Professional Documents
Culture Documents
يعتبر القانون ظاهرة اجتماعية وهو جملة القواعد التي تنظم العالقات البشرية تنظيما
مقترنا بالجزاء الوضعي على مخالفتها .ويتفرع القانون الى عام وخاص.
يهدف القانون العام لتنظيم السلطة في الدولة وتحديد عالقة الفرد بها ومن أهم فروعه
القانون الدستوري والقانون اإلداري والقانون الدولي العام والقانون المالي.
يهدف القانون الخاص لتنظيم العالقات بين األفراد ومن أهم فروعه القانون المدني
إلى جانب القانون الجزائي وقد تولدت عن القانون المدني فروع أخرى مثل القانون
التجاري وقانون الشغل.
االتجاه األول :استند إلى الهدف منه واعتبر أن القانون المدني هو القانون الخاص
الذي ينظم عالقات األفراد بغض النظر عن طبيعتها وعن المهنة التي يمتهنها.
االتجاه الثالث :ارتكز على محتواه ليجعل منه مجموعة األحكام المنظمة للعالقات
بين األشخاص والمتأتية من معامالتهم المدنية أي العادية اليومية.
وقد عرف األستاذ محمد كمال شرف الدين القانون المدني باعتباره "من أقدم فروع
القانون إطالقا وهو اليوم وفي مفهومه الحديث الجزء الرئيسي لما يسمى بالقانون الخاص
إذ هو المصدر التاريخي الذي تفرع منه القانون التجاري وجل فروع القانون الخاص
األخرى وهو بالتالي الجزء المتضمن لمجموعة القواعد المنظمة للعالقات الخاصة بين
1
أصحاب الحقوق عدى التي ترجع بالنظر ألحد الفروع األخرى التي تميزت واستقلت
عنه".
المالحظة األولى :تجد عبارة القانون المدني أصلها في القانون الروماني الذي
كان يميز بين القانون المدني و هو القانون الخاص بالمواطنين في روما وقانون الشعوب
اي قانون األجانب وهو قانون يشمل مجموعة القواعد المستندة من أنظمة الشعوب األجنبية
التي غزاها الرومان .وفي هذا السياق فإن القانون المدني مصدرها كلمة مدنية .وقد استعمل
مصطلح قانون مدني للداللة على قانون سكان روما وفي القرن السابع عشر تبنى الفقيه
الفرنسي دون دومات التسمية ذاتها لكنه أعطى للفظة مدلوال جديدا بمقابلتها بعبارة قانون
عام ،فالقانون المدني ينظم عالقات األفراد في حين يهتم القانون العام بضبط القواعد
المنظمة للدولة.
وفي بداية القرن التاسع عشر ،كرس القانون الفرنسي هذا المفهوم باعتماده لفظة
مدني لتسمية مجلة نابليون التي صدرت سنة 1804تحت عنوان المجلة المدنية .وبعد ذلك
وقع اعتماد هذه التسمية في العديد من البلدان األوروبية والعربية التي تأثرت بالتشريع
الفرنسي وبذلك أصبحت عبارة القانون المدني متداولة في نطاق تدريس القانون في أغلب
دول العالم بما في ذلك القانون التونسي.
المالحظة الثانية :يمتاز القانون المدني بمكانته الخاصة إذ يعتبر الشريعة العامة
أو القانون األصلي أي أنه ال يجوز الرجوع إلى قواعد القانون المدني إال إذا تعذر وجود
حكم مستقل في المادة المعنية ومن هذا الجانب يعد القانون المدني المصدر االحتياطي لكل
فروع القانون فاألحكام المتعلقة بعبء اإلثبات والواردة بالفصل 420في مجلة االلتزامات
والعقود والتي تنص على أن "إثبات االلتزام على القائم به" هي أحكام عامة يجوز تطبيقها
في كل فروع القانون إذا لم ترد أحكام خاصة تحيد عنها.
2
المالحظة الثالثة :أن ميدان القانون المدني شاسع جدا فهو ينظم الحقوق الذاتية
وتعرف الحقوق الذاتية بأنها جملة االمتيازات والسلطات التي يقرها القانون لألفراد
والذوات وهي تختلف عن الحقوق الموضوعية أو ما يعبر عنها بلفظة القانون وهو
مجموعة القواعد العامة والمجردة والملزمة.
إذن ،يقر القانون المدني حقوقا لألفراد وتسمى هذه الحقوق حقوقا ذاتية نسبة ألصحابها
أي الذوات ورغم مناهضة بعض التيارات لفكرة الحق الذاتي إال أن هذه األخيرة اكتسبت
مكانة في الدراسات الفقهية الحديثة وتدعمت هذه المكانة بتطور حقوق الفرد وإقرار
األنظمة القانونية لضرورة حمايتها .فقد نص الفصل السابع من الدستور التونسي على أن
"المواطن يتمتع بحقوقه كاملة بالطرق والشروط المبينة بالقانون وال تحد عن هذه الحقوق
إال بقانون يتخذ الحترام حقوق الغير ولصالح األمن العام والدفاع الوطني والزدهار
االقتصاد والنهوض االجتماعي".
.Iتعريف الحق
اختلف الفقهاء في تعريفهم للحق وظهرت عدة نظريات :
:تنطلق في تعريفها للحق من صاحبه وهي تجعل من النظرية الشخصية )1
الحق سلطة إرادية يخولها القانون للفرد فالحق صفة تلحق بالشخص تخول له القدرة على
القيام بأعمال قانونية بذلك يكون جوهر الحق القدرة واإلرادة فال وجود للحق إال بوجود
شخص يباشره ويتمتع به.
لكن ال يمكن اعتبار اإلرادة شرطا لقيام الحق فاألشخاص الذين تنعدم لديهم اإلرادة
يتمتعون بحقوقهم فالصغير غير المميز والمجنون وحتى الجنين قبل الوالدة يكتسبون حقوقا
رغم فقدانهم اإلرادة.
الموضوعية :اهتمت بموضوع الحق لتجعل منه المصلحة التي النظرية )2
يحميها القانون فجوهر الحق هو المصلحة وأما الوسيلة لتحقيق هذه المصلحة فهي حماية
3
القانون ،يفهم من هذا التعريف أن كل المصالح ال ترتفع بالضرورة إلى رتبة الحق إذ يجب
أن تنشأ المصلحة عن القانون وتتمتع بحمايته أي تمكن عند االقتضاء صاحبها من القيام
لدى القضاء للمطالبة باحترامها.
عاب بعض الفقهاء اقتصارها على تعريف الحق من خالل غايته في حين أن المنطق
يقتضي أن يكون التعريف عن طريق المقومات الجوهرية والخصائص الذاتية للشيء.
:يعرف هذا الفقيه الحق بأنه "سلطة يسندها القانون نظرية حون دافنت )3
لشخص معين ويضفي عليها حمايته بحيث يكون لصاحب الحق أي يتصرف بمقتضاها
في ما يملكه وهو ما يمثل الحق العيني أو فيما هو مستحق له وهو ما يمثل الحق الشخصي.
العنصر الثاني :التحكم :يمكن لصاحب الحق أن يمارس سلطة قانونية معنية تحقيقا
لمصلحة مشروعة.
العنصر الرابع :حماية القانون للحق :فالحق هو سلطة يقررها القانون ويحميها
لشخص معين يكون له الحق في رفع الدعاوي القضائية في شأنها ومن ذلك أن استئثار
السارق وتصرفه تجاه الشيء المسروق ال يعتبر حقا النعدام عنصر الحماية القانونية.
.IIأنواع الحق
تنقسم الحقوق المدنية إلى مالية وغير مالية وتنقسم الحقوق المالية إلى شخصية وعينية
وتنقسم الحقوق العينية إلى أصلية وتبعية.
