You are on page 1of 140

‫¦عبدالعزيز الصقعبي كاتبا وروائيا‪.

‬‬ ‫¦‬
‫¦حضور املرأة يف مجموعة عبدالرحمن‬ ‫¦‬
‫الدرعان‪.‬‬
‫¦جبل عرفات للروسي أحميدوف‪.‬‬ ‫¦‬
‫اجلمال املنحوتة باجلوف شاهد على‬ ‫¦ ِ‬ ‫¦‬
‫‪ 6000‬عام من التاريخ‪.‬‬
‫¦نصوص سردية وشعرية‪.‬‬ ‫¦‬
‫¦مواجهات‪ :‬الروائي سعيد سالم‬ ‫¦‬
‫ومحمد عيد إبراهيم والهنوف‬
‫الدغيشم وستيفن كينج‪.‬‬

‫وقفات مع الجائحة‬
‫شهادات ونصوص في عزلة كورونا‬

‫‪68‬‬
‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬
‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬

‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬


‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬
‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬
‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬
‫مجاالت النشر‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬
‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬
‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬
‫شروط النشر)‪.‬‬
‫شروطه‪:‬‬
‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬
‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬
‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬
‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬
‫للنشر‪.‬‬
‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬
‫فصيحة‪.‬‬
‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬
‫‪ -‬البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬
‫تلك المجالت‪.‬‬
‫‪ -‬الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬
‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬
‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬
‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬
‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬
‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬
‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬
‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬
‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬
‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬
‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬
‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬
‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬
‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬
‫أكادميية‪.‬‬
‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬
‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬
‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬
‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬
‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬
‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬
‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬
‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬
‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬
‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬
‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة (البند «أ»)‪.‬‬
‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬
‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬
‫‪ -‬ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬
‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬
‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬
‫‪ -‬حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬
‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬
‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث (البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬
‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬
‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬
‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬
‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬
‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬
‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬
‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬
‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬
‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬
‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬
‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬
‫عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬
‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬
‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السدير ي عضواً‬
‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬

‫قواعد النشر‬ ‫أسرة التحرير‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫املشرف العام‬ ‫إبراهيم بن موسى احلميد‬
‫محرر ًا‬ ‫ ‬‫محمود الرمحي‬
‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬
‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬
‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬
‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬
‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬
‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬
‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬
‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬
‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬
‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬
‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابق‬اً‪‭.‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬
‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫يُعنى املركز بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثقافية‪،‬‬
‫ويتبنّى برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬يخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬
‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬
‫ال من‪( :‬دار‬
‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬
‫للنساء‪ .‬ويصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬ ‫‪0553308853‬‬
‫الـمحتويــــات‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫‪٤‬‬ ‫االفتتاحية ‪................................................................................‬‬
‫‪٦‬‬ ‫محور خاص‪ :‬كورونا والمتغيرات المفروضة ‪..........................................‬‬
‫‪7‬‬ ‫بين جائحتين‪ ..‬أُ ُذ ٌن تتد ّب ُر العزلة ‪ -‬عبداهلل السفر‪..............................‬‬
‫‪9‬‬ ‫نسأل اهلل أن يزيل هذه الغمة ويفرّج كرب هذه األمة ‪ -‬أحمد اللهيب ‪...........‬‬
‫‪10‬‬ ‫صار الزمن سائ ًال في ممرات البيت‪ - !..‬جعفر عمران‪..............................‬‬
‫‪12‬‬ ‫من يوميات الراحة في أيام العزل ‪ -‬عزة دياب ‪..................................‬‬
‫‪13‬‬ ‫كورونا والعزلة ‪ -‬خديجة إبراهيم الشهري‪.......................................‬‬
‫‪14‬‬ ‫عزلتي قبل كورونا وخاللها ‪ -‬عيادة خليل ‪.......................................‬‬
‫‪15‬‬ ‫عزلة «كورونا» ‪ -‬عبداهلل بيال‪...........................................................‬‬
‫‪17‬‬ ‫حبيسً ا بين جدران مكتبتي! ‪ -‬عبدالوهاب أبو زيد ‪..............................‬‬
‫‪18‬‬ ‫أصدقاء محيطين بي على األرفف‪ - !..‬أحمد ابراهيم البوق ‪...................‬‬
‫‪20‬‬ ‫العزلة بسبب كورونا‪ ،‬وما أدراني ما كورونا؟ ‪ -‬عبدالرحمن موكلي‪.............‬‬
‫‪22‬‬ ‫الليالي الهادئة‪ ،‬ليالي جائحة كورونا‪ - !..‬محمد خضر ‪........................‬‬
‫‪٢٣‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬عبدالعزيز الصقعبي‪ :‬كاتبا وروائيا ومسرحيا‪...........................‬‬
‫‪٢٤‬‬ ‫الشخصية المعقدة في مجموعات الصقعبي ‪ -‬د‪ .‬سالم الراشد‪................‬‬
‫‪٢٦‬‬ ‫الصقعبي في غفوة ذات ظهيرة ‪ -‬فرج مجاهد ‪..........................‬‬
‫‪٢٨‬‬ ‫الصقعبي الروائي والقاص والسيناريست ‪ -‬غازي الملحم‪...............‬‬
‫‪٣٠‬‬ ‫الصقعبي‪ ..‬مخرج يحرّك شخصياته كيفما يريد ‪ -‬خالد الخالد‪..........‬‬
‫‪٣٢‬‬ ‫الحكواتي يفقد صوته بين عوالم الصقعبي ‪ -‬عبدالعزيز بوشردوقة‪...........‬‬
‫‪٣٤‬‬ ‫الصقعبي‪ ...‬سرد ماتع السترجاع أوليات الطفولة‪ - ...‬محمد العامري ‪........‬‬ ‫‪23.........................‬‬
‫‪٣٧‬‬ ‫صفعة المرآة‪ ..‬الكوميديا السوداء حين تضحكك وأنت تبكي ‪ -‬د‪ .‬هناء البواب‪.‬‬
‫‪٤٠‬‬ ‫القاص والروائي عبدالعزيز الصقعبي ‪ -‬حاوره‪ :‬عمر بوقاسم ‪..................‬‬
‫‪٥٠‬‬ ‫توظيف اللغة األجنبية في الروايات العربية‪ - ..‬سميرة الزهراني ‪..............‬‬ ‫عبدالعزيز الصقعبي‬
‫‪٥٤‬‬ ‫حضور المرأة السيريالي المضيء في (رائحة الطفولة) ‪ -‬تركية العمري‪.......‬‬
‫‪57‬‬ ‫نصوص‪ :‬عيد مبارك ‪ -‬محمد الرياني‪................................................‬‬ ‫كاتبا وروائيا ومسرحيا‬
‫‪58‬‬ ‫أيام معه ‪ -‬ربيعة المنصوري ‪.....................................................‬‬
‫‪59‬‬ ‫األفعى ‪ -‬عمار الجنيدي ‪.........................................................‬‬
‫‪61‬‬ ‫ديون ال يمكن سدادها ‪ -‬محمد صالح أبو عمر‪.................................‬‬
‫‪65‬‬ ‫عراف ينير حكمة الوقت ‪ -‬حليمه حريري‪.......................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫أيتها الطفولة‪ ..‬هل تبصرين؟ ‪ -‬نويّر العتيبي‪....................................‬‬
‫‪70‬‬ ‫يلد ‪ -‬هاني قدري ‪.........................‬‬ ‫َات المِ َ‬
‫األحْ َل ُم تُ َو َّز ُع مَجَ انًا َم َع شَ هَاد ِ‬
‫‪71‬‬ ‫كوفيد ‪ - 19‬ماجد سليمان‪.......................................................‬‬
‫‪72‬‬ ‫حوارية ‪ -‬عبد الوهاب أبو زيد ‪...................................................‬‬
‫‪74‬‬ ‫عطر الفالحين ‪ -‬نوره عبيري‪....................................................‬‬
‫‪89.............................‬‬
‫‪75‬‬ ‫نبض ألقى ‪ -‬مالك الخالدي ‪..................................................‬‬ ‫ال َ‬
‫‪76‬‬
‫‪٧٧‬‬
‫كورونا ‪ -‬د‪ .‬عبدالهادي الصالح‪..................................................‬‬
‫ترجمة‪ :‬جبل عرفات‪ ..‬محمد أحميدوف ‪ -‬ترجمة د‪ .‬إبراهيم إستنبولي ‪..............‬‬
‫حوار مع الهنوف‬
‫‪٨١‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الروائي المصري (سعيد سالم) ‪ -‬حاوره‪ :‬أحمد الالوندي‪..................‬‬ ‫الدغيشم‬
‫‪٨٩‬‬ ‫الهنوف الدغيشم ‪ -‬حاورها‪ :‬عمر بوقاسم ‪......................................‬‬
‫‪٩٣‬‬ ‫مع الشاعر الكبير‪ ..‬محمد عيد إبراهيم ‪ -‬حاوره‪ :‬كمال أبو النور ‪..............‬‬
‫‪٩٩‬‬ ‫الكاتب األمريكي ستيفن كينج ‪ -‬حوار‪ :‬تيري غروس ‪ -‬ترجمة‪ :‬أميرة الوصيف‪.‬‬
‫‪١٠٤‬‬ ‫نوافذ‪ :‬ذكـريات‪ ..‬في مركز معلومات عكاظ قبل األفول ‪ -‬محمد الجفري‪.........‬‬
‫‪١١٠‬‬ ‫الصمت‪ ..‬من وجهة نظر أنثروبولوجية ‪ -‬المهدي مستقيم‪......................‬‬
‫‪١١٣‬‬ ‫وقفات مع جائحة كورونا ‪ -‬د‪ .‬عبدالحكيم بن خالد الحميد ‪....................‬‬
‫‪١١٦‬‬ ‫اكتشاف منحوتات جمال ‪ -‬المحرر الثقافي ‪.....................................‬‬
‫‪١٢١‬‬ ‫موقع الجِمال المنحوتة في مدينة سكاكا ‪ -‬حسين بن علي الخليفة ‪............‬‬ ‫‪116............................‬‬
‫‪١٢٤‬‬ ‫أسعد عبده ‪ -‬محمد عبدالرزاق القشعمي ‪......................................‬‬
‫‪١٣٢‬‬ ‫عندما يمرض الشاعر ‪ -‬أحمد الفالح ‪...........................................‬‬
‫‪134‬‬ ‫قراءات‪.....................................................................................‬‬
‫اكتشاف منحوتات جمال‬
‫‪136‬‬ ‫الصفحة األخيرة‪ :‬في ذم العزلة ‪ -‬صالح القرشي‪....................................‬‬ ‫في منطقة سكاكا‬
‫الغالف‪ :‬منحوتات الجمال بالحجم الطبيعي على جبل في مدينة سكاكا بمنطقة الجوف يعود تاريخها ألكثر من ‪ 6000‬عام‪.‬‬
‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬
‫كانت الضريبة باهضه للقرية الكونية التي نعيشها! وإذا كان العالم قد بات منذ‬
‫ال من‬
‫سنوات يفاخر األحياء واألمــوات بأننا نعيش عصرًا لم تشهد البشرية له مثي ً‬
‫قبل؛ من حيث سرعة التواصل‪ ،‬واالنتقال؛ بسهولة ويسر‪ ،‬فقد دفع الجميع ضريبة هذا‬
‫العصر‪ ،‬وسقط في أول امتحان كبير وُضعت البشرية أمامه‪ ،‬وأصبحت تقف عاجزة في‬
‫فيروس صغير‪ ،‬بات يتنقل بين مختلف األصقاع‪ ،‬عابرًا الحدود والمسافات‪ ،‬مستفيدًا من‬
‫عصر العولمة؛ فبات جائح ًة تنتشر بين التجمعات البشرية موجهة ضربتها الكبيرة إلى‬
‫رؤوس أقوى دول العالم‪ ،‬وقاتلة مئات اآلالف من الناس حول العالم‪ ،‬ومخلّفة الماليين‬
‫مرضى حائرين‪.‬‬

‫وخوفًا من اجتياح الفيروس‪ ،‬ومن أجل حماية الدول لنفسها ولمجتمعاتها من تواصل‬
‫باتت الجائحة تتربص به وتعتصر صبره وقدرته على المقاومة في حرب لم يستعد لها‬
‫الكثير‪ ،‬أصبح العالم اليوم يعيش عزلته االضطرارية التي عزلت ُد َولَ ُه الكبرى والصغرى‬
‫على السواء‪ ،‬في مشهد لم يعهده عليه الناس منذ اختراع السيارة والطائرة ووسائل‬
‫النقل السريعة‪.‬‬

‫في األشهر األولى للجائحة‪ ،‬فوجئ العالم بحلول الخريف مبكرا‪ ،‬وتم تأجيل الربيع‪،‬‬
‫وحلّت سطوة الحرب المعلنة في بداياتها باألخبار المفزعة القادمة من الصين‪ ،‬مهد‬
‫الفيروس‪ ،‬وبالعدوى الكبيرة التي باتت تهب الموت أقصر طريق في إيطاليا وإسبانيا‪،‬‬
‫الدولتين اللتين حصدت الجائحة حصادها األول فيهما‪ ،‬وفيهما كانت الصدمة األولى‬
‫لمواجهة الفيروس‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪4‬‬
‫دراـ ـ ـ ـ ـ‬
‫س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬
‫ـاتـاون‬
‫حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة‬ ‫اف ـ‬

‫في األشهر التالية‪ ،‬بات الفيروس أكثر ضراوة‪ ،‬وكاد أن يسرق فرصة النجاة‪ ،‬وكان‬
‫سارقًا لألمل‪ ،‬وانتشرت األخبار المفزعة من الواليات األمريكية المتحدة‪ ..‬وسقوط‬
‫نيويورك‪ ،‬تلك المدينة العظيمة‪ ،‬تحت وطأة الجائحة‪ ،‬وبات عليهم إحصاء اإلصابات‪،‬‬
‫وع ّد الموتى الذين يسقطون يوميًا‪ ،‬وكانت فرص الحياة تتالشى شيئًا فشيئًا؛ فكلما‬
‫اقترب الفيروس كانت المواجهة وشيك ًة مع الموت‪ ،‬ليتحول في أحيان كثيرة إلى موت‬
‫بطيء يستنزف البشرية في أبهى تجلياتها‪.‬‬

‫في وسائل التواصل العابر للحدود‪ ،‬بتنا نتواصل مع لُصقائنا االفتراضيين‪ ،‬والكل‬
‫يبتعد عن أن ينوشه الفيروس بأي شاردة أو واردة‪ ،‬وكنا نحمد الولي القدير ليل نهار أن‬
‫جنبنا تغوّل الفيروس وهذه المالمسة غير المحسوسة‪ ،‬والتي تخترق األعضاء وتضرب‬
‫التنفس‪ ،‬وتقضي على الحياة‪.‬‬

‫مع تقدّم األيام واألشهر‪ ،‬بات الفيروس أمرًا ال مناص منه‪ ،‬وبات الكل يتعايش مع‬
‫عزلته المشتهاة‪ ،‬وكان على الجميع أن يتكيّف مع الوضع الجديد‪ ،‬حتى مع فتح المدن‬
‫وبدء عودة الحياة التدريجي؛ ومع هذا‪ ،‬تبقى الجائحة حتى بعد أكثر من ستة أشهر‬
‫خلفية لمشهد الحياة وللعزلة التي نعيشها؛ ولهذا كان محور العزلة معبرًا عن التحوالت‬
‫وإشكاالت التعايش‪ ،‬وكيفية تكريس الكتابة‪ ،‬بما هي واحدة من وسائل مقاومة الفيروس‬
‫والتغلب على عزلة الجائحة‪.‬‬

‫في السياق‪ ،‬تنقشع الحروب والجوائح‪ ،‬مهما طال أمدها مخلّفة ندوبها وأحزانها؛ وفي‬
‫الوقت ذاته تبقى اإلضافات اإلنسانية من علوم وابتكارات ومعارف وإبداع ذخيرة مقاومة‬
‫خالدة في المدونات والكتب‪ ،‬مكونة مفرداتها ونصوصها وإبداعاتها التي أوجدتها‪.‬‬

‫وفي انتظار انتهاء جائحة كورونا‪ ،‬بمشيئة اهلل سبحانه‪ ،‬تتعلم البشرية الكثير من‬
‫الدروس والعبر‪ ،‬وأولها نعمة الحياة التي حباها اهلل بها في أيام الرخاء‪ ،‬غير مقدرين‬
‫ما تستحقه من تقدير‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫كورونا‬
‫والمتغيرات المفروضة‬
‫كورونا ذلك الكائن العجيب‪ ،‬قلب كيان العالم في لحظة لم تكن في الحسبان‪،‬‬
‫فيروس تمكن من اجتياح كل منزل وحياة‪ ،‬ولم تكن متغيراته عادية‪ ،‬بل هي من‬
‫جنح خيال حوّل األمن كله إلى سطوة الجلوس في المنزل‪ .‬فلم نعد نحن كما كنا‪،‬‬
‫ولم تعد قدرتنا على الحياة كما نعرف‪.‬‬
‫ليل الحظر ثقيلٌ وطويلٌ ‪ ،‬وال يوجد ما يقطعه انتقامً ا منه‪ ،‬فتتغير المفاهيم‬
‫واألفكار واألشياء من حولنا‪ ،‬لنجد أنفسنا في دائرة الوحدة والعزلة التي تجبرنا‬
‫على قبول اآلخر الذي ربما نهرب منه دومً ا‪ ،‬ولكننا اليوم مجبرون على وجوده في‬
‫حياتنا وأمام أعيننا‪.‬‬
‫هــذه المتغيرات جعلتنا فجأة ننظر للعالم من زاويــة الوحدة والـفــراغ‪ ،‬فأنت‬
‫محكوم عليك بالسجن‪ ،‬الذنب هو عدم التعقيم المستمر طوال سنيّ عمرنا‪ ،‬وكأن‬
‫يقتص لنفسه ولعائلته من بني البشر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫هذا الفيروس يريد أن‬
‫الجميع يعتقد أن الحَ ْجر قرّبنا اجتماعيًا ونفسيًا‪ ،‬ولكن األمر على العكس‬
‫تـمــامــا؛ الحجر الصحي كــان شـعــاره (التباعد االجـتـمــاعــي) تباعدنا اجتماع ًيًا‬
‫ونفسيا وجـســد ًيــا‪ ،‬أصبحنا كمن يـحــاول الـخــروج مــن الــزجــاجــة أو ًال ليستعين‬
‫بالهواء ويسرقه‪.‬‬
‫مــا مــن كــاتــب ي ــدرك أن الــوقــت سيفوته دون أن ي ــدون كــل تفاصيل حياته إال‬
‫ويخاف فــوات اللحظة‪ ،‬نعم كتبت كثيرً ا بعنوان ( أحاسيس معقمة) فكل شيء‬
‫حولنا معقم‪ ،‬حتى مشاعرنا أصبحت معقمة وتخلو من الفوضى التي تعودناها‪،‬‬
‫ومــن رائـحــة األحـضــان التي نفتقدها‪ ،‬وألنـنــا مــع الـكــورونــا سمعنا أص ــوات دبيب‬
‫النمل‪ ،‬وعرفنا مهارة الذبابة وهي تطير‪ ،‬واكتشفنا إبداع السلحفاة في تباطئها؛‬
‫ألنها ليست متعجلة على الموت‪ ،‬كل ذلك دفعنا أن ندوّن مشاعرنا المعقمة في‬
‫يوميات مختلفة‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪6‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫بين جائحتين‪ ..‬أ ُ ُذ ٌ‬


‫ن تتدبّر ُ العزلة‬
‫■ عبداهلل السفر*‬
‫«كــورونــا» لــم تكن الجائحة األول ــى التي أعايشها عن‬
‫قرب في حياتي‪.‬‬
‫في العام ‪ ،1970‬اجتاح «وباء الكوليرا» منطقة األحساء‪.‬‬
‫وقتها كـنـ ُـت أدرس فــي الـصــف الخامس ابـتــدائــي‪ ،‬وليس‬
‫من مصدرٍ للمعلومات حــول هــذا الــوبــاء غير ما نسمع‪،‬‬
‫وغير مــا يسري مــن تغيير طفيف فــي حياتنا اليومية‪.‬‬
‫ـؤشــر األك ـبــر هــو غ ـيــاب عــمّ ــال شــركــة أرام ـك ــو وكــذلــك‬
‫ال ـمـ ّ‬
‫عمّ ال «القنطراز» (وهم المتعاقدون في القطاع الخاص‬
‫بأجور منخفضة) ِمن أبناء قريتي‪ ،‬بفعل حظر الدخول‬
‫والخروج من األحساء إال بتصريح خاص من مستشفى الملك فيصل بمدينة الهفوف‪.‬‬
‫والخ َضر المحفوظة حضورًا دائمً ا ويوميًا في وجبات‬ ‫المؤشر الثاني حضور علب التونة ُ‬ ‫ّ‬
‫الغداء بدي ًال عن اللحوم التي غابت طول مدة الحجر بسبب التدابير الوقائية‪ .‬سوى ذلك‪،‬‬
‫كانت أيامنا تمضي ـ أنا ومن هم في العمر وفي صداقة الحي والمدرسة والقرابة ـ ما بين‬
‫السباحة عصر ًا في «البحيرة»‪ ،‬وهي تجمّ ع مائي كبير بفعل مياه األمطار الغزيرة ـ الواقعة‬
‫عند مدخل القرية‪ ،‬واللعب لي ًال في «براحة الديرة» بالقرب من منزل عمّ تي؛ ألعب قلي ًال‬
‫ثم أنسحب إلى منزل العمّ ة حيث األهل «يتعتّمون» جزء ًا من الليل‪ ،‬وما أتمتّع به ويخيفني‬
‫في الوقت نفسه حكايات زوج العمة التي ال تنفد عن الجن‪ .‬وفي ذلك العام انتشرَتْ بيننا‬
‫أغنية للمطرب الصاعد «عبادي الجوهر» وأنزلناها صدً ى وواقعةً تحكي الحال‪« :‬يا مدير‬
‫يتأخر عليّا»‪ ،‬ولم نكن ننطق «يا مدير الحجز» بل‬ ‫الحجز اقطع لي تذاكر‪ ..‬ما هي العادات ّ‬
‫«يا راعي الحجز» وكنّا نعني المسؤول عن الحجر‪ .‬ولماذا «راعي»‪ .‬ال أعلم‪ .‬هل كان التغيير‬
‫بأثر أغنية أخرى لعيسى بن علي‪« :‬يا راعي التاكسي شلني واكسب المعروف»!!‬

‫‪ ..‬خمسون عاماً مضت‪ ،‬وها هي جائحة تنهمر من الشاشة بأرقام تتبدّل تباعاً فتنشر‬
‫«كورونا» تُقبِل عاصف ًة بالعالم أجمع؛ صوتًا الهلع والرعب‪ ،‬فتنطلق التحذيرات وتتوالى‬
‫وصـــورة‪ ..‬ووقــائــع عيانية ومعايشة يومية اإلجراءات االحترازية‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫يهبط من جديد «الحَ جْ ر» في صورته خلخلة «التباعد االجتماعي»‪ .‬البحث عن‬
‫رابطة تنقب جــدار العزلة‪ ..‬ث ّم تلّة‬
‫ٍ‬ ‫ِص ٍلة؛‬ ‫الجزئية والكليّة‪.‬‬
‫قليل قليل‪ ،‬كيف‬
‫نوم ٍ‬‫تنتعش كلمة» الــعــزلــة»‪ ..‬وتــتــردّد ك ِلمَتا الوقت المتعاظمة مع ٍ‬
‫«الــتــبــاعــد االجــتــمــاعــي»؛ ســيــاج ـاً يمنع أزحزحها؛ أكشطُ شيئا منها لئال تذهبَ‬
‫أنفاسي‪.‬‬ ‫الجائحة‪.‬‬
‫إلى جانب نزهتي المعتادة بين الكتب‬ ‫ثـ ّمــة قلق على األبــنــاء‪ ،‬رغــم التواصل‬
‫اليومي وســيــل «التطمينات» ال ــذي يأتي واألفـــــام‪ ..‬والمسلسالت المتاحة عبر‬
‫منصة «نتفليكس»‪ ،‬انفتحَ تْ أُذُني ـ وال أقول‬
‫ّ‬ ‫أب‬
‫منهم‪ .‬وهم بالمثل في حالة خوف على ٍ‬
‫يطفو فــوق الستين عاماً بــأمــراض زمنية عيني ـ بــشــراهـ ٍـة على بــرامــج وتطبيقات‬
‫وأخرى طارئة تزيد سن ًة بعد سنة؛ فتنهال إلكترونية‪ ،‬منها ما لم أسمع به من قب ُل‬
‫النصائح «والتحذيرات المشدّ دة» التي تركّز أبدًا‪ ،‬وبعضها موجود على جهازي المحمول‬
‫على «الخروج» من المنزل (وتدقيقات أخرى وال أستخدمه‪ .‬صار يومي عامرًا بمفردات‬
‫(زوم‪ ،‬إنــســتــغــرام‪ ،‬بــرودكــاســت‪ ،‬يوتيوب‪،‬‬ ‫من االبنة الطبيبة)‪.‬‬
‫ساوند كالود)‪ ..‬مفردات تعمل بمثابة نوافذ‬
‫قــبــل الــجــائــحــة‪ ،‬ك ــان نــظــامــي الــيــومــي‬
‫تعويضية؛ جــسـرًا مــعــمــورًا بـــ «االخــتــاط‬
‫منذ ستّة أعــوام ـ ال أحيد عنه إال قليالـ‬
‫االجــتــمــاعــي»؛ هـ ــواء حــي مــتــجــدّ د يضع‬
‫المشي‪ ،‬بعد التاسعة صباحا‪ ،‬في «مجمّع‬
‫التواصل في نصابه اإلنساني‪.‬‬
‫الظهران» على سبيل الرياضة لمدة أربعين‬
‫‪ ..‬بعد ثالثة أشهر من الحجر المنزلي‪،‬‬ ‫دقيقة‪ ،‬ثم الجلوس مقدار ساعة أو أكثر في‬
‫أحد مقاهي الشارع التجاري بحي الدوحة «انتبهتُ !!» إلى وزني (زاد عن عشرة كغم)‪.‬‬
‫الجنوبية‪ ،‬حيث أقيم‪ ،‬وهناك ينتهي يومي انتبهتُ إلى قــراءة معدّ ل السكر في الدم؛‬
‫خ ــارج الــمــنــزل‪ ..‬ألمــضــي بقيّة يــومــي في قراءة ال تطمئن‪ .‬وضعي الصحي ال يحتمل‬
‫هذا الوزن وال تلك «اللخبطة»‪.‬‬ ‫عزلتي االختيارية‪.‬‬
‫بــدأتُ في العودة تدريجيًا إلى المشي‪،‬‬
‫اآلن‪ ،‬العزلة إجبارية‪ .‬ما أعمله ليس‬
‫طــوع ـ ّيــا‪ .‬ينبغي مــازمــة الــمــنــزل‪ .‬بهج ُة قبل المغرب بساعة‪ ،‬فــي تهوية المنزل‬
‫العزلة تتبدّ د مع هذا الوضع القسري‪ .‬ال الصغيرة يصحبني صوتُ محمود درويش‪:‬‬

‫«ال الرحل ُة ابتدأَتْ ‪ ،‬وال الدربُ انتهى»‪.‬‬ ‫بدّ من التأقلم‪ .‬إنشاء بدائل‪ .‬فتْح نوافذ‪.‬‬
‫* ناقد وشاعر سعودي‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪8‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬
‫بداية نسأل اهلل أن يزيل هذه الغمة‬
‫ويفرّج كرب هذه األمة‬
‫■ أحمد اللهيب*‬

‫عالقتي بالقراءة قديمةٌ ‪ ..‬وهي عاد ٌة أكثر من كونها شيئا آخر‪ ،‬ولذا لم تكن هذه األيام‬
‫التي نقضيها في البيت بسبب انتشار (وبــاء كــورونــا) مصدر تضايق أو تذمّ ر‪ ،‬بل وجدتها‬
‫فرصة لمزيد من القراءة ومزيد من االطــاع‪ ،‬ومصادفة هذا االلتزام بالمكوث في البيت‬
‫مع شهر رمضان يجعل القراءة مرتبطة بالقرآن الكريم أوال‪ ،‬فعاد ًة ما أصطحب كتابًا آخر‬
‫يبحر في جانب من جوانب هذا الكتاب العظيم‪ ،‬وكان كتاب (إعراب ثالثين آية من القرآن‬
‫الكريم) البن خالويه‪ ،‬هو الكتاب المصاحب لقراءة القرآن‪ ،‬فأمدني هذا الكتاب بثالثين‬
‫فائدة قدمتها في حسابي في موقع (تويتر) وعبر رسائل (الواتس)‪ .‬هذه نافذة‪.‬‬
‫أنفذ من ورائها إلى عالم مختلف ورؤى‬ ‫أم ــا الــنــافــذة األخـ ــرى فــإنــي أنتخب‬
‫متنوعة‪ ،‬فكانت رواية (شيفرة دافنتشي)‬ ‫فــي شهر رمــضــان شــاع ـرًا يتعايش مع‬
‫بكل عوالمها الرمزية تنقلني إلى عالم‬ ‫شعره لفترة زمنية طويلة‪ ،‬وكان (ديوان‬
‫جديد وكوكب فريد‪.‬‬ ‫البحتري) صديقًا لــي فــي هــذا األيــام‪،‬‬
‫هذه بعض الوقفات في أيــام الحجر‬ ‫أقــرأ فــي شعره وأنتخب مــن قصائده‪،‬‬
‫الصحي‪ ،‬وفيها ما يتخللها من مشاهدات‬ ‫وأنشر من أبياته ما تطرب له النفوس‬
‫مرئية‪ ،‬أو تسجيالت صوتية‪ ،‬لقصص من‬ ‫وتــأنــس بها األرواح‪ .‬وإذا كــان الشعر‬
‫التراث األدبي؛ نزجي بها الوقت‪ ،‬ونسلّي‬ ‫حاضرًا من جانب فإن النثر حاض ٌر من‬
‫النفس‪.‬‬ ‫زاويــة أخــرى‪ ،‬فوجدت في (ديــوان النثر‬
‫العربي) ألدونيس مساحة رائعة من قراءة‬
‫النثر‪ ،‬وهو في أربعة مجلدات‪ ،‬وجدتها‬
‫واحة خضراء تنبت من كل عصر زهورًا‬
‫مختلف ًة وورودًا متنوعة‪ .‬وغالبًا إذا حضر‬
‫الشعر والنثر‪ ،‬فإني أصطفي كتابًا نقديًا‬
‫بجوارهما‪ ،‬فكان كتاب (نقد أعالم الرواة‬
‫‪ -‬الشعر العربي) للدكتور عبدالكريم‬
‫محمد حسين رفيقًا أنست به في هذه‬
‫العزلة‪ .‬كما تركت للرواية زاويــة أخرى‬

‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫صار الزمن سائ ً‬
‫ال في ممرات البيت‪!..‬‬
‫■ جعفر عمران*‬

‫ربما ساعدت اللغة الصحفية التي أمتلكها في حضوري في شبكات التواصل االجتماعي‬
‫بشكل ملفت أيام الحجر المنزلي‪ ،‬وقد يكون بشكل «زائد»‪.‬‬
‫اللغة الصحفية هي المناسبة للتعبير عن حاجة اإلنـســان في جميع ظــروفــه‪ ،‬وتــزداد‬
‫تلك الحاجة في األزمــات بشكل خاص؛ لما تمتلكه من مرونة ووضوح وخفة في التعبير‪،‬‬
‫تساعد اإلنسان على الفهم والتفسير‪ .‬وهذا تفسير عودة مشاهدة الناس بمختلف فئاتهم‬
‫للتلفزيون سيما القنوات اإلخبارية‪ ،‬وفي السعودية تفوقت بشكل ملحوظ قناة «اإلخبارية»‪.‬‬

‫بــعــد يــومــيــن مــن صـ ــدور قـ ــرار الحجر‬


‫مقاالت صحفية تعبّر‬ ‫ٍ‬ ‫المنزلي‪ ،‬بدأت أكتب‬
‫عن اللحظة الجديدة في مجتمعنا‪ ،‬أنشرها‬
‫فــي شــبــكــات الــتــواصــل‪ ،‬وحــظــيــت بتفاعل‬
‫مناسب‪ .‬رحــتُ أكتب مقالين في األسبوع‪،‬‬
‫خاصة في شهر مارس‪ ،‬إضافة إلى ظهوري‬
‫للحديث عن اإلعالم ودوره في «أزمة كورونا»‬
‫من خالل حواريْين في صحف إلكترونية‪،‬‬
‫وكــذلــك اســتــضــافــتــي فــي مــنــصــات ‪zoom‬‬
‫وفــي تطبيق االنستغرام‪ ،‬كما قمتُ بإلقاء‬
‫محاضرات عبر االنستغرام بعنوان «مهارة‬
‫نشر رواي ــة على الفيسبوك والــخــوف من‬ ‫الــحــوار التلفزيوني والــصــحــفــي»‪ ،‬وأخــرى‬
‫بــعــنــوان «صــنــاعــة الفيلم الــوثــائــقــي»‪ ،‬كما‬
‫ســرقــتــهــا‪ ،‬ذلـــك االخ ــت ــاف والــــــردود في‬
‫الفيسبوك ربما ساعد في إقبال كثير من‬ ‫استضفت ُ الممثل القدير إبراهيم الحساوي‬
‫الشباب وأشــخــاص ال أعرفهم فــي قــراءة‬ ‫حوار عبر االنستغرام لقي قبوالً كبيرا‪.‬‬ ‫في ٍ‬
‫كذلك ساعد على حضوري المكثّف في الرواية على الفيسبوك‪ ،‬والتفاعل معها‪ ،‬أو‬
‫شبكات التواصل نشري لمخطوطة روايتي طلب نسخة ‪ PDF‬لقراءتها‪.‬‬
‫تلك األح ــداث أسهمت في نشر اسمي‬ ‫األولــى «اخــتــراع رجــل ديــن»‪ ،‬ومــا صاحبها‬
‫مــن اخــتــاف فــي وجــهــات النظر مــع بعض أو التعريف به بين ق ـرّاء جُ ــدد‪ ،‬وفــي طلب‬
‫األصدقاء المثقفين والكتّاب حول جدوى كتابيّ «ذاكرة المكان أنا إعالمي» من متجر‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪10‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬
‫إلكتروني لبيع الكتب‪ ،‬وأظن أن مطلب كل السباق ربما لصالحها‪ ،‬أو ربما هو تعادل؛‬
‫كاتب هو تعزيز حضوره في الساحة األدبية ولكنه تعادل من صالحنا‪.‬‬
‫والثقافية وكسبَ قراء جدداً‪.‬‬
‫كورونا جعلتنا نــدرك الفرق بين الوقت‬
‫كان المبرر في نشر مخطوطة روايتي أنها وبين الزمن‪ .‬أعادتنا إلى ذاكرتنا لنشاهد‬
‫غير مطبوعة وغير متوافرة في يد القاريء‪ ،‬حياتنا السابقة‪ ،‬أعادتنا إلى صورنا القديمة‬
‫لكنّ القارئ موجود‪ ،‬وكان الجو العام مهيّئاً وهواياتنا وألعابنا الجماعية‪« .‬كورونا» جلست‬
‫للقراءة‪ ،‬وبخاصة قراءة الرواية‪ ،‬وهذا أسهم بجانبنا وقالت‪ :‬ل َم هذا الركض؟ وإلى أين؟‬
‫في انتشارها إلكترونياً وقراءتها‪ ،‬وإن كان وهذا السباق إلى متى؟ قالت لنا بالحرف‬
‫من عدد قليل‪ ،‬إال إنها كانت فرصة جيدة‬
‫الــواحــد‪ :‬للحياة شكل آخــر‪ ،‬الــذي سبق ال‬
‫بالنسبة لي‪.‬‬
‫يستحق منكم كل هذا العناء‪ .‬تفكيركم في‬
‫عند توّفر الوقت يمكن للقارئ أن يظن اآلخر وهروبكم إلى الشارع‪ ،‬حياتكم ليست‬
‫أنها فرصة ذهبية للقراءة بنهم أكثر وفي هناك‪.‬‬
‫عقل أصفى‪ ،‬ولكن هل تحقّق ذلك لي في‬
‫حياتكم أجــمــل فــي الــبــيــت‪ ،‬فيه متسع‬ ‫فترة الحجر المنزلي؟!‬
‫ومساحة للعيش والحب والتأمل والهدوء‪.‬‬
‫في أيام معينة وجدتُ صعوبة في استيعاب‬
‫ما أقرأ‪ ،‬استمر هذا اإلحساس حتى توقفتُ‬
‫عن قراءة الروايات وغيرها من الكتب! ألول‬
‫مرة في حياتي أبتعد عن القراءة برغبة منّي‬
‫دون شعور بالتقصير‪ .‬داخلني شعور بأنني‬
‫في إجازة‪ ،‬وألول مرة أعرف معنى إجازة؛ أن‬
‫أكون بال قراءة وال كتابة‪.‬‬
‫توّف ُر الوقت جعله متكدساً مثل أرشيف‪،‬‬
‫ال‬
‫شاب طموح بال عمل‪ .‬صار الزمن سائ ً‬‫مثل ٍّ‬
‫إلى درجة أنك تتعثر به في ممرات البيت‪ ،‬أو‬
‫تشعر به لزجاً على جلدك‪.‬‬
‫رحتُ أتساءل‪ :‬هل «كورونا» هزيمة لمعركة‬
‫سابقة كنا نخوضها مع الوقت والزمن؟ كنا‬
‫في سباق محموم ال يهدأ‪ ..‬نركض ونسابق‬
‫الزمن لنحاول أن نحقق أهدافنا البعيدة‪،‬‬
‫نركض خلف أحالمنا وال نقترب منها ألن‬
‫خطواتها دائماً أســرع منا‪« .‬كورونا» أنهت‬

‫* إعالمي وقاص سعودي‪.‬‬

‫‪11‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫من يوميات الراحة في أيام العزل‬
‫■ عزة دياب*‬

‫مــرت الساعات األولــى ليوم الراحة في التنظيف‪ ،‬حين أخــذت كتاب حلم السلتي بين‬
‫يدي‪ ..‬كنت متعبة ورائحة الكلور تفوح من يدي‪ ،‬وجدت العالمة على صفحة (‪ ،)57‬قررت‬
‫نصفسجن بينتوفيل يتمثل في عدم‬
‫البدء من البداية‪ ..‬قرأت في الصفحة األولى (أحد عذابات‬
‫معرفة الوقت)‪ ،‬قلت في نفسي ومعرفة الوقت أيضا عذاب‪.‬‬

‫وصــلــت إلـــى الــصــفــحــة (‪ )57‬وروجـــر صينية الفراخ بحلقات البطاطس والطماطم‬


‫كــيــســمــنــت يــتــحــدث ع ــن ال ــس ــوط األداة ووضــعــتــهــا فــي ال ــف ــرن‪ ،‬أنــهــت نــجــاة سكة‬
‫المستخدمة فــي تخويف ســكــان الكونغو العاشقين ووصلت إلى‪ ..‬في نصف الطريق‬
‫ومعاقبتهم من قبل األوربيين‪ .‬ساعات النهار ووقفنا يــا قلبي‪ ،‬تــذكــرت أنــي منذ وعيت‬
‫تتقدم‪ ،‬وعليّ إعداد العشاء‪ ،‬وضعت العالمة لذاتي وأنــا في نصف الطريق في الكتابة‬
‫بجوار السوط وأغلقت الكتاب‪.‬‬
‫والقراءة والوظيفة‪ ،‬أخرجني رنين الهاتف‬
‫أشعلت الموقد ووضــعــت إنــاء الشربة‪ ،‬من الطريق‪ ،‬زوجي يتعجل العشاء‪.‬‬
‫الجارة القريبة تطبخ هي األخــرى‪ ،‬أسمع‬
‫بعد العشاء امتالء حوض المطبخ باألطباق‬
‫طرطشات البطاطس فــي الــزيــت وترسل‬
‫والمالعق واألكــواب‪ ،‬أنهيت التنظيف بهمة‬
‫اللعنات ألوالده ــا المتحلقين حــول شاشة‬
‫حتى أصل إلى مكاني على الكنبة بصحبة‬
‫الــكــمــبــيــوتــر‪ ،‬وك ــل مــنــهــم يــريــد أن يحرك‬
‫الماوس‪ ،‬يعلو صوت عراكهم تهددهم بقطع الكتاب‪ ..‬قلت أبــدأ من األول‪ ،‬مــررت على‬
‫الــنــت‪ ،‬الــجــارة البعيدة يتطاير مــن نافذة الصفحات بسرعة أغمض عينيّ وأفتحهما‬
‫مطبخها دخان شيّ السردين‪ ،‬يتسرب إليّ وأغمضهما‪ ..‬انتبهت على صوت ابني يطلب‬
‫صوت نجاة الصغيرة تغني سكة العاشقين‪ ،‬مني تجهيز وجبة خفيفة قبل النوم‪ ..‬نظرت‬
‫عندما وصلت إلى‪ :‬آه يا ألم‪ ..‬كنت غمرت في الكتاب‪ ..‬وجدت الصفحة (‪.)57‬‬

‫* كاتبة ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪12‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫كورونا والعزلة‬
‫■ خديجة إبراهيم الشهري*‬

‫ال شك أن فترة العزل مختلفة كلي ًا عن غيرها من األيام‪ ،‬وتشكل بداخل اإلنسان انطباع ًا‬
‫معيناً‪ ،‬وتكسبه نمط حياة مختلفاً‪ ،‬يسعى من خالله إلى التكيّف مع الظروف المحيطة به‬
‫والطارئة‪ ،‬المرتبطة بجائحة كورونا‪ ،‬وأسأل اهلل أن يزيح هذه الغمة عن الجميع‪..‬‬
‫فــي عزلتي أسـعــى إلــى اسـتـغــال أكـبــر قــدر مــن وقـتــي فــي إنـجــاز األع ـمــال الـتــي تتطلب‬
‫إنجازها بشكل سريع‪ ،‬فالوقت يمضي‪  ..‬وال بد أن نتداركه بشكل مفيد‪ .‬والقيام بااللتزامات‬
‫والواجبات األسرية والخاصة هي من األولويات لدي‪.‬‬
‫بالنسبة للمشاركة في برامج التواصل‪ ،‬حرصت على‬ ‫قــراءاتــي متنوعة مــا بين القصص والشعر وكتب‬
‫اإلق ــال مــن حـضــوري فــي هــذه الـبــرامــج وفــي قروبات‬ ‫تطوير الذات والمقاالت‪ ،‬سواء أكانت تصفحاً ورقياً أم‬
‫الواتس أب أو تويتر والفيس بوك‪ ،‬خاصة خالل الشهر‬ ‫من خالل النت‪ ،‬في أوقــات ما بعد الفجر‪ ،‬وقبل النوم‬
‫بساعة‪ .‬والكتابة قليلة جداً وتوجد بعض المسودات لم‬
‫الفضيل‪ ،‬واستخدم السناب في التواصل مع أخواتي‬
‫تكتمل بعد‪..‬‬
‫الالتي يسك َّن خارج جدة لالطمئنان عليهن‪.‬‬
‫تسرقنا الحالة الشعورية كثيرًا‪ ،‬لكن أسعى دومـاً‬
‫كما أح ــرص على متابعة الـمــواقــع الرسمية ألخذ‬ ‫إلــى عــدم االن ـجــراف خلفها‪ ،‬وبـخــاصــة أخ ـبــار حــاالت‬
‫المعلومات من مصادرها المعتمدة كوزارة الصحة ووزارة‬ ‫الوفيات واإلصابات بهذا الوباء‪ ،‬وهذا محزن ومتعب بال‬
‫الداخلية‪ .‬باإلضافة لمتابعة بعض ال ــدروس فــي تعلم‬ ‫شك‪ .‬ويومياتي مقسمة ما بين االهتمام بشؤون المنزل‬
‫الرسم والتصميم حين تسنح الفرصة لذلك‪ ..‬أو متابعة‬ ‫واالجتماع مع األســرة‪ ،‬واالطمئنان على الوالد واألهل‬
‫واألصدقاء‪..‬‬
‫عمل خاص في المجال اإلعالمي المحبب إلى قلبي‪..‬‬
‫كما أحرص على أخذ فترة استرخاء وإن كانت ربع‬
‫ولو خصصنا لكل مهمة في حياتنا نصف ساعة إلى‬ ‫ساعة فهي مهمة‪ ،‬وبها تتجدد الطاقة وتساعد على‬
‫ساعة على مدار األسبوع‪ ،‬لوجدنا أننا أنجزنا الكثير على‬ ‫الهدوء النفسي‪ ..‬إلى جانب برنامج رياضي يتراوح من‬
‫المستوى الشخصي والمستوى العام وخاصة‪  ‬فترة العزل‪.‬‬ ‫نصف ساعة إلى ساعة‪ ،‬يساعد على حرق أي سعرات‬
‫فاالنشغال باألمور المفيدة يساعد اإلنسان على عدم‬ ‫إضافية بعد أن توقفت النوادي الرياضية والذهاب اليها‪..‬‬
‫التذمر أو الشعور بالملل والتأقلم في كل الظروف‪ ..‬وكلنا‬
‫من الجميل‪ ،‬أني كنت في رحلة استجمام قبل الحظر‪،‬‬
‫وبعد عودتنا بأسبوع طبق الحظر‪ ،‬ولم أخرج من المنزل أو‬
‫أمل أن تعود األمور كما كانت سابقاً وأفضل بإذنه تعالى‪..‬‬
‫للتسوق اال نادراً‪ ،‬وملتزمة وأسرتي بالحظر وبالتعليمات‬
‫وبعودتنا للحياة الطبيعية‪ ،‬نحرص كل الحرص على‬ ‫الصحية واألمنية‪ ،‬والحمد هلل على الصحة والسالمة التي‬
‫ننعم بها في وطننا بقيادة حكومتنا الرشيدة والتوجيهات العودة بحذر‪ ،‬حتى تنزاح هذا الجائحة‪ ،‬وتــزول الغمة‪،‬‬
‫المفروضة لصالح هذا الوطن الغالي على قلوبنا جميعًا‪ .‬وننعم بالصحة والسالمة‪..‬‬
‫* شاعرة سعودية‪.‬‬

‫‪13‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫عزلتي قبل كورونا وخاللها‬
‫■ عيادة خليل*‬

‫نعيش هــذه األي ــام عــزلــةً عالمية إجـبــاريــة بسبب فـيــروس كــورونــا‪ ،‬ولكنني أعـيــش عزلة‬
‫اختيارية قبل كورونا‪ ،‬فالعزلة أمر مهم بالنسبة لي؛ ألنني أراها أقوى دافع للكتابة الجيدة‪،‬‬
‫كما أنها سمة مــوجــودة في شخصيات المبدعين والعباقرة‪ ،‬فهي تعطيك الوقت الكافي‬
‫لفهم الذات‪ ،‬وتنمي ملكة التفكر‪ ،‬وتمنحك فرصة كبيرة لتنمية مواهبك وصقلها وقراءة‬
‫ما يفيد‪ ،‬واالستفادة من تجارب اآلخرين‪ ،‬كما تساعدك على تطوير قدراتك‪ ،‬وتنمي عقلك‪،‬‬
‫وتفهم روحك في جو هادئ وجميل‪ ..‬بعيدً ا عن صخب الحياة والتجمعات التي تشوش على‬
‫النفس‪ ،‬حتى تصل لدرجة االندماج النفسي‪.‬‬

‫في عزلتي‪ ،‬أ ُقسّ م وقتي بين القراءة والكتابة‪ ،‬والشر‪ ،‬فهذه العزلة خطيرة جدًا‪ ،‬وقد تصنع‬
‫وأترك وقتا أيضا لتوفير مستلزمات المنزل‪ .‬منك وحشً ا ينفر منه الناس‪.‬‬
‫كتبت عن العزلة قبل كورونا‪:‬‬ ‫لكنني أقولها وبكل صــراحــة‪ :‬مهما كانت‬
‫العزلة جميلة يبقى االجتماع أجمل‪ ..‬وله دوره‬
‫‏أع ـ ـيـ ــش ب ـع ــزل ـت ــي صـ ـب ـ ًـح ــا ولـ ـي ـ ًـا‬
‫في روح اإلنسان من حيث خلق ج ٍّو للسعادة‬
‫ـس ب ـ ـ ـيـ ـ ــن األن ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ‬
‫كـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ــيَ جـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫مع األشخاص الذين نحبهم‪ ..‬وقد قيل‪ :‬العزلة‬
‫أمر جيدٌ‪ ،‬ولكنك تحتاج لشخص ما لتخبره بأن ‏خ ـ ـب ـ ـيـ ــرٌ بـ ـ ــالـ ـ ــذي يـ ـ ـج ـ ــري مـ ـ ـ ـ ــرارًا‬
‫ـات ال ـ ـ ـكـ ـ ــامِ‬‫‏وم ـ ـ ـ ــا يـ ـخـ ـف ــى بـ ـ ـطـ ـ ـي ـ ـ ِ‬ ‫العزلة جيدة!‬
‫ما أجمل أن تجلس في مكان أنت فيه الملك! ‏فـ ـ ـه ـ ــذا غـ ـ ــاضـ ـ ـ ٌـب مـ ـ ــن قـ ـ ـ ــول هـ ــذا‬
‫وه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارهٌ ر ّد الـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ــامِ‬ ‫تأخذ كتابا ثم تلقيه‪ ،‬تصنع بعض األعمال على‬
‫الحاسوب‪ ،‬ثم تغلقه فترجع للكتاب‪ ،‬تتركهما‬
‫‏وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزدري أخـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاق هـ ـ ــذا‬
‫كالهما ثم تقلب هاتفك في برامج التواصل‪،‬‬
‫‏وهـ ـ ـ ـ ــذا فـ ـ ــاجـ ـ ــرٌ ع ـ ـنـ ــد ال ـ ـ ِـخـ ـ ـص ـ ــامِ‬
‫وتتفاعل مع األشخاص عبر العالم االفتراضي‪.‬‬
‫ـرب‬
‫مـ ـ ـن ـ ــاظ ـ ــرةٌ بـ ـ ــا ج ـ ـ ـ ـ ــدوى‪ ،‬وحـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫باختصار‪ ..‬أقــول‪ :‬العزلة جيدة إذا كانت‬
‫ـدف ُت ـ ـ ـعـ ـ ــادُ عـ ـل ــى الـ ـ ـ ـ ــدوامِ‬
‫ب ـ ــا هـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫لهدف‪ ،‬والحذر كل الحذر من عزلة التشاؤم‬
‫الــتــي تــأتــي لألشخاص السلبيين الكارهين ‏أعـ ـ ـي ـ ــش بـ ـع ــزلـ ـت ــي فـ ـلـ ـتـ ـع ــذرون ــي‬
‫ـصـ ـ ــدامِ‬
‫‏لـ ـك ــي أرتـ ـ ـ ـ ـ ــا َح م ـ ــن ه ـ ــم الـ ـ ـ ّ‬ ‫للمجتمع‪ ،‬والذين يرون العالم من نافذة الكيد‬
‫* معلم وشاعر سعودي‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪14‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫عزلة «كورونا»‬
‫■ عبداهلل بيال*‬

‫يستيقظ العالمُ ليكتشف أنَّ مالمحه قد تغيرت بين عشيةٍ وضحاها‪ ،‬وأنّ مزاياه التي‬
‫الموجودات قد‬
‫ِ‬ ‫طالما فاخَ َر بها قد اختفت تماماً‪ ،‬وأنّ تلك األدوات التي يملكها للتأثير في‬
‫العالم يوم ًا أنه يمكن أن يرتهن لسطوته وجبروته‪ ،‬أو‬
‫ِ‬ ‫ببال‬
‫فاعل‪ ،‬لم يخطر ِ‬‫بفعل ٍ‬‫تعطلت ِ‬ ‫َّ‬
‫العالم ويضطره إلى عزلةٍ أبعدت‬
‫ِ‬ ‫يقطع أواصر هذا‬‫بإمكان ذلك الفاعل «الفيروس» أن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫أنَّ‬
‫البيت الذي‬
‫ِ‬ ‫بيت عن‬ ‫بلد عن اآلخر‪ ،‬وكل مدينةٍ عن أختها‪ ،‬وكل ٍ‬ ‫كل قارةٍ عن األخرى‪ ،‬وكل ٍ‬
‫يجاوره‪.‬‬

‫عزلة «كــورونــا» االضــطــراريــة‪ ،‬فرص ُة كونها المرآة الوحيدة القادرة على تعرية‬
‫العالَم ليحاول اكتشاف حقيقته مرة أخرى‪ .‬دواخلنا دون حاجز من خجل أو خوف؛‬
‫حظيتُ بقراءات وعنوانات أظنها أفادتني‬‫ِ‬ ‫هذا العالم الذي ارتف َع بجبروته وخيالئه‬
‫ـروس» بالغِ كثيرا‪ ،‬أذكر منها على سبيل المثال‪ :‬ملحمة‬
‫ليطارح السماء‪ ،‬بإمكانِ «فــيـ ٍ‬
‫الــضــآلــةِ والــدقــة أن يسقطه مــن عــرش الشاهنامة للفردوسي؛ المفكرون األحرار‬
‫كبريائه‪ ،‬ويــقـوّض كل ممتلكاته وممالكه في اإلسالم لدومينيك أورفوا؛ جنة الحيوان‬
‫لطه حسين؛ رواية البطء لميالن كونديرا؛‬ ‫وفتوحاتهِ العلمية والمعرفية‪.‬‬
‫الكتاب األبيض لهان كانغ؛ التفاؤل «كنديد»‬
‫«كــورونــا» جعلني أكثر إيماناً بإمكانية‬
‫لفولتير‪ ،‬رسالة الغفران ألبي العالء المعري‪،‬‬
‫انمحاءِ كل الحضارات العتيدة‪ ،‬بأبسط‬
‫وباقة من الدواوين والمجموعات الشعرية‪،‬‬
‫األســلــحــةِ غير المتخيلة‪ .‬اســتــطــاع هذا‬
‫القادرة على خلق عوالم موازية أكثر جماالً‬
‫الفيروس أن يزهِّ دني في المادة ويقرّبني وإشراقاً وتفاؤالً‪.‬‬
‫إلى عوالمِ الروحِ وملكوتات الطمأنينة‪ ،‬إنه‬
‫لم تتغير عاداتي كثيراً‪ ،‬فقد توزعت بين‬
‫جبروت اهلل‬
‫ِ‬ ‫فرصة للتواضع اإلنساني أمام‬
‫القراءة‪ ،‬والكتابة أحياناً‪ ،‬ومشاهدة التلفاز‪،‬‬
‫وقدرته المتعالية‪.‬‬
‫ـض‬
‫ومــحــاولــة رفــد الجسد ببعض الــتــريُّـ ِ‬
‫حــاولــت فــي هــذه العزلة االضطرارية المتاح‪ ،‬مع اقتصار الخروج من البيت على‬
‫‪-‬وإن كانت العزلة هي قــدر الكاتب‪ -‬أن الضرورة الملحة‪ ،‬ومتابعة وسائل التواصل‬
‫أتعرف على ذاتي أكثر من خالل القراءة‪ ،‬االجتماعي ومعرفة مستجدات األصدقاء‬
‫‪15‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫حول العالم‪ ،‬ويُحمد لهذه الوسائل قدرتها إليهم‪ ..‬عليهم‬
‫على السفر بنا جميعاً ‪-‬كمتفاعلين معها‪-‬‬
‫ـوات‬
‫ـوت ف ــي ال ـف ـل ـ ِ‬
‫وقـ ــد خ ـبــأت ـهــم يـ ــدُ الـ ـم ـ ِ‬
‫إلى العالم كله‪ ،‬متجاوزة تلك الحدود التي‬
‫الجديبة‬
‫أغلقها الفيروس‪ ،‬ومفتتح ًة عهداً أجمل‬
‫وأكــثــر حميمي ًة فــي الــتــواصــل اإلنساني سالمٌ عليكم‬
‫للمواجع‬
‫ِ‬ ‫ال ــخ ــاّ ق‪ ،‬ولــعــلَّ تــلــك الــفــعــالــيــات األدبــيــة على الحزن ينسجنا جسد ًا‬
‫التفاعلية واألمسيات الشعرية واللقاءات يشعلنا حطب ًا للحياةِ الغريبة‪.‬‬
‫الفكرية والنقدية الــتــي ضــجّ بها فضاء‬
‫التواصل االجتماعي‪ ،‬تكون قد أثبتت بما‬
‫ال يدع مجاالً للشك ديمومة الكلمة وقدرتها‬
‫عــلــى اخ ــت ــراق كــل الــحــواجــز والــزنــازيــن‬
‫المؤقتة‪.‬‬

‫في انتظار أن يصحو الصبا ُح على سماءٍ‬


‫نقية من كل آثار هذا الفيروس الذي أوج َع‬
‫ٍ‬
‫العال َم كثيراً‪ ،‬وأسبل الكثير من الجفونِ‬
‫ال أن‬
‫وال ــدم ــوعِ ‪ ،‬الــتــي ال أمــلــك أمــامــهــا إ ّ‬
‫أشاركها الحز َن والحسرةَ واألم َل وأقول‪:‬‬

‫ل ــأك ـ ِـف ال ـتــي اخــتُ ــلِ ـســت ف ـج ــأ ًة م ــن أك ـ ٍـف‬


‫حبيب ْة‬
‫وها هي تنأى وتنأى‪..‬‬
‫ولكنها ما تــزالُ تلوِّح مخدوعةً باألماني‬
‫الخصيبة‬
‫للعيون التي شرِ قت بالدموعِ‬ ‫ِ‬
‫وقد أسدلَت للوداعِ الجفونَ الكئيبة‬
‫للقلوب‬
‫ِ‬
‫وما زال يخفقُ فيها الحنينُ ‪/‬األنينُ‬
‫ * كاتب سعودي‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪16‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬
‫حبيسا بين جدران مكتبتي!‬
‫ً‬
‫■ عبدالوهاب أبو زيد*‬

‫تجربتي مع أيام العزل الطويلة لم تكن سيئة‪ ،‬وإن كانت بدايتها‬


‫صعبة جدً ا بسبب خضوعي للحجر الصحي المنزلي بعد عودتي‬
‫من لندن‪ ،‬إذ كنت في رحلة عمل هناك‪ ،‬في ‪ 15‬مارس‪ .‬كان أصعب‬
‫مــا فــي األمــر أنـنــي لــم أكــن ق ــادرًا على أخــذ زوجـتــي وبناتي األربــع‬
‫باألحضان بعد غياب عنهم لمدة أسبوعين أو أكثر قليال‪ .‬وكان علي‬
‫أن أنتظر لمدة أربعة أسابيع أخرى بعد عودتي حتى تظهر نتيجة‬
‫المسحة التي أخذت مني في المستشفى التي أتعالج فيها‪.‬‬

