You are on page 1of 40

‫تعريف القانون‬

‫يعتبر القانون ظاهرة اجتماعية وهو جملة القواعد التي تنظم العالقات البشرية تنظيما‬
‫مقترنا بالجزاء الوضعي على مخالفتها‪ .‬ويتفرع القانون الى عام وخاص‪.‬‬

‫يهدف القانون العام لتنظيم السلطة في الدولة وتحديد عالقة الفرد بها ومن أهم فروعه‬
‫القانون الدستوري والقانون اإلداري والقانون الدولي العام والقانون المالي‪.‬‬

‫يهدف القانون الخاص لتنظيم العالقات بين األفراد ومن أهم فروعه القانون المدني‬
‫إلى جانب القانون الجزائي وقد تولدت عن القانون المدني فروع أخرى مثل القانون‬
‫التجاري وقانون الشغل‪.‬‬

‫‪‬تعريف القانون المدني ‪:‬‬


‫اختلف الفقهاء في تعريف القانون المدني وبرزت ثالث اتجاهات‪:‬‬

‫االتجاه األول ‪ :‬استند إلى الهدف منه واعتبر أن القانون المدني هو القانون الخاص‬
‫الذي ينظم عالقات األفراد بغض النظر عن طبيعتها وعن المهنة التي يمتهنها‪.‬‬

‫االتجاه الثاني ‪ :‬اعتمد مصادره واعتبر أن القانون المدني يتكون من مجموعة‬


‫القواعد القانونية وأحكام القضاء وآراء الفقهاء‪.‬‬

‫االتجاه الثالث ‪ :‬ارتكز على محتواه ليجعل منه مجموعة األحكام المنظمة للعالقات‬
‫بين األشخاص والمتأتية من معامالتهم المدنية أي العادية اليومية‪.‬‬

‫وقد عرف األستاذ محمد كمال شرف الدين القانون المدني باعتباره "من أقدم فروع‬
‫القانون إطالقا وهو اليوم وفي مفهومه الحديث الجزء الرئيسي لما يسمى بالقانون الخاص‬
‫إذ هو المصدر التاريخي الذي تفرع منه القانون التجاري وجل فروع القانون الخاص‬
‫األخرى وهو بالتالي الجزء المتضمن لمجموعة القواعد المنظمة للعالقات الخاصة بين‬

‫‪1‬‬
‫أصحاب الحقوق عدى التي ترجع بالنظر ألحد الفروع األخرى التي تميزت واستقلت‬
‫عنه"‪.‬‬

‫ويثير هذا التعريف المالحظات اآلتية ‪:‬‬

‫المالحظة األولى ‪ :‬تجد عبارة القانون المدني أصلها في القانون الروماني الذي‬
‫كان يميز بين القانون المدني و هو القانون الخاص بالمواطنين في روما وقانون الشعوب‬
‫اي قانون األجانب وهو قانون يشمل مجموعة القواعد المستندة من أنظمة الشعوب األجنبية‬
‫التي غزاها الرومان‪ .‬وفي هذا السياق فإن القانون المدني مصدرها كلمة مدنية‪ .‬وقد استعمل‬
‫مصطلح قانون مدني للداللة على قانون سكان روما وفي القرن السابع عشر تبنى الفقيه‬
‫الفرنسي دون دومات التسمية ذاتها لكنه أعطى للفظة مدلوال جديدا بمقابلتها بعبارة قانون‬
‫عام‪ ،‬فالقانون المدني ينظم عالقات األفراد في حين يهتم القانون العام بضبط القواعد‬
‫المنظمة للدولة‪.‬‬

‫وفي بداية القرن التاسع عشر‪ ،‬كرس القانون الفرنسي هذا المفهوم باعتماده لفظة‬
‫مدني لتسمية مجلة نابليون التي صدرت سنة ‪ 1804‬تحت عنوان المجلة المدنية‪ .‬وبعد ذلك‬
‫وقع اعتماد هذه التسمية في العديد من البلدان األوروبية والعربية التي تأثرت بالتشريع‬
‫الفرنسي وبذلك أصبحت عبارة القانون المدني متداولة في نطاق تدريس القانون في أغلب‬
‫دول العالم بما في ذلك القانون التونسي‪.‬‬

‫المالحظة الثانية ‪ :‬يمتاز القانون المدني بمكانته الخاصة إذ يعتبر الشريعة العامة‬
‫أو القانون األصلي أي أنه ال يجوز الرجوع إلى قواعد القانون المدني إال إذا تعذر وجود‬
‫حكم مستقل في المادة المعنية ومن هذا الجانب يعد القانون المدني المصدر االحتياطي لكل‬
‫فروع القانون فاألحكام المتعلقة بعبء اإلثبات والواردة بالفصل ‪ 420‬في مجلة االلتزامات‬
‫والعقود والتي تنص على أن "إثبات االلتزام على القائم به" هي أحكام عامة يجوز تطبيقها‬
‫في كل فروع القانون إذا لم ترد أحكام خاصة تحيد عنها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫المالحظة الثالثة ‪ :‬أن ميدان القانون المدني شاسع جدا فهو ينظم الحقوق الذاتية‬
‫وتعرف الحقوق الذاتية بأنها جملة االمتيازات والسلطات التي يقرها القانون لألفراد‬
‫والذوات وهي تختلف عن الحقوق الموضوعية أو ما يعبر عنها بلفظة القانون وهو‬
‫مجموعة القواعد العامة والمجردة والملزمة‪.‬‬

‫إذن‪ ،‬يقر القانون المدني حقوقا لألفراد وتسمى هذه الحقوق حقوقا ذاتية نسبة ألصحابها‬
‫أي الذوات ورغم مناهضة بعض التيارات لفكرة الحق الذاتي إال أن هذه األخيرة اكتسبت‬
‫مكانة في الدراسات الفقهية الحديثة وتدعمت هذه المكانة بتطور حقوق الفرد وإقرار‬
‫األنظمة القانونية لضرورة حمايتها‪ .‬فقد نص الفصل السابع من الدستور التونسي على أن‬
‫"المواطن يتمتع بحقوقه كاملة بالطرق والشروط المبينة بالقانون وال تحد عن هذه الحقوق‬
‫إال بقانون يتخذ الحترام حقوق الغير ولصالح األمن العام والدفاع الوطني والزدهار‬
‫االقتصاد والنهوض االجتماعي"‪.‬‬

‫‪ .I‬تعريف الحق‬
‫اختلف الفقهاء في تعريفهم للحق وظهرت عدة نظريات ‪:‬‬

‫‪ :‬تنطلق في تعريفها للحق من صاحبه وهي تجعل من‬ ‫النظرية الشخصية‬ ‫‪)1‬‬
‫الحق سلطة إرادية يخولها القانون للفرد فالحق صفة تلحق بالشخص تخول له القدرة على‬
‫القيام بأعمال قانونية بذلك يكون جوهر الحق القدرة واإلرادة فال وجود للحق إال بوجود‬
‫شخص يباشره ويتمتع به‪.‬‬

‫لكن ال يمكن اعتبار اإلرادة شرطا لقيام الحق فاألشخاص الذين تنعدم لديهم اإلرادة‬
‫يتمتعون بحقوقهم فالصغير غير المميز والمجنون وحتى الجنين قبل الوالدة يكتسبون حقوقا‬
‫رغم فقدانهم اإلرادة‪.‬‬

‫الموضوعية‪ :‬اهتمت بموضوع الحق لتجعل منه المصلحة التي‬ ‫النظرية‬ ‫‪)2‬‬
‫يحميها القانون فجوهر الحق هو المصلحة وأما الوسيلة لتحقيق هذه المصلحة فهي حماية‬
‫‪3‬‬
‫القانون‪ ،‬يفهم من هذا التعريف أن كل المصالح ال ترتفع بالضرورة إلى رتبة الحق إذ يجب‬
‫أن تنشأ المصلحة عن القانون وتتمتع بحمايته أي تمكن عند االقتضاء صاحبها من القيام‬
‫لدى القضاء للمطالبة باحترامها‪.‬‬

‫عاب بعض الفقهاء اقتصارها على تعريف الحق من خالل غايته في حين أن المنطق‬
‫يقتضي أن يكون التعريف عن طريق المقومات الجوهرية والخصائص الذاتية للشيء‪.‬‬

‫‪ :‬يعرف هذا الفقيه الحق بأنه "سلطة يسندها القانون‬ ‫نظرية حون دافنت‬ ‫‪)3‬‬
‫لشخص معين ويضفي عليها حمايته بحيث يكون لصاحب الحق أي يتصرف بمقتضاها‬
‫في ما يملكه وهو ما يمثل الحق العيني أو فيما هو مستحق له وهو ما يمثل الحق الشخصي‪.‬‬

‫اعتمد جون دافنت في تعريفه للحق على عناصره المكونة له‪:‬‬

‫العنصر األول ‪ :‬االستئثار ‪ :‬ويعني اختصاص الشخص بموضوع الحق واإلنفراد‬


‫به دون غيره من الناس‪.‬‬

‫العنصر الثاني ‪ :‬التحكم ‪:‬يمكن لصاحب الحق أن يمارس سلطة قانونية معنية تحقيقا‬
‫لمصلحة مشروعة‪.‬‬

‫العنصر الثالث ‪ :‬احترام الغير للحق‪،‬‬

‫العنصر الرابع ‪ :‬حماية القانون للحق ‪ :‬فالحق هو سلطة يقررها القانون ويحميها‬
‫لشخص معين يكون له الحق في رفع الدعاوي القضائية في شأنها ومن ذلك أن استئثار‬
‫السارق وتصرفه تجاه الشيء المسروق ال يعتبر حقا النعدام عنصر الحماية القانونية‪.‬‬

‫‪ .II‬أنواع الحق‬
‫تنقسم الحقوق المدنية إلى مالية وغير مالية وتنقسم الحقوق المالية إلى شخصية وعينية‬
‫وتنقسم الحقوق العينية إلى أصلية وتبعية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫القسم األول ‪ :‬الحقوق المالية والحقوق غير المالية‬

‫يتمتع كل شخص بذمة مالية تشمل جملة ماله من أموال وما عليه من االلتزامات‬
‫ويمكن القول بأن الذمة المالية تمتد لتشمل كافة الحقوق وتعتمد كمعيار يميز من خالله بين‬
‫الحقوق المالية والحقوق غير المالية‪.‬‬

‫فأما الحق المالي فهو حق ذا قيمة نقدية يمكن تقديره بالمال ويمتاز هذا الصنف بأنه‬
‫داخل في التعامل وبالتالي تجوز إحالته ويمكن انتقاله للورثة‪.‬‬

‫وأما الحق الغير المالي فهو حق ال يتمتع لذاته بقيمة نقدية باعتباره مجموعة القيم التي‬
‫تثبت للشخص لكونه إنسانا واعتبارا لمقوماته الشخصية وتسمى الحقوق غير المالية‬
‫بالحقوق اللصيقة با لشخصية وتمتاز بكونها تخرج عن التعامل فال يصح نقلها للغير‬
‫بالتنازل عنها أو بالتصرف فيها كما أنها ال تنتقل إلى الورثة‪.‬‬

‫إن التمييز بين الحقوق المالية والحقوق الغير المالية ال ينفي التداخل بينهما فبعض‬
‫الحقوق غير المالية والمتعلقة باألحوال الشخصية (مثال الزواج‪ ،‬طالق‪ ،‬نسب) ال تخلو‬
‫من مسائل مالية كالنفقة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬الحقوق الشخصية والحقوق العينية‬

‫الحق العيني هو سلطة مباشرة يخول القانون أن تكون لشخص على شيء على غرار‬
‫حق الملكية بحيث يقوم الحق العيني على عنصرين هما ‪ :‬صاحب الحق من جهة ومحل‬
‫الحق (موضوع الحق) من جهة أخرى على نحو يتيح لصاحب الحق مباشرة حقه دون‬
‫واسطة وإذا كان موضوع الحق العيني هو المال سواء كان عقارا أو منقوال فإن موضوع‬
‫الحق الشخصي هو دائما من المنقوالت‪.‬‬