4
القسم األول :الحقوق المالية والحقوق غير المالية
يتمتع كل شخص بذمة مالية تشمل جملة ماله من أموال وما عليه من االلتزامات
ويمكن القول بأن الذمة المالية تمتد لتشمل كافة الحقوق وتعتمد كمعيار يميز من خالله بين
الحقوق المالية والحقوق غير المالية.
فأما الحق المالي فهو حق ذا قيمة نقدية يمكن تقديره بالمال ويمتاز هذا الصنف بأنه
داخل في التعامل وبالتالي تجوز إحالته ويمكن انتقاله للورثة.
وأما الحق الغير المالي فهو حق ال يتمتع لذاته بقيمة نقدية باعتباره مجموعة القيم التي
تثبت للشخص لكونه إنسانا واعتبارا لمقوماته الشخصية وتسمى الحقوق غير المالية
بالحقوق اللصيقة با لشخصية وتمتاز بكونها تخرج عن التعامل فال يصح نقلها للغير
بالتنازل عنها أو بالتصرف فيها كما أنها ال تنتقل إلى الورثة.
إن التمييز بين الحقوق المالية والحقوق الغير المالية ال ينفي التداخل بينهما فبعض
الحقوق غير المالية والمتعلقة باألحوال الشخصية (مثال الزواج ،طالق ،نسب) ال تخلو
من مسائل مالية كالنفقة.
5
القسم الثاني :الحقوق الشخصية والحقوق العينية
الحق العيني هو سلطة مباشرة يخول القانون أن تكون لشخص على شيء على غرار
حق الملكية بحيث يقوم الحق العيني على عنصرين هما :صاحب الحق من جهة ومحل
الحق (موضوع الحق) من جهة أخرى على نحو يتيح لصاحب الحق مباشرة حقه دون
واسطة وإذا كان موضوع الحق العيني هو المال سواء كان عقارا أو منقوال فإن موضوع
الحق الشخصي هو دائما من المنقوالت.
والحق الشخصي ويسمى كذلك االلتزام هو رابطة تقوم بين شخصين يلتزم بموجبه
أحدهما وهو المدين تجاه الطرف اآلخر أي الدائن بأداء مبلغ من المال كالتزام المشتري
بتشييد بناء أو باالمتناع عن القيام بعمل كالتزام بائع األصل التجاري بعدم استغالل أصل
تجاري آخر من النوع ذاته في المنطقة التي يوجد بها األصل المبيع ،وإذا لم ينفذ المدين
التزامه من تلقاء نفسه وبمحض إرادته فإن الدائن له الحق في المطالبة بالتنفيذ إن كان
ممكنا أو بالفسخ (فسخ العقد) وفي كل الحاالت بجبر الضرر الحاصل له عن عدم تنفيذ
إلتزامه.
وقد ارتقت هذه التفرقة بين الحق العيني والحق الشخصي في القانون التونسي إلى
مستوى التدوين إذ خصص المشرع مجلة مستقلة للحقوق العينية وهو "مجلة الحقوق
العينية" في حين وردت جل األحكام المتعلقة بالحقوق الشخصية بـ"مجلة اإللتزامات
والعقود" ولهذا التمييز آثار قانونية متعددة إذ يترتب عن الحق العيني صالحيات ال توجد
في الحقوق الشخصية.
حق األفضلية :ويقصد به أن يتقدم صاحب الحق العيني على جميع الدائنين
الشخصيين للمدين في اقتفاء حقه من الشيء فالدائن الذي يمتاز بحق عيني (مثال الرهن)
يفضل على الدائن العادي الذي ال يتمتع إال بالحق الشخصي.
حق التتبع :تأسيسا على تميز الحق العيني بإقرار سلطة مباشرة على الشيء
يجبر القانون لصاحب الحق أي يتتبع الشيء مهما كانت اليد التي آلت إليها.
6
القسم الثالث :الحقوق األصلية والحقوق العينية التبعية
الحقوق األصلية هي التي تكون مستقلة بذاتها بحيث ال تستند في وجودها إلى حق آخر
تتبعه ويعتبر حق الملكية أهم مثال على هذه الحقوق.
الحقوق العينية التبعية هي الحقوق تكون تابعة لحق شخصي تضمن الوفاء به ولهذا
سميت بالتأمينات العينية ومثال ذلك حق االمتياز وحق الرهن.
.IIIمصادر الحق
يستند الحق في وجوده إلى القانون وإلى قواعده .فالقانون هو الذي يمنح الحقوق لكنه
ال يعتبر مصدرا لها ويمكن القول أن مصادر الحق تتمثل في األساليب التي يرتب القانون
على حصولها نشوء حق ويمكن تقسيم هذه األسباب إلى قسمين رئيسين:
الوقائع القانونية هي كل حدث يرتب عليه القانون أثرا قانونيا وقد تكون طبيعية أو
إرادية.
الوقائع الطبيعية :هي األحداث التي تتم دون تدخل اإلنسان وتكون سببا الكتساب
الحق من أمثلة ذلك:
الوالدة ،يترتب عليها بداية الشخصية واكتساب المولود حق امتالك لقب والده -
وفي جنسية اإلقليم التي تمت فيه الوالدة وما يترتب عنها من حقوق خاصة.
الوفاة ،ينشأ بها حق الخلف في الميراث فتتنقل أموال الهالك إلى خلفه. -
مرور الزمن ،يجعل القاصر رشيدا ويجعل له حق مباشرة التصرفات القانونية -
في نفسه ويجعل الحق المؤجل حاال بحيث يحق لصاحبه اقتفاءه.
7
الكوارث الطبيعية تعتبر أحيانا قوة قاهرة تبرئ ذمة المدين من اإللتزام الذي -
يتحمله فتجعل له الحق في أن يؤخر الوفاء بدينه أو أن تعفيه إعفاء كامال من الوفاء به
(الفصل 282م.إ.ع.).
الوقائع اإلرادية :هي وقائع تصدر عن شخص بقصد أو عن غير قصد ويرتب
عليها القانون أثرا بغض النظر عن دور اإلرادة في الحصول على ذلك األثر وتشمل
الوقائع اإلرادية شبه العقد والجنح وما يشبهها.
شبه العقد :هو عمل جائز يقوم به الشخص اختيارا يرتب التزاما في ذمة الغير وقد
نظمت مجلة االلتزامات والعقود ثالثة أنواع لشبه العقد:
التصرف الفضولي :هو قيام شخص يسمى الفضولي بفعل يترتب عليه منفعة
لشخص آخر دون أن يكون مفوضا في ذلك أو ملزما به ويتحمل صاحب المصلحة جميع
ما التزم به الفضولي في حقه .ومثال ذلك :أن الشخص الذي يكتشف أن مسكن جاره
المتغيب عنه قد تعرض إلى عملية خلع ويكلف نجارا لتثبيت األقفال حتى ال يتعرض
المنزل ثانية إلى السرقة ،له الحق أن يطالب جاره باسترجاع كامل المصاريف التي
استوجبها عملية اإلصالح.
اإلثراء بدون سبب :يتمثل في خروج قيمة مالية من مكاسب الشخص (يسمى
المفتقر) ودخولها بدون مبرر ضمن مكاسب شخص آخر (يسمى المشتري) على نحو
يوجب إرجاع تلك القيمة إلى الذمة المالية التي خرجت منها ومثال ذلك أن فالحا يكلف
عامال بحرث أرضه ولكن األرض المجاورة له هي التي حرثت عن خطأ في هذه الحالة
يتحتم على الفالح الذي حرثت أرضه أن يعوض الفالح األول الذي دفع مصاريف الحرث.
دفع غير المستحق :اقتضى الفصل 73م.أ.ع .أن "من دفع ما ليس عليه ظنا منه أنه
مدين لجهل كان به من حيث الحقوق أو من حيث حقيقة األمر له أن يسترجع ما أداه ممن
اتصل به".