‫الجائحة التي شلت مفاصل الحياة وأوقفت كل شيء‬ ‫كنت دائم الشكوى من أن ظروف عملي تبقيني‬
‫تقريبًا‪ .‬وبعد ذلك عملت على إنهاء مشروع آخر في‬ ‫بعيدًا معظم األيام عن مكتبتي‪ ،‬التي هي بمثابة‬
‫أيضا كنت قد بدأته منذ سنوات وأجلته‬‫الترجمة ً‬ ‫الصومعة والمختلى والمعتزل الذي أجد فيه نفسي‬
‫كثيرًا وأهملته‪ ،‬وأعني به ترجمة مختارات موسعة‬ ‫برفقة الكتب التي أحبها‪ ،‬والكتّاب الذين أستهوي‬
‫من قصائد الشاعرة األمريكية ماري أوليفر‪ .‬وقد‬ ‫«النظر في عقولهم»‪ ،‬كما كان يقول آباؤنا‪ ،‬وها‬
‫أنجزت هذا الهدف بالفعل‪ ،‬وبعد ذهاب «سكرة»‬ ‫أنذا قد فرض عليّ أن أظل حبيسً ا بين جدران‬
‫اإلنجاز‪ ،‬خيمت عليّ «فكرة» البحث عن ناشر يتبنى‬ ‫مكتبتي! تحقق حلمي أخيرًا‪ ،‬ولكن ليس بالصورة‬
‫نشر هذا الكتاب الذي أحببته واشتغلت على ترجمة‬ ‫التي كنت أتمناها أو أرسمها في مخيلتي‪.‬‬
‫نصوصه بــحــب‪ ،‬تمامًا كما فعلت حين ترجمت‬ ‫في البدء‪ ،‬لم أكن قادرًا على التكيف مع حالتي‬
‫للشاعر األمريكي مارك ستراند في كتاب «عسل‬ ‫الجديدة بسهولة‪ ،‬ولم أكن أستطيع التركيز على ما‬
‫الغياب» الذي طُ بع في تونس‪.‬‬ ‫أقرأه‪ ،‬وكنت أتنقل من كتاب إلى آخر دون جدوى‪،‬‬
‫المشاريع الكتابية المؤجلة والمأمولة كثيرة‪،‬‬ ‫غير أن ذلــك تغيّر شيئًا فشيئًا مع مــرور األيــام‪،‬‬
‫ولكن ال بد من كبح جماح بعضها ليتاح لبعضها‬ ‫فصرت أقضي وقتي بين القراءة والكتابة والترجمة‪،‬‬
‫اآلخر أن يتنفس ويطفو على سطح «الماء»‪ .‬ومما‬ ‫ومشاهدة بعض األفــام السينمائية أحيانًا‪ .‬صار‬
‫أحرص على العمل عليه حاليًا‪ ،‬نفض ما تراكم‬ ‫الــوقــت يمر بوتيرة أس ــرع‪ ،‬فــأدركــت حينها أنني‬
‫من غبار على قصائد كثيرة كتبتها خالل األعوام‬ ‫خرجت من دائــرة الملل وأحابيل الضجر‪ .‬عقدت‬
‫السبعة الماضية‪ ،‬التي تلت نشر كتابي الشعري‬ ‫العزم على أن أستغل الفرصة التي هبطتْ عليّ‬
‫الثاني عام ‪ 2013‬م «وال قبلها من نساء وال بعدها‬ ‫من حيث ال أحتسب فيما يشبه التفرغ لما أحب‪،‬‬
‫من أحد»‪ ،‬وهي مهمة عسيرة وليست سهلة أبدًا‪،‬‬ ‫فأنهيت مشروع ترجمة كتاب عن كتابة السيناريو‬
‫وفــي حقيقة األمــر هي من أثقل المهمات على‬ ‫كــان مــن المفترض أن يطبع وي ــوزع فــي مهرجان‬
‫نفسي‪ ،‬ولكن ال بد مما ليس منه بد‪ ،‬كما يقولون‪.‬‬ ‫أفالم السعودية‪ ،‬الذي تأجل بدوره بالطبع بسبب‬
‫ * شاعر ومترجم سعودي‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫أصدقاء محيطين بي على األرفف‪!..‬‬
‫■ أحمد ابراهيم البوق*‬

‫الفيروس كائن ملتبس بين الموت والحياة‪ ،‬صغير جدا‪ ،‬ال تدركه األبصار‪ ،‬ولكن فعله‬
‫هائل ومدمر‪ ،‬وكذلك الحجر الناتج عنه‪ ،‬يتراوح ‪ -‬لرجل مثلي يتمشى آناء الليل وأطراف‬
‫النهار بين صفحات الكتب ‪ -‬بين السعادة والتعاسة‪ ،‬فهو حجر (سعيس)! السعادة أن يكون‬
‫حجرك في مكتبتك بين آالف األصــدقــاء من الشعراء والروائيين والمؤرخين والعلماء‬
‫والفالسفة‪ ،‬والتعاسة أن ال تجد الوقت في زحام اجتماعات الفضاء االفتراضي أن تجلس‬
‫إليهم وأن يؤنسوا وحدتك ويؤثثوا عوالمك الخاصة‪ .‬شــزرا يرمقني ‪ -‬الملك الضليل ‪-‬‬
‫امــرؤ القيس من أقصى الــرف األيمن للمكتبة ومعه جمعٌ غفيرٌ من الشعراء الجاهليين‬
‫والعذريين والصعاليك‪ ،‬وما أدراك ما الصعاليك‪ ،‬إنهم ال يألفون البيوت‪ ،‬ولهم أنفة تنأى‬
‫بهم عن أبواب الموسرين وموائدهم وحتى عن أرفف المكتبات أحيانًا‪ ،‬وال ألبث أن أسمع‬
‫الشنفرى يردد‪( :‬أديم مطال الجوع حتى أميته) يذكرني بجوعي للقراءة‪ ،‬ولكنني ال أضرب‬
‫صفحا فال أنساها‪ .‬المتنبي بنرجسيته العالية ‪ -‬على الرف الثالث من المكتبة‬
‫ً‬ ‫عنه الذكر‬
‫‪ -‬يذكرني بقوله الشهير‪( :‬وخير جليس في الزمان كتاب)‪ .‬مأساتي أنني أعرف ذلك‪ ،‬ولكنني‬
‫في زمان حروبه افتراضية‪ ،‬وأع ّز مكان للفتى فيه سرج هذا األثير‪ .‬أحاول أن ألملم شتات‬
‫االجتماعات االفتراضية بمالحظات على قصاصات متناثرة فوق المكتب وبين الكتب التي‬
‫اخترتها للقراءة‪.‬‬
‫في بداية الحجر‪ ،‬كنت أقضي بعض الوقت حبيبي‪.‬‬
‫أمام شاشة التلفاز‪ ،‬أتابع نشرات األخبار‬
‫بعد عــشــرة أي ــام متتالية فــي الحجر‪،‬‬
‫وعـــداد الــمــوتــى الــذيــن حصدهم فيروس‬
‫قررت الخروج من المنزل في وقت السماح‬
‫كورونا المستجد باللون األحمر ‪ -‬لون الدم‬
‫بالتجول‪ ،‬ال لحاجة سوى للرغبة في التغيير‪،‬‬
‫‪ -‬رغم أنه يقبض أنفاس ضحاياه دون أن‬
‫بعد بضع دقائق ألقت الشرطة القبض عليّ‬
‫تسيل منهم قطرة دم‪ ،‬وباللون األخضر أتابع‬
‫متلبسً ا بتجاوز حد الحي الذي أسكن فيه‪،‬‬
‫باهتمام المتعافين منه‪ ،‬أولئك الذين كتبت‬
‫وبالكاد أقنعتهم أنني فقط أريــد الــدوران‬
‫لهم حياة جديدة‪ .‬النشرات كذلك ملتبسة‬
‫بسيارتي للعودة للبيت‪ ،‬للحجر العميم!‬
‫بين التشاؤم والتفاؤل‪ ،‬ويصح أن نسميها‬
‫بعد أسابيع مــن الحجر الكامل سمح‬ ‫نشرات (متشائلة)! وفق رواية األديب إميل‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪18‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬
‫بالتنقل فــي المدينة فــي أوق ــات محددة‪ .‬المكثفة‪ .‬أخيرًا‪ ،‬أصبح الحجر في المكتبة‬
‫المدينة المنورة بطبيعتها سكينة‪ ،‬وال بد يــتــوافــر عــلــى بــعــض ال ــوق ــت لــكــل ه ــؤالء‬
‫من أن أضيف إلــى نــور الصباح وجــه أمي األصــدقــاء المحيطين بــي على األرف ــف‪،‬‬
‫وقهوتها العربية وأطباقها اللذيذة‪ .‬كان ذلك وأصبح الليل في المكتبة ذا معنى‪ .‬وكان من‬
‫قبل أن يدخل شهر الخير ‪ -‬شهر رمضان ‪ ،-‬قبيل المصادفة أنني كنت أقرأ كتاب القارئ‬
‫بعده أصبحت زياراتي ألمي صائمة أيضا‪ ،‬النهم‪ ،‬ألبرتو مانغويل‪( ،‬المكتبة في الليل)‪،‬‬
‫ألن وقــت السماح بالتجول بضع ساعات بعد أن فرغت من كتابه اآلخر المهم (فن‬
‫من النهار‪ .‬قمة المتعة أن أتأمل وجه أمي القراءة) والذي استشهد فيه بمقولة‪ ،‬وليم‬
‫وأجلس إليها‪ ،‬وقمة العذاب أن ال أستطيع بليك‪( :‬اللعنة تشد العنان‪ ،‬المباركة ترخيه)‬
‫مصافحتها أو تقبيل كــفــهــا لــضــرورات وهذا ما أرجوه من لعنة فيروس كورونا‪.‬‬

‫كان ذلك طرفًا من تجربتي مع الحجر‪،‬‬ ‫التباعد‪.‬‬

‫مع اقــتــراب رمضان من أيامه األخيرة ولكن كما يقول ألبرتو مانغويل في الكتاب‪:‬‬
‫تعطلت األعمال المعطلة أصالً‪ .‬المهم في (لكل امرئ تجربة حياة‪ ،‬ما يفتقده معظمنا‬
‫هذه األيام توقفت االجتماعات االفتراضية هو ملَكَة تحويلها الى تجربة أدبية)‪.‬‬

‫* باحث وشاعر سعودي‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫العزلة بسبب كورونا‪ ،‬وما أدراني ما كورونا؟‬
‫■ عبدالرحمن موكلي*‬

‫ال ـعــزل هــو نـظــام تـفــرضــه الـسـلـطــات عـلــى ال ـفــرد أو المجتمع‬


‫بسبب حــرب أو كــارثــة بيئية أو مــرض ‪-‬كـمــا فــي حــال كــورونــا ‪ -‬أو‬
‫التهيئة للقيام بعمل يتطلب تركيزً ا ذهنيًا وبدنيًا كما يحصل على‬
‫الالعبين الذين سيشاركون في المناسبات الرياضية العالمية‪،‬‬
‫وط ــاب الـكـلـيــات الـعـسـكــريــة والـ ـ ــدورات فــي ال ـمــراحــل األول ــى من‬
‫عزل ال بد له من نظام عقوبة‪ ،‬وإال فال قيمة له‪.‬‬ ‫الدراسة‪ .‬وكل ٍ‬
‫وكل عزل له إيجابيات وله سلبيات‪ ،‬تغيب وتحضر‪ ،‬بسبب عوامل العزل ومكانه ومدته‪.‬‬

‫بالنسبة لي‪ ،‬تعودت على البقاء في البيت‬ ‫وعكس العزل‪ :‬نظام الخلوة‪ ،‬هو ما يفرضه‬
‫الفرد على نفسه‪ ،‬كما حال المتصوفة للقيام وعدم الخروج‪ ،‬ولدي القدرة على المكوث‬
‫بالعبادة والتأمل‪ ،‬وما يفرضه الكتّاب من أليــام وربما ألسابيع‪ ،‬لكن هــذا التعود لم‬
‫شعراء وروائيين وباحثين إلنجاز مشاريعهم يتحول لحالة خلوة وصفاء وقــراءة وكتابة‬
‫بشكل مرتب‪ ،‬فلديَّ الكثير من المشاريع‬ ‫اإلبداعية والثقافية‪.‬‬
‫والخلوة يضع نظامها الفرد بنفسه‪ ،‬وال الكتابية حول الموروث الشعبي في جازان‪،‬‬
‫عقوبة فيها إال الشعور بالذنب مــن قبل وهــي طــيّ الحاسب تحتاج بعض الترتيب‬
‫والتبييض للمسودات وما حدّني عنها سوى‬ ‫الخلي بضياع وقته‪.‬‬
‫الكسل‪.‬‬
‫***‬
‫طبعا قرأت بعض الروايات وبعض الكتب‬
‫وحينما نتأمل حالنا‪ ..‬نجد أننا نعيش‬
‫الفكرية‪ ،‬صححت ديوانًا جديدًا أعده للطبع‪،‬‬
‫حال العزلة بنظامها وعقابها‪ ،‬وما نعيشه ال‬
‫نصوصا بعضها نشرته على مواقع‬
‫ً‬ ‫وكتبت‬
‫يمكن يكون خلوة‪ ،‬فالكثير منا قد ال ينجز‬
‫التواصل ((الفيس بوك ‪ /‬تويتر))‪.‬‬
‫عمال‪ ،‬ويقضي غالبية وقته في النوم وعلى‬
‫خروجي للتسوق قليل‪ ..‬وال أحب األسواق‬ ‫مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬والسبب عدم‬
‫قدرتنا على التكيف مع العزلة‪ ،‬وتحويلها إلى وال تستهويني‪ ،‬هوايتي الــذهــاب للمزرعة‬
‫خلوة‪ ،‬وقلة من المبدعين الذين استفادوا من والبقاء فيها بعض الوقت‪.‬‬

‫وسائل التواصل تأخذ كثيرًا من وقتي‪،‬‬ ‫العزلة كحالة خلوة وقرأوا وكتبوا‪..‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪20‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬
‫خصوصا الفيس وتويتر‪ ،‬للمتابعة ومعرفة كأي طفل جرّب الكلمات‬
‫ً‬
‫المستجدات حول العالم‪ .‬متابعتي للتلفزيون وذاب في أوصافها‬
‫قــلــيــلــة‪ ..‬وحــتــى المسلسالت الرمضانية ‪...‬‬
‫أشاهد مخرج سبعة لناصر القصبي وقت‬
‫نص‪4:‬‬
‫جلوسي مع العائلة بعد اإلفطار‪.‬‬
‫ق ـلــت س ــأن ــزع ك ـمــامــات الـ ـك ــام‪ ،‬وق ـف ــازات‬
‫المجاز‪ ،‬وسأنزل أجرد إلى شوارع اللغة‬ ‫نصوص العزلة‪:‬‬
‫‪...‬‬ ‫نص‪1:‬‬
‫لما تذكرت النجوم المعزولة في كتابي‬ ‫كل ما دارت بكَفّ ي نجمة‬
‫استحيت على نفسي‬ ‫واسفهلت هذه الروح قليال‬
‫وعدت للنوم‬ ‫قلت‪ :‬فلتخرج من األرض التي باركتها‬
‫‪...‬‬ ‫سافر للسماوات‬
‫كي تصبح للشمس دليال‬
‫نص‪5:‬‬ ‫‪....‬‬
‫ينقصني‬
‫نص‪2:‬‬
‫أقرأ على الرياح فتخفض جناحيها‬
‫ينقصني‬ ‫هذه العزلة عسرا‬
‫أمدّ بساطي للشمس لتشرب قهوتها‬ ‫نصفق الباب على الباب‬
‫نطوي مدد الروح‬
‫ينقصني‬
‫وكم‪.....‬‬
‫أتحاور مع السحابة لتمطر‬
‫نبصم للوقت الذي‬
‫ينقصني‬
‫ما قال‪ :‬عذرا‬
‫اسرح بغنم الشيطان‪..‬وأصلي بالمالئكة‬
‫‪...‬‬
‫ينقصني‬
‫أخرج من خيالي المشبع بالرطوبة‪ ..‬من‬ ‫نص‪3 :‬‬
‫البيت المخنوق بعطن الروح‬ ‫ولقد أقمت‪..‬‬
‫ينقصني‬ ‫كأي شيخ يحرس الصلوات‬
‫أخرج من ثيابي‬ ‫وينام في أكنافها‬
‫وأرن كقرش سقط على البالط‬ ‫ولقد مشيت‪..‬‬
‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫الليالي الهادئة‪ ،‬ليالي جائحة كورونا‪!..‬‬
‫■ محمد خضر*‬

‫أتأمل األشياء التي كانت تنتظرنا كل يوم في الخارج‪..‬مقبض‬


‫الباب‪ ،‬الناس الذين يشبهون دوّار الشمس‪ ،‬األغنيات التي تمر سريع ًا‬
‫في الطرقات؛ ذكريات النادل عن المستقبل! البريد المستعجل‬
‫الذي نفتحه بلهفة وبدون قفازات‪ ،‬وعبارة «أين ستقضي الويكند؟»‪.‬‬
‫األشياء التي انتظرت كثير ًا وغادرت‪ ..‬أتأمل وتلوح لي أسئلة بوسع‬
‫الحياة‪..‬‬

‫ودون أن نشعر بذلك وللوهلة األولى سنجد لغة عالمية‬ ‫على األرجح‪ ،‬في هذه الليالي الهادئة‪ ،‬ليالي جائحة‬
‫في مواجهة هذه الجائحة التي تغزو العالم‪ ،‬لغة ولدت‬ ‫كورونا والحجر الصحي‪ ،‬تصغي منتبهاً لصوت الرياح‪،‬‬
‫مع كورونا‪ ،‬باتت الكمامة والمعقم والقفازات لغة توحد‬ ‫لألصوات خارج المنزل‪ ،‬تلك العابرة أو الرتيبة‪ ،‬وتصغي‬
‫العالم في لحظة قلق أو خوف‪ ،‬لغة إنسانية مشتركة‪ ،‬أكثر‬ ‫لكل األشياء التي طالما كانت تذكرك بوحدتك في‬
‫من اللوحات الفنية والموسيقى‪،‬وشكسبير‪،‬وصباح الخير‪،‬‏‬ ‫ظروف أفضل‪ ،‬ولألشياء التي لم تكن تصغي لها من قبل‪.‬‬
‫ومساء النور‪..‬لغة ذلك الشريط اإلخباري العالمي الذي‬
‫تعلمنا من كورونا الكثير مما هو بصدد الوقت‪ ،‬تعلمنا‬
‫يعلن كل يوم عبر شاشات التلفزيون في العالم بأسره‪ ،‬عن‬
‫حاالت جديدة‪ ،‬أو حاالت شفيت وأخرى توفيت‪.‬‬ ‫منه كم من األشياء التي لم تكن ضرورية في حياتنا‪،‬‬
‫والتي كنا نبذل لها الوقت والجهد‪ ،‬وأصبحنا بالتالي ننتبه‬
‫ها نحن في أيام كورونا نلتقي كل لحظة بأشخاص‬ ‫لتفاصيل صغيرة في حياتنا لم نلتفت لها‪ ،‬تلك التفاصيل‬
‫يشبهوننا تماماً‪،‬يغلقون األبواب‪ ،‬ويلتقطون من النوافذ‬ ‫التي أصبحنا ندرك مدى أهميتها‪ ،‬عدنا لألشياء المهملة‬
‫صوراً للشوارع الخالية‪..‬يشاهدون بعضهم بعضاً طوال‬ ‫منذ زمن‪ ،‬تلك التفاصيل التي أظن أن األغلبية ممن هم‬
‫الوقت على شاشة التلفزيون‪..‬وقد يصدقون اإلشاعات‬ ‫في الحجر سيشعرون بها مع مرور الوقت‪ ،‬ثم سيصبح‬
‫في الصباح‪ ..‬ويعرفون شيئا عن أهمية القفازات وعن‬ ‫االهتمام بها جزءًا من حياتهم الحقاً‪ .‬وأعتقد أن الوقت‬
‫ألغاز العدد ‪ 20‬في المساء‪..‬‬
‫الطويل والفراغ هما شيئان كانا يحتاجهما كثير من‬
‫هذا العالم القرية‪ ،‬أضيق مما كنا نظن‪...‬لم يتوقع‬ ‫الناس‪ ،‬وفرة الوقت والفائض فيه‪ ،‬أخذت الغائبين إلى‬
‫أحد منا أن يحدث ذلك‪ ،‬كنا نتخيله فقط مع بعض‬ ‫العودة للتواصل والمراسلة‪ ،‬وأخذت المبدعين إلى إكمال‬
‫األفالم‪ ،‬أو نقرأه فى األدب في الروايات أو القصص‪،‬‬ ‫أعمالهم وتجاربهم اإلبداعية المعلقة أو المتوقفة منذ‬
‫لكن أن نكون حقاً في المواجهة‪ ،‬لم يخطر ببال أحد‪،‬‬ ‫سنوات‪ ،‬وأخذت آخرين لالهتمام بالرياضة‪ ،‬أو كما يقال‬
‫لذا فكل ما نفعله اليوم جديداً كلياً‪ ،‬جديداً في درجة‬ ‫عودة المواهب المدفونة أو المكتشفة‪ ،‬وقراءة المزيد من‬
‫االحتراز والوقاية والحذر والسالمة‪..‬‬ ‫الكتب‪ ،‬ومشاهدة المزيد من األفالم‪ ،‬وممارسة األلعاب‬
‫وجديداً في التعاطي معه‪ ،‬وفي الحوار عنه‪ ،‬وفي‬ ‫اإللكترونية أيضا‪ ،‬وبدأ الكثيرون في القراءة والبحث عن‬
‫إدراك جدية األمر‪ .‬وحده الظل ال يظهر أبداً أنك ترتدي‬ ‫تاريخ األمراض‪ ،‬والكوارث الشبيهة‪ ،‬ذلك التاريخ وتلك‬
‫قفازاً‪ ..‬هذه حيلته في هذه الحرب الخفية‪..‬‬ ‫األمراض التي عانت منها البشرية دائماً‪.‬‬
‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪22‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫عبدالعزيز الصقعبي‬

‫كاتبا وروائيا ومسرحيا‬


‫عبدالعزيز الصقعبي شيخ في طفولته وطفل في شيخوخته! مُ بقّ ع بالحكمة‪ ،‬يبتسم للحزن كما‬
‫يبتسم طفل لرضاعته‪ ،‬قليل على نفسه كثير على غيره‪ ،‬ينقش على جدران الماء بمنقاره المدبّب‬
‫بزهد الصوفيين العظماء‪.‬‬
‫فنثره دفاع ثقافي مضاد‪ ،‬استطاع بفاعلية جمالياته اإلبداعية أن ينال كل هذا االهتمام واإلعجاب‪،‬‬
‫وربما «األسطرة»‪ .‬وقد انتبهت إلى هذه األسطرة مجلة الجوبة لتحتفي به في هذا العدد‪ ،‬لتأكيد تميّز‬
‫نصه وحضوره‪ ،‬وتفوّقه يجب أال يسمح بأسطرته أو تحويله إلى أسطورة‪ ،‬فمثل هذا التحويل يجعله‬
‫ويجعل تجربته عصية على الفهم والتفسير والدرس‪.‬‬
‫ونحن بدورنا نسعى إلى كشف الروافع الجمالية والشخصية التي ساندت الكاتب في بلوغ أعلى‬
‫القمم اإلبداعية في القصة‪ ،‬وفي تحقيق األوج من السمعة الزكية والنجومية الشاسعة‪.‬‬
‫فهو الكاتب الذي جعل من الجندرة حوارًا ذاتيًا في قصصه‪ ،‬ومن الروح السامية إبداعً ا في نصوصه‬
‫المسرحية‪ ،‬وهو الذي سيطر على تجميع مفردات بين سطوره‪ ،‬خاف عليها أن تختفي وتمحى مع‬
‫الزمن‪ ،‬ومع استدراج فكرة الممحي من اللغة األكبر‪.‬‬
‫وهو الذي بدأ كتابة القصة القصيرة مبكرًا‪ ،‬وفاز بالمركز األول للقصة القصيرة عندما كان طالبا‬
‫في جامعة الملك سعود‪ ،‬وأصدر سبع مجموعات قصصية منذ العام ‪1983‬م‪ ،‬كانت أولها مجموعة (ال‬
‫ليلك ليلي وال أنت أنا)‪.‬‬
‫قاص يرفع القضية القصصية ليقول بصوت قلمه إن الكلمة الصحراوية هي ابنة األرض‪ ،‬والكاتب‬ ‫ّ‬
‫الحقيقي هو ابن مجتمعه‪ ،‬الذي يصرف وقته في جهد مبذول للحياة‪ ،‬نكتنفها بين ثنايا الفقراء‬
‫واألرواح المتعبة التي تعقّ دت قواعدها بين ظالل الروح والكلمة‪.‬‬
‫الصقعبي صقرٌ يلوّح بكلمته نحو السماء‪ ،‬ليطير بنا بعيدً ا‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫الشخصية المع ّقدة‬
‫في مجموعات الصقعبي‬
‫■ د‪ .‬سالم الراشد*‬

‫ال يختلف أديب عربيّ مع نفسه على أن المتنبي كاهن الشعر العربي القديم‪،‬‬
‫الشعر الحصان الــذي سيستمر في الصهيل في الذائقة العربية‪ ،‬وذلــك لفرادةٍ‬
‫عالية في أغلب معانيه‪ ،‬وتميّزٍ بــاذخ في براعة صياغته اللغوية‪ ،‬وغرابةٍ ممتعة‬
‫لذيذة في جمال صوره الفنية؛ فنسبة الجودة الشعرية عنده عظيمة‪ ،‬ومن أجل‬
‫ذلك نُظر إليه على أنه شاعر استثنائي‪.‬‬

‫كما يتفق األدبـــاء المعاصرون مع الــنــدى عــن أوراق الــنــرجــس الجبلي‪،‬‬


‫أنفسهم على أن نزار قباني أعاد للشعر ويقضم النعناع والــزنــبــق‪ ،‬ويستطيع‬
‫بأجنحة مــن شــاالت النساء‬
‫ٍ‬ ‫حضوره الوجداني الجمعي‪ ،‬بعد عصور الطيران‬
‫التكلّس المملوكية األيوبية والعثمانية‪ ،‬الجميالت‪ ،‬وفي الوقت نفسه ينتشي‬
‫فأنقذه من صنوف االعتداءات الساخرة برائحة الخبز الشعبي الطازج‪ ،‬ويترنح‬
‫التي وقعت عليه‪ ،‬ونــالــت مــن مكانته حين يش ّم البهارات واألبازير الشرقية‪.‬‬
‫وعظمته‪ ،‬وجعلته ركوبة سهلة للشعراء ثــم يتمشى بــيــن الــبــاعــة المتجولين‬
‫من أرباع المواهب وأنصافها ومدّعيها‪ .‬فــي األســـواق العربية ي ــردّد نداءاتهم‬
‫وينظم حسراتهم ويدافع عن أحالمهم‬
‫وهناك من يثبت أن للكاتب السعودي‬
‫الــمــؤجّ ــلــة‪ ..‬فــأعــاد لــلــمــفــردة نكهتها‬
‫فرصته وقدرته على الكتابة المميزة‬
‫المهاجرة‪ ،‬وللصورة توهج بساطتها‪،‬‬
‫شع ًرًا ونثرًا‪ ،‬ومن بينهم الكاتب السعودي‬
‫وللموسيقى الشعرية عذوبتها المرحة‪.‬‬
‫عبدالعزيز بن صالح الصقعبي‪ ،‬صاحب‬
‫وذلك بعد أن أحيا استخدام مفردات‬
‫الــمــجــمــوعــة الــقــصــصــيــة «أحـــاديـــث‬
‫جميلة عربية في جذور النص القصصي‬
‫مــســائــيــة»‪ ،‬أدبـ ــي ال ــري ــاض‪ -‬الــمــركــز‬
‫قبل أن تموت في تربتها‪ .‬في حين منح‬
‫الثقافي العربي‪ ،‬الطبعة األولى‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫فضا ًء رومانسيًا ممتعًا‪ ،‬ووثــق أصالة‬
‫فهو يثبت في مجموعته أن النص القصة وقدرتها العالية على التعبير عن‬
‫نص بريّ جميل نافر يشرب نبض المراحل‪ ،‬في الوقت الذي أسس‬
‫القصصي ّ‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪24‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫فيه للخصب الــرمــزي واألســطــوري فيها‪ ،‬في صوت واحد‪ ..‬أصبح الصوت هو صوتي‬
‫الــذي يتسم بالهدوء وشــيء من الخشونة‪.‬‬ ‫وعلّمها معنى الحرية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬كان لكل شخصية في مجموعته خمسة كنا بمالمح واحــدة وصــوت واحــد‪،‬‬
‫مــســربٌ جــمــالــيٌّ مــؤث ـ ٌر فــي مــســار النص نتحدث ونحتفل بمساء الــريــاض‪ ،‬بإهدار‬
‫وقت للحديث عن كل شيء‪ ،‬إال نحن‪.»...‬‬
‫القصصي في القرن العشرين‪.‬‬
‫القاص المميز هنا‪ ،‬هو الذي يعرف كيف‬
‫فهو يكتب في مجموعته المذكورة عن‬
‫وصــل واحتفى بشخصياته المميزة‪ ،‬وهو‬
‫شخصيات معقدة‪ ،‬تعتمد على اإلحساس‬
‫القادر على استثناء كل ظــروف البيئة من‬
‫بالنقص لدى الشخصية‪ ،‬والبحث عن اآلخر‬
‫حوله ليكون فجأة مميزًا‪ ،‬فليس اإلبداع أن‬
‫المثالي حتى يصل اإلحساس بالشخص إلى‬
‫تكون عاديًا كغيرك‪ ،‬بل اإلبداع كيف تتميز‬
‫أن هنالك من يشبهه‪ .‬وهــذه الشخصيات‬
‫عن غيرك‪.‬‬
‫المركبة في تعقيدها تستدعي تركيزًا مهمًا‬
‫وهذا‪ ،‬ما يفعله القاص السعودي عامة‪،‬‬ ‫وقــدر ًة فائق ًة على التركيز واالعتماد على‬
‫التسلسل القصصي‪ ،‬فهو يعمد إلى إسقاط والــكــاتــب الصقعبي خــاصــة‪ ..‬حين يولي‬
‫كل تأزمات البطل على ذلك القرين المعقد للشخصية القصصية والية األهمية والقدرة‬
‫المتعب‪ ،‬من خالل تقديم شرائح مختلفة من على تجاوز المكنون المختبئ بداخل كل‬
‫المجتمع السعودي‪ ،‬شرائح واقعية‪ ،‬ومختلفة منا‪ ،‬ونحن نقرأ نصوصه نصرخ تارة لنقول‬
‫إحساس ألنفسنا‪ :‬أنا هذا من يتحدث عنه ويعبر عنه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عن بعضها تماماً‪ ،‬ولكن يجمع بينها‬
‫فــالــمــرأة المضطهدة تــرى فــي قصصه‬ ‫البطل بالشبه‪.‬‬
‫«خمسة كنا‪ ..‬نحتسي الشاي والقهوة‪ ،‬وجعها وألــمــهــا‪ ،‬والــمــرأة الحزينة تجفف‬
‫نشرب العصير‪ ،‬نتحدث‪ ،‬نمارس في مساء دمعتها عند كلماته‪ ،‬والرجل المتمرد يقرأ‬
‫الــريــاض متعة الــهــروب مــن نــســق الحياة نفسه بين سطور الصقعبي؛ وهــكــذا‪ ،‬هو‬
‫الكئيب‪ .‬خمسة كنا‪ ،‬بمالمح واحدة وهموم القاص الذي بنى نفسه بين كل قارئ‪ ،‬وكل‬
‫متمرس‪ ،‬على اإلمساك بقبضة روحه داخل‬
‫ٍ‬ ‫واحدة‪ ،‬وتطلعات واحدة‪ ،‬كل واحد منا يتناول‬
‫موضوعاً‪ ،‬قد يقوله أي واحد منا في أي وقت‪ ،‬كلمات قصصه‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬حين تعود إلى الوراء قليالً‪ ،‬ستقول‬ ‫ربما كان صديقي هو األفضل‪ ،‬شعرت بأنني‬
‫محاط بمجموعة من المرايا‪ ،‬تعكس صورتي لنفسك‪ :‬أنا شخصية من شخصياته‪ ..‬ربما‬
‫من أكثر من اتجاه‪ ،‬أصواتهم بــدأت تتحد كان يعرفني ذات يوم وكتب عني‪.‬‬
‫ * كاتب ‪ -‬سوريا‪.‬‬

‫‪25‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫الصقعبي في غفوة ذات ظهيرة‬
‫فضاءات سردية متقنة في براح السيرة الذاتية المبدعة‬
‫■ فرج مجاهد*‬

‫ذكي‪ ،‬ويعرف الصدق من‬


‫هذه حياتك‪ ،‬قدّ مها كيف تشاء‪ ،‬ولكن قبل ذلك‪ ،‬ثق أن القارئ ٌّ‬
‫الكذب (ص‪.)17‬‬
‫من منطلق هــذه المقولة‪ ،‬يبحر الــروائــي السعودي «عبد العزيز الصقعبي» في فضاء‬
‫السيرة الذاتية لبطله‪ ،‬الرئيس‪« ،‬منير أبو عبداهلل االبن الذي تبناه مسعود بن عقاب‪ ،‬وجعله‬
‫بط ًال لروايته الغنية باألحداث وأفعالها»‪ ،‬وحملت عنوا َن «غفوة ذات ظهيرة» والصادرة عن‬
‫دار الساقي في بيروت عام ‪2018‬م‪ ،‬يروي من خاللها كلمات كتبها منير في فترات متقاطعة‬
‫وأب اضطرا أن يتركاه‬‫ومتباعدة‪ ،‬لتكون غوص ًا درامي ًا في حياة منير منذ أن كان رضيع ًا أل ٍّم ٍ‬
‫بعد أن مرضت األم واضطر أبوه للسفر من أجل عالجها‪ ،‬فاضطرا أن يتركاه عند صديقة‬
‫أمه أم حزام‪ ،‬زوجة أبي عطية الذي احترق بيته‪ ،‬بينما كان الطفل جالس ًا على المصطبة‬
‫خــارج البيت‪ ،‬فتصادف مــرور مسعود الرجل الطيب الــذي سرعان ما حمل الطفل وأودعــه‬
‫عند أم حزام اليمنية التي لم تستطع أن تتحمله كثيراً‪ ،‬فأخذه مسعود وتبناه‪ ،‬ولما كان غير‬
‫متزوج‪ ،‬وبحاجة إلى عناية خاصة‪ ..‬جعل مريم أم دحيم تعتني به إلى جانب أوالدها‪ ،‬لتبدأ‬
‫تداعيات الطفل بين الماضي والحاضر في براح سردي مرجعي بدأه الراوي منذ أن أحال‬
‫نفسه إلى المعاش‪ ..‬ليتفرغ لكتابة سيرة حياته بارتداد مرجعي تذكري‪ ،‬كمحاولة جيدة‬
‫للبداية‪ ،‬والسيما أن بعض األوراق التي فرغها في الصفحات األولــى خففت حالة القلق‬
‫التي كانت لديه‪ ،‬حتى فاجأه صوت غريب على الهاتف يقول له‪:‬‬

‫«أيــن أنــت يا منير؟ سنوات وأنــا أبحث يقولون عنه‪:‬‬

‫«ابن جنية؛ ألنه عاش في كنف رجل لم‬ ‫عنك‪ ،‬أنــا أعرفك‪ ،‬وأعــرف كل شئ عنك‪،‬‬
‫تطلب منه أن ي ــزورك فــي شقتك فيعتذر يتزوج‪ .‬أَح ّب ُه وتعلم منه أشياء كثيرة‪ ،‬رجل‬
‫ويقول‪ :‬المهم أنني وجدتك‪ ،‬سعيد أنا بذلك متدين‪ ،‬ملتزم بسيط‪ ،‬فجأة يصبح لديه ابن‬
‫يعيش معه‪ ،‬من أين جاء؟ البد أن لديه زوجة‬ ‫وستسعد أكثر عندما تقابلني» (ص‪..)25‬‬
‫ومع ذلك يتأخر اللقاء حتى يفسح للراوي من الجن هي التي أنجبت هذا الولد(ص‪،)28‬‬

‫«أحدهم قال لي ذات مساء‪ :‬أنت مقطوع‬ ‫متابعة سيرة حياة بطله الــذي كــان الناس‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪26‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫أبداً مشكلة وجوده بين أولئك الناس ولكن‬
‫مشكلتي هي هويتي‪ ،‬سأكبر وأغــادر هؤالء‬
‫الناس وسينتهي زمن ال رباط حقيقياً يربطني‬
‫به (ص‪ )49‬ويبقي الراوي مع مسعود وجابر‬
‫أبو دحيم وعبدالرحمن االبن الكبير الذي‬
‫التحق بالعسكرية لتبقى أسرة جابر مكاناً‬
‫آمناً للطفل منير (ص‪.)55‬‬
‫ليتكون من ذلك فضاء سرد روائي‪ ،‬سير‬
‫ذاتي‪ ،‬أشار إلى مبدع ينحاز إلى رواية أكثر‬
‫ما ينحاز إلى حكايته‪ ،‬وهذا ما عزز النص‬
‫ودفعه ألن يكون منجزاً روائياً يحتاج إلى‬
‫أكثر من قراءة من أكثر من مستوى‪ ..‬حتى‬
‫الروائي والقاص عبدالعزيز الصقعبي‬
‫تظهر قيمة الرواية التي تشكل إضافة جادة‬
‫إلى الحراك الروائي السعودي المعاصر‪.‬‬
‫فالقراءة السردية لنص الكاتب ومجموعته‬ ‫من شجرة‪ ،‬أعرف أنك ترفض أن يقال عنك‬
‫القصصية تجعلك تبحث عن غفوة جديدة‬ ‫لقيط أو يتيم» (ص‪.)33‬‬
‫ويفرد الراوي مساحة من السرد ليحكي للحياة‪ ،‬فيها الكثير من الدهشة والصدمة‪.‬‬
‫فهو الكاتب األكثر إثــارة واألق ــدر على‬ ‫من خاللها عن العم مسعود القادم من أواسط‬
‫نــجــد‪ ،‬ويــدخــل معه فــي تفاصيل متعددة‪ :‬انتزاع التعاطف مع شخصياته القصصية‪،‬‬
‫شخصيته‪ ،‬عــدم زواجــه‪ ،‬قــراره العيش في ولــــه خــصــوصــيــات فــنــيــة أعــطــتــه نكهة‬
‫الطائف‪ ،‬امتهانه للتعليم (ص‪ -)38‬عالقاته متميزة‪ ،‬إذ يمتلك قــدرة نــادرة على توفر‬
‫الكثيرة مع كل فئات المجتمع (ص‪ )39‬حبه الحركة الداخلية للنص‪ .‬وقدرة فائقة على‬
‫للشعر النبطي‪ ..‬وفــي النهاية هــي حياته المالحظة والتقاط الموقف مــن العادي‬
‫أرادها أن تكون هكذا مختلفة عن الجميع‪ ،‬والسائد والتسامي به‪ .‬ويمتلك قدرة أدائية‬
‫وحيد في عالم صاخب (ص‪ )40‬يعود إلى وال ينطوي على موهبة قصصية فقط‪ ،‬بل له‬
‫منير الــذي اكتفى بدراسته للصف الثالث تجاربه النقدية والدرس األكاديمي لألعمال‬
‫المتوسط‪ .‬عاش مع مسعود دون أن يواجه السردية‪.‬‬

‫ * كاتب ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫‪27‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫عبدالعزيز الصقعبي‬
‫الروائي والقاص والسيناريست المسرحي‬
‫■ غازي خيران امللحم*‬
‫كاتب روائي وقصصي متألق‪ ،‬وسيناريست مسرحي غزير اإلنتاج‪ ،‬يعد في طليعة النخبة‬
‫الفكرية المحلية والعربية‪ ،‬ذو خصوصية متفردة بمعظم تجلياتها االبتكارية‪ ،‬من أقصوصة‬
‫وقصة ورواي ــة ومـســرح ومقالة ونـقــد؛ يصيغ نصوصه بسالسة سهلة‪ ،‬وم ـفــردات مبسطة‪،‬‬
‫يدبجها بتشكيالت لغوية مزركشة‪ ،‬ترقى لذوق المتلقي المثقف‪ ،‬وتتناسب ومستوى القارئ‬
‫الـعــادي‪ ،‬تطرأ في معظمها لشرائح اجتماعية وطبقات إنسانية متعددة‪ ،‬لها اهتمامات‬
‫متباينة واتجاهات مختلفة‪ ،‬وإلقاء الضوء على بيئاتهم‪ ،‬والولوج إلى مكنونات عوالمهم‬
‫الحياتية‪ ،‬واإلشارة إليها من بعض جوانبها‪.‬‬
‫والمتتبع لمسيرته األدبية‪ ،‬يلمس عن كثب‪ ،‬أن جادة إلى جانب الحدث‪ ،‬فيهب القارئ متعة التخيل‬
‫الروائي «عبد العزيز الصقعبي» يجد نفسه أكثر في وتوقع مجريات األحداث»‪.‬‬
‫مضمار الكتابة ذات البناء السردي‪ ،‬من رواية وقصة‬
‫ومثال ذلــك روايــتــه‪ ،‬التي جــاءت بعنوان «اليوم‬
‫وأقصوصة ومسرحية وسيناريو‪ ،‬إلى جانب المقالة‪،‬‬
‫األخير لبائع الحمام»‪ ،‬أ َّر َخ فيها «الصقعبي»‪ ،‬لطبقة‬
‫بكل تفرعاتها وتنوع مواضيعها‪.‬‬
‫اجتماعية معينة من الناس‪ ،‬تناول فيها حياة أسرة‬
‫وهــو مع كل ما يتمتع به من سمات ابتكارية‪ ،‬فقيرة الحال‪ ،‬كانت تسكن في أحد اإلحياء المهمشة‪،‬‬
‫وزخم خيالي ظاهر‪ ،‬في فضاءات اآلداب وأطيافها الواقعة على أطراف إحدى المدن‪ ،‬ورصد مجهودات‬
‫الزاهية‪ ،‬إال إنه لم يتطرق البتة إلى أي من فنون تلك العائلة المتعبة مــاد ًيــا‪ ،‬أثناء تحرك أفرادها‬
‫الشعر المعروفة‪ ،‬أو التقرب مــن ثنايا القصيدة فــي عملية البحث عــن لقمة الــعــيــش‪ ،‬بــدايــة من‬
‫التقليدية الشائعة‪ ،‬والنأي التام عن مشتقاتها من‬
‫الجد األول ومرورًا باألبناء وانتها ًء بأوالد األحفاد‪،‬‬
‫شعر عمودي أو حر‪ ،‬أو ما يسمى بشعر التفعيلة‪ ،‬ما‬
‫أربعة أجيال متتالية‪ ،‬ومتابعة خطواتهم عبر دروب‬
‫خال بعض الخواطر والمنمنمات القليلة‪ ،‬التي كتبها‬
‫الحياة‪ ،‬فكان كل واحد أو واحدة من كال الجنسين‬
‫في وقت مبكر من حياته‪ ،‬وهي تعود للبدايات األولى‪،‬‬
‫في شخصيات الرواية‪ ،‬يمثل أنموذجً ا متفردًا عن‬
‫من رحلته الكتابية عبر احتكاكه بعوالمها الفنية‪ ،‬إال‬
‫إن ذلك لم يمنعه من إبــداء رأيه بجماليات الشعر اآلخــريــن‪ ،‬بخصوصيته وأمانيه ونظرته للحاضر‬
‫وإط ــراء ضروبه المدهشة‪ ،‬في أكثر من بحث أو وتطلعاته للمستقبل‪ ،‬كل ذلك ساقه الكاتب بأسلوب‬
‫حواري جاد أورده على لسان أبطال روايته‪ ،‬المترعة‬ ‫دراسة‪.‬‬
‫باألحداث والمفعمة بالمفاجآت‪.‬‬
‫أعماله الروائية‬
‫وللكاتب إلى جانب روايته السالفة الذكر تلك‪،‬‬
‫الرواية بمدلولها المختصر‪ ،‬أو كما انثال تعريفها عدة أعمال روائية أخرى‪ ،‬مثل رواية‪« :‬رائحة الفحم»‪،‬‬
‫و«طائف األنس»‪ ،‬و«مقامات نسائية»‪ ،‬و«حالة كذب»‪،‬‬ ‫على شفاه يراع الكاتب نفسه‪:‬‬
‫«هي عبارة عن فن سردي راق‪ ،‬يقدم رؤية وثقافة و«غفوة ذات ظهيرة» وغيرها‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪28‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫المتسوقين من رجال ونساء وأطفال‪ ،‬المصحوبة بأصوات‬ ‫أعماله القصصية‬
‫للكاتب إسهامات واسعة في ضروب القصة القصيرة‪ ،‬الباعة ولغط المشترين وضجيجهم‪.‬‬
‫ومن وحي تلك الرؤى والخواطر التي حفلت بها ذاكرة‬ ‫وفن األقصوصة التي هي عبارة عن قصة قصيرة جدا‪ ،‬ال‬
‫تعدو كونها بضعة سطور‪ ،‬أو لقطة ميكروسكوبية لحدث ما‪ ،‬الكاتب‪ ،‬وضع العديد من المسرحيات التي استقى مادتها‬
‫وحيد يرمي من ورائه الكاتب لهدف معين‪ ،‬يروم األولية‪ ،‬من تلك األجواء التي عاشها يوما‪ ،‬مثل مسرحية‪:‬‬ ‫مشهد ٍ‬‫أو ٍ‬
‫إيصاله إلى ذهن القارئ بأقصر مسافة ممكنة وأسلسها‪« .‬صفة فــي ال ـمــرآة» و«واح ــد صفر» و«بقايا مــن معاناة‬
‫مثل مجموعته األقصوصية «فراغات» التي ال يعدو كونها المهرج»‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫ومضات سردية ملونة في عالم القصة القصيرة‪.‬‬
‫ونظرا ألهمية هذه الكتابات وتميزها‪ ،‬ودعما للتأليف‬
‫بدا الكاتب نشاطه الفعلي في هذا المجال‪ ،‬منذ العام المسرحي على المستوى المحلي‪ ،‬وتوثيقا لمسيرة المسرح‬
‫‪1403‬ه ــ‪ ،‬حين أصــدر عدة مجموعات قصصية‪ ،‬حافلة وتاريخه في المملكة‪ ،‬أصــدرت وزارة الثقافة واإلعــام‪،‬‬
‫بالشخوص المتعددة واألح ــداث المتباينة‪ ،‬التي ال تقل الكتاب الثالث من سلسلة نصوص مسرحية‪ ،‬وهو عبارة‬
‫أهمية عن مدوناته اإلبداعية في ميادينه األخــرى‪ .‬التي عن أرشفة لبعض النتاج المسرحي للكاتب‪« :‬عبدالعزيز‬
‫منها‪« :‬ال ليلك ليلي وال أنت أنا» و«الحكواتي يفقد صوته»‬
‫الـصـقـعـبــي»‪ ،‬ال ــذي ج ــاء ب ـع ـنــوان‪« :‬صـفـعــة فــي ال ـمــرآة»‬
‫و«ويوقد الليل أصواتهم ويمأل أسفارهم بالتعب» و«أحاديث‬
‫ومسرحيات أخرى‪.‬‬
‫مسائية» والقائمة تطول‪.‬‬
‫وعرفانا بجودة هــذا العمل‪ ،‬وتأكيدا لقيمة فحواه‬
‫وجميعها تتسم مواضيعها بمسوح إنسانية محضة‪،‬‬
‫وتقديرا لمؤلفه‪ ،‬بادر السيد وكيل وزارة الثقافة المكلف‬
‫تتحدث عن مشاكل الفرد ومتاعبه اليومية‪ ،‬التي عمد‬
‫الدكتور‪« :‬عبد اهلل الجاسر»‪ ،‬بوضع تقديمٍ لهذا الكتاب‬
‫الكاتب لمعالجتها من خــال حــواراتــه‪ ،‬وتعدد شخوصه‬
‫القصصية‪ ،‬بطرق مختلفة عدة‪ ،‬ولفت األنظار إليها‪ ،‬للحد الدرامي‪ ،‬الذي يقع في (‪ )199‬صفحة من القطع الوسط‪،‬‬
‫من طغيان الصورة النمطية التي تحاول ربط المجتمع واستعراض بعض نصوصه‪ ،‬واإلشــارة إلى بعض أحداثها‬
‫المحلي بالبادية والصحراء ليس إال‪ ،‬علمًا أن السعودية وجمالياتها الحوارية‪.‬‬
‫ومن نتاجات األديب «الصقعبي» األخرى في سياق هذه‬ ‫بلد متحضر‪ ،‬ومدنه كثيرة ومتنوعة األعمال واالتجاهات‬
‫الميلودراما المسرحية‪« :‬صفعة في المرآة» و«واحد صفر»‬ ‫العصرية‪.‬‬
‫و»المقهى الزجاجي» و«واحد اثنان ثالثة» و«والدة متعسرة»‬ ‫أعماله المسرحية‬
‫و«موليتوف»‪ .‬وقد مثلت هذه األعمال على مسارح محلية‬
‫إلــى جانب الــروايــة والقصة وغيرها من النشاطات وعربية عدة‪ ،‬والقت استحسانًا جيدًا من قبل الجمهور‬
‫الثقافية األخـ ــرى‪ ،‬الـتــي ت ـنــدرج فــي هــذا اإلطـ ــار‪ ،‬كان المشاهد والنقاد‪.‬‬
‫«الصقعبي» ومنذ نعومة أظفاره‪ ،‬مياالً بفطرته‪ ،‬إلى األعمال‬
‫فتلك النصوص الدرامية وغيرها‪ ،‬هيأت له طريق‬ ‫الدرامية والتأثر برؤيتها المباشرة‪ ،‬ال سيما المسرحية‬
‫منها‪ ،‬التي كان يمارس بخياله بعضا من فصولها‪ ،‬من خالل الحصول على عدة جوائز مهمة‪ ،‬منها فوز كتابه‪« :‬القرية‬
‫اللعب مع أقرانه من أطفال الحي الشرقي بالطائف‪ ،‬وعبر تخلع عباءتها»‪ -،‬الذي حوى بين دفتيه ثالث مسرحيات‪،‬‬
‫شارع عكاظ الزاخر بعوالم مسرحية حية‪ ،‬كان يتحسس على درجة راقية من الطرح الحواري والفصول الدرامية‪-‬‬
‫وجودها عن كثب‪ ،‬وتحسسه عن قرب ألبطالها من السقاة بجائزة معرض الكتاب الدولي في الرياض‪ ،‬ثم فوزه على‬
‫وهم يطوفون بأوعية الماء‪ ،‬أثناء جلبها لبيوت األهالي‪ ،‬مجمل إنتاجه الفكري بجائزة البوكر الدولية بنسختها‬
‫وتجار البرسيم وعربات الخضار وغيرها‪ ،‬ومجموعات العربية‪.‬‬
‫ * باحث وكاتب سوري مقيم في السعودية‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫الصقعبي‪....‬‬
‫مخرج يحرّك شخصياته كيفما يريد‬
‫■ خالد اخلالد*‬

‫حين يبدأ اإلبــداع‪ ،‬تتكلم األنفاس التي تطير بك كقارئ نحو اتجاه ال تعرف غيره في‬
‫الـحـيــاة‪ ،‬فــأنــت محكوم بين الحقيقة والـخـيــال‪ ،‬وبـيــن الكلمة واإلح ـســاس؛ فتجد نفسك‬
‫أمام اإلبــداع في كتابة القصة القصيرة‪ ،‬الذي قدمه الكاتب السعودي «عبد العزيز صالح‬
‫الصقعبي» في مجموعته القصصية األولــى «ال ليلك ليلى وال أنت أنــا»‪ ..‬الصادرة ضمن‬
‫مطبوعات «نــادى الطائف األدب ــي»‪ ..‬عــرض فيها لخمس وعشرين قصة قصيرة مختلفة‬
‫المضامين‪ ،‬بل ومختلفة الشخصيات التي تحسها من واقع اجتماعي له خصوصياته في‬
‫بيئة بدوية عربية خالصة‪ ،‬تتمثل في عاداته الموروثة‪ ،‬التي تتأرجح بين التمسك بتلك‬
‫العادات وبين التخلي عنها‪.‬‬

‫تعيش وتمارس حياتها وسط المجتمع الذى‬ ‫فلم تخرج القصة القصيرة في السعودية‬
‫وجدت فيه‪ ..‬وقد تبدو هذه النماذج عادية‬ ‫عن هذه المحاوالت التجريبية‪ ،‬والناظر في‬
‫لعدم تفردها بشيء ما؛ لكن ما يميزها عن‬ ‫مجموعته التي ذكرتها سابقا (المجموعة‬
‫مثيالتها من تلك التي تشبهها في طباعها‬ ‫األولــى للصقعبي)‪ ،‬يمكنه أن يالحظ تنوع‬
‫وتــصــرفــاتــهــا‪ ..‬وتجمع بينها سمة واح ــدة‪،‬‬ ‫األبــنــيــة القصصية‪ ،‬وميلها إلــى التجريب‬
‫كالبخل والطمع وغير ذلك من الصفات التي‬ ‫بحيث ال تــأخــذ نــمــطً ــا واضــحً ــا ومــحــددًا‪.‬‬
‫يوجد الكثير ممن يوصفون بها؛ لكن ذلك ال‬ ‫وتعتمد قصصه على التقاطات سريعة مكثفة‬
‫يعني أنها ال تماثلها‪ ،‬فهناك اختالف يالحظ‬ ‫للحظات يومية وحياتية‪ ،‬وغالبا ما يالحظ‬
‫بين الشخصية وغيرها ممن تشبهها في‬ ‫فيها االعتماد على تالحق الجمل القصيرة‬
‫صفاتها وطباعها‪ ،‬وذلــك االختالف هو ما‬ ‫الــتــي تخلو فــي بعض القصص مــن أدوات‬
‫الربط‪ ،‬وكأنها بذلك تتفق مع حجم االنفصال‬
‫يبديها شخصية شاذة وسط من يحيطون بها‪.‬‬
‫الــذي تعيشه الشخصيات عن واقعها‪ ،‬فهي‬
‫فالبخيل‪ ،‬والطماع‪ ،‬والمحب‪ ،‬والمغامر‪،‬‬ ‫تائهة بين الواقع الملموس والخيال القادر‬
‫الــذى يحلم بتحقيق آماله التي يتطلع إليها‬ ‫على فعل شيء ال يمكن ألحد أن يدركه؛ فتلك‬
‫المرء في حياته‪ ،‬ومن خالل تصرفاته‪ ،‬ليصل‬ ‫الشخصيات المتناقضة التي يحاول الكاتب‬
‫إلى هدفه مهما كانت الوسيلة‪ ..‬هي الميزة‬ ‫أن ينقلها لنا من واقع اجتماعي صعب يعيشه‬
‫التي كان يتحرك من خاللها بين شخصياته‪،‬‬ ‫وح ــده‪ ،‬بــل تتراكم عليه كــل الــحــاالت التي‬
‫وغير ذلــك من الشخصيات الموجودة في‬ ‫يحاول نقلها‪ .‬بدت هذه الشخصيات نماذج‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪30‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫داخ ــل ف ــراش الـ ــروح‪ ،‬وكــل ذلــك على أســاس‬ ‫الحياة والتي ليست بغريبة على مجتمع من‬
‫اختياره لمضامينها التي اختارها من الواقع‪،‬‬ ‫المجتمعات‪ ،‬باعتبار أنه ال توجد ثمة مثالية‬
‫وعــرض من خاللها لبعض النماذج اإلنسانية‬ ‫كاملة‪.‬‬
‫وممارستها الحياتية التي تفرضها علينا القيم‬ ‫ففي تلك القصة «ال ليلك ليلى وال أنت أنا»‬
‫والمثل المجتمعية التي نعيشها اليوم‪ ،‬ونكره أن‬ ‫التي اختارها الكاتب اسمًا لمجموعته األولى‪،‬‬
‫نمارسها‪ ..‬ولكننا مجبرين عليها‪ ،‬وتتسم أغلب‬ ‫تبدو الفتاة الصغيرة التي تتزوج من شيخ مسن‪،‬‬
‫موضوعاته بالواقعية التي ال ينال منها في‬ ‫شاهدت وهي طفلة حفل زفاف له‪ ،‬ولم تدر‬
‫شيء‪ ،‬خاصة وأنها قدمت كمحاوالت تجريبية‬ ‫أنها ستكون زوجة له‪ ،‬بعد أن أصابه الضعف‬
‫من قبل الكاتب‪ ،‬وهو يحاول مليّا أن يشعرنا‬ ‫والمرض وحقق ثروة طائلة تعاونه على تناول‬
‫بقصر العالقة بين الشخصية والحياة‪ ،‬وارتباط‬ ‫الـ ــدواء ال ــذى يخفف عنه آالم الشيخوخة‪،‬‬
‫كل شخصية بأرضها ومبادئها التي تربت عليها‪،‬‬ ‫وتخشى أن يموت عنها ويتركها وحيدة‪ ،‬لكنه‬
‫والتي دخل بها إلى عالم القصة القصيرة‪.‬‬ ‫يرحل عنها‪ ،‬وترفض الزواج من غيره حتى ال‬
‫ثمة عالقة أكيدة بين الشخصيات وبعضها‪،‬‬ ‫تكرر التجربة التي عاشتها‪ ،‬وتقرر أن تظل‬
‫بالرغم من صعوبة استيعاب هذه الحقيقة‪ ،‬لكن‬ ‫وحيدة‪ ،‬ال تريد الزواج أو االرتباط بأحد‪ ،‬ولكن‬
‫أثر هذه العالقة عليهم غير موجود‪ ،‬والسبب‬ ‫يفكر ابن الجيران الــذى أحبها في االقتران‬
‫واضح من قراءتك ألي مجموعة من مجموعاته‪،‬‬ ‫بها‪ ،‬ويتوهم أنها سوف تسخر منه؛ ألنه ينظر‬
‫وذلــك لتفرد كل منهما بعالمها الخاص بها‪،‬‬ ‫ال في عمر‬ ‫إلى بقايا امرأة تزوجت قسرًا رج ً‬
‫سواء من ظلت تواصل الحياة بكل تفاصيلها‪،‬‬ ‫أبيها‪ ،‬وتوفي وأورثها األلم والحسرة على ربيع‬
‫وأخبارها‪ ،‬وعالقاتها ببعضها‪ ،‬أو تلك التي‬ ‫العمر الذى ذهب هباء وهي ال تزال شابة تنظر‬
‫انتهت حياتها‪ .‬والمقصود بالشخصيات هنا هو‬ ‫لنفسها في المرآة التي تقنعها بأنها أجمل‬
‫المجتمع ككل بكل تفاصيله‪ ،‬والحياة التي نجبر‬ ‫فتيات الحي‪ ،‬ويتمنى أن تقبله‪ ،‬لكن كلماته‬
‫عليها وليس بيدنا أن نغيرها‪ ،‬وليس شخصيات‬ ‫تبقى دونما أن تتعدى داخــلــه‪ ،‬وتظل هي ال‬
‫القصص مــنــفــردة‪ ،‬بمعنى الشخصية ومن‬ ‫تشعر به‪ ،‬وتنتهي القصة بتلك الفتاة التي ال‬
‫حولها وما تعانيه من ظروف‪ ،‬وليس الشخصية‬ ‫تعرف ليلها وال هو يتمكن منها‪.‬‬
‫والشخصية األخرى في كل القصص‪ ،‬وبمعنى‬ ‫مــن نــظــرتــك كــقــارئ قــصــص المجموعة‪،‬‬
‫أوضح العالقة المقصودة هي العالقة الحياتية‪،‬‬
‫تتمكن أن تــحــدد عــوالــم الشخصيات التي‬
‫التي تربط بين الشخصية وبين الشخصيات‬ ‫قدمها الكاتب من خــال مشاعر وأحاسيس‬
‫التي تشاركها الواقع الذي تعيش فيه‪.‬‬
‫مختلطة ببعضها بعيدًا عن االلتزام الروحاني‬
‫ويبقى الصقعبي هو المخرج الذي يحرك‬ ‫بينها‪ ،‬ويتحدد أيضا النهج القصصي لديه من‬
‫خالل رسم الحروف على ألسنة الشخصيات الشخصيات‪ ،‬وهــو الــذي يتالعب بها كيفما‬
‫التي تعبر عن مكنوناتها العميقة المختبئة يريد‪.‬‬

