Professional Documents
Culture Documents
شكراً لعنجهيتكم ولغبائكم
شكراً لعنجهيتكم ولغبائكم
2019
كنا قد يئسنا طيلة السنوات التي أعقبت الغزو األمريكي للعراق من أن ينصلح حال العراق
وأن يصحو العراقيون من نومة تم فرضها عليهم بنسبة النصف فيما تطوعوا هم لتقبلها
وتغول
ّ بذاتهم في النصف اآلخر .طيلة السنوات الماضية ونحن نتجرع المر مع تمدد
السرطان الفارسي في الجسد الشيعي العراقي وهو يخنق كل عروق الخير فيه واألصالة
العربية وال نجد أذنا ً صاغية وال عنوانا ً " شيعياً" ّ
يقر في أحسن األحوال بإجرام السلطة
وأحزابها الفارسية هذه ،كل ما كنا نسمعه ونقرأه كان تبريرات متهالكة ومعاضدة لكل أعمال
القتل والنهب والتخريب بحجة كذا وكذا .وليس الجمهور السنّي بمنأى من هذا اللوم ففيه من
السفلة الكثير مما يضم شيوخ عشائر ورجال دين كما يسمونهم وسياسيين هم ليس أكثر من
محامين ركبوا الموجة واللعبة الديمقراطية هذه فهم األشد ترجيحا ً للتعامل مع النصوص
القانونية وفقرات الدستور والخوض بتناقضات الدستور المسخ هذا ،لكن من تولّى كبر هذا
اإلفك والخيانة كان شيعيا ً بمجمله دون أدنى شك.
لقد تم إستدراج الجمهور البسيط من أتباع المذهب الجعفري( أشير إليه هنا بالشيعي وأنا
أعرف أن التسمية األولى هي األصح ،لكن كذا جرت األمور في عراق الطوائف الجديد القديم
وهكذا أريد لها من قبل الكبار الذين كل شئ فيهم هو صغير وحقير) لينضم للموجة ويرحب
بالتغيير عبر التركيز على األخطاء (المعتادة وتلك القاتلة) للنظام السابق( وهي كثيرة دون
شك لكن ما شهده العراق على يد النظام الجديد هو أشد تخريبا ً وحرقا ً للعراق من تلك
األخطاء وبآالف المرات) .تم فتح المصالح والتسهيالت للجمهور بمبتدأ األمر على نفس
المنوال الذي وفقه إستبيحت شوارع كربالء والنجف للزائرين وبشكل فوضوي قرصن حياة
أهالي هذه المدن طيلة هذه السنوات فأصبحت األرصفة ملكا ً لمن يزعم ملكيتها والزائرين
يخربون الساحات العامة ويتملكون أرصفة البيوت بالقوة وبتهديد العشائر والسالح
الشخصي السائب ..شهدت أنا من الناس بيوت مدينة الثورة الضيقة تلك تستهلك من المياه
ما يفوق إستهالك عشرة بيوت من بيوت العرصات والمنصور وذلك ضمن غسيل السيارات
على الرصيف الذي أصبح مهنة شائعة تنثر الوحول والدهون على الشوارع دون إكتراث وال
حساب من وزارة البيئة أو أمانة العاصمة .تبذير بكل شئ ومن ضمن ذلك نعمة الماء الغالية
العزيزة ،كما لو كانت بغداد تعاني من تخمة بمياه دجلة! بيوت حكومية ومباني ومعسكرات
تم تركها لكل متجاوز ومن ثم صير لطردهم منها بعد أن إنتهت اللعبة ولم يعد هناك من لزوم
لغسيل األدغة الجماعي ذاك ،فقد طال المكوث واقتنع الساكنون أنها اصبحت ملكا ً لهم لذا لزم
طردهم بالقوة ،إنقلب السحر على الساحر إذ تسبب بفتح عيون الناس بعد فترة عمى وقتي.
