Professional Documents
Culture Documents
مجلة لباب العدد 2
مجلة لباب العدد 2
"دورﯾـﺔ ﻣﺤﮑﻤـﺔ ﺗﺼـﺪر ﻋﻦ ﻣﺮﮐـﺰ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻟﻠـﺪراﺳـﺎت" A Quarterly Peer- Reviewed Journal Published by Aljazeera Center for Studies L U B A B
05
دراﺳﺎت اﳌﺴﺘﻘﺒﻼت
ﻲﻓ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ 03
ﺣﻖ اﻟﻌﻮدة وﺗﺼﻔﯿﺔ
اﻟﻘﻀﯿﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ 01
ﻣﺘﻼزﻣﺔ ﻣﺤﺎﺑﺎة اﻷﻗﺎرب
وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاﻃﯿﺔ
06
اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﺑﯿﻦ
اﳌﺮﺟﻌﯿﺔ اﻟﺴﻠﻔﯿﺔ واﻟﻠﯿﺒﺮاﻟﯿﺔ 04
اﻟﺨﻄﺎب اﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ
ﻟﻸﻟﺘﺮاس ﻲﻓ اﳌﻐﺮب 02
اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ
وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ "اﻹﺳﻼم اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ"
L U B A B
ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ واﻹﻋﻼﻣﯿﺔ
رﺋﯿﺲ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ
د .ﻣﺤﻤﺪ اﳌﺨﺘﺎر وﻟﺪ اﻟﺨﻠﯿﻞ
ﻣﺪﯾﺮ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ
أ.د .ﻟﻘﺎء ﻣﮑﻲ
ﺳﮑﺮﺗﯿﺮ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ
د .ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺮاﺟﻲ
هﯿﺌﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ
د .ﻋﺰ اﻟﺪﯾﻦ ﻋﺒﺪ اﳌﻮﻟﯽ
اﻟﻌﻨﻮد أﺣﻤﺪ آل ﺛﺎﻧﻲ
د .ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺼﻤﺎدي
د .ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺸﺮﻗﺎوي
د .ﺳﯿﺪي أﺣﻤﺪ وﻟﺪ اﻷﻣﯿﺮ
د .ﺷﻔﯿﻖ ﺷﻘﯿﺮ
اﻟﺤﻮاس ﺗﻘﯿﺔ
ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺎﻃﻲ
اﳌﺮاﺟﻊ اﻟﻠﻐﻮي
إﺳﻼم ﻋﺒﺪ اﻟﺘﻮاب
آراء الباحثين والكتّاب ال تعبر بالضرورة عن اتجاهات تتبناها المجلة
أو مركز الجزيرة للدراسات
الدوحة -قطر
هاتف)+479( 40158384 :
فاكس - )+479( 44831346 :البريد اإللكترونيE-mail: lubab@aljazeera.net :
ISSN 8753-2617
3
افتتاحية العدد
يصــدر العــدد الثانــي مــن مجلــة (لبــاب) فــي وســط ســياق متخــم بالتحــوالت االســتراتيجية
واالتصاليــة التــي تســتحق الدراســة العلميــة املعمقــة واملوضوعيــة كــي تقــدم للنخبــة العربيــة
خالصــات معرفيــة أصيلــة خــارج االســتقطاب اإلعالمــي واأليديولوجــي.
ومنــذ العــدد التجريبــي (العــدد صفــر) الــذي صــدر فــي نوفمبر/تشــرين الثانــي مــن العــام املاضــي
( ،)2018حرصــت (لبــاب) علــى أن تتنــاول قضايــا معرفيــة ضاغطــة وفاعلة في الســياق االســتراتيجي
املؤ ِّثــر فــي املنطقــة ،إلــى جانــب قضايــا أخــرى تغــوص فــي قعــر األوســاط االجتماعيــة والسياســية
واالتصاليــة العربيــة ،وتعمــل بقــوة علــى التأثيــر فــي مســارات األحــداث مــن غيــر أن تُسـ َّلط عليهــا
األضــواء أو أن حتظــى مبــا تســتحق مــن الدراســة األكادمييــة املعمقــة.
وفــي كال هذيــن النوعــن مــن القضايــا ،حرصــت (لبــاب) علــى أن يكــون اجلهــد املقــدم
وملتزمــا مببــادئ املنهــج العلمــي الــذي ال يتــرك ثغــرات للتأثيــر الشــخصي أو املرجعيــات
ً أصيـ ً
ـا
األيديولوجيــة والسياســية ،وأن تكــون نتائــج البحــوث املنشــورة ذات مصداقيــة أكادمييــة عاليــة
وقابلــة للتعميــم ،وهــو نهــج بــات يتعــزز وينضــج مــع كل عــدد جديــد.
ويغطــي العــدد الثانــي مــن (لبــاب) ،طائفــة منتخبــة مــن املوضوعــات ذات األبعــاد االســتراتيجية
املؤثــرة فــي الواقــع السياســي واالجتماعــي احلالــي واملســتقبلي ،وكذلــك فــي املشــروع الفكــري
العربــي وجهــود ترســيخ الفكــر العلمــي فــي العالــم العربــي.
ومــن بــن موضوعــات العــدد ،دراســة حــول "أخــاق العائليــة ومســتقبل الدميقراطيــة فــي العالــم
موضوعــا مؤثـ ًـرا بعمــق وقــوة فــي
ً العربــي" ،وهــي بحــث أكادميــي أصيــل رفيــع املســتوى ،يتنــاول
5
|6
املشــهد السياســي واإلداري العربــي ،يتمثــل مبــا أمســاه البحــث "جينيالوجيــا متالزمــة محابــاة
األقــارب وانعكاســاتها السياســية" ،وهــي متالزمــة مرافقــة لألمنــاط االجتماعيــة والسياســية الســائدة
فــي املجتمعــات العربيــة ،وتقــوم علــى أســاس املفاضلــة بــن األفــراد فــي احليــاة العامــة واخلاصــة
بنــاء علــى متغيــر درجــة القرابــة.
وفيمــا ركــز هــذا البحــث علــى مــا أمســاه "العائليــة غيــر األخالقيــة" فإنــه يخلــص إلــى أن "العائليــة
تؤ ِّثــر -بشــكل الفــت للنظــر -علــى املتغيــرات املرتبطــة بجوهــر الدميقراطيــة الفعليــة" ،وتُضعــف
-إلــى حــد كبيــر" -املشــاعر املدنيــة املبنيــة علــى املســاواة والنزاهــة والعموميــة" ،وتــؤدي بالتالــي إلــى
صعوبــة اســتبطان أخــاق احلداثــة السياســية.
ويتضمــن العــدد كذلــك دراســة حــول "األيديولوجيــا الناعمــة لإلســام السياســي ومســتقبله بعــد
الربيــع العربــي" ،وهــي دراســة تكتســب أهميتهــا مــن بعديــن :األول :هــو أهميــة املوضــوع فــي
الســياق السياســي واالســتقطاب الفكــري الراهنــن فــي املنطقــة ،والثاني :هــو جدية التنــاول واملنهج
األكادميــي الــذي اســتندت إليــه الدراســة فــي تنــاول الظاهــرة والوصــول إلــى نتائــج بشــأنها.
أمــا الدراســة الثالثــة ،فتتعلــق باملؤسســة العســكرية املصريــة ودورهــا املؤثــر غيــر املســبوق في املشــهد
السياســي املصــري ،بعــد العــام وطبيعــة هيمنتهــا املفترضــة علــى الدولــة ومؤسســاتها الســيادية.
ولهــذا املوضــوع أهميــة كبيــرة فــي االختبــار العلمــي للفرضيــات املتعلقــة بتعاظــم هــذا الــدور،
الســيما بعــد التعديــات الدســتورية األخيــرة ،وتأثيراتــه علــى العالقــة مــع املؤسســات املدنيــة فــي
الدولــة ،ومنهــا مؤسســات احلكــم واإلدارة.
ويتضمــن هــذا العــدد دراســة حــول موضــوع "حــق العــودة ومشــاريع تصفيــة القضيــة الفلســطينية"،
وهــو دراســة تزامنــت مــع الذكــرى احلاديــة والســبعني لنكبــة فلســطني ،وتبحــث فــي أصــول قضيــة
الالجئــن الفلســطينيني ،وجوهريــة مكانتهــا فــي قلــب الصــراع العربي-اإلســرائيلي ،ومحاولــة
أميركيــا.
ًّ متامــا فــي مشــاريع التســوية السياســية املطروحــة
تصفيتهــا ً
ومــن املغــرب ،يتضمــن العــدد دراســة مهمــة جتمــع بــن علــم االجتمــاع السياســي وعلــم االتصــال،
حــول ظاهــرة اســتخدام اجلمهــور فــي مالعــب كــرة القــدم .هــذه التجمعــات الضخمــة ذات
الهــدف الرياضــي للتعبيــر عــن احتجاجــات سياســية واجتماعيــة .وقــد تعــززت أهميــة جتمعــات
(لباب) والخالصات المعرفية األصيلة | 7
مشــجعي أنديــة كــرة القــدم أو مــا يســمى بـ(األلتــراس) فــي توفيــر ســياق مكانــي لطــرح اخلطــاب
االحتجاجــي ذي األبعــاد السياســية.
وحــول اجلــذور الفكريــة للنهضــة العربيــة احلديثــة ،يــدور البحــث املوســوم بـ"النهضــة العربية وأســئلة
التأســيس بــن املرجعيــة الســلفية والليبراليــة" ،وهــو يتنــاول اجلوهــر املعرفــي للمشــروع اإلصالحــي
النهضــوي ،علــى أســاس قناعــة الباحــث بــأن املــن الفكــري الــذي أســس لذلــك املشــروع "هــو
مــن فكــري حــي يتفاعــل مــع إشــكالياتنا الراهنــة ،أكثــر مــن كونــه ترا ًثــا اســتنفد مهمتــه احلضارية".
ـتقبالت ،يــدور البحــث املوســوم بـ"حنــو
ـتقبل أو مــا تســمى دراســات املسـ َ
وحــول علــم دراســة املسـ َ
ـتقبالت فــي الوطــن العربي" ،وهــو دارســة أكادميية،
تبنــي ثقافــة االحنيــاز إلــى املســتقبل ودراســة املسـ َ
تقــوم مشــكلتها علــى ضآلــة االهتمــام العربــي بدراســة املســتقبل" ،وخلــو معظــم الدراســات البحثيــة
مــن اجلانــب االستشــرافي" .ولذلــك ،فهــي تقــدم رؤيــة منهجيــة لآلليــات املطلوبــة لتطوير دراســات
املســتقبالت فــي الــدول العربيــة ،وتعزيــز ذلــك بتعزيــز خيــارات االحنيــاز للمســتقبل فكـ ًـرا وسـ ً
ـلوكا.
وحتضــر فــي هــذا العــدد ً
أيضــا املراجعــة النقديــة ألحــد الكتــب املهمــة الصــادرة حديثًــا ،وهــو
مــا بــات زاويــة ثابتــة فــي املجلــة منــذ عددهــا التجريبــي .وفــي العــدد الثانــي ،جــرت القــراءة
النقديــة للكتــاب املوســوم بـ"كيــف متــوت الدميقراطيــات" الصــادر عــن دار كــراون ،فــي نيويــورك
عــام ،وهــو كتــاب أكادميــي كتبــه اثنــان مــن علمــاء السياســة ،وفيــه تشــخيص لســقوط التجــارب
الدميقراطيــة فــي العالــم ،واقتــراب هــذا املصيــر مــن الواليــات املتحــدة منــذ دخــول الرئيــس،
ـد مــا جــاء فــي الكتــاب.
دونالــد ترامــب ،املشــهد السياســي األميركــي علــى حـ ِّ
وفــي العــدد اجلديــد ،زاويــة مســتحدثة بعنــوان (فعاليــات) تتمثــل فــي تقــدمي مراجعــة لبعــض مــن
الفعاليــات واألنشــطة املختــارة التــي يقــوم بهــا مركــز اجلزيــرة للدراســات .وقــد جــرى فــي هــذا
العــدد اختيــار ندوتــن نظمهمــا املركــز مؤخـ ًـرا ،كانــت األولــى حــول (العــراق فــي ظــل املتغيــرات
الداخليــة واخلارجيــة) ،والثانيــة حــول (التحــوالت السياســية فــي املغــرب العربــي :احلصيلــة
واآلفــاق).
رئيس التحرير
أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية يف العالم العربي
جينيالوجيا متالزمة محاباة األقارب وانعكاساتها السياسية
العربــي فــي شــتى مجــاالت احليــاة .ويعنــي ذلــك أن احلداثــة البيولوجيــة املرتبطــة بانقــاب
الوظائــف السياســية واالجتماعيــة للــدم لــم تنفــذ إلــى العمــق الــذي يســمح لهــا بزحزحــة
إحداثيــات بنــى القرابــة ،وأن املبــدأ البيولوجــي الــذي كشــفت عنــه األنثروبولوجيــا االنقســامية
فــي شــمال إفريقيــا والشــرق األوســط مــا زال يتو َّلــى هندســة املعتقــدات واملواقــف والســلوكيات
وبصــرف النظــر عــن األعــراض اجلانبيــة للتحديــث االجتماعــي علــى مســتوى التقلــص العائلي،
ال يــزال عقــد القرابــة ُي ِّ
غــذي االقتصــاد األخالقــي للعالقــات االجتماعيــة .ويبــدو أن التغييــر
* د .بن أحمد حوكا ،باحث في علم االجتماع السياسي بجامعة سيدي محمد بن عبد اهلل ،فاس ،املغرب.
د .عثمان الزياني ،أستاذ باحث في القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد األول ،وجدة ،املغرب.
**
9
| 10
عموديــة أضحــت اليــوم النمــوذج املهيمــن للســيكولوجيا الثقافيــة .واحلــال أن هــذا النمــوذج
ال يخلــو بــدوره مــن التوتــر النــاجت عــن الصــراع بــن التطلــع إلــى احلداثــة الفرديــة وســطوة
األخــاق التــي يفرضهــا عقــد القرابــة ،وهــو مــا ينتــج عنــه ضــرب مــن الهجانــة الثقافيــة
ُي ْن َظــر عــادة إلــى االرتباطــات العائليــة كعمــاد أساســي للعيــش املشــترك والعمــران البشــري.
وتقــوم وجهــة النظــر هــذه علــى مصــادرة مفادهــا أن هــذه االرتباطــات تزيــد مــن قــوة الرابــط
االجتماعــي وتســاهم فــي تكثيــف التبــادالت بــن املجموعــات االجتماعيــة .ويعتبــر اإلنســان
العــادي فــي هــذا املضمــار أن اســتقاللية األفــراد عــن احمليــط األســري عالمــة علــى الفوضــى
االجتماعيــة واالحنطــاط األخالقــي لألفــراد .غيــر أن صالحيــة تلــك املصــادرة تظــل موضــع
تســاؤل حينمــا نأخــذ فــي احلســبان مبــادئ التنشــئة األســرية فــي ســياقات ثقافيــة مختلفــة .فقوة
روابــط القربــى ال تســتلزم بالضــرورة توخــي اإليثــار والغيريــة ،خاصــة فــي املجتمعــات العاجــزة
عــن إجــراء فصــل جوهــري بــن الفضــاء املؤسســاتي الــذي حتكمــه العقالنيــة القانونيــة،
مصحوبا
ً غيــر أن االرتبــاط العائلــي ال يطــرح حتديــات كبيــرة أمــام السياســات العامــة إال إذا كان
بالتبريــرات األخالقيــة املســاهمة فــي تكريــس التمايــز وجتذيــر الرأمســال االجتماعــي ،وبصيغــة
وضوحــا ،حــن تتســرب تأثيراتــه عــن قصد مــن فضــاءات التقــارب الطبيعي إلــى مجاالت
ً أكثــر
االقتصــاد والســلطة واالجتمــاع .وال شــك أن التحيــز واحملابــاة لفائــدة مجموعــات االنتمــاء،
كمظاهــر مألوفــة للعائليــة ،تغــزو بشــكل مكشــوف دواليــب األجهــزة البيروقراطيــة والسياســية
مــن احمليــط إلــى اخلليــج .ويؤشــر ذلــك فــي الواقــع علــى عــدم قــدرة الدولــة العربية بتشــكيالتها
اإلثنيــة والطائفيــة وثقافتهــا السياســية املتعــددة ،علــى التخلــص مــن دور اجلينيالوجيــا اجلينيــة
فــي تشــكيل الهيــاكل البيروقراطيــة منــذ النصــف الثانــي مــن القــرن العشــرين .وال غــرو أن وراء
ذلــك عوامــل بنيويــة تغـ ِّ
ـذي اســتراتيجيات إرادات الهيمنــة التــي تراقــب األشــخاص واملــوارد
أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | 11
علــى الســواء ،ســاعية وراء التحكــم فــي كميــة الكوناتــوس ( * )Conatusالضروريــة للبقــاء فــي
تبحــث هــذه الدراســة فــي صنــو خــاص مــن العائليــة ُيصطلــح عليــه فــي أدبيــات األنثروبولوجيا
السياســية بالعائليــة غيــر األخالقيــة؛ وهــي عبــارة عــن عقــدة ثقافيــة تقــوم علــى إجــراء مفاضلــة
بــن األفــراد فــي احليــاة العامــة واخلاصــة بنــاء علــى متغيــر درجــة القرابــة ،وتقتضــي باملقابــل
أخــذ احليطــة واحلــذر مــن األغيــار ،بصــرف النظــر عــن أســاليب اللباقــة الســطحية التــي تفرضها
ينبنــي البحــث علــى مصــادرة ضمنيــة مفادهــا أن بنيويــة عقــد القرابــة فــي االجتمــاع العربــي،
مينــع الفضــاءات العامــة وعالقــات الســلطة مــن االشــتغال علــى شــاكلة االلتزامــات التعاقديــة.
نتاجــا للبنيــة السياســية للدولــة ،ولكنهــا مبــدأ متجــذر فــي البنــى الثقافيــة القاعديــة ملجتمعــات
ً
الشــرق األوســط وشــمال إفريقيــا .وال شــك أن العوامــل اإليكولوجيــة كاملنــاخ وكميــة املــوارد
املتوافــرة ،إضافــة إلــى التقســيمات االجتماعيــة واإلثنيــة واللغويــة والعوامــل الدميغرافيــة املتعلقــة
بأنظمــة الــزواج ،توفــر الشــروط املثاليــة لفعاليــة العائليــة غيــر األخالقيــة .ونثيــر االنتبــاه إلــى
أنــه بالرغــم مــن التبايــن الداللــي بــن مفهومــي أخــاق العائليــة والعائليــة غيــر األخالقيــة،
ـورا إليهــا مــن زاويــة فلســفة جــون راولــز (.)John Rawls) (2
املبــادئ منظـ ً
| 12
َّ
تتحكــم فــي تبايــن العائليــة غيــر األخالقيــة فــي حتــاول هــذه الدراســة مقاربــة العوامــل التــي
املجتمعــات قيــد الدراســة وتأثيراتهــا فــي مجــال الثقافــة السياســية .وتتنــاول دراســة العالقــات
اإلحصائيــة بــن املتغيــرات علــى املســتوى املجتمعــي ،معتمــدة قاعــدة متنوعــة للبيانــات مت
( )SPSSوبرنامــج ()Process حتليلهــا باســتعمال حزمــة األدوات اإلحصائيــة للعلــوم االجتماعيــة
السياســة األميركــي ،إدوارد بانفيلــد ( ،)Edward Banfieldفــي إحــدى القــرى الفقيــرة بجنــوب
إيطاليــا .وقــد ت ُِّوجــت هــذه الدراســة التــي ُأجنــزت مبعيــة زوجتــه اإليطاليــة األصــل ،بنشــر كتاب
موســوم بـ»العائليــة غيــر األخالقيــة :فــي األســس األخالقيــة ملجتمــع متخلــف» ( .)3وقــد اعتمــد
منهجــا متكامـ ً
ـا يجمــع بــن اإلحصائيــات اإلداريــة واملالحظــة اإلثنوغرافيــة والدراســة ً الباحــث
البيوغرافيــة ،إضافــة إلــى متريــر اختبــارات نفســية وإجــراء مقابــات مفتوحــة مــع األهالــي.
ويتمحــور عمــل بانفيلــد حــول فرضيــة مفادهــا أن البــؤس االجتماعــي اخلــاص بالقريــة اإليطالية
يرتبــط بشــكل جوهــري بســيادة روح ثقافيــة تتميــز بالعجــز السياســي لألهالــي عــن التعــاون
والعمــل املشــترك مــن أجــل بنــاء الفعــل اجلمعــي ،مــا عــدا إذا كان األمــر يتعلــق باملصلحــة
املباشــرة لألســرة .وتســتقي هــذه الــروح طابعهــا غيــر األخالقــي مــن كــون معاييــر اخليــر والشــر،
واملبــاح واحملظــور والالئــق واملكــروه ال تتجــاوز فــي اشــتغالها املبدئــي الدوائــر االجتماعيــة التــي
حتكمهــا أخــاق القرابــة .ويســتتبع ذلــك أن الســعي وراء املصــاحل املاديــة املباشــرة ألفــراد
املجتمــع يفســر االهتمــام االنتقائــي قصيــر املــدى ببعــض مظاهــر احليــاة العامــة؛ حيــث يغــدو
الســلوك االنتخابــي ،علــى ســبيل املثــال ،شـ ً
ـكل مــن أشــكال املقايضــة التــي تقــدر بالثمــن،
عــوض التعبيــر عــن القناعــات السياســية لألفــراد .ال مندوحــة أن هــذه اخلصائــص املميــزة
للمنــاخ النفســي-االجتماعي ســتجعل مــن االرتبــاط العائلــي املــاذ الوحيــد ضــد تقلبــات
احليــاة وقســوة الروابــط االجتماعيــة ،وحتصــر املبــادئ الفضلــى فــي الدوائــر العائليــة الضيقــة.
أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | 13
لقــد أســهم هــذا العمــل ذائــع الصيــت فــي إلهــام الباحثــن فــي مختلــف أحنــاء العالــم لدراســة
التــي تناولــت األبعــاد العالئقيــة لبنيــات القرابــة فــي املجتمعــات العربيــة ،قــد كشــفت عــن
حضــور زمــرة مــن األعــراض الشــبيهة مبتالزمــة العائليــة غيــر األخالقيــة ،خاصــة فيمــا يتعلــق
بالعالقــة بــن املجــال العائلــي والفضــاءات البيروقراطيــة .وقــد شـ َّ
ـكلت مظاهــر الغيــرة واحلــذر
االجتماعيــن إضافــة إلــى التنافــس واحملابــاة العائليــة مــن اخلطــاب األنثروبولوجي الــذي تكلف
عنــاء فحــص التماســك االجتماعــي املبنــي علــى االرتباطــات الغريزيــة .واحلقيقــة أن الصــورة
التــي حنتهــا هــذا احلقــل املعرفــي للروابــط االجتماعيــة فــي دار اإلســام ال ختلــو مــن اجلديــة
والصرامــة العلميــة؛ فقــد أســهمت طالئــع اإلثنوغرافيــن واألنثروبولوجيــن ،كل علــى طريقتــه،
فــي حتديــد اخلطــوط العامــة للســيكولوجيا الثقافيــة( )4الناجتــة عــن تبــوؤ أخــاق العائليــة مكانــة
الصــدارة واشــتغالها فــي اآلن نفســه كحمايــة وكطغيــان ( .)5وتتحــدد هــذه الســيكولوجيا فــي
هيمنــة ملمــح الشــخص الترابطــي العاجــز عــن فــك االرتبــاط مــع النمــوذج املعيــاري للعائليــة،
ِّ
ويشــكل هــذا امللمــح منزلــة هجينــة غيــر واضحــة املعالــم حــن يتــم فحصهــا مــن زاويــة
يرتكــز البنــاء االجتماعــي للنمــوذج املثالــي للشــخص فــي الثقافــة االجتماعيــة العربيــة علــى
الرجــات التــي
َّ احتــرام احلقــوق العائليــة وخدمــة أهــداف االرتباطــات الغريزيــة .وبالرغــم مــن
أســفرت عنهــا احلداثــة فــي بنيــات القرابــة ال تــزال الرنــة الطوباويــة للواجبــات العائليــة حتظــى
بتقديــر اجتماعــي رفيــع؛ إذ يتوقــع معظــم النــاس أن يتصــرف املســؤول فــي املجــاالت السياســية
واإلداريــة تصــرف القريــب ال تصــرف البيروقراطــي باملعنــي الفيبــري للكلمــة ،وهــو مــا يســمح
ملتغيــرات القرابــة باالســتئثار بقســط وافــر مــن املــوارد العامــة بشــكل غيــر مشــروع ،ممــا يعنــي أن
وراء مظهرهــا الوجدانــي اخلــادع أبعــاد أداتيــة تتجســد فــي تبــادل املنافــع واملصــاحل واخلدمــات
ال يعنــي هــذا بالطبــع أن عالقــات الــوالء واخلضــوع ترتــد فــي مجملهــا إلــى الســجالت
الدمويــة .فــإذا كانــت العائلــة ترعــى وتتوســط وتشــفع عنــد االقتضــاء ،مقابــل االنضبــاط شــبه
االنعكاســي ألخــاق ال ميكــن التصريــح بهــا ولكــن ميكــن اإلحســاس بفعاليتهــا احلثيثــة،
ـرورا بالدوائــر
مــن أنفــه فــي دوائــر مترابطــة ( )7تبتــدئ باألســرة وتنتهــي بالســالة احلاكمــة ،مـ ً
الوســيطة كالقبليــة والعرقيــة واملناطقيــة واملذهبيــة .ويجــب التنبيــه إلــى أن القــول بســيادة العائلية
غيــر األخالقيــة ،ال يجــب أن يســتفاد منــه ،وفقً ــا لتأويــل رومانســي ،تصــور مثالــي للعالقــات
يوجــد وراء احملابــاة العائليــة منــوذج للتنشــئة االجتماعيــة يهيمــن عليــه نــزوع ثقافــي طمــوح إلــى
تأكيــد الصــدارة االجتماعيــة لألقــارب علــى حســاب الغيــر .ويســتمد هــذا النــزوع ديناميتــه مــن
خــزان أخالقــي كشــف البحــث اإلثنوغرافــي النقــاب عــن بعــض مظاهــره التاريخيــة .واملالحــظ
أن هــذا اخلــزان ال يــزال يشــتغل بــن ظهرانينــا ،فــي غفلــة مدهشــة عــن خطابــات العقلنــة
السياســية التــي تبــدو أقــل انفال ًتــا مــن املنطــق الغريــزي .إن رب األســرة املغربــي ،كمــا يقــول
جــورج هــاردي ( ،)George Hardyيفعــل كل مــا فــي وســعه مــن أجــل نقــل أســرار حرفتــه إلــى
ابنــه اليافــع ،وإذا حــدث أن فشــل فــي مســعاه بســبب تقاعــس هــذا األخيــر ،يحمــل األب
مغربيــا ،لتمكــن
ًّ أســراره معــه إلــى حلــده .ويضيــف هــاردي فــي عبــارة بليغــة« :لــو كان باســتور
مــن جنــي أربــاح طائلــة ،ولكــن بعــد مماتــه ،ســيهلك املجتمــع بــداء الكلــب» (.)8
ال تقتصــر هــذه اخلطاطــة األخالقيــة علــى االجتمــاع املغربــي بتشــكيالته االجتماعيــة واإلثنيــة
ِّ
يشــكل ،وإن بدرجــات متفاوتــة ،مســة ثقافيــة للروابــط االجتماعيــة فــي املختلفــة ،ولكنــه
ِّ
يغــذي هــوس املســاواة شــمال إفريقيــا والشــرق األوســط ( .)9إن العصــاب اجلماعــي الــذي
فــي جتــاوز األقــران تنهــل بــا شــك مــن التنشــئة العائليــة وأخالقهــا التنافســية ( .)11ويبــدو أن
هجــاس األلقــاب والســمو ،فــي ســياق ثقافــة سياســية تشــكو مــن قلــة الفــرص وتعانــي ،بشــكل
املرضيــة التــي أســهمت فــي ظهورها .وبالتالــي ،فالتوقف عند املســتوى الســطحي دون التســاؤل
عــن األســباب الفعليــة الكامنــة وراءهــا أشــبه بتســجيل أعمــى للتصريحــات التــي يبــوح بهــا
ـدا أنهــا تشـ ِّ
ـكل جوهــر ع َّلتــه ()13؛ وهــو مــا يتعــارض مــع تقليــد أبوقــراط فــي املريــض ،معتقـ ً
ضــرورة اســتقصاء باطــن األمــور .ينطبــق القيــاس نفســه علــى العــوارض املســتعملة كتعبيــر عــن
العائليــة غيــر األخالقيــة فــي املجتمعــات العربيــة .فاملظاهــر املتشــابهة ال ترتــد بالضــرورة إلــى
نفــس األســباب ،وهــذا مــا يطــرح معضلــة تأويــل األعــراض وتكييفهــا فــي العلــوم االجتماعيــة
إن الوعــي بهــذه املعضلــة يفســح املجــال ألخــذ التباينــات اخلاصــة بالعوامــل اإليكولوجيــة
واالقتصاديــة والثقافيــة فــي احلســبان؛ وهــو مــا يعنــي أن محــددات العائليــة كمــا تــراءت
لـ»بانفيلــد» فــي جنــوب إيطاليــا غيــر قابلــة لإلســقاط علــى اجلغرافيــة الثقافيــة للعالــم العربــي
مبشــاربها املتعــددة .فالبحــث فــي جينيالوجيــا أخالق احملابــاة ذات املصــدر القرابي وانعكاســاتها
للمجتمعــات العربيــة .وســتتم مقاربــة هــذا التاريــخ مبتغيــرات بيولوجيــة ودميغرافيــة وثقافيــة
تنطلــق منهجيــة الدراســة مــن خلفيــة مفادهــا أن متالزمــة احملابــاة العائليــة فــي املجتمعــات
منظــورا إليهــا مــن زاويــة محدداتهــا ،هــي ســليلة عقــدة ثقافية-أخالقيــة تتجــاوز
ً العربيــة،
البنــاء الفينومينولوجــي للعالــم املعيــش ،مبــا يقتضيــه ذلــك مــن اختيــارات عقالنيــة أو دوافــع
| 16
أكســيولوجية ،لتضــرب بجذورهــا فــي ســطوة عوامــل بنيويــة تتجســد فــي االقتصــاد والبيولوجيــا
واملنــاخ والثقافــة .وجتــدر اإلشــارة إلــى أن حتليــل املعطيــات يســلك مرحلتــن متكاملتــن:
أ -املرحلــة األولــى :تتعلــق بدراســة التأثيــر الــذي متارســه املتغيــرات املســتقلة فــي تبايــن أخــاق
احملابــاة العائليــة علــى املســتوى املجتمعــي .وفــي هــذا اإلطــار ،مت إدراج البيانــات اخلاصــة
وعمــان ،والكويــت.
ُ
ﺏ -ﺍﳌﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ :ﺗﺸﻤﻞ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺄﺛﲑ ﺍﻟﺬﻱ ﲤﺎﺭﺳﻪ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻛﻤﺎ
ب -املرحلــة الثانيــة :تشــمل دراســة التأثيــر الــذي متارســه أخــاق العائليــة علــى املتغيــرات
ﻳﻮﺿﺤﻬﺎ ﺍﳉﺪﻭﻝ ﺃﺳﻔﻠﻪ .ﻭﻳﺘﻌﻠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ ﻭﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻌﻴﺔ ﻭﻏﲑﻫﺎ ﻣﻦ
ـلوالفعـ
ﻌﺮﺑﻴﺔ الفعليــة
ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﺍﻟ بالدميقراطيــة
ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻲ ﰲ األمــر
ﻟﻼﻧﺘﻘﺎﻝ ويتعلــق
ﺍﻟﻜﺎﲝﺔ ـفله.ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ
ﺎﻧﻜﺸﺎﻑأسـﺃﺣﺪ
اجلــدول يوضحهــا
ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺑ ﻭﺗﺴﻤﺢـا ﻧﺘﺎﺋﺞ
التابعــة كمـ السياســية
ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ. ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ
ﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲــة
ـج الدراس
ﺍﻟﺘﻐﻴﲑـ ﺍ
ـمح نتائﺗﻔﺘﻖ وتسـ
ﻃﺎﻗﺎﺕ السياســية. ـرات
ﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﳝﻨﻊ املتغيـﺍﻟﺴ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞـا مــن
ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻳﺔ ﺧﻼﻟﻪ وغيرهـ
التوزيعيــة والدميقراطيــة
ﻳﺮﻫﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻠﱯ ﺍﻟﺬﻱاالحتجاجــي
ﻭﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻮﺯﻥ
ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ.ــوزن
ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔوتقديــر ال ﻭﺍﻹﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ
ﻭﺍﻟﺪﳝﻐﺮﺍﻓﻴﺔـي فــي البلـ
ـدان العربيــة ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔالدميقراطـ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ
لالنتقــال ـل ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ
الكابحــة العوامـﻗﻴﺪ
ﻭﺗﻐﻄﻲــدﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ
ـاف أحﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ.
بانكشـ
الســلبي الــذي يرهــن مــن خاللــه مســتقبل الوجوديــة السياســية ومينــع تفتــق طاقــات التغييــر
ﻭﻗﺪ ﰎ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻣﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﳌﺆﲤﺮ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﳌﻲ ﻟﺴﻨﺔ 2016ﺣﻮﻝ ﻋﺪﺩ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮﻥ ﰲ
ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﻣﺘﻐﲑ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ) ،(26ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﰲ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻫﺎ
أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | 17
وقــد مت اعتمــاد قاعــدة معطيــات املؤمتــر االقتصــادي العاملــي لســنة 2016حــول عــدد األقــارب
الذيــن يشــتغلون فــي املؤسســات االقتصاديــة لبنــاء متغيــر أخــاق العائليــة ( ،)26لكــن بالنســبة
لبعــض الــدول العربيــة التــي تعتمــد فــي اقتصادهــا علــى العمالــة األجنبيــة مت اللجــوء إلــى
معطيــات البحــث الدولــي حــول القيــم ( .**)World Values Surveyويكشــف اجلــدول أســفله
نتائــج التحليــل العاملــي االستكشــافي وطبيعــة البنــود املختــارة كأفضــل تعبيــر متــاح عــن
املتغيــر املركــزي لهــذه الدراســة .وقــد مت حســاب املعــدالت الوطنيــة ألخــاق العائليــة مــن
توضــحـثﻋﻠﻰﻭﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ
ـي؛ حيـﻟﻐﲑ،ﺍﳊﺬﺭ ﻣﻦ ﺍ
الدولـ ـاصﺗﺸﻤﻞ:
بالبحــث ﻋﻮﺍﻣﻞ؛
ﺛﻼﺛﺔاخلـ االسـﻋﻠﻰ
ـتبيان ـئلة ﺗﻨﺒﲏ
ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ
ﻏﲑـى أسـ
ﻌﺎﺋﻠﻴﺔعلـ
املبحوثـﺍﻟـن
ـاتﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻲ ﺃﻥ
ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ
ـالﻦإجابـ
خـ ﻳﺒﻴæ
ﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻁ ،ﻭﺃﳘﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ .ﻭﺗﻌﺒæﺮ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﳌﻨﺪﺭﺟﺔ ﲢﺖ ﻛﻞ ﻋﺎﻣﻞ ﻋﻦ ﺩﺭﺟﺔ ﺗﺸﺒﻊ ﺍﻟﺒﻨﻮﺩ ﺑﻜﻞ ﻋﺎﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﺓ.
العوامــل املســتخرجة مكونــات املتغيــر املــدروس .وتصــل نســبة التبايــن اإلجمالــي إلــى مــا
يقــارب .63.30%
ـن التحليــل العاملــي أن العائليــة غيــر األخالقيــة تنبنــي علــى ثالثــة عوامــل؛ تشــمل :احلــذر
يبـ ِّ
ﺗﻀﺮﺏ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ،ﻛﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ،ﲜﺬﻭﺭﻫﺎ ﰲ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﱵ ﳝﺮ ﺗﺄﺛﲑﻫﺎ ﻋﱪ
ﻣﻨﻈﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﳌﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﻨﺪﺭﺓ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺷﻈﻒ ﺍﻟﻌﻴﺶ؛ ﻭﻻ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺑﲔ ﻋﺸﻴﺔ ﻭﺿﺤﺎﻫﺎ،
| 18
البنيويــة التــي ميــر تأثيرهــا عبــر منظومــات القيــم املرتبطــة بالفقــر والنــدرة االقتصاديــة وشــظف
العيــش؛ وال تتحــول هــذه األخــاق بــن عشــية وضحاهــا ،بــل تبقــى رهينــة مبــدأ االســتقاللية
الوظيفيــة الــذي يضمــن اســتمرارها حتــى خــارج الظــروف املاديــة التــي مهــدت لنشــأتها،
ممــا يعنــي أن اســتمرار عقــد القرابــة الــذي ُيغَ ِّذيــه املبــدأ البيولوجــي ال ينكفــئ بســهولة إلــى
الــوراء حتــت تأثيــر التحديــث املؤسســاتي واالجتماعــي ،وهــو مــا تؤشــر عليــه حالــة احملابــاة فــي
املجتمعــات العربيــة.
إلــى العوالــم اخلفيــة للسياســة التحتيــة للحاكمــن واحملكومــن علــى الســواء ،فإنهــا تنكشــف
بشــكل ســافر علــى مســتوى املمارســات اليوميــة فــي الفضــاءات العامــة .وقــد أســهمت مواقــع
التواصــل االجتماعــي فــي تعريــة هــذه املمارســات علــى املــأ فــي معظــم الــدول العربيــة،
وذلــك مــن خــال التلصــص حــول التدخــات اخلفيــة للمســؤولني العموميــن وكشــف
خيوطهــا الدقيقــة .واملالحظــة املثيــرة لالنتبــاه أنــه ينــدر وجــود مســؤولني سياســيني أو إداريــن
الــذي ينخــر األجهــزة السياســية والبيروقراطيــة فــي العالــم العربــي( .)27ويبــدو أن هــذه املعضلــة
األخالقيــة والثقافيــة تستشــري فــي قطاعــات االقتصــاد واإلدارة والسياســة وال تســتثني ً
أيضــا
رصــد جــون واتربــوري ( ،)John waterburyمنــذ مــا يزيــد عــن أربعــن ســنة ،طبيعــة التحالفــات
العائليــة العابــرة لألحــزاب السياســية املغربيــة والتــي ختــدم اســتراتيجيات احلفــاظ علــى
التمايــزات االجتماعيــة ،مــع مــا يســتلزم ذلــك مــن مصــاحل ماديــة ورمزيــة رفيعــة ( ،)28وهــي
املعاينــة نفســها التــي توصــل إليهــا علــي بــن حــدو فــي دراســة قيمــة حــول خنــب اململكــة (.)29
وفــي االنتخابــات التشــريعية لســنة ،2016فــرض قياديــو األحــزاب السياســية أقربــاء لهــم مــن
احملصلــة
َّ الشــباب والنســاء فــي الالئحــة الوطنيــة لكــي يســتفيدوا بأقــل تكلفــة مــن األصــوات
علــى مســتوى اللوائــح احملليــة .وقــد اخنــرط اإلســاميون بــدون تــردد فــي هــذه املعادلــة وذلــك
السياســة فــي اجتــاه االقتصــاد .وقــد ســجل املالحظــون أن االنفتــاح الــذي عرفــه االقتصــاد
املبــادرات احلــرة ( .)30ويســهم االســتثمار املؤسســاتي ألخــاق العائليــة فــي صناعــة النخــب
السياســي لصانعــي القــرار لتتملــص مــن الضرائــب وتســتفيد مــن الريــع وحتتكر مجــاالت ومواقع
تغــري بالثــراء الســريع .وهــو مــا يعنــي أن الدولــة كتجســيد للعقــل واملشــاعر املدنيــة تعترضهــا
صعوبــات فينومينولوجيــة جمــة تتجلــى فــي تصورهــا مــن طــرف املجموعــات االجتماعيــة
والسياســية كمجــال رحــب حملابــاة األقــارب ،مــن خــال إســناد املناصــب لفائــدة زمــر تفتقــد
إلــى اإلرادة األخالقيــة فــي التغييــر .وممــا ال شــك فيــه ،أن هــذه العقــدة الثقافية-السياســية
قــد أعاقــت تشــكيل الدولــة فــي صــدر اإلســام علــى أســس غيــر تلــك املرتبطــة بالنــوازع
الفطريــة ( .)31ويبــدو أن فشــل قيــام الدولــة باملعنــي الهيجلــي فــي هــذه اجلغرافيــة الثقافيــة يعــود
إلــى نــزوع املجتمعــات السياســية العربيــة حنــو إخضــاع التطــور املؤسســاتي ملقتضيــات املنطــق
| 20
اجلينــي(.)32
إن احتمــال وجــود أقربــاء فــي املؤسســات العامــة ،وكــذا فــي املؤسســات االقتصاديــة اخلاصــة
باملجتمعــات العربيــة ،يتجــاوز بشــكل ال جــدال فيــه املجتمعــات األخــرى ،وهــو مــا تكشــف
عنــه نتائــج حتليــل التبايــن األحــادي الــذي حتتــل فيــه أخــاق العائليــة وضعيــة املتغيــر التابــع.
تؤكــد نتائــج التبايــن وجــود فــروق جوهريــة دا َّلــة بــن املجتمعــات العربيــة ومجتمعــات أميــركا
الالتينيــة واملجتمعــات الغربيــة فيمــا يخــص املعــدالت احملصــل عليهــا علــى مقيــاس العائليــة
( .)F=42.41 ; p<0.001وتــدل هــذه الفــروق علــى وجــود اختالفــات ثقافيــة فــي التعامــل مــع
األقــارب فــي الفضــاءات واملؤسســات العامــة؛ حيــث تتربــع املجتمعــات العربيــة بــدون منــازع
علــى املعــدالت العليــا ،وهــو مــا يجعــل منهــا مجتمعــات للمحابــاة العائليــة دون أدنــى شــك.
وحتتــل كل مــن موريتانيــا واليمــن ومصــر والســودان املراتــب املتقدمــة علــى ســلم هــذه
ﺇﻥ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻗﺮﺑﺎﺀ ﰲ ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ،ﻭﻛﺬﺍ ﰲ ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﳋﺎﺻﺔ ﺑﺎ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ
العقــدة ،بينمــا ترجــع املراتــب األخيــرة للبحريــن واملغــرب وتونــس واألردن ولبنــان وســوريا
ﺃﺧﻼﻕ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﺟﺪﺍﻝ ﻓﻴﻪ ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ ،ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻨﻪ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﲢﻠﻴﻞ ﺍﻟﺘﺒﺎﻳﻦ ﺍﻷﺣﺎﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﲢﺘﻞ ﻓﻴﻪ
واجلزائــر والعــراق والكويــت فــي الوســط .ولكــن هــذه الفروقــات املالحظــة ـعودية
ﺍﳌﺘﻐﲑ ﺍﻟﺘﺎﺑﻊ. ﺋﻠﻴﺔـع السـ
ﻭﺿﻌﻴﺔ وتتموقـ
ﺍﻟﻌﺎ
ﺗﺆﻛﺪ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﺒﺎﻳﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻓﺮﻭﻕ ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ ﺩﺍﻟﱠﺔ ﺑﲔ ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﳎﺘﻤﻌﺎﺕ ﺃﻣﲑﻛﺎ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻭﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ
ﻓﻴﻤﺎ ﳜﺺ ﺍﳌﻌﺪﻻﺕ ﺍﶈﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ) .(F=42.41 ; p<0.001ﻭﺗﺪﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺮﻭﻕ ﻋﻠﻰ
أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | 21
ِّ
تشــكل خاصيــة تكتســي داللــة ضعيفــة فــي معظــم األحيــان ،ممــا يعنــي أن احملابــاة العائليــة
ثقافيــة مشــتركة بــن املجتمعــات العربيــة قيــد الدراســة .وتكشــف هــذه النتائــج عــن إحــدى
.2.2ﺍﳉﺬﻭﺭ ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﻟﻠﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻏﲑ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ :ﻣﻦ ﺍﻷﺻﻞ ﺍﳉﻐﺮﺍﰲ ﻟﻠﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺇﱃ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ
اإلنســان يبتدعهــا
ﺍﳌﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﱵ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥالتــي
ﳌﻮﺍﺟﻬﺔ احللــول ﺍﻟﱵ مــن
ﻳﺒﺘﺪﻋﻬﺎ كمجموعــة
ـي ﻣﻦ ﺍﳊﻠﻮﻝ
األنثروبولوجـ
ﻛﻤﺠﻤﻮﻋﺔ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪالتقليــد
ﺍﻷﻧﺜﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻲ الثقافـﰲـة فــي
ـىﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ
ﻨﻈﺮإلـﺇﱃ
نظــر
ُي ﻳ
ﺗﻄﺮﺣﻬﺎ ﺍﻷﻧﺴﺎﻕ ﺍﻹﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﲟﻜﻮﻧﺎúﺎ ﺍﳌﺨﺘﻠﻔﺔ ) .(33ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﶈﺎﺑﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ،ﻛﻌﻘﺪﺓ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ،ﻻ ﳝﻜﻦ ﻓﺼﻠﻬﺎ
ملواجهــة املشــاكل التــي تطرحهــا األنســاق اإليكولوجيــة مبكوناتهــا املختلفــة ( .)33والواقــع أن
ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﺡ ﻛﻤﺎ ﺳﻨﺒﻴæﻦ ﺫﻟﻚ ﻻﺣﻘﹰﺎ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩÉﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻹﺣﺼﺎﺋﻴﺔ .ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺗﺘﻮﺳﻂ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ
الحقً ــا ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ذلــك
ﺍﳉﻴﻨﻴﺎﻟﻮﺟﻴﺔ ـنبي
ﺍﻟﻌﻼﻗﺔــاﻣﻦسـ ِّ
ـرح كم الطـ
ﻫﺬﻩ ﻓﺈﻥــذا
ﺩﺭﺍﺳﺔ ـن ه فصلهــا عـ
ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ، ميكــن
ﳎﻤﻮﻋﺎﺕ ﺍﻻﲡﺎﻫﺎﺕالﺣﻴﺎﻝ
ﺃﳕﺎﻁـدةﻣﻦثقافيــة،
كعقـ العائليــة،
ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﻭ ﺑﲔــاة
ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ احملاب
ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺭﺑﻄﻬﺎ ﲟﺆﺛﺮﺍﺕ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ ﻣﻮﻏﻠﺔ ﰲ ﺍﻟﻘﺪﻡ ﻭﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ﰲ ﺍﳊﺎﺿﺮ ﺍﳌﻌﻴﺶ ) .(34ﻓﻘﺪ ﺍﻧﺘﺒﻪ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻮﻥ ﺇﱃ ﺩﻭﺭ
اعتمــادا علــى االختبــارات اإلحصائيــة .وإذا كانــت الثقافــة تتوســط العالقــة بــن العوامــل
ً
ﺍﳌﻨﺎﺥ ﰲ ﺍﻟﺘﻜﺮﻳﺲ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻤﺤﺎﺑﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻭﻳﻌﺰﻭﻥ ﺫﻟﻚ ﺇﱃ ﺗﺄﺛﲑﻩ ﻏﲑ ﺍﳌﺒﺎﺷﺮ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﻘﻴﻢ
هــذه(.العالقــة دراســة
ﺍﻷﻧﺎﱐ")36 فــإنﺍﳉﲔ
االنتمــاء ،ﺑـ “
مجموعــات(Richard
حيــال )Dawkins االجتاهــات
ﺭﻳﺘﺸﺎﺭﺩ ﺩﺍﻭﻛﻴﻨﺰ مــن ﻳﺴﻤﻴﻪ وأمنــاط
ﻭﻛﺬﺍ ﻣﺎ البنيويــة
ﺍﻟﺘﺮﺍﺑﻄﻴﺔ )(35
مــن الناحيــة اجلينيالوجيــة يســتلزم ربطهــا مبؤثــرات خارجيــة موغلــة فــي القــدم ومســتمرة
للمحابــاة العائليــة ويعــزون ذلــك إلــى تأثيــره غيــر املباشــر فــي تشــكيل منظومــة القيــم الترابطيــة
( )35وكــذا مــا يســميه ريتشــارد داوكينــز ( )Richard Dawkinsبـــ “اجلــن األنانــي”(.)36
يســهم املنــاخ فــي تبايــن التهديــدات واملخاطــر التــي حتــدق ببقــاء اجلنــس البشــري؛ فنــدرة
الثقافيــة مــن خــال تكثيــف املخاطــر احمليطــة بالبقــاء علــى وجــه البســيطة .لذلــك مــن املفترض
اســتعدادا
ً أن تكــون املجتمعــات القاطنــة باملناطــق القاحلــة واخلاضعــة لقســاوة املنــاخ أكثــر
مــن غيرهــا لتشــجيع متالزمــة العائليــة غيــر األخالقيــة وذلــك كاســتراتيجيات ثقافيــة لضــرورة
اإليكولوجــي املثالــي لنشــأة منظومــات قيميــة مغايــرة للعائليــة غيــر األخالقيــة .وال غــرو أن
مؤشــر وفــرة مصــادر امليــاه الذي صممه كريســتيان ويلــزل ( )Christian Welzel)(38لدراســة الســوابق
نسبيا.
ًّ .1مناخ مييل إلى البرودة
ُينظــر مــن الناحيــة الثقافيــة واالقتصاديــة إلــى وفــرة مصــادر امليــاه البــاردة كعامــل مســاعد علــى
الثــروة الزراعيــة والفالحيــة بأقــل تكلفــة ممكنــة؛ حيــث تصبــح احلاجــة إلــى العائلــة املمتــدة
أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | 23
ُّ
تشــكل ســلطة مــن أجــل الســيطرة علــى املــوارد غيــر ضروريــة ،وهــو مــا يعنــي أن فــرص
سياســية تراقــب األفــراد مــن خــال احتــكار امليــاه واملــوارد تــكاد تكــون ضعيفــة .إن األمــن
االقتصــادي الــذي تســمح بــه وفــرة مصــادر امليــاه يســهم فــي بنــاء بنيــة سياســية ال حتتــاج إال
دا َّلــة بــن املجتمعــات فيمــا يتعلــق مبؤشــر مصــادر امليــاهُ .
ويظهــر الشــكل موقــع املجتمعــات
لكــن مثــة ســؤال يتعلــق بطبيعــة األفــق التأويلــي الــذي يجــب أن ينــدرج فيــه فهــم النتائــج:
مــا الــذي يجعــل املجتمعــات العربيــة حتتــل ذلــك املوقــع املتدنــي علــى مســتوى هــذا املتغيــر
ﻟﻜﻦ ﲦﺔ ﺳﺆﺍﻝ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻓﻖ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﳚﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﺪﺭﺝ ﻓﻴﻪ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ :ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﳚﻌﻞ ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ
اإليكولوجــي؟
ﳌﺘﺪﱐ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺘﻐﲑ ﺍﻹﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻲ؟ ﲢﺘﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍ
ميكــن اإلجابــة عــن هــذا الســؤال مــن خــال الرجــوع إلــى املســافة التــي قطعهــا اإلنســان
ﳝﻜﻦ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺮﺟﻮﻉ ﺇﱃ ﺍﳌﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﱵ ﻗﻄﻌﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻨﺬ ﻋﺼﻮﺭ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ
منــذ عصــور مــا قبــل التاريــخ انطالقً ــا مــن غــرب إفريقيــا التــي شــهدت حســب الدراســات
ﺍﻧﻄﻼﻗﹰﺎ ﻣﻦ ﻏﺮﺏ ﺇﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺍﻟﱵ ﺷﻬﺪﺕ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ ) .(39ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﲏ ﺃﻥ
العلميــة ظهــور اإلنســان العاقــل ( .)39وهــو مــا يعنــي أن اســتفادة املجتمعــات مــن مصــادر امليــاه
ﺍﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﳌﻴﺎﻩ ﺭﻫﲔ ﺑﺎﳌﺴﺎﻓﺔ ﺍﳉﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﻗﻄﻌﻬﺎ ﺃﺳﻼﻓﻬﻢ ﺍﻧﻄﻼﻗﹰﺎ ﻣﻦ ﺇﺛﻴﻮﺑﻴﺎ ﺇﱃ ﻣﻮﻃﻨﻬﺎ
ﺍﳊﺎﱄ ) .(40ﻭﳑﺎ ﻻ ﻳﺪﻉ ﳎﺎﻟﹰﺎ ﻟﻠﺸﻚ ،ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﱵ ﺳﺘﺸﻜﱢﻞ ﻻﺣﻘﹰﺎ ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻗﺪ ﻇﻠﺖ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﺃﻓﻘﻴ∞ﺎ
ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ ﺧﻄﻮﻁ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﺍﻟﱵ ﺗﺘﻤﻮﻗﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒÉﺎ ﺇﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ،ﻭﻳﻌﲏ ﻫﺬﺍ ﺃéﺎ ﱂ ﺗﱪﺡ ﺇﻻ ﻗﻠﻴﻠﹰﺎ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ ﺍﳌﻨﺎﺧﻲ
| 24
رهــن باملســافة اجلغرافيــة التــي قطعهــا أســافهم انطالقً ــا مــن إثيوبيــا إلــى موطنهــا احلالــي
ِّ
ستشــكل الحقً ــا املجتمعــات العربيــة ً
مجــال للشــك ،أن الشــعوب التــي ( .)40وممــا ال يــدع
تقريبــا إفريقيــا
ً أفقيــا علــى نفــس خطــوط العــرض التــي تتموقــع عليهــا
قــد ظلــت تتحــرك ًّ
توجههــا إال ـا النطــاق املناخــي ذاتــه .فقــد قـ َّ
ـل ُّ الشــرقية ،ويعنــي هــذا أنهــا لــم تبــرح إال قليـ ً
نــادرا جتــاه الشــمال؛ حيــث يرتفــع شــيئًا فشــيئًا احتمــال التعــرض لتبايــن املنــاخ ،وبالتالــي
ً
ـن الشــكل (رقــم )4الفــروق بــن
الوصــول إلــى املناطــق التــي حتفــل مبصــادر امليــاه البــاردة .ويبـ ِّ
املجتمعــات فيمــا يخــص املســافة اجلغرافيــة عــن القــرن اإلفريقــي؛ حيــث يتضــح أن الشــعوب
العربيــة لــم تبــرح إجمـ ً
ـال اخلطــوط اجلغرافيــة األفقيــة وذلــك بالرغــم مــن طابــع الغــزو الــذي
ﻫﻨﺎﻙ ﳕﻂ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﻪ ﻭﻓﺮﺓ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﳌﻴﺎﻩ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺓ ﻭﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻘﻠﺔ ﺍﻷﻭﺑﺌﺔ؛ ﻓﺎﳌﻨﺎﺥ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩ
ـامية.ﻋﺎﺋﻘﹰﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺗﺸﻜﱡﻞ ﻭﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﻌﺪﻭﻯ .ﻭﺗﺴﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﰲ ﺗﻮﺍﺻﻞ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ اإلسـﺗﺸﻜﱢﻞ ﺍﳌﻴﺎﻩـات
ﺍﳉﺎﺭﻳﺔ، الفتوحـ
ميــزﻭﻭﻓﺮﺓ
ﻧﺴﺒﻴ∞ﺎ َّ
41ـق(.
ويتعلـ
ـاردةﻛﺔ )
ﺑﺎﻷﻣﺮﺍﺽالبـﺍﻟﻔﺘﺎ
ـادر امليــاه
ـرة مصـ
ﺍﻹﺻﺎﺑﺔ ﺍﻟﺪﻣﻮﻳﺔ وفـ
ﳐﺎﻓﺔ ﺍ°ﻤﻮﻋﺎﺕـمح بــه
ﺣﻮﻝالــذي تسـ
ﺍﻟﺘﻘﻮﻗﻊــودي
ﻋﻮﺽـن الوج
ـن األمـ
ﻋﻠﻰــر مـ
ﺑﻌﺾ ـط آخ ﻭﺍﻧﻔﺘﺎﺡـاك منـ
ﺑﻌﻀﻬﻢ هنـ
ﻳﻔﺮﺽ
وانتقــال ﻟﺴﻄﻮﺓ تشـ ُّ
ﺍﻷﻭﺑﺌﺔ؛ل ﳑﺎ
ـك ﻋﺮﺿﺔــا أمــام ﺍﳌﻨﺎﻃﻖتشـ ِّ
ﺍﻷﻛﺜﺮل عائقً
ـك ﺗﻘﻊــاهﺿﻤﻦ
اجلاريــة، ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ املي
ﺘﻤﻌﺎﺕووفــرة
ـاردﺍ°نســبيا
ـاخ(5البـﺃﻥ
ﺭﻗﻢ )
ﺍﻟﺒﻴﺎﱐفاملنـ ﻭﻳﻮﺿﺢـة ﺍﻟﺮﺳﻢ
األوبئــة؛ بقلـ
ًّ
ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻠﺠﻮﺀ ﺇﱃ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻟﻠﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﻣﻨﻈﻮﻣﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﳊﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ .ﻭﻳﻌ∫ﺪ ‰ﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻁ
العــدوى .وتســهم هــذه العوامــل فــي تواصــل األفــراد وانفتــاح بعضهــم علــى بعــض عــوض
ﺍ°ﺎﱄ ﻭﺍﻟﻮﺟﺪﺍﱐ ﺑﺎﻷﻗﺮﺑﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻮﺟﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﺑﺎﺀ ﺃﻫﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻃﻼﻕ.
أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | 25
التقوقــع حــول املجموعــات الدمويــة مخافــة اإلصابــة باألمــراض الفتاكــة ( .)41ويوضــح الرســم
البيانــي رقــم ( )5أن املجتمعــات العربيــة تقــع ضمــن املناطــق األكثــر عرضــة لســطوة األوبئــة؛
ممــا يفــرض عليهــا اللجــوء إلــى أشــكال للتنظيــم االجتماعــي ومنظومــات مــن القيــم مــن أجــل
ﺇﻥ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻱ ﺍﳌﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﳌﻨﺎﺥ ﻭﻭﻓﺮﺓ ﺍﳌﻮﺍﺭﺩ ﻭﻗﻠﺔ ﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﻟﻸﻭﺑﺌﺔ ﺍﻟﻘﺎﺗﻠﺔ ﻳﻮﻓﺮ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﺍﳌﺜﺎﻟﻴﺔ
ـاق.ﻱ ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﱵ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺑﺎﻷﻣﻦ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩÉﺍ اإلطـ
ﺃﻥ ﺗﺒÃﺪÁ علــى
ﺍﳌﺘﻮﻗﻊ ـتراتيجياتﻓﻤﻦ
ـذه االسـ
ﻭﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ؛ ﻟﻠﺘﻘﺪﻡأهــم هـ
ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻲ
ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕالقاتلــة
ﺗﺴﺠﻞ لألوبئــة
ـرضﺣﻴﺚ التعـ(6؛ ﺍﻟﺸﻜﻞــةﺭﻗﻢ
ـوارد وقلووفــرة املـ
ﺍﻟﺘﺒﺎﻳﻦ ) ﻧﺘﺎﺋﺞـاخﲢﻠﻴﻞ
ﺗﻜﺸﻔﻪ باملنـ
ـوديﻣﺎاملرتبــط
والوجـﻭﻫﻮ االقتصــادي
ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻲ، ﻣﻦاألمــن
ﻏﲑﻫﺎ ﻟﻠﺘﻘﺪﻡ ﺃﻛﺜﺮ إن
ـات ﻟﻠﺘﻘﺪﻡ
ﺍﳌﺼﺎﺣﺒﺔ
املجتمعـ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ُْبـ ِـدي
ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﺍﻟﺘﺤﻮﻻﺕاملتوقــع أن ت
والتكنولوجـﺃﻥـي؛ فمــن
ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ .ﻭﻻ ﻏﺮﻭ ﺑﺎ°ﺘﻤﻌﺎﺕ
الصناعــي ﻣﻘﺎﺭﻧﺔللتقــدم ﻣﺘﺪﻧﻴﺔ
املثاليــة ﻣﻌﺪﻻﺕـروط
ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔيوفــر الشـ
ـي ،ﻃﻮﻳﻞ،
الصناعـﺴﺎﺭ
ﺑﺬﻟﻚ ،ﻋﱪ ﻣ ﻣﺴﺎــاﻫÁﻤﺔ
للتقــدم ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ،غيره
ﻋﻠﻰـر مــن
ﺍﻟﻘﻴﻤﻴﺔ أكثـ
ـتعدادا
ً ﻭﺍﳌﻨﻈﻮﻣﺎﺕـ
ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ باألمــن اس
ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﺕاإلحســاس
ﻋﻠﻰمشــاعر ﺗﻨﻌﻜﺲ
فيهــا ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲتتوفــر
التــي
ﺍﳉﻤﺎﻋﺎﺗﻴﺔ.
ـم )6؛ حيــث تســجل املجتمعــات العربيــة ﻣﻦــنﺭﻗﺎﺑﺔ
(الشــكل رقـ ﻭﺍﻻﻧﻌﺘﺎﻕالتباي ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ
ـج حتليــل ﳓﻮـا ﻗﻴﻢ
تكشــفه نتائـ ﺍﻟﻨﺰﻭﻉ
ـو مـ
وهـ ﰲ
معــدالت متدنيــة مقارنــة باملجتمعــات الغربيــة .وال غــرو أن التحــوالت االجتماعيــة والثقافيــة
املصاحبــة للتقــدم التكنولوجــي تنعكــس علــى البنيــات االجتماعيــة واملنظومــات القيميــة علــى
الســواء ،مسـ ِ
ـاهمة بذلــك ،عبــر مســار طويــل ،فــي النــزوع حنــو قيــم االســتقاللية واالنعتــاق مــن
| 26
رقابــة اجلماعاتيــة.
إن هــذا املســار الطويــل الــذي يضــرب بجــذوره فــي عصــور مــا قبــل التاريــخ قــد بــدأ يتخــذ
قيميــا ترختــي معــه أخــاق العائليــة كمنتــوج مباشــر لبــروز متالزمــات ثقافيــة متيــز
ًّ مضمونًــا
املجتمعــات املعاصــرة إال أن املجتمعــات العربيــة ال تــزال تتمســك بالعنصــر البيولوجــي ســواء
ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺴﺎﺭ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﺮﺏ ﲜﺬﻭﺭﻩ ﰲ ﻋﺼﻮﺭ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻗﺪ ﺑﺪﺃ ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻀﻤﻮﻧÉﺎ ﻗﻴﻤﻴ∞ﺎ ﺗﺮﲣﻲ ﻣﻌﻪ
ﻟﻌﺮﺑﻴﺔـا .ﻻ ﺗﺰﺍﻝ
ختلفهـﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍ
ﺍﳌﻌﺎﺻﺮﺓـدﺇﻻبعيـﺃﻥـد ســبب
ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕإلــى حـ
ﺛﻘﺎﻓﻴﺔــوﲤﻴﺰمــا يفســر
ـي ،وه ﻣﺘﻼﺯﻣﺎﺕ
االجتماعـ ﻟﱪﻭﺯ
ـي أوﻣﺒﺎﺷﺮ ﻛﻤﻨﺘﻮﺝ
السياسـ ﺃﺧﻼﻕــىﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ
املســتوى عل
ﺳﺒﺐ بشــكلﺑﻌﻴﺪ
مباشــر يرتبــط ﺇﱃ ﺣﺪ
العربيــةﻣﺎ ﻳﻔﺴﺮ
ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ،ﻭﻫﻮ
فــي ﺃﻭاملجتمعــات
ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ غيــرﺍﳌﺴﺘﻮﻯ
األخالقيــة العائليــةﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﺳﻮﺍﺀ
ﺑﺎﻟﻌﻨﺼﺮمنســوب
ﺗﺘﻤﺴﻚارتفــاع
إن
ﲣﻠﻔﻬﺎ.
بضعــف قيــم االنعتــاق واالســتقاللية وإفــاس مضمــون األخــاق الناجتــة عنهــا .كمــا أنهــا
تأثيرهــا عبــر
ﺍﻻﻧﻌﺘﺎﻕ ﺑﻀﻌﻒ ﻗﻴﻢمتــارس
التــيﻣﺒﺎﺷﺮ
ﺑﺸﻜﻞالبنيويــة
املتغيــراتﻳﺮﺗﺒﻂ سلســلة مــن
ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ مباشــر مــن
ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﰲ غيــر
ﺋﻠﻴﺔ ﻏﲑ بشــكل ﺍﻟﻌﺎ
تنحــدر ﻣﻨﺴﻮﺏ
ﺇﻥ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ
ﻣﻦ تنتهــي
ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ التــي ﻣﻦــطية
ﺳﻠﺴﻠﺔ التوس ﻏﲑـات
ﻣﺒﺎﺷﺮ العالقـ
ﺗﻨﺤﺪﺭـفﺑﺸﻜﻞ
ﺃéﺎ مختلـ ﻋﻨﻬﺎ.رقــم
ﻛﻤﺎ ()7 ﺍﻟﻨﺎﲡﺔــكل
ﺍﻷﺧﻼﻕـح الش
ـة .ويوضـ
ﻭﺇﻓﻼﺱالثقافيـ
ﻣﻀﻤﻮﻥ ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ القيــم
وســاطة
ﺍﻟﺘﻮﺳﻄﻴﺔـولﺍﻟﱵ ﻟﻌﻼﻗﺎﺕ
)Andrewحـ ﳐﺘﻠﻒ ﺍ
(Hayes ـدرو )(7
هايــس ﺸﻜﻞأنـﺭﻗﻢ ﻭﻳﻮﺿﺢـ ﺍﻟ
ـوذج ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ .وفــق من
تصميمهــاﺎﻃﺔمتﺍﻟﻘﻴﻢ
ﻭﺳـث
ﻋﱪحيـ
ﺗﺄﺛﲑﻫﺎــة،
ﲤﺎﺭﺱ العائلي ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔـىﺍﻟﱵ
أخــاق إلـ
ﺣﻴﺚ .ﰎ ﺗﺼﻤﻴﻤﻬﺎ ﻭﻓﻖ ﳕﻮﺫﺝ ﺃﻧﺪﺭﻭ ﻫﺎﻳﺲ ) (Andrew Hayesﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﻮﺳﻂ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ،
التسلســلي ()42 ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺇﱃ
التوســط
ﺍﻟﺘﺴﻠﺴﻠﻲ ).(42
أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | 27
تؤكــد النتائــج التــي مت التوصــل إليهــا بواســطة هــذه التقنيــة ضلــوع املســافة اجلغرافيــة عــن
أصــل اجلنــس البشــري ووفــرة مصــادر امليــاه البــاردة فــي ختفيــض حــدة العائليــة غيــر األخالقيــة
بشــكل غيــر مباشــر وذلــك عبــر وســاطة السلســلة املكونــة مــن قلــة املخاطــر املتعلقــة باألوبئــة
ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ ) (7ﻳﺒﻴwﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﻮﺳﻂ ﺍﻟﺘﺴﻠﺴﻠﻲ ﺑﲔ ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ ﺍﳌﺆﺛﺮﺓ ﰲ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ
ﺗﻨﺪﺭﺝ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻏﲑ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﺴﺠﻼﺕ ﺍﳌﺘﻨﻮﻋﺔ ﻟﻠﻨﻮﺍﺯﻉ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ،ﻭﲤﻴﻞ ﻋﺎﺩﺓ ﺇﱃ ﺍﻻﺷﺘﻐﺎﻝ ﻭﻓﻖ ﳕﻂ ﻣﻦ
| 28
العربــي
تنــدرج العائليــة غيــر األخالقيــة ضمــن الســجالت املتنوعــة للنــوازع الفطريــة ،ومتيــل عــادة
قصــدي ،وإمنــا تأخــذ عــادة صبغــة األضــرار اجلانبيــة غيــر املتوقعــة كمــا هــو األمــر فــي التقليــد
العائليــة فــي املجتمعــات العربيــة ال تنفــك ،دون أن تــدرك ذلــك علــى الوجــه الصحيــح ،تنتــج
ـارا كابحــة لتفعيــل مؤشــرات احلداثــة السياســية فــي العالــم العربــي ،وهــو مــا يظهــر بشــكل
آثـ ً
جلــي عنــد فحــص مفاعيــل هــذه املتالزمــة الثقافيــة علــى املســتوى الدميقراطــي.
ليــس هنــاك مفهــوم واحــد للدميقراطيــة فــي أدبيــات علــم السياســة ،وبالرغــم مــن التنافــر
مقامــا مشـ ً
ـتركا لألطروحــات ً الــذي مييزهــا ،توجــد هنــاك منطقــة وســط حقوقيــة تــكاد تكــون
النظريــة املعاصــرة .ويتعلــق األمــر بأولويــة املشــاركة السياســية مــن جهــة ،مــع مــا يقتضــي ذلــك
مــن قوانــن ومؤسســات متثيليــة وتداوليــة ،ومركزيــة احتــرام احلريــة واالســتقالل الذاتــي لألفــراد
فــي حياتهــم اخلاصــة مــن جهــة أخــرى .وبنــاء علــى هــذه العناصــر ،مت التمييــز بــن الدميقراطيــة
الشــكلية والدميقراطيــة الفعليــة .وقــد حظيــت هــذه األخيــرة باهتمــام نظــري وأمبريقــي فــي
جتســد بالتحديــد فــي احملــاوالت املتعــددة لبنــاء منــوذج مييــل إلــى الشــمول
البحــث السياســيَّ ،
ويســمح بتغطيــة مختلــف العناصــر الكفيلــة بجعــل الدميقراطيــة تضــع نصــب أعينهــا حتريــر
كينونــة اإلنســان مــن القــوى اخلفيــة والعلنيــة للتســلط ( .)44وســنعتمد فــي دراســة العالقــة بــن
املتغيــرات قيــد الدراســة علــى التصــور اإلجرائــي الــذي صاغــه ويلــزل وإنكلهــارت بخصــوص
التاليــة :مــدى االحتــرام الفعلــي حلقــوق اإلنســان واحلريــات األساســية ،ونزاهــة النخــب
احلاكمــة ،وانتخابــات حــرة ونزيهــة ،ووجــود مؤسســات وقوانــن ناجعــة تضمــن التحقــق
مباشــرة .وقــد قادنــا احلــدس فــي هــذه النقطــة بالــذات إلــى طــرح عامــل زواج األقــارب
كمتغيــر توســطي ،وذلــك باعتبــار أن أخــاق العائليــة مــن شــأنها متهيــد الطريــق لبــروز اقتصــاد
الوظائــف الدمويــة .وقــد اكتشــفنا بعــد ذلــك دراســة قيمــة تســتعمل طريقــة النمذجــة البنائيــة
فــي دراســة العالقــة غيــر املباشــرة بــن العوامــل االقتصاديــة والثقافيــة واإليكولوجيــة مــن جهــة
ومســتوى الدميقراطيــة مــن جهــة أخــرى وذلــك عبــر وســاطة زواج األقــارب .وتوفــر هــذه
إن إدراج زواج األقــارب كمتغيــر وســيط فــي دراســة العالقــة بــن أخــاق العائليــة والدميقراطيــة
الفعليــة يكتســي تبريــره مــن تصلــب الثقافــة الفطريــة املبنيــة علــى التقــارب الطبيعــي فــي
)ertson) (48حــول العالقــة بــن القرابــة والــزواج ال تــزال تتمتــع براهنيتهــا فــي مجتمــع يســتثمر
كثيــرا فــي املظاهــر الفيزيقيــة للحداثــة دون أن ميــس ذلــك االســتثمار فــي اجلواهــر اجلوانيــة
ً
بعيــدا بالقــول :إن تقديــس التآخــي شــبه الدمــوي
ً للحيــاة النفســية ( .)49ويذهــب مسيــث
ً
دليــا علــى عــدم قــدرة الثقافــة العربيــة علــى واإلميــان بأســطورة اجلــد املشــترك يشــكالن
تصــور الوحــدة والنظــام االجتماعيــن خــارج مقــوالت القرابــة ( ،)50لذلــك تبــدو املواقــف
والســلوكيات املرتبطــة بهــا فــي انســجام عجيــب مــع الفهــم االجتماعــي للقانــون .وهــو مــا
ﻣﻊ فــيالفعليــة
للدميقراطيــةﺗﺘﻌﺎﺭﺽ
والثقافيــة ﺍﻟﻘﺮﺍﺑﺔ ﻻ ﺗﻨﻔﻚ
الســيكولوجيةﻓﻴﻨﻮﻣﻴﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ
األســس ﺍﻹﺣﺼﺎﺋﻴﺔ؛ ﺇﺫ ﺇﻥ
مــع ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭﺍﺕ
تتعــارضﰲ ﻧﺘﺎﺋﺞ ال تنفــك
ﺍﻷﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺻﺪﺍﻫﺎ القرابــةﻫﺬﻩ
ﲡﺪ
ﺍﳌﻌﲎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺷﲑ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﻠﻔﹰﺎ .ﺇéﺎ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻛﹶﻤÁﻌÃﻮ∫ﻝ ﻳﻨﺴﻒ ﺍﻷﺳﺲ ﺍﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﰲ
ـول ينســف بقســاوة نزاهــة النخــب ويفتــك ـلفا .إنهــا تشــتغل َك ِم ْعـ َ
املعنــى الــذي أشــير إليــه سـ ً
ﺑﻘﺴﺎﻭﺓ ﻧﺰﺍﻫﺔ ﺍﻟﻨﺨﺐ ﻭﻳﻔﺘﻚ ﺑﺎﳊﻘﻮﻕ ﻭﺍﳊﺮﻳﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ،ﻓﻀﻠﹰﺎ ﻋﻦ ﲢﺎﻳﻠﻪ ﺣﻴﺎﻝ ﻣﻬﻤﺎﺯ ﺍﻟﺸﻜﻼﻧﻴﺔ ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺗﻴﺔ.
ﺇﺿﻌﺎﻑوتشــير
ﻋﻠﻰــاتية.
املؤسس ـكالنية باحلقــوق واحلريــات األساســية ،فضـ ً
ﻣﺒﺎﺷﺮÉﺍ الشـﻣﻔﻌﻮﻟﹰﺎ مهمــاز
ﲤﺎﺭﺱ ـالﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔﺃﻥـه حيـ
ﺃﺧﻼﻕ حتايلـ
ﺭﻗﻢـا)8ع(ــن -ﺇﱃ ﻭﺗﺸﲑ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ -ﻛﻤﺎ ﻣ∫ﺒﻴ∆ﻦ ﰲ ﺍﻟﺸﻜﻞ
ـرا
مباشـ ً ً 14
ـول
ﺩﺭﺟﺔ. ﻣﻘﺪﺍﺭمفعـ
ـارس ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔـة متـ
ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ـاق العائليـ
ﺗﻔﻘﺪـ ﻣﻌﻪ
أن أخ ﺑﺪﺭﺟﺔإلــى
ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ(- )8
ﺯﻳﺎﺩﺓرقــم
الشـﺇﻥـكل
ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔف؛ــيﺣﻴﺚ
ـن
ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ َبـ َّ
ﺇﻣﻜﺎﻥ-كمــا ُم
النتائــج
ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﳝﺮ ﺍﻟﺘﺄﺛﲑ ﻏﲑ ﺍﳌﺒﺎﺷﺮ ﻋﱪ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺯﻭﺍﺝ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﺍﻟﱵ ﺗﺴﻬﻢ ﺯﻳﺎﺩúﺎ ﲟﻘﺪﺍﺭ ﺩﺭﺟﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﰲ
علــى إضعــاف إمــكان الدميقراطيــة الفعليــة؛ حيــث إن زيــادة العائليــة بدرجــة واحــدة ،تفقــد
ﺧﺴﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻟﺴﺒﻊ ﺩﺭﺟﺎﺕ ،ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﲏ ﺑﻠﻐﺔ ﺍﻹﺣﺼﺎﺀ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﺗﻔﻘﺪ ﺇﲨﺎﻟﹰﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ
معــه الدميقراطيــة الفعليــة مقــدار 14درجــة .مــن جهــة أخــرى ،ميــر التأثيــر غيــر املباشــر عبــر
22ﻧﻘﻄﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﻘﺪﻡ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﺑﻨﻘﻄﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ.
ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﺳﻮﺀًﺍ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﻘﺎﺭﻥ ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻨﺤﲎ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ
منظومــة زواج األقــارب التــي تســهم زيادتهــا مبقــدار درجــة واحــدة فــي خســارة الدميقراطيــة
ﺍﲡﺎﻫÉﺎ ﺗﻨﺎﺯﻟﻴ∞ﺎ ﻣﻠﺤﻮﻇﹰﺎ )ﺍﻧﻈﺮ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺭﻗﻢ .(9ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻔﻘﺪ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ 3.36ﺩﺭﺟﺎﺕ ﰲ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﺒﺒﻴﺔ
إجمـ ً
ـال ﺍﳌﺘﻐﲑـدﺍﻟﺘﺎﺑﻊ
ﺎﺽ تفقـ
الفعليــة
ﺗﺼﻞــةﺣﺪ ﺍﳔﻔ
الدميقراطي
ﺍﻟﻌﻼﻗﺔـاءﺃﺑﻌﺎأنﺩÉﺍ ﻣﺮﺿﻴﺔ
اإلحصـﺗﺄﺧﺬـة ﻫﺬﻩ
ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ بلغـ
ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕمــاﻏﲑيعنــي
ـات ،وهــو درجـ
ﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﰲ ﺒﺎﺷﺮﺓلســبع
ﺑﺄﺧﻼﻕ ﺍﻟ الفعليــة
ﺍﳌ
ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ:ـدم أخــاق العائليــة بنقطــة واحــدة. ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ
حينمــا تتقـ ﺩﺭﺟﺔ ﰲ
نقطــة 22 21 ﲟﻘﺪﺍﺭ
ـارب مــا يقـ
تفقــد الدميقراطيــة الفعليــة 363.درجــات فــي عالقتهــا الســببية املباشــرة بأخــاق العائليــة فــي
أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | 31
ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ ) (9ﻳﺒﻴwﻦ ﻣﻘﺎﺩﻳﺮ ﻣﻌﺎﻣﻼﺕ ﺍﻻﳓﺪﺍﺭ ﰲ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﺑﺪﻻﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺍtﺘﻤﻌﺎﺕ
)ﺍﳌﻴﺠﺎﻟﻮﻣﺎﻧﻴﺎ( ،ﻣﺪﻋﻴÉﺎ ﺃﻧﻪ ﺍﻷﻭﺣﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﻘﹶﻮæﻡ ﺍﳌﹸﻌÃﻮ∫ﺝ∆ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ .ﺇéﺎ ﺃﻣﺔ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﳎﻲﺀ ﺍﳌﻨﻘﺬ ،ﺇﻻ ﺃéﺎ ﻟﻦ ﲡﲏ ﺷﻴﺌﹰﺎ
فــي صناعــة فينومينولوجيــا سياســية جمعيــة تتطلــع إلــى املســتقبل بوعــود زائفــة .يســقط هــؤالء
ﻏﲑ ﺧﻴﺒﺎﺕ ﺃﻣﻞ ﻣﺘﻜﺮﺭﺓ").(53
ـمى بـــ “البرهــان بنــاء علــى تضخيــم إجنــازات الســلطة” ،ويؤسســون لتفاؤليــة ســاذجة
فيمــا ُيسـ َّ
ﺗﺒﻴæﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﻠﻲ ﺍﻟﺜﻨﺎﺋﻲ )ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺭﻗﻢ (10ﻭﺟﻮﺩ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺑﻠﻴﻎ ﺑﲔ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻭﺍﳌﺴﺘﻮﻳﺎﺕ
يطبعهــا جتاهــل مطبــات الواقــع السياســي .ال يحكــون عــن اجلوانــب البنيويــة الشــتغال منظومــة
ﺍﳌﻨﺨﻔﻀﺔ ﻣﻦ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ .ﻭﺗﺘﻌﺎﺭﺽ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺴﺘﻮﻯ ﻣﻊ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﳌﺴﺘﺒﺪﺓ ﻏﲑ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﺍﻟﱵ
ﺣﱴــر
ـكار غي
واإلنـﲢﺎﻓﻆ
للحقيقـﻻـةﺗﺰﺍﻝ
ـازي ﺍﻷﺧﲑﺓ
االنتهـ
ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ـكار ﺑﺄﻥ
اإلنـﻳﻔﻴﺪ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ،ــن
ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻏﲑآراؤهــم ب
ـراوح
وتتـﺎﺋﻠﻴﺔ الصــدق،
ﻣﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﻌ ـن ﻋﻠﻰﻣﻌﺪﻻﺕــد مـ
ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﺗﺴﺠﻞــلط مبزي
التس
ـات
رغبـ
ﺎﻟﺮﻏﻢ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔإرضــاء
ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ،ﺑ ﺃﻥــتبدال
ﻭﺍﳊﻖواس
الواقــع ﺃﺳﺎﺳﻬﺎـقي ملبــدأ
ﺍﳉﻴﻨﻴﺎﻟﻮﺟﻲ. ﺍﳌﺎﺿﻲــل الشـ
ـن ال َّت َم ُّث
ﻛﺎﻧﺖعـﰲ
التغاضــي ـادف إلــى
ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺍﻟﱵ ﻋﻠﻰالهـ
ﺍﻟﻨﻮﺍﺯﻉ ـعوري
الشـﺭﻣﻖ
ﺁﺧﺮ
ﺗﺆﻛﺪﻩ
ـي، ﻭﻫﻮ ﻣﺎ
التحليلـ ﺍﳌﻮﺭﻭﺙ،ــس
ﺴﺔــحﻋﻠﻰعالــم النف .)Phebeﺍﳌﺆﺳ∆
ويوض ﺍﻷﻭﺗﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺎﺕ ((52ﺣﻴﺰ
)Cramer ﳎﻤﻠﻬﺎـر ﺇﱃ
ﰲ كرامـ
ﺗﻨﺘﻤﻲــي
ﺍﻟﺴﻄﺤﻴﺔ،ـول فيب
ﺍﻻﺧﺘﻼﻓﺎﺕ كمــا يقـ
ﻣﻦمثاليــة بــه،
ﺍﳌﻌﺪﻻﺕ ﺍﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﺍ°ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﰎ ﺗﻮﺿﻴﺤﻪ ﺳﻠﻔﹰﺎ .ﻭﲤﻴﻞ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﺸﻜﻠﻴﺔ
مصطفــى صفــوان ،فــي هــذا الشــأن “صرنــا أمــة مســتعدة ألن ت َُه ِّلــل ألي مــن عصــف بــه جنــون
ﺇﱃ ﺍﳌﺰﺍﻭﺟﺔ ﺑﲔ ﺍﳌﻌﺪﻻﺕ ﺍﳌﺘﻮﺳﻄﺔ ﻭﺍﳌﻨﺨﻔﻀﺔ ﳌﺘﻼﺯﻣﺔ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ .ﺇﻻ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺜﲑ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﰲ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻫﻮ ﺣﺎﻟﺔ
مدعيــا أنــه األوحــد الــذي سـ ُـيقَ ِّوم ا ُمل ْعـ َ
ـو َّج مــن جديــد .إنهــا أمــة تنتظــر ً العظمــة (امليجالومانيــا)،
ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﻮﻳﺔ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺩﺍﻟﺔ ﻋﻦ ﳐﺘﻠﻒ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ .ﺗﺆﻛﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺃﻃﺮﻭﺣﺔ
(.)53ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ) ،(54ﻭﺫﻟﻚـل متكــررة”
ﺍﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮﺭﻳﺎﺕ أمـﰲ ﻻﺳﺘﻘﻄﺎﺏــات
ﺍﻟﻨﺨﺐ ﻛﻤﻌﻴﺎﺭًا غيــر خيب
ﺍﻟﻜﻔﺎﺀﺓـي شــيئ
ﺣﻮﻝـن جتنـ
أنهــا لـ ـذ ،إال
(Juan ـيء )املنقـ
Linz ﺧﻮﺍﻥـﻟﻴﻨﺰ
مج
علــى هــذا املســتوى مــع األنظمــة املســتبدة غيــر العقالنيــة التــي تســجل معــدالت مرتفعــة علــى
ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ ) (10ﻳﻮﺿﺢ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻲ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﻠﻲ ﺑﲔ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ
24
أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | 33
مقيــاس العائليــة غيــر األخالقيــة ،وهــو مــا يفيــد بــأن األنظمــة األخيــرة ال تــزال حتافــظ حتــى
آخــر رمــق علــى النــوازع الفطريــة التــي كانــت فــي املاضــي أساســها اجلينيالوجــي .واحلــق
أن األنظمــة العربيــة ،بالرغــم مــن االختالفــات الســطحية ،تنتمــي فــي مجملهــا إلــى حيــز
املؤسســة علــى املــوروث ،وهــو مــا تؤكــده املعــدالت الفائقــة ألخــاق العائليــة
َّ األوتوقراطيــات
لــدى املجتمعــات العربيــة كمــا مت توضيحــه سـ ً
ـلفا .ومتيــل األنظمــة الدميقراطيــة الشــكلية إلــى
املزاوجــة بــن املعــدالت املتوســطة واملنخفضــة ملتالزمــة أخــاق العائليــة .إال أن مــا يثيــر االنتبــاه
ﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﺍﻟﻌﻮﺍﻗﺐ ﺍﻟﻮﺧﻴﻤﺔ ﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻭﺗﺸﻜﻴﻞ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﺤﺴﺐ؛
فــي النتائــج هــو حالــة األنظمــة الســلطوية العقالنيــة التــي تأخــذ مســافة دالــة عــن مختلــف
ﻟﻜﻨﻬﺎ ﲤﺘﺪ ﺃﻳﻀÉﺎ ﺇﱃ ﺗﻮﻓﲑ ﻏﻄﺎﺀ ﺃﺧﻼﻗﻲ-ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﳌﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺮﻋﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺇﺣﺠﺎﻡ ﺍﳌﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﻌﻠﻨﻴﺔ ﺿﺪ
درجــات أخــاق العائليــة .تؤكــد هــذه النتائــج أطروحــة خــوان لينــز ( )Juan Linzحــول
ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺳﻮﺍﺀ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﺃﻭ ﻏﲑ ﻣﺒﺎﺷﺮ .ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﺍﻟﺘﺸﺒﺚ ﺑﺘﻌﺮﻳﻒ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﻛﺘﺤﻜﻢ ﰲ
ﻟﻠﻤﻮﺍﺭﺩـا
عكــس مـ وذلــك
ﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻌﻴﺔ (،)54
ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ العقالنيــة
ﳎﻬﻮﺩﺍﺕ ﺇﺟﻬﺎﺽالديكتاتوريـﰲـات ـبﻬﻢفــي
ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ النخـﺗﺴ
ـتقطابﻴ∞ﺎ ﺃﻥالسـ
ﻳﺒﺪﻭ ﻣﻨﻄﻘ ﻭﺍﳌﻮﺍﺭﺩ،ـارﻓﺈﻧﻪ
ـاءة كمعيـ
الكفـ
ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ
ﺍﳌﻌﺎﺩﻻﺕ ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﱵ
الشـﰲـأن.
ﻳﺴﺘﻬﺎﻥ ﺑﻪ
ـتثناءﺭÉﺍفـﻻـي هــذا
ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﺩﻭ
ﳏﺎﺑﺎﺓـه االسـ
ﺗﻠﻌﺐيتطلبـ
ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ،ـع مــا الشـﰲ
ـرقي ،مـ ـتبدادﻭﻛﻤﺎ
االسـﻣﺰﻳﺔ.
ﺍﳌﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺮ ﻭﺍﻟﺮﺳﺎﻣﻴﻞ
ـري فــي يجـ
ﺧﻼﺻـــﺔ
| 34
الرعــب السياســي وإحجــام املقاومــة العلنيــة ضــد الســلطات القائمــة ســواء بشــكل مباشــر أو
غيــر مباشــر .وإذا كان بإمكاننــا التشــبث بتعريــف للســلطان كتحكــم فــي األشــخاص واملــوارد،
دورا ال
للمــوارد والرســاميل املاديــة والرمزيــة .وكمــا فــي الســابق ،تلعــب محابــاة األقــارب ً
يســتهان بــه فــي املعــادالت البنيويــة التــي تربــط أخــاق العائليــة باملتغيــرات السياســية املســتقلة.
خالصـــة
فــي املجتمعــات التــي تتأرجــح علــى عتبــة االنتقــال الدميقراطــي ال تكفــي الهندســة املؤسســاتية
والقانونيــة لتحصــن االجتمــاع السياســي مــن اعتنــاق الثقافــة غيــر الدميقراطيــة .فاملواطنــة
كعمــاد للدميقراطيــة إمنــا تترعــرع فــي خضــم ثقافــة سياســية أشــبه مبزروعــات البســتان التــي
تتطلــب الســقي والشــذب والعنايــة املســتمرة .ويســتلزم ذلــك أن ضعــف املشــاعر املدنيــة املبنيــة
احلداثــة السياســية.
والواضــح أن العائليــة تؤ ِّثــر بشــكل الفــت للنظــر علــى املتغيــرات املرتبطــة بجوهــر الدميقراطيــة
الفعليــة ومتنــع انبثــاق الشــروط القيميــة والثقافيــة الضروريــة التــي جتعــل األفــراد واجلماعــات
تدريجيــا عــن النــوازع الفطريــة لفائــدة املشــاعر املدنيــة املضــادة للفســاد املؤسســاتي
ًّ يتخلــون
والبيروقراطــي .وإذا كانــت هــذه الدراســة قــد س ـ َّلطت الضــوء مبــا فيــه الكفايــة علــى اجلــذور
البعيــدة للعائليــة غيــر األخالقيــة ،فإنهــا باملقابــل قــد أغفلــت عوامــل أخــرى بســبب محدوديــة
ِّ
يشــكل إحــدى النقائــص املعطيــات املتوافــرة .وممــا ال شــك فيــه أن إغفــال العامــل الدينــي
األساســية؛ فقــد افتــرض الباحثــان أن خطــاب املؤسســات الدينيــة حــول ذوي القربــى يحمــل
دالالت أنثروبولوجيــة ليســت فــي منــأى عــن أخــاق العائليــة ،وتســاءال حــول مــا إذا كانــت
هنــاك عالقــة بــن عــدد املســلمني فــي املجتمعــات املختلفــة وتبايــن درجــات أخــاق العائليــة،
لكنهمــا وجــدا أن أحســن طريقــة للتحقــق مــن وجــود العالقــة املفترضــة تكمــن فــي فحصهــا
علــى املســتوى الفــردي ،أي بــن التوجهــات الدينيــة لألفــراد ومــدى اســتبطان أخــاق العائليــة.
35 | أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي
.واحلــال أن بحــث املســألة فــي هــذا املســلك يقــع خــارج ســياق هــذه الدراســة
املراجـــع
)Baruch Spinoza( وقــد اســتعمله بــاروخ ســبينوزا.* ُيقصــد بـــ “الكوناتــوس» باملعنــى الالتينــي اجلهــد املبــذول
َّ وقــد.فــي فلســفته للداللــة علــى اجلهــد املبــذول قصــد احلفــاظ علــى الــذات وضمــان اســتمرارها
وظفــه الباحثــان
أي نــزوع النخــب االجتماعيــة حنــو احلفــاظ علــى،)Pierre Bourdieu( باملعنــى الــذي يخصــه بــه بييــر بورديــو
(1) Bourdieu, P. Practical Reason: On the theory of Action, (Stanford University Press, Stanford,
1998), p. 19.
(3) Banfield, E. C. The Moral Basis of a Backward Society, (The Free Press, New York, 1958).
(4) Gregg, G. S. Middle East, A cultural psychology, (Oxford University Press, Oxford, 2005).
(5) Joseph, S. “The Family as Security and Bondage: A Political Strategy of the Lebanese Urban
Working Class”, in Helen, S (ed.) Towards a Political Economy of Urbanization in Third World Coun-
(6) Joseph, S. (ed). Gender and Citizenship in the Middle East, (Syracuse University Press, New
York, 2000).
(7) Geertz, H. “The meaning of family ties” in Geertz, C et al (eds), Meaning and order in Moroccan
society: Three essays in cultural analysis, (Cambridge University Press, Cambridge, 1979).
(8) Hardy, G. L’âme marocaine à partir de la littérature française, (Bulletin de l’enseignement public,
(9) Leca, J & Schemeil, Y., “Clientélisme et Patrimonialisme dans le Monde Arabe”, International
(10) Welzel, C. “Individual Modernity”, in Dalton, R & Klingemann, H-D (eds) The Oxford Handbook
(11) Khuri, F. Tents and pyramids: Games and Ideology in Arab culture from backgammon to auto-
(12) Schwartz, S. H. “Basic human values: their content and structure across countries”, in Tamayo,
| 36
T & Porto, J. B (eds), Valores e comportamento nas organizações [Values and behavior in organiza-
(15) Gallup, J. L., Mellinger, A. & Sachs, J., “Geography Datasets”, 2010. (Visited on: 13 Sep-
tember 2018):
http://hdl.handle.net/1902.1/14429%20UNF:5:SnYwMY387RxYcu3OxaSFgA
(16) Murray, D. R & Schaller, M., “Historical prevalence of infectious diseases within 230 geopolitical
regions: a tool for investigating origins of culture”, Journal of Cross-Cultural Psychology, (Vol. 41, N.
(17) Welzel, C., Freedom Rizing: Online Appendix, 2013, pp.108-111. (Visited on: 14 September
2018):
www.cambridge.org/welzel
(18) World Economic Forum: The Global Competitiveness Report, 2016–2017, (Visited on: 10 Oc-
tober 2018):
http://www3.weforum.org/docs/GCR2016-2017/05FullReport/TheGlobalCompetitivenessRe-
port2016-2017_FINAL.pdf
(19) Kistler, D.; Thöni, C & Welzel, C., “World Values Survey Response and Behavior: Emancipa-
tive and Secular Values Predict Cooperation, Protection of Property and Pro-Social Behavior”, World
(20) World Bank’s knowledge index (KI), (Visited on: 28 September 2018):
http://info.worldbank.org/ etools/kam2/KAM_page5.asp
(21) راجع في هذا الشأن:
Alexander, A., Inglehart, R. & Welzel, C., “Measuring Effective Democracy: A Defense”, Interna-
Alexander, A. & Welzel, C., “Measuring Effective Democracy: The Human Empowerment Approach”,
Comparative Politics, (Vol. 43, 2011), pp. 271-289.
37 | أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي
(22) Vanhanen, T. The Limits of Democratization: Climate, Intelligence, and Resource Distribution,
(23) Welzel, C. Freedom Rising: Human Empowerment and the Quest for Emancipation, (Cambridge
University Press, Cambridge, 2013), pp. 257-258. Typology is available in annual measures for most
(25) Gibney M, Wood, R &Cornett, L., “The Political Terror Scale”, 2008, (Visited on: 14 November
2018):
ببحوث كل ســبع ســنوات، التــي يوجــد موقعهــا بالواليــات املتحــدة،** تقــوم جمعيــة املســح الدولــي حــول القيــم
. وتهــم مجــاالت البحــث االجتاهــات فــي مجــاالت السياســة والديــن واألخــاق.حــول مختلــف بلــدان العالــم
http://www.worldvaluessurvey.org/wvs.jsp
(27) Sidan, Y. M & Thornberry, J., “Nepotism in the Arab World: An Institutional Theory Perspec-
(29) Benhaddou, A. Les élites du royaume, Enquête sur lorganisation du pouvoir au Maroc, (Rive-
، (مركــز دراســات الوحــدة العربيــة، محدداتــه وجتلياتــه: العقــل السياســي العربــي، محمــد عابــد،) اجلابــري31(
(33) Matsumoto, D. “Culture, context and behavior”, Journal of Personality, (Vol. 75, N. 6, 2007),
pp. 1285-1319.
(34) Schwartz, S. H. “Causes of culture: National differences in cultural embeddedness”, In Gari, A &
Mylonas, K (eds.), Quod erat demonstrandum: From Herodotus’ ethnographic journeys to cross-cul-
tural research, (Pedio Books Publishing, Athens, Greece, 2009), pp. 1-11.
(36) Dawkins, R., The Selfish Gene, (Oxford University Press, Oxford & New York, 30th anniversary
edition, 1989).
(37) Van de Vliert, E., “Climato-Economic Origins of Variation in Ingroup Favoritism”, Journal of
(38) Welzel, Freedom Rising: Human Empowerment and the Quest for Emancipation, op.cit, p. 336.
(39) Oppenheimer, S., Out of Eden: The Peopling of the World, (Robinson, London, 2004).
Fincher, C. L.; Thornhill, R.; Murray, D. R & Schaller, M. “Pathogen prevalence predicts human
serotonin transporter gene”, Proceedings of the Biological Sciences, (Vol. 277, N. 1681, 2010), pp.
529-537.
Sherman, P.W & Billing, J., “Darwinian gastronomy: why we use spices”, BioScience, (Vol. 49, N.
6, 1999), pp. 453-463.
Low, B.S., “Marriage systems and pathogen stress in human societies”, Am. Zool, (Vol. 30, 1990),
pp. 325-339.
(42) Hayes, F. A., Introduction to mediation, moderation and conditional process analysis: A regres-
sion-based approach, (The Guilforg Press, New York, 2013).
39 | أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي
(43) Boudon, R. Essais sur la théorie générale de la rationalité, (Presses universitaires de France, coll.
(44) Welzel, C & Alexander, A., “Measuring Effective Democracy: The Human Empowerment Ap-
(45) Inglehart, R & Welzel. C, Modernization, Cultural Change, and Democracy, (Cambridge Uni-
versity Press, New York, 2005).
(46) Woodley M.A & Bell, E., “Consanguinity as a Major Predictor of Levels of Democracy: A Study
of 70 Nations”, Journal of Cross-Cultural Psychology, (Vol. 20, N. 10, 2012), pp. 1– 18.
(47) Todd, E & Courbage, Y., A convergence of civilisations: The transformation of Muslim societies
around the world, (University of Colombia Press, New York, 2009), pp. 52-54.
(48) Smith, W.R., Kinship and Marriage in Early Arabia, (Cambridge University Press, Cambridge,
.)2012
(51) Rosen. L., «Understanding Corruption», The American Interest, (Vol 5, N. 4, 2010), pp. 1-5.
(52) Cramer, P. The development of defense Mechanisms: Theory, research and assessment,
(54) Linz. J, «An Authoritarian Regime: Spain», in Allardt, E & Littunen, Y., Cleavages, Ideologies
and Party Systems, (The Westermarck Society, Helsinki, 1964), pp. 374-381.
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي»
ومستقبله بعد الربيع العربي
شفيق شقير *
مقدمة
تصاعــد احلديــث عــن نهايــة عمــوم التيــارات اإلســامية ،الســيما «اإلســام السياســي»
ـا ،حيــث ميكــن متييــز توجهــن رئيســن فــي حقبتــن زمنيتــن َح َك َمــا املوقــف مــن
يزيــد قليـ ً
التيــارات اإلســامية وتــركا أثرهمــا علــى اإلســاميني أنفســهم ،وكذلــك علــى الوجهــة التــي
اختذتهــا الدراســات واألبحــاث فــي تنــاول عمــوم التيــار اإلســامي.
التوجــه األول فــي احلقبــة األولــى ،وكان فــي ظــل إدارة الرئيــس األميركــي ،بــاراك أوبامــا،
جــزءا ممــا مســي «األوباميــة»( ،)1حيــث كان احلديــث عــن صعــود
ً ( ،)-2017 2009وأصبــح
اإلســاميني وأنهــم املســتقبل فــي املنطقــة مــا يح ِّتــم محاورتهــم هــو التوجــه الســائد ،األمــر
الــذي عكســه خــط اب أوبامــا بالقاهــرة ،فــي 4يونيو/حزيــران ،2009وتعــزز بعــد أن انطلقــت
ثــورات الربيــع العربــي عــام 2011ووصلــت الــذروة عــام ،2012ليبــدأ هــذا التوجــه بالتراجــع
ـبيا مــع تراجــع الربيــع نفســه باالنقــاب علــى الرئيــس املصــري املنتخــب ،محمــد مرســي،
نسـ ًّ
* د .شفيق شقير ،باحث في مركز اجلزيرة للدراسات ،متخصص في شؤون املشرق العربي ،واحلركات اإلسالمية.
41
| 42
20يناير/كانــون الثانــي ،)3(2017وهــي حقبــة تشــجع أي حتــرك فــي املنطقــة ضــد اإلســاميني
وبســبب هــذا التحــول األخيــر والتوجــه الثانــي ،يغلــب احلديــث عــن املســتقبل القــامت لتيــارات
وأصبــح مــن الشــائع تــداول مرحلــة مــا بعــد «اإلســام السياســي»( )4إيذا ًنــا مبرحلــة جديــدة لــن
يكــون اإلســاميون فيهــا إســاميني كالســابق ،أو علــى األقــل مبعاييــر إســامية أقــل مــن ذي
قبــل بكثيــر ،وهــو مــا تشــهد لــه األزمــات التــي تتعــرض لهــا كل هــذه التيــارات.
الشــك أن هــذه القــراءة تســتند إلــى حقائــق فــي الواقــع السياســي الراهــن وقــد جتيــب علــى
عــدد مــن األســئلة املتعلقــة بواقــع ومســتقبل اإلســاميني ،ومــن الطبيعــي أن تأخــذ الســياق
السياســي والتطــورات امليدانيــة فــي إجابتهــا عــن أســئلة املســتقبل ،ولكــن مــن املالحــظ
تاريخيــا أن احلــركات اإلســامية بتأثيــر مــن الضغــوط أو االســتهداف كانــت تضعــف أو تتحــول
ًّ
فــي طريقــة عملهــا أو فــي ترتيــب أولوياتهــا لكنهــا لــم متــت أو تندثــر ،فهــي تعيــد جتديــد نفســها
ولــو بشــروط أخــرى لتبقــى وتســتمر بدفــع مــن قواهــا الذاتيــة ،حتــى إنهــا تعــود وتزدهــر لــدى
أيــة محطــة دميقراطيــة تشــهدها املنطقــة ،ومثــال الربيــع العربــي ليــس ع َّنــا ببعيــد.
وألن أيــة إجابــة عــن مســتقبل اإلســاميني لــن تكــون كاملــة إال بدراســة اإلمكانــات واخليــارات
التــي ختتزنهــا القــوى اإلســامية ،والتــي تعــود فــي جلهــا إلــى األيديولوجيــا التــي تعتنقهــا ،فــإن
هــذه الورقــة ســتبحث فــي مســتقبل حتــوالت اإلســام السياســي مــن خــال منــوذج معرفــي
مقتــرح ،يســمح مبراجعــة الســمات األساســية التــي متتــاز بهــا األيديولوجيــا اإلســامية ،ومــا
توفــره مــن قــوة ذاتيــة لإلســاميني أو قــوة ناعمــة فــي عالقتهــم مــع اجلمهــور ،وتصلــح ألن
ويتركــز موضــوع الدراســة علــى التيــار الرئيســي فــي احلــركات اإلســامية ،الــذي مــن أهمــه
راه ًنــا علــى األقــل «حركــة اإلخــوان املســلمني» ومــن يــدور فــي فضائهــا أو يشــبهها ،الــذي
يقبــل «الدميقراطيــة» أو أهــم مقتضياتهــا مثــل االنتخابــات البرملانيــة وتــداول الســلطة و»احلكــم
املدنــي» ومــا إلــى ذلــك ،ألنــه «امتــداد ملســار اجتماعــي وسياســي عميــق اجلــذور ،وال ميلــك
أيديولوجيــا مغلقــة»( )5بقــدر التيــارات اإلســامية األخــرى الســيما «اجلهاديــة» وبعض «الســلفية»
منهــا.
ورغــم أن منــاط البحــث فــي الدراســة هــو اجلانــب األيديولوجــي ،وليــس الســياق التاريخــي،
إال أنــه مــن املهــم أن ُيســتصحب بعــض هــذا الســياق فــي الدراســة مبــا يكفــي لضبــط مســارها،
واجتماعــا
ً التاريخــي الطبيعــي للمنطقــة التــي كانــت حتتكــم لإلســام وتعــود إليــه سياســة
وثقافــة ( )6وليــس «مؤامــرة» أو دخيـ ً
ـا عليهــا أو علــى املجتمعــات اإلســامية فيهــا ،كمــا قــد
-2أن «اإلســام السياســي»« ،جــزء مــن ظاهــرة عامليــة أكبــر لإلحيــاء الدينــي ،وانعــكاس لعالقة
املســلمني باإلســام» ،وموضــع هــذا األخيــر مــن املجــال العــام وعالقتــه بالدولــة ،وقــد تعــززت
هــذه األســئلة بعــد ســقوط اخلالفــة اإلســامية .وكذلــك هــو جــزء مــن أجوبــة املســلمني علــى
تاريخيــا
ًّ حتــدي احلداثــة ومــا متثلــه مــن قــوى ،وحتملــه مــن قيــم للمجتمــع املســلم ،وتعــود
جــذور هــذا التحــدي إلــى منتصــف القــرن التاســع عشــر ،إلــى فتــرة التنظيمــات العثمانيــة التــي
ً
اعتراضــا حــول تراجــع الشــريعة قامــت علــى فكــرة املماهــاة مــع التحديــث ،والتــي أثــارت
-التــي هــي أســلوب عيــش املســلمني -فــي الدولــة ،ومــن أشــخاص هــم جــزء مــن آليــة الدولــة
نفســها.
-3أن احلــركات اإلســامية ،تســعى منــذ ســقوط اخلالفــة اإلســامية إلــى البحــث فــي
| 44
البروتســتانتية ،ليســت تعبيــرات عــن «حقيقــة مقدســة» ،وال تنظــر إليهــا اجلماهيــر املســلمة علــى
أنهــا «بيوريتانيــة» طهرانيــة معاديــة للحداثــة ،وخاصــة تيــارات اإلســام السياســي ،وإن كان
هنــاك بعــض اجلماعــات اإلســامية «الهامشــية» ،تتصــرف أو تدعــي أنهــا كذلــك (.)7
كمــا ال ميكــن للدراســة ،إلمتــام صــورة األيديولوجيــا الناعمــة للتيــار اإلســامي الرئيســي
وتأثيراتهــا فيــه ومــا تقدمــه لــه ،إال أن تتنــاول التيــارات األخــرى ،الســيما اجلهاديــة والســلفية،
وذلــك مــن بــاب املقابلــة واملقارنــة حيــث يجــب التمييــز أحيانًــا ،لتداخــل تأثيراتهــا أحيانًــا
أخــرى ،حيــث تعــود جميعهــا لنــص دينــي واحــد ،وإن كانــت مختلفــة فــي فهمهــا لــه فضـ ً
ـا
أمــا فرضيــة البحــث فتقــوم باألســاس علــى الصلــة الوثيقــة بــن اإلرث اإلســامي العلمــي
والبنــاء األيديولوجــي لإلســاميني؛ مــا يســتدعي اعتمــاد املنهــج الوصفي التفســيري ( )8لدراســة
العالقــة اجلدليــة بينهمــا ،ومــا يعنــي ذلــك مــن شــرح العالقــات بــن الظواهــر االجتماعيــة
والربــط بــن العوامــل والعناصــر املكونــة لهــا ،والوقــوف علــى األســباب الكامنــة وراءهــا.
فضـ ً
ـا عــن تفكيــك وإعــادة تركيــب هــذه العالقــة ،بغــرض املقارنــة وبيــان أوجــه االختــاف
واالتفــاق ،وصلــة ذلــك ببنــاء منظــور قــادر علــى تفســير أســباب القــوة الناعمــة أليديولوجيــا
اإلســام السياســي ،وهــو مــا ينطبــق ً
أيضــا -وإن بتفــاوت وببعــض االســتثناء -علــى بقيــة
وتتضمــن الدراســة لتحقيــق غاياتهــا ثالثــة عناوين رئيســة :األول يحــدد املقصــود بـ»األيديولوجيا
اإلســامية الناعمــة» ،والثانــي -ومي ِّثــل صلــب الدراســة -يطــرح «النمــوذج املعرفــي» لتحــوالت
و»سـ َّلمه األيديولوجــي» ليكــون اإلطــار املرجعــي لفهــم األيديولوجيــا وكيفيــة عمــل
اإلســاميني ُ
قوتهــا الناعمــة ،ويبحــث الثالــث حتديــات املســتقبل ،وقــدرة اإلســام السياســي علــى «التكيف
الرئيســي ،مــن منظــور «األيديولوجيــا» الناعمــة التــي يعتنقهــا اإلســاميون ،أي ســتراجع
ـدا مــن
اخليــارات السياســية لهــذا التيــار املســتقاة مــن اإلســام نفســه كمــا يفهمونــه هــم ،وحتديـ ً
الســردية اإلســامية (- )9وهــي دينيــة بالضــرورة -ومــا تركتــه مــن تأثيــر علــى أدائــه ،وبالتالــي
محاولــة رصــد هــذه التأثيــرات -ومــا يتصــل بهــا -علــى مســتقبله ،بغـ ِّ
ـض النظــر عــن التطورات
أمــا تعريفــات األيديولوجيــا اإلســامية فهــي عديــدة ،لكــن ميكــن الوقــوف عنــد تعريــف ممتــاز
آر تركونــة ( ،)10ألنــه األكثــر اتصـ ً
ـال بهــدف الدراســة ،ويقصــد بهــا (األيديولوجيــا اإلســامية)
حاكمــا علــى كافــة مجــاالت احليــاة مــن اإلميــان والفكــر إلــى السياســة
ً «الســعي جلعــل اإلســام
واإلدارة والقانــون ،والبحــث عــن حــل ملشــكلة ختلــف الــدول اإلســامية مقارنــة بالغــرب عــن
طريــق الوحــدة والتضامــن» ( .)11وبعــد أن أورد عــدة تعريفــات ومــن بينهــا األخيــر ( ،)12خلــص
الباحــث فــي شــؤون احلــركات اإلســامية ،محمــد عفــان ،إلــى أنــه «ميكــن الوقــوف علــى
معــا ،وأن
ثــاث صفــات مميــزة لإلســاموية :أنهــا معاصــرة ،وأنهــا حركــة فكريــة وسياســية ً
الفرضيــة األساســية لهــا هــي الطبيعــة الشــاملة لإلســام ...فــإن هــذا املعتقــد اخلــاص بالطبيعــة
الشــاملة لإلســام هــو مــا يدفــع الغالبيــة العظمــى مــن اإلســاميني إلــى املطالبــة بإقامــة الدولــة
اإلســامية» (.)13
وبهــذا االعتبــار ،عنــد أي تنــاول أليديولوجيــا اإلســاميني وقوتهــا الناعمــة ،وخاصــة التيــار
الرئيســي ،يجــب اســتصحاب أنــه بحــث فــي اجلــذور الدينيــة لإلســاميني ،وأن األيديولوجيــا
ليســت فــي األصــل عالقــة خاصــة يعــود بهــا اإلســاميون دون ســواهم إلــى اإلســام ،ألن لهــا
ـدرا مشـ ً
ـتركا بــن عمــوم املســلمني -ومنهــم اإلســاميون -فــي عالقتهــم باإلســام وســرديته قـ ً
السياســية .وهــذا ال ينفــي أن لإلســاميني بعــض اخلصوصيــة فــي بعضهــا ،وهــي التــي تعطيهــم
مساتهــم اخلاصــة.
| 46
ويجــب اإلقــرار ً
أيضــا ،بــأن التداخــل بــن األيديولوجيــا والديــن -وهــو أمــر شــائع -حتصيــل
يعتمــد اإلســاميون علــى «الســردية اإلســامية» مبــا تشــتمل عليــه مــن أحــكام فقهيــة وقيميــة
نصــا واجتهـ ً
ـادا وممارســة ،للتأصيــل آلرائهــم ورؤاهــم السياســية ومــا تشــتمل عليــه مــن دالالت ًّ
ولتطبيــق فرضياتهــم األخالقيــة ذات الصلــة .وبالطبــع ،إن فهمهــم «للســردية اإلســامية» يتأثــر
بـ»األيديولوجيــا» ً
أيضــا ،وختتفــي أحيا ًنــا املســافة بــن هاتــن االثنتني فــي عملية جدلية مســتمرة،
حيــث تتحــول بعــض املعانــي الدينيــة إلــى أيديولوجيــا كمــا قــد يتحــول بعــض مــن األيديولوجيا
إلــى معــان دينيــة ( .)14وهنــا ،تكمــن قــدرة التيــارات اإلســامية وقوتهــا األيديولوجيــة ،حيــث
الكاملــة» -الشــامل للسياســة فــي حيــاة املســلمني ،وليــس ذاك -اإلســام منــزوع السياســة-
الــذي تقدمــه املؤسســات اإلســامية التقليديــة أو الرمسيــة التــي هــي بدورهــا جــزء مــن «الدولــة
الوطنيــة القائمــة» .واأليديولوجيــا اإلســامية بهــذا االعتبــار جــزء مــن اإلســام نفســه (وفــق
الســردية اإلســامية الســائدة) ،الــذي يســعى كل مســلم إلــى تطبيقــه بقــوة الواجــب الدينــي فــي
حياتــه اليوميــة أو فــي تطلعاتــه للمســتقبل .وبعبــارة أوضــح ،ليســت القــوة الناعمــة ( )15إال تلــك
طوعــا مــا
ً القــدرة فــي «التأثيــر علــى ســلوك اآلخريــن مــن خــال جذبهــم أو جعلهــم يريــدون
تريــد»( ،)16وهــذا مــا تفعلــه أيديولوجيــا اإلســاميني بالضبــط ،وهــي املقصــودة باأليديولوجيــا
الناعمــة ،وهــي التــي تضمــن لإلســاميني القــدرة علــى االســتقرار وااللتحــام مــع املجتمــع
وإمكانــات ()18 مفاهيمــي لفهــم النــص ،ومــا يحملــه هــذا األخيــر مــن خيــارات واحتمــاالت
للتعامــل مــع الواقــع .وهــذا الوصــف لأليديولوجيــا ً
أيضــا هــو جــزء باألســاس مــن «الســردية
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 47
اإلســامية» التــي يرجــع إليهــا عمــوم املســلمني ،ملعرفــة تطابــق توجهاتهــم وتصرفاتهــم مــع
هكــذا ،تشــترك «األيديولوجيــا اإلســامية» اخلاصــة باإلســاميني فــي بعضهــا بالطبــع وليــس
كلهــا ،مــع «الســردية اإلســامية» املعتمــدة مــن عمــوم املســلمني ،فــي تشــكيل «اخليــال
اإلســامي» الــذي يفكــر اإلســاميون بتأثيــر منــه أو مــن وحيــه ،مــا يجعــل بينهــم وبــن عمــوم
املســلمني مســاحة مشــتركة وواســعة فــي طريقــة العمــل والتفكيــر الســيما فــي اجلانــب السياســي
والقيمــي اإلســامي .وحتــى مــن الناحيــة النفســية فإنهمــا ،األيديولوجيــة والســردية ،باســتعارة
مصطلــح كارل يونــغ ( )Carl Jungعــن الالوعــي اجلمعــي ( ،)19يشـ ِّ
ـكالن بيئــة شــعورية واحــدة
مــن حيــث كيفيــة مقاربــة التعاليــم اإلســامية أو الســعي إليهــا( .وهــذا ال ينفــي وجــود بعــض
وباملقابــل تشــيع كلمــة «االعتقــاد» واملتصلــة مبــا يؤمــن بــه املســلمون مــن معتقــدات فــي دينهــم.
وللخــروج مــن كثــرة التداخــل واجلــدل حــول تلــك املصطلحــات ودالالتهــا ،وعلــى مبــدأ «ال
مشــاحة فــي االصطــاح» ،فــإن الدراســة ال تريــد مــن مضمــون األيديولوجيــا إال ذلــك القــدر
الــذي يكشــف عــن القــوة الناعمــة فيهــا ،وعــن اإلطــار الــذي توفــره لإلســاميني ليعــودوا بــه
وبخالصــة موجــزة ،إن أهــم الســمات التــي متتــاز بهــا األيديولوجيــا اإلســامية ،أنهــا معاصــرة
ـتمدا مــن الديــن لكنــه سياســي ً
أيضــا ،وأن ـرا مسـ ًّ
وليســت حبيســة املاضــي ،وأنهــا حتمــل فكـ ً
شــرعيتها مســتمدة مــن دورهــا فــي العمــل علــى اســتعادة شــرعية احلكــم مبمارســة إســامية
مشــروعة ،وأن هنــاك تداخـ ً
ـا بينهــا وبــن الديــن مــن حيــث فهــم أو اســتعداد جمهور املســلمني
حتملهــا ،والهــدف الــذي تســعى إليــه .وبالتالــي كانــت الســردية اإلســامية -ومــا فيهــا ممــا
يتصــل بالدولــة اإلســامية أو «اخلالفــة» -وبقيــة العلــوم اإلســامية هــي املرجــع الــذي يســتقي
منــه اإلســاميون احللــول للتحديــات التــي يواجهونهــا ،أو حتــى فــي توصيفهــم لهــا ومــن ثــم
اســتلهمها اإلســاميون فــي صياغــة أيديولوجيتهــم .فســمة «شــمول اإلســام» علــى الدنيــا مبــا
فيهــا مــن سياســة وحكــم ،هــو ممــا تلحظــه مثـ ً
ـا علــوم الفقــه التــي تتدخــل فــي مجمــل حيــاة
املكلفــن ،السياســية كمــا ســواها .ومســة «املعاصــرة» ،أي إنــه ديــن لــكل زمــان ومــكان ،هــو
ممــا قامــت عليــه علــوم أصــول الفقــه واإلفتــاء ،التــي تلحــظ «املالءمــة» بــن مــا جــاء بــه نــص
صريــح ومــا لــم يــأت بــه نــص ،ليقيــس األخيــر كواقعــة فــي الواقــع املعاصــر علــى األول أي
النــص فــي زمــن الرســالة .وهــي التــي تلحــظ «فعاليــة» أحــكام الشــريعة فــي الواقــع بتحقيــق
بتطبيقهــا».
ووفــق هــذا التوصيــف ،ميكــن تبيــان وتفســير عناصــر قــوة اإلســاميني األيديولوجيــة وكذلــك
التنبــؤ باإلجمــال بطريقــة تفكيــر اإلســاميني واجتاهاتهــا بدفــع مــن األيديولوجيــا ،مــن خــال
بنــاء منــوذج معرفــي خــاص أو ســلم أيديولوجــي مســتوحى منهــا وممــا تتطابــق فيــه مــع العلــوم
وبهــذا ،ميكــن أن يقــوم النمــوذج املقتــرح علــى ثالثــة معاييــر أو ثــاث درجــات فــي ســلم
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 49
أيديولوجــي ،ختتزنهــا الســردية اإلســامية وتســتبطنها العلــوم التــي ترتبــط بهــا ،وهــي :التوثيــق
إلثبــات الشــرعية الصحيحــة ،واملالءمــة مــع الواقــع لقــوة املرجعيــة ،ثــم الفعاليــة فــي حتويــل
الشــريعة» واحلفــاظ علــى شــمولها للسياســة واحلكــم ،وتفعيــل دورهــا حلمايتهــا مــن االنــدراس،
وبصياغــة أخــرى هــي تعتمــد علــى قــوة التوثيــق الدينــي لشــرعية وجودهــا ومطالبهــا ،ألنهــا
تقــوم بهــذا االعتبــار علــى نفــس األصــل ،فمــن يقبــل بالديــن كأســاس للشــرعية ســيقبل
بشــرعية مــن يســعى إلحيائــه ،أي شــرعية اإلســاميني ومقوالتهــم .ومــن الطبيعــي أن تســعى
عمــوم احلــركات اإلســامية إلــى أقــوى درجــات التوثيــق أال وهــي املطابقــة بــن اإلســام
(الســردية اإلســامية) وبــن أبــرز املقــوالت التأسيســية لكياناتهــا وتوجهاتهــا ،لتكــون كأنهــا
-األولــى :كل فكــرة تكتســب شــرعيتها ومتلــك فرصــة للبقــاء والصمــود بقــدر مــا عــا
تتجــاوز صناعــة التاريــخ -فــي الثقافــة اإلســامية -حنــو صناعــة العلــم ،فهــي فــي احلقيقــة
مرادفــة للعلــم بالشــيء ،ومــن ذلــك ُوصفــت صناعــة احلديــث (علــم احلديــث) أي اإلخبــار
عــن النبــي محمــد ص َّلــى اهلل عليــه وسـ َّلم بالعلــم ،وهــو أســاس التصحيــح والتصويــب (احلكــم
فــي مقدمــة صحيــح مســلم ( ،)21حتــت «بــاب بيــان أن اإلســناد مــن الديــن وأن الروايــة ال
| 50
تكــون إال عــن الثقــات» ،قــول محمــد بــن ســيرين ( )22عــن علــم احلديــث يصفــه فــي ســياق
دعوتــه لتحــري نَقَ َلتــه« :إن هــذا العلــم ديــن .)23( »..أي يتوقــف وجــود الديــن نفســه علــى
وجــود علــم احلديــث .ووفــق نفــس هــذه املطابقــة بــن «علــم احلديــث» و»الديــن» فــإن بعــض
«األفــكار التأسيســية» فــي احلــركات اإلســامية ،جــاءت وفــق نفــس اآلليــة والتطابــق ،فهــي
«ديــن» ،ولــو فــي ســياق مختلــف ،وليــس مبجــرد الترويــج أو االدعــاء ،بــل باســتدالل فقهــي
عنــد هــذا املســتوى يصبــح احلديــث عــن ضــرورة وجــود احلــركات اإلســامية ،يشــبه احلديــث
عــن القطعيــات التأسيســية فــي اإلســام ،فحيــث ال حــركات إســامية ال «سياســة شــرعية»،
ألنهــا تقــوم بواجــب فــي هــذا املجــال ال يقــوم بــه ســواها .والســردية اإلســامية تســاعد علــى
ذلــك حيــث يختلــط الواجــب التعبــدي بالواجــب السياســي املنــاط باملســلم ،فعلــى ســبيل
املثــال ،يســتدل اإلســاميون علــى احنســار الديــن بتــآكل شــرعية احلكــم ،بحديــث « :ل ُت ْنقَ َضـ َّ
ـن
عــرى اإلســام ،عــروة عــروة ،فكلمــا انتقضــت عــروة تشــبث النــاس بالتــي تليهــا ،وأولهــن
نقضــا ُ
احلكــم وآخرهــن الصــاة»( .)24فاحلديــث يقــرر الصلــة بــن واجبــات املســلم الفرديــة ً
التعبديــة :الصــاة ،وواجباتــه الدينيــة السياســية املجتمعيــة« :احلكــم» .هــذا املثــال ،ونظائــره
-املقدمــة الثانيــة :ال تــزال اخلالفــة اإلســامية حاضــرة فــي وعــي عمــوم املســلمني -حتــى يومنا
هــذا -علــى أنهــا النمــوذج الشــرعي لـــ “الدولة اإلســامية» بفعــل التوثيــق الديني لهــذا النموذج
ســواء بالســنة أو القــرآن ،أو حتــى املمارســة خــال القــرون األولــى مــن تاريــخ املســلمني،
وكذلــك ألن إقامــة كثيــر مــن أحــكام اإلســام يتوقــف عليهــا .وشـ َّ
ـكل ســقوط اخلالفــة -مبــا
يحيــل علــى انعدامهــا املطلــق حتــى علــى املســتوى الرمــزي مــن حيــاة املســلمني -صدمــة كبيــرة
لسياســة مشــروعة ولشــرعية سياســية فــي غيــاب احلكــم واحلاكــم اإلســامي ،وكيــف ميكــن
إعــادة اســتئناف احلكــم اإلســامي أو مــا البديــل الشــرعي لــه؟ ( )25ومــن األجوبــة علــى مثــل
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 51
هــذه األســئلة ،كانــت نشــأة «احلــركات اإلســامية» التــي مــا تأسســت إال الســتعادة احلكــم
واخلالصــة أن لــدى اإلســاميني علــى اختــاف اجتاهاتهــم مجموعــة مــن «األفــكار التأسيســية»
اإلســامية «شــرعيتها» فــي غيــاب اخلالفــة اإلســامية ،بعــد أن كانــت هــذه األخيــرة هــي أصــل
السياســة املشــروعة ،وفــي غيابهــا مــن املفتــرض أن تغيــب السياســة املشــروعة وتغيــب الشــرعية
لقــد اعتمــدت جــل تيــارات «اإلســام السياســي» علــى «الدعــوة» كأســاس لشــرعيتها ،وعلــى
رأســها حركــة اإلخــوان املســلمني ،ولكــن «الدعــوة» هنــا ال تعنــي دعــوة غيــر املســلمني إلــى
باعتبــار أن األخيــر جــزء مــن دعــوة اإلســام نفســها (وكل مســلم داعيــة) ،فاإلســام ديــن
ودنيــا ،وبتعبيــر آخــر للشــيخ حســن البنــا« :اإلســام عقيــدة وعبــادة ،ووطــن وجنســية ،ومساحــة
وقــوة ،وخلــق ومــادة ،وثقافــة وقانــون ،وأن املســلم مطالــب بحكــم إســامه أن يعنــى بــكل
التــي تعتمدهــا اجلماعــة فــي خطابهــا وتضفــي بهــا الشــرعية علــى «وجودهــا» ومشــروعية
مقاربتهــا للسياســة فــي ظــل غيــاب احلكــم السياســي الشــرعي ،ألن «مــا ال يتــم الواجــب
(.)27 (احلكــم اإلســامي) إال بــه (أي بالدعــوة لــه) فهــو واجــب»
واألنبيــاء» ،ومــن ثــم هــي وظيفــة املســلمني املســتمرة حتــى فــي غيــاب احلاكــم الشــرعي.
فمبــرر وجــود اجلماعــة كجماعــة سياســية هــو «الدعــوة» ،والدعــوة ممكنــة فــي كل ظــرف
ومــكان وزمــان ولهــا قيــادة يتــم «اختيارهــا» بنفــس الطريقــة علــى األقــل مــن حيــث الشــكل،
أقــل (.)28 التــي اختيــر بهــا اخلليفــة أي «البيعــة» ،وهــذا لــه تأثيــره وإن كان مــن حيــث قوتــه
| 52
وقــد وصــف حســن البنــا «حركــة اإلخــوان املســلمني» كلهــا بأنهــا «دعــوة» أي «دعــوة اإلخــوان
املســلمني» ،وهــو ديــدن اجلميــع إلــى اليــوم ،فهــي اإلســام نفســه مــن حيــث وقعهــا العاطفــي
والوجدانــي ،ومنــه تســتمد شــرعية منوذجهــا وإن كانــت ال متثِّلــه بالضــرورة (.)29
إن شــرعية اإلخــوان فــي الســعي إلــى اخلالفــة ،أو إلــى إصــاح احلكــم ،مــن الســهل التســليم
بهــا لــدى عمــوم جمهــور املســلمني بهــدي مــن الســردية اإلســامية ومــا تقــوم عليــه مــن
علــوم؛ إذ إن متســكهم بالدعــوة إلــى «حكــم شــرعي» هــو اجلــزء الــذي يحاكــي رغبــات عمــوم
واحــد ،خاصــة وأن املشــكلة املزمنــة فــي املنطقــة العربيــة وجوارهــا اإلســامي ،هــي افتقــار
وهــذا األصــل يتحفــظ عليــه اجلهاديــون وخاصــة مــن تنظيــم القاعــدة ،ألنهــم لــم يجــدوا
فــي «الدعــوة» وحدهــا كمــا يقدمهــا اإلخــوان مــا يضفــي الشــرعية علــى العمــل السياســي
والتنظيمــي فــي غيــاب «اإلمــام الشــرعي» أي «اخلليفــة» ،وأســهبوا فــي نقــد رؤيــة اإلخــوان
واســتدعوا العديــد مــن الشــواهد علــى خطئهــا ،حتــى أنهــم قــد يصفــون مصلحــة «الدعــوة»
كمــا يقدمهــا اإلخــوان علــى أنهــا «صنــم» ( )30ابتدعــوه ملهادنــة احلــكام وللقعــود عــن اجلهــاد.
إن الفكــرة األساســية التــي ُب ِن َيــت عليهــا الدعايــة اجلهاديــة فــي الثمانينــات ،فــي اجلهــاد
األفغانــي :أن اجلهــاد هــو املبــرر الرئيســي لشــرعية العمــل السياســي (واألخيــر ال يقــوم لوحــده)،
ألنــه الفريضــة السياســية األساســية الوحيــدة التــي تصبــح واجبــة بذاتهــا ،للدفاع عن املســلمني،
خاصــة عنــد االحتــال األجنبــي أو الغــزو ،دون احلاجــة خلليفــة يعلنــه ،ألن اجلهــاد ضــد احملتــل
ال يحتــاج إال لـ»أميــر قتــال» فحســب ( .)31وســاعد علــى ترســيخ هــذه الفكــرة ،مــا صــدر مــن
فتــاوى مؤيــدة «للجهــاد األفغانــي» يومهــا ،مــن علمــاء مــن عــدة دول إســامية وعربيــة وخاصــة
اململكــة العربيــة الســعودية ( ،)32وإن كانــت الغايــة مــن الفتــاوى حينئــذ إضفــاء الشــرعية علــى
اجلهــاد للدفــاع عــن مســلمني فــي قُ طــر آخــر ،ال حصــر الشــرعية السياســية فيــه فــي غيــاب
اخلالفــة ،لكــن التطــورات الالحقــة أسســت ألجيــال جهاديــة جديــدة مبفاهيــم أبعــد مــن ذلــك
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 53
وال تــزال تصــدر مثــل هــذه الفتــاوى ،التــي تــرى وجــوب «جهــاد الدفــع» ،أي الدفــاع عــن
النفــس والديــن دون اعتبــار احلــدود القُ طريــة للــدول ،حتــى مــن مؤسســات دينيــة تقليديــة ،مــن
حــن إلــى آخــر كمــا كان الشــأن َّإبــان الثــورات العربيــة ،وليــس مــن املتوقــع أن تتوقــف ،ألن
هــذا القــدر مــن «اجلهــاد» وعلــى هــذه الصفــة ،يحظــى بقــدر عــال مــن التوثيــق وعلــى صلــة
مباشــرة مــع النــص ،وتؤيــده الســردية اإلســامية ،فــي جملــة كبيــرة مــن األدلــة واجتهــادات
أمــا التيــارات الســلفية ،فقــد يتعــدد فيهــا مركــز الشــرعية األســاس ،خاصــة إذا مــا ُح ِّمــل
مصطلــح الســلفية علــى أوســع معنــاه ،ولكــن التيــار الوهابــي( )33الــذي مركــزه الســعودية
ومــن يــدور فــي فضائــه ،فــإن الفكــرة األساســية التــي قامــت عليهــا شــرعية وجــوده األســاس،
فهــي النقــاء الدينــي عبــر اإلصــاح بشــقيه العلمــي والعقــدي( ،)34أي تصحيــح التوحيــد
ونبــذ التمذهــب ،وحتــى هــي مسحــت لــه ببنــاء شــرعية أخــرى تســتغني عــن خالفــة الدولــة
وهــذا القــدر املتصــل بـــ “تصحيــح معتقــدات» املســلمني وفقً ــا ملــا صـ َّ
ـح مــن الديــن وتصويــب
فهمهــم لــه ،شـ َّ
ـكل الرافعــة األساســية ملجمــل هــذا التيــار ،حتــى إنــه اســتطاع أن يؤ ِّثــر فــي
هــذه الســمات األساســية تعتبــر األقــوى لــدى عمــوم التيــارات اإلســامية ،بســبب العالقــة
املباشــرة والوثيقــة بــن األفــكار املؤسســة لــكل تيــار منهــا ،وبــن النــص الدينــي ومــا ُيؤ َِّمنــه لهــا
مــن شــرعية وإن بتفــاوت .وباملقارنــة بينهــا واإلســام السياســي ،فــإن أهميــة «مصطلــح الدعــوة
لــدى اإلخــوان املســلمني ،أنــه يعكــس حقيقــة مرنــة تشــتمل علــى مــا يقدمــه اجلهاديــون مــن
| 54
حيــث رد االعتــداء ،والســلفيون مــن حيــث تصحيــح االعتقــاد والديــن ،وإن مــن منظــور
العلمــي وهــذا كلــه ممــا تعكســه «الدعــوة» لــدى اإلخــوان ،فهــم أصحــاب «دعــوة» باملعنــى
األيديولوجــي ( ،)36فهــي رســالة تعيــد صهــر مكتســبات التيــارات اإلســامية األخــرى مــن
القــوة الناعمــة( ،وحتــى مــن ســواهم) لتتحــول إلــى مكتســبات أليديولوجيتهــا الناعمــة اخلاصــة
بهــا.
جوهــر خطــاب اإلســاميني فــي ســعيهم إلقامــة احلكــم اإلســامي ،فاحلــركات اإلســامية
ليســت مجــرد وعــاء تنظيمــي بــل هــي «إطــار دينــي وشــرعي» (جماعــة) ،واجــب الوجــود
إلقامــة أحــكام اإلســام «التدبيريــة» ،وكمــا أن الديــن صــاحل لــكل زمــان ومــكان فهــي
بالضــرورة كذلــك ،وبالتالــي صبــت جهدهــا ووجهــت مســارها حنــو املالءمــة واملطابقــة بــن
ـعا ،أنهــا تصــدت لهــذه املعضلــة ســواء بالتنظيــر أو املمارســة فــي بيئــة افتقرت لديهــم قبـ ً
ـول واسـ ً
للشــرعية اإلســامية املعهــودة فــي زمنــه ( .)37كمــا تصــدى لتنظيــم عالقــة العقــل مــع النقــل،
أي الواقــع مــع الشــرع فــي كتابــه املشــهور «درء تعــارض العقــل والنقــل» فــي إجابــة علــى
نــوازل منهجيــة فــي عصــره وهــي متكــررة فــي العصــور الالحقــة ( .)38وفــي نفــس الســياق،
أحــد األمثلــة علــى هــذه احلالــة ،محاولــة حركــة اإلحيــاء اإلســامي بــكل تالوينهــا العلميــة
واالجتماعيــة وحتــى السياســية -الســيما مدرســة املنــار وروادهــا :محمــد عبــده وجمــال الديــن
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 55
األفغانــي ومحمــد رشــيد رضــا -املالءمــة بــن منجــزات العلــم احلديــث واملعتقــدات الدينيــة أو
املطروحــة بقيــت ماثلــة بتحدياتهــا وحتتــاج ألجوبــة تعــزز مــن مكانــة الديــن وصالحيتــه ،ومنــه
منوذجهــم فقــط ،فســعوا فــي هــذا الســياق حنــو تقريــر شــكل نظــام سياســي شــرعي مالئــم
فــي ضميــر املســلمني ( ،)39ألن املواءمــة بــن الشــريعة اإلســامية والواقــع السياســي املعاصــر
تضفــي شــرعية ممتــدة تضمــن للشــريعة االزدهــار واالســتقرار فــي املجتمعــات اإلســامية وحتــول
دون فتورهــا .وهــذا ال يتأتــى إال مــن خــال حكــم إســامي شــرعي أو إيجــاد جماعــة أو آليــة
تقــوم مقامــه ،وكأن املســلمني فــي مرحلــة انتقاليــة للوصول حنــو الشــرعية الكاملــة أي «اخلالفة».
ووفــق هــذا املعيــار ،فــإن اإلخــوان -وللتــاؤم مــع الواقــع -قبلــوا بالدولــة القُ طريــة ولكــن مــن
بــاب الضــرورة كمــا يبــدو مــن صنيعهــم وتراثهــم ،علــى أن تكــون محــل إصــاح وتغييــر
للوصــول إلــى «اخلالفــة» ،وهــو الــذي يغلــب علــى ممارســتهم السياســية ،فــي حــن اســتمرت
بشــرعية احلكــم واخلالفــة خــارج اإلطــار التقليــدي ،حيــث يقــول البنــا عــن اخلالفــة« :شــعيرة
| 56
إســامية يجــب علــى املســلمني التفكيــر فــي أمرهــا ،واالهتمــام بشــأنها...واإلخوان املســلمون
لهــذا يجعلــون فكــرة اخلالفــة والعمــل إلعادتهــا فــي رأس مناهجهــم ،وهــم مــع هــذا يعتقــدون
أن ذلــك يحتــاج إلــى كثيــر مــن التمهيــدات التــي البــد منهــا ،وأن اخلطــوة املباشــرة إلعــادة
اخلالفــة البــد وأن تســبقها خطــوات :البــد مــن تعــاون عــام ثقافــي واجتماعــي واقتصــادي
بــن الشــعوب اإلســامية كلهــا ،يلــي ذلــك تكويــن األحــاف واملعاهــدات ،وعقــد املجامــع
واملؤمتــرات بــن هــذه البــاد ...ثــم يلــي ذلــك تكويــن عصبــة األمم اإلســامية ،حتــى إذا مت
ذلــك للمســلمني نتــج عنــه االجتمــاع علــى «اإلمــام» الــذي هــو واســطة العقد...وظــل اهلل فــي
األرض»(.)40
أمــا احلركــة الوهابيــة والتيــارات الســلفية التــي تشــبهها ،كانــت مــن أســرع التيــارات اإلســامية
فــي حتقيــق املالءمــة وحســمها علــى صعيــد الدولــة القُ طريــة ،حيــث رأت فــي التــزام احلاكــم
املســلم -فــي «الدولــة القطريــة» -بتطبيــق احلــدود الشــرعية أي القوانــن اجلنائيــة اإلســامية
-بالطبــع إلــى جانــب األحــوال الشــخصية -هــو أدنــى الشــرعية ،وهــو املؤشــر عندهــا علــى
صحــة املالءمــة بــن «الدولــة القطريــة» و»النــص» الشــرعي .وانتهــت املالءمــة لــدى بعــض
التيــارات الســلفية (كا َمل َد ِ
اخ َلــة مثـ ً
ـا ( ))41إلــى أنهــا تتصــل بالســعي الدائــم للمواءمــة بــن منوذج
الدولــة الشــرعية ونظــام احلكــم فــي اململكــة العربيــة الســعودية ،حيــث احلاكــم يطبــق احلــدود
كمــا تقدمهــا النصــوص دون أي تأويــل أو تفريــط بالنــص ،وذلــك فــي تواصــل مــع النقــاء
الدينــي الــذي قامــت عليــه عمــوم شــرعية احلركــة الســلفية .ولــم تُســقط الوهابيــة واحلــركات
الســعودية» ككيــان معاصــر فــي قطــر محــدود «يحتضــن رؤيــة إصالحيــة» ويعمــل علــى الترويــج
لهــا.
أمــا اجلهاديــون ،فأدركــوا ً
أيضــا صعوبــة إقامــة اخلالفــة فــي الواقــع الــذي هــم فيــه ،وإذا كان
مفهومــا علــى الصعيــد الفــردي فإنــه غيــر مفهــوم فــي التعامــل مــع الســلطة
ً «دفــع الصائــل»
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 57
والدولــة وفــي كيفيــة الوصــول للتغييــر الشــرعي لنظــام غيــر شــرعي ،وأفضــت التطــورات التــي
أســهمت فــي والدة هــذا التيــار بصــورة منظمــة علــى األقــل فــي مثــال «تنظيــم القاعــدة»،
الــذي يــرى وجــوب التغييــر وإقامــة احلكــم اإلســامي فــي العاملــن العربــي واإلســامي عبــر
«اجلهــاد» ،ولكــن لــن يتحقــق ذلــك إال بهزميــة «الهيمنــة» األميركيــة والغربيــة والصهيونيــة فــي
املنطقــة التــي تفــرض شــروط النظــام اإلقليمــي ،وبهــذا يتعــن اجلهــاد ليــس لدحــر احملتــل
فحســب بــل لدحــر هــذه «الهيمنــة» بــكل أشــكالها ومــا احلــكام العــرب إال مــن نتاجهــا .هــذه
هــي الفلســفة التــي قــام عليهــا ومــن أجلهــا وبســببها تنظيــم القاعــدة ،وكان إعــان أســامة بــن
فالقاعــدة ،تســعى للمالءمــة بــن «فريضــة اجلهــاد» والواقــع السياســي «غيــر الشــرعي» دون
الســعي إلعــان اخلالفــة فــي أيــة دولــة قطريــة بعينهــا ،فهــي معنيــة بالدفــاع عــن العالــم
املســتبدة» وكذلــك «مــن لــم يحكــم مبــا أنــزل اهلل» فــي املنطقــة ،فــي ســبيل التمهيــد للخالفــة
شــرعي» نهائــي فــي إطــار الدولــة القطريــة أو علــى أرض الواقــع ،حتــى الوهابيــة ذات املركــز
وقــد يكــون هــذا اجلــزء «التــاؤم مــع املرحلــة» ،هــو األصعــب علــى القــوة الناعمــة أليديولوجيــا
مجمــل التيــارات اإلســامية ،ألن املالءمــة تتطلــب منهــا التخفــف مــن حرفيــة النــص (بالتأويــل
مثـ ً
ـا) أو وضــع مســافة مــا معــه ،لصــاحل االقتــراب مــن الواقــع لتحقيــق مصــاحل النــاس (باملعنــى
الشــرعي) وبالتالــي مصاحلهــا ،ســواء للبقــاء أو االزدهــار فــي ظــل شــرعية دينيــة.
| 58
ولكــن تبــدو الوهابيــة رغــم «نصوصيتهــا» مرنــة أكثــر فــي قبولهــا السياســي للدولــة القطريــة فــي
النمــوذج الســعودي ،مــا يعطيهــا مزيــة علــى الصعيــد الوطنــي سياسـ ًّـيا لــدى الدولــة ،لكنهــا
أمــا احلــركات اجلهاديــة ،الســيما املنظمــة منهــا ،فهــي فــي الغالــب ذات طبيعــة مهاجــرة،
وتنتقــل حيــث تتــاءم البيئــة معهــا وليــس العكــس ،حيــث الدولــة هشــة وتعانــي مــن فــراغ
وبالنتيجــة ،هــذه احلالــة مــن «املالءمــة بــن اإلســام والواقــع» ،هــي عبــارة عــن نضــال يومــي
غالبــا مــا يقــوده الفقهــاء والدعــاة فــي احلــركات اإلســامية بالدرجــة األولــى ومن ثــم أصحاب
ً
اخلبــرات األخــرى فيهــا ،ولكــن التيــار اإلســامي الرئيســي يبــدو أكثــر مرونــة مــن ســواه ،مــن
حيــث عالقتــه مــع املجتمعــات اإلســامية ،فهــو ينســب نفســه ملســار طويــل مــن املصلحــن
املطالبــن بإعــادة إحيــاء اإلســام فــي املجتمعــات اإلســامية دون االلتــزام مبذهــب فقهــي أو
علمــاء املســلمني فــي دول ومجتمعــات شــتى ،فهــو يبحــث عــن «إجماعــات» لــدى املســلمني
فــي كل مرحلــة وعلــى كل صعيــد دون أن يقــف عنــد أحدهــا ،فهــو فــي متــاه دائــم مــع
االجتهــاد ألنــه مشــروع «غيــر ناجــز» ال ينتهــي وال يريــد أن يكــون كذلــك(.)43
وهــذا مــا يفســر قــدرة التيــار اإلســامي الرئيســي علــى التأقلــم مــع املســتجدات وتصــدر
القضايــا والتحديــات التــي تواجــه شــرائح واســعة مــن اجلمهــور املســلم ،وقــد حتــوز الشــرعية
ملجــرد التصــدي لهــا .وهــذا ً
أيضــا ال يعنــي أكثــر مــن القــدرة علــى التأقلــم والبقــاء والتصــدر
إذا مسحــت الظــروف فــي إطــار النظــام ،وليــس القيــادة والتحكــم بــه باالســتناد إلــى شــرعيتها
متكامــل يحمــل شــرعيته الدينيــة املســتقاة مــن الســردية اإلســامية ،ولكــن فــي مالءمــة مؤثــرة
مــع الواقــع (بغــض النظــر عــن صحــة مــا تقــوم عليــه هــذه الفعاليــة مــن عدمهــا) .والفعاليــة
-عمليــا -خطــاب يعلــن إجنــاز املطابقــة بــن واقــع الســلطة وشــرعية النــص فــي احلــال ،فهــو
ًّ
يقــدم إجابــة علــى ســؤال الشــرعية حــول احلكــم بإعالنــه إســامية الســلطة فــي محــاكاة
لـ»اخليــال السياســي» جلمهــور املســلمني ،ومــن موقــع «الســلطة» نفســها لتأكيــد شــرعيتها.
وميكــن القــول :إن التيــار الرئيســي اإلســامي قــد وصــل إلــى مرحلــة مــن الفعاليــة السياســية في
اإلخــوان املســلمني املالءمــة بــن «احلكــم الشــرعي» وفقً ــا ملــا جــاء فــي الســردية اإلســامية مــع
«حريــة االختيــار» أو «الدميقراطيــة» التــي جــاءت بهــا ثــورات الربيــع العربــي ،فحســمت موقفهــا
النهضــة فــي تونــس» ،أو التــي تبنــت أطروحاتهــا فــي معظــم دول العالــم العربــي.
يرتقــي وصــول اإلخــوان إلــى الســلطة فــي مصــر بأهميتــه إلــى مســتوى أهميــة احلركــة نفســها،
«األم» التــي تناســلت منهــا أو خرجــت منهــا أو عنهــا معظــم اجلماعــات اإلســامية األخــرى،
ولديهــا أذرع وقــوة ثقافيــة ،وأخــرى سياســية ،فــي معظــم الــدول العربيــة ،وكذلــك فــي دول
إســامية عــدة ،واســتطاعت أن تصــل إلــى رئاســة إحــدى أهــم الــدول العربيــة إن لــم تكــن
ـد
يضــم ســلفيني أو باألحــرى معظــم الســلفيني دون أيــة قــوة أخــرى غيــر إســامية ،مبــا كان ُي َعـ ُّ
بنظــر مؤيديــه بنــاء منــوذج جديــد لـ»دولــة إســامية» علــى األقــل ،وبنظــر شــريحة واســعة مــن
انقالبــا
ً ً
فضــا عــن شــريحة مؤثــرة فــي العالــم العربــي ،وكادت حتــدث اجلمهــور املصــري،
فــي مفهــوم الشــرعية فــي املنطقــة العربيــة ،الســيما أنهــا جــاءت فــي ســياق «ثــورة» علــى
ـرا
االســتبداد ،ولتقــر «شــرعية» جديــدة مســتأنفة فــي العالــم العربــي .وتركــت سياسـ ًّـيا تأثيــرا كبيـ ً
علــى اإلقليــم برمتــه حيــث ظهــرت حركــة «مضــادة للثــورات» حتــت عنــوان محاربــة اإلخــوان
وأســقطت هــذا احلكــم بانقــاب عســكري فــي مصــر فــي خضــم اعتراضــات شــعبية علــى
الرئيــس محمــد مرســي ،وال تــزال احلركــة تتعــرض إلــى محاولــة اســتئصال فــي أكثــر مــن
دولــة عربيــة ،حتــى إن تصنيــف خطرهــا لــدى بعــض الــدول العربيــة (خاصــة الرباعيــة ،مصــر
واإلمــارات والســعودية والبحريــن) قــد اقتــرن بخطــر تنظيــم الدولــة وأنهمــا ســواء ،مــن حيــث
الالفــت هنــا أن أيــة حركــة أخــرى لــم تصل ،في ســياق الربيــع العربــي ،إلــى «الفعالية السياســية»
املوصوفــة هــذه ،وبــدت عمــوم احلــركات اإلســامية ،وخاصــة بعــد فــوز اإلخــوان بالرئاســة
فــي مصــر ،كالقاطــرة التــي يحــرص اجلميــع علــى االســتقامة وراءهــا رغــم اخلالفــات العميقــة
معهــا .حتــى تنظيــم القاعــدة أوقــف تصعيــده ضــد اإلخــوان وكأنــه دخــل فــي هدنــة معهــم
بــن الدن (اغتالتــه القــوات األميركيــة فــي 2مايو/أيــار ،)2011ودخــل فيمــا يشــبه املراجعــة
لنهجــه الســابق ،وكان زعيمــه اجلديــد ،أميــن الظواهــري ،يتأ َّلــف اإلخــوان ُ
ويحـ ِّ
ـذر مــن الــدور
وباملقابــل ،كان الظهــور الطاغــي لتنظيــم الدولــة اإلســامية فــي العــراق والشــام ،ولكــن جــاء
فــي اجتــاه معاكــس وســار فــي ســياق احلركــة املضــادة للثــورات مــن حيــث معاداتــه للدميقراطية
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 61
أو «حريــة االختيــار» ،وكان مســار جتربتــه فــي ســياق الربيــع العربــي ،أشــبه بقطــار يصــدم قطــار
ضعفهــم ،فهــو مــن الناحيــة السياســية واللحظــة التاريخيــة اســتهدف جتربــة اإلخــوان بشــكل
ـوض شــرعيتهم
وردتهــم» مبــا يقـ ِّ
حريصــا علــى التأكيــد علــى «كفرهــم َّ
ً مقصــود ومباشــر ،وكان
الدينيــة ،علــى الرغــم مــن أنهــم كانــوا يتعرضــون -الســيما فــي مصــر -للمالحقــة مــن احلكــم
وبلــغ التنظيــم مرحلــة متقدمــة مــن التأثيــر العســكري والسياســي ،باســتدعائه منــوذج اخلالفــة
كمــا جــاء فــي «الســردية اإلســامية» ،هــذا ً
أول ،ومــن ثــم إعالنــه إياهــا علــى رقعــة مــن األرض
حركــة إســامية منــذ نشــأة الدولــة العربيــة احلديثــة .واســتطاعت دولــة التنظيــم بهــذا أن جتــذب
أنصــارا ومقاتلــن مــن عــدة دول إســامية وحتــى غربيــة أو مــن بقيــة احلــركات اإلســامية
ً
الســيما اجلهاديــة ،وعملــت علــى إعــادة تأهيلهــم ليتالءمــوا مــع تعاليمهــا املتشــددة وكأنهــا
اســتعادة النبعــاث اإلســام ،واســتعملت وســائل االتصــال احلديثــة لترويــج تعاليمهــا خــارج
قــد يبــدو تنظيــم الدولــة فــي طــوره هــذا أحــد األفــكار املتقدمــة علــى تنظيــم القاعــدة ،فمــن
الناحيــة الفكريــة قفــز مــن التمهيــد إلقامــة اخلالفــة إلــى إعــان «اخلالفــة» مباشــرة فــي حيــز
ً
وبعضــا مــن العــراق ،ولــم مكانــي ،خــارج حــدود ســايكس-بيكو ،فشــمل ً
بعضــا مــن الشــام
يعتــرف بالنظــام الدولــي القائــم وال العالقــات التــي يقــوم عليهــا .وصــادر بهــذا الشــرعية
التــي يقــوم عليهــا تنظيــم القاعــدة ،فشــرعيته ليســت منبثقــة مــن «أميــر قتــال» بــل مــن «خليفــة
املســلمني» وليــس مــن «اجلهــاد» بــل مــن «اخلالفــة» نفســها ،فـ»شــرعيته» بهــذا تتجــاوز تلــك
| 62
التــي كســبتها القاعــدة فــي كل تاريخهــا «اجلهــادي» .ولكــن بخســارة تنظيــم الدولــة الســيطرة
املكانيــة« ،أرض اخلالفــة» ،وهــي جوهــر قوتــه الناعمــة ،فإنــه تالشــى بســرعة ،حتــى إن تأثيــره
وهــذا مــا يطــرح الســؤال حــول حقيقــة مســتوى التأثيــر الــذي وصلــه تنظيــم الدولــة ،وإذا مــا
بلــغ مســتوى مــن «الفعاليــة السياســية» وفــق الصفــة املعتمــدة فــي هــذه الدراســة ،واجلــواب
بالشــرعية املســتقاة مــن «خليفــة» ،ال يعرفــه النــاس ولــم يختــاروه ،وحاولــوا املجادلــة بصحتهــا
بعــدة منشــورات علــى طريقــة كتــب األحــكام الســلطانية ،فكان التشــكيك بشــرعيته اإلســامية
واقعــا ال محالــة حتــى فــي مجــال ســلطته ،فضـ ً
ـا عــن التنــدر ببعــض مقوالتهــم علــى مســتوى ً
العالــم اإلســامي .كمــا أهــدر كل التوثيــق للشــرعية املســتقاة مــن النــص ،عندمــا أهــدر ذلــك
«اجلهــاد» الــذي تعتمــد شــرعيته علــى دفــع العــدوان وال يحتــاج خلليفــة ويكفــي أميــر قتــال
فيــه ،فلــم يلتحــق بالتنظيــم إال مــن يؤمــن بشــرعية اخلليفــة ،فضـ ً
ـا عــن تــآكل شــرعية هــذا
ثانيــا :لــم يســتطع التــاؤم مــع املرحلــة :فالتنظيــم منقطــع عــن أيــة جتربــة إســامية أخــرى ،وال
ً
حقيقيــا فــي املالءمــة بــن النــص والواقــع الســيما فــي املجــال السياســي فضـ ً
ـا ًّ ميلــك ترا ًثــا
عــن ســواه ،واعتمــد علــى «شــرعيني» ،كمــا كان يوصفــون ،لــم يعــرف لهــم بــاع فــي العلــم
التــي يأمــر بهــا «اخلليفــة البغــدادي» أو أمــراؤه «بتفويــض منــه» .وبعــد أن انتهــت دولتــه ،كان
التنظيــم أصـ ً
ـا قــد خســر الشــرعية التنظيميــة ،وهــي الفكــرة التــي كانــت توفرهــا القاعــدة ،التي
تــرى أن اجلهــاد فــي هــذا العصــر هــو للتهيئــة للخالفــة ،وهــو كاجلهــاد إلقامتهــا .وهــي الفكــرة
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 63
التــي يحتاجهــا بعــد ســقوطه ويبــدو اآلن أنــه يحتــاج إلــى مقــوالت بديلــة إلعــادة احلشــد.
مطلبــا
ً بعبــارة أخــرى ،إن التنظيــم أراد القفــز إلــى «الفعاليــة السياســية» بإعالنــه «اخلالفــة» كونهــا
جاذبــا لتطلعــات الشــعوب اإلســامية ،دون أن يصــل إليهــا مــع شــرعية إســامية كافيــة ،ودون
ً
أن ميلــك أجوبــة للمالءمــة بــن النــص والواقــع ولــو علــى األقــل علــى الصعيــد السياســي .فهــو
لــم يأخــذ باالعتبــار أن الشــرعية الدينيــة فــي هــذا العصــر كمــا فــي كل عصــر راهــن ،لــن متــر
إال بــن يــدي املجتمعــات وواقعهــا املعاصــر ،مبــا يتضمنــه مــن حتديــات ومصــاحل وقيــم ،ختتلف
عــن النمــوذج التاريخــي الــذي اكتفــى باســتدعائه وأراد أن يعيــد تكويــن الواقــع ليتــاءم معــه
حتديــا لإلســاميني
ً ولكــن رغــم أن التنظيــم لــم يبلــغ الفعاليــة السياســية املوصوفــة ،لكنــه شـ َّ
ـكل
عمومــا وصدمــة للضميــر اإلســامي .إن تنظيــم الدولــة اعتمــد فــي التدليــل علــى صحــة
ً
منوذجــه لـ»اخلالفــة» ووجــوب إقامتهــا بنفــس اإلرث الفقهــي والدينــي الــذي يســتند إليــه
عمــوم اإلســاميني -ومــا اســتقر فــي وعــي عمــوم املســلمني -فــي تبريــر منوذجهــم األســاس،
الــذي يدعــو لعــدم التمييــز بــن الديــن والسياســة ،ال بــل اعتمــد أصــح مــا ورد مــن أحاديــث
كثيــرا مــن املقــوالت التــي طاملــا ســ َّلم اإلســاميون بأولويتهــا فــي
ً وليــس أضعفهــا ،وأحيــا
إقامــة الدولــة ،مثــل :إقامــة احلــدود ،وتفعيــل احلســبة واألمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر،
ومــا إلــى ذلــك مــن واجبــات سياســية فضـ ً
ـا عــن النمــوذج االجتماعــي املتشــدد الــذي تبنــاه
التنظيــم -ليخرجهــم مــن «حكــم اجلاهليــة» إلــى حكــم «اإلســام» ،أي حاضنتــه ومــن يفتــرض
قائمــا
حتديــا ً
ً ـادا لتيــار اإلســام السياســي ،فإنــه ســيبقى
وعلــى الرغــم مــن أن التنظيــم كان مضـ ًّ
وأحــد األســئلة الكبيــرة التــي يجــب عليهــم اإلجابــة عليهــا.
ومــن الواضــح باملقابــل أن حركــة اإلخــوان املســلمني ،قــد بلغــت مرحلــة متقدمــة مــن «الفعاليــة
| 64
السياســية» فــي ســياق الثــورات وبآلياتهــا وفــي إطــار الدولــة القطريــة وبرؤيــة إصالحيــة ،ولــم
تنتــه رغــم ســقوطها بانقــاب عســكري وبحركــة مضــادة للثــورة واحتفظــت لنفســها مبكانــة
مــا بــن جمهــور الثــورات العربيــة ،رغــم تراجعهــا الكبيــر والنقــد الشــديد الــذي تتعــرض لــه
انقلــب علــى احلركــة منتهــ ًزا فرصــة انقــاب رأي شــرائح شــعبية وتظاهرهــا ضــد الرئيــس،
محمــد مرســي( ،تظاهــرات 30يونيو/حزيــران ،)2013وذلــك بغـ ِّ
ـض النظــر عــن النقــاش حــول
صحــة التآمــر احمللــي أو اإلقليمــي ونوايــا احلركــة الطيبــة أو الســيئة .فاحلركــة بعــد أن وصلــت
إلــى الرئاســة أخــذت فعاليتهــا السياســية تتراجــع بغــض النظــر عــن التضحيــات التــي قدمتهــا،
فقدرتهــا علــى املالءمــة بــن خطابهــا الدينــي «وحريــة االختيــار» أدى غرضــه بالوصــول إلــى
اإلخــوان تراجعــت أو غيــرت مــن ســلوكها ،ودخــل أكثرهــا إن لــم يكــن جميعهــا فــي مراجعات
ال تــزال مســتمرة .كمــا أنهــا تركــت تداعيــات علــى مجمــل التيــار اإلســامي ،فتراجــع حركــة
بهــذا احلجــم ســيثير تســاؤالت حــول صحــة النمــوذج اإلســامي ومــدى صالحيتــه للتعامــل
حتديــده ،علــى األقــل مبــا يحقــق غايــة هــذه الدراســة ومبــا تســمح بــه ،مــن خــال آليتــن جتيبان
عــن ســؤالني ،األول :مــا قــدرة األيديولوجيــة اإلســامية علــى التعافــي الســيما بعــد جتربتهــا
املــرة إبــان الربيــع العربــي وهــو مــا يعنــي القــدرة علــى التكيــف؟ ومــا العناصــر األساســية التــي
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 65
ســتكون فاعلــة فــي التيــار اإلســامي فــي مرحلــة االحنســار ،وتســهم فــي حتديــد مســتقبله؟
تراجعــا
ً ـرارا
فبالنســبة لألولــى ذات الصلــة بالتكيــف األيديولوجــي :فقــد شــهد اإلســاميون مـ ً
ً
وضعفــا فــي خطابهــم األيديولوجــي ،لكنهــم ال يلبثــون أن يتعافــوا وينهضــوا فــي دورهــم
مــرة أخــرى ،وفــق آليــة متكــررة ليســت بعيــدة عــن منوذجهــم األيديولوجــي ،ووفــق دورة
مــن التجــدد الدينــي واأليديولوجــي ،تعيــد التأكيــد علــى شــرعية منوذجهــم السياســي بتجديــد
«التوثيــق» لــه ،وبإعــادة تكيــف مــن خــال مالءمــة بشــروط جديــدة :بــن فهمهــم للســردية
اإلســامية والواقــع املســتجد ،مــا يضمــن االســتمرار فــي تغذيــة «خيالهــم السياســي» وشــحذ
ً
وفاعــا فــي مواجهــة أي حتديــات مقبلــة أو أساســيا
ًّ دورا
قوتهــم الدينيــة «الناعمــة» ،لتلعــب ً
املســاهمة فــي رســم املســتقبل.
ومــن بــاب التمثيــل فقــط ويقــاس عليــه ،جنــد إعــادة توثيــق وتكيــف مبالءمــة جديدة فــي كتاب
«دعــاة ال قضــاة» الــذي أ َّلفــه املرشــد الثانــي حلركــة اإلخــوان املســلمني ،حســن الهضيبــي؛ إذ لم
ـد إال ملواجهــة الــرؤى التــي كادت تتكــرس فــي اجلماعــة فــي ســياق املواجهــة مــع الرئيــس،
ُي َعـ َّ
جمــال عبــد الناصــر ( ،)1954-1970ونتيجــة لكتابــات ســيد قطــب ُ(أعــدم عــام « ،)1966معالــم
فــي الطريــق» أو ملــا قــد يفهــم منهــا ،ممــا يتصــل «بقضيــة التكفيــر» والدعــوة ملواجهــة األنظمــة
واملفاصلــة معهــا :إميــان فــي مواجهــة كفــر ،و»العزلــة الشــعورية» عــن املجتمــع .فهــذه األفــكار
كانــت عب ًئــا علــى جماعــة اإلخــوان ،وكان البــد مــن مراجعــة تعيــد التأكيــد علــى «ثوابــت»
اجلماعــة وأهمهــا أنهــا حركــة «دعويــة» وليســت معنيــة باحلكــم علــى النــاس وال حتــى علــى
األنظمــة بالكفــر مــن عدمــه ،إضافــة إلــى تصويبــات أخــرى تضمنهــا الكتــاب.
