You are on page 1of 274

‫اﻟﻌﺪد ‪ - 2‬ﻣﺎﯾﻮ‪/‬أﯾﺎر ‪issue 2 - May 2019‬‬ ‫ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ واﻹﻋﻼﻣﯿﺔ ‪For Strategic and Media Studies‬‬

‫"دورﯾـﺔ ﻣﺤﮑﻤـﺔ ﺗﺼـﺪر ﻋﻦ ﻣﺮﮐـﺰ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻟﻠـﺪراﺳـﺎت" ‪A Quarterly Peer- Reviewed Journal Published by Aljazeera Center for Studies‬‬ ‫‪L U B A B‬‬

‫ﻲﻓ هﺬا اﻟﻌﺪد‬


‫‪In this issue‬‬

‫‪05‬‬
‫دراﺳﺎت اﳌﺴﺘﻘﺒﻼت‬
‫ﻲﻓ اﻟﻮﻃﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ‬ ‫‪03‬‬
‫ﺣﻖ اﻟﻌﻮدة وﺗﺼﻔﯿﺔ‬
‫اﻟﻘﻀﯿﺔ اﻟﻔﻠﺴﻄﯿﻨﯿﺔ‬ ‫‪01‬‬
‫ﻣﺘﻼزﻣﺔ ﻣﺤﺎﺑﺎة اﻷﻗﺎرب‬
‫وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﺪﯾﻤﻘﺮاﻃﯿﺔ‬

‫‪06‬‬
‫اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﺑﯿﻦ‬
‫اﳌﺮﺟﻌﯿﺔ اﻟﺴﻠﻔﯿﺔ واﻟﻠﯿﺒﺮاﻟﯿﺔ‬ ‫‪04‬‬
‫اﻟﺨﻄﺎب اﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ‬
‫ﻟﻸﻟﺘﺮاس ﻲﻓ اﳌﻐﺮب‬ ‫‪02‬‬
‫اﻷﯾﺪﯾﻮﻟﻮﺟﯿﺎ اﻟﻨﺎﻋﻤﺔ‬
‫وﻣﺴﺘﻘﺒﻞ "اﻹﺳﻼم اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ"‬
‫‪L U B A B‬‬
‫ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ واﻹﻋﻼﻣﯿﺔ‬

‫دورﯾﺔ ﻣﺤﮑﻤﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻣﺮﮐﺰ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻟﻠﺪراﺳﺎت‬


‫اﻟﻌﺪد ‪ - 2‬ﻣﺎﯾﻮ‪/‬أﯾﺎر ‪2019‬‬

‫رﺋﯿﺲ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ‬
‫د‪ .‬ﻣﺤﻤﺪ اﳌﺨﺘﺎر وﻟﺪ اﻟﺨﻠﯿﻞ‬

‫ﻣﺪﯾﺮ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ﻟﻘﺎء ﻣﮑﻲ‬

‫ﺳﮑﺮﺗﯿﺮ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ‬
‫د‪ .‬ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺮاﺟﻲ‬
‫هﯿﺌﺔ اﻟﺘﺤﺮﯾﺮ‬
‫د‪ .‬ﻋﺰ اﻟﺪﯾﻦ ﻋﺒﺪ اﳌﻮﻟﯽ‬
‫اﻟﻌﻨﻮد أﺣﻤﺪ آل ﺛﺎﻧﻲ‬
‫د‪ .‬ﻓﺎﻃﻤﺔ اﻟﺼﻤﺎدي‬
‫د‪ .‬ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺸﺮﻗﺎوي‬
‫د‪ .‬ﺳﯿﺪي أﺣﻤﺪ وﻟﺪ اﻷﻣﯿﺮ‬
‫د‪ .‬ﺷﻔﯿﻖ ﺷﻘﯿﺮ‬
‫اﻟﺤﻮاس ﺗﻘﯿﺔ‬
‫ﻣﺤﻤﺪ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺎﻃﻲ‬

‫اﳌﺮاﺟﻊ اﻟﻠﻐﻮي‬
‫إﺳﻼم ﻋﺒﺪ اﻟﺘﻮاب‬
‫آراء الباحثين والكتّاب ال تعبر بالضرورة عن اتجاهات تتبناها المجلة‬
‫أو مركز الجزيرة للدراسات‬

‫ترتيب الدراسات يخضع العتبارات فنية فقط‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫الدوحة ‪ -‬قطر‬
‫هاتف‪)+479( 40158384 :‬‬
‫فاكس‪ - )+479( 44831346 :‬البريد اإللكتروني‪E-mail: lubab@aljazeera.net :‬‬

‫‪ISSN 8753-2617‬‬

‫تصميم الغالف‪ :‬قطاع اإلبداع الفني بشبكة الجزيرة اإلعالمية‬


‫‪+974785107‬‬
‫)‪(+9611‬‬ ‫‪4444 8452‬‬
‫هاتف ‪:‬هاتف‬ ‫افيكس‪،‬قـطـر‬
‫بيروت ‪-‬‬ ‫الدوحة ‪-‬‬
‫أبجد‪ -‬غر‬
‫الوطنية‬
‫قطروان‪:‬‬ ‫التجهيزمطابع‬
‫وفرز األل‬
‫الطباعة‪ :‬مطابع الدار العربية للعلوم‪ ،‬بيروت ‪ -‬هاتف ‪(+9611) 786233‬‬
‫املحتويات‬
‫أخــاق العائليــة ومســتقبل الدميقراطيــة فــي العالــم العربــي‪ :‬جينيالوجيــا متالزمــة محابــاة‬
‫األقــارب وانعكاســاتها السياســية‬
‫بن أحمد حوكا‪ ،‬عثمان الزياني ‪9 ............‬‬ ‫ ‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي‬
‫شفيق شقير‪41 ................................‬‬ ‫ ‬
‫دور املؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬احملددات واملسارات‬
‫عصام عبد الشافي ‪87 ........................‬‬ ‫ ‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية‬
‫محمود العلي ‪117 ............................‬‬ ‫ ‬
‫متثُّالت اخلطاب االحتجاجي لأللتراس في املغرب وتأثيراته السياسية‬
‫سعيد بنيس ‪143 ..............................‬‬ ‫ ‬
‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بني املرجعية السلفية والليبرالية‪ :‬قراءة في النموذجني املشرقي واملغربي‬
‫إدريس جنداري ‪173 ..........................‬‬ ‫ ‬
‫حنو تبني ثقافة االحنياز إلى املستقبل ودراسات املستقبالت في الوطن العربي‬
‫مازن إمساعيل الرمضاني‪ ،‬محمـد وائل القيسي ‪197 .........................................‬‬
‫قراءة في كتاب‬
‫كيف متوت الدميقراطيات‬
‫عبد السالم رزاق ‪225 .........................‬‬ ‫ ‬
‫فعاليات‬
‫العراق في ظل املتغيرات الداخلية واخلارجية‬
‫التحوالت السياسية في املغرب العربي‪ :‬احلصيلة واآلفاق‬
‫محمد عبد العاطي‪241 .......................‬‬ ‫ ‬

‫‪3‬‬
‫افتتاحية العدد‬

‫(لباب) والخالصات املعرفية األصيلة‬

‫يصــدر العــدد الثانــي مــن مجلــة (لبــاب) فــي وســط ســياق متخــم بالتحــوالت االســتراتيجية‬
‫واالتصاليــة التــي تســتحق الدراســة العلميــة املعمقــة واملوضوعيــة كــي تقــدم للنخبــة العربيــة‬
‫خالصــات معرفيــة أصيلــة خــارج االســتقطاب اإلعالمــي واأليديولوجــي‪.‬‬
‫ومنــذ العــدد التجريبــي (العــدد صفــر) الــذي صــدر فــي نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي مــن العــام املاضــي‬
‫(‪ ،)2018‬حرصــت (لبــاب) علــى أن تتنــاول قضايــا معرفيــة ضاغطــة وفاعلة في الســياق االســتراتيجي‬
‫املؤ ِّثــر فــي املنطقــة‪ ،‬إلــى جانــب قضايــا أخــرى تغــوص فــي قعــر األوســاط االجتماعيــة والسياســية‬
‫واالتصاليــة العربيــة‪ ،‬وتعمــل بقــوة علــى التأثيــر فــي مســارات األحــداث مــن غيــر أن تُسـ َّلط عليهــا‬
‫األضــواء أو أن حتظــى مبــا تســتحق مــن الدراســة األكادمييــة املعمقــة‪.‬‬
‫وفــي كال هذيــن النوعــن مــن القضايــا‪ ،‬حرصــت (لبــاب) علــى أن يكــون اجلهــد املقــدم‬
‫وملتزمــا مببــادئ املنهــج العلمــي الــذي ال يتــرك ثغــرات للتأثيــر الشــخصي أو املرجعيــات‬
‫ً‬ ‫أصيـ ً‬
‫ـا‬
‫األيديولوجيــة والسياســية‪ ،‬وأن تكــون نتائــج البحــوث املنشــورة ذات مصداقيــة أكادمييــة عاليــة‬
‫وقابلــة للتعميــم‪ ،‬وهــو نهــج بــات يتعــزز وينضــج مــع كل عــدد جديــد‪.‬‬
‫ويغطــي العــدد الثانــي مــن (لبــاب)‪ ،‬طائفــة منتخبــة مــن املوضوعــات ذات األبعــاد االســتراتيجية‬
‫املؤثــرة فــي الواقــع السياســي واالجتماعــي احلالــي واملســتقبلي‪ ،‬وكذلــك فــي املشــروع الفكــري‬
‫العربــي وجهــود ترســيخ الفكــر العلمــي فــي العالــم العربــي‪.‬‬
‫ومــن بــن موضوعــات العــدد‪ ،‬دراســة حــول "أخــاق العائليــة ومســتقبل الدميقراطيــة فــي العالــم‬
‫موضوعــا مؤثـ ًـرا بعمــق وقــوة فــي‬
‫ً‬ ‫العربــي"‪ ،‬وهــي بحــث أكادميــي أصيــل رفيــع املســتوى‪ ،‬يتنــاول‬

‫‪5‬‬
‫‪|6‬‬

‫املشــهد السياســي واإلداري العربــي‪ ،‬يتمثــل مبــا أمســاه البحــث "جينيالوجيــا متالزمــة محابــاة‬
‫األقــارب وانعكاســاتها السياســية"‪ ،‬وهــي متالزمــة مرافقــة لألمنــاط االجتماعيــة والسياســية الســائدة‬
‫فــي املجتمعــات العربيــة‪ ،‬وتقــوم علــى أســاس املفاضلــة بــن األفــراد فــي احليــاة العامــة واخلاصــة‬
‫بنــاء علــى متغيــر درجــة القرابــة‪.‬‬
‫وفيمــا ركــز هــذا البحــث علــى مــا أمســاه "العائليــة غيــر األخالقيــة" فإنــه يخلــص إلــى أن "العائليــة‬
‫تؤ ِّثــر ‪-‬بشــكل الفــت للنظــر‪ -‬علــى املتغيــرات املرتبطــة بجوهــر الدميقراطيــة الفعليــة"‪ ،‬وتُضعــف‬
‫‪-‬إلــى حــد كبيــر‪" -‬املشــاعر املدنيــة املبنيــة علــى املســاواة والنزاهــة والعموميــة"‪ ،‬وتــؤدي بالتالــي إلــى‬
‫صعوبــة اســتبطان أخــاق احلداثــة السياســية‪.‬‬
‫ويتضمــن العــدد كذلــك دراســة حــول "األيديولوجيــا الناعمــة لإلســام السياســي ومســتقبله بعــد‬
‫الربيــع العربــي"‪ ،‬وهــي دراســة تكتســب أهميتهــا مــن بعديــن‪ :‬األول‪ :‬هــو أهميــة املوضــوع فــي‬
‫الســياق السياســي واالســتقطاب الفكــري الراهنــن فــي املنطقــة‪ ،‬والثاني‪ :‬هــو جدية التنــاول واملنهج‬
‫األكادميــي الــذي اســتندت إليــه الدراســة فــي تنــاول الظاهــرة والوصــول إلــى نتائــج بشــأنها‪.‬‬
‫أمــا الدراســة الثالثــة‪ ،‬فتتعلــق باملؤسســة العســكرية املصريــة ودورهــا املؤثــر غيــر املســبوق في املشــهد‬
‫السياســي املصــري‪ ،‬بعــد العــام وطبيعــة هيمنتهــا املفترضــة علــى الدولــة ومؤسســاتها الســيادية‪.‬‬
‫ولهــذا املوضــوع أهميــة كبيــرة فــي االختبــار العلمــي للفرضيــات املتعلقــة بتعاظــم هــذا الــدور‪،‬‬
‫الســيما بعــد التعديــات الدســتورية األخيــرة‪ ،‬وتأثيراتــه علــى العالقــة مــع املؤسســات املدنيــة فــي‬
‫الدولــة‪ ،‬ومنهــا مؤسســات احلكــم واإلدارة‪.‬‬
‫ويتضمــن هــذا العــدد دراســة حــول موضــوع "حــق العــودة ومشــاريع تصفيــة القضيــة الفلســطينية"‪،‬‬
‫وهــو دراســة تزامنــت مــع الذكــرى احلاديــة والســبعني لنكبــة فلســطني‪ ،‬وتبحــث فــي أصــول قضيــة‬
‫الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬وجوهريــة مكانتهــا فــي قلــب الصــراع العربي‪-‬اإلســرائيلي‪ ،‬ومحاولــة‬
‫أميركيــا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫متامــا فــي مشــاريع التســوية السياســية املطروحــة‬
‫تصفيتهــا ً‬
‫ومــن املغــرب‪ ،‬يتضمــن العــدد دراســة مهمــة جتمــع بــن علــم االجتمــاع السياســي وعلــم االتصــال‪،‬‬
‫حــول ظاهــرة اســتخدام اجلمهــور فــي مالعــب كــرة القــدم‪ .‬هــذه التجمعــات الضخمــة ذات‬
‫الهــدف الرياضــي للتعبيــر عــن احتجاجــات سياســية واجتماعيــة‪ .‬وقــد تعــززت أهميــة جتمعــات‬
‫(لباب) والخالصات المعرفية األصيلة | ‪7‬‬

‫مشــجعي أنديــة كــرة القــدم أو مــا يســمى بـ(األلتــراس) فــي توفيــر ســياق مكانــي لطــرح اخلطــاب‬
‫االحتجاجــي ذي األبعــاد السياســية‪.‬‬
‫وحــول اجلــذور الفكريــة للنهضــة العربيــة احلديثــة‪ ،‬يــدور البحــث املوســوم بـ"النهضــة العربية وأســئلة‬
‫التأســيس بــن املرجعيــة الســلفية والليبراليــة"‪ ،‬وهــو يتنــاول اجلوهــر املعرفــي للمشــروع اإلصالحــي‬
‫النهضــوي‪ ،‬علــى أســاس قناعــة الباحــث بــأن املــن الفكــري الــذي أســس لذلــك املشــروع "هــو‬
‫مــن فكــري حــي يتفاعــل مــع إشــكالياتنا الراهنــة‪ ،‬أكثــر مــن كونــه ترا ًثــا اســتنفد مهمتــه احلضارية"‪.‬‬
‫ـتقبالت‪ ،‬يــدور البحــث املوســوم بـ"حنــو‬
‫ـتقبل أو مــا تســمى دراســات املسـ َ‬
‫وحــول علــم دراســة املسـ َ‬
‫ـتقبالت فــي الوطــن العربي"‪ ،‬وهــو دارســة أكادميية‪،‬‬
‫تبنــي ثقافــة االحنيــاز إلــى املســتقبل ودراســة املسـ َ‬
‫تقــوم مشــكلتها علــى ضآلــة االهتمــام العربــي بدراســة املســتقبل‪" ،‬وخلــو معظــم الدراســات البحثيــة‬
‫مــن اجلانــب االستشــرافي"‪ .‬ولذلــك‪ ،‬فهــي تقــدم رؤيــة منهجيــة لآلليــات املطلوبــة لتطوير دراســات‬
‫املســتقبالت فــي الــدول العربيــة‪ ،‬وتعزيــز ذلــك بتعزيــز خيــارات االحنيــاز للمســتقبل فكـ ًـرا وسـ ً‬
‫ـلوكا‪.‬‬
‫وحتضــر فــي هــذا العــدد ً‬
‫أيضــا املراجعــة النقديــة ألحــد الكتــب املهمــة الصــادرة حديثًــا‪ ،‬وهــو‬
‫مــا بــات زاويــة ثابتــة فــي املجلــة منــذ عددهــا التجريبــي‪ .‬وفــي العــدد الثانــي‪ ،‬جــرت القــراءة‬
‫النقديــة للكتــاب املوســوم بـ"كيــف متــوت الدميقراطيــات" الصــادر عــن دار كــراون‪ ،‬فــي نيويــورك‬
‫عــام‪ ،‬وهــو كتــاب أكادميــي كتبــه اثنــان مــن علمــاء السياســة‪ ،‬وفيــه تشــخيص لســقوط التجــارب‬
‫الدميقراطيــة فــي العالــم‪ ،‬واقتــراب هــذا املصيــر مــن الواليــات املتحــدة منــذ دخــول الرئيــس‪،‬‬
‫ـد مــا جــاء فــي الكتــاب‪.‬‬
‫دونالــد ترامــب‪ ،‬املشــهد السياســي األميركــي علــى حـ ِّ‬
‫وفــي العــدد اجلديــد‪ ،‬زاويــة مســتحدثة بعنــوان (فعاليــات) تتمثــل فــي تقــدمي مراجعــة لبعــض مــن‬
‫الفعاليــات واألنشــطة املختــارة التــي يقــوم بهــا مركــز اجلزيــرة للدراســات‪ .‬وقــد جــرى فــي هــذا‬
‫العــدد اختيــار ندوتــن نظمهمــا املركــز مؤخـ ًـرا‪ ،‬كانــت األولــى حــول (العــراق فــي ظــل املتغيــرات‬
‫الداخليــة واخلارجيــة)‪ ،‬والثانيــة حــول (التحــوالت السياســية فــي املغــرب العربــي‪ :‬احلصيلــة‬
‫واآلفــاق)‪.‬‬

‫رئيس التحرير‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية يف العالم العربي‬
‫جينيالوجيا متالزمة محاباة األقارب وانعكاساتها السياسية‬

‫بن أحمد حوكا *‬


‫عثمان الزياني‬
‫**‬
‫مقدمة‬
‫تنبنــي املجتمعــات العربيــة مــن الناحيــة الوجدانيــة علــى مركزيــة القرابــة كمتالزمــة ثقافيــة‬
‫مســت ً‬
‫بعضــا مــن مالمحهــا‬ ‫وأخالقيــة‪ .‬فبالرغــم مــن التحــوالت الدميغرافيــة واالجتماعيــة التــي َّ‬
‫العامــة‪ ،‬ال تــزال هــذه البنيــة متــارس تأثيــرات جوهريــة علــى الشــخصية القاعديــة لإلنســان‬

‫العربــي فــي شــتى مجــاالت احليــاة‪ .‬ويعنــي ذلــك أن احلداثــة البيولوجيــة املرتبطــة بانقــاب‬

‫الوظائــف السياســية واالجتماعيــة للــدم لــم تنفــذ إلــى العمــق الــذي يســمح لهــا بزحزحــة‬

‫إحداثيــات بنــى القرابــة‪ ،‬وأن املبــدأ البيولوجــي الــذي كشــفت عنــه األنثروبولوجيــا االنقســامية‬

‫فــي شــمال إفريقيــا والشــرق األوســط مــا زال يتو َّلــى هندســة املعتقــدات واملواقــف والســلوكيات‬

‫احملــددة للروابــط االجتماعيــة‪.‬‬

‫وبصــرف النظــر عــن األعــراض اجلانبيــة للتحديــث االجتماعــي علــى مســتوى التقلــص العائلي‪،‬‬
‫ال يــزال عقــد القرابــة ُي ِّ‬
‫غــذي االقتصــاد األخالقــي للعالقــات االجتماعيــة‪ .‬ويبــدو أن التغييــر‬

‫* د‪ .‬بن أحمد حوكا‪ ،‬باحث في علم االجتماع السياسي بجامعة سيدي محمد بن عبد اهلل‪ ،‬فاس‪ ،‬املغرب‪.‬‬
‫د‪ .‬عثمان الزياني‪ ،‬أستاذ باحث في القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد األول‪ ،‬وجدة‪ ،‬املغرب‪.‬‬
‫**‬

‫‪9‬‬
‫‪| 10‬‬

‫متوقعــا‪ -‬إلــى فردانيــة قرابيــة‬


‫ً‬ ‫الــذي طــال االجتاهــات الثقافيــة اجلماعيــة‪ ،‬قــد أفضــى ‪-‬كمــا كان‬

‫عموديــة أضحــت اليــوم النمــوذج املهيمــن للســيكولوجيا الثقافيــة‪ .‬واحلــال أن هــذا النمــوذج‬

‫ال يخلــو بــدوره مــن التوتــر النــاجت عــن الصــراع بــن التطلــع إلــى احلداثــة الفرديــة وســطوة‬

‫األخــاق التــي يفرضهــا عقــد القرابــة‪ ،‬وهــو مــا ينتــج عنــه ضــرب مــن الهجانــة الثقافيــة‬

‫يســتعصي أحيا ًنــا علــى اإلحاطــة النظريــة واألمبريقيــة‪.‬‬

‫ُي ْن َظــر عــادة إلــى االرتباطــات العائليــة كعمــاد أساســي للعيــش املشــترك والعمــران البشــري‪.‬‬

‫وتقــوم وجهــة النظــر هــذه علــى مصــادرة مفادهــا أن هــذه االرتباطــات تزيــد مــن قــوة الرابــط‬

‫االجتماعــي وتســاهم فــي تكثيــف التبــادالت بــن املجموعــات االجتماعيــة‪ .‬ويعتبــر اإلنســان‬

‫العــادي فــي هــذا املضمــار أن اســتقاللية األفــراد عــن احمليــط األســري عالمــة علــى الفوضــى‬

‫االجتماعيــة واالحنطــاط األخالقــي لألفــراد‪ .‬غيــر أن صالحيــة تلــك املصــادرة تظــل موضــع‬

‫تســاؤل حينمــا نأخــذ فــي احلســبان مبــادئ التنشــئة األســرية فــي ســياقات ثقافيــة مختلفــة‪ .‬فقوة‬

‫روابــط القربــى ال تســتلزم بالضــرورة توخــي اإليثــار والغيريــة‪ ،‬خاصــة فــي املجتمعــات العاجــزة‬

‫عــن إجــراء فصــل جوهــري بــن الفضــاء املؤسســاتي الــذي حتكمــه العقالنيــة القانونيــة‪،‬‬

‫والفضــاءات العائليــة التــي ختضــع للغرائــز الفطريــة‪.‬‬

‫مصحوبا‬
‫ً‬ ‫غيــر أن االرتبــاط العائلــي ال يطــرح حتديــات كبيــرة أمــام السياســات العامــة إال إذا كان‬

‫بالتبريــرات األخالقيــة املســاهمة فــي تكريــس التمايــز وجتذيــر الرأمســال االجتماعــي‪ ،‬وبصيغــة‬

‫وضوحــا‪ ،‬حــن تتســرب تأثيراتــه عــن قصد مــن فضــاءات التقــارب الطبيعي إلــى مجاالت‬
‫ً‬ ‫أكثــر‬

‫االقتصــاد والســلطة واالجتمــاع‪ .‬وال شــك أن التحيــز واحملابــاة لفائــدة مجموعــات االنتمــاء‪،‬‬

‫كمظاهــر مألوفــة للعائليــة‪ ،‬تغــزو بشــكل مكشــوف دواليــب األجهــزة البيروقراطيــة والسياســية‬

‫مــن احمليــط إلــى اخلليــج‪ .‬ويؤشــر ذلــك فــي الواقــع علــى عــدم قــدرة الدولــة العربية بتشــكيالتها‬

‫اإلثنيــة والطائفيــة وثقافتهــا السياســية املتعــددة‪ ،‬علــى التخلــص مــن دور اجلينيالوجيــا اجلينيــة‬

‫فــي تشــكيل الهيــاكل البيروقراطيــة منــذ النصــف الثانــي مــن القــرن العشــرين‪ .‬وال غــرو أن وراء‬
‫ذلــك عوامــل بنيويــة تغـ ِّ‬
‫ـذي اســتراتيجيات إرادات الهيمنــة التــي تراقــب األشــخاص واملــوارد‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪11‬‬

‫علــى الســواء‪ ،‬ســاعية وراء التحكــم فــي كميــة الكوناتــوس (‪ * )Conatus‬الضروريــة للبقــاء فــي‬

‫مواقــع الصــدارة (‪.)1‬‬

‫تبحــث هــذه الدراســة فــي صنــو خــاص مــن العائليــة ُيصطلــح عليــه فــي أدبيــات األنثروبولوجيا‬

‫السياســية بالعائليــة غيــر األخالقيــة؛ وهــي عبــارة عــن عقــدة ثقافيــة تقــوم علــى إجــراء مفاضلــة‬

‫بــن األفــراد فــي احليــاة العامــة واخلاصــة بنــاء علــى متغيــر درجــة القرابــة‪ ،‬وتقتضــي باملقابــل‬

‫أخــذ احليطــة واحلــذر مــن األغيــار‪ ،‬بصــرف النظــر عــن أســاليب اللباقــة الســطحية التــي تفرضها‬

‫ـدا اســتعمال أقنعــة مزيفــة مــن أجــل‬


‫ـدا رويـ ً‬
‫طقــوس التفاعــل فــي مجتمعــات يــزداد فيهــا رويـ ً‬
‫تدبيــر التبــادالت االجتماعيــة بأقــل تكلفــة‪.‬‬

‫ينبنــي البحــث علــى مصــادرة ضمنيــة مفادهــا أن بنيويــة عقــد القرابــة فــي االجتمــاع العربــي‪،‬‬

‫مينــع الفضــاءات العامــة وعالقــات الســلطة مــن االشــتغال علــى شــاكلة االلتزامــات التعاقديــة‪.‬‬

‫ـورا إليهــا كبنيــة ماكروسياســية‪ ،‬تلقــي بظاللهــا علــى االجتاهات‬


‫وال شــك أن هــذه املعادلــة‪ ،‬منظـ ً‬
‫الفرديــة للمواطــن العربــي جتــاه قضايــا السياســة واحلكامــة املؤسســاتية‪ .‬غيــر أنــه يجــب التنبيــه‬
‫إلــى أن مــا يعتــري املشــهد املؤسســاتي فــي بلــدان العالــم العربــي ال ميكن ربطــه اختـ ً‬
‫ـزال بالفعالية‬
‫الســببية لبنــى القرابــة التــي ال تشـ ِّ‬
‫ـكل ســوى عامــل مــن بــن عوامــل أخــرى جوهريــة‪.‬‬

‫املؤســس للعائليــة غيــر األخالقيــة ليســت‬


‫ِّ‬ ‫وجتــدر اإلشــارة إلــى أن أولويــة املبــدأ البيولوجــي‬

‫نتاجــا للبنيــة السياســية للدولــة‪ ،‬ولكنهــا مبــدأ متجــذر فــي البنــى الثقافيــة القاعديــة ملجتمعــات‬
‫ً‬
‫الشــرق األوســط وشــمال إفريقيــا‪ .‬وال شــك أن العوامــل اإليكولوجيــة كاملنــاخ وكميــة املــوارد‬

‫املتوافــرة‪ ،‬إضافــة إلــى التقســيمات االجتماعيــة واإلثنيــة واللغويــة والعوامــل الدميغرافيــة املتعلقــة‬

‫بأنظمــة الــزواج‪ ،‬توفــر الشــروط املثاليــة لفعاليــة العائليــة غيــر األخالقيــة‪ .‬ونثيــر االنتبــاه إلــى‬

‫أنــه بالرغــم مــن التبايــن الداللــي بــن مفهومــي أخــاق العائليــة والعائليــة غيــر األخالقيــة‪،‬‬

‫تقريبــا وذلــك بالنظــر إلــى كــون أخــاق العائليــة فــي‬


‫ً‬ ‫فإننــا نســتعمل املفهومــن بنفــس املعنــى‬

‫ضمنيــا علــى جانــب مهــم مــن انتهــاك أخــاق التشــارك وأخــاق‬


‫ًّ‬ ‫االجتمــاع العربــي تنطــوي‬

‫ـورا إليهــا مــن زاويــة فلســفة جــون راولــز (‪.)John Rawls) (2‬‬
‫املبــادئ منظـ ً‬
‫‪| 12‬‬

‫َّ‬
‫تتحكــم فــي تبايــن العائليــة غيــر األخالقيــة فــي‬ ‫حتــاول هــذه الدراســة مقاربــة العوامــل التــي‬

‫املجتمعــات قيــد الدراســة وتأثيراتهــا فــي مجــال الثقافــة السياســية‪ .‬وتتنــاول دراســة العالقــات‬

‫اإلحصائيــة بــن املتغيــرات علــى املســتوى املجتمعــي‪ ،‬معتمــدة قاعــدة متنوعــة للبيانــات مت‬

‫(‪ )SPSS‬وبرنامــج (‪)Process‬‬ ‫حتليلهــا باســتعمال حزمــة األدوات اإلحصائيــة للعلــوم االجتماعيــة‬

‫لتحليــل التوســطات التفاعليــة بــن املتغيــرات املختــارة‪.‬‬

‫‪ .1‬اإلطار النظري واملنهجي للدراسة‬


‫يرتبــط مفهــوم العائليــة غيــر األخالقيــة بشــكل وثيــق بالبحــث امليدانــي الــذي قــام بــه عالــم‬

‫السياســة األميركــي‪ ،‬إدوارد بانفيلــد (‪ ،)Edward Banfield‬فــي إحــدى القــرى الفقيــرة بجنــوب‬

‫إيطاليــا‪ .‬وقــد ت ُِّوجــت هــذه الدراســة التــي ُأجنــزت مبعيــة زوجتــه اإليطاليــة األصــل‪ ،‬بنشــر كتاب‬

‫موســوم بـ»العائليــة غيــر األخالقيــة‪ :‬فــي األســس األخالقيــة ملجتمــع متخلــف» (‪ .)3‬وقــد اعتمــد‬
‫منهجــا متكامـ ً‬
‫ـا يجمــع بــن اإلحصائيــات اإلداريــة واملالحظــة اإلثنوغرافيــة والدراســة‬ ‫ً‬ ‫الباحــث‬

‫البيوغرافيــة‪ ،‬إضافــة إلــى متريــر اختبــارات نفســية وإجــراء مقابــات مفتوحــة مــع األهالــي‪.‬‬

‫ويتمحــور عمــل بانفيلــد حــول فرضيــة مفادهــا أن البــؤس االجتماعــي اخلــاص بالقريــة اإليطالية‬

‫يرتبــط بشــكل جوهــري بســيادة روح ثقافيــة تتميــز بالعجــز السياســي لألهالــي عــن التعــاون‬

‫والعمــل املشــترك مــن أجــل بنــاء الفعــل اجلمعــي‪ ،‬مــا عــدا إذا كان األمــر يتعلــق باملصلحــة‬

‫املباشــرة لألســرة‪ .‬وتســتقي هــذه الــروح طابعهــا غيــر األخالقــي مــن كــون معاييــر اخليــر والشــر‪،‬‬

‫واملبــاح واحملظــور والالئــق واملكــروه ال تتجــاوز فــي اشــتغالها املبدئــي الدوائــر االجتماعيــة التــي‬

‫حتكمهــا أخــاق القرابــة‪ .‬ويســتتبع ذلــك أن الســعي وراء املصــاحل املاديــة املباشــرة ألفــراد‬

‫املجتمــع يفســر االهتمــام االنتقائــي قصيــر املــدى ببعــض مظاهــر احليــاة العامــة؛ حيــث يغــدو‬
‫الســلوك االنتخابــي‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬شـ ً‬
‫ـكل مــن أشــكال املقايضــة التــي تقــدر بالثمــن‪،‬‬

‫عــوض التعبيــر عــن القناعــات السياســية لألفــراد‪ .‬ال مندوحــة أن هــذه اخلصائــص املميــزة‬

‫للمنــاخ النفســي‪-‬االجتماعي ســتجعل مــن االرتبــاط العائلــي املــاذ الوحيــد ضــد تقلبــات‬

‫احليــاة وقســوة الروابــط االجتماعيــة‪ ،‬وحتصــر املبــادئ الفضلــى فــي الدوائــر العائليــة الضيقــة‪.‬‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪13‬‬

‫لقــد أســهم هــذا العمــل ذائــع الصيــت فــي إلهــام الباحثــن فــي مختلــف أحنــاء العالــم لدراســة‬

‫الشــروط الثقافيــة للرأمســال االجتماعــي واألخــاق املدنيــة‪ .‬والواقــع أن الدراســات املتعــددة‬

‫التــي تناولــت األبعــاد العالئقيــة لبنيــات القرابــة فــي املجتمعــات العربيــة‪ ،‬قــد كشــفت عــن‬

‫حضــور زمــرة مــن األعــراض الشــبيهة مبتالزمــة العائليــة غيــر األخالقيــة‪ ،‬خاصــة فيمــا يتعلــق‬
‫بالعالقــة بــن املجــال العائلــي والفضــاءات البيروقراطيــة‪ .‬وقــد شـ َّ‬
‫ـكلت مظاهــر الغيــرة واحلــذر‬

‫االجتماعيــن إضافــة إلــى التنافــس واحملابــاة العائليــة مــن اخلطــاب األنثروبولوجي الــذي تكلف‬

‫عنــاء فحــص التماســك االجتماعــي املبنــي علــى االرتباطــات الغريزيــة‪ .‬واحلقيقــة أن الصــورة‬

‫التــي حنتهــا هــذا احلقــل املعرفــي للروابــط االجتماعيــة فــي دار اإلســام ال ختلــو مــن اجلديــة‬

‫والصرامــة العلميــة؛ فقــد أســهمت طالئــع اإلثنوغرافيــن واألنثروبولوجيــن‪ ،‬كل علــى طريقتــه‪،‬‬

‫فــي حتديــد اخلطــوط العامــة للســيكولوجيا الثقافيــة(‪ )4‬الناجتــة عــن تبــوؤ أخــاق العائليــة مكانــة‬

‫الصــدارة واشــتغالها فــي اآلن نفســه كحمايــة وكطغيــان (‪ .)5‬وتتحــدد هــذه الســيكولوجيا فــي‬

‫هيمنــة ملمــح الشــخص الترابطــي العاجــز عــن فــك االرتبــاط مــع النمــوذج املعيــاري للعائليــة‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ويشــكل هــذا امللمــح منزلــة هجينــة غيــر واضحــة املعالــم حــن يتــم فحصهــا مــن زاويــة‬

‫االجتاهــات اجلماعيــة والفردانيــة (‪.)6‬‬

‫يرتكــز البنــاء االجتماعــي للنمــوذج املثالــي للشــخص فــي الثقافــة االجتماعيــة العربيــة علــى‬

‫الرجــات التــي‬
‫َّ‬ ‫احتــرام احلقــوق العائليــة وخدمــة أهــداف االرتباطــات الغريزيــة‪ .‬وبالرغــم مــن‬

‫أســفرت عنهــا احلداثــة فــي بنيــات القرابــة ال تــزال الرنــة الطوباويــة للواجبــات العائليــة حتظــى‬

‫بتقديــر اجتماعــي رفيــع؛ إذ يتوقــع معظــم النــاس أن يتصــرف املســؤول فــي املجــاالت السياســية‬

‫واإلداريــة تصــرف القريــب ال تصــرف البيروقراطــي باملعنــي الفيبــري للكلمــة‪ ،‬وهــو مــا يســمح‬

‫ملتغيــرات القرابــة باالســتئثار بقســط وافــر مــن املــوارد العامــة بشــكل غيــر مشــروع‪ ،‬ممــا يعنــي أن‬

‫وراء مظهرهــا الوجدانــي اخلــادع أبعــاد أداتيــة تتجســد فــي تبــادل املنافــع واملصــاحل واخلدمــات‬

‫املؤسســة علــى متثــل للواقــع يتوســل فيــه‬


‫َّ‬ ‫االجتماعيــة‪ ،‬ممــا يجعــل منهــا ً‬
‫منطــا مــن احملســوبية‬

‫بشــدة إلــى آليــات القرابــة‪.‬‬


‫‪| 14‬‬

‫ال يعنــي هــذا بالطبــع أن عالقــات الــوالء واخلضــوع ترتــد فــي مجملهــا إلــى الســجالت‬

‫الدمويــة‪ .‬فــإذا كانــت العائلــة ترعــى وتتوســط وتشــفع عنــد االقتضــاء‪ ،‬مقابــل االنضبــاط شــبه‬

‫االنعكاســي ألخــاق ال ميكــن التصريــح بهــا ولكــن ميكــن اإلحســاس بفعاليتهــا احلثيثــة‪،‬‬

‫عائليــا فحســب‪ ،‬ولكنــه كائــن ينخــرط بالرغــم‬


‫ًّ‬ ‫فــإن الشــخص فــي الثقافــة االجتماعيــة ليــس‬

‫ـرورا بالدوائــر‬
‫مــن أنفــه فــي دوائــر مترابطــة (‪ )7‬تبتــدئ باألســرة وتنتهــي بالســالة احلاكمــة‪ ،‬مـ ً‬
‫الوســيطة كالقبليــة والعرقيــة واملناطقيــة واملذهبيــة‪ .‬ويجــب التنبيــه إلــى أن القــول بســيادة العائلية‬

‫غيــر األخالقيــة‪ ،‬ال يجــب أن يســتفاد منــه‪ ،‬وفقً ــا لتأويــل رومانســي‪ ،‬تصــور مثالــي للعالقــات‬

‫بــن األقــارب‪ ،‬يخلــو مــن الصراعــات املفتوحــة واخلفيــة‪.‬‬

‫يوجــد وراء احملابــاة العائليــة منــوذج للتنشــئة االجتماعيــة يهيمــن عليــه نــزوع ثقافــي طمــوح إلــى‬

‫تأكيــد الصــدارة االجتماعيــة لألقــارب علــى حســاب الغيــر‪ .‬ويســتمد هــذا النــزوع ديناميتــه مــن‬

‫خــزان أخالقــي كشــف البحــث اإلثنوغرافــي النقــاب عــن بعــض مظاهــره التاريخيــة‪ .‬واملالحــظ‬

‫أن هــذا اخلــزان ال يــزال يشــتغل بــن ظهرانينــا‪ ،‬فــي غفلــة مدهشــة عــن خطابــات العقلنــة‬

‫السياســية التــي تبــدو أقــل انفال ًتــا مــن املنطــق الغريــزي‪ .‬إن رب األســرة املغربــي‪ ،‬كمــا يقــول‬

‫جــورج هــاردي (‪ ،)George Hardy‬يفعــل كل مــا فــي وســعه مــن أجــل نقــل أســرار حرفتــه إلــى‬

‫ابنــه اليافــع‪ ،‬وإذا حــدث أن فشــل فــي مســعاه بســبب تقاعــس هــذا األخيــر‪ ،‬يحمــل األب‬

‫مغربيــا‪ ،‬لتمكــن‬
‫ًّ‬ ‫أســراره معــه إلــى حلــده‪ .‬ويضيــف هــاردي فــي عبــارة بليغــة‪« :‬لــو كان باســتور‬

‫مــن جنــي أربــاح طائلــة‪ ،‬ولكــن بعــد مماتــه‪ ،‬ســيهلك املجتمــع بــداء الكلــب» (‪.)8‬‬

‫ال تقتصــر هــذه اخلطاطــة األخالقيــة علــى االجتمــاع املغربــي بتشــكيالته االجتماعيــة واإلثنيــة‬
‫ِّ‬
‫يشــكل‪ ،‬وإن بدرجــات متفاوتــة‪ ،‬مســة ثقافيــة للروابــط االجتماعيــة فــي‬ ‫املختلفــة‪ ،‬ولكنــه‬
‫ِّ‬
‫يغــذي هــوس املســاواة‬ ‫شــمال إفريقيــا والشــرق األوســط (‪ .)9‬إن العصــاب اجلماعــي الــذي‬

‫يعبــر عــن انتقــال ثقافــي إلــى قيــم الفردانيــة األفقيــة (‪.)10‬‬


‫الســطحي فــي املجتمعــات العربيــة ال ِّ‬
‫يعبــر فــي العمــق عــن وســواس جمعــي مجبــول علــى‬
‫متامــا‪ ،‬إنــه ِّ‬
‫علــى العكــس مــن ذلــك ً‬
‫ابتغــاء التفاضــل االجتماعــي‪ .‬وميكــن للمالحــظ أن يجــازف بالقــول بــأن الرغبــة اجلامحــة‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪15‬‬

‫فــي جتــاوز األقــران تنهــل بــا شــك مــن التنشــئة العائليــة وأخالقهــا التنافســية (‪ .)11‬ويبــدو أن‬

‫هجــاس األلقــاب والســمو‪ ،‬فــي ســياق ثقافــة سياســية تشــكو مــن قلــة الفــرص وتعانــي‪ ،‬بشــكل‬

‫يعبــر عــن الفردانيــة العموديــة التــي تفتــرض اســتقاللية األفــراد‬


‫مزمــن‪ ،‬مــن انغــاق املنافــذ‪ ،‬ال ِّ‬
‫وتطلعهــم إلــى تأكيــد ســلطة الــذات (‪.)12‬‬

‫دائمــا‪ ،‬كمــا هــي احلــال فــي الطــب‪ ،‬احلالــة‬


‫ً‬ ‫صحيــح أن أعــراض احملابــاة العائليــة ال تعكــس‬

‫املرضيــة التــي أســهمت فــي ظهورها‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬فالتوقف عند املســتوى الســطحي دون التســاؤل‬

‫عــن األســباب الفعليــة الكامنــة وراءهــا أشــبه بتســجيل أعمــى للتصريحــات التــي يبــوح بهــا‬
‫ـدا أنهــا تشـ ِّ‬
‫ـكل جوهــر ع َّلتــه (‪)13‬؛ وهــو مــا يتعــارض مــع تقليــد أبوقــراط فــي‬ ‫املريــض‪ ،‬معتقـ ً‬
‫ضــرورة اســتقصاء باطــن األمــور‪ .‬ينطبــق القيــاس نفســه علــى العــوارض املســتعملة كتعبيــر عــن‬

‫العائليــة غيــر األخالقيــة فــي املجتمعــات العربيــة‪ .‬فاملظاهــر املتشــابهة ال ترتــد بالضــرورة إلــى‬

‫نفــس األســباب‪ ،‬وهــذا مــا يطــرح معضلــة تأويــل األعــراض وتكييفهــا فــي العلــوم االجتماعيــة‬

‫والطــب علــى الســواء (‪.)14‬‬

‫إن الوعــي بهــذه املعضلــة يفســح املجــال ألخــذ التباينــات اخلاصــة بالعوامــل اإليكولوجيــة‬

‫واالقتصاديــة والثقافيــة فــي احلســبان؛ وهــو مــا يعنــي أن محــددات العائليــة كمــا تــراءت‬

‫لـ»بانفيلــد» فــي جنــوب إيطاليــا غيــر قابلــة لإلســقاط علــى اجلغرافيــة الثقافيــة للعالــم العربــي‬

‫مبشــاربها املتعــددة‪ .‬فالبحــث فــي جينيالوجيــا أخالق احملابــاة ذات املصــدر القرابي وانعكاســاتها‬

‫السياســية واملؤسســاتية يجــب أن ينــدرج فــي التاريــخ االجتماعي‪-‬الثقافــي والبيولوجي الســحيق‬

‫للمجتمعــات العربيــة‪ .‬وســتتم مقاربــة هــذا التاريــخ مبتغيــرات بيولوجيــة ودميغرافيــة وثقافيــة‬

‫ميــز التعامــل مــع التاريــخ املتبخــر‬


‫أبعــد‪ ،‬قــدر املســتطاع‪ ،‬عــن الســرد املثالــي الــذي طاملــا َّ‬
‫للشــعوب‪.‬‬

‫تنطلــق منهجيــة الدراســة مــن خلفيــة مفادهــا أن متالزمــة احملابــاة العائليــة فــي املجتمعــات‬

‫منظــورا إليهــا مــن زاويــة محدداتهــا‪ ،‬هــي ســليلة عقــدة ثقافية‪-‬أخالقيــة تتجــاوز‬
‫ً‬ ‫العربيــة‪،‬‬

‫البنــاء الفينومينولوجــي للعالــم املعيــش‪ ،‬مبــا يقتضيــه ذلــك مــن اختيــارات عقالنيــة أو دوافــع‬
‫‪| 16‬‬

‫أكســيولوجية‪ ،‬لتضــرب بجذورهــا فــي ســطوة عوامــل بنيويــة تتجســد فــي االقتصــاد والبيولوجيــا‬

‫واملنــاخ والثقافــة‪ .‬وجتــدر اإلشــارة إلــى أن حتليــل املعطيــات يســلك مرحلتــن متكاملتــن‪:‬‬

‫أ‪ -‬املرحلــة األولــى‪ :‬تتعلــق بدراســة التأثيــر الــذي متارســه املتغيــرات املســتقلة فــي تبايــن أخــاق‬

‫احملابــاة العائليــة علــى املســتوى املجتمعــي‪ .‬وفــي هــذا اإلطــار‪ ،‬مت إدراج البيانــات اخلاصــة‬

‫عربيــا‪ .‬ويتعلــق األمــر باملغــرب‪ ،‬واجلزائــر‪ ،‬وتونــس‪ ،‬وموريتانيــا‪،‬‬


‫ًّ‬ ‫ـدا‬
‫بـــ‪ 180‬دولــة مــن بينهــا ‪ 15‬بلـ ً‬
‫وليبيــا‪ ،‬ومصــر‪ ،‬والســودان‪ ،‬واليمــن‪ ،‬والســعودية‪ ،‬وســوريا‪ ،‬ولبنــان‪ ،‬والعــراق‪ ،‬واألردن‪،‬‬

‫وعمــان‪ ،‬والكويــت‪.‬‬
‫ُ‬
‫ﺏ‪ -‬ﺍﳌﺮﺣﻠﺔ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ‪ :‬ﺗﺸﻤﻞ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺘﺄﺛﲑ ﺍﻟﺬﻱ ﲤﺎﺭﺳﻪ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻛﻤﺎ‬
‫ب‪ -‬املرحلــة الثانيــة‪ :‬تشــمل دراســة التأثيــر الــذي متارســه أخــاق العائليــة علــى املتغيــرات‬
‫ﻳﻮﺿﺤﻬﺎ ﺍﳉﺪﻭﻝ ﺃﺳﻔﻠﻪ‪ .‬ﻭﻳﺘﻌﻠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ ﻭﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻌﻴﺔ ﻭﻏﲑﻫﺎ ﻣﻦ‬
‫ـل‬‫والفعـ‬
‫ﻌﺮﺑﻴﺔ‬ ‫الفعليــة‬
‫ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﺍﻟ‬ ‫بالدميقراطيــة‬
‫ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻲ ﰲ‬ ‫األمــر‬
‫ﻟﻼﻧﺘﻘﺎﻝ‬ ‫ويتعلــق‬
‫ﺍﻟﻜﺎﲝﺔ‬ ‫ـفله‪.‬ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ‬
‫ﺎﻧﻜﺸﺎﻑأسـﺃﺣﺪ‬
‫اجلــدول‬ ‫يوضحهــا‬
‫ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺑ‬ ‫ﻭﺗﺴﻤﺢـا ﻧﺘﺎﺋﺞ‬
‫التابعــة كمـ‬ ‫السياســية‬
‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ‬
‫ﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲــة‬
‫ـج الدراس‬
‫ﺍﻟﺘﻐﻴﲑـ ﺍ‬
‫ـمح نتائ‬‫ﺗﻔﺘﻖ وتسـ‬
‫ﻃﺎﻗﺎﺕ‬ ‫السياســية‪.‬‬ ‫ـرات‬
‫ﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﳝﻨﻊ‬ ‫املتغيـﺍﻟﺴ‬ ‫ﻣﺴﺘﻘﺒﻞـا مــن‬
‫ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻳﺔ‬ ‫ﺧﻼﻟﻪ وغيرهـ‬
‫التوزيعيــة‬ ‫والدميقراطيــة‬
‫ﻳﺮﻫﻦ ﻣﻦ‬ ‫ﺍﻟﺴﻠﱯ ﺍﻟﺬﻱ‬‫االحتجاجــي‬
‫ﻭﺗﻘﺪﻳﺮ ﺍﻟﻮﺯﻥ‬
‫ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‪.‬ــوزن‬
‫ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔوتقديــر ال‬ ‫ﻭﺍﻹﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ‬
‫ﻭﺍﻟﺪﳝﻐﺮﺍﻓﻴﺔـي فــي البلـ‬
‫ـدان العربيــة‬ ‫ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔالدميقراطـ‬ ‫ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ‬
‫لالنتقــال‬ ‫ـل ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ‬
‫الكابحــة‬ ‫العوامـﻗﻴﺪ‬
‫ﻭﺗﻐﻄﻲــدﺍﻟﺒﻴﺎﻧﺎﺕ‬
‫ـاف أح‬‫ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪.‬‬
‫بانكشـ‬

‫الســلبي الــذي يرهــن مــن خاللــه مســتقبل الوجوديــة السياســية ومينــع تفتــق طاقــات التغييــر‬

‫ﺟﺪﻭﻝ ﺭﻗﻢ )‪ (1‬ﻳﻮﺿﺢ ﻣﺘﻐﲑﺍﺕ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ‬

‫ﻭﻓﺮﺓ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﳌﻴﺎﻩ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺓ)‪(15‬‬


‫ﻗﻠﺔ‪/‬ﻭﻓﺮﺓ ﺍﻷﻭﺑﺌﺔ ﺍﻟﻔﺘﺎﻛﺔ)‪(16‬‬ ‫ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻹﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﺒﻌﺪ ﺍﳉﻐﺮﺍﰲ ﻋﻦ ﺃﺻﻞ ﺍﳉﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ)‪(17‬‬
‫ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ)‪(18‬‬
‫ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ ﻭﺍﻟﻔﺮﺩﺍﻧﻴﺔ)‪(19‬‬ ‫ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ ﺍﻟﺴﻮﺳﻴﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ‬
‫ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﻭﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ)‪(20‬‬
‫ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ)‪(21‬‬
‫ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻌﻴﺔ)‪(22‬‬
‫ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‬
‫ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ)‪(23‬‬
‫ﺷﻜﻞ ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ)‪(24‬‬
‫ﺍﻟﺮﻋﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ)‪(25‬‬

‫ﻭﻗﺪ ﰎ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﻗﺎﻋﺪﺓ ﻣﻌﻄﻴﺎﺕ ﺍﳌﺆﲤﺮ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﳌﻲ ﻟﺴﻨﺔ ‪ 2016‬ﺣﻮﻝ ﻋﺪﺩ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺸﺘﻐﻠﻮﻥ ﰲ‬
‫ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻟﺒﻨﺎﺀ ﻣﺘﻐﲑ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ)‪ ،(26‬ﻟﻜﻦ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺒﻌﺾ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﺗﻌﺘﻤﺪ ﰲ ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻫﺎ‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪17‬‬

‫االجتماعــي والسياســي‪ .‬وتغطــي البيانــات قيــد الدراســة العوامــل الثقافيــة والدميغرافيــة‬

‫واإليكولوجيــة واالقتصاديــة والسياســية‪.‬‬

‫وقــد مت اعتمــاد قاعــدة معطيــات املؤمتــر االقتصــادي العاملــي لســنة ‪ 2016‬حــول عــدد األقــارب‬

‫الذيــن يشــتغلون فــي املؤسســات االقتصاديــة لبنــاء متغيــر أخــاق العائليــة (‪ ،)26‬لكــن بالنســبة‬

‫لبعــض الــدول العربيــة التــي تعتمــد فــي اقتصادهــا علــى العمالــة األجنبيــة مت اللجــوء إلــى‬

‫معطيــات البحــث الدولــي حــول القيــم (‪ .**)World Values Survey‬ويكشــف اجلــدول أســفله‬

‫نتائــج التحليــل العاملــي االستكشــافي وطبيعــة البنــود املختــارة كأفضــل تعبيــر متــاح عــن‬

‫املتغيــر املركــزي لهــذه الدراســة‪ .‬وقــد مت حســاب املعــدالت الوطنيــة ألخــاق العائليــة مــن‬

‫توضــح‬‫ـثﻋﻠﻰ‬‫ﻭﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ‬
‫ـي؛ حيـ‬‫ﻟﻐﲑ‪،‬‬‫ﺍﳊﺬﺭ ﻣﻦ ﺍ‬
‫الدولـ‬ ‫ـاصﺗﺸﻤﻞ‪:‬‬
‫بالبحــث‬ ‫ﻋﻮﺍﻣﻞ؛‬
‫ﺛﻼﺛﺔاخلـ‬ ‫االسـﻋﻠﻰ‬
‫ـتبيان‬ ‫ـئلة ﺗﻨﺒﲏ‬
‫ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ‬
‫ﻏﲑـى أسـ‬
‫ﻌﺎﺋﻠﻴﺔعلـ‬
‫املبحوثـﺍﻟـن‬
‫ـاتﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻲ ﺃﻥ‬
‫ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ‬
‫ـالﻦإجابـ‬
‫خـ ﻳﺒﻴ‪æ‬‬
‫ﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻁ‪ ،‬ﻭﺃﳘﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ‪ .‬ﻭﺗﻌﺒ‪æ‬ﺮ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﳌﻨﺪﺭﺟﺔ ﲢﺖ ﻛﻞ ﻋﺎﻣﻞ ﻋﻦ ﺩﺭﺟﺔ ﺗﺸﺒﻊ ﺍﻟﺒﻨﻮﺩ ﺑﻜﻞ ﻋﺎﻣﻞ ﻋﻠﻰ ﺣﺪﺓ‪.‬‬
‫العوامــل املســتخرجة مكونــات املتغيــر املــدروس‪ .‬وتصــل نســبة التبايــن اإلجمالــي إلــى مــا‬

‫يقــارب ‪.63.30%‬‬

‫ـن التحليــل العاملــي أن العائليــة غيــر األخالقيــة تنبنــي علــى ثالثــة عوامــل؛ تشــمل‪ :‬احلــذر‬
‫يبـ ِّ‬

‫ﺟﺪﻭﻝ ﺭﻗﻢ )‪ (2‬ﻳﱪﺯ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻲ ﻟﺒﻨﻮﺩ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻏﲑ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ‬

‫ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ )‪(%‬‬ ‫ﻡ‬


‫ﺍﻟﺒﻨـــــــــﻮﺩ‬
‫ﺃﳘﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ‬ ‫ﺍﻟﺘﻨﺸﺌﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻁ‬ ‫ﺍﳊﺬﺭ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﲑ‬
‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪0,868‬‬ ‫ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺑﺄﻥ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻗﺪ ﻳﺴﺘﻐﻠﻮﻧﻚ‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪0,866‬‬ ‫ﻋﺪﻡ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﰲ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ‬ ‫‪2‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪0,771‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻨﺎﺷﺌﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﳋﻀﻮﻉ‬ ‫‪3‬‬

‫‪-‬‬ ‫‪0,736‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ﺭﻓﺾ ﺍﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻷﺳﺮﺓ‬ ‫‪4‬‬

‫‪0,745‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ﻣﻬﻤﺔ ﺟﺪ∞ﺍ‬ ‫‪5‬‬

‫‪0,744‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪-‬‬ ‫ﺍﻷﺻﺪﻗﺎﺀ ﻏﲑ ﻣﻬﻤﲔ ﰲ ﺍﳊﻴﺎﺓ‬ ‫‪6‬‬

‫‪%18.50‬‬ ‫‪%18.90‬‬ ‫‪%25.90‬‬ ‫ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﺘﺒﺎﻳﻦ ﺍﳌﹸﻔﹶﺴ‪æ‬ﺮ∫ﺓ‬

‫‪ .2‬ﺍﻟﺘﺒﺎﻳﻦ ﰲ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‪ :‬ﺍﳉﺬﻭﺭ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪﺓ ﻟﻔﻴﻨﻮﻣﻴﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﳏﺎﺑﺎﺓ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ‬

‫ﺗﻀﺮﺏ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻛﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‪ ،‬ﲜﺬﻭﺭﻫﺎ ﰲ ﺍﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﱵ ﳝﺮ ﺗﺄﺛﲑﻫﺎ ﻋﱪ‬
‫ﻣﻨﻈﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﳌﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﻔﻘﺮ ﻭﺍﻟﻨﺪﺭﺓ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺷﻈﻒ ﺍﻟﻌﻴﺶ؛ ﻭﻻ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﺑﲔ ﻋﺸﻴﺔ ﻭﺿﺤﺎﻫﺎ‪،‬‬
‫‪| 18‬‬

‫وتعبــر القيــم املندرجــة حتــت كل عامــل‬


‫ِّ‬ ‫مــن الغيــر‪ ،‬والتنشــئة علــى االرتبــاط‪ ،‬وأهميــة العائلــة‪.‬‬

‫عــن درجــة تشــبع البنــود بــكل عامــل علــى حــدة‪.‬‬

‫‪.2‬التباين يف أخالق العائلية‪ :‬الجذور البعيدة لفينومينولوجيا محاباة األقارب‬


‫تضــرب أخــاق العائليــة‪ ،‬كممارســة ثقافيــة واجتماعيــة‪ ،‬بجذورهــا فــي العديــد مــن العوامــل‬

‫البنيويــة التــي ميــر تأثيرهــا عبــر منظومــات القيــم املرتبطــة بالفقــر والنــدرة االقتصاديــة وشــظف‬

‫العيــش؛ وال تتحــول هــذه األخــاق بــن عشــية وضحاهــا‪ ،‬بــل تبقــى رهينــة مبــدأ االســتقاللية‬

‫الوظيفيــة الــذي يضمــن اســتمرارها حتــى خــارج الظــروف املاديــة التــي مهــدت لنشــأتها‪،‬‬

‫ممــا يعنــي أن اســتمرار عقــد القرابــة الــذي ُيغَ ِّذيــه املبــدأ البيولوجــي ال ينكفــئ بســهولة إلــى‬

‫الــوراء حتــت تأثيــر التحديــث املؤسســاتي واالجتماعــي‪ ،‬وهــو مــا تؤشــر عليــه حالــة احملابــاة فــي‬

‫املجتمعــات العربيــة‪.‬‬

‫‪ .1.2‬املحاباة العائلية يف العالم العربي‪ :‬أوج يف زمن الحداثة السائلة‬


‫تســتفحل ظاهــرة العائليــة فــي املجتمعــات العربيــة بشــكل ملمــوس‪ .‬وبالرغــم مــن كونهــا تنتمي‬

‫إلــى العوالــم اخلفيــة للسياســة التحتيــة للحاكمــن واحملكومــن علــى الســواء‪ ،‬فإنهــا تنكشــف‬

‫بشــكل ســافر علــى مســتوى املمارســات اليوميــة فــي الفضــاءات العامــة‪ .‬وقــد أســهمت مواقــع‬

‫التواصــل االجتماعــي فــي تعريــة هــذه املمارســات علــى املــأ فــي معظــم الــدول العربيــة‪،‬‬

‫وذلــك مــن خــال التلصــص حــول التدخــات اخلفيــة للمســؤولني العموميــن وكشــف‬

‫خيوطهــا الدقيقــة‪ .‬واملالحظــة املثيــرة لالنتبــاه أنــه ينــدر وجــود مســؤولني سياســيني أو إداريــن‬

‫ويعبــر ذلــك فــي احلقيقــة عــن طبيعــة الفســاد‬


‫ِّ‬ ‫بــدون أقربــاء فــي مؤسســات الدولــة العربيــة‪.‬‬

‫الــذي ينخــر األجهــزة السياســية والبيروقراطيــة فــي العالــم العربــي(‪ .)27‬ويبــدو أن هــذه املعضلــة‬
‫األخالقيــة والثقافيــة تستشــري فــي قطاعــات االقتصــاد واإلدارة والسياســة وال تســتثني ً‬
‫أيضــا‬

‫وي ْعـ َزى ذلك إلــى اســتثمار احملاباة‬


‫فضــاء اجلامعــات والبحــث العلمــي احلافلــة بالنخــب املثقفــة‪ُ .‬‬
‫العائليــة مــن أجــل احلصــول علــى األلقــاب املدرســية الضروريــة لولــوج الوظائــف العامــة‪ .‬أمــا‬

‫مســتنقعا ألخــاق العائليــة‪ ،‬بصــرف النظــر‬


‫ً‬ ‫ِّ‬
‫فيشــكل بــدون أدنــى شــك‪،‬‬ ‫املجــال السياســي‪،‬‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪19‬‬

‫عــن طبيعــة األطيــاف املتنافســة‪.‬‬

‫رصــد جــون واتربــوري (‪ ،)John waterbury‬منــذ مــا يزيــد عــن أربعــن ســنة‪ ،‬طبيعــة التحالفــات‬

‫العائليــة العابــرة لألحــزاب السياســية املغربيــة والتــي ختــدم اســتراتيجيات احلفــاظ علــى‬

‫التمايــزات االجتماعيــة‪ ،‬مــع مــا يســتلزم ذلــك مــن مصــاحل ماديــة ورمزيــة رفيعــة (‪ ،)28‬وهــي‬

‫املعاينــة نفســها التــي توصــل إليهــا علــي بــن حــدو فــي دراســة قيمــة حــول خنــب اململكــة (‪.)29‬‬

‫وفــي االنتخابــات التشــريعية لســنة ‪ ،2016‬فــرض قياديــو األحــزاب السياســية أقربــاء لهــم مــن‬

‫احملصلــة‬
‫َّ‬ ‫الشــباب والنســاء فــي الالئحــة الوطنيــة لكــي يســتفيدوا بأقــل تكلفــة مــن األصــوات‬

‫علــى مســتوى اللوائــح احملليــة‪ .‬وقــد اخنــرط اإلســاميون بــدون تــردد فــي هــذه املعادلــة وذلــك‬

‫ـيرا علــى نهــج األطيــاف السياســية األخــرى‪.‬‬


‫سـ ً‬
‫إن الســعي حنــو الثــراء وتكديــس الثــروة فــي العالــم العربــي يســلك طرقً ــا ملتويــة تنطلــق مــن‬

‫السياســة فــي اجتــاه االقتصــاد‪ .‬وقــد ســجل املالحظــون أن االنفتــاح الــذي عرفــه االقتصــاد‬

‫مرضيــا للســلطة االقتصاديــة لألقربــاء وأصهــار‬


‫ًّ‬ ‫ـودا‬
‫السياســي فــي البلــدان العربيــة قــد شــهد صعـ ً‬
‫صانعــي القــرار‪ ،‬فــي الوقــت الــذي يضــرب فيــه طــوق جبائي‪-‬بيروقراطــي شــديد علــى ذوي‬

‫املبــادرات احلــرة (‪ .)30‬ويســهم االســتثمار املؤسســاتي ألخــاق العائليــة فــي صناعــة النخــب‬

‫وغالبــا مــا تســتغل هــذه النخــب النفــوذ‬


‫ً‬ ‫التــي تتصــرف بالوكالــة وتتبــادل اخلدمــات واملنافــع‪.‬‬

‫السياســي لصانعــي القــرار لتتملــص مــن الضرائــب وتســتفيد مــن الريــع وحتتكر مجــاالت ومواقع‬

‫تغــري بالثــراء الســريع‪ .‬وهــو مــا يعنــي أن الدولــة كتجســيد للعقــل واملشــاعر املدنيــة تعترضهــا‬

‫صعوبــات فينومينولوجيــة جمــة تتجلــى فــي تصورهــا مــن طــرف املجموعــات االجتماعيــة‬

‫والسياســية كمجــال رحــب حملابــاة األقــارب‪ ،‬مــن خــال إســناد املناصــب لفائــدة زمــر تفتقــد‬

‫إلــى اإلرادة األخالقيــة فــي التغييــر‪ .‬وممــا ال شــك فيــه‪ ،‬أن هــذه العقــدة الثقافية‪-‬السياســية‬

‫قــد أعاقــت تشــكيل الدولــة فــي صــدر اإلســام علــى أســس غيــر تلــك املرتبطــة بالنــوازع‬

‫الفطريــة (‪ .)31‬ويبــدو أن فشــل قيــام الدولــة باملعنــي الهيجلــي فــي هــذه اجلغرافيــة الثقافيــة يعــود‬

‫إلــى نــزوع املجتمعــات السياســية العربيــة حنــو إخضــاع التطــور املؤسســاتي ملقتضيــات املنطــق‬
‫‪| 20‬‬

‫اجلينــي(‪.)32‬‬

‫إن احتمــال وجــود أقربــاء فــي املؤسســات العامــة‪ ،‬وكــذا فــي املؤسســات االقتصاديــة اخلاصــة‬

‫باملجتمعــات العربيــة‪ ،‬يتجــاوز بشــكل ال جــدال فيــه املجتمعــات األخــرى‪ ،‬وهــو مــا تكشــف‬

‫عنــه نتائــج حتليــل التبايــن األحــادي الــذي حتتــل فيــه أخــاق العائليــة وضعيــة املتغيــر التابــع‪.‬‬

‫تؤكــد نتائــج التبايــن وجــود فــروق جوهريــة دا َّلــة بــن املجتمعــات العربيــة ومجتمعــات أميــركا‬

‫الالتينيــة واملجتمعــات الغربيــة فيمــا يخــص املعــدالت احملصــل عليهــا علــى مقيــاس العائليــة‬

‫(‪ .)F=42.41 ; p<0.001‬وتــدل هــذه الفــروق علــى وجــود اختالفــات ثقافيــة فــي التعامــل مــع‬

‫األقــارب فــي الفضــاءات واملؤسســات العامــة؛ حيــث تتربــع املجتمعــات العربيــة بــدون منــازع‬

‫علــى املعــدالت العليــا‪ ،‬وهــو مــا يجعــل منهــا مجتمعــات للمحابــاة العائليــة دون أدنــى شــك‪.‬‬

‫وحتتــل كل مــن موريتانيــا واليمــن ومصــر والســودان املراتــب املتقدمــة علــى ســلم هــذه‬
‫ﺇﻥ ﺍﺣﺘﻤﺎﻝ ﻭﺟﻮﺩ ﺃﻗﺮﺑﺎﺀ ﰲ ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ‪ ،‬ﻭﻛﺬﺍ ﰲ ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﺍﳋﺎﺻﺔ ﺑﺎ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ‬
‫العقــدة‪ ،‬بينمــا ترجــع املراتــب األخيــرة للبحريــن واملغــرب وتونــس واألردن ولبنــان وســوريا‬
‫ﺃﺧﻼﻕ‬ ‫ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﺟﺪﺍﻝ ﻓﻴﻪ ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺗﻜﺸﻒ ﻋﻨﻪ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﲢﻠﻴﻞ ﺍﻟﺘﺒﺎﻳﻦ ﺍﻷﺣﺎﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﲢﺘﻞ ﻓﻴﻪ‬
‫واجلزائــر والعــراق والكويــت فــي الوســط‪ .‬ولكــن هــذه الفروقــات املالحظــة‬ ‫ـعودية‬
‫ﺍﳌﺘﻐﲑ ﺍﻟﺘﺎﺑﻊ‪.‬‬ ‫ﺋﻠﻴﺔـع السـ‬
‫ﻭﺿﻌﻴﺔ‬ ‫وتتموقـ‬
‫ﺍﻟﻌﺎ‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (1‬ﻳﻮﺿﺢ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺍ‪t‬ﺘﻤﻌﺎﺕ‬

‫ﺗﺆﻛﺪ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﺒﺎﻳﻦ ﻭﺟﻮﺩ ﻓﺮﻭﻕ ﺟﻮﻫﺮﻳﺔ ﺩﺍﻟﱠﺔ ﺑﲔ ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﳎﺘﻤﻌﺎﺕ ﺃﻣﲑﻛﺎ ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ ﻭﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﳜﺺ ﺍﳌﻌﺪﻻﺕ ﺍﶈﺼﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ )‪ .(F=42.41 ; p<0.001‬ﻭﺗﺪﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺮﻭﻕ ﻋﻠﻰ‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪21‬‬

‫ِّ‬
‫تشــكل خاصيــة‬ ‫تكتســي داللــة ضعيفــة فــي معظــم األحيــان‪ ،‬ممــا يعنــي أن احملابــاة العائليــة‬

‫ثقافيــة مشــتركة بــن املجتمعــات العربيــة قيــد الدراســة‪ .‬وتكشــف هــذه النتائــج عــن إحــدى‬

‫وتعبــر عــن فشــل تيــارات احلداثة‬


‫ِّ‬ ‫البنيــات الثقافيــة املهيكلــة لالجتمــاع فــي املجتمعــات العربيــة‬

‫فــي إحلــاق الرضــوض بالعالقــات التــي جتمــع اإلنســان العربــي بأقاربــه‪.‬‬

‫‪ .2.2‬الجذور البنيوية للعائلية غري األخالقية‪:‬‬


‫من األصل الجغرايف للجنس البشري إىل قيم التحرر‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (2‬ﻳﺒﻴ‪w‬ﻦ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺍ‪t‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‬

‫‪ .2.2‬ﺍﳉﺬﻭﺭ ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﻟﻠﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻏﲑ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ‪ :‬ﻣﻦ ﺍﻷﺻﻞ ﺍﳉﻐﺮﺍﰲ ﻟﻠﺠﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﺇﱃ ﻗﻴﻢ ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ‬

‫اإلنســان‬ ‫يبتدعهــا‬
‫ﺍﳌﺸﺎﻛﻞ ﺍﻟﱵ‬ ‫ﺍﻹﻧﺴﺎﻥالتــي‬
‫ﳌﻮﺍﺟﻬﺔ‬ ‫احللــول‬ ‫ﺍﻟﱵ مــن‬
‫ﻳﺒﺘﺪﻋﻬﺎ‬ ‫كمجموعــة‬
‫ـي ﻣﻦ ﺍﳊﻠﻮﻝ‬
‫األنثروبولوجـ‬
‫ﻛﻤﺠﻤﻮﻋﺔ‬ ‫ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪالتقليــد‬
‫ﺍﻷﻧﺜﺮﻭﺑﻮﻟﻮﺟﻲ‬ ‫الثقافـﰲـة فــي‬
‫ـىﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ‬
‫ﻨﻈﺮإلـﺇﱃ‬
‫نظــر‬
‫ُي ﻳ‬
‫ﺗﻄﺮﺣﻬﺎ ﺍﻷﻧﺴﺎﻕ ﺍﻹﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﲟﻜﻮﻧﺎ‪ú‬ﺎ ﺍﳌﺨﺘﻠﻔﺔ )‪ .(33‬ﻭﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺃﻥ ﺍﶈﺎﺑﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻛﻌﻘﺪﺓ ﺛﻘﺎﻓﻴﺔ‪ ،‬ﻻ ﳝﻜﻦ ﻓﺼﻠﻬﺎ‬
‫ملواجهــة املشــاكل التــي تطرحهــا األنســاق اإليكولوجيــة مبكوناتهــا املختلفــة (‪ .)33‬والواقــع أن‬
‫ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻄﺮﺡ ﻛﻤﺎ ﺳﻨﺒﻴ‪æ‬ﻦ ﺫﻟﻚ ﻻﺣﻘﹰﺎ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ‪É‬ﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﻹﺣﺼﺎﺋﻴﺔ‪ .‬ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺗﺘﻮﺳﻂ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ‬
‫الحقً ــا‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔ ذلــك‬
‫ﺍﳉﻴﻨﻴﺎﻟﻮﺟﻴﺔ‬ ‫ـنبي‬
‫ﺍﻟﻌﻼﻗﺔــاﻣﻦسـ ِّ‬
‫ـرح كم‬ ‫الطـ‬
‫ﻫﺬﻩ‬ ‫ﻓﺈﻥــذا‬
‫ﺩﺭﺍﺳﺔ‬ ‫ـن ه‬ ‫فصلهــا عـ‬
‫ﺍﻻﻧﺘﻤﺎﺀ‪،‬‬ ‫ميكــن‬
‫ﳎﻤﻮﻋﺎﺕ‬ ‫ﺍﻻﲡﺎﻫﺎﺕالﺣﻴﺎﻝ‬
‫ﺃﳕﺎﻁـدةﻣﻦثقافيــة‪،‬‬
‫كعقـ‬ ‫العائليــة‪،‬‬
‫ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﻭ‬ ‫ﺑﲔــاة‬
‫ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ‬ ‫احملاب‬
‫ﻳﺴﺘﻠﺰﻡ ﺭﺑﻄﻬﺎ ﲟﺆﺛﺮﺍﺕ ﺧﺎﺭﺟﻴﺔ ﻣﻮﻏﻠﺔ ﰲ ﺍﻟﻘﺪﻡ ﻭﻣﺴﺘﻤﺮﺓ ﰲ ﺍﳊﺎﺿﺮ ﺍﳌﻌﻴﺶ )‪ .(34‬ﻓﻘﺪ ﺍﻧﺘﺒﻪ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻮﻥ ﺇﱃ ﺩﻭﺭ‬
‫اعتمــادا علــى االختبــارات اإلحصائيــة‪ .‬وإذا كانــت الثقافــة تتوســط العالقــة بــن العوامــل‬
‫ً‬
‫ﺍﳌﻨﺎﺥ ﰲ ﺍﻟﺘﻜﺮﻳﺲ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻤﺤﺎﺑﺎﺓ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻭﻳﻌﺰﻭﻥ ﺫﻟﻚ ﺇﱃ ﺗﺄﺛﲑﻩ ﻏﲑ ﺍﳌﺒﺎﺷﺮ ﰲ ﺗﺸﻜﻴﻞ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﻘﻴﻢ‬
‫هــذه(‪.‬العالقــة‬ ‫دراســة‬
‫ﺍﻷﻧﺎﱐ")‪36‬‬ ‫فــإنﺍﳉﲔ‬
‫االنتمــاء‪ ،‬ﺑـ “‬
‫مجموعــات‪(Richard‬‬
‫حيــال )‪Dawkins‬‬ ‫االجتاهــات‬
‫ﺭﻳﺘﺸﺎﺭﺩ ﺩﺍﻭﻛﻴﻨﺰ‬ ‫مــن ﻳﺴﻤﻴﻪ‬ ‫وأمنــاط‬
‫ﻭﻛﺬﺍ ﻣﺎ‬ ‫البنيويــة‬
‫ﺍﻟﺘﺮﺍﺑﻄﻴﺔ )‪(35‬‬

‫مــن الناحيــة اجلينيالوجيــة يســتلزم ربطهــا مبؤثــرات خارجيــة موغلــة فــي القــدم ومســتمرة‬

‫ـون إلــى دور املنــاخ فــي التكريــس االجتماعــي‬


‫فــي احلاضــر املعيــش (‪ .)34‬فقــد انتبــه الباحثـ‬
‫ ‪14‬‬
‫ ‬
‫‪| 22‬‬

‫للمحابــاة العائليــة ويعــزون ذلــك إلــى تأثيــره غيــر املباشــر فــي تشــكيل منظومــة القيــم الترابطيــة‬

‫(‪ )35‬وكــذا مــا يســميه ريتشــارد داوكينــز (‪ )Richard Dawkins‬بـــ “اجلــن األنانــي”(‪.)36‬‬

‫يســهم املنــاخ فــي تبايــن التهديــدات واملخاطــر التــي حتــدق ببقــاء اجلنــس البشــري؛ فنــدرة‬

‫ـرض قســاوتُه احلــارة أو‬


‫احلاجيــات الضروريــة للعيــش عــادة مــا ترتبــط بطبيعــة املنــاخ الــذي ت َُعـ ِّ‬
‫ـس البشــري ملختلــف أنــواع العــوز (‪ .)37‬وينتــج عــن ذلــك أمنــاط مــن الســيكولوجيا‬
‫البــاردة اجلنـ َ‬
‫الثقافيــة تتميــز بالتنافــس الشــديد حــول املــوارد مــع انتشــار مشــاعر احليطــة واحلــذر‪ ،‬ممــا يدفــع‬
‫األفــراد إلــى التمســك باملجموعــات التــي تضمــن التقــارب الطبيعــي‪ ،‬وهــو مــا يشـ ِّ‬
‫ـكل مجـ ً‬
‫ـال‬

‫خصبــا حملابــاة األرحــام‪.‬‬


‫ً‬
‫إضافــة إلــى عامــل املنــاخ‪ ،‬تســهم األنســاق اإليكولوجيــة الفقيــرة فــي تكريــس هــذه املتالزمــة‬

‫الثقافيــة مــن خــال تكثيــف املخاطــر احمليطــة بالبقــاء علــى وجــه البســيطة‪ .‬لذلــك مــن املفترض‬

‫اســتعدادا‬
‫ً‬ ‫أن تكــون املجتمعــات القاطنــة باملناطــق القاحلــة واخلاضعــة لقســاوة املنــاخ أكثــر‬

‫مــن غيرهــا لتشــجيع متالزمــة العائليــة غيــر األخالقيــة وذلــك كاســتراتيجيات ثقافيــة لضــرورة‬

‫التعاضــد والتضامــن الضيــق فــي ســياقات عدوانيــة‪.‬‬


‫ِّ‬
‫ستشــكل التوليفــة ب يــن املنــاخ املعتــدل ووفــرة املــوارد‪ ،‬الشــرط‬ ‫وبنــاء علــى مــا ســبق‪،‬‬

‫اإليكولوجــي املثالــي لنشــأة منظومــات قيميــة مغايــرة للعائليــة غيــر األخالقيــة‪ .‬وال غــرو أن‬

‫مؤشــر وفــرة مصــادر امليــاه الذي صممه كريســتيان ويلــزل (‪ )Christian Welzel)(38‬لدراســة الســوابق‬

‫عبــر عــن التوليفــة ســالفة الذكــر‪ .‬يتكــون‬


‫ـد خيــر ُم ِّ‬
‫اإليكولوجيــة املؤهلــة للتقــدم التكنولوجــي ُي َعـ ُّ‬
‫هــذا املؤشــر مــن ثالثــة متغيــرات‪ ،‬نوردهــا باقتضــاب كمــا يلــي‪:‬‬

‫نسبيا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫‪.1‬مناخ مييل إلى البرودة‬

‫‪.2‬تساقطات مستمرة على طول الفصول‪.‬‬

‫‪.3‬وجود أنهار قابلة للمالحة بشكل دائم‪.‬‬

‫ُينظــر مــن الناحيــة الثقافيــة واالقتصاديــة إلــى وفــرة مصــادر امليــاه البــاردة كعامــل مســاعد علــى‬

‫الثــروة الزراعيــة والفالحيــة بأقــل تكلفــة ممكنــة؛ حيــث تصبــح احلاجــة إلــى العائلــة املمتــدة‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪23‬‬

‫ُّ‬
‫تشــكل ســلطة‬ ‫مــن أجــل الســيطرة علــى املــوارد غيــر ضروريــة‪ ،‬وهــو مــا يعنــي أن فــرص‬

‫سياســية تراقــب األفــراد مــن خــال احتــكار امليــاه واملــوارد تــكاد تكــون ضعيفــة‪ .‬إن األمــن‬

‫االقتصــادي الــذي تســمح بــه وفــرة مصــادر امليــاه يســهم فــي بنــاء بنيــة سياســية ال حتتــاج إال‬

‫ـن نتائــج حتليــل التبايــن األحــادي وجــود فــروق‬ ‫قليـ ً‬


‫ـا إلعمــال متالزمــة األخــاق العائليــة‪ .‬تبـ ِّ‬

‫دا َّلــة بــن املجتمعــات فيمــا يتعلــق مبؤشــر مصــادر امليــاه‪ُ .‬‬
‫ويظهــر الشــكل موقــع املجتمعــات‬

‫العربيــة املنخفــض مقارنــة باملجتمعــات الغربيــة‪.‬‬

‫لكــن مثــة ســؤال يتعلــق بطبيعــة األفــق التأويلــي الــذي يجــب أن ينــدرج فيــه فهــم النتائــج‪:‬‬

‫مــا الــذي يجعــل املجتمعــات العربيــة حتتــل ذلــك املوقــع املتدنــي علــى مســتوى هــذا املتغيــر‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (3‬ﻳﻮﺿﺢ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﻣﻌﺪﻻﺕ ﻭﻓﺮﺓ ﺍﳌﻴﺎﻩ ﺣﺴﺐ ﺍ‪t‬ﺘﻤﻌﺎﺕ‬

‫ﻟﻜﻦ ﲦﺔ ﺳﺆﺍﻝ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻓﻖ ﺍﻟﺘﺄﻭﻳﻠﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﳚﺐ ﺃﻥ ﻳﻨﺪﺭﺝ ﻓﻴﻪ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ‪ :‬ﻣﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﳚﻌﻞ ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬
‫اإليكولوجــي؟‬
‫ﳌﺘﺪﱐ ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺘﻐﲑ ﺍﻹﻳﻜﻮﻟﻮﺟﻲ؟‬ ‫ﲢﺘﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍ‬
‫ميكــن اإلجابــة عــن هــذا الســؤال مــن خــال الرجــوع إلــى املســافة التــي قطعهــا اإلنســان‬
‫ﳝﻜﻦ ﺍﻹﺟﺎﺑﺔ ﻋﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺮﺟﻮﻉ ﺇﱃ ﺍﳌﺴﺎﻓﺔ ﺍﻟﱵ ﻗﻄﻌﻬﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻨﺬ ﻋﺼﻮﺭ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
‫منــذ عصــور مــا قبــل التاريــخ انطالقً ــا مــن غــرب إفريقيــا التــي شــهدت حســب الدراســات‬
‫ﺍﻧﻄﻼﻗﹰﺎ ﻣﻦ ﻏﺮﺏ ﺇﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺍﻟﱵ ﺷﻬﺪﺕ ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻇﻬﻮﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ )‪ .(39‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﲏ ﺃﻥ‬
‫العلميــة ظهــور اإلنســان العاقــل (‪ .)39‬وهــو مــا يعنــي أن اســتفادة املجتمعــات مــن مصــادر امليــاه‬
‫ﺍﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﳌﻴﺎﻩ ﺭﻫﲔ ﺑﺎﳌﺴﺎﻓﺔ ﺍﳉﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﻗﻄﻌﻬﺎ ﺃﺳﻼﻓﻬﻢ ﺍﻧﻄﻼﻗﹰﺎ ﻣﻦ ﺇﺛﻴﻮﺑﻴﺎ ﺇﱃ ﻣﻮﻃﻨﻬﺎ‬
‫ﺍﳊﺎﱄ )‪ .(40‬ﻭﳑﺎ ﻻ ﻳﺪﻉ ﳎﺎﻟﹰﺎ ﻟﻠﺸﻚ‪ ،‬ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﺍﻟﱵ ﺳﺘﺸﻜﱢﻞ ﻻﺣﻘﹰﺎ ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻗﺪ ﻇﻠﺖ ﺗﺘﺤﺮﻙ ﺃﻓﻘﻴ∞ﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺲ ﺧﻄﻮﻁ ﺍﻟﻌﺮﺽ ﺍﻟﱵ ﺗﺘﻤﻮﻗﻊ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺗﻘﺮﻳﺒ‪É‬ﺎ ﺇﻓﺮﻳﻘﻴﺎ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻳﻌﲏ ﻫﺬﺍ ﺃ‪é‬ﺎ ﱂ ﺗﱪﺡ ﺇﻻ ﻗﻠﻴﻠﹰﺎ ﺍﻟﻨﻄﺎﻕ ﺍﳌﻨﺎﺧﻲ‬
‫‪| 24‬‬

‫رهــن باملســافة اجلغرافيــة التــي قطعهــا أســافهم انطالقً ــا مــن إثيوبيــا إلــى موطنهــا احلالــي‬
‫ِّ‬
‫ستشــكل الحقً ــا املجتمعــات العربيــة‬ ‫ً‬
‫مجــال للشــك‪ ،‬أن الشــعوب التــي‬ ‫(‪ .)40‬وممــا ال يــدع‬

‫تقريبــا إفريقيــا‬
‫ً‬ ‫أفقيــا علــى نفــس خطــوط العــرض التــي تتموقــع عليهــا‬
‫قــد ظلــت تتحــرك ًّ‬
‫توجههــا إال‬ ‫ـا النطــاق املناخــي ذاتــه‪ .‬فقــد قـ َّ‬
‫ـل ُّ‬ ‫الشــرقية‪ ،‬ويعنــي هــذا أنهــا لــم تبــرح إال قليـ ً‬

‫نــادرا جتــاه الشــمال؛ حيــث يرتفــع شــيئًا فشــيئًا احتمــال التعــرض لتبايــن املنــاخ‪ ،‬وبالتالــي‬
‫ً‬
‫ـن الشــكل (رقــم ‪ )4‬الفــروق بــن‬
‫الوصــول إلــى املناطــق التــي حتفــل مبصــادر امليــاه البــاردة‪ .‬ويبـ ِّ‬
‫املجتمعــات فيمــا يخــص املســافة اجلغرافيــة عــن القــرن اإلفريقــي؛ حيــث يتضــح أن الشــعوب‬
‫العربيــة لــم تبــرح إجمـ ً‬
‫ـال اخلطــوط اجلغرافيــة األفقيــة وذلــك بالرغــم مــن طابــع الغــزو الــذي‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (4‬ﻳﺒﻴ‪w‬ﻦ ﺍﳌﺴﺎﻓﺔ ﺍﳉﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻋﻦ ﺍﻷﺻﻞ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ‬

‫ﻫﻨﺎﻙ ﳕﻂ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺴﻤﺢ ﺑﻪ ﻭﻓﺮﺓ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﳌﻴﺎﻩ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺓ ﻭﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﻘﻠﺔ ﺍﻷﻭﺑﺌﺔ؛ ﻓﺎﳌﻨﺎﺥ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩ‬
‫ـامية‪.‬ﻋﺎﺋﻘﹰﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺗﺸﻜﱡﻞ ﻭﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﺍﻟﻌﺪﻭﻯ‪ .‬ﻭﺗﺴﻬﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻮﺍﻣﻞ ﰲ ﺗﻮﺍﺻﻞ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ‬ ‫اإلسـﺗﺸﻜﱢﻞ‬ ‫ﺍﳌﻴﺎﻩـات‬
‫ﺍﳉﺎﺭﻳﺔ‪،‬‬ ‫الفتوحـ‬
‫ميــزﻭﻭﻓﺮﺓ‬
‫ﻧﺴﺒﻴ∞ﺎ َّ‬
‫‪41‬ـق(‪.‬‬
‫ويتعلـ‬
‫ـاردةﻛﺔ )‬
‫ﺑﺎﻷﻣﺮﺍﺽالبـﺍﻟﻔﺘﺎ‬
‫ـادر امليــاه‬
‫ـرة مصـ‬
‫ﺍﻹﺻﺎﺑﺔ‬ ‫ﺍﻟﺪﻣﻮﻳﺔ وفـ‬
‫ﳐﺎﻓﺔ‬ ‫ﺍ‪°‬ﻤﻮﻋﺎﺕـمح بــه‬
‫ﺣﻮﻝالــذي تسـ‬
‫ﺍﻟﺘﻘﻮﻗﻊــودي‬
‫ﻋﻮﺽـن الوج‬
‫ـن األمـ‬
‫ﻋﻠﻰــر مـ‬
‫ﺑﻌﺾ‬ ‫ـط آخ‬ ‫ﻭﺍﻧﻔﺘﺎﺡـاك منـ‬
‫ﺑﻌﻀﻬﻢ‬ ‫هنـ‬
‫ﻳﻔﺮﺽ‬
‫وانتقــال‬ ‫ﻟﺴﻄﻮﺓ تشـ ُّ‬
‫ﺍﻷﻭﺑﺌﺔ؛ل ﳑﺎ‬
‫ـك‬ ‫ﻋﺮﺿﺔــا أمــام‬ ‫ﺍﳌﻨﺎﻃﻖتشـ ِّ‬
‫ﺍﻷﻛﺜﺮل عائقً‬
‫ـك‬ ‫ﺗﻘﻊــاهﺿﻤﻦ‬
‫اجلاريــة‪،‬‬ ‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ املي‬
‫ﺘﻤﻌﺎﺕووفــرة‬
‫ـاردﺍ‪°‬نســبيا‬
‫ـاخ‪(5‬البـﺃﻥ‬
‫ﺭﻗﻢ )‬
‫ﺍﻟﺒﻴﺎﱐفاملنـ‬ ‫ﻭﻳﻮﺿﺢـة ﺍﻟﺮﺳﻢ‬
‫األوبئــة؛‬ ‫بقلـ‬
‫ًّ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻠﺠﻮﺀ ﺇﱃ ﺃﺷﻜﺎﻝ ﻟﻠﺘﻨﻈﻴﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻭﻣﻨﻈﻮﻣﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﳊﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ‪ .‬ﻭﻳﻌ∫ﺪ‪ ‰‬ﺍﻻﺭﺗﺒﺎﻁ‬
‫العــدوى‪ .‬وتســهم هــذه العوامــل فــي تواصــل األفــراد وانفتــاح بعضهــم علــى بعــض عــوض‬
‫ﺍ‪°‬ﺎﱄ ﻭﺍﻟﻮﺟﺪﺍﱐ ﺑﺎﻷﻗﺮﺑﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﻮﺟﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺮﺑﺎﺀ ﺃﻫﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻃﻼﻕ‪.‬‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪25‬‬

‫التقوقــع حــول املجموعــات الدمويــة مخافــة اإلصابــة باألمــراض الفتاكــة (‪ .)41‬ويوضــح الرســم‬

‫البيانــي رقــم (‪ )5‬أن املجتمعــات العربيــة تقــع ضمــن املناطــق األكثــر عرضــة لســطوة األوبئــة؛‬

‫ممــا يفــرض عليهــا اللجــوء إلــى أشــكال للتنظيــم االجتماعــي ومنظومــات مــن القيــم مــن أجــل‬

‫ـد االرتبــاط املجالــي والوجدانــي باألقربــاء والتوجــس مــن الغربــاء‬


‫وي َعـ ُّ‬
‫احلفــاظ علــى البقــاء‪ُ .‬‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (5‬ﻳﻮﺿﺢ ﺗﻮﺯﻳﻊ ﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﻟﻸﻭﺑﺌﺔ ﺣﺴﺐ ﺍ‪t‬ﺘﻤﻌﺎﺕ‬

‫ﺇﻥ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻱ ﺍﳌﺮﺗﺒﻂ ﺑﺎﳌﻨﺎﺥ ﻭﻭﻓﺮﺓ ﺍﳌﻮﺍﺭﺩ ﻭﻗﻠﺔ ﺍﻟﺘﻌﺮﺽ ﻟﻸﻭﺑﺌﺔ ﺍﻟﻘﺎﺗﻠﺔ ﻳﻮﻓﺮ ﺍﻟﺸﺮﻭﻁ ﺍﳌﺜﺎﻟﻴﺔ‬
‫ـاق‪.‬ﻱ ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﱵ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺸﺎﻋﺮ ﺍﻹﺣﺴﺎﺱ ﺑﺎﻷﻣﻦ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ‪É‬ﺍ‬ ‫اإلطـ‬
‫ﺃﻥ ﺗﺒ‪Ã‬ﺪ‪Á‬‬ ‫علــى‬
‫ﺍﳌﺘﻮﻗﻊ‬ ‫ـتراتيجياتﻓﻤﻦ‬
‫ـذه االسـ‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ؛‬ ‫ﻟﻠﺘﻘﺪﻡأهــم هـ‬
‫ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻲ‬
‫ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ‬‫القاتلــة‬
‫ﺗﺴﺠﻞ‬ ‫لألوبئــة‬
‫ـرضﺣﻴﺚ‬ ‫التعـ‪(6‬؛‬ ‫ﺍﻟﺸﻜﻞــةﺭﻗﻢ‬
‫ـوارد وقل‬‫ووفــرة املـ‬
‫ﺍﻟﺘﺒﺎﻳﻦ )‬ ‫ﻧﺘﺎﺋﺞـاخﲢﻠﻴﻞ‬
‫ﺗﻜﺸﻔﻪ باملنـ‬
‫ـوديﻣﺎاملرتبــط‬
‫والوجـﻭﻫﻮ‬ ‫االقتصــادي‬
‫ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻲ‪،‬‬ ‫ﻣﻦاألمــن‬
‫ﻏﲑﻫﺎ ﻟﻠﺘﻘﺪﻡ‬ ‫ﺃﻛﺜﺮ إن‬
‫ـات ﻟﻠﺘﻘﺪﻡ‬
‫ﺍﳌﺼﺎﺣﺒﺔ‬
‫املجتمعـ‬ ‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ُْبـ ِـدي‬
‫ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﺘﺤﻮﻻﺕاملتوقــع أن ت‬
‫والتكنولوجـﺃﻥـي؛ فمــن‬
‫ﺍﻟﻐﺮﺑﻴﺔ‪ .‬ﻭﻻ ﻏﺮﻭ‬ ‫ﺑﺎ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ‬
‫الصناعــي‬ ‫ﻣﻘﺎﺭﻧﺔللتقــدم‬ ‫ﻣﺘﺪﻧﻴﺔ‬
‫املثاليــة‬ ‫ﻣﻌﺪﻻﺕـروط‬
‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔيوفــر الشـ‬
‫ـي‪ ،‬ﻃﻮﻳﻞ‪،‬‬
‫الصناعـﺴﺎﺭ‬
‫ﺑﺬﻟﻚ‪ ،‬ﻋﱪ ﻣ‬ ‫ﻣﺴﺎــاﻫ‪Á‬ﻤﺔ‬
‫للتقــدم‬ ‫ﺍﻟﺴﻮﺍﺀ‪،‬غيره‬
‫ﻋﻠﻰـر مــن‬
‫ﺍﻟﻘﻴﻤﻴﺔ أكثـ‬
‫ـتعدادا‬
‫ً‬ ‫ﻭﺍﳌﻨﻈﻮﻣﺎﺕـ‬
‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ باألمــن اس‬
‫ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﺕاإلحســاس‬
‫ﻋﻠﻰمشــاعر‬ ‫ﺗﻨﻌﻜﺲ‬
‫فيهــا‬ ‫ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲتتوفــر‬
‫التــي‬
‫ﺍﳉﻤﺎﻋﺎﺗﻴﺔ‪.‬‬
‫ـم ‪)6‬؛ حيــث تســجل املجتمعــات العربيــة‬ ‫ﻣﻦــنﺭﻗﺎﺑﺔ‬
‫(الشــكل رقـ‬ ‫ﻭﺍﻻﻧﻌﺘﺎﻕالتباي‬ ‫ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ‬
‫ـج حتليــل‬ ‫ﳓﻮـا ﻗﻴﻢ‬
‫تكشــفه نتائـ‬ ‫ﺍﻟﻨﺰﻭﻉ‬
‫ـو مـ‬
‫وهـ‬ ‫ﰲ‬
‫معــدالت متدنيــة مقارنــة باملجتمعــات الغربيــة‪ .‬وال غــرو أن التحــوالت االجتماعيــة والثقافيــة‬

‫املصاحبــة للتقــدم التكنولوجــي تنعكــس علــى البنيــات االجتماعيــة واملنظومــات القيميــة علــى‬
‫الســواء‪ ،‬مسـ ِ‬
‫ـاهمة بذلــك‪ ،‬عبــر مســار طويــل‪ ،‬فــي النــزوع حنــو قيــم االســتقاللية واالنعتــاق مــن‬
‫‪| 26‬‬

‫رقابــة اجلماعاتيــة‪.‬‬

‫إن هــذا املســار الطويــل الــذي يضــرب بجــذوره فــي عصــور مــا قبــل التاريــخ قــد بــدأ يتخــذ‬

‫قيميــا ترختــي معــه أخــاق العائليــة كمنتــوج مباشــر لبــروز متالزمــات ثقافيــة متيــز‬
‫ًّ‬ ‫مضمونًــا‬

‫املجتمعــات املعاصــرة إال أن املجتمعــات العربيــة ال تــزال تتمســك بالعنصــر البيولوجــي ســواء‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (6‬ﻳﻈﻬﺮ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻲ ﺣﺴﺐ ﺍ‪t‬ﺘﻤﻌﺎﺕ‬

‫ﺇﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺴﺎﺭ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻀﺮﺏ ﲜﺬﻭﺭﻩ ﰲ ﻋﺼﻮﺭ ﻣﺎ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻗﺪ ﺑﺪﺃ ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻀﻤﻮﻧ‪É‬ﺎ ﻗﻴﻤﻴ∞ﺎ ﺗﺮﲣﻲ ﻣﻌﻪ‬
‫ﻟﻌﺮﺑﻴﺔـا‪ .‬ﻻ ﺗﺰﺍﻝ‬
‫ختلفهـ‬‫ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍ‬
‫ﺍﳌﻌﺎﺻﺮﺓـدﺇﻻبعيـﺃﻥـد ســبب‬
‫ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕإلــى حـ‬
‫ﺛﻘﺎﻓﻴﺔــوﲤﻴﺰمــا يفســر‬
‫ـي‪ ،‬وه‬ ‫ﻣﺘﻼﺯﻣﺎﺕ‬
‫االجتماعـ‬ ‫ﻟﱪﻭﺯ‬
‫ـي أو‬‫ﻣﺒﺎﺷﺮ‬ ‫ﻛﻤﻨﺘﻮﺝ‬
‫السياسـ‬ ‫ﺃﺧﻼﻕــىﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‬
‫املســتوى‬ ‫عل‬
‫ﺳﺒﺐ‬ ‫بشــكلﺑﻌﻴﺪ‬
‫مباشــر‬ ‫يرتبــط ﺇﱃ ﺣﺪ‬
‫العربيــةﻣﺎ ﻳﻔﺴﺮ‬
‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬ﻭﻫﻮ‬
‫فــي ﺃﻭاملجتمعــات‬
‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‬ ‫غيــرﺍﳌﺴﺘﻮﻯ‬
‫األخالقيــة‬ ‫العائليــةﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﻟﺒﻴﻮﻟﻮﺟﻲ ﺳﻮﺍﺀ‬
‫ﺑﺎﻟﻌﻨﺼﺮمنســوب‬
‫ﺗﺘﻤﺴﻚارتفــاع‬
‫إن‬
‫ﲣﻠﻔﻬﺎ‪.‬‬
‫بضعــف قيــم االنعتــاق واالســتقاللية وإفــاس مضمــون األخــاق الناجتــة عنهــا‪ .‬كمــا أنهــا‬

‫تأثيرهــا عبــر‬
‫ﺍﻻﻧﻌﺘﺎﻕ‬ ‫ﺑﻀﻌﻒ ﻗﻴﻢ‬‫متــارس‬
‫التــيﻣﺒﺎﺷﺮ‬
‫ﺑﺸﻜﻞ‬‫البنيويــة‬
‫املتغيــراتﻳﺮﺗﺒﻂ‬ ‫سلســلة مــن‬
‫ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬ ‫مباشــر مــن‬
‫ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﰲ‬ ‫غيــر‬
‫ﺋﻠﻴﺔ ﻏﲑ‬ ‫بشــكل ﺍﻟﻌﺎ‬
‫تنحــدر ﻣﻨﺴﻮﺏ‬
‫ﺇﻥ ﺍﺭﺗﻔﺎﻉ‬
‫ﻣﻦ تنتهــي‬
‫ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ‬ ‫التــي‬ ‫ﻣﻦــطية‬
‫ﺳﻠﺴﻠﺔ‬ ‫التوس‬ ‫ﻏﲑـات‬
‫ﻣﺒﺎﺷﺮ‬ ‫العالقـ‬
‫ﺗﻨﺤﺪﺭـفﺑﺸﻜﻞ‬
‫ﺃ‪é‬ﺎ مختلـ‬ ‫ﻋﻨﻬﺎ‪.‬رقــم‬
‫ﻛﻤﺎ (‪)7‬‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﲡﺔــكل‬
‫ﺍﻷﺧﻼﻕـح الش‬
‫ـة‪ .‬ويوضـ‬
‫ﻭﺇﻓﻼﺱالثقافيـ‬
‫ﻣﻀﻤﻮﻥ‬ ‫ﻭﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ القيــم‬
‫وســاطة‬

‫ﺍﻟﺘﻮﺳﻄﻴﺔـولﺍﻟﱵ‬ ‫ﻟﻌﻼﻗﺎﺕ‬
‫‪ )Andrew‬حـ‬ ‫ﳐﺘﻠﻒ ﺍ‬
‫(‪Hayes‬‬ ‫ـدرو )‪(7‬‬
‫هايــس‬ ‫ﺸﻜﻞأنـﺭﻗﻢ‬ ‫ﻭﻳﻮﺿﺢـ ﺍﻟ‬
‫ـوذج‬ ‫ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ .‬وفــق من‬
‫تصميمهــا‬‫ﺎﻃﺔمتﺍﻟﻘﻴﻢ‬
‫ﻭﺳـث‬
‫ﻋﱪحيـ‬
‫ﺗﺄﺛﲑﻫﺎــة‪،‬‬
‫ﲤﺎﺭﺱ العائلي‬ ‫ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔـىﺍﻟﱵ‬
‫أخــاق‬ ‫إلـ‬
‫ﺣﻴﺚ‪ .‬ﰎ ﺗﺼﻤﻴﻤﻬﺎ ﻭﻓﻖ ﳕﻮﺫﺝ ﺃﻧﺪﺭﻭ ﻫﺎﻳﺲ )‪ (Andrew Hayes‬ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺘﻮﺳﻂ‬ ‫ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‪،‬‬
‫التسلســلي (‪)42‬‬ ‫ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺇﱃ‬
‫التوســط‬
‫ﺍﻟﺘﺴﻠﺴﻠﻲ )‪.(42‬‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪27‬‬

‫تؤكــد النتائــج التــي مت التوصــل إليهــا بواســطة هــذه التقنيــة ضلــوع املســافة اجلغرافيــة عــن‬

‫أصــل اجلنــس البشــري ووفــرة مصــادر امليــاه البــاردة فــي ختفيــض حــدة العائليــة غيــر األخالقيــة‬

‫بشــكل غيــر مباشــر وذلــك عبــر وســاطة السلســلة املكونــة مــن قلــة املخاطــر املتعلقــة باألوبئــة‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (7‬ﻳﺒﻴ‪w‬ﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﻮﺳﻂ ﺍﻟﺘﺴﻠﺴﻠﻲ ﺑﲔ ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ ﺍﳌﺆﺛﺮﺓ ﰲ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‬

‫واضحــا مــن خــال‬


‫ً‬ ‫والتقــدم التكنولوجــي وقيــم االســتقاللية الفكريــة واألخالقيــة‪ .‬ويبــدو‬
‫ﺗﺆﻛﺪ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﱵ ﰎ ﺍﻟﺘﻮﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺔ ﺿﻠﻮﻉ ﺍﳌﺴﺎﻓﺔ ﺍﳉﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻋﻦ ﺃﺻﻞ ﺍﳉﻨﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻭﻭﻓﺮﺓ‬
‫ـرا علــى متالزمــة العائليــة‬
‫ـرا عكسـ ًّـيا مباشـ ً‬
‫النتائــج أن قيــم التحــرر (االســتقاللية) متــارس تأثيـ ً‬
‫ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﳌﻴﺎﻩ ﺍﻟﺒﺎﺭﺩﺓ ﰲ ﲣﻔﻴﺾ ﺣﺪﺓ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻏﲑ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﲑ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﻭﺫﻟﻚ ﻋﱪ ﻭﺳﺎﻃﺔ ﺍﻟﺴﻠﺴﻠﺔ ﺍﳌﻜﻮﻧﺔ‬
‫غيــر األخالقيــة‪ ،‬بحيــث تســهم بشــكل الفــت للنظــر فــي تقلــص اللجــوء االجتماعــي إلــى‬
‫ﻣﻦ ﻗﻠﺔ ﺍﳌﺨﺎﻃﺮ ﺍﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻷﻭﺑﺌﺔ ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ ﻭﻗﻴﻢ ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ﻭﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ‪ .‬ﻭﻳﺒﺪﻭ ﻭﺍﺿﺤ‪É‬ﺎ ﻣﻦ‬
‫مــن‬
‫الصنــوﲝﻴﺚ‬ ‫لهــذا‬
‫ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ‪،‬‬ ‫ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔا ﻏﲑ‬
‫كبيــر‬
‫ً‬ ‫انتشــاراﺔ‬
‫ً‬
‫ﻣﺘﻼﺯﻣ‬ ‫تعــرف‬
‫ﻋﻠﻰ‬ ‫التــيﻣﺒﺎﺷﺮ‪É‬ﺍ‬
‫املجتمعــاتﻋﻜﺴﻴ∞ﺎ‬
‫أن ﲤﺎﺭﺱ ﺗﺄﺛﲑ‪É‬ﺍ‬ ‫ويعنــي ذلــك‬
‫)ﺍﻻﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ(‬ ‫املتالزمــة‪ .‬ﺍﻟﺘﺤﺮﺭ‬
‫هــذهﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺃﻥ ﻗﻴﻢ‬
‫ﺧﻼﻝ‬
‫ﺗﻌﺮﻑـر‬
‫ﺍﻟﱵـة‪ .‬غيـ‬
‫العامـ‬ ‫ﺃﻥــاالت‬
‫ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ‬ ‫املج‬
‫ﻭﻳﻌﲏــيﺫﻟﻚ‬
‫خاصــة ف‬ ‫دمويــة‬
‫ﺍﳌﺘﻼﺯﻣﺔ‪.‬‬ ‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲــةﺇﱃالﻫﺬﻩ‬
‫أخــاق كوني‬ ‫وفــق‬
‫ﺍﻟﻠﺠﻮﺀ‬ ‫التصـﰲـرف‬
‫ﺗﻘﻠﺺ‬ ‫ﻓﺖـىﻟﻠﻨﻈﺮ‬
‫ﺑﺸﻜﻞـلﻻ إلـ‬
‫القيــم متيـ‬
‫ﺗﺴﻬﻢ‬
‫ﻏﲑـة‬ ‫ـورات ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ‪.‬‬
‫الصناعيـ‬ ‫بالثـﺍ‪°‬ﺎﻻﺕ‬
‫ـط ﰲ‬
‫ﺧﺎﺻﺔ‬
‫ﺩﻣﻮﻳﺔترتبـ‬ ‫ﻛﻮﻧﻴﺔ ﻻ‬
‫ولكنهــا‬ ‫ﺃﺧﻼﻕــماء‪،‬‬
‫ﻭﻓﻖــن الس‬ ‫ﺍﻟﺘﺼﺮﻑ‬
‫ـزل م‬ ‫ﲤﻴﻞـ ﺇﱃ‬
‫ـراغ وال تنـ‬ ‫ـي ﺍﻟمـﻘﻴﻢ‬
‫ـن الف‬ ‫ﺍﻟﺼﻨﻮتأتـﻣﻦ‬
‫ﳍﺬﺍـم ال‬
‫ـذهﲑ‪É‬ﺍالقيـ‬
‫ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ‪É‬ﺍهـﻛﺒ‬
‫أن‬
‫تغييــرﺍﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﻲ‬
‫العقليات‬ ‫ﻭﺍﻟﺘﻘﺪﻡ‬
‫ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔفــي‬
‫ﺑﺎﻟﺜﻮﺭﺍﺕـتهان بــه‬ ‫ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﻻ ﺗﺄﰐ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﺍﻍ ﻭﻻ ﺗﻨﺰﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ‪ ،‬ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺮﺗﺒﻂ‬
‫دورا ال يسـ‬
‫والتقــدم التكنولوجــي ومنظومــات التحضــر التــي تلعــب ً‬
‫ﻭﻣﻨﻈﻮﻣﺎﺕ ﺍﻟﺘﺤﻀﺮ ﺍﻟﱵ ﺗﻠﻌﺐ ﺩﻭﺭ‪É‬ﺍ ﻻ ﻳﺴﺘﻬﺎﻥ ﺑﻪ ﰲ ﺗﻐﻴﲑ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺎﺕ ﻭﺍﻷﳕﺎﻁ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‪ .‬ﻭﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ‬
‫واألمنــاط الثقافيــة‪ .‬ويبــدو أن هــذه املتغيــرات الوســيطة تتدخــل ً‬
‫أيضــا بشــكل فعــال فــي التأثيــر‬
‫ﺍﻟﻮﺳﻴﻄﺔ ﺗﺘﺪﺧﻞ ﺃﻳﻀ‪É‬ﺎ ﺑﺸﻜﻞ ﻓﻌﺎﻝ ﰲ ﺍﻟﺘﺄﺛﲑ ﰲ ﻣﺘﻼﺯﻣﺔ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻏﲑ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﱃ ﻣﻔﻌﻮﳍﺎ ﻏﲑ ﺍﳌﺒﺎﺷﺮ‪.‬‬
‫فــي متالزمــة العائليــة غيــر األخالقيــة إضافــة إلــى مفعولهــا غيــر املباشــر‪ .‬ويوضــح الشــكل‬
‫ﻭﻳﻮﺿﺢ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺃﻋﻼﻩ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﻮﺳﻂ ﺍﻟﺘﺴﻠﺴﻠﻲ ﺑﲔ ﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ‪.‬‬

‫‪ .3‬ﺍﻻﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‪ :‬ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻛﺘﻘﻮﻳﺾ ﻟﻠﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﰲ ﺍﻟﻌﺎﱂ ﺍﻟﻌﺮﰊ‬

‫ﺗﻨﺪﺭﺝ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻏﲑ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﺿﻤﻦ ﺍﻟﺴﺠﻼﺕ ﺍﳌﺘﻨﻮﻋﺔ ﻟﻠﻨﻮﺍﺯﻉ ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﲤﻴﻞ ﻋﺎﺩﺓ ﺇﱃ ﺍﻻﺷﺘﻐﺎﻝ ﻭﻓﻖ ﳕﻂ ﻣﻦ‬
‫‪| 28‬‬

‫أعــاه نتائــج التوســط التسلســلي بــن املتغيــرات قيــد الدراســة‪.‬‬

‫‪ .3‬االنعكاســات السياســية ألخــاق العائليــة‪ :‬األخــاق كتقويــض للدميقراطيــة فــي العالــم‬

‫العربــي‬

‫تنــدرج العائليــة غيــر األخالقيــة ضمــن الســجالت املتنوعــة للنــوازع الفطريــة‪ ،‬ومتيــل عــادة‬

‫ـبيا طــي الكتمــان‪ ،‬لكنهــا ال‬


‫إلــى االشــتغال وفــق منــط مــن السياســة التحتيــة التــي تظــل نسـ ًّ‬
‫تســتطيع الفــرار مــن االزورار االجتماعــي الــذي يالحــق بــدون رحمــة فضائحيتهــا املنبــوذة مــن‬

‫مرغوبــا فيهــا بشــكل‬


‫ً‬ ‫زاويــة أخــاق املبــادئ‪ .‬بالطبــع‪ ،‬ليســت انعكاســاتها مــن الزاويــة السياســية‬

‫قصــدي‪ ،‬وإمنــا تأخــذ عــادة صبغــة األضــرار اجلانبيــة غيــر املتوقعــة كمــا هــو األمــر فــي التقليــد‬

‫السوســيولوجي عنــد راميــون بــودون (‪ .)Raymond Boudon) (43‬فالســلوكات املطبوعــة بأخــاق‬

‫العائليــة فــي املجتمعــات العربيــة ال تنفــك‪ ،‬دون أن تــدرك ذلــك علــى الوجــه الصحيــح‪ ،‬تنتــج‬

‫ـارا كابحــة لتفعيــل مؤشــرات احلداثــة السياســية فــي العالــم العربــي‪ ،‬وهــو مــا يظهــر بشــكل‬
‫آثـ ً‬
‫جلــي عنــد فحــص مفاعيــل هــذه املتالزمــة الثقافيــة علــى املســتوى الدميقراطــي‪.‬‬

‫ليــس هنــاك مفهــوم واحــد للدميقراطيــة فــي أدبيــات علــم السياســة‪ ،‬وبالرغــم مــن التنافــر‬
‫مقامــا مشـ ً‬
‫ـتركا لألطروحــات‬ ‫ً‬ ‫الــذي مييزهــا‪ ،‬توجــد هنــاك منطقــة وســط حقوقيــة تــكاد تكــون‬

‫النظريــة املعاصــرة‪ .‬ويتعلــق األمــر بأولويــة املشــاركة السياســية مــن جهــة‪ ،‬مــع مــا يقتضــي ذلــك‬

‫مــن قوانــن ومؤسســات متثيليــة وتداوليــة‪ ،‬ومركزيــة احتــرام احلريــة واالســتقالل الذاتــي لألفــراد‬

‫فــي حياتهــم اخلاصــة مــن جهــة أخــرى‪ .‬وبنــاء علــى هــذه العناصــر‪ ،‬مت التمييــز بــن الدميقراطيــة‬

‫الشــكلية والدميقراطيــة الفعليــة‪ .‬وقــد حظيــت هــذه األخيــرة باهتمــام نظــري وأمبريقــي فــي‬

‫جتســد بالتحديــد فــي احملــاوالت املتعــددة لبنــاء منــوذج مييــل إلــى الشــمول‬
‫البحــث السياســي‪َّ ،‬‬
‫ويســمح بتغطيــة مختلــف العناصــر الكفيلــة بجعــل الدميقراطيــة تضــع نصــب أعينهــا حتريــر‬

‫كينونــة اإلنســان مــن القــوى اخلفيــة والعلنيــة للتســلط (‪ .)44‬وســنعتمد فــي دراســة العالقــة بــن‬

‫املتغيــرات قيــد الدراســة علــى التصــور اإلجرائــي الــذي صاغــه ويلــزل وإنكلهــارت بخصــوص‬

‫مركبــا مــن العناصــر‬


‫ً‬ ‫ـرا‬
‫مفهــوم الدميقراطيــة الفعليــة (‪ ،)45‬وهــو التصــور الــذي يجعــل منهــا مؤشـ ً‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪29‬‬

‫التاليــة‪ :‬مــدى االحتــرام الفعلــي حلقــوق اإلنســان واحلريــات األساســية‪ ،‬ونزاهــة النخــب‬

‫احلاكمــة‪ ،‬وانتخابــات حــرة ونزيهــة‪ ،‬ووجــود مؤسســات وقوانــن ناجعــة تضمــن التحقــق‬

‫الفعلــي للعناصــر ســالفة الذكــر‪.‬‬

‫كافيــا؛ إذ نعتقــد بــأن العالقــة بــن أخــاق العائليــة‬


‫ً‬ ‫ولكــن هــذا االختيــار ال يبــدو البتــة‬
‫والدميقراطيــة الفعليــة ليســت عالقــة مباشــرة فحســب‪ ،‬ولكنهــا متــر ً‬
‫أيضــا عبــر آليــات غيــر‬

‫مباشــرة‪ .‬وقــد قادنــا احلــدس فــي هــذه النقطــة بالــذات إلــى طــرح عامــل زواج األقــارب‬

‫كمتغيــر توســطي‪ ،‬وذلــك باعتبــار أن أخــاق العائليــة مــن شــأنها متهيــد الطريــق لبــروز اقتصــاد‬

‫تبادلــي للزيجــات يتوخــى الوفــاء لالرتباطــات املجاليــة واالجتماعيــة املســنودة بأنثروبولوجيــا‬

‫الوظائــف الدمويــة‪ .‬وقــد اكتشــفنا بعــد ذلــك دراســة قيمــة تســتعمل طريقــة النمذجــة البنائيــة‬

‫فــي دراســة العالقــة غيــر املباشــرة بــن العوامــل االقتصاديــة والثقافيــة واإليكولوجيــة مــن جهــة‬

‫ومســتوى الدميقراطيــة مــن جهــة أخــرى وذلــك عبــر وســاطة زواج األقــارب‪ .‬وتوفــر هــذه‬

‫الدراســة معطيــات كميــة تغطــي معظــم املجتمعــات العربيــة (‪.)46‬‬

‫إن إدراج زواج األقــارب كمتغيــر وســيط فــي دراســة العالقــة بــن أخــاق العائليــة والدميقراطيــة‬

‫الفعليــة يكتســي تبريــره مــن تصلــب الثقافــة الفطريــة املبنيــة علــى التقــارب الطبيعــي فــي‬

‫ــد خيــر تعبيــر دميغرافــي علــى‬


‫املجتمعــات العربيــة‪ .‬ولعــل اســتمرار زواج األقــارب (‪ُ )47‬ي َع ُّ‬
‫مسيـ�ث (�‪William Rob‬‬ ‫التشـ�بث الشـ�ديد بهـ�ذه الثقافـ�ة‪ .‬ويبـ�دو أن أطروحـ�ة ويليـ�ام روبرتسـ�ون‬

‫‪ )ertson) (48‬حــول العالقــة بــن القرابــة والــزواج ال تــزال تتمتــع براهنيتهــا فــي مجتمــع يســتثمر‬

‫كثيــرا فــي املظاهــر الفيزيقيــة للحداثــة دون أن ميــس ذلــك االســتثمار فــي اجلواهــر اجلوانيــة‬
‫ً‬
‫بعيــدا بالقــول‪ :‬إن تقديــس التآخــي شــبه الدمــوي‬
‫ً‬ ‫للحيــاة النفســية (‪ .)49‬ويذهــب مسيــث‬
‫ً‬
‫دليــا علــى عــدم قــدرة الثقافــة العربيــة علــى‬ ‫واإلميــان بأســطورة اجلــد املشــترك يشــكالن‬

‫تصــور الوحــدة والنظــام االجتماعيــن خــارج مقــوالت القرابــة (‪ ،)50‬لذلــك تبــدو املواقــف‬

‫والســلوكيات املرتبطــة بهــا فــي انســجام عجيــب مــع الفهــم االجتماعــي للقانــون‪ .‬وهــو مــا‬

‫مســتجوبيه املغاربــة (‪.)51‬‬


‫َ‬ ‫ســجله لورانــس راوزن (‪ )Lawrence Rawson‬مــع أحــد‬
‫ﻭﻳﺬﻫﺐ ﲰﻴﺚ ﺑﻌﻴﺪ‪É‬ﺍ ﺑﺎﻟﻘﻮﻝ‪ :‬ﺇﻥ ﺗﻘﺪﻳﺲ ﺍﻟﺘﺂﺧﻲ ﺷﺒﻪ ﺍﻟﺪﻣﻮﻱ ﻭﺍﻹﳝﺎﻥ ﺑﺄﺳﻄﻮﺭﺓ ﺍﳉﺪ ﺍﳌﺸﺘﺮﻙ ﻳﺸﻜﻼﻥ ﺩﻟﻴﻠﹰﺎ ﻋﻠﻰ‬
‫‪| 30‬‬
‫ﻋﺪﻡ ﻗﺪﺭﺓ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﻮﺭ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻭﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﲔ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﻘﻮﻻﺕ ﺍﻟﻘﺮﺍﺑﺔ )‪ ،(50‬ﻟﺬﻟﻚ ﺗﺒﺪﻭ‬
‫ﺍﳌﻮﺍﻗﻒ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻛﻴﺎﺕ ﺍﳌﺮﺗﺒﻄﺔ ¡ﺎ ﰲ ﺍﻧﺴﺠﺎﻡ ﻋﺠﻴﺐ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮﻥ‪ .‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﺳﺠﻠﻪ ﻟﻮﺭﺍﻧﺲ ﺭﺍﻭﺯﻥ‬
‫ﺍﳌﻐﺎﺭﺑﺔ )‪.(51‬‬
‫االختبــارات اإلحصائيــة؛ إذ إن فينومينولوجيــا‬ ‫ﻣﺴﺘﺠﻮ∫ﺑﻴﻪ‬
‫نتائــج‬ ‫ﺃﺣﺪ فــي‬ ‫‪ (Lawrence‬ﻣﻊ‬
‫صداهــا‬ ‫‪Rawson‬‬
‫األطروحــات‬ ‫)‬
‫جتــد هــذه‬

‫ﻣﻊ فــي‬‫الفعليــة‬
‫للدميقراطيــةﺗﺘﻌﺎﺭﺽ‬
‫والثقافيــة ﺍﻟﻘﺮﺍﺑﺔ ﻻ ﺗﻨﻔﻚ‬
‫الســيكولوجيةﻓﻴﻨﻮﻣﻴﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ‬
‫األســس ﺍﻹﺣﺼﺎﺋﻴﺔ؛ ﺇﺫ ﺇﻥ‬
‫مــع ﺍﻻﺧﺘﺒﺎﺭﺍﺕ‬
‫تتعــارضﰲ ﻧﺘﺎﺋﺞ‬ ‫ال تنفــك‬
‫ﺍﻷﻃﺮﻭﺣﺎﺕ ﺻﺪﺍﻫﺎ‬ ‫القرابــةﻫﺬﻩ‬
‫ﲡﺪ‬
‫ﺍﳌﻌﲎ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺷﲑ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﻠﻔﹰﺎ‪ .‬ﺇ‪é‬ﺎ ﺗﺸﺘﻐﻞ ﻛﹶﻤ‪Á‬ﻌ‪Ã‬ﻮ∫ﻝ ﻳﻨﺴﻒ‬ ‫ﺍﻷﺳﺲ ﺍﻟﺴﻴﻜﻮﻟﻮﺟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻟﻠﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﰲ‬
‫ـول ينســف بقســاوة نزاهــة النخــب ويفتــك‬ ‫ـلفا‪ .‬إنهــا تشــتغل َك ِم ْعـ َ‬
‫املعنــى الــذي أشــير إليــه سـ ً‬
‫ﺑﻘﺴﺎﻭﺓ ﻧﺰﺍﻫﺔ ﺍﻟﻨﺨﺐ ﻭﻳﻔﺘﻚ ﺑﺎﳊﻘﻮﻕ ﻭﺍﳊﺮﻳﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ‪ ،‬ﻓﻀﻠﹰﺎ ﻋﻦ ﲢﺎﻳﻠﻪ ﺣﻴﺎﻝ ﻣﻬﻤﺎﺯ ﺍﻟﺸﻜﻼﻧﻴﺔ ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺗﻴﺔ‪.‬‬
‫ﺇﺿﻌﺎﻑوتشــير‬
‫ﻋﻠﻰــاتية‪.‬‬
‫املؤسس‬ ‫ـكالنية‬ ‫باحلقــوق واحلريــات األساســية‪ ،‬فضـ ً‬
‫ﻣﺒﺎﺷﺮ‪É‬ﺍ‬ ‫الشـﻣﻔﻌﻮﻟﹰﺎ‬ ‫مهمــاز‬
‫ﲤﺎﺭﺱ‬ ‫ـالﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‬‫ﺃﻥـه حيـ‬
‫ﺃﺧﻼﻕ‬ ‫حتايلـ‬
‫ﺭﻗﻢـا)‪8‬ع(ــن‪ -‬ﺇﱃ‬ ‫ﻭﺗﺸﲑ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ‪-‬ﻛﻤﺎ ﻣ∫ﺒﻴ∆ﻦ ﰲ ﺍﻟﺸﻜﻞ‬
‫ـرا‬
‫مباشـ ً‬ ‫‪ً 14‬‬
‫ـول‬
‫ﺩﺭﺟﺔ‪.‬‬ ‫ﻣﻘﺪﺍﺭمفعـ‬
‫ـارس‬ ‫ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔـة متـ‬
‫ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ‬ ‫ـاق العائليـ‬
‫ﺗﻔﻘﺪـ ﻣﻌﻪ‬
‫أن أخ‬ ‫ﺑﺪﺭﺟﺔإلــى‬
‫ﻭﺍﺣﺪﺓ‪،‬‬ ‫ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ(‪- )8‬‬
‫ﺯﻳﺎﺩﺓرقــم‬
‫الشـﺇﻥـكل‬
‫ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔف؛ــيﺣﻴﺚ‬
‫ـن‬
‫ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ َبـ َّ‬
‫ﺇﻣﻜﺎﻥ‪-‬كمــا ُم‬
‫النتائــج‬
‫ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ‪ ،‬ﳝﺮ ﺍﻟﺘﺄﺛﲑ ﻏﲑ ﺍﳌﺒﺎﺷﺮ ﻋﱪ ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺯﻭﺍﺝ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﺍﻟﱵ ﺗﺴﻬﻢ ﺯﻳﺎﺩ‪ú‬ﺎ ﲟﻘﺪﺍﺭ ﺩﺭﺟﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﰲ‬
‫علــى إضعــاف إمــكان الدميقراطيــة الفعليــة؛ حيــث إن زيــادة العائليــة بدرجــة واحــدة‪ ،‬تفقــد‬
‫ﺧﺴﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻟﺴﺒﻊ ﺩﺭﺟﺎﺕ‪ ،‬ﻭﻫﻮ ﻣﺎ ﻳﻌﲏ ﺑﻠﻐﺔ ﺍﻹﺣﺼﺎﺀ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﺗﻔﻘﺪ ﺇﲨﺎﻟﹰﺎ ﻣﺎ ﻳﻘﺎﺭﺏ‬
‫معــه الدميقراطيــة الفعليــة مقــدار ‪ 14‬درجــة‪ .‬مــن جهــة أخــرى‪ ،‬ميــر التأثيــر غيــر املباشــر عبــر‬
‫‪ 22‬ﻧﻘﻄﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﺘﻘﺪﻡ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﺑﻨﻘﻄﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ‪.‬‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (8‬ﻳﻮﺿﺢ ﺗﺄﺛﲑ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﰲ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻋﱪ ﺯﻭﺍﺝ ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ‬

‫ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻛﺜﺮ ﺳﻮﺀًﺍ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﻧﻘﺎﺭﻥ ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺑﺎ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻷﺧﺮﻯ؛ ﺣﻴﺚ ﻳﺘﺨﺬ ﻣﻨﺤﲎ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ‬
‫منظومــة زواج األقــارب التــي تســهم زيادتهــا مبقــدار درجــة واحــدة فــي خســارة الدميقراطيــة‬
‫ﺍﲡﺎﻫ‪É‬ﺎ ﺗﻨﺎﺯﻟﻴ∞ﺎ ﻣﻠﺤﻮﻇﹰﺎ )ﺍﻧﻈﺮ ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺭﻗﻢ ‪ .(9‬ﻭﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻔﻘﺪ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ‪ 3.36‬ﺩﺭﺟﺎﺕ ﰲ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﺒﺒﻴﺔ‬
‫إجمـ ً‬
‫ـال‬ ‫ﺍﳌﺘﻐﲑـدﺍﻟﺘﺎﺑﻊ‬
‫ﺎﺽ تفقـ‬
‫الفعليــة‬
‫ﺗﺼﻞــةﺣﺪ ﺍﳔﻔ‬
‫الدميقراطي‬
‫ﺍﻟﻌﻼﻗﺔـاءﺃﺑﻌﺎأنﺩ‪É‬ﺍ ﻣﺮﺿﻴﺔ‬
‫اإلحصـ‬‫ﺗﺄﺧﺬـة ﻫﺬﻩ‬
‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ بلغـ‬
‫ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕمــاﻏﲑيعنــي‬
‫ـات‪ ،‬وهــو‬ ‫درجـ‬
‫ﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﰲ‬ ‫ﺒﺎﺷﺮﺓلســبع‬
‫ﺑﺄﺧﻼﻕ ﺍﻟ‬ ‫الفعليــة‬
‫ﺍﳌ‬
‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪:‬ـدم أخــاق العائليــة بنقطــة واحــدة‪.‬‬ ‫ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ‬
‫حينمــا تتقـ‬ ‫ﺩﺭﺟﺔ ﰲ‬
‫نقطــة‬ ‫‪22 21‬‬ ‫ﲟﻘﺪﺍﺭ‬
‫ـارب‬ ‫مــا يقـ‬

‫املجتمعــات العربيــة باملجتمعــات األخــرى؛ حيــث‬


‫ ‪22‬‬ ‫ســوءا حينمــا نقــارن‬
‫ً‬ ‫يصبــح األمــر أكثــر‬
‫ ‬
‫ً‬
‫ملحوظــا (انظــر الشــكل رقــم ‪ .)9‬وبينمــا‬ ‫تنازليــا‬
‫ًّ‬ ‫اجتاهــا‬
‫ً‬ ‫يتخــذ منحنــى الدميقراطيــة الفعليــة‬

‫تفقــد الدميقراطيــة الفعليــة ‪ 363.‬درجــات فــي عالقتهــا الســببية املباشــرة بأخــاق العائليــة فــي‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪31‬‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (9‬ﻳﺒﻴ‪w‬ﻦ ﻣﻘﺎﺩﻳﺮ ﻣﻌﺎﻣﻼﺕ ﺍﻻﳓﺪﺍﺭ ﰲ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﺑﺪﻻﻟﺔ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺍ‪t‬ﺘﻤﻌﺎﺕ‬

‫ـادا مرضيــة تصــل حــد اخنفــاض املتغيــر التابــع‬


‫املجتمعــات غيــر العربيــة تأخــذ هــذه العالقــة أبعـ ً‬
‫ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺍﻟﺘﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺻﻼﺣﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ‪ ،‬ﰎ ﺍﻟﻠﺠﻮﺀ ﺇﱃ ﺗﺼﻨﻴﻒ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﳌﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﻗﻴﺪ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ‬
‫مبقــدار ‪ 21‬درجــة فــي املجتمعــات العربيــة‪:‬‬
‫ﺇﱃ ﺃﺭﺑﻌﺔ ﺃﺻﻨﺎﻑ‪ :‬ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﺸﻜﻠﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ‪،‬‬
‫مــن أجــل التأكــد مــن صالحيــة هــذه النتائــج‪ ،‬مت اللجــوء إلــى تصنيــف األنظمــة السياســة‬
‫ﻭﺃﺧﲑ‪É‬ﺍ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻷﻭﺗﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺔ ﻏﲑ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ‪ .‬ﻭﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺗﻘﻨﻴﺔ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻲ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﻠﻲ ﺍﳌﺒﲏ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺴﺎﻓﺔ ﺍﻹﻗﻠﻴﺪﻳﺔ‪،‬‬
‫الفعليــة‪،‬‬ ‫الدميقراطيــة‬
‫ﺍﻟﻨﻈﺎﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‪،‬‬ ‫األنظمــة‬
‫ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ‬ ‫أصنــاف‪:‬ﺃﺧﻼﻕ‬
‫أربعــةﺑﲔ ﻣﺴﺘﻮﻳﺎﺕ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺣﻴﺔإلــى‬
‫ﺍﻹﺣﺼﺎﺋﻴﺔ‬ ‫الدراســة‬
‫قيــدﺩﺍﻝ ﻣﻦ‬
‫باملجتمعــاتﺍﺭﺗﺒﺎﻁ‬
‫ﻓﺤﺺ ﻣﺪﻯ ﻭﺟﻮﺩ‬‫املرتبطــة‬
‫ﰎ‬
‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ؛ ﺇﺫ ﻣﻦ‬
‫األنظمــة‬ ‫ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ً‬
‫وأخيــرا‬ ‫الديكتاتوريــةﺗﺸﻜﻴﻞ ﻃﺒﻴﻌﺔ‬
‫العقالنيــة‪،‬‬ ‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﰲ‬ ‫ﺍﳌﻜﺒﻮﺗﺎﺕ‬
‫واألنظمــة‬ ‫الدميقراطيــةﻋﻦ ﻓﻌﺎﻟﻴﺔ‬
‫الشــكلية‪،‬‬ ‫واألنظمــةﻳﺴﻤﺢ ﺑﺎﻟﻜﺸﻒ‬
‫ﻭﻫﻮ ﻣﺎ‬
‫ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ‬
‫ﻛﺎﻧﺖاملسـ‬
‫ـافة‬ ‫ﻭﺇﺫﺍعلــى‬ ‫ﺍﻟﻀﻴﻘﺔ‪.‬‬
‫املبنــي‬ ‫ـي ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‬
‫التقابلــي‬ ‫ﺃﺧﻼﻕ‬
‫ﻋﺎﻟﻴﺔـلﻣﻦالعاملـ‬ ‫ﲟﺴﺘﻮﻳﺎﺕ‬
‫التحليـ‬ ‫وباسـﺍﳌﻮﺭﻭﺙ‬
‫ـتعمال تقنيــة‬ ‫ـة‪ .‬ﻋﻠﻰ‬
‫ﺍﳌﺒﲏ‬ ‫غيــرﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ‬
‫العقالنيـ‬ ‫األوتوقراطيــةﻳﺘﻤﻴﺰ‬
‫ﺍﳌﺘﻮﻗﻊ ﺃﻥ‬
‫ﺗﺴﲑ ﻭﻓﻖ ﺃﻓﻖ ﺍﻧﺘﻈﺎﺭﻧﺎ ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻻﲡﺎﻩ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺫﻟﻚ ﻳﺪﺣﺾ ﺑﺸﻜﻞ ﻻ ﺟﺪﺍﻝ ﻓﻴﻪ ﳏﺎﻭﻻﺕ ﺇﺳﺒﺎﻍ ﺻﻔﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﻮﻳﺔ‬
‫اإلقليديــة‪ ،‬مت فحــص مــدى وجــود ارتبــاط دال مــن الناحيــة اإلحصائيــة بــن مســتويات‬
‫ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ ﺫﺍﺕ ﺍﻟﺘﻮﺟﻬﺎﺕ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻜﻴﺎﻧﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﻭﻳﻨﺴﻒ ﰲ ﺍﻟﻌﻤﻖ ﺍ‪°‬ﻬﻮﺩﺍﺕ ﺍﻟﱵ‬
‫أخــاق العائليــة وطبيعــة النظــام السياســي‪ ،‬وهــو مــا يســمح بالكشــف عــن فعاليــة املكبوتــات‬
‫ﻳﺒﺬﳍﺎ ﻣﺜﻘﻔﻮ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﰲ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﻓﻴﻨﻮﻣﻴﻨﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﲨﻌﻴﺔ ﺗﺘﻄﻠﻊ ﺇﱃ ﺍﳌﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﻮﻋﻮﺩ ﺯﺍﺋﻔﺔ‪ .‬ﻳﺴﻘﻂ ﻫﺆﻻﺀ ﻓﻴﻤﺎ‬
‫يتميــز‬
‫أن ﻣﻄﺒﺎﺕ‬ ‫املتوقــع‬
‫ﲡﺎﻫﻞ‬ ‫مــنﻳﻄﺒﻌﻬﺎ‬
‫ﻟﺘﻔﺎﺅﻟﻴﺔ إذﺳﺎﺫﺟﺔ‬
‫السياســية؛‬ ‫األنظمــة‬
‫ﻭﻳﺆﺳﺴﻮﻥ‬ ‫طبيعــة‬
‫ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ"‪،‬‬ ‫تشــكيل‬
‫ﺇﳒﺎﺯﺍﺕ‬ ‫فــي ﺗﻀﺨﻴﻢ‬ ‫والثقافيــة‬
‫ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ‬ ‫االجتماعيــة“ﺍﻟﱪﻫﺎﻥ‬
‫ﻳﺴﻤ∆ﻰ ﺑـ‬
‫ـت‬‫ﻭﺗﺘﺮﺍﻭﺡ كانـ‬
‫ﺁﺭﺍﺅﻫﻢ‬ ‫ﺍﻟﺼﺪﻕ‪،‬ــة‪ .‬وإذا‬
‫ﻣﻦـة الضيق‬
‫العائليـ‬
‫ـاق ﲟﺰﻳﺪ‬
‫ﻣﻨﻈﻮﻣﺔأخـ‬
‫ﺍﻟﺘﺴﻠﻂ‬ ‫ﻻﺷﺘﻐﺎﻝــة مــن‬
‫ـتويات عالي‬
‫مبسـﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ‬ ‫ـوروث‬
‫ﺍﳉﻮﺍﻧﺐ‬ ‫ﳛﻜﻮﻥاملـﻋﻦ‬
‫ﺎﺳﻲ‪.‬ـيﻻعلــى‬
‫ﺍﻟﺴﻴاملبنـ‬
‫ـتبداد‬‫االسـ‬
‫ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ‬
‫بشــكل ﳌالﺒﺪﺃ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ‬
‫جــدال‬ ‫يدحــضﺜﱡﻞ ﺍﻟﺸﻘﻲ‬
‫ﺍﻟﺘﻐﺎﺿﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﺘ∆ﻤ∫‬
‫ﺇﱃ ذلــك‬ ‫ﺍﳍﺎﺩﻑ‬
‫فــإن‬ ‫ﺍﻟﺸﻌﻮﺭﻱ‬
‫االجتــاه‪،‬‬ ‫فــيﻏﲑهــذا‬
‫ﻭﺍﻹﻧﻜﺎﺭ‬ ‫ﻟﻠﺤﻘﻴﻘﺔ‬
‫انتظارنــا‬ ‫ﺍﻻﻧﺘﻬﺎﺯﻱأفــق‬ ‫النتائــجﺍﻹﻧﻜﺎﺭ‬
‫تســير وفــق‬ ‫ﺑﲔ‬
‫ﻭﺍﺳﺘﺒﺪﺍﻝ ﺇﺭﺿﺎﺀ ﺭﻏﺒﺎﺕ ﻣﺜﺎﻟﻴﺔ ﺑﻪ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻴﱯ ﻛﺮﺍﻣﺮ )‪ .(52) (Phebe Cramer‬ﻭﻳﻮﺿﺢ ﻋﺎﱂ ﺍﻟﻨﻔﺲ‬
‫فيــه محــاوالت إســباغ صفــة الســلطوية اجلديــدة ذات التوجهــات الدميقراطيــة علــى بعــض‬
‫ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻠﻲ‪ ،‬ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺻﻔﻮﺍﻥ‪ ،‬ﰲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺄﻥ "ﺻﺮﻧﺎ ﺃﻣﺔ ﻣﺴﺘﻌﺪﺓ ﻷﻥ ﺗﻬ∫ﻠﱢﻞ ﻷﻱ ﻣﻦ ﻋﺼﻒ ﺑﻪ ﺟﻨﻮﻥ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ‬
‫الكيانــات السياســية العربيــة‪ ،‬وينســف فــي العمــق املجهــودات التــي يبذلهــا مثقفــو الســلطة‬
‫ ‪23‬‬
‫ ‬
‫‪| 32‬‬

‫)ﺍﳌﻴﺠﺎﻟﻮﻣﺎﻧﻴﺎ(‪ ،‬ﻣﺪﻋﻴ‪É‬ﺎ ﺃﻧﻪ ﺍﻷﻭﺣﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﻘﹶﻮ‪æ‬ﻡ ﺍﳌﹸﻌ‪Ã‬ﻮ∫ﺝ∆ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ‪ .‬ﺇ‪é‬ﺎ ﺃﻣﺔ ﺗﻨﺘﻈﺮ ﳎﻲﺀ ﺍﳌﻨﻘﺬ‪ ،‬ﺇﻻ ﺃ‪é‬ﺎ ﻟﻦ ﲡﲏ ﺷﻴﺌﹰﺎ‬
‫فــي صناعــة فينومينولوجيــا سياســية جمعيــة تتطلــع إلــى املســتقبل بوعــود زائفــة‪ .‬يســقط هــؤالء‬
‫ﻏﲑ ﺧﻴﺒﺎﺕ ﺃﻣﻞ ﻣﺘﻜﺮﺭﺓ")‪.(53‬‬
‫ـمى بـــ “البرهــان بنــاء علــى تضخيــم إجنــازات الســلطة”‪ ،‬ويؤسســون لتفاؤليــة ســاذجة‬
‫فيمــا ُيسـ َّ‬
‫ﺗﺒﻴ‪æ‬ﻦ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﻠﻲ ﺍﻟﺜﻨﺎﺋﻲ )ﺍﻟﺸﻜﻞ ﺭﻗﻢ ‪ (10‬ﻭﺟﻮﺩ ﺍﺭﺗﺒﺎﻁ ﺑﻠﻴﻎ ﺑﲔ ﺃﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻭﺍﳌﺴﺘﻮﻳﺎﺕ‬
‫يطبعهــا جتاهــل مطبــات الواقــع السياســي‪ .‬ال يحكــون عــن اجلوانــب البنيويــة الشــتغال منظومــة‬
‫ﺍﳌﻨﺨﻔﻀﺔ ﻣﻦ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‪ .‬ﻭﺗﺘﻌﺎﺭﺽ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﳌﺴﺘﻮﻯ ﻣﻊ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﳌﺴﺘﺒﺪﺓ ﻏﲑ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﺍﻟﱵ‬
‫ﺣﱴــر‬
‫ـكار غي‬
‫واإلنـﲢﺎﻓﻆ‬
‫للحقيقـﻻـةﺗﺰﺍﻝ‬
‫ـازي ﺍﻷﺧﲑﺓ‬
‫االنتهـ‬
‫ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ‬ ‫ـكار ﺑﺄﻥ‬
‫اإلنـﻳﻔﻴﺪ‬ ‫ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ‪،‬ــن‬
‫ﻭﻫﻮ ﻣﺎ‬ ‫ﻏﲑآراؤهــم ب‬
‫ـراوح‬
‫وتتـﺎﺋﻠﻴﺔ‬ ‫الصــدق‪،‬‬
‫ﻣﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﻌ‬ ‫ـن ﻋﻠﻰ‬‫ﻣﻌﺪﻻﺕــد مـ‬
‫ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ‬ ‫ﺗﺴﺠﻞــلط مبزي‬
‫التس‬

‫ـات‬
‫رغبـ‬
‫ﺎﻟﺮﻏﻢ‬ ‫ﺍﻷﻧﻈﻤﺔإرضــاء‬
‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﺑ‬ ‫ﺃﻥــتبدال‬
‫ﻭﺍﳊﻖواس‬
‫الواقــع‬ ‫ﺃﺳﺎﺳﻬﺎـقي ملبــدأ‬
‫ﺍﳉﻴﻨﻴﺎﻟﻮﺟﻲ‪.‬‬ ‫ﺍﳌﺎﺿﻲــل الشـ‬
‫ـن ال َّت َم ُّث‬
‫ﻛﺎﻧﺖعـﰲ‬
‫التغاضــي‬ ‫ـادف إلــى‬
‫ﺍﻟﻔﻄﺮﻳﺔ ﺍﻟﱵ‬ ‫ﻋﻠﻰالهـ‬
‫ﺍﻟﻨﻮﺍﺯﻉ‬ ‫ـعوري‬
‫الشـﺭﻣﻖ‬
‫ﺁﺧﺮ‬
‫ﺗﺆﻛﺪﻩ‬
‫ـي‪،‬‬ ‫ﻭﻫﻮ ﻣﺎ‬
‫التحليلـ‬ ‫ﺍﳌﻮﺭﻭﺙ‪،‬ــس‬
‫ﺴﺔــحﻋﻠﻰعالــم النف‬ ‫‪ .)Phebe‬ﺍﳌﺆﺳ∆‬
‫ويوض‬ ‫ﺍﻷﻭﺗﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺎﺕ‬ ‫(‪(52‬ﺣﻴﺰ‬
‫)‪Cramer‬‬ ‫ﳎﻤﻠﻬﺎـر ﺇﱃ‬
‫ﰲ كرامـ‬
‫ﺗﻨﺘﻤﻲــي‬
‫ﺍﻟﺴﻄﺤﻴﺔ‪،‬ـول فيب‬
‫ﺍﻻﺧﺘﻼﻓﺎﺕ كمــا يقـ‬
‫ﻣﻦمثاليــة بــه‪،‬‬
‫ﺍﳌﻌﺪﻻﺕ ﺍﻟﻔﺎﺋﻘﺔ ﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻟﺪﻯ ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﺎﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻛﻤﺎ ﰎ ﺗﻮﺿﻴﺤﻪ ﺳﻠﻔﹰﺎ‪ .‬ﻭﲤﻴﻞ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﺸﻜﻠﻴﺔ‬
‫مصطفــى صفــوان‪ ،‬فــي هــذا الشــأن “صرنــا أمــة مســتعدة ألن ت َُه ِّلــل ألي مــن عصــف بــه جنــون‬
‫ﺇﱃ ﺍﳌﺰﺍﻭﺟﺔ ﺑﲔ ﺍﳌﻌﺪﻻﺕ ﺍﳌﺘﻮﺳﻄﺔ ﻭﺍﳌﻨﺨﻔﻀﺔ ﳌﺘﻼﺯﻣﺔ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‪ .‬ﺇﻻ ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﺜﲑ ﺍﻻﻧﺘﺒﺎﻩ ﰲ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﻫﻮ ﺣﺎﻟﺔ‬
‫مدعيــا أنــه األوحــد الــذي سـ ُـيقَ ِّوم ا ُمل ْعـ َ‬
‫ـو َّج مــن جديــد‪ .‬إنهــا أمــة تنتظــر‬ ‫ً‬ ‫العظمــة (امليجالومانيــا)‪،‬‬
‫ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﻮﻳﺔ ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ ﺍﻟﱵ ﺗﺄﺧﺬ ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺩﺍﻟﺔ ﻋﻦ ﳐﺘﻠﻒ ﺩﺭﺟﺎﺕ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‪ .‬ﺗﺆﻛﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺘﺎﺋﺞ ﺃﻃﺮﻭﺣﺔ‬
‫(‪.)53‬ﺍﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ )‪ ،(54‬ﻭﺫﻟﻚ‬‫ـل متكــررة”‬
‫ﺍﻟﺪﻳﻜﺘﺎﺗﻮﺭﻳﺎﺕ‬ ‫أمـﰲ‬ ‫ﻻﺳﺘﻘﻄﺎﺏــات‬
‫ﺍﻟﻨﺨﺐ‬ ‫ﻛﻤﻌﻴﺎﺭًا غيــر خيب‬
‫ﺍﻟﻜﻔﺎﺀﺓـي شــيئ‬
‫ﺣﻮﻝـن جتنـ‬
‫أنهــا لـ‬ ‫ـذ‪ ،‬إال‬
‫‪(Juan‬‬ ‫ـيء )املنقـ‬
‫‪Linz‬‬ ‫ﺧﻮﺍﻥـﻟﻴﻨﺰ‬
‫مج‬

‫وجــود ارتبــاط بليــغ بــن أنظمــة‬


‫ﺍﻟﺸﺄﻥ‪.‬‬ ‫رقــم‬
‫ﻫﺬﺍ‪)10‬‬ ‫(الشــكل‬
‫ﺍﻻﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﰲ‬ ‫الثنائــي‬
‫ﻳﺘﻄﻠﺒﻪ‬ ‫التقابلــي ﻣﻊ ﻣﺎ‬ ‫نتائــج ﰲالتحليــل‬
‫ﺍﻻﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺍﻟﺸﺮﻗﻲ‪،‬‬ ‫تبــنﻣﺎ ﳚﺮﻱ‬
‫ﻋﻜﺲ ِّ‬
‫الدميقراطيــة الفعليــة واملســتويات املنخفضــة مــن أخــاق العائليــة‪ .‬وتتعــارض هــذه األنظمــة‬

‫علــى هــذا املســتوى مــع األنظمــة املســتبدة غيــر العقالنيــة التــي تســجل معــدالت مرتفعــة علــى‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (10‬ﻳﻮﺿﺢ ﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻲ ﺍﻟﺘﻘﺎﺑﻠﻲ ﺑﲔ ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻭﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‬

‫ ‪24‬‬
‫ ‬
‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي | ‪33‬‬

‫مقيــاس العائليــة غيــر األخالقيــة‪ ،‬وهــو مــا يفيــد بــأن األنظمــة األخيــرة ال تــزال حتافــظ حتــى‬

‫آخــر رمــق علــى النــوازع الفطريــة التــي كانــت فــي املاضــي أساســها اجلينيالوجــي‪ .‬واحلــق‬

‫أن األنظمــة العربيــة‪ ،‬بالرغــم مــن االختالفــات الســطحية‪ ،‬تنتمــي فــي مجملهــا إلــى حيــز‬

‫املؤسســة علــى املــوروث‪ ،‬وهــو مــا تؤكــده املعــدالت الفائقــة ألخــاق العائليــة‬
‫َّ‬ ‫األوتوقراطيــات‬
‫لــدى املجتمعــات العربيــة كمــا مت توضيحــه سـ ً‬
‫ـلفا‪ .‬ومتيــل األنظمــة الدميقراطيــة الشــكلية إلــى‬

‫املزاوجــة بــن املعــدالت املتوســطة واملنخفضــة ملتالزمــة أخــاق العائليــة‪ .‬إال أن مــا يثيــر االنتبــاه‬
‫ﻻ ﺗﻘﺘﺼﺮ ﺍﻟﻌﻮﺍﻗﺐ ﺍﻟﻮﺧﻴﻤﺔ ﻷﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻭﺗﺸﻜﻴﻞ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﺍﻷﻧﻈﻤﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻓﺤﺴﺐ؛‬
‫فــي النتائــج هــو حالــة األنظمــة الســلطوية العقالنيــة التــي تأخــذ مســافة دالــة عــن مختلــف‬
‫ﻟﻜﻨﻬﺎ ﲤﺘﺪ ﺃﻳﻀ‪É‬ﺎ ﺇﱃ ﺗﻮﻓﲑ ﻏﻄﺎﺀ ﺃﺧﻼﻗﻲ‪-‬ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﳌﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺮﻋﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺇﺣﺠﺎﻡ ﺍﳌﻘﺎﻭﻣﺔ ﺍﻟﻌﻠﻨﻴﺔ ﺿﺪ‬
‫درجــات أخــاق العائليــة‪ .‬تؤكــد هــذه النتائــج أطروحــة خــوان لينــز (‪ )Juan Linz‬حــول‬
‫ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﺔ ﺳﻮﺍﺀ ﺑﺸﻜﻞ ﻣﺒﺎﺷﺮ ﺃﻭ ﻏﲑ ﻣﺒﺎﺷﺮ‪ .‬ﻭﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺑﺈﻣﻜﺎﻧﻨﺎ ﺍﻟﺘﺸﺒﺚ ﺑﺘﻌﺮﻳﻒ ﻟﻠﺴﻠﻄﺎﻥ ﻛﺘﺤﻜﻢ ﰲ‬
‫ﻟﻠﻤﻮﺍﺭﺩـا‬
‫عكــس مـ‬ ‫وذلــك‬
‫ﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻌﻴﺔ‬ ‫(‪،)54‬‬
‫ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ‬ ‫العقالنيــة‬
‫ﳎﻬﻮﺩﺍﺕ‬ ‫ﺇﺟﻬﺎﺽ‬‫الديكتاتوريـﰲـات‬ ‫ـبﻬﻢفــي‬
‫ﺃﺧﻼﻕ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‬ ‫النخـﺗﺴ‬
‫ـتقطابﻴ∞ﺎ ﺃﻥ‬‫السـ‬
‫ﻳﺒﺪﻭ ﻣﻨﻄﻘ‬ ‫ﻭﺍﳌﻮﺍﺭﺩ‪،‬ـارﻓﺈﻧﻪ‬
‫ـاءة كمعيـ‬
‫الكفـ‬
‫ﺍﻷﺷﺨﺎﺹ‬
‫ﺍﳌﻌﺎﺩﻻﺕ ﺍﻟﺒﻨﻴﻮﻳﺔ ﺍﻟﱵ‬
‫الشـﰲـأن‪.‬‬
‫ﻳﺴﺘﻬﺎﻥ ﺑﻪ‬
‫ـتثناءﺭ‪É‬ﺍفـﻻـي هــذا‬
‫ﺍﻷﻗﺎﺭﺏ ﺩﻭ‬
‫ﳏﺎﺑﺎﺓـه االسـ‬
‫ﺗﻠﻌﺐيتطلبـ‬
‫ﺍﻟﺴﺎﺑﻖ‪،‬ـع مــا‬ ‫الشـﰲ‬
‫ـرقي‪ ،‬مـ‬ ‫ـتبدادﻭﻛﻤﺎ‬
‫االسـﻣﺰﻳﺔ‪.‬‬
‫ﺍﳌﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﻟﺮ‬ ‫ﻭﺍﻟﺮﺳﺎﻣﻴﻞ‬
‫ـري فــي‬ ‫يجـ‬

‫ﺍﳌﺴﺘﻘﻠﺔ‪.‬العائليــة علــى الدميقراطيــة الفعليــة وتشــكيل طبيعــة‬


‫ألخــاق‬ ‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‬ ‫ﺑﺎﳌﺘﻐﲑﺍﺕ‬
‫الوخيمــة‬ ‫تقتصــرﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ‬
‫العواقــب‬ ‫ﺗﺮﺑﻂ ﺃﺧﻼﻕ‬
‫ال‬
‫األنظمــة السياســية فحســب؛ لكنهــا متتــد ً‬
‫أيضــا إلــى توفيــر غطــاء أخالقي‪-‬اجتماعــي ملمارســة‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (11‬ﻳ‪ä‬ﻈﻬﺮ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﲔ ﺍﻟﻌﺎﺋﻠﻴﺔ ﻭﺍﳌﺘﻐﲑﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‬

‫ﺧﻼﺻـــﺔ‬
‫‪| 34‬‬

‫الرعــب السياســي وإحجــام املقاومــة العلنيــة ضــد الســلطات القائمــة ســواء بشــكل مباشــر أو‬

‫غيــر مباشــر‪ .‬وإذا كان بإمكاننــا التشــبث بتعريــف للســلطان كتحكــم فــي األشــخاص واملــوارد‪،‬‬

‫منطقيــا أن تســهم أخــاق العائليــة فــي إجهــاض مجهــودات العدالــة التوزيعيــة‬


‫ًّ‬ ‫فإنــه يبــدو‬

‫دورا ال‬
‫للمــوارد والرســاميل املاديــة والرمزيــة‪ .‬وكمــا فــي الســابق‪ ،‬تلعــب محابــاة األقــارب ً‬
‫يســتهان بــه فــي املعــادالت البنيويــة التــي تربــط أخــاق العائليــة باملتغيــرات السياســية املســتقلة‪.‬‬

‫خالصـــة‬
‫فــي املجتمعــات التــي تتأرجــح علــى عتبــة االنتقــال الدميقراطــي ال تكفــي الهندســة املؤسســاتية‬

‫والقانونيــة لتحصــن االجتمــاع السياســي مــن اعتنــاق الثقافــة غيــر الدميقراطيــة‪ .‬فاملواطنــة‬

‫كعمــاد للدميقراطيــة إمنــا تترعــرع فــي خضــم ثقافــة سياســية أشــبه مبزروعــات البســتان التــي‬

‫تتطلــب الســقي والشــذب والعنايــة املســتمرة‪ .‬ويســتلزم ذلــك أن ضعــف املشــاعر املدنيــة املبنيــة‬

‫مركــب نقــص يصعــب معــه اســتبطان أخــاق‬ ‫ِّ‬


‫يشــكل َّ‬ ‫علــى املســاواة والنزاهــة والعموميــة‬

‫احلداثــة السياســية‪.‬‬

‫والواضــح أن العائليــة تؤ ِّثــر بشــكل الفــت للنظــر علــى املتغيــرات املرتبطــة بجوهــر الدميقراطيــة‬

‫الفعليــة ومتنــع انبثــاق الشــروط القيميــة والثقافيــة الضروريــة التــي جتعــل األفــراد واجلماعــات‬

‫تدريجيــا عــن النــوازع الفطريــة لفائــدة املشــاعر املدنيــة املضــادة للفســاد املؤسســاتي‬
‫ًّ‬ ‫يتخلــون‬

‫والبيروقراطــي‪ .‬وإذا كانــت هــذه الدراســة قــد س ـ َّلطت الضــوء مبــا فيــه الكفايــة علــى اجلــذور‬

‫البعيــدة للعائليــة غيــر األخالقيــة‪ ،‬فإنهــا باملقابــل قــد أغفلــت عوامــل أخــرى بســبب محدوديــة‬
‫ِّ‬
‫يشــكل إحــدى النقائــص‬ ‫املعطيــات املتوافــرة‪ .‬وممــا ال شــك فيــه أن إغفــال العامــل الدينــي‬

‫األساســية؛ فقــد افتــرض الباحثــان أن خطــاب املؤسســات الدينيــة حــول ذوي القربــى يحمــل‬

‫دالالت أنثروبولوجيــة ليســت فــي منــأى عــن أخــاق العائليــة‪ ،‬وتســاءال حــول مــا إذا كانــت‬

‫هنــاك عالقــة بــن عــدد املســلمني فــي املجتمعــات املختلفــة وتبايــن درجــات أخــاق العائليــة‪،‬‬

‫لكنهمــا وجــدا أن أحســن طريقــة للتحقــق مــن وجــود العالقــة املفترضــة تكمــن فــي فحصهــا‬

‫علــى املســتوى الفــردي‪ ،‬أي بــن التوجهــات الدينيــة لألفــراد ومــدى اســتبطان أخــاق العائليــة‪.‬‬
35 | ‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي‬

.‫واحلــال أن بحــث املســألة فــي هــذا املســلك يقــع خــارج ســياق هــذه الدراســة‬

‫املراجـــع‬
)Baruch Spinoza( ‫ وقــد اســتعمله بــاروخ ســبينوزا‬.‫* ُيقصــد بـــ “الكوناتــوس» باملعنــى الالتينــي اجلهــد املبــذول‬
َّ ‫ وقــد‬.‫فــي فلســفته للداللــة علــى اجلهــد املبــذول قصــد احلفــاظ علــى الــذات وضمــان اســتمرارها‬
‫وظفــه الباحثــان‬

‫ أي نــزوع النخــب االجتماعيــة حنــو احلفــاظ علــى‬،)Pierre Bourdieu( ‫باملعنــى الــذي يخصــه بــه بييــر بورديــو‬

.‫مراتبهــا ورصيدهــا مــن الرســاميل االجتماعيــة الثمينــة‬

(1) Bourdieu, P. Practical Reason: On the theory of Action, (Stanford University Press, Stanford,

1998), p. 19.

