ؾن حوُر اآلب‪ ،‬فاآلب ‪ -‬والابن ٌُل حوُر واحد‪ ،‬فاهلل اآلب وهللا الابن ٌُل واحد‪ ،‬وًىن مؽ متاٍز لك من أكٌويم اآلب والابن‪ ،‬وإال هزنًق إىل ما ٌ ُسمى ياملوانرخَِّةي‪،‬‬
‫وياًسابََََّةي‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪63‬‬
‫جممع القسطنطيمية‬

‫تأصل ُب مدرسة أنطاكية البلىوتية‪ ،‬بقيادة رئيسها‬


‫تدشل االبن عن اآلب‪ ،‬وىو التعليم الذي ّ‬
‫كانوا يؤمنون بعقيدة ٍّ‬
‫اصطبلح الـ ‪( όμοούσιος‬ىوموؤسيوس) باصطبلح آخر ىو ‪( όμοιούσιος‬ىوميؤسيوس) والذي يعِب‪" :‬مشابو ُب اعبوىر‬
‫لـ"‪ ،‬ولكنو ُرفض من آباء اَّمع‪.‬‬

‫حول اصطالح الهوموؤسيوس‬


‫ىذا االصطبلح الذي يورده قانون اإليبان النيقاوي والذي يُعرف ُب اليونانية باسم ‪( όμοούσιος‬ىوموؤسيوس)‪ ،‬ىو‬
‫اصطبلح الىوٌب ىبتص بعبلقة االبن باآلب‪ ،‬والذي يعِب أن االبن مساو لآلب ُب اعبوىر‪ ،‬أو من ذات جوىر اآلب‪.‬‬
‫وكان أول من استخدم ىذا االصطبلح ىو القديس إيريناؤس (ٖٓٔ‪ٕٓٓ-‬م)‪ ،‬والعبلّمة اؼبصري أورهبانوس (٘‪-ٔٛ‬‬
‫رت‪.‬‬
‫ٕٗ٘م)‪ ،‬كما سبق أن أش ُ‬
‫وُب ذلك يقول العبلّمة أورهبانوس ُب كتابو "اؼببادئ"‪:‬‬
‫[إن االبن مشَبك مع اآلب ُب اعبوىر ‪( ούσία‬أوسياا)‪ ،‬ألن ما ينبثق (أو يولد) من اعبوىر‪ ،‬ىو مساو‬
‫لو وواحد معو ‪( όμοούσιος‬ىوموؤسيوس) بكلٍّ تأكيد]‪.139‬‬
‫واألوسيّا ‪ ούσία‬تعِب اعبوىر أو الكيان ‪ being‬أو الوجود اغبقيقي البسيط غّب احملدود‪ ،‬وىي ُب اإلقبليزية ‪ essence‬من‬
‫‪140‬‬
‫‪ .‬واألوسيا ربوي أيضاً ُب مضموهنا االصطبلح البلىوٌب ‪Φύσις‬‬ ‫األصل البلتيِب ‪ essential‬وُب البلتينية ‪substantia‬‬
‫ّ‬
‫(فيسيس) الذي يعِب "طبيعة" ‪ nature‬ولكنها ال تساويها سباماً‪ .‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬فقد كانت "األوسيّا" تعترب لدى‬
‫الىوتيي كنيسة اإلسكندرية مساوية سباماً للـ "فيسيس"‪ .‬فجاءت عند البابا أثناسيوس الرسورل [طبيعة ‪ Φύσις‬إؽبية واحدة‬
‫‪ .]One is the divine nature‬كما جاءت ىكذا أيضاً عند القديس كّبلس الكبّب (ٕٔٗ‪ٗٗٗ-‬م)‪ .‬ليس ىذا فقط‪ ،‬بل‬
‫وبل‬
‫كان البابا أثناسيوس الرسورل يستخدم اصطبلح "األوسيّا" واصطبلح "اؽبيبوستاسيس" أي "األقنوم" كمَبادفْب‪ُّ ،‬‬
‫أيهما ؿبل اآلخر‪ ،‬ويشاركو ُب ذلك القديس جّبوم (ٕٖٗ‪ٕٗٓ-‬م)‪.‬‬
‫فعن "األوسيّا" يقول القديس أثناسيوس الرسورل‪:‬‬
‫[إن اهلل ىو ذو جوىر ‪ ούσία‬غّب مُدرَك‪ ،‬وفوق كلٍّ إدراك]‪.141‬‬
‫ومن ىذه "األوسيّا" كان اصطبلح الـ "ىوموؤسيوس"‪.‬‬

‫فاملطعَح اًَوان ي ‪ُ( όμοούσιος‬وموؤس َوس) اذي ًُفِد املساواة املعَلة يف اجلوُر‪ً ،‬ـين أًضاً اًوحداهَة يف اجلوُر‪ ،‬ويه اًرتمجة اًـربَة ملفِوم اًلكمة اذي ال ًلبي اٌَبس‪ .‬وحنن‬
‫هـرف أن املطعَدات اًبلُوثَة اًَوانهَة يف ٍلؽ هَلِة كد حتدَّ دت مـاىهيا بشلك كاظؽ فامي بـد زمن اجملمؽ‪ ،‬ويه ثـدريات‪ :‬اجلوُر (األوس ََّا)‪ ،‬واًعدَـة (فُسُس)‪ ،‬واألكٌوم (َُدوس خاسُس)‪،‬‬
‫واًشخص (بروسوبون)‪.‬‬
‫‪139‬‬
‫‪Origen., De Princip. 1. 2. 12.‬‬
‫‪ 140‬هؼراً ًـجز اٌَغة اًبلثًَِة يف ثفسري املطعَدات اًبلُوثَة‪ ،‬اكهت لكمة ‪ substantia‬ثـين ً‬
‫الك من (أوس ََّا)‪َُ( ،‬دوس خاسُس)‪ .‬أي أن لكمة يظدَـةي يف اًبلثًَِة اكهت ثـين ً‬
‫الك من‬
‫اجلوُر واألكٌوم‪ .‬واكن آابء هَلِة خيشون ًو أمه اؿرتفوا ابزيَن َُدوس خاسُس (أي ُأكٌو َمن)‪ ،‬أن ٍُهتموا بأمه ًلبَون الاؿرتاف َ‬
‫جبوُرٍن‪.‬‬
‫اهؼر‪ :‬امللاةل األوىل ضد األرًوس َن ٌَلدٌس أزياس َوس اًرسويل‪ ،‬مرحؽ سابق‪ ،‬ص ‪861‬‬
‫‪141‬‬
‫‪Athanas., Contra gent., 2.‬‬

‫‪64‬‬
‫جممع القسطنطيمية‬

‫ونفس ىذا االصطبلح الذي قنانو ؾبمع نيقية اؼبسكوشل األول سنة ٕٖ٘م‪ ،‬كان يهدف بو آباء اَّمع إذل إثبات أن‬
‫نصاً‬
‫االبن مع اآلب نبا واحد‪ ،‬وأن ىذا اعبوىر ىو كيا ٌن أساسي واحد‪ .‬فأضافوا بعد قانون اإليبان –بسبب احملرومْب‪ّ -‬‬
‫قالوا فيو بأن االبن "ليس من ىيبوستاسيس ‪ ύπόστασις‬آخر"‪ ،‬أي "ليس من جوىر آخر"‪ .142‬والزال ىذا االصطبلح‬
‫مستخدماً ُب كافة كنائس اؼبسكونة حٌب اليوم‪ ،‬بعد أن جاز تارىباً طويبلً من الصدام والصراع والقبول والرفض بْب‬
‫االساقفة وبعضهم البعض‪ ،‬وبالتارل بْب الكنائس اؼبختلفة‪.‬‬
‫وترصبة االصطبلح اليوناشل ‪( όμοούσιος‬ىوموؤسيوس) ُب اللغة العربية إذل "مساو ُب اعبوىر لـ"‪ ،‬ال تفيد بدقة ما يعنيو‬
‫ىذا االصطبلح اليوناشل عن عبلقة االبن باآلب‪ .‬ألن اؼبساواة أو التساوي ُب اللغة العربية تعِب حتماً التساوي بْب شيئْب‬
‫أو شخصْب‪ ،‬حٌب لو كان تساوياً ُمطلقاً‪ .‬ولكن االبن ىو من نفس جوىر اآلب‪ ،‬فهو واآلب واحد‪ .‬فمساواة االبن‬
‫جوىر واح ٌد ُب‬
‫لآلب ُب اعبوىر‪ ،‬ال تعِب أن جوىر االبن يساوي سباماً جوىر اآلب‪ ،‬دبعُب وجود جوىران ُب اهلل‪ .‬ألن اهلل ٌ‬
‫ثبلثة أقانيم‪ .‬وكون االبن ىو صورة اآلب ورسم جوىره‪ ،‬يعِب أنو من ذات جوىره‪.‬‬
‫لقد استخدم البابا أثناسيوس الرسورل اصطبلح الـ "ىوموؤسيوس" لكي يهدم بو اصطبلح األريوسيْب وىو الـ‬
‫"ىوميؤسيوس" ُب شرحهم لعبلقة االبن باآلب‪ .‬فاالبن ال يبكن أن يكون مشاُّاً لآلب‪ ،‬ألنو غّب مفَبق عن طبيعة‬
‫اآلب‪ ،‬وىو وإن كان مساوياً لآلب ُب اعبوىر‪ ،‬فهو "تساوي الوحدانية"‪ .‬ألن الذي ىو من جوىر اهلل اآلب ومتساوي‬
‫معو‪ ،‬يتحتم أن يكون واحداً معو ُب ذات اعبوىر‪.‬‬

‫حول أعمال مجمع نيقية وكل من قوانينو الصحيحة والمنسوبة إليو‬


‫دل يعًب ىذا اَّمع بتسجيل أعمالو أو ؿباضر جلساتو‪ ،‬ال باللغة اليونانية وال باللغة البلتينية‪ .‬وكل ما وصلنا من‬
‫أعمالو‪ ،‬مأخوذ من مؤلفات اؼبؤرخْب‪ :‬يوسابيوس القيصري (ٓ‪ٖٗٓ-ٕٙ‬م)‪ ،‬وروفينوس (ٖ٘ٗ‪ٗٔٓ-‬م)‪ ،‬وسوزومْب‬
‫(أوائل القرن اػبامس)‪ ،‬وثيؤدوريت (ٖ‪ٗٙٙ-ٖٜ‬م)‪.‬‬
‫وقد س ان ىذا اَّمع عشرين قانوناً‪ ،‬عدا دستور اإليبان‪ .‬وىذه القوانْب الشعرين قد وردت ُب كل اؼبخطوطات قيد‬
‫الدراسة‪ ،143‬الٍب تورد قوانْب ىذا اَّمع‪ ،‬تسبقها مقدمة تارىبية عن اَّمع‪,‬‬

‫‪ 142‬اًلدٌس أزياس َوس اًرسويل‪ ،‬ضد األرًوس َن‪ ،‬امللاةل األوىل‪ ،‬مرحؽ سابق‪ ،‬ص ‪869‬‬
‫‪ 143‬ابس خثٌاء اخمل َ‬
‫عوظن (‪ 622‬ابرٌس) و(‪ُ 36‬يت) اٌذلٍن مل ًوردا أض ًبل كواهن اجملامؽ املسىوهَة‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مجمع القُسطنطينيَّة المسكوني الثاني‬
‫من كتاب [قوانْب اَّامع اؼبسكونية وخبلصة قوانْب اَّامع اؼبكانية] لـ الراىب القس أثناسيوس اؼبقاري – صـ‬
‫(‪)630-46‬‬
‫مقدمة تاريخية‬
‫‪145‬‬ ‫‪144‬‬
‫(‪-ٖٜٚ‬‬ ‫ُب عهد اإلمرباطور ثيؤدوسيوس الكبّب‬ ‫التأم ىذا اَّمع ُب سنة ٔ‪ٖٛ‬م ُب مدينة القسطنطينياة‬
‫٘‪ ٖٜ‬م)‪ ،‬ورأسو ُب البداية مبلتيوس أسقف أنطاكية‪ ،‬وبعد نياحتو أثناء جلسات اَّمع‪ ،‬خلفو القديس غريغوريوس‬
‫البلىوٌب (النازينزي) (‪ٖٜٛ-ٖٕٜ‬م)‪.‬‬
‫وقد حضره البابا تيموثاوس (‪ٖٛٗ-ٖٚٛ‬م) البطريرك الـ (ٕٕ) من بطاركة كنيسة اإلسكندرية‪ .‬وشارك فيو ٓ٘ٔ‬
‫أسقفاً كلهم من الشرق‪ ،‬وكان من بينهم القديس غريغوريوس النٍّيسي (ٖٖٓ‪ٖٜ٘-‬م)‪ ،‬والقديس كّبلس األورشليمي‬
‫(ٖ٘ٔ‪ٖٛٙ-‬م)‪ .146‬ودل وبضر أحد من أساقفة الغرب حٌب أن داماسوس أسقف روما دل وبضر ودل يُرسل ن اواباً من قِبَلو‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬فقد وافقت الكنيسة الغربية على قانونية ىذا اعبمع‪.‬‬
‫أما الغاية األساسية لدعوتو واجتماعو‪ ،‬فهي دحض بدعة مكدونيوس ‪ٖٕٙ+( Macedonius‬م) بطريرك القسطنطينية‬
‫الذي ا ادعى أن الروح القدس ـبلوق بواسطة االبن‪ .‬وقد أكمل ىذا اَّمع قانون اإليبان النٍّيقاوي بعد عبارة "نعم نؤمن‬
‫بالروح القدس"‪ ،‬أي بدءًا من عبارة "الرب احمليي اؼبنبثق من اآلب‪ ...‬اخل"‪.‬‬
‫أما نص قانون اإليبان النٍّيقاوي القسطنطيِب‪ 147‬فهو كاآلٌب من مراعاة أن البُنط الثقيل ىو إضافة اَّمع اؼبسكوشل‬
‫الثاشل بالقسطنطينيٍّة سنة ‪ٖٔٛ‬م على القانون الذي وضعو ؾبمع نيقية اؼبسكوشل األول سنة ٕٖ٘م‪:‬‬
‫"نؤمن بإلو واحد‪ ،‬آب ضابط ال ُكل‪ ،‬خالق السماء واألرض‪ ،‬كلّ ما يُرى وما ال يُرى‪ٍّ .‬‬
‫وبرب واحد‬
‫يسوع اؼبسيح ابن اهلل الوحيد‪ ،‬اؼبولود من اآلب قبل كلّ ُّ‬
‫الدىور‪ ،‬نورٌ من نور‪ ،‬إلوٌ حق من إلو حق‪،‬‬
‫مولودٌ غّب ـبلوق‪ ،‬مساو لآلب ُب اعبوىر‪ ،‬الذي بو كان كلُّ شيء‪ ،‬الذي من أجلنا كبن البشر ومن‬
‫الروح القُدُس ومن مريم العذراء‪ ،‬وتأناس وصُلب عنَّا على‬
‫السماء وذبساد من ُّ‬ ‫أجل خبلصنا نزل من َّ‬
‫عهد بيالطس البنطي‪ ،‬وتأ ادل وقُبر وقام ُب اليَوم الثاالث كما ُب ال ُكتُب‪ ،‬وصعد إذل الساماء‪ ،‬وجلس‬

‫‪144‬‬
‫ملر اإلماراظور‪ ،‬ويه مرنز اإلماراظورًَّة اًدزيهعََّة اًس َايس وادلًين‬ ‫يه بزيهعََّة أو بزيهعة اًلدمية‪ ،‬أؿاد اإلماراظور كسعيعن اًىبري (‪339-636‬م) بياءُا يف س ية ‪362‬م‪ ،‬فطار َّ‬
‫واًثلايف‪ .‬وكد سلعت أمام اًـنامه َِّن‪ ،‬حِر دخَِا َلد اًفا ح س ية ‪8283‬م‪ ،‬فأضدحت ؿامصة اًـنامه َِّن‪ ،‬ودُؾَت ياس خاهدولي‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫ٌَرشق‪ ،‬أما يف اًغرب فاكن اإلماراظور غراثَان‪ ،‬ومل حىن هل أًَّة ؿبلكة هبذا اجملمؽ‪.‬‬ ‫اكن اإلماراظور زَؤدوس َوس إماراظوراً َّ‬
‫اًرشق ًـخذرون فهيا ألساكفة اًغرب ؾن ؿدم إماكمه حضور بإرسال زبلزة من األساكفة‬ ‫‪ 146‬اكن اًلدٌس نريًس األورشَميي كد ُرمس حدًثا ً ملدًية أورشَمي‪ .‬ففي ِّاًرساةل اًيت بـهثا أساكفة َّ‬
‫اًرشكِِّن ٍميث َّوا ويُسة اًرشق‪ ،‬كاًوا يف ِّاًرساةل‪ :‬يإن ويُسة أورشَمي اًيت مه ُأم مجَؽ اًىٌابس‪ ،‬هـرف ًِا أسلفا ً ُو نريًس اجلزًي اًورع‪ ،‬رمسَ كاهوهَا ً أساكفة اإلًدارش ََّة‪ ،‬فٌَمتس من ثلوامك أن‬ ‫َّ‬
‫بخوسط احملدة املس َحَة وخوف اًرب‪ ...‬اخلي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫هتيتوٍ‬
‫‪ً 147‬خفضَبلت أخرى حول كاهون اإلميان‪ ،‬اهؼر‪ :‬نخاب ياألحبَة أي ضَوات اًسواؾيي ٌَمؤًف‪ًُ[ .‬لطد اًراُب أزياس َوس امللاري]‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫جممع القسطنطيمية‬

‫‪148‬‬
‫عن يمين اآلب‪ ،‬وسيأٌب بمجد‪ ،‬ليدين األحياء واألموات‪ ،‬الذي ليس ؼبلكو انقضاء ‪ُّ .‬‬
‫وبالروح‬
‫ُ‬
‫وممجد‪ ،‬النَّاطق‬
‫َّ‬ ‫الرب المحيي المنبثق من اآلب‪ ،‬الذي ىو مع اآلب واالبن مسجودٌ لو‬ ‫القُدُس َّ‬
‫في األنبياء‪ .‬وبكنيسة واحدة َّ‬
‫مقدسة جامعة رسوليَّة‪ .‬ونعترف بمعموديَّة واحدة لمغفرة الخطايا‪.‬‬
‫وننتظر قيامة األموات وحياة َّ‬
‫الدىر اآلتي"‪.149‬‬
‫البدع التي دحضها المجمع‬
‫دحض اَّمع تعاليم اإلفتوميٍّْب‪ ،‬واإلفدوكسيٍّْب‪ ،‬وال اسابيليٍّْب‪ ،‬واؼبركيلليٍّْب‪ ،‬والفوتينيٍّْب واألبوليناريٍّْب‪ .‬وقد حرم باإلصبال‬
‫كل بدعة ظهرت إذل الوجود ُب عهد األباطرة الذين سبقوا التآمو‪ ،‬وىم قسطنديوس ويوليانوس وفالنس‪ .‬وفيما يلي بيان‬ ‫ّ‬
‫موجز ُّذه البدع‪:150‬‬

