Professional Documents
Culture Documents
ترجع النظريات الديمقراطية مصدر السلطة السياسية داخل الدولة إلى األمة أو إلى
الشعب ،ولقد جاءت نظرية سيادة األمة ( la théorie de la souveraineté nationaleأ )
سابقة عن نظرية سيادة الشعب ( la théorie de la souveraineté populaireب ).
وما تجدر مالحظته هو اختالف التشريعات المقارنة في األخذ بكل من النظريتين
وتكريسهما دستوريا ،فتباينت نصوص الدساتير بين األخذ بالنظرية األولى ،والنظرية الثانية،
والمزج بين مضمون النظريتين ( ج ).
هي نظرية تم تكريسها ألول مرة عند قيام الثورة الفرنسية ،فلقد تضمنت وثيقة حقوق
اإلنسان والمواطن التي أقرتها الجمعية الوطنية عام 1789مبدأ سيادة األمة ،إذ نصت هذه الوثيقة
في فصلها الثالث على أن األمة هي مصدر كل سيادة وال يجوز ألي فرد أو هيئة ممارسة السلطة
إال على اعتبار أنها صادرة منها.
كما جاء في الدستور الفرنسي لسنة 1791على أن السيادة وحدة واحدة غير قابلة لالنقسام
وال للتنازل عنها وال للتملك بالتقادم وهي ملك لألمة وبأن األمة مصدر جميع السلطات .فما هو
مضمون هذه النظرية ( أوال ) ،و ما هي النتائج المترتبة عن األخذ بها ( ثانيا ) ؟
يعتبر المفكر سيايس " "sieyesمن أبرز منظري سيادة األمة وذلك في مؤلفه الشهير " ما هي
الطبقة الثالثة " ،وأمام أهمية هذه النظرية يتحتم علينا معرفة مضمونها.
فتعني هذه النظرية أن السيادة داخل الدولة ليست ملكا للحكام وإ نما هي ملك لألمة التي تتميز
سلطتها بالسمو فال تعلوها وال تنافسها سلطة أخرى.
فاألمة صاحبة السيادة هي شخص معنوي غير ملموس مستقل عن األفراد المكونين للدولة في
الحاضر ،ويشتمل هذا الشخص المعنوي على مجموعة تضم أفراد األمس واليوم والغد أي األحياء
واألموات والذين سيولدون ،وبذلك تختلف األمة عن الشعب المكون من مجموعة من األشخاص
يمكن حصرها بصفة دقيقة و ملموسة في الحاضر وهكذا فاألمة باعتبارها شخصا معنويا ال يمكنها
التعبير عن نفسها بنفسها لذا وجب عليها تعيين من سيقوم بالتعبير عن إرادتها.
وقد استعملت هذه النظرية من قبل رجال الثورة الفرنسية لتمكين الطبقة البرجوازية من احتكار
السلطة السياسية واالقتصادية بفرنسا ،فمضمون كلمة األمة يختلف عن مضمون كلمة الشعب.
وقد أدى هذا االختالف بين المصطلحين إلى إسناد الحكم و السلطة في فرنسا ال إلى مجموع
الشعب بل إلى طبقة معينة منه ،وهي البرجوازية وذلك بإعطاء أفرادها وحدهم دون سواهم من
طرف األمة حق المشاركة في ممارسة السلطة السياسية.
يترتب عن نظرية سيادة األمة عدة نتائج يمكن حصرها في النقاط التالية:
-1بما أن األمة شخص معنوي مستقل عن األفراد المكونين للدولة في الحاضر ،فالسيادة التي
ترجع للدولة هي كل ال يتجزأ إلى عناصر ،فمن المستحيل وفقا لهذه النظرية تجزئة السيادة
الوطنية وتقسيمها على األفراد بحيث يختص كل فرد بجزء منها ،لذلك فإن نظام
الديمقراطية المباشرة والديمقراطيةـ شبه المباشرة حيث يقوم األفراد بأنفسهم بممارسة
السلطة السياسية دون وساطة أحد ال يتماشى مع نظرية سيادة األمة 1.5 ( .ن )
-2تعبر األمة عن ذاتها عن طريق ممثلين وناطقين باسمها الشيء الذي يؤدي إلى إيجاد النظام
النيابي ،ويقع تعيين هؤالء الممثلين عن طريق االنتخابات وهذا االختيار ال يعد تبعا لنظرية
سيادة األمة حقا لألفراد بل مجرد وظيفة ،كما يسمح هذا االقتراع بتحديد الشروط الالزم
توافرها في الناخبين ،فتقتصر ممارسة االنتخابات في نطاق سيادة األمة على البعض دون
البعض اآلخر ،وهكذا تجيز هذه النظرية االقتراع المقيد الذي يشترط في الناخب أن يكون
مثال ذو مستوى علمي أو اجتماعي معين ،وقد وقع العمل بمبدأ االقتراع المقيد والضيق في
عهد دستور 1791بفرنسا حيث كان االقتراع مشروطا فال يعطى هذا الحق إال لمن كان
يدفع ضريبة تعادل ثالثة أيام عمل.
-3إن الممثلين الذين يتم اختيارهم للتعبير عن إرادة األمة أحرار غير ملزمين بأن يعبروا عن
إرادة ناخبيهم ،فليس في إمكان الناخبين إمالء إرادتهم على نواب األمة أو إلزامهم بأي نوع
من الوكالة اإللزامية وذلك طيلة المدة النيابية ،ويترتب عن تعبير النائب أثناء قيامه بوكالته
التمثيليةـ إلرادة األمة وحدها اعتباره نائب األمة جمعاء وليس جمهور الناخبين في نطاق
دائرته االنتخابية.
