Professional Documents
Culture Documents
واقعنا المعاصر والغزو الفكري
واقعنا المعاصر والغزو الفكري
فلسطين -غـزة
الطبعة التاسعة
1427هـ2006 -مـ
1
المقدمة...
ن الحمد لله ،نحمده ،ونستعينه ،ونستغفره ،ونتوب إليه ،ونعوذ إ ّ
بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده الله فل مضل له،
ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له،
وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا ،وبعد...
ل ،ليس لهم وزن ول اعتبار، فلقد أصبح المسلمون اليوم كما ً مهم ً
ول شأن لهم بين المم والشعوب ،يتعرضون للذل والهوان والضياع،
يستفتى غيرهم-أعداؤهم -في رسم حاضرهم ومستقبلهم ،بل ويصنع
هذا الغير حاضرهم ومستقبلهم ،وسبب ذلك تخلي المسلمين عن
مصدر القوة والعزة والسيادة والكرامة ،تخليهم عن السلم رسالة
ومنهجا ً ونظاما ً للحياة ،لقد ضاع الدين الحق منا ،ضاع من واقعنا
ومجتمعاتنا ،ضاع من أخلقنا وسلوكنا ،ضاع من حركتنا مع الحياة
وتعاملنا مع الخرين .قال تعالى):ومن أعرض عن ذكري فإن له
معيشة ضنكا ً( سورة طه.124 :
ولقد تعرض المسلمون إلى حملة ظالمة من قبل الغرب الصليبي
والحقد اليهودي استهدفت تلك الحملة فكر المة السلمية ،وعقلها
وقلبها ،حملة فكرية تناولت حرمات عقيدة المة ورسالتها في الحياة،
كما تناولت مقدسات أخلقها وقيمها الدينية الصيلة ،بالهدم والتقويض،
والتشويه وإثارة الشبهات والشكوك.
وقد بدأ المفكرون السلميون بحمد الله بمجاهدة أعداء الله
تعالى جهادا ً فكريًا ،من خلل كتاباتهم ومؤلفاتهم وبحوثهم ومقالتهم،
ومن هنا رأيت من واجبي أن أساهم في هذا المجال مسترشدا ً بخطى
هؤلء المفكرين الفذاذ.
ولما ك ُّلفت قبل عدة سنين بتدريس مادتي )حاضر العالم
السلمي( و)السلم والمذاهب المعاصرة( من قبل كلية أصول
الدين بالجامعة السلمية بغزة ،قمت بكتابة هاتين المادتين في
مذكرات كنت أمليها على طلبي وطالباتي ،ولما رأيت أن الحاجة
2
تتطلب إخراج هذا العمل في كتاب يكون متناول ً بين أيديهم ،عزمت
على ذلك بعد أن استكملت الكتابة في جوانب الموضوعات والعناصر
كلها ،مراعيا ً التصنيف والتبويب والتقسيم سالكا ً المنهج العلمي في
ذلك.
والله تعالى أسأل أن يكتب لي الجر والثواب ،وأن ينفع به طلب
العلم ،ودعاة الحق وأهله .وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،
والصلة والسلم على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه وعلى
من اتبع منهاجه بإحسان إلى يوم الدين.
3
الباب التمهيدي
4
الباب التمهيدي
الفصل الول
الجاهلية معناها وخصائص المجتمعات الجاهلية
المقدمة…
شاع في الجزيرة العربية والعالم أجمع قبيل بعثة النبي صلى الله
عليه وسلم الفساد والجهل والخرافة والوهم ،والنحراف في تصور
الحقيقة اللهية ،وعلقة النسان بالله ،وعلقة الله بالكون والحياة
والنسان .كانت الصنام والوثان ُتعبد إلى جوار الله حول الكعبة وغيرها
كانت قوانين الجاهلية وأعرافها تحكم حياة الناس ،كانت الهواء تسيطر
على تصرفات الناس وسلوكهم ،كان الطواغيت والكهنة وسدنة الصنام
ضاعين للشرائع والعراف والتقاليد ،يحّرمون ما يشاءون ،ويحّلون ما و ّ
يشاءون وفق أهوائهم ومصالحهم الذاتية وكانت تسود الشهوات من
الخمر والنساء والميسر ،والقتل والسلب والنهب ،والغارات والثأر
والعدوان على الناس .لقد كان الناس في جاهلية جهلء ،وضللة عمياء.
ولقد بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ليحارب
الفساد والجهل والخرافات والوهام وليصحح للناس تصوراتهم
العتقادية في الله وعلقته بالكون والنسان والحياة وليقيم دولة
السلم في نفوس الناس وفي واقعهم .وفي سبيل ذلك تحمل صلى
الله عليه وسلم كل أصناف اليذاء والضطهاد ،وجاهد الكفار
والمنافقين ،لقد قام بمهمته خير قيام حتى أتاه اليقين والتحق بالرفيق
العلى.
وحمل الصحابة والتابعون مشعل الهداية والعلم والمعرفة للناس
دون تفريق أو تمييز ،فحّرروا العقول من الوهام والخرافات ،وحّرروا
ظلت دولة السلم قائمة في نفوسهم النفوس من الذل والستعباد .و ّ
ومجتمعاتهم .ولما اتسعت الفتوحات السلمية ودخلت في السلم
شعوب كثيرة ،ذات مذاهب وعقائد وفلسفات مختلفة ،وكثير من هؤلء
دخلوا في دين الله تعالى مستسلمين لحكامه وأوامره ،وعاملين
5
بشرائعه وأنظمته ،إل أنه بقيت بعض رواسب المعتقدات السابقة في
ضحون للناس حقائق العقيدة أذهان بعض الناس ،فقام علماء السلم يو ّ
وأسس التصور ،ويدفعون في وجه الشبهات والشكوك التي يثيرها
أعداء السلم وخصومه.
وظل المسلمون يعيشون في مجتمعهم السلمي ولهم كيانهم
ب الضعف السياسي المستقل حتى مطلع القرن التاسع عشر ،حيث د ّ
في جسم الدولة السلمية ،وبدأت سلطة الخلفة تضعف على بعض
أقاليم الدولة السلمية ،وحدثت الحروب الطاحنة بين الدولة وأعدائها.
وفي النصف الول من القرن العشرين سقطت الخلفة السلمية
وازدادت غفلة الناس عن التفقه في الدين والبعد عنه ،وتعرض العالم
السلمي إلى غزو استعماري استهدف الوطان والعقول ،فازداد
المسلمون جهل ً على ما بهم من جهل ،حيث شاعت الخرافات
والوهام ،وانتشرت العادات والتقاليد الغربية الوافدة ،وباختصار عادت
الجاهلية من جديد.
6
تمهيد في معنى الجاهلية:
يستكثر كثير من الناس أن نصف الوضاع السائدة في معظم
أرجاء الرض اليوم بأنها )جاهلية( ،ويحسبون ذلك تزيدا ً ل يليق،
)(1
ووصفا ً خاطئًا ،ل يتناسب مع واقع الحال.
والسبب في ذلك أنهم يفهمون من الجاهلية صورة معينة ،يرونها
غير منطبقة على الواقع اليوم ،فينبغي أول ً أن نفهم حقيقة الجاهلية،
لنرى مدى انطباقها على هذا الواقع أو ُبعدها عنه.
ولنعلم -بادئ ذي بدء -أن لفظ )الجاهلية( مصطلح قرآني ،وهذه
الصيغة بالذات -صيغة "الفاعلية" -لم ترد في استعمال العرب قبل
ل" ،وتصريفاته جهِ َ
نزول القرآن الكريم ،فقد استخدموا الفعل " َ
المختلفة ،واستخدموا المصدر "الجهل" و"الجهالة" ،ولكنهم لم
يستخدموا صيغة "الفاعلية" )جاهلية( ،ول هم وصفوا أنفسهم ول
غيرهم بأنهم "جاهليون" .إنما جاء وصفهم بهذه الصفة في القرآن
الكريم ،وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمصطلح القرآني -كل مصطلح قرآني -هو استخدام خاص للفظ
من اللفاظُ ،يخصصه بمعنى معين ،ل ُيفهم من المعنى اللغوي على هذا
النحو الخاص إل بتخصيص القرآن الكريم له ،وإن كان يدخل -بداهة-
في إطار المعنى العام.
فالصلة في اللغة مثل ً هي الدعاء ،والزكاة هي الطهارة ،والدين هو
ما يعتقده النسان ويدين به ،واليمان هو التصديق.
ولكن "الصلة" في المصطلح القرآني ،هي تلك الهيئة الخاصة التي
يقف فيها النسان بين يدي موله ،متجها ً وجهة معينة ،راكعا ً ساجدا ً
قائما ً قاعدا ً داعيا ً مسبحا ً كما أمر الله ،وكما أمر رسوله صلى الله عليه
وسلم.
و"الزكاة" هي تلك النسبة المعينة التي يؤديها المسلم من ماله
لتنفق في مصارفها المحددة في كتاب الله.
-1هذا المبحث مستفاد عمن كتمماب :رؤيممة إسملمية لحمموال العمالم المعاصممر محمممد
قطب ص .21-13
7
و"الدين" هو السلم -إسلم الوجه لله -وما يستتبعه من شهادة أل
إله إل الله ،وأن محمدا ً رسول الله ،وإقام الصلة ،وإيتاء الزكاة ،وصوم
رمضان ،وحج البيت من استطاع إليه سبي ً
ل.
واليمان هو اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر
)(1
خيره وشره ،وما يقتضيه ذلك من أعمال القلب وأعمال الجوارح.
فإذا ذكر لفظ الصلة أو الزكاة أو الدين أو اليمان لم ينصرف ذهن
المسلم إلى المعنى اللغوي العام ،إنما ينصرف ذهنه ابتداء إلى المعنى
الصطلحي الذي ورد في كتاب الله ،وفي سنة رسول الله صلى الله
عليه وسلم.
و"الجاهلية"-كسائر المصطلحات القرآنية -لها معناها المحدد ،الذي
يدخل بطبيعة الحال في إطار المعنى اللغوي العام ،ولكنه يتخذ دللته
المحددة من استخدام القرآن له ،وتحديده لمعناه.
الجاهلية لغة-:
جاء في معاجم اللغة:جهل ضد علم ،والجهل ضد العلم .فالجاهلية
لغة:هي عدم العلم ،أو عدم إتباع العلم .يقول شيخ السلم ابن
تيمية في بيان المعنى اللغوي للجهل" :هو عدم العلم ،أو عدم إتباع
ن من لم يعلم الحق فهو جاهل جهل ً بسيطًا ،فإن اعتقد خلفه العلم .فإ ّ
فهو جاهل جهل ً مركبًا .وكذلك من عمل بخلف الحق فهو جاهل ،وإن
علم أنه مخالف للحق".
وقد ورد اللفظ في كلم العرب بكل المعنيين -وبصفة خاصة في
المعنى الثاني الذي يفيد عدم إتباع العلم ،والعمل بما ُيخالف مقتضاه.
)(2
-1يقول السلف -وقولهم الحق -إن اليمان قول وعمممل.أممما المممرجئة -الممذي أخممذوا
المعنى اللغوي دون الصطلحي -فيقولون إنممه التصممديق والقممرار ،وليممس العمممل
داخل ً في مسمى اليمان ،وهو قول واضح البطلن.
" -2اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" .228-1/227
-3هو عمرو بن كلثوم.
8
فنجهل فوق جهل أل ل يجهلممن أحممد علينمما
الجاهلينا
ن الشاعر يستخدم الجهل بمعنى :نغضب غضبا ً شديدًا ،ونتصرف إ ّ
بما يمليه علينا الغضب من بطش وعدوان ،ول نقف عند الضوابط التي
حْلم.تحكم سلوكنا في حالة ال ِ
وحين يقول الشاعر الخر ):(1
عن الجهل بعد الحلم بكت عيني اليسرى فلما زجرتها
أسبلتا معًا!
فالشاعران العربيان يستخدمان الجهل:بمعنى السلوك غير المنضبط
بالضوابط اللئقة بمثله ،من صبر وكتمان ،وعدم إظهار للوعة السى
وفرط الحزن.
معنى الجاهلية اصطلحا-:
أما في القرآن الكريم فاللفظ يرد في معنى خاص ،وفي الحقيقة يرد
في معنيين محدديمن -1 :إما الجهل بحقيقمة اللوهية وخصائصها-2 ،
وإما السلوك غير المنضبط بالضوابط الربانية ،أي بعبارة أخرى :عدم
ل شأنه):وجاوزنا ببني إسرائيل البحر إتباع ما أنزل الله .فحين يقول ج ّ
فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم ،قالوا يا موسى اجعل لنا إلها ً
كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون( (2) .فالجهل المقصود هنا هو عدم
العلم بحقيقة اللوهية .إذ لو علموا أنه تعالى )ل تدركه البصار() (3وأنه
)ليس كمثله شيء( ) (4وأنه تعالى) خالق كل شيء( ) (5وليس بمخلوق،
ول صفاته تشبه صفات الخلق ،ما سألوا هذا السؤال الذي ينم عن
جهلهم بهذه المور كلها.
9
وحين يقول سبحانه وتعالى):وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ،يظنون
بالله غير الحق ظن الجاهلية ،يقولون هل لنا من المر شيء() (1فالذي
يعيبه الله على هذه الطائفة هو تصور معين لمر يتعلق بحقيقة اللوهية
هو تصورهم أن هناك من يمكن أن ُيشارك الله سبحانه وتعالى في
تدبير المر ،وجهلهم بأن ما يتم بالفعل هو إرادة الله وحده ،وتدبيره
وحده ،ل تدبيرهم هم ول تدبير غيرهم ،وأنهم سواء كانوا استشيروا أم
لم ُيستشاروا ،أخذ برأيهم أم لم يؤخذ به ،فليس لشيء من ذلك تأثير
في قدر الله وتدبيره ،كما تصوروا في جهالتهم .لذلك رد عليهم بقوله
تعالى):قل إن المر كله لله(.
وحين يقول تعالى) :وقال الذين ل يعلمون) (2لول يكلمنا الله أو
تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم ،تشابهت قلوبهم ،قد
بينا اليات لقوم يوقنون( (3).فالمقصود كذلك أن هؤلء الجاهلين أو
الجاهليين يجهلون أمرا ً يتعلق باللوهية ،وهو أن الله ل يكلم الناس إل
وحيا ً أو من وراء حجاب ،كما قال سبحانه):وما كان لبشر أن يكلمه
الله إل وحيا ً أو من وراء حجاب ،أو يرسل رسول ً فيوحي
ي حكيم( (4).وأنه تعالى ل ينزل اليات حسب بإذنه ما يشاء ،إنه عل ّ
أمزجة الناس ،إنما ينزلها حين يشاء سبحانه ،لحكمة يريدها ،فإذا أنزلت
ترتب عليها نتائجها ،وهي التدمير العاجل على الكافرين ،كما قال
)(5
سبحانه):ولو أنزلنا ملكا ً لقضي المر ثم ل ُينظرون(.
وحين يقول سبحانه على لسان يوسف عليه السلم):وإل تصرف
ب إليهن وأكن من الجاهليـن( (6).فالمعنمى عني كيدهن أصـ ُ
متعلق بسملوك غير منضبمط بالضوابمط الربانية ،وهو الصبو إلى ُ
10
النسوة ،ومخالفة أمر الله ،والوقوع فيما حرم الله وهو المر الذي
يخشى يوسف عليه السلم أن يقع فيه ،ويستعيذ بالله منه.
)(1
وحين يقول تعالى):ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى(.
فالمقصود كذلك سلوك غير منضبط بالضوابط الربانية ،وإتباع لغير ما
أنزل الله من وجوب التحشم وعدم إبداء النساء لزينتهن إل لمحارمهن.
وحين يقول جل شأنه):إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية
حمية الجاهلية( (2).فالمقصود سلوك غير منضبط بالضوابط الربانية،
التي تلزم النسان أل يقاتل إل في سبيل الله ،ول يقاتل حمية ،ول
عصبية ،ول لمر ُيغضب الله سبحانه وتعالى.
وأخيرا ً حين يقول سبحانه وتعالى):أفحكم الجاهلية يبغون،
ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون() .(3فالمر متعلق
مباشرة بإتباع غير ما أنزل الله من التشريع الذي قال الله فيه) :ومن
)(4
لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون(.
إذا ً الجاهلية مقابل معرفة الله والهتداء بهديه ،والحكم بما أنزل
الله في كتابه وعلى لسان رسوله ،وليست هي مقابل ما يسمى العلم
والحضارة المادية ووفرة النتاج .ولم يقل القرآن الكريم قط إن العرب
كانوا في جاهلية لنهم ل يعرفون الفلك والطبيعة والكيمياء والطب ،ول
لنهم ل يعرفون النظم السياسية ،ول لّنهم متأخرون في ميدان النتاج
المادي والعلمي ،ول لنهم خلوا من بعض الفضائل والقيم .إنما قال
كمون أهواءهم ،ويرفضون حكم الله .ولقد لهم :إنهم جاهليون لنهم يح ّ
أعطاهم الله تعالى البديل عن الجاهلية أل وهو السلم عقيدة وشريعة
ومنهج حياة.
من خلل ما سبق يتبين لنمما أن المعنممى "الصممطلحي" للجاهليممة،
الذي جمماء فممي كتمماب اللممه الكريممم ،خلصته هو :الجهــل بحقيقــة
11
اللوهية ،أي الجهل بما يجب لله سبحانه وتعالى مــن إخلص
العبادة-الظاهرة والباطنــة -لــه وحــده دون شــريك.بالضــافة
إلى السلوك غير الملتزم بالضوابط الربانية .وهي بهذا المعنممى
ليست محددة بزمن معين ،ول مكان معيممن ول قمموم معينيممن .إنممما هممي
تصورات معينة ،وسمملوك معيممن ،حيثممما وجممدت فهممي الجاهليممة بصممرف
النظر عن الزمان والمكان والقوم.
الجاهلية المعاصرة:
وبهذا المعيار الرباني ،نصف الجاهلية المعاصرة بأنها جاهلية!
والذين يظنون أن الجاهلية كانت فترة زمنية معينة في الجزيرة العربية،
انتهت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ،ولم يعد لها وجود في أي
مكان في الرض ،يغفلون عن الواقع الذي تعيشه معظم الرض اليوم،
كما يغفلون عن أقوال العلماء في هذا الشأن.
يقول ابن تيمية رحمه الله" :فإذا تبين ذلك) ،(1فالناس قبل مبعث
الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في حال جاهلية منسوبة إلى
جّهال،
الجهل ،فإن ما كانوا عليه من القوال والعمال إنما أحدثه لهم ُ
وإنما يفعله جاهل .وكذلك كل ما يخالف ما جاء به المرسلون من
يهودية ونصرانية فهو جاهلية .وتلك كانت الجاهلية العامة".
"فأما بعدما بعث الله الرسول صلى الله عليه وسلم ،فالجاهلية
المطلقة قد تكون في مصرٍ دون مصر ،كما هي في دار الكفار ،وقد
تكون في شخص دون شخص كالرجل قبل أن يسلم ،فإنه يكون في
جاهلية ،وإن كان في دار السلم".
"فأما في زمان مطلق فل جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله
عليه وسلم فإنه ل تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام
الساعة"" .والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين ،وفي
-1أي الشرح الذي شرح بممه معنممى الجاهليممة ،واشممتمالها علممى التصممورات الخمماطئة
والعمال المخالفة لما أنزل الله.
12
)(1
كثير من المسلمين."...
وخلصممة الكلم الممدقيق الممذي يقمموله ابممن تيميممة رحمممه اللممه أن
الجاهلية العامة التي تشمل كل وجه الرض قد انتفمت بعمد بعثمة محممد
صلى الله عليه وسلم لن الرض ل تخلو في أية لحظة من وجود طائفة
من أمته ظاهرين على الحق ،ولكن الجاهلية المطلقة )التامممة الكاملممة(
قد توجد في بعض البلد بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كما أن
الجاهلية المقيدة )أي التي ل تشمل كل شيء ول كل أحد( قد توجد في
بعض ديار المسلمين وفي كثير منهم.
13
من يقول بتعدد اللهة ،ويجعل لله تعالى ولدا ً وزوجة ،ومنها من يريد أن
يكون الله صورة محسوسممة ،ويجعلممون للممه تعممالى ابنمًا)وقممالت اليهممود
عزير ابن الله وقالت النصارى المسمميح ابممن اللممه() .(1ومممن المجتمعممات
من يعبد الّنار أو البقار ،أو النجوم والكواكب ،ومنها من يأَله الطبيعية أو
النسان ،أو المادة ..فأهل الجاهليمة يظنممون بمالله غيممر الحمق كممما قمال
تعالى عنهم) :يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية().(2
-جاهلية الحكم والتباع-:
ويلزم من عدم معرفة الله وعدم اليمان به تعالى وحده ل شريك
له ،جاهلية في الحكم ،أي عدم تحكيم شرع الله تعالى في واقع الحياة،
بممل تحكيممم ممما يشممرعه البشممر أنفسممهم وفممق طممواغيتهم،وأهمموائهم
وشممممهواتهم ،قممممال تعممممالى):أفحكممممم الجاهليممممة يبغممممون ومممممن
أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنممون() ،(3وقممال تعممالى) :قممل أفغيممر اللممه
تأمروّني أعبد أيها الجاهلون() ،(4وقال) :وممن لممم يحكممم بممما أنممزل اللممه
)(5
فأولئك هم الكافرون(.
ويترتب على ذلك أمران اثنان-:
مهم صرف الناس عن أولهما :وجود الطواغيت الذين يه ّ
نعبادة الله وحده ل شريك لـه وعدم تحكيم شـريعته -:إ ّ
الجاهليين يريدون من النماس أن يتجهوا إلى عبادة أولئك الطواغيت
والحكم بشمريعتهم .يقول الله عز وجل):يريدون أن يتحاكموا إلى
الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به() .(6وقال تعالى):الله ولي الذين
آمنوا يخرجهمم من الظلمات إلى النمور والذين كفروا أولياؤهم
14
الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات( (1).وقال):الذين آمنوا
)(2
يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت(.
وصورة الطاغوت تختلف من عصر إلى عصر ،ومن أمة إلى أمة،
والطاغوت قد يكون فردًا ،أو طائفة ،أو جماعة ،أو عرفًا ،أو حزبًا ،أو أي
قوة تستعبد الناس لها فل يملكون الخروج عن أوامرها ،والطاغوت
دائما ً يحرص أن يكون الولء لشخصه ولحزبه ومصالحه.
وثانيهما :إتباع الهواء وطاعتهمما مممن دون اللممه عممز وجممل ،يقممول اللممه
تعالى):وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع أهممواءهم() .(3ويقممول):ول
ل الل ّمهِ ل َهُ م ْ
م سِبي ِ
ن َ ضّلو َ
ن عَ ْ ن يَ ِ ن ال ّ ِ
ذي َ تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إ ّ
ب( ).(4ويقول تعالى):أفرأيت من اتخذ سا ِ
ح َم ال ْ ِ
سوا ي َوْ َ
ما ن َ ُ
ديد ٌ ب ِ َ ب َ
ش ِ عَ َ
ذا ٌ
إلهه هواه( ،(5).والهواء تختلف من عصر إلى عصر ومن بيئة إلممى بيئة،
ومن أمة إلى أمة ولكنها دائمما ً "همموى" فريمق ممن النماس يحكممون بممه
خر مممن أجلهمما سائر الناس ،ومصلحة معينة لفرد أو جماعة أو حزب يس م ّ
بقية الناس على حسب هواه.
-3جاهلية السلوك والخلق-:
المجتمع الجاهلي يكون فيه سلوك الفراد والجماعات بعيدا ً عن
المنهج السلمي بل يكون السلوك فيه وفق الهواء والشهوات ،خروجا ً
ما فطر الله عليه الناس ،فمثل ً قال الله تعالى مخاطبا ً النساء) :ول ع ّ
تبرجن تبرج الجاهلية الولى() ،(6فالخطاب ذم للسلوك الجاهلي
المشين المتمثل في تبرج المرأة وسفورها ،وإبداء زينتها لغير محارمها.
ن النجراف في تيار الشهوات :الشهوات أسبابها كامنة في إ ّ
فطرة النسان ،وهي أمر محّبب له ،قال تعالى):زين للناس حب
15
الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة
ن قدرا ً من
والخيل المسومة والنعام والحرث ذلك متاع الحياة (1).(...إ ّ
هذه الشهوات ضروري لقيام النسان بمهمة الخلفة التي تولها في
الرض ولكن عندما تزيد هذه الشهوات عن قدرها المعقول ،وتصبح
مسيطرة على كيان النسان مدمرة لكيانه ومبددة لطاقاته ،وصارفة له
عن مهمة الخلفة فإنها تهبط به عن مستوى النسان الكريم بتكريم
الله له إلى مستوى البهائم والنعام.
ن الذي يحد ّ من اندفاعها وسيطرتها على كيان النسان ،هي إ ّ
العقيدة في الله والحياة في ظل نظام يقوم على شريعة وأحكام الله،
ولكن الجاهلية التي ل تؤمن بالله ول تحتكم إلى شريعته فإن النسان
في ظلها يجرفه تيار الشهوات (2).وتجار الشهوات يريدون من الناس أن
يبتعدوا عن منهج الله ،قال تعالى):ويريد الذين يتبعون الشهوات أن
ً (3).
تميلوا ميل ً عظيما(
-4جاهلية رابطة التجمع والجتماع-:
إن رابطة التجمع في المجتمع الجاهلي رابطة فاسدة تقوم مثل ً
على القومية أو الوطنية أو المصالح المشتركة ،وقد يجتمع الناس على
أساس من اللون كما في التفرقة العنصرية التي سادت في أمريكا
وجنوب أفريقيا ،قال تعالى):إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية
حمية الجاهلية( (4).وقال صلى الله عليه وسلم لبي ذر لما عّير بلل بن
رباح بسواده) :إنك امرؤ فيك جاهلية(.
16
التالية-:
ل :التصور العتقادي الصحيح-: أو ً
ن السلم جاء لتصحيح التصورات والعتقادات ،ولتصحيح إ ّ
الوضاع القائمة ولبطال مقومات الجاهلية وسماتها ،لقد أقام السلم
المجتمع على تصور سليم ،وأسس متينة منبثقة عن التصور السلمي
لله ،وعلقته بالكون والنسان والحياة .ونستطيع القول أن التصور
العتقادي في المجتمع السلمي يقوم على السس الثلثة التالية:
-1العتقاد بأن الله تعالى وحده ل شريك له:هو الخالق الرازق المحيي
المميت ،الذي يملك النفع والضر.
-2إفراده تعالى بالعبادة والطاعة ،من :الستعاذة والرجاء والخوف
والرهبة والنابة والحب والتوكل والستعانة.
-3إفراده تعالى بالسماء الحسنى والصفات العل) :ليس كمثله شيء
وهو السميع البصير()) ،(1ولله السماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين
)(2
يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون(.
ثانيًا :الحاكمية لله وحده- :
لبد أن يكون حكم الله وحده هو السائد في المجتمع السلمي،
وإل فالمجتمع جاهلي )أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله
)(5
حكما ً لقوم يوقنون()) ،(3إن الحكم إل لله()) ،(4أل له الخلق والمر(.
إن سلطة التشريع والحكم لله تعالى ،فالحلل ما أحله في كتابه وعلى
لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ،والحرام ما كان محرما ً في دين
الله تعالى ،ول يملك واحد من الناس مهما بلغت مكانته أن يشّرع
للناس من تلقاء نفسه وحسب هواه ،والمسلمون في المجتمع
السلمي وظيفتهم تنفيذ حكم الله في واقع حياتهم كلها ،ووظيفة
17
العلماء أن يبينوا للناس حكم الله ،وأن يستنبطوا من كتابه وسنة
رسوله أحكاما ً لما يستجد من الوقائع والحداث.
ثالثًا :التجمع على أساس رابطة العقيدة-:
لقد جعل السلم آصرة التجمع رابطة العقيدة-رابطة الخوة
اليمانية -ل رابطة التراب والطين )إنما المؤمنون إخوة()،(1
)واعتصموا بحبل الله جميعا ً ول تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم
ً )(2
أعداًء فأّلف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا(.
لقد آخت العقيدة السلمية بين السود والبيض ،بين العربي
والحبشي ،والرومي والفارسي ،وقضت على الفوارق المصطنعة بسبب
اللون أو المال أو القومية ،قال تعالى) :إن أكرمكم عند الله
أتقاكم() (3ويقول صلى الله عليه وسلم) :ل فضل لعربي على أعجمي
ول لعجمي على عربي ،ول لبيض على اسود ،ول لسود على أبيض إل
بالتقوى ،كلكم لدم ،وآدم من تراب( (4).واقتلع عليه الصلة والسلم
جذور الجاهلية في التعصب ،وسد ّ كل منافذها فقال) :ليس منا من دعا
إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية ،وليس منا من مات على
عصبية() ،(5وحّرم حمية الجاهلية فقال) :دعوها فإنها منتنة((6).وقال
صلى الله عليه وسلم في حق سلمان الفارسي) :سلمان مّنا آل
البيت( ،وقال عمر رضي الله عنه في حق بلل بن رباح الحبشي:
)اعتق سيدنا سيدنا-يقصد صنيع أبي بكر مع بلل رضي الله عنهما(
واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلل ً مؤذنا ً ينادي المسلمين
جميعا ً للصلة ،وزّوج عليه السلم موله زيد بن حارثة امرأة شريفة من
أشراف قريش هي زينب ابنة عمته ،قال صلى الله عليه وسلم) :إذا
18
أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ،إل تفعلوا تكن فتنة في الرض
وفساد عريض() .(1قال تعالى) :إ ّ
ن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله(.
)(2
19
أحكام الله تعالى تطبق عليهم ،وقد يسعى هؤلء إلى الحاكم المسلم
طالبين إيقاع العقوبات المقررة شرعا ً في حقهم.
ما نزلت آيات تحريم الخمر في المدينة أسرع القوم إلى دلق إّنه ل ّ
ما عندهم من الخمر في الشوارع ،ومن كان بيده قدح ألقاه عن فيه
)(1
ما نزلت آيات ما سمع منادي رسول الله ينادي بتحريم الخمر ،ول ّ ل ّ
الحجاب أسرعت النساء إلى مروطهن يصنعن منها خمارا ً ساترا ً
لعوراتهن) .(2إنه المجتمع السلمي :مجتمع نظيف ،ذو سلوك مهذب،
وتصّرف منضبط بأحكام الله عز وجل.
):(3
صور للمجتمعات الجاهلية
ل :المجتمعات الوثنية-: أو ً
المجتمعات الوثنيممة القائمممة فممي هممذا القممرن -القممرن العشممرين-
مجتمعات جاهلية منهمما المجتمعممات الهنديممة واليابانيممة وغيرهمما فممي دول
أفريقيا وآسيا ،حيث تعبد اللهة الكثيرة العدد ،فالهند مثل ً فيها آلف مممن
اللهة ،إذ يعبدون كل شيء رائع وجذاب ،يعبدون آلت الحمرب والكتابمة
والمعممادن والنهمممار وآلت التناسمممل والحيوانمممات ،وأعظمهممما عبممممادة
عندهمممم البقممرة ،وأصممبحت الديانممة نسمميجا ً مممن الخرافممات والسمماطير،
والناشيد ،والعقائد ،والعبادات التي ما أنزل الله بها مممن سمملطان ،ولممم
يستسغها العقل السليم .وفي المجتمع الوثني يستمد الناس تصمموراتهم
العتقادية من الكهنة وسدنة الوثان ،أو من السحرة والعرافين.
20
ويحّرمون عليهم ما يشاءون ،ويشرعون لهم ما لم ينزل الله به
سلطانًا:وهم لهؤلء المشرعين مطيعون .وفي ذلك يقول الله تعالى:
)وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك
قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى
يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً من دون الله والمسيح ابن
مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها ً واحدا ً ل إله إل هو سبحانه عما يشركون(
)) ،(1لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد(،
)وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه
مبسوطتان ينفق كيف يشاء()) ،(2وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله
وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق() ،(3وقالوا):إن
)(4
الله فقير ونحن أغنياء(.
في المجتمعات اليهودية والنصرانية يستمد الناس تصوراتهم
العتقادية من الكتب المحرفة ،التي كتبتها أيدي الكهان والحبار ورجال
الدين ،وهي تصورات مشوبة بالخرافات والساطير ،والتي ل تقبلها
الفطرة السليمة والعقل الصريح ،وفي تلك المجتمعات يفرض رجال
الدين نفوذهم وسلطانهم البشري على الناس ،ويمارسون تجاههم
أنواعا ً من الطغيان العقلي والروحي.
21
الوحشي تجاه الشعوب الضعيفة ،إنها مجتمعات تمسخ الفطرة
وتفسدها بصرفها عن توجهها الفطري إلى عبادة الله الواحد الحد ،لقد
أفسدت فطرة الرجل وفطرة المرأة بدعوى المساواة وفتنة التطوير
وتحرير المرأة ،وأفسدت الحياة السرية بصرف المرأة عن رسالتها في
البيت والسرة ورعاية النشء ،وتنفيرها من قوامة الرجل لها ،وأفسدت
حياة الفراد النفسية والجتماعية بكثرة المنتجات المدمرة كالخمر
والمخدرات ،وأصبح الفرد يعيش انتكاسة هائلة في الجانب الروحي
والقيم المعنوية اللزمة للحياة السعيدة ،فهو يعاني في ظل تلك
المجتمعات من :القلق والجنون والمراض النفسية والعصبية والشذوذ
الجنسي ،وأخيرا ً النتحار.
22
يقول شيخ السلم ابن تيمية" :فأما بعدما بعث الله الرسول
صلى الله عليه وسلم ،فالجاهلية المطلقة قد تكون في مصر دون
مصر ،كما هي في دار الكفار ،وقد تكون في شخص دون شخص،
كالرجل قبل أن يسلم ،فإنه يكون في جاهلية ،وإن كان في دار
السلم...فأما في زمان مطلق فل جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله
عليه وسلم ،فإنه ل تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام
الساعة...والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين ،وفي
كثير من المسلمين").(1
وخلصة هذا القول لبن تيمية رحمه الله أن الجاهلية العامة التي
تشمل كل وجه الرض قد انتفت بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم
لن الرض ل تخلو أية لحظة من وجود الطائفة المسلمة التي تتمسك
بالحق الذي أنزله الله تعالى ،ولكن الجاهلية المطلقة التامة قد توجد
في بعض البلد بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول رحمه
الله) :وكذلك كل ما يخالف ما جاء به المرسلون من يهودية
ونصرانية فهو جاهلية( ،كما أن الجاهلية المقيدة أي التي ل تشمل
كل شيء ول كل أحد قد توجد في بعض ديار المسلمين وفي كثير
)(2
منهم.
ن أغلب أنظمة وزعامات هذه المجتمعات التي تدعي السلم إ ّ
اليوم تحارب الله تعالى في أخص خصائص اللوهية ،تحارب الله في
حاكميته والله يقول) :إن الحكم إل لله()) ،(3أل له الخلق والمر()) ،(4فل
وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم
23
حرجا ً ما قضيت ويسلموا تسليمًا())، (1أفحكم الجاهلية يبغون ومن
أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون().(2
إن زعامات هذه المجتمعات تتلقى التشريعات والنظمة والقوانين
من عند غير الله تعالى ،وتجعل بعض البشر أربابا ً من دون الله تعطيهم
سلطة التشريع وإصدار القوانين ،إنها مجتمعات يعلن زعماؤها
السياسيون ومفكروها أنه ل صلة للدين بالحكم والسياسة والقتصاد ،ل
صلة للدين بالحياة ،ويحارب هؤلء السياسيون كل من يدعو إلى تحكيم
شريعة الله في المجتمع ،ويقوم العلم -بوسائله المختلفة -بالصد ّ عن
حاكمية الله ونشر الفتراءات والشكوك حول منهج الله وشريعته .لقد
سادت القيم المادية وعمت المفاسد الجتماعية ،صار الحلل حرامًا،
ل ،والمعروف منكرا ً والمنكر معروفًا ،وأصبحت الوطنية- والحرام حل ً
التراب والطين-رابطة التجمع والجتماع عند كثير من الناس ،وأصبح
الولء للحاكم ولحزبه هو البديل عن الولء لله ولرسوله وللمؤمنين.
لقد عادت الجاهلية من جديد ،وعاش المسلمون في بلدانهم أغرابًا،
كثرت صور النحراف عن عقيدة التوحيد ،كما تعددت صور النحراف
عن الشريعة السلمية ،وضاعت كرامة المسلمين بين المم ،فما عاد
لهم وزن ول شأن ،أصبحوا يعانون من الضنك السياسي والقتصادي
والفكري )ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ً
ن الواقع الذي يعيشه المسلمون ونحشره يوم القيامة أعمى( (3).إ ّ
له أسبابه الذاتية التي تتعلق بهم ،وله أسبابه الخارجية التي تتعلق بمكر
أعدائهم ومخططاتهم الشيطانية التي استهدفت القضاء على السلم
وأهله ،وهذا ما نعالجه -إن شاء الله تعالى -في البواب والفصول
التالية....
24
الفصل الثاني
الحروبـ الصليبية
25
سميت الحروب التي قام بها نصارى أوربا ضد المسلمين
بالحروب الصليبية لنها قامت باسم الدين النصراني ،كما أن الكنيسة
بزعمائها وقادتها ورجالها هم الذين دعوا إلى هذه الحروب ،وهم الذين
أمدوها بتأييدهم المادي والمعنوي ،وقد اتخذ المشتركون فيها الصليب
شعارا ً لهم ،وكان يقدمهم الرهبان وعلى رأسهم بطرس الراهب،
)(1
وملوك فرنسا والنمسا وإيطاليا وغيرهم.
أسباب ودوافع الحروب الصليبية:
ذهب كثير من المؤرخين النصارى إلى إعطاء تفسيرات لسباب
الحروب الصليبية ركزت في الغالب على السباب القتصادية
والسياسية والتجارية ،بينما جعلت السباب الدينية ثانوية وليست عامل ً
رئيسا ً في هذه الحروب .ولكن الحقيقة العلمية الموضوعية غير ما ذهب
إليه هؤلء المؤرخون ،فالسباب التي ركزوا عليها ما هي إل روافد
استخدمت لتدعيم المحرك الرئيس لهذه الحروب ،ولذا سنذكر من
الشواهد والدلة ما يدل على أن الدافع الول لهذه الحروب هو الدافع
)(2
الديني.
ل :الدافع الديني: أو ً
لقد كان الدافع الديني هو المحرك الرئيس للحروب المسيحية
ضد العالم السلمي ،حيث كان البابوات ورجال الكنيسة هم الداعون
إليها ،ذكر المؤرخون أن البابا سلفستر الثاني )1002م( أول من دعا
إلى هذه الحروب ثم تله البابا خريغوريس )1075م( ثم تله البابا
أربان الثاني الذي بدأت الجيوش النصرانية الغربية بالتحرك فعل ً في
عهده تجاه العالم السلمي ،وبيان ذلك :أن البابا أربان الثاني وقف في
مجمع كارمونت بفرنسا في 26/11سنة 1095م يلقي موعظة مؤثرة
في جموع النصارى الذين احتشدوا لسماع كلم الزعيم الديني ،حث
البابا في موعظته أتباعه على محاربة المسلمين ،وتخليص قبمر المسيح
المقدس منهم ،وتحرير بيت المقدس والمقدسات المسيحية في بلد
انظر جهاد المسلمين في الحروب الصليبية د .فايد حماد عاشور ص .77 1
26
الشام من أيدي المسلمين .وقد وعد المحاربين بأن تكون رحلتهم إلى
الشرق السلمي بمثابة غفران كامل لذنوبهم .لقد أدرك المستمعون
لخطاب البابا ما يعنيه وما يرمي إليه ،فصاحوا في حماس جنوني" :هذه
هي إرادة الله...إن الله يريدها" وحملوا من ساعتها شارة الصليب وقد
توجهوا نحو الشرق السلمي كما طلب منهم.
ومما جاء في خطاب البابا أربان":بأمر الله تتوقف العمليات
الحربية بين المسيحيين في أوربا ،ويتجه هؤلء بأسلحتهم إلى هزيمة
الكفرة -يقصد المسلمين -الن اذهبوا وأزعجوا البرابرة ،وخلصوا البلد
المقدسة من أيدي الكفار وامتلكوها لنفسكم فإنها كما تقول التوراة
تفيض لبنا ً وعس ً
ل".
لقد قام البابا بالتنقل بين المدن والبلدان المسيحية داعيا ً حكامها
وشعوبها للحروب الصليبية ،وأرسل المبعوثين والرسل إلى مختلف
القاليم المسيحية داعين للمشاركة في هذه الحروب ،كما أرسل إلى
القوى البحرية يدعوها كي تساهم في الحروب بسفنها ورجالها وجنودها
وأموالها.
-أناب البابا أربان الثاني عنه السقف أدهمار كي يشجع المتطوعين
للحرب ،ولكي تكون الكنيسة هي المسيطرة على الروح الصليبية لدى
المقاتلين ،ولتوجههم حسب إرادتها.
-إن البابا نفسه هو الذي اختار مدينة القسطنطينية لتكون مكان تجمع
الجيوش النصرانية ،وحدد يوم 15/8/1096م 499 -هم تاريخا ً لبدء
تحرك الجيوش إلى الشرق السلمي.
-ومما يبين مكانة الدافع الديني في الحروب الصليبية حركة الحياء
الديني التي ظهرت في الغرب النصراني في القرنين العاشر والحادي
عشر الميلديين ،حيث ترتب على هذه الحركة عودة البابوية والكنيسة
إلى سطوتها القديمة ،وإثارة الحماس الديني في نفوس الغربيين ،وقد
ظهر شعور قوي لدى النصارى الغربيين بضرورة إنقاذ الرض المقدسة
من أيدي المسلمين ،كما ترتب على هذه الحركة الزدياد الملحوظ في
عدد قوافل الحجاج النصارى المتجهة إلى الشرق ،وقد كانت قوافل
27
حربية غايتها أداء الحج والدفاع عن النفس إذا تعرضت لذى خلل رحلة
الحج إلى الراضي المقدسة في فلسطين.
-ومن الدلئل التي تشير إلى أن الدافع الديني هو المحرك الرئيس
للحروب الصليبية الدور البارز الذي قامت به الجماعات الدينية في
الحروب الصليبية ،تلك الجماعات التي رغبت في محاربة السلم
والمسلمين ،وخاصة جماعة الفرسان السبتارية وجماعة الداوية ،اللتان
تجردتا من كل المور الدنيوية ،لقد اتخذت الجماعات الدينية من المدن
والحصون قواعد ومراكز للتدريبات العسكرية والستعدادات الحربية،
وكان لها دور كبير في تشجيع المراء والنبلء والشجعان الفرسان من
أجل الخروج للحرب .ولما دخلت الجيوش الصليبية بلد الشام أصبحت
جماعة الفرسان يمثلون القوة العسكرية الرئيسة التي تحافظ على
الوجود الصليبي في بلد الشرق السلمي.
ثانيًا :الدافع القتصادي:
إن النظام القطاعي السائد في أوربا أوجد نوعا ً سيئا ً من
العلقات بين أمراء القطاع أنفسهم من جهة ،وبينهم وبين عبيد الرض
وفلحيها من جهة أخرى ،وكانت الحروب ل تنقطع ،والستقرار مفقودًا،
والفوضى تغلب على الحياة الوربية ،فرغب بعض أمراء أوربا في
ض جديدة في الشرق السلمي أكثر خصوبة وإنتاجًا، الحصول على أرا ٍ
وأحسن استقرارا ً وأمنًا .وأيضا ً رغب الشباب الذين حرموا من الميراث
-نتيجة القوانين القطاعية السائدة التي تجعل الميراث للبن الكبر
ض أخرى يمتلكونها ،ووجد عبيد الرض -في ً
سنا -في الحصول على أر ٍ
ظل النظام القطاعي -فرصة في الحروب الصليبية للتحرر من ظلم
سادتهم القطاعيين ،فانضموا بنشاط وحماسة للمشاركة في الحروب
الصليبية.
ن أوربا كانت تعاني -قبيل الحروب الصليبية -من وأيضا ً فإ ّ
المجاعات وندرة الغلل وارتفاع ثمنها ،بالضافة لنتشار المراض
والوبئة ،ونتيجة للزمة القتصادية الشديدة أكل الناس بعض العشاب
والحشائش ،وتدهورت التجارة ،وانقطع المن .لذلك انضم كثير من
28
الوربيين للحروب الصليبية كي يخرجوا إلى بلد أخرى ينعمون فيها
بالعيش الرغيد والمن والستقرار.
ن هذا الدافع في نظرنا ليس كافيا ً ليكون محركا ً للشعوب ولك ّ
الوربية كي تخرج لمحاربة المسلمين ،إذ تعرضت أوربا في العصور
الوسطى المظلمة إلى أزمات اقتصادية وإلى حروب داخلية وإلى
فقدان المن والستقرار أكثر حدة من الزمة القتصادية التي كانت
سائدة قبيل الحروب الصليبية ولم تخرج الشعوب الوربية لمقاتلة
المسلمين ،والسبب أن الجهاز الكنسي لم يبث في نفوس تلك
الشعوب الروح الدينية التي أخرجتهم فيما بعد للحروب ضد المسلمين،
وبذلك يكون العامل الديني والروح الدينية الصليبية هما المحركان
الرئيسان للحروب ضد المسلمين.
ثالثًا :الدافع التجاري:
لقممد شمماركت الجمهوريممات اليطاليممة الواقعممة علممى السمماحل
الشمالي للبحر المتوسط في الحروب الصليبية رغبمة منهما فمي تحقيمق
المكاسب التجارية والقتصادية ،وذلممك بممامتلك الممموانئ الجديممدة علممى
الساحل الشرقي والجنموبي علمى البحمر المتوسمط ،ولكمي تكمون همذه
الموانئ مراكز تجارية جديممدة تنطلممق منهمما إلممى داخممل البلد السمملمية
فتسيطر بذلك على تجارة الشممرق السمملمي والغممرب النصممراني ،وقممد
قامت هذه الجمهوريات بتقديم العون المممادي للجيمموش الصممليبية ،وقممد
تمثل هذا العون بنقل القمموات المحاربممة والمممواد التموينيممة والمممدادات
العسكرية عن طريق البحر ،وبفرض الحصار العسكري والتجمماري علممى
مصمر وبلد الشمام ،وقمام التجمار اليهمود بمدور التشمجيع علمى الحمروب
الصليبية.
إن الدافع القتصادي وحده ل يبرر لجوء الموانئ التجارية الغربية
إلى الشتراك في الحروب الصليبية ،بل الروح الدينية والحماس
للنصرانية هو المسيطر على نفوس القوى التجارية الغربية فهم
يدركون أن انتصار النصرانية على السلم ،وازدياد قوة الصليبيين
29
العسكرية والمادية هو الذي يحقق أهدافهم التوسعية والتجارية ،وهو
الذي يسلب ثروة المسلمين ويحولها لهم.
رابعًا :الدافع السياسي:
ذكر المؤرخون المحدثون أن ملوك وأمراء أوربا شاركوا في
الحروب الصليبية رغبة منهم في حب الظهور وخدمة لمصالحهم
السياسية ،وأن معظم هؤلء الملوك والمراء لم يشاركوا في الحروب
الصليبية إل بتأثير البابوية ورجال الكنيسة الذين استخدموا معهم
أسلوب الترغيب تارة وأسلوب التهديد والحرمان الكنسي تارة أخرى.
والواقع أن هؤلء القادة السياسيين قد شاركوا في الحروب
الصليبية تلبية للواجب الديني المتمثل في نصرة النصرانية ومحاربة
السلم وأهله ،والوقائع الحربية التي اشترك فيها هؤلء السياسيون
بمجهوداتهم العظيمة تثبت هذا المر بكل وضوح.
إن الروح الصليبية كانت سائدة في أوربا الغربية كلها ،والكنيسة
كانت مسيطرة على الحياة الوربية الغربية لدرجة أنه ل يمكن لحد أن
يخالف التعاليم الكنسية ،وأن يبتعد عن تأثير الحماس الديني الشديد
والتعصب البغيض للديانة النصرانية.
أهداف الحروب الصليبية-:
-1إذلل المسلمين بغزوهم في عقر دارهم).(1
-2إقامة إمارة أو إمارات صليبية -وخاصة في فلسطين -تدوم إلى
البد ،وتتوسع حتى تقضي على السلم والمسلمين ،يقول غاردنز" :لقد
خاب الصليبيون في انتزاع القدس من أيدي المسلمين ليقيموا دولة
مسيحية في قلب العالم السلمي...والحروب الصليبية لم تكن لنقاذ
هذه المدينة بقدر ما كانت لتدمير السلم" .ويقول ليفونيان فيري" :لقد
أحب الصليبيون أن ينتزعوا القدس من أيدي المسلمين بالسيف ليقيموا
للمسيح مملكة في هذا العالم").(2
30
-3التشكيك في العقيدة السلمية وتشجيع العقائد والفكار اللدينية،
)(1
ومن ثم القضاء على السلم وأهله.
حالة العالم السلمي قبيل الحروب الصليبية-:
كان العالم السلمي قبيل الحروب الصليبية يعاني من أسباب
)(2
الضعف والنحلل والتفكك.
-1فدولة التراك السلجقة قد ذهبت قوتها ،وانقسمت إلى عدة دويلت
متحاربة ،وذلك بعد وفاة السلطان ملكشاه 1092م ،حيث اقتسم أبناؤه
الربعة مملكته الواسعة ،فأصبحت الدولة الواحدة أربعة ممالك :فارس
-كرمان -العراق -حلب ودمشق ،-وخرج عن التبعية للسيادة
السلجوقية حكام المدن والوليات ،المعروفون بالتابكة ،وحدثت
خلفات ومنازعات بين سلجقة الشام أنفسهم.
-2كما كانت بلد الشام منطقة نزاع بين الفاطميين والسلجقة منذ
سنة 1070م ،وكانت الحرب بينهما سجال ،فالسلجقة تمكنوا من
انتزاع فلسطين ودمشق من أيدي الفاطميين ،وسيطروا على حلب
والرها والموصل...ولما كان الفاطميون يمتلكون أسطول ً بحريا ً قويا ً
فقد تمكنوا من الستيلء على جميع مدن الساحل الشامي ،ومنها:
عسقلن وعكا وصور وجبيل ،كما استولوا على القدس للمرة الثانية
سنة 1096م وبقيت في أيديهم إلى أن سقطت بأيدي الصليبيين سنة
1099م.
-3لقد كانت الدولة الفاطمية )في مصر وشمال أفريقيا( ذات نزعة
شيعية متطرفة ،عملت على توسيع سلطانها على حساب المسلمين
أهل السنة ،وبهدف إضعاف الخلفة العباسية السنية ،وقد أصاب
الضعف والخور هذه الدولة ،ومنيت بأزمات اقتصادية ومجاعات شديدة،
وكانت أشدها ضراوة في عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله ،الذي
ن وخمسين سنة )1036م 1094 -م(. حكم ثما ٍ
31
-4وأما الخلفة العباسية التي كان مقرها بغداد ،فلقد اعتراها أيضا ً
الضعف والنحلل نتيجة الخلفات والمنازعات بين أبناء الخلفاء
أنفسهم ،وبين الخلفاء وحكام الوليات الراغبين في النفصال
والستقلل عن جسم الدولة العباسية ،لقد تولى الحكام غير الكفاء
مقاليد الحكم ،وأصبح الفرس والتراك أصحاب قوة ونفوذ سياسي على
حساب الخلفاء العرب ،وانتشر البذخ والترف والسراف في أوساط
الخلفاء والمراء ،وترك الجهاد في سبيل الله ،وانحاز كثير من الناس
إلى الدنيا ومتاعها ،صدق تعالى فيهم قوله) :وإذا أردنا أن نهلك
قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول
ً )(1
فدمرناها تدميرا (.
ظهر نتيجة ذلك كله دويلت مستقلة انفصلت عن الخلفة
العباسية ،وقام السماعيليون الشيعة بنشر أفكارهم وعقائدهم الضالة،
وتعاون السماعيليون مع الصليبيين فقاموا باغتيال كثير من القادة
المسلمين الفاتحين والسلطين المشهورين.
جهاد المسلمين ضد الصليبيين-:
رغم حالة الضعف التي كانت سائدة في بلد الشام قبيل مجيء
الغرب الصليبي ورغم سقوط المدن الشامية بأيدي الصليبيين إل أن
المسلمين لم ييأسوا ولم يستسلموا لعدوهم أبدًا ،حيث بدأ الجهاد
وحروب التحرير من قبل المسلمين ،إذ قّيض الله تعالى للمسلمين
عماد الدين زنكي 541هم ،الذي جاهد الصليبيين وهزمهم في معارك
كثيرة واستطاع أن يسترد الّرها منهم –وهي إمارة أسسها الصليبيون
في الشرق -وكانت فتح الفتوح بالنسبة لعماد الدين والمسلمين .ولقد
قتل –رحمه الله -قبل أن يتمكن من مواصلة فتح بقية المدن الخرى،
تولى المر بعده ولده الملك العادل نور الدين محمود زنكي 569هم،
الذي صمم على إجلء الصليبيين عن بلد الشام وخاصة مدينة القدس،
لكنمه مات قبمل أن يكممل مهمتمه ،وخلفه في الحكم أحمد رجال
حاشيته وهو الملك الناصمر السلطان صلح الدين يوسف بن أيوب ملك
32
مصر ،وجاء صلح الدين على قدر من الله تعالى ،إذ تجمعت فيه خصال
التقوى والخلص والحرص على الجهاد ،وعرف-رحمه الله -بالتنظيم
وحسن القيادة ،ومكارم الخلق ،ومواظبته على الصلة والقيام
والصيام.
أهم أعمال صلح الدين قبل معركة حطين-:
-1الدفاع عن البلد والمدن المستهدفة من القوات الصليبية.
-2إصلح أحوال المسلمين ،وإبعاد عوامل الضعف والفساد عن الصممف
المسلم وذلك من خلل-:
أ -توحيد المسلمين في بلد الشام ومصر.
ب -وضع حد ّ للفكار والعقائد السماعيلية المنحرفة.
إقامة المدارس لتربية الناس التربية اليمانية -5
العقائدية.
د-بث روح الجهاد في نفوس الناس.
هم-إقامة المعسكرات للمجاهدين مقابل معسكرات النصارى
الصليبيين ،بهدف إثارة الحماس الديني في نفوس المسلمين،
وإثارة الرعب في نفوس الكافرين.
33
وتعاقب على حلبة الجهاد أبطال عظام أمثال الصالح أيوب وقطز
وبيبرس وقلوون ،قام كل بدوره في تسديد الضربات إلى قلب
الصليبي المنتحر .ولقد انتصر السلم في صراعه ضد الصليبية الماكرة
والتي عادت تجر ذيول العار والهزيمة من حيث جاءت خاسرة خائبة
دون أن تحقق أهدافها الكبرى).(1
-1تم جلء الصليبيين نهائيا ً عن البلد على يد الملك الشرف خليل بممن قلوون سممنة
690هم1291-م.
-2انظر الطريق إلى حكم إسلمي ص .141
34
تغيير خطة الغزاة الصليبيين:
بعد أن جّربت أوربا الحروب العسكرية ضد المسلمين ،وبعد أن
أدركت إخفاقها في تحقيق أهدافها الماكرة إذ لقيت من المسلمين
كرت أوربا في استخدام طرق أخرى ل ،ف ّجهادا ً ومقاومة واستبسا ً
ووسائل جديدة ،لكي تحقق أهدافها ،وكان أمام البابا سلسلتين
الخامس أحد طريقين:
الولى:الخذ بخطة المبشر الصليبي السباني رامون لول ،التي
تتلخص في غزو المسلمين تبشيريا ً فكريا ً عن طريق وسائل العلم
والتعليم ،وإذا ما فشلت أوربا في ذلك تعود لسلوب القوة المادية في
تنصير المسلمين.
الثانية:تنصير المغول الوثنيين واستخدامهم من جديد في حروب
مدمرة ضد المسلمين.اعتمد البابا الطريقة الثانية لنها في نظره أفضل
وأسرع في تحقيق الهداف الصليبية خاصة وأن صلت مودة كانت
موجودة مع المغول أثناء زحفهم على بلد الشرق السلمي ،ولكون
المغول وثنيين يمكن أن يستجيبوا للتنصير أسرع من المسلمين.
لكن جهود الكنيسة في تنصير المغول لم تفلح إذ أبطل الله
تعالى كيدهم ،حيث أراد الله بالمغول خيرًا ،لقد دخل معظمهم السلم
بإرادتهم ،طواعية واختيارًا(1).
بعد فشل الغرب في الخذ بالطريقة الثانية عاود الخذ بخطة
المبشر رامون لول التي عرضها على البابوية سنة 1229م ،ومما
شجعهم على ذلك صلت المودة التي كانت سائدة بينهم وبين نصارى
الشام ،وهؤلء النصارى العرب وسيلة جيدة يمكن العتماد عليها في
تنصير المسلمين.في الماضي القريب.
ن الصراع العسكري مع لقد أدرك الوربيون وساد العتقاد بينهم أ ّ
السلم ل يجدي نفعًا ،ول يكفي وحده لسقاطه ودحره ،وأّنه لبد ّ من
التفكير بعمق في تنظيم برنامج عمل كامل يقوم بدراسة وفهم
مضامين الفكر السلمي ومعرفة مواضع القوة والضعف فيه كمرحلة
أولى ،ثم محاولة نقضه وإحداث الشرخ في جدرانه ،لغرض اختراقه
وتحطيمه من الداخل ،وبالتالي ضرب إرادة المقاومة عند هذا الخصم
ن قوة المسلمين إنما هي بالسلم، العنيد ثم استئصاله نهائيًا .ذلك ل ّ
35
فهو سبب قوة المسلمين وصمودهم في وجه جحافل الصليبية القادمة
من أوربا .ومن هنا دخلت المواجهة بين السلم والغرب المسيحي
مرحلة جديدة تعتمد السلوب الثقافي الفكري سلحا ً لها لضرب -
السلم -الخطر الدائم على وجوده.
ولكن أوربا لم تعتمد خطة التبشير وحدها في الهجوم الماكر ضد
السلم والمسلمين ،بل استخدمت وسائل أخرى تستهدف من خللها
محو السلم عقيدة وشريعة وسلوكا ً من حياة المسلمين ،ومن هنا
تعددت محاور الهجوم الماكر ،وكثرت وسائلة التي تستهدف العقول
والذهان والفكار المسلمة.
36
الباب الثاني
الغزو الفكري للعالم السلمي
الفصل الول :التبشير
الفصل الثاني :الستشراق
الفصل الثالث :التغريب
37
الباب الثاني
الغزو الفكري للعالم السلمي
تمهيد-:
ن أفضل الطريق وأقربها لغزو العالم لقد وجد الوربيون أ ّ
السلمي وإخضاعه لسيطرتهم الستعمارية هو :سلوك الغزو الفكري،
ططات والبرامج الدقيقة في هذا الجانب ،ونسجوا فوضعوا المخ ّ
المؤامرات للغارة على الفكار والمفاهيم السلمية ،وعلى كل ما له
مة وحضارةً وفكرًا ،وأضحت قاعدتهم التي ارتكزوا عليها صلة بالسلم أ ّ
وك فأفسد فكره ينتحر به ومن ثم هي "إذا أرهبك عد ّ
تستعبده" ،فانتقلت المعركة من ساحة الحرب إلى ميدان الفكر
والثقافة(1).
المراد بالغزو الفكري:تغيير أحوال المسلمين السياسية والثقافية
والجتماعية والقتصادية عن طريق استعمار القلوب والعقول ،وتبديل
الفكار والقيم والعقائد ،فيصبح المغزو فكريا ً خاضعا ً بشكل تام لقادة
الغزو وجنوده.
انظر في الغزو الفكري د .أحمد السايح -ضمن سلسمملة منشممورات كتمماب المممة- 1
38
الحمية ضد المستعمر ،فتهب الشعوب مجاهدة عن دينها ومدافعة عن
أوطانها ،بينما الغزو الفكري يعمل في المسلمين عكس ذلك.
س العمل الجاد للستقلل -3الغزو العسكري يحرك في الشعوب ح ّ
والتحرر من التبعية والخضوع للعداء .بينما الغزو الفكري ُيفقد
المغزوين القدرة والستعداد للمجابهة ،مما يجعلهم يقعون في أحابيل
قادة الغزو بسهولة.
فرة ،وهي مصحوبة بالدمار والقتل والدم، -4الغزو العسكري وسائله من ّ
بينما وسائل الغزو الفكري ناعمة وخادعة ،ومصحوبة بالشهوات،
فالستجابة لها من قبل المغزوين :أسرع وأكثر وأنجع.
-5الغزو العسكري تكاليفه باهظة ،وهو يلقى أسباب المقاومة ،وآثاره
تنهى في الغالب برحيل قادة الغزو وجنوده ،بينما الغزو الفكري قليل
التكلفة ،ول يلقى في الغالب أسباب المقاومة ،وتبقى آثاره في عقول
وقلوب المغزوين.
-6قممادة الغممزو العسممكري وجنمموده يوجممدون فممي مسممرح العمليممات
والحداث ،بينمما الغمزو الفكمري يكمون قمادته فمي الغمالب بعيمدين عمن
مسرح الحداث ،إنهم يعملون من خلل عملئهم ومممأجوريهم مممن أبنمماء
البلد المغزوة ،والغزو يتم في جو من العلنية التامة ،وتحت سمع وبصر
القانون ،بل برعايته وحمايته.
-7الغزو العسكري ل يجد له كثيرا ً من التباع ،بينما الغزو الفكري يجد
له كثيرا ً من التباع والنصار ،الذين يمدون يد التعاون باستمرار لقادة
الغزو الفكري ،وهؤلء التباع والنصار يعتبرون أعمالهم وطنية وخدمة
لبلدهم ،وهم يظنون أن خيانتهم -لدينهم وأمتهم -ل يمكن أن تنكشف
)(1
للناس.
أهداف الغزو الفكري-:
لقد هدف الستعمار الغربي إلى تحقيق الهداف التالية-:
ل :ضرب السلم من الداخل عن طريق إضعاف فاعليته ،وعزله عن أو ً
التأثير في حياة المسلمين ،وتحويله إلى دين -أشبه بدين النصارى -ل
39
يأبه بحياة الناس التشريعية والسياسية والجتماعية والقتصادية ،أي
فصل الدين وعزله عن الدولة والحكم وحياة الناس العامة.
ثانيًا :وقف المد السلمي ،وحصر السلم داخل حدود ل يتجاوزها،
حتى ل يدخل فيه أحد من الغربيين ،وحقن الشعوب الخرى بكراهية
السلم والمسلمين.
ثالثًا :تجزئة المسلمين أرضا ً وأمة وفكرًا ،وتشويه صورتهم التاريخية
الغابرة والحالية ،والحيلولة دون مستقبل مشرق للسلم والمسلمين.
)(1
وف بشعوب مختلفة ،ولكننا بعد يقول لورانس براون" :لقد كنا نخ ّ
وف من قبل بالخطر الختبار لم نجد مبررا ً لمثل هذا الخوف ،لقد كنا نخ ّ
اليهودي والخطر الصفر ،وبالخطر البلشفي )الشيوعي( ،إل أن هذا
التخويف كله لم يتفق كما تخيلناه .إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا ،وعلى
هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا اللد ،ثم رأينا البلشفة حلفاء لنا ،أما
الشعوب الصفر فإن هناك دول ً ديمقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتها...
ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام السلم وفي قدرته على التوسع
والخضاع ،وفي حيويته :إنه الجدار الوحيد في وجه الستعمار الغربي".
)(2
40
أتباع وأنصار الغزو الفكري-:
يمكن حصر القوى المؤازرة -من داخل البلد السلمية -لقادة
الغزو الفكري الصليبي واليهودي في أصناف أربعة:
-1الجراء :وهم الذين باعوا أنفسهم لعداء دينهم وأمتهم وأوطانهم
مقابل ثمن بخس دراهم معدودة ،أو مناصب موعودة ،أو شهوات
مبذولة ومتع مرذولة ،وهؤلء الجراء يستخدمهم الستعمار لتحقيق
مصالحه وأهدافه ،ومن هؤلء الجراء :زمرة السياسيين الذين ينفذون
سياسة العداء في الحكم والسياسة ،وزمرة الماليين الذي ينفذون
سياسة العداء في مجال المال والقتصاد ،وزمرة العسكريين الذين
يجرون شعوبهم لعار الهزيمة والذل في ميادين القتال ،وزمرة
الصحفيين والمثقفين والدباء الذين ينشرون فكر العداء وثقافتهم
ورذائلهم الجتماعية.
-2الخارجون :وهم الذين ارتدوا عن الدين ،وخرجوا عن أمتهم خروجا ً
كليا ً أو جزئيًا ،وهؤلء يرتدون ثياب الوطنية أثناء حملتهم المسعورة ضد
السلم عقيدة ونظاما ً وثقافة ،وأثناء استيرادهم للمبادئ والفكار
والمذاهب المعادية للسلم.
-3المتهاونون :وهم الذين ل يبالون بالحداث ،ول يكترثون بالمور،
ليس لهم هدف في الحياة سوى الكل والشرب والمسكن والنكاح
ومتاع الحياة الدنيا .وقد نجد من هؤلء من يكون على خلق ودين ظاهر،
لكنه يرّوج الباطل والمنكر والضلل ،لن في ذلك تحقيق كسب مادي
له.
-4الجهلة بحقيقة السلم :أو بطرق الدعوة إليه والعمل له ،مع
تعصبهم لما يؤمنون به من الفكار الغير صحيحة والمخالفة لنهج
السلم ،وجهل هؤلء بالدين يستغله أعداء السلم في بث أفكارهم
وآرائهم الباطلة في نفوس المسلمين ،وهؤلء مؤازرون لقادة الغزو
الفكري من حيث ل يعلمون ،وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا ،ولكن ل
يشعرون).(1
41
وسائل الغزو الفكري-:
لقد اعتمدت اليهودية الماكرة والنصرانية الحاقدة في حروبهم
الفكرية ضد المسلمين محاور متعددة ،وصورا ً شتى ،بل استخدموا كل
وسيلة وطريقة وجدوا فيها محورا ً نافعا ً في صراعهم ضد السلم ،لقد
تعددت وسائل الغزو الفكري ،وتكاثرت سبله حتى كاد الباحث المسلم
يعجز عن تحديدها وحصرها ،ومن العجيب أن بعض هذه الوسائل
أصبحت أممرا ً مستساغا ً جدا ً عند كثير من المسلمين .ونحاول هنا
الحديث عن بعض وسائل الغزو الفكري منبهين إلى خطورتها وآثارها
في حياة المسلمين ،ومنها :التبشير ،والستشراق ،والتغريب،
والعولمة ،والدعوات والنعرات الهدامة ،والفرق الضالة،
والمذاهب الفكرية الفلسفية المناقضة للسلم عقيدة ومنهجا ً
ونظامًا.
وسوف نتناول كل واحدة من هذه الوسائل بالحديث ،كاشفين عن
حقيقتها ،ومعرفين بأهدافها وكيدها ووسائلها وآثارها المدمرة في حياة
المسلمين.
42
الفصل الول
التبشير
التبشير لغة:
التبشير من البشرى والبشارة ،مصدر لفعل :بشر ،أبشر :أي أخبر،
والبشارة المطلقة ل تكون إل بالخير ،وإنما تكون بالشر إذا كانت مقيدة
به كقوله تعالى):فبشرهم بعذاب أليم().(1
ً )(2
التبشير اصطلحا:
يطلق اسم التبشير على الحملة التي تزعمتها الصليبية الوربية
فيما يعرف بتعليم الدين المسيحي ونشره ،والتبشير هو أحد صور الغزو
الفكري الذي يهدف إلى غزو عقول وقلوب المسلمين من خلل الفكار
والثقافات الغربية النصرانية .وخير تعريف للتبشير أن يقال:هو
التنصير الرامي إلى زعزعة العقيدة السلمية في قلوب
ونفوس المسلمين وتشكيكهم فيها ،وبالتالي إخراجهم من
السلم.
إن التبشير هو نسخة مكررة من رسالة المحارب الصليبي الذي
قدم إلى العالم السلمي ،وفي صدره حقد دفين وكراهية للسلم
والمسلمين (3).يقول القس اليسوعي "ميز"" :إن الحروب الصليبية
الهادئة التي بدأها مبشرونا في القرن السابع عشر ل تزال مستمرة
إلى أيامنا هذه") .(4ويقول اليسوعيون في عرض نشاطهم في بلد
َ
م نرجع تحت راية الصليب الشام" :ألم نكن نحن ورثة الصليبيين…أوَل َ ْ
لنستأنف التسرب التبشيري والتمدين المسيحي ،ولنعيد في ظل العلم
الفرنسي ،وباسم الكنيسة مملكة المسيح" (5).ويقول الب تشانتور
43
رئيس الكلية اليسوعية في بيروت أيام النتداب الفرنسي" :ويأتي
المبشر تحت علم الصليب ،يحلم بالماضي وينظر إلى المستقبل ،وهو
فر من بعيد من شواطئ رومية ،ومن يصغي إلى الريح التي تص ّ
شواطئ فرنسية ،وليس من أحد يستطيع أن يمنع تلك الريح أن تعيد
ن اللهعلى آذاننا قولها بالمس وصرخة أسلفنا "الصليبيين من قبل :إ ّ
)(1
يريدها".
نشأة التبشير-:
يعتبر القس السباني "ريمون لول" هو أول من تولى مهمة
التنصير بعد فشل الحروب العسكرية الصليبية في مهمتها ،لقد تعّلم
لول اللغة العربية بعد أن بذل جهدا ً شاقا ً في ذلك ،ثم جال في بلد
السلم يبشر بالنصرانية ويناقش علماء المسلمين.
وبدأت الرساليات التبشيرية في القرون الوسطى توجه جهودها
إلى الهند وجزائر السند وجاوة ،واهتمت هولندا بالتبشير في جاوة في
أوائل القرن الثامن عشر ،وفي سنة 1664م عمل البارون "دويتز"
على تأسيس مدرسة كلية مهمتها تعليم أصول التبشير ووسائله ،ومن
ثم تخريج المبشرين الذين يتقنون القيام بمهامه.
وقد تأسست في بلد الغرب جمعيات تبشيرية كثيرة ،منها:
جمعية لندن التبشيرية سنة 1795م ،وجمعية مماثلة في كل من
اسكتلندا ونيويورك وألمانيا ،والدانمرك ،وهولندا ،والسويد ،والنرويج،
وسويسرا… كما تأسست جمعيات فرعية كثيرة ،منها :جمعية التبشير
في أرض التوراة العثمانية -يقصدون البلد العربية الواقعة تحت حكم
العثمانيين.-
وفي عام 1846م تأسس المركز البروتستانتي في الستانة،
الذي أصبح مركزا ً آمنا ً للمبشرين ،وفي عام 1855م تألفت جمعية
الشبان المتطوعين للتبشير في البلد الجنبية ،وفي سنة 1898م
تأسست الجمعية العامة للتبشير في مصر ،وكان لها معاهد في
السويس والدلتا ،ومدارس للصبيان والبنات ،وفي عام 1902م
44
تأسست جمعية تبشير الشبان ،ومهمتها استمالة النساء والبنات
والشباب والطلبة إلى استماع أصوات المبشرين).(1
أهداف التبشير-:
رسم لويس التاسع ملك فرنسا التخطيط المبدئي للسياسة التي
رأى أنها تمكن الغرب النصراني من مواجهة السلم والنيل من قوته،
وكان بينها" :تحويل الحملت الصليبية العسكرية إلى حملت صليبية
سلمية ،تستهدف الغرض نفسه ،ل فرق بين النوعيمن إل ممن حيث نوع
السلح المستخدم في المعركة ،وتجنيد المبشرين الغربيين فمي هذه
المعركة السلمية لمحاربة تعاليم السلم ووقف انتشاره ثم القضاء
)(2
عليه معنويًا ،واعتبار المبشرين في تلك المعارك جنودا ً للغرب.
ويهدف التبشير إلى تحقيق ما يلي):(3
الول :تنصير المسلمين :أي جعلهم نصارى يدينون بالدين
المنسوب زورا ً وبهتانا ً إلى المسيح عيسى بن مريم عليه السلم..وقد
كشف ذلك بصراحة قادة المبشرين :يقول القس المبشر رايد :إنني
أحاول أن أنقل المسلم من محمد إلى المسيح ،ومع ذلك يظن المسلم
أن لي في ذلك غاية خاصة :أنا ل أحب المسلم لذاته ،ول لنه أخ لي
في النسانية ،ولول أنني أريد ربحه إلى صفوف النصارى لما كنت
تعرضت له لساعده").(4
لقد بذل المبشرون جهدا ً كبيرا ً متواصل ً استمر سنين طويلة في
تنصير المسلمين ،وأنفقوا في ذلك المليارات من الدولرات والجنيهات،
45
وجندوا لهذا الغرض عشرات اللف من القساوسة والرهبان ،لكن
حصيلتهم في التنصير كانت قليلة ،ولكن في الونة الخيرة-بمساعدة
من الحكام الجراء العملء -استطاع المبشرون تنصير أعداد كبيرة من
المسلمين وخاصة في إندونيسيا وبعض دول أفريقيا ،حيث ينتشر
الجهل والفقر والمرض ،وتشجيع الحكومات التي مات السلم في
قلبها وحياتها.
الثاني :إخراج المسلمين من دينهم أو التذبذب فيه :بحيث
يصبح المسلم بعيدا ً عن دينه في أخلقه وعاداته الجتماعية ،بعيدا ً عن
ثقافته وفكره السلمي ،يخلو قلبه وعقله من العقيدة والحمية للدين،
أو هو:هدم السلم في قلوب المسلمين وعقولهم ،وقطع صلتهم بالله
تعالى ،وجعلهم مسخا ً ل تعرف عوامل الحياة القوية التي ل تقوم إل
على العقيدة الربانية المتينة ،والخلق الفاضلة القويمة.
يقول السقف دي ميستيل وكيل إدارة البعثات التبشيرية في
شر تحقيقه هو ن الهدف الذي يتعّين على المب ّالشرق بروما بصراحة" :إ ّ
تحطيم قوة التمسك الجبارة التي يتمتع بها السلم ،أو على القل
شر أن يدرس ويتفّهم قرآن محمد ن على المب ّإضعاف هذه القوة .وإ ّ
كر الناس في الشرق بأّنه كانت هناك مدنّية سابقة على ليعرف كيف يذ ّ
الهجرة وأّنها كانت مدنّية مسيحية"(1).
ويقول المبشر كروفورد في مؤتمر القاهرة التبشيري 1906م:
"إن المسلمين يقتبسون من حيث ل يشعرون شطرا ً من المدنية
النصرانية،ويدخلونه في
ارتقائهم الجتماعي ،وما دامت الشعوب السلمية تتدرج إلى غايات
ونزعات ذات
علقة بالنجيل ،فإن الستعداد يتولد فيها عن غير قصد منها…" ويقول
القس زويممر" :ل ينبغي للمبشر المسيحي أن يفشل أو أن ييأس
ويقنط عندما يرى أن مساعيه لم تثمر في جلب كثير من المسلمين
إلى المسيحية ،لكن يكفي جعل السلم يخسر المسلمين بذبذبة
46
بعضهم ،عندما تذبذب مسلما ً وتجعل السلم يخسره تعتبر ناجحا ً أيها
المبشر المسيحي ويكفي أن تذبذبه ،ولو لم يصبح هذا المسلم
مسيحيًا".
وفي مؤتمر القدس التبشيري عام 1935م أعلن "زويمر" صراحة،
إذ قال لخوانه المبشرين" :أيها الخوان البطال والزملء الذين كتب
الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية واستعمارها لبلد السلم،
فأحاطتكم عناية الرب بالتوفيق الجليل المقدس ،لقد أديتم الرسالة
التي نيطت بكم أحسن أداء ،ووفقتم لها أسمى التوفيق ،وإن كان يخيل
ي أنه مع إتمامكم العمل على أكمل الوجوه ،لم يفطن بعضكم إلى إل ّ
الغاية الساسية فيه… إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية
للقيام بها في البلد المحمدية ،ليست إدخال المسلمين في المسيحية،
فإن هذا هداية وتكريمًا ،وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من السلم،
ليصبح مخلوقا ً ل صلة له بالله ،وبالتالي فل صلة تربطه بالخلق التي
تعتمد عليها المم في حياتها ،وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة
الفتح الستعماري في الممالك السلمية .وهذا ما قمتم به خلل
العوام المائة السالفة خير قيام ،وهذا ما أهنئكم عليه ،وتهنئكم عليه
المسيحية والمسيحيون جميعًا…ولقد أعددتم في ديار السلم شبابا ً ل
يعرف الصلة بالله ول يريد أن يعرفها ،وأخرجتم المسلم من السلم
ولم تدخلوه في المسيحية ،وبالتالي جاء النشء طبقا ً لما أراده
الستعمار ،ل يهتم بالعظائم ،ويحب الراحة والكسل ،ول يصرف همه
في دنياه إل للشهوات ،وإذا جمع المال فللشهوات ،وإذا تبوأ أسمى
المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء .إن مهمتكم قد تمت
على أكمل الوجوه ،وانتهيتم إلى خير النتائج وباركتكم المسيحية،
ورضي عنكم الستعمار ،فاستمروا في أداء رسالتكم ،فقد أصبحتم
بفضل جهادكم موضع بركات الرب").(1
الثالث :إخضاع العالم السلمي لسيطرة الستعمار الوربي
47
الغربي والتحكم في مقدراته وخيراته وإمكانياته :وذلك عبر
إيجاد جيل من المسلمين يحمل أفكار الغرب وثقافاته ويخضع
لسياساته وإملءاته .يقول اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا وصاحب
الوعد المشئوم" :المبشرون هم عيون الستعمار التي تقوم بإطلع
الدول الغربية بالنواحي التي تهتم بمعرفتها" .ويقول غاردنز":إن القوة
التي تكمن في السلم هي التي تخيف الغرب"
ويقول القس سيمون" :إن الوحدة السلمية تجمع آمال الشعوب
السمر وتساعدهم على التملص من السيطرة الوربية" .ويقول بعض
المبشرين :يجب أن نحول بالتبشير مسار التفكير في الوحدة السلمية
)(1
حتى تستطيع المسيحية أن تتغلغل في المسلمين.
وسائل التبشير-:
لقد لجأ المبشرون من أجل تحقيق أهدافهم إلى استخدام كافة
السبل ،ورصدت لهم دولهم الستعمارية ومؤسساتهم الكنسية مليارات
الدولرات ،ووفرت لهم كل إمكانيات النجاح ،والحقائق والحصائيات
التالية تبرز مدى خطورة الحرب التي تشنها الكنائس الكاثوليكية
صرين المحترفين العاملين من ّ
والنجيلية على السلم ,حيث أن عدد ال ُ
على رأس العمل التنصيري في الدول العربية والفريقية السلمية يبلغ
تعدادهم ) ،(4208250وأن مؤسسات التنصير هذه تمتلك 82مليونا ً
من أجهزة الكمبيوتر ،وعدد المجلت التي ُتصدرها المؤسمسمات
عدد الكتب التي أصدرتها هذه الت َْنصيرية يبملغ ) (24900مجلة ،و َ
المؤسمسات بلمغ في عمام واحمد ) (88610كتاب .وعدد محطات
الذاعة والتلفاز التي تبث التنصير يبلغ ) (2340محطة ،وُنسخ الناجيل
التي وّزعتها مجانا ً في عام واحد هو 53مليون نسخة ،والمدارس
ورياض الطفال التي ُتشرف عليها كنائس التنصير تبلغ أعدادها )
(10677مدرسة.والطلب الذين يدرسون في هذه المدارس الكنسية
48
يبلغ عددهم تسعة مليين طالب ،والمستشفيات التي تملكها هذه
الكنائس يبلغ عددها ) (10600مستشفا.
ويمكن تقسيم الوسائل الكثيرة التي استخدمها المبشرون في
غزوهم الصامت للعالم السلمي إلى ثلثة مجالت ،هي:
ل :التعليم في المدارس والكليات والجامعات: أو ً
يقول المبشر هنري حبيب" :إن التعليم إنما هو واسطة إلى غاية
فقط في الرساليات المسيحية ،هذه الغاية قيادة الناس إلى المسيح،
وتعليمهم حتى يصبحوا أفرادا ً مسيحيين وشعوبا ً مسيحية ،ولكن حينما
يخطو التعليم وراء هذه الحدود ليصبح غاية في نفسه ،وليخرج لنا خيرة
علماء الفلك وطبقات الرض وعلماء النبات وخير الجراحين والطباء
ن رسالة مثل هذه في سبيل الزهو العلمي ،فإّننا ل نتردد في أن نقول:إ ّ
قد خرجت عن المدى التبشيري المسيحي إلى مدى علماني محض،إلى
مدى علمي دنيوي" (1).وجاء في كتاب اليسوعيين في سوريا" :إن
)(2
المبشر الول هو المدرسة".
ومن أجل ذلك سلك المبشرون الطرق التالية-:
أ -الكثار من المدارس ورياض الطفال ،وقالوا" :إن الوسيلة التي
تأتي بأحسن الثمار في تنصير المسلمين إنما هي تعليم أولدهم
ن الثر المفسد في السلم الصغار" .ويقول المبشر "جون موط"" :إ ّ
يبدأ باكرا ً جدًا ،من أجل ذلك يجب أن نحمل الطفال الصغار إلى
المسيح قبل بلوغهم الرشد ،وقبل أن تأخذ طبائعهم أشكالها
)(3
السلمية".
ب -إنشاء الجامعات والكليات :أنشأت في ديار السلم كثير من
الجامعات الستعمارية التبشيرية ،ومن أشهرها الجامعة المريكية
في كل من بيروت والقاهرة ،وفي جنين بفلسطين .يقول نبروز رئيس
الجامعة المريكية في بيروت )1954-1948م(" :لقد برهن التعليم
49
على أنه أثمن الوسائل التي استطاع المبشرون أن يلجأوا إليها في
سعيهم لتنصير سورية ولبنان" (1).وتقول المبشرة أنا ميليغان" :في
صفوف كلية البنات في القاهرة بنات آباؤهم باشاوات وبكوات ،وليس
ثمة مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات
المسلمات تحت النفوذ المسيحي ،وليست ثمة طريق إلى حصن
السلم أقصر مسافة من هذه المدرسة" (2).وعن الجامعة المريكية
في القاهرة يقول المبشرون":لبد من إنشاء مدرسة جامعية نصرانية
تقوم الكنيسة بنفقاتها ،وتكون مشتركة بين كل الكنائس المسيحية في
الدنيا لتتمكن من مزاحمة الزهر بسهولة ،وأن العزة اللهية قد دعتنا
إلى اختيار مصر مركز عمل للتبشير ،لنسرع بإنشاء هذا المعهد
المسيحي لتنصير البلدان السلمية").(3
ج -اختيار المدرسين والمعلمين وفق مقياس خاص ،فالمدرس يجب
أن يكون أجنبيا ً غير وطني ،وإذا دعت الحاجة إلى معلم وطني فليكن
مسيحيا ً في الدرجة الولى ،وفي المناطق التي ل يوجد فيها أمثال
هؤلء :فليكن ممن مسخت أفكارهم وعقائدهم ،ول يعرفون عن
السلم إل اسمه).(4
د -تأليف الكتب الخاصة لمختلف مراحل التعليم وحقوله ،وملؤها
س على السلم وأهله ،وإحالة الطلبة بالشبهات والتشكيكات وفي الد ّ
على المراجع التي كتبها المبشرون والمستشرقون.
هم – إجبار الطلب المسلمين على دخول الكنيسة ،والستماع إلى
مواعظ الحد الدينية والقيام بالطقوس المسيحية .ولقد صّرح بهذا
المر عمدة الجامعة المريكية في بيروت عندما أصدر بيانا ً سنة
1909م ،جاء فيه "إن هذه الكلية مسيحية ،أسست بأموال شعب
مسيحي ،هم اشتروا الرض ،وهم أقاموا البنية ،وهم أنشأوا
50
المستشفى وجّهزوه ،ول يمكن للمؤسسة أن تستمر إذا لم يسندها
هؤلء .وكل هذا قد فعله هؤلء ليوجدوا تعليما ً يكون النجيل من مواده،
فنعرض منافع الدين المسيحي على كل تلميذ ،هكذا نجد أنفسنا
ملزمين بأن نعرض الحقيقة المسيحية على كل تلميذ ،وإن كل طالب
يدخل إلى مؤسساتنا يجب أن يعرف مسبقا ً ماذا يطلب منه").(1
و -غرس مبادئ التربية الغربية وأنماط السلوك الغربي في نفوس
المسلمين وحياتهم حتى يشبوا مقلدين للغرب الكافر وقد استخفوا
بالخلق والقيم السلمية.
ثانيًا :مجال التطبيب والتمريض:
يعتبر الطب من أكرم المهن النسانية ،لكن المبشرين استغلوه
كوسيلة خداع وأداة للرق ونشر العتقادات المسيحية ،استغلوا الدواء
في نشر النجيل بين المرضى ،يقول المبشر الطبيب "بول
دنا
ج ْن المبشر ل يرضى عن إنشاء مستشفى..لقد و ِ هاريسون"" :إ ّ
نحن في بلد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى" .ويقول المبشر
موريسون" :نحن متفقون بل ريب على أن الغاية الساسية من أعمال
التنصير بين المرضى الخارجين في المستشفيات :أن ندخلهم أعضاء
عاملين في الكنيسة المسيحية الحية" .وتقول المبشرة إيراهايس
ناصحة الطبيب النصراني الذاهب في مهمة تبشيرية" :يجب أن تنتهز
الفرصة لتصل إلى آذان المسلمين وقلوبهم فتكّرز -فتبشر -لهم
بالنجيل .إياك أن تضيع التطبيب في المستوصفات والمستشفيات فإنه
)(2
أثمن تلك الفرص على الطلق".
لقد أنشأ التبشير في كثير من ديار السلم المستشفيات
والمستوصفان ودور العلج ،ومن خللها يقدم المبشرون النجيل مع
الدواء ،ويعالجون المرضى باسم المسيح ويعلمونهم أنه الشافي
للمهم وأمراضهم.ففي أفريقيا وحدها أنشأ المنصرون 1600
51
مستشفى،و 5112مستوصف،و 1050صيدلية،و 980دارا ً ليواء اليتام
والعجزة والرامل.
