You are on page 1of 6

‫درس األستاذ حاتم عبيد‪ّ :‬‬

‫نظرية التصميم‪1‬‬

‫جامعة صفاقس‬

‫املعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس‬

‫قسم التصميم‪ :‬السنوات األولى إجازة‬

‫األستاذ‪ :‬حاتم عبيد‬

‫ّ‬
‫نظرية التصميم‪1‬‬

‫)‪)Théorie du design1‬‬

‫‪2021-2020‬‬

‫‪1‬‬
‫درس األستاذ حاتم عبيد‪ّ :‬‬
‫نظرية التصميم‪1‬‬

‫ّ‬
‫(إنشائية التصميم)‬ ‫تكملة للدرس‪ :‬ج‪3‬‬
‫يتمتع بها الكائن البشر ّي‪،‬‬ ‫مما سبق ّأنه يمكن تعريف التصميم ّ‬
‫بأنه تلك القدرة التي ّ‬ ‫‪-‬الحاصل ّ‬
‫ّ‬
‫والتي بفضلها يستطيع أن يشكل محيطه‪ ،‬وينشئه بطرق لم تسبقه الطبيعة إليها‪ ،‬من أجل تلبية‬
‫ّ‬
‫التصميمية‬ ‫حاجاته وإضفاء املعنى والقيمة على حياته‪ .‬أجل‪ّ ،‬إن الهدف البعيد واألخير من املمارسة‬
‫هو تغيير املحيط وتطوير األدوات التي يستخدمها اإلنسان وباالستتباع تغيير اإلنسان ما بنفسه‬
‫وتطوير وضعه‪.‬‬

‫‪-‬اإلنسان كائن يالحق بال هوادة هدفا بعيدا‪ ،‬أال وهو تحقيق جميع اإلمكانات املتاحة للذات‪ ،‬وكسر‬
‫القيود التي تفرضها عليه الطبيعة واملحيط الذي يجد نفسه ملزما بأن يعيش فيه‪ .‬وكذلك األدوات‬
‫التي هي في حوزته أو التي يمكنه إعدادها‪ .‬وكونه كائنا فانيا‪ .‬فليس التصميم في نهاية األمر سوى مسار‬
‫ّ‬ ‫بشري ّ‬
‫عام يستخدمه اإلنسان‪ ،‬لكي يفهم العالم ويشكله على الهيأة التي تجعله مريحا لإلقامة‬
‫ومساعدا على العيش الكريم‪.‬‬
‫‪“Design can be defined as the human capacity to shape and make our environment in ways‬‬
‫‪without precedent in nature, to serve our needs and give meaning to our lives”.‬‬

‫‪“Design is the human power of conceiving, planning, and making products that serve human‬‬
‫‪beings in the accomplishment of their individual and collective purposes”.‬‬

‫ّ‬
‫التصميمية‬ ‫في خصائص املعرفة‬
‫ّ‬
‫التصميمية‪ :‬ما طبيعتها؟ وهل هي مختلفة‬ ‫نظرية التصميم أن ّ‬
‫توضح لنا هذه املعرفة‬ ‫‪-‬من أدوار ّ‬
‫اإلنسانيات)؟ وكيف يمكن اكتسابها وتطويرها عند‬‫ّ‬ ‫عن املعارف األخرى (العلوم‪-‬التكنولوجيا‪-‬‬
‫ّ‬
‫املتعلمين؟‬
‫‪-‬يعتبر بروس أرشر (‪ )Bruce Archer‬من أبرز املدافعين عن الفكرة القائلة بوجود طريقة ّ‬
‫خاصة‬
‫ّ‬
‫املصممين في تحصيل املعرفة (‪ )way of knowing‬وفي التفكير (‪ .)way of thinking‬وكان ذلك في‬ ‫لدى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أواخر السبعينات من القرن العشرين وتحديدا في العدد ّ‬
‫تصميمية" الصادر‬ ‫األول من مجلة "دراسات‬
‫عام ‪.1979‬‬
‫ّ‬
‫التصميمي (‪ )Design‬الذي يعتبره مجاال‬ ‫‪-‬دعا أرشر إلى فتح مسلك ثالث في التعليم هو املسلك‬
‫يتفرع عنه‬ ‫ّ‬
‫العلمي وما ّ‬ ‫شاغرا (‪ )vacant plot‬والذي يجب أن يضاف إلى املسلكين السائدين‪ :‬املسلك‬