‫ * كاتب ‪ -‬العراق‪.‬‬

‫‪31‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫الحكواتي يفقد صوته بين عوالم‬
‫الصقعبي القصصية النثرية‬
‫■ عبدالعزيز بوشردوقة*‬

‫يقارب الصقعبي في مجموعته (الحكواتي يفقد صوته)‪ ،‬وهي مجموعة قصصية صدرت‬ ‫ُ‬
‫عن جمعية الثقافة والفنون بالقصيم‪1410 ،‬هـ‪ ،‬بـهذا واحد ًة من تجاربه المميّزة في القصة‬
‫تخص الكاتب السعودي الصقعبي وحده‪ ،‬وهو القاص والناقد واألكاديميّ‬ ‫ُّ‬ ‫العربيّة الحديثة‪،‬‬
‫والمثقف‪ ،‬الذي قدّ م للمكتبة العربيّة مؤلّفات بالغة التميّز والنوع والخصوصيّة‪.‬‬
‫وتجربته القصصية ال تشبهُ غيرَها في التعامل مع اللغة والفكر والــرؤيــة والثقافة‪،‬‬
‫فنّصهُ النثري يعوّلُ على مفردات الحياة بأعلى درجات كثافتها وغناها وثرائها‪ ،‬ويحتفي‬
‫بها احتفاءً بهيجاً‪.‬‬

‫ال‬
‫نصه أص ً‬
‫وقد وجدنا أنّ تجربته القصصية في والتفاعل كتابياً معها‪ .‬وبما أنّ َّ‬
‫نص على مجموعة نصوص‪ ،‬وتجربة‬
‫هــذه المجموعة الموسومة‪« :‬الحكواتي هو ٌّ‬
‫ا نثريًا آخ ـ َر عــلــى مــجــمــوعــة ت ــج ــارب‪ ،‬فــنــحــن نــحــاول‬
‫يفقد صــوتــه» تــدخــل مــدخ ـ ً‬
‫نصه االنتقا َل بلعبة الكتابة إلــى طبقة أخرى‬
‫ّف َّ‬
‫في هذه التجربة العميقة؛ إذ يؤل ُ‬
‫الــنــثــري هنا على أربــعــة نــصــوص ألربعة ثالثة تكو ُن المقارب ُة فيها داخ َل فضاءٍ نقديٍّ‬
‫طرق مختلفة‪ ،‬وهي تجربة كتابيّة تتفاعل متحر ٍّر تقريباً من السياقات األكاديميّة‬
‫وتــصــاحــب وتــتــرافــق وتتماهى وتتعاضد التقليديّة‪ ،‬بحيث يكو ُن أقــربَ إلى فضاءِ‬
‫وتــتــوازى مع تجاربه المهمة في الكتابة‪ ،‬الكتابة الحرّة التي تزاوج النقديّ بالشعريّ‬
‫تشكيل لغويٍّ يتحرّى الحساس ّي َة القائم َة‬
‫ٍ‬ ‫نصوص وتجرب ٌة على تجاربَ ‪ ،‬في في‬
‫ٍ‬ ‫نص على‬
‫ٌ‬
‫قلب على جماليّات التعبير‪ ،‬بحيث تكو ُن قادر ًة‬
‫صوغ لغويٍّ ينتز ُع الشعريَّ من ِ‬
‫ٍ‬ ‫نظامِ‬
‫على تمثيل العالقة بين المقروء والمكتوب‬ ‫نحو بارعِ الجمال واأللفة‪.‬‬
‫النثريّ على ٍ‬
‫تجته ُد الكتاب ُة التي حَ مل َها كتابُنا عن في تركيبة مشتركة‪.‬‬
‫فنحن هنا‪ ،‬نتطلع إلى مجموعة قصصية‬ ‫تجربة نصه القصصي المميز هنا‪ ،‬في أ ْن‬
‫نصه‪ ،‬يتفاع ُل فيه مختلفة كما هي‪ ،‬بحثًا عن قدرة الكاتب في‬
‫تكو َن نصاً جديداً على ّ‬
‫صوغيّ نحسبُ ُه كتابته‪ ..‬وإذا كان للشاعر شربل داغر في‬
‫نحو َ‬
‫النقديّ بالشعريّ على ٍ‬
‫مختلفاً فــي مــقــاربــة نــصــوص قصصية هذه المجموعة وج ٌه آخر يبز ُغ هنا وهناك‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪32‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫ضاغطة‪ ،‬سادتْ‬
‫ٍ‬ ‫لــإشــارة إلــى ذخيرته النقديّة والفكريّة قرناً ‪ -‬خضعت لنمطي ٍّة‬
‫الماكثة فــي لغته الشعريّة والقصصية على نــحـ ٍـو كــاســيّ ‪ ،‬وختمتْ على الــذوق‬
‫المميزة‪ ،‬من حيث تعامله مع شخصيات الشعريّ العربيّ بطريقة تقديسيّة عالية‬
‫القصة والــمــقــاربــة بين شخصية الرجل اإلكراه‪ ،‬حتّى صارت لدى المتلقّي العربيّ‬
‫نحو ما‪ ...‬نتطّ لع نوعاً من الديانة التي تُك ّف ُر من يخ ّل بشرط‬
‫والمرأة في قصصه على ٍ‬
‫إلــى أن يُــقــرأ كتابُنا إلــى كــل مجموعاته من شروطها‪ .‬وعملتْ آلة التخوين والتكفير‬
‫القصصية والمسرحية م ـ ًعــا‪ ،‬ألنّ عدم والتسقيط على وضع ك ّل من يتمرّد على‬
‫واحد هذه «الحقيقة» في قفص االتّهام بالخيانة‬
‫ٍ‬ ‫نص‬
‫قراءة تجربته معاً يجعل قراءةَ ٍّ‬
‫قــراء ًة ناقصةً‪ .‬فثّمة رو ٌح متموّج ٌة توّاق ٌة‬
‫العظمى‪.‬‬
‫مــتــمـرّدةٌ مــن اإللــهــام واإلدهـــاش واإلمــتــاع‬
‫استعانتْ هــذه اآلل ـ ُة الشرس ُة بقميص‬
‫تظ ّل متلبّث ًة في نصوصه‪ ،‬وال بدّ من العودة‬
‫عثمان «التراث» المقدّ س الــذي يتعرّض‪،‬‬
‫إلى نصوصه كاملة الصطيادها في برّيتِها‬
‫في نظرها‪ ،‬لهجوم «الخونة»‪ ،‬و«الكفرة»‪،‬‬
‫األصليّة وهي تنث ُر سحرَها على ما تصل ُ ُه‬
‫ومساحات‪ .‬وكلّي أمل أ ْن و«المارقين» الخارجين على القانون‪ ،‬بما‬
‫ٍ‬ ‫من أرجاءٍ وعوال َم‬
‫تص َل بهجتي ومرحي ومتعتي وسعادتي وأنا يح ّت ُم على حرّاس الفضيلة والحَ رَم المقدّ س‬
‫أشتغل على قراءة الكتاب‪ ...‬ال أري ُد أكث َر ودعاة الحفاظ على النَسَ ب األصيل وشجرة‬
‫العائلة التي يجب أن تكون صافية دائماً‪،‬‬ ‫حتماً‪.‬‬
‫أن يدافعوا عن الــتــراث العربيّ ُمل َخَّ صاً‬
‫فهو يتمكّن مــن جعل المصموت عنه‬
‫بـ«قصيدة ال ــوزن»‪ ،‬بك ّل ما أوتــوا من قوّة‬
‫محكيًا في نصوصه القصصية‪ ،‬إذ يجعلك‬
‫وحماسة وإيمان‪ ،‬و«من رباط الخيل»‪ ،‬مهما‬
‫تعيش لغة النص بصورة مختلفة مميزة‪ ،‬ما‬
‫كلّفت التضحيات‪ .‬هــكــذا‪ ،‬بقي المشهد‬
‫يجعلك تقارب الحياة أقرب‪.‬‬
‫ال بالوزن والقافية في‬ ‫الشعريّ العربيّ مثق ً‬
‫رهيب متجذّ ٍر‪ ،‬ال يسمح لثورة‬ ‫ٍ‬ ‫تكرار مملٍّ‬ ‫المفهومُ المتحوّ ُل لقصيدة النثر‬
‫لو نظرنا إلى الشعريّة العربيّة‪ ،‬وحاولنا التخالط الحاصلة في كـ ّل أرجــاء العالم‬
‫أن نعاين مراحل تطوّرها‪ ،‬لقلنا إنّ الشعريّة أن تتسرّب إلى فضائها‪ ،‬فتوقظ فيه رغبة‬
‫العربيّة في زمن «قصيدة الــوزن» ‪ -‬التي التغيير والتحوّل والتطوّر‪ ،‬نحو فضاء آخر‬
‫اســتــمـرّت متسيدة أكثر مــن أربــعــة عشر أكثر حريّة وأق ّل عنفاً‪.‬‬

‫* كاتب ‪ -‬الجزائر‪.‬‬

‫‪33‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫عبدالعزيز الصقعبي‪...‬‬
‫سرد ماتع السترجاع أوليات الطفولة‬
‫الطرية في سياقات شوكية‬
‫■ محمد العامري*‬

‫ال شك أن السرد السعودي استطاع في اآلونة األخيرة من القرن الفائت أن يحوز على‬
‫اهتمام النقاد؛ لما يمتلكه هــذا الـســرد مــن اخـتــاف بائن فــي مناخات إنـجــازه؛ فمركبات‬
‫المناطق السعودية متنوعة‪ ..‬لكنها تشترك فيما بينها‪ ،‬أنها مجتمعات محافظة‪ ،‬وهذا‬
‫األمر جاء عبر مركزية الدين في السعودية‪ ،‬وتجلياته في تفاصيل المجتمع السعودي‪.‬‬

‫هذا األمر له مؤثراته البائنة في طبيعة عبر المثل القائل وهو دارج في السعودية‬
‫األدب الــســعــودي‪ ،‬ويــشــكــل مــحــفـزًا مهمًا «العين ال ترتفع على الحاجب»‪.‬‬
‫ففي روايته «طائف األنس» سردية األلم‬ ‫للتمرد على تلك الطبائع والتقاليد‪ ،‬واللحاق‬
‫بالحداثة العربية‪ ،‬تحديدًا بالد الشام ومصر‪ .‬اإلنساني بامتياز‪ ،‬تعكس ما يعانيه الكاتب‬
‫تشكل تجربة عبدالعزيز الصقعبي منجمًا نفسه في مجتمعات مغلقة تنظر إلى الفقير‬
‫متنوعً ا للدخول في هواجسه المسرحية بوصف الفقر قيمة دنيا‪ ،‬وهذا األمر ينعكس‬
‫والــروائــيــة والقصصية وم ــا جــاورهــا من على المصاهرة واألصل والفصل والثراء‪.‬‬
‫«طــائــف األنـــس» ســرديــة تــقــدم مقطعًا‬ ‫أنشطة متصلة بالثقافة‪ ،‬كالصحافة وعلم‬
‫حساسً ا في محركات المجتمعات السعودية‪،‬‬ ‫المكتبات الذي درسه في أمريكا‪.‬‬
‫هــي ظــاهــرة الشغف بالكتابة والتطور فــهــو الــعــمــل الـ ــذي الق ــى مــســاحــة واســعــة‬
‫المعرفي‪ ،‬إذ تشير سردياته إلى تسجيلية مــن الــدراســة‪ ،‬س ــواء كــانــت األكــاديــمــيــة أم‬
‫ذكية فيما يخص الرومانسية في العالقات الصحافية‪.‬‬
‫فــمــا تــقــدمــه «ال ــس ــردي ــة الــصــقــعــبــيــة»‬ ‫االجتماعية وتصنيفاتها في السرد‪ ،‬مستعينًا‬
‫ببعض األمــثــلــة الشعبية الــتــي تسهم في امتداد لكثير من الكتاب الذي ينتمون إلى‬
‫تقريب الــفــكــرة الــمــراد إيــصــالــهــا‪ ،‬تكشف طــمــوحــات الــحــريــة واالنــتــصــار لــإنــســان‪،‬‬
‫رواياته الطبقية في المجتمع السعودي ذاته ويطغى على المسرودات كوابيس االنغالق‬
‫وما يواجهه الحب اإلنساني من عقبات تكاد وصعوبة تفكيك هــذا العالم التي تعيش‬
‫تكون مستحيلة‪ ،‬ونستطيع أن نتحسس ذلك فيه المجتمعات المحافظة عبر منظومة‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪34‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫الوصاية والتلصصية للقبض على مخالفات ليقدم نوستالجيا خاصة بــه‪ ،‬ويقول بهذا‬
‫الخصوص‪:‬‬ ‫القبيلة والمجتمع‪.‬‬
‫«اشتقت إليك كثيرًا جدتي‪ .‬أنت الوحيدة‬ ‫وبالتالي‪ ،‬ال مجال لألحالم هنا‪ ،‬إال عبر‬
‫التي تعرف أن حفيدك عبدالرحمن ال يخطئ‪،‬‬ ‫التمرد ودفع الثمن القاسي تجاه المخالفات‬
‫ولكن أحالمه كبيرة وتافهة ربما في الوقت‬ ‫التي من الممكن أن تقضي على حياتك؛‬
‫ذاته وساذجة‪ ،‬لدرجة أنه ال يقدر أن يبوح‬ ‫لكن أبطال سرديات الصقعبي تناضل في‬
‫بها‪ .‬تعرفين أنني غادرت الطائف ألذهب إلى‬ ‫سبيل ذلــك الــحــب‪ ،‬تــمــا ًمــا كما فعل أحد‬
‫الرياض بحثًا عن وهم‪ .‬هل أنا عبدالرحمن‬ ‫أبطال روايــاتــه وهــو «دحيم» صــورة أخرى‬
‫الطائفي‪ ،‬أم الشرقي‪ ،‬أم القصيمي‪ ..‬هل أنا‬ ‫لقصص الذكريات التي انسحقت في الحياة‬
‫ال من أهل الرياض أم أحد أبناء الشروق‬ ‫فع ً‬ ‫المتسارعة‪.‬‬
‫فى مدينة تنازعتها نجد والحجاز»‪.‬‬
‫ففي معظم سردياته‪ ،‬يذهب إلى استنطاق‬
‫ووفقا لسرديات الطفولة المتعارف عليها‬ ‫الحنين عبر الحديث عن الماضي وعالقته‬
‫في السرد‪ ،‬فإن الطفولة كينونة تتحرك في‬ ‫بــالــجــدة ومــذكــراتــهــا الــســرديــة والسلوكية‬
‫أمكنتها األول ــى فــي محاولة السترجاعها‬ ‫البسيطة‪ ،‬إذ تشكل له تلك البساطة خزّانا‬
‫والقبض على لذتها األولــى‪ ،‬فهي حضانة‬ ‫سرديًا ال ينضب‪.‬‬
‫قــويــة تــرضــع مــن ص ــور الــمــاضــي البعيد‬
‫تــبــدأ مــكــونــات الــســرد فــي الــهــرب إلى‬
‫المتالكها ذاكرة محفورة في ضمير الطفل‬
‫حنينه األول بشكل رومانسي كهروب مشوب‬
‫الذي تحول فيما بعد إلى سارد لتلك الصور‬
‫بالحرقة واأللم القاسيين‪ ،‬متخذًا من مدينة‬
‫بلغة عميقة ذات دالالت متشعبة من الناحية‬
‫الطائف مكانًا رئيسً ا لــذكــريــات الــســرد‪،‬‬
‫السيكلوجية والنفسية؛ بل تشكل الوجاء‬
‫أحداث بين‬
‫ٍ‬ ‫مرورًا بالرياض‪ ،‬وما جرت من‬
‫ـان جــديــدةٍ ‪ ،‬وكثير‬
‫األه ــم فــي تحميلها مــعـ ٍ‬
‫المدينتين‪.‬‬
‫معان ناقدة‬
‫ٍ‬ ‫من األحيان تكون تلك المعاني‬
‫تشوبهًا السخرية من الحاضر «اآلن»‪.‬‬ ‫فالمكان بالنسبة لــه هــو نفي لــذاتــه‪،‬‬
‫معتبرًا أن الحبيبة هي الــوطــن‪ ،‬هي التي‬
‫فما ذهب إليه الصقعبي هو ذات الطفل‬
‫تصغي ألنينه وأوجاعه‪.‬‬
‫الكبير والناضج الذي يحاول مرارًا استرجاع‬
‫تلك المشاهد‪ ،‬التي شكلت بالنسبة إليه‬ ‫فمرابع الطفولة ومــا رافقها من صور‬
‫الوجاء الواقي من قسوة الحاضر وظلماته‪،‬‬ ‫تــراكــمــت فــي ذات الــكــاتــب لــتــتــحــول إلــى‬
‫فنور الطفولة يكشط تلك الظلمات لمواصلة‬ ‫سيرة سردية بلسان أبطالها‪ ،‬ليعكس تلك‬
‫الحلم‪.‬‬ ‫الذكريات في مجموعة من سلوكيات أبطاله‬
‫‪35‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫تبدو صور الطفل في األدبيات العربية لترفد عملية الــرويْ ‪ ،‬ونــرى إلى مخاطبات‬
‫كأنها مساحة لبدايات محركات السرد من البطل لجدته التي استحال موتها إلى زمن‬
‫الناحية الزمكانية عبر مستويات متنوعة مفقود‪.‬‬
‫في التناول والتعبير‪ ،‬بكون الطفولة تجربة‬
‫حتى أن الهدية التي فكر أن يهديها إلى‬
‫إنسانية تتحرك في فضاء الكون لتشارك بها‬
‫تلك الصبية التي أحبها منذ صغره وهي‬
‫الجميع‪.‬‬
‫«الكشتبان» لم يحصل عليها من جدته‪ ،‬فقد‬
‫تنطوي الطفولة بزمانها وأمكنتها على ماتت جدته وماتت الهدية‪ ..‬وبقي يحلم بلقاء‬
‫الــبــدايــات الــطــازجــة الــتــي تمكث فــي بيت‬
‫نور‪.‬‬
‫الحنين الــذاتــي للكاتب‪ ،‬ويتم استرجاعها‬
‫فمنطلقاته التعبيرية التي انحازت إلى‬ ‫في السرد لدى الصقعبي كما لو أنها الزمن‬
‫شعرية السرد ورومانسيته جعلت منه ساردًا‬ ‫المفقود‪.‬‬
‫مغريًا للقارئ‪ ،‬ومختلفًا في تقاناته البنائية‬
‫نستطيع أن ندلل على ما سبق في مقطع‬
‫وأسلوبيته في الرويْ والتوصيف‪ ،‬وعمّق ذلك‬
‫إلحــدى سردياته التي يقول فيها‪« :‬أطفال‬
‫عبر طبيعة الموضوع الذي يشترك به معظم‬
‫كنا نلعب‪ ..‬البيوت الطينية الصغيرة والوحل‬
‫والبازان‪ ،‬وهو المصدر المائي ألغلب بيوت الناس‪ ،‬وهو الحنين إلى مجريات الطفولة‬
‫تلك المنطقة‪ ..‬كنا نفرح عندما يصطف كماض يمتلك لذته الخاصة‪ .‬ويضاف إلى‬
‫الــرجــال يرقصون الــمــجــرور‪ ..‬الــعــزاوي‪ ..‬طبيعة الكشف عــن جماليات كامنة في‬
‫الــســامــري‪ ..‬الصهبة‪ ..‬الــخــطــوة‪ ...‬أيــه يا الشخصيات‪ ،‬وغالبا ما تنتمي لذات الكاتب‬
‫طائف الورد أعود إليك ألكمل حكاية البحث نفسه‪ ،‬فجاءت أكثر صدقية وتأثيرًا‪ ،‬فهي‬
‫عن زمــن مفقود‪ .‬شريطٌ متصل ال ينقطع المعادلة التي يقوم عليها السرد بين القارئ‬
‫والنص نفسه‪.‬‬ ‫أبدا هي أيامي األولى‪ .‬أتذكر‪.‬‬
‫يبقى الصقعبي الكائن الذي تلذذ بشغف‬ ‫كانت االبنة الصغرى لصاحب العمارة‬
‫التي يقع بيتنا خلفها‪ .‬كنا نلعب معا في أزقة جــم فــي طرائقه التعبيرية‪ ،‬س ــوا ًء أكانت‬
‫الحي‪ .‬كان الصبية ينعتونني بالبنية‪ .‬أراها في السرد أم المسرح‪ ،‬وصــوالً إلى طبيعة‬
‫انشغاالته في الصحافة وعلم المكتبات؛‬ ‫توليني اهتمامًا خاصا فأنسى كل ما قيل»‪.‬‬
‫يكتب عبدالعزيز الصقعبي مروياته في فهو اتصل بشكل دائم بما هو ثقافي حالمًا‬
‫سياقات الشعرية السردية المؤثرة والحزينة بالتغيير‪.‬‬
‫ * كاتب ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪36‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫صفعة المرآة‪..‬‬
‫الكوميديا السوداء حين تضحكك وأنت تبكي‬
‫■ د‪ .‬هناء بنت علي البواب*‬

‫هذا هو عالم المسرح الذي يطير بك من سجن األرض إلى غيوم السماء‪ ،‬هناك الخشبة‬
‫التي تتنوع فيها وجوهنا ولكن قلوبنا واحــدة‪ ،‬نظهر كل يوم بوجه؛ ولكننا ننزل عن تلك‬
‫الخشبة محملين بوجعنا فقط‪ ،‬بعد أن نشرنا الوجع العام والهمّ الخالص للحياة هناك‪،‬‬
‫وتلك هي قصة الكاتب والروائي السعودي الذي ما يزال مشدود ًا إلى عالم المسرح؛ كتابًة‬
‫ولغة وأسلوبا وفنّا‪ ،‬إنه الكاتب المسرحي (عبد العزيز الصقعبي)‪،‬‬
‫ً‬

‫وهــو الــكــاتــب الــمــبــدع ال ــذي يتحول بين أن المسرح هو أبو الفنون وأولها‪ ،‬منذ أيام‬
‫الواقعية والسوريالية‪ ،‬يقف بين أعماله الروائية اإلغريق والرومان‪.‬‬
‫فقد استطاع الكاتب المبدع من خالل تلك‬ ‫المبكرة التي كُتبت ضمن هاجسه القصصي‬
‫والمسرحي‪ ،‬فجاءت الرواية تجمع بين نسقين الصفعة أن يوائم بين قدرتين مختلفتين في‬
‫في الحياة‪ ،‬لكنها تتوارى خلف النسق الشعري الحياة‪ ،‬وقدرته على الموالفة بين عناصر‬
‫للنص؛ فتجد نفسك كأنك أمام شاعر يصوغ فنية متعددة‪ ،‬إذ كانت المسارح هي الوسيلة‬
‫كلماته بريشة فنان محترف‪ ،‬دون أن يؤثر ذلك الوحيدة للتعبير الفني بعد حلبات المصارعين‬
‫والسباقات‪.‬‬ ‫على النص ويجعله هالمياً‪.‬‬

‫فقد استطاع أن ينتزع مــن نفوسنا كل‬ ‫إن الدارس لألدب الحديث يقف على كثير‬
‫أحاسيس الصراع أو التمزق‪ ،‬ليترك توافقاً‬ ‫من المفاهيم الجديدة في إطار النقد وفي‬
‫رائــعـاً بين هــذا العمل وبين الوعى الذاتي‬ ‫إطار اإلبداع‪ ،‬فهو يقف في التقسيم المذهبي‬
‫واإلحــســاس األخــاقــي والتوافق الوجداني‬ ‫ل ــأدب على الــمــدارس األدبــيــة مــن رمزية‬
‫والشعور بالطمأنينة واألمــن النفسي‪ .‬ومن‬ ‫وإبــداعــيــة وانطباعية وغــيــرهــا‪ .‬وفــي إطــار‬
‫شــخــصــيــات الــمــســرحــيــة‪ :‬هــنــد‪ ،‬وحــســن؛‬ ‫النقد يقف على النقد الموضوعي والذاتي‬
‫شخصيتان هائمتان في عالم ال يمكننا أن‬ ‫والتحليلي‪ ،‬وكثير من هذه المقاييس‪ .‬وفي‬
‫نكتشف ذاتنا من خالله إال عن طريق المرآة‪،‬‬ ‫نطاق اإلبداع على القصة‪ ،‬والمقالة‪ ،‬والرواية‪،‬‬
‫فــمــاذا لــو كــان الــنــاس يُسجنون فــي أجساد‬ ‫والمسرحية‪ ،‬والشعر بفنونه وأشكاله؛ هذه‬
‫أشخاص أحياء آخرين؟ دون أن يعلموا جميعاً‬ ‫األنواع تمثل االتجاهات الدراسية في األدب‬
‫‪-‬السجين والسجّ ان‪-‬؟ وماذا لو كان الجسد‬ ‫بشكله الــحــاضــر‪ .‬مــن هــذا المنطلق‪ ،‬يأتي‬
‫محبسً ا؟ وأصبحتْ غرف ُه وعنابرهُ وساحات ُه‬ ‫هذا الكتاب «صفعة في المرآة» ليبين بالفعل‬
‫‪37‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫ّانيات ومتاهات داخلية لشخص النص يكتشف أنها هي السجان والمسجون‬ ‫مجرّد جو ٍ‬
‫ما؟ فتلك غرفة الذاكرة‪ ،‬وتلك غرفة الهموم‪ ،‬في آن واحدة‪.‬‬
‫إذ تستدعي طبيعة بنية الكتابة المسرحية‪،‬‬ ‫وذلــك ممر األحقاد‪ ،‬وتلكم ساحة األحــام‪،‬‬
‫فيبدو أن نصوصنا المسرحية العائمة في‬
‫القائمة على الحوار‪ ،‬أن يكون تلقيها مشاهدة‬
‫فــضــاءات المشهد الثقافي دون مكان يلم‬
‫أكثر متعة من قراءتها‪ ،‬وذلك عائد لكون قراءة‬
‫شتاتها أو تعرض فيه‪ ،‬ستنهك وهي تبحث‬
‫النصوص المسرحية ال يواكبها مــا يواكب‬
‫عن خشبة خالص‪ ،‬حالمة أن يطلع فجرها‬
‫المسرحية المجسدة على خشبة المسرح‬
‫ويأتي اليوم الذي تتوافر فيه مسارح حياتية‬
‫من مؤثرات صوتية وبصرية‪ ،‬تسهم في بلورة‬
‫تلتقي مــن خاللها بجمهور تــوصــل لــه من‬
‫فكرتها وإيصالها بشكل أسرع للمتلقي‪ ،‬فما‬
‫خاللها رسائلها‪،‬‬
‫بالك والعديد من نصوصنا المسرحية المحلية‬
‫انظر مسرحية ( صفعة فــي الــمــرآة)‪ ..‬تتوسل الرمزية في خطاباتها وتوصيل العديد‬
‫والتي تشتم خلفها ألف سؤال يوقظ فيك روح مــن رســائــلــهــا‪ ،‬مــا يضاعف جهد استيعاب‬
‫المختنق الخائف من قضية الوحدة والسجن مدلوالتها عبر القراءة بالنسبة للقارئ النوعي‪،‬‬
‫داخل عالم مختلف ال يعرفه ســواك‪ .‬وحده وتعذر ذلك على القارئ العادي‪.‬‬
‫الصقعبي في هذا العمل من تمكّن أن يصنع‬
‫إن المالحظة األولية للنص تبين أنه نص‬ ‫الحبس فــي أرواحــنــا‪ ،‬والــمــرأة بــألــف رجل‬
‫وشخصية‪ ،‬والــحــب الــذي ندعيه ال نجده؛ يتأسس على الحوار واإلرش ــادات الروحية‪،‬‬
‫ليس ألنه غير موجود‪ ،‬بل ألننا ال نتقنه أبدًا؛ كما تمكننا قراءة بدايته ونهايته من افتراض‬
‫فالفرجة المسرحية (صفعة في المرآة) نمطٌ أن أحداثا تتمحور حول جدل المرأة تتقمص‬
‫من الحوار الجواني المتحملق في ذواتنا‪ ،‬األرواح التي نبحث عنها‪ ،‬وجدلية في رجل‬
‫والذي ندرك دومًا أننا لسنا لهذه الحياة‪ ،‬بل يسمع هسيس األصوات واألرواح من حولنا‪،‬‬
‫ومرة تجد تلك المرآة تعزف موسيقي تغني‬ ‫نحن لغيرها‪.‬‬
‫على أوجاعنا‪ ،‬ومرة ثالثة تتجول بيننا لتحمل‬
‫يلجأ (الــكــاتــب) إلــى أســلــوب (المسرح‬
‫أرواحنا بين يديها لتلقي بها على كل رصيف‬
‫داخ ــل الــمــســرح)‪ ،‬وبحسب طريقة الكاتب‬
‫الحياة‪.‬‬
‫اإليطالي (لويجي بيراندللو)‪ ،‬أي‪ :‬مسرح‬
‫وإذا كانت هذه المشاهد المسرحية قد‬ ‫الوجه والقناع‪ ،‬الحقيقة والخيال‪ ،‬الصدق‬
‫والوهم‪ ،‬التصنع واإلخالص‪ .‬والذي يقدم من جــرت فــي فضاء مكاني‪ ،‬فــإن هــذا المكان‬
‫خالل شخوصه وأحداث مسرحيته‪ ،‬مستعينا يشكل فــضــاء مناسبًا لــصــراع األرواح بين‬
‫ً بسجّ ان غير محايد‪ ،‬فالمرآة سجّ ان المرأة الشخصيات‪ ،‬وخوفنا من المرآة التي تصفعنا‬
‫التي تعيش كوارث المجتمع لتهرب منه‪ ،‬فنرى بحقائق ال ب ّد وأننا نخفيها‪ ،‬فالكل يعيش في‬
‫المرآة تشارك في تشكيل األحداث‪ ،‬وتشتبك صــراع متزامن مع أحــداث المسرحية‪ ،‬كما‬
‫مع الشخصيات بالحوار‪ ،‬وتقوم بعملية سرد أسهمت المشيرات الــدالــة على الزمن في‬
‫الحدث الدرامي للنص أيضا‪ً ،‬وكل من يقرأ التعبير عن هذا الصراع؛ فالزمن بالنسبة لكل‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪38‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫كلنا يــخــاف الــذكــريــات الــســعــيــدة‪ ..‬هذا‬ ‫من الرجل والمرأة حاضر مليء بالمتغيرات‬
‫ما حاول تأكيده من خالل عبارات حوارية‪،‬‬ ‫والتحوالت التي تفرض تغييرًا في السلوك‬
‫فالبنية العاملية فــي ه ــذا الــنــص تميزت‬ ‫والمواقف لمجابهة تحديات الهلوسة التي‬
‫بالتنامي والــتــطــور‪ ،‬وذلــك مــن خــال تباين‬ ‫ينقلها أحدهما لآلخر‪.‬‬
‫الرغبات‪ ..‬والتي تتجسد في العامل المساعد؛‬ ‫وقد ساعد الحوار في تمكين الشخصيات‬
‫أي الرجل الــذي يحمل اللغة الصوفية في‬ ‫من التعبير عن مواقفها بشكل أسهم في تطوير‬
‫الحوار للحب‪ ،‬ولم تسكنه الروح الشريرة‪ ،‬ولم‬ ‫الصراع الدرامي وتعميقه‪ ،‬وهو صراع يعكس‬
‫تخرج روحه المحبة‪ ،‬ولم يتمكن منه أحد حين‬ ‫تفاوت وجهات النظر بين الفئات االجتماعية‬
‫يدلي بعبارات روحانية؛ ومن هنا‪ ،‬نشأ صراع‬ ‫المتأثرة بالتغييرات الروحية‪ ،‬وسيطرتها على‬
‫درامي بين الشخصيات‪ ،‬وخاصة بين الرجل‬ ‫اإلنسان‪ ،‬واعترافه بوجودها أو إيمانه بها‪،‬‬
‫والسجين‪ ..‬إلى أن ظهرت مرحلة أخرى تزول‬ ‫والفئات المحافظة المتعلقة بالحقائق أمامها‬
‫فيها العقدة‪ ،‬وهي مرحلة تفسخ البنية الحل‪،‬‬ ‫فقط؛ وقــد انعكس هــذا الــصــراع على لغة‬
‫إذ استسلمت المرآة لصفعة القدر الموجه لنا‪.‬‬ ‫النص التي اكتست طابعًا حجاجيًا‪ ،‬إذ استدل‬
‫كل طرف على سداد موقفه باستعمال أساليب‬
‫من خالل الشخصيات الموظفة في هذا‬
‫حجاجية ولغوية‪.‬‬
‫النص‪ ،‬نجدها تحمل قيمًا تعبّر عن واقع الروح‬
‫المتعبة‪ ،‬فتتحول روح الكاتب إلــى مخلّص‬ ‫وحدها (الكوميديا السوداء) التي تضحكك‬
‫للعالم من خالل استخدامه للرموز والدالالت‬ ‫من الحزن سخرية على واقع مرير أنت تدركه‬
‫بتوظيف شخصيات إنسانية ذات أدوار محددة‬ ‫جيدًا ولكنك تخاف من االعتراف به‪ ،‬فإذا‬
‫وسلوكيات وعالقات وموضوعات‪ ..‬وكل هذه‬ ‫نظرنا إلى مكون العبارات التي تتخلل الحوار‬
‫العالمات تنبثق كمظهر للحياة اليومية‪.‬‬ ‫المسرحي‪ ،‬وهي من السمات المميزة لهذا‬
‫النمط اإلبــداعــي‪ ،‬فإننا نجد أنها تــرد في‬
‫هكذا يكون هــذا النص المسرحي الذي‬ ‫النص لتقديم معلومات عــن هــروب الــروح‬
‫تفانى في تقديمه الصقعبي من خالل روحه‬ ‫شخصا آخر ونحن ال نعي‪ ،‬وكيف لنا‬
‫ً‬ ‫وتلبسها‬
‫قد استهدف الدفاع عن المسرح ودوره الفني‪،‬‬ ‫أن نقبل أن أرواحنا حبيسة آخرين‪ ،‬أو أننا‬
‫مجس ًدًا أبعادًا وقيمًا انتقاديه بطريقة جدية‪،‬‬ ‫يسكننا ما ليس لنا؟ وهذا كله الذي يدور فيه‬
‫ومن ثم‪ ،‬فان للنص قيمة روحية جوانية تبين‬ ‫الــحــوار‪ ،‬والشخصيات المتحاورة وصفات‬
‫أن الفن ال يقدم فرجة‪،‬بل يقدم فائدة كذلك‪،‬‬ ‫بعضها والعالقات القائمة بينها‪ .‬وال يخفى ما‬
‫كما أن له قيمة جمالية؛ ألنــه وظــف آليات‬ ‫لهذه الحوارات من أدوار متعددة تسهم في‬
‫الخطاب المسرحي بما تتطلبه من وضعيات‬ ‫تخييل المشهد لدى القارئ‪ ،‬وتيسير إخراجه‬
‫حــواريــة وســيــاق درام ــي وص ــراع وإرشـــادات‬ ‫وتحويله من نص مكتوب إلى عرض مسرحي‬
‫مسرحية‪.‬‬ ‫على الخشبة‪.‬‬
‫ * أكاديمية وناقدة ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫‪39‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫القاص والروائي عبدالعزيز الصقعبي‪:‬‬

‫كثير من كتاب الرواية ليس لديهم شغف القراءة‬


‫ولكنهم يسعون إلى الشهرة دون أن يؤسسوا‬
‫أنفسهم بصورة جيدة ! والكتابة موهبة أو ً‬
‫ال‬
‫■ حاوره‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫الروائي والمسرحي األستاذ عبدالعزيز صالح الصقعبي من مواليد الطائف ‪1961‬م‪ ،‬بكالوريوس‬
‫لغة عربية من جامعة الملك سعود بالرياض‪ ،‬وحاصل على درجــة الماجستير بعلم المكتبات‬
‫والمعلومات من جامعة كالريون بنسلفانيا بالواليات المتحدة االمريكية‪ ،‬حاليا يشغل منصب‬
‫مدير تحرير مجلة العربية الثقافية‪ ،‬قُ ــدم عــن أعماله القصصية والــروائـيــة والمسرحية عــددٌ‬
‫من الــدراســات والبحوث األكاديمية محليًا وعربيًا إضافة إلــى الــدراســات النقدية‪ ،.‬ومــن أعماله‬
‫القصصية والروائية‪(..‬ال ليلك ليلي وال أنت أنا ‪-‬مجموعة قصصية ‪ -‬نادي الطائف األدبي‪1403‬هـ)‪،‬‬
‫(الحكواتي يفقد صوته ‪ -‬قصص قصيرة‪ -‬جمعية الثقافة والفنون بالقصيم ‪1410‬هـ)‪( ،‬أنت النار‬
‫وأنا الفراشة ‪ -‬قصص قصيرة‪ -‬دار الكنوز بيروت ‪2000‬م)‪( ،‬البهو ‪ -‬قصص قصيرة‪ ،‬نادي المنطقة‬
‫الشرقية‏‪2010‬م)‪( ،‬رائحة الفحم‪-‬رواية‪ -‬الرياض‪1408‬هـ)‪( ،‬اليوم األخير لبائع الحمام ‪ -‬رواية‪ -‬دار‬
‫أثر ‪2012‬م)‪( ،‬غفوة ذات ظهيرة رواية دار الساقي ‪٢٠١٨‬م)‪ ،‬كما أثرى الساحة اإلبداعية بإصدارته‬
‫المسرحية ومنها مُ ثِّل على خشبة المسرح‪(..‬صفعة في المرآة ‪ -‬مونودراما‪ -‬الطائف ‪1403‬هــ)‪،‬‬
‫(واحــد صفر ‪ -‬مونودراما ‪ -‬الرياض‪1405‬هـ أخرجها تلفزيونياً‪ :‬سعد الفريح تحت عنوان «حلم‬
‫الحياة»)‪( ،‬واحــد اثنان ثالثة‪ -‬مسرحية من عدة مشاهد مثلت المملكة في مهرجان خليجي)‪،‬‬
‫(والدة متعسرة مونودراما مركز ابن صالح الثقافي عنيزة ‪2016‬م)‪( ،‬مسرحية «مولوتوف» مونودراما‬
‫ال ـنــادي األدب ــي بــالــريــاض ‪٢٠١٧‬م)‪ .‬الـجــوبــة تستضيف صــاحــب هــذه الـسـيــرة األدي ــب عبدالعزيز‬
‫الصقعبي في حوار يميزه بإجاباته العميقة والجريئة وبطابع خاص‪.‬‬

‫مجموعته القصصية «ال ليلك ليلي وال‬ ‫لدي حياة‪!..‬‬


‫الكتابة َّ‬
‫أنت أنا» وفي عام ‪1404‬ه ـ صدرت مسرحية‬ ‫ ¦عـ ـب ــدالـ ـع ــزي ــز ال ـص ـق ـع ـب ــي م ـ ــن األس ـ ـمـ ــاء‬
‫«صفعة في المرآة»‪ ،‬ثم صدرت رواية «رائحة‬ ‫ال ـ ـتـ ــي تـ ـق ــودن ــا إلـ ـ ــى ف ـ ـضـ ــاء اإلب ـ ـ ـ ـ ــداع فــي‬
‫الفحم» ‪1408‬هـ ــ‪ ،‬واستمر بــإثــراء المكتبة‬ ‫ثمانينيات ‪ ‬الـقــرن الـمــاضــي‪ ،‬الـفـتــرة التي‬
‫العربية بــإصــدارتــه اإلبــداعـيــة بين القصة‬ ‫تشكلت فيها ال ـحــداثــة‪ ،‬ووث ـقــت حضورها‬
‫والرواية والمسرح‪ ،‬وكذلك حضوره القوي‬ ‫ال ـح ـق ـي ـق ــي‪ ،‬أه ـ ـ ــدى الـ ـس ــاح ــة اإلب ــداعـ ـي ــة‬
‫في فضاء المسرح بعديد من المسرحيات‬ ‫ال ـم ـح ـل ـي ــة والـ ـع ــربـ ـي ــة فـ ــي عـ ـ ــام ‪1403‬هـ ـ ـ ـ ــ‪،‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪40‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬إذ تخصصت‬ ‫الـمـمـثـلــة وم ـن ـهــا مـســرحـيــة «واح ـ ــد صـفــر»‬
‫بدراسة علم المكتبات والمعلومات؛ إذًا‬ ‫ومـســرحـيــة «م ـل ــوت ــوف»‪ ،‬ومـســرحـيــة «والدة‬
‫فالكتاب هــو رفيقي منذ طفولتي حتى‬ ‫م ـت ـع ـســرة»‪ ،‬ب ــاإلض ــاف ــة ل ـم ـمــارســة اإلخـ ــراج‬
‫اآلن‪ .‬والكتابة لــديّ ليست مشروعاً يبدأ‬ ‫الـمـســرحــي‪ ،‬وأي ـضــا كـتــابــة م ـقــال أسـبــوعــي‬
‫فــي زمــن معين وينتهي بعد االنــتــهــاء من‬ ‫ب ـع ـن ــوان «ض ـ ـ ــوء» ث ــم «ف ـ ــراغ ـ ــات» ب ـجــريــدة‬
‫إصدار كتاب‪ ،‬الكتابة لديّ حياة بدأت منذ‬ ‫الجزيرة‪ .‬عبدالعزيز الصقعبي‪ ،‬ماذا يقول‬
‫محاوالتي األولــى في المدرسة وتشكلت‬ ‫تجاه هذه السيرة الغنية بتنوع فضاءاتها‪،‬‬
‫بنشري في صفحات القراء في مجلة اقرأ‬ ‫وهــل بكل هــذه اإلصـ ــدارات أكـمــل مشروعه‬
‫وبعض الصحف‪ ،‬لتتوج بصدور مجموعتي‬ ‫مع الكلمة؟‬
‫األولــى عن نــادي الطائف األدب ــي‪ ..‬ألبدأ‬ ‫‪ρ ρ‬مــن حــســن حــظــي‪ ،‬أن عــاقــتــي بالكتابة‬
‫مسيرة النشر والتأليف التي لــن تنتهي‬ ‫وقبل ذلــك بالقراءة لم تكن متأخرة‪ ،‬بل‬
‫بإذن اهلل إال في آخر يوم لي في الحياة‪،‬‬ ‫منذ بداية قدرتي على القراءة في مراحل‬
‫لذا فأنا ال أتوقف مطلقاً عن الكتابة‪ ،‬لدي‬ ‫دراســتــي الــمــبــكــرة‪ ،‬فقد كــان الــدعــم من‬
‫زاويــة أسبوعية لم تنقطع إال في األعياد‬ ‫والديّ رحمهما اهلل‪ ،‬بتوفير بعض الكتيبات‬
‫والمناسبات منذ أكثر مــن ثالثين سنة‪،‬‬ ‫والمجالت في المنزل ودعمي باقتناء بعض‬
‫ولدي شغفي الدائم بالسرد من خالل كتابة‬ ‫مجالت األطفال المتوافرة في ذلك الزمن‪،‬‬
‫القصة القصيرة‪ ،‬والــروايــة والمسرحية‪،‬‬ ‫إضــافــة إلــى وج ــود بعض المدرسين في‬
‫أكتب حين تلح عليّ فكرة ما‪ ،‬وأكتب لكي‬ ‫المراحل الدراسية المحفزة على القراءة‬
‫يكون يومي مختلفاً‪.‬‬ ‫والكتابة‪ .‬من جانب آخر كوني أعيش في‬
‫تدشين المسرح الوطني‪!..‬‬ ‫مدينة الطائف‪ ،‬الثقافة والفن حاضر بها‪،‬‬
‫من خالل المكتبات الكبيرة ومباسط الكتب‬
‫ ¦ه ـنــاك الـكـثـيــر مــن الـمـعـطـيــات ال ـتــي تميز‬
‫والمجالت المستعملة‪ ،‬إضافة إلى حضور‬
‫ال ـم ـج ـت ـمــع ال ـس ـع ــودي ت ــاري ـخ ـ ًي ــا وث ـقــاف ـ ًيــا‬
‫الــفــن مــن خــال حــفــات كــبــار الفنانين‪،‬‬
‫ومـجـتـمـعـ ًيــا ل ـب ـنــاء ق ــاع ــدة فـنـيــة مـتـمـيــزة‪،‬‬
‫وحضور الفن الشعبي من خالل الفلكلور‬
‫كيف تـقــرأ مستقبل الـمـســرح الـسـعــودي‪..،‬‬
‫المتنوع من عرضة نجدية ومجرور ومزمار‬
‫وم ــا تقييمك لـلـمـســرح ال ـس ـعــودي مقارنة‬
‫وعزاوي جيزاني ومراد ألهل البادية‪ ،‬تنوع‬
‫بالساحات العربية؟‬
‫ثقافي مــذهــل شـ ّكــل كــثــيــراً مــن ثقافتي‪،‬‬
‫وحــرصــت أن أواصـ ــل الــمــســار بدخولي ‪ρ ρ‬اإلجابة اآلن يجب أن تختلف عن إجاباتي‬
‫في حوارات سابقة عن المسرح في المملكة‬ ‫أوالً مدرسة دار التوحيد في المرحلتين‬
‫العربية السعودية‪ ،‬وبكل تأكيد إجابتي‬ ‫المتوسطة والثانوية ليكون المسار األدبي‬
‫لسؤال يطرح عليّ مثل هذا سيكون مختلفاً‬ ‫هو الطريق الوحيد الــذي أمامي‪ ،‬ألكمله‬
‫بعد سنتين أو ثالث سنوات‪ ،‬نحن اآلن في‬ ‫بدراستي بقسم اللغة العربية بكلية اآلداب‬
‫مرحلة الوسط‪ ،‬بين مرحلتين‪ ،‬مرحلة أتمنى‬ ‫بجامعة الملك ســعــود‪ ،‬ولــم أبتعد كثيراً‬
‫أن تكون انتهت وأرى أنه البد أن ترصد لكل‬ ‫بعد سنوات في دراستي للماجستير في‬
‫‪41‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫وفق التقنية الحديثة‪ ،‬وتنظيم عمل الفرق‬ ‫باحث عن المسرح السعودي‪ ،‬لماذا أقول‬
‫األهلية‪ .‬إنني متفائلٌ؛ ألن القائمين على‬ ‫فــي مرحلة الــوســط أو مرحلة انتقالية‪،‬‬
‫وزارة الثقافة يتسمون بالشباب والحيوية‪،‬‬ ‫بــســبــب اطـ ــاق هــيــئــة الــمــســرح والــفــنــون‬
‫األدائية‪ ،‬وتدشين المسرح الوطني‪ ،‬لذا من‬
‫وأرى حرصهم على خدمة الثقافة والفن‬
‫الخطأ أن نقارن اآلن الحركة المسرحية‬
‫بالمملكة‪.‬‬
‫فــي المملكة بغيرها مــن ال ــدول‪ ،‬بالذات‬
‫التقنية الحديثة تضيف للعرض‬ ‫الدول التي حصل المسرح على مشروعيته‬
‫المسرحي‪!..‬‬ ‫منذ سنوات طويلة‪ ،‬وعموماً المرحلة األولى‬
‫كــان لدينا فعل مسرحي‪ ،‬بمعنى هنالك ¦وأن ـ ـ ـ ـ ــت تـ ـكـ ـث ــف ت ـ ـجـ ــرب ـ ـتـ ــك الـ ـمـ ـس ــرحـ ـي ــة‬
‫«ال ـم ــون ــودرام ــا»‪ ،‬وه ــو فــن يعتمد لتوصيل‬ ‫مجموعة ممن أحب المسرح وأخلص له‪،‬‬
‫أفـ ـ ـك ـ ــاره‪ ،‬ع ـل ــى ال ـم ـم ـثــل الـ ــواحـ ــد والـ ـس ــرد‬ ‫أسهموا بتقديم عــروض مسرحية غالباً‬
‫وهــو مـســرح تجريبي‪ ،‬هــل تثق بــأن الـقــارئ‬ ‫عــن طريق مؤسسات ثقافية مــن جمعية‬
‫والجمهور لمسرحك يملك أدوات للقراءة‬ ‫الثقافة والفنون ولها النصيب األكبر‪ ،‬أو‬
‫والـتــواصــل مــع مـســرحــك‪ ،‬فــي هــذا العصر‬ ‫األندية األدبية‪ ،‬والمؤسسات الخاصة‪ ،‬أو‬
‫ربما نقول الفرق األهلية‪ ،‬وحقيقة الفعل‬
‫اإللكتروني؟‬
‫المسرحي قائم منذ عهد الملك عبدالعزيز‬
‫طيب اهلل ثراه‪ ،‬وإن كان بدائياً‪ ،‬مع وجود ‪ρ ρ‬في البدء‪ ،‬ليس هنالك مسرح تجريبي‪ ،‬بل‬
‫هنالك تجارب في العمل المسرحي‪ ،‬ومن‬ ‫نــشــاط كــانــت تــقــوم بــه بــعــض الــمــدارس‬
‫حسن حظي أن يكون لي أولوية المبادرة‬ ‫واألنــديــة‪ .‬وأنــا هنا أقــول‪ ،‬البــد أن يرصد‬
‫في كتابة نص الممثل الواحد «مونودراما»‪،‬‬ ‫ذلك التراث المسرحي ويوثّق‪ ،‬ويكون قاعدة‬
‫ربما السبب فــي ذلــك مشاهدتي لعرض‬ ‫قوية النطالق مسرح سعودي حديث‪.‬‬
‫مسرحي يقوم به شخص واحد عندما كنت‬
‫أدرس في بريطانيا برنامج لغة صيفي في‬ ‫اآلن إذا كنّا نبحث عن مسرح متميز في‬
‫أول سنة جامعية لي‪ ،‬والسبب الثاني هو‬ ‫المملكة البد من أن يكون العمل قائماً‬
‫أن نص المونودراما يعتمد على المونولوج‬ ‫على المؤسسات بعد أن كــان لسنوات‬
‫وه ــذا مــوجــود فــي القصة وال ــرواي ــة‪ ،‬لذا‬ ‫طويلة قائماً على اجتهاد بعض الذين‬
‫كتبت مونودراما «صفعة في المرآة» التي‬ ‫أحبو المسرح وأخلصوا له‪ ،‬بالطبع هيئة‬
‫قــام بــالــدور الوحيد بها راشــد الشمراني‬ ‫المسرح والفنون األدائية‪ ،‬مطالب منها‬
‫في عرضها األول بالطائف‪ ،‬وهي أول عمل‬
‫إعــداد اللوائح والتنظيمات قبل تقديم‬
‫يمثل المملكة في الخارج وقد قام بالدور‬
‫الوحيد بكر الشدي رحمه اهلل‪ ،‬وبحمد اهلل‬ ‫العروض‪ ،‬وتكوين البنية التحتية الجيدة‬
‫ال‬
‫إن عروض أعمالي المسرحية القت تفاع ً‬ ‫التي تخدم المسرح من تدريب لكوادر‬
‫من الجمهور‪ ،‬وأذكــر أن مونودراما «واحد‬ ‫العمل الــمــســرحــي‪ ،‬ضمن ذلــك إنشاء‬
‫صفر» والذي قام بالدور الوحيد فيها ناصر‬ ‫معهد للفنون المسرحية‪ ،‬وبناء مسارح‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪42‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫خالل الشاشات الكبيرة والعروض ثالثية‬ ‫القصبي‪ ،‬عرض لعدة أيام بحضور جمهور‬
‫األبعاد‪ ،‬وغيرها من األمور التقنية‪.‬‬ ‫كبير امــتــأت بهم الــقــاعــة‪ ،‬فــي السنوات‬
‫األخيرة لم أسوّق كثيراً ألعمالي المسرحية‪،‬‬
‫في ظل غياب المتابعة النقدية‪!..‬‬
‫واكتفيت بجعلها متاحة عبر كتب صادرة لي‪،‬‬
‫لمن يرغب في تنفيذها بالطبع بعد التنسيق ¦«‪ ..‬ال أحــد يمكن أن يُلغي عــوامــل التأثير‬
‫الذي تركته الرواية العربية‪ ،‬ولكني أرى أن‬ ‫معي‪ ،‬لذا لم تعرض لي أعمال في السنوات‬
‫هـنــاك مــا هــو أكـبــر وأخ ـطــر وه ــو المغامرة‬ ‫األخيرة‪ .‬أعود للحديث عن المسرح ووضعه‬
‫غير المحسوبة للكثير من الكتاب وخاصة‬ ‫فــي ه ــذا الــعــصــر الــحــديــث والـ ــذي اتسم‬
‫جيل مــا بعد عــام ‪2000‬م‪ .‬فهو جيل يكتب‬ ‫بثورة المعلومات وأصبح النسق اإللكتروني‬
‫دون م ــرج ـع ـي ــة واضـ ـ ـح ـ ــة‪ ،‬دفـ ـع ــه اإلعـ ـ ــام‬ ‫مؤثراً في كل المجاالت‪ ،‬فقد أصبح النص‬
‫وشجعته دور النشر العربية الربحية أكثر‬
‫المسرحي يصل بسهولة لكل مــن يرغب‬
‫من اإليمان بقيمة النص الروائي‪ .‬فظهرت‬
‫االطــاع عليه أو تنفيذه‪ ،‬التقنية الحديثة‬
‫أعمال مستفزة يبحث أصحابها عن شهرة‬
‫خدمت المسرح‪ ،‬وكان تأثيرها إيجابياً‪ ،‬نرى‬
‫أكـثــر مــن تسجيل اســم أدب ــي واإلس ـهــام في‬
‫التواصل بين المسرحيين وتبادل المعلومات‬
‫تحسين بيئة النصوص الــروائـيــة جمالي ًا‬
‫والتعريف بالعروض الجديدة‪ ،‬بل أكثر من‬
‫وفكرياً»‪ ،.‬هذا ما قاله الدكتور الناقد حسن‬
‫ذلك عرضها عبر قنواتها اإلعالمية مباشرة‬
‫النعمي في إحدى حواراته‪.‬‬
‫أثــنــاء الــعــرض وبــالــذات فــي المهرجانات‬
‫وأنت أحد الروائيين السعوديين‪ ،‬هل تتفق‬ ‫الــعــربــيــة‪ ،‬بــالــطــبــع الــمــشــاهــدة فــي قاعة‬
‫مع ما ذهب إليه الدكتور النعمي؟‬ ‫المسرح أفضل‪ ،‬ولكن على األقــل وصول‬
‫العرض لشريحة كبيرة أغلبها ال تستطيع ‪ρ ρ‬أتفق مع الدكتور حسن بكل كلمة قالها‪،‬‬
‫لقد وضع يده على الجرح‪ ،‬لقد اكتشفت‬ ‫الحضور بسبب بعد المسافة؛ من جانب‬
‫أن مجموعة ممن أصــدروا روايــات رجال‬ ‫آخر أرى أن التقنية الحديثة تضيف للعرض‬
‫ونساء قراءاتهم مــحــدودة‪ ،‬بل إن بعضهم‬ ‫المسرحي كثيراً من الواقعية واإلبهار‪ ،‬من‬
‫‪43‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫الكتابة‪ ،‬هي فعال ليست فقط ديوان العرب‬ ‫كانت قراءاتهم تنحصر بما يصل إليهم من‬
‫بل ديوان العالم‪ ،‬العتمادها على الخيال‪ ،‬ألم‬ ‫كتب إلكترونية عبر هواتفهم المحمولة‪،‬‬
‫يقل أينشتاين «الخيال أهم من المعرفة»‪،‬‬ ‫ربــمــا كــامــي صــعــب‪ ،‬ولــكــن لــأســف هذا‬
‫لــذا ال نستغرب مطلقاً توجه الكثير من‬ ‫يتضح من النصوص التي يكتبونها‪ ،‬ويتضح‬
‫األسماء في السعودية لكتابة الرواية‪ ،‬وإذا‬ ‫أيضاً إلى انسياق غالبية منهم إلى القصة‬
‫استثنينا مجموعة من الكتاب والكاتبات‬ ‫القصيرة جداً‪ ،‬حقيقة لألسف كثير منهم‬
‫كتبوا الرواية منذ سنوات وواصلوا مع طفرة‬ ‫ليس لديهم شغف القراءة‪ ،‬ولكنهم يسعون‬
‫الكتابة‪ ،‬فالبقية أعتقد أنهم ينقسمون إلى‬ ‫إلى الشهرة دون أن يأسسوا أنفسهم بصورة‬
‫ثالثة أقسام‪.‬‬ ‫جيدة من خالل القراءة واكتساب الخبرة‬
‫من خالل ممارسة الكتابة‪ .‬وقبل ذلك يجب‬
‫الــقــســم األول راكــبــو الــمــوجــة‪ ،‬بمعنى‬
‫أن نعرف أن الكتابة موهبة أوالً‪ ،‬والمؤلم أن‬
‫المقلدون والــذيــن يبحثون عــن شهرة لم‬
‫الحاسب سهل لغير الموهوبين أن يصبحوا‬
‫يجدوها في مقاالتهم أو قصائدهم‪.‬‬
‫كتاباً مــن خــال القص واللصق وتجميع‬
‫القسم الــثــانــي مــن لــديــه موهبة الكتابة‬ ‫المقاطع ومن ثم نشرها‪ ،‬وال يتوقف األمر‬
‫واإلب ــداع ولكن لم يجازفوا بكتابة النص‬ ‫على ذلك‪ ..‬ففي ظل غياب المتابعة النقدية‬
‫الــروائــي إال في وقــت متأخر وربما مثال‬ ‫تمكن بعضهم مــن تــرويــج كتاباتهم عبر‬
‫ذلك الصديق جبير المليحان الــذي أبدع‬ ‫وسائل التواصل االجتماعية ولْنق ْل اإلعالم‬
‫بالقصة والرواية‪.‬‬ ‫الجديد‪ ،‬فأصبحوا من كبار الكتاب‪ ،‬أالحظ‬
‫القسم الــثــالــث وهــو الجيل ال ــذي ذكــره‬ ‫ذل ــك فــي مــعــارض الــكــتــب‪ ..‬وأطــلــع على‬
‫الــدكــتــور حسن النعمي الــذي يكتب دون‬ ‫إصداراتهم فأحزن على ذلك القطيع الذي‬
‫مرجعية وقد دفعه اإلعالم ودور النشر دون‬ ‫يدفع ماالً لشراء غثاء ال يستحق القراءة‪،‬‬
‫إيمانه بقيمة النص الروائي‪.‬‬ ‫وبالطبع المستفيد أوال وأخيراً دور النشر‪،‬‬
‫التي ال يهمها قيمة الكاتب وجــودة العمل‬
‫أنا ال أكتب لنفسي‪ ،‬بل للقارئ‪!..‬‬ ‫بقدر ما يهمها عدد المتابعين لذلك الكاتب‬
‫مــجــازاً في مواقع التواصل االجتماعية‪¦ ،‬الكثير مــن ال ـقــراءات النقدية الـتــي سعت‬
‫ل ـ ـقـ ــراءة أع ـم ــال ــك ال ـق ـص ـص ـيــة وال ــروائـ ـي ــة‬ ‫وبالطبع دور النشر يهمها أن تربح وتبيع‬
‫والمسرحية‪ ،‬أيض ًا هناك دراس ــات وبحوث‬ ‫الكتب ولو كانت صفحات تلك الكتب بيضاء‬
‫أك ــادي ـم ـي ــة‪ ،‬م ـن ـهــا‪ :‬ال ـب ـن ــاء ال ـف ـنــي للقصة‬ ‫فارغة‪.‬‬
‫القصيرة عند عبدالعزيز الصقعبي بحث‬ ‫«الخيال أهم من المعرفة»‪!..‬‬
‫للحصول على درجــة الماجستير‪ ،‬محمد‬
‫ابـ ــن ص ــال ــح ال ـم ـش ــوح‪ ،‬جــام ـعــة الـقـصـيــم‪.‬‬ ‫ ¦م ــن ال ــواض ــح تــوجــه الـكـثـيــر م ــن األس ـمــاء‬
‫«ال ـ ــرؤي ـ ــة وال ـت ـش ـك ـي ــل ال ـف ـن ــي فـ ــي روايـ ـ ــات‬ ‫في السعودية لكتابة الــروايــة في السنوات‬
‫ع ـبــدال ـعــزيــز ال ـص ـق ـع ـبــي» «دراس ـ ـ ــة نـقــديــة»‬ ‫األخيرة‪ ،‬هل لهذا التوجه تفسيرٌ لديك؟‬
‫بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه في النقد‬ ‫‪ρ ρ‬لــلــروايــة سحر خــاص‪ ،‬ســواء بــالــقــراءة أو‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪44‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫من اليمين سليمان الحماد (رحمه اهلل)‪ ،‬وعبدالعزيز الصقعبي‪،‬‬