(2)Rawls, J. A. theory of justice, (Massachusetts, Harvard University Press, Cambridge, 1999).

(3) Banfield, E. C. The Moral Basis of a Backward Society, (The Free Press, New York, 1958).

(4) Gregg, G. S. Middle East, A cultural psychology, (Oxford University Press, Oxford, 2005).

(5) Joseph, S. “The Family as Security and Bondage: A Political Strategy of the Lebanese Urban

Working Class”, in Helen, S (ed.) Towards a Political Economy of Urbanization in Third World Coun-

tries, (Oxford University Press, New Delhi, 1982), pp. 151-171.

(6) Joseph, S. (ed). Gender and Citizenship in the Middle East, (Syracuse University Press, New

York, 2000).

(7) Geertz, H. “The meaning of family ties” in Geertz, C et al (eds), Meaning and order in Moroccan

society: Three essays in cultural analysis, (Cambridge University Press, Cambridge, 1979).

(8) Hardy, G. L’âme marocaine à partir de la littérature française, (Bulletin de l’enseignement public,

Gallica, 1926), p. 25.

(9) Leca, J & Schemeil, Y., “Clientélisme et Patrimonialisme dans le Monde Arabe”, International

political Review, (Vol. 4, N. 4, 1983), pp. 455-495

(10) Welzel, C. “Individual Modernity”, in Dalton, R & Klingemann, H-D (eds) The Oxford Handbook

of political Behavior, (Oxford University Press, Oxford, 2007), pp. 185-204.

(11) Khuri, F. Tents and pyramids: Games and Ideology in Arab culture from backgammon to auto-

cratic rule, (Saqi, London, 1990), pp. 11-12.

(12) Schwartz, S. H. “Basic human values: their content and structure across countries”, in Tamayo,
| 36

T & Porto, J. B (eds), Valores e comportamento nas organizações [Values and behavior in organiza-

tions], (Petrópolis Brazil, Vozes, 2005), pp. 21-55.

(13) Terray, A. La politique de la caverne, (Paris : Seuil, 1990), p. 92-93.

(14) Bourdieu, P. La misère du monde, (Edition du Seuil, Paris,1993), p. 1452.

(15) Gallup, J. L., Mellinger, A. & Sachs, J., “Geography Datasets”, 2010. (Visited on: 13 Sep-
tember 2018):

http://hdl.handle.net/1902.1/14429%20UNF:5:SnYwMY387RxYcu3OxaSFgA

(16) Murray, D. R & Schaller, M., “Historical prevalence of infectious diseases within 230 geopolitical

regions: a tool for investigating origins of culture”, Journal of Cross-Cultural Psychology, (Vol. 41, N.

1, 2010), pp. 99-108.

(17) Welzel, C., Freedom Rizing: Online Appendix, 2013, pp.108-111. (Visited on: 14 September

2018):

www.cambridge.org/welzel

(18) World Economic Forum: The Global Competitiveness Report, 2016–2017, (Visited on: 10 Oc-

tober 2018):

http://www3.weforum.org/docs/GCR2016-2017/05FullReport/TheGlobalCompetitivenessRe-

port2016-2017_FINAL.pdf

(19) Kistler, D.; Thöni, C & Welzel, C., “World Values Survey Response and Behavior: Emancipa-
tive and Secular Values Predict Cooperation, Protection of Property and Pro-Social Behavior”, World

Values Research, (Vol. 8, N. 3, 2015), pp. 101-122.

(20) World Bank’s knowledge index (KI), (Visited on: 28 September 2018):

http://info.worldbank.org/ etools/kam2/KAM_page5.asp
(21) ‫راجع في هذا الشأن‬:

Alexander, A., Inglehart, R. & Welzel, C., “Measuring Effective Democracy: A Defense”, Interna-

tional Political Science Review, (Vol. 33, N. 1, 2012), pp. 41-62.

Alexander, A. & Welzel, C., “Measuring Effective Democracy: The Human Empowerment Approach”,
Comparative Politics, (Vol. 43, 2011), pp. 271-289.
37 | ‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي‬

(22) Vanhanen, T. The Limits of Democratization: Climate, Intelligence, and Resource Distribution,

(Washington Summit Publishers, Augusta, GA, 2009).

(23) Welzel, C. Freedom Rising: Human Empowerment and the Quest for Emancipation, (Cambridge

University Press, Cambridge, 2013), pp. 257-258. Typology is available in annual measures for most

countries of the world from 1981 to 2010.


(24) Source: Index invented and documented in Welzel, Freedom Rising (2013: 222-225), (Visited

on: 14 November 2018):

www.cambridge.org/welzel (Online Appendix, pp. 66-70).

(25) Gibney M, Wood, R &Cornett, L., “The Political Terror Scale”, 2008, (Visited on: 14 November

2018):

Available at: www.politicalterrorscale.org

(26) The Global Competitiveness Report, op.cit.

‫ ببحوث كل ســبع ســنوات‬،‫ التــي يوجــد موقعهــا بالواليــات املتحــدة‬،‫** تقــوم جمعيــة املســح الدولــي حــول القيــم‬

.‫ وتهــم مجــاالت البحــث االجتاهــات فــي مجــاالت السياســة والديــن واألخــاق‬.‫حــول مختلــف بلــدان العالــم‬

:‫ انظــر املعطيــات علــى املوقــع اآلتــي‬،‫للتوســع‬

http://www.worldvaluessurvey.org/wvs.jsp

(27) Sidan, Y. M & Thornberry, J., “Nepotism in the Arab World: An Institutional Theory Perspec-

tive”, Business Ethics Quarterly, (Vol. 23, N. 1, 2013), pp. 69-96.


(28) Waterbury, J. The commander of the faithful: the Moroccan political elite. A study in segmented

politics, (Columbia University Press, New York, 1970).

(29) Benhaddou, A. Les élites du royaume, Enquête sur lorganisation du pouvoir au Maroc, (Rive-

neuve éditions, Paris, 2009).


(30) Mazaheri, N., “The Saudi Monarchy and Economic Familism in an Era of Business Environment

Reforms”, Business and Politics, (Vol. 15, N. 3, 2013), pp. 295-321.

،‫ (مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‬،‫ محدداتــه وجتلياتــه‬:‫ العقــل السياســي العربــي‬،‫ محمــد عابــد‬،‫) اجلابــري‬31(

.4 ‫ ط‬،)2000 ،‫الــدار البيضــاء‬


(32) Fukuyama, F. The Origins of Political Order: From Prehuman Times to the French Revolution,
| 38

(Farrar, Straus, Giroux, New York, 2011), p. 311.

(33) Matsumoto, D. “Culture, context and behavior”, Journal of Personality, (Vol. 75, N. 6, 2007),

pp. 1285-1319.

(34) Schwartz, S. H. “Causes of culture: National differences in cultural embeddedness”, In Gari, A &

Mylonas, K (eds.), Quod erat demonstrandum: From Herodotus’ ethnographic journeys to cross-cul-
tural research, (Pedio Books Publishing, Athens, Greece, 2009), pp. 1-11.

(35) Triandis, H. C. Individualism and collectivism, (Westview, Boulder: CO, 1995).

(36) Dawkins, R., The Selfish Gene, (Oxford University Press, Oxford & New York, 30th anniversary

edition, 1989).

(37) Van de Vliert, E., “Climato-Economic Origins of Variation in Ingroup Favoritism”, Journal of

Cross-Cultural Psychology, (Vol. 42, N. 3, 2011), pp. 494– 515.

(38) Welzel, Freedom Rising: Human Empowerment and the Quest for Emancipation, op.cit, p. 336.

(39) Oppenheimer, S., Out of Eden: The Peopling of the World, (Robinson, London, 2004).

(40) Gallup; Mellinger; Sachs, “Geography Datasets”, op.cit

:‫) راجع في هذا الشأن‬41(

Fincher, C. L.; Thornhill, R.; Murray, D. R & Schaller, M. “Pathogen prevalence predicts human

cross-cultural variability in individualism/collectivism”, Proceedings of the Royal Society, Biological

science, (Vol. 275, N. 1640, 2008), pp. 1279-1285.


Chiao, J. Y.; & Blizinsky, K. D., “Culture gene coevolution of individualism-collectivism and the

serotonin transporter gene”, Proceedings of the Biological Sciences, (Vol. 277, N. 1681, 2010), pp.

529-537.

Sherman, P.W & Billing, J., “Darwinian gastronomy: why we use spices”, BioScience, (Vol. 49, N.
6, 1999), pp. 453-463.

Low, B.S., “Marriage systems and pathogen stress in human societies”, Am. Zool, (Vol. 30, 1990),

pp. 325-339.

(42) Hayes, F. A., Introduction to mediation, moderation and conditional process analysis: A regres-
sion-based approach, (The Guilforg Press, New York, 2013).
39 | ‫أخالق العائلية ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي‬

(43) Boudon, R. Essais sur la théorie générale de la rationalité, (Presses universitaires de France, coll.

“Quadrige Essais Débats”, Paris, 2007).

(44) Welzel, C & Alexander, A., “Measuring Effective Democracy: The Human Empowerment Ap-

proach”, World Values Research, (Vol. 1, N. 1, 2008), pp. 1-34

(45) Inglehart, R & Welzel. C, Modernization, Cultural Change, and Democracy, (Cambridge Uni-
versity Press, New York, 2005).

(46) Woodley M.A & Bell, E., “Consanguinity as a Major Predictor of Levels of Democracy: A Study

of 70 Nations”, Journal of Cross-Cultural Psychology, (Vol. 20, N. 10, 2012), pp. 1– 18.

(47) Todd, E & Courbage, Y., A convergence of civilisations: The transformation of Muslim societies

around the world, (University of Colombia Press, New York, 2009), pp. 52-54.

(48) Smith, W.R., Kinship and Marriage in Early Arabia, (Cambridge University Press, Cambridge,

1885), pp. 60-61.

،‫ بيــروت‬،‫ (دار الســاقي‬،‫ ترجمــة مصطفــى حجــازي‬،‫أحــرارا؟‬


ً ‫ ملــاذا العــرب ليســوا‬،‫ مصطفــى‬،‫) صفــوان‬49(

.)2012

(50) Smith, Kinship and Marriage, op.cit, pp.50-51

(51) Rosen. L., «Understanding Corruption», The American Interest, (Vol 5, N. 4, 2010), pp. 1-5.

(52) Cramer, P. The development of defense Mechanisms: Theory, research and assessment,

(Springer-Verlag, New York, 1991), p. 54


.69 ‫ ص‬،‫ مرجع سابق‬،‫أحرارا؟‬
ً ‫ ملاذا العرب ليسوا‬،‫) صفوان‬53(

(54) Linz. J, «An Authoritarian Regime: Spain», in Allardt, E & Littunen, Y., Cleavages, Ideologies

and Party Systems, (The Westermarck Society, Helsinki, 1964), pp. 374-381.
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي»‬
‫ومستقبله بعد الربيع العربي‬

‫شفيق شقير *‬
‫مقدمة‬
‫تصاعــد احلديــث عــن نهايــة عمــوم التيــارات اإلســامية‪ ،‬الســيما «اإلســام السياســي»‬

‫ســمى‪ ،‬أو ُيشــار إليــه فــي الدراســة‪ -‬وذلــك‬


‫منهــا ‪-‬أو التيــار اإلســامي الرئيســي كمــا قــد ُي َّ‬
‫ألســباب عــدة‪ ،‬أهمهــا البيئــة السياســية اإلقليميــة والدوليــة خاصــة فــي العقــد األخيــر أو مــا‬

‫ـا‪ ،‬حيــث ميكــن متييــز توجهــن رئيســن فــي حقبتــن زمنيتــن َح َك َمــا املوقــف مــن‬
‫يزيــد قليـ ً‬

‫التيــارات اإلســامية وتــركا أثرهمــا علــى اإلســاميني أنفســهم‪ ،‬وكذلــك علــى الوجهــة التــي‬
‫اختذتهــا الدراســات واألبحــاث فــي تنــاول عمــوم التيــار اإلســامي‪.‬‬

‫التوجــه األول فــي احلقبــة األولــى‪ ،‬وكان فــي ظــل إدارة الرئيــس األميركــي‪ ،‬بــاراك أوبامــا‪،‬‬
‫جــزءا ممــا مســي «األوباميــة»(‪ ،)1‬حيــث كان احلديــث عــن صعــود‬
‫ً‬ ‫(‪ ،)-2017 2009‬وأصبــح‬

‫اإلســاميني وأنهــم املســتقبل فــي املنطقــة مــا يح ِّتــم محاورتهــم هــو التوجــه الســائد‪ ،‬األمــر‬

‫الــذي عكســه خــط اب أوبامــا بالقاهــرة‪ ،‬فــي ‪ 4‬يونيو‪/‬حزيــران ‪ ،2009‬وتعــزز بعــد أن انطلقــت‬

‫ثــورات الربيــع العربــي عــام ‪ 2011‬ووصلــت الــذروة عــام ‪ ،2012‬ليبــدأ هــذا التوجــه بالتراجــع‬

‫ـبيا مــع تراجــع الربيــع نفســه باالنقــاب علــى الرئيــس املصــري املنتخــب‪ ،‬محمــد مرســي‪،‬‬
‫نسـ ًّ‬
‫* د‪ .‬شفيق شقير‪ ،‬باحث في مركز اجلزيرة للدراسات‪ ،‬متخصص في شؤون املشرق العربي‪ ،‬واحلركات اإلسالمية‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪| 42‬‬

‫ســي «الثــورة املضــادة»‪ ،‬وجلــه فــي‬


‫فــي ‪ 3‬يوليو‪/‬متــوز ‪ .)2(2013‬أمــا التوجــه الثانــي فبــدأ مــع مــا ُ ِّ‬
‫ـدا‬
‫احلقبــة الثانيــة التــي بــدأت مــع إدارة الرئيــس األميركــي‪ ،‬دونالــد ترامــب‪ ،‬وشــهدت تصعيـ ً‬
‫رئيســا‪ ،‬فــي‬
‫ً‬ ‫ضــد اإلســاميني ومــا زالــت‪ ،‬وهــو مــا يعكســه أول خطــاب لترامــب بعــد تنصيبــه‬

‫‪ 20‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪ ،)3(2017‬وهــي حقبــة تشــجع أي حتــرك فــي املنطقــة ضــد اإلســاميني‬

‫وكافــة أطيافهــم السياســية مبــا يصــل إلــى حــد االســتئصال‪.‬‬

‫وبســبب هــذا التحــول األخيــر والتوجــه الثانــي‪ ،‬يغلــب احلديــث عــن املســتقبل القــامت لتيــارات‬

‫تتفســخ أو ُمقْ بِ لــة علــى التفســخ‪.‬‬


‫َّ‬ ‫«اإلســام السياســي»‪ ،‬وأنهــا تتراجــع علــى األقــل أو أنهــا‬

‫وأصبــح مــن الشــائع تــداول مرحلــة مــا بعــد «اإلســام السياســي»(‪ )4‬إيذا ًنــا مبرحلــة جديــدة لــن‬

‫يكــون اإلســاميون فيهــا إســاميني كالســابق‪ ،‬أو علــى األقــل مبعاييــر إســامية أقــل مــن ذي‬

‫قبــل بكثيــر‪ ،‬وهــو مــا تشــهد لــه األزمــات التــي تتعــرض لهــا كل هــذه التيــارات‪.‬‬

‫الشــك أن هــذه القــراءة تســتند إلــى حقائــق فــي الواقــع السياســي الراهــن وقــد جتيــب علــى‬

‫عــدد مــن األســئلة املتعلقــة بواقــع ومســتقبل اإلســاميني‪ ،‬ومــن الطبيعــي أن تأخــذ الســياق‬

‫السياســي والتطــورات امليدانيــة فــي إجابتهــا عــن أســئلة املســتقبل‪ ،‬ولكــن مــن املالحــظ‬

‫تاريخيــا أن احلــركات اإلســامية بتأثيــر مــن الضغــوط أو االســتهداف كانــت تضعــف أو تتحــول‬
‫ًّ‬
‫فــي طريقــة عملهــا أو فــي ترتيــب أولوياتهــا لكنهــا لــم متــت أو تندثــر‪ ،‬فهــي تعيــد جتديــد نفســها‬

‫ولــو بشــروط أخــرى لتبقــى وتســتمر بدفــع مــن قواهــا الذاتيــة‪ ،‬حتــى إنهــا تعــود وتزدهــر لــدى‬

‫أيــة محطــة دميقراطيــة تشــهدها املنطقــة‪ ،‬ومثــال الربيــع العربــي ليــس ع َّنــا ببعيــد‪.‬‬

‫وألن أيــة إجابــة عــن مســتقبل اإلســاميني لــن تكــون كاملــة إال بدراســة اإلمكانــات واخليــارات‬

‫التــي ختتزنهــا القــوى اإلســامية‪ ،‬والتــي تعــود فــي جلهــا إلــى األيديولوجيــا التــي تعتنقهــا‪ ،‬فــإن‬

‫هــذه الورقــة ســتبحث فــي مســتقبل حتــوالت اإلســام السياســي مــن خــال منــوذج معرفــي‬

‫مقتــرح‪ ،‬يســمح مبراجعــة الســمات األساســية التــي متتــاز بهــا األيديولوجيــا اإلســامية‪ ،‬ومــا‬

‫توفــره مــن قــوة ذاتيــة لإلســاميني أو قــوة ناعمــة فــي عالقتهــم مــع اجلمهــور‪ ،‬وتصلــح ألن‬

‫ـرا علــى اجتــاه هــذه التحــوالت فــي املســتقبل‪.‬‬


‫تكــون مؤشـ ً‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪43‬‬

‫ويتركــز موضــوع الدراســة علــى التيــار الرئيســي فــي احلــركات اإلســامية‪ ،‬الــذي مــن أهمــه‬

‫راه ًنــا علــى األقــل «حركــة اإلخــوان املســلمني» ومــن يــدور فــي فضائهــا أو يشــبهها‪ ،‬الــذي‬

‫يقبــل «الدميقراطيــة» أو أهــم مقتضياتهــا مثــل االنتخابــات البرملانيــة وتــداول الســلطة و»احلكــم‬

‫املدنــي» ومــا إلــى ذلــك‪ ،‬ألنــه «امتــداد ملســار اجتماعــي وسياســي عميــق اجلــذور‪ ،‬وال ميلــك‬

‫أيديولوجيــا مغلقــة»(‪ )5‬بقــدر التيــارات اإلســامية األخــرى الســيما «اجلهاديــة» وبعض «الســلفية»‬

‫منهــا‪.‬‬

‫ورغــم أن منــاط البحــث فــي الدراســة هــو اجلانــب األيديولوجــي‪ ،‬وليــس الســياق التاريخــي‪،‬‬

‫إال أنــه مــن املهــم أن ُيســتصحب بعــض هــذا الســياق فــي الدراســة مبــا يكفــي لضبــط مســارها‪،‬‬

‫عمــا ســواه مــن بقيــة اجلماعــات‪ ،‬وذلــك‬


‫ولتوضيــح اختــاف مســار التيــار اإلســامي الرئيســي َّ‬
‫فــي ثــاث نقــاط أساســية‪:‬‬
‫ِّ‬
‫بغــض النظــر عــن احلكــم عليــه‪ ،‬هــو جــزء مــن املســار‬ ‫‪ -3‬أن التيــار اإلســامي الرئيســي‪،‬‬

‫واجتماعــا‬
‫ً‬ ‫التاريخــي الطبيعــي للمنطقــة التــي كانــت حتتكــم لإلســام وتعــود إليــه سياســة‬
‫وثقافــة (‪ )6‬وليــس «مؤامــرة» أو دخيـ ً‬
‫ـا عليهــا أو علــى املجتمعــات اإلســامية فيهــا‪ ،‬كمــا قــد‬

‫يصــوره خصومــه أو عمــوم اإلعــام الغربــي‪.‬‬

‫‪ -2‬أن «اإلســام السياســي»‪« ،‬جــزء مــن ظاهــرة عامليــة أكبــر لإلحيــاء الدينــي‪ ،‬وانعــكاس لعالقة‬

‫املســلمني باإلســام»‪ ،‬وموضــع هــذا األخيــر مــن املجــال العــام وعالقتــه بالدولــة‪ ،‬وقــد تعــززت‬

‫هــذه األســئلة بعــد ســقوط اخلالفــة اإلســامية‪ .‬وكذلــك هــو جــزء مــن أجوبــة املســلمني علــى‬

‫تاريخيــا‬
‫ًّ‬ ‫حتــدي احلداثــة ومــا متثلــه مــن قــوى‪ ،‬وحتملــه مــن قيــم للمجتمــع املســلم‪ ،‬وتعــود‬

‫جــذور هــذا التحــدي إلــى منتصــف القــرن التاســع عشــر‪ ،‬إلــى فتــرة التنظيمــات العثمانيــة التــي‬
‫ً‬
‫اعتراضــا حــول تراجــع الشــريعة‬ ‫قامــت علــى فكــرة املماهــاة مــع التحديــث‪ ،‬والتــي أثــارت‬

‫‪-‬التــي هــي أســلوب عيــش املســلمني‪ -‬فــي الدولــة‪ ،‬ومــن أشــخاص هــم جــزء مــن آليــة الدولــة‬

‫نفســها‪.‬‬

‫‪ -3‬أن احلــركات اإلســامية‪ ،‬تســعى منــذ ســقوط اخلالفــة اإلســامية إلــى البحــث فــي‬
‫‪| 44‬‬

‫شــرعية احلكــم وحتــى شــرعية ممارســة السياســة‪ ،‬ولكــن هــي ً‬


‫أيضــا وعلــى عكــس األصوليــة‬

‫البروتســتانتية‪ ،‬ليســت تعبيــرات عــن «حقيقــة مقدســة»‪ ،‬وال تنظــر إليهــا اجلماهيــر املســلمة علــى‬

‫أنهــا «بيوريتانيــة» طهرانيــة معاديــة للحداثــة‪ ،‬وخاصــة تيــارات اإلســام السياســي‪ ،‬وإن كان‬

‫هنــاك بعــض اجلماعــات اإلســامية «الهامشــية»‪ ،‬تتصــرف أو تدعــي أنهــا كذلــك (‪.)7‬‬

‫كمــا ال ميكــن للدراســة‪ ،‬إلمتــام صــورة األيديولوجيــا الناعمــة للتيــار اإلســامي الرئيســي‬

‫وتأثيراتهــا فيــه ومــا تقدمــه لــه‪ ،‬إال أن تتنــاول التيــارات األخــرى‪ ،‬الســيما اجلهاديــة والســلفية‪،‬‬

‫وذلــك مــن بــاب املقابلــة واملقارنــة حيــث يجــب التمييــز أحيانًــا‪ ،‬لتداخــل تأثيراتهــا أحيانًــا‬
‫أخــرى‪ ،‬حيــث تعــود جميعهــا لنــص دينــي واحــد‪ ،‬وإن كانــت مختلفــة فــي فهمهــا لــه فضـ ً‬
‫ـا‬

‫عــن ظــروف وجــذور نشــأتها التاريخيــة‪.‬‬

‫أمــا فرضيــة البحــث فتقــوم باألســاس علــى الصلــة الوثيقــة بــن اإلرث اإلســامي العلمــي‬

‫والبنــاء األيديولوجــي لإلســاميني؛ مــا يســتدعي اعتمــاد املنهــج الوصفي التفســيري (‪ )8‬لدراســة‬

‫العالقــة اجلدليــة بينهمــا‪ ،‬ومــا يعنــي ذلــك مــن شــرح العالقــات بــن الظواهــر االجتماعيــة‬

‫والربــط بــن العوامــل والعناصــر املكونــة لهــا‪ ،‬والوقــوف علــى األســباب الكامنــة وراءهــا‪.‬‬
‫فضـ ً‬
‫ـا عــن تفكيــك وإعــادة تركيــب هــذه العالقــة‪ ،‬بغــرض املقارنــة وبيــان أوجــه االختــاف‬

‫واالتفــاق‪ ،‬وصلــة ذلــك ببنــاء منظــور قــادر علــى تفســير أســباب القــوة الناعمــة أليديولوجيــا‬
‫اإلســام السياســي‪ ،‬وهــو مــا ينطبــق ً‬
‫أيضــا ‪-‬وإن بتفــاوت وببعــض االســتثناء‪ -‬علــى بقيــة‬

‫التيــارات اإلســامية األخــرى‪.‬‬

‫وتتضمــن الدراســة لتحقيــق غاياتهــا ثالثــة عناوين رئيســة‪ :‬األول يحــدد املقصــود بـ»األيديولوجيا‬

‫اإلســامية الناعمــة»‪ ،‬والثانــي ‪-‬ومي ِّثــل صلــب الدراســة‪ -‬يطــرح «النمــوذج املعرفــي» لتحــوالت‬

‫و»سـ َّلمه األيديولوجــي» ليكــون اإلطــار املرجعــي لفهــم األيديولوجيــا وكيفيــة عمــل‬
‫اإلســاميني ُ‬
‫قوتهــا الناعمــة‪ ،‬ويبحــث الثالــث حتديــات املســتقبل‪ ،‬وقــدرة اإلســام السياســي علــى «التكيف‬

‫األيديولوجــي» لالســتمرار والبقــاء‪ ،‬أو حتــى للنهــوض واالزدهــار أحيا ًنــا‪.‬‬


‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪45‬‬

‫‪ .1‬األيديولوجيا اإلسالمية الناعمة‬


‫ممــا تهــدف إليــه الدراســة تقصــي املســارات والتوجهــات املســتقبلية الرئيســة للتيــار اإلســامي‬

‫الرئيســي‪ ،‬مــن منظــور «األيديولوجيــا» الناعمــة التــي يعتنقهــا اإلســاميون‪ ،‬أي ســتراجع‬

‫ـدا مــن‬
‫اخليــارات السياســية لهــذا التيــار املســتقاة مــن اإلســام نفســه كمــا يفهمونــه هــم‪ ،‬وحتديـ ً‬
‫الســردية اإلســامية (‪- )9‬وهــي دينيــة بالضــرورة‪ -‬ومــا تركتــه مــن تأثيــر علــى أدائــه‪ ،‬وبالتالــي‬
‫محاولــة رصــد هــذه التأثيــرات ‪-‬ومــا يتصــل بهــا‪ -‬علــى مســتقبله‪ ،‬بغـ ِّ‬
‫ـض النظــر عــن التطورات‬

‫والوقائــع والظــروف السياســية والتاريخيــة إال بقــدر تفاعلــه معهــا‪.‬‬

‫أمــا تعريفــات األيديولوجيــا اإلســامية فهــي عديــدة‪ ،‬لكــن ميكــن الوقــوف عنــد تعريــف ممتــاز‬
‫آر تركونــة (‪ ،)10‬ألنــه األكثــر اتصـ ً‬
‫ـال بهــدف الدراســة‪ ،‬ويقصــد بهــا (األيديولوجيــا اإلســامية)‬

‫حاكمــا علــى كافــة مجــاالت احليــاة مــن اإلميــان والفكــر إلــى السياســة‬
‫ً‬ ‫«الســعي جلعــل اإلســام‬

‫واإلدارة والقانــون‪ ،‬والبحــث عــن حــل ملشــكلة ختلــف الــدول اإلســامية مقارنــة بالغــرب عــن‬

‫طريــق الوحــدة والتضامــن» (‪ .)11‬وبعــد أن أورد عــدة تعريفــات ومــن بينهــا األخيــر (‪ ،)12‬خلــص‬

‫الباحــث فــي شــؤون احلــركات اإلســامية‪ ،‬محمــد عفــان‪ ،‬إلــى أنــه «ميكــن الوقــوف علــى‬

‫معــا‪ ،‬وأن‬
‫ثــاث صفــات مميــزة لإلســاموية‪ :‬أنهــا معاصــرة‪ ،‬وأنهــا حركــة فكريــة وسياســية ً‬
‫الفرضيــة األساســية لهــا هــي الطبيعــة الشــاملة لإلســام‪ ...‬فــإن هــذا املعتقــد اخلــاص بالطبيعــة‬
‫الشــاملة لإلســام هــو مــا يدفــع الغالبيــة العظمــى مــن اإلســاميني إلــى املطالبــة بإقامــة الدولــة‬

‫اإلســامية» (‪.)13‬‬

‫وبهــذا االعتبــار‪ ،‬عنــد أي تنــاول أليديولوجيــا اإلســاميني وقوتهــا الناعمــة‪ ،‬وخاصــة التيــار‬

‫الرئيســي‪ ،‬يجــب اســتصحاب أنــه بحــث فــي اجلــذور الدينيــة لإلســاميني‪ ،‬وأن األيديولوجيــا‬

‫ليســت فــي األصــل عالقــة خاصــة يعــود بهــا اإلســاميون دون ســواهم إلــى اإلســام‪ ،‬ألن لهــا‬
‫ـدرا مشـ ً‬
‫ـتركا بــن عمــوم املســلمني ‪-‬ومنهــم اإلســاميون‪ -‬فــي عالقتهــم باإلســام وســرديته‬ ‫قـ ً‬
‫السياســية‪ .‬وهــذا ال ينفــي أن لإلســاميني بعــض اخلصوصيــة فــي بعضهــا‪ ،‬وهــي التــي تعطيهــم‬

‫مساتهــم اخلاصــة‪.‬‬
‫‪| 46‬‬

‫ويجــب اإلقــرار ً‬
‫أيضــا‪ ،‬بــأن التداخــل بــن األيديولوجيــا والديــن ‪-‬وهــو أمــر شــائع‪ -‬حتصيــل‬

‫جامعــا للديــن والدنيــا ولــكل مناحــي احليــاة والسياســة؛ حيث‬


‫ً‬ ‫حاصــل مــع «اإلســام»‪ ،‬بوصفــه‬

‫يعتمــد اإلســاميون علــى «الســردية اإلســامية» مبــا تشــتمل عليــه مــن أحــكام فقهيــة وقيميــة‬

‫نصــا واجتهـ ً‬
‫ـادا وممارســة‪ ،‬للتأصيــل آلرائهــم ورؤاهــم السياســية‬ ‫ومــا تشــتمل عليــه مــن دالالت ًّ‬
‫ولتطبيــق فرضياتهــم األخالقيــة ذات الصلــة‪ .‬وبالطبــع‪ ،‬إن فهمهــم «للســردية اإلســامية» يتأثــر‬
‫بـ»األيديولوجيــا» ً‬
‫أيضــا‪ ،‬وختتفــي أحيا ًنــا املســافة بــن هاتــن االثنتني فــي عملية جدلية مســتمرة‪،‬‬

‫حيــث تتحــول بعــض املعانــي الدينيــة إلــى أيديولوجيــا كمــا قــد يتحــول بعــض مــن األيديولوجيا‬

‫إلــى معــان دينيــة (‪ .)14‬وهنــا‪ ،‬تكمــن قــدرة التيــارات اإلســامية وقوتهــا األيديولوجيــة‪ ،‬حيــث‬

‫متــارس األخيــرة تأثيريــن واضحــن علــى اإلســاميني ومســتقبلهم‪:‬‬


‫ً‬
‫أول‪ :‬هــي قــوة ناعمــة‪ :‬ألنهــا «إحــدى الطــرق» إلــى بلــوغ وحتقيــق اإلســام ‪»-‬بصورتــه‬

‫الكاملــة»‪ -‬الشــامل للسياســة فــي حيــاة املســلمني‪ ،‬وليــس ذاك ‪-‬اإلســام منــزوع السياســة‪-‬‬

‫الــذي تقدمــه املؤسســات اإلســامية التقليديــة أو الرمسيــة التــي هــي بدورهــا جــزء مــن «الدولــة‬

‫الوطنيــة القائمــة»‪ .‬واأليديولوجيــا اإلســامية بهــذا االعتبــار جــزء مــن اإلســام نفســه (وفــق‬

‫الســردية اإلســامية الســائدة)‪ ،‬الــذي يســعى كل مســلم إلــى تطبيقــه بقــوة الواجــب الدينــي فــي‬

‫حياتــه اليوميــة أو فــي تطلعاتــه للمســتقبل‪ .‬وبعبــارة أوضــح‪ ،‬ليســت القــوة الناعمــة (‪ )15‬إال تلــك‬

‫طوعــا مــا‬
‫ً‬ ‫القــدرة فــي «التأثيــر علــى ســلوك اآلخريــن مــن خــال جذبهــم أو جعلهــم يريــدون‬

‫تريــد»(‪ ،)16‬وهــذا مــا تفعلــه أيديولوجيــا اإلســاميني بالضبــط‪ ،‬وهــي املقصــودة باأليديولوجيــا‬

‫الناعمــة‪ ،‬وهــي التــي تضمــن لإلســاميني القــدرة علــى االســتقرار وااللتحــام مــع املجتمــع‬

‫املســلم وتطلعاتــه‪ ،‬وأن يتلقاهــم بالقبــول‪.‬‬


‫ثانيــا‪ :‬هــي إطــار لفهــم النــص والتعامــل مــع الواقــع‪ :‬تشـ ِّ‬
‫ـكل األيديولوجيــا بالنســبة لإلســاميني‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫أيضــا‪ ،‬املرجــع واإلطــار املعرفــي أي «اخليــال السياســي» (‪ )17‬الــذي يعود اإلســاميون إليــه كإطار‬

‫وإمكانــات (‪)18‬‬ ‫مفاهيمــي لفهــم النــص‪ ،‬ومــا يحملــه هــذا األخيــر مــن خيــارات واحتمــاالت‬
‫للتعامــل مــع الواقــع‪ .‬وهــذا الوصــف لأليديولوجيــا ً‬
‫أيضــا هــو جــزء باألســاس مــن «الســردية‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪47‬‬

‫اإلســامية» التــي يرجــع إليهــا عمــوم املســلمني‪ ،‬ملعرفــة تطابــق توجهاتهــم وتصرفاتهــم مــع‬

‫أحــكام اإلســام وتوجهاتــه‪.‬‬

‫هكــذا‪ ،‬تشــترك «األيديولوجيــا اإلســامية» اخلاصــة باإلســاميني فــي بعضهــا بالطبــع وليــس‬

‫كلهــا‪ ،‬مــع «الســردية اإلســامية» املعتمــدة مــن عمــوم املســلمني‪ ،‬فــي تشــكيل «اخليــال‬

‫اإلســامي» الــذي يفكــر اإلســاميون بتأثيــر منــه أو مــن وحيــه‪ ،‬مــا يجعــل بينهــم وبــن عمــوم‬

‫املســلمني مســاحة مشــتركة وواســعة فــي طريقــة العمــل والتفكيــر الســيما فــي اجلانــب السياســي‬

‫والقيمــي اإلســامي‪ .‬وحتــى مــن الناحيــة النفســية فإنهمــا‪ ،‬األيديولوجيــة والســردية‪ ،‬باســتعارة‬
‫مصطلــح كارل يونــغ (‪ )Carl Jung‬عــن الالوعــي اجلمعــي (‪ ،)19‬يشـ ِّ‬
‫ـكالن بيئــة شــعورية واحــدة‬

‫مــن حيــث كيفيــة مقاربــة التعاليــم اإلســامية أو الســعي إليهــا‪( .‬وهــذا ال ينفــي وجــود بعــض‬

‫آخــر ممــا قــد يعــزز مــن التناقــض بينهمــا)‪.‬‬

‫ـائعا عنــد وصــف اإلســاميني ألنفســهم أو‬


‫ومــن الالفــت أن مصطلــح األيديولوجيــا ليــس شـ ً‬
‫لتوجهاتهــم‪ ،‬ملــا قــد يحملــه مــن معــان ســلبية جتاههــم أو لقصــوره فــي التعبيــر عــن معتقداتهــم‪،‬‬

‫وباملقابــل تشــيع كلمــة «االعتقــاد» واملتصلــة مبــا يؤمــن بــه املســلمون مــن معتقــدات فــي دينهــم‪.‬‬

‫وللخــروج مــن كثــرة التداخــل واجلــدل حــول تلــك املصطلحــات ودالالتهــا‪ ،‬وعلــى مبــدأ «ال‬

‫مشــاحة فــي االصطــاح»‪ ،‬فــإن الدراســة ال تريــد مــن مضمــون األيديولوجيــا إال ذلــك القــدر‬

‫الــذي يكشــف عــن القــوة الناعمــة فيهــا‪ ،‬وعــن اإلطــار الــذي توفــره لإلســاميني ليعــودوا بــه‬

‫إلــى النــص الدينــي وإمكاناتــه‪.‬‬

‫وبخالصــة موجــزة‪ ،‬إن أهــم الســمات التــي متتــاز بهــا األيديولوجيــا اإلســامية‪ ،‬أنهــا معاصــرة‬
‫ـتمدا مــن الديــن لكنــه سياســي ً‬
‫أيضــا‪ ،‬وأن‬ ‫ـرا مسـ ًّ‬
‫وليســت حبيســة املاضــي‪ ،‬وأنهــا حتمــل فكـ ً‬
‫شــرعيتها مســتمدة مــن دورهــا فــي العمــل علــى اســتعادة شــرعية احلكــم مبمارســة إســامية‬
‫مشــروعة‪ ،‬وأن هنــاك تداخـ ً‬
‫ـا بينهــا وبــن الديــن مــن حيــث فهــم أو اســتعداد جمهور املســلمني‬

‫لفهمــه‪ ،‬وهــو جوهــر قوتهــم الناعمــة‪.‬‬


‫‪| 48‬‬

‫‪ .2‬النموذج املعريف والس ّلم األيديولوجي‬


‫مــرت التيــارات اإلســامية مبراحــل زمنيــة عــدة أســهمت فــي صياغــة بنيتهــا التنظيميــة‬
‫َّ‬
‫وخطابهــا الفكــري‪ ،‬وأكملــت بناءهــا األيديولوجــي فــي تشــابه مــع فهمهــا للرســالة التــي‬

‫حتملهــا‪ ،‬والهــدف الــذي تســعى إليــه‪ .‬وبالتالــي كانــت الســردية اإلســامية ‪-‬ومــا فيهــا ممــا‬
‫يتصــل بالدولــة اإلســامية أو «اخلالفــة»‪ -‬وبقيــة العلــوم اإلســامية هــي املرجــع الــذي يســتقي‬

‫منــه اإلســاميون احللــول للتحديــات التــي يواجهونهــا‪ ،‬أو حتــى فــي توصيفهــم لهــا ومــن ثــم‬

‫يعملــون علــى إعــادة تداولــه‪.‬‬

‫املؤسســة لإلســام هــي التــي تعطيــه الســمات الرئيســة التــي‬


‫ِّ‬ ‫صعبــا مالحظــة أن العلــوم‬
‫ً‬ ‫وليــس‬

‫اســتلهمها اإلســاميون فــي صياغــة أيديولوجيتهــم‪ .‬فســمة «شــمول اإلســام» علــى الدنيــا مبــا‬
‫فيهــا مــن سياســة وحكــم‪ ،‬هــو ممــا تلحظــه مثـ ً‬
‫ـا علــوم الفقــه التــي تتدخــل فــي مجمــل حيــاة‬

‫املكلفــن‪ ،‬السياســية كمــا ســواها‪ .‬ومســة «املعاصــرة»‪ ،‬أي إنــه ديــن لــكل زمــان ومــكان‪ ،‬هــو‬

‫ممــا قامــت عليــه علــوم أصــول الفقــه واإلفتــاء‪ ،‬التــي تلحــظ «املالءمــة» بــن مــا جــاء بــه نــص‬

‫صريــح ومــا لــم يــأت بــه نــص‪ ،‬ليقيــس األخيــر كواقعــة فــي الواقــع املعاصــر علــى األول أي‬

‫النــص فــي زمــن الرســالة‪ .‬وهــي التــي تلحــظ «فعاليــة» أحــكام الشــريعة فــي الواقــع بتحقيــق‬

‫جميعــا فــإن مجمــل الديــن‬


‫ً‬ ‫مقاصدهــا وإال اندرســت أي الشــريعة نفســها‪ .‬ال بــل قبــل هــذا‬
‫ـح عــن النبــي‬
‫قــام علــى علــم احلديــث‪ ،‬كســبيل لتوثيــق اإلســام كلــه‪ ،‬فــكل مــا جــاء وصـ َّ‬
‫محمــد ص َّلــى اهلل عليــه وسـ َّلم‪ ،‬هــو أســاس شــرعية الشــريعة وحتــى أســاس «شــرعية مطالبتهــم‬

‫بتطبيقهــا»‪.‬‬

‫ووفــق هــذا التوصيــف‪ ،‬ميكــن تبيــان وتفســير عناصــر قــوة اإلســاميني األيديولوجيــة وكذلــك‬

‫التنبــؤ باإلجمــال بطريقــة تفكيــر اإلســاميني واجتاهاتهــا بدفــع مــن األيديولوجيــا‪ ،‬مــن خــال‬

‫بنــاء منــوذج معرفــي خــاص أو ســلم أيديولوجــي مســتوحى منهــا وممــا تتطابــق فيــه مــع العلــوم‬

‫املؤسســة لإلســام وســرديته السياســية‪ ،‬مبــا يفســر مطالــب اإلســاميني وقوتهــا‪.‬‬

‫وبهــذا‪ ،‬ميكــن أن يقــوم النمــوذج املقتــرح علــى ثالثــة معاييــر أو ثــاث درجــات فــي ســلم‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪49‬‬

‫أيديولوجــي‪ ،‬ختتزنهــا الســردية اإلســامية وتســتبطنها العلــوم التــي ترتبــط بهــا‪ ،‬وهــي‪ :‬التوثيــق‬

‫إلثبــات الشــرعية الصحيحــة‪ ،‬واملالءمــة مــع الواقــع لقــوة املرجعيــة‪ ،‬ثــم الفعاليــة فــي حتويــل‬

‫جميعــا أساســية فــي «إحيــاء‬


‫ً‬ ‫األفــكار ملطالــب وقــرارات سياســية‪ ،‬أي الفعاليــة السياســية‪ .‬وهــذه‬

‫الشــريعة» واحلفــاظ علــى شــمولها للسياســة واحلكــم‪ ،‬وتفعيــل دورهــا حلمايتهــا مــن االنــدراس‪،‬‬

‫وهــي مهمــة اإلســام السياســي وأيديولوجيتــه‪.‬‬

‫‪ .1.2‬التوثيق الديني للشرعية ومقوالت التأسيس‬


‫إن قــوة الشــرعية فــي التيــارات اإلســامية تتصــل بقــوة الديــن الــذي تنســب نفســها إليــه‪،‬‬

‫وبصياغــة أخــرى هــي تعتمــد علــى قــوة التوثيــق الدينــي لشــرعية وجودهــا ومطالبهــا‪ ،‬ألنهــا‬

‫تقــوم بهــذا االعتبــار علــى نفــس األصــل‪ ،‬فمــن يقبــل بالديــن كأســاس للشــرعية ســيقبل‬

‫بشــرعية مــن يســعى إلحيائــه‪ ،‬أي شــرعية اإلســاميني ومقوالتهــم‪ .‬ومــن الطبيعــي أن تســعى‬

‫عمــوم احلــركات اإلســامية إلــى أقــوى درجــات التوثيــق أال وهــي املطابقــة بــن اإلســام‬

‫(الســردية اإلســامية) وبــن أبــرز املقــوالت التأسيســية لكياناتهــا وتوجهاتهــا‪ ،‬لتكــون كأنهــا‬

‫ـزءا‬ ‫شــيء واحــد‪ًّ ،‬‬


‫حقــا وحقيقــة‪ ،‬مــا يحميهــا مــن التشــكيك مــا أمكنهــا ذلــك‪ ،‬ويجعلهــا جـ ً‬
‫وجــزءا مــن عملــه اليومــي املعتــاد الســيما فــي شــقه السياســي‪.‬‬
‫ً‬ ‫مــن إميــان املســلم‪،‬‬

‫وببعض التفصيل‪ ،‬هناك مقدمتان تعززان من شرعية تأسيس احلركات اإلسالمية‪:‬‬

‫‪ -‬األولــى‪ :‬كل فكــرة تكتســب شــرعيتها ومتلــك فرصــة للبقــاء والصمــود بقــدر مــا عــا‬

‫دينيــا (ومــن بــاب أخــص احملافظــون منهــم)‪ .‬ومنشــأ ذلــك‪،‬‬


‫توثيقهــا لــدى جمهــور املســلمني ًّ‬
‫أن التوثيــق أســاس لصحــة «األخبــار»(‪ )20‬التــي يقــوم عليهــا الديــن‪ ،‬واحتــل بذلــك مكانــة‬

‫تتجــاوز صناعــة التاريــخ ‪-‬فــي الثقافــة اإلســامية‪ -‬حنــو صناعــة العلــم‪ ،‬فهــي فــي احلقيقــة‬

‫مرادفــة للعلــم بالشــيء‪ ،‬ومــن ذلــك ُوصفــت صناعــة احلديــث (علــم احلديــث) أي اإلخبــار‬

‫عــن النبــي محمــد ص َّلــى اهلل عليــه وسـ َّلم بالعلــم‪ ،‬وهــو أســاس التصحيــح والتصويــب (احلكــم‬

‫وحتمــا ال شــرعية ملــا هــو خطــأ‪ .‬ومــن ذلــك أنــه جــاء‬


‫ً‬ ‫علــى احلديــث بالصحــة أو الضعــف)‪،‬‬

‫فــي مقدمــة صحيــح مســلم (‪ ،)21‬حتــت «بــاب بيــان أن اإلســناد مــن الديــن وأن الروايــة ال‬
‫‪| 50‬‬

‫تكــون إال عــن الثقــات»‪ ،‬قــول محمــد بــن ســيرين (‪ )22‬عــن علــم احلديــث يصفــه فــي ســياق‬

‫دعوتــه لتحــري نَقَ َلتــه‪« :‬إن هــذا العلــم ديــن‪ .)23( »..‬أي يتوقــف وجــود الديــن نفســه علــى‬

‫وجــود علــم احلديــث‪ .‬ووفــق نفــس هــذه املطابقــة بــن «علــم احلديــث» و»الديــن» فــإن بعــض‬

‫«األفــكار التأسيســية» فــي احلــركات اإلســامية‪ ،‬جــاءت وفــق نفــس اآلليــة والتطابــق‪ ،‬فهــي‬

‫«ديــن»‪ ،‬ولــو فــي ســياق مختلــف‪ ،‬وليــس مبجــرد الترويــج أو االدعــاء‪ ،‬بــل باســتدالل فقهــي‬

‫«يؤكــد» أنهــا جــزء مــن واجبــات املســلم‪.‬‬

‫عنــد هــذا املســتوى يصبــح احلديــث عــن ضــرورة وجــود احلــركات اإلســامية‪ ،‬يشــبه احلديــث‬

‫عــن القطعيــات التأسيســية فــي اإلســام‪ ،‬فحيــث ال حــركات إســامية ال «سياســة شــرعية»‪،‬‬

‫ألنهــا تقــوم بواجــب فــي هــذا املجــال ال يقــوم بــه ســواها‪ .‬والســردية اإلســامية تســاعد علــى‬

‫ذلــك حيــث يختلــط الواجــب التعبــدي بالواجــب السياســي املنــاط باملســلم‪ ،‬فعلــى ســبيل‬

‫املثــال‪ ،‬يســتدل اإلســاميون علــى احنســار الديــن بتــآكل شــرعية احلكــم‪ ،‬بحديــث‪ « :‬ل ُت ْنقَ َضـ َّ‬
‫ـن‬

‫عــرى اإلســام‪ ،‬عــروة عــروة‪ ،‬فكلمــا انتقضــت عــروة تشــبث النــاس بالتــي تليهــا‪ ،‬وأولهــن‬
‫نقضــا ُ‬
‫احلكــم وآخرهــن الصــاة»(‪ .)24‬فاحلديــث يقــرر الصلــة بــن واجبــات املســلم الفرديــة‬ ‫ً‬

‫التعبديــة‪ :‬الصــاة‪ ،‬وواجباتــه الدينيــة السياســية املجتمعيــة‪« :‬احلكــم»‪ .‬هــذا املثــال‪ ،‬ونظائــره‬

‫كثــر‪ ،‬يقــود إلــى املقدمــة الثانيــة‪.‬‬

‫‪ -‬املقدمــة الثانيــة‪ :‬ال تــزال اخلالفــة اإلســامية حاضــرة فــي وعــي عمــوم املســلمني ‪-‬حتــى يومنا‬

‫هــذا‪ -‬علــى أنهــا النمــوذج الشــرعي لـــ “الدولة اإلســامية» بفعــل التوثيــق الديني لهــذا النموذج‬

‫ســواء بالســنة أو القــرآن‪ ،‬أو حتــى املمارســة خــال القــرون األولــى مــن تاريــخ املســلمني‪،‬‬
‫وكذلــك ألن إقامــة كثيــر مــن أحــكام اإلســام يتوقــف عليهــا‪ .‬وشـ َّ‬
‫ـكل ســقوط اخلالفــة ‪-‬مبــا‬

‫يحيــل علــى انعدامهــا املطلــق حتــى علــى املســتوى الرمــزي مــن حيــاة املســلمني‪ -‬صدمــة كبيــرة‬

‫مطروحــا حتــى اللحظــة‪ :‬هــل هنــاك مدخــل‬


‫ً‬ ‫لوعــي املســلمني وطــرح سـ ً‬
‫ـؤال‪ ،‬رمبــا ال يــزال‬

‫لسياســة مشــروعة ولشــرعية سياســية فــي غيــاب احلكــم واحلاكــم اإلســامي‪ ،‬وكيــف ميكــن‬

‫إعــادة اســتئناف احلكــم اإلســامي أو مــا البديــل الشــرعي لــه؟ (‪ )25‬ومــن األجوبــة علــى مثــل‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪51‬‬

‫هــذه األســئلة‪ ،‬كانــت نشــأة «احلــركات اإلســامية» التــي مــا تأسســت إال الســتعادة احلكــم‬

‫اإلســامي أو إلضفــاء الشــرعية علــى أيــة ممارســة سياســة فــي غيابــه‪.‬‬

‫واخلالصــة أن لــدى اإلســاميني علــى اختــاف اجتاهاتهــم مجموعــة مــن «األفــكار التأسيســية»‬

‫خاصــا لتؤكــد التيــارات‬


‫ًّ‬ ‫ـا‬ ‫ـا فــي حيزهــم التنظيمــي والسياســي‪ ،‬تشـ ِّ‬
‫ـكل مدخـ ً‬ ‫يتخذونهــا أصـ ً‬

‫اإلســامية «شــرعيتها» فــي غيــاب اخلالفــة اإلســامية‪ ،‬بعــد أن كانــت هــذه األخيــرة هــي أصــل‬

‫السياســة املشــروعة‪ ،‬وفــي غيابهــا مــن املفتــرض أن تغيــب السياســة املشــروعة وتغيــب الشــرعية‬

‫السياســية بطبيعــة احلــال‪.‬‬

‫لقــد اعتمــدت جــل تيــارات «اإلســام السياســي» علــى «الدعــوة» كأســاس لشــرعيتها‪ ،‬وعلــى‬

‫رأســها حركــة اإلخــوان املســلمني‪ ،‬ولكــن «الدعــوة» هنــا ال تعنــي دعــوة غيــر املســلمني إلــى‬

‫نظريــا‪ ،‬لكنهــا دعــوة املســلمني الســتئناف «احلكــم اإلســامي»‬


‫ًّ‬ ‫متضمنــة‬
‫َّ‬ ‫اإلســام وإن كانــت‬

‫باعتبــار أن األخيــر جــزء مــن دعــوة اإلســام نفســها (وكل مســلم داعيــة)‪ ،‬فاإلســام ديــن‬

‫ودنيــا‪ ،‬وبتعبيــر آخــر للشــيخ حســن البنــا‪« :‬اإلســام عقيــدة وعبــادة‪ ،‬ووطــن وجنســية‪ ،‬ومساحــة‬

‫وقــوة‪ ،‬وخلــق ومــادة‪ ،‬وثقافــة وقانــون‪ ،‬وأن املســلم مطالــب بحكــم إســامه أن يعنــى بــكل‬

‫يعرفــون أنفســهم كتيــار «دعــوي» فــي السياســة‪ ،‬وتقــوم بنيتهــم‬


‫شــؤون أمتــه‪ ..‬إخل»(‪ .)26‬فهــم ِّ‬
‫التنظيميــة وآليــة عملهــا علــى «الدعــوة» فــي جمــوع املســلمني أنفســهم‪ ،‬وهــي الركيــزة األســاس‬

‫التــي تعتمدهــا اجلماعــة فــي خطابهــا وتضفــي بهــا الشــرعية علــى «وجودهــا» ومشــروعية‬

‫مقاربتهــا للسياســة فــي ظــل غيــاب احلكــم السياســي الشــرعي‪ ،‬ألن «مــا ال يتــم الواجــب‬

‫(‪.)27‬‬ ‫(احلكــم اإلســامي) إال بــه (أي بالدعــوة لــه) فهــو واجــب»‬

‫ينصــب علــى «الدعــوة» وكونهــا كانــت «وظيفــة الرســل‬


‫ُّ‬ ‫لهــذا فــإن ُج َّ‬
‫ــل التوثيــق الشــرعي‬

‫واألنبيــاء»‪ ،‬ومــن ثــم هــي وظيفــة املســلمني املســتمرة حتــى فــي غيــاب احلاكــم الشــرعي‪.‬‬

‫فمبــرر وجــود اجلماعــة كجماعــة سياســية هــو «الدعــوة»‪ ،‬والدعــوة ممكنــة فــي كل ظــرف‬

‫ومــكان وزمــان ولهــا قيــادة يتــم «اختيارهــا» بنفــس الطريقــة علــى األقــل مــن حيــث الشــكل‪،‬‬

‫أقــل (‪.)28‬‬ ‫التــي اختيــر بهــا اخلليفــة أي «البيعــة»‪ ،‬وهــذا لــه تأثيــره وإن كان مــن حيــث قوتــه‬
‫‪| 52‬‬

‫وقــد وصــف حســن البنــا «حركــة اإلخــوان املســلمني» كلهــا بأنهــا «دعــوة» أي «دعــوة اإلخــوان‬

‫املســلمني»‪ ،‬وهــو ديــدن اجلميــع إلــى اليــوم‪ ،‬فهــي اإلســام نفســه مــن حيــث وقعهــا العاطفــي‬

‫والوجدانــي‪ ،‬ومنــه تســتمد شــرعية منوذجهــا وإن كانــت ال متثِّلــه بالضــرورة (‪.)29‬‬

‫إن شــرعية اإلخــوان فــي الســعي إلــى اخلالفــة‪ ،‬أو إلــى إصــاح احلكــم‪ ،‬مــن الســهل التســليم‬

‫بهــا لــدى عمــوم جمهــور املســلمني بهــدي مــن الســردية اإلســامية ومــا تقــوم عليــه مــن‬

‫علــوم؛ إذ إن متســكهم بالدعــوة إلــى «حكــم شــرعي» هــو اجلــزء الــذي يحاكــي رغبــات عمــوم‬

‫جميعــا علــى صعيــد‬


‫ً‬ ‫املســلمني إذا لــم نقــل‪« :‬نــداء الواجــب» لديهــم ويضعهــم واإلســاميني‬

‫واحــد‪ ،‬خاصــة وأن املشــكلة املزمنــة فــي املنطقــة العربيــة وجوارهــا اإلســامي‪ ،‬هــي افتقــار‬

‫«احلكــم» أليــة شــرعية متخيلــة أو تلــك املقــررة فــي الســردية اإلســامية‪.‬‬

‫وهــذا األصــل يتحفــظ عليــه اجلهاديــون وخاصــة مــن تنظيــم القاعــدة‪ ،‬ألنهــم لــم يجــدوا‬

‫فــي «الدعــوة» وحدهــا كمــا يقدمهــا اإلخــوان مــا يضفــي الشــرعية علــى العمــل السياســي‬

‫والتنظيمــي فــي غيــاب «اإلمــام الشــرعي» أي «اخلليفــة»‪ ،‬وأســهبوا فــي نقــد رؤيــة اإلخــوان‬

‫واســتدعوا العديــد مــن الشــواهد علــى خطئهــا‪ ،‬حتــى أنهــم قــد يصفــون مصلحــة «الدعــوة»‬

‫كمــا يقدمهــا اإلخــوان علــى أنهــا «صنــم» (‪ )30‬ابتدعــوه ملهادنــة احلــكام وللقعــود عــن اجلهــاد‪.‬‬

‫إن الفكــرة األساســية التــي ُب ِن َيــت عليهــا الدعايــة اجلهاديــة فــي الثمانينــات‪ ،‬فــي اجلهــاد‬

‫األفغانــي‪ :‬أن اجلهــاد هــو املبــرر الرئيســي لشــرعية العمــل السياســي (واألخيــر ال يقــوم لوحــده)‪،‬‬

‫ألنــه الفريضــة السياســية األساســية الوحيــدة التــي تصبــح واجبــة بذاتهــا‪ ،‬للدفاع عن املســلمني‪،‬‬

‫خاصــة عنــد االحتــال األجنبــي أو الغــزو‪ ،‬دون احلاجــة خلليفــة يعلنــه‪ ،‬ألن اجلهــاد ضــد احملتــل‬

‫ال يحتــاج إال لـ»أميــر قتــال» فحســب (‪ .)31‬وســاعد علــى ترســيخ هــذه الفكــرة‪ ،‬مــا صــدر مــن‬

‫فتــاوى مؤيــدة «للجهــاد األفغانــي» يومهــا‪ ،‬مــن علمــاء مــن عــدة دول إســامية وعربيــة وخاصــة‬

‫اململكــة العربيــة الســعودية (‪ ،)32‬وإن كانــت الغايــة مــن الفتــاوى حينئــذ إضفــاء الشــرعية علــى‬

‫اجلهــاد للدفــاع عــن مســلمني فــي قُ طــر آخــر‪ ،‬ال حصــر الشــرعية السياســية فيــه فــي غيــاب‬

‫اخلالفــة‪ ،‬لكــن التطــورات الالحقــة أسســت ألجيــال جهاديــة جديــدة مبفاهيــم أبعــد مــن ذلــك‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪53‬‬

‫مثــل تنظيــم القاعــدة ومــا مياثلهــا‪.‬‬

‫وال تــزال تصــدر مثــل هــذه الفتــاوى‪ ،‬التــي تــرى وجــوب «جهــاد الدفــع»‪ ،‬أي الدفــاع عــن‬

‫النفــس والديــن دون اعتبــار احلــدود القُ طريــة للــدول‪ ،‬حتــى مــن مؤسســات دينيــة تقليديــة‪ ،‬مــن‬

‫حــن إلــى آخــر كمــا كان الشــأن َّإبــان الثــورات العربيــة‪ ،‬وليــس مــن املتوقــع أن تتوقــف‪ ،‬ألن‬

‫هــذا القــدر مــن «اجلهــاد» وعلــى هــذه الصفــة‪ ،‬يحظــى بقــدر عــال مــن التوثيــق وعلــى صلــة‬

‫مباشــرة مــع النــص‪ ،‬وتؤيــده الســردية اإلســامية‪ ،‬فــي جملــة كبيــرة مــن األدلــة واجتهــادات‬

‫األئمــة املتقدمــن واملعتبريــن لــدى عمــوم املســلمني‪.‬‬

‫أمــا التيــارات الســلفية‪ ،‬فقــد يتعــدد فيهــا مركــز الشــرعية األســاس‪ ،‬خاصــة إذا مــا ُح ِّمــل‬

‫مصطلــح الســلفية علــى أوســع معنــاه‪ ،‬ولكــن التيــار الوهابــي(‪ )33‬الــذي مركــزه الســعودية‬

‫ومــن يــدور فــي فضائــه‪ ،‬فــإن الفكــرة األساســية التــي قامــت عليهــا شــرعية وجــوده األســاس‪،‬‬

‫فهــي النقــاء الدينــي عبــر اإلصــاح بشــقيه العلمــي والعقــدي(‪ ،)34‬أي تصحيــح التوحيــد‬

‫ونبــذ التمذهــب‪ ،‬وحتــى هــي مسحــت لــه ببنــاء شــرعية أخــرى تســتغني عــن خالفــة الدولــة‬

‫تاريخيــا حــال وجودهــا‪ ،‬ولكــن شــرعية وجــوده الدينيــة املعاصــرة كانــت‬


‫ًّ‬ ‫العثمانيــة(‪)35‬‬

‫بالشــراكة مــع الدولــة الســعودية الســيما بعــد والدة الدولــة احلديثــة‪.‬‬

‫وهــذا القــدر املتصــل بـــ “تصحيــح معتقــدات» املســلمني وفقً ــا ملــا صـ َّ‬
‫ـح مــن الديــن وتصويــب‬
‫فهمهــم لــه‪ ،‬شـ َّ‬
‫ـكل الرافعــة األساســية ملجمــل هــذا التيــار‪ ،‬حتــى إنــه اســتطاع أن يؤ ِّثــر فــي‬

‫ـرت بعــض مساتــه فــي‬


‫مؤسســات وشــخصيات دينيــة رمسيــة فــي الــدول العربيــة‪ .‬ال‪ ،‬بــل َسـ َ‬
‫تيــارات إســامية أخــرى‪ ،‬فأصبحــت هنــاك أوصــاف جديــدة فــي هــذا احلقــل لهــا داللتهــا‪،‬‬

‫مثــل‪« :‬جهــادي ســلفي» و»إخوانــي ســلفي»‪ ،‬ومــا إلــى ذلــك‪.‬‬

‫هــذه الســمات األساســية تعتبــر األقــوى لــدى عمــوم التيــارات اإلســامية‪ ،‬بســبب العالقــة‬

‫املباشــرة والوثيقــة بــن األفــكار املؤسســة لــكل تيــار منهــا‪ ،‬وبــن النــص الدينــي ومــا ُيؤ َِّمنــه لهــا‬

‫مــن شــرعية وإن بتفــاوت‪ .‬وباملقارنــة بينهــا واإلســام السياســي‪ ،‬فــإن أهميــة «مصطلــح الدعــوة‬

‫لــدى اإلخــوان املســلمني‪ ،‬أنــه يعكــس حقيقــة مرنــة تشــتمل علــى مــا يقدمــه اجلهاديــون مــن‬
‫‪| 54‬‬

‫حيــث رد االعتــداء‪ ،‬والســلفيون مــن حيــث تصحيــح االعتقــاد والديــن‪ ،‬وإن مــن منظــور‬

‫تاريخيــا ارتبــط لــدى اإلخــوان بـ»فلســطني»‪ ،‬والســلفية لديــه بالتجديــد‬


‫ًّ‬ ‫مختلــف‪ .‬فاجلهــاد‬

‫العلمــي وهــذا كلــه ممــا تعكســه «الدعــوة» لــدى اإلخــوان‪ ،‬فهــم أصحــاب «دعــوة» باملعنــى‬

‫األيديولوجــي (‪ ،)36‬فهــي رســالة تعيــد صهــر مكتســبات التيــارات اإلســامية األخــرى مــن‬

‫القــوة الناعمــة‪( ،‬وحتــى مــن ســواهم) لتتحــول إلــى مكتســبات أليديولوجيتهــا الناعمــة اخلاصــة‬

‫بهــا‪.‬‬

‫‪ .2.2‬املالءمة للمرحلة والبناء التنظيمي‬


‫إن «صالحيــة الديــن لــكل زمــان ومــكان» كإحــدى أهــم مســات أحــكام اإلســام‪ ،‬شـ َّ‬
‫ـكلت‬

‫جوهــر خطــاب اإلســاميني فــي ســعيهم إلقامــة احلكــم اإلســامي‪ ،‬فاحلــركات اإلســامية‬

‫ليســت مجــرد وعــاء تنظيمــي بــل هــي «إطــار دينــي وشــرعي» (جماعــة)‪ ،‬واجــب الوجــود‬

‫إلقامــة أحــكام اإلســام «التدبيريــة»‪ ،‬وكمــا أن الديــن صــاحل لــكل زمــان ومــكان فهــي‬

‫بالضــرورة كذلــك‪ ،‬وبالتالــي صبــت جهدهــا ووجهــت مســارها حنــو املالءمــة واملطابقــة بــن‬

‫ـزءا مــن ذلــك النقــاش أو اجلهــد‬


‫الواقــع والنــص» مــن حيــث التدبيــر السياســي‪ ،‬وكانــت جـ ً‬
‫ـزءا مــن ذلــك املســار ومــن‬
‫للمواءمــة بــن مقاصــد الديــن ومقتضيــات العصــر‪ ،‬وأصبحــت جـ ً‬
‫إرثــه العلمــي والفقهــي لتبنــي عليــه فــي اجلانــب السياســي والتنظيمــي‪.‬‬

‫ــده الباحثــون أحــد أهــم املراجــع التاريخيــة‬


‫فابــن تيميــة‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ ،‬والــذي َي ُع ُّ‬
‫لأليديولوجيــا اإلســامية‪ ،‬مــن أســباب احتفــاء اإلســاميني بكتبــه ومقوالتــه حتــى وجــدت‬

‫ـعا‪ ،‬أنهــا تصــدت لهــذه املعضلــة ســواء بالتنظيــر أو املمارســة فــي بيئــة افتقرت‬ ‫لديهــم قبـ ً‬
‫ـول واسـ ً‬
‫للشــرعية اإلســامية املعهــودة فــي زمنــه (‪ .)37‬كمــا تصــدى لتنظيــم عالقــة العقــل مــع النقــل‪،‬‬

‫أي الواقــع مــع الشــرع فــي كتابــه املشــهور «درء تعــارض العقــل والنقــل» فــي إجابــة علــى‬

‫نــوازل منهجيــة فــي عصــره وهــي متكــررة فــي العصــور الالحقــة (‪ .)38‬وفــي نفــس الســياق‪،‬‬

‫أحــد األمثلــة علــى هــذه احلالــة‪ ،‬محاولــة حركــة اإلحيــاء اإلســامي بــكل تالوينهــا العلميــة‬

‫واالجتماعيــة وحتــى السياســية ‪-‬الســيما مدرســة املنــار وروادهــا‪ :‬محمــد عبــده وجمــال الديــن‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪55‬‬

‫األفغانــي ومحمــد رشــيد رضــا‪ -‬املالءمــة بــن منجــزات العلــم احلديــث واملعتقــدات الدينيــة أو‬

‫ـدا مــا انتهــى إلــى‬


‫بــن بعــض مــا جــاء فــي القــرآن والســنة وعــدم تناقضهــا مــع العلــم (حتديـ ً‬
‫مســع املســلمني مــن علــوم فــي القــرن التاســع عشــر)‪.‬‬
‫ـرا مــن عمــوم التيــارات اإلســامية بغـ ِّ‬
‫ـض النظــر عــن‬ ‫وقــد لقيــت هــذه الدعــوات تفاعـ ً‬
‫ـا كبيـ ً‬
‫إصالحيــا لهــا واندراجهــم‬
‫ًّ‬ ‫ـدادا‬
‫ترحيــب بعضهــم بهــا كاإلخــوان املســلمني واعتبــار أنفســهم امتـ ً‬
‫فــي مســارها التاريخــي‪ ،‬أو نقدهــم لهــا كمــا هــي احلــال مــع التيــار اجلهــادي وأغلــب التيــار‬

‫مســتمرا رغــم املســافة الزمنيــة‪ ،‬ألن األســئلة‬


‫ًّ‬ ‫الســلفي والوهابــي‪ ،‬وال يــزال هــذا التفاعــل‬

‫املطروحــة بقيــت ماثلــة بتحدياتهــا وحتتــاج ألجوبــة تعــزز مــن مكانــة الديــن وصالحيتــه‪ ،‬ومنــه‬

‫ـذرا مــن أن يتراجــع أو يضمحــل بفعــل الزمــن والتطــور‪.‬‬


‫اجلانــب السياســي‪ ،‬حـ ً‬
‫واإلســاميون بعمومهــم معنيــون بهــذا الســؤال احملــوري حــول املالءمــة‪ ،‬وليــس االكتفاء بشــرعية‬

‫منوذجهــم فقــط‪ ،‬فســعوا فــي هــذا الســياق حنــو تقريــر شــكل نظــام سياســي شــرعي مالئــم‬

‫ُبــرئ الذمــة مــن واجــب إقامــة اخلالفــة علــى‬


‫للعصــر‪ ،‬أو علــى األقــل حالــة مــن الشــرعية ت ِّ‬
‫الفــور‪ ،‬وذلــك إلــى حــن توفــر الظــروف املالئمــة إلقامتهــا‪ ،‬مــع حرصهــم علــى إبقائهــا حيــة‬

‫فــي ضميــر املســلمني (‪ ،)39‬ألن املواءمــة بــن الشــريعة اإلســامية والواقــع السياســي املعاصــر‬

‫تضفــي شــرعية ممتــدة تضمــن للشــريعة االزدهــار واالســتقرار فــي املجتمعــات اإلســامية وحتــول‬

‫دون فتورهــا‪ .‬وهــذا ال يتأتــى إال مــن خــال حكــم إســامي شــرعي أو إيجــاد جماعــة أو آليــة‬

‫تقــوم مقامــه‪ ،‬وكأن املســلمني فــي مرحلــة انتقاليــة للوصول حنــو الشــرعية الكاملــة أي «اخلالفة»‪.‬‬

‫ووفــق هــذا املعيــار‪ ،‬فــإن اإلخــوان ‪-‬وللتــاؤم مــع الواقــع‪ -‬قبلــوا بالدولــة القُ طريــة ولكــن مــن‬

‫بــاب الضــرورة كمــا يبــدو مــن صنيعهــم وتراثهــم‪ ،‬علــى أن تكــون محــل إصــاح وتغييــر‬

‫للوصــول إلــى «اخلالفــة»‪ ،‬وهــو الــذي يغلــب علــى ممارســتهم السياســية‪ ،‬فــي حــن اســتمرت‬

‫ـزءا مــن ثقافتهــم وعقيدتهــم السياســية‪ ،‬ولكــن النمــوذج األقــرب‬


‫اخلالفــة كمبــدأ دينــي وجـ ً‬
‫إليهــم الوصــول الحتــاد يجمــع الــدول اإلســامية بــرأس واحــد‪ ،‬مــا يفتــح البــاب للتفكيــر‬

‫بشــرعية احلكــم واخلالفــة خــارج اإلطــار التقليــدي‪ ،‬حيــث يقــول البنــا عــن اخلالفــة‪« :‬شــعيرة‬
‫‪| 56‬‬

‫إســامية يجــب علــى املســلمني التفكيــر فــي أمرهــا‪ ،‬واالهتمــام بشــأنها‪...‬واإلخوان املســلمون‬

‫لهــذا يجعلــون فكــرة اخلالفــة والعمــل إلعادتهــا فــي رأس مناهجهــم‪ ،‬وهــم مــع هــذا يعتقــدون‬

‫أن ذلــك يحتــاج إلــى كثيــر مــن التمهيــدات التــي البــد منهــا‪ ،‬وأن اخلطــوة املباشــرة إلعــادة‬

‫اخلالفــة البــد وأن تســبقها خطــوات‪ :‬البــد مــن تعــاون عــام ثقافــي واجتماعــي واقتصــادي‬

‫بــن الشــعوب اإلســامية كلهــا‪ ،‬يلــي ذلــك تكويــن األحــاف واملعاهــدات‪ ،‬وعقــد املجامــع‬

‫واملؤمتــرات بــن هــذه البــاد‪ ...‬ثــم يلــي ذلــك تكويــن عصبــة األمم اإلســامية‪ ،‬حتــى إذا مت‬

‫ذلــك للمســلمني نتــج عنــه االجتمــاع علــى «اإلمــام» الــذي هــو واســطة العقد‪...‬وظــل اهلل فــي‬

‫األرض»(‪.)40‬‬

‫أمــا احلركــة الوهابيــة والتيــارات الســلفية التــي تشــبهها‪ ،‬كانــت مــن أســرع التيــارات اإلســامية‬

‫فــي حتقيــق املالءمــة وحســمها علــى صعيــد الدولــة القُ طريــة‪ ،‬حيــث رأت فــي التــزام احلاكــم‬

‫املســلم ‪-‬فــي «الدولــة القطريــة»‪ -‬بتطبيــق احلــدود الشــرعية أي القوانــن اجلنائيــة اإلســامية‬

‫‪-‬بالطبــع إلــى جانــب األحــوال الشــخصية‪ -‬هــو أدنــى الشــرعية‪ ،‬وهــو املؤشــر عندهــا علــى‬

‫صحــة املالءمــة بــن «الدولــة القطريــة» و»النــص» الشــرعي‪ .‬وانتهــت املالءمــة لــدى بعــض‬
‫التيــارات الســلفية (كا َمل َد ِ‬
‫اخ َلــة مثـ ً‬
‫ـا (‪ ))41‬إلــى أنهــا تتصــل بالســعي الدائــم للمواءمــة بــن منوذج‬

‫الدولــة الشــرعية ونظــام احلكــم فــي اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬حيــث احلاكــم يطبــق احلــدود‬

‫كمــا تقدمهــا النصــوص دون أي تأويــل أو تفريــط بالنــص‪ ،‬وذلــك فــي تواصــل مــع النقــاء‬

‫الدينــي الــذي قامــت عليــه عمــوم شــرعية احلركــة الســلفية‪ .‬ولــم تُســقط الوهابيــة واحلــركات‬

‫عمليــا وضعــت النقــاء العلمــي والعقــدي‬


‫ًّ‬ ‫التــي تشــبهها اخلالفــة اإلســامية مــن وعيهــا‪ ،‬لكنهــا‬
‫كأولويــة ألي حكــم شــرعي وشـ ً‬
‫ـرطا للوصــول إليــه‪ ،‬وأضفــت الشــرعية علــى «اململكــة العربيــة‬

‫الســعودية» ككيــان معاصــر فــي قطــر محــدود «يحتضــن رؤيــة إصالحيــة» ويعمــل علــى الترويــج‬

‫لهــا‪.‬‬
‫أمــا اجلهاديــون‪ ،‬فأدركــوا ً‬
‫أيضــا صعوبــة إقامــة اخلالفــة فــي الواقــع الــذي هــم فيــه‪ ،‬وإذا كان‬

‫مفهومــا علــى الصعيــد الفــردي فإنــه غيــر مفهــوم فــي التعامــل مــع الســلطة‬
‫ً‬ ‫«دفــع الصائــل»‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪57‬‬

‫والدولــة وفــي كيفيــة الوصــول للتغييــر الشــرعي لنظــام غيــر شــرعي‪ ،‬وأفضــت التطــورات التــي‬

‫أســهمت فــي والدة هــذا التيــار بصــورة منظمــة علــى األقــل فــي مثــال «تنظيــم القاعــدة»‪،‬‬

‫الــذي يــرى وجــوب التغييــر وإقامــة احلكــم اإلســامي فــي العاملــن العربــي واإلســامي عبــر‬

‫«اجلهــاد»‪ ،‬ولكــن لــن يتحقــق ذلــك إال بهزميــة «الهيمنــة» األميركيــة والغربيــة والصهيونيــة فــي‬

‫املنطقــة التــي تفــرض شــروط النظــام اإلقليمــي‪ ،‬وبهــذا يتعــن اجلهــاد ليــس لدحــر احملتــل‬

‫فحســب بــل لدحــر هــذه «الهيمنــة» بــكل أشــكالها ومــا احلــكام العــرب إال مــن نتاجهــا‪ .‬هــذه‬

‫هــي الفلســفة التــي قــام عليهــا ومــن أجلهــا وبســببها تنظيــم القاعــدة‪ ،‬وكان إعــان أســامة بــن‬

‫الدن الشــهير عــام ‪ 1998‬ملواجهــة «الصليبيــن والصهاينــة »(‪.)42‬‬

‫فالقاعــدة‪ ،‬تســعى للمالءمــة بــن «فريضــة اجلهــاد» والواقــع السياســي «غيــر الشــرعي» دون‬

‫الســعي إلعــان اخلالفــة فــي أيــة دولــة قطريــة بعينهــا‪ ،‬فهــي معنيــة بالدفــاع عــن العالــم‬

‫اإلســامي ضــد «الهجمــة الغربيــة الصهيونيــة»‪ ،‬وضــد «عمــاء االســتعمار» أي «األنظمــة‬

‫املســتبدة» وكذلــك «مــن لــم يحكــم مبــا أنــزل اهلل» فــي املنطقــة‪ ،‬فــي ســبيل التمهيــد للخالفــة‬

‫أو للحكــم الشــرعي‪ ،‬وليــس إلقامتهــا علــى الفــور‪.‬‬

‫عمليــا ترجــئ إقامــة اخلالفــة أو تأســيس «حكــم‬


‫ًّ‬ ‫وميكــن مالحظــة أن كل احلــركات اإلســامية‬

‫شــرعي» نهائــي فــي إطــار الدولــة القطريــة أو علــى أرض الواقــع‪ ،‬حتــى الوهابيــة ذات املركــز‬

‫تقليديــا مــن الســردية‬


‫ًّ‬ ‫عقائديــا لتحقيــق اخلالفــة‪ ،‬ألنــه ال حــل‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫هامشــا‬ ‫الســعودي تتــرك‬
‫اإلســامية يبــرر جتزئــة «األمــة» ً‬
‫دول عــدة وبشــرعية نهائيــة‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا عــن أنــه فــي الواقــع املعاصــر‬

‫ـدا جيوسياسـ ًّـيا يســمح‬


‫يعطــي اململكــة وعمــوم الفاعلــن فيهــا‪ ،‬سياســيني وغيــر سياســيني‪ ،‬بعـ ً‬
‫لهــم يتجــاوز احلــدود الوطنيــة‪ ،‬وميتــد حيــث ميتــد الديــن‪.‬‬

‫وقــد يكــون هــذا اجلــزء «التــاؤم مــع املرحلــة»‪ ،‬هــو األصعــب علــى القــوة الناعمــة أليديولوجيــا‬

‫مجمــل التيــارات اإلســامية‪ ،‬ألن املالءمــة تتطلــب منهــا التخفــف مــن حرفيــة النــص (بالتأويــل‬
‫مثـ ً‬
‫ـا) أو وضــع مســافة مــا معــه‪ ،‬لصــاحل االقتــراب مــن الواقــع لتحقيــق مصــاحل النــاس (باملعنــى‬

‫الشــرعي) وبالتالــي مصاحلهــا‪ ،‬ســواء للبقــاء أو االزدهــار فــي ظــل شــرعية دينيــة‪.‬‬
‫‪| 58‬‬

‫ولكــن تبــدو الوهابيــة رغــم «نصوصيتهــا» مرنــة أكثــر فــي قبولهــا السياســي للدولــة القطريــة فــي‬

‫النمــوذج الســعودي‪ ،‬مــا يعطيهــا مزيــة علــى الصعيــد الوطنــي سياسـ ًّـيا لــدى الدولــة‪ ،‬لكنهــا‬

‫اجتماعيــا مغلقً ــا‪ ،‬مــا يجعلهــا عاجــزة عــن أيــة‬ ‫ومنوذجــا‬


‫ً‬ ‫فقهيــا‬ ‫باملقابــل تلتــزم مذهبــا ومسـ ً‬
‫ـلكا‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫مالءمــة علــى صعيــد احلقــوق السياســية واإلنســانية مثـ ً‬
‫ـا‪.‬‬

‫أمــا احلــركات اجلهاديــة‪ ،‬الســيما املنظمــة منهــا‪ ،‬فهــي فــي الغالــب ذات طبيعــة مهاجــرة‪،‬‬

‫وتنتقــل حيــث تتــاءم البيئــة معهــا وليــس العكــس‪ ،‬حيــث الدولــة هشــة وتعانــي مــن فــراغ‬

‫تطــورا وحداثــة‪ ،‬مــا‬


‫ً‬ ‫أمنــي وقانونــي مبــا يســمح لهــا بــأن تطبــق تصوراتهــا علــى أرض أقــل‬

‫يجعــل التــاؤم معهــا أســهل‪.‬‬

‫وبالنتيجــة‪ ،‬هــذه احلالــة مــن «املالءمــة بــن اإلســام والواقــع»‪ ،‬هــي عبــارة عــن نضــال يومــي‬

‫غالبــا مــا يقــوده الفقهــاء والدعــاة فــي احلــركات اإلســامية بالدرجــة األولــى ومن ثــم أصحاب‬
‫ً‬
‫اخلبــرات األخــرى فيهــا‪ ،‬ولكــن التيــار اإلســامي الرئيســي يبــدو أكثــر مرونــة مــن ســواه‪ ،‬مــن‬

‫حيــث عالقتــه مــع املجتمعــات اإلســامية‪ ،‬فهــو ينســب نفســه ملســار طويــل مــن املصلحــن‬

‫املطالبــن بإعــادة إحيــاء اإلســام فــي املجتمعــات اإلســامية دون االلتــزام مبذهــب فقهــي أو‬

‫منفتحــا أكثــر مــن بقيــة التيــارات اإلســامية األخــرى علــى‬


‫ً‬ ‫مشــرب دينــي محــدد‪ ،‬مــا جعلــه‬

‫علمــاء املســلمني فــي دول ومجتمعــات شــتى‪ ،‬فهــو يبحــث عــن «إجماعــات» لــدى املســلمني‬

‫فــي كل مرحلــة وعلــى كل صعيــد دون أن يقــف عنــد أحدهــا‪ ،‬فهــو فــي متــاه دائــم مــع‬

‫االجتهــاد ألنــه مشــروع «غيــر ناجــز» ال ينتهــي وال يريــد أن يكــون كذلــك(‪.)43‬‬

‫وهــذا مــا يفســر قــدرة التيــار اإلســامي الرئيســي علــى التأقلــم مــع املســتجدات وتصــدر‬

‫القضايــا والتحديــات التــي تواجــه شــرائح واســعة مــن اجلمهــور املســلم‪ ،‬وقــد حتــوز الشــرعية‬
‫ملجــرد التصــدي لهــا‪ .‬وهــذا ً‬
‫أيضــا ال يعنــي أكثــر مــن القــدرة علــى التأقلــم والبقــاء والتصــدر‬

‫إذا مسحــت الظــروف فــي إطــار النظــام‪ ،‬وليــس القيــادة والتحكــم بــه باالســتناد إلــى شــرعيتها‬

‫الدينيــة‪ ،‬وهــي مرحلــة متقدمــة مــن الشــرعية والفعاليــة السياســية‪.‬‬


‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪59‬‬

‫‪ .3.2‬الفعالية السياسية وجواب الشرعية‬


‫املقصــود بالفعاليــة السياســية الوصــول إلــى «احلكــم» وممارســة الســلطة فــي إطــار تنظيمــي‬

‫متكامــل يحمــل شــرعيته الدينيــة املســتقاة مــن الســردية اإلســامية‪ ،‬ولكــن فــي مالءمــة مؤثــرة‬

‫مــع الواقــع (بغــض النظــر عــن صحــة مــا تقــوم عليــه هــذه الفعاليــة مــن عدمهــا)‪ .‬والفعاليــة‬
‫‪-‬عمليــا‪ -‬خطــاب يعلــن إجنــاز املطابقــة بــن واقــع الســلطة وشــرعية النــص فــي احلــال‪ ،‬فهــو‬
‫ًّ‬
‫يقــدم إجابــة علــى ســؤال الشــرعية حــول احلكــم بإعالنــه إســامية الســلطة فــي محــاكاة‬

‫لـ»اخليــال السياســي» جلمهــور املســلمني‪ ،‬ومــن موقــع «الســلطة» نفســها لتأكيــد شــرعيتها‪.‬‬

‫وميكــن القــول‪ :‬إن التيــار الرئيســي اإلســامي قــد وصــل إلــى مرحلــة مــن الفعاليــة السياســية في‬

‫زمنيــا‪ ،‬حيــث اســتطاعت حركة‬


‫ًّ‬ ‫تفاعــل مــع ثــورات الربيــع العربــي‪ ،‬ولــو لفتــرة ليســت بالطويلــة‬

‫اإلخــوان املســلمني املالءمــة بــن «احلكــم الشــرعي» وفقً ــا ملــا جــاء فــي الســردية اإلســامية مــع‬

‫«حريــة االختيــار» أو «الدميقراطيــة» التــي جــاءت بهــا ثــورات الربيــع العربــي‪ ،‬فحســمت موقفهــا‬

‫ـرا ممك ًنــا‪ ،‬وقدمتهــا‬


‫‪-‬ولــو ببعــض التحفــظ‪ -‬مــن شــرعية الدولــة القطريــة احلديثــة ووجدتهــا أمـ ً‬
‫علــى مــا اســتقر فــي ضميــر أتباعهــا مــن أن ال شــرعية إســامية إال لنمــوذج اخلالفــة (ودون‬

‫ـعا مــن اجلمهــور العربــي واإلســامي ووصلــت‬


‫ـورا واسـ ً‬
‫التخلــي عنهــا)‪ .‬فجذبــت شــرائح وجمهـ ً‬
‫بفعاليتهــا السياســية إلــى ســدة احلكــم فــي مصــر‪ ،‬بفــوز محمــد مرســي فــي االنتخابــات‬
‫الرئاســية عــام ‪ .2012‬وبالتــوازي‪ ،‬تصــدرت بعــض فروعهــا أو املشــابهة لهــا بقيــة الثــورات «مثــل‬

‫النهضــة فــي تونــس»‪ ،‬أو التــي تبنــت أطروحاتهــا فــي معظــم دول العالــم العربــي‪.‬‬

‫يرتقــي وصــول اإلخــوان إلــى الســلطة فــي مصــر بأهميتــه إلــى مســتوى أهميــة احلركــة نفســها‪،‬‬

‫تاريخيــا وقامــت باســم إعــادة إحيــاء اخلالفــة‪ ،‬وهــي احلركــة‬


‫ًّ‬ ‫فهــي احلركــة اإلســامية األقــدم‬

‫«األم» التــي تناســلت منهــا أو خرجــت منهــا أو عنهــا معظــم اجلماعــات اإلســامية األخــرى‪،‬‬

‫ولديهــا أذرع وقــوة ثقافيــة‪ ،‬وأخــرى سياســية‪ ،‬فــي معظــم الــدول العربيــة‪ ،‬وكذلــك فــي دول‬

‫إســامية عــدة‪ ،‬واســتطاعت أن تصــل إلــى رئاســة إحــدى أهــم الــدول العربيــة إن لــم تكــن‬

‫ـدد علــى أن «اإلســام هــو احلــل»‪ ،‬وبتحالــف إســامي‬


‫أهمهــا علــى اإلطــاق‪ ،‬وببرنامــج يشـ ِّ‬
‫‪| 60‬‬

‫ـد‬
‫يضــم ســلفيني أو باألحــرى معظــم الســلفيني دون أيــة قــوة أخــرى غيــر إســامية‪ ،‬مبــا كان ُي َعـ ُّ‬
‫بنظــر مؤيديــه بنــاء منــوذج جديــد لـ»دولــة إســامية» علــى األقــل‪ ،‬وبنظــر شــريحة واســعة مــن‬

‫انقالبــا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فضــا عــن شــريحة مؤثــرة فــي العالــم العربــي‪ ،‬وكادت حتــدث‬ ‫اجلمهــور املصــري‪،‬‬

‫فــي مفهــوم الشــرعية فــي املنطقــة العربيــة‪ ،‬الســيما أنهــا جــاءت فــي ســياق «ثــورة» علــى‬

‫ـرا‬
‫االســتبداد‪ ،‬ولتقــر «شــرعية» جديــدة مســتأنفة فــي العالــم العربــي‪ .‬وتركــت سياسـ ًّـيا تأثيــرا كبيـ ً‬
‫علــى اإلقليــم برمتــه حيــث ظهــرت حركــة «مضــادة للثــورات» حتــت عنــوان محاربــة اإلخــوان‬

‫وأســقطت هــذا احلكــم بانقــاب عســكري فــي مصــر فــي خضــم اعتراضــات شــعبية علــى‬

‫الرئيــس محمــد مرســي‪ ،‬وال تــزال احلركــة تتعــرض إلــى محاولــة اســتئصال فــي أكثــر مــن‬

‫دولــة عربيــة‪ ،‬حتــى إن تصنيــف خطرهــا لــدى بعــض الــدول العربيــة (خاصــة الرباعيــة‪ ،‬مصــر‬

‫واإلمــارات والســعودية والبحريــن) قــد اقتــرن بخطــر تنظيــم الدولــة وأنهمــا ســواء‪ ،‬مــن حيــث‬

‫التطــرف أو اإلرهــاب وإن اختلفــت أســاليب عمــل كل منهمــا‪.‬‬

‫الالفــت هنــا أن أيــة حركــة أخــرى لــم تصل‪ ،‬في ســياق الربيــع العربــي‪ ،‬إلــى «الفعالية السياســية»‬

‫املوصوفــة هــذه‪ ،‬وبــدت عمــوم احلــركات اإلســامية‪ ،‬وخاصــة بعــد فــوز اإلخــوان بالرئاســة‬

‫فــي مصــر‪ ،‬كالقاطــرة التــي يحــرص اجلميــع علــى االســتقامة وراءهــا رغــم اخلالفــات العميقــة‬

‫معهــا‪ .‬حتــى تنظيــم القاعــدة أوقــف تصعيــده ضــد اإلخــوان وكأنــه دخــل فــي هدنــة معهــم‬

‫زمنيــا مــع َفقْ ـ ِـده ِّ‬


‫ملؤسســه‪ ،‬أســامة‬ ‫ًّ‬ ‫ورمبــا جتــاوز ذلــك الســيما أن الثــورات العربيــة قــد تقاطعــت‬

‫بــن الدن (اغتالتــه القــوات األميركيــة فــي ‪ 2‬مايو‪/‬أيــار ‪ ،)2011‬ودخــل فيمــا يشــبه املراجعــة‬

‫لنهجــه الســابق‪ ،‬وكان زعيمــه اجلديــد‪ ،‬أميــن الظواهــري‪ ،‬يتأ َّلــف اإلخــوان ُ‬
‫ويحـ ِّ‬
‫ـذر مــن الــدور‬

‫تلمــس موقــف واضــح مــن‬


‫االنقالبــي الــذي ميكــن أن يلعبــه اجليــش‪ .‬وبعــد االنقــاب ميكــن ُّ‬
‫الظواهــري إلــى جانــب الرئيــس‪ ،‬محمــد مرســي‪ ،‬وإن اســتعمل لغــة دينيــة متحفظــة علــى «نهــج‬
‫ً‬
‫تعاطفــا لــم ُي ْع َهــد فــي كالم القاعــدة مــع اإلخــوان (‪.)44‬‬ ‫اإلخــوان»‪ ،‬لكنهــا عكســت‬

‫وباملقابــل‪ ،‬كان الظهــور الطاغــي لتنظيــم الدولــة اإلســامية فــي العــراق والشــام‪ ،‬ولكــن جــاء‬

‫فــي اجتــاه معاكــس وســار فــي ســياق احلركــة املضــادة للثــورات مــن حيــث معاداتــه للدميقراطية‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪61‬‬

‫أو «حريــة االختيــار»‪ ،‬وكان مســار جتربتــه فــي ســياق الربيــع العربــي‪ ،‬أشــبه بقطــار يصــدم قطــار‬

‫ـتفيدا مــن حلظــة‬


‫وجهــا لوجــه مسـ ً‬
‫ً‬ ‫حركــة اإلخــوان املســلمني وعمــوم تيــارات اإلســام السياســي‬

‫ضعفهــم‪ ،‬فهــو مــن الناحيــة السياســية واللحظــة التاريخيــة اســتهدف جتربــة اإلخــوان بشــكل‬

‫ـوض شــرعيتهم‬
‫وردتهــم» مبــا يقـ ِّ‬
‫حريصــا علــى التأكيــد علــى «كفرهــم َّ‬
‫ً‬ ‫مقصــود ومباشــر‪ ،‬وكان‬

‫الدينيــة‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنهــم كانــوا يتعرضــون ‪-‬الســيما فــي مصــر‪ -‬للمالحقــة مــن احلكــم‬

‫ـرا علــى دولتــه‬ ‫ِّ‬


‫العســكري اجلديــد بعــد اإلطاحــة بهــم‪ ،‬ومــن املفتــرض أنهــم ال يشــكلون خطـ ً‬
‫البتــة‪ ،‬وحتــى فــي نطــاق دولتــه كان االتهــام باالنتمــاء لإلخــوان يعنــي احلكــم بالــردة والقتــل‪،‬‬

‫أو االســتتابة علــى األقــل‪.‬‬

‫وبلــغ التنظيــم مرحلــة متقدمــة مــن التأثيــر العســكري والسياســي‪ ،‬باســتدعائه منــوذج اخلالفــة‬
‫كمــا جــاء فــي «الســردية اإلســامية»‪ ،‬هــذا ً‬
‫أول‪ ،‬ومــن ثــم إعالنــه إياهــا علــى رقعــة مــن األرض‬

‫ثانيــا‪ :‬كانــت املالءمــة املؤثــرة واملواءمــة علــى هــذا األســاس‪ ،‬حيــث‬


‫فــي «العــراق والشــام»‪ً ،‬‬
‫أقــام «خالفــة» وفــق شــروط دينيــة تاريخيــة ولكــن علــى «أرض الواقــع»‪ ،‬وهــو مــا لــم تفعلــه أيــة‬

‫حركــة إســامية منــذ نشــأة الدولــة العربيــة احلديثــة‪ .‬واســتطاعت دولــة التنظيــم بهــذا أن جتــذب‬

‫أنصــارا ومقاتلــن مــن عــدة دول إســامية وحتــى غربيــة أو مــن بقيــة احلــركات اإلســامية‬
‫ً‬
‫الســيما اجلهاديــة‪ ،‬وعملــت علــى إعــادة تأهيلهــم ليتالءمــوا مــع تعاليمهــا املتشــددة وكأنهــا‬

‫اســتعادة النبعــاث اإلســام‪ ،‬واســتعملت وســائل االتصــال احلديثــة لترويــج تعاليمهــا خــارج‬

‫أرضهــا وعلــى نطــاق عاملــي‪.‬‬

‫قــد يبــدو تنظيــم الدولــة فــي طــوره هــذا أحــد األفــكار املتقدمــة علــى تنظيــم القاعــدة‪ ،‬فمــن‬

‫الناحيــة الفكريــة قفــز مــن التمهيــد إلقامــة اخلالفــة إلــى إعــان «اخلالفــة» مباشــرة فــي حيــز‬
‫ً‬
‫وبعضــا مــن العــراق‪ ،‬ولــم‬ ‫مكانــي‪ ،‬خــارج حــدود ســايكس‪-‬بيكو‪ ،‬فشــمل ً‬
‫بعضــا مــن الشــام‬

‫يعتــرف بالنظــام الدولــي القائــم وال العالقــات التــي يقــوم عليهــا‪ .‬وصــادر بهــذا الشــرعية‬

‫التــي يقــوم عليهــا تنظيــم القاعــدة‪ ،‬فشــرعيته ليســت منبثقــة مــن «أميــر قتــال» بــل مــن «خليفــة‬

‫املســلمني» وليــس مــن «اجلهــاد» بــل مــن «اخلالفــة» نفســها‪ ،‬فـ»شــرعيته» بهــذا تتجــاوز تلــك‬
‫‪| 62‬‬

‫التــي كســبتها القاعــدة فــي كل تاريخهــا «اجلهــادي»‪ .‬ولكــن بخســارة تنظيــم الدولــة الســيطرة‬

‫املكانيــة‪« ،‬أرض اخلالفــة»‪ ،‬وهــي جوهــر قوتــه الناعمــة‪ ،‬فإنــه تالشــى بســرعة‪ ،‬حتــى إن تأثيــره‬

‫وحماســته قــد ذبلــت بنفــس الســرعة التــي صعــد بهــا‪.‬‬

‫وهــذا مــا يطــرح الســؤال حــول حقيقــة مســتوى التأثيــر الــذي وصلــه تنظيــم الدولــة‪ ،‬وإذا مــا‬

‫بلــغ مســتوى مــن «الفعاليــة السياســية» وفــق الصفــة املعتمــدة فــي هــذه الدراســة‪ ،‬واجلــواب‬

‫يتأتــى فــي هــذا الســياق علــى األقــل مــن جهتــن‪:‬‬


‫ً‬
‫أول‪ :‬جتــاوز التنظيــم التوثيــق الدينــي لشــرعيته‪ :‬حيــث أعلــن بعــد إعــان «دولتــه» متســكه‬

‫بالشــرعية املســتقاة مــن «خليفــة»‪ ،‬ال يعرفــه النــاس ولــم يختــاروه‪ ،‬وحاولــوا املجادلــة بصحتهــا‬

‫بعــدة منشــورات علــى طريقــة كتــب األحــكام الســلطانية‪ ،‬فكان التشــكيك بشــرعيته اإلســامية‬
‫واقعــا ال محالــة حتــى فــي مجــال ســلطته‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا عــن التنــدر ببعــض مقوالتهــم علــى مســتوى‬ ‫ً‬
‫العالــم اإلســامي‪ .‬كمــا أهــدر كل التوثيــق للشــرعية املســتقاة مــن النــص‪ ،‬عندمــا أهــدر ذلــك‬

‫«اجلهــاد» الــذي تعتمــد شــرعيته علــى دفــع العــدوان وال يحتــاج خلليفــة ويكفــي أميــر قتــال‬
‫فيــه‪ ،‬فلــم يلتحــق بالتنظيــم إال مــن يؤمــن بشــرعية اخلليفــة‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا عــن تــآكل شــرعية هــذا‬

‫األخيــر مــع الوقــت وبســرعة‪.‬‬

‫ثانيــا‪ :‬لــم يســتطع التــاؤم مــع املرحلــة‪ :‬فالتنظيــم منقطــع عــن أيــة جتربــة إســامية أخــرى‪ ،‬وال‬
‫ً‬
‫حقيقيــا فــي املالءمــة بــن النــص والواقــع الســيما فــي املجــال السياســي فضـ ً‬
‫ـا‬ ‫ًّ‬ ‫ميلــك ترا ًثــا‬

‫عــن ســواه‪ ،‬واعتمــد علــى «شــرعيني»‪ ،‬كمــا كان يوصفــون‪ ،‬لــم يعــرف لهــم بــاع فــي العلــم‬

‫قياســا بحجــم التحديــات التــي تتأتــى مــن إعــان‬


‫ً‬ ‫الشــرعي وبعضهــم كانــت معرفتهــم بســيطة‬

‫ـم ْون بـ»الشــرعيني»‪ ،‬إال لتطبيــق‬


‫دولــة‪« ،‬وبعــد إعــان اخلالفــة‪ ،‬لــم تعــد احلاجــة تدعــو ملــن ُي َسـ َّ‬
‫«الشــريعة» فــي ُبعدهــا القضائــي (للقضــاء والتقاضــي)‪ ،‬أو لتأكيــد اخليــارات واألحــكام الدولتيــة‬

‫التــي يأمــر بهــا «اخلليفــة البغــدادي» أو أمــراؤه «بتفويــض منــه»‪ .‬وبعــد أن انتهــت دولتــه‪ ،‬كان‬
‫التنظيــم أصـ ً‬
‫ـا قــد خســر الشــرعية التنظيميــة‪ ،‬وهــي الفكــرة التــي كانــت توفرهــا القاعــدة‪ ،‬التي‬

‫تــرى أن اجلهــاد فــي هــذا العصــر هــو للتهيئــة للخالفــة‪ ،‬وهــو كاجلهــاد إلقامتهــا‪ .‬وهــي الفكــرة‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪63‬‬

‫التــي يحتاجهــا بعــد ســقوطه ويبــدو اآلن أنــه يحتــاج إلــى مقــوالت بديلــة إلعــادة احلشــد‪.‬‬

‫مطلبــا‬
‫ً‬ ‫بعبــارة أخــرى‪ ،‬إن التنظيــم أراد القفــز إلــى «الفعاليــة السياســية» بإعالنــه «اخلالفــة» كونهــا‬

‫جاذبــا لتطلعــات الشــعوب اإلســامية‪ ،‬دون أن يصــل إليهــا مــع شــرعية إســامية كافيــة‪ ،‬ودون‬
‫ً‬
‫أن ميلــك أجوبــة للمالءمــة بــن النــص والواقــع ولــو علــى األقــل علــى الصعيــد السياســي‪ .‬فهــو‬

‫لــم يأخــذ باالعتبــار أن الشــرعية الدينيــة فــي هــذا العصــر كمــا فــي كل عصــر راهــن‪ ،‬لــن متــر‬

‫إال بــن يــدي املجتمعــات وواقعهــا املعاصــر‪ ،‬مبــا يتضمنــه مــن حتديــات ومصــاحل وقيــم‪ ،‬ختتلف‬

‫عــن النمــوذج التاريخــي الــذي اكتفــى باســتدعائه وأراد أن يعيــد تكويــن الواقــع ليتــاءم معــه‬

‫عبــر الشــدة والعنــف‪.‬‬

‫حتديــا لإلســاميني‬
‫ً‬ ‫ولكــن رغــم أن التنظيــم لــم يبلــغ الفعاليــة السياســية املوصوفــة‪ ،‬لكنــه شـ َّ‬
‫ـكل‬

‫عمومــا وصدمــة للضميــر اإلســامي‪ .‬إن تنظيــم الدولــة اعتمــد فــي التدليــل علــى صحــة‬
‫ً‬
‫منوذجــه لـ»اخلالفــة» ووجــوب إقامتهــا بنفــس اإلرث الفقهــي والدينــي الــذي يســتند إليــه‬

‫عمــوم اإلســاميني ‪-‬ومــا اســتقر فــي وعــي عمــوم املســلمني‪ -‬فــي تبريــر منوذجهــم األســاس‪،‬‬

‫الــذي يدعــو لعــدم التمييــز بــن الديــن والسياســة‪ ،‬ال بــل اعتمــد أصــح مــا ورد مــن أحاديــث‬

‫كثيــرا مــن املقــوالت التــي طاملــا ســ َّلم اإلســاميون بأولويتهــا فــي‬
‫ً‬ ‫وليــس أضعفهــا‪ ،‬وأحيــا‬

‫إقامــة الدولــة‪ ،‬مثــل‪ :‬إقامــة احلــدود‪ ،‬وتفعيــل احلســبة واألمــر باملعــروف والنهــي عــن املنكــر‪،‬‬
‫ومــا إلــى ذلــك مــن واجبــات سياســية فضـ ً‬
‫ـا عــن النمــوذج االجتماعــي املتشــدد الــذي تبنــاه‬

‫س قوتــه الناعمــة‪ُ ،‬فتحــت بقيــة صفحــات التنظيــم ومــا‬ ‫ُ‬


‫التنظيــم‪ .‬وبســقوط «أرض اخلالفــة»‪ ،‬أ ِّ‬
‫تتضمنــه مــن مآخــذ عليــه ومــا ارتكبــه مــن «عنــف شــديد» حتــى ضــد مــن جــاء ‪-‬بحســب لغــة‬

‫التنظيــم‪ -‬ليخرجهــم مــن «حكــم اجلاهليــة» إلــى حكــم «اإلســام»‪ ،‬أي حاضنتــه ومــن يفتــرض‬

‫أنــه جــاء الســتنقاذهم‪.‬‬

‫قائمــا‬
‫حتديــا ً‬
‫ً‬ ‫ـادا لتيــار اإلســام السياســي‪ ،‬فإنــه ســيبقى‬
‫وعلــى الرغــم مــن أن التنظيــم كان مضـ ًّ‬
‫وأحــد األســئلة الكبيــرة التــي يجــب عليهــم اإلجابــة عليهــا‪.‬‬

‫ومــن الواضــح باملقابــل أن حركــة اإلخــوان املســلمني‪ ،‬قــد بلغــت مرحلــة متقدمــة مــن «الفعاليــة‬
‫‪| 64‬‬

‫السياســية» فــي ســياق الثــورات وبآلياتهــا وفــي إطــار الدولــة القطريــة وبرؤيــة إصالحيــة‪ ،‬ولــم‬

‫تنتــه رغــم ســقوطها بانقــاب عســكري وبحركــة مضــادة للثــورة واحتفظــت لنفســها مبكانــة‬

‫مــا بــن جمهــور الثــورات العربيــة‪ ،‬رغــم تراجعهــا الكبيــر والنقــد الشــديد الــذي تتعــرض لــه‬

‫واملآخــذ واألخطــاء التــي قــد ُتســب عليهــا‪.‬‬


‫لــم تــدم فعاليــة احلركــة طويـ ً‬
‫ـا حتــى إنهــا كانــت تتراجــع وهــي ال تــزال فــي احلكــم‪ ،‬فالعســكر‬

‫انقلــب علــى احلركــة منتهــ ًزا فرصــة انقــاب رأي شــرائح شــعبية وتظاهرهــا ضــد الرئيــس‪،‬‬
‫محمــد مرســي‪( ،‬تظاهــرات ‪ 30‬يونيو‪/‬حزيــران ‪ ،)2013‬وذلــك بغـ ِّ‬
‫ـض النظــر عــن النقــاش حــول‬

‫صحــة التآمــر احمللــي أو اإلقليمــي ونوايــا احلركــة الطيبــة أو الســيئة‪ .‬فاحلركــة بعــد أن وصلــت‬

‫إلــى الرئاســة أخــذت فعاليتهــا السياســية تتراجــع بغــض النظــر عــن التضحيــات التــي قدمتهــا‪،‬‬

‫فقدرتهــا علــى املالءمــة بــن خطابهــا الدينــي «وحريــة االختيــار» أدى غرضــه بالوصــول إلــى‬

‫ـبيا‪ ،‬ولكنهــا بعــد ذلــك عجــزت عــن االســتمرار بنفــس‬


‫احلكــم ومتكــن أنصارهــا منــه ولــو نسـ ًّ‬
‫القــوة التــي وصلــت بهــا إلــى احلكــم‪.‬‬

‫ـرا عميقً ــا فــي اإلخــوان أنفســهم‪،‬‬ ‫ومــن الواضــح ً‬


‫أيضــا أن جتربــة اإلخــوان فــي مصــر تركــت أثـ ً‬
‫ففضـ ً‬
‫ـا عــن اخلالفــات التــي نشــبت بــن إخــوان مصــر بعضهــم ً‬
‫بعضــا‪ ،‬فــإن مجمــل فــروع‬

‫اإلخــوان تراجعــت أو غيــرت مــن ســلوكها‪ ،‬ودخــل أكثرهــا إن لــم يكــن جميعهــا فــي مراجعات‬

‫ال تــزال مســتمرة‪ .‬كمــا أنهــا تركــت تداعيــات علــى مجمــل التيــار اإلســامي‪ ،‬فتراجــع حركــة‬

‫بهــذا احلجــم ســيثير تســاؤالت حــول صحــة النمــوذج اإلســامي ومــدى صالحيتــه للتعامــل‬

‫مــع الواقــع السياســي املعاصــر‪.‬‬

‫‪ .3‬مستقبل اإلسالميني والتكيف األيديولوجي‬


‫إن مســتقبل اإلســاميني‪ ،‬وخاصــة التيــار الرئيســي‪ ،‬مــن خــال املنظــور األيديولوجــي ميكــن‬

‫حتديــده‪ ،‬علــى األقــل مبــا يحقــق غايــة هــذه الدراســة ومبــا تســمح بــه‪ ،‬مــن خــال آليتــن جتيبان‬

‫عــن ســؤالني‪ ،‬األول‪ :‬مــا قــدرة األيديولوجيــة اإلســامية علــى التعافــي الســيما بعــد جتربتهــا‬

‫املــرة إبــان الربيــع العربــي وهــو مــا يعنــي القــدرة علــى التكيــف؟ ومــا العناصــر األساســية التــي‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪65‬‬

‫ســتكون فاعلــة فــي التيــار اإلســامي فــي مرحلــة االحنســار‪ ،‬وتســهم فــي حتديــد مســتقبله؟‬

‫تراجعــا‬
‫ً‬ ‫ـرارا‬
‫فبالنســبة لألولــى ذات الصلــة بالتكيــف األيديولوجــي‪ :‬فقــد شــهد اإلســاميون مـ ً‬
‫ً‬
‫وضعفــا فــي خطابهــم األيديولوجــي‪ ،‬لكنهــم ال يلبثــون أن يتعافــوا وينهضــوا‬ ‫فــي دورهــم‬

‫مــرة أخــرى‪ ،‬وفــق آليــة متكــررة ليســت بعيــدة عــن منوذجهــم األيديولوجــي‪ ،‬ووفــق دورة‬

‫مــن التجــدد الدينــي واأليديولوجــي‪ ،‬تعيــد التأكيــد علــى شــرعية منوذجهــم السياســي بتجديــد‬

‫«التوثيــق» لــه‪ ،‬وبإعــادة تكيــف مــن خــال مالءمــة بشــروط جديــدة‪ :‬بــن فهمهــم للســردية‬

‫اإلســامية والواقــع املســتجد‪ ،‬مــا يضمــن االســتمرار فــي تغذيــة «خيالهــم السياســي» وشــحذ‬
‫ً‬
‫وفاعــا فــي مواجهــة أي حتديــات مقبلــة أو‬ ‫أساســيا‬
‫ًّ‬ ‫دورا‬
‫قوتهــم الدينيــة «الناعمــة»‪ ،‬لتلعــب ً‬
‫املســاهمة فــي رســم املســتقبل‪.‬‬

‫ومــن بــاب التمثيــل فقــط ويقــاس عليــه‪ ،‬جنــد إعــادة توثيــق وتكيــف مبالءمــة جديدة فــي كتاب‬

‫«دعــاة ال قضــاة» الــذي أ َّلفــه املرشــد الثانــي حلركــة اإلخــوان املســلمني‪ ،‬حســن الهضيبــي؛ إذ لم‬

‫ـد إال ملواجهــة الــرؤى التــي كادت تتكــرس فــي اجلماعــة فــي ســياق املواجهــة مــع الرئيــس‪،‬‬
‫ُي َعـ َّ‬
‫جمــال عبــد الناصــر (‪ ،)1954-1970‬ونتيجــة لكتابــات ســيد قطــب ُ(أعــدم عــام ‪« ،)1966‬معالــم‬

‫فــي الطريــق» أو ملــا قــد يفهــم منهــا‪ ،‬ممــا يتصــل «بقضيــة التكفيــر» والدعــوة ملواجهــة األنظمــة‬

‫واملفاصلــة معهــا‪ :‬إميــان فــي مواجهــة كفــر‪ ،‬و»العزلــة الشــعورية» عــن املجتمــع‪ .‬فهــذه األفــكار‬

‫كانــت عب ًئــا علــى جماعــة اإلخــوان‪ ،‬وكان البــد مــن مراجعــة تعيــد التأكيــد علــى «ثوابــت»‬

‫اجلماعــة وأهمهــا أنهــا حركــة «دعويــة» وليســت معنيــة باحلكــم علــى النــاس وال حتــى علــى‬

‫األنظمــة بالكفــر مــن عدمــه‪ ،‬إضافــة إلــى تصويبــات أخــرى تضمنهــا الكتــاب‪.‬‬

‫فهــذه املراجعــات هــي جــزء مــن دورة أيديولوجيــة أصبحــت أشــبه بالســمة لعمــوم التيــارات‬

‫اإلســامية وليــس لتيــارات اإلســام السياســي فقــط‪ ،‬وميكــن التمثيــل باملراجعــات للجهاديــن‬
‫فــي مصــر(‪ ،)45‬وكذلــك فــي ليبيــا(‪ ،)46‬وســواهما‪ .‬فاحلــركات اإلســامية تشــهد نشـ ً‬
‫ـاطا فــي‬

‫ـارا‪ ،‬ولكــن مــا تلبــث أن تشــهد‬


‫زمــن التأســيس ومــن ثــم تراكــم جتــارب وقــد تشــهد قــوة وازدهـ ً‬
‫وتراجعــا خاصــة إذا مــا عجــزت توجهاتهــا عــن التــاؤم مــع الواقــع أو اســتيعاب حتدياته‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ضعفــا‬
‫‪| 66‬‬

‫وغالبــا مــا تكــون ذاتيــة وكذلــك‬


‫ً‬ ‫ومــن ثــم تدخــل بعدهــا فــي دوامــة مــن النقــد واملراجعــة‪،‬‬

‫مــن اآلخريــن باحثــن وخصــوم وســواهم‪ ،‬وذلــك إلــى حــن التهيــؤ مــرة أخــرى النطالقــة‬

‫حتمــا فــي اســتفادة مــن «األيديولوجيــا الناعمــة» نفســها‬


‫ً‬ ‫أخــرى إذا مسحــت الظــروف‪ .‬ولكــن‬

‫التــي تســمح بهــذه الــدورة‪ ،‬ســواء الســتنقاذ نفســها مــن االندثــار وهــذا احلــد األدنــى‪ ،‬أو‬

‫لتحقيــق وثبــة أخــرى إذا مــا اكتملــت أســبابها ومــن أبــرز أمثلتهــا مــا كان مــن التيــار اإلســامي‬

‫ـدا حركــة اإلخــوان املســلمني‪.‬‬


‫الرئيســي‪ ،‬فــي الثــورات العربيــة وحتديـ ً‬
‫فقبيــل الثــورات العربيــة مــن الشــائع القــول‪ :‬إن اإلســاميني ‪-‬وخاصــة حركــة اإلخــوان‪ -‬كانــت‬

‫تنظيمــا‪ ،‬ولكــن كانــت علــى حــال مــن الضعــف ال يؤهلهــا للوصــول إلــى احلكــم‬
‫ً‬ ‫األكثــر‬

‫بســبب الكبــت والتضييــق الــذي الزم احلركــة ســواء فــي مصــر أو ســواها‪ ،‬إال أنهــا بدفــع مــن‬

‫األيديولوجيــا الناعمــة اســتطاعت بلــوغ مــا بلغتــه فــي ذروة جنــاح الثــورات‪ ،‬كمــا أن بقيــة‬

‫اإلســاميني كانــوا قــد تأقلمــوا مــع الواقــع اجلديــد وأحدثــوا تغييــرات أو كانــوا علــى اســتعداد‬

‫ـبيا‪ ،‬فــي رؤاهــم الثقافيــة وبناهــم التنظيميــة والسياســية‪.‬‬


‫ـدا وســريع نسـ ًّ‬
‫لتغييــر عميــق جـ ًّ‬
‫ً‬
‫مثــا أن حركــة اإلخــوان فــي التســعينات ومــا بعدهــا انفتحــت علــى‬ ‫وبنظــرة شــاملة‪ ،‬جنــد‬
‫احلــوار مــع القوميــن والعلمانيــن(‪ )47‬وكل املخالفــن لهــا فــي الداخــل‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا عــن احلــوار‬
‫ـا ألفــكار كانــت تتحفــظ عليهــا وتشـ ِّ‬
‫ـكك‬ ‫مــع اخلــارج وخاصــة الغــرب‪ ،‬فانتهــت أكثــر تقبـ ً‬

‫مبــدى مالءمتهــا «للســردية السياســية اإلســامية» كمــا تفهمهــا‪ ،‬فانفتحــت علــى القيــم العامليــة‬

‫تقريبــا للصناديــق‬
‫ً‬ ‫املتصلــة باحلريــات وحقــوق اإلنســان وقبلــت االحتــكام املطلــق وبــا شــروط‬

‫والرهــان علــى الدميقراطيــة كســبيل للتغييــر(‪ ،)48‬وهــو مــا تعــزز مــع االنفجــار التكنولوجــي‬

‫وظهــور مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬فمــا أن أصبحــت علــى احتــكاك مباشــر مــع اجلماهيــر‬

‫ـبيا واكتملــت ظــروف «الربيــع العربــي»‪ ،‬إال كان خطابهــا اجلديــد قــد اكتملــت صورتــه فــي‬
‫نسـ ًّ‬
‫نســق محــدد لــه مساتــه التــي تعكســها األيديولوجيــا الناعمــة نفســها‪ ،‬أي اجلمــع بــن الســردية‬

‫السياســية اإلســامية وقيــم الواقــع السياســي املســتجد‪ ،‬التــي مــن أبرزهــا حريــة االختيــار‪ ،‬ألنهــا‬

‫قرينــة «البيعــة» و»الشــورى» فــي الســردية اإلســامية‪.‬‬


‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪67‬‬

‫ومــن املهــم التأكيــد فــي هــذا الســياق علــى أن املالءمــة التــي ينحــو اإلســاميون حنوهــا‪،‬‬

‫وخاصــة اإلســام السياســي‪ ،‬ليســت «تكتيكيــة أو نفعيــة» بــل هــي حقيقيــة‪ ،‬وميكــن القــول‪ :‬إن‬

‫تكيــف األيديولوجيــا اإلســامية مــع الواقــع مبــا فيــه مــن منجــزات علميــة كاإلنترنــت والتطــور‬

‫التكنولوجــي أو قبــول الدولــة احلديثــة‪ ،‬يقــوم علــى قبــول الواقــع والبنــاء عليــه وفــق «املنظــور‬

‫الدينـ�ي»‪ ،‬فعمليـ�ة التكيـ�ف األيديولوجـ�ي ‪-‬باسـ�تعارة عبـ�ارة الكاتـ�ب أنـ�درو هيـ�ود (�‪Andrew Hey‬‬

‫‪ )wood) (49‬مــع بعــض التصــرف‪ -‬هــي «إعــادة بنــاء الديــن داخــل حــدود احلداثــة» باعتبارهــا‬
‫الواقــع القائــم‪ .‬وباملــوازاة‪ ،‬يعمــل اإلســاميون ً‬
‫أيضــا علــى «التكيــف مــع احلداثــة (الواقــع) مــن‬

‫داخــل حــدود الديــن»‪.‬‬

‫جذريــا وبســرعة مفاجئــة مبــا يشــي بخضــوع «األيديولوجيــا»‬


‫ًّ‬ ‫طابعــا‬
‫ً‬ ‫ولكــن أحيا ًنــا يأخــذ التغييــر‬

‫لشــروط الواقــع‪ ،‬كمــا حــدث إبــان أحــداث الربيــع العربــي؛ إذ إن التغيــر األيديولوجــي لــدى‬

‫اإلســاميني كان أثنــاءه أشــبه بالقفــزة‪ ،‬ومــن كل االجتاهــات اإلســامية‪ ،‬ومنهــم التيــار‬

‫اإلســامي الرئيســي‪ ،‬حيــث صعــد اجلميــع ســلم التغييــر السياســي «الدولتــي» بــا تــردد‪،‬‬

‫متجاوزيــن القضايــا األخــرى التــي كانــت حتتــل أولويــة فــي مناهجهــم الدينيــة ورؤاهم السياســية‬

‫ـزءا مــن هويتهــم السياســية‪.‬‬


‫وبرامجهــم العمليــة‪ ،‬وكانــت جـ ً‬
‫فاإلخــوان املســلمون قدمــوا أولويــة التغييــر السياســي «الدولتــي» علــى اإلصــاح الدينــي‬

‫والدعــوي للمجتمــع‪ ،‬وهــذه األخيــرة كانــت الســمة األبــرز التــي كانــت متيزهــم عــن ســواهم‪،‬‬
‫فترشــحوا مثـ ً‬
‫ـا لقيــادة الســلطة فــي مصــر‪ ،‬وأعطــوا فــي بقيــة دول الثــورات األولويــة املطلقــة‬