الجنحة وشبهها :وهي الفعل غير مباح الذي قد يرتكبه الشخص فيحدث ضررا للغير:
وتطلق الجنحة حسب الفصل 82م.إ.ع .على الخطأ الذي يرتكبه الشخص عمدا منه أو
اختيار كتعمد الضرب أو الجرح متسببا في أضرار مادية أو معنوية للغير أما شبه الجنحة
فتتمثل في إلحاق الضرر بالغير دون حاجة إلى إثبات قصد اإلضرار عمال بالفصل 83
م.إ.ع .وفي تلك الحالتين ال بد من وجود خطأ في الجانب مرتكب الفعل الضار ويقوم الخطأ
على ركنين:
ركن مادي :يتمثل في الفعل الذي يقع به اإلخالل بالواجب ويسمى التعدي.
والتعدي هو انحراف في سلوك الشخص يتمثل في تجاوز الحدود التي يجب احترامها
وااللتزام بها وسواء تعلق األمر بجنحة أو بشبه جنحة فإن التعويض يتوجب في كلتا
الحالتين ويقدر بالرجوع إلى مقدار الضرر.
الركن المعنوي :يتمثل في التمييز ويقصد به أن يستطيع اإلنسان إدراك ما في
سلوكه من انحراف إذا تنفي مسؤولية الصغير غير المميز والمجهول .ففي صورة إثبات
الخطأ والضرر الناجم عنه ينشأ للمتضرر حق تجاه مرتكب الفعل في أن يعوضه عما وقع
له من ضرر.
9
القسم الثاني :التصرفات القانونية
التصرفات القانونية هي اتجاه اإلرادة إلحداث أثر قانوني معين كإنشاء إلتزام أو تغييره
أو انقضاءه .يتضح من خالل هذا التعريف أن التصرفات القانونية تختلف عن الوقائع
القانونية .فجوهر التصرف القانوني هو اإلرادة الشخصية باعتبار أن ما يترتب عنه من
آثار قان ونية يستمد وجوده من اإلرادة .أما جوهر الفعل كواقعة قانونية فهو العمل المادي
بحيث أنه حتى وإن وجدت اإلرادة في إتيان الفعل فإن ما يترتب عنه من أثر قانوني يحدده
القانون وال شأن لإلرادة فيه.
إن الدور الذي تلعبه اإلرادة في تعريف التصرف القانوني هو الذي يفسر وجوب توفر
شروط الصحة التي ال يتصور حصولها بالنسبة للوقائع القانونية ،فاإلرادة ال تنتج آثارها
إال إذا كانت سليمة أي خالية من العيوب كالغلط واإلكراه وصادرة عن شخص يتمتع
باألهلية القانونية.
وتنقسم التصرفات القانونية إلى عدة أصناف وذلك حسب عدد األطراف ودرجة
الخطورة القانونية للتصرف.
هذا التقسيم يمكن من التفريق بين التصرفات الملزمة لجانب واحد من جهة والعقود من
جهة ثانية؛ فالتصرف الفردي ناشئ عن إرادة واحدة أما التصرف الثنائي فهو عبارة عن
تالقي إرادتين ويكون على عبارة عن عقد يبرم بين شخصين .وفي كلتا الحالتين يتعلق
األمر بتصرف قانوني يتولد عنه حق.
تنقسم التصرفات القانونية حسب درجة خطورتها على الذمة المالية إلى أعمال الحفظ
التي ترمي إلى المحافظة على الحق كااللتزام بالحفظ الذي يضعه عقد الكراء على كاهل
10
مسو غ العقار وأعمال اإلدارة التي تهدف إلى استغالل المال كالكراء والتي تختلف عن
أعم ال التصرف التي تقتضي التفويت في المال كبيعه أو القيام عليه بعملية قانونية قد
تقضي إلى التفويت فيه كالرهن مثال.
تنقسم دراسة نظرية الحقوق إلى بابين :يخص األول أصحاب الحق ويتعلق الثاني
بحماية الحق.
11
الجزء األول :أصحاب الحق
باعتبار أن الحق سلطة يسندها القانون لشخص ال يتصور وجوده دون صاحب يستأثر
به وصاحب الحق هو اإلنسان دون الحيوان فكل إنسان بدون استثناء مؤهل الكتساب
الحقوق والتمتع بها أما الحيوان فيعد موضوع الحق لهذا السبب ينظر القانون إلى اإلنسان
عبر مصطلح قانوني هو الشخص أو "الشخصية القانونية" والتي تعرف بأنها القدرة على
اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات إال أنه يمكن لنا أن نتبين أن الشخصية القانونية ال تالزم
ضرورة اإلنسان لسببين:
السبب األول :لم تكن الشرائع القديمة تعترف بالشخصية القانونية بكل كائن -
بشري فالعبد رغم صفته اإلنسانية لم يكن مؤهال الكتساب الحقوق ،كذلك عرفت بعض
الدول األوروبية في القرون الوسطى مؤسسة الموت المدني وتتمثل في عقوبة تسلط على
بعض المجرمين ويتم بمقتضاها حرمانهم من كافة حقوقهم المدنية أي سلبهم الشخصية
القانونية ونتيجة لتطور الفكر البشري في العصر الحديث ألغيت العبودية وعقوبة الموت
المدني وتم االعتراف لكل إنسان بالشخصية القانونية بل وأصبحت هذه األخيرة من حقوق
اإلنسان إذ جاء في المادة السادسة من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان أنه "لكل إنسان
أينما وجد الحق في أن يعترف بشخصيته القانونية".
السبب الثاني :ال تقتصر الشخصية في األنظمة المعاصرة على اإلنسان بل -
تتجاوزه الستيعاب صنف مجرد ليس له أي وجود مادي ولكنه شخص قانوني ،فصنف
األشخاص يتضمن الشخص الطبيعي (اإلنسان) وكذلك الذات المعنوية .يشكل هذان
الصنفان أصحاب الحق فيتوجب دراسة الشخص الطبيعي (الفصل األول) ثم الشخص
المعنوي (الفصل الثاني).
12
الفصل األول:
الشخص الطبيعي
لكل إنسان ذكرا كان أو أنثى شخصية قانونية تخول له أن يتمتع بحقوق مقابل الواجبات
التي يتحملها مما يجعل من اإلنسان كائنا تنشأ شخصيته القانونية منذ وجوده على قيد الحياة
بقطع النظر عن مدى وعيه وإدراكه لتصاحبه في كافة أطوار حياته .وهو ما يفسر تكريس
مبدأ المساواة بين األفراد صلب الدستور التونسي الذي ينص على أن "كل المواطنين
متساوون في الحقوق والواجبات وهم سواء أمام القانون" ،فيتجه إذن البحث في المجال
الزمني للشخصية القانونية (الفرع األول) ثم أركان الشخصية القانونية (الفرع الثاني)
وأخيرا خصائص الشخصية القانونية (الفرع الثالث).
لم يهتم المشروع التونسي بتحديد مدة الشخصية القانونية وذلك على خالف التشريع
المصري أو الجزائري .فقد جاء في الفصل 25من المجلة المدنية الجزائرية أنه "تبدأ
شخصية اإلنسان بتمام والدته حيا وتنتهي بموته على أن الجنين يتمتع بالحقوق المدنية
بشرط أن يولد حيا".
وفي غياب نص عام مماثل في القوانين التونسية ،يقع اإللتجاء إلى أحكام المواريث التي
يمكن أن نستنتج منها نظام قانوني للشخصية القانونية .فالفصل 85من م.أ.ش .ينص على
أنه "يستحق اإلرث بموت الموروث ولو حكما وبتحقيق حياة الوارث من بعده".
يمكن أن نستنتج أن الشخصية القانونية تالزم اإلنسان مدى حياته ومبدئيا تبدأ الشخصية
القانونية من الوالدة إلى الموت.