52
والندية الرياضية وبيوت الطلبة والشباب ،ودور العجزة
والمسنين:
جاء في كتاب مؤتمر العاملين المسيحيين بين المسلمين ما يلي:
"نحن نعنى بالعممل الجتماعي المسيحي :تطبيمق مبادئ يسموع
دعون أن في المسيح في جميع الصلت النسانيمة ،إن المسلمين ي ّ
السلم ما يلبي كل حاجة اجتماعية في البشر ،فعلينا أن نقماوم السلم
دينيا ً بالسلحة الروحية ،فالنشاط الجتماعي يجب أن يوافق التعليم
المباشمر للنجيل ويساعده ويتممه .من أجل ذلك ننصح بالسير في
العمال الجتماعية على السس التالية :إيجاد بيوت للرجال والنساء،
خصوصا ً الطلبة منهم ومنهن ،وإيجاد أندية للعتناء بالتعليم الرياضي
وبأعمال الترفيه ،وحشد المتطوعين لمثال هذه العمال… وبما أن
صبتا
جمعية الشباب المسيحية وجمعية الشابات المسيحيات قد ن ّ
نفسهما للوصول إلى الشباب المسلم… فالواجب يقضي أن تشجعا
فتتسع دائرة عملهما فتشمل الجماعات المسؤولة عن المسلمين").(1
يقول المبشر أديسون :إن فروع جمعية الشبان المسيحية قد نشرت
في الشرق السلمي لتكون عونا ً على تغلغل التبشير المسيحي وإلى
مثل ذلك أشار ولبرت سميث).(2
جاء في مقررات المؤتمر التبشيري الذي انعقد في القدس سنة
1935م :يجب أن نستخدم جميع الوسائط كالمدرسة… وجمعية
الشبان المسيحية ،وجمعية الشابات المسيحيات وسواهما من منظمات
الشباب ،والندية الرياضية ،وبيوت الطلبة التي يجب أن تجذب الطلب
إلى مملكة المسيح) .(3وقال كورنيليوس باتون في كتابه" :عمل
الرساليات" :قد اقتضى أن يعهد إلى جمعية الشباب المسيحيين
بالعمل في المدن وخصوصا ً بين الطلب والطبقات المثقفة في
المدن… إن هذه الجمعية تستطيع بواسطة نشاطها الجانبي في الحياة
53
الجتماعية والرياضية أن تجتذب رجال ً ليس بالمكان أن يتقبلوا
النصرانية بطريقة شخصية").(1
ولبيان النشاط التنصيري في قطاع غزة نذكر هنا ما
نقلته صحيفة الرسالة على لسان أحد الشباب المسلم
الذين كانت لهم تجربة في هذا المجال ،يقول:
"خلل التحاقي في إحدى دورات اللغة النجليزية العام الماضي
في إحدى المكتبات العامة في القطاع ومن خلل تواجدي في هذه
الدورة عرفت أنهم مبشرون يحاولون بث المفاهيم المسيحية بين
الطلبة الحاضرين الذين تتراوح أعمارهم ما بين
"15-18عاما ً وأضاف الشاب )م( منوها ً إلى شعوره بالخطورة
الشديدة للمؤسسات التي تقف وراء هذه الحملت التبشيرية ،ومن
بينها مؤسسة ) (Light to Nationالمريكيمة ويضميف الشماب )م( أن
لمدي الكثيممر ممن الدلمة التي تثبمت أن جمعيمات تبشميريمة كثيممرة
بدأت تنشط في قطاع غزة بهدف إغراء العديد من الشباب ،ويقول:
"خلل فترة الدورة قام المشرفون عليها بتوزيع الناجيل على
المشتركين ثم قاموا بعد ذلك بتوزيع أشرطة خاصة بأغاني الم ،Prais
وخلل شهر رمضان الماضي قاموا بإرسال بعض الفتيات الوربيات إلى
رفح ،واللواتي أقمن علقات مع شباب من أهل المنطقة" وأضاف :بأن
أحد هؤلء الشباب أكد بأن إحدى الفتيات عرضت عليه الذهاب إلى
الكنيسة .وذكر بأن خادمة من الكنيسة "البابيتش" )أي التبشير( وهي
من أمريكا وتدعى Glindaكانت نشطة جدا ً في مجال التبشير في
مناطق القطاع ،وقد وزعت العشرات من الناجيل على الشباب ،كما
قامت بمناقشة العديد منهم في قضايا دينية بحضور فتيات أوربيات.
يقول شاب آخر من منطقة رفح أنه في شهر مايو الماضي
جاءت مجموعة من المبشرين مكونة من حوالي ثلثين شابا ً وفتاة،
وكانوا يدعون الشباب إلى قراءة النجيل وهذا المر لم يعلن عنه
صراحة إل في حفلة التعارف التي أقاموها والتي شهدت حفل ً نصرانيا ً
54
كبيرا ً تخلله رقص وغناء ،وقد قام مسؤول هذه المجموعة بإلقاء كلمة
تحدث فيها حول ضرورة اليمان بالنجيل والتمسك بتعاليمه ،وتم توزيع
الناجيل على الحاضرين ويؤكد الشاب أن الحفل كان مختلطًا ،وأن
الهدف كان واضحا ً وهو تعليم الشباب أصول ومبادئ الدين المسيحي.
ويضيف بعض الهالي في منطقة الشابورة -رفح -بأن العديد من
المبشرين يأتون على شكل أفراد أو مجموعات ،ويحاولون الختلط
بالمواطنين وخصوصا ً الشباب ويعرضون عليهم بعض المساعدات مثل
العلج الطبي ،وإهداء الكتب والمجلت ،وإجراء التصالت ،وعقد
الرحلت المختلطة إلى البحر بحجة الترفيه..وذكر لنا مواطنون بأنهم
التقوا هؤلء الجانب واستضافوهم في بيوتهم ولم يكونوا يعرفون أنهم
يهدفون إلى نشر النصرانية بين المواطنين ،وقال لنا أحدهم أنهم كانوا
يأتون على شكل مجموعات من ثلثة أو خمسة أفراد ثم يتوزعون
للسكن في البيوت .ويضيف بأنه في عدة مرات كانت فتيات أجنبيات
تصحبهم في رحلتهم هذه.
ن أحد القساوسة عرض عليه الموافقة على وذكر أحد المواطن بأ ّ
وجبة غداء في إحدى المكتبات العامة في غزة ،وعندما ذهب إلى هناك
فوجئ بإحدى الفتيات "المتبرجات" تحاول الحتكاك به والتحدث إليه.
وأضاف بأن أحد العاملين في المكتبة فتح نقاشا ً معه تبين بعدها أنه
يعمل " God Serverأي خادم الرب" في إحدى الكنائس"(1).
سادسًا :تقديم المساعدات والمعونات للفقراء والمحتاجين:
استغل المبشرون الفقر والجوع فقاموا بتقديم المساعدات المالية
والعينية لفقراء المسلمين ممزوجين بالتبشير بالنصرانية ،استغلوا ما
بأيديهم من وسائل الحسان حتى يصلوا إلى أهدافهم التبشيرية
الستعمارية ،فلقد اعترف المبشر اتمر دوغلس بأن الجماعات
التبشيرية قد استغلت تقديم الطعام والكساء للفقراء المسلمين
وخاصة الطفال منهم في إبعادهم عن السلم ،وكتب القس زويمر
55
مقال ً في مجلته "العالم السلمي" بعنوان :استخدام الصدقات
لكتساب الصابئين-أي الذين يتركون دينهم إلى دين آخر.-
سابعًا :المكتبات والمراكز الثقافية والتصوير والستكشاف
والكشافة والمخيمات والمؤتمرات الطلبية والشبابية
للجنسين.
ثامنًا :إقامة المشروعات الزراعية والصناعية ،ومشروعات
إنعاش القرى والرياف ،ثم استغللها في التبشير بالمسيح،
والمبشر الناجح يؤثر في الفلحين والمزارعين من خلل سلوكه
الشخصي وأقواله وأعماله ،وعليه أن ينقل إليهم بهدوء رسالة المسيح.
تاسعًا :البعثات الجامعية والمنح والقروض للطلب
المحتاجين:
قام المبشرون باختيار نفر من الطلب المسلمين لرسالهم إلى
أوربا وأمريكا كي يكسبوهم شيئا ً من أساليب الحياة الغربية ،ومن
ما أن يصبح هؤلء الثقافات والتجاهات الفكرية الغربية ،ومن ثم إ ّ
الدارسون-في جامعات ومعاهد الغرب -إما نصارى بالفعل أو ممالئين
للنصرانية ،ولكي تنجح المهمة مع هؤلء الدارسين كان لبد من زواج
عدد منهم من الغربيات الكوافر ممن يحملن في قلوبهن الحقد
والكراهية للسلم والمسلمين.
عاشرًا :المناظرات والحوارات والندوات والمحاضرات في
المعاهد والمؤسسات العلمية في العالم السلمي.
الحادي عاشر :رعاية بعض الحزاب والمنظمات القومية
والوطنية وتوجيهها الوجهة اللدينية ،وخاصة في لبنان وفلسطين
وسوريا.
الثاني عشر :الدعوة إلى التسامح المشبوه ،والحوار بين
الديان ،واستغلل الحوار لقامة علقات إنسانية من خللها يتم
التبشير بالمسيحية ومفاهيمها.
56
الفصل الثاني
الستشراق
ة الستشراق في القرن الرابع عشر الهجري وبخاصة شطت حرك ُ نَ ِ
ة الستشراق هذه ص حرك ُبعد سقوط الخلفة نشاطا ً ملحوظًا ،وتتلخ ُ
ب عَْبر العديد من
ب التي اعتمدها الغر ُت والسالي ِ بأنها إحدى المحاول ِ
مؤسساته وعلمائه ،للدس على السلم وإلقاء الكثير من المفتريات
ة
مظل ِوالباطيل في محيط السلم وأفكاره ومصادره وتاريخه تحت ِ
البحث العلمي.
الستشراق :هو تعلم علوم الشرق السلمي ،وتطلق كلمة
الستشراق على الدراسات التي يقوم بها غير المسلمين -من اليهود
والنصارى ونحوهم -للدين السلمي ،وعلوم المسلمين ،وتاريخهم،
ولغاتهم ،وأوضاعهم السياسية والثقافية والجتماعية.
والمستشرق :هو العالم الذي يشتغل بتلك الدراسات ،وأغلب
المستشرقين يهدفون من دراستهم تشكيك المسلمين في معتقداتهم
وتراثهم التاريخي والفقهي ،وإضعاف روح المقاومة الروحية والمعنوية
في نفوس المسلمين).(1
نشأة الستشراق وبدايته-:
لقد كان الستشراق وليد الحتكاك بين الشرق السلمي والغرب
النصراني أيام الفتوحات السلمية للغرب ،وإّبان الستعمار الغربي
الصليبي للشرق ،وعن طريق السفارات والرحلت ،وكان الدافع
الساسي لحركة الستشراق الجانب اللهوتي النصراني بغية تحطيم
السلم من داخله بالدس والكيد ،وإثارة الشبهات والشكوك حول
مبادئه وقيمه وشرائعه وتاريخه.
ولم يستطع المؤرخون أن يتفقوا على تحديد بداية الستشراق،
فبعضهم يعود به إلى الراهب الفرنسي "جريردوي أورالياك" الذي قصد
بلد الندلس السلمية وتتلمذ على أساتذتها في أشبيلية وقرطبة ،حتى
انظر الستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ص ،18أجنحة المكر الثلثة 1
للميداني ص .83
57
أصبح أوسع علماء عصره الوربيين إطلعًا ،وقد تقلد فيما بعد منصب
البابوية في روما باسم سلفستر الثاني )1003-999م(.
وبعض المؤرخين أرجع بداية الستشراق إلى القرن الثاني عشر
مت فيه أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اللتينية، حيث ت ّ
وظهر فيه أول قاموس لتيني عربي.
وأما الستشراق اللهوتي الديني فقد بدأ بشكل رسمي حين
صدور قرار مجمع فينا الكنسي عام 1312هم بإنشاء عدد من كراسي
اللغة العربية في عدد من الجامعات الوربية.
وقد ظهر مفهوم الستشراق في أوربا في نهاية القرن الثامن
عشر ،إذ ظهر أول ً في إنجلترا عام 1779م ،وفي فرنسا 1799م ،وفي
سنة 1838م أدرج مفهوم الستشراق في قاموس الكاديمية
الفرنسية...ويعد القرنين التاسع عشر والعشرين عصرا الزدهار
الحقيقي للحركة الستشراقية ،ففي شهر مارس 1795م أنشأت
الحكومة الفرنسية مدرسة اللغات الشرقية الحية.
وبدأت حركة الستشراق في فرنسا تتجه نحو اتخاذ طابع علمي
على يد سلفستر دي اس 1838م الذي أصبح إماما ً للمستشرقين في
عصره ،وإليه يعود الفضل في جعل باريس مركزا ً للدراسات العربية
مها التلميذ والعلماء من مختلف أوربا ليتعلموا على يديه.يؤ ّ
وفي منتصف القرن التاسع عشر قام المستشرقون بإنشاء
جمعيات للدراسات الستشراقية في مختلف بلدان أوربا وأمريكا،
فتأسست أول ً الجمعية السيوية في باريس عام 1822م ،ثم الجمعية
الملكية السيوية في بريطانيا وايرلندا عام 1823م ،والجمعية الشرقية
المريكية عام 1842م ،والجمعية الشرقية اللمانية عام 1845م ،وأول
مجلة استشراقية أصدرها "هام برجشتال" في فينا باسم "ينابيع
الشرق" من سنة 1818-1809م وفي عام 1895م ظهرت في باريس
مجلة السلم الستشراقية ،وفي 1906م ظهرت مجلة العالم
السلمي التي أصدرتها البعثة العلمية الفرنسية في المغرب ،ثم
ولت هذه المجلة إلى مجلة الدراسات السلمية ،وفي عام 1910م تح ّ
58
ظهرت مجلة السلم اللمانية ،وفي 1912م ظهرت مجلة عالم
السلم الروسية ،وفي 1911م ظهرت مجلة العالم السلمي المريكية
برئاسة القس زويمر رئيس المبشرين في الشرق الوسط.
وشهد القرن التاسع عشر بداية عقد المؤتمرات الدولية
الستشراقية ،ففي باريس عام 1873م عقد أول مؤتمر دولي
استشراقي ،ثم توالى عقد المؤتمرات الستشراقية ،وقد بلغ عددها
العشرات ،وهي تضم مئات العلماء المتخصصين في الدراسات
السلمية ،وقد نشرت بحوث ودراسات المؤتمرات الستشراقية في
عدة مجلدات ،ول يزال المستشرقون يستفيدون من نتائج هذه
المؤتمرات في كتاباتهم ومؤلفاتهم التي يبثون فيها مواقفهم التشكيكية
من السلم عقيدة وشريعة وتاريخًا.
وقامت الجامعات الغربية بتأسيس كراسي للدراسات
الستشراقية في علوم السلم وآدابه وحضارته ،ولقد تخّرج على أيدي
الساتذة المستشرقين عدد من المستشرقين الجدد وعدد ل يستهان به
من الطلب القادمين من العالم السلمي ،ومما يأسف له أن بعضهم
أصبحوا معاول هدم في بلدانهم السلمية).(1
دوافع وأهداف الستشراق)-:(2
يستطيع الباحث أن يتلمس أهداف المستشرقين ودوافعهم من
خلل دراسته أعمالهم الستشراقية التي تتمثل في أبحاثهم ودراساتهم
حص أوجه الصلة بين ومؤلفاتهم ومؤتمراتهم وجمعياتهم ،ومن خلل تف ّ
59
الستشراق والتبشير ،وبين الستشراق والدوائر الستعمارية الغربية،
ويمكن إيجاز أهدافهم ودوافعهم فيما يلي:
ل :الدافع الديني: أو ً
بدأ الستشراق بالرهبان النصارى الذين في نفوسهم حقد
وكراهية شديدة للسلم وأهله ،وهؤلء اشتغلوا في الدراسات
الستشراقية انتصارا ً لدينهم الذي لم يستطع أن يصمد في وجه السلم
الذي بدأ يغزو المجتمعات النصرانية ،يقول لورنس براون :إن دين
المسلمين دين دعوة ،إن السلم انتشر بين النصارى وغير النصارى ،ثم
إن المسلمين كان لهم كفاح طويل في أوربا ،فأخضعوها في مناسبات
كثيرة) ،(1والدافع الديني للستشراق يتمثل في المور التالية-:
-1لما تزعزعت العقيدة النصرانية المحّرفة في نفوس الوربيين عمد
نفر من رجال الكنيسة ومنسوبيها إلى دراسة السلم دراسة تشكيكية
لحماية النصارى منه ،فحجبوا عن شعوبهم حقائق السلم ،وأطلعوهم
على ما زعموه من نقائص وعيوب ،وحذروهم من الدخول فيه ،خاصة
وأن أعدادا ً كبيرة من النصارى بدأت تبحث عن دين جديد .إنهم أرادوا
أن يثبتوا لشعوبهم أن السلم دين ل يستحق التقدير ،وأن أتباعه
مجموعة من اللصوص الهمج وسفاكي الدماء.
-2أرادوا النتقاص من السلم حتى ل يلتفت النصارى إلى نقد العقيدة
النصرانية التي ل يقبلها العقل ،ونقد الكتب المقدسة المحّرفة عندهم.
-3محاولة تنصير المسلمين ،أو تشويه صورة السلم في نفوس أبنائه،
ما أن يكونوا من الملحدة وحملهم على كراهيته والبتعاد عنه ،ومن ثم إ ّ
الذين ل دين لهم ،أو من الخاضعين فكريا ً واجتماعيا ً لحضارة الغرب
اللدينية.
-4إثارة الشبهات والشكوك في مصادر التشريع السلمي ،والزعم بأن
أصوله ومبادئه مستمدة من اليهودية والنصرانية.
60
ثانيًا :الدافع الستعماري:
عمد المستشرقون إلى دراسمة السلم وعلوممه وآدابه خدمة
للمخطط الستعماري الذي يهدف إلى السيطرة على العالم السلمي،
فكانت الدراسات الستشراقية بغية تحقيق ما يلي:
-1اكتشاف مواطن القوة في الشعوب المسلمة -عناصر المقاومة
السلمية الروحية والمعنوية -التي تقف حائل ً أمام السيطرة
الستعمارية ،ثم بث عوامل الوهن والرتباك في تفكير المسلمين،
لفقادهم الثقة بأنفسهم وتراثهم ،وتنمية مواطن الضعف التي تجعل
في المسلمين قابلية للستعمار بأشكاله وأساليبه الحديثة والمعاصرة.
-2العمل على ارتماء الشعوب المسلمة في أحضان الغرب
الستعماري ،والقبال على الفكار والثقافات الغربية المادية اللدينية.
-4إحياء الدعوات والنعرات الجاهلية ،وإحلل المفاهيم القومية
والوطنية الضيقة ،ومن ثم تشتيت شمل المة المسلمة الواحدة التي
تجمعها رابطة :وحدة العقيدة وأخوة اليمان.
يقول القس سيمون":إن الوحدة السلمية تجمع آمال الشعوب
السمر وتساعدهم على التملص من السيطرة الوربية" (1).ويقول
لورانس بروان" :الخطر الحقيقي كامن في نظام السلم ،وفي قوته
على التوسع والخضاع ،وفي حيويته ،إنه الجدار الوحيد في وجه
الستعمار الوربي" (2).ويقول غاردنز" :إن القوة التي تكمن في السلم
)(3
هي التي تخيف أوربا".
61
المستعمرات لغات أهلها وآدابهم وتاريخهم وتراثهم حتى يتمكنوا من
سياسة شعوب تلك البلد ،وتوجيهها لقبول السياسات الستعمارية.
ما رحل الجنبي عن البلد السلمية وتحررت الشعوب من -2ل ّ
سيطرته العسكرية ،أراد الغرب الصليبي أن تكون له في قنصلياته
وسفاراته رجال لهم زاد جيد من الدراسات الستشراقية ،لكي يقوم
هؤلء الرجال بالمهام التي تخدم سياسة الغرب وأطماعه في المنطقة.
ومن هذه المهام:
أ -التصال برجال الفكر والدب والسياسة والصحافة وإقامة علقة
مودة وصداقة معهم ،ومن ثم استخدامهم في بث التجاهات السياسية
والفكرية التي تريدها الدول الستعمارية.
ب -التصال بالعملء والجراء الذين تربوا في أحضان الغرب ومعاهده،
ومن ثم تزويدهم بما يساعدهم على القيام بمهمة خدمة الغرب.
ج -إحداث الفتن والثورات والنقلبات السياسية والجتماعية والثقافية
في العالم السلمي.
رابعًا :الدافع القتصادي والتجاري:
إن ثروات الشرق السلمي وخيراته وموارده إحدى الهداف التي
يسعى الغرب للسيطرة عليها ،لحتياج الغرب لها في ازدهار صناعته
وتجارته ،ولحرمان شعوب المنطقة منها ،وأيضا ً لتوسيع تجارة الغرب
بالستيلء على السواق التجارية الستهلكية ،والقضاء على الصناعات
المحلية ،ومن هنا عمد المستشرقون إلى السفر إلى البلدان السلمية
لدراسة تاريخها وجغرافيتها وطبيعتها الزراعية والبشرية ،ودراسة
عادات وتقاليد الشعوب المسلمة المتعلقة باللباس والطعام ونحوه.
خامسًا :الدافع العلمي:
هناك قلة من المستشرقين درسوا علوم السلم وآدابه بدافع
الرغبة في الطلع على حضارة وأديان غيرهم من المم ،ومن باب
طلب المعرفة وحبها ،وبعضهم درس علوم السلم بحثا ً عن الحق
وبلوغا ً إلى الحقيقة ،وقد اتبعت هذه القلة الموضوعية والحيدة
والعتدال ،ولذا فإن نفرا ً منهم اعترف بأن المبادئ السلمية تتفق
62
والحقائق العقلية المنطقية وتتوافق مع الحقائق العلمية ،وشهدوا
بريادة الفكر السلمي ،وخاصة في العلوم التجريبية والرياضية ،وأعلن
بعض هؤلء إسلمه ،ومن هؤلء :المستشرق النمساوي ليوبلد فايس
الذي تسمى بم محمد أسد ،والشاعر اللماني جوتيه ،والفرنسي واتين
وانيه الذي تسمى بم ناصر الدين ،والدكتور جرينيه الذي كان عضوا ً
بمجلس النواب الفرنسي ،وروجيه جارودي الذي دّون عدة كتب يدافع
ول هؤلء بعد فيها عن حق الفلسطينيين العرب في وطنهم .ولقد تح ّ
إسلمهم إلى جنود مدافعين عن السلم وقضاياه ،وعن العالم
السلمي وقضاياه ومشكلته ،غير أن بعضا ً منهم قد وقع في أخطاء
علمية بسبب حداثة إسلمهم ،وجهلهم بأساليب اللغة العربية وطرائق
التعبير فيها.
وسائل الستشراق-:
لقد لجأ المستشرقون من أجل تحقيق أهدافهم إلى وسائل
وأساليب متعددة أهمها):(1
ل :تأليف الكتب في الموضوعات والدراسات العربية والدينية ،ألفواأو ً
في التاريخ العربي السلمي ،وفي الشريعة والعقيدة ،وفي تاريخ الدب
العربي ،وفي التصوف والخلق ،وفي العلوم المتعلقة بالقرآن والسنة،
وأكثر مؤلفاتهم مشحونة بالكاذيب والطعون في السلم ومملوءة
بالشبهات والشكوك .وقد بلغت أعداد الكتب التي ألفوها منذ القرن
التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين ما يقرب من ستين ألف
كتاب.
ثانيًا :إصدار الموسوعات والمعاجم بلغات مختلفة ،وقد اعتبرت هذه
المعاجم والموسوعات مرجعا ً لكثير من طلب الدراسات العربية
والسلمية ،ومن هذه الموسوعات :دائرة المعارف السلمية ،المعجم
العربي اللتيني لجورج فيلهم فرايتاك ،تاريخ الدب العربي لللماني
63
كارل بروكلمان ،المعجم المفهرس للفاظ الحديث النبوي لعدد من
المستشرقين.
ثالثا ً :إلقاء المحاضرات وعقد الندوات في الجامعات والمعاهد
والمؤسسات العلمية في العالم السلمي ،وهم في الغالب يستدعون
عن طريق تلمذتهم وعملئهم .والتدريس في الجامعات الوربية
والمريكية وخاصة في أقسام الدراسات العربية والسلمية التي
أنشأوها في بلد الغرب لستقبال أبناء العالم السلمي ،ولتخريج
الغربيين العاملين في النشاط الدبلوماسي بالسفارات والقنصليات
لبلدانهم ،والذين يلتحقون بمراكز البحوث والدراسات المهتمة بالشرق.
رابعًا :إصدار المجلت الخاصة ببحوثهم حول السلم
والمسلمين.
خامسًا :جمع المخطوطات وفهرستها وتحقيقها ونشر الكثير منها،
وخاصة تلك التي تحمل الفكار الضالة والعقائد المنحلة ،وقد بلغت
المخطوطات العربية في مكتبات أوربا عشرات اللف.
سادسًا :الترجمة :قام المستشرقون بترجمة المئات من الكتب
والمؤلفات العربية والسلمية إلى اللغات الوربية ،لقد ترجموا القرآن
الكريم ووضعوا في الهوامش ومقدمات ترجماتهم تصوراتهم الخاطئة
للحقائق والمفاهيم السلمية.
سابعًا :نشر المقالت والبحوث في الصحف والمجلت السلمية ،وقد
تمكنوا من استئجار عدد منها لنشر أفكارهم وآرائهم المعادية للسلم.
ثامنًا :عقد المؤتمرات الستشراقية التي يتدارسون فيها طرق
ووسائل الستشراق وأهدافه ويتبادلون فيها الرأي والمكيدة ،وأول
مؤتمر استشراقي عقد في باريس سنة 1873م.
تاسعًا :التدريس في الجامعات والمدارس التي أقامتها الدول الوربية
في ديار المسلمين ولقد استطاع المستشرقون أن يخّرجوا أعدادا ً من
أبناء المسلمين الذين يكون ولؤهم الثقافي والسياسي والحضاري
للغرب الكافر.
64
عاشرًا :تربية عدد من أبناء المسلمين -وخاصة في جامعاتهم
ومعاهدهم ومراكزهم العلمية -على أفكارهم المعادية للسلم ومن ثم
استخدامهم معاول هدم للسلم من الداخل.
ميزان البحث لدى المستشرقين-:
لم يسلك المستشرقون في أبحاثهم ودراساتهم الستشراقية
قواعد البحث العلمي،بل اتبعوا منهجا ً في غاية الغرابة ،فالباحث
المخلص يجب أن يتجرد عن كل هوى وميل شخصي فيما يبحث ،وعليه
أن ل يجافي الحقيقة العلمية ،وأن ل يبتعد عنها بهواه ورغباته
الشخصية ،وعليه أن يلتزم الحيدة الموضوعية العلمية .وقد اعترف
ن كثيرا ً من زملئهم قد انحرفت بهم نزواتهم عن بعض المستشرقين بأ ّ
النزاهة العلمية ،وطغت على أبحاثهم روح التعصب الصليبي ،يقول
برنارد لويس":ل تزال آثار التعصب الديني الغربي ظاهرة في
مؤلفات عدد من العلماء المعاصرين ،ومستترة في الغالب وراء
الحواشي المرصوصة في البحاث العلمية".
ويقول نورمان دانييل":على الرغم من المحاولت الجدية
المخلصة التي بذلها بعض الباحثين في العصور الحديثة للتحرر من
المواقف التقليدية للكّتاب النصارى من السلم ،فإنهم لم يتمكنوا أن
يتجردوا منها تجردا ً تامًا" .ويقول مونتجمري وات :جد ّ الباحثون منذ
القرن الثاني عشر في تعديل الصورة المشوهة التي توّلدت في أوربا
عن السلم ،وعلى الرغم من الجهد العلمي الذي بذل في هذا السبيل،
فإن آثار الموقف المجافي للحقيقة التي أحدثتها كتابات القرون
المتوسطة في أوربا ل تزال قائمة ،فالبحوث والدراسات الموضوعية
)(1
لم تقدر بعد على اجتنابها".
ويمكن أن نلخص ميزان البحث لدى المستشرقين في النقاط التالية-:
-1العتماد على الهوى والرغبة الشخصية في النتقاص من السلم
والمسلمين .إنهم يخضعون النصوص الدينية لتأويلتهم التي يتخيلونها
65
حسب أهوائهم ،وكثيرا ً ما يرفضون النصوص ،أو يقبلونها مع التأويل
الفاسد ،أو يحرفونها حسب أهوائهم واتجاهاتهم الشخصية المغرضة.
م تصّيد الوقائع المغلوطة والدلة -2وضع فكرة معينة في الذهن ث ّ
الضعيفة لثبات صحة هذه الفكرة ،مع العتماد على الكتب والمصادر
غير الموثوق فيها من قبل المسلمين ،أو التحكم في اختيار المصادر
والدلة ،فمثل ً ينقلون من كتب الدب -كالغاني للصفهاني والحيوان
للدميري -ما يحكمون به في تاريخ الحديث النبوي ،وينقلون من كتب
التاريخ ما يحكمون به في الفقه وتاريخ التشريع.
-3العتماد على الخيال والوهم المجرد في تفسير الوقائع وتحليل
الحوادث والمفاهيم الدينية).(1
-4جمع الشبهات المختلفة ،وإثارة الشكوك المتعددة ،وإظهار الدعوات
الباطلة :كالدعوة إلى اللهجة العامية التي بدأ بها كل من ولكوكس
وويلمور ،وكالدعوة إلى الفينيقية والفرعونية التي بدأها كل من كرومر
وفمبري.
صد الخطاء ،والعمل على تضخيمها، -5البحث عن نقاط الضعف ،وتق ّ
رغبة في التجريح والطعن ،فمثل ً نرى المستشرقين يعتمدون على
الحاديث الضعيفة والروايات الساقطة والخبار السقيمة ،وكثيرا ً ما
)(2
يغفلون النصوص والخبار التي تناقض ما يقررون.
تلميذ المستشرقين-:
اسممتطاع المستشممرقون أن يكسممبوا عممددا ً مممن النصممار فممي العممالم
السلمي ،وأن يرّبوا فمي معاهمدهم العلميمة عمددا ً ممن التلميمذ ،المذين
استخدموا كمعمماول هممدم للسمملم مممن داخلممه ،وقممد آزر هممؤلء النصممار
والتلميذ المستشرقين في مواقفهم ودعوا تهممم العدائيممة فعملمموا علممى
تضليل الجماهير المسمملمة ،وأسمماءوا إلممى السمملم والمسمملمين إسمماءة
كبيرة .وأغلب التلميذ والنصار آثروا الخروج عممن دينهممم والرتممماء فممي
انظر أجنحة المكر الثلثة للميداني ص ،100-99أساليب الغممزو الفكممري ص -24 1
.25
الستشراق والخلفية الفكرية د .زقزوق ص .78 2
66
أحضان الحضارة الغربية ،ومما يؤسف له أن كثيرين من هممؤلء التلميممذ
قد أصبحوا من أصممحاب الصممدارة فممي الفكممر والدب والسياسممة .وفممي
مقدمتهم :الدكتور طه حسين الذي أكممثر مممن إعجممابه وتقممديره لمناهممج
المستشرقين ،وقام بالترويج لفكارهم وآرائهم التشممكيكية ،لدرجممة أنممه
وصف :بأنه مستشرق من أصل عربي ،وكتابات طه حسين تشهد بذلك،
ففي كتابه "الشعر الجاهلي" أعلن إنكاره لبناء إبراهيم وابنممه إسممماعيل
عليهما السلم للقواعممد مممن الكعبممة المشمممرفة ،وفممي كتممابه "مسممتقبل
الثقافة في مصر" زعم أن العرب قوم مستعمرون كالرومان والفممرس،
وأخذ يدعو المصريين إلى اقتفاء الحضارة الغربية حلوها ومّرهمما ،خيرهمما
وشّرها .لقد كان طه حسين تلميذا ً مخلصا ً ووفيا ً لساتذته المستشرقين
في جامعة السربون الفرنسية .ومنهم الشمميخ أميممن الخممولي ,وهممو مممن
خريجي مدرسة القضاء الشممرعي ,عمممل مدرس ما ً بقسممم اللغممة العربيممة
بالجامعة المصرية ,وكان يقول":من حق الناس جميعا أن يقرأوا الكتممب
الدينية المقدسة ويدرسوها ويعلنوا آراءهم فيهمما مممن حيممث هممي موضممع
للبحث الفني والعلمي ,بقطع النظر عن مكانتها الدينية",وراح يروج لها,
ويممدعو إليهمما وقممد كممان يممدرس مممادتي التفسممير والبلغممة ,وظممل أمممره
مستورا ً إلممى سممنة ,1947ل يممدري أحممد خممارج الكليممة ممما يلقنممه أميممن
لتلميذه من أنواع الكفر والضمملل..ففممي هممذه السممنة– 1947م– تقممدم
أحد الطلبة برسممالة موضمموعها "الفممن القصصممي فممي القممرآن الكريممم"
للحصول على درجة الدكتوراه من قسم اللغة العربية ,وكممان أميممن هممو
المشرف على هذه الرسالة ,والموجه للطالب فيما كتب ,وقممد رفضممت
الرسالة ,فرفع الطالب المر إلى وزيممر المعممارف الممذي أحممال الرسممالة
إلى الشيخ محمود شلتوت ,عضو جماعة كبار العلماء ,للنظر فيها وإبداء
الرأي.
وكان من هؤلء منصمور فهممي المذي قمال فمي رسمالة المدكتوراه
وكان موضوعها)حالة المرأة في التقاليد السمملمية وتطوراتهمما( صممفحة
":15محمد يشرع لجميع الناس ويستثني نفسه..ومع أّنه كممان المشممرع
الذي ينبغي أن يخضع لما يدعو إلى تطبيقه على الخرين ,إل أنه كان له
ضعفه واختص نفسه ببعض المزايمما "..ويقممول فممي صممفحة ":16وهكممذا
نجد انه بعممد أن ينممام نوممما عميقمًا ,يقمموم ليممؤدي صمملواته دون أن يجممدد
طهوره ووضوءه على حين أن المؤمنين الخرين ,كممان عليهممم الشممروع
فممي وضمموء وطهممور جديممد .ومممن أجممل أن يممبرر السممتثناء الممذي عمممل
لصالحه ,اكتفى بأن قال :إن عيني تنام ول ينام قلبي أبدا".
67
وكان منهم أميممن الخممولي الممذي كممان معجبمما بطممه حسممين وبممالفكر
الستشراقي عمومًا .وقد بقي أمره مستورا سممنوات طمموال حيممث كممان
يلقن طلبه أنواع الكفر والضلل إلى أن انكشف عام 1947م.
ومن تلميذ المستشرقين:سلمة موسى ،وحسين فوزي ،وزكي
نجيب محمود ،ومحمود عزمي ،وعلي عبد الرازق ،وأحمد لطفي السيد،
وعبد العزيز فهمي ،ولويس عوض ،وتوفيق الحكيم ،وآخرون غيرهم.
كز عليها المستشرقون في دراساتهم الموضوعات التي ر ّ
)(1
وأعمالهم الستشراقية:
ل :القرآن الكريم: أو ً
زعم المستشرقون أن القرآن الكريممم مممن وضممع محمممد ،وليممس
كتابا ً منزل ً من الله عز وجل بواسطة أمين الوحي جبريل عليمه السملم،
وزعموا أن محمدا ً استمد المعلومات التي جاءت في القرآن من أنمماس
كانوا يخبرونه بها ،وجعلوا اليهودية والنصممرانية مصممادر للقممرآن الكريممم،
وأما الحقائق العلمية التي أشار إليها القممرآن فقممد زعممم المستشممرقون
أن محمدا ً تو ّ
صممل إليهمما بممذكائه وعبقريتممه الفممذة أو جمماء بهمما مممن قبيممل
المصمممادفة البحتمممة .وعلمممى رأس المستشمممرقين فمممي همممذا المجمممال:
جولدتسمميهر ،وجممب ،وبلشممير ،وجممورج سمميل .يقممول جممورج سمميل فممي
نمقدمممة ترجمتممه لمعمماني القممرآن الممتي صممدرت عممام 1736م":أممما أ ّ
محمدا ً كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخممترع الرئيسممي لممه فممأمر ل
يقبممل الجممدل" ،وقممال ريتشممارد بممل":إن محمممدا ً اعتمممد علممى الكتمماب
المقدس في كتابته للقرآن" .وذهب المستشممرق لمموت إلممى أن محمممدا ً
مدين بفواتح السور مثل :حم -طسم -ألم إلى التأثير اليهودي.
ثانيًا :التشكيك في رسالة النبي:
أنكر المستشرقون نبوة محمد عليه السلم ،وأنكروا رسالته
ل ،وزعمموا أنمه كمان زعيما ً سياسيا ً أو مصلحا ً اجتماعيًا، جملة وتفصي ً
68
سماعدته الظروف السمائدة في مكمة ،وقد تخبطوا في تفسير ظاهرة
الوحي :فمنهم من أرجعها إلى مرض نفسي أو إلى حالة نفسية أدت به
إلى نوع من التأمل الذاتي في السماء ،ومنهم من زعم أن تخيلت
كانت تمل ً ذهن النبي عليه السلم .يقول غوستاف لوبون":ويجب اعتبار
محمد من فصيلة المتهوسين من الناحية العلمية كأكبر مؤسسي
الديانات."....
69
الغربية قام المستشرقون بالتشكيك فيه ،فاتهموه بعدم مواكبممة العصممر
وروح المدنية ،واتهموا الحدود والعقوبات بالقسوة والشدة ،في المموقت
الممذي أبمماحت تشممريعات الغممرب الكممافر كمل سميئة وجريمممة اجتماعيممة،
وأحلت الممرذائل والموبقممات كالزنمما والربمما واللممواط والجهمماض وشممرب
المسكرات.
لقد زعم المستشرقون أن أحكام الشريعة السلمية مستمدة من
القانون الروماني الوثني ،وتولى كبر هذه الفرية المستشرق "شيلدون
مدي ليس إل ن الشرع المح ّ
أموس" الذي قال بصريح العبارة" :إ ّ
القانون الروماني للمبراطورية الشرقية معدل ً وفق الحوال السياسية
)(1
في الممالك الغربية".
خامسًا :التشكيك في التراث الحضاري السلمي ،والتشكيك
في تاريخ المسلمين وماضيهم المشرق ،وخاصة الفتوحات
السلمية :زعموا أن الحضارة السلمية منقولة عن الحضارة
نالرومانية ،وأن المسلمين لم يكن لهم أي إبداع حضاري أو فكري ،وأ ّ
المسلمين كانوا مستعمرين وسفاكي دماء ،استخدموا السيف لتحقيق
مصالحهم المادية.
سادسًا :التشكيك في الدب العربي :حيث زعموا أنه أدب ضحل
مجدب ،وهدفهم من ذلك :أن يتجه المسلمون إلى الدب الوربي.
سابعًا :التشكيك في اللغة العربية وقدرتها على مسايرة
)(2
التطور العلمي :وسلك المستشرقون في ذلك عدة محاور:
-1محور التنفير من اللغة العربية :من خلل الستهزاء والسخرية
ط من قواعدها النحوية وأصولها البلغية ،مع الترغيب في منها ،والح ّ
لغة الوربيين.
-2محور نشر اللهجات العامية :لقد قاد الحملة ضد اللغة
الفصحى ،والترغيب والترويج للعامية مجموعة من المستشرقين أمثال:
70
اللماني "ويلهم سبيتا" ،والنجليزي المهندس "وليم ويلكوكس" الذي
أرجع تأخر المصريين إلى تمسكهم بلغة القرآن الكريم في الكتابة
دن ولمور" -عمل قاضيا ً في محكمة والتأليف ،والنجليزي" :سل ُ
الستئناف الهلية في مصر -الذي أّلف عام 1901م كتابا ً بعنوان:
العربية المحكية في مصر ،واللماني "كارل فولرسي" الذي تولى
سابقا ً إدارة دار الكتب المصرية ،وساعد المستشرقين في حملتهم ضد
الفصحى بعض نصارى مصر والشام ،أمثال سلمة موسى وسعيد عقل،
وأجراؤهم من أبناء المسلمين في مصر أمثال :أحمد لطفي السيد.
-3محور كتابة العربية بالحروف اللتينية :وقاد هذا المحور
ن ذلك ضرورة لمسايرة الفرنسي "لويس ماسينيون" الذي زعم أ ّ
الركب الحضاري ،وناصره في ذلك القاضي المصري عبد العزيز فهمي،
واللبنانيان سعيد عقل ،وأنيس فريحة .وتناسى المستشرقون أن اللغة
العربية الفصحى هي لغة القرآن الكريم ،ولغة الحضارة والتراث
الفكري السلمي ،وأنها من أكبر عوامل وحدة المة السلمية ،وأن
تعّلمها واجب على كل مسلم مو ّ
حد.
-4محور تطوير اللغة الفصحى بإصلح الخط العربي أو
استبداله وتهذيب قواعد اللغة والنحو والصرف ،ونشر اللغة
الوسطى بين الفصحى والعامية :وقد قاده في مصر كل من
أمين الخولي وتوفيق الحكيم وفريد أبو حديد وطه حسين.
)(1
ثامنًا :التشكيك في مكانة المرأة ومنزلتها في السلم:
عندما أدرك الغرب الكافر أن المرأة المسلمة هي محضن الولد
وصانعة الجيال
المسلمة أخذوا في الدس على مكانتها في السلم ،فزعموا أن
السلم انتقص حقوق المرأة
الشخصية والجتماعية ،وحد ّ من حريتها ،وسّلط الرجل عليها ،أثار
المستشرقون في أبحاثهم وأعمالهم الشبهات والشكوك المتعددة في
هذا الجانب ،لمزوا الحجاب ،والحكام الشرعية المتعلقة بالطلق
71
والزواج وتعدد الزوجات ،والميراث ،وعمل المرأة خارج البيت ودائرة
السرة ،وأثاروا ما يعرف بم "تحرير المرأة" ولكنهم –وإن نجحوا في
ذلك -خابوا وخسروا ،إذ امتدت الصحوة السلمية إلى النساء
المسلمات .فأصبحت المرأة المسلمة تعرف حقيقة التآمر الغربي
الصليبي واليهودي ضد بنات جنسها ،وأصبحت تعلم بوعي أن السلم
أعطاها من الحقوق ما لم تنله المرأة في ظل المبادئ والدساتير
والديان المصطنعة ،وأصبحت تدرك أن كل من يتباكى على المرأة إنما
يريد بها شرًا ،فالغرب الكافر يريد إفساد السرة المسلمة النواة الولى
في المجتمع السلمي ،ويريد أن يحطم الخلق والقيم التي تقوم عليها
المجتمعات القوية .وأجراء الغرب يريدون سلبها أعّز شيء لديها ،أل
وهو عرضها وعفافها ،لتكون متعة رخيصة في سوق الملذات
والشهوات.
تاسعًا :إحياء القوميات القديمة ،وإثارة النعرات الجاهلية:
التي من شأنها تحطيم روح الخاء السلمي والوحدة السلمية ،وإقامة
الحواجز النفسية والمادية بين الشعوب المسلمة ،وتجزئة العالم
السلمي إلى دويلت مهزوزة متناحرة.
عاشرًا :إحياء الفرق والجماعات الضالة التي أساءت للسلم
والمسلمين كالقرامطة والبهائية والقاديانية ،وإحياء ما يسمى
بالتصوف السلمي وما فيه من ضللت وانحرافات عقائدية ،كعقيدة
الحلول ووحدة الوجود.
الستشراق والخلفية الفكرية ص 43وما بعدها ،أجنحة المكر الثلثة ص 117وما 1
72
والمستشرقون هم المقدمات النفسية والمعنوية لطوابير الجيوش
الستعمارية ،وهم الممهدون للسيطرة الغربية على مقدرات المة
المسلمة ومواردها وخيراتها.
وكان للمد ّ الستعماري في العالم السلمي دور كبير في تحديد
طبيعة النظرة الوربية إلى الشرق ،وخاصة بعد منتصف القرن التاسع
عشر ،وقد أفاد الستعمار من الدراسات الستشراقية كما أفاد من
طوابير المبشرين الذين زحفوا إلى البلدان السلمية وكان للسيطرة
الغربية على الشرق السلمي دورها في تعزيز مواقف المستشرقين
والمبشرين ،وتواكبت مرحلة التقدم العلمي الضخم في المؤسسات
الستشراقية مع مرحلة التوسع الوربي في الشرق .ولقد استطاع
المستعمر الغربي أن يجند مجموعة من المستشرقين والمبشرين
ليكونوا دعائم مخططاته وأدوات تنفيذ سياساته في البلدان السلمية.
يقول اللورد بلفور وزير خارجية بريطانية وصاحب الوعد المشؤوم" :إن
المبشرين هم ساعد جميع الحكومات المستعمرة وعضدها في كثير من
ذر على تلك الحكومات أن تذلل كثيرا ً منالمور المهمة ولولهم لتع ّ
العقبات ،ولذلك فإنا في حاجة إلى لجنة دائمة تعمل لما فيه صالح
المبشرين" .ويقول المستشرق اللماني "استفان فيلد"" :والقبح من
ذلك أنه توجد جماعة يسمون أنفسهم مستشرقين سخروا معلوماتهم
عن السلم وتاريخه في سبيل مكافحة السلم والمسلمين ،وهذا واقع
مؤلم لبد أن يعترف به المستشرقون المخلصون لرسالتهم بكل
صراحة".
ومن أجل ذلك لم تبخل الحكومات ،ول الهيئات ،ول الشركات ول
المؤسسات ول الكنائس في يوم من اليام في دعم حركة الستشراق
وحركة التبشير المسخرتين في خدمة الستعمار الغربي الكافر.
لقد تقاسم التبشير والستشراق والستعمار الدوار في خطة
غزو العالم السلمي ثقافة وفكرًا ،وعقيدة وشريعة ،وأمة وأرضًا،
وعملوا سويا ً على إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس
المسلمين ،فالتبشير حمل أعباء الدعوة الجماهيرية من خلل المدارس
73
ورياض الطفال والمستشفيات ودور الضيافة والملجئ للعجزة
والمسنين والنوادي الرياضية والجتماعية ،وحمل الستشراق عبء
العمال في ميدان المعرفة والعلم ،فاستخدم التأليف والكتابة وإلقاء
المحاضرات وعقد الندوات ،وإصدار الموسوعات والمجلت ،وأما
الستعمار فقد أعان كليهما ماديا ً ومعنويًا ،ليقوم كل منهما بمهامه وهو
آمن على نفسه وعلى إنجاح خطته ،واستطاعوا جميعا ً إيجاد أجيال
متعاقبة من المسلمين ل تفقه السلم ول تحفظ من القرآن الكريم إل
آيات معدودة ،أجيال تتنكر لدينها وهويتها السلمية ،وتعمل ضد مصالح
خر نشاطها وأقلمها وأموالها في النيل من المسلمين ،أجيال تس ّ
السلم وعلومه وآدابه وحضارته.
كدت وقائع التاريخ المعاصر أن الستشراق والتبشير قد ولقد أ ّ
خرا في خدمة اليهودية والنصرانية ،ويكفينا أن نعلم أن في أوربا س ّ
ُ
وأمريكا آلف القساوسة والرهبان ومئات المنظمات الكنسية العاملة
ث اليهود في الستعجال من أجل دعم إسرائيل ماليا ً ومعنويًا ،وكلها تح ّ
بهدم المسجد القصى ،وبناء الهيكل اليهودي الثالث على أنقاضه) (1لن
المسيح سينزل بعد ذلك ،وعلى رأس اللف الميلدي كما جاء في رؤيا
يوحنا).(2
-1انظر العلقة الوثيقة بين التبشير واليهودية :التبشير والستعمار في البلد العربية
ص .190-179
-2في أمريكا وحدها -أكثر من أربعين مليون نصراني صهيوني حسب إحصائية
1985م -يؤمنون بوجوب هدم المسجد القصى قبل سنة 2000م .ومعظم
العاملين في السياسة المريكية الداخلية والخارجية ،بل ورئاسة الجمهورية هم من
هؤلء القوم.
74
الفصل الثالث
التـغـريب
انظممر دراسممات فممي الثقافممة السمملمية ص ،35أسماليب الغممزو الفكممري د .علمي 1
75
الذين ترّبوا في أحضان الثقافة الغربية،لقد كانت خطة الغرب :أن
يقطع الشجرة أحد أعضائها.
-يبدأ التغريب -التغيير الجتماعي -أول ً في أدنى مظاهر الحياة
الجتماعية ،كالكل والشراب باليد اليسرى ،واستخدام الكلمات
والمصطلحات الجنبية في آداب التحية والوداع أو التحية بغير تحية
السلم المعروفة -السلم عليكم ورحمة الله وبركاته -ثم النتقال إلى
كبائر المحرمات كأكل لحم الخنزير وشرب الخمر والرقص والسفور
والتبرج والشتراك في مسابقات ملكات التعري -ملكات الجمال،-
وكأن تخرج المرأة أول ً وهي تبدي بعض عورتها ،أو ترتدي البنطال ،ثم
النتقال إلى الموضات الغربية الفاضحة التي تكشف أجزاًء من جسم
المرأة ،تثير الغرائز الجنسية وتؤجج الشهوات في نفوس الشباب.
-أن يبدأ التغريب بمخاطبة فكر المة المسلمة وعقيدتها ،عن طريق
المأجورين والعملء من الداخل ،ثم يجري داخل العقول والقلوب،
وأخيرا ً ينتقل إلى الخلق والتقاليد والعادات الجتماعية والسلوكية.
-تعتمد خطة التغريب وسائل القناع المختلفة ،وهي وسائل مدروسة
ومخطط لها تخطيطا ً علميًا ،يشرف عليه علماء النفس والجتماع،
وأجهزة المخابرات ،ورجال الحصاء.
-تستفيد خطة التغريب في إحداث التغيير الجتماعي من جهود
المبشرين ،وأعمال المستشرقين ،وجهود العلمانيين اللدينيين من أبناء
المسلمين.
-إن خطة التغريب تشمل كل نواحي الحياة الجتماعية والثقافية،
وليست قاصرة على ناحية أو جانب واحد ،كي يصبح أبناء المسلمين
غربيين في كل مظاهر الحياة ،تشمل آداب الطعام والشراب ،وآداب
اللباس والزينة ،ومجال البناء والتعمير ،كما تشمل مجال التربية
والخلق.
-استخدام الشعارات والمصطلحات والعبارات التي تدغدغ العواطف،
كالتطور والتقدم والمدنية والرفاهية والحضارة ،مع عدم الصطدام
بالمشاعر والحاسيس ،واستخدام مصطلح التقاليد والعادات الموروثة
76
القديمة للدللة على الحكام الشرعية التي يجب تركها وعدم التقيد بها.
)(1
77
-6جهل معظم المسلمين بحقائق السلم ومفاهيمه ،وقلة الدعاة
المخلصين الذين يقومون بواجبهم تجاه هذا الدين وأهله).(1
78
الولى اليد المنفذة له ،وكان هدفها واضحا ً ومحددًا ،وهو إقامة دولة
على طراز الدول الوربية الحديثة ،ففصلت الدين عن الدولة ،وأقامت
المجتمع التركي على السس العلمانية ،وأجبرت الناس على لبس
القبعة والملبس الفرنجية ،وأجبرت المرأة على الخروج سافرة
متبرجة ،ثم عمدت إلى الحروف العربية فأبدلتها باللتينية وسلخت تركيا
عن كل صلة بتاريخها السلمي .ولكن تركيا لم تكسب من تقليدها
للغرب شيئا ً مقابل ما فقدته وتخّلت عنه.
وفي الهند :حمل لواء التغريب أحمد خان والمدرسة الفكرية
التي أسسها
في عليكره ،حيث دعا إلى تقليد الحضارة الغربية وأسسها المادية،
واقتباس العلوم العصرية ،بحذافيرها وعلى ع ّ
لتها ،وتفسير القرآن
الكريم ومفاهيم الدين وفق ما وصلت إليه الحضارة الوربية ،وأصدر
سر فيه القرآنأحمد خان في ذلك تفسيرا ً سماه "تبيان الكلم" ف ّ
الكريم على صورة تطابق هواه وأهواء أسياده الغربيين وآرائهم.
وفي مصر :كان التجاه إلى التغريب قويا ً ومتحمسًا ،والحق أن
مصر كانت بيئة صالحة لهذه الدعوة ولجميع دعوات الستشراق ،لدرجة
ست الدين بسوء وجدت لها أنصارا ً أن كل فكرة ودعوة غربية أوربية م ّ
ودعاة من المصريين أنفسهم ،ومن ذلك :فكرة فصل الدين عن الدولة،
وإنكار حجية السنة النبوية ،والدعوة إلى ما ُيسمى تحرير المرأة
ومساواتها بالرجل ،والدعوة إلى ترك المرأة للحجاب والخروج سافرة
متبرجة ،والدعوة إلى العامية ،واستخدام اللتينية بدل العربية الفصحى،
والدعوة إلى الفرعونية والقومية والشتراكية إلى غير ذلك من
الدعوات الهدامة.
ويعتبر الدكتور طه حسين من أبرز الشخصيات المصرية في
الدعوة إلى
التغريب) ،(1ومن أكثرها إلحاحا ً في الخذ به ،كما أنه من المغالين في
ذلك ،وقد ضمن آراءه التغريبية في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"،
79
ففيه زعم أن مصر ذات صلة بأوربا أكثر من الشرق ،وأن الثقافة
المصرية جزء من الثقافة الغربية الوربية ،وأن الحياة المصرية المادية
حياة أوربية ،وأن المثل العلى للمصري في حياته المادية إنما هو
المثل العلى للوربي في حياته المادية ،سواء كان في نظام الحكم أو
نظام التعليم.
ح طه حسين على المصريين أن يقتفوا سيرة الوربيين في وقد أل ّ
ل ،نافعا ً أم ضارا ً فقال" :إننا في هذا
كل شيء ،سواء كان حقا ً أم باط ً
العصر الحديث نريد أن نتصل بأوربا اتصال ً يزداد قوة من يوم إلى يوم،
ل" .وإذن يتعين علينا حتى نصبح جزءا ً منها لفظا ً ومعنى وحقيقة وشك ً
كما يقول طه حسين" :أن نسير سيرة الوربيين ،ونسلك طريقهم
لنكون لهم أندادًا ،ولنكون لهم شركاء في الحضارة ،خيرها وشرها،
وحلوها ومرها ،وما يحب منها وما يكره ،وما يحسن منها وما ُيعاب"
وعلينا أيضا ً كما يقول طه حسين" :أن نشعر الوربي بأننا نرى الشياء
ومها ،ونحكم على الشياء كما يحكم وم الشياء كما يق ّكما يراها ،ونق ّ
عليها…".
التجاه الثالث :اتجاه تطوير السلم والتوفيق بينه وبين
الثقافة الغربية ،من خلل تقريب مبادئ السلم ومفاهيمه من
الحضارة الغربية ،وتصيد الدلة على ذلك من أقوال مفكري السلم.
ويعتبر الشيخ محمد عبده من مناصري هذا التجاه والداعين إليه،
لقد قام الرجل باعتماد أسلوب جديد يعتمد على توضيح السلم
والدفاع عن الثقافة السلمية والتأكيد على أنه دين التطور والتجديد،
وأنه ل يتعارض مع المدنية الحديثة ،وعلى هذا الساس انطلق الشيخ
إلى مهاجمة التقليد ،والدعوة إلى الجتهاد وتطوير السلم ،وإعادة
النظر في وضع المرأة في المجتمع :الحجاب ،الحد من تعدد الزوجات،
الحد من حرية الطلق والمناداة بالوطنية والقومية ،والعمل على الخذ
بالنظام السياسي الغربي ،والعناية بالتاريخ السابق على السلم.
ومن الداعين إلى اتجاه التطوير قاسم أمين داعية تحرير المرأة،
وعلي عبد الرازق وسعد زغلول ،وهما من دعاة الوطنية والقومية،
80
والعناية بالتاريخ الفرعوني والخذ بالنظام السياسي الغربي بحجة
واهية ،وهي أن السلم دين ل دولة ول حكم.
ولقد مدح اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر أصحاب
هذا التجاه وخاصة الشيخ محمد عبده ،حيث شبهه بالسيد أحمد خان
في الهند ،وبين أن أهميته السياسية ترجع إلى أنه يقوم بتقريب الهوة
التي تفصل بين الغرب والمسلمين ،وأن محمد عبده وتلميذه خليقون
دم لهم كل ما يمكن من العون والتشجيع لنهم الخلفاء بأن يق ّ
الطبيعيون للمصلح الوربي.
التجاه الرابع :وهو الذي يتمثل في الدعوة إلى احتفاظ
المسلمين بهويتهم السلمية وشخصيتهم المستقلة
المتميزة حسب القرآن والسنة ،والمحافظة على الفكر السلمي
في منابعه الصيلة ،وإعادة تماسك الجماعة السلمية ،مع الفادة من
خير ما أنجزته المدنية الغربية والعلم الغربي ،مع عدم الخذ من الثقافة
نفسها إل ما كان منها ل يتعارض مع هوية المة السلمية وشخصيتها
وثقافتها الصيلة.
ن أصحاب هذا الموقف يرون ضرورة مواجهة الحضممارة الغربيممة إ ّ
ديها بشجاعة وإيمان ،ومعاملممة هممذه الحضممارة كمممادة خممام يسممتفاد وتح ّ
منها للخير أو للشر ،وهو موقف الفحممص والتمحيممص والنقممد والختيممار،
فالمسلم كما يرون صاحب عقيدة ورسمالة وثقافمة ومنهمج فمي الحيماة،
وعليه أن يحمممل رسممالته الربانيممة للنمماس جميعمًا ،وعليممه أن يجمممع بيممن
حسنات ما عنده وحسنات ما عند الخرين ،فالنافع والصالح يبحممث عنممه
ويأخذ به ،مع المحافظة على الصول السلمية ،ولقممد قممام علممماء هممذا
التجاه بنقد قوي جريء لحضارة الغرب وثقافته ومواجهتها وجها ً لوجه.
ونحن أمام أمرين في التعامل مع الحضارة الغربية-:
الول :فهو التفكير والدراسة في جميممع المظمماهر الكونيممة ،والتفحممص
في أنظمتها دراسة فاحصة.
الثاني :فهو استخدام ما فيها من الفوائد المادية أو المدنيممة الممتي هممي
نعم الله تعالى ،والتي هي عطاء وعوض لممن جاهمد وتعمب فمي فحمص
81
المظاهر والموجودات وأنظمتها .وعلى سبيل المثال لقد ورد في كتمماب
الله تعالى في المجال الول):قل انظروا ماذا في السممماوات والرض(.
)قل سيروا في الرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثممم اللممه ينشممئ النشممأة
الخرة() .أفل ينظرون إلى البل كيف خلقت وإلى السماء كيمف رفعمت
وإلى الجبال كيممف نصممبت وإلممى الرض كيممف سممطحت( وفممي المجممال
الثاني وهو النقد الصناعي يقممول اللممه تبممارك وتعممالى):اللممه الممذي خلممق
السماوات والرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمممرات رزقمما
لكم ،وسخر لكم الفلك لتجرى فممي البحممر بممأمره ،وسممخر لكممم النهممار.
وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار .واتاكم من
كل ما سألتموه(.
ويمثل هذا التجاه الحركات والجماعات السلمية في البلدان
السلمية ،ويمثله المفكرون والعلماء الذي نقدوا الثقافة الغربية،
وأعادوا الثقة بالثقافة السلمية ومنابعها الصيلة.
ففي الهند تمثله ندوة العلماء التي يرأسها الشيخ أبو الحسن
الندوي ،وفي باكستان الجماعة السلمية التي أسسها المفكر الكبير
أبو العلى المودودي الذي أّلف عدة كتب في نقد الحضارة الغربية من
أشهرها "نحن والحضارة الغربية" .وفي مصر وغيرها من البلدان
العربية يمثل هذا التجاه حركة الخوان المسلمين التي أسسها الشيخ
حسن البنا ،وفي الجزائر يمثل هذا التجاه جمعية العلماء الجزائريين
التي كان الشيخ عبد الحميد بن باديس ثم الشيخ البشير البراهيمي من
أهم رجالها ،وفي أندونيسيا حركة ما شومي ،وفي تركيا الحركة النورية
التي أسسها الشيخ سعيد النورسي ،وجماعة الستاذ نجم الدين أربكان.
وسائل التغريب-:
اتخذ التغريب وسائل عدة من أجل جعل المسلم غربيا ً في
أخلقه وسلوكه ،غربيا ً في حياته الجتماعية والفكرية والسياسية ،ومن
هذه الوسائل :العلمانية ،والقومية ،والمرأة ،وسنتناول بالحديث كل
واحدة من هذه الوسائل.
82
أو ً
ل :العلمانية
معنى العلمانية في اللغة-:
لم ترد كلمة علماني بحروفها في معجم عربي قديم أو حديث،
قبل المعجم الوسيط الذي أصدره مجمع اللغة العربية عام 1961م،
جاء فيه :العلمانية نسبة إلى العَْلم بمعنى الَعاَلم ،وهو خلف الديني أو
)(1
الكهنوتي.
ومن المعاجم الحديثة التي جاءت فيه كلمة علماني معجم "المعلم
البستاتي" جاء فيه :العلماني :العامي الذي ليس بأكليريكي .ومعجم
العربي الحديث )لرهس( للدكتور خليل الجسر ،جاء فيه :علماني :ما
ليس كنسيا ً ولدينيًا.
ووردت كلمتا علماني وعلمانية نسبة إلى الَعاَلم في بعض
المعاجم الثنائية اللغة منها معجم ألفه إلياس بقطر المصري عام
1828م ،وقد وردت كلمة علماني في معجمه ترجمة كلمة Laique
الفرنسية).(2
والذي تعرضوا لهذه الكلمة في اللغة العربية تعاملوا معها على
أنها أتت من لغات أوربية حديثة انتقلت إليها من اللتينية من مادتي
.saeculum, laicus
العلمانية ترجمة غير دقيقة بل غير صحيحة لكلمة secularismفي
النجليزية seculariteبالفرنسية ،إنها كلمة ل صلة لها بلفظ العلم
ومشتقاته على الطلق .فالعلم في النجليزية والفرنسية معناه
،scienceوالمذهب العلمي تطلق عليه كلمة scientismوالنسبة إلى
)(3
العلم هي scientificفي النجليزية أو scientifiqueفي الفرنسية.
م إن زيادة اللف والنون غير قياسية في لغتنا العربية ،وإنما ث ّ
جاءت سماعا ً
القرضاوي ص .48
83
مثل :رباني نسبة إلى رب ،ثم كثرت في كلم المتأخرين كقولهم:
روحاني ،نفساني نوراني ،جسماني.
ن الترجمة الصحيحة لكلمة العلمانية هي اللدينية أو الدنيوية ،ل إ ّ
بمعنى ما يقابل الخروية فحسب بل بمعنى أخص هو :ما ل صلة له
بالدين ،أو ما كانت علقته بالدين علقة تضاد .وتتضح الترجمة الصحيحة
لكلمة علمانية من خلل التعريفات التي وردت في دوائر المعارف
والمعاجم الجنبية الغربية للكلمة .هذا ما نتعرض إليه في بيان المعنى
اصطلحًا.
ومن الجدير بالذكر أن ننوه هنا إلى أن خلفا ً نشأ حول كلمة
علمانية" نسبة إلى الَعاَلم ،كما علمانية فبعضهم ينطقها بفتح العين " َ
نص على ذلك المعجم الوسيط الذي أصدره مجمع اللغة العربية
بالقاهرة في طبعته الولى الصادرة سنة 1961م ،وبعضهم ينطقها
علمانية" كما جاء في الطبعة الثانية للمعجم الوسيط بكسر العين " ِ
الصادرة سنة 1979م) .(1ويرى الستاذ الدكتور عدنان الخطيب عضو
علماني" بكسر العين مجمع اللغة العربية بالقاهرة أن ضبط كلمة " َ
علماني" ل سند له من لغة أو تاريخ ،بل هو مجرد إقرار لخطأ شاع " ِ
بين طوائف المثقفين غير المبالين بسلمة نطق الكلمة).(2
ويرى الدكتور عبد الصبور شاهين -الخبير بمجمع اللغة العربية
بالقاهرة -أن كلمة "الَعلمانية" بفتح العين هو الصوب ،وعليه درجت
معظم المعاجم قديما ً وحديثًا ،إذ ل علقة بين الَعلمانية والِعلم بكسر
العين ،ل من حيث الضبط ول من حيث الدللة).(3
84
العلمانية اصطلحًا-:
إذا كانت كلمة العلمانية غريبة في لغتنا العربية ،وقد أتت إلينا
من اللغات الوربية فإنه يجدر بنا أن نتعرف على المعنى الصطلحي
لهذه الكلمة من المصادر الغربية الجنبية).(4
-1جاء في دائرة المعارف المريكية عند الحديث عن العلمانية،
الدنيوية هي :نظام أخلقي أسس على مبادئ الخلق الطبيعية،
ومستقل عن الديانات السماوية أو القوى الخارقة للطبيعة.
-2جاء في دائرة المعارف البريطانية تحت مادة secularism :هي
حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الهتمام بالخرة
إلى الهتمام بهذه الدنيا وحدها ،ذلك أنه كان لدى الناس في العصور
الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم
الخر ،وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت الم " "secularismتعرض نفسها
من خلل تنمية النزعة النسانية ،حيث بدأ الناس في عصر النهضة
يظهرون تعلقهم الشديد بالنجازات الثقافية والبشرية ،وبإمكانية تحقيق
مطامحهم في هذه الدنيا القريبة..وظل التجاه إلى الم ""secularism
يتطور باستمرار خلل التاريخ الحديث كله ،باعتبارها حركة مضادة
للدين ومضادة للمسيحية.
-3جاء في قاموس "العالم الجديد" ويبستر شرحا ً لمادة
secularismما يلي:
أ -الروح الدنيوية ،أو التجاهات الدنيوية ،ونحو ذلك على الخصوص:
نظام من المبادئ والتطبيقات يرفض أي شكل من أشكال اليمان
والعبادة.
ب -العتقاد بأن الدين والشئون الكنسية ،ل دخل لها في شئون
الدولة ،وخاصة التربية العامة.
-4يقول معجم "أكسفورد" في شرحه لكلمة :secular
انظر في ذلك :العلمانية سفر الحوالي ص ،23-21العلمانية والسلم وجها ً لمموجه 4
ص .50-48
85
أ -دنيوي ،أو مادي ،ليس دينيا ً ول روحيًا ،مثل التربية اللدينية ،الفن أو
الموسيقى اللدينية ،السلطة اللدينية ،الحكومة المناقضة للكنيسة.
ب -الرأي الذي يقول :إنه ل ينبغي أن يكون الدين أساسا ً للخلق
والتربية.
-5ويقول "المعجم الدولي الثالث الجديد" تحت مادة :secularism
"اتجاه في الحياة أو شأن خاص ،يقوم على مبدأ أن الدين أو العتبارات
الدينية يجب أن ل تتدخل في الحكومة ،أو استبعاد هذه العتبارات
ل :السياسية اللدينية البحتة في استبعادا ً مقصودًا ،فهي تعني مث ً
الحكومة ،وهي نظام اجتماعي في الخلق مؤسس على فكرة وجوب
قيام القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة
والتضامن الجتماعي دون النظر إلى الدين.
-6ويقول المستشرق "أربري" في كتابه "الدين في الشرق
الوسط" عن كلمة العلمانية" :إن المادية العلمية والنسانية والمذهب
الطبيعي والوضعية ،كلها أشكال للدينية ،واللدينية صفة مميزة لوربا
وأمريكا ،ومع أن مظاهرها موجودة في الشرق الوسط فإنها لم تتخذ
أي صيغة فلسفية أو أدبية محددة ،والنموذج الرئيس لها هو فصل الدين
عن الدولة في الجمهورية التركية".
الخلصة-:
ن العلماني ما ليس يتبين لنا من خلل تلك التعريفات أ ّ
بديني ،ومقابله الديني أو الكهنوتي ،وكأن مدلول العلمانية
المتفق عليه يعني :عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع،
فالحياة يجب أن تقام بمعزل عن الدين سواء بالنسبة للمة
أو للفراد .وإن سمح للدين بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية
ومراسم الزواج والوفاة ،وإبقاءه حبيسا ً في نفس الفرد ،ل يتجاوز
العلقة الخاصة بينه وبين ربه الذي خلقه (1).يقول الدكتور عبد الصبور
شاهين -الخبير بمجمع اللغة العربية بالقاهرة" :(2)-من المصطلحات
86
التي أفرزتها الحياة الوربية مصطلح secualriteوُيراد به كما جاء في
المورد) :عدم المبالة بالدين أو العتبارات الدينية( ،وقد اتخذت الحياة
في أوربا هذا التجاه في ظروف الصراع بين الكنيسة والدولة حول
السلطة.
ورأى المفكرون والمصلحون آنذاك أن حسم المشكلة يكمن في
إبعاد الكنيسة عن السلطة ،وعزلها عن كل ما يتصل بإدارة المجتمع مع
إبقاء بعض الداريات بين أيدي الكهنة والرهبان ،كشئون الزواج
والطلق ،ومراسم التعميد والوفيات ،وهو كل ما بقي للمسيحية من
علقة بالمجتمع.
وقد أطلقوا على الوضع الناشئ عن هذا البعاد كلمة
)السيكولريزم( وهي تتضمن كما جاء في معجم ويبستر )اللمبالة
بالدين ورفضه وإبعاده( ،ومعنى ذلك أن النسان الملتزم بالسيكولريزم
هو النسان الرافض للدين ،المبعد له في حياته ،المحارب لرسالته في
المجتمع ،الحريص على أن يلتزم الناس بقيم مدنية ولدينية عالمية،
فإما النتماء إلى الله وإلى الدين ،وإما النتماء إلى الرض وإلى
العالم" ،ويضيف" :وإذن فالسيكولريزم في كل احتمالتها مفهوم
سياسي ل حضاري ،وهي تستهدف بكل بساطة أحد هدفين ل ثالث
لهما :فصل الدين عن الحياة ،وإبعاده من مجال التأثير -يقصد العلمانية
الوربية والمتأثرة بها في العالم السلمي -أو القضاء عليه بصورة
كاملة من خلل التصفيات الدموية والصراع الطبقي والشمولية العالمية
-يقصد الدول الشيوعية والنظمة المتأثرة بها في العالم السلمي-
ولقد تلقت الحياة في العالم العربي والسلمي مفهوم )السيكولريزم(،
بين ما تلقته من ضروب التأثير الوربية".
العلمانية والدين-:
إن كلمة العلمانية ترجمة خبيثة عن كلمة secularismفي اللغات
الوربية ،وكان يمكن أن تترجم بلفظة تدل على معناها عند القوم
"لدينية" ،لن معنى الكلمة كما سبق بيانه في دوائر المعارف
87
والمعاجم الجنبية :ما ليس بديني ،وكل ما ليس بديني هو ل ديني.
ولكن اختيرت كلمة علماني أو مدني لنها أقل إثارة من كلمة ل ديني.
ن علقة العلمانية بالدين قائمة على أساس نفي الدين والقيم إ ّ
الدينية عن الحياة ،وأنه من الولى الترجمات في اللغة العربية أن
نسميها "اللدينية" ،بصرف النظر عن دعوى العلمانيين في الغرب
وأتباعهم في العالم السلمي الذين يزعمون بأن العلمانية ل تعادي
الدين ،وإنما تبعده فقط عن مجالت الحياة الواقعية :السياسية
والقتصادية والفكرية والجتماعية…الخ ،وتترك للناس حرية التدين
بالمعنى العتقادي الفردي على أن يضل التدين مزاجا ً شخصيا ً ل دخل
له بأمور الحياة العملية ،بصرف النظر عن هذا العتراض الذي ل
يتطابق مع المفاهيم السلمية ،فإن "اللدينية" هي أقرب ترجمة تؤدي
المقصود من الكلمة عند أصحابها ،إنها تعبر عن المقصود دون أن
تصدم مشاعر وأحاسيس المسلمين فترجمة الكلمة إلى لفظ العلمانية
يدل على خبث مقصود) ،(1يوجب على أهل العلم والمعرفة تعريته
وبيانه.
العلمانية والعلم):(2
ذكرنا فيما سبق أنه ل صلة بين لفظ العلمانية ولفظ العلم
ومشتقاته ،سواء في اللغة العربية أم في اللغة النجليزية والفرنسية،
ولكن بعض العلمانيين في العالم السلمي يجهدون أنفسهم في إيجاد
صلة بين هذين اللفظين من حيث المعنى مستغلين الترجمة الخاطئة
لكلمة ،secularismيزعم هؤلء العلمانيون أن العلمانية والعلمية بمعنى
واحد وأن العلمانية تعني استخدام العلم والعقل ،ولكن البحث
الموضوعي الدقيق يظهر الفرق البّين بينهما.
انظر المصدر السابق ص ،71-63العلمانية النشممأة والثممر فممي الشممرق والغممرب 2
88
فالعلمانية معناها إبعاد الدين عن مجالت الحياة ،وفصل الدين
عن الدولة والمجتمع ،وقيام الدولة وحياة المجتمع على أسس دنيوية ل
صلة لها ألبتة بالنظمة والتشريعات الدينية.
أما العلمية فهي وجهة تنتسب إلى العلم وتحتكم إليه في كل
مجالت الحياة وجوانبها ،أو هي وصف للتجاهات التي تركز في
الدراسة والبحث على المنهج العلمي وهذه التجاهات هي الوصف
والشرح والتحليل في ضوء الملحظة والتجربة والستقراء.
العلمانيممة إذا ً منهممج حيمماة يبعممد الممدين عممن أن يكممون مصممدرا ً
للتشريعات والنظمممة والحكممام الممتي تنظممم شممئون الدولممة والمجتمممع،
والعلمية إذًا :اتجاه يحاول معرفة القوانين التي تعمل عليها أو بمقتضاها
الطبيعة.
والعلميممون مممن النمماس هممم الممذي يحممترمون العلممم وممما يقممرره،
ويتبنون حكمه ،ويكيفون حياتهم وفقا ً لمقتضاه ونتممائجه،ول يلجئون إلممى
الهواء والراء الشخصية أو الحزبية ،ول يبتغون الوهام والخرافممات ،ول
يقبلون الفتراضات إل بعد الفحص والتمحيص والتدقيق.
والعلمانيون من الناس هم الذين ل يؤمنون بالحتكام إلى
الشريعة السلمية في شئون الفراد والمجتمع والدولة ،فالشريعة في
نظرهم يجب إقصاؤها عن الدولة ،وليس لها السلطان والحاكمية في
حياة الناس.
ن المنهج العلمي ظهر في الحضارة السلمية ابتداًء ،ولم يشهد إ ّ
التاريخ السلمي صراعا ً بين العلم والدين كالصراع الذي عرفته أوربا
ن من العلم ف شائ ٌ
في القرون الوسطى حيث كان للكنيسة موق ٌ
والعلماء ترتبت عليه نتائج خطيرة من أبرزها الفصام النكد بين العلم
والدين ،والفصام النكد بين السياسة والدين ،ونشوء عداوة للدين أدت
إلى إبعاده من حياة الناس وإبعاده من البحث العلمي.
العلمانية والخلق):(1
الخلق قوام المة القوية ،وسياج المجتمع الفاضل ،والخلق في
89
السلم لها وزنها ومكانتها ،والله تعالى شرع كثيرا ً من الحكام لصيانتها
والمحافظة عليها .والخلق والفضائل مصدرها عند المسلمين دين الله
عز وجل.
والعلمانية قد تسمح بالخلق والفضائل وترحب بها ،لكن نجد تصادما ً
بين السلم والعلمانية في موضعين:
الول :مجال العلقة بين الرجل والمرأة:
فالسلم يضع من الحكام والتشريعات والتوجيهات التي تضبط
هذه العلقة وتنظمها ،ويبعد عنها كل عوامل النحلل ،فلقد جعل الله
تعالى الزواج المشروع طريقا ً لشباع الغريزة الجنسية ،ووسيلة لتكوين
السرة على أساس من المودة والرحمة ،وحّرم الله تعالى كل اتصال
جنسي خارج دائرة ما أحّله وأباحه .فالزنا حرام ،وكل وسائله والطرق
التي تؤدي إليه حرام :كالتبرج والسفور ،وخلوة الرجل بالمرأة الجنبية،
والنظر إليها بشهوة ،والغنية الخليعة ،والصورة المثيرة ،والقصة
الخليعة ونحوها مما يثير الغرائز الجنسية.
بينما العلمانية تسمح بكثير من هذه الرذائل تحت عنوان الحرية
الشخصية ،والتمدن وحضارة القرن العشرين ،وتعتبر أن أحكام السلم
في هذا الشأن متزمتة ل تناسب روح العصر والمدنية ،بل وتشرع
العلمانية من القوانين التي تحمي الرذيلة ودعاتها ،وتدافع عن
الساقطين في أوحالها.
الثاني :إن العلمانية ترفض بشدة أن تربط الخلق بالدين:
إنها ل ترى أن الدين ينبوع الخلق والفضائل ،بل تقيمها على
أساس فلسفي أو عملي ،ولقد نقلنا سابقا ً من المعاجم الوربية عند
الحديث عن معنى العلمانية اصطلحا ً ما يبين نظرة العلمانية للخلق.
جاء في المعجم الدولي الثالث الجديد أن" :العلمانية نظام اجتماعي
في الخلق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية
على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الجتماعي دون النظر إلى
الدين" ،وجاء في معجم )أكسفورد(" :الرأي الذي يقول :إنه ل ينبغي أن
يكون الدين أساسا ً للخلق والتربية".
90
نشأة العلمانية-:
لقد كان للعلمانية نشأتان في أوربا ،الولى نشأة قديمة ،تبدأ
منذ اعتنقت أوربا النصرانية وجعلتها الدين الرسمي للمبراطورية
ن رجال الكنيسة الرومانية في القرن الرابع الميلدي )325م( ،ذلك أ ّ
قد فصلوا فعل ً بين الشريعة والعقيدة ،فالدين عندهم عقيدة فقط ،أما
الشريعة التي تنظم حياة الناس فقد تركت للقانون الوضعي الروماني،
وقد مارس رجال الكنيسة هذا الفصام النكد بين العقيدة والشريعة
تحت قول مدسوس نسبوه للسيد المسيح عليه السلم وهو" :أعطوا ما
لقيصر لقيصر وما لله" .فالتشريعات كانت لقيصر الحاكم الروماني،
والعقيدة لله ،يقرر تصوراتها ومبادئها رجال الكنيسة كما يحلوا لهم وفق
أهوائهم وتحريفاتهم التي أدخلوها في الدين النصراني.
أما النشأة الثانية للعلمانية التي تمثلت في إبعاد رجال
الكنيسة والدين الذي يمثلونه عن الدولة والسياسة والحكم ثم إبعاده
عن العلم ،فلقد ظهرت بعد القرن السادس عشر نتيجة ظروف خاصة
مّرت بها أوربا ،فللعلمانية مبرراتها الفكرية والدينية في أوربا ،وأهمها
ما يلي):(1
ل :فساد العقيدة النصرانية وطغيان الكنيسة وفساد أو ً
رجالها:
-1تحريف الدين وفساد عقائده :وهذا يتمثل في قضايا عقائدية كثيرة،
منها عقيدة التثليث،
وعقيدة الصلب والعشاء الرباني ،وصكوك الغفران ،ونظام الرهبنة.
-2الطغيان المالي :امتلكت الكنيسة العقارات والراضي ،فدير "فيلدا"
كان يملك 15ألف قصر ،ودير "سانت جول" كان يملك ألفين من
الرقيق ،يعملون في الراضي التابعة له والتي بلغت عشرات اللف من
91
الفدنة ،لقد فرضت الكنيسة نظام السخرة على الناس وهو أن يعمل
كل نصراني يوما ً في السبوع في أراضي الكنيسة.
لقد فرض رجال الدين الضرائب الباهظة والعشور على الناس
باسم الدين ويسوع المخّلص ،وفرضوا عليهم أن يكتبوا الوصايا المالية
قبل وفاتهم لصالح الكنيسة ورجالها.
-3الطغيان الروحي :استولت الكنيسة على أرواح الناس من خلل
فرضها جملة من التشريعات التي تجعل أرواح النصارى بقبضة رجل
مده حيمن ولدتمه رجل الدين منذ ولدته إلى وفاته ،فالطفل لبمد أن يع ّ
ديمن ،وإذا أراد الزواج فلبمد أن تجري مراسمم الزواج على يد رجل
الدين في الكنيسة ،وصلة الحد لبد أن تكون وراء الكاهن الذي يصلي
بهم ويوعظهم في الغالب بكلمات ل يفهمون تفسيرها ،والعتراف
بالذنب لبد أن يكون أمام رجل الدين الذي يجلس المذنب على كرسي
العتراف ،وقد يمنحه رجل الدين صكك غفران ،خاصة إذا دفع مبلغا ً من
المال ثمنا ً له.
-4الطغيممان السياسممي الممذي مارسممه رجممال الكنيسممة تجمماه الملمموك
والباطرة ،فالبابا ادعى لنفسه السلطة الدنيوية بجانب سلطته الدينيممة،
ونتيجة ذلك نشأ صراع شديد بيممن السمملطة الروحيممة البابويممة والسمملطة
الحاكمة للباطرة والملوك ،كان ينتهي بالغالب بإذلل الباطرة والملوك
والمراء.
-5الطغيان العلمي والعقلي الذي مارسه رجال الكنيسة ضد العلماء
والمفكرين الوربيين في القرنين السادس والسابع عشر الميلديين،
حيث فرضوا على العقول أل تفكر في أمور الكون المادي وأن تلتزم
بالتفسيرات الكنسية له ،والعلماء الذي يخرجون بعلمهم عن مقررات
الكنيسة فإن التعذيب والحرق بالنار ،بالضافة إلى اللعن والطرد من
ملكوت الله هو نصيب هؤلء الخارجين ،فعالم الفلك الهولندي
كوبرنيكس يقدم للمحاكمة ،وجردانو أنوبرونو صاحب نظرية تعدد
العوالم قررت الكنيسة حرقه ،وجاليلو صاحب نظرية كروية الرض
يجبر على التراجع عن آرائه خوفا ً من الحرق ،وأقيمت المحاكم ليعرض
92
عليها عشرات اللف المخالفين لراء الكنيسة وتفسيراتها الخرافية).(1
-6فساد رجال الدين :لم يكن رجال الدين بمختلف مستوياتهم
ودرجاتهم نموذجا ً صالحا ً في المجتمع الوربي يقتدي به في عالم الفكر
والمشاعر والسلوك والخلق ،فمعظمهم كان يعيش حياة الترف
والملذات والشهوات ،ومنغمس في الفسق والرذائل والشر كما
وصفهم بذلك الديب اليطالي بوكاتشيو.
يقول المفكر الغربي ول ديورانت في فصل بعنوان):أخلق رجال
الدين من كتابه قصة الحضارة(":فمن الخطأ الظن أن القساوسة كانوا
في روما أكثر فساًدا منهم في غيرها من المدن ،ذلك أن لدينا من
الوثائق ما يثبت الدليل القاطع فساد أخلق القسيسين في كل مدينة
تقريًبا من مدن شبه الجزيرة اليطالية ،بل إن الحال في كثير من
الماكن كالبندقية مثًل كانت أسوأ كثيرا منها في روما ،فل عجب
والحالة هذه أن يتضاءل نفوذ رجال الدين كما يشهد بذلك مع السف
الشديد الكتاب المعاصرون ،وإذا كان المرء ل يكاد يجد في كثير من
الماكن أي احترام يظهره الشعب للقسيسين ،ذلك أن الفساد قد
استشرى بينهم إلى حد بدأنا نسمع معه آراء تحبذ زواجهم"(2).
ويضيف ول ديورانت":وظل كرسي البابوية عدة سنين بعد ذلك ل
ينال إل بالرشا أو القتل أو رغبات النساء ذوات المقام السامي والخلق
الدنئ وبقيت أسرة بثوفيلكت أحد كبار الموظفين في قصر البابا ترفع
البابوات إلى كراسيهم وتنزلهم عنها كما يحلو لها".
ومما يدلل على انتشار الرذائل بين رجال الدين أن بعض الديرة
وجد فيها عشرون مجلدا ً من المحاكمات بسبب التصال الجنسي بين
الرهبان والراهبات .وحسب وكالة أسوشيتدتبرس في أمريكا 167:قسا ً
كاثوليكيا نقلوا من مواقعهم الكنسية بسبب تفجر فضيحة العتداءات
الجنسية على الطفال التي ضربت الكنيسة الكاثوليكية 260 .سلمت
أوراقهم إلى الشرطة ،و 550شخصا أثاروا مزاعم ضد رجال دين
عاقبت محاكم التفتيش في أوربا 300ألف شخص ،أحرقت منهم 32ألف إنسان 1
وهم أحياء.
-2قصة الحضارة.86 -21/83 :
93
مسيحيين في وليتين فقط .تم انتقاد اجتماع بابا الفاتيكان بالكرادلة
المريكيين لعلج عدم النسجام في السياسة الكنسية تجاه الفضيحة،
والسبب لّنه لم يصدر قرارا ً يجيز عزل القساوسة الذين يثبت
اعتداؤهم على الطفال .وتم دفع 30مليون دولر من قبل أبرشية
رئيس الساقفة الكاثوليك في بوسطن للعشرات من الشخاص الذين
تعرضوا للتحرش بهم على يد الكاهن(1).
-7مساندة الكنيسة للظلم السياسي والقتصادي والجتماعي المتمثل
في القطاع والملوك الظلمة ،لقد وقفت الكنيسة في صف القطاع
تدافع عنه ،وتتوعد الثائرين على ظلمه وتهددهم بقرارات اللعن والطرد
من ملكوت الله ،وحجب صكوك الغفران عنهم.
ثـانيًا :الثورة الفرنسـية سمنة 1789م وما صاحبها من أفكار
معادية للدين ،فلقمد رفعت شعار):اقتلوا آخر ملك بأمعاء آخر
قسيس( ،ومن أهم إفرازات هذه الثورة فصل الدين عن الدولة ،وتقييد
السلطان السياسي للملوك والحكام الذين ادعوا الحق اللهي.
ثالثًا :النشاط اليهودي :يقول الكاتب المريكي "وليام غاي كار":
"لقد كان اليهود وراء فكرة فصل الدين عن الدولة") .(2ويؤكد دور
اليهود في إبعاد الدين عن الحياة الوربية ما جاء في بروتوكولت حكماء
صهيون" :لقد بدأت ثمار جهودنا تؤتي أكلها إذ أخذ ذلك النفوذ الديني
العظيم على الناس يتضاءل رويدا ً رويدًا ،وحّلت حرية الضمير محله في
كل مكان" "لن يمضي غير سنوات معدودات حتى نشهد احتضار
المسيحية ولن تتطلب الديانات الخرى إل اليسير من الجهد ،حتى تتبع
المسيحية في النهيار ،وسنحصر الدين ورجاله في أضيق نطاق")،(3
ولقد كان اليهود يطمعون من وراء ذلك أن يزيحوا سلطان الدين -غير
اليهودي -عن حياة الناس ،وتكون لهم كلمة الفصل النهائية في هذا
العالم ،وأن يحققوا لنفسهم السيادة على الديان والجناس كلها.
94
أسباب العلمانية في العالم السلمي:
لقد عرفنا مما سبق أن العلمانية مبدأ مستورد من خارج العالم
السلمي،
ومن قوم ليسوا بمسلمين ،لهم تاريخ غير تاريخنا ،وعقائد غير عقائدنا،
وقوانين غير شريعتنا ،وأوضاع غير أوضاعها.
إن الغرب الوربي احتاج العلمانية لظروف خاصة به ،فلقد كانت
ن العلمانية هناك ل تتعارض حل ً لمشكلتهم مع الكنيسة ودينها ورجالها .إ ّ
مع عقائدهم وشرائعهم ،ولكّنها عندنا تعارض السلم عقيدة وشريعة
ومنهج حياة ،وإذا كانت العلمانية قد غزت مجتمعات المسلمين في هذا
القرن فلبد من دراسة أسباب ظهورها في العالم السلمي.
يمكن إيجاز أسباب العلمانية في العالم السلمية فيما
يلي):(1
ل :انحراف المة السلمية: أو ً
أصاب المة السلمية انحراف عن فهم السلم كدين شامل
لجميع جوانب الحياة ،وانحسر مفهومه في حس المسلمين وتصوراتهم
ن ضيقة ومدلولت محدودة .والنحراف الشد كان في العقيدة في معا ٍ
والتصور ،انحسر في حس المسلمين وتصوراتهم مفهوم كلمة التوحيد
ن العبودية لله وحده ،والقرار بحاكميته واللتزام "ل إله إل الله" فإ ّ
ن تتضمنها هذه بشرائعه ،وعدم اللتفات إلى غيره من الولياء هي معا ٍ
الكلمة .نسي المسلمون تلك المعاني ،وغفلوا قوله تعالى):اتبعوا ما
م إ ِّل ن ال ْ ُ
حك ْ ُ
)(2
أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء( ،وقوله):إ ِ ِ
ن ال ْ َ دوا إ ِّل إ ِّياهُ ذ َل ِ َ َ َ
كل م() ،(3وقولهَ):فل وََرب ّ َ قي ّ ُ دي ُ ك ال ّ مَر أّل ت َعْب ُ ُ ل ِل ّهِ أ َ
حَرجا ً م َ سهِ ْ ف ِ دوا ِفي أ َن ْ ُ
ج ُ
م ل يَ ِم ثُ ّ جَر ب َي ْن َهُ ْ ما َ
ش َ ك ِفي َ مو َ حك ّ ُ
حّتى ي ُ َ ن َ مُنو َ ي ُؤْ ِ
95
سِليمًا() .(1وبالتالي أعرضوا عن تحكيم شرع الله موا ت َ ْسل ّ ُ ت وَي ُ َ ضي ْ َ ما قَ َ م ّ ِ
عز وجل في مجتمعاتهم ،إّنهم اعتقدوا حاكمية غير الله ،فتلقوا من هذا
الغير الحاكمية في أنظمتهم ،وشرائعهم ،وقيمهم وموازينهم ،وعاداتهم
وتقاليدهم ،وكل مقومات حياتهم مع أن كتاب الله عز وجل يدعوهم
م إلى الكفر بغير الله حاكما ً ومعبودًا):أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمو َ
ن أن ّهُ ِْ َ َْ ُ َ ْ ََ ِ
موا إ َِلى ك يريدو َ ما أ ُن ْزِ َ ل إ ِل َي ْ َ ما أ ُن ْزِ َ
حاك َ ُ
ن ي َت َ َ
نأ ْ ن قَب ْل ِ َ ُ ِ ُ َ م ْل ِ ك وَ َ مُنوا ب ِ َآ َ
طا َ َ ُ
ضلل ً م َ ضل ّهُ ْن يُ ِنأ ْ شي ْ َ ُ
ريد ُ ال ّ
فُروا ب ِهِ وَي ُ ِن ي َك ْ ُ
مُروا أ ْ ت وَقَد ْ أ ِ غو ِ ال ّ
طا ُ
ً )(2
ب َِعيدا(.
