You are on page 1of 4

‫كتابات أبو الحق‬

‫سادس وعشرون من عاشر‬

‫‪2019‬‬

‫شكرا ً لعنجهيتكم ولغبائكم‬

‫كنا قد يئسنا طيلة السنوات التي أعقبت الغزو األمريكي للعراق من أن ينصلح حال العراق‬
‫وأن يصحو العراقيون من نومة تم فرضها عليهم بنسبة النصف فيما تطوعوا هم لتقبلها‬
‫وتغول‬
‫ّ‬ ‫بذاتهم في النصف اآلخر‪ .‬طيلة السنوات الماضية ونحن نتجرع المر مع تمدد‬
‫السرطان الفارسي في الجسد الشيعي العراقي وهو يخنق كل عروق الخير فيه واألصالة‬
‫العربية وال نجد أذنا ً صاغية وال عنوانا ً " شيعياً" ّ‬
‫يقر في أحسن األحوال بإجرام السلطة‬
‫وأحزابها الفارسية هذه‪ ،‬كل ما كنا نسمعه ونقرأه كان تبريرات متهالكة ومعاضدة لكل أعمال‬
‫القتل والنهب والتخريب بحجة كذا وكذا‪ .‬وليس الجمهور السنّي بمنأى من هذا اللوم ففيه من‬
‫السفلة الكثير مما يضم شيوخ عشائر ورجال دين كما يسمونهم وسياسيين هم ليس أكثر من‬
‫محامين ركبوا الموجة واللعبة الديمقراطية هذه فهم األشد ترجيحا ً للتعامل مع النصوص‬
‫القانونية وفقرات الدستور والخوض بتناقضات الدستور المسخ هذا‪ ،‬لكن من تولّى كبر هذا‬
‫اإلفك والخيانة كان شيعيا ً بمجمله دون أدنى شك‪.‬‬
‫لقد تم إستدراج الجمهور البسيط من أتباع المذهب الجعفري( أشير إليه هنا بالشيعي وأنا‬
‫أعرف أن التسمية األولى هي األصح‪ ،‬لكن كذا جرت األمور في عراق الطوائف الجديد القديم‬
‫وهكذا أريد لها من قبل الكبار الذين كل شئ فيهم هو صغير وحقير) لينضم للموجة ويرحب‬
‫بالتغيير عبر التركيز على األخطاء (المعتادة وتلك القاتلة) للنظام السابق( وهي كثيرة دون‬
‫شك لكن ما شهده العراق على يد النظام الجديد هو أشد تخريبا ً وحرقا ً للعراق من تلك‬
‫األخطاء وبآالف المرات)‪ .‬تم فتح المصالح والتسهيالت للجمهور بمبتدأ األمر على نفس‬
‫المنوال الذي وفقه إستبيحت شوارع كربالء والنجف للزائرين وبشكل فوضوي قرصن حياة‬
‫أهالي هذه المدن طيلة هذه السنوات فأصبحت األرصفة ملكا ً لمن يزعم ملكيتها والزائرين‬
‫يخربون الساحات العامة ويتملكون أرصفة البيوت بالقوة وبتهديد العشائر والسالح‬
‫الشخصي السائب‪ ..‬شهدت أنا من الناس بيوت مدينة الثورة الضيقة تلك تستهلك من المياه‬
‫ما يفوق إستهالك عشرة بيوت من بيوت العرصات والمنصور وذلك ضمن غسيل السيارات‬
‫على الرصيف الذي أصبح مهنة شائعة تنثر الوحول والدهون على الشوارع دون إكتراث وال‬
‫حساب من وزارة البيئة أو أمانة العاصمة‪ .‬تبذير بكل شئ ومن ضمن ذلك نعمة الماء الغالية‬
‫العزيزة‪ ،‬كما لو كانت بغداد تعاني من تخمة بمياه دجلة! بيوت حكومية ومباني ومعسكرات‬
‫تم تركها لكل متجاوز ومن ثم صير لطردهم منها بعد أن إنتهت اللعبة ولم يعد هناك من لزوم‬
‫لغسيل األدغة الجماعي ذاك‪ ،‬فقد طال المكوث واقتنع الساكنون أنها اصبحت ملكا ً لهم لذا لزم‬
‫طردهم بالقوة‪ ،‬إنقلب السحر على الساحر إذ تسبب بفتح عيون الناس بعد فترة عمى وقتي‪.‬‬
‫الجمهور الذي تم تخديره فأصبح يلعن صدام حسين وحزب البعث ليل نهار على حياة‬
‫التضييق التي مرت وقت كان كل شئ ممنوعا ً إنتبه أخيرا ً لما تم حجبه عنه‪ ،‬وبين الممنوع‬
‫التعسفي والمسموح غير المحدود تربض فسحة يسمونها المنطق والعقالنية‪ ،‬عين ما‬
‫توصلت إليه الدول األخرى واستقرت أمورها اإلجتماعية عليه‪ .‬بالنهاية‪ ،‬وصل األمر لمنتهاه‬