‫(‪ )6‬اإلفنوميُّون‬
‫مؤسس ىذه البدعة‪ ،‬الذي‬ ‫بدعة اإلفنوميٍّْب‪ ،‬نسبة إذل زعيمهم إفنوميوس ‪+ٖٜٗ( Eunomius‬م) الذي كان كاًب ٍّسر ٍّ‬
‫يُدعى إيتيوس ‪ .Aetius‬وإيتيوس ىذا كان أوفر اؼبغامرين البلىوتيْب إنتاجاً‪ ،151‬أ اما إفنوميوس فكان مشهوراً جبرأتو وقُدرتو‬
‫على العمل اؼبتواصل‪ ،‬وكان كثّب التاقلُّب‪ .‬أُقيم أسقفاً على كيزيكوس ‪ Cyzicus‬بواسطة إفدوكسيوس ‪-ٖٓٓ( Eudoxius‬‬
‫وسرعان ما اأربد مع إيتيوس ‪ Aetius‬وانفصبل علناً عن إفدوكسيوس ‪ Eudoxius‬ووصماه‬ ‫‪152‬‬
‫ٓ‪ٖٚ‬م) أسقف القسطنطينياة ‪ُ ،‬‬
‫بأنو َر ُجل متلّون‪ ،‬ـبادع‪ ،‬وانتهازي‪.‬‬
‫كان أتباع إفنوميوس ‪ Eunomius‬يقولون‪ :‬إ ان االبن يبكن أن يُدعى اهلل‪ ،‬ولكن باالسم ال غّب‪ ،‬ليبقى بينو وبْب اهلل‬
‫الرأس غّب اؼبخلوق‪ ،‬ى اوة ال يبكن اجتيازىا‪ .‬فحٌب عبارة األريوسيٍّْب عن االبن بأنو "شبيو ُب اعبوىر" كانوا يعتربوهنا ربفُّظاً‬
‫غّب الشريف‪ ،‬فكانوا إذاً أسوأ من األريوسيٍّْب ُب اعتقادىم‪.‬‬
‫ومنكساً رؤوسهم‬ ‫ينضمون إذل مذىبو‪ ،‬مغطٍّساً إياىم غطسة واحدة‪ٍّ ،‬‬ ‫وكان إفنوميوس ‪ Eunomius‬يُعيد معمودية الذين ُّ‬
‫الروح ال ُق ُدس اؼبخلوق‬
‫إذل أسفل وأرجلهم إذل فوق‪ ،‬وىو يقول‪" :‬يُع امد فبلن باسم اآلب غّب اؼبخلوق‪ ،‬واالبن اؼبخلوق‪ ،‬و ُّ‬
‫من االبن اؼبخلوق"‪ .‬وكان يُنكر العذاب األخّب‪ ،‬وجهنام‪.‬‬

‫‪ 148‬إن ؾدارة يًُس ملَُىَ اهلضاءي كد أضَفت ؿىل كاهون اإلميان اًيَِّلاوي أي كبي اهـلاد ٍلؽ اًلسعيعًََِّة املسىو ي اًثا ي بس يوات ؿدًدة‪ ،‬دحضاً ًددؿة مرهَََوس ‪ Marcellos‬أسلف‬
‫أهلرة (‪392+‬م)‪ .‬وس َأيت احلدًر ؾيَ بـد كََي‪.‬‬
‫اهؼر‪ :‬حٌاهَا ِّهساب‪ٍ ،‬لوؿة اًرشع اًىًيس‪ ،‬مرحؽ سابق‪ ،‬ص ‪ 622‬ص‪8‬‬
‫‪Cf. also, ODCC, 2nd edition, p. 869.‬‬
‫‪149‬‬
‫‪Philip Schaff, The History of the Christian Church, Vol. 2.; Nicene and Post Nicene Fathers, Vol. XIV, p. 3.‬‬
‫‪150‬‬
‫بخ رف‪.‬‬
‫حٌاهَا ّهساب‪ٍ ،‬لوؿة اًرشع اًىًيس‪ ،‬مرحؽ سابق‪ ،‬ص ‪ 681‬وما بـدُا ُّ‬
‫‪ 151‬أزياس َوس يف اجملامؽ (‪ ،)38‬وسلراط يف اترخي اًىٌُسة (‪.)28:6‬‬
‫‪ 152‬شارك يف نثري من اجملامؽ األرًوس َة يف اًلرن َّاًرابؽ املَبلدي‪ُ .‬ورمس أسلفا ً ؿىل أهعاهَة س ية ‪381‬م‪ ،‬مث ضار أسلفاً ٌَلسعيعًََِّة س ية ‪329‬م‪ .‬ومل ًدبق من نخاابثَ سوى شذرات‬
‫بس َعة من ملاةل هل ؾن اًخ ُّ‬
‫َّجسد‪.‬‬
‫‪ODCC, 2nd edition, p. 479, 480.‬‬

‫‪67‬‬
‫جممع القسطنطيمية‬

‫(‪ )2‬اإلفدوكسيُّون‬
‫نسبة إذل إفدوكسيوس ‪ Eudoxius‬أسقف القسطنطينياة‪ُ 153‬ب عهد اإلمرباطور فالنس (ٗ‪ٖٚٛ-ٖٙ‬م)‪ .‬وىي فئة دل‬
‫بكل معُب الكلمة‪ ،‬لكناها اكبازت بصورة ظاىرة إذل اليسار ُب األريوسياة‪ ،‬وا ادعت أهنا سبثٍّل األريوسياة‬
‫تكن أريوسياة ٍّ‬
‫األصلية القديبة‪ .‬وسب اسك إفدوكسيوس ‪Eudoxius‬بالعبارة اؼببهمة الٍب اخَبعها أكاكيوس ‪ٖٙٙ+( Acacius‬م) أسقف‬
‫قيصرياة‪ 154‬وىي "أ ّن االبن شبيو باآلب"‪ ،‬بدون إشارة إذل أن ىذه اؼبشاُّة تتخطّى الوجهة األدبية‪ .‬فكانت النتيجة‬
‫العملية‪ ،‬إعداد الطريق ألصحاب البدعة اإلفنومياة‪.‬‬

‫(‪ )0‬النِّصف أريوسيِّين‬


‫ويُس امون أيضاً "ؿباريب الروح"‪ .‬وكان زعيمهم ىو باسيليوس أسقف أنقرة ‪ .155Basil of Ancyra‬وكان حزب النٍّصف‬
‫أريوسيٍّْب ىم أصل بدعة مقدونيوس ‪ )ٖٕٙ+( Macedonius‬أسقف القسطنطينياة بق اوة اؼبلك قسطنديوس‪-ٖٖٚ( 156‬‬
‫ٔ‪ٖٙ‬م) بعد إنزال أس ُقفو القانوشل بولس‪ٍ .‬ب ُخلع من ىذه األسقفية ُب سنة ٓ‪ٖٙ‬م بواسطة اإلفنوميٍّْب‪ .‬وقد علام أن‬
‫"االبن مشابو لآلب ُب كل شيء‪ ،‬ولكناو ال يساويو ُب اعبوىر‪ .‬وأن الروح القدس ـبلوق وخادم لبلبن‪ ،‬كأحد اؼببلئكة"‪.‬‬
‫وقد ُظبٍّى مشايعوه "اؼبقدونيٍّْب"‪ .‬وكانوا قد تد ارجوا ُب إيباهنم إذل إعبلن عظمة االبن غّب اؼبخلوقة‪ ،‬إال أهنم ظلُّوا يرفضون‬
‫عبارة ؾبمع نيقية بأن االبن "مساو لآلب ُب اعبوىر"‪ .‬وقال عنهم القديس أثناسيوس الرسورل (‪ٖٖٚ-ٖٕٜ‬م) وىو ُب‬
‫منفاه الثاشل‪:‬‬
‫يوسْب امشئزازاً منهم لتجديفهم على اهلل‪،‬‬
‫وبز ُب نفسي‪ ،‬أن بعض الذين ىجروا األر ٍّ‬
‫[ظبعت واألمل ُّ‬
‫ُ‬
‫يدعون بعد ذلك الروح ـبلوقاً ويقولون‪ :‬إنو أحد األرواح اػبادمة‪ ،‬وال ىبتلف عن اؼببلئكة إال‬
‫بالرتبة]‪.157‬‬
‫ُّ‬
‫وىو ما دفع ؾبمع القسطنطينياة إذل تثبيت تكملة قانون اإليبان النٍّيقاوي بعد عبارة "نؤمن بالروح القدس"‪ ،‬بقولو‪:‬‬
‫مسجود لو وفب اجد"‪ ،‬وكانت ىذه اإلضافة جزءًا من دساتّب‬
‫ٌ‬ ‫"الارب احمليي اؼبنبثق من اآلب‪ ،‬الذي ىو من اآلب واالبن‬
‫اإليبان احمللياة ُب الكنائس اؼبختلفة ُب الشارق‪.‬‬

‫‪ 153‬س دق اإلشارة إًََ مٌذ كََي‪.‬‬


‫‪ 154‬الُويت أرًويس‪ ،‬وُو ثَمَذ ًوسابَوس ‪ Eusebius‬اًلِ ري (‪329-329‬م)‪ ،‬وخََفذَ ؿىل هريس كِ رًَّة فَسعن‪.‬‬
‫‪Cf. ODCC, 2nd edition, p. 8.‬‬
‫‪155‬‬
‫‪Cf. ODCC, 2nd edition, p. 141.‬‬
‫‪ 156‬وُو ٌ ُس َّمى أًضا ً يكسعيعَيوسي‪ .‬واذي حنك اجلزء َّ‬
‫اًرشيق من اإلماراظورًَّة اًدزيهع ََّة‪.‬‬
‫‪ 157‬اًرساةل األوىل إىل اًلدٌس رسابَون ؾن اًروح اًلدس‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫جممع القسطنطيمية‬

‫السابيليُّون‬
‫(‪َّ )8‬‬
‫نسبة إذل سابيليوس ‪ 158Sabellius‬الذي اعتقد أن الثبلثة أقانيم ىم أقنوم واحد مثلث األظباء‪ ،‬ظهر تارة كآب‪ ،‬وتارة‬
‫‪159‬‬
‫الصورة والشاكل‪ .‬وترجع بدعة ال اسابيليٍّْب إذل تعاليم نوفاتوس الذي ىو نوفاتيان‬
‫بتغّب ُّ‬
‫كابن‪ ،‬وأُخرى كروح قُ ُدس‪ُّ ،‬‬
‫‪ Novatian‬ومعو أيضاً براكسياس ‪ُ Praxeas‬ب أواخر القرن الثاشل اؼبيبلدي‪ .160‬فيقول ال اسابيليُّون‪ :‬إن االبن والروح القدس‬
‫إمبا نبا من الظُّهورا ت واألشكال أو االنبثاقات من شخص اآلب الواحد‪ .‬وقد أرسل البابا ديونيسيوس الكبّب (‪-ٕٗٛ‬‬
‫٘‪ٕٙ‬م) البطريرك اإلسكندرية رسالة إذل زيستوس الثاشل ‪ٕ٘ٛ-ٕ٘ٚ( Sixtus II‬م) أسقف روما‪ ،‬يصف فيها ىرطقة‬
‫كل خليقة‪ ،‬الكلمة اؼبتأنٍّس‪،‬‬
‫بكر ّ‬
‫سابيليوس‪ ،‬بأهنا فبلوءة ُكفراً وذبديفاً على اهلل اآلب‪ ،‬وشكوكاً كثّبة خبصوص ابنو الوحيد ُ‬
‫وقصوراً شديداً ُب معرفة الروح القدس‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫وضعت فيها دبساعدة اهلل‪ ،‬كثّباً من التاعاليم على قدر‬
‫ُ‬ ‫كتبت بضع رسائل ؼبعاعبة اؼبوضوع‪،‬‬ ‫[قد ُ‬
‫استطاعٍب‪ ،‬وىا أنا أرسلُ إليك نُسخاً منها]‪.161‬‬
‫(‪ )6‬المركليُّون‬
‫ُب غبلطية‪ .‬وكان اعتقاده قريباً من تعليم سابيليوس‪،‬‬ ‫‪Ancyra‬‬ ‫نسبة إذل مركلُّوس ‪ٖٚٗ+( Marcellus‬م) أسقف أنقرة‬
‫اجسد‪ .‬ويُنسب إليو الرأي‪ ،‬بأن الكلمة كان ق اوة إؽبياة غّب شخصياة‪ ،‬كامنة‬
‫ومناقضاً لئليبان اغبقيقي ببلىوت االبن‪ ،‬وبالت ُّ‬
‫ُب اآلب منذ األزل‪ ،‬ولكناها صادرة منو ُب عمل اػبليقة‪ ،‬ودخلت أخّباً ُب عبلقات مع شخص اإلنساشل‪ ،‬فصار بذلك‬
‫ابن اهلل‪ .‬على أن ىذا االمتداد من الوحدة اإلؽبياة‪ ،‬يتبعو انكماش‪ ،‬عندما ينسحب الكلمة من يسوع‪ ،‬ويكون اهلل ثانية‪،‬‬
‫الُكل ُب ال ُكل!‬

‫‪َ ًُ 158‬ـرف ؾيَ اًلََي خداً‪ .‬وًُؼن أه ََّ الُويت من بوانري اًلرن اًثاًر املَبلدي‪ ،‬ومن أضي روما ي‪ .‬ورد ذهرٍ يف بـظ نخاابت اآلابء اًَوانن يف أواخر اًلرن َّاًرابؽ أو اخلامس املَبلدي‪،‬‬
‫حِر ًًس دوهَ إىل ًَبِا أو امخلس ُمدُ ن اًغربََّة ‪.Pentapolis‬‬
‫‪Cf. ODCC, 2nd edition, p. 1218.‬‬
‫‪159‬‬
‫هوفاثوس أو هوفاثَان‪ُ ،‬و كس من ويُسة روما‪ ،‬هل مؤًّف ُام ومذاكمي ؾن اًثاًوث‪ .‬أما ثفاضَي حِاثَ‪ ،‬فِيي جمِوةل‪ .‬وكد َّ‬
‫ثـرض ًبلسدشِاد يف ُحنك فاًرًين س ية ‪689‬م‪ .‬ومل ثلبي‬
‫اًىٌُسة ثـاٍميَ‪ ،‬نٌل رفضِا اًدااب دًوهُس َوس اًىبري (‪628-621‬م)‪.‬‬
‫‪Cf. ODCC, 2nd edition, p. 984.‬‬
‫وًلول ؾيَ ًوسابَوس اًلِ ري‪ :‬حنن حبق وشـر ابًىراَُة حنو هوفاثوس اذي َّكس اًىٌُسة‪ ،‬ودفؽ بدـظ اإلخوة إىل اً ُىفر واًخَّجدًف‪ ،‬وأدخي ثـاًمي ُنفرًَّة ؾن هللا وأخرى ؾن ربيا ٌسوع‬
‫اًلكي اًرأفة‪ ،‬م َّدؾَا ً بأهَ غري رحمي‪ .‬وؿبلوة ؿىل لك ُذا‪ ،‬فإهَ ٍرفظ املـمودًة امللدسة‪ ،‬وًلَب اإلميان والاؿرتاف اٌذلٍن ٌس دلامها‪ ،‬ومييؽ ؾمه ُلك ََّة اًروح اًلدس‪ ،‬إن اكن ُياك ُّأي‬
‫املس َح ُ‬
‫رخاء أن ًدلى مـِ أو ًـود إٍهي ‪.‬‬
‫اهؼر‪ً :‬وسابَوس اًلِ ري‪ ،‬اترخي اًىٌُسة‪ ،‬حرمجة اًلمص مركس داود‪ ،‬اًعدـة اًثاهَة‪ ،‬اًلاُرة‪8191 ،‬م‪ ،‬ص‪.388‬‬
‫‪ 160‬براهس َاس ُو ُرظويق‪ ،‬وضَخيا مـَومات ؾن اترخيَ وثـَميَ من ملاةل ابًَوانهَة بـيوان يض َّد براهس َاني ‪ُ Adversus Praxian‬نخبت حوايل س ية ‪683‬م‪.‬‬
‫وكد اشار اًـبلمة حرثََان (‪668-829‬م) إىل ثـاٍميَ اخلاظتة‪.‬‬
‫‪Cf. ODCC, 2nd edition, p. 1115.‬‬
‫‪ً 161‬وسابَوس اًلِ ري‪ ،‬اترخي اًىٌُسة‪ ،‬حرمجة اًلمص مركس دادود‪ ،‬مرحؽ سابق‪ ،)2:9( ،‬ص ‪.321‬‬

‫‪69‬‬
‫جممع القسطنطيمية‬

‫(‪ )6‬القوتينيُّون‬
‫‪Marcellus‬‬‫ىم أتباع فوتينوس ‪ Photinus‬الذي صار أسقفاً على سّبميوم ‪ Sirmium‬سنة ٖٗٗم‪ 162‬وىو تلميذ مركلُّوس‬
‫الذىن‪ .‬وقد صدرت ضداه أحكام‬ ‫(‪ٖٚٗ+‬م) أسقف أنقرة‪ .‬وكان فوتينوس ‪ Photinus‬ىذا متصلاباً ُب رأيو‪ ،‬عنيداً‪ ،‬حاضر ٍّ‬
‫أربعة ؾبامع متتابعة قبل أن يضع السلطة اؼبدنياة حدًّا ؼبشاغباتو ُب سنة ٖٔ٘م‪ .‬وقال ُب تعليمو عن شخص السيٍّد‬
‫أي يشبو رأي‬ ‫اؼبسيح لو اَّد "إن يسوع الذي استقار فيو الكلمة استقراراً تاماً فبتازاً‪ ،‬كان إنساناً ؾبارداً بسيطاً"‪ .‬وىو ر ٌّ‬
‫سمي اهلل روحاً خالق ال ُكل‪ ،‬ويرى أن الكلمة ما ىو إال‬ ‫بولس ال اساموساطي‪ .‬ودل يكن يعَبف بالثالوث القدُّوس‪ ،‬وكان يُ ٍّ‬
‫خادم هلل ُب إبداع الكون كأناو آلو صناعياة‪ ،‬وأن اؼبسيح إنسا ٌن ؾبارد‪ ،‬اقتبل كلمة اهلل ولكناو دل‬‫إؽبي ٌ‬‫مر ٌ‬‫كلمة لفظياة‪ ،‬وأ ٌ‬
‫يقتبل اعبوىر‪ ،‬بل اللفظ فقط‪ ،‬وأن بدء وجوده كان ُب مرصل"‪.163‬‬

‫(‪ )2‬األبوليناريُّون‬
‫ىم أتباع أبوليناريوس ‪ٖٜٓ-ٖٔٓ( Apollinarius‬م) أسقف البلذقيّة ُب سوريا‪ .‬ويقول عنو البابا أثناسيوس الرسورل‪:‬‬
‫[إنو اعتاد أن يقول‪ :‬إن الكلمة أخذ جسداً بدون نفس‪ .‬وإذ يشعر أحياناً خبجل عبهلو‪ ،‬يعود فيقول‪:‬‬
‫إن اعبسد الذي اازبذه‪ ،‬كانت فيو نفس غّب عاقلة‪ ،‬جارياً على رأي أفبلطون ُب التافريق بْب النافس‬
‫والعقل]‪.‬‬
‫وُب تفسّبه اػباطيء لآليتْب (ٔ تسالونيكي ٘‪ ،ٕٖ:‬غبلطية ٘‪ )ٔٛ:‬نسب للمسيح جسداً بشرياً ونفساً بشرياة‪،‬‬
‫متوسطاً بْب اهلل‬
‫الروح ُب شخص اؼبسيح‪ ،‬فيجعل اؼبسيح كائناً ٍّ‬ ‫ؿبل ُّ‬
‫وبل ّ‬‫ونفى أن يكون لو روح عاقلة‪ ،‬وجعل الكلمة ُّ‬
‫يج من اهلل واإلنسان‪ .‬واندفع إذل القول‪ :‬إنو ال هبوز أن نعبُد كائناً بشرياً متوشٍّحاً باهلل‪ ،‬أو‬
‫واإلنسان‪ ،‬قائبلً‪ :‬إن اؼبسيح مز ٌ‬
‫نسجد لو‪ .‬فتصداى لو القديس غريغوريوس البلىوٌب (‪ٖٜٛ-ٖٕٜ‬م) قائبلً‪:‬‬
‫[هبب أن نسجُد إللو متوشٍّح بالنااسوت‪ ،‬وليس عبسد متوشٍّح بالبلىوت]‪.‬‬
‫ىذه ىي أىم البدع الٍب تعارض ؽبا ؾبمع القسطنطينياة اؼبسكوشل الثاشل‪.‬‬