‫‪2‬‬
‫درس األستاذ حاتم عبيد‪ّ :‬‬
‫نظرية التصميم‪1‬‬

‫أدبية‬ ‫يتفرع عنه من شعب ّ‬ ‫األدبي وما ّ‬ ‫ّ‬ ‫العد‪/‬الحساب)‪ ،‬واملسلك‬ ‫علمية (تطوير مهارة ّ‬ ‫من شعب ّ‬
‫مهارتي القراءة والكتابة)‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫وإنسانية (تطوير‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويذهب أرشر إلى ّ‬
‫أن التلميذ في هذا املسلك يتعلم كيف يركب ويصنع‪ ،‬وكيف ينش ئ األشياء‪ .‬األمر‬
‫ّ‬ ‫يتعلق إذن بمهارة‪/‬كفاءة أخرى ّ‬ ‫ّ‬
‫متأصلة في الفرد لم يعرها نظام التعليم اهتماما‪ ،‬نعني بذلك‬ ‫فطرية‬
‫يتم التعبير عنها بطرق في التشكيل‬ ‫القدرة على الصوغ والقولبة والتشكيل (‪ )modelling‬والتي ّ‬
‫املصمم (تصميم الفضاء‪ ،‬تصميم غر ّ‬
‫افيكي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والتمثيل تختلف بحسب املجال الذي يشتغل فيه‬
‫تصميم املنتوج‪ ،‬تصميم املوضة‪ .)...‬ومن هذه الطرق اعتماد الرسوم (‪ )drawings‬والخطاطات‬
‫البيانية (‪.)diagrams‬‬ ‫ّ‬ ‫التمهيدية الص ِغيرة (‪ )sketches‬والرسوم‬ ‫ّ‬ ‫وال َنماذج‬
‫العلمية) هي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫األدبية‪ ،‬الثقافة‬ ‫‪-‬نحن أمام ثقافة أخرى مختلفة عن الثقافات السائدة (الثقافة‬
‫ّ‬ ‫الصن ّ‬ ‫تتعلق باملنتجات ْ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافة ّ‬
‫عية (‪ )artefacts‬من جهة إنتاجها واستخدامها‪ ،‬وما يتطلبه‬ ‫املادية التي‬
‫صنعها من مهارات‪ ،‬وما يكون لها على مستخدميها من آثار‪.‬‬
‫املصمم‬ ‫ّ‬ ‫الكيفية التي يعالج بها‬‫ّ‬ ‫التصميمية‪ ،‬ليفهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالعملية‬ ‫اهتم نايجل كروس (‪)Nigel Cross‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املصمم على بناء القوالب والنماذج املصغرة‬ ‫املصممون؟ وقد وجد كروس في قدرة‬ ‫مسائله‪ :‬كيف يعمل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السمة ّ‬
‫فاملصمم يتعلم كيف يفكر داخل‬ ‫التصميمي‪.‬‬ ‫املميزة لهم والتي يكمن فيها أساس العمل‬