‫في نهاية المطاف ووصل الوضع لحالة التشبع المعهودة وقت يتراصف عشرين مصلح‬
‫إطارات (بنجرجي) في شارع قصير فينحسر دخل كل منهم عما كان يتأمل تحصيله بفعل‬
‫المنافسة الشديدة وعدم التخطيط‪ ،‬إنها الفوضوية التي بدأ العراق يعمل وفقها منذ التسعين‬
‫تلك تحديدا ً ومن ثم تزايدت وتيرتها وصوال ً لليوم هذا فأصبح المواطن يتولى تدبر الكهرباء‬
‫بجزئها األكبر وليس على الدولة سوى سويعات من كل يوم لكنه يسمع بآالف المليارات‬
‫تهدر وتنهب تحت مسمى إنعاش محطات التوليد وخطوط نقل القدرة وفي حقيقة األمر فاللعبة‬
‫غيرانية صرفة ال يستقيم معها إحياء موت الكهرباء كي يستمر نهب أموال العراق عبر‬
‫أمر بفرض عمل‬ ‫تزويده بالكهرباء وبالغاز‪ ،‬ومن ثم شهدنا الماء يتحول لعزيز آخر والقادم ّ‬
‫سد (اليسو) التركي وسدود إيران المتعددة والتي ستتولى كلها قتل العراق وزراعته عطشا ً ‪،‬‬
‫التعليم وفرض العدالة وتحصيل الحقوق أصبح مسؤولية المواطن ومثلها حماية ممتلكاته من‬
‫السراق إذ ال دور للشرطة كالسابق‪ ،‬أما تعامالت الوزارات في المجاالت الخدمية فقد توالها‬
‫المواطن كلها بحيث أصبح الموظف المسؤول عن إصدار الجنسية أو إجازة السياقة أو‬
‫تسجيل السيارة المانيفست( وبقية أشكال الخدمات) يتولى إعالته جمهور المراجعين عبر‬
‫الرشى والخاوات‪ ،‬هذه هي نظرية األناركي أو الفوضوية فما الداع لحكومة وبرلمان وجيش‬
‫ووزارات؟ يسقط أي نظام يسلك هذا السلوك مهما طالت فترة إحتضاره‪ ،‬لكن في حالة‬
‫موضوعنا فهو التناقض بين مستوى الوعود وواقع عدم التنفيذ ‪ ،‬بين حالة العراقي البسيط‬
‫من الحرفيين وصغار الموظفين وحالة جاره المنخرط بأحزاب إيران وشركاء تلك األحزاب‬
‫من المشاركين بالعملية السياسية إذ يمكن لعراقي بسيط يعمل ببيع المشويات في سوق‬
‫السنك أن يعود لبيته كل يوم وبجيبه ما كان يجنيه بنصف شهر قبالً‪ ،‬لكن عندما يقارن حاله‬
‫بحثالة بشرية من معارفه وجيرانه يعمل كمجرد حارس لمخازن حكومية كمخازن ( ‪7‬‬
‫نيسان) على طريق القناة فينتفع من مؤامرات اللصوص الكبار ليثري بتعداد المليارين‬
‫والثالثة فهو سيشعر بالفقر الذي أسميه بالفقر النسبي‪ ،‬إنه ليس الشعور بفارق المدخوالت‬
‫الهائل‪ ،‬إنه الشعور بالتقزم قبالة أقزام‪ ،‬اإلدراك لما يفعله الباطل من "هوايل" كما يقول‬
‫المصريون‪ ،‬أنت تسعى لشراء قطعة أرض في منطقة بائسة ببغداد ويفاجئك جارك بأنه قد‬
‫إمتلك ‪ 3‬قصور بالمنصور وهو بصدد نقل عائلته لمستوى سامي يجعل عائالتك تبدو كعائلة‬
‫شحاذين مطرودين عند أبواب أولئك‪ ،‬هذه وحدها تجعلك تبصق على مدخولك وأنت ترى‬
‫نفسك مضلالً وأشبه بالحمار بين الثعالب في غابة العراق الحديث هذه‪ ..‬الحياة ليست طبق‬
‫طعام وقرص خبز وملعقة‪ ،‬هناك الدواء وهناك التعليم وهناك الضمان اإلجتماعي المفقود ‪،‬‬
‫وكل هذا يصطف قبالته واقع ال مجال للتشكيك بصدقية أخباره فيما يخص ثروات الحنازير‬
‫سود هللا وجه السعودية من‬‫القابعين بالجادرية والمنطقة الخضراء وزباالت معسكر رفحا ( ّ‬
‫يومها على ما أجرمت به من حيث إستبقت واستحيت أولئك الجرابيع وأوصلتهم ألميركا‬
‫وأوروبا بدل تسليمهم لصدام حسين)‪ ،‬كيف يمكن لعراقي يكدح طيلة النهار أن يتقبل أن‬