‫حول قوانين مجمع القسطنطينيَّة المسكوني الثاني‬


‫أصدر اَّمع ستاة قوانْب (أو سبعة)‪ ،‬نصوصها متوفٍّرة ُب كثّبة من اللُّغات اغبياة‪ .‬فهي موجودة باليونانية والفرنسية ُب‬
‫للمؤرخ الكنسي ىيفيليو ‪ٜٖٔٛ-ٜٔٛٓ( K.J. Hefele‬م)‪.164‬‬
‫موسوعة "تاريخ اَّامع الكنسياة" ٍّ‬

‫‪162‬‬
‫ػي فوثٌُوس أسلفا ً ؿىل سريمِوم ‪ Sirmium‬حّت س ية ‪388‬م حن ُأ ّ‬
‫كيص ؾن مٌطدَ‪ً ،‬خـاٍميَ اخلاظتة‪ ،‬وبلرار من ٍلؽ ؾُلد يف سريمِوم بأمر اإلماراظور كًسعيعَوس‬
‫‪ .Constantius‬ومل ًطَيا يشء من نخاابثَ‪ .‬أما ثـَميَ‪ ،‬فـرفٌاٍ مما نخدَ ؾيَ مٌاواوٍ‪.‬‬
‫‪Cf. ODCC, 2nd edition, p. 1087.‬‬
‫‪ 163‬اترخي اًىٌُسة ًسوزومن (‪.)2:2‬‬
‫‪164‬‬
‫‪Hefele & Leclercq, Histoire des Conciles, t. 2, p. 20 ss.‬‬

‫‪71‬‬
‫جممع القسطنطيمية‬

‫وموجودة باإلقبليزية ُب ؾبوعة "آباء نيقية وما بعد نيقية"‪.165‬‬


‫وموجودة بالعربياة –مَبصبة عن اإلقبليزية‪ُ -‬ب كتاب "ؾبموعة الشارع الكنسي"‪ ،‬لؤلرشيمندريت حنانيا ك اساب (ص‬
‫مذكرات ال ُق ُّمص صليب سولاير عن "اَّامع اؼبسكونياة" ص‬
‫ٕٔٗ – ٖ‪ٕٛ‬م) ضمن منشورات النُّور بلبنان‪ .‬وأيضاً ُب ٍّ‬
‫(ٓ‪.)ٚ‬‬

‫‪165‬‬
‫‪NPNF, 2nd Series, Vol. XIV.‬‬

‫‪71‬‬
‫القرن الخامس واإلنشق اق‬
‫لوجي أو طبيعة اؼبسيح‬
‫لوجي‪ٍ ،‬بّ نتحدث عن اػبريستو ّ‬
‫تطور الصراع اػبريستو ّ‬ ‫نستعرض ُب ىذا الفصل ـبتصر تاريخ ُّ‬
‫‪166‬‬
‫حبسب تعليم كنيسة اإلسكندريّة (الكنيسة القبطيّة األرثوذكسيّة)‪.‬‬

‫الخريستولوجي‬
‫ّ‬ ‫تطور الصراع‬
‫نظرة تاريخيّة على ُّ‬
‫أبوليناريوس‬
‫من سيكولوجية أفبلطون إذل‬ ‫‪trichotomy‬‬ ‫تعليم ثبلثية تكوين اإلنسان‬ ‫‪Apollinarius‬‬ ‫حول أبوليناريوس‬
‫لقد ّ‬
‫لوجي‪ .‬فقال‪:‬‬
‫كريستو ّ‬
‫”كما أ ّن اإلنسان العاديّ مك اون من جسد ونفس وروح‪ ،‬ىكذا يسوع اؼبسيح مكوّن من اعبسد‬
‫والنفس والكلمة (اللوغوس)“‪.‬‬
‫‪167‬‬
‫وُب رأيو أ ّن الكلمة قد ح ّل ؿبل الروح ‪( ‬بنفما) واربد باعبسد والنفس لتكوين االرباد‪.‬‬
‫يتصور أبوليناريوس إمكانية وجود نفس إنسانيّة عاقلة في المسيح في وجود اهلل الكلمة الذي ىو روح‬ ‫لم َّ‬
‫متمايزا عن‬
‫ً‬ ‫شخصا بشريًّا‬
‫ً‬ ‫والذي ىو العقل اإلله ّي‪ُ .‬رّدبا ّ‬
‫تصور أبوليناريوس أن النفس اإلنسانيّة العاقلة تعِب بالضرورة‬
‫شخص اهلل الكلمة‪ .‬دبعُب أنّو خلط بين مفهوم الشخص الذي ىو مالك الطبيعة‪ ،‬ومفهوم العقل الذي ىو أحد‬
‫خواص الطبيعة التي يملكها الشخص‪ ،‬أي أنّو قد اعتبر أ ّن الشخص ىو العقل‪ .‬وأراد بإلغاء الروح اإلنسانيّة العاقلة‬
‫ذبسد وىو ىو نفسو يسوع اؼبسيح‪ .‬دبعُب تأكيد الوحدة ُب شخص يسوع‬ ‫أن يؤٍّكد أ ّن شخص كلمة اهلل ىو الذي ّ‬
‫جسدا ذا نفس ببل روح عاقلة‪ .‬وُّذا يتحقق ‪َ-‬ب نظره‪ -‬وحدة‬ ‫شخصا من البشر بل ازبذ ً‬ ‫ً‬ ‫اؼبسيح وأن كلمة اهلل دل يتخذ‬
‫الطبيعة ُب اؼبسيح الكلمة اؼبتجسد وعصمتو من اػبطيئة‪.‬‬
‫الرسولي في القرن الرابع قد تأثر بفكر وتعليم أبوليناريوس ُب تعاليمو‬
‫ّ‬ ‫تصور البعض أ ّن القديس أثناسيوس‬
‫وقد ّ‬
‫الكريستولوجية‪ .‬ولكن القديس أثناسيوس قد شرح ىذا األمر باستقامتو اؼبعروفة ُب التعليم في رسالتو إلى أبيكتيتوس‪،‬‬
‫جسدا“ (يؤ‪ )ٔٗ :‬تعِب أ ّن "الكلمة صار إنسانًا" وأ ّن السيد‬
‫وقال إ ّن عبارة القديس يوحنا االقبيل ّي‪” :‬الكلمة صار ً‬
‫اؼبسيح قد ازبذ طبيعة بشرية كاملة من جسد وروح عاقلة‪ .‬فقال القديس أثناسيوس‪:‬‬
‫”إل ّن القول "الكلمة صار جسدًا" ىو مساو أيضًا للقول "الكلمة صار إنسانًا" حسب ما قيل ُب‬
‫"إشل سأسكب من روحي على كلّ جسد"‪ ،‬أل ّن الوعد دل يكن فبتدًا إذل اغبيوانات غّب‬ ‫يوئيل النيبّ‪ّ :‬‬
‫‪168‬‬
‫ب إنسانًا“‪.‬‬
‫الناطقة‪ ،‬بل ىو للبشر الذين من أجلهم قد صار الرّ ّ‬

‫خيي ٌَ راع‪ .‬نٌل ؿدان أًضً ا إىل نخاب‪ :‬يٍلؽ خَلِدوه َّة إؿادة‬ ‫‪166‬‬
‫هدٍن بفضي هدري ًىذاب هَافة احلار اجلََي املخًِح أهدا بُشوي‪ :‬يٍلؽ أفسسي‪ ،‬حِر ؿدان إًََ نثريًا ًرشح اجلاهب اًخار ّ‬
‫حفصي‪ .‬والك اًىذاابن مرحـان راُس َّان ٌَجزء ّ‬
‫األول من ُذا اًفطي‪.‬‬
‫‪167‬‬
‫‪Cf. Hefele, C.J. A History of the Councils of the Church, Vol III, AMS Press 1972, p.2 reprinted from the edition of 1883‬‬
‫‪Edinburgh.‬‬
‫‪168‬‬
‫‪St. Athanasius, Letter to Epictetus, par.8, N.&P.N. Fathers, Oct. 1987, Eerdmans, second series, vol. IV, p. 573.‬‬

‫‪72‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫أيضا ُب نفس الرسالة‪:‬‬


‫وقال ً‬
‫خياال‪ ،‬فليس اعبسد وحده ىو الذي حصل على اػببلص‪،‬‬‫” اإال إ ّن خبلصنا‪ُ ،‬ب واقع األمر‪ ،‬ال يعترب ً‬
‫‪169‬‬
‫بل اإلنسان كلّو من نفس وجسد حقًا‪ ،‬قد صار لو اػببلص ُب الكلمة ذاتو“‪.‬‬
‫ديودور الطرسوس ّي‬
‫ظهرت ردود الفعل ضد األبوليناريّة ُب نفس منطقة أبوليناريوس (سوريا) ُب شخص ديودور أسقف طرسوس (ٗ‪ٖٜ‬م)‬
‫اؼبوبسويسٍب ُب كيليكيا (‪ٕٗٛ‬م) ‪.Theodore of Mopsuestia in Cilicia‬‬
‫ّ‬ ‫‪ Diodore of Tarsus‬وثيودور‬
‫(أو أقنوميِّا)‬ ‫‪substantial‬‬ ‫اتحادا جوىريِّا‬
‫ً‬ ‫كون الكلمة والجسد‬ ‫ّإدعى ديودور أ ّن الالىوت سوف ينتقص إذا ّ‬
‫مشابها لذلك الذي ينتج عن اتحاد الجسد والنفس (العاقلة) في اإلنسان‪.‬‬
‫ً‬
‫إربادا جوىريًّا) قادتو نظريتو اػباصة إذل الفصل بين‬
‫ُب رد فعلو على ذلك (أي على فكرة تكوين الكلمة واعبسد ً‬
‫‪171‬‬
‫الالىوت والناسوت‪ .‬وىذا أوصلو إذل التمييز‪ 170‬بْب ابن اهلل وابن داود‪ .‬وقال‪:‬‬
‫فاصبل بْب أفعال االبنْب‪ ...‬فلماذا وبصل من هبدفون على ابن‬
‫”إن الكتب اؼبقدّسة تضع حدًا ً‬
‫‪172‬‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان على الغفران‪ ،‬بينما من هبدفون على الروح (الروح القدس) ال وبصلون على الغفران“؟‬
‫تي‬
‫ثيودور الموبسويس ّ‬
‫اؼبوبسويسٍب أن يؤٍّكد اإلنسانيّة الكاملة للمسيح واعتبر أن اإلنسانيّة الكاملة ال تتحقق إال إذا كان‬
‫ّ‬ ‫أراد ثيودور‬
‫شخصا إنسانيًا ألنو اعتقد أنو ال وجود كامل بال شخصيّة‪ .‬وُّذا دل يكتف بتأكيد وجود طبيعة إنسانيّة كاملة‬
‫ً‬ ‫المسيح‬
‫للسيد اؼبسيح‪ ،‬ولكنو سبادى إذل تأكيد ازباذ اهلل الكلمة إلنسان تام يستخدمو كأداة ػببلص البشريّة‪ ،‬واعترب أن اهلل‬
‫اتحادا خارجيًا فقط‪ .‬واستخدم عبارة اتصال‬‫ً‬ ‫الكلمة قد سكن ُب ىذا اإلنسان باإلرادة الصاغبة‪ ،‬وأنو قد اتحد بو‬
‫بدال من كلمة ارباد‪(union‬إينوسيس)‪ .‬وُّذا فقد جعل ُب اؼبسيح‬
‫‪( conjoining ‬سينافيا) ً‬
‫مشبها إياه‬
‫ً‬ ‫احدا ىو شخص االرباد (ارباد خارج اي)‬
‫شخصا و ً‬
‫ً‬ ‫معا‬
‫إؽبي واآلخر إنساشلا وقد كونا ً‬
‫شخصْب أحدنبا ّ‬
‫بإتحاد الرجل بالمرأة‪.‬‬
‫قال اؼبؤرخ ىيفلي‪:C.J. Hefele 173‬‬
‫”عبلوة على ذلك‪ ،‬فقد نظر ثيودور اؼبوبسويسٍبّ إذل ارباد البلىوت والناسوت ُب السيد اؼبسيح فقط‬
‫دبعُب ‪( ‬إنيكيسيس) أي سكُب‪ ،‬ألن بالنسبة لو فكرة التجسد كانت تبدو مطابقة لفكرة‬
‫‪169‬‬
‫‪Ibid, par. 7, p. 572, 573.‬‬
‫‪170‬‬
‫‪Cf. Kelly, J.N.D., Early Christian Doctrines, Chapter XI-Fourth Centry christology- Fifth Edition- A and C Black, London 1977, p.‬‬
‫‪303, quoting R. Abramowski, Z.N.T.W. 42 (1949), E.g. frg. 42.‬‬
‫‪171‬‬
‫‪Cf. ibid., quoting. Abramowski, Z.N.T.W. 42 (1949), E.g. frg. 19: cf. frg. 42.‬‬
‫‪172‬‬
‫‪Cf. ibid., p.303.‬‬
‫‪173‬‬
‫‪Hefele, C.J., A History of the Councils of the Church, Vol III, p. 5 - AMS Press 1972, reprinted from the edition of 1883‬‬
‫‪Edinburgh.‬‬

‫‪73‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫ربول اللوغوس (الكلمة) إذل إنسان‪ ،‬ولذلك رفضها كفكرة منافية للعقل‪ .‬ومع ذلك ىو يعتقد بأنو‬
‫عندما وبل اهلل ُب أي شخص‪ ،‬فهو ال يسكن فيو حبسب طبيعتو‪ ،‬وبالتاذل ليس بالتعبّب عن قوتو‪،‬‬
‫ولكن دبسرتو ‪( ‬إفذوكيا) الصاغبة‪ .‬ىذه السكُب ليست متشاُّة ُب صبيع األبرار‪ ،‬ولكن‬
‫مقياسها يتقرّر بقياس مسرة‪ ‬لبلىوت‪ .‬ولكنها دل ربدث أبدًا ألحد بنفس الدرجة العالية‬
‫الٍب للسيد اؼبسيح“‪.‬‬
‫لكن كما أنو دل يتجاىل حقيقة أن ضمّب الكني سة قد رفض ىذا االزدواج ُب شخصية اؼبسيح‪ ،‬إال أنو سعى إذل‬
‫كرر القول صروبًا‪:‬‬
‫التخلص من الصعوبة و ّ‬
‫”إن الطبيعتْب اللتْب اتحدتا معًا كونتا شخصًا واح ًدا فقط‪ ،‬كما أ ّن الرجل واؼبرأة نبا جسد واحد‪...‬‬
‫فإذا أمعنا الفكر ُب الطبيعتْب ُب سبايزنبا هبب علينا أن نعرف طبيعة الكلمة على أنو كامل وتام‪،‬‬
‫وكذلك شخصو‪ .‬وأيضًا طبيعة وشخص اإلنسان على أهنا كاملة وتامة‪ .‬وإذا ‪-‬من ناحية أخرى‪ -‬نظرنا‬
‫‪174‬‬
‫إذل االتصال ‪( ‬سينافيا) نقول إنّو شخص واحد“‪.‬‬
‫اربادا حقيقيًا لطبيعتْب ُب اؼبسيح‪ ،‬ولكن تصوره‬ ‫إ ان نفس صورة الوحدة بْب الرجل وزوجتو ٍّ‬
‫تبْب أن ثيودور دل يفَبض ً‬
‫كان لصلة خارجية بْب االثنْب‪ .‬عبلوة على ذلك فإن التعبّب "إتصال" ‪(  - conjoining‬سينافيا) الذي ىبتاره‬
‫‪‬‬ ‫بدال من كلمة "ارباد" ‪(  - union‬إنوسيس) الٍب يستعملها ُب مواضع أخرى‪ ،‬مشتقة من الفعل‬
‫ىنا ً‬
‫(سينابتو) (الراقصْب اؼبمسكْب بأيدي بعضهم البعض ‪ -‬أي يصل بعضهم بالبعض اآلخر) تعرب فقط عن ارتباط‬
‫معا‪ .‬لذلك فهو مرفوض بوضوح‪ ..‬بواسطة علماء الكنيسة‪.‬‬
‫خارجى‪ ،‬وتوطد ً‬
‫عْب ؾبرد صلة خارجية ُب العبارة الٍب اقتبسناىا اآلن‪:‬‬
‫كما أن ثيودور قد ّ‬
‫”إ َّن الكلمة سكن في اإلنسان المُتَخَذ كما في ىيكل"‪ .‬وكما أن الهيكل والتمثال القائم بداخلو‬
‫ىما واحد في المظهر الخارجى ىكذا فإن الالىوت والناسوت في المسيح يظهران من الخارج‬
‫فقط في حقيقتهما كشخص واحد‪ ،‬ولكنهما ُب جوىرنبا يستمرا شخصْب“‪.‬‬
‫نسطور‬
‫من مدرسة ثيودور جاء نسطور‪ ،‬الذي ارتبطت باظبو اغبقبة األوذل للنزاع الكرستولوجى الكبّب‪ .‬ولد نسطور في‬
‫وىي مدينة بسوريا‪ٍ ،‬بّ أتى إذل أنطاكيا ُب سن مبكرة‪ً ،‬‬
‫أساسا بغرض نيل قسطًا أكرب من التعليم العاؼبى‪.‬‬ ‫جرمانيكيا َ‬
‫وسريعا ما سبيز بالطبلقة العظمى ُب التحدث االرذباذل مع صوت قوى وشجى‪ ،‬وبعد ذلك بقليل إلتحق بدير ‪Euprepius‬‬
‫ً‬

‫‪14‬‬
‫‪Cf. Hefele, C.J., p. 6-7, quoting Hardouin and Mansi, ll. cc. § 29; Dorner, l.c. p.52.‬‬

‫‪74‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫كثّبا وبقبول ملحوظ‪ ،‬مع‬