‫والحق الشخصي ويسمى كذلك االلتزام هو رابطة تقوم بين شخصين يلتزم بموجبه‬
‫أحدهما وهو المدين تجاه الطرف اآلخر أي الدائن بأداء مبلغ من المال كالتزام المشتري‬
‫بتشييد بناء أو باالمتناع عن القيام بعمل كالتزام بائع األصل التجاري بعدم استغالل أصل‬
‫تجاري آخر من النوع ذاته في المنطقة التي يوجد بها األصل المبيع‪ ،‬وإذا لم ينفذ المدين‬
‫التزامه من تلقاء نفسه وبمحض إرادته فإن الدائن له الحق في المطالبة بالتنفيذ إن كان‬
‫ممكنا أو بالفسخ (فسخ العقد) وفي كل الحاالت بجبر الضرر الحاصل له عن عدم تنفيذ‬
‫إلتزامه‪.‬‬

‫وقد ارتقت هذه التفرقة بين الحق العيني والحق الشخصي في القانون التونسي إلى‬
‫مستوى التدوين إذ خصص المشرع مجلة مستقلة للحقوق العينية وهو "مجلة الحقوق‬
‫العينية" في حين وردت جل األحكام المتعلقة بالحقوق الشخصية بـ"مجلة اإللتزامات‬
‫والعقود" ولهذا التمييز آثار قانونية متعددة إذ يترتب عن الحق العيني صالحيات ال توجد‬
‫في الحقوق الشخصية‪.‬‬

‫‪ ‬حق األفضلية ‪ :‬ويقصد به أن يتقدم صاحب الحق العيني على جميع الدائنين‬
‫الشخصيين للمدين في اقتفاء حقه من الشيء فالدائن الذي يمتاز بحق عيني (مثال الرهن)‬
‫يفضل على الدائن العادي الذي ال يتمتع إال بالحق الشخصي‪.‬‬
‫‪ ‬حق التتبع ‪ :‬تأسيسا على تميز الحق العيني بإقرار سلطة مباشرة على الشيء‬
‫يجبر القانون لصاحب الحق أي يتتبع الشيء مهما كانت اليد التي آلت إليها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬الحقوق األصلية والحقوق العينية التبعية‬

‫الحقوق األصلية هي التي تكون مستقلة بذاتها بحيث ال تستند في وجودها إلى حق آخر‬
‫تتبعه ويعتبر حق الملكية أهم مثال على هذه الحقوق‪.‬‬

‫الحقوق العينية التبعية هي الحقوق تكون تابعة لحق شخصي تضمن الوفاء به ولهذا‬
‫سميت بالتأمينات العينية ومثال ذلك حق االمتياز وحق الرهن‪.‬‬

‫‪ .III‬مصادر الحق‬
‫يستند الحق في وجوده إلى القانون وإلى قواعده‪ .‬فالقانون هو الذي يمنح الحقوق لكنه‬
‫ال يعتبر مصدرا لها ويمكن القول أن مصادر الحق تتمثل في األساليب التي يرتب القانون‬
‫على حصولها نشوء حق ويمكن تقسيم هذه األسباب إلى قسمين رئيسين‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬الوقائع القانونية‬

‫الوقائع القانونية هي كل حدث يرتب عليه القانون أثرا قانونيا وقد تكون طبيعية أو‬
‫إرادية‪.‬‬

‫‪ ‬الوقائع الطبيعية‪ :‬هي األحداث التي تتم دون تدخل اإلنسان وتكون سببا الكتساب‬
‫الحق من أمثلة ذلك‪:‬‬
‫الوالدة‪ ،‬يترتب عليها بداية الشخصية واكتساب المولود حق امتالك لقب والده‬ ‫‪-‬‬
‫وفي جنسية اإلقليم التي تمت فيه الوالدة وما يترتب عنها من حقوق خاصة‪.‬‬
‫الوفاة‪ ،‬ينشأ بها حق الخلف في الميراث فتتنقل أموال الهالك إلى خلفه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫مرور الزمن‪ ،‬يجعل القاصر رشيدا ويجعل له حق مباشرة التصرفات القانونية‬ ‫‪-‬‬
‫في نفسه ويجعل الحق المؤجل حاال بحيث يحق لصاحبه اقتفاءه‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫الكوارث الطبيعية تعتبر أحيانا قوة قاهرة تبرئ ذمة المدين من اإللتزام الذي‬ ‫‪-‬‬
‫يتحمله فتجعل له الحق في أن يؤخر الوفاء بدينه أو أن تعفيه إعفاء كامال من الوفاء به‬
‫(الفصل ‪282‬م‪.‬إ‪.‬ع‪.).‬‬
‫‪ ‬الوقائع اإلرادية‪ :‬هي وقائع تصدر عن شخص بقصد أو عن غير قصد ويرتب‬
‫عليها القانون أثرا بغض النظر عن دور اإلرادة في الحصول على ذلك األثر وتشمل‬
‫الوقائع اإلرادية شبه العقد والجنح وما يشبهها‪.‬‬

‫شبه العقد‪ :‬هو عمل جائز يقوم به الشخص اختيارا يرتب التزاما في ذمة الغير وقد‬
‫نظمت مجلة االلتزامات والعقود ثالثة أنواع لشبه العقد‪:‬‬

‫التصرف الفضولي‪ :‬هو قيام شخص يسمى الفضولي بفعل يترتب عليه منفعة‬
‫لشخص آخر دون أن يكون مفوضا في ذلك أو ملزما به ويتحمل صاحب المصلحة جميع‬
‫ما التزم به الفضولي في حقه‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬أن الشخص الذي يكتشف أن مسكن جاره‬
‫المتغيب عنه قد تعرض إلى عملية خلع ويكلف نجارا لتثبيت األقفال حتى ال يتعرض‬
‫المنزل ثانية إلى السرقة‪ ،‬له الحق أن يطالب جاره باسترجاع كامل المصاريف التي‬
‫استوجبها عملية اإلصالح‪.‬‬

‫اإلثراء بدون سبب‪ :‬يتمثل في خروج قيمة مالية من مكاسب الشخص (يسمى‬
‫المفتقر) ودخولها بدون مبرر ضمن مكاسب شخص آخر (يسمى المشتري) على نحو‬
‫يوجب إرجاع تلك القيمة إلى الذمة المالية التي خرجت منها ومثال ذلك أن فالحا يكلف‬
‫عامال بحرث أرضه ولكن األرض المجاورة له هي التي حرثت عن خطأ في هذه الحالة‬
‫يتحتم على الفالح الذي حرثت أرضه أن يعوض الفالح األول الذي دفع مصاريف الحرث‪.‬‬

‫دفع غير المستحق‪ :‬اقتضى الفصل ‪73‬م‪.‬أ‪.‬ع‪ .‬أن "من دفع ما ليس عليه ظنا منه أنه‬
‫مدين لجهل كان به من حيث الحقوق أو من حيث حقيقة األمر له أن يسترجع ما أداه ممن‬
‫اتصل به"‪.‬‬

‫مما يأخذ منه أن دفع ما ال يلزم يقتضي توفر شروط ثالثة‪:‬‬


‫‪8‬‬
‫‪ ‬الشرط األول‪ :‬وقوع األداء‪،‬‬
‫‪ ‬الشرط الثاني‪ :‬أن يكون األداء غير مستحق‪،‬‬
‫‪ ‬الشرط الثالث‪ :‬ارتباط األداء بغلط مستمد إما من عدم وجود الدين أصال أو من‬
‫دفعه لغير الدائن الحقيقي أو من يكون الدافع له ليس المدين الحقيقي‪ .‬إذا توفرت هذه‬
‫الشروط كان من حق الدافع أن يطالب باسترداد كل ما دفعه‪.‬‬

‫الجنحة وشبهها‪ :‬وهي الفعل غير مباح الذي قد يرتكبه الشخص فيحدث ضررا للغير‪:‬‬
‫وتطلق الجنحة حسب الفصل ‪82‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ .‬على الخطأ الذي يرتكبه الشخص عمدا منه أو‬
‫اختيار كتعمد الضرب أو الجرح متسببا في أضرار مادية أو معنوية للغير أما شبه الجنحة‬
‫فتتمثل في إلحاق الضرر بالغير دون حاجة إلى إثبات قصد اإلضرار عمال بالفصل ‪83‬‬
‫م‪.‬إ‪.‬ع‪ .‬وفي تلك الحالتين ال بد من وجود خطأ في الجانب مرتكب الفعل الضار ويقوم الخطأ‬
‫على ركنين‪:‬‬

‫‪ ‬ركن مادي‪ :‬يتمثل في الفعل الذي يقع به اإلخالل بالواجب ويسمى التعدي‪.‬‬
‫والتعدي هو انحراف في سلوك الشخص يتمثل في تجاوز الحدود التي يجب احترامها‬
‫وااللتزام بها وسواء تعلق األمر بجنحة أو بشبه جنحة فإن التعويض يتوجب في كلتا‬
‫الحالتين ويقدر بالرجوع إلى مقدار الضرر‪.‬‬
‫‪ ‬الركن المعنوي‪ :‬يتمثل في التمييز ويقصد به أن يستطيع اإلنسان إدراك ما في‬
‫سلوكه من انحراف إذا تنفي مسؤولية الصغير غير المميز والمجهول‪ .‬ففي صورة إثبات‬
‫الخطأ والضرر الناجم عنه ينشأ للمتضرر حق تجاه مرتكب الفعل في أن يعوضه عما وقع‬
‫له من ضرر‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬التصرفات القانونية‬

‫التصرفات القانونية هي اتجاه اإلرادة إلحداث أثر قانوني معين كإنشاء إلتزام أو تغييره‬
‫أو انقضاءه‪ .‬يتضح من خالل هذا التعريف أن التصرفات القانونية تختلف عن الوقائع‬
‫القانونية‪ .‬فجوهر التصرف القانوني هو اإلرادة الشخصية باعتبار أن ما يترتب عنه من‬
‫آثار قان ونية يستمد وجوده من اإلرادة‪ .‬أما جوهر الفعل كواقعة قانونية فهو العمل المادي‬
‫بحيث أنه حتى وإن وجدت اإلرادة في إتيان الفعل فإن ما يترتب عنه من أثر قانوني يحدده‬
‫القانون وال شأن لإلرادة فيه‪.‬‬

‫إن الدور الذي تلعبه اإلرادة في تعريف التصرف القانوني هو الذي يفسر وجوب توفر‬
‫شروط الصحة التي ال يتصور حصولها بالنسبة للوقائع القانونية‪ ،‬فاإلرادة ال تنتج آثارها‬
‫إال إذا كانت سليمة أي خالية من العيوب كالغلط واإلكراه وصادرة عن شخص يتمتع‬
‫باألهلية القانونية‪.‬‬

‫وتنقسم التصرفات القانونية إلى عدة أصناف وذلك حسب عدد األطراف ودرجة‬
‫الخطورة القانونية للتصرف‪.‬‬

‫التقسيم حسب عدد األطراف‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫هذا التقسيم يمكن من التفريق بين التصرفات الملزمة لجانب واحد من جهة والعقود من‬
‫جهة ثانية؛ فالتصرف الفردي ناشئ عن إرادة واحدة أما التصرف الثنائي فهو عبارة عن‬
‫تالقي إرادتين ويكون على عبارة عن عقد يبرم بين شخصين‪ .‬وفي كلتا الحالتين يتعلق‬
‫األمر بتصرف قانوني يتولد عنه حق‪.‬‬

‫ب‪ -‬التقسيم حسب درجة الخطوة القانونية للتصرف‪:‬‬

‫تنقسم التصرفات القانونية حسب درجة خطورتها على الذمة المالية إلى أعمال الحفظ‬
‫التي ترمي إلى المحافظة على الحق كااللتزام بالحفظ الذي يضعه عقد الكراء على كاهل‬