الجمهور الذي تم تخديره فأصبح يلعن صدام حسين وحزب البعث ليل نهار على حياة
التضييق التي مرت وقت كان كل شئ ممنوعا ً إنتبه أخيرا ً لما تم حجبه عنه ،وبين الممنوع
التعسفي والمسموح غير المحدود تربض فسحة يسمونها المنطق والعقالنية ،عين ما
توصلت إليه الدول األخرى واستقرت أمورها اإلجتماعية عليه .بالنهاية ،وصل األمر لمنتهاه
في نهاية المطاف ووصل الوضع لحالة التشبع المعهودة وقت يتراصف عشرين مصلح
إطارات (بنجرجي) في شارع قصير فينحسر دخل كل منهم عما كان يتأمل تحصيله بفعل
المنافسة الشديدة وعدم التخطيط ،إنها الفوضوية التي بدأ العراق يعمل وفقها منذ التسعين
تلك تحديدا ً ومن ثم تزايدت وتيرتها وصوال ً لليوم هذا فأصبح المواطن يتولى تدبر الكهرباء
بجزئها األكبر وليس على الدولة سوى سويعات من كل يوم لكنه يسمع بآالف المليارات
تهدر وتنهب تحت مسمى إنعاش محطات التوليد وخطوط نقل القدرة وفي حقيقة األمر فاللعبة
غيرانية صرفة ال يستقيم معها إحياء موت الكهرباء كي يستمر نهب أموال العراق عبر
أمر بفرض عمل تزويده بالكهرباء وبالغاز ،ومن ثم شهدنا الماء يتحول لعزيز آخر والقادم ّ
سد (اليسو) التركي وسدود إيران المتعددة والتي ستتولى كلها قتل العراق وزراعته عطشا ً ،
التعليم وفرض العدالة وتحصيل الحقوق أصبح مسؤولية المواطن ومثلها حماية ممتلكاته من
السراق إذ ال دور للشرطة كالسابق ،أما تعامالت الوزارات في المجاالت الخدمية فقد توالها
المواطن كلها بحيث أصبح الموظف المسؤول عن إصدار الجنسية أو إجازة السياقة أو
تسجيل السيارة المانيفست( وبقية أشكال الخدمات) يتولى إعالته جمهور المراجعين عبر
الرشى والخاوات ،هذه هي نظرية األناركي أو الفوضوية فما الداع لحكومة وبرلمان وجيش
ووزارات؟ يسقط أي نظام يسلك هذا السلوك مهما طالت فترة إحتضاره ،لكن في حالة
موضوعنا فهو التناقض بين مستوى الوعود وواقع عدم التنفيذ ،بين حالة العراقي البسيط
من الحرفيين وصغار الموظفين وحالة جاره المنخرط بأحزاب إيران وشركاء تلك األحزاب
من المشاركين بالعملية السياسية إذ يمكن لعراقي بسيط يعمل ببيع المشويات في سوق
السنك أن يعود لبيته كل يوم وبجيبه ما كان يجنيه بنصف شهر قبالً ،لكن عندما يقارن حاله
بحثالة بشرية من معارفه وجيرانه يعمل كمجرد حارس لمخازن حكومية كمخازن ( 7
نيسان) على طريق القناة فينتفع من مؤامرات اللصوص الكبار ليثري بتعداد المليارين
والثالثة فهو سيشعر بالفقر الذي أسميه بالفقر النسبي ،إنه ليس الشعور بفارق المدخوالت
الهائل ،إنه الشعور بالتقزم قبالة أقزام ،اإلدراك لما يفعله الباطل من "هوايل" كما يقول
المصريون ،أنت تسعى لشراء قطعة أرض في منطقة بائسة ببغداد ويفاجئك جارك بأنه قد
إمتلك 3قصور بالمنصور وهو بصدد نقل عائلته لمستوى سامي يجعل عائالتك تبدو كعائلة
شحاذين مطرودين عند أبواب أولئك ،هذه وحدها تجعلك تبصق على مدخولك وأنت ترى
نفسك مضلالً وأشبه بالحمار بين الثعالب في غابة العراق الحديث هذه ..الحياة ليست طبق
طعام وقرص خبز وملعقة ،هناك الدواء وهناك التعليم وهناك الضمان اإلجتماعي المفقود ،
وكل هذا يصطف قبالته واقع ال مجال للتشكيك بصدقية أخباره فيما يخص ثروات الحنازير
سود هللا وجه السعودية منالقابعين بالجادرية والمنطقة الخضراء وزباالت معسكر رفحا ( ّ
يومها على ما أجرمت به من حيث إستبقت واستحيت أولئك الجرابيع وأوصلتهم ألميركا
وأوروبا بدل تسليمهم لصدام حسين) ،كيف يمكن لعراقي يكدح طيلة النهار أن يتقبل أن
يستلم أولئك الخونة عشرات الماليين لكل منهم وأفراد عوائلهم وحتى نهاية آجالهم ،وكله
بدعم زبانية المنطقة الخضراء وأصحاب العمامات من قوادي المذهب؟ هذه الجزئية وحدها
تجعل من ال يخرج بصدره العاري للشارع أكبر حمار وفق مقولة عمر بن الخطاب تلك!
