You are on page 1of 4

‫‪fq‬التمييز بين الطبيعة‬

‫والثقافة‬
‫– تمهيد‪:‬‬
‫إن اعتبار اإلنسان كائنا ثقافيا يعني انه منتج للثقافة بكل مظاهرها سواء كأفكار وقيم ومعتقدات‪ ،‬أو عندما‬
‫تتحول إلى طقوس وممارسات وسلوكات‪ ،‬وأنماط عيش‪ .‬مما يجعلها عالما متميزا عن عالم الطبيعة الذي‬
‫يتمثل في القوانين البيولوجية والغرائز التي تتحكم في اإلنسان مثله مثل باقي الحيوانات‪ B‬األخرى‪ ،‬مما يدخل‬
‫هذين العالمين في حالة صراع‪:‬‬

‫– فما هي الطبيعة؟ وما المقصود بالثقافة؟‬

‫– وما العالقة التي تربط اإلنسان بالطبيعة؟‬

‫– وكيف يتفاعل ما هو طبيعي‪ ،‬بما هو ثقافي في اإلنسان؟‬

‫‪ -1‬مفهومي الطبيعة والثقافة‪:‬‬


‫أ‪ -‬مفهوم الطبيعة‪:‬‬
‫لقد قدم لنا جان فال تعريفا اشتقاقيا لكلمة الطبيعة‪ ،‬حيث نجد مفردة (‪ )physis‬اإلغريقية‪ ،‬و(‪)natura‬‬
‫الالتينية تعني‪ :‬القدرة‪ B‬على النمو الكامنة في األشياء‪ ،‬كالسماء‪ B،‬األرض‪ ،‬الكواكب‪ B،‬الحيوانات واإلنسان‪ ،‬كما‬
‫قدم أرسطو مفهوما فلسفيا للطبيعة عندما اعتبر طبيعة شيء ما هو فكرته أو شكله‪ ،‬وأن الطبيعة األولى‬
‫هي الماهية‪.‬‬

‫ب‪ -‬مفهوم الثقافة‪:‬‬
‫إن مفهوم الثقافة في نظر هيرسكوفيتش يتميز بالتنوع‪ ،‬حيث نجدها تتميز بطابع االكتساب‪ ،‬كما تساعد‬
‫اإلنسان على التأقلم مع وسطه طبيعي‪ ،‬وتتمثل في عدة مظاهر كالمؤسسات‪ ،‬وطرق التفكير‪ ،‬واألشياء‬
‫العادية…‪B‬‬

‫أما الثقافة‪ ،‬في نظر تايلر‪ ،‬فهي كل مركب‪ ،‬يتشكل من المعارف‪ ،‬المعتقدات‪ ،‬الفن‪ ،‬األخالق‪ ،‬القوانين‪،‬‬
‫التقاليد‪ B،‬وكل األعراف األخرى‪ ،‬والعادات المكتسبة من طرف اإلنسان باعتباره عضوا في المجتمع‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلنسان كمنتج للثقافة‪:‬‬


‫إن اإلنسان‪ ،‬حسب جورج بطاي‪ ،‬هو الكائن الوحيد الذي ال يقبل بالمعطى الطبيعي‪ ،‬بل يغيره ويحوله من‬
‫خالل استخراج وصنع األدوات واألشياء‪ ،‬وهذه العناصر هي التي تشكل عالم الثقافة‪ ،‬لكنه في نفس الوقت‬
‫هو نتيجة للثقافة من خالل عملية التنشئة االجتماعية (التربية)‪ ،‬وهكذا فإن اإلنسان يتضافر في تشكله‬
‫عنصران‪ ،‬عنصر طبيعي‪ ،‬وآخر ثقافي‪ ،‬وال يمكن أن نعطي األولوية لعنصر على آخر‪.‬‬
‫‪ -3‬جدلية الطبيعي والثقافي لدى‬
‫اإلنسان‪:‬‬
‫لتحديد الطبيعة اإلنسانية‪ ،‬في نظر إدغار موران‪ ،‬هناك مدخالن وهما‪:‬‬

‫–‪ ‬مدخل ثقافي‪  :‬يتمثل في كون اإلنسان له مفهوم ثقافي يختلف باختالف التحوالت الثقافية الكبرى‪.‬‬

‫–‪ ‬مدخل طبيعي‪  :‬يتمثل في كونه كائنا حيا يتميز بسمتين أساسيتين وهما‪ :‬كونه يمشي على قدمين‪،‬‬
‫ويمتلك دماغا كبيرا‪.‬‬