ينص الفصل 150م.أ.ش .أنه "إذا توفي الرجل عن زوجته أو معتدته فال يرث حملها
إال أذا ولد حيا لمدة ال تتجاوز العام".
وألن القدرة على اإلرث هي رهين تمتع الوارث بالشخصية القانونية يمكن القول بأن
الشخصية ال توجد إال متى ولد اإلنسان حيا فإذا ولد ميتا فهو عديم الشخصية منذ النشأة.
إذن ،يجب التأكد من توفر عنصر الحياة زمن الوالدة وهو ما يقع إثباته باالستهالل (إي
بكاء الطفل بمجرد والدته) وعند الشك برأي األطباء ويتمتع المولود بالشخصية القانونية
حتى وإن توفي في اللحظات الموالية للوالدة أما القانون الفرنسي فقد أضاف إلى شرط
الوالدة حيا القدرة على الحياة وهو ما يستوجب التأكد من أن التكوين الجسدي والعضوي
والبيولوجي للمولود يجعله قادرا على مواصلة العيش بصفة طبيعية.
ويترتب عن الشخصية القانونية التي يتمتع بها المولود منذ والدته حيا وطوال بقائه
على قيد الحياة القدرة على اكتساب الحقوق وهي الحق في اإلرث ،الحق في النسب ،الحق
في النفقة...
ونظرا ألهمية الوالدة في تحديدها لبداية الشخصية القانونية حدد المشروع وسيلة
إلثباتها.
14
القسم الثاني :إثبات الوالدة
تثبت الوالدة برسم الوالدة الذي يحرره ضابط الحالة المدنية عمال بأحكام الفصول من
22إلى 30من قانون عـ3ـدد لسنة 1957المؤرخ في 1أوت 1975والمتعلق بمجلة
الحالة المدنية .وينص الضابط برسم الوالدة على اليوم والساعة ومكان الوالدة وجنس
المولود واألسماء التي تختار له وإسم ولقب ومكان وتاريخ والدة األب واألم ومسكنيهما
وجنسيتهما.
فالقانون يوجب على والد المولود واألطباء والقوابل أو غيرهم من األشخاص الذين
شهدوا الوضع إعالم ضابط الحالة المدنية بالميالد خالل 10أيام التي تليه .ويترتب عن
عدم إعالم األجل القانوني منع ترسيم المولود إلى أن يتم اإلذن في ذلك من طرف رئيس
المحكمة اإلبتدائية بالجهة التي ولد بها المولود (الفصل 23م.ح.م.).
وقد خص قانون الحالة المدنية الصورة التي يكون فيها المولود الجديد مجهول النسب
بحكم خاص ففرض الفصل 27م.ح.م .على الشخص الذي يكتشف هذا الطفل أن يسلمه
لضابط الحالة المدنية وأن يصرح بالظروف والزمان والمكان التي عثر فيها عن المولود
ويتم تحديد سنه حسب الظاهر في تقرير خاص .ويستخلص مما سبق ذكره أن القانون
التونسي يعتبر بتدقيق أحكام اإلعالم بالوالدة ويحث على احترامها حتى تكون دفاتر الحالة
المدنية شاملة لكل األشخاص ومبينة لتاريخ ميالد كل فرد وهو ما ييسر معرفة بداية
الشخصية القانونية لألشخاص الطبيعيين.
15
خروجا عن الحل المبدئي يكتسب الجنين مدة الحمل أي قبل حصول الوالدة الشخصية القانونية
فالقانون التونسي كرس مبدئيا قديما عرفه الرومان يقر بأن للجنين بعض الحقوق التي تقتضيها
مصلحته ووضع شروطا لتمتع الجنين بهذه الحقوق.
)1حق الميراث
ينص الفصل 147م.أ.ش .على أنه "يوقف من التركة للحمل األكثر من حظ ابن واحد
أو بنت واحدة إن كان الحمل يشارك الورثة أو يحجبهم حجب نقصان ،فإن كان يحجبهم
حجب حرمان يوقف الكل وال تقسم التركة".
والحجب حسب تعريف الفصل 122م.أ.ش .هو "منع وارث معين من كل إلرث أو
بعضه أشخص آخر وهو نوعان :األول حجب نقصان من حصة من اإلرث إلى أقل منها،
الثاني حجب حرمان من الميراث".
فالحمل يكون دائما معامال باألحسن وبالتفضيل فلقد جاء بالفصل 148م.أ.ش .أنه "إذا
كان الحمل يشارك الورثة أو يحجبهم حجب نقصان فمن ال يتغير فرضه يعطى حظه ومن
يتغير فرضه من األكثر إلى األقل يعطى األقل ومن يسقط في إحدى حالتي الحمل ال يعطي
شيئا".
يقع اإلحتفاظ بحقوق الجنين إلى أن تقع الوالدة فإن ولد الجنين حيا اكتسب نهائيا منابه
من التركة أما إن ولد ميتا فيوزع ما احتفظ به على الورثة اآلخرين.
16
عرف الفصل 171م.أ.ش .بكونها "تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق التبرع
سواء كان عينيا أو منفعة" .وقد اقتضى الفصل 184م.أ.ش" .للحمل بشرط أن يكون
موجودا بطريق اإليصاء وأن يوضع حيا في المدة المعينة بالفصل 35وتحتفظ غلة
الموصى به من حين وفاة الموصى إلى أن ينفصل الحمل" .وتجدر المالحظة إلى أن
الفصل 184م.أ.ش .لم يجز اإليصاء لمن سيجوز بل اشترط وجود الحمل وتحقيق حياته
بعد الوالدة.
التأمين على الحياة هو عقد يتعهد بمقتضاه المؤمن مقابل أقساط بأداء مبلغ من المال إلى
المتعاقد معه أو إلى مستفيد إذا تحقق حادث احتمالي يتصل بموت المتعاقد وقد أقر الفصل
39من القانون عـ24ـدد لسنة 1992المؤرخ في 9مارس 1992والمتعلق بإصدار مجلة
التأمين أن المستفيد يمكن أن يكون من سيولد من أبناء .إذن للجنين للحق في الحصول على
غرامة التأمين.
اعترف حكم القضاء للجنين بحقه في التعويض عن الضرر المادي الذي لحقه نتيجة
فقدانه أحد أقاربه وقد اقترن هذا التعريف أساسا بوفاة األب .فبوفاة األب يحرم الطفل من
النفقة والرعاية المادية لذلك ال بد من تعريفه قبل والدته .هذا الحق أسنده فقه القضاء وليس
المشروع.
17
القسم الثاني :شروط تمتع الجنين بحقوقه
أقر المشروع بعض الحقوق للجنين وهو ما يعني تمتعه بالشخصية القانونية وقد اعتبرت
اللجنة الوطنية لألخالقيات الطبية التي أحدثت بموجب األمر المؤرخ في 19سبتمبر
1994أن "الجنين شخص احتمالي" أي أن الشخصية ال تثبت له بصفة نهائية إال بتمام
الوالدة حيا ،فإذا ولد ميتا فإن الحقوق التي اكتسبها تعد كأنها لم تكن .كما أن شخصية
الجنين موقوفة على شرط والدته خالل فترة معينة وهو ما يدفعنا للبحث عن مدة الحمل
أدناها وأقصاها.
أقر المشروع الحد األدنى للحمل بـ 6أشهر إذ جاء بالفصل 71م.أ.ش .أنه" :إذا ولدت
الزوجة لتمام ستة أشهر فأكثر من حين عقد الزواج سواء كان العقد صحيحا أو فاسدا
(باطال) يثبت نسب المولود من الزوج".