‫‪10‬‬
‫مسو غ العقار وأعمال اإلدارة التي تهدف إلى استغالل المال كالكراء والتي تختلف عن‬
‫أعم ال التصرف التي تقتضي التفويت في المال كبيعه أو القيام عليه بعملية قانونية قد‬
‫تقضي إلى التفويت فيه كالرهن مثال‪.‬‬

‫تنقسم دراسة نظرية الحقوق إلى بابين‪ :‬يخص األول أصحاب الحق ويتعلق الثاني‬
‫بحماية الحق‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫الجزء األول‪ :‬أصحاب الحق‬
‫باعتبار أن الحق سلطة يسندها القانون لشخص ال يتصور وجوده دون صاحب يستأثر‬
‫به وصاحب الحق هو اإلنسان دون الحيوان فكل إنسان بدون استثناء مؤهل الكتساب‬
‫الحقوق والتمتع بها أما الحيوان فيعد موضوع الحق لهذا السبب ينظر القانون إلى اإلنسان‬
‫عبر مصطلح قانوني هو الشخص أو "الشخصية القانونية" والتي تعرف بأنها القدرة على‬
‫اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات إال أنه يمكن لنا أن نتبين أن الشخصية القانونية ال تالزم‬
‫ضرورة اإلنسان لسببين‪:‬‬

‫السبب األول‪ :‬لم تكن الشرائع القديمة تعترف بالشخصية القانونية بكل كائن‬ ‫‪-‬‬
‫بشري فالعبد رغم صفته اإلنسانية لم يكن مؤهال الكتساب الحقوق‪ ،‬كذلك عرفت بعض‬
‫الدول األوروبية في القرون الوسطى مؤسسة الموت المدني وتتمثل في عقوبة تسلط على‬
‫بعض المجرمين ويتم بمقتضاها حرمانهم من كافة حقوقهم المدنية أي سلبهم الشخصية‬
‫القانونية ونتيجة لتطور الفكر البشري في العصر الحديث ألغيت العبودية وعقوبة الموت‬
‫المدني وتم االعتراف لكل إنسان بالشخصية القانونية بل وأصبحت هذه األخيرة من حقوق‬
‫اإلنسان إذ جاء في المادة السادسة من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان أنه "لكل إنسان‬
‫أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية"‪.‬‬
‫السبب الثاني‪ :‬ال تقتصر الشخصية في األنظمة المعاصرة على اإلنسان بل‬ ‫‪-‬‬
‫تتجاوزه الستيعاب صنف مجرد ليس له أي وجود مادي ولكنه شخص قانوني‪ ،‬فصنف‬
‫األشخاص يتضمن الشخص الطبيعي (اإلنسان) وكذلك الذات المعنوية‪ .‬يشكل هذان‬
‫الصنفان أصحاب الحق فيتوجب دراسة الشخص الطبيعي (الفصل األول) ثم الشخص‬
‫المعنوي (الفصل الثاني)‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الفصل األول‪:‬‬

‫الشخص الطبيعي‬
‫لكل إنسان ذكرا كان أو أنثى شخصية قانونية تخول له أن يتمتع بحقوق مقابل الواجبات‬
‫التي يتحملها مما يجعل من اإلنسان كائنا تنشأ شخصيته القانونية منذ وجوده على قيد الحياة‬
‫بقطع النظر عن مدى وعيه وإدراكه لتصاحبه في كافة أطوار حياته‪ .‬وهو ما يفسر تكريس‬
‫مبدأ المساواة بين األفراد صلب الدستور التونسي الذي ينص على أن "كل المواطنين‬
‫متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون"‪ ،‬فيتجه إذن البحث في المجال‬
‫الزمني للشخصية القانونية (الفرع األول) ثم أركان الشخصية القانونية (الفرع الثاني)‬
‫وأخيرا خصائص الشخصية القانونية (الفرع الثالث)‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬مدة الشخصية‬


‫القانونية‬

‫لم يهتم المشروع التونسي بتحديد مدة الشخصية القانونية وذلك على خالف التشريع‬
‫المصري أو الجزائري‪ .‬فقد جاء في الفصل ‪ 25‬من المجلة المدنية الجزائرية أنه "تبدأ‬
‫شخصية اإلنسان بتمام والدته حيا وتنتهي بموته على أن الجنين يتمتع بالحقوق المدنية‬
‫بشرط أن يولد حيا"‪.‬‬

‫وفي غياب نص عام مماثل في القوانين التونسية‪ ،‬يقع اإللتجاء إلى أحكام المواريث التي‬
‫يمكن أن نستنتج منها نظام قانوني للشخصية القانونية‪ .‬فالفصل ‪ 85‬من م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬ينص على‬
‫أنه "يستحق اإلرث بموت الموروث ولو حكما وبتحقيق حياة الوارث من بعده"‪.‬‬

‫يمكن أن نستنتج أن الشخصية القانونية تالزم اإلنسان مدى حياته ومبدئيا تبدأ الشخصية‬
‫القانونية من الوالدة إلى الموت‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬بداية الشخصية القانونية‬


‫‪13‬‬
‫تبت دئ الشخصية القانونية بتمام والدة اإلنسان حيا (المطلب األول) لكن القانون جعل‬
‫أحكاما استثنائية لهذا الحل المبدئي فقد تبتدئ الشخصية قبل الوالدة فتثبت للجنين (المطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الوالدة تحدد بداية الشخصية القانونية‬


‫تبتدئ الشخصية القانونية عادة بمجرد والدة اإلنسان حيا (القسم األول) ويقع إثبات‬
‫الوالدة برسم خاص بها (القسم الثاني)‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬اشتراط الوالدة حيا لبداية الشخصية القانونية‬

‫ينص الفصل ‪ 150‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬أنه "إذا توفي الرجل عن زوجته أو معتدته فال يرث حملها‬
‫إال أذا ولد حيا لمدة ال تتجاوز العام"‪.‬‬

‫وألن القدرة على اإلرث هي رهين تمتع الوارث بالشخصية القانونية يمكن القول بأن‬
‫الشخصية ال توجد إال متى ولد اإلنسان حيا فإذا ولد ميتا فهو عديم الشخصية منذ النشأة‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬يجب التأكد من توفر عنصر الحياة زمن الوالدة وهو ما يقع إثباته باالستهالل (إي‬
‫بكاء الطفل بمجرد والدته) وعند الشك برأي األطباء ويتمتع المولود بالشخصية القانونية‬
‫حتى وإن توفي في اللحظات الموالية للوالدة أما القانون الفرنسي فقد أضاف إلى شرط‬
‫الوالدة حيا القدرة على الحياة وهو ما يستوجب التأكد من أن التكوين الجسدي والعضوي‬
‫والبيولوجي للمولود يجعله قادرا على مواصلة العيش بصفة طبيعية‪.‬‬

‫ويترتب عن الشخصية القانونية التي يتمتع بها المولود منذ والدته حيا وطوال بقائه‬
‫على قيد الحياة القدرة على اكتساب الحقوق وهي الحق في اإلرث‪ ،‬الحق في النسب‪ ،‬الحق‬
‫في النفقة‪...‬‬

‫ونظرا ألهمية الوالدة في تحديدها لبداية الشخصية القانونية حدد المشروع وسيلة‬
‫إلثباتها‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬إثبات الوالدة‬
‫تثبت الوالدة برسم الوالدة الذي يحرره ضابط الحالة المدنية عمال بأحكام الفصول من‬
‫‪ 22‬إلى ‪ 30‬من قانون عـ‪3‬ـدد لسنة ‪ 1957‬المؤرخ في ‪ 1‬أوت ‪ 1975‬والمتعلق بمجلة‬
‫الحالة المدنية‪ .‬وينص الضابط برسم الوالدة على اليوم والساعة ومكان الوالدة وجنس‬
‫المولود واألسماء التي تختار له وإسم ولقب ومكان وتاريخ والدة األب واألم ومسكنيهما‬
‫وجنسيتهما‪.‬‬

‫فالقانون يوجب على والد المولود واألطباء والقوابل أو غيرهم من األشخاص الذين‬
‫شهدوا الوضع إعالم ضابط الحالة المدنية بالميالد خالل ‪ 10‬أيام التي تليه‪ .‬ويترتب عن‬
‫عدم إعالم األجل القانوني منع ترسيم المولود إلى أن يتم اإلذن في ذلك من طرف رئيس‬
‫المحكمة اإلبتدائية بالجهة التي ولد بها المولود (الفصل ‪ 23‬م‪.‬ح‪.‬م‪.).‬‬

‫وقد خص قانون الحالة المدنية الصورة التي يكون فيها المولود الجديد مجهول النسب‬
‫بحكم خاص ففرض الفصل ‪ 27‬م‪.‬ح‪.‬م‪ .‬على الشخص الذي يكتشف هذا الطفل أن يسلمه‬
‫لضابط الحالة المدنية وأن يصرح بالظروف والزمان والمكان التي عثر فيها عن المولود‬
‫ويتم تحديد سنه حسب الظاهر في تقرير خاص‪ .‬ويستخلص مما سبق ذكره أن القانون‬
‫التونسي يعتبر بتدقيق أحكام اإلعالم بالوالدة ويحث على احترامها حتى تكون دفاتر الحالة‬
‫المدنية شاملة لكل األشخاص ومبينة لتاريخ ميالد كل فرد وهو ما ييسر معرفة بداية‬
‫الشخصية القانونية لألشخاص الطبيعيين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬اكتساب الشخصية القانونية قبل الوالدة‬

‫‪15‬‬
‫خروجا عن الحل المبدئي يكتسب الجنين مدة الحمل أي قبل حصول الوالدة الشخصية القانونية‬
‫فالقانون التونسي كرس مبدئيا قديما عرفه الرومان يقر بأن للجنين بعض الحقوق التي تقتضيها‬
‫مصلحته ووضع شروطا لتمتع الجنين بهذه الحقوق‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬حقوق الجنين‬


‫تمتع الجنين بجملة من الحقوق تم التنصيص على بغضها صلب مجلة األحوال‬
‫الشخصية والبعض اآلخر ورد صلب مجالت أخرى‪.‬‬

‫‪ )1‬حق الميراث‬

‫ينص الفصل ‪ 147‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬على أنه "يوقف من التركة للحمل األكثر من حظ ابن واحد‬
‫أو بنت واحدة إن كان الحمل يشارك الورثة أو يحجبهم حجب نقصان‪ ،‬فإن كان يحجبهم‬
‫حجب حرمان يوقف الكل وال تقسم التركة"‪.‬‬

‫والحجب حسب تعريف الفصل ‪ 122‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬هو "منع وارث معين من كل إلرث أو‬
‫بعضه أشخص آخر وهو نوعان‪ :‬األول حجب نقصان من حصة من اإلرث إلى أقل منها‪،‬‬
‫الثاني حجب حرمان من الميراث"‪.‬‬

‫فالحمل يكون دائما معامال باألحسن وبالتفضيل فلقد جاء بالفصل ‪ 148‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬أنه "إذا‬
‫كان الحمل يشارك الورثة أو يحجبهم حجب نقصان فمن ال يتغير فرضه يعطى حظه ومن‬
‫يتغير فرضه من األكثر إلى األقل يعطى األقل ومن يسقط في إحدى حالتي الحمل ال يعطي‬
‫شيئا"‪.‬‬

‫يقع اإلحتفاظ بحقوق الجنين إلى أن تقع الوالدة فإن ولد الجنين حيا اكتسب نهائيا منابه‬
‫من التركة أما إن ولد ميتا فيوزع ما احتفظ به على الورثة اآلخرين‪.‬‬