ثانيًا :تخلف العالم السلمي:
لقد شهد العالم السلمي طفرة من النشاط الفكري الذي لم
ل ،وقمد أثمر علوما ً عديدة في مختلف الميادين ،في يشهد له العالم مثي ً
الطب ،في الهندسة ،وعلم الفلك ،وفمي مجال الفيزياء ،والكيمياء،
والرياضيات ،وعلم الجتماع والعمران ،وغيرها ،لكن سرعان ما بدأ
التخلف ،خاصة مع ابتعاد المسلمين عن كتاب ربهم وسنة نبيهم،
وانصراف حكامهم إلى شهواتهم ومصالحهم الشخصية مع خضوعهم
للسياسات الستعمارية ،وابتعاد علمائهم عن الستنباط الفقهي مجاراة
للوقائع المستحدثة فيما عرف بغلق باب الجتهاد مما أدى إلى استيراد
القوانين الجنبية الكافرة ،فكان التخلف الحضاري والمادي.
ثالثًا :نهضة أوربا المادية مع العلمانية:
ن الكنيسة ورجالها كانوا يناصبون العلم والعلماء العداء، عرفنا أ ّ
وبعد سقوط الكنيسة وانحسارها بين جدرانها ،وفصل دينها عن الدولة
شهدت أوربا نهضة علمية ومادية ،وقد أحدث هذا المر شعورا ً بأن
التقدم العلمي مرتبط بإقصاء الدين ونبذه ،وإل ّ فلم نهضت أوربا
وتقدمت ماديًا.
لكن الدارس المنصف لحركة تاريخ أوربا المعاصرة يستيقن بأن
أوربا بدأت تفيق وتنهض بعد احتكاكها بالمسلمين في الحروب الصليبية،
96
وباتصالها بمراكز العلم والثقافة في الندلس والشمال الفريقي
وصقلية وغيرها .وأما الدين الذي نبذته أوربا وفصلته عن الدولة فليس
له صلة بالدين الحق المنزل من رب العالمين .إنه دين الخرافات
والساطير والطلسم ،إنه الدين الذي اغتال العلم والعلماء .أما السلم
فبريء من الصورة القاتمة لهذا الدين الذي عرفته أوربا.
97
هذه الطوائف :البابية،والبهائية والقاديانية ،والنصيرية ،والصوفية
القبورية.
ز -اصطناع العملء وإيجاد المأجورين من أبناء المسلمين ثم
استخدامهم معاول هدم للسلم من الداخل.
-2المبشرون والمستشرقون :لقد نقل المستشرقون
والمبشرون العلمانية إلى العالم السلمي من خلل كتبهم ومؤلفاتهم،
ومن خلل المدارس المختلفة التي أقاموها في المنطقة ،وقد تحدثنا
فيما سبق عن أساليب القوم في القضاء على السلم وإبعاد المسلمين
عن دينهم.
-3نصارى العرب :إن أول من دعا إلى العلمانية بشعاراتها الصريحة،
وتحت أسماء أخرى هم نصارى العرب ،وخاصة الذين تربطهم صلت
استعمارية بالغرب الوربي ،فهؤلء حركهم حقدهم على السلم
وشريعته العادلة كي يقوموا بإنهاء هيمنة الشريعة على الحياة
السلمية ،وإحلل النظمة الغربية اللدينية محلها .ومن أجل الوصول
إلى بغيتهم هذه قاموا بعدة أنشطة منها:
أ -العمال السياسية عبر الجمعيات السرية التي أنشأوها في العالم
السلمي ومن الشخصيات النصرانية العربية التي تذكر في هذا
المجال :فارس نمر صاحب جمعية بيروت ،ونجيب عازوري ،وأنطون
سعادة مؤسس الحزب القومي السوري ،وميشيل عفلق مؤسس حزب
البعث.
ب -العمال الفكرية :قام نصارى العرب بنشر الثقافة الغربية عن
طريق الصحافة ،ومن هؤلء :نصيف اليازجي ويعقوب صروف وأخوه
نمر ،وجرجي زيدان وشاهين مكاريوس ،الذين أنشأوا الجنان
والمقتطف 1885م والهلل والمقطم 1889م واللطائف الدبية
1886م ،كما لجأوا للتأليف والكتابة والبحوث ومن هؤلء :أحمد فارس
الشدياق وبطرس البستاني ولويس شيخو وشبلي شميل وسلمة
موسى وفرح أنطون.
-4العملء والمأجورون:
98
وهؤلء هم أخطر الجنحة ،فالخارجون عن دينهم وأمتهم،
والبائعون أنفسهم لعداء السلم بثمن بخس دراهم معدودة أو مناصب
موعودة ،أو شهوات ومتع مبذولة هم معاول هدم من الداخل ،إذ
يحملون ألقابا ً علمية ،ويحتلون مراكز التوجيه في بلدهم ويرتدون ثياب
الوطنية ،ويقومون باستيراد المبادئ والفكار الوربية التي تعادي
السلم عقيدة وشريعة ،ثم يعرضونها بأقلمهم ولغاتهم الوطنية،
يخاطبون بها عقول وقلوب الناشئة والجيل الجديد من أبناء المسلمين،
والجراء طبقات وأصناف :منهم السياسيون الذين يفرضون على
شعوبهم قوانين الوربيين وأنظمتهم المناقضة لشرائع الدين وأحكامه
ومنهم رجال المال الذين أقاموا المؤسسات المالية الربوية ،ومنهم
المبتعثون العائدون من بلد الغرب وهم يحملون أفكاره وفلسفته،
وعاداته وتقاليده ،فأصبحوا رصيدا ً في حساب أعداء السلم بالسلوك
والتربية والعادات الجديدة والفكار الوافدة.
-5الماسون العرب:
دخلت الماسونية العالم السلمي قبل دخممول السممتعمار البريطمماني
العسممكري ،مممن خلل الجهممود الممذي بممذلها الفرنممج وأعمموانهم مممن
السياسيين ومن أبرزهم :حاكم مصر محمد علممي باشمما ،ثممم أبنمماؤه مممن
بعده ،ومن أبرزهم خديوي مصمر ،وممن العماملين علمى نشمرها شماهين
مكاريوس أحد أصحاب مجلة المقطممم وصمماحب امتيمماز مجلممة اللطممائف
التي أنشئت عام 1886م لتكون أعلى أبواق الدعاية للماسونية واللحاد
في مصر .وعملت الماسونية على تمييع فعل الدين في النفوس ،وقتممل
آثاره في نفوس أتباعه ،يقول الشيخ محمد رشيد رضما" :فلمم يكمن لهما
مممن ثمممرة إل إعممداد النفمموس لفصممل السياسممة والحكومممة مممن الممدين،
والستغناء عن الشرع بممالقوانين ،والمؤاخمماة بيممن المسمملمين وغيرهممم،
)(1
وموالتهم لهم".
99
وسائل علمنة المجتمع:
لقد سلك أعداء الدين من الغربيين وعملئهم في ديار السلم
وسائل عدة في علمنة المجتمعات والدول السلمية وفصل الدين عن
السياسة والجتماع والخلق والحياة الثقافية وغيرها ،وأهم هذه
الوسائل:
-1علمنة التعليم.
-2علمنة العلم.
-3علمنة القوانين.
-4العلمنة من خلل الدسائس الفكرية اللدينية.
-5العلمنة من خلل إخماد الحركات السلمية.
وسوف نتكلم عن كل واحدة من هذه الوسائل بشيء من
التفصيل.
ل :علمنة التعليم):(1 أو ً
يعتبر التعليم من أكبر السبل التي عمل من خللها أعداء السلم
على علمنة المجتممع السملمي ،يقمول المستشرق البريطاني جمب:
"التعليم أكبمر العوامل التي تعممل للستغراب ،والحق أنه العامل
الوحيد ،إن فهمنا من كلمة التعليم ما تدل عليه ،ول تستطيع الحكم
على مدى الستغراب في العالم السلمي إل بمقدار دراسة الفكر
الغربي والمبادئ والنظم الغربية ،إن إدخال طرائق جديدة في الفكر
في البلد السلمية كان يتطلب نظاما ً جديدا ً في التربية من عهد
الطفولة في المدارس البتدائية والثانوية قبل النتقال إلى الدراسات
العليا…").(2
ويتباهى الدكتور طه حسين-أحد تلمذة المستشرقين-الذي تولى
يوما ً منصب وزير التربية والتعليم -بسلوك المنهج الوربي في التعليم
فيقول" :التعليم عندنا على أي نحو قد أقمنا صروحه ووضعنا مناهجه
100
وبرامجه منذ القرن الماضي على النحو الوربي الخالص ،وما في ذلك
ون أبناءنا في مدارسنا الولية والثانوية والعاليةشك ول نزاع ،نحن نك ّ
تكوينا ً أوربيا ً ل تشوبه شائبة").(1
ومّرت عملية علمنة التعليم بخطوات مرحلية ومدروسة ،وأهمها-:
-1حصار التعليم الديني ماديا ً ومعنويًا ،وتطويقه من الخارج
وتطويره من الداخل:
بهدف تجهيل المسلمين بدينهم وصرفهم عنه ،وتصويره بأنه دين
يتسم بالتخلف والجمود وعدم مواكبة التطور الحضاري المعاصر.
التطويق من الخارج من خلل ما يلي:
أ -الزدراء بالتعليم الديني ،والسخرية والستهزاء من معلميه وطلبه،
من خلل الكلمة السيئة ،والمسرحية والفيلم والتمثيلية السخيفة.
ب -قفل الوظائف المهمة أمام خريجي المعاهد والكليات الشرعية،
وقصر هذه الوظائف على خريجي التعليم العلماني ،وقصر وظائف
الكليات الشرعية على الوعظ والمأذونية والتدريس وإمامة الناس في
الصلة.
ج -الستهزاء من علماء السلم الذين عرفوا بتقواهم وعلمهم
وجرأتهم في قول الحق.
التطوير من الداخل :وذلك:
أ -بتقليل ساعات مادة التربية الدينية ،وإسناد تدريسها إلى غير
المتخصصين.
ب -تمييع المنهج ،واقتصاره على القشور ،واحتواؤه على التعقيد وعلى
المفاهيم المغلوطة.
ج -جعل مادة الدين مادة ثانوية ل قيمة لها ،وجعل حصتها آخر الحصص
في اليوم الدراسي ،حيث يشعر الطلب بالملل.
د -إصدار قوانين تطوير الزهر بدءا ً من سنة 1936م 1961 -م ،وكان
اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر قد أوصى سنة 1906م
سامية التي تتمثل في بتطوير الزهر -بتخريب -وإبعاده عن رسالته ال ّ
101
تنوير المسلمين وتربيتهم تربية إسلمية شاملة ،وإشاعة الفكر
السلمي في ربوع البلدان السلمية ،وتزكية روح المقاومة للستعمار
الصليبي واليهودي.
كل هذا الذي سبق ذكره -وغيره -بهدف تنفير الطلب من الدين
ودراسته ،والتنفير من العلماء المخلصين.
-2تطوير المناهج التعليمية وحشوها بالفكر اللديني:
ويشمل هذا التطوير كل ما يتصل بمناهج الدين والدب والتاريخ
والفلسفة والعلوم ،وهدف هذا التطوير خدمة الفكر اللديني ،وذلك من
خلل حشو المناهج بالفكار والفلسفات المعادية للعقيدة السلمية
دون نقد أو تمحيص ،بل بأسلوب تقريري توكيدي :ومن ذلك نظرية
دارون في أصل النسان ،وأفكار فرويد في علم النفس ،وإميل
دوركايم في علم الجتماع ،وآدم سميث في القتصاد ،والفلسفة الوثنية
الغريقية) ،(1وأيضًا :تشويه تاريخ المسلمين وحضارتهم مع تمجيد
وتقديس حضارة الجاهلية الوربية.
-3البتعاث إلى الخارج:
لقمد تم ابتعاث عمدد ل بأس به من خريجي المدارس الحكومية
والجنبيمة إلى دول الغرب الصليبي ،أو الشرق الشيوعي ،للتخصص في
فروع العلم والمعرفة ،من أجل تحصيل الشهادات العليا ،ثم إضفاء
الحترام والهيبة لصحابها ،مع أنهم عادوا وهم يحملون في عقولهم
وأذهانهم فكر وثقافة الغرب اللدينية ،ويتم تسليم هؤلء العائدين من
البتعاث المناصب والمراكز المهمة ،ووضعهم في مواقع التأثير اللديني
في المجتمع.
-4السماح للمدارس والجامعات الوربية والمريكية بفتح
أبوابها في ديار المسلمين:
أّلف الستاذ علمي لبممن كتابما ً فضممح فيمه آثممار الغمزو الفكممري اللدينمي فمي كتمابي 1
الفلسممفة والمنطممق المقرريممن علممى طلب الثانويممة العامممة ،وقممامت دار الوفمماء
بالمنصورة بطبع كتابه ،وهو بعنوان :الغزو الفكري في المناهج الدراسية.
102
انتشرت في كثير من ديار السلم المدارس والكليات
والجامعات الجنبية التي فتحت أبوابها لبناء المسلمين ،وقد أطلقت
أيدي المبشرين والمستشرقين في وضع برامج ومناهج التعليم فيها،
لقد خّرجت هذه المؤسسات التعليمية جيل ً ل صلة له بالدين ول
بالخلق ،حيث تعلم هذا الجيل اللغات الوربية والتقاليد والخلق
اللدينية ،وأصبحوا معاول هدم في داخل مجتمعاتهم ،ويندر أن تجد
زعيما ً أو زعيمة ممن تصدروا لقيادة التغيير الجتماعي ونشر روح
اللحاد واللدينية إل وهو خريج هذه المدارس والجامعات أو هو متزوج
بخريجة منها .يقول المعتمد البريطاني كرومر:إن السلم بطبيعة
تعاليمه عدو للحضارة الوربية ،وأن المسلم غير المتعلق بأخلق
الوربيين ل يقوى على حكم مصر في هذه اليام ،لذلك سيكون
المستقبل الوزاري للمصريين المتربين تربية أوربية).(1
وعن آثار المدارس الجنبية في حياة المسلمين يقول
المستشرق النجليزي جب" :فقد انتشرت في منتصف القرن التاسع
عشر شبكة واسعة من المدارس في معظم البلد السلمية ،ولسيما
تركيا وسوريا ومصر ،ترجع غالبا ً إلى جهود جمعيات تبشيرية مسيحية
ونت ذوقهم ،والهم مختلفة… هذه المدارس صاغت أخلق التلميذ وك ّ
أنها علمتهم اللغات الوربية التي جعلت التلميذ قادرين على التصال
المباشر بالفكر الوربي فصاروا في مستقبل حياتهم مستعدين للتأثر
بالمؤثرات التي فعلت فيهم فعلها أيام الطفولة وفي أثناء الجزء الخير
فذت هذه الخطة إلى أبعد من ذلك ،بإنماء من القرن التاسع عشر ن ّ
التعليم العلماني تحت إشراف النجليز في مصر والهند").(2
-5الختلط بين الجنسين في مراحل التعليم:
بدأ الختلط بين الذكور والناث بدءا ً بالمدارس الجنبية التي
تشملها حماية خاصة ،ثم بدأ الختلط وبالتدرج بالنسبة للتعليم الوطني
في الجامعات ثم نزول ً إلى المدارس البتدائية ،وأخيرا ً صعودا ً إلى
انظر التجاهات الوطنية في الدب المعاصر د .محمد محمد حسين .1/261 1
103
التعليم المتوسط والثانوي حيث سن المراهقة الخطيرة ،وقام
العلمانيون المتأثرون بالثقافة الغربية بالتقليل من خطورة الختلط
وآثاره المدمرة للقيم والخلق ،وزعموا أنه من ضرورات التقدم
والتمدين ،وتعميق الصداقة البريئة والروح الجامعية.
جاء في أحد الكتب التي تصدرها مؤسسة "فرنكلين المريكية"
التي تنشرها في بعض الدول السلمية "إن خروج الفتيات في صحبة
الفتيان من المور الطبيعية التي يستطيع معظم الباء تقبلها في الوقت
المناسب على أي حال ،باعتبارها جانبا ً من جوانب النمو الجسمي
للمراهق… وفي كل علقة بين فتى وفتاة يشعر كل منهما في بعض
الحيان بدافع يحفزه على التعبير عن حّبه وتقديره للخر بلمسه أو
ضغط يده أو قبلة… والكشمف عن المشاعمر بهذه الطريقة أممر
طبيعي…فالشموق إلى القبلة ،أو بعض الغزل الرقيق ،أو النصات إلى
قصة فيها تلميحات جنسية...هذه ليست أمورا ً شائنة").(1والختلط
يصاحبه خلع الفتاة المسلمة حجابها ،والكشف عن مفاتنها ومحاسنها،
تحت دعوى الحرية والتمدين والتحرر.
ويتغافل العلمانيون عما أثبتممه علممم النفممس والواقممع مممن أخطممار
الختلط وأثاره السيئة علممى الفممرد والمجتمممع .فعلممم النفممس أثبممت أن
الختلط إما أن يشيع البرود الجنسي بين الجنسين ،أو أن يؤجممج سممعار
الجنس ويقمموي لهيبممه ،وبالتممالي يكممون مقدمممة لرتكمماب الزنمما وإشمماعة
النحلل ،وأما الواقع:فإشاعة الفاحشة ،وما يعقبها ممن الحمممل السمفاح
والجهاض وذهاب عفمة الفتيممات ،والحصممائيات المتي تتحمدث عمن همذه
المور في الجامعات والكليات المختلطة ل تكاد تصدق.
-6اقتباس النظمة والمناهج الغربية اللدينية ،واقتباس
أسلوب التربية وفلسفة السلوك الغربية :ومن ذلك :إدخال
التمثيل والرقص والتصوير والفنون الخليعة ضمن مناهج التعليم،
حصوننا مهددة من الداخل د .محمد محمد حسين ،التجاهممات الفكريممة المعاصممرة 1
هامش ص .109
104
وتدريس النظريات والفلسفات التربوية الوربية ذات التوجيه اللديني
واللأخلقي.
لقد أنشأ التعليم العلماني جيل ً فارغا ً من العقيدة والخلق ،مح ّ
طم
الشخصية والكيان مزعزع الثقة بالتاريخ والمجاد ،جيل ً يدعو إلى التحرر
من الصالة السلمية ،والرتماء في أحضان الغرب الكافر ،أو الشرق
الملحد.
105
الشباب الشهوات ،وتقوم بنشر التحقيقات الصحفية والمقالت السيئة
التي تحبذ الفجور والختلط ،وممارسة المنكرات وتزين النحلل
الخلقي ،تحت دعاوى التمدين والتقدم ،وإتباع الحضارة.
-2القصص الخليعة التي تدعو إلى ممارسة الجريمة الخلقية ،وارتكاب
الفسوق مع التهوين من شأنه ،وإطلق الوصاف الحسنة على
الفاعلين ،واستخدام الكلمات المثيرة في هذا الجانب .والفضائيات
الباحية ودورها في اقتلع جذور كل ما هو إسلمي في المجتمع.
-3شبكة المعلومات الدولية)النترنت( ودوره في إضاعة الوقات،
والّتعرف على صحبة السوء ،وزعزعة العقائد والتشكيك فيها.وتدمير
الخلق ،ونشر الرذائل.والتعرف على أساليب الباحية والفجور .ومن
م الغرق في أوحال الدعارة والفساد.والتجسس على السرار ث ّ
الشخصية.
-4تمجيد أهل الفن والخلعة والهوى باعتبارهم القدوة الحسنة للشباب
والفتيات.
-5تشويه صورة المسلمين التاريخية الغابرة والحاضرة من خلل
الفلم والتمثيليات حيث تصور الحداث التاريخية على غير حقيقتها،
ويشترك أهل الخلعة في تمثيل أدوار الصحابة والتابعين والخلفاء
والمراء المسلمين ،ويلحظ المتابع للمسلسلت التمثيلية قصص الحب
وعلقات الغرام المحرمة التي ل تكاد يخلو منها مسلسل تمثيلي.
-6نشر الفتراءات والكاذيب حول الحكام الشرعية والمبادئ الدينية
عبر التحقيقات الصحفية والحاديث الذاعية ،فمثل ً تم تشويه فريضة
الحجاب الشرعي ،باتهام المحجبات بالتستر وراء الدين ،أو الزعم
بمنافاة الحجاب لروح العصر والحضارة والتمدين ،وأن ارتداءه دللة
على التخلف والرجعية.
-7الدعوة إلى الختلط في المدارس والجامعات والمؤسسات العامة،
والمطالبة بحقوق المرأة في التحرر ،والخروج من عصر الجمود
والتخلف ،ومحاولة ربط التخلف العلمي والمادي بالتمسك بالدين،
والدعوة إلى الفكار والمناهج الغربية الكافرة.
106
-8ما تكتبه الصحف في الزاوية المعروفة "أنت والنجوم" أو "برجك
اليومي" ودورها السيئ في تحطيم عقيدة القضاء والقدر ،والساءة إلى
علم الله عز وجل بالغيب.
-9الغناء والموسيقى ودورهما في إفساد عقول وقلوب وأذواق أبناء
المسلمين ،من خلل ما تبثه الغاني من سمومها النافثة القاتلة.
-10الهجوم الشديد على الدعاة والعلماء المسلمين ،وتشويه صورتهم،
والسخرية منهم بهدف إبعاد الناس عن منارات الهدى والخير ،ودعاة
إقامة دين الله تعالى في الرض.
-11نشر آراء وأفكار المبشرين والمستشرقين الحاقدين على السلم،
مع تمجيدهم وتمجيد كتاباتهم.
انظر الغزو الفكري والتيارات المعادية للسلم د .عبد الستار فتممح اللمه سمعيد ص 1
107
صنيع النجليز في الهند نسجت الحكومات الوطنية العميلة في العالم
السلمي.
ففي تركيا :أدت المتيازات الجنبية إلى تغلغل القوانين
والتشريعات الكافرة داخل دولة الخلفة ،فأنشأت المحاكم الخاصة
برعايا الدول الجنبية ،ثم أنشأت المحاكم المختلطة والمحاكم التجارية،
وأصدرت القوانين الوضعية .وعقب هزيمة تركيا في الحرب العالمية
الولى أملى الستعمار الغربي عليها شروطه الظالمة التي تمس
السلم وسيادته وشريعته ،والخلفة السلمية ،ومن هذه الشروط :أن
تختار تركيا لنفسها دستورا ً مدنيا ً ل دينيا ً بدل الدستور العثماني
المستمد من أحكام الشريعة السلمية).(1
ومع إلغاء الخلفة السلمية عام 1924م ،تم إصدار قانون مدني
مستمد من القانون السويسري ،وقانون جنائي مستمد من القانون
اليطالي ،وقانون تجاري مستمد من القانون اللماني.
وفي مصر :أنشأ الخديوي إسماعيل المحاكم المختلطة عام 1875م
التي تحكم بالقانون الفرنسي ،وبعد احتلل النجليز لمصر عام 1882م
أقام النجليز المحاكم الهلية التي تحكم بالقانون النجليزي الذي
استمدت مواده من القانون الفرنسي ،وشرع النجليز في إقصاء
الشريعة السلمية عن الحكم في المعاملت المالية والتجارية
والزراعية ،والمبادلت والشركات ونحوها ،وقصروا القضاء الشرعي
السلمي على ما سمي بالحوال الشخصية تماما ً كما فعل النجليز في
الهند .وتدعيما ً للقوانين الوربية الكافرة أنشئت مدرسة الحقوق
م إرسال الطلبة المتفوقين إلى المصرية لدراسة القوانين الوربية ،وت ّ
1بعد هزيمة تركيا سنة 1918م من قبل الحلفاء ،أملت بريطانيمما مممن خلل وزيرهمما
"كرزن" شروطا ً أربعة على مصطفى كمال أتاتورك ،عرفت في التاريخ المعاصر بم م
"شروط كرزن" ،وهي -1 :إلغاء الخلفة السلمية نهائي ما ً -2أن تقطممع تركيمما صمملتها
بالعالم السلمي -3أن تجمد وتشل كل نشاط إسلمي -4أن تختمار تركيما لنفسمها
دستورا ً مدنيا ً ل دينيًا .انظر المخططات الستعمارية لمكافحة السلم محمد محمود
الصواف ص .128-127
108
م يعودوا معاول هدم فرنسا ليستكملوا دراساتهم القانونية ،ومن ث ّ
للشريعة السلمية ولقد تطورت هذه المدرسة فأصبحت كليات
الحقوق الجامعية التي تخّرج آلف العاملين في سلك القضاء والنيابة
والمحاماة ،وفي لجان مجالس التشريع الوضعي داخل البرلمانات
وخارجها.
ومع معاهدة إلغاء المتيازات الجنبية عام 1937م ،اشترط
المؤتمرون الوربيون الكفار ،وعلى رأسهم النجليز :أن تلغي مصر
المحاكم الشرعية ،وأن تستمد مصر تشريعاتها وقوانينها من التشريع
والقانون الوربي ،وفي سنة 1948م صدر القانون المدني المصري
الذي جعل الشريعة السلمية في الدرجة الثالثة بعد التشريع الوضعي
والعرف الوضعي.
وفي عهد حكومة الرئيس جمال عبد الناصر في سنة 1955م
-ألغيت المحاكم الشرعية ،وأدخل القانون الوضعي في صلب برامج
الدراسة بكلية الشريعة بجامعة الزهر وسميت "كلية الشريعة
والقانون" بعد أن كانت كلية الشريعة .وقصد من هذا الفعل :جمع
المتناقضات في منهج واحد ،والتقليل من المواد الشرعية السلمية،
وتقريب الشقة بين الحق والباطل ،وحل عقدة الرفض في الرؤوس
والنفوس)…(1ولكن هيهات )أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله
حكما ً لقوم يوقنون().(2
وهكذا صارت خطة علمنة القانون في البلدان السلمية ،حتى
أصبحت شريعة الكفار "القوانين الوضعية" هي الحاكمة المسيطرة،
وشريعة الله تعالى غائبة ومحاربة وصدق رسول الله صلى الله عليه
وسلم عندما قال) :لتنتقض عرى السلم :عروة… عروة،
فكلما انتقضت عروة يتشبث الناس بالتي تليها ،وأولهن
نقضا ً الحكم ،وأخره ّ
)(3
ن الصلة(.
109
رابعًا :العلمنة من خلل الدسائس الفكرية اللدينية):(1
قامت الحكومات اللدينية العميلة بفرض سلطانها الفكري
اللديني بالترغيب تارة وبالترهيب والقوة تارة أخرى ،وأهم ما تحرص
عليه هذه الحكومات توعية الجيل السلمي الناشئ بالفكر اللديني،
والتوجيه اللأخلقي…ليرتبط هذا الجيل بها ،ولينقاد لفكارها
وسياساتها ،وينفذ في المستقبل مخططاتها ،ويندفع بقوة في الدعوة
إلى مبادئها.
واستعانت الحكومات اللدينية بما اتصفت به من المكر والدهاء،
وأساليب الغراء والتضليل ،وعاونها في ذلك جماعة من الدباء
والمفكرين والكتاب والصحفيين.
فمن الساليب التي يسلكها دعاة العلمانية في الغراء والفساد
والتضليل-:
ن يتوجه إليهم بالحضارة الغربية والفكار الشيوعية ،والزعم م ْ -ترغيب َ
بأن أصحاب هذه الحضارة والمبادئ ما وصلوا إلى قمة المجد والقوة إل
بعد أن طرحوا الدين جانبًا ،وأبعدوه عن ميدان الحياة.
-ومن أساليبهم :تمنية الشباب عند التخرج بالوظيفة والجاه والمنصب
إذا تقبلوا أفكارهم وانتموا إلى أحزابهم ومنظماتهم العلمانية.
-ومن أساليبهم :تشكيك الشباب في النظم السلمية ،كأن يقولوا لهم:
إن نظم السلم قد انتهى دورها ،واستنفدت أغراضها ،ولم تعد صالحة
لعصر الذرة والعلم وغزو الفضاء.
-ومن أساليبهم :إقناع الجيل بأن السلم ظلم المرأة وانتقص حقوقها،
وحد ّ من حريتها في التعلم والعمل والخروج إلى الشارع ،وفرض عليها
الحجاب ،وأعطاها نصف الرجل فمي الميراث ،وأعطى الرجمل حق
القوامة عليها…ول يمكن للممرأة في العصر الحديمث أن تتبوأ المكانة
اللئقة بها إل إذا حصلت على حقوقها كاملة ،وتحرّرت من قيود الدين
والخلق والعراف والتقاليد الموروثة.
110
-ومن أساليبهم :طرح الشعارات المزّيفة في كل حين ،فحينا ً تكون
المناداة باسم الوطنية وأحيانا ً المناداة باسم القومية ،وتارة باسم
التمدين والتقدمية ،وأخرى باسم الشتراكية والمبادئ الثورية ،وتارة
ينادون بتحرير المرأة ،وتحرير العامل ،وتحرير الفلح.
-ومن أساليبهم :إطلق القوال الرنانة التي يسّبون فيها الغرب الكافر
أو الشرق الملحد حتى يتخيل المرء أنهم وطنيون مخلصون ،وليسوا
من العملء الذين باعوا عقولهم وشعوبهم وأوطانهم لعداء الدين
والوطن.
111
-وحممتى ل تفقممد القمموى الدوليممة مصممالحها السياسممية والقتصممادية
والعسكرية في بلد السلم.
-وحتى ل تسري الصحوة السلمية في الجيل المسلم سريان النور
في الظلم ،ول يكون لها النماء والمتداد في أنحاء المعمورة.
-وحتى يبقى جيل السلم متقبل ً مبادئ الغرب أو مبادئ الشرق
الشيوعي…بل وعي ول معارضة ،ول تمحيص ول نقد ،وبالتالي بل
مقاومة ول جهاد.
آثار العلمانية في العالم السلمي-:
لقد تركت العلمانيممة آثممارا ً مممدمرة وخطيممرة فممي تفكيممر الفممراد،
وحياة الشعوب المسلمة.
آثارها في الفراد :فمن تركيا:
نقدم بعض الفراد كنموذج فقط-:
-1ضياء كوكب ألب )1924-1875م(:
إنه واحد من أبناء تركيا الذين دعوا إلى سلخ تركيا من ماضيها
السلمي القريب وتكوينها تكوينا ً قوميا ً خالصًا ،وإيثار الحضارة الغربية
على أساس أنها امتداد للحضارة القديمة التي ساهم التراك -على
زعمه -في تكوينها وحراستها .استغل ضياء كوكب ألب وظيفته كأستاذ
في جامعة أستانبول ومواهبه الشخصية ،فاستطاع أن يؤثر بأفكاره
المريضة في الجيل التركي الجديد.
لقد نادى هذا الرجل صراحة بقبول وأخذ الحضارة الغربية ،وترك
الدين السلمي لنه سبب استعبادنا للغرب .يقول" :علينا أن نختار
ما أن نقبل الحضارة الغربية أو نظل مستعبدين إحدى الطريقتين ،إ ّ
لقوى الغرب ...يجب علينا أن نسيطر على الحضارة الغربية لندافع عن
حريتنا واستقللنا ...ليست هناك حضارة مسيحية ول حضارة إسلمية،
فكما ل يصح أن تسمى الحضارة الغربية حضارة مسيحية كذلك ل يصح
أن تسمى الحضارة الشرقية حضارة إسلمية").(1
انظر الصراع بين الفكرة السلمية والفكرة الغربية للندوي ص .275 1
112
-2مصطفى كمال أتاتورك):(1
عرف هذا الرجل -كما يقول المعجبون به -بأنه يثور ويهيج
بسرعة ،شديد الغرام بالناث ،والتسلي بشرب الخمور ،وعداوته
الشديد للدين السلمي ،وعدم إيمانه بالله تعالى فالله في نظره ل
حاجة إليه ،وعرف أيضا ً بحبه الشديد للغرب وحضارته المادية.
تممولى مصممطفى كمممال حكممم تركيمما بعممد المممؤامرة الوربيممة ضممد
الخلفممة السمملمية فأصممبح يقمموم بأعمممال عدائيممة ضممد السمملم عقيممدة
وشريعة .ونلخص أعماله فيما يلي-:
-الدعوة إلى إلغاء الشريعة ،وإقصاء قضاة المحاكم الدينية،
وضرورة إقامة المحاكم الحديثة والمحاكم المدنية على الطراز
الوربي.
-طرد الخليفة ،وإلغاء الخلفة بالتعاون مع اليهود والنجليز.
-منع التعليم الشرعي ،وإعدام مجموعة من العلماء والمشايخ.
-إلغاء الحجاب ،وفرض السفور والتبرج على النساء ،ومنع الرجال
ارتداء الطربوش ،وإلزامهم القبعة الوربية.
-إلغاء الحروف العربية ،وفرض اللتينية.
-منع الذان بالعربية ،وفرضه بالتركية،وتحطيمه لمئذنة جامع أيا
صوفيا وتحويله إلى متحف.
-رمي المصحف على رأس شيخ السلم مصطفى صبري.
-العمل بالقوانين الوربية :القانون المدني السويسري ،والقانون
)(2
اليطالي الجنائي ،والقانون التجاري النجليزي.
ومن مصر -1 :رفاعة الطهطاوي):(3
ابتعث الشيخ رفاعمة إلممى بماريس سمنة 1826م مممن قبممل حماكم
انظر أقوال وأعمال الرجل :السممرار الخفيممة وراء إلغمماء الخلفممة العثمانيممة لشمميخ 1
113
مصر محمد علي حيث طلب الخير إلى شمميخ الزهممر "الشمميخ العطممار"
اختيار أزهري للبتعاث إلممى أوربمما ،فوقممع الختيممار علممى الشمميخ رفاعممة،
وكان يعامل ماليا ً معاملممة اليوزباشممي "نقيممب عسممكري" وصممحبه مممدير
البعثة الفرنسي مسيو جومار والمستشرق البارون دي سامي.
وفي فرنسا تعلم رفاعممة التاريممخ والجغرافيمما والفلسممفة الوربيممة
والداب الفرنسممية وهنمماك كممان يلتقممي بمجموعممة مممن المستشممرقين
والعلماء الفرنسيين.عاد رفاعة إلى بلده مصر ،وأّلف عددا ً مممن الكتممب،
منهمما :مناهممج اللبمماب المصممرية فممي مباهممج الداب العصممرية ،المرشممد
المين للبنات والبنين ،تلخيص البريز في وصممف بمماريز -يقصممد بمماريس-
وفممي هممذه الكتممب طممرح أفكمماره اللدينيممة فممدعا إلممى الوطنيممة ،وإلممى
الفرعونية بديل ً عن السلم ،وصّرح بأن الرقممص الغربممي المختلممط نمموع
من العيافة والشلبنة )الناقممة والفتمموة( ،وزعمم أن مدنيممة الغممرب تقمموم
على نفس أسس مدنية الممدين ،وأن عفممة النسمماء ل علقممة لهمما بكشممف
أجسادهن أو سترها ،بل منشأ ذلك التربية الجيدة والخسيسة ،وقال عن
الرقص الفرنسي" :إنه نمط مخصوص ل يشممم منممه رائحممة العهممر أبممدًا،
وكل إنسان يعزم امرأة يرقص معها ،فإذا فرغ من الرقص ،عزمها آخممر
للرقصة الثانية ،وهكذا سواء كان يعرفها أم ل".
-2الدكتور طه حسين:
كان طه حسين) (1من أبناء الزهر ،أرسل إلى فرنسا ،فدرس في
جامعات مونبليه والسربون والكوليج دي فرانس ،تعّلم هناك على أيدي
المستشرقين أمثال :كازانوفا ومرجليوت ،ودوركايم ،وماسينون ،ولما
عاد إلى مصر أخذ بالترويج للثقافة الفرنسية والحضارة الوربية ،ودعا
في كتبه المصريين إلى أخذ الحضارة الغربية حلوها ومرها خيرها
انظر أقواله وأعماله في كتاب :السلم والحضارة الغربية د .محمد محمد حسممين 3
ص .40-18
انظر في معرفة دور طه حسين التغريبي العلماني :التجاهات الوطنية فممي الدب 1
114
وشرها ،وما يحب منها وما يكره ،وما يحمد منها وما يعاب ،وافتخر
بإعجابه وحبه الشديد بفرنسا وحضارتها ،وزعم أنه من السخف الذي
ليس بعده سخف اعتبار مصر جزءا ً من الشرق ،واعتبار العقلية
المصرية عقلية شرقية ،وعرف عنه تقديره للمستشرقين وكتاباتهم
حول السلم ،وأما كتب طه حسين عن السلم فلقد ملها بالتشكيك،
وإثارة الشبهات.
ويمكن إجمال أفكار وأعمال طه حسين فيما يلي-:
-زعمه بالتناقض الواضح بين نصوص الكتب الدينية وما وصل إليه
العلم ،وكان يقصد القرآن الكريم.
-تشكيكه فيما حكاه القرآن الكريم من بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما
ن السلم لم تكن له أولية السلم للكعبة .وزعم أّنها رواية خرافية ،وأ ّ
في بلد العرب ،أو أنه دين ابراهيم عليه السلم.
-صّرح بأن الفرعونية متأصلة في نفوس المصريين ،وعلى كل
مصري أن يبقى فرعونيا ً لنه كان فرعونيا ً قبل أن يكون عربيًا.
ن المصريين تعرضوا لضروب من البغي والعدوان جاءتهم -زعم أ ّ
من الفرس والرومان والعرب )يقصد الفاتحين المسلمين(.
-النسان يستطيع أن يكون مؤمنا ً وكافرا ً في وقت واحد ،مؤمنا ً
بضميره ،وكافرا ً بعقله.
-علينا أن نسير سيرة الغربيين ونسلك طريقهم ،ونأخذ حضارتهم بكل
حذافيرها.
-وصف القرن الثاني الهجري بأنه عصر شك ومجون ،وانتقص قدر
الرعيل الول من الصحابة الكرام ،ووضعه موضع النقد ،وأشاع
السطورة في السيرة النبوية.
-تفاخره بتبعيته للستشراق والتبشير والتغريب.
-دعا إلى العلمانية ،وإلغاء التعليم الديني.
-تابع المبشرين في قولهم ببشرية القرآن ،وأنكر القراءات السبع.
-لقد كانت جملة آرائه وأفكاره مسروقة من فكر المستشرقين
والمبشرين ،فكتابه الشعر الجاهلي أخذ نظريته من مرجليوت ،ورأيه في
115
المتنبي أخذ نظريته من بلشير .ومذهبه في النقد أخذ نظريته من تين
وبرودينر ،وبحثه عن ابن خلدون أخذه من دوركايم ،واتجاهه في حديث
)(1
الربعاء أخذه من سانت بيف.
ن اللجنة العلمية للزهر الشريف التي ضمت ونّنوه هنا بأ ّ
دمت تقريرا ً للزهر حول كتاب الشعر مجموعة من كبار العلماء ق ّ
الجاهلي لطه حسين..جاء فيه":والكتاب مملوء بروح اللحاد والزندقة،
وفيه مغامز عديدة ضد الدين مبثوثة فيه...والمتأمل فيه يجده دعامة
من دعامة الكفر ،ومعول ً لهدم الديان ،وكأّنه ما وضع إل ليأتي عليها من
أصولها ،وبخاصة الدين السلمي"(2).
-3قاسم أمين:
قاسم أمين) (3واحد من تلميذ الشيخ محمد عبده ،درس في
جامعة مونبليه الفرنسية وهناك تعّرف على الحياة الوربية وما فيها من
انحلل وابتذال وفساد أخلقي واجتماعي وهناك تعّرف على فتاة
فرنسية تدعى "سلفا" صاحبته في تنقلته في المجتمعات والنوادي
الفرنسية ،عاد قاسم أمين إلى مصر ،وهو يحمل في رأسه أفكارا ً
جديدة أعجب بها كل من سعد زغلول ومصطفى كامل وأحمد لطفي
السيد وعلي شعراوي زوج زعيمة الحركة النسائية هدى شعراوي،
وغيرهم،ممن قال عنهم اللورد كرومر":أسميهم حبا ً في الختصار أتباع
المرحوم المفتي السابق الشيخ محمد عبده".
ّ
أّلف قاسم أميممن كتممابيه :تحريممر المممرأة 1899م ،والمممرأة الجديممدة
1900م ،وفيهما نفممث أفكمماره وعممرض أراءه الممتي يمكممن إجمالهمما فممي
-1انظر طه حسين حياته وفكممره فممي ميممزان السمملم للجنممدي ص ،35-33م -231
.235
-2قوى الشر المتحالفة –الستشراق -التبشير-الستعمار -محمد محمد الدهمان،
دار الوفاء ،المنصورة الطبهة الثانية 1408هم1988 -م ص .59
انظر أفكاره وآراءه ،قاسمم أميممن :ممماهر حسممن فهمممي ،التجاهممات الوطنيممة فممي 3
116
التي-:
وق الرجل البدني سببه -يجب مساواة المرأة بالرجل ،وأن تف ّ
استعمال العضاء.
-إن النتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات السلمية ،ل للتعبد ول
للدب بل هما من العادات القديمة السابقة على السلم والباقية بعده،
والدين منهما براء.
-إن الحجاب عائق عن التقدم ،ومدعاة للرذيلة وغطاء للفاحشة،
والختلط يهذب النفس ،ويميت دوافع الشهوة.
-الختلط بين الجنسين في الجتماعات يسبغ عليها عذوبة ورقة،
سحر الذي تشيعه المرأة في كل مكان توجد فيه شيء ممتع ،ونفاذ فال ّ
كعطور الزهور.
-طالب بمنع تعدد الزوجات ،والكتفاء بزوجة واحدة.
-عدم وقوع الطلق إل إذا كان أمام القاضي ،وفي وثيقة رسمية
بحضور شاهدين.
-الدعوة إلى أخذ الحضارة الوروبية ،وإصلح الحوال السلمية على
أسس من العلوم العصرية ،وقد طّبق قاسم أمين ذلك عمليا ً إذ أحضر
لبنتيه مربيتين ،إحداهما فرنسية والخرى إنجليزية..ولقد مات قاسم
دم طالبات أمين بالسكتة القلبية يوم 23أبريل 1908م ،وهو ُيق ّ
)(1
رومانيات في نادي المدارس العليا.
وما بعدها.
117
مذابح دعاة الوجودية والباحية ،وأبواق الميوعة والتحلل ،وكل ذلك
لسحق كرامة المرأة والقضاء على شرفها وعفتها ،وإخراجها عن
رسالتها الكريمة :كأم فاضلة ،وزوجة وفية ،ومربية رائدة ،وعنصر خير
في مجتمع نظيف كريم.
اجتاحت موجات الميوعة والنحلل بلدان المسلمين،
حيث:خرجت المرأة المسلمة سافرة حاسرة متبرجة بشكل يدعو إلى
الفتنة والغراء ،وحدث الختلط بين المرأة والرجل في المدارس
والجامعات والمؤسسات والوظائف ،وأبيحت الخمور في الحانات
والنوادي والمتنزهات ،وانتشرت صالت الرقص ،والمسابح المختلطة،
وعرفت بلدان المسلمين :أولد الزنا ودور اللقطاء ،وقتل الجنة من
خلل ما يسمى بالجهاض ،وراجت المخدرات والمسكرات ،وظهرت
ن جديدة من الفواحش والموبقات. ألوا ٌ
561وما بعدها.
سورة يوسف.40 : 2
118
لقد تمّزقت الوحدة السلمية التي كانت تجمع الشعوب المسلمة،
فانقسمت البلد إلى دويلت وأجزاء ،وصارت معظمها ألعوبة بيد القوى
الدولية الكبرى.
ومن آثار العلمانية في بلد المسلمين :رواج الشعارات
والمصطلحات والتعابير التي أفرزتها الثقافة الوربية ،ومنها :الثورة
والثورة المضادة والدفع الثوري ،التقدمية والرجعية ،والمبريالية
واليسارية ،الجبهة التقدمية والجبهة والوطنية ،اليمين واليسار
البرجوازية والرستقراطية ،الرهاب والتطرف والصولية ،السلم
المعتدل والسلم المتشدد وغيرها من التعبيرات التي رددها الببغاويون
في عالمنا السلمي دون نقد أو تمحيص.
وكما تمزقت البلدان السلمية تمزقت المة السلمية إلى أحزاب
وشيع ذات عقائد وأفكار متناقضة ،أكثرها يعادي السلم ،ويعطي الولء
للكفار):يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء
)(1
بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم(
لقد شاعت النعممرات الجاهليممة ،والنزعممات القبليممة ،وأبعممد الجيممل
المسلم عن منهج اللممه تعممالى ،وتممم إغممراق الكممثير منهممم فممي الميوعممة
والنحلل ،وزرع اللحاد والتشكيك في كثير من المجتمعات السلمية.
وماذا جنبينا من وراء ذلك-:
* جنينا انحسار الكيان السياسي الكبير عن أرض السلم ،وانقسام
البلد السلمية إلى دويلت صغيرة متعادية متصارعة.
* وجنينا إلغاء الخلفة رمز العزة والقوة والوحدة السلمية.
* وجنينا انحياز الحكومات إلى سياسات أوربا وأمريكا.
* وجنينا موت الوازع اليماني في نفوس الجيال المسلمة الناشئة.
* وجنينا انتشار الجريمة والميوعة ،والمبادئ الضالة ،والفكار
اللدينية في بلد السلم.
* وجنينا تسلط اليهود على القدس والمسجد القصى والرض
المباركة حوله ،والمواقع الستراتيجية من الحصون والقلع المسلمة.
119
* وجنينا الذلة والتخلف والتقهقر في الشعوب المسلمة التي كانت
خير أمة أخرجت للناس ،وكانت القدوة في العطاء الحضاري.
* وأخيرا ً جنينا سيادة القوانين الكافرة ،والتشريع للبرلمانات ،والحكم
للدينية ،وتنفيذ المخططات الصليبية والشيوعية واليهودية في
)(1
المجتمعات السلمية.
120
موقف السلم من العلمانية):(1
إذا كانت علقة العلمانية بالدين علقة سلبية ،لكونهمما تبعممد الممدين
عن المجتمع والحياة ،وعممن الدولممة والحكممم ،وتبقيممه حبيسما ً فممي نفممس
الفرد ،ل يتجاوز علقته الخاصة بينممه وبيممن ربممه ،فالسممؤال الممذي يطممرح
نفسه :هل يمكن أن تتعايش العلمانية مع السلم؟
والجابة عن السؤال ل تحتاج إلممى كممبير عنمماء ،فإنهمما ل يمكممن أن
تتعايش مع السلم الذي أنزله الله تعالى كممي يحتكممم إليممه النمماس فممي
جميع شئون حياتهم ،فالسلم نظام شامل للحيمماة ،وإذا كممان يمكممن أن
تقبل السلم عقيدة في نفس الفرد ،فإنها ل تقبل هذه العقيدة أساسمما ً
للولء والنتماء ،ورابطة وحيدة للتجمع ،ول ترى أن من موجبات العقيدة
اللتزام بحكم الله ورسوله.
وإذا كان يمكن أن تقبل العلمانية السلم عبادة ونسكًا ،لكن
بشرط أن يكون شأنا ً موكول ً إلى الفراد ،ل على أن ترعاه الدولة
وتحاسب عليه ،وإن كانت تقبله أخلقا ً وآدابا ً شمخصية للفمرد ،ل يمس
التيمار العام للمجتمع ،فالعلمانيمون يرغبمون في أن تسمود العادات
والتقاليد الغربية في اللباس والطعام والمسكن والزينة ونحوها في
مجتمعاتنا السلمية ،ل يرغبون في أن يقيد المجتمع المسلم بأحكام
الحلل والحرام التي جاءت في الكتاب والسنة ،فهل هناك واحد من
العلمانيين مثل ً يرغب في أن يسود الحجاب الشرعي حياة المرأة
المسلمة في الشوارع والسواق ومعاهد الدراسة.
كيف تتعايش العلمانية مع السلم وهي تقف بكل صراحة وقوة
ضد الشريعة التي تنظم بأحكامها وأنظمتها وآدابها الحياة السلمية،
سواء فيما يتعلق بحياة الفرد أو السرة أو المجتمع أو الدولة ،إن
شريعتنا السلمية تغنينا بأنظمتها وأحكامها من استيراد القوانين من
البلد الغربية .إن السلم يرفض هذه القوانين الوضعية المستوردة
والعلمانية تقبلها وترّوج لها وترفض شريعة الله تعالى ،فكيف تتعايش
العلمانية مع السلم.
121
كيف يجوز لمسلم أن يقول إن السلم ل يعادي العلمانية أو أن
العلمانية ليست مضادة للعقيدة ،والعلمانية تقول :ل دين في السياسة
ول سياسة في الدين ،وهي تقول :إن القتصاد ل علقة له بالدين،
والفن ل علقة له بالدين ،وشئون الحكم ل علقة لها بالدين وهي تقول
باختصار :ل حكم لله في أي شأن من شئون الحياة النسانية.
إن الحتكام إلى شريعة الله واجب شرعي ،ول يمكن أن يكون
المرء مسلما ً إذا أخذ من السلم ما يوافق هواه ،ورفض منه يخالف
هواه ،ول يمكن أن يكون مسلما ً إذا آمن ببعض الكتاب وكفر ببعضه
قال تعالى):وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع أهواءهم
واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك() ،(1وقال:
)ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله() ،(2وقال تعالى:
)أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من
يفعل ذلك منكم إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة
)(3
يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون(.
ن العلمانية تناصب السلم العداء ،لن أنظمته وتشريعاته إ ّ
تشمل جوانب الحياة المختلفة ،والسلم يناصبها العداء لنها تنازعه
سلطانه الشرعي في قيادة سفينة المجتمع وتوجيه دفتها وفقا ً لوامر
الله ونواهيه.
إذا ً العلمانية هي الجاهلية بعينها ،قال تعالى) :أفحكم الجاهلية
يبغون ومن أحسـن مـن الله حكما ً لقـوم يوقنون() ،(4ويقول
صلى الله عليه وسلم):من دعـا بدعوى الجاهلية فهـو في جثي
جهنم( ،قالوا :وإن صام وصلى ،قال صلى الله عليه وسلم):وإن
صام وصلى وزعم أنه مسلم().(5
122
ماذا تريد العلمانية من السلم؟
ن العلمانيممة تريممد مممن السمملم أن يعممتزل حيمماة النمماس السياسممية إ ّ
والقتصادية والجتماعية والتشريعية ،وأن ينزوي في زاوية له في بعممض
داها ول يتجاوزها ،فمث ً
ل-: جوانب الحياة ل يتع ّ
* تريد منه أن يقنع بالحديث الديني في الذاعة والتلفاز ،وأن يقنع
بالصفحة الدينية في الصحيفة يوم الجمعة ،ويوم المناسبات الدينية.
* تريد منه أن ل يتدخل في الشئون التشريعية والقانونية ،بل يقنع
بقانون الحوال الشخصية في قوانين الدولة.
* تريد منه أن يقنع بالمسجد من مؤسسات الدولة ،وبوزارة
الوقاف في وزارات الدولة ،وفي بعض الدول السلمية أقصت كثير
من أحكام الشريعة السلمية والمتعلقة بشؤون السرة.
* تريد منه أن ل يتدخل بأحكامه وتشريعاته في شئون المرأة إل
فيما يتعلق بالزواج والطلق ،وأخيرا ً تم اعتداء العلمانية على هذه
الحكام.
* تريد منه أن يقنع بحصة للدين في المدرسة.
ن العلمانية تريد من السلم ذلك ،ول ترضى عنه إذا أراد أن إ ً
يتجاوز هذه الحدود وإل اصطدمت معه ،وناصبته العداء وحاربته بكل
طاقاتها).(1
ن العلمانية دعوة مرفوضة ،ونبتمة خبيثمة ،لمم تنبمت فمي أرضمنا، إ ً
ولم تنبع من عقائدنا وقيمنمما وأخلقنما ،إنهما غريبممة عّنما ،وسمتظل كمذلك
مرتبطة في أذهاننا وقلوبنا بالستعمار الغربممي ،الممذي نبتممت فممي أرضممه
وفرضها علينا دون إرادة مّنا ول اختيار.
رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب ،ورواه ابن خزيمة وابن حبممان فممي 5
123
حكم السلم في دعاة العلمانية-:
وإذا كانت حقيقة العلمانية ،ولب معناها رفض الدين وإبعاده
وإقصائه عن جوانب الحياة السياسية والقتصادية والفكرية والخلقية
والجتماعية وعن التشريع ،فإن العلماني ينتهي أمره إلى الكفر
البواح والعياذ بالله ،لنه ينكر جملة معلومات من الدين بالضرورة،
ينكر القطعيات التي ثبتت بالتواتر اليقيني ،وينكر ما أجمعت عليها المة
ن العلماني الذي يرفض تحكيم الشريعة السلمية ،ويرى السلمية..إ ً
عدم مواكبتها لروح العصر والحضارة ،ليس له من السلم إل
اسمه ،وهو مرتد عن الدين بيقين ،يجب أن يستتاب ،وأن
تزاح عنه الشبهة ،وتقام عليه الحجة ،وإن بقي على اعتقاداته الباطلة
حكم القضاء بردته ،وجرده من انتمائه إلى السلم ،وفّرق بينه وبين
)(1
زوجه وأولده ،وأجرى عليه أحكام المرتدين في الحياة وبعد الوفاة.
124
ثانيـًا:القومـيـة
125
للمهاجرين ،قال صلى الله عليه وسلم غاضبًا):أبدعوى الجاهلية وأنا
)(1
بين أظهركم(.
لقد ألغى السلم كل أنواع التفاضل بين القوميات ،وأثبت معيارا ً
واحدا ً للتفاضل أل وهو تقوى الله تعالى ،قال الله تعالى) :يا أيها
الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ً وقبائل
لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم() ،(2وفي وصيته يوم حجة
الوداع أكد صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الكريم فقال):كلكم لدم
وآدم من تراب ،ل فضل لعربي على عجمي ،ول لعجمي
على عربي ،ول لبيض على أسود ،ول لسود على
أبيض...إل بالتقوى(.
مت أرض وعلى عهد الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم -ض ّ
السلم قوميات شتى :العرب والروم والفرس والحباش وغيرهم ،فما
ضل أحد لجنسه أو لونه ،بل ضل عربي على أعجمي لعروبته وما فُ ّ فُ ّ
كان الفضل بعد التقوى للعمل الصالح ،وعرفت علوم السلم في
فروعها المختلفة ،فقهاء وعلماء من المصار ليس فيهم من العرب إل
النزر اليسير).(3
وفي العصر الحديث عرفت أوربا فكرة القومية ،ثم تخّلت عنها
بعد أن اكتوت بنارها ،ولكن المة السلمية ابتليت بها ،إذ ظهرت
القومية الطورانية ،والقومية العربية والقومية الكردية ،والقومية
الفارسية ،وأشدها فتنة كانت القومية الطورانية والقومية العربية اللتان
كانتا سببا ً في إلغاء الخلفة السلمية وإلغاء فكرة الجامعة السلمية.
وفي الصفحات القليلة القادمة نعالج موضوع القومية من حيث
التعريف بها ،وبيان نشأتها في أوربا وفي العالم العربي ،ثم بيان
تجاوزات الفكر القومي ومقولته ،وأخيرا ً نبّين موقف السلم من دعوة
القومية.
أساليب الغزو الفكري للعالم السلمي د .علي جريشة وزميله ص .75 3
126
تعريف القومية:
القومية مصدر صناعي ،مقيس على ما تواضع عليه العرب
المعاصرون على اشتقاقه من لفظة "قوم" بإضافة ياء النسب وتاء
التأنيث .هذا في اللغة ،وهي ترجمة للصطلح الغربي .(1)Nationalism
وأما في الصطلح :هي ظاهرة يشعر فيها أبناء الصل
العرقي الواحد "القوم" واللغة الواحدة بالولء الواحد
المشترك ،وإن تعددت أرضهم وتفرقت أوطانهم واختلفت أديانهم...
والقومية في النهاية معنية بالسعي إلى توحيد الوطن ،بحيث يكون
لبناء القومية الواحدة وطن شامل يجتمعون فيه ،لكن الولء يبقى
للقومية أص ً
ل ،ولو لم تتحقق وحدة الرض).(2
ويعرفها الديب والكاتب المصري د .محمد محمد حسنين بقوله:
القومية تعبر عن ظاهرة برزت في المجتمعات الغربية في
ور وعيا ً جديدا ً يمجد جماعة محدودة القرن التاسع عشر ،تص ّ
من الناس ،يضمها إطار جغرافي ثابت ،ويجمعها تراث
مشترك ،وتنتمي إلى أصول عرقية واحدة).(3
نشأة القومية-:
يكاد يجمع الباحثون أن القومية كظاهرة وفكرة ودعوة ظهرت
في بلد الغرب بعد انكسار موجة التسلط الكنسي التي سادت أوربا
عدة قرون .وبيان ذلك:أن العتداد الشديد بالشعب والموقع الجغرافي
من خصائص الطبع الوربي ،ولكن النصرانية قهرت هذه الطبيعة ،إذ أن
دخول المبراطورية الرومانية -التي كانت تجمع قوميات شتى ولغات
وأجناس شتى -في المسيحية قد أنشأ -ولفترة من الوقت -لونا ً من
التجمع الشعوري ،وقد كان الهدف الحقيقي للمبراطور قسطنطين من
127
اعتناق المسيحية هو توحيد المبراطورية التي كانت توشك على
التمزق والفتراق).(1
لقد جعلت النصرانية إذا ً من المم الوربية عالما ً واحدًا،
وأخضعت الكنيسة اللتينية الشعوب لسيادتها ،فغلبت الكنيسة القومية
والنعرة الوطنية التي كانت تسري في العنصر الوربي.
ولكن النصرانية لم تستطع أن تحافظ على قوتها وسطوتها،
وبالتالي على بقاء المم والشعوب والقوميات المختلفة في بوتقة
واحدة ،إذ تعرضت الكنيسة اللتينية الكاثوليكية إلى زلزال أحدث فيها
خورا ً وضعفًا ،لما قام لوثر مارتن )1546-1483م( بحركته الصلحية
الشهيرة ضد الكنيسة ،ورأى من مصلحة مهمته أن يستعين ببني جنسه
"اللمان" ،ونجح في عمله نجاحا ً باهرًا ،وانهزمت الكنيسة في عاقبة
المر ،فانفرط عقدها واستقلت المم ،وأصبحت ل تربطها رابطة ،ولم
تزل كل يوم تزداد استقلل ً في شئونها وتشتتًا ،حتى إذا ما تراجعت
النصرانية واضمحل تأثيرها في أوربا قويت العصبية القومية والوطنية.
)(2
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص ،211مذاهب فكرية معاصرة ص -555 1
128
)(1
ينقذها من القومية ،داهية هذا العصر".
وفي القرن التاسع عشر دخلت أوربا عصر القوميات ،ونتج عن
الحركات القومية الوربية في هذا العصر ظاهرتان متناقضتان ،الولى:
تدعو إلى النسلخ من المبراطوريات الكبرى) ،(2كالذي حدث في
حركات دول البلقان والبلد العربية حين تداعت إلى النسلخ من الدولة
العثمانية .والثانية :تدعو إلى ضم شتات المارات الصغيرة التي ُيعتقد
-بناًء على علم الجناس البشرية الحديث -أنها تنتمي إلى أصول عرقية
مشتركة ،كالذي حدث في نشوء الدولتين اللمانية والبريطانية ،واجتماع
كل منهما في دولة كبرى بعد أن كانت مجموعة من المارات الصغيرة
)(3
المتنافسة.
وظهرت في ألمانيا نزعات قومية متطرفة لدرجة أن هناك من
تبرأ من السيد المسيح لكونه عربيًا ،ودعا إلى إحياء اللهة القومية التي
كان يعبدها اللمان في تاريخهم القديم .وأيضا ً ظهرت النزعة القومية
والوطنية لدى الناس في روسيا ،لدرجة أن الناس هناك أرجعوا الفضل
في أغلب الختراعات الكبرى في العصر الحديث إلى الروس.
وإثر موجة العصبية القومية نشب في داخل أوربا صراع عنيف
بين القوميات الناشئة بعضها وبعض .ومن ذلك :الحروب اليطالية التي
كانت حروب منقطعة استمرت خمسة وستين عاما ً )1559-1494م(،
وكانت تهدف كل من فرنسا وأسبانيا إلى السيطرة والنفوذ والتوسع
القليمي داخل أوربا ،ومن نتائج هذه الحروب المدمرة:
-1أفول النهضة اليطالية وخضوعها للحكم الجنبي.
-2اجتياح أوربا دوامة مدمرة بسبب التنافسات القومية.
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين لبي الحسن الندوي ص .212 1
كانت إمبراطورية النمسا تحكم بلدا ً شاسعة تعيش فيها أمم وقوميات مختلفة: 2
129
ومن تلك الحروب :حروب نابليون التي اجتاحت أوربا بفعل حمى
)(1
م عملت القوميات الوربية على القضاء على المسلمين القومية .ث ّ
في الندلس ،ونجحت في تنصير أهلها بالقوة والجبروت ،وكانت هذه
القوميات مختبئة تحت عباءة الصليب ،وبذلك ارتبطت القوميات
بالستعمار البشع ،وأصبحت ذات نزعة بشرية شريرة ،وكان من نتائج
الروح القومية التي اجتاحت أوربا-:
-1الحروب العالمية الولى )1918-1914م( التي حصدت أكثر من
عشرة مليين من الناس.
-2ثم الحرب العالمية الثانية )1945-1939م( التي قتل فيها ما يقرب
من أربعين مليون إنسان ،بالضافة إلى الدمار والخراب الذي أصاب
العمران ،ول يستطيع المرء أن ينسى القنابل النووية التي ضربت بها
نجازاكي ،وهيروشيما اليابانيتين ،وما أحدثتاه من دمار شديد أصاب
)(2
الحرث والرض والناس.
ت أخيرا ً في
خب َ ْ
ما يجدر التنويه إليه أن وقدة النزعات القومية َ وم ّ
أوربا واتجه العالم الغربي إلى نزعات أخرى غير قومية ،ولكن ضمن
التجاه العلماني اللديني السائد هناك ،فمنها من اتجه شطر اللتقاء
على المصالح المشتركة :القتصادية أو السياسية أو الدفاعية ،ومنها ما
كان لقاًء على وحدة فكرية عالمية ،غير ذات حدود إقليمية أو وطنية أو
ما أفلت شمس القومية في بلد الغرب الكافر ،بدأت تظهر قومية .ول ّ
في بعض الشعوب السلمية ،من خلل المكايد الستعمارية وبتعاون مع
العملء والجراء الذين ارتبطوا بالمستعمر الغربي(3).
نشأة القومية العربية-:
سرت عدوى القومية التي ظهرت في أوربا إلى العالم العربي
في أواخر القرن التاسع عشر الميلدي ،فنشأت الدعوة إلى القومية
العربية تحت تأثير عاملين اثنين-:
130
الول :مجاراة القومية الطورانية ،ورد فعل على سياسة
ل"التتريك" التي تبّناها أعضاء جمعية التحاد والترقي ،التي كان ج ّ
أعضائها من يهود الدونمة ،التي يرجع الفضل إليها في إحكام السيطرة
على الدولة العثمانية بعد أن تم خلعهم للسلطان عبد الحميد الثاني
سنة 1909م .وقد ذكر بعض المؤرخين:أّنه لم يكن أحد من زعماء
وقادة هذه الجمعية من أصل تركي صاف ،بل كانوا بالضافة إلى
يهوديتهم موزعين بين أصول أسبانية وبولندية ومجرية وبلغارية ،ومع
ذلك تبنوا القومية الطورانية ،ورفعوا شعار "الذئب الغبر" الذي كان
معبود التراك في جاهليتهم-قبل اعتناق التراك للسلم -وبدءوا بفرض
اللغة التركية وحدها على جميع شعوب الدولة العثمانية ،ومحاولة صبغ
هذه الشعوب بالثقافة التركية .وعداء أصحاب الدعوة إلى الطورانية
للسلم ل يحتاج إلى بيان ،وأما عداؤهم للدولة العثمانية فيظهر من
خلل تحريك الشعوب التي كانت خاضعة للسلطة العثمانية لكي تدعو
إلى قومتيها ،وتطالب بالنفصال عن دولة الخلفة ،وقد كان ذلك.
وهكذا بدأ بعض العرب بالدعوة إلى قوميتهم مجاراة لهذه الدعوة
)(1
الطورانية الجاهلية.
الثاني :استعارة الفكار والنظم الغربية ،أو تقليد الوربيين في
شعارات عصر نهضتهم الخاصة ،حيث سرت الدعوة إلى القومية بين
العرب والمسلمين في عصر التفوق الوربي .فانتهز الفرصة دهاة
الغرب وقادتهم السياسيون الذين كانوا يحلمون من القديم بانهيار
المبراطورية العثمانية وزوال سلطانها ونفوذها الروحي والسياسي في
الشرق فاحتضنوا هذه الفكرة التي دبت في عروق بعض الشباب
العرب الطامحين ،وبدأوا يغذون الدعوة القومية بكتاباتهم ورحلتهم
وجولتهم في المدن العربية الكبرى ،ومن خلل التصال بقادة الرأي
)(2
وحملة القلم ورؤساء القبائل.
131
ونشبت الحرب العالمية الولى )1918-1914م( وسنحت للقطار
العربية فرصة النشقاق عن الدولة العثمانية ،وانتهز الحلفاء الغربيون
هذه الفرصة ،فقاموا بالنفخ في قربة القومية ،وقام لورانس الداهية
البريطاني بدوره ،فأشعل الحماس القومي ،وأثار العرب على التراك.
يقول لورانس":وأخذت طول الطريق أفكر في سوريا) ،(1وفي الحمج،
وأتساءل :همل تتغلب القوميمة ذات يوم على النزعمة الدينية ،وهل
ل المثل العليا السياسيةيغلب العتقماد الديني؟ وبمعنى أصح :هل تح ّ
ل الوحي واللهام وتستبدل سوريا بمثلها العلى الديني مثلها العلى مح ّ
الوطني ،هذا ما كان يجول في خاطري طول الطريق" (2).ووعد الغرب
الشريف حسين أمير الحجاز بالحرية والستقلل ،وأن يكون أميرا ً على
العرب كلهم في دولة مستقلة ،فثار أهل الحجاز بقيادته ضد التراك
وثار أهل الشام في الشام ،وفضلوا جميعا ً النضمام إلى راية الحلفاء
الكافرين على البقاء في جوار التراك المسلمين) ،(3وجنى العرب من
وراء هذه الجاهلية وقوع بلدهم تحت السيطرة الستعمارية الوربية ،إذ
تقاسمت فرنسا وبريطانيا البلدان العربية فيما يعرف باتفاقية:
سايكس-بيكو وذهبت أحلم الستقلل والحرية أدراج الرياح الجاهلية
القومية.
-1كانت سوريا تمثل في تلك الفترة بلد الشام كلها ،وهو يقصد تفتيتها إلى دويلت.
-2انظر كتابه :الثورة العربية ترجمة كامل صمويل ،بيروت ص .52
-3ماذا خسر العممالم بانحطمماط المسمملمين ص ،220-219التجاهممات الوطنيممة فممي
الدب المعاصر 2/106وما بعدها.
132
وشبلي شميل ،وقد عرف هؤلء باتصالهم بالرساليات التبشيرية
)(1
الفرنسية والمريكية والدوائر الستعمارية وانخراطهم في الماسونية.
جاء في الموسوعة العربية" :أن أول من دعا إلى القومية العربية
في أواخر القرن التاسع عشر الميلدي هم الغربيون على أيدي بعثات
التبشير في سوريا ليفصلوا الترك عن العرب ،ويفرقوا بين المسلمين،
ولم تزل الدعوة إليها في الشام والعراق ولبنان تزداد وتنموا حتى عقد
)(2
لها أول مؤتمر في باريس عام 1910م".
وقد اعترف بدور النصارى في هذا الجانب صاحب كتاب "يقظة
العرب" جورج أنطونيوس عندما قال" :يرجع أول جهد منظم في حركة
العرب القومية إلى سنة 1875م حين ألف خمسة شبان من الذين
درسوا في الكلية البروتستنتية ببيروت -الجامعة المريكية فيما بعد-
جمعية سرية ،وكانوا جميعا ً نصارى" (3).وقال":ولذلك انتقلت هذه الراء
التي بذرها النصارى في البداية ،وأصبحت في نهاية القرن التاسع عشر
)(4
وبداية القرن العشرين تجد تربة صالحة للنمو بين المسلمين".
وفي أواخر القرن التاسممع عشممر وبدايممة القممرن العشممرين ظهممرت
سها شخصيات نصرانية ،منها على سبيل المثال: جمعيات قومية أس ّ
-1الجمعية السورية :أسست في دمشق 1847م على يد بطرس
البستاني ،ونصيف اليازجي.
-2الجمعية السورية :شارك في تأسيسها في بيروت 1868م سليم
البستاني ،ومنيف خوري.
-3الجمعية العربية السورية :ظهرت سنة 1875م ،ولها فروع في
دمشق ،وطرابلس وصيدًا.
133
-4جمعية رابطة الوطن العربي :أسسها في باريس 1904م
)(1
نجيب عازوري.
كما ظهرت جمعيات قومية أخرى ساهم في تأسيس بعض منها أبناء
المسلمين المتأثرين بالفكر القومي ،ثم ظهرت أخيرا ً في العالم
العربي :حركات قومية ،تولى تأسيسها وقيادتها زعامات نصرانية:
فميشيل عفلق زعيما ً للحزب العربي الشتراكي ،وأنطون سعادة زعيما ً
للقوميين السوريين ،وجورج حبش زعيما ً للقوميين العرب ،وقسطنطين
زريق زعيما ً آخر ،وساطع الحصري )1968-1880م( رائدا ً ومفكرا ً
)(2
للقومية العربية.
وظلت الدعوة إلى القومية العربية محصورة في نطاق القليات الدينية
غير المسلمة ،وفي عدد محدود من أبناء المسلمين المتأثرين بفكرتها،
ولم تصبح تيارا ً شعبيا ً إل حين تبنى الدعوى إليها الرئيس المصري
خر لها وسائل العلم ومناهج التعليم الراحل جمال عبد الناصر الذي س ّ
والقلم والكتاب ،وكانت هزيمة العرب عام 1967م ضربة قاضية
للحركة القومية ،فأصبحت تعاني القومية بعدها حالة من الجمود
والنحسار ،ثم جاء غزو إسرائيل لبيروت عام 1982م ثم حرب الخليج
عام 1990م لتوجه إليها ضربة قاضية ثانية أخيرة وحاسمة.
134
السلم من خلل التركيز على الحركات الشعوبية :كالقرامطة
والزنادقة والزنج والحشاشين وإخوان الصفا ،إلى جانب الهتمام بنقاط
الضعف والجوانب السوداء في التاريخ السلمي.
-3إعطاء القومية بوصفها انتماء ،مضمونا ً عقائديًا ،بحيث تصبح القومية
عقيدة أو دينا ً يحل محل العقائد والديان التي من جملتهمما السمملم ،بممل
ة القومية العربية المجممردة فممترةً دم النزع ُهو المقصود من دونها .فلم ت ُ
طويلة حيث بدأت تنكفيء أمام الغزو الماركسي والحزاب والشمميوعية.
عقد في بيروت اجتماع لدعاة القومية العربيممة يهممدف ففي الخمسينات ُ
ي للقومية العربية كان من نتممائجه اعتبمماُر الفكممر إلى تبني محتوىً عقائد ٍ
الشتراكي الماركسي المحتوى اليديولوجي للحركات القوميممة العربيممة
ت كثيرة من إطار العمممل القممومي بسممبب عمومًا ,كما نجم عنه انسحابا ٌ
من توجهاته الماركسية ،وهكذا أصبحت العروبة مركب ما ً للفكممر اليسمماري
والحركات الشيوعية(1).
وم الساس للشخصية العربية ،والنتقاص -4إقصاء السلم بوصفه المق ّ
من دوره في الحياة.
-5ربط القومية ببعض المذاهب والفلسفات اللدينية ،كالربط بينها
وبين الفكر الماركسي والشتراكي ،أو الفكر العلماني ،وذلك على
)(2
الصعيد السياسي والثقافي والجتماعي.
نتائج الدعوة القومية في العالم السلمي-:
لقد ترك تيار الدعوة القومية آثارا ً خطيرة في العالم السلمي ،نذكر
منها ما يلي-:
-1نشر الفكار الغربية اللدينية ،وإقصاء السلم وتفريغ القضية
السياسية والجتماعية بوجه عام من المحتوى السلمي ،وإحلل
فلسفات وعقائد أخرى محل العقيدة السلمية ،واستبدال الرابطة
الدينية بالقومية التي تستهدف عزل الشعوب والمم السلمية بعضها
عن بعض ،ومثال ذلك ظهور الجامعة العربية -تحت شعار القومية
العربية -كبديل عن الجامعة السلمية التي كانت المناداة بها فكرة
-1العالم السلمي والمكائد الدولية خلل القرن الرابع عشر الهجري :فتحي يكن
-2تيارات وعقائد فكرية معاصرة ص .239-234
135
تراود دعاة الصملح السملمي فمي تلمك الفتمرة) ،(1وممن المعلموم أن
فكمرة إنشماء جامعة الدول العربية سنة)1945م( هي من بنات أفكار
)(2
وزير خارجية بريطانيا السابق "أنتوني إيدن".
-2تمكين الستعمار الغربي من تحقيق أهدافه الشريرة التي تتمثل في
هدم الخلفة السلمية ،وتفتيت الكيان السياسي السلمي ،والقضاء
على الوحدة السلمية التي كانت تخيف الغرب الكافر ،والتي كانت
تمثل سدا ً منيعا ً تحول دون سيطرته على العالم السلمي .يقول القس
سيمون":إن الوحدة السلمية تجمع آمال الشعوب السمر وتساعدهم
على التملص من السيطرة الوربية" ويقول زميله غاردنز":إن القوة
)(3
التي تكمن في السلم هي التي تخيف الغرب".
وبالفعل لم يستطع الستعمار الغربي الكافر إخضاع العالم
السلمي لسيطرته العسكرية وسياسته الستعمارية إل بعد أن آتت
الدعوة القومية ثمارها ،إذ ظهرت القومية الطورانية في تركيا،
والقومية العربية في بلد العرب ،والكردية في العراق ،والقومية
الهندية التي أدت إلى انقسام شبه القارة الهندية إلى عدة دول
متناحرة :الهند -باكستان -كشمير ،ثم أصبحت باكستان بفعل القومية
البنغالية دولتين:باكستان وبنغلدش.
-3لقد عملت الدعوة القومية على إحياء النعرات الجاهلية القديمة
التي كانت سائدة قبل السلم ،وإلى الهتمام بما يعرف بالحضارات
القديمة ،كالفارسية والفرعونية والشورية والفينيقية والطورانية ،بل
أدت إلى الهتمام بالديانات الوثنية القديمة وآلهتها المنقرضة بحجة أن
)(4
هذه المور من التراث والتاريخ القومي.
-1انظر الصراع الذي دار بين فكرة الجامعة السلمية والجامعة العربية :التجاهممات
الوطنية في الدب المعاصر .189-2/136
-2انظر المصدر السابق ص .189
-3سبق أن ذكرنا مصدر هذه القوال.
انظر ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص .216-215 4
136
-4ومن نتائج الفكر القومي :احتلل فلسطين عام 1948م من قبل
اليهود وبدعم وتأييد استعماري أوربي وأمريكي ،ثم سيطرة إسرائيل
على البقية الباقية من فلسطين بما فيها القدس والمسجد القصى
المبارك ،ولقد ترتب على الفكر القومي العربي أن أصبحت قضية
فلسطين قضية قومية تخص العرب وحدهم ،وإقصاء السلم عنها.
موقف السلم من القومية):(1
ممن المعلوم من دين السلم بالضرورة بطلن الدعوة إلممى غيممر
السمملم ،بطمممملن التحممزب والتعصممب والتجمممع علممى غيممر الممولء للممه
ورسمموله والمممؤمنين ،فالممدعوة إلممى القوميممة سممواء كممانت عربيممة أم
طورانية أم فارسية ،وغيرها من القوميات دعمموة باطلممة منكممرة ،يأباهمما
دين الله عز وجل للسباب التالية-:
ل :كونها تفّرق بين المسلمين ،وتجعلهم أحزابا ً وقوميات متنافرة كل أو ً
منها يتعصب لتاريخه وتراثه ،فهي تفصل المسلم العربي عن أخيه
المسلم العجمي ،وتفّرق بين العرب أنفسهم لنهم كلهم لن يرتضوها،
وإنما يرتضيها فريق منهم دون فريق ،وكذا تفرق بين المسلمين:
التراك والفرس والعرب فيما بينهم ،وبذلك تخالف مقاصد السلم في
التجمع والعتصام،يقول الله تعالى):واعتصموا بحبل الله جميعا ً
ول تفرقوا()(2ويقول):إنما المؤمنون أخوة()،(3ويقول):هو الذين
أيدك بنصره وبالمؤمنين وأّلف بين قلوبهم لو أنفقت ما في
ن الله أّلف بينهم إنه الرض جميعا ً ما أّلفت بين قلوبهم ولك ّ
)(4
عزيز حكيم(.
ثانيًا :إن الدعوة إلى القومية من دعاوى الجاهلية التي حاربها السلم
بل هوادة ،إذ حارب السلم كل دعوة تخرج عن دعوته المستمدة من
انظر نقد القومية العربية على ضوء السلم والواقع الشيخ عبد العزيز بن بمماز ص 1
.51-13
سورة آل عمران.103 : 2
137
مصدريه :القرآن والسنة ،سواء كانت تلك الدعوة مرتبطة بلون أو
جنس وعرق ،أو بلد ووطن ،أو مذهب وطريقة .ول شك أن الدعوة
القومية دعوة إلى غير السلم ،ومناصرة لغير الحق ،يقول شيخ
السلم ابن تيمية" :كل من خرج عن دعوى السلم والقرآن من نسب
أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة ،فهو من عزاء الجاهلية ،"...قال
تعالى):إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمّية
الجاهلية() ،(1وإذا كان دعاة القومية يدعون إلى عصبية قومية
ويتفاخرون بالعروبة أو بالطورانية ونحوها من القوميات ،فإن السلم
تبرأ من كل عصبية ،قال صلى الله عليه وسلم):ليس منا من دعا
إلى عصبية ،وليس منا من قاتل على عصبية ،وليس منا من
مات على عصبية() ،(2وقال صلى الله عليه وسلم):إن الله قد
أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالباء ،إنما هو مؤمن
تقي أو فاجر شقي ،الناس بنو آدم وآدم خلق من تراب ،ول
)(3
فضل لعربي على عجمي إل بالتقوى(.
وإذا كانت القومية من دعاوى الجاهلية فإن الداعي إليها يخلع
ربقة الدين من عنقه ،ويعّرض نفسه إلى عذاب جهنم وبئس القرار،
روى الحارث الشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال):وأنا
آمركم بخمس ،الله أمرني بهن:السمع والطاعة ،والجهاد،
والهجرة ،والجماعة ،فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد
خلع ربقة السلم من عنقه إل أن يراجع ،ومن دعا بدعوى
الجاهلية فهو من جثي جهنم( .قيل:يا رسول الله وإن صلى
وصام؟ قال):وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم ،فادعوا بدعوى
)(4
ماكم المسلمين المؤمنين عباد الله". الله الذي س ّ
رواه الترمذي وابن حبان وابن خزيمة والحاكم ،وهو حديث صحيح. 4
138
وهذا الحديث فيه دللة قوية على أن الدعوة إلى القومية أيا ً كانت
هي من الجاهلية التي يستحق دعاتها أن يكونوا من الخوارج ومن جثي
جهنم ،وإن صاموا وصلوا وزعموا أنهم مسلمون.
ثالثًا :من أدلة بطلن الدعوة القومية:أنها تؤدي إلى موالة الكفار
سّلم إلى موالة كفار العرب والملحدة ،فالدعوة إلى القومية العربية ُ
من النصارى واليهود والدروز والشيوعيين والباطنيين وغيرهم من
الملحدة والزنادقة ،لن الفكر القومي العربي يقول :كل العرب أولياء
بعض ،ل فرق بين المسلم وغيره من أصحاب الديان والمعتقدات
الخرى.
ن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية تضافرت على بغض إ ّ
الكافرين من العرب وغيرهم ،ومعاداتهم وتحريم موالتهم واتخاذهم
بطانة ،ومن ذلك قوله تعالى:
)يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم
أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله ل يهدي
القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون
فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة( ) ،(1وقال):يا أيها الذين
آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة(
) ،(2وقال):ل تجد قوما ً يؤمنون بالله واليوم الخر يوادون من
حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو
)(3
عشيرتهم(.
ن الدعوة القومية تفضي بالمجتمع إلى إقصاء السلم عقيدة رابعًا :إ ّ
وشريعة ،لن القوميين غيمر المسلمين لمن يرضموا -ضمرورة كونهمم
ليسموا بمسلميمن -تحكيمم القمرآن وشمرع الله تعالى ،وهذا يوجب
لزعماء القومية اتخاذ الحكام والقوانين الوضعية التي تخالف شرع الله
وحكم القرآن الكريم حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الحكام
139
والقوانين )أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما ً
لقوم يوقنون()) ،(1ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون() .(2ولقد صّرح قادة القومية العربية ،ومثلهم قادة القومية
الطورانية التركية ،بأنهم ل يرغبون الحتكام إلى الشريعة السلمية.
والفكر القومي -كما صّرح قادته -إنما جاء لتحرير النسان العربي من
الخرافات والغيبيات والديان ،ورفعوا شعار :الدين لله والوطن للجميع،
وزعموا أن الديان والتقاليد الموروثة عقبات يجب التخلص منها من
أجل بناء مستقبل المة ،وكان كثيرا ً ما يتمثل دعاة القومية العربية
بقول الشاعر القروي:
وسيروا بجثماني على هبوني عيدا ً يجعــل العرب أمـة
هــم
دين ب َْر َ
)(3
وأهمل ً وسمهل ً بعمده بجهنمم حمد بيننا
سلم علمى كفمر يو ّ
وبقول شاعر آخر:
أنا بمعثي اشتراكي عربمي ل تسمل عن مملتي أو مذهبي
وإذا كانت هذه حال الدعوة القومية ،وتلك جنايتها على السلم
عقيدة وشريعة وأخوة إيمانية أدركنا سر ارتباط الدعوة القومية
بالستعمار الغربي الكافر وبأبناء النصارى ويهود الدونمة ،وارتباطها
باليهودية العالمية والمحافل الماسونية التي زرعها اليهود في المنطقة.
140
ثالثًا :المرأة
تواجه المرأة المسلمة اليوم تحديات عديدة وخطيرة تقتل في
نفسها الطموح إلى الفضل ،فهي تحارب في دينها وقيمها بفرض
أنماط من السلوك والوضاع الغربية المتناقضة مع قيمنا السلمية
والمخالفة لشريعتنا الربانية ،وذلك فيما يتعلق بشكل هذه القيم الرفيعة
وجوهرها؛ فتوصم بالتطرف والجمود والرجعية إذا التزمت بدينها مظهرا ً
ومخبرًا ،فهي متطرفة في زيها الواسع الفضفاض ،ومتطرفة في
رفضها الختلط والتبرج الممجوج ،متعصبة في دفاعها عن قضايا
المسلمين ،ومتزمتة في حرصها على تلقين أولدها مفاهيم السلم،
بينما يكون النموذج الغربي هو العتدال المقبول الذي يجب على
ونسائنا اللتزام به.
وما أكثر أولئك الذين يكيدون للمرأة المسلمة..وما أكثر الذين
يريدون النيل منها فيدبرون لها ليل نهار ،يريدونها سلعة تباع وتشترى،
تتخبطها الشهوات وتغرق في مستنقع الرذائل ..حول تلك المؤامرات
التي تحاك للمرأة المسلمة والتحديات التي تواجهها كان لنا هذا البحث.
ولتنفيذ العداء لمخططاتهم في هدم كيان المجتمع السلمي من
خلل المرأة -لهمية دورها في بناء كيان السرة والمجتمع -ساروا في
عدة مسارات في آن واحد ،وهي-:
أ -التمويل المريكي والوربي للجمعيات والمنظمات الهلية النسائية
العلمانية ،ويستهدف الّتمويل الجنبي للجمعيات الهلية الّنسائية تسخير
هذه الجمعيات لخدمة أهداف مموليها ،وفي مقدمة الممولين
مؤسسات أمريكية تتبع الحكومة المريكية مباشرة ،وتمويلها جزء من
ميزانية الوليات المتحدة ،ويتحكم فيها الكونجرس المريكي.
وتعد هيئة المعونة المريكية A.I.Dأحد المصادر الساسية
للتمويل في مصر للجمعيات الهلية غير ذات الّتوجه السلمي .وهناك
مؤسسات أمريكية أخرى ل تندرج تحت اسم A.I.Dولكنها تتبع الحكومة
المريكية.ومن المؤسسات العالمية التي تدعم الجمعيات الّنسائية
141
سمعةدولية ذات ال ّمؤسسة "فورد فوندشن" وغيرها من المنظمات ال ّ
العالمية في زعزعة بنيان العالم الّثالث،وتهيئته لما يسمى بالنظام
سطوة المريكية الجديدة مثل :المعونة السترالية العالمي الجديد ،أو ال ّ
،و"سيدا "كندا ،وهي تتبع الحكومة الكندية مباشرة ،و"دانيدا" الدانمرك
،و"فنيدا" فنلندا ،و"نورادا "الّنرويج ،و"سيدا" السويد ،ومؤسسة
"نوفيب" الّتابعة للحكومة الهولندية ،ومنظمة "فردريش إيبرت"،وهي
ديمقراطي في ألمانيا. منظمة ألمانية على علقة بالحزب ال ّ
وإن كانت الجمعيات الهلية الّنسائية تسعى إلى استقللها عن
حكوماتها ،فهي بسعيها وراء الّتمويل الجنبي تقذف بنفسها في أحضان
الحكومات المريكية والكندية والسويدية والهولندية ،والدانمركية،
ن هذه الحكومات ل تمول هذه الجمعيات لوجه الله تعالى، واللمانية ،ل ّ
وإّنما تدعمها لتسيرها َوفقَ خطط وأهداف وضعتها هذه الحكومات
مسخرة القيادات الّنسائية في هذه الجمعيات لتحقيقها(1).
ب -التفاقيات الدولية الخاصة بحقوق النسان :ومن أخطر هذه
التفاقيات ،اتفاقية القضاء على جميع أشكال الّتمييز ضد المرأة )سيداو
،(CEDAWوقد صدرت هذه التفاقية من الجمعية العمومية للمم
المتحدة في عام 1979م ،وأصبحت سارية المفعول منذ 3سبتمبر عام
دول الموقعة عليها إلى 139دولة أي أكثر من 1981م ،ووصل عدد ال ّ
ثلثي أعضاء المم المتحدة.