الحالة األولى :إذا تعلق األمر بحق الجنين في إرث أبيه تكون المدة القصوى -
للحمل سنة كاملة وينص الفصل 69م.إ.ش" .ال يثبت النسب عن اإلنكار لولد زوجة تثبت
عدم التالقي بينها وبين زوجها وال لولد زوجة أتت بعد سنة من غيبة الزوج عنها أو من
وفاته أو من تاريخ الطالق" .كما أن الفصل 35م.أ.ش .اقتضى أن "عدة الحامل وضع
حملها وأقصى مدة الحمل سنة من تاريخ الطالق أو تاريخ الوفاة".
الحالة الثانية :إذا تعلق األمر بحق الجنين في إرث غير أبيه تكون المدة القصوى -
للحمل 9أشهر عمال بأحكام الفصل 150م.أ.ش .ويكون الهدف من اختصار أجل الحمل
اجتناب اإلنجاب المتعمد بعد وفاة المورث وهو ما قد يحصل إذا بقيت مدة الحمل سنة
كاملة.
18
وقد أدى تطور العلوم البيولوجية إلى إفراز ظاهرة تجميد األجنة (ج .جنين) التي تسمح
األزواج الذين يعانون من أمراض تحول دون اإلنجاب في مستقبل حياتهما باإلحتفاظ
بالجنين بمراكز مختصة ورغم ما يمكن أن تطرحه تقنيات التجميد من إشكاالت قانونية
حول وجود الحمل ومدته بما ينعكس على الحقوق المالية وغير المالية للجنين إال أن
المشروع التونسي سعى وبمقتضى قانون عـ93ـدد لسنة 2001مؤرخ في 7أوت 2001
والمتعلق بالطب اإلنجابي إلى تنظيم عمليات التجميد .فكانت أحكام هذا القانون متناغمة
وأحكام مجلة األحوال الشخصية حول المدة القصوى للحمل ،فحصر األعمال الطبية
المساعدة لإلنجاب في الشخصين المتزوجين وذلك قصد تدارك عدم الخصوبة لديها
وبشرط وجودهما على قيد الحياة ومكن قانون 7أوت 2001من تجميد الجنين لمدة
قصوى ال تتجاوز 5سنوات قابلة للتجديد لنفس المدة بطلب كتابي من الزوجين على أن
يتم زرع الجنين بحضورهما شخصيا وبعد الحصول على موافقتهما الكتابية ويمكن إنهاء
تجميد الجنين بعدة أسباب من بينها وفاة أحد الزوجين أو انتهاء المدة أو بطلب كتابي منهما
أو بالطالق إذ يمكن مطالبة المحكمة المتعاهدة بالطالق بإنهاء تجميد الألجنة ورتب قانون
7أوت 2001عقوبات تأديبية وجزائرية عند مخالفتها األحكام المتعلقة بتجميد الجنين.
ونظرا ألهمية و اقعة الوفاة التي تتحدد من خاللها نهاية الشخصية القانونية .اهتم المشرع
التونسي بمسألة إثباتها.
اعتبر المشرع ضمن هذا الفصل أنه إذا لم يتسنى تحديد الهالك الذي توفي قبل اآلخر
فال وارث بينهما.
ويبدو أن المشرع التونسي ال يميز بين الغائب والمفقود رغم وجود اختالف بينهما
فالغائب هو كل شخص غادر موطنه دون أن يحتمل حصول موته أو دون أن يكون وجوده
على قيد الحياة محال للشك أما المفقود فهو كل من يرجح موته نظرا للظروف التي انقطعت
21
فيها أخباره مع وجوب توفر شروط حتى يقع الحكم بالموت االعتباري (الموت الحكمي)
وهو ما تضمنه الفصل 82م ا ش الذي ميز بين حالتين :
الحالة األولى :إذا انقطعت أخبار الشخص في ظروف استثنائية يغلب فيها الموت (مثل
الحروب ،الكوارث الطبيعية) فإن القاضي يحكم "بالفقدان" أي بالموت االعتباري بعد أي
يضرب أجال ال يتجاوز العامين يتم خالله البحث عنه بغاية تبين حقيقة وجوده من هالكه.
الحالة الثانية :إذا انقطعت أخبار شخص في ظروف عادية فإن للقاضي حرية تحديد
األجل للبحث عنه ثم يحكم بالموت االعتباري .إن عامل الزمن هنا يدعم احتمال الوفاة إذا
امتد الصمت المتواصل للغائب لفترة طويلة .فالغياب إذا طال يمكن أن يتحول إلى فقدان
يبيح للقاضي أي يحدد في شأنه المدة التي تصير فيها الوفاة الحكمية مستساغة كأن تتجاوز
هذه المدة المضافة إلى عمر الشخص الغائب طول الحياة البشرية بقدر ملحوظ.
22
قبل التصريح بموته ،يتمتع المفقود بالشخصية القانونية التامة وتبقى عالقاته التعاقدية
جارية ويحافظ على عناصر ذمته ويحفظ في اإلرث حقوقه فلقد نصت أحكام الفصل 151
م ا ش أنه "يوقف للمفقود من تركة مورثه نصيبه فيها فإن ظهر حيا أخذه".
ولقد أوجب القانون تعيين مقدم يضبط مكاسب المفقود ويديرها .فقد نص الفصل 83م ا ش.
"إذا فقد اإلنسان ولم يمكن له وكيل فإن الحاكم يحصر ماله ويقدم من قرابة المفقود أو غيره
من ينظر فيه تحت إذنه غلى ظهور موته من حياته أو بصدور الحكم بفقدانه".
أوال :جاء الفصل 151م ا ش أنه إذا ظهر المفقود حيا بعد الحكم بموته أخذ ما بقي من نصيبه
بأيدي المورثة.
23
ثانيا :جاء بالفصل 58م ح م أن العائد إلى الظهور يسترجع مكاسبه حسب الحالة التي توجد
عليها وكذلك ثمن ما وقع التفويت فيه والمكاسب المشتراة برؤوس األموال والمداخيل الراجعة
له.
يحتفظ الشخص الطبيعي بشخصيته طيلة حياته لكن اختلف الفقهاء حول مدى ارتباط تاريخ
زوال الشخصية القانونية بتاريخ الوفاة فبرز اتجاهان.
االتجاه األول :اعتبر أن شخصية اإلنسان تمتد بعد وفاة إلى حين الفراغ من تصفية تركته
وسداد ديونه تطبيقا ألحكام الفصل 553م إ ع الذي ينص على أن "الدائن يقدم على الوارث
على التركة ال يتعلق إال بالرصيد اإليجابي فيها وذلك بعد سداد الديون".
اإلتجاه الثاني :يرى أن الفصل 553م إ ع ال يتعلق بمسألة استحقاق التركة بل بمسألة ترتيب
األداء واعتبر أن انتقال ملكيتها يكون لحظة تحقق الوفاة تطبيقا للفصل 85م أ ش والحكام
الفصل 123م ح ع الذي ينص على أن "كل من المتقاسمين يعتبر مالكا للحصة التي آلت إليه
منذ أن كان مالكا من أول الشيوع "و أول الشيوع هو وفاة المورث المالك األصلي للمال.
كما تنقضي بوفاة الشخصي كل العقود وااللتزامات المرتبطة بشخص متوفى كاإللتزام بالنفقة
المترتبة عن عقد الزواج واإللتزامات المهنية المترتبة عن عقد الشغل وتنتقل ذمته المالية إلى
ورثته كي يكتسبون حقوقه ويتحملون إلتزاماته وذلك باإللتزام الوارث بديون المورث في حدود
ما آل إليه من التركة تطبيقا للفصل 241م إ ع وتعتبر جميع الديون حالة بمجرد الوفاة (فصل
150م إ ع).
القانونية
24
ال تكتسي الشخصية القانونية مفعولها العملي والتطبيقي إال بعنصرين إثنين :األهلية (المبحث
األول) والذمة المالية (المبحث الثاني).