‫‪ )2‬حق اإليصاء (الوصية)‪:‬‬

‫‪16‬‬
‫عرف الفصل ‪ 171‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬بكونها "تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع‬
‫سواء كان عينيا أو منفعة"‪ .‬وقد اقتضى الفصل ‪ 184‬م‪.‬أ‪.‬ش‪" .‬للحمل بشرط أن يكون‬
‫موجودا بطريق اإليصاء وأن يوضع حيا في المدة المعينة بالفصل ‪ 35‬وتحتفظ غلة‬
‫الموصى به من حين وفاة الموصى إلى أن ينفصل الحمل"‪ .‬وتجدر المالحظة إلى أن‬
‫الفصل ‪ 184‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬لم يجز اإليصاء لمن سيجوز بل اشترط وجود الحمل وتحقيق حياته‬
‫بعد الوالدة‪.‬‬

‫‪ )3‬اإلستفادة من التأمين على الحياة‪:‬‬

‫التأمين على الحياة هو عقد يتعهد بمقتضاه المؤمن مقابل أقساط بأداء مبلغ من المال إلى‬
‫المتعاقد معه أو إلى مستفيد إذا تحقق حادث احتمالي يتصل بموت المتعاقد وقد أقر الفصل‬
‫‪ 39‬من القانون عـ‪24‬ـدد لسنة ‪ 1992‬المؤرخ في ‪ 9‬مارس ‪ 1992‬والمتعلق بإصدار مجلة‬
‫التأمين أن المستفيد يمكن أن يكون من سيولد من أبناء‪ .‬إذن للجنين للحق في الحصول على‬
‫غرامة التأمين‪.‬‬

‫‪ )4‬حق الجنين في التعويض‪:‬‬

‫اعترف حكم القضاء للجنين بحقه في التعويض عن الضرر المادي الذي لحقه نتيجة‬
‫فقدانه أحد أقاربه وقد اقترن هذا التعريف أساسا بوفاة األب‪ .‬فبوفاة األب يحرم الطفل من‬
‫النفقة والرعاية المادية لذلك ال بد من تعريفه قبل والدته‪ .‬هذا الحق أسنده فقه القضاء وليس‬
‫المشروع‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬شروط تمتع الجنين بحقوقه‬
‫أقر المشروع بعض الحقوق للجنين وهو ما يعني تمتعه بالشخصية القانونية وقد اعتبرت‬
‫اللجنة الوطنية لألخالقيات الطبية التي أحدثت بموجب األمر المؤرخ في ‪ 19‬سبتمبر‬
‫‪ 1994‬أن "الجنين شخص احتمالي" أي أن الشخصية ال تثبت له بصفة نهائية إال بتمام‬
‫الوالدة حيا‪ ،‬فإذا ولد ميتا فإن الحقوق التي اكتسبها تعد كأنها لم تكن‪ .‬كما أن شخصية‬
‫الجنين موقوفة على شرط والدته خالل فترة معينة وهو ما يدفعنا للبحث عن مدة الحمل‬
‫أدناها وأقصاها‪.‬‬

‫الحد األدنى للحمل‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أقر المشروع الحد األدنى للحمل بـ‪ 6‬أشهر إذ جاء بالفصل ‪ 71‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬أنه‪" :‬إذا ولدت‬
‫الزوجة لتمام ستة أشهر فأكثر من حين عقد الزواج سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا‬
‫(باطال) يثبت نسب المولود من الزوج"‪.‬‬

‫الحد األقصى للحمل‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫لتحديد المدة القصوى للحمل يجب التمييز بيت الحالتين‪:‬‬

‫الحالة األولى‪ :‬إذا تعلق األمر بحق الجنين في إرث أبيه تكون المدة القصوى‬ ‫‪-‬‬
‫للحمل سنة كاملة وينص الفصل ‪ 69‬م‪.‬إ‪.‬ش‪" .‬ال يثبت النسب عن اإلنكار لولد زوجة تثبت‬
‫عدم التالقي بينها وبين زوجها وال لولد زوجة أتت بعد سنة من غيبة الزوج عنها أو من‬
‫وفاته أو من تاريخ الطالق"‪ .‬كما أن الفصل ‪ 35‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬اقتضى أن "عدة الحامل وضع‬
‫حملها وأقصى مدة الحمل سنة من تاريخ الطالق أو تاريخ الوفاة"‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬إذا تعلق األمر بحق الجنين في إرث غير أبيه تكون المدة القصوى‬ ‫‪-‬‬
‫للحمل ‪ 9‬أشهر عمال بأحكام الفصل ‪ 150‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬ويكون الهدف من اختصار أجل الحمل‬
‫اجتناب اإلنجاب المتعمد بعد وفاة المورث وهو ما قد يحصل إذا بقيت مدة الحمل سنة‬
‫كاملة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وقد أدى تطور العلوم البيولوجية إلى إفراز ظاهرة تجميد األجنة (ج‪ .‬جنين) التي تسمح‬
‫األزواج الذين يعانون من أمراض تحول دون اإلنجاب في مستقبل حياتهما باإلحتفاظ‬
‫بالجنين بمراكز مختصة ورغم ما يمكن أن تطرحه تقنيات التجميد من إشكاالت قانونية‬
‫حول وجود الحمل ومدته بما ينعكس على الحقوق المالية وغير المالية للجنين إال أن‬
‫المشروع التونسي سعى وبمقتضى قانون عـ‪93‬ـدد لسنة ‪ 2001‬مؤرخ في ‪ 7‬أوت ‪2001‬‬
‫والمتعلق بالطب اإلنجابي إلى تنظيم عمليات التجميد‪ .‬فكانت أحكام هذا القانون متناغمة‬
‫وأحكام مجلة األحوال الشخصية حول المدة القصوى للحمل‪ ،‬فحصر األعمال الطبية‬
‫المساعدة لإلنجاب في الشخصين المتزوجين وذلك قصد تدارك عدم الخصوبة لديها‬
‫وبشرط وجودهما على قيد الحياة ومكن قانون ‪ 7‬أوت ‪ 2001‬من تجميد الجنين لمدة‬
‫قصوى ال تتجاوز ‪ 5‬سنوات قابلة للتجديد لنفس المدة بطلب كتابي من الزوجين على أن‬
‫يتم زرع الجنين بحضورهما شخصيا وبعد الحصول على موافقتهما الكتابية ويمكن إنهاء‬
‫تجميد الجنين بعدة أسباب من بينها وفاة أحد الزوجين أو انتهاء المدة أو بطلب كتابي منهما‬
‫أو بالطالق إذ يمكن مطالبة المحكمة المتعاهدة بالطالق بإنهاء تجميد الألجنة ورتب قانون‬
‫‪ 7‬أوت ‪ 2001‬عقوبات تأديبية وجزائرية عند مخالفتها األحكام المتعلقة بتجميد الجنين‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬زوال الشخصية القانونية‬


‫‪19‬‬
‫تنتهي الشخصية القانونية بوفاة الشخص إذ في هاته اللحظة تنتقل ذمته المالية إلى ورثته‬
‫فلقد نص الفصل ‪ 85‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬على أنه "يستحق اإلرث بموت المورث ولو حكما"‪ ،‬ويشير‬
‫هذا الفصل إلى نوعين من الوفاة الطبيعية (المطلب األول) والوفاة الحكمية (المطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬الوفاة الطبيعية‬


‫تقتضي دراسة زوال الشخصية القانونية تعريفها (القسم األول) وتحديد طريقة إثباتها‬
‫(القسم الثاني)‪.‬‬

‫القسم األول ‪ :‬تعريف الوفاة الطبيعية‬


‫تعرف الوفاة الطبيعية بأنها فقدان الحياة حيث تنعدم قدرة الجسم على الحركة تماما وقد‬
‫تطور مفهوم الوفاة نتيجة التقدم الحاصل في ميدان الطب إذ كانت تعرف بتوقف القلب‬
‫والدورة الدموية عن العمل والرئتين عن التنفس إال أنه مع التقدم العلمي وقعت معاينة‬
‫بعض الحاالت التي قد يموت فيها الدماغ ومع ذلك يستمر القلب في العمل فأصبحت الوفاة‬
‫تحدد بموت الدماغ‪ .‬تبنى المشرع التونسي هذا التعريف في القانون عـ‪22‬ـدد لسنة ‪1991‬‬
‫المؤرخ في ‪ 25‬مارس ‪ 1991‬والمتعلق بأخذ األعضاء البشرية وزرعها إذ نص الفصل‬
‫‪ 15‬أنه تقع معاينة الموت من قبل طبيبين وفقا للقواعد المقبولة والمعمول بها في ميدان‬
‫الطب وخول لوزير الصحة العمومية أن يبين بقرار الطرق والعالمات الواجب اعتمادها‬
‫والدالة على حصول الوفاة بصفة نهائية وخاصة التوقف النهائي لوظائف المخ"‪ ،‬وبالفعل‬
‫صدر قرار وزير الصحة العمومية في ‪ 1‬أوت ‪ 1991‬وعرف الوفاة بكونها "التوقف الذي‬
‫ال رجعة فيه للوظائف الحياتية التلقائية أي الوظائف التنفسية والقلبية والدماغية"‪.‬‬

‫ونظرا ألهمية و اقعة الوفاة التي تتحدد من خاللها نهاية الشخصية القانونية‪ .‬اهتم المشرع‬
‫التونسي بمسألة إثباتها‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬إثبات الوفاة الطبيعية‬


‫‪20‬‬
‫ورد بالفصل ‪ 47‬من م ح م أن الوفاة تثبت برسم يحرره ضابط الحالة المدنية ويتضمن‬
‫اسم المتوفى ولقبه وتاريخ ومكان والدته وحرفته ومقره وجنسيته وجملة من المعلومات‬
‫المتعلقة بحالته الشخصية‪ .‬وكذلك اسم القائم بالتصريح وتطبيقا ألحكام الفصل ‪ 43‬من‬
‫قانون الحالة المدنية فغنه يتم اإلعالم بالوفاة في أجل ثالثة أيام من تاريخ حصولها وبمرور‬
‫ذلك األجل ال يمكن لضابط الحالة المدنية التنصيص على الوفاة إال بمقتضى إذن صادر‬
‫عن رئيس المحكمة االبتدائية بالجهة التي حصلت فيها الوفاة‪ .‬وينص ضابط الحالة المدنية‬
‫صلب رسم الوفاة على تاريخ الوفاة يوما وساعة إال أن تحديد هذا التاريخ قد يكون في‬
‫بعض الحاالت غير يسيرا إذ أنه ولئن كان من السهل تحديده في صورة وفاة شخص واحد‬
‫فإن ه ليس كذلك بالنسبة للصورة التي يتوفى فيها عددا من األشخاص في حادث معين إذ‬
‫نص الفصل ‪ 86‬م أ ش‪ .‬على أنه "اذا مات إثنان ولم يعلم أيهما مات أوال فال استحقاق‬
‫ألحدهما في تركة األخر سواء كان موتهما في حادث واحد أم ال‪.‬‬

‫اعتبر المشرع ضمن هذا الفصل أنه إذا لم يتسنى تحديد الهالك الذي توفي قبل اآلخر‬
‫فال وارث بينهما‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬الوفاة الحكمية‬


‫توجد إلى جانب الوفاة الطبيعية الوفاة الحكمية وهي التي يصرح بها قضائيا في الحاالت‬
‫التي يرجع فيها حصول الوفاة على البقاء على قيد الحياة وتتحقق هذه الصورة في حالة‬
‫المفقود‪.‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬تعريف الفقدان ‪:‬‬


‫يعتبر مفقودا حسب الفصل ‪ 81‬م ا ش "كل من انقطع خبره وال يمكن الكشف عنه حيا"‪.‬‬

‫ويبدو أن المشرع التونسي ال يميز بين الغائب والمفقود رغم وجود اختالف بينهما‬
‫فالغائب هو كل شخص غادر موطنه دون أن يحتمل حصول موته أو دون أن يكون وجوده‬
‫على قيد الحياة محال للشك أما المفقود فهو كل من يرجح موته نظرا للظروف التي انقطعت‬

‫‪21‬‬
‫فيها أخباره مع وجوب توفر شروط حتى يقع الحكم بالموت االعتباري (الموت الحكمي)‬
‫وهو ما تضمنه الفصل ‪ 82‬م ا ش الذي ميز بين حالتين ‪:‬‬