دول الطراف وتنص هذه التفاقية على ديباجة تشجب فيها ال ّ
جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج بكل الوسائل
المناسبة ودون إبطاء سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة ،وتحقيقا ً
لذلك فهي تتعهد بتجسيد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في
ماد.
- 1بحث الوحمدة الثقمافمية للممة :للكاتبة السعودية سهيلة زين العابدين ح ّ
لمؤتمر رابطة العالم السلمي"المة السلمية في مواجهة التحديات" المنعقد في
مكة المكرمة في الفترة من 12/1424/ 4-2هم الموافق 24/1/2004م .راجع
شبكة المعلومات الدولية.
142
دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها ،واتخاذ التدابير الّتشريعية المناسبة
وغيرها من الجراءات الضرورية لحظر كافة أشكال التمييز ضد المرأة،
والمتناع عن الضطلع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة،
سلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا اللتزام، وكفالة تصرف ال ّ
إضافة إلى ذلك تتكون التفاقية من عدد من البنود تتناول كافة جوانب
الحياة العامة والشخصية للّنساء.
هذه التفاقية تستهدف إبطال الشرائع الدينية وإحلل محلها
التشريعات الوضعية التي تنص عليها هذه التفاقية ،وفي مقدمة هذه
التشريعات الشريعة السلمية ،التي وضعت التشريعات وفق ما
يتناسب وفطرة الذكر والنثى ،وكلنا يعرف اختلف الذكر والنثى في
التركيب الفسيولوجي والبيولوجي لختلفهما في المهام والوظائف
فهما يخضعان لقانون الزوجية الذي تخضع له جميع الكائنات في هذا
الكون ،وقد أعلنها جل شأنه )وليس الذكر كالنثى( والله الذي خلقنا هو
أعلم بنا من كل البشر الذين وضعوا هذه النظمة والقوانين ،والتي
وضعوها ليس لخير البشرية ،وإنما لغايات وأهداف يسعون لتحقيقها
لزيادة الهيمنة والسيطرة ،إن الله الذي خلقنا من صفاته العدل ،ونحن
م وقع ظلم على المرأة من جراء الذين أسأنا تطبيق تشريعاته ومن ث ّ
ذلك ،ولذا فعلينا أن نراجع أنفسنا ونصحح أخطاءنا ونطّبق شرع الله
تعالى.
ن اتفاقية )السيداو(هي–الن -بمثابة قانون دولي لحماية حقوق إ ّ
دول الطراف الموقعة المرأة ،حيث أّنه بموجب هذه التفاقية تصبح ال ّ
عليها ملتزمة باتخاذ كافة التدابير للقضاء على التمييز بين الرجال
والّنساء سواًء على مستوى الحياة العامة فيما يتعلق بممارسة جميع
سياسية والقتصادية والجتماعية والّثقافية ،وفي الحقوق المدنية وال ّ
الّتمتع بهذه الحقوق ،أو على مستوى الحياة الخاصة ،وعلى وجه
الخصوص في الطار السري .وهذه التفاقية تعتبر عمل المرأة
ن هذه التفاقية ل التكسبي حقا ً مكتسبًا ،وليس ضرورة استثنائية ،كما أ ّ
تريد استثناء المرأة من بعض العمال التي توصف بأّنها ذات مخاطر
143
جسدية أو أخلقية فهي تريد للمرأة أن تعمل في العمال الليلية ،وفي
المحاجر والمناجم ،وتعد منظمة العمل الدولية استثناء المرأة من هذه
العمال تخلفا ً ورجعية ،وآية ذلك أنه لما عرضت الحكومة المصرية
عليها قوانين عمل المرأة ،رفضت منظمة العمل الدولية هذه القوانين
لنها استثنت الّنساء من هذه العمال لنهن رفضن مزاولتها ،فالنساء
المصريات ل يردن تركن بيوتهن في الليل لحاجة أولدهن لهن من جهة،
ولن هذه العمال قد تعرضهن للبتزاز الجنسي من زملئهن من جهة
ثانية ،ولن خروجهن في الليل يعرضهن إلى كثير من المخاطر من جهة
ثالثة ،وهذا يبين لنا أّنه ل يمكن بأية حال من الحوال مناقضة الفطرة
سعْي َك ُ ْ
م خل َقَ الذ ّك ََر َواْل ُن َْثى ّ
ن َ ما َ
التي فطر الله تعالى الّناس عليها )وَ َ
شّتى(سورة الليل(1).4-3: لَ َ
ج -المؤتمرات العالمية للتعليم المرأة من أجل تنفيذ مخططات إخراج
المرأة المسلمة من الخلق السلمية ،وتمردها على أحكام الشريعة
الربانية.
د -أسطورة الجندرة :الجندرة في الصل تعني النوع أو الجنس ،وهي
تشير إلى الدوار الجتماعية للنساء والرجال والتي تتحدد من قبل
مجتمع ما أو ثقافة ما على أنها الدوار والمسئوليات والسلوكيات
المناسبة لكل من الرجل والمرأة في هذا المجتمع ،مفهوم الجندرة في
الغرب -والمستورد لنا من خلل عملئه -يعني الدور الجتماعي
والسياسي المتماثل لكل من المرأة والرجل.وتعتبر الثقافة الغربية
المادية،هي العامل الساس في ترتيب الدوار ،وليس الجنس ومكوناته
النفسية والفسيولوجية،والعضوية.
وقد شكلت مقررات مؤتمر بكين أساسا ً عمليا ً للسير في هذا
التجاه ,وكان بمثابة إشارة واضحة لكل الدول بحكوماتها ومنظماتها
المدنية للعمل على تعزيز المساواة الجتماعية بين الرجل والمرأة،
على الرغم من أنه يصعب تحديد الدور الجتماعي بشكل قاطع لن
ذلك يختلف بحكم اختلف القيم الدينية الجتماعية والثقافية والخلقية.
144
يقول نزار محمد عثمان في مقاله(:الجندرة..مطية الشذوذ
الجنسي():(1إن دعاة الجندرة في عالمنا السلمي يروجون لفكار
خمطيرة أهما-:
أول ً:رفض أن اختلف الذكر والنثى راجع لصنع الله الذي أتقن كل
َ
مَنى( سورة ذا ت ُ ْ ن ن ُط ْ َ
فة ٍ إ ِ َ ن الذ ّك ََر َواْل ُن َْثى ِ
م ْ خل َقَ الّزوْ َ
جي ْ ِ ه َ
شيء خلقه)وَأن ّ ُ
النجم.46-45:
ثانيا ً :فرض فكرة حق النسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره
المترتبة عليها.
ثالثا ً :العتراف بالشذوذ الجنسي وفتح الباب لدراج حقوق الشواذ من
زواج المثليين وتكوين أسر غير نمطية ،والحصول على أبناء بالتبني
ضمن حقوق النسان.
رابعا ً :العمل على إضعاف السرة الشرعية التي هي لبنة بناء المجتمع
السليم المترابط ومحضن التربية الصالحة ،ومركز القوة الروحية،
ومفخرة الشعوب المسلمة في عصر النحطاط المادي.
خامسًا :إذكاء روح العداء بين الجنسين ،وكأنهما متناقضان متنافران،
ويكفي لتأييد هذا التجاه مراجعة أوراق المؤتمر الدولي لتحديات
الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين الذي نظمه مركز
البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في جامعة صنعاء -اليمن ،فقد
كان مما جاء فيه العتراض على كثرة وجود اسم الشارة للمذكر في
اللغة العربية أكثر من المؤنث وكذلك ضمائر المخاطبة للمذكر أكثر
منها للمؤنث ،ومما يدعو إلى الضحك اعتراض إحدى الباحثات في هذا
المؤتمر الدولي على تصويب أبي السود الدؤلي لبنته عندما قالت:ما
ل السماء ،وأرادت التعجب ،فنبهها أن النصب هو الصواب ،عّلقت أجم ُ
الباحثة قائلة معترضة على التصويب:ألم يكن أحد ٌ قبلها قد أخطأ!!
سادسًا :التقليد العمى للتجاهات الجنسية الغربية المتطرفة :والتي
امتدت حتى شملت الموقف من الذات اللهية في بعض الحيان ،فكما
سمعنا أن جمعية الكتاب المقدس أصدرت ترجمة جديدة للكتاب
145
المقدس تتسم بالحيادية في مخاطبة الجندر ،سمعنا في مؤتمر صنعاء
ن أقدم كتاب كّرس محو النثى وكّرس المشار إليه آنفا ً من تقول"إ ّ
سلطة الذكورية كان في التوراة ،ابتداء بفكرة الله المذكرة" تعالى الله
عما يقولون علوا ً كبيرًا.
سابعًا :رفع المسؤولية عن الشواذ جنسيا ً وإظهارهم بثوب الضحية
التي جنى عليها المجتمع ،وهذه محاولة قديمة تتشح بثوب العلمية
ن هناك سببا ً أحيانا ً وتأتزر بلباس بعض البحاث المغرضة-التي ترى أ ّ
فسيولوجيا ً في تركيب الدماغ يسبب الشذوذ -أحيانا ً أخرى ،و ِ
كل
القولين مردود ،ذلك أنه ل أحد ينكر أن هناك عوامل مختلفة تؤثر وربما
تدعو إلى الشذوذ ،لكن كما يقول د .ستيفن أر.كوفي" :بين المؤثر
من حرية الختيار" ،وهذه هي المسؤولية والستجابة توجد مساحة رحبة ِ
التي يحاسب العبد بموجبها ،وينتفي الحساب بانتفائها كما في حالة
المجنون والصبي ونحوه.
هم -المؤتمرات النسائية والتي يقصد بها هدم المجتمعات البشرية ،ول
سيما المجتمعات السلمية .وبمراجعة البحوث التي ألقيت في
المؤتمرات النسائية التي عقدت في بعض البلد السلمية ،نجدها
جميعها تريد إخراج المرأة المسلمة من النظام الجتماعي السلمي
الذي ينظر إلى المرأة من خلل فطرتها واستعداداتها وكرامتها(1).
ن قضايا المرأة المسلمة تشكل تحديا ً خطيرا ً لبناء أمتها؛ إذ إ ّ
يستخدمها العداء -من الغرب الكافر والخوارج الجدد -كسلح
ن المتتبع لتاريخإستراتيجي في هجمتهم على السلم والمسلمين.إ ّ
المرأة منذ بدء الخليقة حتى وقتنا الراهن يجد أّنها قد عانت من الظلم
والذل والقهر أمر المعاناة في كل العصور والتشريعات السابقة
للسلم ،والسلم وحده الذي أزال عنها ذاك الظلم ،وقد تمتعت المرأة
حماد ،المنهل شوال ،ذو القعدة 1420 ،يناير ،فبراير 2000م ص ،87-84
والمجتمع الكويتية ،عدد 1404و ،1406يونيو 2000م.المجتمع الكويتية،
عدد ،1406في 25ربيع الول1421 ،هم.
146
بكامل حقوقها التي منحها إّياها السلم ،ول سيما في العهدين النبوي
والراشدي ،ولكن المرأة المسلمة أصيبت بنكسة كبرى في عصور
النحطاط والتراجع الحضاري التي مّرت بالمة السلمية ،ولعل نكساتها
تتفاقم نتيجة الستجابة النفسية لمخططات الغرب من مجموعة كبيرة
من أصحاب الفكر المريض الذين يتحكمون في مناهج التعليم ووسائل
العلم ،والمتنفذين في مجال التشريع للمرأة المسلمة ممن يتحكمون
في مصير الرجال والنساء.
أعداء المرأة المسلمة:
-يقول أحد المبشرين":كأس وغانية تفعلن في تحطيم المة المحمدية
أكثر مما يفعله ألف مدفع ،فأغرقوها في حب المادة والشهوات".
-وتقول المنصرة أغا ميغليان:في صفوف كلية البنات في القاهرة
بنات آباؤهن باشوات وباكوات ،وليس ثمة مكان آخر يمكن أن يجتمع
فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ الجنبي ،وليس
ثمة طريق إلى حصن السلم أقصر مسافة من هذه المدرسة.
-ويقول اليهود في بروتوكولتهم":علينا أن نكسب المرأة ففي أي يوم
مدت إلينا يدها ربحنا القضية".
-ويقول اليهودي د.مور بيرغر":إن المرأة المسلمة هي أقدر فئات
المجتمع السلمي على جّره إلى التحلل والفساد أو إلى حظيرة الدين
من جديد".
-ويقول صاحب كتاب المرأة والحجاب" :إنه لم يبق حائل يحول دون
هدم المجتمع السلمي في المشرق إل أن يطرأ على المرأة المسلمة
التحويل ،بل الفساد الذي عم الرجال في المشرق".
-ويقول لسي":إن التربية المسيحية أو تربية الراهبات لبنات
المسلمين توجد للسلم داخل حصنه المنيع-السرة-عدوا ً لدودا ً وخصما ً
قويا ً ل يقوى الرجل على قهره لن المسلمة التي تربيها يد مسيحية
تعرف كيف تتغلب على الرجل ،ومتى تغلبت عليه أصبح من السهل
سه السلمي وُتربي أولدها على عليها أن تؤثر على عقيدة زوجها وح ّ
147
غير دين أبيهم ،في هذه الحالة نكون قد نجحنا في غايتنا من أن تكون
المرأة المسلمة نفسها هي هادمة للسلم".
ن التأثير الغربي
-ويقول جان بوكارو في كتابه)السلم في الغرب(":إ ّ
الذي يظهر في كل المجالت ،ويقلب رأسا على عقب المجتمع
السلمي ،ل يبدو في جلء مثل ما يبدو في تحرير المرأة".
صرين":وبما أن الثر الذي ُتحدثه الم في أطفالها -يقول أحد المن ّ
ذكورا ً وإناثا ً بالغ الهمية ،وبما أن النساء هن العنصر المحافظ في
الدفاع عن العقيدة ،فإننا نعتقد أن الهيئات التبشيرية يجب أن ُتؤكد
جانب العمل بين النساء المسلمات على أنه وسيلة مهمة في التعجيل
بتنصير البلد السلمية".
ن المرأة أقصر ن أعداء السلم يعلمون أ ّ
ما سبق يظهر لنا أ ّ م ّ
ن فساد المرأة يترتب طريق يؤدي إلى تدمير المجتمع السلمي كله.ل ّ
عليه فساد النشء ،والجيل المسلم ،وفساد السرة المسلمة ،والمجتمع
من حولها.
ويتم ُينفذ مخططات إفساد المرأة المسلمة مجموعة من العداء
الذين يتربصون بها الدوائر ،وهم-:
-1الصليبية الحاقدة وما تمتلكه من وسائل الستعمار،والستشراق،
والتنصير والتغريب.
-2الصهيونية الماكرة وما تمتلكه من تخطيط ماسوني ،وبروتوكولت
ونوادي الروتاري.
-3الشيوعية الماركسية وما تعتمد عليه من تيارات فكرية ملحدة.
-4العلمانيون المستغربون من تلميذ الغرب ،وما يملكون من سلطان
سياسي وفكري وإعلمي.
-5أصحاب الشهوات.
ن شعار تحرير المرأة من الشعارات المزيفة التي رفعتها إ ً
اليهودية والصليبية ودعاة التبشير والستشراق والتغريب وعملؤهم في
ديار السلم ،وهو شعار خادع يقصدون من ورائه اجتذاب المرأة
م استخدامها سلحا ً في معركتهم ضد السلم. المسلمة ،ث ّ
148
ن السلم ظلم المرأة إذ لم يجعلها حرة في اختيار لقد زعموا أ ّ
الزوج الذي تريد واللباس الذي تريد ،والعمل الذي تريد ،والخروج من
البيت إلى الشارع متى تشاء ،وزعموا أن المرأة نصف المجتمع ،فلماذا
طل هذا النصف ببقائه رهين العادات والتقاليد ،فتبقى محبوسة في يع ّ
مل المسؤوليات البيت ل تخرج منه ول تعمل ،ول تشارك الرجال في َتح ّ
تجاه الوطن ،وتجاه تكاليف الحياة.
لقد صنع أعداء السلم من المرأة المسلمة قضية ومشكلة تحتاج
إلى حل ،وقامت في ديار المسلمين "هيجة" تسمى حقوق المرأة،
والمطالبة بالمساواة الكاملة بالرجل ،ووجوب تحريرها ،وأثاروا حملة
من التشكيك في موضوعات تخص المرأة منها :تعدد الزوجات،
والطلق ،وعمل المرأة ،والرث ،والدية ،والختلط ،والحجاب.
ن أبناء السلم الذين انخرطوا في دعوة تحرير المرأة وقد ظهر أ ّ
والمطالبة بحقوقها ،هم واحد من اثنين :إما جاهل لوضع المرأة في
السلم وقد خدعته الشعارات الوافدة من الغرب الكافر ،أو شخص
مأجور لقادة الغزو الفكري الغربي ،وهدفه هو هدف هؤلء القادة :ابتغاء
الفتنة ونشر الفساد في المجتمع ،والساءة إلى السلم والنتقاص منه.
لقد ساوى السلم بين المرأة والرجل في الكرامة والمنزلة
النسانية والتكاليف الشرعية والجزاء عليها ،فماذا يريد دعاة تحرير
المرأة من وراء المطالبة بالمساواة التامة بين الجنسين ،إن هذا من
المستحيل المخالف لسنن الله تعالى ونواميسه في الكون ،مخالف
للفطرة الصحيحة ولمقتضيات العقل والمنطق ،أرأيت إلى الليل
والنهار ،والسالب والموجب ،هل يمكن المساواة التامة بينهما من كل
وجه ،إن العاقل يدرك استحالة ذلك ،فكلهما خلق لداء غاية تختلف
كلن سويا ً دائرة واحدة متكاملة فالحركة والعمل عن الخر ،ولكنهما يش ّ
والشقاء في طلب المعاش محله النهار ،والراحة والسكون في الليل.
ولن يستطيع أحد مهما أوتي من قوة وعلم أن يغّير من نواميس الليل
والنهار ،فالشمس للنهار والنجوم والكواكب لليل ،ولكل غاية ووظيفة
كلن دائرة متكاملة في حياة الناس والنبات من وجوده ،وكلهما يش ّ
149
والحيوان .لقد صدق الله عز وجل القائل):والليل إذا يغشى
ن سعيكم لشتى(.
والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والنثى إ ّ
)(1
150
-2أن تسعي إلى التآلف والترابط مع الخرين ممن يعينونها على
طاعة الله وحسن الصلة به ،وبذلك يأمرنا الله عز وجل (َيا أ َي َّها
ن) فإن ذلك يقوي صاد ِِقي َ كوُنوا ْ َ
معَ ال ّ قوا ْ الل ّ َ
ه وَ ُ مُنوا ْ ات ّ ُ
نآ َ ال ّ ِ
ذي َ
الروابط ويحث على العمل من أجل صلح الفراد فتذكرهم إذا
نسوا ،وتعظهم إذا غفلوا وتعينهم إذ وهنوا.
-3التعاون مع بنات جنسها في إقامة الروابط والندية والتحادات
النسائية التي تهتم بقضايا المرأة وأنشطتها المختلفة من المنظور
السلمي.
-4الثقة بأن منهج الله هو أكمل النظم وأتم التشريعات التي تقوم
بتنظيم حياة البشر وحاجتهم إليه لضمان سلمتهم واستقرارهم
والفوز بالطاعة.إن الثقة بمنهج الله تحصن المرأة أمام تحديات
عصرها من طغيان الحياة المادية وفسادها.
-5أن يكون لدى المرأة رصيد عال من المعرفة والوعي بمكائد
العداء سواء ممن الخارج أو الداخل .ورصيد من المعرفة بطرق
التحدى والمجابهة.
-6الهتمام الدائم بتربية أولدها وغرس القيم والخلق السلمية
فيهم ،وتحصينهم ضد الغزو الغربي الوافد عبر العلم ،والهتمام
بحفظ القرآن وتعليمهم لغة القرآن وعدم النسياق وراء المدارس
التغريبية؛ لنها وسيلة خبيثة لتغريب عقول أبنائنا.
-7أن تفهم حاجة المجتمع وضروراته وأهم قضاياه ورصد مشكلته
من أجل المساهمة في تنميته والنهوض بالمرأة فيه؛ فتساهم في
حل مشكلة أمية المرأة ،وتساعد الفتيات على ممارسة الشغال
اليدوية والحرف المنزلية؛ ولهذا يجب تشجيع السر المنتجة وإقامة
المعارض الخيرية ومحاولة إيجاد مشروعات صغيرة لمساعدة ربة
المنزل على توفير احتياجاتها ،وعليها أيضا أن تعين الزوجات على
تربية أبنائهن تربية راشدة بتقديم العون والنصيحة والوقوف على
أحدث الوسائل التربوية في ذلك ،كما يجب عليها أن تقوم بنصح
الزوجات ،وحثهن على التأسي بأمهات المؤمنين وسنة رسول الله
151
صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ فإن من أهم مشكلت الحياة
الزوجية وفشلها هو جهل الزوجة والزوج لحقوق وواجبات كل
منهما نحو الخر ،وقد حدد الشارع الحكيم هذه الحقوق وتلك
الواجبات ،وهي تعتمد أساسا ً على العدل والنصاف ،وفي جوهرها
تقوم على المودة والرحمة.
-8العمل على تخريج القيادات السلمية النسائية في المجال
الدعوي ،والخطابي والجتماعي ،والفكري ،ذات القدرة العالية في
التأثير والدارة.
152
ن الغرب الكافر خرج عن مقتضيات الفطرة والعدالة اللهية إ ّ
والسنن الربانية ،إذ أخرج المرأة عن رسالتها الفطرية ومكانتها
الطبيعية ،وخرج عن مقتضيات الفطرة والعقل والعدالة مرة أخرى
عندما أخذ رجاله من المبشرين والمستشرقين والمستغربين في إثارة
الشكوك والشبهات حول السلم دين الفطرة والعدالة ،فتحت دعوى
المساواة طالبوا :بأن تتساوى المرأة مع الرجل في الميراث ،وأن
يمنع تعدد الزوجات ،ويقّيد الطلق ،ويسمح لها بمشاركة الرجل في
ميادين أعماله ،وبالختلط بين الجنسين في كل مكان ،لقد أعلنوا
اعتراضهم على شريعة رب العالمين الذي خلقهم ويعلم ما يصلحهم
)أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير() ،(1ويهمنا هنا مناقشة
الشبهات والشكوك المثارة حول بعض قضايا وحقوق المرأة المسلمة.
قضايا مثارة من دعاة تحرير المرأة-:
ل :الميراث-: أو ً
من الشبهات والباطيل التي يرّوجها خصوم السلم زعمهم بأنه
ظلم المرأة في الحقوق المالية التي تؤول إليها من الميراث ،حيث
أعطاها نصف الرجل.
وللرد على هذا نقول-:
ن السلم حين يعطي الرجل أو المرأة من الميراث يلحظ المحيط -1إ ّ
القتصادي لهما ،ويقيم أحكامه على أساس من العدالة في التوزيع،
فهي مثل ً تأخذ من الميراث كالرجل تمامًا ،كما في حالتي الم مع الب
إذا ترك الميت معهما فرعا ً وارثا ً فقط ،فلكل واحد منهما السدس،
والخوات والخوة من الم يأخذ الذكر إذا انفرد تماما ً كالنثى إذا
انفردت لكل منهما السدس.
ن إعطاء المرأة نصممف الرجممل كممما هممو العممم الغممالب فممي أحكممام -2إ ّ
الميراث مبني أيضما ً علممى العدالممة فممي توزيممع العبمماء والواجبممات علممى
قاعدة" :الُغرم بالغُْنم" ،فالنظام السلمي يلزم الرجمل أعبماء وواجبمات
مالية ل يلزمها المرأة ،فهو الذي يدفع المهممر ،وينفممق علممى تممأثيث بيممت
153
الزوجية ،وعلى زوجته وأولده ،وقد يلزم بالنفمماق علممى ممما عممدا هممؤلء
ممن يكونون تحت وليته ،أما المرأة فهي تأخذ المهر ،وتعفى من جميع
أنواع النفقة ولمو كانت غنية .ومن هنا يمكن أن نقول :إن السمملم كممان
مع المرأة كريما ً متسامحا ً حين طرح عنها أعباء المعيشة ،وألقاها علممى
عبء الرجل ثم أعطاها نصف ما يأخذ.
ن ما تأخذه المرأة من ميراث أبيها يبقى مدخرا ً ليام النكبات، -3إ ّ
وفقد المعيل من زوج أو أخ أو قريب .بينما ما يأخذه أخوها الرجل
يكون معرضا ً للستهلك في النفقة وأعباء المعيشة .حقا ً إن السلم
صنها من أن تستعمل أنوثتها لحياتها كما أكرم المرأة ،وراعى أنوثتها ،وح ّ
تفعل النساء في بلد الغرب الكافر ،إن السلم إذا أعطاها نصف أخيها،
فلن النصف سيكفيها بل زوج ،لن المنفق عليها غيرها ،وسيكون
النصف خالصا ً لها ،وإذا تزوجت فإنها ستلتحق بمن ينفق عليها وعلى
أولدها ،والنصف سيزداد مع المهر الذي ستقبضه من زوجها.
ن السلم إذا ً لم ينتقص إنسانية المرأة ،ولم ينتقص كرامتها ،أو -4إ ّ
يحط من قدرها عندما أعطاها نصف الرجل ،إن القوانين التي فعلت
ذلك هي القوانين البشرية التي أعطتها مثل نصيب الرجل ،ثم كّلفتها
أعباًء مالية تماما ً مثل أعباء الرجل ،وأخرجتها إلى الشارع كي تنفق
على نفسها ،وبالتالي جعلتها عرضة للسفاف والبتذال.
ونفهم من ذلك أن دعوى المساواة في هذا الجانب باطلة :لنه ل
مجال للمساواة بينهما في الميراث إل بعد المساواة في العباء
والواجبات المالية .إن فلسفة السلم متكاملة ،ويعالج قضايا المرأة
مجتمعة ،ففي علجه تتحقق مصلحة الفرد والسرة والمجتمع ،والمرأة
بشكل خاص ،وعلى أدعياء الحضارة والتمدين ،وأدعياء التحديث
والتنوير أن يعودوا لرشدهم ،وأن يلتزموا هدى رب العالمين الذي
)(1
خلقهم.
المرأة بين الفقه والقمانون ص ،35-33شممبهات حممول السمملم محمممد قطممب ص 1
154
ثانيًا :الدية-:
وأيضا ً أثيرت الضجة من المتفرنجين والمتفرنجات حول مسألة
الدية حيث قالوا :إن السلم ظلم المرأة إذ جعل ديتها إذا ما قتلت
نصف دية الرجل .وللرد عليهم يقال:
ن الدية هي تعويض مالي روعيت فيه الخسارة المالية التي إ ّ
لحقت السرة التي فقدت المرأة ،فالرجل هو الذي يواجه أعباء الحياة
بالسعي والحركة ،والمرأة الصل فيها السكون والستر.
ن الولد الذين قتل أبوهم خطأ ،والزوجة التي قتل زوجها خطممأ، إ ّ
فقدوا معيلهم المذي كان ينفق عليهم ويسعى في سبيل إعاشمتهم ،أممما
الولد الممذين قتلمممت أمهممم ،والمممزوج الممذي قتلممت زوجتممه فلممم يفقممدوا
ديمة ليسمت تقممديرا ً المعيل المنفق ،إنهم فقدوا بقتلها ناحية معنويمة ،وال ّ
للناحية المعنوية والنسانية في القتيل ،إنما هي تقدير للخسارة الماديممة
التي تلحق السرة بفقد المعيل المنفق).(1
ن المرأة قد تأخذ من تركممة زوجهمما المقتممول خطممأ كممما يأخممذ مإ ً ث ً
الرجل من تركة زوجته المقتولة خطأ ،ومثاله:لو كانت دية زيد المقتممول
خطأ 40ألف دينار وترك وراءه ولممد فزوجتمه تممرث الثممن وهمو 5آلف
دينار ،و لو كانت دية فاطمة المقتولة خطأ)نصف الرجل( وهي 20ألف
دينار وتركت وراءها ولد فزوجها يرث الربع وهو 5آلف دينار.
ثالثًا :القوامة-:
ن الضرورة تقضي أن يكون هناك قَّيم توكل إليه الدارة العامة إ ً
لهذه الشركة القائمة بين الرجل والمرأة وما ينتج عنها من أولد ،إن
السرة المؤسسة الولى في المجتمع ،وكل مؤسسات المجتمع لبد
فيها من رئيس مسؤول ،فلمن تكون القوامة في أهم مؤسسات
المجتمع..إننا هنا أمام ثلث افتراضات ،أو ثلثة أوضاع ،إما أن تكون
القوامة للثنين معًا ،أم للمرأة وحدها ،أم للرجل وحده.
أ -كونها للثنين معًا:
155
هذا ما تأباه السنن والطبائع ،وما أثبتت فشله التجارب ،فوجود
رئيسين للعمل الواحد وللمؤسسة الواحدة أدعى للفساد والتخبط
والضطراب ،قال تعالى عن السماء والرض ومن فيهن):لو كان
فيهما آلهة إل الله لفسدتا()) (1إذا ً لذهب كل إله بما خلق
ولعل بعضهم على بعض( ) (2فإذا كان المر هكذا بين اللهة
المتوهمين فكيف هو بين البشر العاديين؟
ن الطفال الذين يتربون في ظل أبوين وعلم النفس يقرر أ ّ
متنازعين على السيادة ،تكون عواطفهم مختلة ،وتكثر العقد
والضطرابات النفسية في حياتهم).(3
ب -كون القوامة للمرأة:
إن المرأة ذات النفعالت السريعة والعواطف المتأججة ل تصلح
للسيادة على الرجل ،إن تكوينها النفسي والعاطفي المختلف تماما ً عن
الرجل ل يسمح لها أن تقوم بهذا العمل الذي يتطلب غلبة الفكر على
العاطفة ،ويتطلب قدرة على ضبط العصاب من النفلت ،ويتطلب
تقدير النتائج والتبعات بعيدا ً عن العواطف عند اتخاذ القرار.
لقمد أثبت الواقع:أن المرأة ل تحترم الرجل الذي تسّيره ويخضممع
لرغباتها ،إنهما بفطرتها النثوية الرقيقة تحتقره ول تقيممم لممه اعتبممارًا ،إن
المرأة إذا تطّلعت للسيادة في أول عهدها بالزواج لكونهمما فارغممة البممال
مممن الولد وتكمماليف التربيممة وممما يممترتب عليهمما مممن إرهمماق البممدن
والعصاب ،سرعان ما تنصرف عنها حين تأتيها المشاغل.
ن المرأة المريكية التي نالت الستقلل الذاتي عن الرجل ،مّلت إ ّ
هذه الحياة وعادت فاستعبدت نفسها للرجل ،أصبحت هي التي تغازله
(4).
وتتلطف له ليرضى ،لنها تقر تماما ً بقوته بالقياس إلى ضعفها
156
ن ما يصيب السرة والمجتمع من تخبط وفساد ،ومن تدهور إ ّ
وانهيار ،سببه اهتزاز سلطة القوامة في السرة ،أو اختلط معالمها ،أو
)(1
شذوذها عن قاعدتها الفطرية الصيلة.
ج -الرجل هو صاحب القوامة والسيادة في السرة:
يقول الله تعالى):الرجال قوامون على النساء بما فضل الله
بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم() .(2إن الله تعالى جعل
القوامة في السرة للرجل ،ولكي يقوم بها على الوجه اللئق بها ،زّود
الرجل بمجموعة من الخصائص المناسبة لها زوده بالخشونة والصلبة،
وبطء النفعال والستجابة ،واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة
والستجابة والتروي قبل القدام ،وإعمال الفكر وتغليبه على العاطفة.
ثم كّلفه بالنفاق على السرة ،وهو فرع من توزيع الختصاصات يجعله
بدوره أولى بالقوامة من المرأة التي ُينفق عليها من قبل الرجل ،لن
تدبير المعاش للمؤسسة السرية ومن فيها داخل في هذه القوامة).(3
وليس معنى قوامة الرجل في السرة أن يستبد بالمرأة وبإدارة
البيت ،فالدارة الناجحة تقوم على المشاورة والمعاونة ،كما تقوم على
التفاهم الكامل والتعاطف المستمر والمعاشرة الحسنة ،قال تعالى:
)وعاشرهن بالمعروف() (4وقال صلى الله عليه وسلم):خيركم خيركم
)(5
لهله(.
رابعًا :الطلق-:
لقد زعم الغرب الكافر وأدعياء التحضر في ديار المسلمين أن
الطلق يخّرب البيوت ويشّرد الطفال ،ويفكك السرة ،وفي إباحته
وجعله بيد الرجل هضم لحقوق المرأة وانتقاص لنسانيتها وحط من
كرامتها.
157
وللرد على هؤلء نقول-:
ذبه وقضى -1إن الطلق كان معروفا ً قبل السلم ،فجاء السلم فه ّ
على مساوئه.
-2كان الطلق ممنوعا ً في الغرب وفق التقاليد الكنسية التي تجعل
الزواج مؤبدًا ،ثم عادت أوربا وأمريكا فأخذتا به حل ً لمشكلتها السرية،
وبلغت نسبة الطلق في أمريكا حدا ً كبيرا ً إذ يقع طلق واحد بين كل
ست أو أربع زيجات حسب الحصائيات الرسمية في الستينات ،وفي
سنة 1978م كانت نسبة الطلق في أمريكا ،% 40و %60في
السويد %30 ،في ألمانيا ،ونسبة الطلق بالنسبة للزيجات في بعض
الدول الغربية ،%85ونسبة الطلق في تونس -نتيجة لهاث السلطة
نحو الغرب(1).%40-
-3إن السلم أجاز الطلق على بغضه له ،ولم يندب إليه ولم يستحبه،
ن الله جعله رخصة شرعت للضرورة ،حين تسوء وكونه حلل ،فإ ّ
العشرة ،وتستحكم الخلفات بين الزوجين ،وتفشل كل محاولت
الصلح بينهما.
-4إن الطلق الذي يترتب عليه انفصال المرأة عن الرجل ل يتم بكلمة
واحدة من الزوج ،ولكن التشريع السلمي يعطي فرصة وفرصة أخرى
بعدها ،ويجعل الطرفين يعيدان حساباتهما ،ويحاول حسم النزاعات
والخلفات):الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح
بإحسان() ،(2إنه إذا عّز اللقاء وعّزت الحياة والعشرة كان أمرا ً لبد
منه.
-5إن الذي يقلل وقوع الطلق أو يجعله نادرا ً الختيار الحسن من قبل
الرجل للمرأة ،وبالعكس ،فلو أن التدين الصادق وحسن الخلق كانا
المعيار عند اختيار كل منهما لشريك حياته لوّفرا على أنفسهما مثل هذا
العنت.
158
-6إن الطلق ل يلجأ إليه كحل للمشكلت الزوجية إل بعد أن تسبقه
عدة وسائل إصلحية وعلجية يجب على الرجل سلوكها ،إن الطلق هو
الحل الخير لحالت يصعب في ظلها استمرار الحياة الزوجية ،ومثله
تماما ً كالطبيب الذي يحافظ على سلمة الجسم ببتر عضو منه .ومن
عجب أن السلم ضيق على الرجال في إيقاع الطلق ،وحدده بجملة
حدود وربطه بمجموعة من القيود في وقته وكيفيته وعدده تضييقا
لدائرته.
-7ليس الطلق هو السبب الوحيد في تشرد الطفال وتفكك السرة،
)(1
فقد تحدث مثل هذه المور في أسرة مشحونة بالخلفات الزوجية.
159
وهناك مخالفون والنظام الصالح ل يوضع إل للكثرة الصالحة التي تلتزم
)(1
به.
وقد يقول المتطرفون والمتطرفات من المخدوعين بالثقافة
الغربية…لماذا ل يكون الطلق بواسطة المحكمة؟
نقول لهؤلء-:
ن الدول التي جعلت الطلق عن طريق المحكمة ثبتت معاناتها إ ّ
من ذلك ،وعدم جدواه أيضًا .حيث كثرت فضائح السرار السرية أمام
المحكمة والمحامين والشهود وبعض هذه السرار مخزية لصحابها،
ومن الخير لهم سترها ،وأصبحت كثير من السر مادة للسخرية
والستهزاء من قبل الصدقاء والجيران وبعض الصحف التي يهمها نشر
ذلك ،لترويج أعدادها.
ما عدم جدواه ،فإن المتتبع لحوادث الطلق في المحاكم في وأ ّ
بلد الغرب يتأكد أن تدخل المحكمة شكلي في الموضوع ،فهي في
الغالب ل ترفض طلبا ً لمتقدم للطلق ،وأبشع صورة للطلق أمام
المحاكم هو :ما فرضته بعض البلد الغربية من قوانين صارمة في إيقاع
الطلق من قبل القاضي في المحكمة ،فإنه ل يقع إل إذا ثبت زنى
الزوجة أو الزوج .وكثيرا ً ما يتفق الزوجان فيما بينهما على الرمي بهذه
التهمة ليفترقا ،وقد يلفقان الشهادات والوقائع من أجل ذلك) .(2وقبل
سنوات وضع البوليس المريكي يده على عصابة ضخمة مكونة من
المحامين والطباء مهمتها مساعدة الزواج والزوجات على الطلق
بإيجاد الزوجة أو الزوج في حالة تلبس بالزنا .ومع ذلك فإن نسبة
الطلق في أمريكا في ارتفاع حاد مثير ،وفي أمريكا مكاتب كثيرة
مهمتها البحث عن الزواج الهاربين من زوجاتهم والبحث عن الزوجات
)(3
الهاربات من أزواجهن.
160
خامسًا :تعدد الزوجات-:
ن الغربيون المتعصبون من المبشرين والمستشرقين يش ّ
والمستعمرين حملة قاسية على السلم والمسلمين بسبب تعدد
الزوجات ،ويتخذون من ذلك دليل ً على اضطهاد السلم للمرأة،
ويزعمون أن الرجال يستخدمون المرأة في إرضاء شهواتهم ونزواتهم،
ويتغافل الغرب عن الوضاع الجنسية الشاذة السائدة فيه ،كما يتغافل
عن المراض الجنسية والمفاسد الجتماعية المترتبة على تلك الوضاع
الشاذة .ومع ذلك نرد ّ على مزاعمهم تجاه السلم والمسلمين بما
يلي-:
-1لقد كان السلم مسبوقا ً بتعدد الزوجات ،كان التعدد موجودا ً في
المم القديمة كلها تقريبا ً :عند اليابانيين ،والصينيين ،والهنود،
والبابليين ،والشوريين ،والمصريين .كما كان عند العرب الجاهليين
قبل البعثة النبوية.
-2إن الديانة اليهودية تبيح التعدد وبدون حد ،وتحدثنا التمموراة الممتي بيممن
أيديهم أن أنبياء بني إسرائيل كلهم كانت لهم زوجات كثيرة ،بلغممن عنممد
بعضهم المئات .وليس في أناجيل الديانة النصرانية ما يمنع التعممدد ،بممل
فممي رسممائل بممولس ممما يفيممد جمموازه ،وقممد ثبممت أ ،بعممض المسمميحيين
القممدمين كممانوا يممتزوجون أكممثر مممن واحممدة ،بممل اعممترف بعممض ك ُت ّمماب
المسيحية أن تعممدد الزوجممات بمماعتراف الكنيسممة قممد بقممي إلممى القممرن
السممابع عشممر الميلدي ،بممل إن اقتنمماء السمممراري كممان مباحمما ً فمممي
المسمميحية علممى إطممملق كتعممدد الزوجممات ،وقمممد اضممطرت المسمميحية
ممما رأت أن منعممه المعاصرة إلى العتراف بالتعدد في أفريقيا السوداء ل ّ
يحممول دون نشمماطها التنصمميري فممي أوسمماط القمموم الممذين يعممددون
الزوجات.
-3في سنة 1948م درس مؤتمر للشباب عقد في ميونيخ بألمانيا،
موضوع زيادة النساء في الغرب بسبب الحرب العالمية ،وكانت النتيجة
161
إقرار توصية من المؤتمر بإباحة تعدد الزوجات بناًء على اقتراح قدمه
بعض الدارسين من أبناء المسلمين).(1
ن الصل في الزواج في السلم اكتفاء الرجل بزوجة واحدة ،وأباح -4إ ّ
له التعدد إذا استطاع العدل ،والعدل غير مضمون التحقيق ،قال تعالى:
)فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع ،فإن
خفتم أل تعدلوا فواحدة() .(2السلم إذا ً لم يأمر بالتعدد بل أباحه
مع اشتراط العدل والقسط بين الزوجات في النفقة والمعاملة ،والذي
ل يستطيع ذلك فتكفيه زوجة واحدة ،والفقير الذي ل يملك مال ً ول
يستطيع النفاق على الزوجات وأولدهن ل يحبب له السلم أن يتزوج
واحدة فضل ً من أن يعدد.
-5لقد شرع الله تعالى التعدد مراعاة للفطرة البشرية ،وحل ً لكثير من
المشكلت الجتماعية ،وغالبا ً ما تكون فيها المصلحة للمرأة وللرجل
سويًا ،وللمجتمع نفسه .ومن ذلك:
أ -زيادة عدد النساء عن عدد الرجال إما بسبب الحروب أو بسبب زيادة
دل مواليد الناث على الذكور ،فقد بلغت في فنلندا قبل سنين مع ّ
النسبة 3من الناث و 1من الذكور ،أو بسبب كثرة تعّرض الرجال
لحوادث العمل وحوادث الطرق ،أو الموت بسبب الوبئة لنهم أقل
مناعة بالطبيعة من النساء.
ب -إذا كانت المرأة عقيما ً ل تنجب ،والزوج متلهف على ولد.
ج -إذا كانت الزوجة مصابة بمرض يمنعها من التصال الجنسي ،أو
مصابة بمرض يمنعها من القيام بواجباتها المنزلية ،فالفضل أن تكون
لزوجها زوجة ثانية مع بقائها هي عنده تحت رعايته ،ينفق عليها ويحسن
إليها بالمعروف.
د -إذا كان الرجل ذا قوة جنسية جامحة بحيث ل تكفي معها زوجة
واحدة ،إما لكبر سنها أو لكثرة اليام التي ل تصلح فيها للمعاشرة
162
الجنسية ،فأيهما أفضل أن يتزوج بأخرى أم يقضي شهوته بالحرام عبر
الخيانة الزوجية .إن الصبر هنا ل يصلح علجا ً لكل الرجال.
هم -إذا وقع الرجل المتزوج في خطأ فاحش مع امرأة ،وكانت المرأة
ضحية هذا الخطأ الذي يهينها في سمعتها وكرامتها ،أليس من الفضل
أن يستر عليها وهو الجاني ،فيتزوجها ولو كانت عنده زوجة أخرى.
و -إذا استحكمت الخلفات العائلية بين الزوجين واستنفدت طرق
الصلح ،ولم تعد تنفع المواعظ والنصائح ،فهل من الفضل طلق
المرأة ،وتشتيت الولد ،أم الزواج بثانية مع بقاء الولى في وضعها مع
)(1
أولدها وتحت رعاية الزوج المالية والمعنوية.
التعدد عند الغرب الكافر-:
ن الغرب منع تعدد الزوجات وأباح -بل حياء -تعدد الخليعات إ ّ
والعشيقات ،فكثر أولد الحرام الذين ملئوا الشوارع والملجئ،
وانتشرت المراض الجنسية والمفاسد الجتماعية ،وراجت المفاسد
الخلقية.
لقد أعلن -فيما مضى -أحد رؤساء أمريكا :أن ستة من كل سبعة
من شباب أمريكا ل يصلحون للجندية بسب النحلل الخلقي ،وقررت
لجنة الربعة عشر المريكية المهتمة بمراقبة حالة البلد الخلقية أن 90
%من الشعب المريكي مصابون بالمراض السرية الفتاكة )هذا قبل
)(2
وجود المركبات الدوائية الحديثة(.
ن التعدد في الغرب قائم على انبعاث الشهوة والنانية ،ل يحمل إ ّ
صاحبه أية مسؤولية تجاه النساء اللواتي يعاشرهن الرجال ،ول تجاه
الولد الذين يأتون عن طريقه ،إنه تعدد ل يقتصر على عدد بعينه.
163
من ناحية أخرى ،على أن يكون عملها مناسبا ً لتكوينها الجسدي
والنفسي ،مناسبا ً لنوثتها وفطرتها ،فلها أن تعمل في مجال :تعليم
البنات ،والتمريض لهن وتطبيب النساء ،ومساعدة زوجها أو أبيها في
الخياطة والتطريز ،ونحو ذلك من العمال التي تتناسب وفطرتها،
كإجراء المعاملت المختلفة من بيع وشراء وإجارة.
واشترط السلم لخروج المرأة المضطرة للعمل ما يلي:
-1أن يكون العمل مناسبا ً لطبيعتها النثوية كما سبق بيان أمثلة ذلك.
-2أن ل يكون العمل معطل ً لرسالتها في البيت كأم مرّبية لولدها،
وكزوجة مكّلفة بالعباء المنزلية والواجبات الزوجية.
-3أن تراعي آداب الخروج التي افترضها الله على المرأة المسلمة:
من ارتداء الحجاب الشرعي ،والبتعاد عن الختلط بالرجال ،والخلوة
بالجنبي ،مع وجوب غض البصر عما حّرم الله ،وتجنب عوامل الثارة
والغراء ،مثل ألوان الزينة والروائح العطرية ،وتليين الكلم والخضوع
فيه ،والمشي بتكسر وتمايل ،إن المرأة المسلمة عنوانها الحياء
والحتشام).(1
-4أن ل تعمل المرأة في العمال المهينة لكرامتها المفسدة لخلقها،
فتها ،مثل :الرقص ،وحلقة العمال التي يستغل فيها الرجال أنوثتها وع ّ
الرجال ،والغناء والتمثيل ،وسكرتيرة لرجل يستغل أنوثتها وجمالها
فتها ،وعارضة أزياء تعرض جسمها ومفاتنها وأعضاءها للنظارة ونحو وع ّ
)(2
ذلك من العمال المفسدة للخلق ،المثيرة للشهوات.
حجة المنادين بوجوب عمل المرأة ومناقشتها-:
يزعم دعاة التحديث والتنوير ،وأدعياء تحرير المرأة :أن اشتغال
المرأة يزيد في الثروة القومية للبلد ،وأنها بالعمل خارج البيت تشارك
أخاها الرجل في نهضة الوطن وتقدمه ،وأنها تحقق شخصيتها
المستقلة ،وبقاؤها في البيت إهدار لطاقتها وانتقاص لكرامتها.
نقض هذه الحجة :ويمكن دحض هذه الحجة بما يلي:
164
-1إن اشتغال النساء يؤثر على الحياة القتصادية تأثيرا ً سيئًا،
باعتبار أن عملها فيه مزاحمة للرجال في ميدان نشاطهم الطبيعي،
مما يؤدي إلى ازدياد نشر البطالة في صفوف الرجال ،والواقع
المعاصر في كثير من بلد المسلمين يشهد بذلك ،فلقد أصبح عدد
كبير من حملة الشهادة الثانوية والشهادات الجامعية العليا عاطلين
عن العمل ،يملئون الشوارع والمقاهي ،ويقفون أمام المؤسسات
الحكومية والهلية يقرعون أبوابها طلبا ً للوظيفة ،بينما تحتل
أمكنتهم فتيات ونساء ل يحملن غالبا ً مثل مؤهلتهم وكفاءاتهم.
-2وإذا ثبت أن اشتغال المرأة يؤدي إلى بطالة الرجل ،فإّنه من
المحتمل أن يكون هذا الرجل الذي زاحمته هو زوجها ،أو أخوها ،أو
أبوها ،أو ابنها ،فأي ربح اقتصادي للسرة ،إذا كان اشتغال المرأة يؤدي
إلى بطالة زوجها أو أبوها أو غيرهما ممن هو مكّلف بالنفاق عليها.
حسب إحصاءات مكتب العمل العربي 7.3 :عدد العاطلين عن العمل
لعام 1991م أي بنسبة 10.6من القوى العاملة الجمالية ،ومن
المتوقع ازدياد هذه النسبة نتيجة لزيادة مشاركة المرأة في العمل
خارج المنزل
ن الدراهم التي تحصل عليها المرأة من العمل ل توازي خسارة -3إ ّ
ل نسبة كبيرة من هذه الدراهم الولد لعطف وحنان ورعاية الم ،ولع ّ
تذهب إلى الملبس الزاهية وأدوات التجميل والزينة والروائح العطرية
وغير ذلك مما نراه في واقع مجتمعاتنا ،وتلك الدراهم لن تساوي ما
تخسره المرأة من أنوثتها وسمعتها ،وربما شرفها ،والقصص والحكايات
ن %87من في ذلك كثيرة تكاد تصم آذان العقلء والمصلحين .إ ّ
العاملت من 85مليون امرأة يفضلن البقاء في المنزل من نساء أوربا
وأمريكا واليابان وكندا ،و 12مليون حالة طلق بسبب عمل المرأة
%85منها في الغرب %نقصان راتب المرأة عن الرجل في الغرب مع
القيام بنفس العمل .وفي استفتاء نشرته مؤسسة أبحاث السوق في
ن %90من النساء عام 1990م أجري على 2.5مليون امرأة تبين أ ّ
165
يرغبن العودة للبيت لتتجنب التوتر الدائم في العمل ،ولعدم
استطاعتهن رؤية أزواجهن وأطفالهن إل بعد العشاء.
ن ما تؤديه المرأة -في الغالب -من عمل يؤديه أي عامل بسيط، -4إ ّ
ما أعمالها في البيت فل يستطيع أن يقوم به غيرها ،والخسائر المعنوية أ ّ
والجتماعية التي يتعرض لها المجتمع من وراء عمل المرأة خارج البيت
در بمال ،ولقد صّرح عقلء الغرب ومفكروه أنهم خسروا كثيرا ً ل تق ّ
باشتغال المرأة ،حيث انهار صرح السرة ،وتشرد الولد وفسدت
أخلقهم وكثرت المنازعات والخلفات الزوجية .إن النظر إلى كل فرد
في المجتمع كآلة منتجة وبمقدار ما يكسب من المال ،هو رجوع
بالنسان إلى الوراء ،إلى عهود الرق والعبودية والسخرة ،وهذا ما ل
يرضاه العقلء والمصلحون وما ل ترضاه النسانية الكريمة .ولقد أثبتت
الحصائيات %40من راتب المرأة العاملة خارج بيتها ينفق على
المظهر والمواصلت ،و %30من تكاليف المنزل توفرها المرأة التي
تعمل في منزلها .و %70من الدخل التي يمكن أن تحصل عليه
تستطيع المرأة أن توفره إذا عملت في المنزل.
ن البنت ما دامت في المدرسة أو الجامعة فهي تتلقى العلم ،وهذه -5إ ّ
ل يجوز إرهاقها بالعمل معه وإذا انتهت من الدراسة فإنها غالبا ً ما
تمكث في بيت أبيها وأمها إل بمقدار ما تتهيأ إلى بيت الزوجية فهي في
ُ
مها في إدارة البيت وأعماله هذه الحالة تتلقى دروسا ً عملية عن أ ّ
وشؤونه ،فل يجوز إرهاقها بالعمل خارج البيت ،وأعمال المرأة في
البيت سواء كانت أما ً وزوجة أو بنتا ً ل تقل عن أعمالها خارج البيت
ن %80من مشقة وعناًء ،وكثيرا ً ما تكون أكثر مشقة وإرهاقًا .إ ّ
المريكيات يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه
العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والولد .و %90منهن شعرن بمزاج
عال وحالة معنوية ممتازة بعد أداء الواجب المنزلي.
ن مصالح الشعوب والمم ل تقاس دائما ً بالمقياس المادي البحت، -6إ ّ
طلة عن النتاج المادي ،فالجيوش وكثير ن في كل مجتمع فئات مع ّ فإ ّ
من الموظفين ل يزيدون في ثروة المة المادية ،ولقد رضيت كل المم
166
ن يتفرغ الجيش لحماية البلد ،دون أن تلزمه بالعمل والكسب، بأ ّ
ومنفعة هؤلء أغلى وأثمن من المنفعة القتصادية ،والتفرغ لشؤون
السرة ورعاية النشء وتربيته وإعداده لبنة صالحة في المجتمع ليس
بأقل فائدة من تفرغ الجيش لحماية البلد).(1جاء في دراسة نشرتها
إحدى أكبر شركات التأمين البريطانية على مليون امرأة ووقع الختيار
ن المرأة المتفرغة للبيت على أم بيت متفرغة فجاءت النتائج المثيرة:إ ّ
تعمل 19ساعة في أعمال البيت ،وهي المربية والممرضة والمسؤول
الول عن إدارة الشؤون المالية للبيت ،إضافة لذلك – فحسب دراسة
بالتقييم المادي البعيد عن العواطف -كانت المرأة المتفرغة للمنزل
هي أثمن شيء تمتلكه السرة.
سابعًا :الختلط بين الجنسين في معاهد التعليم-:
دأب صنف من المستغربين على إشاعة التقاليد والعادات الغربية
في المجتمع السلمي ،دون مراعاة لداب السلم وأخلقه وأحكامه،
ودون مراعاة للفطرة البشرية التي ل يناسبها سوى الستقامة على
المنهج الذي اختاره الله .إن هؤلء المستغربين يقلدون الغرب ويتبعون
سنته ،ول يراعون ما يشكو منه عقلء الغربيين الذين أدركوا سوء
العاقبة التي تسير إليها حضارتهم المادية.
وتمثل المناهج الداعية إلى الختلط والسفور أهم التحديات
الماثلة أمام المرأة ،بينما تسعى نفوس مريضة إلى استغلل
النساء في بيئات أخرى لعمال الرذيلة وترويج المخدرات
وتشجيعهن لعمال البغاء ،وبيعهن في السواق مقابل الحصول
على الموال القذرة ،وتؤكد تقارير عديدة أن النشاط المعادي
للمرأة بأشكاله المتعددة ليس في تراجع بل في تزايد واستفحال،
برغم ترديد اسطوانات المواثيق والعراف الدولية ،وبرغم الجهود
التي تبذلها بعض الدول لتقليل تلك المخاطر والحد من الظاهرة.
والمرأة الغربية تشكو اليوم من نتائج الختلط ،وما جّره عليها
ن %80من المريكيات من ويلت ،وعلى الرجل والسرة والمجتمع .إ ً
انظر المرأة بين الفقه والقانون ص ،198-192شبهات حول السلم .141-137 1
167
يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلل الثلثين عاما هي
سبب النحلل والعنف في الوقت الراهن %16 .من الفتيات بين -12
17سنة يعانون من مشاكل ذات علقة بالمخدرات %16.7من الفتيان
بين 17-12سنة يعانون من مشاكل ذات علقة بالمخدرات.
وحسب المسح القومي المريكي في سنة 1999م :التعليم
المختلط يشجع على إقامة العلقات بين الولد والبنات ،إضافة إلى
عدم تركيزهم بسبب توجه الهتمام للجنس الخر ،و %75من
المراهقات الحوامل من المدارس المختلطة ،وفقط %5من الحوامل
في المدارس التي تطبق الفصل بين الجنسين ،بينما النتيجة صفر %
في المدارس السلمية -ولله الحمد.-
ونحن المسلمين لنا شخصيتنا المستقلة المتميزة ،لنا شخصيتنا
ونها عقيدتنا السلمية الربانية ،لنا قيمنا وأخلقنا التي يجب أن التي تك ّ
نستمدها من ديننا الحنيف ،ومطلوب منا أل نجاري الخرين وأل نسير
على مناهجهم التي ابتدعوها حسب أهوائهم وآرائهم بعيدا ً عن الدين
الحق والعقيدة الربانية).(1
ولمعرفة موقف الشرع السلمي من الختلط الذي يطالب به
البعض في مدارسنا وجامعاتنا لبد أول ً من معرفة وضع المرأة في
المجتمع السلمي الذي أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم على
قواعد وأسس ربانية.
فالمرأة المسلمة كانت تشهد الجمعة والجماعة في المسجد النبوي،
وكانت تحضر صلة العيد ،ولكنها كانت مأمورة من رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن تتخذ الصف الخير خلف صف الرجال ،وكان
ما خاف النبي الصبيان في وسط الصفوف بين الرجال والنساء ،ول ّ
صلى الله عليه وسلم الفتنة عند باب المسجد أمر بأن يكون للنساء
باب خاص فقال):لو أنكم جعلتم هذا الباب للنساء() (2وصار الباب
يعرف إلى يومنا هذا بباب النساء.
168
وكانت النساء تحضرن درس العلم والوعظ مع الرجال في مسجده
صلى الله عليه وسلم ،ثم طلبن منه أن يخصص لهن يوما ً يأتين فيه
)(1
فيعلمهن الرسول عليه السلم مما علمه الله.
وأيضا ً كانت تشارك في الجهاد في سبيل الله ،وكانت طبيعة عملها
فيه يناسب فطرتها كأنثى ،كالتمريض والسعاف وسقاية المجاهدين
والطهي ورعاية الجرحى وغزل ال ّ
شَعر.
واللواتي جاهدن بالسيف والخنجر قلئل من النساء ذكرهن أهل
السير والتاريخ في صورة مشرقة كلها حياء واحتشام أمثال:أم عمارة
سَليم.
نسيبة بنت كعب ،وأم ُ
وإذا كانت المرأة المسلمة قد شاركت الرجال في ميادين العبادة
والعلم والجهاد فما هي الداب التي فرضت عليهما ممن اللمه تعمالى؟ إن
هذه الداب فرائض في حق كل امرأة مسلمة ،ل يجوز لمن تؤمن بممالله
واليوم الخر أن تتخلى عن إحداها ،وإل فإنها تكون عاصية لله ورسمموله،
تجلب على نفسها سخط الله وعذابه ،وهذه الداب الفرائض هي:
-1غض البصر:أي ل تنظر إلى عورة ،ول تنظر بشهوة ،وأل تطيل النظر
في غير حاجة ،وهذا فرض يشاركها فيه الرجل ،قال تعالى):قل
للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم() ،(2وقال:
)وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن
ما ظَ َ
ن إ ِّل َ
)(3
هر منها(. ه ّ
زين َت َ ُ
ن ِ
دي َ
ول ي ُب ْ َِ
-2ارتداء الجلباب الساتر لكل جسمها ما عدا الوجه والكفين عند أكثر
الفقهاء والساتر لكل جسمها بما فيه الوجه والكفين عند بعضهم ،قال
تعالى):يا أيها النبي قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين
يدنين عليهن من جلبيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فل يؤذين(
).(4
169
-3عدم الخلوة بالرجل الجنبي ،ولو كان رجل ً يعلمها القرآن الكريم،
قال عليه الصلة والسلم) :ما خل رجل بامرأة إل وكان
الشيطان ثالثهما().(1
-4تجنب عوامل الثارة والغراء مثل الروائح العطرية وألوان الزينة،
سر وتمايل ،بل يجب عليها وتليين الكلم والخضوع فيه ،والمشي بتك ّ
الحياء والحتشام).(2
ل مشاركة من النساء للرجال في ميادين العلم ومعاهد التعليم إذا ً ك ّ
دون مراعاة لتلك الداب تصبح مشاركة آثمة يحّرمها الشرع السلمي
الحنيف.
ونقول بصراحة لدعاة الختلط في المدارس والجامعات في
عصرنا هذا ،هل يمكن مراعاة تلك الفرائض الداب في الختلط الذي
ترغبونه ،أم أنتم في نفس الوقت دعاة التبرج والسفور وخروج المرأة
من بيتها بل ضوابط ودون مراعاة لحكام الشرع ،إنكمم تريمدون
اختلطا ً على الطريقة الغربيمة ،مقلدون وكفى ،وبدعموة التممدن
والتحضمر والنفتاح ،ثم هل قرأتم آلف الصفحات التي كتبت في
مفاسد الختلط وسيئاته ،ول تقولوا :في العالم السلمي جامعات فيها
)(3
اختلط بين الطلب والطالبات.
نقمول:اسمألوا العقلء فمي تلمك الجامعمات واسمألوهم عمن مفاسمده
وسيئاته ،تعّرفوا على ويلته،بل اسألوا الفتيممات المسمملمات اللممواتي زاد
عددهن وارتفع صوتهن يطالبن باللتزام بآداب السمملم وأخلقممه والبعممد
عن مواطن الفتنة ومواقع الشبهات.
اقرأ في آثار الختلط في المدارس والجامعات الوربية :ما كتبه الداعية الكبير أبو 3
العلى المودودي في كتابيه :الحجاب ،ونحن والحضارة الغربية ،واقرأ في آثاره في
الجامعات المصرية ما كتبممه السمتاذ أحمممد محممد جممال فمي كتمابه القيمم :مكانمك
تحمدي.
170
قد يقول دعاة الختلط:إنه ضرورة اجتماعية وقومية ،وضرورة
حضارية ،وأن التربية السليمة تجعل الجنسين يترفعان عن العلقة
الجنسية الثمة ،وتبقى العلقة زمالة وصداقة.
وهذه الدعاءات الكاذبة يفضحها واقع المجتمع الذي تسوده المفاسد
الخلقية والرذائل الجتماعية ،ثم إن الضرورة يقدرها الشرع السلمي،
ويضع لها الضوابط والحكام.
ما الضرورة المدعاة دون التزام ضوابط وقيود الشرع ،فإنها بغاية أ ّ
ما الزعم بأنه ضرورة حضارية ،فُيرد ّ عليه بقولنا:نحن السوء مفسدة ،أ ّ
مسلمون ،وحضارتنا تنبع من أخلقنا وقيمنا السلمية ،وترتكز على
أساس من اللتزام بمنهج الله تعالى الذي ارتضاه للبشرية)إن الدين
عند الله السلم()) ،(1ومن يبتغ غير السلم دينا ً فلن يقبل
)(2
منه وهو في الخرة من الخاسرين(.
وليس مطلوبا ً منا أن نترك أحكام إسلمنا ،وأن نترك حضارتنا
السلمية الخالدة ،وننتقل بفكرنا وأخلقنا وسلوكنا إلى حضارات
الخرين نقلدهم في مفاسدها وانحدارها إلى الهاوية.
إن أمريكا ربة الحضارة الحديثة بها -حسب إحصائية 1977م) -
(107جامعة وكلية متوسطة غير مختلطة ،منها ) (79جامعة وكلية
للبنات ،و) (28جامعة وكلية للطلب .فهل تناست أمريكا التي تقلدونها
الضرورات القومية والجتماعية والحضاريمة والتربويمة والقتصاديمة؟!
أم تريدون الشمهوات والمتمع الرخيصمة ،وابتممذال المرأة وتحطيم
)(3
أخلق الرجل بدعوة ضرورة الختلط والحاجة إليه.
ن الختلط يشغل الفتيات عن ن كثيرا ً من المريكيين أدركوا أ ّ
إ ّ
الجد والنشاط العلمي بالملبس والزينة وما إلى ذلك ،مما ل يفكرن
فيه عندما ل يوجد معهن فتيان (4).ولقد أصدر الرئيس المريكي جورج
171
بوش البن أمرا ً بتشجيع العودة إلى تطبيق سياسة الفصل بين
الجنسين في المدارس الثانوية والعدادية ،لمساعدة التلميذ في
كد مسؤول كبير في البيت التفرغ للدراسة وتحصيل نتائج أفضل ،وأ ّ
ن المدارس التي تطبق سياسة الفصل ستمنح تمويل ً يفوق البيض أ ّ
المدارس المختلطة.
ولقد قامت طالبات الم Miggs Collegeبكاليفورنيا -باختلف أصولهن
الجتماعية -بإضراب لرفض الختلط ،وربحن القضية ،وقامت مجموعة
من البريطانيات بجامعة أكسفورد بمظاهرة خوفا ً من السماح بالختلط
في الكلية.وفي بريطانيا نفسها أفضل النتائج في التحصيل العلمي
كانت في المدارس الدينية التي تفصل الطلب عن الطالبات ،وأفضل
النتائج في فرنسا في المدارس غير المختلطة.
خلصة القول-:
ن الختلط بيممن الجنسممين فممي المممدارس والجامعممات ومعاهممد إ ّ
ما ل حاجة إليه ووجوده مبعث الفتممن والفسمماد التعليم -في أيامنا هذه-م ّ
وحدوث المنكرات .لذا فإن الشرع السمملمي يمنعممه ويحرمممه محافظممة
علممى الخلق والقيممم ،وصمميانة للعممراض وحفاظ ما ً علممى كرامممة الفتمماة
وعفتها.
ثامنًا :الحجاب:
لقد تعّرض حجاب المرأة المسلمة إلى كثير من الطعن والدس
الرخيص من قبل الغرب الكافر..تقول المبشرة الغربية آنا مليجان:
"إننا نريد صياغة المرأة المسلمة على النمط الغربي الذي تختفي فيه
كلمة الحرام والحياء والفضيلة ..وليس هناك طريق لهدم السلم أقصر
مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرة متبرجة".
ويقول جلدستون رئيس وزراء إنجلترا السابق" :لن يستقيم حال
الشرق السلمي ما لم ُيرفع الحجاب عن وجه المرأة ،وُيغطى به
القرآن".
172
ويقول اليهودي المريكي مورو بيرجر":إن المرأة المسلمة
المتعلمة هي أبعد أفراد المجتمع عن تعاليم الدين ،وأقدر أفراد المجتمع
على جّر المجتمع كله بعيدا ً عن الدين").(1
ومن البديهي أن يكون هذا هو موقف الغرب من الحجاب لن
الغربيين يعتبرون المرأة بكل ما فيها متعة وجنس ،ولوحة فنية ،وليست
عرضا ً يجب أن يصان أو يحفظ ،لذا فإن السفور والتبرج والعري،
والموضات الفاضحة هو شغلهم الشاغل.
وإذا كان موقف الغرب من الحجاب ليس غريبًا ،فإن من الغريب
دعون السلم -يقفون من جدا ً أن نجد كّتابا ً وصحفيين رجال ً ونساًء -ي ّ
حجاب المرأة المسلمة نفس موقف الغرب الكافر.
ومن يقرأ ما يكتبه دعاة التنوير والتحديث وتحرير المرأة في ديار
المسلمين ،ومن يستمع إلى أقوالهم عبر الذاعة والتلفاز وندواتهم
ومؤتمراتهم فإنه ل يكاد يجد فرقا ً بين هجوم الغرب على الحجاب
وهجوم هؤلء التائهين.
فهم يقولون مثل ً):(2
-إن الحجاب تزمت ورجعية وعودة إلى الوراء ،ول يناسب حضارة
القرن العشرين.
-إن الحجاب يمثل النتماء إلى الجماعات والحزاب الدينية المتطرفة.
-إن الحجاب يعيق المرأة عن الحركة والعمل والتعليم.
-إن الحجاب يسبب لصاحبته الخجل وسخرية الناس منها.
-إن الصلة ،والصوم ،وطهارة القلب ،وسلمة النية ،وحسن التربية
تغني عن الحجاب ،وأن اليمان بالله وحب الله ورسوله هو قمة التدين،
والدين يسر ل عسر فيه.
-إن التبرج أمر عادي ل يلفت النظر ،وبالتربية السليمة يتعود الناس
عليه.
173
ومن أقوال بعض الساذجات من النساء المتبرجات:
ل ،أو إن زوجي يدفعني للتبرج ونزع -إّني سأحتجب عندما أقتنع به أو ً
الحجاب ،أو إني سأحتجب عندما أكبر ،أو إن الحجاب يسبب لي
الصداع ،ول أطيقه بسبب حرارة الجو المرتفعة في فصل الصيف.
ومن مكائدهم:
-وصفهم المتحجبة بالرجعية والتأخر والتزمت ،وعدم مواكبة عصر
الحرية والتمدين.
-تمجيد السافرات المتبرجات عبر وسائل التعليم والعلم.
-قيام الشباب المنحل أخلقيا ً بملحقة المتحجبات ،وإيذائهن بالكلمة
البذيئة.
-وصف الفتيات المحجبات بالتستر وراء الدين.
-ارتداء النساء الفواسق الحجاب مع ارتكاب الفواحش الخلقية بهدف
تنفير المجتمع من الحجاب والمحجبات.
-إجبار الفتيات المسلمات -في بعض البلدان السلمية -على خلع
الحجاب في المدارس والجامعات والوزارات وسائر المؤسسات ،وفي
بعض البلدان السلمية يمنع توظيف الفتاة المحجبة ،بل ويشترطون
انتماءها للمنظمات والحزاب العلمانية اللدينية.
174
وجسدها العاري ،وأنوثتها المبتذلة ،ومغامراتها الغرامية ،وأخطاؤها
الخلقية مكان الصدارة في هذه الفلم والمجلت والصور الستغللية
التجارية ،وهي متعة لمنظمي مسابقات ملكات الجمال التي تتكشف
فيها الفتيات ،باديات الصدور والظهور وناهدات الثدي والرداف ،وهي
سلعة لطلب البغاء الرسمي والسري ،ولصحاب المتاجر ومعارض
الزياء ،وصناعي الدعايات والعلنات التجارية ،وهي سلعة لكتاب أدب
الفراش وشعراء الحداثة).(1
إن الخوارج من دعاة تحرير المرأة :يريدون منها أن تتحرر من
الخلق التي تقوم عليها المجتمعات القوّية ،وأن تكون حربا ً على مبادئ
الخلق التي جاءت بها الشريعة السلمية ،فل تتحلى المرأة بحياء ،ول
تتأدب مع كبير ،ول تتقبل نصح ولي ،ول تتقيد بدين أو عرف.
ويعنون بالتحرير...تحرير المرأة من عقيدتها...تثور على المبادئ
السلمية التي تدعو المرأة المسلمة إلى اللتزام بها والعمل
بموجبها...تثور على الحجاب...وتثور على نظام تعدد الزوجات..وتثور
على نظام الرث...وتثور على مبدأ القوامة التي أولها السلم
للرجل...تثور على التقاليد والعراف...يريدونها أن تخلع رقبة السلم
)(2
من عنقها ،وتنسلخ من العقيدة الربانية.
لقد حقق هؤلء الخوارج الجدد هدف الصليبي الحاقد القس
)زويمر( الذي أشار إليه في مؤتمر تبشيري عقد في ديار المسلمين.
قال القس زويمر":ينبغي للمبشرين أن ل يقنطوا إذا رأوا نتيجة
ن المسلمين قد نما في تبشيرهم للمسلمين ضعيفة ،إذ من المحقق أ ّ
)(3
قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الوربيين وتحرير المرأة".
175
رابعًا:العولمة
المقدمة…
لقد كثر الحديث عن العولمة في السنوات العشر الخيرة من
القرن العشرين بعد سقوط التحاد السوفيتي ،فتناولتها بالحديث
الوساط الجامعية والعلمية والتيارات الفكرية والسياسية المختلفة،
وأصبحت حديث الجتماعيين والفلسفة الوربيين وعلماء البيئة
والطبيعة وكثرت أعداد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات التي تحمل
عناوينها "العولمة" أو النظام العالمي الجديد أو المتغيرات الدولية
الجديدة أو الكونية.
ولقد صدرت كثير من المؤلفات باللغات الوربية والعربية التي
تتناول هذه الظاهرة ،لدرجة أن المرء يكاد يحار في كيفية دراسة هذه
الظاهرة واللمام بموضوعها ،خاصة أن كل كاتب أو متحدث يتناولها
176
بالدراسة والتحليل من جانب معين مثل الجانب القتصادي أو الثقافي
أو السياسي أو العلمي.
ومعظم الفكار والطروحات الغربية التي تتناول دراسة ظاهرة
العولمة تقوم على ما طرحه الكاتب المريكي الياباني الصل
"فرانسيس فوكاياما" في كتابه )نهاية التاريخ والنسان الخير()،(1
والتي يزعم فيه أننا وصلنا إلى نقطة حاسمة في التاريخ البشري تتحدد
بانتصار النظام الرأسمالي الليبرالي والديمقراطية الغربية على سائر
النظم المنافسة لهما ،وأن العالم قد أدرك بعد فترة حماقة طويلة أن
الرأسمالية هي أفضل أنواع النظم القتصادية ،وأن الليبرالية الغربية
هي أسلوب الحياة الوحيد الصالح للبشرية ،وأن الوليات المتحدة
المريكية وامتدادها القتصادي القيمي )النظام الرأسمالي المادي(
أوربا يمثلن الدورة النهائية للتاريخ ،وأن النسان الغربي هو النسان
الكامل الخير).(2
ومن هنا وجدت الفلسفة العلمية الغربية في أفكار وأطروحات
وغ بها سياسات الغرب الرعناء تجاه العالم )فوكوياما( مادة تس ّ
المعاصر).(3
-1صدر هذا الكتماب بعمد انهيمار الشميوعية وسمقوط التحماد السموفيتي ،وقمد صمدر
مترجما ً إلممى اللغممة العربيممة عممن مركممز النممماء القممومي ،بيممروت 1993م بإشممراف
مطاوع صفدي.
-انظر العولمة ،د .جلل أمين -دار المعارف ،القمماهرة 1998م -سلسمملة اقممرأ ص 2
،5السلم والغرب والديمقراطية -جودت سعيد وعبد الوهمماب علممواني -دار الفكممر
المعاصممر -لبنممان ،دار الفكممر -دمشممق -الطبعممة 1417هممم1997 -م ،ص .186فممخ
العولمة،هانس بيترمارتين ،هارالد شومان ترجمة د .عممدنان عبمماس علممي ،مراجعممة
وتقديم أ.د .رمزي زكي -عالم المعرفة -المجلس الوطني للثقافة والفنممون والداب
-الكويت ،ص . 8-7
-انظر السلم والغرب والديمقراطية -مصدر سابق -ص .185 3
177
تعريف العولمة-:
العولمة لغة :العولمة على وزن فوعلة ،وهذه الكلمة بهذه الصيغة
الصرفية لم ترد في كلم العرب ،والحاجة المعاصرة قد تفرض
استعمالها ،وهي تدل على تحويل الشيء إلى وضعية أخرى ،ومعناها:
وضع الشيء على مستوى العالم ،وأصبحت الكلمة دارجة على ألسنة
الكتاب والمفكرين في أنحاء الوطن العربي).(1
والعولمة ترجمة لكلمة " "Mondialisationالفرنسية ،بمعنى جعل
الشيء على مستوى عالمي ،والكلمة الفرنسية المذكورة إنما هي
ترجمة “ ”Globalisationالنجليزية التي ظهرت أول ً في الوليات
المتحدة المريكية ،بمعنى تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل.
ومن خلل المعنى اللغوي يمكننا أن نقول بأن العولمة إذا صدرت
من بلد أو جماعة فإنها تعني :تعميم نمط من النماط التي تخص ذلك
البلد أو تلك الجماعة ،وجعله يشمل الجميع أي العالم كله).(2
العولمة إذا ً من حيث اللغة كلمة غريبة على اللغة العربية ويقصد
منها عند الستعمال-اليوم -تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل العالم
كله.
العولمة اصطلحاً :إن كلمة العولمة جديدة ،وهي مصطلح حديث لم
يدخل بعد في القواميس السياسية والقتصادية.
والكلمة "العولمة" نسبة إلى الَعالم -بفتح العين -أي الكون،
وليس إلى الِعلم -بكسر العين -لقد ظهرت العولمة أول ً كمصطلح في
مجال التجارة والمال والقتصاد ،ثم أخذ يجري الحديث عنها بوصفها
نظاما ً أو نسقا ُ أو حالة ذات أبعاد متعددة ،تتجاوز دائرة القتصماد،
فتشممل إلى جانب ذلك المبادلت والتصال والسياسة والفكر والتربية
والجتماع واليديولوجيا).(3
-العرب والعولمممة ،مركممز دراسممات الوحممدة العربيممة ،بيممروت 1998م مممن بحممث 1
178
وقد أطلق عليها بعض الكتاب والمفكرين "النظام العالمي
الجديد" وربما يوحي هذا الطلق بأن اللفظة ذات مضامين سياسية
بحتة ،ولكن في الحقيقة تشمل مضامين سياسية واقتصادية وثقافية
واجتماعية وتربوية) ،(1بمعنى آخر تشمل مضامين تتعلق بكل جوانب
الحياة النسانية .يقول الرئيس كلينتون" :ليست العولمة مجرد قضية
اقتصادية بل يجب النظر إلى أهمية مسائل البيئة والتربية والصحة").(2
ولقد كثرت التعاريف التي توضح معنى العولمة ،نذكر هنا بعضا ً
منها ،ثم اذكر التعريف الذي أرى أّنه يعّبر عن المعنى الحقيقي لظاهرة
العولمة.
ومن هذه التعريفات:
" -1نظام عالمي جديد يقوم على العقل اللكتروني ،والثورة
المعلوماتية القائمة على المعلومات والبداع التقني غير المحدود ،دون
اعتبار للنظمة والحضارات والثقافات والقيم ،والحدود الجغرافية
والسياسية القائمة في العالم).(3
" -2إنها حرية حركة السلع والخدمات واليدي العاملة ورأس المال
والمعلومات عبر الحدود الوطنية والقليمية").(4
-3العولمة هي :العملية التي يتم بمقتضاها إلغاء الحواجز بين الدول
والشعوب ،والتي تنتقل فيها المجتمعات من حالة الفرقة والتجزئة إلى
حالة القتراب والتوحد ،ومن حالة الصراع إلى حالة التوافق ،ومن حالة
التباين والتمايز إلى حالة التجانس والتماثل ،وهنا يتشكل وعي عالمي
وقيم موحدة تقوم على مواثيق إنسانية عامة").(5
-انظر العولمة محمد سعيد أبو زعرور ،دار البيارق -عمان ،الردن ،الطبعة الولى 1
-5د .أحمد مجدي حجازي :العولمة وآليات التهميش في الثقافة العربية ص ،3وهممو
بحث ألقي فممي المممؤتمر العلمممي الرابممع )الثقافممة العربيممة فممي القممرن القممادم بيممن
179
والمواثيق النسانية الواردة في هذا التعريف هي المواثيق التي
يصنعها الغرب الكافر وأساسها نظرة علمانية مادية للوجود لتحقيق
مصالحه الخاصة ،ثم تصدر للعالم على أنها مواثيق إنسانية لصالح
البشرية ،ول بأس أن تصدر بها القرارات الدولية من هيئة المم
المتحدة باعتبارها مؤسسة حامية للحقوق النسانية.
" -4هي تعاظم شيوع نمط الحياة الستهلكي الغربي ،وتعاظم آليات
فرضه سياسيا ً واقتصاديا ً وإعلميا ً وعسكريًا ،بعد التداعيات العالمية
التي نجمت عن انهيار التحاد السوفيتي وسقوط المعسكر الشرقي" أو
هي محاولة لفرض الفلسفة البراجماتية النفعية المادية العلمانية ،وما
يتصل بها من قيم وقوانين ومبادئ وتصورات على سكان العالم
أجمع).(1
-5هي العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلدا ً بعينه هو الوليات
المتحدة المريكية بالذات على بلدان العالم أجمع" وهي أيضا ً
أيديولوجيا ً تعبر بصورة مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم
وأمركته).(2
وبعد دراسة متأنية لظاهرة العولمة وأهدافها
ووسائلها وتأثيراتها في واقع المجتمعات والشعوب يمكن
أن تعرف العولمة بما يلي-:
العولمة هي الحالة التي تتم فيها عملية تغيير النماط والنظم
القتصادية ،والثقافية والجتماعية ،ومجموعة القيم والعادات السائدة،
وإزالة الفوارق الدينية ،والقومية والوطنية في إطار تدويل النظام
الرأسمالي الحديث وفق الرؤية المريكية المهيمنة ،والتي تزعم أنها
سيدة الكون وحامية النظام العالمي الجديد.
180
نشأة العولمة-:
اختلف الباحثون في التأريخ لنشأة العولمة على قولين-:
الول :يرى هؤلء الباحثون أن ظاهرة العولمة قديمة ،عمرها
خمسة قرون ،ترجع إلى القرن الخامس عشر أي إلى زمن النهضة
الوربية الحديثة .حيث التقدم العلمي في مجال التصال والتجارة ،ويدل
على ذلك :أن العناصر الساسية في فكرة العولمة وهي :ازدياد
العلقات المتبادلة بين المم ،سواء المتمثلة في تبادل السلع
والخدمات ،أو في انتقال رؤوس الموال ،أو في انتشار المعلومات
والفكار ،أو في تأثر أمة بقيم وعادات غيرها من المم يعرفها العالم
من ذلك التاريخ .
ولكن يقال :ثمة أمور مهمة جديدة طرأت على ظاهرة العولمة
في السنوات الثلثين الخيرة منها:
-اكتساح تيار العولمة مناطق مهمة في العالم كانت معزولة ،ومن هذه
المناطق الدول الوربية الشرقية والصين.
-الزيادة الكبيرة في تنوع السلع والخدمات التي يجري تبادلها بين
المم والشعوب ،وتنوع مجالت الستثمار التي تتجه إليها رؤوس
الموال.
-سيطرة تبادل المعلومات والفكار على العلقات الدولية.
-ارتفاع نسبة السكان -في دخل كل دولة -التي تتفاعل مع العالم
الخارجي.
-النشاط المتزايد والفعال للشركات المتعددة الجنسيات في مجال
تبادل السلع وانتقال رأس المال والمعلومات والفكار ،واتخاذها العالم
كله مسرحا ً لعملياتها في النتاج والتسويق ،وما تبع ذلك من هدم
الحواجز الجمركية وإلغاء نظام التخطيط وإعادة توزيع الدخل ،والنظر
في دعم السملع والخدمات الضرورية للسكان ،وتخفيض النفاق على
الجيوش والجانب العسكري).(1
-انظممر العولمممة ،د .جلل أميممن ص ،26العممرب والعولمممة -مصممدر سممابق -ص 1
.139
181
الثاني :يرى فريق آخر أن العولمة ظاهرة جديدة ،فما هي إل امتداد
للنظام الرأسمالي الغربي بل هي المرحلة الخيرة من تطور النظام
الرأسمالي العلماني المادي النفعي ،وقد برزت في المنتصف الثاني
من القرن العشرين نتيجة أحداث سياسية واقتصادية معينة منها :انتهاء
الحرب الباردة بين التحاد السوفيتي والوليات المتحدة المريكية عام
1961م ثم سقوط التحاد السوفيتي سياسيا ً واقتصاديا ً عام 1991م،
وما أعقبه من انفراد الوليات المتحدة المريكية بالتربع على عرش
الصدارة في العالم المعاصر وانفرادها بقيادته السياسية والقتصادية
والعسكرية ،ومنها :بروز القوة القتصادية الفاعلة من قبل المجموعات
المالية والصناعية الحرة عبرة شركات ومؤسسات اقتصادية متعددة
الجنسيات ،مدعومة بصورة قوية وملحوظة من دولها).(1
يرى توماس فيردمان الصحافي المريكي الذي يكتب في "نيويورك
تايمز"):إن العولمة الحالية هي مجرد جولة جديدة بعد الجولة الولى
التي بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بحكم التوسع
الهائل في الرحلت البحرية باستخدام طاقة البخار والتي أدت إلى
اتساع حجم التجارة الدولية بشكل لم يسبق له مثيل().(2
أقول :وإن كانت همذه العولمة تسمتهدف هيمنة دولة واحدة
-وهي الوليات المتحدة المريكية -على دول العالم أجمع فإن هذه
الصورة من العولمة لم تكن لتظهر فجأة دون بدايات أو مقدمات
مهدت لها بصورة فاعلة ومخطط لها من القوى الرأسمالية ذات النزعة
الستعمارية .ومن ذلك إنشاء منظمة المم المتحدة وما تبعها من
مؤسسات مالية دولية :البنك الدولي للنشاء والتعمير ،وصندوق النقد
الدولي ،ثم اتفاقية الجات "التفاقية العامة على الرسوم الجمركية
والتجارة" التي تعود في تاريخها إلى سنة 1947م حيث اجتمعت ثلث
وعشرون دولة صناعية في جنيف للنظر في تحرير التجارة وفتح
-الوطنية في عالم بل هوية -تحديات العولمة -د .حسين كامممل بهمماء الممدين -دار 2
182
البواب بين هذه الدول ،وبدأت سريان هذه التفاقية منذ أول يناير
1948م ،وبلغ عدد الدول الموقعة عليها سنة 1993م مائة وسبع
عشرة دولة.
ثم معاهدة "ماستريخت" التي ضمت خمسة عشر بلدا ً صناعيًا،
وظهور المناطق التجارية الحرة ،والتحادات الجمركية ،ثم الحداث
السياسية التي تتمثل بانتهاء الحرب الباردة ،ثم قيام الرئيس السوفيتي
السبق -ميخائيل غورباتشوف -وبدعم أمريكي ملحوظ -عام 1985م
بالعلن عن إصلح النظام القتصادي الشيوعي الذي سمي وقتها
"البيروستويكا" وقد كان هذا العلن بمثابة العلن عن سقوط
الشيوعية وانهيار التحاد السوفيتي سياسيا ً واقتصاديًا ،وما تله من
سقوط حائط برلين عام 1989م ،واتحاد اللمانيتين ،ثم حرب الخليج
الثانية عام 1991م ،وما أسفرت عنه من تثبيت القواعد المريكية
العسكرية في منطقة الخليج العربي .كل هذه الحداث ساهمت إلى حد
بعيد في تربع الوليات المتحدة المريكية على عرش النفوذ العالمي،
وبالتالي برز مصطلح "النظام العالمي الجديد" و"الحادية القطبية
والعولمة".
وظهر أول نظام تجاري دولي ملزم للقطار المنضوية تحت لوائه
في شهر نيسان سنة 1995م ،حيث أعلن عن إنشاء المنظمة العالمية
للتجارة - W.T. O -بمدينة مراكش المغربية وهي امتداد لتفاقية
الجات .وهذه المنظمة تمثل أحد أركان النظام القتصادي العالمي
الجديد ،وتختص بأعمال إدارة ومراقبة وتصحيح أداء العلقات التجارية،
وستكون عامل مساعد للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتنفيذ
م دعم صرح العولمة وإقرار النظام القتصادي العالمي الجديد .وأخيرا ً ت ّ
بالتوقيع -في شباط عام 1997م بمدينة جنيف بسويسرا -على أول
اتفاق دولي يتعلق بتحرير المبادلت الخدمية المتطورة ،وخاصة فيما
عرف "بالتكنولوجيا المعلوماتية" أو ثورة التصالت).(1
183
ومما ساعد على سرعة انتشار ظاهرة العولمة انضمام كثير من
دول شرق أوربا إلى الحلف الطلسي ،وانفتاح دول أخرى على الحلف
نفسه ،وانضمام كثير من الدول العربية إلى المنظمة العالمية
للتجارة)- ،(2وبقية الدول تتفاوض للنضمام -ثم المؤتمرات القتصادية
المتلحقة التي تنظر لهذه العولمة كأمر حتمي ل مفر منه ،وإظهار
مزاياها القتصادية والتنموية ومن أشهرها "منتدى دافوس القتصادي"
ثم المشروعات القتصادية السرائيلية التي تستهدف عولمة الشرق
الوسط لصالح المشروع الصهيوني الذي يتمثل في دولة إسرائيل
الكبرى ،التي تسعى لتحقيقه اقتصاديا ً وثقافيا ً عبر بوابات اتفاقيات
السلم التي تعقدها منفردة مع الدول العربية ،والتفاقيات القتصادية
الثنائية مع دول المنطقة وعبر بوابات التطبيع التي تهيأ لها بكل قوة
الوليات المتحدة المريكية وحلفاؤها في المنطقة العربية ،وقد أضفى
ذلك كله بعدا ً استراتيجيا ً جديدا ً على دعم الدور المريكي -ومن ورائه
القوى الصهيونية المتحكمة في السياسة والقيادة المريكية -لقيادة
النظام العالمي الجديد.