‫للمشــاركة فــي قيــادة البــاد سياسـ ًّـيا‪ ،‬ال بــل قبــل ذلــك كلــه قبلــوا بالثــورة كســبيل للتغييــر‬

‫وكانــت فــي أدبياتهــم السياســية مرفوضــة باألســاس ‪-‬والالفــت أنــه لــم يــرد اعتــراض واضــح‬

‫مــن قيــادات اإلخــوان علــى الثــورة بــل علــى العكــس (‪ - )50‬وهكــذا دواليــك‪.‬‬

‫وعلــى نفــس املنــوال‪ ،‬ســار تنظيــم القاعــدة‪ ،‬فاعتبــر الثــورات العربيــة «الســلمية» إحــدى‬

‫«الوســائل الشــرعية» للتغييــر حتــى علــى لســان أعلــى قياداتــه‪ ،‬وهــو الــذي كان يــرى التغييــر‬

‫نســبيا عــن الرئيــس املصــري‪ ،‬محمــد مرســي‪ ،‬رغــم مــا لهــم مــن‬
‫ًّ‬ ‫ــع‬ ‫َ‬
‫وداف َ‬ ‫وهمــا‪،‬‬
‫ً‬ ‫الســلمي‬
‫‪| 68‬‬

‫خصومــة عقائديــة مــع اإلخــوان فضـ ً‬


‫ـا عــن األيديولوجيــة‪ ،‬وكان موقــف القاعــدة هــذا أحــد‬

‫تــذرع بهــا النشــقاقه عنهــا‪.‬‬


‫َّ‬ ‫أســباب مفارقــة تنظيــم الدولــة لهــا‪ ،‬أو مــن املبــررات التــي‬

‫وكذلــك فعــل التيــار الســلفي؛ حيــث اخنــرط بــكل مشــاربه فــي العمليــة السياســية أو أصبــح‬

‫أحــد الفاعلــن فيهــا ســواء بالــرأي أو بالعمــل وجتــاوز ذاك اجلــدال الدينــي املعتــاد منــه حــول‬

‫ـرم املشــاركة‬
‫كفــر بعــض املمارســات السياســية مــن عدمــه‪ ،‬حتــى إن التيــار الغالــب فيــه كان يحـ ِّ‬
‫بالقطــع فــي االنتخابــات البرملانيــة أو االنتمــاء للشــرطة أو اجليــش؛ وإذا بــه ‪-‬علــى ســبيل املثــال‬

‫فــي مصــر‪ -‬يرشــح للرئاســة أو يقتــرع لهــا ولســواها مــن أجهــزة الدولــة‪ ،‬دون اإلشــارة املعتــادة‬

‫إلــى كفرهــا‪.‬‬

‫هــذه القفــزة فــي احلقيقــة ليســت بعيــدة عــن إعــادة التشــكل األيديولوجــي الســيما الكتســاب‬

‫القــوة الناعمــة‪ ،‬فاإلســاميون ال يتمســكون ببعــض «التصــورات» أو «املعتقــدات» فقــط‬

‫الســتمرارهم باالعتقــاد بهــا‪ ،‬بــل الســتقرارها أحيا ًنــا فــي بنائهــم التنظيمــي أو األيديولوجــي‬

‫متامــا مــن ضميــر اجلمهــور‪ ،‬أو يتيقنــوا‬


‫رغــم تراجعهــم عنهــا‪ ،‬ولكــن ملــا يدركــوا أنهــا ســقطت ً‬
‫مــن حتجرهــا أو حتولهــا إلــى معــوق يحــول دون تقدمهــم فــي رســالتهم األيديولوجيــة‪ ،‬فإنهــم‬

‫يتجاوزونهــا‪ ،‬وخاصــة فــي احملطــات التأسيســية الكبــرى‪ ،‬ولكــن بهــدي أو تأويــل مســتمد مــن‬

‫الســردية اإلســامية نفســها‪ .‬وبقــدر مــا تبــدو هــذه العمليــة وكأنهــا انتقائيــة إال أنهــا تســتند علــى‬

‫«الســردية اإلســامية» نفســها‪ ،‬التــي تقبــل التجديــد بشــروط دينيــة تعتقــد احلــركات اإلســامية‬

‫أنهــا «تــدرك» حدودهــا‪.‬‬

‫إن مســة التأقلــم والتكيــف األيديولوجــي مــع ظــروف الواقــع قدميــة وهــي مســة أساســية فــي‬

‫الســردية اإلســامية نفســها‪ ،‬ورمبــا ميكــن تشــبيه مــا حصــل فــي «الربيــع العربــي» أو فــي بعضــه‬

‫ـرا مفاج ًئــا‪ ،‬وبوصفــه محطــة تأسيســية كبــرى ملــا بعــده‪ ،‬مبــا حصــل فــي‬
‫مــن حيــث كونــه تغييـ ً‬
‫موضــوع التدويــن فــي صــدر اإلســام مــع بعــض التحفــظ حيــث يجــب‪ ،‬وهــو مــن أبلــغ‬
‫األمثلــة وأقدمهــا‪ِ .‬‬
‫فم َّمــا ُبنــي عليــه اإلســام نفســه‪ ،‬هــو انتقــال تعاليمــه مــن عصــر الروايــة‬

‫الشــفوية ألحاديــث الرســول ص َّلــى اهلل عليــه وسـ َّلم إلــى عصــر التدويــن رغــم شــيوع النهــي عــن‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪69‬‬

‫تدوينــه وكتابتــه‪ ،‬كمــا تقــول املصــادر اإلســامية نفســها‪ .‬وممــن نهــى عــن ذلــك بعد أن استشــار‬

‫الصحابــة فــي التدويــن‪ ،‬اخلليفــة الثانــي عمــر بــن اخلطــاب‪ ،‬ولكــن حاجــة الرســالة لالمتــداد‬

‫واالســتمرار وعــدم الفتــور وخشــية االنــدراس ح َّتمــت جــواز كتابــة احلديــث بعــد أن كرهــه أو‬

‫منعــه الصحابــة أو جمهورهــم علــى األقــل‪ ،‬وع َّلــل علمــاء املســلمني املنــع بأســباب عــدة منهــا‬

‫جميعــا أن فعاليــة احلضــارة اإلســامية‬


‫ً‬ ‫خشــية اختــاط القــرآن بالســنة (‪ .)51‬واألهــم مــن هــذا‬

‫وتوســعها كان علــى ارتبــاط بالتدويــن نفســه‪ ،‬فمــن بعــد ذلــك انتقلــت تعاليــم اإلســام وإرثــه‬

‫مــن بيئــة كانــت متالئمــة مــع الروايــة الشــفوية إلــى بيئــات التدويــن‪ ،‬وهــو العالــم األوســع‪.‬‬

‫ومــن األمثلــة املعاصــرة واملفيــدة فــي هذا الســياق‪ ،‬أن التيــارات الســلفية اجلهاديــة‪ ،‬ذات الطبيعة‬

‫ـرم صــور كل ذي روح فــي إعالمهــا بنــاء علــى فتــوى التحرمي‬


‫ـدا‪ ،‬كانــت حتـ ِّ‬
‫الفقهيــة احملافظــة جـ ًّ‬
‫وأدلتهــا علــى ذلــك شــائعة‪ ،‬وهــي مســة أساســية كانــت متيزهــا عــن بقيــة اإلســاميني‪ ،‬وكانــت‬

‫تُصــدر مجالتهــا خــال ســنوات مشــاركتها الســيما األولــى منهــا‪ ،‬فــي «اجلهــاد األفغانــي»‪،‬‬

‫بصــور ألســلحة وجبــال ومــا يشــبه ذلــك فقــط (‪ ،)52‬وحتــت عنــوان احلاجــة إلــى الصــورة‬

‫للحــث علــى اجلهــاد ومــا إلــى ذلــك مــن مبــررات وضــرورات ليس هنــا مجــال بحثهــا الفقهي‪.‬‬

‫حتولــت كل التيــارات الســلفية‪ ،‬اجلهاديــة منهــا وحتــى غيــر اجلهاديــة‪ ،‬إلــى جــواز تصويــر كل‬

‫شــيء دون متييــز‪ ،‬ويــكاد ال ُيســمع ملعتــرض ذي أهميــة صو ًتــا‪.‬‬

‫وميكــن مالحظــة هــذه الســمة وبالــذات فــي التيــار اإلســامي الرئيســي‪ ،‬فــي التحــول والتغيــر‬

‫مؤخــرا‪ ،‬فمنهــا ممــا يتصــل باملــرأة واملوســيقى والعالقــة مــع غيــر‬


‫ً‬ ‫فــي كثيــر مــن القضايــا‬

‫املســلمني‪ ،‬ومزيــد مــن املرونــة فــي قضايــا حريــة التعبيــر وحقــوق اإلنســان ومــا إلــى ذلــك‪.‬‬

‫وقــد يكــون لهــذا التحــول حــدود وقيــود وأطــر حتــدده‪ ،‬لكــن املــراد أن األيديولوجيــا اإلســامية‬

‫متلــك القــدرة علــى التكيــف‪ ،‬وهــو مــا قــد يأتــي علــى غيــر توقــع أحيا ًنــا‪.‬‬

‫ولكــن يبقــى التيــار اإلســامي الرئيســي‪ ،‬هــو األكثــر اســتفادة مــن هــذه احملطــات خاصــة لــو‬

‫تكــررت‪ ،‬وعلــى مســتويني‪ :‬فعلــى املســتوى األول‪ ،‬هــي توفــر لــه الفرصــة ملزيــد مــن املالءمــة‬

‫مــا بــن النــص والواقــع‪ ،‬وســيقابل مبباركــة مــن عمــوم اجلمهــور‪ ،‬ألنــه يصنــع التغييــر بيديــه‬
‫‪| 70‬‬

‫ً‬
‫مثــا‪ ،‬تكرســت مســألة‬ ‫ويــدرك حقيقــة احلاجــة إليــه ومقاصدهــا‪ ،‬فخــال الربيــع العربــي‬

‫تواجــه صناديــق االختيــار وفــق الطريقــة الدميقراطيــة‬


‫َ‬ ‫احلريــات أكثــر مــن ذي قبــل ولــم‬

‫غربيــا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫ـزوا‬
‫باإلنــكار‪ ،‬وتراجــع التحفــظ عليهــا املقتــرن بتكفيــر بعــض أشــكالها أو اعتبــاره غـ ً‬
‫وعلــى املســتوى الثانــي‪ ،‬فــإن هــذه احملطــات قــد تدفــع بتيــارات أو حــركات إســامية أخــرى‬

‫باجتــاه التيــار اإلســامي الرئيســي‪ ،‬وهــو مــا حصــل مــا بــن شــرائح ســلفية واســعة مــع اإلخوان‪،‬‬

‫حيــث وصلــوا إلــى احلكــم والبرملــان بتحالــف واســع ضــم الطرفــن إلــى جانــب آخريــن‪ .‬حتــى‬

‫القاعــدة نفســها س ـ َّلمت مببــدأ التغييــر عبــر الشــارع‪.‬‬

‫أمــا بخصــوص الســؤال الثانــي‪ ،‬مــاذا بقــي مــن «اإلســام السياســي» بعــد االحنســار؟ فإنــه وفقً ــا‬

‫للســلم األيديولوجــي‪ ،‬ومــا تتضمنــه هــذه األخيــرة مــن قــوة ناعمــة‪ ،‬فــإن التيــارات اإلســامية‬

‫إذا مــا فقــدت فعاليتهــا السياســية فإنهــا ســتعود مــرة أخــرى للبحــث عــن مالءمــة جديــدة كل‬

‫فــي مجالهــا‪ ،‬وفــي األثنــاء ستتمســك باألصــل الــذي يقــرر شــرعيتها‪ ،‬وهــو مــا يحصــل فــي‬

‫الوقــت الراهــن‪ .‬وليــس مــن املتوقــع أن يخــرج اإلســاميون مــن هــذه املتواليــة حنــو فضــاء‬

‫أرحــب أو أن يخرجــوا مــن املشــهد السياســي الســيما العربــي‪ ،‬إال إذا حصلــت فــي التيــارات‬

‫اإلســامية حتــوالت جذريــة وفــي هويتهــا التنظيميــة واأليديولوجيــة‪ ،‬أو أن يحــدث حتــول كبيــر‬

‫فــي املجتمعــات العربيــة نفســها‪.‬‬

‫ولكــن قبــل احلديــث عــن اإلســام السياســي‪ ،‬ميكــن إيــراد مالحظــات ال ميكــن القفــز فوقهــا‬

‫حتديــا للتيــار اإلســامي الرئيســي‪،‬‬


‫ًّ‬ ‫وســيكون لهــا تأثيرهــا علــى عمــوم اإلســاميني وستشـ ِّ‬
‫ـكل‬

‫أبرزهــا‪:‬‬

‫حتمــا ال ينتمــي ألي‬


‫ً‬ ‫جهاديــا بإعالنــه اخلالفــة وهــو‬
‫ًّ‬ ‫عمليــا لــم يعــد‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫أول‪ :‬أن تنظيــم الدولــة‬

‫تصنيــف ضمــن بقيــة التيــارات اإلســامية ويشــكل منوذجــه اخلــاص‪ ،‬وليــس مــن املتوقــع أن‬

‫يســتعيد فعاليتــه (املوصوفــة ســابقً ا) ال بــل تتعــرض ُأســس شــرعيته وشــرعية «اخلالفــة» التــي‬
‫أقامهــا للتشــكيك‪ ،‬بســبب اعتمــاده علــى العنــف املفــرط ضــد حاضنتــه فضـ ً‬
‫ـا عــن جمهــوره‬

‫ومؤيديــه وألســباب أخــرى‪.‬‬


‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪71‬‬

‫وهــذا بــدوره ســيترك تأثيــره علــى التيــارات اجلهاديــة‪ ،‬الســيما تنظيــم القاعــدة‪ ،‬ألن «تنظيــم‬

‫الدولــة» تناســل منهــا ونشــأ فــي منظومتهــا الفكريــة والشــرعية‪ ،‬وهــذا ســيضع «العنــف» الــذي‬

‫قــد متارســه القاعــدة أو مــا يشــبهها مــن تنظيمــات‪ ،‬محــل تشــكيك أو فحــص مــن اجلمهــور‬

‫جهــادا‪ ،‬وســتواجه صعوبــات أكثــر مــن ذي قبــل مــع اجلمهــور‪ ،‬مــا خــا‬
‫ً‬ ‫مــن حيــث كونــه‬

‫ودفاعــا عنهــم‪ ،‬ألنــه‬


‫ً‬ ‫فــي ذلــك املتعلــق بـ»جهــاد الدفــع» أي لــرد االعتــداءات عــن املســلمني‬
‫األقــرب للتطابــق مــع الســردية اإلســامية والفقــه التقليــدي‪ .‬وتواصـ ً‬
‫ـا مــع هــذا األخيــر «جهــاد‬

‫الدفــع»‪ ،‬ســتركز القاعــدة ‪-‬لتتفــادى التشــكيك بشــرعية «جهادهــا»‪ -‬علــى أن االعتــداء موجــود‬

‫«حربــا صليبيــة صهيونيــة» بالفعــل‪،‬‬


‫ً‬ ‫بالفعــل وفــي كل بــاد املســلمني وأن «األمــة» أصـ ً‬
‫ـا تواجــه‬

‫وســتحاول إقنــاع اجلمهــور بذلــك‪ ،‬وفعلــت ذلــك ســابقً ا‪ .‬ولكــن بنفــس الوقــت ستســتعيد‬

‫خطابهــا الناقــد بشــدة حلركــة اإلخــوان املســلمني وحتميلهــا وزر النتائــج الســلبية التــي انتهــت‬

‫إليهــا جتربــة «الثــورات العربيــة» ســواء فــي مصــر أو فــي بقيــة بلــدان الثــورات‪ ،‬لتعيــد ترميــم‬

‫بعيــدا عــن «اإلخــوان» بعــد مــا أصابهــا نتيجــة مهادنتهــا لهــم خــال مرحلــة‬
‫ً‬ ‫أيديولوجيتهــا‬

‫«الثــورات»(‪.)53‬‬

‫ثانيــا‪ :‬أن التيــارات الســلفية‪ ،‬وجــدت نفســها بعــد الثــورات العربيــة أمــام مفتــرق طــرق‪،‬‬
‫ً‬
‫ملزمــا بالبحــث عــن تســوية مــع الواقــع وعــن مالءمــة جديــدة ومؤثــرة‪،‬‬
‫ً‬ ‫فبعضهــا وجــد نفســه‬

‫وهــي لــم متلــك ســابقً ا هــذا الســؤال فقــد كانــت حتتمــي باملنجــز الســعودي‪ ،‬الــذي أغناهــا‬

‫عــن ذلــك‪ ،‬حيــث دولــة عصريــة حتكــم بالشــريعة‪ .‬ودخــل علــى وجــه التحديــد التيــار الســلفي‬

‫ـدا‬
‫املركــزي فــي الســعودية‪ ،‬فــي عمليــة أشــبه بتطهــر ذاتــي مــن تيــارات ســلفية أخــرى‪ ،‬وحتديـ ً‬
‫مــن الســلفية الصحويــة وأحيانًــا حتــت شــعار محاربــة اإلخــوان املســلمني‪ ،‬مــع املبالغــة فــي‬

‫التشــديد علــى «طاعــة أوليــاء األمــور»‪ ،‬وهــي مســة الســلفية املدخليــة أكثــر مــن ســواها‪ ،‬ألنهــا‬

‫ـدم فــي خطابهــا للمالءمــة مــع الواقــع حتــى علــى إقامــة احلــدود التــي هــي‬
‫‪-‬أي «الطاعــة»‪ -‬تتقـ َّ‬
‫أكثــر توثيقً ــا وشــرعية بالنــص بخــاف األخــرى‪ .‬يتميــز التيــار املدخلــي بأنــه عابــر للحــدود‬
‫ومــن ذلــك مثـ ً‬
‫ـا احنيــازه للجنــرال املتقاعــد‪ ،‬خليفــة حفتــر‪ ،‬فــي صراعــه ضــد احلكومــة الليبيــة‬
‫‪| 72‬‬

‫دوليــا‪ ،‬وذلــك رغــم أن حفتــر ليــس «ولــي أمــر» حتــى بأدنــى املعاييــر املدخليــة‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫املعتــرف بهــا‬

‫لكــن املوقــف املدخلــي يســتبطن الطاعــة للمركــز الســعودي؛ حيــث يــرى مالءمــة فــي «واليــة‬

‫تغيــر موقــف اململكــة‬


‫األمــر» هنــاك‪ ،‬النمــوذج واملركــز الــذي يجــب أن يحتــذى‪ ،‬وبالتالــي إذا َّ‬
‫تغيــر موقفــه (‪ .)54‬فــي هــذا الســياق‪ ،‬ميكــن فهــم اخنــراط التيــار املدخلــي فــي‬
‫مــن حفتــر َّ‬
‫محاربــة حركــة اإلخــوان املســلمني علــى مســتوى اإلقليــم‪ ،‬وهــو يعتمــد علــى مفهــوم «الطاعــة‬

‫لــوالة األمــر» الذيــن خرجــت عليهــم احلركــة إبــان الربيــع العربــي‪ ،‬كمبــرر للحــد مــن نفوذهــا‬

‫علــى األقــل فــي املجــال السياســي الســعودي‪ ،‬علــى امتــداد العاملــن العربــي واإلســامي‪.‬‬

‫ولكــن ليــس مــن املرجــح أن تنقطــع الصلــة بــن الســلفية فــي الســعودية‪ ،‬الســيما غيــر الرمسيــة‪،‬‬

‫واإلخــوان املســلمني‪ .‬وتفصيــل ذلــك أن التحــوالت األخيــرة التــي شــهدتها اململكــة ســواء‬

‫علــى الصعيــد الدينــي أو السياســي‪ ،‬أعطــت رســالة أنهــا لــم تعــد مت ِّثــل هــذا املركــز لبعــض‬

‫التيــارات الســلفية (ليــس كلهــا بالطبــع)‪ ،‬وهــذا يعنــي أنــه يتعــن علــى هــؤالء أن يجــدوا‬

‫إجابتهــم فــي اســتقالل نســبي عــن اململكــة وفرصتــه للنمــو ســتكون خارجهــا أكبــر‪ .‬ويأتــي‬

‫تاريخيــا مــن مســات مــع حركــة‬


‫ًّ‬ ‫علــى رأس هــؤالء التيــار الســلفي الصحــوي(‪ ،)55‬ملــا يتشــاركه‬

‫اإلخــوان أو مــع مــن يــدور فــي فضائهــا مــن الناحيــة الفكريــة‪ ،‬وبســبب مــن تاريخــه ومســاره‬

‫السياســي فــي رفــض التحالــف مــع الغــرب ضــد دول عربيــة وإســامية كمــا هــو شــأنه فــي‬

‫التســعينات‪ ،‬حيــث كان هــذا التيــار يرفــض االســتعانة بالقــوات األميركيــة فــي حــرب اخلليــج‬

‫الثانيــة‪ .‬وبســبب هــذا التيــار الســلفي وأمثالــه أو مــن يشــبهه حتــى مــن الشــخصيات املســتقلة‪،‬‬
‫فــإن الصلــة بــن التياريــن قــد تتعــزز بـ ً‬
‫ـدل مــن أن تضعــف‪ ،‬وســيكون التيــار الصحــوي عنــد‬

‫تراجــع اخلصومــة هــو اجلســر الــذي يصــل بــن االثنــن‪ ،‬بــن تيــارات اإلســام السياســي وبقيــة‬

‫التيــارات الســلفية‪ .‬وعلــى الصعيــد الرمــزي ومــا تتميــز بــه التيــارات الســلفية مــن حــرص علــى‬

‫النــص أو علــى إعمالــه فــي الواقــع فــإن تيــارات اإلســام السياســي ســتتعزز قــوة أيديولوجيتهــا‬

‫الناعمــة باملقابــل‪.‬‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪73‬‬

‫خاتمة‬
‫بالعــودة حلركــة اإلخــوان املســلمني فهــي إضافــة إلــى مــا ســبق‪ ،‬أمــام حتديــات مــن حيــث تعزيز‬

‫أيديولوجيتهــا الناعمــة أو مــن حيــث تأثيــر األخيــرة علــى مســتقبلها‪ ،‬وميكــن إجمالهــا في‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬أثبتــت جتربــة الربيــع العربــي أن التيــارات اإلســامية متتلــك مــن التناقضــات خاصــة حــن‬
‫االختــاف بــن بعضهــا ً‬
‫بعضــا‪ ،‬مــا يفســد مــن قــدرة قــوى «اإلســام السياســي» علــى التــاؤم‬

‫مــع الواقــع السياســي‪ ،‬أو يعرقــل قدرتهــا علــى التطــور بالتــوازي مــع احملافظــة علــى قــوة التوثيــق‬

‫الدينــي ملقوالتهــا الرئيســية‪ ،‬ألنهــا تســتهدف أســاس أيديولوجيتهــا الناعمــة‪ ،‬أي خطابهــا الديني‬
‫وبالتالــي تضعــف شــرعيتها‪ .‬كمــا هــي خصومــة التيــار الســلفي أو اجلهــادي لهــا‪ ،‬وهــذا فضـ ً‬
‫ـا‬

‫عمــا تتعــرض لــه قــوى «اإلســام السياســي» مــن حتديــات سياســية محليــة أو إقليميــة أو دوليــة‬

‫ســواء الســتهدافها لذاتهــا‪ ،‬أو فــي ســياقات أخــرى كمــا هــو الشــأن فــي ســياق الربيــع العربــي‪.‬‬

‫ـدا باتــت تــدرك أنهــا معنيــة بتعزيــز شــرعيتها مــن «النص»‪،‬‬


‫فحــركات «اإلســام السياســي» حتديـ ً‬
‫مبــا يتجــاوز االجتهــادات التقليديــة املتصلــة بالشــأن السياســي فــي الســردية اإلســامية‪ ،‬وفــي‬

‫املرحلــة الراهنــة ال يبــدو أنهــا متلــك مراجــع علميــة معتبــرة‪ ،‬خاصــة فــي إطارهــا التنظيمــي‪،‬‬

‫وإن كانــت تعتمــد علــى آخريــن مــن الفقهــاء املعتبريــن ومــن خارجهــا فــي قضايــا عامــة‪ ،‬أمثــال‬

‫الشــيخ يوســف القرضــاوي‪.‬‬

‫مــن املؤكــد أن اإلخــوان ســيواصلون تعزيــز شــرعية وجودهــم السياســي مــن خــال التأكيــد‬

‫مجــددا علــى «وجــوب الدعــوة» كوظيفــة دينيــة اجتماعيــة وسياســية‪ ،‬تتطابــق مــع النــص‬
‫ً‬
‫الدينــي‪ ،‬التــي كانــوا قــد أوجبــوا معهــا مجموعــة مــن اإلجــراءات التنظيميــة مثــل «احللقــات‬

‫الدعويــة» أي التثقيــف الدعــوي‪ ،‬و»البيعــة» أو مــا يشــبهها مــن صيغ التعاقــد‪ ،‬و»الســمع والطاعة»‬

‫ومباشــرا مــن‬
‫ً‬ ‫عاليــا‬
‫ً‬ ‫للجماعــة‪ ،‬و»اإلصــاح السياســي»‪ ،‬وســواها (‪ .)56‬وهــذه موثقــة توثيقً ــا‬
‫النــص الدينــي‪ ،‬وســتكون هــذه األكثــر اســتعصاء فــي أيديولوجيــا اإلســام السياســي‪ ،‬فــي‬

‫مواجهــة محــاوالت اســتئصالها وإلغائهــا‪ ،‬مــا يعطــي اجلماعــة قــوة علــى االســتمرار والصمــود‪،‬‬

‫وإن كانــت بعــض اإلجــراءات املتصلــة بهــذه األيديولوجيــا قابلــة للتغيــر‪ .‬لهــذا ارتفعــت أصوات‬
‫‪| 74‬‬

‫إخوانيــة بعــد تراجــع املــد الثــوري للمراجعــة‪ ،‬ودعــت اللتــزام «الدعــوة» كمــا كان الشــأن قبــل‬

‫الثــورات‪ ،‬أي العــودة إلــى املالءمــة بــن الدعــوي والسياســي ولكــن مــع تقــدمي األولــى ودون‬

‫االخنــراط فــي سياســات تغييــر احلكــم‪ .‬ويبــدو أن بعــض االنشــقاقات التــي شــهدتها احلركــة‬

‫اإلســامية فــي األردن علــى ســبيل املثــال اســتحضرت مثــل هــذه اآلراء (‪ .)57‬لكــن هــذا‬

‫ـورا راه ًنــا ويبــدو أنــه فــي طــور االحنســار‪.‬‬


‫االجتــاه هــو األقــل حضـ ً‬
‫ثانيــا‪ :‬مــن الواضــح أن حــركات اإلســام السياســي عامــة‪ ،‬باتــت تــدرك حاجتهــا لشــرعية‬
‫ً‬
‫ـزءا مــن قوتهــا الناعمــة‪ ،‬فهــي منــذ النشــأة تســعى‬
‫أخــرى أكثــر مــن الشــرعية الدينيــة لتكــون جـ ً‬
‫للتغييــر فــي العصــر الــذي تعيشــه عبــر أدواتــه‪ ،‬أي مــن خــال الطــرق السياســية‪ ،‬كالبرملــان‬

‫والعمــل احلكومــي ومــا إلــى ذلــك بغيــة تطبيــق الشــريعة فــي الدولــة احلديثــة‪ .‬ومــا تغيــر أنهــا‬

‫بعــد الربيــع العربــي‪ ،‬باتــت تعتمــد علــى اإلجنــاز السياســي بقــدر أكبــر مــن الســابق‪ ،‬وأخــذ يتعزز‬
‫َّ‬
‫تضخــم علــى‬ ‫االعتقــاد لــدى شــرائح واســعة فــي «اإلســام السياســي» بــأن الــدور الدينــي فيهــا‬

‫املاســة فيهــا ألدوار أكثــر ختصصيــة‬


‫َّ‬ ‫حســاب غيــره وأكثــر ممــا تدعــو لــه احلاجــة‪ ،‬أو للحاجــة‬

‫كمــا هــي الدعــوات راه ًنــا‪ ،‬الســيما تلــك املتصلــة بــاألدوار السياســية والتنظيميــة (‪ .)58‬ولهــذا‬

‫أخــذت تتصــدر حــركات «اإلســام السياســي» دعــوات لفصــل السياســي عــن الدعــوي‪،‬‬

‫وبــادرت «حركــة النهضــة» إلــى تســريع حتولهــا مــن جماعــة إســامية نهضويــة شــاملة تــرى فــي‬
‫ً‬
‫ســبيل لتغييــر الســلطة إلــى حــزب سياســي يعتــرف بالدولــة احلديثــة ككيــان‬ ‫تغييــر املجتمــع‬

‫شــرعي ملمارســة التغييــر أو رعايتــه‪ ،‬وهــو مــا انتهــى إلــى إعــان احلركــة فصــل العمــل السياســي‬

‫عــن الدعــوي مــن بــاب ختصصهــا بــاألول ‪-‬وتــرك األخيــر للمجتمــع املدنــي‪ -‬ولتصبــح الدولــة‬

‫هــي املطلــب األول واألولويــة القصــوى للعمــل السياســي لهــذه احلــركات‪ ،‬وهــو مــا ختتصــره‬

‫(عقــد فــي مايــو‪/‬‬


‫إحــدى تصريحــات راشــد الغنوشــي عنــد حديثــه عــن مؤمتــر حركتــه العاشــر ُ‬
‫أيــار ‪ )2016‬ومــا يحمــل مــن تغييــرات‪« :‬نريــد أن ننتقــل مــن جماعــة غلــب علــى منهجهــا‬

‫االحتجــاج إلــى حركــة تقــود الدولــة وتؤســس فكــر الدولــة‪ .‬نريــد لهــذا املؤمتــر أن يقــدم رســالة‬

‫واضحــة أن تاريــخ الصــراع مــع الدولــة قــد انتهــى»(‪ .)59‬وهــذا اإلجــراء‪ ،‬بغــض النظــر عــن‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪75‬‬

‫طريقــة تطبيقــه‪ ،‬ســيصل صــداه إلــى كل التنظيمــات احملســوبة علــى التيــار اإلســامي الرئيســي‪،‬‬

‫ـزءا مــن أيديولوجيتهــا الناعمــة‪،‬‬


‫وفــي كل الــدول‪ ،‬ولكــن ســتعوزه املالءمــة املناســبة ليكــون جـ ً‬
‫ألنــه ال يحظــى بتوثيــق عــال مــن النــص علــى أنــه جــزء مباشــر أو علــى صلــة مباشــرة بواجبــات‬

‫املســلمني الدينيــة اليوميــة‪ ،‬وإن كان ال يخــرج عنهــا‪ .‬وهــو حتــد ســيعيد اإلســاميني إلــى املربــع‬

‫األول‪ ،‬إلــى البحــث عــن فقهــاء لديهــم القــدرة علــى االســتفادة مــن القفــزة التــي حققوهــا‬

‫علــى صعيــد ثــورات «الربيــع العربــي» لتأســيس منظومــة سياســية جديــدة ذات صلــة مباشــرة‬

‫بالســردية اإلســامية فــي وعــي اجلمهــور‪ ،‬وذلــك بانتظــار فرصــة جديــدة لقفــزة أخــرى حنــو‬

‫«الفعاليــة السياســية»‪.‬‬

‫ثال ًثــا‪ :‬علــى الرغــم مــن حاجــة حركــة اإلخــوان املرحليــة إلــى الفصــل التــام بــن «الدعــوي‬

‫والسياســي» لصــاحل األخيــر‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن قــوة مؤيــدي هــذا التوجــه‪ ،‬إال أنــه يبــدو مــن‬

‫الصعــب أن تلجــأ إلــى هــذا اخليــار‪ ،‬ألن التخلــي عــن «الدعــوة» كأســاس أليديولوجيتهــا يعنــي‬
‫التخلــي عــن أســاس قوتهــا الناعمــة والتخلــي عــن تأييــد أصــل دينــي «لدعوتهــا» فضـ ً‬
‫ـا عمــا‬

‫يعنيــه ذلــك مــن التخلــي عــن اإلرث والتكيــف التاريخــي للحركــة مــع هــذا األصــل الــذي‬

‫يــكاد يســاوي جوهــر وجودهــا‪ .‬فاألقــرب إلــى حركــة اإلخــوان املســلمني بشــكل عــام أن تتجــه‬

‫تنظيميــا دون أن تتحــدد صورتــه النهائيــة‬


‫ًّ‬ ‫حنــو مزيــد مــن التمييــز مــا بــن «الدعــوي» والسياســي»‬

‫علــى األقــل فــي املنظــور القريــب‪ ،‬وهــو جــزء مــن املراجعــات التــي تعصــف باحلركــة وفروعها‪،‬‬

‫ـدا ملالءمــة جديــدة أكثــر صعوبــة مــن‬


‫ـدا جديـ ً‬
‫ألن هــذا التوجــه اجلديــد يتطلــب مــن احلركــة جهـ ً‬
‫ذي قبــل‪ ،‬وألنــه ســيعيد احلركــة إلــى مناقشــة عالقــة الدينــي بالسياســي مــرة أخــرى‪ ،‬ولكــن‬

‫مــن منظــور نقــاش‪ :‬إسالمي‪/‬إســامي حــول كيفيــة املالءمــة بــن الديــن والسياســة فــي الواقــع‬

‫الراهــن ‪-‬وليــس نقــاش إســاميني فــي مقابــل علمانيــن أو قوميــن‪ -‬وســيعتمد علــى تأويــل‬

‫واضحــا فــي معظــم إنتــاج اإلســاميني فــي‬


‫ً‬ ‫النصــوص أو حتقيــق مقاصدهــا وهــو منحــى أصبــح‬

‫الفتــرة األخيــرة‪ ،‬وســتجد احلركــة نفســها مضطــرة ألن تبــرر نفســها أمــام جمهورهــا أو لتوعيتــه‬

‫ضروريــا‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫ارتباطــا‬ ‫فضـ ً‬
‫ـا عــن جمهــور املســلمني بارتبــاط مجموعــة مــن القيــم احلديثــة بالديــن‬
‫‪| 76‬‬

‫ـرا‪ ،‬كاحلريــات وحقــوق اإلنســان واملواطنــة ومقاومــة االســتبداد ومــا يشــبهها‪ ،‬فــي حــن‬
‫ومباشـ ً‬
‫أن القــوى األخــرى ســتراها تنـ ً‬
‫ـازل مــن اإلســاميني لصــاحل توجــه لطاملــا نــادوا بــه‪ ،‬ســواء مــن‬

‫الليبراليــن أو اليســاريني وســواهم‪ ،‬ولكــن مبعــزل عــن الديــن‪.‬‬

‫إن مالءمــة هــذه القيــم مــع الديــن فــي بيئــات أكادمييــة أو حتــى لــدى جمهــور اإلســاميني‬

‫جــزءا مــن أيديولوجيــا‬


‫ً‬ ‫يبــدو ممك ًنــا وأحيانًــا قــد يكــون مهمــة ســهلة‪ ،‬ولكــن حتــى تصبــح‬

‫اإلســاميني الناعمــة فالبــد أن تكــون علــى صلــة مباشــرة بداللــة النــص وبتأييــد مــن الســردية‬

‫اإلســامية‪ ،‬وأحيا ًنــا تبــدو هــذه املهمــة صعبــة عندمــا يــراد تقدميهــا لعمــوم املســلمني‪ ،‬إال أن‬

‫مــا يخدمهــا أنهــا ارتقــت خــال الربيــع العربــي وثوراتــه الشــعبية أكثــر مــن ذي قبــل إلــى كونهــا‬

‫و»إجماعــا» لــدى‬
‫ً‬ ‫مشــتركات إنســانية حتقــق مقاصــد الشــريعة‪ ،‬لكنهــا لــم تصبــح مســ َّلمات‬

‫املجتمعــات اإلســامية‪.‬‬

‫وفــي اخلتــام‪ ،‬هــذا ال مينــع بــل يؤكــد أن التغييــر «الدولتــي» فــي ســياق الدولــة القُ طريــة‪ ،‬ســيتعزز‬

‫ـرا وبوضــوح‬
‫أكثــر لــدى حركــة اإلخــوان املســلمني ومــا يشــبهها‪ ،‬فهــي ألول مــرة تدفــع مث ًنــا كبيـ ً‬
‫مــن أجــل احملافظــة علــى ســلطة شــرعية فــي دولــة قطريــة ‪-‬دولــة املركــز مصــر‪ -‬أو بســببها‪،‬‬

‫فالقتــل الــذي تعرضــت لــه احلركــة وأنصارهــا فــي «ميــدان رابعــة» (‪ 14‬أغســطس‪/‬آب ‪)2013‬‬
‫(‪ ،)60‬ومــا رافقــه أو تــاه مــن اعتقــاالت لرموزهــا ولرئيــس شــرعي منتخــب وميثلهــا‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا‬

‫جــزءا مــن رؤيــة احلركــة ومــن‬


‫ً‬ ‫عــن اخنراطهــا فــي عمــوم ثــورات «الربيــع العربــي»‪ ،‬أصبــح‬

‫هويتهــا اجلديــدة التــي هــي قيــد الصياغــة‪ ،‬وسيســهم فــي تكريــس شــرعية الدولــة العربيــة‬

‫احلديثــة فــي خطابهــا اإلســامي‪ ،‬وقــد يصبــح مفهــوم «اخلالفــة» بالنســبة إليهــا واقعــة تاريخيــة‬

‫ذات قيــم ُم ْل ِه َمــة أو حاكمــة أكثــر ممــا هــو حقيقــة دينيــة واجبــة الوجــود بذاتهــا‪.‬‬

‫ومــن الواضــح أن مســار اإلســاميني بعــد الربيــع العربــي لــن يكــون مثــل مــا قبلــه‪ ،‬ستســعى‬
‫ِّ‬
‫يشــكل قــوة ناعمــة‬ ‫عمــوم القــوى اإلســامية مــن غيــر اإلســام السياســي لتعزيــز مــا تظنــه‬

‫ـتصوب علــى‬ ‫رفضــا أو قبـ ً‬


‫ـول‪ ،‬وسـ ِّ‬ ‫ً‬ ‫أليديولوجيتهــا‪ ،‬وســتبحث عــن الروايــة التــي تتــاءم معهــا‬

‫«اإلســام السياســي»‪ ،‬ألنــه اعتــاد أن يســتفيد مــن تراجــع ســواه حتــى وهــو يتراجــع‪ ،‬ولكــن‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪77‬‬

‫ـع بــا اســتثناء مســار مــن املراجعــات‪.‬‬


‫ينتظــر اجلميـ َ‬
‫يتأولــوا الفصــل الــذي يقصدونــه‬
‫األقــرب أن يحتفــظ اإلخــوان بالدعــوة كأســاس حلركتهــم وأن َّ‬
‫يتأولــوا النــص ألســاس جديــد أليديولوجيتهــم الناعمــة خاصــة فــي هــذه‬
‫وهــو أســهل مــن أن َّ‬
‫املرحلــة‪ ،‬وسيســعون ألن تكــون قيــم «الربيــع العربــي» هــي التفســير السياســي لهــا‪ ،‬ملــا دفعــوه‬

‫إضافيــا لتأكيدهــم علــى أنهــم فــي صــراع بــن ثــورة وثــورات‬


‫ًّ‬ ‫مــن مثــن‪ ،‬وســيدفعون مث ًنــا‬

‫مضــادة‪ ،‬الســيما أن العالــم العربــي يشــهد مــا قــد يســمى «املوجــة الثانيــة مــن ثــورات الربيــع‬

‫العربــي»‪ ،‬أي «احلــراك» الســوداني واجلزائــري‪ ،‬وهــذه األخيــرة ســتكون االختبــار األهــم‬

‫للتيــار اإلســامي الرئيســي‪ ،‬ألن فعاليتــه السياســية التــي جــاءت بهــا موجــة الثــورات األولــى‪،‬‬

‫تكرســت بالصناديــق وخطــاب احلريــات وال تــزال ســارية‪ ،‬لكــن هــذا التيــار لــم يتصــدر املشــهد‬

‫مــرة أخــرى بعــد‪.‬‬

‫املـراجــــع‬
‫خطابــا إلــى العالــم‬
‫ً‬ ‫وجــه الرئيــس األميركــي الســابق‪ ،‬بــاراك أوبامــا‪ ،‬فــي الرابــع مــن يونيو‪/‬حزيــران ‪،2009‬‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫اإلســامي‪ .‬ميكــن االطــاع علــى «نــص خطــاب بــاراك أوبامــا فــي القاهــرة»‪ ،‬فــي موســوعة اجلزيــرة‪ ،‬اجلزيــرة‬

‫نــت‪ ،‬دون تاريــخ‪( ،‬تاريــخ الدخــول‪ 9 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪https://bit.ly/2Jhlt7m :)2018‬‬

‫(‪ )2‬كشــف حتقيــق فــي نيويــورك تاميــز عــن تواطــؤ للرئيــس‪ ،‬بــاراك أوبامــا‪ ،‬مــع دول عربيــة فــي االنقــاب علــى‬

‫الرئيـ�س املصـ�ري محمـ�د مرسـ�ي‪ .‬انظـ�ر ‪Kirkpatrick, David, “The White House and the Strongman”, Ny� :‬‬

‫‪:)times, 27 July 2018, (Accessed on 9 April 2019‬‬

‫‪https://nyti.ms/2K2Iwy9‬‬

‫(‪ )3‬تعهــد فيــه أن ميحــو «اإلرهــاب اإلســامي املتطــرف» عــن وجــه األرض‪ .‬انظــر خطــاب ترامــب فــي القــدس‬
‫العربــي‪« ،‬نــص خطــاب ترامــب‪ :‬أميــركا ً‬
‫أول… والقواعــد الرئيســية لسياســاتنا الــوالء التــام للواليــات املتحــدة»‪20 ،‬‬

‫يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪( ،2017‬تاريــخ الدخــول‪ 9 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2018‬‬

‫‪https://bit.ly/2I84zHa‬‬

‫(‪ )4‬مــن أمثلتــه‪ ،‬عقــد مؤمتــر فــي األردن فــي مايو‪/‬أيــار ‪ ،2018‬حتــت عنــوان‪« :‬مــا بعــد اإلســام السياســي‪:‬‬

‫الشــروط‪ ،‬الســياقات واآلفــاق»‪ ،‬بدعــوة مــن مركــز الدراســات االســتراتيجية فــي اجلامعــة األردنيــة ومؤسســة‬
‫‪| 78‬‬

‫عمــان‪ .‬انظــر‪ :‬صحيفــة الدســتور األردنيــة‪« ،‬انطــاق أعمــال مؤمتــر مــا بعــد اإلســام‬
‫فريدريــش أيبــرت فــي َّ‬
‫السياســي»‪ 2 ،‬مايو‪/‬أيــار ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪ 19 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2UKMRjr‬‬

‫(‪ )5‬مقابلــة عبــر الهاتــف مــع الدكتــور بشــير نافــع‪ ،‬مــؤرخ وخبيــر فــي الشــؤون العربيــة‪ ،‬فــي ‪ 22‬أبريل‪/‬نيســان‬

‫‪.2019‬‬

‫(‪ )6‬يقــول وائــل حــاق‪ ،‬فــي مقدمــة كتابــه «الدولــة املســتحيلة»‪ :‬إن املنطقــة وملــدة اثنــي عشــر قر ًنــا‪« ،‬كان القانــون‬

‫ناجحــا فــي التفاعــل مــع املتعــارف عليــه واألعــراف احملليــة‬


‫ً‬ ‫األخالقــي لإلســام‪ ،‬املعــروف باســم الشــريعة‪،‬‬

‫ـدرا للســلطة الدينيــة واألخالقيــة عنــد‬ ‫طبيعيــا‪ .‬ويقــول ً‬


‫أيضــا‪« :‬تظــل الشــريعة مصـ ً‬ ‫ًّ‬ ‫الســائدة» أي هــو الســائد فيهــا‬

‫الغالبيــة العظمــى مــن املســلمني اليــوم»‪ .‬انظــر‪ :‬حــاق‪ ،‬وائــل‪ ،‬الدولــة املســتحيلة‪ ،‬ترجمــة عمــرو عثمــان‪( ،‬املركــز‬

‫العربــي لألبحــاث ودراســة السياســات‪ ،‬بيــروت‪ ،)2015 ،‬ط ‪ ،2‬ص ‪.19-20‬‬

‫(‪ )7‬اعتمــدت الدراســة فــي التأكيــد علــى هــذه الثوابــت فــي فهــم الســياق التاريخــي لتيارات «اإلســام السياســي»‪،‬‬

‫باالقتبــاس مــع تصــرف‪ ،‬مــن ورقتــن غيــر منشــورتني‪ ،‬باللغــة اإلجنليزيــة‪ ،‬للدكتــور بشــير نافــع‪ ،‬إضافــة إلــى مقابلــة‬

‫عبــر الهاتف‪ ،‬فــي ‪ 22‬أبريل‪/‬نيســان ‪.2019‬‬

‫‪“Islamic Contemporary Movements and Islamic Political Parties Introductory Remarks on the Origins,‬‬

‫‪Expressions and Trajectories of the Islamic Political Forces”.‬‬

‫(‪ )8‬انظــر‪ :‬ســرحان‪ ،‬باســم‪ ،‬طرائــق البحــث االجتماعــي الكميــة‪( ،‬املركــز العربــي لألبحــاث ودراســة السياســات‪،‬‬

‫بيــروت‪ ،)2017 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.54‬‬

‫ـردا‪ ،‬والســردية هــي ظاهــرة تتابــع احلــاالت‬


‫(‪ )9‬الســردية كمصطلــح‪ ،‬هــي للداللــة علــى مــا بــه يكــون اخلطــاب سـ ً‬
‫والتحــوالت املاثلــة فــي اخلطــاب واملســؤولة عــن إنتــاج املعنــى‪ .‬واملــراد بالســردية اإلســامية ‪-‬كمــا يقصدهــا‬

‫الباحــث هنــا علــى وجــه التحديــد‪ -‬هــي التــي تعنــى بداللــة النصــوص واألفعــال الســردية‪ ،‬فــي تعاقبهــا ودالالتها‪،‬‬
‫ويشـ ِّ‬
‫ـكل إطارهــا الزمنــي اإلســام نفســه كنــص واجتهــاد وممارســة‪ .‬أمــا مركزهــا املتصــل بالسياســة «الشــرعية» كمــا‬

‫يدركهــا اإلســاميون فهــو الدولــة اإلســامية التاريخيــة‪ ،‬حيــث احلاكــم الواحــد والدولــة الواحــدة لــكل املســلمني‪،‬‬

‫ومــا نتــج عــن ذلــك مــن إرث أو اتصــل بــه مــن تــراث فقهــي وفكــري وتاريخــي وقيمــي وســوى ذلــك مــن العلــوم‬

‫الدا َّلــة عليــه‪ .‬للتوســع‪ ،‬راجــع‪ :‬شــقير‪ ،‬شــفيق‪ ،‬أطروحــة السياســة الشــرعية فــي غيــاب راعــي الرعيــة‪( ،‬بحــث لنيــل‬

‫درجــة الدكتــوراه فــي الدراســات اإلســامية‪ ،‬شــعبة القانــون والفقــه وأصولــه‪ ،‬كليــة الدعــوة اجلامعيــة للدراســات‬

‫اإلســامية‪ 1439 ،‬هـــ‪ ،)-2018‬ص ‪ .26-27‬وانظــر ً‬


‫أيضــا‪ :‬مشــاورة‪ ،‬عثمــان‪« ،‬فــي مفهــوم الســردية ومكوناتهــا»‪،‬‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪79‬‬

‫جريــدة اخلليــج‪ 21 ،‬مايو‪/‬أيــار ‪( ،2012‬تاريــخ الدخــول‪ 17 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪https://bit.ly/2EzQ2lU‬‬

‫(‪ )10‬خبير في الشأن السياسي‪ ،‬وكاتب عمود في صحيفة «زمان» التركية‪.‬‬

‫‪(11) Aktay, Yasin, “The “Ends” of Islamism: Rethinking the Meaning of Islam and the Political”, In-‬‬

‫‪sight Turkey, (Volume 15, Number 1, Winter 2013), p. 114, (Accessed on April 9, 2019):‬‬

‫‪https://bit.ly/2VvOgqw‬‬

‫(‪ )12‬الترجمــة العربيــة لتعريــف تركونــة املعتمــد فــي الدراســة مأخــوذة مــن الدكتــور محمــد عفــان‪ ،‬الوهابيــة‬

‫واإلخــوان‪ :‬الصــراع حــول مفهــوم الدولــة وشــرعية الســلطة‪( ،‬جســور للترجمــة والنشــر‪ ،‬بيــروت ‪ ،)2016‬ط ‪،1‬‬

‫ص ‪.67‬‬

‫(‪ )13‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.67-68‬‬

‫(‪ )14‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.66‬‬

‫(‪ )15‬ينتمــي مفهــوم القــوة الناعمــة فــي األصــل إلــى مجــال العالقــات الدوليــة‪ ،‬وأول مــن اســتخدم املصطلــح‬

‫ـاعدا للرئيــس األميركــي الســابق‪ ،‬بيــل‬


‫وصــاغ أطــره هــو الباحــث األميركــي‪ ،‬جوزيــف نــاي‪ ،‬الــذي عمــل مسـ ً‬

‫كلينتــون‪ .‬انظــر‪ :‬حســن باكيــر‪ ،‬علــي‪ ،‬مســتقبل الصــن فــي النظــام العاملــي‪ :‬دراســة فــي الصعــود الســلمي والقــوة‬

‫الناعمــة‪( ،‬أطروحــة جامعيــة غيــر منشــورة مقدمــة إلــى اجلامعــة العربيــة فــي بيــروت‪ ،‬كليــة احلقــوق والعلــوم‬

‫السياســية)‪ ،‬ص ‪ 96‬ومــا بعدهــا‪.‬‬

‫‪(16) See: Nye, Joseph. S. The Paradox of American Power: Why the World’s Only Superpower Can’t‬‬

‫‪Go It Alone, (Oxford University Press, New York, 2002), pp. 8-12.‬‬

‫‪Nye, Joseph, “The Benefits of Soft Power”, Harvard Business School, 8 February 2004, (accessed‬‬

‫‪on 10 April 2019):‬‬

‫‪https://hbs.me/2GGAr4i‬‬

‫قدمتــه الدكتــورة هبــة عبــد الــرؤوف‪ ،‬حيــث االرتــكاز‬


‫(‪ )17‬ميكــن العــودة إلــى تعريــف «اخليــال السياســي» كمــا َّ‬

‫علــى النــص جــزء مــن رؤيــة اإلطــار املعرفــي أو كمــا يســميه جيــرار جينيــت (‪« )Gérard Genette‬النــص املعمــاري»‬

‫أي النــص املرجعــي األم‪ ،‬أو النــص املاورائــي األعلــى الــذي ال ميكــن فهــم النــص احملــدد مــن دون النظــر فــي مــرآة‬

‫النــص «املاورائــي»‪ .‬للتوســع راجــع‪ :‬عبــد الــرؤوف‪ ،‬هبــة‪ ،‬اخليــال السياســي لإلســاميني‪ :‬مــا قبــل الدولــة ومــا‬

‫بعدهــا‪( ،‬الشــبكة العربيــة لألبحــاث والنشــر‪ ،‬بيــروت ‪ ،)2015‬ط ‪ ،2‬ص ‪.71‬‬


‫‪| 80‬‬

‫(‪ )18‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.71-72‬‬

‫(‪ )19‬يرجــع كارل غوســتاف يونــغ «شــيوع الالشــعور اجلمعــي إلــى تشــابه العقــل فــي جميــع أجنــاس البشــر ويعــود‬

‫هــذا التشــابه إلــى التطــور املشــترك»‪ .‬ويونــغ طبيــب نفســي سويســري (‪ )1961 1875-‬اشــتهر بنظريتــه حــول‬

‫«الالوعــي الشــعوري»‪ .‬حــول التعريــف بــكارل غوســتاف ونظريتــه‪ ،‬انظــر املوســوعة العربيــة‪( ،‬تاريــخ الدخــول‪:‬‬

‫‪ 10‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://arab-ency.com/detail/10119‬‬

‫(‪ )20‬أي احلديث النبوي وما ُيروى عن الصحابة والتابعني‪.‬‬

‫(‪ )21‬لــم يثبــت أن تبويــب صحيــح مســلم هــو مــن صنيعــه‪ ،‬ولكــن مــا حتــت هــذا البــاب مــن أحاديــث تتســق‬

‫قطعــا‪.‬‬
‫معــه ً‬
‫(‪ )22‬تابعي وأحد األئمة في علم احلديث كما في سواه‪ ،‬توفي عام ‪ 110‬للهجرة‪.‬‬

‫(‪ )23‬انظــر‪ :‬مقدمــة صحيــح مســلم‪ .‬صحيــح مســلم‪ ،‬حتقيــق محمــد فــؤاد عبــد الباقــي‪( ،‬دار إحيــاء التــراث‬

‫العربــي‪ ،‬بيــروت‪ ،)1991 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.14‬‬

‫(‪ )24‬انظــر احلديــث فــي موقــع إســام ويــب‪ ،‬موســوعة احلديــث الشــريف‪ ،‬مســند اإلمــام أحمــد‪ ،‬رقــم احلديــث‪:‬‬

‫‪( ،21582‬تاريــخ الدخــول‪ 25 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬

‫‪https://bit.ly/2OqKfB1‬‬

‫(‪ )25‬حــول إشــكالية الفجــوة بــن مــا يعيشــه املســلمون ومــا يتطلعــون إليــه مــن قيــم أخالقيــة دينيــة‪ .‬انظــر‪ :‬حــاق‪،‬‬

‫وائــل‪ ،‬الدولــة املســتحيلة‪ ،‬مرجــع ســابق‪ ،‬ص ‪ 30‬ومــا بعدهــا‪.‬‬

‫(‪ )26‬رسائل اإلمام الشهيد حسن البنا‪ ،‬ويكي إخوان‪( ،‬تاريخ الدخول‪ 25 :‬مارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2GMIuw1‬‬

‫منوذجــا عــن أهميــة «الدعــوة» وكأســاس فــي حركــة اإلخــوان املســلمني‪،‬‬


‫ً‬ ‫ِّ‬
‫يشــكل‬ ‫(‪ )27‬هنــاك كتيــب صغيــر‪،‬‬

‫ويعتقــد أن مؤلفــه احلقيقــي هــو عبــد اهلل عــزام‪ .‬للتوســع‪ ،‬راجــع‪ :‬أمــن‪ ،‬صــادق‪ ،‬الدعــوة اإلســامية فريضــة‬
‫ُ‬
‫شــرعية وضــرورة بشــرية‪( ،‬دار التوزيــع والنشــر اإلســامية‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬مصــر‪ ،‬بــدون تاريــخ)‪.‬‬

‫(‪ )28‬البيعة املطروحة لدى اإلسالميني هي بيعات خاصة دون بيعة اخلليفة‪ ،‬اإلمام األعظم‪.‬‬

‫(‪ )29‬ميكــن العــودة لرســائل حســن البنــا‪ ،‬وفيهــا وصــف لـــ “دعــوة اإلخــوان»‪ ،‬ومشــحونة مبعــان صوفيــة وسياســية‬

‫وجدانيــة وفكريــة‪.‬‬

‫(‪ )30‬يجتمــع علــى وصــف اإلخــوان بهــذا الوصــف «اجلهاديــون» وبعــض «الســلفيني»‪ .‬وقــد اســتعمل أســامة بــن‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪81‬‬

‫الدن فــي تســجيل لــه هــذا الوصــف فــي ســياق انتقــاده تلــك «اجلماعــات األخــرى (ويقصــد اإلخــوان) التــي‬

‫تضخــم عندهــا احلــذر حتــى وصــل إلــى درجــة اخلــوف ا ُملقعــد عــن القيــام باجلهــاد»‪ .‬انظــر‪ :‬قنــاة اجلزيــرة‪ ،‬مــا‬

‫وراء اخلبــر‪ ،‬متابعــة لكلمــة أســامة بــن الدن فــي ‪ 20‬مــارس‪/‬آذار ‪( ،2008‬تاريــخ الدخــول‪ 25 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬

‫‪https://bit.ly/2V6c3N4‬‬

‫(‪ )31‬انظــر‪ :‬شــقير‪ ،‬شــفيق‪« ،‬اجلــذور األيديولوجيــة لتنظيــم الدولــة اإلســامية»‪ ،‬مركــز اجلزيــرة للدراســات‪23 ،‬‬

‫نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪( ،2014‬تاريــخ الدخــول‪ 26 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2Vqv4h1‬‬

‫(‪ )32‬انظــر‪ :‬فتــوى للشــيخ عبــد العزيــز بــن بــاز حــول اجلهــاد فــي أفغانســتان‪ ،‬املوقــع الرمســي البــن بــاز‪( ،‬تاريــخ‬

‫الدخــول‪ 27 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://www.binbaz.org.sa/noor/2871‬‬

‫(‪ )33‬هناك تفسيرات للسلفية وحتى للوهابية في سياق مختلف قد تتجاوز هذ النمط موضوع املناقشة‪.‬‬

‫(‪ )34‬ألن الواقــع الــذي جــاءت احلركــة الوهابيــة لتواجهــه كان يســتدعي ذلــك برأيهــا‪ ،‬يصــف ابــن غنــام‪ ،‬حــال‬

‫املســلمني فــي حديثــه عــن جنــد‪« :‬أكثــر املســلمني ‪-‬فــي مطلــع القــرن الثانــي عشــر الهجــري‪ -‬قــد ارتكســوا فــي‬

‫الشــرك‪ ،‬وارتــدوا إلــى اجلاهليــة‪ .»...‬انظــر‪ :‬الشــيخ اإلمــام حســن بــن غنــام‪ ،‬تاريــخ جنــد‪ ،‬حــرره وحققــه ناصــر‬

‫الديــن األســد‪( ،‬دار الشــروق‪ ،‬بيــروت‪ ،)1994 ،‬ط ‪ ،4‬ص ‪ 13‬ومــا بعدهــا‪.‬‬

‫(‪ )35‬ينفــي رمــوز التيــار الســلفي‪ ،‬الســيما الشــيخ عبــد العزيــز بــن بــاز‪ ،‬خــروج الشــيخ محمــد بــن عبــد الوهــاب‬

‫علــى الدولــة العثمانيــة‪ ،‬وبغـ ِّ‬


‫ـض النظــر عــن هــذا النقــاش‪ ،‬فــإن احلركــة الوهابيــة اســتطاعت النهــوض بشــرعيتها‬

‫اخلاصــة دون احلاجــة أو االعتمــاد علــى شــرعية اخلالفــة العثمانيــة التــي كانــت قائمــة آنــذاك‪ .‬حــول رد التيــار‬

‫الوهابــي علــى «شــبهة خــروج الشــيخ علــى دولــة اخلالفــة»‪ ،‬انظــر‪ :‬عبــد العزيــز بــن محمــد بــن علــي العبــد‬

‫اللطيــف‪ ،‬دعــاوى املناوئــن لدعــوة الشــيخ محمــد بــن عبــد الوهــاب عــرض ونقــد‪( ،‬دار طيبــة للتوزيــع والنشــر‪،‬‬

‫الريــاض‪ ،)1989 ،‬ص ‪ 233‬ومــا بعدهــا‪.‬‬

‫(‪ )36‬يذهــب عبــد اهلل العــروي فــي كتابــه «مفهــوم األيديولوجيــا» إلــى القــول بــأن «لفظــة الدعــوة» لعبــت فــي‬

‫محوريــا مثــل كلمــة أيديولوجيــا‪ .‬راجــع‪ :‬عبــد اهلل العــروي‪ ،‬مفهــوم األيديولوجيــا‪( ،‬املركــز‬
‫ًّ‬ ‫دورا‬
‫العلــوم اإلســامية ً‬
‫الثقافــي العربــي‪ ،‬بيــروت‪ ،)2012 ،‬ط ‪ ،8‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ )37‬فتــوى مارديــن البــن تيميــة مثـ ً‬
‫ـا‪ ،‬فــي التمييــز بــن دار احلــرب ودار اإلســام‪ ،‬قــال بأنهــا دار ثالثــة وفيهــا مــن‬

‫متقدمــا لإلســاميني ليحكمــوا علــى شــرعية الواقــع السياســي القائــم راه ًنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫منوذجــا‬
‫ً‬ ‫الداريــن‪ .‬شـ َّ‬
‫ـكلت الفتــوى‬
‫‪| 82‬‬

‫(‪ )38‬لــم يحــظ كتابــه هــذا باالحتفــاء كمــا هــو الشــأن مــع فتاويــه‪ ،‬إال أن روح األخيــرة كانــت مــن هديــه‪ ،‬جتيــب‬

‫ـبيا شــبيهة بواقــع التيــارات اإلســامية املعاصــر ولــو ببعــض التصــرف والقيــاس‪.‬‬
‫علــى أســئلة تعتبــر نسـ ًّ‬
‫ـرعيا‪ ،‬فإنهــم قــد يعترضــون حتــى‬
‫(‪ )39‬مــن شــدة حــرص اإلســاميني علــى تأكيــد أهميــة الدولــة اإلســامية شـ ًّ‬
‫علــى اســتخدام بعــض املصطلحــات العلميــة اإلســامية إذا كانــت تعكــس تقليـ ً‬
‫ـا مــن أهميتهــا‪ .‬مــن أمثلــة ذلــك‬

‫ـرا بســبب مقالــة كتبهــا‬ ‫ـرا‪ ،‬أن رئيــس االحتــاد العاملــي لعلمــاء املســلمني‪ ،‬أحمــد الريســوني‪ ،‬قــد أثــار جـ ً‬
‫ـدل كبيـ ً‬ ‫مؤخـ ً‬
‫حتمــل عنــوان‪« :‬مســتقبل اإلســام بــن الشــعوب واحلكـــام»‪ ،‬اعتبــر فيهــا الدولــة اإلســامية مــن الفــروع‪ ،‬ورأى‬

‫أن بعــض اإلســاميني يبالــغ فــي مكانتهــا مــن اإلســام‪ .‬فجــاءت عــدة ردود باملقابــل‪ ،‬ومــن ثــم أوضــح مــراده‪.‬‬

‫انظــر‪ :‬موقــع رابطــة أهــل الســنة‪ 13 ،‬مــارس‪/‬آذار ‪( ،2019‬تاريــخ الدخــول‪ 27 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2PxiKX7‬‬

‫وكمثــال علــى أحــد الــردود‪ ،‬انظــر‪ :‬أبــو الــورد‪ ،‬فتحــي‪« ،‬مســاحات االتفــاق واالختــاف فــي مقــال الريســوني»‪،‬‬

‫اجلزيــرة مباشــر‪ 20 ،‬مــارس‪/‬آذار ‪( ،2019‬تاريــخ الدخــول‪ 27 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2PAyKaL‬‬

‫وانظــر ً‬
‫أيضــا توضيــح الريســوني فــي موقــع «اإلســاميون»‪ 28 ،‬مــارس‪/‬آذار ‪( ،2019‬تاريــخ الدخــول‪ 27 :‬أبريــل‪/‬‬

‫نيسان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2GQ1Ujz‬‬

‫(‪ )40‬راجــع‪ :‬رســائل اإلمــام الشــهيد حســن البنــا‪ ،‬مرجــع ســابق‪ .‬وانظــر ً‬
‫أيضــا‪ :‬بلقزيــز‪ ،‬عبــد اإللــه‪ ،‬الدولــة فــي‬

‫الفكــر اإلســامي املعاصــر‪( ،‬مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬بيــروت‪ ،)2004 ،‬ط ‪ ،2‬ص ‪.126‬‬

‫(‪ )41‬حــول تعريــف الســلفية املدخليــة ومــن تنســب إليــه‪ ،‬انظــر‪« :‬املدخلــي ســلفي ســعودي هاجــم اإلخــوان‬

‫وعــارض الربيــع العربــي»‪ ،‬موســوعة اجلزيــرة‪ ،‬بــدون تاريــخ‪( ،‬تاريــخ الدخــول‪ 19 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2VB9fvC‬‬
‫ا َمل ِ‬
‫داخلــة‪ ..‬والء للســلطة وحــرب علــى التيــارات اإلســامية‪ ،‬موســوعة اجلزيــرة‪ ،‬بــدون تاريــخ‪( ،‬تاريــخ الدخــول‪:‬‬

‫‪ 19‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2IIR3cq‬‬

‫(‪ )42‬انظــر‪ :‬شــقير‪ ،‬شــفيق‪« ،‬اجلــذور األيديولوجيــة لتنظيــم الدولــة اإلســامية أو تيــار مــا بعــد اجلهاديــة»‪ ،‬فــي‬

‫تنظيــم «الدولــة اإلســامية»‪ :‬النشــأة والتأثيــر‪ ،‬واملســتقبل‪ ،‬مجموعــة مــن املؤلفــن‪ ،‬حتريــر فاطمــة الصمــادي‪،‬‬

‫(مركــز اجلزيــرة للدراســات‪ ،‬الدوحــة‪ ،)2016 ،‬ص ‪ 44‬ومــا بعدهــا‪.‬‬


‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪83‬‬

‫(‪ )43‬مقابلة الباحث مع بشير نافع‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫(‪ )44‬انظــر‪ :‬شــقير‪ ،‬شــفيق‪« ،‬اجلــذور األيديولوجيــة لتنظيــم الدولــة اإلســامية»‪ ،‬مركــز اجلزيــرة للدراســات‪23 ،‬‬

‫نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪( ،2014‬تاريــخ الدخــول‪ 26 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2Vqv4h1‬‬

‫(‪ )45‬بــدأت املراجعــات مــع اجلماعــة اإلســامية وتنظيــم اجلهــاد املصريــن‪ ،‬وكبــرت ككــرة ثلــج وحتولــت إلــى‬

‫نقــد قــاس لتنظيــم القاعــدة‪ .‬انظــر‪ :‬علــى ســبيل املثــال مراجعــات ســيد إمــام عبــد العزيــز الشــريف «املعــروف‬

‫ور َّد عليهــا الظواهــري‬


‫بالدكتــور فضــل» بنقــده للقاعــدة فــي «وثيقــة ترشــيد العمــل اجلهــادي فــي مصــر والعالــم»‪َ ،‬‬
‫رد ســيد إمــام علــى الــرد‬ ‫َّ‬
‫والضعــف»‪ .‬ثــم َّ‬ ‫ـور‬ ‫بكتــاب‪« :‬التبرئــة‪ :‬تبرئــة أمــة الســيف والقلــم مــن منقصــة تهمــة َ‬
‫اخلـ َ‬
‫بـ»مذكــرة التعريــة لكتــاب التبرئــة»‪ ،‬ونشــرتها صحيفــة الشــرق األوســط عــام ‪ 2008‬علــى حلقــات‪ .‬انظــر‪ :‬الشــرق‬

‫األوســط‪ 18 ،‬نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪( ،2008‬تاريــخ الدخــول‪ 19 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪https://goo.gl/zhqInH‬‬

‫(‪ )46‬قامــت مجموعــة مــن اجلماعــة الليبيــة املقاتلــة‪ ،‬ومنهــم عبــد احلكيــم بلحــاج‪ ،‬بإجــراء مراجعــة شــاملة‪،‬‬

‫وكانــت علــى طريقــة كتــاب الهضيبــي مــن حيــث الغايــة‪ ،‬ولــم تتعــرض لقضايــا تنظيميــة بــل ملســائل ومفاهيــم‬

‫فقهيــة تعتبرهــا أســاس التشــدد‪ .‬انظــر‪ :‬دراســات تصحيحيــة فــي مفاهيــم اجلهــاد واحلســبة واحلكــم علــى النــاس‪،‬‬

‫ُأعــدت حتــت إشــراف عبــد احلكيــم اخلويلــدي احلــاج (وآخــرون)‪( ،‬دار املعرفــة‪ ،‬بيــروت‪ ،)2010 ،‬ط ‪.1‬‬

‫(‪ )47‬انظــر‪ :‬الفهــداوي‪ ،‬خالــد‪ ،‬الفقــه السياســي اإلســامي‪( ،‬دار األوائــل للنشــر والتوزيــع‪ ،‬دمشــق‪ ،)2008 ،‬ص‬

‫‪ 443‬ومــا بعدهــا‪ .‬وانظــر ً‬


‫أيضــا‪ :‬كوثرانــي‪ ،‬وجيــه‪ ،‬تاريــخ التأريــخ‪ :‬اجتاهــات مــدارس مناهــج‪ ،‬املركــز العربــي‬

‫لألبحــاث ودراســة السياســات‪ ،‬بيــروت‪ ،‬الطبعــة األولــى‪ ،2012 ،‬ص ‪ 332‬ومــا بعدهــا‪.‬‬

‫(‪ )48‬يقــول راشــد الغنوشــي‪« :‬ال يحتــاج اإلســاميون إلــى جهــد إلقناعهــم باخليــار الدميقراطــي‪ ،‬فتيارهــم العــام‬

‫مبــا حقــق مــن نضــج فكــري ومبــا ترســب فــي وعيــه مــن محصــول جتاربــه فــي مقارعــة االســتبداد‪ ،‬قــد اجتمعــت‬

‫كلمتــه علــى هــذا اخليــار مبــدأ ومصلحــة»‪ .‬الغنوشــي‪ ،‬راشــد‪ ،‬الدميقراطيــة وحقــوق اإلنســان فــي اإلســام‪( ،‬مركــز‬

‫اجلزيــرة للدراســات‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم‪ ،‬ناشــرون‪ ،)2012 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.76‬‬

‫(‪ )49‬يقــول أنــدرو هيــود فــي حديثــه عــن التكيــف األصولــي مــع احلداثــة مبــا فيهــا مــن منجــزات كاإلنترنــت أو‬

‫قبــول الدولــة احلديثــة‪ ،‬إنهــا تقــوم علــى «احتــرام العقالنيــة الدنيويــة»‪ ،‬ويــرى أن عمليــة التكيــف األصولــي هــي‬

‫«إعــادة بنــاء الديــن داخــل حــدود احلداثــة‪ ،‬فــي أثنــاء قيامهــا (أي األصوليــة) بالتكيــف مــع احلديثــة مــن داخــل‬

‫حــدود الديــن»‪ .‬انظــر‪ :‬هيــود‪ ،‬أنــدرو‪ ،‬مدخــل إلــى األيديولوجيــات السياســية‪ ،‬ترجمــة محمــد صفــار‪( ،‬املركــز‬
‫‪| 84‬‬

‫القومــي للترجمــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،)2012 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.353-354‬‬

‫(‪ )50‬يقــول حســن البنــا فــي رســائل املؤمتــر اخلامــس‪« :‬وأمــا الثــورة فــا يفكــر اإلخــوان املســلمون فيهــا‪ ،‬وال‬

‫يعتمــدون عليهــا‪ ،‬وال يؤمنــون بنفعهــا ونتائجهــا‪ ،‬وإن كانــوا يصارحــون كل حكومــة فــي مصــر بــأن احلــال إذا‬

‫دامــت علــى هــذا املنــوال ولــم يفكــر أولــو األمــر فــي إصــاح عاجــل وعــاج ســريع لهــذه املشــاكل‪ ،‬فســيؤدي‬

‫حتمــا إلــى ثــورة ليســت مــن عمــل اإلخــوان املســلمني وال مــن دعوتهــم‪ ،‬ولكــن مــن ضغــط الظــروف‬
‫ً‬ ‫ذلــك‬

‫ومقتضيــات األحــوال‪ ،‬وإهمــال مرافــق اإلصــاح»‪ .‬رســائل اإلمــام الشــهيد حســن البنــا‪ ،‬مرجــع ســابق‪.‬‬

‫(‪ )51‬انظــر‪ :‬عجــاج اخلطيــب‪ ،‬محمــد‪ ،‬الســنة قبــل التدويــن‪( ،‬مكتبــة وهبــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،)1988 ،‬ط ‪ ،2‬ص ‪303‬‬

‫ومــا بعدهــا‪.‬‬

‫(‪ )52‬أخــذ تنظيــم القاعــدة وق ًتــا حتــى أبــاح الصــور فــي دعايتــه‪ ،‬انظــر علــى ســبيل املثــال‪ ،‬املقابلــة مــع أحــد‬

‫مصــوري ابــن الدن واملجاهديــن فــي أفغانســتان آنــذاك وصعوبــة عملــه مــع فتــوى التحــرمي‪ :‬الشــافعي‪ ،‬محمــد‪،‬‬

‫شــهرا قبــل أن أقنعــه (أي ابــن الدن) بأهميــة الكاميــرا»‪ ،‬الشــرق األوســط‪26 ،‬‬
‫ً‬ ‫مصــور ابــن الدن‪« ،‬جلســت ‪18‬‬

‫مــارس‪/‬آذار ‪( ،2015‬تاريــخ الدخــول‪ 16 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪https://bit.ly/2Zg27U8‬‬

‫(‪ )53‬انظــر‪ :‬الراشــد‪ ،‬بــدر‪« ،‬الظواهــري يهاجــم «اإلخــوان» ومرســي فــي ذكــرى رابعــة»‪ ،‬العربــي اجلديــد‪14 ،‬‬

‫أغســطس‪/‬آب ‪( ،2016‬تاريــخ الدخــول‪ 25 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2DyEc9k‬‬

‫(‪ )54‬انظــر علــى ســبيل املثــال حــول مثــل هــذا االحتمــال‪ :‬علــي‪ ،‬أســامة‪« ،‬تصــدع جبهــة حفتــر‪ :‬انقــاب ســلفي‬

‫وشــيك»‪ 30 ،‬أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪ 30 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2UZu1Fw‬‬

‫(‪ )55‬حــول تعريــف الســلفية الصحويــة‪ ،‬انظــر‪« :‬الصحــوة تيــار فكــري ســعودي تصــادم مــع النظــام»‪ ،‬موســوعة‬

‫اجلزيــرة‪ ،‬بــدون تاريــخ‪( ،‬تاريــخ الدخــول‪ 19 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2V8YhNE‬‬

‫(‪ )56‬حــول املعاييــر واإلجــراءات التنظيميــة فــي اإلخــوان‪ ،‬ينظــر‪ :‬العنانــي‪ ،‬خليــل‪« ،‬داخــل اإلخــوان املســلمني‪:‬‬

‫الديــن والهويــة والسياســة»‪ ،‬ترجمــة عبــد الرحمــن عيــاش‪( ،‬الشــبكة العربيــة لألبحــاث والنشــر‪ ،‬بيــروت‪،)2018 ،‬‬

‫ط ‪ ،1‬ص ‪ 182‬ومــا بعدهــا‪.‬‬

‫(‪ )57‬أجــرى الباحــث عــدة مقابــات فــي نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪ ،2016‬مــع بعــض قــادة جماعــة اإلخــوان‬
‫األيديولوجيا الناعمة لـ»اإلسالم السياسي» ومستقبله بعد الربيع العربي | ‪85‬‬

‫املســلمني فــي األردن‪ ،‬إحداهــا مــع القيــادي الســابق فــي اجلماعــة‪ ،‬عبــد املجيــد ذنيبــات‪ ،‬الــذي اعتبــر أن دخــول‬

‫اجلماعــة خــال ثــورات الربيــع العربــي فــي سياســات تغييــر احلكــم هــو خطــأ‪ ،‬الســيما فــي األردن‪ ،‬وأن عليهــا‬

‫ـدا باســم‬
‫ترخيصــا جديـ ً‬
‫ً‬ ‫أن تعــود لتكــون «دعــوة»‪ .‬ذنيبــات كان قــد انشــق عــن إخــوان األردن أو باألحــرى أصــدر‬

‫«جمعيــة جماعــة اإلخــوان املســلمني» فــي مواجهــة اجلماعــة األســاس‪.‬‬

‫(‪ )58‬شــقير‪ ،‬شــفيق‪« ،‬علمــاء التيــار اجلهــادي‪ :‬اخلطــاب والــدور واملســتقبل»‪ ،‬مركــز اجلزيــرة للدراســات‪9 ،‬‬

‫مــارس‪/‬آذار ‪( ،2017‬تاريــخ الدخــول‪ 26 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2DnLpcp‬‬

‫(‪ )59‬شــقير‪ ،‬شــفيق‪« ،‬مــا بعــد الربيــع العربــي‪ ..‬اإلســاميون بــن مســار اخلالفــة ومســار الدولــة»‪ ،‬وكالــة األناضول‪،‬‬

‫‪ 27‬يونيو‪/‬حزيــران ‪( ،2016‬تاريــخ الدخول‪ 18 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2VTu5mK‬‬

‫(‪ )60‬تفاوتــت املصــادر فــي تقديرهــا لعــدد القتلــى مــا بــن بــاآلالف أو املئــات‪ .‬انظــر‪« :‬ملــاذا تضاربــت أرقــام‬

‫ضحايــا فــض اعتصــام رابعــة؟»‪ ،‬اجلزيــرة نــت‪ 6 ،‬مــارس‪/‬آذار ‪( ،2014‬تاريــخ الدخــول‪ 19 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬

‫‪http://bit.ly/2VVWR67‬‬
‫دور املؤسسة العسكرية يف مصر‬
‫بعد ‪ :2013‬املحددات واملسارات‬
‫عصام عبد الشافي‬
‫*‬
‫مقدمة‬
‫مــع قيــام ثــورة ‪ 25‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪ 2011‬فــي مصــر‪ ،‬ومــا ترتــب عليهــا مــن حتــوالت‬

‫علــى مختلــف املســتويات السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والثقافيــة‪ ،‬وكذلــك األمنيــة‬


‫والعســكرية‪ ،‬بــرزت مجموعــة مــن القضايــا بــل والتحديــات التــي كانــت محـ ًّ‬
‫ـا لالهتمــام‪،‬‬

‫ليــس فقــط علــى مســتوى املمارســن واملنخرطــن فــي العمليــة السياســية فــي مصــر‪ ،‬ولكــن‬
‫ً‬
‫أيضــا علــى مســتوى الباحثــن واملتخصصــن فــي العلــوم السياســية عامــة‪ ،‬وفــي قضايــا التحــول‬

‫الدميقراطــي خاصــة‪ .‬وكان مــن أهــم هــذه القضايــا‪ ،‬قضيــة العالقــات املدنية‪-‬العســكرية أمــام‬
‫تعاظــم الــدور الــذي تقــوم بــه املؤسســة العســكرية فــي مصــر بعــد ‪ 2011‬وحتــى اآلن‪.‬‬

‫ـكريا‬
‫ـعبيا عــام ‪ 2011‬وعسـ ًّ‬
‫هــذا الــدور الــذي لــم يكــن وليــد التحــوالت التــي شــهدتها مصــر شـ ًّ‬
‫فــي ‪ ،2013‬ولكنــه يعــود بجــذوره القريبــة إلــى العــام ‪ 1952‬مــع االنقــاب الــذي شــهدته مصــر‬
‫فــي ‪ 23‬يوليو‪/‬متــوز مــن ذلــك العــام‪ ،‬والــذي شـ َّ‬
‫ـكل البدايــة الرمسيــة لتغلغــل‪ ،‬بــل‪ ،‬وهيمنــة‬

‫وثقافيــا‬
‫ًّ‬ ‫واجتماعيــا‬
‫ًّ‬ ‫واقتصاديــا‬
‫ًّ‬ ‫املؤسســة العســكرية علــى العديــد مــن مفاصــل الدولــة‪ ،‬سياسـ ًّـيا‬

‫وتشــريعيا حتــى بــرزت مقولــة كاشــفة عنــد البعــض وتفســيرية عنــد‬


‫ًّ‬ ‫وتنظيميــا‬
‫ًّ‬ ‫وإداريــا‬
‫ًّ‬ ‫بــل‬

‫د‪ .‬عصــام عبــد الشــافي‪ ،‬رئيــس أكادمييــة العالقــات الدوليــة‪ ،‬ومديــر املعهــد املصــري للدراســات‪ .‬أســتاذ‬
‫*‬
‫العلــوم السياســية بجامعــة صقاريــا التركيــة ســابقً ا‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪| 88‬‬

‫معكوســا فــي مصــر يتم َّثــل فــي وجــود “جيــش‬


‫ً‬ ‫وضعــا‬
‫ً‬ ‫البعــض اآلخــر تقــوم علــى أن هنــاك‬

‫لــه دولــة وليســت دولــة لهــا جيــش”‪ .‬وذهــب أحــد املتخصصــن إلــى إطــاق اســم “جمهوريــة‬
‫الضبــاط”(‪ )1‬علــى الدولــة التــي تشـ َّ‬
‫ـكلت فــي مصــر بعــد ‪ ،1952‬وترســخت بعــد انقــاب ‪.2013‬‬

‫وفــي إطــار هــذه االعتبــارات‪ ،‬تأتــي هــذه الدراســة للبحــث فــي محــددات ومؤشــرات دور‬

‫املؤسســة العســكرية فــي مصــر بعــد ‪ 2013‬ومســاراتها‪ ،‬وكيــف ميكــن إدارة العالقــات املدنيــة‪-‬‬

‫ـتنادا إلــى هــذه احملــددات وتلــك املؤشــرات‪.‬‬


‫العســكرية فــي مصــر‪ ،‬اسـ ً‬
‫‪ .1‬اإلطار النظري واملنهجي للدراسة‬
‫أ‪ -‬أهمية الدراسة‬
‫تنبــع أهميــة هــذه الدراســة مــن عــدة اعتبــارات‪ ،‬ميكــن التمييــز فــي إطارهــا بــن مســتويني‬

‫أساســيني‪:‬‬
‫‪ً -‬‬
‫أول‪ :‬األهمية العلمية‪:‬‬
‫حيــث تشـ ِّ‬
‫ـكل قضيــة العالقــات املدنية‪-‬العســكرية إحــدى أهــم قضايــا التحــوالت السياســية‬

‫التــي شــهدتها الــدول العربيــة منــذ العــام ‪ ،2011‬ورغــم جذريــة هــذه التحــوالت فــي كثيــر‬

‫مــن احلــاالت‪ ،‬إال أنهــا مــا زالــت حتتــاج إلــى املزيــد مــن البحــوث والدراســات حــول أبعــاد‬

‫هــذه القضيــة‪ ،‬ومناذجهــا وجتاربهــا املختلفــة‪ ،‬وآليــات إدارتهــا‪ ،‬وهــو مــا تســعى هــذه الدراســة‬

‫إلــى املســاهمة فيــه‪ ،‬مــن خــال تنــاول محــددات وأبعــاد هــذه القضيــة فــي احلالــة املصريــة‪،‬‬

‫وخاصــة بعــد ‪ ،2013‬هــذا مــن ناحيــة‪.‬‬

‫ومــن ناحيــة ثانيــة‪ ،‬مــا تفرضــه هــذه القضيــة علــى املســتوى النظــري التحليلــي مــن أهميــة‬

‫عــدد مــن املفاهيــم‪ ،‬وضــرورة العمــل علــى التأصيــل املعرفــي لهــا‪ ،‬وخاصــة مــا يرتبــط منهــا‬

‫بنظريــات ومنــاذج إدارة العالقــات املدنية‪-‬العســكرية‪.‬‬

‫ثانيا‪ ،‬األهمية العملية‪:‬‬


‫‪ً -‬‬
‫كشــفت الســنوات املنصرمــة‪ ،‬بعــد انقــاب ‪ ،2013‬فــي مصــر عــن أزمــة حقيقيــة لــدى معظــم‪،‬‬

‫إن لــم يكــن كل‪ ،‬النخــب السياســية والفكريــة‪ ،‬وكذلــك العســكرية‪ ،‬حــول آليــات ومســارات‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪89‬‬

‫إدارة العالقــات املدنية‪-‬العســكرية‪ ،‬وخاصــة مــع التغلغــل الكبيــر للمؤسســة العســكرية املصريــة‬

‫فــي معظــم مفاصــل وقطاعــات ونشــاطات الدولــة علــى كافــة املســتويات‪ ،‬لدرجــة الربــط بــن‬

‫هــذه املؤسســة وبقائهــا والدولــة وبقائهــا‪ ،‬وكأن العالقــة بينهمــا عالقــة بقــاء ووجــود‪ ،‬وهــو مــا‬

‫ثانيــا‪ ،‬وفــي كيفيــة الفصــل‬ ‫يكشــف عــن اختــاالت عميقــة فــي املفاهيــم ً‬
‫أول‪ ،‬وفــي األدوار ً‬
‫عمليــا‪ ،‬مــن محاولتهــا اإلســهام فــي‬
‫ًّ‬ ‫والتوزيــع ثال ًثــا‪ ،‬ولذلــك جــاءت أهميــة هــذه الدراســة‪،‬‬

‫دعــم عمليــة صنــع القــرار بــن النخــب املدنيــة والعســكرية فيمــا يتعلــق بــإدارة العالقــات فيمــا‬

‫بينهمــا‪ ،‬والنمــاذج العمليــة لهــذه اإلدارة‪.‬‬

‫ب‪ -‬أهداف الدراسة‬

‫في إطار االعتبارات السابقة تسعى الدراسة إلى حتقيق األهداف التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬بيان احملددات األساسية لدور املؤسسة العسكرية في مصر وموقعها من احلكم بعد ‪.2013‬‬

‫‪ .2‬حتديد مؤشرات ومقومات هذا الدور‪ ،‬وتأثيراته على العالقات املدنية‪-‬العسكرية‪.‬‬

‫‪ .3‬بيــان درجــة اقتــراب احلالــة املصريــة فــي العالقــات املدنية‪-‬العســكرية مــن النمــاذج النظريــة‬

‫املتعــارف عليهــا‪ ،‬ومــدى قــدرة هــذه النمــاذج علــى تقــدمي إســهام قابــل للتطبيــق فــي مصــر‪.‬‬

‫ج‪ -‬منهجية الدراسة‬


‫نظريــا يرتكــز علــى منــوذج الــدور الــذي يقــوم علــى عــدد مــن‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫مدخــا‬ ‫تعتمــد الدراســة‬

‫ــد صفــة مميــزة لــدى األفــراد الذيــن‬


‫االفتراضــات‪ ،‬مــن بينهــا أن بعــض أمنــاط الســلوك ت َُع ُّ‬
‫غالبــا مــا ترتبــط بعــدد مــن األفــراد الذيــن يشــتركون‬
‫ً‬ ‫يعملــون داخــل إطــار معــن‪ ،‬وأن األدوار‬

‫غالبــا مــا يكونــون مدركــن للــدور الــذي يقومــون بــه‪ ،‬وأن‬


‫ً‬ ‫فــي هويــة واحــدة‪ ،‬وأن األفــراد‬

‫غالبــا مــا‬
‫ً‬ ‫جزئيــا بســبب النتائــج التــي تترتــب عليهــا مــن ناحيــة‪ ،‬وبســبب أنهــا‬
‫ًّ‬ ‫األدوار تســتمر‬

‫ـاعا مــن ناحيــة ثانيــة‪ ،‬وأن األفــراد يجــب أن يتعلمــوا‬


‫تكــون داخــل نظــم اجتماعيــة أكثــر اتسـ ً‬
‫األدوار التــي يقومــون بهــا‪ ،‬أي يتــم تأهيلهــم للــدور الــذي ُيعهــد إليهــم(‪ ،)2‬مبــا يضمــن احلفــاظ‬

‫علــى اســتمرارية وترســيخ هــذا الــدور‪.‬‬

‫وفــي إطــار هــذه االفتراضــات‪ ،‬تتبنــى الدراســة التعريــف اإلجرائــي التالــي ملفهــوم الــدور‪،‬‬
‫‪| 90‬‬

‫باعتبــاره اجلهــود والنشــاطات التــي تقــوم بهــا جماعــة مــن اجلماعــات السياســية أو االجتماعيــة‬

‫للدفــاع عــن مصاحلهــا وترســيخ وجودهــا فــي املجتمــع الــذي توجــد فيــه‪ ،‬والتــي ختتلــف مــن‬

‫مجتمــع إلــى آخــر ومــن بيئــة إلــى أخــرى‪ ،‬ومــن جماعــة إلــى أخــرى‪ ،‬باختــاف خصائــص‬

‫ومســات هــذه املجتمعــات والبيئــات وتلــك اجلماعــات‪.‬‬

‫والــدور بهــذا التعريــف يقــوم علــى عــدد مــن املؤشــرات األساســية‪ ،‬مــن بينهــا‪ :‬وجــود مجموعة‬

‫مــن الوظائــف‪ ،‬حتكمهــا واجبــات وحقــوق محــددة‪ ،‬مــع التمايــز فــي هــذه الوظائــف وتلــك‬

‫الواجبــات واحلقــوق‪ ،‬واالرتبــاط مبركــز أو كيــان ُمعــن ُي ِّثــل أحــد جوانــب النســق االجتماعــي‬

‫القائــم‪ ،‬مــع ضمــان االســتمرارية والثبــات النســبي‪ ،‬وإمكانيــة التنبــؤ بهــذه األدوار فــي ظــل مــا‬

‫يرتبــط بهــا مــن توقعــات‪ ،‬ومــا تتســم بــه مــن ثبــات واســتمرارية‪ ،‬وهــذا مــا يســعى الباحــث‬

‫الختبــاره فــي هــذه الدراســة‪.‬‬

‫‪ .2‬بنية املؤسسة العسكرية يف مصر ومهامها‬


‫فــي ضــوء مشــكلة الدراســة واألهــداف التــي يســعى إليهــا البحــث‪ ،‬يتنــاول هــذا احملــور مطلبــن‬

‫أساســيني‪ ،‬املطلــب األول‪ :‬دور املؤسســة العســكرية فــي مصــر‪ :‬احملــددات واملؤشــرات‪ ،‬واملطلب‬

‫الثانــي‪ ،‬يتنــاول مســتقبل دور املؤسســة العســكرية فــي مصــر بعــد ‪( 2013‬االســتمرارية‪ ،‬الثبــات‪،‬‬

‫التوقعات)‪.‬‬

‫‪ .1.2‬دور املؤسسة العسكرية في مصر‪ :‬احملددات واملؤشرات‬

‫ُيقصــد بتلــك احملــددات العوامــل واالعتبــارات التــي حتكــم دور املؤسســة العســكرية فــي‬

‫مصــر‪ ،‬والتــي ميكــن التمييــز فــي إطارهــا بــن العوامــل التاليــة‪ ،‬التــي يــرى الباحــث‪ ،‬أولويتهــا‪،‬‬

‫ومحوريــة تأثيرهــا فــي هــذا الــدور‪ ،‬وهــي تلــك النابعــة مــن الداخــل املصــري‪ ،‬ســواء مــن‬

‫داخــل املؤسســة العســكرية ذاتهــا‪ ،‬أو مــن داخــل النظــام السياســي املصــري ومــا يقــوم عليهــا‬

‫مــن فاعلــن وتفاعــات‪ ،‬ومــن بــن هــذه العوامــل‪:‬‬

‫أ‪ -‬العامل التاريخي‬


‫يقصــد بــه تطــور دور املؤسســة العســكرية منــذ ‪ ،1952‬والــذي قــام الباحــث يزيد صايــغ بالتأصيل‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪91‬‬

‫لــه فــي “جمهوريــة الضبــاط”‪ ،‬التــي ظهــرت فــي أعقــاب اإلطاحــة بالنظــام امللكــي عــام ‪،1952‬‬

‫رئيســا للبــاد عــن طريــق االســتفتاء الشــعبي‪ ،‬فــي عــام ‪،1956‬‬


‫ً‬ ‫وتثبيــت جمــال عبــد الناصــر‬

‫حيــث مت تصويــر القــوات املســلحة علــى أنهــا عامــل تغييــر اجتماعــي وقيــادة “الثــورة مــن‬

‫أعلــى”‪ ،‬فأشــرفت علــى إعــادة توزيــع األراضــي و”متصيــر” القطاعــن الصناعــي واملالــي فــي‬

‫ـدءا مــن أواخــر عــام‬


‫اخلمســينات مــن القــرن العشــرين‪ ،‬وأشــرفت علــى السياســات االشــتراكية بـ ً‬
‫‪ .1961‬ومــع بدايــات حكــم مبــارك فــي مثانينــات القــرن املاضــي‪ ،‬مت اســتقطاب كبــار الضبــاط‬

‫إلــى النظــام الرئاســي القائــم علــى التم ُّتــع بالنفــوذ واحملســوبية‪ ،‬واســتمالة القــوات املســلحة ونزع‬

‫الصبغــة والــدور السياســيني عنهــا‪ ،‬وتغلغلــت جمهوريــة الضبــاط فــي احليــاة املدنيــة لدرجــة‬
‫وطبيعيــا‪ ،‬ليــس فــي نظــر اآلخريــن وحســب‪ ،‬بــل ً‬
‫أيضــا‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫اعتياديــا‬
‫ًّ‬ ‫ـرا‬
‫أصبــح معهــا وجودهــا أمـ ً‬
‫وهــذا األهــم‪ ،‬فــي نظــر أفرادهــا أنفســهم‪.‬‬

‫وبعــد عــام ‪ ،1991‬ســارت عمليــة الدمــج فــي نظــام احملســوبية التابــع ملبــارك مــن خــال الوعــد‬

‫مبنــح “بــدل والء” يحصــل عليــه كبــار الضبــاط عنــد التقاعــد‪ ،‬وذلــك مقابــل امتناعهــم عــن‬

‫ـبيا‪ ،‬خــال ســنوات اخلدمــة فــي القــوات‬


‫االخنــراط فــي السياســة وقبولهــم لرواتــب متدنيــة نسـ ًّ‬
‫املســلحة‪ .‬وميكــن للمتقاعديــن العســكريني الذيــن تربطهــم عالقــات مــع جهــات نافــذة أن‬
‫فرصــا ِ ّ‬
‫متكنهــم مــن تأمــن‬ ‫يتــم تعيينهــم فــي وظائــف فــي اجلهــاز احلكومــي املدنــي توفــر لهــم ً‬
‫دخــل إضافــي أو مضاعفــة موجوداتهــم املاديــة إلــى جانــب الرواتــب واملعاشــات‪ .‬وأحيا ًنــا يتــم‬

‫التعيــن الثانــي بالتزامــن مــع اخلدمــة الفعليــة فــي القــوات املســلحة‪ ،‬مبــا يخــدم تكويــن السـ َـير‬

‫متهيــدا للحصــول علــى مناصــب أفضــل بعــد التقاعــد‪ .‬وفــي كثيــر‬


‫ً‬ ‫الذاتيــة وبنــاء العالقــات‬

‫مــن األحيــان‪ ،‬يتولــى هــؤالء الضبــاط مناصــب قياديــة عليــا فــي فــروع القــوات املســلحة التــي‬

‫ينتمــون إليهــا‪ ،‬ثــم ينضمــون إلــى مجالــس إدارات الشــركات التجاريــة اململوكــة للدولــة بعــد‬

‫تقاعدهــم مــن اجليــش‪.‬‬

‫ووفقــا ليزيــد صايــغ‪ ،‬فقــد تضخمــت “طائفــة” كبــار الضبــاط بشــكل كبيــر لعــدة اعتبــارات‪،‬‬

‫مــن بينهــا‪ :‬اســتحداث رتبــة عســكرية رفيعــة جديــدة‪ ،‬هــي فريــق أول‪ ،‬فــي نهايــة فتــرة التدخــل‬
‫‪| 92‬‬

‫املصــري فــي احلــرب األهليــة فــي اليمــن بــن العامــن ‪ 1962‬و‪ ،1966‬وهــو مــا أدى إلــى زيــادة‬

‫كبيــرة ومســتمرة فــي عــدد الضبــاط الذيــن ميكــن ترقيتهــم إلــى رتبــة فريــق ولــواء‪ ،‬والترقيــة‬

‫التلقائيــة مــن رتبــة عميــد عنــد التقاعــد (الســن القصــوى ‪ 54‬ســنة) إلــى رتبــة لــواء‪ .‬مبــا يزيــد‬

‫مــن مكافــأة نهايــة اخلدمــة واملعــاش التقاعــدي والعــاوات والبــدالت األخــرى‪ ،‬ويزيــد عــدد‬

‫األلويــة املتاحــن للتعيــن فــي اجلهــاز احلكومــي املدنــي والشــركات التجاريــة اململوكــة للدولــة‪.‬‬

‫يضــاف إلــى ذلــك مــا يعــرف بآليــة “االســتدعاء”‪ ،‬وهــي العقــود التــي تبلــغ مدتهــا ســتة أشــهر‬

‫قابلــة للتجديــد والتــي يتــم إصدارهــا جلميــع الضبــاط الكبــار عنــد التقاعــد‪ ،‬وتســمح لهــم‬

‫بالبقــاء فــي الــزي العســكري وفــي اخلدمــة الفعليــة‪ ،‬وميكــن جتديدهــا ملــدة تصــل إلــى عشــر‬

‫ســنوات‪ ،‬وفــي بعــض األحيــان ضعفــي هــذه املــدة حتــى لــو كان املتقاعــدون يشــغلون مناصــب‬

‫أخــرى مقابــل راتــب فــي القطــاع املدنــي‪ ،‬األمــر الــذي يعــزز مــن نفــوذ العســكريني بشــكل‬

‫(‪.)3‬‬ ‫كبيــر خــارج احلــدود الرمسيــة للمؤسســة العســكرية‬

‫ب‪ -‬بنية املؤسسة العسكرية‬


‫ظلــت بنيــة املؤسســة العســكرية منــذ يوليــو ‪ ،1952‬قائمــة علــى متركز إدارة املؤسســة فــي مجموعة‬

‫مــن القيــادات تُديــر األوضــاع داخــل املؤسســة العســكرية‪ ،‬تضــم رئيــس اجلمهورية كونــه القائد‬

‫األعلــى للقــوات املســلحة ووزيــر الدفــاع‪ ،‬وقــادة األفــرع الرئيســية للقــوات املســلحة (رئيــس‬

‫األركان‪ ،‬قائــد القــوات اجلويــة‪ ،‬قائــد قــوات الدفــاع اجلــوي‪ ،‬قائــد القــوات البحريــة‪ ،‬رئيــس‬
‫هيئــة العمليــات)‪ .‬كمــا مت تأســيس مجلــس الدفــاع الوطنــي املصــري‪ ،‬ليكــون مسـ ً‬
‫ـؤول عــن‬

‫وضــع األطــر العامــة لتأمــن البــاد‪ ،‬وحتديــد العقيــدة األساســية‪ ،‬والعقيــدة البيئيــة‪ ،‬والعقيــدة‬

‫التنظيميــة للجيــش املصــري (‪.)4‬‬

‫وفــي عــام ‪ ،1968‬مت تشــكيل “املجلــس األعلــى للقــوات املســلحة” مــن ِق َبــل الرئيــس جمــال‬

‫عبــد الناصــر مبوجــب القانــون رقــم ‪ 4‬لعــام ‪ ،1968‬بعــد هزميــة ‪ ،1967‬وكان الهــدف الرمســي مــن‬

‫تشــكيله هــو تنســيق اســتراتيجية وعمليــات القــوات املســلحة فــي زمــن احلــرب‪ ،‬ولهــذا الســبب‬

‫ســعى الرئيــس أنــور الســادات إلــى احلصــول علــى مشــورته قبــل حــرب ‪.1973‬‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪93‬‬

‫وعلــى خــاف “مجلــس الدفــاع الوطنــي”‪ ،‬لــم يكــن وضــع “املجلــس األعلــى للقــوات‬

‫املســلحة” مصونًــا فــي الدســتور‪ ،‬وبــدا أنــه ال يجتمــع إال فــي املناســبات الســنوية للحــروب‬

‫محوريــا فــي أعقــاب ثــورة ينايــر‪/‬‬


‫ًّ‬ ‫الســابقة‪ ،‬مثــل “ذكــرى حــرب أكتوبــر”‪ ،‬لكــن دوره أصبــح‬

‫‪.)5(2011‬‬ ‫كانــون الثانــي‬

‫اســتثنائيا يقضــي بــأن أعضــاء املجلــس‬


‫ًّ‬ ‫قــرارا‬
‫ً‬ ‫وفــي منتصــف عــام ‪ ،2011‬اختــذ املجلــس‬

‫العســكري لــن تنتفــي عنهــم الصفــة العســكرية حتــى لــو مت إخراجهــم مــن اخلدمــة بســبب مــا‬

‫أو عنــد إحالتهــم للمعــاش‪ ،‬وأنهــم يظلــوا علــى قــوة االســتدعاء للمجلــس العســكري‪ ،‬وبالتالــي‬

‫ـوا فــي املجلــس العســكري فــي أي وقــت مــن بعــد ‪ ،2011‬وإلــى‬


‫أي قائــد عســكري يصبــح عضـ ً‬
‫وقتنــا هــذا ُيصبــح مســتدعى علــى قــوة املجلــس حتــى لــو خــرج مــن اخلدمــة‪ ،‬وال يتســنى ألي‬

‫ـردا إال بعــد أن يرجــع إلــى املجلــس ويأخــذ موافقــة أعضائــه احلاليــن‬
‫ـرارا منفـ ً‬
‫قائــد أن يتخــذ قـ ً‬
‫واملســتدعني‪ ،‬كالرغبــة فــي الترشــح لرئاســة اجلمهوريــة أو الرغبــة فــي الترشــح فــي االنتخابــات‬

‫البرملانيــة ومــا شــابه ذلــك‪.‬‬

‫ووفقً ــا للقانــون رقــم ‪ 20‬لســنة ‪ ،2014‬الــذي أضفــى الطابــع الرمســي علــى هيــكل “املجلــس‬

‫العســكري” ومهمتــه‪ ،‬والــذي أصــدره الرئيــس املؤقــت‪ ،‬عدلــي منصــور‪ ،‬بعــد أحــداث الثالــث‬

‫ـوا‬
‫ـوا‪ ،‬ثــم أصبــح ‪ 26‬عضـ ً‬
‫ـون “املجلــس” مــن خمســة وعشــرين عضـ ً‬
‫مــن يوليو‪/‬متــوز ‪ ،2013‬يتكـ َّ‬
‫بعــد اســتحداث منصــب قائــد القيــادة املوحــدة فــي ســيناء‪ .‬كمــا نــص القانــون علــى عــدد مــن‬

‫البنــود األساســية‪:‬‬

‫نائبــا‬ ‫َّ‬
‫(أ) ُيشــكل املجلــس برئاســة وزيــر الدفــاع‪ ،‬ويكــون رئيــس أركان حــرب القــوات املســلحة ً‬
‫لرئيــس املجلــس‪ ،‬ويتولــى أمــن عــام وزارة الدفــاع أمانــة ســر املجلــس‪ ،‬ويحــدد وزيــر الدفــاع‬

‫أعضــاء املجلــس مــن مســاعدي الوزيــر للتخصصــات املختلفــة‪( .‬املــادة ‪ /1‬فقــرة ‪ ،)1‬ويجــوز بقــرار‬

‫ـم أعضــاء باملجلــس مــن قيــادات القــوات املســلحة (م ‪ /1‬فقــرة ‪.)2‬‬


‫مــن رئيــس اجلمهوريــة ضـ َّ‬
‫(ب) يدعــو وزيــر الدفــاع املجلــس لالنعقــاد مــرة كل ‪ 3‬أشــهر‪ ،‬وكلمــا دعــت الضــرورة لذلــك‪،‬‬

‫صحيحــا إال بحضــور أغلبيــة أعضائــه‪ ،‬وتصــدر قــرارات وتوجيهــات‬


‫ً‬ ‫وال يكــون انعقــاد املجلــس‬
‫‪| 94‬‬

‫املجلــس بأغلبيــة أصــوات األعضــاء احلاضريــن‪ ،‬وفــي حالــة قيــام حــرب أو إعــان التعبئــة‬

‫ـدا بصفــة مســتمرة‪ ،‬ولرئيــس اجلمهوريــة دعــوة املجلــس لالنعقــاد‬


‫العامــة يعتبــر املجلــس منعقـ ً‬
‫كلمــا دعــت الضــرورة لذلــك‪ ،‬ويتولــى رئيــس اجلمهوريــة رئاســة االجتمــاع فــي حالــة حضــوره‬

‫(املــادة ‪ /2‬فقــرة ‪ ،)2‬و”لوزيــر الدفــاع دعــوة أي مــن قيــادات القــوات املســلحة أو مــن يــرى مــن‬

‫املختصــن أو اخلبــراء مــن خــارج القــوات املســلحة حلضــور اجتمــاع املجلــس إذا تطلبــت دراســة‬

‫املوضوعــات املعروضــة ذلــك‪ ،‬دون أن يكــون لهــم صــوت معــدود” (املــادة ‪ /3‬فقــرة ‪ ،)1‬ويحــق‬

‫للمجلــس اســتدعاء أي وزيــر عنــد احلاجــة‪ ،‬وللحديــث بشــأن موضــوع بعينــه (املــادة ‪ ،)4‬وتصدر‬

‫قــرارات املجلــس فــي صــورة قــرار أو توجيــه مــن وزيــر الدفــاع‪ ،‬وتوقــع محاضــر وقــرارات‬

‫املجلــس مــن رئيســه وأمــن ســر املجلــس وترســل للجهــات املختصــة للتنفيــذ (املــادة ‪.)5‬‬

‫وطبقً ــا للقانــون ‪ 20‬لســنة ‪ ،2014‬فــإن مهــام املجلــس العســكري تتمثــل فــي‪ :‬حتديــد األهــداف‬

‫واملهــام االســتراتيجية مبــا يحقــق األهــداف السياســية وأهــداف السياســة العســكرية التــي‬

‫حتددهــا القيــادة السياســية للدولــة‪ ،‬وحتديــد حجم وشــكل القــوات املســلحة وتركيبهــا التنظيمي‬

‫والتطــور املســتقبلي‪ ،‬واالســتعداد القتالــي للقــوات املســلحة‪ ،‬وإعــداد سياســة اســتكمال القوات‬

‫املســلحة وأســس التعبئــة لهــا‪ ،‬ووضــع سياســة إيــواء القــوات املســلحة ودراســة حالــة االنضبــاط‬

‫العســكري والــروح املعنويــة‪ ،‬وإقــرار سياســة تدريــب القــوات املســلحة وإجــراء املنــاورات‬

‫والتدريبــات املشــتركة‪ ،‬وإقــرار سياســة جتهيــز مســارح العمليــات احلربيــة‪ ،‬وإعــداد مشــروعات‬

‫القوانــن والقواعــد املنظمــة خلدمــة األفــراد بالقــوات املســلحة واالقتراحــات اخلاصــة بنظــام‬

‫التجنيــد‪ ،‬وإقــرار سياســة احملافظــة علــى أمــن وســامة القــوات املســلحة‪ .‬وكذلــك اســتعراض‬

‫تقاريــر قــادة األفــرع الرئيســية ورؤســاء الهيئــات وقــادة اجليــوش امليدانيــة واملناطــق العســكرية‬

‫ومديــري اإلدارات للوقــوف علــى حالــة االســتعداد القتالــي للقــوات املســلحة‪ ،‬ودراســة إعــان‬

‫حالــة احلــرب أو إرســال قــوات عســكرية إلــى خــارج الدولــة‪ ،‬وإعــداد تقديــر املوقف السياســي‬

‫العســكري‪ ،‬وإصــدار وثيقــة التهديــدات والتحديــات العســكرية للدولــة‪ ،‬وإعــداد وثيقة السياســة‬

‫العســكرية‪ ،‬وإعــداد الدولــة للحــرب أو الدفــاع بالتعــاون مــع مجلــس الدفــاع الوطنــي ومجلــس‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪95‬‬

‫األمــن القومــي‪ ،‬والتعــاون والتنســيق مــع مجلــس األمــن القومــي بشــأن حتديــد العدائيــات‬
‫ً‬
‫ارتباطــا بــدور القــوات املســلحة فــي هــذا الشــأن‪.‬‬ ‫الداخليــة‬

‫هــذا‪ ،‬باإلضافــة إلــى املوافقــة علــى تعيــن وزيــر الدفــاع ويســري ذلــك لدورتــن رئاســيتني‬

‫ـارا مــن تاريــخ العمــل بدســتور ‪ ،2014‬وإبــداء الــرأي فــي إعــان احلــرب أو إرســال‬
‫كاملتــن اعتبـ ً‬
‫القــوات املســلحة فــي مهمــة قتاليــة إلــى خــارج حــدود الدولــة‪ ،‬وأي موضوعــات أخــرى‬

‫يــرى وزيــر الدفــاع عرضهــا علــى املجلــس مثــل األوضــاع االقتصاديــة فــي البــاد واألوضــاع‬

‫(‪.)6‬‬ ‫األمنيــة‪ ،‬ووضــع خطــط مواجهــة االحتجاجــات‬

‫ج‪ -‬ترسخ الدور االقتصادي للمؤسسة العسكرية‬


‫املقصــود بالــدور التنمــوي للمؤسســة العســكرية هــو مجموعــة األنشــطة واملمارســات التــي‬

‫تســهم فــي حتقيــق التنميــة والتقــدم للدولــة‪ ،‬والقائمــة علــى املجــاالت االقتصاديــة باألســاس‪،‬‬
‫ً‬
‫وأيضــا اجلوانــب االجتماعيــة الثقافيــة والتربويــة والصحيــة‪ ،‬وبدرجــة أقــل أدوار التنمية السياســية‬

‫والتدريبيــة‪ ،‬وتتم َّثــل أهــم املجــاالت التــي تقــوم فيهــا املؤسســة العســكرية بــدور تنمــوي مــن‬

‫واقــع اخلبــرات الدوليــة فيمــا يلــي‪:‬‬

‫دورا فــي رفــع‬


‫‪ -‬مجــاالت التعليــم والتثقيــف والتدريــب‪ :‬ميكــن للمؤسســة العســكرية أن تلعــب ً‬
‫املســتوى التثقيفــي والتعليمــي ســواء فــي صفوفهــا أو بــن املدنيــن‪ ،‬باعتبــار أن املجنديــن يجــب‬

‫أن يحصلــوا بالضــرورة علــى قــدر مــن التدريــب علــى املهــارات اللفظيــة والتقنيــة مــن أجــل‬

‫مــلء املناصــب العســكرية بكفــاءة‪.‬‬

‫كثيــرا مــا اســتخدمت املؤسســة العســكرية فــي جميــع أحنــاء‬


‫ً‬ ‫‪ -‬مجــال الصحــة واإلغاثــة‪:‬‬

‫العالــم للتعامــل مــع حــاالت األزمــات الطبيعيــة (الســيول‪ ،‬الــزالزل‪ ،‬األعاصيــر) التــي تؤثــر‬

‫علــى قطاعــات مــن الســكان املدنيــن‪ ،‬وهــي مناســبة لهــذه العمليــات‪ ،‬ألنهــا ميكــن أن توفــر‬

‫معــدات النقــل واالتصــاالت فــي مهلــة قصيــرة‪ ،‬وألن تدريبهــم قــد جهزهــم للتعامــل مــع‬

‫حــاالت مماثلــة فــي الســياق العســكري‪.‬‬


‫‪| 96‬‬

‫‪ -‬املجــال االقتصــادي‪ :‬مــن خــال املشــاركة فــي تطويــر البنيــة التحتيــة االقتصاديــة للدولــة‪،‬‬

‫ـرا مــا تتشــارك‬


‫واملشــاركة فــي تطويــر أنشــطة اقتصاديــة محــددة مثــل الزراعــة أو الصناعــة‪ .‬وكثيـ ً‬
‫وتتداخــل أدوار اجليــش مــع اجلهــات املعنيــة بتنميــة الهيــاكل األساســية للدولــة ســواء وزارات أو‬

‫مؤسســات‪ ،‬وبخاصــة فــي مجــاالت بنــاء وحتســن شــبكة الطــرق واالتصــاالت‪ ،‬وهــو مــا يزيــد‬

‫فعاليــة دور املؤسســة العســكرية فــي تقــدم الدولــة ويعمــل علــى حتســن إمكاناتهــا االقتصاديــة (‪.)7‬‬

‫وفــي اخلبــرة املصريــة‪ ،‬فقــد تعــزز وترســخ دورهــا فــي هــذه املجــاالت‪ ،‬للدرجــة التــي أصبــح‬

‫الكثيــرون يــرون اســتحالة اســتبعادها‪ ،‬أو الفصــل بينهــا وبــن القيــام بهــذه النشــاطات‪ ،‬ولــم يعد‬

‫ـددا لــه (‪.)8‬‬


‫التعامــل معهــا علــى أنهــا مظهــر مــن مظاهــر الــدور‪ ،‬بــل محـ ً‬
‫وقــد اتســع النشــاط االقتصــادي للجيــش املصــري بشــكل ملحــوظ عقــب تولــي عبــد الفتــاح‬

‫السيســي رئاســة البــاد‪ ،‬واســتفاد اجليــش مــن اســتبدال نظــام البيــع املباشــر بنظــام املناقصــات‬

‫العامــة داخــل مؤسســات الدولــة‪ ،‬وأســند السيســي للجيــش مهمــة تنفيــذ حوالــي ‪ 1600‬مشــروع‬

‫باألمــر املباشــر (‪ ،)9‬وامتــد نشــاط اجليــش لبعــض األنشــطة اجلديــدة‪ ،‬وأعلنــت الهيئــة الهندســية‬

‫عــن إنشــاء مصنــع للحديــد فــي أبريل‪/‬نيســان ‪ ،2016‬بتكليــف مباشــر مــن السيســي‪ ،‬وحصــل‬

‫اجليــش علــى رخصتــن إلنشــاء مصانــع احلديــد مــن أصــل ‪ 4‬رخــص خططــت احلكومــة‬

‫لطرحهــا (‪.)10‬‬

‫قــرارا أتــاح للقــوات املســلحة تأســيس‪ ،‬وإنشــاء شــركات مبفردهــا أو‬


‫ً‬ ‫كمــا أصــدر السيســي‬

‫باملشــاركة مــع رأس املــال الوطنــي أو األجنبــي‪ ،‬وتظهــر توســعات اجليــش فــي االقتصــاد فــي‬

‫صــورة التدخــل فــي حــل األزمــات الطارئــة فــي الســوق املصريــة‪ ،‬بســبب تراجــع اســتثمارات‬

‫ـراء السياســات االقتصاديــة‪ ،‬واخنفــاض ســعر صــرف العملــة احملليــة‪ ،‬األمــر‬


‫القطــاع اخلــاص جـ َّ‬
‫الــذي ترتــب عليــه توتــر عالقــة القــوات املســلحة ببعــض شــرائح القطــاع اخلــاص بســبب‬

‫التضييــق علــى أنشــطة رجــال األعمــال‪ ،‬إضافــة إلــى مصــادرة أمــوال بعــض رجــال األعمــال‬

‫اآلخريــن (‪.)11‬‬

‫وتكللــت هــذه الســيطرة مــع قــرار السيســي بتمثيــل القــوات املســلحة فــي جلنــة حصــر أمــاك‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪97‬‬

‫هيئــة األوقــاف‪ ،‬وحتديــد وســائل االســتفادة منهــا‪ ،‬ومتثيــل وزارة الدفــاع فــي املجلــس القومــي‬

‫الدولــة (‪.)12‬‬ ‫لالســتثمار الــذي يرأســه رئيــس‬

‫د‪ -‬االمتيازات االستثنائية‬


‫تنــاول برايــن لوفمــان (‪ )Brian Loveman‬االمتيــازات العســكرية التــي تتمتــع بهــا املؤسســات‬

‫العســكرية فــي ظــل عمليــات االنتقــال والتحــول السياســي‪ ،‬ومنهــا‪ :‬االســتثناءات كعنصــر‬

‫أساســي فــي الدســاتير‪ ،‬وتعليــق احلمايــة القضائيــة للحريــات واحلقــوق املدنيــة خــال حــاالت‬

‫الطــوارئ‪ ،‬أو عنــد تطبيــق قوانــن األمــن القومــي‪ ،‬والنــص علــى قوانني أساســية تزيد من ترســيخ‬

‫الــدور السياســي واالســتقالل النســبي للقــوات املســلحة‪ ،‬وإقــرار احملاكمــات العســكرية علــى‬

‫املدنيــن بتهمــة ارتــكاب “جرائــم ضــد األمــن الداخلــي”‪ ،‬أو حتــى إهانــة الضبــاط‪ ،‬والتمثيــل‬

‫الرمســي للقــوات املســلحة فــي صنــع السياســات‪ ،‬واالســتقالل الذاتــي للقــوات املســلحة فــي‬

‫ـتوريا‪ ،‬ونســب مئويــة‬


‫ميزانيتهــا‪ ،‬مــن خــال التأكيــد علــى وجــود حــد أدنــى للميزانيــة ثابــت دسـ ًّ‬
‫مــن عائــدات التصديــر‪ ،‬أو عائــدات شــركات معينــة‪ ،‬أو الضرائــب العامــة‪ ،‬وعــدم خضوعهــا‬

‫للرقابــة مــن الســلطة التشــريعية‪ ،‬وكذلــك االســتقالل الذاتــي الدســتوري والقانونــي الواســع‬

‫للجيــش مــن الرقابــة علــى املســائل املهنيــة الداخليــة مثــل التعليــم العســكري‪ ،‬والترقيــات‪،‬‬

‫والتقاعــد(‪.)13‬‬

‫وفــي التطبيــق املصــري لهــذه االمتيــازات وتلــك االســتثناءات‪ ،‬ميكــن رصــد عــدد مــن‬

‫املؤشــرات األساســية‪ ،‬مــن بينهــا‪:‬‬


‫ً‬
‫أول‪ :‬حماية كبار القادة العسكريني يف الدستور والقوانني‬
‫‪ -‬أصــدر املجلــس األعلــى للقــوات املســلحة‪ ،‬فــي يوليو‪/‬متــوز ‪ ،2011‬القانــون رقــم ‪ ،133‬وهــو‬

‫ـون منهــم‬
‫عبــارة عــن “حكــم قانونــي اســتثنائي” ينــص علــى أن األشــخاص الذيــن كان يتكـ َّ‬
‫املجلــس األعلــى للقــوات املســلحة فــي تلــك الفتــرة‪ ،‬يبقــون فــي اخلدمــة العســكرية االحتياطية‬

‫خروجــا آم ًنــا‬
‫ً‬ ‫ـن ذلــك لكبــار القــادة العســكريني‬
‫حتــى بعــد بلوغهــم ســن التقاعــد‪ .‬وقــد ضمـ َ‬
‫مــن الســلطة؛ إذ لــم يعــد باإلمــكان محاكمتهــم أمــام محاكــم مدنيــة مبوجــب هــذا القانــون‬
‫‪| 98‬‬

‫ولكنــه مينعهــم ً‬
‫أيضــا مــن الترشــح ملناصــب سياســية‪ ،‬كمــا حصــل مــع ســامي عنــان‪.‬‬

‫‪ -‬فــي مايو‪/‬أيــار ‪ ،2012‬قــام البرملــان بتعديــل القانــون رقــم ‪ ،25‬الصــادر فــي العــام ‪ ،1966‬مبــا‬

‫ُيجيــز للمحاكــم العســكرية النظــر والتحقيــق فــي اجلرائــم املاليــة فقــط بعــد تقاعــد الضابــط‬

‫امل َّتهــم‪ .‬والهــدف مــن القانــون هــو تعطيــل التحقيقــات فــي اجلرائــم املاليــة احملتملــة‪ ،‬فاالنتظــار‬

‫إلــى حــن تقاعــد امل َّتهــم مــن أجــل املباشــرة بالتحقيقــات يزيــد مــن صعوبــة جمــع األدلــة بغيــة‬

‫الشــروع فــي اإلجــراءات القضائيــة‪.‬‬

‫‪ -‬نصــت املــادة ‪ 204‬مــن دســتور ‪ ،2014‬علــى أن القضــاء العســكري ميتلــك دون غيــره ســلطة‬

‫مقاضــاة أفــراد القــوات املســلحة واملخابــرات العامــة والفصــل فــي كافــة اجلرائــم التــي ميكــن‬

‫أن يكونــوا قــد ارتكبوهــا بصفتهــم العســكرية كعناصــر فــي القــوات املســلحة‪ ،‬هــذا علــى الرغــم‬

‫مــن أنــه فــي الكثيــر مــن دول العالــم‪ ،‬ينحصــر اختصــاص القضــاء العســكري باجلرائــم التــي‬
‫ت َ‬
‫ُرتكــب ضــد املؤسســة العســكرية أو أفــراد القــوات املســلحة‪.‬‬

‫ـرا لعــدم حتديــد طبيعــة هــذه اجلرائــم‪ ،‬حتمــي املــادة املذكــورة العســكريني فــي اخلدمــة مــن‬
‫ونظـ ً‬
‫املثــول أمــام احملاكــم املدنيــة ليــس فقــط فــي جرائــم القمــع اجلســدي إمنــا ً‬
‫أيضــا فــي مجموعــة‬

‫مــن اجلنايــات األخــرى‪ ،‬منهــا اجلرائــم املاليــة‪ .‬حتــى فــي حــال أقدمــت محكمــة عســكرية‪،‬‬

‫نــادرا مــا يكــون‬ ‫َ‬


‫مرتكبــة ضــد شــخص مــن املدنيــن‪،‬‬ ‫علــى محاكمــة ضابــط فــي جرميــة‬
‫ً‬
‫القضــاة محايديــن‪.‬‬

‫‪ -‬قانــون ‪ ،)14( 2018‬الــذي ُيتيــح للسيســي اختيــار ضبــاط كبــار للخدمــة مــدى احليــاة‪ ،‬وهــو‬

‫مــا ُيفيــد كبــار القــادة العســكريني الذيــن يتمتعــون بالدعــم مــن السيســي‪ ،‬مــن اإلفــات مــن‬

‫العقــاب فــي قضايــا الفســاد واجلرائــم املاليــة‪ ،‬فحتــى القضــاء العســكري ال ميكنــه النظــر فــي‬

‫إضافيــا يضمــن والء كبــار الضبــاط السياســي للسيســي‪،‬‬ ‫ـا‬ ‫هــذه اجلرائــم‪ .‬وهــذا يشـ ِّ‬
‫ـكل عامـ ً‬
‫ًّ‬
‫عتبــر الشــخص الوحيــد القــادر علــى تأمــن هــذه احلمايــة‪ ،‬فيمــا يعمــل علــى ترســيخ‬
‫الــذي ُي َ‬
‫ســلطته بصــورة مطــردة‪.‬‬

‫وحتمــي هــذه القوانــن كبــار الضبــاط مــن أيــة محاكمــات داخليــة أو دوليــة محتملــة فــي تهــم‬
‫| ‪99‬‬ ‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات‬

‫القمــع‪ .‬كمــا أنهــا تو ِّلــد منظومــة قضائيــة تقــود إلــى الفســاد‪ ،‬نظـ ً‬
‫ـرا إلــى أن اإلشــراف القانونــي‬

‫الوحيــد علــى أفــراد املؤسســة العســكرية يتــم عــن طريــق احملاكــم العســكرية بعــد تقاعــد امل َّتهــم‪،‬‬

‫وحتــى هــذا اإلشــراف الضعيــف ميكــن جتــاوزه مــن خــال قــرار صــادر عــن الرئيس باســتدعاء‬

‫التوســع‬
‫ُّ‬ ‫أي ضابــط رفيــع املســتوى للخدمــة مــدى احليــاة أو اخلدمــة االحتياطيــة‪ .‬علــى ضــوء‬

‫االقتصــادي للجيــش فــي األعــوام القليلــة املاضيــة واخنراطــه فــي أنشــطة اقتصاديــة واســعة‬

‫النطــاق فــي القطــاع اخلــاص‪ ،‬تتس ـ َّنى للضبــاط العســكريني فــرص متزايــدة ملمارســة الفســاد‬

‫اجلماعــي وتكديــس الثــروات الشــخصية‪.‬‬

‫وقانــون ‪ 2018‬يزيــد مــن خضــوع كبــار الضبــاط للرئيــس الــذي ميتلــك القــدرة علــى مواجهــة‬

‫التطلعــات السياســية لكبــار اجلنــراالت مبجــرد اســتدعائهم للخدمــة مــدى احليــاة؛ وهــذا يــؤدي‬

‫إلــى تثبيــت قبضــة الرئيــس علــى املؤسســة العســكرية‪ ،‬ويدفــع بأفــراد القــوات املســلحة إلــى‬

‫ـعيا وراء حتقيــق منافــع شــخصية (‪.)15‬‬


‫الرضــوخ لــه سـ ً‬
‫طبق عليهــم‬
‫ـدد القانــون رتبــة عســكرية‪ ،‬ممــا ُيتيــح للرئيــس أن يختــار الضبــاط الذيــن سـ ُت َّ‬
‫وال ُيحـ ِّ‬
‫نصــوص القانــون‪ .‬وهــذا يحــول فعليــا دون ُّ‬
‫متكــن املنافســن احملتملــن فــي صفــوف كبــار‬ ‫ًّ‬
‫الضبــاط العســكريني مــن الترشــح للرئاســة‪ ،‬كمــا مينــع العســكريني فــي اخلدمــة الفعليــة مــن‬

‫لهــا (‪.)16‬‬ ‫تس ـ ُّلم مناصــب سياســية‪ ،‬أو الترشــح‬

‫‪ -‬تعديــات دســتور ‪ :2014‬والتــي وافقــت عليهــا جلنــة الشــؤون الدســتورية والتشــريعية مبجلــس‬

‫النــواب‪ ،‬فــي ‪ 14‬أبريل‪/‬نيســان ‪ ،2019‬ومت التصويــت عليهــا خــال اجللســات العامــة للبرملــان‬

‫يــوم الثالثــاء ‪ 16‬أبريل‪/‬نيســان ‪ ،2019‬ومت االســتفتاء فــي ‪ 19‬و‪ 20‬و‪ 21‬أبريل‪/‬نيســان ‪ 2019‬للمصريــن‬

‫املقيمــن خــارج مصــر‪ ،‬و‪ 20‬و‪ 21‬و‪ 22‬أبريل‪/‬نيســان للمقيمــن داخــل مصــر‪ ،‬ومت إعــان النتيجــة‬

‫فــي ‪ 23‬أبريل‪/‬نيســان ‪ ،2019‬مبوافقــة ‪ 88.8%‬مــن املشــاركني فــي االســتفتاء(‪ ،)17‬وتضمنــت‬

‫ـدا مــن ترســيخ دورهــا كمؤسســة فــوق‬


‫التعديــات فيمــا يخصــص املؤسســة العســكرية‪ ،‬مزيـ ً‬
‫دســتورية‪ ،‬مســؤوليتها صــون الدســتور والدميقراطيــة‪ ،‬واحلفــاظ علــى املقومــات األساســية‬

‫للدولــة ومدنيتهــا‪.‬‬
‫ﻭﻗﺎﻧﻮﻥ ‪ 2018‬ﻳﺰﻳﺪ ﻣﻦ ﺧﻀﻮﻉ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻀﺒﺎﻁ ﻟﻠﺮﺋﻴﺲ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺘﻠﻚ ﺍﻟﻘﺪﺭﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﻟﺘﻄﻠﻌﺎﺕ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‬
‫ﻟﻜﺒﺎﺭ ﺍﳉﻨﺮﺍﻻﺕ ﲟﺠﺮﺩ ﺍﺳﺘﺪﻋﺎﺋﻬﻢ ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ ﻣﺪﻯ ﺍﳊﻴﺎﺓ؛ ﻭﻫﺬﺍ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﱃ ﺗﺜﺒﻴﺖ ﻗﺒﻀﺔ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺆﺳﺴﺔ‬
‫ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ‪ ،‬ﻭﻳﺪﻓﻊ ﺑﺄﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ﺇﱃ ﺍﻟﺮﺿﻮﺥ ﻟﻪ ﺳﻌﻴ‪É‬ﺎ ﻭﺭﺍﺀ ﲢﻘﻴﻖ ﻣﻨﺎﻓﻊ ﺷﺨﺼﻴﺔ )‪.(15‬‬

‫ﻭﻻ ﻳﺤﺪ‪æ‬ﺩ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺭﺗﺒﺔ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ‪ ،‬ﳑﺎ ﻳﺘﻴﺢ ﻟﻠﺮﺋﻴﺲ ﺃﻥ ﳜﺘﺎﺭ ﺍﻟﻀﺒﺎﻁ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺘﻄﺒ∆ﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻧﺼﻮﺹ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ‪ .‬ﻭﻫﺬﺍ‬
‫‪100‬ﻓﻌﻠ|ﻴ∞ﺎ ﺩﻭﻥ ﲤﻜﱡﻦ ﺍﳌﻨﺎﻓﺴﲔ ﺍﶈﺘﻤﻠﲔ ﰲ ﺻﻔﻮﻑ ﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﻀﺒﺎﻁ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﲔ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺷﺢ ﻟﻠﺮﺋﺎﺳﺔ‪ ،‬ﻛﻤﺎ ﳝﻨﻊ‬‫ﳛﻮﻝ‬
‫ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﲔ ﰲ ﺍﳋﺪﻣﺔ ﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺗﺴﻠﱡﻢ ﻣﻨﺎﺻﺐ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺮﺷﺢ ﳍﺎ )‪.(16‬‬

‫املسلحةﻭﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴﺔ ﲟﺠﻠﺲ ﺍﻟﻨﻮﺍﺏ‪ ،‬ﰲ ‪14‬‬


‫للقوات ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻳﺔ‬
‫وشركاتﳉﻨﺔ ﺍﻟﺸﺆﻭﻥ‬
‫أراضﻭﺍﻓﻘﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ‬
‫تخصيص‪ :‬ﻭﺍﻟﱵ‬
‫قراراتﺩﺳﺘﻮﺭ ‪2014‬‬
‫‪ .2‬ﺗﻌﺪﻳﻼﺕ‬
‫‪-‬‬
‫ﺃﺑﺮﻳﻞ‪/‬ﻧﻴﺴﺎﻥ ‪ ،2019‬ﻭﰎ ﺍﻟﺘﺼﻮﻳﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺧﻼﻝ ﺍﳉﻠﺴﺎﺕ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﱪﳌﺎﻥ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺜﻼﺛﺎﺀ ‪ 16‬ﺃﺑﺮﻳﻞ‪/‬ﻧﻴﺴﺎﻥ ‪،2019‬‬
‫جمهوريــا باســتثناء املنطقــة االقتصاديــة‬‫ًّ‬ ‫‪ -‬فــي ‪ 9‬يونيو‪/‬حزيــران ‪ ،2016‬أصــدر السيســي‪ ،‬قــرارا‬
‫ﻭﰎ ﺍﻻﺳﺘﻔﺘﺎﺀ ﰲ ‪ 19‬ﻭ‪ 20‬ﻭ‪ 21‬ﺃﺑﺮﻳﻞ‪/‬ﻧﻴﺴﺎﻥ ‪ 2019‬ﻟﻠﻤﺼﺮﻳﲔ ًﺍﳌﻘﻴﻤﲔ ﺧﺎﺭﺝ ﻣﺼﺮ‪ ،‬ﻭ‪ 20‬ﻭ‪ 21‬ﻭ‪22‬‬
‫املســلحة بتنفيــذ‬
‫‪ %‬ﻣﻦ‬ ‫ـوات‬ ‫ﲟﻮﺍﻓﻘﺔللقـ‬
‫‪88.8‬‬ ‫‪،2019‬صــت‬ ‫ـي ُخ ِّص‬‫ﺃﺑﺮﻳﻞوالتـ‬
‫‪/‬ﻧﻴﺴﺎﻥ‬ ‫‪201223‬‬‫لســنة‬ ‫ﺇﻋﻼﻥــم ‪14‬‬
‫ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﰲ‬ ‫ـون رق‬
‫القانـﻭﰎ‬
‫ﺩﺍﺧﻞـنﻣﺼﺮ‪،‬‬
‫ـيناء مـ‬ ‫‪/‬ﻧﻴﺴﺎﻥــرة سـ‬
‫ﻟﻠﻤﻘﻴﻤﲔ‬ ‫ـبه جزي‬ ‫بشـ‬
‫ﺃﺑﺮﻳﻞ‬
‫ﺭﻫﺎـة االقتصاديــة‬ ‫ﺗﺮﺳﻴﺦ ﺩﻭ‬
‫املنطقـ‬ ‫“تسـﻣﻦ‬
‫ـتثنى‬ ‫ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ‪،‬ـةﻣﺰﻳﺪ‪É‬ﺍ‬ ‫ﺍﳌﺆﺳﺴﺔ‬
‫ـدة الرمسيـ‬ ‫ﳜﺼﺺاجلريـ‬ ‫ـذيﻓﻴﻤﺎ‬
‫نشــرته‬ ‫ﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻼﺕ‬
‫ﻭﺗﻀﻤﻨﺖـرار الـ‬
‫ـاء(‪،‬فــي القـ‬
‫وجـ‪17‬‬
‫ﻻﺳﺘﻔﺘﺎﺀ)‬ ‫ﺍﳌﺸﺎﺭﻛﲔ ﰲ ﺍ‬
‫فيهــا‪،‬‬ ‫مشــاريع‬
‫ﻛﻤﺆﺳﺴﺔ ﻓﻮﻕ ﺩﺳﺘﻮﺭﻳﺔ‪ ،‬ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺘﻬﺎ ﺻﻮﻥ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﻭﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﳊﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻘﻮﻣﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ‬
‫ذات الطبيعــة اخلاصــة الواقعــة بشــبه جزيــرة ســيناء الصــادر بشــأنها قــرار رئيــس اجلمهوريــة رقــم‬
‫ﻭﻣﺪﻧﻴﺘﻬﺎ‪.‬‬
‫‪ 330‬لســنة ‪ ،2015‬مــن أحــكام املرســوم بقانــون رقــم ‪ 14‬لســنة ‪ ،2012‬بشــأن التنميــة املتكاملــة فــي‬

‫ﺟﺪﻭﻝ ﺭﻗﻢ )‪ (1‬ﻳﻮﺿﺢ ﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻼﺕ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭﻳﺔ ﰲ ‪ 2019‬ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﺑﻨﺼﻮﺹ ﺩﺳﺘﻮﺭ ‪:(18)2014‬‬

‫ﺍﻟﺘﻌﺪﻳﻼﺕ ﺍﻟﱵ ﰎ ﺇﻗﺮﺍﺭﻫﺎ ﰲ ﺃﺑﺮﻳﻞ‪/‬ﻧﻴﺴﺎﻥ ‪2019‬‬ ‫ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﺍﻷﺻﻠﻴﺔ ﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ‪2014‬‬

‫ﻣﺎﺩﺓ ‪ /200‬ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻷﻭﱃ )ﻣﺴﺘﺒﺪﻟﺔ(‪:‬‬ ‫ﻣﺎﺩﺓ ‪ /200‬ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻷﻭﱃ‪:‬‬

‫ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ﻣﻠﻚ ﻟﻠﺸﻌﺐ‪ ،‬ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ ﲪﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻼﺩ‪ ،‬ﻭﺍﳊﻔﺎﻅ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ﻣﻠﻚ ﻟﻠﺸﻌﺐ‪ ،‬ﻣﻬﻤﺘﻬﺎ ﲪﺎﻳﺔ ﺍﻟﺒﻼﺩ‪ ،‬ﻭﺍﳊﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻨﻬﺎ‬
‫ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻨﻬﺎ ﻭﺳﻼﻣﺔ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ‪ .‬ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﱵ ﺗﻨﺸﺊ ﻭﺳﻼﻣﺔ ﺃﺭﺍﺿﻴﻬﺎ‪ ،‬ﻭﺻﻮﻥ ﺍﻟﺪﺳﺘﻮﺭ ﻭﺍﻟﺪﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﳊﻔﺎﻅ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻘﻮﻣﺎﺕ‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ‪ ،‬ﻭﳛﻈﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻓﺮﺩ ﺃﻭ ﻫﻴﺌﺔ ﺃﻭ ﺟﻬﺔ ﺃﻭ ﲨﺎﻋﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺪﻭﻟﺔ ﻭﻣﺪﻧﻴﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻭﻣﻜﺘﺴﺒﺎﺕ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻭﺣﻘﻮﻕ ﻭﺣﺮﻳﺎﺕ ﺍﻷﻓﺮﺍﺩ‪.‬‬
‫ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺗﺸﻜﻴﻼﺕ ﺃﻭ ﻓﺮﻕ ﺃﻭ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺷﺒﻪ ﻭﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﻫﻲ ﺍﻟﱵ ﺗﻨﺸﺊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ‪ ،‬ﻭﳛﻈﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﻓﺮﺩ ﺃﻭ ﻫﻴﺌﺔ ﺃﻭ‬
‫ﺟﻬﺔ ﺃﻭ ﲨﺎﻋﺔ ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺗﺸﻜﻴﻼﺕ ﺃﻭ ﻓﺮﻕ ﺃﻭ ﺗﻨﻈﻴﻤﺎﺕ ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺷﺒﻪ‬ ‫ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ‪.‬‬
‫ﻋﺴﻜﺮﻳﺔ‪.‬‬

‫ ‪76‬‬
‫ ‬ ‫ﻣﺎﺩﺓ ‪ /204‬ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ )ﻣﺴﺘﺒﺪﻟﺔ(‪:‬‬ ‫ﻣﺎﺩﺓ ‪ /204‬ﺍﻟﻔﻘﺮﺓ ﺛﺎﻧﻴﺔ‪:‬‬