‫مجسمات ّ‬ ‫ملتطلبات املستخدم إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتحول فيها النماذج ّ‬ ‫الخطاطات التي يرسمها والتي ّ‬
‫تجسد‬ ‫املجردة‬
‫صناعية‪ ،‬أي نوعا من الرموز التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫منتجا اهنا‪ّ .‬‬
‫تحول األفكار إلى أشكال‬ ‫املصمم ههنا يتعلم لغة‬ ‫فكأن‬ ‫ر‬
‫ّ‬
‫ومخططات‪.‬‬
‫تصميمي إلى آخر‬ ‫ّ‬ ‫تتجسد في تلك الرموز التي تختلف من مجال‬ ‫التصميمية في املعرفة ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬فالطريقة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املصمم الغرافيكي‪ .) .،‬ومثلما توجد عند جميع املتكلمين‬ ‫الصناعي‪،‬‬ ‫مصمم املنتج‬ ‫(مصمم املوضة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬
‫املصممين‬ ‫لغوية تمكنهم من "تصميم" الرموز اللغوية وتركيب الجمل‪ ،‬هناك قدرة كامنة تمكن‬ ‫كفاءة‬
‫ومجسمات‪.‬‬‫ّ‬ ‫لتتحول إلى خطاطات ورسوم ّ‬
‫بيانية‬ ‫ّ‬ ‫من تصميم تلك الرموز‪،‬‬
‫تصميميا ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يتمثل في األخير في أن يبلغ "فكرته"‪ ،‬أو ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫معينا‪ .‬ويكون ذلك‬ ‫قل مقترحا‬ ‫املصمم‬ ‫‪-‬فهدف‬
‫وجزئيات‬ ‫ّ‬ ‫يقدم تفاصيل‬ ‫عاما للمنتج‪ ،‬وبعضها ّ‬ ‫تصورا ّ‬ ‫يقدم ّ‬ ‫عبر رسم أو مجموعة من الرسوم بعضها ّ‬
‫ّ‬
‫التقريبية‬ ‫أن الرسوم‬ ‫وتتضح معالم املقترح‪ .‬ويعتبر كروس ّ‬ ‫حتى تصل الفكرة ّ‬ ‫تخص ذلك املنتج‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تمثل جزءا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الطبيعي‬ ‫الذهني‬ ‫مهما من املسار‬ ‫املصمم (‪)sketchings‬‬ ‫واملخططات التي يضعها‬
‫ويحولها إلى ش يء‬ ‫ّ‬ ‫يطور فكرته‬ ‫املصمم‪ ،‬وهو ّ‬ ‫ّ‬ ‫حوارية يعيشها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وضعية‬ ‫التصميمي‪ ،‬وتعتبر نوعا من‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫التصميمي‬ ‫مجسد‪ .‬ووضع هذه املخططات والرسوم مرحلة ال ّبد منها إلدراك النقطة األخيرة في املسار‬ ‫ّ‬