فهــذه املراجعــات هــي جــزء مــن دورة أيديولوجيــة أصبحــت أشــبه بالســمة لعمــوم التيــارات
اإلســامية وليــس لتيــارات اإلســام السياســي فقــط ،وميكــن التمثيــل باملراجعــات للجهاديــن
فــي مصــر( ،)45وكذلــك فــي ليبيــا( ،)46وســواهما .فاحلــركات اإلســامية تشــهد نشـ ً
ـاطا فــي
مــن اآلخريــن باحثــن وخصــوم وســواهم ،وذلــك إلــى حــن التهيــؤ مــرة أخــرى النطالقــة
التــي تســمح بهــذه الــدورة ،ســواء الســتنقاذ نفســها مــن االندثــار وهــذا احلــد األدنــى ،أو
لتحقيــق وثبــة أخــرى إذا مــا اكتملــت أســبابها ومــن أبــرز أمثلتهــا مــا كان مــن التيــار اإلســامي
تنظيمــا ،ولكــن كانــت علــى حــال مــن الضعــف ال يؤهلهــا للوصــول إلــى احلكــم
ً األكثــر
بســبب الكبــت والتضييــق الــذي الزم احلركــة ســواء فــي مصــر أو ســواها ،إال أنهــا بدفــع مــن
األيديولوجيــا الناعمــة اســتطاعت بلــوغ مــا بلغتــه فــي ذروة جنــاح الثــورات ،كمــا أن بقيــة
اإلســاميني كانــوا قــد تأقلمــوا مــع الواقــع اجلديــد وأحدثــوا تغييــرات أو كانــوا علــى اســتعداد
مبــدى مالءمتهــا «للســردية السياســية اإلســامية» كمــا تفهمهــا ،فانفتحــت علــى القيــم العامليــة
تقريبــا للصناديــق
ً املتصلــة باحلريــات وحقــوق اإلنســان وقبلــت االحتــكام املطلــق وبــا شــروط
والرهــان علــى الدميقراطيــة كســبيل للتغييــر( ،)48وهــو مــا تعــزز مــع االنفجــار التكنولوجــي
وظهــور مواقــع التواصــل االجتماعــي ،فمــا أن أصبحــت علــى احتــكاك مباشــر مــع اجلماهيــر
ـبيا واكتملــت ظــروف «الربيــع العربــي» ،إال كان خطابهــا اجلديــد قــد اكتملــت صورتــه فــي
نسـ ًّ
نســق محــدد لــه مساتــه التــي تعكســها األيديولوجيــا الناعمــة نفســها ،أي اجلمــع بــن الســردية
السياســية اإلســامية وقيــم الواقــع السياســي املســتجد ،التــي مــن أبرزهــا حريــة االختيــار ،ألنهــا
ومــن املهــم التأكيــد فــي هــذا الســياق علــى أن املالءمــة التــي ينحــو اإلســاميون حنوهــا،
وخاصــة اإلســام السياســي ،ليســت «تكتيكيــة أو نفعيــة» بــل هــي حقيقيــة ،وميكــن القــول :إن
تكيــف األيديولوجيــا اإلســامية مــع الواقــع مبــا فيــه مــن منجــزات علميــة كاإلنترنــت والتطــور
التكنولوجــي أو قبــول الدولــة احلديثــة ،يقــوم علــى قبــول الواقــع والبنــاء عليــه وفــق «املنظــور
الدينـ�ي» ،فعمليـ�ة التكيـ�ف األيديولوجـ�ي -باسـ�تعارة عبـ�ارة الكاتـ�ب أنـ�درو هيـ�ود (�Andrew Hey
)wood) (49مــع بعــض التصــرف -هــي «إعــادة بنــاء الديــن داخــل حــدود احلداثــة» باعتبارهــا
الواقــع القائــم .وباملــوازاة ،يعمــل اإلســاميون ً
أيضــا علــى «التكيــف مــع احلداثــة (الواقــع) مــن
لشــروط الواقــع ،كمــا حــدث إبــان أحــداث الربيــع العربــي؛ إذ إن التغيــر األيديولوجــي لــدى
اإلســاميني كان أثنــاءه أشــبه بالقفــزة ،ومــن كل االجتاهــات اإلســامية ،ومنهــم التيــار
اإلســامي الرئيســي ،حيــث صعــد اجلميــع ســلم التغييــر السياســي «الدولتــي» بــا تــردد،
متجاوزيــن القضايــا األخــرى التــي كانــت حتتــل أولويــة فــي مناهجهــم الدينيــة ورؤاهم السياســية
والدعــوي للمجتمــع ،وهــذه األخيــرة كانــت الســمة األبــرز التــي كانــت متيزهــم عــن ســواهم،
فترشــحوا مثـ ً
ـا لقيــادة الســلطة فــي مصــر ،وأعطــوا فــي بقيــة دول الثــورات األولويــة املطلقــة
للمشــاركة فــي قيــادة البــاد سياسـ ًّـيا ،ال بــل قبــل ذلــك كلــه قبلــوا بالثــورة كســبيل للتغييــر
وكانــت فــي أدبياتهــم السياســية مرفوضــة باألســاس -والالفــت أنــه لــم يــرد اعتــراض واضــح
مــن قيــادات اإلخــوان علــى الثــورة بــل علــى العكــس ( - )50وهكــذا دواليــك.
وعلــى نفــس املنــوال ،ســار تنظيــم القاعــدة ،فاعتبــر الثــورات العربيــة «الســلمية» إحــدى
«الوســائل الشــرعية» للتغييــر حتــى علــى لســان أعلــى قياداتــه ،وهــو الــذي كان يــرى التغييــر
نســبيا عــن الرئيــس املصــري ،محمــد مرســي ،رغــم مــا لهــم مــن
ًّ ــع َ
وداف َ وهمــا،
ً الســلمي
| 68
وكذلــك فعــل التيــار الســلفي؛ حيــث اخنــرط بــكل مشــاربه فــي العمليــة السياســية أو أصبــح
أحــد الفاعلــن فيهــا ســواء بالــرأي أو بالعمــل وجتــاوز ذاك اجلــدال الدينــي املعتــاد منــه حــول
ـرم املشــاركة
كفــر بعــض املمارســات السياســية مــن عدمــه ،حتــى إن التيــار الغالــب فيــه كان يحـ ِّ
بالقطــع فــي االنتخابــات البرملانيــة أو االنتمــاء للشــرطة أو اجليــش؛ وإذا بــه -علــى ســبيل املثــال
فــي مصــر -يرشــح للرئاســة أو يقتــرع لهــا ولســواها مــن أجهــزة الدولــة ،دون اإلشــارة املعتــادة
إلــى كفرهــا.
هــذه القفــزة فــي احلقيقــة ليســت بعيــدة عــن إعــادة التشــكل األيديولوجــي الســيما الكتســاب
الســتمرارهم باالعتقــاد بهــا ،بــل الســتقرارها أحيا ًنــا فــي بنائهــم التنظيمــي أو األيديولوجــي
يتجاوزونهــا ،وخاصــة فــي احملطــات التأسيســية الكبــرى ،ولكــن بهــدي أو تأويــل مســتمد مــن
الســردية اإلســامية نفســها .وبقــدر مــا تبــدو هــذه العمليــة وكأنهــا انتقائيــة إال أنهــا تســتند علــى
«الســردية اإلســامية» نفســها ،التــي تقبــل التجديــد بشــروط دينيــة تعتقــد احلــركات اإلســامية
إن مســة التأقلــم والتكيــف األيديولوجــي مــع ظــروف الواقــع قدميــة وهــي مســة أساســية فــي
الســردية اإلســامية نفســها ،ورمبــا ميكــن تشــبيه مــا حصــل فــي «الربيــع العربــي» أو فــي بعضــه
ـرا مفاج ًئــا ،وبوصفــه محطــة تأسيســية كبــرى ملــا بعــده ،مبــا حصــل فــي
مــن حيــث كونــه تغييـ ً
موضــوع التدويــن فــي صــدر اإلســام مــع بعــض التحفــظ حيــث يجــب ،وهــو مــن أبلــغ
األمثلــة وأقدمهــاِ .
فم َّمــا ُبنــي عليــه اإلســام نفســه ،هــو انتقــال تعاليمــه مــن عصــر الروايــة
الشــفوية ألحاديــث الرســول ص َّلــى اهلل عليــه وسـ َّلم إلــى عصــر التدويــن رغــم شــيوع النهــي عــن
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 69
تدوينــه وكتابتــه ،كمــا تقــول املصــادر اإلســامية نفســها .وممــن نهــى عــن ذلــك بعد أن استشــار
الصحابــة فــي التدويــن ،اخلليفــة الثانــي عمــر بــن اخلطــاب ،ولكــن حاجــة الرســالة لالمتــداد
واالســتمرار وعــدم الفتــور وخشــية االنــدراس ح َّتمــت جــواز كتابــة احلديــث بعــد أن كرهــه أو
منعــه الصحابــة أو جمهورهــم علــى األقــل ،وع َّلــل علمــاء املســلمني املنــع بأســباب عــدة منهــا
وتوســعها كان علــى ارتبــاط بالتدويــن نفســه ،فمــن بعــد ذلــك انتقلــت تعاليــم اإلســام وإرثــه
مــن بيئــة كانــت متالئمــة مــع الروايــة الشــفوية إلــى بيئــات التدويــن ،وهــو العالــم األوســع.
ومــن األمثلــة املعاصــرة واملفيــدة فــي هذا الســياق ،أن التيــارات الســلفية اجلهاديــة ،ذات الطبيعة
تُصــدر مجالتهــا خــال ســنوات مشــاركتها الســيما األولــى منهــا ،فــي «اجلهــاد األفغانــي»،
بصــور ألســلحة وجبــال ومــا يشــبه ذلــك فقــط ( ،)52وحتــت عنــوان احلاجــة إلــى الصــورة
للحــث علــى اجلهــاد ومــا إلــى ذلــك مــن مبــررات وضــرورات ليس هنــا مجــال بحثهــا الفقهي.
حتولــت كل التيــارات الســلفية ،اجلهاديــة منهــا وحتــى غيــر اجلهاديــة ،إلــى جــواز تصويــر كل
وميكــن مالحظــة هــذه الســمة وبالــذات فــي التيــار اإلســامي الرئيســي ،فــي التحــول والتغيــر
املســلمني ،ومزيــد مــن املرونــة فــي قضايــا حريــة التعبيــر وحقــوق اإلنســان ومــا إلــى ذلــك.
وقــد يكــون لهــذا التحــول حــدود وقيــود وأطــر حتــدده ،لكــن املــراد أن األيديولوجيــا اإلســامية
متلــك القــدرة علــى التكيــف ،وهــو مــا قــد يأتــي علــى غيــر توقــع أحيا ًنــا.
ولكــن يبقــى التيــار اإلســامي الرئيســي ،هــو األكثــر اســتفادة مــن هــذه احملطــات خاصــة لــو
تكــررت ،وعلــى مســتويني :فعلــى املســتوى األول ،هــي توفــر لــه الفرصــة ملزيــد مــن املالءمــة
مــا بــن النــص والواقــع ،وســيقابل مبباركــة مــن عمــوم اجلمهــور ،ألنــه يصنــع التغييــر بيديــه
| 70
ً
مثــا ،تكرســت مســألة ويــدرك حقيقــة احلاجــة إليــه ومقاصدهــا ،فخــال الربيــع العربــي
غربيــا.
ًّ ـزوا
باإلنــكار ،وتراجــع التحفــظ عليهــا املقتــرن بتكفيــر بعــض أشــكالها أو اعتبــاره غـ ً
وعلــى املســتوى الثانــي ،فــإن هــذه احملطــات قــد تدفــع بتيــارات أو حــركات إســامية أخــرى
باجتــاه التيــار اإلســامي الرئيســي ،وهــو مــا حصــل مــا بــن شــرائح ســلفية واســعة مــع اإلخوان،
حيــث وصلــوا إلــى احلكــم والبرملــان بتحالــف واســع ضــم الطرفــن إلــى جانــب آخريــن .حتــى
أمــا بخصــوص الســؤال الثانــي ،مــاذا بقــي مــن «اإلســام السياســي» بعــد االحنســار؟ فإنــه وفقً ــا
للســلم األيديولوجــي ،ومــا تتضمنــه هــذه األخيــرة مــن قــوة ناعمــة ،فــإن التيــارات اإلســامية
إذا مــا فقــدت فعاليتهــا السياســية فإنهــا ســتعود مــرة أخــرى للبحــث عــن مالءمــة جديــدة كل
فــي مجالهــا ،وفــي األثنــاء ستتمســك باألصــل الــذي يقــرر شــرعيتها ،وهــو مــا يحصــل فــي
الوقــت الراهــن .وليــس مــن املتوقــع أن يخــرج اإلســاميون مــن هــذه املتواليــة حنــو فضــاء
أرحــب أو أن يخرجــوا مــن املشــهد السياســي الســيما العربــي ،إال إذا حصلــت فــي التيــارات
اإلســامية حتــوالت جذريــة وفــي هويتهــا التنظيميــة واأليديولوجيــة ،أو أن يحــدث حتــول كبيــر
ولكــن قبــل احلديــث عــن اإلســام السياســي ،ميكــن إيــراد مالحظــات ال ميكــن القفــز فوقهــا
أبرزهــا:
تصنيــف ضمــن بقيــة التيــارات اإلســامية ويشــكل منوذجــه اخلــاص ،وليــس مــن املتوقــع أن
يســتعيد فعاليتــه (املوصوفــة ســابقً ا) ال بــل تتعــرض ُأســس شــرعيته وشــرعية «اخلالفــة» التــي
أقامهــا للتشــكيك ،بســبب اعتمــاده علــى العنــف املفــرط ضــد حاضنتــه فضـ ً
ـا عــن جمهــوره
وهــذا بــدوره ســيترك تأثيــره علــى التيــارات اجلهاديــة ،الســيما تنظيــم القاعــدة ،ألن «تنظيــم
الدولــة» تناســل منهــا ونشــأ فــي منظومتهــا الفكريــة والشــرعية ،وهــذا ســيضع «العنــف» الــذي
قــد متارســه القاعــدة أو مــا يشــبهها مــن تنظيمــات ،محــل تشــكيك أو فحــص مــن اجلمهــور
جهــادا ،وســتواجه صعوبــات أكثــر مــن ذي قبــل مــع اجلمهــور ،مــا خــا
ً مــن حيــث كونــه
الدفــع» ،ســتركز القاعــدة -لتتفــادى التشــكيك بشــرعية «جهادهــا» -علــى أن االعتــداء موجــود
وســتحاول إقنــاع اجلمهــور بذلــك ،وفعلــت ذلــك ســابقً ا .ولكــن بنفــس الوقــت ستســتعيد
خطابهــا الناقــد بشــدة حلركــة اإلخــوان املســلمني وحتميلهــا وزر النتائــج الســلبية التــي انتهــت
إليهــا جتربــة «الثــورات العربيــة» ســواء فــي مصــر أو فــي بقيــة بلــدان الثــورات ،لتعيــد ترميــم
بعيــدا عــن «اإلخــوان» بعــد مــا أصابهــا نتيجــة مهادنتهــا لهــم خــال مرحلــة
ً أيديولوجيتهــا
«الثــورات»(.)53
ثانيــا :أن التيــارات الســلفية ،وجــدت نفســها بعــد الثــورات العربيــة أمــام مفتــرق طــرق،
ً
ملزمــا بالبحــث عــن تســوية مــع الواقــع وعــن مالءمــة جديــدة ومؤثــرة،
ً فبعضهــا وجــد نفســه
وهــي لــم متلــك ســابقً ا هــذا الســؤال فقــد كانــت حتتمــي باملنجــز الســعودي ،الــذي أغناهــا
عــن ذلــك ،حيــث دولــة عصريــة حتكــم بالشــريعة .ودخــل علــى وجــه التحديــد التيــار الســلفي
ـدا
املركــزي فــي الســعودية ،فــي عمليــة أشــبه بتطهــر ذاتــي مــن تيــارات ســلفية أخــرى ،وحتديـ ً
مــن الســلفية الصحويــة وأحيانًــا حتــت شــعار محاربــة اإلخــوان املســلمني ،مــع املبالغــة فــي
التشــديد علــى «طاعــة أوليــاء األمــور» ،وهــي مســة الســلفية املدخليــة أكثــر مــن ســواها ،ألنهــا
ـدم فــي خطابهــا للمالءمــة مــع الواقــع حتــى علــى إقامــة احلــدود التــي هــي
-أي «الطاعــة» -تتقـ َّ
أكثــر توثيقً ــا وشــرعية بالنــص بخــاف األخــرى .يتميــز التيــار املدخلــي بأنــه عابــر للحــدود
ومــن ذلــك مثـ ً
ـا احنيــازه للجنــرال املتقاعــد ،خليفــة حفتــر ،فــي صراعــه ضــد احلكومــة الليبيــة
| 72
دوليــا ،وذلــك رغــم أن حفتــر ليــس «ولــي أمــر» حتــى بأدنــى املعاييــر املدخليــة،
ًّ املعتــرف بهــا
لكــن املوقــف املدخلــي يســتبطن الطاعــة للمركــز الســعودي؛ حيــث يــرى مالءمــة فــي «واليــة
لــوالة األمــر» الذيــن خرجــت عليهــم احلركــة إبــان الربيــع العربــي ،كمبــرر للحــد مــن نفوذهــا
علــى األقــل فــي املجــال السياســي الســعودي ،علــى امتــداد العاملــن العربــي واإلســامي.
ولكــن ليــس مــن املرجــح أن تنقطــع الصلــة بــن الســلفية فــي الســعودية ،الســيما غيــر الرمسيــة،
واإلخــوان املســلمني .وتفصيــل ذلــك أن التحــوالت األخيــرة التــي شــهدتها اململكــة ســواء
علــى الصعيــد الدينــي أو السياســي ،أعطــت رســالة أنهــا لــم تعــد مت ِّثــل هــذا املركــز لبعــض
التيــارات الســلفية (ليــس كلهــا بالطبــع) ،وهــذا يعنــي أنــه يتعــن علــى هــؤالء أن يجــدوا
إجابتهــم فــي اســتقالل نســبي عــن اململكــة وفرصتــه للنمــو ســتكون خارجهــا أكبــر .ويأتــي
اإلخــوان أو مــع مــن يــدور فــي فضائهــا مــن الناحيــة الفكريــة ،وبســبب مــن تاريخــه ومســاره
السياســي فــي رفــض التحالــف مــع الغــرب ضــد دول عربيــة وإســامية كمــا هــو شــأنه فــي
التســعينات ،حيــث كان هــذا التيــار يرفــض االســتعانة بالقــوات األميركيــة فــي حــرب اخلليــج
الثانيــة .وبســبب هــذا التيــار الســلفي وأمثالــه أو مــن يشــبهه حتــى مــن الشــخصيات املســتقلة،
فــإن الصلــة بــن التياريــن قــد تتعــزز بـ ً
ـدل مــن أن تضعــف ،وســيكون التيــار الصحــوي عنــد
تراجــع اخلصومــة هــو اجلســر الــذي يصــل بــن االثنــن ،بــن تيــارات اإلســام السياســي وبقيــة
التيــارات الســلفية .وعلــى الصعيــد الرمــزي ومــا تتميــز بــه التيــارات الســلفية مــن حــرص علــى
النــص أو علــى إعمالــه فــي الواقــع فــإن تيــارات اإلســام السياســي ســتتعزز قــوة أيديولوجيتهــا
الناعمــة باملقابــل.
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 73
خاتمة
بالعــودة حلركــة اإلخــوان املســلمني فهــي إضافــة إلــى مــا ســبق ،أمــام حتديــات مــن حيــث تعزيز
أيديولوجيتهــا الناعمــة أو مــن حيــث تأثيــر األخيــرة علــى مســتقبلها ،وميكــن إجمالهــا في:
ً
أول :أثبتــت جتربــة الربيــع العربــي أن التيــارات اإلســامية متتلــك مــن التناقضــات خاصــة حــن
االختــاف بــن بعضهــا ً
بعضــا ،مــا يفســد مــن قــدرة قــوى «اإلســام السياســي» علــى التــاؤم
مــع الواقــع السياســي ،أو يعرقــل قدرتهــا علــى التطــور بالتــوازي مــع احملافظــة علــى قــوة التوثيــق
الدينــي ملقوالتهــا الرئيســية ،ألنهــا تســتهدف أســاس أيديولوجيتهــا الناعمــة ،أي خطابهــا الديني
وبالتالــي تضعــف شــرعيتها .كمــا هــي خصومــة التيــار الســلفي أو اجلهــادي لهــا ،وهــذا فضـ ً
ـا
عمــا تتعــرض لــه قــوى «اإلســام السياســي» مــن حتديــات سياســية محليــة أو إقليميــة أو دوليــة
ســواء الســتهدافها لذاتهــا ،أو فــي ســياقات أخــرى كمــا هــو الشــأن فــي ســياق الربيــع العربــي.
املرحلــة الراهنــة ال يبــدو أنهــا متلــك مراجــع علميــة معتبــرة ،خاصــة فــي إطارهــا التنظيمــي،
وإن كانــت تعتمــد علــى آخريــن مــن الفقهــاء املعتبريــن ومــن خارجهــا فــي قضايــا عامــة ،أمثــال
مــن املؤكــد أن اإلخــوان ســيواصلون تعزيــز شــرعية وجودهــم السياســي مــن خــال التأكيــد
مجــددا علــى «وجــوب الدعــوة» كوظيفــة دينيــة اجتماعيــة وسياســية ،تتطابــق مــع النــص
ً
الدينــي ،التــي كانــوا قــد أوجبــوا معهــا مجموعــة مــن اإلجــراءات التنظيميــة مثــل «احللقــات
الدعويــة» أي التثقيــف الدعــوي ،و»البيعــة» أو مــا يشــبهها مــن صيغ التعاقــد ،و»الســمع والطاعة»
ومباشــرا مــن
ً عاليــا
ً للجماعــة ،و»اإلصــاح السياســي» ،وســواها ( .)56وهــذه موثقــة توثيقً ــا
النــص الدينــي ،وســتكون هــذه األكثــر اســتعصاء فــي أيديولوجيــا اإلســام السياســي ،فــي
مواجهــة محــاوالت اســتئصالها وإلغائهــا ،مــا يعطــي اجلماعــة قــوة علــى االســتمرار والصمــود،
وإن كانــت بعــض اإلجــراءات املتصلــة بهــذه األيديولوجيــا قابلــة للتغيــر .لهــذا ارتفعــت أصوات
| 74
إخوانيــة بعــد تراجــع املــد الثــوري للمراجعــة ،ودعــت اللتــزام «الدعــوة» كمــا كان الشــأن قبــل
الثــورات ،أي العــودة إلــى املالءمــة بــن الدعــوي والسياســي ولكــن مــع تقــدمي األولــى ودون
االخنــراط فــي سياســات تغييــر احلكــم .ويبــدو أن بعــض االنشــقاقات التــي شــهدتها احلركــة
اإلســامية فــي األردن علــى ســبيل املثــال اســتحضرت مثــل هــذه اآلراء ( .)57لكــن هــذا
والعمــل احلكومــي ومــا إلــى ذلــك بغيــة تطبيــق الشــريعة فــي الدولــة احلديثــة .ومــا تغيــر أنهــا
بعــد الربيــع العربــي ،باتــت تعتمــد علــى اإلجنــاز السياســي بقــدر أكبــر مــن الســابق ،وأخــذ يتعزز
َّ
تضخــم علــى االعتقــاد لــدى شــرائح واســعة فــي «اإلســام السياســي» بــأن الــدور الدينــي فيهــا
كمــا هــي الدعــوات راه ًنــا ،الســيما تلــك املتصلــة بــاألدوار السياســية والتنظيميــة ( .)58ولهــذا
أخــذت تتصــدر حــركات «اإلســام السياســي» دعــوات لفصــل السياســي عــن الدعــوي،
وبــادرت «حركــة النهضــة» إلــى تســريع حتولهــا مــن جماعــة إســامية نهضويــة شــاملة تــرى فــي
ً
ســبيل لتغييــر الســلطة إلــى حــزب سياســي يعتــرف بالدولــة احلديثــة ككيــان تغييــر املجتمــع
شــرعي ملمارســة التغييــر أو رعايتــه ،وهــو مــا انتهــى إلــى إعــان احلركــة فصــل العمــل السياســي
عــن الدعــوي مــن بــاب ختصصهــا بــاألول -وتــرك األخيــر للمجتمــع املدنــي -ولتصبــح الدولــة
هــي املطلــب األول واألولويــة القصــوى للعمــل السياســي لهــذه احلــركات ،وهــو مــا ختتصــره
االحتجــاج إلــى حركــة تقــود الدولــة وتؤســس فكــر الدولــة .نريــد لهــذا املؤمتــر أن يقــدم رســالة
واضحــة أن تاريــخ الصــراع مــع الدولــة قــد انتهــى»( .)59وهــذا اإلجــراء ،بغــض النظــر عــن
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 75
طريقــة تطبيقــه ،ســيصل صــداه إلــى كل التنظيمــات احملســوبة علــى التيــار اإلســامي الرئيســي،
املســلمني الدينيــة اليوميــة ،وإن كان ال يخــرج عنهــا .وهــو حتــد ســيعيد اإلســاميني إلــى املربــع
األول ،إلــى البحــث عــن فقهــاء لديهــم القــدرة علــى االســتفادة مــن القفــزة التــي حققوهــا
علــى صعيــد ثــورات «الربيــع العربــي» لتأســيس منظومــة سياســية جديــدة ذات صلــة مباشــرة
بالســردية اإلســامية فــي وعــي اجلمهــور ،وذلــك بانتظــار فرصــة جديــدة لقفــزة أخــرى حنــو
«الفعاليــة السياســية».
ثال ًثــا :علــى الرغــم مــن حاجــة حركــة اإلخــوان املرحليــة إلــى الفصــل التــام بــن «الدعــوي
والسياســي» لصــاحل األخيــر ،وعلــى الرغــم مــن قــوة مؤيــدي هــذا التوجــه ،إال أنــه يبــدو مــن
الصعــب أن تلجــأ إلــى هــذا اخليــار ،ألن التخلــي عــن «الدعــوة» كأســاس أليديولوجيتهــا يعنــي
التخلــي عــن أســاس قوتهــا الناعمــة والتخلــي عــن تأييــد أصــل دينــي «لدعوتهــا» فضـ ً
ـا عمــا
يعنيــه ذلــك مــن التخلــي عــن اإلرث والتكيــف التاريخــي للحركــة مــع هــذا األصــل الــذي
يــكاد يســاوي جوهــر وجودهــا .فاألقــرب إلــى حركــة اإلخــوان املســلمني بشــكل عــام أن تتجــه
علــى األقــل فــي املنظــور القريــب ،وهــو جــزء مــن املراجعــات التــي تعصــف باحلركــة وفروعها،
مــن منظــور نقــاش :إسالمي/إســامي حــول كيفيــة املالءمــة بــن الديــن والسياســة فــي الواقــع
الراهــن -وليــس نقــاش إســاميني فــي مقابــل علمانيــن أو قوميــن -وســيعتمد علــى تأويــل
الفتــرة األخيــرة ،وســتجد احلركــة نفســها مضطــرة ألن تبــرر نفســها أمــام جمهورهــا أو لتوعيتــه
ضروريــا
ًّ ً
ارتباطــا فضـ ً
ـا عــن جمهــور املســلمني بارتبــاط مجموعــة مــن القيــم احلديثــة بالديــن
| 76
ـرا ،كاحلريــات وحقــوق اإلنســان واملواطنــة ومقاومــة االســتبداد ومــا يشــبهها ،فــي حــن
ومباشـ ً
أن القــوى األخــرى ســتراها تنـ ً
ـازل مــن اإلســاميني لصــاحل توجــه لطاملــا نــادوا بــه ،ســواء مــن
إن مالءمــة هــذه القيــم مــع الديــن فــي بيئــات أكادمييــة أو حتــى لــدى جمهــور اإلســاميني
اإلســاميني الناعمــة فالبــد أن تكــون علــى صلــة مباشــرة بداللــة النــص وبتأييــد مــن الســردية
اإلســامية ،وأحيا ًنــا تبــدو هــذه املهمــة صعبــة عندمــا يــراد تقدميهــا لعمــوم املســلمني ،إال أن
مــا يخدمهــا أنهــا ارتقــت خــال الربيــع العربــي وثوراتــه الشــعبية أكثــر مــن ذي قبــل إلــى كونهــا
و»إجماعــا» لــدى
ً مشــتركات إنســانية حتقــق مقاصــد الشــريعة ،لكنهــا لــم تصبــح مســ َّلمات
املجتمعــات اإلســامية.
وفــي اخلتــام ،هــذا ال مينــع بــل يؤكــد أن التغييــر «الدولتــي» فــي ســياق الدولــة القُ طريــة ،ســيتعزز
ـرا وبوضــوح
أكثــر لــدى حركــة اإلخــوان املســلمني ومــا يشــبهها ،فهــي ألول مــرة تدفــع مث ًنــا كبيـ ً
مــن أجــل احملافظــة علــى ســلطة شــرعية فــي دولــة قطريــة -دولــة املركــز مصــر -أو بســببها،
فالقتــل الــذي تعرضــت لــه احلركــة وأنصارهــا فــي «ميــدان رابعــة» ( 14أغســطس/آب )2013
( ،)60ومــا رافقــه أو تــاه مــن اعتقــاالت لرموزهــا ولرئيــس شــرعي منتخــب وميثلهــا ،فضـ ً
ـا
هويتهــا اجلديــدة التــي هــي قيــد الصياغــة ،وسيســهم فــي تكريــس شــرعية الدولــة العربيــة
احلديثــة فــي خطابهــا اإلســامي ،وقــد يصبــح مفهــوم «اخلالفــة» بالنســبة إليهــا واقعــة تاريخيــة
ذات قيــم ُم ْل ِه َمــة أو حاكمــة أكثــر ممــا هــو حقيقــة دينيــة واجبــة الوجــود بذاتهــا.
ومــن الواضــح أن مســار اإلســاميني بعــد الربيــع العربــي لــن يكــون مثــل مــا قبلــه ،ستســعى
ِّ
يشــكل قــوة ناعمــة عمــوم القــوى اإلســامية مــن غيــر اإلســام السياســي لتعزيــز مــا تظنــه
«اإلســام السياســي» ،ألنــه اعتــاد أن يســتفيد مــن تراجــع ســواه حتــى وهــو يتراجــع ،ولكــن
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 77
مضــادة ،الســيما أن العالــم العربــي يشــهد مــا قــد يســمى «املوجــة الثانيــة مــن ثــورات الربيــع
العربــي» ،أي «احلــراك» الســوداني واجلزائــري ،وهــذه األخيــرة ســتكون االختبــار األهــم
للتيــار اإلســامي الرئيســي ،ألن فعاليتــه السياســية التــي جــاءت بهــا موجــة الثــورات األولــى،
تكرســت بالصناديــق وخطــاب احلريــات وال تــزال ســارية ،لكــن هــذا التيــار لــم يتصــدر املشــهد
املـراجــــع
خطابــا إلــى العالــم
ً وجــه الرئيــس األميركــي الســابق ،بــاراك أوبامــا ،فــي الرابــع مــن يونيو/حزيــران ،2009
(َّ )1
اإلســامي .ميكــن االطــاع علــى «نــص خطــاب بــاراك أوبامــا فــي القاهــرة» ،فــي موســوعة اجلزيــرة ،اجلزيــرة
( )2كشــف حتقيــق فــي نيويــورك تاميــز عــن تواطــؤ للرئيــس ،بــاراك أوبامــا ،مــع دول عربيــة فــي االنقــاب علــى
الرئيـ�س املصـ�ري محمـ�د مرسـ�ي .انظـ�ر Kirkpatrick, David, “The White House and the Strongman”, Ny� :
https://nyti.ms/2K2Iwy9
( )3تعهــد فيــه أن ميحــو «اإلرهــاب اإلســامي املتطــرف» عــن وجــه األرض .انظــر خطــاب ترامــب فــي القــدس
العربــي« ،نــص خطــاب ترامــب :أميــركا ً
أول… والقواعــد الرئيســية لسياســاتنا الــوالء التــام للواليــات املتحــدة»20 ،
https://bit.ly/2I84zHa
( )4مــن أمثلتــه ،عقــد مؤمتــر فــي األردن فــي مايو/أيــار ،2018حتــت عنــوان« :مــا بعــد اإلســام السياســي:
الشــروط ،الســياقات واآلفــاق» ،بدعــوة مــن مركــز الدراســات االســتراتيجية فــي اجلامعــة األردنيــة ومؤسســة
| 78
عمــان .انظــر :صحيفــة الدســتور األردنيــة« ،انطــاق أعمــال مؤمتــر مــا بعــد اإلســام
فريدريــش أيبــرت فــي َّ
السياســي» 2 ،مايو/أيــار ( ،2018تاريــخ الدخــول 19 :أبريل/نيســان :)2019
http://bit.ly/2UKMRjr
( )5مقابلــة عبــر الهاتــف مــع الدكتــور بشــير نافــع ،مــؤرخ وخبيــر فــي الشــؤون العربيــة ،فــي 22أبريل/نيســان
.2019
( )6يقــول وائــل حــاق ،فــي مقدمــة كتابــه «الدولــة املســتحيلة» :إن املنطقــة وملــدة اثنــي عشــر قر ًنــا« ،كان القانــون
الغالبيــة العظمــى مــن املســلمني اليــوم» .انظــر :حــاق ،وائــل ،الدولــة املســتحيلة ،ترجمــة عمــرو عثمــان( ،املركــز
( )7اعتمــدت الدراســة فــي التأكيــد علــى هــذه الثوابــت فــي فهــم الســياق التاريخــي لتيارات «اإلســام السياســي»،
باالقتبــاس مــع تصــرف ،مــن ورقتــن غيــر منشــورتني ،باللغــة اإلجنليزيــة ،للدكتــور بشــير نافــع ،إضافــة إلــى مقابلــة
“Islamic Contemporary Movements and Islamic Political Parties Introductory Remarks on the Origins,
( )8انظــر :ســرحان ،باســم ،طرائــق البحــث االجتماعــي الكميــة( ،املركــز العربــي لألبحــاث ودراســة السياســات،
الباحــث هنــا علــى وجــه التحديــد -هــي التــي تعنــى بداللــة النصــوص واألفعــال الســردية ،فــي تعاقبهــا ودالالتها،
ويشـ ِّ
ـكل إطارهــا الزمنــي اإلســام نفســه كنــص واجتهــاد وممارســة .أمــا مركزهــا املتصــل بالسياســة «الشــرعية» كمــا
يدركهــا اإلســاميون فهــو الدولــة اإلســامية التاريخيــة ،حيــث احلاكــم الواحــد والدولــة الواحــدة لــكل املســلمني،
ومــا نتــج عــن ذلــك مــن إرث أو اتصــل بــه مــن تــراث فقهــي وفكــري وتاريخــي وقيمــي وســوى ذلــك مــن العلــوم
الدا َّلــة عليــه .للتوســع ،راجــع :شــقير ،شــفيق ،أطروحــة السياســة الشــرعية فــي غيــاب راعــي الرعيــة( ،بحــث لنيــل
درجــة الدكتــوراه فــي الدراســات اإلســامية ،شــعبة القانــون والفقــه وأصولــه ،كليــة الدعــوة اجلامعيــة للدراســات
https://bit.ly/2EzQ2lU
(11) Aktay, Yasin, “The “Ends” of Islamism: Rethinking the Meaning of Islam and the Political”, In-
sight Turkey, (Volume 15, Number 1, Winter 2013), p. 114, (Accessed on April 9, 2019):
https://bit.ly/2VvOgqw
( )12الترجمــة العربيــة لتعريــف تركونــة املعتمــد فــي الدراســة مأخــوذة مــن الدكتــور محمــد عفــان ،الوهابيــة
واإلخــوان :الصــراع حــول مفهــوم الدولــة وشــرعية الســلطة( ،جســور للترجمــة والنشــر ،بيــروت ،)2016ط ،1
ص .67
( )15ينتمــي مفهــوم القــوة الناعمــة فــي األصــل إلــى مجــال العالقــات الدوليــة ،وأول مــن اســتخدم املصطلــح
كلينتــون .انظــر :حســن باكيــر ،علــي ،مســتقبل الصــن فــي النظــام العاملــي :دراســة فــي الصعــود الســلمي والقــوة
الناعمــة( ،أطروحــة جامعيــة غيــر منشــورة مقدمــة إلــى اجلامعــة العربيــة فــي بيــروت ،كليــة احلقــوق والعلــوم
(16) See: Nye, Joseph. S. The Paradox of American Power: Why the World’s Only Superpower Can’t
Go It Alone, (Oxford University Press, New York, 2002), pp. 8-12.
Nye, Joseph, “The Benefits of Soft Power”, Harvard Business School, 8 February 2004, (accessed
https://hbs.me/2GGAr4i
علــى النــص جــزء مــن رؤيــة اإلطــار املعرفــي أو كمــا يســميه جيــرار جينيــت (« )Gérard Genetteالنــص املعمــاري»
أي النــص املرجعــي األم ،أو النــص املاورائــي األعلــى الــذي ال ميكــن فهــم النــص احملــدد مــن دون النظــر فــي مــرآة
النــص «املاورائــي» .للتوســع راجــع :عبــد الــرؤوف ،هبــة ،اخليــال السياســي لإلســاميني :مــا قبــل الدولــة ومــا
( )19يرجــع كارل غوســتاف يونــغ «شــيوع الالشــعور اجلمعــي إلــى تشــابه العقــل فــي جميــع أجنــاس البشــر ويعــود
هــذا التشــابه إلــى التطــور املشــترك» .ويونــغ طبيــب نفســي سويســري ( )1961 1875-اشــتهر بنظريتــه حــول
«الالوعــي الشــعوري» .حــول التعريــف بــكارل غوســتاف ونظريتــه ،انظــر املوســوعة العربيــة( ،تاريــخ الدخــول:
10أبريل/نيســان :)2019
http://arab-ency.com/detail/10119
( )21لــم يثبــت أن تبويــب صحيــح مســلم هــو مــن صنيعــه ،ولكــن مــا حتــت هــذا البــاب مــن أحاديــث تتســق
قطعــا.
معــه ً
( )22تابعي وأحد األئمة في علم احلديث كما في سواه ،توفي عام 110للهجرة.
( )23انظــر :مقدمــة صحيــح مســلم .صحيــح مســلم ،حتقيــق محمــد فــؤاد عبــد الباقــي( ،دار إحيــاء التــراث
( )24انظــر احلديــث فــي موقــع إســام ويــب ،موســوعة احلديــث الشــريف ،مســند اإلمــام أحمــد ،رقــم احلديــث:
https://bit.ly/2OqKfB1
( )25حــول إشــكالية الفجــوة بــن مــا يعيشــه املســلمون ومــا يتطلعــون إليــه مــن قيــم أخالقيــة دينيــة .انظــر :حــاق،
( )26رسائل اإلمام الشهيد حسن البنا ،ويكي إخوان( ،تاريخ الدخول 25 :مارس/آذار :)2019
http://bit.ly/2GMIuw1
ويعتقــد أن مؤلفــه احلقيقــي هــو عبــد اهلل عــزام .للتوســع ،راجــع :أمــن ،صــادق ،الدعــوة اإلســامية فريضــة
ُ
شــرعية وضــرورة بشــرية( ،دار التوزيــع والنشــر اإلســامية ،القاهــرة ،مصــر ،بــدون تاريــخ).
( )28البيعة املطروحة لدى اإلسالميني هي بيعات خاصة دون بيعة اخلليفة ،اإلمام األعظم.
( )29ميكــن العــودة لرســائل حســن البنــا ،وفيهــا وصــف لـــ “دعــوة اإلخــوان» ،ومشــحونة مبعــان صوفيــة وسياســية
وجدانيــة وفكريــة.
( )30يجتمــع علــى وصــف اإلخــوان بهــذا الوصــف «اجلهاديــون» وبعــض «الســلفيني» .وقــد اســتعمل أســامة بــن
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 81
الدن فــي تســجيل لــه هــذا الوصــف فــي ســياق انتقــاده تلــك «اجلماعــات األخــرى (ويقصــد اإلخــوان) التــي
تضخــم عندهــا احلــذر حتــى وصــل إلــى درجــة اخلــوف ا ُملقعــد عــن القيــام باجلهــاد» .انظــر :قنــاة اجلزيــرة ،مــا
وراء اخلبــر ،متابعــة لكلمــة أســامة بــن الدن فــي 20مــارس/آذار ( ،2008تاريــخ الدخــول 25 :مــارس/آذار :)2019
https://bit.ly/2V6c3N4
( )31انظــر :شــقير ،شــفيق« ،اجلــذور األيديولوجيــة لتنظيــم الدولــة اإلســامية» ،مركــز اجلزيــرة للدراســات23 ،
http://bit.ly/2Vqv4h1
( )32انظــر :فتــوى للشــيخ عبــد العزيــز بــن بــاز حــول اجلهــاد فــي أفغانســتان ،املوقــع الرمســي البــن بــاز( ،تاريــخ
http://www.binbaz.org.sa/noor/2871
( )33هناك تفسيرات للسلفية وحتى للوهابية في سياق مختلف قد تتجاوز هذ النمط موضوع املناقشة.
( )34ألن الواقــع الــذي جــاءت احلركــة الوهابيــة لتواجهــه كان يســتدعي ذلــك برأيهــا ،يصــف ابــن غنــام ،حــال
املســلمني فــي حديثــه عــن جنــد« :أكثــر املســلمني -فــي مطلــع القــرن الثانــي عشــر الهجــري -قــد ارتكســوا فــي
الشــرك ،وارتــدوا إلــى اجلاهليــة .»...انظــر :الشــيخ اإلمــام حســن بــن غنــام ،تاريــخ جنــد ،حــرره وحققــه ناصــر
الديــن األســد( ،دار الشــروق ،بيــروت ،)1994 ،ط ،4ص 13ومــا بعدهــا.
( )35ينفــي رمــوز التيــار الســلفي ،الســيما الشــيخ عبــد العزيــز بــن بــاز ،خــروج الشــيخ محمــد بــن عبــد الوهــاب
اخلاصــة دون احلاجــة أو االعتمــاد علــى شــرعية اخلالفــة العثمانيــة التــي كانــت قائمــة آنــذاك .حــول رد التيــار
الوهابــي علــى «شــبهة خــروج الشــيخ علــى دولــة اخلالفــة» ،انظــر :عبــد العزيــز بــن محمــد بــن علــي العبــد
اللطيــف ،دعــاوى املناوئــن لدعــوة الشــيخ محمــد بــن عبــد الوهــاب عــرض ونقــد( ،دار طيبــة للتوزيــع والنشــر،
( )36يذهــب عبــد اهلل العــروي فــي كتابــه «مفهــوم األيديولوجيــا» إلــى القــول بــأن «لفظــة الدعــوة» لعبــت فــي
محوريــا مثــل كلمــة أيديولوجيــا .راجــع :عبــد اهلل العــروي ،مفهــوم األيديولوجيــا( ،املركــز
ًّ دورا
العلــوم اإلســامية ً
الثقافــي العربــي ،بيــروت ،)2012 ،ط ،8ص .9
( )37فتــوى مارديــن البــن تيميــة مثـ ً
ـا ،فــي التمييــز بــن دار احلــرب ودار اإلســام ،قــال بأنهــا دار ثالثــة وفيهــا مــن
متقدمــا لإلســاميني ليحكمــوا علــى شــرعية الواقــع السياســي القائــم راه ًنا.
ً منوذجــا
ً الداريــن .شـ َّ
ـكلت الفتــوى
| 82
( )38لــم يحــظ كتابــه هــذا باالحتفــاء كمــا هــو الشــأن مــع فتاويــه ،إال أن روح األخيــرة كانــت مــن هديــه ،جتيــب
ـبيا شــبيهة بواقــع التيــارات اإلســامية املعاصــر ولــو ببعــض التصــرف والقيــاس.
علــى أســئلة تعتبــر نسـ ًّ
ـرعيا ،فإنهــم قــد يعترضــون حتــى
( )39مــن شــدة حــرص اإلســاميني علــى تأكيــد أهميــة الدولــة اإلســامية شـ ًّ
علــى اســتخدام بعــض املصطلحــات العلميــة اإلســامية إذا كانــت تعكــس تقليـ ً
ـا مــن أهميتهــا .مــن أمثلــة ذلــك
ـرا بســبب مقالــة كتبهــا ـرا ،أن رئيــس االحتــاد العاملــي لعلمــاء املســلمني ،أحمــد الريســوني ،قــد أثــار جـ ً
ـدل كبيـ ً مؤخـ ً
حتمــل عنــوان« :مســتقبل اإلســام بــن الشــعوب واحلكـــام» ،اعتبــر فيهــا الدولــة اإلســامية مــن الفــروع ،ورأى
أن بعــض اإلســاميني يبالــغ فــي مكانتهــا مــن اإلســام .فجــاءت عــدة ردود باملقابــل ،ومــن ثــم أوضــح مــراده.
انظــر :موقــع رابطــة أهــل الســنة 13 ،مــارس/آذار ( ،2019تاريــخ الدخــول 27 :أبريل/نيســان :)2019
http://bit.ly/2PxiKX7
وكمثــال علــى أحــد الــردود ،انظــر :أبــو الــورد ،فتحــي« ،مســاحات االتفــاق واالختــاف فــي مقــال الريســوني»،
http://bit.ly/2PAyKaL
وانظــر ً
أيضــا توضيــح الريســوني فــي موقــع «اإلســاميون» 28 ،مــارس/آذار ( ،2019تاريــخ الدخــول 27 :أبريــل/
نيسان :)2019
http://bit.ly/2GQ1Ujz
( )40راجــع :رســائل اإلمــام الشــهيد حســن البنــا ،مرجــع ســابق .وانظــر ً
أيضــا :بلقزيــز ،عبــد اإللــه ،الدولــة فــي
الفكــر اإلســامي املعاصــر( ،مركــز دراســات الوحــدة العربيــة ،بيــروت ،)2004 ،ط ،2ص .126
( )41حــول تعريــف الســلفية املدخليــة ومــن تنســب إليــه ،انظــر« :املدخلــي ســلفي ســعودي هاجــم اإلخــوان
وعــارض الربيــع العربــي» ،موســوعة اجلزيــرة ،بــدون تاريــخ( ،تاريــخ الدخــول 19 :أبريل/نيســان :)2019
http://bit.ly/2VB9fvC
ا َمل ِ
داخلــة ..والء للســلطة وحــرب علــى التيــارات اإلســامية ،موســوعة اجلزيــرة ،بــدون تاريــخ( ،تاريــخ الدخــول:
19أبريل/نيســان :)2019
http://bit.ly/2IIR3cq
( )42انظــر :شــقير ،شــفيق« ،اجلــذور األيديولوجيــة لتنظيــم الدولــة اإلســامية أو تيــار مــا بعــد اجلهاديــة» ،فــي
تنظيــم «الدولــة اإلســامية» :النشــأة والتأثيــر ،واملســتقبل ،مجموعــة مــن املؤلفــن ،حتريــر فاطمــة الصمــادي،
( )44انظــر :شــقير ،شــفيق« ،اجلــذور األيديولوجيــة لتنظيــم الدولــة اإلســامية» ،مركــز اجلزيــرة للدراســات23 ،
http://bit.ly/2Vqv4h1
( )45بــدأت املراجعــات مــع اجلماعــة اإلســامية وتنظيــم اجلهــاد املصريــن ،وكبــرت ككــرة ثلــج وحتولــت إلــى
نقــد قــاس لتنظيــم القاعــدة .انظــر :علــى ســبيل املثــال مراجعــات ســيد إمــام عبــد العزيــز الشــريف «املعــروف
https://goo.gl/zhqInH
( )46قامــت مجموعــة مــن اجلماعــة الليبيــة املقاتلــة ،ومنهــم عبــد احلكيــم بلحــاج ،بإجــراء مراجعــة شــاملة،
وكانــت علــى طريقــة كتــاب الهضيبــي مــن حيــث الغايــة ،ولــم تتعــرض لقضايــا تنظيميــة بــل ملســائل ومفاهيــم
فقهيــة تعتبرهــا أســاس التشــدد .انظــر :دراســات تصحيحيــة فــي مفاهيــم اجلهــاد واحلســبة واحلكــم علــى النــاس،
ُأعــدت حتــت إشــراف عبــد احلكيــم اخلويلــدي احلــاج (وآخــرون)( ،دار املعرفــة ،بيــروت ،)2010 ،ط .1
( )47انظــر :الفهــداوي ،خالــد ،الفقــه السياســي اإلســامي( ،دار األوائــل للنشــر والتوزيــع ،دمشــق ،)2008 ،ص
لألبحــاث ودراســة السياســات ،بيــروت ،الطبعــة األولــى ،2012 ،ص 332ومــا بعدهــا.
( )48يقــول راشــد الغنوشــي« :ال يحتــاج اإلســاميون إلــى جهــد إلقناعهــم باخليــار الدميقراطــي ،فتيارهــم العــام
مبــا حقــق مــن نضــج فكــري ومبــا ترســب فــي وعيــه مــن محصــول جتاربــه فــي مقارعــة االســتبداد ،قــد اجتمعــت
كلمتــه علــى هــذا اخليــار مبــدأ ومصلحــة» .الغنوشــي ،راشــد ،الدميقراطيــة وحقــوق اإلنســان فــي اإلســام( ،مركــز
اجلزيــرة للدراســات ،الــدار العربيــة للعلــوم ،ناشــرون ،)2012 ،ط ،1ص .76
( )49يقــول أنــدرو هيــود فــي حديثــه عــن التكيــف األصولــي مــع احلداثــة مبــا فيهــا مــن منجــزات كاإلنترنــت أو
قبــول الدولــة احلديثــة ،إنهــا تقــوم علــى «احتــرام العقالنيــة الدنيويــة» ،ويــرى أن عمليــة التكيــف األصولــي هــي
«إعــادة بنــاء الديــن داخــل حــدود احلداثــة ،فــي أثنــاء قيامهــا (أي األصوليــة) بالتكيــف مــع احلديثــة مــن داخــل
حــدود الديــن» .انظــر :هيــود ،أنــدرو ،مدخــل إلــى األيديولوجيــات السياســية ،ترجمــة محمــد صفــار( ،املركــز
| 84
( )50يقــول حســن البنــا فــي رســائل املؤمتــر اخلامــس« :وأمــا الثــورة فــا يفكــر اإلخــوان املســلمون فيهــا ،وال
يعتمــدون عليهــا ،وال يؤمنــون بنفعهــا ونتائجهــا ،وإن كانــوا يصارحــون كل حكومــة فــي مصــر بــأن احلــال إذا
دامــت علــى هــذا املنــوال ولــم يفكــر أولــو األمــر فــي إصــاح عاجــل وعــاج ســريع لهــذه املشــاكل ،فســيؤدي
حتمــا إلــى ثــورة ليســت مــن عمــل اإلخــوان املســلمني وال مــن دعوتهــم ،ولكــن مــن ضغــط الظــروف
ً ذلــك
ومقتضيــات األحــوال ،وإهمــال مرافــق اإلصــاح» .رســائل اإلمــام الشــهيد حســن البنــا ،مرجــع ســابق.
( )51انظــر :عجــاج اخلطيــب ،محمــد ،الســنة قبــل التدويــن( ،مكتبــة وهبــة ،القاهــرة ،)1988 ،ط ،2ص 303
ومــا بعدهــا.
( )52أخــذ تنظيــم القاعــدة وق ًتــا حتــى أبــاح الصــور فــي دعايتــه ،انظــر علــى ســبيل املثــال ،املقابلــة مــع أحــد
مصــوري ابــن الدن واملجاهديــن فــي أفغانســتان آنــذاك وصعوبــة عملــه مــع فتــوى التحــرمي :الشــافعي ،محمــد،
شــهرا قبــل أن أقنعــه (أي ابــن الدن) بأهميــة الكاميــرا» ،الشــرق األوســط26 ،
ً مصــور ابــن الدن« ،جلســت 18
https://bit.ly/2Zg27U8
( )53انظــر :الراشــد ،بــدر« ،الظواهــري يهاجــم «اإلخــوان» ومرســي فــي ذكــرى رابعــة» ،العربــي اجلديــد14 ،
http://bit.ly/2DyEc9k
( )54انظــر علــى ســبيل املثــال حــول مثــل هــذا االحتمــال :علــي ،أســامة« ،تصــدع جبهــة حفتــر :انقــاب ســلفي
http://bit.ly/2UZu1Fw
( )55حــول تعريــف الســلفية الصحويــة ،انظــر« :الصحــوة تيــار فكــري ســعودي تصــادم مــع النظــام» ،موســوعة
http://bit.ly/2V8YhNE
( )56حــول املعاييــر واإلجــراءات التنظيميــة فــي اإلخــوان ،ينظــر :العنانــي ،خليــل« ،داخــل اإلخــوان املســلمني:
الديــن والهويــة والسياســة» ،ترجمــة عبــد الرحمــن عيــاش( ،الشــبكة العربيــة لألبحــاث والنشــر ،بيــروت،)2018 ،
( )57أجــرى الباحــث عــدة مقابــات فــي نوفمبر/تشــرين الثانــي ،2016مــع بعــض قــادة جماعــة اإلخــوان
األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | 85
املســلمني فــي األردن ،إحداهــا مــع القيــادي الســابق فــي اجلماعــة ،عبــد املجيــد ذنيبــات ،الــذي اعتبــر أن دخــول
اجلماعــة خــال ثــورات الربيــع العربــي فــي سياســات تغييــر احلكــم هــو خطــأ ،الســيما فــي األردن ،وأن عليهــا
ـدا باســم
ترخيصــا جديـ ً
ً أن تعــود لتكــون «دعــوة» .ذنيبــات كان قــد انشــق عــن إخــوان األردن أو باألحــرى أصــدر
( )58شــقير ،شــفيق« ،علمــاء التيــار اجلهــادي :اخلطــاب والــدور واملســتقبل» ،مركــز اجلزيــرة للدراســات9 ،
http://bit.ly/2DnLpcp
( )59شــقير ،شــفيق« ،مــا بعــد الربيــع العربــي ..اإلســاميون بــن مســار اخلالفــة ومســار الدولــة» ،وكالــة األناضول،
http://bit.ly/2VTu5mK
( )60تفاوتــت املصــادر فــي تقديرهــا لعــدد القتلــى مــا بــن بــاآلالف أو املئــات .انظــر« :ملــاذا تضاربــت أرقــام
ضحايــا فــض اعتصــام رابعــة؟» ،اجلزيــرة نــت 6 ،مــارس/آذار ( ،2014تاريــخ الدخــول 19 :أبريل/نيســان :)2019
http://bit.ly/2VVWR67
دور املؤسسة العسكرية يف مصر
بعد :2013املحددات واملسارات
عصام عبد الشافي
*
مقدمة
مــع قيــام ثــورة 25يناير/كانــون الثانــي 2011فــي مصــر ،ومــا ترتــب عليهــا مــن حتــوالت
ليــس فقــط علــى مســتوى املمارســن واملنخرطــن فــي العمليــة السياســية فــي مصــر ،ولكــن
ً
أيضــا علــى مســتوى الباحثــن واملتخصصــن فــي العلــوم السياســية عامــة ،وفــي قضايــا التحــول
الدميقراطــي خاصــة .وكان مــن أهــم هــذه القضايــا ،قضيــة العالقــات املدنية-العســكرية أمــام
تعاظــم الــدور الــذي تقــوم بــه املؤسســة العســكرية فــي مصــر بعــد 2011وحتــى اآلن.
ـكريا
ـعبيا عــام 2011وعسـ ًّ
هــذا الــدور الــذي لــم يكــن وليــد التحــوالت التــي شــهدتها مصــر شـ ًّ
فــي ،2013ولكنــه يعــود بجــذوره القريبــة إلــى العــام 1952مــع االنقــاب الــذي شــهدته مصــر
فــي 23يوليو/متــوز مــن ذلــك العــام ،والــذي شـ َّ
ـكل البدايــة الرمسيــة لتغلغــل ،بــل ،وهيمنــة
وثقافيــا
ًّ واجتماعيــا
ًّ واقتصاديــا
ًّ املؤسســة العســكرية علــى العديــد مــن مفاصــل الدولــة ،سياسـ ًّـيا
د .عصــام عبــد الشــافي ،رئيــس أكادمييــة العالقــات الدوليــة ،ومديــر املعهــد املصــري للدراســات .أســتاذ
*
العلــوم السياســية بجامعــة صقاريــا التركيــة ســابقً ا.
87
| 88
لــه دولــة وليســت دولــة لهــا جيــش” .وذهــب أحــد املتخصصــن إلــى إطــاق اســم “جمهوريــة
الضبــاط”( )1علــى الدولــة التــي تشـ َّ
ـكلت فــي مصــر بعــد ،1952وترســخت بعــد انقــاب .2013
وفــي إطــار هــذه االعتبــارات ،تأتــي هــذه الدراســة للبحــث فــي محــددات ومؤشــرات دور
املؤسســة العســكرية فــي مصــر بعــد 2013ومســاراتها ،وكيــف ميكــن إدارة العالقــات املدنيــة-
أساســيني:
ً -
أول :األهمية العلمية:
حيــث تشـ ِّ
ـكل قضيــة العالقــات املدنية-العســكرية إحــدى أهــم قضايــا التحــوالت السياســية
التــي شــهدتها الــدول العربيــة منــذ العــام ،2011ورغــم جذريــة هــذه التحــوالت فــي كثيــر
مــن احلــاالت ،إال أنهــا مــا زالــت حتتــاج إلــى املزيــد مــن البحــوث والدراســات حــول أبعــاد
هــذه القضيــة ،ومناذجهــا وجتاربهــا املختلفــة ،وآليــات إدارتهــا ،وهــو مــا تســعى هــذه الدراســة
إلــى املســاهمة فيــه ،مــن خــال تنــاول محــددات وأبعــاد هــذه القضيــة فــي احلالــة املصريــة،
ومــن ناحيــة ثانيــة ،مــا تفرضــه هــذه القضيــة علــى املســتوى النظــري التحليلــي مــن أهميــة
عــدد مــن املفاهيــم ،وضــرورة العمــل علــى التأصيــل املعرفــي لهــا ،وخاصــة مــا يرتبــط منهــا
إن لــم يكــن كل ،النخــب السياســية والفكريــة ،وكذلــك العســكرية ،حــول آليــات ومســارات
دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد :2013المحددات والمسارات | 89
إدارة العالقــات املدنية-العســكرية ،وخاصــة مــع التغلغــل الكبيــر للمؤسســة العســكرية املصريــة
فــي معظــم مفاصــل وقطاعــات ونشــاطات الدولــة علــى كافــة املســتويات ،لدرجــة الربــط بــن
هــذه املؤسســة وبقائهــا والدولــة وبقائهــا ،وكأن العالقــة بينهمــا عالقــة بقــاء ووجــود ،وهــو مــا
ثانيــا ،وفــي كيفيــة الفصــل يكشــف عــن اختــاالت عميقــة فــي املفاهيــم ً
أول ،وفــي األدوار ً
عمليــا ،مــن محاولتهــا اإلســهام فــي
ًّ والتوزيــع ثال ًثــا ،ولذلــك جــاءت أهميــة هــذه الدراســة،
دعــم عمليــة صنــع القــرار بــن النخــب املدنيــة والعســكرية فيمــا يتعلــق بــإدارة العالقــات فيمــا
في إطار االعتبارات السابقة تسعى الدراسة إلى حتقيق األهداف التالية:
.1بيان احملددات األساسية لدور املؤسسة العسكرية في مصر وموقعها من احلكم بعد .2013
.3بيــان درجــة اقتــراب احلالــة املصريــة فــي العالقــات املدنية-العســكرية مــن النمــاذج النظريــة
املتعــارف عليهــا ،ومــدى قــدرة هــذه النمــاذج علــى تقــدمي إســهام قابــل للتطبيــق فــي مصــر.
غالبــا مــا
ً جزئيــا بســبب النتائــج التــي تترتــب عليهــا مــن ناحيــة ،وبســبب أنهــا
ًّ األدوار تســتمر
وفــي إطــار هــذه االفتراضــات ،تتبنــى الدراســة التعريــف اإلجرائــي التالــي ملفهــوم الــدور،
| 90
باعتبــاره اجلهــود والنشــاطات التــي تقــوم بهــا جماعــة مــن اجلماعــات السياســية أو االجتماعيــة
للدفــاع عــن مصاحلهــا وترســيخ وجودهــا فــي املجتمــع الــذي توجــد فيــه ،والتــي ختتلــف مــن
مجتمــع إلــى آخــر ومــن بيئــة إلــى أخــرى ،ومــن جماعــة إلــى أخــرى ،باختــاف خصائــص
والــدور بهــذا التعريــف يقــوم علــى عــدد مــن املؤشــرات األساســية ،مــن بينهــا :وجــود مجموعة
مــن الوظائــف ،حتكمهــا واجبــات وحقــوق محــددة ،مــع التمايــز فــي هــذه الوظائــف وتلــك
الواجبــات واحلقــوق ،واالرتبــاط مبركــز أو كيــان ُمعــن ُي ِّثــل أحــد جوانــب النســق االجتماعــي
القائــم ،مــع ضمــان االســتمرارية والثبــات النســبي ،وإمكانيــة التنبــؤ بهــذه األدوار فــي ظــل مــا
يرتبــط بهــا مــن توقعــات ،ومــا تتســم بــه مــن ثبــات واســتمرارية ،وهــذا مــا يســعى الباحــث
أساســيني ،املطلــب األول :دور املؤسســة العســكرية فــي مصــر :احملــددات واملؤشــرات ،واملطلب
الثانــي ،يتنــاول مســتقبل دور املؤسســة العســكرية فــي مصــر بعــد ( 2013االســتمرارية ،الثبــات،
التوقعات).
ُيقصــد بتلــك احملــددات العوامــل واالعتبــارات التــي حتكــم دور املؤسســة العســكرية فــي
مصــر ،والتــي ميكــن التمييــز فــي إطارهــا بــن العوامــل التاليــة ،التــي يــرى الباحــث ،أولويتهــا،
ومحوريــة تأثيرهــا فــي هــذا الــدور ،وهــي تلــك النابعــة مــن الداخــل املصــري ،ســواء مــن
داخــل املؤسســة العســكرية ذاتهــا ،أو مــن داخــل النظــام السياســي املصــري ومــا يقــوم عليهــا
لــه فــي “جمهوريــة الضبــاط” ،التــي ظهــرت فــي أعقــاب اإلطاحــة بالنظــام امللكــي عــام ،1952
حيــث مت تصويــر القــوات املســلحة علــى أنهــا عامــل تغييــر اجتماعــي وقيــادة “الثــورة مــن
أعلــى” ،فأشــرفت علــى إعــادة توزيــع األراضــي و”متصيــر” القطاعــن الصناعــي واملالــي فــي
إلــى النظــام الرئاســي القائــم علــى التم ُّتــع بالنفــوذ واحملســوبية ،واســتمالة القــوات املســلحة ونزع
الصبغــة والــدور السياســيني عنهــا ،وتغلغلــت جمهوريــة الضبــاط فــي احليــاة املدنيــة لدرجــة
وطبيعيــا ،ليــس فــي نظــر اآلخريــن وحســب ،بــل ً
أيضــا، ًّ اعتياديــا
ًّ ـرا
أصبــح معهــا وجودهــا أمـ ً
وهــذا األهــم ،فــي نظــر أفرادهــا أنفســهم.
وبعــد عــام ،1991ســارت عمليــة الدمــج فــي نظــام احملســوبية التابــع ملبــارك مــن خــال الوعــد
مبنــح “بــدل والء” يحصــل عليــه كبــار الضبــاط عنــد التقاعــد ،وذلــك مقابــل امتناعهــم عــن
التعيــن الثانــي بالتزامــن مــع اخلدمــة الفعليــة فــي القــوات املســلحة ،مبــا يخــدم تكويــن السـ َـير
مــن األحيــان ،يتولــى هــؤالء الضبــاط مناصــب قياديــة عليــا فــي فــروع القــوات املســلحة التــي
ينتمــون إليهــا ،ثــم ينضمــون إلــى مجالــس إدارات الشــركات التجاريــة اململوكــة للدولــة بعــد
ووفقــا ليزيــد صايــغ ،فقــد تضخمــت “طائفــة” كبــار الضبــاط بشــكل كبيــر لعــدة اعتبــارات،
مــن بينهــا :اســتحداث رتبــة عســكرية رفيعــة جديــدة ،هــي فريــق أول ،فــي نهايــة فتــرة التدخــل
| 92
املصــري فــي احلــرب األهليــة فــي اليمــن بــن العامــن 1962و ،1966وهــو مــا أدى إلــى زيــادة
كبيــرة ومســتمرة فــي عــدد الضبــاط الذيــن ميكــن ترقيتهــم إلــى رتبــة فريــق ولــواء ،والترقيــة
التلقائيــة مــن رتبــة عميــد عنــد التقاعــد (الســن القصــوى 54ســنة) إلــى رتبــة لــواء .مبــا يزيــد
مــن مكافــأة نهايــة اخلدمــة واملعــاش التقاعــدي والعــاوات والبــدالت األخــرى ،ويزيــد عــدد
األلويــة املتاحــن للتعيــن فــي اجلهــاز احلكومــي املدنــي والشــركات التجاريــة اململوكــة للدولــة.
يضــاف إلــى ذلــك مــا يعــرف بآليــة “االســتدعاء” ،وهــي العقــود التــي تبلــغ مدتهــا ســتة أشــهر
قابلــة للتجديــد والتــي يتــم إصدارهــا جلميــع الضبــاط الكبــار عنــد التقاعــد ،وتســمح لهــم
بالبقــاء فــي الــزي العســكري وفــي اخلدمــة الفعليــة ،وميكــن جتديدهــا ملــدة تصــل إلــى عشــر
ســنوات ،وفــي بعــض األحيــان ضعفــي هــذه املــدة حتــى لــو كان املتقاعــدون يشــغلون مناصــب
أخــرى مقابــل راتــب فــي القطــاع املدنــي ،األمــر الــذي يعــزز مــن نفــوذ العســكريني بشــكل
مــن القيــادات تُديــر األوضــاع داخــل املؤسســة العســكرية ،تضــم رئيــس اجلمهورية كونــه القائد
األعلــى للقــوات املســلحة ووزيــر الدفــاع ،وقــادة األفــرع الرئيســية للقــوات املســلحة (رئيــس
األركان ،قائــد القــوات اجلويــة ،قائــد قــوات الدفــاع اجلــوي ،قائــد القــوات البحريــة ،رئيــس
هيئــة العمليــات) .كمــا مت تأســيس مجلــس الدفــاع الوطنــي املصــري ،ليكــون مسـ ً
ـؤول عــن
وضــع األطــر العامــة لتأمــن البــاد ،وحتديــد العقيــدة األساســية ،والعقيــدة البيئيــة ،والعقيــدة
وفــي عــام ،1968مت تشــكيل “املجلــس األعلــى للقــوات املســلحة” مــن ِق َبــل الرئيــس جمــال
عبــد الناصــر مبوجــب القانــون رقــم 4لعــام ،1968بعــد هزميــة ،1967وكان الهــدف الرمســي مــن
تشــكيله هــو تنســيق اســتراتيجية وعمليــات القــوات املســلحة فــي زمــن احلــرب ،ولهــذا الســبب
ســعى الرئيــس أنــور الســادات إلــى احلصــول علــى مشــورته قبــل حــرب .1973
دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد :2013المحددات والمسارات | 93
وعلــى خــاف “مجلــس الدفــاع الوطنــي” ،لــم يكــن وضــع “املجلــس األعلــى للقــوات
املســلحة” مصونًــا فــي الدســتور ،وبــدا أنــه ال يجتمــع إال فــي املناســبات الســنوية للحــروب
العســكري لــن تنتفــي عنهــم الصفــة العســكرية حتــى لــو مت إخراجهــم مــن اخلدمــة بســبب مــا
أو عنــد إحالتهــم للمعــاش ،وأنهــم يظلــوا علــى قــوة االســتدعاء للمجلــس العســكري ،وبالتالــي
ـردا إال بعــد أن يرجــع إلــى املجلــس ويأخــذ موافقــة أعضائــه احلاليــن
ـرارا منفـ ً
قائــد أن يتخــذ قـ ً
واملســتدعني ،كالرغبــة فــي الترشــح لرئاســة اجلمهوريــة أو الرغبــة فــي الترشــح فــي االنتخابــات
ووفقً ــا للقانــون رقــم 20لســنة ،2014الــذي أضفــى الطابــع الرمســي علــى هيــكل “املجلــس
العســكري” ومهمتــه ،والــذي أصــدره الرئيــس املؤقــت ،عدلــي منصــور ،بعــد أحــداث الثالــث
ـوا
ـوا ،ثــم أصبــح 26عضـ ً
ـون “املجلــس” مــن خمســة وعشــرين عضـ ً
مــن يوليو/متــوز ،2013يتكـ َّ
بعــد اســتحداث منصــب قائــد القيــادة املوحــدة فــي ســيناء .كمــا نــص القانــون علــى عــدد مــن
البنــود األساســية:
نائبــا َّ
(أ) ُيشــكل املجلــس برئاســة وزيــر الدفــاع ،ويكــون رئيــس أركان حــرب القــوات املســلحة ً
لرئيــس املجلــس ،ويتولــى أمــن عــام وزارة الدفــاع أمانــة ســر املجلــس ،ويحــدد وزيــر الدفــاع
أعضــاء املجلــس مــن مســاعدي الوزيــر للتخصصــات املختلفــة( .املــادة /1فقــرة ،)1ويجــوز بقــرار
املجلــس بأغلبيــة أصــوات األعضــاء احلاضريــن ،وفــي حالــة قيــام حــرب أو إعــان التعبئــة
(املــادة /2فقــرة ،)2و”لوزيــر الدفــاع دعــوة أي مــن قيــادات القــوات املســلحة أو مــن يــرى مــن
املختصــن أو اخلبــراء مــن خــارج القــوات املســلحة حلضــور اجتمــاع املجلــس إذا تطلبــت دراســة
املوضوعــات املعروضــة ذلــك ،دون أن يكــون لهــم صــوت معــدود” (املــادة /3فقــرة ،)1ويحــق
للمجلــس اســتدعاء أي وزيــر عنــد احلاجــة ،وللحديــث بشــأن موضــوع بعينــه (املــادة ،)4وتصدر
قــرارات املجلــس فــي صــورة قــرار أو توجيــه مــن وزيــر الدفــاع ،وتوقــع محاضــر وقــرارات
املجلــس مــن رئيســه وأمــن ســر املجلــس وترســل للجهــات املختصــة للتنفيــذ (املــادة .)5
وطبقً ــا للقانــون 20لســنة ،2014فــإن مهــام املجلــس العســكري تتمثــل فــي :حتديــد األهــداف
واملهــام االســتراتيجية مبــا يحقــق األهــداف السياســية وأهــداف السياســة العســكرية التــي
حتددهــا القيــادة السياســية للدولــة ،وحتديــد حجم وشــكل القــوات املســلحة وتركيبهــا التنظيمي
والتطــور املســتقبلي ،واالســتعداد القتالــي للقــوات املســلحة ،وإعــداد سياســة اســتكمال القوات
املســلحة وأســس التعبئــة لهــا ،ووضــع سياســة إيــواء القــوات املســلحة ودراســة حالــة االنضبــاط
العســكري والــروح املعنويــة ،وإقــرار سياســة تدريــب القــوات املســلحة وإجــراء املنــاورات
والتدريبــات املشــتركة ،وإقــرار سياســة جتهيــز مســارح العمليــات احلربيــة ،وإعــداد مشــروعات
القوانــن والقواعــد املنظمــة خلدمــة األفــراد بالقــوات املســلحة واالقتراحــات اخلاصــة بنظــام
التجنيــد ،وإقــرار سياســة احملافظــة علــى أمــن وســامة القــوات املســلحة .وكذلــك اســتعراض
تقاريــر قــادة األفــرع الرئيســية ورؤســاء الهيئــات وقــادة اجليــوش امليدانيــة واملناطــق العســكرية
ومديــري اإلدارات للوقــوف علــى حالــة االســتعداد القتالــي للقــوات املســلحة ،ودراســة إعــان
حالــة احلــرب أو إرســال قــوات عســكرية إلــى خــارج الدولــة ،وإعــداد تقديــر املوقف السياســي
العســكري ،وإصــدار وثيقــة التهديــدات والتحديــات العســكرية للدولــة ،وإعــداد وثيقة السياســة
العســكرية ،وإعــداد الدولــة للحــرب أو الدفــاع بالتعــاون مــع مجلــس الدفــاع الوطنــي ومجلــس
دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد :2013المحددات والمسارات | 95
األمــن القومــي ،والتعــاون والتنســيق مــع مجلــس األمــن القومــي بشــأن حتديــد العدائيــات
ً
ارتباطــا بــدور القــوات املســلحة فــي هــذا الشــأن. الداخليــة
هــذا ،باإلضافــة إلــى املوافقــة علــى تعيــن وزيــر الدفــاع ويســري ذلــك لدورتــن رئاســيتني
ـارا مــن تاريــخ العمــل بدســتور ،2014وإبــداء الــرأي فــي إعــان احلــرب أو إرســال
كاملتــن اعتبـ ً
القــوات املســلحة فــي مهمــة قتاليــة إلــى خــارج حــدود الدولــة ،وأي موضوعــات أخــرى
يــرى وزيــر الدفــاع عرضهــا علــى املجلــس مثــل األوضــاع االقتصاديــة فــي البــاد واألوضــاع
تســهم فــي حتقيــق التنميــة والتقــدم للدولــة ،والقائمــة علــى املجــاالت االقتصاديــة باألســاس،
ً
وأيضــا اجلوانــب االجتماعيــة الثقافيــة والتربويــة والصحيــة ،وبدرجــة أقــل أدوار التنمية السياســية
والتدريبيــة ،وتتم َّثــل أهــم املجــاالت التــي تقــوم فيهــا املؤسســة العســكرية بــدور تنمــوي مــن
أن يحصلــوا بالضــرورة علــى قــدر مــن التدريــب علــى املهــارات اللفظيــة والتقنيــة مــن أجــل
العالــم للتعامــل مــع حــاالت األزمــات الطبيعيــة (الســيول ،الــزالزل ،األعاصيــر) التــي تؤثــر
علــى قطاعــات مــن الســكان املدنيــن ،وهــي مناســبة لهــذه العمليــات ،ألنهــا ميكــن أن توفــر
معــدات النقــل واالتصــاالت فــي مهلــة قصيــرة ،وألن تدريبهــم قــد جهزهــم للتعامــل مــع
-املجــال االقتصــادي :مــن خــال املشــاركة فــي تطويــر البنيــة التحتيــة االقتصاديــة للدولــة،
مؤسســات ،وبخاصــة فــي مجــاالت بنــاء وحتســن شــبكة الطــرق واالتصــاالت ،وهــو مــا يزيــد
فعاليــة دور املؤسســة العســكرية فــي تقــدم الدولــة ويعمــل علــى حتســن إمكاناتهــا االقتصاديــة (.)7
وفــي اخلبــرة املصريــة ،فقــد تعــزز وترســخ دورهــا فــي هــذه املجــاالت ،للدرجــة التــي أصبــح
الكثيــرون يــرون اســتحالة اســتبعادها ،أو الفصــل بينهــا وبــن القيــام بهــذه النشــاطات ،ولــم يعد
السيســي رئاســة البــاد ،واســتفاد اجليــش مــن اســتبدال نظــام البيــع املباشــر بنظــام املناقصــات
العامــة داخــل مؤسســات الدولــة ،وأســند السيســي للجيــش مهمــة تنفيــذ حوالــي 1600مشــروع
باألمــر املباشــر ( ،)9وامتــد نشــاط اجليــش لبعــض األنشــطة اجلديــدة ،وأعلنــت الهيئــة الهندســية
عــن إنشــاء مصنــع للحديــد فــي أبريل/نيســان ،2016بتكليــف مباشــر مــن السيســي ،وحصــل
اجليــش علــى رخصتــن إلنشــاء مصانــع احلديــد مــن أصــل 4رخــص خططــت احلكومــة
لطرحهــا (.)10
باملشــاركة مــع رأس املــال الوطنــي أو األجنبــي ،وتظهــر توســعات اجليــش فــي االقتصــاد فــي
صــورة التدخــل فــي حــل األزمــات الطارئــة فــي الســوق املصريــة ،بســبب تراجــع اســتثمارات
التضييــق علــى أنشــطة رجــال األعمــال ،إضافــة إلــى مصــادرة أمــوال بعــض رجــال األعمــال
اآلخريــن (.)11
وتكللــت هــذه الســيطرة مــع قــرار السيســي بتمثيــل القــوات املســلحة فــي جلنــة حصــر أمــاك
دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد :2013المحددات والمسارات | 97
هيئــة األوقــاف ،وحتديــد وســائل االســتفادة منهــا ،ومتثيــل وزارة الدفــاع فــي املجلــس القومــي
العســكرية فــي ظــل عمليــات االنتقــال والتحــول السياســي ،ومنهــا :االســتثناءات كعنصــر
أساســي فــي الدســاتير ،وتعليــق احلمايــة القضائيــة للحريــات واحلقــوق املدنيــة خــال حــاالت
الطــوارئ ،أو عنــد تطبيــق قوانــن األمــن القومــي ،والنــص علــى قوانني أساســية تزيد من ترســيخ
الــدور السياســي واالســتقالل النســبي للقــوات املســلحة ،وإقــرار احملاكمــات العســكرية علــى
املدنيــن بتهمــة ارتــكاب “جرائــم ضــد األمــن الداخلــي” ،أو حتــى إهانــة الضبــاط ،والتمثيــل
الرمســي للقــوات املســلحة فــي صنــع السياســات ،واالســتقالل الذاتــي للقــوات املســلحة فــي
للرقابــة مــن الســلطة التشــريعية ،وكذلــك االســتقالل الذاتــي الدســتوري والقانونــي الواســع
للجيــش مــن الرقابــة علــى املســائل املهنيــة الداخليــة مثــل التعليــم العســكري ،والترقيــات،
والتقاعــد(.)13
وفــي التطبيــق املصــري لهــذه االمتيــازات وتلــك االســتثناءات ،ميكــن رصــد عــدد مــن
ـون منهــم
عبــارة عــن “حكــم قانونــي اســتثنائي” ينــص علــى أن األشــخاص الذيــن كان يتكـ َّ
املجلــس األعلــى للقــوات املســلحة فــي تلــك الفتــرة ،يبقــون فــي اخلدمــة العســكرية االحتياطية
خروجــا آم ًنــا
ً ـن ذلــك لكبــار القــادة العســكريني
حتــى بعــد بلوغهــم ســن التقاعــد .وقــد ضمـ َ
مــن الســلطة؛ إذ لــم يعــد باإلمــكان محاكمتهــم أمــام محاكــم مدنيــة مبوجــب هــذا القانــون
| 98
ولكنــه مينعهــم ً
أيضــا مــن الترشــح ملناصــب سياســية ،كمــا حصــل مــع ســامي عنــان.
-فــي مايو/أيــار ،2012قــام البرملــان بتعديــل القانــون رقــم ،25الصــادر فــي العــام ،1966مبــا
ُيجيــز للمحاكــم العســكرية النظــر والتحقيــق فــي اجلرائــم املاليــة فقــط بعــد تقاعــد الضابــط
امل َّتهــم .والهــدف مــن القانــون هــو تعطيــل التحقيقــات فــي اجلرائــم املاليــة احملتملــة ،فاالنتظــار
إلــى حــن تقاعــد امل َّتهــم مــن أجــل املباشــرة بالتحقيقــات يزيــد مــن صعوبــة جمــع األدلــة بغيــة
-نصــت املــادة 204مــن دســتور ،2014علــى أن القضــاء العســكري ميتلــك دون غيــره ســلطة
مقاضــاة أفــراد القــوات املســلحة واملخابــرات العامــة والفصــل فــي كافــة اجلرائــم التــي ميكــن
أن يكونــوا قــد ارتكبوهــا بصفتهــم العســكرية كعناصــر فــي القــوات املســلحة ،هــذا علــى الرغــم
مــن أنــه فــي الكثيــر مــن دول العالــم ،ينحصــر اختصــاص القضــاء العســكري باجلرائــم التــي
ت َ
ُرتكــب ضــد املؤسســة العســكرية أو أفــراد القــوات املســلحة.
ـرا لعــدم حتديــد طبيعــة هــذه اجلرائــم ،حتمــي املــادة املذكــورة العســكريني فــي اخلدمــة مــن
ونظـ ً
املثــول أمــام احملاكــم املدنيــة ليــس فقــط فــي جرائــم القمــع اجلســدي إمنــا ً
أيضــا فــي مجموعــة
مــن اجلنايــات األخــرى ،منهــا اجلرائــم املاليــة .حتــى فــي حــال أقدمــت محكمــة عســكرية،
-قانــون ،)14( 2018الــذي ُيتيــح للسيســي اختيــار ضبــاط كبــار للخدمــة مــدى احليــاة ،وهــو
مــا ُيفيــد كبــار القــادة العســكريني الذيــن يتمتعــون بالدعــم مــن السيســي ،مــن اإلفــات مــن
العقــاب فــي قضايــا الفســاد واجلرائــم املاليــة ،فحتــى القضــاء العســكري ال ميكنــه النظــر فــي
إضافيــا يضمــن والء كبــار الضبــاط السياســي للسيســي، ـا هــذه اجلرائــم .وهــذا يشـ ِّ
ـكل عامـ ً
ًّ
عتبــر الشــخص الوحيــد القــادر علــى تأمــن هــذه احلمايــة ،فيمــا يعمــل علــى ترســيخ
الــذي ُي َ
ســلطته بصــورة مطــردة.