المعنى األول :هي القدرة على اكتساب الحقوق وتحمل ما يقابلها من واجبات وتسمى هذه الفئة
أهلية الوجوب (أو أهلية التمتع).
المعنى الثاني :هي القدرة على ممارسة تلك الحقوق من خالل نشاط قانوني يقوم على إبرام
تصرفات قانونية صحيحة ونافذة وتدعى أهلية التصرف أو األداء
ترتبط أهلية الوجوب بالشخصية القانونية بحيث تثبت للشخص الطبيعي منذ والدته وقد تثبت
له حتى قبل الوالدة وتزول بوفاته .إذا ،يتمتع الشخص بأهلية الوجوب بغض النظر عن السن
أو التمييز ودون اعتبار لمدى وجود إرادة لديه وال يتصور تجريد شخص منها تماما إذ في
ذلك غياب الشخصية القانونية ولذلك سميت بأهلية الوجوب لوجوب اقتران الشخصية بها و ال
تتأثر أهلية الوجوب بحاالت المنع من التعاقد لحماية الغير من استغالل ما تخوله بعض المهن
أو الوظائف من نفوذ .منع المشرع من خالل الفصول من 566إلى 569م إ ع العاملين بها
من شراء األشياء التي يفترض أن لهم سلطان عليها كما منع كل متصرف بالنسبة عن غيره
من أن يعقد لنفسه على معنى الفصل 549م إ ع.
-2أهلية األداء
25
أهلية األداء هي القدرة على ممارسة الحق وهي تمثل الجانب التطبيقي ألهلية الوجوب إذ
ال يمكن اإلقتصار على القدرة على اكتساب الحقوق وتحمل الواجبات بل ال بد من أن يتمكن
الشخص مباشرة هذه الحقوق والتصرف فيها على الوجه القانوني.
واألصل هو األهلية إذ نص الفصل 3م ا ع على أن "كل شخص أهل لإللزام واإللتزام ما
لم يصرح القانون لخالفه" .وهو ما يعني أن الحد من األهلية ال يمكن أن يترتب إال عن
القانون .وقد حدد المشرع العوامل التي تتأثر بها األهلية والتي ينتج عن وجودها الحجر
وبما أن معيار األهلية هو التمييز فإن نقصها أو انعدامها بتأثر دائما بعامل السن ( المطلب
األول) وهو ما يطلق عليه بالحجر للصغر كما قد يتأثر بعوارض محتملة من شأنها إذا
حدثت أن تأثر على قدرة التمييز وهو ما سندرسه من خالل الحجر على الرشد (المطلب
الثاني).
يستخلص من ذلك:
26
أوال ،أن جميع التصرفات التي يبرمها الصغير غير المميز بنفسه باطلة طبقا ألحكام الفصل
156م.أ.ش .وحكم البطالن ينسحب على كل أنواع التصرفات التي يقررها مباشرة الصغير
غير المميز .وتنقسم هذه التصرفات إلى ثالثة أنواع:
النوع األول :التصرفات النافعة نفعا محضا وتسمى أيضا "عقود اإلغتناء" التي تزيد أموال
الشخص أو تنقص ديونه دون مقابل.
النوع الثاني :التصرفات الضارة ضررا محضا وتسمى أيضا "عقود اإلفتقار" ويقصد بها
تصرفات التي تنشأ في جانب الشخص إلتزاما دون أن تكسبه حقا أو تخرج من ذمته ماال.
النوع الثالث :التصرفات الدائرة بين النفع والضرر ويقصد بها جميع "العقود التبادلية"
التي يتبادل فيها المتعاقدان األخذ والعطاء فيأخذ كل منهما مقابل ما يعطيه ويكتسب حقوقا
في مقابل ما يتحمله من إلتزام وتنقسم هذه التصرفات بدورها إلى صنفين:
صنف األول :عقود اإلدارة كعقد التسويغ (عقد الكراء) بشرط أن ال يتجاوز مدته ثالثة
سنوات.
ينطبق على الصغير غير المميز بخصوص الوالية حكم القاصر عموما أي أنه يخضع
للفصل 154م.أ.ش .فالقاصر وليه والدته بعد وفاة والده أو فقده لألهلية .و فى صورة وفاة
االم ,يعمل بوصية األب إن وجدت ويصبح حينذاك الولي هو الولي الموصي به ،وفي
صورة غياب الوصي بعد موت األب واألم يقع اللجوء إلى القضاء لتسمية مقدم على
القاصر .وبالنسبة للقاصر مجهول النسب يعين وليا عموميا له ( متصرفوا المستشفيات
ومدير واإلصالحيات ،مأوى األطفال عندما يتعهدون بحفظهم والوالة في جميع الصور
األخرى).
27
ويجب التنبيه أنه في حالة حصول طالق بين األبوين فإن األب يفقد جزء من واليته لفائدة
األم الحاضنة بموجب الفقرة الرابعة من الفصل 67م.أ.ش .تتمتع األم بصالحيات الوالية
في ما يتعلق بسفر المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية أما الفقرة الخامسة
من الفصل 67م.أ.ش" .يمكن للقاضي أن يسند مشموالت الوالية إلى األم الحاضنة إذا
تعذر عن األب ممارستها أو التعسف فيها أو تهاون في القيام بواجبات المنجرة عنها عن
الوجه اإلعتيادي أو تغيب عن مقره وأصبح مجهول المقر أو ألي سبب يضر بمصلحة
المحضون".
بموجب هذه األحكام التي ألحقت بمجلة األحوال الشخصية بعد تنقيح سنة 1993أصبحت
األم الحاضنة تتمتع بجزء من صالحيات الوالية الذي يشمل حصرا كل ما يتعلق بسفر
المحضون ودراسته والتصرف في حساباته المالية وقد تنتقل صالحيات الوالية كاملة
ومشموالتها لألم الحاضنة في الصور التي حددتها الفقرة الخامسة من الفصل .67
سلطات الولي :يجوز للولي القيام بالتصرفات القانونية في حق الصغير غير المميز وذلك
بالحدود التالية :
-يمكن للولي أن يبرم عقود اإلغتناء وعقد اإلدارة استنادا ألحكام الفصل 5م إ ع
-ال يجوز له إبرام عقود التصرف إال بإذن خاص من القاضي تطبيقا ألحكام الفصل 15م
ا ع.
-ال يجوز للولي التبرع في حق القاصر وال يجوز للقاضي أن يرخص له في ذلك عمال
بأحكام الفصل 16م ا ع.
28
القسم الثاني :مرحلة الصغير المميز أو القاصر
يعد مميزا الصغير الذي يتراوح عمره 13و 18سنة (الفصل 156ف 2م ا ش)
والصغير المميز يتمتع بأهلية مقيدة تطبيقا ألحكام الفصل 6م اع إال أن أهليته تكتمل إذا ما
تم ترشيده.
اجازة التصرفات النافعة نفعا محضا التي يقوم بها الصغير المميز كأن يقبل هبة -
أو إبراء من دين وهذه القاعدة دعمتها أحكام الفصل التاسع م ا ع الذي ينص "لمن ليس له
أهلية التعاقد والصغير الذي تجاوز ثالثة عشرة عاما القدرة على تحسين حالهما ولو بال
مشاركة األب أو الولي وذلك بقبول هبة أو غيرها من التبرعات التي من شأنها الزيادة في
كسبهما أو إبراء ذمتهما بدون أن يترتب عليهما شيء من جراء ذلك ".
ال يجوز للقاصر إبرام التصرفات القانونية الضارة ضررا محضا ولو حضي -
في خصوصها بإجازة وليه بحيث تكون التصرفات باطلة حتى ولو بإجازة الولي عمال
بالفصل 16م ا ع.