أهدافها وآثارها-:
لقد رّوج دعاة العولمة في الغرب وعملؤهم في المنطقة العربية
ن العولمة تبشرمجموعة من المقولت لصالح العولمة ،ومن ذلك :أ ّ
بالزدهار القتصادي والتنمية والرفاهية لكل المم والعيش الرغيد
للناس كلهم ،والنتعاش ونشر التقنية الحديثة وتسهيل الحصول على
المعلومات والفكار عبر الستفادة من الثورة المعلوماتية الحديثة،
-تضم هذه المنظمة حتى ديسمممبر 1999م مممائة وخمسممة وثلثيممن ) (135دولممة، 2
وتشممارك بنحممو %95مممن حجممم التجممارة الدوليممة .لمعرفممة المزيممد عممن دور هممذه
المنظمة وآثارها اليجابية لمريكمما وآثارهمما السمملبية علممى الممدول السمملمية:النظممام
القتصادي العالمي واتفاقية الجات ،د .حسين شممحاته ،دار البشممير ،طنطمما ،الطبعممة
الولى 1418هم 1998 -م.
184
وإيجاد فرص للنطلق للسواق الخارجية ،وتدفق الستثمارات الجنبية
التي تتمتع بكفاءة عالية وبالتالي ينتعش القتصاد الوطني والقومي.
ولكن سرعان ما اكتشف الباحثون والمفكرون أن تلك المقولت
ما هي إل شعارات استهلكية جوفاء .لقد أدركت الدول الفقيرة والنامية
أن طغيان العولمة واحتكارات الشركات الدولية إنما يزيدها فقرا ً
وخضوعا ً للسياسات الرأسمالية الغربية فأخذت تستنفر جهودها للدفاع
عن حقوقها في مواجهة هذه العولمة ،فلقد حذر مهاتير محمد رئيس
وزراء ماليزيا من العولمة في المجال القتصادي وقال" :إن منظمة
التجارة العالمية تسمح للدول الغنية بابتلع الدول الفقيرة").(1
والهداف الحقيقية للعولمة يمكن تلخيصها فيما يلي-:
ل :الهداف والثار القتصادية-: أو ً
ترتبط عملية العولمة بتدويل النظام القتصادي الرأسمالي ،حيث
تم توحيد الكثير من أسواق النتاج والستهلك ،وتم التدخل المريكي
في الوضاع القتصادية للدول ،وخاصة دول العالم الثالث ،عبر
المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي
تمارس الملءات القتصادية المغايرة لمصالح الشعوب ،وبالتالي تحقق
العولمة لصحابها عدة أهدف كبيرة في المجال القتصادي هي-:
-1السيطرة على رؤوس المال العربية واستثماراتها في الغرب،
فالعالم العربي الذي تتفاقم ديونه بمقدار) (50ألف دولر في الدقيقة
الواحدة هو نفسه الذي تبلغ حجم استثماراته في أوروبا وحدها )(465
مليار دولر عام 1995م ،بعد أن كانت ) (670مليارا ً عام 1986م
فنتيجة عدم الستقرار السياسي والقتصادي والتبعية النفسية للغرب
تصب هذه الموال هناك لتدار حسب المنظومة الغربية(2).
-2الهيمنة المريكية على اقتصاديات العالم من خلل القضاء على
سلطة وقوة الدولة الوطنية في المجال القتصادي بحيث تصبح الدولة
-جاء ذلك فممي كلمممة ألقاهمما أمممام مممؤتمر لمموزراء خارجيممة دول منظمممة المممؤتمر 1
185
تحت رحمة صندوق النقد الدولي حين تستجدي منه المعونة
والمساعدة عبر بوابة القروض ذات الشروط المجحفة ،وخاضعة
لسيطرة الحتكارات والشركات المريكية الكبرى على اقتصاد
الدول) ،(1ولعل تركيا والمكسيك من النماذج الواضحة للدول التي
ن الدولعصف بها تيار العولمة لصالح المستثمرين المريكيين (2).إ ّ
العربية م كإحدى المناطق المستهدفة بالعولمة م بلغت ديونها الخارجية
عام 1995م (250) :مليار دولر ،وتتفاقم ديونها بما مقداره ) (50ألف
دولر في الدقيقة الواحدة ،ول شك أّنه كلما ارتفعت وتيرة الديون كلما
سخت التبعية وُوجدت الذريعة للتدخل ،وبسبب هذه الديون م التي تر ّ
بدأت بتشجيع من الغرب عن طريق البنك الدولي وصندوق النقد
الدولي اللذين يعملن على إغراق الدول المستهدفة بالديون م أصبح
اقتصاد معظم هذه الدول متخبطًا ،يستطيع وبصعوبة بالغة ملحقة
خدمة الديون وفوائدها المتراكمة ،فهي في الحقيقة وسيلة لبسط
ن أمريكاالنفوذ على البلد تماما ً كما كانت في الماضي (3).مع العلم أ ّ
التي توصف بأنها أغنى وأقوى بلد في العالم هي أيضا ً أكبر بلد مدين
في العالم ،وكما يقول مؤلفا كتاب )الفلس 1995م م النهيار القادم
لمريكا(" :من الجدير بالذكر أن ديون أمريكا بلغت ) (4تريلون دولر
في العام 1992م ،أما الفوائد فقد بلغت ) (300مليار دولر ،أي أكثر
من المبلغ الذي تنفقه البلد على قطاعات التعليم والعدل والسكان
والبيئة مجتمعة"(4).
-3تحقيق مصالح المجموعات الغنية في الدول الغربية والقوى
المتحالفة معها في الدول الخمرى علمى حسماب شمعوب العالمم ،ومما
يدل على ذلك فشل تجربة "النمور السيوية" ومنها إندونيسيا وماليمزيا،
حيث لم تسمتطع تحقيمق المصالح القتصمادية المطلموبمة لشمعوبها ،إذ
-3العولمة حلقة في تطور آليات السيطرة :خالد أبو الفتوح ،البيان .136
-4انظر المصدر السابق.
186
عملت الشركات المتعددة الجنسيات على إحداث هذا الفشل ،وقام
أحد المستثمرين الجانب -أحد رموز العولمة -الملياردير "جورج
سورس" باللعب في البورصة مما أدى إلى ضرب التجمارة التنمويمة
وإحباطهما) ،(1يقول الدكتور مجدي قرقر" :إن الشركات المتعددة
الجنسيات أدى تطورها وتضخمها إلى تعميق العولمة اقتصاديًا ،وتعدد
أنشطتها في كل المجالت :الستثمار والنتاج والنقل والتوزيع
والمضاربة ،ووصل المر إلى أنها قد صارت تؤثر في القرار السياسي
والبعد الثقافي والمعرفي ،وفي ظل العولمة استطاعت هذه الشركات
الستفادة من فروق السعار ،من نسبة الضرائب ،من مستوى الجور
لتركيز النتاج في المكان الرخص وبعد ذلك ينقل النتاج إلى المكان
الذي يكون فيه مستوى السعار أعلى ويتم تسويقه هناك"(2).
في يوم 19/6/2000م عقد في القاهرة مؤتمر ضم الدول
الخمسة عشر-أفريقية وآسيوية-من الدول النامية -أكد المتحدثون فيه
أن القتصاد العالمي الجديد هو لصالح فئة قليلة تزيدها غنى فوق غناها،
على حساب الدول الكثيرة الفقيرة ،وهو يدفع الدول النامية إلى مقبرة
الفقر.
وترتب على هذا الهدف ما يلي من النتائج-:
أ -تركيز الثروة المالية في يد قلة من الناس أو قلة من الدول ،فم 358
ملياردير في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه أكثر من نصف
سكان العالم ،و %20من دول العالم تستحوذ على %85من الناتج
العالمي الجمالي ،وعلى %84من التجارة العالمية ،ويمتلك سكانها
%85من المدخرات العالمية.
ب -سيطرة الشركات العملقة عمليا ً على القتصاد العالمي ،إن خمس
دول -الوليات المتحدة المريكية واليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا-
ص 81
-السلم والعولمة ،ص .70 2
187
تتوزع فيما بينها 172شركة من أصل مائتي شركة من الشركات
العالمية العملقة).(1
ج -تعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس بل بين
المواطنين في الدولة الواحدة ،واختزال طاقات شعوب العالم إلى
طاقة دفع لماكينة الحياة البراجماتية الستهلكية للقوى الرأسمالية
والسياسة الغربية المسيطرة(2).
د -استئثار قلة من سكان الدولة الواحدة بالقسم الكبر من الدخل
الوطني والثروة المحلية في الوقت الذي يعيش أغلبية السكان حياة
القلة والشقاء ،ويوضح ذلك أن عشرين بالمائة من الفرنسيين
يتصرفون فيما يقرب من سبعين بالمئة من الثروة الوطنية ،وعشرين
بالمائة من الفرنسيين ل ينالون من الدخل الوطني سوى نسبة ستة
بالمائة(3).
هم -النمو المطرد للبطالة ،وانخفاض الجور وما يرتبط بها من تقليص
في قدرة المستهلكين واتساع دائرة المحرومين ،وقد دلت الحصائيات
على حقائق خطيرة ،ففي العالم ) (800مليون شخص يعانون من
البطالة وهذا الرقم في ازدياد ،وفي السنوات العشرة الخيرة عملت
500شركة من أكبر الشركات العالمية على تسريح أربعمائة ألف
عامل-في المتوسط -كل سنة ،على الرغم من ارتفاع أرباح هذه
الشركات بصورة هائلة فإحدى هذه الشركات منحت للمساهمين فيها
مبلغ خمسة مليون دولر لكل منهم (4).والشركات المريكية تسّرح
مليونين من العمال(5).
و -فرض السياسات القتصادية والزراعية على دول العالم -وخاصة
النامية -بهدف تعطيل التنمية القتصادية ،وإبقائها سوقا ً استهلكية رائجة
188
للمنتوجات الغربية ،وتسليم إرادتها السياسية للقوى الحاكمة في
أمريكا .ففي بعض الدول انخفضت معدلت النمو عام 98م بأكثر من
،%100وارتفعت معدلت البطالة بنسبة خطيرة أدت إلى حدوث
مشكلت اجتماعية عديدة من أهمها زيادة نسبة الفقر والمية) .(1يقول
ساكيكو فوكيربار":ما دام القتصاد ومفاهيم السوق من العناصر
الساسية في العولمة فإن التنمية البشرية لن تأخذ حظها الذي تستحق
من هذه العولمة"(2).
ز -إضعاف قوة موارد الثروة المالية العربية المتمثلة في النفط حيث
تم إضعاف أهميته كسلعة حينما تم استثناؤه من السلع التي تخضع
لحرية التجارة الدولية -أسوة بتجارة المعلومات -من تخفيض الضرائب
والقيود الجمركية المفروضة عليه من الدول المستهلكة ،فما زالت هذه
الدول وعلى رأسها الوليات المتحدة المريكية ترفض اعتبار النفط
والمشتقات البتروكيماوية من السلع التي يجب تحريرها من القيود
الجمركية والضرائب الباهضة التي تفرضها الدول المستهلكة ،وبذلك
تجني هذه الدول الرباح الهائلة من وراء ذلك ،وهي تعادل ثلثة أمثال
العائدات إلى الدول المنتجة في الوقت الحاضر ،بل أصدر الكونجرس
المريكي تشريعا ً يقضي بفرض العقوبات على دول في منظمة
"أوبيك" إذا شاركت في رفع أسعار النفط أو تثبيتها(3).
ح -ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الدول السلمية ،نتيجة إلغاء هذه
الدول الدعم المالي الذي كانت تقدمه للسلع الغذائية ،وبسبب الحتكار
والمنافسة غير المتكافئة من الدول الكبرى ،وبسبب قيود الجودة
وشروط المواصفات العالمية التي تفرضها التفاقيات التجارية
والصناعية الدولية ،وهي شروط ل تقدر الدول السلمية النامية على
-انظر جريدة الرسالة -قطاع غممزة -عممدد ،141تاريممخ 28شمموال 1420هم م ص 1
.21
-انظر المصدر السابق. 2
189
الوفاء بها) .(1ويترتب على ذلك أن تبقى السواق السلمية سوقا ً
مفتوحا ً رائجا ً أمام المنتجات والبضائع الوربية والمريكية ،وأن تقوض
المصانع والمؤسسات الوطنية والقتصاد الوطني).(2
ثانيًا :الهداف والثار السياسية:
-1فرض السيطرة السياسية الغربية على النظمة الحاكمة والشعوب
التابعة لها ،والتحكم في مركز القرار السياسي وصناعته في دول
العالم لخدمة المصالح المريكية والقوى الصهيونية المتحكمة في
السياسة المريكية نفسها ،على حساب مصالح الشعوب وثرواتها
الوطنية والقومية ،وثقافتها ومعتقداتها الدينية) .(3يقول جون بوتنغ
رئيس المدراء التنفيذيين السابق في بنك بنسلفانيا "في العولمة نحن
نقرر من الذي سيعيش ونحن نقرر من الذي سيموت").(4
-2إضعاف فاعلية المنظمات والتجمعات السياسية القليمية والدولية،
والعمل على تغييبها الكامل كقوى مؤثرة في الساحة العالمية
والقليمية ،ومن ذلك :منظمة الدول المريكية ومنظمة الوحدة
الفريقية والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر السلمي ،والمتابع
لنشاطات هذه المنظمات يلحظ أنها ل تستطيع اتخاذ أي موقف تجاه
القضايا السياسية المعاصرة وتجاه الحداث الجارية مثل قضايا:
البوسنة والهرسك ،وألبان كوسوفو ،والشيشان(5).
-دراسة حول البعد التاريخي والمعاصر لمفهوم العولمة ،غازي الصوراني ،إصممدار 4
190
-3إبقاء الدول السلمية -خاصة -منقوصة السيادة ،حتى تبقى هذه
الدول ضعيفة وتابعة للهيمنة السياسية الغربية.
-4إضعاف سلطة الدول الوطنية ،أو إلغاء دورها وتقليل فاعليتها ،وقتل
روح النتماء في نفوس أبنائها ،فالعولمة نظام يقفز على الدولة
والوطن والمة ،واستبدال ذلك بالنسانية ،إنها نظام يفتح الحدود أمام
الشبكات العلمية والشركات المتعددة الجنسيات) ،(1ويزيل الحواجز
التي تقف حائل ً دون الثقافة الرأسمالية المادية والغزو الفكري الذي
يستهدف تفتيت وحدة المة ،وإثارة النعرات الطائفية ،وإثارة الحروب
والفتن داخل الدولة الواحدة كما في السودان.
-5إضعاف دور الحزاب السياسية في التأثير في الحياة السياسية في
كثير من دول العالم -خاصة الدول السلمية -في الوقت التي بدأت فيه
المنظمات غير الحكومية والجمعيات الهلية تمارس دورا ً متزايدا ً في
الحياة السياسية(2).
-6بعثرة الشعوب المسلمة وتفرقها ،والقضاء على مقومات الوحدة
والتضامن السلمي ،وتفريغ المنظمات والتجمعات السلمية من
مضامينها الحقيقية حتى تبقى عاجزة عن تحقيق آمال وأماني
المسلمين ،ولتصبح أداة طيعة في خدمة المخططات الستعمارية
الغربية.
ثالثًا :الهداف والثار الثقافية:
لعل من أخطر أهداف العولمة ما يعرف بالعولمة الثقافية فهي
تتجاوز الحدود التي أقامتها الشعوب لتحمي كيان وجودها ،وما له من
خصائص تاريخية وقومية وسياسية ودينية ،ولتحمي ثرواتها الطبيعية
والبشرية وتراثها الفكري الثقافي ،حتى تضمن لنفسها البقاء
والستمرار والقدرة على التنمية ومن ثم الحصول على دور مؤثر في
المجتمع الدولي.
-العرب والعولمة ،ص ،145م ، 148-147الوطنية في عالم بل هويممة ،ص -157 1
. 158
-الوطنية في عالم بل هوية -مرجع سابق -ص .80-79 2
191
يقول بلقيزر":العولمة كما يدعي روادها هي انتقال من مرحلة
الثقافة الوطنية إلى ثقافة عليا جديدة "عالمية" ،وهي في حقيقتها
اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات الخرى ،وهي
اختراق تقني يستخدم وسائل النقل والتصال لهدر سيادة الثقافات
الخرى للشعوب ،وفرض الثقافة الغربية"(1).
ودعا دافايد روشكويف )أستاذ العلقات الدولية بجامعة كولومبيا
والمسئول السابق في حكومة الرئيس المريكي كلينتون( الوليات
المتحدة إلى استغلل الثورة المعلوماتية الكونية للترويج للثقافة والقيم
المريكية على حساب الثقافات الخرى ،لن المريكان أكثر المم عدل ً
وتسامحا ً وهم النموذج الفضل للمستقبل ،والقدر على قيادة العالم(2).
ن المهمةويقول شتراوس هوب في كتابه-توازن الغد":-إ ّ
الساسية لمريكا توحيد الكرة الرضية تحت قيادتها ،واستمرار هيمنة
الثقافة الغربية ،وهذه المهمة التي ل بد من إنجازها بسرعة في مواجهة
نمور آسيا وأي قوى أخرى ل تنتمي للحضارة الغربية"(3).
إذا ً من الهداف الثقافية للعولمة :الترويج لفلسفة النظام الغربي
الرأسمالي النفعي البرجماتي ،وفرض الثقافة الغربية الوافدة وجعلها
في محل الصدارة والهيمنة في العالم وقهر الهوية الثقافية للمم
والشعوب الخرى ،على أن تظل الثقافات الخرى محدودة في نطاق
السلوك الفردي ل تتعداه ،فالدساتير والنظم والقوانين والقيم الخلقية
يجب أن تستمد من الفلسفة المادية النفعية ،ومن ثقافة الرجل البيض
العلمانية ،المناهضة للعقائد والشرائع السماوية(4).
-انظر مجلة المجمع العربي للمحاسبين القانونيين ،عدد 1999 ،11م ،ص .38 1
-نقل ً عن دراسة حول البعد التاريخي المعاصر لمفهوم العولمة -مرجع سابق -ص 3
.5
-السلم والعولمة ،ص ،96-95العولمة وآليات التهميش في الثقافة الغربيممة ص 4
.11-10
192
إن عملء الغرب في العالم السلمي الذين يروجون العولمة
يحاولون جادين تعميم الفلسفة المادية والفكر الغربي العلماني ليصبح
العالم السلمي جزءا ً من المنظومة العلمانية العالمية التي تتميز
بخصائص معينة وتظهر بثقافة واحدة ،تتجاوز الفكر السلمي بكل
أبعاده الثقافية والسياسية والجتماعية والقتصادية والخلقية.
ومن آثار العولمة في الهوية الثقافية-:
جد ثقافة الستهلك -التي ن العولمة تم ّ
-1شيوع الثقافة الستهلكية -ل ّ
استخدمت كأداة قوية فاعلة في إطلق شهوات الستهلك إلى أقصى
م تشويه التقاليد والعراف السائدة في العالم السلمي. عنان ومن ث ّ
-2تغريب النسان المسلم وعزله عن قضاياه وهمومه السلمية،
وإدخال الضعف لديه والتشكيك في جميع قناعته الدينية وهويته
الثقافية(1).
-3إشاعة ما يسمى بأدب الجنس ،وثقافة العنف التي من شأنها تنشئة
أجيال كاملة تؤمن بالعنف كأسلوب للحياة وكظاهرة عادية وطبيعية(2).
وما يترّتب على ذلك من انتشار الرذيلة والجريمة والعنف في
المجتمعات السلمية ،وقتل أوقات الشباب بتضييعها في توافه المور
وبما يعود عليه بالضرر البالغ في دينه وأخلقه وسلوكه وحركته في
الحياة ،وتساهم في هذا الجانب شبكات التصال الحديثة والقنوات
الفضائية وبرامج العلنات والدعايات للسلع الغربية وهي مصحوبة
بالثقافة الجنسية الغربية التي تخدش الحياء والمروءة والكرامة
النسانية ،ولقد أثبتت الدراسات الحديثة خطورة القنوات الفضائية -بما
تبثه من أفلم ومسلسلت جنسية فاضحة -على النظام التعليمي
-انظر مبحث الثقافة العربية في مواجهة المتغيرات الدولية الراهنممة–مجلممة الفكممر 2
193
والحياة الثقافية والعلقات الجتماعية ونمط الحياة القتصادية في
العالم السلمي(1).
-4ومن آثار عولمة الثقافة انتشار نوعية مميزة من الثقافة المادية
والمعنوية المريكية حيث سيطرت الثقافة المريكية الشعبية على
أذواق البشر فأصبحت موسيقى وغناء مايكل جاكسون وتليفزيون رامبو
وسينما دالس هي الليات والنماذج السائدة في مختلف أنحاء العالم
وأصبحت اللغة النجليزية ذات اللكنة المريكية هي اللغة السائدة(2).
-5ومن آثار العولمة في طمس الهوية الثقافية للمة السلمية انتشار
الزياء والمطاعم والمأكولت والمنتوجات المريكية في كثير من الدول
السلمية ،لن هذه السلع تحمل في طياتها ثقافة مغايرة تسحق
ثقافات المم المستوردة لها ،وظهور اللغة النجليزية على واجهات
المحلت والشركات ،وعلى اللعب والهدايا ،وعلى ملبس الطفال
والشباب.
لقد ثبت أن الزياء الوربية والمريكية قد كتبت عليها عبارات
باللغة النجليزية) (3تحتوي على ألفاظ وجمل جنسية مثيرة للشهوات
ومحركة للغرائز الجنسية ،وأيضا ً ل دينية تمس المشاعر والمقدسات
والخلق السلمية وتروج للثقافة الغربية التي تقوم على الباحية
والحرية الفوضوية في مجال العلقات بين الرجل والمرأة(4).
رابعًا :الهداف والثار الدينية:
العولمة آتية من الغرب الصليبي الكافر الذي يعتمد النظمة
والمفاهيمم العلمانية اللدينية .ولقد حذرنا الله تعالى من اليهود
-انظر مجلة المستقبل العربي -مركممز دراسمات الوحممدة العربيمة -بيمروت -العمدد 2
،229مارس 1998م.
-ومن تلك الكلمممات والعبممارات المكتوبممة علممى ملبممس الطفممال والشممبابkiss : 3
:meقبلني :take me -خذني :Sow -خنزير :I'm Jewish -أنا يهودي :prostitute -عاهر-
:Aduleryابن الزنا :Zion -صهيوني.
-السلم والعولمة ص .137-136 4
194
والنصارى فقال عز وجل) :ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى
تتبع ملتهم( سورة البقرة ،120:وقال) :ول يزالون يقاتلونكم حتى
يردوكم عن دينكم إن استطاعوا( سورة البقرة.217:
يقول الدكتور جلل أمين" :وهناك من يكره العولمة ل لسبب
اقتصادي ،بل لسبب ديني .فالعولمة آتية من مراكز دينها غير ديننا ،بل
هي قد تنكرت للديان كلها ،وآمنت بالعلمانية التي ل تختلف كثيرا ً في
م ففتح البواب أمام العولمة هو فتح نظر هؤلء عن الكفر ،ومن ث ّ
البواب أمام الكفر ،والغزو هنا في الساس ليس غزوا ً اقتصاديًا ،بل
غزو من جانب فلسفة للحياة معادية للدين ،والهوية الثقافية المهددة
هنا هي في الساس دين المة وعقيدتها ،وحماية الهوية معناها في
الساس الدفاع عن الدين" (1).فمن أهداف العولمة الدينية-:
-1التشكيك في المعتقدات الدينية وطمس المقدسات لدى الشعوب
المسلمة لصالح الفكر المادي اللديني الغربي ،أو إحلل الفلسفة
المادية الغربية محل العقيدة السلمية.
-2استبعاد السلم وإقصاؤه عن الحكم والتشريع ،وعن التربية
والخلق ،وإفساح المجال للنظم والقوانين والقيم الغربية المستمدة
من الفلسفة المادية والعلمانية البرجماتية(2).
-3تحويل المناسبات الدينية إلى مناسبات استهلكية ،وذلك بتفريغها
من القيم والغايات اليمانية إلى قيم السوق الستهلكية ،فعلى سبيل
ول شهر رمضان المثال :استطاع التقدم العلمي والتقني الحديث أن يح ّ
)-شهر الصوم والعبادة والقرآن( -وعيد الفطر خاصة من مناسبة دينية
إلى مناسبة استهلكية(3).
ومن آثار العولمة في هذا الجانب :التحدي الخطير الذي تواجهه
الشريعة السلمية من القوى المحلية العلمانية التي تتلقى الحماية
-إن مممن ينظممر إلممى أسممواق المسمملمين فممي رمضممان ل يملممك إل أن يقممر بممأن 3
195
الدولية المعنوية والمادية باسم الحرية والديمقراطية وحقوق النسان،
ولقد انتشرت الجمعيات الهلية المدعومة غربيًا ،التي تقوم بمحاربة
الهوية الثقافية السلمية وإثارة الشبه والشكوك حول النظم
والتشريعات السلمية -وخاصة فيما يتعلق بالعلقة بين المرأة والرجل
وقضايا المرأة المسلمة -وتطالب بعضها جهارا ً نهارا ً الحكومات
والمجالس البرلمانية إصدار القوانين وفق مواثيق المم المتحدة
المتعلقة بحقوق النسان بعيدا ً عن النظم والتشريعات السلمية.
خامسًا :الهداف والثار الجتماعية والخلقية:
تكريس النزعة النانية لدى الفرد ،وتعميق مفهوم الحرية
الشخصية في العلقة الجتماعية ،وفي علقة الرجل بالمرأة ،وهذا
بدوره يؤدي إلى التساهل مع الميول والرغبات الجنسمية ،وتمرد
النسان على النظم والحكام الشرعية التي تنظم وتضبط علقة الرجل
بالمرأة .وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار الباحية والرذائل والتحلل الخلقي
وخدش الحياء والكرامة والفطرة النسانية.
ن ثقافة العولمة ثقافة مادية بحتة ل مجال فيها للروحانيات أو إ ّ
العواطف النبيلة ،أو المشاعر النسانية ،إنها تهمل العلقات الجتماعية
القائمة على التعاطف والتكافل والهتمام بمصالح وحقوق الخرين
ومشاعرهم .فهي تشكل عالما ً يجعل من الشح والبخل فضيلة ويشجع
على الجشع والنتهازية والوصول إلى الهداف بأي وسيلة دون أدنى
التفات إلى القيم الشريفة السائدة في المجتمع(1).
إن العولمة تجيز الشذوذ الجنسي والعلقات الجنسية الثمة بين
الرجل والمرأة ،بل بين الرجل والرجل .ولبيان هذا الجانب الخطير
المدمر للحياة الجتماعية في العالم السلمي تراجع وثيقة مؤتمر المم
المتحدة عن السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة في شهر سبتمبر
عام 1994م وأذكر هنا بعض التي ركزت عليها هذه الوثيقة-:
-الوطنية في عالم بل هوية ،ص ،151-150تحممديات العولمممة -د .حسممين كامممل 1
بهاء الدين.
196
-الفرد هو السماس ومصالحمه ورغباتمه همي المعيمار ،ل الديمن ول
المة ،ول العائلة ،ول التقاليد ،ول العرف .ومن حق الفرد التخلص من
القيود التي تفرض من جانب تلك الجهات.
-تتحدث عن ممارسة الجنس دون أن تفترض وجود زواج ،وعن
ممارسة الجنس بين المراهقين دون أن تستهجنه ،والمهم في نظر
الوثيقة أل تؤدي هذه الممارسة إلى الوقوع في المراض ،والواجب
توعية المراهقين وتقديم النصائح المتعلقة بممارسة الجنس ومنع
الحمل ،وتوفير منتهى السرية لهم ،واحترام حقهم في الحتفاظ
بنشاطهم الجنسي سرا ً عن الجميع.
-تستهجن الوثيقة الزواج المبكر لنه يؤدي -في نظرها -إلى زيادة
معدل المواليد.
-الجهاض :ل تدين الوثيقة الجهاض حتى ولو لم يكن ثمة خطر على
صحة الم ،المهم أن يكون الجهاض آمنا ً ل يهدد حياة الم.
-استهجنت الوثيقة المومة المبكرة -دون أن تميز بين ما إذا كانت هذه
المومة قد حدثت في نطاق الزواج الشرعي أم خارجه -لنها في
نظرها تزيد من معدلت النمو ،وتقيد المرأة من العمل والمساهمة في
النتاج.
-استخدمت الوثيقة لفظ "قرينين" بدل ً من زوجين ،فلفظ قرينين أكثر
حيادًا ،لنه ل يفترض وجود رباط قانوني معين .وهذا الحياد يجعل
الشذوذ الجنسي والعلقات الجنسية دون زواج أمرا ً جائزا ً ومقبو ً
ل.
-المساواة بين المرأة والرجل :تدعو الوثيقة إلى المساواة التامة بين
الطرفين ،وحثت المرأة على إلغاء الفوارق الطبيعية بينها وبين الرجل،
ومن ذلك :اشتراك الرجل في العمال المنزلية ورعاية الطفال أسوة
بالنساء ،دون النظر إلى اختلف الظروف القتصادية والجتماعية
والثقافية بين الرجال والنساء(1).
ومن آثار العولمة في الجانب الجتماعي زيادة معدلت نسبة
الجريمة ليس في الدول النامية وحدها ،بل في كل الدول الوربية
197
الغنية ،وقد أكد هذا المر الكاتبان اللمانيان )هانس بيتر مارتين،
وهارالدشومان( حيث قال" :ينتفع مرتكبو الجرائم متعدية الجنسيات
أيضا ً من إلغاء القيود القانونية المفروضة على القتصاد ،فعلى مستوى
كل البلدان الصناعية تتحدث دوائر الشرطة والقضاء عن طفرة بينة في
نمو الجريمة المنظمة ،وكان أحد موظفي الشرطة الدولية قد أشار
إلى هذه الحقيقة بعين العقل ،حينما راح يقول" :إن ما هو في مصلحة
التجارة الحرة ،هو في مصلحة مرتكبي الجرائم أيضًا" (1).ويضيفان":إن
النتائج المترتبة تثير الرعب بل شك ،ففي منظور الخبراء أضحت اليوم
الجريمة المنظمة عالميًا ،أكثر القطاعات القتصادية نموًا ،إنه يحقق
أرباحا َ تبلغ خمسمائة مليار دولر في العام"(2).
ومن آثار العولمة في الجانب الجتماعي أيضا ً زيادة معدلت الفقر
والبطالة وتوهين العلقات الجتماعية بين الفراد ،والظلم الجتماعي
الذي يصيب السر الفقيرة نتيجة تقليص الدولة للدعم الجتماعي لهذه
السر ،ولقد أصدرت المم المتحدة أخيرا ً تقريرا ً يفيد بأن قوى العولمة
رغم إتاحتها فرص لم يحلم بها لمنفعة بعض الشعوب وبعض الدول إل
أنها قد أسهمت في الوقت نفسه في كثير من دول العالم في رفع
معدلت الفقر والظلم والقلق على فرص العمل وإضعاف المؤسسات
التي تقدم الدعم الجتماعي للفقراء ،كما أسهمت في تفتت القيم
والعادات السائدة منذ زمن بعيد(3).
198
وسائل العولمة-:
لقد لجأت القوى الرأسمالية الغربية وعلى رأسها الوليات
المتحدة المريكية إلى الوسائل التالية من أجل تحقيق الهداف
المنشودة من وراء العولمة.
-1إنشاء التكتلت والمنظمات القتصادية والتجارية التي تمرر من
خللها السياسات والملءات لصالح العولمة ،ومن ذلك اتفاقية "الجات
" أعضاؤها 117دولة" )التفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية(،
وتكتل "النافتا" المكون من كندا وأمريكا والمكسيك والسوق الوربية
المشتركة ،و"إيباك" المكون من دول "النافتا" واستراليا ونيوزلندة
واليابان وإندونيسيا وماليزيا ،ومنظمة التجارة العالمية التي تنتمي إليها
كثير من دول العالم(1).
-2استخدام الشرعية الدولية الزائفة وعبر استغلل المم المتحدة
ومؤسساتها المالية -صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للنشاء
والتعمير -في فرض وتنفيذ الملءات والقرارات السياسية والقتصادية
التي تضر بالدول والشعوب وتحقق المصالح العليا لمريكا وحلفائها(2).
-3تقديم الدعم القتصادي والمعنوي للنظمة والحكومات المعادية
للسلم ،وفرض سياسة الحصار والتجويع على النظمة المتمردة على
الرادة المريكية ،أو النظمة التي تسعى إلى اتخاذ السلم منهجا ً
وشريعة للحياة .واستخدم العقوبات الدولية التي تفرضها أمريكا-من
-لقممد فصممل الحممديث عممن المنظمممات والتكتلت القتصممادية العالميممة د .حسممين 1
شحاته في كتابه "النظام القتصادي العالمي واتفاقيممة الجممات" دار البشممير للثقافممة
والعلوم ،طنطا 1998م.
- 2انظر السلم والعولمة ،ص ،150العولمة ،محمد سعيد أبو زعرور ،ص ،42من
الملحظ أن العولمة ترتكز اقتصاديا ً على ثلث ركائز هي-:
)أ( النظام النقدي العالمي ويشرف عليه صندوق النقد الدولي.
)ب( النظام الستثماري العالمي بإشراف البنك الدولي.
)ج( النظام التجاري العالمي بإشراف وإدارة منظمة التجارة العالميممة والممتي تعمممل
بالتنسيق مع الشركات الكبرى العابرة للقوميات.
199
خلل المم المتحدة -طبقا ً لمعاييرها الخاصة التي تحقق أهداف
العولمة.
-4تقييد الحكومات في العالم السلمي بالتفاقيات المجحفة الظالمة،
كاتفاقية منع انتشار السلحة النووية والكيماوية في الوقت الذي يسمح
فيه لليهود ومن على شاكلتهم بامتلك تلك السلحة وتطويرها.
-5تسخير القوى العلمانية الداخلية من الكتاب ورجال العلم والتربية
لصالح العولمة والستفادة من جهود المستشرقين وقادة الغزو
الفكري.
-6كتم الصوت السلمي المعبر عن آمال المة وتطلعاتها في الحرية
والستقلل وعدم التبعية للسيطرة الغربية.
-7الكثار من المنظمات والجمعيات والمؤسسات الخدماتية الهلية
ذات الهداف اللدينية ودعمها ماليا ً ومعنويًا.
-8إحلل الثقافة الغربية من خلل نشر اللغة النجليزية من خلل
الزياء والمأكولت والمنتوجات الغربية وإقامة المطاعم المريكية
)ماكدونالد( وإقامة شركات إنتاج المواد الغذائية المريكية ومن أمثلتها
شركة )كوكا كول( للمشروبات الغازية.
-9استخدام وسائل الدعاية والعلم وشبكات التصال الحديثة كالقمار
الصناعية والقنوات الفضائية وشاشات الحاسوب لحداث التغيرات
المطلوبة لعولمة العالم(1).
-10التوسع في قبول الطلب الجانب في الجامعات والمعاهد الغربية،
ففي أمريكا وحدها أكثر من عشرين ألف جامعة ومعهد مهمتها القيام
بالبرامج الثقافية التي ترسخ لديهم الثقافة الغربية وتستخدمهم وسائل
للعولمة.
-11استخدام ما يسمى بالديمقراطية وحقوق النسان واعتبارات
الحياة المعاصرة ومواثيق المم المتحمدة في محاربة منظومة القيم
والخلق والتشريعات السائدة في المجتمعات السلمية.
-السلم والعولمة ،ص ،98-97العولمة ،محمد سعيد أبو زعرور ،ص .42 1
200
-12المؤتمرات القتصادية ومؤتمرات التنمية والسكان التي تعقد في
كافة دول العالم ،واستخدامها للترويج لثقافة وفكرة العولمة.
-13تنظيم المهرجانات الفنية الغنائية والموسيقية واللقاءات الشبابية
التي تشترك فيها فرق ووفود من كل أنحاء العالم.
-14استغلل المرأة عبر دعوات لتحقيق المساواة بينها وبين الرجل،
وسن قوانين عالمية بحجة حماية حقوق المرأة.
-15سياسة السوق وفتح المجال أمام الشركات المريكية والشركات
الكبرى متعددة الجنسيات للقيام بالستثمار غير المباشر في دول
العالم والعتماد على خوصصة الشركات والمؤسسات القتصادية
والخدماتية الوطنية والحكومية ،أي نزع ملكية الوطن والمة والدولة لها
ونقلها للخواص من الداخل والخارج لضعاف سلطة الدولة والتخفيف
من حضورها لصالح ظاهرة العولمة ،ومن ثم إحداث هزات مالية في
أسواق العالم ،وفتح السواق المحلية أمام السلع ورؤوس الموال
والمعلومات الوافدة ،وهدم السوار الجمركية والقيود أمام التجارة
الدولية ،وعدم إعطاء الدعم لبعض السلع بحجة أن ذلك يضر التنمية،
وتسريح الجيوش أو الحد من أعدادها وخوصصة القطاع العام ،وتخلي
الدولة عن دورها في إدارة اقتصادها وحمايته وفق رؤيتها ومصالحها
الخاصة(1).
-العولمة ،د .جلل أمين ص ،28-27العولمة ،محمممد سممعيد أبممو زعممرور ص -44 1
،45م ،49الوطنية فممي عممالم بل هويممة -تحممديات العولمممة -مرجممع سممابق -ص ،74
العولمة وآليات التهميش في الثقافة العربية -مصدر سابق ،ص .14
201
ووسائل العلم التي يسيطر عليها اليهود ولذا فإن كل من يفكر في
الوصول إلى البيت البيض يجب عليه أن يسترضي اليهود ويخضع
لبتزازاتهم ،وينحني صاغرا ً أمام الصهيونية ،وإذا كانت مؤسسات المم
المتحدة من أهم الوسائل التي تستخدمها الوليات المتحدة في
العولمة ،فأنا نجد اليهود قد استطاعوا السيطرة على المم المتحدة
منذ إنشائها ،وتغلغلوا إلى معظم مؤسساتها ودوائرها ومكاتبها
المختلفة ،يقول الكاتب المريكي دوجلس ويد):إن رؤساء أمريكا ومن
يعملون معهم ينحنون أمام الصهيونية كما لو كانوا ينحنون أمام ضريح
له قداسته() ،(1بل وصل بعض اليهود إلى رئاسة الوليات المتحدة
المريكية(2).
لقد استطاع اليهود أن يسيطروا على معظم المؤسسات
القتصادية ،فمن شركات البترول إلى الشركات الصناعية والبنوك
والبورصة ،وسيطروا على العلم ووسائله المختلفة وأسسوا دور
السينما وصناعة الفلم وتولوا أماكن الصدارة في مجلس الشيوخ
والنواب ،وعملوا كمستشارين للرؤساء المريكيين في الشؤون المالية
والسياسية والمنية ولقد مكن لهم بعض الرؤساء المريكان اليهود أصل ً
أمثال -روزفلت -من السيطرة على اقتصاديات البلد ومواردها،
والوصول إلى الوظائف العامة في وزارات الدفاع والخارجية والقتصاد
والمخابرات ،بل تمكن بعض اليهود من الوصول إلى رئاسة الوليات
المتحدة المريكية.
واليوم يسيطر اليهود على القرار السياسي والقتصادي والمالي
والشؤون المنية في الوليات المتحدة المريكية ،وكما هو معلوم فإن
سبعة أعضاء يتبوءون أعلى مراكز الصدارة في البيت البيض ويرسمون
السياسة الداخلية والخارجية لمريكا ،خمسة منهم من اليهود ،ومن
هؤلء السيدة مادلين أولبرايت في وزارة الخارجية ،وليم كوهين في
-وثيقة الصهيونية ،جورجي كنعان ،دار اقرأ ،الطبعة الثالثة 1985م ،ص .142 1
202
وزارة الدفاع ،ساندي بيرغر مستشار الرئيس كلينتون لشئون المن
القومي.
-2لقد استطاع اليهود أن يتغلغلوا في عقلية الشعب المريكي وأن
يغزوه في عقيدته الدينية ،حيت استغلوا المجامع الكنسية والمؤتمرات
الدينية ،ووضعوا التفسيرات والشروحات الدينية للعهد القديم ،وتمكنوا
من أن يجعلوا الرأي العام المريكي ينطلق من المرتكزات الصهيونية
في السياسة والفكر والدين.
-3إن اليهودية العالمية لها نفوذ واضح في كثير من الدول الوربية
خاصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا ،فهم يسيطرون في هذه الدول
على كثير من المؤسسات القتصادية كالبنوك والشركات الصناعية
والتجارية والمناجم وأسهم شركات البترول ،وامتلكوا كثيرا ً من الصحف
الكبرى التي تسير الرأي العام بل وتصنعه لصالح السياسة الصهيونية
العامة في الشرق الوسط.
-4ولما أنشئت هيئة المم المتحدة تغلغل اليهود والماسونيون إلى
دوائرها ومكاتبها المختلفة وبالتالي استغللها لتحقيق أهدافهم الشريرة
في السيطرة على العالم ،ومن ذلك :مكتب السكرتارية لهيئة المم
المتحدة الذي هو أهم شعبة فيها ،ومراكز الستعلمات ،وشعبة القسام
الداخلية ،ومؤسسة التغذية والزراعة ،ومؤسسة التعليم والثقافة والفن
"اليونسكو" ،وبنك العمار الدولي ،وصندوق النقد الدولي ،ومؤسسة
الصحة العالمية ،ومؤسسة اللجئين الدولية ،ومؤسسة التجارة الدولية.
)(1
-5ومن خلل دراسة الوثائق اليهودية يتبين للقارئ دور اليهودية
العالمية في صناعة الحداث أو في استغللها لصالح مخططاتهم التي
تستهدف السيطرة على العالم كله من خلل تأسيس جمهورية
ديمقراطية عالمية .إذا أن من أهداف الحركة الماسونية -التي أسسها
-أسرار الماسونية الجنرال جواد رفعت آتلخان ،الزهراء للعلم العربممي -الطبعممة 1
الولممى 1410هممم1990 -م ،ص ،71-61وذكممر فممي هممذا الكتمماب أسممماء اليهممود
ووظائفهم داخل مؤسسات هيئة المم المتحدة.
203
ويديرها اليهود -إقامة دولة عالمية ل دينية ،وقد نص على ذلك الهدف
المؤتمر الماسوني العالمي المنعقد في باريس سنة 1900م(1).
-6وتحدثت بروتوكولت حكماء صهيون عن المخطط اليهودي لحكم
العالم من خلل الحكومة اليهودية العالمية ،وللوصول لهذا الهدف ل بد
من استغلل النشاط القتصادي والصناعي والتجاري ،وإتاحة الحرية
لرأس المال لكي يصل إلى مرحلة سيادة الحتكار في كل مجالت
التجارة والصناعة ،وتخريب القتصاد للحكومات والشعوب الخرى عن
طريق المضاربة والقروض وزيادة السعار للسلع الساسية الضرورية
ولصناعة الرأي العام لصالح اليهود ل بد من السيطرة على وسائل
العلم.
ومن المعلوم أن اليهود وضعوا مخططاتهم للسيطرة على العالم
فيما يسمى )بروتوكولت حكماء صهيون( ،ومن يدرس هذه
البروتوكولت يستطيع أن يعقد وبكل سهولة مقارنة دقيقة بين ما
تضمنته هذه البروتوكولت وما يسود العالم من أوضاع سياسية
واقتصادية الن ،فكل وسائل العولمة التي سبق ذكرها قد نصت عليها
البروتوكولت الربع والعشرون .وأكثر وسيلة ركزت عليها في الوصول
إلى حكم العالم وجعله خاضعا ً لحكومة واحدة :النشاط القتصادي
والتحكم في حركة التجارة العالمية ،وإيجاد أزمات اقتصادية عالمية،
والسيطرة على مقدرات المم ومواردها المالية).(2
-7ومن الوثائق اليهودية القديمة التي تكشف عن حقيقة مشروع
العولمة ،وأنه ضمن خطة يهودية هدفها الهيمنة على العالم ،ما نشرته
جمعية "القباله" (3).اليهودية .جاء فيها" :وبفضل قرية السلم العامة
التي جعلناها بمنزلة الصلة اليومية للنسانية جمعاء لكثرة ما تحدثت
كتاب بروتوكولت حكماء صهيون ترجمة محمد خليفة التونسي أو ترجمة أحمد عبد
الغفور العطار أو ترجمة علي الجوهري
دس عند اليهود.
-القبالة:كتاب مق ّ 3
204
عنها إذاعتنا ،سوف نحطم أعصاب البشرية برمتها ،وسنركز جهدنا على
تذكير الناس بالهوال المرتقبة من الحروب لنرهبهم ،ونجعلهم
يلتمسون تجنبها مهما كان الثمن ،عندها سنخرج عليهم بفكرة الدولة
العالمية الواحدة ،بحجة أنها الوسيلة الفريدة للحيلولة دون قيام
الحرب ،بينما سيكون هدفنا الحقيقي منها التمهيد لزالة الفوارق
العنصرية والدينية لتنصرف الشعوب المعادية لنا عن مراقبتنا ،والتحري
عن خفايا مناهجنا ،ومن ثم إضعاف النزعات القومية والوطنية بين
أفرادها ،وليهامها بنبل مقاصد دعوتنا سنروج لفكرة التعاون القتصادي
بين الدول بحجة السعي لرفع مستوى الشعوب المختلفة ،وسنشجع
الدول الرأسمالية الخاضعة لنا على منح القروض للدول الخرى،
ولغفالها عن مراقبتنا سنبادر إلى السهام بقسم من هذه القروض،
ومن المؤكد أن الدول الكبرى ستلبي دعوتنا لتظهر بمظهر المحبة
للخير والنسانية ومن جهة ثانية لتسيطر -بزعمها -على الدول التي
ح زعمها هذا فتكون في الواقع قد ستتلقى منها القروض وإن ص ّ
أخضعت تلك الدول لمشيئتنا بصورة غير مباشرة ،باعتبارها هي نفسها
خاضعة لنا ،وبهذه الطريقة سنوزع ما تبقى من الثروات في حوزة
وة
الشعوب الخرى دون أي أمل في تحقيق الغاية القتصادية المرج ّ
من هذا التوزيع على العالم"(1).
إسرائيل والعولمة-:
لم تنصاع إسرائيل إلى تيار العولمة الذي اكتسح دول العالم
السلمي ،فما زالت إسرائيل كدولة تتدخل في القتصاد والمجتمع،
وتتمسك بقوتها العسكرية وتعمل على تنميتها ،وزيادتها عددا ً وعتادًا،
وترفض بشدة وقف أي نشاط وتقدم في عملية التسلح وترفض بشدة
التوقيع على اتفاقيات منع السلح النووي والسلحة الكيماوية ،وهي ل
تتلقى التوجيهات من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي للنشاء
-مكائد يهوديممة ،عبمد الرحمممن حسممن الميممداني ،دار القلممم ،بيمروت -دمشمق ص 1
.447-437
205
والتعمير ،كشأن كثير من دول العالم ،ويخضع القطاع الخاص في
مجالي القتصاد والصناعة ونحوهما باستمرار للعتبارات التي تمليها
مصالح الدولة العليا ول تسمح بتجاوزها.
وتطرح إسرائيل تصورها الخاص للعولمة فيما يعرف بمشروع
)الشرق أوسطية( وترّوج له ،وتحاول فرضه على دول الشرق الوسط
المحيطة بها .وإذا كانت هذه العولمة تعني انتهاء عصر اليديولوجيا
)الدين والعقيدة( والنفتاح على الخر وعدم التمسك بالولء للوطن أو
المة ،فإن إسرائيل تتمسك بأيديولوجيتها وترفض النفتاح على الخر
والتفاعل معه ،بل تريد من الخر النفتاح عليها لتعمل هي على التأثير
فيه وفق مصالحها ومخططاتها الستراتيجية المستقبلية .وتتمسك
بالولء التقليدي للوطن )إسرائيل( والمة )اليهود شعب الله المختار(
وتمارس الحروب باستمرار لثبات سطوتها وفرض هيمنتها في
المنطقة وتتلقى الدعم المادي والسياسي من القوى الستعمارية
الغربية(1).
إن إسرائيل تسعى جادة لعولمة الشرق الوسط لحسابها الخاص،
ولقد طرح شمعون بيرز رئيس الوزراء السرائيلي السابق مشروع
الشرق الوسطية ،وهو مشروع للعولمة يستند إلى فكرة أن النسان
العربي إنسان اقتصادي مستهلك وأيدي عاملة ،وأن النسان السرائيلي
إنسان اقتصادي مفكر ومنتج .ولقد صرح شمعون بيرز بأفكاره في
عولمة المنطقة لحساب إسرائيل في كثير من الندوات واللقاءات
القليمية والدولية ،ففي لقائه مع المثقفين المصريين قال بيرز":إن
الشعب اليهودي يريد فقط أن يشتري ويبيع ويستهلك وينتج ،وعظمة
إسرائيل تكمن في عظمة أسواقها" .فالسوق في نظر بيرز هو المعيار
الساسي وهو المكان الذي نتبادل فيه السلع والفكار) ،(2ولما كان
ن إسرائيل تتفوق على جيرانها في استخدام التقنية الجدية في معلوما ً أ ّ
-العولمة ،د .جلل أمين ص ،30-29العولمة ،محمممد سممعيد أبممو زعممرور ص -50 1
.51
-السلم والعولمة ،محمد المبروك ص .88 2
206
النتاج فمعنى ذلك أن بيرز يريد من السواق العربية أن تصبح أسواقا ً
استهلكية للسلع والمنتوجات السرائيلية وما يصاحبها من ثقافة وفكر
صهيوني يريد أن يتسلل من خللها إلى حصون وقلع المسلمين في
عقر دارهم.
وأفكار عولمة الشرق الوسط ليست وليدة أفكار جديدة لبيرز
وليست نشأتها مرتبطة بعقد اتفاقيات السلم مع إسرائيل التي بدأت
بمعاهدة كامب ديفيد مع مصر سنة 1979م ثم باتفاقية أوسلو مع
منظمة التحرير واتفاقية وادي عربة مع الردن ،بل نشأت أفكار العولمة
السرائيلية منذ أكثر من ثلثين سنة من خلل دراسات علمية جادة قام
بها الخبراء السرائيليون في المجالت العسكرية والقتصادية والعلمية
ومن أهمها-:
ل :الدراسات المستقبلية: أو ً
-1دراسة الشرق الوسط عام 2000م :أصدرتها رابطة السلم في تل
أبيب سنة 1970م وتتضمن تصور مجموعة من الكاديميين والمفكرين
السرائيليين للحياة في منطقة الشرق الوسط في نهاية القرن انطلقا ً
من فرضية إحلل السلم القتصادي في المنطقة ،ويترتب على ذلك:
إزالة العوائق والحدود بين إسرائيل والدول العربية ،وحرية انتقال
السلع والخدمات وعناصر النتاج سواء من خلل سوق مشتركة للشرق
الوسط ،أم سوق مشتركة لدول البحر المتوسط تضم إسرائيل والدول
العربية والدول الوربية المطلة على البحر المتوسط على أن تستحوذ
إسرائيل على النصيب الكبر في إدارة هذه السوق ،وأن تكون قلب
المنطقة ومركز إدارتها وأساس تطورها القتصادي والتكنولوجي وفي
مجال البحوث العلمية ،واقترحت الدراسة إقامة المجمعات الصناعية
بين إسرائيل ودول الجوار العربي.
-2دراسة لمعهد "هورفينز للسلم" نشرت عام 1972م تناولت
الوضاع القتصادية في إسرائيل والعالم العربي في السبعينات،
وذكرت فرضيات لقوة إسرائيل القتصادية المستقبلية.
207
-3دراسة أعدها معهد "فان لير" في القدس عام 1978م بعنوان
عندما "يأتي السلم . .الحتمالت والمخاطر" شارك في إعدادها
مجموعة مختارة من الباحثين والكتاب في إسرائيل من أصحاب
الخبرات في مجال الدراسات الستراتيجية والسياسية والقتصادية
والثقافية والعلمية.
ثانيًا :الدراسات التخطيطية:
مع تزايد احتمالت السلم في المنطقة وبخاصة منذ زيارة
الرئيس المصري الراحل أنور السادات انشغلت مراكز البحاث
السرائيلية في الوزارات بإعداد عشرات الدراسات التخطيطية حول
علقة إسرائيل بالوطن العربي .منها-:
-1دراسة أعدتها وزارة المالية وهي تطوير لبحوث "افرايم ديبرت"
المستشار للوزارة التي كان أعدها سنة 1970م.
-2دراسة من بنك إسرائيل بتطوير أبحاث "عيزر سيفر" التي أعدها
من قبل.
-3مشروعات ودراسات أعدتها وزارات الصناعة والسياحة والتجارة
والطاقة والزراعة.
-4مشروعات الجامعات ومراكز البحاث العلمية ومن أشهرها مشروع
بحث التعاون القتصادي في الشرق الوسط الذي أعدته جامعة تل
أبيب.
وأهم المشروعات التي نالت أهمية خاصة-:
-1مشروع مركز الرصاد التكنولوجي المتفرع عن دائرة القتصاد
بجامعة تل أبيب الذي بدأ العمل به في عام 1981م وهو يتناول
مجالت الطاقة والمواصلت والصناعة والمياه بالشرق الوسط.
-2مشروع التعاون القتصادي في الشرق الوسط الذي يعرف بم
"مشروع مارشال الخاص بشمعون بيرز") .(1وقد بدأت فكرة المشروع
-1اقترح شمعون بيرز خلل زيممارته للمممارات المتحممدة فممي أبريممل 1986م اعتممماد
مشروع مارشال للشرف الوسط على غرار مشممروع مارشممال لوربمما الغربيممة بعممد
الحممرب العالميممة الثانيممة ،وفممي سممنة 1992م طممرح بيممرز تصمموراته حممول الشممرق
208
تظهر للوجود بعد اتفاقية كامب ديفيد من قبل سياسيين ورجال أعمال
وأصحاب رؤوس أموال ،وجرى تبادلها في عدد من الجتماعات في
أمريكا وفرنسا وإسرائيل(1).
الوسط أمام المعهد القومي لدراسات الشرق الوسط في القاهرة ثم نشر أفكاره
سنة 1993م في كتاب له بعنوان )الشرق الوسط الجديد( ،انظر لمشروع الشممرق
أوسطي ،ص .8،11-7
-1انظر هذه الدراسات والمشروعات في كتمماب "السممتراتيجية السممرائيلية لتطممبيع
العلقات مع البلد العربية :محسن عوض ،مركز دراسات الوحممدة العربيممة ،بيممروت،
الطبعة الولى 1988م ،ص .42-29
-انظر المشروع الشرق أوسطي ،ص .46 2
209
إسرائيل مركزا ً متفوقا ً ومتميزا ً اقتصاديا ً وسياسيا ً وعسكريًا ،وتقوم فيه
بدور القوة القليمية المهيمنة والعظمى).(1
لقد نشر شمعون بيرز رئيس وزراء إسرائيل السبق مخطط الشرق
أوسطي في كتابه الذي أصدره عام 1993م تحت عنوان "الشرق
الوسط الجديد" وأهم أفكار بيرز هي-:
-1استخدام القتصاد في غزو دول الشرق الوسط بدل الدبابة "الخبز
مقابل الدبابة" .وتقوم نظرية بيرس على مقولة :إن القتصاد هو مفتاح
السياسة ،وأن من يسيطر على مشاريع القتصاد في بلد ما يستطيع
في النهاية إملء السياسة التي يراها مناسبة.
-2إن إسرائيل ستقوم بدور المركز والقائد والقوة الساسية لتحويل
النظام القليمي الجديد إلى قوة عظمى على غرار التحاد الوروبي
وبالتعاون والتنسيق معه.
-3التعاون السرائيلي العربي فالعرب يملكون المال والنفط واليدي
العاملة وإسرائيل تملك العلم والعقل.
وهذا كله يحقق لسرائيل أن تصبح القوة القتصادية الولى في
المنطقة ،وبالتالي تحقق حلمها بأن تكون الدولة العظمى اقتصاديا بدل
إسرائيل الكبرى جغرافيًا ،ولقد صرح بهذا الهدف شيمون بيرز حرفميا ً
عندما قال) :إن إسرائيل تواجه خيارا ً حادا ً أن تكون إسرائيل الكبرى
اعتمادا ً على عدد الفلسطينيين الذين تحكمهم أو أن تكون إسرائيل
الكبرى اعتمادا ً على حجم السوق التي تحت تصرفها( .ويعتبر بيرز أن
الشرق أوسط الجديد هو الذي يحل مشاكل المنطقة ويقضي عليها،
يقول" :أنا أقول أنه لن يكون هناك أي حل دائم إذا لم يصبح هناك
شرق أوسط جديد").(2
-انظر المشروع الشرق أوسطي ،م فتحممي شممهاب الممدين ،دار البشممير ،القمماهرة 2
210
وسائل العولمة السرائيلية-:
-1التعاون المني ،ونزع السلح المؤثر وفرض مناطق أمنية وإقامة
أجهزة النذار المبكر داخل الدول العربية وخاصة الدول المجاورة،
وتقييد تطوير القدرات الدفاعية العربية ،وتقليل النفقات العسكرية،
وإحباط أي جهود لتنمية القدرات النووية.
-2تطبيع العلقات الدبلوماسية والسياسية بين إسرائيل والدول
العربية.
-3التفاقيات القتصادية الثنائية ،وفتح السواق للمنتوجات السرائيلية
ذات الجودة والمواصفات القياسية العالمية.
-4إقامة المشاريع القليمية المشتركة في المجالين الصناعي
والتجاري والطرق البرية والموانئ البحرية والمطارات.
-5استثمار مزيد من الموال السرائيلية في دول المنطقة من خلل
إقامة المصانع والمؤسسات القتصادية وشراء العقارات وأسهم
شركات القطاع الخاص الناجحة ،ومن ذلك قيام مركز بيرس للسلم
بشراء أسهم في شركة التصالت الفلسطينية وهي من كبرى شركات
القطاع الخاص الفلسطيني على الطلق).(1
-6تغيير المناهج الثقافية في الدول العربية لتحقيق الهداف التالية-:
أ -طمس روح العداء والكراهية تجاه اليهود.
ب -مودة اليهود ومحبتهم وموالتهم.
ج -القرار بوجود اليهود وحقهم التاريخي في أرض فلسطين والقبول
بالساس العقائدي الصهيوني لدولة إسرائيل.
-7إقامة اللقاءات الشبابية بين الشباب اليهودي وغيرهم من الشباب
العربي ،يقول نحميا ستراسلر )أحد أبرز المعلقين القتصاديين اليهود(:
إن أكثر من سبعين في المائة من الموال التي يجمعها مركز بيرس
للسلم من الدول المانحة واليابان ) -استطاع بيرس أن يجمع ثلثمائة
مليون دولر من هذه الدول( -لصالح مشاريع في الراضي الفلسطينية
من أجل تعزيز فرص السلم بين الشعبين اليهودي والفلسطيني
-انظر جريدة الرسالة -الفلسطينية -عدد 27 ،162ربيع الول 1421هم ،ص .6 1
211
وإنعاش القتصاد الفلسطيني تصرف على برامج اللقاءات الشبابية
وآليات التطبيع الثقافي والسياسي والجتماعي ،ومن ذلك إقامة
المخيمات الصيفية في المنتجعات الوربية والمريكية(1).
-8السماح بتدفق الفكار والدبيات السرائيلية داخل العالم العربي،
وإيجاد علقات إنسانية وطبيعية وتلقائية بين اليهود وشعوب المنطقة.
-9عقد المؤتمرات القتصادية الدولية في المنطقة العربية بمشاركة
إسرائيل ،وكلها تروج لفكار إسرائيل في عولمة الشرق الوسط
اقتصاديا ً ومن ذلك-:
أ -القمة القتصادية الولى في المغرب من - 30/10/94
1/11/1994م).(2
ب -القمة القتصادية الثانية في عمان من - 29/10/95
31/10/1995م.
ج -القمة القتصادية الثالثة في القاهرة من - 12/11/96
14/11/1996م.
د -القمة القتصادية الرابعة في الدوحة بقطر من - 16/11/97
18/11/1997م .وقد عرضت في هذه المؤتمرات عشرات المشاريع
القتصادية والصناعية التي تصب في مصلحة إسرائيل بالدرجة الولى.
-10استخدام المعونات المريكية بربطها بتنمية اتجاهات موالية
للسياسة المريكية الداعمة للمشروع السرائيلي وتعزيز أهدافها لدى
الجهات المتلقية للمعونة.
-إن الذي نظم هذا المؤتمر مجلممس العلقممات الخارجيممة المريكممي فممي نيويممورك 2
212
-11إيجاد مجال للتواصل مع بعض التيارات السياسية والفكرية ،وتجلى
ذلك في حركات السلم الفلسطينية والمصرية ،الزيارات المتبادلة التي
يقوم بها رجال العلم والصحافة وإقامة المعارض الفنية بالتبادل.
وزيارة البرلمانيين بالتبادل ،ومشاركة المؤسسات العلمية والدبية
والعلماء اليهود في المؤتمرات العلمية وزيارتهم للمؤسسات التربوية
والكاديمية.
-12التحالف مع القليات الدينية والعرقية في المنطقة ،كالعلقة
المميزة لسرائيل مع موارنة لبنان وكالتحالف الوثيق مع النصارى في
جنوب السودان ومساعدتهم عسكريا ً في حربهم ضد الحكومة
السودانية.
-13محاربة الحركات والجماعات السلمية المجاهدة وتجفيف منابع
ومصادر الصحوة السلمية التي تحمل روح العداء لسرائيل عبر
مشاريع عدة منها-:
أ -إقامة علقات جوار ولقاءات متعددة مع جامعة الزهر.
ب -إجراء حوار ديني وثقافي على المستوى الشعبي ،عبر لقاءات
مؤتمرات لتباع الديان الثلثة.
ج -إقامة اللقاءات الثقافية والترويحية بين الشباب ،لجراء عمليات
غسيل دماغ لصالح الوجود اليهودي وإثارة العداء ضد أعدائها وتشويه
الفكر السلمي الرافض لوجود دولة لليهود في قلب العالم السلمي.
د -التخويف المستمر من الجماعات السلمية والتأكيد على دورها في
عرقلة السلم والتطبيع والتنمية القتصادية.
هم -المواجهة المباشرة لهذه الحركات بالقتل والعتقال والمطاردة
والمحاكمات الظالمة والقمع المنهجي المنظم المستمر لبنائها،
وإسكات الصوت السلمي في الجامعات والنقابات والتحادات المهنية
والطلبية.
و -تشويه الجهاد السلمي ،واعتباره إرهابا ً وتخريبا ً وأعمال عنف،
والتقليل من فاعليته في المواجهة.
213
ز -الستفادة من التعاون المني المشترك لمحاصرة الجهاد السلمي
وتطويقه ومنعه(1).
الباب الثالث
الحركات الهدامة والفرق الضالة
الفصل الول :الماسونية
214
الفصل الثاني :القاديانية
215
الفصل الول
الماسونية
الماسونية لغة:
أصل التسمية باللغة النجليزية ) (Free-Masonryفري ماسون،
أي البّناء
الحر ،وباللغة الفرنسية ((Franc-Maconفرانك ماسون ،أي البّناء
الصادق ،وقد ترجمت الكلمتان إلى اللغة العربية بكلمة :الماسونية أو
الفرماسونية أو الفرمسون كما تلفظ في بلد الشام ،أو الفرمصون كما
تلفظ في العراق.
فالماسونية لغة إذًا :البناءون الحرار أو الب َِناء الحر .والبناءون الحرار
هم الذين بنوا هيكل سليمان).(1
الماسونية اصطلحًا:
هي منظمة يهودية إرهابية مغلقة غامضة محكمة التنظيم تهدف
إلى سيطرة اليهود على العالم عن طريق تقويض الديان-غير اليهودي-
والخلق ،وإشاعة اللحاد والباحية والفساد ،واستخدام الشخصيات
المرموقة في العالم ،يوثقهم عهد متين بحفظ السرار وتنفيذ ما ُيطلب
)(2
منهم.
وعّرفها :جواد رفعت آتلخان بقوله":الماسونية :هي السم الجديد
للشريعة اليهودية المقنعة .ورموزها وتقاليدها يهودية )قبال() ،(3وأنها
ض مظلم ،وتدثرت بضباب قاتم من الكاذيب والراجيف التفعت بما ٍ
الخانقة ،وأن ارتباطها مع اليهودية والتوراة المحّرفة من الوضوح
-1انظر :أوقفوا هذا السرطان -حقيقة الماسونية وأهدافها -د .سيف الممدين البسممتاني ص
.20
-2الموسوعة الميسرة في الديممان والمممذاهب المعاصممرة ،إصممدار النممدوة العالميممة
للشباب السلمي ص 449
-3القبال :كتمماب مقممدس عنممد اليهممود وهممو مزيممج مممن الفلسممفة والتعمماليم الروحيممة
والسحر والشعوذة ،متعارف عليه قديما ً عندهم.
216
لستنادها إلى آيات التوراة المحرفة لتعظيم مثلها العلى المتمثل في
الستاذ حيرام."..وحيرام هو عريف البنائين في بناء هيكل سليمان في
)(1
القدس.
نشأة الماسونية:
نظرا ً لما أضفاه اليهود على الماسونية من أسرار وطلسم
وغموض في جميع أدوارها ومراحلها ،فإن المؤرخين قد اختلفت آراؤهم
وتباينت أقوالهم في أصل الماسونية وبدء نشأتها والسم الساسي لها،
ولقد ذهب الباحث المؤرخ محمد عبد الله عنان إلى أن الماسونية من
دامة التي مازالت قائمة حتى عصرنا أقدم الجمعيات السرية اله ّ
الحاضر ،وأن منشأها ما زال غامضا ً مجهول.
ً )(2
الماسونية منشئة إسرائيل د .محمد علي الزعبي ،تبديد الظلم عوض الخوري،
أوقفوا هذا السرطان -حقيقة الماسونية وأهدافها .د .سيف الدين البستاني ص 35
وما بعدها ،المذاهب المعاصرة وموقف السلم منها د .عبد الرحمن عميرة ص 28
،55 -الموسوعة الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ،450-449حقيقة
الماسونية د .محمد علي الزعبي ،الماسونية أحمد عبد الغفور عطار ،الماسونية
ذلك العالم المجهول د .صابر طعيمة.
217
التنكيل بالنصارى واغتيالهم وتشريدهم ،ومنع دينهم من النتشار ،ومن
م إرجاع العالم إلى اليهودية.ث ّ
مت في ون هؤلء الثلثة منظمة أو جمعية سرية ،ض ّ وقد ك ّ
اجتماعها الول تسعة أشخاص عقدوا اجتماعها السري في العاشر من
أغسطس عام 43م في أحد أبنية قصر هيرودوس -الذي أطلق عليه
اسم ملك اليهود -وقد تسمى مكان الجتماع باسم هيكل سليمان
تخليدا ً لهيكل سليمان الذي تنبأ المسيح عليه السلم بتقويضه وهدمه.
وأقسم العضاء التسعة يمينا ً مغلظا ً وهم يضعون أيديهم على التوراة،
ملخصه :المحافظة على أسرار جمعيتهم وعدم إطلع الخرين على
أعمالها ونشاطها ،وعدم إلحاق الضرر بأي من أعضائها ،واتباع مبادئها
وتنفيذ قراراتها بكل دقة وأمانة ،وأن من يخون هذا اليمين يستحق
الموت بأي طريقة يختارها باقي أعضاء الجمعية.
أسست الجمعية أول محفل لها في القدس سمي بم "محفل
أورشليم" واختاروا دهليزا ً لعقد اجتماعاتهم السرية فيه.
استمرت جمعية القوة الخفية في نشاطها ضد النصارى
والنصرانية قتل ً وتعذيبا ً واضطهادا ً وترويجا ً للشاعات حولهم وحولها،
إلى أن مات هيرودس في أواخر عام 44م نتيجة مرض شديد أصيب
به ،وكان آخر كلماته لتباعه قبل موته" :حافظوا على السر واظبوا
على العمل ،اشتغلوا ول تملوا."...
تولى حيروم آبيود زعامة الجمعية بعد موت مؤسسها ،وأول عمل
اتجه إليه هو إضافة اسم جديد إلى اسم "هيكل أورشليم" هو "كوكب
الشرق العظم" بغرض إيهام الناس بأن النور الحقيقي لهدايتهم هو
هذا الكوكب أي كوكب القوة الخفية..وبعد موت حيروم خلفه في
الزعامة "موآب لوى" ،وظل في هذا المنصب إلى أن هلك عام 55م.
تلك هي البداية الولى في نشأة الحركة الماسونية وهناك
مرحلة أخرى حديثة لظهورها ،وخاصة في أوربا.
ذهب كثير من الباحثين الراصدين لتاريخ الماسونية وأنشطتها
ومخططاتها إلى أن سنة 1770م هي البداية الثانية لهذه الحركة.
218
وقالوا في ذلك :إن آدم وآيزهاويت ،مسيحي ألماني ،عمل أستاذا ً
لعلم اللهوت في جامعة "أنفولد شتات" اللمانية ،ارتد وألحد ،قد اتصل
به بعض الماسونيين ،وطلبوا منه إعادة تأسيس الحركة الماسونية على
أسس حديثة ،ووضع خطة جديدة للسيطرة على العالم عن طريق نشر
اللحاد وفرضه على البشرية جميعًا.
في عام 1776م أنهى آدم وايزهاويت مشروع الخطة الحديثة
للماسونية ،ووضع أول محفل ماسوني في هذه الفترة ،وهو "المحفل
النوراني" نسبة إلى الشيطان الذي يقدسونه.
خطة آدم وايزهاويت:
تقوم الخطة الماسونية الحديثة التي وضعها هذا الرجل على ما
يلي:
-1تقويض الديان-المسيحية والسلم ،-وتدمير الحكومات الشرعية.
-2تقسيم الجويم -المم غير اليهودية -إلى معسكرات تتصارع فيما
دها بالسلح ،وإحداث المنازعات والخصومات بينها بشكل دائم ،ثم م ّ
بينها ،ليحدث التقاتل والتصادم العسكري.
-3بث سموم النزاع والشقاق داخل البلد الواحد ،ليتصارع الفراد،
ولتتصارع الجماعات والحزاب ،حتى تتقوض الدعائم الدينية والخلقية
والمادية في البلد.
-4ثم ليتحقق الهدف المنشود :وهو تقويض المبادئ الدينية والخلقية
والفكرية ،والتمهيد لشاعة اللحاد والباحية وسقوط الحكومات الوطنية
ن على شاكلتهم الحكم والسلطة بعد م ْ
الشرعية ،وتسلم الماسون أو ّ
ل :سقطت الحكومات الشرعية في فرنسا وإنجلترا ،وسقطت ذلك ،وفع ً
دولة القياصرة في روسيا .وظهرت الحكومات التي تتبنى الفكار
)(1
والفلسفات المناقضة للدين والقيم والخلق الدينية.
ومن الوسائل التي تعتمد عليها الخطة في تحقيق أهدافها:
219
-1استعمال الرشوة بالمال والجنس أو الشذوذ الخلقي ،وخاصة مع
الشخاص الذين يشغلون مراكز حساسة في المجال السياسي
والقتصادي والعلمي.
-2توجيه الشخص الضحية إلى العمل لتحقيق الهداف والمصالح
الماسونية اللحادية.
-3السيطرة على وسائل الدعاية والعلم ،وخاصة الصحافة الوسيلة
)(1
الفعالة في تلك الفترة.
لقد استطاع آدم وايزهاويت أن يخدع ألفي رجل من كبار
الساسة والقتصاديين والصناعيين وأساتذة الجامعات وغيرهم من
رجال الفكر والعلم .وبهؤلء المخدوعين أسس المحفل الرئيسي
المسمى بمحفل "الشرق الكبر".
وفي سنة 1830م توفي وايزهاويت..وفي عام 1834م تم اختيار
الزعيم اليطالي "مازيني" خلفا ً لوايزهاويت ،وقد استطاع أن يعيد
المور إلى نصابها بعد موت ذلك الشيطان.
مخطط "بايك" الماسوني العالمي:
وفي سنة 1840م ضم المحفل الماسوني العالمي إلى صفوفه
سّرح من الجيش المريكي ،وقد الجنرال المريكي "ألبرت بايك" الذي ُ
استطاعت الماسونية استغلله من أجل أن يصب جام غضبه وحقده
على الشعوب من خلل الماسونية ،وفي منزل بمدينة ليتل روك
بأمريكا اعتكف الجنرال بايك من سنة 1871 - 1859م ،ثم خرج
بمخطط ماسوني جديد وضعه مسترشدا ً بمخططات الزعيم الماسوني
السابق وايزهاويت.
بدأ بايك بعمل التي-:
-1إعادة تنظيم المحافل الماسونية.
-2تأسيس ثلثة مجالس مركزية عليا ،مقر الول بلدة "شارلستون"
بأمريكا ،والثاني في روما ،والثالث في برلين.
220
-3عهد إلى "مازيني" تأسيس عشرين مجلسا ً تحت إشراف المجالس
العليا الخاضعة بدورها للمحفل العلى ،يختص كل مجلس بمنطقة
معينة بحيث تغطي كل المناطق الهامة في العالم كله .وإحاطة أعمال
ونشاط ورجال الماسونية بستار من التكتم الشديد ،لدرجة أن كثيرا ً من
العضاء المغرر بهم ل يشعرون بما يدور في محفل الشرق الكبر،
ويجهلون ما يدور في المحافل الماسونية التابعة لهذه المجالس ،وقد
صّرح بهذا المر "مازيني" نفسه في رسالته لمساعدة اليهودي "برايد
نشتاين".
ويقوم المخطط الذي أعده بايك بتنفيذ ما يلي:
-1تبني الحركات التخريبية الهدامة العالمية الثلثة :الشيوعية -الفاشية
-الصهيونية.
-2العداد لحروب عالمية ثلث-:
الولى :تطيح الحكم القيصري في روسيا ،وجعل روسيا العقل
المركزي والمنطلق الفكري للحركة الشيوعية اللحادية.
الثانية :تؤمن اجتياح الشيوعية العالمية لنصف العالم مما يمهد
للمرحلة
التالية :وهي إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين المسلمة.
الثالثة :وتتصدى فيها الصهيونية السياسية للزعماء المسلمين في
العالم السلمي وتحارب السلم الدين الخصم القوى للحركة
الماسونية ،وبالتالي السيطرة على العالم السلمي ،والقضاء على
العقيدة السلمية).(1
أهداف الماسونية-:
من خلل دراسة نشممأة الماسمونية ،ومعرفمة المخططمات الماسممونية
المممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممتي وضمممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممعها
كل من وايزهاويت والجنرال بايك ،والطلع على أقوال كبممار الماسممون
وقراراتهممم الممتي صممدرت عممن المحافممل الماسممونية العالميممة،تممبين أن
انظر الدنيا لعبة إسرائيل ،وليم كار ص ،26-25أحجار علممى رقعممة الشممطرنج ص 1
.18-17
221
الماسمممممممممممممممونية تسمممممممممممممممعى إلمممممممممممممممى تحقيمممممممممممممممق
الهداف التالية-:
ل :الهداف القريبة: أو ً
-1العمل في الخفاء من أجل الستيلء على العالم عن طريق تطعيم
أكبر قدر من الكتل البشرية بالفكر الماسوني.
-2إخضاع الحزاب السياسية الكبرى في العالم لسيادتها وجعلها
خادمة لتحقيق أطماعها.
-3محاربة الجمعيات والمؤسسات والحركات الوطنية المخلصة
ومحاربة الحركات السلمية.
-4تقويض الحكومات الشرعية وإلغاء أنظمة الحكم الوطنية ومحاولة
إخضاعها والسيطرة عليها.
-5إشاعة الباحية الجنسية والنحلل والفساد الخلقي والجتماعي،
)(1
وترويج الفكار والفلسفات المادية اللحادية.
ثانيًا :الهداف البعيدة:
-1إقامة المملكة اليهودية في فلسطين وإعادة بناء هيكل سليمان -معبد
الرب -على أنقاض المسجد القصى) .(2جاء في إحدى الوثائق الماسونية:
"والهدف المقدس الذي تعمل الماسونية على تحقيقه هو إعادة هيكل
سليمان ،وهو أكثر من مجرد رمز بل هو حقيقة مؤكدة ستبرز دون ريب
)(3
إلى عالم الوجود عندما يستأصل العرب في فلسطين."..
-2صيانة الدولة اللدينية العلمانية،ومن ثم السعي إلى تأسيس جمهورية
لدينية ل تعرف الله ،ديموقراطية ،عالمية ،خفية ،تسيطر على الكرة
)(4
الرضية كلها.
222
وسائل الماسونية في تحقيق أهدافها:
سلكت الماسونية عدة سبل ووسائل لتحقيق أهدافها ،وهي
تطور وتجدد وسائلها باستمرار ،ومن وسائلها-:
-1إباحة الجنس ،واستخدام المرأة كوسيلة للسيطرة.
-2إحياء الدعوات الجاهلية والنعرات الطائفية العنصرية ،وبث الفكار
المسمومة.
-3استعمال الرشوة بالمال والجنس مع أصحاب الجاه والمناصب
السياسية لسقاطهم في حبائل الماسونية ،ومن ثم استخدامهم لخدمة
الماسونية.
-4تجرد الداخلين في الماسونية من الفضائل والخلق والروابط
الدينية ،والتجرد من الولء للوطن ،فالولء يجب أن يكون خالصا ً
للماسونية نفسها.
-5السيطرة على رجال السياسية والحكم والفكر والدب البارزين في
بلدانهم ،ثم استخدامهم صاغرين لتنفيذ المخططات الماسونية.
-6السيطرة على أجهزة الدعاية والصحافة والنشر والعلم،
واستخدامها في تحقيق الهداف الماسونية.
-7بث الخبار الكاذبة والشاعات والباطيل ،والتركيز عليها لتصبح كأنها
حقائق ،من أجل طمس الحقائق أمام الجماهير.
-8توفير سبل الباحية والرذيلة بين الشباب والشابات ،وتوهين
العلقات الزوجية والروابط السرية.
-9الدعوة إلى تحديد النسل والعقم الختياري بين المسلمين.
-10السيطرة على المنظمات والمؤسسات الدولية ،كمؤسسات
منظمة المم المتحدة التي أصبح معظمها تحت رئاسة يهودي ماسوني.
-11السيطرة على منظمات الشباب واتحادات النساء في كل بلدان
العالم.
-12اعتماد السرية والكتمان الشديدين ،واعتبارهما من أهم وظائف
)(1
الماسونية وواجبات الماسوني.
223
درجات الماسونية:
الماسونية العالمية تقسم إلى ثلث درجات أو ثلث طوائف
وفرق ،ولكل منها :مراتبها ودرجاتها وطقوسها وتعاليمها ،وقد أفاض
البحث فيها الماسوني السابق يوسف الحاج في كتابه "هيكل سليمان،
)(1
أو الوطن القومي لليهود".
وهذه الدرجات أو الفرق:
الولى :الماسونية العامة أو الماسونية الرمزية:
وهي ذات ثلث وثلثين درجة ،تكثر الرموز في جميع درجاتها ،ول
يرتقي أعضاؤها هذه الدرجات إل بعد امتحانات مختلفة ،وهي منتشرة
في القطار العربية ،وقسم من البلد الوربية والمريكية ،وأعضاؤها
يشكلون السواد العظم من الحركة الماسونية ويتحدثون بالرموز
والطلسم واللفاظ السرية ،ولهم في اجتماعاتهم مراتب وقلئد
وأوسمة ول تقبل في عضويتها من ل يعتقد بالله وخلود النفس.
الثانية :الماسونية الملوكية:
وتعرف بالعقد الملوكي ،وهي بتعاليمها ودرجاتها وغاياتها تقدس
ما ورد في التوراة ،وتحترم الدين اليهودي ،وتعمل على تجديد المملكة
اليهودية في فلسطين ،وإعمادة بناء هيكل سمليمان بعد هدم المسجد
القصى ،وترتبمط الماسونية الملوكيمة بالماسونية الرمزية ارتباطا ً
خفيمًا ،ل يعلمه سوى الراسخون في تاريخ الماسونيات الثلث ،ول
يدخل في الماسونية الملوكية إل من تّنكر لدينه ووطنه وأمته ،وجّرد
ولءه لصالح اليهودية .وأعضاؤها قليلون في القطار العربية وأكثرهم
من اليهود في فلسطين المحتلة عام 1948م.
الثالثة :الماسونية الكونية:
أعضاؤها من اليهممود فقممط ،وعممددهم قليلممون جممدًا ،انحممدروا مممن
الماسممونية الملوكيممة مممن اليهممود المتحرريممن مممن السممللة الرومانيممة،
-1انظر الصفحات ،36 -34الماسونية ذلك العالم المجهول عبد الحليممم إليمماس الخمموري
ص ،37الماسونية أٌقدم الحركات السرية وأخطرها ص ،81- 80أوقفوا هممذا السممرطان
ص .98– 94،97-92 ،67
224
ووظيفتهممم اسممتخدام الفرقممتين السممابقتين ،لنشمماء الدولممة اليهوديممة
العالمية من خلل إشاعة الفوضى والفتن والحروب ،وسلطان أعضممائها
فمموق البمماطرة والملمموك والرؤسمماء لّنهممم يتحكمممون فيهممم ،وزعممماء
الصمهيونية العالميمة همم ممن الماسمونية الكونيمة ،وقمد وردت شمهادات
ماسونية تؤكد كون أعضاء هذه الفرقة من اليهود فقط.
الماسونية وعلقتها باليهودية-:
الحركة الماسونية يهودية في نشأتها ،وحقيقتها ،وفي مصادرها
الفكرية واصطلحاتها وتعاليمها ،ودرجاتها ،وأسرارها ،يهودية في
أهدافها وغاياتها ومعتقداتها .ولقد أجمع الباحثون الراصدون للحركة
الماسونية على يهودية هذه الحركة ) .(1ومن هؤلء بعض العرب الذين
شفت لهم أهدافها وحقيقتها ما تك ّ
انضموا إليها ،ثم خرجوا منها ،ل ّ
اليهودية ،وقد كتبوا في ذلك محذرين منها :أمثال :محمد علي الزعبي،
)(2
ويوسف الحاج.
يقول الماسوني السابق الدكتور محمد علي الزعبي" :الماسونية
آلة صيد بيد اليهود ،يصرعون بها كبار الساسة ،ويخدعون المم الغافلة
)(3
والشعوب الجاهلة."..
وهذه بعض الشواهد على يهودية الماسونية:
ن المحافل الماسونية يقول هرتزل أحد حكماء صهيون":إ ّ
المنتشرة في كل أنحاء العالم تعمل في غفلة – كقناع لغراضنا – وإن
انظر أسرار الماسونية الجنرال جواد رفعت آتلخان ص 74وما بعدها ،أوقفوا هممذا 1
225
النصارى المنحطين ليساعدوننا على استقللنا وإن وكلءنا من غير
اليهود ليحققوا لنا كثيرا ً من السعادة".
-1جاء في الصفحة 74من العدد الخامس للصحيفة اليهودية "لفارينا
إسرائيليت" الصادرة في عام 1861م ما يلي" :إن روح الحركة
الماسونية هي الروح اليهودية في أعمق معتقداتها الساسية ،إنها
أفكارها ولغتها ،وتسير في الغالب على نفس تنظيمها ،وأن المال التي
تنير طريق الماسونية وتسند حركتها هي نفس المال التي تساعد وتنير
طريق إسرائيل ،وتتويج نضالها سيكون عند الظفر بذلك المعبد الرائع
-معبد سليمان -الذي ستكون أورشليم رمزه وقلبه النابض").(1
-2وقالت دائرة معارف الماسونية الصادرة في فيلديفيا سنة 1906م:
"يجب أن يكون كل محفل رمزا ً لهيكل اليهود ،وهو بالفعل كذلك ،وأن
يكون كل أستاذ على كرسيه ممثل ً لملك اليهود ،وكل ماسوني تجسيدا ً
للعالم اليهودي").(2
-3إن العضو الجديد يتم قبوله بعد أن يؤدي يمين حفظ السر وهو يضع
يده على كتاب العهد القديم) ،(3وهو الكتاب المقدس لدى اليهود كما هو
معلوم.
-4إن العهد القديم ،والتلمود ،والنشرات والكتب التي صنفها أحبار
اليهود وقادة الحركة الماسونية من اليهود هي مصادر الفكر الماسوني.
-5جاء في برتوكولت حكماء صهيون ما يؤكد يهودية الحركة
الماسونية ،وأنها أسست لتحقيق الهداف اليهودية .ومن ذلك :ما جاء
في البروتوكول الرابع":من ذا الذي يستطيع أن يخلع قوة خفية عن
ن
عرشها؛ وأية قوة ظاهرة هي تلك التي تتصدى لهذه القوة الخفية؟ إ ّ
ن المحافل الماسونية المنبثة في هذه بالتحديد هي مهمة قوتنا نحن .إ ّ
أنحاء العالم تعمل لخدمتنا ،مستغلة الجويم -غير اليهود -لتحقيق مآربنا،
أحجار على رقعة الشطرنج وليام كار ترجمة سعيد جزائري. 2
226
ول يعرف الجويم عن حقيقتها شيئا ً بما في ذلك تواجدها الذي نجعله
متنقل ً سريا ً في الغالب العم ليظل سرا ً غامضًا").(1
وجاء في البرتوكول الخامس عشر" :والجمعيات السرية الموجودة
في العالم الن معروفة لنا ،تخدمنا ،وهي قد خدمتنا ،فإنا سنقوم بحلها
وسنقوم بنفي وتشتيت أعضائهما في كل أنحاء الدنيما ..وبهذه الطريقة
نفسمها سنتعامل مع أعضاء الجمعيات الماسمونية الموجودة ،والتي
تمارس نشاطها لصالحنا بين شمعوب الجويم...وإلى أن يحين قيام
دولتنا سنتصرف بطريقة مخالفة تماما ً لطريقة تصرفنا قبل قيامها:
سننشئ ونضاعف عدد المحافل الماسونية بدعوى التحرر والخير في
كل أقطار العالم ،وسنجذب إليها كل أولئك الذين يجوز أن يصبحوا
متفوقين في النشاط الجتماعي المتصل بالجماهير ...إن الجويم
يتهافتون على الوقوع في شباك محافلنا الماسونية بسبب شغفهم بحب
الستطلع ،أو جريا ً وراء المل ..ومن الطبيعي أننا نحن اليهود الذين
يجب أن نقود أنشطة المحافل الماسونية لننا نعرف معنى القيادة
)(2
ولننا نعرف ما إذا كان علينا أن نقود.
-6ذكرت دائرة المعارف اليهودية طبعة 1903م الجزء ،5الصفحة
" :503إن اللغة الفنية والرموز والطقوس التي تمارسها الماسونية
الوربية ممتلئة بالمثل والصطلحات اليهودية ،ففي "سكوتلندا" تجد
التواريخ الموضوعة على المراسلت والوثائق الرسمية كلها بحسب
تقويم العصر ،والشهر اليهودية ،وتستعمل البجدية العبرية").(3
هذا ،وقد ذكر صاحب كتاب" :الماسونية أقدم الحركات السرية
وأخطرها" أمثلة للرموز والمصطلحات والشكال والرسومات
)(4
والطقوس اليهودية المستعملة في المحافل الماسونية.
227
-7صرح الدكتور الحاخام اليهودي إسحاق وايز في كتابه "إسرائيليو
أمريكا" 3/8/1866م":إن الماسونية مؤسسة يهودية ،فتاريخها
ودرجاتها وأهدافها ورموزها السرية ومصطلحاتها يهودية من أولها إلى
)(1
آخرها".
-8لقد صّرحت المجلت الماسونية بعلقة اليهود بالحركة الماسونية،
ومنها
مجلة أكاسيا عدد 66الصادرة سنة 1908م ،ومجلة تريينال جويف عدد
61الصادر سنة ،1921كما اعترفت بهذه الحقيقة الجمعيات
)(2
الماسونية المريكية والوربية.
الماسونية والدين:
لقد أعلنت الحركة الماسونية عداءها السافر للديان ،وقامت
بترويج اللحاد والعقائد الكفرية ،والفلسفات والفكار المادية اللدينية،
وتبنت الفلسفة والمفكرين الملحدة أمثال ماركس ونيتشه وفرويد
وإميل دور كايم ونحوهم.
وكشفت جميع المؤلفات والنشرات والوثائق التي كتبت عن
الماسونية ،سواء التي كتبها أصحابها أم التي كتبها خصومها عن حقيقة
موقفها من الديان ،ما عدا الدين اليهودي فقط ،لنها وجدت لتثبيت
دعائمه وتمجيده وسيطرته على العالم بعد القضاء على الديان الخرى.