‫وأبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري‪ ،‬وعبدالكريم العودة‪ ،‬ود‪ .‬يحيى بن جنيد‬

‫لنص قصير أو طويل‪ ،‬أو شعر بالمتعة‪،‬‬ ‫األدب ــي الحديث‪ ،‬ســاري محمد الزهراني‪،‬‬
‫هنا يحق لي أن أطلق على نفسي كاتب‪،‬‬ ‫جامعة الملك عبدالعزيز‪« .‬بنية الخطاب‬
‫لــذا فتلك ال ــدراس ــات األكــاديــمــيــة وســام‬ ‫السردي في رواية «حالة كذب» لـ عبدالعزيز‬
‫منحوني إي ــاه‪ ،‬افتخر بــه دائــم ـاً‪ ،‬بالطبع‬ ‫الـ ـصـ ـقـ ـعـ ـب ــي‪ ،‬بـ ـح ــث م ـ ـقـ ــدم ل ـن ـي ــل درج ـ ــة‬
‫الدراسات والبحوث األكاديمية والنقدية‪،‬‬ ‫الماجستير أدب حديث ومعاصر‪ ،‬جامعة‬
‫تــمــت مناقشتها فــي أروقـ ــة الــجــامــعــات‬ ‫مـحـمــد بــوض ـيــاف ال ـج ــزائ ــر‪ ،.‬مــا تقييمك‬
‫أو نــشــرهــا فــي الــصــحــف والــمــجــات أو‬ ‫لهذه البحوث والدراسات النقدية؟‬
‫الكتب‪ ،‬لكن أيضاً مما يشعرني بالغبطة‬
‫ما أقرأه في وسائل التواصل الحديثة من‬ ‫‪ρ ρ‬فــي الــبــدء‪ ،‬أنــا ممنون لكل باحث وناقد‬
‫إشارات لقراءة نص قصصي أو روائي أو‬ ‫تناول نصاً إبداعياً لي‪ ،‬بكل تأكيد أضاف‬
‫عبر البريد اإللكتروني‪ ،‬إذ تصلني بعض‬ ‫لي الكثير‪ ،‬ووجــد فيما كتبت ما يستحق‬
‫الرسائل من بعض القراء‪ ،‬وهنا أتمنى أن‬ ‫الوقوف عنده‪ ،‬من خالل دراسته‪ ،‬وقراءته‪.‬‬
‫تزدهر الحركة النقدية في المملكة‪ ،‬ننتظر‬ ‫الــجــمــيــل أن هــنــالــك دراســـــات وبــحــوث‬
‫أســمــاء جــديــدة تأخذ على عاتقها إلقاء‬ ‫وقراءات عن أعمالي القصصية والروائية‬
‫الضوء على الحركة اإلبداعية‪ ،‬كما قلت‬ ‫والــمــســرحــيــة‪ ،‬بعضها مستقل وبعضها‬
‫قبل قليل أنا استفدت من كل الدراسات‬ ‫اآلخــر ضمن دراســة للمشهد الثقافي أو‬
‫والبحوث‪ ،‬بل أن بعض الدراسات النقدية‬ ‫بحث عــن ظــاهــرة معينة فــي القصة أو‬
‫بالذات في بداياتي فتحت ذهني لمجاالت‬ ‫الرواية‪ .‬أنا ال أكتب لنفسي‪ ،‬بل للقارئ‪ ،‬في‬
‫مهمة في الكتابة‪ ،‬وحفزتني لتقديم ما هو‬ ‫أي مكان أو زمــان‪ ،‬وحين يشعر قــارئ أو‬
‫أفضل‪.‬‬ ‫قارئة أنه أضاف لذهنه شيئاً بعد قراءته‬
‫‪45‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫وتطبيقاته إضافة إلــى اإلعــام الجديد‪،‬‬ ‫هناك مبادرات جيدة‪!..‬‬
‫بدأت بعض المواقع تغري كثيراً ممن يضع‬ ‫ ¦ان ـت ـش ــرت ع ـلــى ال ـن ــت م ــواق ــع‪ ،‬ت ــدع ــي أنـهــا‬
‫خطواته األولى في األدب بتبنيه‪ ،‬وبالطبع‬ ‫الحاضنة للتجارب اإلبــداعـيــة الشبابية‪،‬‬
‫ليست كل المواقع قد تخدمهم بالذات إذا‬ ‫وكــأنـهــا تلزمهم بالحضور كـبــوابــة لدخول‬
‫كانت غير معروفة أو يكون الغرض منها‬ ‫عالم األدب الموثق‪ ،‬هل تجد هذا االنتشار‬
‫تجارياً‪ ،‬ولكن أعتقد أن هنالك مبادرات‬ ‫لمثل هذه المواقع‪ ،‬ظاهرة صحية لإلبداع؟‬
‫جيدة يحضرني اآلن مبادرة «انثيال» وهي‬
‫حسب ما علمت وتابعت مبادرة تطوعية‪،‬‬ ‫‪ρ ρ‬أنا أدين لنادي الطائف األدبي والقائمين‬
‫تعنى بالكتابة اإلبداعية وتحديداً السرد‪،‬‬ ‫عليه بتشجيعي لــتــصــدر أول مجموعة‬
‫وقــد أص ــدرت عــدة روايـــات ومجموعات‬ ‫قصصية لي عام ‪١٩٨٣‬م‪ ،‬وقد كانت األندية‬
‫قصصية‪ ،‬ولمعرفة مصداقية المبادرة أو‬ ‫األدبية إضافة إلــى نــادي القصة منطلقاً‬
‫التطبيق البد من معرفة من يكون وراءها‪،‬‬ ‫لكثير مــن الكتاب والكاتبات‪ .‬اآلن نحن‬
‫وبالطبع انثيال أنشأها طاهر الزهراني‬ ‫ندخل مرحلة جديدة‪ ،‬بإنشاء هيئة األدب‬
‫وهو معروف بكتاباته القصصية والروائية‪،‬‬ ‫والنشر والترجمة والتي أتمنى أن تنظم‬
‫وأنا هنا ال أقدم دعاية لمبادرة أو تطبيق‪،‬‬ ‫النشر بالذات لإلصدار األول‪ ،‬وقبل ذلك‬
‫ولــكــن أط ــرح أمــثــلــة عــن بــعــض الــظــواهــر‬ ‫البحث عــن المواهب الكتابية تشجيعها‬
‫الصحية لتشجيع اإلبــداع‪ ،‬لذا أتمنى أوالً‬ ‫وتقديم ورش الكتابة وتقوية مهاراتهم‪.‬‬
‫على وزارة الثقافة تنظيم تلك المبادرات‬ ‫أعود للسؤال‪ ،‬مع طفرة الحاسب وبرامجه‬
‫وتشجيعها‪ ،‬وثانياً ممارسة الدور الرقابي‬
‫ليس على المضمون بل على آلية العمل‬
‫ومعرفة مخرجاته‪.‬‬
‫لم أكتب الشعر مطلقاً‪!..‬‬
‫ ¦أين الشعر من اهتماماتك‪..‬؟‬
‫‪ρ ρ‬أحب قــراءة الشعر كثيراً‪ ،‬ولكني ال أكتب‬
‫وال أحفظ‪ ،‬فقط أقرأ وأستمتع بالقراءة‪.‬‬
‫وبكل تأكيد تلك القراءات تؤثر على النسق‬
‫الــشــاعــري فــي كتاباتي الــســرديــة‪ ،‬ومنذ‬
‫بداياتي بالكتابة‪ ،‬لم أكتب الشعر مطلقاً‪،‬‬
‫ربما كتبت بعض الخواطر الخاصة‪ ،‬وأنا‬
‫أعــرف أنها ليست بشعر‪ ،‬أم ـ ٌر آخــر وهو‬
‫أن قراءة الشعر وسماعة ربما يأخذ جزءاً‬
‫مهماً من وقتي‪ ،‬لذا فللشعر مكانة خاصة‪،‬‬
‫ال العمودي‪،‬‬‫ال أتوقف عند شكل معين مث ً‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪46‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫بل أقــرأ وأتابع الشعر الحديث والقديم‪،‬‬
‫وبالطبع قصيدة الــنــثــر‪ ،‬الــمــجــال هنا ال‬
‫يسمح بذكر أهم األسماء‪ ،‬وبدءًا من العصر‬
‫الجاهلي إلــى العصر الحديث‪ ،‬ألن ذلك‬
‫سيطول‪ ،‬مــن ال يقرأ الشعر ال يستطيع‬
‫الكتابة بصورة جيدة‪.‬‬
‫لم أتعود على الجلوس في المقاهي‬
‫للكتابة‪!..‬‬
‫ ¦بعض المبدعين ‪ -‬بصفة عامة‪ -‬يلتزمون‬
‫بطقس معين أث ـنــاء الـكـتــابــة‪ ،‬عبدالعزيز‬
‫الصقعبي‪ ،‬كيف ومتى يكتب؟‬
‫‪ρ ρ‬حسب نــوع الكتابة‪ ،‬فعندما أكتب مقاالً‪،‬‬
‫فليس لــدي مشكلة في مكان الكتابة‪ ،‬أو‬
‫وجود أشخاص حولي‪ ،‬ولكن عندما أشرع‬
‫بكتابة نص قصصي‪ ،‬فأُفضل أن أكتب في‬
‫مضمون أو شكل الـخـطــاب اإلب ــداع ــي‪ ،‬في‬ ‫مكان خاص‪ ،‬غالباً في مكتبتي بالبيت‪ ،‬لم‬
‫ظ ــل ال ـت ـغ ـيــرات ال ـس ـيــاس ـيــة واالق ـت ـصــاديــة‬ ‫أتعود على الجلوس في المقاهي للكتابة‪،‬‬
‫التي يشهدها العالم العربي في السنوات‬ ‫غالباً أفضل أن أكتب في مكتبتي الخاصة‪،‬‬
‫األخيرة‪ ،‬برأيك ما سبب غياب األثر؟‬ ‫أمر آخر ومهم‪ ،‬هو أنني ال أحب أن يطلع‬
‫أحد على ما أكتبه أثناء الكتابة‪ ،‬ولو كان ‪ρ ρ‬أعتقد أن الخطاب اإلبداعي يشهد بعض‬
‫التغير والتشكل الجديد‪ ،‬نالحظ االهتمام‬ ‫مــقــاالً‪ ،‬أري ــد أن أنتهي مــن الــنــص‪ ،‬وبعد‬
‫بشعر الــهــايــكــو‪ ،‬وحــضــور قصيدة النثر‪،‬‬ ‫ذلــك تبدأ خطوة المراجعة والــقــراءة ثم‬
‫والتوجه للقصة القصيرة جــداً‪ ،‬ربما هذا‬ ‫يتاح للجميع‪ ،‬وحكاياتي مع كتابة النص‬
‫من ناحية الشكل‪ ،‬أما بالنسبة للمضمون‬ ‫القصصي والروائي كثيرة‪ ،‬سبق أن تحدثت‬
‫فالمتغيرات بالذات في السنوات األخيرة‬ ‫عنها فــي لــقــاء بــنــادي الــريــاض األدب ــي‪،‬‬
‫متسارعة‪ ،‬ولكن ربما تكون الــروايــة هي‬ ‫وبالطبع قد تحدثت عن الحالة الكتابية‪،‬‬
‫األكثر مواءمة لرصد التغيرات في الوطن‬ ‫وهي التي أنتقل فيها من عالمي الواقعي‬
‫الــعــربــي‪ ،‬أنـــا ال أحـــب ال ــخ ــوض بــرصــد‬ ‫إلى عالم متخيل‪ ،‬وهذا عندما أكتب نصاً‬
‫الروايات الصادرة في الوطن العربي على‬ ‫قصصياً أو روائياً‪ ،‬وبالذات الرواية أعيش‬
‫الرغم أنني أحــرص على قــراءة األعمال‬ ‫مع شخصيات العمل حتى أنتهي منه‪.‬‬
‫التي تحقق حضوراً من خالل حصولها على‬
‫جوائز أو إشادة النقاد والقراء بها‪ ،‬أو ما‬ ‫الصراع بين المدينة والقرية‪!..‬‬
‫أقتنيه في معارض الكتب وأرى بعد تصفح‬ ‫ ¦ل ـيــس ه ـن ــاك أثـ ــر واض ـ ــح ح ـتــى اآلن على‬
‫‪47‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫الطباعة على اآللة الكاتبة قلّة‪ ،‬فقد كانت‬ ‫عدة صفحات أن العمل مختلف!‬
‫المعاناة بكتابة األعــمــال‪ ،‬بالطبع الكتابة‬ ‫‪ρ ρ‬ولكن ألتحدث قليال عن تجربتي الكتابية‪،‬‬
‫باليد لها إيجابيات منها تكثيف المراجعة‬ ‫ففي مراحلي األول ــى الكتابية وبــالــذات‬
‫من خالل إعادة الكتابة‪ ،‬إضافة إلى متعة‬ ‫القصص القصيرة الــتــي كتبتها يالحظ‬
‫الكتابة بالقلم على الورقة‪ ،‬ولكن اآلن تعودنا‬ ‫الحديث عن التغير الحضاري‪ ،‬الصراع بين‬
‫على استخدام الحاسب وأراحنا من تكرار‬ ‫المدينة والقرية‪ ،‬العالقات االجتماعية‪،‬‬
‫الكتابة‪ ،‬وأصبح التصحيح سهالً‪ ،‬بل هنالك‬ ‫بالطبع الرواية كانت أكثر جرأة‪ ،‬إذ تطرقت‬
‫برامج تساعد على التصحيح اإلمالئي‪،‬‬ ‫رواية رائحة الفحم بالحديث عن الطبقية‪،‬‬
‫ومن خالل الشبكة العنكبوتية أصبح إرسال‬ ‫أما في رواية حالة كذب فقمت بالمقارنة‬
‫ال عبر البريد اإللكتروني‪،‬‬ ‫النصوص سه ً‬ ‫بين نحن واآلخــر‪ ،‬ألنتقل في روايــة اليوم‬
‫وسابقاً كنا نرسل عبر البريد حين نرغب‬ ‫األخير لبائع الحمام لرصد سيرة أسرة‬
‫أخذ رأي أحد األصدقاء أو النشر بإحدى‬ ‫فــي مــديــنــة الــريــاض وتــأثــيــر المتغيرات‬
‫الصحف‪ ،‬اآلن في لحظات يصل النص‪،‬‬ ‫الحضارية عليها والتي من أهمها الطفرة‬
‫بكل تأكيد الجميع يعرف ذلك‪ ،‬والحديث‬ ‫مروراً بحادثة برجي التجارة العالمي‪ ،‬أما‬
‫عن سلبيات وإيجابيات الحاسب والشبكة‬ ‫رواية «غفوة ذات ظهيرة» فتطرقت لكثير‬
‫العنكبوتية قد يطول‪ ،‬ولكن أرى أن سهولة‬ ‫مــن المتغيرات ربــمــا مــن أهمها مرحلة‬
‫النشر وعــدم المراجعة‪ ،‬وسهولة النقل‬ ‫الصحوة وتأثيرها‪ ،‬وحــال المثقف أمــام‬
‫من مواقع وتحريفها لنشرها مــرة أخرى‬ ‫التغيرات‪ ،‬بالطبع من المستحيل تلخيص‬
‫باسم آخر من سلبيات الشبكة‪ ،‬ولكن من‬ ‫مئات الصفحات بكلمات قليلة‪ ،‬ولكن ربما‬
‫اإليجابيات وصــول النص وانتشار مواقع‬ ‫يهمني كما يهم كل كاتب أن يكون شاهداً‬
‫الكتب اإللكترونية‪ ،‬الكالم كما قلت كثير‪.‬‬ ‫على عصره ومتغيراته‪.‬‬
‫وأؤكد لكل شيء إيجابيات وسلبيات‪.‬‬
‫لكل شيء إيجابيات وسلبيات‪!..‬‬
‫سطوة المبدع بداخلي‪!..‬‬
‫ ¦ي ـت ـح ــدث ــون ك ـث ـي ــرا عـ ــن اإلض ـ ــاف ـ ــات ال ـتــي‬
‫تضيفها الشبكة العنكبوتية وبإيجابية‪¦ ،‬ت ـعــودت أن أس ــأل ه ــذا ال ـســؤال فـهــو يضيء‬
‫للقارئ الخصوصية الثقافية لــدى ضيف‬ ‫أليس لهذه الشبكة أي سلبية على المثقف‬
‫«الجوبة»‪ ،.‬هل لنا أن نتعرف على محتويات‬ ‫بصفة عامة؟‬
‫مكتبتك؟‬
‫‪ρ ρ‬ليس فقط الشبكة العنكبوتية فقط‪ ،‬بل‬
‫بشكل أكثر شموالً الحاسب اآللــي‪ ،‬وقبل ‪ρ ρ‬في مكتبتي المبدع غلب المتخصص‪ ،‬أنا‬
‫حاصل على درجــة الماجستير فــي مجال‬ ‫أن أبدأ بالحديث عن إيجابيات وسلبيات‬
‫المكتبات والمعلومات‪ ،‬ولكن لم أطبق ما‬ ‫الشبكة العنكبوتية‪ ،‬أتحدث عن إضافات‬
‫درسته وما مارسته في عملي بمكتبة الملك‬ ‫الحاسب اآللي التي شعرنا بها نحن جيل‬
‫فهد الوطنية على مكتبتي الخاصة‪ ،‬حيث‬ ‫الثمانينيات الميالدية وأوائل التسعينيات‪،‬‬
‫كانت السطوة للمبدع في داخلي‪ ،‬لذا فقد‬ ‫حين لم يكن هنالك حاسب وكان من يتقن‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪48‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫أصبحت مكتبتي مقسمة تقريباً إلى ثالثة‬
‫أقسام‪:‬‬
‫القسم األول وهو األكبر وربما ثالثة أرباع‬
‫ـاص بالقصة والــروايــة‪ ،‬استعنت‬ ‫المكتبة خـ ٌ‬
‫بتنظيمها على تــوزيــع الــبــلــدان والــحــروف‬
‫الهجائية ألسماء المؤلفين لكي أصل للكتاب‬
‫بسهولة‪.‬‬
‫القسم الثاني يأخذ الشعر مساحة جيدة‬
‫ثم المسرح والفنون والنقد أيضاً والدراسات‬
‫األدبية‪.‬‬
‫القسم الثالث المعارف العامة‪ ،‬وهذه يدخل‬
‫فيها الكتب الدينية والفلسفة ودراس ــات‬
‫االجــتــمــاع وال ــدراس ــات اإلنــســانــيــة بصورة‬
‫عامة‪ ،‬وجــزء ليس كبيراً خاصاً بالمكتبات‬
‫والمعلومات‪ ،‬وغيرها من الكتب‪ ،‬وهنالك‬
‫الرئيس في تكدسها وتكرارها في المكتبات‬ ‫بعض المصادر والمراجع‪ ،‬والكتب الخاصة‬
‫الخاصة هو عدم وجود مكتبات عامة جيدة‬ ‫الــتــي اقتنيتها أثــنــاء دراســتــي الجامعية‪،‬‬
‫في المدن واألحياء‪ ،‬لو وجدت لتوجه القراء‬ ‫وبالطبع هنالك الــدوريــات العربية‪ ،‬وأنــا‬
‫إليها‪ ،‬ولبقي في بيتهم بعض الكتب التي قد‬ ‫شغوف بمتابعتها‪ ،‬ولألسف كان هناك كثير‬
‫ال يستغنون عنها‪ ،‬إضافة إلى الكتب التي‬ ‫مــن الكتب والصحف والــدوريــات فقدتها‬
‫يحملونها في حقائبهم الخاصة أثناء السفر‪،‬‬ ‫بسبب سوء التخزين وانتقالي من الطائف‬
‫وغالباً تكون من الروايات والقصص ودواوين‬ ‫إلــى الــريــاض‪ ،‬ولكن لــم أتــوقــف عــن شــراء‬
‫الشعر وقد نضيف إليها كتب السيرة‪.‬‬ ‫الكتب‪ ،‬وبالطبع االنفتاح الذي نعيشه اآلن‬
‫زاوية فراغات‪..‬‬ ‫يغري بمواصلة شــراء الكتب من المعارض‬
‫والــمــكــتــبــات‪ ،‬هنالك مالحظة أنــا أود أن‬
‫أذكرها‪ ،‬وأن أغلب مكتبات األدبــاء بالذات ¦وماذا عن جديدك‪..‬؟‬
‫ممن يحب ق ــراءة الــروايــات متشابهة‪ ،‬قد ‪ρ ρ‬لدي مجموعة قصصية ورواية في طريقهما‬
‫للنشر‪ ،‬إضافة إلــى تجربتي الجديدة في‬ ‫يتفوق بعضهم بقدرته على دعــم مكتبته‪،‬‬
‫زاوي ــة فــراغــات بالمجلة الثقافية بجريدة‬ ‫بصورة يومية‪ ،‬ولكن وأنا أتحدث كمكتبي هنا‪،‬‬
‫الجزيرة‪ ،‬والتي أحاول أن أكتب بها المقال‬ ‫تكدس المكتبات الخاصة بكتب المصادر‬
‫بنسق قصصي‪ ،‬إضافة إلى وجود مجموعة‬ ‫والــمــراجــع الــتــي أغلبها قــوامــيــس ودوائ ــر‬
‫من النصوص المسرحية التي تنتظر مبادرة‬ ‫معارف ومعلومات والتي تأخذ حيزاً كبيراً في‬
‫التنفيذ‪.‬‬ ‫المكتبات الخاصة في المملكة‪ ،‬أقول السبب‬
‫‪49‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫توظيف اللغة األجنبية في الروايات العربية‪..‬‬
‫روايات محمد حسن علوان أنموذجا‬
‫■ سميرة الزهراني*‬

‫شهد األدب العربي خالل الحقب الزمنية األخيرة من القرن العشرين وبدايات‬
‫القرن الواحد والعشرين وحتى اآلن تطورات كبيرة‪ ،‬وشهدت تمازج ًا فني ًا مميز ًا ما‬
‫بين الفنون المختلفة‪ ،‬ومن ذلك أن «عرفت الكتابة السردية العربية تنوع ًا وثراءً‬
‫على مستوى التشكيل الفني والموضوعاتي‪ ،‬عبر تحوالت فارقة في تاريخ العالم‬
‫العربي الحديث والمعاصر‪ ،‬اتسمت بسمة الـحــداثــة فــي مـجــاالت الفكر واألدب‪،‬‬
‫وأدخلت النصوص السردية عوالم التجريب والبحث عن هوية للكتابة العربية‪،‬‬
‫بالبحث في األشكال التي توائم أزمة اإلنسان العربي وتكتب رؤاه وأفكاره وقضاياه‬
‫شك ًال ومضموناً»(((‪ .‬ومن ذلك أيض ًا أن دخلت على الكتابة السردية األدبية العربية‬
‫خالل الفترة الماضية ظواهر مختلفة‪ ،‬غريبة عن طبيعته وبنائه الفني‪ ،‬نستقر‬
‫منها عند ظاهرة توظيف اللغة أو المفردات األجنبية فيها‪ ،‬وذلك بدراسة الظاهرة‬
‫في التجربة الروائية عند محمد حسن علوان‪.‬‬
‫وال ينظر إلى ظاهرة استخدام المفردات األجنبية في الرواية العربية من زاوية‬
‫على ما يتـوافر لـه من مكونـات سـردية‬ ‫هجومية رافضة لها‪ ،‬واعتبارها دخيلة‬
‫يكـون للمبـدع أو المؤلـف فضـل النسـج‬ ‫أو عبثية والقول إنه ال حاجة لها؛ بل‬
‫لخيوطهـا وقصـد الـربط لمسـارات‬ ‫على العكس تــمــامـاً‪ ،‬يجب النظر في‬
‫تواصـلية بينـه وبـين المتلقي الذي يبدأ‬ ‫أنها وجدت لدوافع معينة‪ ،‬ولها غايتها‬
‫معه النص الرحلة الثانية‪ ،‬في سبيل‬ ‫وأهــدافــهــا فــي الــعــمــل الــفــنــي‪ ،‬وذلــك‬
‫رصــد المعنى وإن ــت ــاج ــه»(((‪ .‬لــذا فإن‬ ‫انطالقاً من أن «لكل عمل روائي مقصد‬
‫دراستها وتحليلها وإلقاء الضوء عليها‬ ‫وغاية يجري إلــى تحقيقها‪ ،‬ومعتمدًا‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪50‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫هي الفيصل في هذا القول‪.‬‬
‫يتحدث الدكتور خليل عودة في دراسته‬
‫عن األنا واآلخر في نموذج لمحمود درويش‪،‬‬
‫عن أن العالقة التي تحكم بين البشر عموماً‬
‫هــي عالقة «قائمة على أســاس التغاير ال‬
‫التمازج‪ ،‬وفقاً للمصالح الذّاتية واالعتبارات‬
‫الخاصة التي قد تقترب أو تبتعد من مصالح‬
‫اآلخرين واعتباراتهم(((؛ بداية ذي بدء‪ ،‬للقول‬
‫في أسباب هذه الظاهرة‪ ،‬يمكن االنطالق من‬
‫عبارة الدكتور عــودة للقول إنه في حال تم‬
‫تطبيق قوله على األدب أو في الرواية على‬
‫وجه التحديد‪ ،‬قد يقود ذلك إلى فهم الدوافع‬
‫التي أدت إلى ظهور المفردات األجنبية في‬
‫الــروايــة العربية‪ ،‬هــذا إلــى جانب التفكير‬
‫محمود درويش‬
‫بجوانب أخــرى‪ ،‬مثل االنفتاح الكبير على‬
‫الغرب‪ ،‬والتوجه المتزايد إلى القراءة في أدب‬
‫الغرب‪ ،‬ال سيما من الكتاب الذين عاشوا في االختيار مهم جداً في النصوص األدبية‪ ،‬فهي‬
‫بالد الغرب وعاشروا وعايشوا حياتهم بأدق تحدث إضافات بلغات أو لهجات أجنبية»(((‪.‬‬
‫يُعرّف األسلوب على أنه «اختيار عملية‬ ‫تفصيالتها‪ ،‬ما جعل تجاربهم األدبية تختلط‬
‫داخلة في جوهر العالقة بين اللغة والكالم‪،‬‬ ‫بهم أيّما اختالط‪.‬‬
‫إن الدراسـات النقديـة التي تهتم بمفهـوم فإذا كانت اللغة هي النظام‪ ..‬فإن األسلوب‬
‫رؤيـة العـالم فـي الـنص السـردي وترصده‪ ،‬هو ظاهرة كالمية فردية في الدرجة األولى‪.‬‬
‫ترتكز علـى مسـتويين اثنـين متالحمــين ولما كــان األسلوب ينتمي إلــى الكالم أكثر‬
‫ومتكــاملين؛ مســتوى البنيــة الســردية الذي مــن انتمائه إلــى اللغة‪ ،‬فــإن ذلــك يعني أن‬
‫يتعلــق بالمكونــات الســردية للبنيــة النصــية‪ ،‬هناك إمكانات كثيرة لالختيار تتيحها اللغة‬
‫مثل‪ :‬الثنائيــات الضــدية‪ ،‬التناص‪ ،‬التذكر‬
‫للمنشئ الذي يريد أن يقدم ما يريد بأسلوب‬
‫والوصف‪ .‬والثاني؛ البنية الداللية وتتعلق‬
‫خاص قائم على االختيار من إمكانات اللغة‬
‫بالبنى العميقة في النص‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫المتعددة»(((‪ .‬واستخدام اللغة األجنبية مثله‬
‫ربط الوعي الفـردي للـراوي أو السـارد بالوعي‬
‫الــجــمــاعــي وعــاقــاتــه الــســوســيــولــوجــيــة(((‪ .‬مثل استخدام اللغة العامية والتعمق في‬
‫فيما يضع الناقد «برند شبلنر» مجموعة اللهجات المحلية فــي مــواضــع معينة من‬
‫من المحددات تحكم عملية االختيار بين الــروايــة‪ ،‬يفرضه السياق الــروائــي‪ ،‬أو يجد‬
‫الــمــفــردات أثــنــاء الكتابة‪ ،‬جــاء ضمنها أن فيه الكاتب فــي موضعه صــدقـاً شعورياً‪،‬‬
‫«اختيار الرمز اللغوي‪ :‬يختار المتكلم إذا وفائدة أكبر منها في حال اكتفى باللغة األم‬
‫كان يعرف عدة لغات‪-‬لغة أو لهجة ما‪ ،‬وهذا الفصحى‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫‪I can see it in your smile‬‬ ‫…‬
‫‪You're all I've ever wanted،‬‬
‫‪And my arms are open wide‬‬ ‫)‪…(8‬‬
‫فــي الــنــص الــســابــق جـ ــاءت الــمــفــردات‬
‫األجنبية بطريقة مبررة‪ ،‬فالبطل هنا يستذكر‬
‫كلمات أغنية أجنبية يحبها وتعبر عن حالة‬
‫حزينة تتالقى مع مشاعره الشخصية‪ ،‬لذا‬
‫فهو أمــر يرتكز على مبرر قــوي‪ ،‬كما في‬
‫المثال التالي أيضاً‪:‬‬
‫قــرأتُ السلّم الموسيقي ولكني لم أتقنه‬
‫تماماً‪ .‬كنتُ أتطفل على األســوار وأتطاول‬
‫على المحاذاة المتواضعة والتدرج البطيء‪.‬‬
‫أحــــاول مــنــذ الــشــهــريــن األول ــي ــن مــن تعلّم‬
‫الموسيقى تقليد ياباني في مقطوعته ‪To The‬‬
‫‪ ،One Who Knows‬أصن ُع شيئاً يشبهها بعض‬
‫بنشاز‬
‫ٍ‬ ‫إن استخدام اللغة األجنبية فــي النص األمسيات‪ .‬ولكني غالباً ما كنتُ أشر ُد‬
‫قدرية‬
‫ٍ‬ ‫الــروائــي عند علوان ال تعد ظــاهــرة‪ ،‬ولقد بطيء حزين‪ ،‬يشبه انطفاء سيجارةٍ‬
‫وجدت فقط في بعض المواضع من روايته في صدر بطل(((‪.‬‬
‫(سقف الكفاية)‪ ،‬وفي موضع واحد فقط في‬
‫ويبرر كذلك دخــول المفردات األجنبية‬
‫(القندس)‪.‬‬
‫حينما تــصــدر الــمــفــردات األجــنــبــيــة عن‬
‫شخصية غربية‪ ،‬فــا تبدو أنها دخيلة أو‬ ‫مها‪..‬‬
‫عبثية‪:‬‬ ‫‪ -‬أين تذهبين‪.‬‬
‫قالت «مس تنغل» كلمتها األخيرة وانتزعت‬ ‫(((‬
‫‪)I have to do what I have to do( -‬‬
‫سدّادة الدواء لتزحلق من العلبة حب ْة واحدة‪،‬‬
‫قــد يــبــدو أن دخ ــول اللغة األجنبية في‬
‫ثم تبتلعها بهدوء دون أن تشرب معها كأس‬
‫الحوار القصير السابق يمكن االستغناء عنه‪،‬‬
‫ماء‪ .‬لوهلة‪ ،‬ندمتُ أني أخبرتها عن محوري‪.‬‬
‫عند بعض اآلراء‪ ،‬فيما قد يبرر له السياق‬
‫صــرتُ أسمي ِّك فيها بعد تلك الليلة هكذا‪،‬‬
‫والحالة النفسية وروده‪.‬‬
‫حتى أوقفتني سخرية دي ــار عندما صار‬
‫ّيك دائماً‪.((1( Ms. Axis :‬‬
‫يسم ِ‬ ‫وما دام صديقنا «لوينلي ريتشي»‪ ،‬يهمس‬
‫عبر المسجّ ل بروعة في غنائه الحزين‪.‬‬
‫إن العمل األدبــي في أساسه عبارة عن‬
‫انفعال وحساسية وتــوتــر؛ ومــن هــنــا‪ ،‬فإن‬ ‫‪Hello‬‬

‫الكاتب ينقل هذه التجربة وداللتها العميقة‬ ‫…‪Is it me you're looking for‬‬
‫إلــى الــقــارئ عــن طريق توظيف المفردات‬ ‫‪I can see it in your eyes‬‬ ‫…‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪52‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫الدالة على األصــوات المختلفة لنقل هذا من وراء المحيط(‪.((1‬‬
‫اإلحساس الحي بها‪ ،‬وهذا األمر هو ما جعل‬
‫وردت عبارة واحدة في رواية (القندس)‬ ‫اللغة أداة للخلق الفني وليست مجرد وسيلة‬
‫لنقل األفكار والمعاني(‪ .((1‬ومن هذه العبارة باستخدام مفردة أجنبية في حوار إلكتروني‬
‫قــد يبرر للكتاب الكثير مــن األم ــور ومنها بين البطل (غالب) ومحبوبته (غادة)‪:‬‬
‫الكتابة باللغة األجنبية‪ ،‬فقد نرجع ذلك إلى‬
‫«فـــأنـــا كــمــا بـــــدأت تــســمــيــنــي أخ ــي ــراً‬ ‫ثقافته التي ولّدت إحساساً أكبر بالمعنى من‬
‫باإلنجليزية‪:‬‬ ‫خالل النطق والتعبير عنها بلغة أخرى‪.‬‬
‫منذ طفولتي‪ ،‬وأنــا أبالغ في انفعاالتي‪،‬‬
‫‪A friend with‬‬ ‫صـ ــديـ ــق‪ ..‬ب ــف ــوائ ــد‬
‫«مس تنغل» تسمّى هذا‪.((1(»Overacting« :‬‬
‫‪.((1(»benefits‬‬
‫أشع ُر بعدم الرغبة في مثل هذا النوع من‬
‫ومن هنا‪ ،‬نجد أن توظيف اللغة األجنبية‬ ‫الكتابة كلما تذكَّرتُ «مس تنغل» وهي تُطلق‬
‫حكم الرتابة على قصتي البليدة‪« :‬مجرّد‬
‫وإيــرادهــا فــي الــروايــات قــد وقــع فــي دول‬
‫عاشق آخر»‪ ،‬قالتها باإلنجليزية لتبدو أكثر‬
‫إحباطاً‪ ،»oh.. just another lover« :‬ال أدري أي تتحدث هذه اللغات وبــذا يقيم الروائي ما‬
‫األساطير كانت تبحثُ عنها في ذهن القادم أسماه العروي (أحد أركان الواقعية)(‪.((1‬‬

‫ * باحثة دكتوراه‪ ،‬جامعة أم القرى بمكة المكرمة‪.‬‬


‫((( الســعيد عمــوري‪ :‬الكتابــة والتشــكيل األيديولوجــي فــي الروايــة العربيــة المعاصــرة‪ ،‬رســالة دكتــوراه‪،‬‬
‫جامعــة الحــاج لخضــر‪ ،‬الجزائــر‪2013 ،‬م‪.‬‬
‫((( زنينة كلثوم‪ :‬اإلجراءات اللسانية ورصد المعنى داخل البنية الروائية‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‪148‬‬
‫((( خليــل عــودة‪ :‬جدليــة العالقــة بيــن األنــا واآلخــر فــي ســيناريو جاهــز لمحمــود درويــش‪ ،‬جامعــة النجــاح‬
‫(مــن مؤتمــر األدب منصــة للتفاعــل الحضــاري‪ -‬األردن)‪2011 ،‬م‪ .‬ص‪.1‬‬
‫((( انظر زنينة كلثوم‪ :‬اإلجراءات اللسانية ورصد المعنى داخل البنية الروائية‪ ،‬مرجع سابق‪ .‬ص‪150‬‬
‫((( موسى سامح ربابعة‪ :‬األسلوبية مفاهيمها وتجلياتها‪ ،‬دار الكندي‪ ،‬ط‪ ،1‬إربد‪2003 ،‬م‪ .‬ص‪30‬‬
‫((( المرجع السابق‪ .‬ص‪.31-30‬‬
‫((( سقف الكفاية‪ .‬ص‪.298‬‬
‫((( موسى سامح ربابعة‪ :‬األسلوبية مفاهيمها وتجلياتها‪ ،‬المصدر السابق‪ .‬ص‪.142‬‬
‫((( سقف الكفاية‪ .‬ص‪.127‬‬
‫(‪ ((1‬المصدر السابق نفسه‪ .‬ص‪.132‬‬
‫(‪ ((1‬انظــر فــرح مهــدي صالــح‪ :‬التوظيــف اللغــوي فــي أدب مهــدي عيســى الصقــر الروائــي‪ ،‬مجلــة القادســية‬
‫للعلــوم اإلنســانية‪ ،‬مــج‪ ،8‬ع‪2005 ،2+1‬م‪ .‬ص‪.13‬‬
‫(‪ ((1‬سقف الكفاية‪ .‬ص‪.56‬‬
‫(‪ ((1‬سقف الكفاية‪ .‬ص‪.102‬‬
‫(‪ ((1‬القندس‪ .‬ص‪.85‬‬
‫(‪ ((1‬عبــداهلل العــروي‪ ،‬اإليدلوجيــا العربيــة المعاصــرة‪ ،‬المركــز الثقافــي العربــي‪ ،‬الــدار البيضــاء‪1995‬م‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫ص‪.242‬‬

‫‪53‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫حضور المرأة السيريالي المضيء‬
‫في (رائحة الطفولة)* للقاص عبدالرحمن الدرعان‬

‫■ تركية العمري**‬

‫أول الضوء‬
‫وهنا‪..‬‬
‫جميالت‪..‬‬
‫باكيات‪..‬‬
‫وسيريالية تسيل‪.‬‬
‫إن العمل األدبــي اإلنساني هو العمل الــذي يحمل سمات التواصلية األدبية‬
‫الفنية الدائمة‪ ،‬فيضيء كلما عبر به المتلقي‪ ،‬وهذا النوع من األعمال يطلق عليه‬
‫النقاد األوروبيون المعاصرون أعمال (الفضائية األدبية الفاعلة)‪.‬‬

‫شاعريًا سيرياليًا مفعمًا باألساليب‬ ‫وفــي مجموعة (رائــحــة الطفولة)‬


‫البصرية التي رافقت النساء اللواتي‬ ‫للكاتب عبدالرحمن الدرعان‪ ،‬تنساب‬
‫حضرن بينها‪ ،‬ســواء كــن شخصيات‬ ‫ـص تنبعث مــن لغة وصــور‬‫إلينا قــصـ ٌ‬
‫رئيسة أم ثانوية‪ ،‬وعبر هذه األساليب‬ ‫سيريالية تناصر المرأة‪ ،‬فتخلع عليها‬
‫يُوجد السارد فضا ًء كتابيًا يستشعر‬ ‫أجمل الكلمات‪.‬‬
‫وجود المرأة وكينونتها وأوجاعها‪ ،‬فمن‬ ‫لــقــد حــضــرت الـــمـــرأة بــيــن تلك‬
‫هــي (الــمــرأة) فــي نصوص مجموعة‬ ‫القصص حضورًا المعًا‪ ،‬ودافئا ودامعا‪،‬‬
‫(رائحة الطفولة)؟‬ ‫وهذا نادر الحدوث في كتابات الرجل‪.‬‬
‫ات ــخ ــذت الـــمـــرأة صـــــورًا عــديــدة‬ ‫تــقــف قــصــص مــجــمــوعــة رائــحــة‬
‫الطفولة الثالثة عشر إبداعً ا سرديًا في المجموعة كما هي في الحياة‪،‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪54‬‬
‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬
‫يــعــرض لــنــا الــســارد فــي حــركــة النص‬ ‫وتنوعت هــذه الــصــور بين األم‪ ،‬واألخــت‬
‫السريعة حنان الخالة حصة على الصغير‪،‬‬ ‫الحبيبة‪ ،‬والخالة‪ ،‬وأخرى‪.‬‬
‫فهي تدثره بعباءتها‪ ،‬وتعده بشراء صندل‬
‫‪-1‬المرأة األم‪ /‬أسئلة القلق والحنان‬
‫لقدميه الحافيتين‪.‬‬
‫والفقد‬
‫فــي أول قصة مــن المجموعة‪ ،‬والتي ‪-3‬المرأة‪ /‬األم الشابة‪ /‬المحرومة من‬
‫صغيرها‬ ‫حملت اسم المجموعة (رائحة الطفولة)‪،‬‬
‫في منتصف قصة (العرس) تظهر األم‬ ‫قروي سافر إلى‬
‫ٍ‬ ‫تتناول القصة حكاية فتىً‬
‫مدينة كبيرة‪ ،‬تمر به ذكريات ووجوه‪ ،‬فيتذكر الشابة التي حرموها من صغيرها‪ ،‬ولكنها‬
‫سؤال أمه الذي يحمل قلقا عليه «ويسألني بقيت في ذاكرته وهي التي تحمل النص‬
‫إلى البكاء‪:‬‬ ‫األلق الذي جعل يضمر في عينيها‪:‬‬

‫«الح لي وجــه أمــي التي لم أكــن رأيتها‬ ‫‪ -‬وأين ستسكن هناك؟‬


‫بعد‪ .‬رسمت في زرقة هذا الصباح الصيفي‬ ‫……‬
‫العذب مالمحها البهية في خيالي»‪.‬‬ ‫ببراءة تسألني‪ :‬ما هي الجامعة؟‬
‫وتظهر األم بفرح وبهجة ليصف السارد‬ ‫‪-2‬المرأة الشجاعة‪ /‬الخالة حصة‬
‫بحزن نظرات عينيها الحنونة لصغيرها‪:‬‬ ‫المغامرة‬
‫«جاءني صوت أمي وهي تناديني ألول‬ ‫أما في قصة (العرس) التي تمثل معاناة‬
‫مبتلة بدمع طفل مــحــروم مــن حنان أمه مرة»‬
‫يتسع وجــود األم أكثر‪ ،‬ولكن الحرمان‬ ‫الــدافــئ‪ ،‬لمس الــســارد الطفل المحروم‬
‫الــمــوجــود فــي مــعــظــم بــيــوتــنــا‪ ،‬فــالــســارد يجعله يغيب ويحضر‪:‬‬
‫يٌظهر الــمــرأة الشجاعة «الخالة حصة»‬
‫«واسم أمي يلتمع خطفا بين الكلمات ثم‬
‫كما يسميها الصغير «حــصــة»‪ ،‬هي التي‬
‫يغيب»‬
‫قطعت المسافات‪ ،‬وتعرضت للمتاعب‪،‬‬
‫كانت مهمتها أن تأخذ الصغير إلى أمه‪-4 ،‬المرأة‪ /‬األخت الحنونة «سمية»‬
‫قامت حصة بتحريك النص‪ ،‬وزادت حيويته‬
‫وتطل من قصة رائحة الطفولة األخت‬
‫بانفعاالتها تــارة‪ ،‬وبمرحها تــارة‪ ،‬وبحنانها‬
‫(سمية)‪ ،‬بحضورها الجميل‪ ،‬حضورها‬
‫على الصغير تارة أخرى‪ ..‬يصفها السارد‪:‬‬
‫الــذي يمنح الطمأنينة فــي البيت‪ ،‬وهنا‬
‫«وهــــي ال ــم ــرأة الــتــي قــبــلــت الــتــحــدي الــســارد يفتح لغته بدالالتها على األخت‬
‫«وتفتحت فــي عيني وردة فــرح حقيقي‬ ‫والمجازفة»‬
‫«يا قطّ اعين األرحام‪ ..‬الولد الزم يشوف انبثقت منها غيمة فراشات أرسلتها إلى‬
‫سمية»‪.‬‬ ‫أمه»‬
‫‪55‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫‪-5‬الحبيبة‪ /‬الصغيرة المتوارية‬
‫أما في نهاية قصة (ذاكرة مثخنة بالدم)‪،‬‬
‫تحضر الحبيبة طفلة وصبية تتداخالن معا‬
‫في القصة‪ ،‬وتحمالن تشويقًا وعاطفة تجعل‬
‫المتلقي يعود لقراءة القصة مرة أخرى‪:‬‬
‫«تصل إليه أسرارهن التي تمجد حالوة‬
‫عينيها‪ ..‬ضحكتها الدافئة»‪.‬‬
‫ويستمر حضور االثنتين فــي انسيابية‬
‫لغوية بصرية‪« :‬هــي البنت الصغيرة التي‬
‫كانت ذات يوم في مثل سنك»‪.‬‬
‫‪-6‬فتيات‪ /‬نساء‬
‫فــي الــقــصــة الــعــاشــرة مــن المجموعة‪،‬‬
‫والمعنونة بـ(ربابة مشعان) تخرج النساء‬
‫مضيئات في مشهدية فرح غنائية‪ ،‬فتتعالى‬
‫اللغة األدبية‪ ،‬وكأنها شــد ٌو يصاحب عزف‬
‫وأخيرا‪ ،‬نحو العالم‬ ‫الربابة‪:‬‬
‫اتــكــأت الــمــرأة بكل حــاالتــهــا فــي قصص‬ ‫«وتغمض عينيك لتصغي إلــى أصــوات‬
‫النساء الالئي جئن إلى بيتكم ذات ضحى مجموعة (رائــحــة الطفولة) على جماليات‬
‫اللغة والمعنى معًا‪ ،‬فقد أحاط السارد المرأة‬ ‫ليعمرن المجلس الشرقي بالغناء»‪.‬‬
‫بالماء‪ ،‬ورفيف أغصان‪ ،‬وزرقة صباح‪ ،‬وسماء‬
‫عصافير وأغنيات‪.‬‬ ‫‪-7‬المرأة عموما‬

‫أســتــطــيــع ال ــق ــول إن مــجــمــوعــة (رائــحــة‬ ‫نــصــل إلـــى الــقــصــة ‪ 13‬واألخـــيـــرة في‬
‫الــمــجــمــوعــة‪ ،‬وه ــي قــصــة (رس ــال ــة) يحكي الطفولة) هــي مــن روائ ــع الــســرد القصصي‬
‫الــســارد فيها حكاية امـــرأة تــواجــه قسوة لدينا‪ ،‬السرد الذي أنصف المرأة ومنحها أفقاً‬
‫المجتمع‪ ،‬بينما تبرق جماال عبر وصف جمالياً شفيفاً كما هي في الواقع‪ ،‬هذا األفق‬
‫السارد لها عندما شبهها ب (وردة)‪ ،‬وهنا عبر بها إلى سماء فاتنة‪ ،‬لتؤكد هذه المجموعة‬
‫انبعث الجمال (الوردة) من الالجمال (الموت فردانيتها األدبية الفنية اإلنسانية في سردنا‬
‫غدرًا)‪ ،‬وجدوها ساكنة تحت شاحنة «ذابلة السعودي‪ ،‬وهذه الفردانية السيريالية تصل بها‬
‫إلى العالمية عندما يترجمها مترجم (فنان)‪.‬‬ ‫كوردة مغدورة»‪.‬‬

‫رائحة الطفولة‪ .‬الطبعة األولى‪2000 /1421،‬م‪ ،‬مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‪.‬‬ ‫ *‬


‫شاعرة وقاصة ومترجمة سعودية‪.‬‬ ‫** ‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪56‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫عيد مبارك‬
‫■ محمد الرياني*‬

‫وضعت عينَها في عيني‪ ،‬رأيـ ُـت عينَ العيد في عينيْها‪ ،‬هنأتُها وكأنني لم أهْ نأ‬ ‫ْ‬
‫أكملت تهانيها بياءٍ كأسوار حديقة تشتعل ف ًّال ووردا‪،‬‬
‫ْ‬ ‫بتهانيها أو أهنئ أحدا قبلها‪،‬‬
‫تهان غير‬
‫أخرجت من قلبي ٍ‬‫ِ‬ ‫أشعلت فيّ مواجع العيد‪،‬‬
‫ِ‬ ‫قلت لها يا مُ هنّئتي‪ :‬ويْحك!‬
‫ُ‬
‫دال مزركشا يشبه ليلة العيد‪ ،‬صباح‬ ‫رمت في أحضاني ً‬ ‫التهاني‪ ،‬لم تدَعْ ني أُكمل‪ْ ،‬‬
‫العيد‪،‬نور العيد‪ ،‬فرحة العيد‪ ،‬يشبه األحضان التي تلتهب اشتعاال‪ ،‬قالت‪ :‬عيدٌ‬
‫سعدت بعيدها السعيد‪ ،‬ببسمتها الرقراقة‪ ،‬بفرحتها يوم‬ ‫ُ‬ ‫سعيدٌ يا رفيق الــدرب‪،‬‬
‫العيد‪ ،‬أتمّ ْت تهنئتها‪.‬‬

‫في الشوارع واألزقة دون أن يرانا أحد‪،‬‬ ‫جلستُ وحــولــي باقة ورد‪ ،‬استوتْ‬
‫شعرتُ أن فرحة كل الناس ال تعادل‬ ‫جالسة وحولها باقة أخرى‪.‬‬
‫احتضنتْ وردهــا‪ ،‬احتضنتُ وردي‪ ،‬فرحتي بها‪ ،‬ابتسمنا ثم عدنا لنترك‬
‫تــبــادلــنــا الــهــدايــا‪ ،‬تــبــادلــنــا الــتــهــانــي‪ ،‬للناس مساحة للفرحة‪.‬‬
‫استرجعنا جمال الماضي‪ ،‬نظرنا بعيون‬
‫أنت أروع في العيد‪.‬‬
‫قلتُ لها‪ِ :‬‬
‫المحبة نحو األعياد القادمة‪ ،‬تعاهدنا‬
‫قالتْ ‪ :‬بل أنت األروع‪.‬‬ ‫على تبادل التهاني المخلصة‪.‬‬
‫بقي العيد يكتب فرحة أزلية‪ ،‬وظللت‬ ‫نهضنا ســو ًيــا وك ــل عــيــن تــريــد أن‬
‫تخترق العين التي تقابلها‪ ،‬وضعتْ يدها أسطر في وجداني تفاصيل أيام تتألق‬
‫في يــدي‪ ،‬خرجنا ننظر لفرحة العيد كما العيد‪.‬‬
‫ * قاص سعودي‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫أيام معه‬
‫■ ربيعة املنصوري*‬

‫كنت أنصت إلى حديثها عنه باللهفة نفسها الممزوجة بالحزن‪ ،‬وكأنه رحل البارحة‪،‬‬
‫أحسستها مشتاقة إليه كثيرً ا‪ ،‬كانت تقاوم البكاء‪ ،‬فوجودها في حفل تكريم غيابي في الكلية‬
‫التي كان يدرس بها يجدد أزهار الغبن الذي تعيشه بعده‪...‬الكلمات متزاحمة على شفتيها‬
‫وكأنها تحاول القبض على روحــه المفارقة‪ .‬كانت الشهادات التي قدمها في حقه زمالؤه‬
‫تمتد إلى جسدها لتنعشه‪.‬‬
‫مــا أعــظــم ال ــرج ــل‪ ..‬حدثتني عــن غيابها بمعين علمه الذي ال ينضب‪.‬‬
‫سألتني كثيرًا عن طلبته وعــن محاضراته‬ ‫المستمر عن المدينة التي كانت تجمعها به‪ ،‬وعن‬
‫إحساسها بالغربة والوحدة واأللم وهي تتنفس التي كان يلقيها‪ ،‬وعرفت أنها تقضي كل وقتها‬
‫داخلها‪ ،‬فقد دخلتها أميرة مع فارس يجيد لغة‬
‫في جمع مقاالته‪ ،‬وفي طبع كتاباته‪ ،‬فمتعة إكمال‬
‫االستئناس‪ ..‬وها هو يرحل لتجد نفسها وسط‬
‫ما بدأه كان يسعدها ويقيها شر الحزن الكبير‬
‫وجوه‪ ،‬وقلب أمكنة لم تتعود مصاحبتها لوحدها‪.‬‬
‫الذي سقطت فيه بعد رحيله‪...‬‬
‫قالت وهي تقلب نظراتها في القاعة‪ ..‬أشعر‬
‫حزنها لفراق رجل عاشت معه أياما طويلة‪،‬‬ ‫بغربة عميقة هنا‪ ،‬وحتى عندما أعود إلى حيث‬
‫تسكن أسرتي أشعر باإلحساس نفسه‪ ،‬وكأنني خبرت فيها طيبته المختلطة بشخصيته القوية‪،‬‬
‫أصبحت ورقــة خريف مترامية تقذفها الرياح وتمتعت بمصاحبة روحــه المرحة‪ ،‬تعلمت منه‬
‫فــي كــل االتــجــاهــات‪ .‬غربتها الحقيقية كانت الكثير‪ ،‬وق ــرأت معه العديد مــن الكتب‪ ،‬فقد‬
‫على مستوى الروح‪ ،‬والبيت الكبير لم يعد يسع كان عاشقًا للكلمة‪ ،‬متعبدًا في محراب العلم‪،‬‬
‫أحزانها‪ ،‬كانت تراه في كل مكان‪ ،‬رائحته كانت منصتًا للوعة األسئلة التي تفتح أقواس البحث‬
‫تعطر الفضاء‪ ..‬مكتبته‪ ..‬ســريــره‪ ..‬أغراضه واالنبهار‪..‬‬
‫كنت أستمع لحديثها المترامي في دهشة‬ ‫الــخــاصــة… وخــطــواتــه فــي الــشــرفــة حيث كان‬
‫يستمتع بسكون الليل وبرائحة الياسمين المنبعثة دون أن أقاطعها‪ ،‬فحبه كــان يسكنها ويمتزج‬
‫من الحديقة الصغيرة لطالما حدثها عن ذلك بدمها‪ ،‬غيابه الجسدي لم يمنع روحه من معانقة‬
‫ال قبل الفجر‪ ،‬وحدتها‪ .‬وحضوره يمتد بتكريمات تشهدها لتعلن‬ ‫الطائر الليلي الــذي يشدو طوي ً‬
‫أن ال عزاء لها إال هذه اللقاءات التي تشهد له‬ ‫وكيف أن سمفونية العصافير تبتدئ بعده‪.‬‬
‫كان يعلمها الكثير بعلمه الغزير‪ ،‬وكانت تنصت بالكثير من االنفرادات‪ ..‬لتنتهي إلى أن أفضل‬
‫ألحاديثه بالكثير من الشغف‪ ،‬وهــي المعجبة أيامها تلك التي كانت معه‪.‬‬
‫ * قاصة ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪58‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫األفعى‬
‫■ عمار اجلنيدي*‬