‫ﻻ ﳚﻮﺯ ﳏﺎﻛﻤﺔ ﻣﺪﱐ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ‪ ،‬ﺇﻻ ﰲ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﻻ ﳚﻮﺯ ﳏﺎﻛﻤﺔ ﻣﺪﱐ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﻘﻀﺎﺀ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ‪ ،‬ﺇﻻ ﰲ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﱵ ﲤﺜﱢﻞ ﺍﻋﺘﺪﺍ ًﺀ‬
‫ﺍﻟﱵ ﲤﺜﱢﻞ ﺍﻋﺘﺪﺍﺀً ﻣﺒﺎﺷﺮ‪É‬ﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻨﺸﺂﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﻣﻌﺴﻜﺮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻨﺸﺂﺕ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﻣﻌﺴﻜﺮﺍﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﰲ ﺣﻜﻤﻬﺎ ﺃﻭ‬
‫ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ ﺃﻭ ﻣﺎ ﰲ ﺣﻜﻤﻬﺎ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﳌﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﳌﻨﺸﺂﺕ ﺍﻟﱵ ﺗﺘﻮﱃ ﲪﺎﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﳌﻨﺎﻃﻖ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺍﳊﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﳌﻘﺮﺭﺓ ﻛﺬﻟﻚ‪،‬‬
‫ﺍﳊﺪﻭﺩﻳﺔ ﺍﳌﻘﺮﺭﺓ ﻛﺬﻟﻚ‪ ،‬ﺃﻭ ﻣﻌﺪﺍ‪ú‬ﺎ ﺃﻭ ﻣﺮﻛﺒﺎ‪ú‬ﺎ ﺃﻭ ﺃﺳﻠﺤﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﻣﻌﺪﺍ‪ú‬ﺎ ﺃﻭ ﻣﺮﻛﺒﺎ‪ú‬ﺎ ﺃﻭ ﺃﺳﻠﺤﺘﻬﺎ ﺃﻭ ﺫﺧﺎﺋﺮﻫﺎ ﺃﻭ ﻭﺛﺎﺋﻘﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﺳﺮﺍﺭﻫﺎ‬
‫ﺃﻭ ﺫﺧﺎﺋﺮﻫﺎ ﺃﻭ ﻭﺛﺎﺋﻘﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﺳﺮﺍﺭﻫﺎ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺃﻣﻮﺍﳍﺎ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﺃﻭ ﺃﻣﻮﺍﳍﺎ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﺃﻭ ﺍﳌﺼﺎﻧﻊ ﺍﳊﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﺍﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﻨﻴﺪ‪ ،‬ﺃﻭ‬
‫ﺃﻭ ﺍﳌﺼﺎﻧﻊ ﺍﳊﺮﺑﻴﺔ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﺍﳌﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﺘﺠﻨﻴﺪ‪ ،‬ﺃﻭ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﱵ ﺍﳉﺮﺍﺋﻢ ﺍﻟﱵ ﲤﺜﱢﻞ ﺍﻋﺘﺪﺍ ًﺀ ﻣﺒﺎﺷﺮ‪É‬ﺍ ﻋﻠﻰ ﺿﺒﺎﻃﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺄﺩﻳﺔ ﺃﻋﻤﺎﻝ‬
‫ﲤﺜﱢﻞ ﺍﻋﺘﺪﺍ ًﺀ ﻣﺒﺎﺷﺮ‪É‬ﺍ ﻋﻠﻰ ﺿﺒﺎﻃﻬﺎ ﺃﻭ ﺃﻓﺮﺍﺩﻫﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﺄﺩﻳﺔ ﺃﻋﻤﺎﻝ ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﻢ‪.‬‬
‫ﻭﻇﺎﺋﻔﻬﻢ‪.‬‬

‫ﻣﺎﺩﺓ ‪) 234‬ﻣﺴﺘﺒﺪﻟﺔ(‪:‬‬ ‫ﻣﺎﺩﺓ ‪:234‬‬

‫ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻌﻴﲔ ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺍﻓﻘﺔ ﺍ‪°‬ﻠﺲ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻘﻮﺍﺕ ﻳﻜﻮﻥ ﺗﻌﻴﲔ ﻭﺯﻳﺮ ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺍﻓﻘﺔ ﺍ‪°‬ﻠﺲ ﺍﻷﻋﻠﻰ ﻟﻠﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ‪.‬‬
‫ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ‪ ،‬ﻭﺗﺴﺮﻱ ﺃﺣﻜﺎﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﺎﺩﺓ ﻟﺪﻭﺭﺗﲔ ﺭﺋﺎﺳﻴﺘﲔ ﻛﺎﻣﻠﺘﲔ‬
‫ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ‪É‬ﺍ ﻣﻦ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﺪﺳﺘﻮﺭ‪.‬‬

‫‪ .2‬ﻗﺮﺍﺭﺍﺕ ﲣﺼﻴﺺ ﺃﺭﺍﺽ ﻭﺷﺮﻛﺎﺕ ﻟﻠﻘﻮﺍﺕ ﺍﳌﺴﻠﺤﺔ‬


‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪101‬‬

‫‪.)19( 2015‬‬ ‫شــبه جزيــرة ســيناء واملعــدل بقانــون رقــم ‪ 95‬لســنة‬

‫‪ -‬فــي ‪ 9‬يونيو‪/‬حزيــران ‪ ،2016‬نشــرت اجلريــدة الرمسيــة القــرار اجلمهــوري رقــم ‪ 233‬لســنة‬

‫‪ 2016‬بشــأن ختصيــص أراض صحراويــة لــوزارة الدفــاع‪ ،‬واعتبارهــا مــن املناطــق االســتراتيجية‬

‫العســكرية (‪ ،)20‬وأصــدر السيســي توجيهاتــه بتكليــف القــوات املســلحة لتكــون اجلهــة‬

‫املســؤولة عــن مراقبــة األراضــي التــي تقــع علــى مســافة ‪ 2‬كــم مــن جانبــي الشــبكة القوميــة‬

‫للطــرق وإزالــة جميــع التعديــات املقامــة عليهــا‪ ،‬إال إذا كان مصدقً ــا عليهــا مــن األجهــزة املعنيــة‬

‫للدولــة‪ ،‬وذلــك إلتاحــة الفرصــة أمــام أجهــزة الدولــة املختصــة إلقامــة عــدد مــن املشــروعات‬

‫عليهــا (‪.)21‬‬ ‫التنمويــة‬

‫جمهوريــا باملوافقــة علــى إعــادة ختصيص‬


‫ًّ‬ ‫ـرارا‬
‫‪ -‬فــي ‪ 15‬يونيو‪/‬حزيــران ‪ ،2016‬أصــدر السيســي قـ ً‬
‫قطعــة أرض مــن األراضــي اململوكــة للدولــة ملكيــة خاصــة مبســاحة ‪ 3017‬كــم‪ 2‬مبنطقــة رأس‬

‫األدبيــة مبحافظــة الســويس‪ ،‬لتنفيــذ املشــروع القومــي للترســانة البحريــة حمــل القــرار الــذي‬

‫نشــر فــي اجلريــدة الرمسيــة‪ ،‬رقــم ‪ 271‬لســنة ‪.)22(2016‬‬

‫جمهوريــا رقــم ‪ 272‬لســنة ‪ 2016‬باملوافقــة‬


‫ًّ‬ ‫ـرارا‬
‫‪ -‬فــي ‪ 15‬يونيو‪/‬حزيــران ‪ ،2016‬أصــدر السيســي قـ ً‬
‫علــى إعــادة ختصيــص قطعــة أرض مــن األراضــي اململوكــة للدولــة ملكيــة خاصــة مبســاحة‬

‫‪1284638‬م‪ ،2‬فــي منطقــة العــن الســخنة مبحافظــة الســويس لصــاحل القــوات املســلحة وذلــك‬

‫الســياحية (‪.)23‬‬ ‫نقـ ً‬


‫ـا مــن األراضــي املخصصــة لألنشــطة‬

‫قــرارا بتخصيــص ‪ 2815‬فدانًــا مبحافظــة كفــر‬


‫ً‬ ‫‪ -‬فــي ‪ 11‬يونيو‪/‬حزيــران ‪ ،2016‬أصــدر السيســي‬

‫الشــيخ لصــاحل جهــاز مشــروعات اخلدمــة الوطنيــة بالقــوات املســلحة‪ ،‬ومت نشــر القــرار باجلريــدة‬

‫‪ 23‬يونيو‪/‬حزيــران ‪.)24(2016‬‬ ‫الرمسيــة بتاريــخ‬

‫وال يرتبــط اإلشــكال احلقيقــي فــي قــرارات التخصيــص مبــا هــو منصــوص عليــه فيهــا فقــط‪،‬‬

‫ومنحــا‬
‫ً‬ ‫بيعــا وشــراء وهبــات‬
‫ولكــن األهــم هــو منحهــا احلــق فــي التصــرف فــي هــذه األراضــي ً‬
‫ً‬
‫وتنــازل‪ ،‬مبــا يترتــب عليــه ترتيبــات خارجيــة لصــاحل أطــراف خارجيــة‪ ،‬وخاصــة فــي شــبه‬

‫جزيــرة ســيناء ذات األهميــة االســتراتيجية‪.‬‬


‫‪| 102‬‬

‫ه‪ -‬العالقات الخارجية للمؤسسة العسكرية‬


‫تأرجحــت العالقــات اخلارجيــة للمؤسســة العســكرية‪ ،‬فــي مصــر منــذ ‪ ،1952‬بــن االحتــاد‬

‫الســوفيتي والواليــات املتحــدة األميركيــة‪ ،‬وتباينــت العالقــات بــن مصــر وإســرائيل فــي وقــت‬

‫احلــرب ووقــت الســلم‪ ،‬إال أنــه ميكــن القــول مــن خــال حتــوالت الفتــرة مــن ‪ 1952‬إلــى ‪:2019‬‬
‫إن أكبــر قوتــن كان لهمــا التأثيــر علــى املؤسســة العســكرية فــي تعاملهــا مــع ثــورة يناير‪/‬كانــون‬

‫الثانــي ‪ ،2011‬همــا‪ :‬الواليــات املتحــدة وإســرائيل‪ ،‬ملــا لهمــا مــن عالقــات اســتراتيجية مــع‬

‫املؤسســة العســكرية فــي مصــر منــذ العــام ‪.1978‬‬

‫فبعــد توقيــع الرئيــس الســادات “اتفاقيــة كامــب ديفيــد”‪ ،‬فــي ‪ 17‬ســبتمبر‪/‬أيلول ‪ ،1978‬أصبــح‬

‫هنــاك حتالــف اســتراتيجي بــن املؤسســة العســكرية املصريــة والواليــات املتحــدة‪ ،‬يحصــل‬

‫مبوجبــه اجليــش املصــري علــى معونــة عســكرية ســنوية تقدمهــا الواليــات املتحــدة‪ ،‬وأصبــح‬

‫أميركيــا بشــكل كبيــر‪ ،‬وباتــت التدريبــات العســكرية والــدورات‬


‫ًّ‬ ‫تســليح اجليــش املصــري‬

‫العســكرية التــي يتلقاهــا ضبــاط القــوات املســلحة املصريــة تتــم فــي الواليــات املتحــدة بشــكل‬

‫ـنويا بــن اجليشــن‪ ،‬املصــري‬


‫عــام‪ ،‬هــذا بخــاف التدريبــات العســكرية الضخمــة التــي تقــام سـ ًّ‬
‫واألميركــي‪ ،‬كتدريبــات النجــم الســاطع‪.‬‬
‫وبعــد كامــب ديفيــد ً‬
‫أيضــا أصبحــت العالقــات بــن مصــر وإســرائيل فــي تقــارب متنــام حتــى‬

‫وصلــت إلــى ذروتهــا فــي عهــد عبــد الفتــاح السيســي بعــد انقــاب ‪ ،2013‬ويظهــر عمــق‬

‫وتقــارب تلــك العالقــة فــي العمليــات العســكرية املشــتركة التــي يقــوم بهــا اجليــش املصــري‬

‫مبشــاركة مــع اجليــش اإلســرائيلي فــي شــبه جزيــرة ســيناء‪ ،‬وكذلــك التدريبــات العســكرية‬

‫ســنويا بينهمــا (‪.)25‬‬


‫ًّ‬ ‫املشــتركة التــي تقــام‬

‫ـتفيدا‬
‫وبعــد انقــاب ‪ ،2013‬اجتــه نظــام السيســي إلــى تنويــع شــبكة تفاعالتــه اخلارجيــة‪ ،‬مسـ ً‬
‫مــن الــدور الوظيفــي للمؤسســة العســكرية املصريــة فــي املنطقــة لصــاحل األطــراف اإلقليميــة‬

‫والدوليــة‪ ،‬والتــي تو َّلــى بعضهــا مهمــة متويــل تســليح اجليــش املصــري بعــد ‪ ،2013‬بصفقــات‬

‫ضخمــة مــن روســيا وفرنســا وأملانيــا والصــن وكوريــا اجلنوبيــة والواليــات املتحــدة‪.‬‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪103‬‬

‫ومــن خــال رصــد صفقــات التســليح التــي أبرمتهــا القــوات املســلحة املصريــة خــال العــام‬

‫‪ 2018‬فقــط‪ ،‬جنــد أن القــوات اجلويــة كانــت أهــم فــرع مت دعمــه بالعديــد مــن الصفقــات (‪16‬‬

‫صفقــة)‪ ،‬ثــم القــوات البحريــة (‪ 14‬صفقــة)‪ ،‬ثــم القــوات البريــة (‪ 8‬صفقــات)‪ ،‬ثــم قــوات‬
‫الدفــاع اجلــوي (‪ 8‬صفقــات)‪ ،‬وتوضــح الصفقــات خريطــة التنــوع فــي الــدول التــي شـ َّ‬
‫ـكلت‬
‫املصــادر األساســية للتســليح املصــري خــال هــذا العــام‪ ،‬والتــي توضــح ً‬
‫أيضــا شــبكة العالقــات‬

‫واملصــاحل االســتراتيجية بينهــا وبــن النظــام املصــري‪:‬‬

‫وطائــرات ‪MiG-29M/M2‬‬ ‫‪ .1‬فــي مجــال التســليح اجلــوي‪ :‬طائــرات األباتشــي األميركيــة‪،‬‬

‫الروســية‪ ،‬واملروحيــات البحريــة الهجوميــة “قــرش كلــب البحــر” (‪ )Ka-52K Katran‬الروســية‪،‬‬

‫واملروحيــات البحريــة ُمتعــددة املهــام طــراز “القــط البــري” (‪ ”AW159 Wildcat‬اإليطاليــة‪ ،‬وطائرات‬

‫(‪ )MiG-29M/M2‬الروســية‪ ،‬وطائــرات االســتطالع املوجهــة (‪ )RQ-20B Puma AE II‬األميركيــة‪،‬‬

‫وطائــرات الرافــال الفرنســية‪ ،‬ومقاتــات (‪ )F-16‬األميركيــة‪ ،‬ومروحيــات “متســاح” (‪Ka-52‬‬

‫‪ )Alligator‬الروســية‪ ،‬والطائــرة الفرنســية بــدون طيــار (‪ ،)Patroller‬والطائــرات بــدون طيــار (‪Wing‬‬

‫‪ )Loong-1D‬الصينيــة‪ ،‬وأنظمــة االتصــاالت اخلاصــة بحاملتــي املروحيــات “ميســترال” مــن شــركة‬

‫وينــدر” (‪)AIM-9 Sidewinder‬‬ ‫(‪ )Intel-Tech‬الروســية‪ ،‬وصــاروخ جو‪-‬جــو حــراري طــراز “ســايد‬

‫األملانــي‪.‬‬

‫‪ .2‬فــي مجــال التســليح البحــري‪ :‬شــراء كورفيتــات جوينــد (‪ )Gowind‬الشــبحية الفرنســي‪،‬‬

‫وبنــاء فرقاطــات مــع شــركة “تيســن كــروب” (‪ )TKMS‬األملانيــة‪ ،‬وشــراء الغواصــات القزميــة‬

‫الكرواتيــة (‪ ،)Drakon 220‬وبنــاء الــزوارق املطاطيــة الفرنســية داخــل مصــر‪ ،‬وشــراء فرقاطــات‬

‫ميكــو الفرنســية‪.‬‬

‫‪ .3‬فــي مجــال التســليح البــري‪ :‬شــراء الدبابــة الروســية مــن طــراز “تــي‪ ،”-90‬ومدافــع الهاوتــزر‬

‫الكــوري اجلنوبــي‪ ،‬واجليــل الرابــع مــن قذائــف دبابــات (‪ )M1 Abrams‬األميركيــة‪ ،‬ومجموعــة‬

‫باراماونــت جنــوب اإلفريقيــة‪ ،‬وبنــادق (‪ )CZ 807‬الهجوميــة التشــيكية‪ ،‬وبنــادق آليــة روســية‬

‫مــن نــوع “أك‪.”-103‬‬


‫‪| 104‬‬

‫‪ .4‬فــي مجــال تســليح قــوات الدفــاع اجلــوي‪ :‬منظومــات (‪ )S-300VM‬الروســية‪ ،‬ومنظومــات‬

‫(‪ )S-400‬الصاروخيــة الروســية‪ ،‬ومنظومــات الدفــاع اجلــوي (‪ )Buk-M3‬الروســية‪ ،‬وصواريــخ‬

‫الدفــاع اجلــوي قصيــرة املــدى (‪ )RIM-116‬مــن اجليــل الثانــي األميركيــة‪ ،‬ورادارات اإلنــذار‬

‫املبكــر والدفــاع الصاروخــي األميركيــة‪ ،‬ونظــام الدفــاع اجلــوي األملانــي متوســط املــدى (‪IRIS-T‬‬

‫‪.)SLM) (26‬‬

‫‪ .2.2‬مستقبل دور املؤسسة العسكرية يف مصر بعد ‪( 2013‬االستمرارية‪ ،‬الثبات‪ ،‬التوقعات)‬


‫فعليــا‪ ،‬أو لــه تأثيــر قــوي علــى‬
‫ًّ‬ ‫حاكمــا‬
‫ً‬ ‫فــي إجابتــه علــى تســاؤل إذا كان اجليــش فــي مصــر‬

‫سياســات احلكومــات املنتخبــة أو حــق االعتــراض عليهــا‪ ،‬فمــا هــو تفســير القيــام بانقــاب‬

‫األساســية (‪:)27‬‬ ‫عــددا مــن التفســيرات‬


‫ً‬ ‫‪2013‬؟‪ ،‬طــرح الباحــث واألكادميــي‪ ،‬عمــر عاشــور‪،‬‬

‫ـرا فــي العمليــة االنتقالية‬


‫‪ -‬التفســير األول‪ :‬أن اجليــش لــم يكــن بــأي شــكل مــن األشــكال خاسـ ً‬
‫فــي مصــر بــن العامــن ‪ 2011‬و‪ .2013‬ولــم تكــن لــه ســلطة فــي بعــض املجــاالت حتــت حكــم‬

‫الرئيــس‪ ،‬محمــد مرســي‪ ،‬فحســب‪ ،‬بــل إن هــذه املجــاالت كانــت قانونيــة ودســتورية‪ ،‬حيــث‬

‫ـكريا (بحســب املــادة ‪،)195‬‬ ‫ً‬


‫ضابطا عسـ ًّ‬ ‫حصريــا‬
‫ًّ‬ ‫ـص دســتور ‪ 2012‬علــى أن يكــون وزيــر الدفــاع‬
‫نـ َّ‬
‫وأن تكــون غالبيــة مجلــس الدفــاع الوطنــي مــن القــادة العســكريني (بحســب املــادة ‪ .)197‬وهــذا‬

‫فعليــا حــق النقــض علــى أيــة مســألة تتعلــق باألمــن القومــي أو‬
‫ًّ‬ ‫مــن شــأنه أن ُيعطــي اجليــش‬

‫السياســة اخلارجيــة‪ ،‬وتســمح املــادة ‪ 198‬مبحاكمــة املدنيــن أمــام احملاكــم العســكرية “فــي حالــة‬

‫ومنحــت احلصانــة القانونيــة مــن احملاكــم املدنيــة‪.‬‬


‫وقــوع جرائــم تضــر بالقــوات املســلحة”‪ُ ،‬‬
‫‪ -‬التفســير الثانــي لســلوك املؤسســتني األمنيــة والعســكرية وقراراتهمــا ميكــن فهمــه مــن خــال‬

‫إجراءاتهمــا التنظيميــة‪ ،‬ويقــوم علــى أنــه لــكل مؤسســة مجموعــة مــن “إجــراءات التشــغيل‬

‫القياســية” اخلاصــة بهــا‪ ،‬والتــي تشــمل القواعــد الرمسيــة وغيــر الرمسيــة التــي علــى أساســها يتــم‬

‫حتديــد األفعــال وردود األفعــال‪ ،‬وفــي حالــة مواجهــة االحتجاجــات علــى الوضــع الراهــن‪،‬‬

‫كانــت إجــراءات التشــغيل القياســية التــي اعتمدتهــا السياســة املصريــة‪ ،‬هــي نشــر تكتيــكات‬

‫ـرا لهــذا النمــوذج‪،‬‬


‫حتديــا كبيـ ً‬
‫ً‬ ‫التخويــف والقمــع‪ ،‬حتــى طرحــت ثــورة يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪2011‬‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪105‬‬

‫ليــس فقــط علــى صعيــد مواجهــة املؤسســات القســرية‪ ،‬مثــل قــوات األمــن الداخليــة أو الشــرطة‬
‫العســكرية فحســب‪ ،‬بــل ً‬
‫أيضــا مــن حيــث املســاءلة‪.‬‬

‫‪ -‬التفســير الثالــث‪ :‬يتعلــق باالنقســامات داخــل اجليــش واملؤسســات األمنيــة‪ ،‬فاالنقســام الــذي‬

‫ـاما بــن حتالفــن يؤيــدان االنقــاب‪ :‬حتالــف يدعــو إلــى‬


‫حــدث بعــد انقــاب ‪ ،2013‬كان انقسـ ً‬
‫القضــاء علــى املعــزول‪ ،‬وآخــر يدعــو إلــى دمــج محــدود للمعــزول وقمــع بطريقــة مســيطر‬

‫عليهــا‪ ،‬كمــا حــدث فــي مصــر عقــب انقــاب عــام ‪ ،1952‬حــن أراد أحــد فصائــل املجلــس‬

‫العســكري العــودة إلــى الدميقراطيــة البرملانيــة الدســتورية‪ ،‬حتــى لــو عــادت األحــزاب املواليــة‬

‫حكمــا‬
‫ً‬ ‫للوضــع الراهــن للســلطة عبــر االنتخابــات‪ ،‬فــي الوقــت الــذي أراد الفصيــل اآلخــر‬

‫ـكريا دون رادع‪ ،‬وقمــع منافســيه احملتملــن‪.‬‬


‫عسـ ًّ‬
‫‪ -‬التفســير الرابــع‪ :‬وهــو تفســير ســيكولوجي يقــوم علــى أنــه منــذ انقــاب ‪ ،1952‬منــت‬
‫ً‬
‫مقبــول بالنســبة للعديــد مــن‬ ‫عقــدة التفــوق بثبــات داخــل صفــوف اجليــش‪ ،‬ولــم يكــن‬

‫القــادة العســكريني أن يعلــن شــخص مدنــي نفســه “القائــد األعلــى للقــوات املســلحة”‪ ،‬كمــا‬
‫تشـ ِّ‬
‫ـكل قضيــة الرقابــة املدنيــة‪ ،‬حتــى وإن كانــت ضمــن ترتيبــات مؤسســية ضعيفــة‪ ،‬إشــكالية‬
‫ســيكولوجية ً‬
‫أيضــا (‪.)28‬‬

‫فعليــا‪ ،‬ويريــد‬
‫ًّ‬ ‫وفــي إطــار هــذه التفســيرات‪ ،‬يبــرز العامــل األهــم‪ ،‬وهــو أن اجليــش يهيمــن‬

‫اســتمرار الهيمنــة علــى مفــردات مــا يعــرف بـــ “الســيطرة املدنيــة”(‪ ،)29‬التي تســعى إليهــا القوى‬

‫املدنيــة ســواء فــي الدميقراطيــات املســتقرة‪ ،‬أو فــي مراحــل االنتقــال والتحــول الدميقراطــي‪،‬‬

‫والتــي تتم َّثــل فــي‪:‬‬

‫حــددت حــدود املجــال السياســي ومــن‬


‫َّ‬ ‫‪ .1‬اختيــار النخبــة وتوظيفهــا‪ :‬املؤسســة العســكرية‬

‫املســموح لــه باملشــاركة ابتــداء؛ فاســتبعدت تيــارات إســامية بالكامــل مــن املشــاركة فــي‬

‫احليــاة السياســية‪ ،‬بــل ومــن الوجــود الفعلــي عبــر القتــل والتصفيــة اجلســدية واالعتقــال‪ ،‬وعبــر‬

‫احلرمــان مــن الوصــول إلــى املناصــب التنفيذيــة املهمــة أو اجلهــات اإلداريــة املتخصصــة‪.‬‬

‫‪ .2‬السياســات العامــة للدولــة‪ :‬ختضــع للســيطرة الكاملــة للمؤسســة العســكرية بحيــث تتحــول‬
‫‪| 106‬‬

‫الــوزارات إلــى جهــات تنفيذيــة فــي أحيــان كثيــرة تُنفــذ السياســات والــرؤى املوجــودة لــدى‬

‫املؤسســة العســكرية أو تعمــل بحريــة فقــط فــي املجــاالت التــي تتــرك لهــا املؤسســة العســكرية‬
‫حريــة احلركــة بهــا‪ً .‬‬
‫أيضــا‪ ،‬تشــارك املؤسســة العســكرية فــي أحيــان كثيــرة‪ ،‬مــن خــال الهيئــة‬

‫الهندســية للقــوات املســلحة‪ ،‬فــي تنفيــذ عــدد مــن مشــاريع البنيــة التحتيــة واملشــاريع الكبيــرة‪.‬‬

‫‪ .3‬الســيطرة علــى احليــاة السياســية‪ :‬اجليــش قــد يتخلــى عــن الســيطرة علــى املشــهد السياســي‬

‫واالنتخابــات والنخبــة احلاكمــة بشــكل مباشــر ليتــرك ذلــك للمدنيــن‪ ،‬علــى أن تظــل الســيطرة‬

‫غيــر املباشــرة موجــودة عبــر قيــادات اجليــش الســابقني املوجوديــن فــي األحــزاب املختلفــة‪ ،‬أو‬

‫وبرملانيــا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫عبــر التأثيــر غيــر املباشــر أو التحالفــات غيــر العلنيــة مــع بعــض التيــارات السياســية‪.‬‬

‫إذا كان ميكــن ختيــل أن يتنــازل اجليــش عــن الســيطرة علــى االنتخابــات البرملانيــة لصــاحل قــوى‬

‫مدنيــة‪ ،‬فإنــه مــن الصعــب تصــور حــدوث ذلــك علــى مســتوى االنتخابــات الرئاســية (‪.)30‬‬

‫وهنــا‪ ،‬يكــون الســؤال الرئيــس املطــروح‪ :‬كيــف ميكــن إدارة العالقــات املدنية‪-‬العســكرية فــي‬

‫مصــر‪ ،‬فــي ظــل الســيطرة‪ ،‬بــل الهيمنــة‪ ،‬العســكرية القائمــة اآلن؟‬

‫هنا يتم التمييز بني مسارين أساسيني‪:‬‬

‫‪ -‬املســار األول‪ :‬وهــو خــارج ســيطرة املؤسســة العســكرية‪ ،‬ويكــون مــن خــال جنــاح وفاعليــة‬

‫حركــة االحتجاجــات الشــعبية‪ ،‬أي أن تكــون املؤسســة العســكرية فــي مواجهــة احتجاجــات‬

‫شــعبية واســعة‪ ،‬جنحــت فــي حتقيــق أهدافهــا‪ ،‬وبالتالــي لــن يكــون هنــاك خيــار آخــر أمــام‬

‫املؤسســة العســكرية إال الرضــوخ لهــذه الضغــوط الشــعبية‪ ،‬واخلــروج مــن الســلطة مــع عــدم‬

‫وجــود خيــارات أخــرى بديلــة لديهــا‪ ،‬وألن نتيجــة هــذا املســار هــي خــروج العســكر بــا‬

‫ضمانــات وبــا تفــاوض‪ ،‬مــع وجــود محاســبة علــى اجلرائــم السياســية واإلنســانية التــي مت‬

‫غالبــا فــي وجــه‬


‫ً‬ ‫مســتغربا توقــع أن اجليــش املصــري ســيقف‬
‫ً‬ ‫ارتكابهــا‪ ،‬لذلــك فإنــه ليــس‬

‫أي احتجاجــات شــعبية ضــده‪ ،‬وســيعمل علــى اســتخدام كل الوســائل املمكنــة لقمــع هــذه‬

‫االحتجاجــات وضمــان عــدم تهديدهــا ملصاحلــه ووجــوده‪.‬‬

‫‪ -‬املســار الثانــي‪ :‬وتديــره املؤسســة العســكرية‪ ،‬ويتم َّثــل فــي انســحاب العســكر مــن الســلطة‪،‬‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪107‬‬

‫عندمــا تتغيــر الظــروف وموازيــن القــوى مبــا ُيجبــر املؤسســة العســكرية علــى تغييــر موقعهــا مــن‬
‫الســلطة‪ ،‬وتتخــذ أشـ ً‬
‫ـكال أخــرى‪ ،‬ورغــم أنهــا قــد جتبــر علــى االنســحاب مــن الســلطة فــي‬

‫شــكلها املباشــر‪ ،‬فإنهــا تظــل متحكمــة فــي السياســة واملســار السياســي بصــورة أو بأخــرى‪،‬‬

‫ويكــون هــذا اخلــروج مــن الســلطة إمــا مــن خــال املؤسســة العســكرية نفســها أو مــن خــال‬

‫عمليــة تفاوضيــة مــع املدنيــن‪ ،‬ومبــا يضمــن أن تظــل محتفظــة بجــزء مــن مصاحلهــا ونفوذهــا‪،‬‬

‫ـدا‪.‬‬
‫ويأخــذ هــذا املســار وق ًتــا أطــول وتكــون حتدياتــه أكثــر تعقيـ ً‬
‫وهــذا املســار يتطلــب توفــر مجموعــة مــن االعتبــارات وفقً ــا للباحــث واألكادميــي‪ ،‬عبــد الفتــاح‬

‫ماضي (‪:)31‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬إدراك العســكريني لصعوبــة بقائهــم فــي الســلطة‪ ،‬وتقــوم املؤسســة العســكرية نفســها ببــدء‬

‫مســار اخلــروج مــن الســلطة بعــد أن أصبــح الســياق االجتماعــي والسياســي غيــر مــوات للحكــم‬

‫العســكري‪ ،‬يدعــم ذلــك ظهــور جنــاح إصالحــي داخــل املؤسســة العســكرية مؤيــد خلــروج‬

‫العســكريني مــن الســلطة‪.‬‬

‫ثانيــا‪ :‬عقــد اتفــاق وطنــي لالنتقــال داخــل عمليــة إصــاح ممتــدة يشــارك فيهــا إصالحيــون مــن‬
‫ً‬
‫داخــل املؤسســة العســكرية‪ ،‬ومدنيــون مــن خارجهــا لالتفــاق علــى مســار سياســي وخطــوات‬

‫إصالحية‪.‬‬

‫ثالثًــا‪ :‬النجــاح (أو الفشــل) فــي االقتصــاد‪ ،‬فالفشــل االقتصــادي قــد يســهم فــي تصاعــد‬

‫الغضــب الشــعبي؛ ممــا يزيــد مــن الضغــط علــى املؤسســة العســكرية للخــروج مــن الســلطة‪.‬‬

‫كذلــك‪ ،‬فــإن النجــاح االقتصــادي قــد يــؤدي إلــى الضغــط علــى املؤسســة العســكرية مــن‬

‫خــال ظهــور طبقــة وســطي واســعة ومطالــب شــعبية للمشــاركة السياســية‪.‬‬

‫رابعــا‪ :‬حتييــد العامــل اخلارجــي أو كســبه‪ ،‬فمســاندة العامــل اإلقليمــي والدولــي لالنتقــال‬
‫ً‬
‫الدميقراطــي (‪.)32‬‬ ‫حامســا فــي عمليــات االنتقــال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫عامــا‬ ‫السياســي أو عــدم ممانعتــه يشــكل‬

‫كمــا أن هــذا املســار لــه مجموعــة مــن االشــتراطات‪ ،‬مــن بينهــا‪ :‬إحــكام املدنيــن للســيطرة‬

‫علــى السياســات العامــة للدولــة‪ ،‬وأن تتغيــر الثقافــة املوجــودة لــدى املؤسســة العســكرية فــي‬
‫‪| 108‬‬

‫عــدم الثقــة باملدنيــن أو أن ُتبــر علــى تغييــر هــذه القناعــات بســبب الظــروف احمليطــة‪ ،‬وأن‬

‫يكــون لــدى املدنيــن سياســات وأفــكار مناســبة تُســهم فــي حــل املشــاكل املوجــودة بطــرق‬

‫أكثــر فاعليــة مــن تلــك التــي كان يقــوم بهــا اجليــش‪ ،‬وأن تســتطيع هــذه السياســات حتقيــق‬

‫نتائــج ملموســة تكتســب بهــا ثقــة املواطنــن وتعــزز مــن موقفهــا أمــام املؤسســة العســكرية‪،‬‬

‫وقــدرة املدنيــن علــى اقتنــاص الفرصــة مــن أجــل تعزيــز نفوذهــم داخــل املجــال السياســي‬

‫وإضعــاف تأثيــر املؤسســة العســكرية فيــه(‪.)33‬‬

‫خاتمة‪ :‬نموذج مقرتح‬


‫خاضعــا‬
‫ً‬ ‫يفــرض تعزيــز مدنيــة الدولــة فــي مصــر‪ ،‬واحلــد مــن عســكرتها‪ ،‬أن يكــون اجليــش‬

‫للرقابــة الدميقراطيــة‪ ،‬مــن خــال عــدد مــن األدوات‪ ،‬منهــا‪:‬‬

‫‪ .1‬ســيطرة مدنيــة‪ :‬حيــث يكــون للســلطات املدنيــة الســيطرة علــى مهمــات اجليــش وتكوينــه‪،‬‬

‫وامليزانيــة واملشــتريات العســكرية‪ ،‬وأن تكــون املوافقــة علــى سياســة اجليــش مــن قبــل القيــادة‬

‫املدنيــة‪ ،‬مــع متتــع اجليــش باحلريــة فــي حتديــد العمليــات املطلوبــة لتحقيــق أهــداف السياســة‬

‫العامــة التــي حتددهــا الســلطة املدنيــة‪.‬‬

‫‪ .2‬حكــم دميقراطــي‪ :‬مــن خــال مؤسســات برملانيــة وقضائيــة دميقراطيــة‪ ،‬ومجتمــع مدنــي‬

‫قــوي ووســائل إعــام مســتقلة تشــرف علــى أداء اجليــش‪ .‬وهــذا يضمــن املســاءلة أمــام كل مــن‬

‫املواطنــن واحلكومــة‪ ،‬ويعــزز الشــفافية فــي قراراتهــا وأفعالهــا‪.‬‬

‫‪ .3‬خبــرة مدنيــة‪ :‬بــأن يتوافــر للمدنيــن اخلبــرة الالزمــة لــإدارة واإلشــراف علــى املســؤوليات‬

‫الدفاعيــة‪ ،‬ويحــد مــن ذلــك احتــرام املدنيــن للخبــرة املهنيــة للعســكريني‪.‬‬

‫‪ .4‬احليــاد األيديولوجــي وعــدم التدخــل فــي السياســة الداخليــة‪ :‬حيــث ال يؤيــد اجليــش أو أي‬

‫مــن أفــراده أيــة أيديولوجيــة أو توجــه بخــاف الــوالء للدولــة‪.‬‬

‫‪ .5‬حــد أدنــى مــن الــدور االقتصــادي‪ :‬للجيــش دور اقتصــادي فــي القطاعــات املرتبطــة‬

‫بالدفــاع‪ ،‬لكنــه يجــب أال يــؤدي إلــى متييــع والء اجليــش للقيــادة املدنيــة الدميقراطيــة‪ ،‬أو أن‬

‫يدخــل اجليــش مبنافســة غيــر متكافئــة مــع القطــاع الصناعــي املدنــي (‪.)34‬‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات| ‪109‬‬

‫وهــذه األمــور‪ ،‬قــد يكــون مــن الصعــب إن لــم يكــن مــن املســتحيل حتقيقها فــي ظــل التوازنات‬

‫القائمــة فــي الداخــل املصــري‪ ،‬وفــي بيئتــه اإلقليميــة والدوليــة الراهنــة‪ .‬لــذا‪ ،‬فــإن الوضــع‬

‫يتطلــب التفكيــر فــي منظــور معكــوس ملــا افترضــه صمويــل هنتنغتــون (‪،)Samuel Huntington) (35‬‬

‫حــول االحتــراف العســكري‪ ،‬الــذي ميكــن أن ينجــح فــي الدميقراطيــات املســتقرة‪ ،‬وكذلــك‬

‫جتــاوز منــوذج موريــس جانوويتــز (‪ ،)Morris Janowitz) (36‬القائــم علــى قصــر تدخــل العســكريني‬

‫علــى بعــض مجــاالت السياســة اخلارجيــة وسياســات الدفــاع‪ ،‬مــع ســيطرة النخبــة السياســية‬

‫مــن خــال مجموعــة مــن القواعــد الرمسيــة‪ ،‬ألن هذيــن النموذجــن يصطدمــان بعــدد مــن‬

‫املعوقــات األساســية‪ ،‬منهــا‪:‬‬

‫أ‪ -‬أن عمليــة التحــول عــن احلكــم العســكري هــي فــي غايــة التعقيــد‪ ،‬واملســؤولية الرئيســية فيهــا‬

‫تقــع علــى قــدرة التيــارات السياســية املدنيــة علــى االتفــاق حــول الترتيبــات املناســبة إلقــرار‬

‫نظــام دميقراطــي‪ ،‬وبالتالــي يكــون فشــل املدنيــن ‪-‬وليــس قــوة العســكريني‪ -‬هــو الســبب‬

‫الرئيســي الســتمرار التدخــل العســكري فــي العمليــة السياســية‪.‬‬

‫ب‪ -‬الوصــول إلــى الســيطرة الدميقراطيــة الكاملــة علــى القــوات املســلحة صعــب التحقــق‬

‫بالنســبة إلــى الدميقراطيــات الناشــئة‪ ،‬والبــد للنخــب املدنيــة فــي الــدول التــي متــر مبرحلــة‬

‫التحــول الدميقراطــي أن تضــع االســتراتيجية املناســبة إلدارة عالقاتهــا مــع النخبــة العســكرية‬

‫وفقً ــا للظــروف اخلاصــة بدولهــا‪ ،‬مبــا ال يقضــي علــى العمليــة الدميقراطيــة‪ ،‬لكــن قــد ال يتحقــق‬

‫التحــول الدميقراطــي دفعــة واحــدة‪.‬‬

‫ج‪ -‬تفــرض املشــكالت األمنيــة واالقتصاديــة املتزايــدة علــى األنظمــة السياســية ‪-‬فــي ظــل‬

‫ضعــف بنيــة الدولــة‪ -‬القبــول بتدخــل اجليــش فــي احليــاة املدنيــة‪ ،‬إمــا للمســاهمة فــي فــرض‬

‫النظــام والقانــون وإمــا لدعــم عمليــة التنميــة‪ ،‬وهــو األمــر الــذي ال يتعــارض مــع جوهــر النظــام‬

‫الدميقراطــي فــي حــال مــا كان اجليــش يقــوم بتلــك األدوار حتــت ســيطرة الســلطات املدنيــة‬

‫ووفــق فتــرة زمنيــة محــددة‪ ،‬وشــريطة أال تتوســع تلــك األدوار بدرجــة أكبــر لتصــل إلــى مرحلــة‬

‫السياســية (‪.)37‬‬ ‫التدخــل فــي احليــاة‬


‫‪| 110‬‬

‫د‪ -‬تفــرض احلالــة املصريــة معضلــة حقيقيــة ليــس فقــط بســبب تســلم اجليــش للســلطة بعــد‬
‫ثــورة يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪ ،2011‬ولكــن ً‬
‫أيضــا ملــا للنظــام املصــري مــن جــذور تاريخيــة فــي‬

‫الشــرعية العســكرية منــذ حكــم اجليــش فــي ‪ ،1952‬حيــث تقــوم املؤسســة العســكرية باســتخدام‬

‫مصطلــح األمــن القومــي‪ ،‬دون حتديــد أو تعريــف ماهيتــه وحــدوده‪ِ ،‬ل َشـ ْ‬
‫ـر َع َنة ممارســاتها واإلبقــاء‬

‫امتيازاتهــا (‪.)38‬‬ ‫علــى‬

‫وهنــا‪ ،‬يــرى الباحــث ضــرورة التفكيــر فــي منــوذج يجمــع بــن النظريــات األساســية فــي إدارة‬

‫العالقــات املدنية‪-‬العســكرية‪ ،‬ليــس باعتبارهــا اجتاهــات فكريــة متعارضــة‪ ،‬ولكــن باعتبارهــا‬

‫مراحــل متدرجــة لهــذه اإلدارة‪ ،‬علــى النحــو التالــي‪:‬‬

‫شــيف (‪Rebecca‬‬ ‫‪ -‬املرحلــة األولــى‪ :‬التوافــق املدني‪-‬العســكري‪ ،‬وفــق مــا قالــت بــه ريبــكا‬

‫‪ )Schiff‬فــي دراســتها التــي جــاءت بعنــوان “اجليــش والسياســات الداخليــة‪ :‬نظريــة التوافــق فــي‬

‫العالقــات املدنيــة العســكرية”(‪ ،)39‬وتقــوم علــى اتفــاق العســكر واملدنيــن علــى أربعــة مؤشــرات‬

‫أساســية‪ ،‬يتــم مــن خاللهــا حتديــد دور املؤسســة العســكرية‪ ،‬وهــي‪ :‬التركيبــة االجتماعيــة‬

‫للضبــاط‪ ،‬وعمليــة اختــاذ القــرارات السياســية‪ ،‬وطــرق التوظيف‪ ،‬والنمــط (العقيدة) العســكري‪،‬‬

‫وذلــك حســبما ترتضيــه األطــراف املتشــاركة‪.‬‬

‫‪ -‬املرحلــة الثانيــة‪ :‬املســؤولية املشــتركة‪ ،‬وفــق مــا قــال بــه دوجــاس بالنــد (‪،)Douglas Bland‬‬

‫والتــي تقــوم علــى االشــتراك فــي املســؤوليات بــن املدنيــن والعســكريني‪ ،‬ســواء مــن خــال‬

‫توزيــع األدوار‪ ،‬أو دمــج بعضهــا دون انصهارهــا (‪.)40‬‬

‫‪ -‬املرحلــة الثالثــة‪ :‬وميكــن أن تنــدرج ضمــن مقــوالت بيتــر فيفــر (‪ ،)Peter Feaver‬حــول “نظريــة‬

‫الوكالــة”(‪ ،)41‬التــي تنظــر للعالقــات املدنية‪-‬العســكرية علــى أنهــا شــكل مــن أشــكال التفاعــل‬

‫االســتراتيجي بــن املدنيــن والعســكريني‪ ،‬وفــي إطارهــا يختــار املدنيــون الطــرق التــي ميكــن‬

‫مــن خاللهــا مراقبــة اجليــش‪ ،‬مــع مراعــاة مزايــا التخصــص التــي يتســم بهــا العســكريون‪.‬‬

‫‪ -‬املرحلــة الرابعــة‪ :‬وتكــون احملصلــة النهائيــة ملراحــل التطــور‪ ،‬وفيهــا تصــل العالقــات املدنيــة‪-‬‬

‫العســكرية‪ ،‬إلــى مــا أطلــق عليــه صمويــل هنتنغتــون “االحتــراف العســكري”(‪ ،)42‬التــي ترتكــز‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪111‬‬

‫علــى عــدة منطلقــات أساســية‪ ،‬تشــمل تطويــر املؤسســات العســكرية لتخصصاتهــا املختلفــة‪،‬‬

‫ومنــو الــدول القوميــة‪ ،‬وصعــود األفــكار الدميقراطيــة كأســاس لتنظيــم املؤسســات السياســية‪،‬‬

‫(‪.)43‬‬ ‫وضــرورة وجــود مصــدر واحــد للســلطة الشــرعية علــى القــوات املســلحة‬

‫يدفــع للتفكيــر فــي هــذه املراحــل وتلــك اخلطــوات‪ ،‬مــن جانــب املؤسســة العســكرية املصريــة‪،‬‬

‫طبيعــة التحديــات األمنيــة والعســكرية والسياســية التــي تتعــرض لهــا منــذ انقــاب ‪ ،2013‬ومــا‬

‫ـداء وعلــى درجــة االســتقرار‬


‫ترتــب عليهــا مــن تداعيــات ســلبية علــى صورتهــا الذهنيــة‪ ،‬ابتـ ً‬
‫السياســي واالقتصــادي فــي مصــر‪ ،‬التــي يشــير كثيــر مــن التقاريــر الدوليــة إلــى تراجــع‬

‫مؤشــراته‪ ،‬هــذا مــن ناحيــة‪ .‬ومــن ناحيــة ثانيــة‪ ،‬إدراك التيــارات املدنيــة لعــدم قدرتهــا علــى‬

‫التخلــص اجلــذري مــن هيمنــة املؤسســة العســكرية‪ ،‬وحرصهــا فــي الوقــت نفســه علــى بقــاء‬

‫هــذه املؤسســة مســتقرة فــي ظــل االنهيــارات التــي تعرضــت لهــا معظــم املؤسســات العســكرية‬

‫العربيــة منــذ ‪ 1991‬وحتــى اآلن‪ .‬ومــن ناحيــة ثالثــة‪ ،‬التحــوالت اإلقليميــة والدوليــة الراهنــة‪ ،‬التي‬

‫هــي فــي الكثيــر منهــا خــارج ســيطرة النخــب املدنيــة والعســكرية‪ ،‬وتفــرض عليهمــا التعاطــي‬

‫معهــا بفاعليــة‪ ،‬وإال ســتكون حركــة اجلماهيــر الغاضبــة‪ ،‬وموجــات االنتفاضــات املتتاليــة‪،‬‬
‫عامــل تغييــر جــذري‪ ،‬ينــال ليــس فقــط مــن اســتقرار هــذه النخــب‪ ،‬ولكــن ً‬
‫أيضــا مــن بقائهــا‬

‫واســتمرارها‪.‬‬
‫املراجع‬
‫(‪ )1‬صايــغ‪ ،‬يزيــد‪“ ،‬فــوق الدولــة‪ :‬جمهوريــة الضبــاط فــي مصــر”‪ ،‬مركــز كارنيغــي‪ 1 ،‬أغســطس‪/‬آب ‪،2012‬‬
‫(تاريــخ الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://carnegie-mec.org/2012/08/01/ar-pub-48996‬‬
‫(‪ )2‬علــي صــاحل ربيــع‪ ،‬ماجــدة‪ ،‬الــدور السياســي لألزهــر مــن ‪( ،1952-1981‬رســالة دكتــوراه فــي العلــوم‬
‫السياســية‪ ،‬قســم العلــوم السياســية‪ ،‬كليــة االقتصــاد والعلــوم السياســية‪ ،‬جامعــة القاهــرة‪ ،)1990 ،‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ )3‬صايغ‪ ،‬فوق الدولة‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬طبقً ــا للقانــون رقــم ‪ 4‬لســنة ‪ 1968‬الــذي أصــدره الرئيــس األســبق‪ ،‬جمــال عبــد الناصــر‪ ،‬فــي شــأن القيــادة‬
‫ً‬
‫مكلفــا بالنظــر فــي‬ ‫والســيطرة علــى شــؤون الدفــاع عــن الدولــة وعلــى القــوات املســلحة وتعديالتــه؛ فاملجلــس كان‬
‫الشــؤون اخلاصــة بوســائل تأمــن البــاد وســامتها‪ .‬وكان هــو مــن يقــرر الدعــوة إلــى التعبئــة العامــة فــي البــاد‬
‫‪| 112‬‬

‫يتكــون مــن رئيــس مجلــس الــوزراء ورئيــس مجلــس‬


‫َّ‬ ‫وكان قــرار احلــرب يؤخــذ مــن خاللــه‪ ،‬وكان املجلــس‬
‫النــواب ووزيــر الدفــاع وقــادة األفــرع الرئيســية للقــوات املســلحة يترأســهم رئيــس اجلمهوريــة‪.‬‬
‫(‪ )5‬جمــال‪ ،‬محمــود‪“ ،‬املجلــس العســكري املصــري”‪ ،‬املعهــد املصــري للدراســات‪ 13 ،‬فبراير‪/‬شــباط ‪،2018‬‬
‫(تاريــخ الدخــول‪ 9 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2CgBD8y‬‬
‫(‪ )6‬قــراران جمهوريــان بتشــكيل املجلــس األعلــى للقــوات املســلحة ومجلــس الدفــاع الوطنــي‪ ،‬املصــري اليــوم‪،‬‬
‫‪ 27‬فبراير‪/‬شــباط ‪( ،2014‬تاريــخ الدخــول ‪ 11‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪:)2018‬‬
‫‪http://www.almasryalyoum.com/news/details/401724‬‬
‫(‪ )7‬ســيلمان إمساعيــل‪ ،‬هانــي‪“ ،‬الــدور التنمــوي للمؤسســة العســكرية‪ :‬خبــرات دوليــة ودروس مســتفادة”‪ ،‬سلســلة‬
‫بدائــل‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬مؤسســة األهــرام‪ ،‬عــدد ‪ ،28‬مايو‪/‬أيــار ‪.2018‬‬
‫(‪ )8‬مارشــال‪ ،‬شــانا‪“ ،‬القــوات املســلحة املصريــة وجتديــد اإلمبراطوريــة االقتصاديــة”‪ ،‬كارنيغــي‪ 15 ،‬أبريل‪/‬نيســان‬
‫‪( ،2015‬تاريــخ الدخــول‪ 14 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪HTTPS://BIT.LY/2IU3TZG‬‬
‫(‪ )9‬أبــو دومــة‪ ،‬حــازم‪“ ،‬القــوات املســلحة تنفــذ ‪ 1600‬مشــروع تنمــوي عمــاق”‪ ،‬األهــرام‪ 1 ،‬أغســطس‪/‬آب‬
‫‪( ،2016‬تاريــخ الدخــول‪ 14 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪HTTPS://BIT.LY/2LPWDRT‬‬
‫ـهرا”‪ ،‬مــدى مصــر‪3 ،‬‬
‫(‪ )10‬حمامــة‪ ،‬محمــد‪“ ،‬هــذه هــي القطاعــات االقتصاديــة التــي دخلهــا اجليــش فــي ‪ 12‬شـ ً‬
‫ســبتمبر‪/‬أيلول ‪( ،2016‬تاريــخ الدخــول‪ 14 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://goo.gl/TrvXpN‬‬
‫(‪ )11‬هاشــم‪ ،‬محمــد‪“ ،‬مــا الــذي حــدث لرجــال األعمــال فــي مصــر؟”‪ ،‬إضــاءات‪ 9 ،‬ســبتمبر‪/‬أيلول ‪،2016‬‬
‫(تاريــخ الدخــول‪ 14 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2GM8iqF‬‬
‫(‪ )12‬رمــزي‪ ،‬مسيــر‪“ ،‬أثــر تزايــد الــدور التنمــوي للجيــش علــى االســتقرار السياســي فــي مصــر”‪ ،‬موقــع البديــل‪،‬‬
‫‪ 11‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪( ،2017‬تاريــخ الدخــول‪ 22 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2PDtPGa‬‬
‫‪(13) Loveman, Brian, “Protected Democracies and Military Guardianship: Political Transitions in Lat-‬‬
‫‪in America, 1978-1993”, (Journal of Interamerican Studies and World Affairs, volume 36, 1994),‬‬
‫‪pp. 123-124.‬‬
‫(‪“ )14‬نــص قانــون معاملــة قــادة القــوات املســلحة”‪ ،‬موقــع مصــر العربيــة‪ 3 ،‬يوليو‪/‬متــوز ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪:‬‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪113‬‬

‫‪ 4‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2GUKzpC‬‬
‫(‪ )15‬منــدور‪ ،‬ماجــد‪“ ،‬حصانــة للقــوات املســلحة فــي مصــر”‪ ،‬مركــز كارنيغــي‪ 25 ،‬يوليو‪/‬متــوز ‪( ،2019‬تاريــخ‬
‫الدخــول‪ 5 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2XXqQuV‬‬
‫(‪ )16‬كمــا حــدث مــع العقيــد أحمــد قنصــوة‪ ،‬الــذي مت القبــض عليــه فــي ديســمبر‪/‬كانون األول ‪ ،2017‬ومــع‬
‫الفريــق ســامي عنــان‪ ،‬رئيــس أركان حــرب القــوات املســلحة املصريــة الســابق‪ ،‬الــذي مت القبــض عليــه فــي ‪23‬‬
‫يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪.2018‬‬
‫(‪“ )17‬نتيجــة االســتفتاء فــي مصــر‪ 88.8 :‬فــي املئــة مــن الناخبــن صوتــوا بنعــم للتعديــات الدســتورية”‪ ،‬بــي بــي‬
‫ســي العربــي‪ 23 ،‬أبريل‪/‬نيســان ‪( ،2019‬تاريــخ الدخــول‪ 29 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bbc.in/2W9zaHH‬‬
‫(‪“ )18‬الهيئة املصرية العامة لالستعالمات”‪ 15 ،‬أبريل‪/‬نيسان ‪( ،2019‬تاريخ الدخول‪ 24 :‬أبريل‪/‬نيسان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2DsNB26‬‬
‫(‪“ )19‬اســتثناء املنطقــة االقتصاديــة بســيناء مــن أحــكام القانــون ‪ 14‬لســنة ‪ ،”2012‬املصــري اليــوم‪ 9 ،‬يونيو‪/‬حزيــران‬
‫‪( ،2016‬تاريــخ الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2DCtz5d‬‬
‫أراض صحراويــة لــوزارة الدفــاع”‪ ،‬املصــري اليــوم‪ 9 ،‬يونيو‪/‬حزيــران ‪( ،2016‬تاريــخ‬
‫ٍ‬ ‫(‪“ )20‬السيســي يقــرر ختصيــص‬
‫الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/1UFAXxR‬‬
‫(‪ )21‬انظــر‪“ :‬الرئيــس يكلـف‬‪‪‬القــوات املســلحة مبراقبــة وإزالــة التعديــات علــى جانبــي الشــبكة القوميــة للطــرق”‪،‬‬
‫بوابــة األهــرام‪ 9 ،‬يونيو‪/‬حزيــران ‪( ،2016‬تاريــخ الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/1rearBh‬‬
‫(‪“ )22‬قــرار جمهــوري بإعــادة ختصيــص قطعــة أرض مملوكــة للدولــة بالســويس لتنفيــذ املشــروع القومــي للترســانة‬
‫البحريــة”‪ ،‬بوابــة األهــرام‪ 15 ،‬يونيو‪/‬حزيــران ‪( ،2016‬تاريــخ الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2LegF3N‬‬
‫(‪“ )23‬قــرار جمهــوري باملوافقــة علــى ختصيــص قطعــة أرض مملوكــة للدولــة بالعــن الســخنة لصــاحل القــوات‬
‫املســلحة”‪ ،‬بوابــة األهــرام‪ 15 ،‬يونيو‪/‬حزيــران ‪( ،2016‬تاريــخ الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/28Sze6N‬‬
‫(‪“ )24‬السيســي يخصــص ‪ 2815‬فدا ًنــا بكفــر الشــيخ لصــاحل القــوات املســلحة”‪ ،‬مصــر العربيــة‪ 23 ،‬يونيو‪/‬حزيــران‬
‫‪| 114‬‬

‫‪( ،2016‬تاريــخ الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬


‫‪https://bit.ly/2DHcirX‬‬
‫(‪ )25‬غنيــم‪ ،‬هيثــم‪“ ،‬العمليــة العســكرية‪ :‬ســيناء ‪ 2018‬ممارســات وتداعيــات”‪ ،‬املعهــد املصــري للدراســات‪21 ،‬‬
‫ديســمبر‪/‬كانون األول ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2vtRUpp‬‬
‫(‪ )26‬جمــال‪ ،‬محمــود‪“ ،‬مصــر‪ :‬سياســات التســليح العســكري ‪ ،”2018‬املعهــد املصــري للدراســات‪ 5 ،‬أبريــل‪/‬‬
‫نيســان ‪( ،2019‬تاريــخ الدخــول‪ 29 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2ZKQghe‬‬
‫(‪ )27‬عاشــور‪ ،‬عمــر‪“ ،‬اجليــش والسياســة فــي مصــر مــا بعــد الثــورة”‪ ،‬بروكنجــز‪ 19 ،‬ديســمبر‪/‬كانون األول ‪،2013‬‬
‫تاريــخ الدخــول‪ 29 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://brook.gs/2IXqDVt‬‬
‫(‪ )28‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪(29) Croissant, Aurel; Kuehn, David; and Lorenz, Philip, “Breaking With the Past? Civil-Military‬‬
‫‪Relations in The Emerging Democracies of East Asia”, (Policy Studies 63, No. 63, 2012), (Visited‬‬
‫‪on 29 April 2019):‬‬
‫‪https://bit.ly/2GWvnZ1‬‬
‫(‪ )30‬محســن‪ ،‬أحمــد‪“ ،‬العالقــات املدنيــة العســكرية فــي الدميوقراطيــات الناشــئة”‪ ،‬املعهــد املصــري للدراســات‪،‬‬
‫‪ 30‬نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2vwoIyo‬‬
‫(‪ )31‬ماضــي‪ ،‬عبــد الفتــاح‪“ ،‬اجليــوش واالنتقــال الدميقراطــي‪ :‬كيــف ختــرج اجليــوش مــن الســلطة؟”‪ ،‬سياســات‬
‫عربيــة‪ ،‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪( ،2017‬تاريــخ الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2GMMrQ4‬‬
‫(‪ )32‬محسن‪“ ،‬العالقات املدنية العسكرية في الدميوقراطيات الناشئة”‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )33‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪(34) Centre for the Democratic Control of Armed Forces (Geneva), Democratic Control of Armed Forc-‬‬
‫‪es, DCAF Backgrounder Series, 05 (2008), p. 2‬‬
‫‪(35) Huntington, S. The Solider and the State, (the Belknap of Harvard university press, Cambridge,‬‬
‫‪1975), pp.1-3.‬‬
‫‪(36) janowitz, M. Military Institution and Coercion in Developing nations, (University Chicago press,‬‬
‫دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد ‪ :2013‬المحددات والمسارات | ‪115‬‬

‫‪Chicago, 1977), pp. 81-83.‬‬


‫(‪ )37‬فيصــل عــام‪ ،‬عبــد اهلل‪ ،‬مــن احلكــم العســكري إلــى الدميقراطيــة‪ :‬العالقــات املدنية‪-‬العســكرية فــي أميــركا‬
‫الالتينيــة‪ ،‬املســتقبل العربــي‪ ،‬فبراير‪/‬شــباط ‪( ،2016‬تاريــخ الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2LgW8LX‬‬
‫(‪ )38‬املهــدي‪ ،‬ربــاب‪“ ،‬العالقــات املدنيــة العســكرية فــي مصــر”‪ ،‬الشــروق‪ 8 ،‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪( ،2012‬تاريــخ‬
‫الدخــول‪ 12 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2UW7gO4‬‬
‫‪(39) Rebecca, Schiff, “Concordance Theory, Targeted, Partnership, and Counterinsurgency”, Armed‬‬
‫‪Forces and Society, (Vol. 38, No. 2, 2012).‬‬
‫‪(40) Douglas, Bland, “A Unified Theory of Civil-Military Relations”, Armed Forces & Society, (Vol.‬‬
‫‪26, No. 1, 1999).‬‬
‫‪(41) Peter, Feaver, “An Agency Theory Explanation of American Civil-Military Relations during the‬‬
‫‪Cold War”, Working Paper for the Program for the Study in Democracy, (Duke University, USA,‬‬
‫‪1997).‬‬
‫‪(42) Huntington, The Solider and the State, op, cit.‬‬
‫(‪ )43‬فــي عــرض مضامــن هــذه النظريــات‪ ،‬انظــر‪ :‬فيصــل عــام‪ ،‬عبــد اهلل‪ ،‬العالقــات املدنيــة العســكرية والتحول‬
‫الدميقراطــي فــي مصــر يوليو‪/‬متــوز ‪1952-‬يوليو‪/‬متــوز ‪( ،2013‬مركــز اجلزيــرة للدراســات‪ ،‬الدوحــة‪ ،)2018 ،‬ط ‪،1‬‬
‫ص ‪.22-29‬‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية‬
‫محمود العلي*‬

‫مقدمة‬
‫فــي الذكــرى احلاديــة والســبعني لنكبــة فلســطني تبــرز قضيــة الالجئــن الفلســطينيني‬

‫تعقيــدا أمــام أيــة فرصــة لتســوية واقعيــة ومقبولــة وقابلــة للتنفيــذ‪.‬‬


‫ً‬ ‫بوصفهــا أكثــر التحديــات‬

‫لقــد بــدأت قضيــة الالجئــن منــذ قــرار اجلمعيــة العامــة لــأمم املتحــدة ‪ 181‬فــي ‪ 29‬نوفمبــر‪/‬‬

‫تشــرين الثانــي عــام ‪ ،1947‬أو مــا يســمى بقــرار التقســيم‪ ،‬حيــث جــرى فــرض تقســيم فلســطني‬
‫َّ‬
‫تتشــكل مــن دولتــن إحداهمــا يهوديــة علــى ‪ 55%‬مــن أرض‬ ‫التاريخيــة إلــى ثالثــة كيانــات‬

‫فلســطني‪ ،‬واألخــرى عربيــة فلســطينية علــى حوالــي ‪ 44%‬مــن أرض فلســطني‪ ،‬مــع بقــاء القــدس‬

‫مبــررا للحركــة الصهيونيــة‬ ‫َّ‬


‫شــكل قــرار التقســيم‬ ‫وبيــت حلــم حتــت الوصايــة الدوليــة‪ .‬وقــد‬
‫ً‬
‫إلقامــة دولــة علــى جــزء مــن أرض فلســطني جتــاوزت املســاحة الــواردة فــي قــرار التقســيم‪،‬‬

‫كمــا أدى إلــى طــرد وتهجيــر أكثــر مــن نصــف الســكان العــرب الفلســطينيني مــن أرضهــم‬

‫وبيوتهــم وترابهــم الوطنــي‪.‬‬


‫َّ‬
‫شــكلوا آنــذاك ‪ 61%‬مــن‬ ‫وفــي عــام ‪ 1948‬وحــده جــرى تهجيــر حوالــي ‪ 850‬ألــف فلســطيني‬
‫َّ‬
‫وتركــز‬ ‫مجمــوع الشــعب الفلســطيني البالــغ ‪ 1400000‬فلســطيني ليطلــق عليهــم لقــب الجئــن‪.‬‬

‫د‪ .‬محمود العلي‪ ،‬باحث مختص في شؤون الالجئني الفلسطينيني‪.‬‬


‫*‬

‫‪117‬‬
‫‪| 118‬‬

‫معظــم الالجئــن الفلســطينيني إثــر نكبــة عــام ‪ 1948‬فــي املناطــق الفلســطينية الناجيــة مــن‬

‫اض ُطـ َّ‬


‫ـر ‪ 19.5%‬مــن الالجئني الفلســطينيني‬ ‫االحتــال‪ ،‬أي فــي الضفــة والقطــاع ‪ ،80.5%‬فــي حــن ْ‬

‫للتوجــه إلــى الــدول العربيــة الشــقيقة‪ ،‬ســوريا واألردن ولبنــان ومصــر والعــراق‪ ،‬بينمــا توجــه‬
‫ُّ‬
‫العديــد منهــم إلــى مناطــق جــذب اقتصاديــة فــي أوروبــا وأميــركا‪ ،‬وكذلــك إلــى دول اخلليــج‬

‫العربيــة‪ ،‬وقــد تغيــرت اخلريطــة الدميوغرافيــة للشــعب الفلســطيني بعــد طــرد اجليــش اإلســرائيلي‬

‫لنحــو ‪ 460‬ألــف فلســطيني فــي عــام ‪ 1967‬إثــر احتــال الضفــة والقطــاع»(‪ .)1‬وفــي ‪ 15‬مايــو‪/‬‬

‫أيــار ‪ 1948‬قامــت احلركــة الصهيونيــة باإلعــان عــن قيــام دولــة إســرائيل‪ ،‬وقــد توســعت مســاحة‬

‫هــذه الدولــة لتشــمل ‪ 77%‬مــن أراضــي فلســطني‪ ،‬مبــا فــي ذلــك اجلــزء األكبــر مــن القــدس‪.‬‬

‫وباملقابــل ســيطرت األردن ومصــر علــى بقيــة أراضــي فلســطني التــي ضمــت (قطــاع غــزة‬

‫والضفــة الغربيــة) مبــا فيهــا القــدس الشــرقية‪.‬‬

‫وفــي محاولــة ملعاجلــة موضــوع املهجريــن نتيجــة الحتــال فلســطني‪ ،‬فــإن األمم املتحــدة‬

‫عمــدت بدايــة إلــى إصــدار القــرار ‪ ،212‬فــي الــدورة ‪ ،3‬فــي ‪ 19‬نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪،1948‬‬

‫الــذي يقضــي بتـــأسيس هيئــة األمم املتحــدة إلغاثــة الجئــي فلســطني‪ ،‬ثــم إلــى ٍاصــدار القــرار‬

‫‪ ،194‬فــي ‪ 11‬ديســمبر‪/‬كانون األول ‪ ،1948‬ويقضــي فــي مضمونــه بحــل النــزاع عبــر جلنــة التوفيق‬

‫ـرارا بحــق عــودة الجئــي‬


‫الدوليــة التــي أسســت مبوجــب ذات القــرار‪ ،‬كمــا تضمــن القــرار إقـ ً‬
‫فلســطني إلــى بيوتهــم وقراهــم التــي طــردوا منهــا‪ .‬وقــد تنــاول القــرار إلــى جانــب الفلســطينيني‪،‬‬

‫اليهــود الذيــن فــروا أو طــردوا مــن بيوتهــم حينهــا‪ .‬وقــد فشــلت جلنــة التوفيــق الدوليــة التــي‬

‫ُأ ِّسســت مبوجــب القــرار مــن الوصــول إلــى حــل ينهــي النــزاع‪.‬‬

‫وقــد كانــت املســاعدات لالجئــن بدايــة تتــم بالتعــاون بــن هيئــة األمم املتحــدة إلغاثــة الجئــي‬

‫فلســطني وهيئــات أخــرى كالصليــب األحمــر الدولــي ومنظمــة الكويكــرز األميركيــة‪ .‬وحيــث‬

‫لــم يجــر حــل للنــزاع وبســبب اســتمرار وتفاقــم معانــاة الالجئــن‪ ،‬عمــدت األمم املتحــدة إلــى‬

‫إصــدار القــرار رقــم ‪ *302‬بتأســيس هيئــة األمم املتحــدة إلغاثــة وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني‬

‫(األونــروا) بتاريــخ ‪ 8‬ديســمبر‪/‬كانون األول ‪ ،1949‬وباشــرت الهيئــة أعمالهــا فــي ‪ 1‬مايو‪/‬أيــار‬


‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪119‬‬

‫ـودا‪.‬‬
‫عربــا أم يهـ ً‬
‫‪ ،1950‬وكان مــن ضمــن مهامهــا تقــدمي اإلغاثــة لالجئــي فلســطني ســواء أكانــوا ً‬
‫وجــاء فــي مطلــع قــرار تأســيس األونــروا‪ ،‬خاصــة القــرار رقــم ‪( 212‬الــدورة ‪ )3‬الصــادر فــي‬

‫‪ 19‬نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪ ،1948‬والقــرار رقــم ‪( 194‬الــدورة ‪ )3‬الصــادر فــي ‪ 11‬ديســمبر‪/‬كانون‬

‫األول ‪ ،1948‬مــا يؤكــد ضــرورة اســتمرار املســاعدة إلغاثــة الالجئــن الفلســطينيني لتالفــي أحوال‬

‫املجاعــة والبــؤس بينهــم‪ ،‬ودعــم الســام واالســتقرار‪ .‬كمــا جــاء فــي الفقــرة ‪ 20‬مــن القــرار ‪194‬‬

‫أن اجلمعيــة العموميــة توعــز إلــى « وكالــة األمم املتحــدة إلغاثــة وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني‬

‫فــي الشــرق األدنــى؛ بالتشــاور مــع جلنــة التوفيــق بشــأن فلســطني التابعــة لــأمم املتحــدة ملــا‬

‫وخصوصــا فيمــا يتعلــق مبــا ورد فــي الفقــرة ‪ 11‬مــن قــرار‬


‫ً‬ ‫فيــه خيــر أداء مهمــات كل منهمــا»‪،‬‬

‫اجلمعيــة العامــة رقــم ‪( 194‬الــدورة ‪ )3‬الصــادر فــي ‪ 11‬ديســمبر‪/‬كانون األول ‪ .1948‬وهــذا مؤشــر‬

‫ـتنادا إلــى‬
‫واضــح علــى ارتبــاط اســتمرار عمــل األونــروا اإلغاثــي بحــل قضيــة الالجئــن اسـ ً‬
‫حقهــم فــي العــودة‪.‬‬

‫أمــا بالنســبة لقبــول عضويــة إســرائيل فــي األمم املتحــدة‪ ،‬فقــد وافقــت األمم املتحــدة بتاريــخ‬

‫‪ 4‬مــارس‪/‬آذار ‪ 1949‬مبوجــب قرارهــا رقــم ‪ ،273‬الــذي جــاء فيــه «إن اجلمعيــة العامــة؛ إذ تأخــذ‬

‫علمــا بالتصريــح الــذي تقبــل بــه «إســرائيل» دون أي حتفــظ‪ ،‬بااللتزامــات الناجمــة عــن ميثــاق‬
‫ً‬
‫ـوا فــي األمم املتحــدة‪،‬‬
‫األمم املتحــدة‪ ،‬وتتعهــد باحترامهــا منــذ اليــوم الــذي تصبــح فيــه عضـ ً‬
‫وإذ تذكــر بقراريهــا الصادريــن فــي ‪ 29‬نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪( 1947‬قــرار التقســيم)‪ ،‬وفــي ‪11‬‬

‫ديســمبر‪/‬كانون األول ســنة ‪( 1948‬القــرار ‪ 194‬القاضــي بإعــادة الالجئــن والتعويــض لهــم)‪،‬‬

‫علمــا بالتصريحــات واإليضاحــات التــي قدمهــا ممثــل حكومــة «إســرائيل» أمــام اللجنــة‬
‫وتأخــذ ً‬
‫ـوا فــي‬
‫السياســية املؤقتــة‪ ،‬بشــأن تطبيــق القراريــن املذكوريــن‪ ...‬تقــرر أن تقبــل إســرائيل عضـ ً‬
‫األمم املتحــدة‪.‬‬

‫بيــد أن إســرائيل التــي ادعــت التزامهــا بالقــرارات املذكــورة‪ ،‬أوقفــت فــي يونيو‪/‬حزيــران عــام‬

‫‪ 1952‬عمــل األونــروا فــي األراضــي التــي أعلنــت قيــام إســرائيل عليهــا‪ ،‬وكان وقتهــا هنالــك‬
‫«‪ً 17‬‬
‫ألفــا مــن النازحــن اليهــود (داخــل إســرائيل) كانــوا مســجلني فــي «األونــروا» وســرعان مــا‬
‫‪| 120‬‬

‫اخنفــض عددهــم إلــى ‪ ،3000‬وكانــوا يتلقــون املســاعدات حتــى يونيو‪/‬حزيــران عــام ‪ ،1952‬حــن‬

‫أوقفــت األونــروا عملياتهــا فــي إســرائيل (‪ .)2‬ولــذا فــإن إشــكالية البحــث املركزيــة ســتتناول‬

‫اســتهداف الواليــات املتحــدة األميركيــة فــي عهــد الرئيــس دونالــد ترامــب لألونــروا التــي‬

‫أسســتها األمم املتحــدة‪ ،‬ومــدى أهميــة بقائهــا املرتبــط بتوفيــر حقــوق الالجئــن الفلســطينيني‬

‫مبــا فيهــا حقهــم فــي العــودة‪.‬‬

‫‪ .1‬اإلجراءات املنهجية للدراسة‬


‫تعتمــد الدراســة املنهــج الوصفــي التحليلــي الــذي يســعى إلــى وصــف الظواهــر املختلفــة مليــدان‬

‫البحــث املتعلقــة بحالــة ومســاقات التعامــل الدولــي واألميركــي مــع األونــروا‪ ،‬وذلــك مــن‬

‫خــال الدراســة التحليليــة لتلــك املســاقات للحصــول علــى وصــف دقيــق للنتائــج الناجمــة عن‬

‫السياســات احلديثــة ألميــركا جتــاه األونــروا‪ .‬ويقــوم البحــث الوصفــي التحليلــي بربــط وتفســير‬

‫البيانــات واملعطيــات املتعلقــة مبوضــوع البحــث وتصنيفهــا‪ ،‬وبيــان نوعيــة عالقــة املتغيــرات‬

‫واألســباب واالجتاهــات ثــم اســتخالص النتائــج‪ ،‬والتعــرف علــى حقيقــة هــذه النتائــج بهــدف‬

‫الوقــوف علــى وضعيــة الظاهــرة املتعلقــة مبوضــوع البحــث‪ .‬وفــي هــذا الســياق تهتــم الدراســة‬

‫باســتقصاء أهــداف القــرارات الناجمــة عــن السياســات األميركيــة فــي عهــد الرئيــس دونالــد‬
‫ً‬
‫وأيضــا‬ ‫ترامــب‪ ،‬التــي تــؤدي إلــى تفاقــم مخاطــر جوهريــة علــى حقــوق الالجئــن الفلســطينيني‪،‬‬

‫ـادا علــى‬
‫كميــا‪ ،‬اعتمـ ً‬
‫ًّ‬ ‫كيفيــا‪ ،‬وبيــان خصائصــه‬
‫ًّ‬ ‫مقاربــة املوقــف األميركــي الراهــن‪ ،‬ودراســته‬

‫مــا تقدمــه األونــروا لالجئــن مــن خدمــات مــن خــال عــرض أرقــام وجــداول املســتفيدين‪،‬‬

‫وتوضيــح هــذه العمليــة التــي تســتهدف الالجئــن الفلســطينيني أو حجمهــا‪ ،‬ودرجــة ارتباطهــا‬

‫مــع الظواهــر األخــرى املتعلقــة باســتهداف حــق العــودة‪.‬‬

‫أمــا أهميــة البحــث فتتم َّثــل فــي إلقــاء الضــوء علــى سياســة هــذا الطــرف الدولــي الســاعي‬

‫إلنهــاء األونــروا‪ ،‬ومعرفــة مــدى تأثيــر ذلــك علــى حقــوق الجئــي فلســطني وفــي مقدمتهــا‬

‫حقهــم فــي العــودة إلــى بيوتهــم وديارهــم التــي طــردوا منهــا‪ .‬كمــا أن مراجعــة مــا توفــر مــن‬

‫مصــادر معلوماتيــة ودراســات ووثائــق متعلقــة باملوضوع‪ ،‬تســاعد الباحــث على تفســير تداعيات‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪121‬‬

‫السياســة األميركيــة الراهنــة علــى حقــوق الالجئــن الفلســطينيني ومحاولــة إنهــاء قضيتهــم‪ ،‬ألنه‬

‫مــن الالفــت أن الواليــات املتحــدة األميركيــة كانــت‪ ،‬قبــل اختــاذ الرئيــس دونالــد ترامــب‬

‫ماليــا لألونــروا التــي تعتمــد علــى التبرعــات الطوعيــة‬


‫موقفــه جتــاه األونــروا‪ ،‬الداعــم األكبــر ًّ‬
‫للــدول األعضــاء فــي األمم املتحــدة‪ ،‬بخــاف املؤسســات الدوليــة األخــرى كمنظمــة الصحــة‬

‫العامليــة واملفوضيــة الســامية لشــؤون الالجئــن‪ ...‬إخل‪ .‬وهنــا يجــب أن نشــير إلــى غيــاب‬

‫دراســات وأبحــاث أكادمييــة تتنــاول هــذا املوضــوع املرتبــط بسياســات الرئيــس دونالــد ترامــب‬

‫إلنهــاء وتصفيــة موضــوع الالجئــن فــي صفقــة القــرن‪ ،‬وذلــك ألن سياســة الرئيــس ترامــب لــم‬

‫تنســجم مــع سياســات الرؤســاء الســابقني فيمــا يتعلــق بدعــم األونــروا؛ إذ لــم تكــن الواليــات‬

‫املتحــدة األميركيــة مــن الداعمــن األساســيني لألونــروا فحســب‪ ،‬بــل كانــت مــن األعضــاء‬

‫الفاعلــن فــي الهيئــة االستشــارية لهــا منــذ تأسيســها عــام ‪.1949‬‬

‫ـرس‬
‫لــذا تتمحــور مشــكلة البحــث حــول اســتهداف حــق عــودة الالجئــن الفلســطينيني املكـ َّ‬
‫فــي بعــض قــرارات الشــرعية الدوليــة‪ ،‬مــع التركيــز علــى اســتهداف مضامــن قــرار تأســيس‬

‫عامــا علــى جلــوء الفلســطينيني‪ ،‬الذيــن يتلقــون مســاعدات‬


‫األونــروا؛ إذ بعــد حوالــي ‪ً 70‬‬
‫وخدمــات األونــروا‪ ،‬تعمــل أميــركا بالتوافــق الكامــل مــع إســرائيل إللغــاء هــذه املنظمــة الدوليــة‬

‫والعمــل علــى تســليم مهامهــا للمفوضيــة الســامية لشــؤون الالجئــن‪ ،‬معتبريــن أن األونــروا تبالــغ‬

‫فــي تســجيل الالجئــن وأحفادهــم‪ ،‬ألن الذيــن ينبغــي أن يعتبــروا الجئــن هــم فقــط مــن بقــوا‬
‫أحيــاء نتيجــة النــزاع عــام ‪ ،1948‬وهــؤالء ال يتجــاوز عددهــم ‪ً 50‬‬
‫ألفــا‪.‬‬

‫وتفترض الدراسة في سياق املخاطر التي تواجه حق عودة الالجئني الفلسطينيني‪:‬‬

‫‪ -‬عــدم وجــود توافــق دولــي مــع املوقــف األميركــي املتمثــل فــي وقــف دعــم األونــروا‪ ،‬التــي‬

‫تتابــع تقــدمي اخلدمــات لالجئــن الفلســطينيني حلــن عودتهــم‪ ،‬والدعــوة إللغائهــا‪.‬‬


‫ِّ‬
‫يشــكل عائقً ــا أمــام التســوية‬ ‫‪ -‬عــدم اإلقــرار بحــق العــودة اجلماعــي لالجئــن الفلســطينيني‬

‫بالتــوازي مــع غيــاب مواجهــة عربيــة صريحــة لسياســة الرئيــس األميركــي‪.‬‬

‫إن محــاوالت تصفيــة قضيــة الالجئــن الفلســطينيني «ليســت باألمــر اجلديــد غيــر أنهــا اشــتدت‬
‫‪| 122‬‬

‫منــذ تولــي الرئيــس األميركــي‪ ،‬دونالــد ترامــب‪ ،‬مفاتيــح البيــت األبيــض‪ ،‬وارتفعــت وتيرتهــا‬

‫بعــد إعالنــه اعتبــار القــدس احملتلــة عاصمــة لدولــة االحتــال‪ ،‬وإزاحتهــا عــن أيــة عمليــة‬

‫تفاوضيــة مقبلــة‪ ،‬وأصبحــت تواجــه شــبح الشــطب بالقــرار األميركــي األخيــر وقــف متويلهــا‬

‫بالكامــل‪.‬‬

‫بعــد القــدس جــاء الــدور علــى وكالــة غــوث وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬مقدمــة‬

‫لتصفيــة قضيتهــم‪ ،‬وجتــاوز حــق عودتهــم‪ ،‬فعمــدت اإلدارة األميركيــة فــي البدايــة إلــى خفــض‬

‫موازنتهــا واملســاعدات املقدمــة لهــا‪ ،‬بهــدف إدخالهــا فــي ضائقــة ماليــة‪ ،‬وإمعا ًنــا فــي التنكيــل‬

‫جليــا أن احملــاوالت اإلســرائيلية‬


‫بالفلســطينيني قــررت وقــف التمويــل بالكامــل»(‪ .)3‬ويبــدو ًّ‬
‫األميركيــة الراهنــة تأتــي إلنهــاء دور األونــروا‪ ،‬بالعمــل علــى جتفيــف مواردهــا‪ ،‬أو دمــج‬

‫تفويضهــا ضمــن صالحيــات املفوضيــة الســامية لشــؤون الالجئــن‪ ،‬فــي ســياق املخططــات‬

‫األشــمل‪ ،‬الهادفــة إلــى تصفيــة القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وفــي القلــب منهــا قضيــة الالجئــن وحــق‬

‫العــودة‪ .‬وهــذه املخططــات ذات ســياقات وأبعــاد إقليميــة ودوليــة تتصــل باشــتراطات «عمليــة‬

‫التســوية» فــي نســختها اجلديــدة التــي يســميها اإلعــام بـ»صفقــة القــرن»‪ ،‬ولهــا فــي الوقــت‬

‫عينــه تداعيــات وآثــار فــي كل منطقــة مــن مناطــق عمليــات األونــروا‪ ،‬فيمــا يتعلــق بتقــدمي‬

‫اخلدمــات (‪ .)4‬ولهــذا تهــدف الدراســة إلــى بحــث الصعوبــات واملعيقــات التــي تواجــه حقــوق‬

‫ترهــل‬
‫الجئــي فلســطني فــي العــودة حســب قــرارات القيــادة األميركيــة‪ ،‬ودراســة تأثيــرات ُّ‬
‫املوقــف الرمســي الفلســطيني فــي إطــار مــا مســي بالواقعيــة‪ .‬وفــي ســياق معاجلــة الفرضيــات‬

‫املذكــورة أعــاه‪ ،‬ســتعمد الدراســة إلــى إلقــاء الضــوء علــى مســار تنــاول القضيــة الفلســطينية‬
‫علــى الصعيــد الدولــي‪ ،‬وصـ ً‬
‫ـول ملــا آلــت إليــه احلالــة الراهنــة مــن اســتهداف حلقــوق الجئــي‬

‫فلســطني‪.‬‬

‫‪ .2‬القرارات الدولية وحقوق الالجئني الفلسطينيني يف العودة‬


‫إثــر اإلعــان عــن قيــام دولــة إســرائيل فــي ‪ 15‬مايو‪/‬أيــار عــام ‪ ،1948‬ومــا رافــق ذلــك وتبعه من‬

‫أعمــال إرهابيــة وتنكيــل وقتــل جماعــي ضــد الشــعب الفلســطيني‪ ،‬شــهدت املنطقــة واحــدة‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪123‬‬

‫مــن أكبــر عمليــات التهجيــر القســري‪ ،‬أســفرت عــن جلــوء مئــات اآلالف مــن الفلســطينيني إلــى‬

‫مناطــق مجــاورة بح ًثــا عــن األمــن‪ ،‬تاركــن وراءهــم بيوتهــم وممتلكاتهــم‪ ،‬يحدوهــم األمــل فــي‬

‫العــودة إليهــا غيــر أن حلــم العــودة ســرعان مــا حتــول إلــى مشــكلة كبيــرة ومعقــدة هــي مشــكلة‬

‫الالجئــن التــي ســرعان مــا فرضــت نفســها علــى املجتمــع الــدول‪.‬‬

‫وقــد حــدا ذلــك بــاألمم املتحــدة إلــى إصــدار العديــد مــن القــرارات اخلاصــة بالالجئــن‬

‫الفلســطينيني‪ ،‬وحقهــم فــي العــودة إلــى ديارهــم مــع حفــظ حــق التعويــض للذيــن يرغبــون‬

‫فــي العــودة ولــكل مــن ال يرغــب بالعــودة لســبب أو آلخــر‪ .‬وكان أبــرز وأقــدم القــرارات التــي‬

‫اختذتهــا األمم املتحــدة حــول الالجئــن‪ ،‬هــو القــرار رقــم ‪ 194‬الــذي أشــرنا إليــه ســابقً ا‪ ،‬والــذي‬

‫خصــص الفقــرة رقــم ‪ 11‬ملســألة الالجئــن ونصهــا الــذي جــاء فيــه‪« :‬تقــرر وجــوب الســماح‬

‫بالعــودة فــي أقــرب وقــت ممكــن لالجئــن الراغبــن فــي العــودة إلــى ديارهــم والعيــش بســام‬

‫مــع جيرانهــم‪ ،‬ووجــوب دفــع تعويضــات عــن ممتلــكات الذيــن يقــررون عــدم العــودة إلــى‬

‫ديارهــم‪ ،‬عــن كل مفقــود أو مصــاب بضــرر مــن قبــل احلكومــات والســلطات املســؤولة»‪.‬‬

‫وقــد أصبــح القــرار ‪ 194‬مبثابــة حجــر الزاويــة فــي بنــاء الشــرعية الدوليــة التــي تأســس عليهــا‬

‫ـرا مــن الوثائــق والقــرارات‬


‫ـددا كبيـ ً‬
‫حــق العــودة والتعويــض بالنســبة للفلســطينيني‪ .‬كمــا أن عـ ً‬
‫ووضوحــا‪ .‬فقــد نصــت املــادة ‪ 12‬مــن‬
‫ً‬ ‫الدوليــة أكــدت علــى هــذا احلــق وزادتــه قــوة وصالبــة‬

‫اإلعــان العاملــي حلقــوق اإلنســان الــذي اعتبــر مــن إجنــازات األمم املتحــدة فــي مجــال إقــرار‬

‫معاييــر القانــون الدولــي علــى مــا يلــي‪:‬‬

‫‪ .1‬لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة‪.‬‬

‫‪ .2‬حق كل فرد أن يغادر أي بالد مبا في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه‪.‬‬

‫وألن هيئــة التوفيــق الدوليــة مــن أجــل فلســطني فشــلت فــي تنفيــذ موجبــات القــرار ‪ 194‬الــذي‬

‫أسســت اســتنادًا لــه‪ ،‬فقــد كان ال بــد لــأمم املتحــدة مــن تأمــن اســتمرار عمــل األونــروا‬

‫فــي تقــدمي الغــوث واملســاعدة لالجئــن‪ ،‬حيــث اعتمــدت علــى الــدول املاحنــة وفــي مقدمهــا‬

‫الــدول الغربيــة وعلــى رأســها أميــركا‪ ،‬بانتظــار احلــل السياســي املؤجــل‪ .‬ولــذا فقــد عملــت‬
‫‪| 124‬‬

‫اجلمعيــة العامــة علــى متديــد واليــة األونــروا لفتــرات تراوحــت بــن ثــاث وخمــس ســنوات‪.‬‬

‫جــزءا مــن املوازنــة العامــة لــأمم املتحــدة‪ ،‬كمــا هــو‬


‫ً‬ ‫ولهــذا فــإن متويــل األونــروا لــم يكــن‬

‫احلــال مــع باقــي منظمــات األمم املتحــدة كاليونيســف‪.‬‬

‫وعلــى صعيــد آخــر‪ ،‬وفــي ‪ 14‬ديســمبر‪/‬كانون األول ‪ ،1950‬اختــذت اجلمعيــة العامــة لــأمم‬

‫املتحــدة قرارهــا رقــم ‪( 428‬د‪ ،)-5‬القاضــي بإنشــاء مفوضيــة األمم املتحــدة لشــؤون الالجئــن‬

‫(‪ ،)UNHCR‬التــي بــدأت عملهــا بتاريــخ ‪ 1‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪ .1951‬واقتصــرت واليــة املفوضيــة‬

‫فــي البدايــة علــى األشــخاص الذيــن أصبحــوا الجئــن بســبب مــا وقــع مــن أحــداث فــي‬

‫مت توســيع تكليفهــا ليشــمل الالجئــن فــي العالم‬


‫أوروبــا قبــل ‪ 1‬يناير‪/‬كــــــانون الثانــي ‪ .1951‬ثــم َّ‬
‫بأســره حســب بروتوكــول عــام ‪ ،1967‬الــذي ألغيــت مبوجبــه القيــود اجلغرافيــة والزمنيــة‪ .‬وتتم َّثــل‬

‫واملبينــة فــي الفقــرة ‪ 1‬مــن نظامهــا األساســي‪ ،‬فــي توفيــر‬


‫َّ‬ ‫املســؤولية األساســية للمفوضيــة‪،‬‬

‫«حمايــة دوليــة» لالجئــن‪ ،‬والســعي مــن خــال مســاعدة احلكومــات إلــى إيجــاد حلــول دائمــة‬

‫ملشــكلة الالجئــن التــي تتجســد فــي أحــد احللــول الثالثــة‪ 1- :‬العــودة الطوعيــة ‪ 2-‬االندمــاج‬

‫احمللــي ‪ 3-‬إعــادة التوطــن‪.‬‬

‫وواليــة املفوضيــة تشــمل الالجئــن بشــرط أن ال يكونــوا ضمــن واليــة منظمــة دوليــة أخــرى‪،‬‬

‫فقــد اســتثنت اتفاقيــة ‪ 1951‬الجئــي فلســطني مــن بنودهــا‪ ،‬حيــث جــاء فــي املــادة (د) مــن‬

‫االتفاقيــة‪ ،‬بأنهــا ال تنطبــق علــى األشــخاص الذيــن يتمتعــون بحمايــة أو مســاعدة‪ ،‬مــن هيئــات‬

‫أو وكاالت تابعــة لــأمم املتحــدة غيــر مفوضيــة األمم املتحــدة لشــؤون الالجئــن‪ ،‬فــي إشــارة‬

‫إلــى (األونــروا)‪ ،‬والوكالــة التــي أسســت ملتابعــة شــؤون الالجئــن فــي كوريــا‪ .‬وقــد جاء اســتثناء‬

‫األونــروا اســتجابة لطلــب الــدول العربيــة التــي رأت بــأن كارثــة اللجــوء الفلســطيني نتجــت عــن‬

‫قــرار إنشــاء إســرائيل مــن قبــل األمم املتحــدة‪ ،‬لذلــك عليهــا حتمــل املســؤولية املباشــرة عمــا‬

‫أصــاب الالجئــن الفلســطينيني‪.‬‬

‫وفــي عــام ‪ ،1974‬أعيــد إدراج قضيــة فلســطني فــي جــدول أعمــال اجلمعيــة العامــة لــأمم‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪125‬‬

‫املتحــدة‪ ،‬وأكــد القــرار ‪( 3236‬د‪ )-29‬مــن جديــد حقــوق الشــعب الفلســطيني غيــر القابلــة‬

‫للتصــرف‪ ،‬فــي تقريــر املصيــر واالســتقالل والســيادة الوطنيــة‪ ،‬وحــق الفلســطينيني فــي العــودة‬

‫عبــر املجلــس عــن قلقــه مــن احلالــة‬


‫إلــى ديارهــم وممتلكاتهــم‪ .‬وفــي العديــد مــن املناســبات َّ‬
‫الســائدة فــي امليــدان‪ ،‬ودعــا إلــى وقــف النشــاط االســتيطاني اإلســرائيلي الــذي أكــد أنــه ليــس‬

‫املهجريــن‪ .‬وفــي وقــت الحــق‪،‬‬


‫َّ‬ ‫لــه أي شــرعية قانونيــة‪ ،‬كمــا دعــا إلــى عــودة الفلســطينيني‬

‫وفــي ســياق محاولــة حــل الصــراع‪ ،‬فــإن األمم املتحــدة وضعــت املبــادئ األساســية للتوصــل‬

‫إلـــى تسويــــة سلميــــة قائمــة علــى التفــاوض (تُعرف بصيغــة «مبــدأ األرض مقابل الســام») في‬

‫قراريهــا ‪ )1967( 242‬و‪ ،)1973( 383‬الصادريــن عــن مجلــس األمــن‪ .‬بيــد أن املجتمــع الدولــي لــم‬

‫يتمكــن حتــى اللحظــة الراهنــة مــن تنفيــذ أي مــن قراراتــه املتعلقــة بحقــوق الفلســطينيني‪ ،‬ومــن‬

‫بينهــا حقهــم فــي العــودة‪.‬‬

‫‪ .3‬املوقف اإلسرائيلي من حق الفلسطينيني يف العودة‬


‫أعلنــت إســرائيل «أنهــا لــن توافــق فــي أي حــال مــن األحــوال علــى عــودة الالجئــن إلــى‬

‫عبــرت عــن حتفظهــا بشــأن عــودة الالجئــن إلــى الكيــان الفلســطيني‬


‫أراضيهــا‪ ،‬كمــا أنهــا َّ‬
‫رمسيــا مســؤوليتها عــن مشــكلة‬
‫ًّ‬ ‫الــذي ســيقام فــي الضفــة الغربيــة وقطــاع غــزة‪ ،‬وتنفــي إســرائيل‬

‫الالجئــن وتتهــم ‪-‬عــادة‪ -‬الفلســطينيني أنفســهم والــدول العربيــة بذلــك‪ .‬ويتبنــى اجلمهــور‬
‫اإلســرائيلي هــذه املواقــف»(‪ .)5‬ولهــذا فقــد شـ َّ‬
‫ـكل مســار التســوية السياســية‪ ،‬حســب اتفــاق‬

‫عمومــا وقضيــة الالجئــن‬


‫ً‬ ‫خطيــرا فيمــا يتعلــق بقضيــة فلســطني‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منعطفــا‬ ‫أوســلو عــام ‪،1993‬‬
‫ً‬
‫اعترافــا‬ ‫قــدم‬
‫الفلســطينيني وحقوقهــم علــى وجــه اخلصــوص‪ ،‬حيــث إن االتفــاق املذكــور َّ‬
‫بإســرائيل وأحــال قضيــة الالجئــن إلــى مــا مســي مبفاوضــات احلــل النهائــي‪ ،‬هــذا عــدا عــن‬

‫متقدمــا مــن أشــكال التبعيــة االقتصاديــة‬


‫ً‬ ‫القبــول مبــا مســي باحلكــم الذاتــي الــذي مي ِّثــل شـ ً‬
‫ـكل‬

‫والسياســية واألمنيــة لالحتــال‪.‬‬


‫‪| 126‬‬

‫وقــد وجــد كل ذلــك تداعياتــه الحقً ــا فــي املعاهــدات واالتفاقــات الثنائيــة التــي حــددت‬

‫مســار كافــة أشــكال العمــل السياســي الفلســطيني علــى قيــاس مصــاحل إســرائيل‪ .‬وفــي إطــار‬

‫فهــم أهميــة حــق العــودة أشــار أنيــس الصايــغ إلــى مخاطــر «اتفاقــات أوســلو التــي أوصــدت‬

‫بــاب العــودة‪ ،‬وتنازلــت للعــدو عــن األراضــي كلهــا»(‪ .)6‬ومــن حيــث املبــدأ فــإن موقــف‬

‫إســرائيل مــن حــق عــودة الالجئــن الــذي أقرتــه األمم املتحــدة‪ ،‬يتمثَّــل فــي «اتفــاق فــي‬

‫الــرأي داخــل املؤسســة السياســية فــي إســرائيل علــى رفــض حــق الالجئــن فــي العــودة إلــى‬

‫األراضــي اإلســرائيلية‪ ،‬ســواء احلــق املبدئــي أو احلــق العملــي‪ .‬إن اســرائيل ترفــض هــذا احلــق‬

‫فــي الدرجــة األولــى علــى الصعيــد املبدئــي؛ إذ ينطــوي اعتــراف إســرائيل بـ»حــق العــودة» علــى‬

‫إقــرار مبســؤوليتها عــن نشــوء املشــكلة‪ ،‬ورمبــا حتــى بتحمــل تبعتهــا»(‪ .)7‬ولهــذا فــإن املشــاريع‬

‫اإلســرائيلية‪ ،‬التــي جــاءت بعــد هزميــة عــام ‪ 1967‬ركــزت علــى مــا يلــي‪:‬‬

‫‪ -‬معظــم األفــكار واملشــاريع جــاءت لتؤكــد علــى التوجــه اإلســرائيلي حنــو ترســيخ االحتــال‬

‫للمناطــق العربيــة احملتلــة‪.‬‬

‫‪ -‬اإلجمــاع داخــل املجتمــع اإلســرائيلي‪ ،‬وبــكل فئاتــه االجتماعيــة والسياســية‪ ،‬علــى نظريــة‬

‫عــدم العــودة مطلقً ــا إلــى حــدود مــا قبــل عــام ‪.1967‬‬

‫‪ -‬إقــرار مــا يســمى بسياســة األمــر الواقــع فــي املناطــق احملتلــة عــن طريــق وضــع اســتراتيجية‬

‫اقتصاديــا ملــلء تلــك املناطــق باملســتوطنات مبختلــف أنواعهــا‪.‬‬


‫ًّ‬ ‫مدعومــة‬

‫‪ -‬منــع عــودة الالجئــن الفلســطينيني إلــى ديارهــم مهمــا كلــف هــذا األمــر مــن خســائر سياســية‬

‫(‪.)8‬‬ ‫واقتصادية‬

‫ٍان عــودة الالجئــن الفلســطينيني إلــى ممتلكاتهــم وبيوتهــم التــي اقتلعــوا منهــا إبــان النكبــة وفقً ــا‬
‫للقــرار ‪« 194‬كان وال يــزال ًّ‬
‫خطــا أحمــر بالنســبة إلســرائيل والقــوى الدوليــة التــي تســاندها‪.‬‬

‫وكذلــك هــو احلــال بالنســبة لصنــاع ما يســمى «عمليــة الســام» التــي أطلقتهــا اتفاقيات أوســلو‪.‬‬

‫فحــق العــودة فــي كافــة املبــادرات ذات الصلــة التــي أطلقــت فــي أعقــاب تلــك االتفاقيــات‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪127‬‬

‫حصريــا العــودة إلــى أراضــي «الدولــة الفلســطينية» املوعــودة مــع بعــض احلــاالت الفرديــة‬
‫ًّ‬ ‫تعنــي‬

‫االســتثنائية املتعلقــة بلــم شــمل العائــات مــع ذويهــا فــي فلســطني احملتلــة عــام ‪ .1948‬وجتــدر‬

‫اإلشــارة إلــى أن إســرائيل «حتمــل بتياراتهــا الدينيــة واليمينيــة‪ ،‬ال ســيما الليكــود‪ ،‬واليســارية‬

‫وبخاصــة حــزب العمــل‪ ،‬مواقــف متشــددة جتــاه احلقــوق الوطنيــة الفلســطينية العربيــة‬

‫املشــروعة‪ ،‬حيــث ترفــع «الءات» العــودة إلــى حــدود ‪ 4‬يونيو‪/‬حزيــران ‪ 1967‬وتقســيم القــدس‬

‫باعتبارهــا «العاصمــة األبديــة واملوحــدة إلســرائيل» وجتــاه حــق عــودة الالجئــن الفلســطينيني‬

‫ووقــف التوســع االســتيطاني» (‪ .)9‬وأكثــر مــن ذلــك فــإن إســرائيل تســتهدف حتــى الفلســطينيني‬

‫الذيــن بقــوا فــوق ترابهــم الوطنــي‪ ،‬وتعمــل علــى إيجــاد قوانــن لعــدم الســماح لهــم بالعــودة‬

‫إلــى بيوتهــم وقراهــم التــي طــردوا أو فــروا منهــا‪ ،‬ولــذا فــإن الكثيــر مــن الفلســطينيني املهجريــن‬

‫فــي داخــل الوطــن احملتــل ال تســمح لهــم إســرائيل بالعــودة لبيوتهــم‪ .‬ويلخــص الباحــث صــاح‬

‫عبــد ربــه املوقــف اإلســرائيلي بالنقــاط التاليــة التــي تشــير إلــى رفــض حــق العــودة وإنهــاء‬

‫األونــروا(‪:)10‬‬

‫وعمليا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫مبدئيا‬
‫ًّ‬ ‫‪ .1‬رفض مطلق حلق الالجئني في العودة إلى أراضيهم‬

‫‪ .2‬االعتراف بحق العودة يعني اإلقرار باملسؤولية عن نشوء املشكلة‪.‬‬


‫‪ .3‬ال يجوز ترك أي قرار بشأن العودة في يد الفلسطينيني َك َل ِّم الشمل ً‬
‫مثل‪.‬‬

‫‪ .4‬إعادة الالجئني إلى منازلهم يقوض نسيج املجتمع والشعب اإلسرائيلي‪.‬‬

‫‪ .5‬العــودة تهــدد الصبغــة اليهوديــة للدولــة‪ ،‬خاصــة بوجــود ‪ 18%‬مــن ســكان إســرائيل مــن‬

‫فلســطينيي ‪.1948‬‬

‫‪ .6‬احلــل الدميقراطــي غيــر قابــل للنقــاش‪ ،‬ومــن هنــا فــإن احلفــاظ علــى املجتمــع اليهــودي‬

‫هــدف أمســى‪.‬‬

‫‪ .7‬تتعهد الدول العربية في إطار االتفاقات معها بتوطني الالجئني على أراضيها‪.‬‬

‫‪ .8‬يجــري اســتبدال األونــروا بالــدول املضيفــة‪ ،‬وتنشــأ ســلطة دوليــة إلعــادة تأهيــل الالجئــن‬
‫‪| 128‬‬

‫وحتســن أوضاعهــم علــى اعتبــار أن إســرائيل غيــر راضيــة عــن األونــروا‪ ،‬ليــس فقــط بســبب‬

‫ـازا ثبــت فشــله فــي تفكيك‬


‫صفتهــا الدوليــة الشــاهد علــى مشــكلة الالجئــن‪ ،‬وإمنــا لكونهــا جهـ ً‬
‫املشــكلة مــن وجهــة نظــر إســرائيلية‪.‬‬

‫وملواجهــة مــا متثِّلــه األونــروا بالنســبة لالجئــي فلســطني‪ ،‬فــإن أهــداف إســرائيل املركزيــة متثَّلــت‬

‫فــي إنهائهــا باعتبارهــا املنظمــة الدوليــة الوحيــدة التــي مت ختصيصهــا لغــوث وتشــغيل الجئــي‬

‫فلســطني حلــن عودتهــم إلــى ديارهــم‪ .‬وبالتالــي فهــي الشــاهد القانونــي والسياســي احلــي‬

‫والفاعــل علــى حقــوق الفلســطينيني بالعــودة‪ ،‬ويتــم تأكيــد ذلــك مــن خــال قــرارات التمديــد‬

‫دوليــا ألعــداد الالجئــن‪ .‬وقــد‬


‫ًّ‬ ‫لهــا مــن األمم املتحــدة‪ ،‬وهــي تضــم الســجل الرمســي املقبــول‬

‫جــرت محــاوالت مــن إســرائيل والقــوى املؤيــدة لهــا للتخلــص مــن األونــروا بطــرق مختلفــة‪،‬‬

‫مــن بينهــا ختفيــض التمويــل املقــدم لهــا مــن قبــل الــدول املاحنــة وتشــجيع الــدول املاحنــة علــى‬

‫التخلــص مــن التزاماتهــا جتــاه األونــروا بشــتى الوســائل‪.‬‬

‫‪ .4‬أمريكا و(صفقة القرن)‬


‫إن التراجــع البــارز فــي موقــف الواليــات املتحــدة مــن «قــرارات األمم املتحــدة ذات الصلــة»‬

‫بقضيــة الالجئــن الفلســطينيني بــدأ منــذ الــدورة التاســعة واألربعــن للجمعيــة العامــة لــأمم‬

‫املتحــدة فــي العــام ‪ ،1994‬فبعــد أن كان منــدوب واشــنطن‪ ،‬فــي كل دورة للجمعيــة العامــة‬

‫يتقــدم مبشــروع قــرار يعيــد التأكيــد علــى القــرار ‪ ،194‬أخــذ يلتــزم باملوقــف اإلســرائيلي باالمتناع‬

‫عــن التصويــت علــى القــرار وكانــت حجــة مندوبــة الواليــات املتحــدة لتبريــر موقــف بالدهــا‬

‫ـرا مــن‬ ‫«أن مثــل هــذه القــرارات التــي ترســم حـ ًّ‬


‫ـا للقضايــا العالقــة بــن املتفاوضــن تشــكل تأثيـ ً‬
‫األمم املتحــدة علــى املفاوضــات الدائــرة فــي الشــرق األوســط وتعتبــر تدخـ ً‬
‫ـا فيهــا»(‪.)11‬‬

‫وفــي إطــار سياســات الواليــات املتحــدة األميركيــة جتــاه األونــروا‪ ،‬فــإن اإلدارة األميركيــة بدأت‬

‫فــي اســتهدافها مباشــرة عبــر توجهــات جلنــة امليزانيــات فــي مجلــس الشــيوخ األميركــي‪ ،‬التــي‬

‫صادقــت بتاريــخ ‪ 26‬مايو‪/‬أيــار ‪ 2012‬علــى تعديــل صغيــر فــي قانــون املســاعدات اخلارجيــة‪.‬‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪129‬‬

‫وينــص التعديــل علــى إلــزام وزارة اخلارجيــة األميركيــة بتقــدمي تقريــر للكونغــرس عــن عــدد‬

‫الالجئــن الفلســطينيني الذيــن مت تهجيرهــم مــن ديارهــم فــي العــام ‪ ،1948‬وعــدد أنســالهم‬

‫مــن بــن ‪ 5‬ماليــن فلســطيني يتلقــون مســاعدات مــن وكالــة الغــوث التابعــة لــأمم املتحــدة‬

‫(األونــروا)‪ .‬وقــد مت تقــدمي اقتــراح التعديــل مــن قبــل الســناتور اجلمهــوري‪ ،‬مــارك كيــرك‪،‬‬

‫الــذي يعتبــر أحــد املؤيديــن املركزيــن إلســرائيل فــي واشــنطن‪ .‬ويطالــب اقتــراح القانــون بــأن‬

‫تقــوم اإلدارة األميركيــة فــي واشــنطن بتحديــد عــدد الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬وكيــف ارتفــع‬

‫العــدد مــن ‪ 750‬ألــف الجــئ فــي العــام ‪ 1950‬إلــى ‪ 5‬ماليــن الجــئ اليــوم‪ ،‬بالرغــم مــن وفــاة‬

‫عــدد كبيــر مــن الالجئــن الذيــن هجــروا مــن ديارهــم‪ .‬أي أن مطلــب الكونغــرس هــو احلصــول‬

‫علــى معلومــات مفصلــة بشــأن العــدد احلقيقــي لالجئــن‪ ،‬وفحــص عــدد أبنــاء اجليــل الثانــي‬
‫مــن الالجئــن واجليــل الثالــث ً‬
‫أيضــا‪ ،‬كمــا ســتقوم الواليــات املتحــدة بفحــص عــدد األجيــال‬

‫ـن أن اقتــراح تعديــل القانــون الــذي‬


‫التــي ســيتم فيهــا اعتبــار أنســال الالجئــن الجئــن‪ .‬وتبـ َّ‬
‫قدمــه الســناتور كيــرك بــدأ فــي مكتــب عضــو الكنيســت اإلســرائيلي‪ ،‬عينــات ويلــف (مــن‬

‫كتلــة «هعتســمئوت») مــع جماعــات الضغــط املؤيــدة إلســرائيل (إيبــاك)‪ ،‬ومــع عناصــر طاقــم‬

‫الســناتور كيــرك الســاعيني باجتــاه تعديــل القانــون‪.‬‬

‫ومنــذ عــام ‪ 2013‬صادقــت جلنــة ختصيــص امليزانيــات في مجلــس الشــيوخ األميركــي باإلجماع‬

‫علــى تعديــل قانــون ميزانيــة املســاعدات اخلارجيــة للعــام ‪ ،2013‬الــذي يلــزم اخلارجيــة األميركية‬

‫بتقــدمي تقريــر عــن عــدد الالجئــن الفلســطينيني الذيــن ُه ِّجــروا مــن ديارهــم فقــط فــي عــام‬

‫‪ ،1948‬وفــي أعقــاب حــرب ‪ ،1967‬بشــكل منفصــل عــن أعــداد نســلهم‪.‬‬

‫وفــي اإلطــار نفســه عرضــت عــام ‪ 2015‬املذكــرة رقــم ‪ 3829‬علــى جلنــة الشــؤون اخلارجيــة‬

‫األميركيــة مــن أجــل توفيــر الشــفافية واحملاســبة واإلصــاح داخــل «األونــروا»‪ .‬وأبــرز مــا جــاء‬

‫فــي املذكــرة التــي وافــق عليهــا الكونغــرس األميركــي فــي ‪ 26‬أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪ ،2015‬أن‬

‫الواليــات املتحــدة كانــت املســاهم األكبــر لألونــروا بــن عامــي ‪ 1950‬و‪ ،2015‬وســاهمت فــي‬
‫‪| 130‬‬

‫موازنتهــا مبعــدل ‪ 277‬مليــون دوالر بــن عامــي ‪ 2009‬و‪ .2015‬وفــي ختــام املذكــرة‪ ،‬مت إيــراد‬

‫توجهــات الكونغــرس إزاء «األونــروا»‪ ،‬وجــاء فيهــا ضــرورة إزالــة مواطنــي الــدول املعتــرف بهــا‬

‫مــن وصايــة «األونــروا»‪ ،‬وتغييــر تعريــف «األونــروا» لالجــئ الفلســطيني ليتماشــى مــع تعريــف‬

‫املفوضيــة العليــا لشــؤون الالجئــن‪ ،‬ومــن أجــل متابعــة معانــاة الالجئــن الفلســطينيني ينبغــي‬

‫حتويــل مســؤولية هــؤالء لتصبــح مــن مســؤولية املفوضيــة العليــا لشــؤون الالجئــن‪.‬‬

‫وفــي تبيــان التمــادي فــي السياســة األميركيــة لدعــم إســرائيل‪ ،‬فإنــه منــذ انتخــاب‪ ،‬دونالــد‬

‫رئيســا للواليــات املتحــدة األميركيــة «أخــذت السياســة األميركيــة أقصــى درجــات‬


‫ً‬ ‫ترامــب‪،‬‬

‫متحديــا بذلــك‬
‫ً‬ ‫االحنيــاز إلــى إســرائيل‪ .‬فقــد نَقــل ترامــب الســفارة األميركيــة إلــى القــدس‪،‬‬
‫ترا ًثــا طويـ ً‬
‫ـا مــن جتميــد قــرار النقــل هــذا‪ ،‬كمــا أوقــف التمويــل األميركــي عــن وكالــة غــوث‬

‫وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني فــي الشــرق األدنــى (األونــروا)‪ .‬وقــد ترافــق هــذان القــراران مع‬

‫حتــوالت كبــرى شــهدها العالــم‪ ،‬ومتثَّلــت فــي صعــود اليمــن إلــى ســدة احلكــم فــي عــدد مــن‬
‫ُ‬
‫تعاظـ ِـم دور إســرائيل والدعــم الــذي تتلقــاه‪ ،‬وفــي عجــز منظمــة التحريــر‬ ‫دول املركــز‪ ،‬وفــي‬

‫(والســلطة الفلســطينية) عــن تعديــل موازيــن القــوى لصــاحل القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وفــي االنقســام‬

‫والصــراع بــن محــاور عربيــة عــدة‪ .‬هــذه العوامــل ســهلت محاولــة تصفيــة وكالــة الغــوث‪،‬‬

‫متهيــدا لتصفيــة قضيــة الالجئــن وحــق العــودة»(‪ .)12‬وجــاءت تلــك القــرارات إثــر رفــض‬
‫ً‬
‫الفلســطينيني خطــة الســام األميركيــة التــي لــم يعلــن عنهــا بشــكل رمســي حتــى اآلن‪ ،‬لكــن‬

‫ـرا للحقــوق الفلســطينية‪ ،‬خاصــة فيمــا‬


‫انتقاصــا خطيـ ً‬
‫ً‬ ‫تســريبات متواتــرة أكــدت أنهــا تتضمــن‬

‫يتعلــق مبدينــة القــدس‪ ،‬وملــف الالجئــن‪ ،‬واالســتيطان‪ .‬وفــي إطــار فــرض حلــول تتناســب‬

‫مــع رؤيــة إســرائيل واحلركــة الصهيونيــة‪ ،‬أصــدرت اإلدارة األميركيــة احلاليــة ســبعة قــرارات‬

‫مصيريــة تضــرب عمــق القضيــة الفلســطينية‪ ،‬خاصــة ملفــي «القــدس» و»الالجئــن»‪ .‬وتشــمل‬

‫هــذه القــرارات‪ :‬االعتــراف بالقــدس عاصمــة إلســرائيل‪ ،‬وتقليــص مســاعدات األونــروا‪،‬‬

‫ونقــل الســفارة األميركيــة مــن تــل أبيــب إلــى القــدس‪ ،‬وقطــع كامــل املســاعدات عــن الســلطة‬

‫الفلســطينية‪ ،‬وكذلــك عــن األونــروا‪ ،‬ووقــف دعــم مستشــفيات القــدس‪ ،‬وإغــاق مكتــب‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪131‬‬

‫منظمــة التحريــر الفلســطينية فــي واشــنطن‪.‬‬

‫وفــي ســياق العمــل علــى إنهــاء قضيــة الالجئــن الفلســطينيني فــإن صفقــة القــرن «فــي شــقها‬

‫الفلســطيني تتضمــن فــرض حلــول لقضيــة الالجئــن الفلســطينيني تتجــاوز مرجعيــات القانــون‬

‫الدولــي وقــرارات األمم املتحــدة ذات الصلــة‪ .‬وقــد متحــورت احلملــة األميركيــة فــي هــذا‬

‫اخلصــوص حــول ثالثــة عناويــن مترابطــة تتعلــق بتجفيــف املــوارد املاليــة لألونــروا‪ ،‬وإعــادة‬

‫تعريــف الالجــئ‪ ،‬وفــرض التوطــن‪ ،‬وتهــدف مجتمعــة إلــى تصفيــة القضيــة الفلســطينية(‪.)13‬‬

‫وبالتالــي فــإن التعامــل األميركــي مــع قضيــة فلســطني وحقــوق شــعبها‪ ،‬وبغــض النظــر عــن‬

‫قــرارات األمم املتحــدة املتعلقــة بحقــوق الجئــي فلســطني فــي العــودة إلــى ديارهــم وبيوتهــم‬

‫التــي طــردوا أو فــروا منهــا‪ ،‬يتم َّثــل فــي ســعي واشــنطن بــكل مــا أوتيــت مــن قــوة إلــى تصفيــة‬

‫القضيــة الفلســطينية‪ ،‬بالضغــط علــى أصحابهــا األصليــن‪ ،‬بوســائل عــدة لعــل آخرهــا‪ ،‬مــا‬

‫أعلنتــه بوقــف متويــل وكالــة األمم املتحــدة لغــوث وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني (األونــروا)‬

‫بذريعــة أنهــا منحــازة بشــكل ال ميكــن إصالحــه‪ ،‬مــا تســبب فــي أن تواجــه الوكالــة األمميــة‬

‫جليــا أن واشــنطن تســعى إلنهــاء مبــدأ حــق‬


‫الدوليــة أكبــر أزمــة ماليــة فــي تاريخهــا‪ ،‬ويبــدو ًّ‬
‫العــودة لالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬عبــر إنهــاء األونــروا‪.‬‬

‫عمليــا فــي عهــد إدارة الرئيــس األميركــي‪،‬‬


‫ًّ‬ ‫لقــد بــدأت السياســة الهادفــة إلنهــاء األونــروا‬

‫دونالــد ترامــب‪ ،‬ففــي فبراير‪/‬شــباط ‪ 2018‬قالــت مندوبــة الواليــات املتحــدة األميركيــة فــي األمم‬

‫املتحــدة‪ ،‬نكــي هایلــي‪ ،‬إن واشــنطن ســتوقف الدعــم املالــي املقــدم لوكالــة غــوث وتشــغيل‬

‫الالجئــن الفلســطينيني (األونــروا) إلــى أن یعــود الفلســطينيون إلــى طاولــة املفاوضــات مــع‬
‫ً‬
‫مخططــا يســتهدف‬ ‫إســرائيل‪ .‬وبالتالــي فــإن اإلدارة األميركيــة بدعــم مــن الرئيــس ترامــب تقــود‬

‫تصفيــة وإنهــاء قضيــة الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬وااللتفــاف علــى حــق العــودة الثابــت بهــدف‬

‫ـودا مضنيــة مــن أجــل‬


‫شــطبه مــن مواثيــق وقــرارات األمم املتحــدة؛ إذ تبــذل إدارة ترامــب جهـ ً‬
‫تنفيــذ مخططهــا الــذي يتســاوق مــع صفقــة القــرن‪.‬‬

‫وفــي إطــار اخلطــة األميركيــة التــي يبرمجهــا الرئيــس األميركــي وفريقــه إلنهــاء القضيــة‬
‫‪| 132‬‬

‫الفلســطينية‪ ،‬كشــفت صحيفــة «هآرتــس» اليســارية اإلســرائيلية عــن مالمــح «صفقــة ترامــب» أو‬

‫«صفقــة القــرن»‪ ،‬معتبــرة أن وقــف واشــنطن لتمويــل األونــروا هــو بدايــة تنفيــذ خطــة الســام‬

‫األميركيــة اجلديــدة‪ ،‬وأن اخلطــوط العريضــة للخطــة أصبحــت واضحــة وتبــدأ بزيــادة البنــاء‬

‫فــي املســتوطنات‪ ،‬ووجــود مخطــط اســتيطاني إســرائيلي يفصــل مدينــة القــدس بشــكل نهائــي‬

‫وكامــل عــن امتدادهــا الفلســطيني‪ ،‬وذلــك لدفــن فكــرة قيــام دولــة فلســطينية ذات تواصــل‬

‫إقليمــي فــي الضفــة الغربيــة‪ .‬ورأت أن اخلطــوة الثانيــة فــي خطــة ترامــب هــي إعــان القــدس‬

‫عاصمــة إلســرائيل ونقــل الســفارة األميركيــة مــن تــل أبيــب إلــى القــدس‪ .‬وتبــدو اخلطوتــان‬

‫وقــد نفذتــا علــى أرض الواقــع‪ ،‬بيــد أنــه يبقــى فــي اخلطــة األميركيــة محاولــة القضــاء علــى‬

‫واضحــا مــن اســتهداف األميركيــن لـــ‬


‫ً‬ ‫حــق العــودة لالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬وهــو مــا بــدا‬

‫“األونــروا»(‪.)14‬‬

‫كمــا تأتــي احملــاوالت اإلســرائيلية األميركيــة الراهنــة إلنهــاء دور األونــروا عبــر العمــل علــى‬

‫جتفيــف مواردهــا‪ ،‬أو دمــج تفويضهــا ضمــن صالحيــات املفوضيــة الســامية لشــؤون الالجئــن‬

‫فــي ســياق املخططــات األشــمل‪ ،‬الهادفــة إلــى تصفيــة القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وفــي القلــب منهــا‬

‫قضيــة الالجئــن وحــق العــودة‪ .‬وهــذه املخططــات ذات ســياقات وأبعــاد إقليميــة ودوليــة تتصل‬

‫باشــتراطات «عمليــة التســوية» فــي نســختها اجلديــدة التــي حتمــل اســم «صفقــة العصــر» ولهــا‬

‫فــي الوقــت عينــه تداعيــات وآثــار كارثيــة فــي كل منطقــة مــن مناطــق عمليــات األونــروا‪ ،‬فيمــا‬

‫يتعلــق بتقــدمي اخلدمــات (‪.)15‬‬

‫ومبــا أن «متويــل األونــروا هــو طوعــي بطبيعتــه‪ ،‬فــإن ذلــك جعــل توافــر خدماتهــا مرهونًــا‬

‫باســتعداد املاحنــن لتمويلهــا‪ ،‬وبالتالــي فــإن هــذه التبعيــة جعلــت الوكالــة عرضــة للضغــط‬

‫والتدخــل السياســي‪ .‬وفــي الواقــع‪ ،‬يكشــف التحليــل التاريخــي حملــاوالت إســرائيل وســلوك‬

‫اإلدارة األميركيــة منــذ بدايــة عمليــة أوســلو للســام عــن وجــود اســتراتيجية منظمــة ومدروســة‬

‫تهــدف إلــى القضــاء علــى احلقــوق األساســية للفلســطينيني بشــكل عــام‪ ،‬وحقــوق الالجئــن‬

‫واملهجريــن الفلســطينيني بشــكل خــاص‪ .‬وتهــدف هــذه االســتراتيجية إلــى إلغــاء األونــروا‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪133‬‬

‫باعتبارهــا الشــاهد الرئيــس علــى فشــل املجتمــع الدولــي فــي إيجــاد حــل ألكبــر وأطــول قضيــة‬

‫جلــوء وتهجيــر قســري فــي العالــم(‪ .)16‬ولــذا بدأنــا «نشــهد منــذ أواخــر ســنة ‪ ،2015‬وحتــى قبــل‬

‫ذلــك فــي جلنــة املوازنــات بالكونغــرس األميركــي فــي ســنة ‪ ،2013‬حملــة إســرائيلية أميركيــة‬

‫سياســيا أو‬ ‫شرســة ومنســقة علــى األونــروا فــي األمم املتحــدة‪ ،‬ت ِّ‬
‫ُشــكك فــي مبــرر وجودهــا‬
‫ًّ‬
‫أخالقيــا‪ ،‬بهــدف تقويــض هــذا الوجــود‪ .‬وتتلخــص مقــوالت تلــك احلملــة فــي‪ :‬اتهــام األونــروا‬
‫ًّ‬
‫بأنهــا تشــكل «عقبــة أمــام الســام»؛ وتعمــل علــى إدامــة الصــراع العربــي اإلســرائيلي» و»تطبــق‬

‫معاييــر مزدوجــة عندمــا ال تعيــد توطــن الالجئــن الفلســطينيني»؛ وبــأن مجــرد ختصيــص منظمة‬

‫مــن منظمــات األمم املتحــدة لكــي تعنــى بالفلســطينيني دون غيرهــم مــن الجئــي العالــم يعــد‬

‫مبثابــة «احنيــاز ممنهــج مــن قبــل نظــام األمم املتحــدة ضــد إســرائيل»(‪.)17‬‬

‫‪ .5‬املسار الفلسطيني والعربي يف مواجهة مشاريع تصفية حق العودة والقضية الفلسطينية‬


‫فــي إطــار الدفــاع عــن حقــوق الشــعب الفلســطيني فإنــه مــن املعلــوم أن «منظمــة التحريــر‬

‫الفلســطينية مبضمونهــا الكفاحــي اســتطاعت ســابقً ا أن تســتمر كرمــز ُم َع ِّبــر عــن اســتمرارية‬

‫القضيــة ووجــود الشــعب الفلســطيني فــي حالــة نضاليــة‪ ،‬فــي ظــل اســتمرار حالــة احلــرب بــن‬

‫العــرب وإســرائيل‪ .‬ولكــن عندمــا تنتهــي هــذه احلالــة فســوف تصبــح منظمــة التحريــر صيغــة‬

‫غيــر قابلــة مبضمونهــا احلالــي لالســتمرار والبقــاء‪ .‬ومــن هنــا تأتــي مســؤولية البحــث عــن صيغــة‬

‫جديــدة تتحايــل علــى احلالــة اجلديــدة التــي مــن املتوقــع أن تنشــأ عندمــا تنتهــي حالــة احلــرب‬

‫بــن العــرب وإســرائيل بصــورة رمسيــة‪ ،‬صيغــة جديــدة للمحافظــة علــى اســتمرارية القضيــة‬

‫مجــددا فــي براثــن‬


‫ً‬ ‫الفلســطينية واســتمرار النضــال ملنــع تبعثــر الشــعب الفلســطيني‪ ،‬ووقوعــه‬

‫اليــأس والشــعور بالعجــز‪ ،‬وبالوصــول الــى نهايــة املطــاف»(‪ .)18‬أمــا الســلطة الفلســطينية فــا‬

‫تــزال واهمــة بإمكانيــة حتقيــق تقــدم نــاجت عــن املفاوضــات مــع إســرائيل‪ ،‬حــن ألقــى رئيــس‬

‫خطابــا أمــام اجلمعيــة العامــة‬


‫ً‬ ‫الســلطة الفلســطينية محمــود عبــاس‪ ،‬فــي ‪ 27‬ســبتمبر‪/‬أيلول ‪،2018‬‬

‫لــأمم املتحــدة فــي دورتهــا العاديــة‪ ،‬وشــدد خاللــه علــى مســار املفاوضــات وعمليــة الســام‪.‬‬

‫وغــاب عــن خطــاب عبــاس أي ذكــر حلــق عــودة الالجئــن الفلســطينيني إلــى أراضيهــم احملتلــة‪،‬‬
‫‪| 134‬‬

‫التزامــا‬
‫ً‬ ‫مكتفيــا باإلشــارة إلــى ضــرورة االســتمرار بدعــم وكالــة (األونــروا) وجعــل دعمهــا‬
‫ً‬
‫مت تفويضهــا‬
‫ـرا بأنهــا قــد تأسســت بقــرار مــن اجلمعيــة العامــة عــام ‪ ،1949‬و َّ‬ ‫ِّ‬
‫مذكـ ً‬ ‫دوليــا ثابتــا‪،‬‬
‫ًّ‬
‫بتقــدمي املســاعدة لالجئــن إلــى أن يتــم التوصــل «حلــل دائــم لقضيتهــم» علــى حــد قولــه‪ ،‬دون‬

‫التذكيــر باحلــل األممــي عبــر تنفيــذ القــرار رقــم ‪ 194‬الــذي ينــص علــى عــودة الالجئــن إلــى‬

‫هجــروا منهــا عــام ‪ .)19(1948‬كمــا أظهــر رئيــس الســلطة الفلســطينية‪ ،‬محمــود‬


‫األراضــي التــي ِّ‬
‫عبــاس‪ ،‬اهتمامــه بحمايــة مســتقبل شــباب إســرائيل‪ ،‬متجاهـ ً‬
‫ـا حق الشــباب الفلســطيني املشــرد‬

‫والالجــئ فــي مختلــف مناطــق الشــتات فــي العــودة إلــى ديارهــم وبيــوت أجدادهــم‪.‬‬

‫لــذا فــإن مــا ينبغــي التأكيــد عليــه هنــا‪ ،‬هــو أن «هــذا املوقــف الرافــض حلــق العــودة وفــق‬

‫دومــا مــن التنــازالت‬ ‫مبــادئ القانــون الدولــي وقــرارات األمم املتحــدة ذات الصلــة كان يتغـ َّ‬
‫ـذى ً‬
‫الفلســطينية فــي هــذا اخلصــوص‪ ،‬ومــن اهتــزاز املكانــة املركزيــة حلــق العــودة فــي الفكــر‬

‫السياســي الفلســطيني وفــي املمارســة السياســية»(‪ .)20‬أمــا بالنســبة للــدول العربيــة التــي جــاء فــي‬

‫الفقــرة الثانيــة مــن قــرارات مؤمترهــا‪ ،‬الــذي عقــد فــي اخلرطــوم مــن ‪ 29‬أغســطس‪/‬آب إلــى ‪1‬‬

‫ســبتمبر‪/‬أيلول ‪ ،1967‬أن املؤمتريــن قــرروا تضافــر اجلهــود إلزالــة آثــار العــدوان علــى أســاس أن‬

‫األراضــي احملتلــة أراض عربيــة يقــع عــبء اســتردادها علــى الــدول العربيــة جمعــاء‪ .‬وفــي الفقرة‬

‫الثالثــة اتفــق امللــوك والرؤســاء علــى توحيــد جهودهــم فــي العمــل السياســي علــى الصعيــد‬

‫الدولــي والدبلوماســي إلزالــة آثــار العــدوان وتأمــن انســحاب القــوات اإلســرائيلية املعتديــة‬

‫مــن األراضــي العربيــة احملتلــة بعــد عــدوان ‪ 5‬يونيو‪/‬حزيــران وذلــك فــي إطــار نطــاق املبــادئ‬

‫األساســية التــي تلتــزم بهــا الــدول العربيــة‪ ،‬وهــي عــدم الصلــح مــع إســرائيل أو االعتــراف بهــا‬

‫وعــدم التفــاوض معهــا والتمســك بحــق الشــعب الفلســطيني فــي وطنــه‪ .‬بيــد أن القــرار املذكــور‬

‫لــم يعــد لــه معنــى علــى الصعيــد التنفيــذي لــدى العديــد مــن الــدول العربيــة‪ ،‬التــي تســاوقت‬

‫ـرا وعالنيــة مــع مســارات التطبيــع مــع إســرائيل‪.‬‬


‫سياســتها سـ ًّ‬
‫ويــرى البعــض فــي ذلــك خطــوة تتوافــق مــع مســارات التســوية التــي جتريهــا الســلطة‬

‫الفلســطينية؛ إذ لــم يكــن بوســع إدارة ترامــب أن تتجــرأ وتطــرح مبــادرات أو صفقــات تنهــي‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪135‬‬

‫القضيــة الفلســطينية‪ ،‬وتتخــذ خطــوات كنقــل الســفارة األميركيــة مــن تــل أبيــب للقــدس‬

‫واعتبــار القــدس عاصمــة لـ»إســرائيل»‪ ،‬لــوال املشــاركة العربيــة فــي هــذه الصفقــة التــي تصــل‬

‫حــد التواطــؤ (‪ .)21‬لذلــك فــإن األوضــاع العربيــة املترهلــة والتــي لــم تعــد مواجهــة إســرائيل‬

‫مــن أولوياتهــا‪ ،‬قدمــت تســهيالت لــإدارة األميركيــة بتنفيــذ مــا مســي صفقــة القــرن التــي رتبهــا‬

‫الرئيــس ترامــب وفريقــه‪ ،‬والهادفــة إلــى حســم وضــع القــدس‪ ،‬باعتبارهــا عاصمــة إســرائيل‪،‬‬

‫وإنهــاء قضيــة الالجئــن‪.‬‬

‫ويشــير أحــد الباحثــن إلــى أن «ترامــب يراهــن علــى الســعودية واإلمــارات إلســقاط األونــروا‬

‫وحــق العــودة‪ ،‬حيــث يتوســع املشــروع األميركــي لتصفيــة القضيــة الفلســطينية‪ ،‬فــي ظــل صمت‬

‫عربــي رمســي وفــي بعــض األحيــان تواطــؤ علنــي»(‪ .)22‬كمــا أن الضغط على الســلطة الفلســطينية‬

‫كــي تســتمر فــي املفاوضــات يؤشــر إلــى التمهيــد للوصــول إلــى املفاوضــات النهائيــة مــن أجــل‬

‫إقليميــا بــن إســرائيل والــدول العربيــة‪ ،‬تقودهــا الســعودية‪ ،‬فــدول عربيــة‬


‫ًّ‬ ‫ـاما‬
‫تنفيــذ مــا مســي سـ ً‬
‫كثيــرة أصبحــت تســتخدم مفاوضــات الســلطة وســيلة وحجــة لدورهــا فــي التفــاوض (‪.)23‬‬

‫‪ .6‬موقف األونروا من محاولة تصفيتها‬


‫ظلــت (األونــروا) تعتمــد منــذ تأسيســها علــى الدعــم الطوعــي للــدول األعضــاء فــي اجلمعيــة‬

‫العامــة لــأمم املتحــدة‪ ،‬وكانــت الواليــات املتحــدة األميركيــة واالحتــاد األوروبــي املمــول‬

‫الرئيســي لتنفيــذ برامجهــا‪ ،‬وقــد أعربــت األونــروا عــن خيبــة أملهــا مــن إعــان الواليــات‬

‫املتحــدة وقــف التمويــل للوكالــة بعــد عقــود مــن الدعــم السياســي واملالــي القويــن‪ ،‬وقالــت‬

‫إن هــذا القــرار «قــرار مفاجــئ بالنظــر إلــى قيــام األونــروا والواليــات املتحــدة بتجديــد اتفاقيــة‬

‫التمويــل فــي ديســمبر‪/‬كانون األول مــن عــام ‪ 2017‬حيــث اعترفــت الواليــات املتحــدة بــاإلدارة‬

‫الناجحــة واملتفانيــة واملهنيــة للوكالــة»‪.‬‬

‫دائمــا املــاحن األكبــر واألكثــر ســخاء لألونــروا؛ إذ قدمــت‬


‫لقــد كانــت الواليــات املتحــدة نفســها ً‬
‫إســهامات قيمــة للغايــة فــي أعمــال األونــروا اإلنســانية املنقــذة للحيــاة‪ .‬وفــي يناير‪/‬كانــون الثاني‬

‫‪ 2018‬أبلغــت الواليــات املتحــدة األونــروا عــن ختفيــض قــدره ‪ 300‬مليــون دوالر فــي الدعــم‬
‫‪| 136‬‬

‫الــذي تقدمــه مليزانيتهــا‪ ،‬إذ قدمــت ‪ 60‬مليــون دوالر مقارنــة بـــ ‪ 364‬مليــون دوالر فــي عــام ‪.2017‬‬

‫وقالــت املنظمــة بعــد ذلــك اإلعــان إنهــا ستســتمر «مبزيــد مــن التصميــم فــي التواصــل مــن‬

‫أجــل حشــد الدعــم مــع الشــركاء احلاليــن ‪ -20‬منهــم حتــى اآلن ســاهموا مبزيــد مــن املــال‬

‫مقارنــة بعــام ‪ ،2017‬مبــا فــي ذلــك دول اخلليــج وآســيا وأوروبــا‪ -‬ودول أخــرى جديــدة»(‪.)24‬‬

‫كمــا لفتــت األونــروا إلــى أن األمم املتحــدة مطالبــة بتحمــل مســؤوليتها جتــاه الشــعب الفلســطيني‬

‫عمومــا والالجئــن بشــكل خــاص‪ ،‬وتوفيــر الدعــم املالــي الكافــي الســتمرار برامــج وكالــة‬
‫ً‬
‫(األونــروا) التــي تقــدم خدمــات مهمــة وضروريــة ملاليــن الالجئــن‪.‬‬

‫وفــي مواجهــة اســتهداف األونــروا نــدد حقوقيــون بقــرار واشــنطن وقــف متويــل وكالــة غــوث‬

‫وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬حيــث أشــار نائــب املديــر العــام ملنظمــة احلقــوق املدنيــة‬

‫حلقــوق اإلنســان بلنــدن‪ ،‬روان كريــغ‪ ،‬أن «تصريحــات ترامــب وأعوانــه تعكــس ضبابيــة فــي‬

‫رؤيــة اإلدارة األميركيــة جتــاه القضيــة الفلســطينية بشــكل عــام‪ ،‬وجتــاه وكالــة غــوث وتشــغيل‬

‫الالجئــن الفلســطينيني بشــكل خــاص‪ ،‬فاملعلومــات التــي أدلــى بها هــؤالء املســؤولون مغلوطة‪،‬‬

‫فبرامــج األونــروا تتمتــع بســجل حافــل فــي مجــال التنميــة البشــرية وقدمــت نتائــج غيــر مســبوقة‬

‫خــال ‪ 70‬عامــا‪ ...‬واالدعــاء بــأن برامجهــا تعانــي مــن خلــل هــو فــي حــد ذاتــه خلــل فــي‬

‫الرؤيــة والتقييــم‪ ،‬وتعنــي أن القــرار سياســي فــي املقــام األول‪ ،‬وهدفــه األول واألخيــر اســتغالل‬

‫املعونــات ‪-‬وأميــركا املــاحن األكبــر‪ -‬للضغــط علــى الســلطة الفلســطينية وفــرض رؤيــة سياســية‬

‫يســعى ترامــب ونتانياهــو لفرضهــا بكافــة الســبل»(‪ .)25‬ولــذا فــإن األمم املتحــدة علــى الــدوام‬

‫تفيــد بــأن جتديدهــا واليــة (األونــروا) يتــم بســبب العجــز عــن تنفيــذ حــل مشــكلة الالجئــن‬

‫الفلســطينيني‪.‬‬

‫‪ .7‬أهمية بقاء األونروا لالجئي فلسطني والدول املضيفة‬


‫ارتبــط قــرار إنشــاء األونــروا عــام ‪ 1949‬بوجــود مشــكلة الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬وبانتظــار‬

‫التوصــل إلــى حــل لهــذه املشــكلة تســتمر األونــروا فــي تقــدمي وتوفيــر اخلدمــات األساســية‬

‫لالجئــن‪ .‬ويعتبــر الالجئــون الفلســطينيون أن برامــج األونــروا مت ِّثــل ضمانــة املجتمــع الدولــي‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪137‬‬

‫قائمــا ولــم يطــوه النســيان‪ .‬وعلــى الســلطة‬


‫بــأن حقهــم فــي املطالبــة بحــل عــادل مــا زال ً‬
‫قاطعــا إنهــاء خدمــات هــذه املؤسســة‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رفضــا‬ ‫الفلســطينية والــدول العربيــة املضيفــة أن ترفــض‬

‫ـاهدا علــى هــذه املأســاة مــا دامــت‬


‫الدوليــة أو إحــال أخــرى مكانهــا؛ إذ يجــب أن تبقــى شـ ً‬
‫قضيــة الالجئــن بعيــدة عــن احلــل الدائــم والعــادل املســتند إلــى القــرارات الدوليــة (‪ .)26‬كمــا‬

‫ـن أن املشــروع األميركــي يخالــف قــرارات مجلــس األمــن واجلمعيــة العامــة التــي‬
‫أنــه مــن البـ ِّ‬
‫َك َف َلــت حــق الالجئــن‪ ،‬خاصــة القــرار األممــي ‪ .194‬وهــو يؤكــد أن اســتهداف األونــروا يســير‬

‫ضمــن مخطــط مبرمــج يتســاوق مــع توجهــات إســرائيل فــي اســتهداف األونــروا‪ .‬كمــا أن‬

‫هــذه السياســات لــن جتــد آليــات تطبيقيــة تتم َّثــل فــي اســتيعاب الفلســطينيني خــارج فلســطني‪،‬‬

‫خيارا لهــم‪ ،‬وال ألبنائهــم وأحفادهم‪،‬‬


‫ً‬ ‫وباألخــص أولئــك املســجلني كالجئــن ألن ذلك ال مي ِّثــل‬

‫ـرا أساسـ ًّـيا‬ ‫ِّ‬


‫فمــا زالــت مطالــب أولئــك الالجئــن وأبنائهــم بالعــودة إلــى ديارهــم تشــكل عنصـ ً‬
‫جوهريــا فــي‬
‫ًّ‬ ‫ـرا‬
‫مــن اخلــاف مــع إســرائيل‪ .‬وبالتالــي فــإن التمســك ببقــاء األونــروا مي ِّثــل عنصـ ً‬
‫بقــاء قضيــة الالجئــن الفلســطينيني العادلــة حيــة فــي القــرارات األمميــة‪ ،‬وبالتالــي فإنــه ليــس‬