)(3
228
السموات ويمزقها كالوراق..
إن اللحاد من عناوين المفاخر ،وليعش أولئك البطال الذين يناضلون
في الصفوف الولى وهم منهمكون في إصلح الدنيا).(1
-ومن وثائق المحفل الماسوني الكبر سنة 1922م ص " :198سوف
نقوي حرية الضمير في الفراد بكل ما أوتينا من طاقة ،وسوف نعلنها
حربا ً شعواء على العدو الحقيقي للبشرية ،الذي هو الدين .وهكذا سوف
ننتصر على العقائد الباطلة وعلى أنصارها".
-وجاء في وثائق مؤتمر بلغراد الماسوني سنة 1911م":ويجب أل
ننسى أننا نحن الماسونيين أعداء للديان ،وعلينا أل نألوا جهدا ً في
)(2
القضاء على مظاهرها".
-وقالوا:إن ذخر البشرية الذي ل يقدر بثمن هو عدم العتراف بأي
حقيقة مقدسة ،وإن الحقائق تنبثق من نظرة النسان ذاته ،فعليه لبد
من المحافظة على هذه الحقيقة ،وإن جمال اللحاد هو في هذا ،وإن
هذا لهو أساس اللحاد".
-جاء في وثائق المؤتمر الماسوني العالمي سنة 1900م ص :102
"إننا ل نكتفي بالنتصار على المتدينين ومعابدهم ،إنما غايتنا الساسية
هي إبادتهم من الوجود".
-وجاء في مجلة أكاسيا الماسونية الصادرة سنة 1903ص " :860إن
النضال ضد الديان ل يبلغ نهايته إل بعد فصل الدين عن الدولة .وقالوا:
)(3
ستحل الماسونية محل الديان وإن محافلها ستقوم مقام المعابد".
-جاء في مجلة المشرق الكبر التركية الماسونية عدد 17ص ":49ل
يعنينا كفر الملحد أو ثواب المتدين ،أو وصف الجنة والنار ،وإذا وجد من
يحاول العمل في ساحة الدين فتركه وشأنه مع الله..وإذا أصّر على
)(4
رأيه نرجو منه أن يتركنا وأل يدخلنا بينه وبين الله".
229
-يقول الستاذ كولفين في محفل منفيس بلندن":إننا إذا سمحنا
ليهودي أو مسلم ،أو لكاثوليكي ،أو لبروتستانتي بالدخول في أحد
هياكل الماسونية ،فإنما ذلك يتم بشرط أن الداخل يتجرد من أضاليله
)(1
السابقة ويجحد خرافاته الدينية".
-وقال دلس -مقدم الشرق العظم1901 -م" :إن انتصار الجليلي-
ل ،وها هو يسقط بمساعينا ،هذا الله السيد المسيح -قد دام عشرين جي ً
الكاذب ،ونحن الماسون :يسرنا أن نشاهد سقوط النبياء الكذبة ،فإن
الماسونية قد أنشئت كي تناصب الحرب كل الديان ،بل كل
الخرافات").(2
الله عند الماسونيين:
إذا كانت الماسونية والماسونيين قد اتفقوا على اللحاد والكفر بالله
رب العالمين ،ووضعوا المخططات موضع التنفيذ للقضاء على العقائد
الدينية ،فإن المحافل والهياكل الماسونية تختلف في حقيقة الله الذي
تدعو إلى اليمان به.
-1فبعض المحافل الماسونية تسمى الله "ادويزام" وهو ازيريس إله
المصريين القدماء ،وميترا إله الفرس ،وبافوس إله الرومان ،أو هو أحد
اللهة التي كان يعبدها الوثنيون القدماء.
ن اللممه هممو الطبيعممة ،وذهممب -2وبعممض المحافممل الماسممونية تعتممبر أ ّ
الجنرال بايك شيطان الماسونية وصاحب مخططهمما الجرامممي ،إلممى أن
الله والشيطان إلهان متساويان ،الشيطان إله النممور والخيمر ،واللمه إلمه
الظلم والشر ،والشيطان مازال يكافح ضد الله.
-3وذهبت بعض المحافل الماسونية إلى أن الله هو النسان نفسه،
وأن النسانية يجب أن تتخذ غاية من دون الله ،والنفس النسانية هي
)(3
المعبود الذي يجب أن تتخذه الماسونية.
يقول الزعيم الماسوني برودون":ليست الماسونية سوى نكران
السر المصون في شريعة الفرمسون للب لويس شيخوص ،36الماسممونية ذلممك 1
230
جوهر الدين ،وإن قال الماسون بوجود إله أرادوا به الطبيعة وقواها
المادية أو جعلوا النسان والله كشيء واحد").(1
الماسونية وعبدة الشيطان-:
بدأت هذه العبادة تظهر في العصر الحديث بقوة ،حيث وجمدت
منظمات شيطانية لعبدة الشيطان كمنظمة ) (ONAفي بريطانيا ،و)
ست" في أمريكا ،و"كنيسة الشيطان" وهي (OSVفي أيرلندا ،و"معبد ِ
أكبر وأخطر هذه المنظمات جميعًا ،وقد أسسمها الكاهن المريكي
اليهودي الساحر )أنطون ساندرو لفي( سنة 1966م ،الذي أسس
كنيسة ومحفل ً لتباعه في سان فرانسيسكو ليمارسوا طقوس عبادة
الشيطان ،وأًلف لهم كتاب )إنجيل الشيطان( -طبع سنة 1970م -الذي
يشتمل على أفكار هذه الجماعة وتعاليمها الشيطانية وكان وقتها يقدر
عدد المنتمين إليها بم 50ألف عضو،ولهذه المنظمة فروع في أمريكا
وأوروبا ،واليابان،وبعض الدول الفريقية ،وروسيا وتنتشر عبادة
الشيطان لدى اليهود في فلسطين المحتلة ,ويعرف أتباعها بجماعة
)أخوة الشياطين( ومقّرها تل أبيب وإيلت ،وتتخذ الصليب المقلوب
والنجمة السداسية شعارا ً لها .وقد صدر تقرير حكومي يؤكد اتساع
ظاهرة )جماعة الشيطان( في المجتمع السرائيلي ،وكشف النقاب عن
عمليات قتل قام أفراد هذه الجماعة بتنفيذها في المدن السرائيلية في
العوام الماضية.وقد انتقل نشاط هذه الجماعة إلى مدن إسرائيلية
أخرى ،بعدما كانت محصورة في المدن الرئيسية الكبرى تل أبيب
وحيفا والقدس وبئر السبع .وقد انشغلت وسائل العلم السرائيلية في
تغطيا واسعة حول هذه الجماعة وأنشطتها ،حيث أشارت إلى أن
معظم عناصر هذه الجماعة من الشباب العلماني الشكنازي الذي
ينتمي إلى الطبقات المتوسطة في المجتمع السرائيلي .وأصدر رئيس
231
أركان الجيش السرائيلي شاؤول موفاز تعليماته لقسم القوى في
الجيش بإعفاء الشباب السرائيلي العضاء في )جماعة الشيطان( من
الخدمة العسكرية .وذكرت الذاعة السرائيلية أن تعليمات موفاز
صدرت في أعقاب صدور تقرير حكومي يؤكد اتساع ظاهرة " جماعة
الشيطان " في المجتمع السرائيلي وفي ظل كشف النقاب عن
عمليات قتل قام أفراد هذه الجماعة بتنفيذها في المدن السرائيلية في
العوام الماضية(1).
ويوجد عبدة الشيطان في كينيا .حيث طالبت الطوائف السلمية
والمسيحية في كينيا السلطات الرسمية بإيقاف نشاط جماعة "عبدة
الشيطان" المسماة بم)موجيكي( ومنعها من مزاولة نشاطاتها التي
تحاول عن طريقها إحداث فوضى في أمن المجتمع .حيث انتشرت
عمليات القتل والختطاف على يد عناصر هذه الجماعة في مدينة
ممباسا الكينية –التي ينتشر فيها المسلمون -وكان رئيس أساقفة
الكنائس النغليكانية قد شن هجوما على طائفة )موجيكي(عبدة
الشيطان ،قائل:إّنها طائفة شيطانية بحتة تتستر بالدين لتحدث الفوضى
في المجتمع)2(.
فلسفتهم في الحياة-:
عبمدة الشيطان قوم ل يؤمنون بالله تعالى ،ول بالنبياء ،ول
بالخرة ،ول بالجزاء ،والجّنة والّنمار .ولذلك فقاعمدتهم الساسية
هي:السراف من الشهوات ،والتمتع بأقصى قدر من الملذات قبل
الممات .يقول الشيطاني الكبر اليهودي" أنطوني لفي" في كتابه):
-Satan wants yoأي الشيمطان يريدك :(-الحياة هي الملذات
والشهوات فقط والموت هو الذي سيحرمنا منها ،لذا اغتنم هذه
-انظر :موقع إسلم أون ليممن 2000-12-14 /م -محمممد الصممالح-تحممت عنمموان"- 1
-لمزيد من المعلومات عن عبدة الشمميطان فممي كينيمما انظممر:مجلممة المجلممة العممدد 2
232
الفرصة الن للستمتاع بهذه الحياة ،فل حياة بعدها ول جنة ول نار،
فالعذاب والنعيم هنا فقط.
وجماعة عبدة الشيطان يحبون اللون السود ،فيستخدمون
الطلء السود لبيوتهم ونوافذهم وأدوات معيشتهم ،ويرتدون الثياب
السوداء ،والقداس يسمونه بالقداس السود .وهم يطلقون شعورهم،
ويرسمون نجمة داود ،أو وشم الصليب المعقوف على صدورهم
وأذرعهم…ومن علمات الناث عابدات الشيطان :طلء الظافر
والشفاه باللون السود وارتداء الملبس المطبوع عليها نقوش
الشيطان ،والمقابر ،والتزين بالحلي الفضية ،ذات الشكال غير
المألوفة ،التي تعبر عن أفكارهم ،مثل الجماجم ورؤوس الكباش.
طقوسهم وعباداتهم-:
ما طقوس جنسية وطقوس عبدة الشيطان فهي بين أمرين:إ ّ
ما
مفرطة ،حتى إنها تصل إلى درجة مقززة ممجوجة إلى الغاية .وإ ّ
طقوس دموية يخرج فيها هؤلء عن الدمية إلى حالة ل توصف إل
بأنها فعل ً شيطانية ،والتي لعل أدناها شرب الدم الدمي المأخوذ من
جروح العضاء وشرب دماء الماعز والقطط والكلب بعد ذبحها ،وليس
أعلها تقديم القرابين البشرية "وخاصة من الطفال" بعد تعذيبهم بجرح
أجسامهم والمكي بالنار ،ثم ذبحهم تقربا ً لمعبودهم إبليس الرجيم.
وقد أشار المؤلف البريطاني المعاصر "بنثورن هيوز" أّنه حتى القرن
السابع عشر ،كان هناك قدر كبير من الرقص الطقوسي في الكنائس
الوروبية ،وكان النغماس العميق في الرقمص يؤدي إلى انحملل قيمود
الساحرات ،وتفكك قواهمن استعدادا ً لبلوغ قمة السبت .وتلك هي ذروة
الطقوس التي يضاجعهن فيها الشيطان ،ويغرق معهن في أشد
الملذات الحقيرة إثارة ،ثم ينتهي احتفال السبت بعربدة جنسمية عارمة
ل قيود لها .وقد أشار "سيبروك" :أنه شاهد طقوس القداس السود
في نيويورك وباريس وليون ولندن .ويبدو أن هذه الطقوس مستمرة
حتى أيامنا هذه.
233
ويصف المؤلف البريطاني المعاصر "جوليان فرانكلين" هذه
ل :يقام القداس السود في منتصف الليل بين أطلل الطقوس قائ ً
كنيسة خربة ،برئاسة كاهن مرتد ،ومساعداته من البغايا ،ويتم تدنيس
القربان ببراز الدميين .وكان الكاهن يرتدي رداًء كهنوتًيا مشقوًقا عند
ثلث نقاط ،ويبدأ بحرق شموع سوداء ،ول بد من استخدام الماء
المقدس لغمس المعمدين من الطفال غير الشرعيين حديثي الولدة .
ويتم تزيين الهيكل بطائر البوم والخفافيش والضفادع والمخلوقات ذات
الفأل السيئ ،ويقوم الكاهن بالوقوف مادا ً قدمه اليسرى إلى المام،
ويتلو القداس الروماني الكاثوليكي معكوسًا .ثم يتعرى الكاهن من
ملبسه تماما وتقوم فتاة غاوية متجردة من ملبسها بمداعبة أعضائه
الجنسية ،وبعده مباشرة ينغمس الحاضرون في ممارسة كل أنواع
العربدة الممكنة ،وكافة أشكال النحراف الجنسي أمام الهيكل.
ويجزم فرانكلين أن كثيرا ً من الناس في العصر الحديث
يجتمعون لقامة القداس السود بشكل أو بآخر .وقد انتشرت موجة
من أفلم السينما الوروبية والمريكية تتحمدث عن مثل همذه الطقوس
بما فيها ممارسة الجنس مع الشيطان.
كد ذلك ما قاله أحدهم )كلين بنتون( قائد فرقة موسيقية عندما يؤ ّ
سئل عن أهداف فرقته؟ قال :وضع موسيقى تدعو إلى الشر بقدر
المستطاع؛ لكي نفوز بالدخول إلى جهنم من البوابات السبع وهذه
إحدى الطرق للتعبير عن انتمائي لعبادة الشيطان.
عبادة الشيطان والجنس-:
ن الغرض الساسي عند عباد الشيطان هو إشباع الغريزة إ ّ
الجنسمية إشباعا ً تامًا،بغمض النظر عن الوسيلة فهم يبيحون ممارسة
الجنس بجميع صوره المعقولة وغير المعقولة حتى بين أفراد الجنس
الواحد -أي اتصال الذكر بالذكر والنثى بالنثى -كما أنهم ل يجدون
غضاضة في إتيان البهائم ،أو فعل الفماحشة في جثث الموتى ،أو
اغتصاب النساء والطفال ،كل ذلك ل بأس به عندهم طالما أنه يؤدي
إلى إشباع الغريزة الجنسية .ويؤمن أفراد هذه الطائفة بإباحة كل امرأة
234
لكل رجل ،وبالذات إتيان المحارم ،وكلما كانت المرأة أقرب رحما ً
كانت أفضل ،كالبن مع أمه ،والبنت مع أخيها أو أبيها ،وهكذا..وهو ل
شك يعّبر عن تلبيس إبليس الرجيم واستيلئه عليهم تمامًا.
عبدة الشيطان في العالم العربي والسلمي-:
ن أن عبمادة الشيطان ستقتصر على الغربيين نظرا ً ربما ً يظ ّ
للخواء المروحي وانعدام القيم الدينية وسيطرة المادية والفلسفات
النفعية على حياة الناس هناك ،وانقطاع الصلة بالله تعالى وأن العالم
السلمي وأبناءه في معزل عن ذلك الشر المستطير ،ولكننا فوجئنا
بالصحف والمجلت ومراكز الشرطة والمباحث تخبر بأن هذا الوباء
والبلء قد وصل إلى العالم السلمي ،وطال بعضا ً من أبناء المسلمين
في بلد الشام ومصر ،وبعض دول الخليج.
فمثـل ً :في مصمر بلد الزهر والسلم فكانت الفاجعة الكبرى
في شهر رمضان 1417هم1997/م حيث ُقبضت الشرطة ورجال
المباحث على مجموعة من الشباب -من أبناء الطبقة الغنية ومن أبناء
الذوات -وفيهم مذيعات ،وموسيقيون ،وكبار الفنانين والفنانات ،وأبناء
فنانين ،ومنهم المثقفون ،وطلبة الجامعات وخريجيها ،وبعض أساتذتها
الكبار.وفي شهر مايو-أيار2001-م ألقي القبض للمرة الثانية خلل 4
سنوات على 55شابا ً وفتاة من مجموعة عرفت باسم )عبدة
الشيطان( .هؤلء جميعا ً ينتمون إلى هذا الفكر الضال ويتقربون إلى
مهاتهم ,وشرب الخمور معبودهم الشيطان بالتعري كما أنجبتهم أ ً
والمخدرات ،والرقص وممارسة الجنس الجماعي ،واللواط الذي يعدوّنه
ن الشذوذ هو خير وسيلة تقرب بين أمرا ً طبيعيًا ،وتعتقد هذه الجماعة أ ّ
الناس وتنشر بينهم اللفة ،وهم يصفون أنفسهم بأنهم أبناء قوم )لوط(
ن الشاعر العربي )ابو نواس( هو نبيهم الذي يؤمنون ويزعمون أ ّ
بأفكاره نظرا ً لما عرف عنه أّنه قضى حياته في السكر واللهو
والمجون ،والتغزل بالشباب..وهم يحبون سماع الموسيقى الغربية
الصاخبة ،ونبش قبور الموتى ،والبحث عن جثث حديثي الوفاة
والتراقص فوقها ،وذبح القطط والكلب وشرب دمائها وتلطيخ الوجوه
235
والجسام منها ،وأًنهم ل يؤمنون بالله تعالى وينكرون وجوده ،ويزدرون
سون الشيطان باعتباره القوة العظمى بالديان ،والخلق الفاضلة ،ويقد ّ
التي تحرك الحياة والبشر..ووجدت عندهم شرائط كاسيت سجّلت
عليها أغان فيها ازدراء للدين .وقد اعترفوا بذلك كله :أمام نيابة أمن
الدولة المصرية ،وأمام علماء الزهر الذين ناقشوهم.وهم يعبدون
شيطان –كما ذكر هؤلء الشباب لساتذة جامعة الزهر الذين ال ّ
ناقشوهم :لّنه رمز للقوة والصرار ،ولكل ما هو لذيذ ،وما هو لذيذ
ينبغي اقتناؤه وحيازته .وفي السطورة الدينية في اليهودية والسلم
والمسيحية –كما ذكروا– يلعب الشيطان الدور الحضاري الكبر ،فهو
الذي عرف آدم وحواء شجرة الخلود أو المعرفة ،والمعرفة خلود،
وبسببه خرج آدم وحواء إلى الحياة ليتناسل وينجبا الذكور والناث،
ويتكاثروا ويفعلوا ،ويرتقوا،ويعرفوا ،والقانون الحاكم هو قانون القوى،
والقوى هو الصلح .ولم تكن أخلقيات التوراة والنجيل والقرآن إل
لتكريس الضعف وحماية الضعفاء .وهؤلء الشباب يريدون القوة ،وان
يشكلوا النظام التربوي من جديد ،وأن يعيدوا النظر في أهداف التعليم،
ويقيموا العلقات بين الناس وفق مذهب اللذة والمنفعة ،ويقننوا
للحرب التي هدفها الستعلء والستكبار وسيادة الجنس القوى ،والفرد
القوى .وهم ضد المساواة ،فالكون ليست فيه مساواة لّنها ضد طبيعة
ن الخير تكريس للعجز ،ووسيلة لبقاء المور .وهم وضد الخير ،ل ّ
المتسولين والغبياء والكسالى وقليلي الحيلة من الناس .ولهذه الفكار
المنحلة والعقائد الضالة أدانهم القضاء المصري وعلماء الزهر ،وحكم
عليهم المفتي المصري الدكتور نصر فريد واصل بالردة عن الدين،
ولكن للسف الشديد ماتت القضية ،وخرج المتهمون من السجن بدون
أي عقاب؟!(1).
236
-وفي لبنان ذكرت صحيفة )كل السرة( حادث انتحار مراهق )16
سنة( بإطلق النار على رأسه ،وقد وجدت ملصقات وصور لعضاء من
فرقة )الروك( ورسوما ً لجمماجم ،وثبت من التحليمل الول للقضية أن
الفتى كان ينتمي إلى إحدى المجموعات التي تعبد الشيطان.
-وفي الردن أعلنت دائرة المطبوعات والنشر الحكومية الردنية
عن مصادرة نحو ألف شريط فيديو أو) سي .دي( تروج لفكار طائفة
)عبدة الشيطان( التي تمس الديان والقيم الجتماعية .وذكرت صحيفة
)الدستور( الردنية في عددها يوم الثلثاء 7/2000 /31م أن هذه
الشرطة تدخل )مهربة( إلى الردن وتباع لفئات الشباب والمراهقين.
ومن المعلوم أن المجتمع الردني يتعرض لغزو فكري وثقافي صهيوني
منذ اتفاقية )وادي عربة ( التي أبرمت بين الردن والكيان الصهيوني
عام 1996م ،ويؤكد ذلك سجل انتشار المخدرات ،والتجاوز على
أخلقيات المجتمع والجريمة المنظمة التي ارتفعت ارتفاعا ً ملفتا ً ،كما
هي الحال في مصر.
م اكتشاف جماعات تنتمي لعبدة الشيطان في -وفي فلسطين ت ّ
منطقة قطاع غزة ،وأصل أفكارهم قادمة من مصر .وللموساد
السرائيلي دوره البارز في إيجاد مثل هذه الفكار ،كما تبين لنا دوره
في مصر.
-وفي ماليزيا :فلقد استنفرت الجهزة المنية الماليزية رجالها في
اليام الماضية لمواجهة خطر انتشار جماعات عبدة الشيطان ،وكذلك
موسيقى "البلك ميتال" الهابطة السوداء المرتبطة بهذه
الجماعات.ويشير"فاضل حنفي" أحد مسئولي المجلس السلمي لولية
"قدح" الواقعة في الشمال الغربي لماليزية إلى أن الشرطة الماليزية
قد قبضت في اليام الثلثة الماضية على اثنين من رؤوس الجماعة
الشيطانية في الولية ،كما تم التعرف على هوية 25شابا ينتمون لتك
الجماعة .ويضيف أن عدد المنتمين إلى عبدة الشيطان في وليته
يصلون إلى ألف -1000-فتى وفتاة ،وجزء كبير منهم من المسلمين،
237
وآخرين من الديانات الخرى من النصارى والبوذيين .أما "قمر الدين
قاسم" من المجلس السلمي لولية قدح فيقول :إن هناك العديد من
أسماء مجموعات طائفة عبدة الشيطان مثل :مجموعة البانك ،ورأس
الثعبان،وفرقة رقصات قفزات الهيب هوب والنذار السود(1).
أسباب وجود ظاهرة عبدة الشيطان-:
صة القنوات التلفزيونية--1النفتاح العلمي الخطير بدون أي قيود -وخا ً
ونشر الباحية بصورة كبيرة .وإثارة النزوات ،ونشر الفكر الهابط من
أغاني ماجنة ،وأفلم هابطة ،وكتب ومجلت إباحية بأيسر السبل وأزهد
التكاليف ،وسوء استخدام شبكات التصالت الحديثة )النترنت( التي
تمتلئ كثير من مواقعها بمثل هذا الفكر المنحرف.
-2سياسة تجفيف المنابع السلمية التي أعقبت اتفاقيات السلم مع
اليهود وما تبعها من عمليات التطبيع معهم ،وكذلك تحجيم دور الدعاة
والعلماء ،وعدم وجود مناهج تعليمية وتربوية دينية قوية في المدارس
والجامعات ،ومنع وصول المفاهيم الشرعية إلى الناس.
-3الحياة المترفة والمتفلتة التي تعيشها أسر هؤلء الشباب ،والختلط
م جميع البلد ،مع السفور والتبرج الشديد ،وذهابالفاضح الذي ع ّ
الخلق الدينية.
4-انتشار الكتب الرخيصة والقصص الماجنة التي يهاجم أصحابها
العلمانيون الدين ويسخرون من علمائه ودعاته.
5-الدعوة المشبوهة للدفاع عن حرية الكفر واللحاد -تحت اسم حرية
الفمكر والرأي والعتقاد -في حين يحاسب أهل السملم على النموايا
والخطرات ،حتى صدق قول القائل-:
ب الله فكل ب الزعيم ...ومن س ّ يقاد للسجن من س ّ
الناس أحرار
-استنفمممار ممماليزي ضممد عبممدة الشمميطان -صممهيب جاسممم – موقممع إسمملم علمى 1
238
6-موجة التغريب ،والثقافة الستهلكية ،وحياة الترف التي انتشرت
بين أبناء الطبقة الغنية مع انعدام التربية السرية.
-7غياب القدوة الحسنة لدى الشباب الذي يجري وراء الغريزة والمال.
ول يفكر إل في الشهوة.
-8التأثر والتقليد العمى للشباب الوربي والمريكي الذي يعيش حياة
الفجور والشذوذ الجنسي والفراغ الديني.
239
المؤسسة الغربية التنصيرية في مصر )الجامعة المريكية( بالقاهرة
على صفحات جريدتها )القافلة( حيث انتقدت على تصريحات العلماء
شاذ ،جاء في جريدةوالكتاب والصحفيين الرافضة لهذا النحراف ال ّ
ن ما تنشره الصحف المصرية عن هذا الموضوع هو نوع من القافلة " :إ ّ
مه شيئا ً
العتداء على حرية الرأي وتوجيه التهام بالكفر إلى شباب ل يه ّ
سوى سماع الموسيقى الجنبية المختلفة."...
الماسونية والمرأة:
لقد اتخذت الماسونية المرأة كسلح في معركتها ضد الخلق
والقيم والفضائل ،وكوسيلة للقضاء على نفوذ الدين وسيطرته على
الرجال.
قال أصحاب مؤتمر بولونيا الماسوني عام " :1899يجب علينا أن
نكسب
دت إلينما يدها فزنا بالممرام ،وتبمدد جيش المنتصرين المرأة ،فأي يوم م ّ
للديمن") ،(1وقال الماسوني "بوكه" سنة 1879م" :تأكدوا تماما ً أننا
لسنا منتصرين على الدين إل يوم تشاركنا المرأة ،فتمشي في
صفوفنا") .(2وقال الرئيس بوفرييه في المجمع الماسوني عام 1900م:
)(3
"لبد أن نجعل المرأة رسول ً لمبادئنا ،ونخّلصها من نفوذ الدين".
ن الماسونية تريد من المرأة عفتها وشرفها ،تريد من المرأة أن إ ّ
تنغمس في مستنقع الرذائل الجنسية ،لتفسد الرجل ،ولتقضي على
الروابط السرية والجتماعية ،لتروج النحلل والباحية ،لتذهب الخلق
التي تعتمد عليها المم في نهضتها ،ليسهل لليهودية العالمية السيطرة
على البشرية المنهوكة القوى.
لقد نجح اليهود وأتباعهم -الماسونيون -في التضحية بالخلق
والشرف والعرض في سبيل تحقيق أغراضهم الشيطانية ،ولقد كانت
240
المحافل الماسونية ومازالت مخورا ً ترتكب فيه المنكرات والفواحش،
وفي داخل الغرف السوداء يتم القضاء على عفة المرأة وإغواء الفتيات
الممتنعات العفيفات عن طريق الرجال الذين طرحوا الدين والخلق
والشرف جانبًا.
يقول الزعيم الماسوني "دور فويل"" :ليس الزنا بإثم في شريعة
الطبيعة ،ولو بقي البشر على سذاجة طبيعتهم لكانت النساء كلهن
مشتركات بينهم") ،(1ويقول "راغون" في كتابه" :رسوم إدخال النساء
إلى الماسونية" ص " :28-22العفة المطلقة مرذولة عند الماسونيين
والماسونيات لنها ضد ّ ميل الطبيعة ،ومن ثم تبطل كونها فضيلة").(2
وقد صّرحت السيدة جانيت) (3عن آثار الماسونية في حياة المرأة
وأخلقها فقالت":لقد أصيبت المرأة من الماسونية -وهي غير عالمة-
وض ،خسرت هناءها وسعادتها الزمنية والبدية، بخسارة جسيمة ل تع ّ
خسرت آدابها وحياتها ،وبهذه الخسارة خسر الكمون نظاممه الجتماعمي
والعائلمي والدبمي والديني والصحي والنسلي .أجل لقمد فرحمت المرأة
بهذا التساهل ،ولكن نتيجة فرحها كان شقاًء وبكاًء ،أل ليت التساهل
أدى إلى بكاء المرأة لوحدها ،هيهات ذلك فأنه قد أبكى معها الكون
)(4
بأسره".
السيدة جانيت هي زوجة جوناس أحمد المبرازيليين الممذي سماعد علمى نشممر تاريمخ 3
241
الكستشانج ،المائدة المستديرة ،القلم ،بناي برث )أبناء العهد( ،وهي
كلها تعمل بنفس الطريقة ولنفس الغرض مع تعديل بسيط ،وذلك
لكثار الساليب التي يتم من خللها ترويج الفكار اللحادية واجتذاب
المؤيدين والنصار .وتوجد بين هذه النوادي زيارات متبادلة ،وخطوات
تنسيقية ،لتحقيق الهداف الماسونية.
وتعتبر نوادي الروتاري والليونز من أوسعها انتشارا ً في البلد
السلمية ،حيث تعمل تحت لفتات العمل الخيري الجتماعي ،فتقوم
بتقديم الخدمات للمواطنين المحتاجين ،وتساعد المكفوفين ،وتعد
المسابقات الترفيهية ،وتنمي روح الصداقة بين الفراد بعيدا ً عن
الروابط العقائدية ،وتدعو إلى الحرية والخاء والمساواة .ولكي تستمر
في خداع وتضليل مؤيديها وأنصارها وروادها تمنع دخول العقائديين
وذوي الغيرة الوطنية الصادقة من اللتحاق بها .وهناك غموض شديد
يكتنف أسرارهم ومواردهم ووسائلهم .ومن شعاراتهم التي يرفعونها:
)(1
الدين لله والوطن للجميع.
242
ويعتبر كتابه" :الماسونية والماسونيون في الوطن العربي") (1مصدرا ً
رئيسيا ً ودقيقا ً لتاريخ الماسونية في العالم العربي.
والماسونيون العرب -كغيرهم من ماسونيي العالم -يتلقون
التعليمات والوامر من المحفل الماسوني العظم اليهودي ،فقد جاء
في محضر المحافل الماسونية المنعقد عام 1889م ص 267ما يلي:
"في وسع الماسوني أن يكون مواطنا ً على أن يكون ماسونيا ً وقبل كل
شيء ،وفي وسعه بعد ذلك أن يكون موظفا ً أو نائبا ً أو عينا ً أو رئيس
جمهورية ،وعليه أن يستلهم الفكار الماسونية ،ومهما علت مكانته
الجتماعية فإنه يستوحي مذهبه من المحفل الماسوني -الكوني -ل من
)(2
مكانته".
واستطاعت الماسونية عمبر رجالهمما -وخاصممة اليهممود -أن تسمميطر
علممى معظممم وسممائل العلم ودور النشممر والصممحافة فممي العممالم ،وأن
تسيطر على معظم الجمعيات والمنظمات الدولية ،ومنظمات الشممباب،
لتضمن سير العالم كما تريد وتشتهي.
ل -على هيئة المم المتحدة ومعظم المؤسسات فهي تسيطر -مث ً
والمنظمات التابعة لها ،مثل :مكتب السكرتارية لهيئة المم المتحدة،
ومراكز الستعلمات فيهما ،وشعبمة القسام الداخلية للهيئة ،ومؤسسة
التغذيمة والزراعمة ،واليونسمكو "مؤسسمة التعليم والثقافة والفن"،
وبنك العمار الدولي ،وصندوق النقد الدولي ،ومؤسسة اللجئين
الدولية ،ومؤسسة الصحة الدولية ،ومؤسسة التجارة العامة).(3
ولكي تستمر آلة الصيد اليهودية )الماسونية( في أعمالها
الشيطانية ،ومخططاتها الجرامية ،أنشأت عصابات إرهابية مهمتها
تنفيذ العمليات الجرامية للتخلص من الشخاص والجماعات
دوا سيف الدين البستاني َ
والمؤسسات التي تقف في طريقها ،لقد أْر َ
الكتاب في 330صممفحة ،تممولت طبمماعته ونشممره دار قتيبممة للطباعممة والنشممر والتوزيممع، 1
دمشق ،سوريا.
أسرار الماسونية ص .37-36 2
243
قتيل ً بعد أن ترك كتابا ً يكشف عن خطورة الحركة الماسونية ،وأطلقوا
الرصاص على الدكتور محمد علي الزعبي صاحب كتاب "حقيقة
الماسونية" والرجل كان ماسونيا ً ثم تركها بعد أن تكشفت له حقيقتها
كحركة خطيرة هدامة).(1
وماذا بعد؟؟
ألست أخي القارئ تشاركنا الرأي الذي ذهب إليه الجنرال جواد
رفعت آتلخان ،عندما قال :إن كلمة الماسونية هي اللدينية واللوطنية
واليهودية ..هي الكفر البواح) ،(2أليست هي الجرثومة الخبيثة القاتلة
التي يجب استئصالها حتى يسود الهدوء والطمئنان هذا العالم كما
ذهب إلى ذلك صاحب كتاب" :الماسونية أقدم الحركات السرية
وأخطرها").(3
وإليك أخي المسلم فتوى العلماء الذين يمثلون العالم السلمي
في الماسونية والمنتسبين إليها ،كما ورد في قرار المجمع الفقهي
الذي انعقد بمكة المكرمة) ،(4وقد جاء فيه ما يلي":نظر المجمع الفقهي
في دورته الولى المنعقدة بمكة المكرمة في العاشر من شعبان
1398هم الموافق 15/7/1978م في قضية الماسونية والمنتسبين إليها
وحكم الشريعة السلمية في ذلك .وقد قام أعضاء المجمع بدراسة
وافية عن هذه المنظمة الخطيرة ،وطالع ما كتب عنها من قديم وجديد،
وما نشر من وثائقها نفسها فيما كتبه ونشره أعضاؤها وبعض أقطابها،
من مؤلفات ،ومن مقالت ،في المجلت التي تنطق باسمها.
وقد تبين للمجمع بصورة ل تقبل الريب من مجموع ما اطلع عليه من
كتابات ونصوص ما يلي:
-1إن الماسونية منظمة سرية تخفي تنظيمها تارة وتعلنه تارة بحسب
244
ظروف الزمان والمكان ،ولكن مبادئها الحقيقية التي تقوم عليها ،هي
سرية في جميع الحوال ،محجوب علمها حتى على أعضائها إل خواص
الخواص الذي يصلون بالتجارب العديدة إلى مراتب عليا فيها.
-2إنها تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الرض على
أساس ظاهري للتمويه على المغفلين وهو الخاء النساني المزعوم
بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والنحل
والمذاهب.
-3إنها تجذب الشخاص إليها ممن يهمها ضمهم إلى تنظيمها بطريق
الغراء بالمنفعة الشخصية على أساس أن كل أٍخ ماسوني مجند في
عون كل أٍخ ماسوني آخر في أي بقعة من بقاع الرض ،يعينه في
حاجاته وأهدافه ومشكلته ،ويؤيده في الهداف إذا كان من ذوي
الطموح السياسي ،ويعينه إذا وقع في مأزق من المآزق أيا ً كان على
أساس معاونته في الحق والباطل ظالما ً أو مظلومًا ،وإن كانت تستر
ذلك ظاهريا ً بأنها تعينه على الحق ل الباطل .وهذا أعظم إغراء تصطاد
به الناس من مختلف المراكز الجتماعية وتأخذ منهم اشتراكات مالية
ذات بال.
-4إن الدخول فيها يقوم على أساس احتفال بانتساب عضو جديد تحت
مراسم وأشكال رمزية إرهابية لرهاب العضو إذا خالف تعليماتها
والوامر التي تصدر إليه بطريق التسلسل في الرتبة.
-5إن العضاء المغفلين يتركون أحرارا ً في ممارسة عباداتهم الدينية،
وتستفيد من توجيههم وتكليفهم في الحدود التي يصلحون لها ويبقون
في مراتب دنيا ،أما الملحدة أو المستعدون لللحاد فترتقي مراتبهم
تدريجيا ً في ضوء التجارب والمتحانات المتكررة للعضو على حسب
استعدادهم لخدمة مخططاتها ومبادئها الخطيرة.
-6إنها ذات أهداف سياسية ولها في معظم النقلبات السياسية
والعسكرية والتغيرات الخطيرة ضلع وأصابع ظاهرة أو خفية.
245
-7أنها في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور ،ويهودية الدارة العليا
العالمية
السرية ،وصهيونية النشاط.
-8إنها في أهدافها الحقيقية السرية ضد الديان جميعا ً لتهديمها بصورة
عامة وتهديم السلم في نفوس أبنائه بصورة خاصة.
-9إنها تحرص على اختيار المنتسبين إليها من ذوي المكانة المالية
والسياسية أو الجتماعية أو العلمية أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذا ً
لصحابها في مجتمعاتهم ،ول يهمها انتساب من ليس لهم مكانة يمكن
استغللها ولذلك ،تحرص كل الحرص على ضم الملوك والرؤساء
والوزراء وكبار موظفي الدولة ونحوهم.
-10إنها ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويهًا ،وتحويل ً للنظار لكي
تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف السماء ،إذا لقيت مقاومة
لسم الماسونية في محيط ما،وتلك الفروع المستورة بأسماء مختلفة
من أبرزها :منظمة السود ،والروتاري ،والليونز ،إلى غير ذلك من
المبادئ والنشاطات الخبيثة التي تتنافى تنافيا ً كليا ً مع قواعد السلم
وتناقضه مناقضة كلية.
وقد تبين للمجمع بصورة واضحة العلقة الوثيقة للماسونية باليهودية
الصهيونية العالمية ،وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثير
من المسئولين في البلد العربية وغيرها في موضوع قضية فلسطين.
وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية المصيرية
العظمى لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية..لذلك ولكثير من
المعلومات الخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية ،وخطورتها
العظمى ،وتلبيساتها الخبيثة ،وأهدافها الماكرة يقرر المجمع الفقهي
اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على السلم
والمسلمين وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر
بالسلم مجانب لهله".
246
الفصل الثاني
القاديانية
المقدمة-:
ظروف نشأة القاديانية:
اتسم القرن التاسع عشر الميلدي بالضطراب الفكري والثورات
النفسية في الشرق السلمي ،واشتد هذا الضطراب في الهند بصفة
خاصة ،حيث كان الصراع بين الحضارتين الغربية والشرقية ،وبين
السلم والمسيحية.
في سنة 1857م بليت الهند بالستعمار النجليزي ،ولقد قوبل
بثورة عارمة من قبل المسلمين شملت معظم البلد ،وبعد فشل الثورة
قام المستعمر النجليزي باضطهاد المسلمين وإنزال الذى والظلم بهم
مع التقرب إلى الهنادكة الهندوس ،وعمل النجليز منذ احتللهم للبلد
على أن تكون جزءا ً من مملكة بريطانيا العظمى ،فعانى أهل البلد
وخاصة المسلمين وطأة الستعمار السياسي والثقافي ،حيث قام
النجليز بهدم منازل المسلمين ومساجدهم ومدارسهم ،وتحويل بعضها
إلى ثكنات عسكرية لجيوشهم ،وشردوا الكثير من المسلمين ،وضيقوا
سبل المعيشة عليهم ،ونفوا العلماء والشخصيات المؤثرة إلى جزيرة
"إندومان".
وقام القساوسة والرهبان النجليز بحملة من التشكيك في
السلم مستخدمين الكتب والرسائل التي يوزعونها على المسلمين،
كما قاموا بالدعوة إلى المسيحية بين الجيل الناشئ ،عساهم بهذه
)(1
العمال أن يردوا المسلمين عن دينهم.
في تلك الفترة من تاريخ بلد الهند ظهرت حركة السيد أحمد
خان التي تدعو المسلمين إلى مسالمة النجليز وعدم الثورة عليهم ،ثم
دعا أحمد خان المسلمين إلى اقتفاء وتقليد الحضارة الغربية ،أظهر
الرجل للنجليز نفاقا ً شديدًا ،فاستخدموه للكيد للسلم والمسلمين،
انظر القادياني والقاديانية أبو الحسممن النممدوي ص ،19الفكممر السمملمي الحممديث 1
247
فأخذوا في تعزيزه وتكريمه ،وساعدوه على بناء مدرسة في "عليكرة"،
موها مدرسمة المحمدييمن .كتمب أحممد خمان تفسميرا ً للقمرآن س ّ
الكريمم ،حّرف فيمه وأّول كلم الله تعالى على الوجه الذي يتفق وفكره
الخاص .لقد قامت حركة السيد أحمد خان على الفتتان بالعلمم
الطبيعمي والحضمارة الغربيمة المادية ،والتنكر للقيم والمفاهيم والعقيدة
)(1
السلمية.
وفي أواخر القرن التاسع عشر ظهر الميرزا غلم أحمد مؤسس
القاديانية ،وقد وجد محيطا ً مناسبا ً لفكرته ودعوته ،ووجد من البيئة التي
نشأ فيها ،والوضاع التي عاصرته ورافقته كل مساعدة وتشجيع ،كما
وجد من الحكومة النجليزية -التي يهمها وجود زعيم روحي يؤيد
سياستها ويخدم مصالحها -كل تشجيع ودعم ومؤازرة بالمال والحماية
والدعاية ..وهكذا نشأت القاديانية واستمرت تحت ظروف وعوامل
مساعدة حتى أصبحت ديانة مستقلة ،ومشكلة تهدد العالم السلمي
)(2
وخاصة في أماكن وجودها وانتشارها ونفوذها.
التعريف بالقاديانية:
القاديانية حركة دينية نشأت في النصف الثاني للقرن التاسع
عشر الميلدي في بلد الهند بدعم وتخطيط من الستعمار النجليزي
بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وإخضاعهم للسياسات والثقافات
الستعمارية الصليبية ،وإخماد روح الجهاد والمقاومة في نفوس
المسلمين حتى ل يواجهوا المستعمر الدخيل ،وهي تنسب إلى رجل
ُيدعى الميرزا غلم أحمد القادياني ،وقاديان إحدى مدن مقاطعة بنجاب
في الهند.
248
من هو القادياني؟
هو غلم أحمد بن الميرزا غلم مرتضى ولد عام 1839م أو
عرف والده الميرزا غلم مرتضى بموالته للحكومة النجليزية 1840مُ ،
ومساعدتها في إخماد الثورة السملمية ،ومساندة حكم السميخ الطغاة
أشد أعداء السلم في بلد الهند .وقمد اعترف غلم أحمد بموالة والده
للنجليز ،ومن أقواله في ذلك" :لم تبخل عائلتي ولم تضن ،ولن تبخل
ً )(1
ولن تضن بدماء أبنائها في خدمة المصالح النجليزية أبدا".
عرف غلم أحمد القادياني بإصابته بطائفة من المراض النفسية ُ
والجسدية
الفتاكة ،منها :الهستيريا ،التي كانت تسبب له نوبات عصبية عنيفة تؤدي
إلى إغمائه أحيانًا ،والماليخوليا ،وهو نوع من الجنون ،والسل وأمراض
ضْين الخَيرْين الصدر ،ودوار الرأس ،وسلس البول ،وقد أصيب بالمر َ
)(2
منذ ادعى بأنه مأمور ،وأنه يتلقى اللهامات من الله عز وجل.
وفاته-:
في عام 1907م جرى نقاش ومناظرة بين العالم الهندي
المشهور مولنا "ثناء الله المرتسري" والميرزا غلم أحمد القادياني،
تحدى على إثره القادياني بأن الكاذب المفتري منهما سيموت ،ودعا
الله تعالى بأن يكون الموت في حياة صاحبه ،ويسّلط عليه داًء مثل
الكوليرا أو الطاعون به يكون موته..وفي شهر مايو 1908م أصيب
القادياني بالهيصة )الكوليرا( الوبائية ،وبها كان حتفه ،وفي قاديان
مسقط رأسه دفن غلم أحمد القادياني .وأما مولنا "ثناء الله
)(3
المرتسري فقد توفي بعد أربعين سنة من هلك الكذاب.
خلف غلم أحمد أحد أتباعه ،وهو حكيم نور الدين ،ثم خلفه ابنه
بشير الدين محمود أحمد ،وبعد وفاته تولى الخلفة الميرزا ناصر أحمد
249
بن بشير الدين محمود
أحمد.
ما تأسست باكستان عام 1947م ،بقي جماعة من القاديانيين ول ّ
في قاديان في الهند ،وهجر الباقون بمن فيهم خليفتهم الراحل بشير
الدين محمود أحمد إلى باكستان ،حيث أسس هؤلء مدينة خاصة بهم
موها ربوة مستدلين في ذلك بقوله تعالى):وآويناهما إلى ربوة س ّ
(1).
ذات قرار ومعين( سورة المؤمنون50 :
انقسام القاديانيين:
بعد وفاة الميرزا غلم أحمد القادياني سنة 1908م انقسم أتباعه
إلى فريقين :فريق يرى أنه نبي مرسل ،وأن من ل يعتقد ذلك يكون
كافرًا ،وعلى رأس هذه الفرقة حكيم نور الدين والميرزا بشير أحمد،
وهما خلفاء القادياني من بعده ،وتسمى هذه الفرقة بالقاديانية.
وفريق:كان يرى أن القادياني ليس نبيًا ،لن ادعاء النبوة خروج عن
السلم ،إنما هو مصلح ملهم ،ويجب إصلح القوال والراء التي وقع
فيها القادياني غلم أحمد بما ل يخرج عن هذا العتقاد ،وأطلق هؤلء
على أنفسهم اسم الحمدية ،وعرفوا بالفرع اللهوري ،نسبة إلى مدينة
لهور التي تواجدوا فيها ،وهي من أهم المدن في شمال باكستان ،ومن
أشهر رجال هذه الفرقة :خوجة كمال الدين ،ومولنا محمد علي الذي
قام بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة النجليزية ،وأّلف كتاب "بيان
القرآن" أّول فيه نصوص القرآن تأويلت فاسدة منكرة ،مخالفا ً بها
إجماع علماء المسلمين في كل زمان ،ويعتبر مولنا محمد علي من
)(2
أكثر الشخصيات تأثيرا ً في جماعته اللهورية.
250
العقيدة القاديانية:
لقد تدرج الميرزا غلم أحمد في اعتقاداته ،فزعم أول ً أنه مصلح
ما وجد من المسلمين من يصدقه ،زعم بأنه ومجدد للدين ليس إل ،ول ّ
مثيل للمسيح ومشابه له ،ثم ادعى أنه المسيح الموعود ،ولما راجت
دث أو النبي الناقص ،ثم صّرح أفكاره وكثر أتباعه ،أعلن أنه النبي المح ّ
بأنه نبي مستقل بالوحي وبشريعة مستقلة .ولذا من المناسب الحديث
عن عقائده وفق الترتيب التاريخي منذ 1880م إلى يوم وفاته
)(1
26/5/1928م.
المرحلة الولى :القادياني المؤلف والداعية السلمي) :
1888 - 1880م(
كان غلم أحمد القادياني في هذه المرحلة يدعو إلى السلم
ويدافع عنه إزاء حملة الطعون والتشكيكات التي تعرض لها السلم من
أصحاب الديانات والمذاهب السائدة في بلد الهند ،كالهندوسية
والمسيحية والرية ،وأّلف في ذلك كتابه "براهين أحمدية" ،أثبت فيه
فضل السلم وإعجاز القرآن ،وصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وتميزت أفكاره بما يلي-:
-1اللجوء إلى اللهامات والمنامات والخوارق ،لتأييد ما ذهب إليه.
-2الدعوة إلى مسالمة النجليز والخلص لحكومتهم ببلد الهند ،وإعلن
حرمة جهاد ومقاومة النجليز.
المرحلة الثانية :القادياني مجدد العصر ودعوى مماثلة
المسيح1890 -1888):م(
في شهر ديسمبر سنة 1888م نادى الميرزا غلم أحمد في
المسلمين ودعاهم إلى مبايعته ،ومع بداية سنة 1889م أخذ يتلقى
البيعة ممن يؤمن بأفكاره ،وادعى حينذاك بأنه :مجدد العصر ،ومأمور
من الله ،وأخذ يظهر مماثلته للمسيح ،زعما ً منه أنه ل يقوم بمهمة
الدعوة والرشاد إل بمثل ما كان عليه المسيح من التواضع والمسكنة
عم فيها ما ذهب إليه .ومن والدعة .ووضع غلم أحمد عدة كتب يد ّ
251
أقواله في ذلك" :من الممكن ،ومن الممكن حقا ً أن يأتي في زمن من
الزمان مسيح تنطبق عليه بعض ألفاظ الحديث الظاهرة")" .(1وقد
أظهر هذا العاجز أن هذا الفقير -يقصد نفسه -نموذج لحياة المسيح
الولى من جهة مسكنته وتواضعه وتوكله وآياته وأنواره ،وأن خطوة هذا
العاجز وفطرة المسيح تتشابهان في ما بينهما تشابها ً عظيمًا") ،(2ومنها:
"قد أخبر هذا الضعيف أيضا ً بأنه مجدد زمانه ،وأن كمالته تشابه
كمالت المسيح على الوجه الروحي") ،(3ومنها" :أني ما ادعيت قط أني
ذاب ،بل الذي المسيح ابن مريم ،والذي يتهمني بهذا ،فإنه المفتري الك ّ
قد نشر من جانبي منذ سبعة أو ثمانية أعوام هو أني مثيل المسيح."..
)(4
252
التي للماثلة والمشابهة ،و"أشير" ومعناها في العبرية الشام ،فتصبح
الكلمة :مثل الشام .ولما هاجر عيسى عليه السلم من فلسطين إلى
ماهاكشمير التي تشبه بلد الشام في طيب مناخها وبرودة هوائها ،س ّ
الله تعالى كشمير تسلية لعيسى بن مريم وإدخال ً للسرور عليه ،ولقد
سقطت اللف بكثرة الستعمال وأصبحت كشمير (1).ثم زعم غلم أحمد
أنه اكتشف قبر المسيح عليه السلم في سرنجار قرب كشمير،
والمشهور أنه قبر أحد الولياء يدعى يوسف أساف أو بوذاسف ،وقال
القادياني :أن عيسى عليه السلم فّر من اليهود عندما شبه لهم ونجا
من الصلب ،وألقى به الترحال في هذا المكان ،حيث أدركه الموت،
ودفن في هذا القبر.
لقد خالف بذلك القادياني عقيدة جمهور المسلمين في رفع
عيسى عليه السلم إلى السماء .قال تعالى) :بل رفعه الله إليه(
النساء ،158:وقال) :إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك
ي ومطهرك من الذين كفروا( آل عمران .55 :وزعم القادياني إل ّ
أن عيسى عليه السلم لم يرفع ببدنه إلى السماء ،بل رفع بروحه ،وأن
جسده مدفون في الرض ،وفي نفس المكان الذي قرر أنه قبر
)(2
المسيح.
ي الناقص: المرحلة الرابعة :الّنبوة الجزئية ،والنب ّ
تبدأ هذه المرحلة سنة 1900م ،حيث بدأ الخواص من أتباع
صهاالميرزا يلقبونه بالنبي صراحة ،وينزلونه المنزلة السامية التي خ ّ
الله تعالى بالنبياء.
وأما الميرزا غلم فلقد كان موقفه مما يسمع يتسم بالمكر والدهاء
والحيلة
دق ما يطلقه عليه أتباعه ويقرهم عليه ،إذا وجد البارعة ،فكان تارة يص ّ
منهم ميل ً شديدا ً إلى ذلك ،وتارة يأول نبوته بكلمات "النبي الناقص" أو
253
دث" ،وهذا يظهره للذين يترددون في "النبي الجزئي" أو "النبي المح ّ
اليمان بنبوته من أتباعه ومريديه.
ومن أمثلة ذلك:أن المولوي عبد الكريم-أحد أتباع الميرزا غلم-
خطب الجمعة في يوم 7/8/1900م ،وقال في خطبته":واعلموا أنكم
كموا المسيح الموعود في ما شجر بينكم ،وتؤمنوا به كما آمن إن لم تح ّ
الصحابة بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كنتم إلى حد كبير
من المفرقين بين رسل الله كغير الحمديين" .وبعد الخطبة قال
ن مذهبي هو عين ما قد بينته في خطبتك، الميرزا لعبد الكريم:نعم إ ّ
ولقد كان الميرزا يتجنب التصريح أمام الناس بالنبوة ،بل اقتصر التأييد
والتصديق للقائلين بنبوته من خواص أتباعه.
وكان ابنه الميرزا بشير الدين محمود يشير إلى أن الميرزا غلم
أحمد القادياني كان له فضل ً جزئيا ً على المسيح ،وأنه إذا قيل أنه نب ّ
ي،
)(1
فإنما هي نبوة جزئية أو نبوة غير كاملة.
254
ولقد صّرح بشير الدين محمود في كتبه ،وخاصة في كتابيه:
"حقيقة النبوة" ،و"أنوار الخلفة" بنبوة أبيه ،وأن باب النبوة بعد رسول
الله محمد صلى الله عليه وسلم ل يزال مفتوحًا ،ومن زعم غير ذلك
فهو كذاب) .(1ففي كتابه "حقيقة النبوة" ص 174يقول بشير الدين
محمود" :فالمعنى التي تفّهمنا إياه الشريعة السلمية عن النبي ل
يسمح أن يكون المسيح الموعود نبيا ً مجازا ً فقط ،بل لبد أن يكون نبيا ً
حقًا ،إّنا نؤمن بنبوة ميرزا عليه السلم") ،(2ونقل أتباع الطائفة القاديانية
عن الميرزا غلم أحمد أقوال ً كثيرة تؤكد ادعاءه النبوة.
ومن ذلك قوله" :أنا نبي وفقا ً لمر الله ،وأكون آثما ً إن أنكرت
ذلك ،وإذا كان الله هو الذي يسميني النبي ،فكيف لي أن أنكر ذلك؟
إنني سأتمسك بهذا المر حتى أجاوز هذه الدنيا") ،(3ولقد اشتد نقاش
بين اثنين من أتباع الميرزا حول نبوته ،أحدهما وهو الشيخ محمد أحسن
المروهي وهو منكر لذلك ،والثاني المولوي عبد الكريم ،فعرضا المر
على الميرزا نفسه ،قال المولوي عبد الكريم للميرزا :أنا أعتقد أنك
نبي ورسول ،فإن كنت مخطئا ً نبهني على ذلك" .قال الميرزا" :هذا
دعيه" ،فأقلق ذلك منكر النبوة الشيخ محمد أحسن، الذي أدين به وأ ّ
فجعل يناقش المولوي عبد الكريم وارتفع صوتهما ،فخرج عليهما
الميرزا من بيته وهو يقرأ قوله تعالى من سورة الحجرات):يا أيها
الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي(.الية.2:
ومن ذلك قوله :إنني ل أقتصر على قولي أن لو كنت كاذبا ً
لهلكت ،بل أضيف إلى ذلك أنني صادق كموسى وعيسى وداود ومحمد
صلى الله عليه وسلم ،وقد أنزل اللمه لتصديقي آيات سمماوية تربمو
على عشمرة آلف ،وقد شمهد لي القرآن ،وشهد لي الرسول ،وقد عين
255
النبياء زمان بعثتي ،وذلك هو عصرنا هذا ،والقرآن يعين عصري ،وقد
)(1
شهدت لي السماء والرض ،وما من نبي إل قد شهد لي".
ومؤلفاته مملوءة بالنصوص التي تدل على أنه كان مقتنعا ً بأنه
نبي مستقل ،وصاحب شريعمة وأمر ونهي ،وأن الوحي كان يتنزل عليه،
ثم إن نسخه لفريضة الجهماد الذي شّرعه الله رب العالمين دليل على
اعتقاده ذلك ،بل تمادى في طغيانه وضلله وزعم أن الروضة النسانية
)(2
كانت ل تزال ناقصة ،وقد تمت بأوراقها وأثمارها بقدومه هو.
ن ل يؤمن بنبوة الميرزا غلم أحمد القادياني: م ْتكفير َ
إن ادعاء النبوة من قبل الميرزا غلم أحمد القادياني يقتضي
ن ل يؤمن بها ،وهذا ما فعله القاديانيون ،إذ ذهبوا إلى تكفير م ْتكفير َ
منكري نبوة القادياني ،وصّرحوا بذلك علنا ً في خطبهم وكتاباتهم)،(3
وعلى هذا فإن المسلمين جميعا ً كافرون لنهم يعتقدون أن الميرزا غلم
رجل ضال مهووس ،ليس بنبي ول ولي ،بل رجل دجال مدعي النبوة،
سبقه إلى ذلك كثير من المتهوسين الدعياء أمثال مسيلمة الكذاب
الذي ظهر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقتل في خلفة أبي
بكر الصديق رضي الله عنه ،وقد أخبر عنهم الصادق المصدوق عليه
الصلة والسلم ومن ذلك قوله) :وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلثون
كلهم يزعم أنه نبي ،وأنا خاتم النبيين ل نبي بعدي() ،(4وقوله) :ل تقوم
الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلثين كلهم يزعم أنه
)(5
رسول الله(.
حتى يخرج كذابون وقال الترمذي :هذا حديث حسن صحيح .
256
ومن المعلوم بالضروة من دين السلم أن رسول الله محمد هو
خاتم النبياء والمرسلين ،وأّنه ل نبي بعده .ول ينكر ذلك إل من هو مرتد
زنديق .قال تعالى):ما كان محمد أبا أحمد من رجالكم ولكن
رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ً( سورة
الحزاب.40 :
وقد رتبوا على تكفيرهم لمنكري نبوة القادياني-:
-1عدم الصلة على موتى المسلمين غير القاديانيين ،ولقد رفض
الميرزا نفسه الصلة على ولده المتوفى فضل لنه كان مخالفا ً له.
-2حرمة تزويج بنات القاديانيين لغيرهم ،وجواز زواج القادياني من بنات
غيرهم ،أي معاملتهم معاملة أهل الكتاب ،كما صّرح بذلك القادياني
غلم أحمد نفسه.
-3عدم صحة الصلة خلف غير القادياني.
-4معاملة المسلمين-غير القاديانيين -معاملة الرسول صلى الله عليه
)(1
وسلم للنصارى واليهود.
القادياني أفضل من النبياء:
جمع ما وق على النبياء جميعًا ،إذ ُ وزعم الميرزا غلم أحمد أنه تف ّ
تفرق من النبياء في الصفات في شخصه ،وأنه الرجل الذي أراد الله
تعالى أن يتمثل فيه جميع النبياء والمرسلين.
وقد تفوق على رسول الله صلى الله عليه وسلم في روحانيته،
ذلك أن روحانية الرسول قد تجّلت في عصره بصفات إجمالية لنها لم
تبلغ غاياتها وأوجها بعد ،وتجّلت هذه الروحانيات في القرن العشرين
في شخص غلم أحمد في أبهى حللها وأرقى مظاهرها .وقد ضمن هذه
)(2
المزاعم في كتابه "الخطبة اللهامية".
ولقد صّرح بهذا العتقاد الشنيع الميرزا بشير الدين محمود الخليفة
الثاني قال" :إن غلم أحمد أفضل من بعض أولي العزم من
257
الرسل...إنه كان أفضل من كثير من النبياء ويجوز أن يكون أفضل من
(1).
جميع النبياء"
ادعاؤه المعجزات:
عم فكرة النبوة المدعاة ،أخذ ينسب إلى نفسه ولكن يد ّ
المعجزات التي ظهرت لتأييمده وتثبيت صدقه ونبوته ،ومن ذلك:
خسوف القمر وكسوف الشمس ،وأنه أخبر بهما قبل وقوعهما ،وأنشد
في ذلك شعرا ً فقال:
غسا القمران المشرقان له خسف القمر المنير وإن لي
)(2
أتنكر
ومن عقائدهم :التناسخ والحلول:
يقول الشيخ أبو الحسن الندوي-رئيس ندوة العلماء بالهند:-
"وفي عبارات الميرزا ما يدل على عقيدة التناسخ والحلول ،وعلى أن
النبياء كانت تتناسخ أرواحهم ،ويتقمص روح بعضهم وحقيقتهم جسد
بعضهم ،وتظهر في مظهر الخر .وقد جاء في "ترياق القلوب" ص
" :155إن مراتب الوجود دائرة ،وقد ولد إبراهيم بعادته وفطرته
ومشابهته القلبية ،بعد وفاته بنحو ألفي سنة وخمسين في بيت عبد الله
بن عبد المطلب ،وسمي بمحمد صلى الله عليه وسلم".
ل الحقيقة المحمدية ،وتتجلى في ويقول في كتاب آخر" :وتح ّ
متبع كامل ...وقد مضى مئات من الفراد تحققت فيهم الحقيقة
مون عند الله عن طريق الظل محمدا ً وأحمدًا").(3 المحمدية ،وكانوا يس ّ
مكانة قاديان عند القاديانية:
من المعلوم أن قاديان منبت هذه النبتة الخبيثة ،ومن هنا لبد من
إضفاء مكانة خاصة عليها ،ولذا قاموا بتطبيق اليات التي نزلت في مكة
والمسجد القصى على قاديان ،وزعموا أنها في الرض الحرام ،وأن
الله ذكرها في القرآن الكريم ،وهي المراد من المسجد القصى في آية
258
سورة السراء ،فالمسجد القصى هو مسجد المسيح الموعود في
قاديان ،وزيارة قاديان واجبة ،وهي تجلب لصاحبها البركة ،وأن الحج
إلى مكة بغير الحج إلى قاديان حج جاف خشيب ،لن الحج إلى مكة ل
)(1
يؤدي رسالته ول يفي بغرضه ..إلى آخر ذلك من الترهات.
انظر القاديانية ،نشأتها وتطورها حسن عيسى عبد الظاهر ص .170-169 1
259
المسلمين ،قال لهم" :لقد رأيتم نتيجة الجهاد الذي قمتم به سنة
1857م ،إنه ليس لدي مانع ضد عقيدتكم ،ولكنكم سوف تنهزمون،
يمكنكم أن تنظموا عصيانا ً مدنيا ً بنية الجهاد ،والله سوف يؤجركم على
ذلك").(1
إن إلغاء فريضة الجهاد كان منسجما ً مع عقيدة الولء للنجليز ،ففممي
سنة 1898م كتممب الميممرزا غلم أحمممد رسممالة للحمماكم النجليممزي فممي
المقاطعة التي يعيش فيها ،جاء فيها" :لقد ظللت منذ حداثة سممني وقممد
ناهزت اليوم الستين أجاهد بلساني وقلمي لصمممرف قلمموب المسمملمين
إلى الخلص للحكومة النجليزيممة والنصممح لهمما والعطممف عليهمما ،وألغممى
فكرة الجهاد التي يدين بها بعض رجممالهم ،والممتي تمنعهممم مممن الخلص
لهممذه الحكومممة ،وأرى أن كتابمماتي قممد أّثممرت فممي قلمموب المسمملمين،
وأحدثت تحول ً في مئات اللف منهم".
وقال في أحد كتبه" :وقد أّلفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي
المر النجليز من الكتب والنشرات ما لو جمع بعضها إلى بعض لمل
خمسين خزانة ،وقد نشرت جميع هذه الكتب في البلد العربية ومصر
(2).
والشام وكابل والروم"
260
وذهب العلمة أبو العلى المودودي إلى أن النجليز هم الذين
غرسوا بذرة القاديانية ورعوها وشجعوها وباركوها ،لنها مصدر الفتنة
والشقاق في صفوف المسلمين ،ومن العوامل الرئيسية لتمزق
شملهم ،وهي أصلح أداة لتحقيق أغراض النجليز الستعمارية ،وقد أخذ
النجليز بيدها حتى استفحل أمرها واشتد خطرها ،وعملوا على تسليم
القاديانيين المراكز الرئيسية في الدارة والمدنية والجيش(1).وعرفت
أسرة القادياني غلم أحمد بالولء الكامل للستعمار النجليزي ،فوالده
الميرزا غلم مرتضى كان من الموالين المخلصين للحكومة النجليزية،
وكان من الجلساء المقربين من الحاكم النجليزي للمقاطعة التي
دم لهذه الحكومة أعمال جليلة ،منها :تقديم مساعدات يعيش فيها ،وق ّ
للنجليز أثناء مواجهتم للثورة السلمية ،والتجنيمد في صمفوف النجليز
لمحاربة المسلمين ،ولقد اعترف الميرزا غملم أحمد بذلك في كتبه
ورسائله) ،(2ومن ذلك قوله":لم تبخل عائلتي ولم تضن ،ولن تبخل ولن
ً )(3
تضن بدماء أبنائها في خدمة مصالح الحكومة النجليزية أبدا".
ومنها قوله" :لقد نشرت خمسين ألف كتاب ورسالة وإعلن في
هذه البلد وفي البلد السلمية ،تفيد أن الحكومة النجليزية صاحبة
الفضل والمنة على المسلمين ،فيجب على كل مسلم أن يطيع هذه
الحكومة طاعة صادقة ،وقد أّلفت هذه الكتب في اللغات الردية
)(4
والعربية والفارسية ،وأذعتها في أقطار العالم السلمي."..
لقد ناصر النجليز الحركة القاديانية ،حيث منعوا الرساليات
دمت لهم التبشيرية في القارة الهندية من التعرض لتباعها ،وق ّ
المساعدات والخدمات خارج الهند ،وخاصة في مستعمراتها في
261
أفريقيا ،وفي فلسطين الواقعة تحت النتداب البريطاني ،ومكنتهم من
الدعوة إلى ديانتهم الجديدة ،مع توفير سبل المن والحماية لهم).(1
دت الحركة القاديانية الحكومة النجليزية بخير رجالهالقد أم ّ
وجواسيسها لخدمة مصالحها الستعمارية ،وكانوا موضع ثقة النجليز،
وقاموا بخدمتها في الهند
وخارج الهند ،وبذلوا في سبيل ذلك نفوسهم ودماءهم بسخاء) ،(2وتباهوا
دوها من المآثر والفضائل التي يعجز غيرهم بذلك العمل الخسيس .وع ّ
من المسلمين القيام بها على حد تعبير القادياني غلم أحمد نفسه:
"وهذه مآثري أتباهى بها ،يعجز المسلمون في الهند أن ينافسوني
فيها").(3
وقد عّلل الميرزا غلم أحمد موقفه من الحكومة النجليزية ،ور ّ
ده
إلى أسباب ثلثة ،هي :نفوذ والده عند النجليز ،وأيادي وأفضال
الحكومة على غلم أحمد نفسه ،واللهام من الله تعالى الذي طالبه
باتخاذ هذا الموقف الموالي والممالئ للنجليز.
علقة القاديانية بإسرائيل:
لقد أسس القاديانيون لهم مركزا ً تبشيرا ً لديانتهم الجديدة في
مدينة حيفا بفلسطين زمن النتداب البريطاني لها ،ومن هذا المركز
يرسلون دعاتهم إلى البلد العربية وغيرها .ولما انسحبت بريطانيا من
فلسطين بعد أن سلمتها لليهود ،وجد القاديانيون في إسرائيل أمنا ً
وسلمًا ،كما وجدوا رعاية ومساعدة ،ول يزال مركزهم فيها إلى الن،
وهو يقع في جبل الكرمل بمدينة حيفا ،ولهم فيه مسجد ،ودار للتبشير،
ومكتبة عامة ،ومكتبة أخرى لبيع الكتب ،ومدرسة ،ويصدر هذا المركز
مجلة خاصة باللغة العربية اسمها "البشرى" تتولى السفارات اليهودية
في العالم توزيعها ،كما يقوم بترجمة كتب ونشرات الميرزا غلم أحمد
انظر القاديانية نشأتها وتطورها حسن عيسى عبد الظاهر ص .165 1
262
)(1
القادياني إلى اللغة العربية.
القاديانيون وباكستان:
لقد نالت باكستان استقللها سنة 1947م ،وأصبحت القاديانية
مشكلة خطيرة تشكل ضررا ً كبيرا ً للمسلمين ودينهم وحاضرهم ،ويظهر
خطرها فيما يلي:
م
-1محاولتهمم جعل مقاطعة "بلوجستان" منطقة قاديانية ،ومن ث ّ
اتخاذها قاعدة للستيلء على باكستان كلها ،وتحويلها إلى الدين
القادياني.
-2إقحام القاديانيين أنفسهم في المؤسسات والدوائر الحكومية،
استغلل السلطة الحكومية في مصالح الجماعة القاديانية (2).والتغلغل
كزوا عليه اللتحاق في الجيش والشرطة والمالية والجمارك ،وأهم ما ر ّ
بالجيش الباكستاني .لقد استبد القاديانيون من الوظائف الرسمية
الحكومية بما يزيد زيادة كبيرة على نسبتهم من السكان.
-3التحريض المستمر على إيصال الذى بالمسلمين ،لنهم العدو
الحقيقي للقاديانيين والتهديد العلني للمسلمين بسوء العاقبة والمصير.
-4تخويف المسملمين وإرهابهممم ،من خلل الترويمج لعمالهممم العدائيمة
وممن ذلك :تشكيل كتيبة عسكرية من الجنود القاديانيين داخل الجيش
الباكستاني ،وتسمى كتيبة الفرقان .والسيطرة على بعض مصانع
)(3
السلحة.
النتشار ومواقع النفوذ:
ينشط القاديانيون اليمموم فممي الهنممد وباكسممتان وإسممرائيل ،ولهممم
نشاط وتواجد في بعض البلدان الوربية ،فلهم مراكز إسلمية في لندن
وهامبورج بألمانيا ،وفي مدريد بأسممبانيا ،وفممي زيممورخ بسويسممرا .ولهممم
263
مراكز ونشمماط فممي بعممض بلممدان آسمميا ،منهمما :سمميلن وبورممما وماليزيمما
وإندونيسيا ،ولهم نشاط في أفريقيا ،وأهم مراكزهم توجممد فممي نيروبممي
بكينيا ،وتابور وكوسومو وليندي ،وجينجمما،وفممي سمميراليون،وفممي نيجيريمما
وخاصة لجوس العاصمة ،وفي كانوا حيث الكثرية المسلمة في شمممال
نجييريا.
وللقاديانية تواجد في أمريكا ،حيث بدأوا نشاطهم في مدينة
"شيكاغو" ،وأكثر نشاطهم بين المريكيين الملونين .ولهم الن مراكز
ثلثة في كل من نيويورك ،وواشنطن وسان فرانسيسكو).(1
264
الفصل الثالث
البابية والبهائية
أو ً
ل :البابية-:
تمهيد...
وقعت شبة الجزيرة الهندية -الواقعة جنوب روسيا -تحت
السيطرة الستعمارية النجليزية ،ولقد وّلد هذا لدى قياصرة روسيا
طموحا ً للستيلء على إيران وبعض الدول العربية المجاورة لها ،خاصة
وأن روسيا القيصرية قد حققت انتصارا ً على المسلمين من بني عثمان
في بلد القوقاز والتركستان وأوزبكستان ،فسعت روسيا إلى إيجاد
طريقة مناسبة لبث الفتن ،وإضعاف الوحدة السلمية ،وإيجاد العملء
والمناصرين لها.
ومن هنا سعت روسيا إلى إيجاد مذهب باطني باسم السلم،
يكون معول ً لهدم السلم من داخله ،وفي نفس الوقت يخدم مصالحها،
ويعمل لحسابها ولتحقيق أهدافها ،ويساعدها في الوصول إلى إيران
والبلد العربية ومن ثم الوصول إلى المحيط الهندي.
265
ومن أجل تحقيق هذا الهدف أوعزت روسيا القيصرية لثنين من
العملء المهرة أن يقوما بإلقاء بذرة المذهب الباطني الهدام عن طريق
)(1
رجل تتوفر فيه المؤهلت التي تمكنه من القيام بهذا الدور الخطير.
-فالعميل الول :هو قسيس روسي يعمل في مجال التبشير في
إندونيسيا
ون
المسلمة ،جاء إلى العراق وسمى نفسه بالشيخ أحمد الحسائي ،وك ّ
لنفسه طريقة عرفت بم "الشيخية" ،عرف الرجل بعقليته الفلسفية،
وقدرته على التنكر والخداع ،فاستطاع أن يمثل دوره بكل جدارة ودقة.
قام الشيخ أحمد الحسائي بشرح فكرة الحقيقة المحمدية شرحا ً
عقليا ً ممزوجا ً بالوهام والضللت والتدليس .واعتمد على الرؤى
والحلم في نشر أفكاره وآرائه ،ولقد استطاع أن يكسب بعض الناس،
وخاصة ممن غزاهم الجهل بعقائد السلم ومفاهيمه).(2
-وأما العميل الروسي الثاني :فهو قسيس آخر ،تنكر تحت اسم
"كاظم الرشتي" ،ويقال :إنه رجل فارسي ،تعّرف عليه الشيخ أحمد
الحسائي ،والكاظم هو مؤسس الفرقة الكشفية .التقى كاظم الرشتي
في طهران بالشيخ أحمد الحسائي ،فتعلق به وأصبح تلميذا ً له ،ارتحل
سويا ً إلى العراق .وفي كربلء قاما بالترويج للفكار الباطنية الهدامة،
)(3
وفي تلك البيئة الخصبة ظهر الباب والبابية.
من هو الباب؟
هو:علي محمد المولود بشيراز من بلد إيران سنة 1819م ،مات والده
محمد رضا الشيرازي وهو في سن صغيرة ،فكفله خاله علي الشيرازي
الذي كان يشتغل بالتجارة.
درس على محمد الرياضيات والعلوم الدينية ،ومال إلى المجاهدة
ل ،والوقوف تحت أشعة النفسية والجسدية ،فأتعب نفسه بالسهر لي ً
266
الشمس الشديدة نهارًا ،والخلوة والعزلة ،وقد لوحظ عليه شذوذ في
التفكير ،وإتيان أفعال وحركات غير عادية .فلما عرضه خاله على
الطباء نصحوه إن يذهب إلى كربلء للستجمام والراحة.
وفي كربلء تعّرف علي محمد على كاظم الرشتي ،فتردد على
دروسه ،ولقد وجد فيه الرشتي ضالته المنشودة ،إنه الشخصية المؤهلة
)(1
باعتناق الفكار الباطنية والدعوة إليها في بلد إيران.
الفكار والعقائد البابية:
لممما بلممغ علممي محمممد الشمميرازي سممن الخامسممة والعشممرين -سممنة
1844م -ادعى أنه الباب ،حيث استطاع أن يكسممب عممددا ً مممن النمماس،
خاصة من بسطاء العقول والجهلة بالسلم من خلل ما يظهره لهم من
الزهد والتقشف ،وبعد موت أستاذه ومرشممده الروحممي كمماظم الرشممتي
بعام واحد ،ادعى أنه "باب الله" ،أي البمماب الموصممل إلممى اللممه تعممالى،
عم دعمموته ومممن وكان يخاطب المقربين إليه :بأقوال غامضة ،لكنهمما تممد ّ
ذلك" :فادخلوا البيوت من أبوابهمما" .وكممان كممثيرا ً ممما يسمممعهم الحممديث
المشهور في أوساط الشيعة":أنا مدينة العلم وعلي بابها" .ولقد سمممى
نفسه بالباب ،وما كان يشير إلى نفسه بعد ذلك إل بلقممب البمماب ،حممتى
أنه ترك الشارة إلى اسمه الصلي".
وكان أول المؤمنين به المل حسين البشروئي ،فسماه الباب
"باب البواب" .واعتبر اليوم الذي أظهر فيه علي محمد دعوى البابية
عيدًا ،سماه البابيون "عيد المبعث" وما زالوا حتى اليوم يقدسونه
)(2
ويحّرمون العمل فيه.
البهائية غايات ووسائل ص ،29-28ذيل الملل والنحل للشهرستاني تأليف محمممد 1
.2/12
267
ما وجد الباب مقاومة من العلماء لدعواه البابية ،وميل الجهلة من ل ّ
العوام
إليه ،أعلن أنه المهدي المنتظر ،وزعم أن جسم المهدي اللطيف قد
ل في جسمه ح ّ
المادي ،وأنه يطهر الن ليمل الرض قسطا ً وعدل ً بعد أن ملئت ظلما ً
وجورا ً).(1
ادعاؤه الوحي والرسالة:
بعد ذلك ادعى علي محمد الرسالة وأنه رسول من الله تعالى وأن
الوحي يتنزل عليه ،وأن كتابه "البيان" وحي من الله تعالى .جاء في هذا
الكتاب" :قال الله في كلمه العزيز كتاب من القرآن فقال المؤمنون
جميعا ً هو كتاب الله ثم سأل هل من فرق بين الفرقان والبيان فأجاب
ذو الفكر الروحاني :ل والله إنهما جميعا ً من ربنا.(2)"...
وادعى الباب أنه أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم صاحب
الدعوة السلمية العظمى ،وأن تعاليمه التي جمعها في بيانه أفضل من
تعاليم نبي المسلمين في قرآنه ،وأنه إذا كان محمد تحدى الناس
بالتيان بسورة من سور الفرقان المبين ،فإنه يتحدى الجميع بالتيان
بباب من أبواب بيانه العظيم).(3
ما ناظره العلماء ،وسألوه عن الرسالة التي جاء بها ،أجابهم ول ّ
الباب علي محمد" :إني أنا الموعود ،وأنا الذي دعوتموه منذ ألف سنة،
وتقومون عند سماع اسمه ،وكنتم تشتاقون للقائه عند مجيئه ،وتدعون
الله بتعجيل ساعة ظهوره ،الحق أقول لكم :إن طاعتي واجبة على أهل
الشرق والغرب ...ولقد آتاني الله البرهان ،ففي ظرف يومين وليلتين
)(4
أقرر أني أقدر أن أظهر آيات توازي في الحجم جميع القرآن".
مؤتمر بدشت وإلغاء الشريعة السلمية:
268
في سنة 1847م أمر الشاه ناصر الدين باعتقال الباب في قلعة
ماكو في ولية أذربيجان بالقرب من الحدود اليرانية الروسية العثمانية،
ولقد كان هذا العتقال سببا ً في مجاهرة أتباعه بالدعوة بعد أن كانت
سرًا ،وأخذ عددهم يزيد يوما ً بعد يوم ،فنقلته الحكومة إلى قلعة
"جهريق" ،وأثناء وجوده في المعتقل أمر أتباعه بالتحرك ،فدعا التباع
إلى عقد مؤتمر في صحراء بدشت ،ووجهت الدعوة إلى أقطاب
المذهب ،فلبى الدعوة ثمانية عشر مرتدا ً من الذين استجابوا قبل ذلك
لحمد الحسائي وكاظم الرشتي ،وأبلغوا الباب أنهم آمنوا به وصاروا له
أتباعًا ،وصار يرمز لهم بكلمة "حي" ،وقد انتشروا في البلد للدعوة له،
وممن حضره باب الباب المل حسين البشروئي ،وحسين علي الذي
تسمى بالبهاء ،وأم سلمى هانم رزين تاج الملقبة بقرة العين ،وهي من
النساء المقربات من الباب ،والمدافعات بقوة عن دعوته ،وهي خطيبة
)(1
مفوهة ،وذات شخصية قوية.
وقد تناول المجتمعون في المؤتمر أمرين-:
أحدهما :بحث إمكانية إطلق سراح الباب من المعتقل ،ونقله إلى
مكان آمن.
وثانيهما :إعلن نسخ الشريعة السلمية ،ووضع حد ّ بين المبادئ
البابية ومبادئ الدين السلمي.
أمـا بالنسمبة للمر الول :فقمد قرروا تخليص الباب سلمًا ،وإن
لم يكن فعنوة بالقوة ،وأما بالنسبة للمر الخر :فلم يستطع أحد أن
يقوم بمثل هذا العلن ،لن العلن عن نسخ الشريعة السلمية معناه:
الردة ،وقد يؤدي إلى تصدع الجماعة وتفرقها .وممن أحجم عن ذلك
ن قرة العين وقفت في حسين علي ،وباب الباب حسين البشروئي ،لك ّ
القوم تلقي عليهم خطبة جريئة ،ومما أعلنته فيها-:
-نسخ الشريعة السلمية بظهور الباب.
-الشتغال بالصلة والصوم والزكاة وما جاء به -محمد صلى الله عليه
269
وسلم -لغو وباطل ،ول يقدم عليه إل جاهل غافل.
-الدعوة إلى إلغاء الحجاب وتمزيقه ،والباحية ،ومشاعية النساء
والمال.
نهاية الباب:
ما أحس الناس والعلماء خطورة البابية ،والكفر الصريح فيما ل ّ
يدعو إليه
الباب ،طالبوا والي شيراز إقامة الحد عليه وتخليص البلد والعباد من
ضللته وبدعه ،علم الشاه ناصر الدين بالمر ،فأمر بقتل الباب علي
محمد ،لثبوت تنبؤه ،وإنكاره للبعث وقوله بالتناسخ ،ونسخ الشريعة
السلمية..وفي صباح يوم السابع والعشرين من شهر شعبان عام
فذ عليه الحكم بالعدام رميا ً1266هم الموافق 8تموز 1850م ،ن ُ ّ
بالرصاص عن عمر يزيد قليل ً عن ثلثين سنة .وسحب المسلمون جثته
في الشوارع على سبيل النكاية بالكافر عدو الله .وقد أخذ بعض أتباعه
جثته ونقلوها بعد فترة من الزمان إلى جبل الكرمل بحيفا من مدن
فلسطين ،وهناك دفن حيث دفن عبد البهاء عباس.
وبعد مقتل الباب زادت تعاليمه اشتهارًا ،وعظم الضطهاد على
أتباعه الذين قاموا بكثير من أعمال العنف والتخريب في البلد.
وفي يوم 30أغسطس 1852م تسللت قرة العين على رأس
ثلثين رجل ً من بغداد إلى طهران للثأر ولغتيال الشاه ناصر الدين
والسعي لقلب حكومته ،ولكنها كشفت ،وفشلت ،وألقي عليها القبض،
وتم تنفيذ حكم العدام فيها وفي أتباعها الذين جاءوا معها ..وهكذا
أسدل الستار على عهد الباب والبابية لتظهر بثوب جديد ،وعقيدة أكثر
)(1
إضلل ً وأشد فسادًا ..أل وهي البهائية.
البهائيمة للخطيب ص ،23البهائيمة للدسموقي ،ذيممل الملممل والنحممل ،49 - 2/48 1
270
ثانيًا :البهائية:
تنسب البهائية :إلى المدعو حسين علي نوري أحد أتباع الباب علي
قب نفسه ببهاء الله ،مدعيا ً محمد ،وسميت بهذا السم ،لن مؤسسها ل ّ
ل فيه ،ولهذا كان إذا مشى أن بهاء الله تعالى قد تجّلى في شخصه وح ّ
غطى وجهه ببرقع حتى ل يشاهد أحد من الناس بهاء الله ،حسب
)(1
زعمه.
التعريف بالبهاء:
هو:الميرزا حسين علي ابن الميرزا عباس بزرك النوري ،ولد حسين
في مازندران ،وعلى رأي في ظهران عام 1233هم الموافق 1817م،
عرف منذ شبابه ميله إلى علوم الصوفية والشيعة ،والفلسفة اليونانية،
وتأثر كثيرا ً بالفكر السفسطائي ،وقد أظهر تفوقا ً في تلك العلوم ،كان
يحضر مجالس العلماء مستفيدا ً ومناقشا ً ومجادل ً لهم.
كان الميرزا حسين من أوائل المستجيبين لدعوة الباب ،ومع ذلك لم
يكن من أهل الصفوة فيها ،ولكنه استطاع بثقافته الواسعة وقدرته على
الجدل والتفلسف ،وبالمكر والحيلة أن يصبح في الموقع الممتاز بعد
هلك الباب الميرزا علي محمد ،ويتصدر الزعامة والخلفة ،بل ويؤسس
مذهبا ً جديدا ً عرف باسمه "البهائية").(2
ومن التدابير التي اتخذها البهاء لنجاح فكرته ،وتصدره للزعامة ما يلي:
-1عزل أخيه يحيى صبح أزل عن الحباب والتباع ،ثم التخلص منه ،لن
الباب قبل هلكه قد أوصى له بالخلفة.
-2التخلص من الشخصيات المخلصة لفكار الباب ،والتي التفت حول
يحيى صبح
أزل ،وقد دبر حسين علي بنفسه المؤامرات لقتل واغتيال هؤلء
الناس.
-3تقريب الرجال المخلصين له ،ليكونوا له سندًا ،ولدعوته مرتكزًا.
271
-4العلن عن مبدأ جديد ،وفكرة جديدة تربط أتباعه بشخصه ،فأعلن
شر بمه الباب وأنه سماه المظهر ،وحتى يستميل أنه الشخص الذي ب ّ
الناس إلى فكره الجديد،لجأ إلى أسلوب التدرج ،حيث أعلن دعوته أول ً
في إطار محدود من التباع ،وأحاط إعلنه بالسرية التامة ،وبعد تخلصه
من أخيه يحيى صبح أزل والمخلصين له ،جهر البهاء بأنه الوريث
الحقيقي للباب وأنه المظهر والبهاء ...فتجمع حوله مجموعة من الناس
)(1
سموا بالبهائية ،وبقيت مجموعة أخرى سميت بالبابية أو الزلية.
أقدم البهاء حسين علي على محاولة اغتيال الشاه ناصر الدين ملك
إيران ،ولكن المؤامرة باءت بالفشل ،هّرب البهاء إلى السفارة
ح الشاه على محاكمته الروسية التي عملت على استضافته وحمايته ،أل ّ
وعقوبته جزاء جريمته ،وبعد مفاوضات مع السفير الروسي الذي تدخل
شخصيا ً في قضيته ،تسلمت السلطات اليرانية البهاء حيث حبسته مدة
ثم قدمته للمحكمة ،ولكنها لم تستطع إعدامه ،نظرا ً للمساعي الروسية
التي بذلت في المحافظة على حياته .ولذا فإن الحكومة اليرانية نفته
)(2
مع بعض أتباعه إلى العراق.
وفي العراق -وخاصة في بغداد وشمال البلد -وجد البهاء منطلقا ً
رحبا ً لدعوته ،فاستمال الجهلة والعوام ،فلما ظهر أمره وانتشرت
دعوته ،تم نفيه للمرة الثانية إلى أدرنة بالراضي التركية ،وهناك وقع
الخلف بين البهاء حسين علي وأخيه يحيى صبح أزل حول الزعامة.
ما خاف يحيى على حياته من أخيه رفع المر إلى الحكومة التركية، ول ّ
فما كان منها إل أن أصدرت قرارا ً بترحيل يحيى صبح أزل إلى جزيرة
)(3
قبرص ،وترحيل البهاء حسين علي إلى عكا بفلسطين.
272
نهاية البهاء:
استقر البهاء في عكا ،وفيها لقي الحفاوة والترحيب ،بل الرعاية
والحماية والمساعدة من اليهود والنجليز ،فمكنوه من الستمرار في
دعوته ،وطلب منه اليهود أن يتبرقمع حتى ل ُيرى وجهمه ،ومنع من نشمر
صوره إمعانا ً في خلمع الهيبة عليه لكمن الله تعالى لم يمهله طوي ً
ل ،إذ
سلط عليه ما يسلبه عقله ،ويفقده القدرة على التمييز بين النار والنور،
والسود والبيض ،والحار والبارد ،وصدرت عنه القوال والحركات
الرديئمة المنفمرة للعوام منه ،وانحدر إلى رتبة الحيوانات ،أصابه
المرض والجنون ممما اضطر ابنه عباس إلى حبسه حتى ل يراه الناس،
ثم أصيب بالحمى الشديدة ،وفي السادس عشر من مايو سنة 1892م
هلك البهاء ودفن في قبر يسمى بيت البهجة في مدينة حيفا على سفح
جبل الكرمل بفلسطين .وقد خلفه في القيام على المذهب ابنه عباس
أفندي المسمى عبد البهاء أو غصن أعظم المولود سنة 1844م
)(1
والهالك سنة 1921م.
273
وقد شرح الكاتب السلمي الكبير محب الدين الخطيب فكرة
المظهر التي ادعاها البهاء لنفسه ،فقال" :استقرت عقيدة البهائيين
-كما قررها لهم البهاء حسين على المازندراني )1309-1233هم( في
سرها دعاته في كتبهم ونشراتهم :على أن الله ألواحه ووحيه ،وكما ف ّ
ليس له أسماء ول صفات ول أفعال ،وان كل ما ُيضاف إليه من أسماء
وصفات وأفعال هي رموز لشخاص ممتازين من البشر قديما ً وحديثا ً
هم مظاهر أمر الله ومهابط وحيه في زعمهم ،وآخرهم وأكملهم هو
مفسر سورة الواقعة في مؤتمر بدشت ميرزا حسين المازندراني الذي
لقب نفسه بهاء الله ،فهو عند نفسمه وعند أذنابه مظهر الله الكمل،
وهو الموعود ،ومجيئة الساعة الكبرى ،وقياممة القيامة ،ورسالة البعث،
والنتماء إليه الجنة ،ومخالفته هي النار ،وأن الديانات السابقة والنبياء
كانت مهمتهم التبشير بسخافاته ،وأن ظهوره هو ظهور جمال الله
)(1
البهى".