‫رهـ ٌـط من الناس‪ ،‬تجمّ عوا حول صخرة كبيره‪ :‬يقفون تحت صهد الشمس‪ ،‬والنسمات‬
‫التمّ وزية تلفح بلهيبها الوجوه‪ ،‬بين الحين واآلخر‪.‬‬
‫فوقفت مع الواقفين‪ :‬كان هناك‬
‫ُ‬ ‫منظرهم يقول‪ :‬إن شيئا ما قد حدث‪ .‬شدّ ني المنظر‪،‬‬
‫كهلٌ يعتمر عمامة كبيرة فوق رأسه‪ ،‬يحمل فأس ًا في يده‪ ،‬ويشير باألخرى إلى شابين وقفا‬
‫إلى يساره؛ كانا يمتشقان هراوتين كبيرتين‪ ،‬ووقف هناك طفل وامــرأة‪ ،‬بدت حانقة بعض‬
‫الشيء‪ :‬كان ذلك واضح ًا من خالل تأفّ فها المستمر طوال الوقت‪.‬‬
‫قلت في نفسي‪« :‬إذاً‪ ،‬هم يبحثون عن‬ ‫الك ّل ينظر للصخرة‪ ،‬بينما الكهل يصرخ‬
‫فيهم محذّراً حيناً وآمراً حينا آخر بمحاصرة األفعى‪ .‬ولكن أيّ أفعى تلك التي يبحثون‬
‫عنها؟ أهي رقطاء أم ذات جرس؟»‪.‬‬ ‫الصخرة‪.‬‬
‫وتذكّرت شيئاً عن قصص األفاعي‪ ،‬التي‬ ‫خائف يرتعش من الخوف‪ ،‬وكأن‬ ‫ٌ‬ ‫الطفل‬
‫بمقدورها أن تبتلع حيوانات كبيرة بحجم‬ ‫مسّ ا ما اعتلج روحه‪.‬‬
‫أيضا أنها ذكيّة جداً‪ ،‬وهي‬
‫تساءلتُ في قرارة نفسي‪« :‬عن ماذا يبحث األرنب‪ ،‬وتذكّرت ً‬
‫هؤالء في هذا الج ّو الخانق؟ أتراهم يبحثون ال تؤذي إ ّال من يحاول االعتداء عليها‪:‬‬
‫«ال بد أن ابن هذا الكهل اعتدى عليها»‪.‬‬ ‫عن شيء ثمين؟ ال بد أنه شيء ثمين»‪.‬‬
‫ق ـ ّررْتُ أن أساعدهم في عملية البحث‪،‬‬ ‫اقــتــرب الطفل منّي وهمس فــي أذنــي‪:‬‬
‫«إنهم يبحثون عن األفعى التي لدغت إبن فتقدمت نحوهم وعرضتُ المساعدة قائالً‪:‬‬
‫هــذا الــرجــل وأش ــار إلــى الكهل‪ ،‬ثــم هربتْ لنشعل ناراً صغيرة بجانب الصخرة فتخرج‬
‫األفعى من رائحة الدخان‪ .‬استحسنوا الفكرة‬ ‫واختبأت تحت الصخرة»‪.‬‬
‫الكهل لم يعجبه تصرّف الطفل فصرخ في وأشعلوا ناراً؛ لكن األفعى لم تخرج‪.‬‬
‫لجأ الكهل إلى حيلة أخرى‪ ،‬لم استحسنها‪،‬‬ ‫وجهه‪ ،‬وأمره باالبتعاد‪ .‬انصاع الطفل ألمره‪،‬‬
‫دس لها السم في قطعة خبز‪ ،‬ووضعها‬ ‫فقد ّ‬ ‫وابتعد بضع خطوات عن مكانه‪.‬‬
‫‪59‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫تــحــت الــصــخــرة‪ ،‬ولــكــن األفــعــى بقيت في إلى مصدرها‪ ،‬كان خلفنا يقف الشاب ذو‬
‫مكانها‪ ،‬وكأنها ال تنوي الخروج؛ وباءت كل البدلة الرياضية وبمعيته ثالثة من الرجال‬
‫األقوياء‪ ،‬كان ذلك واضحً ا من خالل وقفتهم‬ ‫المحاوالت إلخراجها بالفشل الذريع‪.‬‬
‫كل ذلك يحدث بينما المرأة قد حاصرها وهيبتهم‪.‬‬
‫قال لهم الشاب ذو البدلة الرياضية شيئاً‪.‬‬ ‫الضجر‪ ،‬وتسرّب الملل إلى شفتيها فكفّت‬
‫نظروا إلينا بسخرية واضحة يمازجها شيء‬ ‫عن التأفّف‪.‬‬
‫انض ّم شاب آخر إلى الركب‪ :‬يرتدي بدلة من االستهتار‪ .‬تقدّموا نحو الصخرة وأعملوا‬
‫رياضية زرقاء‪ .‬برزت مالمح قوته من خالل أياديهم في الجزء الملتصق باألرض‪ .‬أخذوا‬
‫ال وعندما أطلقوا‬‫حركاته الرشيقة المتناسقة‪ .‬تــســاءل عن نَفَساً عميقاً‪ ،‬حرّكوها قلي ً‬
‫الخطب‪ ..‬فاقترب الطفل منه وهمس شيئا زفيراً قوياً كانت الصخرة مقلوبة على جنبها‬
‫فــي أذن ــه‪ .‬قهقه الــشــاب بسخرية واضحة اآلخر‪.‬‬
‫ألقى الجميع بأنظارهم إلــى مــا تحت‬ ‫وقال‪ :‬تريدون االنتقام من األفعى‪ ،‬إذاً‪ ،‬لماذا‬
‫الصخرة فسيطرت الدهشة واإلحباط على‬ ‫تقفون هكذا‪ ،‬هيا اقلبوا الصخرة وأخرِ جوا‬
‫الوجوه لرؤية هذا المنظر الذي لم نتوقعه‪.‬‬ ‫األفــعــى مــن تحتها‪ .‬تململ الــشــابــان وقــال‬
‫فقد كــان هناك جيش مــن النمل الصغير‬ ‫أحدهما في ضيق‪:‬‬
‫يعض ويلسع كل جزء من جسم األفعى وهي‬ ‫ّ‬ ‫«الصخرة أثقل من أن نستطيع قلبها‪،‬‬
‫تتلوى ببطء‪.‬‬ ‫وما أدرانا أن األفعى لن تهرب إذا ما قلبنا‬
‫ذهل الجميع لهذا المنظر وفغروا أفواههم‬ ‫الصخرة»‪.‬‬
‫ق ْه َق َه الشاب بصوت عــال‪ ،‬تاركاً صدى دهشة وذهوالً‪.‬‬
‫قال الكهل‪:‬‬ ‫ضحكاته تر ُّن في آذاننا‪ .‬تقدمت إلى الكهل‬
‫«أمــعــنــوا النظر فــي هــذه الــلــوحــة‪ ،‬كيف‬ ‫وأخ ــذتُ الفأس منه‪ ،‬وب ــدأتُ أحفر حفرة‬
‫صغيرة تحت الــصــخــرة‪ ،‬فتشجع الكهل‪ ،‬اســتــطــاع ه ــذا الــنــمــل رغ ــم صــغــر حجمه‬
‫وأخــذ الشابان بمساعدتي بج ّد ونشاط‪ ،‬أن يفتك بهذه األفعى التي تكبره ماليين‬
‫وكأنهما طردا شيئًا من القلق الذي سكن في المرات‪ ،‬والتي عجزنا نحن عن قتلها»‪.‬‬
‫نفسيهما‪.‬‬
‫غمغم الجميع باندهاش‪ ،‬بينما المرأة‬
‫ومضت أكثر مــن ســاعــة‪ ،‬ونحن نحاول تقدمت ببطء نحو األفعى وأمسكتها بيديها‬
‫إخراج األفعى‪ ،‬وكانت درجة الحرارة ترتفع الناعمتين ورفعتها عاليا وضربتها بقوة‬
‫ب ــاألرض‪ .‬صرخت بحنق وصــاحــت بصوت‬ ‫شيئا فشيئا‪ ،‬حتى أصبح الج ّو ال يطاق‪.‬‬
‫وفجأة سمعنا القهقهات من جديد‪ .‬نظرنا عال وأغمي عليها‪.‬‬
‫ * قاص ‪ -‬األردن‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪60‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬

‫ديون ال يمكن سدادها‬


‫■ محمد صالح أبو عمر*‬

‫وقف المعلم يتأمل طالبه في حصته التي كانت أشبه بخلية نحل؛ جميعهم‬
‫يؤدي العمل المنوط به في سعادة وبهجة‪ ،‬وهو يتابع ويوجه وييسر ويبتسم كثيرً ا‬
‫ويتكلم قليالً‪ ،‬ويلمح أحيانًا كقائد فرقة موسيقية تعزف لحنًا عذبا‪ ،‬وقــد زرع‬
‫فيهم القيادة والتعاون والروح التنافسية‪ ..‬فهو يدرك أن التدريس رسالة سامية‪،‬‬
‫وليست وظيفة عادية‪ ،‬وال يستطيع أحد أن يقوم بهذه الرسالة إال من أخلص النية‬
‫أجيال تحمل هَ مّ األمة وتصنع مستقبلها‪.‬‬
‫ً‬ ‫واحتسب األجر‪ ،‬وهو يرجو أن يخرّج‬

‫أثناء ذلك رأى بريقًا قد خفت في الحصص أدا ًء ونــشــاطً ــا‪ ،‬ولــم يبدر‬
‫عين طالبه زيــاد‪ ،‬بعد أن كــان براقًا منه كعادته إال كل جميل من األلفاظ‬
‫متقدًا روحً ا وحماس ًة وإبداعً ا‪ ،‬فأعاد والعبارات الجميلة‪.‬‬

‫إذًا مــا األم ــر؟ فالطالب فــي نظر‬ ‫النظر م ــر ًة بعد أخ ــرى لعله يــدرك‬

‫السبب في هذا الخفوت؛ هل الحصة المعلم هو محور العملية التعليمية‪،‬‬


‫الــيــوم ليست كــمــا عــهــدهــا تنافسية ودوره فــي التعلم النشط دور فعال‬
‫حماسية؟ هل ب َد َر منه لفظً ا عن غير رئيس‪ ،‬وأثناء تأمالته وتساؤالته رنَّ‬
‫قصد أحزن زيدًا‪ ،‬وهو المقرب لقلبه جرس انتهاء الحصة وبداية الفسحة‪،‬‬
‫وقــائــد فصله وشــريــكــه فــي العملية فجمع المعلم أوراق طالبه وودعهم‬
‫بنظراته الحانية وابتسامته المشرقة‪،‬‬ ‫التعليمية؟‬

‫كـــا‪ ..‬كــانــت الــحــصــة مــن أفضل يبادله طالبه االبتسامة باالبتسامة‪،‬‬


‫‪61‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫نفس مشكلتك‪ ،‬وبعدها نتناقش في‬ ‫وإشراقة وجوههم أفضل دليل على نجاح‬
‫األمر‪.‬‬ ‫حصته المتميزة‪.‬‬

‫نادى المعلم زيادًا بعد انصراف الطالب ‪ -‬كلي آذان صاغيةً‪.‬‬

‫وسأله‪ :‬ما بك يا بني؟ لم أر بريق عينيك ‪ -‬يحكى أن شــابــا ك ــان يتهيأ للذهاب‬
‫لمقابلة عمل‪ ،‬يلبس أفضل ثيابه أناقة‪،‬‬ ‫األخاذ أثناء الحصة! هل تشكو من شيء؟‬

‫يتعطر بأجمل العطور‪ ،‬وهو يُمني نفسه‬ ‫صحيح أنــك كنت تشارك وتجيب وتُوجّ ه‬

‫بأنه سينال هــذه الوظيفة ليهرب من‬ ‫زمــاءك كما عهدتك قــائ ـدًا‪ ،‬لك ْن ألحظ‬

‫تعليمات والــده المُسن التي ال تنتهي‪،‬‬ ‫عليك تغيرًا‪ .‬أليس كذلك؟!‬

‫ويستقل في معيشته بعيدًا عن الوالد‬ ‫رد زياد‪ :‬بلى‪..‬هناك ما يشغل بالي ويؤرق‬
‫وأوامــره ونواهيه‪ :‬أغلق أنــوار غرفتك‪،‬‬ ‫مضجعي ويشتت انتباهي وتركيزي رغم‬
‫ورتــب مالبسك في الخزانة‪ ،‬واحرص‬ ‫محاوالتي الجدّ ية للتغلب عليه‪،‬‬
‫على غسيل أسنانك باستمرار‪ ،‬اطفىء‬ ‫معلمي هل أنت متفرغ الحصة الرابعة‬
‫مكيف الغرفة عندما تنصرف وو‪.....‬‬ ‫لنتحدث معًا؟‬
‫وذهب به خياله بعيدًا حتى استفاق على‬
‫نعم يــا بــنــي‪ .‬ســأســتــأذن معلم التربية‬
‫صوت والده‪ :‬إلى أين يا بني؟!‬
‫البدنية‪ ..‬ونتحدث‪ ،‬إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪ -‬فأخبره أنه ذاهب لمقابلة عمل في شركة‬
‫جلس المعلم مع طالبه زياد في غرفة‬
‫من كبريات الشركات بوسط المدينة‪،‬‬
‫المصادر‪ ،‬وطلب منه أن يبوح له بما أرّقه‬
‫فقال له والــده‪ :‬انتظر‪ ..‬ودخــل الوالد‬
‫وشتت تركيزه‪ ،‬فكانت المفاجأة فــي رد‬
‫غرفته ورجع بمبلغ من المال أعطاه البنه‬
‫زياد‪ :‬أبي هو السبب‪.‬‬
‫وهو يقول له‪ :‬يا بني لقد ربيتك أفضل‬
‫ما يربي األب ابنه على مكارم األخالق‬ ‫‪ -‬كيف ذلك يا زياد؟ والدك رجل تربوي‬

‫والقيم‪ ،‬فكن يا بني صورة مشرفة لبيتك‬ ‫معروف بذوقه وعلمه‪.‬‬

‫وأسرتك‪ ،‬وابتسم له الوالد داعيًا اهلل له‬ ‫‪ -‬وال ــدي ال يتركني لحظة دون توجيه‪،‬‬
‫بالتوفيق والسداد‪.‬‬ ‫افعل وال تفعل‪ ،‬لم فعلت كــذا؟ وكيف‬

‫غــرق االبــن مــرة أخــرى فــي خياله من‬ ‫فعلت ذاك؟‬

‫‪ -‬سأقص عليك قصة يا زياد لشاب عاش المال الذي أعطاه له والده وهو الذي كان‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪62‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫يعطيه أقــل مــصــروف على مــدار سنوات وسيرته الذاتية‪ ،‬والحظ أن القاعة كبيرة‬
‫دراسته‪ ،‬ومن ابتسامة والده التي نادرًا ما ج ـدًا‪ ،‬وأن مكيفات الهواء كلها تعمل في‬
‫يراها‪ ،‬وانطلق مفكرًا في كالمه‪ .‬استقل أرجاء القاعة‪ ..‬مع أنهم يجلسون في صف‬
‫سيارة أجرة أوصلته إلى برج الشركة في واحــد‪ ،‬فتذكر كلمات والــده‪ :‬أغلق مكيف‬
‫داع؛ فتحرك ليغلق‬
‫أفضل أحياء المدينة وأفخم شوارعها‪ ،‬الغرفة إذا لم يكن له ٍ‬
‫المكيفات التي ال يحتاجها الجالسون‪.‬‬ ‫وأمام البرج الشامخ‪..‬‬
‫وكــان الوقت يمر سريعًا والفتى يزداد‬ ‫وعــنــدمــا هــ ّم بــالــدخــول‪ ،‬تــعــجــب‪ ..‬فلم‬
‫يجد أحـدًا من موظفي االستقبال أو أمن توتره‪ ،‬وتتسارع ضربات قلبه كلما دخلت‬
‫الــشــركــة فــي مدخلها كــالــمــعــتــاد‪ ،‬ووجــد مجموعة من المتقدمين غرفة المقابلة‬
‫طويل‪ ،‬وتدخل مجموعة أخرى‬
‫ً‬ ‫م ــزالج الــبــاب الــزجــاجــي مــرفــوعً ــا يحتك فال يمكثون‬
‫بطرف الباب المقابل‪ ،‬فوقف وكأنه يسمع خمس ًة خمسةً‪ ،‬وتعجب من سرعة المقابلة‬
‫صوت والــده يرن في أذنــه‪ :‬هل تمر عليه حتى نودي على اسمه منفردًا‪ ،‬فسأله مدير‬
‫دون أن تصلحه؟! فوقف وأرجــع المزالج المقابالت‪:‬‬

‫إلى مكانه الصحيح‪ ،‬ولما سار في مدخل ‪ -‬هل أنت جاد في الحصول على الوظيفة؟‬

‫الشركة الحظ أن أنبوب الماء الذي يروي ‪ -‬نعم‪ ،‬بكل تأكيد‪.‬‬


‫حوض نباتات الزينة متدليًا خارج الحوض‬
‫‪ -‬هنيئا لك الوظيفة‪ ،‬وهنيئا لنا موظفنا‬
‫وقطرات الماء تناثرت في الممر‪ ،‬فقال في‬
‫الجديد! متى يمكنك أن تباشر وظيفتك؟‬
‫نفسه‪ :‬كيف يحصل هذا في شركة كبيرة؟‬
‫‪ -‬ظن أن كالم الرجل جزء من المقابلة وال‬
‫وأيــن العمال والموظفون الذين يقومون‬
‫بد أن يتصرف بلباقة فقال‪ :‬هل قبلت‬
‫على نظافة النباتات وتنسيقها؟ وأراد أن‬
‫في الوظيفة دون أن تسألني األسئلة‬
‫يتجاوزها‪ ،‬ولكن‪ ..‬كأن صوت والده يهمس‪:‬‬
‫المعتادة؟ أو حتى تنظر في ملف التقديم‬
‫ال تتركه هكذا‪ ..‬فرجع ووضع أنبوب الماء‬
‫وسيرتي الذاتية؟!‬
‫فــي موضعه‪ ،‬وأخــذ منشفة كانت بجوار‬
‫الــحــائــط ومــســح الــمــاء ال ــذي تناثر على ‪ -‬يا بني اطلعنا على كل شيء؛ ألم ترسل‬
‫سيرتك الذاتية على البريد اإللكتروني‬ ‫األرض‪ ،‬ومضى في سبيله ليدخل قاعة‬
‫للشركة؟ وحددنا لك موعدًا للمقابلة؟‬ ‫كبيرة وبها عدد من المتقدمين للوظيفة‪،‬‬
‫ب ـيَــدِ كــل منهم ملف التقديم وشــهــاداتــه ‪ -‬نعم‪ ..‬ولكنك لم تسألنِ األسئلة المعتادة‪،‬‬
‫‪63‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫الوظيفة‪ ،‬فقال في نفسه‪ :‬ال بد أن أعتذر‬ ‫فكيف قبلت في الوظيفة؟!‬
‫‪ -‬ابتسم المدير ولجنة المقابلة وقــال‪ :‬لــوالــدي على ســوء فهمي لتعليماته لي‪،‬‬
‫بدل من طرح األسئلة على المتقدمين وأخبره أنه كان أ ًبــا مثاليًا معي ويستحق‬
‫ً‬
‫فيجيبون بأجمل اإلجابات النموذجية الشكر ال التأفف‪.‬‬

‫استقل الفتى سيارة أجرة راجعًا لمنزله‪،‬‬ ‫المثالية‪ ،‬وضعنا لهم اختبارًا عمليًا وكنت‬
‫أنت الوحيد الناجح فيه عندما عدلت لكنه وجد في بيته مجموعة من األقــارب‬
‫م ــزالج الــبــاب‪ ،‬ووضــعــت أنــبــوب الماء وســمــع أصـــواتًـــا مــتــداخــل ـةً‪ ،‬وجـ ــاء عمه‬
‫في موضعه‪ ،‬ومسحت أرضية المدخل ليستقبله وعلى وجهه مسحة حزن يعرفها‪،‬‬
‫بالمنشفة‪ ،‬وأطفأت مكيفات الهواء التي فقد رآهــا من قبل عند وفــاة جــده العام‬
‫تعمل دون فائدة ؛ فسلوكك اإليجابي الماضي‪ ،‬ودموعً ا تنساب‪.‬‬

‫ما األمر يا عمي؟ ولم كل أقاربنا هنا؟!‬ ‫كان سببًا في نجاحك‪ ..‬أما المؤهالت‬

‫الدراسية والــدورات التدريبية وإجــادة فأخبره بأن أباه قد فارق الدنيا وهو يدعو‬
‫اللغات‪ ،‬فقد كانت مناسبة للوظيفة في له بالتوفيق والنجاح في حياته‪ ..‬وهنا وقف‬
‫الفتى باكيًا متندمًا على ما فرط فيه من‬ ‫سيرتك الذاتية‪.‬‬

‫‪ -‬مبارك لنا وجــودك بيننا‪ ،‬هل يناسبك بر والده‪.‬‬

‫‪ -‬استوقف زيــاد معلمه متأثرًا بما قص‬ ‫األحد القادم لتبدأ وظيفتك؟‬

‫عليه وقال له‪ :‬لقد فهمت مغزى القصة‬ ‫‪ -‬يناسبني ويسعدني‪ ..‬شكرًا سيدي‪ ،‬وسلم‬
‫وأزحت عن كاهلي هذا الفهم الخاطيء‬ ‫الشاب على لجنة المقابلة وانصرف‪..‬‬
‫لما يفعله معي والـــدي‪ ،‬فــجــزاك اهلل‬ ‫يكاد يطير فرحاً‪.‬‬
‫خيرًا‪.‬‬ ‫خ ــرج الــشــاب يــتــســاءل كــيــف نــجــح في‬
‫االختبار؟ وكيف كــان سلوكه وتعوده على ‪ -‬وجـــزاك مثله يــا ولـ ــدي‪ ..‬ونــعــم االبــن‬
‫أنــت‪ ،‬وكن على يقين أن أبــاك ال يريد‬ ‫فعل هذه األشياء التي تربى عليها سببًا‬
‫لك إال الخير‪ ،‬فاجتهد في دراستك‪،‬‬ ‫في نيله لهذه الوظيفة الرائعة‪ ،‬وأدرك أن‬
‫وبرك لوالديك سبيل نجاحك في الدنيا‬ ‫توجيهات والده التي طالما استاء منها كانت‬
‫واآلخرة‪.‬‬ ‫هي مرشده وسببًا رئيسً ا في الحصول على‬
‫ * قاص مصري ‪ -‬معلم بمدارس الرحمانية األهلية بالجوف‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪64‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫عراف ينير حكمة الوقت‬
‫‪ρρ‬حليمه حريري*‬
‫أكان على الوقت أن يكون مسرعا إلى هذا الحد؟‬
‫لينفلت كماء‬
‫يفر بين األصابع ال يعود‬
‫تمتصه صحراء تائهة قوافلها عطشى‬
‫والنخل مكابرً ا‬
‫يرسم حدود الماء‬
‫وتضيع في لهاثه االتجاهات‬
‫كما نحن في ازدحام ضيق نضيع‬
‫أعين غاب سوادها في كمين‬
‫ازدحام أقل بكثير من ٍ‬
‫نصبته دموع تذرف على ذاكرة موحشة‬
‫لحياة‪..‬‬
‫مفاتيحها شهقات تفضي للضياع‬
‫حكايتها‬
‫ارتجال للفصول‬
‫طالسم عراف اعتزل الوجود‬
‫يقرؤنا في عرافة يهجس بها‬
‫يسأل حجارة ال تعرف الجواب عن وقت عار‪،‬‬
‫ضامئ‪،‬‬
‫سقط في احتضار الموت متمتما‪،‬‬
‫ال تفلح ذاكرة مفلسة حيث أتت بعد أفول الضياء‬
‫عادت لسابق عهدها في البياض‬
‫حيث تخلعنا الروح عن جسدها‬
‫مهترئين‪ ،‬نحمل معنا ابتسامات جامدة على الشفتين وسؤال‪،‬‬
‫لماذا نغادر باكرا؟‬
‫قبل أن ندفع ألمهاتنا ثمن حليبهن‬
‫كومة فرح‬
‫تفك الرباط عن خصر حكاية تلبس وقتا‬
‫ترفعه طواحين الهواء آذانا‬
‫تلوكه الرياح‬
‫يصلي مودعا أمسه‬
‫والباقي منه تحت شاهدة العارفين‬
‫وما سرقه بروميثيوس من حكمة السماء‬
‫لينير جباال أخفت سر النبوءة‬
‫ * شاعرة ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫‪65‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫أيتها الطفولة‪ ..‬هل تبصرين؟‬
‫نوير العتيبي*‬
‫‪ّ ρρ‬‬
‫فائض هذا العمر‬
‫خاو من بهجة قديمة‬
‫أيتها الطفولة ها أنا أمامك‬
‫لو كنت تبصرين‬
‫محشوة باأليام ومتاهات السنين‬
‫أقف في استدارة العمر‬
‫كي أمضي إليك‬
‫مجيء ال ندم‪..‬ال عتب‪..‬ال شيء سوى‬
‫أني أحتاج أن أنبت من جديد‬
‫في حقول الضياء‬
‫في بساتين البراءة التي تكبرت عليها ألحيا حياة الكبار‬
‫تعالي إلي‬
‫ببياضك الخالد فيّ‬
‫دعينا نعيد اللقاء األول‬
‫خذي لهفة العمر الذي ما فتئنا نجاهد فيه‬
‫ونتكبر على اللعب كي نُقبل في مجالس الكبار‬
‫خذي حرائقي‬
‫فإني خرجت من فردوسك جهال للجحيم‬
‫يا للرزايا التي ال يغفرها الزمن المغتال‬
‫ها أنا لو تبصرين‬
‫أقف بذات الفضاء الذي كان يبهرنا اتساعه‬
‫فنخاف الركض أكثر كي ال نضيع‬
‫فيغضب الكبار‬
‫ها نحن ضعنا اليوم ولم يفقدنا أحد‬
‫جئت إليك مجيئ ًا يرنو لعذوبتنا األولى‬
‫للعبة الغيم في السماء‬
‫والضحكات التي تهطل مطرً ا نقيً ا ال بكاء‬
‫جئت ألدس فيك فجائعي‪..‬واغتسل من األحزان‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪66‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫وأستريح بأمانك بالحلم الطفولي‬
‫من كوابيس الزمان‬
‫اطردي الخوف الجديد فيّ‬
‫وهاتي خوف الطفولة من الظالم‬
‫أترين منذ امتشقت السنين‬
‫وممرات الذاكرة صو ٌر مأهولة بالفجيعة‪ ..‬مالحة بلون الرماد‬
‫انظري إلي‬
‫بقايا أمكنة لم أعد أعرف عناوينها‬
‫وحاضر بين يدي شاحب يشيخ‬
‫وكثير من أزمنة متيبسة‬
‫طفولتي النقية‬
‫يا أبهى العمر الذي ولّى‬
‫أضيئي قناديل السؤال البريء داخلي‬
‫أعيدي لي لذة اإلجابة المدهشة‬
‫وصيريني تلك التي تتوضأ نورًا‪ ،‬و تزاحم ليلها بنهارات الحلم‬
‫لم‪ ،‬ما عدت أنا هي أنا التي خرجت من بواباتك البهية؟‬
‫مكسورة أنا‪ ..‬هل تدركين؟!‬
‫وهذا الموت قاس‪ ..‬أظنك تعلمين‪.‬‬
‫لو أخبرتني بصرامة الكبار‬
‫ال تكبرين‪ ..‬ال تختزلين أفراحك‬
‫وعودي أدراجك طفلة‬
‫ال تفقد والدها أبدً ا‬
‫لكنني كبرت‪ ،‬وأبي فضل المنام الطويل‪ ،‬وترك لي دربًا واسعً ا‬
‫ال أعرف فيه كيف يكون المسير؟‬
‫تساقطت كل األيام مالحة‬
‫تشعل في األوردة حنين‬
‫ها قد اختلطت الدروب‬
‫ويقين يعيدني إليك‪..‬كي تخبرينني أنه هناك مع المالئكة التي تحبه كما تحبنا‬
‫برفقة اإلله‪.‬‬
‫أيتها الطفولة‬
‫أبي‬
‫لم يغب‪ ..‬لم يمت‪ ..‬هو في لمعة عيني لو تبصرين‬
‫‪67‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫حاضر في زمن الغياب‬
‫ماثل في القلب‬
‫كـ قبلة أيمم لها شوقً ا‪..‬وأبوح إليها بالدعاء‬
‫أيتها الطفولة‬
‫خذي فجائعي وهذا الفقد الثقيل‬
‫ونافلة عمر ال أشتهي فيها غير المنام الطويل‬
‫أو أعيديني إليك‬
‫طفلة ال يرهقها السؤال‬
‫وتكفيها سعة السماء وغيم يتساقط مطرً ا‬
‫من فرط الضحك ال البكاء‪..‬‬
‫(‪)2‬‬

‫عزلة‪ ..‬حصار كورونا العالمي‬


‫ال سر بيننا‪ ..‬فالسر مشاع‬
‫والخراب طالنا وتدحرجت منا الحياة‬
‫نتقاسم وحشة األمكنة الخاشعة‪ ..‬وارتخاء اللحظات واستراحة األرض المنهكة‬
‫ونتبادل االحتماالت‬
‫لـ نصلي‬
‫لإلنسان المنغمس في الكبرياء‬
‫نصلي‬
‫صالة طويلة‪ ..‬للحياة العادية‪..‬للمسرات الصغيرة التي تخللت أيامنا الصاخبة‬
‫ولم ننتبه‬
‫لــأبــواب المشرعة الـتــي أغـلـقــت‪ ..‬وال ـشــوارع الخالية إال مــن وج ــل‪ ..‬وال ـفــراغ الــذي‬
‫ضمنا‪ ..‬دون رغبة‬
‫وورطنا بـ الوحدة‬
‫فمكثنا على شرفة القلب‬
‫نستضيء الحكايات‪ ..‬ونهجس باألسئلة‬
‫كيف يمكن للتاريخ الغريب أن يعبرنا؟‬
‫للشظايا التي نقاومهاخلف نافذة وفضاء مستعار‬
‫أترى يعذرنا الزمان الذي ولى؟‬
‫ونحن نجمع إلى العمر أيام ًا ال تشبهنا‬
‫شاحبة يعلوها القلق‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪68‬‬
‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫خائفة تتدثر بالظنون وتكهنات ال تستقر‪ ..‬وفكر أنهكه السفر‬
‫أترى يعذرنا من فرطنا فيه دون قبلة؟ دون اجتماع مضى‬
‫في غمرة االنشغال والزحام الالهث في الشؤون الصغيرة؟‬
‫ما بال هذا التاريخ؟‬
‫يأخذنا في عزلة هشة ال تكف عن التمدد‬
‫تلك التي نقاومها بال قصد‬
‫فنفتح النوافذ على مدن الصامتين‬
‫نقاوم المسافة‪ ..‬ونأبى تصديق الحكاية‬
‫أترى تمضي المأساة؟‬
‫وينتصر اإلنسان لإلنسان‬
‫كم زمنا يكفي كي نعود؟‬
‫لضمة الفؤاد للفؤاد‪..‬إلدارة الظهر‬
‫للعزلة‪ ،‬وللصمت‪ ،‬وللهدوء الجبري الذي ال نشتهيه‬
‫أترى نعود لالجتماع وتبادل العناق؟‬
‫لنصلي‬
‫كي ال تنفينا األرض‪ ،‬التي غرسنا فيها اهلل‪ ،‬بيقين األولياء‬
‫أن تعود الحياة‪ ..‬ونتمتم التعاويذ على وجه النهار وفي طيات الليل‪..‬‬
‫للبالد اآلمنة‬
‫للحياة الهادئة‬
‫لأليام التي تذمرنا من طولها وهجرنا فيها لذة عابرة‬
‫معان للحب‪..‬لإلخاء‬‫ٍ‬ ‫سنرتوي من زمزم‪ ،‬ونسكب في القلب‬
‫وسنعود في تصوف األنبياء‬
‫ستعود تلك الحياة‬
‫لكنما تاريخ سيخط في القلب وجع ًا يذكرنا بهشاشة اإلنسان‬
‫وسيحرج فينا الكبرياء‬
‫ونتوجس المستقبل‪ ،‬ومعان الوجود‬
‫سترتجف فينا الطمأنينة كلما ارتخينا في األمان‬
‫تذكرنا اللحظات‬
‫ليكف عن الركض نحو الخراب‬
‫لنصلي لإلله الرحيم‬
‫أننا ما نزال نصلح للحياة‬
‫* شاعرة سعودية‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫الم َ‬
‫يلد‬ ‫ات ِ‬ ‫األح َل ُم ُت َوزَّ ُع َم َجا ًنا َم َع َش َه َ‬
‫اد ِ‬ ‫ْ‬
‫‪ρρ‬هاني قدري*‬
‫(‪)1‬‬
‫ل َْس ُت و َْح ِدى‬
‫الطبيب ُحلْمَ هُ خَ طأ‬
‫ُ‬ ‫ْصلَ‬
‫اس َتأ َ‬
‫مَ نْ ْ‬
‫فِ ى غُ ْرفَةِ الوِ الدةِ‬

‫(‪)2‬‬
‫َات‬
‫فِ ى قسم الحَ َّضان ِ‬
‫َض‬
‫أل ْبي ِ‬
‫طَ اف َْت عَ َل ْينَا بردَائِ ها ا َ‬
‫هَ ِام ًسة فِ ى آذنِ نَا‬
‫لَنْ يَمُ وْتَ أَحَ دٌ ِمنْكُ م نَاقِ ًصا ُحلْمً ا‬
‫يلدِ‬
‫الم َ‬
‫َات ِ‬
‫َاألحالمُ ُت َوزَّعُ مَ جَ انًا مَ َع شَ هَاد ِ‬
‫ف ْ‬
‫َف ْلي َْخ َت ْر كُ ٌّل ِمنْكُ م ُحلمً ا ي َِسعْ هُ‬
‫َاحثة عَ نْ دُ ْبلَةٍ تَسعهُ‬
‫إصبعهَا ب ِ‬
‫ثُ مَّ رَاحَ ْت َتبْكِ ى و َِهى ُتهَدْ ِهدُ ْ‬
‫َف َب َك ْينَا جَ ِميعً ا‪..‬‬

‫(‪)3‬‬
‫أُرتِّقُ ُحل ِْمى كُ لَّ َصب ٍَاح‬
‫َقبْلَ أَنْ أ َُخ َّط نَعْ يَه عَ لَى مَ ألٍ منِّي‪.‬‬

‫(‪)4‬‬
‫الح ْل َم‬
‫لَنْ أَبْر َح ُ‬
‫حتى ي َْست َِجيْر مص َر منِّى الوَاقِ ع‬
‫ * شاعر ‪ -‬مصر‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪70‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫كوفيد ‪19‬‬
‫‪ρρ‬ماجد سليمان*‬
‫عُ وْدُ وا إلى بُيُ وتِ كُ مْ‬
‫ْف َنوَافِ ِذكُ مْ‬
‫تَحَ لَّقُ وا خَ ل َ‬
‫أ َْصغُ وا إِ لَى وَقْ ِع أَر ُْج ِل الخَ يْل‬
‫َات مَ ْوتَىً أ َْضجَ َعتْهُ مْ يَدُ ال َوبَاءْ ‪..‬‬
‫ت ُُجرُّ عَ َرب ِ‬

‫عُ وْدُ وا إلى بُيُ وتِ كُ مْ‬


‫د َْحرِ ُجوا العُ يُ ونَ عَ لَى ُز ْرقَةِ هَ وَاتِ ِفكُ مْ‬
‫رَاقِ بُوا َت َو ُّر َم َفوَاتِ يركُ مْ‬
‫الحقُ وا أَنِ ينَ العَال َِم الـمُ َتوَعِّ ْك‪..‬‬
‫ِ‬

‫عُ وْدُ وا إلى بُيُ وتِ كُ مْ‬


‫انظرُ وا َصائِ حَ ًا أَمَ ا َم مَ ْشفَى عَ تْيقْ ‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬لَم َي ُـجدُ وا سَ رِ ْي َر ًا لِ زَوجَ تِ ي‬
‫يب‪:‬‬
‫َام ٍس قَرِ ْ‬
‫ان ِْصتُ وا لِـه ِ‬
‫‪َ -‬ل َدوَاءَ‪ ..‬ال َدوَاءْ ‪...‬‬

‫عُ وْدُ وا إلى بُيُ وتِ كُ مْ‬


‫أَو ِْصدُ وا غَ َضبَ األ ْبوَابَ عَ لَى القَارِ ِعينْ‬
‫أليَّامِ العُ ْز َل ْة‬
‫َاض قُ مْ َصانَكم َ‬
‫َقلِّمُ وا َبي َ‬
‫َاجمَ عُ وا دِ ف َء أَيَادِ يْكُ مْ‬
‫و ْ‬
‫الطيُ و ْر‬
‫َاق ُّ‬
‫كِ عِ ن ِ‬
‫الطفُ وا أ ْْشجَ ا َنهَا‬
‫ِ‬
‫حَ تَّ ى يُ ؤذَّنَ لِ لنُّ ُشورْ‪.‬‬
‫* شاعر وكاتب سعودي‪.‬‬

‫‪71‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫حوارية‬
‫‪ρρ‬عبد الوهاب أبو زيد*‬
‫انتظرني‬
‫تقولُ الحبيبةُ‬
‫طرقات السماءْ ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫في ليلةٍ ال يضيءُ بها قمرٌ‬
‫انتظرنيَ‬
‫الوقت‬
‫ِ‬ ‫خار َج دائرةِ‬
‫المكان الذي أنتَ في ْه‬
‫ِ‬ ‫سجن‬
‫ِ‬ ‫خار َج‬
‫انتظرني‬
‫كنت منذُ نعومةِ أظفارِ قلبيَ‬ ‫الحبيب الذي ُ‬
‫ُ‬ ‫فأنتَ‬
‫في وحشتي أصطفيهْ‪.‬‬
‫***‬
‫تعالي‬
‫المحب‬
‫ُّ‬ ‫يقولُ‬
‫شئت‪ ،‬كيف تشائينَ‬ ‫متى ِ‬
‫لكن تعالي!‬
‫حلم‬
‫تعالي على ُجن ِْح ٍ‬
‫متن غيم ْة‬
‫تعالي على ِ‬
‫وكوني بصحراءِ عمري التي صا َر يمطرني الرملُ‬
‫في َصهْ ِدها اآلنَ خيمةْ‪.‬‬
‫***‬
‫انتظرني‬
‫رحم االنتظارِ‬
‫كأني سأولدُ من ِ‬
‫قلبك بي‬
‫َ‬ ‫انكسرني ألجب َر‬
‫اليأس‪.‬‬
‫َ‬ ‫أمل يشبهُ‬
‫وانتظرني على ٍ‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪72‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫طريق األملْ ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كالطفل فوقَ‬
‫ِ‬ ‫يأس يسيرُ ويعثرُ‬
‫ٌ‬
‫شوك كثيرٌ‬
‫الدرب ٌ‬
‫ِ‬ ‫انتظرني وإن كان في‬
‫أقل!‬
‫ووردٌ ّْ‬
‫***‬
‫الخيال‬
‫ِ‬ ‫تعالي ولو في‬
‫تسعك الحقيقةُ‬
‫ِ‬ ‫إذا لم‬
‫تراب الحديقةِ‬
‫وانبثقي ورد ًة في ِ‬
‫(أعني حديق َة قلبيَ ) حين ينيخُ الظالمُ‬
‫ب َك ْلكَلِ هِ فوقَ صدري‬
‫أخاف إذا طالَ عني غياب ُِك‬
‫ُ‬ ‫فإني‬
‫هجر َة ماءِ البحارِ إلى ماءِ نهري‪.‬‬
‫***‬
‫انتظرني‬
‫الكلمات‬
‫ِ‬ ‫زبد‬
‫سأولدُ من ِ‬
‫مفرادت القصيدةِ‬
‫ِ‬ ‫ُبعث من‬
‫وأ ُ‬
‫أراك‬
‫حتى تراني وحتى ْ‬
‫تقش َر عنَيَ ما باتَ يفصلنا من ظالمٍ‬
‫وحتى ِّ‬
‫يداك!‬
‫ْ‬
‫***‬
‫أنك‪،‬‬
‫ألعرف ِ‬
‫َ‬ ‫تعالي‬
‫أوقنَ أنّي‬
‫من ينادي‪ :‬تعالي!‬
‫من تنادي‪ :‬انتظرني!‬

‫ * شاعر سعودي‪.‬‬

‫‪73‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫عطر الفالحين‬
‫‪ρρ‬نوره عبيري*‬
‫وحدهم الفالحون يحرسون السنابل‬
‫يخافون على الحقول‬
‫يتوجهون للسماء بالدعاء‬
‫ليهطل المطر‬
‫بزيت من الدفء‬
‫ويحفون المساء بإشعال قناديلهم ٍ‬
‫ليختبئ في معاطف الليل‬
‫سكينة من العطر‬
‫يُ دللون جرة الماء بالبخور الطاهر‬
‫ليُ سقى ثغرُ العصفورة أمان ًا‬
‫يزرعون قرب الصخرةِ‬
‫ورد ًة عند كل نهر‬
‫يجمعون وهم يضحكون بصدقهم‬
‫فنجانًا في سهو الحديث العابر‬
‫قد كُ سر‬
‫حول نوافذهم روايةً‬
‫يعرف حكاي َة أ ٍّم صلَّت صبحها في عجل‬ ‫ُ‬ ‫للمشط الذي‬
‫مخبوءً في مرآتها‬
‫سر حكايةِ الثمر‬
‫حول بيوتهم حرير النوافذ منسوجة‬
‫بأحاديث من ُطهر‬
‫حين يُ صلون تُصلي السنابلُ‬
‫في قلوبهم أخضر ذاك الزهر‬
‫ال يزرعون الشوك بالخوف حول بساتينهم‬
‫لهم في كُ ل شمس أغنية غروب‬
‫قد تُنادمُ نجمة بين النجوم‬
‫بمطرٍ للسنابل منهمر‬
‫ال يغلقون بساتينهم باألسوارِ‬
‫بساتينهم مُ شرعة للمطر‬
‫سنابلهم تُقبلها الرياح‬
‫حيثما هبت‬
‫كيفما هبت‬
‫أبد الدهر‬
‫يغرسون في ثغر السنبلة‬
‫قطعة سكر‬
‫علها تعصرُ علقم العمر‬
‫كلما اكتمل القمر‬
‫* شاعرة سعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪74‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص‬
‫ال َ‬
‫نبض ألقى‬
‫‪ρρ‬مالك اخلالدي*‬
‫يمض على وفاته سوى شهرين‪..‬‬ ‫هذا هو العيد األقسى‪ ،‬لم ِ‬
‫لقد فقدنا وجه العيد الذي الزمنا مُ ذ رأينا الحياة‪ ،‬كيف لقلوبنا أن تتجاوز‬
‫م ــرارة الفقد ولــوعــة الرحيل‪ ،‬وقــد فقدنا ذاك ــرة الـفــرح والنبض األحــن في‬
‫دنيانا‪.‬‬
‫كسرتني دمــوع أمــي‪ ،‬ونـبــتَ الــيُ ـتــمُ على وجــوه أخــواتــي وإخــوتــي‪ ،‬لقد سَ لبنا‬
‫رحيلُك شغف الحياة!‬
‫أبــي حبيبي‪ ..‬بــأي عـيـ ٍـد أحتفي وأن ــت العيد الـمـفـقــود‪ ،‬والـفــرحــة الغائبة‪،‬‬
‫واالنكسار الباقي في وجوهنا جميعاً‪.‬‬
‫فقدت جــزء ًا من قلبي ومــا أقسى أن يعيش اإلنسان‬ ‫ُ‬ ‫أبــي حبيبي‪ ..‬بفقدك‬
‫بقلب ناقص‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بقية عمره‬
‫الحب أبدا‪.‬‬ ‫عليك الرحمة ولك ُ‬
‫ـك يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أب ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــي‬ ‫أت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـث عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ع ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــم أج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ ه ـ ـ ـ ـ ــاهُ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ِـت قـ ـ ـ ـن ـ ـ ــدي ـ ـ ــا‬
‫ـك مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزونٌ م ـ ـ ـ ـ ــامـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــهُ‬
‫ـراشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ال نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضَ ألـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ــى وال عـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ ــك أو ق ـ ـ ـيـ ـ ــا‬
‫و ذا ال ـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــاغُ ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــرك ـ ـ ـ ــى ي ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ــوعُ أسـ ـ ـ ــى‬
‫فـ ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُه دم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وتـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــا‬
‫أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــرعـ ـ ـ ـ ـ ــتَ م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن دنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاك م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ع ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ــزتْ‬
‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ــه ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرواس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه ج ـ ـ ـيـ ـ ــا‬
‫ـرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ع ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًـا أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ًا‬
‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ــى تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫ـاض الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروحُ ت ـ ـ ـب ـ ـ ـج ـ ـ ـيـ ـ ــا‬
‫ـك فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬
‫أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أري ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدك‪ ..‬ال ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل‪ ..‬ف ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـب ـ ـ ــدي‬
‫ـات تـ ـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ًا وت ـ ـ ـق ـ ـ ـت ـ ـ ـيـ ـ ــا‬
‫ت ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي رح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــأنـ ـ ـ ــي‬
‫ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا فـ ـ ـ ـ ــأح ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــا أصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوغُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ت ـ ـ ــرتـ ـ ـ ـي ـ ـ ــا‬
‫ـردوس م ـ ـ ـ ـ ــوع ـ ـ ـ ـ ــدُ ن ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــةِ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإذن الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـزّل الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرآن ت ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ــا‬
‫ * كاتبة وقاصة وشاعرة سعودية‪.‬‬

‫‪75‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫كورونا‬
‫‪ρρ‬د‪ .‬عبدالهادي الصالح*‬

‫وي ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــألُ ال ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــرءُ ف ـ ـ ــي دن ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــا ُه واعـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـاً!؟‬
‫ـص ـ ـ ـل ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا؟‬
‫م ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ـ ــذه ف ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـك ي ـ ـ ـ ــا دن ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــا و َتـ ـ ـ ْ‬
‫فـ ـ ـ ـ ــي حـ ـ ـجـ ـ ـمـ ـ ـه ـ ــا ال وج ـ ـ ـ ـ ـ ــا ّإل ب ـ ــرحـ ـ ـمـ ـ ـت ـ ــهِ‬
‫ـوش ثُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ َم ُت ـ ـق ـ ـل ـ ـي ـ ـنـ ــا‬
‫فـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـعـ ـ ـلـ ـ ـه ـ ــا ك ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫ـرت م ـ ـ ـ ـ ــع األ ّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ ف ـ ـع ـ ـل ـ ـ َت ـ ـهـ ــا‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدْ سـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬
‫ـرب وبـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ــداءِ ه ـ ـ ــاديـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا‬
‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإ ْذ بـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ٍ‬
‫هـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ـ ــذيـ ـ ـ ـ ــرُ إذا ق ـ ـ ـل ـ ـ ـنـ ـ ــا لـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـب ـ ـ ــرتْ‬
‫ـذاب إذا بـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ًا ت ـ ـ ـنـ ـ ــادي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫وهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْ‬
‫ـاب ال ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ــدْ ي تـ ـحـ ـمـ ـ ُلـ ـن ــا‬
‫ه ـ ـ ــي الـ ـ ـمـ ـ ـط ـ ــاي ـ ــا لـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ِ‬
‫ـان ح ـ ــاديـ ـ ـن ـ ــا‬
‫و ُتـ ـ ـ ـ ـ ــرغـ ـ ـ ـ ـ ــمُ الـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــر َء ب ـ ـ ـ ــاإليـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫والـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـق ـ ـ ــلَ خـ ـ ـ ــاطـ ـ ـ ـ ْـب وقـ ـ ـ ـ ـ ــلْ ر ّبـ ـ ـ ـ ـ ــي لـ ـ ـ ــه ُس ـ ـ ـ َنـ ـ ـ ٌـن‬
‫وس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةُ اهللِ لـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــاصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــنَ آم ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫قـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــوا ك ـ ـ ـ ــورون ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـق ـ ـ ـلـ ـ ـ ُـت ال ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــاب نـ ـفـ ـتـ ـح ــهُ‬
‫وبـ ـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـ ــدّ عـ ـ ـ ـ ـ ــا قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َم مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــومٌ وتـ ـ ــال ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫ـس ي ـ ـ ـ ــا هـ ـ ـ ـ ـ ــذا وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلْ أم ـ ـ ـ ـ ًـا‬
‫فـ ـ ـ ـ ــأكـ ـ ـ ـ ــرمِ ال ـ ـ ـ ـ ّن ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ َ‬
‫ـرب راج ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا‬
‫ر ّبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ُه إ ّن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ــرغـ ـ ـ ـ ـ ِـم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫* أكاديمي وشاعر من الجوف‪ ،‬السعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪76‬‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫جبل عرفات‬
‫*‬
‫محمد أحميدوفيتش أحميدوف‬
‫■ ترجمة د‪ .‬إبراهيم إستنبولي**‬

‫شاعر وكاتب ومترجم‪ ،‬معروف في داغستان وروسـيــا وبـلــدان رابطة الــدولــة المستقلة‪،‬‬
‫ويطلق عليه زم ــاؤه والـنـقــاد اســم «شــاعــر داغـسـتــان الــذهـبــي»‪ ،‬يكتب باللغتين الروسية‬
‫واألفارية‪ ،‬صدر له العديد من الكتب تأليفً ا وترجمة‪ ،‬باللغات األفارية والروسية ولغات عدد‬
‫من شعوب روسيا وبلدان رابطة الــدول المستقلة‪ .‬وهو رئيس اتحاد الكتاب في جمهورية‬
‫داغستان‪ .‬حائز على الجائزة األدبية الكبرى في روسيا‪ ،‬والجائزة األدبية لمؤسسة رسول‬
‫حمزاتوف الدولية‪ ،‬وجائزة الدولة في جمهورية داغستان‪ ،‬كما نال جوائز أدبية أخرى عديدة‬
‫منها جائزة أنطون ديلفيغ «الــوفــاء للكلمة وللوطن»‪ ،‬وجائزة نيكوالي ليسكوف وجائزة‬
‫ميخائيل ليرمنتوف وغيرها‪.‬‬

‫يخفق قلبي‪ ،‬مثل ناقوس‪،‬‬


‫العلي ينظر إلينا‪ ،‬ونحن‬
‫َّ‬ ‫إن اهلل‬
‫َّ‬
‫سهل‬
‫فمصيري ليس ً‬ ‫غارقين في اآلثام والخطايا‪.‬‬
‫بل صعب كالمنحدر‪.‬‬ ‫(‪)١‬‬
‫سعيد أفندي الجركاوي الداغستاني‬
‫وأنا أصعد إلى جبل عرفات‪،‬‬
‫حيث يقودني الدرب نحو السماء‪.‬‬
‫استهالل‬
‫وأنا أصعدُ إلى جبل عرفات‪،‬‬
‫يحجب عينيَّ خوف قاتلٌ ‪.‬‬
‫وشفتاي يابستان من العطش الشديد‪.‬‬ ‫يهدر فوق رأسي صوت السماء‪،‬‬
‫اهلل يبصر كيف إنّا غارقون في الخطايا‪،‬‬ ‫بكلّ صرامة‪ ،‬مثل ناقوس‪،‬‬
‫وسوف نُحاسب عن كلِّ شيء ذات يوم‪.‬‬ ‫لكي تصبح كلمتي مثل الصالة‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫محمد أحميدوف‬

‫الشمس هنا متوهجة إلى حدِّ البياض‪.‬‬ ‫وأنا أصعدُ إلى جبل عرفات‪.‬‬
‫والمالبس بيضاء‪ ،‬كما لو أنها بالضبط‬ ‫سأحلّق في أمر ما وراء السحب‪.‬‬
‫كفن‪.‬‬ ‫سوف تنتظم كلماتي في قصيدة‬
‫لقد وهبت رحمة اهلل الواسعة‬ ‫تتناغم مع قلبي بحرارة مثل صالة‪.‬‬
‫سلّم النجاة للمسلمين المؤمنين‪.‬‬
‫تـكـبـيــر ‪ -‬وت ـن ـط ـلــق الـ ـص ــاة هـ ـ ــادرة نحو‬ ‫الخطاء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أخوض مع ذاتي‪ ،‬أنا‬
‫السماء‪،‬‬ ‫معركة ‪ -‬كما لو أنها صالة‬
‫لكي تزداد فيها مثل سنبلة القمح‪.‬‬ ‫صادقة ‪ -‬مثلما تشتهي السماء‪...‬‬
‫وتتحد أصوات جميع المسلمين األحياء‬
‫أنا أصعد إلى جبل عرفات‪،‬‬
‫في صوت واحد وحيد‪.‬‬
‫تنتظم أشعاري كما لو أنها صالة‪.‬‬
‫هنا‪ ،‬يدرك المرء أنَّ رفاته الفانية‬
‫جبل عرفات‬
‫سوف تغوص في خيوط من أشباح‬
‫دون أن تترك أدنى أثر‪.‬‬
‫حتى ذاك الذي يقضي الحياة سلطانًا على العالم‪،‬‬
‫ال إله ّإل اهلل‪ ،‬واحدٌ أحدٌ !‬ ‫لن يحمل معه سوى الكفن الذي يكفَّ ن به‪..‬‬
‫والحقيقة واحدة بالنسبة لجميع البشر‪.‬‬
‫سعيد أفندي الجركاوي الداغستاني‬
‫منذ قرون ودائمً ا‪ ،‬على مدار السنة‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪78‬‬
‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫رجاء‬ ‫تعبر أفواجٌ من الناس المصلّين‬
‫تلك الهضبة الصخرية‬
‫تمضي األيام‬
‫عند سفح جبل عرفات الحزين‪.‬‬
‫سريعً ا في هذا العالم‪.‬‬
‫نرجو أننا نصبح على الطريق‬ ‫الحزن هنا ينعكس في العيون‪ ..‬من دون‬
‫المستقيم مع آخر شهقة‪.‬‬ ‫كالم‪.‬‬
‫سعيد أفندي الجركاوي الداغستاني‬ ‫وكـ ـ ــلُّ واحـ ـ ــد مـ ـص ــاب ف ــي ال ـ ـفـ ــؤاد ب ـجــرح‬
‫مشترك‪.‬‬
‫االسم عند هذه األمة ‪ -‬اهلل!‬
‫ال تتركني أموت على هذي األرض‬
‫واللقب ‪ -‬مسلم مؤمن‪.‬‬
‫الحزينة‪ ،‬وأنا على ضالل‪.‬‬
‫جبل عرفات بالنسبة لي ‪ -‬جبل مقدّ س‪،‬‬
‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬
‫يجمع بين حلقات متقطعة‪.‬‬
‫لقد كنت كريمً ا معي أثناء الصالة‪.‬‬
‫احفظ لغتنا العزيزة ‪-‬‬
‫وأنا أسجد أمامك‪.‬‬
‫ذلك النبع الوطني المقدّ س‪.‬‬
‫أحس بالخوف‬ ‫كل واحد هنا‪ ،‬وقد َّ‬
‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬
‫في يوم القيامة‪ ،‬يلهج بشفتين ملتهبتين‪:‬‬
‫«يا اهلل» ‪ -‬ويعيد للسماء اسمها‪.‬‬
‫كأسا من الفضة‪،‬‬
‫ال تهبني ً‬
‫بل امنحني الصبر والصالح‪،‬‬
‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬

‫بالحب والنجاح‬
‫ّ‬ ‫أَنعم عليَّ‬
‫وبارك لي كتابة الشعر‪،‬‬
‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬

‫المسجد‪ ،‬والنبي والقرآن‪،‬‬


‫من أجل شفاء الجراح‪،‬‬
‫أرجوك يا اهلل!‬
‫أَنعِ م عليَّ بموقد ال ينطفئ‪،‬‬
‫لكي يلين قلب العدوِّ‪،‬‬ ‫مع رسول حمزاتوف‬

‫‪79‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫كتاب من روسيا وعدد من الدول عند تمثال رسول حمزاتوف‬

‫أخي القديم والمشهور‪.‬‬ ‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬


‫إذ إنَّ جبل عرفات‬
‫أشبه باألول المقدّ س‪.‬‬ ‫ال تقطع دائرة المحبة القلبية‬
‫وقد التحم فوقه سرب الغرانيق‪.‬‬ ‫كيال يتأخر الصديق عن مصافحتي‪.‬‬
‫أرجوك‪ ،‬يا اهلل!‬

‫كان رسول حمزاتوف بحكمته النبوية‬ ‫الظالل البيضاء‬


‫أوّل من قال إنَّ سرب الغرانيق‬ ‫القلب‬
‫ُ‬ ‫يا اهلل‪ ،‬كم يأسف‬
‫يحلّق فوق جبل عرفات المقدّ س‬ ‫سدى!‬
‫ً‬ ‫على تلك األيام التي مضت‬

‫كما لو أنه يقيم الصالة‪.‬‬ ‫سعيد أفندي الجركاوي الداغستاني‬

‫صعدت إلى أعلى جبل عرفات‬‫ُ‬


‫كما لو أنهم غرانيق بيض‬ ‫ورحت أتأمل معجزة السماء‪.‬‬
‫تطير فوق جبل عرفات المقدّ س‬ ‫الحجاج يطيرون‬
‫ّ‬ ‫إذ راح الناس‬
‫ظالل بيضاء للحجيج‬ ‫فوق الجبل مثل الغرانيق‪.‬‬
‫في حالة من الحزن والخشوع‪.‬‬ ‫وقد تذكّرتُك‪ ،‬يا رسول‪،‬‬
‫سعيد عبدالرحمن آتساييف المعروف أكثر باسم سعيد أفندي الجركاوي الداغستاني ‪2012 - 1937‬م‪،‬‬ ‫ *‬
‫شيخ صوفي داغستاني‪ ،‬توفي أبوه وعمره سبع سنوات‪ .‬مات سعيد أفندي في ‪ 28‬أغسطس ‪2012‬م‬
‫متأثرا بجروحه نتيجة تفجير نفذته امرأة‪ .‬وقع الهجوم في منزل سعيد في منطقة بويناكسك‪ ،‬عندما‬
‫اقتربت امرأة منه وفجرت قنبلة معلقة في حزامها‪(.‬المترجم)‪.‬‬
‫كاتب ومترجم ‪ -‬سوريا‪.‬‬ ‫** ‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪80‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الروائي المصري (سعيد سالم)‬

‫أعشق الكتَّاب الروس‬


‫وال أعرف لماذا لم تترجم أعمالي!‬
‫فــي شهر مــارس الماضي صــدرت للروائي سعيد سالم رواي ـتــان‪ ،‬هما‪« :‬صعاليك‬
‫األنـفــوشــي» عــن الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬و«هــذيــان» عــن دار الـمـعــارف‪ ،‬وفي‬
‫شهر سبتمبر القادم تصدر له رواية جديدة بعنوان‪« :‬رحلة الصعود والهبوط» عن دار‬
‫الشروق‪ .‬إنه الروائي سعيد سالم‪ ،‬الذي قال عنه نجيب محفوظ ذات يوم‪« :‬من حسن‬
‫الحظ أنني تمكنت من قراءة «بوابة مورو» للروائي سعيد سالم‪ ،‬وأشهد بأنها جذبتني‬
‫إلى قراءتها لسحرٍ فيها‪ ،‬وهي عمل جيد في تصويره للبيئة‪ ،‬وبما قدمته من شخوص‬
‫حية ممثلة في الراوي األب والفتاتين‪ ،‬وأسلوبها ينبض بالحياة وبالتلقائية»‪.‬‬
‫يوسف إدريس أيضا كتب يقول‪« :‬قرأت لسعيد سالم ثالث روايات هي‪« :‬جالمبو»‪،‬‬
‫«بوابة مــورو»‪ ،‬و«عمالقة أكتوبر»‪ ،‬وكنت سعيدً ا جــدً ا بها‪ ،‬فسعيد سالم له استقالله‬
‫الفني وطريقته الخاصة‪ ،‬ومدرسته في الكتابة»‪ .‬كذلك قال د‪ .‬صالح فضل‪« :‬لقد‬
‫استطاع سعيد سالم بدأبه ومثابرته أن يستثمر ذكاءه اإلبداعي وتوقه الطليعي معً ا‪،‬‬

‫‪81‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫وأن يزحف بثقة إلى صفوف كبار كتاب السرد العربي‪ ،‬وقد تنبأت له منذ مطلع الثمانينيات‬
‫بمستقبل واعد في فن القصة لموهبته ودهائه وقدراته التشكيلية البارزة»‪.‬‬
‫كذلك قال أنيس منصور‪« :‬في خمسينيات القرن الماضي‪ :‬انتشرت في أوروبــا مــدارس في‬
‫القصة القصيرة‏‪..‬‏ اختالط بين القصص الواقعية والالواقعية‏‪.‬‏ ولم يكن لها لون أو اسم معين‬
‫أو مدرسة‏‪.‬‏ وقد بالغ األدباء في االختالف‏‪.‬‏ حتى وجد األدباء أنه ليس من الضروري أن يدخل أي‬
‫مدرسة‏‪.‬‏ وظهرت في القصص العربية نماذج منها؛ وهذا يحدث كثيرا‪ ،‬لكن القليل منها جيد‪.‬‬
‫حتى أستاذنا توفيق الحكيم أشــار إلى ذلك في روايته‪ ،‬وهي التي ظهرت في األدب اليوناني‪،‬‬
‫وظـهــرت أسـمــاء كثيرة مــن األدب ــاء الـجــدد‪ ،‬ومــن بين األدب المصري قصة «هــوى الخمسين»‬
‫لألديب سعيد سالم‪ .‬وهذه القصة ظهرت سنة ‪1982‬م‪ ،‬وهي مفاجأة‪ ،‬فلم أتصور أن أديبًا مصريًا‬
‫يالحق األدب الحديث جدا في فرنسا»‪.‬‬
‫ولد الروائي والقاص المصري سعيد سالم في مدينة اإلسكندرية عام (‪1943‬م)‪ ،‬وهو عضو‬
‫اتحاد كتاب مصر‪ ،‬واتحاد الكتاب العرب‪ ،‬وهيئة الفنون واآلداب‪ ،‬وأتيليه اإلسكندرية‪ .‬حصل‬
‫على بكالوريوس الهندسة الكيميائية في كلية الهندسة جامعة اإلسكندرية عام (‪1964‬م)‪ ،‬ثم‬
‫الماجستير في عام (‪1968‬م)‪.‬‬
‫صدرت له مجموعة من الروايات‪ ،‬منها‪« :‬جالمبو» (‪1976‬م)‪« ،‬بوابة مورو» (‪1977‬م)‪« ،‬عمالقة‬
‫أكـتــوبــر» (‪1979‬م)‪« ،‬آلـهــة مــن طين» (‪1985‬م)‪« ،‬عاليها أسفلها» (‪1985‬م)‪« ،‬ال ـشــرخ» (‪1988‬م)‪،‬‬
‫«األزمنة» (‪1992‬م)‪« ،‬كف مريم» (‪2001‬م)‪« ،‬حالة مستعصية» (‪2002‬م)‪« ،‬الشيء اآلخر» (‪2004‬م)‪،‬‬
‫«المقلب» (‪2009‬م)‪« ،‬الحب والزمن» (‪2011‬م)‪« ،‬الفصل والوصل» (‪2016‬م)‪ .‬في مجال القصة‬
‫القصيرة له عدة إصدارات‪ ،‬من بينها‪« :‬قبلة الملكة» (‪1987‬م)‪« ،‬الموظفون» (‪1991‬م)‪« ،‬الجائزة»‬
‫(‪1994‬م)‪« ،‬رجــل مختلف» (‪1995‬م)‪« ،‬الممنوع والمسموح» (‪2002‬م)‪« ،‬أقاصيص من السويد»‬
‫(‪2005‬م)‪« ،‬قانون الحب» (‪2006‬م)‪« ،‬هوى الخمسين» (‪2011‬م)‪« ،‬الكشف» (‪2013‬م)‪« ،‬المعضلة‬
‫الكبرى» (‪2015‬م)‪.‬‬
‫من الجوائز التي حصل عليها سعيد سالم‪ :‬الجائزة األولى عن رواية «األزمنة» في مسابقة‬
‫إحسان عبدالقدوس للرواية عام (‪1990‬م)‪ ،‬جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عن‬
‫مجموعة «الموظفون» عام (‪1994‬م)‪ ،‬جائزة اتحاد كتاب مصر في الرواية عام (‪2001‬م) عن رواية‬
‫«كف مريم»‪ ،‬ثم الجائزة عام (‪2010‬م) عن رواية «المقلب»‪ .‬نال وسام الجمهورية للعلوم والفنون‬
‫من الطبقة األولى عام (‪2013‬م)‪ ،‬وجائزة الدولة التقديرية في اآلداب عام (‪2013‬م)‪ ،‬وتم ترشيحه‬
‫لجائزة النيل عام (‪2017‬م)‪.‬‬