وحتمــي هــذه القوانــن كبــار الضبــاط مــن أيــة محاكمــات داخليــة أو دوليــة محتملــة فــي تهــم
| 99 دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد :2013المحددات والمسارات
القمــع .كمــا أنهــا تو ِّلــد منظومــة قضائيــة تقــود إلــى الفســاد ،نظـ ً
ـرا إلــى أن اإلشــراف القانونــي
الوحيــد علــى أفــراد املؤسســة العســكرية يتــم عــن طريــق احملاكــم العســكرية بعــد تقاعــد امل َّتهــم،
وحتــى هــذا اإلشــراف الضعيــف ميكــن جتــاوزه مــن خــال قــرار صــادر عــن الرئيس باســتدعاء
التوســع
ُّ أي ضابــط رفيــع املســتوى للخدمــة مــدى احليــاة أو اخلدمــة االحتياطيــة .علــى ضــوء
االقتصــادي للجيــش فــي األعــوام القليلــة املاضيــة واخنراطــه فــي أنشــطة اقتصاديــة واســعة
النطــاق فــي القطــاع اخلــاص ،تتس ـ َّنى للضبــاط العســكريني فــرص متزايــدة ملمارســة الفســاد
وقانــون 2018يزيــد مــن خضــوع كبــار الضبــاط للرئيــس الــذي ميتلــك القــدرة علــى مواجهــة
التطلعــات السياســية لكبــار اجلنــراالت مبجــرد اســتدعائهم للخدمــة مــدى احليــاة؛ وهــذا يــؤدي
إلــى تثبيــت قبضــة الرئيــس علــى املؤسســة العســكرية ،ويدفــع بأفــراد القــوات املســلحة إلــى
-تعديــات دســتور :2014والتــي وافقــت عليهــا جلنــة الشــؤون الدســتورية والتشــريعية مبجلــس
النــواب ،فــي 14أبريل/نيســان ،2019ومت التصويــت عليهــا خــال اجللســات العامــة للبرملــان
يــوم الثالثــاء 16أبريل/نيســان ،2019ومت االســتفتاء فــي 19و 20و 21أبريل/نيســان 2019للمصريــن
املقيمــن خــارج مصــر ،و 20و 21و 22أبريل/نيســان للمقيمــن داخــل مصــر ،ومت إعــان النتيجــة
للدولــة ومدنيتهــا.
ﻭﻗﺎﻧﻮﻥ 2018ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺧﻀﻮﻉ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻀﺒﺎﻁ ﻟﻠﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﻄﻠﻌﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ
ﻟﻜﺒﺎﺭ ﺍﳉﻨﺮﺍﻻﺕ ﲟﺠﺮﺩ ﺍﺳﺘﺪﻋﺎﺋﻬﻢ ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ ﻣﺪﻯ ﺍﳊﻴﺎﺓ؛ ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﱃ ﺗﺜﺒﻴﺖ ﻗﺒﻀﺔ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺆﺳﺴﺔ
ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ،ﻭﻳﺪﻓﻊ ﺑﺄﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ﺇﱃ ﺍﻟﺮﺿﻮﺥ ﻟﻪ ﺳﻌﻴÉﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﲢﻘﻴﻖ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﺷﺨﺼﻴﺔ ).(15
ﻭﻻ ﻳﺤﺪæﺩ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺭﺗﺒﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ،ﳑﺎ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻠﺮﺋﻴﺲ ﺃﻥ ﳜﺘﺎﺭ ﺍﻟﻀﺒﺎﻁ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺘﻄﺒ∆ﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻧﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ .ﻭﻫﺬﺍ
100ﻓﻌﻠ|ﻴ∞ﺎ ﺩﻭﻥ ﲤﻜﱡﻦ ﺍﳌﻨﺎﻓﺴﲔ ﺍﶈﺘﻤﻠﲔ ﰲ ﺻﻔﻮﻑ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻀﺒﺎﻁ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﲔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺷﺢ ﻟﻠﺮﺋﺎﺳﺔ ،ﻛﻤﺎ ﳝﻨﻊﳛﻮﻝ
ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﲔ ﰲ ﺍﳋﺪﻣﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺴﻠﱡﻢ ﻣﻨﺎﺻﺐ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ،ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺮﺷﺢ ﳍﺎ ).(16
ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ﻣﻠﻚ ﻟﻠﺸﻌﺐ ،ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ ﲪﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻼﺩ ،ﻭﺍﳊﻔﺎﻅ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ﻣﻠﻚ ﻟﻠﺸﻌﺐ ،ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ ﲪﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻼﺩ ،ﻭﺍﳊﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻨﻬﺎ
ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻨﻬﺎ ﻭﺳﻼﻣﺔ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ .ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﱵ ﺗﻨﺸﺊ ﻭﺳﻼﻣﺔ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ ،ﻭﺻﻮﻥ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﻭﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ،ﻭﺍﳊﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻘﻮﻣﺎﺕ
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ،ﻭﳛﻈﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻓﺮﺩ ﺃﻭ ﻫﻴﺌﺔ ﺃﻭ ﺟﻬﺔ ﺃﻭ ﲨﺎﻋﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﻭﻣﺪﻧﻴﺘﻬﺎ ،ﻭﻣﻜﺘﺴﺒﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻭﺣﻘﻮﻕ ﻭﺣﺮﻳﺎﺕ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ.
ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺗﺸﻜﻴﻼﺕ ﺃﻭ ﻓﺮﻕ ﺃﻭ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺷﺒﻪ ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﱵ ﺗﻨﺸﺊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ،ﻭﳛﻈﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻓﺮﺩ ﺃﻭ ﻫﻴﺌﺔ ﺃﻭ
ﺟﻬﺔ ﺃﻭ ﲨﺎﻋﺔ ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺗﺸﻜﻴﻼﺕ ﺃﻭ ﻓﺮﻕ ﺃﻭ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺷﺒﻪ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ.
ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ.
76
ﻣﺎﺩﺓ /204ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ )ﻣﺴﺘﺒﺪﻟﺔ(: ﻣﺎﺩﺓ /204ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺛﺎﻧﻴﺔ:
ﻻ ﳚﻮﺯ ﳏﺎﻛﻤﺔ ﻣﺪﱐ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ،ﺇﻻ ﰲ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﻻ ﳚﻮﺯ ﳏﺎﻛﻤﺔ ﻣﺪﱐ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ ،ﺇﻻ ﰲ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﱵ ﲤﺜﱢﻞ ﺍﻋﺘﺪﺍ ًﺀ
ﺍﻟﱵ ﲤﺜﱢﻞ ﺍﻋﺘﺪﺍﺀً ﻣﺒﺎﺷﺮÉﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻨﺸﺂﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﻣﻌﺴﻜﺮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻨﺸﺂﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﻣﻌﺴﻜﺮﺍﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﰲ ﺣﻜﻤﻬﺎ ﺃﻭ
ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﰲ ﺣﻜﻤﻬﺎ ،ﺃﻭ ﺍﳌﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﳌﻨﺸﺂﺕ ﺍﻟﱵ ﺗﺘﻮﱃ ﲪﺎﻳﺘﻬﺎ ،ﺃﻭ ﺍﳌﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﳊﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﳌﻘﺮﺭﺓ ﻛﺬﻟﻚ،
ﺍﳊﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﳌﻘﺮﺭﺓ ﻛﺬﻟﻚ ،ﺃﻭ ﻣﻌﺪﺍúﺎ ﺃﻭ ﻣﺮﻛﺒﺎúﺎ ﺃﻭ ﺃﺳﻠﺤﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﻣﻌﺪﺍúﺎ ﺃﻭ ﻣﺮﻛﺒﺎúﺎ ﺃﻭ ﺃﺳﻠﺤﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﺫﺧﺎﺋﺮﻫﺎ ﺃﻭ ﻭﺛﺎﺋﻘﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﺳﺮﺍﺭﻫﺎ
ﺃﻭ ﺫﺧﺎﺋﺮﻫﺎ ﺃﻭ ﻭﺛﺎﺋﻘﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﺳﺮﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺃﻣﻮﺍﳍﺎ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺃﻣﻮﺍﳍﺎ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺃﻭ ﺍﳌﺼﺎﻧﻊ ﺍﳊﺮﺑﻴﺔ ،ﺃﻭ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﺍﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﻨﻴﺪ ،ﺃﻭ
ﺃﻭ ﺍﳌﺼﺎﻧﻊ ﺍﳊﺮﺑﻴﺔ ،ﺃﻭ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﺍﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﻨﻴﺪ ،ﺃﻭ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﱵ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﱵ ﲤﺜﱢﻞ ﺍﻋﺘﺪﺍ ًﺀ ﻣﺒﺎﺷﺮÉﺍ ﻋﻠﻰ ﺿﺒﺎﻃﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺄﺩﻳﺔ ﺃﻋﻤﺎﻝ
ﲤﺜﱢﻞ ﺍﻋﺘﺪﺍ ًﺀ ﻣﺒﺎﺷﺮÉﺍ ﻋﻠﻰ ﺿﺒﺎﻃﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺄﺩﻳﺔ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﻢ.
ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﻢ.
ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻌﻴﲔ ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺍﻓﻘﺔ ﺍ°ﻠﺲ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻘﻮﺍﺕ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻌﻴﲔ ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺍﻓﻘﺔ ﺍ°ﻠﺲ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ.
ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ،ﻭﺗﺴﺮﻱ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺎﺩﺓ ﻟﺪﻭﺭﺗﲔ ﺭﺋﺎﺳﻴﺘﲔ ﻛﺎﻣﻠﺘﲔ
ﺍﻋﺘﺒﺎﺭÉﺍ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺪﺳﺘﻮﺭ.
2016بشــأن ختصيــص أراض صحراويــة لــوزارة الدفــاع ،واعتبارهــا مــن املناطــق االســتراتيجية
املســؤولة عــن مراقبــة األراضــي التــي تقــع علــى مســافة 2كــم مــن جانبــي الشــبكة القوميــة
للطــرق وإزالــة جميــع التعديــات املقامــة عليهــا ،إال إذا كان مصدقً ــا عليهــا مــن األجهــزة املعنيــة
للدولــة ،وذلــك إلتاحــة الفرصــة أمــام أجهــزة الدولــة املختصــة إلقامــة عــدد مــن املشــروعات
األدبيــة مبحافظــة الســويس ،لتنفيــذ املشــروع القومــي للترســانة البحريــة حمــل القــرار الــذي
1284638م ،2فــي منطقــة العــن الســخنة مبحافظــة الســويس لصــاحل القــوات املســلحة وذلــك
الشــيخ لصــاحل جهــاز مشــروعات اخلدمــة الوطنيــة بالقــوات املســلحة ،ومت نشــر القــرار باجلريــدة
وال يرتبــط اإلشــكال احلقيقــي فــي قــرارات التخصيــص مبــا هــو منصــوص عليــه فيهــا فقــط،
ومنحــا
ً بيعــا وشــراء وهبــات
ولكــن األهــم هــو منحهــا احلــق فــي التصــرف فــي هــذه األراضــي ً
ً
وتنــازل ،مبــا يترتــب عليــه ترتيبــات خارجيــة لصــاحل أطــراف خارجيــة ،وخاصــة فــي شــبه
الســوفيتي والواليــات املتحــدة األميركيــة ،وتباينــت العالقــات بــن مصــر وإســرائيل فــي وقــت
احلــرب ووقــت الســلم ،إال أنــه ميكــن القــول مــن خــال حتــوالت الفتــرة مــن 1952إلــى :2019
إن أكبــر قوتــن كان لهمــا التأثيــر علــى املؤسســة العســكرية فــي تعاملهــا مــع ثــورة يناير/كانــون
الثانــي ،2011همــا :الواليــات املتحــدة وإســرائيل ،ملــا لهمــا مــن عالقــات اســتراتيجية مــع
فبعــد توقيــع الرئيــس الســادات “اتفاقيــة كامــب ديفيــد” ،فــي 17ســبتمبر/أيلول ،1978أصبــح
هنــاك حتالــف اســتراتيجي بــن املؤسســة العســكرية املصريــة والواليــات املتحــدة ،يحصــل
مبوجبــه اجليــش املصــري علــى معونــة عســكرية ســنوية تقدمهــا الواليــات املتحــدة ،وأصبــح
العســكرية التــي يتلقاهــا ضبــاط القــوات املســلحة املصريــة تتــم فــي الواليــات املتحــدة بشــكل
وصلــت إلــى ذروتهــا فــي عهــد عبــد الفتــاح السيســي بعــد انقــاب ،2013ويظهــر عمــق
وتقــارب تلــك العالقــة فــي العمليــات العســكرية املشــتركة التــي يقــوم بهــا اجليــش املصــري
مبشــاركة مــع اجليــش اإلســرائيلي فــي شــبه جزيــرة ســيناء ،وكذلــك التدريبــات العســكرية
ـتفيدا
وبعــد انقــاب ،2013اجتــه نظــام السيســي إلــى تنويــع شــبكة تفاعالتــه اخلارجيــة ،مسـ ً
مــن الــدور الوظيفــي للمؤسســة العســكرية املصريــة فــي املنطقــة لصــاحل األطــراف اإلقليميــة
والدوليــة ،والتــي تو َّلــى بعضهــا مهمــة متويــل تســليح اجليــش املصــري بعــد ،2013بصفقــات
ضخمــة مــن روســيا وفرنســا وأملانيــا والصــن وكوريــا اجلنوبيــة والواليــات املتحــدة.
دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد :2013المحددات والمسارات | 103
ومــن خــال رصــد صفقــات التســليح التــي أبرمتهــا القــوات املســلحة املصريــة خــال العــام
2018فقــط ،جنــد أن القــوات اجلويــة كانــت أهــم فــرع مت دعمــه بالعديــد مــن الصفقــات (16
صفقــة) ،ثــم القــوات البحريــة ( 14صفقــة) ،ثــم القــوات البريــة ( 8صفقــات) ،ثــم قــوات
الدفــاع اجلــوي ( 8صفقــات) ،وتوضــح الصفقــات خريطــة التنــوع فــي الــدول التــي شـ َّ
ـكلت
املصــادر األساســية للتســليح املصــري خــال هــذا العــام ،والتــي توضــح ً
أيضــا شــبكة العالقــات
واملروحيــات البحريــة ُمتعــددة املهــام طــراز “القــط البــري” ( ”AW159 Wildcatاإليطاليــة ،وطائرات
وينــدر” ()AIM-9 Sidewinder ( )Intel-Techالروســية ،وصــاروخ جو-جــو حــراري طــراز “ســايد
األملانــي.
وبنــاء فرقاطــات مــع شــركة “تيســن كــروب” ( )TKMSاألملانيــة ،وشــراء الغواصــات القزميــة
الكرواتيــة ( ،)Drakon 220وبنــاء الــزوارق املطاطيــة الفرنســية داخــل مصــر ،وشــراء فرقاطــات
ميكــو الفرنســية.
.3فــي مجــال التســليح البــري :شــراء الدبابــة الروســية مــن طــراز “تــي ،”-90ومدافــع الهاوتــزر
الكــوري اجلنوبــي ،واجليــل الرابــع مــن قذائــف دبابــات ( )M1 Abramsاألميركيــة ،ومجموعــة
باراماونــت جنــوب اإلفريقيــة ،وبنــادق ( )CZ 807الهجوميــة التشــيكية ،وبنــادق آليــة روســية
الدفــاع اجلــوي قصيــرة املــدى ( )RIM-116مــن اجليــل الثانــي األميركيــة ،ورادارات اإلنــذار
املبكــر والدفــاع الصاروخــي األميركيــة ،ونظــام الدفــاع اجلــوي األملانــي متوســط املــدى (IRIS-T
.)SLM) (26
سياســات احلكومــات املنتخبــة أو حــق االعتــراض عليهــا ،فمــا هــو تفســير القيــام بانقــاب
الرئيــس ،محمــد مرســي ،فحســب ،بــل إن هــذه املجــاالت كانــت قانونيــة ودســتورية ،حيــث
فعليــا حــق النقــض علــى أيــة مســألة تتعلــق باألمــن القومــي أو
ًّ مــن شــأنه أن ُيعطــي اجليــش
السياســة اخلارجيــة ،وتســمح املــادة 198مبحاكمــة املدنيــن أمــام احملاكــم العســكرية “فــي حالــة
إجراءاتهمــا التنظيميــة ،ويقــوم علــى أنــه لــكل مؤسســة مجموعــة مــن “إجــراءات التشــغيل
القياســية” اخلاصــة بهــا ،والتــي تشــمل القواعــد الرمسيــة وغيــر الرمسيــة التــي علــى أساســها يتــم
حتديــد األفعــال وردود األفعــال ،وفــي حالــة مواجهــة االحتجاجــات علــى الوضــع الراهــن،
كانــت إجــراءات التشــغيل القياســية التــي اعتمدتهــا السياســة املصريــة ،هــي نشــر تكتيــكات
ليــس فقــط علــى صعيــد مواجهــة املؤسســات القســرية ،مثــل قــوات األمــن الداخليــة أو الشــرطة
العســكرية فحســب ،بــل ً
أيضــا مــن حيــث املســاءلة.
-التفســير الثالــث :يتعلــق باالنقســامات داخــل اجليــش واملؤسســات األمنيــة ،فاالنقســام الــذي
عليهــا ،كمــا حــدث فــي مصــر عقــب انقــاب عــام ،1952حــن أراد أحــد فصائــل املجلــس
العســكري العــودة إلــى الدميقراطيــة البرملانيــة الدســتورية ،حتــى لــو عــادت األحــزاب املواليــة
حكمــا
ً للوضــع الراهــن للســلطة عبــر االنتخابــات ،فــي الوقــت الــذي أراد الفصيــل اآلخــر
القــادة العســكريني أن يعلــن شــخص مدنــي نفســه “القائــد األعلــى للقــوات املســلحة” ،كمــا
تشـ ِّ
ـكل قضيــة الرقابــة املدنيــة ،حتــى وإن كانــت ضمــن ترتيبــات مؤسســية ضعيفــة ،إشــكالية
ســيكولوجية ً
أيضــا (.)28
فعليــا ،ويريــد
ًّ وفــي إطــار هــذه التفســيرات ،يبــرز العامــل األهــم ،وهــو أن اجليــش يهيمــن
اســتمرار الهيمنــة علــى مفــردات مــا يعــرف بـــ “الســيطرة املدنيــة”( ،)29التي تســعى إليهــا القوى
املدنيــة ســواء فــي الدميقراطيــات املســتقرة ،أو فــي مراحــل االنتقــال والتحــول الدميقراطــي،
املســموح لــه باملشــاركة ابتــداء؛ فاســتبعدت تيــارات إســامية بالكامــل مــن املشــاركة فــي
احليــاة السياســية ،بــل ومــن الوجــود الفعلــي عبــر القتــل والتصفيــة اجلســدية واالعتقــال ،وعبــر
احلرمــان مــن الوصــول إلــى املناصــب التنفيذيــة املهمــة أو اجلهــات اإلداريــة املتخصصــة.
.2السياســات العامــة للدولــة :ختضــع للســيطرة الكاملــة للمؤسســة العســكرية بحيــث تتحــول
| 106
الــوزارات إلــى جهــات تنفيذيــة فــي أحيــان كثيــرة تُنفــذ السياســات والــرؤى املوجــودة لــدى
املؤسســة العســكرية أو تعمــل بحريــة فقــط فــي املجــاالت التــي تتــرك لهــا املؤسســة العســكرية
حريــة احلركــة بهــاً .
أيضــا ،تشــارك املؤسســة العســكرية فــي أحيــان كثيــرة ،مــن خــال الهيئــة
الهندســية للقــوات املســلحة ،فــي تنفيــذ عــدد مــن مشــاريع البنيــة التحتيــة واملشــاريع الكبيــرة.
.3الســيطرة علــى احليــاة السياســية :اجليــش قــد يتخلــى عــن الســيطرة علــى املشــهد السياســي
واالنتخابــات والنخبــة احلاكمــة بشــكل مباشــر ليتــرك ذلــك للمدنيــن ،علــى أن تظــل الســيطرة
غيــر املباشــرة موجــودة عبــر قيــادات اجليــش الســابقني املوجوديــن فــي األحــزاب املختلفــة ،أو
وبرملانيــا،
ًّ عبــر التأثيــر غيــر املباشــر أو التحالفــات غيــر العلنيــة مــع بعــض التيــارات السياســية.
إذا كان ميكــن ختيــل أن يتنــازل اجليــش عــن الســيطرة علــى االنتخابــات البرملانيــة لصــاحل قــوى
مدنيــة ،فإنــه مــن الصعــب تصــور حــدوث ذلــك علــى مســتوى االنتخابــات الرئاســية (.)30
وهنــا ،يكــون الســؤال الرئيــس املطــروح :كيــف ميكــن إدارة العالقــات املدنية-العســكرية فــي
-املســار األول :وهــو خــارج ســيطرة املؤسســة العســكرية ،ويكــون مــن خــال جنــاح وفاعليــة
حركــة االحتجاجــات الشــعبية ،أي أن تكــون املؤسســة العســكرية فــي مواجهــة احتجاجــات
شــعبية واســعة ،جنحــت فــي حتقيــق أهدافهــا ،وبالتالــي لــن يكــون هنــاك خيــار آخــر أمــام
املؤسســة العســكرية إال الرضــوخ لهــذه الضغــوط الشــعبية ،واخلــروج مــن الســلطة مــع عــدم
وجــود خيــارات أخــرى بديلــة لديهــا ،وألن نتيجــة هــذا املســار هــي خــروج العســكر بــا
ضمانــات وبــا تفــاوض ،مــع وجــود محاســبة علــى اجلرائــم السياســية واإلنســانية التــي مت
أي احتجاجــات شــعبية ضــده ،وســيعمل علــى اســتخدام كل الوســائل املمكنــة لقمــع هــذه
-املســار الثانــي :وتديــره املؤسســة العســكرية ،ويتم َّثــل فــي انســحاب العســكر مــن الســلطة،
دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد :2013المحددات والمسارات | 107
عندمــا تتغيــر الظــروف وموازيــن القــوى مبــا ُيجبــر املؤسســة العســكرية علــى تغييــر موقعهــا مــن
الســلطة ،وتتخــذ أشـ ً
ـكال أخــرى ،ورغــم أنهــا قــد جتبــر علــى االنســحاب مــن الســلطة فــي
شــكلها املباشــر ،فإنهــا تظــل متحكمــة فــي السياســة واملســار السياســي بصــورة أو بأخــرى،
ويكــون هــذا اخلــروج مــن الســلطة إمــا مــن خــال املؤسســة العســكرية نفســها أو مــن خــال
عمليــة تفاوضيــة مــع املدنيــن ،ومبــا يضمــن أن تظــل محتفظــة بجــزء مــن مصاحلهــا ونفوذهــا،
ـدا.
ويأخــذ هــذا املســار وق ًتــا أطــول وتكــون حتدياتــه أكثــر تعقيـ ً
وهــذا املســار يتطلــب توفــر مجموعــة مــن االعتبــارات وفقً ــا للباحــث واألكادميــي ،عبــد الفتــاح
ماضي (:)31
ً
أول :إدراك العســكريني لصعوبــة بقائهــم فــي الســلطة ،وتقــوم املؤسســة العســكرية نفســها ببــدء
مســار اخلــروج مــن الســلطة بعــد أن أصبــح الســياق االجتماعــي والسياســي غيــر مــوات للحكــم
العســكري ،يدعــم ذلــك ظهــور جنــاح إصالحــي داخــل املؤسســة العســكرية مؤيــد خلــروج
ثانيــا :عقــد اتفــاق وطنــي لالنتقــال داخــل عمليــة إصــاح ممتــدة يشــارك فيهــا إصالحيــون مــن
ً
داخــل املؤسســة العســكرية ،ومدنيــون مــن خارجهــا لالتفــاق علــى مســار سياســي وخطــوات
إصالحية.
ثالثًــا :النجــاح (أو الفشــل) فــي االقتصــاد ،فالفشــل االقتصــادي قــد يســهم فــي تصاعــد
الغضــب الشــعبي؛ ممــا يزيــد مــن الضغــط علــى املؤسســة العســكرية للخــروج مــن الســلطة.
كذلــك ،فــإن النجــاح االقتصــادي قــد يــؤدي إلــى الضغــط علــى املؤسســة العســكرية مــن
رابعــا :حتييــد العامــل اخلارجــي أو كســبه ،فمســاندة العامــل اإلقليمــي والدولــي لالنتقــال
ً
الدميقراطــي (.)32 حامســا فــي عمليــات االنتقــال
ً ً
عامــا السياســي أو عــدم ممانعتــه يشــكل
كمــا أن هــذا املســار لــه مجموعــة مــن االشــتراطات ،مــن بينهــا :إحــكام املدنيــن للســيطرة
علــى السياســات العامــة للدولــة ،وأن تتغيــر الثقافــة املوجــودة لــدى املؤسســة العســكرية فــي
| 108
عــدم الثقــة باملدنيــن أو أن ُتبــر علــى تغييــر هــذه القناعــات بســبب الظــروف احمليطــة ،وأن
يكــون لــدى املدنيــن سياســات وأفــكار مناســبة تُســهم فــي حــل املشــاكل املوجــودة بطــرق
أكثــر فاعليــة مــن تلــك التــي كان يقــوم بهــا اجليــش ،وأن تســتطيع هــذه السياســات حتقيــق
نتائــج ملموســة تكتســب بهــا ثقــة املواطنــن وتعــزز مــن موقفهــا أمــام املؤسســة العســكرية،
وقــدرة املدنيــن علــى اقتنــاص الفرصــة مــن أجــل تعزيــز نفوذهــم داخــل املجــال السياســي
.1ســيطرة مدنيــة :حيــث يكــون للســلطات املدنيــة الســيطرة علــى مهمــات اجليــش وتكوينــه،
وامليزانيــة واملشــتريات العســكرية ،وأن تكــون املوافقــة علــى سياســة اجليــش مــن قبــل القيــادة
املدنيــة ،مــع متتــع اجليــش باحلريــة فــي حتديــد العمليــات املطلوبــة لتحقيــق أهــداف السياســة
.2حكــم دميقراطــي :مــن خــال مؤسســات برملانيــة وقضائيــة دميقراطيــة ،ومجتمــع مدنــي
قــوي ووســائل إعــام مســتقلة تشــرف علــى أداء اجليــش .وهــذا يضمــن املســاءلة أمــام كل مــن
.3خبــرة مدنيــة :بــأن يتوافــر للمدنيــن اخلبــرة الالزمــة لــإدارة واإلشــراف علــى املســؤوليات
.4احليــاد األيديولوجــي وعــدم التدخــل فــي السياســة الداخليــة :حيــث ال يؤيــد اجليــش أو أي
.5حــد أدنــى مــن الــدور االقتصــادي :للجيــش دور اقتصــادي فــي القطاعــات املرتبطــة
بالدفــاع ،لكنــه يجــب أال يــؤدي إلــى متييــع والء اجليــش للقيــادة املدنيــة الدميقراطيــة ،أو أن
يدخــل اجليــش مبنافســة غيــر متكافئــة مــع القطــاع الصناعــي املدنــي (.)34
دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد :2013المحددات والمسارات| 109
وهــذه األمــور ،قــد يكــون مــن الصعــب إن لــم يكــن مــن املســتحيل حتقيقها فــي ظــل التوازنات
القائمــة فــي الداخــل املصــري ،وفــي بيئتــه اإلقليميــة والدوليــة الراهنــة .لــذا ،فــإن الوضــع
يتطلــب التفكيــر فــي منظــور معكــوس ملــا افترضــه صمويــل هنتنغتــون (،)Samuel Huntington) (35
حــول االحتــراف العســكري ،الــذي ميكــن أن ينجــح فــي الدميقراطيــات املســتقرة ،وكذلــك
جتــاوز منــوذج موريــس جانوويتــز ( ،)Morris Janowitz) (36القائــم علــى قصــر تدخــل العســكريني
علــى بعــض مجــاالت السياســة اخلارجيــة وسياســات الدفــاع ،مــع ســيطرة النخبــة السياســية
مــن خــال مجموعــة مــن القواعــد الرمسيــة ،ألن هذيــن النموذجــن يصطدمــان بعــدد مــن
أ -أن عمليــة التحــول عــن احلكــم العســكري هــي فــي غايــة التعقيــد ،واملســؤولية الرئيســية فيهــا
تقــع علــى قــدرة التيــارات السياســية املدنيــة علــى االتفــاق حــول الترتيبــات املناســبة إلقــرار
نظــام دميقراطــي ،وبالتالــي يكــون فشــل املدنيــن -وليــس قــوة العســكريني -هــو الســبب
ب -الوصــول إلــى الســيطرة الدميقراطيــة الكاملــة علــى القــوات املســلحة صعــب التحقــق
بالنســبة إلــى الدميقراطيــات الناشــئة ،والبــد للنخــب املدنيــة فــي الــدول التــي متــر مبرحلــة
التحــول الدميقراطــي أن تضــع االســتراتيجية املناســبة إلدارة عالقاتهــا مــع النخبــة العســكرية
وفقً ــا للظــروف اخلاصــة بدولهــا ،مبــا ال يقضــي علــى العمليــة الدميقراطيــة ،لكــن قــد ال يتحقــق
ج -تفــرض املشــكالت األمنيــة واالقتصاديــة املتزايــدة علــى األنظمــة السياســية -فــي ظــل
ضعــف بنيــة الدولــة -القبــول بتدخــل اجليــش فــي احليــاة املدنيــة ،إمــا للمســاهمة فــي فــرض
النظــام والقانــون وإمــا لدعــم عمليــة التنميــة ،وهــو األمــر الــذي ال يتعــارض مــع جوهــر النظــام
الدميقراطــي فــي حــال مــا كان اجليــش يقــوم بتلــك األدوار حتــت ســيطرة الســلطات املدنيــة
ووفــق فتــرة زمنيــة محــددة ،وشــريطة أال تتوســع تلــك األدوار بدرجــة أكبــر لتصــل إلــى مرحلــة
د -تفــرض احلالــة املصريــة معضلــة حقيقيــة ليــس فقــط بســبب تســلم اجليــش للســلطة بعــد
ثــورة يناير/كانــون الثانــي ،2011ولكــن ً
أيضــا ملــا للنظــام املصــري مــن جــذور تاريخيــة فــي
الشــرعية العســكرية منــذ حكــم اجليــش فــي ،1952حيــث تقــوم املؤسســة العســكرية باســتخدام
مصطلــح األمــن القومــي ،دون حتديــد أو تعريــف ماهيتــه وحــدودهِ ،ل َشـ ْ
ـر َع َنة ممارســاتها واإلبقــاء
وهنــا ،يــرى الباحــث ضــرورة التفكيــر فــي منــوذج يجمــع بــن النظريــات األساســية فــي إدارة
شــيف (Rebecca -املرحلــة األولــى :التوافــق املدني-العســكري ،وفــق مــا قالــت بــه ريبــكا
)Schiffفــي دراســتها التــي جــاءت بعنــوان “اجليــش والسياســات الداخليــة :نظريــة التوافــق فــي
العالقــات املدنيــة العســكرية”( ،)39وتقــوم علــى اتفــاق العســكر واملدنيــن علــى أربعــة مؤشــرات
أساســية ،يتــم مــن خاللهــا حتديــد دور املؤسســة العســكرية ،وهــي :التركيبــة االجتماعيــة
للضبــاط ،وعمليــة اختــاذ القــرارات السياســية ،وطــرق التوظيف ،والنمــط (العقيدة) العســكري،
-املرحلــة الثانيــة :املســؤولية املشــتركة ،وفــق مــا قــال بــه دوجــاس بالنــد (،)Douglas Bland
والتــي تقــوم علــى االشــتراك فــي املســؤوليات بــن املدنيــن والعســكريني ،ســواء مــن خــال
-املرحلــة الثالثــة :وميكــن أن تنــدرج ضمــن مقــوالت بيتــر فيفــر ( ،)Peter Feaverحــول “نظريــة
الوكالــة”( ،)41التــي تنظــر للعالقــات املدنية-العســكرية علــى أنهــا شــكل مــن أشــكال التفاعــل
االســتراتيجي بــن املدنيــن والعســكريني ،وفــي إطارهــا يختــار املدنيــون الطــرق التــي ميكــن
مــن خاللهــا مراقبــة اجليــش ،مــع مراعــاة مزايــا التخصــص التــي يتســم بهــا العســكريون.
-املرحلــة الرابعــة :وتكــون احملصلــة النهائيــة ملراحــل التطــور ،وفيهــا تصــل العالقــات املدنيــة-
العســكرية ،إلــى مــا أطلــق عليــه صمويــل هنتنغتــون “االحتــراف العســكري”( ،)42التــي ترتكــز
دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد :2013المحددات والمسارات | 111
علــى عــدة منطلقــات أساســية ،تشــمل تطويــر املؤسســات العســكرية لتخصصاتهــا املختلفــة،
ومنــو الــدول القوميــة ،وصعــود األفــكار الدميقراطيــة كأســاس لتنظيــم املؤسســات السياســية،
(.)43 وضــرورة وجــود مصــدر واحــد للســلطة الشــرعية علــى القــوات املســلحة
يدفــع للتفكيــر فــي هــذه املراحــل وتلــك اخلطــوات ،مــن جانــب املؤسســة العســكرية املصريــة،
طبيعــة التحديــات األمنيــة والعســكرية والسياســية التــي تتعــرض لهــا منــذ انقــاب ،2013ومــا
مؤشــراته ،هــذا مــن ناحيــة .ومــن ناحيــة ثانيــة ،إدراك التيــارات املدنيــة لعــدم قدرتهــا علــى
التخلــص اجلــذري مــن هيمنــة املؤسســة العســكرية ،وحرصهــا فــي الوقــت نفســه علــى بقــاء
هــذه املؤسســة مســتقرة فــي ظــل االنهيــارات التــي تعرضــت لهــا معظــم املؤسســات العســكرية
العربيــة منــذ 1991وحتــى اآلن .ومــن ناحيــة ثالثــة ،التحــوالت اإلقليميــة والدوليــة الراهنــة ،التي
هــي فــي الكثيــر منهــا خــارج ســيطرة النخــب املدنيــة والعســكرية ،وتفــرض عليهمــا التعاطــي
معهــا بفاعليــة ،وإال ســتكون حركــة اجلماهيــر الغاضبــة ،وموجــات االنتفاضــات املتتاليــة،
عامــل تغييــر جــذري ،ينــال ليــس فقــط مــن اســتقرار هــذه النخــب ،ولكــن ً
أيضــا مــن بقائهــا
واســتمرارها.
املراجع
( )1صايــغ ،يزيــد“ ،فــوق الدولــة :جمهوريــة الضبــاط فــي مصــر” ،مركــز كارنيغــي 1 ،أغســطس/آب ،2012
(تاريــخ الدخــول 12 :أبريل/نيســان :)2019
https://carnegie-mec.org/2012/08/01/ar-pub-48996
( )2علــي صــاحل ربيــع ،ماجــدة ،الــدور السياســي لألزهــر مــن ( ،1952-1981رســالة دكتــوراه فــي العلــوم
السياســية ،قســم العلــوم السياســية ،كليــة االقتصــاد والعلــوم السياســية ،جامعــة القاهــرة ،)1990 ،ص .17
( )3صايغ ،فوق الدولة ،مرجع سابق.
( )4طبقً ــا للقانــون رقــم 4لســنة 1968الــذي أصــدره الرئيــس األســبق ،جمــال عبــد الناصــر ،فــي شــأن القيــادة
ً
مكلفــا بالنظــر فــي والســيطرة علــى شــؤون الدفــاع عــن الدولــة وعلــى القــوات املســلحة وتعديالتــه؛ فاملجلــس كان
الشــؤون اخلاصــة بوســائل تأمــن البــاد وســامتها .وكان هــو مــن يقــرر الدعــوة إلــى التعبئــة العامــة فــي البــاد
| 112
4أبريل/نيســان :)2019
https://bit.ly/2GUKzpC
( )15منــدور ،ماجــد“ ،حصانــة للقــوات املســلحة فــي مصــر” ،مركــز كارنيغــي 25 ،يوليو/متــوز ( ،2019تاريــخ
الدخــول 5 :أبريل/نيســان :)2019
https://bit.ly/2XXqQuV
( )16كمــا حــدث مــع العقيــد أحمــد قنصــوة ،الــذي مت القبــض عليــه فــي ديســمبر/كانون األول ،2017ومــع
الفريــق ســامي عنــان ،رئيــس أركان حــرب القــوات املســلحة املصريــة الســابق ،الــذي مت القبــض عليــه فــي 23
يناير/كانــون الثانــي .2018
(“ )17نتيجــة االســتفتاء فــي مصــر 88.8 :فــي املئــة مــن الناخبــن صوتــوا بنعــم للتعديــات الدســتورية” ،بــي بــي
ســي العربــي 23 ،أبريل/نيســان ( ،2019تاريــخ الدخــول 29 :أبريل/نيســان :)2019
https://bbc.in/2W9zaHH
(“ )18الهيئة املصرية العامة لالستعالمات” 15 ،أبريل/نيسان ( ،2019تاريخ الدخول 24 :أبريل/نيسان :)2019
https://bit.ly/2DsNB26
(“ )19اســتثناء املنطقــة االقتصاديــة بســيناء مــن أحــكام القانــون 14لســنة ،”2012املصــري اليــوم 9 ،يونيو/حزيــران
( ،2016تاريــخ الدخــول 12 :أبريل/نيســان :)2019
https://bit.ly/2DCtz5d
أراض صحراويــة لــوزارة الدفــاع” ،املصــري اليــوم 9 ،يونيو/حزيــران ( ،2016تاريــخ
ٍ (“ )20السيســي يقــرر ختصيــص
الدخــول 12 :أبريل/نيســان :)2019
https://bit.ly/1UFAXxR
( )21انظــر“ :الرئيــس يكلـفالقــوات املســلحة مبراقبــة وإزالــة التعديــات علــى جانبــي الشــبكة القوميــة للطــرق”،
بوابــة األهــرام 9 ،يونيو/حزيــران ( ،2016تاريــخ الدخــول 12 :أبريل/نيســان :)2019
https://bit.ly/1rearBh
(“ )22قــرار جمهــوري بإعــادة ختصيــص قطعــة أرض مملوكــة للدولــة بالســويس لتنفيــذ املشــروع القومــي للترســانة
البحريــة” ،بوابــة األهــرام 15 ،يونيو/حزيــران ( ،2016تاريــخ الدخــول 12 :أبريل/نيســان :)2019
https://bit.ly/2LegF3N
(“ )23قــرار جمهــوري باملوافقــة علــى ختصيــص قطعــة أرض مملوكــة للدولــة بالعــن الســخنة لصــاحل القــوات
املســلحة” ،بوابــة األهــرام 15 ،يونيو/حزيــران ( ،2016تاريــخ الدخــول 12 :أبريل/نيســان :)2019
https://bit.ly/28Sze6N
(“ )24السيســي يخصــص 2815فدا ًنــا بكفــر الشــيخ لصــاحل القــوات املســلحة” ،مصــر العربيــة 23 ،يونيو/حزيــران
| 114
مقدمة
فــي الذكــرى احلاديــة والســبعني لنكبــة فلســطني تبــرز قضيــة الالجئــن الفلســطينيني
لقــد بــدأت قضيــة الالجئــن منــذ قــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة 181فــي 29نوفمبــر/
تشــرين الثانــي عــام ،1947أو مــا يســمى بقــرار التقســيم ،حيــث جــرى فــرض تقســيم فلســطني
َّ
تتشــكل مــن دولتــن إحداهمــا يهوديــة علــى 55%مــن أرض التاريخيــة إلــى ثالثــة كيانــات
فلســطني ،واألخــرى عربيــة فلســطينية علــى حوالــي 44%مــن أرض فلســطني ،مــع بقــاء القــدس
كمــا أدى إلــى طــرد وتهجيــر أكثــر مــن نصــف الســكان العــرب الفلســطينيني مــن أرضهــم
117
| 118
معظــم الالجئــن الفلســطينيني إثــر نكبــة عــام 1948فــي املناطــق الفلســطينية الناجيــة مــن
للتوجــه إلــى الــدول العربيــة الشــقيقة ،ســوريا واألردن ولبنــان ومصــر والعــراق ،بينمــا توجــه
ُّ
العديــد منهــم إلــى مناطــق جــذب اقتصاديــة فــي أوروبــا وأميــركا ،وكذلــك إلــى دول اخلليــج
العربيــة ،وقــد تغيــرت اخلريطــة الدميوغرافيــة للشــعب الفلســطيني بعــد طــرد اجليــش اإلســرائيلي
لنحــو 460ألــف فلســطيني فــي عــام 1967إثــر احتــال الضفــة والقطــاع»( .)1وفــي 15مايــو/
أيــار 1948قامــت احلركــة الصهيونيــة باإلعــان عــن قيــام دولــة إســرائيل ،وقــد توســعت مســاحة
هــذه الدولــة لتشــمل 77%مــن أراضــي فلســطني ،مبــا فــي ذلــك اجلــزء األكبــر مــن القــدس.
وباملقابــل ســيطرت األردن ومصــر علــى بقيــة أراضــي فلســطني التــي ضمــت (قطــاع غــزة
وفــي محاولــة ملعاجلــة موضــوع املهجريــن نتيجــة الحتــال فلســطني ،فــإن األمم املتحــدة
عمــدت بدايــة إلــى إصــدار القــرار ،212فــي الــدورة ،3فــي 19نوفمبر/تشــرين الثانــي ،1948
الــذي يقضــي بتـــأسيس هيئــة األمم املتحــدة إلغاثــة الجئــي فلســطني ،ثــم إلــى ٍاصــدار القــرار
،194فــي 11ديســمبر/كانون األول ،1948ويقضــي فــي مضمونــه بحــل النــزاع عبــر جلنــة التوفيق
اليهــود الذيــن فــروا أو طــردوا مــن بيوتهــم حينهــا .وقــد فشــلت جلنــة التوفيــق الدوليــة التــي
ُأ ِّسســت مبوجــب القــرار مــن الوصــول إلــى حــل ينهــي النــزاع.
وقــد كانــت املســاعدات لالجئــن بدايــة تتــم بالتعــاون بــن هيئــة األمم املتحــدة إلغاثــة الجئــي
فلســطني وهيئــات أخــرى كالصليــب األحمــر الدولــي ومنظمــة الكويكــرز األميركيــة .وحيــث
لــم يجــر حــل للنــزاع وبســبب اســتمرار وتفاقــم معانــاة الالجئــن ،عمــدت األمم املتحــدة إلــى
إصــدار القــرار رقــم *302بتأســيس هيئــة األمم املتحــدة إلغاثــة وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني
ـودا.
عربــا أم يهـ ً
،1950وكان مــن ضمــن مهامهــا تقــدمي اإلغاثــة لالجئــي فلســطني ســواء أكانــوا ً
وجــاء فــي مطلــع قــرار تأســيس األونــروا ،خاصــة القــرار رقــم ( 212الــدورة )3الصــادر فــي
األول ،1948مــا يؤكــد ضــرورة اســتمرار املســاعدة إلغاثــة الالجئــن الفلســطينيني لتالفــي أحوال
املجاعــة والبــؤس بينهــم ،ودعــم الســام واالســتقرار .كمــا جــاء فــي الفقــرة 20مــن القــرار 194
أن اجلمعيــة العموميــة توعــز إلــى « وكالــة األمم املتحــدة إلغاثــة وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني
فــي الشــرق األدنــى؛ بالتشــاور مــع جلنــة التوفيــق بشــأن فلســطني التابعــة لــأمم املتحــدة ملــا
اجلمعيــة العامــة رقــم ( 194الــدورة )3الصــادر فــي 11ديســمبر/كانون األول .1948وهــذا مؤشــر
ـتنادا إلــى
واضــح علــى ارتبــاط اســتمرار عمــل األونــروا اإلغاثــي بحــل قضيــة الالجئــن اسـ ً
حقهــم فــي العــودة.
أمــا بالنســبة لقبــول عضويــة إســرائيل فــي األمم املتحــدة ،فقــد وافقــت األمم املتحــدة بتاريــخ
4مــارس/آذار 1949مبوجــب قرارهــا رقــم ،273الــذي جــاء فيــه «إن اجلمعيــة العامــة؛ إذ تأخــذ
علمــا بالتصريــح الــذي تقبــل بــه «إســرائيل» دون أي حتفــظ ،بااللتزامــات الناجمــة عــن ميثــاق
ً
ـوا فــي األمم املتحــدة،
األمم املتحــدة ،وتتعهــد باحترامهــا منــذ اليــوم الــذي تصبــح فيــه عضـ ً
وإذ تذكــر بقراريهــا الصادريــن فــي 29نوفمبر/تشــرين الثانــي ( 1947قــرار التقســيم) ،وفــي 11
علمــا بالتصريحــات واإليضاحــات التــي قدمهــا ممثــل حكومــة «إســرائيل» أمــام اللجنــة
وتأخــذ ً
ـوا فــي
السياســية املؤقتــة ،بشــأن تطبيــق القراريــن املذكوريــن ...تقــرر أن تقبــل إســرائيل عضـ ً
األمم املتحــدة.
بيــد أن إســرائيل التــي ادعــت التزامهــا بالقــرارات املذكــورة ،أوقفــت فــي يونيو/حزيــران عــام
1952عمــل األونــروا فــي األراضــي التــي أعلنــت قيــام إســرائيل عليهــا ،وكان وقتهــا هنالــك
«ً 17
ألفــا مــن النازحــن اليهــود (داخــل إســرائيل) كانــوا مســجلني فــي «األونــروا» وســرعان مــا
| 120
اخنفــض عددهــم إلــى ،3000وكانــوا يتلقــون املســاعدات حتــى يونيو/حزيــران عــام ،1952حــن
أوقفــت األونــروا عملياتهــا فــي إســرائيل ( .)2ولــذا فــإن إشــكالية البحــث املركزيــة ســتتناول
اســتهداف الواليــات املتحــدة األميركيــة فــي عهــد الرئيــس دونالــد ترامــب لألونــروا التــي
أسســتها األمم املتحــدة ،ومــدى أهميــة بقائهــا املرتبــط بتوفيــر حقــوق الالجئــن الفلســطينيني
البحــث املتعلقــة بحالــة ومســاقات التعامــل الدولــي واألميركــي مــع األونــروا ،وذلــك مــن
خــال الدراســة التحليليــة لتلــك املســاقات للحصــول علــى وصــف دقيــق للنتائــج الناجمــة عن
السياســات احلديثــة ألميــركا جتــاه األونــروا .ويقــوم البحــث الوصفــي التحليلــي بربــط وتفســير
البيانــات واملعطيــات املتعلقــة مبوضــوع البحــث وتصنيفهــا ،وبيــان نوعيــة عالقــة املتغيــرات
واألســباب واالجتاهــات ثــم اســتخالص النتائــج ،والتعــرف علــى حقيقــة هــذه النتائــج بهــدف
الوقــوف علــى وضعيــة الظاهــرة املتعلقــة مبوضــوع البحــث .وفــي هــذا الســياق تهتــم الدراســة
باســتقصاء أهــداف القــرارات الناجمــة عــن السياســات األميركيــة فــي عهــد الرئيــس دونالــد
ً
وأيضــا ترامــب ،التــي تــؤدي إلــى تفاقــم مخاطــر جوهريــة علــى حقــوق الالجئــن الفلســطينيني،
ـادا علــى
كميــا ،اعتمـ ً
ًّ كيفيــا ،وبيــان خصائصــه
ًّ مقاربــة املوقــف األميركــي الراهــن ،ودراســته
مــا تقدمــه األونــروا لالجئــن مــن خدمــات مــن خــال عــرض أرقــام وجــداول املســتفيدين،
وتوضيــح هــذه العمليــة التــي تســتهدف الالجئــن الفلســطينيني أو حجمهــا ،ودرجــة ارتباطهــا
أمــا أهميــة البحــث فتتم َّثــل فــي إلقــاء الضــوء علــى سياســة هــذا الطــرف الدولــي الســاعي
إلنهــاء األونــروا ،ومعرفــة مــدى تأثيــر ذلــك علــى حقــوق الجئــي فلســطني وفــي مقدمتهــا
حقهــم فــي العــودة إلــى بيوتهــم وديارهــم التــي طــردوا منهــا .كمــا أن مراجعــة مــا توفــر مــن
مصــادر معلوماتيــة ودراســات ووثائــق متعلقــة باملوضوع ،تســاعد الباحــث على تفســير تداعيات
حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | 121
السياســة األميركيــة الراهنــة علــى حقــوق الالجئــن الفلســطينيني ومحاولــة إنهــاء قضيتهــم ،ألنه
مــن الالفــت أن الواليــات املتحــدة األميركيــة كانــت ،قبــل اختــاذ الرئيــس دونالــد ترامــب
العامليــة واملفوضيــة الســامية لشــؤون الالجئــن ...إخل .وهنــا يجــب أن نشــير إلــى غيــاب
دراســات وأبحــاث أكادمييــة تتنــاول هــذا املوضــوع املرتبــط بسياســات الرئيــس دونالــد ترامــب
إلنهــاء وتصفيــة موضــوع الالجئــن فــي صفقــة القــرن ،وذلــك ألن سياســة الرئيــس ترامــب لــم
تنســجم مــع سياســات الرؤســاء الســابقني فيمــا يتعلــق بدعــم األونــروا؛ إذ لــم تكــن الواليــات
املتحــدة األميركيــة مــن الداعمــن األساســيني لألونــروا فحســب ،بــل كانــت مــن األعضــاء
ـرس
لــذا تتمحــور مشــكلة البحــث حــول اســتهداف حــق عــودة الالجئــن الفلســطينيني املكـ َّ
فــي بعــض قــرارات الشــرعية الدوليــة ،مــع التركيــز علــى اســتهداف مضامــن قــرار تأســيس
والعمــل علــى تســليم مهامهــا للمفوضيــة الســامية لشــؤون الالجئــن ،معتبريــن أن األونــروا تبالــغ
فــي تســجيل الالجئــن وأحفادهــم ،ألن الذيــن ينبغــي أن يعتبــروا الجئــن هــم فقــط مــن بقــوا
أحيــاء نتيجــة النــزاع عــام ،1948وهــؤالء ال يتجــاوز عددهــم ً 50
ألفــا.
-عــدم وجــود توافــق دولــي مــع املوقــف األميركــي املتمثــل فــي وقــف دعــم األونــروا ،التــي
إن محــاوالت تصفيــة قضيــة الالجئــن الفلســطينيني «ليســت باألمــر اجلديــد غيــر أنهــا اشــتدت
| 122
منــذ تولــي الرئيــس األميركــي ،دونالــد ترامــب ،مفاتيــح البيــت األبيــض ،وارتفعــت وتيرتهــا
بعــد إعالنــه اعتبــار القــدس احملتلــة عاصمــة لدولــة االحتــال ،وإزاحتهــا عــن أيــة عمليــة
تفاوضيــة مقبلــة ،وأصبحــت تواجــه شــبح الشــطب بالقــرار األميركــي األخيــر وقــف متويلهــا
بالكامــل.
بعــد القــدس جــاء الــدور علــى وكالــة غــوث وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني ،مقدمــة
لتصفيــة قضيتهــم ،وجتــاوز حــق عودتهــم ،فعمــدت اإلدارة األميركيــة فــي البدايــة إلــى خفــض
موازنتهــا واملســاعدات املقدمــة لهــا ،بهــدف إدخالهــا فــي ضائقــة ماليــة ،وإمعا ًنــا فــي التنكيــل
تفويضهــا ضمــن صالحيــات املفوضيــة الســامية لشــؤون الالجئــن ،فــي ســياق املخططــات
األشــمل ،الهادفــة إلــى تصفيــة القضيــة الفلســطينية ،وفــي القلــب منهــا قضيــة الالجئــن وحــق
العــودة .وهــذه املخططــات ذات ســياقات وأبعــاد إقليميــة ودوليــة تتصــل باشــتراطات «عمليــة
التســوية» فــي نســختها اجلديــدة التــي يســميها اإلعــام بـ»صفقــة القــرن» ،ولهــا فــي الوقــت
عينــه تداعيــات وآثــار فــي كل منطقــة مــن مناطــق عمليــات األونــروا ،فيمــا يتعلــق بتقــدمي
اخلدمــات ( .)4ولهــذا تهــدف الدراســة إلــى بحــث الصعوبــات واملعيقــات التــي تواجــه حقــوق
ترهــل
الجئــي فلســطني فــي العــودة حســب قــرارات القيــادة األميركيــة ،ودراســة تأثيــرات ُّ
املوقــف الرمســي الفلســطيني فــي إطــار مــا مســي بالواقعيــة .وفــي ســياق معاجلــة الفرضيــات
املذكــورة أعــاه ،ســتعمد الدراســة إلــى إلقــاء الضــوء علــى مســار تنــاول القضيــة الفلســطينية
علــى الصعيــد الدولــي ،وصـ ً
ـول ملــا آلــت إليــه احلالــة الراهنــة مــن اســتهداف حلقــوق الجئــي
فلســطني.
أعمــال إرهابيــة وتنكيــل وقتــل جماعــي ضــد الشــعب الفلســطيني ،شــهدت املنطقــة واحــدة
حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | 123
مــن أكبــر عمليــات التهجيــر القســري ،أســفرت عــن جلــوء مئــات اآلالف مــن الفلســطينيني إلــى
مناطــق مجــاورة بح ًثــا عــن األمــن ،تاركــن وراءهــم بيوتهــم وممتلكاتهــم ،يحدوهــم األمــل فــي
العــودة إليهــا غيــر أن حلــم العــودة ســرعان مــا حتــول إلــى مشــكلة كبيــرة ومعقــدة هــي مشــكلة
وقــد حــدا ذلــك بــاألمم املتحــدة إلــى إصــدار العديــد مــن القــرارات اخلاصــة بالالجئــن
الفلســطينيني ،وحقهــم فــي العــودة إلــى ديارهــم مــع حفــظ حــق التعويــض للذيــن يرغبــون
فــي العــودة ولــكل مــن ال يرغــب بالعــودة لســبب أو آلخــر .وكان أبــرز وأقــدم القــرارات التــي
اختذتهــا األمم املتحــدة حــول الالجئــن ،هــو القــرار رقــم 194الــذي أشــرنا إليــه ســابقً ا ،والــذي
خصــص الفقــرة رقــم 11ملســألة الالجئــن ونصهــا الــذي جــاء فيــه« :تقــرر وجــوب الســماح
بالعــودة فــي أقــرب وقــت ممكــن لالجئــن الراغبــن فــي العــودة إلــى ديارهــم والعيــش بســام
مــع جيرانهــم ،ووجــوب دفــع تعويضــات عــن ممتلــكات الذيــن يقــررون عــدم العــودة إلــى
ديارهــم ،عــن كل مفقــود أو مصــاب بضــرر مــن قبــل احلكومــات والســلطات املســؤولة».
وقــد أصبــح القــرار 194مبثابــة حجــر الزاويــة فــي بنــاء الشــرعية الدوليــة التــي تأســس عليهــا
اإلعــان العاملــي حلقــوق اإلنســان الــذي اعتبــر مــن إجنــازات األمم املتحــدة فــي مجــال إقــرار
.1لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة.
.2حق كل فرد أن يغادر أي بالد مبا في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه.
وألن هيئــة التوفيــق الدوليــة مــن أجــل فلســطني فشــلت فــي تنفيــذ موجبــات القــرار 194الــذي
أسســت اســتنادًا لــه ،فقــد كان ال بــد لــأمم املتحــدة مــن تأمــن اســتمرار عمــل األونــروا
فــي تقــدمي الغــوث واملســاعدة لالجئــن ،حيــث اعتمــدت علــى الــدول املاحنــة وفــي مقدمهــا
الــدول الغربيــة وعلــى رأســها أميــركا ،بانتظــار احلــل السياســي املؤجــل .ولــذا فقــد عملــت
| 124
اجلمعيــة العامــة علــى متديــد واليــة األونــروا لفتــرات تراوحــت بــن ثــاث وخمــس ســنوات.
وعلــى صعيــد آخــر ،وفــي 14ديســمبر/كانون األول ،1950اختــذت اجلمعيــة العامــة لــأمم
املتحــدة قرارهــا رقــم ( 428د ،)-5القاضــي بإنشــاء مفوضيــة األمم املتحــدة لشــؤون الالجئــن
( ،)UNHCRالتــي بــدأت عملهــا بتاريــخ 1يناير/كانــون الثانــي .1951واقتصــرت واليــة املفوضيــة
فــي البدايــة علــى األشــخاص الذيــن أصبحــوا الجئــن بســبب مــا وقــع مــن أحــداث فــي
«حمايــة دوليــة» لالجئــن ،والســعي مــن خــال مســاعدة احلكومــات إلــى إيجــاد حلــول دائمــة
ملشــكلة الالجئــن التــي تتجســد فــي أحــد احللــول الثالثــة 1- :العــودة الطوعيــة 2-االندمــاج
وواليــة املفوضيــة تشــمل الالجئــن بشــرط أن ال يكونــوا ضمــن واليــة منظمــة دوليــة أخــرى،
فقــد اســتثنت اتفاقيــة 1951الجئــي فلســطني مــن بنودهــا ،حيــث جــاء فــي املــادة (د) مــن
االتفاقيــة ،بأنهــا ال تنطبــق علــى األشــخاص الذيــن يتمتعــون بحمايــة أو مســاعدة ،مــن هيئــات
أو وكاالت تابعــة لــأمم املتحــدة غيــر مفوضيــة األمم املتحــدة لشــؤون الالجئــن ،فــي إشــارة
إلــى (األونــروا) ،والوكالــة التــي أسســت ملتابعــة شــؤون الالجئــن فــي كوريــا .وقــد جاء اســتثناء
األونــروا اســتجابة لطلــب الــدول العربيــة التــي رأت بــأن كارثــة اللجــوء الفلســطيني نتجــت عــن
قــرار إنشــاء إســرائيل مــن قبــل األمم املتحــدة ،لذلــك عليهــا حتمــل املســؤولية املباشــرة عمــا
وفــي عــام ،1974أعيــد إدراج قضيــة فلســطني فــي جــدول أعمــال اجلمعيــة العامــة لــأمم
حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | 125
املتحــدة ،وأكــد القــرار ( 3236د )-29مــن جديــد حقــوق الشــعب الفلســطيني غيــر القابلــة
للتصــرف ،فــي تقريــر املصيــر واالســتقالل والســيادة الوطنيــة ،وحــق الفلســطينيني فــي العــودة
وفــي ســياق محاولــة حــل الصــراع ،فــإن األمم املتحــدة وضعــت املبــادئ األساســية للتوصــل
إلـــى تسويــــة سلميــــة قائمــة علــى التفــاوض (تُعرف بصيغــة «مبــدأ األرض مقابل الســام») في
قراريهــا )1967( 242و ،)1973( 383الصادريــن عــن مجلــس األمــن .بيــد أن املجتمــع الدولــي لــم
يتمكــن حتــى اللحظــة الراهنــة مــن تنفيــذ أي مــن قراراتــه املتعلقــة بحقــوق الفلســطينيني ،ومــن
الالجئــن وتتهــم -عــادة -الفلســطينيني أنفســهم والــدول العربيــة بذلــك .ويتبنــى اجلمهــور
اإلســرائيلي هــذه املواقــف»( .)5ولهــذا فقــد شـ َّ
ـكل مســار التســوية السياســية ،حســب اتفــاق
وقــد وجــد كل ذلــك تداعياتــه الحقً ــا فــي املعاهــدات واالتفاقــات الثنائيــة التــي حــددت
مســار كافــة أشــكال العمــل السياســي الفلســطيني علــى قيــاس مصــاحل إســرائيل .وفــي إطــار
فهــم أهميــة حــق العــودة أشــار أنيــس الصايــغ إلــى مخاطــر «اتفاقــات أوســلو التــي أوصــدت
بــاب العــودة ،وتنازلــت للعــدو عــن األراضــي كلهــا»( .)6ومــن حيــث املبــدأ فــإن موقــف
إســرائيل مــن حــق عــودة الالجئــن الــذي أقرتــه األمم املتحــدة ،يتمثَّــل فــي «اتفــاق فــي
الــرأي داخــل املؤسســة السياســية فــي إســرائيل علــى رفــض حــق الالجئــن فــي العــودة إلــى
األراضــي اإلســرائيلية ،ســواء احلــق املبدئــي أو احلــق العملــي .إن اســرائيل ترفــض هــذا احلــق
فــي الدرجــة األولــى علــى الصعيــد املبدئــي؛ إذ ينطــوي اعتــراف إســرائيل بـ»حــق العــودة» علــى
إقــرار مبســؤوليتها عــن نشــوء املشــكلة ،ورمبــا حتــى بتحمــل تبعتهــا»( .)7ولهــذا فــإن املشــاريع
اإلســرائيلية ،التــي جــاءت بعــد هزميــة عــام 1967ركــزت علــى مــا يلــي:
-معظــم األفــكار واملشــاريع جــاءت لتؤكــد علــى التوجــه اإلســرائيلي حنــو ترســيخ االحتــال
-اإلجمــاع داخــل املجتمــع اإلســرائيلي ،وبــكل فئاتــه االجتماعيــة والسياســية ،علــى نظريــة
عــدم العــودة مطلقً ــا إلــى حــدود مــا قبــل عــام .1967
-إقــرار مــا يســمى بسياســة األمــر الواقــع فــي املناطــق احملتلــة عــن طريــق وضــع اســتراتيجية
-منــع عــودة الالجئــن الفلســطينيني إلــى ديارهــم مهمــا كلــف هــذا األمــر مــن خســائر سياســية
(.)8 واقتصادية
ٍان عــودة الالجئــن الفلســطينيني إلــى ممتلكاتهــم وبيوتهــم التــي اقتلعــوا منهــا إبــان النكبــة وفقً ــا
للقــرار « 194كان وال يــزال ًّ
خطــا أحمــر بالنســبة إلســرائيل والقــوى الدوليــة التــي تســاندها.
وكذلــك هــو احلــال بالنســبة لصنــاع ما يســمى «عمليــة الســام» التــي أطلقتهــا اتفاقيات أوســلو.
فحــق العــودة فــي كافــة املبــادرات ذات الصلــة التــي أطلقــت فــي أعقــاب تلــك االتفاقيــات
حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | 127
حصريــا العــودة إلــى أراضــي «الدولــة الفلســطينية» املوعــودة مــع بعــض احلــاالت الفرديــة
ًّ تعنــي
االســتثنائية املتعلقــة بلــم شــمل العائــات مــع ذويهــا فــي فلســطني احملتلــة عــام .1948وجتــدر
اإلشــارة إلــى أن إســرائيل «حتمــل بتياراتهــا الدينيــة واليمينيــة ،ال ســيما الليكــود ،واليســارية
وبخاصــة حــزب العمــل ،مواقــف متشــددة جتــاه احلقــوق الوطنيــة الفلســطينية العربيــة
املشــروعة ،حيــث ترفــع «الءات» العــودة إلــى حــدود 4يونيو/حزيــران 1967وتقســيم القــدس
باعتبارهــا «العاصمــة األبديــة واملوحــدة إلســرائيل» وجتــاه حــق عــودة الالجئــن الفلســطينيني
ووقــف التوســع االســتيطاني» ( .)9وأكثــر مــن ذلــك فــإن إســرائيل تســتهدف حتــى الفلســطينيني
الذيــن بقــوا فــوق ترابهــم الوطنــي ،وتعمــل علــى إيجــاد قوانــن لعــدم الســماح لهــم بالعــودة
إلــى بيوتهــم وقراهــم التــي طــردوا أو فــروا منهــا ،ولــذا فــإن الكثيــر مــن الفلســطينيني املهجريــن
فــي داخــل الوطــن احملتــل ال تســمح لهــم إســرائيل بالعــودة لبيوتهــم .ويلخــص الباحــث صــاح
عبــد ربــه املوقــف اإلســرائيلي بالنقــاط التاليــة التــي تشــير إلــى رفــض حــق العــودة وإنهــاء
األونــروا(:)10
وعمليا.
ًّ مبدئيا
ًّ .1رفض مطلق حلق الالجئني في العودة إلى أراضيهم
.5العــودة تهــدد الصبغــة اليهوديــة للدولــة ،خاصــة بوجــود 18%مــن ســكان إســرائيل مــن
فلســطينيي .1948
.6احلــل الدميقراطــي غيــر قابــل للنقــاش ،ومــن هنــا فــإن احلفــاظ علــى املجتمــع اليهــودي
هــدف أمســى.
.7تتعهد الدول العربية في إطار االتفاقات معها بتوطني الالجئني على أراضيها.
.8يجــري اســتبدال األونــروا بالــدول املضيفــة ،وتنشــأ ســلطة دوليــة إلعــادة تأهيــل الالجئــن
| 128
وحتســن أوضاعهــم علــى اعتبــار أن إســرائيل غيــر راضيــة عــن األونــروا ،ليــس فقــط بســبب
وملواجهــة مــا متثِّلــه األونــروا بالنســبة لالجئــي فلســطني ،فــإن أهــداف إســرائيل املركزيــة متثَّلــت
فــي إنهائهــا باعتبارهــا املنظمــة الدوليــة الوحيــدة التــي مت ختصيصهــا لغــوث وتشــغيل الجئــي
فلســطني حلــن عودتهــم إلــى ديارهــم .وبالتالــي فهــي الشــاهد القانونــي والسياســي احلــي
والفاعــل علــى حقــوق الفلســطينيني بالعــودة ،ويتــم تأكيــد ذلــك مــن خــال قــرارات التمديــد
جــرت محــاوالت مــن إســرائيل والقــوى املؤيــدة لهــا للتخلــص مــن األونــروا بطــرق مختلفــة،
مــن بينهــا ختفيــض التمويــل املقــدم لهــا مــن قبــل الــدول املاحنــة وتشــجيع الــدول املاحنــة علــى
بقضيــة الالجئــن الفلســطينيني بــدأ منــذ الــدورة التاســعة واألربعــن للجمعيــة العامــة لــأمم
املتحــدة فــي العــام ،1994فبعــد أن كان منــدوب واشــنطن ،فــي كل دورة للجمعيــة العامــة
يتقــدم مبشــروع قــرار يعيــد التأكيــد علــى القــرار ،194أخــذ يلتــزم باملوقــف اإلســرائيلي باالمتناع
عــن التصويــت علــى القــرار وكانــت حجــة مندوبــة الواليــات املتحــدة لتبريــر موقــف بالدهــا
وفــي إطــار سياســات الواليــات املتحــدة األميركيــة جتــاه األونــروا ،فــإن اإلدارة األميركيــة بدأت
فــي اســتهدافها مباشــرة عبــر توجهــات جلنــة امليزانيــات فــي مجلــس الشــيوخ األميركــي ،التــي
صادقــت بتاريــخ 26مايو/أيــار 2012علــى تعديــل صغيــر فــي قانــون املســاعدات اخلارجيــة.
حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | 129
وينــص التعديــل علــى إلــزام وزارة اخلارجيــة األميركيــة بتقــدمي تقريــر للكونغــرس عــن عــدد
الالجئــن الفلســطينيني الذيــن مت تهجيرهــم مــن ديارهــم فــي العــام ،1948وعــدد أنســالهم
مــن بــن 5ماليــن فلســطيني يتلقــون مســاعدات مــن وكالــة الغــوث التابعــة لــأمم املتحــدة
(األونــروا) .وقــد مت تقــدمي اقتــراح التعديــل مــن قبــل الســناتور اجلمهــوري ،مــارك كيــرك،
الــذي يعتبــر أحــد املؤيديــن املركزيــن إلســرائيل فــي واشــنطن .ويطالــب اقتــراح القانــون بــأن
تقــوم اإلدارة األميركيــة فــي واشــنطن بتحديــد عــدد الالجئــن الفلســطينيني ،وكيــف ارتفــع
العــدد مــن 750ألــف الجــئ فــي العــام 1950إلــى 5ماليــن الجــئ اليــوم ،بالرغــم مــن وفــاة
عــدد كبيــر مــن الالجئــن الذيــن هجــروا مــن ديارهــم .أي أن مطلــب الكونغــرس هــو احلصــول
علــى معلومــات مفصلــة بشــأن العــدد احلقيقــي لالجئــن ،وفحــص عــدد أبنــاء اجليــل الثانــي
مــن الالجئــن واجليــل الثالــث ً
أيضــا ،كمــا ســتقوم الواليــات املتحــدة بفحــص عــدد األجيــال
كتلــة «هعتســمئوت») مــع جماعــات الضغــط املؤيــدة إلســرائيل (إيبــاك) ،ومــع عناصــر طاقــم
ومنــذ عــام 2013صادقــت جلنــة ختصيــص امليزانيــات في مجلــس الشــيوخ األميركــي باإلجماع
علــى تعديــل قانــون ميزانيــة املســاعدات اخلارجيــة للعــام ،2013الــذي يلــزم اخلارجيــة األميركية
بتقــدمي تقريــر عــن عــدد الالجئــن الفلســطينيني الذيــن ُه ِّجــروا مــن ديارهــم فقــط فــي عــام
وفــي اإلطــار نفســه عرضــت عــام 2015املذكــرة رقــم 3829علــى جلنــة الشــؤون اخلارجيــة
األميركيــة مــن أجــل توفيــر الشــفافية واحملاســبة واإلصــاح داخــل «األونــروا» .وأبــرز مــا جــاء
فــي املذكــرة التــي وافــق عليهــا الكونغــرس األميركــي فــي 26أكتوبر/تشــرين األول ،2015أن
الواليــات املتحــدة كانــت املســاهم األكبــر لألونــروا بــن عامــي 1950و ،2015وســاهمت فــي
| 130
موازنتهــا مبعــدل 277مليــون دوالر بــن عامــي 2009و .2015وفــي ختــام املذكــرة ،مت إيــراد
توجهــات الكونغــرس إزاء «األونــروا» ،وجــاء فيهــا ضــرورة إزالــة مواطنــي الــدول املعتــرف بهــا
مــن وصايــة «األونــروا» ،وتغييــر تعريــف «األونــروا» لالجــئ الفلســطيني ليتماشــى مــع تعريــف
املفوضيــة العليــا لشــؤون الالجئــن ،ومــن أجــل متابعــة معانــاة الالجئــن الفلســطينيني ينبغــي
حتويــل مســؤولية هــؤالء لتصبــح مــن مســؤولية املفوضيــة العليــا لشــؤون الالجئــن.
وفــي تبيــان التمــادي فــي السياســة األميركيــة لدعــم إســرائيل ،فإنــه منــذ انتخــاب ،دونالــد
متحديــا بذلــك
ً االحنيــاز إلــى إســرائيل .فقــد نَقــل ترامــب الســفارة األميركيــة إلــى القــدس،
ترا ًثــا طويـ ً
ـا مــن جتميــد قــرار النقــل هــذا ،كمــا أوقــف التمويــل األميركــي عــن وكالــة غــوث
وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني فــي الشــرق األدنــى (األونــروا) .وقــد ترافــق هــذان القــراران مع
حتــوالت كبــرى شــهدها العالــم ،ومتثَّلــت فــي صعــود اليمــن إلــى ســدة احلكــم فــي عــدد مــن
ُ
تعاظـ ِـم دور إســرائيل والدعــم الــذي تتلقــاه ،وفــي عجــز منظمــة التحريــر دول املركــز ،وفــي
(والســلطة الفلســطينية) عــن تعديــل موازيــن القــوى لصــاحل القضيــة الفلســطينية ،وفــي االنقســام
والصــراع بــن محــاور عربيــة عــدة .هــذه العوامــل ســهلت محاولــة تصفيــة وكالــة الغــوث،
متهيــدا لتصفيــة قضيــة الالجئــن وحــق العــودة»( .)12وجــاءت تلــك القــرارات إثــر رفــض
ً
الفلســطينيني خطــة الســام األميركيــة التــي لــم يعلــن عنهــا بشــكل رمســي حتــى اآلن ،لكــن
يتعلــق مبدينــة القــدس ،وملــف الالجئــن ،واالســتيطان .وفــي إطــار فــرض حلــول تتناســب
مــع رؤيــة إســرائيل واحلركــة الصهيونيــة ،أصــدرت اإلدارة األميركيــة احلاليــة ســبعة قــرارات
مصيريــة تضــرب عمــق القضيــة الفلســطينية ،خاصــة ملفــي «القــدس» و»الالجئــن» .وتشــمل
ونقــل الســفارة األميركيــة مــن تــل أبيــب إلــى القــدس ،وقطــع كامــل املســاعدات عــن الســلطة
الفلســطينية ،وكذلــك عــن األونــروا ،ووقــف دعــم مستشــفيات القــدس ،وإغــاق مكتــب
حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | 131
وفــي ســياق العمــل علــى إنهــاء قضيــة الالجئــن الفلســطينيني فــإن صفقــة القــرن «فــي شــقها
الفلســطيني تتضمــن فــرض حلــول لقضيــة الالجئــن الفلســطينيني تتجــاوز مرجعيــات القانــون
الدولــي وقــرارات األمم املتحــدة ذات الصلــة .وقــد متحــورت احلملــة األميركيــة فــي هــذا
اخلصــوص حــول ثالثــة عناويــن مترابطــة تتعلــق بتجفيــف املــوارد املاليــة لألونــروا ،وإعــادة
تعريــف الالجــئ ،وفــرض التوطــن ،وتهــدف مجتمعــة إلــى تصفيــة القضيــة الفلســطينية(.)13
وبالتالــي فــإن التعامــل األميركــي مــع قضيــة فلســطني وحقــوق شــعبها ،وبغــض النظــر عــن
قــرارات األمم املتحــدة املتعلقــة بحقــوق الجئــي فلســطني فــي العــودة إلــى ديارهــم وبيوتهــم
التــي طــردوا أو فــروا منهــا ،يتم َّثــل فــي ســعي واشــنطن بــكل مــا أوتيــت مــن قــوة إلــى تصفيــة
القضيــة الفلســطينية ،بالضغــط علــى أصحابهــا األصليــن ،بوســائل عــدة لعــل آخرهــا ،مــا
أعلنتــه بوقــف متويــل وكالــة األمم املتحــدة لغــوث وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني (األونــروا)
بذريعــة أنهــا منحــازة بشــكل ال ميكــن إصالحــه ،مــا تســبب فــي أن تواجــه الوكالــة األمميــة
دونالــد ترامــب ،ففــي فبراير/شــباط 2018قالــت مندوبــة الواليــات املتحــدة األميركيــة فــي األمم
املتحــدة ،نكــي هایلــي ،إن واشــنطن ســتوقف الدعــم املالــي املقــدم لوكالــة غــوث وتشــغيل
الالجئــن الفلســطينيني (األونــروا) إلــى أن یعــود الفلســطينيون إلــى طاولــة املفاوضــات مــع
ً
مخططــا يســتهدف إســرائيل .وبالتالــي فــإن اإلدارة األميركيــة بدعــم مــن الرئيــس ترامــب تقــود
تصفيــة وإنهــاء قضيــة الالجئــن الفلســطينيني ،وااللتفــاف علــى حــق العــودة الثابــت بهــدف
وفــي إطــار اخلطــة األميركيــة التــي يبرمجهــا الرئيــس األميركــي وفريقــه إلنهــاء القضيــة
| 132
الفلســطينية ،كشــفت صحيفــة «هآرتــس» اليســارية اإلســرائيلية عــن مالمــح «صفقــة ترامــب» أو
«صفقــة القــرن» ،معتبــرة أن وقــف واشــنطن لتمويــل األونــروا هــو بدايــة تنفيــذ خطــة الســام
األميركيــة اجلديــدة ،وأن اخلطــوط العريضــة للخطــة أصبحــت واضحــة وتبــدأ بزيــادة البنــاء
فــي املســتوطنات ،ووجــود مخطــط اســتيطاني إســرائيلي يفصــل مدينــة القــدس بشــكل نهائــي
وكامــل عــن امتدادهــا الفلســطيني ،وذلــك لدفــن فكــرة قيــام دولــة فلســطينية ذات تواصــل
إقليمــي فــي الضفــة الغربيــة .ورأت أن اخلطــوة الثانيــة فــي خطــة ترامــب هــي إعــان القــدس
عاصمــة إلســرائيل ونقــل الســفارة األميركيــة مــن تــل أبيــب إلــى القــدس .وتبــدو اخلطوتــان
وقــد نفذتــا علــى أرض الواقــع ،بيــد أنــه يبقــى فــي اخلطــة األميركيــة محاولــة القضــاء علــى
“األونــروا»(.)14
كمــا تأتــي احملــاوالت اإلســرائيلية األميركيــة الراهنــة إلنهــاء دور األونــروا عبــر العمــل علــى
جتفيــف مواردهــا ،أو دمــج تفويضهــا ضمــن صالحيــات املفوضيــة الســامية لشــؤون الالجئــن
فــي ســياق املخططــات األشــمل ،الهادفــة إلــى تصفيــة القضيــة الفلســطينية ،وفــي القلــب منهــا
قضيــة الالجئــن وحــق العــودة .وهــذه املخططــات ذات ســياقات وأبعــاد إقليميــة ودوليــة تتصل
باشــتراطات «عمليــة التســوية» فــي نســختها اجلديــدة التــي حتمــل اســم «صفقــة العصــر» ولهــا
فــي الوقــت عينــه تداعيــات وآثــار كارثيــة فــي كل منطقــة مــن مناطــق عمليــات األونــروا ،فيمــا
ومبــا أن «متويــل األونــروا هــو طوعــي بطبيعتــه ،فــإن ذلــك جعــل توافــر خدماتهــا مرهونًــا
باســتعداد املاحنــن لتمويلهــا ،وبالتالــي فــإن هــذه التبعيــة جعلــت الوكالــة عرضــة للضغــط
والتدخــل السياســي .وفــي الواقــع ،يكشــف التحليــل التاريخــي حملــاوالت إســرائيل وســلوك
اإلدارة األميركيــة منــذ بدايــة عمليــة أوســلو للســام عــن وجــود اســتراتيجية منظمــة ومدروســة
تهــدف إلــى القضــاء علــى احلقــوق األساســية للفلســطينيني بشــكل عــام ،وحقــوق الالجئــن
واملهجريــن الفلســطينيني بشــكل خــاص .وتهــدف هــذه االســتراتيجية إلــى إلغــاء األونــروا
حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | 133
باعتبارهــا الشــاهد الرئيــس علــى فشــل املجتمــع الدولــي فــي إيجــاد حــل ألكبــر وأطــول قضيــة
جلــوء وتهجيــر قســري فــي العالــم( .)16ولــذا بدأنــا «نشــهد منــذ أواخــر ســنة ،2015وحتــى قبــل
ذلــك فــي جلنــة املوازنــات بالكونغــرس األميركــي فــي ســنة ،2013حملــة إســرائيلية أميركيــة
سياســيا أو شرســة ومنســقة علــى األونــروا فــي األمم املتحــدة ،ت ِّ
ُشــكك فــي مبــرر وجودهــا
ًّ
أخالقيــا ،بهــدف تقويــض هــذا الوجــود .وتتلخــص مقــوالت تلــك احلملــة فــي :اتهــام األونــروا
ًّ
بأنهــا تشــكل «عقبــة أمــام الســام»؛ وتعمــل علــى إدامــة الصــراع العربــي اإلســرائيلي» و»تطبــق
معاييــر مزدوجــة عندمــا ال تعيــد توطــن الالجئــن الفلســطينيني»؛ وبــأن مجــرد ختصيــص منظمة
مــن منظمــات األمم املتحــدة لكــي تعنــى بالفلســطينيني دون غيرهــم مــن الجئــي العالــم يعــد
مبثابــة «احنيــاز ممنهــج مــن قبــل نظــام األمم املتحــدة ضــد إســرائيل»(.)17
الفلســطينية مبضمونهــا الكفاحــي اســتطاعت ســابقً ا أن تســتمر كرمــز ُم َع ِّبــر عــن اســتمرارية
القضيــة ووجــود الشــعب الفلســطيني فــي حالــة نضاليــة ،فــي ظــل اســتمرار حالــة احلــرب بــن
العــرب وإســرائيل .ولكــن عندمــا تنتهــي هــذه احلالــة فســوف تصبــح منظمــة التحريــر صيغــة
غيــر قابلــة مبضمونهــا احلالــي لالســتمرار والبقــاء .ومــن هنــا تأتــي مســؤولية البحــث عــن صيغــة
جديــدة تتحايــل علــى احلالــة اجلديــدة التــي مــن املتوقــع أن تنشــأ عندمــا تنتهــي حالــة احلــرب
بــن العــرب وإســرائيل بصــورة رمسيــة ،صيغــة جديــدة للمحافظــة علــى اســتمرارية القضيــة
اليــأس والشــعور بالعجــز ،وبالوصــول الــى نهايــة املطــاف»( .)18أمــا الســلطة الفلســطينية فــا
تــزال واهمــة بإمكانيــة حتقيــق تقــدم نــاجت عــن املفاوضــات مــع إســرائيل ،حــن ألقــى رئيــس
لــأمم املتحــدة فــي دورتهــا العاديــة ،وشــدد خاللــه علــى مســار املفاوضــات وعمليــة الســام.