ومن أقوال حسين علي في ألوهيته" :ل يرى في هيكلي إل هيكل
الله ،ول في جمالي إل جماله ،ول في كينونتي إل كينونته ،ول في ذاتي
إل ذاته ..ول يرى في ذاتي إل الله"" ..يا مل النسان اسمعوا نداء مالك
السماء يناديكم من شطر سجنه العظم إنه ل إله إل أنا المقتدر
المتكبر المتسخر المتعال العليم الحكيم إنه ل إله إل هو المقتدر على
)(2
العالمين".
الفقرات في كتاب القدس للبهمماء نفسممه نقل ً عممن البهائيممة وسممائل وغايممات لطممه 2
الدسوقي ص .131
274
وطرازات كلمات فردوسية .وننوه هنا أن كتاب اليقان وقع عليه خلف
ل يدعيه لنفسه ،وحصل نفس الخلف بين بين البهاء وأخوه يحيى ،ك ّ
أتباعهما).(1
ولقد قام البهاء بإنشاء الرسائل والكتب وإرسالها للحكام
والملوك ،وفيها يتحدث عن حلول الله فيه ،وعلمه للغيب ،ومعرفته بما
سيحدث في المستقبل ،ومن ذلك قوله:إن حكومة نابليون الثالث
ستسقط ،وبالفعل سقطت بعد أربع سنوات ،وكان هذا سببا ً في
تصديق الكثيرين له ،مع أنه لم يعين زمن السقوط ،ومن المعلوم أن
(2).
كل حكومة مصيرها السقوط بموت رئيسها أو بثورة تنهيها
انظر تاريخ المذاهب السلمية للشيخ محمد أبو زهرة .1/243 2
275
-تفضيل ضللتهم على جميع ما جاء به النبياء المرسلون.
)(1
-إنكار إعجاز القرآن إل ما جاء في البشارة بالبهاء كما يزعمون.
انظممر ممما سممبق مممن الضمممللت :الخطيمممب ص ،38م ،39م ،41تاريممخ المذاهمممب 1
276
استطاعت البهائية أن تنشر ضللتها في أغلب الدول الوربية
شيدوا المحافل البهائية ،تقوم تلك والمريكية ،وفي عواصم تلك الدول ّ
المحافل بمهمة الدعوة والنشر ،وقد تبّين أن كثيرا ً من دعاة البهائية
في أوربا وأمريكا من اليهود المتسترين بلباس البهائية مما جعل جامعة
الدول العربية إدراج البهائية في القائمة السوداء أسوة بالشركات
المتعاملة مع إسرائيل ،وهذا ما أوصى به مؤتمر المنظمات السلمية
الذي عقد في مكة المكرمة بإشراف رابطة العالم السلمية وذلك عام
1393هم ).(1
واستطاعت البهائية أن تتسلل إلى أرض الكنانة مصر وبعض
الدول العربية وخاصة العراق .ففي سنة 1960أصدرت الحكومة
المصرية قرارا ً بحل المحفل البهائي بالقاهرة لثبوت تعامل أعضائه
بالتجسس لصالح إسرائيل ،وتم اعتقال الكثيرين منهم) ،(2وفي سنة
1972م ألقت الحكومة القبض على مجموعة بهائية بمدينة طنطا .وفي
سنة 1975م تم اكتشاف مجموعة بهائية مصرية تعمل في القاهرة،
ومن بين أفرادها "حسين بيكار" الرسام المشهور بجريدة الخبار
المصرية ،وقد تبين أنه بمنصب نائب البهائي لمصر والسودان وشمال
أفريقيا ،وفي سنة 1985م كشفت الحكومة المصرية بعض العناصر
البهائية التي تحتل مراكز قيادية في الفكر والثقافة.
وفي العراق أصدرت وزارة الداخلية قرارا ً في 11/4/1965م
بمنع النشاط البهائي ،ولكن يبدو أنه لم تكن الحكومة جادة في تنفيذه،
وفي سنة 1970م صدر قرار آخر لنفس الغرض ،وهدد القرار في هذه
المرة باتخاذ الشدة والحزم في وقف النشاط البهائي).(3
انظر البهائية وسائل وغايات ص ،255 ،252 ،3هامش ص .255 – 254 3
277
صلة البابية والبهائية بالدوائر الستعمارية:
ل :علقة روسيا القيصرية بالبابية والبهائية: أو ً
لقد ثبت بما ل يدع مجال ً للشك أن روسمميا القيصممرية قممد وقفممت
بكل جهد وراء فتنة البابية والبهائية ،إذ عمل جواسيسها وعملؤهمما علممى
إيجاد النبتة الخبيثة في بلد إيران وأمدوها بالمنطلقات الفكرية ،ووفمروا
لها المال والدعم المادي ،وكانت الحكومممة الروسممية تمموفر لهمما أسممباب
النجاح والحماية عندما كشف أمرها ،ويمكن كشف الدور الروسممي فممي
النقاط التالية:
-1لما سقطت حكومة روسيا القيصرية عام 1917م ،قامت الحكومة
الشيوعية بإذاعة التقارير السرية التي تفضح فيها أحوال الحكومة
السابقة ،ومن ذلك :التقرير الذي يؤكد أن الحكومة الروسية القيصرية
أرسلت اثنين من القساوسة إلى إيران باسمين مستعارين ،أحدهما:
الذي تسمى بأحمد الحسائي الذي كان يعمل مبشرا ً بالنصرانية في بلد
إندونيسيا ،والثاني :المدعو كاظم الرشتي ،وكان هدفهما إيجاد مذهب
باطني يثير الفتنة في بلد المسلمين ويضعف صفهم ،ووقع الختيار
على محمد علي الشيرازي ليقوم بهذا الدور).(1
-2ذكر بعض الكتاب في نشأة البابية :أن رجل ً من روسيا أتى طهران
بعد انتزاع الروس مملكة القوقاز من الدولة اليرانية ،تعلم الرجل اللغة
الفارسية وأتقنها ،ثم أظهر التدين بالسلم ،وتزيا بزي أهل العلم،
فأطلق لحية كبيرة ،ولبس عمامة كبيرة وعباءة وحمل مسبحة ،وحافظ
على الصلة في المسجد ،ودرس شيئا ً من المبادئ الدينية واشتهر بين
الناس باسم الشيخ عيسى ،ثم أخذ يجول في بلد إيران ،وفي شيراز
وجد ضالته ،حيث تعّرف على الغلم علي محمد الشيرازي ،وقد خل به
مرات كثيرة والظاهر أنه كانت حلقة الوصل بين الباب وأتباعه من جهة
والحكومة الروسية القيصرية من جهة أخرى).(2
278
-3إن الروس قاموا بتخصيص منطقة "عشق آباد" الروسية للبابيين،
يتدربون فيها على السلح ،وتكون معقل ً لهم ،ومنطلقا ً لنشر أفكارهم
الهدامة ،ثم منحتهم بلدة "باكو" لتكون معقل ً آخر يؤدي نفس الغرض.
وقد اعترف كثير من الكتاب البهائيين أنفسهم أن روسيا القيصرية
كانت تمد البابيين بالسلح والمعونات المالية ،لهتمامها الخاص بهم.
-4اعترف الجاسوس الروسي "كيناز دالفوركي" بدوره في حماية
البابيين من الحكومة اليرانية ،حيث قال في مذكراته ص " :82إن
البابيين لما أطلقوا الرصاص على الملك اليراني ناصر الدين شاه،
قبض عليهم ،ومن بينهم الميراز حسين علي البهاء والبعض الخرين
قة أثبتالذين كانوا لي أصحاب السر ،فأنا حاميت عنهم ،وبألف مش ّ
أنهم ليسوا مجرمين ،وشهد عمال السفارة -الروسية -وموظفوها...
فنجيناهم من الموت ،وسيرناهم إلى بغداد").(1
ولقد كان السفير الروسي -وهو الجاسوس المشار إليه -في طهران
يحضر جلسات المحاكمة ،وشهد بنفسه أمام القضاء اليراني بطهارة
ما صدر المر بنفيه هو وأتباعه، البهاء واستحالة وقوع الخيانة منه ،ول ّ
عرض عليهم السفير الروسي رغبة حكومة بلده استضافتهم في روسيا
ومنح الجنسية لهم).(2
ولما خرج البهاء من إيران هو وأتباعه كان عدد من الفرسان
الروس في حمايتهم حتى وصلوا إلى بلد العراق بالحشمة والقتدار
)(3
على حد تعبير البهاء نفسه.
-5لقد وجهت الحكومة الروسية لعميلها اليراني "الصدر العظم" أن
يتدخل بكل ثقة لحماية البهاء ،وأعلمته أن التقصير في ذلك هو تقصير
في واجباته تجاه الحكومة الروسية نفسها).(4
279
ثانيًا :دور الستعمار البريطاني في الحركة البهائية:
دمتلقد حضنت بريطانيا الحركة البهائية ورعتها حق الرعاية ،وق ّ
للبهاء وخليفته عبد البهاء عباس ولتباعهم كل ما يساعدهم على
الستمرار في دعوتهم الكفرية ،ويمكن بيان دور بريطانيا من خلل ما
يأتي-:
ما صدر أمر نفي البهاء وأتباعه من إيران ،عرضت الحكومة -ل ّ
البريطانية عليهم الستضافة ومنح الجنسية البريطانية).(1
-اعترف الداعية البهائي "أسلمنت" بالعلقات الحميمة بين النجليز
والبهائيين فقال" :لقد شعر البهائيون بالبتهاج والسرور حين سقطت
حيفا مسقط دعوتهم في فلسطين بيد الستعمار البريطاني في سبتمبر
عام 1918م ،كما بادلهم النجليز نفس الشعور ،واهتم النجليز بعبد
البهاء ونبي البهائيين عباس أفندي ابن الميراز حسين ،ولقد كان عدد
من الجند وكبار قادة الجيش النجليزي يترددون على زيارته ،وقام
الحاكم النجليزي بمنحه وسام الفرسان البريطانيين تقديرا ً لجهوده
التي بذلها في مساعدة النجليز في الستيلء على فلسطين ،وعلى
دوره في إسقاط الخلفة العثمانية).(2
-عندما قررت الحكومة العثمانية النسحاب من حيفا سنة 1917م،
أرادت أن تقوم بقتل عبد البهاء وعائلته للتخلص من شره وفتنته ،وكان
جمال باشا هو صاحب هذه الفكرة ولكن وزارة الخارجية البريطانية
ممثلة في شخص اللورد بلفور طلبت من الجنرال اللنبي المحافظة
على البهائيين وحمايتهم ،وبالفعل قام بذلك ،وأبرق لحكومته يخبرها
)(3
بسلمة الذات المباركة على العالم.
البهائية أضواء وحقائق إحسان إلهممي ظهيممر نقل ً عممن البهائيممة وسممائل وغايممات ص 2
.65
البهائية وسائل وغايات ص .231-230 3
280
ثالثًا :دور اليهودية في الحركة البهائية:
إن علقة البهائية باليهودية ،وارتباط اليهودية بالبهائية واضحة
بصورة جلية وعلنية ،فالعلقات بينهما وثيقة جدًا ،وقد عّبر عن هذه
العلقة وذاك الرتباط المؤتمر البهائي العالمي الذي عقد في مدينة
القدس المحتلة عام 1968م ،حيث قيل في افتتاح المؤتمر :إن
الحركتين اليهودية والبهائية متممتان لبعضهما ،وتجتمعان في أكثر
)(1
النقاط.
ويمكننا ذكر بعض هذه النقاط بعد بيان دور اليهود في الترويج
للفكار البابية والبهائية.
-أثبتت بعض المصادر أن يهود إيران دخلوا في البابية ،بناًء على
مشورة الماسونية اليهودية ،ففي طهران دخل مائة وخمسون يهوديًا،
وفي همدان مائة يهودي ،وفي كاشان خسمون يهوديًا ،وفي كلباكيان
خمس وثمانون يهوديًا .ومن هؤلء الحبران اليهوديان :إلياهو ولزار.
ومن المعلوم أن اليهود يتسللون إلى الديان والنحل غير اليهودية بهدف
استغللها لتحقيق أهدافهم ،وتوجيهها حسب مصالحهم الخاصة).(2
-لقد قام اليهود بالدعاية والترويج للبهائية من خلل وسائل العلم
العالمية التي يسيطرون عليها ،ومن خلل السفارات السرائيلية في
البلدان الفريقية وغيرها ،ومن خلل المستشرقين اليهود أمثال
جد هذه الحركة عندما كانت في إيران).(3 جولدتسيهر الذي م ّ
-أنه لما سجنت الحكومة التركية البهاء الميزار حسين وأتباعه في عكا
بفلسطين قبل وقوعها تحت النتداب البريطاني سنة 1920م ،قام
اليهود بإغداق الموال عليه ،يقول الميرزا حسين :إن سجنه قد انقلب
بهم إلى جنة عدن ،فخصصت له سيارة ،وحديقة ،وقصور فخمة،
وسهلت له التنقلت بين عكا حيفا ،وأصبحت له مكانة ومنزلة .وعطلوا
281
بذلك أوامر الباب العالي التركي التي تتضمن سجنه ومنع الناس من
التصال به).(1
-قام مجموعة من أحبار وحاخامت اليهود بتأويل نصوص كتابهم
المقدس لصالح الحركة البهائية ،وقد اعترف بذلك المستشرق اليهودي
جولدتسيهر إذ قال :إن بعض اليهود المتحمسين للبهائية استخلصوا من
دفائن العهد القديم وتنبؤات أسفاره ما ينبئ بظهور بهاء الله وعباس..
ونسبوا جزءا ً كبيرا ً من الشارات والتلميحات التي في السفار اليهودية
إلى جبل الكرمل الذي تجلى على مقربة منه نور الله وأضاء على
الكون كله ،وذلك في نهاية القرن الثامن عشر الميلدي -زمن ظهور
البهاء ،(2)-واعترف الميرزا أحمد سهراب بعمل هؤلء الحبار اليهود في
إظهار نبوة عباس أفندي).(3
-لقد أحاط اليهود عبد البهاء حسين بالهتمام والحتفاء عندما ذهب إلى
الوليات المتحدة المريكيمة ،فهنماك كمان يدخل مجامعهمم ومعابدهمم
الخاصمة ،وفمي المجممع اليهمودي المنعقد سنة 1912م في سان
دم الحاخام ميارفي عبد البهاء للحاضرين بقوله :من فرانسيسكو ق ّ
حسن حظنا وهو ل شك حظ سعيد أن نرحب هذا الصباح بعبد البهاء
المعلم العظيم في عصرنا هذا ..ثم قام عبد البهاء عباس بإلقاء خطاب
)(4
ظم فيه اليهود.جد وع ّ
م ّ
-لما هلك عبد البهاء حسين خلفه في الزعامة للبهائية ابن ابنته المدعو
شوقي أفندي ،ولما هلك هذا الرجل الذي لم يعقب ولدًا ،أسس
البهائيون بتوجيه اليهود ما عرف بم "بيت العدل" في مدينة حيفا وذلك
سنة 1963م ،وقد انتخب الصهيوني المريكي "ميسون" ليكون رئيسا ً
روحيا ً لجميع أفراد الطائفة البهائية في العالم).(5
282
-قد ثبت أن المحافل البهائية في العالم السلمي أوكار تستخدمها
اليهودية للتجسس لصالح إسرائيل ،ومن ذلك المحفل البهائي في
مصر ،حيث صدر قرار سنة 1960م بحله لثبوت تجسس أعضائه الذين
ضبطت بحوزتهم أوراق ووسائل تثبت ذلك).(1
وأما النقاط التي تشترك فيها كل من البهائية واليهودية كما جاء في
افتتاح المؤتمر البهائي العالمي المنعقد في القدس عام 1968م فهي
كثيرة من أهمها:
-الهدف المشترك في القضاء على الديان ،وإثارة الفتن والشكوك بين
المسلمين ،وهناك تشابه تام إلى حد كبير بين ما جاء في برتوكولت
حكماء صهيون وما تخطط له الماسونية اليهودية وبين التعاليم البهائية
التي تتحدث عن المساواة التامة بين الديان ،وما ُيعرف بنظرية جمع
الديان في دين واحد للبشرية كلها) .(2يقول البهاء حسين في لوحة
الملكة فكتوريا" :وما جعله الله الدرياق العظم والسبب التم لصحته
هو اتحاد من على الرض على أمر واحد وشريعة واحدة" ،ويقول
الداعية البهائي أسلمنت" :أن يتحد جميع العالم على دين واحد ،ويصبح
جميع الناس إخوانا ً وتتوثق عرى المحبة والتحاد بينهم وتزول
الختلفات الدينية وتمحى الختلفات بين جميع البشر").(3
-إن عبد البهاء وأتباعه كانوا من الداعين إلى إقامة وطن لليهود في
فلسطين باعتبار أنهم أصحاب الحق الديني والحق التاريخي فيها ،وقد
ما صدر وعد طالبوا يهود العالم بأن يهاجروا إلى أرضهم المقدسة ،ول ّ
بلفور المشئوم في نوفمبر سنة 1917م فرح وسّر به عبد البهاء ،وعّبر
عن فرحته وسروره بأن أعلن :أن اليهود سيجتمعون في الرض
المقدسة من كل مكان ،وستتحقق هذه البشائر لليهود في عصر
الجمال المبارك -يقصد البهاء المازندراني ،وأن فلسطين كلها ستكون
283
وطنا ً لليهود ،وختم إعلنه هذا بدعاء الله تعالى أن يؤيد الملك جورج
)(4
الخامس ملك بريطانيا صاحب المكارم والفضال على اليهود.
284
الباب الرابع
المذاهب السياسية والقتصادية والفلسفية
الوافدة
الفصل الول :الديمقراطية
الفصل الثاني :الرأسمالية
285
الفصل الول
المذهب السياسي الوافد "الديمقراطية"
نشأة الديمقراطية:
يمكن القول بأن الديمقراطية لها نشأتان ،نشأة قديمة ،ونشأة
حديثة.
النشأة القديمة:
ل من مارس الديمقراطية كنظام حكم هم الغريق في مدينتي أو ّ
أثينا وإسبارطة خلل القرنين الخامس والرابع قبل الميلد وذلك بعد
تطور سياسي طويل استغرق حوالي سبعة قرون ،حيث كانت تقوم في
المدينة حكومة ،يطلق عليها اصطلحًا :اسم حكومة المدينة ،لقد كان
أفراد الشعب من الرجال يجتمعون كلهم في المدينة ،ويشاركون جميعا ً
فمي حكمها ،أي يجتمعون في هيئة جمعية عمومية ،يتشاورون فيها في
286
كمل أممور الحكم ،مثل :انتخاب الحاكم وإصدار القوانين ،والشراف
على تنفيذها ،ووضع العقوبات على المخالفين ،وربما ساعد على هذا
الجتماع العام :قلة عدد السكان ،وبساطة الحياة ،وسهولة المشاكل
ويسرها ،وقد توزعت الختصاصات التشريعية والتنفيذية والقضائية على
الهيئات التالية :الجمعية الشعبية "العمومية" ،والمجلس النيابي،
والمحاكم الشعبية.
فحكم الشعب في هاتين المدينتين كان مطبقا ً بصورة مباشرة،
وكانت التسمية )حكم الشعب( مطبقة بصورة مباشرة ،ومنطبقة على
الواقع انطباقا ً كام ً
ل .ولكن
هذه الصورة من حكم الشعب )الديمقراطية( قد انتهت بانتهاء حكومة
)(1
المدينة في أثينا وإسبارطة اليونانيتين.
النشأة الجديدة:
عرفت أوربا نظام القطاع الذي ظل يحكمها أكثر من ألف عام
في ظل المبراطورية الرومانية والقانون الروماني ،ولما آمنت أوربا
بالديانة المسيحية ،لم تغير المسيحية من واقع الحياة في الجانب
التشريعي والقانوني شيئا ً بل مارس رجال الدين النصارى ظلما ً
وطغيانا ً تجاه الشعوب الوربية ،وفي ظل النظام القطاعي والطغيان
الكنسي لم يكن للشعب قيمة أو وزن ،بل كان يتعرض لبشع أنواع
الظلم والطغيان.
كان الشعب يعاني من ظلم وطغيان الملوك والمراء الذين كانوا
يمارسون الحكم المستبد استنادا ً إلى نظرية التفويض اللهي التي
ُاخترعت لتبرير سلطانهم المطلق ،حيث تقول هذه النظرية :إن الملوك
يستمدون سلطانهم من تفويض الله لهم سواًء كان تفويضا ً مباشرا ً أو
غير مباشر ،وكان الشعب يعاني أيضا ً من ظلم القطاعيين ورجال
انظر الديمقراطية الثينية أ.هم.م .جونز ،ترجمة د .عبمد المحسمن الخشماب ،الهيئة 1
287
الكنيسة ،ونتيجة المظالم المتراكمة تفجرت الثورة الفرنسية ،ورفع
شعار :اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس.
لقد تخلصت أوربا مممن ظلممم القطمماع والمممراء والملمموك ورجممال
الكنيسة ،ولكنها استبدلت نظام الحكمم الظمالم المذي كمان جاثمما ً علمى
صدرها لعدة قرون بنظممام حكممم آخممر ،إنممه النظممام الممديمقراطي الممذي
أخذته من تراثها الغريقي الروماني.
والساس الذي استندت إليه أوربا الحديثة في أخذها بمبدأ سيادة
الشعب هو نظرية العقد الجتماعي التي صاغها كل من توماس هوبز،
وجون لوك ،وجان جاك روسو (1).وجوهر هذه النظرية :أن الناس في
أول أمرهم كانوا يعيشون حياتهم الفطرية البدائية حياة غير منظمة،
تخلو من التشريع الذي يحكمهم ،وليس هناك دولة أو مؤسسة تنظم
معاملتهم وأمور حياتهم ،ثم نتيجة تطور الحياة احتاج الناس إلى دولة
وتشريع حاكم ،لجل ذلك عقدوا فيما بينهم عقدا ً تنازلوا بمقتضاه عن
جميع حقوقهم أو بعضها للمجموع ،من أجل إقامة السلطة التي
تحكمهم وتنظم شؤون حياتهم وتحفظ حقوقهم وحرياتهم .والسلطة
حسب هذا التصور قامت بناء على الرادة الشعبية ،فالشعب هو صاحب
السيادة والسلطة).(2
وبعد نضال وكفاح استمر فترة طويلة من الزمان استقرت
الديمقراطية في أوربا على صورتها الحالية ،على اختلف بينها في
)(3
الجزئيات ل يؤثر في صورتها العامة ومبادئها الرئيسية.
الديمقراطية بين اليوم والمس:
ب الديمقراطية وخصيصتها إذا كان حكم الشعب للشعب هو ل ّ
الكبرى ،فإن التاريخ في القديم والحديث لم يذكر لنا أن هذه الخصيصة
هناك اختلف في وجهممات النظممر بيممن الشخصمميات الثلثممة ،لكنهمما ل تمممس جمموهر 1
النظرية.
انظر التجاهات الفكرية المعاصممرة ص ،120حقيقممة الديمقراطيممة محمممد شمماكر 2
الشريف ص .23
مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص .180-178 3
288
قد تحققت ،فالديمقراطية كنظام للحكم كانت دوما ً نظاما ً طبقيًا ،أي
كانت ومازالت طبقة واحدة هي التي تفرد إرادتها ومشيئتها على باقي
طبقات المجتمع .ففي القديم -عند الغريق -كانت الطبقة المكونة من
المراء والنبلء وأشراف القوم هي الطبقة الحاكمة المشّرعة صاحبة
الدارة العليا ،بينما كان بقية أفراد الشعب -وهم الغلبية -ل تملك من
المر شيئًا.
وفي الحديث نجد طبقة كبار الغنياء من أصحاب رؤوس الموال
هم الذين يشكلون الطبقة الحاكمة المشّرعة صاحبة الرادة العليا ،فهي
التي تملك الحزاب ووسائل العلم التي تصنع الرأي العام وتوجهه
لصالح القلة الحاكمة..إن الديمقراطية لعبة القلية سواء كانت فئة أو
طبقة ،وليست حكومة الشعب أو الغلبية كما جاء في تعريفها ،وكما
يتوهم كثير من الناس.
صور الديمقراطية:
اتخذت الديمقراطية صممورا ً شمتى فمي واقمع الحيمماة العمليمة مممن
حيث كيفية حكم الشعب لنفسه ،وهذه الصور هي:
-1الديمقراطية المباشرة:
من أقدم صور الديمقراطية حكم الشعب لنفسه مباشرة دون
وساطة برلمان أو غيره ،بحيث يمارس الشعب كله الحكم في كافة
مجالت الحياة )من الناحية التشريعية والتنفيذية والقضائية( ،فهو الذي
يقترح ،وهو الذي يشرع ،وهذا أمر عسير ،إذ يستحيل جمع الشعب كله
في صعيد واحد ،ولربما يكون ذلك إذا كان عدد أفراد الشعب محدودا ً
للغاية ،وفي عالمنا المعاصر ل وجود لها إل على نطاق محدود جدا ً كما
في بعض المقاطعات السويسرية الصغيرة).(1
-2الديمقراطية غير المباشرة )النيابية(:
في هذه الصورة يختار الشعب نوابا ً عنه يمثلونه في برلمان أو
مجلس نيابي ،والنواب يمارسون السلطة كوسيط عن الشعب ،وأما
289
الشعب نفسه فل يمارس الحكم من حيث إصدار التشريعات وسن
القوانين ،إنما يمارس العمل السياسي مرة واحدة ،وهي المرة التي
يختار فيها الشعب نوابه لممارسة السلطة بالنيابة عنه .ووظيفة النواب
-أعضاء البرلمان -إصدار التشريعات باسم الشعب الذي اختارهم،
والموافقة على الميزانية العامة).(1
-3الديمقراطية شبه المباشرة:
وهي صورة متطورة توفيقية من الديمقراطية المباشرة
والديمقراطية النيابية ،ففي هذه الصورة توجد هيئة نيابية كما في
الديمقراطية النيابية ،ولكن الشعب هنا يحتفظ لنفسه ببعض مظاهر
السيادة والسلطة ،التي يمارسها دون وسيط كما في الديمقراطية
المباشرة.
ل :يمكن أن يقترح مشروعا ً قانونيًا ،أو فكرة يقدمها إلى فالشعب مث ً
البرلمان ،أو يقدم الشعب اعتراضا ً على قانون ما يصدره البرلمان،
فيوقف القانون ويلغيه ،وتارة يستفتي الشعب في موضوع سياسي ،أو
دستوري ،أو تشريعي ،ثم تنفذ رغبة الشعب التي ظهرت من خلل
الستفتاء .وأحيانا ً يملك الشعب سلطة حل البرلمان ،أو عزل رئيس
)(2
الدولة.
ومن المفيد أن نذكر هنا :أن كثيرا ً من الدول تأخذ بمبدأ
تعدد الحزاب ،والحزب الذي يفوز بأغلبية أصوات الناخبين هو الذي
يحكم ،ويكون التصويت داخل الهيئة النيابية -البرلمان -بالغلبية كذلك.
والغلبية نوعان :الغلبية المطلقة :وهي تتحقق بتوافر
نصف الصوات مع زيادة واحد ،وهذا تأخذ به كثير من الدساتير في
أغلب أعمال البرلمان .والغلبية الساحقة :وتتحقق بتوافر ثلثي
290
الصوات أو أكثرها ،ويعمل بذلك في المسائل المهمة مثل :عزل رئيس
)(1
الدولة أو محاكمته ،أو إجراء تعديل دستوري.
موقف السلم من صور الديمقراطية الثلث:
ن السمملم ل يمممانع مممن تطممبيق أيممة صممورة منهمما،إذا اقتضممت إ ّ
المصلحة تطبيقها ،فهي من المور التنظيمية المتروكممة للمسمملمين كممي
يحققوا مبدأ الشورى والنتخاب في حيمماتهم السياسممية ،ولكممن السمملم
يقيد تطبيق أية صورة منها بشرطين اثنين:
الشرط الول :عدم ممارسة الشعب أو ممثليه لشيء من التشريع
الذي هو حق لله تعالى وحده) :إن الحكم إل لله( سورة يوسف،4 :
بل لهم ممارسة ما يبيحه الشارع لهم ل غير بما ل يتناقض مع مجموعة
الوامر والنواهي الربانية.
الشرط الثاني :أن يكون المشارك في النتخاب أو في إبداء الرأي،
أو في الترشيح للمجلس النيابي مؤهل ً شرعًا ،أي تتوافر فيه الصفات
المعتبرة شرعًا ،من الكفاية والعدالة والتقوى والعلم المناسب والمانة
والقدرة على تحمل المسئولية ونحوها مما هي مذكورة في كتب
السياسة الشرعية التي وضعها علماء وأئمة السلم مستدلين عليها من
)(2
الكتاب والسنة.
خصائص النظام الديمقراطي:
تقمموم الديمقراطيممة علممى أعمممدة ثلثممة ،بحيممث ل يكممون النظممام
السياسي نظاما ً ديمقراطيا إل إذا وجدت هذه العمدة ،وهي:
ل :مبدأ سيادة المة: أو ً
ُتعّرف السيادة بأنها :تلك السلطة العليا التي تملك حق سن
التشريع وإصدار القوانين ،والتي ل تعرف بجانبها أو فوقها -فيما تنظم
من علقات -سلطة عليا أخرى ،فهي سلطة تسمو فوق الجميع،
وتفرض نفسها على الجميع بما تملك من سلطة المر والنهي العليا.
291
ولتوضيح مبدأ سيادة المة أو سيادة الشعب قيل :الشعب مصدر
جميع السلطات ،أو المة مصدر جميع السلطات ،والمراد بالسلطات:
أ-السلطة التشريعية :ومهمتها :تشريع الحكام وسن القوانين
وتعديلها وإلغاؤها ،ومراقبة تنفيذها ،ويقوم بذلك المجلس النيابي الذي
اختاره الشعب ليمارس السلطة بالنيابة عنه.
ب-السلطة التنفيذية :ومهمتها :القيام بتنفيذ القوانين والحكام
التي صدرت عن السلطة التشريعية .وهذه السلطة تعين من قبل
رئيس الدولة الذي يختارهم من أعضاء البرلمان أو خارجه أو من أعضاء
البرلمان أنفسهم ومن خارجه معًا.
ج-السلطة القضائية :ومهمتها :القضاء في كل ما يعرض عليها وفق
الحكام والقوانين الصادرة عمن السملطة التشريعية ،ووفق القانون
الساسي للدولة -الدستور -فالشعب إذا ً هو مصدر السلطات الثلث،
بمعنى أن الحكم بمدلولممه الشاممل للتشمريع والتنفيمذ والقضماء إنمما
همو للشعب أو الممة ،ومعنى ذلك أن كلمة السلطة للشعب أو السيادة
)(1
للشعب :أن الحكم للشعب ،أو حكم الشعب ،أو سلطة الشعب.
نشأة مبدأ السيادة:
نشأ مبدأ سيادة المة مرتكزا ً إلى نظرية العقد الجتماعي التي
أشرنا إليها سابقًا .وملخص هذه النظرية:أن الفراد كانوا أحرارا ً
يتمتعون بكافة الحقوق ،لكنهم تنازلوا عن حقوقهم وحرياتهم من خلل
عقد اجتماعي أمضوه ،ونشأت بموجبه "إرادة عامة لمجموع
الفراد" تسود عليهم ،وتكون لها حق المر والسيادة عليهم ،وقد كان
هذا الحق قديما ً للملوك بموجب الحق اللهي ثم انتقل إلى الشعوب إثر
ذت هذا دت من سلطان الملوك ،ونتيجة أفكار وفلسفات غ ّ ثورات ح ّ
)(2
الجانب.
292
مناقشة مبدأ السيادة:
لقد تعّرض مبدأ سيادة المة -فيما تعرضت له الديمقراطية-
ل :يستند إلى فكرة العقد الجتماعي ،وهي لنتقادات كثيرة ،فهو أو ً
فكرة خيالية بعيدة عن الواقع ،مما دعا البعض إلى إسناد مبدأ السيادة
إلى أساس آخر هو:أن السلطة نشأت من أجل المة ،ومن ثم وجب أن
يكون للمة رقابة تامة على السلطة.
دمت لنا الديمقراطية صورا ً وهي ثانيًا :لم تمنع الستبداد :إذ ق ّ
كثيرة للنظم الديمقراطية المستبدة ،كالديمقراطية القيصرية ومن
أمثلتها :نظام نابليون بونابرت ،ونظام لويس نابليون 1852م ،وأغلب
الديمقراطيات في الدول العربية والسلمية).(1
وأما موقف السلم من مبدأ السيادة فنجمله فيما يلي:
-1إن مبدأ السيادة الذي يمثل العمود الفقري لي نظام ديمقراطي
يعطي السلطة العليا في سن التشريعات وإصدار القوانين لفئة من
الناس يزعمون أنها تمارس ذلك نيابة عن الشعب الذي اختارها.
وإن هذا المبدأ يتناقض مع مفهوم كلمة التوحيد "ل إله إل الله"،
حد أن الله عز وجل له فمن المور الواضحة في عقيدة كل مسلم مو ّ
الحكم والسلطان ،فالحكم ليس للشعب ل كله ول بعضه ،ول فئة منه،
ص الله تعالى في القرآن الكريم على هذا المر بما ل يدع مجال ً ولقد ن ّ
حدين .ومن هذه النصوص:قولمه للمجادلة أو الختلف بين مسلمين مو ّ
تعالى):إن الحكم إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم( سورة
يوسف ،40 :فكون الله تعالى هو الحاكم المتفرد بذلك هو لب هذا
الدين ،وهو جوهر العبودية له عز وجل ،وقوله تعالى):أفغير الله أبتغي
ل( النعام ،114 :وقوله):ومن حكما ً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفص ً
أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون( المائدة ،50 :وقوله) :ومن لم
يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون( المائدة ،44 :وقوله) :فل
وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم
حرجا ً مما قضيت ويسّلموا تسليمًا( النساء ،65 :وقوله):أل له الخلق
293
والمر( العراف ،54 :وقوله):وأن احكم بينهم بما أنزل الله( المائدة:
،49وقوله) :وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله( الشورى:
.10
ن النصوص القرآنية الواضحة تبين استحقاق الله تعالى وحده إ ّ
الحاكمية على البشر ،واختصاصه تعالى بالمر والنهي والتشريع ،ورد
النزاع والختلف إلى حكمه ،وتبين علو حكمه وسموه على جميع
الحكام.
وإذا كان المر كذلك فإنه تعالى يرفض أن يشاركه في الحكم أحد
من خلقه قال تعالى):ول يشرك في حكمه أحدا ً( الكهف،110 :
قب على حكمه أحد قال تعالى):والله يحكم ل معقب ويرفض أن يع ّ
لحكمه( الرعد ،41 :وقد نفى اليمان عن الرافضين لحكمه فقال):فل
وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم( النساء.65 :
وأيضا ً وصم الله تعالى الرافضين لبعض حكمه بالكفر وتوعدهم
بالخزي في الحياة الدنيا ،وسوء المصير يوم القيامة فقال) :أفتؤمنون
ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إل خزي
في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل
عما تعملون( البقرة.85 :
وعد ّ الله تعالى التحاكم إلى غيره تحاكما ً إلى الطاغوت الذي يجب
أن ُيكفر به ،فقال) :ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك
وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن
يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل ً بعيدًا( النساء..60 :واعتبر
الله تعالى المعرضين عن حكمه متبعين للجاهلية فقال) :أفحكم
الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون( المائدة.50 :
وبهذا يتبين أن النظام الديمقراطي -وعموده الفقري مبدأ سيادة
الشعب -مباينا ً للحكم السلمي الذي يقوم على قاعدة حاكمية الله عز
وجل .والسؤال الذي يطرح نفسه :كيف يستقيم إسلم امرئ مع إيمانه
)(1
بالديمقراطية؟!
294
-2إن النظام الديمقراطي ل يقر بأحكام الشريعة السلمية المستفادة
من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،ول يرى
وجوب تنفيذها ،لن الحكام والقوانين التي يقرها ذلك النظام هي:
الحكام والقوانين الصادرة عن نواب الشعب وممثليه ،وهي أحكام
وقوانين تصدر وفق الدساتير والعراف الوضعية ،ووفق المصالح
والرغبات والهواء الشخصية.
إن النظام الديمقراطي يعزل الشريعة السلمية كليا ً عن شؤون
الحكم والتشريع ،ويستبعدها عن شؤون الحياة السياسية والقتصادية
والجتماعية والثقافية ونحوها استبعادا ً تامًا ،وهو بذلك نظام ل ديني
تمامًا.
-3إن الذين يشّرعون ويصدرون القوانين في النظمة الديمقراطية
ون على الله تعالى ،ويستدركون على شرعه وحكمه ،ولسان يتعال َ ْ
حالهم يقول :نحن أعلم بما يصلح للناس منك ،والقوانين الغربية
الوضعية أهدى سبيل ً من أحكام شريعتك .وفات هؤلء قوله تعالى) :أل
يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير( تبارك .14 :وقوله) :أل له
الخلق والمر( العراف .54 :وقوله) :أفحكم الجاهلية يبغون
ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون( المائدة.50 :
-4إن السلطة القضائية في واقع المر ليست بيد الشعب كما تزعم
الديمقراطية بل هي بيد الدولة ،ولو وضعت بيد الشعب لفسدت.
والقضاة في السلم يحكمون باسم الشرع ،ومصدر حكمهم الشرع
أيضًا.
والديمقراطية تزعم زورا ً وبهتانا ً أن القضاء فيها يحكم باسم
الشعب وأن مصدر القضاء هو الشعب ،إن كلمة الشعب مصدر
السلطات التي تقوم عليها الديمقراطية هي مجرد كلم إنشائي ل واقع
له في الحياة).(1
-5إن وظيفة الشعب في النظام السلمي تنفيذ شريعة الله تعالى ،وأن
يضع المؤهلون -علميا ً وإيمانيًا -من أفراده من النظم الدارية والكيفيات
295
التي تسهل له أمر تنفيذها ،وتكيف حياته كلها وفق منهج الله تعالى
وحكمه ،ويسمح في ظل النظام السلمي أن ُيعطى لجماعة المسلمين
المؤهلين أن يضعوا النظم الدارية والتنظيمية الصالحة والنافعة للناس
بشرط أل يعارض شيء منها حكما ً شرعيا ً ثابتا ً عن الله ورسوله.
أما النظام الديمقراطي فيجعل وظيفة فئة من الناس سن
التشريعات والقوانين بعيدا ً عن هدي الله تعالى ،ثم تفرض هذه
القوانين والتشريعات على الناس ،وعليهم جميعا ً واجب احترامها
وتنفيذها والحتكام إليها .قال تعالى) :أم لهم شركاء شرعوا لهم
من الدين ما لم يأذن به الله( الشورى.21 :
والحقيقة أن المجلس النيابي-بكل أفممراده أو أكممثرهم -فممي النظممام
ن تشممريعا ً صممالحا ً نافعمًا ،لتعممذر اتفمماق
الممديمقراطي ل يسممتطيع أن يسم ّ
ما أدرك هؤلء النواب استحالة عقول جميع النواب على تشريع واحد ،ول ّ
ذلك ،جعلوا في المجلس لجنة قانونيممة ،ولهما مقممرر واحممد ،حممتى يمكممن
وضع النظام من واحممد ،ثممم يعممرض للنقمماش مممن عممدد محممدود -أعضمماء
اللجنة القانونية ،-ثم يعرض على المجلس ل لوضعه ،وإنما لقراره ،بعد
نقده من عممدة أشممخاص ،وبعممد ذلممك يصممبح قانونما ً مممن قبممل المجلممس.
وحقيقة المر:أن واضع القانون شخص واحممد ،وناقشممه عممدة أشممخاص،
فيكون واضع القانون بضعة أفراد ،ل الشممعب ول أكممثريته ،ول المجلممس
النيابي المنتخب نفسه.
وعلى فرض أن نواب المة -ممثلي أكثرية المة -هم واضعو
القوانين ،فإن القانون أو النظام الذي وضعوه ل يصلح لن يعين
المصلحة ويحدد المفسدة ،التي تقوم عليها علقات المة في المجتمع،
لن النظام أو القانون مصدره العقل ،والعقل وحده ل يملك ذلك ،لن
عقول الناس متفاوتة ومتباينة من حيث الفكار وتحديد المصالح
والمفاسد.
دد المفسدة ،لن ن الشرع في السلم هو الذي يقرر المصلحة ويح ّ إ ّ
الشرع من الله تعالى ،وهو وحده العالم بالنسان وحاجاته وغرائزه،
المحيط بمصالحه ومتطلبات حياته ،قال تعالى) :أل يعلم من خلق
296
وهو اللطيف الخبير( تبارك ،14 :ولذا فإن القوانين والنظمة لبد
أن تستمد من الشريعة السلمية وحدها ،وأما العقل فوظيفته أن يفهم
الشرع ،وأن يستنبط الحكام والقوانين منه لمعالجة مشكلت الحياة
)(1
وتنظيم شؤون المجتمع ،وله أن يضع النظم الدارية الدنيوية البحتة.
297
من الضمانات لمبدأ المشروعية -سيادة القانون -الفصل بين
السلطات ،على أساس أن السلطة تحد السلطة ،بيد أن الفصل بين
السلطات ل وجود له في واقع كثير من الدول الديمقراطية ،وأما البلد
التي أخذت به ،ومن ضمنها أمريكا فإن شخصية الرئيس فيها الثقل
الول ،والكونجرس الثقل الثاني بغض النظر عن الفصل بين السلطات.
ج -الرقابة القضائية:
وقيل بالرقابة القضائية كضمان لعمال دستورية القوانين،
وشرعية اللوائح لبطال أو إلغاء أو المتناع عن كل نص يخالف النص
القانوني العلى منه ،وهذه وسيلة جديدة ،لكنها تفتقر إلى مستوى
القاضي الرفيع ،كما أن البلد التي ل تأخذ برقابة المحاكم نصا ً تتردد
كثير منها في التطوع للرقابة القضائية ،ويقف جهدها في هذه الحالة
)(1
عند حد المتناع فقط ،عن تنفيذ التشريع المخالف.
مناقشة مبدأ المشروعية:
المشممروعية بوصممفها الوضممعي تفتقممر فممي مجالهمما العملممي إلممى
الضمانات ،وضماناتها الحالية ضعيفة ،وهي أيضا ً ضعيفة بدون ضمممانات،
ومن ثم فإن مبدأ سيادة القانون بحاجة إلى حمايممة مممن آسمماد السمملطة
وذئابها ،وهذا المبدأ يفتقر إلى التقدير والحترام ،لن ما يصوغه البشممر-
فئة أو مجموع منهم -لن يلزم باقي البشر ،فبممأي سمملطان يملممك هممؤلء
السيادة ليصبح ما يصمموغونه مممن القممانون واجممب الحممترام ،ومهممما بلممغ
بعض البشر من العدل فإنهم لن يسممتطيعوا أن يتجممردوا مممن الهممواء أو
الجهل أو الظلم ،خاصة وهم ل يدينون بدين الحممق ،ول يؤمنممون بعقيممدة
ربانية تكفهم عن الظلممم والجمور ،أو تحقيممق مصممالحهم ورغبماتهم علمى
حساب مصالح ورغبات مجموع الشعب.
298
ثالثًا :الحقوق والحريات للفراد:
تقوم الديمقراطية على مبدأ تقرير الحقوق والحريات للفراد،
ووجوب ضمانها وصيانتها وحمايتها ،ولقد ظهرت هذه الحقوق والحريات
في البداية لحماية الفراد في مواجهة سلطة الدولة ،واستمدت دعائمها
من النظريات التي أوردت قيودا ً على سلطان الدولمة كنظريتي القانون
الطبيعي والعقد الجتماعي ،ولقد استقرت أخيرا ً هذه الحقوق
والحريمات وأصبحت جزءا ً من النظام الديمقراطي ،إذ قررتها من قبل
إعلنات الحقوق المختلفة عقب الثورات النجليزية والمريكية
والفرنسية ،وظهرت في شكل نصوص دستورية في صلب القوانين
الساسية ،وهو ما أخذت به أغلب الدساتير .وقررها أيضا ً ميثاق هيئة
المم ،والميثاق العالمي لحقوق النسان الصادر في 15ديسمبر
1948م.
وتتلخص حقوق النسان الطبيعية في المساواة والحرية ،وهما
بدورهما يتفرعان إلى أقسام وأنواع.
-1المساواة :وأقسامها أربعة :المساواة أمام القانون،
والمساواة أمام القضاء ،والمساواة أمام الوظائف ،والمساواة أمام
الضرائب.
-2الحرية :وتشمل :الحرية الشخصية ،والحرية القتصادية ،والحرية
السياسية ،ويندرج تحت كل قسم أنواع.
(1الحرية الشخصية ،وأقسامها:
أ-الحرية المادية :حق الحياة ،والتنقل ،والمن ،وعدم السترقاق،
وحرمة المسكن ،وسرية المراسلت.
ب -الحرية المعنوية :وتشمل حرية التفكير العلمي ،وحرية العتقاد،
والتعبير عن الرأي ،وحرية الشكوى وتقديم العرائض ،وحرية التعليم.
ج -الحرية الجتماعية :وتشمل حرية عقد الجتماعات وحضورها،
وحرية تكوين الجمعيات والنتساب إليها.
(2الحرية القتصادية :وتشمل حق التملك والعمل والجر وحق
الراحة.
299
(3الحرية السياسية :وتشمل حق النتخاب والترشيح والتشريع،
وحق مراقبة الحاكم وعزل رئيس الدولة ،وحق تولي الوظائف
)(1
العامة ،وحق تكوين الحزاب السياسية والنتماء إليها.
انظر الديمقراطية وموقف السمملم منهمما محمممد نممور مصممطفى الرهمموان ،النظممم 1
300
الشبهات والشكوك في مفاهيمه وعقائده وشرائعه ،فالقانون في
الديمقراطية يحمي صنيع هؤلء الخوارج الجدد والزنادقة المحدثين.
إن السلم صان حرية العتقاد والعبادة للفرد ،ولكنه ل يسمح
للمواطن في ظل الدولة السلمية أن يرّوج اللحاد والكفر بالله
ورسوله والعقائد الدينية ،ول يسمح له أن يغّير دينه ،أي يرتد عنه ،ومن
يفعل ذلك تطبق عليه أحكام المرتد المقررة شرعًا.
-2الحرية في مجال الخلق:
يقول الستاذ محمد قطب" :وحرية النسان في أن يفسد حرية
مكفولة بالقانون فالسلوك الجنسي مسألة خاصة إلى أبعد حدود
الخصوصية ،ل يتدخل القانون بشأنها ،أي تدخل إل ّ في حالة واحدة هي
جريمة الغتصاب ،لنها تقع بالكراه ل بالتفاق ،أما أي علقة -على
الطلق -تقع بالتفاق فل دخل للقانون بها ول دخل للمجتمع ول دخل
لحد من الناس ..فسواء كانت هذه العلقة سوية أو شاذة ،وسواء
كانت مع فتاة لم تتزوج أو مع امرأة متزوجة ،فهذا شأن الطراف
أصحاب العلقة ،وليس شأن أحد آخر.
والغابات والحدائق العامة مسرح لكل ألوان السلوك الجنسي فضل ً
عن النوادي والبيوت..كلها ماخور كبير يعج بالفساد الذي يحميه
القانون ،قانون الديمقراطية.
-ومن سنوات عقد في الكنيسة الهولندية عقد شرعي بين فتى وفتى
على يد القسيس .ومن سنوات اجتمع البرلمان النجليزي الموقر لينظر
في أمر العلقات الجنسية الشاذة ،ثم قّرر أنها علقات حرة ل ينبغي
التدخل في شأنها ،كما أعلن أسقف كانتربري -وهو رئيس الساقفة في
بريطانيا -أنها علقات مشروعة.
-وفي أمريكا :ظهرت مسرحية في نيويورك وقف فيها الممثلون
يمارسون اللواط أمام أعين المتفرجين ،وفي مسرحية أخرى ظهر
خمس رجال وخمس نساء ،وقفوا جميعا ً يمارسون العلقة الجنسية
أمام جمهور المتفرجين.
301
-ومن سنوات كذلك عرض على المسرح المريكي -وفي التلفزيون-
مسرحية تشكل العملية الجنسية بكاملها جزءا ً منها ،ورأى المشاهدون
-أو هم ذهبوا ليروا -رجل ً وامرأة يقومان بالعملية الجنسية أمام أعينهم،
ونقلت الصورة حية على شاشة التلفزيون.
-وفي سنة 1978م تقدم عشرون شخصا ً أمريكيا ً -يمثلون عشرين
مليون شاذ أمريكي -بمذكرة للسيدة مارغريت مساعدة الرئيس
المريكي كارتر للعلقات العامة ،يطالبون فيها بإباحة المزيد من اللواط
والسحاق والشذوذ الجنسي بأنواعه في المؤسسات والمراكز الرسمية
التابعة للدولة).(1
-وفي بريطانيا أحد وزراء حكومة العمل الحالية –1999م -شاذ جنسيا ً
)يمارس اللواط( والرجل الذي يعيش معه يحضر جلسات وزارة العموم
)(2
في الغرفة المجاورة على أساس أن له امتياز الزوجة.
عرض في التلفزيون البريطاني حوار جنسي -ومن سنوات كذلك ُ
اشترك يه عشرات من الفتيات الصغار ،وكان موضوع الحوار هو:
سؤالهن عن الوضع الذي يفضلنه في العملية الجنسية ،وأجابت الفتيات
بصراحة وقحة تقشعر منه أبدان الذين في نفوسهم أي قدر من الحياء
)(3
الفطري ..أما المرأة فهي تتحدث دون حياء".
-أظهرت إحدى الحصائيات أن 19مليونا ً من النساء في الوليات
ن ضحايا لعمليات الغتصاب !! المتحدة ك ُ ّ
-أجرى التحاد اليطالي للطب النفسي استطلعا ً للرأي اعترف فيه
%70من اليطاليين الرجال بأنهم خانوا زوجاتهم.
-في أمريكا مليون طفل كل عام من الزنا ومليون حالة إجهاض.
-في استفتاء قامت به جامعة كورنل تبين أن %70من العاملت في
الخدمة المدنية قد اعُتدي عليهن جنسّيا وأن %56منهن اعتدي عليهن
اعتداءات جسما نية خطيرة.
302
-في ألمانيا وحدها ُتغتصب 35000امرأة في السنة ،وهذا العدد يمثل
الحوادث المسجلة لدى الشرطة فقط أما حوادث الغتصاب غير
المسجلة فتصل حسب تقدير البوليس الجنائي إلى خمسة أضعاف هذا
الرقم.
-وفي الدانمارك يوم 99-3-13م :عقد وزير الصحة السابق الذي
يترأس لئحة الحزب الجتماعي الديمقراطي الحاكم )تورين لوند( 49
سنة قرانه على صديقه الشاب )كلوس لتروب( 28عاما ً بحضور عدد
من أهالي الزوجين والصدقاء ،ومن بينهم رئيس البلدية جينس كرامر
ووزير العدل الدانمركي فرانك جنسين ،ويعتزم الزوجان السفر إلى
الوليات المتحدة المريكية لقضاء عطلة الصيف .مع العلم بأن الوزير
)(1
الدانمركي قد تزوج قبل ذلك مرتين ولديه ابنتان.
تلك هي الحرية التي تقر بها الديمقراطية في بلد الغرب ،وتحميها
بالقانون ،وتعطيها الشرعية الكاملة.
أما الديمقراطية في الدول العربية -المسلمة -فهي أيضا ً تبيح العهر
من خلل عرض المسرحيات والفلم وحلقات الرقص التي تتعرى فيهمما
النسممماء بصمممورة ممممثيرة للفتنمممة ومحركمممة للشمممهوات.وقممموانين همممذه
الديمقراطية تبيح الزنا والربا والحتكار.
-لقد أصدرت المحكمة العليا في بنجلديش يمموم 2000-3-14م حكممما ً
قانونيا ً بإباحة مهنة الدعارة للنساء التي لممم يجممدن مهنممة يتكسممبن منهمما
المال ،وطلبت من الشرطة إطلق سراح المومسات المحجمموزات فممي
)(2
مواخير الدعارة.
-وفي إباحة الزنا تقول إحدى مواد القانون المعمول به في كثير من
الدول العربية الديمقراطية" :ل يعاقب القانون على جريمة هتك
العرض ،إذا ما كانت الفتاة بالغة ،وتم الفعل برضاها"...وتقول مادة
أخرى" :للزوجة التي زنى زوجها في منزل الزوجية الحق في أن تزني
303
مع من شاءت ،ول تثريب عليها إن فعلت ذلك" ).(1
-3الحريات القتصادية:
لقد أعطت الديمقراطية الفرد حرية مطلقة في الكسب والتملك
والثراء والنفاق ،دون ضوابط ول قيود ،ومن هنا كان الربا والحتكار
والكساد والبطالة ،والسراف في إنفاق المال ولو كان على الفساد
والرذيلة ،وظهر المحتالون على أموال الناس ،يأكلونها بالقمار،
والرشوة واستغلل السلطة ،وعبر المصنوعات التافهة ،والتجارة
بالمواد المفسدة للفطرة والذوق النساني ،ومن خلل دور العهر
والبغاء ،وصالت الرقص والتعري والنحلل الجنسي ،ومن خلل
الحروب المصطنعة ليجاد أسواق تصريف فائض النتاج من السلح
ووسائل الدمار ،ومن خلل مؤسسات الجنس والسينما والمودة
)(2
والتقاليع المفسدة للخلق والطباع.
-4حق الفرد في ترشيح نفسه للحكم:
إن عدم وجود شروط يجب توافرها في الشخص الذي يريد
ترشيح نفسه للحكم في الديمقراطية يجعل طلب السلطة يتنافسون
عليها ،بل يتقاتلون من أجلها ،ويسلكون في سبيل الوصول إلى الحكم
كل الوسائل اللأخلقية التي من شأنها التأثير على الناخبين وشراء
أصواتهم بالموال المبذولة للعامة ،والمناصب الموعودة للكتاب
والصحفيين والساسة والزعماء ونحوهم ممن يسير في موكب النفاق
للشخص أو الحزب المرشح للحكم.
كن غير المؤهلين علميا ً وإداريا ً ثم إن انعدام هذه الشروط تم ّ
وخلقيا ً -من خلل أموالهم الطائلة وموكب المنافقين السائدين معهم-
من الوصول إلى الحكم ،وأمثال هؤلء يكونون لعنة على شعوبهم
وبلدانهم ،كما نرى في واقعنا المعاصر.
إن النظمممة والتشممريعات الممتي تصممدر عممن المجممالس البرلمانيممة
السلم وأوضاعنا القانونية عبد القادر عودة ص ،40حقيقة الديمقراطية ص .31 1
304
الديمقراطية تؤكد إن نسبة الغلبية التي توافممق علممى هممذه التشممريعات
والنظمة نسبة تافهة مجردة من القيم والخلق ،نسممبة خاضممعة لهممواء
ورغبات شممياطين النمس والجممن المذين يهمهمم تفكيمك روابمط السممرة
والمجتمممع ،وهممدم قواعممد الحممق والعممدل والخلق .وإل :بممماذا نفسممر
القوانين التي تبيح ما ل يقبله من لديه مسكة من عقل أو ذرة من حياء،
كقوانين إباحة اللواط ،وعقد الرجل الممزواج علمى رجممل آخممر كممما يعقممد
الممزواج بيممن الرجممل والمممرأة ،وإباحممة الزنمما والربمما والقمممار ،وإباحممة
المشممروبات الكحوليممة المممدمرة للفممرد والمجتمممع ،والمسممببة للضممياع
وفقدان الحساس ،ونحو ذلك مما تقشعر منه الفطر والعقول السليمة.
موقف السلم من الديمقراطية:
ن الديمقراطية نظام يزعم بعض الكتاب والمفكرين المخدوعين أ ّ
سياسي صالح
ل يعترض عليه السلم ،ول مانع من الخذ به ،لن لب الديمقراطية
التزام الحاكم برأي الشعب ،وهذا معناه منع الحاكم من الظلم
والطغيان ،ثم إن هناك وجه شبه والتقاء بين الديمقراطية والسلم في
الحقوق والحريات ومبدأ الشورى واختيار الحاكم وممثلي الشعب.
ولكن هؤلء يتناسون الحقائق الكلية التالية:
الولى :إن السلم نظام رباني اختاره الله تعالى للبشرية):إن الدين
عند الله السلم( ،والنظام السياسي السلمي له منابعه ومصادره
الربانية "الكتاب والسنة" ،بينما النظام الديمقراطي نظام جاهلي،
اختارته الشعوب الوربية كمخرج لها من الظلم الذي وقع عليها من
الملوك المستبدين ونظام القطاع وطغيان الكنيسة النصرانية وتسلط
رجالها .لقد اختارته أوربا من تراثها اليوناني الوثني ثم أجرت عليه
تعديلت تتلئم والحياة المعاصرة.
إّنه ل يجوز-وبأية حال -أن نعقد أدنى مقارنة بين النظام الجاهلي
والنظام الرباني ،وليس من باب المدح للنظام السلمي أن نقول أنه
نظام ديمقراطي لوجود نقاط التقاء مع النظام الديمقراطي الوربي
الجاهلي .يقول تعالى):أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من
305
الله حكما ً لقوم يوقنون( المائدة ،50 :ويقول):يريدون أن
يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به( النساء،60 :
إن من يفعل ذلك فإنه يعبر عن الهزيمة الداخلية التي أصابت نفسيته
وتسّربت إلى فهمه الخاص ،وهذه الهزيمة نشأت عن حالة الخواء
العقائدي والجمود الفكري ،وعن الهزيمة العسكرية ،والنحسار
)(1
السياسي الذي أصاب العالم السلمي في القرن العشرين.
ن وجه الشبه العارض بين السلم والديمقراطية في الحقوق الثانية :إ ّ
والضمانات يجب أل ينسينا أن هناك فارقا ً ضخما ً وبونا ً شاسعا ً في
القاعدة التي يقوم كل من النظام السياسي السملمي والنظام
الديمقراطي عليها .فالسلم قائم على قاعدة "ل إله إل الله" التي
تعطي حق الحكم والتشريع والعبادة لله الواحد الحد ،قال تعالى) :إن
الحكم إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم( يوسف:
،40وقال تعالى):أل له الخلق والمر تبارك الله رب العالمين(
العراف ،54 :وقوله):أل له الحكم وهو أسرع الحاسبين( النعام:
،62وقال تعالى) :ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون(
المائدة .50 :والديمقراطية قائمة على قاعدة "حاكمية وسيادة
الشعب" ،فالتشريع من حق فئة من الفراد انتخبهم الشعب ليقوموا
بهذا المر نيابة عنه ،فالديمقراطية إذن تعّبد البشر لغير الله ،تعّبدهم
لفئة من البشر يمارسون حق الحاكمية والتشريع .قال تعالى):أم لهم
شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله( الشورى:
،21وقال تعالى):وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع
أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك(
المائدة .49 :وقال تعالى):يقولون هل لنا من المر من شيء
)(2
قل إن المر كله لله( آل عمران154. :
306
الثالثة :إن الديمقراطية لن ترضى بتقرير أحكام الله تعالى وأحكام
رسوله صلى الله عليه وسلم ،إن الحكم الديمقراطي يعزل الدين عزل ً
كليا ً عن شؤون السياسة والحكم ،ويستبعد شرائعه عن الدولة استبعادا ً
تامًا .إن الديمقراطية إذا ً هي فرع العلمانية "اللدينية" ،أو هي الوجه
السياسي للعلمانية .إنها تولي الشعب سلطة التشريع ،وحتى وضع
القوانين ،ولن تكون الديمقراطية هي كذلك إل به ،وإذا حكم الشعب
نفسه بحكم الله تعالى وحكم رسوله فيما فيه نص عن الله ورسوله،
وبحكم الله ورسوله فيما ل نص فيه عبر استنباط واجتهاد العلماء من
ن النظام السائد عندئذ لن يكوننصوص الكتاب والسنة ،فإ ّ
الديمقراطية ،بل هو النظام السلمي.
ثم هل يرضى الديمقراطيون:أن ننفذ أحكام الله المتعلقة
بالردة عن الدين ،والزنا ،وشرب الخمر ،والسرقة؟ وهل يوافقون في
أن نلزم المرأة بالحجاب ،ونمنع التبرج والتعري على الشواطئ وفي
الشوارع والطرقات ،وفي الوقت نفسه نكون ديمقراطيين.
إنهم سيقولون على الفور:إن هذه ليست الديمقراطية
التي نعرفها ..إن الديمقراطية ل تتدخل في الحريات الشخصية للفراد،
فمن شاء أن يرتد عن دينه فله ذلك ،ومن أراد أن يتخذ صديقة أو
عشيقة فهو حر ،ومن شاءت أن تكشف عن صدرها ونحرها وساقيها
فهي حرة ،ومن شاءت أن تخون زوجها في عرضه فهي حرة ما لم
)(1
يشتك الزوج.
وليدرك أبناء السلم أن الدول الغربية الكافرة تهاجم النظمة
الحاكمة في الدول العربية والسلمية بدعوى ما تمارسه هذه النظمة
من الظلم الجتماعي ،والستبداد السياسي ،والنهب المالي ،وترتفع
الصوات المطالبة بقطع المعونات أو تقليل المساعدات حتى تأخذ
الدول العربية والسلمية الظالمة بالنظام الديمقراطي الذي يحفظ
للناس حقوقهم ويصون حرياتهم ،إن الدول الغربية تفعل ذلك حتى
تقطع على الصحوة السلمية ودعاتها وشبابها المطالبة بإقامة النظام
307
السلمي ..النظام البديل للنظمة الظالمة المستبدة الجائرة ،فتكون
الديمقراطية حينئذ قاطع طريق على النظام السلمي ،وقاطع طريق
على الحركة السلمية التي أخذت تتنامى شيئا ً فشيئا ً في ديار
السلم).(1
خلصة القول:
إن النظام السياسي في السلم نظام مستقل ،يتميز عن غيره
من النظمة الخرى التي عرفها النسان في تاريخه القديم والحديث،
إنه النظام الذي وصف الله تعالى مصدره وأصله بالكمال والتمام:
)اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
السلم دينا ً( المائدة .3 :إنه النظام الذي يقر مبدأ حاكمية الله
الخالق عز وجل):أل له الخلق والمر( العراف ،54 :ول يقر المبدأ
الذي تقوم عليه الديمقراطية "حاكمية الشعب" ،إن السلم بأحكامه
وتشريعاته يقّيد الحاكم والمحكوم بقيود تمنعهم من النطلق وراء
تحقيق شهواتهم ومصالحهم ورغباتهم الشخصية ،بعكس الديمقراطية
التي ترى ذلك.
إن السلم يضع مقاييس العدل والحق والمساواة والخير للفراد
والجماعة ،بينما الديمقراطية تترك للبشر أن يرسموا حدود كل شيء،
وأن يضعوا ما يشاءون من النظمة والقوانين وفق أهوائهم
وشهواتهم).(2
308
الفصل الثاني
المذهب القتصادي الوافد "الرأسمالية"
نشأتها:
تعتبر الرأسمالية طورا ً جديدا ً للنظام القتصادي -القطاع -الذي
ساد أوربا عدة قرون ،ولقد انتقلت أوربا إلى الرأسمالية نتيجة عوامل
وأسباب وأفكار وكتابات عديدة دعت إلى تصحيح النظام القطاعي
وتقرير حقوق النسان الفردية.
عوامل نشأة الرأسمالية-:
نشأت الرأسمالية في الغرب بسبب عوامل ثلثة:
الول :الصلح الديني:
شهدت أوربا ثورة دينية عرفت بحركة الصلح الديني التي سمماهم
فيها كل من مارتن لوثر كنغ وزنجلي وكلفن ،ولم يقف الصلح في عهد
كلفن عند حد الكنيسة وطقوسها ورجالهمما ،وعنممد حممد تفسممير النصمموص
309
الدينيممة ،بممل تنمماول الصمملح العلقممات الجتماعيممة ،ومجممالت الحيمماة
القتصادية .وفي مجال الحياة القتصادية بارك التطور التجاري ،ونظممام
المعاملت الماليممة ،وخضممعت القممروض للفممائدة المحممددة ،وراج أمرهمما
كوسيلة ميسرة لقضاء الحاجات ،وبرواجها زاد سممعر الفممائدة ،لقممد أقممر
"كلفن" التعامل بالربا بعد أن كان محرما ً في نظممر الكنيسممة حممتى إلممى
عهممد ممارتن لمموثر .وقممامت أسممر عديممدة فمي إنجلممترا وألمانيمما وهولنممدا
وبلجيكا باستخدام الربا كعامل أساسي في تنميمة الممال وجمعمه ،وعمن
طريقه أصبحت لها ثروات هائلة .وبإقرار التعامل التجاري والمالي على
أساس الربمما انتشممرت حركممة الصملح الممديني فممي تلممك البلد ،ونشممأت
سممع فيهمما فيممما بعممد) .(1يقممول جممورج سممول :إن الفلسممفة البنمموك ،وتو ّ
الرأسمالية تعود إلى كتاب ومفكري عصر الصلح وما تله مممن عصممور،
)(2
ممن حرصوا على تأكيد الفردية كقوة اجتماعية ضرورية ونافعة.
ثانيًا :الثورة الفرنسية:
كانت الثورة الفرنسية عامل ً آخر في تكوين النظام الرأسمالي
عن طريق الحرية الفردية التي كانت غاية رئيسية لها.
ولئن كانت الثورة الفرنسية ضد الظلم والستعباد الداخلي ،فلقد
قامت بعد ذلك الثورة المريكية ضد الستعمار الخارجي )النجليزي(
وكانت الثورتان تحملن نفس الشعارات والمفاهيم المستمدة من آراء
المفكرين الذين صاحبوا حركة الصلح الديني .وكذا الثورة التي كانت
في إنجلترا ،والتي صارت جميعا ً في اتجاه تدعيم الحرية الفردية.
ولقد كانت هناك ثورات ل تهدأ في كل مكان في أوربا ،بلغت ذروتها
(3).
عام 1848م ،حتى أطلق عليه عام الثورات
لقد امتدت الحرية الفردية من مجال العقيدة والفكر إلممى مجممال
السياسة والقتصاد.وفي مجال القتصاد عملت الحرية على إبعاد القيود
الممتي تفرضممها الدولممة علممى المممال والعمممل ،وحرصممت علممى أن يبقممى
310
اختصاص الدولة هو حفظ المممن الممداخلي والممدفاع عممن الحممدود فقممط،
وحثت الدولة على بناء الطرق وتحسين وسائل النقل وفتح الحدود أمام
الصادرات والواردات ،وفرض الحمايممة الجمركيممة للنتمماج المحلممي ،كممل
ذلك خدمة للتجارة والصناعة ،وتيسير أفضل الفرص للربح الوفير.
-وأبعد سلطان الدولة عن رقابة السعار للمواد الخام والمنتجات
الصناعية ،وعن رقابة الرعاية الجتماعية وشئون الجور للعمال ،وفي
الوقت الذي اتسع فيه نطاق الحرية الفردية لصحاب رؤوس الموال
ضاق بالنسبة للدولة والعمال معًا.
لقد تجاوزت الحرية مجال القتصاد إلى السياسة والتوجيه عن
طريق النشر والعلن ،وأصبح الحكم في واقع المر لرجال العمال
وأصحاب الثروة الطائلة ،أي أصبح أصحاب الموال هم رجال السياسة
والحكم ،واستخدموا السياسة في مزيد من جمع الموال وتكديسها
وتركيز الشراف عليها.
-وإذا كانت الثورة الفرنسية قد واجهت سابقا ً طغيان الكنيسة وفسادها
المالي وطغيان القطاع والملوك والمراء القطاعيين ،فأصبحت تواجه
الشعوب في المجتمعات الجديدة طغيان المال واستبداد أصحابه ،وكأن
الثورة الفرنسية نقلت الطغيان من طبقة القطاعيين ورجال الكنيسة
إلى طبقة الرأسماليين ورجال السياسة والحكم).(1
311
-تقدمت الصناعة في الغرب ،فبدل ً من الصناعة اليدوية ،ظهرت
سرت اللمة النتاج وزادت في سمرعته ،وأمكمن الصناعات اللية ،لقمد ي ّ
للصناعة عندئمذ أن تقلمل من نفقمات المنتجات الصناعية ومن ساعات
العمل التي تقتضيها ،وبالتالي زاد الربح وعائد رأس المال.
-وقضممت الصممناعة الليممة علممى الصممناعات اليدويممة الممتي لممم تسممتطع
المنافسة في الجودة والسرعة والكم ،وأصممبح أصممحاب الحممرف عمممال ً
فمممممممممممي المصمممممممممممانع الحديثمممممممممممة ،بينمممممممممممما أصمممممممممممبح
رجال الصناعة الليممة أكممثر حريممة فممي العمممل وأكممثر إفمادة ممن التقممدم
العلمممممممممممممممممممممممممممممممممممممممي الصممممممممممممممممممممممممممممممممممممممناعي
)التكنولوجي(.
-وأغرتهم وفرة النتاج وكثرة الموال لديهم في التشديد على العمال
في الجور والرعاية الجتماعية وساعات العمل اليومية ،وضغطوا على
أثمان المواد الخام وتكلفة إنتاجها ونقلها في سبيل تحقيق زيادة أخرى
في عائد رأس المال ،وتكوين المدخرات الحتياطية التي تفوق رأس
المال عدة مرات .وبسبب ذلك مال رجال العمال والصناعة إلى
التركيز في الشراف على المال وتداوله .وما كاد الثلث الول من
القرن التاسع عشر يمضي حتى ظهرت أزمة في العلقات في المجتمع
الوربي الصناعي تهدد بحرب أهلية بين القلة التي تكتنز المال ،والكثرة
التي تعاني من الرعاية الجتماعية والصحية والتعليم كما تعاني من
الحرمان المالي.
-وتحولت جمعيات العمال -التي أقيمت لرعاية المهن والحرف
الصناعية -إلى نقابات تدافع عن العمال في المصانع ضد أصحاب
رؤوس الموال ،وطالبت بحق التعليم لبنائهم ،والرعاية الصحية
والجتماعية في المسكن ووسائل النقل ،وتحديد ساعات العمل
اليومية ،وتنظيم الجازات السبوعية والسنوية .ودعت نقابات العمال
إلى إنشاء هيئات تحكيم بين العمال وأصحاب رؤوس الموال ،وبذلك
ظهرت في أوربا كتلتان قويتان متصارعتان ،إحداهما :قوية بالمال
الوفير الذي تملكه ،وقليلة في العدد -وهم رجال الصناعة والعمال
312
وأصحاب رؤوس الموال .-والخرى :قوية بالعدد وبالعمل الفني،
وضعيفة من حيث المال الذي تملكه من عوائد العمل -وهي طبقة
العمال.(1)-
لقد أدت الثورة الصناعية إلى ظهور طبقة رأسمالية جديدة
تمركزت مفاتيح الحياة القتصادية في أيديها ،ورجالها قلة من الناس،
هم أصحاب المصانع الكبرى ،وأصحاب البنوك والمؤسسات المالية،
وأصحاب الحتكارات الصناعية ،وملوك النفط والحديد واللمنيوم
والسكك الحديدية والفحم والصحف ...وأصبح هؤلء الملوك أصحاب
رؤوس الموال -الذين أوجدتهم الثورة الصناعية في الغرب -هم سدنة
الحكم والسياسة ،وبسببهم كانت حركة الستعمار الغربي التي عانت
)(2
منها الشعوب والمم الضعيفة في آسيا وأفريقيا.
-لقممد اسممتبدلت أوربمما طبقممة القطمماعيين بطبقممة جديممدة هممي طبقممة
الرأسماليين الجديدة ،لقد فّرت من ظلم واستبداد إلى ظلممم واسممتبداد
أبشع وأنكى ،فّرت من طاغوت القطاع إلى طاغوت الرأسماليين.
313
الملكية الفردية حق من حقوق الطبيعة ،وغريزة تنشأ مع نشأة
النسان.
-وظهر المذهب الحر "الطبيعي" ومن أشهر دعاته :فرانسوا كيزني )
1778 - 1694م( فرنسي ،طبيب ثم اقتصادي ،أسس المذهب
الطبيعي ،نشر في سنة 1756م مقالين عن الفلحين والجنوب ،وأصدر
سنة 1758م الجدول القتصادي ،الذي شبه فيه تداول المال داخل
الجماعة بالدورة الدموية ،وقد عَد ّ بعض الباحثين أن الجدول القتصادي
لكيزني من أعظم الختراعات .ثم تبعه جان جاك روسو )- 1712
مت الحقوق 1778م( صاحب نظرية العقد الجتماعي ،التي دع ّ
القتصادية للفراد ،وكان لها أثرها البارز في إعلن الحقوق الفرنسي
للنسان.
ثم ظهرت مدرسة التجاريين ،التي أقامت الدولة على أساس
قومي ،وترى
أن قوتهما من خلل التجارة ،وأن تحسن الوضع القتصادي رهين بزيادة
الصادرات علمى الواردات .ومن ثم كان الهتمام بالزراعة وزيادة النتاج
الزراعي وإنشاء المراكز التجارية وتشجيع الصناعة ،وزيادة الصادرات
درت من كل هذا النتاج .ثم جاءت مدرسة الطبيعيين :التي ق ّ
للفراد حقوقا ً طبيعية منها :حقل العمل والتنقل واقتناء الثروة وحق
التصرف فيها ،ومن خلل هذه المدرسة ارتفع شعار:دعه يمر..دعه
يعمل..دعه يتنقل .ووضعت هذه المدرسة أساس المذهب
القتصادي الحر.
ثم ظهر بعد ذلك المذهب الكلسيكي الذي تبلورت أفكاره على أيدي
عدد من المفكرين الغربيين ،منهم:
-1آدم سميث )1790-1723م( :اقتصادي وفيلسوف اسكوتلندي.
لقد صار آدم سميث علما ً للقتصممادي الرأسمممالي ،ونممال شممهرة فممي
ذلك بسبب كتابه" :بحث في طبيعة وأسباب ثروة المممم" الممذي وضممعه
في سنة 1776م .في هذا الكتاب نادى سميث بما يلي-:
314
أ -القيمة الحقيقية للشيء بقدر ما بذل فيه من عمل ،وثروة المم
بإنتاجها الناجم عن العمل ،والنتاج يزيد بتقسيم العمل واستخدام اللة.
ب -المنافسة لزمة لقيام الحرية القتصادية.
ج -النقود هي أداة التبادل ،والمقادير الضافية منها تسبب ارتفاع
السعار.
د -ل حرج في أخذ الفوائد -الربا -عن الديون.
هم– الربط بين رفاهية الفرد وبين الحجم الكلي للعمل وعدد السكان.
-2روبرت مالتس )1836-1766م( :اقتصادي إنجليزي.
اقترن اسم مالتس بالنظرية المشهورة عن السكان "نظرية التفجير
السكاني" ،إذ يعتبر أن عدد السكان يزيد وفق متوالية هندسية بينما
يزيد النتاج الزراعي وفق متوالية حسابية .أي تكاثر النسل ل يتناسب
مع تزايد الموارد الغذائية ،فنادى بتأخير الزواج وتحديد النسل .وقال
بقانون تناقص الغلة :الذي يقوم على أن النتاج بعد حد معين تصير
نفقاته أكبر من قيمة الغلة.
-3دافيد ريكاردو )1823-1772م(:
قام ريكاردو بشرح قوانين توزيع الدخل في القتصاد الرأسمالي في
كتابه "مبادئ القتصاد السياسي ونظام الضرائب" ،وتحدث عن الفرق
بين الربح والريع ،فالول مصدره العمل ،والثاني مصدره امتلك نوع
نادر من المصادر الطبيعية .وقال إن الجور تخضع للعرض والطلب،
وترتفع بارتفاع ثمن الحاصلت الزراعية.
315
خصائص الرأسمالية وأسسها:
إن روح النظممام الرأسمممالي وأسممه ال َّولممي :الفردية ،فالرأسمممالية
تقدس الفرد ومصلحته الشخصية وحريته التي تكاد مطلقممة فممي تملكممه
المال وتنميته وإنفاقه ،وإيجاد تلممك العقليممة النفعيممة الفرديممة النتهازيممة،
التي ل تهتمم بغيرهما مما لمم يكمن ممن ورائه كسمب ،ول يعنيهما مصملحة
المجتمممع ،ولسمميما إذا اصممطدمت بمصمملحته ،ول يشممغلها إل منافسممة
الخصوم والتغلب عليهم ،إن العقلية الفردية فممي النظممام الرأسمممالي ل
تهتم إل بالربح المادي والثراء المالي ،بكل وسيلة ممكنممة ،وخاصممة مممن
النقود التي أصبحت الله المعبود في الرأسمالية ،فالنقود هممي الوسمميلة
إلى النفوذ والقوة والمتعة والمجد والشممهرة ،وأعظممم معابممد هممذا اللممه
السواق والبنوك والمؤسسات المالية.
إن الفرد هو محور الحركة القتصادية في النظام الرأسمالي ،وهو
الهدف
والغاية ،ووظيفة الدولة أن توفر الحرية الكاملة للفراد كي يقوموا
بالنشاط القتصادي كما يشاءون ويريدون ،وعلى كل فرد أن يثبت
كفايته ومواهبه في هذا المجال ،وهو وحده الذي يتحمل نتيجة جهده
وعمله ،سواء كان ربحا ً أم خسارة ،وما عليه إل أن يحترم النظام العام
)(1
والقانون ،وهما اللذان وجدا لحمايته ،وصيانة حريته ونشاطه العام.
من خلل ما سبق يتبين لنا أن خصائص الرأسمالية وأسسها هي:
-1الحرية القتصادية:إن نمو الحياة القتصادية وتقدمها وازدهارها
إنما يتوقف على الحرية القتصادية ،وتتمثل هذه الحرية في ما يلي:
-الحرية الفردية في اختيار العمل الذي يتفق واستعدادات الفرد،
ويحقق له الدخل المطلوب.
-حرية التنقل التي تتيح للفرد المنافسة الحرة والمزاحمة في العمل.
-الحرية التجارية التي يتم فيها النتاج ،والتداول والتوزيع في جو من
المنافسة والمزاحمة الحرة.
دور القيم والخلق فمي القتصماد السملمي –بتصمرف -د .يوسمف القرضماوي ص 1
.81
316
-الحرية ضرورية للفرد من أجل تحقيق التوفيق بينه وبين المجتمع،
ولكونها قوة دافعة للنتاج ،وحق إنساني يعبر عن الكرامة البشرية.
ولقد مرت الحرية القتصادية بمرحلتين :الولى :اقتصاد الرفاهية.
والثانية :القتصاد الموجه ،ولقد تم تطعيم الرأسمالية أخيرا ً بشيء
من الشتراكية).(1
-2الملكية الفردية:
دس النظام الرأسمالي الملكية الفردية ،واعتبرها حافزا ً لقد ق ّ
هاما ً للنتاج والتقدم والزدهار القتصادي ،وفتحت الطريق أمام الفرد
كي يستغل كل قدراته في زيادة ثروته ،وتملكه وسائل النتاج وعوائده.
ووضعت الدولة القوانين التي من شأنها حماية الملكية الفردية ونموها،
وعدم العتداء عليها ،ولم تتدخل الدولة في الحياة القتصادية إل بالقدر
)(2
الذي يتطلبه النظام العام واستقرار المن.
ومّرت الملكية الفردية بمرحلتين .الولى:الملكية المطلقة من غير
قيود ،والثانية :الملكية المقيدة ،وهي التي تؤدي وظيفة اجتماعية ،وقد
)(3
تأثرت في ذلك بالنظام الشتراكي.
-3البحث عن الربح بشتى السبل والوسائل ،إل ما تمنعه الدولة
ل ،مع أن تجارة المخدرات رائجة جدا ً في لضرر عام كالمخدرات مث ً
المجتمعات الرأسمالية ولم تستطع قوانين الدولة وجهودها العظيمة أن
تمنعها.
-4المنافسة والمزاحمة الحرة في السواق ،ونظام حرية السعار،
وإطلق هذه الحرية وفق متطلبات العرض والطلب ،واعتماد قانون
)(4
السعر المنخفض في سبيل ترويج البضاعة وبيعها.
317
-5الحتكار:الحتكار من السس التي يقوم عليها النظام القتصادي
الرأسمالي ،والمقصود منه :حبس السلعة عن التداول في السواق،
حتى تغلو أثمانها ،والحتكار قد يقوم به تاجر رأسمالي واحد ،أو
مجموعة منهم حيث يتواطئون على حبس نوع أو أنواع من البضائع،
ومن أخطر أنواعه :الحتكارات الكبيرة التي تقوم بها الشركات متعددة
ضع الدول خ ِ الجنسيات التي ل تخضع للحكومات المحلية ،بل كثيرا ً ما ت ُ ْ
لمصالحها ورغباتها بالرشوة السافرة والمقنعة ،فتتحكم في النتاج
)(1
والسعار.
-6الفوائد )الربا(:
إن النظام الرأسمالي يقوم على الفوائد "الربا" ،ولقد حاول
القتصاديون الرأسماليون تبرير مشروعية الفائدة ،وقالوا :إن صاحب
النقود يمكنه بدل ً من إقراضها أن ينفقها في إشباع حاجاته الحاضرة،
ولكنه يضحي بهذه الحاجات ويفضل النتظار ،ولبد لهذه التضحية ولهذا
النتظار من ثمن ،أل وهو الفائدة ،فالفائدة إذا ً هي عائد النتظار أو عائد
رأس المال .وزعم أنصار الربا )الفائدة( أن الربح الذي يحصل عليه
المقترض "المدين" من عمله في المال الذي اقترضه إنما ينشأ من
التزاوج بين العمل ورأس المال ،وإذا كان العمل قد حقق له ربحًا ،فإن
المال حقق ربحا ً أيضًا ،فوجب إذن أن يعود للدائن المقرض ربح على
المال الذي أقرضه .ونسي هؤلء أن المال في يد المقترض قد يتعرض
)(2
للهلك أو الخسارة ،فهل يوافقون على تحمل المدين ذلك؟!.
لقد أدى النظام الربوي إلى حدوث أزمات اقتصادية في الدول
الرأسمالية،
ولقد تحدث كثير من فلسفة القتصاد في هذا العصر عن أضرار الربا
318
في الحياة الجتماعية والقتصادية والسياسية ،وطالبوا بإلغائه نهائيًا،
)(3
ومن هؤلء القتصادي البريطاني اللورد كينز.
التجاه الرأسمالي:
إن تلك الخصائص التي تمّيز بها النظام الرأسمالي اتجهت به إلى
ما يلي:
-1تركيز الثروة القومية في يد قلة من أصحاب رؤوس الموال،
وظهرت في المجتمع الرأسمالي طبقة تستأثر بتداول المال واستثماره
في التجارة والصناعة ،وأصبحت هذه الطبقة تتمتع بحياة الترف وإشباع
الرغبات الشخصية ،بالضافة إلى التمتع بالنفوذ والسلطة ،وبالتالي تتم
لها السيطرة في توجيه الحياة القتصادية للنفع الخاص والستغلل غير
المشروع الذي يقوم على إهدار الكرامة البشرية ،والستخفاف بالقيم
والخلق التي تصون علقات الفراد من النحراف والنانية وفقدان
الحساس بالخرين ،ثم ظهور المفاسد الخلقية التي تتجلى في الحقد
والحسد.
-2الميل إلى تكوين احتياطي من المال متعطل ،ضمانا ً لرأس المال
العامل ،تكون وظيفته المساندة والمؤازرة دون أن يشارك في استثمار
جديد ،والحافز الحقيقي لتكوين الحتياطي من عائد المال العامل في
التجارة أو الصناعة هو الرغبة في التكديس للمال ،مع تجنب الخطار
في دفعه للعمل واستثماره في مجالت أخرى قد ل تكون مأمونة
العواقب .وذلك عن طريق خصم نسبة مئوية من الرباح السنوية وضم
بعضها إلى بعض في صورة احتياطي عادي وغير عادي ،وقد يفوق هذا
الحتياطي رأس المال العامل في الصناعة أو التجارة.
-3ويتجه النظام الرأسمالي إلى زيادة البطالة في القوى البشرية
العاملة ،والبطالة ظاهمرة مألوفمة فمي المجتممع الرأسممالي ،وتكمون
شمديدة كلمما كمان النتاج أكثر من الستهلك ،وكلما زادت نسبة تجميد
319
المال الحتياطي المحجوب عن الستثمار ،إذ كلما زاد الحتياطي كلما
قلت فرص العمل.
-4ويتجه النظام الرأسمالي إلى استغلل الشعوب المتخلفة في
القتصاد والصناعة ،وهي في واقع المر الشعوب الفريقية والسيوية
وشعوب أمريكا اللتينية ،وهذا الستغلل يتناول طاقات الشعوب
البشرية ،وثرواتها ومواردها الطبيعية.
ويقوم رأس المال الجنبي -من احتياطي الشركات الوربية
الصناعية والتجارية بالحصول على امتيازات في الستثمار تجعل منه
مصدرا ً للحتكار والستغلل البشع ،الذي يشبه السلب والنهب
للقتصادي القومي والطاقات البشرية العاملة في البلد المتخلفة.
ولضمان بقاء المتيازات وبقاء الستغلل الفاحش تبعا ً لذلك تقوم
الدول الرأسمالية بتقديم القروض بفوائد تثقل كاهل القتصاد المحلي،
وتتدخل هذه الدول صاحبة المال عسكريا ً لحماية رأس مالها ،وحماية
رأس المال الجنبي تجر إلى التدخل في تغيير نظام المجتمع في
القتصاد والدارة والسياسة والتعليم والقضاء والحكم ،وهذا أمر مشاهد
في عالمنا المعاصر ،كما في العلقات الوربية والمريكية بدول العالم
الثالث ،ومنها الدول السلمية الخاضعة للدارة المريكية الدولة
الرأسمالية العظمى.
وكما اتجه النظام الرأسمالي إلى الستغلل البشع ،اتجه في
الوقت نفسه إلى الستعمار بدافع البحث عن الموارد الولية اللزمة
للصناعة ،وبدافع البحث عن السواق الجديدة لتسويق المنتجات .ولقد
نتج عن الستعمار الرأسمالي :الحروب والتدمير والقتل للشعوب
)(1
الخرى.
320
عيوب الرأسمالية ومفاسدها:
يكشف الناقدون القتصاديون عن مجموعة من مساوئ وعيوب
النظام الرأسمالي وهذا أمر بديهي لن النظام الرأسمالي نظام
وضعي ،وضعه الناس ،بعيدا ً عن منهج الله تعالى الذي ارتضاه للبشرية:
)إن الدين عند الله السلم( آل عمران .19 :وقال تعالى):ومن
أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا( طه .124 :وواضعو هذا النظام
وقعوا تحت تأثير أهوائهم ونزعاتهم النانية ومصالحهم الشخصية.
ويمكن تلخيص بعض هذه العيوب في النقاط التالية:
-1إطلق الحريات الفردية في النشاط القتصادي دون ضوابط أو قيود
تحد من الشح والنانية والستغلل والضرار بالخرين ،وهذا ما حصل
في المجتمعات الرأسمالية ،ثم تشجيعه على سيادة الغرائز المادية
البحتة على حساب القيم النسانية النبيلة والفضائل الفطرية البشرية،
فالرأسماليون ل يفكرون إل في تحقيق الربح وزيادة الموال في
أيديهم ،ول يهتمون بسعادة الخرين ،وخاصة أبناء الطبقة العاملة التي
تتعرض للبتزاز وفق العرض والطلب وكأنهم سلعة خاصة.
-2النانية والشح من المراض الجتماعية التي ابتليت بها المجتمعات
الرأسمالية ،فقلة من الفراد يتحكمون في السواق تحقيقا ً لمصالحهم
الذاتية دون تقدير منهم لحاجات المجتمع أو احترام للمصلحة العامة،
لقد ضعف الوازع الديني ،وطغى الوازع المادي وثبطت الرغبة في
الخدمات الجتماعية ،وبالتالي ساد الحقد والحسد في العلقات بين
الطبقتين :المالكة والمحرومة.