إن إجازة الولي ضرورية وكافية لصحة عقود اإلجارة التي يبرمها القاصر ،فإن -
أبرم الصغير المميز هذه العقود دون إذن الولي اقتضت الفقرة الثانية من الفصل 8م ا ع.
بتصحيحها إجازة الولي .فهذه العقود تعد موقوفة إلى أن يتبين مصيرها فإن أجيزت من
طرف الولي اعتبرت صحيحة و إن لم يجزها الولي (يصادق عليها) اعتبرت باطلة.
29
إن إجازة الولي ال تكفي لصحة عقود التصرف فال بد من حصوله على إذن من -
الحاكم المختص تطبيقا ألحكام الفصل 15م ا ع وال يعطي اإلذن المذكور إال عند الضرورة
والمصلحة الواضحة للمولى عليه القاصر.
إن المتأمل في كل هذه الصور يقف على قيام تقييد أهلية األداء على سعي المشرع إلى
حماية ناقص األهلية مما يبرر تدرج تلك الحماية حسب قوة خطر تبديد مكاسبه وإقرار
البداية عليه.
الصور األولى :يبين الفصل 1528م ا ش أنه "يمكن للحاكم ترشيد الصغير ترشيدا
مقيدا أو مطلقا" .وتكون تصرفات الصغير المرشد صحيحة نافذة في حدود ترشيده.
وهذا الترشيد يمنحه القاضي بطلب من الولي للصغير الذي بلغ من العمر 15سنة
تطبيقا للفصل 159بعد التأكد من نمو مداركه واكتسابه المؤهالت التي ستمكنه من حسن
إدارة شؤونه والتصرف في مصالحه .وتكون تصرفات الصغير المرشد صحيحة نافذة مثل
التصرفات التي تصدر عن كامل األهلية وإن كان الترشيد مقيدا فال يمكنه إبرام سوى
التصرفات التي رشد في شأنها أما ما عداها من التصرفات فهي تخضع ألحكام األهلية
المقيدة و إذا تبين الحقا أن المرشد ليس بأهل الرشد قضائي فإنه يقع التراجع في الترشيد
بمقتضى حكم ثان (الفصل 158م ا ش).
ثانيا :الترشيد القانوني للزواج :ويسمى كذلك الترشيد اآللي :إن فكرة الترشيد بالزواج
وقع تكريسها بالفصل 153جديد م ا ش الذي نقح بالقانون عـ74ـدد المؤرخ في 12جويلية
1993والمتعلق بتنقيح بعض فصول م ا ش وذلك للقضاء على وضعية غريبة قانونية.
30
فالزوجة كانت قبل هذا التاريخ أو هذا التنقيح قاصرة ومقيدة األهلية وخاضعة للوالية وهو
يتعارض مع مصلحتها ومصلحة أوالدها وخاصة مع دورها في األسرة كما حدده الفصل
23م ا ش إذ أنها تتعاون مع زوجها على تسيير شؤون األسرة وينص الفصل 153م ا ش
في صياغتة الجديدة على أن "زواج القاصر يرشده إذا تجاوز السابعة عشرة من عمره في
ما يتعلق بحالته الشخصية ومعامالته المدنية والتجارية".
ومنذ إبرام عقد الزواج يرشد القاصر آليا ويصبح مؤهال للتصرف في شؤونه المالية
والتجارية والشخصية ويكون بذلك ترشيده مقيدا فمجاالته محددة في الحالة الشخصية
كطلب الطالق أو الن فقة والمعامالت المدنية والتجارية وبذلك ال يمتد الترشيد لغير ما ذكر
في المجاالت فهو ال يشمل األمور اإلدارية أو الحقوق السياسية .ويجب التنبيه في هذا
الصدد على أنه وعلى عكس الترشيد القضائي الذي يمكن الرجوع فيه فإن الترشيد اآللي
للزواج ال يمكن الرجوع فيه إذ ال يزول بانحالل العالقة الزوجية بالوفاة أو الطالق ،فيبقى
من ترشد بمفعول الزواج مكتمل األهلية ويرفع عنه الحجر ولو انفصمت العالقة الزوجية
وقبل أن يبلغ سن الرشد القانوني.
31
الفقرة األولى :الجنون
يعرف الفصل 160م ا ش المجنون بكونه "الشخص الذي فقد عقله سواء كان جنونه
مطبقا يستغرق جميع أوقاته أو متقطعا تعتريه فترات يثوب إليه عقله فيها".
وقد أوجب الفصل 161م ا ش الحجر على المجنون بحيث يعد من تاريخ صدور قرار
الحجر عليه فاقد التمييز وعديم أهلية األداء وقد نص الفصل 163م ا ش على أن تصرفات
المجنون غير نافذة" ،على غرار تصرفات الصغير غير المميز وال يمكن له التعاقد إال
بواسطة وليه " الفصل 5م إ ع) وفي الحدود التي ضبطها المشرع للصغير غير المميز
(الفصل 15والفصل 16م ا ع) .أما المجنون الذي لم يصدر في شأنه حكم بالحجر فال
تنعدم أهليته وهذا ما دعمته أحكام الفقرة الثالثة من الفصل الثالث من قانون 3أوت 1992
المتعلق بالصحة العقلية وبشروط اإليواء في المستشفى بسبب اضطرابات عقلية إذ نصت
على انه "ال يمكن أن يشكل إيواء األشخاص بالمستشفى من جراء اضطرابات عقلية سببا
آليا لتقييد أهليتهم القانونية" .وال يجوز بالتالي إبطال تصرفاته إال على أساس عيوب الرضا.
وإذا ما تم الحجر على المجنون فإنه يمكن رفع الحجر عمال بالفصل 167م ا ش الذي
ينص "الحجر الواقع بحكم ال يرفع إال بحكم عدا صور المحجور عليه للصغير".
كما اقتضت أحكام الفصل 168م ا ش أنه "للمحجور عليه مهما كان سبب حجره حق
القيام بدون واسطة لدى المحاكم بطلب رفع الحجر عنه".
ففي الحالة األولى ،يهدف الحجر إلى منع المحجور عليه الذي ثبت خطره على المجتمع
بصدور عقوبة سالبة للحرية لمدة تتجاوز 10سنوات من استعمال مكاسبه في ما يضر
اآلخر.
أما الصور الثانية ،فيتجسم سبب الحجر فيها رغبة المشرع في حماية دائني المفلس
ومعاقديه من تبعات عدم كفاية مكاسبه لتغطية ديونه.
34
الفقرة الثانية :المحكوم عليه بالسجن لمدة تتجاوز 10أيام
ينص الفصل 30من المجلة الجزائية على أنه "يكون حتما كل محكوم عليه في جناية
واحدة بالسجن لمدة تتجاوز عشرة أعوام من تاريخ الحكم عليه إلى تمام مدة عقابه تحت
قيد الحجر ويعين له مقدم للقيام بإدارة مكاسبه بحيث أنه ال يمكنه التصرف فيها إال باإليصاء
كما ال يمكنه قبول أي مبلغ ولو جزئي من ربحها وترجع له مكاسبه عند انقضاء مدة عقابه
ويحاسبه حين إذن المقدم على تصرفه مدة تقديمه".
وقضت محكمة التعقيب بأن اإلدالء بحكم جنائي ال يكفي إلثبات عدم أهلية المسجون
بل ال بد أن يكون تحت طائلة العقوبة "وال يمكن إبطال البيع على أساس الحكم الجنائي
المذكور دون التأكد من وجود البائع عند إبرام البيع بصدد تنفيذ العقوبة".