‫يستلم أولئك الخونة عشرات الماليين لكل منهم وأفراد عوائلهم وحتى نهاية آجالهم ‪ ،‬وكله‬
‫بدعم زبانية المنطقة الخضراء وأصحاب العمامات من قوادي المذهب؟ هذه الجزئية وحدها‬
‫تجعل من ال يخرج بصدره العاري للشارع أكبر حمار وفق مقولة عمر بن الخطاب تلك!‬
‫ليست المدخوالت وحدها هي ما أحكي عنه بل القوة والسلطان والنفوذ غير المحدود الذي‬
‫أصبح حكرا ً على فالن وليس على الباقين فقد تكونت طبقات من العراقيين الذين أثروابفحش‬
‫بفعل التواطؤ واإلنتهازية والخيانة للوطن وللذمة والضمير تركت الباقين تحتها وليس‬
‫أن كثيرا ً من‬
‫خلفها فهو سباق" عمودي" نحو األعالي وليس " أفقياً" صوب األفق‪ .‬أنا أرى ّ‬
‫أن كل ما سمعوه منذ ‪ 2003‬من ألسنة وأفواه من‬ ‫هؤالء الشباب المنتفضين إنتبهوا لحقيقة ّ‬
‫درجوا على وسمهم بمسميات " سنة‪ ،‬بعثيين‪ ،‬شيعة علمانيين‪،‬دواعش‪ ،‬وهابيين‪" ....،‬‬
‫وبالتالي إعتادوا على تسفيهه واإلستهزاء به تبين أنه صحيح مائة بالمائة‪ ..‬ليس الموضوع‬
‫موضع سنة وال بعث‪ ،‬إنه موضوع (بياض) إصطف قبالة (سواد حالك) و (صواب) تجافى‬
‫مع (باطل ليس فيه ذرة خير)‪ ،‬تناقض صريح مريع ال يأبى إدراكه إال الغبي المطبق الغباء أو‬
‫مر بأدوار إستحالة تدريجية ووصل به الحال من قبل‬ ‫الخائن المتواطئ مع الشيطان الذي ّ‬
‫دخول داعش للموصل أنه لم يعد يكتفي بالمليارات من الدوالرات ‪،‬ال ولن يتوقف عن‬
‫إمتصاص دم العراق‪ ،‬وال هو أقل تصميما ً من الغازي األمريكي أو البريطاني على قتل من‬
‫يعترض عليه‪ ،‬شيعيا ً كان أو سنيا ً‪ ،‬ال يعنيه هذا بشئ فهو مصمم على خنقك ببطء‪ ،‬وإن‬
‫إعترضت فهي إطالقة سيودعها بجمجمتك كما أودعها بجسد كل من صحى من الغفلة قبلك‬
‫وإعترض‪ .‬ونحن كنا نسمع قبالً عبارة ( بالنهاية ال يصح إال الصحيح) ولم نكن نتصور‬
‫عتوه وتسلطه بينما الحق غائب غيبة المهدي‬ ‫كيفية حصولها ونحن نرى الباطل في قمة ّ‬
‫طيلة عقود عشناها‪ ،‬فكيف لما هو غير محسوس وال يمتلك فاعلية أو قدرة الفعل أن ينجز ما‬
‫تعجز عنه شعوب برمتها؟ اليوم وجدنا تمثيالً واقعيا ً لمعاني هذه المقولة وآلية كريمة‬
‫ي من الميت‪ ،"..‬لقد خرجت الثورة العراقية على يد أقارب وأبناء‬ ‫مشهورة تقول " يخرج الح ّ‬
‫عشائر وهويات تعود لنفس أوالد الزانيات الذين قتلوا العراق وجعلوه يركع على ركبتيه‬
‫قبالة الصنم الفارسي البغيض الذي يتهاوى من داخله منذ سنوات!‬
‫لكن تبقى هذه العبارة ‪ :‬شكرا ً إذ لم تنتبهوا للرمل المتهاوي في ساعتكم الرملية وهو يعلن‬
‫اإليذان بإعادتكم للسبتتنكَات التي خرجتم منها في غفلة من الزمن ‪ ..‬شكرا ً لكم يا أوالد‬
‫الزانيات من عصائب وحكمة ودعوة وفضيلة أنتم وكل من تحالف معكم وشارككم بإجتماع‬
‫مشترك أو إبتسامة أو وليمة‪ ،‬شكرا ً لكم يا كهنة المراقد من آكلي السحت الحرام ومتحالفين‬
‫مع السلطة المجرمة إذ غفلتم عن الفارق الكبير بين نفوسكم المريضة التي ال تعرف الشعور‬
‫بالكرامة ونفوس هؤالء الشباب المصممين على إسقاطكم بكل ثمن كان‪ ،‬لقد فعلتم ما كان‬
‫يلزم فعله إذ أصميتم آذانكم وحجبتم أنظاركم عن مطالب الشارع كل هذه السنوات فحرمتم‬
‫هؤالء الشباب من أدنى فرص العمل والعيش الشريف‪ ..‬لقد فتحتم بصيرتهم ليدركوا حقيقتكم‬
‫فوفرتم المشوار علينا واختصرتم الزمن‪ ،‬لو كنتم تعلمون‪.‬‬

You might also like