‫وهكذا تتداخل في طبيعة اإلنسان العناصر الطبيعية بالعناصر الثقافية‪ ،‬فتكون كل أفعاله وسلوكاته‪ B،‬أفعال‬
‫طبيعية وثقافية في نفس اآلن‪ ،‬كأفعال‪ :‬األكل والشرب والنوم…‬

‫–‪ ‬استنتاج‪:‬‬
‫إن هناك عالقة تفاعلية بين الطبيعة والثقافة‪ ،‬حيث تؤثر الطبيعة في الثقافة‪ B،‬والعكس صحيح‪ ،‬وهكذا نجد‬
‫اإلنسان يتفاعل هو اآلخر مع الثقافة‪ ،‬فهو كائن منتج للثقافة وفي نفس الوقت نِتاج لها‪ ،‬وهذا ما يجعله‬
‫مزدوج الطبيعة فيه ما هو ثقافي‪ ،‬وما هو طبيعي في نفس الوقت‪.‬‬

‫الطبيعة‪ 5‬موضوع للنشاط‬


‫اإلنساني‬
‫–‪ ‬تمهيد‪:‬‬
‫منذ البدايات األولى لإلنسان دخل في عالقة مع الطبيعة تمثلت أوال في الصيد والتقاط الثمار‪ ،‬ثم تطورت بعد‬
‫ذلك مع ظهور الزراعة‪ ،‬إلى أن بلغت ذروتها مع اإلنتاجات الصناعية‪ ،‬التي ستطبع تدخل اإلنسان في الطبيعة‪،‬‬
‫باعتبارها موضوعا لنشاطه‪ ،‬وهكذا أصبح اإلنسان متفاعل مع الطبيعة‪ ،‬ولم يبق مجرد منفعل بها‪:‬‬

‫– فما العالقة التي تربط اإلنسان بالطبيعة؟ هل هي عالقة توافق أم صراع؟‬

‫– وما هي أشكال السيطرة على الطبيعة؟‬

‫– وهل ينبغي أن نحد‪ B‬من تدخلنا في الطبيعة؟ ولماذا؟‬

‫‪ -1‬االنسجام مع الطبيعة‪:‬‬
‫يتميز اإلنسان عن باقي الكائنات األخرى‪ ،‬بما فيها الثدييات‪ -‬في نظر رالف لينتون‪ -‬بقابليته للتعلم إلى ما ال‬
‫نهاية‪ .‬وباعتبار اإلنسان مزدوج الطبيعة‪ ،‬أي كائن عاشب من جهة‪ ،‬والحم من جهة ثانية‪ ،‬أهله هذا لتطوير‬
‫الزراعة‪ B،‬وتدجين الحيوانات‪ B‬كذلك‪ .‬وبهذا فقد استغل كل اإلمكانات التي تتيحها له الطبيعة‪ ،‬وبما أنه كائن‬
‫يمشي على قدمين‪ ،‬فقد كان استعمال الدرج بالنسبة له أنسب‪ B‬من المنحدرات‪ .‬إن امتالك اإلنسان لجسد‪B‬‬
‫عار من الشعر‪ ،‬دفعه إلى صنع المالبس‪ ،‬وبناء المساكن‪ B.‬بل ظهرت لديه‪ B‬كذلك بعض السلوكات والعادات‬
‫المرتبطة باالحتشام واالستحمام‪ .‬وهكذا نجد اإلنسان يعيش في انسجام‪ B‬مع وسطه الطبيعي‪.‬‬
‫‪ -2‬المواجهة مع الطبيعة‪:‬‬
‫تتميز العالقة بين الطبيعة واإلنسان في بعض األحيان بالمواجهة والصراع‪ ،‬حسب سيغموند فرويد‪ .‬وتتمثل‬
‫بالخصوص‪ ،‬في الكوارث الطبيعية‪ ،‬كالزالزل‪ ،‬الفيضانات‪ ،‬األعاصير… هذه الكوارث تترتب عنها عدة نتائج على‬
‫مستوى اإلنسان‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫– شعور اإلنسان بالضعف والعوز‪ ،‬اللذين نسيهما نتيجة سيطرته وامتالكه للطبيعة‪.‬‬

‫– ظهور مشاعر التآزر والتضامن في مواجهة هذه الكوارث‪ ،‬ما دامت الغاية هي الحفاظ على بقاء اإلنسانية‪.‬‬

‫‪ -3‬تحويل الطبيعة والسيطرة عليها‪:‬‬


‫يتميز اإلنسان عن باقي الكائنات األخرى‪ ،‬في نظر فرنسيس بيكون‪ ،‬بالطموح وهو على ثالثة مستويات‪:‬‬

‫– الطموح األول‪ :‬طموح اإلنسان للسيطرة على وطن بكامله‪ ،‬وهو طموح عامي ووضيع‪.‬‬