‫‪3‬‬
‫درس األستاذ حاتم عبيد‪ّ :‬‬
‫نظرية التصميم‪1‬‬

‫ّ‬
‫تتمثل في تقديم نموذج ّ‬
‫مثالي (‪ )prototype‬للمنتج‪/‬الغرض الذي قد يكون فضاء‪ ،‬أو منتجا من‬ ‫التي‬
‫املنتجات يقوم صاحب املصنع بصنعه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املصممون‬ ‫التصميمي‪ :‬محاولة لفهم كيف يفكر‬ ‫التفكير‬
‫ّ‬
‫سيتدعم في ثمانينات القرن‬ ‫ّ‬
‫املصمم أثناء عمله‬ ‫ّ‬
‫التصميمية وما يقوم به‬ ‫ّ‬
‫بالعملية‬ ‫‪-‬االهتمام‬
‫ّ‬
‫التصميمي (‪ )design thinking‬ستعمل‬ ‫العشرين‪ .‬ففي هذه الفترة ستظهر دراسات تعرف بالتفكير‬
‫ّ‬
‫اإلبداعية الخاصة بالتصميم‪،‬‬ ‫ّ‬
‫العملية‬ ‫بدورها على إنارة هذا الجانب الغامض والكشف عن مسار‬
‫يلفها كثير من الغموض‪.‬‬ ‫حتى تكون مفهومة ال ّ‬ ‫ّ‬
‫التفكر‪ .‬ولكن ّ‬‫ّ‬
‫أي نوع من التفكير‬ ‫‪-‬التصميم وفق هذه الدراسات ممارسة للتفكير‪ ،‬أو قل منهجا في‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫يقسم تيم براون (‪ )Tim Brown‬الذي ي ّ‬ ‫هو؟ ّ‬
‫عد من أبرز ممثلي هذا النوع من الدراسات الطريقة‬
‫ّ‬
‫اإلبداعية الجديدة إلى ثالث مراحل‪:‬‬
‫املصمم حاجات األفراد‪ ،‬وما يمكن أن يجعل حياتهم أكثر يسرا‬ ‫ّ‬ ‫‪ -1‬مرحلة أولى تقوم على معاينة‬
‫مدعو إلى أن يرهف السمع للثقافة التي ينتمي إليها والسياق الذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فاملصمم في هذه املرحلة‬ ‫ومالءمة‪.‬‬
‫يوجد فيه‪ .‬فهذان هما مصدر إلهامه‪ .‬وإذا كانت هناك فكرة جديدة‪ ،‬فمصدرها املستعملون الذين‬
‫ّ‬ ‫تام وأن يضع نفسه في موضعهم‪ّ ،‬‬ ‫املصمم أن يكون معهم في انسجام ّ‬ ‫ّ‬
‫حتى يستطيع أن يفكر‬ ‫يحاول‬
‫ّ‬
‫بالطريقة التي يفكرون بها‪ ،‬ويرى العالم من الزاوية التي يرونه منها‪ .‬فليس مدار األمر على منتج يبحث‬
‫ّ‬
‫الحقيقية وانتظاراتهم‬ ‫املصمم عن السبل الكفيلة ببيعه للمستخدمين‪ ،‬بل على فهم عميق لحاجاتهم‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الواقعية ال الزائفة‪.‬‬
‫املصمم إلى التجريب باعتباره أداة لتوليد األفكار‪ .‬وعلى خالف ما كان‬ ‫ّ‬ ‫‪-2‬مرحلة ثانية ّ‬
‫يتحول فيها‬
‫ّ‬
‫التصميمي ليس‬ ‫ّ‬
‫التصور‪ .‬فالعمل‬ ‫أن تحقيق الفكرة وتجسيدها يسبقان مرحلة‬ ‫سائدا‪ ،‬يرى تيم براون ّ‬
‫املصمم ينش ئ ّ‬
‫مجسمات‪/‬نماذج‬ ‫ّ‬ ‫ييهئ للتفكير‪ .‬معنى ذلك ّ‬
‫أن‬ ‫ثم عمال‪ .‬بل هو أيضا عمل ّ‬ ‫فقط تفكيرا ّ‬
‫ّ‬
‫فاملجسم‬ ‫ّ‬
‫التصور (‪.)idéation‬‬ ‫مؤمثلة كثيرة قبل أن يقترح فكرة ّما‪ .‬وهذه هي مرحلة‬
‫مقولبة‪/‬نماذج ْ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وتتولد منه‪ .‬وعلى قدر ما ّ‬ ‫ّ‬
‫املصمم‬ ‫يجرب‬ ‫النموذجي يحيل على جملة من األشياء‪ .‬واألفكار تستلهم‬
‫ويطور ّ‬
‫مجسماته‪ ،‬تتناسل األفكار وتتكاثر‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪ -3‬مرحلة ثالثة هي مرحلة التنفيذ (‪ )la mise en œuvre‬التي يدعو براون إلى أن يترك جانب كبير منها‬
‫فعلية للمستهلكين في هذه املرحلة‪ .‬ففي مرحلة اإلنجاز‬ ‫املصمم‪ ،‬مثلما يدعو إلى مشاركة ّ‬
‫ّ‬ ‫إلى يد‬
‫ّ‬
‫تشاركي ينخرط فيه عدد كبير من األفراد‪ .‬وهذا‬ ‫(‪ )implémentation‬هذه ّ‬
‫يتحول التصميم إلى نظام‬
‫‪4‬‬
‫درس األستاذ حاتم عبيد‪ّ :‬‬
‫نظرية التصميم‪1‬‬