‫قسيسا ُب كاتدرائية أنطاكيا‪ .‬ككاىن‪ ،‬وعظ ً‬
‫مشاسا ٍبّ ً‬
‫عْب ً‬ ‫يوبريبيوس ُب أنطاكيا‪ ،‬ومن ىناك ّ‬
‫‪175‬‬
‫عظيما‪ ..‬ورغبة ُب مدح اعبموع لو خاصة ُب عظاتو‪.‬‬
‫ضباسا ً‬
‫كثّبا ما أظهر ً‬
‫صارما و ً‬
‫أيضا بسمعة كونو ناس ًكا ً‬
‫سبتعو ً‬
‫كنتيجة للشهرة الٍب ناؽبا بعد موت األسقف سيسينيوس أسقف القسطنطينيّة ُب ٕٗ ديسمرب عام ‪ٕٗٚ‬م فقد ُرفع‬
‫وترجى شعبو أن ينالوا فيو خل ًفا من أنطاكيا لذىيب الفم أسقف القسطنطينيّة‪ .‬منذ وقت سيامتو‬‫إذل ىذا الكرسي الشهّب‪ّ ،‬‬
‫وضباسا ضد اؽبرطقات‪ .‬ففى عظتو األوذل خاطب اإلمرباطور‬
‫ً‬ ‫عظيما بعمل الوعظ‬‫ُب ٓٔ أبريل عام ‪ٕٗٛ‬م أظهر إعجابًا ً‬
‫ثيؤدوسيوس الصغّب بالكلمات التالية‪:‬‬
‫”أعطِب أيها اإلمرباطور األرض نقية من اؽبراطقة وأنا سوف أعطيك السماء‪ ،‬ساعدشل ألشن حربًا ضد‬
‫‪176‬‬
‫اؽبرطقات وأنا سوف أساعدك ُب حربك ضد الفرس“‪.‬‬
‫صمم على حرم اآلريوسيّْب من الكنيسة الصغّبة الٍب كانوا ال يزالون يبتلكوهنا ُب القسطنطينيّة‪،‬‬
‫وبعد ذلك بأيام قليلة ّ‬
‫حٌب أهنم اقتيدوا إذل إشعال النار فيها بأنفسهم‪ ،‬والٍب بسببها نال نسطور من الهراطقة ومن كثير من األرثوذكس لقب‬ ‫ّ‬
‫متعمد"‪ .‬باإلضافة إذل ذلك فقد ىاجم النوفاتيْب واألربعتعشرية واؼبكدونيْب ونال من اإلمرباطور ً‬
‫عديدا من‬ ‫"حارق ّ‬
‫األحكام اؼبش ّددة ضد اؽبرطقات‪.‬‬
‫خصوما (متضادين)‬
‫ً‬ ‫وفي رسالة‪ ..‬ليوحنا أسقف أنطاكية‪ ،‬يؤٍّكد نسطور أنّو ُب وقت وصولو إذل القسطنطينيّة وجد‬
‫فعال‪ .‬ل ّقب أحد أطرافهم القديسة العذراء بلقب "والدة اإللو" وآخر بأنّها مجرد "والدة إنسان"‪ .‬وحتّى‬
‫موجودين ً‬
‫معتقدا أن كبل الطرفْب سوف يرضى ُّا‪ ...177‬من ناحية‬
‫يتم التوسط بينهما قال إنو اقترح عبارة "والدة المسيح" ً‬
‫ّ‬
‫أخرى فإن سقراط يقص أن‪:‬‬
‫”الكاىن أنسطاسيوس صديق نسطور‪ ،‬الذي أحضره معو إذل القسطنطينيّة قد ح اذر سامعيو يومًا ما‪،‬‬
‫ُب عظة أنّو ال هبب أن يطلق أحد على مرصل لقب والدة اإللو ‪( ‬ثيئوتوكوس) ألن مرصل كانت‬
‫‪178‬‬
‫إنسانة واهلل ال يبكن أن يولد من إنسان“‪.‬‬
‫عظيما وإضطرابًا‬
‫ً‬ ‫ىياجا‬
‫حٌب ذلك الوقت‪ ،‬قد سبب ً‬‫ىذا اؽبجوم على اؼبعتقد القدصل واؼبصطلح الكنس ّي اؼبقبول ّ‬
‫وسط اإلكليروس والعلمانيين‪ .‬وتق ّدم نسطور نفسو ودافع عن خطاب صديقو ُب عدة عظات‪ .‬وإتفق أحد األطراف‬
‫(اؼبتضادة) معو‪ ،‬وعارضو اآلخر‪...‬‬
‫قائما بالفعل ُب القسطنطينيّة‪ ،‬ولكنو مع صديقو أنسطاسيوس كانا‬ ‫وف ًقا ؽبذا التقييم لؤلمر‪ ،‬فإ ّن نسطور دل هبد النزاع ً‬
‫ّأول من أثاره‪ .‬ومع ذلك فإ ّن العظات اؼبوجودة لدينا‪ ،‬كما ذكرنا‪ ،‬والٍب ألقاىا ُب ىذا اؼبوضوع ال زالت ؿبفوظة لنا جزئيًّا‪،‬‬
‫وىي كافية بالتمام لدحض تأكيدات الكثّبين غّب الدقيقة بأ ّن نسطور ُب الواقع دل يعلٍّم شيئًا ذا ظبة ىرطوقيّة‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪175‬‬
‫;‪Cf. Hefele, C.J., quoting Socrat. Hist. Eccl. Lib, vii. C. 29; Theodoret. Haeret, Fabul. lib. iv. c. 12; Evargrius. Hist. Eccl. i. 7‬‬
‫‪Gennad. De Scrip. eccl. c. 53 Vincent. Lirin. c. 16.‬‬
‫‪176‬‬
‫‪Cf. Hefele, C.J., quoting Socrat. Hist. Eccl. vii. 29.‬‬
‫‪177‬‬
‫‪Cf. Hefele, C.J., quoting Mansi, t. v. p. 573; Hardouin, t.i.p. 1331.‬‬
‫‪178‬‬
‫‪According to Cyril of Alexandria (Ep. vi. p. 30, Ep. ix. P.37, Opp.t.v.ed. Aubert; and in Mansi, t. iv. P. 1014).‬‬

‫‪75‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫ففي خطبتو األوذل ىتف بعاطفة‪:‬‬


‫”إ ّهنم يسألون إن كان من اؼبمكن أن تدعى مرصل والدة اإللو‪ .‬لكن ىل هلل أم إذًا؟ ُب ىذه اغبالة هبب‬
‫أن نعذر الوثنية الٍب تكلمت عن أمهّات لآلؽبة‪ ،‬لكن بولس دل يكن كاذبًا حينما قال عن الىوت‬
‫اؼبسيح (عب‪ ) ٖ :ٚ‬أنو ببل أب‪ ،‬ببل أم‪ ،‬ببل نسب‪ .‬ال يا أصدقائى دل ربمل مرصل اهلل‪ ..‬اؼبخلوق دل‬
‫وبمل اػبالق إمبا ضبلت اإلنسان الذي ىو أداة البلىوت‪ .‬دل يضع الروح القدس الكلمة‪ ،‬لكنو أمد لو‬
‫أكرم ىذه اغبُلة الٍب استفاد منها من أجل ذاك‬ ‫حٌب يبكنو سكناه‪ ..‬أنا ٍّ‬
‫من العذراء اؼبطوبة‪ُّ ،‬يكل ّ‬
‫أوحد التوقّب‪ .‬تبصار ُب معُب ىذا‬‫أفرق الطبائع و ٍّ‬
‫الذي احتجب ُب داخلها ودل ينفصل عنها‪ ..‬أنا ٍّ‬
‫الكبلم‪ .‬فإن ذاك الذي تش ّكل ُب رحم مرصل دل يكن اهلل نفسو لكن اهلل إزبذه‪ ..‬وبسبب ذاك الذي‬
‫‪179‬‬
‫اإزبَ َذ فإن اؼبتاخَ ْذ أيضًا يدعى اهلل“‪.‬‬
‫ُ‬
‫ّأما خطبتو الثانية فتبدأ بتعبّب الذع ضد أسبلفو‪ ،‬كما لو أنّو دل يكن لديهم الوقت لقيادة الناس كبو معرفة أعمق باهلل‪.‬‬
‫ئيسي أ ّن اؼبسيح لو طبيعة مزدوجة وكرامة مو احدة‪ .‬فيقول‪:‬‬
‫ومن ىنا يتح اول ثانية إذل موضوعو الر ّ‬
‫”حينما تتكلم األسفار اؼبقدّسة عن ميبلد اؼبسيح أو موتو فهيَ ال تدعوه اهلل أبدًا بل اؼبسيح أو يسوع‬
‫ُ‬
‫أو الرب‪ ...‬مرصل إذًا يبكن أن تدعى خريستوتوكوس ‪( ‬والدة اؼبسيح) وضبلت ابن اهلل‬
‫بقدر ما ضبلت اإلنسان‪ ،‬الذي بسبب ارباده† بابن اهلل (باؼبعُب اػباص) يبكن أن يدعى إبن اهلل‬
‫(باؼبعُب األوسع)‪ .‬وبنفس الطريقة يبكن أن يقال أن إبن اهلل مات وليس أن اهلل مات‪ ..‬إذن فلنحفظ‬
‫اتصال الطبيعتْب ‪ ‬الغّب ـبتلط ولنعَبف باهلل ُب اإلنسان وبسبب ىذا‬
‫‪180‬‬
‫اإلتصال اإلؽبى نوقر ونكرّم اإلنسان اؼبعبود مع اهلل الكلى القدرة“‪.‬‬
‫َب خطابو الثالث يقول‪:‬‬
‫يعلمون بالثيئوتوكوس‬ ‫”إ ان اآلريوسيّْب يضعون اللوغوس فقط ربت اآلب لكن ىؤالء الناس (الذين ٍّ‬
‫‪ ‬ويتكلمون عن ميبلد اهلل) يضعونو ربت مرصل أيضًا‪ ،‬مؤّكدين أنو أحدث منها‪ ،‬ومعطْب‬
‫البلىوت خالق الكل‪ ،‬أمًا زمنية كأصل لو‪ .‬إذًا دل يكن ذاك الذي ضبلتو إنسانًا إمبا اهلل الكلمة‪ ،‬إذًا دل‬
‫تكن ىيَ أم ذاك الذي ولد‪ ،‬ألنو كيف تكون ىيَ أم ذاك الذي لو طبيعة ـبتلفة عنها؟ لكن إن كانت‬
‫تدعى أمو‪ ،‬إذًا فإن ذاك الذي ولد ليس ذو طبيعة إؽبية‪ ،‬لكنو إنسان حيث أن كلّ أم ربمل من لو‬
‫نفس جوىرىا (مادهتا)‪ .‬دل يولد اهلل الكلمة إذًا من مرصل‪ ،‬لكنو سكن ُب ذاك الذي ولد من مرصل“‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫‪Cf. Hefele, C.J., pp. 12-13, quoting Marius Mercat. ed. Garnier-Migne, p. 757 sqq.‬‬
‫† ًلطد احتاد يف اًىرامة وًُس يف اًعدَـة نٌل س دق أن ذهر يف خعابَ األول‪.‬‬
‫‪180‬‬
‫‪Cf. Hefele, C.J., quoting Loofs, Nestoriana, p. 249.‬‬

‫‪76‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫حٌب وب ّذر‪ ،‬كما قال‪ ،‬من كانوا حاضرين ضد تقدصل اإلكرام الزائد‬
‫وجد نسطور أنّو من البلزم إلقاء عظة ثانية للتو ّ‬
‫ؼبرصل‪ ،‬وضد الرأي الذي يقول إ ّن كلمة اهلل (اللوغوس) يمكن أن يولد مرتين (مرة أزليِّا من اآلب والمرة الثانية من‬
‫مريم)‪ .‬فقال (نسطور) إ ّن ذاك الذي يقول ببساطة أ ّن اهلل مولود من مرصل هبعل من العقيدة اؼبسيحيّة سخرة للوثنيّْب‪ ،‬ألن‬
‫الوثنيّون سوف هباوبون‪:‬‬
‫”"ال استطيع أن أعبد إؽبًا يولد ويبوت ويدفن"‪ ...‬ىل أقيم الكلمة من األموات؟ وإذا كان معطي‬
‫اغبياة (اللوغوس) قد مات‪ ،‬من يبكنو أن يُعطي اغبياة إذًا؟ إ ان سرّ اإللوىة هبب أن ّ‬
‫يعرب عنو باألسلوب‬
‫التارل‪" :‬إ ان الكلمة الذي سكن ُب ىيكل ش اكلو (ك اونو) الروح القدس ىو شيء واؽبيكل نفسو‬
‫‪181‬‬
‫اؼبختلف عن اهلل الساكن فيو ىو آخر“‪.‬‬
‫أفسس‬
‫ما بعد مجمع ّ‬
‫إعادة الوحدة عام ٖٖٗ‬
‫دل ينو رحيل نسطور اػببلف‪ ،‬فقد تحطمت أواصر الشركة بين روما واألسكندرية من جانب وأنطاكيا من الجانب‬
‫مستخدما سلطانو ونفوذه ليعيد السبلم‪ ،‬وبالفعل حققت مساعيو النتائج اؼبرجوة‪ ،‬وُب‬
‫ً‬ ‫اآلخر‪ ،‬فسعى اإلمرباطور نفسو‬
‫األنطاكي بولس أسقف ضبص إذل اإلسكندرية ومعو اعَباف باإليبان (أي وثيقة تعلن إيبان‬
‫ّ‬ ‫عام ٖٖٗم أرسل يوحنا‬
‫يوحنا) وقبلو كيرلس‪ ،‬وأرسل إلى يوحنا رسالتو المشهورة التي أعادت الوحدة‪ ،‬والٍب تضمنت جزءً من اعَباف يوحنا‬
‫‪182‬‬
‫يؤٍّكد وحدة شخص السيد اؼبسيح واالستمرارية غّب اؼبختلطة وغّب اؼبمتزجة لبلىوت والناسوت فيو‪.‬‬
‫وورد ُب ىذا النص ما يلى‪:‬‬
‫” نعترف أن ربنا يسوع المسيح‪ ،‬ابن اهلل‪ ،‬الوحيد‪ ،‬ىو إلو كامل وإنسان كامل ذو نفس عاقلة‬
‫وجسد ‪ ،‬وىو مولود من اآلب قبل الدىور بحسب الىوتو‪ ،‬وأنو ىو نفسو في األيام األخيرة‪ ،‬من‬
‫أجلنا ومن أجل خالصنا وُلد من مريم العذراء بحسب ناسوتو‪ ،‬وىو نفسو‪ ،‬لو الجوىر نفسو مع‬
‫اآلب‪ ،‬ب حسب الىوتو‪ ،‬ولو نفس الجوىر الذي لنا بحسب ناسوتو‪ .‬ألنو قد حدث اتحاد بين‬
‫ب واحد‪ .‬وبحسب ىذا الفهم لالتحاد‬ ‫الطبيعتين‪ .‬ألجل ىذا نعترف بمسيح واحد‪ ،‬ابن واحد‪ ،‬رّ ّ‬
‫بدون اختالط نعترف بأن العذراء القديسة ىيَ "والدة اإللو"‪ ،‬ألن اهلل الكلمة قد تجسّد وتأنس‪،‬‬
‫ومنذ الحمل بو اتحد ا لهيكل الذي أخذه منها‪ ،‬مع ذاتو‪ .‬ونحن نعرف أن الالىوتيين ينسبون‬
‫ب باعتبارىا تشير بصفة عامة إلى شخص واحد‪ ،‬ويقسمون‬ ‫بعض أقوال البشيرين والرسل عن الرّ ّ‬

‫‪181‬‬
‫‪Cf. Hefele, C.J., quoting Marins Mercator, l.c., p.782.‬‬
‫‪182‬‬
‫‪Samuel, V.C., The Council of Chalcedon Re-Examined, Senate of Serampore College, Madras, India, 1977, p. 8.‬‬

‫‪77‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫أقواال أخرى بأنها تشير إلى طبيعتين‪ ،‬فتلك التي تليق باهلل ينسبوىا إلى الىوت المسيح‪ ،‬أما تلك‬
‫ً‬
‫‪183‬‬
‫األقوال المتواضعة فينسبونها إلى ناسوتو“‪.‬‬
‫‪648‬‬
‫تأزُّم الموقف‬
‫دل تنجح إعادة الوحدة عام ٖٖٗم ُب ربقيق االستقرار والوحدة الكاملة بْب اعبانبْب‪ .‬فالسكندريون (أي اعبماعة‬
‫اؼبؤيّدة للقديس كّبلس) شعروا بأ ّن كّبلس ق ادم تنازالت كثّبة لؤلنطاكيّْب‪ ،‬أ اما األنطاكيّون فشعر بعضهم باالستياء وعدم‬
‫الرضى ُب شأن استبعاد نسطور وإدانتو‪.‬‬
‫غّب أن كّبلس كان قويًا ونافذ القول بقدر كاف الحتواء أتباعو؛ وأرسل كثّب من الرسائل إذل أصدقائو مثل أكاكيوس‬
‫ألنطاكي ال تتعارض مع شرحو السابق‬
‫ّ‬ ‫شارحا كيف أن اؼبصاغبة مع يوحنا ا‬‫أسقف ميليتْب وفالّبيان أسقف إيقونية ً‬
‫أفسس‪.‬‬
‫للعقيدة ُب رسائلو إذل نسطور‪ ،‬وال مع عقيدة ؾبمع ّ‬
‫أما بالنسبة لؤلنطاكيْب‪ ،‬فلم يكونوا كلهم موافقْب على إعادة العبلقات أو على الوحدة‪ .‬وبالرغم من وجود رجال مثل‬
‫األنطاكي وأكاكيوس أسقف حلب الذين قبلوا إعادة الوحدة وظلّوا ـبلصْب ؼبصطلحات االتفاق الذي ًبّ التوصل‬
‫ّ‬ ‫يوحنا‬
‫األنطاكي غّب راغبْب ُب اإلذعان واػبضوع للبطريرك األنطاكى‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إليو سنة ٖٖٗم‪ ،‬إال أنو كان ىناك آخرون ُب اعبانب‬
‫وىؤالء كانوا يبثلون إذباىْب‪:‬‬
‫ٔ‪ -‬من ناحية‪ :‬كان ىناك الكيليكيون اؼبعارضْب لكّبلس وإلعادة الوحدة‪.‬‬
‫ٕ‪ -‬ومن الناحية األخرى‪ :‬كان ىناك رجال مثل ثيودوريت أسقف قورش الذي دل يقبل إدانة نسطور‪.‬‬
‫وتدخل اإلمرباطور وخضع الكثّب من ىؤالء األساقفة‪ ،‬إال أن طبس عشر منهم عاندوا فكان مصّبىم اػبلع‪ ،‬وُب عام‬
‫ّ‬
‫دورا‬ ‫ِ‬
‫ٖ٘ٗم قبل ثيودوريت إعادة الوحدة ولكن بدون إدانة نسطور‪ ،‬وىكذا لعب ثيودوريت أسقف قورش اَّادل اؼبقتدر ً‬
‫فعاال ُب اعبدال الذي تبل إعادة الوحدة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪646‬‬
‫فسر بطرق مختلفة‬
‫إعادة الوحدة تُ َّ‬
‫تفاقم التوتر بْب اعبانبْب ألن إعادة الوحدة دل تُفهم دبعُب واحد عند كبل الطرفْب‪ ،‬فالسكندريّون من جهتهم‪ ،‬نظروا‬
‫إليها كأمر جعل األنطاكيّين يقبلون مجمع سنة ‪806‬م بدون أي شروط أو ربفظات‪ ،‬وكّبلس نفسو فهم األمر ُّذا‬
‫‪186‬‬
‫األنطاكي‬
‫ّ‬ ‫وىذه النظرة الكّبلسيّة –كما سنرى فيما بعد‪ -‬أ ّكد عليها ساويرس‬ ‫اؼبعُب وأوضح ؼبؤيديو عندما سألوه‪.‬‬
‫‪187‬‬
‫باقتدار ُب القرن السادس‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫‪St. Cyril of Alex, Letter to John of Antioch, The Fathers of The Church, C.U.A. Press, Washington D.C., Vol. 76, 1978, par. 3, p.‬‬
‫‪148-149.‬‬
‫‪184‬‬
‫‪Samuel, V. C., The Council of Chalcedon Re-Examined, Senate of Serampore College, Madras, India, 1977, p. 11.‬‬
‫‪185‬‬
‫‪Ibid. p. 12-13.‬‬
‫‪186‬‬
‫ؾيد ُذٍ اًيلعة نخب ف‪ .‬س‪ .‬مصوًي اًخـََق اًخايل‪ :‬رسااي اًلدٌس نريًس إىل أاكهَوس وفاًرًين وسىس ًَسوس حتمي شِادة كوًة ًِذٍ احللِلة‪ .‬فـىل سبِي املثال اًرساةل إىل‬
‫أاكهَوس ثوحض أن إؿادة اًوحدة اكهت سـ ًَا ًـودة اًسبلم يف اًىٌُسة‬