وغــاب عــن خطــاب عبــاس أي ذكــر حلــق عــودة الالجئــن الفلســطينيني إلــى أراضيهــم احملتلــة،
| 134
التزامــا
ً مكتفيــا باإلشــارة إلــى ضــرورة االســتمرار بدعــم وكالــة (األونــروا) وجعــل دعمهــا
ً
مت تفويضهــا
ـرا بأنهــا قــد تأسســت بقــرار مــن اجلمعيــة العامــة عــام ،1949و َّ ِّ
مذكـ ً دوليــا ثابتــا،
ًّ
بتقــدمي املســاعدة لالجئــن إلــى أن يتــم التوصــل «حلــل دائــم لقضيتهــم» علــى حــد قولــه ،دون
التذكيــر باحلــل األممــي عبــر تنفيــذ القــرار رقــم 194الــذي ينــص علــى عــودة الالجئــن إلــى
والالجــئ فــي مختلــف مناطــق الشــتات فــي العــودة إلــى ديارهــم وبيــوت أجدادهــم.
لــذا فــإن مــا ينبغــي التأكيــد عليــه هنــا ،هــو أن «هــذا املوقــف الرافــض حلــق العــودة وفــق
دومــا مــن التنــازالت مبــادئ القانــون الدولــي وقــرارات األمم املتحــدة ذات الصلــة كان يتغـ َّ
ـذى ً
الفلســطينية فــي هــذا اخلصــوص ،ومــن اهتــزاز املكانــة املركزيــة حلــق العــودة فــي الفكــر
السياســي الفلســطيني وفــي املمارســة السياســية»( .)20أمــا بالنســبة للــدول العربيــة التــي جــاء فــي
الفقــرة الثانيــة مــن قــرارات مؤمترهــا ،الــذي عقــد فــي اخلرطــوم مــن 29أغســطس/آب إلــى 1
ســبتمبر/أيلول ،1967أن املؤمتريــن قــرروا تضافــر اجلهــود إلزالــة آثــار العــدوان علــى أســاس أن
األراضــي احملتلــة أراض عربيــة يقــع عــبء اســتردادها علــى الــدول العربيــة جمعــاء .وفــي الفقرة
الثالثــة اتفــق امللــوك والرؤســاء علــى توحيــد جهودهــم فــي العمــل السياســي علــى الصعيــد
الدولــي والدبلوماســي إلزالــة آثــار العــدوان وتأمــن انســحاب القــوات اإلســرائيلية املعتديــة
مــن األراضــي العربيــة احملتلــة بعــد عــدوان 5يونيو/حزيــران وذلــك فــي إطــار نطــاق املبــادئ
األساســية التــي تلتــزم بهــا الــدول العربيــة ،وهــي عــدم الصلــح مــع إســرائيل أو االعتــراف بهــا
وعــدم التفــاوض معهــا والتمســك بحــق الشــعب الفلســطيني فــي وطنــه .بيــد أن القــرار املذكــور
لــم يعــد لــه معنــى علــى الصعيــد التنفيــذي لــدى العديــد مــن الــدول العربيــة ،التــي تســاوقت
الفلســطينية؛ إذ لــم يكــن بوســع إدارة ترامــب أن تتجــرأ وتطــرح مبــادرات أو صفقــات تنهــي
حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | 135
القضيــة الفلســطينية ،وتتخــذ خطــوات كنقــل الســفارة األميركيــة مــن تــل أبيــب للقــدس
واعتبــار القــدس عاصمــة لـ»إســرائيل» ،لــوال املشــاركة العربيــة فــي هــذه الصفقــة التــي تصــل
حــد التواطــؤ ( .)21لذلــك فــإن األوضــاع العربيــة املترهلــة والتــي لــم تعــد مواجهــة إســرائيل
مــن أولوياتهــا ،قدمــت تســهيالت لــإدارة األميركيــة بتنفيــذ مــا مســي صفقــة القــرن التــي رتبهــا
الرئيــس ترامــب وفريقــه ،والهادفــة إلــى حســم وضــع القــدس ،باعتبارهــا عاصمــة إســرائيل،
ويشــير أحــد الباحثــن إلــى أن «ترامــب يراهــن علــى الســعودية واإلمــارات إلســقاط األونــروا
وحــق العــودة ،حيــث يتوســع املشــروع األميركــي لتصفيــة القضيــة الفلســطينية ،فــي ظــل صمت
عربــي رمســي وفــي بعــض األحيــان تواطــؤ علنــي»( .)22كمــا أن الضغط على الســلطة الفلســطينية
كــي تســتمر فــي املفاوضــات يؤشــر إلــى التمهيــد للوصــول إلــى املفاوضــات النهائيــة مــن أجــل
العامــة لــأمم املتحــدة ،وكانــت الواليــات املتحــدة األميركيــة واالحتــاد األوروبــي املمــول
الرئيســي لتنفيــذ برامجهــا ،وقــد أعربــت األونــروا عــن خيبــة أملهــا مــن إعــان الواليــات
املتحــدة وقــف التمويــل للوكالــة بعــد عقــود مــن الدعــم السياســي واملالــي القويــن ،وقالــت
إن هــذا القــرار «قــرار مفاجــئ بالنظــر إلــى قيــام األونــروا والواليــات املتحــدة بتجديــد اتفاقيــة
التمويــل فــي ديســمبر/كانون األول مــن عــام 2017حيــث اعترفــت الواليــات املتحــدة بــاإلدارة
2018أبلغــت الواليــات املتحــدة األونــروا عــن ختفيــض قــدره 300مليــون دوالر فــي الدعــم
| 136
الــذي تقدمــه مليزانيتهــا ،إذ قدمــت 60مليــون دوالر مقارنــة بـــ 364مليــون دوالر فــي عــام .2017
وقالــت املنظمــة بعــد ذلــك اإلعــان إنهــا ستســتمر «مبزيــد مــن التصميــم فــي التواصــل مــن
أجــل حشــد الدعــم مــع الشــركاء احلاليــن -20منهــم حتــى اآلن ســاهموا مبزيــد مــن املــال
مقارنــة بعــام ،2017مبــا فــي ذلــك دول اخلليــج وآســيا وأوروبــا -ودول أخــرى جديــدة»(.)24
كمــا لفتــت األونــروا إلــى أن األمم املتحــدة مطالبــة بتحمــل مســؤوليتها جتــاه الشــعب الفلســطيني
عمومــا والالجئــن بشــكل خــاص ،وتوفيــر الدعــم املالــي الكافــي الســتمرار برامــج وكالــة
ً
(األونــروا) التــي تقــدم خدمــات مهمــة وضروريــة ملاليــن الالجئــن.
وفــي مواجهــة اســتهداف األونــروا نــدد حقوقيــون بقــرار واشــنطن وقــف متويــل وكالــة غــوث
وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني ،حيــث أشــار نائــب املديــر العــام ملنظمــة احلقــوق املدنيــة
حلقــوق اإلنســان بلنــدن ،روان كريــغ ،أن «تصريحــات ترامــب وأعوانــه تعكــس ضبابيــة فــي
رؤيــة اإلدارة األميركيــة جتــاه القضيــة الفلســطينية بشــكل عــام ،وجتــاه وكالــة غــوث وتشــغيل
الالجئــن الفلســطينيني بشــكل خــاص ،فاملعلومــات التــي أدلــى بها هــؤالء املســؤولون مغلوطة،
فبرامــج األونــروا تتمتــع بســجل حافــل فــي مجــال التنميــة البشــرية وقدمــت نتائــج غيــر مســبوقة
خــال 70عامــا ...واالدعــاء بــأن برامجهــا تعانــي مــن خلــل هــو فــي حــد ذاتــه خلــل فــي
الرؤيــة والتقييــم ،وتعنــي أن القــرار سياســي فــي املقــام األول ،وهدفــه األول واألخيــر اســتغالل
املعونــات -وأميــركا املــاحن األكبــر -للضغــط علــى الســلطة الفلســطينية وفــرض رؤيــة سياســية
يســعى ترامــب ونتانياهــو لفرضهــا بكافــة الســبل»( .)25ولــذا فــإن األمم املتحــدة علــى الــدوام
تفيــد بــأن جتديدهــا واليــة (األونــروا) يتــم بســبب العجــز عــن تنفيــذ حــل مشــكلة الالجئــن
الفلســطينيني.
التوصــل إلــى حــل لهــذه املشــكلة تســتمر األونــروا فــي تقــدمي وتوفيــر اخلدمــات األساســية
لالجئــن .ويعتبــر الالجئــون الفلســطينيون أن برامــج األونــروا مت ِّثــل ضمانــة املجتمــع الدولــي
حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | 137
ـن أن املشــروع األميركــي يخالــف قــرارات مجلــس األمــن واجلمعيــة العامــة التــي
أنــه مــن البـ ِّ
َك َف َلــت حــق الالجئــن ،خاصــة القــرار األممــي .194وهــو يؤكــد أن اســتهداف األونــروا يســير
ضمــن مخطــط مبرمــج يتســاوق مــع توجهــات إســرائيل فــي اســتهداف األونــروا .كمــا أن
هــذه السياســات لــن جتــد آليــات تطبيقيــة تتم َّثــل فــي اســتيعاب الفلســطينيني خــارج فلســطني،
ولتلخيــص مــا يتعلــق بأهميــة دور األونــروا ،نشــير إلــى أن تأســيس منظمــة خاصــة بالالجئــن
ـد ســابقة لــأمم املتحــدة بالنســبة للتعاطــي مــع قضيــة الالجئــن فــي العالــم.
الفلســطينينيُ ،ي َعـ ُّ
وتبــرز هــذه اخلصوصيــة مــن أن األمم املتحــدة عندمــا أسســت املفوضيــة العليــا لشــؤون
الالجئــن ،بعــد توقيــع معاهــدة جنيــف عــام ،1951اســتثنت الالجئني الفلســطينيني مــن حمايتها
خصوصا،
ً عموما والالجئــن
ً وضماناتهــا .كمــا أن مســؤولية املجتمــع الدولــي جتــاه الفلســطينيني
ـد شــهادة علــى مســؤولية املجتمــع الدولــي جتــاه هــذه القضيــة رغــم أنهــا ال تعتبــر نفســها
ُي َعـ ُّ
مســؤولة عــن خلــق املشــكلة« ،صحيــح أن األمم املتحــدة هــي التــي أنشــأت األونــروا ،لكنهــا
ال تعتبــر نفســها مســؤولة عــن تشــريد الشــعب الفلســطيني .إن االلتــزام العملــي القائــم ،ميثــل
محاولــة المتصــاص أثــار اجلرميــة التــي ارتكبهــا املجتمــع الدولــي بتقســيم فلســطني وتشــريد
أهلهــا ،ومحاولــة للتعويــض ببعــض اخلدمــات احلياتيــة كــي ال يــؤدي احلرمــان واإلفقــار إلــى
| 138
عــدم اســتقرار أمنــي أو سياســي ( .)27كمــا أن األونــروا هــي املنظمــة الوحيــدة التــي أسســتها
خالصة
ُحــرِ م الفلســطينيون مــن ممارســة حق العــودة الــذي ضمنته املواثيــق الدوليــة واإلقليمية والدســاتير
بســبب التعنــت اإلســرائيلي الــذي يواجــه هــذا احلــق بالقــوة والقوانــن الوطنيــة والعنــف ،مــع
العلــم بــأن كل دول العالــم اعترفــت بهــذا احلــق مــا عــدا إســرائيل .ولهــذا فقــد اســتفادت
إســرائيل فــي العقديــن ونيــف املاضيــن ،مــن غيــاب اســتراتيجية فلســطينية وعربيــة تتصــدى
لالســتيطان ولالحتــال ،وجتعــل إســرائيل تدفــع مثــن اســتمرارها فيهمــا .كمــا «اســتفادت
كثيــرا ممــا يطلــق عليــه «العمليــة الســلمية» ،ومــن املفاوضــات الثنائيــة املباشــرة مــع
ً إســرائيل
وغطــاء
ً عليهــم ،ولتجريدهــم مــن مختلــف عوامــل قوتهــم ولتخفيــض تطلعاتهــم الوطنيــة،
الســتمرار االســتيطان ،ووســيلة ناجحــة لتجنــب الضغــط والعقوبــات الدوليــة ،وأداة لتجنــب
لــذا فــإن عــدم الوصــول إلــى حــل لعــودة الالجئــن إلــى وطنهــم وبيوتهــم يجعــل دور األونــروا
ً
مرتبطــا بتجــاوز دورهــا بتقــدمي اإلغاثــة املباشــرة إلــى تقــدمي اخلدمــات فــي مياديــن املميــز
املســجلني لديهــا ،والبالــغ عددهــم 5,442,947حســب بياناتهــا لعــام ،2018وهــم موزعــون علــى
و828,328 النحــو التالــي 469,555 :فــي لبنــان ،و 2,206,736فــي األردن ،و 551,873فــي ســوريا،
فــي الضفــة الغربيــة ،و 1,386,455فــي قطــاع غــزة احملاصــر .وهــذا مــا يســاهم إلــى حــد مــا فــي
توفيــر بعــض األســس املعيشــية الالزمــة فــي ظــل األوضــاع الصعبــة التــي يعيشــها الالجئــون فــي
قطــاع غــزة احملاصــرة ،وســوريا التــي أدى النــزاع فيهــا إلــى تهجيــر مــا يزيــد علــى 200ألــف
الجــئ مــن بيوتهــم ،كمــا أدى عــدم إعطــاء الالجئــن الفلســطينيني فــي لبنــان حقوقهــم املدنيــة
حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | 139
مبــا فيهــا احلــق فــي العمــل باملهــن احلــرة ،إلــى هجــرة مئــات اآلالف إلــى اخلــارج.
وفــي ظــل الوضــع الصعــب الــذي عاشــه الالجئــون الفلســطينيون علــى مــدى األعــوام الســابقة،
صــون الســام وعــدم حصــول اضطرابــات ميكــن أن تنتــج عــن عــدم حــل قضيــة الالجئــن،
ورغــم الظــروف الصعبــة التــي يعيشــها الفلســطينيون فــي مناطــق اللجــوء ،فــإن الشــباب
الفلســطيني يتمســك بحــق العــودة إلــى وطنهــم فلســطني ،ويظهــرون ذلــك عبــر مســيرات
العــودة فــي غــزة التــي تكــرس حــق الشــعب الفلســطيني فــي العــودة مهمــا يطــول الزمــان.
ومــن األمثلــة ً
أيضــا مــا ميارســه الشــباب الفلســطيني فــي املســيرات التــي حصلــت فــي ســوريا
ولبنــان عــام ،2011حــن مســح لالجئــن بالوصــول إلــى حــدود وطنهــم ،وقــام العديــد منهــم
مــن املؤكــد أن مشــكلة الالجئــن الفلســطينيني لــن حتــل إال بعودتهــم مهمــا حصل مــن حتوالت،
ذلــك أن الشــعب العربــي والفلســطيني وحتــى إســرائيل مبختلــف مكوناتهــا يدركــون احلقيقــة
التــي ال لبــس فيهــا ،والتــي تتم َّثــل فــي أن حــق العــودة لالجئــن الفلســطينيني ،إذا مــا طبــق
ســيعني نهايــة إســرائيل مبــا هــي عليــه كدولــة يهوديــة عنصريــة وبالتالــي وأد املشــروع الصهيونــي
برمتــه .وحيــث إن تأســيس األونــروا مــن قبــل املجتمــع الدولــي ،كان يســتند إلــى اعتقــاد مفــاده
أن القضيــة الفلســطينية ســتجد طريقهــا إلــى احلــل بشــكل ســريع ،وأن «مهمــة األونــروا ،ســوف
تكــون موجــزة ،ذلــك أن بعــض الالجئــن ســوف يســمح لهــم بالعــودة إلــى ديارهــم ،بينمــا
يجــري امتصــاص اآلخريــن فــي الــدول العربيــة احمليطــة( ،)29وألن هــذا احلــل اجلزئــي ال يقبلــه
الالجئــون الفلســطينيون ،ألنهــم متمســكون بالعــودة إلــى ترابهــم الوطنــي ،فــإن اســتمرار أعمال
األونــروا حيــوي لالجئــي فلســطني حلــن التوصــل إلــى حــل عــادل لقضيتهــم ،مــا يتوجــب على
اجلانــب الفلســطيني والعربــي واجلامعــة العربيــة ومنظمــات حقــوق اإلنســان ،العمــل وفــق خطــة
| 140
متماســكة( )30تتمثَّــل فــي رفــض أي تغييــر فــي الوضــع القانونــي أو املؤسســي أو الوظيفــي
لألونــروا ،واعتبــار أن مهمتهــا ال تنتهــي إال بانتهــاء مســألة الالجئــن الفلســطينيني ،حســب
قــرارات الشــرعية الدوليــة بعودتهــم إلــى ديارهــم أو تعويــض مــن ال يرغــب بذلــك ،والتواصــل
الدبلوماســي والبرملانــي والشــعبي مــع دول العالــم ومنظمــات املجتمــع املدنــي الدوليــة العاملــة
فــي مجــال حقــوق اإلنســان ،الســتمرار دعــم األونــروا فــي تقــدمي خدماتهــا ،دون انتقــاص
والسياســية املترتبــة علــى ختفيــض خدمــات األونــروا ،باعتبــار ذلــك ســيكون مدعــاة إلــى مزيــد
مــن عــدم االســتقرار والتطــرف فــي املنطقــة .لهــذا فــإن مهمــة األونــروا كانــت حيويــة وســتبقى
حيويــا
ًّ ً
عامــا حيويــة لالجئــن حلــن عودتهــم ،وأن بقــاء األونــروا واحلفــاظ عليهــا يشــكل
فــي احلفــاظ علــى حقــوق الالجئــن الفلســطينيني ،مبــا فيهــا حقهــم فــي العــودة إلــى وطنهــم
فلســطني.
املراجع
( )1املدلــل ،ولــي ،أبــو عامــر ،عدنــان ،دراســات فــي القضيــة الفلســطينية( ،جامعــة األمــة للتعليــم املفتــوح ،غــزة،
فلســطني ،)2013 ،ط ،1ص .179
* االسم الدقيق هو وكالة األمم املتحدة إلغاثة وتشغيل (الجئي فلسطني) في الشرق األدنى.
http: www. unrwa.org
( )2تاكنبــرغ ،ليكــس ،وضــع الالجئــن الفلســطينيني فــي القانــون الدولــي ،ترجمــة بكــر عبــاس( ،مؤسســة
الدراســات الفلســطينية ،بيــروت ،)2003 ،ط ،1ص .68
( )3محمــد ،الرنتيســي« ،محــاوالت أميركيــة حثيثــة تســتهدف تصفيــة قضيــة الالجئــن» ،البيــان 2 ،ســبتمبر/أيلول
( ،2018تاريــخ الدخــول 3 :مــارس/آذار :)2019
https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2018-09-02-1.3347314
( )4صــاحل ،محســن ،أحمــد ،وائــل ،مخططــات تصفيــة األونــروا :إلــى أيــن؟( ،مركــز الزيتونــة للدراســات
واالستشــارات ،بيــروت ،)2018 ،ص .3
( )5غــامن ،أســعد« ،دولــة فلسطينية-إســرائيلية ثنائيــة القوميــة :حنــو حــل احتــادي للمســألة الفلسطينية-اإلســرائيلية»،
حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | 141
انتفاضــات )1(2011 القــدم ،فــي منطقــة شــمال إفريقيــا والشــرق األوســط ،بشــكل مباشــر بعــد
التــي شــهدتها املنطقــة .وشـ َّ
ـكل ألتــراس مصــر ثيمــة ألولــى الدراســات ،التــي مت تناولهــا مــن
زاويــة دراســة احلالــة ( ،)2الســيما بعــد ترديــد أناشــيدهم االحتجاجيــة خــارج أســوار املالعــب،
ومشــاركتهم فــي التظاهــرات الشــعبية كتلــك التــي كانــت ُت َن َّظــم أمــام الســفارة اإلســرائيلية،
حيــث اعتقــل علــى إثرهــا أحــد أعضــاء «وايــت نايتــس» ( ،)Ultras White Knights) (UWK07وهــي
أول مجموعــة ألتــراس فــي مصــر تشــجع نــادي الزمالــك املصــري .كمــا تناســلت األغانــي
االحتجاجيــة ،منهــا علــى ســبيل املثــال ال احلصــر« :مــش ناســيني التحريــر» ملجموعــة وايــت
نايتــس ،وأغنيــة» 25ينايــر قولنــا بأعلــى صــوت» ،وكذلــك أغنيــة «حريــة» و»يا غراب ومعشــش»
أللتــراس أهــاوي .ومت إجمـ ً
ـال مقاربــة هــذه اخلطابــات االحتجاجيــة فــي إطــار مقولــة السياســة
د .سعيد بنيس ،أستاذ العلوم االجتماعية بجامعة محمد اخلامس بالرباط ،املغرب
*
143
| 144
مجتمعيــا؛ إذ إن التنافــس الرياضــي فــي مالعــب كــرة القــدم أصبــح «ذريعــة» خللــق
ًّ ً
حتــول
موقــع جديــد ونوعــي للفاعليــة ( )Agency)(4االحتجاجيــة الشــبابية .هــذا التحــول يســائل طبيعــة
ونوعيــة االحتجــاج الــذي يظهــر فــي املالعــب وكيفيــة مقاربة هويــة احملتجــن اجلــدد (األلتراس)
مــع األخــذ بعــن االعتبــار الديناميــة السياســية لــكل بلــد علــى حــدة واحملــددات االجتماعيــة
والثقافيــة التــي أدت إلــى هــذه الفاعليــة اجلديــدة التــي بــرزت داخــل مالعــب كــرة القــدم
فمــا ســياقات هــذا اخلطــاب االحتجاجــي اجلديــد فــي أبعــاده االجتماعيــة والسياســية والثقافيــة
فــي املغــرب؟ وكيــف تؤثــر التحــوالت االجتماعيــة علــى األشــكال اجلديــدة لالحتجــاج فــي
املغــرب؟ وكيــف ميكــن فهــم منطــق اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس :هــل حنــن أمــام صيرورة
أم ديناميــة أم تغيــر أم فوضــى أم ارتبــاك أم انــزالق أم أزمــة أم احتبــاس أو أمــام جميــع هــذه
احلــاالت مجتمعــة؟ مــا دور املجــال الرقمــي فــي بنــاء اخلطــاب االحتجاجــي؟ مــا أشــكال
وثانيــا :رصــد ســياق نشــأة األلتــراس ،وثال ًثــا :توصيــف االنتقــال مــن
ً املعتمــدة فــي الدراســة،
أشــكال جديــدة مــن االحتجــاج ،وفــي األخيــر ســنخلص الحتجــاج األلتــراس كمعارضــة
وصيــغ بالغيــة ذات وظائــف تعبيريــة وتواصليــةَ ُ .ي ِّكــن اخلطــاب االحتجاجــي مــن إبــداع
ـم جديــدة للواقــع السياســي واالجتماعــي واالقتصــادي ورفعهــا فــي شــعارات والترويــج
مفاهيـ َ
لهــا بطريقــة مقنعــة وطاقــة لغويــة محركــة .لهــذا يشـ ِّ
ـكل اخلطــاب االحتجاجــي أســاس ظاهــرة ِّ
تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | 145
ُّ
والثقافيــة والسياســية واالقتصاديــة التــي أدت إلــى ظهــوره وكذلــك مــدى تأثيــره فــي املتلقــي
لإلملــام بهــذا املعنــى والوعــي االحتجاجــي اجلديــد ،ســتعتمد الدراســة نظريــة التفاعليــة
الرمزيــة عنــد إيرفــن كوفمــان ( )Erving Goffman) (6التــي ترتكــز علــى ثــاث صيــغ تشــبيهية
لتحليــل املعنــى النــاجت عــن التفاعــات اخلطابيــة ،أوالهــا :مســرحي ،وثانيهــا :طقوســي،
وثالثهــا :ترفيهــي يحيــل علــى اللعــب .بالنســبة لكوفمــان هــذه الصيــغ التشــبيهية ِّ
متكــن مــن
ـميها الكاتــب املؤسســة الكاملــة ( .)Total Institution) (7فالتعايــش داخــل هــذه البنيــة
بعينهــم ُيسـ ِّ
يشــبه القيــام بــأدوار داخــل مســرحية وأي خطــأ مــن أحــد املمثلــن يــؤدي إلــى فشــل التفاعــل
ختضــع إلطــارات حتــدد التم ُّثــات وتوجــه اإلدراك وتتحكــم فــي ســلوكات والتزامــات األفــراد
املنضويــن فــي بنيــات مغلقــة مثــل بنيــة األلتــراس .تتميــز هــذه املقاربــة مقارنــة باألبحــاث التــي
نوعــا مــن
تناولــت ظاهــرة األلتــراس باملغــرب كونهــا تعتبــر الظاهــرة خطابيــة ومدنيــة وليســت ً
أنــواع العنــف والشــغب الشــبابي (.)8
ـيرا ألصنــاف وضــروب اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس فالفرضيــة األساســية ،التــي ُتقَ ـ ِّ
ـدم تفسـ ً
ً
مرتبطــا مبوقــع معني فيمــا يتعلــق باحلالــة املغربيــة ،تقــوم علــى أن اخلطــاب االحتجاجــي لــم يعــد
أو تــراب محــدد ،وأن املطالــب يتــم التعبيــر عنهــا عبــر خطــاب ينهــل مــن فاعليــة تشــاركية
الرمزيــة لكوفمــان؛ حيــث يعمــد األفــراد الفاعلــون إلــى تنظيــم تفاعالتهــم مــع املجتمــع مــن
«مســر َحة» ُتــو َّزع فيهــا أدوار بعينهــا ِّ
متكــن مــن بنــاء املعنــى اجلماعــي للخطــاب. َ خــال َ ْ َ
| 146
ــر َأة هــذه الفرضيــة ،اعتمــدت الدراســة علــى مقاربــة سوســيولوجية متتــح مــن املنهــج ِ َ
ول ْج َ
الوصفــي التحليلــي قواعــده ومرتكزاتــه ،وأدوات منهجيــة كيفيــة مبنيــة علــى ُأ ُسـ ِ
ـس النظريــة
املتجــذرة ( )Grounded Theoryالتــي تتأســس علــى مقاربــة اســتقرائية ( )9تتوخــى بنــاء املفاهيــم،
وهدفهــا النهائــي هــو توليــد نظريــات ( )10وبنــاء األطــر التحليليــة مــن خــال املالحظــة الدقيقــة
وحتليــل املعطيــات وتصنيفهــا فــي إطــار موضوعاتــي لفهــم الظاهــرة .وميكــن إيجــاز منهجيــة
النظريــة املتجــذرة ( )11مــن خــال عــدة مراحــل منهــا حتليــل أســئلة البحــث وجتميــع أولــى
اخلطابــي مــن ســنة 2017إلــى شــهر مــارس/آذار 2019بغيــة حتليــل وتوصيــف مضمــون املــن
اخلطابــي عبــر شــبكة للتحليــل ثالثيــة األبعــادِّ ،
يركــز أحدهــا علــى إبــراز األلفــاظ املثيــرة وآخــر
لالحتجــاج.
«هايــدوك ســبليت» ( )Hajduk Splitإال أن أغلــب الكتابــات حــول األلتــراس تتفــق علــى أن
ســان» 1969 ميــان» ،وظهــر بعــد ذلــك ألتــراس فريــق نــادي «إنتــر ميــان» حتــت مســمى «بويــز
( .)1969Boys Sanفــي نفــس الســنة ستنشــأ مجموعــة مشــجعي فريــق «ســامبدوريا» وتتخــذ لهــا
تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | 147
ُّ
اســم «ألتــرا تيتــو كوشــياروني» ( )Ultrà Tito Cucchiaroniعلــى اســم الالعــب «تيتــو كوشــياروني»
لتصبــح أول مجموعــة توظــف لفظــة «ألتــراس» فــي تســميتها ( .)12بعــد هــذا التاريــخ ستنتشــر
مجموعــات األلتــراس فــي باقــي بلــدان أوروبــا انطالقً ــا مــن إســبانيا فــي منتصــف الســبعينات
ثــم فرنســا فــي الثمانينــات وإجنلتــرا وباقــي الــدول األوروبيــة فــي التســعينات.
فيمــا يتعلــق بتاريــخ األلتــراس فــي منطقــة الشــرق األوســط وشــمال إفريقيــا ( ،)13يعتبــر ألتــراس
لنــادي الترجــي الرياضــي ،وفــي ســنة ،2004تأسســت مجموعــة «الكليــك ســلتيك» (La Click
)Celticالتــي شـ َّ
ـكلت نــواة ألتــراس الرجــاء البيضــاوي املغربــي .وفــي عــام ،2007ظهــر فــي
مصــر ألتــراس فريقــي األهلــي «ألتــراس أهــاوي» ،والزمالــك «ألتــراس وايــت نايتــس» .وفــي
نفــس الســنة ،تأسســت مجموعتــان باجلزائــر تســاندان فريــق نــادي املولوديــة اجلزائــري أطلــق
بويــز» (Ultras Méga عليهمــا اســم «ألتــراس فيــردي ليــون» ( )Ultras Verde Leoneو»ألتــراس ميغــا
الســوداني .وفــي األردن ،ظهــر «ألتــراس غرينــز» ))Ultras Greensاملســاند لفريــق نــادي الوحدات.
فيمــا يتعلــق باملغــرب ،تتعــدد القصــص والروايــات حــول تاريــخ نشــأة أول ألتــراس ،لكنهــا
( .)16بعــد هــذا التاريــخ تأسســت باقــي أشــكال األلتــراس والتــي يتجــاوز عددهــا اخلمســن،
ترتكــز غالبيــة هــذه التســميات علــى اللغــة اإلجنليزيــة ،وتنتمــي إلــى حقــل داللــي يحيــل علــى
الشــجاعة والنبــل والقــوة كصفــات للمنافســة وإثبــات الــذات (“بويــز”“ ،وينــرز”“ ،هيركوليس”،
(Blue lionsﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﺠﻊ ﻓﺮﻳﻖ ﺍﳍﻼﻝ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﱐ .ﻭﰲ ﺍﻷﺭﺩﻥ ،ﻇﻬﺮ "ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﻏﺮﻳﻨﺰ" )(Ultras Greens
ﺍﳌﺴﺎﻧﺪ ﻟﻔﺮﻳﻖ ﻧﺎﺩﻱ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ.
ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﳌﻐﺮﺏ ،ﺗﺘﻌﺪﺩ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﻭﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻧﺸﺄﺓ ﺃﻭﻝ ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ،ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺘﻔﻖ ﰲ ﳎﻤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺔ
،(15)2005ﻭﻳﻈﻞ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﻗﺎﺋﻤÉﺎ ﺑﲔ ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ) (Green Boysﻭﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﻓﺮﻳﻖ ﺍﳉﻴﺶ ﺍﳌﻠﻜﻲ
) (Ultras Askary de Rabatﺣﻮﻝ ﻟﻘﺐ ﺃﻭﻝ ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺑﺎﳌﻐﺮﺏ ) .(16ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﺑﺎﻗﻲ
| 148
ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﻭﺍﻟﱵ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﺪﺩﻫﺎ ﺍﳋﻤﺴﲔ ،ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﲤﺜﱢﻞ ﲨﻴﻊ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ.
ﺟﺪﻭﻝ ﺭﻗﻢ ) (1ﻳﱪﺯ ﺃﻫﻢ ﳎﻤﻮﻋﺎﺕ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﻭﺍﻷﻧﺪﻳﺔ ﺍﻟﱵ ﺗﺸﺠﻌﻬﺎ ﰲ ﺍﳌﺪﻥ ﺍﳌﻐﺮﺑﻴﺔ
ﺍﳌﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﻨﺎﺩﻱ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻲ ﺍﺳﻢ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﻡ
ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺴﻤﻴﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻹﳒﻠﻴﺰﻳﺔ ،ﻭﺗﻨﺘﻤﻲ ﺇﱃ ﺣﻘﻞ ﺩﻻﱄ ﳛﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﻨﺒﻞ ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ
ﻛﺼﻔﺎﺕ ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻭﺇﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺬﺍﺕ )"ﺑﻮﻳﺰ"" ،ﻭﻳﻨﺮﺯ"" ،ﻫﲑﻛﻮﻟﻴﺲ"" ،ﻓﺎﻳﺘﺮﺯ"" ،ﻣﺎﺗﺪﻭﺭﻳﺲ"" ،ﺭﻳﻔﻮﻟﱵ" (..ﻣﻊ
تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | 149
ُّ
هوياتيــة ،مثــل “حاللــة بويــز” ،حيــث تشــير “حاللــة” إلــى نبــات محلــي
احلــاالت ،كاســتعارات َّ
مبنطقــة القنيطــرة أو “إميازيغــن” و”سواســة” و”ريفينــوس”؛ حيــث إن هــذه األلفــاظ حتيــل علــى
اســم الســاكنة مبنطقــة أكاديــر وآيــت ملــول والريــف أو علــى فتــرة مــن تاريخهــم كـــ “قراصنــة”
كمــا هــو الشــأن بالنســبة لفريــق اجلمعيــة الســاوية .أمــا “ألتــراس شــارك” (القــروش) فهــي
كنايــة علــى طبيعــة النشــاط االقتصــادي ملنطقــة آســفي الــذي يرتكــز علــى الصيــد البحــري ،أو
“أوراجن” (الليمــون) فــي حالــة النهضــة البركانيــة كمنتــوج مييــز منطقــة بــركان ونواحيهــا (.)17
آذار 2019مــن الضــروري اإلشــارة إلــى املنــع ( )18الــذي طــال مجموعــات األلتــراس فــي
املغــرب ،والــذي اســتغرق ســنة كاملــة ،حيــث حظــرت َّإبانــه وزارة الداخليــة ،فــي أبريــل/
نيســان ،2016جميــع أطيــاف األلتــراس مــن الولــوج إلــى املالعــب بعــد األحــداث الداميــة
التــي جمعــت فصيلــن مــن ألتــراس فريــق الرجــاء ،وهمــا :فصيــل النســور وفصيــل غريــن
بويــز ،وراح ضحيتهــا مشــجعون مــن فريــق الرجــاء البيضــاويَ .ف َت ْحـ َ
ـت اســم قانــون 09/09يشــار
إلــى القانــون املتعلــق بتتميــم مجموعــة القانــون اجلنائــي “فــي العنــف املرتكــب أثنــاء املباريــات
أو التظاهــرات الرياضيــة أو مبناســبتها” ،والتــي تتــراوح فيهــا األحــكام بــن الســجن بالنســبة
لألحــداث املؤديــة للمــوت وأقصاهــا خمــس ســنوات والغرامــات املاليــة وأقصاهــا 50ألــف
درهــم (حوالــي 5.200دوالر) .بعــد شــهر مــارس/آذار ،2018وهــو تاريــخ عــودة األلتــراس إلــى
املالعــب ،صــار فعــل األلتــراس فــي املغــرب ،الســيما ألتــراس الرجــاء والــوداد البيضــاوي
فيمــا يتعلــق بســياق االنتقــال مــن مواقــع رياضيــة إلــى مواقــع احتجاجيــة يتوجــب إيــاء
أهميــة اجتماعيــة لطبيعــة اخلطــاب مــن زاويــة ارتباطــه بشــريحة عمريــة بعينهــا وهــي شــريحة
| 150
خطــاب األلتــراس( )19وقدرتهــا علــى مــلء الفــراغ الــذي خلقتــه البنيــات السياســية والنقابيــة
واملدنيــة .مــن خــال معاينــة اخلطابــات فــي مواقــع األلتــراس التــي اشــتغل عليهــا الباحــث،
الســيما مواقــع ألتــراس الرجــاء البيضــاوي والــوداد البيضــاوي والنــادي القنيطــري واملغــرب
كمــا أن ضيــق مواقــع االحتجــاج وخصائــص احملتجــن (الفئــة العمريــة لأللتــراس) قــد أدى
إلــى خلــق هامــش مــن احلريــة عبــر مت ُّلــك فضــاءات رقميــة (مواقــع األلتــراس واملجموعــات
الرقميــة) ال تســتدعي ترخيــص الســلطات وتتيــح مفعــول املفاجئــة ومباغتــة اخلصــم املفتــرض
(احلكومــة أو الســلطة أو الدولــة )...عبــر تعبئــة وخطــاب ُم َف َّكــر فيــه .هــذه االســتراتيجية
ختضــع لســياق االنتقــال مــن مواقــع رياضيــة إلــى مواقــع احتجاجيــة فــي تفاعــل إيجابــي مــع
ســيكولوجيا اجلماهيــر ممــا أدى إلــى حتــول فــي محاضــن التنشــئة :فمــن تنشــئة داخــل بنيــات
تقليديــة (أحــزاب سياســية ،جمعيــات شــبابية ،منظمــات مدنيــة) إلــى تنشــئة فــي أحضــان
بنيــات حديثــة (فصائــل األلتــراس) و”ممارســة سياســية” خــارج املؤسســات وفــي فضــاءات
افتراضيــة مفتوحــة.
مفهومــا ِّ
ميكــن مــن تتبــع ثقافــة وأســلوب ً فــي هــذا الصــدد ،تشـ ِّ
ـكل الفرديــة اجلماعيــة ()21
جديديــن لالحتجــاج ورصــد منظومــة احتجاجيــة لهــا منطلقاتهــا ومقوماتهــا ووقعهــا التعبيــري
والســلوكي علــى الفــرد واجلماعــة .كلتــا الصيغتــن ســواء صيغــة املفــرد (“الفرديــة”) أو صيغــة
اجلمــع (“اجلمعيــة”) تركــزان علــى انتمــاء يتماهــى فيــه الفــرد مــع اجلماعــة ،وتتماهــى اجلماعــة
إلــى جماعــة بعينهــا (األلتــراس) ،والشــعور باالنتمــاء إلــى املجتمــع املغربــي مــن خــال ســلوك
ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﺣﺘﺠﺎﺟﻴﺔ ﳍﺎ ﻣﻨﻄﻠﻘﺎúﺎ ﻭﻣﻘﻮﻣﺎúﺎ ﻭﻭﻗﻌﻬﺎ ﺍﻟﺘﻌﺒﲑﻱ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻛﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﳉﻤﺎﻋﺔ .ﻛﻠﺘﺎ ﺍﻟﺼﻴﻐﺘﲔ ﺳﻮﺍﺀ
ﺻﻴﻐﺔ ﺍﳌﻔﺮﺩ )"ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ"( ﺃﻭ ﺻﻴﻐﺔ ﺍﳉﻤﻊ )"ﺍﳉﻤﻌﻴﺔ"( ﺗﺮﻛﺰﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﺘﻤﺎﺀ ﻳﺘﻤﺎﻫﻰ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻊ ﺍﳉﻤﺎﻋﺔ ،ﻭﺗﺘﻤﺎﻫﻰ
ﺍﳉﻤﺎﻋﺔ ﻓﻴﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﺮﺩ .ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﺒﲑ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ ﺍﳉﺪﻳﺪ ﻳﻌﻜﺲ ﺧﻄﺎﺑÉﺎ ﻳﺘﺪﺍﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻻﻧﺘﺴﺎﺏ ﺇﱃ ﲨﺎﻋﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ
)ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ( ،ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺇﱃ ﺍ°ﺘﻤﻊ ﺍﳌﻐﺮﰊ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺳﻠﻮﻙ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ ﺍﻻﳔﺮﺍﻁ ﰲ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺔ
السياسية151 (|22
ﻭ"ﺍﻷﻣﻬﺎﺕ") ﻭﻓﺮﺍﻕ ﺍﻷﻫﻞ
وتأثيراته ﺗﻀﺤﻴﺔ
المغرب ﻳﺘﻄﻠﺒﻪ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ
لأللتراس في الخطابﻣﻊ ﻣﺎ
االحتجاجي ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺒﻼﺩ ﺍ°ﺘﻤﻌﻴﺔ ،ﻭﺍﻟـﺘﺄﺛﲑ ﰲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔُّ
تمثالت
ﻭﺷﻌﻮﺭ ﺑﺎﳌﻐﺎﻣﺮﺓ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﻭﺍﳉﻤﺎﻋﻴﺔ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﺣﺐ ﻭﻋﺸﻖ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ.
ﺍﳉﻤﻌﻴﺔ:للبــاد
ﻟﺬﺍﺕالعامــة
السياســة ﺧﻄﺎﰊفــي
ﲤﺘﺰﺝ ﻓﻴﻪ ﺍ ﻧﺴﻖــتأثير
ﻋﻠﻰوالـ
ﻮﻗﻮﻑــة،
املجتمعي
الديناميــةﳝﻜﻦ ﺍﻟ
ـيﻠﺸﻌﺎﺭﺍﺕ، ﺍﳊﻘﻞــراط فـ
ﺍﳌﻌﺠﻤﻲ ﻟ ﻭﺑﻨﻴﺔاالخن
ﺑﺘﺮﻛﻴﺐفــي
والرغبــة
ﻓﻴﻤﺎــةﻳﺘﻌﻠﻖ
الفاعلي
"ﺟﻴﻨﺎﻛﻢ
الفرديــة ـعور ﺭﰊ"،
باملغامــرة ﺑﻐﻴﻨﺎ ﻳﺎ
ـات”( )22ﱄوشـ
ﺑﺎﻟﻔﺎﻟﻴﻮﻡ" ،ﻭ"ﺍﳊﺮﻳﺔ
"ﺳﻜﺘﻮﻧﺎو”األمهـ ﻧﻮﻋﺎﻭ" ،ﻭ
األهــل ﻣﺎﺑﻐﻴﺘﻮﻧﺎوفــراق
تضحيــةﳔﺪﻣﻮ،
ﻣﺎﺑﻐﻴﺘﻮﻧﺎــن
ﻧﻘﺮﺍﻭ،ذلــك م "ﻣﺎﺑﻐﻴﺘﻮﻧﺎ
يتطلبــه مــع مــا
ﻣﻦ ﻟﻠﺨﺮ"" ،ﻓﻬﺎﺩ ﻟﺒﻼﺩ ﻋﺎﻳﺸﲔ ﻑ ﻏﻤﺎﻣﺔ"" ،ﺧﻼﻭﻧﺎ ﻛﻠﻴﺘﺎﻣﻰ" ...ﻭﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ" :ﺍﳍﺪﺭﺓ ﻃﻠﻌﺖ ﻑ ﺭﺍﺳﻲ
واجلماعيــة فــي ســبيل حــب وعشــق الفريــق.
ﻭﻏﲑ ﻓﻬﻤﻮﱐ"" ،ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ"" ،ﳌﻦ ﻧﺸﻜﻲ ﺣﺎﱄ"" ،ﺭﺍﱐ ﻣﻐﺒﻮﻥ") (23ﺍﻟﱵ ﲤﺜﱢﻞ ﺍﻟﺒﻮﺡ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ
ـب .وبنيــة احلقــل املعجمــي للشــعارات ،ميكــن الوقــوف علــى نســق خطابــي ﻭﺍﻟﺸﺨﺼﻲ بتركيـ
ﻟﻸﻟﺘﺮﺍﺱ. فيمــا يتعلــق
متتــزج فيــه الــذات اجلمعيــة“ :مابغيتونــا نقــراو ،مابغيتونــا خندمــو ،مابغيتونــا نوعــاو” ،و”ســكتونا
" 3ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ" ﻓﻌﻞ ﻣﻘﺘﺮﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﰲ ﺻﻴﻐﺔ ﺍﻟﻨﻔﻲ "ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ" )ﻟﻦ ﺃﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﻦ
ﺃﺳﺘﺴﻠﻢ( ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﺍﳌﻐﺮﺑﻴﺔ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ (Je ne lâcherai
)pas
" 4ﻓﺎﻳﺮ" )) (Fireﻛﻠﻤﺔ ﻣﻘﺘﺮﺿﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﳒﻠﻴﺰﻳﺔ ﺗﻌﲏ "ﺍﻟﻨﺎﺭ"( "ﺍﳌﻌﻴﺸﺔ ﺃﻭﻥ ﻓﺎﻳﺮ"
"ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣ∫ﺤÃﻜﹸﻮﺭ Ãﻛﻴﻔﻜﱠﺮ ﻓﹶﺎﻟﹾﺒ∫ﺎﺑﻮﺭ" " 5ﺍﻟﺒﺎﺑﻮﺭ" )ﺍﳌﺮﻛﺐ :ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﳍﺠﺮﺓ(
غمامــة”“ ،خالونــا كليتامــى” ...والــذات الفرديــة“ :الهــدرة طلعــت ف راســي وغيــر فهموني”،
“مــا نالشــيش مــا نالشــيش”“ ،ملــن نشــكي حالــي”“ ،رانــي مغبــون”( )23التــي مت ِّثــل البــوح
113
الفــردي والشــخصي لأللتــراس..
كلتــا الصيغتــن اخلطابيتــن ،صيغــة املفــرد وصيغــة اجلمــع ،ترتكــزان علــى تعابيــر وشــعارات
ومقــوالت تدخــل فــي إطــار التحــدي اإليجابــي وحتيــان علــى حقــول خطابيــة ترافعيــة مــن
ﺟﺪﻭﻝ ﺭﻗﻢ ) (3ﻳﱪﺯ ﺍﳊﻘﻮﻝ ﺍﳋﻄﺎﺑﻴﺔ ﻟﺸﻌﺎﺭﺍﺕ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﺍﳌﻬﺘﻮﻓﺔ ﻭﺍ ﹸﳌ ≥ﻐﻨ¥ﺎﺓ ﻭﺍﳌﻜﺘﻮﺑﺔ
ﻣﻦ تفاعالتهم
تنظيــم
ـى ﺍ°ﺘﻤﻊﺑﺎﻗﻲ إلـ
ﺃﻓﺮﺍﺩ ﻣﻊــون
الفاعل ﺗﻨﻈﻴﻢــراد
ﺗﻔﺎﻋﻼúﻢ ﺇﱃ األف
يعمــد ـدة،
ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻮﻥ اجلديـ
ﻓﺮﺍﺩ ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ،ــهﻳﻌﻤﺪ ﺍﻷ
ﻭﺗﻌﺒﲑﺍﺗﻪوتعبيرات
االحتجاجــي
ـنﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ
فــي هـﰲـذاﻫﺬﺍاملـ
ﺍﳌﱳ
ـنﻜﱢﻞبنــاء املعنــى ﺃﻟﺘﺮﺍﺱت ِّكــن
ﺍﳌﻐﺮﺏمﺗـﺸ بعينهــاُ ، ﺍﳉﻤﺎﻋﻲ.أدوار
ﻓﻔﻲ ﺣﺎﻟﺔ وتوزيــع ح ِتﺑﻨﺎﺀ
ها»،ﺍﳌﻌﲎ ـر َ
ﻣﻦ
«م ْسـ َ
ـال ﺗﻤ َﻜﱢﻦ ﺃﺩﻭﺍﺭخـ
ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ، ﻭﺗﻮﺯﻳﻊمــن
املجتمــع
ـرادﺣ∫ﺘÁﻬﺎ"،
ﺧﻼﻝ "أفﻣ∫ـﺴÃﺮ∫
مــع باقــي
ﺗﻔﺎﻋﻼﺕ ﺍ°ﻤﻮﻋﺎﺕ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ ،ﻣﺜﻞ :ﻏﺮﻳﻦ ﺑﻮﻳﺰ ،ﻭﻳﻨﺮﺯ ،ﺣﻼﻟﺔ ﺑﻮﻳﺰ ،ﻛﺎﺏ ﺳﻮﻻﻱ ،ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺇﳝﺎﺯﻳﻐﻦ ،ﺃﺳﺎﺱ
اجلماعــي .ففــي حالــة ألتــراس املغــرب تشـ ِّ
ـكل تفاعــات املجموعــات االفتراضية ،مثــل :غرين
ﺑﻨﺎﺀ ﺍﳌﻌﲎ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ ﺑﺎﻻﺭﺗﻜﺎﺯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﳌﻌﻴﺸﻴﺔ ﻟﻠﻤﺘﻔﺎﻋﻠﲔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺇﺑﺪﺍﻉ ﻫﺎﺷﺘﺎﻏﺎﺕ ﻭﺭﺳﺎﺋﻞ
االحتجاجــي املعنــى
ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﻴ∞ﺎ ـاءﺒﺌﺔ ﳍﺎ
ـاسﻭﺗﺘﻢبنـﺍﻟﺘﻌ ـن ،أسـ
ﺍﳋﻄﺎﺑﻴﺔ إميازيغـ
ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ـراسﺗﻮ∫ﺯ∆ﻉ
ﻭ"ﺍﻟﻜﺘ∆ـﺎﺏ".
ـوالي ،ألت ﻃﺮﻑسـ
"ﺍﳌﺆﻟﻔﲔ" ـز،ﻣﻦكاب
ﻣﺘﻔﻖبويـ
ﻋﻠﻴﻬﺎ حاللــة ﻭﺃﻏﺎﻥــرز،
ﻭﺷﻌﺎﺭﺍﺕ بويــز ،وين
ﲢﺖ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻭﺗﺄﻃﲑ ﻣﺴﻴæﺮﻱ ﺍ°ﻤﻮﻋﺎﺕ "ﺍﻷﺩﻣﲔ" ﻭﻳﺘﻠﻘﺎﻫﺎ ﳎﻤﻮﻉ ﻣﻨﺨﺮﻃﻲ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﻟـ"ﺗ∫ﻤÃﺜÁﻴﻠÁﻬﺎ" ﻭ"ﲡﺴﻴﺪﻫﺎ"
باالرتــكاز علــى البيئــة الثقافيــة واملعيشــية للمتفاعلــن مــن خــال إبــداع هاشــتاغات ورســائل
ﻭﺗ∫ﺨÃﺮﹺﳚﹺﻬﺎ ﻛﻌﻤﻞ ﻣﺴﺮﺣﻲ ﳌﻔﺎﺟﺄﺓ "ﺍﳋﺼﻢ ﺍﳌﻔﺘﺮﺽ" ،ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻛﻤﺘﻨﻔﺲ ﻟﻠﺘﻌﺒﲑ ﻋﻦ ﺩﺭﺍﻣﺎ ﻭﺍﺣﺘﻘﺎﻥ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ
ـائل اخلطابيــة
الرسـ
ﺠﺎﺟﺎﺕ ع ﺍﺣﺘـو َّز
ﺣﻮﻝ ﺍﳌﻜﻨﺎﺳﻲـ َ
ﺍﻟﻨﺎﺩﻱـاب»ُ .ت
و»الك َّتـ ﻻﻓﺘﺔـن»
ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ «املؤلفـ
ﻣﻀﻤﻮﻥـرف ـنﻨﻪطـ
ﺃﺩﻧﺎﻩ عليهــاﻛﻤﺎمـﻳﺒ∫ﻴæ متفــق
ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ـعاراتﺎﺳﻴﺔ وأغــان وشـ
ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴ
افتراضيــا حتــت مســؤولية وتأطيــر مسـ ِّـيري املجموعــات «األدمــن» ويتلقاهــا
ًّ ﺍﻷﺳﺎﺗﺬﺓ.ـة لهــا
وتتــم التعبئـ
ﺻﻮﺭﺓ ﺭﻗﻢ ) (1ﺗﻈﻬﺮ ﻻﻓﺘﺔ ﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﺍﻟﻨﺎﺩﻱ ﺍﳌﻜﻨﺎﺳﻲ ﻋﻦ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺍﻷﺳﺎﺗﺬﺓ ﺑﺎﳌﻐﺮﺏ )(25
لـ»ت ِث ِيلهــا» و»جتســيدها» َ ْ
مجمــوع منخرطــي األلتــراس َ ْ
وترِ ِ
يجهــا كعمــل مســرحي ملفاجــأة
«اخلصــم املفتــرض» ،وكذلــك كمتنفــس للتعبيــر عــن درامــا واحتقــان األوضــاع االجتماعيــة
114
والسياســية واالقتصاديــة كمــا ُي َب ِّينــه أدنــاه مضمــون الفتــة ألتــراس النــادي املكناســي حــول
احتجاجــات األســاتذة.
صورة رقم ( )1تظهر الفتة أللتراس النادي املكناسي عن أوضاع األساتذة باملغرب ()25
نص الالفتة« :لن تتقدم البالد ما دامت تسيء لألستاذ».
لهــذا ،يتــم لعــب األدوار فــي احتــرام تــام لآلخــر والبيئــة احمليطــة مــن خــال ميثــاق أخالقــي
ُّ
تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | 153
الص َت ْ
ــك» (شــجع فرقتــك و»شــجع فرقتــك ونقــي ْاب ْ نابيــة)،
ﻟﻸﺳﺘﺎﺫ". ألفــاظﺗﺴﻲﺀ
اســتعمال ﺩﺍﻣﺖ فرقتــك دون
ﺗﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻣﺎ ﺍﻟﻼﻓﺘﺔ" :ﻟﻦ ﻧﺺ
ِّ
وميكــن هــذا اإلطــار النظــري مــن فهــم التغيــر الــذي طــرأ علــى طبيعــة ِّ
ونظــف مكانــك).
ﳍﺬﺍ ،ﻳﺘﻢ ﻟﻌﺐ ﺍﻷﺩﻭﺍﺭ ﰲ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺗﺎﻡ ﻟﻶﺧﺮ ﻭﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﶈﻴﻄﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻴﺜﺎﻕ ﺃﺧﻼﻗﻲ ﻳﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﺏ ﻣﻮﺍﻃﻦ
مت االنتقــال مــن مجتمــع التواصــل إلــى مجتمــع االتصــال ،وأصبــح االتصــال
املجتمــع؛ حيــث َّ
ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ" :ﺷﺠæﻊ Ãﻓﺮﻗﺘﻚ ﺑﻼ ﻣﺎ ﺍﺗÃﺨ∫ﺴ∆ﺮ ﻫ∫ﻀ∫ﺮÃﺗ∫ﻚ) "Ãﺷﺠﻊ ﻓﺮﻗﺘﻚ ﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﻧﺎﺑﻴﺔ( ،ﻭ"ﺷﺠﻊ ﻓﺮﻗﺘﻚ
كاســتراتيجية لـِ»ا َملســرحة» والتعبيــر عــن االحتجــاج ،هــذا التحــول يســائل طبيعــة ونوعيــة
ﻓﺮﻗﺘﻚ َ َﻭﻧﻈﱢﻒ ﻣﻜﺎﻧﻚ( .ﻭﳝﻜﱢﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺘﻐﲑ ﺍﻟﺬﻱ ﻃﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ
ْ ﻭﻧﻘﻲ ﺍﺑÃﻼﺻÃﺘ∫ﻚ) "Ãﺷﺠﻊ
السياسـﹻـية"ﺍﳌﹶ Ã
ﺴﺮ∫ﺣ∫ﺔ" اخلطــاب وكيفيــة مقاربــة هويــة احملتجــن اجلــدد مــع األخــذ بعــن االعتبــار الديناميــة
ﻛﺎﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻟ ﺍ°ﺘﻤﻊ؛ ﺣﻴﺚ ﰎﱠ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﳎﺘﻤﻊ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﺇﱃ ﳎﺘﻤﻊ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ،ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ
ـدةﻣﻊ ﺍﻷﺧﺬ
ـددات االجتماعيــة والثقافيــة التــي أدت إلــى هــذه الفاعليــة ( )26اجلديـ
ﺍﳉﺪﺩ ﻫﺬﺍ ِّﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﻳﺴﺎﺋﻞ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻭﻧﻮﻋﻴﺔ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﻫﻮﻳﺔ ﺍﶈﺘﺠﲔ فــي املغــرب واحملـ
ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﲑ ﻋﻦ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺝ،
االفتراضيــة.ﺇﱃ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ )(26
ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔـة ﺍﻟﱵ ﺃﺩﺕ
ـدا لشــعور املواطنــة وهــو وعــاء املواطنـ
جديـ ًﺍﳌﻐﺮﺏ ﻭﺍﶈﺪæﺩﺍﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ التــي أوجــدت وعــاء
ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ ﺑﻌﲔ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺔ
مــن املالحــظ إذن أن الشــعارات املتداولــة لــم تصبــح مقتصــرة علــى جمهــور أو ألتــراس فريــق
ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﱵ ﺃﻭﺟﺪﺕ ﻭﻋﺎﺀ ﺟﺪﻳﺪÉﺍ ﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﳌﻮﺍﻃﻨﺔ ﻭﻫﻮ ﻭﻋﺎﺀ ﺍﳌﻮﺍﻃﻨﺔ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ.
معــن ومحصــورة فــي مواقــع بذاتهــا (مالعــب كــرة القــدم) ،بــل صــار لهــا تواجــد وتــداول
ﻣﻦ ﺍﳌﻼﺣﻆ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺎﺭﺍﺕ ﺍﳌﺘﺪﺍﻭﻟﺔ ﱂ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﻘﺘﺼﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﲨﻬﻮﺭ ﺃﻭ ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻌﲔ ﻭﳏﺼﻮﺭﺓ ﰲ ﻣﻮﺍﻗﻊ
مت مت ُّلكهــا مــن طــرف أطيــاف مختلفــة مــن املواطنــن ال عالقــة لهــم
خــارج هــذه املواقــع و َّ
ﺑﺬﺍúﺎ )ﻣﻼﻋﺐ ﻛﺮﺓ ﺍﻟﻘﺪﻡ( ،ﺑﻞ ﺻﺎﺭ ﳍﺎ ﺗﻮﺍﺟﺪ ﻭﺗﺪﺍﻭﻝ ﺧﺎﺭﺝ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻮﺍﻗﻊ ﻭﰎﱠ ﲤﻠﱡﻜﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺃﻃﻴﺎﻑ ﳐﺘﻠﻔﺔ
بالرياضــة ويعيــدون تصريفهــا فــي مواقــع مجتمعيــة أخــرى ،كاملعاهــد اجلامعيــة واألســواق
ﻣﻦ ﺍﳌﻮﺍﻃﻨﲔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﳍﻢ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻭﻳﻌﻴﺪﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﻔﻬﺎ ﰲ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﳎﺘﻤﻌﻴﺔ ﺃﺧﺮﻯ ،ﻛﺎﳌﻌﺎﻫﺪ ﺍﳉﺎﻣﻌﻴﺔ ﻭﺍﻷﺳﻮﺍﻕ
واملســيرات االحتجاجيــة .فاخلصــم لــم يعــد الفريــق املقابــل أو السياســة الرياضيــة أو اجلامعــة أو
ﻭﺍﳌﺴﲑﺍﺕ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻴﺔ .ﻓﺎﳋﺼﻢ ﱂ ﻳﻌﺪ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺍﳌﻘﺎﺑﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﳉﺎﻣﻌﺔ ﺃﻭ ﺍﳌﺪﺭﺏ ﻓﻼﻥ ﻣﺜﻠﹰﺎ ،ﺑﻞ
املــدرب فــان مثـ ً
ـا ،بــل السياســات احلكوميــة ومقرريهــا؛ فاملواجهــة اخلطابيــة تتــم بتفويــض
ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﳊﻜﻮﻣﻴﺔ ﻭﻣﻘﺮﺭﻳﻬﺎ؛ ﻓﺎﳌﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﳋﻄﺎﺑﻴﺔ ﺗﺘﻢ ﺑﺘﻔﻮﻳﺾ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻛﺠﺴﺮ ﻟﻼﺣﺘﺠﺎﺝ ﻭﲢﻘﻴﻖ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ
ﻭﺍﻻﳔﺮﺍﻁ ﰲ ﺍ°ﺘﻤﻊ .ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﳉﻤﺎﻫﲑ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ﺗﺮﻓﻊ ﻻﻓﺘﺎﺕ ﺿﺪ ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ،ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﺻﺒﺤﺖ
ﺍﳌﻀﺎﻣﲔ ﺫﺍﺕ ﺍﳌﺮﺟﻌﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﳊﻘﻮﻗﻴﺔ ﺗﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻌﺎﺭﺍﺕ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﳌﻼﻋﺐ.
ﺍﳌﺎﺩﻳﺔ ،ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍﻟﺘﺸﻐﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﳌﻌﻴﺸﺔ )"ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣ∫ﻘﹾﻬﻮﺭ ،"Ãﻭ"ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺭ∫ﺍﺟ∫ﻊ ﺍﻟﻠﱡﻮﺭ ،"Ãﻭ"ﺍﻟﺸﻌﺐ
ﻣ∫ﻬÃﻤﻮﻡ ،"Ãﻭ"ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣ∫ﻀÃﻴﻮﻡ ،(27)("ÃﻭﺃﻳﻀÉﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﺪ ﻣﺮﻳﺮ ﻭﺳﺨﺮﻳﺔ ﻻﺫﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻣﺪﻋﻮﻡ
ﺧﻄﺎﺑﻴﺔ ﲨﺎﻋﻴﺔ ﺷﺒﺎﺑﻴﺔ ﻭﻧﺸﺎﻁ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮﻩ ﺷﻌﺎﺭ "ﰲ ﺍﻟﻘﹸﺒ∆ﺔ ﺍﻟﺘÃﻜﹶﺮÃﻛÁﲑ ..Ãﻭﰲ ﺍﳌﹸﻘﹶﺮ∆ﺭ ﺍﻟﹾﺒ∫ﻐÃﺮﹺﻳﺮ،"Ã ﺑﻌﺒﻘﺮﻳﺔ
| 154
ﻭﻫﻮ ﺷﻌﺎﺭ ﻳﺰﺩﺭﻱ ﺳﻠﻮﻛﺎﺕ ﺍﻟﱪﳌﺎﻧﻴﲔ ﺩﺍﺧﻞ ﻗﺒﺔ ﺍﻟﱪﳌﺎﻥ )ﳝﻀﻮﻥ ﻭﻗﺘﻬﻢ ﰲ ﺍﻟﻀﺤﻚ( ﻭﻳﻨﺘﻘﺪ ﺇﺩﺭﺍﺝ ﺍﻟﻠﻬﺠﺔ
ﺍﳌﻘﺮﺭﺍﺕ(.
ﰲ واالخنـ
ـراط فــي املجتمــع .فيمــا مضــى كانــت )ﻣﻌﺠﻢ ﺍﻟﻌﺎﻣﻴﺔ
الفاعليــة ﺍﻷﻭﱄ
وحتقيــق ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢــاج
لالحتج ﻣﻘﺮﺭﺍﺕ
كجســرﺍﳌﻐﺮﺑﻴﺔ ﰲ ﺍﶈﻠﻴﺔ/
الرياضــة
اجلماهيــر الرياضيــة ترفــع الفتــات ضــد املؤسســات الرياضيــة ،واليــوم أصبحــت املضامــن ذات
بــل مواقــع تتــم مــن خاللهــا التنشــئة السياســية الفرديــة واجلماعيــة وتقمــص هويــات «نضاليــة»
ظرفيــة .وهــذه التنشــئة تســتند إلــى املطالبــة والترافــع علــى مجموعــة مــن القيــم املاديــة ،مثــل
اجــع ال ُّل ْ
ــور»، الصحــة والتشــغيل والتعليــم ومســتوى املعيشــة («الشــعب َمقْ ُه ْ
ــور» ،و»التعليــم َر َ
ً
وأيضــا علــى نقــد مريــر وســخرية الذعــة مــن ـوم» ،و»الشــعب َم ْض ُيـ ْ
ـوم»)(،)27 و»الشــعب َم ْه ُمـ ْ
ﺻﻮﺭﺓ ﺭﻗﻢ ) (2ﺗﱪﺯ ﺍﻧﺘﻘﺎﺩ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﻷﺩﺍﺀ ﺍﻟﱪﳌﺎﻧﻴﲔ ﻭﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﰲ ﺍﳌﻘﺮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻴﺔ )(28
افتراضــي سياســي
ﳎﻠﺲ ﺍﻟﻨﻮﺍﺏ، ونشــاط
ﺍﳌﺒﺘﺬﻝ ﰲ شــبابيةﺍﻟﻀﺤﻚ
ﲢﻴﻞ ﻋﻠﻰجماعيــة
خطابيــةﺘÃﻜﹶﺮÃﻛÁﲑ"Ã
بعبقريــة )ﻟﻔﻈﺔ " ﺍﻟ
مدعــومﺮ∆ﺭ Ãﺍﻟﹾ∫ﺒﻐÃﺮﹺﻳﺮ"Ã
العموميــةﲑ ..Ãﻓﹶﺎﻟﹾﻤﻘﹶ
السياســاتﻟﹾﻘﹸﺒ∆ﺔ ﺍﻟﺘÃﻜﹶﺮÃﻛÁ
ﻧﺺ ﺍﻟﻼﻓﺘﺔ" :ﻓﹸﺎ
ﺍﶈﻠﻲ(.يــزدري ســلوكات
ﺍﳋﺒﺰ شــعار
ﻣﻦوهــو
ـر»، ـرر ا ْل
ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ َبغْ رِﻧﻮيﻋـÉﺎ ْ
وفــي ا ُ
ﻓﺘﻌﲏملقَ ـ َّ ـر.. ﺇﱃــة ال ْت َك ْر ِ
ﺍﳌﻘﺮﺭﺍﺕكيـ ْ
ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻴﺔ ـيﺖالقُ َّب
ـعار ﺃﹸﺩ«ÃفـﺧÁﻠﹶ
شـﺍﻟﱵـرهﹺﻳﺮ"Ã
يظهﺒ∫ـﻐÃﺮ ﺃﻣﺎكمــا
ﻛﻠﻤﺔ " ﺍﻟﹾ
البرملانيــن داخــل قبــة البرملــان (ميضــون وقتهــم فــي الضحــك) وينتقــد إدراج اللهجــة احملليــة/
116
ُّ
تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | 155
وهــم كذلــك فــي اتصــال مســتمر وتعبئــة متواصلــة عبــر يقظــة افتراضيــة وتفاعــل جماعــي،
ميكــن كذلــك التســاؤل حــول إمكانيــة انتقــال هــذا اجلمهــور االفتراضــي إلــى الواقــع امليدانــي
واالحتجــاج فــي الفضــاء الواقعــي ،باعتبــار أن منســوب الوعــي السياســي لــدى األلتــراس قــد
ُي ِّكنهــم مــن التنظيــم والتحــرك خــارج أســوار املالعــب الرياضيــة ،لتصبــح املواجهــة مباشــرة
مــع الســلطات واحلكومــة والدولــة كمــا وقــع مــع التالميــذ الرافضــن للســاعة اإلضافيــة فــي
واإلجــراءات الزجريــة جتــاه الفصائــل املشــجعة ،حبيــس أســوار املالعــب ولــن يتعداهــا إلــى
الشــارع؟
ا/رقميا .فأضحــى نشــاط هــذا اجليــل مــن الشــباب مبثابــة متظهــرات لدميقراطيــة رقميــة
ًّ ـبكي
شـ ًّ
ترتهــن بالتحــوالت املجتمعيــة التــي بدورهــا أفضــت إلــى مصفوفــة مــن املتطلبــات واحلاجيــات
اجلديــدة علــى أساســها تتــم املمارســة السياســية ،مــن قبيــل حاجيــات جماعيــة تتصــل بالقيــم
املاديــة ،مثــل التشــغيل والصحــة والتعليــم واملواصــات والبنيــات التحتيــة والســكن واألمــن
واملــاء والكهربــاء… وحاجيــات خنبويــة ترتبــط بالقيــم غيــر املاديــة مــن قبيــل املطالبــة باملناصفــة،
وإلغــاء عقوبــة اإلعــدام ،واحلريــات الفرديــة ،وحريــة العقيــدة ،واملســاواة فــي اإلرث ،واحلــق
| 156
مبــوازاة هــذه احلاجيــات اجلماعيــة والنخبويــة ظهــرت حاجيــات فرديــة حتيــل علــى قيــم احليــاة
التــي جتســدها مســيرات العطــش وغــاء املعيشــة ونســبة الوفيــات (الرضــع ،النســاء احلوامــل)،
وعــودة بعــض األوبئــة (الســل والليشــمانيا واألمــراض التناســلية والســرطان…) ،ووقــع التقلبــات
املناخيــة وعــدم التكافــؤ فــي توزيــع الثــروات؛ ممــا أدى إلــى خلــق فضــاء راديكالــي ومجــال
لثقافــة مضــادة ورأمســال رمــزي مكتســب رافــض للحلــول الوســطى فتحــول الفضــاء الرقمــي
مــا نتــج عنــه تكامــل احتجــاج املالعــب باالحتجــاج الرقمــي وصــار مي ِّثــل آليــة واســتراتيجية
واألناشــيد) أداة مســاعدة ومواكبــة الحتجــاج املالعــب أم إنــه أمــام عــدم فاعليــة احتجــاج
املالعــب ســتعمد األلتــراس إلــى نهــج االحتجــاج الرقمــي لتفــادي املواجهــة املباشــرة مــع
وجــر الفاعــل املؤسســاتي إلــى معتــرك العالــم االفتراضــي الــذي لــم يخبــر بعــد
ِّ الســلطات
متاهاتــه وحتدياتــه؟
لفهــم هــذا النــوع مــن املمارســة السياســية الرقميــة ،حنيــل علــى عناصــر املــرور مــن التعبئــة
الرقميــة إلــى األثــر الواقعــي ،وهــذه العناصــر تتمثَّــل فــي متلــك اخلطــاب االحتجاجــي
والترصيــد والتمكــن مــن خــال الرمزيــة االحتجاجيــة والعمــق التفاوضــي لشــعارات األلتــراس
وقدرتهــا علــى إعــادة بنــاء الــرأي العــام .ويتــم هــذا البنــاء الداللــي عبــر اإلجمــاع علــى جــدوى
الفعــل االحتجاجــي الســيما مــع ردود الفعــل التــي تلــت منــع األلتــراس مــن املياديــن ،وغيــاب
قطــب مناهــض ملجتمــع األلتــراس والتحــول مــن االعتبــارات املاديــة (املطالبــة برفــع التيفــوات
“لوحــات فنيــة” ،ومتابعــة املقابــات والتنقــل مــع الفريــق )...إلــى مت ُّثــات قيميــة رمزيــة حقوقية
ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﺏ
ﻌﺘﻤﺪ157 ﻟﻸﻟﺘﺮﺍﺱ ﺍﻟﱵ ﺗ
السياسية | ﻟﻠﻤﻤﺎﺭﺳﺔ فيﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ
المغرب وتأثيراته الخطاب ﺍﳉﺪﻳﺪ
االحتجاجي لأللتراس الت ﺍﳌﻨﻄﻖ
ﳚﺴﺪ ﻓﺎﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﰲ ﺻﻴﻐﺘﻪ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ ُّ
تمث
ﺍﳌﻮﺍﻃﻨﺔ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ ﺑﺎﻻﺭﺗﻜﺎﺯ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻣﻌﻴﻨﺔ ،ﺑﻞ ﻋﻠﻰ "ﻣﻴﺪﻳﺎ") (30ﺗﺆ∫ﺳ∆ﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻔﻮﻓﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ
فاالحتجــاج فــي صيغتــه االفتراضيــة يجســد املنطــق اجلديــد للممارســة السياســية لأللتــراس
ﺍﳌﻌﺒæﺮﺓ ﻭﺍﳌﺆﺛﺮﺓ ﻭﻣﻘﺎﻃﻊ ﻓﻴﺪﻳﻮ ﺻﺎﺩﻣﺔ ﻭﺗﺼﺮﳛﺎﺕ ﻳﺎﺋﺴﺔ ﻭ"ﻫﺎﺷﺘﺎﻏﺎﺕ" ﻣﻌﺒﺌﺔ ﻭﻣﻘﻮﻻﺕ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ" :ﺍﻟﺸﻌﺐ"
التــي تعتمــد علــى خطــاب املواطنــة االفتراضيــة باالرتــكاز ليــس علــى أيديولوجيــا معينــة ،بــل
ﻭ"ﺍﳊﻜﺮﺓ" ﻭ"ﺟﻴﻨﲑﺍﺳﻴﻮﻥ" ) (Générationﲟﻌﲎ ﺍﳉﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺜﱢﻠﻪ ﺷﺒﺎﺏ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ .ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺝ
علــى “ميديــا”(ُ )30تؤَســس علــى مصفوفــة مــن الصــور املعبــرة واملؤثــرة ومقاطــع فيديــو صادمــة
َّ
ﺍﺣﺘﺠﺎﺟÉﺎ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴ∞ﺎ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳ∞ﺎ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴ∞ ِّﺎ ،ﻓﺈﻥ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﺍﻟﺮﻗﻤﻲ )ﺍﺣﺘﺠﺎﺝ ﺍﻹﻧﺘﺮﻧﺖ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻲ )ﺍﺣﺘﺠﺎﺝ ﺍﳌﻼﻋﺐ(
وتصريحــات يائســة و”هاشــتاغات” معبئــة ومقــوالت بعينهــا مــن قبيــل“ :الشــعب” و”احلكــرة”
ﻭﺍﻟﺸﺎﺷﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﺒﻜﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ( ﻫﻮ ﺍﺣﺘﺠﺎﺝ ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﻲ ﻋﺎﺑﺮ ﻟﻠﺤﺪﻭﺩ ﻭﻣﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﲨﻴﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﻗﺎﺕ )ﻓﻠﺴﻄﲔ،
و”جينيراســيون” (( Générationمبعنــى اجليــل الــذي ميثِّلــه شــباب األلتــراس .فــإذا كان االحتجــاج
ﺍﳉﺰﺍﺋﺮ ،ﺗﻮﻧﺲ ،ﻣﺼﺮ (...ﻳﺸﻜﱢﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻚ ﻭﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﺸﺎﺭﻙ ﺃﺩﺍﺓ ﻟﻠﺘﻤﺮ‰ﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻘﻄﺎﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ
الواقعــي (احتجــاج املالعــب) احتجاجــا اجتماعيــا واقتصاديــا وسياســيا ،فــإن االحتجــاج
ًّ ًّ ً
ﺍﳌﺸﺘﺮﻛﺔ ﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ًّﺍﳌﻨﻄﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺒ∫ﻴæﻨﻪ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺃﺩﻧﺎﻩ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻻﳔﺮﺍﻁ ﺍﳉﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻻﻟﺘﻘﺎﺀ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ
الرقمــي (احتجــاج اإلنترنــت والشاشــات والشــبكات االجتماعيــة) هــو احتجــاج افتراضــي عابر
ﺍﻟﱵ ﺭﻓﻌﺘﻬﺎ ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﺗﻨﺪﻳﺪÉﺍ ﺑﺈﻋﺪﺍﻡ ﺗﺴﻌﺔ ﺷﺒﺎﻥ ﲟﺼﺮ )"ﺍﻟﺴﺠﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻊ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻷﺯﻣﺎﻥ ،ﻣﻦ ﻳﻮﺳﻒ
للحــدود ومنفتــح علــى جميــع الســياقات (فلســطني ،اجلزائــر ،تونــس ،مصــرُ )...يشـ ِّ
ـكل فيــه
ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺇﱃ ﺷﺒﺎﻥ ﻣﺼﺮ ﺍﻟﺸﺠﻌﺎﻥ"(.
ﺻﻮﺭﺓ ﺭﻗﻢ ) (3ﺗﻮﺿﺢ ﺍﻟﺘﻘﺎﺀ ﺍﳌﺸﺠﻌﲔ ﺣﻮﻝ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ )(31
اجلماعــي
ﺍﻟﺸﺠﻌﺎﻥ" ـراطﻣﺼﺮ
واالخنـ
ﺷﺒﺎﻥ ﺍﻟﺴﻼﻡـيﺇﱃ
ﻋﻠﻴﻪالسياسـ
ـتقطاب
ﻣﻦ االسـ
ﻳﻮﺳﻒ ﺍﻷﺯﻣﺎﻥ،علــى
ـرن
ﺍﺧﺘﻼﻑ للتمـ ُّ
ﻣﻊـارك أداة
والتشـ
ﻭﺍﺣﺪواالتصــال
ـبيكﺍﻟﺴﺠ¥ﺎﻥ
ﻧﺺ التشـ
ﺍﻟﻼﻓﺘﺔ" :
وااللتقــاء حــول القضايــا االجتماعيــة والسياســية املشــتركة لبلــدان املنطقــة كمــا ت َُب ِّي ُنــه الصــورة
ـجان واحــد مــع اختــاف األزمــان ،مــن يوســف عليــه الســام إلــى شــبان
نــص الالفتــة“ :السـ َّ
مصــر الشــجعان”
ميكــن اإلقــرار بــأن أحــد األســباب املباشــرة الحتجــاج األلتــراس فــي املغــرب هــو رغبــة األفــراد
فــي جتــاوز جميــع البنيــات السياســية والدينيــة والنقابيــة واملؤسســاتية والتحــرك دون مواجهــات
مباشــرة مــع الســلطة باالرتــكاز علــى ثقافــة “بارطجــي” (شــارك) كأداة لإلقنــاع والتوافــق
مــن إعــادة تصويــب الوعــي االجتماعــي والتفكيــر فــي غــزو فضــاءات أخــرى مــن خــال
أفضــت إلــى نــزوح مــن العالــم الواقعــي إلــى العــام االفتراضــي .وهــذه اليقظــة املواطنــة ترتكــز
علــى مبــدأ ســيادة املوقــف علــى الفاعــل ،فأصبــح االفتراضــي هــو اجلســر اجلديــد لالحتجــاج
ـد َاو ُل فــي الســابق داخــل املالعــب الرياضيــة باملغــرب فــي غالبيتها
الشــعارات السياســية التــي ُت َتـ َ
وهوياتيــة مــن خــال التلويــح ببعــض الرمــوز مــن قبيــل العلــم الفلســطيني
َّ ذات صبغــة ســيميائية
أو األمازيغــي أو الباســكي أو صــور بعــض الشــخوص الثوريــة (شــي غيفــارا ،وياســر عرفــات).
أمــا بعــد شــهر مــارس/آذار ،2018وهــو تاريــخ الترخيــص بعــودة األلتــراس للمالعــب ،صــارت
إلــى النقــاش مــن جديــد هــو أحــداث العنــف والتخريــب التــي تلــت بعــض املقابــات منهــا
أحــداث احلســيمة وســيدي قاســم ( )2018ووجــدة ( ،)2019كمــا أن مــا وقــع ويقــع مــن شــغب
منــذ ســنوات ميكــن تفســيره باالرتــكاز علــى عــدة محــددات يتداخــل فيهــا مــا هــو قانونــي مبــا
هــو مجتمعــي ،ومــا هــو مرتبــط ببيئــة التنشــئة االجتماعية ،ومحيــط العيش املشــترك .فالشــباب
حــن ولوجــه للملعــب ،حتــدث عنــده قطيعــة مــع منظومــة املواطنــة ،ويخرج مــن امللعب بشــحنة
والتآخــي والــروح الرياضيــة ،فهــذا املجــال فــي املغــرب ،ينطــوي علــى بــؤر توتــر اجتماعيــة،
بحيــث يبــدأ بتوتــر رمــزي مــن خــال عنــف خطابــي يجســده التراشــق باأللقــاب والشــعارات
2016 ـول إلــى عنــف مــادي ميكــن أن يســفر عــن خســائر فــي األرواح كمــا حــدث ســنة
ليتحـ َّ
بــن فصيلــن مــن ألتــراس فريــق الرجــاء (فصيــل النســور وفصيــل غريــن بويــز).
وبالنســبة للحلــول التــي ميكــن مــن خاللهــا جتــاوز هــذه الظاهــرة ،يبــدو أن الرجــوع إلــى
التجــارب الدوليــة فــي غايــة األهميــة الســيما التجربــة اإلجنليزيــة .فــي إجنلتــرا ال يفصــل بــن
املدرجــات ورقعــة امللعــب إال متــران أو ثالثــة أمتــار فقــط ،فلمــاذا ال يهجــم اجلمهــور وال تقــع
أعمــال شــغب؟ ألن الــذي يــؤدي مثــن التذكــرة ،فــي القانــون اإلجنليــزي ،هــو مواطــن معروف،
ســلوكه كمواطــن.
كمــا جتــدر اإلشــارة إلــى أن إيجــاد احللــول لهــذه املشــكلة الشــبابية فــي احلالــة املغربيــة مرتبــط
ً
أيضــا مبحاضــن التنشــئة االجتماعيــة التــي تبتــدئ مــن املدرســة واألســرة ودور الشــباب وغيرها.
| 160
“اليقظــة االســتراتيجية” التــي متنــع حــدوث أي عنــف أو شــغب قبــل أي مبــاراة مــن خــال تتبــع
ومــن زاويــة أخــرى ،ميكــن استشــراف رهانــات اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس فــي املغــرب
و”التشــرميل”(.)33
ثانيــا :احلرمــان االقتصــادي الــذي يفســر انــدالع حــركات االحتجــاج الواســعة كنتيجــة النتشــار
ً
الفقــر والهشاشــة والتبئيــس بــن املواطنــن ،وفقــدان الثقــة فــي الوظيفــة االجتماعيــة للسياســات
العموميــة (مســتوى املعيشــة ،ودور القطــاع اخلــاص فــي حتســن البيئــة املعيشــية).