‫تبناه صائب‪ّ ،‬‬


‫وأنه ّ‬
‫يتعين عليه الفعل‬ ‫أن االختيار الذي ّ‬
‫يطمئن لفكرته‪ ،‬ويشعر ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫املصمم‬ ‫ما يجعل‬
‫واإلنجاز‪.‬‬
‫ّ‬
‫واإلنسانية‬ ‫ّ‬
‫العلمية‬ ‫ّ‬
‫التصميمية واملعارف‬ ‫في الفرق بين املعرفة‬
‫نذكر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بأن العلم ينشد تحقيق الفهم‪ .‬ويستند في ذلك إلى املالحظة وأدوات القيس‬ ‫العلمية‪:‬‬ ‫‪ -‬املعرفة‬
‫أن الفهم الذي‬ ‫النظرية بمزيد من املالحظات والتجارب‪ .‬ومن الواضح ّ‬ ‫ّ‬ ‫النظرية واختبار تلك‬ ‫ّ‬ ‫وصياغة‬
‫يظل مرتهنا بما تسمح له من مالحظته‪ ،‬أي بما يقع في حدود مالحظة رجل العلم‪،‬‬ ‫يمكن للعالم تحقيقه ّ‬
‫يتوفر له من أدوات قيس وما يتاح له من ّ‬ ‫ّ‬
‫نظريات موجودة في عصره‪ ،‬وبمدى إمكان اختبار النتائج‬ ‫وبما‬
‫وتمحيصها‪.‬‬
‫ّ‬
‫اإلنسانية‪ .‬فأصناف األدب وأنواع‬ ‫موجه إلى القيم‬‫واإلنسانية‪ :‬فاالهتمام فيها ّ‬
‫ّ‬ ‫ّأما املعرفة األدب ّية‬
‫اإلنشائي واملمارس ّي لسائر الفنون‬
‫ّ‬ ‫أن الجانب‬ ‫الروحي لإلنسان‪ .‬ومن الواضح ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعبر عن الجانب‬ ‫الكتابة ّ‬
‫اإلنسانيات (علوم االجتماع‪ ،‬علم التاريخ‪ ،‬علوم النقد‬ ‫ّ‬ ‫ال يعني هذا الصنف من املبدعين‪ .‬ومنهج‬
‫التأويلية القائمة على ّ‬
‫التأمل والنقد والتقويم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫األدبي‪ )...‬قائم باألساس ّمعلى مجموعة من املعارف‬ ‫ّ‬
‫وقد انتهى كروس‪-‬بعد أن نقل عن غيره مجموعة من األقوال‪-‬إلى استخالص أربع خصائص تم ّيز‬
‫محددة وغير واضحة املعالم‬ ‫العلمية‪-1 :‬يعالج التصميم مسائل غير ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التصميمية من املعارف‬ ‫املعرفة‬
‫ومحددة (‪-2 .)well-defined problems‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ّ .)ill-defined problems‬أما العلم فيتناول مسائل واضحة‬
‫الحل‪ ،‬وتقوم باألساس على توليد الحلول املمكنة واختبارها‪.‬‬ ‫تشدد على ّ‬ ‫اتيجيات ّ‬ ‫يتبنى استر ّ‬ ‫ملصمم ّ‬ ‫ا ّ‬
‫ّ‬ ‫تشدد على املشكل في ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّأما العلماء فيعتمدون استر ّ‬
‫املصممون نوعا من‬ ‫حد ذاته‪-3 .‬يستعمل‬ ‫اتيجيات‬
‫ّ‬
‫املصمم يبادر‬ ‫يفسر لنا كيف ّ‬
‫أن‬ ‫باإلبداعي واملنتج (‪ .)abductive thinking‬وهو ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫التفكير يعرف‬
‫مجردة‪ ،‬والعلم الذي يبحث في‬ ‫يهتم بأشكال ّ‬ ‫باستحداث أشكال جديدة‪ ،‬على عكس املنطق الذي ّ‬
‫أن شيئا ّما يمكن أن يكون‬ ‫اإلبداعي يستعمل لالستدالل على ّ‬ ‫ّ‬ ‫األشكال املوجودة‪ .‬فالتفكير‬
‫(‪ّ .)something may be‬أما في العلم واملنطق فيغلب عليهما استعمال نوعين من التفكير‪ :‬تفكير قائم‬
‫أن شيئا ّما يجب أن يكون‬ ‫على االستنتاج (‪ .)deductive thinking‬وهو يستعمل لالستدالل على ّ‬
‫مقدمتين ونتيجة ّ‬ ‫املتركب من ّ‬ ‫ّ‬
‫(مقدمة‬ ‫(‪ .)something must be‬وأحسن على ذلك استخدام القياس‬
‫املترتبة على ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل إنسان فن‪ّ -‬‬ ‫كبرى‪ّ :‬‬
‫املقدمتين‪:‬‬ ‫الضرورية‬ ‫مقدمة صغرى‪ :‬سقراط إنسان‪-‬النتيجة‪:‬‬
‫سقراط فان بالضرورة)‪ ،‬وتفكير قائم على االستقراء (‪ )inductive thinking‬يستعمل لالستدالل على‬
‫َ‬ ‫أن شيئا ّما يمكن أن ّ‬ ‫ّ‬
‫نعممه على حاالت أخرى‪ .‬أحسن مثال على ذلك استخدام املثل الذي يرتبط في‬