‫‪78‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫السكندري ال يبكن أن تُدحض‪ ،‬اإال إ ّن ثيودوريت أسقف قورش ومؤيديو كانوا غّب‬
‫ّ‬ ‫وبالرغم من أ ّن شرعية ىذا الدفاع‬
‫قدما في االعتقاد بأ ّن إعادة الوحدة سنة ‪800‬م ألغت‬
‫راغبْب ُب التسليم واإلقرار بو‪ ،‬ومضى ثيودوريت‪ ،‬من جهتو‪ً ،‬‬
‫تاما (إيجابيِّا)‪ ،‬وبالتارل بذلوا قصارى جهدىم ّ‬
‫ليؤسسوا‬ ‫إقرارا ً‬
‫كل قرارات المجمع سنة ‪806‬م التي لم يقروىا ً‬ ‫ّ‬
‫ويقيموا الىوتًا أنطاكيًّا قويًّا (أي متطرفًا) على أساس صيغة إعادة الوحدة (حبسب مفهومهم اػباص)‪.‬‬
‫ىامة‪ ،‬وكان ىيباس واحد من‬‫رجاال من مؤيديهم في كراسي أسقفيّات ّ‬ ‫ضا ً‬‫وجلّس األنطاكيون (المتطرفون) أي ً‬
‫يضا تربيرات ألعمالو ىذه‪ ،‬فقد قالوا على‬
‫األنطاكي أ ً‬
‫ّ‬ ‫ىؤالء وقد ُجلّس على كرسي الرىا ُب سنة ٖ٘ٗم‪ .‬وق ّدم اعبانب‬
‫متجسدة‬
‫ِّ‬ ‫سبيل اؼبثال‪ ،‬إنّهم لم يستطيعوا فهم العبارات السكندريّة التالية‪ :‬إتحاد أقنوم ّي‪ ،‬أقنوم واحد‪ ،‬طبيعة واحدة‬
‫‪188‬‬
‫هلل الكلمة‪ .‬بل رأوا فيها معُب أبوليناريًّا‪ ،‬وقالوا إ ّهنم دل يقبلوا حرومات كّبلس‪.‬‬
‫‪649‬‬
‫تغيُّر القيادة‬
‫األنطاكي على قيد اغبياة كان ىناك سبلم بْب الطرفْب‪ .‬ولكن‬
‫ّ‬ ‫السكندري والبطريرك يوحنا‬
‫ّ‬ ‫عندما كان البابا كّبلس‬
‫البطريرك يوحنا تنيح عام ٕٗٗم وأعقبو البابا كّبلس ُب عام ٗٗٗم‪.‬‬
‫النسطوري في الشرق وكتب كتابو المعنون ‪ Eranistes‬عام‬
‫ّ‬ ‫وبدأ ثيودوريت أسقف قورش يحاول أن ينشر الفكر‬
‫‪882‬م الذي قصد بو تشويو تعليم آباء اإلسكندرية‪ ،‬خاصة القديس كّبلس الكبّب والسخرية منو‪ .‬فأثار ىذا الكثّب‬
‫حٌب صدر مرسوم إمرباطورى ُب ‪ ٔٛ‬أبريل عام ‪ٗٗٛ‬م وبرم نسطور وكتاباتو وأتباعو‪ ،‬وأمر ثيودوريت بالبقاء‬‫من اؼبعارضة ّ‬
‫ُب كرسيو ُب قورش‪ ،‬وكذلك أثار ىيباس أسقف الرىا رد فعل عظيم بسبب رسالتو إذل ماريس الفارس ّي ضد تعاليم‬
‫القديس كّبلس الكبّب‪.‬‬

‫الطريق إلى خلقيدونيّة‬


‫بعد انفضاض اَّمع اؼبسكوشل الثالث ظهر أرمشندريت اظبو أوطيخا رئيس أحد أديار القسطنطينيّة‪ ،‬وكان من ألد‬
‫فتطرف إذل القول بإ ّن ربنا يسوع المسيح‬ ‫اعداء نسطوريوس اؼببتدع‪ .‬فلم يكتف دبـا ح ّدده اَّمع ُب أف ّسس ضد بدعتو ّ‬
‫مؤلَّف من طبيعة واحدة وأ ّن جسده غير مسا ٍو لجسدنا في جوىره بما أنّو جسد إلو وإ ّن الطبيعة البشريّة ابتُِل َعت‬
‫وتالشت باتحادىا مع الطبيعة اإللهيّة‪.‬‬
‫وإلنّو كان رئيس دير أيوب ُب الربع (اغبي) السابع من اؼبدينة‪ ،‬لذا فقد كان يقود ٖٓٓ راىب ؼبدة تزيد عن الثبلثْب‬
‫عاما‪ ،‬ومن خبلل ابنو باؼبعموديّة (الذي ىو ابن أخيو) كريسافيوس ‪ Chrysaphius‬كبّب موظفي الببلط اؼبلكي استطاع‬ ‫ً‬
‫‪P.G. LXXVII ,184 A-B‬‬
‫أ َّما خبطوص ؾدارة يظدَـخاني يف ضَغة اًوحدة فلد كال اًلدٌس نريًس أن اًعدَـخان اٌَخان ممهٌل ّ‬
‫حىون املس َح اًواحد ٌُل ازيان وأه َّ يف الاحتاد مل ٍىن ُياك امذطاص وال امزتاج وال‬
‫اخذبلط بُمهٌل‪ .‬وًىن اًـدارة ال حتمي مـىن الاهفطال نٌل ًؤنِّد وسعور‪ .‬ومؽ ذ كل ًلول نريًس إه َّ مل ٌس خخدم ُذٍ اًـدارة إمنا اذي اس خخدهما ُو ًوحٌا (‪.)P.G. LXXVII 200C‬‬
‫‪187‬‬
‫‪Samuel, V. C., The Council of Chalcedon Re-Examined, Senate of Serampore College, Madras, India, 1977. p. 194.‬‬
‫‪188‬‬
‫‪Ibid., p. 11-13.‬‬
‫‪189‬‬
‫‪Ibid .p. 13.‬‬

‫‪79‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫السكندري ونظّبه األنطاك ّي‪،‬‬


‫ّ‬ ‫لبدا بغيوم اػببلف بْب اعبانب‬‫الكنسي ُم ً‬
‫ّ‬ ‫أوطيخا الوصول إذل الببلط‪ .‬وبينما كان اؼبناخ‬
‫‪190‬‬
‫واجو أوطيخا مقاومة ومعارضة من األنطاكيّْب ألنّو كان متعصبًا جدًّا للسكندريّْب‪ ،‬وىكذا زاد من حدة التوتر‪.‬‬
‫وُب سنة ‪ ٗٗٛ‬ق ّدم يوسابيوس أسقف دوريالوس (دوريلوم) في فريجيّة إلى القسطنطينيّة ورفع شكواه على‬
‫القسطنطيني‪ .‬فجمع ىذا ً‬
‫ؾبمعا من ٖٔ أسق ًفا وٕٖ أرمشندريتًا وبعد ؿباوالت عديدة‬ ‫ّ‬ ‫أوطيخا إلى فالفيانوس البطريرك‬
‫وجّرد من الكهنوت وقُ ِطع من الشركة وعُ ِزل من‬ ‫حضر أوطيخا إذل اَّمع ِ‬
‫وسئل عن إيبانو فصدر اغبكم بضبللو وذبديفو ُ‬
‫ُ‬
‫رئاسة الدير‪.‬‬
‫وقد زار يوسابيوس أسقف دوريليم أوطيخا‪ُ 191‬ب ديره بالقسطنطينيّة مرات ع ّدة واكتشف أ ّن عقيدتو غّب أرثوذكسيّة‪،‬‬
‫إذ يعتقد باالمتزاج‪.‬‬
‫األول يطعن بالبطريرك‬
‫وسعى أوطيخا وأنصاره لدى اإلمرباطور ثيودوسيوس الصغّب فكتب ىذا إذل البابا ليو ّ‬
‫مستفسرا ورد عليو اعبواب فوافق على اغبكم الذي أصدره ؾبمع فبلفيانوس‪.‬‬
‫ً‬ ‫فبلفيانوس وؾبمعو‪ .‬فكتب البابا‬
‫وأمر ثيودوسيوس بعقد مجمع ثان في القسطنطينيّة فعقد في نيسان سنة ‪ 889‬وأيّد حكم المجمع السابق‬
‫وكتب ليو رسالة ؾبمعيّة مسهبة تعرف باسم "طومس الون" ثبت فيها تعليم فبلفيانوس وضبلل أوطيخا‪.‬‬

‫موقف كنيسة اإلسكندريّة‬


‫الرىا ُب الشرق‪ ،‬تلك الٍب‬‫شعر البابا ديسقوروس خبطورة انتشار أفكار ثيودوريت أسقف قورش‪ ،‬وإيباس أسقف ُ‬
‫اؼبوبسويسٍب ونسطور ُب كثّب من اؼبناطق ُب اؼبشرق‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السكندري‪ .‬وكذلك انتشار تعاليم ثيودور‬
‫ّ‬ ‫هتاجم عقيدة البابا كّبلس‬
‫اػبطي اؼبخادع بأنّو‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وأمام اعَباف أوطيخا‬
‫”يرفض ىؤالء الذين يقولون إ ّن جسد ربنا يسوع اؼبسيح قد نزل من السماء‪ ...‬أل ّن ذاك الذي ىو‬
‫كلمة اهلل نزل من السماء بدون جسد وذبسّد من جسد العذراء نفسو بدون تغيّب وال ربويل وبطريقة‬
‫كامبل ُب آخر‬
‫عرفها ىو نفسو وأرادىا‪ ،‬وذاك الذي ىو دومًا إلو كامل قبل الدىور‪ ،‬صار أيضًا إنسانًا ً‬
‫‪192‬‬
‫األيام من أجلنا ومن أجل خبلصنا“‪.‬‬
‫النسطوري‬
‫ّ‬ ‫شعر البابا ديسقوروس أ ّن فبلفيان بطريرك القسطنطينيّة‪ ،‬ويوسابيوس أسقف دوريليم قد انضما إذل التيار‬
‫كل من ال ينادي بطبيعتْب من بعد‬ ‫ِ‬
‫اؼبوجود ُب الشرق حينما طُلب من أوطيخا ُب ؾبمع القسطنطينيّة اؼبكاشلّ ‪ٗٗٛ‬م حرم ّ‬
‫االرباد‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫‪Cf. Samuel, V.C. pp. 14-15.‬‬
‫‪191‬‬
‫‪Ibid p. 15.‬‬
‫‪192‬‬
‫‪Ibid p. 30-31, see Mansi VI, p. 744, quoted in Bettenson, Documents, pp. 48-49..‬‬

‫‪81‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫أفسس الثاني ‪889‬م‬


‫مجمع ّ‬
‫أفسس في السنة نفسها ‪،889‬‬
‫مسكوني في ّ‬
‫ّ‬ ‫لم يرق لثيودوسيوس حكم المجمع‪ ،‬فأصدر أمره بعقد مجمع‬
‫واستدعى ديوسقورس بطريرك اإلسكندريّة نصير أوطيخا ليتولى رئاسة المجمع‪ .‬وكتب ثيودوسيوس كذلك للبابا ليو‬
‫بشأن ىذا اَّمع فأجاب البابا بإرسال ن اوابو األسقف يوليانوس والقس رينادوس والشماس إيبلريوس‪.‬‬
‫األول ٖٔٗم‪ ،‬وؾبمع القسطنطينيّة اؼبكاشل ‪ٗٗٛ‬م‪ ،‬وقراءة اعَباف أوطيخا‬
‫أفسس ّ‬
‫وبعد استعراض وقائع ؾبمع ّ‬
‫ـبادعا‪ .‬وبعد االستماع إذل آراء اغباضرين؛ حكم المجمع بإدانة وعزل‬
‫ثوذكسي ق ّدمو إذل اَّمع ً‬
‫ّ‬ ‫اؼبكتوب باإليبان األر‬
‫فالفيان بطريرك القسطنطينيّة ويوسابيوس أسقف دوروليم وبتبرئة أوطيخا وإعادتو إلى رتبتو الكهنوتيّة‪ .‬كما حكم‬
‫كل من ىيباس أسقف الرىا وثيودوريت أسقف قورش وآخرين‪ 193.‬وح ّدد المجمع أ ّن ديودور‬ ‫المجمع بحرم وعزل ّ‬
‫‪194‬‬
‫وىي المعروفة بطومس الون‪.‬‬
‫األول إلى المجمع َ‬
‫نسطوري‪ .‬ولم تُقرأ رسالة البابا ليو ّ‬
‫ّ‬ ‫الطرسوس ّي‬
‫وُب سنة ٓ٘ٗ توُب ثيودوسيوس الصغّب فخلفتو شقيقتو اؼبلكة بلخريا وتزوجت بقائد جيشها مركيانوس اغبسن العبادة‬
‫ليشاركها ُب إدارة اؼبملكة‪ .‬و ّأول عمل قامت بو نقل جسد الشهيد فبلفيانوس إذل كنيسة الرسل القديسْب ُب‬
‫وعْب موفديو‬
‫اىتمت بعقد ؾبمع مسكوشلّ وكتبت ُب ذلك إذل البابا ليو فأجاب البابا مستحسنًا عملها ّ‬‫القسطنطينيّة‪ .‬و ّ‬
‫األسقف يوليانوس والقس باسيليوس‪.‬‬
‫وجرت مكاتبات بْب اؼبلك مركيانوس والبابا ليو ُّذا الشأن أسفرت عن صدور أمر اؼبلك بعقد اَّمع ُب مدينة نيقية‬
‫كل األساقفة‪ .‬ولكن اؼبلك مركيانوس دل يتمكن من الذىاب إذل‬ ‫ِ‬
‫األول وبعث برسائل الدعوة إذل ّ‬ ‫الٍب ُعقد فيها اَّمع ّ‬
‫نيقية وأصيب بعض األساقفة بأمراض‪ ،‬فصدر األمر بنقل اَّمع إذل خلقيدونيّة ُب جوار القسطنطينيّة‪ .‬وبدأ اجتماعو‬
‫األول ٔ٘ٗ ُب كنيسة القديسة أوفيمية اؼبعظمة ُب الشهيدات‪ .‬وحضر اَّمع مركيانوس‬ ‫ُىناك يوم األثنْب ُب ‪ ٛ‬تشرين ّ‬
‫واؼبلكة بلخريا زوجتو وكثّبون من أمراء الدولة‪.‬‬

‫مجمع خلقيدونية ‪866‬م‬


‫الحل الكنس ّي لثيودوريت أسقف قورش وأعاده إذل‬
‫أفسس الثاشل ‪ٜٗٗ‬م ومنح ّ‬
‫األول نتائج ؾبمع ّ‬
‫دل يقبل البابا ليو ّ‬
‫‪195‬‬
‫الشركة‪.‬‬
‫‪ύπέγρψαν είς‬‬ ‫ليقرروا أنّو مورس عليهم ضغوط أو وقعوا على أوراق بيضاء أو أنّو قد ًبّ التزوير ُب أوراق اَّمع (‬
‫و ّ‬
‫‪.)άγραφον χάρτην‬‬

‫‪193‬‬
‫‪Cf. Samuel, V.C., pp. 29-35.‬‬
‫‪194‬‬
‫‪Kelly, J.N.D., Early Christian Doctrines, Chapter XI Fourth Century Christology, A & C Black- London 1977, 5th Revised‬‬
‫‪Edition, p. 302.‬‬
‫‪195‬‬
‫‪Cf. Samuel, V.C., p. 69.‬‬

‫‪81‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫األمر اؽبام أنّو خبلل اؼبناقشة اعَبف الباب ديسقورس بإصرار بطبيعتْب ُب اؼبسيح قبل االرباد وطبيعة واحدة بعد‬
‫(متجسدة)‪:‬‬
‫ٍّ‬ ‫االرباد ولكنها‬
‫”ال يبكن أن نعقل طبيعتْب ولكن واحدة للكلمة اؼبتجسٍّد‪...‬أنا أقبل من طبيعتْب بعد االرباد ال يوجد‬
‫طبيعتان“‪.‬‬
‫‪“ού δεί νοείν δύο φύσεις،άλλά μίαν φύσιν τού Λόγου σεσρκωμένην.....τό έκ δύο δέχομαι ،τό δύο ού‬‬

‫‪δέχομαι،τό δύο ού δέχομαι....Μετά τήν ένωσιν δύο φύσεις ούκ είσί”.‬‬

‫حينها شرح يوسابيوس أسقف دوريليم وباسيليوس سيليفكياس وميلوفثوقبوس اليوبوليتون وآخرين بأ ّن ُب اؼبسيح‬
‫ب واحد معروف ُب طبيعتْب ‪δύο φύσεις έν ένί προσώπω...ένας‬‬ ‫الواحد يوجد طبيعتْب (طبيعتْب ُب شخص واحد‪ّ ،‬ر ّ‬
‫‪.)Κύριος.....έν δύο φύσεσι γνωριζόμενος‬‬
‫فقال البابا ديسقورس إ ّن ىذه األقوال (سبزيق وتشريح) ‪ καινοτομίας‬وذيوفيزيتية ‪ ،δυοφημίας‬وأضاف أنّو بسبب ىذه‬
‫اإلسكندري‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األقوال ًبّ حرمان ‪-‬وعن حق‪ -‬فبلفيانوس ُب ‪ ،ٜٗٗ‬بينما ّقرر اَّمع أ ّن فبلفيانوس يتفق مع كّبلس‬
‫كبّبا ُب أن وبكم على أوطيخا إذا ما ثبت أنّو يبتلك مفاىيم‬
‫عدادا ً‬‫وبالرغم من ذلك فإ ّن البابا ديسقورس أظهر است ً‬
‫ب بغّب‬
‫الر ّ‬
‫دوتوكية (‪ δοκτικές (άντιλήψεις‬وأراد أن يبتعد عن مونوفيزيتيّة أوطيخا وأعلن أنّو يقبل مثل كّبلس طبيعتْب ّ‬
‫اختبلط وال تغيّب وال سبزيق‬
‫‪όπως ό Κύριλλος ότι δέχεται άσύγχυτες καί άτρεπτες τίς φύσεις τού Κύρίου‬‬ ‫‪ούτε σύγχυσιν ،λέγομεν ούτε‬‬