‫■ حاوره‪ :‬أحمد الالوندي‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪82‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الطراز المعماري العريق‪ ،‬فهي تعلن عن‬ ‫ ¦رحـ ـ ـلـ ـ ـت ـ ــك م ـ ـ ــع الـ ـ ـكـ ـ ـت ـ ــاب ـ ــة ب ـ ـ ـ ـ ــدأت م ـن ــذ‬
‫المراحل الحضارية المختلفة التي مرت‬ ‫السبعينيات‪ ،‬ما الروافد التي أسهمت في‬
‫بها اإلسكندرية من فرعونية‪ ،‬ورومانية‪،‬‬ ‫تكوينك ونمو تجربتك؟‬
‫ويونانية‪ ،‬وإسالمية‪.‬‬ ‫‪ρ ρ‬الروافد عديدة‪ ،‬منها الموهبة وهي منحة‬
‫من الروافد أيضا‪ :‬طبيعة تكويني الذهني‬ ‫عظيمة من الخالق‪ ،‬احتاجت مني إلى‬
‫كمهندس كيميائي أسهمت فــي إثــراء‬ ‫عمر طويل من الجهد والصبر والعمل‬
‫تجربتي الحياتية‪ ،‬ما أثر على كتاباتي‬ ‫الدؤوب لصقلها ورعايتها‪ ،‬كذلك البيئة‬
‫بالتركيز والتكثيف والتحليل والتركيب‬ ‫الــســاحــلــيــة الــتــي زرعـ ــت فــي شخصي‬
‫والتفاعل‪ ،‬وكلها عناصر مشتركة بين‬ ‫صفات ابن البحر؛ كسعة الصدر‪ ،‬وحب‬
‫الهندسة الكيميائية والهندسة الروائية‪،‬‬ ‫الناس؛ والشهامة‪ ،‬والمرح‪ ،‬كما دفعتني‬
‫فضال عــن احتكاكي اليومي بالطبقة‬ ‫إلــى التأمل فــي اتــســاع الــكــون وعظمة‬
‫العمالية الــكــادحــة‪ ،‬وطبقة الموظفين‬ ‫مدبره‪ ،‬فغرست في قلبي إيمانًا فطريًا‬
‫الــمــطــحــونــيــن‪ ،‬وطــبــقــة رجـــال األعــمــال‬ ‫عــمــيــقــا‪ .‬كــمــا كــنــت أتــأمــل فــي قضايا‬
‫األثرياء المتعاملين مع المؤسسة‪ .‬أضف‬ ‫إنسانية وحياتية كبرى تفوق قدراتي‬
‫إلى ذلك‪ :‬سفري المتكرر إلى دول أوروبية‬ ‫العقلية‪ ،‬وأتــأمــل حــيــاة الــصــيــاديــن في‬
‫وعربية‪ ،‬فتعرفت من خالله على طباع‬ ‫بحري والميناء الشرقي‪ ،‬كانت قضية‬
‫الشعوب المختلفة وسلوكياتها‪ ،‬واالطالع‬ ‫الــرزق على رأس هــذه القضايا‪ .‬فكنت‬
‫على أسباب تقدمها وتحضرها‪.‬‬ ‫أتجول في المناطق السياحية الشهيرة‬
‫كقلعة ڤايتباي‪ ،‬وقصر المنتزه‪ ،‬وقصر‬
‫ ¦حدثنا عن دور المرأة في حياتك؟‬
‫رأس الــتــيــن‪ ،‬وكــــوم الــشــقــافــة‪ ،‬وك ــوم‬
‫الناضورة‪ ،‬وعمود الــســواري‪ ،‬والمتحف ‪ρ ρ‬ب ــدأت تــجــاربــي الــجــوهــريــة األولـ ــى في‬
‫عالم المرأة مع أمي‪ ،‬التي كانت بمثابة‬ ‫البطلمي‪ ،‬ومنطقة المساجد بسيدي أبي‬
‫المستودع الكوني لعاطفتي‪ ،‬إذ توفي‬ ‫العباس‪ ،‬وغيرها‪ .‬والذي كان يلفت نظري‬
‫أبي قبل أن أتجاوز الثانية من عمري‪.‬‬ ‫بصفة خــاصــة‪ :‬المباني العتيقة ذات‬
‫‪83‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫بجمال فريد‪ ،‬وما تــزال بقاياه تشع من‬ ‫هكذا نشأت مع سيدة تقوم بــدور األم‬
‫عينيها الخضراوين حتى اليوم‪.‬‬ ‫واألب م ـ ًعــا‪ ،‬شــديــدة ال ــذك ــاء‪ ،‬حــاضــرة‬
‫البديهة‪ ،‬قوية الشكيمة‪ ،‬نافذة البصيرة‪¦ ،‬يـقــولــون إن مــا ن ـقــرأه هــو اب ــن مــا نكتبه‪،‬‬
‫فمن من األدب ــاء حرصت على متابعته‪،‬‬ ‫قمة فــي التضحية‪ ،‬أيوبية فــي الصبر‬
‫وما تزال تقرأ له؟‬ ‫والــصــمــود أم ــام مــتــاعــب الـ ــرزق وتنكر‬
‫األقــارب؛ وبالرغم من هذا‪ ،‬كانت تتمتع‬
‫‪ρ ρ‬أنــا أعشق الكتاب الــروس بال استثناء‪،‬‬
‫بــروح السخرية والــمــرح‪ ،‬لم تتزوج بعد‬
‫وقد كان غرامي بمكسيم جوركي شديدًا‬
‫وفاة زوجها‪ ،‬وهي الشابة المرغوبة ذات‬
‫في شبابي‪ ،‬كما أنني شديد اإلعجاب‬
‫الخمسة والعشرين ربيعا‪ ،‬إنها ما عرفت‬
‫بنيكوس كازانتزاكيس‪ ،‬فكتاباته تشبه‬
‫كتاباتي إلى حدٍّ كبير‪ ،‬ومن المصريين‬ ‫لنفسها رسالة في الحياة ســوى تربية‬
‫تربيت في الرواية على يد األستاذ نجيب‬ ‫أبنائها وتعليمهم وحراستهم من نوائب‬
‫محفوظ‪ ،‬وفي القصة القصيرة على يد‬ ‫الدنيا‪ ،‬ولقد نجحت في ذلــك‪ .‬ومثلما‬
‫األستاذ يوسف إدريس‪.‬‬ ‫كان حضنها دافئا‪ ،‬كانت صفعاتها مؤثرة‬
‫وكأنها ‪-‬بالفطرة‪ -‬تدرك فن اإلدارة من‬
‫ ¦مــن وجـهــة ن ـظــرك‪ ،‬مـتــى يصبح الكاتب‬
‫خالل الثواب والعقاب‪.‬‬
‫عظيما؟‬
‫أم ــا الــتــجــربــة الــثــانــيــة فــي ه ــذا العالم‬
‫‪ρ ρ‬عندما تكون كتابته عن اإلنــســان بوجه‬
‫الخصب‪ ،‬فكانت مع فتاتي التي أحببتها‬
‫عام‪ ،‬بصرف النظر عن الجنس والدين‬
‫واللغة‪ ،‬الكاتب العظيم تدعو أعماله إلى‬ ‫منذ صــبــاي‪ ،‬ثــم تزوجتها فــي النهاية‪،‬‬
‫الحب والتسامح وعشق الدنيا وعمل‬ ‫وأصبحت أم أوالدي ورفيقتي في الحياة‪.‬‬
‫الخير‪ .‬وكما يقولون «الفن إمتاع وتنوير»‪،‬‬ ‫لقد ساندتني كثيرًا في رحلتي األدبية‬
‫فإن لم يحقق الهدفين معًا هبطت قيمته‪.‬‬ ‫وح ـدّة‬
‫الشاقة‪ ،‬تتمتع بقوة الشخصية‪ِ ،‬‬
‫ال راقيًا لتحقيق‬ ‫إنني أشاهد في الفن سبي ً‬ ‫الذكاء‪ ،‬وبصفات أخرى عديدة تشابهت‬
‫التصالح والتناغم بين اإلنسان ونفسه من‬ ‫مع صفات أمــي‪ ،‬غير أنها كانت تتمتع‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪84‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫جهة‪ ،‬وبينه وبين الحياة والكون وخالقه ¦الـســاحــة األدب ـيــة الـمـصــريــة كـيــف تــراهــا‪،‬‬
‫وكيف تقيم الحركة النقدية فيها؟‬ ‫خالصا شجيًا‬
‫ً‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬أرى فيه‬
‫يصل اإلنسان باألرض والسماء في حب ‪ρ ρ‬هــي حافلة بــالـ ُكـ ّتــاب الــمــمــتــازيــن‪ ،‬لكن‬
‫المهتمين بالنقد قلة قليلة‪ ،‬وهذه ظاهرة‬ ‫ال حدود له‪ ،‬ولقد وجدت في فن اإلبداع‬
‫خطيرة تهدد الحياة األدبية‪ ،‬فمثال‪ ،‬ال‬ ‫الروائي والقصصي ضالتي التي تحقق‬
‫يكفي د‪.‬صــاح فضل وحده للقيام بهذا‬ ‫لي كل تلك الغايات مجتمعة‪.‬‬
‫الــدور‪ ،‬رغم أنه تولى إشهار العديد من‬ ‫ ¦رغم حصولك على العديد من الجوائز‬
‫أعالم القصة والشعر والرواية بالكتابة‬ ‫المهمة‪ ،‬والشخصيات األدبـيــة الشهيرة‬
‫عن أعمالهم‪ ،‬إذ كان هو الذي يبحث عن‬ ‫التي كتبت عنك‪ ،‬إال أنك شبه بعيد عن‬
‫هذه األعمال وال ينتظر سعي ال ُكتّاب إليه‪،‬‬ ‫عالم الترجمة‪ ،‬ما السبب في ذلك؟‬
‫أضف إلى ذلك‪ ،‬أن قراءة األعمال األدبية‬ ‫‪ρ ρ‬ال أعـ ــرف لــمــاذا لــم تــتــرجــم أعــمــالــي‪،‬‬
‫قلَّت إلى حد كبير لسببين رئيسيين هما‪:‬‬ ‫ورغـــم أنــنــي أتــمــنــى ذلـــك‪ ،‬إال إنــنــي ال‬
‫اإلنترنت وارتفاع سعر الكتاب ارتفاعً ا‬ ‫أعرف الوسيلة الطبيعية لتقديم إبداعي‬
‫جنونيًا‪ ،‬كما أن الجرائد المهتمة بالثقافة‬ ‫وترشيحه للترجمة‪ .‬لكن‪ ،‬دعني أقول‬
‫واألدب قليلة جدا‪ ،‬فال يوجد سوى جريدة‬ ‫لك‪ :‬إن ذلك ليس من مهمة الكاتب‪ ،‬ومن‬
‫القاهرة وأخــبــار األدب‪ ،‬أمــا المجالت‬ ‫الغريب أن أعماالً عديد ًة قد ترجمت عن‬
‫األدبــيــة‪ ،‬فمعظمها يعود مرتجعا‪ ،‬ألن‬ ‫طريق االتــصــاالت الماهرة‪ ،‬أذكــر أنني‬
‫الجمهور ال يشعر بها نظرا لسوء التوزيع‪،‬‬ ‫التقيت ذات مرة بمترجم بإحدى الدول‬
‫وانعدام الدعاية‪ ،‬وقلة المتابعة‪.‬‬ ‫األوروبــيــة‪ ،‬كان قد زار مصر وطلب من‬
‫أحــد كبار كتابها أن يعطيه نــمــاذج من ¦اإلسـ ـ ـكـ ـ ـن ـ ــدري ـ ــة هـ ـ ــي مـ ــدي ـ ـنـ ــة ال ـ ـتـ ــاريـ ــخ‬
‫والمؤانسة‪ ،‬وهي عشقك األول‪ ،‬ونجدها‬ ‫روايــات جديرة بالترجمة‪ ،‬فقال لي‪ :‬إن‬
‫ح ــاض ــرة ب ـكــل تـفــاصـيـلـهــا ف ــي كـتــابــاتــك‪،‬‬ ‫الكاتب المصري لــم يقدم لــه إال كتب‬
‫فماذا يمثل البحر بالنسبة لك؟‬ ‫أصدقائه بصرف النظر عن المستوى‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫الــتــيــن‪ ،‬وإن الــوصــول إلــيــهــم بالباخرة‬ ‫‪ρ ρ‬كان البحر عشقي األكبر أنا وكل أندادي‬
‫يستغرق أيامًا طويلة‪.‬‬ ‫فــي الــزقــاق‪ ،‬فهو أول مــا ت ــراه أعيننا‬
‫في الصباح‪ ،‬وكنا متيمين جميعًا بحبه‬
‫على أيــة حــال‪ ،‬أستطيع أن أقــول لك‪:‬‬
‫منبهرين بعشقه سواء كان صافيا هادئا‬
‫إن الــبــحــر هــو الــحــيــاة‪ ،‬وه ــو العنصر‬
‫أم ثائرًا هادرًا مزمجرا‪ .‬كان أول خبراتنا‬
‫األساس في اإلسكندرية كمكان ووجود‪.‬‬
‫بطبيعة الكون والحياة وتقلبهما الدائم‪،‬‬
‫لكن ولكون العمل الروائي بناء عضوي‬
‫وهو الذي ترسلنا إليه أمهاتنا وبيد كل‬
‫متكامل‪ ،‬فــإن ما لم يكن المكان يشكل‬
‫منا مصفاة وقرشين لنشتري السمك‬
‫عنصرًا جوهريا من عناصر هذا البناء‪،‬‬
‫من صيادي «الجرافة» الذين يسحبون‬
‫فإنه ال يزيد على كونه مجرد حلية كمالية‬ ‫الشبكة إلى الشاطئ في صفين متوازيين‬
‫للعمل‪ .‬وأنا حين أكتب عن اإلسكندرية‪،‬‬ ‫بحبال مربوطة حول وسطهم‪ ،‬ونعود به‬
‫فليس بالضرورة أن أكتب عن شوارعها‬ ‫إلــى البيت متقافزا‪ .‬ألحق ببعضه قبل‬
‫ومبانيها وبــحــرهــا وشــواطــئــهــا‪ ،‬ألنني‬ ‫أن يودع الحياة‪ ،‬فأضعه في حلة وأضع‬
‫أتــنــاول اإلنــســان فيما أكتب ســواء كان‬ ‫بها ملحا ألستمتع بــأســمــاك المرمار‬
‫يقيم بزقاق في حي األنفوشي‪ ،‬أو في‬ ‫والبطاطة والشراغيش وهي تعوم وقد‬
‫هوليود بوليفار‪ .‬إن كثيرا من أعمالي كما‬ ‫عادت إليها الــروح مرة ثانية‪ .‬أغرب ما‬
‫تعلم‪ ،‬ابتداء من «جالمبو» و«بوابة مورو»‬ ‫كان يثير خيالي‪ ،‬هو نهاية حدود رؤيته‬
‫وانتهاء بـ«المقلب» و«الحب والزمن»‪ ،‬كان‬ ‫عند انطباقه مع األفق‪ ،‬حيث قيل لي إن‬
‫للبحر وجود مهم فيها‪ ،‬تتفاوت درجات‬ ‫هناك مخلوقات من أجناس أخرى تعيش‬
‫حضوره تبعا ألهمية تبادله‪ ،‬ودرجة تأثيره‬ ‫خلف هذا الخط‪ ،‬ومنهم هؤالء السواح‬
‫في الشخوص واألحداث‪.‬‬ ‫الملونين الذين يسيحون في قصر رأس‬

‫مع نجيب محفوظ‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪86‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫‪ρ ρ‬إنني أنضم إلى هؤالء الذين ال ينظرون‬ ‫ ¦لماذا تكتب؟‬
‫بصورة منفصلة للشكل عن المضمون‪ ،‬إذ‬ ‫‪ρ ρ‬ألنني مدفوع إلى ذلك الفعل الذي يكاد‬
‫إنني أرى فيهما مصهورًا متجانسً ا أذابه‬ ‫يــكــون غــريــز ًيــا‪ ،‬والـــذي أسميه أحيانًا‬
‫الــصــدق الفني‪ .‬ويمكنني إيــضــاح ذلك‬ ‫بـ«شهوة اإلبــداع»‪ ،‬وألنني لو لم أمارس‬
‫بطريقة اجتماعية مرة وبطريقة كيمائية‬ ‫هذا الفعل الفطري التلقائي فإنني أختل‬
‫‪-‬بحكم مهنتي‪ -‬مرة أخرى‪ .‬فأما التفسير‬ ‫من داخلي‪ ،‬وتتعاكس ملكاتي‪ ،‬وتضطرب‬
‫االجتماعي فهو يشبه زواج ‪-‬رجل بامرأة‬ ‫نفسي‪ ،‬ويدهمني اكتئاب ال تنقطع موجاته‬
‫على أن يكون الصدق الفني هو المأذون‬ ‫المتعاقبة؛ لكني في الوقت ذاتــه أشعر‬
‫الـ ــذي يــعــقــد عــلــيــهــمــا‪ .‬وأمـ ــا التفسير‬
‫بثقة شديدة إنني أؤدي رسالة ال مبرر‬
‫الكيميائي فهو أن المصهور أو المزيج‬ ‫لوجودي على قيد الحياة ما لم أجتهد‬
‫يصعب فصله إلى مكوناته‪ ،‬على عكس‬ ‫في توصيلها لعشيرتي في اإلنسانية‪.‬‬
‫الخليط الذي يمكن فصله إلى العنصرين‬ ‫وأن ــا لست أجــهــل أن توصيل الرسالة‬
‫المكونين له‪.‬‬‫مــن الكاتب لآلخرين مرتبط بأسباب‬
‫شتى خارجة عن إرادته‪ ،‬كالنشر والنقد ¦أين أنت من السينما والدراما؟‬
‫والجمهور القارئ‪ ،‬إال أنني حين أكتب ال‬
‫‪ρ ρ‬بالنسبة للسينما فحظي معها سيئ‬
‫أعبأ بسبب واحد من هذه األسباب‪.‬‬
‫للغاية‪ ،‬فكلما اتفقت مــع مــخــرج على‬
‫عمل‪ ،‬تحدث ظروف تحول دون تنفيذه‪.‬‬ ‫ ¦الـشـكــل ه ــو ال ــوع ــاء الـفـنــي الـ ــذي يصب‬
‫مثال‪ ،‬اتفقت مع حسن اإلمام على إخراج‬ ‫المضمون بداخله‪ ،‬ما رؤيتك تجاه هذا؟‬
‫«بوابة مــورو» ومات قبل أن ينفذه‪ ،‬ومع‬
‫كامل القليوبي مرة‪ ،‬ومع هشام أبو النصر‬
‫أخرى على «جالمبو» ولم يحدث شيء‪.‬‬
‫ثم مع هاني الشين وتقاضيت عربونا‬
‫عن رواية «األزمنة» ولم تنفذ‪ .‬وغيرهم‪..‬‬
‫آخــرهــم كــانــت إيــنــاس الــدغــيــدي التي‬
‫اشترت مني رواية «كف مريم»‪ ،‬واتفقنا‬
‫مع رفيق الصبان على كتابة السيناريو‪،‬‬
‫فوقعت صــدامــات عنصرية رهيبة بين‬
‫المسلمين والمسيحيين‪ ،‬ما جعل الرقابة‬
‫تتراجع عن موافقتها‪.‬‬
‫ ¦نجيب محفوظ كتب عن روايتك (بوابة‬
‫مـ ـ ــورو)‪ ،‬وكـ ــان يــرســل إل ـيــك ع ـبــر الـبــريــد‬
‫‪87‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫محفوظ اإلنــســان»‪ .‬من هنا‪ ،‬كــان ثناؤه‬
‫ومدحه بمثابة مسؤولية ضخمة تقع على‬
‫عاتقي‪ ،‬إذ قررت منذ اللحظة األولى أن‬
‫أكــون ج ــادًا‪ ،‬ومنضبطً ا‪ ،‬وأح ــرص على‬
‫تقديم الجديد الــذي يفيد الــقــارئ‪ ،‬وال‬
‫أتعجل الكتابة أو النشر‪.‬‬
‫وج ــه كلمة للقارئ العربي‪،‬‬
‫ ¦لــو قلت لــك ّ‬
‫ماذا تقول له؟‬
‫‪ρ ρ‬درب أوالدك منذ طفولتهم على القراءة‪،‬‬
‫حتى يشبوا قــارئــيــن مثقفين‪ ،‬وتنضج‬
‫شخصياتهم وتكون سوية قوية صالح ًة‬
‫لبناء المجتمع‪ ،‬فاألطفال والشباب في‬
‫أوروبا وأمريكا تراهم في الطرقات وفي‬
‫المواصالت يقرأون الكتب‪.‬‬

‫خ ـط ــاب ــات كـتـبـهــا ب ـخــط ي ـ ــده‪ ،‬ك ـيــف كــان‬


‫شعورك وهو يراسلك؟‬
‫‪ρ ρ‬كنت مــســرورًا بالطبع‪ ،‬فاألستاذ نجيب‬
‫محفوظ شخصية استثنائية من الصعب‬
‫أن تــتــكــرر‪ ،‬إن ــه قــبــل أي ش ــيء إنــســان‬
‫عظيم‪ ،‬يتمتع بصفات غاية في الروعة‬
‫والنبل والجمال‪ ،‬ناهيك عن أنــه قيمة‬
‫وقامة أدبية عالمية ال يستهان بها‪ .‬في‬
‫عام (‪2011‬م) صدر لي كتاب عن الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬بعنوان‪« :‬نجيب‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪88‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الهنوف الدغيشم‪:‬‬
‫الكتابة محاولة للخالص وكل ماسعيت‬
‫إليه هو صنع السالم بين النساء‬
‫المتناقضات والمتشابكات داخلي!‬
‫«فرايبورغ رقة العزلة»‪ ،‬العنوان الذي يضم في ثناياه تجربة الدكتورة الهنوف‬
‫صالح الدغيشم‪ ،‬في غربتها بألمانيا لدراسة طب األسنان‪ ،‬بروحها اإلبداعية‪،‬‬
‫«فرايبورغ رقة العزلة»‪ ،‬صادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون ‪2016‬م‪ ،‬وهي حاصلة‬
‫على الدكتوراه في االستعاضة السنية من جامعة فرايبورغ‪ -‬ألمانيا‪ ،‬وحاليا تشغل‬
‫منصب‪ ،‬رئيسة قسم علوم طب األسنان اإلكلينيكي‪ ،‬في جامعة األميرة نورة‪ ،‬وهي‬
‫عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لتعليم طب األسنان في دورتها األولــى‪،‬‬
‫شاركت في العديد من المؤتمرات على المستوى المحلي والعربي والدولي‪ ،‬وكللت‬
‫هذه المسيرة العلمية بالعديد من الجوائز‪ ،‬وبجريدة الجزيرة الثقافية تكتب‬
‫زاويــة «الضفة األخــرى»‪ ،‬ترجمت كتاب «كال السعودية ليست دبــي»‪ ،‬من األلمانية‬
‫للزوجين سيلر عن تجربة حياتهما في الرياض‪ ،‬ونشر بمجلة الفيصل ‪2017‬م‪..‬‬
‫الجوبة تستضيف صاحبة هذه السيرة المتميزة في حوار تميزه الدكتورة الهنوف‬
‫بإجاباتها الواضحة والجريئة‪..‬‬
‫■ حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫‪89‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫منحتني فرصة تأمل مسرح الحياة‪!..‬‬ ‫محاولة للخالص‪!..‬‬
‫ ¦في أدب كتابة السيرة الذاتية‪ ،‬عادة يقوم الكاتب ¦كيف أسهمت مدينة «فرايبورغ» في دفعك نحو‬
‫كتابة «فرايبورغ رقة العزلة؟‬ ‫بتوثيق تفاصيل الحياة‪« ،‬فرايبورغ رقة العزلة»‪،‬‬
‫ت ـجــربــة تـنـتـمــي ل ـن ــوع م ــن أن ـ ــواع أدب ال ـس ـيــرة ‪ρ ρ‬فرايبورغ‪ ،‬المدينة الصغيرة والهادئة‪ ،‬منحتني‬
‫فرصة تأمل مسرح الــحــيــاة‪ ،‬الحياة المركبة‬ ‫الذاتية‪ ،‬وبخصوصية التعبير‪ ،‬الدكتورة الهنوف‪،‬‬
‫والمتداخلة هّ يأت لي قدرة عالية من اإلدراك‬ ‫بمصافحتها األول ــى لـلـقــارئ بـهــذه المجموعة‬
‫والتأمّل‪ .‬لقد أصبحت أؤمن أنني قــادرة‪ ،‬ليس‬ ‫التي تحمل روح المغامرة والـجــرأة مع الكلمة‬
‫فقط على تجاوز كل ما هو عاصف‪ ،‬بل وموقنة‬ ‫والفكرة‪ .‬عن هذه التجربة وخصوصيتها‪ ،‬ماذا‬
‫من كــون هــذه التجارب تزيدني قــوة لمواجهة‬ ‫ستسرد الدكتورة الهنوف لنا حول هذه التجربة؟‬
‫الــقــادم‪ ،‬والتغلب على هشاشتي وخيباتي‪ .‬ال‬ ‫‪ρ ρ‬الكتابة كانت محاولة للخالص ومخرج من نمط‬
‫يوجد شيء‪ ،‬إذاً‪ ،‬يمكن أن يستنزفني بعد اآلن‪،‬‬ ‫حياتي لم اعتده‪ ،‬سعيت لتدوين هذه التجربة‬
‫ولم يعد المجهول مخيفاً‪ .‬ربما للوهلة األولى‬ ‫ألنها مستني بشكل كبير‪ ،‬أعادت ترتيب الكثير‬
‫ســأقــول إنــه أثــر المكان؛ لكن مــن الــذي يمنح‬ ‫من الفوضى داخلي‪ ،‬وربما صنعت فوضى أخرى‬
‫المكان خصائصه وسماته إال اإلنــســان؟ لقد‬ ‫ذات نمط مغاير‪ .‬إن الصراع‪ ،‬الذي حدث لي‬
‫وجــدت نفسي فــي عزلة ال اختيارية‪ ،‬ولكنها‬ ‫داخــل مدينتي فــرايــبــورغ‪ ،‬بين واجباتي كــأم‪،‬‬
‫كانت رقيقة وناعمة‪ ،‬لقد بدأت أتأمل نفسي وكل‬ ‫وكطبيبة‪ ،‬وكأنثى‪ ،‬وكغريبة وبين المرأة الحرة‬
‫ما يدور حولي‪ ،‬كما أن شعوري الدائم أنني ال‬ ‫الــتــي تسعى ألن تــكــون قــويــة ومستقلة‪ ،‬ولها‬
‫مرئية أو غير مدركة من اآلخر‪ ،‬جعلني بسهولة‬ ‫عالمها الخاص الذي يحتويها‪ ،‬أدى إلى حالة‬
‫أتناغم كامرأة مع كل أشكالي وأدواري‪ ،‬أي أن‬ ‫من التوتر الداخلي‪ ،‬وكل ما سعيت إليه هو صنع‬
‫تكون حياتي الخارجية أكثر تناغمًا مع روحي‬ ‫السالم بين النساء المتناقضات والمتشابكات‬
‫وتطلعاتي‪ ،‬وقــد كانت بالنسبة لــي‪ ،‬هــذه هي‬ ‫داخلي‪.‬‬
‫الحرية‪.‬‬
‫ولذلك‪ ،‬بحثت عن حياة شاسعة يمكن لها أن‬
‫أسجلها صوتيً ا بالجوال‪!..‬‬ ‫تحتمل كل أوجهي‪ ،‬وإشباع كل امرأة فيه‪ .‬وفي‬
‫عزلتي كتبت‪ ،‬كتبت عني في هذه المدينة‪ ،‬عن ¦هل لديك طقوس خاصة بالكتابة؟‬
‫المرأة التي أراها ألول مرة بهذا الوضوح‪ .‬فلم‬
‫‪ρ ρ‬ال طقوس وال عادات في الكتابة‪ ،‬أي فكرة طارئة‬
‫تكن الغربة طريقًا إليهم‪ ،‬كانت الطريق إلى‬
‫أدونها‪ ،‬غالبًا بعد أن تلح في رأسي‪ ،‬أكتبها في‬
‫نفسي‪ ،‬فقد قادتني هذه العزلة إلى اكتشاف‬
‫أي مكان‪ ،‬أحيانًا أسجلها صوتيًا بالجوال‪ ،‬ثم‬
‫دهــالــيــز روح ــي المعتمة‪ ،‬وكــشــف الــضــوء عن‬
‫أعود لتدوينها وتنقيحها بشكل جيد‪.‬‬
‫مــامــحــي الــذهــنــيــة‪ ،‬فنفضت غــبــار الضجر‬
‫جزء من تكويني وشغفي‪!..‬‬ ‫وشاغبت الرتابة الساكنة داخلي‪ .‬لقد ركضت‬
‫وحــيــدة داخ ــل مساحات توجّ ساتي الداخلية ¦الــدكـتــورة الـهـنــوف الــدغـيـشــم‪ ،‬رئيسة قسم علوم‬
‫طــب األس ـنــان الـســريــري بـجــامـعــة األم ـيــرة ن ــورة‪،‬‬ ‫الشاسعة الخائفة من كل ما هو مجهول وغير‬
‫ومن الواضح اهتمامك بهذا التخصص وتوغله‬ ‫مدرك‪ ،‬وعبثت ‪ -‬دون أن ألتفت ألحد ‪ -‬باألسئلة‬
‫في روحــك من خــال مشاركاتك والجوائز التي‬ ‫الساكنة داخلي كأنها براكين متوجّ سة‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪90‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬
‫حصدتيها حتى اآلن‪ ،‬كيف التقت روح الكاتبة‬
‫واألديـبــة التي تعتمد على اللغة بالطبيبة التي‬
‫تهتم بالنظريات وبطبيعة المادة ومكوناتها؟‬
‫‪ρ ρ‬األدب رفيقي منذ الطفولة‪ ،‬القصص والحكايات‬
‫ومجالت ماجد كانت جــزءًا كبيرًا من طفولتي‪،‬‬
‫القراءة والكتابة هي جــزءٌ من تكويني وشغفي‪،‬‬
‫وكــذلــك جــزءٌ مــن حياتي اليومية‪ ،‬الــقــراءة هي‬
‫السلوان في خضم الحياة الصاخبة‪ .‬أظــن أن‬
‫األدب والفنون ترافق اإلنسان وتتسلل في تفاصيل‬
‫حياته‪ ،‬أما التخصص هي دراسة وجهد لتحقيق‬
‫أهداف عملية ومادية في الحياة‪.‬‬
‫ونشأت على قصائد المتنبي‪!..‬‬
‫ ¦أين الشعر من اهتماماتك؟‬
‫‪ρ ρ‬الشعر مكون أساس في الوجدان العربي‪ ،‬ونشأت‬
‫على قصائد المتنبي وام ــرؤ القيس‪ ،‬أمــا اآلن‬
‫وخصوصا ما‬
‫ً‬ ‫فترافقني قصائد محمود درويش‪،‬‬
‫لبناء وطن طموح‪!..‬‬ ‫ألقاها بصوته فهي رفيقتي بالسيارة‪.‬‬
‫ ¦حضور المرأة يتفاوت من مجتمع آلخر‪ ،‬قد يكون‬ ‫التعبير له داللته االجتماعية‪!..‬‬
‫أحــد أسـبــاب هــذا الـتـفــاوت التكوين المجتمعي‪،‬‬
‫ ¦«م ــا أج ـم ـل ــه»‪« ..‬ك ــام ي ـج ـنــن»‪« ..‬ي ـف ــوق الــوصــف‬
‫ولكن من المالحظ أن حضور المرأة في المنابر‬ ‫ويــأخــذ ال ـع ـقــل»‪ ..‬ه ــذه ال ـع ـبــارات تـخــص ال ـمــرأة‬
‫اإلعالمية والثقافية ومشاركتها فــي الفعاليات‬ ‫وطبيعتها وأقصد العاطفة عندما تعجب بشيء‬
‫في تزايد اآلن‪ ،‬ما رأيك؟‬ ‫مــا‪ ،‬وهـنــا استحضر مقولة لــروبـيــن الك ــوف‪( :‬إن‬
‫ال ـمــرأة تـتــردد وتـسـتـخــدم أسـلــوبـ ًا أقــل حــزمـ ًا من ‪ρ ρ‬لقد حرقت الــمــرأة السعودية المسافات التي‬
‫ال ــرج ــل)؛ مــن هـنــا‪ُ ،‬يـسـتـغــرب حـضــور ال ـمــرأة في‬
‫فاتتها ســابـ ًقــا‪ ،‬لتقف مــع زميلها الــرجــل لبناء‬
‫الفضاء النقدي‪ ،.‬الدكتورة الهنوف‪ ،‬مــاذا تقول‬
‫وطن طموح‪ ،‬ولم يكن لهذا أن يحدث لوال دعم‬ ‫في هذا االتجاه؟‬
‫الملك سلمان حفظه اهلل ورؤية األمير محمد بن‬
‫ولنرى ما هو رأي الرجل إذا رأى سيارة لمبرقيني‬
‫سلمان الطموحة‪ ،‬والتي من أهدافها دعم المرأة‬
‫أو فيراري ماذا سيقول؟ وكيف سيعبر عن دهشته؟‬
‫السعودية‪ ،‬وتصعيد تمكينها في كل الجوانب‪.‬‬
‫‪ρ ρ‬أعتقد أن اختيار األلفاظ في التعبير له داللته‬
‫إن هذا التغير االجتماعي أتاح للمرأة السعودية‬
‫االجتماعية والتربوية‪ ،‬ويرتبط حتمًا بالسياق‪،‬‬
‫الحضور في المنابر اإلعالمية والثقافية‪ ،‬وتكون‬ ‫ولكن فعليًا حينما يكون األمر متعلقاً بعمل سواء‬
‫جزءًا من المشهد الثقافي وتشكيله‪ ،‬حتى يبدو‬ ‫كان ثقافيًا أو غيره كالنقد فيجب أال نرى لجندر‬
‫اآلن أن الحديث عــن حقوق الــمــرأة السعودية‬ ‫الكاتب أو الكاتبة‪ ،‬وكذلك الناقد أو الناقدة‪،‬‬
‫تجاوزناه بكثير‪ ،‬وهلل الحمد‪.‬‬ ‫وكيف سيؤثر على العمل‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫الملحق الثقافي بالسفارة السعودية في ألمانيا د‪ .‬عبدالرحمن بن حمد الحميضي يكرم الدكتورة الهنوف‬

‫ومؤتمرات عربية ودولـيــة‪ ،‬ودورات تدريبية‪ ،‬وليس‬ ‫لدي حساب‪!..‬‬


‫هناك إشارات عن مشاركاتك األدبية‪ ،‬هل أنت مقلة‬ ‫ ¦«ت ــوي ـت ــر‪ ،‬ف ـيــس بـ ــوك‪ ،‬كـ ـي ــك‪ ...،‬وغ ـي ــره ــا»‪ ،‬نــوافــذ‬
‫بالفعل في الحضور عن المشاركات األدبية‪..‬؟‬ ‫لـلـتــواصــل االجـتـمــاعــي الـمـهـمــة والـمـنـتـشــرة على‬
‫اهتمامي ب ــاألدب هــو اتـبــاع لشغفي‪ ،‬ولكنه ليس‬ ‫الـشـبـكــة الـعـنـكـبــوتـيــة‪ ،‬م ــا م ــدى اه ـت ـمــامــك بـهــذه‬
‫تكريساً للحضور على أي منصة‪.‬‬ ‫النوافذ؟‬
‫قريباً‪!..‬‬ ‫‪ρ ρ‬لست نشطة في مواقع التواصل االجتماعي‪ ،‬لدي‬
‫حساب فــي تويتر واالنـسـتـقــرام‪ ،‬أشعر أن تويتر‬
‫منصة للمتابعة االجتماعية‪ ،‬أما االنستقرام للتسلية ¦وعــن جــديــدك‪ ..‬ولكن هنا أخــص جــديــدك األدبــي‬
‫الخاص باألديبة الكاتبة الهنوف الدغيشم؟‬ ‫أكثر‪ .‬كالهما أمنحهما من وقتي ما تيسر منه‪.‬‬
‫‪ρ ρ‬لدي عمل أرجو أن يرى النور قريبًا‪.‬‬
‫يمنحني فرصة لرؤية العمل‪!..‬‬
‫امتداد لمكتبة والدي‪!..‬‬ ‫ ¦هل هناك قراءات نقدية سعت لقراءة «رقة العزلة»‪،‬‬
‫ ¦هل للقارئ أن يتعرف على محتوى مكتبة الدكتورة‬ ‫وهل تخشين النقد؟‬
‫الهنوف؟‬ ‫‪ρ ρ‬نعم‪ ،‬هناك قراءات نقدية ومنها كانت للناقد محمد‬
‫العباس‪ .‬أُسعد جـدًا بالنقد فهو يمنحني فرصة ‪ρ ρ‬مكتبتي هي امتداد لمكتبة والدي‪ ،‬لقد نشأت وأنا‬
‫أرى مكتبة عامرة بالكتب العلمية واألدبية‪ ،‬وذات‬ ‫لرؤية العمل من جوانب ربما غابت عني‪ ،‬كأن النص‬
‫تنوع ثقافي كبير‪ ،‬وصعب علي أن أخــرج منها‪،‬‬ ‫أصبح متعددًا‪.‬‬
‫فرفوف كتبي امتزجت مع رفــوف كتبه‪ ،‬وهــو له‬
‫التأثير األكبر في قــراءاتــي وتطوير مهارتي منذ‬ ‫ليس تكريس للحضور‪!..‬‬
‫الصغر‪ .‬وإن كنت أميل إلى الكتب األدبية والشعرية‪،‬‬ ‫ ¦وأن ــا أق ــرأ سـيــرتــك ال ــذات ـي ــة‪ ،‬ه ـنــاك م ــا يـشـيــر إلــى‬
‫فــإن المكتبة أوســع مــن ذلــك لتحتوي التاريخية‬ ‫حصدك لجوائز علمية على المستويين المحلي‬
‫والفلسفية والدينية والعلمية‪.‬‬ ‫وال ـ ــدول ـ ــي‪ ،‬ف ـض ــا ع ـل ــى ال ـم ـش ــارك ــات ف ــي نـ ــدوات‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪92‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫مع الشاعر الكبير والمترجم المصري‬


‫محمد عيد إبراهيم‬

‫الشعر ديوان العرب أكذوبة كبرى!‬


‫ُولــد محمد عيد إبراهيم (شــاعــر ومترجم مـصــري) فــي القاهرة عــام ‪1955‬م‪،‬‬
‫وتخرج من كلية اإلعــام ‪ -‬جامعة القاهرة عــام ‪1978‬م‪ .‬شــارك في إصــدار مجلة‬
‫الكتابة السوداء مع مجموعة أصــوات التي ضمت عــددًا من شعراء السبعينيات‬
‫منهم (عبدالمقصود عبدالكريم وأحمد طــه)‪ ،‬وقــد صــدر من هــذه المجلة عدد‬
‫واحد فقط‪ ،‬وقد أحدث دويًا في الحياة الثقافية في مصر في ذلك الوقت‪.‬‬
‫أصدر مجموعات شعرية‪ ،‬وهي (طور الوحشة ‪ -‬قبر لينقض ‪ -‬المالك األحمر‪-‬‬
‫مخلب الفراشة ‪ -‬خضراء اهلل ‪ -‬بكاء بكعب خشن ‪ -‬فحم التماثيل ‪ -‬السندباد‬
‫رب على شكل طائر)‪.‬‬
‫الكافر ‪ -‬مجنون الصنم ‪ -‬عيد النساج ‪ٌّ -‬‬
‫أنشأ سلسلة آفاق الترجمة في هيئة قصور الثقافة‪ ،‬وقد عمل مديرً ا لتحريرها‬
‫مــا يــزيــد على عامين‪ ،‬أص ــدر فيها (أربـعــة وخمسين عـمـاً)‪.‬وقــد تــرجــم لكل من‬
‫(بورخيس‪ ،‬وميالن كونديرا‪ ،‬وجورج باتاي‪ ،‬وجالل الدين الرومي)‪.‬‬
‫ق ــدَّ م كـ َتــا ًبــا مهمً ا هــو «أن ـمــاط قصيدة الـنـثــر» للشاعرين األمريكيين (بــريــان‬
‫كليمنس وجمي دونام)‪.‬‬

‫‪93‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫ترجم للمفكر الـحــداثــي المصري األمــريـكــي إيـهــاب حسن (منعطف مــا بعد‬
‫الحداثة)‪.‬‬
‫والترجمة‪ ،‬كما يراها محمد عيد هي نقل النص من سياق معرفي‪ ،‬وثقافي‪،‬‬
‫وحضاري مختلف إلى لغة جديدة‪.‬‬
‫«الجوبة» زارت ‏الشاعر والمترجم‪ /‬محمد عيد إبراهيم رحمه اهلل واجرت هذا‬
‫الحوار قبل وفاته يوم األحد ‪٢٠٢٠-١-٥‬م ‪:‬‬

‫■ حاوره‪ :‬كمال أبو النور‬

‫منا ديــوا ًنــا ثــم تــوقـ َفــت‪ ،‬وســار كــل منا‬ ‫ ¦متى بدأت العالقة بينك وبين الكتابة؟‬
‫في طريقه‪ ،‬وبــدأتُ النشر والترجمة‪،‬‬
‫‪ρ ρ‬بدأت العالقة منذ المرحلة اإلعدادية‪،‬‬
‫وتحسستُ مشروعي الجمالي روي ـدًا‬
‫حين كنت أداوم في مكتبة «دير المالك»‬
‫رويـ ـدًا‪ ،‬حتى ظهرت خطوطه البيانية‬
‫أسستني‬
‫بــحــدائــق الــقــبــة‪ ،‬وهــي الــتــي َّ‬
‫التي أسير عليها حتى اآلن‪.‬‬
‫بالفعل‪.‬‬
‫ ¦هل تذكر رد فعل النقاد على محاوالتك‬
‫ ¦ماهي أول قصيدة نشرتها؟‬
‫األولى في قصيدة النثر؟‬
‫‪ρ ρ‬نــشــرتُ أولــى قصائدي عــن أول رجل‬
‫‪ρ ρ‬كان الطريق عدائيًا منذ البداية؛ لكنني‬
‫صعد إلى القمر‪ ،‬وعن أول امرأة سوداء‬
‫قابلت ذلك بالصبر والعناد واالستمرار‬
‫ثارت ضد التفرقة العنصرية في أمريكا‪،‬‬
‫دائــمــا فــي اتــجــاهــي الــجــمــالــي شــعـرًا‬
‫وترجمة‪ ،‬مــثــا‪ ..‬عندما قــرأ الــروائــي‬ ‫ونشر لي رشاد رشدي أول قصيدة في‬
‫(خيري شلبي) أول ديوان لي أساء إليَّ‬ ‫حياتي في مجلة عام ‪1974‬م‪.‬‬
‫وسط الجميع؛ ثم بعد ذلك غير رأيه‬ ‫ ¦مـ ــاهـ ــي خـ ـط ــوات ــك األول ـ ـ ـ ــى ل ــان ـت ـق ــال‬
‫تماما‪.‬‬ ‫مــن ال ـبــدايــات إل ــى مـشــروعــك الشعري‬
‫ـك لـلـتــرجـمــة م ـحــاولــة‬
‫ ¦ه ــل كـ ــان ت ــوج ـه ـ َ‬ ‫الخاص؟‬
‫للبحث عــن فـضــاءات أخ ــرى‪ ،‬واستلهام‬ ‫أسسوا جماعة‬ ‫‪ρ ρ‬كنتُ واح ـدًا من الذين َّ‬
‫تجارب شعرية مغايرة؟‬ ‫أص ـ ــوات م ــع (عــبــدالــمــنــعــم رمــضــان‪،‬‬
‫وعبدالمقصود عبدالكريم‪ ،‬وأحمد طه‪ρ ρ ،‬كان توجهي للترجمة نوعً ا من مواجهة‬
‫ذلــك العناد الــذي تُقابل به قصيدتي؛‬ ‫ومحمد سليمان‪ ،‬والــفــنــان التشكيلي‬
‫ـوصــا شبيهة من‬
‫فــرحــتُ أتــرجــم نــصـ ً‬ ‫محمود الــهــنــدي)‪ .‬أصــدرنــا فيها لكل‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪94‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الــتــراث الــســردي‪ ،‬مع بــدايــات قصيدة‬ ‫األدب العالمي سواء في شكل شعري‪،‬‬
‫النثر في خمسينيات القرن العشرين‪.‬‬ ‫أو قصصي‪ ،‬أو مــســرحــي‪ ،‬أو نقدي‪،‬‬
‫أو روائــي؛ فعدَّ دتُ أمــام الناس‪ ،‬نوافذ ¦هــل م ــرت الـقـصـيــدة الـعــربـيــة‪ ،‬بمرحلة‬
‫تغريب مضطردة؛ بسبب انفتاح شعراء‬ ‫للشعر المركب المطروح في العالم‪،‬‬
‫م ـث ــل (أنـ ـس ــي الـ ـح ــاج وي ــوس ــف ال ـخ ــال‬ ‫وأن للشعر تقريبا وجهَين‪ :‬إما مركب‪،‬‬
‫وأدونيس) وغيرهم على تجارب الشعراء‬ ‫أو بسيط‪ ،‬وأحيانا ما بين بين‪.‬‬
‫الغربيين؟‬ ‫ ¦أن ــتَ كشاعر مــن السبعينيات‪ ،‬لــم تبدأ‬
‫كأقرانك بالعمودي‪ ،‬وال التفعيلة‪ ،‬وإنما ‪ρ ρ‬اتهام اإلبــداع العربي بالتغريب؛ نتيجة‬
‫لتأثره باألدب الغربي‪ ،‬مسألة لها وجهان‪:‬‬ ‫ب ـ ــدأت بــال ـن ـثــر‪ ،‬ف ـهــل ل ــذل ــك أص ـ ــول في‬
‫فقد تأثر األدب الغربي أيضا باألدب‬ ‫التراث العربي؟‬
‫العربي‪ ،‬فقيل‪ :‬إن دون كيخوته كتبها‬ ‫‪ρ ρ‬أرى أن مقولة‪« :‬الشعر ديــوان العرب»‬
‫شاعر عربي أصالً‪ ،‬وقيل‪ :‬إن الكوميديا‬ ‫أكــذوبــة كــبــرى؛ فــالــمــدونــات العربية‬
‫اإللهية كتبها دانــتــي؛ متأثرا برسالة‬ ‫السردية تتوافر بشكل أكبر‪ ،‬وأعلى فنية‬
‫الغفران للمعري‪ ،‬وبورخيس كان يستلهم‬ ‫من الشعر العربي السائد في التراث مثل‪:‬‬
‫من القرآن‪ ،‬وألف ليلة وغيرها الكثير‪،‬‬ ‫كتاب النفري «المواقف والمخاطبات»‪،‬‬
‫حتى لو كانت هذه مجرد شائعات؛ إال‬ ‫وكتاب ابن عربي‪ ،‬والسهرودي القتيل‪،‬‬
‫إن التناص الكبير يــدل على التفاعل‬ ‫وخطب قُس بن ساعدة‪ ،‬وابن الكاتب‪،‬‬
‫الثقافي بين الحضارتين اإلسالمية‬ ‫والمدونات األندلسية‪ ،‬وكتاب ألف ليلة‪،‬‬
‫والغربية في العصور الوسطى‪ ،‬حتى‬ ‫والمالحم العربية‪ ،‬وأبــو زيــد الهاللي‬
‫إن رواي ــة «روبــنــســون كـــروزو» للروائي‬ ‫وغــيــرهــم‪ ،‬ولــذلــك‪ ،‬تــم اســتــعــادة هــذا‬
‫‪95‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫والتمرد؛ إنها المشروع الحياتي الذي‬ ‫اإلنجليزي «دانييل ديفو » تأثرت إلى‬
‫نعيشه اآلن في القرن الواحد والعشرين؛‬ ‫حد كبير (بحي بن يقظان) البن طفيل‪،‬‬
‫فــا يصح أن نكتب الشعر العمودي‬ ‫وتعد هــذه الــروايــة من بــدايــات األدب‬
‫الــذي يــوازي شكل الخيمة العربية ما‬ ‫الغربي‪.‬‬
‫قبل اإلســام‪ ،‬نحن نتعامل مع وسائط‬ ‫وعموما‪ ،‬فإن هذا السجال الثقافي بين‬
‫االتصال الجماهيرية الغالبة التي صارت‬ ‫الحضارات دليل عافية ال مرضاً‪ ،‬كلنا‬
‫تضم مئات الماليين عبر العالم‪ ،‬وكانت‬ ‫بقدر حسب‬ ‫ٍ‬ ‫يأخذ من التراث العالمي‬
‫البداية في نظري من كتاب لويس عوض‬ ‫رؤيته‪ ،‬فلم يبتدع أحد شيئا وحــده‪ ،‬بل‬
‫(بلوتوالند) وبالذات مقدمته الصاخبة‬
‫ثــمــة تــنــاصــات وتــقــابــات عــديــدة في‬
‫(حــطــمــوا عــمــود الــشــعــر)‪ ،‬وكـــان هــذا‬
‫الشرق والغرب‪ ،‬والعرب قديمًا الحظوا‬
‫في األربعينيات قبل شيوع مجلة شعر‬
‫ذلك‪ ،‬فكانوا يقولون‪( :‬وقع الحافر على‬
‫اللبنانية بعشرين عاما‪ ،‬عموما ال تهم‬
‫الحافر)‪.‬‬
‫البدايات‪ ،‬لكن المهم مَن ثابر وواصل‬
‫واســتــمــر‪ ،‬حتى ص ــارت قصيدة النثر‬ ‫ ¦تـتـعــرض قـصـيــدة الـنـثــر لهجمة شرسة‬
‫هي المتن اآلن‪ ،‬وصــار شعر التفعيلة‬ ‫مـ ــن ج ــان ــب الـ ـنـ ـق ــاد الـ ــذيـ ــن ت ـج ــاوزه ــم‬
‫هو الهامش‪ ،‬صارت قصيدة النثر هي‬ ‫ال ــزم ــن‪ ،‬ف ـهــل ه ـن ــاك مـ ـح ــاوالت نـقــديــة‬
‫المجرى الواسع الذي يضم الفنون كلها‬ ‫تُأصل لقصيدة النثر؟‬
‫تقريبا‪ ،‬فهي تعمل أساسً ا على تزاوج‬ ‫‪ρ ρ‬تــعــلـ ُم أن الــقــصــيــدة الــمــوزونــة تسمح‬
‫الــفــنــون‪ ،‬وتستخدم ثِيمة الــســرد من‬ ‫بــأغــراض الدعاية والمديح والتملق‪،‬‬
‫الرواية‪ ،‬وثِيمة السيناريو من السينما‪،‬‬ ‫بعكس قصيدة الــنــثــر‪ ،‬فإنها تحتفي‬
‫وثِيمة الديالوج والمنولوج من المسرح‪،‬‬ ‫باإلنسان اآلن؛ فهي قصيدة الهامش‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪96‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫النحو العربي‪ ،‬واالستزادة من توظيف‬ ‫كما تستخدم البقع اللونية والتجريد‬


‫ع ــدد أكــبــر مــن الــمــفــردات‪ ،‬مــع طــرح‬ ‫والتجسيد من الفن التشكيلي؛ واألهم‬
‫مفهومه الخاص لرؤية الشعرية في عالم‬ ‫من ذلك كله أن قصيدة النثر ال تلغي‬
‫جديد‪ ،‬يكتبه وكأنه يكتب للمرة األولى‪،‬‬ ‫اإليقاع‪ ،‬فقد استبدلت الوزن بالترادف‬
‫وقــد يستخدم أي شــيء فــي قصيدته‬ ‫والنبر والسجع وغيرها مــن كــل قيم‬
‫ســــواء م ــخ ــزون شــعــبــي م ــن خــرافــات‬ ‫وأشكال الموسيقى في الشعر العربي‪،‬‬
‫وأساطير‪ ،‬أو يستخدم ما يهضمه من‬ ‫خاصة لو كان شاعر قصيدة النثر يملك‬
‫الــتــراث اإلنساني بشكل عــام أو شيء‬ ‫اللغة؛ فسيجد بــدائــل كثيرة لإليقاع‬
‫قد يبتدعه‪ ،‬فال قانون في قصيدة النثر‬ ‫أكثر من أوزان الفراهيدي‪ ،‬ولألسف‬
‫إال التجدد الدائم‪ ،‬والتطوير إلى أعلى‬ ‫يشيع اآلن ما يشبه (عمود النثر) مقابل‬
‫دائما مع وضع تصور لصيرورة اللغة‪.‬‬
‫(عمود الشعر)‪ ،‬إذ يرى كثير من الشعراء‬
‫الجدد أن قصيدة النثر هي مجرد سرد ¦ت ــرج ـم ــة أع ـ ـمـ ــال ال ـم ـب ــدع ـي ــن أص ـح ــاب‬
‫الجوائز والشهرة يجعل المترجم أشبه‬ ‫ظاهري سطحي للذكريات؛ يغرق في‬
‫بفراشة حول الضوء‪ ،‬هل يمكن اعتباره‬ ‫الذاتية المريضة‪ ،‬وينحو إلــى لغة ال‬
‫انتشارًا في غياب المضمون؟‬ ‫مالمح لها‪ ،‬وال حراشف وال أظــاف‪،‬‬
‫‪ρ ρ‬مسألة الترجمة شائكة للغاية‪ ،‬وتحتاج‬ ‫على شــاعــر قصيدة النثر الحقيقي‪،‬‬
‫إلى مؤسسات ضخمة للقيام بها‪ ،‬نحن‬ ‫أن يــوازن ما بين اللغة والثقافة‪ ،‬وبين‬
‫نترجم نحو ألف كتاب في السنة في كل‬ ‫اللغة وهضم ما حوله واستيعابه وتمثله‬
‫العالم العربي‪ ،‬بينما دار نشر واحــدة‬ ‫والسمو به من الذاتية المحدودة إلى‬
‫«جليمار» في فرنسا تترجم أكثر من‬ ‫الموضوعية الواسعة‪ ،‬مع استيعابه لعَالم‬
‫‪97‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫الــغــربــي؛ حتى يترجم لــه على الرغم‬ ‫أضعاف هذا الرقم سنويا‪ ،‬حتى الدولة‬
‫من هشاشة نصه‪ ،‬ونجد أن كثيرًا مما‬ ‫العبرية ‪ -‬بلغة ميتة‪ -‬تترجم خمسة‬
‫يترجم لهم ال يخضعون لمقياس أدبي‬ ‫عشر ألفا في السنة‪ ،‬كما أن العرب في‬
‫صــارم؛ وهذا مما يثير األســى‪ ،‬وهناك‬ ‫ترجماتهم يغلب عليها ترجمات أدبية‪،‬‬
‫من يترجم األعــمــال الفائزة بالجوائز‬ ‫ونحن فــي أشــد الحاجة إلــى مسايرة‬
‫العالمية فور اإلعالن عن الجائزة‪ ،‬وال‬ ‫الــعــالــم؛ لــتــرجــمــة الــعــلــم‪،‬الــمــؤســســات‬
‫يعنيه جودة النص‪ ،‬فجائزة نوبل صارت‬ ‫العربية تنظر إلــى المترجم على أنه‬
‫تبتذل األدب‪ ،‬فقد حصلت صحفية‬ ‫(عتَّال الثقافة)‪ ،‬ينقل هذا التنوير من‬
‫عــلــى الــجــائــزة لــمــجــرد كــتــابــتــهــا عن‬ ‫هناك إلى هنا‪ ،‬وال يأخذ إال الفتات من‬
‫(تشرنوبل)‪ ،‬وحصل مطرب مؤخرًا على‬ ‫الغالب األعم‪ ،‬بينما في الغرب قد يعيش‬
‫الجائزة؛ ألعماله الغنائية‪ ،‬وهو ما يفقد‬ ‫المترجم من نتاج أعماله حتى يموت‬
‫مصداقية هذه الجائزة‪ ،‬وحين تتدخل‬ ‫حياة كريمة‪ ،‬أما الترجمة العكسية من‬
‫السياسة يَضعف المقياس األدبي كما‬ ‫العربية إلــى اللغات األخ ــرى فتخضع‬
‫يحدث أحيانا في جائزة (البوكر)‪ ،‬حيث‬ ‫لمقياس غاشم‪ ،‬فالناشر األوروبي يريد‬
‫لبلد‬
‫يصرون مؤخرًا على منح الجائزة ٍ‬ ‫أن يُسيَّد صــورة ســاذجــة عــن الشرق؛‬
‫عــربــي جــديــد كــل ع ــام‪ ،‬وهــو مــا يبعد‬ ‫فيميل إلــى ترجمة األدب السطحي‪،‬‬
‫المقياس الجمالي نسبيًا عن الجائزة‪.‬‬ ‫وأحيانا يدفع المبدع العربي للمترجم‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪98‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫الكاتب األمريكي ستيفن كينج‬