ثال ًثــا :االرتبــاك املجتمعــي مــع تزايــد الوعــي باحلقــوق املاديــة والتشــكيك فــي دور املنظومــة
رابعــا :النفــور السياســي الواقعــي للشــباب؛ حيــث أصبــح االخنــراط فــي األحــزاب ومنظمــات
ً
املجتمــع املدنــي مــن مت ُّثــات احملظــور ممــا ســيؤدي إلــى تبخيــس العمــل السياســي واملدنــي،
خامســا :إعــادة تســيس األلتــراس عبــر بوابــة االفتراضــي مــن خــال تنشــئة افتراضيــة مبنيــة على
ً
حقائــق معيشــة (فيديوهــات ،صــور ،هاشــتاغات ،تــرول ،أناشــيد) وليــس علــى أخبــار زائفــة
ممــا نتــج عنــه جيــل متصــل ،كمــا تؤكــده بيانــات التقاريــر حــول الوضعيــة الرقميــة باملغــرب.
فــي هــذا الصــدد ،كشــفت مؤسســة “هــوت ســويت” ( ،)Hootsuiteفــي تقريرهــا الســنوي املعنــون
تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | 161
ُّ
بـ”احلالــة الرقميــة فــي العالــم لســنة ،)34(”2019بخصــوص انتشــار مواقــع التواصــل االجتماعــي
فــي املغــرب ،عــن كــون نســبة اســتخدام الشــبكة العنكبوتيــة مــن ِق َبــل املغاربــة وصلــت إلــى
62%وهــي نســبة تفــوق املعــدل العاملــي الــذي يبلــغ ،57%أي مــا يعــادل 22.57مليــون مغربــي.
وتبلــغ نســبة ولــوج املغاربــة إلــى الشــبكة العنكبوتيــة 86%كل يــوم .أمــا بخصــوص اســتعمال
مواقــع التواصــل االجتماعــي ،فقــد أكــدت بيانــات التقريــر أن “واتســاب” يحتــل املركــز األول
وتبعــا لهــذه املؤشــرات املجتمعيــة ،ميكــن رصــد بعــض حتديــات التحــوالت االجتماعيــة فــي
ً
ملحــة
عالقتهــا بالســلوك االحتجاجــي لأللتــراس .فاســتعجال البدائــل التنمويــة يبــدو ضــرورة َّ
للفعــل التدبيــري ا ُمل َعقْ َلــن والرؤيــة السياســية االســتباقية لكيــا تتحـ َّ
ـول حالــة التبئيــس و”قلــة
احليلــة” التــي يعانــي منهــا شــباب األلتــراس إلــى عصيــان مدنــي يجــد مبرراتــه فــي إحبــاط
َســس علــى مت ُّثــات عفويــة حــول تنميــة غيــر عادلــة تعيــد وجــدان
مجالــي وخطــاب درامــي ُمؤ َّ
األلتــراس إلــى ثنائيــة قاتلــة متيــز بــن “مجــاالت غنيــة متطــورة” و”مجــاالت فقيــرة متخلفــة”.
ـوة إلــى االنكبــاب علــى إعــادة الديناميــة إلــى احلركيــة االجتماعيــة التــي
مدعـ َّ
ُ كمــا أن احلكومــة
شــهدت فرملــة فــي ظــل التحــوالت املجتمعيــة التــي يشــهدها املغــرب .وكنتيجــة مباشــرة لهــذه
الفــرص فــي املنظومــة االقتصاديــة واالجتماعيــة ،وتراجــع مؤشــرات الرقــي االجتماعــي التــي
كان مي ِّثــل التعليــم والتكويــن محركهــا األساســي ،وأضحــت معهــا شــريحة الشــباب ومــن بينهــا
األلتــراس تشــعر بأنهــا فقيــرة وفــي وضعيــة هشاشــة .كمــا أن مــن بــن متظهــرات هــذه الفرملــة
عــودة التم ُّثــات اإليجابيــة حــول الهجــرة الســرية؛ ذلــك أن الشــبان املغاربــة أضحــوا ِّ
يفضلــون
الهجــرة واملغامــرة بأرواحهــم فــي عــرض البحــر ومشــاركتها بالســيلفي كنــوع مــن حكايــات
الشــارع ( )35وفــي مواقــع الفضــاء الرقمــي ،أي خــارج املؤسســات والبنيــات املنظمــة ،انتقلــت
املعارضــة الواقعيــة إلــى معارضــة افتراضيــة جتــاوزت مفعــول وتأثيــر املعارضــة السياســية
لزامــا علــى
الكالســيكية ،حتــى أصبحــت هــذه األخيــرة تابعــة لهــا ولنبضهــا وإيقاعاتهــا وصــار ً
الفاعــل السياســي اســتباق التفاعــات االفتراضيــة حــول الراهــن املغربــي لكــي ال يظــل فــي
حالــة شــرود .وهــذا مــا ميكــن ال َّتمثيــل لــه مــن خــال تأويــل بعــض الفاعلــن السياســيني مــن
ـرف
فــي املقابــل ،يعيــش الشــباب ،وضمنهــم جمــوع األلتــراس ،حالــة اغتــراب سياســي ُيصـ َّ
عبــر االخنــراط فــي الشــبكات االفتراضيــة وتعويــض هوياتــي مت مــن خاللــه اســتقالة الهويــات
الواقعيــة وحتميــل هويــات جديــدة ذات طبيعــة افتراضيــة بخطــاب نوعــي ينهــل مــن حقــول
دالليــة ترافعيــة .وهــذا مــا يعكــس ً
منطــا مــن االحتبــاس القيمــي وســط الشــباب يحيــل بــدوره
علــى درجــة معينــة مــن اإلحبــاط ( )36كباعــث علــى االحتجــاج يتــم التعايــش معــه عبــر
ميكــن وصــف هــذا النــوع مــن املواطنــة كشــكل مــن أشــكال الوعــي السياســي لأللتــراس الــذي
أتــاح بنــاء خطــاب جامــح بـ”فاعليــة” تكتســح مســاحات إضافيــة داخــل األســرة ومختلــف
البنيــات املجتمعيــة ،وقــد تتحــول إلــى ســلوك معــارض يســتمد قوتــه مــن املشــاركة الرقميــة.
تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | 163
ُّ
وممــا يزكــي هــذه املالحظــات أن الشــبان املغاربــة ،وضمنهــم األلتــراس ،يقضــون وق ًتــا أطــول
لتقنــن املواصــات حــول مؤشــرات تكنولوجيــا املعلومــات واالتصــال لــدى األســر واألفــراد
( ،)38لســنة ،2018أن عــدد مســتعملي اإلنترنــت فــي املغــرب يفــوق املتوســط العاملــي بـــ 8نقــاط
ســاعة علــى اإلنترنــت مــن خــال الهاتــف احملمــول .فــي ظــل هــذا الواقــع الرقمــي وانطالقً ــا
مــن اإلحصائيــات حــول أناشــيد وأغانــي األلتــراس ،ميكــن اإلقــرار بأننــا إزاء عهــد جديــد
مــن اخلطــاب االحتجاجــي أال هــو “اخلطــاب االحتجاجــي الرقمــي” الســيما إذا مت االســتدالل
ـادي َظ ْل ُم ِونــي” التــي جتــاوز عــدد متتبعيهــا ســتة ماليــن وتقدمــت علــى أغنيــة
“ف ْبـ ِ
بأغنيــة َ
ضروريــا َسـ ْـب ُر أغــوار العالــم الرقمــي ،والتفاعــل مــع الشــباب ،واالشــتغال علــى
ًّ لهــذا ،أصبــح
للمرحلــة ،والقبــول بتراجــع فعــل وأثــر الدميقراطيــة التمثيليــة والدميقراطيــة التشــاركية .لهــذا،
ولفهــم أشــكال اخلطــاب االحتجاجــي ،الســيما مــع أفــول عهــد الوســاطة املدنيــة والسياســية،
ســمى
يتوخــى التعامــل مــع التعابيــر االحتجاجيــة لأللتــراس ليــس مــن داخــل نســق مــا ُي َّ
أساســا مــن داخــل نســق ومنطــق التغيــر السياســي ( .)39مــن هــذا
ً االنتقــال الدميقراطــي بــل
املنطلــق ،ســيتمكن اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس مــن التأثيــر علــى املشــروع املجتمعــي
املغربــي النتقالــه مــن فضــاء محــدود (مالعــب كــرة القــدم) إلــى فضــاء مترامــي األطــراف أال
وهــو العالــم الرقمــي وخلــق نــوع جديــد مــن التنشــئة االحتجاجيــة يصبــح معهــا االفتراضــي
لإلملــام بتأثيــر اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس علــى احمليــط االجتماعــي والسياســي وخلفياتــه،
ميكــن االرتــكاز علــى طبيعــة القيــم التــي يحملهــا النــزوح الرقمــي لأللتــراس والفــرص التــي
| 164
يقدمهــا لتعزيــز قيــم املواطنــة واحلريــة والدميقراطيــة والتحديــات التــي يطرحهــا علــى مســتوى
محاضــن التنشــئة (األســرة ،املدرســة ،جمعيــات املجتمــع املدنــي ،األحــزاب) .فمــن القيــم
اجلديــدة التــي أتاحهــا هــذا اخلطــاب ،يجــب التذكيــر ً
أول بقيمــة الفرديــة اجلماعيــة؛ فمــن
ً
مدخــا لإلحســاس بشــعور ِّ
يشــكل التمريــن السياســي بالنســبة للمحتجــن هــذا املنظــور
ثانيــا :قيمــة “التضامــن غيــر املشــروط” بحســب الوقائــع واألحــداث الراهنــة واملتواتــرة
واملعــوزةً .
فــي شــكل ملصقــات وصــور وشــعارات متضامنــة مــع حــدث أو شــخص كمــا هــي احلــال
بالنســبة أللتــراس “لــوس ماطادوريــس” ،))Los Matadoresوهــو الفصيــل املشــجع لنــادي املغــرب
التطوانــي ،فيمــا يتعلــق بالطالبــة “حيــاة” الشــابة التــي قضــت خــال محاولتهــا العبــور إلــى
إســبانيا ( .)40ثال ًثــا :قيمــة الرقابــة املجتمعيــة؛ حيــث يصبــح شــباب األلتــراس فــي تربص مســتمر
بالوقائــع واحلقائــق التــي متــس احليــاة العامــة للمغاربــة عبــر ثقافــة املكاشــفة مــن خــال فعــل
النشــر واملشــاركة“ :لــوح” و”بارطجــي” فــي فيســبوك أو واتســاب كتعبيــر خطابــي وتواصلــي
مــن هــذه الزاويــة ،ميكــن توصيــف احتجــاج املعارضــة لأللتــراس مــن خــال جدليــة املشــاركة
السياســية واملطالبــة املواطنــة .هــذه املعارضــة اجلديــدة تو َّلــد عنهــا حتــول فــي طبيعــة اخلطــاب
االحتجاجــي؛ حيــث أصبحــت الســمة الغالبــة هــي التصادميــة ( .)41ومــن تبعــات هــذه
التصادميــة ،ميكــن أن نشــير إلــى :تراجــع االخنــراط فــي العمــل السياســي واملدنــي وحتييــد
يــف ْب ِغي ُتــو ت ُْش ُ
ــوفوها؟!”، ض َّي ْع ُتوهــا ِ ...ك ْ
وتقويــض الوســاطة السياســية واملدنيــة“ :مواهــب َ
كمــا ورد فــي نشــيد “وينــرز” ،وهــو فصيــل ألتــراس فريــق الــوداد البيضــاوي “بِ َصـ ْ
ـوت الشــعب
تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | 165
ُّ
ـرم ِلني”“ ،مجرمــن” ...بــرزت حالــة مجتمعيــة مــن التمييــز الســلبي َّ
عبــرت عنهــا أغنيــة “م َشـ ْ
ْ
“حاللــة بويــز” “فـــي تعليــم إِ َك ْل ُخو َنــا ،بِ َز ْر َو َ
اطــة إفكرونــا ،وعلــى حقوقنــا إمنعونــا ويقمعونــا،”..
وأغنيــة ألتــراس إميازيغــن فــي توصيفهــا لســلوكات رجــال الســلطة“ :يقمــع ويضــرب ِف َّيــا،
ف َع ْي ِن َّيــا” .لهــذا ،فمنطــق التمييــز الســلبي نتجــت عنــه تعابيــر ت َْه ُم ِونــي َ
وظ ْل ُم ِونــي َّ
والد ْم َعــة ْ
خطابيــة رافضــة ومعارضــة مــن خــارج البنيــات الســيما مــع أفــول اخلطــاب االحتجاجــي
افتراضيــة مبنزلــة ممارســة ومتريــن سياســي فــردي وجماعــي لشــرائح احتجاجيــة جديــدة مثــل
فــي هــذا الســياق ،لــم تشــفع كل السياســات العموميــة اخلاصــة بالتشــغيل وتقليــص الفــوارق
االجتماعيــة( )42فــي احلــد مــن معــدالت البطالــة بــل عجــزت احلكومــات املتعاقبــة عــن إيجــاد
الشــباب مــن باحثــن عــن العمــل إلــى محتجــن وضحايــا لسياســات تشــغيلية .وأصبحــت
عالقــة البطالــة باحتجــاج األلتــراس عالقــة ترابطيــة تتمخــض عنهــا خســائر وأعــراض جانبيــة.
ومــن بــن هــذه اخلســائر واألعــراض اجلانبيــة هنــاك العنــف بجميــع متظهراتــه والــذي ميكــن
ً
مرتبطــا بنتيجــة مقابلــة رصــده داخــل مالعــب كــرة القــدم أو خارجهــا ،وهــذا العنــف ليــس
كــرة القــدم بــل بلحظــة للتنفيــس عــن ظلــم اجتماعــي ُيصــرف مــن خــال خطــاب احتجاجــي
ـرة”( )43التــي مــن تداعياتهــا تهديــد األمــن والســلم االجتماعيــن مؤســس علــى شــعور ُ ْ
“احلكـ َ َّ
فــي ظــل االنســداد السياســي وارتبــاك القيــم االجتماعيــة.
لهــذا ،ميكــن إيجــاز الفعــل االحتجاجــي لأللتــراس باالعتمــاد علــى الشــكل أدنــاه الــذي
يســاعد علــى فهــم مصفوفــة عناصــر بروفايــل أفــراد األلتــراس باملغــرب ،وهــو شــكل يوضــح
| 166
جديــدة ينبنــي علــى خطــاب احتجاجــي فاعــل ومؤثــر يرمــي إلــى تعميــق االنتمــاء وجتــذر
ﺟﻴﻞ ﻣﺘﺼﻞ
ﺭﻗﻤﻴªﺎ
ﺧﻄﺎﺏ ﻧﺸﺄ ﺧﺎﺭﺝ
ﺍﺣﺘﺠﺎﺟﻲ ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﺕ
ﻭﺻﺪﺍﻣﻲ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ
ﻣﻌﺎﺭﺿﻮﻥ
ﺟﺪﺩ
ﳝﺎﺭﺱ ﺩﻭﺭﻩ ﻓﺎﻋﻞ ﰲ
ﰲ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﺔ ﳏﻴﻄﻪ
ﻳﺴﻌﻰ
ﻟﺘﻌﻤﻴﻖ
ﺍﳌﻮﺍﻃﻨﺔ
ﺧﺎﲤﺔ
ﺍﻋﺘﻤﺪﺕ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﻋﺎﻡ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻛﺈﻃﺎﺭ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ ﻟﺸﺮﳛﺔ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ
ﺑﺎﳌﻐﺮﺏ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﺭﺗﻜﺰﺕ ﻋﻠﻰ ﲨﻊ ﺍﳌﺘﻮﻥ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻭﺍﳋﻄﺎﺑﻴﺔ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻴﺔ .ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺩﻳﻨﺎﻣﻴﺔ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ
ﺑﺎﳌﻐﺮﺏ ﻋﺮﻓﺖ ﲢﻮﻟﹰﺎ ﺑﺎﺭﺯÉﺍ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ ،2016ﻭﻫﻮ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺻﺪﻭﺭ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﳌﻨﻊ ،ﺣﻴﺚ ﺑﻌﺪ ﻋﻮﺩúﻢ ﺇﱃ ﺍﳌﻼﻋﺐ
ﺻﺎﺭ ﺧﻄﺎﺏ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﺧﻄﺎﺑÉﺎ ﺍﺣﺘﺠﺎﺟﻴ∞ﺎ؛ ﻓﺎﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻌﻪ ﺣﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﺇﱃ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﻟﺘﻤﺮﻳﻦ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﺸﺒﺎﺏ ،ﻭﻋﻨﻮﺍﻧÉﺎ
تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | 167
ُّ
خاتمة
اعتمــدت الدراســة علــى منظــور عــام لنظريــة التفاعليــة الرمزيــة كإطــار لفهــم اخلطــاب
االحتجاجــي لشــريحة األلتــراس باملغــرب مــن خــال مقاربــة كيفيــة ارتكــزت علــى جمــع املتون
ـارزا بعــد اللغويــة واخلطابيــة االحتجاجيــة .كمــا أن ديناميــة األلتــراس باملغــرب عرفــت حتـ ً
ـول بـ ً
ســنة ،2016وهــو تاريــخ صــدور قانــون املنــع ،حيــث بعــد عودتهــم إلــى املالعــب صــار خطــاب
للشــباب ،وعنوا ًنــا الخنراطهــم فــي الصيــرورة االجتماعيــة والسياســية الوطنيــة واإلقليميــةَّ .
مت
هــذا التحــول مــن خــال وعــاء الفضــاء الرقمــي بالنظــر إلــى خصائــص جيــل األلتــراس الــذي
مواطنتــه التــي أضحــت مواطنــة رقميــة عمادهــا الرقابــة والفضح والكشــف ،مما خلــق معارضني
ـددا نشــؤوا خــارج البنيــات الكالســيكية املنظمــة كاألحــزاب والنقابــات ومنظمــات املجتمــع
جـ ً
حصريــا بخطــاب احتجاجــي مباشــر وصدامــي يجمــع بــن الــذات الفرديــة
ًّ املدنــي ويتميــزون
ـرة» والتهميــش. ُ ْ
لـ»احلكـ َ والــذات اجلمعيــة ورافــض لنصــف احللــول ومناهــض
تباعــا اعتبــار أن التحــول النســقي اجلديــد فــي نوعيــة وخطــاب االحتجــاج لــدى شــريحة
ميكــن ً
«ف ْب ِ
ــادي تعبــر عنــه الزمــة َ
األلتــراس قــد أســهم فــي تكريــس الشــعور باملظلوميــة كمــا ِّ
ً
حقــول دالليــة بعينهــا ،مثــل :عــدم العدالــة االجتماعيــة َظ ْل ُم ِونــي» .وهــذا النســق اعتمــد
وفقــدان الثقــة فــي السياســة .فاخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس مــن هــذا املنظــور تعبيــر عــن
انســداد بنيــوي ألفــق الدولــة قــد ُيســقط عقــدة اخلــوف مــن ناحيــة وإمكانيــة انفــات املجتمــع
فــي أيــة حلظــة مــن ناحيــة أخــرى ،ويقابــل هــذا االنســداد بطريقــة متناقضــة تضخــم فــي خطاب
الفاعلــن (حكوميــن أو مدنيــن) الســيما أن حاجيــات ومتطلبــات شــباب األلتــراس تظــل دون
إجابــات مقنعــة وال تترجــم علــى أرض الواقــع .وكل هــذه املظاهــر مــا هــي إال نتــاج ملجموعــة
ـادا فــي
احتجاجيــا مضـ ًّ
ًّ وخطابــا
ً مــن التحــوالت االجتماعيــة والتــي أنتجــت تعبيــرات جديــدة
| 168
املغــرب يجســده احتجــاج األلتــراس .لهــذا ،ففرضيــة النفــوذ الرمــزي خلطــاب األلتــراس أو
وتبقــى هــذه الفرضيــة األقــرب للتحقــق بالنظــر إلــى وقع وفاعليــة اخلطــاب االحتجاجي لشــباب
األلتــراس وتأثيــر تدويــل منطقــه وعمقــه التفاوضــي علــى حكومــات ودول بلــدان شــمال إفريقيا
والشــرق األوســط .ميكــن إذن استشــراف أن الشــعارات املتداولــة فــي املالعــب ســتتحول إلــى
لــوازم تتكــرر فــي جميــع االحتجاجــات الشــعبية مبفهــوم «اليتموتيــف» ( ،)Leitmotivوهــذا مــا
وقــع فــي احتجاجــات اجلزائريــن علــى العهــدة اخلامســة عندمــا ردد بعــض احملتجــن نشــيد َ
«ف
املراجع
(Dorsey, James, “Pitched battles: The role of ultras soccer fans in the Arab Spring”, Mobilization: )1
.An International Quarterly, 17(4), (2012), pp. 411-418
( )2خميس ،أكرم ،ثورة جيل ألتراس( ،املنظمة العربية حلقوق اإلنسان ،القاهرة ،)2012 ،ط ،1ص .75
(Gibril, Susan, “Contentious Politics and Bottom-Up Mobilization in Revolutionary Egypt: the Case )3
of Egyptian Football Supporters in Cairo”. In Gerges F.A. (eds) Contentious Politics in the Middle East.
.Middle East Today, (Palgrave Macmillan, New York, 2015), pp. 305-329-306
(Mayr, Erasmus, “Understanding Human Agency”, Oxford Scholarship Online, January 2012, )4
:)(Visited on 8 February 2019
DOI:10.1093/acprof:oso/9780199606214.001.0001
( )5ســراج ،نــادر ،اخلطــاب االحتجاجــي :دراســة حتليليــة فــي شــعارات َ
احلــراك املدنــي( ،املركــز العربــي
لألبحــاث ودراســة السياســات ،قطــر ،)2017 ،ص .7
(Goffman, E. Comment se conduire dans les lieux publics, traduction et postface de Daniel Cefaï, )6
تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | 169
ُّ
(ُ )28ر ِف َعــت الفتــة« :فالقبــة التكركيــر ...فاملقــرر البغريــر» فــي املبــاراة التــي جمعــت بــن فريــق الرجــاء البيضــاوي
األولــي ،األول 13 ،ســبتمبر/أيلول
وفريــق النــادي القنيطــري؛ تنتقــد إدراج الدارجــة املغربيــة فــي مقــررات التعليــم َّ
( ،2018تاريــخ الدخــول 5 :أبريل/نيســان :)2019
https://alaoual.com/politique/121840.html
(29) Dagiral, Éric, “Pirates, hackers, hacktivistes: déplacements et dilution de la frontière électron-
ique”, Critique 6-7, N 733-734, (Editions de Minuit, Paris, 2008), pp. 480-495.
( )30حســن ملــكاوي ،أمســاء« ،احلــركات االحتجاجيــة الرقميــة فــي املنطقــة العربيــة وحتــوالت املجــال العــام:
دراســة ظاهراتيــة للحالــة األردنيــة» ،مركــز اجلزيــرة للدراســات 3 ،ديســمبر/كانون األول ( ،2018تاريــخ الدخــول:
4يناير/كانــون الثانــي :)2019
https://bit.ly/2IairR6
(ُ )31ر ِف َعــت الالفتــة فــي مبــاراة نــادي الرجــاء البيضــاوي ضــد نــادي اجليــش امللكــي فــي إطــار منافســات البطولــة
املغربيــة لكــرة القــدم ،التــي جــرت فــي 27فبراير/شــباط ،2019اليــوم 3 ،24مــارس/آذار ( ،2019تاريــخ الدخول:
4أبريل/نيسان :)2019
http://www.alyaoum24.com/1218333.html
(32) Bourkia, Abderrahim, “Des supporters dans la ville” dans Le Maroc au présent, éd. Boudoin
Dupret, Zakaria Rhani, Assia Boutaleb, Jean-Noël Ferrié et al., (Fondation du Roi Abdul-Aziz al-
Saoud, Casablanca, 2015), pp. 205-211.
يتجســد عبــر أعمــال الســرقة
َّ ( )33لفظــة «التشــرميل» فــي العاميــة املغربيــة تفيــد ســلوك العنــف الشــبابي الــذي
واالعتــداء اجلســدي علــى اآلخريــن .انظــر :بنيــس ،ســعيد« :التشــرميل» مــن الظاهــرة الشــبابية إلــى الظاهــرة
املجتمعيــة» ،هســبريس 24 ،مايو/أيــار ( ،2014تاريــخ الدخــول 1 :مــارس/آذار :)2019
https://www.hespress.com/writers/216761.html
( )34انظــر :التقريــر الســنوي ملؤسســة «هــوت ســويت» حــول «احلالــة الرقميــة فــي العالــم لســنة africa-bi. ،»2019
com، 29يناير/كانــون الثانــي ( ،2019تاريــخ الدخــول 10 :فبراير/شــباط :)2019
https://bit.ly/2YUyY0C
( )35بنيــس ،ســعيد« ،قــراءة فــي متظهــرات الشــارع االحتجاجــي باملغــرب» فــي الفكــر السياســي ..أســئلة وقضايــا.
فــي مــدارات احلريــة واإلصــاح والدســتور .دراســات مهــداة إلــى روح األســتاذة جنيــة بــن يوســف ،تنســيق حســن
طــارق( ،منشــورات اجلمعيــة املغربيــة للعلــوم السياســية الــدار البيضــاء ،)2018 ،ص .172
( )36انظــر :بيشــو ،سيســيل؛ فيليــول ،أوليفيــه؛ ماتيــو ،ليليــان ،قامــوس احلــركات ِ
االجتماعيــة ،ترجمــة عمــر
الشــافعي( ،دار صفصافــة للنشــر والتوزيــع والدراســات ،اجليــزة( ،)2017 ،تاريخ الدخــول 20فبراير/شــباط :)2019
| 172
https://www.arab-reform.net/ar/node/1235
(.Habermas, J. L’espace public: traduit par Marc Launay, (Payot, Paris, 1978), p. 260 )37
( )38البحــث امليدانــي الســنوي ،للوكالــة الوطنيــة لتقنــن املواصــات ،بتنســيق مــع وزارة الصناعــة واالســتثمار
والتجــارة واالقتصــاد الرقمــي ،واملجلــس االقتصــادي واالجتماعــي والبيئــي ،والهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي
البصــري ،واملندوبيــة الســامية للتخطيــط ،خــال الفصــل األول مــن 2018حــول مؤشــرات تكنولوجيــا املعلومــات
واالتصــال لــدى األســر واألفــراد:
https://bit.ly/2Ut7WyX
(39) Bennis, Said, “Enjeux et défis de la participation au Maroc: de la participation citoyenne à la
revendication citoyenne” in From Democratic Transition to Democracy Learning Towards a Paradig-
matic Turn in Democratization Studies, (Ed.) Mohamed El Hachimi, (Konrad-Adenauer-Stiftung e.
V-Rabat, 2018(, pp. 129-135.
) )40ملزيــد مــن املعلومــات حــول األحــداث التــي تلــت مقابلــة املغــرب التطوانــي ضــد ضيفــه الكوكــب املراكشــي
فــي 28ســبتمبر/أيلول ،2018انظــر:
Paillard, Soléne, “Maroc : Les ultras, nouvel étendard des revendications populaires”, Yabiladi, (Vis-
ited on 11 February 2019):
https://bit.ly/2G2a5aI
(41) Mouffe, C. Le Paradoxe démocratique, (Beaux-Arts de Paris, Paris, 2016), p. 90.
( (42تســتدعي إشــكالية الفــوارق االجتماعيــة التــي يعيشــها املغــرب ضــرورة مســاءلة العديــد مــن األســباب ،منهــا
املعتمــد مــن لــدن
َ علــى ســبيل املثــال ال احلصــر مــا ميــت إلــى طبيعــة مرجعيــات منطــق التنميــة احملليــة واجلهويــة
الدولــة (منطــق تضامنــي أو منطــق تنافســي أو منطــق تكاملــي أو منطــق تنافــري )...أو مــا يتعلــق بنوعيــة املــوارد
االقتصاديــة للبنيــات احلاضنــة للمجــال ،أي اجلماعــات الترابيــة (مــوارد مومسيــة أو مــوارد دون قيمــة تنمويــة فــي
الســوق االقتصاديــة الوطنيــة (الصناعــة التقليديــة…) أو مــوارد ذات تســويق عاملــي ،)...أو مــا يرتبــط بنمــط التــراب
(حضــري أو قــروي أو نصــف حضــري) فــي عالقتــه بالديناميــة املجتمعيــة.
( )43بنيــس ،ســعيد« ،املجتمــع املدنــي والفعــل االحتجاجــي باملغــرب :األنســاق املفاهيميــة اجلديــدة» ،مجلــة
أبحــاث( ،العــددان 61و ،62مطبعــة النجــاح اجلديــدة ،الــدار البيضــاء ،)2015 ،ص .4
| 173
إدريس جنداري *
مقدمة
ـرا للزمــان واملــكان ،وليــس حركــة أيديولوجيــة
معرفيــا عابـ ً
ًّ مت ِّثــل النهضة/النهــوض فعـ ً
ـا
محــدودة ضمــن ســياق سياســي عابــر .هــذا ،يعنــي أن مقاربــة اإلشــكالية النهضويــة ،فــي
الثقافــة العربيــة ،ال تســتهدف التأريــخ للفعــل النهضــوي مــن خــال عــرض تقريــري ألطــره
املعرفيــة وخنبتــه الفاعلــة ،وإمنــا تســعى إلجنــاز حفريــات معرفيــة حــول املشــروع النهضــوي،
تهــدف إلــى ترهــن األســئلة املعرفيــة التــي طرحــت خــال مرحلــة حامســة مــن التاريــخ العربــي
وم َتجـ ِ
ـاو ٍز للنزعــات ـوي عابــرٍ لألقطــار ُ
ـل نهضـ ٍّ اإلســامي ،حيــث َّ
متكــن العــرب مــن إطــاق فعـ ٍ
األيديولوجيــة.
النهضــوي ال يســتهدف البعــد الدياكرونــي الــذي يهتــم بدراســة تطــور النســق الفكــري أو غيــره،
ولكنــه ،أكثــر مــن ذلــك ،يســتهدف البعــد الســانكروني (التزامنــي) الــذي يركــز علــى النســق
وعناصــر الثبــات فــي دراســته للبنيــات الفكريــة وغيرهــا .وهــذا ،يجعــل البحــث أقــرب إلــى
تاريــخ األفــكار (دراســة االتصــال واالنفصــال فــي األنســاق الفكريــة) منــه إلــى التاريــخ.
يهــم الباحــث ،إذن ،فــي هــذا الفعــل النهضــوي هــو جوهــره املعرفــي ،الــذي يتجــاوز
ُّ مــا
حــدود الزمــان واملــكان .لذلــك ،فــإن انشــغالنا البحثــي باملشــروع اإلصالحــي النهضــوي ،فــي
العالــم العربــي ،يدخــل ضمــن ســياق «التحليــل امللمــوس للواقــع امللمــوس» .وبتعبيــر آخــر،
يجــد الباحــث نفســه بصــدد مــن فكــري ناجــز يســتحق الدراســة والتحليــل ،وباإلضافــة إلــى
ذلــك فهــو مــن فكــري حــي يتفاعــل مــع إشــكالياتنا الراهنــة ،أكثــر مــن كونــه ترا ًثــا اســتنفد
مجموعــة مــن اإلشــكاليات الفكريــة والسياســية واالجتماعيــة التــي نعانيهــا فــي واقعنا/راهننــا
لعصــره علــى مســتوى وعيــه املعرفــي املتقــدم بطبيعــة اإلشــكاليات احلضاريــة التــي يعانيهــا
وتكمــن قــوة املشــروع الفكــري النهضــوي ،فــي نزوعــه املعرفــي املتجــرد مــن التصنيــف
األيديولوجــي ،ممــا َّ
مكنــه مــن صياغــة مقاربــة موضوعيــة للواقــع العربــي .وفــي هــذا الصــدد،
ـدم محمــد عابــد اجلابــري قــراءة إبســتمولوجية خاصــة للدعــوة اإلصالحيــة التــي قامــت على
ُيقـ ِّ
أســاس «التجديــد ورفــض التقليــد»؛ حيــث يعتبــر أن الدعــوة إلــى تــرك التقليــد تكتســي هنــا
خاصــا ،إنــه إلغــاء كل التــراث املعرفــي واملنهجــي واملفهومــي املنحــدر إلينــا مــن «عصــر
ًّ معنــى
االحنطــاط» ،واحلــذر فــي نفــس الوقــت مــن الســقوط فريســة للفكــر الغربــي .أمــا «التجديــد»
فيعنــي بنــاء فهــم جديــد للديــن ،عقيــد ًة وشــريعةً ،انطالقً ــا مــن األصــول مباشــرة ،والعمــل
اســتخالص مجموعــة مــن ا ُمل َو ِّجهــات املعرفيــة التــي يقترحهــا املشــروع اإلصالحــي النهضــوي،
والتــي تعتبــر مبنزلــة البوصلــة التــي بدونهــا ال ميكــن النجــاح فــي حتديــد االجتاهــات الصحيحــة:
لقــد كانــت قــوة االرتــكاز فــي املشــروع اإلصالحــي النهضــوي ،منــذ مرحلــة التأســيس ،فــي
جنبــه الســقوط فــي أحابيــل الصــراع األيديولوجــي .وبقــدر مــا كان هــذا
نزوعــه املعرفــي الــذي َّ
وفــر لــه حصانــة ذاتيــة َّ
مكنته مــن حتقيق االســتمرارية النــزوع ينحــو بــه فــي اجتــاه النخبويــة ،فإنــه َّ
كمشــروع فكــري وسياســي واجتماعــي ينبــض باحليــاة .وهــذا يفتــح أمامنــا إمكانيــة اســتعادة
روح هــذا املشــروع ،مــن أجــل قيــادة مرحلــة نهضويــة جديــدة فــي العالــم العربــي.
وارث األرض ومــن عليهــا ،وإذا تبدلــت األحــوال جملــة فكأمنــا تبــدل اخللــق مــن أصلــه،
وحتــول العالــم بأســره ،وكأنــه خلــق جديــد ونشــأة مســتأنفة ،وعالــم محــدث»( .)2وقــد
أطلــق املؤرخــون تســمية «عصــر االحنطــاط» علــى هــذه املرحلــة ،وقــد جتــاوز البنيــات الفكريــة
اإلســامي وغربــه ،حيــث ســاد الفكــر اخلرافــي ومت التراجــع عــن املكتســبات التــي راكمهــا
جوابــا
ً لكــن مرحلــة القــرن التاســع عشــر كانــت مرحلــة يقظــة شــاملة ،اســتطاعت أن تبلــور
حقيقيــا عــن التحــدي الــذي فرضــه االســتعمار الغربــي ،وذلــك عبــر العــودة إلــى الــذات
ًّ
حملاولــة إصــاح أعطابهــا السياســية واالجتماعيــة واالقتصاديــة التــي أســهمت فــي تكريــس
وضعيــة التأخــر التاريخــي لألمــة .وال ميكــن أن نتحــدث عــن هــذه املرحلــة مــن دون اســتحضار
التيــار الفكــري اإلصالحــي الــذي يعتبــر احملــرك األساســي لعجلــة التحــول ،وذلــك فــي عالقــة
باملجهــودات الفكريــة والسياســية اجلبــارة التــي بذلهــا رمــوزه ،ســواء ذات النزعــة الليبراليــة أو
| 176
النزعــة الســلفية .فقــد متيــز اإلصالحيــون ،مبختلــف مشــاربهم الفكريــة وقناعاتهــم السياســية،
مبيــزة الــروح القوميــة والوطنيــة التــي اســتطاعت أن تشــحن النزعــة الســلفية بشــحنة مــن
وقــد حــدث هــذا خــال مرحلــة تاريخيــة بــدأت تنســج بدائــل حضاريــة جديــدة كانــت ريحهــا
تهــب مــن الضفــة الشــمالية معلنــة عــن بــروز رؤى فكريــة جديــدة للعالــم ولإلنســان ،هــذه
الــرؤى التــي طرحــت علــى الفكــر العربــي الغــارق فــي ســباته العميــق إشــكاالت جوهريــة
األســئلة احملرجــة التــي متركــزت حــول ســؤال كبيــر :ملــاذا تقــدم الغــرب األوروبــي وختلــف
وقــد انبثقــت عــن هــذا الســؤال املركــزي مجموعــة مــن األســئلة اجلزئيــة التــي حاولــت جميعهــا
النفــاذ إلــى جوهــر اإلشــكال الــذي يعانــي منــه الفكــر العربــي .كمــا صــاغ هــذا الســؤال
املركــزي ،ومــا انبثــق عنــه مــن أســئلة جزئيــة ،مرحلـ ًة بكاملهــا انشــغل خاللهــا الفكــر العربــي
فــي محاولــة اخلــروج مــن ختلفــه .وقــد أطلــق املؤرخــون علــى هــذه املرحلــة اســم عصــر
وهنــا ،ال يفصــل الباحــث بــن املشــرق العربــي ومغربــه؛ فقــد عرفــت مرحلــة القــرن التاســع
ـم املشــرق واملغــرب ،علــى حــد ســواء ،وكان نتيجــة للمــد احلضــاري عشــر انبعا ًثــا شـ ً
ـامل َعـ َّ
الــذي بــدأ يفرضــه الغــرب علــى العالــم العربــي ،ابتــداء باكتســاح نابليــون بونابــرت للمشــرق
العربــي ومحاولتــه قلــب التوازنــات الســائدة فــي املنطقــة واســتبدال توازنــات جديــدة بهــا ختــدم
الفاعلــن اجلــدد فــي العالــم ،وانتهــاء بهزميــة اجليــش املغربــي فــي مواجهــة اجليشــن الفرنســي
،)1859وهــي هزميــة جتــاوزت نتائجهــا املســتوى العســكري لتشــمل مســتويات أخــرى ،ومهــدت
هكــذا ،يبــدو أن النهضــة العربيــة ،فــي املشــرق العربــي ومغربــه ،قــد توحــدت ظــروف
ـدم نفســها كــرد فعــل علــى التحــدي احلضــاري الــذي بــدأ يفرضــه الغــرب علــى
انبثاقهــا لتقـ ِّ
العالــم العربــي .ولذلــك ،توحــدت األســئلة املوجهــة لهــذه النهضــة بــن املشــرق واملغــرب،
املجتمــع صفوتــه ،ومــن هنــا جــاء مصطلــح النخبويــة ( )Élitismeلإلحالــة علــى مذهــب يحبــذ
النخبــة علــى حســاب اجلماهيــر ،ومنــه جــاء وصــف خنبــوي ( )elitistكداللــة علــى مؤيــد مذهــب
النخبويــة .وقــد مت اســتخدام املفهــوم بهــذا املعنــى منــذ القــرن 17لإلشــارة إلــى اجلماعــات
االجتماعيــة املتميــزة كالوحــدات العســكرية ،ذات الشــأن الرفيــع أو النبــاء ،والنخــب كذلــك
هــم أولئــك األشــخاص املتميــزون ،إمــا فــي أدائهــم أو أفكارهــم ،أو فــي مســتواهم االجتماعــي
وانتخبــت خنبتهــم ( .)3كمــا أشــار ابــن منظــور فــي «لســان العــرب» إلــى نفــس املعنــى «النخبــة،
خنــب ،انتخــب الشــيء اختــاره وخنبــة القــوم وخنبتهــم خيارهــم»( .)4لكــن مفهــوم النخبــة لــم
ــرج فــي علــم االجتمــاع والسياســة إال نهايــة القــرن التاســع عشــر وبدايــة القــرن العشــرين
َي ُ
| 178
باريتـوو (�Vilfre علـ�ى يـ�د مجموعـ�ة مـ�ن علمـ�اء االجتمـ�اع والسياسـ�ة ،نذكـ�ر منهـ�م (فيلفريـ�دو
)do Pareto؛ وجيتانــو موســكا ()Gaetano Mosca؛ وماكــس فيبــر ( .)... )Max Weberوقــد انطلــق
هــؤالء مــن أطروحــة مفادهــا أن علــم االجتمــاع هــو علــم الفعــل االجتماعــي ً
أول ،ولذلــك
ـب اهتمامهــم حــول طبيعــة الفاعلــن االجتماعيــن ومواقعهــم ودوافعهــم وأدوارهــم داخــل
انصـ َّ
املجتمــع (.)5
وإذا كانــت املدرســة املاركســية تنطلــق مــن فكــرة الصــراع الطبقــي لتحديــد الفاعلــن
االجتماعيــن ،فــإن عالــم االجتمــاع اإليطالــي ،فيلفريــدو باريتــو ،عمــل علــى بنــاء نظريــة
ينحصــرون فــي مجموعــة قليلــة مــن الفئــات التــي يحــوز أفرادهــا القســط األوفــر داخــل
مجتمعاتهــم ،ممــا يجعلهــم محترمــن ومطاعــن .وهكــذا ،يعتبــر باريتــو أن تاريــخ املجتمعــات
لكــن مــا الــذي يجعــل هــذه الفئــة االجتماعيــة (النخبــة) تهيمــن علــى األغلبيــة فــي املجتمــع
وتوجههــا؟
ينطلــق باريتــو مــن فرضيــة أساســية مفادهــا أن احليــاة االجتماعيــة تقــوم علــى أســاس التفاعــل
ســيطرة النخبــة وســيادتها هــو كونهــا أقليــة منظمــة .وإذا كانــت النخبــة هــي األقليــة الســائدة،
فإنهــا ختضــع للتبديــل والتغييــر ،عبــر الزمــن ،فتحــت ضغــط اجلماهيــر يلتحــق بالنخبــة احلاكمــة
أفــراد جــدد مــن املجتمــع ،وحينمــا حتــول عوائــق دون هــذا االلتحــاق ،يتــم تعويــض النخبــة
احلاكمــة بنخبــة مضــادة بطــرق جذريــة علــى حنــو مــا حــدث فــي الثــورة الفرنســية ،وفــي
عمومــا (.)6
ً الثــورات االجتماعيــة
أ -أول االعتبــارات التــي دفعــت الباحــث إلــى اعتمــاد هــذا املدخــل النظــري هــو كون املشــروع
النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | 179
خنبويــا؛ َّ
أسســته وقادتــه خنبــة فكريــة استشــعرت ،خــال وقــت ًّ مشــروعا
ً النهضــوي العربــي
راســخة مــن أجــل جتــاوز وضعيــة االحنطــاط الطارئــة فــي اجتــاه ترســيخ وضعيــة التقــدم والتطــور
ب -أمــا ثانــي االعتبــارات التــي دفعــت الباحــث إلــى اعتمــاد هــذا املدخــل النظــري هــو كــون
مرحلــة النهــوض .ويرجــع فشــل هــذا التحــول إلــى تعطيــل حتــول املشــروع الفكــري النخبــوي،
عبــر القنــاة التربويــة ،إلــى العمــق االجتماعــي بهــدف إحــداث الطفــرة املنشــودة.
نظرنــا إلــى ُع ْســر التحــول الــذي عانــاه املشــروع النهضــوي نتيجــة عــدم مواءمتــه إلمكانيــات
الواقــع االجتماعــي والسياســي الــذي كان ،خــال مرحلــة االحنطــاط ،دون مســتوى املشــروع
وإذا انطلقنــا مــن أطروحــة باريتــو ميكــن اعتبــار أن النخبــة النهضويــة التــي قــادت املشــروع
اإلصالحــي العربــي حضــرت باعتبارهــا أقليــة منظمــة اســتطاعت أن حتــدد اجتــاه البوصلــة
-االجتــاه األول :ســلفي النزعــة ربــط حــل اإلشــكاليات الراهنــة بالعــودة إلــى األصــول بهــدف
َّ
حــل إشــكاليات احلاضــر باالنفتــاح علــى التجــارب -االجتــاه الثانــي :ليبرالــي النزعــة ربــط
احلديثــة فــي الفكــر والتصــور واملمارســة ،لكــن كال االجتاهــن ركــزا علــى البعــد التنظيــري،
وهمشــا القنــاة التربويــة التــي بإمكانهــا أن تنقــل املشــروع الفكــري إلــى مســتوى املمارســة العملية.
َّ
وباعتمــاد أطروحــة باريتــو نفســها ،ميكــن اعتبــار أن االنفصــال الــذي حتقَّ ــق بــن املرجعيــة
الفكريــة وبــن املمارســة العمليــة فــي املشــروع اإلصالحــي النهضــوي ،أســهم ،بشــكل كبيــر،
فــي انتقــال مركــز الثقــل الفكــري فــي اجتــاه خنبــوي جديــد ،حيــث بــرزت ،بعــد املرحلــة
َّ
لتتشــكل النهضويــة ،تيــارات أيديولوجيــة جديــدة انفصلــت عــن بعضهــا ،وتباعــدت رؤاهــا
كهويــات جديــدة يجمــع بينهــا التناقــض والصــراع ،بعدمــا كانــت ُم َت َسـ ِ
ـاك َنة فــي مشــتل فكــري
جامــع ،هــو املشــروع اإلصالحــي النهضــوي بنزوعــه «الســلفي املنفتــح» و»الليبرالــي احملافــظ».
فــي جوهرهــا مبجمــوع اخليــارات املتاحــة أمــام النخبــة املثقفــة لصياغــة النمــوذج احلضــاري
املنشــود ،والــذي بإمكانــه أن يجيــب علــى التحــدي احلضــاري املطــروح .ومبــا أن املرحلــة قــد
مــن تســرب هــذه التأثيــرات وتغلغلهــا لتصبــح موجهــة لألســئلة املطروحــة ،واخليــارات الفكريــة
عبــرت هــذه التأثيــرات عــن نفســها ،بشــكل جلــي ،مــن خــال الــرؤى اإلصالحيــة التــي
وقــد َّ
تب َّنتهــا هــذه النخبــة ،ســواء السياســية منهــا ،عبــر املطالبــة بصياغــة دســاتير ِّ
تنظــم العالقــات
النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | 181
بــن احلاكمــن واحملكومــن ( ،)7أو االجتماعيــة مــن خــال املطالبــة بتعليــم املــرأة باعتبارهــا
مدرســة األجيــال( ،)8أو االقتصاديــة مــن خــال مطالبــة الدولــة بتنظيــم القطاعــات االقتصاديــة
وقــد تب َّنــى الدعــوة إلــى هــذه اإلصالحــات تيــار فكــري اســتلهم املبــادئ الليبراليــة احلديثــة،
وحــاول مــن خاللهــا القيــام مبجموعــة مــن اإلصالحــات اجلوهريــة لبــث روح جديــدة فــي
الوضعيــة الســائدة .لكــن ،هــذه الدعــوات الليبراليــة لــم تكــن الوحيــدة التــي تبحــث فــي
الــداء ،بــل كان للنخبــة الفكريــة الســلفية صوتهــا القــوي فــي طــرح األســئلة الفكريــة علــى
املرحلــة .وهكــذا ،فعنــد محاولــة عــرض أســئلة التأســيس التــي قــادت املشــروع النهضــوي
العربــي ،إبــان مرحلــة القــرن التاســع عشــر ،جندهــا تأسســت علــى ســؤالني رئيســيني يرتبــط كل
فقــد ارتبــط الســؤال األول مبرجعيــة حتــاول اســتلهام مقومــات الفكــر احلديــث ،مــع محاولــة
ربطــه مبشــاغل الراهــن ،وبذلــك نلمــس بــن طياتــه بعــض مالمــح الفكــر الليبرالــي احلديــث
دون التمكــن التــام مــن مقومــات هــذا الفكــر .بينمــا ارتبــط الســؤال الثانــي مبرجعيــة مغايــرة
كانــت تســعى إلــى محاولــة اســتثمار املقومــات احلضاريــة للتــراث العربــي اإلســامي قصــد
اإلطــاق ،فقــد جنحــت التجربــة واخترقــت كل ربــوع العالــم عبــر اســتراتيجية الفتوحــات التــي
اســتطاع عبرهــا العــرب ختطــي حدودهــم اجلغرافيــة واختــراق جميــع جهــات العالــم مــن آســيا
| 182
إلــى إفريقيــا إلــى أوروبــا ...وقــد ظــل صــدى هــذا النجــاح يتــردد ،لقــرون طويلــة ،لــدى النخبة
ـدا عنــه.
املثقفــة باعتبــاره النمــوذج األمثــل الــذي ال ميكــن للعــرب أن يواصلــوا طريقهــم بعيـ ً
لذلــك ،فــإن نشــوة هــذا النجــاح ظلــت تــراود رواد عصــر النهضــة ،وهــم يبحثــون فــي ســبل
اخلــروج مــن الركــود احلضــاري الــذي عانــاه الفكــر العربــي خــال هــذه املرحلــة مردديــن
وقــد تب َّنــى التيــار الســلفي هــذه الرؤيــة ،وحــاول مــن خاللهــا التأســيس لتجربــة جديــدة قوامهــا
تنقيــة الفكــر العربــي مــن الشــوائب التــي علقــت بــه ،وذلــك عبــر الرجــوع إلــى العصــر الذهبــي
طابعــا
ً لهــذا الفكــر باســتلهام مقوماتــه احلضاريــة .لكــن هــذه العــودة ال حتمــل فــي طياتهــا
نتوهــم ،وإمنــا عــودة ُم ْب ِد َعــة ال تفــارق الواقــع بــل تنطلــق منــه بح ًثــا عــن
َّ نكوصيــا ،كمــا قــد
ًّ
حلــول لركــوده .ولعــل هــذا مــا يؤكــده ســعيد بنســعيد العلــوي عندمــا اعتبــر أن «الفكــر الســلفي
حــاول أن يقــدم األجوبــة ،وســعى إلــى إعــادة فتــح بــاب االجتهــاد بعــد إذ اســتمر غلقــه قرو ًنــا
هكــذا ،متكــن الفكــر الســلفي مــن ضــخ دمــاء جديــدة فــي شــرايني الفكــر العربي ،وهــو يبحث
فــي إمكانيــات النهــوض مــن نكســاته ،وقــد كان بذلــك قــوة حتريريــة كبيــرة أســهمت ،إلــى
أبعــد احلــدود ،فــي احلفــاظ علــى خصوصيــة الــذات وســط األمــواج العاتيــة التــي هاجمتهــا،
مهمــة إعــادة تكييــف النظــر إلــى العالقــة بــن التحديــث (التبديــع) مــن جهــة ،والعــودة إلــى
(السـ َّنة احلســنة) مــن جهــة أخــرى ،وذلــك بتوســط هــو العمــل علــى التجديــد
اإلســام احلــق ُّ
فــي أمــور الديــن ،أو مــا يتعلــق منهــا بالعــادات واملعامــات علــى وجــه اخلصــوص.
النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | 183
حضاريــة جديــدة تنبنــي علــى محاولــة اخلــروج مــن الركــود الســائد والدخــول فــي حركيــة
العصــر .وقــد أســهمت املرجعيــة الفكريــة الســلفية ،فــي املشــرق العربــي ،فــي إعــان البدايــة
األولــى لهــذا املســار ،وذلــك مــن خــال جناحهــا فــي إحــداث نــوع مــن التــوازن بــن التحــدي
لرجــات قويــة بعدمــا تعــرض العــرب املســلمون لتحديــات متتاليــة أبانــوا خاللهــا عــن
املرحلــةَّ ،
ـرض خصوصيتهــم احلضاريــة خلطــر داهــم جتســد
ضعــف كبيــر فــي املواجهــة؛ الشــيء الــذي عـ َّ
فــي خضوعهــم لالســتعمار والتخلــي عــن اســتقاللهم.
وفــي خضــم هــذه التحديــات الكبــرى املفروضــة علــى الفكــر العربــي ،عمــل رمــوز الفكــر
النهضــوي مــن التيــار الســلفي علــى تصحيــح الكثيــر مــن املغالطــات التــي فرضتهــا املرحلــة،
وعلــى قائمــة هــذه املغالطــات محاولــة رســم صــورة لإلســام ،كتصــور حضــاري عابــر للزمــان
ـادا علــى الفكــر اإلســامي وعلــى واقــع املســلمني ،املنحســر فــي إطــار زمانــي
واملــكان ،اعتمـ ً
وضمــن حــدود جغرافيــة؛ األمــر الــذي يجعــل هــذه احملاولــة مغرضــة إلــى أبعــد احلــدود.
ويعتبــر الشــيخ محمــد عبــده ( )1905-1849مــن رواد هــذه املرجعيــة الكبــار ،حيــث أســهم فــي
تبرهــن علــى ذلــك الصــورة اجلديــدة التــي صاغهــا التيــار الســلفي لإلســام كديــن يحتــوي
علــى قيــم إنســانية نبيلــة ،هــذا الديــن الــذي ال وجــود لــه فــي واقــع املســلمني ،والــذي يجــب
عليهــم االلتــزام بقيمــه الســامية إذا أرادوا اخلــروج مــن تقهقرهــم احلضــاري .وفــي هــذا الصدد،
إن التخلــف الــذي يعانــي منــه العــرب املســلمون هــو ختلــف يرتبــط مبمارســاتهم فــي الواقــع وال
عالقــة لــه باإلســام ،وفــي إشــارة ُم َب َّط َنــة يحيــل الشــيخ محمــد عبــده النخبــة املثقفــة ،التــي
تبحــث فــي ســبل اخلــروج مــن التخلــف ،علــى العــودة إلــى األصــول النقيــة لإلســام ومحاربــة
الشــوائب التــي علقــت بهــذه األصــول ،ويبــن فــي هــذا الســياق أن «اإلســام لــن يقــف حجــر
ـدا ،بــل هــو سـ ِّ
ـيهذبها وينقِّ يهــا مــن أوضارهــا ،وســتكون املدنيــة مــن عثــرة فــي ســبيل املدنيــة أبـ ً
أقــوى أنصــاره متــى عرفتــه وعرفــه أهلهــا»(.)13
ومت ِّثــل العــودة إلــى األصــول النقيــة لإلســام ،فــي نظــر الشــيخ محمــد عبــده ،احلـ َّ
ـل الوحيــد
للخــروج مــن املــأزق التاريخــي الــذي ســقطت فيــه احلضــارة العربيــة اإلســامية ،ولــن تُشـ ِّ
ـكل
ســتزودها بقــوة
ِّ خطــرا علــى املدنيــة املعاصــرة بــل علــى العكــس مــن ذلــك
ً هــذه العــودة
وباإلضافــة إلــى األثــر الكبيــر الــذي تركــه الشــيخ محمــد عبــده علــى املرجعيــة الســلفية،
الشــيخ جمــال الديــن األفغانــي ( )1897-1838الــذي التــزم نفــس رؤيــة محمــد عبــده ،وآمــن
أشــد اإلميــان بالعــودة إلــى األصــول النقيــة للحضــارة العربيــة اإلســامية ملواجهــة التــردي الــذي
يعانــي منــه احلاضــر إال أن الصــوت القــوي الــذي رافــق صــوت الشــيخ محمــد عبــده فــي هــذه
املعركــة املصيريــة هــو الشــيخ علــي عبــد الــرازق ( )1966-1888الــذي انتقــد املمارســة السياســية
اخلالفــة شــأن مدنــي ال دخــل للديــن فيــه ،وهــو فــي ذلــك يقــول« :واحلــق أن الديــن اإلســامي
غيرهمــا مــن وظائــف احلكــم ومراكــز الدولــة .وإمنــا تلــك كلهــا خطــط سياســية صرفــة ال شــأن
للديــن بهــا فهــو لــم يعرفهــا ولــم ينكرهــا ،وال أمــر بهــا وال نهــى عنهــا ،وإمنــا تركهــا لنــا لنرجــع
النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | 185
الشــافية علــى األســئلة احملرجــة التــي فرضهــا التحــدي الغربــي علــى املغــرب .ولعــل اخلصوصيــة
ميــزت الفكــر الســلفي فــي بــاد املغــرب ،هــي ذلــك التداخــل مــا بــن الســلفية كتيــار
التــي َّ
فكــري ،واحلركــة الوطنيــة كتيــار سياســي .وهــذا ،مــا يؤكــده ســعيد بنســعيد العلــوي حــن
يقــول« :قــد يكــون مــن املفيــد أن منهــد للحديــث عــن الفكــر الســلفي فــي املغــرب بإشــارة
ولعــل هــذا التداخــل هــو الــذي أعطــى املرجعيــة الســلفية فــي املغــرب قيمــة مضافــة ،كصــوت
قــوي يدعــو إلــى التحــرر والنهــوض ،ويربــط املغاربــة بتراثهــم العربــي اإلســامي الــذي يجســد
ً
خالفــا للدعــوات االســتعمارية التــي حاولــت تقدميــه لهــم فــي شــكل كل هــذه القيــم النبيلــة
وبتوفــر هــذا الوعــي الفكــري املتقــدم ،اســتطاعت املرجعيــة الســلفية فــي املغــرب أن تكــون أداة
حتريــر سياســي واجتماعــي فــي يــد النخبــة املثقفــة ،عملــت مــن خاللهــا علــى محاربــة التــردي
الســائد ،عبــر اســتراتيجية العــودة املبدعــة إلــى العصــر الذهبــي فــي التاريــخ اإلســامي قصــد
اســتلهام القيــم الســامية التــي قــادت العــرب املســلمني إلــى جناحــات كبيــرة.
مــن جميــع القيــود التــي عرقلــت مســيرته ،ســواء أكانــت فكريــة أم سياســية ...وهــذا مــا فتــح
واســعا أمــام خــروج النخبــة املثقفــة عــن صمتهــا ،والدخــول فــي ممارســة التجديــد
ً البــاب
| 186
ولعــل هــذا مــا يؤكــده الكثيــر مــن الباحثــن املغاربــة الذيــن اهتمــوا باملرحلــة ،وكشــفوا عــن
أســئلتها الفكريــة .ويشــير ســعيد بنســعيد العلــوي إلــى أن الســلفية املغربيــة جــزء ال يتجــزأ مــن
جتــد تبريراتهــا وتفســيراتها فــي معطيــات السياســة واالجتمــاع والتاريــخ .ويعتمــد الباحــث
مجموعــة مــن املعطيــات التاريخيــة ،منهــا أن كتابــات الســلفيني املغاربــة «تشــي بقــدرة جيــدة
علــى ممارســة االجتهــاد الفقهــي فــي قضايــا تتعلــق باحليــاة االجتماعيــة واالقتصاديــة والسياســية
املعاصــرة فــي املغــرب ،فهــي قــد كتبــت فــي جتــاوب وتفاعــل مــع صــور هــذه احليــاة كلهــا» (.)17
األســئلة التأسيســية التــي طرحتهــا علــى املرحلــة ،وهــي فــي العمــق أســئلة فكريــة تعمــل علــى
توجيــه بوصلــة النهضــة فــي االجتــاه الصحيــح إال أن هــذا الــدور الكبيــر الــذي لعبتــه املرجعيــة
الســلفية لــم يوصــد البــاب أمــام مرجعيــة أخــرى ،اســتمدت مشــروعيتها مــن حتديــات الراهــن
وقــد اســتمدت املرجعيــة الليبراليــة ،فــي الفكــر النهضــوي العربــي ،مشــروعيتها مــن الفكــر
االقتصــادي الــذي عمــل علــى اســتثمار اخليــرات املاديــة للطبيعــة واخليــرات الرمزيــة لإلنســان
فــي عالقــة مبنجــزات النمــوذج الليبرالــي ،فقــد ســعت النخبــة النهضويــة العربيــة إلــى التعــرف،
عــن قــرب ،علــى هــذه اإلجنــازات التاريخيــة ،إمــا عبــر الرحــات التــي عاشــت اللحظــة
وعبــرت عنهــا خيــر تعبيــر ،وإمــا عبــر البعثــات الطالبيــة التــي فتحــت لعهــد جديــد فــي التعامــل
َّ
فكــرا و ممارســة ،وقــد مت هــذا فــي مشــرق العالــم العربــي مــع
ً مــع اآلخــر والتعــرف عليــه،
عبــد اهلل (1790- محمــد علــي ( ،)1849-1769وفــي املغــرب العربــي مــع الســلطان محمــد بــن
،)1710ومــا يوحــد هذيــن الرمزيــن النهضويــن ،هــو اقتناعهمــا التــام بضــرورة نقــل صــدى هــذا
عبــرت املرجعيــة الليبراليــة فــي الفكــر العربــي عــن نفســها عبــر الترويــج ملفهــوم مركــزي
وقــد َّ
يســتمد قوتــه مــن املســتجدات الطارئــة ،علــى املســتويني الفكــري والسياســي ،وهــو مفهــوم
ً
مرتبطــا بالراهــن ،فيمــا يتعلــق «التحديــث» الــذي يحمــل شــحنة فكريــة وسياســية جتعلــه
بالوجــود االجتماعــي ومــا يرتبــط بــه مــن أمنــاط الوجــود السياســي واالقتصــادي والقانونــي
والفكــري ....كمــا أنــه يتعلــق مبــا يحصــل مــن الوعــي عبــر النظــر فــي تلــك األمنــاط املختلفــة
مــن الوجــود فــي صلتهــا باألحــداث املســتجدة والظاهــرة فــي مســتويات السياســة واالجتمــاع
واالقتصــاد .و»كمقابــل ملفهــوم التحديــث ،حضــر مفهــوم «االجتهــاد» الــذي يســتمد روحــه مــن
وإذا جتاوزنــا مســتوى التنظيــر إلــى مســتوى املمارســة ،جنــد النخبــة املثقفــة العربيــة قــد حاولــت
القيــام مبراجعــات فــي كل أمنــاط الراهــن املختلفــة ،ســواء مــا تعلــق منهــا بالوجــود الفكــري أو
السياســي أو االجتماعــي .ومبــا أن هــذه النخبــة قــد جســدت كل مظاهــر التخلــف فــي البعــد
ـدا
السياســي ،مــن حيــث التأثيــر الســلبي الــذي ميارســه االســتبداد علــى الفكــر فيجعلــه راكـ ً
وغيــر قــادر علــى صياغــة األجوبــة النافــذة علــى األســئلة املطروحــة ،فــإن اخلطــاب التحديثــي
| 188
ـب علــى النظريــة السياســية ،باعتبــار أن التحديــث السياســي ســيكون لــه كبيــر األثــر
لديهــا انصـ َّ
علــى باقــي املســتويات األخــرى.
عبــرت املرجعيــة الليبراليــة فــي التأســيس للنهضــة العربيــة عــن هــذا الطمــوح إلــى
وقــد َّ
ـد دســتوري اجتــاح البــاد العربيــة اإلســامية بدايــة القــرن
اإلصــاح السياســي ،مــن خــال َمـ ٍّ
التاســع عشــر .وعــادة مــا يتــم إرجــاع احلركــة الدســتورية إلــى اخلامــس مــن أكتوبر/تشــرين
األول 1798؛ إذ اســتدعى نابليــون فــي هــذا التاريــخ جمعيــة عامــة (الديــوان العــام) مؤ َّلفــة مــن
األعيــان املصريــن بجانــب العلمــاء واجلنــراالت الفرنســيني ( .)19ويعتبــر هــذا احلــدث البدايــة
مجموعــة مــن اإلصالحــات علــى نظــام املخــزن الــذي أبــان عــن وضعيــة كارثيــة فــي مواجهــة
املــد االســتعماري ،لكــن الوعــي املتقــدم لهــذه النخبــة ،التــي كانــت -علــى األرجــح -علــى
اطــاع مبــا يجــري مــن حتديــث فــي الضفــة الشــمالية ،أوقفــت هــذا الطمــوح االســتعماري،
أو علــى األقــل عملــت علــى التقليــل مــن ســطوته عبــر حتويــل االحتــال الشــامل إلــى حمايــة
وجــوده مــن التــراث العربــي اإلســامي باعتبــاره املنبــع الوحيــد الــذي تنبعــث منــه جميــع
العربــي رؤى جديــدة فــي الفكــر والسياســة واملجتمــع ،وقــد كان للبعثــات الطالبيــة التي أرســلها
محمــد علــي إلــى الغــرب كبيــر األثــر علــى اختــراق الفكــر العربــي اإلســامي مــن طــرف هــذه
الــرؤى احلديثــة ،وتغلغلهــا لدرجــة املســاهمة املباشــرة فــي صياغــة رؤيتــه للنهضــة واإلصــاح.
وبهــذا ،فقــد َّ
متكنــت املرجعيــة الليبراليــة ،فــي املشــرق العربــي ،مــن تقــدمي مســاهمة فكريــة
النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | 189
كبيــرة ،مــن خــال اســتعادتها ملجموعــة مــن األســئلة التــي غابــت عــن الطــرح الســلفي،
فكريــا مثــل رفاعــة الطهطــاوي (« )-1873 1801الــذي يعتبــر عــن حــق مــن
ًّ هرمــا
دون أن نذكــر ً
وأسســوا كتابــة عربيــة معاصــرة»( )21وقــد متركــزت هــذه
أوائــل املثقفــن العــرب الذيــن بلــوروا َّ
الكتابــة حــول املســألة السياســية التــي اع ُتبــرت فــي نظــر معظــم النخبــة املثقفــة جوهــر اإلصالح
املرتقــب« .وال ميكــن فصــل تفكيــر رفاعــة الطهطــاوي عن منــاخ الفكــر اإلصالحي الذي انتشــر
بصــور وأشــكال مختلفــة فــي الواليــات العثمانيــة فــي نهايــة القــرن الثامــن عشــر ومطلــع القــرن
التاســع عشــر ،هــذا املنــاخ الــذي وضــع التقابــل بــن اإلســام وأوروبــا املعاصــرة بــن التقــدم
إن ورود مثــل هــذه الثنائيــات فــي فكــر رفاعــة الطهطــاوي ،ومعــه مفكــرو عصــر النهضة ،يشــي
بطمــوح كبيــر لكشــف الســتار عــن إشــكاليات الراهــن العربــي الــذي ال ميكنــه أن يســتمر فــي
منــأى عــن حركيــة العصــر التــي تفــرض عليــه حتديــات كبيــرة يجــب أن يواجههــا إذا أراد حتقيــق
االســتمرارية .وبذلــك ،نكــون خــال هــذه املرحلــة أمــام صيــغ جديــدة للتفكيــر حتــاول أن
تســتمد مشــروعيتها مــن املنظومــة الفكريــة املعاصــرة ،ولعــل هــذا مــا يؤكــده أنــور عبــد املالــك،
ً
مخاضــا ســيفضي فــي األخيــر إلــى «تأســيس حساســية جديــدة الــذي يــرى أن املرحلــة تعيــش
فــي الفكــر العربــي املعاصــر»( .)23وال ميكــن إال أن نعتــرف بــأن تفكيــر رفاعــة الطهطــاوي فــي
املســألة السياســية ينــدرج ضمــن هــذه احلساســية اجلديــدة بــل ويزكيهــا ،وذلــك راجــع إلــى أن
الطهطــاوي قــد واجــه انطالقً ــا مــن اعتبــاره رم ـ ًزا مــن رمــوز النخبــة املثقفــة فــي مصــر ،فــي
القــرن التاســع عشــر ،إشــكالية التأخــر اإلســامي ،وأنــه أدرك بحكــم احتكاكــه املباشــر بأوروبا
االختــاف إلــى أن الطهطــاوي ال يفكــر فــي املســألة السياســية إال باالعتمــاد علــى املنجــزات
«التمــدن»(.)25
وإذا كان رفاعــة الطهطــاوي قــد َّ
فكــر فــي النهضــة العربيــة مــن منطلقــات جديــدة ومبفاهيــم
جديــدة ،فإنــه كان علــى وعــي تــام بضــرورة تشــييد صــرح النهضــة العربيــة عبــر اســتلهام
منجــزات الغــرب الرمزيــة منهــا واملاديــة ،علــى وجــه اخلصــوص ،ألن هــذا الغــرب يواجهنــا
مبنجزاتــه املاديــة .وهــذا مــا يؤكــده الطهطــاوي فــي حديثــة عــن مغــزى التمــدن« :متــدن الوطــن
حســا
عبــارة عــن حتصيــل مــا يلــزم ألهــل العمــران مــن األدوات الالزمــة لتحســن أحوالهــم ًّ
ومعنــى ..واســتجماع الكمــاالت املدنيــة والترقــي فــي الرفاهيــة»( .)26وكمــا نالحــظ ،فــإن
تأثــر الطهطــاوي الكبيــر بالتمــدن األوروبــي ،هــو مــا دفعــه إلــى التركيــز فــي مفهــوم التمــدن
علــى املظاهــر املاديــة امللموســة ،مــن عمــران وكمــاالت مدنيــة وتـ ٍّ
ـرق فــي الرفاهيــة ...وبذلــك
يكــون رفاعــة الطهطــاوي قــد جنــح ،إلــى حــد بعيــد ،فــي اســتلهام النمــوذج الليبرالــي فــي
مــن املرجعيــة التراثيــة ،باعتبارهــا املنبــع الوحيــد القــادر علــى صياغــة األجوبــة علــى األســئلة
النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | 191
املطروحــة .لكــن ،املرحلــة التاليــة لهــذا احلــدث التاريخــي الضخــم كانــت مختلفــة مــع بدايــة
فجــر جديــد للنهضــة فــي املغــرب ،حيــث عــرف جانــب مــن الفكــر املغربــي اإلصالحــي،
عبــرت هــذه
إبــان هــذه النهضــة ،بعــض بــوادر الليبراليــة وبعــض التأثيــرات األنواريــة( .)27وقــد َّ
التأثيــرات الليبراليــة عــن نفســها مــن خــال األطروحــات الفكريــة واالجتماعيــة والسياســية
الليبرالــي ،وقــد جتســد ذلــك فــي مجموعــة مــن املبــادرات ،فــي عهــد الســلطان عبــد العزيــز
( )1943-1878والســلطان عبــد احلفيــظ ()1876-1937؛ حيــث تكونــت جماعــة مــن املثقفــن
التنويريــن ُعرِ َفــت بجماعــة لســان املغــرب ،وكان لهــا عالقــة بلجنــة أخــرى َّ
مســت نفســها
جلنــة الوحــدة والتقــدم ( .)28وقــد كان مــن بــن مهــام هــذه اجلماعــة صياغــة مجموعــة مــن
الشروط السياسية التي يجب التقيد بها ،ويتعلق األمر بـ :
وكمــا يبــدو ،فــإن األمــر يتعلــق مبيثــاق وطنــي حقيقــي ،زيــادة علــى أن البيعــة ميكــن أن تعتبــر
كعقــد بــن الســلطان والشــعب ،وهــو أمــر جديــد علــى النظريــة واملمارســة السياســيتني فــي
املغــرب كجــزء مــن العالــم العربــي اإلســامي ،وهــذا يعنــي أن التأثيــر الــذي مارســته احلداثــة
السياســية علــى النظريــة السياســية العربيــة ،قــد بــدأ يؤتــي أكلــه بظهــور خنبــة مثقفــة متتلــك قــوة
احلجــوي1956-( ، الليبرالــي ،علــى عاتقهــا .وقــد كان املثقــف املخزنــي ،محمــد بــن احلســن
)1874علــى رأس هــذه النخبــة ،حيــث انشــغل بهــذه القضيــة أميــا انشــغال وخصــص لهــا حيـ ًزا
كبيــرا مــن كتاباتــه ومحاضراتــه ،ويقــول فــي هــذا الصــدد« :لذلــك أرى وجــوب تعليمهــن
ً
نافعــا فــي هيئتنــا
ـوا ًوي َص ِّي ُر ُهــن عضـ ً
تعليمــا يليــق بديننــا ويزيــن مســتقبل أوالدنــاُ ،
ً وتهذيبهــن
االجتماعيــة .فــا غنــى لنــا عــن إعانتهــن فــي تربيــة رجــال املســتقبل الذيــن عليهــم مــدار حيــاة
البــاد ،وتعليمهــن فــي التربيــة ونظــام البيــت وقواعــد الصحــة والديــن وحفــظ القــرآن أو بعضــه
واحلســاب واجلغرافيــا والعربيــة واألدب احلقيقــي ال اخليالــي وحنــو ذلــك ممــا يعينهــن علــى
احلجــوي كمثقــف مخزنــي ،مــن أجــل متريــر األفــكار اإلصالحيــة اجلديــدة التــي ال جتــد صــدى
عنــد النخبــة الدينيــة .وهــذا مــا يؤكــده ســعيد بنســعيد العلــوي بقولــه« :واحلــق أن صاحــب
(الفكــر الســامي) -يقصــد احلجــوي -قــد خــاض فــي الدعــوة إلــى تعليــم املــرأة معركــة كبيــرة
أنفســهم»(.)31 خاضهــا ضــد كثيــر مــن الفقهــاء احملافظــن وضــد رجــال املخــزن
منوذجــا مــن معانــاة احلجــوي مــع خصومــه ممــن ال يتفقــون مــع رأيــه،
ً وينقــل عبــد اهلل اجلــراري
النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | 193
ففــي ســنة 1923أقيمــت دورة للمحاضــرات التــي كانــت تنظمهــا حكومــة احلمايــة باملعهــد
العلمــي بالربــاط ،وقــد شــارك فيهــا احلجــوي إلــى جانــب مجموعــة مــن علمــاء املغــرب حتــت
رئاســة الوزيــر األول محمــد بــن عبــد الســام املقــري ( .)1957 1860-وكان موضــوع مداخلــة
احلجــوي فــي هــذه الــدورة هــو «تعليــم الفتــاة ومشــاركتها فــي احليــاة» لكــن وقبــل أن يتــم
أبــي شــعيب الدكالــي« :فمــا قولــك أيهــا األســتاذ فــي املوضــوع :أيجــوز هــذا أم ال يجــوز؟
وهكــذا ،ال جنــد وضعيــة احلجــوي ختتلــف عــن وضعيــة مصلــح آخــر فــي املشــرق العربــي دافــع
عــن تعليــم املــرأة ،هــو قاســم أمــن ( )1908-1863الــذي عانــى مــن املجتمــع التقليــدي مثلمــا
عانــى احلجــوي فــي املغــرب؛ األمــر الــذي يدفــع الباحــث إلــى اســتنتاج مهــم يتجلــى فــي
وحــدة األهــداف اإلصالحيــة بــن املشــرق العربــي ومغربــه ،وكذلــك فــي وحــدة املعوقــات
لقــد ركــزت املرجعيــة الليبراليــة فــي الفكــر النهضــوي العربــي ،فــي املغــرب ،علــى إثــارة
موضــوع التحديــث ،باعتبــاره يجســد طفــرات كبيــرة ومهمــة عرفهــا املغــرب ،خــال مرحلــة
القــرن التاســع عشــر ،علــى غــرار املشــرق العربــي إال أن جتربــة التحديــث ،فــي املغــرب ،لهــا
خصوصيتهــا الذاتيــة مــن حيــث ارتباطهــا باألســئلة التــي فرضهــا الراهن/الواقــع ،وكذلــك مــن
خــال ارتباطهــا بشــراكة فريــدة حتققــت بــن املخــزن (النظــام احلاكــم) والنخبــة املثقفــة .كمــا
أن خصوصيــة التحديــث فــي املغــرب تتجلــى فــي قربــه مــن الضفــة الشــمالية للبحــر األبيــض
املتوســط ،حيــث مركــز احلداثــة األوروبيــة ،الشــيء الــذي جعــل التحديــث ال ينتقــل فقــط عبــر
فوهــات املدافــع وعبــر املــدارس التبشــيرية املســيحية ،ولكــن كذلــك عبــر التواصــل الشــعبي
فــي املشــروع النهضــوي ،مت ًنــا وخنبــة ،وذلــك راجــع إلــى كــون الفشــل الــذي أصــاب كل
وقــدم نفســه
َّ التاســع عشــر ،حيــث متكــن الفعــل النهضــوي مــن اختــراق احلــدود القُ طريــة،
لقــد ســاعدنا توظيــف أطروحــة باريتــو حــول الــدور الــذي تلعبــه النخبــة فــي قيــادة التغييــر
السياســي واالجتماعــي علــى كشــف قــوة املشــروع النهضــوي التــي تكمــن فــي النزعــة املعرفيــة
التــي قــادت خنبتــه .وفــي نفــس اآلن ،ســاعدنا علــى كشــف ضعــف املشــروع «الثــوري»
الالحــق للمرحلــة النهضويــة ،وهــو ضعــف يعــود إلــى النزعــة األيديولوجيــة التــي اختزلــت
الفعــل النهضــوي فــي حركيــة سياســية عابــرة .وميكــن تفســير هــذه احلركــة ا ُمل ِ
تراوحــة بــن
َّ
تشــكل خــال كل مرحلــة علــى حــدة. النجــاح والفشــل ،بطبيعــة الفعــل النخبــوي الــذي
أهلهــا لالنبثــاق كفاعــل نهضــوي عابــر لألقطــار والنزعــات األيديولوجيــة .لكــن ،الثــورة
وهــذا َّ
وتأسســت مــن خــارج
َّ النخبويــة الالحقــة للمرحلــة النهضويــة ،كانــت ذات طابــع أيديولوجــي
الفضــاء األكادميــي ،حيــث قادهــا فاعلــون أيديولوجيــون ال ميتلكــون مــن الرصيــد املعرفــي مــا
يؤهلهــم لتأســيس وقيــادة مشــروع مجتمعــي ،قــادر علــى اســتثمار النظــام الفكــري والقيمــي
لذلــك ،تظــل احلاجــة إلــى الــدرس النهضــوي قائمــة ،اليــوم ،وهــي تتجــاوز اإلشــكالية
النهضويــة كمــن فكــري ،إلــى اإلشــكالية النهضويــة كتصــور منهجــي .فــإذا كانــت معظــم
خارجيــا.
ًّ خرائــط التقســيم التــي يهيئهــا االســتعمار اجلديــد
املراجع
( )1عابد اجلابري ،محمد ،حنن والتراث( ،املركز الثقافي العربي ،بيروت ،)1993 ،ط ،6ص .12-13
( )2ابــن خلــدون ،عبــد الرحمــن بــن محمــد ،املقدمــة ،حتقيــق ودراســة :علــي عبــد الواحــد وافــي( ،نهضــة مصــر،
القاهــرة ،)2004 ،ج ،1ص .24
( )3الفراهيدي ،اخلليل بن أحمد ،كتاب العني( ،دار الكتاب العلمية ،بيروت ،)2003 ،ط ،1ج ،4ص .279
( )4ابن منظور ،لسان العرب( ،دار صادر ،بيروت )2003 ،ج ،14ص .2016
((Aron, R. les étapes de la pensée sociologique, (Gallimard, 1967, paris), p. 413 )5
(.Ibid, pp. 564-566 )6
( )7انظر :املدني ،محمد« ،حول املسألة الدستورية» ،مجلة أبحاث( ،العدد ،6خريف .)1984
()8كانت هذه دعوة قاسم أمني ( )1908 1863-في املشرق ومحمد احلجوي ( )1956 1874-في املغرب.
( )9فرضــت الوضعيــة االقتصاديــة اجلديــدة علــى الفقيــه املجتهــد مســائل مســتحدثة مثــل التأمــن علــى الســلع
والودائــع املوضوعــة فــي البنــوك.
( )10أفايــة ،نــور الديــن ،أســئلة النهضــة فــي املغــرب( ،منشــورات الزمــن ،الكتــاب ،15يونيو/حزيــران ،)2000
ص .77
( )11بنســعيد العلــوي ،ســعيد ،االجتهــاد والتحديــث :دراســة فــي أصــول الفكــر الســلفي فــي املغــرب ،سلســلة
الفكــر العربــي املعاصــر( ،مركــز دراســات العالــم اإلســامي ،)1993 ،ط ،1ص .19
( )12عبده ،محمد ،اإلسالم والنصرانية( ،مطبعة املنار ،القاهرة1350 ،ه) ،ص .115
( )13املرجع السابق ،ص .135
( )14عبد الرازق ،علي ،اإلسالم وأصول احلكم( ،الهيئة املصرية العامة للكتاب ،مصر ،)1993 ،ص .103
( )15بنسعيد العلوي ،االجتهاد والتحديث ،مرجع سابق ،ص .125
| 196
( )16الفاسي ،عالل ،احلركات االستقاللية في املغرب( ،مطبعة النجاح ،الدار البيضاء ،)2003 ،ط ،6ص .154
( )17بنسعيد العلوي ،االجتهاد والتحديث ،مرجع سابق ،ص .15
( )18املرجع السابق ،ص .15
( )19املدني« ،حول املسألة الدستورية» ،مرجع سابق ،ص .3
( )20النخبــة املخزنيــة ،نســبة إلــى املخــزن ،وهــو اســم ملســمى الدولــة املركزيــة فــي املغــربُ .وصفــت النخبــة
باملخزنيــة ،ألنهــا كانــت ملتزمــة مبشــروع التحديــث الرمســي الــذي قادتــه الدولــة املركزيــة .والكثيــر مــن هــذه
رمسيــا يلتــزم مبهمــة حتديــث املجتمــع
ًّ ً
موظفــا النخبــة إمــا ُأ ِ
رســل ضمــن بعثــات طالبيــة إلــى أوروبــا ،أو كان
تنظيــرا وممارســة.