‫‪،‬‬
‫‪τροπήν ούτε τομήν...‬‬

‫أفسس الثاشل ‪ٜٗٗ‬م ؛ فقال‪:‬‬


‫وقد نُوقش البابا ديسقوروس بشأن عقيدة أوطيخا الذي برأه ؾبمع ّ‬
‫حٌب‬
‫”إذا كان أوطيخا يتمسّك دبفاىيم ترفضها عقائد الكنيسة‪ ،‬فهو يستحق ليس العقاب فقط بل ّ‬
‫النار (أي جهنم) أيضًا‪ .‬ولكن اىتمامي إ ّمبا ىو باإليبان اعبامع الرسورلّ وليس بأي إنسان أيًا‬
‫‪196‬‬
‫كان“‪.‬‬
‫أيضا ُب نفس اعبلسة من اَّمع اػبلقيدوشلّ‪:‬‬
‫وقال ً‬
‫‪197‬‬
‫”أنا أقبل عبارة من طبيعتْب بعد االرباد“‪.‬‬
‫اؼبتجس دة هلل الكلمة أراد أن يثبت عدم التقسيم بْب الطبيعتْب من بعد االرباد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وىو ُب تأكيده على الطبيعة الواحدة‬
‫وُب قبولو لعبارة‪" :‬من طبيعتْب بعد االرباد"‪ ،‬أراد أن يؤٍّكد ما أ ّكده القديس كّبلس الكبّب عن استمرار وجود الطبيعتْب ُب‬
‫االرباد وعدم امتزاجهما أو اختبلطهما‪.‬‬
‫وكان أناطوليوس أسقف القسطنطينيّة قد أعلن ُب اعبلسة اػبامسة للمجمع أ ّن‪:‬‬

‫‪196‬‬
‫‪Ibid., p. 51.‬‬
‫‪197‬‬
‫‪Ibid., p. 55.‬‬

‫‪82‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫‪198‬‬
‫”ديسقوروس دل يتم عزلو بسبب عقيدتو‪ ،‬إمبا بسبب أنّو قد حرم الون“‪.‬‬
‫وقد وافق الثبلثة عشر أسق ًفا اؼبصريْب الذين حضروا ؾبمع خلقيدونية على حرم أوطيخا لكنهم رفضوا التوقيع على‬
‫قرارات ؾبمع خلقيدونية أو طومس ليو أو عزل البابا ديسقوروس‪" .‬وقد أشاروا إذل أهنم ال يستطيعون التوقيع بدون التوافق‬
‫‪199‬‬
‫وحدثت اضطرابات‬ ‫مع رئيس أساقفتهم‪ ..‬وأهنم ال يستطيعون التوقيع دون أن يكون رئيس أساقفتهم معهم‪."...‬‬
‫كبّبة ُب الشرق بسبب قرارات ؾبمع خلقيدونية ومع تغيّب األباطرة كانت الظروف تتغّب‪.‬‬

‫نص حكم عزل البابا ديسقوروس‬


‫” من اَّمع اؼبسكوشل العظيم واؼبقدس‪ ،‬الذي بنعمة اهلل وبأمر من‪ .......‬أباطرتنا‪ ،‬و ِ‬
‫اَّتمع ُب‬
‫خلقيدونية‪ ...‬إذل ديسقوروس‪ :‬بسبب ازدراء القوانين المُق ّدسة‪ ،‬واحتقارك لهذا المجمع المسكوني‬
‫المقدس‪ ،‬حيث ـ وباإلضافة للتعديات األخرى الٍب أُدنت بسببها ـ قد رفضت أن تستجيب لثبلثة‬
‫استدعاءات من ىذا اَّمع العظيم واؼبقدس‪ ،‬والٍب قُدمت لك وفقًا للقوانْب اإلؽبية لكي ترد على التهم‬
‫اؼبوجهة إليك‪ :‬فلتعلم إذن‪ ،‬إنك ُب االوزل الثالث عشر من الشهر اغبارل أكتوبر قد عُزلت بواسطة‬
‫اَّمع اؼبسكوشل واؼبقدس من أسقفيتك‪ ،‬وجُردت من كلّ رتبة كنسية“‪.‬‬
‫أمرا متعل ًقا باإليبان‬
‫ومن كلمات أناطوليوس يوم ٕٕ أكتوبر عندما قال إ ّن السبب وراء إدانة البابا ديسقوروس دل يكن ً‬
‫وإّمبا حقيقة "إنّو قد حرم السيد رئيس األساقفة الون"‪ ،‬ودل يذعن الستدعاءات اَّمع الثبلثة لو‪.‬‬
‫‪200‬‬

‫وىكذا قبد أ ّن البابا ديسقورس دل ُوبكم عليو ألجل إيبانو‪ ،‬أو أ ّن إيبانو كان ـبتل ًفا عن إيبان اآلباء‪ ،‬أو لكونو‬
‫ىرطوقي‪ ،‬بل فقط ألسباب إداريّة وسياسيّة حبتة‪.‬‬
‫ّ‬
‫بعد خلقيدونية‬
‫ُب ‪ ٔٙ‬مارس ‪ٗ٘ٚ‬م انتخب البابا تيموثاوس الثاني (الشهير بأوريلُّوس) في اإلسكندريّة خليفة للبابا ديسقوروس‬
‫أفسس سنة ‪826‬م (يلقبو‬
‫بعد وفاتو وتمكن في عهد اإلمبراطور "باسيليسكوس" من عقد مجمع عام آخر في ّ‬
‫أفسس الثالث) حضره ‪ 633‬أسقف‪ .‬ىذا المجمع حرم تعاليم أوطيخا وتعاليم نسطور ورفض‬
‫البعض مجمع ّ‬
‫‪201‬‬
‫مجمع خلقيدونيّة‪ .‬وقد وقّع على قرار ىذا اَّمع ٓٓ‪ ٚ‬أسقف شرقى‪.‬‬
‫ومن خبلل ىذا اَّمع‪ ،‬أوضح موقف البابا تيموثاوس أن اعبانب الرافض َّمع خلقيدونية دل يكن بالضرورة أوطاخى‬
‫اؼبعتقد كما اهتمو‪ُ ،‬ب أغلب األحيان‪ ،‬اعبانب اػبلقيدوسل‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫‪Cf. Sellers, R.V. p. 119.‬‬
‫‪199‬‬
‫‪Cf. Samuel, V.C., p. 75, see also Sellers, R.V., p. 114, and Hefele, C.J. p. 333, 334.‬‬
‫‪200 OCA.,pp. 320: 14 ,i ,II‬‬
‫‪201‬‬
‫‪Ibid. p. 101-105.‬‬

‫‪83‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫الهينوتيكون ومحاولة إعادة الوحدة‬


‫ٍبّ ُب عهد اإلمرباطور زينون حدثت ؿباولة للوحدة على أساس وثيقة اؽبينوتيكون ‪ Henotikon‬الذي صدر ُب ‪ ٕٛ‬يوليو‬
‫عام ٕ‪ٗٛ‬م‪ ،‬والذي وقّع عليو على التواذل أكاكيوس بطريرك القسطنطينيّة‪ ،‬وبطرس منجوس بطريرك اإلسكندرية‪ ،‬وبطرس‬
‫القصار بطريرك أنطاكيا ُب عام ٗ‪ٗٛ‬م ومارتّبوس بطريرك أورشليم‪ .‬ودل تشَبك روما ُب التوقيع على ىذه الوثيقة بل عقد‬
‫ؾبمعا وقطع من الشركة أكاكيوس بطريرك القسطنطينيّة‪ .‬وُب مصر حدثت مقاومة شديدة‬ ‫بابا روما فيلكس الثالث ً‬
‫وتكونت صباعة "الذين ببل رئيس" ‪ Acephlists‬ودل يتمكن مرسوم االرباد ‪ Henotikon‬من اغبفاظ على الوحدة الٍب بدأت‬
‫بتوقيع بطاركة الكراسي الشرقيّة األربعة‪.‬‬

‫السكندري‬
‫ّ‬ ‫الخريستولوجي‬
‫‪ -6‬الىوت كامل للمسيح‬
‫وىذا ما ربدثنا عنو بتفاصيل كثّبة ُب الفصل الرابع من ىذا الكتاب‪.‬‬

‫‪ -2‬بشريّة كاملة للمسيح‬


‫حقيقي‪ ،‬ال ينتقص من جوىر إنسانيّتو‬
‫ّ‬ ‫شري‪ ،‬أي روح عاقلة‪ ،‬ولو نفس وجسد‬
‫أي أ ّن اؼبسيح إنسان كامل‪ ،‬لو عقل ب ّ‬
‫كل شيء‪ ،‬ما خبل اػبطية وحدىا‪ .‬قال القديس أثناسيوس بوضوح إن‪:‬‬
‫أي نقيصة‪ ،‬فهو ماثلنا ُب ّ‬
‫”اعبسد الذي كان الكلمة فيو (ازبذه الكلمة) لم يكن مساويًا لالىوت في الجوىر‪ ،‬ولكنو كان‬
‫مولودًا حبق من مرصل ‪ ،‬بينما الكلمة نفسو دل يتغّب إذل عظم وغبم لكنو أتى ُب جسد‪ .‬ألن ما قالو‬
‫يوحنا‪ " :‬الكلمة صار جسدًا "‪ 202‬لو ىذا اؼبعُب‪ ،‬كما يبكننا أن نرى ُب عبارة مشاُّة‪ ،‬فبولس يكتب‬
‫قائبل‪" :‬اؼبسيح‪ ..‬صار لعنة ألجلنا"‪ 203.‬وكما أنو ىو نفسو دل يصر لعنة‪ ،‬ولكنو قيل أنو صار كذلك‬
‫ً‬
‫ألنو أخذ لنفسو اللعنة نيابةً عنا‪ ،‬وىكذا أيضًا صار جسدًا ليس بأن تغّب إذل جسد‪ ،‬ولكن ألنو نيابة‬
‫‪204‬‬
‫عنا أخذ جسدًا حيًا وصار إنسانًا“‪.‬‬
‫اضحا ُب تعليمو عن اعبسد اغبى الذي ازبذه كلمة اهلل أنو يعِب ناسوت كامل‪،‬‬
‫أيضا و ً‬
‫وقد كان القديس أثناسيوس ً‬
‫معا‪ .‬وكتب يقول‪:‬‬
‫أي جسد ونفس عاقلة ً‬
‫”لكن حقًا إن خبلصنا ليس ظاىراً فحسب‪ ،‬كما أنو ليس فبتدًا إذل اعبسد فقط‪ ،‬إمبا اإلنسان كلو‪،‬‬
‫اعبسد والنفس على السواء‪ ،‬قد حصبل على اػببلص ُب الكلمة نفسو"‪ 205.‬وقال أيضًا "أن نقول إ ّن "‬

‫‪ً 3‬و‪.82:8‬‬
‫‪ 4‬غي‪.83:3‬‬
‫‪204‬‬
‫‪Letter to Epictetus, par. 2, N. & P.N Fathers, Oct. 1987, Vol. IV, p.573.‬‬
‫‪205‬‬
‫‪Ibid. par. 7 p. 572.‬‬

‫‪84‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫الكلمة صار جسدًا"‪ ،‬يعادل قولنا إن "الكلمة صار إنسانًا"؛ كما جاء ُب يوئيل‪" :‬إسل أسكب روحيّ‬
‫ب إنسانًا‬
‫على كلّ بشر" ؛ ألن الوعد دل يبتد إذل اغبيوانات غّب العاقلة‪ ،‬وإمبا للبشر‪ ،‬الذين صار الرّ ّ‬
‫‪206‬‬

‫‪207‬‬
‫من أجلهم (غبساُّم)“‪.‬‬
‫النسطوري ىو التأكيد على كمال‬
‫ّ‬ ‫من أىم التعاليم الٍب كان يش ّدد عليها القديس كّبلس ُب فَبة ما قبل النزاع‬
‫إنسانيّة المسيح‪.‬‬
‫ُب رسالة موجهة من القديس كّبلس إذل مكسيميانوس أسقف القسطنطينيّة يؤٍّكد على كمال إنسانيّة اؼبسيح ً‬
‫قائبل‪:‬‬
‫تحوال أو تغييرًا أو‬
‫كامبل مثلنا‪ ،‬ليس باحتمالو ً‬
‫”‪...‬حيث أن كلمة اهلل الوحيد اعبنس صار إنسانًا ً‬
‫انتقاال إلى ما لم يكن عليو‪ ،‬بل بالحرى ظل كما كان‪،‬‬
‫اختالطًا‪ ،‬كما يتكرّر كثيرًا‪ ،‬أو امتزاجًا‪ ،‬أو ً‬
‫أيضًا في إنسانيتو التي ىيَ مثلنا“‪.‬‬
‫افضا بكل صراحة تعاليم أبولليناريوس‪:‬‬
‫كدا على وجود نفس إنسانيّة ُب اؼبسيح ر ً‬
‫ٍب يستطرد مؤ ً‬
‫”وكبن نعَبف أن جسده اؼبتحد بو حقًا كانت ربييو نفس عاقلة‪ .‬ألننا ال نرضخ آلراء ذلك اَّنون‬
‫أبولليناريوس‪ ،‬ولكن ألننا نتمسك باالعتقاد اغبق فنحن كبرم أبولليناريوس وآريوس وأفينوميوس ومعهم‬
‫نسطوريوس ألن عندنا اإليبان اؼبسلم لنا من فوق‪" :‬كمرساة للنفس مؤسبنة وثابتة" (عب‪ )ٜٔ:ٙ‬حسب‬
‫ُ‬
‫الكتاب‪ .‬وبناء على ذلك‪ ،‬فكما قلت‪ :‬نحن نعترف بالواحد والوحيد واالبن الحقيقي هلل اآلب ربنا‬
‫يسوع المسيح‪ ،‬عالمين أنو ىو نفسو اهلل الكلمة من اآلب واإلنسان من امرأة‪ ،‬وىو في كرامة‬
‫السيد حسب الطبيعة (اإللهية) وفي الهيئة العبد بسبب التدبير“‪.‬‬
‫القــديس كـّبلس يوضــح أن قــول الكتــاب " الكلمــة صــار جسـ ًـدا " (يــؤ‪ )ٔٗ:‬يعــِب أنــو اربــد جبســد ذي نفــس عاقلــة‪.‬‬
‫جسدا من مرصل وجعلو خاصة لو ولذلك ضبل ابن اإلنسان وصار مثلنا‪:‬‬ ‫فالكلمة ازبذ لو ً‬
‫”‪...‬الكلمة الذي من اهلل اآلب وحد بنفسو جس ًدا حيًا بنفس عاقلة بطريقة تفوق الفهم وبكيفية‬
‫ال يمكن التعبير عنها وجاء إنسانًا من امرأة إذ قد صار مثلنا ليس بتغير في طبيعتو بل بالحرى‬
‫بالمسرة الخاصة بتدبير تجسده‪ ،‬ألنو سرّ أن يصير إنسانًا دون أن يفقد ما ىو عليو بالطبيعة‬
‫‪208‬‬
‫كإلو“‪.‬‬
‫ويبلحظ أن القديس كّبلس يتبع البلىوت األسكندري ُب أن اإلنسان مكون من عنصرين النفس واعبسد‪ ،‬وىذا‬
‫خببلف التعليم األنطاكي الذي يُعلٍّم بأن اإلنسان مركب من ثبلث عناصر‪ :‬النفس والروح واعبسد‪ .‬وردبا التجأ‬

‫‪ً 7‬واَي‪.61:6‬‬
‫‪207‬‬
‫‪Letter to Epictetus, par. 8, N. & P.N Fathers, Oct. 1987, Vol. IV, p.573.‬‬
‫‪ 208‬إىل سوهًَسوس رساةل ‪ .8:28‬نٌل ثوخد يف نخاابت اًلدٌس نريًس مواضؽ خاضة شدّد فهيا ؿىل نٌلل إوساه َّة املس َح هذهرُا ؿىل سبِي املثال ال احل ر وميىن اًرحوع إٍهيا‪” :‬رساةل رمق‬
‫(‪ )8‬إىل اًرُدان ‪88،69،68‬؛ رساةل رمق (‪ )88‬إىل بوس َدوهَوس‪8:‬؛ رساةل رمق (‪ )33‬إىل أاكهَوس‪89 :‬؛ رساةل رمق (‪ )29‬إىل أاكهَوس‪.“63 ،66 :‬‬

‫‪85‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫أبولليناريوس إذل التعليم األنطاكي عندما أُدين لكي يُعلٍّم بأن اؼبسيح كان عبارة عن‪ :‬لوغوس ‪ +‬روح ‪ +‬جسد‪ .‬ولكن‬
‫طبعا ُب ىذه اغبالة كان الروح دبفهومو عبارة عن نفس غّب عاقلة أي بدون عقل = نوس‬ ‫ً‬
‫الحقيقي وتبادل الخواص‬
‫ّ‬ ‫‪ -0‬االتحاد‬
‫حٌب قيل‬
‫حقيقي وكامل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫اإلؽبي باعبسد اؼبولود من مرصل العذراء‪ ،‬ارباد‬
‫أي أ ّن ارباد البلىوت بالناسوت‪ ،‬أو الكلمة ّ‬
‫اعبوىري ػببلصنا‪ .‬وليس‬
‫ّ‬ ‫لسي‪ .‬فبدون ىذا االرباد نفقد اؼبعُب‬
‫عن جسد اؼبسيح أنّو جسد اهلل اػباص حبسب التعبّب الكّب ّ‬
‫احدا‪ ،‬وىذا بالتبعية يؤثر على خبلص اعبنس‬ ‫حبسب اؽبرطقة النسطوريّة أ ّن اهلل واعبسد اثنان من بعد االرباد وليسا و ً‬
‫يتوحد باهلل ُب اؼبسيح لينال الشفاء من مرض اػبطية القاتل وسبلحها الف اعال‪ ،‬أي اؼبوت‪.‬‬
‫البشري الذي احتاج أن ّ‬‫ّ‬
‫ارما ضد ىرطقة‬
‫تعليما ص ً‬
‫وبالرغم من أن نسطور جاء الح ًقا للقديس أثناسيوس‪ ،‬إالّ أن القديس أثناسيوس قدم ً‬
‫نسطور‪ .‬فقد كتب‪:‬‬
‫ب الذي وُِل َد من مرصل‪ ،‬بينما ىو‬
‫”كيف يغامر أناسًا يُدعون مسيحيْب ؾبرد أن يرتابوا فيما إذا كان الرّ ّ‬
‫ابن اهلل باعبوىر والطبيعة‪ ،‬ىو "من نسل داود من جهة اعبسد"‪ ،209‬ومن جسد القديسة مرصل؟ أم من‬
‫كان ؾبازفًا فيقول إ ّن اؼبسيح الذي تأدل باعبسد وصُلب ليس ربًا وـبلصًا وإؽبًا وابن اآلب؟ أو كيف‬
‫يستطيعون أن يتمنوا أن يُدعوا مسيحيْب الذين يقولون إن الكلمة حلّ على رجل قديس كما على أحد‬
‫األنبياء‪ ،‬ودل يصر ىو نفسو إنسانًا‪ ،‬آخ ًذا جسدًا من مرصل؛ لكن إن اؼبسيح ىو شخص واحد‪ ،‬بينما‬
‫كلمة اهلل‪ ،‬الذي كان قبل مرصل وقبل الدىور ابنًا لآلب‪ ،‬ىو آخر؟ أم كيف يُدعون مسيحيْب أولئك‬
‫الذين يقولون إن االبن واحد وكلمة اهلل آخر؟ "‪ ،210‬كتب أيضًا أن‪" :‬كلمة اهلل جاء ُب شخصو ىو‬
‫‪211‬‬
‫نفسو‪ ،‬ألنو ىو وحده صورة اآلب‪ ،‬الذي يقدر أن يعيد خلقة اإلنسان الذي عُمل على صورتو“‪.‬‬
‫قائبل‪:‬‬
‫لقد رفض القديس أثناسيوس أي فصل بْب الىوت وناسوت ربنا يسوع اؼبسيح‪ .‬وكتب ً‬
‫‪213 212‬‬
‫”اآلخرين الذين قسموا غّب اؼبنقسم ينكرون حقيقة أن "الكلمة صار جسدًا وحل بيننا" ‪.‬‬
‫أيضا‪:‬‬
‫وكتب ً‬
‫”كبن ال نعبد ـبلوقًا‪ .‬ليبعد ىذا التفكّب‪ ،‬ألن مثل ىذا اػبطأ ىبص الوثنيْب واآلريوسيّْب‪ .‬ولكننا نعبد‬
‫ب اػبليقة‪ ،‬اؼبتجسد‪ ،‬كلمة اهلل‪ .‬ألنو وإن كان اعبسد أيضًا ُب ذاتو ىو جزء من العادل اؼبخلوق‪ ،‬إالّ‬ ‫رّ ّ‬
‫أنو صار جسد اهلل‪ .‬ؽبذا كبن ال نقسم اعبسد عن الكلمة‪ ،‬لنعبده ُب ذاتو‪ ،‬كما أننا عندما نرغب ُب‬
‫عبادة الكلمة كبن ال نفرده (نعزلو) بعيدًا عن اعبسد‪ ،‬ولكن كما ذكرنا سابقًا‪ ،‬إننا ُب معرفتنا‪ ،‬أن "‬