‫مــن حــق دولــة واحــدة أخــذ قــرار بشــأنها‪.‬‬

‫ولتلخيــص مــا يتعلــق بأهميــة دور األونــروا‪ ،‬نشــير إلــى أن تأســيس منظمــة خاصــة بالالجئــن‬

‫ـد ســابقة لــأمم املتحــدة بالنســبة للتعاطــي مــع قضيــة الالجئــن فــي العالــم‪.‬‬
‫الفلســطينيني‪ُ ،‬ي َعـ ُّ‬
‫وتبــرز هــذه اخلصوصيــة مــن أن األمم املتحــدة عندمــا أسســت املفوضيــة العليــا لشــؤون‬

‫الالجئــن‪ ،‬بعــد توقيــع معاهــدة جنيــف عــام ‪ ،1951‬اســتثنت الالجئني الفلســطينيني مــن حمايتها‬

‫خصوصا‪،‬‬
‫ً‬ ‫عموما والالجئــن‬
‫ً‬ ‫وضماناتهــا‪ .‬كمــا أن مســؤولية املجتمــع الدولــي جتــاه الفلســطينيني‬

‫ـد شــهادة علــى مســؤولية املجتمــع الدولــي جتــاه هــذه القضيــة رغــم أنهــا ال تعتبــر نفســها‬
‫ُي َعـ ُّ‬
‫مســؤولة عــن خلــق املشــكلة‪« ،‬صحيــح أن األمم املتحــدة هــي التــي أنشــأت األونــروا‪ ،‬لكنهــا‬

‫ال تعتبــر نفســها مســؤولة عــن تشــريد الشــعب الفلســطيني‪ .‬إن االلتــزام العملــي القائــم‪ ،‬ميثــل‬

‫محاولــة المتصــاص أثــار اجلرميــة التــي ارتكبهــا املجتمــع الدولــي بتقســيم فلســطني وتشــريد‬

‫أهلهــا‪ ،‬ومحاولــة للتعويــض ببعــض اخلدمــات احلياتيــة كــي ال يــؤدي احلرمــان واإلفقــار إلــى‬
‫‪| 138‬‬

‫عــدم اســتقرار أمنــي أو سياســي (‪ .)27‬كمــا أن األونــروا هــي املنظمــة الوحيــدة التــي أسســتها‬

‫بابــا فــي موازنتهــا‪ ،‬بــل حضــت وال تــزال الــدول والهيئــات‬


‫األمم املتحــدة‪ ،‬دون أن تفــرد لهــا ً‬
‫احلكوميــة وشــبه احلكوميــة علــى التبــرع لألونــروا الســتمرار أنشــطتها‪.‬‬

‫خالصة‬
‫ُحــرِ م الفلســطينيون مــن ممارســة حق العــودة الــذي ضمنته املواثيــق الدوليــة واإلقليمية والدســاتير‬

‫بســبب التعنــت اإلســرائيلي الــذي يواجــه هــذا احلــق بالقــوة والقوانــن الوطنيــة والعنــف‪ ،‬مــع‬

‫العلــم بــأن كل دول العالــم اعترفــت بهــذا احلــق مــا عــدا إســرائيل‪ .‬ولهــذا فقــد اســتفادت‬

‫إســرائيل فــي العقديــن ونيــف املاضيــن‪ ،‬مــن غيــاب اســتراتيجية فلســطينية وعربيــة تتصــدى‬

‫لالســتيطان ولالحتــال‪ ،‬وجتعــل إســرائيل تدفــع مثــن اســتمرارها فيهمــا‪ .‬كمــا «اســتفادت‬

‫كثيــرا ممــا يطلــق عليــه «العمليــة الســلمية»‪ ،‬ومــن املفاوضــات الثنائيــة املباشــرة مــع‬
‫ً‬ ‫إســرائيل‬

‫الســلطة الفلســطينية‪ ،‬واســتعملت هــذه املفاوضــات لالســتفراد بالفلســطينيني ولالســتقواء‬

‫وغطــاء‬
‫ً‬ ‫عليهــم‪ ،‬ولتجريدهــم مــن مختلــف عوامــل قوتهــم ولتخفيــض تطلعاتهــم الوطنيــة‪،‬‬

‫الســتمرار االســتيطان‪ ،‬ووســيلة ناجحــة لتجنــب الضغــط والعقوبــات الدوليــة‪ ،‬وأداة لتجنــب‬

‫التوصــل إلــى حــل مــع الفلســطينيني (‪.)28‬‬

‫لــذا فــإن عــدم الوصــول إلــى حــل لعــودة الالجئــن إلــى وطنهــم وبيوتهــم يجعــل دور األونــروا‬
‫ً‬
‫مرتبطــا بتجــاوز دورهــا بتقــدمي اإلغاثــة املباشــرة إلــى تقــدمي اخلدمــات فــي مياديــن‬ ‫املميــز‬

‫الصحــة والتعليــم والرعايــة االجتماعيــة‪ ،‬حيــث تقــدم اخلدمــات لالجئــن الفلســطينيني‬

‫املســجلني لديهــا‪ ،‬والبالــغ عددهــم ‪ 5,442,947‬حســب بياناتهــا لعــام ‪ ،2018‬وهــم موزعــون علــى‬

‫و‪828,328‬‬ ‫النحــو التالــي‪ 469,555 :‬فــي لبنــان‪ ،‬و‪ 2,206,736‬فــي األردن‪ ،‬و‪ 551,873‬فــي ســوريا‪،‬‬

‫فــي الضفــة الغربيــة‪ ،‬و‪ 1,386,455‬فــي قطــاع غــزة احملاصــر‪ .‬وهــذا مــا يســاهم إلــى حــد مــا فــي‬

‫توفيــر بعــض األســس املعيشــية الالزمــة فــي ظــل األوضــاع الصعبــة التــي يعيشــها الالجئــون فــي‬

‫قطــاع غــزة احملاصــرة‪ ،‬وســوريا التــي أدى النــزاع فيهــا إلــى تهجيــر مــا يزيــد علــى ‪ 200‬ألــف‬

‫الجــئ مــن بيوتهــم‪ ،‬كمــا أدى عــدم إعطــاء الالجئــن الفلســطينيني فــي لبنــان حقوقهــم املدنيــة‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪139‬‬

‫مبــا فيهــا احلــق فــي العمــل باملهــن احلــرة‪ ،‬إلــى هجــرة مئــات اآلالف إلــى اخلــارج‪.‬‬

‫وفــي ظــل الوضــع الصعــب الــذي عاشــه الالجئــون الفلســطينيون علــى مــدى األعــوام الســابقة‪،‬‬

‫عامــا حكومــة غيــر معلنــة لالجئــن الفلســطينيني‬


‫فقــد اعتبــرت األونــروا طــوال حوالــي ســبعني ً‬
‫علــى الصعيــد اخلدماتــي‪ .‬كمــا أن هــذه املنظمــة أنشــئت ألهــداف سياســية‪ ،‬وهــي املســاهمة في‬

‫صــون الســام وعــدم حصــول اضطرابــات ميكــن أن تنتــج عــن عــدم حــل قضيــة الالجئــن‪،‬‬

‫عبــر تقدميهــا املســاعدة لالجئــي فلســطني‪.‬‬

‫ورغــم الظــروف الصعبــة التــي يعيشــها الفلســطينيون فــي مناطــق اللجــوء‪ ،‬فــإن الشــباب‬

‫الفلســطيني يتمســك بحــق العــودة إلــى وطنهــم فلســطني‪ ،‬ويظهــرون ذلــك عبــر مســيرات‬

‫العــودة فــي غــزة التــي تكــرس حــق الشــعب الفلســطيني فــي العــودة مهمــا يطــول الزمــان‪.‬‬
‫ومــن األمثلــة ً‬
‫أيضــا مــا ميارســه الشــباب الفلســطيني فــي املســيرات التــي حصلــت فــي ســوريا‬

‫ولبنــان عــام ‪ ،2011‬حــن مســح لالجئــن بالوصــول إلــى حــدود وطنهــم‪ ،‬وقــام العديــد منهــم‬

‫بالقفــز فــوق األســاك الشــائكة والدخــول إلــى وطنهــم فلســطني‪.‬‬

‫مــن املؤكــد أن مشــكلة الالجئــن الفلســطينيني لــن حتــل إال بعودتهــم مهمــا حصل مــن حتوالت‪،‬‬

‫ذلــك أن الشــعب العربــي والفلســطيني وحتــى إســرائيل مبختلــف مكوناتهــا يدركــون احلقيقــة‬

‫التــي ال لبــس فيهــا‪ ،‬والتــي تتم َّثــل فــي أن حــق العــودة لالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬إذا مــا طبــق‬

‫ســيعني نهايــة إســرائيل مبــا هــي عليــه كدولــة يهوديــة عنصريــة وبالتالــي وأد املشــروع الصهيونــي‬

‫برمتــه‪ .‬وحيــث إن تأســيس األونــروا مــن قبــل املجتمــع الدولــي‪ ،‬كان يســتند إلــى اعتقــاد مفــاده‬

‫أن القضيــة الفلســطينية ســتجد طريقهــا إلــى احلــل بشــكل ســريع‪ ،‬وأن «مهمــة األونــروا‪ ،‬ســوف‬

‫تكــون موجــزة‪ ،‬ذلــك أن بعــض الالجئــن ســوف يســمح لهــم بالعــودة إلــى ديارهــم‪ ،‬بينمــا‬

‫يجــري امتصــاص اآلخريــن فــي الــدول العربيــة احمليطــة(‪ ،)29‬وألن هــذا احلــل اجلزئــي ال يقبلــه‬

‫الالجئــون الفلســطينيون‪ ،‬ألنهــم متمســكون بالعــودة إلــى ترابهــم الوطنــي‪ ،‬فــإن اســتمرار أعمال‬

‫األونــروا حيــوي لالجئــي فلســطني حلــن التوصــل إلــى حــل عــادل لقضيتهــم‪ ،‬مــا يتوجــب على‬

‫اجلانــب الفلســطيني والعربــي واجلامعــة العربيــة ومنظمــات حقــوق اإلنســان‪ ،‬العمــل وفــق خطــة‬
‫‪| 140‬‬

‫متماســكة(‪ )30‬تتمثَّــل فــي رفــض أي تغييــر فــي الوضــع القانونــي أو املؤسســي أو الوظيفــي‬

‫لألونــروا‪ ،‬واعتبــار أن مهمتهــا ال تنتهــي إال بانتهــاء مســألة الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬حســب‬

‫قــرارات الشــرعية الدوليــة بعودتهــم إلــى ديارهــم أو تعويــض مــن ال يرغــب بذلــك‪ ،‬والتواصــل‬

‫الدبلوماســي والبرملانــي والشــعبي مــع دول العالــم ومنظمــات املجتمــع املدنــي الدوليــة العاملــة‬

‫فــي مجــال حقــوق اإلنســان‪ ،‬الســتمرار دعــم األونــروا فــي تقــدمي خدماتهــا‪ ،‬دون انتقــاص‬

‫ـزءا مــن املســؤولية القانونيــة واإلنســانية للمجتمــع الدولــي‪ ،‬ألن‬


‫دورهــا باعتبــار هــذا الدعــم جـ ً‬
‫احلقــوق ال تســقط بالتقــادم‪ ،‬وتنبيــه دول العالــم واملنظمــات الدوليــة إلــى األخطــار اإلنســانية‬

‫والسياســية املترتبــة علــى ختفيــض خدمــات األونــروا‪ ،‬باعتبــار ذلــك ســيكون مدعــاة إلــى مزيــد‬

‫مــن عــدم االســتقرار والتطــرف فــي املنطقــة‪ .‬لهــذا فــإن مهمــة األونــروا كانــت حيويــة وســتبقى‬

‫حيويــا‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫عامــا‬ ‫حيويــة لالجئــن حلــن عودتهــم‪ ،‬وأن بقــاء األونــروا واحلفــاظ عليهــا يشــكل‬

‫فــي احلفــاظ علــى حقــوق الالجئــن الفلســطينيني‪ ،‬مبــا فيهــا حقهــم فــي العــودة إلــى وطنهــم‬

‫فلســطني‪.‬‬

‫املراجع‬
‫(‪ )1‬املدلــل‪ ،‬ولــي‪ ،‬أبــو عامــر‪ ،‬عدنــان‪ ،‬دراســات فــي القضيــة الفلســطينية‪( ،‬جامعــة األمــة للتعليــم املفتــوح‪ ،‬غــزة‪،‬‬
‫فلســطني‪ ،)2013 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.179‬‬
‫* االسم الدقيق هو وكالة األمم املتحدة إلغاثة وتشغيل (الجئي فلسطني) في الشرق األدنى‪.‬‬
‫‪http: www. unrwa.org‬‬
‫(‪ )2‬تاكنبــرغ‪ ،‬ليكــس‪ ،‬وضــع الالجئــن الفلســطينيني فــي القانــون الدولــي‪ ،‬ترجمــة بكــر عبــاس‪( ،‬مؤسســة‬
‫الدراســات الفلســطينية‪ ،‬بيــروت‪ ،)2003 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.68‬‬
‫(‪ )3‬محمــد‪ ،‬الرنتيســي‪« ،‬محــاوالت أميركيــة حثيثــة تســتهدف تصفيــة قضيــة الالجئــن»‪ ،‬البيــان‪ 2 ،‬ســبتمبر‪/‬أيلول‬
‫‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪ 3 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://www.albayan.ae/one-world/arabs/2018-09-02-1.3347314‬‬
‫(‪ )4‬صــاحل‪ ،‬محســن‪ ،‬أحمــد‪ ،‬وائــل‪ ،‬مخططــات تصفيــة األونــروا‪ :‬إلــى أيــن؟‪( ،‬مركــز الزيتونــة للدراســات‬
‫واالستشــارات‪ ،‬بيــروت‪ ،)2018 ،‬ص ‪.3‬‬
‫(‪ )5‬غــامن‪ ،‬أســعد‪« ،‬دولــة فلسطينية‪-‬إســرائيلية ثنائيــة القوميــة‪ :‬حنــو حــل احتــادي للمســألة الفلسطينية‪-‬اإلســرائيلية»‪،‬‬
‫حق العودة ومشاريع تصفية القضية الفلسطينية | ‪141‬‬

‫مجلــة الدراســات الفلســطينية‪ ،‬املجلــد ‪ ،11‬العــدد ‪ ،41‬شــتاء ‪ ،)2000‬ص ‪.14‬‬


‫(‪ )6‬صايــغ‪ ،‬أنيــس‪ ،‬فــي ذكــرى اغتصــاب فلســطني ‪ :1948‬نصــف قــرن مــن األوهــام‪ ،‬منشــورات فلســطني‬
‫املســلمة‪ ،‬لنــدن‪ ،)1999 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.42‬‬
‫(‪ )7‬غازيــت‪ ،‬شــلومو‪« ،‬قضيــة الالجئــن الفلســطينيني مــن منظــور إســرائيلي»‪( ،‬مجلــة الدراســات الفلســطينية‪،‬‬
‫بيــروت‪ ،‬العــدد ‪ ،22‬ربيــع ‪ ،)1995‬ص ‪.86‬‬
‫(‪ )8‬عــدوان‪ ،‬أكــرم محمــد‪« ،‬املشــاريع واألفــكار الصهيونيــة جتــاه تســوية القضيــة الفلســطينية والصــراع العربــي‬
‫اإلســرائيلي ‪( ،»1922– 1973‬مجلــة اجلامعــة اإلســامية‪ ،‬سلســلة الدراســات اإلنســانية‪ ،‬املجلــد ‪ ،12‬العــدد ‪،2‬‬
‫يونيو‪/‬حزيــران ‪ ،)2004‬ص ‪.312‬‬
‫(‪ )9‬ســعد الديــن‪ ،‬ناديــة‪ ،‬حــق عــودة الالجئــن الفلســطينيني بــن حــل الدولتــن ويهوديــة الدولــة‪( ،‬مركــز الزيتونــة‬
‫للدراســات واالستشــارات‪ ،‬بيــروت‪ ،)2011 ،‬ص ‪.13‬‬
‫(‪ )10‬عبــد ربــه‪ ،‬صــاح‪ ،‬الالجئــون وحلــم العــودة إلــى أرض البرتقــال احلزيــن‪( ،‬مركــز املعلومــات البديلــة‪ ،‬بيــت‬
‫حلــم‪ ،)1996 ،‬ص ‪.24-25‬‬
‫(‪ )11‬فيصــل‪ ،‬علــي‪ ،‬الالجئــون الفلســطينيون ووكالــة الغــوث‪( ،‬دار التقــدم العربــي للصحافــة والطباعــة والنشــر‪،‬‬
‫بيــروت‪ ،)1996 ،‬ص ‪.31‬‬
‫(‪ )12‬جابــر‪ ،‬فــراس‪ ،‬قضيــة الالجئــن واألونــروا‪ :‬صــراع البقــاء»‪ ،‬اآلداب‪ 28 ،‬ديســمبر‪/‬كانون األول ‪( ،2018‬تاريــخ‬
‫الدخول‪ 5 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2XZx11U‬‬
‫(‪ )13‬ســليمان‪ ،‬جابــر‪« ،‬التحديــات الدوليــة التــي تهــدد قضيــة الالجئــن وحــق العــودة»‪( ،‬مداخلــة فــي نــدوة‬
‫املؤمتــر الشــعبي لفلســطيني اخلــارج‪ ،‬بيــروت)‪ 31 ،‬يناير‪/‬كانــون األول ‪.2019‬‬
‫(‪ )14‬الشــامي‪ ،‬غســان مصطفــى‪« ،‬أميــركا‪ ..‬رأس احلربــة فــي تصفيــة قضيــة الالجئــن الفلســطينيني»‪ ،‬اجلزيــرة‬
‫نــت‪ 9 ،‬أغســطس‪/‬آب ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪ 6 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2PI4j2C‬‬
‫(‪ )15‬صاحل‪ ،‬وائل‪ ،‬مخططات تصفية األونروا‪ :‬إلى أين؟‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.1‬‬
‫(‪« )16‬آن للمجتمــع الدولــي أن يتحــرك لوقــف النكبــة املســتمرة»‪ ،‬احلــق‪ 12 ،‬مايو‪/‬أيــار ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪:‬‬
‫‪ 6‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2GVU4ox‬‬
‫(‪ )17‬صاحل‪ ،‬وائل‪ ،‬مخططات تصفية األونروا‪ :‬إلى أين؟‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫(‪ )18‬احلوت‪ ،‬شفيق‪ ،‬الفلسطيني بني التيه والدولة‪( ،‬د‪.‬ن‪ ،)1977 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.124‬‬
‫(‪« )19‬حــق العــودة أبــرز الغائبــن عــن خطــاب عبــاس وحالــة رفــض شــعبية وفصائليــة ملضمونــه»‪ ،‬بوابــة الالجئــن‬
‫‪| 142‬‬

‫الفلســطينيني‪ 27 ،‬ســبتمبر‪/‬أيلول ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪ 6 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬


‫‪https://bit.ly/2GWEMQu‬‬
‫(‪ )20‬سليمان‪« ،‬التحديات الدولية التي تهدد قضية الالجئني وحق العودة»‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )21‬حمامي‪ ،‬إبراهيم‪ ،‬صفقة القرن‪ :‬احللم القدمي اجلديد‪( ،‬لندن‪ ،)2018 ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )22‬النعامــي‪ ،‬محمــد‪« ،‬ترامــب يراهــن علــى الســعودية واإلمــارات إلســقاط األونــروا وحــق العــودة»‪ ،‬مجلــة ميــم‬
‫اإللكترونيــة‪ ،‬ســبتمبر‪/‬أيلول ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪ 7 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2V4Evn7‬‬
‫(‪ )23‬العلي‪ ،‬محمود‪« ،‬سقوط حل الدولتني واملأزق الفلسطيني»‪ ،‬العربي اجلديد‪ 9 ،‬أبريل‪/‬نيسان ‪.2018‬‬
‫(‪« )24‬غوتيــرس‪ :‬نأســف لقــرار واشــنطن»‪ ،‬قنــاة الكوفيــة الفضائيــة‪ 1 ،‬ســبتمبر‪/‬أيلول ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪7 :‬‬
‫مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://www.alkofiya.tv/post/7320‬‬
‫(‪ )25‬وردي‪ ،‬ناديــة‪« ،‬حقوقيــون بريطانيــون حــول وقــف متويــل األونــروا تصفيــة للقضيــة الفلســطينية»‪ ،‬الوطــن‪5 ،‬‬
‫ســبتمبر‪/‬أيلول ‪.2018‬‬
‫(‪ )26‬عبد ربه‪ ،‬الالجئون وحلم العودة إلى أرض البرتقال احلزين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫(‪ )27‬الناطــور‪ ،‬ســهيل‪ ،‬دور ومســتقبل وكالــة الغــوث الدوليــة فــي قضيــة الالجئــن‪( ،‬دار التقــدم العربــي للصحافــة‬
‫والطباعــة والنشــر‪ ،‬بيــروت‪ ،)1996 ،‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ )28‬محــارب‪ ،‬محمــود‪« ،‬الهجمــة االســتيطانية غيــر املســبوقة هــي مشــروع حكومــة نتنياهــو الوحيــد»‪( ،‬سياســات‬
‫عربيــة‪ ،‬العــدد ‪ 6‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪ ،)2014‬ص ‪.30‬‬
‫(‪UNRWA 1950-1990, Serving Palestine Refugees, (Public Information Office, Austria, Vienna, )29‬‬
‫‪.April 1990)، p. 2‬‬
‫(‪ )30‬بــدران‪ ،‬إبراهيــم‪« ،‬اســتمرار األونروا‪...‬وحقــوق الالجئــن الفلســطينيني»‪ ،‬عربــي ‪ 21 ،21‬يناير‪/‬كانــون الثانــي‬
‫‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪ 7 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2DGyD91‬‬
‫ُّ‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللرتاس يف املغرب‬
‫وتأثرياته السياسية‬
‫سعيد بنيس *‬
‫مقدمة‬
‫بــدأ االهتمــام باخلطــاب االحتجاجــي لشــريحة الشــباب التــي تنتمــي أللتــراس فــرق كــرة‬

‫انتفاضــات ‪)1(2011‬‬ ‫القــدم‪ ،‬فــي منطقــة شــمال إفريقيــا والشــرق األوســط‪ ،‬بشــكل مباشــر بعــد‬
‫التــي شــهدتها املنطقــة‪ .‬وشـ َّ‬
‫ـكل ألتــراس مصــر ثيمــة ألولــى الدراســات‪ ،‬التــي مت تناولهــا مــن‬

‫زاويــة دراســة احلالــة (‪ ،)2‬الســيما بعــد ترديــد أناشــيدهم االحتجاجيــة خــارج أســوار املالعــب‪،‬‬

‫ومشــاركتهم فــي التظاهــرات الشــعبية كتلــك التــي كانــت ُت َن َّظــم أمــام الســفارة اإلســرائيلية‪،‬‬

‫حيــث اعتقــل علــى إثرهــا أحــد أعضــاء «وايــت نايتــس» (‪ ،)Ultras White Knights) (UWK07‬وهــي‬

‫أول مجموعــة ألتــراس فــي مصــر تشــجع نــادي الزمالــك املصــري‪ .‬كمــا تناســلت األغانــي‬

‫االحتجاجيــة‪ ،‬منهــا علــى ســبيل املثــال ال احلصــر‪« :‬مــش ناســيني التحريــر» ملجموعــة وايــت‬

‫نايتــس‪ ،‬وأغنيــة» ‪ 25‬ينايــر قولنــا بأعلــى صــوت»‪ ،‬وكذلــك أغنيــة «حريــة» و»يا غراب ومعشــش»‬
‫أللتــراس أهــاوي‪ .‬ومت إجمـ ً‬
‫ـال مقاربــة هــذه اخلطابــات االحتجاجيــة فــي إطــار مقولــة السياســة‬

‫املشاكســة (‪.)Contentious Politics) (3‬‬

‫مــن هــذه الزاويــة ميكــن ً‬


‫أيضــا قــراءة اخلطــاب االحتجاجــي فــي املالعــب‪ ،‬باعتبــاره ميثِّــل‬

‫د‪ .‬سعيد بنيس‪ ،‬أستاذ العلوم االجتماعية بجامعة محمد اخلامس بالرباط‪ ،‬املغرب‬
‫*‬

‫‪143‬‬
‫‪| 144‬‬

‫مجتمعيــا؛ إذ إن التنافــس الرياضــي فــي مالعــب كــرة القــدم أصبــح «ذريعــة» خللــق‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫حتــول‬

‫موقــع جديــد ونوعــي للفاعليــة (‪ )Agency)(4‬االحتجاجيــة الشــبابية‪ .‬هــذا التحــول يســائل طبيعــة‬

‫ونوعيــة االحتجــاج الــذي يظهــر فــي املالعــب وكيفيــة مقاربة هويــة احملتجــن اجلــدد (األلتراس)‬

‫مــع األخــذ بعــن االعتبــار الديناميــة السياســية لــكل بلــد علــى حــدة واحملــددات االجتماعيــة‬

‫والثقافيــة التــي أدت إلــى هــذه الفاعليــة اجلديــدة التــي بــرزت داخــل مالعــب كــرة القــدم‬

‫وفهــم مضمونهــا فــي ســياق املواطنــة الرقميــة اجلديــدة‪.‬‬

‫فمــا ســياقات هــذا اخلطــاب االحتجاجــي اجلديــد فــي أبعــاده االجتماعيــة والسياســية والثقافيــة‬

‫فــي املغــرب؟ وكيــف تؤثــر التحــوالت االجتماعيــة علــى األشــكال اجلديــدة لالحتجــاج فــي‬

‫املغــرب؟ وكيــف ميكــن فهــم منطــق اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس‪ :‬هــل حنــن أمــام صيرورة‬

‫أم ديناميــة أم تغيــر أم فوضــى أم ارتبــاك أم انــزالق أم أزمــة أم احتبــاس أو أمــام جميــع هــذه‬

‫احلــاالت مجتمعــة؟ مــا دور املجــال الرقمــي فــي بنــاء اخلطــاب االحتجاجــي؟ مــا أشــكال‬

‫الســلوكات والتعبيــرات االحتجاجيــة؟ ومــا مســتقبل خطــاب األلتــراس فــي املغــرب؟‬


‫ً‬
‫‪-‬أول‪ -‬فــي تقــدمي املنهجيــة العامــة للمقاربــة‬ ‫لإلجابــة علــى هــذه التســاؤالت‪ ،‬سنشــرع‬

‫وثانيــا‪ :‬رصــد ســياق نشــأة األلتــراس‪ ،‬وثال ًثــا‪ :‬توصيــف االنتقــال مــن‬
‫ً‬ ‫املعتمــدة فــي الدراســة‪،‬‬

‫ورابعــا‪ :‬تنــاول وظيفــة الفضــاء الرقمــي كوعــاء إلبــداع‬


‫ً‬ ‫مواقــع رياضيــة إلــى مواقــع احتجاجيــة‪،‬‬

‫أشــكال جديــدة مــن االحتجــاج‪ ،‬وفــي األخيــر ســنخلص الحتجــاج األلتــراس كمعارضــة‬

‫سياســية مــن خــارج البنيــات املنظمــة‪.‬‬

‫‪ .1‬اإلطار النظري واملنهجي للدراسة‬


‫يرمــز مفهــوم اخلطــاب االحتجاجــي (‪ )5‬إلــى مــن لغــوي حجاجــي وترافعــي ُي ْب َنــى علــى تراكيب‬

‫وصيــغ بالغيــة ذات وظائــف تعبيريــة وتواصليــة‪َ ُ .‬ي ِّكــن اخلطــاب االحتجاجــي مــن إبــداع‬

‫ـم جديــدة للواقــع السياســي واالجتماعــي واالقتصــادي ورفعهــا فــي شــعارات والترويــج‬
‫مفاهيـ َ‬
‫لهــا بطريقــة مقنعــة وطاقــة لغويــة محركــة‪ .‬لهــذا يشـ ِّ‬
‫ـكل اخلطــاب االحتجاجــي أســاس ظاهــرة‬ ‫ِّ‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪145‬‬
‫ُّ‬

‫ضروريــا اإلملــام بالبيئــة االجتماعيــة‬


‫ًّ‬ ‫األلتــراس‪ .‬ولفهــم منــط التواصــل االحتجاجــي‪ ،‬يبــدو‬

‫والثقافيــة والسياســية واالقتصاديــة التــي أدت إلــى ظهــوره وكذلــك مــدى تأثيــره فــي املتلقــي‬

‫وقدرتــه علــى بنــاء وعــي ومعنــى مجتمعــي جديــد‪.‬‬

‫لإلملــام بهــذا املعنــى والوعــي االحتجاجــي اجلديــد‪ ،‬ســتعتمد الدراســة نظريــة التفاعليــة‬

‫الرمزيــة عنــد إيرفــن كوفمــان (‪ )Erving Goffman) (6‬التــي ترتكــز علــى ثــاث صيــغ تشــبيهية‬

‫لتحليــل املعنــى النــاجت عــن التفاعــات اخلطابيــة‪ ،‬أوالهــا‪ :‬مســرحي‪ ،‬وثانيهــا‪ :‬طقوســي‪،‬‬
‫وثالثهــا‪ :‬ترفيهــي يحيــل علــى اللعــب‪ .‬بالنســبة لكوفمــان هــذه الصيــغ التشــبيهية ِّ‬
‫متكــن مــن‬

‫متــارس فــي بنيــة مغلقــة وحاضنــة ألفــراد‬


‫َ‬ ‫فهــم نوعيــة وطبيعــة التفاعــات املجتمعيــة التــي‬

‫ـميها الكاتــب املؤسســة الكاملــة (‪ .)Total Institution) (7‬فالتعايــش داخــل هــذه البنيــة‬
‫بعينهــم ُيسـ ِّ‬
‫يشــبه القيــام بــأدوار داخــل مســرحية وأي خطــأ مــن أحــد املمثلــن يــؤدي إلــى فشــل التفاعــل‬

‫وخروجــا عــن القاعــدة والطقــس‪ .‬لهــذا‪ ،‬فالتجــارب املجتمعيــة‬


‫ً‬ ‫وصمــا (‪)Stigmate‬‬
‫ً‬ ‫ويتــم اعتبــاره‬

‫ختضــع إلطــارات حتــدد التم ُّثــات وتوجــه اإلدراك وتتحكــم فــي ســلوكات والتزامــات األفــراد‬

‫املنضويــن فــي بنيــات مغلقــة مثــل بنيــة األلتــراس‪ .‬تتميــز هــذه املقاربــة مقارنــة باألبحــاث التــي‬

‫نوعــا مــن‬
‫تناولــت ظاهــرة األلتــراس باملغــرب كونهــا تعتبــر الظاهــرة خطابيــة ومدنيــة وليســت ً‬
‫أنــواع العنــف والشــغب الشــبابي (‪.)8‬‬

‫ـيرا ألصنــاف وضــروب اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس‬ ‫فالفرضيــة األساســية‪ ،‬التــي ُتقَ ـ ِّ‬
‫ـدم تفسـ ً‬
‫ً‬
‫مرتبطــا مبوقــع معني‬ ‫فيمــا يتعلــق باحلالــة املغربيــة‪ ،‬تقــوم علــى أن اخلطــاب االحتجاجــي لــم يعــد‬

‫أو تــراب محــدد‪ ،‬وأن املطالــب يتــم التعبيــر عنهــا عبــر خطــاب ينهــل مــن فاعليــة تشــاركية‬

‫مت مت ُّلكهــا كفضــاءات احتجاجيــة (ملعــب كــرة‬


‫رقميــة تتــم ترجمتهــا فــي مواقــع رياضيــة َّ‬
‫القــدم)‪ .‬لذلــك‪ ،‬ميكــن مقاربــة اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس مــن زاويــة نظريــة التفاعليــة‬

‫الرمزيــة لكوفمــان؛ حيــث يعمــد األفــراد الفاعلــون إلــى تنظيــم تفاعالتهــم مــع املجتمــع مــن‬
‫«مســر َحة» ُتــو َّزع فيهــا أدوار بعينهــا ِّ‬
‫متكــن مــن بنــاء املعنــى اجلماعــي للخطــاب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خــال َ ْ َ‬
‫‪| 146‬‬

‫ــر َأة هــذه الفرضيــة‪ ،‬اعتمــدت الدراســة علــى مقاربــة سوســيولوجية متتــح مــن املنهــج‬ ‫ِ َ‬
‫ول ْج َ‬
‫الوصفــي التحليلــي قواعــده ومرتكزاتــه‪ ،‬وأدوات منهجيــة كيفيــة مبنيــة علــى ُأ ُسـ ِ‬
‫ـس النظريــة‬

‫املتجــذرة (‪ )Grounded Theory‬التــي تتأســس علــى مقاربــة اســتقرائية (‪ )9‬تتوخــى بنــاء املفاهيــم‪،‬‬

‫وهدفهــا النهائــي هــو توليــد نظريــات (‪ )10‬وبنــاء األطــر التحليليــة مــن خــال املالحظــة الدقيقــة‬

‫وحتليــل املعطيــات وتصنيفهــا فــي إطــار موضوعاتــي لفهــم الظاهــرة‪ .‬وميكــن إيجــاز منهجيــة‬

‫النظريــة املتجــذرة (‪ )11‬مــن خــال عــدة مراحــل منهــا حتليــل أســئلة البحــث وجتميــع أولــى‬

‫املعطيــات وغربلــة النمــاذج املفاهيميــة وترميــز املعطيــات وترتيــب املذكــرات‪...‬إخل‪.‬‬

‫مت توظيــف املالحظــة وقــراءة التفاعــات اخلطابيــة واللغويــة‬


‫فيمــا يتعلــق بــأدوات الدراســة‪َّ ،‬‬
‫الرقميــة بــن أعضــاء األلتــراس جلمــع املعطيــات التــي ترتبــط مبجريــات األحــداث واإلنتــاج‬

‫اخلطابــي مــن ســنة ‪ 2017‬إلــى شــهر مــارس‪/‬آذار ‪ 2019‬بغيــة حتليــل وتوصيــف مضمــون املــن‬
‫اخلطابــي عبــر شــبكة للتحليــل ثالثيــة األبعــاد‪ِّ ،‬‬
‫يركــز أحدهــا علــى إبــراز األلفــاظ املثيــرة وآخــر‬

‫يتج َّلــى فيــه العمــق التفاوضــي للخطــاب‪ ،‬أمــا ُ‬


‫البعــد الثالــث فهــو لضبــط احلقــل الداللــي‬

‫لالحتجــاج‪.‬‬

‫‪ .2‬نشأة األلرتاس باملغرب‬


‫ُعــرف األلتــراس بأنهــا مجموعــة مــن املشــجعني الرياضيــن تتميــز بوفائهــا وانتمائهــا غيــر‬
‫ت َ‬
‫املشــروط لفرقهــا والتزامهــا منقطــع النظيــر ومســاندتها بالشــعارات واألناشــيد واللوحــات الفنية‪.‬‬

‫وعرِ َفــت بـ»التورصيدا»‬


‫تكونــت أولــى املجموعــات فــي مدينة ســاو باولــو البرازيليــة عــام ‪ُ ،1939‬‬
‫(‪ ،)Torcida‬لتنتقــل فيمــا بعــد إلــى أوروبــا وبالضبــط إلــى يوغوســافيا ثــم كرواتيــا مــع جمهــور‬

‫«هايــدوك ســبليت» (‪ )Hajduk Split‬إال أن أغلــب الكتابــات حــول األلتــراس تتفــق علــى أن‬

‫تأسســت بإيطاليــا فــي موســم‬


‫عبــرت عــن وعيهــا باالنتمــاء لأللتــراس َّ‬
‫أولــى املجموعــات التــي َّ‬
‫‪ 1968-1969‬حتــت اســم «فوســا دي ليونــي» (‪ )Fossa dei Leoni‬ملســاندة فريــق «إيــه ســي‬

‫ســان» ‪1969‬‬ ‫ميــان»‪ ،‬وظهــر بعــد ذلــك ألتــراس فريــق نــادي «إنتــر ميــان» حتــت مســمى «بويــز‬

‫(‪ .)1969Boys San‬فــي نفــس الســنة ستنشــأ مجموعــة مشــجعي فريــق «ســامبدوريا» وتتخــذ لهــا‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪147‬‬
‫ُّ‬

‫اســم «ألتــرا تيتــو كوشــياروني» (‪ )Ultrà Tito Cucchiaroni‬علــى اســم الالعــب «تيتــو كوشــياروني»‬

‫لتصبــح أول مجموعــة توظــف لفظــة «ألتــراس» فــي تســميتها (‪ .)12‬بعــد هــذا التاريــخ ستنتشــر‬

‫مجموعــات األلتــراس فــي باقــي بلــدان أوروبــا انطالقً ــا مــن إســبانيا فــي منتصــف الســبعينات‬

‫ثــم فرنســا فــي الثمانينــات وإجنلتــرا وباقــي الــدول األوروبيــة فــي التســعينات‪.‬‬

‫فيمــا يتعلــق بتاريــخ األلتــراس فــي منطقــة الشــرق األوســط وشــمال إفريقيــا (‪ ،)13‬يعتبــر ألتــراس‬

‫تكونــت ســنة ‪،1989‬‬


‫«دراغــون» (‪ )Dragon‬املســاند لنــادي االحتــاد الليبــي أول مجموعــة ألتــراس َّ‬
‫مت ح ُّلهــا بعــد أســبوع(‪ .)14‬وفــي عــام ‪ ،1995‬ظهــر ألتــراس «أفريــكان وينــرز» (‪)African Winners‬‬
‫و َّ‬
‫املســاند للنــادي اإلفريقــي التونســي‪ .‬وفيمــا بعــد‪ ،‬أي ســنة ‪ ،2002‬ظهــر ألتــراس «املكشــخني»‬

‫لنــادي الترجــي الرياضــي‪ ،‬وفــي ســنة ‪ ،2004‬تأسســت مجموعــة «الكليــك ســلتيك» (‪La Click‬‬
‫‪ )Celtic‬التــي شـ َّ‬
‫ـكلت نــواة ألتــراس الرجــاء البيضــاوي املغربــي‪ .‬وفــي عــام ‪ ،2007‬ظهــر فــي‬

‫مصــر ألتــراس فريقــي األهلــي «ألتــراس أهــاوي»‪ ،‬والزمالــك «ألتــراس وايــت نايتــس»‪ .‬وفــي‬

‫نفــس الســنة‪ ،‬تأسســت مجموعتــان باجلزائــر تســاندان فريــق نــادي املولوديــة اجلزائــري أطلــق‬

‫بويــز» (‪Ultras Méga‬‬ ‫عليهمــا اســم «ألتــراس فيــردي ليــون» (‪ )Ultras Verde Leone‬و»ألتــراس ميغــا‬

‫ـون فــي الســودان ألتــراس «جــوارح املريــخ» املتعاطــف مــع نــادي‬


‫‪ .)Boys‬وفــي ســنة ‪ ،2008‬تكـ َّ‬
‫املريــخ الســوداني و»ألتــراس األســود الزرقــاء» (‪ )Ultras Blue lions‬الــذي يشــجع فريــق الهــال‬

‫الســوداني‪ .‬وفــي األردن‪ ،‬ظهــر «ألتــراس غرينــز» ‪ ))Ultras Greens‬املســاند لفريــق نــادي الوحدات‪.‬‬

‫فيمــا يتعلــق باملغــرب‪ ،‬تتعــدد القصــص والروايــات حــول تاريــخ نشــأة أول ألتــراس‪ ،‬لكنهــا‬

‫الرجــاء (‪Green‬‬ ‫قائمــا بــن ألتــراس‬


‫تتفــق فــي مجملهــا علــى ســنة ‪ ،)15(2005‬ويظــل النقــاش ً‬
‫‪ )Boys‬وألتــراس فريــق اجليــش امللكــي (‪ )Ultras Askary de Rabat‬حــول لقــب أول ألتــراس باملغــرب‬

‫(‪ .)16‬بعــد هــذا التاريــخ تأسســت باقــي أشــكال األلتــراس والتــي يتجــاوز عددهــا اخلمســن‪،‬‬

‫وأصبحــت مت ِّثــل جميــع الفــرق الرياضيــة‪.‬‬

‫ترتكــز غالبيــة هــذه التســميات علــى اللغــة اإلجنليزيــة‪ ،‬وتنتمــي إلــى حقــل داللــي يحيــل علــى‬

‫الشــجاعة والنبــل والقــوة كصفــات للمنافســة وإثبــات الــذات (“بويــز”‪“ ،‬وينــرز”‪“ ،‬هيركوليس”‪،‬‬
‫‪ (Blue lions‬ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺸﺠﻊ ﻓﺮﻳﻖ ﺍﳍﻼﻝ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﱐ‪ .‬ﻭﰲ ﺍﻷﺭﺩﻥ‪ ،‬ﻇﻬﺮ "ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﻏﺮﻳﻨﺰ" )‪(Ultras Greens‬‬
‫ﺍﳌﺴﺎﻧﺪ ﻟﻔﺮﻳﻖ ﻧﺎﺩﻱ ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ‪.‬‬
‫ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﳌﻐﺮﺏ‪ ،‬ﺗﺘﻌﺪﺩ ﺍﻟﻘﺼﺺ ﻭﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺎﺕ ﺣﻮﻝ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻧﺸﺄﺓ ﺃﻭﻝ ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺘﻔﻖ ﰲ ﳎﻤﻠﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺔ‬
‫‪ ،(15)2005‬ﻭﻳﻈﻞ ﺍﻟﻨﻘﺎﺵ ﻗﺎﺋﻤ‪É‬ﺎ ﺑﲔ ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ )‪ (Green Boys‬ﻭﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﻓﺮﻳﻖ ﺍﳉﻴﺶ ﺍﳌﻠﻜﻲ‬
‫)‪ (Ultras Askary de Rabat‬ﺣﻮﻝ ﻟﻘﺐ ﺃﻭﻝ ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺑﺎﳌﻐﺮﺏ )‪ .(16‬ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺗﺄﺳﺴﺖ ﺑﺎﻗﻲ‬
‫‪| 148‬‬
‫ﺃﺷﻜﺎﻝ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﻭﺍﻟﱵ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﺪﺩﻫﺎ ﺍﳋﻤﺴﲔ‪ ،‬ﻭﺃﺻﺒﺤﺖ ﲤﺜﱢﻞ ﲨﻴﻊ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ‪.‬‬

‫ﺟﺪﻭﻝ ﺭﻗﻢ )‪ (1‬ﻳﱪﺯ ﺃﻫﻢ ﳎﻤﻮﻋﺎﺕ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﻭﺍﻷﻧﺪﻳﺔ ﺍﻟﱵ ﺗﺸﺠﻌﻬﺎ ﰲ ﺍﳌﺪﻥ ﺍﳌﻐﺮﺑﻴﺔ‬
‫ﺍﳌﺪﻳﻨﺔ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺩﻱ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻲ‬ ‫ﺍﺳﻢ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ‬ ‫ﻡ‬

‫ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ‬ ‫ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻲ‬ ‫ﻏﺮﻳﻦ ﺑﻮﻳﺰ )‪(Green Boys‬‬ ‫‪1‬‬

‫ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ‬ ‫ﺍﻟﻮﺩﺍﺩ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻲ‬ ‫ﻭﻳﻨﺮﺯ )‪(Winners‬‬ ‫‪2‬‬

‫ﺍﻟﺮﺑﺎﻁ‬ ‫ﺍﳉﻴﺶ ﺍﳌﻠﻜﻲ‬ ‫ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﻋﺴﻜﺮﻱ )‪(Ultras Askary‬‬ ‫‪3‬‬

‫ﺍﻟﻘﻨﻴﻄﺮﺓ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺩﻱ ﺍﻟﻘﻨﻴﻄﺮﻱ‬ ‫ﺣﻼﻟﺔ ﺑﻮﻳﺰ )‪(Helala Boys‬‬ ‫‪4‬‬

‫ﻓﺎﺱ‬ ‫ﺍﳌﻐﺮﺏ ﺍﻟﻔﺎﺳﻲ‬ ‫ﻓﻄﺎﻝ ﺗﺎﻳﻐﺮﺯ )‪(Fatal Tigers‬‬ ‫‪5‬‬

‫ﻣﺮﺍﻛﺶ‬ ‫ﺍﻟﻜﻮﻛﺐ ﺍﳌﺮﺍﻛﺸﻲ‬ ‫ﻛﺮﺍﻳﺰﻱ ﺑﻮﻳﺰ )‪(Crazy Boys‬‬ ‫‪6‬‬


‫ ‪110‬‬
‫ ‬
‫ﺧﺮﻳﺒﻜﺔ‬ ‫ﺃﻭﳌﺒﻴﻚ ﺧﺮﻳﺒﻜﺔ‬ ‫ﻏﺮﻳﻦ ﻛﻮﺳﺖ )‪(Green Ghost‬‬ ‫‪7‬‬

‫ﺃﻛﺎﺩﻳﺮ‬ ‫ﺣﺴﻨﻴﺔ ﺃﻛﺎﺩﻳﺮ‬ ‫ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺇﳝﺎﺯﻳﻐﻦ )‪(Ultras Imazighen‬‬ ‫‪8‬‬

‫ﺍﳊﺴﻴﻤﺔ‬ ‫ﺷﺒﺎﺏ ﺍﻟﺮﻳﻒ ﺍﳊﺴﻴﻤﻲ‬ ‫ﻟﻮﺱ ﺭﻳﻔﻴﻨﻮﺱ )‪(Los Rifenos‬‬ ‫‪9‬‬

‫ﻣﻜﻨﺎﺱ‬ ‫ﺍﻟﻨﺎﺩﻱ ﺍﳌﻜﻨﺎﺳﻲ‬ ‫‪ 10‬ﺭﻳﺪ ﻣﲔ )‪(Red Men‬‬

‫ﻃﻨﺠﺔ‬ ‫ﺍﲢﺎﺩ ﻃﻨﺠﺔ‬ ‫‪ 11‬ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﻫﲑﻛﻮﻟﻴﺲ )‪( Ultras Hercules‬‬

‫ﺁﺳﻔﻲ‬ ‫ﺃﻭﳌﺒﻴﻚ ﺁﺳﻔﻲ‬ ‫‪ 12‬ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺷﺎﺭﻙ )‪(Ultras Shark‬‬

‫ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ‬ ‫ﺍﻟﺪﻓﺎﻉ ﺍﳉﺪﻳﺪﻱ‬ ‫‪ 13‬ﻛﺎﺏ ﺳﻮﻻﻱ )‪(Cap Soleil‬‬

‫ﺑﺮﻛﺎﻥ‬ ‫ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﺍﻟﱪﻛﺎﻧﻴﺔ‬ ‫‪ 14‬ﺃﻭﺭﻧﺞ ﺑﻮﻳﺰ )‪(Orange Boys‬‬

‫ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ‬ ‫ﺷﺒﺎﺏ ﺍﳌﺴﲑﺓ‬ ‫‪ 15‬ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺻﺤﺮﺍﺀ )‪(Ultras Sahara‬‬

‫ﻃﺎﻧﻄﺎﻥ‬ ‫‪é‬ﻀﺔ ﻃﺎﻧﻄﺎﻥ‬ ‫‪ 16‬ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ‪2‬ﻃﺎﻥ ﺑﻮﻳﺰ )‪(Ultras 2 Tan Boys‬‬

‫ﺧﻨﻴﻔﺮﺓ‬ ‫ﺷﺒﺎﺏ ﺃﻃﻠﺲ ﺧﻨﻴﻔﺮﺓ‬ ‫‪ 17‬ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺭﻳﻔﻮﻟﱵ )‪(Ultras Révoltés‬‬

‫ﺁﻳﺖ ﻣﻠﻮﻝ‬ ‫ﺍﲢﺎﺩ ﺁﻳﺖ ﻣﻠﻮﻝ‬ ‫‪ 18‬ﺳﻮﺍﺳﺔ ﺑﻮﻳﺰ )‪(Swassa boys‬‬

‫ﺳﻼ‬ ‫ﺍﳉﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﺴﻼﻭﻳﺔ‬ ‫‪ 19‬ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺑﲑﺍﺕ )‪(Ultras Pirates‬‬

‫ﺑﺮﺷﻴﺪ‬ ‫ﻳﻮﺳﻔﻴﺔ ﺑﺮﺷﻴﺪ‬ ‫‪ 20‬ﻓﺎﻳﺘﺮﺯ )‪(Fighters‬‬

‫ﺗﺮﺗﻜﺰ ﻏﺎﻟﺒﻴﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺘﺴﻤﻴﺎﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻹﳒﻠﻴﺰﻳﺔ‪ ،‬ﻭﺗﻨﺘﻤﻲ ﺇﱃ ﺣﻘﻞ ﺩﻻﱄ ﳛﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﻨﺒﻞ ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ‬
‫ﻛﺼﻔﺎﺕ ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﺴﺔ ﻭﺇﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﺬﺍﺕ )"ﺑﻮﻳﺰ"‪" ،‬ﻭﻳﻨﺮﺯ"‪" ،‬ﻫﲑﻛﻮﻟﻴﺲ"‪" ،‬ﻓﺎﻳﺘﺮﺯ"‪" ،‬ﻣﺎﺗﺪﻭﺭﻳﺲ"‪" ،‬ﺭﻳﻔﻮﻟﱵ"‪ (..‬ﻣﻊ‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪149‬‬
‫ُّ‬

‫“فايتــرز”‪“ ،‬ماتدوريــس”‪“ ،‬ريفولتــي”‪ )..‬مــع اســتعمال خصوصيــات محليــة‪ ،‬فــي بعــض‬

‫هوياتيــة‪ ،‬مثــل “حاللــة بويــز”‪ ،‬حيــث تشــير “حاللــة” إلــى نبــات محلــي‬
‫احلــاالت‪ ،‬كاســتعارات َّ‬
‫مبنطقــة القنيطــرة أو “إميازيغــن” و”سواســة” و”ريفينــوس”؛ حيــث إن هــذه األلفــاظ حتيــل علــى‬

‫اســم الســاكنة مبنطقــة أكاديــر وآيــت ملــول والريــف أو علــى فتــرة مــن تاريخهــم كـــ “قراصنــة”‬

‫كمــا هــو الشــأن بالنســبة لفريــق اجلمعيــة الســاوية‪ .‬أمــا “ألتــراس شــارك” (القــروش) فهــي‬

‫كنايــة علــى طبيعــة النشــاط االقتصــادي ملنطقــة آســفي الــذي يرتكــز علــى الصيــد البحــري‪ ،‬أو‬

‫“أوراجن” (الليمــون) فــي حالــة النهضــة البركانيــة كمنتــوج مييــز منطقــة بــركان ونواحيهــا (‪.)17‬‬

‫‪ .3‬االنتقال من مواقع رياضية إىل مواقع احتجاجية‬


‫مبــا أن الدراســة ركــزت علــى احليــز الزمنــي الــذي ميتــد مــن عــام ‪ 2017‬حتــى حــدود مــارس‪/‬‬

‫آذار ‪ 2019‬مــن الضــروري اإلشــارة إلــى املنــع (‪ )18‬الــذي طــال مجموعــات األلتــراس فــي‬

‫املغــرب‪ ،‬والــذي اســتغرق ســنة كاملــة‪ ،‬حيــث حظــرت َّإبانــه وزارة الداخليــة‪ ،‬فــي أبريــل‪/‬‬

‫نيســان ‪ ،2016‬جميــع أطيــاف األلتــراس مــن الولــوج إلــى املالعــب بعــد األحــداث الداميــة‬

‫التــي جمعــت فصيلــن مــن ألتــراس فريــق الرجــاء‪ ،‬وهمــا‪ :‬فصيــل النســور وفصيــل غريــن‬

‫بويــز‪ ،‬وراح ضحيتهــا مشــجعون مــن فريــق الرجــاء البيضــاوي‪َ .‬ف َت ْحـ َ‬
‫ـت اســم قانــون ‪ 09/09‬يشــار‬

‫إلــى القانــون املتعلــق بتتميــم مجموعــة القانــون اجلنائــي “فــي العنــف املرتكــب أثنــاء املباريــات‬

‫أو التظاهــرات الرياضيــة أو مبناســبتها”‪ ،‬والتــي تتــراوح فيهــا األحــكام بــن الســجن بالنســبة‬

‫لألحــداث املؤديــة للمــوت وأقصاهــا خمــس ســنوات والغرامــات املاليــة وأقصاهــا ‪ 50‬ألــف‬

‫درهــم (حوالــي ‪ 5.200‬دوالر)‪ .‬بعــد شــهر مــارس‪/‬آذار ‪ ،2018‬وهــو تاريــخ عــودة األلتــراس إلــى‬

‫املالعــب‪ ،‬صــار فعــل األلتــراس فــي املغــرب‪ ،‬الســيما ألتــراس الرجــاء والــوداد البيضــاوي‬

‫ومغَ َّنــاة ومكتوبــة متضمنــة‬


‫والنــادي القنيطــري‪ ،‬يكتســي حلــة شــعارات خطابيــة مهتوفــة ُ‬
‫ملنســوب عــال مــن االحتجــاج واملطالــب االجتماعيــة والسياســية‪.‬‬

‫فيمــا يتعلــق بســياق االنتقــال مــن مواقــع رياضيــة إلــى مواقــع احتجاجيــة يتوجــب إيــاء‬

‫أهميــة اجتماعيــة لطبيعــة اخلطــاب مــن زاويــة ارتباطــه بشــريحة عمريــة بعينهــا وهــي شــريحة‬
‫‪| 150‬‬

‫ضروريــا ربطهــا بنســق ســلطة‬


‫ًّ‬ ‫الشــباب‪ .‬لذلــك‪ ،‬فــإن لفهــم متظهــرات طبيعــة اخلطــاب يبــدو‬

‫خطــاب األلتــراس(‪ )19‬وقدرتهــا علــى مــلء الفــراغ الــذي خلقتــه البنيــات السياســية والنقابيــة‬

‫واملدنيــة‪ .‬مــن خــال معاينــة اخلطابــات فــي مواقــع األلتــراس التــي اشــتغل عليهــا الباحــث‪،‬‬

‫الســيما مواقــع ألتــراس الرجــاء البيضــاوي والــوداد البيضــاوي والنــادي القنيطــري واملغــرب‬

‫أساســا علــى املطالــب‬


‫ً‬ ‫التطوانــي(‪ ،)20‬الحــظ أن االنتقــال مت مــن خــال مــن حقوقــي ارتكــز‬
‫الشــبابية‪ ،‬ألنهــا مطالــب الشــريحة التــي تشـ ِّ‬
‫ـكل ســاكنة املالعــب؛ يتــراوح عمــر أغلبيــة أفرادهــا‬

‫بــن السادســة عشــرة وســن اخلامســة والعشــرين‪.‬‬

‫كمــا أن ضيــق مواقــع االحتجــاج وخصائــص احملتجــن (الفئــة العمريــة لأللتــراس) قــد أدى‬

‫إلــى خلــق هامــش مــن احلريــة عبــر مت ُّلــك فضــاءات رقميــة (مواقــع األلتــراس واملجموعــات‬

‫الرقميــة) ال تســتدعي ترخيــص الســلطات وتتيــح مفعــول املفاجئــة ومباغتــة اخلصــم املفتــرض‬

‫(احلكومــة أو الســلطة أو الدولــة‪ )...‬عبــر تعبئــة وخطــاب ُم َف َّكــر فيــه‪ .‬هــذه االســتراتيجية‬

‫ختضــع لســياق االنتقــال مــن مواقــع رياضيــة إلــى مواقــع احتجاجيــة فــي تفاعــل إيجابــي مــع‬

‫ســيكولوجيا اجلماهيــر ممــا أدى إلــى حتــول فــي محاضــن التنشــئة‪ :‬فمــن تنشــئة داخــل بنيــات‬

‫تقليديــة (أحــزاب سياســية‪ ،‬جمعيــات شــبابية‪ ،‬منظمــات مدنيــة) إلــى تنشــئة فــي أحضــان‬

‫بنيــات حديثــة (فصائــل األلتــراس) و”ممارســة سياســية” خــارج املؤسســات وفــي فضــاءات‬

‫افتراضيــة مفتوحــة‪.‬‬
‫مفهومــا ِّ‬
‫ميكــن مــن تتبــع ثقافــة وأســلوب‬ ‫ً‬ ‫فــي هــذا الصــدد‪ ،‬تشـ ِّ‬
‫ـكل الفرديــة اجلماعيــة (‪)21‬‬

‫جديديــن لالحتجــاج ورصــد منظومــة احتجاجيــة لهــا منطلقاتهــا ومقوماتهــا ووقعهــا التعبيــري‬

‫والســلوكي علــى الفــرد واجلماعــة‪ .‬كلتــا الصيغتــن ســواء صيغــة املفــرد (“الفرديــة”) أو صيغــة‬

‫اجلمــع (“اجلمعيــة”) تركــزان علــى انتمــاء يتماهــى فيــه الفــرد مــع اجلماعــة‪ ،‬وتتماهــى اجلماعــة‬

‫خطابــا يتداخــل فيــه االنتســاب‬


‫ً‬ ‫فيــه مــع الفــرد‪ .‬فهــذا التعبيــر االحتجاجــي اجلديــد يعكــس‬

‫إلــى جماعــة بعينهــا (األلتــراس)‪ ،‬والشــعور باالنتمــاء إلــى املجتمــع املغربــي مــن خــال ســلوك‬
‫ﻣﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﺣﺘﺠﺎﺟﻴﺔ ﳍﺎ ﻣﻨﻄﻠﻘﺎ‪ú‬ﺎ ﻭﻣﻘﻮﻣﺎ‪ú‬ﺎ ﻭﻭﻗﻌﻬﺎ ﺍﻟﺘﻌﺒﲑﻱ ﻭﺍﻟﺴﻠﻮﻛﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻭﺍﳉﻤﺎﻋﺔ‪ .‬ﻛﻠﺘﺎ ﺍﻟﺼﻴﻐﺘﲔ ﺳﻮﺍﺀ‬
‫ﺻﻴﻐﺔ ﺍﳌﻔﺮﺩ )"ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ"( ﺃﻭ ﺻﻴﻐﺔ ﺍﳉﻤﻊ )"ﺍﳉﻤﻌﻴﺔ"( ﺗﺮﻛﺰﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻧﺘﻤﺎﺀ ﻳﺘﻤﺎﻫﻰ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻔﺮﺩ ﻣﻊ ﺍﳉﻤﺎﻋﺔ‪ ،‬ﻭﺗﺘﻤﺎﻫﻰ‬
‫ﺍﳉﻤﺎﻋﺔ ﻓﻴﻪ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﺮﺩ‪ .‬ﻓﻬﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﺒﲑ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ ﺍﳉﺪﻳﺪ ﻳﻌﻜﺲ ﺧﻄﺎﺑ‪É‬ﺎ ﻳﺘﺪﺍﺧﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻻﻧﺘﺴﺎﺏ ﺇﱃ ﲨﺎﻋﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ‬
‫)ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ(‪ ،‬ﻭﺍﻟﺸﻌﻮﺭ ﺑﺎﻻﻧﺘﻤﺎﺀ ﺇﱃ ﺍ‪°‬ﺘﻤﻊ ﺍﳌﻐﺮﰊ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺳﻠﻮﻙ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﻭﺍﻟﺮﻏﺒﺔ ﰲ ﺍﻻﳔﺮﺍﻁ ﰲ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺔ‬
‫السياسية‪151 (|22‬‬
‫ﻭ"ﺍﻷﻣﻬﺎﺕ")‬ ‫ﻭﻓﺮﺍﻕ ﺍﻷﻫﻞ‬
‫وتأثيراته‬ ‫ﺗﻀﺤﻴﺔ‬
‫المغرب‬ ‫ﻳﺘﻄﻠﺒﻪ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ‬
‫لأللتراس في‬ ‫الخطابﻣﻊ ﻣﺎ‬
‫االحتجاجي‬ ‫ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﺒﻼﺩ‬ ‫ﺍ‪°‬ﺘﻤﻌﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟـﺘﺄﺛﲑ ﰲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔُّ‬
‫تمثالت‬
‫ﻭﺷﻌﻮﺭ ﺑﺎﳌﻐﺎﻣﺮﺓ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ ﻭﺍﳉﻤﺎﻋﻴﺔ ﰲ ﺳﺒﻴﻞ ﺣﺐ ﻭﻋﺸﻖ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ‪.‬‬
‫ﺍﳉﻤﻌﻴﺔ‪:‬للبــاد‬
‫ﻟﺬﺍﺕالعامــة‬
‫السياســة‬ ‫ﺧﻄﺎﰊفــي‬
‫ﲤﺘﺰﺝ ﻓﻴﻪ ﺍ‬ ‫ﻧﺴﻖــتأثير‬
‫ﻋﻠﻰوالـ‬
‫ﻮﻗﻮﻑــة‪،‬‬
‫املجتمعي‬
‫الديناميــةﳝﻜﻦ ﺍﻟ‬
‫ـيﻠﺸﻌﺎﺭﺍﺕ‪،‬‬ ‫ﺍﳊﻘﻞــراط فـ‬
‫ﺍﳌﻌﺠﻤﻲ ﻟ‬ ‫ﻭﺑﻨﻴﺔاالخن‬
‫ﺑﺘﺮﻛﻴﺐفــي‬
‫والرغبــة‬
‫ﻓﻴﻤﺎــةﻳﺘﻌﻠﻖ‬
‫الفاعلي‬
‫"ﺟﻴﻨﺎﻛﻢ‬
‫الفرديــة‬ ‫ـعور ﺭﰊ"‪،‬‬
‫باملغامــرة‬ ‫ﺑﻐﻴﻨﺎ ﻳﺎ‬
‫ـات”(‪ )22‬ﱄوشـ‬
‫ﺑﺎﻟﻔﺎﻟﻴﻮﻡ"‪ ،‬ﻭ"ﺍﳊﺮﻳﺔ‬
‫"ﺳﻜﺘﻮﻧﺎو”األمهـ‬ ‫ﻧﻮﻋﺎﻭ"‪ ،‬ﻭ‬
‫األهــل‬ ‫ﻣﺎﺑﻐﻴﺘﻮﻧﺎوفــراق‬
‫تضحيــة‬‫ﳔﺪﻣﻮ‪،‬‬
‫ﻣﺎﺑﻐﻴﺘﻮﻧﺎــن‬
‫ﻧﻘﺮﺍﻭ‪،‬ذلــك م‬ ‫"ﻣﺎﺑﻐﻴﺘﻮﻧﺎ‬
‫يتطلبــه‬ ‫مــع مــا‬
‫ﻣﻦ ﻟﻠﺨﺮ"‪" ،‬ﻓﻬﺎﺩ ﻟﺒﻼﺩ ﻋﺎﻳﺸﲔ ﻑ ﻏﻤﺎﻣﺔ"‪" ،‬ﺧﻼﻭﻧﺎ ﻛﻠﻴﺘﺎﻣﻰ"‪ ...‬ﻭﺍﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﻔﺮﺩﻳﺔ‪" :‬ﺍﳍﺪﺭﺓ ﻃﻠﻌﺖ ﻑ ﺭﺍﺳﻲ‬
‫واجلماعيــة فــي ســبيل حــب وعشــق الفريــق‪.‬‬
‫ﻭﻏﲑ ﻓﻬﻤﻮﱐ"‪" ،‬ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ"‪" ،‬ﳌﻦ ﻧﺸﻜﻲ ﺣﺎﱄ"‪" ،‬ﺭﺍﱐ ﻣﻐﺒﻮﻥ")‪ (23‬ﺍﻟﱵ ﲤﺜﱢﻞ ﺍﻟﺒﻮﺡ ﺍﻟﻔﺮﺩﻱ‬
‫ـب‪ .‬وبنيــة احلقــل املعجمــي للشــعارات‪ ،‬ميكــن الوقــوف علــى نســق خطابــي‬ ‫ﻭﺍﻟﺸﺨﺼﻲ بتركيـ‬
‫ﻟﻸﻟﺘﺮﺍﺱ‪.‬‬ ‫فيمــا يتعلــق‬

‫متتــزج فيــه الــذات اجلمعيــة‪“ :‬مابغيتونــا نقــراو‪ ،‬مابغيتونــا خندمــو‪ ،‬مابغيتونــا نوعــاو”‪ ،‬و”ســكتونا‬

‫ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ“فهــاد لبــاد عايشــن ف‬


‫ﳋﻄﺎﺏللخــر”‪،‬‬
‫“جيناكــمﺔمــن‬ ‫ربــي”‪،‬‬
‫ﺍﳋﺮﻳﻄﺔ ﺍﳌﻌﺠﻤﻴ‬ ‫يــا‪ (2‬ﻳﺒﻴ‪w‬ﻦ‬ ‫بغينــا‬
‫ﺭﻗﻢ )‬ ‫ﺟﺪﻭﻝ‬‫بالفاليــوم”‪ ،‬و”احلريــة لــي‬

‫ﺍﳌﻠﻔﻮﻅ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ‬ ‫ﺍﻟﻮﺣﺪﺍﺕ ﺍﳌﻌﺠﻤﻴﺔ ﺍﻟﺒﺎﺭﺯﺓ‬ ‫ﻡ‬

‫"ﺳﻜﺘﻮﻧﺎ ﺑﺎﻟﻔﺎﻟﻴﻮﻡ"‬ ‫‪ 1‬ﺍﻟﻔﺎﻟﻴﻮﻡ )‪ :(Valium‬ﺩﻭﺍﺀ ﳐﺪﺭ ﺫﻭ ﻗﺪﺭﺓ ﺇﺩﻣﺎﻧﻴﺔ ﻋﺎﻟﻴﺔ‬

‫"ﺍﳊﺮﻳﺔ ﱄ ﺑﻐﻴﻨﺎ ﻳﺎ ﺭﰊ"‬ ‫‪" 2‬ﺍﳊﺮﻳﺔ"‬

‫‪" 3‬ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ" ﻓﻌﻞ ﻣﻘﺘﺮﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﰲ ﺻﻴﻐﺔ ﺍﻟﻨﻔﻲ "ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ" )ﻟﻦ ﺃﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﻦ‬
‫ﺃﺳﺘﺴﻠﻢ(‬ ‫ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﺍﳌﻐﺮﺑﻴﺔ ﻳﻘﺎﺑﻠﻪ ﺑﺎﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ‪(Je ne lâcherai‬‬
‫)‪pas‬‬

‫‪" 4‬ﻓﺎﻳﺮ" )‪) (Fire‬ﻛﻠﻤﺔ ﻣﻘﺘﺮﺿﺔ ﻣﻦ ﺍﻹﳒﻠﻴﺰﻳﺔ ﺗﻌﲏ "ﺍﻟﻨﺎﺭ"( "ﺍﳌﻌﻴﺸﺔ ﺃﻭﻥ ﻓﺎﻳﺮ"‬

‫"ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣ∫ﺤ‪Ã‬ﻜﹸﻮﺭ‪ Ã‬ﻛﻴﻔﻜﱠﺮ ﻓﹶﺎﻟﹾﺒ∫ﺎﺑﻮﺭ"‬ ‫‪ " 5‬ﺍﻟﺒﺎﺑﻮﺭ" )ﺍﳌﺮﻛﺐ‪ :‬ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﳍﺠﺮﺓ(‬

‫غمامــة”‪“ ،‬خالونــا كليتامــى”‪ ...‬والــذات الفرديــة‪“ :‬الهــدرة طلعــت ف راســي وغيــر فهموني”‪،‬‬

‫“مــا نالشــيش مــا نالشــيش”‪“ ،‬ملــن نشــكي حالــي”‪“ ،‬رانــي مغبــون”(‪ )23‬التــي مت ِّثــل البــوح‬
‫ ‪113‬‬
‫ ‬ ‫الفــردي والشــخصي لأللتــراس‪..‬‬

‫كلتــا الصيغتــن اخلطابيتــن‪ ،‬صيغــة املفــرد وصيغــة اجلمــع‪ ،‬ترتكــزان علــى تعابيــر وشــعارات‬

‫ومقــوالت تدخــل فــي إطــار التحــدي اإليجابــي وحتيــان علــى حقــول خطابيــة ترافعيــة مــن‬

‫ــرة‪“ :‬الشــعب‬ ‫ُ ْ‬ ‫ــادي َظ ْل ُم ِونــي”(‪ )24‬و”ملــن نشــكي حالــي”‪،‬‬


‫“ف ْب ِ‬
‫قبيــل‪ :‬املظلوميــة َ‬
‫واحلك َ‬
‫ــر َفا ْل َب ُّابــور”‪ ،‬واملمانعــة‪“ :‬املعيشــة أون فايــر”‪ ،‬و”جــاي ن َْك ِ‬
‫الشــي احلكومــة”‪،‬‬ ‫َّ‬
‫كــور َك ْي َفك ْ‬
‫ْ‬ ‫َم ْح‬
‫َ‬
‫ــيوش ْل َع ْســك ْر” (لــن ِّ‬
‫ألبــي الدعــوة للخدمــة العســكرية)‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫و”مغَ َن ْم ِش‬
‫َ‬
‫ﻛﻠﺘﺎ ﺍﻟﺼﻴﻐﺘﲔ ﺍﳋﻄﺎﺑﻴﺘﲔ‪ ،‬ﺻﻴﻐﺔ ﺍﳌﻔﺮﺩ ﻭﺻﻴﻐﺔ ﺍﳉﻤﻊ‪ ،‬ﺗﺮﺗﻜﺰﺍﻥ ﻋﻠﻰ ﺗﻌﺎﺑﲑ ﻭﺷﻌﺎﺭﺍﺕ ﻭﻣﻘﻮﻻﺕ ﺗﺪﺧﻞ ﰲ ﺇﻃﺎﺭ‬
‫ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﺍﻹﳚﺎﰊ ﻭﲢﻴﻼﻥ ﻋﻠﻰ ﺣﻘﻮﻝ ﺧﻄﺎﺑﻴﺔ ﺗﺮﺍﻓﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ‪ :‬ﺍﳌﻈﻠﻮﻣﻴﺔ "ﻑ∫ ﺑ‪Ã‬ﻼﺩ‪Á‬ﻱ ﻇﹶﻠﹾﻤﻮﻧﹺﻲ")‪ (24‬ﻭ"ﳌﻦ‬
‫‪| 152‬‬
‫ﻧﺸﻜﻲ ﺣﺎﱄ"‪ ،‬ﻭﺍﳊﹸﻜﹾﺮ≥ﺓ‪" :‬ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣ∫ﺤ‪Ã‬ﻜﻮﺭ‪ Ã‬ﻛﹶﻴ‪Ã‬ﻔﹶﻜﱠﺮ‪ Ã‬ﻓﹶﺎﻟﹾﺒ∫ﺎﺑ‪‰‬ﻮﺭ"‪ ،‬ﻭﺍﳌﻤﺎﻧﻌﺔ‪" :‬ﺍﳌﻌﻴﺸﺔ ﺃﻭﻥ ﻓﺎﻳﺮ"‪ ،‬ﻭ"ﺟﺎﻱ ﻧ∫ﻜﹾﻼﺷ‪Á‬ﻲ‬
‫ﺍﳊﻜﻮﻣﺔ"‪ ،‬ﻭ"ﻣ∫ﻐ∫ﻨ∫ﻤ‪Ã‬ﺸ‪Á‬ﻴﻮﺵ‪ Ã‬ﻟﹾﻌ∫ﺴ‪Ã‬ﻜﹶﺮ‪) "Ã‬ﻟﻦ ﺃﻟﺒ‪æ‬ﻲ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ(‪.‬‬

‫ﺟﺪﻭﻝ ﺭﻗﻢ )‪ (3‬ﻳﱪﺯ ﺍﳊﻘﻮﻝ ﺍﳋﻄﺎﺑﻴﺔ ﻟﺸﻌﺎﺭﺍﺕ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﺍﳌﻬﺘﻮﻓﺔ ﻭﺍ ﹸﳌ ≥ﻐﻨ‪¥‬ﺎﺓ ﻭﺍﳌﻜﺘﻮﺑﺔ‬

‫ﺍﳊﻘﻮﻝ ﺍﳋﻄﺎﺑﻴﺔ‬ ‫ﺍﳌﱳ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ‬ ‫ﻡ‬


‫ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬ ‫‪" 1‬ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣ∫ﺤ‪Ã‬ﻜﹸﻮﺭ‪ Ã‬ﻛﻴﻔﻜﱠﺮ ﻓﹶﺎﻟﹾﺒ∫ﺎﺑﻮﺭ"‪" ،‬ﻋ∫ﺎﻳ‪Ã‬ﺸ‪Á‬ﲔ‪ Ã‬ﻑ∫ ﻏﹾﻤ∫ﺎﻣ∫ﺔ"‪" ،‬ﺭﺍﱐ ﻣ∫ﻐ‪Ã‬ﺒﻮﻥﹾ"‪ ،‬ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣ∫ﺤ‪Ã‬ﻜﻮﺭ‪"Ã‬‬
‫ﺍﳌﻤﺎﻧﻌﺔ ﻭﺍﻹﺻﺮﺍﺭ‬ ‫‪" 2‬ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ ﻣﺎ ﻧﻼﺷﻴﺶ " )ﻟﻦ ﺃﺳﺘﺴﻠﻢ ﻟﻦ ﺃﺳﺘﺴﻠﻢ(‬
‫‪ " 3‬ﻣ∫ﻐ∫ﻨ∫ﻤ‪Ã‬ﺸ‪Á‬ﻴﻮﺵ‪ Ã‬ﻟﹾﻌ∫ﺴ‪Ã‬ﻜﹶﺮ‪) "Ã‬ﻟﻦ ﺃﻟﺒ‪æ‬ﻲ ﺍﻟﺪﻋﻮﺓ ﻟﻠﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ(‪" ،‬ﺟﺎﻱ ﻧ∫ﻜﹾﻼﺷ‪Á‬ﻲ ﺍﳊﻜﻮﻣﺔ" ﺍﻟﺼﺪﺍﻣﻴﺔ ﺍﳉﻤﺎﻋﻴﺔ‬
‫)ﺣﻀﺮﺕ ﻷﺗﻨﺎﺯﻉ ﻣﻊ ﺍﳊﻜﻮﻣﺔ(‬
‫ﺍﳌﺮﺍﻓﻌﺔ ﺍﻟﺸﻌﺒﻴﺔ‬ ‫‪" 4‬ﺑﺼﻮﺕ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﱄ ﻣﻘﻤﻮﻉ ﺟﺎﻱ ﻧﻐﲏ ﺟﺎﻱ ﻧﻘﻮﻝ"‬
‫‪" 5‬ﻣﺎﺑﻐﻴﺘﻮﻧﺎ ﻧﻘﺮﺍﻭ‪ ،‬ﻣﺎﺑﻐﻴﺘﻮﻧﺎ ﳔﺪﻣﻮ"‪" ،‬ﻣﺎﺑﻐﻴﺘﻮﻧﺎ ﻧﻮﻋﺎﻭ ﺑﺎﺵ ﺗﺒﻘﺎﻭ ﻓﻴﻨﺎ ﲢﻜﻤﻮ"‪" ،‬ﺧﻼﻭﻧﺎ ﻛﻲ ﺍﳊﺮﻣﺎﻥ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‬
‫ﺍﻟﻴﺘﺎﻣﻰ"‬
‫‪" 6‬ﰲ ﺑﻼﺩﻱ ﻇﻠﻤﻮﱐ"‪" ،‬ﻣﻮﺍﻫﺐ ﺿﻴﻌﺘﻮﻫﺎ ﺑﺎﻟﺪﻭﺧﺔ ﻫﺮ∆ﺳ‪Ã‬ﺘﻮﻫﺎ"‪" ،‬ﺻﺮﻓﻮﺍ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺣﺸﻴﺶ ﰲ ﻛﺘﺎﻣﺔ" ﺍﳌﻈﻠﻮﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻴﺌﻴﺲ‬
‫ﻓﻘﺪﺍﻥ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﰲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ‬ ‫‪" 7‬ﰲ ﺍﻟﻘﺒﺔ ﺍﻟﺘﻜﺮﻳﺮ ﻭﻑ ﺍﳌﻘﺮﺭ ﺍﻟﺒﻐﺮﻳﺮ"‬

‫ﻣﻦ تفاعالتهم‬
‫تنظيــم‬
‫ـى ﺍ‪°‬ﺘﻤﻊ‬‫ﺑﺎﻗﻲ إلـ‬
‫ﺃﻓﺮﺍﺩ‬ ‫ﻣﻊــون‬
‫الفاعل‬ ‫ﺗﻨﻈﻴﻢــراد‬
‫ﺗﻔﺎﻋﻼ‪ú‬ﻢ‬ ‫ﺇﱃ األف‬
‫يعمــد‬ ‫ـدة‪،‬‬
‫ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻮﻥ‬ ‫اجلديـ‬
‫ﻓﺮﺍﺩ‬ ‫ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ‪،‬ــهﻳﻌﻤﺪ ﺍﻷ‬
‫ﻭﺗﻌﺒﲑﺍﺗﻪوتعبيرات‬
‫االحتجاجــي‬
‫ـنﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ‬
‫فــي هـﰲـذاﻫﺬﺍاملـ‬
‫ﺍﳌﱳ‬
‫ـنﻜﱢﻞبنــاء املعنــى‬ ‫ﺃﻟﺘﺮﺍﺱت ِّكــن‬
‫ﺍﳌﻐﺮﺏمﺗـﺸ‬ ‫بعينهــا‪ُ ،‬‬ ‫ﺍﳉﻤﺎﻋﻲ‪.‬أدوار‬
‫ﻓﻔﻲ ﺣﺎﻟﺔ‬ ‫وتوزيــع‬ ‫ح ِتﺑﻨﺎﺀ‬
‫ها»‪،‬ﺍﳌﻌﲎ‬ ‫ـر َ‬
‫ﻣﻦ‬
‫«م ْسـ َ‬
‫ـال ﺗﻤ َﻜﱢﻦ‬ ‫ﺃﺩﻭﺍﺭخـ‬
‫ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻭﺗﻮﺯﻳﻊمــن‬
‫املجتمــع‬
‫ـرادﺣ∫ﺘ‪Á‬ﻬﺎ"‪،‬‬
‫ﺧﻼﻝ "أفﻣ∫ـﺴ‪Ã‬ﺮ∫‬
‫مــع باقــي‬
‫ﺗﻔﺎﻋﻼﺕ ﺍ‪°‬ﻤﻮﻋﺎﺕ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ‪ ،‬ﻣﺜﻞ‪ :‬ﻏﺮﻳﻦ ﺑﻮﻳﺰ‪ ،‬ﻭﻳﻨﺮﺯ‪ ،‬ﺣﻼﻟﺔ ﺑﻮﻳﺰ‪ ،‬ﻛﺎﺏ ﺳﻮﻻﻱ‪ ،‬ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺇﳝﺎﺯﻳﻐﻦ‪ ،‬ﺃﺳﺎﺱ‬
‫اجلماعــي‪ .‬ففــي حالــة ألتــراس املغــرب تشـ ِّ‬
‫ـكل تفاعــات املجموعــات االفتراضية‪ ،‬مثــل‪ :‬غرين‬
‫ﺑﻨﺎﺀ ﺍﳌﻌﲎ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ ﺑﺎﻻﺭﺗﻜﺎﺯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﳌﻌﻴﺸﻴﺔ ﻟﻠﻤﺘﻔﺎﻋﻠﲔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺇﺑﺪﺍﻉ ﻫﺎﺷﺘﺎﻏﺎﺕ ﻭﺭﺳﺎﺋﻞ‬
‫االحتجاجــي‬ ‫املعنــى‬
‫ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﻴ∞ﺎ‬ ‫ـاءﺒﺌﺔ ﳍﺎ‬
‫ـاسﻭﺗﺘﻢبنـﺍﻟﺘﻌ‬ ‫ـن‪ ،‬أسـ‬
‫ﺍﳋﻄﺎﺑﻴﺔ‬ ‫إميازيغـ‬
‫ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ‬ ‫ـراسﺗﻮ∫ﺯ∆ﻉ‬
‫ﻭ"ﺍﻟﻜﺘ∆ـﺎﺏ"‪.‬‬
‫ـوالي‪ ،‬ألت‬ ‫ﻃﺮﻑسـ‬
‫"ﺍﳌﺆﻟﻔﲔ"‬ ‫ـز‪،‬ﻣﻦكاب‬
‫ﻣﺘﻔﻖبويـ‬
‫ﻋﻠﻴﻬﺎ‬ ‫حاللــة‬ ‫ﻭﺃﻏﺎﻥــرز‪،‬‬
‫ﻭﺷﻌﺎﺭﺍﺕ‬ ‫بويــز‪ ،‬وين‬
‫ﲢﺖ ﻣﺴﺆﻭﻟﻴﺔ ﻭﺗﺄﻃﲑ ﻣﺴﻴ‪æ‬ﺮﻱ ﺍ‪°‬ﻤﻮﻋﺎﺕ "ﺍﻷﺩﻣﲔ" ﻭﻳﺘﻠﻘﺎﻫﺎ ﳎﻤﻮﻉ ﻣﻨﺨﺮﻃﻲ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﻟـ"ﺗ∫ﻤ‪Ã‬ﺜ‪Á‬ﻴﻠ‪Á‬ﻬﺎ" ﻭ"ﲡﺴﻴﺪﻫﺎ"‬
‫باالرتــكاز علــى البيئــة الثقافيــة واملعيشــية للمتفاعلــن مــن خــال إبــداع هاشــتاغات ورســائل‬
‫ﻭﺗ∫ﺨ‪Ã‬ﺮﹺﳚﹺﻬﺎ ﻛﻌﻤﻞ ﻣﺴﺮﺣﻲ ﳌﻔﺎﺟﺄﺓ "ﺍﳋﺼﻢ ﺍﳌﻔﺘﺮﺽ"‪ ،‬ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻛﻤﺘﻨﻔﺲ ﻟﻠﺘﻌﺒﲑ ﻋﻦ ﺩﺭﺍﻣﺎ ﻭﺍﺣﺘﻘﺎﻥ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ‬
‫ـائل اخلطابيــة‬
‫الرسـ‬
‫ﺠﺎﺟﺎﺕ‬ ‫ع ﺍﺣﺘ‬‫ـو َّز‬
‫ﺣﻮﻝ‬ ‫ﺍﳌﻜﻨﺎﺳﻲـ َ‬
‫ﺍﻟﻨﺎﺩﻱـاب»‪ُ .‬ت‬
‫و»الك َّتـ‬ ‫ﻻﻓﺘﺔـن»‬
‫ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ‬ ‫«املؤلفـ‬
‫ﻣﻀﻤﻮﻥ‬‫ـرف‬ ‫ـنﻨﻪطـ‬
‫ﺃﺩﻧﺎﻩ‬ ‫عليهــاﻛﻤﺎمـﻳﺒ∫ﻴ‪æ‬‬ ‫متفــق‬
‫ﻭﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ‬ ‫ـعاراتﺎﺳﻴﺔ‬ ‫وأغــان وشـ‬
‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴ‬
‫افتراضيــا حتــت مســؤولية وتأطيــر مسـ ِّـيري املجموعــات «األدمــن» ويتلقاهــا‬
‫ًّ‬ ‫ﺍﻷﺳﺎﺗﺬﺓ‪.‬ـة لهــا‬
‫وتتــم التعبئـ‬
‫ﺻﻮﺭﺓ ﺭﻗﻢ )‪ (1‬ﺗﻈﻬﺮ ﻻﻓﺘﺔ ﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﺍﻟﻨﺎﺩﻱ ﺍﳌﻜﻨﺎﺳﻲ ﻋﻦ ﺃﻭﺿﺎﻉ ﺍﻷﺳﺎﺗﺬﺓ ﺑﺎﳌﻐﺮﺏ )‪(25‬‬
‫لـ»ت ِث ِيلهــا» و»جتســيدها» َ ْ‬
‫مجمــوع منخرطــي األلتــراس َ ْ‬
‫وترِ ِ‬
‫يجهــا كعمــل مســرحي ملفاجــأة‬

‫«اخلصــم املفتــرض»‪ ،‬وكذلــك كمتنفــس للتعبيــر عــن درامــا واحتقــان األوضــاع االجتماعيــة‬
‫ ‪114‬‬
‫والسياســية واالقتصاديــة كمــا ُي َب ِّينــه أدنــاه مضمــون الفتــة ألتــراس النــادي املكناســي حــول‬
‫ ‬

‫احتجاجــات األســاتذة‪.‬‬

‫صورة رقم (‪ )1‬تظهر الفتة أللتراس النادي املكناسي عن أوضاع األساتذة باملغرب (‪)25‬‬
‫نص الالفتة‪« :‬لن تتقدم البالد ما دامت تسيء لألستاذ»‪.‬‬

‫لهــذا‪ ،‬يتــم لعــب األدوار فــي احتــرام تــام لآلخــر والبيئــة احمليطــة مــن خــال ميثــاق أخالقــي‬
‫ُّ‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪153‬‬

‫ـك» (شــجع‬ ‫ـج ْع فرقتــك بــا مــا ْ َ‬


‫ات َّســر َه َض ْر َتـ ْ‬ ‫يتأســس علــى خطــاب مواطــن متفــق عليــه‪« :‬شـ ِّ‬

‫الص َت ْ‬
‫ــك» (شــجع فرقتــك‬ ‫و»شــجع فرقتــك ونقــي ْاب ْ‬ ‫نابيــة)‪،‬‬
‫ﻟﻸﺳﺘﺎﺫ"‪.‬‬ ‫ألفــاظﺗﺴﻲﺀ‬
‫اســتعمال ﺩﺍﻣﺖ‬ ‫فرقتــك دون‬
‫ﺗﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻣﺎ‬ ‫ﺍﻟﻼﻓﺘﺔ‪" :‬ﻟﻦ‬ ‫ﻧﺺ‬
‫ِّ‬
‫وميكــن هــذا اإلطــار النظــري مــن فهــم التغيــر الــذي طــرأ علــى طبيعــة‬ ‫ِّ‬
‫ونظــف مكانــك)‪.‬‬
‫ﳍﺬﺍ‪ ،‬ﻳﺘﻢ ﻟﻌﺐ ﺍﻷﺩﻭﺍﺭ ﰲ ﺍﺣﺘﺮﺍﻡ ﺗﺎﻡ ﻟﻶﺧﺮ ﻭﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﶈﻴﻄﺔ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻴﺜﺎﻕ ﺃﺧﻼﻗﻲ ﻳﺘﺄﺳﺲ ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﺏ ﻣﻮﺍﻃﻦ‬
‫مت االنتقــال مــن مجتمــع التواصــل إلــى مجتمــع االتصــال‪ ،‬وأصبــح االتصــال‬
‫املجتمــع؛ حيــث َّ‬
‫ﻣﺘﻔﻖ ﻋﻠﻴﻪ‪" :‬ﺷﺠ‪æ‬ﻊ‪ Ã‬ﻓﺮﻗﺘﻚ ﺑﻼ ﻣﺎ ﺍﺗ‪Ã‬ﺨ∫ﺴ∆ﺮ ﻫ∫ﻀ∫ﺮ‪Ã‬ﺗ∫ﻚ‪) "Ã‬ﺷﺠﻊ ﻓﺮﻗﺘﻚ ﺩﻭﻥ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﻧﺎﺑﻴﺔ(‪ ،‬ﻭ"ﺷﺠﻊ ﻓﺮﻗﺘﻚ‬
‫كاســتراتيجية لـِ»ا َملســرحة» والتعبيــر عــن االحتجــاج‪ ،‬هــذا التحــول يســائل طبيعــة ونوعيــة‬
‫ﻓﺮﻗﺘﻚ َ َﻭﻧﻈﱢﻒ ﻣﻜﺎﻧﻚ(‪ .‬ﻭﳝﻜﱢﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻹﻃﺎﺭ ﺍﻟﻨﻈﺮﻱ ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﺍﻟﺘﻐﲑ ﺍﻟﺬﻱ ﻃﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﻃﺒﻴﻌﺔ‬
‫ْ‬ ‫ﻭﻧﻘﻲ ﺍﺑ‪Ã‬ﻼﺻ‪Ã‬ﺘ∫ﻚ‪) "Ã‬ﺷﺠﻊ‬
‫السياسـﹻـية"ﺍﳌﹶ ‪Ã‬‬
‫ﺴﺮ∫ﺣ∫ﺔ"‬ ‫اخلطــاب وكيفيــة مقاربــة هويــة احملتجــن اجلــدد مــع األخــذ بعــن االعتبــار الديناميــة‬
‫ﻛﺎﺳﺘﺮﺍﺗﻴﺠﻴﺔ ﻟ‬ ‫ﺍ‪°‬ﺘﻤﻊ؛ ﺣﻴﺚ ﰎﱠ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﻣﻦ ﳎﺘﻤﻊ ﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻞ ﺇﱃ ﳎﺘﻤﻊ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ‪ ،‬ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺍﻻﺗﺼﺎﻝ‬
‫ـدةﻣﻊ ﺍﻷﺧﺬ‬
‫ـددات االجتماعيــة والثقافيــة التــي أدت إلــى هــذه الفاعليــة (‪ )26‬اجلديـ‬
‫ﺍﳉﺪﺩ‬ ‫ﻫﺬﺍ ِّﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﻳﺴﺎﺋﻞ ﻃﺒﻴﻌﺔ ﻭﻧﻮﻋﻴﺔ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﻭﻛﻴﻔﻴﺔ ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﻫﻮﻳﺔ ﺍﶈﺘﺠﲔ‬ ‫فــي املغــرب واحملـ‬
‫ﻭﺍﻟﺘﻌﺒﲑ ﻋﻦ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺝ‪،‬‬
‫االفتراضيــة‪.‬ﺇﱃ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ )‪(26‬‬
‫ﻭﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔـة ﺍﻟﱵ ﺃﺩﺕ‬
‫ـدا لشــعور املواطنــة وهــو وعــاء املواطنـ‬
‫جديـ ًﺍﳌﻐﺮﺏ ﻭﺍﶈﺪ‪æ‬ﺩﺍﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬ ‫التــي أوجــدت وعــاء‬
‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﰲ‬ ‫ﺑﻌﲔ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭ ﺍﻟﺪﻳﻨﺎﻣﻴﺔ‬
‫مــن املالحــظ إذن أن الشــعارات املتداولــة لــم تصبــح مقتصــرة علــى جمهــور أو ألتــراس فريــق‬
‫ﺍﳉﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﱵ ﺃﻭﺟﺪﺕ ﻭﻋﺎﺀ ﺟﺪﻳﺪ‪É‬ﺍ ﻟﺸﻌﻮﺭ ﺍﳌﻮﺍﻃﻨﺔ ﻭﻫﻮ ﻭﻋﺎﺀ ﺍﳌﻮﺍﻃﻨﺔ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ‪.‬‬
‫معــن ومحصــورة فــي مواقــع بذاتهــا (مالعــب كــرة القــدم)‪ ،‬بــل صــار لهــا تواجــد وتــداول‬
‫ﻣﻦ ﺍﳌﻼﺣﻆ ﺇﺫﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﺸﻌﺎﺭﺍﺕ ﺍﳌﺘﺪﺍﻭﻟﺔ ﱂ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﻘﺘﺼﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﲨﻬﻮﺭ ﺃﻭ ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﻓﺮﻳﻖ ﻣﻌﲔ ﻭﳏﺼﻮﺭﺓ ﰲ ﻣﻮﺍﻗﻊ‬
‫مت مت ُّلكهــا مــن طــرف أطيــاف مختلفــة مــن املواطنــن ال عالقــة لهــم‬
‫خــارج هــذه املواقــع و َّ‬
‫ﺑﺬﺍ‪ú‬ﺎ )ﻣﻼﻋﺐ ﻛﺮﺓ ﺍﻟﻘﺪﻡ(‪ ،‬ﺑﻞ ﺻﺎﺭ ﳍﺎ ﺗﻮﺍﺟﺪ ﻭﺗﺪﺍﻭﻝ ﺧﺎﺭﺝ ﻫﺬﻩ ﺍﳌﻮﺍﻗﻊ ﻭﰎﱠ ﲤﻠﱡﻜﻬﺎ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﺃﻃﻴﺎﻑ ﳐﺘﻠﻔﺔ‬
‫بالرياضــة ويعيــدون تصريفهــا فــي مواقــع مجتمعيــة أخــرى‪ ،‬كاملعاهــد اجلامعيــة واألســواق‬
‫ﻣﻦ ﺍﳌﻮﺍﻃﻨﲔ ﻻ ﻋﻼﻗﺔ ﳍﻢ ﺑﺎﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻭﻳﻌﻴﺪﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﻔﻬﺎ ﰲ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﳎﺘﻤﻌﻴﺔ ﺃﺧﺮﻯ‪ ،‬ﻛﺎﳌﻌﺎﻫﺪ ﺍﳉﺎﻣﻌﻴﺔ ﻭﺍﻷﺳﻮﺍﻕ‬
‫واملســيرات االحتجاجيــة‪ .‬فاخلصــم لــم يعــد الفريــق املقابــل أو السياســة الرياضيــة أو اجلامعــة أو‬
‫ﻭﺍﳌﺴﲑﺍﺕ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻴﺔ‪ .‬ﻓﺎﳋﺼﻢ ﱂ ﻳﻌﺪ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ ﺍﳌﻘﺎﺑﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﳉﺎﻣﻌﺔ ﺃﻭ ﺍﳌﺪﺭﺏ ﻓﻼﻥ ﻣﺜﻠﹰﺎ‪ ،‬ﺑﻞ‬
‫املــدرب فــان مثـ ً‬
‫ـا‪ ،‬بــل السياســات احلكوميــة ومقرريهــا؛ فاملواجهــة اخلطابيــة تتــم بتفويــض‬
‫ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﳊﻜﻮﻣﻴﺔ ﻭﻣﻘﺮﺭﻳﻬﺎ؛ ﻓﺎﳌﻮﺍﺟﻬﺔ ﺍﳋﻄﺎﺑﻴﺔ ﺗﺘﻢ ﺑﺘﻔﻮﻳﺾ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﻛﺠﺴﺮ ﻟﻼﺣﺘﺠﺎﺝ ﻭﲢﻘﻴﻖ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﻴﺔ‬
‫ﻭﺍﻻﳔﺮﺍﻁ ﰲ ﺍ‪°‬ﺘﻤﻊ‪ .‬ﻓﻴﻤﺎ ﻣﻀﻰ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﳉﻤﺎﻫﲑ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ ﺗﺮﻓﻊ ﻻﻓﺘﺎﺕ ﺿﺪ ﺍﳌﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﻴﺔ‪ ،‬ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ ﺃﺻﺒﺤﺖ‬
‫ﺍﳌﻀﺎﻣﲔ ﺫﺍﺕ ﺍﳌﺮﺟﻌﻴﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﳊﻘﻮﻗﻴﺔ ﺗﻄﻐﻰ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺸﻌﺎﺭﺍﺕ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﳌﻼﻋﺐ‪.‬‬
‫ﺍﳌﺎﺩﻳﺔ‪ ،‬ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺼﺤﺔ ﻭﺍﻟﺘﺸﻐﻴﻞ ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﻣﺴﺘﻮﻯ ﺍﳌﻌﻴﺸﺔ )"ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣ∫ﻘﹾﻬﻮﺭ‪ ،"Ã‬ﻭ"ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﺭ∫ﺍﺟ∫ﻊ ﺍﻟﻠﱡﻮﺭ‪ ،"Ã‬ﻭ"ﺍﻟﺸﻌﺐ‬
‫ﻣ∫ﻬ‪Ã‬ﻤﻮﻡ‪ ،"Ã‬ﻭ"ﺍﻟﺸﻌﺐ ﻣ∫ﻀ‪Ã‬ﻴﻮﻡ‪ ،(27)("Ã‬ﻭﺃﻳﻀ‪É‬ﺎ ﻋﻠﻰ ﻧﻘﺪ ﻣﺮﻳﺮ ﻭﺳﺨﺮﻳﺔ ﻻﺫﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺎﺕ ﺍﻟﻌﻤﻮﻣﻴﺔ ﻣﺪﻋﻮﻡ‬
‫ﺧﻄﺎﺑﻴﺔ ﲨﺎﻋﻴﺔ ﺷﺒﺎﺑﻴﺔ ﻭﻧﺸﺎﻁ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﻲ ﻛﻤﺎ ﻳﻈﻬﺮﻩ ﺷﻌﺎﺭ "ﰲ ﺍﻟﻘﹸﺒ∆ﺔ ﺍﻟﺘ‪Ã‬ﻜﹶﺮ‪Ã‬ﻛ‪Á‬ﲑ‪ ..Ã‬ﻭﰲ ﺍﳌﹸﻘﹶﺮ∆ﺭ ﺍﻟﹾﺒ∫ﻐ‪Ã‬ﺮﹺﻳﺮ‪،"Ã‬‬ ‫ﺑﻌﺒﻘﺮﻳﺔ‬
‫‪| 154‬‬
‫ﻭﻫﻮ ﺷﻌﺎﺭ ﻳﺰﺩﺭﻱ ﺳﻠﻮﻛﺎﺕ ﺍﻟﱪﳌﺎﻧﻴﲔ ﺩﺍﺧﻞ ﻗﺒﺔ ﺍﻟﱪﳌﺎﻥ )ﳝﻀﻮﻥ ﻭﻗﺘﻬﻢ ﰲ ﺍﻟﻀﺤﻚ( ﻭﻳﻨﺘﻘﺪ ﺇﺩﺭﺍﺝ ﺍﻟﻠﻬﺠﺔ‬
‫ﺍﳌﻘﺮﺭﺍﺕ(‪.‬‬
‫ﰲ واالخنـ‬
‫ـراط فــي املجتمــع‪ .‬فيمــا مضــى كانــت‬ ‫)ﻣﻌﺠﻢ ﺍﻟﻌﺎﻣﻴﺔ‬
‫الفاعليــة‬ ‫ﺍﻷﻭﱄ‬
‫وحتقيــق‬ ‫ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢــاج‬
‫لالحتج‬ ‫ﻣﻘﺮﺭﺍﺕ‬
‫كجســر‬‫ﺍﳌﻐﺮﺑﻴﺔ ﰲ‬ ‫ﺍﶈﻠﻴﺔ‪/‬‬
‫الرياضــة‬

‫اجلماهيــر الرياضيــة ترفــع الفتــات ضــد املؤسســات الرياضيــة‪ ،‬واليــوم أصبحــت املضامــن ذات‬

‫املرجعيــة السياســية واحلقوقيــة تطغــى علــى الشــعارات داخــل املالعــب‪.‬‬


‫ً‬
‫تعويضــا ملواقــع االحتجــاج‬ ‫ومــع تراجــع الوســاطة املدنيــة والسياســية أضحــت املالعــب تشـ ِّ‬
‫ـكل‬

‫الكالســيكية (ســاحات املؤسســات احلكوميــة أو فــي مدينتــي الربــاط والــدار البيضــاء‪،)...‬‬

‫بــل مواقــع تتــم مــن خاللهــا التنشــئة السياســية الفرديــة واجلماعيــة وتقمــص هويــات «نضاليــة»‬

‫ظرفيــة‪ .‬وهــذه التنشــئة تســتند إلــى املطالبــة والترافــع علــى مجموعــة مــن القيــم املاديــة‪ ،‬مثــل‬

‫اجــع ال ُّل ْ‬
‫ــور»‪،‬‬ ‫الصحــة والتشــغيل والتعليــم ومســتوى املعيشــة («الشــعب َمقْ ُه ْ‬
‫ــور»‪ ،‬و»التعليــم َر َ‬
‫ً‬
‫وأيضــا علــى نقــد مريــر وســخرية الذعــة مــن‬ ‫ـوم»‪ ،‬و»الشــعب َم ْض ُيـ ْ‬
‫ـوم»)(‪،)27‬‬ ‫و»الشــعب َم ْه ُمـ ْ‬

‫ﺻﻮﺭﺓ ﺭﻗﻢ )‪ (2‬ﺗﱪﺯ ﺍﻧﺘﻘﺎﺩ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﻷﺩﺍﺀ ﺍﻟﱪﳌﺎﻧﻴﲔ ﻭﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﻌﺎﻣﻴﺔ ﰲ ﺍﳌﻘﺮﺭﺍﺕ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻴﺔ )‪(28‬‬

‫افتراضــي‬ ‫سياســي‬
‫ﳎﻠﺲ ﺍﻟﻨﻮﺍﺏ‪،‬‬ ‫ونشــاط‬
‫ﺍﳌﺒﺘﺬﻝ ﰲ‬ ‫شــبابيةﺍﻟﻀﺤﻚ‬
‫ﲢﻴﻞ ﻋﻠﻰ‬‫جماعيــة‬
‫خطابيــةﺘ‪Ã‬ﻜﹶﺮ‪Ã‬ﻛ‪Á‬ﲑ‪"Ã‬‬
‫بعبقريــة )ﻟﻔﻈﺔ " ﺍﻟ‬
‫مدعــومﺮ∆ﺭ‪ Ã‬ﺍﻟﹾ∫ﺒﻐ‪Ã‬ﺮﹺﻳﺮ‪"Ã‬‬
‫العموميــةﲑ‪ ..Ã‬ﻓﹶﺎﻟﹾﻤﻘﹶ‬
‫السياســاتﻟﹾﻘﹸﺒ∆ﺔ ﺍﻟﺘ‪Ã‬ﻜﹶﺮ‪Ã‬ﻛ‪Á‬‬
‫ﻧﺺ ﺍﻟﻼﻓﺘﺔ‪" :‬ﻓﹸﺎ‬
‫ﺍﶈﻠﻲ(‪.‬يــزدري ســلوكات‬
‫ﺍﳋﺒﺰ شــعار‬
‫ﻣﻦوهــو‬
‫ـر»‪،‬‬ ‫ـرر ا ْل‬
‫ﺑﺎﻟﻌﺎﻣﻴﺔ َبغْ رِﻧﻮيﻋـ‪É‬ﺎ ْ‬
‫وفــي ا ُ‬
‫ﻓﺘﻌﲏملقَ ـ َّ‬ ‫ـر‪..‬‬ ‫ﺇﱃــة ال ْت َك ْر ِ‬
‫ﺍﳌﻘﺮﺭﺍﺕكيـ ْ‬
‫ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﻴﺔ‬ ‫ـيﺖالقُ َّب‬
‫ـعار ﺃﹸﺩ‪«Ã‬فـﺧ‪Á‬ﻠﹶ‬
‫شـﺍﻟﱵ‬‫ـرهﹺﻳﺮ‪"Ã‬‬
‫يظهﺒ∫ـﻐ‪Ã‬ﺮ‬ ‫ﺃﻣﺎكمــا‬
‫ﻛﻠﻤﺔ " ﺍﻟﹾ‬
‫البرملانيــن داخــل قبــة البرملــان (ميضــون وقتهــم فــي الضحــك) وينتقــد إدراج اللهجــة احملليــة‪/‬‬
‫ ‪116‬‬
‫ ‬
‫ُّ‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪155‬‬

‫املغربيــة فــي مقــررات التعليــم األولــي (معجــم العاميــة فــي املقــررات)‪.‬‬


‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬
‫ـر” حتيــل علــى الضحــك‬ ‫ـر ْر ا ْل َبغْ رِ يـ ْ‬
‫ـر” (لفظــة “ ال ْتك ْر ِكيـ ْ‬ ‫“فا ْلقُ َّبــة ال ْتك ْر ِكيـ ْ‬
‫ـر‪َ ..‬فالقَ ـ َّ‬ ‫نــص الالفتــة‪ُ :‬‬

‫ـر” التــي ُأ ْد ِخ َلــت إلــى املقــررات الدراســية‬


‫املبتــذل فــي مجلــس النــواب‪ ،‬أمــا كلمــة “ ا ْل َبغْ رِ يـ ْ‬
‫نوعــا مــن اخلبــز احمللــي)‪.‬‬
‫فتعنــي بالعاميــة ً‬
‫وبالنظــر إلــى أن عــدد املنخرطــن فــي بعــض مجموعــات األلتــراس يفــوق املليــون منخــرط‪،‬‬

‫وهــم كذلــك فــي اتصــال مســتمر وتعبئــة متواصلــة عبــر يقظــة افتراضيــة وتفاعــل جماعــي‪،‬‬

‫ميكــن كذلــك التســاؤل حــول إمكانيــة انتقــال هــذا اجلمهــور االفتراضــي إلــى الواقــع امليدانــي‬

‫واالحتجــاج فــي الفضــاء الواقعــي‪ ،‬باعتبــار أن منســوب الوعــي السياســي لــدى األلتــراس قــد‬

‫ُي ِّكنهــم مــن التنظيــم والتحــرك خــارج أســوار املالعــب الرياضيــة‪ ،‬لتصبــح املواجهــة مباشــرة‬

‫مــع الســلطات واحلكومــة والدولــة كمــا وقــع مــع التالميــذ الرافضــن للســاعة اإلضافيــة فــي‬

‫ـول التفاعــل االفتراضــي إلــى فعــل واقعــي مــن خــال الوقفــات‬


‫عــدد مــن املــدن املغربيــة؛ إذ حتـ َّ‬
‫االحتجاجيــة أمــام املؤسســات التعليميــة‪ .‬فهــل ســيظل احتجــاج األلتــراس‪ ،‬فــي ظــل الصرامــة‬

‫واإلجــراءات الزجريــة جتــاه الفصائــل املشــجعة‪ ،‬حبيــس أســوار املالعــب ولــن يتعداهــا إلــى‬

‫الشــارع؟‬

‫‪ .4‬الفضاء الرقمي يف عالقته بإبداع أشكال جديدة من االحتجاج‬


‫رافــق دخــول األلتــراس إلــى عهــد االحتجــاج والنشــاط السياســي الرقمــي‪ ،‬أو مــا ُيط َلــق عليــه‬

‫“الهاكتيفيــزم” (‪ ،)Hacktivisme) (29‬بــزوغ مجتمــع سياســي مــن الشــباب املتصلــن والناشــطني‬

‫ا‪/‬رقميا‪ .‬فأضحــى نشــاط هــذا اجليــل مــن الشــباب مبثابــة متظهــرات لدميقراطيــة رقميــة‬
‫ًّ‬ ‫ـبكي‬
‫شـ ًّ‬
‫ترتهــن بالتحــوالت املجتمعيــة التــي بدورهــا أفضــت إلــى مصفوفــة مــن املتطلبــات واحلاجيــات‬

‫اجلديــدة علــى أساســها تتــم املمارســة السياســية‪ ،‬مــن قبيــل حاجيــات جماعيــة تتصــل بالقيــم‬

‫املاديــة‪ ،‬مثــل التشــغيل والصحــة والتعليــم واملواصــات والبنيــات التحتيــة والســكن واألمــن‬

‫واملــاء والكهربــاء… وحاجيــات خنبويــة ترتبــط بالقيــم غيــر املاديــة مــن قبيــل املطالبــة باملناصفــة‪،‬‬

‫وإلغــاء عقوبــة اإلعــدام‪ ،‬واحلريــات الفرديــة‪ ،‬وحريــة العقيــدة‪ ،‬واملســاواة فــي اإلرث‪ ،‬واحلــق‬
‫‪| 156‬‬

‫فــي اللغــة‪ ،‬واحلــق فــي الثقافــة‪.‬‬

‫مبــوازاة هــذه احلاجيــات اجلماعيــة والنخبويــة ظهــرت حاجيــات فرديــة حتيــل علــى قيــم احليــاة‬

‫التــي جتســدها مســيرات العطــش وغــاء املعيشــة ونســبة الوفيــات (الرضــع‪ ،‬النســاء احلوامــل)‪،‬‬

‫وعــودة بعــض األوبئــة (الســل والليشــمانيا واألمــراض التناســلية والســرطان…)‪ ،‬ووقــع التقلبــات‬

‫املناخيــة وعــدم التكافــؤ فــي توزيــع الثــروات؛ ممــا أدى إلــى خلــق فضــاء راديكالــي ومجــال‬

‫لثقافــة مضــادة ورأمســال رمــزي مكتســب رافــض للحلــول الوســطى فتحــول الفضــاء الرقمــي‬

‫ـرا عــن جتاهــل مت ُّثــات اآلخر‬


‫إلــى قنــاة للتحــدي واملقاومــة ومجــال لفــرض الــذات‪ ،‬وصــار تعبيـ ً‬
‫ً‬
‫ومجــال للمصاحلــة مــع الــذات‬ ‫الدونيــة (ربــط األلتــراس بالشــغب واملخــدرات واالحنــراف)‬

‫مــا نتــج عنــه تكامــل احتجــاج املالعــب باالحتجــاج الرقمــي وصــار مي ِّثــل آليــة واســتراتيجية‬

‫نضاليــة للضغــط والتحــاور والدفــاع عــن املكتســبات وحتقيــق املطالــب‪.‬‬


‫فــي هــذه احلالــة‪ ،‬هــل ُيشـ ِّ‬
‫ـكل احتجــاج الشاشــات (الســيلفيات ومقاطــع الفيديــو واألغانــي‬

‫واألناشــيد) أداة مســاعدة ومواكبــة الحتجــاج املالعــب أم إنــه أمــام عــدم فاعليــة احتجــاج‬

‫املالعــب ســتعمد األلتــراس إلــى نهــج االحتجــاج الرقمــي لتفــادي املواجهــة املباشــرة مــع‬

‫وجــر الفاعــل املؤسســاتي إلــى معتــرك العالــم االفتراضــي الــذي لــم يخبــر بعــد‬
‫ِّ‬ ‫الســلطات‬

‫متاهاتــه وحتدياتــه؟‬

‫لفهــم هــذا النــوع مــن املمارســة السياســية الرقميــة‪ ،‬حنيــل علــى عناصــر املــرور مــن التعبئــة‬

‫الرقميــة إلــى األثــر الواقعــي‪ ،‬وهــذه العناصــر تتمثَّــل فــي متلــك اخلطــاب االحتجاجــي‬

‫والترصيــد والتمكــن مــن خــال الرمزيــة االحتجاجيــة والعمــق التفاوضــي لشــعارات األلتــراس‬

‫وقدرتهــا علــى إعــادة بنــاء الــرأي العــام‪ .‬ويتــم هــذا البنــاء الداللــي عبــر اإلجمــاع علــى جــدوى‬

‫الفعــل االحتجاجــي الســيما مــع ردود الفعــل التــي تلــت منــع األلتــراس مــن املياديــن‪ ،‬وغيــاب‬

‫قطــب مناهــض ملجتمــع األلتــراس والتحــول مــن االعتبــارات املاديــة (املطالبــة برفــع التيفــوات‬

‫“لوحــات فنيــة”‪ ،‬ومتابعــة املقابــات والتنقــل مــع الفريــق‪ )...‬إلــى مت ُّثــات قيميــة رمزيــة حقوقية‬

‫ومجتمعيــة مــن قبيــل العدالــة والتضامــن والعيــش الكــرمي‪.‬‬


‫ﺟﺪﻭﻯ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ ﻻﺳﻴﻤﺎ ﻣﻊ ﺭﺩﻭﺩ ﺍﻟﻔﻌﻞ ﺍﻟﱵ ﺗﻠﺖ ﻣﻨﻊ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﻣﻦ ﺍﳌﻴﺎﺩﻳﻦ‪ ،‬ﻭﻏﻴﺎﺏ ﻗﻄﺐ ﻣﻨﺎﻫﺾ‬
‫‪°‬ﺘﻤﻊ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﻭﺍﻟﺘﺤﻮﻝ ﻣﻦ ﺍﻻﻋﺘﺒﺎﺭﺍﺕ ﺍﳌﺎﺩﻳﺔ )ﺍﳌﻄﺎﻟﺒﺔ ﺑﺮﻓﻊ ﺍﻟﺘﻴﻔﻮﺍﺕ "ﻟﻮﺣﺎﺕ ﻓﻨﻴﺔ"‪ ،‬ﻭﻣﺘﺎﺑﻌﺔ ﺍﳌﻘﺎﺑﻼﺕ ﻭﺍﻟﺘﻨﻘﻞ‬
‫ﻣﻊ ﺍﻟﻔﺮﻳﻖ‪ (...‬ﺇﱃ ﲤﺜﱡﻼﺕ ﻗﻴﻤﻴﺔ ﺭﻣﺰﻳﺔ ﺣﻘﻮﻗﻴﺔ ﻭﳎﺘﻤﻌﻴﺔ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﺍﻟﺘﻀﺎﻣﻦ ﻭﺍﻟﻌﻴﺶ ﺍﻟﻜﺮﱘ‪.‬‬

‫ﻋﻠﻰ ﺧﻄﺎﺏ‬
‫ﻌﺘﻤﺪ‪157‬‬ ‫ﻟﻸﻟﺘﺮﺍﺱ ﺍﻟﱵ ﺗ‬
‫السياسية |‬ ‫ﻟﻠﻤﻤﺎﺭﺳﺔ فيﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‬
‫المغرب وتأثيراته‬ ‫الخطاب ﺍﳉﺪﻳﺪ‬
‫االحتجاجي لأللتراس‬ ‫الت ﺍﳌﻨﻄﻖ‬
‫ﳚﺴﺪ‬ ‫ﻓﺎﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﰲ ﺻﻴﻐﺘﻪ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ ُّ‬
‫تمث‬

‫ﺍﳌﻮﺍﻃﻨﺔ ﺍﻻﻓﺘﺮﺍﺿﻴﺔ ﺑﺎﻻﺭﺗﻜﺎﺯ ﻟﻴﺲ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎ ﻣﻌﻴﻨﺔ‪ ،‬ﺑﻞ ﻋﻠﻰ "ﻣﻴﺪﻳﺎ")‪ (30‬ﺗﺆ∫ﺳ∆ﺲ ﻋﻠﻰ ﻣﺼﻔﻮﻓﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭ‬
‫فاالحتجــاج فــي صيغتــه االفتراضيــة يجســد املنطــق اجلديــد للممارســة السياســية لأللتــراس‬
‫ﺍﳌﻌﺒ‪æ‬ﺮﺓ ﻭﺍﳌﺆﺛﺮﺓ ﻭﻣﻘﺎﻃﻊ ﻓﻴﺪﻳﻮ ﺻﺎﺩﻣﺔ ﻭﺗﺼﺮﳛﺎﺕ ﻳﺎﺋﺴﺔ ﻭ"ﻫﺎﺷﺘﺎﻏﺎﺕ" ﻣﻌﺒﺌﺔ ﻭﻣﻘﻮﻻﺕ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻞ‪" :‬ﺍﻟﺸﻌﺐ"‬
‫التــي تعتمــد علــى خطــاب املواطنــة االفتراضيــة باالرتــكاز ليــس علــى أيديولوجيــا معينــة‪ ،‬بــل‬
‫ﻭ"ﺍﳊﻜﺮﺓ" ﻭ"ﺟﻴﻨﲑﺍﺳﻴﻮﻥ" )‪ (Génération‬ﲟﻌﲎ ﺍﳉﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﳝﺜﱢﻠﻪ ﺷﺒﺎﺏ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ‪ .‬ﻓﺈﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺝ‬
‫علــى “ميديــا”(‪ُ )30‬تؤَســس علــى مصفوفــة مــن الصــور املعبــرة واملؤثــرة ومقاطــع فيديــو صادمــة‬
‫َّ‬
‫ﺍﺣﺘﺠﺎﺟ‪É‬ﺎ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴ∞ﺎ ﻭﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳ∞ﺎ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴ∞ ِّﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺝ ﺍﻟﺮﻗﻤﻲ )ﺍﺣﺘﺠﺎﺝ ﺍﻹﻧﺘﺮﻧﺖ‬ ‫ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻲ )ﺍﺣﺘﺠﺎﺝ ﺍﳌﻼﻋﺐ(‬
‫وتصريحــات يائســة و”هاشــتاغات” معبئــة ومقــوالت بعينهــا مــن قبيــل‪“ :‬الشــعب” و”احلكــرة”‬
‫ﻭﺍﻟﺸﺎﺷﺎﺕ ﻭﺍﻟﺸﺒﻜﺎﺕ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ( ﻫﻮ ﺍﺣﺘﺠﺎﺝ ﺍﻓﺘﺮﺍﺿﻲ ﻋﺎﺑﺮ ﻟﻠﺤﺪﻭﺩ ﻭﻣﻨﻔﺘﺢ ﻋﻠﻰ ﲨﻴﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﻗﺎﺕ )ﻓﻠﺴﻄﲔ‪،‬‬
‫و”جينيراســيون” ((‪ Génération‬مبعنــى اجليــل الــذي ميثِّلــه شــباب األلتــراس‪ .‬فــإذا كان االحتجــاج‬
‫ﺍﳉﺰﺍﺋﺮ‪ ،‬ﺗﻮﻧﺲ‪ ،‬ﻣﺼﺮ‪ (...‬ﻳﺸﻜﱢﻞ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﺘﺸﺒﻴﻚ ﻭﺍﻻﺗﺼﺎﻝ ﻭﺍﻟﺘﺸﺎﺭﻙ ﺃﺩﺍﺓ ﻟﻠﺘﻤﺮ‪‰‬ﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺳﺘﻘﻄﺎﺏ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ‬
‫الواقعــي (احتجــاج املالعــب) احتجاجــا اجتماعيــا واقتصاديــا وسياســيا‪ ،‬فــإن االحتجــاج‬
‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬
‫ﺍﳌﺸﺘﺮﻛﺔ ﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ًّﺍﳌﻨﻄﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﺗﺒ∫ﻴ‪æ‬ﻨﻪ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺃﺩﻧﺎﻩ‬ ‫ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‬ ‫ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬ ‫ﻭﺍﻻﳔﺮﺍﻁ ﺍﳉﻤﺎﻋﻲ ﻭﺍﻻﻟﺘﻘﺎﺀ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ‬
‫الرقمــي (احتجــاج اإلنترنــت والشاشــات والشــبكات االجتماعيــة) هــو احتجــاج افتراضــي عابر‬
‫ﺍﻟﱵ ﺭﻓﻌﺘﻬﺎ ﺃﻟﺘﺮﺍﺱ ﺍﻟﺮﺟﺎﺀ ﺗﻨﺪﻳﺪ‪É‬ﺍ ﺑﺈﻋﺪﺍﻡ ﺗﺴﻌﺔ ﺷﺒﺎﻥ ﲟﺼﺮ )"ﺍﻟﺴﺠﺎﻥ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻊ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍﻷﺯﻣﺎﻥ‪ ،‬ﻣﻦ ﻳﻮﺳﻒ‬
‫للحــدود ومنفتــح علــى جميــع الســياقات (فلســطني‪ ،‬اجلزائــر‪ ،‬تونــس‪ ،‬مصــر‪ُ )...‬يشـ ِّ‬
‫ـكل فيــه‬
‫ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺇﱃ ﺷﺒﺎﻥ ﻣﺼﺮ ﺍﻟﺸﺠﻌﺎﻥ"(‪.‬‬

‫ﺻﻮﺭﺓ ﺭﻗﻢ )‪ (3‬ﺗﻮﺿﺢ ﺍﻟﺘﻘﺎﺀ ﺍﳌﺸﺠﻌﲔ ﺣﻮﻝ ﻗﻀﺎﻳﺎ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻭﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ )‪(31‬‬

‫اجلماعــي‬
‫ﺍﻟﺸﺠﻌﺎﻥ"‬ ‫ـراطﻣﺼﺮ‬
‫واالخنـ‬
‫ﺷﺒﺎﻥ‬ ‫ﺍﻟﺴﻼﻡـيﺇﱃ‬
‫ﻋﻠﻴﻪالسياسـ‬
‫ـتقطاب‬
‫ﻣﻦ االسـ‬
‫ﻳﻮﺳﻒ‬ ‫ﺍﻷﺯﻣﺎﻥ‪،‬علــى‬
‫ـرن‬
‫ﺍﺧﺘﻼﻑ للتمـ ُّ‬
‫ﻣﻊـارك أداة‬
‫والتشـ‬
‫ﻭﺍﺣﺪ‬‫واالتصــال‬
‫ـبيكﺍﻟﺴﺠ‪¥‬ﺎﻥ‬
‫ﻧﺺ التشـ‬
‫ﺍﻟﻼﻓﺘﺔ‪" :‬‬
‫وااللتقــاء حــول القضايــا االجتماعيــة والسياســية املشــتركة لبلــدان املنطقــة كمــا ت َُب ِّي ُنــه الصــورة‬

‫ـدا بإعــدام تســعة شــبان مبصــر (“الســجان واحــد مــع‬


‫أدنــاه التــي رفعتهــا ألتــراس الرجــاء تنديـ ً‬
‫ ‪118‬‬
‫ ‬ ‫اختــاف األزمــان‪ ،‬مــن يوســف عليــه الســام إلــى شــبان مصــر الشــجعان”)‪.‬‬
‫‪| 158‬‬

‫ـجان واحــد مــع اختــاف األزمــان‪ ،‬مــن يوســف عليــه الســام إلــى شــبان‬
‫نــص الالفتــة‪“ :‬السـ َّ‬
‫مصــر الشــجعان”‬

‫ميكــن اإلقــرار بــأن أحــد األســباب املباشــرة الحتجــاج األلتــراس فــي املغــرب هــو رغبــة األفــراد‬

‫فــي جتــاوز جميــع البنيــات السياســية والدينيــة والنقابيــة واملؤسســاتية والتحــرك دون مواجهــات‬

‫مباشــرة مــع الســلطة باالرتــكاز علــى ثقافــة “بارطجــي” (شــارك) كأداة لإلقنــاع والتوافــق‬

‫وااللتــزام اجلماعــي‪ .‬فاملمارســة االحتجاجيــة االفتراضيــة بالنســبة للفــرد واملجموعــات صــارت‬


‫تشـ ِّ‬
‫ـكل الضامــن الســتمرارية املمانعــة والتعبئــة‪ .‬وكنتيجــة لهــذه الثقافــة َّ‬
‫متكــن احلــراك الرقمــي‬

‫مــن إعــادة تصويــب الوعــي االجتماعــي والتفكيــر فــي غــزو فضــاءات أخــرى مــن خــال‬

‫جديــدا للتنشــئة االفتراضيــة يتأســس علــى يقظــة مواطنــة‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫مجــال‬ ‫ثقافــة مضــادة مــا جعلهــا‬

‫أفضــت إلــى نــزوح مــن العالــم الواقعــي إلــى العــام االفتراضــي‪ .‬وهــذه اليقظــة املواطنــة ترتكــز‬

‫علــى مبــدأ ســيادة املوقــف علــى الفاعــل‪ ،‬فأصبــح االفتراضــي هــو اجلســر اجلديــد لالحتجــاج‬

‫السياســي لأللتــراس وكآليــة للضغــط والتأثيــر‪.‬‬

‫م َّثــل فــي شــباب‬


‫وكمــآل حتمــي لهــذه املمارســة االحتجاجيــة‪ ،‬بــرز فاعــل سياســي جديــد ُ َ‬
‫األلتــراس الــذي يتميــز فعلــه ونشــاطه السياســي مبمارســة سياســية وســائطية رقميــة‪ ،‬بينمــا كانت‬

‫ـد َاو ُل فــي الســابق داخــل املالعــب الرياضيــة باملغــرب فــي غالبيتها‬
‫الشــعارات السياســية التــي ُت َتـ َ‬
‫وهوياتيــة مــن خــال التلويــح ببعــض الرمــوز مــن قبيــل العلــم الفلســطيني‬
‫َّ‬ ‫ذات صبغــة ســيميائية‬

‫أو األمازيغــي أو الباســكي أو صــور بعــض الشــخوص الثوريــة (شــي غيفــارا‪ ،‬وياســر عرفــات)‪.‬‬

‫أمــا بعــد شــهر مــارس‪/‬آذار ‪ ،2018‬وهــو تاريــخ الترخيــص بعــودة األلتــراس للمالعــب‪ ،‬صــارت‬

‫عاليــا مــن االحتجــاج واملطالــب االجتماعيــة والسياســية‬


‫ً‬ ‫ـوبا‬
‫الشــعارات خطابيــة تتضمــن منسـ ً‬
‫تــروم حتســن أوضــاع الشــباب املغربــي واالخنــراط فــي الديناميــة السياســية الوطنيــة واإلقليميــة‪.‬‬

‫‪ .5‬رهانات وتحديات الخطاب االحتجاجي‪ :‬ممارسة املواطنة‬


‫يبــدو أن التحــدي األســاس أمــام اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس هــو ربطــه بظاهــرة‬
‫ً‬
‫نقيضــا ملقولــة وخطــاب املواطنــة‪ .‬إن املعطــى األول الذي أرجــع املوضوع‬ ‫الشــغب(‪ )32‬واعتبــاره‬
‫ُّ‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪159‬‬

‫إلــى النقــاش مــن جديــد هــو أحــداث العنــف والتخريــب التــي تلــت بعــض املقابــات منهــا‬

‫أحــداث احلســيمة وســيدي قاســم (‪ )2018‬ووجــدة (‪ ،)2019‬كمــا أن مــا وقــع ويقــع مــن شــغب‬

‫منــذ ســنوات ميكــن تفســيره باالرتــكاز علــى عــدة محــددات يتداخــل فيهــا مــا هــو قانونــي مبــا‬

‫هــو مجتمعــي‪ ،‬ومــا هــو مرتبــط ببيئــة التنشــئة االجتماعية‪ ،‬ومحيــط العيش املشــترك‪ .‬فالشــباب‬

‫حــن ولوجــه للملعــب‪ ،‬حتــدث عنــده قطيعــة مــع منظومــة املواطنــة‪ ،‬ويخرج مــن امللعب بشــحنة‬

‫ـنجا وبــوادر‬ ‫مضــادة جتعلــه خــارج القانــون‪ ،‬ومــن ثــم يعيــث ً‬


‫عنفــا فــي احمليــط‪ ،‬ممــا يخلــق تشـ ً‬
‫ثقافــة كراهيــة بــن املواطنــن‪ .‬فــإذا كان مجــال الرياضــة مي ِّثــل فــي األصــل فضــاء للتعايــش‬

‫والتآخــي والــروح الرياضيــة‪ ،‬فهــذا املجــال فــي املغــرب‪ ،‬ينطــوي علــى بــؤر توتــر اجتماعيــة‪،‬‬

‫بحيــث يبــدأ بتوتــر رمــزي مــن خــال عنــف خطابــي يجســده التراشــق باأللقــاب والشــعارات‬

‫‪2016‬‬ ‫ـول إلــى عنــف مــادي ميكــن أن يســفر عــن خســائر فــي األرواح كمــا حــدث ســنة‬
‫ليتحـ َّ‬
‫بــن فصيلــن مــن ألتــراس فريــق الرجــاء (فصيــل النســور وفصيــل غريــن بويــز)‪.‬‬

‫وبالنســبة للحلــول التــي ميكــن مــن خاللهــا جتــاوز هــذه الظاهــرة‪ ،‬يبــدو أن الرجــوع إلــى‬

‫التجــارب الدوليــة فــي غايــة األهميــة الســيما التجربــة اإلجنليزيــة‪ .‬فــي إجنلتــرا ال يفصــل بــن‬

‫املدرجــات ورقعــة امللعــب إال متــران أو ثالثــة أمتــار فقــط‪ ،‬فلمــاذا ال يهجــم اجلمهــور وال تقــع‬

‫أعمــال شــغب؟ ألن الــذي يــؤدي مثــن التذكــرة‪ ،‬فــي القانــون اإلجنليــزي‪ ،‬هــو مواطــن معروف‪،‬‬

‫رقمــا معي ًنــا وتتوفــر الســلطات املعنيــة علــى كل املعطيــات التــي‬


‫ويجلــس فــي كرســي يحمــل ً‬
‫متفرجــا بــدون هويــة‪ ،‬يفعــل مــا يريــده بــا قيــود‪،‬‬
‫ً‬ ‫تهــم صاحبــه‪ .‬فالــذي يلــج امللعــب ليــس‬

‫ومحبــا لفريــق) مواط ًنــا‬


‫ًّ‬ ‫(متفرجــا‬
‫ً‬ ‫ـرج قبــل هويتــه العابــرة والظرفيــة‬
‫بــل يجــب أن يكــون املتفـ ِّ‬
‫ـارة ابتــداء مــن املقعــد الــذي يجلــس عليــه‪ ،‬حيــث يتــم ربطــه باملعطيــات‬
‫بهويــة محــددة وقـ َّ‬
‫الشــخصية‪ ،‬وبالتالــي فــإن ذلــك يفــرض عليــه احتــرام الفضــاء العمومــي‪َ َ ،‬‬
‫وت ُّمــل مســؤولية‬

‫ســلوكه كمواطــن‪.‬‬

‫كمــا جتــدر اإلشــارة إلــى أن إيجــاد احللــول لهــذه املشــكلة الشــبابية فــي احلالــة املغربيــة مرتبــط‬
‫ً‬
‫أيضــا مبحاضــن التنشــئة االجتماعيــة التــي تبتــدئ مــن املدرســة واألســرة ودور الشــباب وغيرها‪.‬‬
‫‪| 160‬‬

‫فــدور املدرســة مثـ ً‬


‫ـا يتجلــى كذلــك فــي التحســيس بإيجابيــات املواطنــة املســؤولة‪ ،‬ومحاربــة‬

‫خطابــا وممارســةً‪ ،‬وإرســاء مســارات املواطنــة والتربيــة علــى القيــم وتأهيــل‬


‫ً‬ ‫ثقافــة العنــف‪،‬‬
‫ومواكبــة اجلمعيــات الرياضيــة التــي ِّ‬
‫تؤطــر شــباب األلتــراس‪ .‬كمــا تبــرز فــي هــذا اخلضــم أهمية‬

‫“اليقظــة االســتراتيجية” التــي متنــع حــدوث أي عنــف أو شــغب قبــل أي مبــاراة مــن خــال تتبــع‬

‫رســائل وتفاعــات مجتمــع األلتــراس فــي الفضــاءات الرقميــة‪.‬‬

‫ومــن زاويــة أخــرى‪ ،‬ميكــن استشــراف رهانــات اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس فــي املغــرب‬

‫علــى ضــوء عــدة مؤشــرات‪ ،‬منهــا علــى ســبيل املثــال ال احلصــر‪:‬‬


‫ً‬
‫أول‪ :‬االحتبــاس القيمــي وتراجــع بعــض القيــم‪ ،‬مثــل‪ :‬التضامــن‪ ،‬واملســاواة‪ ،‬والعــدل‪،‬‬
‫ُّ‬
‫وجتــذر بعــض املقــوالت مثــل‪ :‬احلكــرة‪ ،‬والظلــم‪ ،‬واملظلوميــة‪ ،‬والفســاد‪،‬‬ ‫و”املعقــول”‪،‬‬

‫و”التشــرميل”(‪.)33‬‬

‫ثانيــا‪ :‬احلرمــان االقتصــادي الــذي يفســر انــدالع حــركات االحتجــاج الواســعة كنتيجــة النتشــار‬
‫ً‬
‫الفقــر والهشاشــة والتبئيــس بــن املواطنــن‪ ،‬وفقــدان الثقــة فــي الوظيفــة االجتماعيــة للسياســات‬

‫العموميــة (مســتوى املعيشــة‪ ،‬ودور القطــاع اخلــاص فــي حتســن البيئــة املعيشــية)‪.‬‬

‫ثال ًثــا‪ :‬االرتبــاك املجتمعــي مــع تزايــد الوعــي باحلقــوق املاديــة والتشــكيك فــي دور املنظومــة‬

‫السياســية واالقتصاديــة فــي حتســن البيئــة املشــتركة وخدمــة الصــاحل العــام‪.‬‬

‫رابعــا‪ :‬النفــور السياســي الواقعــي للشــباب؛ حيــث أصبــح االخنــراط فــي األحــزاب ومنظمــات‬
‫ً‬
‫املجتمــع املدنــي مــن مت ُّثــات احملظــور ممــا ســيؤدي إلــى تبخيــس العمــل السياســي واملدنــي‪،‬‬

‫ضربــا مــن “التجــارة” أو‬


‫ً‬ ‫عامــا ســيزداد ازدراؤه للسياســة والعمــل املدنــي باعتبــاره‬
‫رأيــا ًّ‬
‫ويخلــق ً‬
‫“االغتنــاء”‪.‬‬

‫خامســا‪ :‬إعــادة تســيس األلتــراس عبــر بوابــة االفتراضــي مــن خــال تنشــئة افتراضيــة مبنيــة على‬
‫ً‬
‫حقائــق معيشــة (فيديوهــات‪ ،‬صــور‪ ،‬هاشــتاغات‪ ،‬تــرول‪ ،‬أناشــيد) وليــس علــى أخبــار زائفــة‬

‫ممــا نتــج عنــه جيــل متصــل‪ ،‬كمــا تؤكــده بيانــات التقاريــر حــول الوضعيــة الرقميــة باملغــرب‪.‬‬

‫فــي هــذا الصــدد‪ ،‬كشــفت مؤسســة “هــوت ســويت” (‪ ،)Hootsuite‬فــي تقريرهــا الســنوي املعنــون‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪161‬‬
‫ُّ‬

‫بـ”احلالــة الرقميــة فــي العالــم لســنة ‪ ،)34(”2019‬بخصــوص انتشــار مواقــع التواصــل االجتماعــي‬

‫فــي املغــرب‪ ،‬عــن كــون نســبة اســتخدام الشــبكة العنكبوتيــة مــن ِق َبــل املغاربــة وصلــت إلــى‬

‫‪ 62%‬وهــي نســبة تفــوق املعــدل العاملــي الــذي يبلــغ ‪ ،57%‬أي مــا يعــادل ‪ 22.57‬مليــون مغربــي‪.‬‬

‫وتبلــغ نســبة ولــوج املغاربــة إلــى الشــبكة العنكبوتيــة ‪ 86%‬كل يــوم‪ .‬أمــا بخصــوص اســتعمال‬

‫مواقــع التواصــل االجتماعــي‪ ،‬فقــد أكــدت بيانــات التقريــر أن “واتســاب” يحتــل املركــز األول‬

‫‪.60%‬‬ ‫متبوعــا مبوقــع “فيســبوك” بنســبة ‪ ،76%‬يليــه “يوتيــوب” بنســبة وصلــت‬


‫ً‬ ‫بنســبة ‪،87%‬‬

‫وتبعــا لهــذه املؤشــرات املجتمعيــة‪ ،‬ميكــن رصــد بعــض حتديــات التحــوالت االجتماعيــة فــي‬
‫ً‬
‫ملحــة‬
‫عالقتهــا بالســلوك االحتجاجــي لأللتــراس‪ .‬فاســتعجال البدائــل التنمويــة يبــدو ضــرورة َّ‬

‫للفعــل التدبيــري ا ُمل َعقْ َلــن والرؤيــة السياســية االســتباقية لكيــا تتحـ َّ‬
‫ـول حالــة التبئيــس و”قلــة‬

‫احليلــة” التــي يعانــي منهــا شــباب األلتــراس إلــى عصيــان مدنــي يجــد مبرراتــه فــي إحبــاط‬

‫َســس علــى مت ُّثــات عفويــة حــول تنميــة غيــر عادلــة تعيــد وجــدان‬
‫مجالــي وخطــاب درامــي ُمؤ َّ‬
‫األلتــراس إلــى ثنائيــة قاتلــة متيــز بــن “مجــاالت غنيــة متطــورة” و”مجــاالت فقيــرة متخلفــة”‪.‬‬

‫ـوة إلــى االنكبــاب علــى إعــادة الديناميــة إلــى احلركيــة االجتماعيــة التــي‬
‫مدعـ َّ‬
‫ُ‬ ‫كمــا أن احلكومــة‬

‫شــهدت فرملــة فــي ظــل التحــوالت املجتمعيــة التــي يشــهدها املغــرب‪ .‬وكنتيجــة مباشــرة لهــذه‬

‫ـرا علــى االســتقرار االجتماعــي‬ ‫ِّ‬


‫الفرملــة تالشــت الطبقــة الوســطى‪ ،‬والتــي يشــكل تالشــيها خطـ ً‬
‫فــي املغــرب؛ فالطبقــة الوســطى فــي املغــرب تعيــش تص ُّل ًبــا؛ نتــج عــن تفــاوت فــي تكافــؤ‬

‫الفــرص فــي املنظومــة االقتصاديــة واالجتماعيــة‪ ،‬وتراجــع مؤشــرات الرقــي االجتماعــي التــي‬

‫كان مي ِّثــل التعليــم والتكويــن محركهــا األساســي‪ ،‬وأضحــت معهــا شــريحة الشــباب ومــن بينهــا‬

‫األلتــراس تشــعر بأنهــا فقيــرة وفــي وضعيــة هشاشــة‪ .‬كمــا أن مــن بــن متظهــرات هــذه الفرملــة‬
‫عــودة التم ُّثــات اإليجابيــة حــول الهجــرة الســرية؛ ذلــك أن الشــبان املغاربــة أضحــوا ِّ‬
‫يفضلــون‬

‫الهجــرة واملغامــرة بأرواحهــم فــي عــرض البحــر ومشــاركتها بالســيلفي كنــوع مــن حكايــات‬

‫اقتصاديــا كمــا تــردده الزمــة إحــدى أغانــي‬


‫ًّ‬ ‫النجــاح علــى البقــاء فــي املغــرب وعــدم إدماجهــم‬
‫َّ‬
‫ف ا ْل َب ُّابــور” (الشــعب مقهــور يفكــر فــي الهجــرة)‪.‬‬ ‫ـور َك ْي َفكـ ْ‬
‫ـر َ‬ ‫“حاللــة بويــز” “الشــعب َمقْ ُهـ ْ‬
‫‪| 162‬‬

‫‪ .6‬احتجاج األلرتاس‪ :‬معارضة سياسية من خارج البنيات املنظمة‬


‫فــي ظــل تراجــع الوســاطة املؤسســاتية والسياســية واملدنيــة ومتوقــع املعارضــة الفعليــة داخــل‬

‫الشــارع (‪ )35‬وفــي مواقــع الفضــاء الرقمــي‪ ،‬أي خــارج املؤسســات والبنيــات املنظمــة‪ ،‬انتقلــت‬