‫الحالة األولى ‪ :‬إذا انقطعت أخبار الشخص في ظروف استثنائية يغلب فيها الموت (مثل‬
‫الحروب‪ ،‬الكوارث الطبيعية) فإن القاضي يحكم "بالفقدان" أي بالموت االعتباري بعد أي‬
‫يضرب أجال ال يتجاوز العامين يتم خالله البحث عنه بغاية تبين حقيقة وجوده من هالكه‪.‬‬

‫الحالة الثانية ‪ :‬إذا انقطعت أخبار شخص في ظروف عادية فإن للقاضي حرية تحديد‬
‫األجل للبحث عنه ثم يحكم بالموت االعتباري‪ .‬إن عامل الزمن هنا يدعم احتمال الوفاة إذا‬
‫امتد الصمت المتواصل للغائب لفترة طويلة‪ .‬فالغياب إذا طال يمكن أن يتحول إلى فقدان‬
‫يبيح للقاضي أي يحدد في شأنه المدة التي تصير فيها الوفاة الحكمية مستساغة كأن تتجاوز‬
‫هذه المدة المضافة إلى عمر الشخص الغائب طول الحياة البشرية بقدر ملحوظ‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬أحكام الفقدان‬


‫لدراسة النظام القانوني للمفقود يجب أن نميز بين فترتين زمنيتين ‪ :‬قبل وبعد صدور‬
‫حكم بالفقدان‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬وضعية المفقود قبل صدور الحكم بالفقدان‬

‫‪22‬‬
‫قبل التصريح بموته‪ ،‬يتمتع المفقود بالشخصية القانونية التامة وتبقى عالقاته التعاقدية‬
‫جارية ويحافظ على عناصر ذمته ويحفظ في اإلرث حقوقه فلقد نصت أحكام الفصل ‪151‬‬
‫م ا ش أنه "يوقف للمفقود من تركة مورثه نصيبه فيها فإن ظهر حيا أخذه"‪.‬‬

‫ولقد أوجب القانون تعيين مقدم يضبط مكاسب المفقود ويديرها‪ .‬فقد نص الفصل ‪ 83‬م ا ش‪.‬‬
‫"إذا فقد اإلنسان ولم يمكن له وكيل فإن الحاكم يحصر ماله ويقدم من قرابة المفقود أو غيره‬
‫من ينظر فيه تحت إذنه غلى ظهور موته من حياته أو بصدور الحكم بفقدانه"‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬وضعية المفقود بعد صدور الحكم بالفقدان‬


‫تثبت الوفاة الحكمية بالحكم القضائي الذي يصدره‪ .‬يعتبر المفقود في حكم األموات وتنتهي‬
‫شخصيته القانونية ولكن وبما أن القضاء بالموت اإلعتباري مبني على افتراض أي احتمال‬
‫غير مدعم بإثبات قطعي فإنه يمكن أن يكذب الواقع هذا إفتراض وأن يعود المفقود ولقد مكن‬
‫الفصل ‪ 58‬م ح م ‪ .‬لمن ظهر للوجود بعد الحكم بموته طالبوا ابطال الحكم بالفقدان فيسترد‬
‫شخصيته القانونية وكامل حقوقه المالية لكن ضرورة المحافظة على مصالح الغير تستوجب‬
‫الخروج عن هذه القاعدة فإذا تم التفويت في حقوق المفقود المالية بصفة قانونية لشخص كان‬
‫يجهل وجود المفقود على قيد الحياة اعتبرت هذه العقود صحيحة ونافذة‪ .‬فكيف إذن يمكن‬
‫للمفقود العائد من استرجاع حقوقه المالية؟‬

‫أجاب المشرع عن هذا لسؤال في موضعين ‪:‬‬

‫أوال ‪ :‬جاء الفصل ‪ 151‬م ا ش أنه إذا ظهر المفقود حيا بعد الحكم بموته أخذ ما بقي من نصيبه‬
‫بأيدي المورثة‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫ثانيا ‪ :‬جاء بالفصل ‪ 58‬م ح م أن العائد إلى الظهور يسترجع مكاسبه حسب الحالة التي توجد‬
‫عليها وكذلك ثمن ما وقع التفويت فيه والمكاسب المشتراة برؤوس األموال والمداخيل الراجعة‬
‫له‪.‬‬

‫يحتفظ الشخص الطبيعي بشخصيته طيلة حياته لكن اختلف الفقهاء حول مدى ارتباط تاريخ‬
‫زوال الشخصية القانونية بتاريخ الوفاة فبرز اتجاهان‪.‬‬

‫االتجاه األول ‪ :‬اعتبر أن شخصية اإلنسان تمتد بعد وفاة إلى حين الفراغ من تصفية تركته‬
‫وسداد ديونه تطبيقا ألحكام الفصل ‪ 553‬م إ ع الذي ينص على أن "الدائن يقدم على الوارث‬
‫على التركة ال يتعلق إال بالرصيد اإليجابي فيها وذلك بعد سداد الديون"‪.‬‬

‫اإلتجاه الثاني ‪ :‬يرى أن الفصل ‪ 553‬م إ ع ال يتعلق بمسألة استحقاق التركة بل بمسألة ترتيب‬
‫األداء واعتبر أن انتقال ملكيتها يكون لحظة تحقق الوفاة تطبيقا للفصل ‪ 85‬م أ ش والحكام‬
‫الفصل ‪ 123‬م ح ع الذي ينص على أن "كل من المتقاسمين يعتبر مالكا للحصة التي آلت إليه‬
‫منذ أن كان مالكا من أول الشيوع "و أول الشيوع هو وفاة المورث المالك األصلي للمال‪.‬‬

‫كما تنقضي بوفاة الشخصي كل العقود وااللتزامات المرتبطة بشخص متوفى كاإللتزام بالنفقة‬
‫المترتبة عن عقد الزواج واإللتزامات المهنية المترتبة عن عقد الشغل وتنتقل ذمته المالية إلى‬
‫ورثته كي يكتسبون حقوقه ويتحملون إلتزاماته وذلك باإللتزام الوارث بديون المورث في حدود‬
‫ما آل إليه من التركة تطبيقا للفصل ‪ 241‬م إ ع وتعتبر جميع الديون حالة بمجرد الوفاة (فصل‬
‫‪ 150‬م إ ع)‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪:‬أركان الشخصية‬

‫القانونية‬

‫‪24‬‬
‫ال تكتسي الشخصية القانونية مفعولها العملي والتطبيقي إال بعنصرين إثنين ‪ :‬األهلية (المبحث‬
‫األول) والذمة المالية (المبحث الثاني)‪.‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬األهلية‬


‫لمصطلح األهلية معنيين يعبر ان عن وجهين متكاملين لها ‪:‬‬

‫المعنى األول ‪ :‬هي القدرة على اكتساب الحقوق وتحمل ما يقابلها من واجبات وتسمى هذه الفئة‬
‫أهلية الوجوب (أو أهلية التمتع)‪.‬‬

‫المعنى الثاني ‪ :‬هي القدرة على ممارسة تلك الحقوق من خالل نشاط قانوني يقوم على إبرام‬
‫تصرفات قانونية صحيحة ونافذة وتدعى أهلية التصرف أو األداء‬

‫‪ -1‬أهلية الوجوب ‪:‬‬

‫ترتبط أهلية الوجوب بالشخصية القانونية بحيث تثبت للشخص الطبيعي منذ والدته وقد تثبت‬
‫له حتى قبل الوالدة وتزول بوفاته‪ .‬إذا‪ ،‬يتمتع الشخص بأهلية الوجوب بغض النظر عن السن‬
‫أو التمييز ودون اعتبار لمدى وجود إرادة لديه وال يتصور تجريد شخص منها تماما إذ في‬
‫ذلك غياب الشخصية القانونية ولذلك سميت بأهلية الوجوب لوجوب اقتران الشخصية بها و ال‬
‫تتأثر أهلية الوجوب بحاالت المنع من التعاقد لحماية الغير من استغالل ما تخوله بعض المهن‬
‫أو الوظائف من نفوذ‪ .‬منع المشرع من خالل الفصول من ‪ 566‬إلى ‪ 569‬م إ ع العاملين بها‬
‫من شراء األشياء التي يفترض أن لهم سلطان عليها كما منع كل متصرف بالنسبة عن غيره‬
‫من أن يعقد لنفسه على معنى الفصل ‪ 549‬م إ ع‪.‬‬

‫‪ -2‬أهلية األداء‬

‫‪25‬‬
‫أهلية األداء هي القدرة على ممارسة الحق وهي تمثل الجانب التطبيقي ألهلية الوجوب إذ‬
‫ال يمكن اإلقتصار على القدرة على اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات بل ال بد من أن يتمكن‬
‫الشخص مباشرة هذه الحقوق والتصرف فيها على الوجه القانوني‪.‬‬

‫واألصل هو األهلية إذ نص الفصل ‪ 3‬م ا ع على أن "كل شخص أهل لإللزام واإللتزام ما‬
‫لم يصرح القانون لخالفه"‪ .‬وهو ما يعني أن الحد من األهلية ال يمكن أن يترتب إال عن‬
‫القانون‪ .‬وقد حدد المشرع العوامل التي تتأثر بها األهلية والتي ينتج عن وجودها الحجر‬
‫وبما أن معيار األهلية هو التمييز فإن نقصها أو انعدامها بتأثر دائما بعامل السن ( المطلب‬
‫األول) وهو ما يطلق عليه بالحجر للصغر كما قد يتأثر بعوارض محتملة من شأنها إذا‬
‫حدثت أن تأثر على قدرة التمييز وهو ما سندرسه من خالل الحجر على الرشد (المطلب‬
‫الثاني)‪.‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬الحجر لصغر السن‪.‬‬


‫جاء بالفصل ‪ 7‬م ا ع أن "كل إنسان ذكر أو أنثى تجاوز عمره ثمانية عشر سنة كاملة يعتبر‬
‫راشدا بمقتضى هذا القانون"‪ .‬لذلك من بلغ سن الرشد تكتمل أهليته ويصبح قادرا على‬
‫ممارسة جميع أنواع التصرفات ومباشرة جميع حقوقه المدنية بنفسه‪ .‬ويعتبر محجورا‬
‫للصغر حسب الفصل ‪ 153‬م ا ش من لم يبلغ سن الرشد و يختلف النظام القانوني للحجر‬
‫بحسب بلوغ الصغير سن التمييز من عدمه‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬مرحلة الصغير غير المميز‬


‫يعد غير المميز حسب الفصل ‪ 156‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬الصغير الذي لم يتم الثالثة عشر من عمره‪.‬‬
‫تتمثل القاعدة في أن من لم يبلغ سن التمييز تنعدم أهلية أدائه‪ .‬فقد جاء بالفصل ‪ 5‬م‪.‬إ‪.‬ع‪ .‬أن‬
‫الصغير الذي لم يبلغ من العمر ‪ 13‬سنة كاملة ليست له أهلية التعاقد إال بواسطة من له‬
‫النظر عليه‪.‬‬

‫يستخلص من ذلك‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫أوال‪ ،‬أن جميع التصرفات التي يبرمها الصغير غير المميز بنفسه باطلة طبقا ألحكام الفصل‬
‫‪ 156‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬وحكم البطالن ينسحب على كل أنواع التصرفات التي يقررها مباشرة الصغير‬
‫غير المميز‪ .‬وتنقسم هذه التصرفات إلى ثالثة أنواع‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬التصرفات النافعة نفعا محضا وتسمى أيضا "عقود اإلغتناء" التي تزيد أموال‬
‫الشخص أو تنقص ديونه دون مقابل‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬التصرفات الضارة ضررا محضا وتسمى أيضا "عقود اإلفتقار" ويقصد بها‬
‫تصرفات التي تنشأ في جانب الشخص إلتزاما دون أن تكسبه حقا أو تخرج من ذمته ماال‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬التصرفات الدائرة بين النفع والضرر ويقصد بها جميع "العقود التبادلية"‬
‫التي يتبادل فيها المتعاقدان األخذ والعطاء فيأخذ كل منهما مقابل ما يعطيه ويكتسب حقوقا‬
‫في مقابل ما يتحمله من إلتزام وتنقسم هذه التصرفات بدورها إلى صنفين‪:‬‬