‫‪5‬‬
‫درس األستاذ حاتم عبيد‪ّ :‬‬
‫نظرية التصميم‪1‬‬

‫كل حاثة شبيهة ‪ -4‬يستعمل‬ ‫ثم يقع استحضاره وتعميمه على ّ‬ ‫معينة ّ‬
‫(قصة املثل) ّ‬ ‫األصل بحادثة ّ‬
‫ّ‬
‫التشكيلية التي يمثلون بها الفضاء واألحجام‪ّ ...‬أما‬
‫ّ‬ ‫املصممون وسائط غير األلفاظ تعرف بالوسائط‬ ‫ّ‬
‫العلم‪ ،‬فلغته األرقام والرموز وكذلك األلفاظ‪.‬‬
‫ّ‬
‫العلمية واملعرفة‬ ‫مهمين ّ‬
‫يفرق بهما بين املعارف‬ ‫‪-‬يستعمل أالن فاندلي (‪ )Alain Findeli‬مصطلحين ّ‬
‫ّ‬
‫الطبيعية على سبيل املثال (هذا ينطبق‬ ‫ّ‬
‫التصميمية هما‪ :‬املوضوع (‪ )objet‬واملشروع (‪ .)projet‬فالعلوم‬
‫أيضا على علم البيئة الذي يشترك والتصميم في االهتمام بالبيئة واملحيط والذي يرمي إلى وضع ّ‬
‫نظرية‬
‫في التفاعالت الحاصلة بين اإلنسان واملحيط) تنظر إلى العالم باعتباره موضوعا يقوم رجل العلم‬
‫ّ‬
‫تحليلية (مثال‪ :‬تحليل‬ ‫ّ‬
‫وصفية‬ ‫مكونات وعناصر يقع وصفها وتحليلها‪ .‬فاملقاربة هنا‬ ‫بوصفه وتجزئته إلى ّ‬
‫موجه إلى ما هو ثابت وغير‬ ‫الكيميائية‪ .)H2O :‬فالبحث هنا ّ‬ ‫ّ‬ ‫مكوناته للوصول إلى تركيبته‬‫املاء إلى ّ‬
‫املصممون فالعالم في عيونهم مشروع قابل‬ ‫ّ‬ ‫متحول‪ ،‬الستخالص القوانين التي يشتغل بها العالم‪ّ .‬أما‬ ‫ّ‬
‫للتحسين والتغيير‪ .‬لذلك تراهم يعملون من أجل تغيير طبيعة التفاعالت الحاصلة بين اإلنسان‬
‫ومحيطه‪ ،‬لتحويلها إلى ما هو أحسن وأفضل (وهذا هو الفرق بين علم البيئة والتصميم)‪ .‬فمقاربتهم‬
‫املصممون ال يبحثون فيما يجري ويحدث في‬ ‫ّ‬ ‫تقوم على تشخيص املشاكل واقتراح الحلول‪ .‬وهم‪ ،‬أي‬
‫العالم‪ ،‬بل يبحثون فيما هو يجري بطريقة خاطئة في العالم‪ ،‬على أمل تغيير الوضع وتحسينه‪.‬‬
‫مما هي على الحاضر‬ ‫افية‪ ،‬وعينه على القادم أكثر ّ‬ ‫املصمم إلى العالم استشر ّ‬
‫ّ‬ ‫فالزاوية التي ينظر منها‬
‫والقائم‪.‬‬

‫‪6‬‬

You might also like