‫ُمتحدث ًا عن وباء الكورونا العالمي‪:‬‬

‫آسف ألنك تشعر وكأنك‬


‫عالق في احدى رواياتي!‬
‫ستيفن كينغ‪ ،‬كاتب أمريكي يعد من أنجح الكتاب واألكثر تحقيق ًا للمبيعات‪،‬‬
‫صنع لنفسه بكتبه الرائعة اسم ًا محترم ًا في فئات الرعب والخيال‪ ،‬وأغلب أعماله‬
‫تم اعتمادها قصص ًا لألفالم‪ ،‬وكان آخرها فيلم ‪.IT‬‬
‫ولــد في ‪ 21‬أيلول من العام ‪1947‬م في بورتالند في واليــة ماين‪ ،‬وعــاش طفولةً‬
‫صعبة وظروف ًا مادية سيئة‪ ،‬وربّته أمه العازبة لوحدها‪ ،‬وشهد موت صديقه بشكل‬
‫شنيع بحادثة قطار‪..‬‬
‫تـخـرّج مــن جامعة ماين وعمل الحـقـ ًا كـمــدّ رس‪ ،‬وأثـنــاء عمله فــي الـتــدريــس بدأ‬
‫يؤسس نفسه ككاتب‪.‬‬
‫ق ــام ستيفن كينغ بنشر ع ــدة أع ـمــال لــه تـحــت اس ــم مـسـتـعــار (ري ـت ـشــارد باكمان‬
‫(‪ ،Richard Bachman‬الطريف باألمر هو أن أعماله بهذا االســم المستعار حققت‬
‫نجاحها عندما كشف أن ريتشارد باكمان هو ستيفن كينغ‪..‬‬
‫كانت أول روايات الرعب التي نشرها ستيفن كينغ رواية ‪ Carrie‬التي حققت نجاح ًا‬
‫كبيراً‪ .‬خالل السنوات التالية عُ رف ستيفن كينغ بعناوينه الالذعة الناجحة تجارياً‪.‬‬
‫‪99‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫كتب ستيفن كينغ أكثر مــن (‪ )50‬رواي ــة ومـئــات القصص القصيرة‪ ،‬وبــاع أكثر مــن (‪)350‬‬
‫مليون نسخة من كتبه على مستوى العالم‪ ،‬تم أخذ الكثير من أعماله كقصص ألفالم الرعب‬
‫الخيال‪ ..‬كانت جميعها أفالم ًا ناجحة‪.‬‬
‫في روايته ‪ ،The Stand‬كتب المؤلف ستيفن كينغ عن جائحة فيروسية قضت على سكان‬
‫العالم‪ .‬وهو يتابع اآلن ما يقوله المعجبون إن تجربة تفشي ‪ COVID-19‬تبدو وكأن الجميع‬
‫عالق في إحدى رواياته المرعبة‪.‬‬
‫يقول كينج «كل يوم أقرأ تعليقات القراء وأسمعهم يقولون‪ :‬نشعر وكأننا عالقون في قصة‬
‫لستيفن كينغ‪ ،‬ورد فعلي الوحيد على ذلك «أنا آسف»‪.‬‬
‫يقول كينغ إن وباءً مثل ‪ COVID-19‬كان ال بد أن يحدث‪ .‬رغم أنه لم تكن هناك أي شكوك‬
‫أساسا في الحياة اليومية‪ ،‬وأنه عاج ًال أم‬
‫في مجتمعنا على اإلطالق‪ ،‬إذ يشكل السفر عنصرً ا ً‬
‫آجالً‪ ،‬سيكون هناك فيروس سوف يتصل بالجمهور بشكل عام‪.‬‬
‫على الرغم من أنه تم تصنيفه ككاتب رعب‪ ،‬إال أن كينغ يقول إنه مهتم للغاية باستكشاف‬
‫«اقتحام ما هو غير متوقع وغريب» في حياة الناس العاديين‪.‬‬
‫تتحدث مجموعته القصصية الجديدة ‪ ،If it Bleeds‬عن «هولي جيبني»‪ ،‬وهو محقق خاص‬
‫لديه قدرة خارقة‪ .‬ظهرت تلك الشخصية في العديد من رواياته األخــرى‪ ،‬بما في ذلك ‪The‬‬
‫‪.Outsider‬‬
‫يقول كينغ متحدث ًا عــن بطل مجموعته القصصية «هــولــي جييني» إن هناك أشخاص ًا‬
‫عاديين نقابلهم في حياتنا العادية لديهم تلك القدرات الهائلة الفريدة في نوعها»‪« .‬يمكن‬
‫للناس أن تناديني بكاتب رعب إذا أرادوا ذلك‪ ،‬وال بأس فأنا سعيد بذلك‪ .‬لكن أعتقد أنني أفعل‬
‫الكثير‪ ،‬فأنا مهتم بِ س ّر ما نحن عليه وما نستطيع القيام به كأشخاص»‬
‫ ■ حوار‪ :‬تيري غروس‬
‫ ترجمة‪ :‬أميرة الوصيف‬

‫ال على حفيدتي ‪ -‬التي‬


‫فأنا أرى أثرها مث ً‬ ‫ ¦إل ــى أي م ــدى سـيـتــرك وب ــاء كــورونــا أثــره‬
‫لم تعد تتمكن من رؤية أصدقائها‪ ،‬يمكنهم‬ ‫على أبناء الجيل الحالي؟‬
‫االلتقاء فقط عبر برنامج سكايب من‬ ‫‪ρ ρ‬بالنسبة لي‪ ،‬كرجل في السبعينيات من‬
‫حين آلخر‪ .‬إنها عالقة في المنزل اآلن‪.‬‬ ‫عمره اآلن‪ ،‬أتذكر والدتي وهي تتحدث‬
‫أتخيل عندما تكبر‪ ،‬ويصبح لها أوالد‪،‬‬ ‫عــن الــكــســاد الــكــبــيــر‪ ،‬فــقــد خــلــف هــذا‬
‫وتسمعهم يقولون‪« ،‬يا إلهي‪ ،‬أشعر بالملل‬ ‫الكساد ندبة في الروح‪ ،‬تسبب في صدمة‬
‫الشديد‪ ،‬ال أستطيع الخروج!»‪ .‬ستقول‬ ‫ألجيال بأكملها‪ .‬بالنسبة لجائحة كورونا؛‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪100‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ستيفن كينج في الحجر المنزلي أثناء وباء كورونا‬

‫ستيفن كينج يعمل في مكتبه الخاص‬

‫لستيفن كينج في إحدى حفالت توقيعه‬

‫‪101‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫صورة لمكتب ستيفن كينج‬

‫عمري ‪ 7‬أو ‪ 8‬سنوات ‪ -‬ما أزال أشعر‬ ‫لهم حفيدتي على الفور «كــان يجب أن‬
‫بنفس الشعور الــذي كنت أشعر به في‬ ‫تكونوا في عام ‪2020‬م‪ ،‬ألننا كنا عالقين‬
‫األيام األولى في الكتابة‪ ،‬وهو ما سأفعله‬ ‫في منازلنا لشهور! لم نتمكن من الخروج‬
‫لترك العالم العادي لعالمي‪ ،‬وهي تجربة‬ ‫بسبب خوفنا من الجراثيم!»‬
‫رائعة ومبهجة‪ .‬أنــا ممتن للغاية ألنني‬ ‫ ¦كيف توفر الكتابة هروبًا من الواقع؟‬
‫قادر على الحصول على هذا الوقت من‬
‫‪ρ ρ‬عــشــرون ســاعــة فــي الــيــوم‪ ،‬أعــيــش في‬
‫أجل الكتابة‪.‬‬
‫الواقع نفسه الــذي يعيش فيه الجميع‪.‬‬
‫ولكن لمدة أربع ساعات في اليوم‪ ،‬تتغير ¦هــل تفكر فــي إع ــادة كتابة رواي ـتــك التي‬
‫تـتـحــدث عــن ال ــوب ــاء لـتـتــوافــق مــع الـعــام‬ ‫األشــيــاء‪ .‬وإذا سألتني يومًا عن كيفية‬
‫‪2020‬م؟‬ ‫حدوث ذلك أو سبب حدوثه‪ ،‬فيجب أن‬
‫أخبرك أنه لغز بالنسبة لي بقدر ما هو ‪ρ ρ‬بالفعل‪ ..‬فكرت فــي ذلــك‪ ،‬ثــم تــرددت؛‬
‫ألن في روايتي التي وقعت أحداثها في‬ ‫األمر بالنسبة ألي شخص آخــر‪ ...‬وفي‬
‫الماضي كان أبطالها يسافرون في رحلة‬ ‫جميع السنوات التي كنت أقوم فيها بذلك‬
‫بحرية حول العالم‪ ،‬وأنا أعتقد أن هذا لن‬ ‫‪ -‬منذ أن اكتشفت الموهبة عندما كان‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪102‬‬
‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫صورة للكاتب ستيفن كينج في إحدى لقاءاته المفتوحة‬

‫يحدث أو ربما سوف يندر بسبب أجواء ¦ما هو الــدور الــذي يلعبه أدب الرعب في‬
‫ال ــوق ــت الـ ــذي يـشـعــر فـيــه ال ـعــالــم بــأســره‬ ‫جائحة كــورونــا‪ ،‬لــذا ت ــرددت فــي إعــادة‬
‫بالخوف؟‬ ‫كتابتها هذا العام‪ ،‬ربما العام القادم‪.‬‬

‫ ¦كـ ـي ــف تـ ـتـ ـع ــام ــل م ـ ــع الـ ـ ـخ ـ ــوف والـ ـقـ ـل ــق ‪ρ ρ‬حسنًا‪ ،‬أؤمن بأن قصص الرعب هي كما‬
‫المرتبطين بالوباء؟‬
‫األحــام‪ ،‬أال تتفق معي في الــرأي؟ عند‬
‫دخــول عالم الرعب ســواء كــان مقروءاً‬ ‫‪ρ ρ‬اإلجابة المختصرة هي أنني ال أعيش‬
‫أو مرئياً‪ ،‬فأنت قادر على الذهاب إلى‬ ‫بقلقِ وخوف‪ ،‬مسألة أن أكون في المنزل‬
‫يــو ًمــا بعد يــوم ساعدني فــي أن أحقق‬
‫عالم تعرف أنه ليس حقيقيًا‪ .‬ولكن إذا‬
‫تــقــد ًمــا رائ ـ ًعــا فــي الــروايــة الــتــي أعمل‬
‫كان الفنان جيدًا ‪-‬المخرج أو الروائي أو‬
‫عليها‪ ،‬أؤمن بأن الكتابة هي طريقة جيدة‬
‫حتى الرسام‪ ،-‬فأنت قادر على تصديق‬
‫لالبتعاد عن الخوف‪ .‬إنه ليس بالذعر‪.‬‬
‫هذا العالم‪ ،‬ألن صورته وتصويره حقيقي‬
‫إنه ليس إرهابًا أشعر به‪ ،‬أعتقد أن معظم‬
‫ج ـ ـدًا‪ ،‬بحيث يمكنك الــدخــول هــنــاك‪،‬‬ ‫الناس يشعرون‪ ،‬إنه نوع من القلق المزعج‬
‫وتصديق ما تراه‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬هناك دائمًا‬ ‫إذ تقول لنفسك‪ :‬يجب أن ال أخرج‪ .‬إذا‬
‫جزء من عقلك يدرك أنه ليس حقيقيًا‪،‬‬ ‫خرجت‪ ،‬فقد أمسك بهذا الشيء أو قد‬
‫أو أنك تتعامل مع حلم‪.‬‬ ‫أعطيه لشخص آخر‪.‬‬
‫‪103‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫ذكـريـ ـ ــات‬
‫في مركز معلومات عكاظ قبل األفول‬
‫■ محمد علي حسن اجلفري*‬

‫لقد تعاون برنامج قوقل وفيروس الكورونا‪ ،‬وليس بينهما أي قرابة وال عمولة‬
‫من أي نوع‪ ،‬على كظم أنفاس مركز المعلومات بمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر‬
‫بجدة‪ .‬ولما لم يكن هناك محكمة تحاكم هذين الغريمين‪ ،‬فقد رأيت أن أترافع‬
‫حفظا للمودة‬
‫ً‬ ‫عن هذا المركز الصحفي الشهير في المملكة العربية السعودية‬
‫وحسن العهد بيني وبينه بعد أن قضيت فيه عشرين عامً ا‪.‬‬

‫مركز معلومات عكاظ بجدة تضمه أراه يتحرك بسيارته من مكة المكرمة‪،‬‬
‫صــاالت عامرة بالدواليب من مختلف ثم يترجل منها عند مقر الشركة العربية‬
‫األع ــراق والعمات والــخــاالت‪ .‬فهناك للطباعة والنشر بحي الثغر بجدة‪..‬‬
‫نــســب بــيــن ورق الــكــتــب وبــيــن خشب (دارت األيــام‪ ..‬فسكنت في دار قريبة‬
‫الدواليب‪ .‬إذ يرجع نسب القبيلتين إلى من الموقع‪ ،‬وكنت أرى لوحة الشركة‬
‫التي بقيت واضحة رغم الصدأ إلى ما‬ ‫أشجار فيما بين اندونيسيا وهولندا‪.‬‬
‫بدأت جريدة عكاظ بذاكرة ال تخيب قبل عــام‪ ،‬حين أزيلت وعمرها ستون‬
‫في استرجاع مخزونها الثقافي واللغوي عاما)‪ .‬وفيها يبسمل األستاذ العطار‬
‫الواسع والعميق من ذهن صاحبها األول ويضع تصريح إنــشــاء جريدته بعناية‬
‫أحمد عبدالغفور عطار رحمه اهلل‪ .‬أكاد في درج المكتب ويقفل عليه‪ .‬ثم يجهز‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪104‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫عدد موظفيه قبل عشرين سنة عشرين فردًا‬
‫في تخصصات مختلفة‪.‬‬
‫وأستطيع القول والشهادة هلل إن المركز‬
‫ليس مكتبة عــاديــة أو أرشــيــف محفوظات‬
‫فحسب‪ .‬ففيه مثال قسم الشخصيات‪ .‬تتم‬
‫المتابعة عليه بالتحديث واإلضافة كل يوم‬
‫مدة ربع قــرن‪ .‬من سلطان بن سلمان رائد‬
‫الفضاء عام‪1985‬م إلى عائض القرني‪ ،‬إلى‬
‫صــدام حسين‪ ،‬إلى محمد نور العب نادي‬
‫الملك فهد بن عبدالعزيز (رحمه اهلل)‬
‫االتحاد بجدة‪ .‬وأول فرد نال الرقم (‪ )1‬بين‬
‫خزانتين واحدة للكتب وأخرى للصور‪ .‬وكان (‪ )17500‬شخصية هي الممثلة المصرية آثار‬
‫ذل ــك ع ــام ‪1380‬ه ـ ـــ‪ ،‬حــيــن كــانــت جريدته الحكيم‪ ،‬وجاْءت المطربة السعودية السابقة‬
‫تصدر مرة في األسبوع‪ .‬وما كان لديه مركز ابتسام لطفي رقم (‪ ،)2‬والدنيا حظوظ‪.‬‬
‫لقد تميزت عكاظ‪ ،‬مثال‪ ،‬حين أعلن الملك‬ ‫معلومات وال حتى غرفة أرشيف‪ .‬بل مكتب‬

‫صغير أشبه بجنين خرج للتو إلى الصحراء‪ .‬فهد رحمه اهلل تعيين أسماء ستين رجال‬
‫كمثل حُ وار خرج من بطن ناقة‪ ،‬فال يحتاج من رجــاالت المملكة لمجلس الشورى عام‬
‫إلــى من يعلمه كيف يمشي‪ .‬وكــان األستاذ ‪1992‬م‪ .‬لم نكن نعلم من الذين سيختارهم‬
‫يكتب الموضوعات أو األخبار أو المقاالت الملك‪ .‬فلما أعلنت وكالة األنباء السعودية‬
‫بخط يــده الجميل األنــيــق ثــم يدفعها إلى األسماء انفردت عكاظ على بقية الصحف‬
‫ب(‪ )47‬سيرة ذاتية من أصل (‪ ،)60‬وهكذا‬ ‫المطبعة‪.‬‬
‫وبــعــد خمس ســنــوات‪ ،‬أصبحت عكاظ يمكن القول إن مركز المعلومات يستطيع‬
‫مؤسسة بعد أن منع نظام الصحافة الملكية تلبية المعلومات بمعدل يزيد عن ‪ %70‬وهي‬
‫الــفــرديــة‪ .‬فــظــهــرت عــكــاظ الــجــديــدة عــام نسبة عالية‪.‬‬
‫وهــنــاك أكــثــر مــن عــشــرة آالف عــنــوان‬ ‫‪1384‬هـ وقد خرج منها صاحبها‪.‬‬
‫ومــع مــرور السنين‪ ،‬شــبَّ الفتى‪ ،‬إذ كان بمكتبة المركز‪ .‬منها الموسوعة الفقهية‬
‫مــركــز المعلومات مــولــودًا أو قُــل صب ّيًا‪ ،‬فــي (‪ )45‬مــجــلـدًا الــصــادرة فــي الكويت‪،‬‬
‫فأصبح مفتول العضالت‪ .‬وذلك ضمن جهود وكتب التفسير‪ :‬ابــن كثير وأضــواء البيان‪،‬‬
‫مؤسسة عكاظ وما صرفته عليه حتى بلغ والنسفي وغيرها‪ ،‬وكتب الحديث‪ ،‬واإلعالم‪،‬‬
‫‪105‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫والتاريخ‪ ،‬والسياسة‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والجغرافيا‪ ،‬ونصف المليون من الصور الورقية‪ .‬فإذا لم‬
‫ومئات من كتب األدب والقصص والدواوين أصدقهم‪ ..‬فهيا عدها واحدة واحدة!‬
‫وكثيرا ما تطلب عكاظ الخرائط‪ .‬وهذه‬ ‫الشعرية وبقية العلوم والفنون‪ .‬مع ذلك أذكر‬
‫أننا حاولنا اقتناء كتاب «ليلى المريضة في مشتركة بين قسم المعلومات وبين الصور‪.‬‬
‫العراق» لزكي مبارك‪ ..‬فلم نستطع‪ .‬كما أن‬
‫مــثــا‪ :‬ســقــط الــمــرحــوم يــاســر عــرفــات‬
‫بعض المعلومات ال تجدها في الكتب بل من‬
‫الزعيم الفلسطيني بطائرته في الصحراء‬
‫مشافهة العلماء والمفكرين وغيرهم‪ .‬وقد في منطقة اسمها «السارا» في ليبيا بالقرب‬
‫مــن ح ــدود تــشــاد والــســودان عــام ‪1992‬م‪،‬‬ ‫قال شيوخنا (خير العلم ما حوضر به)‪.‬‬
‫أمــا أرشيف الصور للشخصيات‪ ،‬مهما وطلبت سعودي جازيت الشقيقة اإلنجليزية‬
‫ال لكنها مستقلة) خريطة السارا‪.‬‬
‫تكن مــن األمــيــر سلطان بــن سلمان رائــد (شقيقة فع ً‬
‫الــفــضــاء إلــى الــفــنــان عبدالحليم رضــوي‪ ،‬وكان ذلك في تلك األيام محسوبًا في ورقة‬
‫وللموضوعات من الكواكب إلى المالعب‪ ،‬امتحان النجاح‪.‬‬
‫ومن الطرائف‪ ،‬أنه كان بالمركز موظف‬ ‫فقد أصبح عــام ـرًا بمليون صــورة ورقية‪،‬‬
‫(ناهيك عن الضوئية)‪ ،‬والزمالء ذكروا لي مصري‪ ،‬وآخر سوداني في أرشيف الصور‪،‬‬
‫قبل األرشفة اإللكترونية إن لديهم مليون وكان الزميل المصري يضع خريطة «حاليب»‬
‫على الحدود المصرية السودانية في ملف‬
‫مــصــر‪ ..‬فيكتشف األمــر زميله السوداني‬
‫فينقلها إلى ملف السودان‪ ،‬فيعود زميله إلى‬
‫أرشفتها في ملفات مصر‪ ،‬فلما تعب مدير‬
‫عــام المركز وقتئذ ‪-‬الــدكــتــور عبدالجليل‬
‫طاشكندي‪ -‬منهما وضــع نسخة في ملف‬
‫مصر‪ ،‬وأخرى في ملف السودان‪.‬‬
‫وذات يوم‪ ،‬زارت مركز المعلومات مديرة‬
‫جامعة للبنات بجدة‪ ،‬واكتشفت عندما طالعت‬
‫ملفها أن تاريخ ميالدها متقدم بسنتين عما‬
‫تــتــصــوره‪ .‬وال تسل عــن استنكارها‪ .‬هذه‬
‫قضية القضايا بالنسبة لكثير من الستات‪.‬‬
‫والست بالمناسبة عربية‪ .‬قال شاعر قديم‪:‬‬ ‫صاحب السمو الملكي األمير سلطان بن سلمان‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪106‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫األستاذ رضا محمد الري‬ ‫الشيخ عبداهلل بلخير‬ ‫الشاعر الفحل حسين سرحان‬

‫مصادر مركز المعلومات كثيرة‪.‬منها أكثر‬ ‫ب ـن ـف ـس ــي م ـ ــن أسـ ـمـ ـيـ ـه ــا ب ـسـ ـ ـ ـ ـ ـتــي‬
‫ف ـتــرم ـق ـنــي الـ ـنـ ـح ــاة ب ـع ـي ــن مـقــت من عشرة آالف كتاب‪ .‬لكن ذلك ال يكفي‪.‬‬
‫فذات مرة اتصل بالمركز دكتور‪ ،‬وسأل من‬
‫وقـ ــد م ـل ـكــت ج ـه ــات ــي ال ـس ــت حـقــا‬
‫قال‪( :‬خالف الرأي ال يفسد للود قضية)؟‬
‫فـ ـ ـكـ ـ ـي ـ ــف ال أس ـ ـ ـم ـ ـ ـي ـ ـ ـهـ ـ ــا بـ ـسـ ـت ــي‬
‫أليس أحمد شوقي؟‬
‫وقد وعدناها بتصحيح السن‪ .‬والمقصود‬
‫قلت‪ :‬بلى‪.‬‬
‫بالتصحيح التخفيض وكفى‪.‬‬
‫قال‪ :‬عندي ديوان الشوقيات‪ ،‬وقد بحثت‬
‫أحيانا‪ ،‬نخطئ‪ ..‬فتحصل أمور محرجة فيه كله فلم أجد هذا البيت‪.‬‬
‫مــريــرة فــي سخريتها بالضعف البشري‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لكن هذا البيت ليس في الشوقيات‪.‬‬
‫فعند وفــاة الشاعر الفحل حسين سرحان‬
‫قال‪ :‬طيب‪ .‬أين أجده؟‬ ‫(بكسر السين) عام ‪1414‬هـ بمكة المكرمة‪،‬‬
‫قلت تجده في مسرحية «مجنون ليلى»‬ ‫اتصلت بالشيخ عبداهلل بلخير‪ .‬وقــد كان‬
‫بلخير مسؤوالً عن اإلعالم في عهد الملك لشوقي رحمه اهلل‪.‬‬
‫قال‪ :‬هل تملي عليَّ األبيات؟‬ ‫ســعــود‪ .‬المهم طلبنا حــديـ ًثــا عــن الشاعر‬
‫الراحل فأجاب وأجاد‪ ،‬وبحق أفاد‪ .‬ونشرنا‬
‫قلت‪ :‬أبشر‪.‬‬
‫الحديث‪ ..‬شاعر كبير يتحدث عن شاعر‬
‫ولم يكن قوقل قد ظهر إلى الوجود بعد‪.‬‬ ‫كبير في عكاظ‪ ...‬لكن الصورة التي ظهرت‬
‫مع الموضوع كانت لعبد اهلل بلخير المغني فأمليت ما قاله شوقي‪:‬‬
‫اإلمــاراتــي‪ .‬واتصل بنا الشيخ عبداهلل بن م ـ ـ ـ ـ ـ ــا ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذي أغـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ــب م ـ ـنـ ــي‬
‫الـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــات الـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــام ـ ـ ـ ــري ـ ـ ـ ــة؟‬ ‫عمر بلخير رحمه اهلل عاتبًا‪.‬‬
‫‪107‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫‪2004‬م‪.‬‬ ‫أألن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي أنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ش ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــي‬
‫ولما طلب منا األستاذ رضا محمد الري‪،‬‬ ‫ولـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــويـ ــة؟‬
‫رحمه اهلل‪ ،‬اتفاقية الــحــدود بين المملكة‬ ‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاف ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرأي ال‬
‫ي ـ ـف ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد لـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــود قـ ـضـ ـي ــة العربية السعودية وقطر المبرمة عام‪1965‬م‬
‫صورناها له من المجلة المصرية للقانون‬
‫المكتبة العامرة قد ال تفيد إذا لم تكن قد‬
‫الدولي‪ .‬وكان مركز المعلومات قد اقتناها‬ ‫طالعت أو على األقل تصفحت ما فيها‪.‬‬
‫من أول عدد عام ‪1945‬م في زيــارة سابقة‬
‫فاألسئلة والطلبات الواردة إلينا متنوعة‪،‬‬
‫للقاهرة قام بها مدير المركز األسبق الدكتور‬
‫ومــن أطرفها أن أحــد المحررين الشباب‬
‫عبدالجليل طاشكندي‪.‬‬
‫في عكاظ اتصل بالمركز مساء يوم جمعة‪،‬‬
‫لقد كــان مــركــز المعلومات يــرصــد ما‬ ‫فأحالوه على جوّالي‪.‬‬
‫ينشر في الصحافة كل يوم من أيام السنة‪،‬‬
‫قال‪ :‬ما اسم خازن الجنة من المالئكة؟‬
‫ويتم اختيار المناسب من المواد لتصنيفها‬
‫وتبويبها ثم ترحيلها إلــى ملفاتها قبل أن‬ ‫قلت‪ :‬اسمه رضوان‪.‬‬
‫ينتشر علم موقع قوقل‪ .‬أما بعد بروز هذا‬ ‫قال‪ :‬رضوان ابن من؟‬
‫البرنامج‪ ..‬فقد خففنا كثيرًا من االنتقاء‪،‬‬
‫قلت باسمًا‪ :‬المالئكة ليس لهم آباء‪.‬‬
‫لكن المادة التاريخية بقيت ثروة يقدرها من‬
‫يضم المركز نحو ثالثين موسوعة‪ ،‬كما يحتاج إليها حق قدرها‪.‬‬
‫يضم كبريات المجالت‪ ،‬ففي المركز مثال‬
‫والمعلومات تتكاثر وتتراكم نثرًا وشعرًا‬
‫مجلة العربي منذ إنشائها في عام ‪1958‬م‬
‫وصــورًا‪ ،‬قال تعالى‪« :‬وعلمتم ما لم تعلموا‬
‫حتى الــعــام‪1991‬م‪ .‬اشتريناها كاملة بدون‬
‫أنتم وال آباؤكم»‪ .‬وإذ زودتنا المؤسسة بجهاز‬
‫مقص الرقيب من أحــد الــهــواة‪ .‬ومــن ذلك‬
‫المسح الــضــوئــي فــي ‪ 26‬صفر هـــ ‪1429‬‬
‫قصيدة الشاعر أحمد السقاف فــي رثــاء‬
‫الــمــوافــق ‪ 4‬م ــارس ‪2008‬م‪ ،‬فــذلــك بداية‬
‫جمال عبدالناصر (بعنوان النسر‪ ،‬إذ لم‬
‫يسمح الرقيب بدخول هــذه القصيدة إلى دخول المركز مرحلة الميكنة المعلوماتية‪.‬‬
‫المملكة‪ .‬ومــوضــوعــات المجلدات األولــى أما ميكنة الصور فقد تمت قبل ذلك بكثير‪.‬‬
‫ها هي الميكنة المنشودة ماثلة في مجال‬ ‫مــزودة بكشاف‪ .‬ومجلة المنهل (سعودية)‬
‫وهي أدبية تاريخية جغرافية ثرية‪ .‬أما مجلة التحرير‪ ،‬باستثناء اإلعالنات‪ ،‬وأصبح لدى‬
‫السياسة الدولية المصرية فقد اقتنينا كافة المركز الوثائق األصلية الورقية والرديفة‬
‫أعدادها منذ نشأتها عــام‪1965‬م حتى عام الرقمية‪ .‬لم يعد األرشيف في دوالب من‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪108‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫خشب من مختلف العمات والــخــاالت‪ ..‬بل كاشف‪ .‬هل كان هذا الموضوع ينشر بكل‬
‫مركز معلومات تفخر به مؤسسة عكاظ‪ ،‬تفاصيله لو لم تكن هناك مكتبة؟ مكتبة‬
‫وتأتي إليه الوفود من أماكن شتى‪.‬‬
‫فــي البيت وتعويد السكان بالمنزل على‬
‫ولقد توفر من األسئلة الغريبة أو الطريفة‬
‫القراءة ترفع من القيمة البشرية لإلنسان‪.‬‬
‫أو الصعبة ما يصل إلى حجم كتاب‪ .‬كذلك‬
‫إنها مفتاح العلوم والفنون واآلداب‪ .‬وهي‬
‫السائل الــذي طلب المستحيل وهــو شراء‬
‫أعداد جريدة عكاظ للسنوات األربع المقبلة تثري العقل الــذي امــتــاز بــه اإلنــســان على‬
‫مــقــد ًمــا‪ .‬أو رئــيــس تــحــريــر مجلة «رؤى» المخلوقات وسخر الكون لخدمته‪ .‬ومع ذلك‬
‫النسائية‪ ،‬المسكين الذي طلب العثور على‬
‫قال تعالى «وما أوتيتم من العلم إال قليال»‪.‬‬
‫حديث نبوي شريف‪ ..‬زعم أنه يدعو الزوجة‬
‫وقال اإلمام الشافعي‪:‬‬
‫لضرب زوجها!‬
‫لكن أجمل طلبية كانت من رجل ال يزال كـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا أدب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ــده ـ ـ ـ ـ ــر‬
‫أران ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ن ـ ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـ ــص ع ـ ـ ـق ـ ـ ـلـ ـ ــي‬ ‫رونــق الشباب يضيئ محياه‪ ،‬طلب صورة‬
‫الصفحة األولـ ــى مــن عــكــاظ قــبــل ثالثين‬
‫ع ـ ـ ـلـ ـ ــمً ـ ـ ــا‬ ‫ازددت‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫وإذا‬
‫سنة‪ ،‬صفحة واحــدة بمقاس كبير‪ .‬قلنا له‬
‫زادن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــا بـ ـ ـجـ ـ ـهـ ـ ـل ـ ــي‬ ‫بثالثمائة ريال‪ ،‬يعني قيمة عشرة كتب‪ .‬قال‬
‫أبشروا‪ ،‬هذه ثالثمائة ريــال‪ .‬ولما خرجت‬
‫وفي خاتمة المطاف‪ ،‬أذكر أنه ورد إلى‬
‫الصفحة المنشودة ووجدنا أخبارها عادية‬
‫مكتبي قبل أن أتقاعد مــن عمل المركز‬
‫ليس فيها ما يستحق دفع هذا المبلغ‪ ،‬نظرت‬
‫إليه متعجبًا‪ .‬فقال هذا هو اليوم الذي ولدت عــام ‪1432‬ه ـــ ســؤال عن قصيدة بالعربية‬
‫فيه زوجتي‪ .‬أريد أن أضع هذه الصفحة في واألردية قالها أحد إخواننا الجن‪ .‬وعجزت‬
‫إطار وأهديها لها بمناسبة ذكرى ميالدها‪،‬‬
‫عن اإلجابة عليه‪ ،‬إذ لم أجد تكملتها وال من‬
‫لترى ما هي أخبار العالم وشئونه في ذلك‬
‫قالها‪ .،‬فمن كان عنده علم عن هذه القصيدة‬
‫اليوم‪ .‬من حــاوة روحــه‪ ،‬صعد الرجل في‬
‫أو عن الشاعر الجني الذي قالها أثناء ذهابه‬ ‫عيني إلى السماء‪..‬‬
‫هل هناك هدف من كل هذه الموضوعات لــلــحــج‪ ،‬فليبلغ األســتــاذ أش ــرف مصطفى‬
‫والقصص والذكريات؟ نواجه ذلك بسؤال الهندي مدير مركز معلومات عكاظ الحالي‪.‬‬

‫* نائب مدير مركز معلومات عكاظ سابقا‪.‬‬

‫‪109‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫الصمت‬
‫من وجهة نظر أنثروبولوجية‬
‫■ املهدي مستقيم*‬

‫باتت األنثروبولوجيا منذ أن دشــن دوركهايم دراسته الشهيرة حــول الظواهر‬


‫الروحية‪ ،‬أكثر تهجسا باألسئلة الفلسفية التي تهم الجسد واأللــم والصمت‪..‬‬
‫وق ــد أصـبـحــت ه ــذه الـمــوضــوعــات فــي ي ــوم ال ـنــاس ه ــذا مـثــار اهـتـمــام الـعــديــد من‬
‫التخصصات‪ ،‬من الطب إلى سائر العلوم االجتماعية‪ ،‬هو األمر الذي يعبر عنه‬
‫األستاذ فريد الزاهي على نحو طريف في المقدمة التي أفردها للترجمة العربية‬
‫الـتــي خــص بها كـتــاب األنـثــروبــولــوجــي الفرنسي دافـيــد لــوبــرطــون‪ :‬الصمت لغة‬
‫المعنى والوجود(المركز الثقافي للكتاب‪ 2019-‬م)‪:‬‬

‫«األن ــث ــروب ــول ــوج ــي ــا وهــــي تـــدرس الفكري بين الفلسفي واألنثروبولوجي‬
‫الجسد والطقوس مع مارسل ماوس‪ ،‬واالجــتــمــاعــي‪ .‬وال أدل على ذلــك من‬
‫والسوسيوبوجيا وهــي تــدرس الوجه أن عا ِلمَا كغاسطون باشالر قد بلور‬
‫والــقــيــم م ــع زي ــم ــل‪ ،‬ل ــم تــعــد تختلف فلسفة لقضايا أنثروبولوجية كالنار‬
‫عــن مــنــظــورات الفلسفة كما بلورها‬
‫والــمــاء‪ ،‬لم يحللها بذلك العمق حتى‬
‫مرلوبونتي أو ليفيناس‪ .‬فلقد كفت‬
‫األنثروبولوجيون» (ص‪.)10:‬‬
‫عن أن تكون محددة للمنظور الفكري‪.‬‬
‫ولــعــل اخ ــض ــاع م ــوض ــوع الــصــمــت‬ ‫لــيــغــدو هــــذا األخـ ــيـ ــر‪ ،‬ومــــن خــال‬
‫تقاسم الموضوعات‪ ،‬مجاال للتفاعل لمحك التحليل األنثروبولوجي إلشارة‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪110‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫بليغة ودالة من قبل لوبروطون إلى ضرورة يــعــرف الــســكــوت كــي يــتــم ســمــاعــه‪ ،‬بحيث‬
‫االلتفات إلــى مجموعة من الظواهر التي ينقصه الصمت الذي قد يمنحه ثقال وقوة»‬
‫ظلت نسية منسية في الحياة االجتماعية‪( .‬ص‪.)19:‬‬
‫تــؤدي لحظات االنقطاع والصمت التي‬ ‫ت ــؤدي الــرســائــل الــتــي تــصــدر على نحو‬
‫تعقب الكالم أثناء المحادثات إلــى تقوية‬ ‫مستمر من قبل وسائل اإلعالم الحديثة إلى‬
‫لُحمة الحديث‪ ،‬كما تجعله ذي طابع معقول‬ ‫انقطاع مستمر لصمت الحياة‪ ،‬حيث أفل ذلك‬
‫بالنسبة لمن ينصت إليه‪ ،‬ما يجعل الصمت‬ ‫العالم المنذور لكالم المقربين وكذا التقدير‬
‫يمتلك مكانة اعتبارية داخل المحادثة في كل‬ ‫الشخصي‪ ،‬وحــل محله عــالــم الحواسيب‬
‫جماعة بشرية‪ « ،‬فالعالقة بالعالم ال تنسج‬ ‫والهواتف الذكية‪ ،‬إذ «تُحوِّل الحداثة اإلنسان‬
‫فقط في استمرارية اللغة‪ ،‬ولكن أيضا في‬ ‫إلــى مكان للعبور منذور الستقبال رسالة‬
‫لحظات تعليقها‪ ،‬وفي التأمل والخلوة‪ ،‬أي‬ ‫المتناهية‪ .‬من المستحيل عدم الكالم‪ ،‬ومن‬
‫اللحظات العديدة التي يسكت فيها اإلنسان»‬ ‫المستحيل السكوت‪ ،‬إال لإلنصات‪ ...‬وقوة‬
‫(ص‪ )29:‬إذ «ال توجد لغة من دون لحظات‬ ‫الكالم تفقد قيمتها أو تنْ َف ُّل في لزوم القول‪،‬‬
‫وق ــف يحتلها الــصــمــت ويــجــعــل منها لغة‬ ‫وقــول كل شــيء‪ ،‬وأال يتم كتمان أي شيء‪،‬‬
‫معقولة‪( ».‬ص‪.)33:‬‬ ‫وأن تعم شفافية مطلقة ال تترك أي منطقة‬
‫وتختلف دالالت الصمت حسب سياق‬ ‫صمت ال تنبشها‪( ».‬ص‪.)18:‬‬
‫التلفظ‪ ،‬إذ قــد يكون الصمت داللــة على‬ ‫إن الكم الهائل من الكالم الــذي يسيل‬
‫االستبداد إذا ما تم استعماله كأداة ترهيب‬ ‫من وسائل اإلعــام الحديثة يجعل الكالم‬
‫من قبل السلطة‪ .‬كما قد يكون داللــة على‬ ‫غير مسموع‪ ،‬وتصبح رسالته خالية من‬
‫المعارضة حين يتم توظيفه كــأداة للتعبير‬ ‫كل قيمة‪ ،‬حيث يجد اإلنسان نفسه مرغمًا‬
‫عــن الــرفــض أو المقاومة فــي وضعية من‬ ‫على اإلنصات لكالم وسط ضجيج اإلشهار‪،‬‬
‫الوضعيات‪ .‬كما قد يحيل على الموافقة‬ ‫األمر الذي يشوش على معناه‪ ،‬ويصم األذن‪،‬‬
‫والرضا وإلى تواطئ العشاق أو األصدقاء؛‬ ‫ويجمد الحواس ويكلس اإلحساس فيتساوى‬
‫فالصمت مشحون بالمقاصد حين يظل‬ ‫الرديء مع المرعب والتافه مع العنيف‪ .‬لقد‬
‫الكالم المنتظر أخرس‪ ،‬إنه مرادف للسر إذا‬ ‫أصيبت وسائل اإلعــام بإسهال حــاد على‬
‫ما ظلت واقعة محجوبة خارج التحقيقات‪،‬‬ ‫مستوى الصوت والصورة‪ ،‬إذ لم تعد قادرة‬
‫وهو عالمة على الصالة حين يختلي المؤمن‬ ‫على تمالك نفسها من الثرثرة المسرفة‪ ،‬بيد‬
‫بنفسه للقاء ربه‪ .‬كما أنه أيضا إبداع‪ ،‬وإذا ما‬ ‫أن «التواصل الذي ينسج باستمرار خيوطه‬
‫راهن الموسيقي على جودة معينة للصوت‪،‬‬ ‫في شبكة النسيج االجتماعي ال فجوة فيه‪،‬‬
‫أو حرص على توقيف عزف آلة موسيقية أو‬ ‫فهو يقدم نفسه في شكل إشــبــاع‪ ،‬وهــو ال‬
‫‪111‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫وال يخلو الصمت من تواطؤ مع الموت‬ ‫آالت عديدة‪ ،‬واقترح على األسماع شواطئ‬
‫واأللـ ــم‪ ،‬بيد أن طــقــوس الــمــوت وأع ــراض‬ ‫من الصمت كما يفعل ذلك أنطوان ويبرن‬
‫المرض العضال وفقدان المناعة تقتضي‬ ‫‪ Anton Webern‬أو جــون كــاج ‪Jhon cage‬‬

‫تعليق الكالم‪« ،‬ثمة مستحيل للقول يحجب‬ ‫بطريقة مغايرة‪ .‬وهو أيضا إبداع إذا ما ترك‬
‫الــلــغــة ويــفــشــل ســهــولــة الــكــام؛ فــالــمــرارة‬ ‫الكاتب الصفحة بيضاء حيث ينتظر القارئ‬
‫واالنفصال والموت ال تجد الكلمات لقول‬ ‫جوابا‪( »...‬ص‪.)101-100:‬‬
‫نفسها بما يكفي من الحدة‪ ...‬يكسر األلم‬ ‫وهــنــاك بــعــض األمــــور يــكــون مــن غير‬
‫الصوت بحيث ال يمكن التعرف عليه‪ ،‬وهو‬ ‫المستحسن البوح بها‪ ،‬األمــر الــذي يجعل‬
‫يستدعي الصراخ والشكوى واألنين والدموع‬ ‫من السر سلطة في بعض األحيان‪ ،‬ذلك أن‬
‫أو الصمت‪ ،‬وهــي حــاالت من خــور الكالم‬ ‫كل كالم «ال يعرف كيف يصون نفسه يكون‬
‫والــفــكــر‪ .‬األل ــم يفتح انشقاقًا بين الــذات‬ ‫محفوفا بمخاطر عديدة‪ .‬فهو يكون خطيرا‬
‫ونفسها‪ .‬ومقولة «أنا هو اآلخر» تكف عن أن‬ ‫بتجاوزاته بحيث يزعج من يسمعونه‪ .‬أو يمنح‬
‫تكون صورة بالغية لتغدو عالقة بالعالم في‬ ‫عن غير وعي للعدو األسلحة لتدمير صاحبه‪.‬‬
‫كل لحظة‪ .‬والصرخة ليست أبدًا ببعيدة عن‬ ‫وهو أحيانا يثير الكوارث في طريقه‪ ،‬فنحن‬
‫الصمت‪ ،‬فهما طريقان متقاربتان للحداد‬ ‫ال يمكننا منح الحرية في االسترسال من‬
‫على اللغة‪ ،‬حين يــغــدو الــعــذاب ملحاحا»‬ ‫غير تذكيره بمسؤولياته ألننا علينا تحمل‬
‫(‪.)314‬‬ ‫مسؤولياتنا أمام األخرين‪( ».‬ص‪.)152:‬‬

‫هــكــذا‪ ،‬إذا كانت مهمة الديكتاتوريات‬ ‫وقـــد يــحــيــل الــصــمــت عــلــى اإلحــســاس‬
‫الــكــبــرى تتجلى فــي نــســف ال ــك ــام‪ ..‬فــإن‬ ‫بالسعادة والــهــدوء‪ ،‬في حين يقاوم بعضنا‬
‫مهمة الحداثة التقنية تتجلى في إفراغه‬ ‫الخوف باالنغماس وســط ضجيج الكالم‪،‬‬
‫مــن المعنى‪ ،‬ومــن ثمة فــإنــه ال مــخــرج لنا‬ ‫خاصا‪،‬‬
‫ً‬ ‫حيث «يقيم الصمت في العالم بعدًا‬
‫سوى تشييد صرح قائم على المماهاة بين‬ ‫وكثافة تغلق األشياء وتحث على عدم نسيان‬
‫الصمت والكالم‪ ،‬بيد أن «استعادة المعنى‬ ‫حصة النظرة الشخصية للمرء وهو يراها‪».‬‬
‫تؤدي بالضرورة إلى استعادة الكالم‪ ،‬الذي‬ ‫(ص‪.)195:‬‬
‫يؤدي بدوره إلى استعادة الصمت‪ ...‬الصمت‬ ‫كما يشكل الصمت وسيلة رئيسة لتواصل‬
‫والكالم ليسا ضدين‪ ،‬فكالهما نشيطٌ ودالٌّ ‪،‬‬ ‫المؤمن مع اهلل‪ ،‬إذ غالبا ما يلجأ المؤمن‬
‫والخطاب ال وجــود له من دون عالقتهما‬ ‫إلى الحوار الصامت الذي يتم في الطوية‬
‫المتبادلة‪( ».‬ص‪.)22- 20:‬‬ ‫الذاتية‪.‬‬
‫* كاتب وباحث ‪ -‬المغرب‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪112‬‬


‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫وقفات مع جائحة كورونا‬


‫■ د‪ .‬عبداحلكيم بن خالد احلميد*‬

‫الحياة الرتيبة الوادعة‪ ..‬المتشابهة في أحداثها‪ ..‬المتقاربة في تفاصيلها‪..‬‬


‫تصنع أمام اإلنسان حاجز ًا يمنعه من التأمل والتدبر‪ ،‬وغشاوة تحول دون االتعاظ‬
‫واالعتبار‪.‬‬
‫وتقلب األحوال‪ ..‬وتوالي األحداث‪ ..‬تجعل المرء يمعن النظر فيما يشاهده من‬
‫أحوال وأطوار‪ ..‬ومستجدات وتقلبات‪.‬‬
‫ومــا نعيشه فــي هــذه الفترة‪ ،‬مــن تغيرات وأح ــداث مصاحبة لجائحة فيروس‬
‫كورونا‪ ،‬يفرض علينا أن نقف مع أنفسنا وقفات تأمل واعتبار‪ ..‬لعلنا نخرج ببعض‬
‫الفوائد والدروس المستفادة‪.‬‬

‫أوَّل هــذه الــوقــفــات أن نتذكر أن إلــى الــبــطــر‪ ،‬وأن يضع الحالين في‬
‫اإلنسان في هــذه الحياة معَّرض لما نصابيهما‪ ،‬وأن يتذكر قول اهلل تعالى‬
‫ينفعه ويــســره‪ ،‬ولما يحزنه ويضره‪( ،‬ما أصاب من مصيبة في األرض وال‬
‫وعليه أن يعوّد نفسه على الحالين‪ ،‬في أنفسكم إال في كتاب من قبل أن‬
‫وأن يوقن بأنه ال الحلو دائم وال الم ّر نبرأها إن ذلك على اهلل يسير‪ ،‬لكيال‬
‫جــاثــم؛ فــا يحزن حــزنـاً مــضــراً عند تأسوا على ما فاتكم وال تفرحوا بما‬
‫تجرع االآلم‪ ،‬وال يفرح فرحاً يوصله آتاكم واهلل ال يحب كل مختال فخور)‪.‬‬
‫‪113‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬هــذه الجائحة ليست‬
‫موجبة لليأس واإلح ــب ــاط‪ ،‬فمهما رأينا‬
‫وشاهدنا من فواجع وآالم تحل باألفراد‬
‫واألســر‪ ،‬فإن الواجب علينا أن نعظم باهلل‬
‫الرجاء‪ ..‬فاهلل عز وجل هو مقدر األمور وال‬
‫يعجزه شيء في األرض وال في السماء‪ ،‬وهو‬
‫القادر على رفع هذا الوباء والبالء‪ .‬وقديماً‬
‫رأى قو ٌم الخطر محدقاً بهم عندما اجتمع‬
‫أعداؤهم عليهم فاعتقدوا الهالك‪ ،‬وايقنوا‬
‫بالقتل‪ ،‬لكن المؤمنين الموقنين خالفوهم‬
‫اعتقادهم وعلقوا باهلل آمالهم فقال اهلل‬
‫عنهم (الذين قال لهم الناس إن الناس قد‬
‫جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا ناقتي وأتوكل أم أعقلها وأتوكل؟ قال له عليه‬
‫حسبنا اهلل ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة الصالة والسالم‪« :‬اعقلها وتوكل»‪ ،‬فأرشده‬
‫من اهلل وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا إلى اتخاذ السبب وعمل االحتياط كي ال‬
‫تضيع الناقة‪ ،‬مع التوكل على اهلل عز وجل‬ ‫رضوان اهلل واهلل ذو فضل عظيم)‪.‬‬
‫الــوقــفــة الثالثة‪ :‬أن الــدعــوة إلــى عدم في حفظها وعدم ضياعها‪.‬‬
‫الوقفة الــرابــعــة‪ :‬أن هــذه األزم ــة بيَّنت‬ ‫اإلحباط والخوف الزائد عن حده تجاه هذه‬
‫الجائحة‪ ،‬وإعظام األمل باهلل عز وجل وحسن سماحة الدين اإلسالمي‪ ،‬ومرونة األحكام‬
‫التوكل عليه ال يعني عدم األخذ باألسباب الــفــقــهــيــة ومــنــاســبــتــهــا لمختلف األزمــنــة‬
‫وااللتزام باالحترازات الصحية‪ ،‬فالمتوكل واألحوال والظروف‪ ،‬فاألمر بحضور الصالة‬
‫الحق هو من يتخذ كافة االحتياطات‪ ،‬ويعمل في المساجد تحوَّل في فترة من الفترات‬
‫بجميع االحــتــرازات‪ ،‬ثم ينظر إليها بأنها إلــى األمــر بعدم إقامتها فيها‪ ،‬والحرص‬
‫وسائل وقاية قد تحميه بإذن اهلل من هذه على تراص الصفوف فيها‪ ،‬والمحاذاة بين‬
‫الجائحة‪ ،‬فالتوكل الحق أن نعمل باألسباب‪ ،‬المصلين تحوّل إلــى األمــر بالتباعد بين‬
‫ثم نثق بحماية رب األرباب‪ ،‬ولهذا فإن النبي المصلين واالصــطــفــاف بــوجــود مسافات‬
‫صلى اهلل عليه وسلم عندما قال له رج ٌل بينهم‪ ،‬إلى غير ذلك من األحكام الفقهية‬
‫قد وفد إلى المدينة يا رسول اهلل‪ :‬أترك الكثيرة التي أفتى بها علماء اإلسالم أثناء‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪114‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫الوقفة السادسة‪ :‬أن هذه األزمة تُظهر‬ ‫هذه الجائحة‪ ..‬استناداً إلى أصول شرعية‬
‫ال عظيماً وقاعدة مهمة‬
‫بجالء ووضوح أص ً‬ ‫وقواعد فقهية يُستند إليها في وقت النوازل‪.‬‬
‫يقوم عليها أمر الدين والدنيا‪ ،‬وهي وجوب‬ ‫ومن المفاخر التي تذكر في هذا السياق‬
‫طاعة ولي األمر والوقوف عند ما يصدر‬ ‫أن كلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة‬
‫عنه من أوامر ونواهٍ وتوجيهات‪.‬‬
‫المكرمة‪ ،‬أطلقت تطبيقاً إلكترونياً بعنوان‪:‬‬
‫فالناس يحتاجون في كل زمــان ومكان‬ ‫«الدليل الفقهي للتعامل مع جائحة فيروس‬
‫إلى من يصدرون عن أمره ونهيه‪ ،‬وما نراه‬ ‫كــورونــا»‪ ،‬قامت عليه عــشــرون باحثة من‬
‫اليوم من بذل وعطاء ونصح من ولي األمر‪،‬‬ ‫باحثات الدراسات العليا في الكلية‪ ،‬جمعن‬
‫يُوجب على الجميع أن يتمعنوا في أمر اهلل‬ ‫فيه ما يحتاجه الناس من مسائل فقهية‬
‫عز وجل بطاعة ولي األمر‪ ،‬وأمر نبيه عليه‬ ‫تتعلق بهذه الجائحة‪.‬‬
‫الصالة والسالم بذلك ونهيه عن مخالفته‪،‬‬
‫الــوقــفــة الــخــامــســة‪ :‬الــتــذكــيــر بـ ــاألوراد‬
‫فوجودهم نعمة‪ ،‬ومخالفتهم نقمة ال يعود‬
‫اليومية من األذكار التي علمنا إياها رسول‬
‫وبالها على المخالف بــل على المجتمع‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬والتي أشار فيها‬
‫بأسره‪ ،‬فالتزام الناس بالتباعد‪ ،‬وأوقــات‬
‫إلى كونها تحصيناً ووقاية‪ ،‬بإذن اهلل‪.‬‬
‫الحظر‪ ،‬وطرق تسيير الحياة اليومية خارج‬
‫المنزل في الــشــوارع وأمــاكــن التجمعات‪،‬‬ ‫ومن ذلك‪ ،‬قوله عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫وتنظيم عمل الدوائر الحكومية أثناء هذه‬ ‫«مــن نــزل منزالً فقال‪ :‬أعــوذ بكلمات اهلل‬
‫األزمة‪ ،‬وكافة الترتيبات الحياتية اليومية‪،‬‬ ‫التامات من شر ما خلق‪ ،‬لم يضره شيء‬
‫لم تكن لتتم وفقاً لما يحقق السيطرة على‬ ‫حتى يرتحل من منزله»‪ ،‬وكلمة منزل عامة‬
‫تفشي هذه الجائحة لو ما يكن خلف ذلك‬ ‫تشمل كل مكان يحل فيه اإلنسان وينزل‪.‬‬
‫كله ولي أمر يأمر فيطاع‪ ،‬ويوجه فيُسمع‪.‬‬ ‫ومن ذلك‪ ،‬ما ورد عن عثمان بن عفان‬
‫قال عليه الصالة والسالم‪« :‬من خلع يداً من‬ ‫رضي اهلل عنه أنه قال‪ :‬سمعت رسول اهلل‬
‫طاعة‪ ..‬لقي اهلل وال حجة له‪ ..‬ومن مات‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم يقول‪« :‬من قال بسم‬
‫وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»‪.‬‬ ‫اهلل الذي ال يضر مع اسمه شيء في األرض‬
‫هلل بمنه وكــرمــه أن يرفع هذه‬
‫أســأل ا َ‬ ‫وال في السماء وهو السميع العليم ثالث‬
‫مرات لم تصبه فجأة بالء حتى يصبح‪ ،‬ومن الجائحة عن عالمنا بأكمله‪ ..‬وأن يحمينا‬
‫قالها حين يصبح لم تصبه فجأة بالء حتى وأن يقينا جميعاً‪ ..‬وأن يــرأف بنا إنه هو‬
‫الرؤوف الرحيم‪.‬‬ ‫يمسي»‪.‬‬
‫ * باحث متخصص في الشريعة والقانون ورئيس كتابة عدل سكاكا‪ ،‬السعودية‪.‬‬

‫‪115‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫اكتشاف منحوتات جمال‬
‫بحجمها الكامل تعود ألكثر‬
‫من ‪ 6000‬عام بسكاكا السعودية‬
‫■ احملرر الثقايف‬

‫حظي اكتشاف الرسوم المنحوتة البارزة لعدد من الجمال شمالي اللقايط‬


‫بمدينة سكاكا بمنطقة الـجــوف‪ ،‬والـتــي يـعــود تاريخها إلــى مــا قبل ‪ 6000‬سنة‪،‬‬
‫باهتمام واســع في األوســاط والمراكز البحثية العالمية المهتمة باالكتشافات‬
‫األثرية‪ ،‬وكذلك وسائل اإلعالم العالمية والمحلية‪.‬‬

‫التابعة لجامعة كامبردج‬ ‫‪Antiquity‬‬ ‫وقــد نشر تقرير علمي فــي حولية‬
‫األطـ ــال ال ــص ــادرة عــن قــطــاع اآلث ــار البريطانية‪ ،‬متطرقا لهذا الكشف في‬
‫والمتاحف بالهيئة الــعــامــة للسياحة تقرير مفصل عن نتائج أعمال البعثة‬
‫والتراث الوطني سابقا (وزارة السياحة) السعودية الفرنسية المشتركة في موقع‬
‫حاليا‪ ،‬بمشاركة الفريق السعودي في دومة الجندل بمنطقة الجوف‪ ،‬إذ أشار‬
‫الجمال المنحوتة بالحجم‬
‫البعثة‪ ،‬ال ــذي يمثله حسين بــن علي إلى عدد من ِ‬
‫الخليفة‪ ،‬مكتشف الموقع‪ ،‬وثامر بن الطبيعي‪.‬‬

‫وأشــار التقرير إلى أن الموقع يُعد‬ ‫عــوض المالكي‪ ،‬بالتزامن مــع مجلة‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪116‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫‪117‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫ال جديدًا لتطور الفن الصخري العربي‪ ،‬ثالث نتوءات صخرية بمنطقة الجوف شمال‬
‫دلي ً‬
‫ويبدو أنه كان جاذبًا لصانعي الحجارة ذوي غربي المملكة‪.‬‬

‫ونقلت «الــديــلــي مــيــل» عــن عــالــم اآلثــار‬ ‫المهارات العالية‪.‬‬

‫وقـــد غــطــت الــصــحــف الــعــالــمــيــة خبر الفرنسي غيوم تشارلوكس قوله‪ :‬إن هذه‬
‫االك ــت ــش ــاف‪ ..‬مــنــهــا صحيفة األنــدبــنــدت المنحوتات تختلف أيضاً عن تلك المكتشفة‬
‫البريطانية التي كتبت‪« :‬اكتشف علماء آثار في المواقع السعودية األخرى‪.‬‬

‫وأضاف‪« :‬بعض تماثيل موقع الجمل على‬ ‫سعوديون وفرنسيون منحوتاً لجمل بالحجم‬

‫الطبيعي فــي منطقة الــجــوف بالمملكة واجهة الصخور العليا تثبت المهارات التقنية‬
‫العربية السعودية‪ ،‬أسموه موقع الجمل» في التي ال جدال فيها‪ ،‬ويمكن اعتبار موقع الجمل‬
‫اآلن عرضاً رئيساً لفن الصخور السعودية‬ ‫يوم األربعاء ‪ - 14‬فبراير ‪2018 -‬م‪.‬‬

‫وذكرت صحيفة «الديلي ميل» البريطانية في منطقة خاصة مواتية لالكتشاف األثري»‪.‬‬

‫وعثر الفريق على عدد كبير من منحوتات‬ ‫أن فــريــقـاً مــن العلماء‬ ‫‪euronews‬‬ ‫ومــوقــع‬

‫فرنسي‪ -‬سعودي والذين تمكنوا من تحديد الجمال‪ ،‬قال إنها تختلف في أسلوب وجمال‬
‫نحو اثني عشر نقشاً تمثل اإلبل‪ ،‬رجحوا أن تنفيذها عن عدد مماثل من منحوتات لجمال‬
‫المنطقة ربما كانت مكاناً للعبادة‪ ،‬أو أن اإلبل أخرى عثر عليها في الجزيرة العربية‪ ،‬وإن‬
‫االكتشافات الجديدة قد تسلط الضوء أكثر‬ ‫كانت تُستخدم كرموز للقوافل‪.‬‬

‫وأش ــارت الصحيفة إلــى أن باحثين في على تاريخها‪.‬‬

‫وقــال الباحثون إن االكتشاف جديد في‬ ‫مركز البحث العلمي الفرنسي‪ ،‬وزمالءهم من‬

‫الهيئة السعودية للسياحة والتراث الوطني نوعه؛ ألن المنحوتات كانت من صخور لم‬
‫هم من يعود لهم الفضل في اكتشاف موقع يتم الحفر عليها سابقا في السعودية‪ .‬ورغم‬
‫أن الكثير من المنحوتات الجديدة تعرضت‬ ‫الجمل في عامي ‪ 2016‬و‪2017‬م‪.‬‬

‫وقالت‪ :‬عثر علماء على منحوتات لجمل للتلف بسبب التعرية واألضرار التي أحدثها‬
‫بالحجم الطبيعي في الصحراء السعودية‪ ،‬اإلنــســان‪ ،‬فــإن بقاياها تشير إلــى وصــول‬
‫ويعد هذا االكتشاف «غير المسبوق» لغزاً النحاتين العرب القدماء إلى مستويات عالية‬
‫بالنظر إلى أن نحت تلك الحيوانات تم في من الفن اإلبداعي‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪118‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫‪119‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫أمير منطقة الجوف االمير فيصل بن نواف بن عبدالعزيز يزور موقع الجمال بمدينة سكاكا‬

‫وق ــد زار أمــيــر منطقة الــجــوف رئيس موقعاً فريداً في نوعه على مستوى العالم‬
‫مجلس التنمية السياحية بالمنطقة‪ ،‬األمير من ناحية نوع الرسومات وحجمها التي تدل‬
‫الجمال وحيوانات أخرى‪.‬‬
‫فيصل بن نواف بن عبدالعزيز موقع الجمال على ِ‬