‫صنف األول‪ :‬عقود اإلدارة كعقد التسويغ (عقد الكراء) بشرط أن ال يتجاوز مدته ثالثة‬
‫سنوات‪.‬‬

‫الصنف الثاني‪ :‬عقود التصرف كعقد البيع أو الرهن‪.‬‬


‫ثانيا‪ ،‬يجوز للصغير غير المميز التعاقد بواسطة وليه‪ ،‬فمن هو الولي؟ وما هي حدود‬
‫واليته؟‬

‫ينطبق على الصغير غير المميز بخصوص الوالية حكم القاصر عموما أي أنه يخضع‬
‫للفصل ‪ 154‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬فالقاصر وليه والدته بعد وفاة والده أو فقده لألهلية‪ .‬و فى صورة وفاة‬
‫االم‪ ,‬يعمل بوصية األب إن وجدت ويصبح حينذاك الولي هو الولي الموصي به‪ ،‬وفي‬
‫صورة غياب الوصي بعد موت األب واألم يقع اللجوء إلى القضاء لتسمية مقدم على‬
‫القاصر‪ .‬وبالنسبة للقاصر مجهول النسب يعين وليا عموميا له ( متصرفوا المستشفيات‬
‫ومدير واإلصالحيات‪ ،‬مأوى األطفال عندما يتعهدون بحفظهم والوالة في جميع الصور‬
‫األخرى)‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ويجب التنبيه أنه في حالة حصول طالق بين األبوين فإن األب يفقد جزء من واليته لفائدة‬
‫األم الحاضنة بموجب الفقرة الرابعة من الفصل ‪ 67‬م‪.‬أ‪.‬ش‪ .‬تتمتع األم بصالحيات الوالية‬
‫في ما يتعلق بسفر المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية أما الفقرة الخامسة‬
‫من الفصل ‪ 67‬م‪.‬أ‪.‬ش‪" .‬يمكن للقاضي أن يسند مشموالت الوالية إلى األم الحاضنة إذا‬
‫تعذر عن األب ممارستها أو التعسف فيها أو تهاون في القيام بواجبات المنجرة عنها عن‬
‫الوجه اإلعتيادي أو تغيب عن مقره وأصبح مجهول المقر أو ألي سبب يضر بمصلحة‬
‫المحضون"‪.‬‬

‫بموجب هذه األحكام التي ألحقت بمجلة األحوال الشخصية بعد تنقيح سنة ‪ 1993‬أصبحت‬
‫األم الحاضنة تتمتع بجزء من صالحيات الوالية الذي يشمل حصرا كل ما يتعلق بسفر‬
‫المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية وقد تنتقل صالحيات الوالية كاملة‬
‫ومشموالتها لألم الحاضنة في الصور التي حددتها الفقرة الخامسة من الفصل ‪.67‬‬

‫سلطات الولي ‪ :‬يجوز للولي القيام بالتصرفات القانونية في حق الصغير غير المميز وذلك‬
‫بالحدود التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬يمكن للولي أن يبرم عقود اإلغتناء وعقد اإلدارة استنادا ألحكام الفصل ‪ 5‬م إ ع‬

‫‪ -‬ال يجوز له إبرام عقود التصرف إال بإذن خاص من القاضي تطبيقا ألحكام الفصل ‪ 15‬م‬
‫ا ع‪.‬‬

‫‪ -‬ال يجوز للولي التبرع في حق القاصر وال يجوز للقاضي أن يرخص له في ذلك عمال‬
‫بأحكام الفصل ‪ 16‬م ا ع‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬مرحلة الصغير المميز أو القاصر‬
‫يعد مميزا الصغير الذي يتراوح عمره ‪ 13‬و ‪ 18‬سنة (الفصل ‪ 156‬ف ‪ 2‬م ا ش)‬

‫والصغير المميز يتمتع بأهلية مقيدة تطبيقا ألحكام الفصل ‪ 6‬م اع إال أن أهليته تكتمل إذا ما‬
‫تم ترشيده‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬األهلية المقيدة للصغير المميز‬


‫جاء بالفقرة الثانية من الفصل ‪ 156‬م ا ش أن الصغير الذي تجاوز الثالثة عشرة يكون‬
‫مميزا وتصرفاته نافذة إذا كانت من قبيل النفع المحض وباطلة إذا كانت من قبيل الضرر‬
‫المحض ويتوقف نفاذها في غير الصورتين المذكورتين على إرادة الولي"‪.‬‬

‫يستنتج من هذا الفصل ‪:‬‬

‫اجازة التصرفات النافعة نفعا محضا التي يقوم بها الصغير المميز كأن يقبل هبة‬ ‫‪-‬‬
‫أو إبراء من دين وهذه القاعدة دعمتها أحكام الفصل التاسع م ا ع الذي ينص "لمن ليس له‬
‫أهلية التعاقد والصغير الذي تجاوز ثالثة عشرة عاما القدرة على تحسين حالهما ولو بال‬
‫مشاركة األب أو الولي وذلك بقبول هبة أو غيرها من التبرعات التي من شأنها الزيادة في‬
‫كسبهما أو إبراء ذمتهما بدون أن يترتب عليهما شيء من جراء ذلك "‪.‬‬
‫ال يجوز للقاصر إبرام التصرفات القانونية الضارة ضررا محضا ولو حضي‬ ‫‪-‬‬
‫في خصوصها بإجازة وليه بحيث تكون التصرفات باطلة حتى ولو بإجازة الولي عمال‬
‫بالفصل ‪ 16‬م ا ع‪.‬‬
‫إن إجازة الولي ضرورية وكافية لصحة عقود اإلجارة التي يبرمها القاصر‪ ،‬فإن‬ ‫‪-‬‬
‫أبرم الصغير المميز هذه العقود دون إذن الولي اقتضت الفقرة الثانية من الفصل ‪ 8‬م ا ع‪.‬‬
‫بتصحيحها إجازة الولي‪ .‬فهذه العقود تعد موقوفة إلى أن يتبين مصيرها فإن أجيزت من‬
‫طرف الولي اعتبرت صحيحة و إن لم يجزها الولي (يصادق عليها) اعتبرت باطلة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫إن إجازة الولي ال تكفي لصحة عقود التصرف فال بد من حصوله على إذن من‬ ‫‪-‬‬
‫الحاكم المختص تطبيقا ألحكام الفصل ‪ 15‬م ا ع وال يعطي اإلذن المذكور إال عند الضرورة‬
‫والمصلحة الواضحة للمولى عليه القاصر‪.‬‬

‫إن المتأمل في كل هذه الصور يقف على قيام تقييد أهلية األداء على سعي المشرع إلى‬
‫حماية ناقص األهلية مما يبرر تدرج تلك الحماية حسب قوة خطر تبديد مكاسبه وإقرار‬
‫البداية عليه‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬حالة ترشيد القاصر ‪:‬‬


‫يمكن الترشيد الصغير المميز من التمتع المسبق باألهلية الكاملة فالترشيد إذن هو‬
‫اكتساب ألهلية التصرف قبل أوانها أي قبل بلوغ المعني سن الرشد‪ .‬والترشيد نوعان‪:‬‬
‫فيكون إما قضائيا أو قانونيا‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الترشيد القضائي ‪ :‬يميز المشرع بين صورتين للترشيد القضائي‪:‬‬

‫الصور األولى ‪ :‬يبين الفصل ‪ 1528‬م ا ش أنه "يمكن للحاكم ترشيد الصغير ترشيدا‬
‫مقيدا أو مطلقا"‪ .‬وتكون تصرفات الصغير المرشد صحيحة نافذة في حدود ترشيده‪.‬‬

‫وهذا الترشيد يمنحه القاضي بطلب من الولي للصغير الذي بلغ من العمر ‪ 15‬سنة‬
‫تطبيقا للفصل ‪ 159‬بعد التأكد من نمو مداركه واكتسابه المؤهالت التي ستمكنه من حسن‬
‫إدارة شؤونه والتصرف في مصالحه‪ .‬وتكون تصرفات الصغير المرشد صحيحة نافذة مثل‬
‫التصرفات التي تصدر عن كامل األهلية وإن كان الترشيد مقيدا فال يمكنه إبرام سوى‬
‫التصرفات التي رشد في شأنها أما ما عداها من التصرفات فهي تخضع ألحكام األهلية‬
‫المقيدة و إذا تبين الحقا أن المرشد ليس بأهل الرشد قضائي فإنه يقع التراجع في الترشيد‬
‫بمقتضى حكم ثان (الفصل ‪ 158‬م ا ش)‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الترشيد القانوني للزواج ‪ :‬ويسمى كذلك الترشيد اآللي ‪ :‬إن فكرة الترشيد بالزواج‬
‫وقع تكريسها بالفصل ‪ 153‬جديد م ا ش الذي نقح بالقانون عـ‪74‬ـدد المؤرخ في ‪ 12‬جويلية‬
‫‪ 1993‬والمتعلق بتنقيح بعض فصول م ا ش وذلك للقضاء على وضعية غريبة قانونية‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫فالزوجة كانت قبل هذا التاريخ أو هذا التنقيح قاصرة ومقيدة األهلية وخاضعة للوالية وهو‬
‫يتعارض مع مصلحتها ومصلحة أوالدها وخاصة مع دورها في األسرة كما حدده الفصل‬
‫‪ 23‬م ا ش إذ أنها تتعاون مع زوجها على تسيير شؤون األسرة وينص الفصل ‪ 153‬م ا ش‬
‫في صياغتة الجديدة على أن "زواج القاصر يرشده إذا تجاوز السابعة عشرة من عمره في‬
‫ما يتعلق بحالته الشخصية ومعامالته المدنية والتجارية"‪.‬‬

‫ومنذ إبرام عقد الزواج يرشد القاصر آليا ويصبح مؤهال للتصرف في شؤونه المالية‬
‫والتجارية والشخصية ويكون بذلك ترشيده مقيدا فمجاالته محددة في الحالة الشخصية‬
‫كطلب الطالق أو الن فقة والمعامالت المدنية والتجارية وبذلك ال يمتد الترشيد لغير ما ذكر‬
‫في المجاالت فهو ال يشمل األمور اإلدارية أو الحقوق السياسية‪ .‬ويجب التنبيه في هذا‬
‫الصدد على أنه وعلى عكس الترشيد القضائي الذي يمكن الرجوع فيه فإن الترشيد اآللي‬
‫للزواج ال يمكن الرجوع فيه إذ ال يزول بانحالل العالقة الزوجية بالوفاة أو الطالق‪ ،‬فيبقى‬
‫من ترشد بمفعول الزواج مكتمل األهلية ويرفع عنه الحجر ولو انفصمت العالقة الزوجية‬
‫وقبل أن يبلغ سن الرشد القانوني‪.‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬الحجر على الرشد‬


‫قد يبلغ اإلنسان سن الرشد ولكن اهليته تتأثر بعد ذلك بعدة عوامل تجعله تحت قيد‬
‫الحجر‪ .‬والحجر هو اإلجراء المفضي إلى سحب أهلية التصرف من مكتسبها‪ .‬والحجر‬
‫نوعان ‪ :‬حجر قضائي (القسم األول) وحجر آلي ينص عليه المشرع عند صدور بعض‬
‫األحكام (القسم الثاني)‪.‬‬