‫املعارضــة الواقعيــة إلــى معارضــة افتراضيــة جتــاوزت مفعــول وتأثيــر املعارضــة السياســية‬
‫لزامــا علــى‬
‫الكالســيكية‪ ،‬حتــى أصبحــت هــذه األخيــرة تابعــة لهــا ولنبضهــا وإيقاعاتهــا وصــار ً‬
‫الفاعــل السياســي اســتباق التفاعــات االفتراضيــة حــول الراهــن املغربــي لكــي ال يظــل فــي‬

‫حالــة شــرود‪ .‬وهــذا مــا ميكــن ال َّتمثيــل لــه مــن خــال تأويــل بعــض الفاعلــن السياســيني مــن‬

‫ـادي َظ ْل ُم ِونــي” علــى أســاس أنهــا صرخــة ضد‬


‫“ف ْبـ ِ‬
‫داخــل البرملــان لبعــض أناشــيد األلتــراس َ‬

‫مروجــي املخــدرات وليســت ضــد السياســات العامــة للحكومــة‪.‬‬

‫ـرف‬
‫فــي املقابــل‪ ،‬يعيــش الشــباب‪ ،‬وضمنهــم جمــوع األلتــراس‪ ،‬حالــة اغتــراب سياســي ُيصـ َّ‬
‫عبــر االخنــراط فــي الشــبكات االفتراضيــة وتعويــض هوياتــي مت مــن خاللــه اســتقالة الهويــات‬

‫الواقعيــة وحتميــل هويــات جديــدة ذات طبيعــة افتراضيــة بخطــاب نوعــي ينهــل مــن حقــول‬
‫دالليــة ترافعيــة‪ .‬وهــذا مــا يعكــس ً‬
‫منطــا مــن االحتبــاس القيمــي وســط الشــباب يحيــل بــدوره‬

‫علــى درجــة معينــة مــن اإلحبــاط (‪ )36‬كباعــث علــى االحتجــاج يتــم التعايــش معــه عبــر‬

‫نوعــا حديثًــا مــن اإلدمــان‪ :‬اإلدمــان اإللكترونــي‪ .‬فــي‬


‫ســلوك اتصالــي ال يعــدو أن يكــون ً‬
‫ـزءا مــن العالــم املعولــم‪ ،‬ومــن اآلثــار املترتبــة عــن‬
‫هــذا اخلضــم‪ ،‬أصبــح األلتــراس املغربــي جـ ً‬
‫عامــا”(‪ )37‬للحــوار وبلــورة خطــاب احتجاجــي يوفــر‬
‫هــذا التحــول أن اإلنترنــت أصبــح “فضــاء ًّ‬
‫واســعا مــن احلريــة لتــداول القضايــا ذات األولويــة بالنســبة لأللتــراس‪ .‬كمــا أن هــذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هامشــا‬

‫ـبيا مــن الرقابــة الرمسيــة‪ ،‬فاملواطنــة الواقعيــة‬


‫التحــول أفضــى إلــى نــوع مــن التــداول املتحــرر نسـ ًّ‬
‫أضحــت افتراضيــة مفتوحــة علــى جميــع الرهانــات‪.‬‬

‫ميكــن وصــف هــذا النــوع مــن املواطنــة كشــكل مــن أشــكال الوعــي السياســي لأللتــراس الــذي‬

‫أتــاح بنــاء خطــاب جامــح بـ”فاعليــة” تكتســح مســاحات إضافيــة داخــل األســرة ومختلــف‬

‫البنيــات املجتمعيــة‪ ،‬وقــد تتحــول إلــى ســلوك معــارض يســتمد قوتــه مــن املشــاركة الرقميــة‪.‬‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪163‬‬
‫ُّ‬

‫وممــا يزكــي هــذه املالحظــات أن الشــبان املغاربــة‪ ،‬وضمنهــم األلتــراس‪ ،‬يقضــون وق ًتــا أطــول‬

‫املنجــز مــن طــرف الوكالــة الوطنيــة‬


‫َ‬ ‫علــى اإلنترنــت؛ فقــد أكــد البحــث امليدانــي الســنوي‬

‫لتقنــن املواصــات حــول مؤشــرات تكنولوجيــا املعلومــات واالتصــال لــدى األســر واألفــراد‬

‫(‪ ،)38‬لســنة ‪ ،2018‬أن عــدد مســتعملي اإلنترنــت فــي املغــرب يفــوق املتوســط العاملــي بـــ‪ 8‬نقــاط‬

‫يوميــا‪ ،‬ومــا يقــارب نصفهــم يقضــون أكثــر مــن‬


‫ًّ‬ ‫وأن ثلثــي املســتعملني يســتخدمون اإلنترنــت‬

‫ســاعة علــى اإلنترنــت مــن خــال الهاتــف احملمــول‪ .‬فــي ظــل هــذا الواقــع الرقمــي وانطالقً ــا‬

‫مــن اإلحصائيــات حــول أناشــيد وأغانــي األلتــراس‪ ،‬ميكــن اإلقــرار بأننــا إزاء عهــد جديــد‬

‫مــن اخلطــاب االحتجاجــي أال هــو “اخلطــاب االحتجاجــي الرقمــي” الســيما إذا مت االســتدالل‬

‫ـادي َظ ْل ُم ِونــي” التــي جتــاوز عــدد متتبعيهــا ســتة ماليــن وتقدمــت علــى أغنيــة‬
‫“ف ْبـ ِ‬
‫بأغنيــة َ‬

‫وشــعار فريــق برشــلونة اإلســباني‪.‬‬

‫ضروريــا َسـ ْـب ُر أغــوار العالــم الرقمــي‪ ،‬والتفاعــل مــع الشــباب‪ ،‬واالشــتغال علــى‬
‫ًّ‬ ‫لهــذا‪ ،‬أصبــح‬

‫ــر تداعياتــه ليتمكــن الفاعــل السياســي مــن استشــراف‬


‫وخ ْب ُ‬
‫منطقــه‪ ،‬والغــوص فــي آلياتــه‪َ ،‬‬
‫مــآالت املعارضــة السياســية لأللتــراس‪ ،‬واقتــراح وإقــرار السياســات العموميــة املالئمــة‬

‫للمرحلــة‪ ،‬والقبــول بتراجــع فعــل وأثــر الدميقراطيــة التمثيليــة والدميقراطيــة التشــاركية‪ .‬لهــذا‪،‬‬

‫ولفهــم أشــكال اخلطــاب االحتجاجــي‪ ،‬الســيما مــع أفــول عهــد الوســاطة املدنيــة والسياســية‪،‬‬

‫ســمى‬
‫يتوخــى التعامــل مــع التعابيــر االحتجاجيــة لأللتــراس ليــس مــن داخــل نســق مــا ُي َّ‬
‫أساســا مــن داخــل نســق ومنطــق التغيــر السياســي (‪ .)39‬مــن هــذا‬
‫ً‬ ‫االنتقــال الدميقراطــي بــل‬

‫املنطلــق‪ ،‬ســيتمكن اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس مــن التأثيــر علــى املشــروع املجتمعــي‬

‫املغربــي النتقالــه مــن فضــاء محــدود (مالعــب كــرة القــدم) إلــى فضــاء مترامــي األطــراف أال‬

‫وهــو العالــم الرقمــي وخلــق نــوع جديــد مــن التنشــئة االحتجاجيــة يصبــح معهــا االفتراضــي‬

‫اجلســر الوحيــد للممارســة السياســية للشــباب املغاربــة‪.‬‬

‫لإلملــام بتأثيــر اخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس علــى احمليــط االجتماعــي والسياســي وخلفياتــه‪،‬‬

‫ميكــن االرتــكاز علــى طبيعــة القيــم التــي يحملهــا النــزوح الرقمــي لأللتــراس والفــرص التــي‬
‫‪| 164‬‬

‫يقدمهــا لتعزيــز قيــم املواطنــة واحلريــة والدميقراطيــة والتحديــات التــي يطرحهــا علــى مســتوى‬

‫محاضــن التنشــئة (األســرة‪ ،‬املدرســة‪ ،‬جمعيــات املجتمــع املدنــي‪ ،‬األحــزاب)‪ .‬فمــن القيــم‬
‫اجلديــدة التــي أتاحهــا هــذا اخلطــاب‪ ،‬يجــب التذكيــر ً‬
‫أول بقيمــة الفرديــة اجلماعيــة؛ فمــن‬
‫ً‬
‫مدخــا لإلحســاس بشــعور‬ ‫ِّ‬
‫يشــكل التمريــن السياســي بالنســبة للمحتجــن‬ ‫هــذا املنظــور‬

‫ـت” واملغاربــة واملواطنــن إلــى‬ ‫َّ َ‬


‫الـ”تغْ َربِ يـ ْ‬ ‫ـم االنتقــال مــن مقولــة‪:‬‬
‫املواطنــة والتغيــر الوجــودي فتـ َّ‬
‫مقــوالت جديــدة‪ ،‬مثــل مقولــة‪“ :‬الشــعب” و”اليتامــى” التــي حتيــل عامــة علــى الطبقــة الفقيــرة‬

‫ثانيــا‪ :‬قيمــة “التضامــن غيــر املشــروط” بحســب الوقائــع واألحــداث الراهنــة واملتواتــرة‬
‫واملعــوزة‪ً .‬‬
‫فــي شــكل ملصقــات وصــور وشــعارات متضامنــة مــع حــدث أو شــخص كمــا هــي احلــال‬

‫بالنســبة أللتــراس “لــوس ماطادوريــس” ‪ ،))Los Matadores‬وهــو الفصيــل املشــجع لنــادي املغــرب‬

‫التطوانــي‪ ،‬فيمــا يتعلــق بالطالبــة “حيــاة” الشــابة التــي قضــت خــال محاولتهــا العبــور إلــى‬

‫إســبانيا (‪ .)40‬ثال ًثــا‪ :‬قيمــة الرقابــة املجتمعيــة؛ حيــث يصبــح شــباب األلتــراس فــي تربص مســتمر‬

‫بالوقائــع واحلقائــق التــي متــس احليــاة العامــة للمغاربــة عبــر ثقافــة املكاشــفة مــن خــال فعــل‬

‫النشــر واملشــاركة‪“ :‬لــوح” و”بارطجــي” فــي فيســبوك أو واتســاب كتعبيــر خطابــي وتواصلــي‬

‫سياســي يرمــي لكشــف وفضــح الواقــع املعيــش‪.‬‬

‫مــن هــذه الزاويــة‪ ،‬ميكــن توصيــف احتجــاج املعارضــة لأللتــراس مــن خــال جدليــة املشــاركة‬

‫السياســية واملطالبــة املواطنــة‪ .‬هــذه املعارضــة اجلديــدة تو َّلــد عنهــا حتــول فــي طبيعــة اخلطــاب‬

‫االحتجاجــي؛ حيــث أصبحــت الســمة الغالبــة هــي التصادميــة (‪ .)41‬ومــن تبعــات هــذه‬

‫التصادميــة‪ ،‬ميكــن أن نشــير إلــى‪ :‬تراجــع االخنــراط فــي العمــل السياســي واملدنــي وحتييــد‬
‫يــف ْب ِغي ُتــو ت ُْش ُ‬
‫ــوفوها؟!”‪،‬‬ ‫ض َّي ْع ُتوهــا ‪ِ ...‬ك ْ‬
‫وتقويــض الوســاطة السياســية واملدنيــة‪“ :‬مواهــب َ‬

‫اع ْك ِلي ُتوهــا ْل َب َّر ِانــي ْع َط ْي ُتوهــا”‪ .‬فــي‬


‫ـاد َك ْ‬
‫ـوس َل ْبـ ْ‬
‫“ف ُلـ ْ‬ ‫وجتـ ُّ‬
‫ـذر فقــدان الثقــة بــن الدولــة والشــباب ْ‬

‫و”ه َمــا” (هــم) (ثنائيــة الـ”حنــن” والـ”هــم”) وبــروز‬


‫“ح َنــا” (حنــن) ُ‬
‫املقابــل‪ ،‬نشــهد تضخــم ثنائيــة ْ‬
‫ثقافــة التفويــض علــى اعتبــار أن األلتــراس “يتكلمــون” بــل صــاروا صــوت املجتمــع و”الشــعب”‬

‫كمــا ورد فــي نشــيد “وينــرز”‪ ،‬وهــو فصيــل ألتــراس فريــق الــوداد البيضــاوي “بِ َصـ ْ‬
‫ـوت الشــعب‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪165‬‬
‫ُّ‬

‫ـاي نْغَ ِّنــي َجــاي ن ُْكـ ْ‬


‫ـول”‪.‬‬ ‫ِلــي َمقْ ُمـ ْ‬
‫ـوع َجـ ْ‬
‫ومبــوازاة عــودة صــراع األجيــال مــن خــال متثــات انطباعيــة حــول جيــل األلتــراس‪:‬‬

‫ـرم ِلني”‪“ ،‬مجرمــن”‪ ...‬بــرزت حالــة مجتمعيــة مــن التمييــز الســلبي َّ‬
‫عبــرت عنهــا أغنيــة‬ ‫“م َشـ ْ‬
‫ْ‬
‫“حاللــة بويــز” “فـــي تعليــم إِ َك ْل ُخو َنــا‪ ،‬بِ َز ْر َو َ‬
‫اطــة إفكرونــا‪ ،‬وعلــى حقوقنــا إمنعونــا ويقمعونــا‪،”..‬‬

‫وأغنيــة ألتــراس إميازيغــن فــي توصيفهــا لســلوكات رجــال الســلطة‪“ :‬يقمــع ويضــرب ِف َّيــا‪،‬‬

‫ف َع ْي ِن َّيــا”‪ .‬لهــذا‪ ،‬فمنطــق التمييــز الســلبي نتجــت عنــه تعابيــر‬ ‫ت َْه ُم ِونــي َ‬
‫وظ ْل ُم ِونــي َّ‬
‫والد ْم َعــة ْ‬

‫خطابيــة رافضــة ومعارضــة مــن خــارج البنيــات الســيما مــع أفــول اخلطــاب االحتجاجــي‬

‫املؤســس علــى تعبئــة‬


‫َّ‬ ‫املدنــي والسياســي املنظــم وجتــدد االحتجــاج العفــوي وغيــر املنظــم‬

‫افتراضيــة مبنزلــة ممارســة ومتريــن سياســي فــردي وجماعــي لشــرائح احتجاجيــة جديــدة مثــل‬

‫األلتــراس والتالميــذ والنســاء‪.‬‬

‫فــي هــذا الســياق‪ ،‬لــم تشــفع كل السياســات العموميــة اخلاصــة بالتشــغيل وتقليــص الفــوارق‬

‫االجتماعيــة(‪ )42‬فــي احلــد مــن معــدالت البطالــة بــل عجــزت احلكومــات املتعاقبــة عــن إيجــاد‬

‫ـرا فــي أوســاط األلتــراس‬


‫ـارا كبيـ ً‬
‫حــل جــذري وملمــوس لهــذه الظاهــرة‪ ،‬والتــي تعــرف انتشـ ً‬
‫وتســهم فــي تنامــي احتجــاج املالعــب نتيجــة تدهــور الدخــل املعيشــي لألســر املغربيــة‪ ،‬فيتحول‬

‫الشــباب مــن باحثــن عــن العمــل إلــى محتجــن وضحايــا لسياســات تشــغيلية‪ .‬وأصبحــت‬

‫عالقــة البطالــة باحتجــاج األلتــراس عالقــة ترابطيــة تتمخــض عنهــا خســائر وأعــراض جانبيــة‪.‬‬

‫ومــن بــن هــذه اخلســائر واألعــراض اجلانبيــة هنــاك العنــف بجميــع متظهراتــه والــذي ميكــن‬
‫ً‬
‫مرتبطــا بنتيجــة مقابلــة‬ ‫رصــده داخــل مالعــب كــرة القــدم أو خارجهــا‪ ،‬وهــذا العنــف ليــس‬

‫كــرة القــدم بــل بلحظــة للتنفيــس عــن ظلــم اجتماعــي ُيصــرف مــن خــال خطــاب احتجاجــي‬

‫ـرة”(‪ )43‬التــي مــن تداعياتهــا تهديــد األمــن والســلم االجتماعيــن‬ ‫مؤســس علــى شــعور ُ ْ‬
‫“احلكـ َ‬ ‫َّ‬
‫فــي ظــل االنســداد السياســي وارتبــاك القيــم االجتماعيــة‪.‬‬

‫لهــذا‪ ،‬ميكــن إيجــاز الفعــل االحتجاجــي لأللتــراس باالعتمــاد علــى الشــكل أدنــاه الــذي‬

‫يســاعد علــى فهــم مصفوفــة عناصــر بروفايــل أفــراد األلتــراس باملغــرب‪ ،‬وهــو شــكل يوضــح‬
‫‪| 166‬‬

‫رقميــا مبحيطــه االجتماعــي والسياســي مــن خــال ســلوك معارضــة‬


‫ًّ‬ ‫عالقــة جيــل متصــل‬

‫جديــدة ينبنــي علــى خطــاب احتجاجــي فاعــل ومؤثــر يرمــي إلــى تعميــق االنتمــاء وجتــذر‬

‫ممارســة الرقابــة املواطنــة‪.‬‬

‫ﺷﻜﻞ ﺭﻗﻢ )‪ (1‬ﻳﻈﻬﺮ ﺑﺮﻭﻓﺎﻳﻞ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ‬

‫ﺟﻴﻞ ﻣﺘﺼﻞ‬
‫ﺭﻗﻤﻴ‪ª‬ﺎ‬
‫ﺧﻄﺎﺏ‬ ‫ﻧﺸﺄ ﺧﺎﺭﺝ‬
‫ﺍﺣﺘﺠﺎﺟﻲ‬ ‫ﺍﻟﺒﻨﻴﺎﺕ‬
‫ﻭﺻﺪﺍﻣﻲ‬ ‫ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ‬
‫ﻣﻌﺎﺭﺿﻮﻥ‬
‫ﺟﺪﺩ‬
‫ﳝﺎﺭﺱ ﺩﻭﺭﻩ‬ ‫ﻓﺎﻋﻞ ﰲ‬
‫ﰲ ﺍﻟﺮﻗﺎﺑﺔ‬ ‫ﳏﻴﻄﻪ‬
‫ﻳﺴﻌﻰ‬
‫ﻟﺘﻌﻤﻴﻖ‬
‫ﺍﳌﻮﺍﻃﻨﺔ‬

‫ﺧﺎﲤﺔ‬
‫ﺍﻋﺘﻤﺪﺕ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻈﻮﺭ ﻋﺎﻡ ﻟﻨﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻠﻴﺔ ﺍﻟﺮﻣﺰﻳﺔ ﻛﺈﻃﺎﺭ ﻟﻔﻬﻢ ﺍﳋﻄﺎﺏ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻲ ﻟﺸﺮﳛﺔ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ‬
‫ﺑﺎﳌﻐﺮﺏ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﻘﺎﺭﺑﺔ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﺍﺭﺗﻜﺰﺕ ﻋﻠﻰ ﲨﻊ ﺍﳌﺘﻮﻥ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ ﻭﺍﳋﻄﺎﺑﻴﺔ ﺍﻻﺣﺘﺠﺎﺟﻴﺔ‪ .‬ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺩﻳﻨﺎﻣﻴﺔ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ‬
‫ﺑﺎﳌﻐﺮﺏ ﻋﺮﻓﺖ ﲢﻮﻟﹰﺎ ﺑﺎﺭﺯ‪É‬ﺍ ﺑﻌﺪ ﺳﻨﺔ ‪ ،2016‬ﻭﻫﻮ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺻﺪﻭﺭ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﳌﻨﻊ‪ ،‬ﺣﻴﺚ ﺑﻌﺪ ﻋﻮﺩ‪ú‬ﻢ ﺇﱃ ﺍﳌﻼﻋﺐ‬
‫ﺻﺎﺭ ﺧﻄﺎﺏ ﺍﻷﻟﺘﺮﺍﺱ ﺧﻄﺎﺑ‪É‬ﺎ ﺍﺣﺘﺠﺎﺟﻴ∞ﺎ؛ ﻓﺎﻧﺘﻘﻠﺖ ﻣﻌﻪ ﺣﻠﺒﺎﺕ ﺍﻟﺮﻳﺎﺿﺔ ﺇﱃ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﻟﺘﻤﺮﻳﻦ ﺳﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﺸﺒﺎﺏ‪ ،‬ﻭﻋﻨﻮﺍﻧ‪É‬ﺎ‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪167‬‬
‫ُّ‬

‫خاتمة‬
‫اعتمــدت الدراســة علــى منظــور عــام لنظريــة التفاعليــة الرمزيــة كإطــار لفهــم اخلطــاب‬

‫االحتجاجــي لشــريحة األلتــراس باملغــرب مــن خــال مقاربــة كيفيــة ارتكــزت علــى جمــع املتون‬

‫ـارزا بعــد‬ ‫اللغويــة واخلطابيــة االحتجاجيــة‪ .‬كمــا أن ديناميــة األلتــراس باملغــرب عرفــت حتـ ً‬
‫ـول بـ ً‬
‫ســنة ‪ ،2016‬وهــو تاريــخ صــدور قانــون املنــع‪ ،‬حيــث بعــد عودتهــم إلــى املالعــب صــار خطــاب‬

‫احتجاجيــا؛ فانتقلــت معــه حلبــات الرياضــة إلــى مواقــع لتمريــن سياســي‬


‫ًّ‬ ‫خطابــا‬
‫ً‬ ‫األلتــراس‬

‫للشــباب‪ ،‬وعنوا ًنــا الخنراطهــم فــي الصيــرورة االجتماعيــة والسياســية الوطنيــة واإلقليميــة‪َّ .‬‬
‫مت‬

‫هــذا التحــول مــن خــال وعــاء الفضــاء الرقمــي بالنظــر إلــى خصائــص جيــل األلتــراس الــذي‬

‫أساســا عبــر بوابــة االفتراضــي لتعميــق مرتكــزات‬


‫ً‬ ‫ـا متصـ ً‬
‫ـا يتعايــش ويتفاعــل‬ ‫يتميــز بكونــه جيـ ً‬

‫مواطنتــه التــي أضحــت مواطنــة رقميــة عمادهــا الرقابــة والفضح والكشــف‪ ،‬مما خلــق معارضني‬

‫ـددا نشــؤوا خــارج البنيــات الكالســيكية املنظمــة كاألحــزاب والنقابــات ومنظمــات املجتمــع‬
‫جـ ً‬
‫حصريــا بخطــاب احتجاجــي مباشــر وصدامــي يجمــع بــن الــذات الفرديــة‬
‫ًّ‬ ‫املدنــي ويتميــزون‬

‫ـرة» والتهميــش‪.‬‬ ‫ُ ْ‬
‫لـ»احلكـ َ‬ ‫والــذات اجلمعيــة ورافــض لنصــف احللــول ومناهــض‬

‫تباعــا اعتبــار أن التحــول النســقي اجلديــد فــي نوعيــة وخطــاب االحتجــاج لــدى شــريحة‬
‫ميكــن ً‬
‫«ف ْب ِ‬
‫ــادي‬ ‫تعبــر عنــه الزمــة َ‬
‫األلتــراس قــد أســهم فــي تكريــس الشــعور باملظلوميــة كمــا ِّ‬
‫ً‬
‫حقــول دالليــة بعينهــا‪ ،‬مثــل‪ :‬عــدم العدالــة االجتماعيــة‬ ‫َظ ْل ُم ِونــي»‪ .‬وهــذا النســق اعتمــد‬

‫واملمانعــة واإلصــرار والصداميــة اجلماعيــة واملرافعــة الشــعبية واحلرمــان االجتماعــي والتيئيــس‬

‫وفقــدان الثقــة فــي السياســة‪ .‬فاخلطــاب االحتجاجــي لأللتــراس مــن هــذا املنظــور تعبيــر عــن‬

‫انســداد بنيــوي ألفــق الدولــة قــد ُيســقط عقــدة اخلــوف مــن ناحيــة وإمكانيــة انفــات املجتمــع‬

‫فــي أيــة حلظــة مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬ويقابــل هــذا االنســداد بطريقــة متناقضــة تضخــم فــي خطاب‬

‫الفاعلــن (حكوميــن أو مدنيــن) الســيما أن حاجيــات ومتطلبــات شــباب األلتــراس تظــل دون‬
‫إجابــات مقنعــة وال تترجــم علــى أرض الواقــع‪ .‬وكل هــذه املظاهــر مــا هــي إال نتــاج ملجموعــة‬

‫ـادا فــي‬
‫احتجاجيــا مضـ ًّ‬
‫ًّ‬ ‫وخطابــا‬
‫ً‬ ‫مــن التحــوالت االجتماعيــة والتــي أنتجــت تعبيــرات جديــدة‬
‫‪| 168‬‬

‫املغــرب يجســده احتجــاج األلتــراس‪ .‬لهــذا‪ ،‬ففرضيــة النفــوذ الرمــزي خلطــاب األلتــراس أو‬

‫الهيمنــة الرمزيــة خلطابهــم تظــل واردة‪.‬‬

‫وتبقــى هــذه الفرضيــة األقــرب للتحقــق بالنظــر إلــى وقع وفاعليــة اخلطــاب االحتجاجي لشــباب‬

‫األلتــراس وتأثيــر تدويــل منطقــه وعمقــه التفاوضــي علــى حكومــات ودول بلــدان شــمال إفريقيا‬

‫والشــرق األوســط‪ .‬ميكــن إذن استشــراف أن الشــعارات املتداولــة فــي املالعــب ســتتحول إلــى‬

‫لــوازم تتكــرر فــي جميــع االحتجاجــات الشــعبية مبفهــوم «اليتموتيــف» (‪ ،)Leitmotiv‬وهــذا مــا‬
‫وقــع فــي احتجاجــات اجلزائريــن علــى العهــدة اخلامســة عندمــا ردد بعــض احملتجــن نشــيد َ‬
‫«ف‬

‫ـادي َظ ْل ُم ِونــي»‪ .‬فاملــن االحتجاجــي لــم يعــد مقتصـ ً‬


‫ـرا علــى شــباب أو جمهــور أو ألتــراس‬ ‫ْبـ ِ‬

‫رمزيــا يتحــدى احلــدود‬


‫ًّ‬ ‫ـورا فــي رقعــة جغرافيــة بعينهــا‪ ،‬بــل صــار مشـ ً‬
‫ـتركا‬ ‫فريــق معــن أو محصـ ً‬
‫السياســية ويحيــي تضامــن شــعوب املنطقــة ويتحــدى حســابات وتوافقــات البنيــات الرمسيــة‬
‫واحلكوميــة مــن خــال تفاعــات رمزيــة متحضــرة تشـ ِّ‬
‫ـكل فيهــا بالغــة اخلطابــات االحتجاجيــة‬

‫ســاح التحــدي والتغييــر‪.‬‬

‫املراجع‬
‫(‪Dorsey, James, “Pitched battles: The role of ultras soccer fans in the Arab Spring”, Mobilization: )1‬‬
‫‪.An International Quarterly, 17(4), (2012), pp. 411-418‬‬
‫(‪ )2‬خميس‪ ،‬أكرم‪ ،‬ثورة جيل ألتراس‪( ،‬املنظمة العربية حلقوق اإلنسان‪ ،‬القاهرة‪ ،)2012 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.75‬‬
‫(‪Gibril, Susan, “Contentious Politics and Bottom-Up Mobilization in Revolutionary Egypt: the Case )3‬‬
‫‪of Egyptian Football Supporters in Cairo”. In Gerges F.A. (eds) Contentious Politics in the Middle East.‬‬
‫‪.Middle East Today, (Palgrave Macmillan, New York, 2015), pp. 305-329-306‬‬
‫(‪Mayr, Erasmus, “Understanding Human Agency”, Oxford Scholarship Online, January 2012, )4‬‬
‫‪:)(Visited on 8 February 2019‬‬
‫‪DOI:10.1093/acprof:oso/9780199606214.001.0001‬‬
‫(‪ )5‬ســراج‪ ،‬نــادر‪ ،‬اخلطــاب االحتجاجــي‪ :‬دراســة حتليليــة فــي شــعارات َ‬
‫احلــراك املدنــي‪( ،‬املركــز العربــي‬
‫لألبحــاث ودراســة السياســات‪ ،‬قطــر‪ ،)2017 ،‬ص ‪.7‬‬
‫(‪Goffman, E. Comment se conduire dans les lieux publics, traduction et postface de Daniel Cefaï, )6‬‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪169‬‬
‫ُّ‬

‫‪.(Économica, Études Sociologiques, Paris, 2013) , p. 19‬‬


‫(‪Lardellier, P. (dir). Actualité d›Erving Goffman, de l›interaction à l›institution, (Des Hauts et Débats,)7‬‬
‫‪.L›Harmattan, Paris, 2015), p. 3‬‬
‫(‪Bourkia, A. Des Ultras dans la ville: Étude sociologique sur un aspect de la violence urbaine, (La )8‬‬
‫‪.)Croisée des Chemins, 2018‬‬
‫(‪Luckedoff, J. et Guillemette, F., Méthodologie de théorisation enracinée: Fondements procédures )9‬‬
‫‪.et usages, (Presses de l’Université de Québec, 2012), p. 5‬‬
‫(‪ )10‬محمــد‪ ،‬مصبــاح‪ ،‬الـتـيـــارات الـسـلـفـيـــة بـاملـغـــرب‪ :‬دراســة لســيرورات التحــول حنــو الراديكاليــة‬
‫واالعتــدال‪( ،‬أطروحــة لنيــل الدكتــوراه‪ ،‬جامعــة محمــد اخلامــس بالربــاط‪ ،)2015 ،‬ص ‪.20‬‬
‫(‪Charmaz, K. Constructing Grounded Theory: A Practical Guide through Qualitative Analysis, ) )11‬‬
‫‪.SAGE Publications Ltd, 2006), 1 ed, p. 2‬‬
‫(‪.Louis, S. Le phénomène ultras en Italie, (Mare et martin, 2006), p. 8 )12‬‬
‫(‪ )13‬غرديقــي‪ ،‬نــزار‪« ،‬تعرفــوا علــى أبــرز مجموعــات األلتــراس فــي شــمال إفريقيــا»‪ ،‬رصيــف ‪ 23 ،22‬يونيــو‪/‬‬
‫حزيــران ‪( ،2016‬تاريــخ الدخــول‪ 29 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://raseef22.com/article/47556-‬‬
‫دون للنشــر والتوزيــع‪،‬‬
‫(‪ )14‬جمــال بشــير‪ ،‬محمــد‪ ،‬كتــاب األلتــراس‪ :‬عندمــا تتحــدى اجلماهيــر الطبيعــة‪( ،‬دار ِّ‬
‫مصــر‪ ،)2011 ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪ )15‬تعتبــر «إلتــرا طنجيــز»‪ ،‬التــي تســاند فريــق احتــاد طنجــة‪ ،‬نفســها أول مجموعــة ألتــراس أدخلــت «املوفمــون»‬
‫للمغــرب‪ ،‬وقــد تأسســت فــي ‪ 10‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪ .2003‬موقــع ‪ 14 ،360‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪( ،2016‬تاريــخ‬
‫الدخــول‪ 28 :‬فبراير‪/‬شــباط ‪:)2019‬‬
‫‪http://ar.sport.le360.ma/les-ultras/4311‬‬
‫(‪« )16‬األلتــراس‪ :‬القــوة االحتجاجيــة اجلديــدة التــي تثيــر الرعــب»‪ ،‬اليــوم ‪ 11 ،24‬نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪،2018‬‬
‫(تاريــخ الدخــول‪ 28 :‬فبراير‪/‬شــباط ‪:)2019‬‬
‫‪http://www.alyaoum24.com/1172402.html‬‬
‫منوذجــا»‪ ،‬مشــاهد رياضيــة‪6 ،‬‬
‫ً‬ ‫(‪ )17‬تفــروت‪ ،‬حلســن‪« ،‬سوســيولوجية جمهــور كــرة القــدم‪ :‬األلتــراس املغربــي‬
‫يوليو‪/‬متــوز ‪( ،2016‬تاريــخ الدخــول‪ 15 :‬فبراير‪/‬شــباط ‪:)2019‬‬
‫‪https://sport.machahid.info/8877.html‬‬
‫(‪ )18‬للمزيد من املعلومات حول هذا املنع‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪Hamza Hachlaf, Mohammed, “Officiel: le ministère de l’Intérieur lève l’interdiction des ultras”, Sport 24‬‬
‫‪| 170‬‬

‫‪info, (Visited on 13 February 2019):‬‬


‫‪https://www.sport24info.ma/football/ministere-de-linterieur-leve-linterdiction-ultras/‬‬
‫(‪ )19‬عمــاد‪ ،‬عبــد اللطيــف‪« ،‬بالغــة جمهــور كــرة القــدم‪ :‬إطــار نظــري ومثــال تطبيقــي»‪ ،‬مجلــة العمــدة فــي‬
‫اللســانيات وحتليــل اخلطــاب‪( ،‬العــدد ‪ ،6‬جامعــة محمــد بوضيــاف‪ ،‬اجلزائــر‪ ،)2019 ،‬ص ‪.10-11-30‬‬
‫(‪ )20‬روابط بعض املتون اخلطابية التي مت االشتغال عليها‪:‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=g8kT2_ktY2w‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=kJvFAUZiK-Q https://www.facebook.com/1307224877/vide-‬‬
‫‪os/10217042587759343/‬‬
‫(‪ )21‬احليــدري‪ ،‬عبــد اهلل الزيــن‪« ،‬امليديــا االجتماعيــة‪ :‬املصانــع اجلديــدة للــرأي العــام»‪ ،‬مركــز اجلزيرة للدراســات‪،‬‬
‫‪ 25‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪( ،2017‬تاريــخ الدخــول‪ 3 :‬يناير‪/‬كانــون الثاني ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2D7lq8S‬‬
‫(‪ )22‬مــن أغنيــة «دمــوع مليمــات» نشــيد أللتــراس «وينــرز» لفريــق الــوداد البيضــاوي‪ ،‬يوتيــوب‪ 28 ،‬أكتوبر‪/‬تشــرين‬
‫األول ‪( ،2017‬تاريــخ الدخــول‪ 12 :‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪:)2019‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=9UPYDSkmSyM‬‬
‫(‪ )23‬مــن نشــيد ألتــراس «لــوس كاالس» لفريــق الدفــاع احلســني اجلديــدي‪ ،‬يوتيــوب‪ 13 ،‬يونيو‪/‬حزيــران ‪،2015‬‬
‫(تاريــخ الدخــول‪ 19 :‬فبراير‪/‬شــباط ‪:)2019‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=MoZwGnWMubs‬‬
‫(‪ )24‬نشــيد «ف بــادي ظلمونــي» مت إعــداده فــي مــارس‪/‬آذار ‪ 2017‬مــن طــرف الـــ“‪ ”Gruppo Aquile‬اجلنــاح‬
‫املوســيقي للنســور اخلضــر‪ TEL QUEL، 14 ،‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪( ،2019‬تاريــخ الدخــول‪ 11 :‬فبراير‪/‬شــباط ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2Z3nF6z‬‬
‫(‪ُ )25‬ر ِف َعــت الفتــة «لــن تتقــدم البــاد مــا دامــت تســيء لألســتاذ» بتاريــخ ‪ 17‬مــارس‪/‬آذار ‪ 2019‬فــي مقابلــة‬
‫النــادي املكناســي ضــد مولوديــة الداخلــة‪ ،‬اليــوم ‪ 18 ،24‬مــارس‪/‬آذار ‪( ،2019‬تاريــخ الدخــول‪ 5 :‬أبريل‪/‬نيســان‬
‫‪:)2019‬‬
‫‪http://www.alyaoum24.com/1224379.html‬‬
‫‪((26 Giddens, A. “Agency, Structure” In Central Problems in Social Theory. Contemporary Social‬‬
‫‪Theory, (Palgrave, London, 1979), pp. 49-95.‬‬
‫(‪ )27‬مقاطــع مــن أغنيــة «الشــعب مقهــور» أللتــراس فريــق النــادي القنيطــري «حاللــة بويــز»‪ ،‬يوتيــوب‪ 8 ،‬ســبتمبر‪/‬‬
‫أيلــول ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪ 8 :‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪:)2019‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=BpWhGWEmAAU‬‬
‫ُّ‬
‫تمثالت الخطاب االحتجاجي لأللتراس في المغرب وتأثيراته السياسية | ‪171‬‬

‫(‪ُ )28‬ر ِف َعــت الفتــة‪« :‬فالقبــة التكركيــر‪ ...‬فاملقــرر البغريــر» فــي املبــاراة التــي جمعــت بــن فريــق الرجــاء البيضــاوي‬
‫األولــي‪ ،‬األول‪ 13 ،‬ســبتمبر‪/‬أيلول‬
‫وفريــق النــادي القنيطــري؛ تنتقــد إدراج الدارجــة املغربيــة فــي مقــررات التعليــم َّ‬
‫‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪ 5 :‬أبريل‪/‬نيســان ‪:)2019‬‬
‫‪https://alaoual.com/politique/121840.html‬‬
‫‪(29) Dagiral, Éric, “Pirates, hackers, hacktivistes: déplacements et dilution de la frontière électron-‬‬
‫‪ique”, Critique 6-7, N 733-734, (Editions de Minuit, Paris, 2008), pp. 480-495.‬‬
‫(‪ )30‬حســن ملــكاوي‪ ،‬أمســاء‪« ،‬احلــركات االحتجاجيــة الرقميــة فــي املنطقــة العربيــة وحتــوالت املجــال العــام‪:‬‬
‫دراســة ظاهراتيــة للحالــة األردنيــة»‪ ،‬مركــز اجلزيــرة للدراســات‪ 3 ،‬ديســمبر‪/‬كانون األول ‪( ،2018‬تاريــخ الدخــول‪:‬‬
‫‪ 4‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2IairR6‬‬
‫(‪ُ )31‬ر ِف َعــت الالفتــة فــي مبــاراة نــادي الرجــاء البيضــاوي ضــد نــادي اجليــش امللكــي فــي إطــار منافســات البطولــة‬
‫املغربيــة لكــرة القــدم‪ ،‬التــي جــرت فــي ‪ 27‬فبراير‪/‬شــباط ‪ ،2019‬اليــوم ‪ 3 ،24‬مــارس‪/‬آذار ‪( ،2019‬تاريــخ الدخول‪:‬‬
‫‪ 4‬أبريل‪/‬نيسان ‪:)2019‬‬
‫‪http://www.alyaoum24.com/1218333.html‬‬
‫‪(32) Bourkia, Abderrahim, “Des supporters dans la ville” dans Le Maroc au présent, éd. Boudoin‬‬
‫‪Dupret, Zakaria Rhani, Assia Boutaleb, Jean-Noël Ferrié et al., (Fondation du Roi Abdul-Aziz al-‬‬
‫‪Saoud, Casablanca, 2015), pp. 205-211.‬‬
‫يتجســد عبــر أعمــال الســرقة‬
‫َّ‬ ‫(‪ )33‬لفظــة «التشــرميل» فــي العاميــة املغربيــة تفيــد ســلوك العنــف الشــبابي الــذي‬
‫واالعتــداء اجلســدي علــى اآلخريــن‪ .‬انظــر‪ :‬بنيــس‪ ،‬ســعيد‪« :‬التشــرميل» مــن الظاهــرة الشــبابية إلــى الظاهــرة‬
‫املجتمعيــة»‪ ،‬هســبريس‪ 24 ،‬مايو‪/‬أيــار ‪( ،2014‬تاريــخ الدخــول‪ 1 :‬مــارس‪/‬آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://www.hespress.com/writers/216761.html‬‬
‫(‪ )34‬انظــر‪ :‬التقريــر الســنوي ملؤسســة «هــوت ســويت» حــول «احلالــة الرقميــة فــي العالــم لســنة ‪africa-bi. ،»2019‬‬
‫‪ com، 29‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪( ،2019‬تاريــخ الدخــول‪ 10 :‬فبراير‪/‬شــباط ‪:)2019‬‬
‫‪https://bit.ly/2YUyY0C‬‬
‫(‪ )35‬بنيــس‪ ،‬ســعيد‪« ،‬قــراءة فــي متظهــرات الشــارع االحتجاجــي باملغــرب» فــي الفكــر السياســي‪ ..‬أســئلة وقضايــا‪.‬‬
‫فــي مــدارات احلريــة واإلصــاح والدســتور‪ .‬دراســات مهــداة إلــى روح األســتاذة جنيــة بــن يوســف‪ ،‬تنســيق حســن‬
‫طــارق‪( ،‬منشــورات اجلمعيــة املغربيــة للعلــوم السياســية الــدار البيضــاء‪ ،)2018 ،‬ص ‪.172‬‬
‫(‪ )36‬انظــر‪ :‬بيشــو‪ ،‬سيســيل؛ فيليــول‪ ،‬أوليفيــه؛ ماتيــو‪ ،‬ليليــان‪ ،‬قامــوس احلــركات ِ‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬ترجمــة عمــر‬
‫الشــافعي‪( ،‬دار صفصافــة للنشــر والتوزيــع والدراســات‪ ،‬اجليــزة‪( ،)2017 ،‬تاريخ الدخــول ‪ 20‬فبراير‪/‬شــباط ‪:)2019‬‬
‫‪| 172‬‬

‫‪https://www.arab-reform.net/ar/node/1235‬‬
‫(‪.Habermas, J. L’espace public: traduit par Marc Launay, (Payot, Paris, 1978), p. 260 )37‬‬
‫(‪ )38‬البحــث امليدانــي الســنوي‪ ،‬للوكالــة الوطنيــة لتقنــن املواصــات‪ ،‬بتنســيق مــع وزارة الصناعــة واالســتثمار‬
‫والتجــارة واالقتصــاد الرقمــي‪ ،‬واملجلــس االقتصــادي واالجتماعــي والبيئــي‪ ،‬والهيئــة العليــا لالتصــال الســمعي‬
‫البصــري‪ ،‬واملندوبيــة الســامية للتخطيــط‪ ،‬خــال الفصــل األول مــن ‪ 2018‬حــول مؤشــرات تكنولوجيــا املعلومــات‬
‫واالتصــال لــدى األســر واألفــراد‪:‬‬
‫‪https://bit.ly/2Ut7WyX‬‬
‫‪(39) Bennis, Said, “Enjeux et défis de la participation au Maroc: de la participation citoyenne à la‬‬
‫‪revendication citoyenne” in From Democratic Transition to Democracy Learning Towards a Paradig-‬‬
‫‪matic Turn in Democratization Studies, (Ed.) Mohamed El Hachimi, (Konrad-Adenauer-Stiftung e.‬‬
‫‪V-Rabat, 2018(, pp. 129-135.‬‬
‫)‪ )40‬ملزيــد مــن املعلومــات حــول األحــداث التــي تلــت مقابلــة املغــرب التطوانــي ضــد ضيفــه الكوكــب املراكشــي‬
‫فــي ‪ 28‬ســبتمبر‪/‬أيلول ‪ ،2018‬انظــر‪:‬‬
‫‪Paillard, Soléne, “Maroc : Les ultras, nouvel étendard des revendications populaires”, Yabiladi, (Vis-‬‬
‫‪ited on 11 February 2019):‬‬
‫‪https://bit.ly/2G2a5aI‬‬
‫‪(41) Mouffe, C. Le Paradoxe démocratique, (Beaux-Arts de Paris, Paris, 2016), p. 90.‬‬
‫( (‪42‬تســتدعي إشــكالية الفــوارق االجتماعيــة التــي يعيشــها املغــرب ضــرورة مســاءلة العديــد مــن األســباب‪ ،‬منهــا‬
‫املعتمــد مــن لــدن‬
‫َ‬ ‫علــى ســبيل املثــال ال احلصــر مــا ميــت إلــى طبيعــة مرجعيــات منطــق التنميــة احملليــة واجلهويــة‬
‫الدولــة (منطــق تضامنــي أو منطــق تنافســي أو منطــق تكاملــي أو منطــق تنافــري‪ )...‬أو مــا يتعلــق بنوعيــة املــوارد‬
‫االقتصاديــة للبنيــات احلاضنــة للمجــال‪ ،‬أي اجلماعــات الترابيــة (مــوارد مومسيــة أو مــوارد دون قيمــة تنمويــة فــي‬
‫الســوق االقتصاديــة الوطنيــة (الصناعــة التقليديــة…) أو مــوارد ذات تســويق عاملــي‪ ،)...‬أو مــا يرتبــط بنمــط التــراب‬
‫(حضــري أو قــروي أو نصــف حضــري) فــي عالقتــه بالديناميــة املجتمعيــة‪.‬‬
‫(‪ )43‬بنيــس‪ ،‬ســعيد‪« ،‬املجتمــع املدنــي والفعــل االحتجاجــي باملغــرب‪ :‬األنســاق املفاهيميــة اجلديــدة»‪ ،‬مجلــة‬

‫أبحــاث‪( ،‬العــددان ‪ 61‬و‪ ،62‬مطبعــة النجــاح اجلديــدة‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ ،)2015 ،‬ص ‪.4‬‬
‫| ‪173‬‬

‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بني املرجعية السلفية والليربالية‬


‫قراءة يف النموذجني املشرقي واملغربي‬

‫إدريس جنداري *‬
‫مقدمة‬
‫ـرا للزمــان واملــكان‪ ،‬وليــس حركــة أيديولوجيــة‬
‫معرفيــا عابـ ً‬
‫ًّ‬ ‫مت ِّثــل النهضة‪/‬النهــوض فعـ ً‬
‫ـا‬

‫محــدودة ضمــن ســياق سياســي عابــر‪ .‬هــذا‪ ،‬يعنــي أن مقاربــة اإلشــكالية النهضويــة‪ ،‬فــي‬

‫الثقافــة العربيــة‪ ،‬ال تســتهدف التأريــخ للفعــل النهضــوي مــن خــال عــرض تقريــري ألطــره‬

‫املعرفيــة وخنبتــه الفاعلــة‪ ،‬وإمنــا تســعى إلجنــاز حفريــات معرفيــة حــول املشــروع النهضــوي‪،‬‬

‫تهــدف إلــى ترهــن األســئلة املعرفيــة التــي طرحــت خــال مرحلــة حامســة مــن التاريــخ العربــي‬
‫وم َتجـ ِ‬
‫ـاو ٍز للنزعــات‬ ‫ـوي عابــرٍ لألقطــار ُ‬
‫ـل نهضـ ٍّ‬ ‫اإلســامي‪ ،‬حيــث َّ‬
‫متكــن العــرب مــن إطــاق فعـ ٍ‬
‫األيديولوجيــة‪.‬‬

‫منهجيــا‪ ،‬لتؤكــد أن البحــث فــي املشــروع‬


‫ًّ‬ ‫ِ‬
‫احلفريــات املعرفيــةَ‪ ،‬منطلقً ــا‬ ‫وتعتمــد الدراســ ُة‬

‫النهضــوي ال يســتهدف البعــد الدياكرونــي الــذي يهتــم بدراســة تطــور النســق الفكــري أو غيــره‪،‬‬

‫ولكنــه‪ ،‬أكثــر مــن ذلــك‪ ،‬يســتهدف البعــد الســانكروني (التزامنــي) الــذي يركــز علــى النســق‬

‫وعناصــر الثبــات فــي دراســته للبنيــات الفكريــة وغيرهــا‪ .‬وهــذا‪ ،‬يجعــل البحــث أقــرب إلــى‬

‫تاريــخ األفــكار (دراســة االتصــال واالنفصــال فــي األنســاق الفكريــة) منــه إلــى التاريــخ‪.‬‬

‫* د‪ .‬إدريس جنداري‪ ،‬كاتب وباحث أكادميي‬


‫‪| 174‬‬

‫يهــم الباحــث‪ ،‬إذن‪ ،‬فــي هــذا الفعــل النهضــوي هــو جوهــره املعرفــي‪ ،‬الــذي يتجــاوز‬
‫ُّ‬ ‫مــا‬

‫حــدود الزمــان واملــكان‪ .‬لذلــك‪ ،‬فــإن انشــغالنا البحثــي باملشــروع اإلصالحــي النهضــوي‪ ،‬فــي‬

‫العالــم العربــي‪ ،‬يدخــل ضمــن ســياق «التحليــل امللمــوس للواقــع امللمــوس»‪ .‬وبتعبيــر آخــر‪،‬‬

‫يجــد الباحــث نفســه بصــدد مــن فكــري ناجــز يســتحق الدراســة والتحليــل‪ ،‬وباإلضافــة إلــى‬

‫ذلــك فهــو مــن فكــري حــي يتفاعــل مــع إشــكالياتنا الراهنــة‪ ،‬أكثــر مــن كونــه ترا ًثــا اســتنفد‬

‫مهمتــه احلضاريــة‪ .‬لذلــك‪ ،‬يســتحق ا ُمل َ‬


‫نجــز الفكــري النهضــوي أن يكــون منطلقً ــا ملقاربــة‬

‫مجموعــة مــن اإلشــكاليات الفكريــة والسياســية واالجتماعيــة التــي نعانيهــا فــي واقعنا‪/‬راهننــا‬

‫فارقً ــا وســابقً ا‬


‫تأســس‪ ،‬خــال مرحلــة القــرن التاســع عشــر ُم ِ‬
‫خصوصــا وأنــه َّ‬
‫ً‬ ‫العربــي اإلســامي‪،‬‬

‫لعصــره علــى مســتوى وعيــه املعرفــي املتقــدم بطبيعــة اإلشــكاليات احلضاريــة التــي يعانيهــا‬

‫العــرب املســلمون فــي حاضرهــم‪.‬‬

‫وتكمــن قــوة املشــروع الفكــري النهضــوي‪ ،‬فــي نزوعــه املعرفــي املتجــرد مــن التصنيــف‬
‫األيديولوجــي‪ ،‬ممــا َّ‬
‫مكنــه مــن صياغــة مقاربــة موضوعيــة للواقــع العربــي‪ .‬وفــي هــذا الصــدد‪،‬‬

‫ـدم محمــد عابــد اجلابــري قــراءة إبســتمولوجية خاصــة للدعــوة اإلصالحيــة التــي قامــت على‬
‫ُيقـ ِّ‬
‫أســاس «التجديــد ورفــض التقليــد»؛ حيــث يعتبــر أن الدعــوة إلــى تــرك التقليــد تكتســي هنــا‬

‫خاصــا‪ ،‬إنــه إلغــاء كل التــراث املعرفــي واملنهجــي واملفهومــي املنحــدر إلينــا مــن «عصــر‬
‫ًّ‬ ‫معنــى‬

‫االحنطــاط»‪ ،‬واحلــذر فــي نفــس الوقــت مــن الســقوط فريســة للفكــر الغربــي‪ .‬أمــا «التجديــد»‬

‫فيعنــي بنــاء فهــم جديــد للديــن‪ ،‬عقيــد ًة وشــريعةً‪ ،‬انطالقً ــا مــن األصــول مباشــرة‪ ،‬والعمــل‬

‫وأساســا لنهضتنــا وانطالقتنــا (‪.)1‬‬


‫ً‬ ‫ـرا لنــا‬
‫علــى حتيينــه‪ ،‬أي جعلــه معاصـ ً‬
‫وانطالقً ــا مــن هــذا التوجيــه املعرفــي‪ ،‬الــذي صاغــه املفكــر محمــد عابــد اجلابــري‪ ،‬ميكــن‬

‫اســتخالص مجموعــة مــن ا ُمل َو ِّجهــات املعرفيــة التــي يقترحهــا املشــروع اإلصالحــي النهضــوي‪،‬‬

‫والتــي تعتبــر مبنزلــة البوصلــة التــي بدونهــا ال ميكــن النجــاح فــي حتديــد االجتاهــات الصحيحــة‪:‬‬

‫‪ -‬إلغاء كل التراث املعرفي واملنهجي واملفهومي املنحدر إلينا من «عصر االحنطاط»‪.‬‬

‫‪ -‬احلذر من السقوط فريسة للفكر الغربي‪.‬‬


‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | ‪175‬‬

‫‪ -‬بناء فهم جديد للدين‪ ،‬عقيد ًة وشريعةً‪ ،‬انطالقً ا من األصول مباشرة‪.‬‬

‫وأساسا لنهضتنا وانطالقتنا‪.‬‬


‫ً‬ ‫معاصرا لنا‬
‫ً‬ ‫‪ -‬حتيني الفهم الديني عبر جعله‬

‫لقــد كانــت قــوة االرتــكاز فــي املشــروع اإلصالحــي النهضــوي‪ ،‬منــذ مرحلــة التأســيس‪ ،‬فــي‬

‫جنبــه الســقوط فــي أحابيــل الصــراع األيديولوجــي‪ .‬وبقــدر مــا كان هــذا‬
‫نزوعــه املعرفــي الــذي َّ‬
‫وفــر لــه حصانــة ذاتيــة َّ‬
‫مكنته مــن حتقيق االســتمرارية‬ ‫النــزوع ينحــو بــه فــي اجتــاه النخبويــة‪ ،‬فإنــه َّ‬

‫كمشــروع فكــري وسياســي واجتماعــي ينبــض باحليــاة‪ .‬وهــذا يفتــح أمامنــا إمكانيــة اســتعادة‬

‫روح هــذا املشــروع‪ ،‬مــن أجــل قيــادة مرحلــة نهضويــة جديــدة فــي العالــم العربــي‪.‬‬

‫‪ .1‬من االنحطاط إىل النهضة‪ :‬تحديات واستجابة فكرية‬


‫دخــل العالــم العربــي اإلســامي فــي مســار االحنطــاط ابتــداء مــن القــرن الرابــع عشــر امليــادي‪،‬‬

‫عبــر العالمــة ابــن خلــدون (‪1406-1332‬م) عــن ذلــك‬


‫وســاد الركــود املــادي والرمــزي‪ .‬وقــد َّ‬
‫بقولــه‪« :‬فكأمنــا نــادى لســان الكــون فــي العالــم باخلمــول واألنقــاض فبــادر باإلجابــة‪ ،‬واهلل‬

‫وارث األرض ومــن عليهــا‪ ،‬وإذا تبدلــت األحــوال جملــة فكأمنــا تبــدل اخللــق مــن أصلــه‪،‬‬

‫وحتــول العالــم بأســره‪ ،‬وكأنــه خلــق جديــد ونشــأة مســتأنفة‪ ،‬وعالــم محــدث»(‪ .)2‬وقــد‬

‫أطلــق املؤرخــون تســمية «عصــر االحنطــاط» علــى هــذه املرحلــة‪ ،‬وقــد جتــاوز البنيــات الفكريــة‬

‫ِل َي ُعـ َّ‬


‫ـم السياســية منهــا واالقتصاديــة واالجتماعيــة‪ ،‬وتبــدو هــذه الصــورة موحــدة بــن الشــرق‬

‫اإلســامي وغربــه‪ ،‬حيــث ســاد الفكــر اخلرافــي ومت التراجــع عــن املكتســبات التــي راكمهــا‬

‫الفكــر العربــي فــي عصــوره األولــى‪.‬‬

‫جوابــا‬
‫ً‬ ‫لكــن مرحلــة القــرن التاســع عشــر كانــت مرحلــة يقظــة شــاملة‪ ،‬اســتطاعت أن تبلــور‬

‫حقيقيــا عــن التحــدي الــذي فرضــه االســتعمار الغربــي‪ ،‬وذلــك عبــر العــودة إلــى الــذات‬
‫ًّ‬
‫حملاولــة إصــاح أعطابهــا السياســية واالجتماعيــة واالقتصاديــة التــي أســهمت فــي تكريــس‬

‫وضعيــة التأخــر التاريخــي لألمــة‪ .‬وال ميكــن أن نتحــدث عــن هــذه املرحلــة مــن دون اســتحضار‬

‫التيــار الفكــري اإلصالحــي الــذي يعتبــر احملــرك األساســي لعجلــة التحــول‪ ،‬وذلــك فــي عالقــة‬

‫باملجهــودات الفكريــة والسياســية اجلبــارة التــي بذلهــا رمــوزه‪ ،‬ســواء ذات النزعــة الليبراليــة أو‬
‫‪| 176‬‬

‫النزعــة الســلفية‪ .‬فقــد متيــز اإلصالحيــون‪ ،‬مبختلــف مشــاربهم الفكريــة وقناعاتهــم السياســية‪،‬‬

‫مبيــزة الــروح القوميــة والوطنيــة التــي اســتطاعت أن تشــحن النزعــة الســلفية بشــحنة مــن‬

‫االنفتــاح‪ ،‬كمــا اســتطاعت أن تشــحن النزعــة الليبراليــة بشــحنة مــن احملافظــة‪.‬‬

‫وقــد حــدث هــذا خــال مرحلــة تاريخيــة بــدأت تنســج بدائــل حضاريــة جديــدة كانــت ريحهــا‬

‫تهــب مــن الضفــة الشــمالية معلنــة عــن بــروز رؤى فكريــة جديــدة للعالــم ولإلنســان‪ ،‬هــذه‬

‫الــرؤى التــي طرحــت علــى الفكــر العربــي الغــارق فــي ســباته العميــق إشــكاالت جوهريــة‬

‫تاريخيــا أن الفكــر العربــي عــاش هــذه‬


‫ًّ‬ ‫دفعتــه إلــى مراجعــة مســيرته احلضاريــة‪ .‬ومــن الواضــح‬

‫كبيــرا؛ األمــر الــذي دفعــه إلــى طــرح مجموعــة مــن‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫تفاعــا‬ ‫اإلشــكاليات وتفاعــل معهــا‬

‫األســئلة احملرجــة التــي متركــزت حــول ســؤال كبيــر‪ :‬ملــاذا تقــدم الغــرب األوروبــي وختلــف‬

‫الشــرق‪/‬العالم العربــي اإلســامي؟‬

‫وقــد انبثقــت عــن هــذا الســؤال املركــزي مجموعــة مــن األســئلة اجلزئيــة التــي حاولــت جميعهــا‬

‫النفــاذ إلــى جوهــر اإلشــكال الــذي يعانــي منــه الفكــر العربــي‪ .‬كمــا صــاغ هــذا الســؤال‬

‫املركــزي‪ ،‬ومــا انبثــق عنــه مــن أســئلة جزئيــة‪ ،‬مرحلـ ًة بكاملهــا انشــغل خاللهــا الفكــر العربــي‬

‫فــي محاولــة اخلــروج مــن ختلفــه‪ .‬وقــد أطلــق املؤرخــون علــى هــذه املرحلــة اســم عصــر‬

‫خصوصــا علــى مســتوى البنيــات‬


‫ً‬ ‫النهضــة التــي حتيــل علــى وجــود انبعــاث فــي الفكــر العربــي‪،‬‬

‫ـس النظريــة السياســية التــي حاولــت تفســير التخلــف‬


‫الفكريــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى انبعــاث مماثــل مـ َّ‬
‫والركــود الــذي عانــى منــه الفكــر العربــي بالعــودة إلــى املمارســات السياســية االســتبدادية‪.‬‬

‫وهنــا‪ ،‬ال يفصــل الباحــث بــن املشــرق العربــي ومغربــه؛ فقــد عرفــت مرحلــة القــرن التاســع‬

‫ـم املشــرق واملغــرب‪ ،‬علــى حــد ســواء‪ ،‬وكان نتيجــة للمــد احلضــاري‬ ‫عشــر انبعا ًثــا شـ ً‬
‫ـامل َعـ َّ‬
‫الــذي بــدأ يفرضــه الغــرب علــى العالــم العربــي‪ ،‬ابتــداء باكتســاح نابليــون بونابــرت للمشــرق‬

‫العربــي ومحاولتــه قلــب التوازنــات الســائدة فــي املنطقــة واســتبدال توازنــات جديــدة بهــا ختــدم‬

‫الفاعلــن اجلــدد فــي العالــم‪ ،‬وانتهــاء بهزميــة اجليــش املغربــي فــي مواجهــة اجليشــن الفرنســي‬

‫واإلســباني فــي معركتــي إيســلي (‪ 4‬أغســطس‪/‬آب ‪ )1844‬وتطــوان (‪ 24‬أكتوبر‪/‬تشــرين األول‬


‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | ‪177‬‬

‫‪ ،)1859‬وهــي هزميــة جتــاوزت نتائجهــا املســتوى العســكري لتشــمل مســتويات أخــرى‪ ،‬ومهــدت‬

‫بذلــك لعهــد جديــد فــي عالقــة العالــم العربــي بالغــرب‪.‬‬

‫هكــذا‪ ،‬يبــدو أن النهضــة العربيــة‪ ،‬فــي املشــرق العربــي ومغربــه‪ ،‬قــد توحــدت ظــروف‬

‫ـدم نفســها كــرد فعــل علــى التحــدي احلضــاري الــذي بــدأ يفرضــه الغــرب علــى‬
‫انبثاقهــا لتقـ ِّ‬
‫العالــم العربــي‪ .‬ولذلــك‪ ،‬توحــدت األســئلة املوجهــة لهــذه النهضــة بــن املشــرق واملغــرب‪،‬‬

‫تعبــر فقــط عــن وحــدة الظرفيــة‬


‫كمــا توحــدت الــرؤى املوجهــة لهــا‪ .‬لكــن‪ ،‬هــذه الوحــدة ال ِّ‬
‫تعبــر عــن وحــدة ومتاســك فــي الرؤيــة الفكريــة‬
‫والعوامــل املســاهمة فــي انبثاقهــا‪ ،‬بقــدر مــا ِّ‬
‫يعبــران عــن مصيــر مشــترك بــن شــطري‬
‫بــن مشــرق العالــم العربــي ومغربــه‪ ،‬وحــدة ومتاســك ِّ‬
‫العالــم العربــي الواحــد‪.‬‬

‫‪ .2‬النخبة النهضوية وإشكالية التحديث‪ :‬بني النخبة السلفية والنخبة الليربالية‬


‫‪ .1.2‬يف مفهوم النخبة‬
‫يحيــل مفهــوم النخبــة (‪ )élite‬فــي املعجــم الفرنســي علــى الصفــوة واألفضــل فــي كل شــيء‪ ،‬خنبة‬

‫املجتمــع صفوتــه‪ ،‬ومــن هنــا جــاء مصطلــح النخبويــة (‪ )Élitisme‬لإلحالــة علــى مذهــب يحبــذ‬

‫النخبــة علــى حســاب اجلماهيــر‪ ،‬ومنــه جــاء وصــف خنبــوي (‪ )elitist‬كداللــة علــى مؤيــد مذهــب‬

‫النخبويــة‪ .‬وقــد مت اســتخدام املفهــوم بهــذا املعنــى منــذ القــرن ‪ 17‬لإلشــارة إلــى اجلماعــات‬

‫االجتماعيــة املتميــزة كالوحــدات العســكرية‪ ،‬ذات الشــأن الرفيــع أو النبــاء‪ ،‬والنخــب كذلــك‬

‫هــم أولئــك األشــخاص املتميــزون‪ ،‬إمــا فــي أدائهــم أو أفكارهــم‪ ،‬أو فــي مســتواهم االجتماعــي‬

‫عــن باقــي فئــات املجتمــع‪.‬‬


‫ً‬
‫اختالفــا بــن الداللتــن؛ ففــي معجــم «العــن» للخليــل بــن‬ ‫وفــي املعجــم العربــي‪ ،‬ال جنــد‬

‫أحمــد الفراهيــدي (‪718-789‬م) فــإن ال ُّن ْخ َبــة ِخ ُ‬


‫يــار النــاس‪ ،‬يقــال‪ :‬انتخبــت أفضلهــم (خنبــة)‬

‫وانتخبــت خنبتهــم (‪ .)3‬كمــا أشــار ابــن منظــور فــي «لســان العــرب» إلــى نفــس املعنــى «النخبــة‪،‬‬

‫خنــب‪ ،‬انتخــب الشــيء اختــاره وخنبــة القــوم وخنبتهــم خيارهــم»(‪ .)4‬لكــن مفهــوم النخبــة لــم‬

‫ــرج فــي علــم االجتمــاع والسياســة إال نهايــة القــرن التاســع عشــر وبدايــة القــرن العشــرين‬
‫َي ُ‬
‫‪| 178‬‬

‫باريتـوو (�‪Vilfre‬‬ ‫علـ�ى يـ�د مجموعـ�ة مـ�ن علمـ�اء االجتمـ�اع والسياسـ�ة‪ ،‬نذكـ�ر منهـ�م (فيلفريـ�دو‬

‫‪)do Pareto‬؛ وجيتانــو موســكا (‪)Gaetano Mosca‬؛ وماكــس فيبــر (‪ .)... )Max Weber‬وقــد انطلــق‬
‫هــؤالء مــن أطروحــة مفادهــا أن علــم االجتمــاع هــو علــم الفعــل االجتماعــي ً‬
‫أول‪ ،‬ولذلــك‬

‫ـب اهتمامهــم حــول طبيعــة الفاعلــن االجتماعيــن ومواقعهــم ودوافعهــم وأدوارهــم داخــل‬
‫انصـ َّ‬
‫املجتمــع (‪.)5‬‬

‫وإذا كانــت املدرســة املاركســية تنطلــق مــن فكــرة الصــراع الطبقــي لتحديــد الفاعلــن‬

‫االجتماعيــن‪ ،‬فــإن عالــم االجتمــاع اإليطالــي‪ ،‬فيلفريــدو باريتــو‪ ،‬عمــل علــى بنــاء نظريــة‬

‫وضوحــا؛ تنطلــق مــن فكــرة أن الفاعلــن االجتماعيــن‬


‫ً‬ ‫جديــدة تتميــز بطابــع إجرائــي أكثــر‬

‫ينحصــرون فــي مجموعــة قليلــة مــن الفئــات التــي يحــوز أفرادهــا القســط األوفــر داخــل‬

‫مجتمعاتهــم‪ ،‬ممــا يجعلهــم محترمــن ومطاعــن‪ .‬وهكــذا‪ ،‬يعتبــر باريتــو أن تاريــخ املجتمعــات‬

‫البشــرية‪ ،‬فــي معظمــه‪ ،‬تاريــخ تتالــي األرســتقراطيات‪.‬‬

‫لكــن مــا الــذي يجعــل هــذه الفئــة االجتماعيــة (النخبــة) تهيمــن علــى األغلبيــة فــي املجتمــع‬

‫وتوجههــا؟‬

‫ينطلــق باريتــو مــن فرضيــة أساســية مفادهــا أن احليــاة االجتماعيــة تقــوم علــى أســاس التفاعــل‬

‫طبيعيــا‪ ،‬مــن حيــث قدراتهــم ومؤهالتهــم الفرديــة‪ ،‬ومــا يؤســس‬


‫ًّ‬ ‫بــن أفــراد غيــر متكافئــن‪،‬‬

‫ســيطرة النخبــة وســيادتها هــو كونهــا أقليــة منظمــة‪ .‬وإذا كانــت النخبــة هــي األقليــة الســائدة‪،‬‬

‫فإنهــا ختضــع للتبديــل والتغييــر‪ ،‬عبــر الزمــن‪ ،‬فتحــت ضغــط اجلماهيــر يلتحــق بالنخبــة احلاكمــة‬

‫أفــراد جــدد مــن املجتمــع‪ ،‬وحينمــا حتــول عوائــق دون هــذا االلتحــاق‪ ،‬يتــم تعويــض النخبــة‬

‫احلاكمــة بنخبــة مضــادة بطــرق جذريــة علــى حنــو مــا حــدث فــي الثــورة الفرنســية‪ ،‬وفــي‬

‫عمومــا (‪.)6‬‬
‫ً‬ ‫الثــورات االجتماعيــة‬

‫‪ .2.2‬النخبة النهضوية خالل مرحلة القرن التاسع عشر‬


‫قد ُيطرح السؤال‪ :‬ملاذا هذا املدخل النظري حول مفهوم النخبة؟ وما دوره الوظيفي؟‬

‫أ‪ -‬أول االعتبــارات التــي دفعــت الباحــث إلــى اعتمــاد هــذا املدخــل النظــري هــو كون املشــروع‬
‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | ‪179‬‬

‫خنبويــا؛ َّ‬
‫أسســته وقادتــه خنبــة فكريــة استشــعرت‪ ،‬خــال وقــت‬ ‫ًّ‬ ‫مشــروعا‬
‫ً‬ ‫النهضــوي العربــي‬

‫ـد هــذه الوضعيــة‬


‫مبكــر‪ ،‬خطــورة وضعيــة االحنطــاط التــي مت تكريســها كأمــر واقــع‪ ،‬بينمــا ت َُعـ ُّ‬
‫طارئــة علــى التاريــخ العربــي اإلســامي الــذي عــاش أزهــى عصــوره‪ ،‬خــال أقــوى مراحــل‬

‫وغربــا‪ .‬لذلــك‪ ،‬كانــت قناعــة النخبــة الفكريــة النهضويــة‬


‫ً‬ ‫االحنطــاط التــي عاشــها العالــم شــرقً ا‬

‫راســخة مــن أجــل جتــاوز وضعيــة االحنطــاط الطارئــة فــي اجتــاه ترســيخ وضعيــة التقــدم والتطــور‬

‫واالزدهــار التــي تعتبــر مســة مميــزة للتاريــخ العربــي اإلســامي‪.‬‬

‫ب‪ -‬أمــا ثانــي االعتبــارات التــي دفعــت الباحــث إلــى اعتمــاد هــذا املدخــل النظــري هــو كــون‬

‫جوهريــا بعرقلــة حتولــه‬


‫ًّ‬ ‫ميــز مســيرة املشــروع النهضــوي العربــي اإلســامي يرتبــط‬
‫الفشــل الــذي َّ‬
‫إلــى مشــروع سياســي واجتماعــي واقتصــادي قائــد ِل َت َحـ ُّ‬
‫ـول األمــة مــن مرحلــة االحنطــاط إلــى‬

‫مرحلــة النهــوض‪ .‬ويرجــع فشــل هــذا التحــول إلــى تعطيــل حتــول املشــروع الفكــري النخبــوي‪،‬‬

‫عبــر القنــاة التربويــة‪ ،‬إلــى العمــق االجتماعــي بهــدف إحــداث الطفــرة املنشــودة‪.‬‬

‫ميــز املشــروع النهضــوي يعتبــر َم ْك َمــن قــوة وفــي‬


‫هكــذا‪ ،‬يبــدو أن الطابــع النخبــوي الــذي َّ‬
‫ميــزت‬
‫اآلن ذاتــه مكمــن ضعــف‪ .‬فهــو مكمــن قــوة إذا نظرنــا إلــى الكفــاءة النظريــة التــي َّ‬
‫أسســه علمــاء قــادة جتــاوزوا مرحلــة التفكيــر النظــري‬
‫املشــروع باعتبــاره مثــرة مجهــود فكــري َّ‬
‫اخلالــص إلــى مرحلــة التفكيــر العملــي املهــووس بقضيــة التغييــر‪ .‬وهــو مكمــن ضعــف إذا‬

‫نظرنــا إلــى ُع ْســر التحــول الــذي عانــاه املشــروع النهضــوي نتيجــة عــدم مواءمتــه إلمكانيــات‬

‫الواقــع االجتماعــي والسياســي الــذي كان‪ ،‬خــال مرحلــة االحنطــاط‪ ،‬دون مســتوى املشــروع‬

‫النهضــوي بطابعــه النخبــوي‪.‬‬

‫وإذا انطلقنــا مــن أطروحــة باريتــو ميكــن اعتبــار أن النخبــة النهضويــة التــي قــادت املشــروع‬

‫اإلصالحــي العربــي حضــرت باعتبارهــا أقليــة منظمــة اســتطاعت أن حتــدد اجتــاه البوصلــة‬

‫اإلصالحيــة فــي اجتاهــن رئيســيني‪:‬‬

‫‪ -‬االجتــاه األول‪ :‬ســلفي النزعــة ربــط حــل اإلشــكاليات الراهنــة بالعــودة إلــى األصــول بهــدف‬

‫جتــاوز إعاقــات احلاضــر‪.‬‬


‫‪| 180‬‬

‫َّ‬
‫حــل إشــكاليات احلاضــر باالنفتــاح علــى التجــارب‬ ‫‪ -‬االجتــاه الثانــي‪ :‬ليبرالــي النزعــة ربــط‬

‫احلديثــة فــي الفكــر والتصــور واملمارســة‪ ،‬لكــن كال االجتاهــن ركــزا علــى البعــد التنظيــري‪،‬‬

‫وهمشــا القنــاة التربويــة التــي بإمكانهــا أن تنقــل املشــروع الفكــري إلــى مســتوى املمارســة العملية‪.‬‬
‫َّ‬
‫وباعتمــاد أطروحــة باريتــو نفســها‪ ،‬ميكــن اعتبــار أن االنفصــال الــذي حتقَّ ــق بــن املرجعيــة‬

‫الفكريــة وبــن املمارســة العمليــة فــي املشــروع اإلصالحــي النهضــوي‪ ،‬أســهم‪ ،‬بشــكل كبيــر‪،‬‬

‫فــي انتقــال مركــز الثقــل الفكــري فــي اجتــاه خنبــوي جديــد‪ ،‬حيــث بــرزت‪ ،‬بعــد املرحلــة‬
‫َّ‬
‫لتتشــكل‬ ‫النهضويــة‪ ،‬تيــارات أيديولوجيــة جديــدة انفصلــت عــن بعضهــا‪ ،‬وتباعــدت رؤاهــا‬
‫كهويــات جديــدة يجمــع بينهــا التناقــض والصــراع‪ ،‬بعدمــا كانــت ُم َت َسـ ِ‬
‫ـاك َنة فــي مشــتل فكــري‬

‫جامــع‪ ،‬هــو املشــروع اإلصالحــي النهضــوي بنزوعــه «الســلفي املنفتــح» و»الليبرالــي احملافــظ»‪.‬‬

‫ـردت مــن روحهــا املقاصديــة‪ ،‬واحنرفــت حنــو االجتــاه‬


‫هكــذا‪ ،‬تضخمــت النزعــة الســلفية فتجـ َّ‬
‫الســلفي النصــي لتتجســد فــي شــكل تنظيمــات متطرفــة متــارس التأويــل الدينــي علــى هواهــا‪،‬‬

‫فتجــردت مــن روحهــا الفلســفية األنواريــة‪،‬‬


‫َّ‬ ‫وفــي نفــس اآلن تضخمــت النزعــة الليبراليــة‬

‫واحنرفــت حنــو االجتــاه العلمانــوي املتطــرف‪.‬‬

‫‪ .3‬النهضة العربية وأسئلة التأسيس‬


‫تأسســت النهضــة العربيــة كجــواب علــى التحــدي احلضــاري الــذي بــدأ يواجهــه العالــم العربي‪،‬‬
‫َّ‬
‫وفــي نفــس اآلن انبثقــت كجــواب علــى مجموعــة مــن األســئلة التــي طرحتهــا املرحلــة‪ ،‬وترتبط‬

‫فــي جوهرهــا مبجمــوع اخليــارات املتاحــة أمــام النخبــة املثقفــة لصياغــة النمــوذج احلضــاري‬

‫املنشــود‪ ،‬والــذي بإمكانــه أن يجيــب علــى التحــدي احلضــاري املطــروح‪ .‬ومبــا أن املرحلــة قــد‬

‫فكريــا علــى جتــارب حضاريــة جديــدة‪ ،‬فإنــه ال محالــة‬


‫ًّ‬ ‫انفتاحــا‬
‫ً‬ ‫عاشــت‪ ،‬بشــكل غيــر مســبوق‪،‬‬

‫مــن تســرب هــذه التأثيــرات وتغلغلهــا لتصبــح موجهــة لألســئلة املطروحــة‪ ،‬واخليــارات الفكريــة‬

‫املتاحــة أمــام النخبــة املثقفــة‪.‬‬

‫عبــرت هــذه التأثيــرات عــن نفســها‪ ،‬بشــكل جلــي‪ ،‬مــن خــال الــرؤى اإلصالحيــة التــي‬
‫وقــد َّ‬
‫تب َّنتهــا هــذه النخبــة‪ ،‬ســواء السياســية منهــا‪ ،‬عبــر املطالبــة بصياغــة دســاتير ِّ‬
‫تنظــم العالقــات‬
‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | ‪181‬‬

‫بــن احلاكمــن واحملكومــن (‪ ،)7‬أو االجتماعيــة مــن خــال املطالبــة بتعليــم املــرأة باعتبارهــا‬

‫مدرســة األجيــال(‪ ،)8‬أو االقتصاديــة مــن خــال مطالبــة الدولــة بتنظيــم القطاعــات االقتصاديــة‬

‫احلديثــة(‪.)9‬‬ ‫وإخضاعهــا للمعاييــر‬

‫وقــد تب َّنــى الدعــوة إلــى هــذه اإلصالحــات تيــار فكــري اســتلهم املبــادئ الليبراليــة احلديثــة‪،‬‬

‫وحــاول مــن خاللهــا القيــام مبجموعــة مــن اإلصالحــات اجلوهريــة لبــث روح جديــدة فــي‬

‫الوضعيــة الســائدة‪ .‬لكــن‪ ،‬هــذه الدعــوات الليبراليــة لــم تكــن الوحيــدة التــي تبحــث فــي‬

‫الــداء‪ ،‬بــل كان للنخبــة الفكريــة الســلفية صوتهــا القــوي فــي طــرح األســئلة الفكريــة علــى‬

‫املرحلــة‪ .‬وهكــذا‪ ،‬فعنــد محاولــة عــرض أســئلة التأســيس التــي قــادت املشــروع النهضــوي‬

‫العربــي‪ ،‬إبــان مرحلــة القــرن التاســع عشــر‪ ،‬جندهــا تأسســت علــى ســؤالني رئيســيني يرتبــط كل‬

‫منهمــا مبرجعيــة خاصــة‪.‬‬

‫فقــد ارتبــط الســؤال األول مبرجعيــة حتــاول اســتلهام مقومــات الفكــر احلديــث‪ ،‬مــع محاولــة‬

‫ربطــه مبشــاغل الراهــن‪ ،‬وبذلــك نلمــس بــن طياتــه بعــض مالمــح الفكــر الليبرالــي احلديــث‬

‫دون التمكــن التــام مــن مقومــات هــذا الفكــر‪ .‬بينمــا ارتبــط الســؤال الثانــي مبرجعيــة مغايــرة‬

‫كانــت تســعى إلــى محاولــة اســتثمار املقومــات احلضاريــة للتــراث العربــي اإلســامي قصــد‬

‫معــا وحــدت بينهمــا‬


‫تدشــن النهضــة املنشــودة إال أن مــا يتبــدى للباحــث هــو أن التياريــن ً‬
‫مشــاغل املرحلــة‪ ،‬األمــر الــذي جعــل كل تيــار يســتفيد مــن اآلخــر ويتأثــر بــه‪ .‬ولعــل هــذا هــو‬

‫يوحــد بينهمــا مــن حيــث ارتباطهمــا‬


‫مــا نلمســه عنــد مســاءلة األســاس اإلبســتمولوجي الــذي ِّ‬
‫املتــن بالتــراث العربــي اإلســامي‪ ،‬وكذلــك مــن حيــث محاولتهمــا االســتفادة مــن مقومــات‬

‫احلضــارة املعاصــرة مــن منظــور براغماتــي‪.‬‬

‫‪ .1.3‬املرجعية السلفية يف التأسيس للنهضة العربية‬


‫عــاش الفكــر العربــي إبــان القــرون األولــى للحضــارة العربيــة اإلســامية أزهــى عصــوره علــى‬

‫اإلطــاق‪ ،‬فقــد جنحــت التجربــة واخترقــت كل ربــوع العالــم عبــر اســتراتيجية الفتوحــات التــي‬

‫اســتطاع عبرهــا العــرب ختطــي حدودهــم اجلغرافيــة واختــراق جميــع جهــات العالــم مــن آســيا‬
‫‪| 182‬‬

‫إلــى إفريقيــا إلــى أوروبــا‪ ...‬وقــد ظــل صــدى هــذا النجــاح يتــردد‪ ،‬لقــرون طويلــة‪ ،‬لــدى النخبة‬

‫ـدا عنــه‪.‬‬
‫املثقفــة باعتبــاره النمــوذج األمثــل الــذي ال ميكــن للعــرب أن يواصلــوا طريقهــم بعيـ ً‬
‫لذلــك‪ ،‬فــإن نشــوة هــذا النجــاح ظلــت تــراود رواد عصــر النهضــة‪ ،‬وهــم يبحثــون فــي ســبل‬

‫اخلــروج مــن الركــود احلضــاري الــذي عانــاه الفكــر العربــي خــال هــذه املرحلــة مردديــن‬

‫ص ُلــح بــه حــال ســلفها‪« .‬ومــا دام ختلــف املســلمني‬


‫أنــه ال صــاح حلــال هــذه األمــة إال مبــا َ‬
‫يرجــع إلــى تضــارب األهــواء والفوضــى واخلــروج عــن النظــام‪ ،‬فــإن العــودة إلــى مــا صلــح بــه‬

‫الســلف هــو املســلك القــومي الســتعادة النظــام»(‪.)10‬‬

‫وقــد تب َّنــى التيــار الســلفي هــذه الرؤيــة‪ ،‬وحــاول مــن خاللهــا التأســيس لتجربــة جديــدة قوامهــا‬

‫تنقيــة الفكــر العربــي مــن الشــوائب التــي علقــت بــه‪ ،‬وذلــك عبــر الرجــوع إلــى العصــر الذهبــي‬

‫طابعــا‬
‫ً‬ ‫لهــذا الفكــر باســتلهام مقوماتــه احلضاريــة‪ .‬لكــن هــذه العــودة ال حتمــل فــي طياتهــا‬

‫نتوهــم‪ ،‬وإمنــا عــودة ُم ْب ِد َعــة ال تفــارق الواقــع بــل تنطلــق منــه بح ًثــا عــن‬
‫َّ‬ ‫نكوصيــا‪ ،‬كمــا قــد‬
‫ًّ‬
‫حلــول لركــوده‪ .‬ولعــل هــذا مــا يؤكــده ســعيد بنســعيد العلــوي عندمــا اعتبــر أن «الفكــر الســلفي‬

‫حــاول أن يقــدم األجوبــة‪ ،‬وســعى إلــى إعــادة فتــح بــاب االجتهــاد بعــد إذ اســتمر غلقــه قرو ًنــا‬

‫عبــر عنــه فــي املراحــل األولــى مــن‬


‫عديــدة‪ .‬ســعى الفكــر الســلفي إلــى قــراءة الواقــع الــذي َّ‬
‫والتأخــر»(‪.)11‬‬ ‫النشــأة احلديثــة باالحنطــاط‬

‫هكــذا‪ ،‬متكــن الفكــر الســلفي مــن ضــخ دمــاء جديــدة فــي شــرايني الفكــر العربي‪ ،‬وهــو يبحث‬

‫فــي إمكانيــات النهــوض مــن نكســاته‪ ،‬وقــد كان بذلــك قــوة حتريريــة كبيــرة أســهمت‪ ،‬إلــى‬

‫أبعــد احلــدود‪ ،‬فــي احلفــاظ علــى خصوصيــة الــذات وســط األمــواج العاتيــة التــي هاجمتهــا‪،‬‬

‫ـعا أمــام هــذا الفكــر لالنفتــاح علــى اآلخــر‬


‫بشــكل مفاجــئ‪ ،‬وفــي اآلن ذاتــه فتــح البــاب واسـ ً‬
‫قصــد االســتفادة مــن جتاربــه فــي النهــوض‪ ،‬وذلــك مــن خــال جنــاح رواد الفكــر الســلفي فــي‬

‫مهمــة إعــادة تكييــف النظــر إلــى العالقــة بــن التحديــث (التبديــع) مــن جهــة‪ ،‬والعــودة إلــى‬

‫(السـ َّنة احلســنة) مــن جهــة أخــرى‪ ،‬وذلــك بتوســط هــو العمــل علــى التجديــد‬
‫اإلســام احلــق ُّ‬
‫فــي أمــور الديــن‪ ،‬أو مــا يتعلــق منهــا بالعــادات واملعامــات علــى وجــه اخلصــوص‪.‬‬
‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | ‪183‬‬

‫أ‪ -‬املرجعية السلفية يف التأسيس للنهضة العربية‪ :‬النموذج املشرقي‬


‫َّ‬
‫تتحكــم فيهــا قيــم‬ ‫خــال مرحلــة القــرن التاســع عشــر دخــل الفكــر العربــي فــي ســيرورة‬

‫حضاريــة جديــدة تنبنــي علــى محاولــة اخلــروج مــن الركــود الســائد والدخــول فــي حركيــة‬

‫العصــر‪ .‬وقــد أســهمت املرجعيــة الفكريــة الســلفية‪ ،‬فــي املشــرق العربــي‪ ،‬فــي إعــان البدايــة‬
‫األولــى لهــذا املســار‪ ،‬وذلــك مــن خــال جناحهــا فــي إحــداث نــوع مــن التــوازن بــن التحــدي‬

‫ـدم نفســه في شــكل‬


‫احلضــاري الــذي يواجهــه الفكــر العربــي مــن طــرف الفكــر الغربــي الــذي قـ َّ‬
‫حــرب جديــدة ال ســابق لهــا‪ ،‬وبــن التــراث العربــي اإلســامي الــذي تعــرض‪ ،‬خــال هــذه‬

‫لرجــات قويــة بعدمــا تعــرض العــرب املســلمون لتحديــات متتاليــة أبانــوا خاللهــا عــن‬
‫املرحلــة‪َّ ،‬‬
‫ـرض خصوصيتهــم احلضاريــة خلطــر داهــم جتســد‬
‫ضعــف كبيــر فــي املواجهــة؛ الشــيء الــذي عـ َّ‬
‫فــي خضوعهــم لالســتعمار والتخلــي عــن اســتقاللهم‪.‬‬

‫وفــي خضــم هــذه التحديــات الكبــرى املفروضــة علــى الفكــر العربــي‪ ،‬عمــل رمــوز الفكــر‬

‫النهضــوي مــن التيــار الســلفي علــى تصحيــح الكثيــر مــن املغالطــات التــي فرضتهــا املرحلــة‪،‬‬

‫وعلــى قائمــة هــذه املغالطــات محاولــة رســم صــورة لإلســام‪ ،‬كتصــور حضــاري عابــر للزمــان‬

‫ـادا علــى الفكــر اإلســامي وعلــى واقــع املســلمني‪ ،‬املنحســر فــي إطــار زمانــي‬
‫واملــكان‪ ،‬اعتمـ ً‬
‫وضمــن حــدود جغرافيــة؛ األمــر الــذي يجعــل هــذه احملاولــة مغرضــة إلــى أبعــد احلــدود‪.‬‬

‫ويعتبــر الشــيخ محمــد عبــده (‪ )1905-1849‬مــن رواد هــذه املرجعيــة الكبــار‪ ،‬حيــث أســهم فــي‬

‫قيمــا إنســانية خالــدة‪ ،‬والتفكيــر اإلســامي الــذي يرتبــط‬


‫التمييــز بــن اإلســام كديــن يحمــل ً‬
‫بواقــع املســلمني املتســم بالركــود والتخلــف‪ .‬وقــد جنــح فــي محاولتــه التمييزيــة هذه‪ ،‬أميــا جناح‪،‬‬

‫تبرهــن علــى ذلــك الصــورة اجلديــدة التــي صاغهــا التيــار الســلفي لإلســام كديــن يحتــوي‬

‫علــى قيــم إنســانية نبيلــة‪ ،‬هــذا الديــن الــذي ال وجــود لــه فــي واقــع املســلمني‪ ،‬والــذي يجــب‬

‫عليهــم االلتــزام بقيمــه الســامية إذا أرادوا اخلــروج مــن تقهقرهــم احلضــاري‪ .‬وفــي هــذا الصدد‪،‬‬

‫ـاما فهــو ليــس بإســام‪ ،‬وكثيــر‬


‫ـميه إسـ ً‬ ‫«فجـ ُّ‬
‫ـل مــا تــراه اآلن ممــا تُسـ ِّ‬ ‫يقــول الشــيخ محمــد عبــده‪ُ :‬‬
‫ـاما»(‪.)12‬‬
‫ممــا ُيعــاب اآلن علــى املســلمني ليــس مــن اإلســام وإمنــا هــو شــيء آخــر مســوه إسـ ً‬
‫‪| 184‬‬

‫إن التخلــف الــذي يعانــي منــه العــرب املســلمون هــو ختلــف يرتبــط مبمارســاتهم فــي الواقــع وال‬

‫عالقــة لــه باإلســام‪ ،‬وفــي إشــارة ُم َب َّط َنــة يحيــل الشــيخ محمــد عبــده النخبــة املثقفــة‪ ،‬التــي‬

‫تبحــث فــي ســبل اخلــروج مــن التخلــف‪ ،‬علــى العــودة إلــى األصــول النقيــة لإلســام ومحاربــة‬

‫الشــوائب التــي علقــت بهــذه األصــول‪ ،‬ويبــن فــي هــذا الســياق أن «اإلســام لــن يقــف حجــر‬
‫ـدا‪ ،‬بــل هــو سـ ِّ‬
‫ـيهذبها وينقِّ يهــا مــن أوضارهــا‪ ،‬وســتكون املدنيــة مــن‬ ‫عثــرة فــي ســبيل املدنيــة أبـ ً‬
‫أقــوى أنصــاره متــى عرفتــه وعرفــه أهلهــا»(‪.)13‬‬
‫ومت ِّثــل العــودة إلــى األصــول النقيــة لإلســام‪ ،‬فــي نظــر الشــيخ محمــد عبــده‪ ،‬احلـ َّ‬
‫ـل الوحيــد‬
‫للخــروج مــن املــأزق التاريخــي الــذي ســقطت فيــه احلضــارة العربيــة اإلســامية‪ ،‬ولــن تُشـ ِّ‬
‫ـكل‬

‫ســتزودها بقــوة‬
‫ِّ‬ ‫خطــرا علــى املدنيــة املعاصــرة بــل علــى العكــس مــن ذلــك‬
‫ً‬ ‫هــذه العــودة‬

‫إضافيــة هــي فــي أمــس احلاجــة إليهــا‪.‬‬

‫وباإلضافــة إلــى األثــر الكبيــر الــذي تركــه الشــيخ محمــد عبــده علــى املرجعيــة الســلفية‪،‬‬

‫روادا غيــره ال يق ُّلــون أهميــة عنــه‪ ،‬جنــد علــى رأســهم‬


‫ً‬ ‫خــال عصــر النهضــة‪ ،‬فــإن هنــاك‬

‫الشــيخ جمــال الديــن األفغانــي (‪ )1897-1838‬الــذي التــزم نفــس رؤيــة محمــد عبــده‪ ،‬وآمــن‬

‫أشــد اإلميــان بالعــودة إلــى األصــول النقيــة للحضــارة العربيــة اإلســامية ملواجهــة التــردي الــذي‬

‫يعانــي منــه احلاضــر إال أن الصــوت القــوي الــذي رافــق صــوت الشــيخ محمــد عبــده فــي هــذه‬

‫املعركــة املصيريــة هــو الشــيخ علــي عبــد الــرازق (‪ )1966-1888‬الــذي انتقــد املمارســة السياســية‬

‫رئيســا لهــذا التــردي‪ .‬وفــي كتابــه «اإلســام وأصــول احلكــم»‬


‫ً‬ ‫ـببا‬
‫االســتبدادية التــي اعتبرهــا سـ ً‬
‫يوجــه ســهام نقــده إلــى دعــاة اخلالفــة‪ ،‬ويجادلهــم بالنــص الدينــي الواضــح ليثبــت لهــم أن‬

‫اخلالفــة شــأن مدنــي ال دخــل للديــن فيــه‪ ،‬وهــو فــي ذلــك يقــول‪« :‬واحلــق أن الديــن اإلســامي‬

‫هيــؤوا حولهــا مــن رغبــة‬


‫بــريء مــن اخلالفــة التــي يتعارفهــا املســلمون‪ ،‬وبــريء مــن كل مــا َّ‬
‫ورهبــة ومــن عــز وقــوة‪ .‬واخلالفــة ليســت فــي شــيء مــن اخلطــط الدينيــة‪َّ ،‬‬
‫كل وال القضــاء وال‬

‫غيرهمــا مــن وظائــف احلكــم ومراكــز الدولــة‪ .‬وإمنــا تلــك كلهــا خطــط سياســية صرفــة ال شــأن‬

‫للديــن بهــا فهــو لــم يعرفهــا ولــم ينكرهــا‪ ،‬وال أمــر بهــا وال نهــى عنهــا‪ ،‬وإمنــا تركهــا لنــا لنرجــع‬
‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | ‪185‬‬

‫فيهــا إلــى أحــكام العقــل وجتــارب األمم وقواعــد السياســة»(‪.)14‬‬

‫ب‪ -‬املرجعية السلفية يف التأسيس للنهضة العربية‪ :‬النموذج املغربي‬


‫كان للمرجعيــة الســلفية األثــر الكبيــر فــي صياغــة النهضــة املغربيــة‪ ،‬مــن خــال تقــدمي األجوبــة‬

‫الشــافية علــى األســئلة احملرجــة التــي فرضهــا التحــدي الغربــي علــى املغــرب‪ .‬ولعــل اخلصوصيــة‬

‫ميــزت الفكــر الســلفي فــي بــاد املغــرب‪ ،‬هــي ذلــك التداخــل مــا بــن الســلفية كتيــار‬
‫التــي َّ‬
‫فكــري‪ ،‬واحلركــة الوطنيــة كتيــار سياســي‪ .‬وهــذا‪ ،‬مــا يؤكــده ســعيد بنســعيد العلــوي حــن‬

‫يقــول‪« :‬قــد يكــون مــن املفيــد أن منهــد للحديــث عــن الفكــر الســلفي فــي املغــرب بإشــارة‬

‫الوطنيــة»(‪.)15‬‬ ‫وجيــزة إلــى الصلــة بــن الســلفية وبــن احلركــة‬

‫ولعــل هــذا التداخــل هــو الــذي أعطــى املرجعيــة الســلفية فــي املغــرب قيمــة مضافــة‪ ،‬كصــوت‬

‫قــوي يدعــو إلــى التحــرر والنهــوض‪ ،‬ويربــط املغاربــة بتراثهــم العربــي اإلســامي الــذي يجســد‬
‫ً‬
‫خالفــا للدعــوات االســتعمارية التــي حاولــت تقدميــه لهــم فــي شــكل‬ ‫كل هــذه القيــم النبيلــة‬

‫ويعبــر عــال الفاســي (‪ )1974 1910-‬عــن هــذا النجــاح الباهــر للفكــر‬


‫ِّ‬ ‫ـد مــن تقدمهــم‪.‬‬
‫عوائــق حتـ ُّ‬
‫الســلفي باملغــرب بقولــه‪« :‬ومــن احلــق أن نؤكــد أن امتــزاج الدعــوة الســلفية بالدعــوة الوطنيــة‬

‫معــا‪ .‬ومــن احلــق أن‬


‫كان ذا فائــدة مزدوجــة‪ ،‬فــي املغــرب األقصــى‪ ،‬علــى الســلفية والوطنيــة ً‬
‫معــا فــي املغــرب أدى إلــى جنــاح للســلفية‬
‫نؤكــد أن األســلوب الــذي ســلكته الســلفية والوطنيــة ً‬
‫لــم تســتطع أن حتظــى بــه فــي بلــد عبــده واألفغانــي»(‪.)16‬‬

‫وبتوفــر هــذا الوعــي الفكــري املتقــدم‪ ،‬اســتطاعت املرجعيــة الســلفية فــي املغــرب أن تكــون أداة‬

‫حتريــر سياســي واجتماعــي فــي يــد النخبــة املثقفــة‪ ،‬عملــت مــن خاللهــا علــى محاربــة التــردي‬

‫الســائد‪ ،‬عبــر اســتراتيجية العــودة املبدعــة إلــى العصــر الذهبــي فــي التاريــخ اإلســامي قصــد‬

‫اســتلهام القيــم الســامية التــي قــادت العــرب املســلمني إلــى جناحــات كبيــرة‪.‬‬

‫قويــا للفكــر املغربــي للتحــرر‬


‫دافعــا ًّ‬
‫ً‬ ‫وهكــذا‪ ،‬يبــدو أن املرجعيــة الســلفية فــي املغــرب كانــت‬

‫مــن جميــع القيــود التــي عرقلــت مســيرته‪ ،‬ســواء أكانــت فكريــة أم سياســية ‪ ...‬وهــذا مــا فتــح‬

‫واســعا أمــام خــروج النخبــة املثقفــة عــن صمتهــا‪ ،‬والدخــول فــي ممارســة التجديــد‬
‫ً‬ ‫البــاب‬
‫‪| 186‬‬

‫مهــد الطريــق ملمارســة التحديــث‪ ،‬فيمــا بعــد‪ ،‬علــى‬


‫علــى املســتوى الدينــي؛ الشــيء الــذي َّ‬
‫ـزءا ال يتجــزأ مــن‬
‫املســتويات الفكريــة والسياســية واالجتماعيــة‪ .‬وإذا كانــت الســلفية املغربيــة جـ ً‬
‫تيــار ســلفي كبيــر ظهــر وتنامــى فــي جميــع أقطــار العالــم العربــي اإلســامي‪ ،‬فــإن هــذا ال يلغــي‬

‫ـب املمارســة الفكريــة‬


‫خصوصيــة الســلفية املغربيــة التــي امتلكــت أســئلتها اخلاصــة النابعــة مــن لـ ِّ‬
‫والسياســية فــي املغــرب‪.‬‬

‫ولعــل هــذا مــا يؤكــده الكثيــر مــن الباحثــن املغاربــة الذيــن اهتمــوا باملرحلــة‪ ،‬وكشــفوا عــن‬

‫أســئلتها الفكريــة‪ .‬ويشــير ســعيد بنســعيد العلــوي إلــى أن الســلفية املغربيــة جــزء ال يتجــزأ مــن‬

‫ـرا أن الســلفية املغربيــة‬


‫تيــار ســلفي كبيــر عرفــه الفكــر العربــي واإلســامي‪ ،‬لكنــه يســتدرك معتبـ ً‬
‫متتلــك أســئلتها اخلاصــة النابعــة مــن انشــغاالت الراهــن املغربــي الــذي و َّلدهــا‪ .‬ولذلــك‪ ،‬فهــي‬

‫جتــد تبريراتهــا وتفســيراتها فــي معطيــات السياســة واالجتمــاع والتاريــخ‪ .‬ويعتمــد الباحــث‬

‫مجموعــة مــن املعطيــات التاريخيــة‪ ،‬منهــا أن كتابــات الســلفيني املغاربــة «تشــي بقــدرة جيــدة‬

‫علــى ممارســة االجتهــاد الفقهــي فــي قضايــا تتعلــق باحليــاة االجتماعيــة واالقتصاديــة والسياســية‬

‫املعاصــرة فــي املغــرب‪ ،‬فهــي قــد كتبــت فــي جتــاوب وتفاعــل مــع صــور هــذه احليــاة كلهــا» (‪.)17‬‬

‫‪ .2.3‬املرجعية الليربالية يف التأسيس للنهضة العربية‬


‫كان للمرجعيــة الســلفية كبيــر األثــر فــي التأســيس للنهضــة العربيــة‪ ،‬وذلــك واضــح مــن خــال‬

‫األســئلة التأسيســية التــي طرحتهــا علــى املرحلــة‪ ،‬وهــي فــي العمــق أســئلة فكريــة تعمــل علــى‬

‫توجيــه بوصلــة النهضــة فــي االجتــاه الصحيــح إال أن هــذا الــدور الكبيــر الــذي لعبتــه املرجعيــة‬

‫الســلفية لــم يوصــد البــاب أمــام مرجعيــة أخــرى‪ ،‬اســتمدت مشــروعيتها مــن حتديــات الراهــن‬

‫لتطــرح أســئلة جوهريــة ختــص إشــكالية النهــوض‪.‬‬

‫وقــد اســتمدت املرجعيــة الليبراليــة‪ ،‬فــي الفكــر النهضــوي العربــي‪ ،‬مشــروعيتها مــن الفكــر‬

‫ـدءا بالبنيــات الفكريــة‬


‫أســس لطفــرات مهمــة فــي التاريــخ اإلنســاني‪ ،‬بـ ً‬
‫الليبرالــي الغربــي الــذي َّ‬
‫ـرورا بالنظريــة السياســية التــي نقلــت‬
‫التــي تطــورت محدثــة قطيعــة مــع التفكيــر الســحري‪ ،‬ومـ ً‬
‫الدولــة مــن طابعهــا االســتبدادي إلــى دولــة تقــوم علــى احلريــة واملســاواة‪ ،‬وانتهــاء بالفكــر‬
‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | ‪187‬‬

‫االقتصــادي الــذي عمــل علــى اســتثمار اخليــرات املاديــة للطبيعــة واخليــرات الرمزيــة لإلنســان‬

‫لتشــييد فلســفة اقتصاديــة جديــدة تقــوم علــى اإلشــباع‪.‬‬

‫فــي عالقــة مبنجــزات النمــوذج الليبرالــي‪ ،‬فقــد ســعت النخبــة النهضويــة العربيــة إلــى التعــرف‪،‬‬

‫عــن قــرب‪ ،‬علــى هــذه اإلجنــازات التاريخيــة‪ ،‬إمــا عبــر الرحــات التــي عاشــت اللحظــة‬

‫وعبــرت عنهــا خيــر تعبيــر‪ ،‬وإمــا عبــر البعثــات الطالبيــة التــي فتحــت لعهــد جديــد فــي التعامــل‬
‫َّ‬
‫فكــرا و ممارســة‪ ،‬وقــد مت هــذا فــي مشــرق العالــم العربــي مــع‬
‫ً‬ ‫مــع اآلخــر والتعــرف عليــه‪،‬‬

‫عبــد اهلل (‪1790-‬‬ ‫محمــد علــي (‪ ،)1849-1769‬وفــي املغــرب العربــي مــع الســلطان محمــد بــن‬

‫‪ ،)1710‬ومــا يوحــد هذيــن الرمزيــن النهضويــن‪ ،‬هــو اقتناعهمــا التــام بضــرورة نقــل صــدى هــذا‬

‫املشــروع الليبرالــي الغربــي إلــى الفكــر العربــي‪.‬‬

‫عبــرت املرجعيــة الليبراليــة فــي الفكــر العربــي عــن نفســها عبــر الترويــج ملفهــوم مركــزي‬
‫وقــد َّ‬
‫يســتمد قوتــه مــن املســتجدات الطارئــة‪ ،‬علــى املســتويني الفكــري والسياســي‪ ،‬وهــو مفهــوم‬
‫ً‬
‫مرتبطــا بالراهــن‪ ،‬فيمــا يتعلــق‬ ‫«التحديــث» الــذي يحمــل شــحنة فكريــة وسياســية جتعلــه‬

‫بالوجــود االجتماعــي ومــا يرتبــط بــه مــن أمنــاط الوجــود السياســي واالقتصــادي والقانونــي‬

‫والفكــري‪ ....‬كمــا أنــه يتعلــق مبــا يحصــل مــن الوعــي عبــر النظــر فــي تلــك األمنــاط املختلفــة‬

‫مــن الوجــود فــي صلتهــا باألحــداث املســتجدة والظاهــرة فــي مســتويات السياســة واالجتمــاع‬

‫واالقتصــاد‪ .‬و»كمقابــل ملفهــوم التحديــث‪ ،‬حضــر مفهــوم «االجتهــاد» الــذي يســتمد روحــه مــن‬

‫ـرا فــي الفكــر والشــريعة بغيــة تقــدمي احللــول واألجوبــة الشــرعية‬


‫املرجعيــة الســلفية‪ ،‬باعتبــاره نظـ ً‬
‫علــى املســتجدات التــي حتــدث فــي املجتمــع اإلســامي»(‪.)18‬‬

‫وإذا جتاوزنــا مســتوى التنظيــر إلــى مســتوى املمارســة‪ ،‬جنــد النخبــة املثقفــة العربيــة قــد حاولــت‬

‫القيــام مبراجعــات فــي كل أمنــاط الراهــن املختلفــة‪ ،‬ســواء مــا تعلــق منهــا بالوجــود الفكــري أو‬

‫السياســي أو االجتماعــي‪ .‬ومبــا أن هــذه النخبــة قــد جســدت كل مظاهــر التخلــف فــي البعــد‬

‫ـدا‬
‫السياســي‪ ،‬مــن حيــث التأثيــر الســلبي الــذي ميارســه االســتبداد علــى الفكــر فيجعلــه راكـ ً‬
‫وغيــر قــادر علــى صياغــة األجوبــة النافــذة علــى األســئلة املطروحــة‪ ،‬فــإن اخلطــاب التحديثــي‬
‫‪| 188‬‬

‫ـب علــى النظريــة السياســية‪ ،‬باعتبــار أن التحديــث السياســي ســيكون لــه كبيــر األثــر‬
‫لديهــا انصـ َّ‬
‫علــى باقــي املســتويات األخــرى‪.‬‬

‫عبــرت املرجعيــة الليبراليــة فــي التأســيس للنهضــة العربيــة عــن هــذا الطمــوح إلــى‬
‫وقــد َّ‬
‫ـد دســتوري اجتــاح البــاد العربيــة اإلســامية بدايــة القــرن‬
‫اإلصــاح السياســي‪ ،‬مــن خــال َمـ ٍّ‬
‫التاســع عشــر‪ .‬وعــادة مــا يتــم إرجــاع احلركــة الدســتورية إلــى اخلامــس مــن أكتوبر‪/‬تشــرين‬

‫األول ‪1798‬؛ إذ اســتدعى نابليــون فــي هــذا التاريــخ جمعيــة عامــة (الديــوان العــام) مؤ َّلفــة مــن‬

‫األعيــان املصريــن بجانــب العلمــاء واجلنــراالت الفرنســيني (‪ .)19‬ويعتبــر هــذا احلــدث البدايــة‬

‫وأسســت‪ ،‬فيمــا بعــد‪ ،‬ملســار جديــد مــن‬


‫احلقيقيــة لنهضــة سياســية عرفهــا املشــرق العربــي َّ‬
‫اإلصالحــات التــي عرفهــا النظــام السياســي العربــي‪.‬‬

‫كثيــرا فقــد ســعت النخبــة املخزنيــة (‪ )20‬إلــى إدخــال‬


‫ً‬ ‫وفــي املغــرب‪ ،‬ال جنــد األمــر يختلــف‬

‫مجموعــة مــن اإلصالحــات علــى نظــام املخــزن الــذي أبــان عــن وضعيــة كارثيــة فــي مواجهــة‬

‫املــد االســتعماري‪ ،‬لكــن الوعــي املتقــدم لهــذه النخبــة‪ ،‬التــي كانــت ‪-‬علــى األرجــح‪ -‬علــى‬

‫اطــاع مبــا يجــري مــن حتديــث فــي الضفــة الشــمالية‪ ،‬أوقفــت هــذا الطمــوح االســتعماري‪،‬‬

‫أو علــى األقــل عملــت علــى التقليــل مــن ســطوته عبــر حتويــل االحتــال الشــامل إلــى حمايــة‬

‫مشــروطة باحتــرام ســيادة الدولــة املغربيــة‪.‬‬

‫أ‪ -‬املرجعية الليربالية يف التأسيس للنهضة العربية‪ :‬النموذج املشرقي‬


‫إلــى حــدود غــزو نابليــون ملصــر‪ ،‬كان الفكــر العربــي فــي املشــرق العربــي يســتمد مقومــات‬

‫وجــوده مــن التــراث العربــي اإلســامي باعتبــاره املنبــع الوحيــد الــذي تنبعــث منــه جميــع‬

‫كثيــرا عــن الســابق؛ إذ استكشــف الفكــر‬


‫ً‬ ‫األســئلة‪ .‬لكــن‪ ،‬مرحلــة مــا بعــد الغــزو اختلفــت‬

‫العربــي رؤى جديــدة فــي الفكــر والسياســة واملجتمــع‪ ،‬وقــد كان للبعثــات الطالبيــة التي أرســلها‬

‫محمــد علــي إلــى الغــرب كبيــر األثــر علــى اختــراق الفكــر العربــي اإلســامي مــن طــرف هــذه‬

‫الــرؤى احلديثــة‪ ،‬وتغلغلهــا لدرجــة املســاهمة املباشــرة فــي صياغــة رؤيتــه للنهضــة واإلصــاح‪.‬‬
‫وبهــذا‪ ،‬فقــد َّ‬
‫متكنــت املرجعيــة الليبراليــة‪ ،‬فــي املشــرق العربــي‪ ،‬مــن تقــدمي مســاهمة فكريــة‬
‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | ‪189‬‬

‫كبيــرة‪ ،‬مــن خــال اســتعادتها ملجموعــة مــن األســئلة التــي غابــت عــن الطــرح الســلفي‪،‬‬

‫وبذلــك فقــد أضافــت لبنــات جديــدة لهــذا الصــرح الفكــري الكبيــر‪.‬‬

‫رفاعة الطهطاوي‪ :‬التفكري يف الحداثة من خالل مفهوم التمدن‬


‫ال ميكــن أن نتحــدث عــن املرجعيــة الليبراليــة فــي التأســيس للنهضــة العربيــة فــي املشــرق‪،‬‬

‫فكريــا مثــل رفاعــة الطهطــاوي (‪« )-1873 1801‬الــذي يعتبــر عــن حــق مــن‬
‫ًّ‬ ‫هرمــا‬
‫دون أن نذكــر ً‬
‫وأسســوا كتابــة عربيــة معاصــرة»(‪ )21‬وقــد متركــزت هــذه‬
‫أوائــل املثقفــن العــرب الذيــن بلــوروا َّ‬
‫الكتابــة حــول املســألة السياســية التــي اع ُتبــرت فــي نظــر معظــم النخبــة املثقفــة جوهــر اإلصالح‬

‫املرتقــب‪« .‬وال ميكــن فصــل تفكيــر رفاعــة الطهطــاوي عن منــاخ الفكــر اإلصالحي الذي انتشــر‬

‫بصــور وأشــكال مختلفــة فــي الواليــات العثمانيــة فــي نهايــة القــرن الثامــن عشــر ومطلــع القــرن‬

‫التاســع عشــر‪ ،‬هــذا املنــاخ الــذي وضــع التقابــل بــن اإلســام وأوروبــا املعاصــرة بــن التقــدم‬

‫اإلصــاح»(‪.)22‬‬ ‫والتأخــر‪َّ ،‬‬


‫وفكــر فــي املســألة السياســية باعتبارهــا قضيــة حامســة فــي برنامــج‬

‫إن ورود مثــل هــذه الثنائيــات فــي فكــر رفاعــة الطهطــاوي‪ ،‬ومعــه مفكــرو عصــر النهضة‪ ،‬يشــي‬

‫بطمــوح كبيــر لكشــف الســتار عــن إشــكاليات الراهــن العربــي الــذي ال ميكنــه أن يســتمر فــي‬

‫منــأى عــن حركيــة العصــر التــي تفــرض عليــه حتديــات كبيــرة يجــب أن يواجههــا إذا أراد حتقيــق‬

‫االســتمرارية‪ .‬وبذلــك‪ ،‬نكــون خــال هــذه املرحلــة أمــام صيــغ جديــدة للتفكيــر حتــاول أن‬

‫تســتمد مشــروعيتها مــن املنظومــة الفكريــة املعاصــرة‪ ،‬ولعــل هــذا مــا يؤكــده أنــور عبــد املالــك‪،‬‬
‫ً‬
‫مخاضــا ســيفضي فــي األخيــر إلــى «تأســيس حساســية جديــدة‬ ‫الــذي يــرى أن املرحلــة تعيــش‬

‫فــي الفكــر العربــي املعاصــر»(‪ .)23‬وال ميكــن إال أن نعتــرف بــأن تفكيــر رفاعــة الطهطــاوي فــي‬

‫املســألة السياســية ينــدرج ضمــن هــذه احلساســية اجلديــدة بــل ويزكيهــا‪ ،‬وذلــك راجــع إلــى أن‬

‫الطهطــاوي قــد واجــه انطالقً ــا مــن اعتبــاره رم ـ ًزا مــن رمــوز النخبــة املثقفــة فــي مصــر‪ ،‬فــي‬

‫القــرن التاســع عشــر‪ ،‬إشــكالية التأخــر اإلســامي‪ ،‬وأنــه أدرك بحكــم احتكاكــه املباشــر بأوروبا‬

‫وبفرنســا بالــذات عناصــر وأســباب التقــدم األوروبــي»(‪.)24‬‬

‫جليــا مــن خــال‬


‫ويبــدو التأثيــر الــذي مارســه الفكــر األوروبــي علــى تفكيــر رفاعــة الطهطــاوي ًّ‬
‫‪| 190‬‬

‫املفاهيــم التــي َّ‬


‫فكــر عبرهــا‪ ،‬وهــي مفاهيــم ختتلــف عمــا أنتجتــه املرجعيــة الســلفية‪ .‬ويعــود هــذا‬

‫االختــاف إلــى أن الطهطــاوي ال يفكــر فــي املســألة السياســية إال باالعتمــاد علــى املنجــزات‬

‫ســاعيا مــن وراء ذلــك إلــى التفكيــر فــي الدولــة العربيــة‬


‫ً‬ ‫التــي حققهــا الفكــر األوروبــي‪،‬‬

‫اإلســامية باعتمــاد النمــوذج الغربــي للدولــة‪.‬‬

‫ـواردا ملجموعــة مــن املفاهيــم التــي أنتجهــا الفكــر‬


‫ولذلــك‪ ،‬ال جنــد فــي كتابــات الطهطــاوي تـ ً‬
‫العربــي اإلســامي‪ ،‬خــال هــذه املرحلــة‪ ،‬مثــل مفهــوم النهضــة‪ ،‬ومفهــوم اإلصــاح‪ ...‬بقــدر‬
‫ِّ‬
‫يشــكل بــؤرة التفكيــر فــي املشــروع السياســي‬ ‫كبيــرا علــى مفهــوم مركــزي‬ ‫مــا جنــد تركيــ ًزا‬
‫ً‬
‫لرفاعــة الطهطــاوي‪ ،‬وهــو مفهــوم «التمــدن» الــذي ترتبــط بــه مفاهيــم مــن طينتــه مثــل مفهــوم‬
‫«التقــدم»‪ .‬لكنــه حتــى وهــو يســتعمل هــذا املــرادف فإنــه ال يســتعمله بديـ ً‬
‫ـا ملفهومــه املركــزي‬

‫«التمــدن»(‪.)25‬‬
‫وإذا كان رفاعــة الطهطــاوي قــد َّ‬
‫فكــر فــي النهضــة العربيــة مــن منطلقــات جديــدة ومبفاهيــم‬

‫جديــدة‪ ،‬فإنــه كان علــى وعــي تــام بضــرورة تشــييد صــرح النهضــة العربيــة عبــر اســتلهام‬

‫منجــزات الغــرب الرمزيــة منهــا واملاديــة‪ ،‬علــى وجــه اخلصــوص‪ ،‬ألن هــذا الغــرب يواجهنــا‬

‫مبنجزاتــه املاديــة‪ .‬وهــذا مــا يؤكــده الطهطــاوي فــي حديثــة عــن مغــزى التمــدن‪« :‬متــدن الوطــن‬

‫حســا‬
‫عبــارة عــن حتصيــل مــا يلــزم ألهــل العمــران مــن األدوات الالزمــة لتحســن أحوالهــم ًّ‬
‫ومعنــى‪ ..‬واســتجماع الكمــاالت املدنيــة والترقــي فــي الرفاهيــة»(‪ .)26‬وكمــا نالحــظ‪ ،‬فــإن‬

‫تأثــر الطهطــاوي الكبيــر بالتمــدن األوروبــي‪ ،‬هــو مــا دفعــه إلــى التركيــز فــي مفهــوم التمــدن‬
‫علــى املظاهــر املاديــة امللموســة‪ ،‬مــن عمــران وكمــاالت مدنيــة وتـ ٍّ‬
‫ـرق فــي الرفاهيــة‪ ...‬وبذلــك‬

‫يكــون رفاعــة الطهطــاوي قــد جنــح‪ ،‬إلــى حــد بعيــد‪ ،‬فــي اســتلهام النمــوذج الليبرالــي فــي‬

‫التأســيس للنهضــة العربيــة‪.‬‬

‫ب‪ -‬املرجعية الليربالية يف التأسيس للنهضة العربية‪ :‬النموذج املغربي‬


‫حتــى حــدود ســنة ‪- 1844‬ســنة وقــوع هزميــة إيســلي‪ -‬كان املغــرب يســتمد مقوماتــه احلضاريــة‬

‫مــن املرجعيــة التراثيــة‪ ،‬باعتبارهــا املنبــع الوحيــد القــادر علــى صياغــة األجوبــة علــى األســئلة‬
‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | ‪191‬‬

‫املطروحــة‪ .‬لكــن‪ ،‬املرحلــة التاليــة لهــذا احلــدث التاريخــي الضخــم كانــت مختلفــة مــع بدايــة‬

‫فجــر جديــد للنهضــة فــي املغــرب‪ ،‬حيــث عــرف جانــب مــن الفكــر املغربــي اإلصالحــي‪،‬‬

‫عبــرت هــذه‬
‫إبــان هــذه النهضــة‪ ،‬بعــض بــوادر الليبراليــة وبعــض التأثيــرات األنواريــة(‪ .)27‬وقــد َّ‬
‫التأثيــرات الليبراليــة عــن نفســها مــن خــال األطروحــات الفكريــة واالجتماعيــة والسياســية‬

‫اجلديــدة التــي صاغتهــا النخبــة املغربيــة املثقفــة‪.‬‬

‫املسألة الدستورية مدخل للتحديث السياسي‬


‫احتلــت املســألة الدســتورية جوهــر التحديــث عنــد النخبــة املثقفــة املغربيــة املتأثــرة باملنظــور‬

‫الليبرالــي‪ ،‬وقــد جتســد ذلــك فــي مجموعــة مــن املبــادرات‪ ،‬فــي عهــد الســلطان عبــد العزيــز‬

‫(‪ )1943-1878‬والســلطان عبــد احلفيــظ (‪)1876-1937‬؛ حيــث تكونــت جماعــة مــن املثقفــن‬

‫التنويريــن ُعرِ َفــت بجماعــة لســان املغــرب‪ ،‬وكان لهــا عالقــة بلجنــة أخــرى َّ‬
‫مســت نفســها‬

‫جلنــة الوحــدة والتقــدم (‪ .)28‬وقــد كان مــن بــن مهــام هــذه اجلماعــة صياغــة مجموعــة مــن‬

‫االقتراحــات وتقدميهــا للســلطان‪.‬‬


‫وقــد نتــج عــن هــذه الديناميكيــة السياســية حـ ٌ‬
‫ـدث مهــم جتســد فــي عقــد بيعــة الســلطان عبــد‬
‫ً‬
‫بديــا للســلطان عبــد العزيــز‪ ،‬كأهــم حــدث سياســي أعطــى دفعــة قويــة للحركــة‬ ‫احلفيــظ‬

‫مهمــا مــن مظاهــر التأثيــر الــذي مارســته احلداثــة السياســية‬


‫ـرا ًّ‬
‫الدســتورية الناشــئة باعتبارهــا مظهـ ً‬
‫فــي املغــرب بعــد هزميتــي إيســلي وتطــوان‪ .‬وقــد فرضــت البيعــة علــى الســلطان مجموعــة مــن‬

‫الشروط السياسية التي يجب التقيد بها‪ ،‬ويتعلق األمر بـ‪ :‬‬

‫‪ -‬استرجاع األراضي واألقاليم الضائعة‪.‬‬

‫‪ -‬حترير املدن احملتلة‪.‬‬

‫‪ -‬رفض كل تدخل أجنبي في شؤون البالد‪.‬‬

‫‪ -‬إلغاء ضريبة املكوس‪.‬‬

‫‪ -‬تقوية املؤسسات اإلسالمية بتشجيع التعليم‪.‬‬

‫والعمال (‪.)29‬‬ ‫‪ -‬ضمان استقاللية القضاة ضد تطاوالت القواد‬


‫‪| 192‬‬

‫وكمــا يبــدو‪ ،‬فــإن األمــر يتعلــق مبيثــاق وطنــي حقيقــي‪ ،‬زيــادة علــى أن البيعــة ميكــن أن تعتبــر‬

‫كعقــد بــن الســلطان والشــعب‪ ،‬وهــو أمــر جديــد علــى النظريــة واملمارســة السياســيتني فــي‬

‫املغــرب كجــزء مــن العالــم العربــي اإلســامي‪ ،‬وهــذا يعنــي أن التأثيــر الــذي مارســته احلداثــة‬

‫السياســية علــى النظريــة السياســية العربيــة‪ ،‬قــد بــدأ يؤتــي أكلــه بظهــور خنبــة مثقفــة متتلــك قــوة‬

‫اقتراحيــة قــادرة علــى زحزحــة الواقــع السياســي املتجمــد‪.‬‬

‫تعليم املرأة مدخل للتحديث االجتماعي‬


‫ـون األجيــال‪ ،‬فــإن التفكيــر فــي أي حتديــث‬ ‫َ‬
‫إذا كانــت املــرأة هــي املدرســة احلقيقيــة التــي تُكـ ِّ‬
‫جيــدا ِّ‬
‫ميكنهــا مــن أداء مهمتهــا بشــكل صحيــح‪ ،‬وقــد‬ ‫ً‬ ‫تعليمــا‬ ‫اجتماعــي ميــر عبــر تلقيهــا‬
‫ً‬
‫كانــت هــذه القضيــة علــى رأس القضايــا املصيريــة التــي حملتهــا النخبــة املثقفــة‪ ،‬ذات التوجــه‬

‫احلجــوي‪1956-( ،‬‬ ‫الليبرالــي‪ ،‬علــى عاتقهــا‪ .‬وقــد كان املثقــف املخزنــي‪ ،‬محمــد بــن احلســن‬

‫‪ )1874‬علــى رأس هــذه النخبــة‪ ،‬حيــث انشــغل بهــذه القضيــة أميــا انشــغال وخصــص لهــا حيـ ًزا‬

‫كبيــرا مــن كتاباتــه ومحاضراتــه‪ ،‬ويقــول فــي هــذا الصــدد‪« :‬لذلــك أرى وجــوب تعليمهــن‬
‫ً‬
‫نافعــا فــي هيئتنــا‬
‫ـوا ً‬‫وي َص ِّي ُر ُهــن عضـ ً‬
‫تعليمــا يليــق بديننــا ويزيــن مســتقبل أوالدنــا‪ُ ،‬‬
‫ً‬ ‫وتهذيبهــن‬

‫االجتماعيــة‪ .‬فــا غنــى لنــا عــن إعانتهــن فــي تربيــة رجــال املســتقبل الذيــن عليهــم مــدار حيــاة‬

‫البــاد‪ ،‬وتعليمهــن فــي التربيــة ونظــام البيــت وقواعــد الصحــة والديــن وحفــظ القــرآن أو بعضــه‬

‫واحلســاب واجلغرافيــا والعربيــة واألدب احلقيقــي ال اخليالــي وحنــو ذلــك ممــا يعينهــن علــى‬

‫مهمتهــن ويضــيء لهــن الطريــق»(‪.)30‬‬


‫وبذلــك‪ ،‬تتداخــل النظــرة الســلفية بالنظــرة الليبراليــة تداخـ ً‬
‫ـا ينــم عــن قــدرة كبيــرة يتمتــع بهــا‬

‫احلجــوي كمثقــف مخزنــي‪ ،‬مــن أجــل متريــر األفــكار اإلصالحيــة اجلديــدة التــي ال جتــد صــدى‬

‫عنــد النخبــة الدينيــة‪ .‬وهــذا مــا يؤكــده ســعيد بنســعيد العلــوي بقولــه‪« :‬واحلــق أن صاحــب‬

‫(الفكــر الســامي) ‪-‬يقصــد احلجــوي‪ -‬قــد خــاض فــي الدعــوة إلــى تعليــم املــرأة معركــة كبيــرة‬

‫أنفســهم»(‪.)31‬‬ ‫خاضهــا ضــد كثيــر مــن الفقهــاء احملافظــن وضــد رجــال املخــزن‬

‫منوذجــا مــن معانــاة احلجــوي مــع خصومــه ممــن ال يتفقــون مــع رأيــه‪،‬‬
‫ً‬ ‫وينقــل عبــد اهلل اجلــراري‬
‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | ‪193‬‬

‫ففــي ســنة ‪ 1923‬أقيمــت دورة للمحاضــرات التــي كانــت تنظمهــا حكومــة احلمايــة باملعهــد‬

‫العلمــي بالربــاط‪ ،‬وقــد شــارك فيهــا احلجــوي إلــى جانــب مجموعــة مــن علمــاء املغــرب حتــت‬

‫رئاســة الوزيــر األول محمــد بــن عبــد الســام املقــري (‪ .)1957 1860-‬وكان موضــوع مداخلــة‬

‫احلجــوي فــي هــذه الــدورة هــو «تعليــم الفتــاة ومشــاركتها فــي احليــاة» لكــن وقبــل أن يتــم‬

‫مخاطبــا إيــاه‪« :‬إن الديــن اإلســامي ال يســاعد‬


‫ً‬ ‫احلجــوي محاضرتــه‪ ،‬أقــدم املقــري علــى إيقافــه‬

‫ووجــه الــكالم إلــى‬


‫َّ‬ ‫تعليمــا يجعلهــا تشــارك الرجــل وتزاحمــه فــي احليــاة»‬
‫ً‬ ‫علــى تعليــم البنــت‬

‫أبــي شــعيب الدكالــي‪« :‬فمــا قولــك أيهــا األســتاذ فــي املوضــوع‪ :‬أيجــوز هــذا أم ال يجــوز؟‬

‫محاضرتــه»(‪.)32‬‬ ‫فأجابــه الشــيخ باملنــع‪ .‬وهكــذا جلــس احلجــوي دون أن يتــم‬

‫وهكــذا‪ ،‬ال جنــد وضعيــة احلجــوي ختتلــف عــن وضعيــة مصلــح آخــر فــي املشــرق العربــي دافــع‬

‫عــن تعليــم املــرأة‪ ،‬هــو قاســم أمــن (‪ )1908-1863‬الــذي عانــى مــن املجتمــع التقليــدي مثلمــا‬

‫عانــى احلجــوي فــي املغــرب؛ األمــر الــذي يدفــع الباحــث إلــى اســتنتاج مهــم يتجلــى فــي‬

‫وحــدة األهــداف اإلصالحيــة بــن املشــرق العربــي ومغربــه‪ ،‬وكذلــك فــي وحــدة املعوقــات‬

‫التــي كانــت تســعى إلــى عرقلــة حتقــق هــذه األهــداف‪.‬‬

‫لقــد ركــزت املرجعيــة الليبراليــة فــي الفكــر النهضــوي العربــي‪ ،‬فــي املغــرب‪ ،‬علــى إثــارة‬

‫موضــوع التحديــث‪ ،‬باعتبــاره يجســد طفــرات كبيــرة ومهمــة عرفهــا املغــرب‪ ،‬خــال مرحلــة‬

‫القــرن التاســع عشــر‪ ،‬علــى غــرار املشــرق العربــي إال أن جتربــة التحديــث‪ ،‬فــي املغــرب‪ ،‬لهــا‬

‫خصوصيتهــا الذاتيــة مــن حيــث ارتباطهــا باألســئلة التــي فرضهــا الراهن‪/‬الواقــع‪ ،‬وكذلــك مــن‬

‫خــال ارتباطهــا بشــراكة فريــدة حتققــت بــن املخــزن (النظــام احلاكــم) والنخبــة املثقفــة‪ .‬كمــا‬

‫أن خصوصيــة التحديــث فــي املغــرب تتجلــى فــي قربــه مــن الضفــة الشــمالية للبحــر األبيــض‬

‫املتوســط‪ ،‬حيــث مركــز احلداثــة األوروبيــة‪ ،‬الشــيء الــذي جعــل التحديــث ال ينتقــل فقــط عبــر‬

‫فوهــات املدافــع وعبــر املــدارس التبشــيرية املســيحية‪ ،‬ولكــن كذلــك عبــر التواصــل الشــعبي‬

‫بــن ضفتــي البحــر األبيــض املتوســط‪.‬‬


‫‪| 194‬‬

‫خاتمة‪ :‬يف الحاجة إىل روح املشروع اإلصالحي النهضوي‬


‫حــاول الباحــث‪ ،‬فــي هــذه الدراســة‪ ،‬أن ينحــو االجتــاه املعرفــي‪ ،‬عبــر القيــام بحفريــات معرفيــة‬

‫فــي املشــروع النهضــوي‪ ،‬مت ًنــا وخنبــة‪ ،‬وذلــك راجــع إلــى كــون الفشــل الــذي أصــاب كل‬

‫أساســا‪ ،‬إلــى غلبــة النزعــة‬


‫ً‬ ‫مشــاريعنا الثقافيــة والسياســية الالحقــة لعصــر النهضــة‪ ،‬يعــود‪،‬‬
‫األيديولوجيــة علــى النزعــة املعرفيــة‪ ،‬فــا ميكــن توحيــد أمــة متراميــة األطــراف‪ ،‬مــن آســيا إلــى‬

‫درســا بليغً ــا فــي‬


‫ـدم إلينــا التجربــة النهضويــة ً‬
‫إفريقيــا‪ ،‬باعتمــاد التوجيــه األيديولوجــي‪ .‬لكــن‪ ،‬تُقـ ِّ‬
‫إمكانيــة توحيــد األمــة العربيــة باعتمــاد التوجيــه املعرفــي‪ ،‬وهــذا حــدث‪ ،‬خــال مرحلــة القــرن‬

‫وقــدم نفســه‬
‫َّ‬ ‫التاســع عشــر‪ ،‬حيــث متكــن الفعــل النهضــوي مــن اختــراق احلــدود القُ طريــة‪،‬‬

‫كفعــل معرفــي قائــد ملشــروع االســتقالل التاريخــي لألمــة العربيــة‪.‬‬

‫لقــد ســاعدنا توظيــف أطروحــة باريتــو حــول الــدور الــذي تلعبــه النخبــة فــي قيــادة التغييــر‬

‫السياســي واالجتماعــي علــى كشــف قــوة املشــروع النهضــوي التــي تكمــن فــي النزعــة املعرفيــة‬

‫التــي قــادت خنبتــه‪ .‬وفــي نفــس اآلن‪ ،‬ســاعدنا علــى كشــف ضعــف املشــروع «الثــوري»‬

‫الالحــق للمرحلــة النهضويــة‪ ،‬وهــو ضعــف يعــود إلــى النزعــة األيديولوجيــة التــي اختزلــت‬
‫الفعــل النهضــوي فــي حركيــة سياســية عابــرة‪ .‬وميكــن تفســير هــذه احلركــة ا ُمل ِ‬
‫تراوحــة بــن‬
‫َّ‬
‫تشــكل خــال كل مرحلــة علــى حــدة‪.‬‬ ‫النجــاح والفشــل‪ ،‬بطبيعــة الفعــل النخبــوي الــذي‬

‫تأسســت مــن داخــل الفضاء‬


‫فقــد كانــت الثــورة النخبويــة النهضويــة ذات طابــع معرفــي‪ ،‬حيــث َّ‬
‫األكادميــي بجامعــات القرويــن واألزهــر والزيتونــة‪ ،‬ولذلــك متكنــت مــن إنتــاج خنبــة علميــة‬
‫ناضجــة متتلــك مــن الكفــاءة العلميــة مــا ِّ‬
‫ميكنهــا مــن تشــخيص الــداء االجتماعــي والسياســي‪،‬‬

‫أهلهــا لالنبثــاق كفاعــل نهضــوي عابــر لألقطــار والنزعــات األيديولوجيــة‪ .‬لكــن‪ ،‬الثــورة‬
‫وهــذا َّ‬
‫وتأسســت مــن خــارج‬
‫َّ‬ ‫النخبويــة الالحقــة للمرحلــة النهضويــة‪ ،‬كانــت ذات طابــع أيديولوجــي‬

‫الفضــاء األكادميــي‪ ،‬حيــث قادهــا فاعلــون أيديولوجيــون ال ميتلكــون مــن الرصيــد املعرفــي مــا‬

‫يؤهلهــم لتأســيس وقيــادة مشــروع مجتمعــي‪ ،‬قــادر علــى اســتثمار النظــام الفكــري والقيمــي‬

‫معرفيــا‪ .‬وهــذا عرقــل حركيتهــا السياســية واالجتماعيــة‪ ،‬وحكــم عليهــا‬


‫ًّ‬ ‫اإلســامي املؤســس‬
‫النهضة العربية وأسئلة التأسيس بين المرجعية السلفية والليبرالية | ‪195‬‬

‫بالتقوقــع داخــل ســياقات قطريــة أو حزبيــة ضيقــة‪.‬‬

‫لذلــك‪ ،‬تظــل احلاجــة إلــى الــدرس النهضــوي قائمــة‪ ،‬اليــوم‪ ،‬وهــي تتجــاوز اإلشــكالية‬

‫النهضويــة كمــن فكــري‪ ،‬إلــى اإلشــكالية النهضويــة كتصــور منهجــي‪ .‬فــإذا كانــت معظــم‬

‫ـاوزة‪ ،‬اليــوم‪ ،‬فــي ظــل الثــورات االجتماعيــة والسياســية‬


‫القضايــا التــي ناقشــها النهضويــون متجـ َ‬
‫واالقتصاديــة التــي تفرضهــا العوملــة‪ ،‬فــإن التصــور املنهجــي النهضــوي‪ ،‬فــي بعــده املعرفــي‪،‬‬

‫داخليــا‪ ،‬وفــي ظــل‬


‫ًّ‬ ‫خصوصــا فــي ظــل الشــتات الــذي تعانيــه األمــة‬
‫ً‬ ‫يفــرض راهنيتــه علينــا‪،‬‬

‫خارجيــا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫خرائــط التقســيم التــي يهيئهــا االســتعمار اجلديــد‬

‫املراجع‬
‫(‪ )1‬عابد اجلابري‪ ،‬محمد‪ ،‬حنن والتراث‪( ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،)1993 ،‬ط ‪ ،6‬ص ‪.12-13‬‬
‫(‪ )2‬ابــن خلــدون‪ ،‬عبــد الرحمــن بــن محمــد‪ ،‬املقدمــة‪ ،‬حتقيــق ودراســة‪ :‬علــي عبــد الواحــد وافــي‪( ،‬نهضــة مصــر‪،‬‬
‫القاهــرة‪ ،)2004 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.24‬‬
‫(‪ )3‬الفراهيدي‪ ،‬اخلليل بن أحمد‪ ،‬كتاب العني‪( ،‬دار الكتاب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،)2003 ،‬ط ‪ ،1‬ج ‪ ،4‬ص ‪.279‬‬
‫(‪ )4‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪( ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ )2003 ،‬ج ‪ ،14‬ص ‪.2016‬‬
‫(‪(Aron, R. les étapes de la pensée sociologique, (Gallimard, 1967, paris), p. 413 )5‬‬
‫(‪.Ibid, pp. 564-566 )6‬‬
‫(‪ )7‬انظر‪ :‬املدني‪ ،‬محمد‪« ،‬حول املسألة الدستورية»‪ ،‬مجلة أبحاث‪( ،‬العدد ‪ ،6‬خريف ‪.)1984‬‬
‫(‪)8‬كانت هذه دعوة قاسم أمني (‪ )1908 1863-‬في املشرق ومحمد احلجوي (‪ )1956 1874-‬في املغرب‪.‬‬
‫(‪ )9‬فرضــت الوضعيــة االقتصاديــة اجلديــدة علــى الفقيــه املجتهــد مســائل مســتحدثة مثــل التأمــن علــى الســلع‬
‫والودائــع املوضوعــة فــي البنــوك‪.‬‬
‫(‪ )10‬أفايــة‪ ،‬نــور الديــن‪ ،‬أســئلة النهضــة فــي املغــرب‪( ،‬منشــورات الزمــن‪ ،‬الكتــاب ‪ ،15‬يونيو‪/‬حزيــران ‪،)2000‬‬
‫ص ‪.77‬‬
‫(‪ )11‬بنســعيد العلــوي‪ ،‬ســعيد‪ ،‬االجتهــاد والتحديــث‪ :‬دراســة فــي أصــول الفكــر الســلفي فــي املغــرب‪ ،‬سلســلة‬
‫الفكــر العربــي املعاصــر‪( ،‬مركــز دراســات العالــم اإلســامي‪ ،)1993 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.19‬‬
‫(‪ )12‬عبده‪ ،‬محمد‪ ،‬اإلسالم والنصرانية‪( ،‬مطبعة املنار‪ ،‬القاهرة‪1350 ،‬ه)‪ ،‬ص ‪.115‬‬
‫(‪ )13‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫(‪ )14‬عبد الرازق‪ ،‬علي‪ ،‬اإلسالم وأصول احلكم‪( ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،)1993 ،‬ص ‪.103‬‬
‫(‪ )15‬بنسعيد العلوي‪ ،‬االجتهاد والتحديث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫‪| 196‬‬