وأضافت أن المسجون يسترجع أهليته سواء بانتهاء مدة العقوبة أو بأي سبب آخر
كالسراح الشرطي والعفو العام والخاص( .قرار صادر عن محكمة التعقيب في 26ماي
.1992
نستنتج من خالل هذا التعريف أن الذمة المالية تضم كل الحقوق ذات الصبغة المالية
أي الحقوق القابلة للتقدير النقدي والتي تقبل التصرف فيها والتنازل عنها وتنتقل إلى
الورثة .لذلك ال تشمل الذمة المالية الحقوق السياسية كحق التصويت واالنتخاب والترشح
والحقوق المدنية غير المالية كالحقوق العائلية (حق الحضانة ،حق الزواج )...والحقوق
األساسية للذات اإلنسانية.
النظرية األولى :النظرية الشخصية :تربط هذه النظرية الفرنسية بين الذمة المالية
والشخصية القانونية ربطا وثيقا أن ترى أن الذمة تستند إلى وجود الشخصية القانونية.
النظرية الثانية :نظرية التخصيص :تقوم هذه النظرية األلمانية على الفصل بين الذمة
والشخص والربط بين الذمة المالية وفكرة الغرض فكلما خصصت مجموعة من الحقوق
لتحقيق غرض معين وجدت الذمة المالية بصرف النظر عن وجود الشخص.
36
يبدو وأن المشرع التونسي تبنى النظرية الشخصية من خالل تكريسه لمبدأ وحدة الذمة
المالية ضمن الفصل 192من مجلة الحقوق العينية .غير أن هذا المبدأ وردت عليه عديد
االستثناءات تبرز أخذ المشرع نظرية التخصيص في بعض الحاالت.
األساس الثاني :ارتباط الذمة المالية بالشخصية :تبرز الوحدة القائمة بين الذمة المالية
والشخصية كأساس لمبدأ الوحدة فكما أن الشخصية واحدة فان الذمة المالية واحدة ال تتعدد
وهذا اإلرتباط قائم بينهما يظهر في مستويين:
المستوى األول :اندماج الذمة المالية في الشخصية .توجد الذمة المالية كلما وجدت
الشخصية وتنعدم كلها انعدمت الشخصية .إذا لكل شخص ذمة مالية حتى ولو لم تكن له
حقوق ولم يكن عليه أي التزام في الوقت الحالي .والذمة المالية بهذا المعنى ليست مقصورة
على الحقوق واإللتزامات التي للشخص أو عليه في وقت معين وإنما تشمل أيضا ما سيوجد
من حقوق مالية وديون في المستقبل فهي بمثابة الوعاء وال يهم ان يكون هذا الوعاء خاويا.
فكل شخص له ذمة مالية ألن له القدرة على اكتساب الحقوق وتحمل االلتزامات .ويعتبر
جانب من الفقه الفرنسي أن الذمة المالية هي في الحقيقة فكرة تجريدية تعني القدرة على
37
التملك وهي تراث الكائن البشري اإلنساني منذ والدته حتى وفاته وحتى قبل أن يولد في
حاالت معينة .ويمكن القول أن الذمة المالية هي انعكاس ضروري للشخصية القانونية.
المستوى الثاني :استناد الذمة المالية إلى الشخصية القانونية :يبرز ارتباط الذمة المالية
بالشخصية في استنادها إليها فال يمكن لغير الشخص التمتع بذمة مالية .ومن اجل المحافظة
على هذه القاعدة ثم اللجوء إلى تقنية الشخصية المعنوية فال يمكن لشخص من استخراج
جزء من ذمته المالية وتخصيصه لنشاط معين إال في إطار انشاء شركة وهو ما يعتبر
خلق شخصية قانونية جديدة تتمتع باستقاللية الذمة المالية عن ذمة كل شريك فيها ،فخلق
شخصية قانونية يعني خلق ذمة مالية عن اجتماع جماعة من األشخاص الطبيعيين أو من
تخصيص مجموعة من األموال لتحقيق غرض معين ويكون له كيانه المستقل عن شخصية
المكونين له إذ جاء بالفصل 4من مجلة الشركات التجارية" :تنشأ عن كل شركة شخصية
معنوية مستقلة عن شخصية كل شريك"
إذن تستند الذمة المالية دائما إلى شخص سواء كان شخص طبيعي أو معنوي.
38
العناصر اإليجابية تفي بالعناصر السلبية وتفريعا على ذلك ال يمكن تخصيص مكاسب
معينة لممارسة نشاط مهني أو تجاري وتخصيص مكاسب أخرى للقيام بنشاط فالحي كما
ال يجوز الفصل بين المكاسب المتأتية عن تلك األنشطة والمكاسب الخاصة مما يتيح
للدائنين عقلة كافة مكاسب المدين وتحاصص ثمنها بقطع النظر عن سبب ديونهم.
إن تكريس المشرع التونسي لمبدأ وحدة الذمة المالية لم يمنعه من التخفيف من حدته إذ
تشهد ظهور عديد المجموعات القانونية داخل الذمة المالية وبالتالي فإن مبدأ وحدة الذمة
المالية رغم ثباته قد أصبح مبدأ نسبيا.
وتقوم نظرية التخصيص على فكرة أساسية تتمثل في اعتبار الذمة المالية مجموعة من
األموال المخصصة لغرض معين فالعامل الذي يحقق التماسك بينها هو وحدة الهدف .وتبعا
لذلك فإن الذمة الما لية ليست بالضرورة مالزمة للشخصية بل توجد ولو لم تستند إلى
شخص معين ما دام شرط وجودها قد توفر وهو تخصيص مجموعة من األموال لتحقيق
هدف محدد ونتيجة لذلك تتعدد الذمة المالية بتعدد األطراف وهو ما يعني إقرار هذه
النظرية لقابلية الذمة المالية للتجزئة.
وبالرغم من المناداة بضرورة االعتراف بفكرة تعدد الذمة المالية وقابليتها للتجزئة فإن
فقهاء النظرية الحديثة بفرنسا لم يفصلوا مطلقا عن فكرة الشخصية فكل هذه الذمم وإن
تعددت يجمعها االنتماء إلى شخص واحد.
39
إن نظرية ذمة التخصيص كما أقرها الفقه الفرنسي تبدو كحل وسط بين نظريتين
متناقضتين بين النظرية الكالسيكية والتي تغالي في ربط الذمة المالية بالشخصية
والنظريات األلمانية التي تقر إمكانية وجود ذمة مالية بالصاحب وهي ترى ضرورة وجود
ذمة مالية متى وجدت مجموعة من االموال المخصصة لهدف موحد وبالتالي فإن الشخص
يستطيع أن يتمتع بعدة ذمم تضم أمواال استخدمت في التجارة باإلضافة إلى ذمته المالية
التي تضم األموال التي يعتمد عليها في حياته كفرد.
المثال األول :تضمنت مجلة التجارة البحرية أحكاما تجعل مسؤولية مجهز السفينة عن
تلف حمولتها تنحصر في ثروته البحرية المتمثلة في قيمة السفينة دون أن تمتد إلى ثروته
البرية.
المثال الثاني :كرس المشرع التونسي قاعدة ال تركة بعد سداد الديون فلقد نص الفصل
553م ا ع أنه "ال إرث إال بعد أداء الدين" كما جعل الفصل 87من م ا ش "الميراث آخر
ما يؤدي من التركة" ويمكن القول إذن ،أن التركة قبل سداد ديونها مجموعة من االموال
المخصصة لغرض واحد وهو الوفاء بديون التركة وتعتبر هذه الكتلة من األموال ذمة
مؤقتة هدفها خالص دائني المورث وللتأكيد على استقاللية هذه الذمة فإن المشرع التونسي
اعتبر في الفصل 241م ا ع أنه "ال يجوز إلتزام الورثة إال بقدر إرثهم وعلى نسبة
مناباتهم" .كما أنه في صورة امتناع الورثة من قبول اإلرث فإنه "ال يسع أرباب الدين إال
تتبع مخلف الدين" وهو ما يعين التأكيد على استقاللية هذه الذمة ووفاؤها لوحدها بالديون
الخاصة بها.
40