‫القسم األول ‪ :‬الحجر القضائي‬


‫اعتبارا لخطورة الحجر‪ ،‬نص الفصل ‪161‬من م ا ش على ضرورة تدخل القضاء لقيام الحجر‬
‫ويقصد من هذا التدخل القضائي فرض مراقبة على صفة ومصلحة طالب الحجر ثم التأكد من‬
‫وجود سبب الحجر ويتم الحجر في حاالت الجنون وضعف العقل والسفه‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬الجنون‬
‫يعرف الفصل ‪ 160‬م ا ش المجنون بكونه "الشخص الذي فقد عقله سواء كان جنونه‬
‫مطبقا يستغرق جميع أوقاته أو متقطعا تعتريه فترات يثوب إليه عقله فيها"‪.‬‬

‫وقد أوجب الفصل ‪ 161‬م ا ش الحجر على المجنون بحيث يعد من تاريخ صدور قرار‬
‫الحجر عليه فاقد التمييز وعديم أهلية األداء وقد نص الفصل ‪ 163‬م ا ش على أن تصرفات‬
‫المجنون غير نافذة"‪ ،‬على غرار تصرفات الصغير غير المميز وال يمكن له التعاقد إال‬
‫بواسطة وليه " الفصل ‪ 5‬م إ ع) وفي الحدود التي ضبطها المشرع للصغير غير المميز‬
‫(الفصل ‪ 15‬والفصل ‪ 16‬م ا ع)‪ .‬أما المجنون الذي لم يصدر في شأنه حكم بالحجر فال‬
‫تنعدم أهليته وهذا ما دعمته أحكام الفقرة الثالثة من الفصل الثالث من قانون ‪ 3‬أوت ‪1992‬‬
‫المتعلق بالصحة العقلية وبشروط اإليواء في المستشفى بسبب اضطرابات عقلية إذ نصت‬
‫على انه "ال يمكن أن يشكل إيواء األشخاص بالمستشفى من جراء اضطرابات عقلية سببا‬
‫آليا لتقييد أهليتهم القانونية"‪ .‬وال يجوز بالتالي إبطال تصرفاته إال على أساس عيوب الرضا‪.‬‬
‫وإذا ما تم الحجر على المجنون فإنه يمكن رفع الحجر عمال بالفصل ‪ 167‬م ا ش الذي‬
‫ينص "الحجر الواقع بحكم ال يرفع إال بحكم عدا صور المحجور عليه للصغير"‪.‬‬

‫كما اقتضت أحكام الفصل ‪ 168‬م ا ش أنه "للمحجور عليه مهما كان سبب حجره حق‬
‫القيام بدون واسطة لدى المحاكم بطلب رفع الحجر عنه"‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬ضعف العقل‬


‫نصت الفقرة الثانية من الفصل ‪ 160‬م ا ش على أن "الشخص غير الكامل الوعي‪،‬‬
‫السيء التدبير الذي ال يهتدي إلى تصرفات رائجة ويغبن في المبيعات" وهو المصاب‬
‫بالعته مثال ضعيف العقل الذي ال يصل خلله العقلي إلى حد الجنون وقد أقرت محكمة‬
‫التعقيب في هذا السياق بأن اختالل المدارك وضعف العقل يختلفان عن الجنون الذي هو‬
‫فقدان العقل تماما سواء كان مطبقا أو متقطعا" (قرار تعقيبي عـ‪5465‬ـدد صادر في ‪28‬‬
‫أكتوبر ‪ ) 1981‬ويقع الحجر على ضعيف العقل بحكم اعتمادا على رأي أهل المعرفة‪،‬‬
‫‪32‬‬
‫ويتعين على القاضي بموجب الفصل ‪ 22‬من أمر ‪ 18‬جويلية ‪ 1957‬بتولي إدارة مكاسب‬
‫المحجور عليه ويتمتع المحجور عليه بضعف العقل باهلية أداء مقيدة إذ يمكن تحسين حاله‬
‫كقبول هبة عمال بالفصل ‪ 9‬م ا ع‪ .‬لكن التصرفات األخرى التي يقوم بها بدون مساعدة‬
‫وليه تكون باطلة إذ لم يجزها الولي تطبيقا للفصل ‪ 162‬م ا ش الذي ينص على أن‬
‫التصرفات التي يقوم بها المحجور عليه دون مساعدة وليه تكون باطلة بطالنا مطلقا" غير‬
‫أن إجازة الولي غير كافية إلبرام عقود التصرف فال بد من حصول على إذن القاضي‬
‫عمال بالفصل ‪ 15‬م ا ع‪ .‬الذي ينص على "األب المدير لكسب إبنه أو السفيه والولي وكل‬
‫مدير لكسب بوجه قانوني ليس لهم أن يتصرفوا فيما هو موكول لنظرهم بمثل بيع‬
‫ومعاوضة وكراء لمدة تتجاوز ثالثة أعوام وشركة ومقاسمة ورهن وغير ذلك المذكور‬
‫إال عند الضرورة والمصلحة الواضحة للمذكور آنفا"‪ .‬وال يمكن للمحجور عليه القيام‬
‫بعقود التبرع عمال بالفصل ‪ 16‬م ا ع ويستثني المشرع من هذا الصنف من العقود الوصية‬
‫إذ جاء بالفصل ‪ 178‬م ا ش "تجوز الوصية من المحجور عليه بسفه أو ضعف عقل و من‬
‫البالغ ‪ 16‬عاما إلى أن أمضاها الحاكم"‪ .‬كما مكن المشرع ضمن الفصل ‪ 163‬م ا ش‪ .‬من‬
‫إبطال التصرفات التي قام بها ضعيف العقل قبل صدور حكم الحجز عليه إذ كان مشتهرا‬
‫بضعف العقل وقت إبرامها"‪ .‬ويتوقف اإلبطال في هاته الحالة على ثبوت اإلشتهار بضعف‬
‫العقل وقت إبرام العقد وتجدر اإلشارة إلى أن أحكام الفصل ‪ 163‬م أ ش ال تتعلق إال بمن‬
‫سبق أن صدر في شأنه حكم بالحجر من أجل ضعف عقله بحيث ال يكفي أن يثبت المدعي‬
‫اشتهار معاقده بضعف العقل بل يجب عليه أن يقدم أيضا الحكم بالحجر‪.‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬السفه‬


‫السفيه حسب الفصل ‪ 164‬م ا ش هو الذي ال يحسن التصرف في ماله ويعمل فيه‬
‫بالتبذير واإلسراف"‪ .‬ويتوقف الحجر عليه على حكم وتكون جميع التصرفات التي يباشرها‬
‫قبل الحكم صحيحة نافذة ال رجوع فيها عمال بالفصل ‪ 165‬م ا ش أما التصرفات التي يقوم‬
‫‪33‬‬
‫بها بعد الحجر عليه "فيتوقف نفذها على إجازة وليه" ويعتبر الفصل السادس من مجلة‬
‫االلتزامات والعقود السفيه المحجور عليه من اصحاب األهلية المقيدة فتكون منزلته منزلة‬
‫الصغير المميز‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬الحجر اآللي‬


‫يعبر هذا الصنف من الحجر عن سحب الثقة من المحجور عليه وعن حرمانه مما‬
‫يقتضيه الفصل ‪ 558‬م ا ع من أن "األصل في كل إنسان اإلستقامة وسالمة النية"‪ .‬وهو‬
‫ما يجد تطبيقا له في حالتين يجمع بينهما استنادهما صدور حكم ضد المعني بالحجر عليه ‪:‬‬

‫ففي الحالة األولى‪ ،‬يهدف الحجر إلى منع المحجور عليه الذي ثبت خطره على المجتمع‬
‫بصدور عقوبة سالبة للحرية لمدة تتجاوز ‪ 10‬سنوات من استعمال مكاسبه في ما يضر‬
‫اآلخر‪.‬‬

‫أما الصور الثانية‪ ،‬فيتجسم سبب الحجر فيها رغبة المشرع في حماية دائني المفلس‬
‫ومعاقديه من تبعات عدم كفاية مكاسبه لتغطية ديونه‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬المفلس‬


‫ينص الفصل ‪ 6‬من م ا ع صراحة على أن األهلية المقيدة ‪" :‬المحجور عليهم لتفليسهم"‪.‬‬
‫ويبين الفصل ‪ 457‬من المجلة التجارية أن الحكم بالتفليس يترتب عليه رفع يد المفلس عن‬
‫إدارة جميع مكاسبه والتصرف فيها‪ .‬وللمفلس ولي وهو أمين الفلسة الذي يتولى جميع‬
‫مكاسب وللتصرف فيها إال أنه تبقى للمفلس‪ .‬رغم هذا الحجر صالحية القيام باألعمال‬
‫التحفظية لصيانة حقوقه وله كذلك أن يتداخل في القضايا التي يقوم بها امين الفلسة وان‬
‫يمارس حقوقه الشخصية‪ .‬ويمكن للمفلس من استعادة اهليته الكاملة عندما يطلب إعادة‬
‫االعتبار إليه فيرفع عريضة إلى المحكمة التي صدر منها الحكم بالتفليس عمال بالفصل‬
‫‪ 583‬من المجلة التجارية‪ .‬وتحصل إعادة االعتبار بمفعول القانون إذا وفي المفلس بجميع‬
‫المبالغ الواجبة عليه أصال وفوائض‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬المحكوم عليه بالسجن لمدة تتجاوز ‪ 10‬أيام‬
‫ينص الفصل ‪ 30‬من المجلة الجزائية على أنه "يكون حتما كل محكوم عليه في جناية‬
‫واحدة بالسجن لمدة تتجاوز عشرة أعوام من تاريخ الحكم عليه إلى تمام مدة عقابه تحت‬
‫قيد الحجر ويعين له مقدم للقيام بإدارة مكاسبه بحيث أنه ال يمكنه التصرف فيها إال باإليصاء‬
‫كما ال يمكنه قبول أي مبلغ ولو جزئي من ربحها وترجع له مكاسبه عند انقضاء مدة عقابه‬
‫ويحاسبه حين إذن المقدم على تصرفه مدة تقديمه"‪.‬‬

‫وقضت محكمة التعقيب بأن اإلدالء بحكم جنائي ال يكفي إلثبات عدم أهلية المسجون‬
‫بل ال بد أن يكون تحت طائلة العقوبة "وال يمكن إبطال البيع على أساس الحكم الجنائي‬
‫المذكور دون التأكد من وجود البائع عند إبرام البيع بصدد تنفيذ العقوبة"‪.‬‬

‫وأضافت أن المسجون يسترجع أهليته سواء بانتهاء مدة العقوبة أو بأي سبب آخر‬
‫كالسراح الشرطي والعفو العام والخاص‪( .‬قرار صادر عن محكمة التعقيب في ‪ 26‬ماي‬
‫‪.1992‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬الذمة المالية‬


‫تعتبر الذمة المالية ثاني األركان الجوهرية التي تبرز من خاللها الشخصية القانونية‬
‫فهي توجد بمجرد وجودها وقبل تحديد صلة الذمة المالية بالشخصية القانونية وجب‬
‫تعريفها‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬تعريف الذمة المالية‬
‫الذمة المالية هي "مجموعة األموال وااللتزامات التابعة إلى شخص معين" (تعريف‬
‫جاء به ‪ )j.Carbonier‬وتتكون هذه الذمة من جانب إيجابي وآخر سلبي يتمثل األول في‬
‫مجموعة األموال والحقوق التي يكتسبها الشخص أما الثاني فإنه يشمل كامل اإللتزامات‬
‫وتترابط مختلف هذه العناصر فيما بينها فتفي اإليجابية منها بالسلبية وهو ما يحقق تالزما‬
‫وثيقا بين مكاسب الشخص وديونه فإذا زاد الجانب اإليجابي عن الجانب السلبي كانت الذمة‬
‫دائنة وإذا زاد الجانب السلبي عن الجانب االيجابي كانت الذمة مدينة فمحتوى الذمة المالية‬
‫للشخص هو الذي يحدد وضعه المالي وثروته الحقيقية‪.‬‬