ً والدولــة
( )21عبــد اللطيــف ،كمــال« ،التقــدم والتمــدن :عوائــق احلداثــة السياســية فــي خطــاب الطهطــاوي» ،فــي النهضــة
والتراكــم ،سلســلة املعرفــة التاريخيــة( ،دار توبقــال ،املغــرب ،)1986 ،ط ،1ص .134
( )22املرجع السابق ،ص .134
(.Abdel-malek, Anouar, idéologie et renaissance nationale, (Anthropos, paris, 1975), p. 306 )23
( )24عبد اللطيف ،التقدم والتمدن ،مرجع سابق ،ص .135
( )25الطهطــاوي ،رفاعــة ،األعمــال الكاملــة ،دراســة وحتقيــق :محمــد عمــارة( ،دار الشــروق ،القاهــرة،)2010 ،
ط ،1املجلــد ،1ص .469
( )26املرجع السابق ،ص .469
( )27عابــد اجلابــري ،محمــد« ،تطــور األنتلجنســيا املغربيــة» ،فــي األنتلجنســيا فــي املغــرب العربــي( ،دار احلداثــة،
بيــروت ،)1984 ،ص .17
( )28املنوني ،محمد ،مظاهر يقظة املغرب األقصى( ،مطبعة األمنية ،الرباط ،)1973 ،ط ،1ج ،2ص .109
( )29املدني« ،حول املسألة الدستورية» ،مرجع سابق ،ص .9
( )30احلجــوي ،محمــد ،الفكــر الســامي فــي تاريــخ الفقــه اإلســامي( ،دار الكتــب العلميــة ،بيــروت،)1995 ،
ط ،1ج ،2ص .702
( )31بنسعيد العلوي ،االجتهاد والتحديث ،مرجع سابق ،ص .84
( )32اجلراري ،عبد اهلل ،من أعالم الفكر املعاصر بالعدوتني (مطبعة األمنية ،الرباط ،)1971 ،ط ،1ج ،1ص .68
نحو تبني ثقافة االنحياز إىل املستقبل
ودراسات املستقبالت يف الوطن العربي
مقدمة
ـتقبالت مكانــة بــارزة فــي عمــوم املجــاالت البحثيــة التخصصيــة،
حتتــل دراســات املسـ َ
دربــا لهــا،
الســيما تلــك الدراســات التــي تتخــذ مــن املقاربــة املنهجيــة العلميــة ،واملوضوعيــة ً
مي ِّثــل ســلوكه أولــى حلقــات النجــاح فــي البحــث العلمــي الرصــن القائــم علــى استشــراف
احتمــاالت املســتقبل.
ـرا لــذا
ـرا وتراجــع مبكـ ً
إن اجلهــد العلمــي العربــي علــى صعيــد استشــراف املســتقبل بــدا متأخـ ً
كمــا منــه يتنــاول املاضــي واحلاضــر أكثــر مــن تناولــه املســتقبل. ـدودا ،فضـ ً
ـا عــن أن ًّ اســتمر محـ ً
ـجل للغــرب ،فــإن ذلــك
ـتقبالت تُسـ َّ
وإذا كانــت األســبقية فــي تنــاول موضــوع دراســات املسـ َ
بحثيــا ابتغــاء
ًّ ال مينــع املفكريــن والباحثــن العــرب مــن األخــذ بهــا كذلــك ،والســعي لتناولهــا
197
| 198
لرصــد معالــم الزمــن اآلتــي بعــد احلــال ،فــي ظــل اســتقراء متغيــرات املاضــي واحلاضــر سـ ً
ـبيل
الســتعالم املســتقبل.
صناعتنــا ملســتقبلنا علــى وفــق مصاحلنــا العليــا وإرادتنــا احلــرة .لــذا ،فــإن حتريــر رؤيتنــا الثقافيــة
ـرا معنــا،
للمســتقبل مــن كوابحهــا املتعــددة ،ومــن ثــم التعامــل مــع املســتقبل كمــا لــو كان حاضـ ً
هــو الــذي ُيفضــي بنــا إلــى شــراء الزمــان واختــزال الفجــوة احلضاريــة القائمــة بــن حاضرنــا
الراهــن باختالالتــه الهيكليــة املتعــددة ومســتقبلنا املنشــود الــذي ُيؤ َِّمــن صناعــة تاريخنــا علــى
وفــق مصاحلنــا العليــا .ولنتذكــر أن املجــد ال ُيصنــع بالتمنــي وإمنــا باالحنيــاز إلــى املســتقبل
وامللحــة
َّ انتهــاج منظــور اســتراتيجي واقتــراب رشــيد فــي التعامــل مــع القضايــا العلميــة احملوريــة
علميــا،
ًّ فــي احلاضــر واملســتقبل ،إضافــة إلــى االهتمــام البالــغ بتخصصــات املســتقبالت
ومــن رحــم هــذه اإلشــكالية يثــار العديــد مــن األســئلة الفرعيــة التــي ينبغــي اإلجابــة عليهــا
نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | 199
املستقبالت؟
َ -ما الذي يقصد مبفهوم
لتطويــع املســتقبل فــي ضــوء توظيــف ُمعطياتــه ،أفضــت إلــى أن تتبــوأ مكانــة مهمــة فــي
املجتمعــات املتقدمــة ،وكذلــك الســائرة فــي طريــق النمــو سـ ً
ـبيل لالرتقــاء باســتجابتها احلضاريــة
إلــى مســتوى حتديــات عالــم يتغيــر بســرعة تأمي ًنــا ملســتقبل آمــن وأفضــل.
ً
وخالفــا للــدول التــي تأخــذ بالتفكيــر العلمــي فــي املســتقبل وتطبيقاتــه العمليــة ،فــإن هــذا التفكير
وتطبيقاتــه العمليــة ال يحظــى باهتمــام رمســي ومجتمعــي واســع فــي جــل دول عالــم اجلنــوب،
ـرد هــذا الواقــع إلــى مدخــات ينبــع جلهــا مــن التخلــف احلضــاري لتلــك الــدول وصعوبــة
ويـ ُّ
ُ
حتررهــا مــن مخرجاتــه ،الســيما أن ُك ْل َفــة هــذا التحــرر قــد تضاعفــت عبــر الزمــان ،وهــو األمــر
حضاريــا
ًّ ـدادا وبالضــرورة الجتاهــات واقعهــا الراهــن .وكجــزء مهــم،
الــذي يجعــل مســتقبلها امتـ ً
واقتصاديــا ،فــي عالــم اجلنــوب ،ال تتماهــى أهميــة الوطــن العربــي ونوعيــة
ًّ وجيوســتراتيجيا
ًّ
انشــغالنا ،الرمســي واملجتمعــي ،بالتفكيــر العلمــي فــي املســتقبل وتطبيقاتــه العمليــة؛ فمثــل هــذا
التفكيــر اســتمر يتميــز مبحدوديــة انتشــاره أمــا تطبيقاتــه فقــد كانــت ضآلــة اإلجنــاز نصيبهــا.
فــي أركان أيــة دراســة علميــة ،الســيما وإن دراســات املســتقبالت تســاعد علــى نشــر التفكيــر
اآلليــة التــي يتــم مبوجبهــا معاجلــة املوضــوع أو مشــكلة البحــث ،عبــر رصــف مقتربــات املشــكلة
الرصينــة التــي تتطلــع برؤاهــا إلــى القابــل مــن األيــام اســتباقً ا واسـ
ـتعدادا لهــا.
ً
.2استشراف مكانة دراسة املستقبالت يف البحوث العلمية العربية
فــي ضــوء إشــكالية الدراســة وفرضيتهــا األساســية ،ســيحاول الباحثــان اإلجابــة علــى األســئلة
املطروحــة مــن خــال احملــاور اآلتيــة :مفهــوم املســتقبالت ،وتطــور التفكيــر العلمــي فــي
دراســات املســتقبالت ،وأهميــة املقاربــة املنهجيــة فــي بنــاء املشــاهد في دراســات املســتقبالت،
.1.2مفهوم املستقبالت
مي ِّثــل التفكيــر فــي املســتقبالت ظاهــرة إنســانية متتــد جذورهــا التاريخيــة إلــى مــا قبــل زمــان
اختــراع الكتابــة عــام 3000ق.م .كمــا أنــه ظاهــرة لــم تقتصــر علــى حيــز جغرافــي دون ســواه،
وإمنــا بــدأت واســتمرتً ،
أيضــا ،عابــرة للمــكان (.)1
نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | 201
متيــزت ظاهــرة التفكيــر اإلنســاني فــي املســتقبالت ،عبــر الزمــان ،بخاصيــة التجــدد؛ فتعاقــب
انتقــال اإلنســانية مــن واقــع مــا قبــل احلضــارة إلــى واقــع احلضــارة مبوجاتهــا الزراعيــة والصناعية
انعكاســا ،فــي
ً واملعلوماتيــة ،أفضــى إلــى أن تكــون أمنــاط وآليــات التفكيــر فــي املســتقبالت
ولعــل مــن حســنات القــدر ،أن البشــر ،مــادة التغييــر ،هــم ص َّناعــه ،واألوطــان ســاحة لبانورامــا
األداء املتواتــر احللقــات .كذلــك ،فــإن املســتقبالت صناعــة بشــرية ختتــرق حجــب الغــد بعقــول
وســواعد البشــر ( .)3مــن هنــا ،فــإن االهتمــام اإلنســاني باملســتقبالت ال يقــف عنــد حــد
القناعــة بقــدرة اإلنســان علــى استشــرافه ،وإمنــا ميتــد إلــى االعتقــاد بقدرتــه علــى صناعتــه،
اتســاقً ا مــع أفــكاره وإرادتــه .ويحفــل التاريــخ بأمثلــة علــى أشــياء ُعـ َّ
ـدت فــي وقتهــا مســتحيلة
إن مفهــوم املســتقبل مــن الناحيــة اللغويــة ابتــداء يعنــي «اآلتــي بعــد احلــال» ،أي إنــه مي ِّثــل احللقــة
ت ُْع َنــى بالصــورة التــي ت ُْر َســم لفتــرة مقبلــة فــي ضــوء تفاعــل مجموعــة مــن املتغيــرات احلاضــرة
التــي قــد تتداخــل مــع املعطيــات الســابقة لتشــكل بذلــك مالمــح لتلــك الصــورة املرســومة
مسـ ً
ـتقبل ( )6ملواجهــة مــا يكتنــف تلــك الصــورة مــن حتديــات ومخاطــر مســتقبلية (.)7
لقــد أكــد املســتقبلي العربــي الرائــد ،قســطنطني زريــق ،أن خاصيتــن أساســيتني تزامنتــا مــع
اإلنســان عبــر مراحــل تطــوره احلضــاري ،ومتتعتــا بتأثيــر مهــم فــي حتديــد موقفــه مــن املســتقبل.
أولهمــا خاصيــة التذكــر ،مبعنــى التلفــت إلــى مــا كان ،أي إلــى املاضــي .وأمــا الثانيــة فهــي
خاصيــة التشــوف ،مبعنــى التطلــع إلــى مــا ســيكون ،أي إلــى املســتقبل ،ورأى أن األولــى جتعــل
محكومــا باملاضــي ،والثانيــة تفضــي إلــى أن يكــون ُم َت َح ِّك ًمــا بــه (.)8
ً اإلنســان
| 202
املشــاهد احملتملــة أو املمكنــة أو املرغــوب بهــا .مــن هنــا ،فــإن دراســات املســتقبالت متثِّــل
عمليــة بحــث علمــي َّ
منظــم فــي مجــال مــا تــدرس ماضــي احلاضــر وحاضــر املاضــي ،أمـ ً
ـا
فــي رصــد مســتقبل احلاضــر بعنايــة لتحديــد آفاقــه واجتاهاتــه ،فضـ ً
ـا عــن عوامــل التغييــر فيــه
واســتعدادا للزمــان
ً ً
ســبيل الستشــراف احتمــاالت املســتقبالت اســتباقً ا املنهجيــة العلميــة
يعــرف كيســتون بيرجــر ( )Gaston Bergerاالستشــراف بالقــول« :إن هــدف االستشــراف ليــس
فقــط النظــر البعيــد بــل النظــر بصــورة واســعة والتحليــل جلوهــر الظواهــر باالســتعانة باخلبــراء
واســتعمال تقنيــات وحتليــل النظــام»( .)11وبــذا ،فــإن االستشــراف املســتقبلي هــو «اجتهــاد
علمــي َّ
منظــم يرمــي إلــى صياغــة مجموعــة مــن التنبــؤات املشــروطة التــي تشــمل املعالــم
الرئيســة ألوضــاع مجتمــع مــا أو مجموعــة مــن املجتمعــات عبــر حقبــة مقبلــة متتــد قليـ ً
ـا ألبعــد
اعتمــادا
ً تصــور خصائــص ظاهــرة مــا تتســم بقــدر مــن الشــمول عبــر فتــرة زمنيــة الحقــة
علــى معطيــات الواقــع احلاضــر الــذي يصــف خصائــص الظاهــرة .والتنبــؤ أنــواع كثيــرة منهــا:
وبهــذا الصــدد ،جتــدر اإلشــارة إلــى أن التنبــؤ واالستشــراف مفهومــان يلتقيــان ضم ًنــا فــي
نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | 203
جذريــا
ًّ نزوعهمــا العلمــي حنــو استكشــاف مــا قــد يــؤول إليــه املســتقبل ،بيــد أنهمــا يختلفــان
معلومــا أن التســاؤل الــذي يبــدأ بكلمــة (كــم) يفضــي إلــى إجابــة ختتلــف عــن ذاك الــذي
ً ـد
وي َعـ ُّ
ُ
يبــدأ بكلمــة (كيــف) .فــاألول ينتهــي إلــى تقــدمي إجابــة شــبه قاطعــة ،وتنتفــي بالتالــي عنهــا
خصائــص الشــرطية واالحتماليــة والعموميــة .أمــا التســاؤل الثانــي الــذي يبــدأ بكلمــة (كيــف)
ـدم إجابــة مختلفــة تتأســس علــى ذات اخلصائــص التــي تفتقــر إليهــا كل مقولــة جازمــة،
فيقـ ِّ
ُ
وتفيــد بالعالقــة الطرديــة بــن معطيــات (شــروط) احلاضــر واحتمــاالت املســتقبالت (.)14
وإزاء ذلــك جنــد أن دراســات املســتقبالت هــي عمليــة بحــث علمــي فــي مجــال مــا تبــدأ
مــن املاضــي وتــدرس احلاضــر بعنايــة لتحديــد آفــاق واجتاهــات املســتقبل وعوامــل التغييــر فيــه
بشــكل كلــي وتوقــع إمــكان اختــاف هــذه الــرؤى مــع مــا قــد يحــدث بالفعــل من املســتقبالت
( .)15مــن هنــا ،فــإن دراســات املســتقبالت تســتدعي مــن الباحــث أن يكــون علــى جانــب
كبيــر مــن املوضوعيــة والواقعيــة ( )16إذا مــا ابتغــى الدقــة فــي بحثــه العلمــي.
.3.2دراسات املستقبالت
تطــور مفهــوم املســتقبالت ،كمــا تطــورت النظــرة إليــه ،مــع تطــور الفكــر البشــري ،مــن نظــرة
َّ
وخططــت لــه قــوى خارقــة ال ميكــن جتــاوز ختطيطهــا محتومــا» رمستــه
ً ـدرا
تــرى املســتقبالت «قـ ً
بــأي حــال مــن األحــوال ،وال ميلــك اإلنســان حيالهــا خيــارات تُذكــر ،إلــى نظــرة تنطلــق
زمنيــا ميكــن
ًّ ـدا
ـدد ،وتــرى فــي املســتقبالت بعـ ً
مــن مبــدأ الصيــرورة وقــدرة احليــاة علــى التجـ ُّ
بريغوجــن (IIya ُّ
التحكــم فــي صورتــه .فنحــن ،كمــا قــال العالــم الفيزيائــي والفيلســوف ،إليــا
« :)Prigogineال نســتطيع التكهــن باملســتقبل ،لكننــا نســتطيع صناعتــه» .وكذلــك التمكــن مــن
| 204
إن أيــة عــودة للتاريــخ تؤكــد أن دراســات املســتقبالت نشــأت وترعرعــت بصــورة بطيئــة التطــور
ـدءا مــن نهايــات القــرن الســابع عشــر التــي ابتــدأت بكتابــات املفكــر الفرنســي ،ماركيــز
ـبيا بـ ً
نسـ ًّ
دو كوندورســيه ،)Marquis de Condorcet( ،فــي كتابــه «مخطــط لصــورة تاريخيــة لتقــدم العقــل
البشــري» ،ن ُِشــر فــي العــام ،1793واســتخدم فيــه أســلوبني للمقاربــة املنهجيــة فــي التنبــؤ مــا زاال
ُيســتخدمان -علــى نطــاق واســع -مــن ِق َبــل املســتقبليني املعاصريــن ،وهمــا :التنبــؤ االســتقرائي،
والتنبــؤ الشــرطي ،وقــد تضمــن الكتــاب تنبــؤات مذهلــة حتققــت فيمــا بعــد الســيما مواضيــع:
اســتقالل املســتعمرات فــي العالــم اجلديــد عــن أوروبــا ،وزوال ظاهــرة الــرق ،وغيرهــا مــن
املســائل(.)18
هكــذا ،تطــورت دراســات املســتقبالت إلــى أن متكــن اإلنســان ألول مــرة فــي الســبعينات مــن
القــرن العشــرين بفضــل تطــور املعرفــة العلميــة وتقــدم التكنولوجيــا مــن وضــع املســتقبالت فــي
املســتقبالت وتكييــف طبيعتهــا ،حيــث توزعــت اآلراء علــى مروحــة عريضــة مــن التباينــات
«علمــا» ،وآخــر يصنفهــا «ف ًّنــا» ،وثالــث يعتبرهــا فــي منطقــة وســطى بــن العلــم
ً بــن مــن يراهــا
والفــن ،أو «دراســة بينيــة» تتقاطــع فيهــا التخصصــات وتتعــدد املعــارف.
ً
أول :علــى صعيــد العلــم ،مثــة إجمــاع بــن مؤرخــي املســتقبليات علــى أن هربــرت جــورج
ويلــز ( ،)Herbert George Wellsأحــد أشــهر ك َّتــاب روايــات اخليــال العلمــي ،هــو أول مــن حنــت
امللكــي البريطانــي ،إلــى «علــم املســتقبالت» ،وقــام فيمــا بعــد بتأصيــل دعوتــه فــي مؤلفاتــه،
مثــل «تكويــن اإلنســان» الــذي صــدر عــام ،1902و»اليوتوبيــا اجلديــدة» فــي عام ،1905و»شــكل
األشــياء املســتقبلية» فــي عــام ،1933وجميعهــا تــدور حــول حيــاة وهمــوم األجيــال املقبلــة(.)19
ومثــة اتفــاق علــى أن أوســيب فلختهــامي ( )Ossip Flechtheimهــو صاحــب مصطلح «علم املســتقبل
نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | 205
( ،)Futurologyوقــد ظهــر املصطلــح عــام ،1943مؤذ ًنــا مبيــاد علــم جديــد يبحــث عــن منطــق
املســتقبالت بالطريقــة ذاتهــا التــي يبحــث فيهــا علــم التأريــخ عــن منطــق املاضــي ( .)20وقــد
أعــاد فلختهــامي فــي كتابــه «التاريــخ وعلــم املســتقبل» ،الــذي نشــر فــي عــام ،1965اســتخدام
هــذا املصطلــح ،ودعــا إلــى تعليــم هــذا العلــم فــي املــدارس .ومييــل فلختهــامي إلــى اعتبــار
فرعــا مــن علــم االجتمــاع ،وأقــرب إلــى علــم االجتمــاع التاريخــي ،رغــم
«علــم املســتقبالت « ً
مــا بينهمــا مــن اختالفــات أساســية ،فبينمــا يهتــم األخيــر بأحــداث املاضــي ،يستشــرف «علــم
وقوعهــا (.)21 املســتقبالت» أحــداث الزمــن القــادم باح ًثــا فــي احتمــاالت
،)Conjectureالــذي صــدر عــام ،1967أن الدراســة العلميــة للمســتقبل هــي «فن» مــن الفنون ،وال
علمــا علــى
( )Fred Polakفــي كتابــه «تصــورات املســتقبل» أن املســتقبل مجهــول ،فكيــف نرســي ً
(.)23 املجهــول
ووفــق هــذا االجتــاه ،فــإن تســمية علــم املســتقبالت هــي تســمية مبالــغ فيهــا ،توشــك أن توحــي
ـدرك بوضــوح غايتهــا ،وقــادرة علــى بلــوغ نتائــج مضمونــة ًّ
حقــا ،وهــو أمــر بــأن املســتقبالت ُتـ َ
مخالــف للحقيقــة .وألنهــا أقــرب إلــى «الفــن» ،عندمــا حتــاول وصــف املســتقبالت املمكنــة،
فــإن اخليــال ضــروري فــي دراســات املســتقبالت الســتنباط املتغيــرات الكيفيــة التــي ال تقبــل
القيــاس .فالعلميــة والعقالنيــة ال تنفيــان وجــوب االســتعانة بــكل ضــروب اخليــال .مــن هنــا،
فــإن دراســات املســتقبالت عنــد روبــرت جنــك ( )Robert Jungkحتتــاج إلــى أفــكار مجنونــة،
وإلــى حريــة الكرنفــال ،وإلــى غيــر املســموح ،وغيــر املرئــي ،وغيــر املعقــول ،وإلــى التفكيــر
| 206
ثال ًثــا :أمــا االجتــاه الثالــث ،فيــرى فــي دراســات املســتقبالت «الدراســات البينيــة» باعتبارهــا
ـدا نا ً
جتــا مــن حــدوث تفاعــل بــن ختصــص أو أكثــر مترابطــن أو غيــر مترابطــن، فرعــا جديـ ً
ً
وتتــم عمليــة التفاعــل مــن خــال برامــج التعليــم والبحــث بهــدف تكويــن هــذا التخصــص.
دومــا
وهنــا ،يؤكــد املفكــر املغربــي مهــدي املنجــرة أن «الدراســة العلميــة للمســتقبل تســلك ً
مفتوحــا يعتمــد التفكيــر فيــه علــى دراســة خيــارات وبدائــل ،كمــا أنهــا شــاملة،
ً ً
ســبيل
وفــي رأي اآلخريــن ،فــإن دراســات املســتقبالت نتــاج للتفاعــل بــن العلــوم الطبيعيــة والعلــوم
علمــا ،وإمنــا تبنــي رؤاهــا علــى العلــوم املختلفــة .إنهــا مجــال بينــي
االجتماعيــة ،وهــي ليســت ً
متداخــل وعابــر للتخصصــات وتقنياتــه مــن كل املعــارف واملناهــج العلميــة ،وهــو مفتــوح علــى
وقــد أكــدت جمعيــة مســتقبل العالــم األميركيــة أن دراســات املســتقبالت أضحــت مــن منــط
الدراســات البينيــة ( ،)Interdisciplinary Studiesكمــا أنهــا تســتند إلــى أربعــة عناصــر رئيســية،
فهــي(:)26
أ -دراسات تركز على استخدام املقاربات املنهجية العلمية في دراسة الظواهر اخلفية.
ج -تتعامــل مــع مروحــة واســعة مــن البدائــل واخليــارات املمكنــة ،وليــس مــع إســقاط مفــردة
د -دراسات تتناول املستقبالت في آجال زمنية تتراوح بني 5سنوات و50سنة.
وعلــى الرغــم مــن غيــاب اإلجمــاع علــى ماهيــة دراســات املســتقبالت :أعلــم هــي أم فــن أم
ـانيا تتكامــل دراســة بينيــة؟ فإنهــا تأخــذ مــن كل ذلــك بنصيــب .لذلــك ،تظــل مجـ ً
ـال إنسـ ًّ
ـدد ،هدفهــا حتليــل وتقييــم تطــورات املســتقبالت فــي حيــاة البشــر بطريقــة
فيــه املعــارف وتتعـ َّ
نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | 207
العالقــات املســتقبلية بــن األشــياء والنظــم واألنســاق الكليــة والفرعيــة ،مــع االســتعداد لهــا
ومحاولــة التأثيــر فيهــا ،فاملســتقبالت ليســت نهائيــة ،ولكنهــا قيــد التشــكيل ،وينبغــي علينــا
تشــكيلها.
مــن جانــب آخــر ،ال تقــدم دراســات املســتقبالت مطلقً ــا صــورة يقينيــة ومتكاملــة للمســتقبل،
ـوع
ـدد وغيــر محــدد ،وهــو مفتــوح علــى تنـ ُّ
ـدا ،فاملســتقبل متعـ ِّ كمــا أنهــا ال تقــدم مسـ ً
ـتقبل واحـ ً
كبيــر فــي املســتقبالت املمكنــة ،أو احملتملــة أو املرغــوب بهــا (.)27
والقــدرة الذاتيــة علــى التصــور املســبق ملــا هــو غيــر موجــود أو غيــر معــروف اآلن ،إال أن
نوعيــا عــن األنشــطة التــي تقــع فــي حقــل اخليــال العلمــي أو فــي ميــدان
ًّ أنشــطتها ختتلــف
التنجيــم والرجــم بالغيــب .فمــا ُيطلــق عليــه اليــوم دراســات املســتقبالت إمنــا يتم َّثــل -علــى
العمــوم -فــي دراســات جــادة تقــوم علــى مناهــج بحــث وأدوات درس وفحــص مقننــة أو
شــبه مقننــة ،وحتظــى بقــدر عــال مــن االحتــرام فــي األوســاط العلميــة ،وتنهــض بهــا معاهــد
ومراكــز بحثيــة وجمعيــات علميــة ذات مسعــة راقيــة ( ،)28بــل إن هــذه الدراســات بلغــت مــن
ـدا يســمح باحلديــث عــن بــروز مقاربــات ومنهجيــات اجتماعيــة جديــدة هــي
النمــو والرقــي حـ ًّ
املســتقبليات .وعلــى مــن يريــد اخلــوض فيهــا أن يتخــذ لــه مــا يلــزم مــن عــدة وعتــاد.
أهميــة دراســات املســتقبالت مــن أن العقــل اإلنســاني ينشــغل بطبيعتــه بالتفكيــر فــي الغــد ،كما
أن حــاالت الغمــوض وغيــاب اليقــن حــول املســتقبالت ومــا ســيكون عليــه مصيــر اإلنســان
ترتبــط بشــكل وثيــق بوعــي اإلنســان وإحساســه بالزمــن فــي أبعــاده الثالثــة «املاضــي واحلاضــر
واملســتقبل» ،وبرغبتــه فــي صياغــة الغــد والبحــث عــن رؤى واضحــة حــول الفــرص املتاحــة
والتحديــات القادمــة مسـ ً
ـتقبل.
وبنفــس االجتــاه ،يذهــب ألفــن توفلــر ( ،)Alvin Tofflerفــي كتابــه «خرائــط املســتقبل» إلــى أن
دراســات املســتقبالت ضروريــة علــى الــدوام ،لطاملــا كانــت وراءهــا بواعــث براغماتيــة (.)30
ورمبــا مؤسســات الفكــر التــي تعنــى بالشــؤون املســتقبلية ذات الطابع االســتراتيجي فــي الواليات
املتحــدة األميركيــة هــي خيــر دليــل علــى حاجــة الدولــة األميركيــة لدراســات املســتقبالت
لقــد بــدأ حقــل املســتقبالت ودراســاتها يتســع شــيئًا فشــيئًا ،حتــى خصــص لــه ميــدان أكادميــي
لــدى بعــض املؤسســات الفكريــة ،واجلامعــات الرصينــة ،ضمــن مشــاهد االستشــراف العلمــي؛
اهتمامــا مــن قبــل مؤسســات حكوميــة ،فضـ ً
ـا ً إذ القــت الدراســات التــي تعنــى باملســتقبالت
عــن دعــم حكومــي مباشــر ،فــي بعــض الــدول التــي تتطلــع إلــى األمــام ،مخصصــة لهــا حيـ ًزا
فــي كل تفكيــر يخلــق ،أو يبتكــر ،كمــا هــي احلــال فــي مشــاهد التخطيــط املعتمــدة مــن قبــل
مؤسســة رانــد األميركيــة ،منــذ العــام ،1950لرســم مالمــح صــور املســتقبالت فــي بحــوث
لقــد بــات االهتمــام بدراســات املســتقبالت مــن الضــرورات التــي ال غنــى عنهــا للــدول
واملجتمعــات واملؤسســات ،ولــم تعــد ً
ترفــا تأخــذ بــه الــدول أو تهجــره ،تســتوي فــي ذلــك
الــدول املتقدمــة والناميــة ( .)32وليــس أدل علــى أهميــة دراســات املســتقبالت مــن ظهــور
أعــداد كبيــرة مــن العلمــاء والباحثــن املشــتغلني بدراســات املســتقبالت فــي اجلامعــات ومراكــز
البحــوث املختلفــة ،وظهــور العديــد مــن املراكــز والهيئــات العلميــة واملعاهــد املتخصصــة فــي
مــن األزمــات عــن طريــق التنبــؤ بهــا قبــل وقوعهــا والتهيــؤ ملواجهتهــا؛ األمــر الــذي يــؤدي إلــى
نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | 209
أمــا عــن آليــات دراســات املســتقبالت فتتمثَّــل فــي االستشــراف املســتقبلي املبنــي علــى
معطيــات علميــة؛ إذ لــم تعــد دراســات املســتقبالت تعمــد ،كمــا كانــت فــي بدايــات تطورهــا،
إلــى التنبــؤ باملســتقبالت ،وإمنــا إلــى استشــراف مــا ميكــن ،ومــا يحتمــل ،ومــا هــو مرغــوب
بــه ،أن تكــون املســتقبالت علــى وفــق مــا نقــوم ،أو ال نقــوم ،بــه ،مــن أفعــال فــي حاضــر
الزمــان ( .)34وبذلــك تتجســد آليــة استشــراف املســتقبالت ،عبــر البحــوث العلميــة التــي تتخــذ
نتخــذه مــن قــرارات اليــوم ،كنتيجــة أو أمــر متليــه ســرعة التغيــر وتزايــد التعقــد وتنامــي «غيــر
اليقينــي» فــي كل مــا يحيــط بنــا ،وذلــك فضـ ً
ـا عــن اعتبــارات تتصــل بالتنميــة واخلــروج مــن
التخلــف ،فــإن مثــة مجموعــة مــن اخلصائــص أو أدوات املقاربــة املنهجيــة املرغــوب توافرهــا
فــي الدراســات االستشــرافية اجليــدة ،بــل باتــت ضــرورة .ومــن أبــرز هــذه اخلصائــص (:)35
أ -الشــمول والنظــرة الكليــة لألمــور :فليــس مــن الســهل احلديــث عــن دراســة مســتقبلية
لبلــد مــا مثـ ً
ـا فــي غيــاب رؤيــة مســتقبلية لألوضــاع السياســية ،وحالــة العلــم والتكنولوجيــا،
وأوضــاع الســكان واملــوارد والبيئــة ،والتغيــرات فــي احمليــط اإلقليمــي والوضــع العاملــي .ومــن
ـد َرس العوامــل االقتصاديــة واالجتماعيــة والسياســية ...إخل فــي تشــابكها وتفاعلهــا
املهــم أن ُتـ ْ
مــع بعضهــا البعــض ،حتــى تتوافــر رؤيــة شــاملة ومتكاملــة ملســتقبل هــذا االقتصــاد.
ب -مراعــاة التعقــد :أي تفــادي اإلفــراط فــي التبســيط والتجريــد للظواهــر املدروســة ،والتعمــق
فــي فهــم مــا يزخــر بــه الواقــع مــن عالقــات وتشــابكات ،وال يقــن ،وديناميــة .وهــو مــا يتطلب
النظــر إلــى الظاهــرة املركبــة فــي مجملهــا مــن خــال مقاربــة منهجيــة عابــرة للتخصصــات؛
| 210
حيــث ال يجــدي «التفكيــك» وفهــم كيفيــة عمــل كل جــزء مــن أجــزاء الظاهــرة علــى حــدة فــي
اخلــروج بصــورة صحيحــة عــن ســلوك مثــل هــذه الظاهــرة ،حتــى لــو تضمــن ذلــك اللجــوء
ج -اســتحضار املاضــي :واحــدة مــن أهــم أركان الدراســات املســتقبلية هــو اســتحضار املاضي،
وعــدم إهمالــه؛ ذلــك أن االستشــراف العلمــي املنظــم ،هــو ذلــك اجلهــد الــذي يأخــذ بنظــر
االعتبــار األبعــاد االســتراتيجية للزمــن ،وأولهــا ماضــي احلاضــر ،وذلــك للوقــوف برؤيــة
د -املــزج بــن األســاليب الكيفيــة واألســاليب الكميــة فــي العمــل املســتقبلي؛ حيــث ينــدر
أن تفــي األســاليب الكيفيــة وحدهــا أو األســاليب الكميــة وحدهــا مبتطلبــات إنتــاج دراســة
مســتقبلية جيــدة .ومــن جهــة أخــرى ،ثبــت أن تعــدد األســاليب املســتخدمة فــي دراســة ظاهــرة
ـرا مــا يــؤدى إلــى نتيجــة أفضــل ممــا لــو جــرى االعتمــاد علــى
مــا واملــزج بــن نتائجهــا ،كثيـ ً
وعمومــا يتيــح املــزج بــن أســاليب متعــددة -كيفيــة وكميــة -جتــاوز قصــور
ً أســلوب واحــد.
النظريــات والنمــاذج التــي تبنــى عليهــا عــن طريــق اللجــوء إلــى أســاليب كيفيــة حملــاكاة الواقــع
بتفاصيلــه وتعقيداتــه الكثيــرة ،وللتعــرف علــى ردود الفعــل احملتملــة لبعــض التصرفــات مــن
ه -املوضوعيــة العلميــة :ملــا كانــت املســتقبالت تُدرس مــن خالل بدائــل متنوعة ،مي ِّثــل كل منها
ـتقبليا يتوافــق مثـ ً
ـا مــع رؤيــة أو مصــاحل هــذه القــوة االجتماعية-السياســية ـارا مسـ ًّ
ـهدا أو مسـ ً
مشـ ً
أو تلــك فــي املجتمــع ،فــإن علــى دارس املســتقبالت البديلــة أن يتحلــى بدرجــة عاليــة مــن
احلياديــة والعلميــة ً
أول فــي التعــرف علــى البدائــل ،وعــدم اســتبعاد بدائــل معينــة ملجــرد رفــض
الدقــة فــي إدراك الواقــع ،والســير برؤيــة حتليليــة ميدانيــة ،تقــود إلــى وضــع رؤيــة مســتقبلية ال
ـرا عــن واقــع املقومــات املتاحــة ،واملعطيــات املاثلــة ،كــون الرؤيــة الواقعيــة لألمــور
تبتعــد كثيـ ً
نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | 211
خيــر مرتكــز ملــدى جنــاح التخطيــط املســتقبلي مــن عدمــه ،فــي االرتقــاء بالواقــع احلضــاري.
و -تكامــل فريــق الدراســة :ويعنــى ذلــك إجنــاز دراســات املســتقبالت عــن طريــق فريــق عمــل
متفاهــم ومتعــاون ومتكامــل ،وهــو مــا ُيفضــي إلــى إبــداع جماعــي؛ فذلــك أمــر تفرضــه
طبيعــة دراســات املســتقبالت التــي تعتمــد علــى معــارف مســتمدة مــن علــوم متعــددة ،والتــي
تســتوجب دمــج هــذه املعــارف وفــق منظــور أو إطــار عابــر للتخصصــات .كمــا أن اجلماعيــة
مفيــدة للوصــول إلــى تصــورات وتنظيــرات وحلــول جديــدة للمشــكالت ،وذلــك مــن خــال
مــا تتيحــه مــن مواجهــات بــن املناهــج والــرؤى املختلفــة ألعضــاء فريــق العمــل.
ُنجــز
ز -التعلــم الذاتــي والتصحيــح املتتابــع للتحليــات والنتائــج :فدراســات املســتقبالت ال ت َ
دفعــة واحــدة ،بــل إنهــا عمليــة متعــددة املراحــل يتــم فيهــا إنضــاج التحليــات وتعميــق
الفهــم وتدقيــق النتائــج مــن خــال دورات متتابعــة للتعلــم الذاتــي والنقــد الذاتــي ،وتلقِّ ــي
تصــورات أطــراف وقــوى مختلفــة وانتقاداتهــم واقتراحاتهــم ،والتفاعــل معهــا مــن خــال
اللقــاءات املباشــرة واألدوات غيــر املباشــرة إلشــراك النــاس فــي تصــور وتصميــم املســتقبالت.
وكلمــا تكــررت عمليــات التفاعــل والنقــد والتقييــم واالســتجابة لهــا بالتعديــل والتطويــر فــي
التحليــات والنتائــج ،زادت فــرص اخلــروج بدراســة مســتقبلية راقيــة ،الســيما مــن زاويــة
ارتباطهــا بالواقــع االجتماعــي ،وزادت معهــا فــرص تأثيــر الدراســة فــي الفعــل االجتماعــي.
ح -تأجيــج ثقافــة املســتقبل :لعــل اخلطــوة األخيــرة مــن أدوات استشــراف املســتقبالت هنــا،
تتمثَّــل فــي محاولــة القائمــن علــى تدعيــم استشــراف املســتقبالت بنشــر ثقافــة االحنيــاز
مجتمعيــا ،ممــا يؤســس لــدور كبيــر داعــم لهــا ،وفــق أســاليب متنوعــة يتقدمهــا أســلوب
ًّ إليهــا
أدائيــا
ًّ ـتقبليا ،وهــو يتنــاول أي ظاهــرة أو حادثــة أو موقــف معــن حتليـ ً
ـا العصــف الذهنــي مسـ ًّ
تكــون الغايــة منــه اخلــروج بشــيء يضفــي علــى التراكــم املعرفــي لدراســات املســتقبالت منجـ ًزا
ـدا.
جديـ ً
.6.2أهمية املقاربة املنهجية يف بناء املشاهد يف دراسات املستقبالت
ال شــك أن دراســات املســتقبالت ترتكــن إلــى مقاربــة منهجيــة تضبــط ســير أدائهــا ،وهــي
| 212
تبتغــي استشــراف ذلــك املســتقبل الــذي تتطلــع إليــه ،عبــر عــدة مقاربــات منهجيــة حددتهــا
(.)37 استشــرافيا
ًّ املســتقبالت ضمــن معطياتهــا فــي إطــار بنــاء املشــاهد
ويتفــق الــرأي علــى اقتــران مفهــوم استشــراف املســتقبالت ومفهــوم املشــهد بعالقــة طرديــة
موجبــة .ذلــك ألن األصــل فــي كل استشــراف مســتقبلي أن ينتهــي إلــى بلــورة مشــاهد ملســتقبل
(.)38 املوضــوع الــذي ينصــرف إلــى اســتقراء تطــور اجتاهــات واقعــه فــي الزمــان الالحــق
ال يخــرج عــن ذلــك التصــور والوصــف املنطقــي ملخرجــات تلــك املعطيــات الســائدة فــي
احلاضــر ،التــي تــؤدي اجتاهاتهــا إلــى بلــورة وضــع مســتقبلي قــد يكــون إمــا ممك ًنــا ،أو محتمـ ً
ـا،
مرغوبــا فيــه.
ً أو
املســتقبالت ســواء انطلقــت هــذه الدراســة مــن املقاربــة املنهجيــة الكميــة أو الكيفيــة أو منهمــا
معــا(.)40
ً
تفيــد مضامــن دراســات املســتقبالت أنهــا تأثــرت باجتاهــات املســتقبليني .وألن اجتاهاتهــم هــذه
انعكاســا لهــا(.)41
ً توزعــت إمــا علــى التشــاؤم ،أو علــى التفــاؤل ،جــاءت مشــاهد دراســاتهم
ـوع ال ميكــن
ـتقبل موضـ ٍ ـبيا ِ َلشـ ِ
ـاهد ُمسـ َ وهنــا ،نــرى أن االستشــراف املوضوعــي واملتكامــل نسـ ًّ
عبــر
أن يتأســس إال علــى رؤى متعــددة األبعــاد .فالواقــع الســائد ،فــي كل زمــان ومــكان ،ال ُي ِّ
عــن معطيــات أحاديــة املضمــون ،وإمنــا عــن معطيــات متحركــة بعضهــا يشــجع علــى التفــاؤل،
وبعضهــا اآلخــر يدفــع إلــى التشــاؤم .لــذا ،فــإن مثــل هــذا االستشــراف هــو الــذي يتخــذ مــن
لقــد جنــم األخــذ بهــذا التفكيــر عــن تأثيــر مدخــات متعــددة نبعــت جلهــا مــن حقيقــة أن
العالــم أضحــى يتغيــر ومبعــدل ســرعة غيــر مســبوق ،وأفــرز بالتالــي حتديــات دفعــت نوعيتهــا
إلــى ضــرورة إعــادة تشــكيل العقــل ،وترشــيد القــرار والفعــل ،اســتباقً ا واسـ
ـتعدادا للمســتقبل
ً
واستشــراف َم َشــاهده عبــر مقاربــات منهجيــة اســتطالعية كميــة وأخــرى معياريــة كيفيــة.
نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | 213
وتنــدرج جــل التطبيقــات العمليــة لهــذه املقاربــات حتــت تســمية منتشــرة علــى نطــاق واســع،
التاريخــي الوحيــد الــذي يتوافــر علــى قــدرة جتــاوز الزمــان الــذي مضــى ،والــذي ميضــي،
واالســتعداد للزمــان الــذي ســيأتي .ومــن هنــا ،تنتشــر بــن املســتقبليني مقولــة ذات داللــة
مهمــة ،هــي أن اإلنســان -والســيما الــذي اســتطاع حســم إشــكالية التلفت/التشــوف ،أي
ـرا وسـ ً
ـلوكا ،إلــى املســتقبل -هــو الــذي يصنــع إشــكالية املاضي/احلاضــر لصــاحل االحنيــاز ،تفكيـ ً
املســتقبل وليــس املســتقبل هــو الــذي يصنــع اإلنســان.
ومــن ناحيــة ثانيــة ،ينطــوي األخــذ بتســمية دراســات املســتقبالت علــى حالــة الرفــض لتلــك
الرؤيــة التــي انتشــرت فــي بدايــة االنشــغال العلمــي فــي املســتقبل ،وأفــادت أن املســتقبل ينشــأ
بصيغــة املفــرد ،عــن هــذه الرؤيــة .وباملقابــل ،ذهبــت رؤيــة أخــرى إلــى تأكيــد أن املســتقبل ال
يقبــل االنغــاق علــى صــورة واحــدة وحتميــة ،وإمنــا يتميــز باالنفتــاح علــى العديــد مــن الصــور
(مبعنــى املشــاهد) البديلــة والقابلــة لالستشــراف .ومــن هنــا ،جــاء اســتخدام كلمــة املســتقبل
حاليــا (.)43
ًّ ـارا بــن املســتقبليني
بصيــغ اجلمــع (مســتقبالت) .وتعــد هــذه الرؤيــة األكثــر انتشـ ً
ُرســم ملوضــوع معــن يــراد البحــث فــي مســتقبله
ومــن ثــم تتجســد أهميــة املشــاهد التــي ت َ
علمــا بــأن املقاربــة املنهجيــة فــي بنــاء املشــاهد
علميــا ،وفــي إطــار البحــث العلمــي الرصــنً ،
ًّ
تتأســس علــى حتليــل شــامل ملجمــل املعطيــات الداخليــة واخلارجيــة التــي تتعلــق باملوضــوع
واجلديــر بالذكــر ،أن الفكــرة املركزيــة للمشــهد أنــه يتأســس علــى سلســلة مــن الفرضيــات
االحتمالية القائمـــة علـــى الفكـــرة التاليـــة :إذا -فـــإن ( ،)Then-ifمبعـــــنى :إذا حـــــدث (س)
| 214
فـــإن النتيجـــة ســـتكون (ص) ،أمـــا إذا حـــدث (أ) فـــإن النتيجـــة ســـتكون (ب)...إخل
( .)45وبالتالــي فاملشــهد يســعى إلــى اســتعراض كل االحتمــاالت والعمــل علــى استشــراف مــا
ســيترتب علــى كـــل احتمـــال ،وتـــتم عمليــة املشــهد وفــق اخلطــوات التاليــة (:)46
أ -حتديد الظاهرة ،موضوع الدراسة ،وجمع املعلومات واحلقائق والبيانات املرتبطة بها.
ـدد املتغـــيرات املختلفـــة املـــؤثرة في تطـــور الــــتي مت رصــــدها في املرحلــــة األولى ،حيث ُ َ
تــ َّ
الظـــاهرة وت َُرتَّـــب وفقً ـــا ألهميتهـــا إلى متغـــيرات رئيســـية ومتغيــرات ثانوية .هنــا ،يجب األخذ
بعــن االعتبــار احتمــال ظهــور متغيــرات اســتثنائية أو فجائيــة قـــد يتوقـــف عليهـــا مســار تطــور
الظاهــرة ،ولذلــك ففــي هــذه املرحلــة يتــم الفصــل فــي اجتــاه مســـار تطـــور الظـــاهرة فــي
ج -التداعيــات :وتعنــي النتائــج التفصيليــة املفتــرض أنهــا ســتترتب علــى كل خطــوة مـــن
اســـتنادا إلــى قاعـــدة (إذا – فــإن) ،كذلــك ربــط التداعيــات املختلفــة ببعضهــا
ً اخلطـــوات
البعــض ،حيــث إن كل تــداع ســيترك آثــاره علـــى غـــيره .ومـــن هنــا ،البــد مــن إدراك تأثيــر
أن العلــم عندمــا يتفاعــل مــع اخليــال فــإن محصلــة تفاعلهمــا تفضــي إلــى تصــور املســتقبالت
ـامل ،فضـ ً
ـا عــن أن هــذا التفاعــل يشــجع توكيــد أهميــة األفــكار ـرا وشـ ً
إبداعيــا مبتكـ ً
ًّ ـورا
تصـ ً
اجلديــدة .ولنتذكــر ً
أيضــا أن دور هــذه األفــكار فــي حتريــك التاريــخ باجتــاه البنــاء واالجنــاز
دورا فاعـ ً
ـا ال ينكــر .كمــا تتجســد أهميــة املقاربــة املنهجيــة فــي احلضــاري كان ،عبــر الزمــانً ،
بنــاء املشــاهد فــي رصــد تلــك االحتمــاالت املمكنــة أو احملتملــة أو املرغــوب بهــا لواقــع البحــث
العلمــي الــذي يــراد تفحــص ماضيــه ،وحاضــره ،أمـ ً
ـا فــي اســتعالم مســتقبله.
األولــى إلرســاء أســس املســتقبالت وآليــات استشــرافه كانــت فــي جلهــا غربيــة ،وإن أضحــت
ــد
يعبــر عــن دورة أبعــاد متعاقبــة وأن املســتقبالت ت َُع ُّ
-أولهمــا :انتشــار الوعــي بــأن الزمــان ِّ
مآلهــا األخيــر وبالتالــي هــو األهــم مــن املاضــي واحلاضــر ،الســيما وأنــه الزمــان البكــر الــذي
تســتطيع اإلرادة اإلنســانية احلــرة والواعيــة التدخــل لصياغــة حقائقــه ابتــداء مــن احلاضــر .بيــد
أن هــذه األهميــة ال تعنــي أن املاضــي بحقائقــه غيــر قابــل التغييــر ،وأن احلاضــر مبعطياتــه قابــل
إيجابــا،
ً ـلبا أو
التغييــر ،ال قيمــة لهمــا ( ،)47بــل إن قيمتهمــا تتحــدد علــى وفــق تأثيرهمــا ،سـ ً
فــي نوعيــة موقفنــا مــن بنــاء املســتقبالت ،هــذا فضـ ً
ـا عــن أن أهميتهمــا تكمــن فــي عالقتهمــا
ـد أحــد
ـراء دراســة املاضــي واحلاضــر ت َُعـ ُّ
باستشــراف مشــاهد املســتقبالت .فاملعرفــة املكتســبة جـ َّ
أهــم املصــادر التــي تســتند عليهــا دراســات املســتقبالت.
-ثانيهمــا :توافــق الــرأي علــى جــدوى املشــاركة فــي تلمــس الســبل التــي تفضــي إلــى احلــد
مــن تفاقــم األزمــة العربيــة املمتــدة عبــر الزمــان وآثــار مخرجاتهــا فــي دفــع العــرب إلــى خــارج
التاريــخ (.)48
علــى أن احملــاوالت العربيــة الرائــدة ،ســواء الفرديــة أو اجلماعيــة ،علــى صعيــد استشــراف
املســتقبل العربــي خــال عقــدي الســبعينات والثمانينــات مــن القــرن املاضــي قــد توقفــت
الحقً ــا فــي العمــوم .ومــع ذلــك ال يلغــي توقــف اســتعدادنا لبنــاء مســتقبلنا عبــر الدراســة
العلميــة ،اســتمرار صــدور كتابــات حتمــل عناوينهــا كلمــة املســتقبالت .بيــد أن هــذا اإلنتــاج
بعيــدا عــن
ً الــذي حتــدث عــن املاضــي أو احلاضــر أكثــر ممــا تكلــم عــن املســتقبالت ،كان
االستشــراف العلمــي ملشــاهده ( .)49وقــد تزامــن ذلــك مــع كتابــات عربيــة اســتمرت فــي
الصــدور ومبضامــن مســتقبلية ،ولكــن مــن دون أن تعلــن عناوينهــا عــن ذلــك ،وكأنهــا ختشــى
وهنــا نتســاءل :أيــن يكمــن الســبب؟ هــل فــي ماضويــة الذهنيــة العربيــة ،التــي جتعــل احنيــاز
ـر ُّد ضآلــة اإلنتــاج العربــي علــى صعيــد دراســات املســتقبالت إلــى كوابــح عربيــة عديــدة
و ُتـ َ
عطلــت مــن نهوضهــا وتوظيفهــا لصــاحل االرتقــاء العربــي ،ومنهــا ً
أول :أن جــل الــدول العربيــة َّ
ال تأخــذ بهــذه الدراســات كأســاس مســبق الختــاذ القــرارات مثلمــا هــي احلــال مــع العديــد
موضــوع املســتقبل ضمــن مناهجهــا ومقرراتهــا التدريســية ،ناهيــك عــن عــدم منــح شــهادات
ـدا هــي ً
أيضــا املراكــز الرصينــة التــي تتخــذ مــن تســمية عليــا فــي ختصصــه .وثال ًثــا :محــدودة جـ ًّ
رمسيــا لهــا ،أو جتعــل هــذه التســمية ضمــن عناوينهــا
ًّ دراســة أو دراســات املســتقبل عنوانًــا
املتنوعــة .فجــل مــا يتوافــر مــن هــذه املراكــز ،ســواء فــي الــدول العربيــة أو خارجهــا ،ال عالقــة
وخامســا :ضآلة
ً احملكمــة واملتخصصــة فــي نشــر الدراســات والبحــوث ذات العالقــة باملوضــوع.
النوافــذ اإلعالميــة فــي وســائل االتصــال اجلماهيــري العربيــة التــي تتولــى الترويــج لثقافــة
وبرؤيــة موضوعيــة مجــردة ،نــرى أن تأخرنــا علــى صعيــد االستشــراف العلمــي للمســتقبل ال
يعــود إلــى أحــد هــذه األســباب أو بعضهــا فقــط ،وإمنــا إلــى جميعهــا وســواها .هــذا علــى الرغم
مــن إهمــال التفكيــر باملســتقبالت ،تؤكــد الثانيــة عــدم ثبــات األمــور علــى حالهــا.
وبصــدد تناغــم دعــوة الديــن اإلســامي إلــى التفكيــر باملســتقبالت مــع غايــات استشــرافه،
جتــدر اإلشــارة إلــى أن دراســات املســتقبالت ،مبعنــى استشــرافها ،ال تزعــم أنهــا تريــد التنبــؤ
باملســتقبالت ،بداللــة العلــم القاطــع واملؤكــد بــه .فإضافــة إلــى أن العلــم باملســتقبل هــو األمــر
لــذا ،ينبغــي توافــر الرؤيــة العلميــة لتطلعــات املســتقبالت فــي البحــوث العربيــة؛ ذلــك أن
االخنــراط فــي دراســات املســتقبالت هــو الســبيل الوحيــد الــذي يفضــي بنــا إلــى شــراء الزمــن
الختــزال الفجــوة العلميــة بــن واقــع التــردي وطمــوح االرتقــاء ،وهــو ذاتــه الــذي يســهم فــي
حتمــا إلــى إحــداث قفــزة نوعيــة علميــة فــي واقــع البحــوث العربيــة ،كونهــا ســتدخل
ً ســتفضي
ً
فضــا عــن أنهــا فــي إطــار البحــوث اخلالقــة القــادرة علــى اإلتيــان بــكل مــا هــو جديــد،
ـدءا
بذلــك ستســهم فــي التحليــل املوضــوع العلمــي بشــكل شــامل لــدورة تعاقــب الزمــن ،بـ ً
مــن تعقــب ماضــي موضــوع أو حــدث مــا ،ودراســة حاضــره ،أمـ ً
ـا فــي تتبــع مســتقبله وحتديــد
خاتمة
لقــد انصــرف هــذا البحــث إلــى محاولــة استشــراف مكانــة دراســات املســتقبالت فــي البحوث
العلميــة العربيــة وفــق مقاربــة منهجيــة علميــة تســتخدم بكثافــة فــي دراســات املســتقبالت ،التي
للمنطــق الــذي تتأســس عليــه هــذه املقاربــة املنهجيــة واآلليــات التــي تســتخدمها ،عمدنــا إلــى
استكشــاف مــدى انتشــار ثقافــة االحنيــاز إلــى املســتقبل فــي وطننــا العربــي ،وكيفيــة العمــل
| 218
علــى حتقيــق ذلــك .وقــد انتهــى بنــا هــذا االستكشــاف إلــى ضــرورة األخــذ باجلانب املســتقبلي
فــي البحــوث العلميــة فــي الوطــن العربــي ،كوننــا نعيــش عالــم ســباق احلداثــة فــي ظــل تســارع
وقائعــه وأدواره الزمنيــة؛ األمــر الــذي يدفــع فــي كل دراســة بحثيــة علميــة إلــى وضــع رؤيــة
مســتقبلية ملــا ســيؤول إليــه مســتقبل عنــوان البحــث العلمــي ومادتــه ،والــذي يتــراوح بــن مــا
مرغوبــا بــه.
ً ـد ممك ًنــا ،أو محتمـ ً
ـا ،أو ُي َعـ ُّ
ال شــك أن األخــذ باملســتقبالت ُيد ِّلــل علــى أهميــة البحــث العلمــي ،وشــموليته فــي تقصــي
حقائــق الفكــرة ،والبحــث عــن املــآالت فيهــا ،ذلــك أن تتبــع الفكــرة ابتــداء مــن نشــأتها
ـرورا بســير أدائهــا (احلاضــر) ،هــو رصيــد معرفــي مهــم ينبغــي علــى الباحــث
(املاضــي) ،ومـ ً
مكانيــا فــي البحــث ملســتقبل ذات
ًّ أن ِّ
يوظفــه فــي بحثــه العلمــي ليخصــص مــن خاللــه حي ـ ًزا
العربيــة ،كمــا ينبغــي أن جتــد دراســات املســتقبالت مكانــة أو بيئــة حاضنــة لهــا فــي عاملنــا
العربــي ،الســيما البيئــة املؤسســاتية املدعومــة مــن قبــل احلكومــات ،وعلــى هيئــة مؤسســات
بحثيــة تعنــى بالتفكيــر العلمــي للمســتقبل ،ملــا لهــا مــن أهميــة نافعــة لرفــد املســيرة العلميــة
معــا ،بفكــر يتطلــع إلــى األمــام ،جاعـ ً
ـا مــن املاضــي واحلاضــر ،أهــم أدوات للدولــة واملجتمــع ً
ً
فضــا عــن أدوات أخــرى مــن قبيــل الشــمول ذلــك التطلــع ،وبرؤيــة علميــة وموضوعيــة،
والنظــرة الكليــة ،والقــراءة اجليــدة للماضــي باجتاهاتــه العامــة الســائدة ،واملــزج بــن األســاليب
كل ذلــك مــن أجــل العمــل علــى نشــر ثقافــة املســتقبالت فــي عاملنــا العربــي الــذي بــات
ـد
أحــوج مــا يكــون إلــى هــذه اجلزئيــة املهمــة فــي التخصصــات اإلنســانية والعلميــة علــى حـ ٍّ
ســواء ،ملــا لهــا مــن آثــار مهمــة تنعكــس وبشــكل إيجابــي كبيــر برؤاهــا الفكريــة علــى التخطيــط
االســتراتيجي الكــفء ،والــذي ُيفضــي ،ال محالــة ،إلــى ذلــك املســتقبل املأمــول أو األكثــر
ارتقــاء مــن الواقــع املتــردي الــذي لطاملــا لــم يحتضــن دراســات املســتقبالت ضمــن بيئــة
ً
نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | 219
ومثــة اســتنتاجات توصــل إليهــا الباحثــان ،متثِّــل خالصــة علميــة ملجمــل البحــث العلمــي،
ـرا.
ـرا وتراجــع مبكـ ً
.1أن اجلهــد العلمــي العربــي علــى صعيــد استشــراف املســتقبالت بــدأ متأخـ ً
كمــا منــه يتنــاول املاضــي واحلاضــر أكثــر مــن تناولــه ـدودا ،فضـ ً
ـا عــن أن ًّ لــذا ،اســتمر محـ ً
املســتقبالت ،وهــو مــا أحــدث فجــوة تتســع كلمــا تقــدم الزمــن إلــى األمــام بــن عاملنــا العربــي،
.2تســتدعي دراســات املســتقبالت مــن الباحــث أن يكــون علــى جانــب كبيــر مــن املوضوعيــة
والواقعيــة فــي آن واحــد ،كونهــا عمليــة بحــث علمــي َّ
منظــم ،تعتمــد االستشــراف العلمــي
املنظــم ،فــي مجــال مــا ،تــدرس ماضــي احلاضــر وحاضــر املاضــي ،أمـ ً
ـا فــي رصــد مســتقبل
الــدول املتقدمــة والناميــة ،وليــس أدل علــى أهميــة دراســات املســتقبالت مــن ظهــور أعــداد
كبيــرة مــن العلمــاء والباحثــن املشــتغلني بدراســات املســتقبالت فــي اجلامعــات ومراكــز
البحــوث املختلفــة ،وظهــور العديــد مــن املراكــز والهيئــات العلميــة واملعاهــد املتخصصــة فــي
عامليــا.
ًّ دراســات املســتقبالت ،وانتشــارها
.4تعتمــد دراســات املســتقبالت علــى أدوات عديــدة تضفــي عليهــا صفــة االستشــراف العلمــي
املنظــم ،منهــا الشــمول والنظــرة الكليــة ،آخــذة بنظــر االعتبــار النظــر إلــى املاضــي ،ومالمســة
الواقــع للتطلــع إلــى ذلــك املســتقبل املأمــول ،وعبــر املــزج بــن األســاليب الكيفيــة واألســاليب
الكميــة فــي العمــل املســتقبلي ،ضمــن فريــق عمــل جماعــي متجانــس ومنظــم.
.5إن تراكــم القناعــة بجــدوى االرتقــاء باالســتجابة إلــى مســتوى التحديــات اإلنســانية التــي
يواجههــا عاملنــا العربــي ،فــي ظــل نــدرة دراســات التخطيــط املســتقبلي ،تدفــع بنــا إلــى
| 220
وقوعهــا والتهيــؤ ملواجهتهــا؛ األمــر الــذي يــؤدي إلــى الســبق واملبــادأة للتعامــل مــع املشــكالت
.6ضــرورة اعتمــاد البحــوث العلميــة العربيــة علــى مقاربــة منهجيــة فــي بنــاء مشــاهد
علميــا ،أي تلــك املشــاهد احملتملــة أو املمكنــة ،أو املرغــوب بهــا ،والتــي سـ ُتفضي
ًّ املســتقبالت
حتمــا إلــى إحــداث قفــزة نوعيــة علميــة فــي واقــع البحــوث العربيــة ،كونهــا ســتدخل فــي إطــار
ً
البحــوث اخلالقــة القــادرة علــى اإلتيــان بــكل مــا هــو جديــد ،ذلــك أن االخنــراط في دراســات
املســتقبالت هــو الســبيل الوحيــد الــذي يفضــي بنــا إلــى شــراء الزمــن الختــزال الفجــوة العلميــة
بــن واقــع التــردي وطمــوح االرتقــاء ،وهــو ذاتــه الــذي يســهم فــي تأمــن تطويــع املســتقبل مــن
(45) Mack, Timothy, “The Subtle Art of Scenario Building”, Futures Research Quarterly, (Vol. 17.
No. 2, 2001), p. 98.
( )46عبد احلي ،مدخل إلى حتليـل الدراسـات املسـتقبلية فـي العلـوم السياسـية ،مرجع سابق ،ص .119-120
( )47الرمضاني« ،مستقبل العرب في عام ،»2020مرجع سابق ،ص .20-21
( )48املرجع السابق.
( )49انظر :غريب« ،ناقوس اخلطر يدق» ،مرجع سابق ،ص .166
( )50انظــر :بشــور ،معــن ،وآخــرون ،الواقــع العربــي وحتديــات قــرن جديــد( ،مؤسســة عبــد احلميــد شــومان،
عمــان ،)1999 ،ص .83
( )51الرمضانــي ،مــازن« ،العــرب والتفكيــر العلمــي فــي املســتقبل» ،مجلــة حصــاد( ،العــدد ،89لنــدن ،فبرايــر/
شباط ،)2019ص .67
( )52الرمضاني ،الدراسات املستقبلية والوطن العربي ،مرجع سابق ،ص .12-19
( )53سورة األعراف ،اآلية .71
( )54سورة آل عمران ،اآلية .140
( )55الرمضاني ،مستقبل العرب في عام ،2020مرجع سابق ،ص .22
قراءة في كتاب
كيف تموت الديمقراطيات
عبد السالم رزاق*
الدميقراطيات ()How Democracies Die عنوان الكتاب :كيف متوت
اللغة :اإلجنليزية
مفاتيح قرائية
ينتمــي كتــاب «كيــف متــوت الدميقراطيــات» ،لعاملــي السياســة ســتيفن ليفتســكي ودانييــل
عمومــا ضمــن
ً زيبــات ،إلــى عينــة الكتــب ذات املنــزع األكادميــي الواضــح ،فهــو ينــدرج
مبحــث النظريــة السياســية ،فــي حــن أن اختياراتــه اإلجرائيــة تقــوم علــى محاصــرة الفكــرة
الواحــدة وعــرض خصائصهــا ومميزاتهــا وحتليــل تفريعاتهــا وحــث القــارئ علــى االقتنــاع
مبخرجاتهــا اخلتاميــة.
225
| 226
وهــذا االختيــار يتضــح أكثــر إذا علمنــا أن ُم َؤ ِّلفــي الكتــاب همــا عاملــان متخصصــان فــي علــم
السياســة بجامعــة كامبريــدج ،ظــا ُي َد ِّرســان علــى مــدى أكثــر مــن عقديــن مــن الزمــن حقـ ً
ـا
عــن مقاربــة وصفيــة تاريخيــة وحتليليــة للحظــات األخيرة لســقوط عــدد كبيــر مــن الدميقراطيات
فــي أوروبــا الغربيــة وأميــركا اجلنوبيــة وإفريقيــا وحتــى العالــم العربــي ،ومقارنــة هــذه التجــارب
مــع الدميقراطيــة األميركيــة وحالــة املــوت الســريري الــذي يتهددهــا منــذ دخــول دونالــد ترامــب
املشــهد السياســي األميركــي .فــي حــن أن القيمــة املعرفيــة املضافــة للكتــاب تتحــدد فــي
دراســته لقضايــا ذات راهنيــة مســتمرة ومتواصلــة .أي أن األفــق الزمنــي للكتــاب يبــدأ مــن
العــام 2016ليفتــح بعدهــا آفاقً ــا معرفيــة حنــو املســتقبل بطــرح أســئلة عــن راهــن املمارســة
الدميقراطيــة بــن اإلرث األميركــي للدميقراطيــة األميركيــة القائــم علــى احتــرام ضوابــط اللعبــة
السياســة املتمثلــة فــي فصــل الســلطات ،واحتــرام مبــدأ احلريــة الفرديــة وعالقتهــا باملســؤولية
اجلماعيــة ،وبــن نــزوع «رجــل ليــس لــه تاريــخ سياســي وال ســابق جتربــة أو درايــة بالسياســة
ـدا عــن االلتزامــات الدســتورية ،وكل مــا يفخــر بــه هــو أنــه
العامــة ،ومعلوماتــه متواضعــة جـ ًّ
رجــل أعمــال ومضــارب عقــاري ثــري حتركــه نــزوات واضحــة لتقديــس الفــرد األميركــي الــذي
ميتلــك األمــوال الطائلــة ويتصــور أن بإمكانــه شــراء أي شــيء بهــذه األمــوال ،وأنــه عبــر نفــوذه
املالــي الواســع متكــن مــن الوصــول إلــى قمــة الهــرم التنفيــذي فــي أميــركا وشــرع فــي قتــل
مــن هــذا املنظــور التحليلــي يتضــح أن مجمــوع جتــارب الســقوط املســتمر واملتواصــل
للدميقراطيــات العامليــة التــي مت اســتدعاؤها عبــر فصــول الكتــاب ســواء فــي أصولهــا الليبراليــة
ِّ
تشــكل غايــة فــي حــد ذاتهــا ،بقــدر مــا أن الهــدف منهــا هــو دق ناقــوس أو االشــتراكية ال
اخلطــر بشــأن االســتهداف املمنهــج الــذي يطــال الدميقراطيــة األميركيــة اليــوم والبحــث فــي
قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | 227
تأمــن مســتقبلها والعمــل علــى إنقاذهــا مــن «الــزوال» ومحاولــة إخراجهــا مــن حالــة املــوت
اإلكلينيكــي التــي تعيــش فيهــا منــذ عامــن مــن أجــل أال ينــال هــذا اإلرث الدميقراطــي
ولهــذا فــإن الكتــاب مي ِّثــل دعــوة للتأمــل والتفكيــر فــي مســتقبل عالــم تتهــاوى فيــه التجــارب
الدميقراطيــة ،وكيــف ســيكون شــكل العالــم إذا انتفــت آليــات احلــوار والتدبيــر العقالنــي
للخالفــات السياســية بــن األفــراد واجلماعــات واألحــزاب .كل ذلــك مــن خــال القيــام بقراءة
تشــخيصية لعلــة الدميقراطيــة األميركيــة املتمثلــة فــي األداء السياســي للرئيــس اجلمهــوري،
دونالــد ترامــب ،خــال الســنتني األوليــن مــن جتربــة حكمــه ،خاصــة أنــه تولــى احلكــم بعــد
الرئيــس الســابق ،بــاراك أوبامــا ،الــذي شـ َّ
ـكلت ســنوات حكمــه الثمانيــة محطــة فارقــة علــى
مســتوى أســئلة التغييــر فــي الواليــة املتحــدة األميركيــة ،وكونــه أول أميركــي مــن أصــول إفريقيــة
يتمكــن مــن قضــاء فترتــه الرئاســية فــي ظــروف خاصــة ،جنــح خاللهــا فــي تدبيــر ملفــات
اقتصاديــة إشــكالية مــع احلفــاظ علــى انســجام أغلــب أطيــاف الطبقــة السياســية األميركيــة
وتتحــدد معالــم األطروحــة املركزيــة للكتــاب فــي اإلجابــة عــن الســؤال املتصــل بالوضــع املأزوم
مضربــا للتعايــش
ً للدميقراطيــة األميركيــة التــي ظلــت علــى مــدى قرنــن كاملــن مــن الزمــن
السياســي الفعــال بــن األحــزاب السياســية وصنــاع القــرار فــي البــاد ،وكيــف أضحــت اليــوم
مهــددة باملــوت أو االغتيــال مــع الرئيــس األميركــي ،دونالــد ترامــب ،الــذي عمــل منــذ دخولــه
البيــت األبيــض علــى التدميــر املمنهــج لــإرث الدميقراطــي الــذي بنــاه مؤسســو الواليــات
املتحــدة األميركيــة ،وأدخــل احليــاة السياســية فــي حلقــة مفرغــة مــن الصراعــات اجلانبيــة
واحلــروب الصغيــرة.
وتتضــح معالــم الوضــع املــأزوم للدميقراطيــة األميركيــة مــن خــال تأكيــد الدارســن علــى
أن فتــرة الرئيــس دونالــد ترامــب جــاءت مباشــرة بعــد فتــرة زمنيــة امتــدت ربــع قــرن مــن
األداء اجليــد للدميقراطيــة فــي العالــم ،فالســياق الزمنــي املمتــد بــن ســقوط جــدار برلــن عــام
| 228
1990حتــى 2015مي ِّثــل مــن منظــور صاحبــي الكتــاب مرحلــة صعــود الدميقراطيــة فــي أميــركا
والعالــم .وخاللــه كانــت السياســة اخلارجيــة األميركيــة داعمــة لــكل التجــارب الدميقراطيــة
حتــى بالنســبة لتلــك التجــارب التــي كان لهــا ســجل إمــا ضعيــف أو ســيء علــى مســتوى
املمارســة الدميقراطيــة وحقــوق اإلنســان ومنهــا الصــن وروســيا وبعــض دول الشــرق األوســط.
وباملقابــل فــإن «أميــركا منــذ العــام 2016ختلــت عــن سياســة دعــم الدميقراطيــات فــي العالــم،
للدميقراطيــة (.)Global Democratic Recession) (2 أخــذت متضــي فــي اجتــاه تيــار التراجــع العاملــي
ومعلــوم أن أطروحــة «التراجــع العاملــي للدميقراطيــة» التــي تبناهــا الكتــاب واعتبــر انتخــاب
الرئيــس دونالــد ترامــب بدايــة حقيقيــة لهــا ،تزامنــت مــع أزمــة الدميقراطيــة فــي أوروبــا خاصــة
فــي بريطانيــا وتصويتهــا ملزيــد مــن اخلصوصيــة األنغلوساكســونية بعــد عقــود طويلــة مــن
االندمــاج االقتصــادي والسياســي داخــل اإلقليــم األوروبــي ،إلــى جانــب صعــود التيــارات
الشــعبوية وحصدهــا ملراكــز متقدمــة فــي كل مــن فرنســا وإيطاليــا وهنغاريــا ،هــذا إلــى جانــب
اســتمرار معــدالت العنــف السياســي فــي الكثيــر مــن بقــاع العالــم خاصــة العالــم العربــي.
العــاج بالصدمــة ،كمــا أن صيغــة العنــوان التــي جمعــت بــن التســاؤل واالســتفزاز حــول موت
لقــارئ الكتــاب ملعــاودة التفكيــر في مســتقبل أميــركا والعالــم بــدون دميقراطيــة .فالدميقراطيات
عمومــا ال متــوت ألنهــا قيــم إنســانية وسياســية ،والقيــم ال ختضــع لضوابــط احلتميــة البيولوجيــة،
ً
قــد تتعــرض النتكاســات فــي هــذا البلــد أو حملــاوالت االغتيــال فــي بلــد آخــر ،وقــد يحــدث أن
يتوقــف التاريــخ عنــد جتــارب غيــر دميقراطيــة ،كمــا كان عليــه األمــر فــي التجربتــن األملانيــة أو
تعــود لتزدهــر مــن جديــد بعدمــا ميــوت أعــداء الدميقراطيــة .ومييــز العاملــان بــن منطــن مــن
-النمــط األول :وهــذا الوجــه هــو األبــرز واملتــداول بــرأي الدارســن فــي التجــارب السياســية
العامليــة ،وتــكاد طــرق تنفيــذه تكــون متشــابهة ،إمــا عبــر انقالبــات عســكرية يقــوم بهــا أحــد
أفــراد ضبــاط اجليــش وبعدهــا يشــرع فــي ســن قوانــن فرديــة علــى شــاكلة إلغــاء أو تعليــق
الدســتور واعتمــاد أحــكام عرفيــة ،إلــى حــن إعــداد دســتور علــى مقــاس العســكر الذيــن
ينزعــون البــزة العســكرية ويتحولــون إلــى حــكام مدنيــن .وهــذا النمــط يجــد الكثيــر مــن
تفســيراته فــي ثالثينــات القــرن املاضــي ،حيــث شــهدت دول أوروبــا الغربيــة موجــات متواصلــة
مــن االنقالبــات العســكرية أو بــروز أنظمــة حكــم شــمولي طالــت إســبانيا والبرتغــال وإيطاليــا
وأملانيــا ،أو فــي الســبعينات حينمــا شــهدت بعــض دول أميــركا اجلنوبيــة ،مثــل األرجنتــن
علــى احليــاة السياســية فــي الكثيــر مــن بلــدان هــذه القــارة ،واألمــر نفســه ينســحب علــى بعــض
دول القــارة اإلفريقيــة مثــل غانــا ونيجيريــا .فالقاســم املشــترك الــذي يوحــد هــذه الــدول هــو
أنهــا تنــدرج حتــت منــط قتــل الدميقراطيــة عــن طريــق االنقالبــات العســكرية .وفــي هــذا النمــط
ـرا عنــد النمــوذج الشــيلي الــذي أخذ فــي رأيهمــا طابــع التمثيــل واالختزال،
توقــف العاملــان كثيـ ً
ففــي بلــد ال يتوفــر علــى الكثيــر مــن املــوارد االقتصاديــة وينجــح فــي الرهــان السياســي مــن
خــال فــوز حتالــف اليســار فــي االنتخابــات الرئاســية التــي شــهد العالــم علــى نزاهتهــا ،قامــت
قــوات اجليــش فــي 11ســبتمبر/أيلول 1973بقيــادة اجلنــرال بنوشــيه باقتحــام القصــر الرئاســي
واالنقــاب علــى الرئيــس املنتخــب وطلبــت منــه االســتجابة ملطالــب االنقالبــن ،لكنــه رفــض
األمــر وأصــر علــى إنهــاء واليتــه الرئاســية .وعندمــا قــام بتســجيل رســالة صوتيــة لتبــث علــى
أمــواج اإلذاعــة الشــيلية طالــب فيهــا الشــعب باالنتفاضــة ضــد اجليــش ،فإن الرســالة لــم تصل،
وقامــت قــوات جيــش االنقــاب بتصفيــة ســالفادور ألينــدي .واملعادلــة التــي ختتــزل هــذا النمط
-النمــط الثانــي :وهــو الــذي ال تســتخدم فيــه األســلحة الفتاكــة وال متــوت فيــه الدميقراطية على
أيــدي العســكر ،وإمنــا يتــم قتــل الدميقراطيــة علــى أيــدي رجــاالت السياســية املنتخبني أنفســهم.
ففــي الســابق كان اخلطــر الــذي يتهــدد الدميقراطيــة يأتــي فــي شــكل انقالبــات عســكرية أو
عمــل مســلح ،أمــا اليــوم فــإن األمــور أخــذت منحــى آخــر يقــوم علــى ضــرب املؤسســات
الدســتورية التــي تضمــن دميومــة الشــرط الدميقراطــي .واملثــال الــذي يســتدل بــه العاملــان فــي
هــذا البــاب هــو الرئيــس الفنزويلــي هوغــو تشــافيز الــذي حتــول مــن رئيــس منتخــب إلــى حاكــم
أوتوقراطــي.
إصالحيــا
ًّ ـدا
ففــي عــام 1998دخــل هوغــو تشــافيز املشــهد السياســي فــي فينزويــا باعتبــاره قائـ ً
ضــد النخبــة السياســة واالقتصاديــة الفاســدة فــي البــاد؛ حيــث اعتمــد فــي بدايــة حياتــه
خطابــا يقــوم علــى تقــدمي وعــود بتغييــر حيــاة املواطــن الفنزويلــي ،والتركيــز علــى
ً السياســية
مظاهــر الفقــر فــي فنزويــا التــي تتميــز بوجــود ثــروات نفطيــة هائلــة حتــت األرض ...وبعدهــا
شــرع فــي «تنفيــذ ثــورة داخليــة» مــن خــال اعتمــاد دســتور مت التصويــت عليــه بصــورة
دميقراطيــة ،1999ولكنــه مــا إن متكــن مــن الهيمنــة علــى الســاحة السياســية فــي البــاد ،وجنــا
مــن انقــاب عســكري فاشــل ،حتــى شــرع فــي عــام 2003فــي تنفيــذ مشــروعه اخلــاص باعتماد
حكــم أوتوقراطــي قــام خاللــه باعتقــال أو نفــي جميــع املعارضــن السياســيني ،وأغلــق وســائل
اإلعــام املعارضــة ،وظــل يحكــم البــاد وفــق مقــوالت النظــام الفــردي ألكثــر مــن عقــد
كامــل ،وفتــح عليــه الكثيــر مــن اجلبهــات فــي الداخــل واخلــارج .وبعــد وفــاة تشــافيز فــي
العــام 2012اســتمرت التشــافيزية فــي فزويــا علــى يــد تلميــذ تشــافيز ،نيكــوالس مــادورو.
واملعادلــة التــي ختتــزل هــذا النمــط هــي «عندمــا تقتــل الدميقراطيــة بقفــازات حريريــة».
وبــن قتــل الدميقراطيــة عــن طريــق الســاح أو اغتيالهــا عبــر الهيمنــة علــى احليــاة السياســية
وتطويــع القوانــن خلدمــة النــوازع الفرديــة ،يجــد قــارئ الكتــاب أن هنــاك محــاوالت حثيثــة
لوضــع دونالــد ترامــب فــي نفــس اخلانــة التــي يوجــد فيها هوغــو تشــافيز مع قليــل مــن التجاوز؛
فالرئيــس الــذي متكــن خــال ســنتني فقــط مــن توليــه احلكــم أن يتهــم الصحافــة األميركيــة
قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | 231
اخلارجيــة ،ثــم يســتغل وســائل التواصــل االجتماعــي لتصفيــة خالفاتــه السياســية الصغيــرة مــع
خطــرا
ً علــى الكراهيــة والترويــح لهيمنــة العــرق األميركــي األبيــض ،ال ميكنــه إال أن يكــون
يتهــدد الدميقراطيــة األميركيــة وقــد يصيبهــا فــي مقتــل .ولعــل هــذه التوصيفــات التــي قدمــت
فــي حــق ترامــب فــي الكتــاب هــي التــي قــادت املؤلفــن إلــى بنــاء معادلــة ختتــزل أداء ترامــب
فــي احليــاة السياســية خــال عامــن واملتمثلــة فــي أنــه «يقتــل الدميقراطيــة بصــورة أقــل دراميــة،
رصيــد هــو أنــه رجــل أعمــال ثــري لــه الكثيــر مــن العقــارات حــول العالــم ولــه حضــور كاســح
فــي وســائل اإلعــام (خاصــة تلفزيــون الواقــع) وأنــه يريــد أن يديــر البــاد كمــا يديــر شــركاته
العقاريــة ،وكل مــن خالفــه فــي الــرأي ســيكون مصيــره إمــا اإلقالــة أو التشــهير بــه فــي وســائل
اإلعــام» (ص .)176-177ورغــم أنــه ليــس هنــاك زعيــم سياســي يقــول بصــورة علنيــة بأنــه ال
يحتــرم الدميقراطيــة أو يخطــط لتخريبهــا ،وأن جميــع ديكتاتوريــي العالــم يؤكــدون فــي بدايــة
وصولهــم إلــى الســلطة احترامهــم للدميقراطيــة والدســتور؛ فإنهــم مــا إن يصلــوا إلــى التحكــم
إن وصــول ترامــب إلــى ســدة احلكــم فــي نوفمبر/تشــرين الثانــي 2016يعنــي مــن منظــور
ا ُمل َؤ ِّلفــن أن الواليــات املتحــدة األميركيــة فشــلت فــي الرهــان الدميقراطــي ،و»أن الســماح
لرجــل «دغمائــي» بالوصــول إلــى ســدة احلكــم فــي واحــدة مــن أكبــر التجــارب الدميقراطيــة
| 232
فــي العالــم ،ومتكــن شــخص ال عالقــة لــه باملمارســة السياســية واخلدمــة العامــة بــأن يديــر
اجلهــاز التنفيــذي األميركــي ...يعنــي جتريــف النظــام السياســي األميركــي» (ص )77الــذي بنــاه
إن الصــورة النمطيــة التــي يقدمهــا الكتــاب للرئيــس األميركــي ،دونالــد ترامــب ،تتأرجــح
بــن منــوذج الشــخصية الدمياغوجيــة املتطرفــة ،أو الشــخصية املاكارثيــة (نســبة إلــى الســيناتور
األميركــي اجلمهــوري ،جوزيــف مــا كارثــي ،عــن واليــة وسكنســن الــذي عــاش خــال
احلــرب البــاردة وكان ينتقــم مــن خصومــه السياســيني ويــزج بهــم فــي الســجون مــن خــال
التشــهير بهــم وختويــف الــرأي العــام األميركــي منهــم باعتبارهــم جواســيس يعملــون حلســاب
َّ
املركبــة حتــاول إقنــاع قــارئ الكتــاب بــأن الواليــات العــدو الشــيوعي) .وهــذه الصــورة النمطيــة
املتحــدة األميركيــة فــي عهــد الرئيــس ترامــب تســير باجتــاه النظــام الشــمولي ،فــي حــن أن
انتخابــه مي ِّثــل اخلطــوة األولــى فــي ترســيخ هــذا النظــام ،ويشــكل ضرب ـ ًة ملســيرة الدميقراطيــة
األميركيــة التــي امتــدت ألكثــر مــن قرنــن ،ومتكنــت مــن جتــاوز مراحــل احلــرب األهليــة
وســنوات الكســاد واحلــرب البــاردة وفضيحــة ووترغيــت ،وأن «املعادلــة اجلديــدة اليــوم فــي
أميــركا هــي أن الرئيــس ترامــب والذيــن يقفــون وراءه يقوضــون ويقتلــون الدميقراطيــة باســم
الدميقراطيــة وعبــر أدوات دميقراطيــة معتمــدة» .وهــذا مــا دفــع بهمــا إلــى التأكيــد أن الوضــع
ومــن خــال مســارات القــراءة يتضــح أن جميــع العاملــن فــي احليــاة السياســية األميركيــة
ـرادا أم مؤسســات،
أحزابــا أم أفـ ً
ً مســؤولون عــن وضــع الدميقراطيــة فــي البــاد ،ســواء كانــوا
والســبب الرئيــس يعــود ملــا أمســاه العاملــان فشــل «نظــام املراقبــة والتــوازن» (System of checks and
ـدا فــي املمارســة السياســية األميركيــة دون أن يكــون متضم ًنــا فــي
)balancesالــذي ظــل معتمـ ً
قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | 233
الدســتور .ويعتمــد هــذا النظــام علــى مجموعــة مــن األعــراف السياســية التــي تقــوم علــى املرونة
السياســية بــن احلزبــن الكبيريــن فــي البــاد ،مبــا يســاعد الفرقــاء السياســيني األميركيــن علــى
حمايــة النظــام مــن االنــزالق حنــو أشــكال غيــر دميقراطيــة و»إال وجــب اللجــوء إلــى حــارس
إن حالــة اإلجمــاع املســجلة وســط األميركيــن بــرأي العاملــن تتحــدد فــي أن الطريقــة التــي
وصــل بهــا ترامــب إلــى ســدة احلكــم تؤكــد أن الدميقراطيــة األميركيــة اليــوم فــي خطــر.