‫(‪ )16‬الفاسي‪ ،‬عالل‪ ،‬احلركات االستقاللية في املغرب‪( ،‬مطبعة النجاح‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،)2003 ،‬ط ‪ ،6‬ص ‪.154‬‬
‫(‪ )17‬بنسعيد العلوي‪ ،‬االجتهاد والتحديث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )18‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )19‬املدني‪« ،‬حول املسألة الدستورية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫(‪ )20‬النخبــة املخزنيــة‪ ،‬نســبة إلــى املخــزن‪ ،‬وهــو اســم ملســمى الدولــة املركزيــة فــي املغــرب‪ُ .‬وصفــت النخبــة‬
‫باملخزنيــة‪ ،‬ألنهــا كانــت ملتزمــة مبشــروع التحديــث الرمســي الــذي قادتــه الدولــة املركزيــة‪ .‬والكثيــر مــن هــذه‬
‫رمسيــا يلتــزم مبهمــة حتديــث املجتمــع‬
‫ًّ‬ ‫ً‬
‫موظفــا‬ ‫النخبــة إمــا ُأ ِ‬
‫رســل ضمــن بعثــات طالبيــة إلــى أوروبــا‪ ،‬أو كان‬
‫تنظيــرا وممارســة‪.‬‬
‫ً‬ ‫والدولــة‬
‫(‪ )21‬عبــد اللطيــف‪ ،‬كمــال‪« ،‬التقــدم والتمــدن‪ :‬عوائــق احلداثــة السياســية فــي خطــاب الطهطــاوي»‪ ،‬فــي النهضــة‬
‫والتراكــم‪ ،‬سلســلة املعرفــة التاريخيــة‪( ،‬دار توبقــال‪ ،‬املغــرب‪ ،)1986 ،‬ط ‪ ،1‬ص ‪.134‬‬
‫(‪ )22‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.134‬‬
‫(‪.Abdel-malek, Anouar, idéologie et renaissance nationale, (Anthropos, paris, 1975), p. 306 )23‬‬
‫(‪ )24‬عبد اللطيف‪ ،‬التقدم والتمدن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫(‪ )25‬الطهطــاوي‪ ،‬رفاعــة‪ ،‬األعمــال الكاملــة‪ ،‬دراســة وحتقيــق‪ :‬محمــد عمــارة‪( ،‬دار الشــروق‪ ،‬القاهــرة‪،)2010 ،‬‬
‫ط ‪ ،1‬املجلــد ‪ ،1‬ص ‪.469‬‬
‫(‪ )26‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.469‬‬
‫(‪ )27‬عابــد اجلابــري‪ ،‬محمــد‪« ،‬تطــور األنتلجنســيا املغربيــة»‪ ،‬فــي األنتلجنســيا فــي املغــرب العربــي‪( ،‬دار احلداثــة‪،‬‬
‫بيــروت‪ ،)1984 ،‬ص ‪.17‬‬
‫(‪ )28‬املنوني‪ ،‬محمد‪ ،‬مظاهر يقظة املغرب األقصى‪( ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،)1973 ،‬ط ‪ ،1‬ج ‪ ،2‬ص ‪.109‬‬
‫(‪ )29‬املدني‪« ،‬حول املسألة الدستورية»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ )30‬احلجــوي‪ ،‬محمــد‪ ،‬الفكــر الســامي فــي تاريــخ الفقــه اإلســامي‪( ،‬دار الكتــب العلميــة‪ ،‬بيــروت‪،)1995 ،‬‬
‫ط ‪ ،1‬ج ‪ ،2‬ص ‪.702‬‬
‫(‪ )31‬بنسعيد العلوي‪ ،‬االجتهاد والتحديث‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫(‪ )32‬اجلراري‪ ،‬عبد اهلل‪ ،‬من أعالم الفكر املعاصر بالعدوتني (مطبعة األمنية‪ ،‬الرباط‪ ،)1971 ،‬ط ‪ ،1‬ج ‪ ،1‬ص ‪.68‬‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إىل املستقبل‬
‫ودراسات املستقبالت يف الوطن العربي‬

‫مازن إمساعيل الرمضاني*‬

‫محمد وائل القيسي**‬

‫مقدمة‬
‫ـتقبالت مكانــة بــارزة فــي عمــوم املجــاالت البحثيــة التخصصيــة‪،‬‬
‫حتتــل دراســات املسـ َ‬
‫دربــا لهــا‪،‬‬
‫الســيما تلــك الدراســات التــي تتخــذ مــن املقاربــة املنهجيــة العلميــة‪ ،‬واملوضوعيــة ً‬
‫مي ِّثــل ســلوكه أولــى حلقــات النجــاح فــي البحــث العلمــي الرصــن القائــم علــى استشــراف‬
‫احتمــاالت املســتقبل‪.‬‬

‫ـرا لــذا‬
‫ـرا وتراجــع مبكـ ً‬
‫إن اجلهــد العلمــي العربــي علــى صعيــد استشــراف املســتقبل بــدا متأخـ ً‬
‫كمــا منــه يتنــاول املاضــي واحلاضــر أكثــر مــن تناولــه املســتقبل‪.‬‬ ‫ـدودا‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا عــن أن ًّ‬ ‫اســتمر محـ ً‬
‫ـجل للغــرب‪ ،‬فــإن ذلــك‬
‫ـتقبالت تُسـ َّ‬
‫وإذا كانــت األســبقية فــي تنــاول موضــوع دراســات املسـ َ‬
‫بحثيــا ابتغــاء‬
‫ًّ‬ ‫ال مينــع املفكريــن والباحثــن العــرب مــن األخــذ بهــا كذلــك‪ ،‬والســعي لتناولهــا‬

‫املستقبالت‪ ،‬عميد كلية العلوم‬


‫َ‬ ‫* أ‪.‬د‪ .‬مازن إمساعيل الرمضاني‪ ،‬أستاذ السياسة الدولية ودراسات‬
‫السياسية بجامعة النهرين‪-‬بغداد‪ ،‬سابقً ا‪.‬‬
‫املستقبالت‪.‬‬
‫َ‬ ‫** د‪ .‬محمد وائل القيسي‪ ،‬باحث وأكادميي عراقي‪ ،‬متخصص في االستراتيجية الدولية ودراسات‬

‫‪197‬‬
‫‪| 198‬‬

‫لرصــد معالــم الزمــن اآلتــي بعــد احلــال‪ ،‬فــي ظــل اســتقراء متغيــرات املاضــي واحلاضــر سـ ً‬
‫ـبيل‬

‫الســتعالم املســتقبل‪.‬‬

‫ـرد إلــى تأثيــر املدخــات أعــاه فقــط وإمنــا‬


‫إن تأخرنــا علــى صعيــد دراســات املســتقبالت ال ُيـ ُّ‬
‫إلــى جميــع تلــك املدخــات التــي أفضــت مخرجاتهــا إلــى غيــاب الرؤيــة العلميــة عــن كيفيــة‬

‫صناعتنــا ملســتقبلنا علــى وفــق مصاحلنــا العليــا وإرادتنــا احلــرة‪ .‬لــذا‪ ،‬فــإن حتريــر رؤيتنــا الثقافيــة‬

‫ـرا معنــا‪،‬‬
‫للمســتقبل مــن كوابحهــا املتعــددة‪ ،‬ومــن ثــم التعامــل مــع املســتقبل كمــا لــو كان حاضـ ً‬
‫هــو الــذي ُيفضــي بنــا إلــى شــراء الزمــان واختــزال الفجــوة احلضاريــة القائمــة بــن حاضرنــا‬

‫الراهــن باختالالتــه الهيكليــة املتعــددة ومســتقبلنا املنشــود الــذي ُيؤ َِّمــن صناعــة تاريخنــا علــى‬

‫وفــق مصاحلنــا العليــا‪ .‬ولنتذكــر أن املجــد ال ُيصنــع بالتمنــي وإمنــا باالحنيــاز إلــى املســتقبل‬

‫والعمــل مــن أجلــه وحنــن فــي احلاضــر‪.‬‬


‫مــن هنــا‪ ،‬تشـ ِّ‬
‫ـكل دراســات املســتقبل فــي البحــث العلمــي ضــرورة ينبغــي األخــذ بهــا فــي ظــل‬

‫وامللحــة‬
‫َّ‬ ‫انتهــاج منظــور اســتراتيجي واقتــراب رشــيد فــي التعامــل مــع القضايــا العلميــة احملوريــة‬

‫علميــا‪،‬‬
‫ًّ‬ ‫فــي احلاضــر واملســتقبل‪ ،‬إضافــة إلــى االهتمــام البالــغ بتخصصــات املســتقبالت‬

‫والســعي إلــى االرتقــاء بهــا‪.‬‬

‫‪ .1‬اإلجراءات املنهجية للدراسة‬


‫أ‪ -‬إشكالية الدراسة‬
‫املســتقبالت‪ ،‬وخلــو معظــم الدراســات البحثيــة مــن‬
‫َ‬ ‫إن ضآلــة االهتمــام العربــي بدراســات‬

‫ـرا فــي واقــع البحــوث العلميــة‪ ،‬الســيما تلــك التــي‬ ‫ترهـ ً‬


‫ـا كبيـ ً‬ ‫اجلانــب االستشــرافي‪ ،‬يســجل ُّ‬
‫ــد قاصــرة إذا مــا المســت الواقــع دون التطلــع لذلــك املســتقبل اآلتــي بــا شــك‪ ،‬كــون‬
‫ت َُع ُّ‬
‫ماضيــا ميضــي‪ ،‬وكــون املســتقبل هــو واقــع ٍ‬
‫آت‪ .‬إن اإلشــكالية الناجمــة عمــا‬ ‫ً‬ ‫احلاضــر ذاتــه‬

‫مطــرد‪ ،‬كلمــا ُأ ْه ِمــل التوجــه العربــي العلمــي املدعــوم حنــو األخــذ‬


‫ـدم ســتزداد‪ ،‬وبشــكل َّ‬
‫تقـ َّ‬
‫وأداء‪.‬‬
‫ً‬ ‫بدراســات املســتقبالت مضمونًــا‬

‫ومــن رحــم هــذه اإلشــكالية يثــار العديــد مــن األســئلة الفرعيــة التــي ينبغــي اإلجابــة عليهــا‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪199‬‬

‫ضمــن ثنايــا هــذه الدراســة‪ ،‬منهــا‪:‬‬

‫املستقبالت؟‬
‫َ‬ ‫‪ -‬ما الذي يقصد مبفهوم‬

‫‪ -‬كيف تطور التفكير العلمي في املستقبالت؟‬

‫‪ -‬ما الذي يقصد مبفهوم دراسات املستقبالت؟‬

‫‪ -‬ما غايات دراسات املستقبالت وآلياتها؟‬

‫‪ -‬ما خصائص دراسات املستقبالت؟‬

‫‪ -‬ما أهمية مقاربة بناء املشاهد؟‬

‫‪ -‬كيف أضحى التفكير العلمي العربي في املستقبالت ودراساتها؟‬

‫ب‪ -‬فرضية الدراسة‬


‫ترتكــز الدراســة علــى فرضيــة مفادهــا أن أهميــة دراســات املســتقبالت ومحوريتهــا فــي الســعي‬

‫لتطويــع املســتقبل فــي ضــوء توظيــف ُمعطياتــه‪ ،‬أفضــت إلــى أن تتبــوأ مكانــة مهمــة فــي‬
‫املجتمعــات املتقدمــة‪ ،‬وكذلــك الســائرة فــي طريــق النمــو سـ ً‬
‫ـبيل لالرتقــاء باســتجابتها احلضاريــة‬

‫إلــى مســتوى حتديــات عالــم يتغيــر بســرعة تأمي ًنــا ملســتقبل آمــن وأفضــل‪.‬‬
‫ً‬
‫وخالفــا للــدول التــي تأخــذ بالتفكيــر العلمــي فــي املســتقبل وتطبيقاتــه العمليــة‪ ،‬فــإن هــذا التفكير‬

‫وتطبيقاتــه العمليــة ال يحظــى باهتمــام رمســي ومجتمعــي واســع فــي جــل دول عالــم اجلنــوب‪،‬‬

‫ـرد هــذا الواقــع إلــى مدخــات ينبــع جلهــا مــن التخلــف احلضــاري لتلــك الــدول وصعوبــة‬
‫ويـ ُّ‬
‫ُ‬
‫حتررهــا مــن مخرجاتــه‪ ،‬الســيما أن ُك ْل َفــة هــذا التحــرر قــد تضاعفــت عبــر الزمــان‪ ،‬وهــو األمــر‬

‫حضاريــا‬
‫ًّ‬ ‫ـدادا وبالضــرورة الجتاهــات واقعهــا الراهــن‪ .‬وكجــزء مهــم‪،‬‬
‫الــذي يجعــل مســتقبلها امتـ ً‬
‫واقتصاديــا‪ ،‬فــي عالــم اجلنــوب‪ ،‬ال تتماهــى أهميــة الوطــن العربــي ونوعيــة‬
‫ًّ‬ ‫وجيوســتراتيجيا‬
‫ًّ‬
‫انشــغالنا‪ ،‬الرمســي واملجتمعــي‪ ،‬بالتفكيــر العلمــي فــي املســتقبل وتطبيقاتــه العمليــة؛ فمثــل هــذا‬

‫التفكيــر اســتمر يتميــز مبحدوديــة انتشــاره أمــا تطبيقاتــه فقــد كانــت ضآلــة اإلجنــاز نصيبهــا‪.‬‬

‫ج‪ -‬أهمية الدراسة‬


‫رئيســا‬
‫ً‬ ‫مهمــا ورك ًنــا‬
‫ـزءا ًّ‬
‫تنبــع أهميــة الدراســة‪ ،‬مــن أهميــة دراســات املســتقبالت‪ ،‬كونهــا جـ ً‬
‫‪| 200‬‬

‫فــي أركان أيــة دراســة علميــة‪ ،‬الســيما وإن دراســات املســتقبالت تســاعد علــى نشــر التفكيــر‬

‫واع بالتحديــات‬ ‫العلمــي باملســتقبالت وتنميــة ثقافــة االحنيــاز لهــا‪ ،‬فضـ ً‬


‫ـا عــن بلــورة رأي عــام ٍ‬
‫التــي تواجــه املجتمعــات وجــدوى مواجهتهــا بكفــاءة‪.‬‬

‫تؤجــج االســتعداد املســبق‪ ،‬انطالقً ــا مــن‬


‫كمــا تتجســد أهميــة دراســات املســتقبالت‪ ،‬بكونهــا ِّ‬
‫ـبيل لتطويعــه عبــر تهيئــة األســس الضروريــة للوفــاء مبتطلبــات‬ ‫ـد مجهـ ً‬
‫ـول‪ ،‬سـ ً‬ ‫احلاضــر‪ ،‬ملــا ُي َعـ ُّ‬
‫االرتقــاء احلضــاري‪ ،‬ومــن بينهــا توفيــر قاعــدة معرفيــة شــاملة تســاعد صنــاع القــرار‪ ،‬وغيرهــم‪،‬‬

‫علــى االختيــار الرشــيد للقــرارات‪.‬‬

‫د‪ -‬منهجية الدراسة‬


‫ال شــك فــي أن حتديــد املنهــج هــو مــن أولــى متطلبــات البحــث العلمــي‪ ،‬باعتبــاره األســلوب أو‬

‫اآلليــة التــي يتــم مبوجبهــا معاجلــة املوضــوع أو مشــكلة البحــث‪ ،‬عبــر رصــف مقتربــات املشــكلة‬

‫ـدا حللهــا‪ .‬اتســاقً ا مــع ذلــك‪ ،‬اعتمــدت الدراســة املنهــج الوصفــي‬


‫بطريقــة نظاميــة ومتدرجــة متهيـ ً‬
‫التحليلــي للوقــوف ‪-‬ومبقاربــة معمقــة‪ -‬علــى أهميــة املســتقبالت ومكانتهــا فــي البحــوث العلمية‬

‫الرصينــة التــي تتطلــع برؤاهــا إلــى القابــل مــن األيــام اســتباقً ا واسـ‬
‫ـتعدادا لهــا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ .2‬استشراف مكانة دراسة املستقبالت يف البحوث العلمية العربية‬
‫فــي ضــوء إشــكالية الدراســة وفرضيتهــا األساســية‪ ،‬ســيحاول الباحثــان اإلجابــة علــى األســئلة‬

‫املطروحــة مــن خــال احملــاور اآلتيــة‪ :‬مفهــوم املســتقبالت‪ ،‬وتطــور التفكيــر العلمــي فــي‬

‫املســتقبالت‪ ،‬ودراســات املســتقبالت‪ ،‬وغايــات دراســات املســتقبالت وآلياتهــا‪ ،‬وخصائــص‬

‫دراســات املســتقبالت‪ ،‬وأهميــة املقاربــة املنهجيــة فــي بنــاء املشــاهد في دراســات املســتقبالت‪،‬‬

‫والتفكيــر العلمــي العربــي فــي املســتقبالت ودراســاتها‪.‬‬

‫‪ .1.2‬مفهوم املستقبالت‬
‫مي ِّثــل التفكيــر فــي املســتقبالت ظاهــرة إنســانية متتــد جذورهــا التاريخيــة إلــى مــا قبــل زمــان‬

‫اختــراع الكتابــة عــام ‪3000‬ق‪.‬م‪ .‬كمــا أنــه ظاهــرة لــم تقتصــر علــى حيــز جغرافــي دون ســواه‪،‬‬
‫وإمنــا بــدأت واســتمرت‪ً ،‬‬
‫أيضــا‪ ،‬عابــرة للمــكان (‪.)1‬‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪201‬‬

‫متيــزت ظاهــرة التفكيــر اإلنســاني فــي املســتقبالت‪ ،‬عبــر الزمــان‪ ،‬بخاصيــة التجــدد؛ فتعاقــب‬

‫انتقــال اإلنســانية مــن واقــع مــا قبــل احلضــارة إلــى واقــع احلضــارة مبوجاتهــا الزراعيــة والصناعية‬

‫انعكاســا‪ ،‬فــي‬
‫ً‬ ‫واملعلوماتيــة‪ ،‬أفضــى إلــى أن تكــون أمنــاط وآليــات التفكيــر فــي املســتقبالت‬

‫ـراء هــذه العالقــة اقتــرن‬


‫العمــوم‪ ،‬لنوعيــة الواقــع احلضــاري الســائد فــي الزمــان واملــكان‪ .‬وجـ َّ‬
‫توحيديــا بــاهلل‬
‫ًّ‬ ‫غيبيــا ً‬
‫أول‪ ،‬ثــم‬ ‫ًّ‬ ‫دينيــا‬
‫هــذا التفكيــر بأربعــة حتــوالت أساســية متالحقــة؛ فــكان ًّ‬
‫علميــا‬
‫ًّ‬ ‫علميــا ليصبــح‬
‫ًّ‬ ‫ـفيا‪ ،‬وبعــد ذلــك صــار خيـ ً‬
‫ـال‬ ‫ســبحانه وتعالــى الحقً ــا‪ ،‬ثــم أضحــى فلسـ ًّ‬
‫منــذ منتصــف القــرن املاضــي (‪.)2‬‬

‫ولعــل مــن حســنات القــدر‪ ،‬أن البشــر‪ ،‬مــادة التغييــر‪ ،‬هــم ص َّناعــه‪ ،‬واألوطــان ســاحة لبانورامــا‬

‫األداء املتواتــر احللقــات‪ .‬كذلــك‪ ،‬فــإن املســتقبالت صناعــة بشــرية ختتــرق حجــب الغــد بعقــول‬

‫وســواعد البشــر (‪ .)3‬مــن هنــا‪ ،‬فــإن االهتمــام اإلنســاني باملســتقبالت ال يقــف عنــد حــد‬

‫القناعــة بقــدرة اإلنســان علــى استشــرافه‪ ،‬وإمنــا ميتــد إلــى االعتقــاد بقدرتــه علــى صناعتــه‪،‬‬

‫اتســاقً ا مــع أفــكاره وإرادتــه‪ .‬ويحفــل التاريــخ بأمثلــة علــى أشــياء ُعـ َّ‬
‫ـدت فــي وقتهــا مســتحيلة‬

‫ولكنهــا حتققــت الحقً ــا (‪.)4‬‬

‫إن مفهــوم املســتقبل مــن الناحيــة اللغويــة ابتــداء يعنــي «اآلتــي بعــد احلــال»‪ ،‬أي إنــه مي ِّثــل احللقــة‬

‫ويتوســطها احلاضــر (‪)5‬؛ إذ إن املســتقبالت‬


‫َّ‬ ‫األخيــرة فــي السلســلة الزمنيــة التــي تبــدأ باملاضــي‬

‫ت ُْع َنــى بالصــورة التــي ت ُْر َســم لفتــرة مقبلــة فــي ضــوء تفاعــل مجموعــة مــن املتغيــرات احلاضــرة‬

‫التــي قــد تتداخــل مــع املعطيــات الســابقة لتشــكل بذلــك مالمــح لتلــك الصــورة املرســومة‬
‫مسـ ً‬
‫ـتقبل (‪ )6‬ملواجهــة مــا يكتنــف تلــك الصــورة مــن حتديــات ومخاطــر مســتقبلية (‪.)7‬‬

‫لقــد أكــد املســتقبلي العربــي الرائــد‪ ،‬قســطنطني زريــق‪ ،‬أن خاصيتــن أساســيتني تزامنتــا مــع‬

‫اإلنســان عبــر مراحــل تطــوره احلضــاري‪ ،‬ومتتعتــا بتأثيــر مهــم فــي حتديــد موقفــه مــن املســتقبل‪.‬‬

‫أولهمــا خاصيــة التذكــر‪ ،‬مبعنــى التلفــت إلــى مــا كان‪ ،‬أي إلــى املاضــي‪ .‬وأمــا الثانيــة فهــي‬

‫خاصيــة التشــوف‪ ،‬مبعنــى التطلــع إلــى مــا ســيكون‪ ،‬أي إلــى املســتقبل‪ ،‬ورأى أن األولــى جتعــل‬

‫محكومــا باملاضــي‪ ،‬والثانيــة تفضــي إلــى أن يكــون ُم َت َح ِّك ًمــا بــه (‪.)8‬‬
‫ً‬ ‫اإلنســان‬
‫‪| 202‬‬

‫فيقصــد باملســتقبالت تلــك الدراســة التــي تســتهدف‬


‫أمــا مــن الناحيــة العلميــة االصطالحيــة‪ُ ،‬‬
‫اســتعالم الزمــن القــادم عبــر آليــات معينــة تعتمــد االستشــراف العلمــي املنظــم‪ ،‬بغيــة رصــد‬

‫املشــاهد احملتملــة أو املمكنــة أو املرغــوب بهــا‪ .‬مــن هنــا‪ ،‬فــإن دراســات املســتقبالت متثِّــل‬
‫عمليــة بحــث علمــي َّ‬
‫منظــم فــي مجــال مــا تــدرس ماضــي احلاضــر وحاضــر املاضــي‪ ،‬أمـ ً‬
‫ـا‬
‫فــي رصــد مســتقبل احلاضــر بعنايــة لتحديــد آفاقــه واجتاهاتــه‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا عــن عوامــل التغييــر فيــه‬

‫كلــي (‪.)9‬‬ ‫بشــكل‬

‫‪ .2.2‬تطور التفكري العلمي يف املستقبالت‬


‫إن تراكــم القناعــة بجــدوى االرتقــاء باالســتجابة إلــى مســتوى التحديــات اإلنســانية أدى‪ ،‬ومنــذ‬

‫تقريبــا‪ ،‬إلــى أن يبــدأ منــط مــن التفكيــر اختــذ مــن املقاربــة‬


‫ً‬ ‫العقــد الرابــع مــن القــرن املاضــي‬

‫واســتعدادا للزمــان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ســبيل الستشــراف احتمــاالت املســتقبالت اســتباقً ا‬ ‫املنهجيــة العلميــة‬

‫فيطلــق عليهــا‪ ،‬فــي العمــوم‪،‬‬


‫القــادم‪ .‬ويســمى هــذا التفكيــر بالتفكيــر العلمــي‪ .‬أمــا تطبيقاتــه ُ‬
‫استشــرافها (‪.)10‬‬ ‫دراســات املســتقبالت مبعنــى‬

‫يعــرف كيســتون بيرجــر (‪ )Gaston Berger‬االستشــراف بالقــول‪« :‬إن هــدف االستشــراف ليــس‬

‫فقــط النظــر البعيــد بــل النظــر بصــورة واســعة والتحليــل جلوهــر الظواهــر باالســتعانة باخلبــراء‬

‫واســتعمال تقنيــات وحتليــل النظــام»(‪ .)11‬وبــذا‪ ،‬فــإن االستشــراف املســتقبلي هــو «اجتهــاد‬
‫علمــي َّ‬
‫منظــم يرمــي إلــى صياغــة مجموعــة مــن التنبــؤات املشــروطة التــي تشــمل املعالــم‬
‫الرئيســة ألوضــاع مجتمــع مــا أو مجموعــة مــن املجتمعــات عبــر حقبــة مقبلــة متتــد قليـ ً‬
‫ـا ألبعــد‬

‫واحلاضــر»(‪.)12‬‬ ‫عامــا وتنطلــق مــن بعــض االفتراضــات اخلاصــة حــول املاضــي‬


‫مــن عشــرين ً‬
‫وقــد يتداخــل مفهــوم االستشــراف املســتقبلي مــع التنبــؤ‪ ،‬والــذي هــو محاولــة التوصــل إلــى‬

‫اعتمــادا‬
‫ً‬ ‫تصــور خصائــص ظاهــرة مــا تتســم بقــدر مــن الشــمول عبــر فتــرة زمنيــة الحقــة‬

‫علــى معطيــات الواقــع احلاضــر الــذي يصــف خصائــص الظاهــرة‪ .‬والتنبــؤ أنــواع كثيــرة منهــا‪:‬‬

‫احلدســي‪ ،‬واالستكشــافي‪ ،‬واالســتقرائي‪...‬إخل (‪.)13‬‬

‫وبهــذا الصــدد‪ ،‬جتــدر اإلشــارة إلــى أن التنبــؤ واالستشــراف مفهومــان يلتقيــان ضم ًنــا فــي‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪203‬‬

‫جذريــا‬
‫ًّ‬ ‫نزوعهمــا العلمــي حنــو استكشــاف مــا قــد يــؤول إليــه املســتقبل‪ ،‬بيــد أنهمــا يختلفــان‬

‫يعبــر عــن مقاربــة منهجيــة كميــة لدراســات املســتقبالت‪،‬‬


‫عــن بعــض‪ .‬فإضافــة إلــى أن التنبــؤ ِّ‬
‫يفيــد االستشــراف مبقاربــة منهجيــة كميــة وكيفيــة فــي آن للغــرض ذاتــه‪ .‬تتبايــن كذلــك األســئلة‬
‫املطروحــة مــن قبلهمــا وأجوبتهمــا؛ فبينمــا تتســاءل دراســات التنبــؤ مثـ ً‬
‫ـا عــن‪ :‬كــم ســيكون‬
‫عــدد ســكان الدولــة (س) فــي الزمــان (ص)؟ تتســاءل دراســات االستشــراف مثـ ً‬
‫ـا عــن‪ :‬كيف‬

‫يحتمــل أن تكــون نوعيــة ســكان هــذه الدولــة فــي الزمــان ذاتــه؟‬

‫معلومــا أن التســاؤل الــذي يبــدأ بكلمــة (كــم) يفضــي إلــى إجابــة ختتلــف عــن ذاك الــذي‬
‫ً‬ ‫ـد‬
‫وي َعـ ُّ‬
‫ُ‬
‫يبــدأ بكلمــة (كيــف)‪ .‬فــاألول ينتهــي إلــى تقــدمي إجابــة شــبه قاطعــة‪ ،‬وتنتفــي بالتالــي عنهــا‬

‫خصائــص الشــرطية واالحتماليــة والعموميــة‪ .‬أمــا التســاؤل الثانــي الــذي يبــدأ بكلمــة (كيــف)‬

‫ـدم إجابــة مختلفــة تتأســس علــى ذات اخلصائــص التــي تفتقــر إليهــا كل مقولــة جازمــة‪،‬‬
‫فيقـ ِّ‬
‫ُ‬
‫وتفيــد بالعالقــة الطرديــة بــن معطيــات (شــروط) احلاضــر واحتمــاالت املســتقبالت (‪.)14‬‬

‫وإزاء ذلــك جنــد أن دراســات املســتقبالت هــي عمليــة بحــث علمــي فــي مجــال مــا تبــدأ‬

‫مــن املاضــي وتــدرس احلاضــر بعنايــة لتحديــد آفــاق واجتاهــات املســتقبل وعوامــل التغييــر فيــه‬

‫بشــكل كلــي وتوقــع إمــكان اختــاف هــذه الــرؤى مــع مــا قــد يحــدث بالفعــل من املســتقبالت‬

‫(‪ .)15‬مــن هنــا‪ ،‬فــإن دراســات املســتقبالت تســتدعي مــن الباحــث أن يكــون علــى جانــب‬

‫كبيــر مــن املوضوعيــة والواقعيــة (‪ )16‬إذا مــا ابتغــى الدقــة فــي بحثــه العلمــي‪.‬‬

‫‪ .3.2‬دراسات املستقبالت‬

‫تطــور مفهــوم املســتقبالت‪ ،‬كمــا تطــورت النظــرة إليــه‪ ،‬مــع تطــور الفكــر البشــري‪ ،‬مــن نظــرة‬
‫َّ‬
‫وخططــت لــه قــوى خارقــة ال ميكــن جتــاوز ختطيطهــا‬ ‫محتومــا» رمستــه‬
‫ً‬ ‫ـدرا‬
‫تــرى املســتقبالت «قـ ً‬
‫بــأي حــال مــن األحــوال‪ ،‬وال ميلــك اإلنســان حيالهــا خيــارات تُذكــر‪ ،‬إلــى نظــرة تنطلــق‬

‫زمنيــا ميكــن‬
‫ًّ‬ ‫ـدا‬
‫ـدد‪ ،‬وتــرى فــي املســتقبالت بعـ ً‬
‫مــن مبــدأ الصيــرورة وقــدرة احليــاة علــى التجـ ُّ‬
‫بريغوجــن (‪IIya‬‬ ‫ُّ‬
‫التحكــم فــي صورتــه‪ .‬فنحــن‪ ،‬كمــا قــال العالــم الفيزيائــي والفيلســوف‪ ،‬إليــا‬

‫‪« :)Prigogine‬ال نســتطيع التكهــن باملســتقبل‪ ،‬لكننــا نســتطيع صناعتــه»‪ .‬وكذلــك التمكــن مــن‬
‫‪| 204‬‬

‫منهــا (‪.)17‬‬ ‫إحــدى املقاربــات املســتخدمة فــي دراســات املســتقبالت أو مجموعــة‬

‫إن أيــة عــودة للتاريــخ تؤكــد أن دراســات املســتقبالت نشــأت وترعرعــت بصــورة بطيئــة التطــور‬

‫ـدءا مــن نهايــات القــرن الســابع عشــر التــي ابتــدأت بكتابــات املفكــر الفرنســي‪ ،‬ماركيــز‬
‫ـبيا بـ ً‬
‫نسـ ًّ‬
‫دو كوندورســيه‪ ،)Marquis de Condorcet( ،‬فــي كتابــه «مخطــط لصــورة تاريخيــة لتقــدم العقــل‬

‫البشــري»‪ ،‬ن ُِشــر فــي العــام ‪ ،1793‬واســتخدم فيــه أســلوبني للمقاربــة املنهجيــة فــي التنبــؤ مــا زاال‬

‫ُيســتخدمان ‪-‬علــى نطــاق واســع‪ -‬مــن ِق َبــل املســتقبليني املعاصريــن‪ ،‬وهمــا‪ :‬التنبــؤ االســتقرائي‪،‬‬

‫والتنبــؤ الشــرطي‪ ،‬وقــد تضمــن الكتــاب تنبــؤات مذهلــة حتققــت فيمــا بعــد الســيما مواضيــع‪:‬‬

‫اســتقالل املســتعمرات فــي العالــم اجلديــد عــن أوروبــا‪ ،‬وزوال ظاهــرة الــرق‪ ،‬وغيرهــا مــن‬

‫املســائل(‪.)18‬‬

‫هكــذا‪ ،‬تطــورت دراســات املســتقبالت إلــى أن متكــن اإلنســان ألول مــرة فــي الســبعينات مــن‬

‫القــرن العشــرين بفضــل تطــور املعرفــة العلميــة وتقــدم التكنولوجيــا مــن وضــع املســتقبالت فــي‬

‫محتدمــا ال يســتقر وال يهــدأ حــول ماهيــة دراســات‬


‫ً‬ ‫إطــار علمــي دقيــق‪ .‬لكــن اجلــدل ظــل‬

‫املســتقبالت وتكييــف طبيعتهــا‪ ،‬حيــث توزعــت اآلراء علــى مروحــة عريضــة مــن التباينــات‬

‫«علمــا»‪ ،‬وآخــر يصنفهــا «ف ًّنــا»‪ ،‬وثالــث يعتبرهــا فــي منطقــة وســطى بــن العلــم‬
‫ً‬ ‫بــن مــن يراهــا‬
‫والفــن‪ ،‬أو «دراســة بينيــة» تتقاطــع فيهــا التخصصــات وتتعــدد املعــارف‪.‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬علــى صعيــد العلــم‪ ،‬مثــة إجمــاع بــن مؤرخــي املســتقبليات علــى أن هربــرت جــورج‬

‫ويلــز (‪ ،)Herbert George Wells‬أحــد أشــهر ك َّتــاب روايــات اخليــال العلمــي‪ ،‬هــو أول مــن حنــت‬

‫ـدم إضافــات عميقــة فــي تأصيــل االهتمــام العلمي بدراســات‬


‫مصطلــح «علــم املســتقبالت»‪ ،‬وقـ َّ‬
‫املســتقبالت‪ ،‬ودعــا صراحــة فــي محاضــرة‪ ،‬ألقاهــا فــي ‪ 26‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪ ،1902‬باملعهــد‬

‫امللكــي البريطانــي‪ ،‬إلــى «علــم املســتقبالت»‪ ،‬وقــام فيمــا بعــد بتأصيــل دعوتــه فــي مؤلفاتــه‪،‬‬

‫مثــل «تكويــن اإلنســان» الــذي صــدر عــام ‪ ،1902‬و»اليوتوبيــا اجلديــدة» فــي عام ‪ ،1905‬و»شــكل‬

‫األشــياء املســتقبلية» فــي عــام ‪ ،1933‬وجميعهــا تــدور حــول حيــاة وهمــوم األجيــال املقبلــة(‪.)19‬‬

‫ومثــة اتفــاق علــى أن أوســيب فلختهــامي (‪ )Ossip Flechtheim‬هــو صاحــب مصطلح «علم املســتقبل‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪205‬‬

‫(‪ ،)Futurology‬وقــد ظهــر املصطلــح عــام‪ ،1943‬مؤذ ًنــا مبيــاد علــم جديــد يبحــث عــن منطــق‬

‫املســتقبالت بالطريقــة ذاتهــا التــي يبحــث فيهــا علــم التأريــخ عــن منطــق املاضــي (‪ .)20‬وقــد‬

‫أعــاد فلختهــامي فــي كتابــه «التاريــخ وعلــم املســتقبل»‪ ،‬الــذي نشــر فــي عــام ‪ ،1965‬اســتخدام‬

‫هــذا املصطلــح‪ ،‬ودعــا إلــى تعليــم هــذا العلــم فــي املــدارس‪ .‬ومييــل فلختهــامي إلــى اعتبــار‬

‫فرعــا مــن علــم االجتمــاع‪ ،‬وأقــرب إلــى علــم االجتمــاع التاريخــي‪ ،‬رغــم‬
‫«علــم املســتقبالت « ً‬
‫مــا بينهمــا مــن اختالفــات أساســية‪ ،‬فبينمــا يهتــم األخيــر بأحــداث املاضــي‪ ،‬يستشــرف «علــم‬

‫وقوعهــا (‪.)21‬‬ ‫املســتقبالت» أحــداث الزمــن القــادم باح ًثــا فــي احتمــاالت‬

‫قائمــا بذاتــه‪ ،‬ومــن أنصــاره‬


‫«علمــا» ً‬
‫ً‬ ‫ثانيــا‪ :‬يــرى االجتــاه الثانــي فــي املســتقبالت «ف ًّنــا» وليــس‬
‫ً‬
‫برترانــد دي جوفنــال (‪ )Bertrand de Jouvenal‬الــذي يؤكــد فــي كتابــه «فــن التكهــن» (‪The Art of‬‬

‫‪ ،)Conjecture‬الــذي صــدر عــام ‪ ،1967‬أن الدراســة العلميــة للمســتقبل هــي «فن» مــن الفنون‪ ،‬وال‬

‫علمــا‪ ،‬بــل ويصــادر دي جوفنــال علــى ظهــور علــم املســتقبالت‪ .‬فاملســتقبالت‬


‫ميكــن أن تكــون ً‬
‫ـددا‬
‫‪-‬حســب قولــه‪ -‬ليســت علــم اليقــن‪ ،‬بــل علــم االحتمــاالت‪ ،‬واملســتقبالت ليســت محـ ًّ‬
‫العلــوم؟!(‪.)22‬‬ ‫يقينيــا‪ ،‬فكيــف تكــون موضــوع علــم مــن‬
‫ًّ‬
‫وفــي معــرض نقــده ملقولــة فلختهــامي عــن «علــم املســتقبل» عــام ‪ ،1973‬يــرى فريــد بــوالك‬

‫علمــا علــى‬
‫(‪ )Fred Polak‬فــي كتابــه «تصــورات املســتقبل» أن املســتقبل مجهــول‪ ،‬فكيــف نرســي ً‬
‫(‪.)23‬‬ ‫املجهــول‬

‫ووفــق هــذا االجتــاه‪ ،‬فــإن تســمية علــم املســتقبالت هــي تســمية مبالــغ فيهــا‪ ،‬توشــك أن توحــي‬
‫ـدرك بوضــوح غايتهــا‪ ،‬وقــادرة علــى بلــوغ نتائــج مضمونــة ًّ‬
‫حقــا‪ ،‬وهــو أمــر‬ ‫بــأن املســتقبالت ُتـ َ‬
‫مخالــف للحقيقــة‪ .‬وألنهــا أقــرب إلــى «الفــن»‪ ،‬عندمــا حتــاول وصــف املســتقبالت املمكنــة‪،‬‬

‫فــإن اخليــال ضــروري فــي دراســات املســتقبالت الســتنباط املتغيــرات الكيفيــة التــي ال تقبــل‬

‫القيــاس‪ .‬فالعلميــة والعقالنيــة ال تنفيــان وجــوب االســتعانة بــكل ضــروب اخليــال‪ .‬مــن هنــا‪،‬‬

‫فــإن دراســات املســتقبالت عنــد روبــرت جنــك (‪ )Robert Jungk‬حتتــاج إلــى أفــكار مجنونــة‪،‬‬

‫وإلــى حريــة الكرنفــال‪ ،‬وإلــى غيــر املســموح‪ ،‬وغيــر املرئــي‪ ،‬وغيــر املعقــول‪ ،‬وإلــى التفكيــر‬
‫‪| 206‬‬

‫(‪.)24‬‬ ‫فيمــا ال يجــرؤ اآلخــرون علــى التفكيــر فيــه‬

‫ثال ًثــا‪ :‬أمــا االجتــاه الثالــث‪ ،‬فيــرى فــي دراســات املســتقبالت «الدراســات البينيــة» باعتبارهــا‬
‫ـدا نا ً‬
‫جتــا مــن حــدوث تفاعــل بــن ختصــص أو أكثــر مترابطــن أو غيــر مترابطــن‪،‬‬ ‫فرعــا جديـ ً‬
‫ً‬
‫وتتــم عمليــة التفاعــل مــن خــال برامــج التعليــم والبحــث بهــدف تكويــن هــذا التخصــص‪.‬‬

‫دومــا‬
‫وهنــا‪ ،‬يؤكــد املفكــر املغربــي مهــدي املنجــرة أن «الدراســة العلميــة للمســتقبل تســلك ً‬
‫مفتوحــا يعتمــد التفكيــر فيــه علــى دراســة خيــارات وبدائــل‪ ،‬كمــا أنهــا شــاملة‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ســبيل‬

‫التخصصــات»(‪.)25‬‬ ‫ومقاربتهــا املنهجيــة متعــددة‬

‫وفــي رأي اآلخريــن‪ ،‬فــإن دراســات املســتقبالت نتــاج للتفاعــل بــن العلــوم الطبيعيــة والعلــوم‬

‫علمــا‪ ،‬وإمنــا تبنــي رؤاهــا علــى العلــوم املختلفــة‪ .‬إنهــا مجــال بينــي‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬وهــي ليســت ً‬
‫متداخــل وعابــر للتخصصــات وتقنياتــه مــن كل املعــارف واملناهــج العلميــة‪ ،‬وهــو مفتــوح علــى‬

‫اإلبداعــات البشــرية واالبتــكار‪.‬‬

‫وقــد أكــدت جمعيــة مســتقبل العالــم األميركيــة أن دراســات املســتقبالت أضحــت مــن منــط‬

‫الدراســات البينيــة (‪ ،)Interdisciplinary Studies‬كمــا أنهــا تســتند إلــى أربعــة عناصــر رئيســية‪،‬‬

‫فهــي(‪:)26‬‬

‫أ‪ -‬دراسات تركز على استخدام املقاربات املنهجية العلمية في دراسة الظواهر اخلفية‪.‬‬

‫جنبــا إلــى جنــب مــع اجلهــود‬


‫ب‪ -‬ختتلــط بالعلــم‪ ،‬وتتضمــن املســاهمات الفلســفية والفنيــة ً‬
‫العلميــة‪.‬‬

‫ج‪ -‬تتعامــل مــع مروحــة واســعة مــن البدائــل واخليــارات املمكنــة‪ ،‬وليــس مــع إســقاط مفــردة‬

‫محــددة علــى املســتقبالت‪.‬‬

‫د‪ -‬دراسات تتناول املستقبالت في آجال زمنية تتراوح بني ‪ 5‬سنوات و‪50‬سنة‪.‬‬

‫وعلــى الرغــم مــن غيــاب اإلجمــاع علــى ماهيــة دراســات املســتقبالت‪ :‬أعلــم هــي أم فــن أم‬

‫ـانيا تتكامــل‬ ‫دراســة بينيــة؟ فإنهــا تأخــذ مــن كل ذلــك بنصيــب‪ .‬لذلــك‪ ،‬تظــل مجـ ً‬
‫ـال إنسـ ًّ‬
‫ـدد‪ ،‬هدفهــا حتليــل وتقييــم تطــورات املســتقبالت فــي حيــاة البشــر بطريقــة‬
‫فيــه املعــارف وتتعـ َّ‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪207‬‬

‫عقالنيــة وموضوعيــة تفســح مجـ ً‬


‫ـال للخلــق واإلبــداع اإلنســاني‪ .‬كمــا أنهــا ال تصــدر نبــوءات‪،‬‬
‫ولكنهــا اجتهــاد علمــي َّ‬
‫منظــم يوظــف املنطــق والعقــل واحلــدس واخليــال فــي اكتشــاف‬

‫العالقــات املســتقبلية بــن األشــياء والنظــم واألنســاق الكليــة والفرعيــة‪ ،‬مــع االســتعداد لهــا‬

‫ومحاولــة التأثيــر فيهــا‪ ،‬فاملســتقبالت ليســت نهائيــة‪ ،‬ولكنهــا قيــد التشــكيل‪ ،‬وينبغــي علينــا‬

‫تشــكيلها‪.‬‬

‫مــن جانــب آخــر‪ ،‬ال تقــدم دراســات املســتقبالت مطلقً ــا صــورة يقينيــة ومتكاملــة للمســتقبل‪،‬‬

‫ـوع‬
‫ـدد وغيــر محــدد‪ ،‬وهــو مفتــوح علــى تنـ ُّ‬
‫ـدا‪ ،‬فاملســتقبل متعـ ِّ‬ ‫كمــا أنهــا ال تقــدم مسـ ً‬
‫ـتقبل واحـ ً‬
‫كبيــر فــي املســتقبالت املمكنــة‪ ،‬أو احملتملــة أو املرغــوب بهــا (‪.)27‬‬

‫قــدرا مــن اخليــال‬


‫ً‬ ‫وغنــي عــن القــول‪ :‬إن هــذه الدراســات‪ ،‬وإن كانــت تتطلــب بالضــرورة‬

‫والقــدرة الذاتيــة علــى التصــور املســبق ملــا هــو غيــر موجــود أو غيــر معــروف اآلن‪ ،‬إال أن‬

‫نوعيــا عــن األنشــطة التــي تقــع فــي حقــل اخليــال العلمــي أو فــي ميــدان‬
‫ًّ‬ ‫أنشــطتها ختتلــف‬

‫التنجيــم والرجــم بالغيــب‪ .‬فمــا ُيطلــق عليــه اليــوم دراســات املســتقبالت إمنــا يتم َّثــل ‪-‬علــى‬

‫العمــوم‪ -‬فــي دراســات جــادة تقــوم علــى مناهــج بحــث وأدوات درس وفحــص مقننــة أو‬

‫شــبه مقننــة‪ ،‬وحتظــى بقــدر عــال مــن االحتــرام فــي األوســاط العلميــة‪ ،‬وتنهــض بهــا معاهــد‬

‫ومراكــز بحثيــة وجمعيــات علميــة ذات مسعــة راقيــة (‪ ،)28‬بــل إن هــذه الدراســات بلغــت مــن‬

‫ـدا يســمح باحلديــث عــن بــروز مقاربــات ومنهجيــات اجتماعيــة جديــدة هــي‬
‫النمــو والرقــي حـ ًّ‬
‫املســتقبليات‪ .‬وعلــى مــن يريــد اخلــوض فيهــا أن يتخــذ لــه مــا يلــزم مــن عــدة وعتــاد‪.‬‬

‫‪ .4.2‬غايات دراسات املستقبالت وآلياتها‬


‫عندمــا ُسـ ِـئ َل ألبــرت أينشــتاين (‪ )Albert Einstein‬عــن الغايــة مــن اهتمامــه باملســتقبالت‪ ،‬أجــاب‬
‫ً‬
‫قائــا‪ :‬إن الســبب فــي ذلــك هــو ألننــا ذاهبــون إلــى هنــاك (‪ .)29‬كمــا تنبــع‬ ‫بــكل بســاطة‬

‫أهميــة دراســات املســتقبالت مــن أن العقــل اإلنســاني ينشــغل بطبيعتــه بالتفكيــر فــي الغــد‪ ،‬كما‬

‫أن حــاالت الغمــوض وغيــاب اليقــن حــول املســتقبالت ومــا ســيكون عليــه مصيــر اإلنســان‬

‫ـرا مــن النقــاش واالهتمــام‪ ،‬كونهــا‬


‫واملجتمعــات بشــكل عــام أصبحــت قضيــة حتتــل حيـ ًزا كبيـ ً‬
‫‪| 208‬‬

‫ترتبــط بشــكل وثيــق بوعــي اإلنســان وإحساســه بالزمــن فــي أبعــاده الثالثــة «املاضــي واحلاضــر‬

‫واملســتقبل»‪ ،‬وبرغبتــه فــي صياغــة الغــد والبحــث عــن رؤى واضحــة حــول الفــرص املتاحــة‬
‫والتحديــات القادمــة مسـ ً‬
‫ـتقبل‪.‬‬

‫وبنفــس االجتــاه‪ ،‬يذهــب ألفــن توفلــر (‪ ،)Alvin Toffler‬فــي كتابــه «خرائــط املســتقبل» إلــى أن‬

‫دراســات املســتقبالت ضروريــة علــى الــدوام‪ ،‬لطاملــا كانــت وراءهــا بواعــث براغماتيــة (‪.)30‬‬

‫ورمبــا مؤسســات الفكــر التــي تعنــى بالشــؤون املســتقبلية ذات الطابع االســتراتيجي فــي الواليات‬

‫املتحــدة األميركيــة هــي خيــر دليــل علــى حاجــة الدولــة األميركيــة لدراســات املســتقبالت‬

‫بوصفهــا ضــرورة مصلحيــة‪.‬‬

‫لقــد بــدأ حقــل املســتقبالت ودراســاتها يتســع شــيئًا فشــيئًا‪ ،‬حتــى خصــص لــه ميــدان أكادميــي‬

‫لــدى بعــض املؤسســات الفكريــة‪ ،‬واجلامعــات الرصينــة‪ ،‬ضمــن مشــاهد االستشــراف العلمــي؛‬
‫اهتمامــا مــن قبــل مؤسســات حكوميــة‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا‬ ‫ً‬ ‫إذ القــت الدراســات التــي تعنــى باملســتقبالت‬

‫عــن دعــم حكومــي مباشــر‪ ،‬فــي بعــض الــدول التــي تتطلــع إلــى األمــام‪ ،‬مخصصــة لهــا حيـ ًزا‬

‫فــي كل تفكيــر يخلــق‪ ،‬أو يبتكــر‪ ،‬كمــا هــي احلــال فــي مشــاهد التخطيــط املعتمــدة مــن قبــل‬

‫مؤسســة رانــد األميركيــة‪ ،‬منــذ العــام ‪ ،1950‬لرســم مالمــح صــور املســتقبالت فــي بحــوث‬

‫ـرا منهــا لدراســات‬


‫التخطيــط املســتقبلي‪ ،‬التــي بــدأت ومنــذ ذلــك احلــن ختصــص حي ـ ًزا كبيـ ً‬
‫املســتقبالت‪ ،‬ملــا تفضــي إليــه مــن أهميــة وعلــى قــدر كبيــر‪ ،‬فــي شــتى املجــاالت(‪.)31‬‬

‫لقــد بــات االهتمــام بدراســات املســتقبالت مــن الضــرورات التــي ال غنــى عنهــا للــدول‬
‫واملجتمعــات واملؤسســات‪ ،‬ولــم تعــد ً‬
‫ترفــا تأخــذ بــه الــدول أو تهجــره‪ ،‬تســتوي فــي ذلــك‬

‫الــدول املتقدمــة والناميــة (‪ .)32‬وليــس أدل علــى أهميــة دراســات املســتقبالت مــن ظهــور‬

‫أعــداد كبيــرة مــن العلمــاء والباحثــن املشــتغلني بدراســات املســتقبالت فــي اجلامعــات ومراكــز‬

‫البحــوث املختلفــة‪ ،‬وظهــور العديــد مــن املراكــز والهيئــات العلميــة واملعاهــد املتخصصــة فــي‬

‫عامليــا؛ إذ تســاعد دراســات املســتقبالت علــى التخفيــف‬


‫ًّ‬ ‫دراســات املســتقبالت‪ ،‬وانتشــارها‬

‫مــن األزمــات عــن طريــق التنبــؤ بهــا قبــل وقوعهــا والتهيــؤ ملواجهتهــا؛ األمــر الــذي يــؤدي إلــى‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪209‬‬

‫كــوارث (‪.)33‬‬ ‫الســبق واملبــادأة للتعامــل مــع املشــكالت قبــل أن تصبــح‬

‫أمــا عــن آليــات دراســات املســتقبالت فتتمثَّــل فــي االستشــراف املســتقبلي املبنــي علــى‬

‫معطيــات علميــة؛ إذ لــم تعــد دراســات املســتقبالت تعمــد‪ ،‬كمــا كانــت فــي بدايــات تطورهــا‪،‬‬

‫إلــى التنبــؤ باملســتقبالت‪ ،‬وإمنــا إلــى استشــراف مــا ميكــن‪ ،‬ومــا يحتمــل‪ ،‬ومــا هــو مرغــوب‬

‫بــه‪ ،‬أن تكــون املســتقبالت علــى وفــق مــا نقــوم‪ ،‬أو ال نقــوم‪ ،‬بــه‪ ،‬مــن أفعــال فــي حاضــر‬

‫الزمــان (‪ .)34‬وبذلــك تتجســد آليــة استشــراف املســتقبالت‪ ،‬عبــر البحــوث العلميــة التــي تتخــذ‬

‫دربــا فــي استشــرافها للمســتقبل‪ ،‬الســيما املقاربــة املنهجيــة فــي‬


‫مــن املقاربــة املنهجيــة العلميــة ً‬
‫بنــاء مشــاهد املســتقبالت‪ ،‬عبــر معطيــات‪ ،‬وآليــات أكادمييــة‪ ،‬متهــد الطريــق الســتعالم الزمــن‬

‫القــادم‪ ،‬أي مســتقبل احلاضــر‪.‬‬

‫‪ .5.2‬خصائص دراسات املستقبالت‬


‫ملــا كانــت الغايــة مــن دراســات املســتقبالت هــي توفيــر إطــار زمنــي طويــل املــدى ملــا قــد‬

‫نتخــذه مــن قــرارات اليــوم‪ ،‬كنتيجــة أو أمــر متليــه ســرعة التغيــر وتزايــد التعقــد وتنامــي «غيــر‬
‫اليقينــي» فــي كل مــا يحيــط بنــا‪ ،‬وذلــك فضـ ً‬
‫ـا عــن اعتبــارات تتصــل بالتنميــة واخلــروج مــن‬

‫التخلــف‪ ،‬فــإن مثــة مجموعــة مــن اخلصائــص أو أدوات املقاربــة املنهجيــة املرغــوب توافرهــا‬

‫فــي الدراســات االستشــرافية اجليــدة‪ ،‬بــل باتــت ضــرورة‪ .‬ومــن أبــرز هــذه اخلصائــص (‪:)35‬‬

‫أ‪ -‬الشــمول والنظــرة الكليــة لألمــور‪ :‬فليــس مــن الســهل احلديــث عــن دراســة مســتقبلية‬
‫لبلــد مــا مثـ ً‬
‫ـا فــي غيــاب رؤيــة مســتقبلية لألوضــاع السياســية‪ ،‬وحالــة العلــم والتكنولوجيــا‪،‬‬

‫وأوضــاع الســكان واملــوارد والبيئــة‪ ،‬والتغيــرات فــي احمليــط اإلقليمــي والوضــع العاملــي‪ .‬ومــن‬

‫ـد َرس العوامــل االقتصاديــة واالجتماعيــة والسياســية‪ ...‬إخل فــي تشــابكها وتفاعلهــا‬
‫املهــم أن ُتـ ْ‬
‫مــع بعضهــا البعــض‪ ،‬حتــى تتوافــر رؤيــة شــاملة ومتكاملــة ملســتقبل هــذا االقتصــاد‪.‬‬

‫ب‪ -‬مراعــاة التعقــد‪ :‬أي تفــادي اإلفــراط فــي التبســيط والتجريــد للظواهــر املدروســة‪ ،‬والتعمــق‬

‫فــي فهــم مــا يزخــر بــه الواقــع مــن عالقــات وتشــابكات‪ ،‬وال يقــن‪ ،‬وديناميــة‪ .‬وهــو مــا يتطلب‬

‫النظــر إلــى الظاهــرة املركبــة فــي مجملهــا مــن خــال مقاربــة منهجيــة عابــرة للتخصصــات؛‬
‫‪| 210‬‬

‫حيــث ال يجــدي «التفكيــك» وفهــم كيفيــة عمــل كل جــزء مــن أجــزاء الظاهــرة علــى حــدة فــي‬

‫اخلــروج بصــورة صحيحــة عــن ســلوك مثــل هــذه الظاهــرة‪ ،‬حتــى لــو تضمــن ذلــك اللجــوء‬

‫إلــى حقــول معرفيــة متعــددة‪.‬‬

‫ج‪ -‬اســتحضار املاضــي‪ :‬واحــدة مــن أهــم أركان الدراســات املســتقبلية هــو اســتحضار املاضي‪،‬‬

‫وعــدم إهمالــه؛ ذلــك أن االستشــراف العلمــي املنظــم‪ ،‬هــو ذلــك اجلهــد الــذي يأخــذ بنظــر‬

‫االعتبــار األبعــاد االســتراتيجية للزمــن‪ ،‬وأولهــا ماضــي احلاضــر‪ ،‬وذلــك للوقــوف برؤيــة‬

‫استشــرافه (‪.)36‬‬ ‫اســتدراكية معمقــة علــى مجمــل حيثيــات املوضــوع املــراد‬

‫د‪ -‬املــزج بــن األســاليب الكيفيــة واألســاليب الكميــة فــي العمــل املســتقبلي؛ حيــث ينــدر‬

‫أن تفــي األســاليب الكيفيــة وحدهــا أو األســاليب الكميــة وحدهــا مبتطلبــات إنتــاج دراســة‬

‫مســتقبلية جيــدة‪ .‬ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬ثبــت أن تعــدد األســاليب املســتخدمة فــي دراســة ظاهــرة‬

‫ـرا مــا يــؤدى إلــى نتيجــة أفضــل ممــا لــو جــرى االعتمــاد علــى‬
‫مــا واملــزج بــن نتائجهــا‪ ،‬كثيـ ً‬
‫وعمومــا يتيــح املــزج بــن أســاليب متعــددة ‪-‬كيفيــة وكميــة‪ -‬جتــاوز قصــور‬
‫ً‬ ‫أســلوب واحــد‪.‬‬

‫النظريــات والنمــاذج التــي تبنــى عليهــا عــن طريــق اللجــوء إلــى أســاليب كيفيــة حملــاكاة الواقــع‬

‫بتفاصيلــه وتعقيداتــه الكثيــرة‪ ،‬وللتعــرف علــى ردود الفعــل احملتملــة لبعــض التصرفــات مــن‬

‫جانــب الفاعلــن فــي النســق محــل الدراســة‪.‬‬

‫ه‪ -‬املوضوعيــة العلميــة‪ :‬ملــا كانــت املســتقبالت تُدرس مــن خالل بدائــل متنوعة‪ ،‬مي ِّثــل كل منها‬
‫ـتقبليا يتوافــق مثـ ً‬
‫ـا مــع رؤيــة أو مصــاحل هــذه القــوة االجتماعية‪-‬السياســية‬ ‫ـارا مسـ ًّ‬
‫ـهدا أو مسـ ً‬
‫مشـ ً‬
‫أو تلــك فــي املجتمــع‪ ،‬فــإن علــى دارس املســتقبالت البديلــة أن يتحلــى بدرجــة عاليــة مــن‬
‫احلياديــة والعلميــة ً‬
‫أول فــي التعــرف علــى البدائــل‪ ،‬وعــدم اســتبعاد بدائــل معينــة ملجــرد رفــض‬

‫وثانيــا فــي حتليــل هــذه االدعــاءات‪ ،‬واستكشــاف تداعياتها‪،‬‬


‫ً‬ ‫الــدارس ملنطلقاتهــا أو ادعاءاتهــا‪،‬‬
‫وتقييــم مــا لهــا ومــا عليهــا وفــق مجموعــة معاييــر متفــق عليهــا سـ ً‬
‫ـلفا‪ .‬مبعنــى آخــر‪ ،‬توخــي‬

‫الدقــة فــي إدراك الواقــع‪ ،‬والســير برؤيــة حتليليــة ميدانيــة‪ ،‬تقــود إلــى وضــع رؤيــة مســتقبلية ال‬

‫ـرا عــن واقــع املقومــات املتاحــة‪ ،‬واملعطيــات املاثلــة‪ ،‬كــون الرؤيــة الواقعيــة لألمــور‬
‫تبتعــد كثيـ ً‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪211‬‬

‫خيــر مرتكــز ملــدى جنــاح التخطيــط املســتقبلي مــن عدمــه‪ ،‬فــي االرتقــاء بالواقــع احلضــاري‪.‬‬

‫و‪ -‬تكامــل فريــق الدراســة‪ :‬ويعنــى ذلــك إجنــاز دراســات املســتقبالت عــن طريــق فريــق عمــل‬

‫متفاهــم ومتعــاون ومتكامــل‪ ،‬وهــو مــا ُيفضــي إلــى إبــداع جماعــي؛ فذلــك أمــر تفرضــه‬

‫طبيعــة دراســات املســتقبالت التــي تعتمــد علــى معــارف مســتمدة مــن علــوم متعــددة‪ ،‬والتــي‬

‫تســتوجب دمــج هــذه املعــارف وفــق منظــور أو إطــار عابــر للتخصصــات‪ .‬كمــا أن اجلماعيــة‬

‫مفيــدة للوصــول إلــى تصــورات وتنظيــرات وحلــول جديــدة للمشــكالت‪ ،‬وذلــك مــن خــال‬

‫مــا تتيحــه مــن مواجهــات بــن املناهــج والــرؤى املختلفــة ألعضــاء فريــق العمــل‪.‬‬

‫ُنجــز‬
‫ز‪ -‬التعلــم الذاتــي والتصحيــح املتتابــع للتحليــات والنتائــج‪ :‬فدراســات املســتقبالت ال ت َ‬
‫دفعــة واحــدة‪ ،‬بــل إنهــا عمليــة متعــددة املراحــل يتــم فيهــا إنضــاج التحليــات وتعميــق‬

‫الفهــم وتدقيــق النتائــج مــن خــال دورات متتابعــة للتعلــم الذاتــي والنقــد الذاتــي‪ ،‬وتلقِّ ــي‬

‫تصــورات أطــراف وقــوى مختلفــة وانتقاداتهــم واقتراحاتهــم‪ ،‬والتفاعــل معهــا مــن خــال‬

‫اللقــاءات املباشــرة واألدوات غيــر املباشــرة إلشــراك النــاس فــي تصــور وتصميــم املســتقبالت‪.‬‬

‫وكلمــا تكــررت عمليــات التفاعــل والنقــد والتقييــم واالســتجابة لهــا بالتعديــل والتطويــر فــي‬

‫التحليــات والنتائــج‪ ،‬زادت فــرص اخلــروج بدراســة مســتقبلية راقيــة‪ ،‬الســيما مــن زاويــة‬

‫ارتباطهــا بالواقــع االجتماعــي‪ ،‬وزادت معهــا فــرص تأثيــر الدراســة فــي الفعــل االجتماعــي‪.‬‬

‫ح‪ -‬تأجيــج ثقافــة املســتقبل‪ :‬لعــل اخلطــوة األخيــرة مــن أدوات استشــراف املســتقبالت هنــا‪،‬‬

‫تتمثَّــل فــي محاولــة القائمــن علــى تدعيــم استشــراف املســتقبالت بنشــر ثقافــة االحنيــاز‬

‫مجتمعيــا‪ ،‬ممــا يؤســس لــدور كبيــر داعــم لهــا‪ ،‬وفــق أســاليب متنوعــة يتقدمهــا أســلوب‬
‫ًّ‬ ‫إليهــا‬

‫أدائيــا‬
‫ًّ‬ ‫ـتقبليا‪ ،‬وهــو يتنــاول أي ظاهــرة أو حادثــة أو موقــف معــن حتليـ ً‬
‫ـا‬ ‫العصــف الذهنــي مسـ ًّ‬
‫تكــون الغايــة منــه اخلــروج بشــيء يضفــي علــى التراكــم املعرفــي لدراســات املســتقبالت منجـ ًزا‬

‫ـدا‪.‬‬
‫جديـ ً‬
‫‪ .6.2‬أهمية املقاربة املنهجية يف بناء املشاهد يف دراسات املستقبالت‬
‫ال شــك أن دراســات املســتقبالت ترتكــن إلــى مقاربــة منهجيــة تضبــط ســير أدائهــا‪ ،‬وهــي‬
‫‪| 212‬‬

‫تبتغــي استشــراف ذلــك املســتقبل الــذي تتطلــع إليــه‪ ،‬عبــر عــدة مقاربــات منهجيــة حددتهــا‬

‫(‪.)37‬‬ ‫استشــرافيا‬
‫ًّ‬ ‫املســتقبالت ضمــن معطياتهــا فــي إطــار بنــاء املشــاهد‬

‫ويتفــق الــرأي علــى اقتــران مفهــوم استشــراف املســتقبالت ومفهــوم املشــهد بعالقــة طرديــة‬

‫موجبــة‪ .‬ذلــك ألن األصــل فــي كل استشــراف مســتقبلي أن ينتهــي إلــى بلــورة مشــاهد ملســتقبل‬

‫(‪.)38‬‬ ‫املوضــوع الــذي ينصــرف إلــى اســتقراء تطــور اجتاهــات واقعــه فــي الزمــان الالحــق‬

‫لغويــا‪ ،‬االجتهــادات بشــأن مفهــوم املشــهد (‪ ،)39‬ومــع ذلــك نــرى أن جوهــره‬


‫ًّ‬ ‫وقــد تعــددت‪،‬‬

‫ال يخــرج عــن ذلــك التصــور والوصــف املنطقــي ملخرجــات تلــك املعطيــات الســائدة فــي‬
‫احلاضــر‪ ،‬التــي تــؤدي اجتاهاتهــا إلــى بلــورة وضــع مســتقبلي قــد يكــون إمــا ممك ًنــا‪ ،‬أو محتمـ ً‬
‫ـا‪،‬‬

‫مرغوبــا فيــه‪.‬‬
‫ً‬ ‫أو‬

‫علميــا‪ ،‬مبثابــة النــاجت النهائــي لــكل دراســة فــي‬


‫ًّ‬ ‫وبهــذا املعنــى‪ ،‬يــراد للمشــهد أن يكــون‪،‬‬

‫املســتقبالت ســواء انطلقــت هــذه الدراســة مــن املقاربــة املنهجيــة الكميــة أو الكيفيــة أو منهمــا‬

‫معــا(‪.)40‬‬
‫ً‬
‫تفيــد مضامــن دراســات املســتقبالت أنهــا تأثــرت باجتاهــات املســتقبليني‪ .‬وألن اجتاهاتهــم هــذه‬

‫انعكاســا لهــا(‪.)41‬‬
‫ً‬ ‫توزعــت إمــا علــى التشــاؤم‪ ،‬أو علــى التفــاؤل‪ ،‬جــاءت مشــاهد دراســاتهم‬

‫ـوع ال ميكــن‬
‫ـتقبل موضـ ٍ‬ ‫ـبيا ِ َلشـ ِ‬
‫ـاهد ُمسـ َ‬ ‫وهنــا‪ ،‬نــرى أن االستشــراف املوضوعــي واملتكامــل نسـ ًّ‬
‫عبــر‬
‫أن يتأســس إال علــى رؤى متعــددة األبعــاد‪ .‬فالواقــع الســائد‪ ،‬فــي كل زمــان ومــكان‪ ،‬ال ُي ِّ‬
‫عــن معطيــات أحاديــة املضمــون‪ ،‬وإمنــا عــن معطيــات متحركــة بعضهــا يشــجع علــى التفــاؤل‪،‬‬

‫وبعضهــا اآلخــر يدفــع إلــى التشــاؤم‪ .‬لــذا‪ ،‬فــإن مثــل هــذا االستشــراف هــو الــذي يتخــذ مــن‬

‫لــه (‪.)42‬‬ ‫هــذه املعطيــات بنوعيهــا منطلقً ــا‬

‫لقــد جنــم األخــذ بهــذا التفكيــر عــن تأثيــر مدخــات متعــددة نبعــت جلهــا مــن حقيقــة أن‬

‫العالــم أضحــى يتغيــر ومبعــدل ســرعة غيــر مســبوق‪ ،‬وأفــرز بالتالــي حتديــات دفعــت نوعيتهــا‬

‫إلــى ضــرورة إعــادة تشــكيل العقــل‪ ،‬وترشــيد القــرار والفعــل‪ ،‬اســتباقً ا واسـ‬
‫ـتعدادا للمســتقبل‬
‫ً‬
‫واستشــراف َم َشــاهده عبــر مقاربــات منهجيــة اســتطالعية كميــة وأخــرى معياريــة كيفيــة‪.‬‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪213‬‬

‫وتنــدرج جــل التطبيقــات العمليــة لهــذه املقاربــات حتــت تســمية منتشــرة علــى نطــاق واســع‪،‬‬

‫هــي دراســات املســتقبالت‪ ،‬وتفيــد هــذه التســمية برؤيــة فلســفية مركبــة‪.‬‬

‫ـد البعــد األهــم مــن أبعــاد دورة الزمــان‪،‬‬


‫فمــن ناحيــة‪ ،‬يتفــق املســتقبليون علــى أن املســتقبل ُي َعـ ُّ‬
‫ـرا‪ ،‬وإمنــا ألنــه وحــده الزمــان‪ ،‬الــذي يســتطيع‬
‫هــذا ليــس ألنــه ســيصبح‪ ،‬عنــد حلولــه‪ ،‬حاضـ ً‬
‫اإلنســان التدخــل الواعــي والهــادف فــي عمليــة تشــكيله‪ ،‬هــذا ألن اإلنســان هــو الكائــن‬

‫التاريخــي الوحيــد الــذي يتوافــر علــى قــدرة جتــاوز الزمــان الــذي مضــى‪ ،‬والــذي ميضــي‪،‬‬

‫واالســتعداد للزمــان الــذي ســيأتي‪ .‬ومــن هنــا‪ ،‬تنتشــر بــن املســتقبليني مقولــة ذات داللــة‬

‫مهمــة‪ ،‬هــي أن اإلنســان ‪-‬والســيما الــذي اســتطاع حســم إشــكالية التلفت‪/‬التشــوف‪ ،‬أي‬
‫ـرا وسـ ً‬
‫ـلوكا‪ ،‬إلــى املســتقبل‪ -‬هــو الــذي يصنــع‬ ‫إشــكالية املاضي‪/‬احلاضــر لصــاحل االحنيــاز‪ ،‬تفكيـ ً‬
‫املســتقبل وليــس املســتقبل هــو الــذي يصنــع اإلنســان‪.‬‬

‫ومــن ناحيــة ثانيــة‪ ،‬ينطــوي األخــذ بتســمية دراســات املســتقبالت علــى حالــة الرفــض لتلــك‬

‫الرؤيــة التــي انتشــرت فــي بدايــة االنشــغال العلمــي فــي املســتقبل‪ ،‬وأفــادت أن املســتقبل ينشــأ‬

‫ويعبــر اســتخدام كلمــة املســتقبل‪،‬‬


‫ِّ‬ ‫محكومــا بــه‪.‬‬
‫ً‬ ‫مــن املاضــي ويكــون‪ ،‬فــي الوقــت ذاتــه‪،‬‬

‫بصيغــة املفــرد‪ ،‬عــن هــذه الرؤيــة‪ .‬وباملقابــل‪ ،‬ذهبــت رؤيــة أخــرى إلــى تأكيــد أن املســتقبل ال‬

‫يقبــل االنغــاق علــى صــورة واحــدة وحتميــة‪ ،‬وإمنــا يتميــز باالنفتــاح علــى العديــد مــن الصــور‬

‫(مبعنــى املشــاهد) البديلــة والقابلــة لالستشــراف‪ .‬ومــن هنــا‪ ،‬جــاء اســتخدام كلمــة املســتقبل‬

‫حاليــا (‪.)43‬‬
‫ًّ‬ ‫ـارا بــن املســتقبليني‬
‫بصيــغ اجلمــع (مســتقبالت)‪ .‬وتعــد هــذه الرؤيــة األكثــر انتشـ ً‬
‫ُرســم ملوضــوع معــن يــراد البحــث فــي مســتقبله‬
‫ومــن ثــم تتجســد أهميــة املشــاهد التــي ت َ‬
‫علمــا بــأن املقاربــة املنهجيــة فــي بنــاء املشــاهد‬
‫علميــا‪ ،‬وفــي إطــار البحــث العلمــي الرصــن‪ً ،‬‬
‫ًّ‬
‫تتأســس علــى حتليــل شــامل ملجمــل املعطيــات الداخليــة واخلارجيــة التــي تتعلــق باملوضــوع‬

‫(‪.)44‬‬ ‫الــذي يــراد البحــث فيــه‬

‫واجلديــر بالذكــر‪ ،‬أن الفكــرة املركزيــة للمشــهد أنــه يتأســس علــى سلســلة مــن الفرضيــات‬

‫االحتمالية القائمـــة علـــى الفكـــرة التاليـــة‪ :‬إذا ‪-‬فـــإن (‪ ،)Then-if‬مبعـــــنى‪ :‬إذا حـــــدث (س)‬
‫‪| 214‬‬

‫فـــإن النتيجـــة ســـتكون (ص)‪ ،‬أمـــا إذا حـــدث (أ) فـــإن النتيجـــة ســـتكون (ب)‪...‬إخل‬

‫(‪ .)45‬وبالتالــي فاملشــهد يســعى إلــى اســتعراض كل االحتمــاالت والعمــل علــى استشــراف مــا‬

‫ســيترتب علــى كـــل احتمـــال‪ ،‬وتـــتم عمليــة املشــهد وفــق اخلطــوات التاليــة (‪:)46‬‬

‫أ‪ -‬حتديد الظاهرة‪ ،‬موضوع الدراسة‪ ،‬وجمع املعلومات واحلقائق والبيانات املرتبطة بها‪.‬‬

‫بنــاء علــى املعطيــات واحلقــائق‬


‫ً‬ ‫ب‪ -‬حتديــــد مختلــــف مســارات تطــور الظــاهرة وذلــك‬

‫ـدد املتغـــيرات املختلفـــة املـــؤثرة في تطـــور‬ ‫الــــتي مت رصــــدها في املرحلــــة األولى‪ ،‬حيث ُ َ‬
‫تــ َّ‬
‫الظـــاهرة وت َُرتَّـــب وفقً ـــا ألهميتهـــا إلى متغـــيرات رئيســـية ومتغيــرات ثانوية‪ .‬هنــا‪ ،‬يجب األخذ‬

‫بعــن االعتبــار احتمــال ظهــور متغيــرات اســتثنائية أو فجائيــة قـــد يتوقـــف عليهـــا مســار تطــور‬

‫الظاهــرة‪ ،‬ولذلــك ففــي هــذه املرحلــة يتــم الفصــل فــي اجتــاه مســـار تطـــور الظـــاهرة فــي‬

‫املســـتقبل (اجتـــاه خطـــي‪ ،‬اجتــاه إصالحــي‪ ،‬اجتــاه حتولــي أو راديكالــي)‪.‬‬

‫ج‪ -‬التداعيــات‪ :‬وتعنــي النتائــج التفصيليــة املفتــرض أنهــا ســتترتب علــى كل خطــوة مـــن‬

‫اســـتنادا إلــى قاعـــدة (إذا – فــإن)‪ ،‬كذلــك ربــط التداعيــات املختلفــة ببعضهــا‬
‫ً‬ ‫اخلطـــوات‬

‫البعــض‪ ،‬حيــث إن كل تــداع ســيترك آثــاره علـــى غـــيره‪ .‬ومـــن هنــا‪ ،‬البــد مــن إدراك تأثيــر‬

‫التداعيــات علــى بعضهــا فــي القطاعــات املختلفــة فــي املســتقبالت‪.‬‬


‫إجمـ ً‬
‫ـال‪ ،‬فــإن املقاربــة املنهجيــة فــي بنــاء املشــاهد جتمــع بــن العلــم واخليــال فــي آن‪ .‬ولنتذكــر‬

‫أن العلــم عندمــا يتفاعــل مــع اخليــال فــإن محصلــة تفاعلهمــا تفضــي إلــى تصــور املســتقبالت‬
‫ـامل‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا عــن أن هــذا التفاعــل يشــجع توكيــد أهميــة األفــكار‬ ‫ـرا وشـ ً‬
‫إبداعيــا مبتكـ ً‬
‫ًّ‬ ‫ـورا‬
‫تصـ ً‬
‫اجلديــدة‪ .‬ولنتذكــر ً‬
‫أيضــا أن دور هــذه األفــكار فــي حتريــك التاريــخ باجتــاه البنــاء واالجنــاز‬
‫دورا فاعـ ً‬
‫ـا ال ينكــر‪ .‬كمــا تتجســد أهميــة املقاربــة املنهجيــة فــي‬ ‫احلضــاري كان‪ ،‬عبــر الزمــان‪ً ،‬‬
‫بنــاء املشــاهد فــي رصــد تلــك االحتمــاالت املمكنــة أو احملتملــة أو املرغــوب بهــا لواقــع البحــث‬
‫العلمــي الــذي يــراد تفحــص ماضيــه‪ ،‬وحاضــره‪ ،‬أمـ ً‬
‫ـا فــي اســتعالم مســتقبله‪.‬‬

‫‪ .7.2‬التفكري العلمي العربي يف املستقبالت ودراساتها‬


‫ال شــك فــي أن األســبقية فــي التفكيــر العلمــي باملســتقبالت تســجل للغــرب؛ إذ إن الدراســات‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪215‬‬

‫األولــى إلرســاء أســس املســتقبالت وآليــات استشــرافه كانــت فــي جلهــا غربيــة‪ ،‬وإن أضحــت‬

‫ـراء ديناميــة وتاريخيــة عملياتــه‪ ،‬أكثــر‬


‫بعــد ذلــك عابــرة للمــكان‪ .‬وكجــزء مــن عالــم صــار‪ ،‬جـ َّ‬
‫واقترابــا‪ ،‬تأثــر عــدد مــن املفكريــن واملثقفــن العــرب بالتوجــه العاملــي حنــو التفكيــر‬
‫ً‬ ‫صغــرا‬
‫ً‬
‫العلمــي للمســتقبل واستشــرافه‪ .‬ونــرى أن ذلــك ســاعد عليــه أمــران مهمــان‪:‬‬

‫ــد‬
‫يعبــر عــن دورة أبعــاد متعاقبــة وأن املســتقبالت ت َُع ُّ‬
‫‪ -‬أولهمــا‪ :‬انتشــار الوعــي بــأن الزمــان ِّ‬
‫مآلهــا األخيــر وبالتالــي هــو األهــم مــن املاضــي واحلاضــر‪ ،‬الســيما وأنــه الزمــان البكــر الــذي‬

‫تســتطيع اإلرادة اإلنســانية احلــرة والواعيــة التدخــل لصياغــة حقائقــه ابتــداء مــن احلاضــر‪ .‬بيــد‬

‫أن هــذه األهميــة ال تعنــي أن املاضــي بحقائقــه غيــر قابــل التغييــر‪ ،‬وأن احلاضــر مبعطياتــه قابــل‬

‫إيجابــا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ـلبا أو‬
‫التغييــر‪ ،‬ال قيمــة لهمــا (‪ ،)47‬بــل إن قيمتهمــا تتحــدد علــى وفــق تأثيرهمــا‪ ،‬سـ ً‬
‫فــي نوعيــة موقفنــا مــن بنــاء املســتقبالت‪ ،‬هــذا فضـ ً‬
‫ـا عــن أن أهميتهمــا تكمــن فــي عالقتهمــا‬

‫ـد أحــد‬
‫ـراء دراســة املاضــي واحلاضــر ت َُعـ ُّ‬
‫باستشــراف مشــاهد املســتقبالت‪ .‬فاملعرفــة املكتســبة جـ َّ‬
‫أهــم املصــادر التــي تســتند عليهــا دراســات املســتقبالت‪.‬‬

‫‪ -‬ثانيهمــا‪ :‬توافــق الــرأي علــى جــدوى املشــاركة فــي تلمــس الســبل التــي تفضــي إلــى احلــد‬

‫مــن تفاقــم األزمــة العربيــة املمتــدة عبــر الزمــان وآثــار مخرجاتهــا فــي دفــع العــرب إلــى خــارج‬

‫التاريــخ (‪.)48‬‬

‫علــى أن احملــاوالت العربيــة الرائــدة‪ ،‬ســواء الفرديــة أو اجلماعيــة‪ ،‬علــى صعيــد استشــراف‬

‫املســتقبل العربــي خــال عقــدي الســبعينات والثمانينــات مــن القــرن املاضــي قــد توقفــت‬

‫الحقً ــا فــي العمــوم‪ .‬ومــع ذلــك ال يلغــي توقــف اســتعدادنا لبنــاء مســتقبلنا عبــر الدراســة‬

‫العلميــة‪ ،‬اســتمرار صــدور كتابــات حتمــل عناوينهــا كلمــة املســتقبالت‪ .‬بيــد أن هــذا اإلنتــاج‬

‫بعيــدا عــن‬
‫ً‬ ‫الــذي حتــدث عــن املاضــي أو احلاضــر أكثــر ممــا تكلــم عــن املســتقبالت‪ ،‬كان‬

‫االستشــراف العلمــي ملشــاهده (‪ .)49‬وقــد تزامــن ذلــك مــع كتابــات عربيــة اســتمرت فــي‬

‫الصــدور ومبضامــن مســتقبلية‪ ،‬ولكــن مــن دون أن تعلــن عناوينهــا عــن ذلــك‪ ،‬وكأنهــا ختشــى‬

‫للمســتقبل (‪.)50‬‬ ‫االتهــام باستشــرافها‬


‫‪| 216‬‬

‫وهنــا نتســاءل‪ :‬أيــن يكمــن الســبب؟ هــل فــي ماضويــة الذهنيــة العربيــة‪ ،‬التــي جتعــل احنيــاز‬

‫ـذرا مــن احنيازنــا إلــى املســتقبالت‪ ،‬أم فــي االختــاالت البنيوية‬


‫كثيــر م َّنــا إلــى املاضــي أعمــق جتـ ً‬
‫علميــا؟‬
‫ًّ‬ ‫حلاضرنــا املعقــد‪ ،‬أم فــي نــدرة التشــجيع الرمســي واملجتمعــي الستشــراف املســتقبالت‬

‫ـر ُّد ضآلــة اإلنتــاج العربــي علــى صعيــد دراســات املســتقبالت إلــى كوابــح عربيــة عديــدة‬
‫و ُتـ َ‬
‫عطلــت مــن نهوضهــا وتوظيفهــا لصــاحل االرتقــاء العربــي‪ ،‬ومنهــا ً‬
‫أول‪ :‬أن جــل الــدول العربيــة‬ ‫َّ‬

‫ال تأخــذ بهــذه الدراســات كأســاس مســبق الختــاذ القــرارات مثلمــا هــي احلــال مــع العديــد‬

‫وثانيــا‪ :‬قليلــة هــي اجلامعــات العربيــة‪ ،‬رغــم كثرتهــا‪ ،‬التــي جعلــت‬


‫ً‬ ‫مــن الــدول هنــا وهنــاك‪.‬‬

‫موضــوع املســتقبل ضمــن مناهجهــا ومقرراتهــا التدريســية‪ ،‬ناهيــك عــن عــدم منــح شــهادات‬
‫ـدا هــي ً‬
‫أيضــا املراكــز الرصينــة التــي تتخــذ مــن تســمية‬ ‫عليــا فــي ختصصــه‪ .‬وثال ًثــا‪ :‬محــدودة جـ ًّ‬
‫رمسيــا لهــا‪ ،‬أو جتعــل هــذه التســمية ضمــن عناوينهــا‬
‫ًّ‬ ‫دراســة أو دراســات املســتقبل عنوانًــا‬

‫املتنوعــة‪ .‬فجــل مــا يتوافــر مــن هــذه املراكــز‪ ،‬ســواء فــي الــدول العربيــة أو خارجهــا‪ ،‬ال عالقــة‬

‫ورابعــا‪ :‬نــادرة هــي الدوريــات العربيــة العلميــة‬


‫ً‬ ‫لــه باملوضــوع إال مــن حيــث العنــوان وال غيــر‪.‬‬

‫وخامســا‪ :‬ضآلة‬
‫ً‬ ‫احملكمــة واملتخصصــة فــي نشــر الدراســات والبحــوث ذات العالقــة باملوضــوع‪.‬‬

‫النوافــذ اإلعالميــة فــي وســائل االتصــال اجلماهيــري العربيــة التــي تتولــى الترويــج لثقافــة‬

‫ـرا‪ :‬محدوديــة عــدد أصحــاب االختصــاص العلمــي فــي دراســات‬


‫االحنيــاز إلــى املســتقبل‪ .‬وأخيـ ً‬
‫العــرب (‪.)51‬‬ ‫املســتقبالت مــن‬

‫وبرؤيــة موضوعيــة مجــردة‪ ،‬نــرى أن تأخرنــا علــى صعيــد االستشــراف العلمــي للمســتقبل ال‬

‫يعــود إلــى أحــد هــذه األســباب أو بعضهــا فقــط‪ ،‬وإمنــا إلــى جميعهــا وســواها‪ .‬هــذا علــى الرغم‬

‫ـر ُّد ذلــك‬ ‫ـرا وسـ ً‬


‫ـلوكا (‪ .)52‬وال ُيـ َ‬ ‫ماســة إلــى االحنيــاز إلــى املســتقبل‪ ،‬فكـ ً‬
‫مــن أن هنــاك حاجــة َّ‬
‫إلــى التحديــات اخلطيــرة التــي تواجــه حاضرنــا ومســتقبلنا‪ ،‬وإلــى حاجتنــا لالرتقــاء احلضــاري‬
‫بواقعنــا الراهــن فحســب‪ ،‬وإمنــا ألن هــذه احلاجــة يســندها أســاس دينــي ً‬
‫أيضــا؛ يقــول اهلل‬

‫ـذا َو َمــا َكا ُنــوا بِ َآي ِات َنــا َي ْج َحـ ُ‬


‫ـدونَ »(‪ )53‬وقولــه‬ ‫ـم َهـ َ‬ ‫ـاه ْم َك َمــا ن َُســوا ِلقَ ـ َ‬
‫ـاء َي ْو ِم ِهـ ْ‬ ‫«فا ْل َيـ ْ‬
‫ـو َم َن ْن َسـ ُ‬ ‫تعالــى‪َ :‬‬

‫ـك االيــام ن َُد ِاو ُل َهــا َبـ ْ َ‬


‫ـن النــاس»(‪ .)54‬وبينمــا تنطــوي اآليــة األولــى علــى حتذيــر‬ ‫«و ِت ْلـ َ‬
‫كذلــك‪َ :‬‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪217‬‬

‫مــن إهمــال التفكيــر باملســتقبالت‪ ،‬تؤكــد الثانيــة عــدم ثبــات األمــور علــى حالهــا‪.‬‬

‫وبصــدد تناغــم دعــوة الديــن اإلســامي إلــى التفكيــر باملســتقبالت مــع غايــات استشــرافه‪،‬‬

‫جتــدر اإلشــارة إلــى أن دراســات املســتقبالت‪ ،‬مبعنــى استشــرافها‪ ،‬ال تزعــم أنهــا تريــد التنبــؤ‬

‫باملســتقبالت‪ ،‬بداللــة العلــم القاطــع واملؤكــد بــه‪ .‬فإضافــة إلــى أن العلــم باملســتقبل هــو األمــر‬

‫ــد دراســات املســتقبالت تعمــد‪ ،‬كمــا كانــت فــي‬


‫الــذي تنفــرد بــه الــذات اإللهيــة‪ ،‬لــم ت َُع ْ‬
‫بدايــات تطورهــا‪ ،‬إلــى التنبــؤ باملســتقبالت‪ ،‬وإمنــا إلــى استشــراف مــا ميكــن‪ ،‬ومــا يحتمــل‪،‬‬

‫(‪.)55‬‬ ‫ومــا هــو مرغــوب بــه مــن صــور املســتقبالت‬

‫لــذا‪ ،‬ينبغــي توافــر الرؤيــة العلميــة لتطلعــات املســتقبالت فــي البحــوث العربيــة؛ ذلــك أن‬

‫االخنــراط فــي دراســات املســتقبالت هــو الســبيل الوحيــد الــذي يفضــي بنــا إلــى شــراء الزمــن‬

‫الختــزال الفجــوة العلميــة بــن واقــع التــردي وطمــوح االرتقــاء‪ ،‬وهــو ذاتــه الــذي يســهم فــي‬

‫ذاتيــا‪ ،‬بالعمــل علــى اســتجالبه عبــر صناعتــه‪ .‬كمــا أن‬


‫تأمــن تطويــع املســتقبل مــن قبلنــا ًّ‬
‫اعتمــاد البحــوث العلميــة العربيــة علــى املقاربــة املنهجيــة لبنــاء مشــاهد دراســات املســتقبالت‪،‬‬

‫حتمــا إلــى إحــداث قفــزة نوعيــة علميــة فــي واقــع البحــوث العربيــة‪ ،‬كونهــا ســتدخل‬
‫ً‬ ‫ســتفضي‬
‫ً‬
‫فضــا عــن أنهــا‬ ‫فــي إطــار البحــوث اخلالقــة القــادرة علــى اإلتيــان بــكل مــا هــو جديــد‪،‬‬

‫ـدءا‬
‫بذلــك ستســهم فــي التحليــل املوضــوع العلمــي بشــكل شــامل لــدورة تعاقــب الزمــن‪ ،‬بـ ً‬
‫مــن تعقــب ماضــي موضــوع أو حــدث مــا‪ ،‬ودراســة حاضــره‪ ،‬أمـ ً‬
‫ـا فــي تتبــع مســتقبله وحتديــد‬

‫آفاقــه‪ ،‬وبرؤيــة علميــة وموضوعيــة‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫لقــد انصــرف هــذا البحــث إلــى محاولــة استشــراف مكانــة دراســات املســتقبالت فــي البحوث‬

‫العلميــة العربيــة وفــق مقاربــة منهجيــة علميــة تســتخدم بكثافــة فــي دراســات املســتقبالت‪ ،‬التي‬

‫تقريبــا‪ ،‬وهــي مقاربــة بنــاء املشــاهد‪ .‬وفــي ضــوء تطبيــق‬


‫ً‬ ‫أضحــى األخــذ بهــا يشــمل العالــم كلــه‬

‫للمنطــق الــذي تتأســس عليــه هــذه املقاربــة املنهجيــة واآلليــات التــي تســتخدمها‪ ،‬عمدنــا إلــى‬

‫استكشــاف مــدى انتشــار ثقافــة االحنيــاز إلــى املســتقبل فــي وطننــا العربــي‪ ،‬وكيفيــة العمــل‬
‫‪| 218‬‬

‫علــى حتقيــق ذلــك‪ .‬وقــد انتهــى بنــا هــذا االستكشــاف إلــى ضــرورة األخــذ باجلانب املســتقبلي‬

‫فــي البحــوث العلميــة فــي الوطــن العربــي‪ ،‬كوننــا نعيــش عالــم ســباق احلداثــة فــي ظــل تســارع‬

‫وقائعــه وأدواره الزمنيــة؛ األمــر الــذي يدفــع فــي كل دراســة بحثيــة علميــة إلــى وضــع رؤيــة‬

‫مســتقبلية ملــا ســيؤول إليــه مســتقبل عنــوان البحــث العلمــي ومادتــه‪ ،‬والــذي يتــراوح بــن مــا‬

‫مرغوبــا بــه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ـد ممك ًنــا‪ ،‬أو محتمـ ً‬
‫ـا‪ ،‬أو‬ ‫ُي َعـ ُّ‬
‫ال شــك أن األخــذ باملســتقبالت ُيد ِّلــل علــى أهميــة البحــث العلمــي‪ ،‬وشــموليته فــي تقصــي‬

‫حقائــق الفكــرة‪ ،‬والبحــث عــن املــآالت فيهــا‪ ،‬ذلــك أن تتبــع الفكــرة ابتــداء مــن نشــأتها‬

‫ـرورا بســير أدائهــا (احلاضــر)‪ ،‬هــو رصيــد معرفــي مهــم ينبغــي علــى الباحــث‬
‫(املاضــي)‪ ،‬ومـ ً‬
‫مكانيــا فــي البحــث ملســتقبل ذات‬
‫ًّ‬ ‫أن ِّ‬
‫يوظفــه فــي بحثــه العلمــي ليخصــص مــن خاللــه حي ـ ًزا‬

‫مهمــا ال يتجــزأ مــن كليــة أو شــمولية جوانــب البحــث العلمي‪.‬‬


‫ـزءا ًّ‬
‫الفكــرة‪ ،‬أي آفاقهــا كونهــا جـ ً‬
‫وبذلــك‪ ،‬جنــد مــن الضــروري أن يتــم دعــم مقاربــة بنــاء املشــاهد العلميــة فــي البحــوث العلميــة‬

‫العربيــة‪ ،‬كمــا ينبغــي أن جتــد دراســات املســتقبالت مكانــة أو بيئــة حاضنــة لهــا فــي عاملنــا‬

‫العربــي‪ ،‬الســيما البيئــة املؤسســاتية املدعومــة مــن قبــل احلكومــات‪ ،‬وعلــى هيئــة مؤسســات‬

‫بحثيــة تعنــى بالتفكيــر العلمــي للمســتقبل‪ ،‬ملــا لهــا مــن أهميــة نافعــة لرفــد املســيرة العلميــة‬
‫معــا‪ ،‬بفكــر يتطلــع إلــى األمــام‪ ،‬جاعـ ً‬
‫ـا مــن املاضــي واحلاضــر‪ ،‬أهــم أدوات‬ ‫للدولــة واملجتمــع ً‬
‫ً‬
‫فضــا عــن أدوات أخــرى مــن قبيــل الشــمول‬ ‫ذلــك التطلــع‪ ،‬وبرؤيــة علميــة وموضوعيــة‪،‬‬

‫والنظــرة الكليــة‪ ،‬والقــراءة اجليــدة للماضــي باجتاهاتــه العامــة الســائدة‪ ،‬واملــزج بــن األســاليب‬

‫الكيفيــة واألســاليب الكميــة فــي العمــل املســتقبلي‪ ،‬والفريــق اجلماعــي‪.‬‬

‫كل ذلــك مــن أجــل العمــل علــى نشــر ثقافــة املســتقبالت فــي عاملنــا العربــي الــذي بــات‬

‫ـد‬
‫أحــوج مــا يكــون إلــى هــذه اجلزئيــة املهمــة فــي التخصصــات اإلنســانية والعلميــة علــى حـ ٍّ‬
‫ســواء‪ ،‬ملــا لهــا مــن آثــار مهمــة تنعكــس وبشــكل إيجابــي كبيــر برؤاهــا الفكريــة علــى التخطيــط‬

‫االســتراتيجي الكــفء‪ ،‬والــذي ُيفضــي‪ ،‬ال محالــة‪ ،‬إلــى ذلــك املســتقبل املأمــول أو األكثــر‬

‫ارتقــاء مــن الواقــع املتــردي الــذي لطاملــا لــم يحتضــن دراســات املســتقبالت ضمــن بيئــة‬
‫ً‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪219‬‬

‫البحــث العلمــي العربــي‪.‬‬

‫ومثــة اســتنتاجات توصــل إليهــا الباحثــان‪ ،‬متثِّــل خالصــة علميــة ملجمــل البحــث العلمــي‪،‬‬

‫ميكــن إجمالهــا فيمــا يلــي‪:‬‬

‫ـرا‪.‬‬
‫ـرا وتراجــع مبكـ ً‬
‫‪ .1‬أن اجلهــد العلمــي العربــي علــى صعيــد استشــراف املســتقبالت بــدأ متأخـ ً‬
‫كمــا منــه يتنــاول املاضــي واحلاضــر أكثــر مــن تناولــه‬ ‫ـدودا‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا عــن أن ًّ‬ ‫لــذا‪ ،‬اســتمر محـ ً‬
‫املســتقبالت‪ ،‬وهــو مــا أحــدث فجــوة تتســع كلمــا تقــدم الزمــن إلــى األمــام بــن عاملنــا العربــي‪،‬‬

‫وعالــم احلداثــة الغربــي‪.‬‬

‫‪ .2‬تســتدعي دراســات املســتقبالت مــن الباحــث أن يكــون علــى جانــب كبيــر مــن املوضوعيــة‬
‫والواقعيــة فــي آن واحــد‪ ،‬كونهــا عمليــة بحــث علمــي َّ‬
‫منظــم‪ ،‬تعتمــد االستشــراف العلمــي‬
‫املنظــم‪ ،‬فــي مجــال مــا‪ ،‬تــدرس ماضــي احلاضــر وحاضــر املاضــي‪ ،‬أمـ ً‬
‫ـا فــي رصــد مســتقبل‬

‫ـاء علــى معطيــات ماثلــة‪ ،‬ومتغيــرات عديــدة‪.‬‬


‫احلاضــر بعنايــة لتحديــد آفاقــه واجتاهاتــه‪ ،‬بنـ ً‬
‫‪ .3‬بــات االهتمــام بدراســات املســتقبالت مــن الضــرورات التــي ال غنــى عنهــا للــدول‬
‫واملجتمعــات واملؤسســات‪ ،‬ولــم تعــد ً‬
‫ترفــا تأخــذ بــه الــدول أو تهجــره‪ ،‬تســتوي فــي ذلــك‬

‫الــدول املتقدمــة والناميــة‪ ،‬وليــس أدل علــى أهميــة دراســات املســتقبالت مــن ظهــور أعــداد‬

‫كبيــرة مــن العلمــاء والباحثــن املشــتغلني بدراســات املســتقبالت فــي اجلامعــات ومراكــز‬

‫البحــوث املختلفــة‪ ،‬وظهــور العديــد مــن املراكــز والهيئــات العلميــة واملعاهــد املتخصصــة فــي‬

‫عامليــا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫دراســات املســتقبالت‪ ،‬وانتشــارها‬

‫‪ .4‬تعتمــد دراســات املســتقبالت علــى أدوات عديــدة تضفــي عليهــا صفــة االستشــراف العلمــي‬

‫املنظــم‪ ،‬منهــا الشــمول والنظــرة الكليــة‪ ،‬آخــذة بنظــر االعتبــار النظــر إلــى املاضــي‪ ،‬ومالمســة‬

‫الواقــع للتطلــع إلــى ذلــك املســتقبل املأمــول‪ ،‬وعبــر املــزج بــن األســاليب الكيفيــة واألســاليب‬

‫الكميــة فــي العمــل املســتقبلي‪ ،‬ضمــن فريــق عمــل جماعــي متجانــس ومنظــم‪.‬‬

‫‪ .5‬إن تراكــم القناعــة بجــدوى االرتقــاء باالســتجابة إلــى مســتوى التحديــات اإلنســانية التــي‬

‫يواجههــا عاملنــا العربــي‪ ،‬فــي ظــل نــدرة دراســات التخطيــط املســتقبلي‪ ،‬تدفــع بنــا إلــى‬
‫‪| 220‬‬

‫امللحــة لدعمهــا علــى مســتوى‬


‫َّ‬ ‫وأداء‪ ،‬واحلاجــة‬
‫ً‬ ‫ـرا‬
‫التنبيــه بضــرورة األخــذ بهــذه الدراســة فكـ ً‬
‫احلكومــات العربيــة‪ ،‬كونهــا تســاعد علــى التخفيــف مــن األزمــات عــن طريــق التنبــؤ بهــا قبــل‬

‫وقوعهــا والتهيــؤ ملواجهتهــا؛ األمــر الــذي يــؤدي إلــى الســبق واملبــادأة للتعامــل مــع املشــكالت‬

‫قبــل أن تصبــح كــوارث حقيقيــة‪.‬‬

‫‪ .6‬ضــرورة اعتمــاد البحــوث العلميــة العربيــة علــى مقاربــة منهجيــة فــي بنــاء مشــاهد‬

‫علميــا‪ ،‬أي تلــك املشــاهد احملتملــة أو املمكنــة‪ ،‬أو املرغــوب بهــا‪ ،‬والتــي سـ ُتفضي‬
‫ًّ‬ ‫املســتقبالت‬

‫حتمــا إلــى إحــداث قفــزة نوعيــة علميــة فــي واقــع البحــوث العربيــة‪ ،‬كونهــا ســتدخل فــي إطــار‬
‫ً‬
‫البحــوث اخلالقــة القــادرة علــى اإلتيــان بــكل مــا هــو جديــد‪ ،‬ذلــك أن االخنــراط في دراســات‬

‫املســتقبالت هــو الســبيل الوحيــد الــذي يفضــي بنــا إلــى شــراء الزمــن الختــزال الفجــوة العلميــة‬

‫بــن واقــع التــردي وطمــوح االرتقــاء‪ ،‬وهــو ذاتــه الــذي يســهم فــي تأمــن تطويــع املســتقبل مــن‬

‫ذاتيــا‪ ،‬بالعمــل علــى اســتجالبه عبــر صناعتــه‪.‬‬


‫قبلنــا ًّ‬
‫املراجع‬
‫(‪ )1‬الرمضانــي‪ ،‬مــازن‪« ،‬مســتقبل العــرب فــي عــام ‪ :2020‬ثالثــة مشــاهد»‪ ،‬مجلــة قضايــا سياســية‪( ،‬كليــة العلــوم‬
‫السياســية‪ ،‬جامعــة النهريــن‪ ،‬العــددان ‪ ،)2012 ،30-31‬ص ‪.19‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.20-21‬‬
‫(‪ )3‬العمــار‪ ،‬منعــم‪« ،‬فــي فلســفة التوجــه حنــو املســتقبل‪ :‬قــراءة فــي دروبــه»‪ ،‬افتتاحيــة مجلــة قضايــا سياســية‪،‬‬
‫(كليــة العلــوم السياســية‪ ،‬جامعــة النهريــن‪ ،‬العــددان ‪ ،)2011 ،23-24‬ص أ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الرمضاني‪« ،‬مستقبل العرب في عام ‪ ،»2020‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫(‪ )5‬عبــد احلــي‪ ،‬وليــد‪ ،‬الدراســات املســتقبلية فــي العالقــات الدوليــة‪( ،‬اجلزائــر‪ ،‬دار شــهاب للنشــر والتوزيــع‪،‬‬
‫‪ ،)1991‬ط ‪ ،1‬ص ‪.8‬‬
‫(‪ )6‬الرمضانــي‪ ،‬مــازن‪« ،‬الدراســات املســتقبلية فــي الوطــن العربــي»‪ ،‬مجلــة قضايــا سياســية‪( ،‬كليــة العلــوم‬
‫السياســية‪ ،‬جامعــة النهريــن‪ ،‬العــددان ‪ ،)2000 ،3-4‬ص ‪.10‬‬
‫(‪ )7‬عبــد احلــي‪ ،‬وليــد‪ ،‬مدخــل إلــى الدراســات املســتقبلية فــي العلــوم السياســية‪( ،‬املركــز العلمــي للدراســات‬
‫السياســية‪ ،‬عمــان‪ ،)2002 ،‬ص ‪.64‬‬
‫(‪ )8‬زريق‪ ،‬قسطنطني‪ ،‬حنن واملستقبل‪( ،‬دار العلم للماليني‪ ،‬بيروت‪ ،)1977 ،‬ص ‪.18‬‬
‫(‪ )9‬القيســي‪ ،‬محمــد وائــل‪ ،‬مكانــة العــراق فــي االســتراتيجية األميركيــة جتــاه اخلليــج‪ :‬دراســة مســتقبلية‪( ،‬مركــز‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪221‬‬

‫اجلزيــرة للدراســات‪ ،‬قطــر‪ ،)2013 ،‬ص ‪.184‬‬


‫(‪ )10‬الرمضاني‪« ،‬مستقبل العرب في عام ‪ ،»2020‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫(‪ )11‬نصــار‪ ،‬علــي‪« ،‬مســتقبل الوطــن العربــي‪ :‬جولــة فــي همــوم احلاضــر وتوقعــات املســتقبل»‪ ،‬مجلــة املســتقبل‬
‫العربــي‪( ،‬العــدد ‪ ،89‬مركــز دراســات الوحــدة العربيــة‪ ،‬بيــروت‪ ،)1986 ،‬ص ‪.32‬‬
‫(‪ )12‬جبــر‪ ،‬دينــا محمــد‪ ،‬البعــد املســتقبلي فــي التخطيــط االســتراتيجي اإلســرائيلي‪( ،‬أطروحــة دكتــوراه‪ ،‬كليــة‬
‫العلــوم السياســية فــي جامعــة النهريــن‪ ،)2006 ،‬ص ‪13‬‬
‫(‪ )13‬الرمضاني‪« ،‬الدراسات املستقبلية في الوطن العربي»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )14‬الرمضاني‪« ،‬مستقبل العرب في عام ‪ ،»2020‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫(‪ )15‬غريــب‪ ،‬مسيــر‪« ،‬ناقــوس اخلطــر يــدق‪ :‬أيــن حنــن مــن دراســات املســتقبل؟»‪ ،‬مجلــة العربــي‪( ،‬العــدد ‪،499‬‬
‫الكويــت‪ ،‬يونيو‪/‬حزيــران ‪ ،)2000‬ص ‪.164‬‬
‫(‪ )16‬حســيب‪ ،‬خيــر الديــن وآخــرون‪ ،‬مســتقبل األمــة العربيــة‪ :‬التحديــات واخليــارات‪( ،‬مركــز دراســات الوحــدة‬
‫العربيــة‪ ،‬بيــروت‪ ،)2002 ،‬ص ‪.462‬‬
‫(‪ )17‬بنــدي‪ ،‬جيــري‪ ،‬وآخــرون‪ ،‬مفاتيــح القــرن احلــادي والعشــرين‪ ،‬ترجمــة حمــادي الســاحل‪( ،‬املجمــع التونســي‬
‫للعلــوم واآلداب والفنــون‪ ،‬بيــت احلكمــة‪ ،‬تونــس‪ ،)2003 ،‬ص ‪.13‬‬
‫عربيــا»‪ ،‬ورقــة علميــة مقدمــة‬
‫ًّ‬ ‫(‪ )18‬منصــور‪ ،‬محمــد إبراهيــم‪« ،‬الدراســات املســتقبلية‪ :‬ماهيتهــا وأهميــة توطينهــا‬
‫إلــى ورشــة العمــل حــول الدراســات املســتقبلية ضمــن فعاليــات منتــدى اجلزيــرة الســابع‪( ،‬الدوحــة‪ ،‬قطــر‪16-18 ،‬‬
‫مــارس‪/‬آذار ‪.)2013‬‬
‫(‪ )19‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪.Heiko A. V. The Future of Logistics: Scenarios for 2025, (Germany, Springer, 2008), p. 1 )20‬‬
‫(‪.Ibid )21‬‬
‫(‪ )22‬بندي‪ ،‬وآخرون‪ ،‬مفاتيح القرن احلادي والعشرين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪(23) Polak, F. The Images of the Future, (Elsevier, Amsterdam; London and New York, 1973), p.‬‬
‫‪27.‬‬
‫‪(24) Jungk, R.; and Müllert, N. R., Futures Work Shops: How to Create Desirable Futures, (Institute‬‬
‫‪for Social Inventions, London, 1989), p. 15.‬‬
‫(‪ )25‬املنجــرة‪ ،‬مهــدي‪ ،‬محاضــرة بعنــوان «الدراســات املســتقبلية»‪ ،1993 ،‬يوتيــوب‪( ،‬تاريــخ الدخــول‪ 1 :‬مــارس‪/‬‬
‫آذار ‪:)2019‬‬
‫‪https://www.youtube.com/watch?v=ohsxB11uEcQ‬‬
‫(‪ )26‬زهــران‪ ،‬جمــال‪ ،‬املســتقبلية فــي علــم السياســة احلديــث‪ :‬اجتاهــات حديثــة فــي علــم السياســة‪( ،‬املجلــس‬
‫األعلــى للجامعــات‪ ،‬اللجنــة العلميــة للعلــوم السياســية واإلدارة العامــة‪ ،‬القاهــرة‪ ،)1999 ،‬ص ‪.110‬‬
‫‪| 222‬‬

‫(‪ )27‬منصور‪ ،‬الدراسات املستقبلية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫(‪ )28‬مــن أشــهر اجلمعيــات العلميــة فــي هــذا املجــال جمعيتــان‪ :‬األولــى وهــي ‪ ،World Future Society‬التــي‬
‫تصــدر مجلــة ‪ ،The Futurist‬ودوريــة ‪ ،Futures Research Quarterly‬ودليـ ً‬
‫ـا للمنظمــات والدوريــات فــي مجــال‬
‫ً‬
‫دليــا لألفــراد‬ ‫البحــوث املســتقبلية‪ ،Futures Research Directory Organizations and Periodical :‬وكذلــك‬
‫املشــتغلني بالدراســات املســتقبلية ‪.Futures Research Directory: Individuals‬‬
‫للمزيد‪ ،‬راجع موقع اجلمعية على اإلنترنت‪www.wfs.org :‬‬
‫أمــا اجلمعيــة الثانيــة فهــي‪ World Future Studies Federation :‬ولهــا نشــرة ربــع ســنوية بعنــوان‪Futures Bulletin :‬‬
‫وكذلــك كتــاب دوري بعنــوان‪ World Future Studies Federation Newsletter :‬وعنــوان موقعهــا علــى اإلنترنــت هــو‪:‬‬
‫‪/https://wfsf.org‬‬
‫(‪ )29‬عبــد احلــي‪ ،‬وليــد‪ ،‬مناهــج الدراســات املســتقبلية وتطبيقاتهــا فــي العالــم العربــي‪( ،‬مركــز اإلمــارات‬
‫للدراســات والبحــوث االســتراتيجية‪ ،‬اإلمــارات‪ ،)2008 ،‬ص ‪.5‬‬
‫(‪ )30‬توفلــر‪ ،‬ألفــن‪ ،‬خرائــط املســتقبل‪ ،‬ترجمــة أســعد صقــر‪( ،‬منشــورات احتــاد الكتــاب العــرب‪ ،‬دمشــق‪،)1987 ،‬‬
‫ص ‪.227‬‬
‫(‪.Heiko, The Future of Logistics, op. cit, p. 1 )31‬‬
‫(‪ )32‬عبد احلي‪ ،‬مدخل إلى الدراسات املستقبلية في العلوم السياسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫(‪ )33‬انظر‪ :‬عبد احلي‪ ،‬مناهج الدراسات املستقبلية وتطبيقاتها في العالم العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫(‪ )34‬الرمضاني‪« ،‬مستقبل العرب في عام ‪ ،»2020‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫(‪ )35‬العيســوي‪ ،‬إبراهيــم‪« ،‬الدراســات املســتقبلية ومشــروع مصــر ‪ ،»2020‬ورقــة قُ ِّدمــت إلــى منتــدى العالــم الثالث‬
‫اخلاص مبســتقبل مصــر‪( ،‬القاهــرة‪ ،)2000 ،‬ص ‪.12-14‬‬
‫(‪ )36‬القيسي‪ ،‬مكانة العراق في االستراتيجية األميركية جتاه اخلليج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫(‪ )37‬انظر‪ :‬عبد احلي‪ ،‬مناهج الدراسات املستقبلية وتطبيقاتها في العالم العربي‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫(‪ )38‬انظــر‪ :‬فليــه‪ ،‬فــاروق‪ ،‬الدراســات املســتقبلية‪ :‬منظــور تربــوي‪( ،‬دار املســيرة للنشــر والتوزيــع والطباعــة‪ ،‬عمــان‪،‬‬
‫‪ ،)2003‬ص ‪.59‬‬
‫(‪ )39‬كلمة املشهد هي الترجمة العربية لكلمة إجنليزية هي السيناريو (‪.)Scenario‬‬
‫(‪ )40‬الرمضاني‪« ،‬مستقبل العرب في عام ‪ ،»2020‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫(‪ )41‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )42‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )43‬انظــر‪ :‬الرمضانــي‪ ،‬مــازن‪« ،‬دراســات املســتقبالت‪ :‬رؤيــة فــي إشــكاليات املفهــوم ومقاربــات التوظيــف»‪،‬‬
‫مجلــة استشــراف‪( ،‬العــدد ‪ ،1‬املركــز العربــي لألبحــاث ودراســات السياســات‪ ،‬الدوحــة‪ ،)2016 ،‬ص ‪.84‬‬
‫(‪ )44‬انظر‪ :‬القيسي‪ ،‬مكانة العراق في االستراتيجية األميركية جتاه اخلليج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫نحو تبني ثقافة االنحياز إلى المستقبل ودراسات المستقبالت في الوطن العربي | ‪223‬‬

‫‪(45) Mack, Timothy, “The Subtle Art of Scenario Building”, Futures Research Quarterly, (Vol. 17.‬‬
‫‪No. 2, 2001), p. 98.‬‬
‫(‪ )46‬عبد احلي‪ ،‬مدخل إلى حتليـل الدراسـات املسـتقبلية فـي العلـوم السياسـية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.119-120‬‬
‫(‪ )47‬الرمضاني‪« ،‬مستقبل العرب في عام ‪ ،»2020‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.20-21‬‬
‫(‪ )48‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )49‬انظر‪ :‬غريب‪« ،‬ناقوس اخلطر يدق»‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.166‬‬
‫(‪ )50‬انظــر‪ :‬بشــور‪ ،‬معــن‪ ،‬وآخــرون‪ ،‬الواقــع العربــي وحتديــات قــرن جديــد‪( ،‬مؤسســة عبــد احلميــد شــومان‪،‬‬
‫عمــان‪ ،)1999 ،‬ص ‪.83‬‬
‫(‪ )51‬الرمضانــي‪ ،‬مــازن‪« ،‬العــرب والتفكيــر العلمــي فــي املســتقبل»‪ ،‬مجلــة حصــاد‪( ،‬العــدد ‪ ،89‬لنــدن‪ ،‬فبرايــر‪/‬‬
‫شباط ‪ ،)2019‬ص ‪.67‬‬
‫(‪ )52‬الرمضاني‪ ،‬الدراسات املستقبلية والوطن العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.12-19‬‬
‫(‪ )53‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.71‬‬
‫(‪ )54‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.140‬‬
‫(‪ )55‬الرمضاني‪ ،‬مستقبل العرب في عام ‪ ،2020‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫قراءة في كتاب‬
‫كيف تموت الديمقراطيات‬
‫عبد السالم رزاق*‬
‫الدميقراطيات (‪)How Democracies Die‬‬ ‫عنوان الكتاب‪ :‬كيف متوت‬

‫ا ُمل َؤ ِّلفان‪ :‬ستيفن ليفتسكي ودانييل زيبالت‬

‫مراجعة‪ :‬عبد السالم رزاق‬

‫دار النشر‪ :‬كراون (‪ /)Crown‬نيويورك‬

‫‪2018‬‬ ‫تاريخ النشر‪:‬‬

‫اللغة‪ :‬اإلجنليزية‬

‫‪312‬‬ ‫عدد الصفحات‪:‬‬

‫مفاتيح قرائية‬

‫ينتمــي كتــاب «كيــف متــوت الدميقراطيــات»‪ ،‬لعاملــي السياســة ســتيفن ليفتســكي ودانييــل‬

‫عمومــا ضمــن‬
‫ً‬ ‫زيبــات‪ ،‬إلــى عينــة الكتــب ذات املنــزع األكادميــي الواضــح‪ ،‬فهــو ينــدرج‬

‫مبحــث النظريــة السياســية‪ ،‬فــي حــن أن اختياراتــه اإلجرائيــة تقــوم علــى محاصــرة الفكــرة‬

‫الواحــدة وعــرض خصائصهــا ومميزاتهــا وحتليــل تفريعاتهــا وحــث القــارئ علــى االقتنــاع‬

‫مبخرجاتهــا اخلتاميــة‪.‬‬

‫د‪ .‬عبد السالم رزاق‪ ،‬باحث أكادميي وإعالمي بشبكة اجلزيرة‪.‬‬


‫*‬

‫‪225‬‬
‫‪| 226‬‬

‫وهــذا االختيــار يتضــح أكثــر إذا علمنــا أن ُم َؤ ِّلفــي الكتــاب همــا عاملــان متخصصــان فــي علــم‬
‫السياســة بجامعــة كامبريــدج‪ ،‬ظــا ُي َد ِّرســان علــى مــدى أكثــر مــن عقديــن مــن الزمــن حقـ ً‬
‫ـا‬

‫ومتخصصــا‪ ،‬هــو احلقــل املرتبــط بفهــم وحتليــل وتفســير اللحظــات األخيــرة‬


‫ً‬ ‫معرفيــا دقيقً ــا‬
‫ًّ‬
‫لســقوط التجــارب الدميقراطيــة فــي العالــم‪.‬‬
‫ولهــذا جــاء الكتــاب مــن خــال مقدمتــه والفصــول التســعة التــي تشـ ِّ‬
‫ـكل بنيتــه العامــة عبــارة‬

‫عــن مقاربــة وصفيــة تاريخيــة وحتليليــة للحظــات األخيرة لســقوط عــدد كبيــر مــن الدميقراطيات‬

‫فــي أوروبــا الغربيــة وأميــركا اجلنوبيــة وإفريقيــا وحتــى العالــم العربــي‪ ،‬ومقارنــة هــذه التجــارب‬

‫مــع الدميقراطيــة األميركيــة وحالــة املــوت الســريري الــذي يتهددهــا منــذ دخــول دونالــد ترامــب‬

‫املشــهد السياســي األميركــي‪ .‬فــي حــن أن القيمــة املعرفيــة املضافــة للكتــاب تتحــدد فــي‬

‫دراســته لقضايــا ذات راهنيــة مســتمرة ومتواصلــة‪ .‬أي أن األفــق الزمنــي للكتــاب يبــدأ مــن‬

‫العــام ‪ 2016‬ليفتــح بعدهــا آفاقً ــا معرفيــة حنــو املســتقبل بطــرح أســئلة عــن راهــن املمارســة‬

‫الدميقراطيــة بــن اإلرث األميركــي للدميقراطيــة األميركيــة القائــم علــى احتــرام ضوابــط اللعبــة‬

‫السياســة املتمثلــة فــي فصــل الســلطات‪ ،‬واحتــرام مبــدأ احلريــة الفرديــة وعالقتهــا باملســؤولية‬

‫اجلماعيــة‪ ،‬وبــن نــزوع «رجــل ليــس لــه تاريــخ سياســي وال ســابق جتربــة أو درايــة بالسياســة‬

‫ـدا عــن االلتزامــات الدســتورية‪ ،‬وكل مــا يفخــر بــه هــو أنــه‬
‫العامــة‪ ،‬ومعلوماتــه متواضعــة جـ ًّ‬
‫رجــل أعمــال ومضــارب عقــاري ثــري حتركــه نــزوات واضحــة لتقديــس الفــرد األميركــي الــذي‬

‫ميتلــك األمــوال الطائلــة ويتصــور أن بإمكانــه شــراء أي شــيء بهــذه األمــوال‪ ،‬وأنــه عبــر نفــوذه‬

‫املالــي الواســع متكــن مــن الوصــول إلــى قمــة الهــرم التنفيــذي فــي أميــركا وشــرع فــي قتــل‬

‫الدميقراطيــة عبــر االســتعانة بــأدوات دميقراطيــة»(‪.)1‬‬

‫مــن هــذا املنظــور التحليلــي يتضــح أن مجمــوع جتــارب الســقوط املســتمر واملتواصــل‬

‫للدميقراطيــات العامليــة التــي مت اســتدعاؤها عبــر فصــول الكتــاب ســواء فــي أصولهــا الليبراليــة‬
‫ِّ‬
‫تشــكل غايــة فــي حــد ذاتهــا‪ ،‬بقــدر مــا أن الهــدف منهــا هــو دق ناقــوس‬ ‫أو االشــتراكية ال‬

‫اخلطــر بشــأن االســتهداف املمنهــج الــذي يطــال الدميقراطيــة األميركيــة اليــوم والبحــث فــي‬
‫قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | ‪227‬‬

‫تأمــن مســتقبلها والعمــل علــى إنقاذهــا مــن «الــزوال» ومحاولــة إخراجهــا مــن حالــة املــوت‬

‫اإلكلينيكــي التــي تعيــش فيهــا منــذ عامــن مــن أجــل أال ينــال هــذا اإلرث الدميقراطــي‬

‫األميركــي نفــس مصيــر الدميقراطيــات التــي ماتــت‪.‬‬

‫ولهــذا فــإن الكتــاب مي ِّثــل دعــوة للتأمــل والتفكيــر فــي مســتقبل عالــم تتهــاوى فيــه التجــارب‬

‫الدميقراطيــة‪ ،‬وكيــف ســيكون شــكل العالــم إذا انتفــت آليــات احلــوار والتدبيــر العقالنــي‬

‫للخالفــات السياســية بــن األفــراد واجلماعــات واألحــزاب‪ .‬كل ذلــك مــن خــال القيــام بقراءة‬

‫تشــخيصية لعلــة الدميقراطيــة األميركيــة املتمثلــة فــي األداء السياســي للرئيــس اجلمهــوري‪،‬‬

‫دونالــد ترامــب‪ ،‬خــال الســنتني األوليــن مــن جتربــة حكمــه‪ ،‬خاصــة أنــه تولــى احلكــم بعــد‬
‫الرئيــس الســابق‪ ،‬بــاراك أوبامــا‪ ،‬الــذي شـ َّ‬
‫ـكلت ســنوات حكمــه الثمانيــة محطــة فارقــة علــى‬

‫مســتوى أســئلة التغييــر فــي الواليــة املتحــدة األميركيــة‪ ،‬وكونــه أول أميركــي مــن أصــول إفريقيــة‬

‫يتمكــن مــن قضــاء فترتــه الرئاســية فــي ظــروف خاصــة‪ ،‬جنــح خاللهــا فــي تدبيــر ملفــات‬

‫اقتصاديــة إشــكالية مــع احلفــاظ علــى انســجام أغلــب أطيــاف الطبقــة السياســية األميركيــة‬

‫وتصاحلهــا مــع السياســة‪ ،‬ودعــم الســمعة اجليــدة ألميــركا فــي العالــم‪.‬‬

‫وتتحــدد معالــم األطروحــة املركزيــة للكتــاب فــي اإلجابــة عــن الســؤال املتصــل بالوضــع املأزوم‬

‫مضربــا للتعايــش‬
‫ً‬ ‫للدميقراطيــة األميركيــة التــي ظلــت علــى مــدى قرنــن كاملــن مــن الزمــن‬

‫السياســي الفعــال بــن األحــزاب السياســية وصنــاع القــرار فــي البــاد‪ ،‬وكيــف أضحــت اليــوم‬

‫مهــددة باملــوت أو االغتيــال مــع الرئيــس األميركــي‪ ،‬دونالــد ترامــب‪ ،‬الــذي عمــل منــذ دخولــه‬

‫البيــت األبيــض علــى التدميــر املمنهــج لــإرث الدميقراطــي الــذي بنــاه مؤسســو الواليــات‬

‫املتحــدة األميركيــة‪ ،‬وأدخــل احليــاة السياســية فــي حلقــة مفرغــة مــن الصراعــات اجلانبيــة‬

‫واحلــروب الصغيــرة‪.‬‬

‫وتتضــح معالــم الوضــع املــأزوم للدميقراطيــة األميركيــة مــن خــال تأكيــد الدارســن علــى‬

‫أن فتــرة الرئيــس دونالــد ترامــب جــاءت مباشــرة بعــد فتــرة زمنيــة امتــدت ربــع قــرن مــن‬

‫األداء اجليــد للدميقراطيــة فــي العالــم‪ ،‬فالســياق الزمنــي املمتــد بــن ســقوط جــدار برلــن عــام‬
‫‪| 228‬‬

‫‪ 1990‬حتــى ‪ 2015‬مي ِّثــل مــن منظــور صاحبــي الكتــاب مرحلــة صعــود الدميقراطيــة فــي أميــركا‬

‫والعالــم‪ .‬وخاللــه كانــت السياســة اخلارجيــة األميركيــة داعمــة لــكل التجــارب الدميقراطيــة‬

‫حتــى بالنســبة لتلــك التجــارب التــي كان لهــا ســجل إمــا ضعيــف أو ســيء علــى مســتوى‬

‫املمارســة الدميقراطيــة وحقــوق اإلنســان ومنهــا الصــن وروســيا وبعــض دول الشــرق األوســط‪.‬‬

‫وباملقابــل فــإن «أميــركا منــذ العــام ‪ 2016‬ختلــت عــن سياســة دعــم الدميقراطيــات فــي العالــم‪،‬‬

‫دميقراطيــا ســواء فــي الداخــل أو اخلــارج‪ ،‬ومــع الرئيــس دونالــد ترامــب‬


‫ًّ‬ ‫منوذجــا‬
‫ً‬ ‫ولــم تعــد‬

‫للدميقراطيــة (‪.)Global Democratic Recession) (2‬‬ ‫أخــذت متضــي فــي اجتــاه تيــار التراجــع العاملــي‬

‫ومعلــوم أن أطروحــة «التراجــع العاملــي للدميقراطيــة» التــي تبناهــا الكتــاب واعتبــر انتخــاب‬

‫الرئيــس دونالــد ترامــب بدايــة حقيقيــة لهــا‪ ،‬تزامنــت مــع أزمــة الدميقراطيــة فــي أوروبــا خاصــة‬

‫فــي بريطانيــا وتصويتهــا ملزيــد مــن اخلصوصيــة األنغلوساكســونية بعــد عقــود طويلــة مــن‬

‫االندمــاج االقتصــادي والسياســي داخــل اإلقليــم األوروبــي‪ ،‬إلــى جانــب صعــود التيــارات‬

‫الشــعبوية وحصدهــا ملراكــز متقدمــة فــي كل مــن فرنســا وإيطاليــا وهنغاريــا‪ ،‬هــذا إلــى جانــب‬

‫اســتمرار معــدالت العنــف السياســي فــي الكثيــر مــن بقــاع العالــم خاصــة العالــم العربــي‪.‬‬

‫كيف تموت الديمقراطيات‬


‫إن احلديــث عــن مــوت الدميقراطيــات فــي الكتــاب هــو تعبيــر مجــازي الغايــة منــه تطبيــق آليــة‬

‫العــاج بالصدمــة‪ ،‬كمــا أن صيغــة العنــوان التــي جمعــت بــن التســاؤل واالســتفزاز حــول موت‬

‫معــا محاولــة ملداهمــة القناعــات السياســية لرجــل السياســة األميركــي‬


‫الدميقراطيــات‪ ،‬مي ِّثــان ً‬
‫وحثــه علــى معرفــة الوجــه اآلخــر ملــا يقــع داخــل احلــدود اجلغرافيــة لبــاده‪ .‬وهــو ً‬
‫أيضــا دعــوة‬

‫لقــارئ الكتــاب ملعــاودة التفكيــر في مســتقبل أميــركا والعالــم بــدون دميقراطيــة‪ .‬فالدميقراطيات‬

‫عمومــا ال متــوت ألنهــا قيــم إنســانية وسياســية‪ ،‬والقيــم ال ختضــع لضوابــط احلتميــة البيولوجيــة‪،‬‬
‫ً‬
‫قــد تتعــرض النتكاســات فــي هــذا البلــد أو حملــاوالت االغتيــال فــي بلــد آخــر‪ ،‬وقــد يحــدث أن‬

‫يتوقــف التاريــخ عنــد جتــارب غيــر دميقراطيــة‪ ،‬كمــا كان عليــه األمــر فــي التجربتــن األملانيــة أو‬

‫دومــا ختشــى الفــراغ‪ ،‬فــإن الدميقراطيــة‬


‫اإليطاليــة خــال احلربــن العامليتــان‪ ،‬لكــن وألن الطبيعــة ً‬
‫قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | ‪229‬‬

‫تعــود لتزدهــر مــن جديــد بعدمــا ميــوت أعــداء الدميقراطيــة‪ .‬ومييــز العاملــان بــن منطــن مــن‬

‫عمليــات قتــل أو اغتيــال التجــارب الدميقراطيــة فــي العالــم‪:‬‬

‫‪ -‬النمــط األول‪ :‬وهــذا الوجــه هــو األبــرز واملتــداول بــرأي الدارســن فــي التجــارب السياســية‬

‫العامليــة‪ ،‬وتــكاد طــرق تنفيــذه تكــون متشــابهة‪ ،‬إمــا عبــر انقالبــات عســكرية يقــوم بهــا أحــد‬

‫أفــراد ضبــاط اجليــش وبعدهــا يشــرع فــي ســن قوانــن فرديــة علــى شــاكلة إلغــاء أو تعليــق‬

‫الدســتور واعتمــاد أحــكام عرفيــة‪ ،‬إلــى حــن إعــداد دســتور علــى مقــاس العســكر الذيــن‬

‫ينزعــون البــزة العســكرية ويتحولــون إلــى حــكام مدنيــن‪ .‬وهــذا النمــط يجــد الكثيــر مــن‬

‫تفســيراته فــي ثالثينــات القــرن املاضــي‪ ،‬حيــث شــهدت دول أوروبــا الغربيــة موجــات متواصلــة‬

‫مــن االنقالبــات العســكرية أو بــروز أنظمــة حكــم شــمولي طالــت إســبانيا والبرتغــال وإيطاليــا‬

‫وأملانيــا‪ ،‬أو فــي الســبعينات حينمــا شــهدت بعــض دول أميــركا اجلنوبيــة‪ ،‬مثــل األرجنتــن‬

‫والبرازيــل واألوروغــواي وجمهوريــة الدومينــكان‪ ،‬انقالبــات عســكرية تكللــت بهيمنــة اجليــش‬

‫علــى احليــاة السياســية فــي الكثيــر مــن بلــدان هــذه القــارة‪ ،‬واألمــر نفســه ينســحب علــى بعــض‬

‫دول القــارة اإلفريقيــة مثــل غانــا ونيجيريــا‪ .‬فالقاســم املشــترك الــذي يوحــد هــذه الــدول هــو‬

‫أنهــا تنــدرج حتــت منــط قتــل الدميقراطيــة عــن طريــق االنقالبــات العســكرية‪ .‬وفــي هــذا النمــط‬

‫ـرا عنــد النمــوذج الشــيلي الــذي أخذ فــي رأيهمــا طابــع التمثيــل واالختزال‪،‬‬
‫توقــف العاملــان كثيـ ً‬
‫ففــي بلــد ال يتوفــر علــى الكثيــر مــن املــوارد االقتصاديــة وينجــح فــي الرهــان السياســي مــن‬

‫خــال فــوز حتالــف اليســار فــي االنتخابــات الرئاســية التــي شــهد العالــم علــى نزاهتهــا‪ ،‬قامــت‬

‫قــوات اجليــش فــي ‪ 11‬ســبتمبر‪/‬أيلول ‪ 1973‬بقيــادة اجلنــرال بنوشــيه باقتحــام القصــر الرئاســي‬

‫واالنقــاب علــى الرئيــس املنتخــب وطلبــت منــه االســتجابة ملطالــب االنقالبــن‪ ،‬لكنــه رفــض‬

‫األمــر وأصــر علــى إنهــاء واليتــه الرئاســية‪ .‬وعندمــا قــام بتســجيل رســالة صوتيــة لتبــث علــى‬

‫أمــواج اإلذاعــة الشــيلية طالــب فيهــا الشــعب باالنتفاضــة ضــد اجليــش‪ ،‬فإن الرســالة لــم تصل‪،‬‬

‫وقامــت قــوات جيــش االنقــاب بتصفيــة ســالفادور ألينــدي‪ .‬واملعادلــة التــي ختتــزل هــذا النمط‬

‫بحســب الكتــاب هــي «حينمــا يعلــو صــوت البندقيــة متــوت الدميقراطيــة»‪.‬‬


‫‪| 230‬‬

‫‪ -‬النمــط الثانــي‪ :‬وهــو الــذي ال تســتخدم فيــه األســلحة الفتاكــة وال متــوت فيــه الدميقراطية على‬

‫أيــدي العســكر‪ ،‬وإمنــا يتــم قتــل الدميقراطيــة علــى أيــدي رجــاالت السياســية املنتخبني أنفســهم‪.‬‬

‫ففــي الســابق كان اخلطــر الــذي يتهــدد الدميقراطيــة يأتــي فــي شــكل انقالبــات عســكرية أو‬

‫عمــل مســلح‪ ،‬أمــا اليــوم فــإن األمــور أخــذت منحــى آخــر يقــوم علــى ضــرب املؤسســات‬

‫الدســتورية التــي تضمــن دميومــة الشــرط الدميقراطــي‪ .‬واملثــال الــذي يســتدل بــه العاملــان فــي‬

‫هــذا البــاب هــو الرئيــس الفنزويلــي هوغــو تشــافيز الــذي حتــول مــن رئيــس منتخــب إلــى حاكــم‬

‫أوتوقراطــي‪.‬‬

‫إصالحيــا‬
‫ًّ‬ ‫ـدا‬
‫ففــي عــام ‪ 1998‬دخــل هوغــو تشــافيز املشــهد السياســي فــي فينزويــا باعتبــاره قائـ ً‬
‫ضــد النخبــة السياســة واالقتصاديــة الفاســدة فــي البــاد؛ حيــث اعتمــد فــي بدايــة حياتــه‬

‫خطابــا يقــوم علــى تقــدمي وعــود بتغييــر حيــاة املواطــن الفنزويلــي‪ ،‬والتركيــز علــى‬
‫ً‬ ‫السياســية‬

‫مظاهــر الفقــر فــي فنزويــا التــي تتميــز بوجــود ثــروات نفطيــة هائلــة حتــت األرض‪ ...‬وبعدهــا‬

‫شــرع فــي «تنفيــذ ثــورة داخليــة» مــن خــال اعتمــاد دســتور مت التصويــت عليــه بصــورة‬

‫دميقراطيــة ‪ ،1999‬ولكنــه مــا إن متكــن مــن الهيمنــة علــى الســاحة السياســية فــي البــاد‪ ،‬وجنــا‬

‫مــن انقــاب عســكري فاشــل‪ ،‬حتــى شــرع فــي عــام ‪ 2003‬فــي تنفيــذ مشــروعه اخلــاص باعتماد‬

‫حكــم أوتوقراطــي قــام خاللــه باعتقــال أو نفــي جميــع املعارضــن السياســيني‪ ،‬وأغلــق وســائل‬

‫اإلعــام املعارضــة‪ ،‬وظــل يحكــم البــاد وفــق مقــوالت النظــام الفــردي ألكثــر مــن عقــد‬

‫كامــل‪ ،‬وفتــح عليــه الكثيــر مــن اجلبهــات فــي الداخــل واخلــارج‪ .‬وبعــد وفــاة تشــافيز فــي‬

‫العــام ‪ 2012‬اســتمرت التشــافيزية فــي فزويــا علــى يــد تلميــذ تشــافيز‪ ،‬نيكــوالس مــادورو‪.‬‬

‫واملعادلــة التــي ختتــزل هــذا النمــط هــي «عندمــا تقتــل الدميقراطيــة بقفــازات حريريــة»‪.‬‬

‫وبــن قتــل الدميقراطيــة عــن طريــق الســاح أو اغتيالهــا عبــر الهيمنــة علــى احليــاة السياســية‬

‫وتطويــع القوانــن خلدمــة النــوازع الفرديــة‪ ،‬يجــد قــارئ الكتــاب أن هنــاك محــاوالت حثيثــة‬

‫لوضــع دونالــد ترامــب فــي نفــس اخلانــة التــي يوجــد فيها هوغــو تشــافيز مع قليــل مــن التجاوز؛‬

‫فالرئيــس الــذي متكــن خــال ســنتني فقــط مــن توليــه احلكــم أن يتهــم الصحافــة األميركيــة‬
‫قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | ‪231‬‬

‫حروبــا جانبيــة علــى املؤسســات األميركيــة العريقــة‪،‬‬


‫ً‬ ‫املعارضــة بأنهــا عــدو الشــعب‪ ،‬ويفتــح‬

‫خاصــة الكونغــرس ووزارة العــدل ومكتــب التحقيقــات الفيدراليــة ومكتــب االســتخبارات‬

‫اخلارجيــة‪ ،‬ثــم يســتغل وســائل التواصــل االجتماعــي لتصفيــة خالفاتــه السياســية الصغيــرة مــع‬

‫ـرا مــن شــؤون الدولــة‬


‫ـدا لغــة الشــارع‪ ،‬ويتخــذ قــرارات ســيادية تهــم شــأنًا كبيـ ً‬
‫خصومــه معتمـ ً‬
‫بصــورة انفراديــة ويفاجــئ بهــا اجلميــع عبــر تغريداتــه‪ ،‬وال يتوانــى فــي نشــر خطــاب يحــرض‬

‫خطــرا‬
‫ً‬ ‫علــى الكراهيــة والترويــح لهيمنــة العــرق األميركــي األبيــض‪ ،‬ال ميكنــه إال أن يكــون‬

‫يتهــدد الدميقراطيــة األميركيــة وقــد يصيبهــا فــي مقتــل‪ .‬ولعــل هــذه التوصيفــات التــي قدمــت‬

‫فــي حــق ترامــب فــي الكتــاب هــي التــي قــادت املؤلفــن إلــى بنــاء معادلــة ختتــزل أداء ترامــب‬

‫فــي احليــاة السياســية خــال عامــن واملتمثلــة فــي أنــه «يقتــل الدميقراطيــة بصــورة أقــل دراميــة‪،‬‬

‫لكــن نتائــج عملــه تكــون مدمــرة» (ص ‪.)182‬‬

‫ترامب وسياسة تجريف الديمقراطية‬


‫ـرا علــى‬
‫وإجابــة عــن الســؤال األساســي فــي الكتــاب واملتعلــق بكيــف أن ترامــب مي ِّثــل خطـ ً‬
‫الدميقراطيــة األميركيــة يذهــب ا ُمل َؤ ِّلفــان إلــى «أن ترامــب رجــل خطيــر وكل مــا ميلــك مــن‬

‫رصيــد هــو أنــه رجــل أعمــال ثــري لــه الكثيــر مــن العقــارات حــول العالــم ولــه حضــور كاســح‬

‫فــي وســائل اإلعــام (خاصــة تلفزيــون الواقــع) وأنــه يريــد أن يديــر البــاد كمــا يديــر شــركاته‬

‫العقاريــة‪ ،‬وكل مــن خالفــه فــي الــرأي ســيكون مصيــره إمــا اإلقالــة أو التشــهير بــه فــي وســائل‬

‫اإلعــام» (ص ‪ .)176-177‬ورغــم أنــه ليــس هنــاك زعيــم سياســي يقــول بصــورة علنيــة بأنــه ال‬

‫يحتــرم الدميقراطيــة أو يخطــط لتخريبهــا‪ ،‬وأن جميــع ديكتاتوريــي العالــم يؤكــدون فــي بدايــة‬

‫وصولهــم إلــى الســلطة احترامهــم للدميقراطيــة والدســتور؛ فإنهــم مــا إن يصلــوا إلــى التحكــم‬

‫فــي دواليــب النظــام حتــى يتنصلــوا مــن التزاماتهــم‪.‬‬

‫إن وصــول ترامــب إلــى ســدة احلكــم فــي نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪ 2016‬يعنــي مــن منظــور‬

‫ا ُمل َؤ ِّلفــن أن الواليــات املتحــدة األميركيــة فشــلت فــي الرهــان الدميقراطــي‪ ،‬و»أن الســماح‬

‫لرجــل «دغمائــي» بالوصــول إلــى ســدة احلكــم فــي واحــدة مــن أكبــر التجــارب الدميقراطيــة‬
‫‪| 232‬‬

‫فــي العالــم‪ ،‬ومتكــن شــخص ال عالقــة لــه باملمارســة السياســية واخلدمــة العامــة بــأن يديــر‬

‫اجلهــاز التنفيــذي األميركــي‪ ...‬يعنــي جتريــف النظــام السياســي األميركــي» (ص ‪ )77‬الــذي بنــاه‬

‫املؤسســون األوائــل للدميقراطيــة األميركيــة‪.‬‬

‫إن الصــورة النمطيــة التــي يقدمهــا الكتــاب للرئيــس األميركــي‪ ،‬دونالــد ترامــب‪ ،‬تتأرجــح‬

‫بــن منــوذج الشــخصية الدمياغوجيــة املتطرفــة‪ ،‬أو الشــخصية املاكارثيــة (نســبة إلــى الســيناتور‬

‫األميركــي اجلمهــوري‪ ،‬جوزيــف مــا كارثــي‪ ،‬عــن واليــة وسكنســن الــذي عــاش خــال‬