ليست المدخوالت وحدها هي ما أحكي عنه بل القوة والسلطان والنفوذ غير المحدود الذي
أصبح حكرا ً على فالن وليس على الباقين فقد تكونت طبقات من العراقيين الذين أثروابفحش
بفعل التواطؤ واإلنتهازية والخيانة للوطن وللذمة والضمير تركت الباقين تحتها وليس
أن كثيرا ً من
خلفها فهو سباق" عمودي" نحو األعالي وليس " أفقياً" صوب األفق .أنا أرى ّ
أن كل ما سمعوه منذ 2003من ألسنة وأفواه من هؤالء الشباب المنتفضين إنتبهوا لحقيقة ّ
درجوا على وسمهم بمسميات " سنة ،بعثيين ،شيعة علمانيين،دواعش ،وهابيين" ....،
وبالتالي إعتادوا على تسفيهه واإلستهزاء به تبين أنه صحيح مائة بالمائة ..ليس الموضوع
موضع سنة وال بعث ،إنه موضوع (بياض) إصطف قبالة (سواد حالك) و (صواب) تجافى
مع (باطل ليس فيه ذرة خير) ،تناقض صريح مريع ال يأبى إدراكه إال الغبي المطبق الغباء أو
مر بأدوار إستحالة تدريجية ووصل به الحال من قبل الخائن المتواطئ مع الشيطان الذي ّ
دخول داعش للموصل أنه لم يعد يكتفي بالمليارات من الدوالرات ،ال ولن يتوقف عن
إمتصاص دم العراق ،وال هو أقل تصميما ً من الغازي األمريكي أو البريطاني على قتل من
يعترض عليه ،شيعيا ً كان أو سنيا ً ،ال يعنيه هذا بشئ فهو مصمم على خنقك ببطء ،وإن
إعترضت فهي إطالقة سيودعها بجمجمتك كما أودعها بجسد كل من صحى من الغفلة قبلك
وإعترض .ونحن كنا نسمع قبالً عبارة ( بالنهاية ال يصح إال الصحيح) ولم نكن نتصور
عتوه وتسلطه بينما الحق غائب غيبة المهدي كيفية حصولها ونحن نرى الباطل في قمة ّ
طيلة عقود عشناها ،فكيف لما هو غير محسوس وال يمتلك فاعلية أو قدرة الفعل أن ينجز ما
تعجز عنه شعوب برمتها؟ اليوم وجدنا تمثيالً واقعيا ً لمعاني هذه المقولة وآلية كريمة
ي من الميت ،"..لقد خرجت الثورة العراقية على يد أقارب وأبناء مشهورة تقول " يخرج الح ّ
عشائر وهويات تعود لنفس أوالد الزانيات الذين قتلوا العراق وجعلوه يركع على ركبتيه
قبالة الصنم الفارسي البغيض الذي يتهاوى من داخله منذ سنوات!
لكن تبقى هذه العبارة :شكرا ً إذ لم تنتبهوا للرمل المتهاوي في ساعتكم الرملية وهو يعلن
اإليذان بإعادتكم للسبتتنكَات التي خرجتم منها في غفلة من الزمن ..شكرا ً لكم يا أوالد
الزانيات من عصائب وحكمة ودعوة وفضيلة أنتم وكل من تحالف معكم وشارككم بإجتماع
مشترك أو إبتسامة أو وليمة ،شكرا ً لكم يا كهنة المراقد من آكلي السحت الحرام ومتحالفين
مع السلطة المجرمة إذ غفلتم عن الفارق الكبير بين نفوسكم المريضة التي ال تعرف الشعور
بالكرامة ونفوس هؤالء الشباب المصممين على إسقاطكم بكل ثمن كان ،لقد فعلتم ما كان
يلزم فعله إذ أصميتم آذانكم وحجبتم أنظاركم عن مطالب الشارع كل هذه السنوات فحرمتم
هؤالء الشباب من أدنى فرص العمل والعيش الشريف ..لقد فتحتم بصيرتهم ليدركوا حقيقتكم
فوفرتم المشوار علينا واختصرتم الزمن ،لو كنتم تعلمون.