‫‪ 10‬رو‪.6:8‬‬
‫‪210‬‬
‫‪Letter to Epictetus, par. 2, N. & P.N Fathers, Oct. 1987, Vol. IV, p.571.‬‬
‫‪211‬‬
‫‪On the Incarnation, Chap. III, par. 13, SVS Press, 1982, p. 41.‬‬
‫‪ً 16‬و‪.82:8‬‬
‫‪213‬‬
‫‪Letter to Adelphius, par. 2, N. & P.N. Fathers, Oct. 1987, Vol. IV, p. 575.‬‬

‫‪86‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫الكلمة صار جسدًا " كبن ندركو أنو اهلل أيضًا‪ ،‬بعدما صار جسدًا‪ .‬وبالتاذل من ىو فاقد الشعور ىذا‬
‫حٌب استطيع أن أعبدك " أو غّب التقى لينضم إذل اليهود فاقدى الشعور‬
‫الذي يقول هلل‪ " :‬أترك اعبسد ّ‬
‫ُب قوؽبم‪ ،‬خبصوص اعبسد‪ " ،‬فإنك وأنت إنسان ذبعل نفسك إؽبًا؟ "‪ 214‬أما األبرص فلم يكن من‬
‫قائبل‪ " :‬يا سيد إن أردت تقدر أن‬ ‫ىذا النوع ألنو سجد هلل ُب اعبسد‪ ،‬وأدرك أنو كان اهلل ً‬
‫‪216 215‬‬
‫تطهرشل"“ ‪.‬‬
‫شرح القديس أثناسيوس كيف أن كلمة اهلل جعل خصائص اعبسد خاصة بو وكتب‪:‬‬
‫”إ ّن الكلمة غّب اؼبادى جعل خصائص اعبسد خاصة بو‪ ،‬حيث إنو جسده اػباص بو‪ .‬ؼباذا‪ ،‬عندما‬
‫ضرب اعبسد بواسطة أحد اػبدام‪ ،‬فؤلنو ىو الذي تأدل‪ ،‬سأل‪ " :‬ؼباذا تضربُب؟ "‪ 217‬وبالرغم من كونو‬
‫بالطبيعة غّب ؿبسوس‪ ،‬إالّ أن الكلمة قال‪ " :‬بذلك ظهرى للضاربْب وخدى للناتفْب‪ ،‬وجهى دل اسَب‬
‫عن العار والبصق "‪ 218.‬ألن ما تأدل بو اعبسد البشرى للكلمة‪ ،‬ىذا نسبو الكلمة الساكن ُب اعبسد‬
‫إذل نفسو‪ ...‬وإنو لعجيب باغبقيقة أنو ىو الذي تأدل مع أنو دل يتأدل‪ .‬تأدل ألن جسده اػباص تأدل؛ ودل‬
‫‪219‬‬
‫يتأدل ألن الكلمة دبا أنو بالطبيعة ىو اهلل‪ ،‬فهو غّب قابل لؤلدل “‪.‬‬
‫‪ -8‬وقوع اآلالم والموت على الكلمة‬
‫جسدا ليصبح جسد الكلمة اػباص‪ ،‬وبو يُو ٍّحد‬
‫للتأدل‪ ،‬فأخذ ً‬‫الكلمة (اللوجوس اإلؽبي) ُب الىوتو‪ ،‬طبيعتو غّب قابلة ُّ‬
‫ّ‬
‫البشريّة ُب ذاتو‪ ،‬ويتأدل ُّم ويبوت ليقيمهم معو ويصعد وطبيعتنا فيو‪ .‬فاآلالم الٍب وقعت على جسد اهلل اػباص‪ ،‬شعرب‬
‫ُّا‪ ،‬ونستطيع حبسب اآلباء السكندريّْب أن نقول تأدل ُّا اهلل‪ ،‬ليس أل ّن البلىوت ُب طبيعتو يتأ ادل‪ ،‬بل أل ّن جسده اػباص‬
‫الرسولي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أيضا ألجل االرباد‪ .‬فيقول أثناسيوس‬
‫حقيقي وكامل قد تأ ّدل‪ ،‬فشعر بو البلىوت ً‬
‫ّ‬ ‫اؼبتحد بو ارباد‬
‫”ومن الغريب‪ ،‬أ ّن الكلمة نفسو كان متأؼبا وغّب متأدل‪ ،‬فمن ناحية‪ ،‬كان (الكلمة) يتأدل ألن جسده‬
‫ً‬
‫ى و الذي كان يتأدل وكان ىو اؼبتأدل فيو‪ ،‬ومن الناحية األخرى‪ ،‬دل يكن الكلمة يتأدل‪ ،‬ألن الكلمة ـ إذ‬
‫ىو إلو بالطبيعة ـ فهو ال يقبل التأدل‪ .‬وكان الكلمة غّب اعبسدي موجودًا ُب اعبسد الذي يتأدل‪ ،‬وكان‬
‫اعبسد وبوى فيو الكلمة غّب اؼبتأدل الذي كان يبيد العلل الٍب قبلها ُب جسده‪ .‬وكان يصنع ىذا‪،‬‬
‫وىكذا كان يصّب‪ ،‬لكي بعد أن يأخذ ما لنا (أي اعبسد) ويقدّمو كذبيحة‪ ،‬يقضي على (العلّل‬
‫والضعفات) كلّها‪ .‬وىكذا يلبسنا ما لو‪ ،‬وىذا ما هبعل الرسول يقول‪‟ :‬ألن هذا الفاسد البد ّ‬
‫أن يلبس عدم‬

‫‪ً 18‬و‪.63:89‬‬
‫‪ 19‬مت‪.6:1‬‬
‫‪216‬‬
‫‪Letter to Adelphius, par. 3, N. & P.N. Fathers, Oct. 1987, Vol. IV, p. 575.‬‬
‫‪ً 21‬و‪.63:81‬‬
‫‪ 22‬إش‪.2:89‬‬
‫‪219‬‬
‫‪Letter to Epictetus, par. 6, N. & P.N. Fathers, Oct. 1987, Vol. IV, p. 572, 573.‬‬

‫‪87‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫فساد‪ ،‬وهذا املائت يلبس عدم موت„ (ٔكو٘ٔ‪ ٕٕٓ.)ٖ٘:‬ألن ما تأدل بو ىذا اعبسد (جسد الكلمة) يُعترب‬
‫ٕٕٔ‬
‫أ ّن الكلمة قد تأدل بو“‪.‬‬
‫المطوب أمبرسيوس‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ويضيف‬
‫”وىكذا فإ ّن الرسول بولس يقول‪ :‬ألهنم صلبوا جسد املسيح (غبل٘‪ 222،)ٕٗ:‬ويقول القديس بطرس‬
‫أيضًا‪ :‬إذ قد تأمل املسيح‪ ..‬باجلسد (ٔبط ٗ‪ .)ٔ:‬لذلك فاعبسد ىو الذي تأدل‪ ،‬بينما البلىوت ىو فوق ُب‬
‫أمان ِمن اؼبوت‪ ،‬وقد خضع جسده لؤلدل حبسب طبيعة البشر‪ .‬ىل يبكن لبلىوت أ ّن يبوت بينما‬
‫النفس ال سبوت؟ يقول ربنا‪ :‬ال ختافوا من الذين يقتلون اجلسد ولكن النفس ال يقدرون ّأن يقتلوها (مت‬
‫ٓٔ‪ .)ٕٛ:‬فإ ّن كانت النفس ال يبكن أ ّن تُقتل‪ ،‬فكيف يبكن أ ّن يبوت البلىوت؟ إذًا‪ ،‬فعندما نقرأ أ ّن‬
‫ب كما ُب ؾبده‪ 223،‬ولكن ألن الذي ىو اهلل ىو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪ ،‬فعلينا أالّ نفَبض أنو قد صُل َ‬ ‫رب اَّد قد صُل َ‬
‫أيضًا إنسا ٌن‪ ،‬إلو حبسب الىوتو‪ ،‬وبازباذه اعبسد لنفسو ىو‪ :‬اإلنسان يسوع اؼبسيح؛ لذلك يُقال إ ّن‬
‫حٌب يبكننا‬ ‫ِ‬
‫ب‪ ،‬ألنو بامتبلكو الطبيعتْب البشرية واإلؽبية‪ ،‬فإنو احتمل اآلالم ُب بشريتو‪ّ ،‬‬‫رب اَّد قد صُل َ‬
‫القول أ ّن الذي تأدل يُدعى رب اَّد وابن اإلنسان معًا ُب نفس الوقت بغّب سبييز بينهما‪ ،‬كما ىو‬
‫‪224‬‬
‫مكتوب‪ :‬الذي نزل من السامء (يو ٖ‪.“)ٖٔ :‬‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫وجسدا إنسانيًّا دل ربدث إضافة إذل عدد األقانيم‪ ،‬إذ بق اي الثالوث كما ىو قببل‪ .‬وذلك كما أنو ُب ّ‬
‫ً‬ ‫نفسا‬
‫إذ أخذ ً‬
‫احدا‪ ،‬ىكذا ُب اؼبسيح‬
‫شخصا و ً‬
‫ً‬ ‫إنسان فيما عدا ذاك الذي وحده أخذ اتحا ًدا أقنوميًا‪ ،‬فإ ّن النفس واعبسد يبثبلن‬
‫احدا‪ .‬وكما أ ّن اسم ”الفيلسوف“ كمثال يُعطي إلنسان بالتأكيد‬ ‫شخصا و ً‬ ‫ً‬ ‫الكلمة ونفسو البشرية وجسده يبثلون‬
‫خبصوص نفسو وحدىا‪ ،‬إالا إنّو ال ُوبسب سخافة‪ ،‬بل ىو أمر عادي والئق ُب اللغة‪ ،‬أن نقول بإ ّن الفيلسوف قُتل‪،‬‬
‫الفيلسوف مات‪ ،‬الفيلسوف دفن‪ ،‬مع أ ّن ىذه األحداث صبيعها تسقط على جسده وليس على العنصر اػباص بو‬
‫أي اسم آخر يُعطي للمسيح بكونو الكلمة‪ ،‬ومع‬ ‫كفيلسوف‪ ،‬ىكذا بنفس الطريقة اسم اهلل أو ابن اهلل أو رب اَّد‪ ،‬أو ّ‬
‫صلِب‪ ،‬إذ ال ؾبال للتساؤل ُب أنّو احتمل ىذا اؼبوت ُب طبيعتو البشريّة وليس ُب‬ ‫ىذا فإنّو من الصواب القول بان اهلل ُ‬
‫تلك الٍب ُّا ىو رب اَّد‪.‬‬
‫وحبسب القديس كّبلس السكندري فإ ّن اآلالم زبص التدبّب‪ .‬واهلل الكلمة جعل ما ىبص جسده ىبصو ىو نفسو‬
‫بسبب االرباد الفائق الوصف‪ .‬لكنو ظل فوق اآلالم حسب مقتضى طبيعتو ألن اهلل اليتأدل‪ .‬والغرابة فيما نقول‪ ،‬ألن‬

‫‪220‬املس َح يف رسااي اًلدٌس أزياس َوس‪ ،‬مرحؽ سابق‪ .‬ص ‪.26 ،28‬‬
‫‪221‬املرحؽ اًسابق‪ .‬ص ‪.29‬‬
‫‪ٌ 222‬س خخدم اًلدٌس أماروس َوس ُيا مـىن ٌَيص األضًل مَُفت ٌَيؼر حِر ًلول اًيص‪” :‬وًىن اذٍن مه ٌَمس َح كد ضَدوا اجلسد“‪.‬‬
‫‪ 223‬اهؼر‪8 :‬هو ‪.1:6‬‬
‫‪224‬‬
‫األول اًىذاب اًثا ي‪ .‬حرمجة د‪ /‬هطحي ؾدد اًشَِد‪ .‬إضدار املرنز األر ّ‬
‫زوذهيس ٌدلراسات اآلاباَة‪ .‬ص ‪.891‬‬ ‫َحي‪ٌَ .‬لدٌس أماروس َوس أسلف مِبلن‪ .‬اجلزء ّ‬
‫رشح اإلميان املس ّ‬
‫‪88‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫نفس اإلنسان تظل فوق اآلالم عندما يتأدل جسدىا‪ .‬وكبن ال نعترب النفس بعيدة عن اآلالم‪ ،‬أو أ ّن اآلالم عندما ربدث‬
‫للجسد الزبص النفس‪ ..‬أل ن اعبسد الذي يتأدل ىو جسدىا‪ .‬وعندما يتأدل اعبسد فالنفس اؼبتحدة بو وىي من طبيعة‬
‫بسيطة غّب مادية ال تظل بعيدة عن األدل‪ ،‬ألن اعبسد الذي يتأدل ليس غريبًا عنها باؼبرة‪ .‬ىكذا يبكننا أ ّن نفهم آالم‬
‫‪225‬‬
‫اؼبسيح ـبلّصنا كلنا‪.‬‬
‫أيضا القديس كيرلس ً‬
‫قائبل‪:‬‬ ‫ويكمل ً‬
‫حٌب ُيبكننا أ ّن نقول بسبب االرباد إنو (اعبسد) نزل من‬‫”إ ان الكلمة يعطي جسده من صفاتو‪ّ ،‬‬
‫السماء‪ ،‬ألنو (الكلمة) عندما اربد بو جعلو واحدًا معو‪ 226،‬والحظ أنو عندما يُذبَح العصفور األوّل‬
‫(ُب طقس الذبائح ُب العهد القدصل) يُغمَس العصفور الثاشل ُب دم األوّل دون أ ّن يبوت‪ .‬ما معُب ىذا؟‬
‫أ ّن الكلمة حي وأن مات جسده‪ ،‬وبسبب االرباد اشَبك ىو ُب اآلالم ألن اعبسد الذي تأدل ىو‬
‫‪227‬‬
‫قائبل‪ :‬وإنو‬
‫جسده ىو وىو الواحد بعينو‪ ،‬اقتبل ىو نفسو اآلالم دون أ ّن يتأدل (ُب) طبيعتو ‪ .‬ويستمر ً‬
‫بسبب ارباده باعبسد تأدل بكلّ اإلىانات‪ ،‬لكنو احتفظ دبا لو من عدم األدل ألنو ليس إنسانًا فقط بل‬
‫ىو نفسو اهلل‪ .‬وكما أ ّن اعبسد ىو جسده ىكذا آالم اعبسد ورغباتو غّب الدنسة وكلّ اإلىانات الٍب‬
‫وجهها البعض‪ ،‬كلّ ىذا احتملو ىو ألنو كان موجهًا إذل جسده اػباص بو‪ .‬لقد تأدل دون أ ّن‬
‫‪228‬‬
‫يتأدل“‪.‬‬
‫‪ -6‬جسد المسيح مخلوق‬
‫تجسد الكلمة من العذراء‬
‫موجودا قبل ّ‬
‫ً‬ ‫ضا القديس أثناسيوس أن ناسوت ربنا يسوع المسيح كان‬
‫وقد أنكر أي ً‬
‫قائبل‪:‬‬
‫القديسة‪ .‬وكتب ً‬
‫”كلهم سوف يدينون أنفسهم حبق‪ ،‬أولئك الذين ظنوا أن اعبسد الذي أُخذ من مرصل كان موجودًا‬
‫حٌب قبل‬
‫قبلها‪ ،‬وان الكلمة كانت لو نفس بشرية قبلها (مرصل)‪ ،‬كان كائنًا فيها (النفس البشرية) دائمًا ّ‬
‫‪229‬‬
‫ؾبيئو“‪.‬‬

‫‪ 225‬جتسد الابن اًوحِد‪ .‬مرحؽ سابق‪ .‬فلرٍ ‪.32‬‬


‫‪ً 226‬ـود اًلدٌس نريًس إىل ذات اًـدارة مرة أخرى‪ :‬حـهل واحدً ا مؽ الُوثَ “ًَؤند ّأن الاحتاد اتم واكمي ّ‬
‫حّت ّأن ابن اإلوسان ميىٌَ ّأن ًلول اهين ىزًت من فوق أو من اًسٌلء‪ ،‬ألن‬
‫املخددث ُو ٌسوع املس َح اًواحد اذي ميىٌَ ّأن ًوضف هفسَ–هواحد غري مٌلس – هسٌليئ وابن هللا وابن اإلوسان‪.‬‬
‫‪ 227‬جتسد الابن اًوحِد‪ .‬مرحؽ سابق‪ .‬فلرٍ ‪.32‬‬
‫‪228‬املرحؽ اًسابق‪ .‬فلرٍ ‪.39‬‬
‫‪ 9‬هفس اًشاُد اًسابق‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫‪ -6‬الجسد خلص من وقت الحبل بو‬