‫احلــرب البــاردة وكان ينتقــم مــن خصومــه السياســيني ويــزج بهــم فــي الســجون مــن خــال‬

‫التشــهير بهــم وختويــف الــرأي العــام األميركــي منهــم باعتبارهــم جواســيس يعملــون حلســاب‬
‫َّ‬
‫املركبــة حتــاول إقنــاع قــارئ الكتــاب بــأن الواليــات‬ ‫العــدو الشــيوعي)‪ .‬وهــذه الصــورة النمطيــة‬

‫املتحــدة األميركيــة فــي عهــد الرئيــس ترامــب تســير باجتــاه النظــام الشــمولي‪ ،‬فــي حــن أن‬

‫انتخابــه مي ِّثــل اخلطــوة األولــى فــي ترســيخ هــذا النظــام‪ ،‬ويشــكل ضرب ـ ًة ملســيرة الدميقراطيــة‬

‫األميركيــة التــي امتــدت ألكثــر مــن قرنــن‪ ،‬ومتكنــت مــن جتــاوز مراحــل احلــرب األهليــة‬

‫وســنوات الكســاد واحلــرب البــاردة وفضيحــة ووترغيــت‪ ،‬وأن «املعادلــة اجلديــدة اليــوم فــي‬

‫أميــركا هــي أن الرئيــس ترامــب والذيــن يقفــون وراءه يقوضــون ويقتلــون الدميقراطيــة باســم‬

‫الدميقراطيــة وعبــر أدوات دميقراطيــة معتمــدة»‪ .‬وهــذا مــا دفــع بهمــا إلــى التأكيــد أن الوضــع‬

‫ـرا للدميقراطيــة أصبحــت اليــوم‬


‫اجلديــد يقــود إلــى املعادلــة التاليــة‪« :‬أميــركا التــي كانــت مختبـ ً‬
‫مختبــرا للحكــم الشــمولي»‪ .‬وبالتالــي فــإن جنــاح ترامــب قــاد اجلميــع‪ ،‬مبــن فيهــم مؤلفــا‬
‫ً‬
‫الكتــاب‪ ،‬إلــى أن الدميقراطيــة األميركيــة التــي كانــت متثــل إحــدى التجــارب املتقدمــة فــي‬

‫هــذا املجــال تعيــش اليــوم أزمــة وجــود وأنهــا مهــددة باملــوت‪.‬‬

‫ومــن خــال مســارات القــراءة يتضــح أن جميــع العاملــن فــي احليــاة السياســية األميركيــة‬

‫ـرادا أم مؤسســات‪،‬‬
‫أحزابــا أم أفـ ً‬
‫ً‬ ‫مســؤولون عــن وضــع الدميقراطيــة فــي البــاد‪ ،‬ســواء كانــوا‬

‫والســبب الرئيــس يعــود ملــا أمســاه العاملــان فشــل «نظــام املراقبــة والتــوازن» (‪System of checks and‬‬

‫ـدا فــي املمارســة السياســية األميركيــة دون أن يكــون متضم ًنــا فــي‬
‫‪ )balances‬الــذي ظــل معتمـ ً‬
‫قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | ‪233‬‬

‫الدســتور‪ .‬ويعتمــد هــذا النظــام علــى مجموعــة مــن األعــراف السياســية التــي تقــوم علــى املرونة‬

‫السياســية بــن احلزبــن الكبيريــن فــي البــاد‪ ،‬مبــا يســاعد الفرقــاء السياســيني األميركيــن علــى‬

‫حمايــة النظــام مــن االنــزالق حنــو أشــكال غيــر دميقراطيــة و»إال وجــب اللجــوء إلــى حــارس‬

‫البوابــة بــدل االنفتــاح الشــامل»‪.‬‬

‫إن حالــة اإلجمــاع املســجلة وســط األميركيــن بــرأي العاملــن تتحــدد فــي أن الطريقــة التــي‬

‫وصــل بهــا ترامــب إلــى ســدة احلكــم تؤكــد أن الدميقراطيــة األميركيــة اليــوم فــي خطــر‪.‬‬

‫والدليــل علــى ذلــك أن معاييــر الدميقراطيــة احلقيقيــة أضحــت مفقــودة مــع النــزوع الواضــح‬

‫للرئيــس ترامــب إلــى اعتمــاد نظــام حكــم يتماهــى مــع النظــام الشــمولي‪ .‬فمــن مظاهــر اغتيــال‬

‫الدميقراطيــة فــي العهــد الترامبــي‪ ،‬حســب ا ُمل َؤ ِّلفــن‪ ،‬أن الرئيــس أبــان عــن عــداء علنــي وصريــح‬

‫لــكل مــا هــو مؤسســاتي؛ فقــد طلــب مباشــرة بعــد تعيينــه بــأن تكــون جميــع املكاتــب األمنيــة‬

‫االســتخباراتية تابعــة لــه بصــورة شــخصية ومباشــرة‪ ،‬فــي محاولــة لتأمــن مســتقبله السياســي‬

‫ضــد أي محاولــة حتقيــق ترتبــط بنتائــج االنتخابــات والتآمــر مــع جهــات دوليــة‪ .‬كمــا أن دعوتــه‬

‫لإلغــاق احلكومــي‪ ،‬والتلويــح باســتعمال الفيتــو الــذي مينحــه لــه الدســتور للحســم فــي القضايا‬

‫ـتوريا‪ ،‬ألنــه ال ميكــن رهــن مؤسســات البــاد‬


‫اخلالفيــة الكبــرى؛ يعتبــر عمليــة غيــر مبــررة دسـ ًّ‬
‫الكبــرى بخــاف بــن الرئيــس وأعضــاء الكونغــرس حــول متويــل مشــروع صغيــر متعلــق ببنــاء‬

‫جــدار علــى احلــدود مــع املكســيك‪.‬‬

‫ويبــدو أن توجيــه الئحــة اتهــام ضــد روســيا وأجهزتهــا االســتخباراتية بالتدخــل فــي قوائــم‬
‫الناخبــن األميركيــن والتأثيــر علــى عمليــات التصويــت لصــاحل ترامــب‪ ،‬شـ َّ‬
‫ـكل نقطــة فارقــة‬

‫فــي مســار الرئيــس األميركــي ودفــع بــه ِل َت َو ُّجــه غريــزي أكثــر حنــو النظــام الشــمولي الــذي يقــوم‬

‫علــى اعتمــاد الــوالء لشــخص الرئيــس كشــرط أولــي قبــل الكفــاءة‪ ...‬وهــذا مــا يفســر مسلســل‬

‫اإلقــاالت واالســتقاالت املتواصلــة فــي الدوائــر املقربــة مــن الرئيــس‪ .‬لذلــك أبــان دونالــد‬

‫ترامــب خــال ســنتني عــن عــداء خــاص لكافــة أشــكال احلديــث عــن تواطــؤ بــن حملتــه‬

‫االنتخابيــة وتدخــل الــروس فــي توجيــه نتائــج االنتخابــات‪ ،‬بــذات القــوة التــي عمــل بهــا علــى‬
‫‪| 234‬‬

‫عرقلــة العدالــة وإقالــة مديــر وكالــة االســتخبارات األميركيــة الســابق‪ ،‬جيمــس كومــي‪ ،‬ألنــه‬

‫دعــا للتحقيــق الرمســي فــي التدخــل الروســي فــي ســير االنتخابــات األميركيــة‪.‬‬

‫ولكــن وبصــرف النظــر عــن جميــع الدفوعــات التــي يقدمهــا ا ُمل َؤ ِّلفــان بشــأن مســؤولية دونالــد‬

‫ترامــب عــن جتريــف الدميقراطيــة األميركيــة‪ ،‬فاملؤكــد أن الرئيــس ترامــب ميثِّــل صناعــة‬

‫أميركيــة خالصــة‪ ،‬وهــو نتــاج ثقافــة ليســت وليــدة اليــوم‪ ،‬لكنهــا وجــدت مــع الرئيــس ترامــب‬

‫صيغتهــا النهائيــة‪ .‬واألهــم مــن ذلــك أن هنــاك الكثيــر مــن األميركيــن يــرون فيــه منــوذج‬

‫الرئيــس الناجــح‪ .‬ورمبــا يكــون الســؤال الــذي لــم يطرحــه ا ُمل َؤ ِّلفــان هــو ملــاذا صـ َّ‬
‫ـوت الناخــب‬

‫حتديــدا؟ وهنــا‬
‫ً‬ ‫األميركــي علــى دونالــد ترامــب ضــد الدميقراطيــن وضــد هيــاري كلينتــون‬

‫جنــد أن مــا ســكت عنــه الكتــاب أو أســقطه هــو أن غالبيــة الكتلــة األميركيــة الناخبــة ال متتلــك‬

‫أفقً ــا سياسـ ًّـيا‪ ،‬وأن الناخــب األميركــي ُّ‬


‫همــه األســاس هــو خبــزه اليومــي املرتبــط بالضرائــب‬

‫والزيــادة فــي األســعار وتقلبــات الســوق وجتــاوز حــاالت األزمــة املاليــة والعقاريــة التــي عرفتهــا‬

‫الواليــات املتحــدة األميركيــة فــي عهــد أوبامــا‪ .‬وبالتالــي فــإن العنصــر املغيــب فــي الكتــاب‬

‫هــو أن املواطــن األميركــي لــم يعــد يكتــرث للمؤسســات‪ ،‬ويريــد اخلــروج مــن القيــود السياســية‬

‫واملؤسســات التــي اعتمدهــا ويعتمدهــا الدميقراطيــون‪.‬‬

‫اإلرث الجمهوري ومستقبل أمريكا‬


‫ال يجــد ا ُمل َؤ ِّلفــان أي غضاضــة فــي حتميــل الطبقــة السياســية األميركيــة نتائــج مــا يقــع مــن‬
‫اختــال فــي بنيــة ووظيفــة احليــاة السياســية األميركيــة‪ ،‬وأن احلــزب اجلمهــوري يتحمــل قسـ ً‬
‫ـطا‬

‫ـرا مــن حــاالت التراجــع املســجلة فــي الداخــل األميركــي واخلــارج‪ ،‬وأن هــذا األمــر ليــس‬
‫كبيـ ً‬
‫بالشــيء اجلديــد علــى احلــزب اجلمهــوري الــذي قــام خــال مثانينــات وتســعينات القــرن‬

‫املاضــي بتســديد ضربــات متتاليــة للحيــاة الدميقراطيــة األميركيــة؛ إذ كان همهــم األســاس‬

‫هــو الوصــول إلــى كرســي الرئاســة واالنتقــام مــن خصومهــم السياســيني أو إدخــال البــاد‬

‫فــي متاهــات سياســية فــي الداخــل أو حــروب خاســرة فــي اخلــارج‪ .‬فمــن اخلــواص املالزمــة‬

‫دومــا فــي حاجــة إلــى طبقــة وســطى وقطــاع‬


‫دومــا للدميقراطيــة أنهــا هشــة بطبعهــا وتظــل ً‬
‫ً‬
‫قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | ‪235‬‬

‫خــاص نشــيط ميتلــك روح املغامــرة االقتصاديــة املرتبطــة بقيــم احلريــة واملســاواة‪ .‬وبالتالــي‬

‫فــإن أزمــة احليــاة السياســية األميركيــة بــرأي ا ُمل َؤ ِّلفــن تتحــدد فــي غيــاب «طبقــة وســطى قــادرة‬

‫علــى طــرح البديــل السياســي للثقافــة السياســية الســائدة والقائمــة علــى النــزوع حنــو مزيــد‬

‫مــن الفردانيــة السياســية والتســلح باألمــوال لتغييــر وجــه السياســية‪ ،‬والتعامــل مــع اخلصــوم‬

‫السياســيني باعتبارهــم أعــداء‪ ،‬وبنــاء مؤسســات إعالميــة ضخمــة بغــرض الدفــاع عــن املصــاحل‬

‫الضيقــة لتحالــف األقليــة» (ص ‪ .)207‬فــكل هــذه األعمــال متثِّــل بــرأي ُم َؤ ِّلفــي الكتــاب‬

‫ضربــات موجعــة للدميقراطيــة وتقويــض مؤسســاتها‪.‬‬

‫وهنــا يتســاءل ُم َؤ ِّلفــا الكتــاب كيــف مســح احلــزب اجلمهــوري لترامــب بالترشــح بامســه‪ ،‬وكيف‬

‫مت اختيــاره علــى حســاب قيــادات سياســية لهــا حضــور سياســي فــي احليــاة األميركيــة العامــة‪.‬‬

‫وملــاذا قَ بِ ــل احلــزب بتســمية دونالــد ترامــب خلــوض الســباق النهائــي ضــد هيــاري كلينتــون‪،‬‬

‫طبعــا هــو أن القاعــدة االنتخابيــة‬


‫وملــاذا دونالــد ترامــب يكــره احلــزب الدميقراطــي؟ واجلــواب ً‬
‫املؤسســات (‪The‬‬ ‫األميركيــة وبعــد ســنوات حكــم بــاراك أوبامــا أرادت اخلــروج مــن عبــاءة‬

‫‪ )establishment‬التــي تعنــي هنــا اخلــروج علــى هيمنــة مجموعــة أشــخاص أو خنبــة سياســية لهــا‬

‫توجهاتهــا الفكريــة واألكادمييــة التــي تعمــل علــى التحكــم فــي صناعــة القــرار والصــراع علــى‬

‫الســلطة وبالتالــي فــإن انتخــاب ترامــب قــد يكــون ردة فعــل علــى أيديولوجيــة النخبــة السياســية‬

‫املثقفــة املتشــبعة باحتــرام وحمايــة املؤسســات والتــي قــد يكــون الرئيــس الســابق بــاراك أوبامــا‬
‫أحــد رموزهــا‪ .‬وهــو ً‬
‫أيضــا تعبيــر عــن إرادة تغييــر ضــد شــعار التغييــر الــذي اعتمــده أوبامــا‬

‫ـعارا سياسـ ًّـيا‬


‫فــي حملتــه االنتخابيــة األولــى والثانيــة‪ ،‬وهــذا مــا جعــل ترامــب نفســه يعتمــد شـ ً‬
‫ـن أن خطــورة الرئيــس‬ ‫ً‬
‫مناقضــا لســابقه وهــو «أن جنعــل أميــركا عظيمــة» وبالتالــي يتبـ َّ‬ ‫جمهوريــا‬
‫ًّ‬
‫ترامــب علــى مســتقبل الدميقراطيــة ال يعفــي مــن القــول بــأن الرئيــس دونالــد ترامــب يقــدم‬

‫املنظــور اآلخــر والوجــه املغايــر لصــراع اإلرادات السياســية فــي الواليــات املتحــدة األميركيــة‪.‬‬

‫فتأكيــد الرئيــس الســابق بــاراك أوبامــا‪ ،‬وهــو القــادم مــن عالــم القانــون واحلقــوق‪ ،‬علــى التغيير‬

‫فــي السياســة واألشــخاص والوســائل واألهــداف‪ ،‬ال يعنــي الشــيء الكثيــر بالنســبة لترامــب‬
‫‪| 236‬‬

‫القــادم مــن عالــم املــال واألعمــال والــذي ال يهمــه ســوى عظمــة أميــركا وجعلهــا مســتقرة‬

‫اقتصاديــا‪..‬‬

‫وصفة إلنقاذ الديمقراطية األمريكية‬


‫إن اإلقــرار بوجــود أزمــة دميقراطيــة فــي أميــركا اليــوم ال يعنــي موتهــا علــى النحــو الــذي وقــع‬

‫فــي دول أخــرى‪ ،‬لكــن غايــة ا ُمل َؤ ِّلفــن هــي محاولــة إحــداث صدمــة لــدى القــارئ األميركــي‬

‫عمومــا جتــاه وضــع سياســي غيــر مســبوق أدخــل الواليــات املتحــدة األميركيــة‬
‫ً‬ ‫وقــراء الكتــاب‬

‫فــي متاهــة السياســة مبعناهــا الضيــق القائــم علــى التعطــش الفــردي للســلطة والســعي للوصــول‬

‫إلــى كرســي الرئاســة بــكل الطــرق والوســائل‪ ،‬ثــم العمــل علــى قتــل احليــاة السياســية األميركيــة‬

‫جتســد فــي‬
‫عبــر جتريــف مجمــوع القيــم الدميقراطيــة التــي توحــد جميــع األميركيــن‪ ،‬وهــو مــا َّ‬
‫مواقــف وســلوكيات الرئيــس ترامــب وتســبب فــي تراجع القيــم الدميقراطيــة للمؤسســة األميركية‬

‫حتــت وطــأة التجــاذب السياســي واالســتقطاب احلزبــي بــن اجلمهوريــن والدميقراطيــن‪.‬‬

‫وحلمايــة الدميقراطيــة األميركيــة مــن حالــة االحتــراب بــن احلزبــن اجلمهــوري والدميقراطــي‬

‫الــذي مييزهــا فــي العهــد الترامبــي والــذي يعيــد ألذهــان األميركيــن احلــرب األهليــة بــن‬

‫الشــمال واجلنــوب‪ ،‬يذهــب ُم َؤ ِّلفــا الكتــاب إلــى أن أميــركا اليــوم أمــام ثــاث ســيناريوهات‬

‫كبــرى هــي‪:‬‬

‫‪ -‬الســناريو األول‪ :‬وهــو الــذي يقــوم علــى العــودة الســريعة للدميقراطيــة األميركيــة فــي الداخــل‬

‫واخلــارج‪ .‬وهــذا الســيناريو حســب الدارســن يســتند إلــى مجموعــة مــن الشــروط واملســوغات‬

‫السياســية الضروريــة أهمهــا الفشــل السياســي للرئيــس ترامــب‪ ،‬كأن يفقــد شــعبيته أو أال تتــم‬

‫إعــادة انتخابــه أو أن يتــم إســقاطه وفــق ســيناريو إســقاط الرئيــس األســبق ريتشــارد نيكســون‪.‬‬

‫وبعدهــا تبــدأ عمليــة إعــادة إصــاح املؤسســات السياســية األميركيــة ومنحهــا حيويــة أكبــر حتى‬

‫ستســتعيد أميــركا مسعتهــا كراعيــة للســلم والســام والدميقراطيــة فــي العالــم‪ .‬وإذا مــا حتقــق هــذا‬

‫األمــر فــإن أميــركا ســتتمكن مــن تفــادي الكارثــة وســيتم إنقــاذ الدميقراطيــة األميركيــة‪ .‬وحينهــا‬

‫ســيكون علــى احلــزب اجلمهــوري أن يــؤدي فاتــورة حتالفــه مــع ترامــب أو خضوعــه لــه‪ .‬وبعدهــا‬
‫قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | ‪237‬‬

‫ســتكون محطــة حكــم الرئيــس دونالــد ترامــب عبــارة عــن «خطــأ تاريخــي تراجيــدي ودرس‬

‫صعــب لألميركيــن»‬

‫‪ -‬الســيناريو الثانــي أو كمــا يســميه ُم َؤ ِّلفــا الكتــاب «الســيناريو األســود»‪ :‬وهــو غيــر متوقــع ولكنــه‬

‫ممكــن‪ ،‬وســيتمكن ترامــب فــي ســياقه مــن االســتمرار والفــوز بواليــة رئاســية ثانيــة مدتهــا أربــع‬

‫ســنوات إضافيــة‪ ،‬ســيعمل خاللهــا ترامــب ومعــه اجلمهوريــون علــى الهيمنــة علــى مجلســي‬

‫الشــيوخ والنــواب واحملكمــة األميركيــة العليــا‪ .‬ويعنــي جناحهــم فــي ذلــك أنهــم ســيتمكنون‬

‫مــن فــرض أجندتهــم احلزبيــة والسياســية فــي الداخــل األميركــي واخلــارج‪ .‬وتقــوم هــذه‬

‫األجنــدة علــى مجموعــة مــن امللفــات السياســية اإلشــكالية مثــل ملــف الهجــرة غيــر النظاميــة‬

‫فــي اجلنــوب األميركــي وملــف الرعايــة الصحيــة‪ ،‬هــذا إلــى جانــب عالقــات جــد متوتــرة‬

‫بــن أميــركا والعالــم اخلارجــي خاصــة االحتــاد األوروبــي وحلــف «الناتــو» والعالقــات مــع دول‬

‫اجلــوار األميركــي التــي أبــان فيهــا ترامــب عــن أفــق ضيــق فــي قــراءة األحــداث اجليوسياســية‬

‫فــي العالــم‪.‬‬

‫ـدا مــن التجــاذب واالنقســام بــن‬


‫‪ -‬الســيناريو الثالــث‪ :‬وهــو الــذي ســتعرف خاللــه أميــركا مزيـ ً‬
‫وحربــا أخــرى بــن املؤسســات‪ ،‬وهــو مــا يعنــي «حيــاة سياســية بــدون ضوابــط مهنيــة‬
‫ً‬ ‫احلزبــن‬

‫أو أخالقيــة»‪.‬‬

‫وبصــرف النظــر عــن اختيــار العاملــن للســيناريو األول‪ ،‬ألنــه ســيوفر الشــيء الكثيــر علــى أميــركا‬

‫واألميركيــن‪ ،‬فــإن ذلــك لــم مينعهمــا مــن التأكيــد علــى أن أي ســيناريو خــاص باملســتقبل‬

‫األميركــي يقتضــي توافــر جرعــات مهمــة مــن التســامح املتبــادل (‪ )Mutual Tolerance‬والصبــر‬

‫املؤسســاتي (‪ )Institutional Forbearance‬كشــرطني الزمــن لتفعيــل عمليــة الفصــل بــن الســلطات‪.‬‬

‫والســبب فــي ذلــك أن مؤسســي الدميقراطيــة األميركيــة فشــلوا فــي وضــع قوانــن مصاحبــة‬

‫ـرا للدســتور األميركــي الــذي‬ ‫لألحــزاب والعمــل احلزبــي‪ ،‬وهــذا األمــر يشـ ِّ‬
‫ـدا مباشـ ً‬
‫ـكل تهديـ ً‬
‫ـهد لــه بأنــه مــن الدســاتير األولــى التــي احتفــت بــ»مبــدأ احلريــة الفرديــة واملســاواة»‬
‫ظــل ُيشـ َ‬
‫فــي ديباجتــه العامــة‪ .‬لكــن هــذا املبــدأ يواجــه صعوبــات كبيــرة اليــوم فــي ظــل الدعــوات‬
‫‪| 238‬‬

‫اجلمهوريــة لهيمنــة العــرق األبيــض أو األقليــة البيضــاء علــى مناحــي احليــاة السياســة األميركيــة‬

‫علــى حســاب عرقيــات أخــرى‪ .‬وهــو مــا يزيــد مــن معــدالت االحتقــان االجتماعــي السياســي‪.‬‬

‫ـزءا مــن املســؤولية اجلماعيــة فــي تغييــر املشــهد‬


‫حمــل الدارســان احلــزب الدميقراطــي جـ ً‬
‫وهنــا ُي ِّ‬
‫السياســي األميركــي ومحاولــة إخراجــه مــن أزمــة التجــاذب احلزبــي وفتحــه علــى خيــارات‬

‫حزبيــة خــارج معادلــة الدميقراطيــن واجلمهوريــن مبــا يســمح بدعــم أحــزب اليســار واألحــزاب‬

‫اخلضــراء وفتــح البــاب أمامهــا أكثــر‪.‬‬

‫العرب وسؤال الديمقراطية‬


‫مــن الالفــت للنظــر أن العــرب أو الدميقراطيــة العربيــة لــم تــرد فــي الكتــاب إال فــي إشــارتني‬

‫عمومــا ضمــن الــدول ذات الســجل‬


‫ً‬ ‫ســريعتني أوالهمــا فــي أن دول العالــم العربــي تنــدرج‬

‫دومــا بحاجــة ملســاعدة أميركيــة فــي هــذا البــاب‪ ،‬واإلشــارة الثانيــة‬


‫دميقراطيــا‪ ،‬وأنهــا ً‬
‫ًّ‬ ‫املتواضــع‬

‫كانــت فــي مقدمــة الكتــاب عنــد احلديــث عــن النمــط الثانــي مــن عمليــات قتــل واســتهداف‬

‫الدميقراطيــات فــي العالــم‪ ،‬حيــث مت تنــاول مشــهد قتــل أو اغتيــال الدميقراطيــة فــي العالــم‬

‫م َّث َلــة فــي التجربــة املصريــة فــي عــام ‪ 2013‬عندمــا أقــدم وزيــر الدفــاع حينهــا اجلنــرال‬
‫العربــي ُ َ‬
‫عبــد الفتــاح السيســي علــى االنقــاب علــى رئيســه املدنــي محمــد مرســي الــذي فــاز فــي‬

‫انتخابــات رئاســية شــهد جميــع املراقبــن بأنهــا كانــت دميقراطيــة‪ .‬وبعدمــا أودعــه الســجن بتهــم‬

‫ـرر حينهــا خلــع البــزة العســكرية والترشــح لالنتخابــات‬


‫غيــر مبــررة وحكــم عليــه مــدة طويلــة قـ َّ‬
‫ـرر تعديــل الدســتور مبــا مينحــه فرصــة البقــاء‬
‫الرئاســية والفــوز فيهــا‪ ،‬وبعدمــا حتقــق لــه ذلــك قـ َّ‬
‫فــي كرســي احلكــم‪.‬‬

‫إن قــراءة الوضــع العربــي الرهــن علــى ضــوء أهــم األفــكار املتضمنــة فــي الكتــاب تقــود إلــى‬

‫تأكيــد أن البنيــة العامــة الغالبــة فــي نظــم احلكــم العربيــة تتميــز بغلبــة احلكــم الفــردي‪ .‬فســواء‬

‫تعلــق األمــر بأنظمــة ملكيــة أو جمهوريــة مدنيــة أو حتــى جمهوريــات عســكرية‪ ،‬فــإن شــخص‬

‫احلاكــم الفــرد والتوجــه الصريــح حنــو نظــام احلكــم الشــمولي مي ِّثــل الســمة الغالبــة واملهيمنــة‪،‬‬

‫وأن االســتثناء الوحيــد جــاء مــع الربيــع العربــي الــذي قــام علــى أســاس معادلــة «الشــعب يريــد‬
‫قراءة في كتاب كيف تموت الديمقراطيات | ‪239‬‬

‫إســقاط النظــام الفــردي»‪ ،‬وهــو مــا حتقــق فــي إســقاط ثالثــة رؤســاء دول عربيــة‪ .‬لكــن بالرغــم‬

‫مــن املكاســب املترتبــة علــى الســقوط املــادي والرمــزي لثالثــة رؤســاء دول ‪-‬جميعهــم جــاؤوا‬

‫إلــى احلكــم مــن خلفيــة عســكرية خالصــة‪ -‬فــإن دول العالــم العربــي دخلــت بعدهــا فــي‬

‫مرحلــة الثــورة املضــادة القائمــة علــى الصــراع احملمــوم بــن مطالــب الشــعوب وصمــود األنظمــة‬

‫الشــمولية‪ .‬وتؤكــد التجــارب واألحــداث السياســية املتواصلــة فــي هــذه البلــدان أن الصــراع بــن‬

‫مفتوحــا علــى مزيــد مــن التصعيــد إلــى أن‬


‫ً‬ ‫إرادات الشــعوب وهيمنــة األنظمــة الشــمولية ســيظل‬

‫تســتعيد اجلماهيــر زخمهــا الــذي أبانــت عنــه فــي عــام ‪ 2011‬وحتقــق املعادلــة العصيــة فــي كنــس‬

‫األنظمــة الشــمولية التــي تعــادي الدميقراطيــة‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫قــد تكــون الغايــة مــن هــذا الكتــاب‪ ،‬فــي نظــر ُم َؤ ِّل َف ْيــه‪ ،‬هــي أن الدميقراطيــة األميركيــة ليســت‬

‫ِ َب ْأ َمــن تــام مــن الســقوط في ردهــات ديكتاتوريــة األفــراد وهيمنة األنظمــة الشــمولية‪ ،‬وأن امتالك‬

‫مؤسســات سياســية ال يعنــي بالضــرورة حمايــة اإلرث الدميقراطــي للبــاد مــن الســقوط‪ .‬وهــذا‬

‫األمــر يجــد الكثيــر مــن مســوغاته فــي حــاالت التراجــع التــي تشــهدها التجــارب الدميقراطيــة فــي‬

‫أكثــر مــن دولــة فــي العالــم كمــا هــو األمــر فــي فنزويــا وتايالنــد وهنغاريــا‪ .‬ورمبــا تكــون أزمــة‬

‫ـدادا لهــذه الديناميــة اجلديــدة لتراجــع الدميقراطيــات‬


‫ـزءا أو امتـ ً‬
‫الدميقراطيــة فــي أميــركا اليــوم جـ ً‬
‫التــي تنتشــر فــي العالــم‪ .‬لكــن األخطــار التــي تتهــدد الدميقراطيــة اليــوم والتــي تتم َّثــل في الفاشــية‬

‫والشــيوعية واألنظمــة العســكرية تبــدو ماضيــة فــي االنتشــار وهــي اليــوم تطــال الــدول العريقــة‬

‫فــي املمارســة الدميقراطيــة بعدمــا كانــت مقتصــرة فــي الســابق علــى دول العالــم الثالــث‪ .‬ومــع‬

‫ذلــك يبــدو أن الرســالة غيــر املعلنــة أو الــدرس الــذي لــم يســتوعبه الكثــر مــن شــعوب العالــم فــي‬
‫مســارات االنتقــال السياســي والدميقراطــي هــي أن االنقالبــات العســكرية تشـ ِّ‬
‫ـكل فــي قرارتهــا‬

‫دعــوة لــرد االعتبــار للدميقراطيــة باعتبارهــا قيمــة إنســانية كونيــة‪ ،‬فالدميقراطيــة ال ميكــن قتلهــا‪،‬‬

‫قــد ختبــو التجربــة وتنكســر ويصيبهــا الضمــور لكنهــا ال متــوت‪ ،‬وكل محاولــة الغتيالهــا متثِّــل‬

‫دعــوة صريحــة ألنصــار الدميقراطيــة إلعــادة بنــاء التجربــة مــن جديــد‪.‬‬


| 240

‫املراجع‬
(1) Levitsky, S; Ziblat, D. How Democracies die, (Crown, New York, 2018), p. 2-7.

(2) Ibid, p. 205.


‫فعاليات‬
‫محمد عبد العاطي*‬
‫أقــام مركــز اجلزيــرة للدراســات خــال الشــهور املنصرمــة العديــد مــن الفعاليــات‬

‫واألنشــطة ذات الطابــع العلمــي حــول قضايــا وأحــداث مؤثــرة فــي املشــهد احلالــي باملنطقــة‪.‬‬

‫وتضمنــت هــذه الفعاليــات نقاشــات مســتفيضة بــن متخصصــن ومهتمــن وفاعلــن مباشــرين‬

‫فــي األحــداث‪ ،‬رأت هيئــة التحريــر أهميــة إيجــاز أبرزهــا فــي هــذه الزاويــة‪.‬‬

‫ومــن بــن الفعاليــات العديــدة التــي نظمهــا املركــز‪ ،‬جــرى اختيــار ندوتــن‪ ،‬كانــت األولــى‬

‫وعقــدت فــي مدينــة إســطنبول‬


‫بعنــوان «العــراق فــي ظــل املتغيــرات الداخليــة واخلارجيــة»‪ُ ،‬‬
‫التركيــة بالتعــاون مــع مركــز الدراســات السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة «ســيتا» خــال‬
‫يناير‪/‬كانــون الثانــي املاضــي (‪ ،)2019‬فيمــا كانــت الثانيــة بعنــوان «التحــوالت السياســية فــي‬

‫املغــرب العربــي‪ :‬احلصيلــة واآلفــاق»‪ ،‬وعقــدت فــي تونــس العاصمــة بالتعــاون مــع مركــز‬

‫الدراســات املتوســطية والدوليــة خــال فبراير‪/‬شــباط املاضــي‪.‬‬

‫وفيما يأتي وصف تفصيلي لكل من الندوتني‪.‬‬

‫* محمد عبد العاطي‪ ،‬باحث مبركز اجلزيرة للدراسات‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫‪| 242‬‬

‫العراق يف ظل املتغريات الداخلية والخارجية‬


‫مقدمة‬
‫رغــم هزميــة تنظيــم «الدولــة اإلســامية» فــي العــراق‪ ،‬واســتعادة األراضــي واملــدن التــي كانــت‬

‫حتــت ســيطرته‪ ،‬وتشــكيل احلكومــة اجلديــدة فــي أكتوبر‪/‬تشــرين األول ‪ ،2018‬عــاد العــراق إلــى‬
‫مربــع األزمــة السياســية مــن جديــد مــع بقــاء عــدة وزارات ســيادية شــاغرة‪ ،‬والفشــل فــي‬

‫إعــادة مئــات اآلالف مــن النازحــن إلــى ديارهــم‪ ،‬وعجــز الدولــة عــن حتريــر اآلالف مــن‬

‫املدنيــن الذيــن اختطفتهــم امليليشــيات‪ ،‬وكذلــك الفشــل فــي إعــادة إعمــار املــدن التــي دمرتهــا‬

‫احلــرب‪ ،‬وفــي مقدمتهــا املوصــل التــي مــا زالــت أنقــاض احلــرب فيهــا تطمــر أشــاء الضحايــا‬

‫مــن أبنائهــا منــذ حنــو عــام ونصــف‪.‬‬

‫جناحــا‬
‫ً‬ ‫وتذهــب حتليــات إلــى أن صمــود احلكومــة حتــى اآلن ‪-‬برغــم عــدم اكتمالهــا‪ُ -‬ي ِّثــل‬

‫ـبيا‪ ،‬كذلــك فــإن اســتمرار الدعــم الدولــي للنظــام‬


‫حلالــة االســتقرار السياســي واألمنــي ولــو نسـ ًّ‬
‫السياســي فــي العــراق هــو ً‬
‫أيضــا ســبب فــي التفــاؤل بقدرتــه علــى عبــور املرحلــة االنتقاليــة‬

‫احلاليــة‪ ،‬لكــن ذلــك لــم مينــع تزايــد املخــاوف مــن عــودة تنظيــم الدولــة إلــى املشــهد السياســي‬

‫العراقــي مــن جديــد‪ ،‬الســيما بعــد هجمــات متعــددة قــام بهــا فــي أحنــاء متفرقــة مــن العــراق‪.‬‬
‫وقــد اســتدعت هــذه املتغيــرات جملــة مــن التســاؤالت‪ :‬هــل سـ َّ‬
‫ـيتمكن العــراق بســلطاته الثالث‬
‫وحكومتــه اجلديــدة مــن تقــدمي منــوذج سياســي يأخــذ بعــن االعتبــار املطالــب الشــعبية أم أنــه‬

‫أســيرا للتجاذبــات اإلثنيــة واملذهبيــة التــي تلــت االحتــال األميركــي للبــاد؟ وهــل‬
‫ً‬ ‫ســيبقى‬

‫ســتنجح مشــاريع إعــادة اإلعمــار ومحــو آثــار الدمــار الــذي خ َّلفــه تنظيــم «الدولــة اإلســامية»‬

‫فــي مختلــف أحنــاء العــراق وباألخــص فــي مدينــة املوصــل وإنهــاء حالــة التوتــر واالســتقطاب‬
‫ِّ‬
‫املغذيــان لإلرهــاب؟ وهــل باإلمــكان عمــل ذلك كلــه دون إعــادة هيكلة االقتصــاد‪ ،‬وختصيص‬

‫امليزانيــات الكافيــة‪ ،‬وتفعيــل الرقابــة ملنــع الفســاد وجتــاوز املشــكالت املتع ِّلقــة بتــردي املرافــق‬
‫َّ‬
‫ســيتمكن العــراق‬ ‫العامــة واخلدمــات وفــي مقدمتهــا نقــص الكهربــاء وشــح امليــاه؟ وكيــف‬

‫ـي بثبــات حنــو املســتقبل وســط بيئــة إقليميــة ودوليــة مــا فتــئ العبوهــا يتدخلــون فــي‬
‫مــن املضـ ِّ‬
‫فعاليات | ‪243‬‬

‫شــؤونه‪ ،‬ويتخــذون مــن ســاحته ميدا ًنــا للتنافــس والصــراع؟‬


‫شـ َّ‬
‫ـكل هــذا احلقــل االســتفهامي محــور القضايــا التــي ناقشــتها نــدوة بحثيــة مشــتركة َّ‬
‫نظمهــا‬

‫مركــز اجلزيــرة للدراســات بالتعــاون مــع مركــز الدراســات السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة‬

‫«ســيتا»‪ ،‬وقنــاة اجلزيــرة مباشــر‪ ،‬فــي مدينــة إســطنبول بتركيــا‪ ،‬يــوم ‪ 26‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪،2019‬‬

‫حتــت عنــوان‪« :‬العــراق فــي ظــل املتغيــرات الداخليــة واخلارجيــة»‪ .‬وشــهدت النــدوة عقــد ثالث‬

‫جلســات حواريــة شــارك فيهــا خنبــة مــن الباحثــن واألكادمييــن واخلبــراء مــن العــراق وتركيــا‪.‬‬

‫‪ .1‬معضالت النظام السياسي العراقي وإشكالياته‬


‫‪ .2.1‬املحاصصة الطائفية‬
‫َّ‬
‫تشــكل فــي أعقــاب الغــزو األميركــي‪ ،‬عــام ‪،2003‬‬ ‫يعانــي النظــام السياســي العراقــي الــذي‬

‫مــن خلــل بنيــوي مــا فتــئ يلقــي بظاللــه علــى العمليــة السياســية بأكملهــا‪ ،‬بــل كان أحــد‬

‫أهــم أســباب تناســل األزمــات السياســية وبقائهــا دون حــل؛ إذ ُبنــي هــذا النظــام علــى أســاس‬
‫ً‬
‫عوضــا عــن املواطنــة‪ ،‬مــا جنــم عنــه شــعور بالغــن لــدى العديــد مــن‬ ‫احملاصصــة الطائفيــة‬

‫كالســ َّنة والكــرد والتركمــان بعدمــا وجــدوا أنفســهم غيــر قادريــن علــى‬
‫ُّ‬ ‫مكونــات املجتمــع‬
‫ِّ‬
‫املكــون الشــيعي‪ .‬وهــو االســتنتاج‬ ‫َّ‬
‫ويتحكــم فيــه‬ ‫املنافســة السياســية فــي وســط يغلــب عليــه‬
‫ِّ‬
‫الــذي خلــص إليــه املشــاركون فــي اجللســة احلواريــة األولــى‪ :‬الدكتــور بلغــي دومــان‪ ،‬منســق‬

‫قســم الدراســات العراقيــة مبركــز دراســات الشــرق األوســط (أورســام) بتركيــا‪ ،‬والدكتــور يحيــى‬

‫الكبيســي‪ ،‬املستشــار باملركــز العراقــي للدراســات االســتراتيجية‪ ،‬والدكتــور ماهــر النقيــب‪ ،‬عضو‬

‫هيئــة التدريــس بجامعــة جانقايــا بتركيــا‪ ،‬والدكتــور قحطــان اخلفاجــي‪ ،‬أســتاذ االســتراتيجية‬

‫فــي جامعــة النهريــن بالعــراق‪.‬‬

‫الس ـ َّنة‪ ،‬علــى تهيئــة بيئــة ســاعدت ‪-‬مــن وجهــة‬


‫وقــد عمــل الشــعور بالغــن‪ ،‬الســيما وســط ُّ‬
‫نظــر هــؤالء الباحثــن‪ -‬علــى ظهــور جماعــات العنــف الدينــي‪ ،‬مثــل القاعــدة وتنظيــم «الدولــة‬

‫ـتبعدا عودتهمــا بأمســاء مختلفــة طاملــا‬


‫اإلســامية»‪ ،‬ورغــم هزميــة هذيــن التنظيمــن فليــس مسـ ً‬
‫بقيــت دوافــع ظهورهمــا أول مــرة علــى حالهــا لــم تتغيــر‪ .‬ومــا لــم تتــم إعــادة النظــر فــي‬
‫‪| 244‬‬

‫األســس واملرتكــزات التــي قــام عليهــا النظــام السياســي العراقــي‪ ،‬وختليصــه مــن آفــة احملاصصــة‬

‫الطائفيــة والعــودة بــه إلــى ركيــزة املواطنــة ومــا يلــزم ذلــك مــن تعديــات دســتورية‪ ،‬وإشــاعة‬

‫ثقافــة سياســية جديــدة‪ ،‬وترســيخ مبــدأ «الدميقراطيــة التوافقيــة» فــإن التــأزم احلالــي للعمليــة‬

‫السياســية سيســتمر‪.‬‬

‫‪ .2.2‬مثالب الفيدرالية‬
‫املؤمــل مــع تطبيــق النظــام الفيدرالــي فــي العــراق أن تتحســن الكفــاءة اإلداريــة للدولــة‬
‫َّ‬ ‫كان مــن‬

‫وأن يشــعر املواطنــون بذلــك‪ ،‬خاصــة فــي اخلدمــات واملرافــق العامــة‪ ،‬لكــن يبــدو أن الفيدراليــة‬

‫فــي العــراق ‪-‬أو مبعنــى أدق‪ -‬ســوء تطبيــق الفيدراليــة حــال دون ذلــك؛ إذ أضحــت ‪-‬بحســب‬

‫بابــا مــن أبــواب الفســاد املالــي واإلداري‪ ،‬بعدمــا انتهــز العديــد‬


‫املتحدثــن فــي هــذه اجللســة‪ً -‬‬
‫مــن الكتــل السياســية ذات النفــوذ فــي هــذا اإلقليــم أو ذاك وضعهــا لإلثــراء غيــر املشــروع‬

‫بــدد امليزانيــات‬ ‫ً‬


‫عوضــا عــن االهتمــام مبصــاحل الســكان؛ األمــر الــذي َّ‬ ‫وترســيخ وجودهــا‬

‫وتأسيســا علــى هــذا‪ ،‬فــإن‬


‫ً‬ ‫املخصصــة لتحســن البنيــة التحتيــة وتطويــر املرافــق واخلدمــات‪.‬‬

‫ـد هــذه‬
‫جزئيــا‪ -‬مــن شــأنه أن يسـ َّ‬
‫ًّ‬ ‫‪-‬كليــا أو‬
‫ًّ‬ ‫إعــادة النظــر فــي النظــام الفيدرالــي العراقــي الراهــن‬

‫ويصلــح هــذا اخللــل ويزيــل عقبــة َك ْأ َداء مــن أمــام مســار التنميــة فــي العــراق‪.‬‬
‫الثغــرة ُ‬
‫‪ .2‬تحديات إعادة إعمار العراق وبناء الدولة‬
‫‪ .1.2‬غياب الرؤية االقتصادية‬
‫رغــم أن العــراق بلــد غنــي بالنفــط والغــاز والثــروات املعدنيــة؛ إذ تبلــغ احتياطياتــه النفطيــة علــى‬

‫قــدر بحوالــي ‪ 131‬تريليــون متــر‬


‫ســبيل املثــال ‪ 153‬مليــار برميــل‪ ،‬أمــا احتياطياتــه مــن الغــاز ف ُت َّ‬
‫مكعــب‪ ،‬ومــن الفوســفات ‪ 5.7‬مليــارات طــن‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا عــن كميــات أخــرى كبيــرة مــن الكبريــت‪،‬‬

‫ُبــن‬
‫ِّــرة كمــا ت ِّ‬
‫واليورانيــوم‪ ،‬والزئبــق األحمــر‪ ،‬فــإن اقتصــاده متــأزم وعجلــة التنميــة فيــه ُم َت َعث َ‬
‫املؤشــرات التــي وردت فــي مداخلــة الدكتــور غــازي الســكوتي‪ ،‬أســتاذ العالقــات الدوليــة بجامعة‬

‫بغــداد‪ ،‬وتشــمل‪:‬‬

‫حاليا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫‪ -‬تراجع مساحة األراضي الزراعية من ‪ 48‬مليون دومن قبل الغزو إلى ‪ 11‬مليون دومن فقط‬
‫فعاليات | ‪245‬‬

‫‪ -‬تزايد معدالت استيراد السلع األساسية إلى ‪.92%‬‬

‫‪ -‬زيادة رقعة الفقر ووصول أعداد َم ْن يحتاجون إلى مساعدات غذائية إلى ‪ 5.7‬ماليني عراقي‪.‬‬

‫الد ْين اخلارجي إلى ‪ 133‬مليار دوالر‪.‬‬


‫‪ -‬وصول حجم َّ‬
‫‪ -‬تبديد ما يقرب من تريليون دوالر بسبب الفساد‪.‬‬

‫ويعــود الســبب فــي تــردي األوضــاع االقتصاديــة بالعــراق‪ ،‬كمــا حددهــا املشــاركون فــي اجللســة‬

‫احلواريــة الثانيــة‪ ،‬وهــم‪ :‬الدكتــور غــازي الســكوتي‪ ،‬أســتاذ العالقــات الدوليــة بجامعــة بغــداد‪،‬‬

‫والســيد حــامت الفالحــي‪ ،‬خبيــر الشــؤون األمنيــة واالســتراتيجية‪ ،‬والدكتــور همــام الشــماع‪،‬‬

‫أســتاذ االقتصــاد املالــي فــي جامعــة بغــداد‪ ،‬والدكتــور عبــد اهلل احلمــودات‪ ،‬الباحــث اإلعالمــي‬

‫واملهتــم بشــؤون املوصــل‪ ،‬إلــى جملــة مــن العوامــل‪ ،‬أهمهــا وأبرزهــا‪ :‬غيــاب الرؤيــة االقتصاديــة‬

‫التــي ميكــن أن تنبثــق عنهــا اســتراتيجية تنمويــة تعيــد احليــاة لقطاعــات االقتصــاد احليويــة‬

‫كالقطــاع الزراعــي والصناعــي واملالــي واملصرفــي‪ .‬ودون وجــود هــذه الرؤيــة ســتظل كل املــوارد‬

‫ســابقة الذكــر غيــر مســتمرة‪ ،‬ولــن يكــون مبقــدر العــراق إعــادة اإلعمــار وبنــاء الدولــة‪.‬‬

‫‪ .2.2‬تعدد والءات األجهزة األمنية‬


‫ـد آخر ال‬
‫ال تقتصــر حتديــات إعــادة إعمــار العــراق علــى غيــاب الرؤيــة االقتصاديــة‪ ،‬وإمنــا مثــة حتـ ٍّ‬
‫ـدد والءات ومرجعيــات األجهــزة األمنيــة الكثيــرة التــي تشــتغل‬ ‫يقـ ُّ‬
‫ـل عنهــا أهميــة يتم َّثــل فــي تعـ ُّ‬
‫دون أي تنســيق بينهــا‪ ،‬كمــا الحــظ املتحدثــون فــي اجللســة‪ ،‬بــل إن بعضهــا يعمــل ضــد البعــض‬

‫اآلخــر‪ ،‬وهــو مــا أدى إلــى هشاشــة الوضــع األمنــي فــي عمــوم البــاد‪ ،‬وأفــرز بيئــة غيــر جاذبــة‬

‫ـدم اخلبيــر األمنــي واالســتراتيجي‪ ،‬حــامت الفالحــي‪ ،‬فــي‬


‫لالســتثمارات احملليــة أو األجنبيــة‪ .‬وقـ َّ‬
‫منوذجــا ًّ‬
‫دال عــن هــذه احلالــة‬ ‫ً‬ ‫ســياق حتليلــه للتحــدي األمنــي وتعــدد والءات األجهــزة األمنيــة‪،‬‬

‫م ً َّثــا فــي قــوات احلشــد الشــعبي التــي تتكــون مــن عــدة فصائل لــكل مجموعــة منهــا مرجعيتها‬
‫َُ‬
‫ـا يتبعــون فــي والئهــم ومرجعيتهــم إليــران‪ ،‬و‪ 17‬فصيـ ً‬
‫ـا‬ ‫املختلفــة عــن األخــرى‪ ،‬فثمــة ‪ 40‬فصيـ ً‬

‫يتبعــون آيــة اهلل علــي السيســتاني‪ ،‬وعــدة فصائــل ُسـ ِّنية ومســيحية تتبــع احلشــد الشــعبي وتعــود‬

‫فــي مرجعيتهــا إلــى إيــران‪ .‬كمــا توجــد فصائــل تتبــع مرجعيــات أخــرى كالصــدر واحلائــري‬
‫‪| 246‬‬

‫ً‬
‫فضــا عــن قــوات البيشــمركة‪ ،‬وقــوات مســلحة تابعــة‬ ‫والشــيرازي وحســن نصــر اهلل‪ ،‬هــذا‬

‫حلــزب العمــال الكردســتاني‪ ..‬مــا جعــل كل هــذه القــوات واألجهــزة والفصائــل التــي حتظــى‬

‫وخارجيــا ال ختضــع لســلطة مركزيــة‬


‫ًّ‬ ‫داخليــا‬
‫ًّ‬ ‫بتســليح ومتويــل وتدريــب والتــي لهــا مرجعيــات‬

‫ـدا غيــر جــاذب‬


‫فكانــت أحــد عوامــل الهشاشــة األمنيــة التــي يعانــي منهــا العــراق وجعلتــه بلـ ً‬
‫لالســتثمار‪ ،‬بــل وغيــر قــادر علــى االســتفادة مــن مــوارده وثرواتــه‪ ،‬ومــا لــم يتــم إدمــاج هــذه‬

‫القــوات وتلــك الفصائــل ‪-‬كأفــراد‪ -‬مــع قــوات احلــرس الوطنــي أو مــع املؤسســة العســكرية‬
‫فــإن تعــدد والءات األجهــزة األمنيــة ســيظل حائـ ً‬
‫ـا دون إعــادة إعمــار البــاد‪.‬‬

‫‪ .3.2‬نقص املياه وعدم تنويع مصادر الدخل‬


‫مثــة مشــكالت أخــرى ال ميكــن للعــراق حتقيــق مــا يصبــو إليــه مــن إعــادة اإلعمــار دون إيجــاد‬

‫حلــول جذريــة لهــا‪ ،‬وفــي مقدمتهــا مشــكلة نقــص امليــاه ملــا لهــا مــن تأثيــر خطيــر علــى القطــاع‬
‫الزراعــي الــذي يعمــل فيــه قرابــة ‪ 60%‬مــن القــوى العاملــة‪ .‬وقــد حـ َّ‬
‫ـذر الدكتــور همــام الشــماع‪،‬‬

‫معــا كانــت لهمــا نتائــج‬


‫ديــن إذا اجتمعــا ً‬
‫هد ْ‬
‫أســتاذ االقتصــاد املالــي فــي جامعــة بغــداد‪ ،‬مــن ُم ِّ‬
‫األول هــو نقــص امليــاه‪ ،‬والثانــي عــدم تنويــع مصــادر الدخــل؛‬
‫ـد ُد َّ‬
‫وخيمــة علــى العــراق‪ :‬املهـ ِّ‬
‫ألن االعتمــاد علــى مــورد وحيــد هــو النفــط بنســبة تفــوق ‪ 90%‬مــع مــا تشــهده أســواقه العامليــة‬

‫دائمــا‪.‬‬
‫ً‬ ‫مــن تذبــذب واجتــاه عــام حنــو االخنفــاض‪ ،‬يجعــل اقتصــاد العــراق علــى حافــة اخلطــر‬
‫وهــذا يعنــي ً‬
‫أيضــا أنَّ العــراق ســيكون بحاجــة إلــى اســتيراد احتياجاتــه الغذائيــة األساســية‬

‫ـح امليــاه وأثــره علــى القطــاع الزراعــي‪ ،‬ونتيجــة أيضــا لتخ ُّلــف القطــاع‬ ‫مــن اخلــارج نتيجــة ُ‬
‫لشـ ِّ‬
‫الصناعــي فــي وقــت ال يجــد املــوارد املاليــة التــي تلبــي لــه هــذا االحتيــاج‪ ،‬وهــو مــا ُي ِ‬
‫نــذ ُر‬
‫بعواقــب وخيمــة َّ‬
‫خلصهــا الدكتــور الشــماع بقولــه‪« :‬إذا تضافــر انهيــار القطــاع النفطــي مــع‬

‫الزراعــي فــإن العــراق ســيكون أمــام مجاعــة وليــس أمــام مــأزق اقتصــادي فقــط»‪.‬‬
‫‪ .4.2‬أسباب ُّ‬
‫تعثر إعادة اإلعمار يف املوصل وكركوك‬
‫تعثــرا بســبب العوامــل السياســية‬
‫ً‬ ‫تواجــه عمليــة إعــادة اإلعمــار فــي املوصــل وكركــوك‬

‫واالقتصاديــة التــي أشــار إليهــا الباحثــون فــي اجللســتني احلواريتــن الســابقتني‪ .‬فبعــد طــرد‬
‫فعاليات | ‪247‬‬

‫تنظيــم الدولــة مــن املوصــل ال يــزال قرابــة ‪ 380‬ألــف موصلــي نازحــن‪ ،‬كمــا تظــل مســتويات‬
‫ً‬
‫فضــا عــن تــردي‬ ‫البطالــة بــن الشــباب هــي األعلــى فــي العــراق بنســبة تصــل إلــى ‪،70%‬‬

‫“الد ْع َشــ َنة»‪ ،‬ومــا يصاحبهــا مــن‬


‫اخلدمــات التعليميــة والصحيــة‪ ،‬واالتهامــات اجلزافيــة بـــ َّ‬
‫َّ‬
‫شــكلت املوصــل ‪-‬بحســب بعــض الباحثــن‪-‬‬ ‫اعتقــاالت عشــوائية واختفــاء قســري‪ .‬وقــد‬

‫منوذجــا لغيــاب الرؤيــة االقتصاديــة‪ ،‬والفســاد وتعدديــة والءات ومرجعيــات القــوات واألجهــزة‬
‫ً‬
‫وف ْر ِضهــا مــا يشــبه اإلتــاوات علــى رجــال األعمــال؛ األمــر الــذي َّ‬
‫أخــر مشــاريع إعــادة‬ ‫األمنيــة َ‬

‫وبــدد مثــرات القليــل الــذي ُأجنــز منهــا‪.‬‬


‫َّ‬ ‫اإلعمــار‬

‫أمــا كركــوك‪ ،‬فرغــم غناهــا بالنفــط فــإن بنيتهــا التحتيــة مترديــة ومرافقهــا العامــة فــي حالــة‬

‫مزريــة‪ ،‬وذلــك لعــدة أســباب أهمهــا عــدم القــدرة علــى حســم اخلــاف بشــأن مــا ُيعــرف‬

‫باملناطــق املتنــازع عليهــا فــي هــذه املدينــة‪ ،‬واجلــدل الدائــم بشــأن تفســير املــادة ‪ 140‬مــن‬

‫الدســتور اخلاصــة بهــا‪ ،‬وهــو مــا دفــع الدكتــور ماهــر النقيــب‪ ،‬عضــو هيئــة التدريــس بجامعــة‬

‫جانقايــا بتركيــا‪ ،‬إلــى املطالبــة بإلغــاء هــذه املــادة الدســتورية‪ ،‬واقتــرح كذلــك إخــراج قــوات‬

‫البيشــمركة الكرديــة مــن املدينــة واســتبدال قــوات تابعــة للجيــش العراقــي بهــا‪ ،‬كمــا أشــار إلــى‬

‫أهميــة اختيــار أحــد والة أقاليــم العــراق مــن التركمــان علــى غــرار والة األقاليــم مــن األعــراق‬

‫األخــرى‪ ،‬وإلــى إعــادة تدويــر جــزء مــن عائــدات نفــط كركــوك داخــل املدينــة لتحســن بنيتهــا‬

‫ـرا منــذ عقــود‪.‬‬


‫التحتيــة التــي لــم تشــهد تطويـ ً‬
‫‪ .3‬مخاطر الصراعات اإلقليمية والتجاذبات الدولية‬
‫تُلقــي البيئــة احمليطــة بالعــراق؛ اإلقليميــة والدوليــة‪ ،‬بظاللهــا علــى أوضاعــه السياســية‬

‫ـم جتعــل مســتقبله السياســي ُمك َت َن ًفــا باملخاطــر املســتمرة؛ فقــد اختــذت‬
‫واالقتصاديــة‪ ،‬ومــن ثـ َّ‬
‫بعــض القــوى اإلقليميــة والدوليــة مــن العــراق ميدانًــا للصراعــات اإلقليميــة والتجاذبــات‬

‫الدوليــة‪ ،‬وأصبــح لــكل منهــا أجندتــه ومشــاريعه وأدواتــه فــي الداخــل التــي تعمــل وفــق‬
‫توجيهاتــه‪ .‬هــذه القضايــا شـ َّ‬
‫ـكلت محــور اجللســة احلواريــة الثالثــة التــي شــارك فيهــا‪ :‬الباحــث‬

‫يشــار الشــريف‪ ،‬ومديــر املركــز الســومري لإلعــام والدراســات فــي اململكــة املتحــدة‪ ،‬فــارس‬
‫‪| 248‬‬

‫اخلطــاب‪ ،‬ورئيــس األكادمييــة الدبلوماســية التابعــة لــوزارة اخلارجيــة التركيــة‪ ،‬الدكتــور مســعود‬

‫أوزجــان‪ ،‬والباحــث األول مبركــز اجلزيــرة للدراســات واخلبيــر فــي الشــأن العراقــي‪ ،‬الدكتــور‬

‫لقــاء مكــي‪ ،‬والباحــث السياســي مصطفــى كامــل‪.‬‬

‫وقــد الحــظ بعــض الباحثــن أن إيــران منــذ الغــزو األميركــي للعــراق مــا فتئــت متــد نفوذهــا‬

‫وتبســط هيمنتهــا عليه بشــتى الطــرق؛ إذ إن لهــا أحزابها السياســية وجماعاتها الدينية وميليشــياتها‬
‫املســلحة‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا عــن اعتبــار العــراق ســوقً ا كبيــرة لبيــع املنتجــات اإليرانيــة ً‬
‫وبابــا للتحايــل علــى‬

‫ـرا بالنســبة للواليــات املتحــدة األميركيــة التــي لهــا‬


‫العقوبــات األميركيــة‪ .‬واحلــال ال ختتلــف كثيـ ً‬
‫ـراع األميركي‪-‬اإليرانــي علــى‬ ‫ً‬
‫أيضــا نفوذهــا السياســي والعســكري واألمنــي‪ ،‬وقــد أدخــل الصـ ُ‬
‫العــراق وفــي العــراق هــذا البلــد فــي حالــة مــن عــدم االســتقرار السياســي ليــس مــن ا ُمل َر َّجــح‬

‫قريبــا مــا لــم يتوصــا إلــى تفاهمــات واتفاقــات فيمــا بينهمــا‪.‬‬


‫اخلــاص منهــا ً‬
‫أمــا السياســة العربيــة‪ ،‬كمــا أوضحهــا الدكتــور لقــاء مكــي‪ ،‬فهــي غائبــة تــارة ومتصارعــة تــارة‬

‫أخــرى‪ ،‬متأثــرة بالصراعــات العربيــة البينيــة وسياســة احملــاور واالســتقطاب التــي يعانــي منهــا العالــم‬

‫العربــي‪ ،‬وفــي الغالــب فــإن هدفهــا مصلحــة األنظمــة العربيــة حتــى وإن كانــت تتعــارض مــع منظومة‬

‫األمــن القومــي العربــي؛ فعلــى ســبيل املثــال ال توجــد اســتراتيجية للسياســة اخلارجيــة الســعودية إزاء‬

‫العــراق رغــم أن الريــاض قــد انكشــفت أمــام إيــران بعــد غــزو العــراق واحتاللــه‪ ،‬أمــا مصــر فقــد‬

‫إقليميــا واحنســر حضورهــا فــي العــراق خاصــة بعــد اختطــاف وقتــل ســفيرها فــي بغــداد‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫ضعفــت‬

‫الس ـ ِّنية غــرب األنبــار فــي‬


‫وبالنســبة لــأردن‪ ،‬فعلــى الرغــم مــن أنــه أقــام عالقــة مــع العشــائر ُّ‬
‫يعــول عليــه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫ضعيــف وال‬ ‫محاولــة إليجــاد مناطــق نفــوذ هنــاك لكــن أثــر هــذه احملــاوالت‬

‫وال يــزال األردن بحاجــة إلــى نفــط العــراق بأســعار تفاضليــة‪ .‬وفيمــا يخــص السياســة الســورية‬

‫إزاء العــراق فقــد كانــت دمشــق متهمــة فــي عهــد حكومــة رئيــس الــوزراء األســبق‪ ،‬نــوري‬

‫املالكــي‪ ،‬بتســهيل وصــول «املجاهديــن املســلحني» إلــى العــراق‪ ،‬وكان دافعهــا ‪-‬هــي وإيــران‪-‬‬

‫الس ـ َّنة‪.‬‬
‫فــي ذلــك يتم َّثــل فــي اســتنزاف الوجــود األميركــي فــي هــذا البلــد بأيــدي ُّ‬
‫أمــا دول اخلليــج العربــي ‪-‬ورغــم أنــه مــن املفتــرض أن تكــون األكثــر انشـ ً‬
‫ـغال بالعــراق‪ -‬فليــس‬
‫فعاليات | ‪249‬‬

‫َّمثــة تنســيق فيمــا بينهــا لرســم سياســة خليجيــة َّ‬


‫موحــدة جتــاه العــراق‪ ،‬وإن كانــت الكويــت هــي‬

‫ـاع تقــوم‬
‫حاليــا ألســباب تاريخيــة معروفــة‪ ،‬ومثــة مسـ ٍ‬
‫ًّ‬ ‫اهتمامــا بالعــراق‬
‫ً‬ ‫الدولــة اخلليجيــة األكثــر‬

‫بهــا الكويــت لزيــادة حضورهــا وبخاصــة وســط عشــائر البصــرة‪.‬‬

‫وكمــا يتضــح مــن هــذه الصــورة العامــة فــإن باإلمــكان التأكيــد علــى عــدم وجــود سياســة‬

‫عربيــة واحــدة إزاء العــراق تســتطيع أن تنافــس السياســة اإليرانيــة واألميركيــة هنــاك‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫واجتماعيــا‪ ،‬كمــا ال تــزال‬
‫ًّ‬ ‫واقتصاديــا‬
‫ًّ‬ ‫سياســيا‬
‫ًّ‬ ‫مثــة حتديــات كبيــرة ال تــزال تواجــه العــراق‬

‫فداخليــا يعانــي النظــام السياســي‪ ،‬الــذي تأســس‬


‫ًّ‬ ‫مصــادر التهديــد اإلقليمــي والدولــي ماثلــة؛‬

‫فــي أعقــاب الغــزو األميركــي عــام ‪ ،2003‬مــن آفــة احملاصصــة الطائفيــة التــي أضعفــت النســيج‬

‫وأججــت اخلالفــات الدينيــة واملذهبيــة والعرقيــة‪ ،‬وأشــعرت عديــد املكونــات‬


‫االجتماعــي َّ‬
‫ماســة أكدهــا الباحثــون املشــاركون فــي النــدوة بشــأن إعــادة‬
‫بالتهميــش والظلــم‪ ،‬ومثــة حاجــة َّ‬
‫تأســيس النظــام السياســي العراقــي علــى أســاس املواطنــة كمــا كانــت احلــال منــذ تأســيس‬

‫الدولــة العراقيــة فــي عشــرينات القــرن املاضــي‪ .‬كذلــك‪ ،‬فــإن النظــام الفيدرالــي ا ُمل َّ‬
‫طبــق فــي‬

‫ـن اســتغالله مــن ِق َبــل عديــد القوى السياســية‬


‫حاليــا بحاجــة إلــى إعــادة نظــر بعــد مــا تبـ َّ‬
‫ًّ‬ ‫العــراق‬

‫ـك َأ ًة للفســاد‪ ،‬مــا تسـ َّـبب فــي تبديــد امليزانيــات احملليــة املخصصــة‬
‫لإلثــراء واعتمادهــم عليــه ُتـ َ‬

‫لتطويــر البنيــة التحتيــة وحتســن املرافــق واخلدمــات‪.‬‬

‫أمــا علــى املســتوى االقتصــادي‪ ،‬فــإن العــراق بحاجــة إلــى رؤيــة اقتصاديــة تنبثــق عنهــا‬

‫اســتراتيجية تنمويــة تعيــد احليــاة إلــى قطاعــات االقتصــاد احليويــة؛ الزراعيــة والصناعيــة‬

‫واملتنوعــة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫واملصرفيــة‪ ،‬ويســتطيع مبوجبهــا العــراق اســتثمار ثرواتــه الطبيعيــة والبشــرية الكثيــرة‬

‫التدخل في‬
‫ُّ‬ ‫وبالتــوازي مــع ذلــك‪ ،‬فــإن حاجــة العــراق أساســية لبيئــة إقليميــة ودولية تكـ ُّ‬
‫ـف عــن‬

‫وج ْع ِلــه ميدا ًنــا للصراعــات وتصفيــة احلســابات بــن املشــاريع واألجنــدات املتضاربــة‪،‬‬
‫شــؤونه َ‬
‫وتعــدد فــي الــوالءات واملرجعيــات مــا فتــئ يتــرك أثــره‬
‫ُّ‬ ‫ومــا يتبــع ذلــك مــن اســتقطابات‬

‫الســلبي علــى مؤسســات الدولــة ووحــدة املجتمــع‪.‬‬


‫التحوالت السياسية يف املغرب العربي‬
‫الحصيلة واآلفاق‬

‫مقدمة‬
‫كانــت حصيلــة التحــوالت السياســية فــي البلــدان املغاربيــة‪ ،‬بعــد مثانــي ســنوات مــن‬

‫انــدالع ثــورات الربيــع‪ ،‬مختلفــة ومتنوعــة‪ .‬ففــي تونــس علــى ســبيل املثــال حتقَّ ــق تقـ ُّ‬
‫ـدم ملحوظ‬

‫علــى مســتوى الدســتور واحلريــات العامــة وتــداول الســلطة‪ ،‬لكــن املعوقــات والتحديــات ال‬

‫تــزال ماثلــة‪ ،‬وأهمهــا عقبــة األوضــاع االقتصاديــة املتأزمــة‪ .‬أمــا فــي ليبيــا‪ ،‬فرغــم أن البــاد‬

‫خت َّلصــت مــن نظــام حكــم العقيــد معمــر القذافــي‪ ،‬فإنهــا وقعــت فــي أتــون حــرب أهليــة‬

‫علــى أســس جهويــة ومناطقيــة‪ ،‬وأصبحــت ميدا ًنــا للصراعــات اإلقليميــة والدوليــة‪ .‬بينمــا كان‬
‫املغــرب أوفــق ًّ‬
‫حظــا حينمــا بــادر امللــك محمــد الســادس بإدخــال تعديــات دســتورية علــى‬

‫خلفيــة مظاهــرات ‪ 20‬فبراير‪/‬شــباط ‪ ،2011‬وإجــراء انتخابــات برملانيــة‪ ،‬غيــر أن ذلــك فيمــا يبــدو‬

‫كافيــا إلجنــاز منــوذج تنمــوي تتحقَّ ــق مبوجبــه العدالــة االجتماعيــة‪ .‬أمــا فــي اجلزائــر‪،‬‬
‫ً‬ ‫لــم يكــن‬
‫فقــد ظــل اخلــوف مــن تكــرار أحــداث العشــرية الدمويــة فــي تســعينات القــرن املاضــي حائـ ً‬
‫ـا‬

‫دون التجــاوب مــع ثــورات الربيــع العربــي‪ ،‬وســاعدت عوائــد النفــط فــي اســتدامة االســتقرار‬
‫الهــش‪ ،‬لكــن يبــدو أن تراجــع أســعاره‪ ،‬واســتمرار إحــكام قبضــة الســلطة علــى مفاصــل‬

‫الدولــة‪ ،‬واإلصــرار علــى ترشــيح الرئيــس عبــد العزيــز بوتفليقــة لعهــدة خامســة رغــم حالتــه‬

‫‪251‬‬
‫‪| 252‬‬

‫الصحيــة املتدهــورة منــذ ســنوات‪ ،‬دفــع اجلزائريــن إلعــادة حســاباتهم فبــدأوا حـ ً‬


‫ـراكا جنــح فــي‬

‫ـرف مســاراته األخــرى علــى وجــه اليقــن حتــى اآلن‪.‬‬


‫إجبــاره علــى االســتقالة وإن كان ال تُعـ َ‬
‫ـرا‪ ،‬فقــد حافظــت موريتانيــا علــى اســتقرار سياســي نســبي بســبب هامــش الدميقراطيــة‬
‫وأخيـ ً‬
‫ً‬
‫ختوفــا مــن امتــدادات ثــورات الربيــع العربــي إليهــا‪ ،‬لكنهــا لــم‬ ‫الــذي مسحــت بــه الســلطات‬

‫تذهــب أبعــد مــن ذلــك‪ ،‬وظلــت عمليــة اإلصــاح السياســي غيــر مكتملــة‪.‬‬

‫ذلــك كلــه‪ ،‬وســط حتديــات إقليميــة تواجههــا بلــدان املغــرب العربــي حالــت دون حتقيــق‬

‫الوحــدة والتعــاون بالشــكل املتوقــع منــذ إنشــاء احتــاد املغــرب العربــي عــام ‪1989‬؛ إذ يقــع‬

‫تتهددهــا جماعــات العنــف واإلرهــاب واجلرميــة املنظمــة التــي تنشــط‬


‫َّ‬ ‫هــذا االحتــاد وســط بيئــة‬

‫فــي جتــارة املخــدرات وتهريــب األســلحة واالجتــار بالبشــر‪ ،‬وهــو مــا أ َّثــر ليــس علــى التنميــة‬
‫االقتصاديــة والتجــارة البينيــة فقــط‪ ،‬وإمنــا ً‬
‫أيضــا علــى فــرص وآفــاق التحــول السياســي فــي‬

‫بلــدان هــذا االحتــاد‪.‬‬

‫وكمــا يتضــح مــن خــال هــذه النظــرة اإلجماليــة ألوضــاع دول املغــرب العربــي الداخليــة‬

‫واخلارجيــة‪ ،‬فــإن حصيلــة التحــوالت السياســية تبــدو بعــد ســنوات مــن ثــورات الربيــع العربــي‬

‫متواضعــة‪ ،‬وهــو مــا دفــع مركــز اجلزيــرة للدراســات ومركــز الدارســات املتوســطية والدوليــة‬

‫لتنظيــم نــدوة بحثيــة مشــتركة فــي العاصمــة التونســية‪ ،‬يومــي ‪ 16-17‬فبراير‪/‬شــباط ‪ ،2019‬حتــت‬

‫عنــوان «التحــوالت السياســية فــي املغــرب العربــي‪ :‬احلصيلــة واآلفــاق»‪ ،‬مبشــاركة خنبــة مــن‬

‫الباحثــن واخلبــراء مــن بلــدان املغــرب العربــي‪.‬‬

‫‪ .1‬مالمح التحول السياسي‬


‫‪ .1.1‬تحديات التحول الديمقراطي يف تونس‬
‫تقدمــا ســواء أكان علــى املســتوى العربــي‬
‫ً‬ ‫ـول السياســي فــي تونــس األكثــر‬
‫تعتبــر جتربــة التحـ ُّ‬
‫مهمــا فــي تغييــر منظومتهــا‬ ‫ً‬
‫شــوطا ًّ‬ ‫أم علــى مســتوى بلــدان املغــرب العربــي‪ .‬فقــد قطعــت‬

‫الدســتورية‪ ،‬وعرفــت ثــاث مراحــل انتخابيــة‪ :‬انتخابــات املجلــس التأسيســي‪ ،‬واالنتخابــات‬


‫ـا عــن االنتخابــات البلديــة‪ .‬وميكــن بنــاء علــى ذلــك القـ ُ‬
‫ـول‪ ،‬ولــو‬ ‫البرملانيــة والرئاســية‪ ،‬فضـ ً‬
‫التحوالت السياسية في المغرب العربي الحصيلة واآلفاق | ‪253‬‬

‫نظريــا‪ ،‬بحســب مــا ذهــب إليــه أحمــد إدريــس‪ ،‬مديــر مركــز الدراســات املتوســطية والدوليــة‬
‫ًّ‬
‫بتونــس‪ :‬إن املرحلــة االنتقاليــة قــد انتهــت‪ ،‬لكــن واقــع احلــال ينبــئ بــأن هــذا القــول قــد ال‬

‫يكــون دقيقً ــا كل الدقــة‪ ،‬فــا تــزال التحديــات السياســية واالقتصاديــة جمــة؛ األمر الــذي جعل‬

‫ومتذبذبــا‪ .‬فعلــى ســبيل املثــال مثــة فجــوة بــن النصــوص الدســتورية‬


‫ً‬ ‫متعرجــا‬
‫ً‬ ‫مســار التجربــة‬

‫التــي ميكــن وصفهــا بالتقدميــة وبــن إنزالهــا وتطبيقهــا علــى أرض الواقــع‪ .‬ولعــل الســبب‬

‫يعــود إلــى ضعــف الثقافــة السياســية التــي ال تتطــور بالضــرورة بنفــس ســرعة تطــور النصــوص‬
‫الدســتورية‪ ،‬فضـ ً‬
‫ـا عــن فقــدان كثيــر مــن شــرائح الشــعب التونســي الثقــة فــي الطبقــة السياســية‬

‫احلاليــة ســواء مــن احلكومــة أو أحــزاب املعارضــة‪ ،‬بســبب عــدم حتقيــق اختــراق فــي مطالــب‬

‫الثــورة التونســية ذات األبعــاد االجتماعيــة واالقتصاديــة‪ .‬لكــن‪ ،‬ورغــم ذلــك كلــه‪ ،‬تبقــى‬

‫التجربــة التونســية الوحيــدة مــن جتــارب الربيــع العربــي التــي وصلــت إلــى مســتويات متقدمــة‬

‫فــي الدميقراطيــة واحلريــات العامــة وحقــوق اإلنســان والبنيــة الدســتورية والتشــريعية‪.‬‬

‫‪ .2.1‬املغرب‪ :‬التجاذب بني نزعتي اإلصالح واملحافظة‬


‫كان املغــرب سـ َّـباقً ا فــي الســعي حنــو اإلصــاح السياســي‪ ،‬متخـ ً‬
‫ـذا خطــوة إلــى األمــام‪ ،‬اســتطاع‬

‫مــن خاللهــا امتصــاص ردات فعــل ثــورات الربيــع العربــي فــي البلــدان املجــاورة‪ ،‬وذلــك‬

‫حينمــا بــادرت املؤسســة امللكيــة بإجــراء تعديــات دســتورية‪ ،‬أعقبتهــا انتخابــات برملانيــة‪،‬‬

‫وتشــكيل حكومــة منتخبــة‪ .‬وقــد ارتكــزت عمليــة اإلصــاح السياســي علــى مجموعــة مــن‬

‫العوامــل‪ ،‬أبرزهــا‪ ،‬بحســب أســتاذ القانــون العــام‪ ،‬امحمــد املالكــي‪ :‬الســعي حنــو إعــادة صياغــة‬

‫ســائدا مــن قبــل؛ يرتكــز علــى احتــرام القانــون‪،‬‬


‫ً‬ ‫عمــا كان‬
‫مفهــوم جديــد للســلطة يختلــف َّ‬
‫ً‬
‫فضــا عــن إجنــاز‬ ‫وحكــم املؤسســات‪ ،‬واالخنــراط فــي املنظومــة الدوليــة حلقــوق اإلنســان‪،‬‬

‫اإلصــاح القانونــي املتعلــق باألحــوال الشــخصية الســيما مدونــة األســرة‪.‬‬

‫وكان مــن نتيجــة اســتجابة امللــك ملظاهــرات ‪ 20‬فبراير‪/‬شــباط بإدخــال إصالحــات سياســية أن‬

‫املعينــن‪ ،‬فصــار البرملــان املنتخــب يفــرز احلكومــة‬


‫َّ‬ ‫ـبيا ســلطة الناخبــن أمــام ســلطة‬
‫توســعت نسـ ًّ‬
‫َّ‬
‫ويحاســبها لكــن مــع إبقائهمــا حتــت ســلطة امللــك‪ ،‬إال أن هــذا التــوازن اجلديــد لــم يتماســك‬
‫‪| 254‬‬

‫بعــد االنتخابــات البرملانيــة فــي ‪2016‬؛ إذ إن احلــزب الفائــز (العدالــة والتنميــة) أخفــق فــي‬

‫ـدادا سياسـ ًّـيا امتــد ألشــهر عديــدة ثــم اضطــر‬


‫تشــكيل احلكومــة فدخلــت البــاد فيمــا يشــبه انسـ ً‬
‫إلــى القبــول بشــروط عـ َّززت مــن ســلطة املعينــن واإلداريــن علــى حســاب ســلطة املنتخبــن‪.‬‬

‫إضافــة إلــى أنــه خــال هــذا االنســداد اندلعــت احتجاجــات الريــف التــي دامــت حنــو ســبعة‬

‫أشــهر للمطالبــة بالتنميــة والعدالــة‪ ،‬وقــد اعتــرف امللــك بعــد ذلــك بإخفــاق مشــروع «احلســيمة‬

‫وموج ًهــا باألســاس ملعاجلــة هــذه املشــاكل‪.‬‬


‫َّ‬ ‫منــارة املتوســط» الــذي كان حتــت إشــرافه‬

‫ومــع ذلــك‪ ،‬فثمــة جملــة مــن التحديــات حالــت دون وصــول عمليــة التحــول السياســي فــي‬

‫املغــرب إلــى منتهاهــا‪ ،‬مــن ذلــك‪ :‬هــذا الشــد واجلــذب بــن نزعتــن؛ األولــى‪ :‬تلــك التــي‬

‫تســعى حنــو التغييــر واإلصــاح‪ ،‬والثانيــة‪ :‬التــي تعمــل علــى احملافظــة علــى الوضــع القائــم ورمبــا‬

‫العــودة بالبــاد إلــى الــوراء‪ .‬وقــد ظلــت عمليــة التحــول السياســي رهينــة هاتــن النزعتــن؛ مــا‬

‫انعكــس علــى تفعيــل اإلصالحــات ســابقة الذكــر‪ ،‬وظهــر مــا يشــبه الفجــوة بــن التحديــث‬

‫ُفعــل هــذه القوانــن وتلــك املؤسســات‬


‫املؤسســاتي مــن جهــة‪ ،‬وخلــق ثقافــة سياســية جديــدة ت ِّ‬
‫مــن جهــة ثانيــة‪ ،‬فــي حالــة رمبــا تكــون مشــابهة للحالــة التونســية بشــأن الفجــوة بــن النصــوص‬

‫الدســتورية والتطبيــق العملــي لهــا‪.‬‬


‫وفضـ ً‬
‫ـا عــن مســألة التجــاذب بــن نزعتــي اإلصــاح واحملافظــة علــى األوضــاع ســابقة الذكــر‪،‬‬

‫حتديــا آخــر يتمثــل فيمــا ميكــن تســميته بتشــظي املشــهد‬


‫ً‬ ‫فــإن التحــول السياســي باملغــرب واجــه‬

‫حزبــا‪ ،‬معظمهــا ‪-‬علــى حــد وصــف املالكــي‪ -‬أحــزاب‬


‫احلزبــي؛ إذ ينشــط علــى الســاحة ‪ً 26‬‬
‫َّ‬
‫هشــة‪ ،‬وهــو مــا ال تســتقيم معــه احليــاة البرملانيــة؛ إذ ال تقــوم تلــك األحــزاب بوظائفها الدســتورية‬

‫والســيادية املتمثِّلــة فــي تأطيــر التمثيليــة والوســاطة‪ .‬ثــم إن الدولــة فــي عالقتهــا باألحــزاب ال‬

‫توفــر الشــروط الكافيــة كــي تقــوم هــذه األحــزاب بوظائفهــا ســابقة الذكــر؛ األمــر الــذي انعكس‬

‫علــى بنيتهــا الداخليــة‪ ،‬وأفقدهــا القــدرة علــى تكويــن كوادرهــا القــادرة علــى املنافســة‪.‬‬

‫وإزاء هــذا الوضــع وآفــاق تطــور احليــاة السياســية فــي املغــرب فثمــة قراءتــان‪ ،‬األولــى تقــول‪:‬‬
‫إن املغــرب قــد قطــع شـ ً‬
‫ـوطا فــي اإلصالحــات‪ ،‬لكنــه يحتــاج إلــى مزيــد مــن الوقــت جلنــي‬
‫التحوالت السياسية في المغرب العربي الحصيلة واآلفاق | ‪255‬‬

‫الثمــار‪ ،‬ويستشــهدون بالثــورة الفرنســية التــي تصــارع الفرنســيون فيهــا قرابــة ‪ 95‬ســنة حتــى‬

‫توصلــوا إلــى النظــام اجلمهــوري القائــم‪ .‬لكــن مثــة قــراءة أخــرى نقديــة تقــول‪ :‬إن املغــرب كان‬

‫بإمكانــه قطــع هــذه األشــواط فــي وقــت أقصــر لــو توافــرت إرادة سياســية ختتصــر الوقــت‪،‬‬

‫ُطبــق فحــوى الدســتور وباألخــص فيمــا يتعلــق باملســاءلة واحملاســبة‪ ،‬وصياغــة منــوذج تنمــوي‬
‫وت ِّ‬
‫جديــد يتجــاوز االختــاالت االجتماعيــة‪ .‬فأيــة قــراءة مــن هاتــن القراءتــن أصــوب؟‬

‫األصــوب مــن وجهــة نظــر املالكــي يتم َّثــل فــي تعزيــز احلريــات‪ ،‬خاصــة حريــة التعبيــر واإلعــام‬
‫ً‬
‫وأيضــا‬ ‫التــي يبــدو أن مثــة بــوادر نكــوص فــي مؤشــراتها خــال الســنوات األربــع األخيــرة‪،‬‬

‫الســعي حنــو إيجــاد منــوذج تنمــوي جديــد بعــد االعتــراف الرمســي بفشــل النمــوذج التنمــوي‬

‫احلالــي الــذي أخفــق فــي دمــج فئــات اجتماعيــة جديــدة فــي منظومــة العدالــة االجتماعيــة‪،‬‬

‫عمــق نفــور النــاس مــن السياســة‪.‬‬


‫مــا َّ‬
‫‪ .3.1‬موريتانيا‪ :‬الربيع العربي يسهم يف احرتام قواعد اللعبة الديمقراطية‬
‫اســتبدادا فتتهيــأ مــع الظــروف لثــورة‬
‫ً‬ ‫مــا مييــز احلالــة املوريتانيــة أن البــاد لــم تكــن تعيــش‬

‫شــعبية علــى غــرار ثــورات الربيــع العربــي؛ إذ كان هنــاك انفــراج نســبي حــال دون ذلــك‪ .‬وقــد‬

‫حاولــت قــوى املعارضــة عبــر جملــة مــن الفعاليــات كاملظاهــرات واملؤمتــرات‪ ..‬نقــل مشــاهد‬
‫الربيــع العربــي إلــى الداخــل املوريتانــي لكنهــا لــم تنجــح للســبب املذكــور ً‬
‫آنفــا‪.‬‬

‫ورغــم وجــود دميقراطيــة مــن ناحيــة الشــكل فــي موريتانيــا‪ ،‬تتم َّثــل فــي وجــود دســتور وأحزاب‬
‫ُّ‬
‫حتكــم الســلطة فــي املخرجــات السياســية وبخاصــة علــى املســتويني‬ ‫وانتخابــات وإعــام‪ ،‬فــإنَّ‬

‫التشــريعي والتنفيــذي جعــل هــذه الدميقراطيــة شــكلية‪ .‬لكــن‪ ،‬ومــع هــذه الدميقراطيــة ‪-‬ضعيفــة‬

‫املــردود هزيلــة النتــاج‪ -‬فقــد أســهم الربيــع العربــي فــي وضعيــة الحقــة جعلــت مســار االلتفــاف‬

‫علــى دســتور البــاد‪ ،‬وبخاصــة فيمــا يتعلــق مبســألة العهدتــن لرئيــس اجلمهوريــة غيــر القابلتــن‬

‫للتجديــد‪ ،‬عســير التغييــر كمــا فــي بعــض البلــدان‪ ،‬وقــد يكــون هــذا مــا أدى إلــى احتــرام‬

‫الدســتور وإتاحــة الفرصــة للتــداول علــى الســلطة ســواء مــن داخــل النظــام أو مــن خارجــه‪.‬‬

‫وفــي العمــوم‪ ،‬فــإن املشــكلة فــي موريتانيــا واجلزائــر وليبيــا ‪-‬كمــا يقــول الرئيــس الســابق حلــزب‬
‫‪| 256‬‬

‫التجمــع الوطنــي لإلصــاح والتنميــة‪ ،‬محمــد جميــل بــن منصــور‪ ،‬فــي مداخلتــه‪ -‬تتم َّثــل فــي‬
‫عــدم وضــوح وضعيــة الســقف فيهــا‪ ،‬ففــي تونــس مثـ ً‬
‫ـا فــإن الســقف مرفــوع‪ ،‬وفــي املغــرب‬

‫الســقف معــروف وتشــتغل القــوى السياســية حتــت هــذا الســقف‪ ،‬أمــا فــي البلــدان األخــرى‬

‫الثــاث فــا ســقف مرفــوع وال ســقف معــروف‪ ،‬وبالتالــي تعانــي هــذه البلــدان مــن هــذه‬

‫الوضعيــة؛ إذ ال يــؤدي األمــر إلــى انفتــاح سياســي مفتــوح كمــا هــو فــي تونــس أو إلــى ســقف‬

‫معــروف يتفاعــل معــه اجلميــع كمــا هــو فــي املغــرب‪.‬‬

‫‪ .4.1‬التدخالت اإلقليمية والدولية تعطل االنتقال السياسي يف ليبيا‬


‫تعتبــر الثــورة الليبيــة هــي األكثــر ُكلفــة بــن ثــورات الربيــع العربــي فــي بلــدان املغــرب؛ ألنهــا‬

‫حتولــت إلــى حــرب أهليــة أســهمت التدخــات اإلقليميــة والدوليــة فــي تأجيــج نيرانهــا‪ .‬وقــد‬

‫بــدأت مشــكالت التحــول السياســي فــي ليبيــا منــذ العــام األول للثــورة‪ ،‬فــي ‪ 17‬فبراير‪/‬شــباط‬

‫ـر وقتهــا الثــوار املنتمــون لعديــد املــدن علــى أن‬


‫‪ ،2011‬حينمــا تأســس املجلــس االنتقالــي‪ ،‬وأصـ َّ‬
‫يكــون لهــم متثيــل فيــه علــى أســاس مناطقــي‪ ،‬فبــدأت العمليــة السياســية الليبيــة ومعهــا فيــروس‬
‫عوضــا عــن تأســيس الدولــة علــى مفهــوم املواطنــة‪ .‬فضـ ً‬
‫ـا عــن‬ ‫ً‬ ‫احملاصصــة املناطقيــة واجلهويــة‬

‫ذلــك‪ ،‬صــدر اإلعــان الدســتوري‪ ،‬عــام ‪ ،2011‬الــذي يرســم مالمــح املرحلــة اجلديــدة وبــه‬

‫عــوار قانونــي كمــا يصفــه الباحــث السنوســي بســيكري‪ ،‬يتم َّثــل فــي ختويــل البرملــان اختيــار‬

‫خاضعــا للمواءمــات والتحالفــات داخلــه حتــى‬


‫ً‬ ‫رئيــس احلكومــة‪ ،‬مــا أدى إلــى أن يكــون األمــر‬

‫رئيســا للحكومــة قــد حصــل علــى أعلــى األصــوات‬


‫ً‬ ‫ولــو كان الشــخص املفتــرض أن يكــون‬

‫فــي االنتخابــات املباشــرة‪ ،‬وهــو مــا حــدث مــع الدكتــور محمــود جبريــل الــذي فــاز حزبــه‬

‫(التحالــف الوطنــي) بأغلبيــة األصــوات فــي االنتخابــات البرملانيــة‪ ،‬ومــع ذلــك لــم يتمكــن‬

‫مــن تشــكيل احلكومــة‪.‬‬

‫وقريبــا مــن هــذا اخللــل القانونــي والتشــريعي مــا جنــم عــن قانــون العــزل السياســي الصــادر‬
‫ً‬
‫عــن املؤمتــر الوطنــي عــام ‪2013‬؛ إذ جــاءت صياغــة هــذا القانــون عامــة مــا أدت إلــى إقصــاء‬

‫عشــرات اآلالف مــن النخــب الليبيــة التــي كان باإلمــكان إدماجهــا ضمــن مؤسســات الدولــة‬
‫التحوالت السياسية في المغرب العربي الحصيلة واآلفاق | ‪257‬‬

‫تفجــر الوضــع‬
‫وهــي فــي مرحلــة إعــادة البنــاء‪ .‬أمــا علــى املســتوى العســكري واألمنــي‪ ،‬فقــد َّ‬
‫عــام ‪ 2014‬بــن قــوات فجــر ليبيــا بقيــادة اللــواء املتقاعــد‪ ،‬خليفــة حفتــر‪ ،‬وقــوات الكرامــة‪،‬‬

‫وأدى الصــراع الدمــوي بينهمــا إلــى انقســام سياســي وعســكري بــن شــرق البــاد وغربهــا ال‬
‫يــزال قائمــا‪ ،‬وتشـ َّ‬
‫ـكل مبقتضــاه برملانــان وحكومتــان ومصرفــان مركزيــان‪.‬‬ ‫ً‬
‫وحــاول اتفــاق الصخيــرات‪ ،‬عــام ‪ ،2015‬معاجلــة هــذا االنقســام لكــن لــم ينجــح؛ ألن األطراف‬
‫التــي وقَّ عــت عليــه كان ينقصهــا شــرعية التمثيــل‪ ،‬فالــذي جــاء ممثـ ً‬
‫ـا عــن شــرق ليبيــا لــم يكــن‬

‫ـول لــه التوقيــع‪ ،‬وكذلــك احلــال بالنســبة للــذي جــاء مــن الغــرب‪،‬‬
‫مي ِّثــل كل الشــرق مــا يخـ ِّ‬
‫معــا‪ .‬وقــد حاولــت البعثــة األمميــة‪ ،‬وقــد‬
‫فظلــت هنــاك معارضــة لالتفــاق فــي الشــرق والغــرب ً‬
‫ممثلني‪/‬مفوضــن‪ ،‬التقريــب بــن وجهــات النظــر لكــن مقارباتهــم لــم تكــن‬
‫َّ‬ ‫ـر عليهــا ســبعة‬
‫مـ َّ‬
‫ِ‬
‫منتجــة بســبب التدخــات اإلقليميــة والدوليــة املؤثــرة علــى أطــراف النــزاع؛ إذ لــدى الشــرق‬

‫ـم كان املوقــف أثنــاء‬


‫الليبــي داعمــون إقليميــون ودوليــون مختلفــون عمــا لــدى الغــرب‪ ،‬ومــن ثـ َّ‬
‫املفاوضــات يتشـ َّ‬
‫ـكل بنــاء علــى توجهــات هــؤالء الداعمــن الســاعني حنــو مصاحلهــم اخلاصــة‪،‬‬

‫املتفجــر‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫فلــم يتــم االتفــاق علــى تســوية سياســية ُتــرج ليبيــا مــن هــذا الوضــع‬

‫‪ .5.1‬الجزائر مرشحة لتحول سياسي كبري‬


‫ختو ًفــا مــن‬
‫التريــث ُّ‬
‫ُّ‬ ‫لــم يكــن اجلزائريــون بعيديــن عــن ثــورات الربيــع العربــي‪ ،‬لكنهــم آثــروا‬

‫تكــرار مــا حــدث فــي عقــد التســعينات الــذي ُعــرف بالعشــرية الدمويــة‪ ،‬حينمــا فــازت اجلبهــة‬

‫اإلســامية لإلنقــاذ باالنتخابــات البلديــة ثــم باجلولــة األولــى مــن االنتخابــات البرملانيــة‪ ،‬غيــر‬

‫أن اجليــش انقلــب علــى العمليــة الدميقراطيــة‪ ،‬وألغــى نتيجــة االنتخابــات‪ ،‬واعتقــل عشــرات‬

‫اآلالف مــن كــوادر اجلبهــة‪ ،‬مــا اضطرهــم إلــى حمــل الســاح‪ ،‬فدخلــت البــاد فــي دوامــة‬

‫مــن العنــف والعنــف املضــاد راح ضحيتهــا أكثــر مــن ‪ 200‬ألــف قتيــل‪ ،‬ثــم توقــف العنــف‬

‫أخيــرا مــع تولــي الرئيــس‪ ،‬عبــد العزيــز بوتفليقــة‪ ،‬الســلطة عــام ‪ ،1999‬وإقــرار قانــون الوئــام‬
‫ً‬
‫املدنــي ثــم ميثــاق الســلم واملصاحلــة الوطنيــة‪ .‬وقــد ســاعد علــى اســتقرار األوضــاع الوفــرة‬

‫عامليــا‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫املاليــة الناجمــة عــن مداخيــل النفــط والغــاز‪ ،‬وبخاصــة إبــان ســنوات ارتفــاع أســعاره‬
‫‪| 258‬‬

‫ـددا وذلــك‬
‫لكــن فيمــا يبــدو فــإن اجلزائــر مرشــحة الحتجاجــات شــعبية واســعة النطــاق مجـ ً‬
‫علــى خلفيــة تدهــور األوضــاع املعيشــية بعــد اخنفــاض أســعار النفــط وتراجــع احتياطيــات النقــد‬

‫األجنبــي‪ ،‬وإصــرار النظــام علــى ترشــيح الرئيــس عبــد العزيــز بوتفليقــة رغــم حالتــه الصحيــة‬

‫احلرجــة لواليــة خامســة‪.1‬‬

‫‪ .2‬معوقات تحقيق الوحدة املغاربية وأثرها على التحوالت السياسية‬


‫توضــح مؤشــرات التقاريــر الدوليــة املتعلقــة بالدميقراطيــة واحلوكمــة وســيادة القانــون أن بلــدان‬

‫املغــرب العربــي ال يــزال أمامهــا طريــق طويــل لتقطعــه علــى هــذا املضمــار‪ .‬واألســباب وراء‬

‫ذلــك متعــددة‪ ،‬بعضهــا يعــود إلــى اختــاف طبيعــة أنظمــة احلكــم مــا بــن ملكيــة وجمهوريــة‪،‬‬
‫ً‬
‫فضــا عــن تنــوع‬ ‫الد َمقْ َر َطــة‪،‬‬
‫وبعضهــا يعــود إلــى اختــاف درجــة التحديــث ومســتويات َّ‬
‫وخارجيــا مــن بلــد إلــى آخــر‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫داخليــا‬
‫ًّ‬ ‫املشــكالت والتحديــات‬

‫وفــي العمــوم‪ ،‬فــإن أهــم مــا أعــاق عمــل احتــاد املغــرب العربــي منــذ تأسيســه قبــل ثالثــن‬

‫عامــا هــو عــدم توفــر اإلرادة السياســية لتفعيــل مؤسســاته‪ ،‬واإلبقــاء علــى املشــكالت البينيــة‬
‫ً‬
‫دون حــل‪ ،‬وبخاصــة مشــكلة الصحــراء‪ ،‬فض ـ ً‬
‫ا عــن اختــاف التحالفــات االســتراتيجية بــن‬

‫أعضائــه‪ ،‬كمــا يقــول الدكتــور عبــد النــور بــن عنتــر؛ أســتاذ محاضــر فــي جامعــة باريــس ‪8‬‬

‫بفرنســا؛ إذ ترتبــط بعــض الــدول بتحالفــات اســتراتيجية مــع قــوى إقليميــة أو دوليــة‪ ،‬رمبــا‬

‫تكــون علــى تضــاد مــع دولــة عضــو فــي االحتــاد ترتبــط هــي األخــرى بتحالــف اســتراتيجي‬

‫مغايــر‪.‬‬

‫أمــا عــن مصــادر التهديــد التــي حتيــط بــدول املغــرب العربــي فأهمهــا‪ :‬تنامــي ظاهــرة اإلرهــاب‬
‫وجماعاتــه املنظمــة‪ ،‬التــي تتخــذ مــن املناطــق احلدوديــة الرخــوة مـ ً‬
‫ـاذا لهــا‪ ،‬كمــا هــي احلــال‬

‫علــى احلــدود بــن اجلزائــر ومالــي‪ ،‬وإلــى حــد مــا بــن اجلزائــر وتونــس‪ .‬واألخطــر فــي هــذه‬

‫اجلماعــات ‪-‬بحســب احلــواس تقيــة‪ ،‬باحــث فــي مركــز اجلزيــرة للدراســات‪ -‬هــو حتالــف‬

‫‪ُ -1‬عقدت هذه الندوة قبل اندالع احتجاجات الشارع الجزائري‪ ،‬يف ‪ 22‬فرباير‪/‬شباط ‪ ،2019‬وقد نجحت بعد سبعة أسابيع يف‬
‫إجبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة عىل تقديم استقالته‪ ،‬يف ‪ 2‬أبريل‪/‬نيسان ‪.2019‬‬
‫التحوالت السياسية في المغرب العربي الحصيلة واآلفاق | ‪259‬‬

‫بعضهــا مــع بعــض جماعــات اجلرميــة املنظمــة التــي تنشــط فــي جتــارة الســاح واملخــدرات‬

‫وتهريــب البشــر إلــى أوروبــا‪ ،‬وهــو مــا يجعــل بقــاء دول االحتــاد نفســها‪ ،‬بقطــع النظــر عــن‬

‫مســتوى مــا وصلــت إليــه مــن َد َمقْ َر َطــة وحكــم رشــيد‪ ،‬علــى احملــك‪.‬‬

‫خاتمة‬
‫تراوحــت حصيلــة التحــوالت السياســية فــي بلــدان املغــرب العربــي‪ ،‬بعــد مثانــي ســنوات‪ ،‬مــن‬

‫النجــاح النســبي‪ ،‬كمــا فــي حالــة تونــس‪ ،‬إلــى االقتتــال األهلــي كمــا فــي احلالــة الليبيــة‪ ،‬وبــن‬

‫هذيــن الطرفــن تنــدرج حــاالت املغــرب واجلزائــر وموريتانيــا‪ ،‬التــي شــهدت إصالحــات جزئية‬
‫حافظــت علــى اســتقرار سياســي‪ ،‬لكنــه اســتقرار هـ ٌّ‬
‫ـش معــرض فــي أي وقــت لالهتــزازات‪.‬‬

‫فقــد متكنــت تونــس مــن االنتقــال إلــى نظــام سياســي دميقراطــي توافقــي مــع احلفــاظ علــى‬

‫االســتقرار بشــكل عــام‪ ،‬لكــن هذيــن اإلجنازيــن يواجهــان ضغوطــات كبيــرة نتيجــة الصعوبــات‬

‫االقتصاديــة وعــدم املســاواة بــن املناطــق‪ .‬ويقــف الوضــع فــي ليبيــا فــي الطــرف املقابــل؛ إذ إن‬

‫ـورا فــي املؤسســات التمثيليــة بــل‬


‫التنافــس علــى الســلطة بــن مختلــف القــوى لــم يعــد محصـ ً‬
‫ـعا مــن الفصائــل املســلحة‪ ،‬وجعــل‬
‫ـددا واسـ ً‬
‫أهليــا أفــرز حكومــات متناحــرة وعـ ً‬ ‫صــار اقتتـ ً‬
‫ـال ًّ‬
‫واقتصاديــا وممزقً ــا إلــى مناطــق متنابــذة‪ .‬فــي املغــرب‪ ،‬ورغــم اســتجابة‬
‫ًّ‬ ‫ـرا سياسـ ًّـيا‬
‫البلــد متعثـ ً‬
‫نســبيا مــن ســلطة‬
‫ًّ‬ ‫توســع‬
‫امللــك ملظاهــرات ‪ 20‬فبراير‪/‬شــباط بإدخــال إصالحــات سياســية ِّ‬
‫الناخبــن أمــام ســلطة املعينــن‪ ،‬إال أن هــذا التــوازن اجلديــد لــم يتماســك بعــد االنتخابــات‬

‫البرملانيــة فــي ‪ ،2016‬وخاصــة بعــد أن أخفــق احلــزب الفائــز (العدالــة والتنميــة) فــي تشــكيل‬

‫ـدادا سياسـ ًّـيا امتــد ألشــهر ثــم اضطــر إلــى القبــول‬


‫احلكومــة فدخلــت البــاد فيمــا يشــبه انسـ ً‬
‫بشــروط ع ـ َّززت مــن ســلطة املعينــن واإلداريــن علــى حســاب ســلطة املنتخبــن‪.‬‬

‫ومتكنــت اجلزائــر مــن احملافظــة علــى اســتقرارها بعــد موجــة الربيــع العربــي‪ ،‬لكنــه اســتقرار‬
‫هـ ٌّ‬
‫ـش عصفــت بــه الصعوبــات االقتصاديــة الناجتــة عــن تدهــور أســعار النفــط واحلــراك الشــعبي‬

‫الــذي انفجــر قبــل موعــد إجــراء االنتخابــات الرئاســية‪ ،‬فــي ‪ 18‬أبريل‪/‬نيســان ‪ ،2019‬ودفــع‬

‫الرئيــس عبــد العزيــز بوتفليقــة إلــى تقــدمي اســتقالته بعــد ترشــحه للعهــدة اخلامســة‪.‬‬
‫‪| 260‬‬

‫تواجــه موريتانيــا مشــاكل داخليــة قــد تهــز اســتقرارها النســبي‪ ،‬فهــي تعانــي مــن قلــة املــوارد‬

‫وضعــف التنميــة والنزاعــات اإلثنيــة‪ ،‬وقــد يــؤدي اجلمــع بــن املشــكلتني إلــى توتــرات تؤثــر‬

‫ســلبا علــى قــدرة الســلطة فــي التعامــل معهــا‪ ،‬خاصــة وســط االســتقطاب السياســي الــذي‬
‫ً‬
‫كشــف عنــه التصويــت للدســتور فــي ‪.2017‬‬

‫عــاوة علــى هــذه املشــكالت الداخليــة لــدول املغــرب العربــي تبــرز مشــكالت عابــرة‬
‫للحــدود‪ ،‬متخــذة أشـ ً‬
‫ـكال مختلفــة مثــل «اإلرهــاب» واالجتــار بالبشــر واملخــدرات والالجئــن‪،‬‬

‫وجتــد بيئــة مواتيــة فــي اتســاع رقعــة االحتجــاج داخــل دول املغــرب العربــي لإلفــات مــن‬

‫الرقابــة وتشــكيل منافــذ آمنــة ألنشــطتها‪.‬‬

‫كان مــن املفتــرض أن تدفــع التحديــات الداخليــة كالتنميــة واخلارجيــة كاإلرهــاب دول املغــرب‬

‫العربــي إلــى التعــاون فيمــا بينهــا؛ باعتبــاره مصلحــة مشــتركة للجميــع‪ ،‬لكــن اخلالفــات‬

‫البينيــة‪ ،‬خاصــة بــن اجلزائــر واملغــرب فــي قضيــة الصحــراء‪ ،‬وانهيــار الســلطة املركزيــة كمــا‬

‫فــي ليبيــا‪ ،‬تســتنزف جهــود تلــك الــدول ومواردهــا فــي النزاعــات البينيــة وتعيقهــا عــن التعــاون‬

‫فــي املجــاالت احليويــة التــي متــس أمنهــا اخلارجــي‪ ،‬كمــا يعيــق ضعــف املؤسســات السياســية‬

‫والنزاعــات البينيــة القيــادات املغاربيــة عــن االســتفادة املثلــى مــن املــوارد املتناقصــة‪ ،‬ويهيــئ‬

‫البيئــة املواتيــة للتهديــدات التــي قــد تتســع وتتســبب فــي مزيــد مــن االضطرابــات السياســية‬

‫واألمنيــة‪.‬‬
‫معايري النشر يف مجلة‬
‫كليــا أو‬
‫جزئيــا أو ًّ‬
‫ًّ‬ ‫خصيصــا للمجلــة‪ ،‬وأال يكــون قــد نُشــر‬
‫ً‬ ‫ـدا‬ ‫‪ .1‬أن يكــون البحــث أصيـ ً‬
‫ـا معـ ًّ‬

‫نشــر مــا يشــبهه فــي َّأيــة وســيلة نشــر إلكترونيــة أو ورقيــة‪ ،‬أو قُ ـ ِّ‬
‫ـدم فــي أحــد املؤمتــرات العلميــة‬

‫مــن غيــر املؤمتــرات التــي يعقدهــا مركــز اجلزيــرة للدراســات‪ ،‬أو إلــى أيــة جهــة أخــرى‪.‬‬

‫‪ .2‬أن ُيرفق البحث بالسيرة العلمية (‪ ).C.V‬للباحث‪.‬‬

‫‪ .3‬يجب أن يشتمل البحث على العناصر التالية‪:‬‬

‫‪ -‬عنوان البحث باللغتني العربية واإلجنليزية‪.‬‬

‫‪ -‬امللخص التنفيذي في حنو ‪ 100-125‬كلمة‪ ،‬والكلمات املفتاحية (‪ )keywords‬بعد امللخص‪.‬‬

‫يتقيد البحث مبواصفات التوثيق وفقً ا لنظام اإلحاالت املرجعية الذي يعتمده املركز‪.‬‬
‫‪ .4‬أن َّ‬
‫‪ .5‬يــراوح احلــد األقصــى لعــدد كلمــات البحــث‪ ،‬مبــا فــي ذلــك املراجــع فــي اإلحــاالت‬

‫املرجعيــة والهوامــش اإليضاحيــة‪ ،‬وقائمــة املراجــع وكلمــات اجلــداول فــي حــال وجودهــا‪،‬‬

‫وامللحقــات فــي حــال وجودهــا‪ ،‬بــن ‪ 7000 5000-‬كلمــة كحــد أقصــى‪ ،‬وللمجلــة أن تنشــر‪،‬‬

‫بحســب تقديراتهــا وبصــورة اســتثنائية‪ ،‬بعــض البحــوث والدراســات التــي تتجــاوز هــذا العــدد‬

‫مــن الكلمــات‪.‬‬
‫ـرت مــن قبــل‪،‬‬ ‫ُ‬
‫‪ .6‬فــي حــال اســتخدام الباحــث مقتطفــات أو فصــول مــن رســائل جامعيــة أقـ َّ‬
‫فعليــه أن يشــير إلــى ذلــك‪ ،‬ويقــدم بيانــات وافيــة عــن عنــوان األطروحــة وتاريــخ مناقشــتها‬

‫‪261‬‬
‫‪| 262‬‬

‫واملؤسســة التــي جــرت فيهــا املناقشــة‪.‬‬


‫ً‬
‫متصل‬ ‫‪ .7‬أن يقــع البحــث فــي مجــال أهــداف املجلــة واهتماماتهــا البحثيــة‪ ،‬وأن يكــون كذلــك‬

‫باهتمــام الباحــث وختصصــه العلمي‪.‬‬

‫(‪)2500 2000-‬‬ ‫‪ .8‬ترحــب املجلــة باملراجعــات النقديــة للكتــب املنشــورة بحــدود ال تتجــاوز‬

‫كلمــة‪ ،‬وفــي هــذه احلالــة يتوجــب علــى الكاتــب أن يذكــر فــي أعلــى الصفحــة املعلومــات‬

‫التاليــة‪ :‬عنــوان الكتــاب‪ ،‬اســم املؤلــف‪ ،‬مــكان النشــر وتاريخــه وعــدد الصفحــات‪ .‬وتشــمل‬

‫وصفيــا حملتــوى الكتــاب‪ ،‬وكذلــك رؤيــة نقديــة معــززة بالبراهــن‬


‫ًّ‬ ‫ً‬
‫عرضــا‬ ‫مراجعــة الكتــب‪،‬‬

‫العلميــة املوثقــة‪ ،‬وأن يرســل صــورة لغــاف الكتــاب مــع املراجعــة‪.‬‬

‫‪ .9‬فــي حــال وجــود مخططــات أو أشــكال أو معــادالت أو رســوم بيانيــة أو جــداول‪ ،‬ينبغــي‬

‫برنامجــي إكســل (‪ )Excel‬أو‬


‫َ‬ ‫إرســالها بالطريقــة التــي اســتغلت بهــا فــي األصــل بحســب‬
‫وورد(‪ ،)Word‬كمــا يجــب إرفاقهــا بنوعيــة جيــدة كصــور أصليــة فــي ملــف مســتقل ً‬
‫أيضــا‪.‬‬

‫‪ .10‬تكــون جميــع الشــروحات والتعليقــات علــى اجلــداول أو الرســوم أو تصاميــم اإلنفوغــراف‬

‫مكتوبــة باللغــة العربيــة‪ ،‬مــع إحــاالت واضحــة للمصــدر األصلــي للجــدول أو املخطــط‪.‬‬

‫ويتخــذ قــرار نشــر البحــوث فــي‬


‫‪ .11‬ختضــع البحــوث للتحكيــم مــن قبــل خبــراء متخصصــن ُ‬
‫َّ‬
‫احملكمــن وقــرار هيئــة التحريــر‪.‬‬ ‫ضــوء آراء‬

‫حصرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ .12‬يجري ترتيب البحوث عند النشر على وفق مقتضيات فنية‬

‫‪ .13‬ال يدفــع مركــز اجلزيــرة للدراســات مكافــآت ماليــة مقابــل نشــر البحــوث فــي املجلــة‪،‬‬

‫اتســاقً ا مــع تقاليــد مراكــز البحــوث‪.‬‬


‫أسلوب كتابة الهوامش واملراجع‬
‫سياسات عامة‬
‫‪ -‬فــي األوراق البحثيــة والدراســات‪ ،‬يجــري تدويــن الهوامــش بشــكل يــدوي فــي نهايتهــا دون‬
‫ـدون اإلحــاالت فــي‬
‫اســتخدام خاصيــة تنســيق احلواشــي الســفلية (‪ .)Footnote‬أمــا فــي الكتــب ف ُتـ َّ‬
‫أســفل كل صفحــة عبــر خاصيــة تنســيق احلواشــي الســفلية‪.‬‬
‫‪ -‬عنــد اإلحالــة إلــى مصــدر للمــرة األولــى‪ُ ،‬تــدرج املعلومــات الكاملــة املتعلقــة بذلــك املصــدر‬
‫وفــق السياســات التفصيليــة الــواردة أدناه‪.‬‬
‫‪ -‬عنــد تكــرار املصــدر مباشــرة توضــع العبــارة التاليــة‪“ :‬املرجــع الســابق”‪ ،‬وبخصــوص الكتــب‬
‫األجنبيــة توضــع عبــارة “‪ ”Ibid‬مــع ذكــر رقــم الصفحــة‪.‬‬
‫‪ -‬عنــد تكــرار املصــدر‪ ،‬بعــد ورود مصــادر أخــرى‪ُ ،‬يذكــر االســم العائلــي للمؤلف (دون االســم‬
‫متبوعــا بعنــوان املصــدر بصيغــة مختصــرة (دون العنــوان الفرعــي)‪ ،‬ورقــم الصفحة‪.‬‬
‫ً‬ ‫األول)‬
‫‪ -‬فــي حــال عــدم معرفــة الناشــر ُيكتــب (د‪ .‬ن) وتعنــي دون ناشــر‪ ،‬وفــي حــال عــدم معرفــة‬
‫تاريــخ النشــر ُيكتــب (د‪ .‬ت) وتعنــي دون تاريــخ‪.‬‬
‫سياسات تفصيلية‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬الــكــتب‬
‫‪.1‬كتاب ملؤلف واحد‪:‬‬
‫اســم املؤلــف‪ ،‬عنــوان الكتــاب‪ ،‬رقــم الطبعــة (إن ُوجــد) (مــكان النشــر‪ ،‬الناشــر‪ ،‬تاريــخ‬
‫النشــر)‪ ،‬رقــم الصفحــة‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫‪| 264‬‬

‫عبــد اهلل فيصــل عــام‪ ،‬العالقــات املدنية‪-‬العســكرية والتحــول الدميقراطــي فــي مصــر‪ :‬يوليــو‪/‬‬
‫متــوز ‪ 1952-‬يوليو‪/‬متــوز ‪ ،2013‬ط ‪( 1‬بيــروت‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون‪ ،)2018 ،‬ص ‪.5‬‬
‫إذا كان االقتباس يشمل أكثر من صفحة‪ُ ،‬يكتب الهامش كاآلتي‪:‬‬
‫صــاحل النعامــي‪ ،‬العالقــات املصرية‪-‬اإلســرائيلية بعــد ثــورة ‪ 25‬ينايــر‪ ،‬ط ‪( 1‬بيــروت‪ ،‬الــدار‬
‫العربيــة للعلــوم ناشــرون‪ ،)2017 ،‬ص ‪.5-7‬‬
‫‪George Graham, Philosophy of Mind: An Introduction, 2nd ed. (Malden, MA: Blackwell, 1998), 87.‬‬

‫إذا لم توجد إشارة للطبعة‪ ،‬ت َُو َّثق بيانات الكتاب كاآلتي‪:‬‬
‫محمــد الســعيد إدريــس‪ ،‬النظــام اإلقليمــي للخليــج العربــي‪( ،‬بيــروت‪ ،‬مركــز دراســات الوحــدة‬
‫العربيــة‪ ،)2000 ،‬ص ‪.24‬‬

‫‪Wendy Doniger, Splitting the Difference: Gender and Myth in Ancient Greece and India (Chicago:‬‬

‫‪University of Chicago Press, 1999), 23.‬‬

‫أمــا فــي “قائمــة املراجــع”‪ ،‬التــي تــرد فــي آخــر الكتــاب‪ ،‬ف ُتو َّثــق بيانــات املؤ َّلــف علــى هــذا‬
‫النحــو‪:‬‬
‫فيصــل عــام‪ ،‬عبــد اهلل‪ .‬العالقــات املدنية‪-‬العســكرية والتحــول الدميقراطــي فــي مصــر‪ :‬يوليــو‪/‬‬
‫متــوز ‪ 1952-‬يوليو‪/‬متــوز ‪ .2013‬ط ‪ .1‬بيــروت‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون‪.2018 ،‬‬
‫‪Doniger, Wendy. Splitting the Difference: Gender and Myth in Ancient Greece and India. Chicago:‬‬

‫‪University of Chicago Press, 1999.‬‬

‫‪ .2‬كتاب ِّ‬
‫ملؤلف واحد من عدة أجزاء‪:‬‬
‫اسم املؤ ِّلف‪ ،‬عنوان الكتاب‪( ،‬مكان النشر‪ ،‬الناشر‪ ،‬تاريخ النشر)‪ ،‬رقم اجلزء‪ ،‬رقم الصفحة‪.‬‬
‫أبو الفداء بن كثير‪ ،‬البداية والنهاية‪( ،‬بيروت‪ ،‬مكتبة املعارف‪ ،)1977 ،‬ج ‪ ،12‬ص ‪.126‬‬
‫‪Manning Clark, A History of Australia (Carlton, Vic.: Melbourne University Press, 1962), 1: 243.‬‬

‫وتو َّثــق بيانــات الكتــاب فــي “قائمــة املراجــع”‪ ،‬التــي تــرد فــي آخــر الكتــاب‪ ،‬بالشــكل الــذي‬
‫ُأ ْد ِرج فيــه كتــاب ملؤ ِّلــف واحــد ضمــن القائمــة نفســها‪.‬‬
‫| ‪265‬‬

‫‪ .3‬كتاب ِّ‬
‫ملؤلفني اثنني‪:‬‬
‫اســم املؤلــف األول‪ ،‬اســم املؤلــف الثانــي‪ ،‬عنــوان الكتــاب‪( ،‬مــكان النشــر‪ ،‬الناشــر‪ ،‬تاريــخ‬
‫النشــر)‪ ،‬رقــم الصفحــة‪.‬‬
‫صبــاح املوســوي‪ ،‬محمــد الســعيد إدريــس‪ ،‬املشــروع اإليرانــي فــي املنطقــة العربيــة‪( ،‬عمــان‪،‬‬
‫دار العمــاد‪ ،)2013 ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪Kurt Johnson and Steve Coates, Nabokov’s Blues: The Scientific Odyssey of a Literary Genius (Cam-‬‬

‫‪bridge, MA: Zoland Books, 1999), 167.‬‬

‫ـد َرج فــي “قائمــة املراجــع”‪ ،‬التــي تــرد فــي آخــر الكتــاب‪ ،‬بالشــكل الــذي ورد بــه كتــاب‬
‫ويـ ْ‬
‫ُ‬
‫ملؤ ِّلــف واحــد‪.‬‬
‫‪ .4‬كتاب ألكثر من ثالثة ِّ‬
‫مؤلفني‪:‬‬
‫اســم املؤلــف األول وآخــرون‪ ،‬عنــوان الكتــاب‪( ،‬مــكان النشــر‪ ،‬الناشــر‪ ،‬تاريــخ النشــر)‪ ،‬رقــم‬
‫الصفحــة‪.‬‬
‫ســيار اجلميــل وآخــرون‪ ،‬الطريــق إلــى ســايكس‪-‬بيكو‪ :‬احلــرب العامليــة األولــى بعيــون عربيــة‪،‬‬
‫ط ‪( 1‬بيــروت‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون‪ ،)2016 ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪Raymond Evans et al., 1901, Our Future’s Past: Documenting Australia’s Federation (Sydney: Mac-‬‬

‫‪millan, 1997), 35.‬‬

‫ـد َرج فــي “قائمــة املراجــع”‪ ،‬التــي َتــرِ د فــي آخــر الكتــاب‪ ،‬بالشــكل الــذي ورد بــه كتــاب‬
‫ويـ ْ‬
‫ُ‬
‫ملؤ ِّلــف واحــد‪.‬‬
‫‪ .5‬كتاب لجهة حكومية أو مؤسسة دولية أو غريهما‪:‬‬
‫اســم اجلهــة أو املؤسســة‪ ،‬عنــوان الكتــاب‪( ،‬مــكان النشــر‪ ،‬الناشــر‪ ،‬تاريــخ النشــر)‪ ،‬رقــم‬
‫الصفحــة‪.‬‬
‫وكالــة األنبــاء القطريــة‪ ،‬اإلعــام اإللكترونــي وتأثيــره علــى الــرأي العــام‪ ،‬ط ‪( 1‬قطــر‪ ،‬وكالــة‬
‫األنبــاء القطريــة‪ ،)2010 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪World Health Organization, Abortion Laws: A Survey of Current World Legislation (Geneva: World‬‬

‫‪.Health Organization, 1771), 60-70‬‬


‫‪| 266‬‬

‫ـد َرج فــي “قائمــة املراجــع”‪ ،‬التــي َتــرِ د فــي آخــر الكتــاب‪ ،‬بالشــكل الــذي ورد بــه كتــاب‬
‫ويـ ْ‬
‫ُ‬
‫ملؤ ِّلــف واحــد‪.‬‬
‫‪ .6‬كتاب ملحرر واحد‪:‬‬
‫اسم احملرر (محرر)‪ ،‬عنوان الكتاب‪( ،‬مكان النشر‪ ،‬الناشر‪ ،‬تاريخ النشر)‪ ،‬رقم الصفحة‪.‬‬
‫‪ -‬فاطمــة الصمــادي (محــررة)‪ ،‬التقــارب اإليراني‪-‬األميركــي‪ :‬مســتقبل الــدور اإليرانــي‪ ،‬ط ‪1‬‬
‫(بيــروت‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون‪ ،)2014 ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪Ken Stewart, ed., The 1890s: Australian Literature and Literary Culture (St Lucia, Qld.: University of‬‬

‫‪.Queensland Press, 1996), 97‬‬

‫وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ .7‬كتاب ملحررين اثنني‪:‬‬
‫اســم احملــرر األول‪ ،‬اســم احملــرر الثانــي (محــرران)‪ ،‬عنــوان الكتــاب‪( ،‬مــكان النشــر‪ ،‬الناشــر‪،‬‬
‫تاريــخ النشــر)‪ ،‬رقــم الصفحــة‪.‬‬
‫عامــا‪ :‬أثرهــا فــي‬
‫عــز الديــن عبــد املولــى‪ ،‬نــور الديــن امليــادي (محــرران)‪ ،‬اجلزيــرة فــي عشــرين ً‬
‫اإلعــام والسياســة واألكادمييــا‪ ،‬ط ‪( 1‬بيــروت‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون‪ ،)2016 ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪Arthur J. Knoll and Lewis H. Gann, eds., Germans in the Topics: Essays in German Colonial History‬‬

‫‪.(New York: Greenwood Press, 1987), 137‬‬

‫وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪.8‬كتاب مرتجم أو مُرتجَم ومحرَّر‪:‬‬
‫اســم املؤلــف‪ ،‬عنــوان الكتــاب‪ ،‬ترجمــة اســم املترجــم‪( ،‬مــكان النشــر‪ ،‬الناشــر‪ ،‬تاريخ النشــر)‪،‬‬
‫رقــم الصفحة‪.‬‬
‫بشــارة خضــر‪ ،‬أوروبــا والعالــم العربــي‪ :‬رؤيــة نقديــة للسياســات األوروبيــة‪ ،‬ترجمــة أكــرم‬
‫حمــدان‪ ،‬ط ‪( 1‬بيــروت‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم ناشــرون‪ ،)2016 ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪.Rigoberto Menchú, Crossing Borders, Trans. and ed. Ann Wright (New York: Verso, 1999), 109‬‬

‫ـد َرج فــي “قائمــة املراجــع”‪ ،‬التــي َتــرِ د فــي آخــر الكتــاب‪ ،‬بالشــكل الــذي ورد بــه كتــاب‬
‫ويـ ْ‬
‫ُ‬
‫ملؤ ِّلــف واحــد‪.‬‬
‫| ‪267‬‬

‫‪ .9‬كتاب ال يوجد اسم ِّ‬


‫مؤلفه أو الجهة املسؤولة عن تحريره‪:‬‬
‫عنوان الكتاب‪ ،‬بدون مؤ ِّلف‪( ،‬مكان النشر‪ ،‬الناشر‪ ،‬تاريخ النشر)‪ ،‬رقم الصفحة‪.‬‬
‫رسائل إخوان الصفا وخالن الوفاء‪ ،‬بدون مؤلف‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪ ،)2004 ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪.Conflict: A Nation Faces the Challenge (Brisbane: Freedom Publishing, 1961), 18‬‬

‫وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ .10‬كتاب ال يوجد اسم ِّ‬
‫مؤلفه لكن اسم املرتجم أو املحرر أو املحقق موجود‪:‬‬
‫اســم املترجــم (مترجــم)‪ ،‬أو اســم احملــرر (محــرر) أو اســم احملقــق (محقــق) عنــوان الكتــاب‪،‬‬
‫(مــكان النشــر‪ ،‬الناشــر‪ ،‬تاريــخ النشــر)‪ ،‬رقــم الصفحــة‪.‬‬
‫عبد القادر بوباية (محقق)‪ ،‬تاريخ األندلس‪( ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،)2007 ،‬ص ‪.43‬‬
‫‪.Theodore Silverstein, trans., Sir Gawain and the Green Knight (Chicago: University of Chicago Press, 1974), 34‬‬

‫وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ .11‬كتاب يف سلسلة علمية أو معرفية‪:‬‬
‫اســم املؤلــف‪ ،‬عنــوان الكتــاب‪ ،‬عنــوان السلســلة ورقمهــا‪( ،‬مــكان النشــر‪ ،‬الناشــر‪ ،‬تاريــخ‬
‫النشــر)‪ ،‬رقــم الصفحــة‪.‬‬
‫معتصــم بابكــر مصطفــى‪ ،‬أيديولوجيــا شــبكات التواصــل االجتماعــي وتشــكيل الــرأي العــام‪،‬‬
‫سلســلة كتــاب التنويــر ‪ ،12‬ط ‪( 1‬الســودان‪ ،‬مركــز التنويــر املعرفــي‪ ،)2014 ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪Kyriakos Nicolaou, The Historical Topography of Kition, Studies in Mediterranean Archaeology 43‬‬

‫‪.(Goteborg: Astrom, 1976), 35‬‬

‫وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ .12‬كتاب إلكرتوني‪:‬‬
‫اســم املؤلــف‪ ،‬عنــوان الكتــاب‪( ،‬مــكان النشــر‪ ،‬الناشــر‪ ،‬تاريــخ النشــر)‪ ،‬رقــم الصفحــة‪ ،‬الرابط‬
‫ـرف الوثيقــة الرقمي (‪.)DOI‬‬
‫(‪ )URL‬أو ُم َعـ ِّ‬
‫خ َت ِصــر الروابــط (‪)Bitly.com‬‬
‫ـرا بالرجــوع إلــى ُم ْ‬
‫ـرف الوثيقــة الرقمــي مختصـ ً‬
‫يكتــب الرابــط أو ُم َعـ ِّ‬
‫أو (‪.)Google URL Shortener‬‬

‫حســن عمــاد مــكاوي‪ ،‬تكنولوجيــا االتصــال احلديثــة فــي عصــر املعلومــات‪ ،‬ط ‪( 1‬القاهــرة‪،‬‬
‫‪| 268‬‬

‫‪ ،)1993‬ص ‪https://bit.ly/2DaBEgG ،25‬‬ ‫الــدار املصريــة اللبنانيــة‪،‬‬


‫‪Claudia Schwabe, Ed., The Fairy Tale and its Uses in Contemporary New Media and Popular Culture‬‬

‫‪.(Basel: MDPI, 2016), 25, https://bit.ly/2RKqtR4‬‬

‫وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤلف واحد‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ .13‬فصل من كتاب محرَّر‪:‬‬
‫اســم الكاتــب‪“ ،‬عنــوان الفصــل”‪ ،‬فــي عنــوان الكتــاب‪ ،‬حتريــر‪ :‬اســم احملــرر‪( ،‬مــكان النشــر‪،‬‬
‫الناشــر‪ ،‬تاريــخ النشــر)‪ ،‬رقــم الصفحــة‪.‬‬
‫حســناء حســن‪“ ،‬اجلزيــرة وتطــور متثــات النســاء وأدوارهــن فــي املجــال العــام‪ :‬دراســة فــي‬
‫عامــا‪ :‬أثرهــا فــي‬
‫مضمــون برنامجــي للنســاء فقــط ورائــدات”‪ ،‬فــي اجلزيــرة فــي عشــرين ً‬
‫اإلعــام والسياســة واألكادمييــا‪ ،‬حتريــر‪ :‬عــز الديــن عبــد املولــى ونــور الديــن امليــادي‪ ،‬ط ‪1‬‬
‫ناشــرون‪ ،)2016 ،‬ص ‪.220‬‬ ‫(بيــروت‪ ،‬الــدار العربيــة للعلــوم‬
‫‪Sabine Willis, “Made to be Moral: At Parramatta Girls’ School, 1898-1923,” in Twentieth Century‬‬

‫‪.Sydney: Studies IN Urban & Social History, ed. Jill Roe (Sydney: Hale & Iremonger, 1980), 180‬‬

‫وي ْد َرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ .14‬محرر مقدمة الكتاب‪:‬‬
‫اســم كاتــب املقدمــة‪ ،‬عنــوان الكتــاب‪ ،‬اســم الكاتــب‪( ،‬مــكان النشــر‪ ،‬درا النشــر‪ ،‬تاريــخ‬
‫النشــر)‪ ،‬رقــم الصفحــة‪.‬‬
‫الوليــد آدم مابــدو‪ ،‬مقدمــة لـــ حــروب الترابــي الشــيخ حســن‪ :‬سياســي محتــرف أم مفكــر‬
‫إســامي؟‪ ،‬صديقــي محيســي‪ ،‬ط ‪( 1‬القاهــرة‪ ،‬احلضــارة للنشــر‪ ،)2016 ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪.William Trevor, introduction to Pride and Prejudice, by Jane Austen (Oxford: Oxford University Press, 1999), vi‬‬

‫ويدرج في “قائمة املراجع” بالشكل الذي ورد به كتاب ملؤ ِّلف واحد‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬الرسائل الجامعية‬
‫اســم املؤلــف‪ ،‬عنــوان الرســالة أو األطروحــة‪( ،‬نوعهــا‪ :‬رســالة ماجســتير أو أطروحــة دكتــوراه‪،‬‬
‫اســم اجلامعــة‪ ،‬تاريــخ اإلجــازة أو النشــر)‪ ،‬رقــم الصفحــة (إذا كانــت الرســالة أو األطروحــة‬
‫منشــورة علــى اإلنترنــت يوثــق رابطهــا فــي نهايــة اإلحالــة)‪.‬‬
‫| ‪269‬‬

‫فاطمــة الزهــراء الســيد‪ ،‬تقنيــات توثيــق املعلومــات الصحفيــة فــي الصحافــة املصريــة (رســالة‬
‫ماجســتير‪ ،‬جامعــة القاهــرة‪ ،)2011 ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪Neville Douglas Buch, “American Influence on Protestantism in Queensland since 1945” (PhD thesis,‬‬

‫‪.University of Queensland, 1994), 42‬‬

‫وتَرِ د في “قائمة املراجع” على هذا النحو‪:‬‬


‫الســيد‪ ،‬فاطمــة الزهــراء‪ .‬تقنيــات توثيــق املعلومــات الصحفيــة فــي الصحافــة املصريــة‪ .‬رســالة‬
‫ماجســتير‪ ،‬جامعــة القاهــرة‪.2011 ،‬‬
‫‪Buch, Neville Douglas. “American Influence on Protestantism in Queensland since 1945.” PhD thesis,‬‬

‫‪.University of Queensland, 1994‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الوثائق الرسمية‬


‫وثائق حكومية أو تقارير منظمات حكومية وغير حكومية‪.‬‬
‫اســم املنظمــة أو اجلهــة احلكوميــة‪“ ،‬عنــوان الوثيقــة”‪ ،‬رقمهــا التسلســلي‪( ،‬مــكان النشــر‪ :‬تاريــخ‬
‫النشــر)‪ ،‬رقــم الصفحــة‪.‬‬
‫منظمــة العفــو الدوليــة‪“ ،‬حالــة حقــوق اإلنســان فــي العالــم‪( ،PLO 10/6700/2018 ”،‬بريطانيــا‪:‬‬
‫منظمــة العفــو الدوليــة‪.31 ،)2018 ،‬‬
‫‪Transparency International, “Corruption Perceptions Index 2019,” CC BY-ND 4.0, (2018), 13,‬‬

‫‪.https://bit.ly/2SxUVlH‬‬

‫وتَرِ د في قائمة املراجع على هذا النحو‪:‬‬


‫منظمــة العفــو الدوليــة‪“ .‬حالــة حقــوق اإلنســان فــي العالــم”‪( .PLO 10/6700/2018 .‬بريطانيــا‪:‬‬
‫الدوليــة‪.)2018 ،‬‬ ‫منظمــة العفــو‬
‫‪.Transparency International. “Corruption Perceptions Index 2019.” CC BY-ND 4.0. 2018‬‬

‫رابعاً‪ :‬املؤتمرات والندوات‬


‫اســم املؤلــف‪“ ،‬عنــوان الورقــة”‪( ،‬قُ ِّدمــت في‪/‬إلــى عنــوان النــدوة أو املؤمتــر‪ ،‬مــكان االنعقــاد‪،‬‬
‫تاريــخ االنعقــاد)‪ ،‬الرابــط إذا كانــت الورقــة منشــورة علــى اإلنترنــت‪.‬‬
‫محمــود فهمــي حجــازي‪“ ،‬علــم اللغــة االجتماعــي وتنميــة االســتخدام اللغــوي فــي املجتمــع‬
‫‪| 270‬‬

‫املدنــي املعاصــر”‪( ،‬بحــث أو ورقــة قُ ِّدمــت في‪/‬إلــى نــدوة اللغــة العربيــة ومؤسســات املجتمــع‬
‫املدنــي‪ ،‬القاهــرة‪ 28 ،‬مــارس‪/‬آذار‪ 4 -‬أبريل‪/‬نيســان ‪.)2011‬‬
‫‪Ronald A. Francisco, “The Dictator’s Dilemma” (paper presented at the Conference on Repression‬‬

‫‪.and Mobilization, University of Maryland, June 21-24, 2001), https://bit.ly/2WMMNNK‬‬

‫وتَرِ د في “قائمة املراجع” كما ُأدرجت الوثائق الرمسية في القائمة‪.‬‬


‫خامسًا‪ :‬الدوريات واملجالت‬
‫دراسة من دورية أو مجلة‪:‬‬
‫اســم الكاتــب‪“ ،‬عنــوان الدراســة”‪ ،‬اســم املجلــة (جهــة النشــر‪ ،‬البلــد‪ ،‬املجلــد و‪/‬أو رقــم العدد‪،‬‬
‫تاريــخ النشــر)‪ ،‬رقــم الصفحة‪.‬‬
‫معتــز ســامة‪“ ،‬الــدور السياســي للنخبــة العســكرية فــي مصــر الثــورة”‪ ،‬مجلــة الدميقراطيــة‬
‫(مركــز األهــرام للدراســات السياســية واالســتراتيجية‪ ،‬مصــر‪ ،‬العــدد ‪ ،)2014 ،53‬ص ‪.63‬‬
‫‪.Roland Quinault, “Afghanistan and Gladstone’s Moral Foreign Policy,” History Today 52, no. 12 (2002): 29‬‬

‫إذا كانت الدراسة منشورة على اإلنترنت ُي َن َّوه إلى الرابط أو ُم َع ِّرف الوثيقة الرقمي كاآلتي‪:‬‬
‫علــي عبــد الهــادي‪“ ،‬مصداقيــة املتحــدث الرمســي للحكومــة لــدى اجلمهــور العراقــي‪ :‬دراســة‬
‫مســحية”‪ ،‬مجلــة الباحــث اإلعالمــي (جامعــة بغــداد‪ ،‬العــراق‪ ،‬العــدد ‪،115 :)2018 ،41‬‬
‫‪https://bit.ly/2t7no3J‬‬

‫‪Robert Dessaix, “Russia: The End of an Affair,” Australian Humanities Review 6 (1997), https://bit.‬‬

‫‪.ly/2BmTdtI‬‬

‫وتَرِ د في “قائمة املراجع” كما ُأدرجت أوراق املؤمترات والندوات في القائمة‪.‬‬


‫سادساً ‪ :‬مقاالت الصحف‬
‫اسم الكاتب‪“ ،‬عنوان املقال”‪ ،‬اسم الصحيفة‪ ،‬تاريخ النشر‪.‬‬
‫‪ 7‬فبراير‪/‬شباط ‪.2019‬‬ ‫شفيق ناظم الغبرا‪“ ،‬شروط االستقرار العربي”‪ ،‬القدس العربي‪،‬‬
‫‪Tony Stephens, “The Stain on Redfern’s Past,” Sydney Morning Herald, Spectrum, February 28-29,‬‬

‫‪ .2004‬املقــاالت التــي ُيوقِّ عهــا ُك َّتابهــا تُذكــر فــي قائمــة املراجــع‪ ،‬أمــا التقاريــر التــي ختلــو مــن‬
‫اســم احملــرر فــا تُذكــر فــي القائمــة‪.‬‬
‫| ‪271‬‬

‫سابعاً‪ :‬صفحات املواقع واملنشورات اإللكرتونية‬


‫اســم الكاتــب‪“ ،‬عنــوان املقــال أو التقريــر”‪ ،‬اســم املوقــع اإللكترونــي‪ ،‬تاريــخ النشــر (تاريــخ‬
‫الدخــول‪ ،)...:‬الرابــط‪.‬‬
‫ســعيد احلــاج‪“ ،‬تركيــا وحتديــات االنســحاب العســكري األميركــي مــن ســوريا‪ ”،‬اجلزيــرة نــت‪،‬‬
‫‪ 1‬يناير‪/‬كانــون الثانــي ‪( 2019‬تاريــخ الدخــول‪ 7 :‬فبراير‪/‬شــباط ‪.https://bit.ly/2DdLy12 ،)2019‬‬

‫‪Dana Milbank, “The Democratic apology tour is a sorry spectacle,” The Washington Post, February‬‬

‫‪.6, 2019, “accessed February 24, 2019”. https://wapo.st/2BnpYXS‬‬

‫املقــاالت التــي ُيوقِّ عهــا كتابهــا تُذكــر فــي قائمــة املراجــع‪ ،‬أمــا التقاريــر التــي ختلــو مــن اســم‬
‫احملــرر فــا تذكــر فــي القائمــة‪.‬‬
‫ثامناً‪ :‬املقابالت‬
‫‪ .1‬مقابلــة خاصــة أجراهــا الباحث‪/‬املؤلــف مــع املنصــف شــيخ روحــه‪ ،‬عضــو املجلــس الوطنــي‬
‫التأسيســي‪ 2 ،‬يونيو‪/‬حزيــران ‪ ،2014‬تونس‪.‬‬
‫‪ .2‬مقابلــة عبــر الهاتف‪/‬البريــد اإللكتروني‪/‬الســكايب أجراهــا الباحــث مــع عمــاد بشــير‪ ،‬مديــر‬
‫كليــة اإلعــام والتوثيــق‪ 24 ،‬نوفمبر‪/‬تشــرين الثانــي ‪.2018‬‬
‫ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻻﺳﺘﺮاﺗﯿﺠﯿﺔ واﻹﻋﻼﻣﯿﺔ‬
‫دورﯾﺔ ﻣﺤﮑﻤﺔ ﺗﺼﺪر ﻋﻦ ﻣﺮﮐﺰ اﻟﺠﺰﯾﺮة ﻟﻠﺪراﺳﺎت‬

‫اﻟﻌﻨﻮان‬
‫وادي اﻟﺴﯿﻞ‪ ،‬اﻟﺪوﺣﺔ‪ ،‬دوﻟﺔ ﻗﻄﺮ‬
‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ‬
‫‪lubab@aljazeera.net‬‬
‫ﺻﻨﺪوق اﻟﺒﺮﯾﺪ‪23123 :‬‬
‫هﺎﺗﻒ‪+٩٧٤ ٤٠١٥٨٣٨٤ :‬‬
‫ﻓﺎﮐﺲ‪+974 44831346 :‬‬

‫ﺳﻌﺮ اﻟﻨﺴﺨﺔ‪ً ١٥ :‬‬


‫رﯾﺎﻻ أو ‪ ٤‬دوﻻرات‬

You might also like