‫نستنتج من خالل هذا التعريف أن الذمة المالية تضم كل الحقوق ذات الصبغة المالية‬
‫أي الحقوق القابلة للتقدير النقدي والتي تقبل التصرف فيها والتنازل عنها وتنتقل إلى‬
‫الورثة‪ .‬لذلك ال تشمل الذمة المالية الحقوق السياسية كحق التصويت واالنتخاب والترشح‬
‫والحقوق المدنية غير المالية كالحقوق العائلية (حق الحضانة‪ ،‬حق الزواج‪ )...‬والحقوق‬
‫األساسية للذات اإلنسانية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬صلة الذمة باألشخاص‬


‫اختلف الفقهاء في تصورهم للذمة فبرزت نظريتان ‪:‬‬

‫النظرية األولى ‪ :‬النظرية الشخصية ‪ :‬تربط هذه النظرية الفرنسية بين الذمة المالية‬
‫والشخصية القانونية ربطا وثيقا أن ترى أن الذمة تستند إلى وجود الشخصية القانونية‪.‬‬

‫النظرية الثانية ‪ :‬نظرية التخصيص ‪ :‬تقوم هذه النظرية األلمانية على الفصل بين الذمة‬
‫والشخص والربط بين الذمة المالية وفكرة الغرض فكلما خصصت مجموعة من الحقوق‬
‫لتحقيق غرض معين وجدت الذمة المالية بصرف النظر عن وجود الشخص‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫يبدو وأن المشرع التونسي تبنى النظرية الشخصية من خالل تكريسه لمبدأ وحدة الذمة‬
‫المالية ضمن الفصل ‪ 192‬من مجلة الحقوق العينية‪ .‬غير أن هذا المبدأ وردت عليه عديد‬
‫االستثناءات تبرز أخذ المشرع نظرية التخصيص في بعض الحاالت‪.‬‬

‫القسم األول ‪ :‬مبدأ وحدة الذمة المالية‬


‫يعتبر مبدأ وحدة الذمة المالية راسخا في النظام القانوني التونسي إذ رغم االستثناءات‬
‫التي أصبحت عديدة فإنه الزال باقيا ومحافظا على وجوده ويرجع ذلك إلى أهمية األسس‬
‫التي يقوم عليها وتعدد أبعاده‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬أسس الذمة المالية‬


‫األساس األول ـ اعتبار الذمة المالية وحدة قانونية مجردة‪ .‬تتميز الذمة المالية بأنها تمثل‬
‫مجموعة ووحدة مجردة مستقلة عن العناصر التي تكونها وهذه العناصر قد تزيد أو تنقص‬
‫دون ان يؤثر ذلك على وجود الذمة المالية ووحدتها‪.‬‬

‫األساس الثاني ‪ :‬ارتباط الذمة المالية بالشخصية ‪ :‬تبرز الوحدة القائمة بين الذمة المالية‬
‫والشخصية كأساس لمبدأ الوحدة فكما أن الشخصية واحدة فان الذمة المالية واحدة ال تتعدد‬
‫وهذا اإلرتباط قائم بينهما يظهر في مستويين‪:‬‬

‫المستوى األول ‪ :‬اندماج الذمة المالية في الشخصية‪ .‬توجد الذمة المالية كلما وجدت‬
‫الشخصية وتنعدم كلها انعدمت الشخصية‪ .‬إذا لكل شخص ذمة مالية حتى ولو لم تكن له‬
‫حقوق ولم يكن عليه أي التزام في الوقت الحالي‪ .‬والذمة المالية بهذا المعنى ليست مقصورة‬
‫على الحقوق واإللتزامات التي للشخص أو عليه في وقت معين وإنما تشمل أيضا ما سيوجد‬
‫من حقوق مالية وديون في المستقبل فهي بمثابة الوعاء وال يهم ان يكون هذا الوعاء خاويا‪.‬‬
‫فكل شخص له ذمة مالية ألن له القدرة على اكتساب الحقوق وتحمل االلتزامات‪ .‬ويعتبر‬
‫جانب من الفقه الفرنسي أن الذمة المالية هي في الحقيقة فكرة تجريدية تعني القدرة على‬

‫‪37‬‬
‫التملك وهي تراث الكائن البشري اإلنساني منذ والدته حتى وفاته وحتى قبل أن يولد في‬
‫حاالت معينة‪ .‬ويمكن القول أن الذمة المالية هي انعكاس ضروري للشخصية القانونية‪.‬‬

‫المستوى الثاني ‪ :‬استناد الذمة المالية إلى الشخصية القانونية ‪ :‬يبرز ارتباط الذمة المالية‬
‫بالشخصية في استنادها إليها فال يمكن لغير الشخص التمتع بذمة مالية‪ .‬ومن اجل المحافظة‬
‫على هذه القاعدة ثم اللجوء إلى تقنية الشخصية المعنوية فال يمكن لشخص من استخراج‬
‫جزء من ذمته المالية وتخصيصه لنشاط معين إال في إطار انشاء شركة وهو ما يعتبر‬
‫خلق شخصية قانونية جديدة تتمتع باستقاللية الذمة المالية عن ذمة كل شريك فيها‪ ،‬فخلق‬
‫شخصية قانونية يعني خلق ذمة مالية عن اجتماع جماعة من األشخاص الطبيعيين أو من‬
‫تخصيص مجموعة من األموال لتحقيق غرض معين ويكون له كيانه المستقل عن شخصية‬
‫المكونين له إذ جاء بالفصل ‪ 4‬من مجلة الشركات التجارية‪" :‬تنشأ عن كل شركة شخصية‬
‫معنوية مستقلة عن شخصية كل شريك"‬

‫إذن تستند الذمة المالية دائما إلى شخص سواء كان شخص طبيعي أو معنوي‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬أبعاد مبدأ الذمة المالية ‪ :‬تحقيق الضمان‬


‫العام‬
‫إن تكريس الضمان العام بمعنى حق الدائن في التنفيذ على كامل أموال المدين الحاضرة‬
‫والمستقلة بغية استخالص دينه يعهد من أهم اآلثار المترتبة عن مبدأ وحجة الذمة المالية‪.‬‬
‫فالذمة المالية تفي بكامل التزامات الشخص مهما كان مصدرها وتبعا لذلك فهي تسمح‬
‫للدائنين بالتنفيذ على كامل أموال المدين ولقد كرس المشرع التونسي حق الضمان العام‬
‫ضمن الفصل ‪ 192‬من مجلة الحقوق العينية الذي نص على أن "مكاسب المدين ضمان‬
‫لد ائنيه يتحاصصون ثمنها" إذا‪ ،‬تمثل جميع أموال المدين المنقولة والعقارية ضمان للدائن‬
‫العادي الذي يستطيع التنفيذ على كامل األموال الموجودة وقت ممارسة حق الضمان العام‬
‫(وقت المطالبة باستخالص الدين) فال يقتصر حقه على األموال الموجودة وقت نشأة‬
‫اإللتزام‪ .‬إن قاعدة حق الضمان العام هي قاعدة موسعة تشمل كل أموال المدين فكل من‬

‫‪38‬‬
‫العناصر اإليجابية تفي بالعناصر السلبية وتفريعا على ذلك ال يمكن تخصيص مكاسب‬
‫معينة لممارسة نشاط مهني أو تجاري وتخصيص مكاسب أخرى للقيام بنشاط فالحي كما‬
‫ال يجوز الفصل بين المكاسب المتأتية عن تلك األنشطة والمكاسب الخاصة مما يتيح‬
‫للدائنين عقلة كافة مكاسب المدين وتحاصص ثمنها بقطع النظر عن سبب ديونهم‪.‬‬

‫إن تكريس المشرع التونسي لمبدأ وحدة الذمة المالية لم يمنعه من التخفيف من حدته إذ‬
‫تشهد ظهور عديد المجموعات القانونية داخل الذمة المالية وبالتالي فإن مبدأ وحدة الذمة‬
‫المالية رغم ثباته قد أصبح مبدأ نسبيا‪.‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬مبدأ وحجة الذمة المالية مبدأ نسبي‬


‫ترد على مبدأ وحدة الذمة المالية بعض االستثناءات التي تبرز تأثر المشرع التونسي‬
‫بنظرية ذمة التخصيص‪.‬‬

‫الفقرة األولى ‪ :‬مقومات نظرية التخصيص‬


‫نظرية التخصيص هي نظرية ظهرت في ألمانيا كمحاولة لتجاوز نقائص النظرية‬
‫التقليدية التي كرست مبدأ وحدة الذمة المالية‪.‬‬

‫وتقوم نظرية التخصيص على فكرة أساسية تتمثل في اعتبار الذمة المالية مجموعة من‬
‫األموال المخصصة لغرض معين فالعامل الذي يحقق التماسك بينها هو وحدة الهدف‪ .‬وتبعا‬
‫لذلك فإن الذمة الما لية ليست بالضرورة مالزمة للشخصية بل توجد ولو لم تستند إلى‬
‫شخص معين ما دام شرط وجودها قد توفر وهو تخصيص مجموعة من األموال لتحقيق‬
‫هدف محدد ونتيجة لذلك تتعدد الذمة المالية بتعدد األطراف وهو ما يعني إقرار هذه‬
‫النظرية لقابلية الذمة المالية للتجزئة‪.‬‬

‫وبالرغم من المناداة بضرورة االعتراف بفكرة تعدد الذمة المالية وقابليتها للتجزئة فإن‬
‫فقهاء النظرية الحديثة بفرنسا لم يفصلوا مطلقا عن فكرة الشخصية فكل هذه الذمم وإن‬
‫تعددت يجمعها االنتماء إلى شخص واحد‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫إن نظرية ذمة التخصيص كما أقرها الفقه الفرنسي تبدو كحل وسط بين نظريتين‬
‫متناقضتين بين النظرية الكالسيكية والتي تغالي في ربط الذمة المالية بالشخصية‬
‫والنظريات األلمانية التي تقر إمكانية وجود ذمة مالية بالصاحب وهي ترى ضرورة وجود‬
‫ذمة مالية متى وجدت مجموعة من االموال المخصصة لهدف موحد وبالتالي فإن الشخص‬
‫يستطيع أن يتمتع بعدة ذمم تضم أمواال استخدمت في التجارة باإلضافة إلى ذمته المالية‬
‫التي تضم األموال التي يعتمد عليها في حياته كفرد‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬تطبيقات نظرية ذمة التخصيص‪.‬‬


‫كرس المشرع التونسي نظرية ذمة التخصيص عبر اإلعتراف بذمة مالية منفصلة داخل‬
‫الذمة المالية العادية وهو ما يبرز بوضوح عبر المثالين اآلتيين‪:‬‬

‫المثال األول ‪ :‬تضمنت مجلة التجارة البحرية أحكاما تجعل مسؤولية مجهز السفينة عن‬
‫تلف حمولتها تنحصر في ثروته البحرية المتمثلة في قيمة السفينة دون أن تمتد إلى ثروته‬
‫البرية‪.‬‬

‫المثال الثاني ‪ :‬كرس المشرع التونسي قاعدة ال تركة بعد سداد الديون فلقد نص الفصل‬
‫‪ 553‬م ا ع أنه "ال إرث إال بعد أداء الدين" كما جعل الفصل ‪ 87‬من م ا ش "الميراث آخر‬
‫ما يؤدي من التركة" ويمكن القول إذن‪ ،‬أن التركة قبل سداد ديونها مجموعة من االموال‬
‫المخصصة لغرض واحد وهو الوفاء بديون التركة وتعتبر هذه الكتلة من األموال ذمة‬
‫مؤقتة هدفها خالص دائني المورث وللتأكيد على استقاللية هذه الذمة فإن المشرع التونسي‬
‫اعتبر في الفصل ‪ 241‬م ا ع أنه "ال يجوز إلتزام الورثة إال بقدر إرثهم وعلى نسبة‬
‫مناباتهم"‪ .‬كما أنه في صورة امتناع الورثة من قبول اإلرث فإنه "ال يسع أرباب الدين إال‬
‫تتبع مخلف الدين" وهو ما يعين التأكيد على استقاللية هذه الذمة ووفاؤها لوحدها بالديون‬
‫الخاصة بها‪.‬‬

‫‪40‬‬

You might also like