‫– الطموح الثاني‪ :‬ويتمثل في السيطرة على كل الجنس البشري‪ .‬وهذا الطموح يتميز بخاصية االحترام لكنه‬
‫يتميز بخاصية الطمع كذلك‪.‬‬

‫– الطموح الثالث‪ :‬وهو طموح اإلنسان للسيطرة على الطبيعة والكون‪ ،‬وهو طموح يتميز بالعظمة والنبل‪.‬‬

‫إن الوسيلة الكفيلة بتحقيق هذه األنواع من الطموح لدى اإلنسان هي العلم وسائر الفنون (الحرف‪B،‬‬
‫والصناعات…)‪.‬‬

‫–‪ ‬استنتاج‪:‬‬
‫– هل ينبغي أن نحد من تدخلنا في الطبيعة؟ ولماذا؟‬

‫منذ السبعينات اكتشفنا المزابل‪ ،‬واإلشعاعات الطبيعية‪ ،‬والتبخرات‪  ‬الناتجة‪ B‬عن التقدم التقنو‪ -‬صناعي‬
‫الحضري‪ .‬فقد غزانا فيروس «‪ ‬السيدا‪ »  ‬الذي يعتبر أول فيروس يدخل التاريخ من بين جملة الفيروسات‬
‫األخرى‪ ،‬والتي هي اآلن قيد الظهور‪ ،‬إضافة إلى ظهور بكثيريا جديدة تصمد أمام المضادات الحيوية‪ .‬كما‬
‫اتسعت‪ B‬دائرة الموت متمثلة في تهديد شبح السالح النووي‪ -‬الحراري‪ ،‬والكيماوي‪ ،‬والبيولوجي الذي يتربص‬
‫بنا‪ .‬إن الهيمنة الجامحة‪ B‬للتقنية على الطبيعة تقود اإلنسانية‪ B‬نحو االنتحار‪ ،‬لذا وجب أن نحد من تدخلنا في‬
‫الطبيعة‪ ،‬لننقد هذا الكوكب األزرق من انهيار توازنه البيئي الهش أصال‪.‬‬

‫تعدد الثقافات واختالفها‬


‫–‪ ‬تمهيد‪:‬‬
‫إن ما يميز النوع البشري‪ ،‬هو التعدد‪ ،‬سواء تعلق األمر بعرقه‪ ،‬أو بثقافته (لغته‪ ،‬دينه‪ ،‬نمط عيشه…)‪ ،‬وهذا‬
‫التعدد ليس سمة مميزة للحضارات والشعوب واألمم فحسب‪ ،‬بل هي سمة يتميز بها المجتمع الواحد‪،‬‬
‫والثقافة الواحدة‪ B‬أيضا‪ ،‬غير أن اإلقرار بالتعدد‪ ،‬قد يلغي القول باألصل أو الهوية الواحدة‪ B،‬كما قد يلغي التفاضل‬
‫بين الثقافات واالعتقاد في سمو ثقافة على أخرى‪ ،‬وهذا ما يدفعنا إلى طرح األسئلة التالية‪:‬‬

‫– هل هناك ثقافة كونية واحدة؟ أم هناك ثقافات متعددة؟‬


‫– وإن كانت متعددة‪ ،‬فهل العالقة بينها‪ ،‬عالقة صراع؟ أم تعايش؟‬

‫‪ -1‬كونية الثقافة وتعدد الثقافات‪:‬‬


‫إن ازدواجية وحدة ‪ /‬تنوع الثقافات‪ -‬في نظر إدغار موران‪ -‬ازدواجية أساسية‪ :‬تحافظ الثقافة على الهوية‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وبشكل أدق على األشياء األكثر خصوصية فيها‪ ،‬وتحافظ الثقافات على الهويات االجتماعية في‬
‫أدق خصوصيتها‪ .‬قد تعطي الثقافة االنطباع بأنها تنغلق على ذاتها حفاظا على هويتها الخاصة‪ ،‬لكنها في‬
‫الواقع تظل مفتوحة‪ ،‬إذ تدمج داخلها ليس فقط المعارف والتقنيات‪ ،‬ولكن أيضا األفكار‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬والمأكوالت‪،‬‬
‫واألفراد اآلتين من آفاق أخرى‪ .‬وكل ربط بين ثقافتين فيه إغناء للثقافات ذاتها‪ ،‬إنه يفضي إلى إنجازات خالقة‪،‬‬
‫بفضل التهجينات الثقافية كتلك التي أعطت الفالمينكو‪ ،‬وموسيقى أمريكا الالتينية‪ ،‬والراي… وعلى العكس‬
‫من ذلك‪ ،‬يشكل تدمير ثقافة ما بفعل الهيمنة التقنية الحضارية‪ B،‬خسارة للبشرية جمعاء‪ ،‬والتي يشكل تنوع‬
‫ثقافتها أحد أغلى كنوزها‪.‬‬