وتجدر المالحظة كذلك أن نظرية سيادة األمة بحكم امتزاجها بفكرة التمثيل ال تملي حتما وجود
النظام الجمهوري ،فيمكن أن تمارس السيادة في ظل النظام الملكي مثال وقد أكد دستور فرنسا
لسنة 1791السالف الذكر أن الملك يمثل األمة بجانب الجمعية الوطنية.
تعني هذه النظرية أن السيادة داخل الدولة مصدرها هو الشعب بجميع أفراده ،فالسيادة تنقسم
بين جميع هؤالء األفراد بحيث يكون لكل فرد جزء من السيادة ،وعلى هذا األساس تصبح السيادة
مجزأة ومقسمة بحسب عدد أفراد الجماعة.
وتعتبر هذه النظرية التي تقتضي القول أن السلطة اآلمرة واألخيرة في الدولة تكمن في شكل مباشر
في مجموعة أفراد الشعب أكثر واقعية ودقة ووضوح من نظرية سيادة األمة التي تشكل وحدة
مجردة مستقلة عن األفراد.
وقد أكد جون جاك روسو مضمون هذه النظرية بقوله أن الفرد في إطار السيادة الشعبية يعتبر وفي
آن واحد رعية و صاحب سيادة جزئية ،وهو كرعية يخضع لكل سلطة السيادات الفردية المجتمعة
لتشكل السلطان وكعنصر من عناصر السيادة العامة ال يمتلك إال جزءا من السيادة ولكنه في
المجموعة ،يتمتع بما يتمتع به الجميع من قوة.
ثانيا :حـول النتائج المترتبةـ عن نظرية سيادة الشعب
يترتب عن هذه النظرية عدة نتائج يمكن حصرها في النقاط التالية:
-1يتمتع كل فرد في نطاق سيادة الشعب بحكم ملكيته لجزء من السيادة بحق االنتخاب ،وهذا
الحق في االنتخاب يؤدي إلى منطقيا إلى االقتراع العام والشامل ،كما ال يمكن تقييده بسبب
المستوى االجتماعي أو التعليمي كما هو الشأن بالنسبة لسيادة األمة.
-2يمكن للشعب في نطاق هذه النظرية اختيار نوابه ،ويعتبر النائب وكيال عن ناخبيه إذ أنه
يمثل جزء من السيادة األمر الذي يؤدي إلى :
* إلزام النائب بإرادة الناخب وذلك بدعوته للعمل وفق وكالة محدودة ومضبوطة يحدد
محتواها مسبقا من طرف الشعب.
* عزل النائب من طرف الناخبين إذا ما حاد عن الوكالة التي التزم بتنفيذها .وتوصف الوكالة
في هذه الحالة على أنها وكالة إلزامية وذلك بحكم مسؤولية النائب أمام أفراد الشعب أصحاب
السيادة.
-3يمكن للشعب في نطاق هذه النظرية ممارسة الحكم دون وساطة عن طريق الديمقراطية
شبه المباشرة ،وذلك عن طريق االستفتاء أو االقتراح الشعبي أو االعتراض الشعبي على
القوانين ،وتعتبر القرارات التي يأخذها الشعب بصفة مباشرة أو غير مباشرة تجسيما إلرادة
األغلبية بحيث يتعين على األقلية أن تحترم األغلبية.
االنتخاب الذي أصبح حقا في كل األنظمة السياسية إذ ال يمكن تقييده بشروط مالية أو
أخرى ،ويكون بالتالي قد فقد صبغته الوظيفية.
االقتراع بقطع النظر عن طبيعة صاحب السيادة في الدولة أصبح عاما وشامال.
أصبح المواطن ال يتوقف دوره على اختيار نوابه أو ممثليه في البرلمان بل يتجاوز ذلك
إلى اختيار حزب سياسي وبرنامج سياسي معين.
إمكانية ممارسة المواطن للسلطة بصفة مباشرة عن طريق مباشرة تقنيات الديمقراطية شبه
المباشرة كعملية االستفتاء.
مزج الدساتير المعاصرة بين النظريتين ،مثل ما أقره الفصل الثالث من دستور 1958
الفرنسي ،من أن السيادة الوطنيةـ la souveraineté nationalتخص الشعب le
peupleالذي يمارسها بواسطة ممثليه وعن طريق االستفتاء.
كما حاول الدستور المغربي لسنة 1996في فصله الثاني التوفيق بين النظريتين ،بنصه على أن
السيادة لألمة ،تمارسها مباشرة باالستفتاء ،وبصفة غير مباشرة بواسطة المؤسسات الدستورية.
كما أكد المؤسس الدستوري الجزائري هذا المزج ،من خالل ما نصت عليه المادة 6من دستور
1996بقولها :أن الشعب مصدر كل سلطة .وأن السيادة الوطنية ملك للشعب وحده ،إضافة إلى
المادة 7منه كذلك التي تنص على أن السلطة التأسيسيةـ ملك للشعب ،الذي يمارس سيادته
بواسطة المؤسسات الدستورية التي يختارها ،كذلك عن طريق االستفتاء ،وبواسطة ممثليه
المنتخبين.