والدليــل علــى ذلــك أن معاييــر الدميقراطيــة احلقيقيــة أضحــت مفقــودة مــع النــزوع الواضــح
للرئيــس ترامــب إلــى اعتمــاد نظــام حكــم يتماهــى مــع النظــام الشــمولي .فمــن مظاهــر اغتيــال
الدميقراطيــة فــي العهــد الترامبــي ،حســب ا ُمل َؤ ِّلفــن ،أن الرئيــس أبــان عــن عــداء علنــي وصريــح
لــكل مــا هــو مؤسســاتي؛ فقــد طلــب مباشــرة بعــد تعيينــه بــأن تكــون جميــع املكاتــب األمنيــة
االســتخباراتية تابعــة لــه بصــورة شــخصية ومباشــرة ،فــي محاولــة لتأمــن مســتقبله السياســي
ضــد أي محاولــة حتقيــق ترتبــط بنتائــج االنتخابــات والتآمــر مــع جهــات دوليــة .كمــا أن دعوتــه
لإلغــاق احلكومــي ،والتلويــح باســتعمال الفيتــو الــذي مينحــه لــه الدســتور للحســم فــي القضايا
ويبــدو أن توجيــه الئحــة اتهــام ضــد روســيا وأجهزتهــا االســتخباراتية بالتدخــل فــي قوائــم
الناخبــن األميركيــن والتأثيــر علــى عمليــات التصويــت لصــاحل ترامــب ،شـ َّ
ـكل نقطــة فارقــة
فــي مســار الرئيــس األميركــي ودفــع بــه ِل َت َو ُّجــه غريــزي أكثــر حنــو النظــام الشــمولي الــذي يقــوم
علــى اعتمــاد الــوالء لشــخص الرئيــس كشــرط أولــي قبــل الكفــاءة ...وهــذا مــا يفســر مسلســل
اإلقــاالت واالســتقاالت املتواصلــة فــي الدوائــر املقربــة مــن الرئيــس .لذلــك أبــان دونالــد
ترامــب خــال ســنتني عــن عــداء خــاص لكافــة أشــكال احلديــث عــن تواطــؤ بــن حملتــه
االنتخابيــة وتدخــل الــروس فــي توجيــه نتائــج االنتخابــات ،بــذات القــوة التــي عمــل بهــا علــى
| 234
عرقلــة العدالــة وإقالــة مديــر وكالــة االســتخبارات األميركيــة الســابق ،جيمــس كومــي ،ألنــه
دعــا للتحقيــق الرمســي فــي التدخــل الروســي فــي ســير االنتخابــات األميركيــة.
ولكــن وبصــرف النظــر عــن جميــع الدفوعــات التــي يقدمهــا ا ُمل َؤ ِّلفــان بشــأن مســؤولية دونالــد
ترامــب عــن جتريــف الدميقراطيــة األميركيــة ،فاملؤكــد أن الرئيــس ترامــب ميثِّــل صناعــة
أميركيــة خالصــة ،وهــو نتــاج ثقافــة ليســت وليــدة اليــوم ،لكنهــا وجــدت مــع الرئيــس ترامــب
صيغتهــا النهائيــة .واألهــم مــن ذلــك أن هنــاك الكثيــر مــن األميركيــن يــرون فيــه منــوذج
الرئيــس الناجــح .ورمبــا يكــون الســؤال الــذي لــم يطرحــه ا ُمل َؤ ِّلفــان هــو ملــاذا صـ َّ
ـوت الناخــب
حتديــدا؟ وهنــا
ً األميركــي علــى دونالــد ترامــب ضــد الدميقراطيــن وضــد هيــاري كلينتــون
جنــد أن مــا ســكت عنــه الكتــاب أو أســقطه هــو أن غالبيــة الكتلــة األميركيــة الناخبــة ال متتلــك
والزيــادة فــي األســعار وتقلبــات الســوق وجتــاوز حــاالت األزمــة املاليــة والعقاريــة التــي عرفتهــا
الواليــات املتحــدة األميركيــة فــي عهــد أوبامــا .وبالتالــي فــإن العنصــر املغيــب فــي الكتــاب
هــو أن املواطــن األميركــي لــم يعــد يكتــرث للمؤسســات ،ويريــد اخلــروج مــن القيــود السياســية
ـرا مــن حــاالت التراجــع املســجلة فــي الداخــل األميركــي واخلــارج ،وأن هــذا األمــر ليــس
كبيـ ً
بالشــيء اجلديــد علــى احلــزب اجلمهــوري الــذي قــام خــال مثانينــات وتســعينات القــرن
املاضــي بتســديد ضربــات متتاليــة للحيــاة الدميقراطيــة األميركيــة؛ إذ كان همهــم األســاس
هــو الوصــول إلــى كرســي الرئاســة واالنتقــام مــن خصومهــم السياســيني أو إدخــال البــاد
فــي متاهــات سياســية فــي الداخــل أو حــروب خاســرة فــي اخلــارج .فمــن اخلــواص املالزمــة
خــاص نشــيط ميتلــك روح املغامــرة االقتصاديــة املرتبطــة بقيــم احلريــة واملســاواة .وبالتالــي
فــإن أزمــة احليــاة السياســية األميركيــة بــرأي ا ُمل َؤ ِّلفــن تتحــدد فــي غيــاب «طبقــة وســطى قــادرة
علــى طــرح البديــل السياســي للثقافــة السياســية الســائدة والقائمــة علــى النــزوع حنــو مزيــد
مــن الفردانيــة السياســية والتســلح باألمــوال لتغييــر وجــه السياســية ،والتعامــل مــع اخلصــوم
السياســيني باعتبارهــم أعــداء ،وبنــاء مؤسســات إعالميــة ضخمــة بغــرض الدفــاع عــن املصــاحل
الضيقــة لتحالــف األقليــة» (ص .)207فــكل هــذه األعمــال متثِّــل بــرأي ُم َؤ ِّلفــي الكتــاب
وهنــا يتســاءل ُم َؤ ِّلفــا الكتــاب كيــف مســح احلــزب اجلمهــوري لترامــب بالترشــح بامســه ،وكيف
مت اختيــاره علــى حســاب قيــادات سياســية لهــا حضــور سياســي فــي احليــاة األميركيــة العامــة.
وملــاذا قَ بِ ــل احلــزب بتســمية دونالــد ترامــب خلــوض الســباق النهائــي ضــد هيــاري كلينتــون،
)establishmentالتــي تعنــي هنــا اخلــروج علــى هيمنــة مجموعــة أشــخاص أو خنبــة سياســية لهــا
توجهاتهــا الفكريــة واألكادمييــة التــي تعمــل علــى التحكــم فــي صناعــة القــرار والصــراع علــى
الســلطة وبالتالــي فــإن انتخــاب ترامــب قــد يكــون ردة فعــل علــى أيديولوجيــة النخبــة السياســية
املثقفــة املتشــبعة باحتــرام وحمايــة املؤسســات والتــي قــد يكــون الرئيــس الســابق بــاراك أوبامــا
أحــد رموزهــا .وهــو ً
أيضــا تعبيــر عــن إرادة تغييــر ضــد شــعار التغييــر الــذي اعتمــده أوبامــا
املنظــور اآلخــر والوجــه املغايــر لصــراع اإلرادات السياســية فــي الواليــات املتحــدة األميركيــة.
فتأكيــد الرئيــس الســابق بــاراك أوبامــا ،وهــو القــادم مــن عالــم القانــون واحلقــوق ،علــى التغيير
فــي السياســة واألشــخاص والوســائل واألهــداف ،ال يعنــي الشــيء الكثيــر بالنســبة لترامــب
| 236
القــادم مــن عالــم املــال واألعمــال والــذي ال يهمــه ســوى عظمــة أميــركا وجعلهــا مســتقرة
اقتصاديــا..
فــي دول أخــرى ،لكــن غايــة ا ُمل َؤ ِّلفــن هــي محاولــة إحــداث صدمــة لــدى القــارئ األميركــي
عمومــا جتــاه وضــع سياســي غيــر مســبوق أدخــل الواليــات املتحــدة األميركيــة
ً وقــراء الكتــاب
فــي متاهــة السياســة مبعناهــا الضيــق القائــم علــى التعطــش الفــردي للســلطة والســعي للوصــول
إلــى كرســي الرئاســة بــكل الطــرق والوســائل ،ثــم العمــل علــى قتــل احليــاة السياســية األميركيــة
جتســد فــي
عبــر جتريــف مجمــوع القيــم الدميقراطيــة التــي توحــد جميــع األميركيــن ،وهــو مــا َّ
مواقــف وســلوكيات الرئيــس ترامــب وتســبب فــي تراجع القيــم الدميقراطيــة للمؤسســة األميركية
وحلمايــة الدميقراطيــة األميركيــة مــن حالــة االحتــراب بــن احلزبــن اجلمهــوري والدميقراطــي
الــذي مييزهــا فــي العهــد الترامبــي والــذي يعيــد ألذهــان األميركيــن احلــرب األهليــة بــن
الشــمال واجلنــوب ،يذهــب ُم َؤ ِّلفــا الكتــاب إلــى أن أميــركا اليــوم أمــام ثــاث ســيناريوهات
كبــرى هــي:
-الســناريو األول :وهــو الــذي يقــوم علــى العــودة الســريعة للدميقراطيــة األميركيــة فــي الداخــل
واخلــارج .وهــذا الســيناريو حســب الدارســن يســتند إلــى مجموعــة مــن الشــروط واملســوغات
السياســية الضروريــة أهمهــا الفشــل السياســي للرئيــس ترامــب ،كأن يفقــد شــعبيته أو أال تتــم
إعــادة انتخابــه أو أن يتــم إســقاطه وفــق ســيناريو إســقاط الرئيــس األســبق ريتشــارد نيكســون.
وبعدهــا تبــدأ عمليــة إعــادة إصــاح املؤسســات السياســية األميركيــة ومنحهــا حيويــة أكبــر حتى
ستســتعيد أميــركا مسعتهــا كراعيــة للســلم والســام والدميقراطيــة فــي العالــم .وإذا مــا حتقــق هــذا
األمــر فــإن أميــركا ســتتمكن مــن تفــادي الكارثــة وســيتم إنقــاذ الدميقراطيــة األميركيــة .وحينهــا
ســيكون علــى احلــزب اجلمهــوري أن يــؤدي فاتــورة حتالفــه مــع ترامــب أو خضوعــه لــه .وبعدهــا
قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | 237
ســتكون محطــة حكــم الرئيــس دونالــد ترامــب عبــارة عــن «خطــأ تاريخــي تراجيــدي ودرس
صعــب لألميركيــن»
-الســيناريو الثانــي أو كمــا يســميه ُم َؤ ِّلفــا الكتــاب «الســيناريو األســود» :وهــو غيــر متوقــع ولكنــه
ممكــن ،وســيتمكن ترامــب فــي ســياقه مــن االســتمرار والفــوز بواليــة رئاســية ثانيــة مدتهــا أربــع
ســنوات إضافيــة ،ســيعمل خاللهــا ترامــب ومعــه اجلمهوريــون علــى الهيمنــة علــى مجلســي
الشــيوخ والنــواب واحملكمــة األميركيــة العليــا .ويعنــي جناحهــم فــي ذلــك أنهــم ســيتمكنون
مــن فــرض أجندتهــم احلزبيــة والسياســية فــي الداخــل األميركــي واخلــارج .وتقــوم هــذه
األجنــدة علــى مجموعــة مــن امللفــات السياســية اإلشــكالية مثــل ملــف الهجــرة غيــر النظاميــة
فــي اجلنــوب األميركــي وملــف الرعايــة الصحيــة ،هــذا إلــى جانــب عالقــات جــد متوتــرة
بــن أميــركا والعالــم اخلارجــي خاصــة االحتــاد األوروبــي وحلــف «الناتــو» والعالقــات مــع دول
اجلــوار األميركــي التــي أبــان فيهــا ترامــب عــن أفــق ضيــق فــي قــراءة األحــداث اجليوسياســية
فــي العالــم.
أو أخالقيــة».
وبصــرف النظــر عــن اختيــار العاملــن للســيناريو األول ،ألنــه ســيوفر الشــيء الكثيــر علــى أميــركا
واألميركيــن ،فــإن ذلــك لــم مينعهمــا مــن التأكيــد علــى أن أي ســيناريو خــاص باملســتقبل
األميركــي يقتضــي توافــر جرعــات مهمــة مــن التســامح املتبــادل ( )Mutual Toleranceوالصبــر
والســبب فــي ذلــك أن مؤسســي الدميقراطيــة األميركيــة فشــلوا فــي وضــع قوانــن مصاحبــة
ـرا للدســتور األميركــي الــذي لألحــزاب والعمــل احلزبــي ،وهــذا األمــر يشـ ِّ
ـدا مباشـ ً
ـكل تهديـ ً
ـهد لــه بأنــه مــن الدســاتير األولــى التــي احتفــت بــ»مبــدأ احلريــة الفرديــة واملســاواة»
ظــل ُيشـ َ
فــي ديباجتــه العامــة .لكــن هــذا املبــدأ يواجــه صعوبــات كبيــرة اليــوم فــي ظــل الدعــوات
| 238
اجلمهوريــة لهيمنــة العــرق األبيــض أو األقليــة البيضــاء علــى مناحــي احليــاة السياســة األميركيــة
علــى حســاب عرقيــات أخــرى .وهــو مــا يزيــد مــن معــدالت االحتقــان االجتماعــي السياســي.
حزبيــة خــارج معادلــة الدميقراطيــن واجلمهوريــن مبــا يســمح بدعــم أحــزب اليســار واألحــزاب
كانــت فــي مقدمــة الكتــاب عنــد احلديــث عــن النمــط الثانــي مــن عمليــات قتــل واســتهداف
الدميقراطيــات فــي العالــم ،حيــث مت تنــاول مشــهد قتــل أو اغتيــال الدميقراطيــة فــي العالــم
م َّث َلــة فــي التجربــة املصريــة فــي عــام 2013عندمــا أقــدم وزيــر الدفــاع حينهــا اجلنــرال
العربــي ُ َ
عبــد الفتــاح السيســي علــى االنقــاب علــى رئيســه املدنــي محمــد مرســي الــذي فــاز فــي
انتخابــات رئاســية شــهد جميــع املراقبــن بأنهــا كانــت دميقراطيــة .وبعدمــا أودعــه الســجن بتهــم
إن قــراءة الوضــع العربــي الرهــن علــى ضــوء أهــم األفــكار املتضمنــة فــي الكتــاب تقــود إلــى
تأكيــد أن البنيــة العامــة الغالبــة فــي نظــم احلكــم العربيــة تتميــز بغلبــة احلكــم الفــردي .فســواء
تعلــق األمــر بأنظمــة ملكيــة أو جمهوريــة مدنيــة أو حتــى جمهوريــات عســكرية ،فــإن شــخص
احلاكــم الفــرد والتوجــه الصريــح حنــو نظــام احلكــم الشــمولي مي ِّثــل الســمة الغالبــة واملهيمنــة،
وأن االســتثناء الوحيــد جــاء مــع الربيــع العربــي الــذي قــام علــى أســاس معادلــة «الشــعب يريــد
قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | 239
إســقاط النظــام الفــردي» ،وهــو مــا حتقــق فــي إســقاط ثالثــة رؤســاء دول عربيــة .لكــن بالرغــم
مــن املكاســب املترتبــة علــى الســقوط املــادي والرمــزي لثالثــة رؤســاء دول -جميعهــم جــاؤوا
إلــى احلكــم مــن خلفيــة عســكرية خالصــة -فــإن دول العالــم العربــي دخلــت بعدهــا فــي
مرحلــة الثــورة املضــادة القائمــة علــى الصــراع احملمــوم بــن مطالــب الشــعوب وصمــود األنظمــة
الشــمولية .وتؤكــد التجــارب واألحــداث السياســية املتواصلــة فــي هــذه البلــدان أن الصــراع بــن
تســتعيد اجلماهيــر زخمهــا الــذي أبانــت عنــه فــي عــام 2011وحتقــق املعادلــة العصيــة فــي كنــس
خاتمة
قــد تكــون الغايــة مــن هــذا الكتــاب ،فــي نظــر ُم َؤ ِّل َف ْيــه ،هــي أن الدميقراطيــة األميركيــة ليســت
ِ َب ْأ َمــن تــام مــن الســقوط في ردهــات ديكتاتوريــة األفــراد وهيمنة األنظمــة الشــمولية ،وأن امتالك
مؤسســات سياســية ال يعنــي بالضــرورة حمايــة اإلرث الدميقراطــي للبــاد مــن الســقوط .وهــذا
األمــر يجــد الكثيــر مــن مســوغاته فــي حــاالت التراجــع التــي تشــهدها التجــارب الدميقراطيــة فــي
أكثــر مــن دولــة فــي العالــم كمــا هــو األمــر فــي فنزويــا وتايالنــد وهنغاريــا .ورمبــا تكــون أزمــة
والشــيوعية واألنظمــة العســكرية تبــدو ماضيــة فــي االنتشــار وهــي اليــوم تطــال الــدول العريقــة
فــي املمارســة الدميقراطيــة بعدمــا كانــت مقتصــرة فــي الســابق علــى دول العالــم الثالــث .ومــع
ذلــك يبــدو أن الرســالة غيــر املعلنــة أو الــدرس الــذي لــم يســتوعبه الكثــر مــن شــعوب العالــم فــي
مســارات االنتقــال السياســي والدميقراطــي هــي أن االنقالبــات العســكرية تشـ ِّ
ـكل فــي قرارتهــا
دعــوة لــرد االعتبــار للدميقراطيــة باعتبارهــا قيمــة إنســانية كونيــة ،فالدميقراطيــة ال ميكــن قتلهــا،
قــد ختبــو التجربــة وتنكســر ويصيبهــا الضمــور لكنهــا ال متــوت ،وكل محاولــة الغتيالهــا متثِّــل
املراجع
(1) Levitsky, S; Ziblat, D. How Democracies die, (Crown, New York, 2018), p. 2-7.
واألنشــطة ذات الطابــع العلمــي حــول قضايــا وأحــداث مؤثــرة فــي املشــهد احلالــي باملنطقــة.
وتضمنــت هــذه الفعاليــات نقاشــات مســتفيضة بــن متخصصــن ومهتمــن وفاعلــن مباشــرين
فــي األحــداث ،رأت هيئــة التحريــر أهميــة إيجــاز أبرزهــا فــي هــذه الزاويــة.
ومــن بــن الفعاليــات العديــدة التــي نظمهــا املركــز ،جــرى اختيــار ندوتــن ،كانــت األولــى
املغــرب العربــي :احلصيلــة واآلفــاق» ،وعقــدت فــي تونــس العاصمــة بالتعــاون مــع مركــز
241
| 242
حتــت ســيطرته ،وتشــكيل احلكومــة اجلديــدة فــي أكتوبر/تشــرين األول ،2018عــاد العــراق إلــى
مربــع األزمــة السياســية مــن جديــد مــع بقــاء عــدة وزارات ســيادية شــاغرة ،والفشــل فــي
إعــادة مئــات اآلالف مــن النازحــن إلــى ديارهــم ،وعجــز الدولــة عــن حتريــر اآلالف مــن
املدنيــن الذيــن اختطفتهــم امليليشــيات ،وكذلــك الفشــل فــي إعــادة إعمــار املــدن التــي دمرتهــا
احلــرب ،وفــي مقدمتهــا املوصــل التــي مــا زالــت أنقــاض احلــرب فيهــا تطمــر أشــاء الضحايــا
جناحــا
ً وتذهــب حتليــات إلــى أن صمــود احلكومــة حتــى اآلن -برغــم عــدم اكتمالهــاُ -ي ِّثــل
احلاليــة ،لكــن ذلــك لــم مينــع تزايــد املخــاوف مــن عــودة تنظيــم الدولــة إلــى املشــهد السياســي
العراقــي مــن جديــد ،الســيما بعــد هجمــات متعــددة قــام بهــا فــي أحنــاء متفرقــة مــن العــراق.
وقــد اســتدعت هــذه املتغيــرات جملــة مــن التســاؤالت :هــل سـ َّ
ـيتمكن العــراق بســلطاته الثالث
وحكومتــه اجلديــدة مــن تقــدمي منــوذج سياســي يأخــذ بعــن االعتبــار املطالــب الشــعبية أم أنــه
أســيرا للتجاذبــات اإلثنيــة واملذهبيــة التــي تلــت االحتــال األميركــي للبــاد؟ وهــل
ً ســيبقى
ســتنجح مشــاريع إعــادة اإلعمــار ومحــو آثــار الدمــار الــذي خ َّلفــه تنظيــم «الدولــة اإلســامية»
فــي مختلــف أحنــاء العــراق وباألخــص فــي مدينــة املوصــل وإنهــاء حالــة التوتــر واالســتقطاب
ِّ
املغذيــان لإلرهــاب؟ وهــل باإلمــكان عمــل ذلك كلــه دون إعــادة هيكلة االقتصــاد ،وختصيص
امليزانيــات الكافيــة ،وتفعيــل الرقابــة ملنــع الفســاد وجتــاوز املشــكالت املتع ِّلقــة بتــردي املرافــق
َّ
ســيتمكن العــراق العامــة واخلدمــات وفــي مقدمتهــا نقــص الكهربــاء وشــح امليــاه؟ وكيــف
ـي بثبــات حنــو املســتقبل وســط بيئــة إقليميــة ودوليــة مــا فتــئ العبوهــا يتدخلــون فــي
مــن املضـ ِّ
فعاليات | 243
مركــز اجلزيــرة للدراســات بالتعــاون مــع مركــز الدراســات السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة
«ســيتا» ،وقنــاة اجلزيــرة مباشــر ،فــي مدينــة إســطنبول بتركيــا ،يــوم 26يناير/كانــون الثانــي ،2019
حتــت عنــوان« :العــراق فــي ظــل املتغيــرات الداخليــة واخلارجيــة» .وشــهدت النــدوة عقــد ثالث
جلســات حواريــة شــارك فيهــا خنبــة مــن الباحثــن واألكادمييــن واخلبــراء مــن العــراق وتركيــا.
مــن خلــل بنيــوي مــا فتــئ يلقــي بظاللــه علــى العمليــة السياســية بأكملهــا ،بــل كان أحــد
أهــم أســباب تناســل األزمــات السياســية وبقائهــا دون حــل؛ إذ ُبنــي هــذا النظــام علــى أســاس
ً
عوضــا عــن املواطنــة ،مــا جنــم عنــه شــعور بالغــن لــدى العديــد مــن احملاصصــة الطائفيــة
كالســ َّنة والكــرد والتركمــان بعدمــا وجــدوا أنفســهم غيــر قادريــن علــى
ُّ مكونــات املجتمــع
ِّ
املكــون الشــيعي .وهــو االســتنتاج َّ
ويتحكــم فيــه املنافســة السياســية فــي وســط يغلــب عليــه
ِّ
الــذي خلــص إليــه املشــاركون فــي اجللســة احلواريــة األولــى :الدكتــور بلغــي دومــان ،منســق
قســم الدراســات العراقيــة مبركــز دراســات الشــرق األوســط (أورســام) بتركيــا ،والدكتــور يحيــى
الكبيســي ،املستشــار باملركــز العراقــي للدراســات االســتراتيجية ،والدكتــور ماهــر النقيــب ،عضو
هيئــة التدريــس بجامعــة جانقايــا بتركيــا ،والدكتــور قحطــان اخلفاجــي ،أســتاذ االســتراتيجية
األســس واملرتكــزات التــي قــام عليهــا النظــام السياســي العراقــي ،وختليصــه مــن آفــة احملاصصــة
الطائفيــة والعــودة بــه إلــى ركيــزة املواطنــة ومــا يلــزم ذلــك مــن تعديــات دســتورية ،وإشــاعة
ثقافــة سياســية جديــدة ،وترســيخ مبــدأ «الدميقراطيــة التوافقيــة» فــإن التــأزم احلالــي للعمليــة
السياســية سيســتمر.
.2.2مثالب الفيدرالية
املؤمــل مــع تطبيــق النظــام الفيدرالــي فــي العــراق أن تتحســن الكفــاءة اإلداريــة للدولــة
َّ كان مــن
وأن يشــعر املواطنــون بذلــك ،خاصــة فــي اخلدمــات واملرافــق العامــة ،لكــن يبــدو أن الفيدراليــة
فــي العــراق -أو مبعنــى أدق -ســوء تطبيــق الفيدراليــة حــال دون ذلــك؛ إذ أضحــت -بحســب
ـد هــذه
جزئيــا -مــن شــأنه أن يسـ َّ
ًّ -كليــا أو
ًّ إعــادة النظــر فــي النظــام الفيدرالــي العراقــي الراهــن
ويصلــح هــذا اخللــل ويزيــل عقبــة َك ْأ َداء مــن أمــام مســار التنميــة فــي العــراق.
الثغــرة ُ
.2تحديات إعادة إعمار العراق وبناء الدولة
.1.2غياب الرؤية االقتصادية
رغــم أن العــراق بلــد غنــي بالنفــط والغــاز والثــروات املعدنيــة؛ إذ تبلــغ احتياطياتــه النفطيــة علــى
ُبــن
ِّــرة كمــا ت ِّ
واليورانيــوم ،والزئبــق األحمــر ،فــإن اقتصــاده متــأزم وعجلــة التنميــة فيــه ُم َت َعث َ
املؤشــرات التــي وردت فــي مداخلــة الدكتــور غــازي الســكوتي ،أســتاذ العالقــات الدوليــة بجامعة
بغــداد ،وتشــمل:
حاليا.
ًّ -تراجع مساحة األراضي الزراعية من 48مليون دومن قبل الغزو إلى 11مليون دومن فقط
فعاليات | 245
-زيادة رقعة الفقر ووصول أعداد َم ْن يحتاجون إلى مساعدات غذائية إلى 5.7ماليني عراقي.
ويعــود الســبب فــي تــردي األوضــاع االقتصاديــة بالعــراق ،كمــا حددهــا املشــاركون فــي اجللســة
احلواريــة الثانيــة ،وهــم :الدكتــور غــازي الســكوتي ،أســتاذ العالقــات الدوليــة بجامعــة بغــداد،
والســيد حــامت الفالحــي ،خبيــر الشــؤون األمنيــة واالســتراتيجية ،والدكتــور همــام الشــماع،
أســتاذ االقتصــاد املالــي فــي جامعــة بغــداد ،والدكتــور عبــد اهلل احلمــودات ،الباحــث اإلعالمــي
واملهتــم بشــؤون املوصــل ،إلــى جملــة مــن العوامــل ،أهمهــا وأبرزهــا :غيــاب الرؤيــة االقتصاديــة
التــي ميكــن أن تنبثــق عنهــا اســتراتيجية تنمويــة تعيــد احليــاة لقطاعــات االقتصــاد احليويــة
كالقطــاع الزراعــي والصناعــي واملالــي واملصرفــي .ودون وجــود هــذه الرؤيــة ســتظل كل املــوارد
ســابقة الذكــر غيــر مســتمرة ،ولــن يكــون مبقــدر العــراق إعــادة اإلعمــار وبنــاء الدولــة.
اآلخــر ،وهــو مــا أدى إلــى هشاشــة الوضــع األمنــي فــي عمــوم البــاد ،وأفــرز بيئــة غيــر جاذبــة
م ً َّثــا فــي قــوات احلشــد الشــعبي التــي تتكــون مــن عــدة فصائل لــكل مجموعــة منهــا مرجعيتها
َُ
ـا يتبعــون فــي والئهــم ومرجعيتهــم إليــران ،و 17فصيـ ً
ـا املختلفــة عــن األخــرى ،فثمــة 40فصيـ ً
يتبعــون آيــة اهلل علــي السيســتاني ،وعــدة فصائــل ُسـ ِّنية ومســيحية تتبــع احلشــد الشــعبي وتعــود
فــي مرجعيتهــا إلــى إيــران .كمــا توجــد فصائــل تتبــع مرجعيــات أخــرى كالصــدر واحلائــري
| 246
ً
فضــا عــن قــوات البيشــمركة ،وقــوات مســلحة تابعــة والشــيرازي وحســن نصــر اهلل ،هــذا
حلــزب العمــال الكردســتاني ..مــا جعــل كل هــذه القــوات واألجهــزة والفصائــل التــي حتظــى
القــوات وتلــك الفصائــل -كأفــراد -مــع قــوات احلــرس الوطنــي أو مــع املؤسســة العســكرية
فــإن تعــدد والءات األجهــزة األمنيــة ســيظل حائـ ً
ـا دون إعــادة إعمــار البــاد.
حلــول جذريــة لهــا ،وفــي مقدمتهــا مشــكلة نقــص امليــاه ملــا لهــا مــن تأثيــر خطيــر علــى القطــاع
الزراعــي الــذي يعمــل فيــه قرابــة 60%مــن القــوى العاملــة .وقــد حـ َّ
ـذر الدكتــور همــام الشــماع،
دائمــا.
ً مــن تذبــذب واجتــاه عــام حنــو االخنفــاض ،يجعــل اقتصــاد العــراق علــى حافــة اخلطــر
وهــذا يعنــي ً
أيضــا أنَّ العــراق ســيكون بحاجــة إلــى اســتيراد احتياجاتــه الغذائيــة األساســية
ـح امليــاه وأثــره علــى القطــاع الزراعــي ،ونتيجــة أيضــا لتخ ُّلــف القطــاع مــن اخلــارج نتيجــة ُ
لشـ ِّ
الصناعــي فــي وقــت ال يجــد املــوارد املاليــة التــي تلبــي لــه هــذا االحتيــاج ،وهــو مــا ُي ِ
نــذ ُر
بعواقــب وخيمــة َّ
خلصهــا الدكتــور الشــماع بقولــه« :إذا تضافــر انهيــار القطــاع النفطــي مــع
الزراعــي فــإن العــراق ســيكون أمــام مجاعــة وليــس أمــام مــأزق اقتصــادي فقــط».
.4.2أسباب ُّ
تعثر إعادة اإلعمار يف املوصل وكركوك
تعثــرا بســبب العوامــل السياســية
ً تواجــه عمليــة إعــادة اإلعمــار فــي املوصــل وكركــوك
واالقتصاديــة التــي أشــار إليهــا الباحثــون فــي اجللســتني احلواريتــن الســابقتني .فبعــد طــرد
فعاليات | 247
تنظيــم الدولــة مــن املوصــل ال يــزال قرابــة 380ألــف موصلــي نازحــن ،كمــا تظــل مســتويات
ً
فضــا عــن تــردي البطالــة بــن الشــباب هــي األعلــى فــي العــراق بنســبة تصــل إلــى ،70%
منوذجــا لغيــاب الرؤيــة االقتصاديــة ،والفســاد وتعدديــة والءات ومرجعيــات القــوات واألجهــزة
ً
وف ْر ِضهــا مــا يشــبه اإلتــاوات علــى رجــال األعمــال؛ األمــر الــذي َّ
أخــر مشــاريع إعــادة األمنيــة َ
أمــا كركــوك ،فرغــم غناهــا بالنفــط فــإن بنيتهــا التحتيــة مترديــة ومرافقهــا العامــة فــي حالــة
مزريــة ،وذلــك لعــدة أســباب أهمهــا عــدم القــدرة علــى حســم اخلــاف بشــأن مــا ُيعــرف
باملناطــق املتنــازع عليهــا فــي هــذه املدينــة ،واجلــدل الدائــم بشــأن تفســير املــادة 140مــن
الدســتور اخلاصــة بهــا ،وهــو مــا دفــع الدكتــور ماهــر النقيــب ،عضــو هيئــة التدريــس بجامعــة
جانقايــا بتركيــا ،إلــى املطالبــة بإلغــاء هــذه املــادة الدســتورية ،واقتــرح كذلــك إخــراج قــوات
البيشــمركة الكرديــة مــن املدينــة واســتبدال قــوات تابعــة للجيــش العراقــي بهــا ،كمــا أشــار إلــى
أهميــة اختيــار أحــد والة أقاليــم العــراق مــن التركمــان علــى غــرار والة األقاليــم مــن األعــراق
األخــرى ،وإلــى إعــادة تدويــر جــزء مــن عائــدات نفــط كركــوك داخــل املدينــة لتحســن بنيتهــا
ـم جتعــل مســتقبله السياســي ُمك َت َن ًفــا باملخاطــر املســتمرة؛ فقــد اختــذت
واالقتصاديــة ،ومــن ثـ َّ
بعــض القــوى اإلقليميــة والدوليــة مــن العــراق ميدانًــا للصراعــات اإلقليميــة والتجاذبــات
الدوليــة ،وأصبــح لــكل منهــا أجندتــه ومشــاريعه وأدواتــه فــي الداخــل التــي تعمــل وفــق
توجيهاتــه .هــذه القضايــا شـ َّ
ـكلت محــور اجللســة احلواريــة الثالثــة التــي شــارك فيهــا :الباحــث
يشــار الشــريف ،ومديــر املركــز الســومري لإلعــام والدراســات فــي اململكــة املتحــدة ،فــارس
| 248
اخلطــاب ،ورئيــس األكادمييــة الدبلوماســية التابعــة لــوزارة اخلارجيــة التركيــة ،الدكتــور مســعود
أوزجــان ،والباحــث األول مبركــز اجلزيــرة للدراســات واخلبيــر فــي الشــأن العراقــي ،الدكتــور
وقــد الحــظ بعــض الباحثــن أن إيــران منــذ الغــزو األميركــي للعــراق مــا فتئــت متــد نفوذهــا
وتبســط هيمنتهــا عليه بشــتى الطــرق؛ إذ إن لهــا أحزابها السياســية وجماعاتها الدينية وميليشــياتها
املســلحة ،فضـ ً
ـا عــن اعتبــار العــراق ســوقً ا كبيــرة لبيــع املنتجــات اإليرانيــة ً
وبابــا للتحايــل علــى
أخــرى ،متأثــرة بالصراعــات العربيــة البينيــة وسياســة احملــاور واالســتقطاب التــي يعانــي منهــا العالــم
العربــي ،وفــي الغالــب فــإن هدفهــا مصلحــة األنظمــة العربيــة حتــى وإن كانــت تتعــارض مــع منظومة
األمــن القومــي العربــي؛ فعلــى ســبيل املثــال ال توجــد اســتراتيجية للسياســة اخلارجيــة الســعودية إزاء
العــراق رغــم أن الريــاض قــد انكشــفت أمــام إيــران بعــد غــزو العــراق واحتاللــه ،أمــا مصــر فقــد
إقليميــا واحنســر حضورهــا فــي العــراق خاصــة بعــد اختطــاف وقتــل ســفيرها فــي بغــداد.
ًّ ضعفــت
وال يــزال األردن بحاجــة إلــى نفــط العــراق بأســعار تفاضليــة .وفيمــا يخــص السياســة الســورية
إزاء العــراق فقــد كانــت دمشــق متهمــة فــي عهــد حكومــة رئيــس الــوزراء األســبق ،نــوري
املالكــي ،بتســهيل وصــول «املجاهديــن املســلحني» إلــى العــراق ،وكان دافعهــا -هــي وإيــران-
الس ـ َّنة.
فــي ذلــك يتم َّثــل فــي اســتنزاف الوجــود األميركــي فــي هــذا البلــد بأيــدي ُّ
أمــا دول اخلليــج العربــي -ورغــم أنــه مــن املفتــرض أن تكــون األكثــر انشـ ً
ـغال بالعــراق -فليــس
فعاليات | 249
ـاع تقــوم
حاليــا ألســباب تاريخيــة معروفــة ،ومثــة مسـ ٍ
ًّ اهتمامــا بالعــراق
ً الدولــة اخلليجيــة األكثــر
وكمــا يتضــح مــن هــذه الصــورة العامــة فــإن باإلمــكان التأكيــد علــى عــدم وجــود سياســة
عربيــة واحــدة إزاء العــراق تســتطيع أن تنافــس السياســة اإليرانيــة واألميركيــة هنــاك.
خاتمة
واجتماعيــا ،كمــا ال تــزال
ًّ واقتصاديــا
ًّ سياســيا
ًّ مثــة حتديــات كبيــرة ال تــزال تواجــه العــراق
فــي أعقــاب الغــزو األميركــي عــام ،2003مــن آفــة احملاصصــة الطائفيــة التــي أضعفــت النســيج
الدولــة العراقيــة فــي عشــرينات القــرن املاضــي .كذلــك ،فــإن النظــام الفيدرالــي ا ُمل َّ
طبــق فــي
ـك َأ ًة للفســاد ،مــا تسـ َّـبب فــي تبديــد امليزانيــات احملليــة املخصصــة
لإلثــراء واعتمادهــم عليــه ُتـ َ
أمــا علــى املســتوى االقتصــادي ،فــإن العــراق بحاجــة إلــى رؤيــة اقتصاديــة تنبثــق عنهــا
اســتراتيجية تنمويــة تعيــد احليــاة إلــى قطاعــات االقتصــاد احليويــة؛ الزراعيــة والصناعيــة
واملتنوعــة.
ِّ واملصرفيــة ،ويســتطيع مبوجبهــا العــراق اســتثمار ثرواتــه الطبيعيــة والبشــرية الكثيــرة
التدخل في
ُّ وبالتــوازي مــع ذلــك ،فــإن حاجــة العــراق أساســية لبيئــة إقليميــة ودولية تكـ ُّ
ـف عــن
وج ْع ِلــه ميدا ًنــا للصراعــات وتصفيــة احلســابات بــن املشــاريع واألجنــدات املتضاربــة،
شــؤونه َ
وتعــدد فــي الــوالءات واملرجعيــات مــا فتــئ يتــرك أثــره
ُّ ومــا يتبــع ذلــك مــن اســتقطابات
مقدمة
كانــت حصيلــة التحــوالت السياســية فــي البلــدان املغاربيــة ،بعــد مثانــي ســنوات مــن
انــدالع ثــورات الربيــع ،مختلفــة ومتنوعــة .ففــي تونــس علــى ســبيل املثــال حتقَّ ــق تقـ ُّ
ـدم ملحوظ
علــى مســتوى الدســتور واحلريــات العامــة وتــداول الســلطة ،لكــن املعوقــات والتحديــات ال
تــزال ماثلــة ،وأهمهــا عقبــة األوضــاع االقتصاديــة املتأزمــة .أمــا فــي ليبيــا ،فرغــم أن البــاد
خت َّلصــت مــن نظــام حكــم العقيــد معمــر القذافــي ،فإنهــا وقعــت فــي أتــون حــرب أهليــة
علــى أســس جهويــة ومناطقيــة ،وأصبحــت ميدا ًنــا للصراعــات اإلقليميــة والدوليــة .بينمــا كان
املغــرب أوفــق ًّ
حظــا حينمــا بــادر امللــك محمــد الســادس بإدخــال تعديــات دســتورية علــى
خلفيــة مظاهــرات 20فبراير/شــباط ،2011وإجــراء انتخابــات برملانيــة ،غيــر أن ذلــك فيمــا يبــدو
كافيــا إلجنــاز منــوذج تنمــوي تتحقَّ ــق مبوجبــه العدالــة االجتماعيــة .أمــا فــي اجلزائــر،
ً لــم يكــن
فقــد ظــل اخلــوف مــن تكــرار أحــداث العشــرية الدمويــة فــي تســعينات القــرن املاضــي حائـ ً
ـا
دون التجــاوب مــع ثــورات الربيــع العربــي ،وســاعدت عوائــد النفــط فــي اســتدامة االســتقرار
الهــش ،لكــن يبــدو أن تراجــع أســعاره ،واســتمرار إحــكام قبضــة الســلطة علــى مفاصــل
الدولــة ،واإلصــرار علــى ترشــيح الرئيــس عبــد العزيــز بوتفليقــة لعهــدة خامســة رغــم حالتــه
251
| 252
تذهــب أبعــد مــن ذلــك ،وظلــت عمليــة اإلصــاح السياســي غيــر مكتملــة.
ذلــك كلــه ،وســط حتديــات إقليميــة تواجههــا بلــدان املغــرب العربــي حالــت دون حتقيــق
الوحــدة والتعــاون بالشــكل املتوقــع منــذ إنشــاء احتــاد املغــرب العربــي عــام 1989؛ إذ يقــع
فــي جتــارة املخــدرات وتهريــب األســلحة واالجتــار بالبشــر ،وهــو مــا أ َّثــر ليــس علــى التنميــة
االقتصاديــة والتجــارة البينيــة فقــط ،وإمنــا ً
أيضــا علــى فــرص وآفــاق التحــول السياســي فــي
وكمــا يتضــح مــن خــال هــذه النظــرة اإلجماليــة ألوضــاع دول املغــرب العربــي الداخليــة
واخلارجيــة ،فــإن حصيلــة التحــوالت السياســية تبــدو بعــد ســنوات مــن ثــورات الربيــع العربــي
متواضعــة ،وهــو مــا دفــع مركــز اجلزيــرة للدراســات ومركــز الدارســات املتوســطية والدوليــة
لتنظيــم نــدوة بحثيــة مشــتركة فــي العاصمــة التونســية ،يومــي 16-17فبراير/شــباط ،2019حتــت
عنــوان «التحــوالت السياســية فــي املغــرب العربــي :احلصيلــة واآلفــاق» ،مبشــاركة خنبــة مــن
نظريــا ،بحســب مــا ذهــب إليــه أحمــد إدريــس ،مديــر مركــز الدراســات املتوســطية والدوليــة
ًّ
بتونــس :إن املرحلــة االنتقاليــة قــد انتهــت ،لكــن واقــع احلــال ينبــئ بــأن هــذا القــول قــد ال
يكــون دقيقً ــا كل الدقــة ،فــا تــزال التحديــات السياســية واالقتصاديــة جمــة؛ األمر الــذي جعل
التــي ميكــن وصفهــا بالتقدميــة وبــن إنزالهــا وتطبيقهــا علــى أرض الواقــع .ولعــل الســبب
يعــود إلــى ضعــف الثقافــة السياســية التــي ال تتطــور بالضــرورة بنفــس ســرعة تطــور النصــوص
الدســتورية ،فضـ ً
ـا عــن فقــدان كثيــر مــن شــرائح الشــعب التونســي الثقــة فــي الطبقــة السياســية
احلاليــة ســواء مــن احلكومــة أو أحــزاب املعارضــة ،بســبب عــدم حتقيــق اختــراق فــي مطالــب
الثــورة التونســية ذات األبعــاد االجتماعيــة واالقتصاديــة .لكــن ،ورغــم ذلــك كلــه ،تبقــى
التجربــة التونســية الوحيــدة مــن جتــارب الربيــع العربــي التــي وصلــت إلــى مســتويات متقدمــة
مــن خاللهــا امتصــاص ردات فعــل ثــورات الربيــع العربــي فــي البلــدان املجــاورة ،وذلــك
حينمــا بــادرت املؤسســة امللكيــة بإجــراء تعديــات دســتورية ،أعقبتهــا انتخابــات برملانيــة،
وتشــكيل حكومــة منتخبــة .وقــد ارتكــزت عمليــة اإلصــاح السياســي علــى مجموعــة مــن
العوامــل ،أبرزهــا ،بحســب أســتاذ القانــون العــام ،امحمــد املالكــي :الســعي حنــو إعــادة صياغــة
وكان مــن نتيجــة اســتجابة امللــك ملظاهــرات 20فبراير/شــباط بإدخــال إصالحــات سياســية أن
بعــد االنتخابــات البرملانيــة فــي 2016؛ إذ إن احلــزب الفائــز (العدالــة والتنميــة) أخفــق فــي
إضافــة إلــى أنــه خــال هــذا االنســداد اندلعــت احتجاجــات الريــف التــي دامــت حنــو ســبعة
أشــهر للمطالبــة بالتنميــة والعدالــة ،وقــد اعتــرف امللــك بعــد ذلــك بإخفــاق مشــروع «احلســيمة
ومــع ذلــك ،فثمــة جملــة مــن التحديــات حالــت دون وصــول عمليــة التحــول السياســي فــي
املغــرب إلــى منتهاهــا ،مــن ذلــك :هــذا الشــد واجلــذب بــن نزعتــن؛ األولــى :تلــك التــي
تســعى حنــو التغييــر واإلصــاح ،والثانيــة :التــي تعمــل علــى احملافظــة علــى الوضــع القائــم ورمبــا
العــودة بالبــاد إلــى الــوراء .وقــد ظلــت عمليــة التحــول السياســي رهينــة هاتــن النزعتــن؛ مــا
انعكــس علــى تفعيــل اإلصالحــات ســابقة الذكــر ،وظهــر مــا يشــبه الفجــوة بــن التحديــث
والســيادية املتمثِّلــة فــي تأطيــر التمثيليــة والوســاطة .ثــم إن الدولــة فــي عالقتهــا باألحــزاب ال
توفــر الشــروط الكافيــة كــي تقــوم هــذه األحــزاب بوظائفهــا ســابقة الذكــر؛ األمــر الــذي انعكس
علــى بنيتهــا الداخليــة ،وأفقدهــا القــدرة علــى تكويــن كوادرهــا القــادرة علــى املنافســة.
وإزاء هــذا الوضــع وآفــاق تطــور احليــاة السياســية فــي املغــرب فثمــة قراءتــان ،األولــى تقــول:
إن املغــرب قــد قطــع شـ ً
ـوطا فــي اإلصالحــات ،لكنــه يحتــاج إلــى مزيــد مــن الوقــت جلنــي
التحوالت السياسية في المغرب العربي الحصيلة واآلفاق | 255
الثمــار ،ويستشــهدون بالثــورة الفرنســية التــي تصــارع الفرنســيون فيهــا قرابــة 95ســنة حتــى
توصلــوا إلــى النظــام اجلمهــوري القائــم .لكــن مثــة قــراءة أخــرى نقديــة تقــول :إن املغــرب كان
بإمكانــه قطــع هــذه األشــواط فــي وقــت أقصــر لــو توافــرت إرادة سياســية ختتصــر الوقــت،
ُطبــق فحــوى الدســتور وباألخــص فيمــا يتعلــق باملســاءلة واحملاســبة ،وصياغــة منــوذج تنمــوي
وت ِّ
جديــد يتجــاوز االختــاالت االجتماعيــة .فأيــة قــراءة مــن هاتــن القراءتــن أصــوب؟
األصــوب مــن وجهــة نظــر املالكــي يتم َّثــل فــي تعزيــز احلريــات ،خاصــة حريــة التعبيــر واإلعــام
ً
وأيضــا التــي يبــدو أن مثــة بــوادر نكــوص فــي مؤشــراتها خــال الســنوات األربــع األخيــرة،
الســعي حنــو إيجــاد منــوذج تنمــوي جديــد بعــد االعتــراف الرمســي بفشــل النمــوذج التنمــوي
احلالــي الــذي أخفــق فــي دمــج فئــات اجتماعيــة جديــدة فــي منظومــة العدالــة االجتماعيــة،
شــعبية علــى غــرار ثــورات الربيــع العربــي؛ إذ كان هنــاك انفــراج نســبي حــال دون ذلــك .وقــد
حاولــت قــوى املعارضــة عبــر جملــة مــن الفعاليــات كاملظاهــرات واملؤمتــرات ..نقــل مشــاهد
الربيــع العربــي إلــى الداخــل املوريتانــي لكنهــا لــم تنجــح للســبب املذكــور ً
آنفــا.
ورغــم وجــود دميقراطيــة مــن ناحيــة الشــكل فــي موريتانيــا ،تتم َّثــل فــي وجــود دســتور وأحزاب
ُّ
حتكــم الســلطة فــي املخرجــات السياســية وبخاصــة علــى املســتويني وانتخابــات وإعــام ،فــإنَّ
التشــريعي والتنفيــذي جعــل هــذه الدميقراطيــة شــكلية .لكــن ،ومــع هــذه الدميقراطيــة -ضعيفــة
املــردود هزيلــة النتــاج -فقــد أســهم الربيــع العربــي فــي وضعيــة الحقــة جعلــت مســار االلتفــاف
علــى دســتور البــاد ،وبخاصــة فيمــا يتعلــق مبســألة العهدتــن لرئيــس اجلمهوريــة غيــر القابلتــن
للتجديــد ،عســير التغييــر كمــا فــي بعــض البلــدان ،وقــد يكــون هــذا مــا أدى إلــى احتــرام
الدســتور وإتاحــة الفرصــة للتــداول علــى الســلطة ســواء مــن داخــل النظــام أو مــن خارجــه.
وفــي العمــوم ،فــإن املشــكلة فــي موريتانيــا واجلزائــر وليبيــا -كمــا يقــول الرئيــس الســابق حلــزب
| 256
التجمــع الوطنــي لإلصــاح والتنميــة ،محمــد جميــل بــن منصــور ،فــي مداخلتــه -تتم َّثــل فــي
عــدم وضــوح وضعيــة الســقف فيهــا ،ففــي تونــس مثـ ً
ـا فــإن الســقف مرفــوع ،وفــي املغــرب
الســقف معــروف وتشــتغل القــوى السياســية حتــت هــذا الســقف ،أمــا فــي البلــدان األخــرى
الثــاث فــا ســقف مرفــوع وال ســقف معــروف ،وبالتالــي تعانــي هــذه البلــدان مــن هــذه
الوضعيــة؛ إذ ال يــؤدي األمــر إلــى انفتــاح سياســي مفتــوح كمــا هــو فــي تونــس أو إلــى ســقف
حتولــت إلــى حــرب أهليــة أســهمت التدخــات اإلقليميــة والدوليــة فــي تأجيــج نيرانهــا .وقــد
بــدأت مشــكالت التحــول السياســي فــي ليبيــا منــذ العــام األول للثــورة ،فــي 17فبراير/شــباط
ذلــك ،صــدر اإلعــان الدســتوري ،عــام ،2011الــذي يرســم مالمــح املرحلــة اجلديــدة وبــه
عــوار قانونــي كمــا يصفــه الباحــث السنوســي بســيكري ،يتم َّثــل فــي ختويــل البرملــان اختيــار
فــي االنتخابــات املباشــرة ،وهــو مــا حــدث مــع الدكتــور محمــود جبريــل الــذي فــاز حزبــه
(التحالــف الوطنــي) بأغلبيــة األصــوات فــي االنتخابــات البرملانيــة ،ومــع ذلــك لــم يتمكــن
وقريبــا مــن هــذا اخللــل القانونــي والتشــريعي مــا جنــم عــن قانــون العــزل السياســي الصــادر
ً
عــن املؤمتــر الوطنــي عــام 2013؛ إذ جــاءت صياغــة هــذا القانــون عامــة مــا أدت إلــى إقصــاء
عشــرات اآلالف مــن النخــب الليبيــة التــي كان باإلمــكان إدماجهــا ضمــن مؤسســات الدولــة
التحوالت السياسية في المغرب العربي الحصيلة واآلفاق | 257
تفجــر الوضــع
وهــي فــي مرحلــة إعــادة البنــاء .أمــا علــى املســتوى العســكري واألمنــي ،فقــد َّ
عــام 2014بــن قــوات فجــر ليبيــا بقيــادة اللــواء املتقاعــد ،خليفــة حفتــر ،وقــوات الكرامــة،
وأدى الصــراع الدمــوي بينهمــا إلــى انقســام سياســي وعســكري بــن شــرق البــاد وغربهــا ال
يــزال قائمــا ،وتشـ َّ
ـكل مبقتضــاه برملانــان وحكومتــان ومصرفــان مركزيــان. ً
وحــاول اتفــاق الصخيــرات ،عــام ،2015معاجلــة هــذا االنقســام لكــن لــم ينجــح؛ ألن األطراف
التــي وقَّ عــت عليــه كان ينقصهــا شــرعية التمثيــل ،فالــذي جــاء ممثـ ً
ـا عــن شــرق ليبيــا لــم يكــن
ـول لــه التوقيــع ،وكذلــك احلــال بالنســبة للــذي جــاء مــن الغــرب،
مي ِّثــل كل الشــرق مــا يخـ ِّ
معــا .وقــد حاولــت البعثــة األمميــة ،وقــد
فظلــت هنــاك معارضــة لالتفــاق فــي الشــرق والغــرب ً
ممثلني/مفوضــن ،التقريــب بــن وجهــات النظــر لكــن مقارباتهــم لــم تكــن
َّ ـر عليهــا ســبعة
مـ َّ
ِ
منتجــة بســبب التدخــات اإلقليميــة والدوليــة املؤثــرة علــى أطــراف النــزاع؛ إذ لــدى الشــرق
املتفجــر.
ِّ فلــم يتــم االتفــاق علــى تســوية سياســية ُتــرج ليبيــا مــن هــذا الوضــع
تكــرار مــا حــدث فــي عقــد التســعينات الــذي ُعــرف بالعشــرية الدمويــة ،حينمــا فــازت اجلبهــة
اإلســامية لإلنقــاذ باالنتخابــات البلديــة ثــم باجلولــة األولــى مــن االنتخابــات البرملانيــة ،غيــر
أن اجليــش انقلــب علــى العمليــة الدميقراطيــة ،وألغــى نتيجــة االنتخابــات ،واعتقــل عشــرات
اآلالف مــن كــوادر اجلبهــة ،مــا اضطرهــم إلــى حمــل الســاح ،فدخلــت البــاد فــي دوامــة
مــن العنــف والعنــف املضــاد راح ضحيتهــا أكثــر مــن 200ألــف قتيــل ،ثــم توقــف العنــف
أخيــرا مــع تولــي الرئيــس ،عبــد العزيــز بوتفليقــة ،الســلطة عــام ،1999وإقــرار قانــون الوئــام
ً
املدنــي ثــم ميثــاق الســلم واملصاحلــة الوطنيــة .وقــد ســاعد علــى اســتقرار األوضــاع الوفــرة
عامليــا.
ًّ املاليــة الناجمــة عــن مداخيــل النفــط والغــاز ،وبخاصــة إبــان ســنوات ارتفــاع أســعاره
| 258
ـددا وذلــك
لكــن فيمــا يبــدو فــإن اجلزائــر مرشــحة الحتجاجــات شــعبية واســعة النطــاق مجـ ً
علــى خلفيــة تدهــور األوضــاع املعيشــية بعــد اخنفــاض أســعار النفــط وتراجــع احتياطيــات النقــد
األجنبــي ،وإصــرار النظــام علــى ترشــيح الرئيــس عبــد العزيــز بوتفليقــة رغــم حالتــه الصحيــة
املغــرب العربــي ال يــزال أمامهــا طريــق طويــل لتقطعــه علــى هــذا املضمــار .واألســباب وراء
ذلــك متعــددة ،بعضهــا يعــود إلــى اختــاف طبيعــة أنظمــة احلكــم مــا بــن ملكيــة وجمهوريــة،
ً
فضــا عــن تنــوع الد َمقْ َر َطــة،
وبعضهــا يعــود إلــى اختــاف درجــة التحديــث ومســتويات َّ
وخارجيــا مــن بلــد إلــى آخــر.
ًّ داخليــا
ًّ املشــكالت والتحديــات
وفــي العمــوم ،فــإن أهــم مــا أعــاق عمــل احتــاد املغــرب العربــي منــذ تأسيســه قبــل ثالثــن
عامــا هــو عــدم توفــر اإلرادة السياســية لتفعيــل مؤسســاته ،واإلبقــاء علــى املشــكالت البينيــة
ً
دون حــل ،وبخاصــة مشــكلة الصحــراء ،فض ـ ً
ا عــن اختــاف التحالفــات االســتراتيجية بــن
أعضائــه ،كمــا يقــول الدكتــور عبــد النــور بــن عنتــر؛ أســتاذ محاضــر فــي جامعــة باريــس 8
بفرنســا؛ إذ ترتبــط بعــض الــدول بتحالفــات اســتراتيجية مــع قــوى إقليميــة أو دوليــة ،رمبــا
تكــون علــى تضــاد مــع دولــة عضــو فــي االحتــاد ترتبــط هــي األخــرى بتحالــف اســتراتيجي
مغايــر.
أمــا عــن مصــادر التهديــد التــي حتيــط بــدول املغــرب العربــي فأهمهــا :تنامــي ظاهــرة اإلرهــاب
وجماعاتــه املنظمــة ،التــي تتخــذ مــن املناطــق احلدوديــة الرخــوة مـ ً
ـاذا لهــا ،كمــا هــي احلــال
علــى احلــدود بــن اجلزائــر ومالــي ،وإلــى حــد مــا بــن اجلزائــر وتونــس .واألخطــر فــي هــذه
اجلماعــات -بحســب احلــواس تقيــة ،باحــث فــي مركــز اجلزيــرة للدراســات -هــو حتالــف
ُ -1عقدت هذه الندوة قبل اندالع احتجاجات الشارع الجزائري ،يف 22فرباير/شباط ،2019وقد نجحت بعد سبعة أسابيع يف
إجبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عىل تقديم استقالته ،يف 2أبريل/نيسان .2019
التحوالت السياسية في المغرب العربي الحصيلة واآلفاق | 259
بعضهــا مــع بعــض جماعــات اجلرميــة املنظمــة التــي تنشــط فــي جتــارة الســاح واملخــدرات
وتهريــب البشــر إلــى أوروبــا ،وهــو مــا يجعــل بقــاء دول االحتــاد نفســها ،بقطــع النظــر عــن
مســتوى مــا وصلــت إليــه مــن َد َمقْ َر َطــة وحكــم رشــيد ،علــى احملــك.
خاتمة
تراوحــت حصيلــة التحــوالت السياســية فــي بلــدان املغــرب العربــي ،بعــد مثانــي ســنوات ،مــن
النجــاح النســبي ،كمــا فــي حالــة تونــس ،إلــى االقتتــال األهلــي كمــا فــي احلالــة الليبيــة ،وبــن
هذيــن الطرفــن تنــدرج حــاالت املغــرب واجلزائــر وموريتانيــا ،التــي شــهدت إصالحــات جزئية
حافظــت علــى اســتقرار سياســي ،لكنــه اســتقرار هـ ٌّ
ـش معــرض فــي أي وقــت لالهتــزازات.
فقــد متكنــت تونــس مــن االنتقــال إلــى نظــام سياســي دميقراطــي توافقــي مــع احلفــاظ علــى
االســتقرار بشــكل عــام ،لكــن هذيــن اإلجنازيــن يواجهــان ضغوطــات كبيــرة نتيجــة الصعوبــات
االقتصاديــة وعــدم املســاواة بــن املناطــق .ويقــف الوضــع فــي ليبيــا فــي الطــرف املقابــل؛ إذ إن
البرملانيــة فــي ،2016وخاصــة بعــد أن أخفــق احلــزب الفائــز (العدالــة والتنميــة) فــي تشــكيل
ومتكنــت اجلزائــر مــن احملافظــة علــى اســتقرارها بعــد موجــة الربيــع العربــي ،لكنــه اســتقرار
هـ ٌّ
ـش عصفــت بــه الصعوبــات االقتصاديــة الناجتــة عــن تدهــور أســعار النفــط واحلــراك الشــعبي
الــذي انفجــر قبــل موعــد إجــراء االنتخابــات الرئاســية ،فــي 18أبريل/نيســان ،2019ودفــع
الرئيــس عبــد العزيــز بوتفليقــة إلــى تقــدمي اســتقالته بعــد ترشــحه للعهــدة اخلامســة.
| 260
تواجــه موريتانيــا مشــاكل داخليــة قــد تهــز اســتقرارها النســبي ،فهــي تعانــي مــن قلــة املــوارد
وضعــف التنميــة والنزاعــات اإلثنيــة ،وقــد يــؤدي اجلمــع بــن املشــكلتني إلــى توتــرات تؤثــر
ســلبا علــى قــدرة الســلطة فــي التعامــل معهــا ،خاصــة وســط االســتقطاب السياســي الــذي
ً
كشــف عنــه التصويــت للدســتور فــي .2017
عــاوة علــى هــذه املشــكالت الداخليــة لــدول املغــرب العربــي تبــرز مشــكالت عابــرة
للحــدود ،متخــذة أشـ ً
ـكال مختلفــة مثــل «اإلرهــاب» واالجتــار بالبشــر واملخــدرات والالجئــن،
وجتــد بيئــة مواتيــة فــي اتســاع رقعــة االحتجــاج داخــل دول املغــرب العربــي لإلفــات مــن
كان مــن املفتــرض أن تدفــع التحديــات الداخليــة كالتنميــة واخلارجيــة كاإلرهــاب دول املغــرب
العربــي إلــى التعــاون فيمــا بينهــا؛ باعتبــاره مصلحــة مشــتركة للجميــع ،لكــن اخلالفــات
البينيــة ،خاصــة بــن اجلزائــر واملغــرب فــي قضيــة الصحــراء ،وانهيــار الســلطة املركزيــة كمــا
فــي ليبيــا ،تســتنزف جهــود تلــك الــدول ومواردهــا فــي النزاعــات البينيــة وتعيقهــا عــن التعــاون
فــي املجــاالت احليويــة التــي متــس أمنهــا اخلارجــي ،كمــا يعيــق ضعــف املؤسســات السياســية
والنزاعــات البينيــة القيــادات املغاربيــة عــن االســتفادة املثلــى مــن املــوارد املتناقصــة ،ويهيــئ
البيئــة املواتيــة للتهديــدات التــي قــد تتســع وتتســبب فــي مزيــد مــن االضطرابــات السياســية
واألمنيــة.
معايري النشر يف مجلة
كليــا أو
جزئيــا أو ًّ
ًّ خصيصــا للمجلــة ،وأال يكــون قــد نُشــر
ً ـدا .1أن يكــون البحــث أصيـ ً
ـا معـ ًّ
نشــر مــا يشــبهه فــي َّأيــة وســيلة نشــر إلكترونيــة أو ورقيــة ،أو قُ ـ ِّ
ـدم فــي أحــد املؤمتــرات العلميــة
مــن غيــر املؤمتــرات التــي يعقدهــا مركــز اجلزيــرة للدراســات ،أو إلــى أيــة جهــة أخــرى.
يتقيد البحث مبواصفات التوثيق وفقً ا لنظام اإلحاالت املرجعية الذي يعتمده املركز.
.4أن َّ
.5يــراوح احلــد األقصــى لعــدد كلمــات البحــث ،مبــا فــي ذلــك املراجــع فــي اإلحــاالت
املرجعيــة والهوامــش اإليضاحيــة ،وقائمــة املراجــع وكلمــات اجلــداول فــي حــال وجودهــا،
وامللحقــات فــي حــال وجودهــا ،بــن 7000 5000-كلمــة كحــد أقصــى ،وللمجلــة أن تنشــر،
بحســب تقديراتهــا وبصــورة اســتثنائية ،بعــض البحــوث والدراســات التــي تتجــاوز هــذا العــدد
مــن الكلمــات.
ـرت مــن قبــل، ُ
.6فــي حــال اســتخدام الباحــث مقتطفــات أو فصــول مــن رســائل جامعيــة أقـ َّ
فعليــه أن يشــير إلــى ذلــك ،ويقــدم بيانــات وافيــة عــن عنــوان األطروحــة وتاريــخ مناقشــتها
261
| 262
()2500 2000- .8ترحــب املجلــة باملراجعــات النقديــة للكتــب املنشــورة بحــدود ال تتجــاوز
كلمــة ،وفــي هــذه احلالــة يتوجــب علــى الكاتــب أن يذكــر فــي أعلــى الصفحــة املعلومــات
التاليــة :عنــوان الكتــاب ،اســم املؤلــف ،مــكان النشــر وتاريخــه وعــدد الصفحــات .وتشــمل
.9فــي حــال وجــود مخططــات أو أشــكال أو معــادالت أو رســوم بيانيــة أو جــداول ،ينبغــي
مكتوبــة باللغــة العربيــة ،مــع إحــاالت واضحــة للمصــدر األصلــي للجــدول أو املخطــط.
حصرا.
ً .12يجري ترتيب البحوث عند النشر على وفق مقتضيات فنية
.13ال يدفــع مركــز اجلزيــرة للدراســات مكافــآت ماليــة مقابــل نشــر البحــوث فــي املجلــة،
263
| 264
عبــد اهلل فيصــل عــام ،العالقــات املدنية-العســكرية والتحــول الدميقراطــي فــي مصــر :يوليــو/
متــوز 1952-يوليو/متــوز ،2013ط ( 1بيــروت ،الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون ،)2018 ،ص .5
إذا كان االقتباس يشمل أكثر من صفحةُ ،يكتب الهامش كاآلتي:
صــاحل النعامــي ،العالقــات املصرية-اإلســرائيلية بعــد ثــورة 25ينايــر ،ط ( 1بيــروت ،الــدار
العربيــة للعلــوم ناشــرون ،)2017 ،ص .5-7
George Graham, Philosophy of Mind: An Introduction, 2nd ed. (Malden, MA: Blackwell, 1998), 87.
إذا لم توجد إشارة للطبعة ،ت َُو َّثق بيانات الكتاب كاآلتي:
محمــد الســعيد إدريــس ،النظــام اإلقليمــي للخليــج العربــي( ،بيــروت ،مركــز دراســات الوحــدة
العربيــة ،)2000 ،ص .24
Wendy Doniger, Splitting the Difference: Gender and Myth in Ancient Greece and India (Chicago:
أمــا فــي “قائمــة املراجــع” ،التــي تــرد فــي آخــر الكتــاب ،ف ُتو َّثــق بيانــات املؤ َّلــف علــى هــذا
النحــو:
فيصــل عــام ،عبــد اهلل .العالقــات املدنية-العســكرية والتحــول الدميقراطــي فــي مصــر :يوليــو/
متــوز 1952-يوليو/متــوز .2013ط .1بيــروت ،الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون.2018 ،
Doniger, Wendy. Splitting the Difference: Gender and Myth in Ancient Greece and India. Chicago:
.2كتاب ِّ
ملؤلف واحد من عدة أجزاء:
اسم املؤ ِّلف ،عنوان الكتاب( ،مكان النشر ،الناشر ،تاريخ النشر) ،رقم اجلزء ،رقم الصفحة.
أبو الفداء بن كثير ،البداية والنهاية( ،بيروت ،مكتبة املعارف ،)1977 ،ج ،12ص .126
Manning Clark, A History of Australia (Carlton, Vic.: Melbourne University Press, 1962), 1: 243.
وتو َّثــق بيانــات الكتــاب فــي “قائمــة املراجــع” ،التــي تــرد فــي آخــر الكتــاب ،بالشــكل الــذي
ُأ ْد ِرج فيــه كتــاب ملؤ ِّلــف واحــد ضمــن القائمــة نفســها.
| 265
.3كتاب ِّ
ملؤلفني اثنني:
اســم املؤلــف األول ،اســم املؤلــف الثانــي ،عنــوان الكتــاب( ،مــكان النشــر ،الناشــر ،تاريــخ
النشــر) ،رقــم الصفحــة.
صبــاح املوســوي ،محمــد الســعيد إدريــس ،املشــروع اإليرانــي فــي املنطقــة العربيــة( ،عمــان،
دار العمــاد ،)2013 ،ص .135
Kurt Johnson and Steve Coates, Nabokov’s Blues: The Scientific Odyssey of a Literary Genius (Cam-
ـد َرج فــي “قائمــة املراجــع” ،التــي تــرد فــي آخــر الكتــاب ،بالشــكل الــذي ورد بــه كتــاب
ويـ ْ
ُ
ملؤ ِّلــف واحــد.
.4كتاب ألكثر من ثالثة ِّ
مؤلفني:
اســم املؤلــف األول وآخــرون ،عنــوان الكتــاب( ،مــكان النشــر ،الناشــر ،تاريــخ النشــر) ،رقــم
الصفحــة.
ســيار اجلميــل وآخــرون ،الطريــق إلــى ســايكس-بيكو :احلــرب العامليــة األولــى بعيــون عربيــة،
ط ( 1بيــروت ،الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون ،)2016 ،ص .25
Raymond Evans et al., 1901, Our Future’s Past: Documenting Australia’s Federation (Sydney: Mac-
ـد َرج فــي “قائمــة املراجــع” ،التــي َتــرِ د فــي آخــر الكتــاب ،بالشــكل الــذي ورد بــه كتــاب
ويـ ْ
ُ
ملؤ ِّلــف واحــد.
.5كتاب لجهة حكومية أو مؤسسة دولية أو غريهما:
اســم اجلهــة أو املؤسســة ،عنــوان الكتــاب( ،مــكان النشــر ،الناشــر ،تاريــخ النشــر) ،رقــم
الصفحــة.
وكالــة األنبــاء القطريــة ،اإلعــام اإللكترونــي وتأثيــره علــى الــرأي العــام ،ط ( 1قطــر ،وكالــة
األنبــاء القطريــة ،)2010 ،ص .22
World Health Organization, Abortion Laws: A Survey of Current World Legislation (Geneva: World
ـد َرج فــي “قائمــة املراجــع” ،التــي َتــرِ د فــي آخــر الكتــاب ،بالشــكل الــذي ورد بــه كتــاب
ويـ ْ
ُ
ملؤ ِّلــف واحــد.
.6كتاب ملحرر واحد:
اسم احملرر (محرر) ،عنوان الكتاب( ،مكان النشر ،الناشر ،تاريخ النشر) ،رقم الصفحة.
-فاطمــة الصمــادي (محــررة) ،التقــارب اإليراني-األميركــي :مســتقبل الــدور اإليرانــي ،ط 1
(بيــروت ،الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون ،)2014 ،ص .15
Ken Stewart, ed., The 1890s: Australian Literature and Literary Culture (St Lucia, Qld.: University of
وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد.
ُ
.7كتاب ملحررين اثنني:
اســم احملــرر األول ،اســم احملــرر الثانــي (محــرران) ،عنــوان الكتــاب( ،مــكان النشــر ،الناشــر،
تاريــخ النشــر) ،رقــم الصفحــة.
عامــا :أثرهــا فــي
عــز الديــن عبــد املولــى ،نــور الديــن امليــادي (محــرران) ،اجلزيــرة فــي عشــرين ً
اإلعــام والسياســة واألكادمييــا ،ط ( 1بيــروت ،الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون ،)2016 ،ص .26
Arthur J. Knoll and Lewis H. Gann, eds., Germans in the Topics: Essays in German Colonial History
وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد.
ُ
.8كتاب مرتجم أو مُرتجَم ومحرَّر:
اســم املؤلــف ،عنــوان الكتــاب ،ترجمــة اســم املترجــم( ،مــكان النشــر ،الناشــر ،تاريخ النشــر)،
رقــم الصفحة.
بشــارة خضــر ،أوروبــا والعالــم العربــي :رؤيــة نقديــة للسياســات األوروبيــة ،ترجمــة أكــرم
حمــدان ،ط ( 1بيــروت ،الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون ،)2016 ،ص .15
.Rigoberto Menchú, Crossing Borders, Trans. and ed. Ann Wright (New York: Verso, 1999), 109
ـد َرج فــي “قائمــة املراجــع” ،التــي َتــرِ د فــي آخــر الكتــاب ،بالشــكل الــذي ورد بــه كتــاب
ويـ ْ
ُ
ملؤ ِّلــف واحــد.
| 267
وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد.
ُ
.10كتاب ال يوجد اسم ِّ
مؤلفه لكن اسم املرتجم أو املحرر أو املحقق موجود:
اســم املترجــم (مترجــم) ،أو اســم احملــرر (محــرر) أو اســم احملقــق (محقــق) عنــوان الكتــاب،
(مــكان النشــر ،الناشــر ،تاريــخ النشــر) ،رقــم الصفحــة.
عبد القادر بوباية (محقق) ،تاريخ األندلس( ،بيروت ،دار الكتب العلمية ،)2007 ،ص .43
.Theodore Silverstein, trans., Sir Gawain and the Green Knight (Chicago: University of Chicago Press, 1974), 34
وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد.
ُ
.11كتاب يف سلسلة علمية أو معرفية:
اســم املؤلــف ،عنــوان الكتــاب ،عنــوان السلســلة ورقمهــا( ،مــكان النشــر ،الناشــر ،تاريــخ
النشــر) ،رقــم الصفحــة.
معتصــم بابكــر مصطفــى ،أيديولوجيــا شــبكات التواصــل االجتماعــي وتشــكيل الــرأي العــام،
سلســلة كتــاب التنويــر ،12ط ( 1الســودان ،مركــز التنويــر املعرفــي ،)2014 ،ص .121
Kyriakos Nicolaou, The Historical Topography of Kition, Studies in Mediterranean Archaeology 43
وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد.
ُ
.12كتاب إلكرتوني:
اســم املؤلــف ،عنــوان الكتــاب( ،مــكان النشــر ،الناشــر ،تاريــخ النشــر) ،رقــم الصفحــة ،الرابط
ـرف الوثيقــة الرقمي (.)DOI
( )URLأو ُم َعـ ِّ
خ َت ِصــر الروابــط ()Bitly.com
ـرا بالرجــوع إلــى ُم ْ
ـرف الوثيقــة الرقمــي مختصـ ً
يكتــب الرابــط أو ُم َعـ ِّ
أو (.)Google URL Shortener
حســن عمــاد مــكاوي ،تكنولوجيــا االتصــال احلديثــة فــي عصــر املعلومــات ،ط ( 1القاهــرة،
| 268
وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤلف واحد.
ُ
.13فصل من كتاب محرَّر:
اســم الكاتــب“ ،عنــوان الفصــل” ،فــي عنــوان الكتــاب ،حتريــر :اســم احملــرر( ،مــكان النشــر،
الناشــر ،تاريــخ النشــر) ،رقــم الصفحــة.
حســناء حســن“ ،اجلزيــرة وتطــور متثــات النســاء وأدوارهــن فــي املجــال العــام :دراســة فــي
عامــا :أثرهــا فــي
مضمــون برنامجــي للنســاء فقــط ورائــدات” ،فــي اجلزيــرة فــي عشــرين ً
اإلعــام والسياســة واألكادمييــا ،حتريــر :عــز الديــن عبــد املولــى ونــور الديــن امليــادي ،ط 1
ناشــرون ،)2016 ،ص .220 (بيــروت ،الــدار العربيــة للعلــوم
Sabine Willis, “Made to be Moral: At Parramatta Girls’ School, 1898-1923,” in Twentieth Century
.Sydney: Studies IN Urban & Social History, ed. Jill Roe (Sydney: Hale & Iremonger, 1980), 180
وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد.
ُ
.14محرر مقدمة الكتاب:
اســم كاتــب املقدمــة ،عنــوان الكتــاب ،اســم الكاتــب( ،مــكان النشــر ،درا النشــر ،تاريــخ
النشــر) ،رقــم الصفحــة.
الوليــد آدم مابــدو ،مقدمــة لـــ حــروب الترابــي الشــيخ حســن :سياســي محتــرف أم مفكــر
إســامي؟ ،صديقــي محيســي ،ط ( 1القاهــرة ،احلضــارة للنشــر ،)2016 ،ص .7
.William Trevor, introduction to Pride and Prejudice, by Jane Austen (Oxford: Oxford University Press, 1999), vi
ويدرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد.
ثانياً :الرسائل الجامعية
اســم املؤلــف ،عنــوان الرســالة أو األطروحــة( ،نوعهــا :رســالة ماجســتير أو أطروحــة دكتــوراه،
اســم اجلامعــة ،تاريــخ اإلجــازة أو النشــر) ،رقــم الصفحــة (إذا كانــت الرســالة أو األطروحــة
منشــورة علــى اإلنترنــت يوثــق رابطهــا فــي نهايــة اإلحالــة).
| 269
فاطمــة الزهــراء الســيد ،تقنيــات توثيــق املعلومــات الصحفيــة فــي الصحافــة املصريــة (رســالة
ماجســتير ،جامعــة القاهــرة ،)2011 ،ص .83
Neville Douglas Buch, “American Influence on Protestantism in Queensland since 1945” (PhD thesis,
.https://bit.ly/2SxUVlH
املدنــي املعاصــر”( ،بحــث أو ورقــة قُ ِّدمــت في/إلــى نــدوة اللغــة العربيــة ومؤسســات املجتمــع
املدنــي ،القاهــرة 28 ،مــارس/آذار 4 -أبريل/نيســان .)2011
Ronald A. Francisco, “The Dictator’s Dilemma” (paper presented at the Conference on Repression
إذا كانت الدراسة منشورة على اإلنترنت ُي َن َّوه إلى الرابط أو ُم َع ِّرف الوثيقة الرقمي كاآلتي:
علــي عبــد الهــادي“ ،مصداقيــة املتحــدث الرمســي للحكومــة لــدى اجلمهــور العراقــي :دراســة
مســحية” ،مجلــة الباحــث اإلعالمــي (جامعــة بغــداد ،العــراق ،العــدد ،115 :)2018 ،41
https://bit.ly/2t7no3J
Robert Dessaix, “Russia: The End of an Affair,” Australian Humanities Review 6 (1997), https://bit.
.ly/2BmTdtI
.2004املقــاالت التــي ُيوقِّ عهــا ُك َّتابهــا تُذكــر فــي قائمــة املراجــع ،أمــا التقاريــر التــي ختلــو مــن
اســم احملــرر فــا تُذكــر فــي القائمــة.
| 271
Dana Milbank, “The Democratic apology tour is a sorry spectacle,” The Washington Post, February
املقــاالت التــي ُيوقِّ عهــا كتابهــا تُذكــر فــي قائمــة املراجــع ،أمــا التقاريــر التــي ختلــو مــن اســم
احملــرر فــا تذكــر فــي القائمــة.
ثامناً :املقابالت
.1مقابلــة خاصــة أجراهــا الباحث/املؤلــف مــع املنصــف شــيخ روحــه ،عضــو املجلــس الوطنــي
التأسيســي 2 ،يونيو/حزيــران ،2014تونس.
.2مقابلــة عبــر الهاتف/البريــد اإللكتروني/الســكايب أجراهــا الباحــث مــع عمــاد بشــير ،مديــر
كليــة اإلعــام والتوثيــق 24 ،نوفمبر/تشــرين الثانــي .2018
ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ واﻹﻋﻼﻣﯿﺔ
دورﯾﺔ ﻣﺤﮑﻤﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻣﺮﮐﺰ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻟﻠﺪراﺳﺎت
اﻟﻌﻨﻮان
وادي اﻟﺴﯿﻞ ،اﻟﺪوﺣﺔ ،دوﻟﺔ ﻗﻄﺮ
ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ
lubab@aljazeera.net
ﺻﻨﺪوق اﻟﺒﺮﯾﺪ23123 :
هﺎﺗﻒ+٩٧٤ ٤٠١٥٨٣٨٤ :
ﻓﺎﮐﺲ+974 44831346 :