‫وأكد األمير فيصل بن نواف على أهمية‬ ‫المنحوتة‪ ،‬والتقى برئيس البعثة السعودية‬

‫الجمال الــحــفــاظ عــلــى الــمــوقــع‪ ،‬وعــمــل مــزيــد من‬


‫الفرنسية في المسح والتنقيب لموقع ِ‬

‫األثري شمالي مدينة سكاكا‪ ،‬جيوم شارلو‪ ،‬الــدراســات والنتائج حوله‪ ،‬كما أعــرب عن‬
‫والــدكــتــورة مــاريــا غــانــيــان‪ ،‬وعضو الفريق شكره لصاحب المزرعة (التي تضم موقع‬
‫مدير متحف الجوف أحمد القعيد‪ ،‬واطلع الجمال المنحوتة)‪ ،‬الفي العودة‪ ،‬على تعاونه‬
‫على أعمال المسح والتنقيب التي يجريها مع هيئة السياحة الستالم الموقع للمحافظة‬
‫فريق البعثة في الموقع‪ ،‬مؤكدين أنه يع ّد عليه‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪120‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫الجمال المنحوتة‬
‫موقع ِ‬
‫في مدينة سكاكا‬
‫■ حسني بن علي اخلليفة*‬

‫تنوعت الفنون الصخرية بالجزيرة العربية وفي منطقة الجوف‪ ،‬فنجد العديد‬
‫منها على الصخور والواجهات الصخرية منها‪ ،‬وخاصة بالقرب من موارد ومصادر‬
‫المياه والمراعي‪ ،‬وتمثلت هــذه الفنون بأشكال حيوانية مختلفة‪ ..‬إمــا برية أو‬
‫مستأنسة‪ ،‬وكذلك لمشاهد بشرية مختلفة‪ ،‬كما نجد مشاهد الصيد المختلفة‪.‬‬
‫واغلب ما نشاهده بطريقة النقر‪ ،‬وأغلبها تحديدٌ للشكل الخارجي‪ ،‬وبعضها نقرٌ‬
‫كامل الشكل‪.‬‬

‫حينما زرت الموقع ألول مــرة في‬ ‫الجمال المُكتَشف حديثا‬


‫أما موقع ِ‬
‫الذي بصدد الحديث عنه‪ ،‬فهو يختلف مــديــنــة ســكــاكــا الحــظــت الــعــديــد من‬
‫تــمــا ًمــا عــن بــاقــي الــفــنــون الصخرية المنحوتات المتميزة لجمال منحوتة‬
‫األخـ ــرى‪ ..‬بــأن النحت بــارز (تجسيم بشكل بـ ــارز‪ ،‬كما أن الــمــوقــع ارت ــاده‬
‫للمنحوتة)‪ .‬وقد أضاف موقع الجمال الكثيرون ‪-‬سابقا‪ -‬فــي رحــات برية‬
‫شــمــال شــرقــي سكاكا ث ــورة حضارية (كشتات)‪ ،‬أما في الوقت الحالي‪ ..‬فقد‬
‫ومَعلمًا مهمَّا من معالم منطقة الجوف أصبح الموقع ‪ -‬منذ عشرات السنين‪-‬‬
‫الغنية بمواقعها الحضارية والتراثية ضــمــن حــــدود م ــزرع ــة خــاصــة ألحــد‬
‫المواطنين‪.‬‬ ‫والطبيعية‪.‬‬

‫‪121‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬


‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪122‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫عارض هذا االكتشاف في بدايته بعض وقد اختلفت أحجام منحوتات هذه الجمال‬
‫الباحثين‪ ،‬ولكن مع اإلصــرار والمزيد من بين أحجام كبيرة وصغيرة‪ ،‬ولكنها امتازت‬
‫البحث في الموقع نفسه ‪-‬بفضل من اهلل‪ -‬جميعها بالدقة واإلتقان‪.‬‬
‫ويتضح من بعض المنحوتات غير المكتملة‬ ‫أصــبــح الموقع مــن أهــم الــمــواقــع الفريدة‬
‫والمتميزة في الجزيرة العربية‪ ،‬وحظي حاليا أن طريقة النحت كانت أن يقوم النحات لهذه‬
‫بتحديد للشكل الخارجي‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫باهتمام من األوساط العلمية‪ ،‬ويعمل حاليا الفنون الصخرية‬
‫في الموقع فريق مشترك سعودي إيطالي ثم يبدا العمل‪.‬‬
‫وفرنسي‪ ،‬ويرأس الفريق السعودي األستاذ‬
‫ومن الجوالت بالموقع‪ ،‬لوحظ عدم العثور‬
‫ثامر المالكي‪ ،‬والفريق اآلخر الدكتور جيوم‪.‬‬
‫على أي كتابات ثمودية أو نبطية تتزامن مع‬
‫توزعت المنحوتات على ثالثة مرتفعات هــذا الفن الصخري المميز‪ ،‬كما كشفت‬
‫صخرية من الحجر الرملي‪ ،‬متجاورة بعضها الحفرية التي تمت بموقع الجمال بالجوف‬
‫على واجهة الجبل مباشرة‪ ،‬وبعضها منحوتة عن اكتشاف أدوات حجرية تعود ألكثر من‬
‫ومنفصلة‪ ،‬وبعضها سقط من واجهة الجبل‪ ٦٠٠٠ ،‬سنة مضت‪.‬‬

‫* باحث آثار من الجوف‪ ،‬السعودية‪.‬‬


‫‪123‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫أسعد‬
‫عبده‬
‫■ محمد عبدالرزاق القشعمي*‬

‫عــرفــت الــدكـتــور أسـعــد سليمان بكر عـبــده في‬


‫المناسبات الثقافية وفي النادي األدبي‪ ،‬ومجلس‬
‫الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪ ،‬ضحوية أيام األحد‬
‫األسبوعية ألعضاء مجلس الشورى القدماء‪ ،‬وفي‬
‫خميسية الشيخ حمد الجاسر األسبوعية؛ بحكم‬
‫إنــه عضو مجلس أمـنــائـهــا‪ ،‬وعـضــو هيئة تحرير‬
‫مجلة العرب‪ ،‬وعضو اللجنة العلمية بمركز حمد‬
‫الجاسر الثقافي‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وهو يتمتع بروح خفيفة مرحة‪ ،‬وبقدر كبير من الود‪ ،‬ذو‬
‫أخالق عالية‪ ،‬ال تملك إال أن تحبه من أول لقاء؛ لبساطته‪ ،‬ولطفه‪ ،‬وأدبه الجمّ ‪.‬‬

‫ولد بالمدينة المنورة عام ‪1361‬هـ‬ ‫ولمجرد معرفته بعملي بمكتبة الملك‬
‫‪1942 -‬م‪ .‬أثناء المرحلة االبتدائية‪ ،‬بدأ‬ ‫فهد الوطنية أش ــاد بها وبــمــا تقدمه‬
‫يتعلم مهنة التطريز‪ ،‬وأتقنها بالمنزل‪،‬‬ ‫للمجتمع‪ ،‬فانتهزتها فــرصــة لدعوته‬
‫وكان ذلك بأجر لحساب محالت تجارية‬ ‫لزيارتها‪ ،‬والتسجيل معه ضمن برنامج‬
‫(الــتــاريــخ الــشــفــوي)‪ ،‬فــرحّ ــب‪ ..‬وتمت‬
‫طوال مدة دراسته االبتدائية والمتوسطة‬
‫الزيارة صباح يوم ‪1428/4/23‬هـ‪ ،‬وعلى‬
‫بالمدينة‪.‬‬
‫مدى ثالث ساعات‪ ،‬بدأ يروي ما تيسر‬
‫عــمــل مــدرس ـاً فــي وزارة الــمــعــارف‬ ‫من سيرته‪:‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪124‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫‪1981 -1978‬م‪.‬‬
‫مــع مواصلته الــدراســة بالمرحلة الثانوية‪،‬‬
‫إذ حصل على المركز األول على مستوى ‪ -‬رئيس قسم الجغرافيا ‪1404 -1403‬هـ‪/‬‬
‫‪1984 -1982‬م‪.‬‬ ‫المملكة في المعاهد العلمية‪.‬‬

‫التحق بجامعة الملك سعود‪ ،‬وحصل على ‪ -‬رئيس لجنة مرصد الزالزل الجيوفيزيائي‬
‫‪1410 -405‬هـ‪1990 -1986 /‬م‪.‬‬ ‫المركز األول فــي جميع ســنــوات الــدراســة‬
‫الــجــامــعــيــة‪ ،‬وكـ ــان يــعــمــل خ ــال اإلجــــازات‬
‫‪ -‬عضو مجلس الشورى لثالث دورات‪ ،‬بدءاً‬
‫الصيفية ‪-‬أثناء دراسته ‪ -‬في شركة كهرباء‬
‫من الدورة الثانية للمجلس عام ‪1418‬هـ‬
‫المدينة‪ ،‬وفي مركز التدريب المهني‪ ،‬وفي‬
‫‪1997 -‬م‪ ،‬حتى نهاية الدورة الرابعة عام‬
‫‪1430‬هـى‪2009 /‬م‪.‬‬ ‫شركة أرامكو‪ ،‬حتى حصوله على ليسانس‬
‫جغرافيا عام ‪1384‬هـ ‪1964‬م‪.‬‬
‫‪ -‬لــه مؤلفات وبــحــوث منشورة باللغتين‪،‬‬
‫منها ثمانية كتب في الخرائط واألسماء‬ ‫ابتُعث إلى بريطانيا‪ ،‬لدراسة الماجستير‬
‫الجغرافية بالمملكة‪.‬‬ ‫والدكتوراه بما في ذلك تعلّم اللغة اإلنجليزية‪،‬‬
‫وأنهاها بمدة قصيرة‪ .‬فهو أول السعوديين‬
‫‪ -‬شارك في تأليف مقررات مدرسية منها‪:‬‬
‫الحاصلين على الدكتوراه في الجغرافيا ‪ -‬مع‬
‫كتب الجغرافيا للمرحلة الثانوية لــوزارة‬
‫وجود مبتعثين سعوديين ابتعثوا قبله بثالث‬
‫المعارف آنــذاك‪ ،‬ودراســة (وضــع القسم‬
‫ســنــوات فــي التخصص نفسه‪ ،‬وفــي الكلية‬
‫العلمي بالجامعة)‪.‬‬
‫نفسها‪ -‬بحصوله على دكتوراه الفلسفة‪ ،‬قسم‬
‫الجغرافيا‪ ،‬جامعة درم‪ ،‬انجلترا‪1389 ،‬هـ ‪ - -‬أنــشــأ مــرصــد الـ ــزالزل الجيوفيزيائي‪،‬‬
‫وروض ــة أطــفــال أعــضــاء هيئة التدريس‬ ‫‪1969‬م‪.‬‬
‫ومــوظــفــي الــجــامــعــة‪ ،‬وصحيفة (رســالــة‬
‫الجامعة)‪ ،‬والجمعية الجغرافية السعودية‪.‬‬ ‫عــاد لجامعته ل ـيُ ـدِّرس عــام ‪1389‬هـ ـــ ‪-‬‬
‫‪1969‬م‪ ،‬واستم َّر حتى رقّي إلى درجة أستاذ‬
‫‪ -‬شارك بالتدريس في مرحلتي الدكتوراه‬
‫عام ‪1405‬هـ ‪1985 -‬م‪ .‬إضافة إلى عمله في‬
‫والماجستير‪ ،‬وفي بعض لجان االمتحان‬
‫التدريس‪ ..‬تولى مناصب إدارية متعددة‪ ،‬نذكر‬
‫الــشــامــل لــلــدكــتــوراه‪ ،‬ومــنــاقــشــة رســائــل‬
‫منها‪:‬‬
‫دكتوراه وماجستير‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس قسم اإلعــام ‪1396 - 1394‬هـــ‪/‬‬
‫‪ -‬قام بتحكيم إنتاج علمي للترقية إلى درجة‬
‫‪1976 -1974‬م‪.‬‬
‫أستاذ‪ ،‬وتحكيم إنتاج علمي مقدم للنشر‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس قسم الجغرافيا ‪1398 -1397‬هـ‪/‬‬
‫‪ -‬بطلب من جامعة الكويت‪ ،‬ق ـدّم تقريراً‬
‫يتضمن تقويماً لكلية اآلداب ‪ -‬قسم‬ ‫‪1978 - 1977‬م‪.‬‬
‫الجغرافيا فيها‪.‬‬ ‫‪ -‬أمــيــن ع ــام الــجــامــعــة ‪1401-1398‬هـــــــ‪/‬‬
‫‪125‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫األستاذ حمد القاضي‬ ‫الدكتور أحمد الضبيب‬ ‫الشيخ حمد الجاسر‬

‫ ‪ -‬شــارك في وفــد المملكة إلــى عديد من‬


‫(أم القرى)‪ ،‬يقول فيها‪:‬‬
‫«‪ ...‬إنشاء جامعة ‪ -‬في أي دولة من الدول‬ ‫مؤتمرات األمم المتحدة الدولية لتوحيد‬
‫‪ -‬يعد حدثاً مهماً‪ ،‬وعالمة بارزة في طريق‬ ‫األسماء الجغرافية‪.‬‬
‫‪ -‬عضو فريق خــبــراء األمــم المتحدة في رقي األمة‪ ،‬وبرهانًا واضحاً على صدق العزم‬
‫األســمــاء الجغرافية منذ عــام ‪1981‬م‪ ،‬لتزويد الشباب بفكر وعلم ومهارات العصر‬
‫الذي يعيشون فيه؛ لهذا كانت فرحتنا كبيرة‬ ‫وعضو في لجان أممية أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬إعداد وتقديم برامج إذاعية وتلفزيونية‪ ،‬عندما أعلن خبر إنشاء جامعة (أم القرى)‪.‬‬
‫ومقاالت في الصحف والمجالت‪ ،‬وإلقاء لقد أصبح بالمملكة العربية السعودية بعد‬
‫إنشاء جامعة أم القرى سبع جامعات‪ ،‬إضافة‬ ‫محاضرات عامة في األندية األدبية‪.‬‬
‫إلى عدد من الكليات الجامعية‪ ،‬وهي البالد‬
‫‪ -‬رئاسة العديد من الندوات والمؤتمرات التي لم يكن بها قبل خمس وعشرين سنة‬
‫جامعة واحدة‪.»...‬‬ ‫المحلية والعالمية وعضويتها‪.‬‬

‫‪ -‬حصل على جائزة مكتب التربية لدول ‪ -‬قال عنه الشيح حمد الجاسر بمقال مطول‬
‫بجريدة الجزيرة في ‪ 13‬شوال ‪1418‬هـ‪:‬‬ ‫الخليج العربية في العلوم االجتماعية‪.‬‬
‫«عــرفــت ه ــذا األس ــت ــاذ الــجــلــيــل معرفة‬ ‫‪ -‬عض ٌو فــي هيئة اإلش ــراف على المجلة‬
‫اســتــفــادة واســتــزادة مــن علمه‪ ،‬وخلقه‪،‬‬ ‫العربية عــام ‪1399‬هـ ـــ ‪1979 -‬م‪ ،‬إلى‬
‫وحــســن سمته‪ ،‬مــع انــصــرافــه الــتــام لما‬ ‫جــانــب األس ــات ــذة‪ :‬عــبــداهلل بــن خميس‪،‬‬
‫يُعنى به من شؤون العلم والمعرفة تدريساً‬ ‫وعبد العزيز الــرفــاعــي‪ ،‬وحــمــود البدر‪،‬‬
‫وتأليفاً وتوجيهاً‪ ،‬والحفاظ على الوقت‪،‬‬ ‫وحــمــد الــقــاضــي‪ .‬كتب افتتاحية العدد‬
‫وعدم االشتغال بما عدا ذلك‪ ..‬وحقاً قلت‪:‬‬ ‫الخامس لسنتها الرابعة‪ ،‬شوال ‪1400‬هـ‬
‫إنه من مفاخر بالدنا‪ ..‬ومن أبرزها كتابه‬ ‫‪ -‬أغسطس ‪1980‬م‪ ،‬مُرحّ باً بإنشاء جامعة‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪126‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫اإلنجازات‪ .‬لقد أتيح له أن يكون رئيساً‬ ‫(معجم األسماء الجغرافية المكتوبة على‬
‫لقسم اإلعــام‪ ،‬فنهض به نهضة واسعة‪.‬‬ ‫خرائط المملكة العربية السعودية)‪ .‬ولم‬
‫وولدت على يديه صحيفة رسالة الجامعة‬ ‫أكن يوماً ما‪ ،‬في مثل هذا القول عنه أو‬
‫التي تمخضت عن نشرة رسالة الجامعة‪،‬‬ ‫عن غيره من األساتذة األجالء‪ ،‬أهدف إ ّال‬
‫وقــد أصــدرهــا القسم بمناسبة انعقاد‬ ‫إلى إبراز ما أعتقده حقًا‪ ،‬بل أراه واجباً‬
‫مؤتمر رسالة الجامعة سنة ‪1396‬هـــ ‪-‬‬ ‫لكي نعترف للمحسن في أي جانب من‬
‫‪1976‬م‪ ..‬وعندما عين الــدكــتــور أسعد‬ ‫جوانب العمل النافع بفضله‪ ،‬فال نبخسه‬
‫أميناً عاماً لجامعة الملك سعود‪ ،‬نهض‬ ‫حقه‪ ،‬بل ندفعه لمواصلة جده واجتهاده‪،‬‬
‫بمهام هــذا المنصب نهضة ملحوظة؛‬ ‫في اتجاهه لما يقوم به في سبيل خدمة‬
‫ســواء فيما يخص األمــور اإلداريــة فيها‪،‬‬ ‫أمته‪ ،‬وليكون قدوة صالحة في ذلك‪.»..‬‬
‫أو أمور النشاطات الجامعية‪ ،‬التي تشرف‬ ‫‪ -‬قال عنه معالي الدكتور أحمد الضبيب‪:‬‬
‫عليها إدارته‪ ،‬وبخاصة ما يتعلق بأعضاء‬ ‫«‪ ...‬وتوثقت عالقتي به أيام االبتعاث عندما‬
‫هيئة الــتــدريــس‪ ،‬أو الــطــاب؛ ومــن ذلك‬ ‫كنا نلتقي معاً في ديار الغربة (بريطانيا)‬
‫تطويره نادي أعضاء هيئة التدريس في‬ ‫خالل الستينيات الميالدية‪ ،‬كان دارس ًــا‬
‫الجامعة‪ ،‬وقد كان حلماً من أحالمهم‪»..‬‬ ‫جاداً موفقاً في دراسته العلمية‪ ،‬إذ أكملها‬
‫وقد سمعت من أكثر من واحد‪ ،‬أن النادي‬ ‫ال أكاديمياً‬‫في زمن قياسي‪ ،‬ثم كان زمي ً‬
‫كان ينظم كثيراً من الــدورات التدريبية‬ ‫متميزاً‪ ،‬عندما انضم إلى كوكبة أعضاء‬
‫لألمهات‪ ،‬واألطفال لمنسوبي الجامعة؛‬ ‫هيئة التدريس السعوديين الــرواد‪ ،‬فكان‬
‫ســواء في التدبير المنزلي‪ ،‬أو التطريز‬ ‫الــرائــد األكــاديــمــي الجغرافي السعودي‬
‫أو الــطــبــخ‪ ،‬أو دروس الــتــقــويــة‪ ،‬كذلك‪،‬‬ ‫األول‪ .‬وفي الجامعة‪ ،‬سرعان ما اصطبغ‬
‫دورات تعلم الضرب على اآللــة الكاتبة‪،‬‬ ‫الدكتور أسعد عبده بصفات مدرسة رواد‬
‫والــنــشــاطــات الــثــقــافــيــة المختلفة من‬ ‫جامعة الملك سعود األكاديمية واإلدارية‪.‬‬
‫ندوات‪ ،‬ومحاضرات‪ ،‬وأمسيات موسيقية‬ ‫وهي مدرسة تقوم على التأني والتثبت‪،‬‬
‫وتمثيلية‪ ،‬وت ــم تجهيز الــنــادي إلقــامــة‬ ‫والنزاهة العلمية واإلداريــة‪ ،‬واالنصراف‬
‫االحــتــفــاالت بــاألفــراح واألتــــراح لجميع‬ ‫إلى تطوير العمل األكاديمي في الجامعة‬
‫منسوبي الجامعة‪ ،‬وتدريبهم ومنافساتهم‬ ‫ليضاهي أرقى الجامعات العالمية؛ وذلك‬
‫فــي األلــعــاب الرياضية المختلفة‪ ،‬بما‬ ‫عن طريق العطاء بال حدود‪ ،‬والزهد في‬
‫فيها األلعاب الرياضية لكمال األجسام‪،‬‬ ‫االستعراض اإلعالمي واالكتفاء بتحقيق‬
‫ورياضة المشي‪ ،‬ووضــع جوائز وحوافز‬ ‫المنجز ليتحدث عن نفسه‪ .‬وهذا ما قام‬
‫لألوائل‪ ،‬وحتى تعليم خادمات المنازل من‬ ‫به الدكتور أسعد؛ فقد كان أستاذاً متميزاً‪،‬‬
‫غير العرب للغة العربية‪ ،‬وغير ذلك كثير‪.‬‬ ‫وإدارياً مخلصاً‪ .‬تحقق على يديه كثير من‬
‫‪127‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫الدكتور عائض الردادي‬ ‫الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبداهلل يوسف الغنيم‬

‫أحد من‬ ‫صلتي الوثيقة به كلم ًة في حقّ ٍ‬ ‫‪ -‬قال األستاذ حمد القاضي عنه عندما عُين‬
‫الــنــاس‪ ،‬يتعامل مع زمالئه وطلبته على‬ ‫عضواً في لجنة اإلشــراف على المجلة‬
‫أساس من االحترام والتوقير‪ ،‬أكسبه ُو ّد‬‫ٍ‬ ‫الــعــربــيــة‪ ...« :‬ســمــاحــة خــلــق‪ ،‬وســامــة‬
‫الجميع وتقديرهم‪ ...‬وقد أنجز رسالته‬ ‫سريرة‪ ،‬وعفة لسان‪ ،‬وجميل وفاء‪ .‬ذلكم‬
‫بنجاح‪ ..‬وفي زمن قصير‪ ،‬واألعجب في‬ ‫هو الحبيب أ‪.‬د‪ .‬أسعد بن سليمان عبده‪،‬‬
‫ذلك أنه كان األول على الثانوية العامة‬ ‫أسعد اهلل فــؤاده ويمّن كتابه‪ .‬لقد كانت‬
‫بالقسم العلمي على مستوى المملكة‬ ‫بداية عالقتي معه‪ ،‬عندما شكل معالي‬
‫العربية السعودية‪ .‬وكانت مثابرته الدائمة‬ ‫الشيخ حسن بن عبداهلل آل الشيخ هيئ ًة‬
‫على طلب العلم وتحقيق آماله العلمية‪،‬‬ ‫لإلشراف على تحرير (المجلة العربية)‪،‬‬
‫سمة مــن سماته الشخصية‪ ..‬إن هذه‬ ‫وكــنــا خــمــســة‪ ،‬هــو وأنـــا مــن أعــضــائــهــا‪،‬‬
‫الجهود التي بذلها األستاذ الدكتور أسعد‬ ‫وقــد رأسهما معالي األديــب عبدالعزيز‬
‫عبده‪ ،‬وإخضاعه تراثاً واسعاً من المعاجم‬ ‫الرفاعي‪ ..‬كل من عرف د‪ .‬أسعد‪ ،‬لمس‬
‫الجغرافية للمنهج العلمي األكــاديــمــي‪،‬‬ ‫هذه الخلة فيه‪ ،‬إذ لم يغرّه منصب‪ ،‬فلم‬
‫وجّ ــه كثيراً من المختصين بالجغرافيا‬ ‫يتكبرّ‪ ،‬أو يغره عِ لم ليترفع‪ ،‬بل بقي كما‬
‫إلى العناية بأسماء األماكن في المملكة‪،‬‬ ‫هو إنساناً بسيطاً‪ ،‬لطيفاً‪ ،‬متواضعاً مع‬
‫وتوثيقها وفقاً إلحداثياتها الجغرافية‪.»..‬‬ ‫الجميع‪.»..‬‬
‫‪ -‬قال عنه الدكتور عبدالرحمن الشبيلي‪:‬‬ ‫‪ -‬قال معالي األستاذ الدكتور عبداهلل يوسف‬
‫«هذا الرجل الودود الرائع‪ ،‬الذي تكاملت‬ ‫الغنيم‪ ،‬مدير مركز البحوث والدراسات‬
‫فيه سمات الدماثة الرفيعة والسمات‬ ‫الكويتية ووزيــر التعليم األسبق‪« :‬عرفته‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ليس من ملحظ يؤخذ عليه‬ ‫منذ نحو أربعين عاماً‪ ،‬عرفت فيه الخلق‬
‫ســوى التقوقع واالنــطــواء العلمي! فكان‬ ‫الرفيع والتواضع الجم‪ .‬لم أسمع منه رغم‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪128‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫مــن محاسن الــصــدف أن كــانــت زوجته‬ ‫الهادئ الرزين على وتيرة واحدة‪ ،‬الذي ال‬
‫األســتــاذة الــقــديــرة آمــنــة الــعــقــاد‪ ،‬زميلة‬ ‫يتحدث إال بمكيال‪ ،‬وال يعلق إال بموجب‪،‬‬
‫لنا في قسم اللغة العربية‪ ،‬علّمت فيه‬ ‫وال ينفعل إال للحق وبنبرة ناعمة‪ ،‬وال‬
‫كما علّمنا‪ ،‬وتحملت أعباء إدارة القسم‬ ‫يداخل في أي شأن إال بالمفيد‪ ،‬أما في‬
‫النسائي فترة من الزمن‪ ،‬وجمعتها الزمالة‬ ‫ما عدا ذلك‪ ،‬فإنه صامت‪ ،‬ال تكاد تلحظ‬
‫بــزوجــتــي الــدكــتــوره وســمــيــة المنصور‪،‬‬ ‫له وجوداً ما لم يوجه له الحديث‪.»..‬‬
‫فنشأت بين أسرتينا صداقة‪ ،‬وبين أبنائنا‬ ‫‪ -‬قال الدكتور عائض الــردادي‪« :‬عرفت أ‪.‬‬
‫زمالة وصــداقــة‪ ،‬وكانت حفالت األعياد‬ ‫د‪ .‬أسعد عبده عندما التحقت بإذاعة‬
‫تجمع هــؤالء األبناء‪ ،‬واآلن أرى الدكتور‬ ‫الــريــاض‪ ،‬فقد كــان يُعد ويقدم برنامجاً‬
‫أيمن أسعد عبده‪ ،‬والدكتور أوس ابراهيم‬ ‫اذاعياً اسمه (رحلة اليوم)‪ ،‬وهو برنامج‬
‫الشمسان زميلين وصديقين متعاونين‬ ‫جغرافي يُــعـرّف فــي كــل حلقة بموضوع‬
‫على الخير‪ ،‬وأثر التربية الصالحة ظاهرة‬ ‫من مواضيع بالدنا‪ :‬مدينة‪ ،‬أو قرية‪ ،‬أو‬
‫كــل الظهور على أبــنــاء هذه‬ ‫وادياً‪ ،‬أو جبالً‪ ،‬أو غيرها‪،‬‬
‫الشجرة المباركة‪.»..‬‬ ‫وكـ ــانـ ــت ال ــم ــع ــل ــوم ــات‪..‬‬
‫‪ -‬وقــال عنه زميله األستاذ‬ ‫مــعــلــومــات علمية موثقة‬
‫الدكتور عبدالعزيز الهالبي‪:‬‬ ‫من متخصص‪ ،‬ولعله أول‬
‫«‪ ..‬ما كان يلفت نظري كثيراً‬ ‫برنامج جغرافي يُعد من‬
‫ذلــك الشاب األنــيــق‪ ،‬عندما‬ ‫أستاذ جغرافيا متخصص‪،‬‬
‫يمر أساتذة الجغرافيا وهم‬ ‫وكان له مستمعون كُثر‪ ،‬إذ‬
‫نخبة من علماء الجغرافيا‬ ‫كانت إذاعة الرياض تعيش‬
‫في العالم العربي‪ ،‬منهم عزة‬ ‫عهدها الذهبي إذ ذاك؛‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬أبو أوس الشمسان‬
‫النص (ســوريــا)‪ ،‬ومصطفى‬ ‫قوة برامج وإذاعيين رواد‬
‫زقـ ــانـ ــه (مــــصــــر)‪ ،‬وش ــاك ــر‬ ‫من الداخل والخارج‪.»..‬‬
‫خصباك (الــعــراق)‪ ،‬وأحياناً‬ ‫‪ -‬وعنه قال تلميذه األستاذ‬
‫يكون أسعد برفقتهم‪ ،‬وكثيراً‬ ‫الـــــدكـــــتـــــور أبـــــــو أوس‬
‫ما كانوا يخصونه بالحديث‪،‬‬ ‫الــشــمــســان‪ ..« :‬يشعرنا‬
‫مــا يــدل على مــا يحظى به‬ ‫أســتــاذنــا الــدكــتــور أسعد‬
‫من مكانة لديهم‪ ،‬مثله مثل‬ ‫عــبــده حين نلقاه بلطفه‬
‫ك ــل ال ــط ــاب الــمــتــمــيــزيــن‪.‬‬ ‫واب ــت ــس ــام ــت ــه وح ــدي ــث ــه‬
‫صار أسعد معيداً‪ ،‬ثم ابتعث‬ ‫ال ــه ــادي‪ ،‬بــأنــه الــصــديــق‪،‬‬
‫إل ــى بــريــطــانــيــا‪ .‬تقلبت بي‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬عبدالعزيز الهالبي‬ ‫بــل األب الــحــنــون‪ ،‬وكــان‬
‫‪129‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫الدكتور عبداهلل سالم الزهراني‬ ‫الدكتور يحيى أبو الخير‬ ‫الدكتور محمد المشوح‬

‫‪ -‬وقال تلميذه الدكتور يحيى أبو الخير‪..« :‬‬ ‫األحــوال إلى أن استقرت بي عضو هيئة‬
‫أستاذي ومعلمي الفاضل الذي منذ عرفته‬ ‫تــدريــس بقسم الــتــاريــخ بجامعة الملك‬
‫قبل نصف قــرن تقريباً وهــو لــم تغيره‬ ‫سعود‪ ،‬فشرفت بزمالة الدكتور أسعد مرة‬
‫السنين وتقلبات الزمان‪ ..‬فالزاد الحقيقي‬ ‫أخرى‪ ،‬وتوثقت معرفتي به أكثر عندما كنا‬
‫لعالقتي باألستاذ الدكتور أسعد عبده‪،‬‬ ‫عضوين في مجلس كلية اآلداب‪ ،‬هو رئيس‬
‫العالم الــفــذ صــاحــب الــوهــج اإلنساني‪،‬‬ ‫قسم الجغرافيا وأنا وكيل الكلية‪ ،‬وفي كل‬
‫والــنــبــوغ األكــاديــمــي والحنكة اإلداريـ ــة‪،‬‬ ‫مناسبات الكلية والجامعة‪ ،‬كان مثاالً في‬
‫وقربي منه ومحبتي وإكــبــاري وتقديري‬ ‫رجاحة عقله‪ ،‬وغزارة علمه‪ ،‬وموضوعيته‪،‬‬
‫له‪ ،‬هي الذكريات الطيبة التي أحملها له‪،‬‬ ‫ولطفه وكــرم أخالقه التي تأسر كل من‬
‫والتي ما تزال يتردد صداها في جنبات‬ ‫يتعامل معه‪ .‬وقد أفادت الجامعة كثيراً من‬
‫األماكن التي جمعتني مسيرة الزمان فيها‬ ‫خبرته وكفاءته‪.»..‬‬
‫به‪.»..‬‬ ‫‪ -‬أمــا الدكتور محمد المشوح فقال عند‬
‫تكريمه في ثلوثيته‪ ..« :‬الدكتور أسعد ‪ -‬وتلميذه اآلخ ــر الــدكــتــور عــبــداهلل سالم‬
‫الزهراني الــذي اختير من كلية التربية‬ ‫ســلــيــمــان ع ــب ــده‪ ،‬عــــزوف ع ــن الــجــانــب‬
‫ليصبح معيداً في كلية اآلداب‪ ،‬ويلتقي‬ ‫اإلعالمي بشكل كبير‪ ،‬ولذلك رغم ريادته‬
‫ألول مــرة بالدكتور أسعد‪ ،‬والــذي كلفه‬ ‫وموسوعيته في هذا الجانب‪ ،‬إال إنه ال‬
‫وزم ـ ــاءه الــمــعــيــديــن تــحــديــد مــكــان كل‬ ‫يحب أن يقدم نفسه بالشكل الذي ينبغي‬
‫مسمى‪ ..‬حسب خطّ ي الطول والعرض‪،‬‬ ‫أن يكون عليه؛ كونه عالماً جغرافياً بلدانياً‬
‫وبدقة على خرائط المملكة الطبوغرافية‬ ‫مميزاً‪ ،‬وهــذا العزوف أفــرز عدم معرفة‬
‫الــتــي أصــدرتــهــا المساحة الجيولوجية‬ ‫كثيرين بجهوده إال من المحيط العلمي‬
‫ب ــوزارة البترول‪ .‬قــال‪ ..« :‬كــان بالنسبة‬ ‫الجغرافي‪.»..‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪130‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫ال ممتعاً ومفيداً بدرجة كبيرة‪ -2 ،‬فهرس كتاب صحيح األخبار عما في بالد‬ ‫لي عم ً‬
‫العرب من اآلثار ج‪ ،1‬ج‪.2‬‬ ‫وأحــســب ذلــك لغالبية الــزمــاء لتعرفنا‬
‫فيه على مسميات وأماكن عديدة ومعرفة‬
‫‪ -3‬تصحيح األسماء الجغرافية المكتوبة على‬
‫مواقعها‪ ،‬كما دفعنا للقراءة عنها‪ ،‬كان‬
‫خرائط المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫يسألنا‪ ،‬ليس كــل يــوم‪ ،‬وإنــمــا أسبوعياً‪،‬‬
‫ويحدد لنا اجتماعاً نناقش فيه ما وصلنا ‪ -4‬معجم أسماء األماكن في المملكة العربية‬
‫السعودية المكتوبة على خريطة جزيرة‬ ‫إليه‪ ،‬وما إذا كان هناك مشكالت‪ ،‬لم نكن‬
‫على شاكلة واحــدة في اإلنجاز‪ ،‬فبعضنا‬
‫العرب‪.‬‬
‫متقدم‪ ،‬وبعضنا اآلخر متأخر‪ ،‬لكنه عندما‬
‫كان يرى اإلِنجاز يدعو بالتوفيق‪ ،‬وال يسأل ‪ -5‬بــعــض أوجـــه االخــتــاف فــي رس ــم اســم‬
‫المكان الواحد بحروف اللغة العربية في‬ ‫لماذا أنت متأخر يا فالن‪ ،‬بل يشكر ويثني‬
‫المملكة‪.‬‬ ‫على العمل‪ ،‬وبهذا األسلوب أنجزنا الكثير‪،‬‬
‫وتم نشره في كتاب ومقالة ومعجم‪.»..‬‬
‫‪ -6‬تــرجــم لــه فــي كــتــاب (مجلس الــشــورى)‬
‫‪1422‬هـ ‪2001 -‬م السير الذاتية‪.‬‬ ‫ما سبق من شهادات أصدرها مركز حمد‬
‫الجاسر الثقافي في العدد ‪ 24‬من نشرته‬
‫(جــســور) لــجــمــاد اآلخـ ــرة ‪1440‬هــــــ‪ ،‬تحت ‪ -‬ترجم له أحمد سعيد بن سلم في (موسوعة‬
‫األدبــاء والكتاب السعوديين خــال مائة‬ ‫عنوان‪( :‬جسور تحتفي بالجغرافي األستاذ‬
‫عام) ط‪ ،2‬ج‪1420 ،3‬هـ ‪1999 -‬م‪ ،‬وقالت‬ ‫الدكتور أسعد عبده)‪ ،‬وقد اختتمها المهندس‬
‫إن اسمه أسعد ابراهيم عبده‪ ،‬وهذا خطأ‬ ‫معن بــن حمد الجاسر بقوله‪..« :‬ويــشــرف‬
‫فوالده سليمان‪.‬‬ ‫مجلس أمناء مؤسسة حمد الجاسر الثقافية‬
‫بعضوية أستاذنا الدكتور أسعد عبده‪ ،‬كما‬
‫أنه عضو هيئة تحرير مجلة العرب‪ ،‬وكذلك ‪ -‬تــرجــم لــه فــي (مــوســوعــة الشخصيات‬
‫السعودية) الــصــادر من مؤسسة عكاظ‬ ‫عضو اللجنة العلمية لمركز حمد الجاسر‬
‫للصحافة والنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪1434 ،2‬هـــ‪/‬‬ ‫الثقافي‪ ،‬فهو مرجع رئيس فيما يحال إليه من‬
‫‪2013‬م وذكرت أنه عضو اللجنة العلمية‬ ‫أبحاث ومشاريع علمية في مجال الجغرافيا‬
‫بمعهد الــدراســات الدبلوماسية بــوزارة‬ ‫والخرائط والبلدانيات‪.»..‬‬
‫الخارجية ‪1404‬ه ـــ‪ ،‬عضو لجنة أسماء‬ ‫وجرى تعريف بأهم مؤلفاته وهي‪:‬‬
‫الــدول‪ ،‬فريق خبراء األمــم المتحدة في‬ ‫‪ -1‬معجم األسماء الجغرافية المكتوبة على‬
‫األسماء الجغرافيا ‪1412‬هـ ‪1991‬م‪.‬‬ ‫خرائط المملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫* كاتب وباحث سعودي‪.‬‬
‫‪131‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫عندما يمرض الشاعر‬
‫■ أحمد الفالح*‬

‫يعد الشعر بما يحمل من مضامين لغوية وشواهد فنية مدونات رسمية‪ ،‬تناولت أحوال‬
‫العرب من النواحي الوجدانية واالجتماعية‪ ،‬وشاهد عدل على مسيرتهم الحياتية‪ ،‬وما‬
‫تعرضوا له من أحــداث ال تخلو فصولها من بعض حــاالت الفرح أو الترح‪ .‬وكــان أكثر ما‬
‫يزعج العربي ويقض مضجعه هو المرض‪ ،‬خاصة عندما يستفحل أمر الداء ‪ ،‬ويعز عليه‬
‫الدواء‪ ،‬لدرجة أن بعضهم كان يفضل الصحة وسالمة الجسد على المال والزوجة ‪ ،‬وحتى‬
‫على الولد‪ .‬قال بشار بن برد في هذا الصدد‪:‬‬

‫ووج ـ ـ ـ ـ ــهٌ ش ـ ـ ــاه ـ ـ ــدات ال ـ ـ ـحـ ـ ــزن ف ـيــه‬ ‫إني وإن كان جمع المال يعجبني‬
‫وج ـ ـسـ ــم ك ــالـ ـخـ ـي ــال َضـ ـ ـ ـ ٍـن ن ـح ـيــل‬ ‫فليس يعدل عندي صحة الجسد‬
‫وأثـ ـ ـب ـ ــت م ـ ــا ي ـ ـكـ ــون الـ ـ ـم ـ ــرء ي ــومً ــا‬ ‫في المال وزنٌ وفي األوالد مكرمة‬
‫ب ـ ـ ـ ــا ش ـ ـ ـ ــك إذا ص ـ ـ ـ ــح ال ـ ــدلـ ـ ـي ـ ــل‬ ‫والسقم ينسيك ذكر المال والولد‬
‫إال إنه أكثر ما كان يسوء المريض‪ ،‬ويؤثر‬ ‫ومــن ش ــوارد الكلم وجــمــال النظم بهذا‬
‫في نفسة سلبًا عند تعرضه للمرض‪ ،‬إذا لم‬ ‫الموضوع‪ ،‬قول ابن حزم األندلسي عندما‬
‫يكترث لحاله أحد ‪ ،‬أو يعوده أي من معارفه‬ ‫اعتراه عارض من المرض وحوّله إلى ظل‬
‫أو ذويه ليخفف عنه ويواسيه‪ ،‬أنشد عبداهلل‬ ‫رجــل‪ ،‬ويكتنفة الحزن‪ ،‬ويكابده الشهيق‪..‬‬
‫ابن مصعب معاتبًا بعض صحبه ومحبيه‪:‬‬ ‫فقال‪:‬‬
‫مــالــي مــرضــت ف ـلــم ي ـعــدنــي عــائــد‬ ‫أاك ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــه وي ـ ـ ـك ـ ـ ـش ـ ـ ـفـ ـ ــه شـ ـهـ ـي ــق‬
‫م ـن ـك ــم ويـ ـ ـم ـ ــرض ك ـل ـب ـك ــم ف ــأع ــود‬ ‫يـ ـ ـ ــازم ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــي وإطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراق ط ـ ــوي ـ ــل‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪132‬‬
‫ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬
‫أحـ ـ ـ ـم ـ ـ ــاك اس ـ ـ ـت ـ ـ ـعـ ـ ــارت لـ ـ ـف ـ ــح ن ـ ــار‬ ‫وأشَ ــد مــن مــرضــي عـلــيّ صــدودكــم‬
‫لـ ـع ــزم ــك ل ـ ــم تـ ـ ــزل ذات اس ـت ـع ــار‬ ‫وص ـ ـ ـ ـ ــدود ع ـ ـبـ ــدكـ ــم عـ ـ ـل ـ ــيَّ ش ــدي ــد‬

‫وكــان عنترة العبسي‪ ،‬الشاعر الجاهلي‬ ‫ومن مضاعفات المرض أحيانًا أن تكون‬
‫الحمى‪ ،‬تلك العارضة المتلظية حرارة‪ ،‬التي‬
‫والفارس المشهور يرى أن من يملك قوت‬
‫ال يطيب لها زيــارة المريض والتغلغل في‬
‫يومه‪ ،‬وهو في كامل عافيته‪،‬خي ٌر من الدنيا‬
‫بدنة‪ ،‬إال مع حلول الغسق وحلكة الظالم‪،‬‬
‫وما فيها‪ ..‬فيقول‪:‬‬ ‫لتحرم فريستها من لذة النوم الذي هو بأمس‬
‫وإن تـ ـ ـ ـ ــدم ن ـ ـع ـ ـمـ ــة ع ـ ـل ـ ـيـ ــه ت ـج ــد‬ ‫الحاجة إليه‪ ،‬يقول المتنبي‪:‬‬
‫خ ـي ــرا م ــن الـ ـم ــال ص ـحــة الـجـســد‬ ‫وزائ ـ ـ ـ ـ ـ ــرت ـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ـ ـ ــأن بـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا حـ ـ ـي ـ ــاء‬
‫فـ ـلـ ـي ــس تـ ـ ـ ـ ــزور إال فـ ـ ــي ال ـ ـظـ ــام‬
‫وم ـ ـ ـ ــا ب ـ ـمـ ــن ن ـ ـ ـ ــال ف ـ ـضـ ــل ع ــافـ ـي ــة‬
‫يـضـيــق الـجـلــد ع ــن نـفـســي وعنها‬
‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ــوت ي ـ ـ ـ ـ ــوم فـ ـ ـ ـق ـ ـ ــرٌ إل ـ ـ ـ ـ ــى أحـ ـ ــد‬
‫ف ـ ـ ـتـ ـ ــوس ـ ـ ـعـ ـ ــه ب ـ ـ ـ ـ ــأن ـ ـ ـ ـ ــواع الـ ـ ـسـ ـ ـق ـ ــام‬
‫وعلى الرغم من دمامة المرض وسوء‬
‫إال أن الحمى بالنسبة لـ«عماد الكاتب»‪،‬‬
‫فاألمر يختلف‪ ،‬فالحمى ال تشن هجومها حــضــوره‪ ،‬إال إن بعضهم يجد فيه محطة‬
‫عليه إال في وضح النهار‪ ،‬وعلى مــرآى من البد من الوقوف عندها‪ ،‬وحافزاً لالنطالق‬
‫أهله أو ال ــزوار‪ ،‬فيتبدل لونه جــراء ذلك‪ ،‬مجدداً في عالم الصحة وورداتها الواسعة‬
‫‪،‬كالقمر الــذي يبدأ هــاال‪ ،‬ثم ينطلق بقوة‬ ‫وينتابه الشحوب واالصفرار فيقول‪:‬‬
‫ليصبح بدرا‪ ،‬يقول الشاعر المصري‪:‬حفني‬ ‫تنفضني الحمى ضحىً وعشيّةً كما انـ‬
‫ـتفضت فــي الــدجــن قــادم ـتــا نسر ناصف‪:‬‬

‫ال تأسين على مــا كــان مــن مرض‬ ‫تذر عليَّ الورس في وضح الضحى‬
‫وت ـبــدلــه بــالــزع ـفــران ل ــدى العصر‬
‫ف ــرب جـســم ب ـ ــداءٍ ق ــد ع ــرا صلحا‬
‫و«لعماد الكاتب» في هذا الموضوع أيضا‬
‫أمــا تــرى الـبــدر يعرو جسمه سقم‬ ‫ما يقارب قصيدة المتنبي عندما يقول‪:‬‬
‫و ينثني بــوشــاح الـحـســن متشحا‬
‫وزائـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرة لـ ـ ـ ـي ـ ـ ــس بـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا ح ـ ـ ـيـ ـ ــاء‬
‫هذه بعض نفحات شعرية مختلفة‪ ،‬جادت‬ ‫ف ـ ـل ـ ـيـ ــس ت ـ ـ ـ ـ ــزور إال ف ـ ـ ــي ال ـ ـن ـ ـهـ ــار‬
‫بــهــا قــريــحــة بــعــض الــشــعــراء فــي مــوضــوع‬ ‫أي ــا شـمــس الـمـلــوك بـقـيــت شمسا‬
‫ت ـن ـي ــر عـ ـل ــى الـ ـمـ ـم ــال ــك وال ـ ــدي ـ ــار المرض‪ ،‬كفانا اهلل وإياكم شره‪.‬‬
‫* مركز عبدالرحمن السديري الثقافي بالجوف‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪133‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫■ مراجعة‪ :‬رائد العيد‬
‫الكتاب ‪ :‬أفعال بشرية‬ ‫الكتاب ‪ :‬ملاذا ال يجرح احلب‬
‫املؤلف ‪ :‬الكاتبة الكورية هان كانغ‪-‬ترجمة‬ ‫املؤلف ‪ :‬إيفا إيلوز ‪ -‬ترجمة خالد حافظي‬
‫محمد جنيب من مصر‬ ‫من تونس‬
‫الناشر ‪ :‬دار التنوير ببيروت‬ ‫الناشر ‪ :‬دار صفحة سبعة بالسعودية‬

‫بعد الحصول على جائزة مان بوكر الدولية عام ‪2016‬م‬ ‫«لماذا ال يجرح الحب»؟ ليس مجرد سؤال عابرٍ على غالف‬
‫لروايتها (النباتية)‪ ،‬وترشّ ح روايتها الثانية (الكتاب األبيض)‬ ‫كتاب‪ ،‬بل هو رحلة سنوات من البحث والقراءة والغوص في‬
‫للقائمة القصيرة لجائزة مان بوكر ‪2018‬م‪ ،‬تصدر رواية (أفعال‬ ‫زمن تغيّر فيه كل شيء على يد اإلنسان المعاصر الذي حوّل كل‬ ‫ٍ‬
‫شيء إلى آلة‪ ،‬مبررًا ذلك بشروط الحداثة المزعومة وسطوتها‬
‫بشرية) للكاتبة الكورية هان كانغ‪ ،‬بترجمة مباشرة من الكورية‬
‫على القلب‪ .‬لقد تحول اإلنسان إلى كائن جريح يتسوّل العاطفة‬
‫من المترجم المصري محمد نجيب ويصدر عن دار التنوير‬ ‫والشفقة والحنين إلى حضن دافئ وإلى لحظة حبٍّ ولو عابرة‪.‬‬
‫ببيروت‪.‬‬ ‫والثقافة االستهالكية والرأسمالية غيرت وجه عالقاتنا بما‬
‫‏رواية عن الراحلين والباقين والعالقين بين الرحيل والبقاء‪.‬‬ ‫يتجاوز االعتراف‪ ،‬فقد شجع االختيار من المواعدة عبر‬
‫قصة يرويها أحياء عن أموات وأموات عن أحياء‪ .‬مرثية حزينة‬ ‫اإلنترنت الناس على أن يكونوا «متسوقين»‪ -‬مطالبين‪ ،‬مقارنة‬
‫وشهادة جريئة عن انتفاضة مدينة غوانغجو الطالبية في عام‬ ‫البدائل‪ ،‬ويحاولون دائمًا الحصول على صفقة أفضل‪.‬‬
‫لك ّن الحب‪ ،‬مثله مثل كل شيء في األنظمة الليبرالية الحديثة‪،‬‬
‫‪1980‬م‪ ،‬والمعروفة بانتفاضة الثامن عشر من مايو‪ .‬سرد‬
‫لديه مقابل مادي وسوق خاصة وضحايا بالماليين‪ .‬تُحاول إيفا‬
‫لتفاصيل االنتفاضة في الذكرى األربعين لها‪ ،‬والتي تُعد إحدى‬ ‫إيلوز أن تتناول الحب من زوايا سوسيولوجيّة وفلسفية وأدبية‪،‬‬
‫أهم الحركات الطالبية الدموية التي شهدها العالم في أعقاب‬ ‫وتعتمد في بحثها على مساءلة تداعيات الحداثة واألنظمة‬
‫الحرب العالمية الثانية‪.‬‬ ‫الرأسمالية على عواطف اإلنسان وحياته اليومية‪ ،‬فتأخذنا في‬
‫ال تقع هان كانغ في فخ السرد التاريخي الممل‪ ،‬بل تحكي‬ ‫رحلة شيقة داخل أعماقنا‪ ،‬محاولة أن تتلمس الجرح قلي ًال‬
‫وأن تحاو َل رتقه برقة دون أن توقظ في داخلنا آالمنا الخفيّة‬
‫قصصا شديدة الخصوصية‪ ،‬ولكنها عالمية في إنسانيتها‪.‬‬ ‫ً‬
‫وأسئلتنا التي ال تتوقف أبدا‪.‬‬
‫تواصل كانغ توجيه أسئلتها المميزة ألسلوبها في النباتية‬ ‫كتاب مرجعي ومهم‪ ،‬ترجم إلى أكثر من عشرين لغة‪ ،‬وما يزال‬
‫والكتاب األبيض عن العنف البشري‪ ،‬وعن ثقل الضمير‬ ‫إلى اليوم محل بحث ونقاش في األوساط األدبية واألكاديمية‬
‫وصعوبة أن تكون إنسانًا‪ ،‬وشقاء أن تكون ناجيًا‪.‬‬ ‫في العالم‪ .‬وهو الكتاب األول الذي يترجم للعربية ألستاذة علم‬
‫قيل عن الرواية في مراجعة الكتب في صحيفة النيويورك‬ ‫االجتماع إيفا إيلوز‪ ،‬أعظم مفكرة في القرن الواحد والعشرين‬
‫تايمز‪« :‬رواية تجبرك على قراءتها حتى النهاية‪ .‬موضوعها مهم‬ ‫حسب مجلة غرينيكا‪ .‬الكتاب حائز على جائزة علم اجتماع‬
‫العواطف ‪2014‬م ‪ ،ASA‬وتم الترحيب به باعتباره «أطلسً ا‬
‫نطاق عالمي وطريقة سردها مؤثرة بعمق‪ .‬ال تكف عن‬ ‫على ٍ‬
‫عاطفيًا» للقرن الحادي والعشرين‪ .‬وقالت عنه صحيفة دي‬
‫إيالمك ومطاردتك»‪ .‬وقالت عنها «‪« :»The Guardian‬تواجهنا‬ ‫رايت‪« :‬ال يمكن ألحد أن يناقش مسألة الحب دون الرجوع إلى‬
‫هان بأحد أهم أسئلة عصرنا‪ :‬ما اإلنسانية؟ شهادتها الجريئة‬ ‫هذا الكتاب»‪ .‬ترجمه المترجم والكاتب التونسي خالد حافظي‪،‬‬
‫مكان جيد للبدء منه في البحث عن إجابة»‪.‬‬ ‫ويصدر عن دار صفحة سبعة بالسعودية‪.‬‬

‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪134‬‬


‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫أنماط العمارة التقليدية‬


‫يف بلدة الغاط وتأهيلها سياحي ًا‬
‫(دراسة حالة)‬

‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬لطيفة بنت فيصل بن عبدالرحمن السديري‬


‫الناشر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬
‫السنة ‪2020 :‬م‬

‫تــزخــر المملكة الــعــربــيــة السعودية المناسبة للتعامل مع المناطق التراثية‬


‫بمنشآت تراثية‪ ،‬يمكن توظيفها سياح ًيّا المتدهورة؛ لتأهيلها والحفاظ عليها‪،‬‬
‫وثقاف ًيّا‪ ،‬لكنها تتناقص بسبب عوامل لتشجيع المشروعات االستثمارية؛ أما‬
‫عــديــدة منها اإلهــمــال‪ ،‬واإلزالـــة إلنشاء الفصل الثاني فاستعرضت المؤلفة فيه‬
‫دراســـات عالمية فــي إع ــادة التوظيف؛‬ ‫مبان حديثة مكانها‪.‬‬
‫ه ــذا الــكــتــاب يــمــثــل تــجــربــة عملية‪ ،‬وجاء الفصل الثالث بالدراسة التطبيقية‬
‫درســت فيه الباحثة العناصر المعمارية لتقويم المباني المعاد ترميمها وإعــادة‬
‫لبلدة الغاط القديمة في محافظة الغاط توظيفها‪ ،‬وذلــك باختيارها بيت الملحم‬
‫بمنطقة الرياض لتكون محورًا لدراسة بالغاط القديمة كأنموذج إلعادة الترميم‬
‫تطبيقية‪ ،‬فــي واحـ ــدة مــن مــشــروعــات والتوظيف‪ ،‬واستعراض الدور الذي يمكن‬
‫عديدة للهيئة العامة للسياحة والتراث أن يؤديه في توجيه الحركة السياحية‬
‫للمباني التراثية ذات العناصر المعمارية‬ ‫الوطني بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫استعرض الفصل األول مــواد البناء الجميلة‪ ،‬التي تحظى بها مواقع متعددة‬
‫المستعملة في القرى التراثية واألساليب في المملكة‪.‬‬
‫‪135‬‬ ‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬
‫الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة‬
‫في ذم العزلة‬
‫■ صالح القرشي*‬

‫(العزلة أمرٌ جيد‪ ،‬ولكنك بحاجة لشخص ما لتخبره بذلك)!‬


‫عبارة تنسب لبلزاك‪ ،‬وال أعرف صحة هذه النسبة مطلقً ا‪ ،‬لكن العبارة تختصر ما يمكن‬
‫أن يقال عن العزلة‪.‬‬

‫وليس الهدف هنا الحديث عن ذلــك الشاعر‬ ‫وقــد نالت العزلة الكثير مــن إش ــادات ومديح‬
‫األدبـ ــاء فــي الــفــتــرة األخ ــي ــرة‪ ،‬تــزامــنــا مــع العزلة العظيم‪ ،‬فهو حديث يطول‪ ..‬لكننا لن نملك ونحن‬
‫االجــبــاريــة الــضــروريــة التي فرضتها االحــتــرازات نطالع سيرة المعري إال أن نصل إلى أنه َقـ َّل من‬
‫يطيق تلك العزلة الموحشة أو يريدها‪.‬‬ ‫الخاصة بمقاومة وباء كورونا‪.‬‬
‫أما الشاعرة األمريكية إيميلي ديكنسون‪ ،‬وهي‬ ‫لكن‪ ،‬يبدو لي أن العزلة المقصودة بالمديح هنا‬
‫واحــدة من أهــم شعراء أمريكا في القرن التاسع‬ ‫هي تلك العزلة النسبية أو المؤقتة التي يحتاجها‬
‫عشر‪ ،‬فقد ماتت ولم تعلم شيئا عن الصيت الذي‬ ‫األدي ــب مــن أجــل الــكــتــابــة‪ ،‬وه ــذه بــخــاف العزلة‬
‫استحقته بعد ذلك‪ ،‬فهي لم تنشر خالل حياتها سوى‬ ‫الدائمة التي هي في شكلها النهائي تمثل هروبًا من‬
‫ما يقارب العشر قصائد‪ ،‬ونشرتها بأسماء مستعارة‬ ‫المجتمع والحياة‪ ،‬وتمثل حالة مرضية ال أعتقد أن‬
‫ايضا‪ ،‬لكنهم وجدوا في غرفتها بعد وفاتها ما يزيد‬ ‫أحدًا من األدباء يتمناها لنفسه حتى وإن أنتجت أدبًا‬
‫على (‪ )1700‬قصيدة!‬ ‫عظيمًا ومهمًا كحالة رهين المحبسين المعري‪ ،‬أو‬
‫ومن يطالع سيرة هذه الشاعرة الكبيرة‪ ،‬سيجد‬ ‫حالة الشاعرة األمريكية إيميلي ديكنسن‪.‬‬
‫فصاحب رسالة الغفران‪ ،‬كان يعيش حالة من أنه أمام حالة مرضية واضحة‪ ،‬فقد الزمت منزلها‬
‫التوحد والــيــأس من الحياة‪ ،‬والــنــاس قادته لتلك منذ بدايات شبابها إلى أن توفيت وهي في عمر‬
‫(‪ )56‬عامًا‪.‬‬ ‫العزلة الرهيبة التي فرضها على نفسه‪.‬‬
‫تــقــول فــي قــصــيــدة (الــوجــع يحمل قطعة من‬ ‫يقول المعري في إحدى رسائله إلى خاله إنه (قد‬
‫خُ ل َق إنسيّ الوالدة‪ ،‬وحشيّ الغريزة)‪ ،‬وكان ينظر إلى الفراغ)‪ ..‬وهي من ترجمة فاطمة ناعوت‪ ،‬وموجودة‬
‫في الموسوعة العالمية للشعر على شبكة االنترنت‪.‬‬ ‫الجسد باعتباره سجن الروح فيقول‪:‬‬
‫(األلم يحمل قطعة من الفراغ‬ ‫ا َثــةِ ِم ــنْ ُسـ ُـجــونِ ــي‬ ‫(أَرَانِ ـ ــي فِ ــي ال ـ َث ـ َ‬
‫َف ـ ــاَ َت ـ ـ ْـسـ ـ ـأَلْ عَ ـ ـ ِـن الـ ـ َّنـ ـ َب ــأِ ال ـ َّن ــبِ ـ ْي ـ ِـث تلك التي ال يمكن تذكرها‬
‫متى بدأ األلم؟‬
‫أو هل ثمة يوم‬ ‫ـاظـ ــرِ ي‪َ ،‬و ُل ـ ـ ـ ــزُ ومِ َب ـ ْيــتِ ــي‬‫لِ ـ ِـف ــقْ ـ ِـدي َنـ ـ ِ‬
‫َو َكو ِْن النَّفْ ِس في الجَ سَ ِد الخَ بِ ي ِْث) لم يكن فيه األلم موجودً ا)‪.‬‬
‫* كاتب سعودي‪.‬‬
‫العدد ‪ - ٦٨‬صيف ‪١٤٤١‬هـ (‪٢٠٢٠‬م)‬ ‫‪136‬‬
‫من إصدارات اجلوبة‬
‫من إصدارات برنامج النشر في‬

‫صدر حديثاً‬

You might also like