‫ومن ناحية أخرى فقد شرح القديس أثناسيوس كيف أن جسد ربنا يسوع المسيح تمجد فوق خصائصو الخاصة‬
‫التي للطبيعة‪ .‬وكتب يقول‪:‬‬
‫” ولكن دبا أن اعبسد ُب نفسو ىو من طبيعة مائتة‪ ،‬فقد قام مرة أخرى بواسطة ما يفوق طبيعتو اػباصة‬
‫بسبب الكلمة الذي كان فيو؛ وقُطع عن الفساد الطبيعى‪ ،‬وبلبسو الكلمة الذي ىو فوق اإلنسان‪،‬‬
‫‪230‬‬
‫صار غّب قابل للفساد“‪.‬‬
‫‪ -2‬لقب والدة اإللو‬
‫توجد نقطة ىامة أثارت القديس كيرلس عندما أتت إليو جماعة من الرىبان بمناسبة عيد القيامة لسنة ‪829‬م‬
‫وعرضوا عليو موضوع عظات نسطوريوس والٍب ىاجم فيها تلقيب مرصل العذراء بـ " والدة اإللو "‪ ،‬وعندئذ إنتهز القديس‬
‫ىي "والدة اإللو"‬
‫ؿبذرا إياىم من قبول التعاليم الٍب تنكر أن العذراء مرصل َ‬
‫مطوال ً‬
‫كّبلس الفرصة وكتب ؽبم خطابًا عقائديًا ً‬
‫مستندا إذل تعاليم الكتاب اؼبقدس وتعاليم اَّمع اؼبقدس العظيم لكي يربىن‬
‫ً‬ ‫ٍبّ شرح ؽبم ُب ىذه الرسالة عملية التجسد‬
‫لودا من العذراء مرصل ولذلك تلقب العذراء"بوالدة اإللو"‪ .‬وىذا ال يعِب‬
‫جسدا مو ً‬
‫ذبسد كلمة اهلل وكيف أنو صار ً‬‫ؽبم على ّ‬
‫ىي أم الكلمة اؼبتجسد‪.‬‬
‫ىي مصدر وأصل الكلمة بل َ‬ ‫أن مرصل َ‬
‫لكن ؼباذا أَصار القديس كّبلس على استخدام لقب "والدة اإللو"؟‬
‫إن نسطوريوس أراد التمييز والفصل بْب الطبيعتْب لذلك كان يرفض عملية االرباد بْب الطبيعتْب واستخدم ُب ذلك‬
‫الكلمة اليونانية (سينافيا) والٍب تعِب االتصال أو االقَبان‪ ،‬ولذلك أراد أن يُلقب العذراء مرصل " بأم اؼبسيح " أو " أم‬
‫اإلن سان "‪ .‬وُب ىذا أراد نسطور أن يعلم بأن مرصل دل تلد اهلل بل ولدت اإلنسان الذي حل فيو الكلمة‪ ،‬وىنا نبلحظ‬
‫فصل تام بْب الطبيعتْب‪ .‬لذلك كتب لو القديس كّبلس اآلٌب‪:‬‬
‫”‪..‬فرغم أن لو (أي الكلمة) وجودًا قبل الدىور وقد وُلد من اآلب‪ ،‬فإنو يُقال أيضًا أنو وُلد حسب‬
‫الجسد من امرأة‪،‬‬
‫كما أن طبيعتو اإلؽبية ال ربتاج لنفسها بالضرورة إذل والدة أخري بعد الوالدة من اآلب‪ .‬إن القول بأن‬
‫ذلك الذي ىو موجود قبل كلّ الدىور وىو أزرل مع اآلب‪ ،‬وبتاج إذل بداية ثانية لكي يوجد‪ ،‬إمبا ىو‬
‫أمر ببل غاية وُب نفس الوقت ىو قول أضبق‪.‬‬
‫ولكن حيث إنو من أجلنا ومن أجل خبلصنا اوحد الطبيعة البشرية بنفسو أقنوميًا‪ ،‬وولد من امرأة‪ ،‬فإنو‬
‫ُّذه الطريقة يُقال أنو قد وُلد جسديًا‪،‬‬
‫أوال إنسانًا عاديًا من العذراء القديسة ٍبّ بعد ذلك حل عليو الكلمة‪،‬‬
‫ألنو دل يولد ً‬
‫‪230‬‬
‫‪Ibid. par. 10, p. 574.‬‬

‫‪91‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫بل إذ قد اتحد بالجسد الذي من أحشائها‪ ،‬فيُقال أن الكلمة قد قَِبلَ الوالدة الجسدية‪ ،‬لكي‬
‫يُنسب إلى نفسو والدة جسده الخاص‪..‬‬
‫إنو اتخذ دمًا ولحمًا مثلنا‪ ،‬إنو جعل جسدنا خاصًا بو‪ ،‬وولد إنسانًا من امرأة بدون أن يفقد الىوتو‬
‫وال كونو مولودًا من اهلل اآلب‪ ،‬ولكن في اتخاذه جس ًدا ظل كما ىو‪..‬‬
‫وىكذا قبد أن اآلباء القديسْب قد فكروا ُّذه الطريقة‪ .‬وىكذا دل يَبدّدوا كثّباً ُب تسمية العذراء‬
‫القديسة بوالدة اإللو“‪.‬‬
‫القديس كّبلس ُب استخدامو للقب " والدة اإللو " للقديسة مرصل العذراء يؤٍّكد أن ىذا التعبير ُمنح لها بسبب إتحاد‬
‫الالىوت بالناسوت في بطنها‪ .‬وإن رفض ىذا التعبّب ىو ىدم لسر التجسد ففى رسالتو إذل رىبان مصر يكتب ً‬
‫قائبل‪:‬‬
‫”وعلى ذلك فإن اسم اؼبسيح هبب أن يُطلق ليس فقط وبوجو خاص على عمانوئيل كما قلت بل‬
‫أيضًا على كلّ الباقْب الذين يبسحون بنعمة الروح القدس‪ ...‬ما ىو إذن الذي يراه أحد أمراً غّب عادى‬
‫حٌب ولو قيل أهنا ولدت عمانوئيل‪ ،‬ألنو لن يكون أمرًا‬
‫ُب العذراء القديسة باؼبقارنة بالنساء األخريات‪ّ ،‬‬
‫غير الئق إن أختار أحد أن يدعو والدة كلّ واحد من الممسوحين باسم‪" :‬والدة المسيح"‪.‬‬
‫ولكـنو توجد ىوة كبيرة واختالفات ال تقارن تفصل بين حالتنا وبين مجد وتفوق مخلصنا‪ .‬ألننا‬
‫حٌب وإن كان ـ قد صار معنا وأخذ مالنا حبسب تدبّب‬‫ب وإلو‪ّ ،‬‬ ‫نحن عبيده أما ىو فحسب الطبيعة رّ ّ‬
‫(التجسد)‪ ...‬وعلى ذلك فإن صبيع اآلخرين‪ ،‬كما قلت‪ ،‬ىم مسحاء‪ ،‬وىذا معقول جدًا‪ ،‬بسبب أهنم‬
‫قد مُسحوا‪ ،‬أما اؼبسيح وحده فهو اإللو اغبقيقى‪ ،‬عمانوئيل‪ .‬وُب اغبقيقة فإن أحدًا ال ىبطئ إن اختار‬
‫أن يقول إ ّن أمهات اآلخرين ىم " والدات مسيح "‪ ،‬ولكن ليسوا بأى حال "والدات إلو" أيضًا‪ .‬إن‬
‫العذراء القديسة وحدىا‪ ،‬باؼبقابلة مع أولئك النساء‪ ،‬ىيَ ـ كما ندركها وندعوىا والدة اؼبسيح ووالدة‬
‫اإللو معًا‪ .‬ألهنا دل تلد ؾبرد إنسان بسيط مثلنا‪ ،‬بل باغبرى الكلمة الذي من اهلل اآلب‪ ،‬الذي ذبسّد‬
‫وتأنس‪ ،‬ألننا كبن أيضًا ندعى آؽبة حبسب النعمة‪ ،‬أما االبن فليس إؽباً على ىذا النحو‪ ،‬بل باغبرى ىو‬
‫حٌب وإن كان قد صار جسدًا“‪.‬‬ ‫إلو بالطبيعة وباغبق‪ّ ،‬‬
‫ولكي يشرح القديس كّبلس مفهوم لقب " والدة اإللو " ؼبرصل العذراء يقول‪:‬‬
‫”‪..‬ومع ذلك فحٌب لو كانت ىؤالء النساء ىن فقط أمهات لؤلجساد الٍب على األرض‪ ،‬إالّ أهنن‬
‫يلدن الكائن اغبي كلو‪ ،‬وأنا أعِب كائنًا مكونًا من جسد ونفس‪ ،‬وال يُقال عنهن أهنن يلدن جزءً من‬
‫الكائن‪ ..‬وعلى ذلك فإنو من الواضح حقًا أن الكلمة ال يُدعي اؼبسيح خارجًا عن اعبسد‪ ،‬وكما لو‬
‫منفصبل عنو‪ .‬إن مثل ىذا االسم ىو مناسب لو حينما صار إنسانًا‪ ،‬ويبكننا أن نربىن على ذلك‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫من الكتب اؼبقدّسة نفسها‪ ،‬فنبْب أنو ىو اهلل حسب الطبيعة‪ ،‬وأن الىوتو قد اربد‪ ،‬كما قلت جبسده‬
‫ُ‬
‫اػباص‪ ،‬وحينما تصّب ىذه اغبقيقة واضحة‪ ،‬فإن العذراء القديسة تُدعي منا والدة اإللو“‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫لقد ُوجهت اعَباضا ت للقديس كّبلس على سبسكو الشديد بلقب " والدة اإللو " للعذراء مرصل‪ ،‬حيث إنو دل يذكر‬
‫صراحة ُب الكتاب اؼبقدس وال ُب قانون ؾبمع نيقية‪ .‬ولكن اؼبعلم اغباذق اؼبلهم من اهلل استطاع أن يتغلب على ىذه‬
‫ُ‬
‫إذل" (لؤ‪)ٖٗ:‬‬
‫الصعوبات باقتباسو من الكتاب اؼبقدس قول اليصابات للعذراء مرصل‪" :‬فمن أين رل ىذا أن تأٌب أم ريب ا‬
‫جسدا"‪ ،‬قال بإ ّن الكلمة حل ُب بطن القديسة مرصل العذراء وىي الٍب ولدت‬ ‫وكذلك ُب شرحو ؼبفهوم "الكلمة صار ً‬
‫الكلمة الذي كان ُب أحشائها‪ .‬كما أن القديس كّبلس اعَبف بأن قانون إيبان نيقية دل يذكر إطبلقًا " والدة اإللو " ؼبرصل‬
‫دائما ىذا اللقب ؼبرصل‬
‫العذراء ولكنو اعتمد على أقوال معلميو السابقْب من آباء مدرسة األسكندرية الذين كانوا ينسبون ً‬
‫العذراء أمثال أورهبينوس ُب تفسّبه لرسالة بولس الرسول ألىل رومية‪ ،‬البابا ألكسندروس رئيس أساقفة األسكندرية‪،‬‬
‫القديس أثناسيوس الرسورل ُب الرد على اآلريوسيّة‪.‬‬
‫إن تشديد القديس كّبلس على إرباد الطبيعتْب ُب اؼبسيح الواحد يوضح لنا فهمو الصحيح لتجسد االبن الوحيد ألنو‬
‫روحي فائق‪:‬‬
‫من خبلل ىذه الوحدة يقول القديس كّبلس دبفهوم ّ‬
‫”إلنّو كواحد منّا رغم أنّو دل يعرف اؼبوت‪ ،‬نزل إذل اؼبوت‪ ،‬بواسطة جسده اػباص‪ ،‬لكي نصعد كبن‬
‫أيضًا معو إذل اغبياة‪ .‬ألنّو عاد إذل اغبياة ثانية‪ ،‬سالبًا اعبحيم‪ ،‬ليس كإنسان منّا‪ ،‬بل كاإللو ُب اعبسد‬
‫أوال‪ ،‬وسُ ِحق اؼبوت حتمًا حينما ىجم العدو على‬ ‫بيننا وفوقنا‪ .‬إ ّن طبيعتنا اغتنت جدًّا باػبلود‪ ،‬فيو ىو ً‬
‫جسد اغبياة‪ .‬إلنّو كما أ ّن اؼبوت قد انتصر ُب آدم ىكذا أيضًا قد اهنزم ُب اؼبسيح‪ .‬واؼبرزل اؼبوحى لو‪،‬‬
‫كرس ترانيم النصر لو ُب صعوده غبسابنا وألجلنا‪ ،‬إذل اهلل اآلب ُب السموات‪ ،‬لكي تظهر السماء أ ّهنا‬
‫يبكن الوصول إليها بالنسبة ألولئك الذين على األرض“‪.‬‬
‫كل طقوس الكنيسة‬
‫ترددىا ُب ّ‬
‫ىي تسابيح الكنيسة القبطية الٍب ّ‬
‫ب يسوع َ‬
‫الر ّ‬
‫لقد صارت تعاليم القديس كّبلس عن ّ‬
‫وليتورجياهتا إذل مدى األجيال‪.‬‬

‫‪ -4‬مفهوم اتحاد الطبائع‬


‫والسؤال اآلن ىو‪ :‬كيف شرح القديس كّبلس عملية االرباد بْب الطبيعتْب؟‬
‫اإلجابة على ىذا السؤال توجد ُب رسالة القديس كّبلس إذل سوكينسوس أسقف ديو قيصرية حيث يوضح أن عملية‬
‫االرباد سبّت بْب البلىوت والناسوت ُب غبظة اغببل اإلؽبي‪ ،‬دبعُب أن كلمة اهلل اربد باعبنْب الذي تكون ُب بطن العذراء‬
‫القديسة مرصل‪ .‬وإن ىذا اعبنْب الذي سيصبح جسد اؼبسيح اػباص (حبسب تعبّب القديس كّبلس) دل يوجد بأى طريقة‬
‫جسدا ُب بطن العذراء مرصل ودل يصنع لو‬
‫منفصبل عن الكلمة (اللوغوس)‪ .‬فالكلمة ىيأ لو ً‬
‫ً‬ ‫منفردا أو‬
‫وحيدا ً‬
‫من الطرق ً‬
‫جسدا من جوىر الىوتو أو من مادة أخرى زبتلف عن اؼبادة الٍب يتكون منها اعبنس البشرى‪.‬‬
‫خاصا أو ىيأ لو ً‬
‫جسدا ً‬
‫ً‬
‫بل إن جسده الذي أخذه من بطن أمو العذراء مرصل أصبح جسد الكلمة اؼبتجسد‪ .‬وبناء على ذلك يقول القديس كّبلس‬
‫إن الذي ُولد من القديسة مرصل العذراء‪ ،‬ليس إنسانًا عاديًا‪ ،‬بل كلمة اهلل اؼبتأنس ألن الذي ُولد من القديسة العذراء مرصل‬

‫‪92‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫حل عليو بعد ذلك الكلمة‪ ،‬لكن بسبب ارباده منذ اغببل بو لذلك ولِ َد والدة جسدية‪ .‬وُب‬ ‫أوال إنسانًا عاديًا ٍبّ ّ‬
‫دل يكن ً‬
‫ىذا يقول القديس كّبلس ُب رسالتو إذل يوحنا األنطاكي‪:‬‬
‫ب واحد‪ .‬وحبسب ىذا الفهم لبلرباد بدون اختبلط‬‫”‪..‬ألجل ىذا نعَبف دبسيح واحد‪ ،‬ابن واحد‪ ،‬رّ ّ‬
‫نعَبف بأن العذراء القديسة ىيَ والدة اإللو‪ ،‬ألن اهلل الكلمة قد ذبسّد وتأنس‪ ،‬ومنذ ذات اغبمل بو‬
‫وحّدَ اؽبيكل الذي أخذه منها‪ ،‬مع ذاتو“‪.‬‬
‫فعبل بْب الطبيعتْب برغم اختبلفهما ُب اعبوىر قال‪ :‬إن الطبيعتْب اللتْب‬
‫يبْب القديس كّبلس أ ّن االرباد قد ًبّ ً‬
‫ولكي ّ‬
‫اقَببتا لتكوين وحدة حقيقية‪ ،‬ـبتلفتان ولكن من االثنْب نتج ابن واحد ومسيح واحد‪ .‬وىذا ال يعِب أن الفرق بْب‬
‫الطبيعتْب قد زال أو تبلشى بسبب االرباد‪ .‬وُب رسالتو إذل يوحنا األنطاكي كتب يقول‪:‬‬
‫”ولذلك فإنّنا نعَبف أن ربنا يسوع اؼبسيح‪ ،‬ابن اهلل‪ ،‬الوحيد‪ ،‬ىو إلو كامل وإنسان كامل ذو نفس‬
‫عاقلة وجسد‪ ،‬وىو مولود من اآلب قبل الدىور حبسب الىوتو‪ ،‬وإنو ىو نفسو ُب األيام األخّبة من‬
‫أجلنا ومن أجل خبلصنا وُلد من مرصل العذراء حبسب الناسوت‪ ،‬وىو نفسو‪ ،‬من اعبوىر نفسو الذي‬
‫لآلب‪ ،‬حسب الىوتو‪ ،‬ومن نفس اعبوىر الذي لنا حبسب ناسوتو‪ .‬ألنو قد حدث ارباد بْب‬
‫الطبيعتْب‪ .‬ألجل ىذا نعَبف دبسيح واحد ابن واحد‪ ،‬ورب واحد“‪.‬‬
‫اؼببلحظ ىنا أن القديس كّبلس استخدم تعبّب اؼبساواة ُب اعبوىر لآلب‪ .‬واؼبساواة ُب اعبوىر لنا بالنسبة لطبيعتو‬
‫البشرية‪ ،‬وقد سبقو ُب ىذا االستخدام العبلمة ديديبوس الضرير الذي ُرّدبا يكون كّبلس قد قرا لو‪ ،‬حيث إن ديديبوس‬
‫كان ساب ًقا لكّبلس ُب إيضاح مفهوم االرباد بْب الطبيعتْب ُب اؼبسيح يسوع‪.‬‬
‫وق ــد استخ ــدم الق ــديس ك ــّبلس االص ــطبلح االرب ــاد (إنوس ــيس) لك ــي يش ــرح مفه ــوم الوح ــدة ب ــْب الطبيعت ــْب ل ــن ى ــذا‬
‫االصطبلح يعِب اآلٌب‪:‬‬
‫عرب عن وجود عبلقة خارجية عن طريق سكن الكلمة ُب الناسوت‪ ،‬أو ؾبرد لبس ثوب‪ ،‬أو السكن ُب ىيكل‪،‬‬ ‫ٔ ـ ال يُ ّ‬
‫كل وصف وإدراك‪ ،‬وىذا االرباد ال‬
‫إربادا قويًا عمي ًقا بطريقة تفوق ّ‬
‫يعرب ىذا االصطبلح عن إرباد الكلمة باعبسد ً‬ ‫بل ّ‬
‫كل ملء البلىوت جسديًا (كوٕ‪.)ٜ:‬‬ ‫وبل ّ‬
‫جسدا‪ ،‬فإنو فيو ّ‬
‫يعرف الفصل أو التقسيم‪ ،‬ألن الكلمة صار ً‬
‫تعبّبا‬
‫ٕ ـ ىذا االصطبلح يعِب أن ىذه الوحدة الٍب سبت بْب الطبيعتْب‪ ،‬كانت قوية وعميقة لدرجة أنو استخدم ً‬
‫ستعارا ُرّدبا من أثناسيوس "طبيعة واحدة لكلمة اهلل اؼبتجسد "‪.‬‬
‫ُم ً‬
‫ٖ ـ االصطبلح " إنوسيس" يعِب أن الكلمة دل يتحول إذل جسد‪ ،‬بل إنو إربد باعبسد الذي ال يبكن أن ينفصل عنو‬
‫بعد االرباد‪.‬‬
‫أيضا عدم االندماج أو االختبلط أو االمتزاج بْب الطبائع اؼبتحدة‪ .‬فبالرغم من ىذا االرباد القوى‬
‫ٗ ـ االصطبلح يعِب ً‬
‫جسدا‪.‬‬
‫فإن الكلمة يظل كلمة واعبسد يظل ً‬
‫يوضح القديس كّبلس عملية االرباد بْب الطبيعتْب قدام ؾبموعة من األمثلة كالتارل‪:‬‬
‫ولكي ٍّ‬

‫‪93‬‬
‫أفسس وخلقيدووية‬

‫أ ـ مثل الروح واعبسد‪.‬‬


‫ب ـ مثل العليقة اؼبشتعلة بالنار‪.‬‬
‫ج ـ صبرة النيب إشعياء‪.‬‬
‫د ـ النار واغبديد‪.‬‬
‫ىـ ـ تابوت العهد‪.‬‬

‫‪94‬‬

You might also like