‫‪ -2‬صراع الثقافات وتعايشها‪:‬‬


‫أ‪ -‬صدام الحضارات‪5:‬‬
‫تجتهد الشعوب واألمم‪ -‬حسب صموئيل هنتينجتون‪ -‬للجواب عن السؤال األساسي بالنسبة لجميع الناس أال‬
‫وهو‪ :‬من نحن؟ وتتم العودة إلى أقدم األجوبة التقليدية بحثا عن الجواب‪ ،‬إنهم يعودون إلى ما يعتبرونه مهما‬
‫بالنسبة‪ B‬لهم‪ .‬يعثرون على ذواتهم في الجماعات الثقافية‪ :‬القبائل‪ ،‬األعراق‪ ،‬الجماعات الدينية‪ ،‬األمم‬
‫والحضارات بشكل عام‪ ،‬فهم يستغلون السياسة‪ ،‬ليس من أجل تقديم مصالحهم الخاصة‪ ،‬بل من أجل تحديد‪B‬‬
‫هويتهم‪ ،‬إننا نعرف من نحن عندما نعرف ما لسنا إياه‪ B،‬وفي الغالب عندما ندرك ضد من نحن‪ .‬إن الدول‪ -‬األمم‪،‬‬
‫تظل هي العوامل الرئيسية‪ B‬الفاعلة‪ B‬على الساحة‪ B‬الدولية‪ B،‬وكما كان األمر في الماضي‪ ،‬فإن سلوكها يبقى‬
‫مقيدا بالبحث‪ B‬عن القوة والثروة‪ ،‬إال أن هذا البحث يخضع أيضا‪ ،‬وبامتياز‪ ،‬للروابط الجماعية واالختالفات‬
‫الثقافية…‬

‫في هذا العالم الجديد‪ B،‬لن تحدث الصراعات الشاملة والمهمة والخطيرة بين الطبقات االجتماعية‪ ،‬بين األغنياء‬
‫والفقراء‪ ،‬بين الجماعات المحددة‪ B‬وفق معايير اقتصادية‪ ،‬بل ستحدث بين شعوب منتمية لهويات ثقافية‬
‫مختلفة‪ .‬إن الحروب القبَلية والصراعات العرقية‪ ،‬سوف تتأجج أكثر فأكثر داخل الحضارات نفسها‪.‬‬

‫ب‪ -‬كيفية مواجهة صراع الثقافات‪:‬‬


‫تؤدي كل من نزعة التمركز حول العرق‪ ،‬ونزعة التمركز حول المجتمع‪ ،‬إلى أنواع مختلفة من كره األجانب ومن‬
‫النزعات العنصرية‪ ،‬حسب إدغار موران‪ ،‬والتي يمكن أن تصل إلى حدود نزع صفة اإلنسان عن األجنبي‪.‬‬
‫وهكذا فالصراع الحقيقي ضد النزعات العنصرية‪ ،‬من األفضل أن يتم ضد جذورها المتمركزة حول الذات‪ B‬وحول‬
‫المجتمع‪ ،‬عوض أن يتم ضد أعراضها‪ .‬إن مسببات ونتائج أسوء عدم الفهم لهي األفكار المسبقة‪ ،‬وأنواع‬
‫التبرير العقالني المعتمدة على آليات اعتباطية‪ ،‬وتبرير الذات بشكل جنوني‪ ،‬والعجز عن النقد الذاتي‪ ،‬واعتماد‬
‫طريقة مرضية في البرهنة‪ ،‬والكبرياء‪ ،‬والجحود‪ ،‬واالحتقار‪ ،‬وخلق متهمين وهميين والعمل على محاكمتهم‪.‬‬

‫–‪ ‬استنتاج‪:‬‬
‫إن الثقافة وإن كانت‪ B‬معطى كونيا نظرا لوجودها في كل الحضارات والمجتمعات‪ ،‬فهي تتعدد بتعدد هذه‬
‫المجتمعات نفسها كل حسب تاريخه ومحيطه‪ .‬إال أن كثير من األشكال الثقافية تؤدي إلى صراعات ونزاعات‬
‫بين الجماعات‪ B‬والشعوب‪ ،‬لكن عندما يتم تجاوز هذا الصراع‪ ،‬يحصل االرتقاء إلى مستوى التعايش السلمي‬
‫ويسود االحترام المتبادل والتسامح‪.‬‬

You might also like