-3إتاحة الفرصة للكبار أصحاب رؤوس الموال للتحكم في الحياة
القتصادية وفق مصالحهم ،وتوجيه السلطة السياسية نحو تحقيق
أغراضهم ،ومن ذلك شراء طبقة الناخبين بالموال ،وسيطرة رأس
المال على الحكم.
321
-4البطالة:وما يترتب عليها من مخاطر اجتماعية ومفاسد خلقية ،تتمثل
في السرقة والجريمة والغتصاب والنتحار والمراض النفسية
والعصبية.
-5الحتكار:وما يترتب عليه من أخطار اقتصادية واجتماعية وسياسية،
تظهر آثارها في المستهلكين الضعفاء في المجتمعات الرأسمالية ،وفي
الشعوب والمم المتخلفة في أفريقيا وآسيا.
-6الربا:إن الربا على رأس العلل التي يعاني منها الفراد والجماعات
في العالم أجمع ،فهو أكل لمال الغير بل جهد ول مخاطرة ،وتحّيز
لصحاب الموال على حساب الفقراء المحتاجين للقرض ،وإهدار
للجانب النساني مقابل سبيل الكسب المادي ،وهو طريق لستغلل
واستعمار الشعوب والمم الفقيرة المقترضة من قبل الدول الغنية
الرأسمالية ،كما هو واقع في عالمنا المعاصر.
-7إنتاج المواد الكمالية وترويج الدعايات المكلفة ماليا ً لها ،وحرق
البضائع الفائضة أو إتلفها بقذفها في البحر خوفا ً من انخفاض أسعارها
لكثرة العرض ،وإهدار الموال الطائلة في إنتاج وسائل الدمار والهلك،
في الوقت الذي ل يلتفت فيه إلى الحاجات الساسية لكثير من أفراد
المجتمع ،فأمريكا مثل ً تنفق عشرات اللف من مليين الدولرات في
غزو الفضاء الخارجي ،وأضعافها في صناعة السلحة المدمرة للبشرية
في الوقت الذي يعاني ثلث سكانها من انعدام الحياة القتصادية
الكريمة .وفي الوقت الذي تنتشر فيه المجاعة في كثير من البلدان
الفريقية والسيوية.
-8الحياة المحمومة نتيجة للصراع القائم بين طبقة الغنياء التي تبحث
عن زيادة الثراء من كل السبل ،وطبقة الفقراء المحرومين الذين
يستغرقون حياتهم في توفير الحياة الكريمة لهم ولسرهم .ثم
المزاحمة والمنافسة بين الغنياء أنفسهم في زيادة الثروة وكثيرا ً ما
يؤدي ذلك إلى إفلس عدد من المصانع والشركات ،فالقوي في الغابة
الرأسمالية يأكل الضعيف.
322
-9الستغلل البشع للمم والشعوب والفراد الضعفاء ،واستعمار البلد
الخرى بحثا ً عن المواد الولية اللزمة للصناعة ،وبحثا ً عن السواق
اللزمة لتصريف النتاج ،وبحثا ً عن اليدي العاملة الرخيصة .ولقد شهد
القرنان التاسع عشر والعشرون ألوانا ً للستعمار الرأسمالي للشعوب
السيوية والفريقية ،وشهد القرن العشرون اصطناع الحروب
والنزاعات بين الدول المتجاورة من قبل الدول الرأسمالية بغية
تصريف المنتجات العسكرية المدمرة للبشرية ،واستغلل شعوب هذه
الدول لمصلحة الرأسمالية المتحكمة في تلك الصناعات.
-10وأخيرًا :فإن النظام الرأسمالي شأنه شأن المذاهب المادية
البشرية التي عرفتها أوربا ،وكلها تتساوى في النظر إلى النسان على
أنه كائن مادي مجرد من الميول الروحية والفكار الخلقية ،والغايات
المعنوية النبيلة .وبالتالي تفصل القتصاد عن الدين ،وعن الخلق
)(1
والقيم المستمدة منه.
323
يحدث ،أو نظام يستحدث ،فإن قبله دين السلم وارتضاه ،فهو من
)(1
رب به عرض الحائط. ض ِ
الدين ،وإل ُرِفض و ُ
ن هذا الدين قد كمل في أنظمته وتشريعاته التي تتناول جوانب مإ ّ
ث ّ
الحياة السياسية والجتماعية والخلقية والقتصادية وغيرها ،فنصوص
الكتاب والسنة تشتمل على القواعد والمبادئ العامة في ذلك ،فضل ً
عن الفروع والتفصيلت في كثير من القضايا والمور والتطبيقات
والتفريعات ،والمشكلت والوقائع والقضايا المستحدثة في حياة الناس،
يجب أن تكون منسجمة ومتوافقة مع القواعد والمبادئ الكلية العامة،
ومبنية عليها.
وإذا وضعنا النظام القتصادي الرأسمالي في الميزان السلمي،
وقسناه بمقياس الشرع ،وإذا رددناه إلى القواعد الكلية والمبادئ
العامة التي أشارت إليها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية
الشريفة ،وجدناه نظاما ً مرفوضا ً لمخالفته لما جاءت به الشريعة
السلمية ،فضل ً عن كونه مناقضا ً للعقيدة السلمية التي هي أسس
بناء النظام القتصادي السلمي ،وغيره من أنظمة الحياة ،وبيان ذلك
من عدة وجوه ،منها:
-1أن النظام السلمي منهج رباني في مصدره وأصوله ،فهو مستنبط
من نصوص كتاب الله وسنة رسوله ،وما يقاس عليها ضمن الكليات
الشرعية .وهو مبني على القاعدة الكبرى لهذا الدين ،قاعدة) :ل إله
إل الله( فالله عز وجل هو الخالق الحاكم العليم الخبير بالناس
وبمصالحهم العاجلة والجلة )أل يعلم من خلق وهو اللطيف
الخبير( تبارك) ،14 :أل له الخلق والمر( العراف ،54 :والنظمة
التي اصطفاها للناس هي الحسن والصلح ،التي تحقق للناس السعادة
والرخاء والطمأنينة )أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من
الله حكما ً لقوم يوقنون( المائدة .50 :أما النظام الرأسمالي فهو
نظام وضعي ،وضعه فئة من الناس اعتمادا ً على أفكارهم وآرائهم ،تلبية
لهوائهم ورغباتهم ،ومراعاة لظروفهم وأحوالهم ،وإرضاًء لجمهور
324
الناس الواقعين تحت تأثير ظروف تاريخية معينة).(1
والنظام الرأسمالي ل يعترف واضعوه بحاكمية الله ،ول يعترفون
بشريعته ،إنهم عزلوا الدين عن الحياة كلها ،واستبعدوه استبعادا ً كليا ً
عن الحكم والسياسة والقتصاد والخلق ،وأبقوه حبيسا ً في ضمير
الفرد ،وداخل جدران المعبد الذي يمارس فيه شعائره وطقوسه
التعبدية التي ما أنزل الله بها من سلطان).(2
-2إن النظام القتصادي السلمي ملئم للفطرة النسانية ،ومحقق
للبشرية صلحا ً وسعادة وكفاية ورخاًء ،وهو قائم على قواعد الحق
والعدل ،وعلى الموازنة السليمة بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة.
بينما النظام الرأسمالي-وإن جاء منسجما ً مع الفطرة البشرية
في حب التملك-مسرف في انحيازه لحريات الفراد القتصادية،
ومخل بقضية التوازن بين مصالح الفرد والمجتمع ،ومن هنا أحدث
كن قلة من الناس-أصحاب رؤوس الموال- فسادا ً في المجتمع ،وم ّ
من ممارسة الظلم والستبداد تجاه الكثرة غير المالكة.
-3النظام القتصادي السلمي يقرر أن المالك الصلي للكون وما فيه
هو الله الخالق الحاكم المشرع ،ومالك الملك قّرر قواعد ومبادئ
لملكية الفراد والجماعات ،ووضع قيودا ً وضوابط ،تتناول الكسب
والملكية ،وتتناول النفاق ،وجعل في الملكية الخاصة والعامة حقوقا ً
لعباده الفقراء والمحتاجين ممن ل يملكون ،ورّتب على التقيد بتلك
القيود والنضباط بتلك الضوابط أجرا ً وثوابًا ،كما رتب على مخالفتها
والتمرد عليها جزاًء وحسابًا.
أما النظام الرأسمالي فل يقر بذلك ،لن واضعوه -وإن كانوا
مؤمنين بالله ربا ً وخالقًا -فهم يكفرون به حاكما ً ومشرعًا ،ول يؤمنون
بشريعته الحاكمة ،بل تواطئوا على استبعادها عن أنظمة الحياة ،ومن
325
هنا فإنهم ل يؤمنون بحقوق الله تعالى في الملك ،ول بمبدأي الثواب
والعقاب).(1
-4إن النظام الرأسمالي يقوم على أساس من الربا ،والحتكار،
واغتصاب أموال الخرين ،وأكل حقوقهم بالباطل ،وعلى السراف في
إنفاق المال الخاص والعام على ما يضّر النسان ويشقيه ،بل ويسحقه
ويقتله ،وهو يذكي روح النانية بين الفمراد ،وروح العمداء والبغضماء بين
المم والشمعوب) ،(2ونظمام بهذا الشكل وتلمك الروح جدير بالزدراء
والحتقار ،وجدير بأل يقارن ألبته بالنظام الرباني القائم على الحق
والعدل والخير للفرد وللجماعة ،المحقق للناس كلهم على اختلف
مواهبهم ودرجات تفكيرهم وقدراتهم حياة كريمة ،الحياة المطمئنة
السعيدة .والمسلم الصادق يعلم أن شريعته الغّراء خير وأبقى ،وهو
ملزم بها دون غيرها من الشرائع الوضعية الفاسدة .قال تعالى) :لكل
جعلنا شرعة ومنهاجا ً( المائدة ،48 :وقال):ثم جعلناك على
شريعة من المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون(
الجاثية ،18 :وقال):وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع
أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك
فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم
وإن كثيرا ً من الناس لفاسقون( المائدة.49 :
326
الفصل الثالث
المذهب الفلسفي الوافد"الشيوعية"
تعريف الشيوعية:
ليست الشيوعية مذهبا ً اقتصاديا ً بحتا ً كما يتبادر إلى ذهن كثير
من الناس ،وإن كان لها ول شك مذهب اقتصادي محدد متميز ،إن
الشيوعية تصور شامل للكون والحياة والنسان ،ولقضية اللوهية
كذلك ،وعن هذا التصور ينبثق المذهب القتصادي .ثم إن الوضاع
)(1
السياسية والفكرية والجتماعية المصاحبة له هي مجرد انعكاس له.
ويمكن تعريفها ،بقولنا" :الشيوعية مذهب فلسفي مادي
إلحادي غير أخلقي ،استبدادي ،يرى أن المادة هي أصل
وأساس كل شيء ،يفسر التاريخ تفسيرا ً ماديًا ،يرجعه إلى
)(2
العوامل القتصادية وصراع الطبقات".
وأصبح من المعلوم ضرورة:أن الشيوعية تنظيم يهودي ،ذو هيمنة
عقائدية ،هدفه تحقيق جانب من المخطط اليهودي العالمي الرامي إلى
تدمير المم والشعوب ،والديان ،والقيم ،والخلق ،تمهيدا ً لقامة الدولة
اليهودية العالمية .ووسائل الشيوعية في ذلك :الستبداد المطلق
المقرون بالعنف الدموي ،والنفعية الميكافيلية ،والشهوات الباحية.
أسس المذهب الشيوعي-:
يقوم المذهب الشيوعي اللحادي المادي على السس الفكرية
والعتقادية التالية:
-1إنكار وجود الله تعالى ،وإنكار كل الغيبيات ،واعتبار المادة أزلية
أبدية ،وأنها أساس كل شيء وأصله.
-2تفسير حركة المادة وتغيراتها وتطورها وفق ما يسمى "بالمادية
الجدلية" ،وتفسير التاريخ البشري وفق ما يسمى "بالمادية التاريخية".
327
-3محاربة الديان ،واعتبارها وسيلة لتخدير الشعوب وخادما ً للرأسمالية
والستعمار ،وقد استثنوا من ذلك اليهودية ،لن اليهود شعب مظلوم
يحتاج إلى دينه ليستعيد حقوقه المغتصبة.
" -4الشتراكية العلمية" ،وهي المذهب القتصادي الذي يقوم على
إلغاء الملكية الفردية ،وإلغاء الوسائل المؤدية إليها كشيوعية الموال
والميراث ،والقول بأن الدولة الممثلة للمجتمع هي المالكة لكل شيء.
-5اعتبرا العوامل القتصادية هي المحرك الول للفراد والجماعات،
وأن الفكر والحضارة ،والثقافة هي وليدة التطور القتصادي ،وأن كل
تغيير يحدث إنما هو نتيجة حتمية لتغير وسائل النتاج.
-6تزعم الشيوعية أن النظام الجتماعي في الدولة الشيوعية نظام
تطلق فيه الحريات الشخصية على أوسع مدى بشرط أل تمس المبادئ
الشيوعية ونظم دولتها وأوامرها وعندما تصل الدولة الشيوعية إلى
غايتها المرسومة لها ،فإنه سُتلغى السرة ،ويصبح الجنس مشاعًا ،فكل
الرجال لكل النساء ،وأما الولد فهم للدولة الشيوعية التي تتولى
تربيتهم ورعايتهم.
-7إلغاء القيم والخلق المتعارف عليها بين الناس ،واستبدالها بأخلق
الطاعة للدولة الشيوعية وتنفيذ أوامرها وبرامجها.
-8النظام السياسي والداري الذي تقوم عليه الدولة الشيوعية ،هو
الديكتاتورية الستبدادية المطلقة الصارمة ،وتتوله قيادة جماعية ،تقع
على رأس هرم الحزب الشيوعي ،تسمى بم "ديكتاتورية" الطبقة
)(1
العاملة "البروليتاريا".
328
أبرز الشخصيات الشيوعية:
كارل ماركس ):(1)(1882-1818
تدين الشيوعية في معظم أفكارها إلى كاهنهمما الكبركممارل ممماركس
حفيد الحاخام مردخاي ماركس،ونسبت الشميوعية إلى ماركس باعتباره
واضمممعا ً للمبممادئ الساسممية لهمما ،وباعتبمماره صمماحب مجموعممة الراء
والتعاليم الفلسفية والقتصادية والجتماعية التي يتشكل ممن مجموعهما
المذهب الشيوعي ،ولذا فإنه من المناسب التعريف بصمماحب المممذهب،
وأبرز شخصياته الفكرية.
ولد كارل ماركس في مايو سنة 1818م بمقاطعة رينانيا في
ألمانيا من أسرة يهودية ،فأبوه هيرشل ماركس من رجال الشريعة
مه تنحدر من أسرة يهودية هولندية هاجرت في القرن اليهودية ،وأ ّ
ده الحاخام مردخاي ماركس. السابع عشر إلى البلد المجرية ،وج ّ
تحول أبواه عن اليهودية إلى المذهب الرثوذكسي النصراني عام
1824م ،حيث كان كارل في السادسة من عمره ،ولم يكن هذا التحول
عن إيمان صادق بالنصرانية ،إنما كان تمهيدا ً لفرص العيش ،ولتأمين
فرص المستقبل أمام البن كارل ،لن اليهود كانوا يعيشون في بيئة
اجتماعية تنبذ وتحتقر اليهود ،ولقد ترك هذا التحول بفعل الظروف
القتصادية أثره السيء في حياة كارل ماركس ،وفي شعوره بالدين
والعقيدة الروحية ،ويصدق هذا :إذا عرفنا أن ماركس أقام مذهبه
الفكري على المادية القتصادية ،وذهب إلى أن الديانات والعقائد جميعا ً
إنما هي انعكاس الضرورات القتصادية في المجتمع.
دراسته وعلمه:
تتسم دراسته العلمية بحالة القلق والختلل ،حيث درس أول ً
ول إلى دراسة المشكلت القتصادية ،وهذا القانون ثم الفلسفة ثم تح ّ
التحول كما يفسر ظاهرة الختلل عنده فإنه يفسر ظاهرة الرغبة في
إشباع شهوة الشهرة وحب الظهور ،وشهوة الهدم والنقمة ،فدراسة
-1انظر حياة ماركس وثقافته وأخلقه وصممفاته :الشمميوعية والنسممانية فممي شممريعة
السلم عباس محمود العقاد ص .75-29
329
القانون والفلسفة ل تتصل بهياج الثورات والفتن ،إنما تهيج الفتن
والثورات بما يتصل بغرائز وحاجات المليين في بيئة مادية ،فصراع
الطبقات وضرورات المعاش ومشكلت القتصاد أمور تناسب الثورة
والظهور ،وتلك كانت من صلب ما تقوم عليه الشيوعية.
درس ماركس في جامعة "بون" ثم في جامعة "برلين" ،واشتهر
ماركس بغيابه عن دروسه وانقطاعه عن الجامعة ،حيث كان يقضي
الليالي في السهر واللهو مع السكارى وأهل المجون بعيدا ً عن موطن
الجامعة ،وقد ساقته الشرطة مرة إلى دارها مع بعض هؤلء السكارى،
وساقته مرة أخرى إلى دارها لستعماله السلحة النارية في مبارزة
بالسيف ،وفي سنة 1841م حصل على درجة الدكتوراه من جامعة
"جينا" اللمانية في موضوع كتبه عن" :الختلف بين فلسفة الطبيعة
عند ديمقريطس وبين فلسفة أبيقور" ،ولم يحصل كارل ماركس على
لقبه العلمي من جامعة يتعلم الطلب فيها ،ولم يحصل عليه بعد
مناقشة علمية في موضوعه أو امتحان يكشف فيه عن عقليته وتفكيره
ومدى أصالته واعتماده على البراهين والسانيد العلمية ،إنما حصل
على الدرجة العلمية بالمراسلة على نحو غريب وغير مألوف في
الوساط العلمية ،إذ أرسل كارل ماركس أطروحته إلى الجامعة بالبريد
في السادس من شهر أبريل سنة 1841م على عنوان عميد قسم
الفلسفة ،فوقع العميد شهادة الدكتوراه بتاريخ الخامس عشر من أبريل
سنة 1841م.
صفاته وأخلقه:
-1الغرور والكبرياء:
لقد أجمع أساتذة ماركس وتلميذه وأصدقاؤه ،ويشاركهم في ذلك
والده على أنه كان مغرورا ً معروفا ً بحبه لنفسه أضعاف حبه للخرين
من أصدقائه ومريديه ،وأنه ل يغفر أبدا ً أصغر الساءات إلى شخصه،
ودائما ً ما يقول :آرائي ..أفكاري ،دون أن يتلفت إلى آراء وأفكار
مخالفيه ،ول يتورع عن اختلق التهم الباطلة تجاه معارضيه بهدف
النتقام منهم ،كتب إليه أبوه مرة يقول له" :إنك لسوء الحظ تؤيد
330
بسلوكك رأيي الذي كونته عنك ،وأرى أنك على ما فيك من خصال
حسنة ،أناني تغلب النانية على جميع صفاتك"…وقد دفعه كبرياؤه إلى
جمود العاطفة والتعالي عن الحزن على حد تعبير صديقه إنجلز.
-2كسله في العمل وعالته على الخرين:
يقول )أوتوروهل( أحد تلمذة ماركس ومترجمي حياته" :كان على
الدوام متقلبا ً مبتئسا ً حقودًا ..وكان موسوسا ً يغلو كجميع الموسوسين
في الشعور بمتاعبه الجسدية ..كان في صباه عاجزا ً عن المثابرة على
دراسة ترشحه لعمل يعينه على مطالب العيش ،وأصبح في كهولته
عاجزا ً عن المثابرة على جهد من الجهود العقلية يتكفل بغذاء الشخصية
كلها ،فلم تكن له صناعة ،ول مكتب ،ول شاغل منتظم ،ول وسيلة من
وسائل المعيشة ،وما من شيء لديه إل وهو موكول إلى المصادفة
والرتجال والضطراب."..
ولقد عاش كارل ماركس في صباه وفي كهولته عالة على أسرته
وأقاربه وأصدقائه-:
-والده :كان والده ينفق عليه في حياته ،وخاصة وهو طالب في
الجامعة ،مع أنه كان يتغيب عنها ،قاضيا ً الوقت في الملهي والنوادي،
حتى أنه سيق مرة إلى دار الشرطة مع جماعة من السكارى
والمعربدين.
لما توفي أبوه كان ماركس في برلين ،ولم يكّلف نفسه -لجمود
عاطفته -أن ينتقل إلى بلده ليواسي أهله وأخوته الصغار ،ويتفقد
شؤون السرة بعد وفاة عائلها ،بل أرسل إلى أمه يطلب نصيبه من
الميراث.
أخذ ماركس نصيبه من الميراث فأنفقه على ملذاته ،ولما انتهى
المال سطا على نصيب أمه وأخته ،ولم يكلف نفسه بالعمل ،مع أنه
رب السرة بعد أبيه ،وكانت أمه تلح عليه أن يغنيهم بكسبه أو يكفيهم
على القل مؤنة نفقاته.
-أصدقاؤه وأقاربه:
331
اشتهر ماركس بأنه كان يمد يده للخرين طالبا ً منهم المعونة ،لقد
تقبل من المعونة بل من الحسان ،ما ل يقبله رجل ذو كرامة ،كان
يفعل ذلك في صباه وبعد زواجه ،إنه لم يكف في طلب المعونة من
زوج أخته وأقارب ذلك الزوج ،ومنهم قريبة العم "فيليبس" ،ومن
أصدقائه إنجلز وأنينكوف.
لقد رفض ماركس أن يزّوج ابنته للكاتب المشهور "برناردشو" ،لكنه
زّوجها لحد الغنياء ممن ترك له والده ميراثا ً كبيرًا.
إنه لما ضاق زملؤه من طلباته المتلحقة أحالوا عليه العمال التي
تطلب منهم ،فكان يقبلها وهو ل يحسن أداءها ثم يحيلها بدوره على من
يحسن الداء بعد أن يكون قد استولى على أجورها.
عاش ماركس فترة طويلة من الزمن متطفل ً على أموال زميله في
ظف مبلغا ً من المال في السنة لمعيشة المذهب إنجلز ،الذي و ّ
ماركس ،ونظم له داره ،وسدد عنه ديونه ،وأنجز المشروعات الكتابية
المعطلة التي أكل ماركس أجورها سلفًا .لقد صدقت في ماركس
مقولة أبوه عنه:إنه سيعيش عالة على الناس ما عاش.
-3إهماله لنفسه وميله للقذارة وبعده عن النظافة:
يقول عنه "ليوبلد شوارز" صاحب كتاب البروسي الحمر":إنه
شخص مشعث للغاية ،سيئ التصرف في أعماله ،يجري في معيشته
على منهج المتشردين المشتغلين بالمطالب الفكرية..ويندر أن يستحم
أو يمشط شعره ،ويغير ملبسه الداخلية ،يشرب كثيرًا ،ويحوم أياما ً
على غير هدى وبغير عمل ،فإذا حزبه أمر لزب قضى الليل والنهار في
العمل ،ول يخطر على باله أن ينظم ساعاته ومواعيده".
كان قذرا ً يهمل الغتسال والنظافة ،وكان منظر القروح والثآليل
التي تمل وجهه وعينيه ،وما ظهر من جلده يزيده قذارة على قذارة،
وكانت هذه القروح والثآليل مما جناه على نفسه بتهافته على الطعمة
)(1
الممنوعة من قبل الطباء ،لكونه مريضا ً بالكبد المتأصل فيه.
332
ماركس واليهودية:
ول على يدي والديه سبق أن قلنا أن ماركس كان يهوديًا ،وقد تح ّ
تحول ً ظاهريا ً إلى المذهب الرثوذكسي ،ولم يكن تحول ً عن إيمان
صادق بغير اليهودية .فظل الشعور بالنتماء لليهودية يلحق ماركس في
أطوار حياته المتناقضة المضطربة لدرجة أن شعورا ً بالنقص كان
يعتوره دائمًا..كان يهوديا ً في أعماق نفسه ،وكانت زمرته التي يأوي
إليها على الكثر من شذاذ اليهود في زمنه ،وكان في مظهره يتشبه
بالسلف والباء اليهود كما وصفهم التلمود ،فقد أرسل لحيته وأطلق
جمته -مجتمع شعر الرأس -بطريقة مشعثة للغاية ،حتى يتراءى للناس
كأنه من آباء اليهود في أيامهم التاريخية الولى.
وأما كتابته ضد اليهود واليهودية فما هي إل محاولة بائسة لكي
ينفي عن نفسه ذلك النسب اليهودي في بيئة تحتقر اليهود ،وليعطي
نفسه مبررا ً ومسوغا ً في إنكار وجود الله وحملته الظالمة على الديان
تماما ً كما تفعل الحركة الماسونية اليهودية) ،(1إنه تتلمذ على اليهودي
المشهور موسى هس الذي تعّرف عليه عام 1841م ،وأخذ عنه مبادئ
الشمتراكية العامة ،وموسى هس هو المنشئ الول للتفكيمر الصهيوني
الحديث ،وأعظمم مفكري اليهود في القرن التاسع عشر ،وصاحب كتاب
"روما والقدس" الذي ألفه عام 1862م ،واقترح فيه إقامة دولة لليهود
في فلسطين بمساعدة فرنسا ،يقول ماركس عن موسمى هس" :لقد
اتخذت هذا العبقري لي مثل ً وقدوة ،لما يتحلى به من دقة في التفكير،
واتفاق آرائه مع عقيدتي ،وما أومن به ،إنه رجل نضالي الفكر
والسلوك" ،وموسى هس هو أستاذ الصهيوني العالمي هرتزل الذي
استقى المبادئ الرئيسة التي ذكرها في كتابه "الدولة اليهودية" من
كتاب أستاذه وأستاذ كارل ماركس ،أي كان موسى هس أستاذا ً
لماركس في فلسفته الشيوعية وأستاذا ً لهرتزل في فلسفته الصهيونية.
333
ولقد اعترف الحاخام لويس برونز في كتابه "أغرب من الخيال"
بإخلص ماركس لليهودية ،وأنه كان في روحه وعمله أشد إخلصا ً
)(1
لسرائيل من أولئك الذين يتشدقون بذلك.
ومما يؤكد يهودية ماركس نسبا ً وفكرا ً وهدفا ً ما جاء في بيان
المشرق العظم الفرنسي الماسوني عام 1904م صفحة ":237إن
الماركسية واللقومية هما وليدتا الماسونية ،لن مؤسسيها كارل
ماركس وإنجلز هما من ماسونيي الدرجة الحادية والثلثين ،ومن
منتسبي المحفل النجليزي ،وأنهما كانا من الذين أداروا الماسونية
)(2
السرية ،وبفضلها أصدرا البيان الشيوعي المشهور".
فردريك إنجلز )1895-1820م(:
إنجلز زميل ماركس وصديقه الحميم ،وهو من كبار مؤسسي
المذهب الشيوعي .ولد عام 1820م بمقاطعة الراين بألمانيا ،وأبوه
ثري اشتغل بصناعة نسيج القطن ،وكان معروفا ً بعقيدته المسيحية.
وفي سنة 1844م التقى إنجلز بماركس في فرنسا ،وتلقت
أفكارهما وقضيا عشرة أيام معًا ،واتفقا على فلسفة الشيوعية ،وظل
يعملن معا ً في توافق لمدة أربعين سنة ،في سنة 1848أصدرا سويا ً
البيان الشيوعي المشهور بالمانغستو .ولقد اعتمد ماركس على زميله
إنجلز في أثناء تأليفه كتاب "رأس المال" ،حيث تعاونا سويا ً في المجلد
الول ،ثم قام إنجلز بمراجعة وتحقيق ونشر المخطوطات غير الكاملة
للمجلدين الثاني والثالث من الكتاب .وإذا كانت الشيوعية مقرونة باسم
ماركس ،فإن النصيب الكبر في هذه النظرية يعود إلى إنجلز نفسه.
أصول الفلسفة الشيوعية:
نقدم للقارئ فكرة مجملة للصول الفلسفية الماركسية ،ومن
أراد التوسع فليرجع إلى المصادر المتخصصة ،مع ملحظة أن نقض هذه
334
)(1
الصول قد كتب فيه الكثير.
تقوم الفلسفة الشيوعية التي أرساها ماركس وإنجلز على
أصلين اثنين هما :المادية الجدلية والمادية التاريخية ،وبناًء عليهما وضع
الماركسيون آراءهم وأفكارهم في مجال القتصاد والسياسة والجتماع
والعقائد والخلق.
-1ومن هممؤلء :د .محمممد سممعيد رمضممان البمموطي فممي كتممابه:نقممض أوهممام الماديممة
الجدلية ،د .صلح عبد العليم فممي كتممابه:تهممافت الفكممر الماركسممي ،فهممما مممن أهممم
مصادري في هذا النقض.
-2انظر تهافت الفكر الماركسي ص ،43-39الماركسية في ميزان السلم د .أمير
عبد العزيز ص ،17مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص .268
335
تفسر العالم وظواهره بعلل ومبادئ وأسباب خارجة عنه ،وترفض جميع
الديان التي تقر بوجود الله الخالق المبدع للكون وما فيه ،وترفض
الغيبيات التي هي من جملة العقائد اليمانية التي جاء بها السلم
كالروح والملئكة والجن والبعث والجنة والنار والحشر والنشر ونحو
ذلك.
وإذا كانت الشيوعية ل تعترف ول تقر إل بالوجود المادي -المادة
وظواهرها -وأنه أزلي أبدي ،فالسؤال :كيف نشأت الحياة وتنوعت
الكائنات ،وكيف تحدث سائر التغيرات والتحولت الكونية؟ هذا ما تجيب
)(1
عليه الشيوعية من خلل الجدلية وقوانينها المدعاة.
-2الجدلية )الديالكتيك(:
الجدل أو الديالكتيك معناه فن المجادلة أو مجاذبة أطراف
الكلم .والكلمة يونانية في نشأتها أخذت من "دياليغو" بمعنى المجادلة
والمحادثة ،فالديالكتيك معناه عند اليونان :فن الوصول إلى الحقيقة
باكتشاف المتناقضات التي يتضمنها استدلل الخصم ،وبالتغلب عليها،
ثم استخدمت للتعبير عن أحد التصورات للكون والطبيعة فيما يصل
بالنسان إلى الحقيقة عن طريق اكتشاف التناقضات.
واستخدم "هيرقليط" كلمة الديالكتيك لدى تعبيره عن تصوره
للطبيعة ،وهو أن كل شيء يتغير ويتطور من حال إلى حال ضمن
صيرورة ذاتية ل تنقطع .ثم استخدم الفيلسوف اللماني هيجل
"الديالكتيك" كطريقة منطقية لفلسفته ليصل بها إلى أن الكل أو
المطلق أو الروح الشامل -الله -هو المبدأ والمنتهى ،وأن العالم
الطبيعي والوعي النساني ليس إل تجسيدا ً لذلك الكل المطلق أو
الروح الشامل.
وأما الديالكتيك عند الشيوعية فمعناه :علم القوانين العامة لحركة
وتطور الطبيعة والمجتمع والفكر النساني ،وهو يقوم على أساس :أنه
ل ينبغي النظر إلى العالم باعتباره مجموعة من الشياء الجاهزة ،وإنما
336
باعتباره مجموعة من العمليات يطرأ فيها -على الشياء التي تبدو ثابتة
في الظاهر وعلى صورها العقلية في أدمغتنا -تغير مستمر من
الصيرورة والفناء .إنها تكشف عن الطابع النتقالي لكل الشياء وفي
كل الشياء ،من الدنى إلى العلى.
ن الديالكتيك عند هيجل يتم بين الفكر والروح من جهة وبين إ ّ
المادة من جهة أخرى ،لكن الديالكتيك في تصور الشيوعية يتم بين
المادة والفكر ضمن المادة ذاتها ،دون أي عامل آخر من الفكر أو
الروح خارج المادة ،وذلك هو سر التطور في الكون والحياة والكائنات،
وهو تطور يسير في اتجاه دائري نحو الكمال.
فالديالكتيك الشيوعي يؤله المادة ويعطيها خصائص اللوهية،
وينكر نكرانا ً كامل ً فكرة الله الخالق المبدع للكون وما فيه ،ويعتبر
المادة هي المألوه ،والصل الذي انبثقت عنه المشاعر والتصورات
والفكار والحقائق بما في ذلك الوعي أو الفكر أو الروح.
وتقوم الجدلية الشيوعية على قوانين ثلثة هي-:
-1وحدة الضداد والصراع بينها.
-2تحول التغيرات الكمية إلى تغيرات الكيفية.
-3نفي النفي.
ومجمل هذه القوانين:أن كل شيء في الطبيعة أو المجتمع
يتحرك ويتطور وينتقل في الطبيعة من حالة قديمة سابقة إلى حالة
جديدة لحقة ،بفعل الصراع والتفاعل بين ما تشتمل عليه الشياء من
الضداد والتناقضات ،وبذلك فإن الجديد ينفيه جديد ثالث خلل التطور-
وهذا هو نفي النفي -وهكذا دواليك :تغير وتطور مستمر في الطبيعة
والمجتمع مصدره وعلته الصراع بين الضداد المتزاحمة الموجودة
ضمن وحدات المادة ،وهو تغير في الكم أول ً ينتهي إلى تغير كيفي
)(1
نوعي ،إنه تغير وتطور صاعد من الدنى إلى العلى والرقى.
337
ثانيًا :المادية التاريخية:
المادية التاريخية هي محاولة لتفسير التاريخ البشري على
السس المادية ،أي تفسير التغيرات والظواهر السياسية والجتماعية
التي يمر بها المجتمع البشري عبر العصور والجيال بأسباب مادية
خارجة عن إرادة النسان ،كما جاء في شرح المادية الجدلية .أي على
أساس أن المادة أزلية أبدية ،وأنها هي الخالقة لكل الكون وما فيه من
المخلوقات ،وأن النسان نتاج المادة ،والفكر نتاج المادة ،ووفق قوانين
المادية الجدلية باعتبار أنها وحدها التي تحكم حياة البشر الجتماعية،
فالوضع القتصادي -المادي -هو الذي يكيف شكل الحياة البشرية في
كل طور من أطوارها ،وهو العامل الوحيد الذي يشكل تطورها من
طور إلى طور آخر ،وإذا كان الوضع المادي والقتصادي في تطور دائم
فإن ما ينبثق عنه في تطور دائم كذلك ،فالفكار والمشاعر
والمؤسسات والنظم والخلق والعقائد بحكم ارتباطها بالوضاع
القتصادية وانبثاقها عنها هي كذلك في تطور دائم).(1
والتفسير المادي للتاريخ كما يتناول تفسير التاريخ البشري وتطوراته
يتناول تفسير الدين والقيم والخلق والمعتقدات.
والمادية التاريخية يسميها أنصار الشيوعية هي" :علم الجتماع
العلمي" ،وتهدف كما زعم ماركس إلى جعل علم الجتماع منسجما ً مع
الساس المادي ،وإعادة بنائه على هذا الساس.
ومممما يتقممدم يتممبين أنممه ليممس ثمممة انفصممال بيممن الماديممة الجدليممة
والتاريخية ،وإنما هما تكونان وحدة متماسكة ل انفكاك فيها بيممن حركممة
الطبيعة وحركة المجتمع ،وبتعبير آخر :إن المادية التاريخية هممي تطممبيق
للمادية الجدلية في مجال المجتمع.
نقض أوهام المادية الجدلية والمادية التاريخية:
ل :نقض أوهام المادية الجدلية ،ثم ثانيًا: سنتناول بإيجاز شديد أو ً
أوهام المادية التاريخية.
338
ل :نقض أوهام المادية الجدلية: أو ً
سبق أن بينا أن المادية الجدلية تقوم على قوانين ثلثة هي:
وحدة الضداد والصراع بينها ،وتحول الكم إلى الكيف ،ونفي النفي،
وبيّنا أن المادية تستلزم مقولت منها :المادة أصل الحياة وأساس
الكون ،والمادة أزلية أبدية ،والفكر أو الوعي نتاج المادة.
-1نقض قانون وحدة الضداد والصراع بينها:
تزعم الشيوعية" :أن مصدر التطور في كل شيء إنما هو أضداد
موجودة متزاحمة ضمن الشيء الواحد ،بل ضمن الوحدة الصغيرة
المجتزئة من الشيء -الذرة ،-والعامل المباشر للتطور هو الصراع الذي
يتم بين هذه الضداد ضمن وحدات المادة مهما تكن ضئيلة أم صغيرة،
إن أشياء الطبيعة وظواهرها -تحتوي على تناقضات داخلية ،فالمادة
نفسها تحتوي على جانب سلبي وجانب إيجابي وفيها جميعا ً عناصر
تزول أو تنمو ،والصراع بين هذه الضداد :بين القديم والحديث ،بين ما
يزول وما ينمو ويتطور هو المحتوى الداخلي لعملية التطور وتحول
)(1
الكمية إلى تغيرات كيفية".
إن هذا القانون يقرر أمرين-:
-1وجود الضداد في وحدة ذاتية ،ضمن المادة وأجزاء المادة.
-2تصارع هذه الضداد فيما بينها على نحو يسّير المادة نحو نهجها
الديالكتيكي أي على نحو يجعلها تتطور من كيفية بدائية بسيطة إلى
)(2
قدة ،ثم إلى أخرى أشد تعقيدًا ..وهكذا. كيفية أخرى مع ّ
ولكي نفهم القانون فهما ً جيدًا ،ولكي نبين أيضا ً مدى تهافته أمام
العلم ومسلمات العقل لبد من معرفة المعنى العلمي لكلمتي الضد
والنقيض ،وما المقصود بالضدين والمتناقضين.
معنى الضدين :الضممدان كممل صممفتين ل تشممتركان فممي أي جممزء مممن
أجزاء الماهية -حقيقة الشيء الذاتية -مطلقًا ،ومن شروطهما-:
-1عدم الجتماع معا ً في مكان واحد وفي زمن واحد ،وتحت ظل وحدة
339
من الموضوع والمحمول.
-2قابلية الرتفاع معًا .كالبيض والسود ،فالشيء إما أبيض وإممما أسممود،
وإما ل أسممود ول أبيممض ،كممأن يكممون أزرقما ً أو أحمممرا ً أو غيممر ذلممك مممن
اللوان.
معنى المتناقضين :كل صفتين ل تشتركان في أي جزء من أجزاء
الماهية
مطلقًا ،ومن شروطهما-:
-1عدم الجتماع في مكان واحد وفي زمن واحد.
-2عدم الرتفاع معا ً عن الشيء الواحد .مثل:السالب والموجب،
والحركة والسكون ،والليل والنهار ،والموت والحياة .فالشيء إما حي
وإما ميت ،ول يصح أن يكون ل حي ول ميت ،أو يكون حيا ً أو ميتا ً في
آن واحد).(1
إن قانون الضداد والصراع بينهما متهافت من عدة وجوه ،نكتفي
ببيان بعضها:
أ -إن الدارس للقانون يلحظ مدى جهل أئمة الشيوعية بالمسلمات
العقلية المنطقية ،إنهم يتحدثون عن الضداد وصراعها ثم يخلطون بينها
ن هناك فرقا ً دقيقا ً بين الضدين ن بيّنا أ ّ
وبين المتناقضات .وقد سبق أ ْ
والمتناقضين ،وهذا الخلط الشيوعي بين المسلمات العقلية ثم بناء
مذهب عليه يدعي أصحاب العلمية ل يستقيم بحال؟!
ب -إن الضدين والمتناقضين كما يقرر المنطق ومسلمات العقل التي
ل تقبل المناقشة ،ل يمكن أن يجتمعا معا ً في وحدة مكانية مهما تصغر،
فكيف يجتمعان في أصغر جزئيات المادة كما يزعم القانون الشيوعي،
كما ل يمكن أن يجتمعا في أي آنية زمنية مهما تكن متناهية ،فكيف
اجتمعا معا ً ليتحقق الصراع بينهما؟!
ج– إننا نقر بوجود الضداد والمتناقضات في الكون ،ونسلم بتأثير
أحدهما على الخر ،وهمذا أممر مشاهمد في حياتنما ،فالبرودة تتأثمر
بالحمرارة ،والنفجمار بالضغط ،والسمالب بالموجب ،والجهل
340
بالعملم...ول نقمر اجتماعهمما معا ً في مكان واحد فمي زممن واحد)..(1
ول نقر بأن العلقة بينهما علقة صراع ،والصواب أنها علقة تعاون
وتكامل ليس إل ،فالليل يكمل النهار ،الول مسكن والثاني معاش
وحركة ،قال تعالى) :ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه
والنهار مبصرا ً إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون( سورة النمل:
،86والسالب والموجب يتعاونان في إكمال الدائرة الكهربائية ،ولو
حدث صراع بينهما لما تصورنا ضوء الكهرباء).(2
د -فقول الشيوعية إذن :بأن أصغر جزئيات المادة في أضيق وحدات
الزمان ليس إل ملتقى الضداد المتراكمة المتصارعة ،ل يقبله العقل
الذي يستسلم لقواعد ضبط المعرفة.
لقد أثبت العلم أن الذرة خالية من التناقض الباطني ،وأن
الطبيعة في أشكالها عبارة عن ذرات ،وإذا ثبت ذلك :عرفنا أن الطبيعة
أو المادة ل تنطوي في باطنها على أضداد أو تناقضات مجتمعة معًا ،ول
يدور خللها صراع ،وبذلك لم يعد من الممكن القول بأن حركة المادة
جدلية.
هم– وإذا كانت الشيوعية تتوهم بأن تحول المادة من نوع إلى نوع آخر
هو نتيجة الصراع ،فإن العلم أبطل هذا الوهم ،إذ أثبت أن تحول المادة
إلى تركيبات مختلفة يتم عن طريق اندماج الذرات ،ويتطلب ذرتين
على القل تكون درجة تشبعهما مختلفة لتدمجا ،فتصبح الذرتان ذرة
واحدة من نوع ثالث ..ولبد من التأثير الخارجي ،أي تأثير ذرة على
أخرى لتتم عملية التحول ..وهذا يخالف نظرية الجدلية التي ترى أن
التحول يحدث في الباطن الداخلي للمادة .لقد نفت الشيوعية التأثير
الخارجي لتنفي المؤثر ،وهو الله عّز وجل الذي خلق كل ذرة وكل مادة
في هذا الكون).(3
341
و -أثبت العلم اليوم أن الذرة مركبة ،أي ليست أصغر جزئيات المادة
كما توهم ماركس وإنجلز وغيرهما من أئمة الشيوعية .إن الذرة تتكون
من نواة يحيط بها عدد من اللكترونات تتحرك حولها بسرعة هائلة،
والنواة تتكون من بروتونات ونيوترونات وأجسام أخرى ..اللكترونات
كهارب ذات شحنات سالبة ،والبروتونات كهارب ذات شحنات موجبة،
والنيترون متعادل ،وقوامه برتون وإلكترون متعانقان.
إن الختلف في الظواهر التي نراها في المادة وتركيبها راجع إلى
اختلف فمي عدد وترتيمب اللكترون في ذرات تلمك الممواد ،فمثم ً
ل :إذا
كانت الذرة تحتموي علمى إلكترون واحد هي هيدروجين ،وإذا كانت
تحتوي على اثنين فهي هليوم ،وإذا كانت تحتوي على 36إلكترون فهي
حديد ،وإذا كانت تحتوي على 92إلكترون فهي يورانيوم.
ز -أثبت العلم أيضًا :أن عدد اللكترونات في أي ذرة يساوي تماما ً عدد
البروتونات ،أي الشحنات السالبة تساوي الشحنات الموجبة ،إذا ً ل
وجود للتناقض الباطني ول وجود للصراع داخل الذرة في كل مادة.
وإذا كان يظن أن وجود الشحنتين الكهربائيتين في ذات الشيء إما
أن تتنافرا إذا كانتا من نوع واحد -سالبتان مثل ً أو موجبتان -وإما أن
تتجاذبا إذا كانتا مختلفتين ،فالسالب نقيض الموجب ،فإن هذا الظن قد
أبطله العلم ،الذي أثبت أن هناك مسافة يبطل عندها هذا القانون ،وهي
جزء من ثلثين مليون جزء من السنتيمتر ،أي يعادل⅛ قطر أكبر ذرة.
)(1
وبذلك ثبت أنه ليس داخل الذرة جذب ول تنافر ،أي ل تناقض.
-2نقض قانون تحول الكم إلى كيف:
الكم :هو الظواهر التي تحدد بالوزن أو العدد أو الحجم أو
القياس ..وهو ينقسم إلى كم متصل :وهو ما يحدد بالحجم وأحيانا ً
بالوزن ..وإلى كم منفصل :وهو ما يحدد بالعدد وأحيانا ً بالوزن.
342
الكيف :هو السمات الجوهرية للشيء ،التي ل تخضع لضوابط
العدد والحجم والوزن ،مثل الصلبة والليونية ،والحرارة والبرودة،
)(2
والقوة والضعف ،والبقاء والزوال.
تزعم الشيوعية" :أن التغيرات التي تطرأ على كمية الشيء تؤثر
أخيرا ً في تغّير كيفياته ،فالحجارة التي تتراكم شيئا ً فشيئا ً في مجرى
النهر تتحول عند حد معين من تطورها الكمي إلى كيفية جديدة لم تكن
من قبل ،إذ إنك تنظر فترى ركام الحجارة وقد أصبح سدًا ،والتغير في
الكيفية ل يتحقق بالتدرج تبعا ً لما يتم من التدرج في تغير الكمية ،وإنما
يكون تغّير الكمية بمثابة التهيؤ والعداد لولدة كيفية جديدة منتظرة،
حتى إذا جاءت اللحظة الحاسمة تم التغير الكيفي فجأة وبقفزة ،إل أن
)(2
شكل هذه القفزة تختلف ما بين حالة وأخرى".
يقول ستالين":إن الحركة وعملية النمو في المفهوم الجدلي تعني
النتقال من التحولت الكمية الضئيلة الكامنة إلى تحولت ظاهرة
أساسية ،هي التحولت الكيفية ..وليست هذه التحولت تدريجية بل هي
تحولت سريعة مباغتة ،تحدث بواسطة قفزات من حالة إلى أخرى،
)(3
وهي تحولت ضرورية لنها ثمرة تحولت كمية تدريجية ل نشعر بها".
ولبيان تهافت هذا القانون الحتمي نذكر ما يلي-:
أ-إّنا نسّلم بأن الكم إذا كان متصل ً يتحول إلى كيف ،ولكن ليممس قانون ما ً
حتميًا ،كما زعمممت الشمميوعية ،فممتراكم الحجممارة فممي مجممرى النهممر قممد
تتحول إلى سد إذا اتحدت في كتلة واحدة ،ولكنها قممد تقممف عنممد حممدود
ول فيها.كيفيات بسيطة ل تح ّ
ومن المعلوم أن سائر التحولت الكيميائية ،والقوانين الهندسية،
والطاقات الحياتية ،إنما تخضع لقانون ملزمة الكيف للكم ،ولكن
ما بذاته ،أو عن طريق الصهر والتأليف. بشرط أن يكون الكم متصل ً إ ّ
343
ب -ول نسّلم بأن الكم المنفصل حتما ً يجب أن يتحول إلى كيف ،فالماء
الذي يتحول بخارا ً فوق سطح البحار وتحمله السحب ،ليس حتما ً أن
تحوله السحب بقفزة إلى ماء هاطل ما دام الجو يبث كمية حرارة تتفق
ول إلى ماء إذا واحتفاظ السحب بأبخرتها ،غير أنها سرعان ما تتح ّ
هبطت درجة الحرارة فيها إلى مستوى يسمح لها بأن ُتحيل تلك البخرة
)(1
إلى أمطار هاطلة.
ج -إن القفزة التي يتحدث عنها القانون على أنها السبب في التحول
من حالة إلى حالة أخرى ،ليست حتما ً أن تتجه دائما ً إلى أعلى وأرقى
أي إلى الفضل والتم والكثر فائدة وتعقيدا ً كما يزعم أئمة الماركسية،
بل المر عائد إلى السبب الدافع الذي يقتضي ذلك .فربما جاءت
القفزة إلى المام ،وربما كانت القفزة إلى الخلف ،فمثل ً طاقة النور
أغنى من طاقة الحرارة كما همو معلوم ،ومن السهل أن تتحول ألف
وحدة من طاقمة النمور إلى ألف وحدة حرارية ،وخليا الجسم تتجدد
باستمرار ،ولكن ضمن خط عام يتجه بمجموعه نحو الركود والنسحاق،
وباختصار شديد :إن العلم يؤكد بأن الخط البياني في سير الطبيعة
عمومًا ،إنما هو خط منحدر إلى الدنى ،وليس متصاعدا ً في جملته إلى
)(2
العلى.
د -إن المثلة التي ذكرها أئمة الشيوعية للدللة على تحول الكم إلى
كيف ،حجة عليهم ل لهم ..وبيان ذلك-:
المثال الول:
يقول إنجلز" :الكسجين إذا اتحدت ثلث ذرات منه بدل ً من ذرتين
لتكوين جزيء نحصل على الوزون ،وهو جسم يختلف عن الكسجين
ً )(3
العادي برائحته وتأثيره ،أي يختلف عنه نوعا ً وكيفا".
نقض المثال:
344
ن تصور المادية الجدلية للفرق بين الكسجين والوزون بأنه مجرد إ ّ
فرق رقمي كمي هو خطأ علمي فادح ،فأي طالب مبتدئ في علم
الكيمياء يعرف :أن الفرق بين الكسجين والوزون ليس مجرد فرق
عددي في الذرات ،وإنما هو فرق في التوليف والتشكيل والنظم
والترتيب داخل الجزيء ،وهذه كلها أمور كيفية ،أي هناك أسباب أخرى
)(1
تدخلت في عملية التحول.
المثال الثاني:
يقول الشيوعيون" :الماء بواسطة الحرارة يتحول من حالة
السيولة إلى حالة الغازية ،على أن تغير الحرارة التدريجي بالرتفاع في
درجتها هو تغير كمي ،أي أن كمية الحرارة التي يحتوي عليها الماء
تزداد ،وأن تحول الماء من حالة السيولة إلى حالة الغازية عندما تبلغ
حرارته درجة الغليان يعتبر تحول ً كيفيا ً نوعيًا").(2
نقض المثال:
-1الماء كم من الكموم ،وله كيفيات مختلفة ،منها السيولة ومنها
الغازية ،ففي المثال :تحولت بالتسخين كيفية الماء السيولة إلى كيفية
جديدة هي الغازية )بخار الماء(.
-2إن الحرارة ليست كمًا ،وإنما هي إحدى كيفيات الطاقة ،فليس الكم
هو الذي تحول إلى كيف كما تزعم الشيوعية ،لن الحرارة في ذاتها
ول إلى كيف آخر ،أي حركة تؤدي إلى هي كيفية ،أي إننا أمام كيف تح ّ
حركة ،فالحرارة في تعريفها النهائي هي حركة.
-3إن ماهية الحرارة في ذاتها مجهولة ،ول نملك عنها إل الفروض ،وما
تحدثه الحرارة في جزئيات الماء ل نعرف عنه إل مجموعة فروض
أخرى.
-4إنه من المغالطة القول بأن تراكم الكميات التي تتمثل في تزايد
درجات الحرارة هو الذي وّلد بمجموعة القفزة "حالة التبخر" ،إن الذي
أوجد القفزة هو غليان الماء ،والغليان سبب جديد ظهر بعد أن لم يكن
345
بقطع النظر عن عوامله ،وغليان الماء بحد ذاته كيفية ،وليس مجموعه
سدها مجموعة الدرجات العتبارية لحرارة الماء، كموم متراكمة تج ّ
وتعداد الدرجات الحرارية ليس إل مقياسا ً اعتباريا ً تضبط به الكيفيات
)(1
المتدرجة.
-3نقض قانون نفي النفي:
إن نفي النفي عند الشيوعيين :هو العملية المتكررة المتجددة
وهلك القديم ،أو هو هلك الظواهر التي مضى زمانها لتؤول إلى
حطام ،ثم تحل محلها ظواهر جديدة ،وكل ظاهرة تمر بطور الجدة ثم
الهرم والبلى لتقوم مكانها ظاهرة جديدة أعلى وأرقى ،حتى إن
الظاهرة الجديدة تصبح فيما بعد قديمة بالية يجري نفيها من قبل
ظاهرة أقوى وأكثر جدة وعطاًء ،وهذه العملية تمر في الطبيعة
والمجتمع) .(2وهذا القانون يمتاز -فيما تراه الماركسية -بما يلي:
-1الستمرار الذي ل توّقف له ،فهو دستور التطور الدائم ،ورمز الج ّ
دة
الناسخة لكل قديم ،فما من كيفية إل وهي تحمل في باطنها بذور
نسخها بما هو أتم وأفضل ،عندما تحين اللحظة الطبيعية المناسبة.
-2ليس معنى نسخ القديم أو نفيه من قبل الظاهرة أو الكيفية
الجديدة ،القضاء على عناصره كلها ،بل هو نفي من شأنه الحتفاظ
بأفضل خصائص القديم مع إضافة جديد إليه يطوره ويرقيه.
-3إن عملية نفي النفي ل تسير سيرا ً ميكانيكيا ً مستقيمًا ،بل تسير
بشكل دائري لولبي متصاعد مستمر ،بحيث يرتد نفي النفي إلى
)(3
أطروحته الولى بشكل أغنى وأفضل وأرقى.
نقض القانون:
ن قانون نفي النفي المزعوم ل يقوم على أساس سليم من العلم إ ّ
والحس والواقعية ،إنه قانون تنفيه حقائق الملحظة والتجربة والواقع
346
التي تثبت أن خط الطبيعة في سيرها عمومًا ،إنما هو خط منحدر إلى
الدنى ،وليس متصاعدا ً في جملته إلى العلى وفي بعض الظواهر
الطبيعية وخاصة في عالم النبات نرى أن التصاعد ليس إلى أعلى ،بل
يرتد الشيء في عملية التطور والتصاعد إلى أصله دون إضافة جدية أو
الحصول على تركيب أغنى وأفضل من ذي قبل.
ونذكر هنا بعض المثلة التي تبين المغالطة التي يقوم
عليها قانون نفي النفي.
المثال الول :من عالم الطبيعة:
من المعلوم عند علماء الطبيعة والفلك ،أن مادة الكون الصلدة
ولها إلى إشعاع .ومن المعلوم أن آخذة في النحلل والتلشي أثناء تح ّ
وزن الشمس كان يزيد على ما هي عليه اليوم بآلف الطنان ،وإذا
كانت الشمس هي التي تمد هذه الطبيعة بمعظم عوامل التماسك
والحياة ،فمعنى ذلك :أن الطبيعة عموما ً تسير في منحدر إلى الدنى،
ول تسير في خط تصاعدي إلى العلى والفضل ،كما تزعم
الشيوعية).(1
المثال الثاني :في عالم النسان:
إن الخلية هي وحدة التركيب في جسم النسان ،ول يفتأ نسيج
الخليا أن يقوم بوظيفته ،أي يظل يتأثر بعملية الفناء والتجديد ،ففيه
عناصر تزول وعناصر تنمو وتتجدد ،وتستمر عملية التجديد فيه ،إلى
أجل محدود ،حيث تتقاصر أجهزة الجسم كلها عن أداء وظيفتها،
فتتناقص الحرارة في الجسم ،وتعجز أجهزته عن استخراج الحرارة
اللزمة للجسد والخليا ،وإذا ما انتهى كل شيء فيمه عن أداء وظيفته
التي كان مستمرا ً عليها ممن قبل ،تحقق الموت الذي ل مهرب منه.
فأين نفي النفي هنا ،وأين التصاعد المستمر إلى العلى والفضل كما
)(2
يزعم نظام الديالكتيك الشيوعي.
المثال الثالث :في عالم المواد المشعة:
347
من المعلوم أن ذرات الراديوم وغيره من المواد المشعة تتفكك
بمرور الزمن عليها ،عن طريق إشعاعات نووية ،وتتحول إلى ذرات من
الرصاص أو الهليوم ،وما رأينا أن الرصاص والهليوم قد عاد كل منهما
فتحول ذات يوم -ولو في ذرة واحدة منه -إلى الراديوم ذاته الذي
انحدر منه ،أي لم يعد تصاعديا ً بتركيب جديد أفضل وأغنى ،فالراديوم
)(1
أحسن وأفضل جودة وقيمة من الرصاص.
المثال الرابع :في عالم النبات:
إن المثمال المفضمل فمي نفمي النفمي عنمد إممام الماركسمية إنجلمز
وغيره من أئمة المادية الجدلية :هو مثال حبة الحنطة أو حبة الشعير.
يقول إنجلز :إذا ما صادفت مثل هذه الحبة من الشعير شروطا ً هي
طبيعية بالنسبة إليه ،إذا ما سقطت في تربة مناسبة ،فإنها تجتاز إذن
تحت تأثير الحرارة والرطوبة تحول ً نوعيًا ،فتنتشي ،وعندئذ فإن الحبة
بحد ّ ذاتها تكف عن الوجود ،إنها ُتنفى ،وتظهر في مكانها النبتة التي
نشأت عنها ،وهي نفي الحبة ،ثم تنمو النبتة وتزدهر وتلقح ،وأخيرا ً تنتج
من جديد حبوب الشعير ،ل تكاد هذه الحبوب تنضج حتى تموت الساق،
فهي تنفي بدورها ،لنحصل من جديد بنتيجة هذا النفي للنفي على حبة
الشعير الصلية من جديد ،لكن ل نحصل عليها وحدها ،بل مضاعفة
عشرات المرات).(2
المناقشة-:
ن إنجلز وأصحابه الماركسيين ل يستطيعون تطبيق قانون إ ّ
الديالكتيك في هذا المثال ،لن حبة الشعير -حسب قانون نفي النفي-
الجديدة لبد أن تكون من نوعيمة أجود وأفضل ،وأغنى تركيبًا ،لن
التحول متصاعدا ً في جملته إلى العلى .إن حبات الشعير والحنطة
والرز ونحوها :هي منذ أقدم الزمان إلى اليوم ،ولم تحقق عمليات
الزرع المتلحقة لها إل رجوعا ً دائريا ً إلى أصلها ذاته ،لم تتحول إلى
تركيب جديد أغنى من ذي قبل.
348
وما يقال عن الشعير والقمح ينطبق بذاته على كل أصناف النبات
)(1
والشجار المثمرة.
تلك فقط أمثلة من جملة المثلة الكثيرة جدا ً التي تقطع من الدلة
والبراهين على تهافت القانون الشيوعي ،وعدم صدق المقولت التي
يتبناها الشيوعيون ،والتي يتصورون بموجبها تقلب الشياء والكائنات
في سلم الرقي من مرحلة لخرى إلى أن تبلغ أعلى درجة في الرقي
)(2
والكتمال.
349
على صفحة الجدار ،وكصورة النسان في المرآة إنها مظهر له ليس
غير ذلك وليست ذاته).(1
ج -وإذا سألت ما هو أصل الحياة وما سّرها ؟ فإن الجواب ندعه للعلم،
ل ،ول يمكن أن يصل إليه الذي قرر أن سّر الحياة وأمرها ل يزال مجهو ً
العلم يوما ً ما ،وهذا السر أبعد من أن يكون مجرد بناء نواة عضوية
معينة وظواهر طبيعية وكيميائية خاصة.
د -لقد اجتمع ستة من أئمة علماء الحياة في كل من الشرق والغرب
سنة 1959م في مدينة نيويورك على مائدة مستديرة ،للتعاون في
سبيل فهم شيء عن أصل الحياة ونشأتها على ظهر هذه الرض ،أو
معرفة مدى إمكان إيجاد الحياة عن طريق التفاعل الكيميائي ،وكان
فيهم أستاذ الكيمياء الحيوية بأكاديمية العلوم السوفيتية "ألكسندر
إيفانوفيتش أوبارين".
لقد قرر المؤتمرون في نهاية بحوثهم بالجماع :أن أمر الحياة ل
)(2
ل ،ول مطمع في أن يصل إليه العلم يوما ً ما. يزال مجهو ً
-وفي نفس العام 1959م تناقلت وكالت النباء العالمية ،ومنهمما وكالممة
النباء السوفيتية "تاس" ما يلي:
ن ألكسندر أوبارين رئيس معهد الكيمياء الحيوية في روسيا بعد إ ّ
أن ظل يبحث سبعة وثلثين عاما ً في أصل الحياة ،وفي البحث عما إذا
كان من الممكن إيجاد الخلية الولى عن طريق تفاعل كيميائي ،أعلن
ما يلي" :إن الحياة ل يمكن أن تبدأ من العدم ،أو أن تتوالد من التفاعل
الكيميائي والتوالد الذاتي ،وأن العلم ل يمكن أن يخوض فيما وراء
)(3
حدود المادة".
نقول لئمة الشيوعية إذا كان العلم -كما قرر العلماء
المختصون -لم يعرف سر الحياة وأصلها ،ولن يكون في مقدوره في
يوم من اليام أن يعرف ،فكيف عرفوا هم؟! إذا لم يكن العلم قد دلهم
350
على ذلك أليس من حقنا بأن نحكم بأن الجهمل والتخبط والوهم همو
الذي أرشدهم إلى هذا الضلل والضياع ،وأن استنادهم إلى العلم هو
عمل يتسم بالكذب والدجل لترويج العتقادات اللحادية.
ح أن المادة هي أصل الحياة وينبوع الروح ،لقضى العقل د -إنه لو ص ّ
أن النسان أسبق إلى فهمم المروح وعناصرها من فهم المادة وذراتها
وجزئياتها وكهاربها ،لن العقل يحكمم بأن الذي أدرك الصل للشيء
وحقيقته "المادة" لبد أن يدرك ثمرته وفروعه "الروح" وبجهد أقل...
لن إدراك الفرع أيسر على النسان من إدراك الصل ،فالذي أدرك
ل أجزائها ودخائلها يسهل ذات الشجرة في جذورها وطبيعتها وحّلل ك ّ
عليه إدراك الثمر في أعلى إذا رآه ،والذي ل يفهم الثمار مع أنه فهم
أصله وذاته فليس هو من العقلء ..وإذا كان النسان اليوم ل يفهم شيئا ً
ل ذلك على أن الروح ليست هي عن أصل الحياة -كما قرر العلم -د ّ
الفرع والثمرة للمادة كما تزعم الشيوعية ،بل إن المادة هي من
ثمرات وفروع الروح) .(1وصدق الله تعالى إذ يقول):يسألونك عن الروح
ل( سورة السراء: قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل قلي ً
.85
ولقد صدق "رسل تشارلز آرنست" عالم الحياء والنبات اللماني
سر كيف بدأت الخلية الحية حركتها، عندما قال :يستحيل علينا أن نف ّ
وكيف اتخذت صورتها إل إذا سلمنا عن طريق العقل والمنطق أن وراء
)(2
ذلك قوة الله وحكمته وتدبيره.
351
الشيوعية ،وبيان ذلك:
-1لقد قرر العلماء أن الطاقة تتلشى في يوم ما ،وإذا كانت المادة
وعاء للطاقة ،فمعنى ذلك أن مصير المادة إلى التلشي أي التفكك
والضياع ،إن الشمس أهم مصدر للطاقة كما قرر العلم -فقدت آلف
الطنان من وزنها ،وهي ماضية في هذا الفقد والضياع ..إنه إذا صادف
شعاع الشمس الرض ،فإن ذرات الرض تأخذ حرارته ،وتصبح الرض
مشحونة بالطاقة الحرارية ،وإذا لم يصادف الشعاع مادة ،فإنه لم يقل
أحد حتى اليوم أنه سيتحول بنفسه إلى ذرة مادية.
-2أعلن العلماء :أن قوانين الديناميكا الحرارية قد أخذت تدلهم على
أن لهذا الكون بداية ،ولبمد لمه ممن مبدئ من صمفاته العقمل والرادة
واللنهايمة ،ويجب أن تخالمف طبيعتمه طبيعة المادة التي تتكون من
ذرات تتآلف بدورها من شحنات أو طاقات ،ل يمكن بحال بحكم العلم
)(1
أن تكون أبدية أزلية.
-3يقول أستاذ العلوم الطبيعية في جامعة ميتشيجان المريكية:
"إيرفنج وليام نوبلوتشي"" :فعلم الفلك مثل ً يشير إلى أن لهذا الكون
بداية قديمة ،وأن الكون يسير إلى نهاية محتومة ،وليس مما يتفق مع
العلم أن نعتقد أن هذا الكون أزلي ليس له بداية ،أو أبدي ليس له
)(2
نهاية ،فهو قائم على أساس التغيير."..
-4ومن الدلة العلمية على عدم أزلية الكون ما يعرف بم "قانون
الطاقة المتاحة" الذي أشار إليه عدد من العلماء:
-يقول الستاذ الحجة في علم الحياة:إدوارد لو ثركيسيل":إن العلوم
تثبت بكل وضوح أن هذا الكون ل يمكن أن يكون أزليًا ،فهناك انتقال
حراري مستمر من الجسام الحارة إلى الجسام الباردة ،ول يمكن أن
يحدث العكس بقوة ذاتية ،بحيث تعود الحرارة فترتد من الجسام
الباردة إلى الجسام الحارة ،ومعنى ذلك ،أن الكون يتجه إلى درجة
-1انظر الله يتجلى في عصر العلم لمجموعة من المؤلفين ترجمة د.الدمرداش عبد
المجيد سرحان ص ،51قضايا العصر في ضوء السلم أنور الجندي ص .39
-2الله يتجلى في عصر العلم ص .53
352
تتساوى فيها حرارة جميع الجسام ،وينضب فيها معين الطاقة ،ويومئذ
لن تكون هناك عمليات كيماوية أو طبيعية ،ولن يكون هناك أثر للحياة
نفسها في هذا الكون.
ولما كانت الحياة ل تزال قائمة ،ول تزال العمليات الكيميائية أو
الطبيعية تسير في طريقها فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون ل
يمكن أن يكون أزليًا ،وإل استهلكت طاقته منذ زمن بعيد ،وتوقف كل
نشاط في الوجود.
ويضيف هذا العالم فيقول" :وهكذا أثبتت البحوث العلمية -دون قصد-
أن لهذا الكون بداية ،فأثبتت تلقائيا ً وجود الله ،لن كل شيء ذي بداية
ل يمكن أن يبتدئ بذاته ،ولبد له من مبدئ ،أو من محرك أول ،أو من
)(1
خالق ،هو الله".
-5ويقول:جون كليفلند كوثران من علماء الكيمياء والرياضة
المريكان" :وتدلنا الكيمياء على أن بعض المواد في سبيل الزوال أو
الفناء ،ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة ،والخر بسرعة
ضئيلة ،وعلى ذلك فإن المادة ليست أبدية ،ومعنى ذلك أيضا ً أنها ليست
أزلية ،إذ أن لها بداية .وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم
على أن بداية المادة لم تكن بطيئة أو تدريجية ،بل وجدت بصورة
فجائية ،وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه هذه
المواد ،وعلى ذلك فإن هذا العالم المادي لبد أن يكون مخلوقًا ،وهو
منذ أن خلق يخضع لقوانين كونية محدودة ،ليس لعنصر المصادفة بينها
)(2
مكان".
353
ن الشيوعية إذ تقوم ذلك لم تقدم أي دليل علمي تسنده ،وكل ما إ ّ
استندوا إليه هو دعواهم بأن المادة هي كل ما في الوجود،وهي أصل
كل شيء .ومن المعلوم أن كل دعوى بل دليل علمي تعتبر باطلة ،بل
هي أقرب إلى الوهم أو الخيال منه إلى الظن فضل ً عن العلم ،ومع
ذلك يمكننا رد الدعوى الشيوعية بما يلي:
-1من المفروض حسب مزاعم الشيوعية أن يتمتع الحوت بذكاء يفوق
ذكاء النمل بمليين المرات بالنظر إلى كبر حجم مخه عن حجم مخ
النملة ،بل يفوق ذكاء النسان لن حجم مخه يفوق حجم مخ النسان
بثلثة أضعاف تقريبًا.
-2إن في الجسم مواد عالية التنظيم وبصورة أسمى كالجملة العصبية
أو المخيخ أو نياط القلب ،أو حدقة العين ،فلماذا المخ من دونها ،ثم من
أين جاء التنظيم العالي للمخ ،من الذي نظمه ،إذا كان ثمة تنظيم فلبد
من المنظم الفاعل.
-3لو كان الفكر نتاج نشاط الدماغ فقط ،لوجب التسليم بأن هذا
النشاط يستفرغ ويستهلك من جسم صاحبه وطاقاته كل ما يستهلكه
أي نشاط مماثل ،ولقد نفى العلم كون عملية التفكير تستنفذ أي نشاط
من شأنه أن تستنفذه الوظائف الجسمية الخرى.
-4إننا نشاهد قوة التفكير ونضجه مع ضعف الجسم وكلله في حالة
الكبر ،وهذا ينقض الدعوى بأن التفكير وظيفة الدماغ .إن المخ آلة
النفس في التفكير أو شرط فيه ،ولبد من وجود العقل أو الروح،
وعندما يقال :إن الفكر عمل العقل مرتبط بالمخ ومفتقر إليه ،افتقار
الفعل بآلية ،وليس افتقار الشيء إلى علته ومصدره كما تتوهم
)(1
الماركسية.
.88-87
354
ثانيًا :نقض أوهام المادية التاريخية:
يمكن نقض التفسير المادي للتاريخ من عدة جوانب ،ونكتفي هنا
ببعضها ،على الوجه التالي:
ل :خطأ القول بحتمية العامل القتصادي: أو ً
يتوهم الماركسيون أن العامل القتصادي هو العامل الوحيد الذي
يؤلف سببا ً أساسيا ً يكمن خلف كل التغيرات سواء كانت سياسية أم
اجتماعية أم نفسية أم دينية ،إنها المحرك الساس للفراد والجماعات،
وأن كل تغيير يحدث إنما هو نتيجة حتمية لتغير وسائل النتاج.
ولبيان مدى تهافت هذه الوهام الشيوعية نذكر التي-:
-1إن وسائل النتاج التي تكيف المجتمع -كما تزعم الشيوعية -في
أمريكا الرأسمالية هي نفسها وسائل النتاج في روسيا الشيوعية ،ومع
ذلك فإن استخدامها في روسيا لم يفرض عليها أن تكون رأسمالية ،بل
إن روسيا لم تستخدم هذه الوسائل إل بعد أن تحولت إلى الشيوعية،
)(1
حيث كانت روسيا دولة زراعية متخلفة صناعياً.
-2كان ماركس يعتقد انطلقا ً من مبدأ الجبرية القتصادية أن الشيوعية
ستقوم أول ً في إنجلترا ،ومنها إلى بقية دول أوربا ،ولكن خاب اعتقاده
لفساد فكره ،فظهرت الشيوعية أول ً في روسيا التي لم تستكمل نموها
الرأسمالي ،إنما كانت بلدا ً زراعيا ً متأخرا ً) ،(2وتأخرت الشيوعية عن
الظهور في إنجلترا مع أنها استكملت نموها القتصادي الرأسمالي منذ
)(3
أيام ماركس.
-3لقد أثبت كثير من المؤرخين والقتصاديين مجافاة الوهم الشيوعي
للعلم ،ومن هؤلء "ماكس فيبر" في كتابه )البحوث الدينية والجتماعية(
لم تظهممر الشمميوعية فممي روسمميا وفممق قمموانين الماديممة الجدليممة المفممتراة ،ولكممن 2
ظهرت وفق المخطط الصهيوني الممذي كممان وراء الثممورة الشمميوعية سممنة 1917م،
انظر ص 253من هذا الكتاب.
انظر تهافت الفكر الماركسي ص .149 3
355
الذي نقض الزعم الماركسي بأن القتصاد أساس الحياة النسانية من
جميع اتجاهاتها ،وذلك من عدة وجوه-:
-إن الدين عند الهنود والصينيين واليهود لم يقم على أساس اقتصادي
كما حاول ماركس أن يشرح كل شيء في الوجود ،حتى الدين والخلق
ن الفكرة الدينية وحدها في هذه الديان الثلثة هي التي حددت والفكر،إ ّ
البناء الجتماعي لشعوب هذه الديان.
-إن التفكير الكنسي كان له تأثير على المجتمع القتصادي في القرون
الوسطى.
-إن الرأسمالية المعاصرة قامت على اليديولوجية الخاصة والتعاليم
التي قال بها "كلفن" ،وتحت تأثير أصحاب النزعة الخاصة في
المسيحية من البروتستانت في إنجلترا منذ القرن السادس عشر،
وليست الرأسمالية هي التي أودت هذه اليديولوجية.
-هل يمكن أن تكون الحقائق الرياضية والمنطقية تابعة لسس مادية أو
اقتصادية ؟! إنه من المستحيل ذلك ،لن الحقائق الرياضية والمنطقية
هي في كل عصر ،وتحت كل ظرف.
-إذا كان العامل القتصادي هو المؤثر في إحداث التاريخ ،وأن النسان
ل إرادة له أمامها ،فكيف استطاع كارل ماركس-وهو وليد النظام
الرأسمالي-أن يفكر ضد العوامل القتصادية السائدة في عصره ،فهل
)(1
صعد إلى القمر لكي يبحث في أحوال الرض.
-4أثبت العلم أنه ل يوجد عامل واحد في ميدان الظواهر الجتماعية،
إنما هناك عوامل عدة تؤثر في بعضها تأثيرات متقابلة ،فالعامل
الجوهري اليوم يمكن أن يصبح عامل ً ثانويا ً غدا ً).(2
-5إن أقوى رد على مزاعم الشيوعيين هو اعتراف إنجلز زميل
ماركس ومؤسس المذهب الشيوعي معه ،بأنه هو وماركس بالغا في
تقدير العامل القتصادي.
356
كتب إنجلز في رسالته إلى جوزيف بلوخ في 22أيلول سنة
1890م-أي قبل وفاته بخمس سنوات -ما يلي :ينبغي علينا ،ماركس
وأنا ،أن نتحمل جزئيا ً مسؤولية كون بعض الشبان يعلقون في بعض
الحيان وزنا ً أكبر مما ينبغي للعامل القتصادي ،ولقد اضطررنا إلى
تأكيد صفة المركزية في معارضتنا للخصوم الذين كانوا ينكرونه ،ولم
نجد الوقت ول المكان ول المناسبة لنصاف العوامل الخرى في
الحركة التاريخية).(1
-6إن التاريخ البشري حافل بالحداث والمواقف التي تهمل العامل
القتصادي مطلقًا ،فالدعوة السلمية ليس للعوامل القتصادية فيها أثر،
والفتوحات السلمية في عهد الخلفاء الراشدين ،وانتشار السلم في
أنحاء المعمورة على يد المسلمين المخلصين لعقيدتهم ليس للعامل
القتصادي فيه أثر ،إن العامل الوحيد في ذلك هو ابتغاء القوم رضا الله
تعالى ،والحرص على جنته ،وإعلء كلمة الله في الرض.
ثانيًا :الموقف الشيوعي من السرة:
إن السرة كما تقرر الشيوعية هي مؤسسة برجوازية ومصلحة
اقتصادية ،نشأت من اعتماد المرأة في معيشتها وإعالتها على الرجل
الذي يملك وسائل النتاج ،ويفرض على المرأة تبعا ً لذلك أن تكون له
وحده دون شريك ،وليست السرة حاجة نفسية متأصلة في نفس
الرجل والمرأة على السواء).(2
يقول إنجلز":الرجل في العائلة هو البرجوازي ،بينما المرأة تمثل
البروليتاريا..وإن الشرط الول لتحرر المرأة هو عودة جنس المرأة إلى
النتاج الجتماعي ،المر الذي يتطلب بدوره زوال العائلة الفردية،
)(3
بوصفها وحدة اقتصادية في المجتمع".
ولقد دعت الشيوعية إلى مشاعية النساء ،بمعنى أن المرأة لكل
357
رجل ،وليس هناك شيء اسمه شرف العذارى وحشمة النساء على حد
تعبير إنجلز نفسه) .(1والولد يجب أن تؤول تربيتهم للمجتمع في ظل
غياب السرة وزوالها ،فالسرة ليس لها أية قداسة ،فكل القداسات
)(2
زائفة كما صّرح الزعيم الشيوعي ستالين.
لماذا العداء الشيوعي للسرة ؟
ن الشيوعية تعادي السرة للسباب التالية: إ ّ
-1لنه في وجود السرة توجد ملكية خاصة ،وهذا ما ل تؤمن به
الشيوعية.
-2في ظل السرة يتربى البناء على الفضيلة والخلق ،وقد يتربون
على القيم والعقائد والفكار الدينية الصحيحية ،وهذا كله ما تخشاه
الشيوعية التي تريد من الجميع أن يؤمن بفلسفتها اللحادية دون عائق
من السرة أو الدين أو غير ذلك.
-3في السرة ولء الزوجة والولد للب المعيل ،والشيوعية تريد الولء
خالصا ً لها وللحزب الشيوعي الحاكم ،وللزعيم المتربع على سدة
الحكم والسلطة الدكتاتورية.
-4في السرة يتمتع الجميع بالطمأنينة ويشعرون بالسعادة والمودة.
وصراع الطبقات بين أفراد المجتمع ،والحقد والضغينة والثورات ل
يناسبها ذلك.
إن محاربة الشيوعية للسرة لن يكتب لها النجاح لن السرة فطرة
بشرية ،وقضية نفسية ،وضرورة من ضرورات الحياة النسانية ،ومن
دعائم الحضارة النسانية ،ولن يوجد مجتمع إنساني مهما كانت ديانته أو
عقائده ينادي عقلؤه بإلغاء السرة.
358
ثالثًا :الموقف الشيوعي من الدين:
إن اعتبار الشيوعية المادة أساس الكون وأصل الحياة ،وزعمهم بأنها
أزلية أبدية جعلها تنكر وجود الله تعالى ،وتنكر كل الغيبيات الخرى التي
)(3
جاءت بها العقيدة السلمية ،وننقل أقوال أئمة الشيوعية في ذلك:
-يقول ماركس:ل إله والحياة مادة .وقال عن الدين:إّنه نفثة المخلوق
المضطهد ،وشعوره بالدنيا التي ل قلب لها ،إنه أفيون الشعوب.
-يقول إنجلز:تكمن أصول الديانة في النظريات المحدودة الجاهلة التي
تنشأ في حالة الهمجية.
-ويقممول لينيممن :ليممس صممحيحا ً أن اللممه هممو الممذي ينظممم الكمموان ،إنممما
الصحيح هو أن الله فكمرة خرافية اختلقها النسمان ليبرر عجزه ،وبهمممذا
فإن كل شخص يدافع عمن فكمرة الله ،إنما هممو شممخص جاهممل وعمماجز.
وقال:إن الخلق الشمميوعية ليسممت مسمتمدة ممن وصمايا إلهيممة ،لننما ل
نؤمن بالله.
م معادية للدين، -وقال لينين أيضًا :الماركسية هي الدين ،وهي من ث ّ
واللحاد جزء طبيعي من الماركسية ل ينفصل عنها ،وأن البحث عن الله
ل فائدة منه ،ومن العبث البحث عن شيء لم يخبأ ،وبدون أن تزرع ل
تستطيع أن تحصد ،وليس لك إله لنك لم تخلقه بعد ،واللهة ل يبحث
عنها ،وإنما تخلق.
-وقال ستالين :يجب أن يكون مفهوما ً أن الدين خرافة ..وأن فكرة
الله خرافة ..وأن اللحاد مذهبنا ،ونحن نؤمن بأن اليمان بالدين يعرقل
تقدمنا ..ول نريد أن نجعل الدين يسيطر علينا ،لننا ل نريد أن نكون
سكارى.
359
-لقد نشرت الصحف الروسية الرسمية في أعدادها أكثر من مرة
القوال اللحادية التي تبين الموقف العدائي من فكرة اللوهية ومن
الدين ،ومن ذلك:
-قول صحيفة برافدا :نحن نؤمن بثلثة أشياء :كارل ماركس ،لينين،
ستالين ،ول نؤمن بثلثة :الله ،الدين ،الملكية الخاصة.
-قول صحيفة "سوفتسكيا برافدا" :إن العتقاد بالله هو تراث القدامى
الجهلة.
-إن الشيوعية ترى أن الدين خرافة ،وهو جهل نشأ من جهل النسان
وعجزه أمام قوى الطبيعة وسطوة القوياء ،وهو تفسير خاطئ ،وهو
من بقية النظم البالية ،ويعتبر لونا ً من ألوان الخداع صنعه بعض البشر
)(1
لستغلل كل الناس ،وخاصة الطبقة الكادحة.
360
يدعو إلى المحبة والمساواة النسانية ،ويضمن للفرد حريته وكرامته،
وتشريعاته قائمة على العدل والرحمة ،وهو يحث أتباعه على عدم
الستسلم للظلم والظالمين ،ولقد حارب السلم الخرافات
ث فيه على طلب العلم واحترام العلماء. والساطير ،في الوقت الذي ح ّ
إن السلم يعني الخضوع فقط لله تعالى وحده ،ول يسمح لحد من
أتباعه أن يتلقى التوجيهات والوامر من البشر إذا كانت بعيدة عن منهج
السلم ،وليس في السلم رجال دين ،ول وسطاء بين النسان وربه
تعالى .ولقد حارب السلم الفقر وسد الطرق المؤدية إليه ،وحث
المسلمين على السعي في طلب المعاش وتحصيل الرزق.
-4إن الدين للنسان تماما ً كالطعام للجسد ،فالغذاء أساسي لبقاء
النسان ..ول تخلو أطعمة الناس في تاريخهم القديم والحديث من
أنواع من الطعمة الفاسدة والضارة ..فهل يستطيع أحد من العقلء أن
يطالب النسانية بالتخلي عن طلب الغذاء أو ترك أحد الطعمة..وكذلك
الديان ،فهناك أديان باطلة تحتوي على الخرافات ،وتسوغ لرجالها
الظلم والضطهاد ،وهناك الدين الحق الذي ليس كذلك ،فكيف يحق
للشيوعية أن تطالب النسانية بالتخلي عن الدين كله؟).(1
-5إن التدين فطري ثابت في النفوس ،ولن يستطيع إنسان أن يعيش
بمعزل عن فطرته التي فطرها الله تعالى عليها ،والتوحيد هو أصل
التدين ،بينما الشرك أمر طارئ على النفس وله أسبابه من خارج
النفس ،والقول بأن الدين مخترع هو وهم وخداع ،وليس له ما يدعمه
علما ً وعقل ً وفطرة ،إنه قول باطل وهو تضليل وخداع القصد منه هدم
م تدمير البشرية أو استعبادها لصالح المخطط اليهودي الديان ،ومن ث ّ
الذي تحدثت عنه برتوكولت حكماء صهيون ،والمذهب الشيوعي
اللحادي واحد من هذه المخططات اليهودية.
ن الشيوعية تزعم أنها تفّر من الدين فرارا ً من الظلم والضطهاد،-6إ ّ
وفرارا ً من الوهام والخرافات ،ولكنا نراها وقعت فيما هربت منه،
فالمادة هي المألوه ،والمذهب الشيوعي بما يحتوي من الوهام
361
والضللت والمناقضات للعلم ومسلمات العقل هو الدين ،وماركس
وإنجلز ولينين هم النبياء الدجاجلة ،ورجال الحزب الحاكم في
المجتمعات الشيوعية هم كهنة هذا الدين ورجاله وحراسه ،ولقد
مارسوا من الظلم والبشاعة والقتل أضعاف ما مارسه رجال الدين في
أوربا .وإذا كان حال الشيوعية هو ذاك أفل يحق للبشرية أن تكفر
بالشيوعية وأن تبحث عن دين غيره يحررها من الخرافات والوهام
ويمنحها السعادة والطمأنينة ،ويخلصها من الظلم والضطهاد الشيوعي.
-7إن الماركسية هي الجدر بأن توصف بأنها أفيون الشعوب ،لنها ترفع
عن الضمير شعوره بالمسؤولية ،وتغريه بالتطاول والبذاءة على
العظماء وذوي القدار .إن الماركسية تروج بين الذين يسقطون التبعة
والمسؤولية عن أنفسهم ،ويلقون أوزار الجرائم والرذائل على
المجتمع .إن الماركسيين يتحدثون عن المذهب العلمي ،أو التفسير
العلمي للتاريخ،ويكثرون من ذكر العلم والبحث والستقراء ،ثم إنك
تنظر فيمن تستهويهم بهذا الهراء ،فل ترى أحدا ً منهم يحفل بالعلم ،أو
يعنيه أمر المعرفة والستقراء ،إنهم يندفعون فقط بغرائزهم اندفاع
السائمة على غير هدى.
إن الماركسية أفيون الشعب بل مراء ،وكلما بحثت عن سبب
صالح لشيوع المسكرات في بيئة من البيئات ،فاعلم أنه سبب صالح
كذلك لشيوع المذاهب الهدامة ،فالسكران تبدو عليه نفس أعراض
أصحاب المذاهب الهدامة :إسقاط التبعية والمسؤولية ،وخلع الحياء،
)(1
والتطاول والبذاءة على كل محسود ،وإن لم يكن من الغنياء.
ومما يبرهن أن السلم لم يكن مخدرا ً في يوم من اليام:
الفتوحات والغزوات السلمية قديمًا ،ثم الثورات السلمية المعاصرة
التي وقفت في وجه الستعمار الرأسمالي والشيوعي واليهودي ،وهي
ثورات كان الدين وحده هو المحّرك لها ،لنه يأمر أتباعه بجهاد الكفار
وقتالهم وعدم الستسلم والخضوع لهم.
-8إن مما يبين تهافت الموقف الشيوعي من الديان أنه عقب سقوط
362
الشيوعية وانهيار التحماد السوفيتي قبل عدة سمنين ،عماد سمكان
المبراطورية الشميوعية إلى معتقداتهمم التمي كانوا عليها قبمل فرض
الشيوعية بالدم والحديمد والنار ،فرأينما شعوبا ً كاملة تعود إلى السلم،
وأخرى إلى النصرانية ،وعاد الشيوعيون يتجرعون مرارة وهم الخيبة
والسقوط يدافعون عن صنم لينين في الساحة الحمراء بموسكو ،ولو
كانوا من أصحاب العقول والنصاف لسقطوه ،كما سقطت أفكاره،
وتهاوت أضاليله.
محاربة الشيوعية للسلم:
يقول عباس محمود العقاد" :إن عداوة الشيوعية للسلم عداوات
متكررة ،وليست بعداوة واحدة .فإنها تعاديه معاداة الخوف من
منافسته في تنظيم المجتمع على قواعده وأحكامه ،وتعاديه معاداة
الحاكم الروسي للمحكوم المطموع في ماله واستقلله ،وتعاديه أخيرا ً
معاداة الشعور بالخطر والفلس على أثر إخفاق التجارب الماركسية
واحدة بعد الخرى خلل السنوات الخيرة").(1
إن أصناف الضطهاد وألوان القمع ،وعمليات القتل والتطهير التي
تعرض لها المسلمون في ظل الدول الشيوعية لم تعرف البشرية في
تاريخها الطويل مثله ،ولن تعرف ما هو أقل منه.
ويمكن إيجاز محاربة الشيوعية للسلم والمسلمين في النقاط
التالية)-:(2
-1المذابح الجماعية وعمليات القتل العشوائية التي استهدفت مليين
المسلمين ،فلقد ثبت بالحصائيات الروسية وحدها أن عدد المسلمين
363
الذين قتلهم ستالين أحد عشر ) (11مليونًا .والذين أبادهم تيتو في
يوغوسلفيا بعد الحرب العالمية الثانية أكثر من مليون مسلم .وأما
المسلمون الذين قتلوا في روسيا بعد قيام الثورة الشيوعية سنة
1917فأعدادهم بالمليين ،إذ أصدر لينين في نيسان سنة 1918م
أوامره للجيش الحمر بالزحف على بلد المسلمين ،فحصدت الدبابات
والطائرات الناس حصدًا ،وقامت الحكومية الصينية الشيوعية خلل ربع
قرن بقتل عدة مليين من المسلمين ،وتعذيب مئات اللوف منهم
بوسائل تقشمعر ممن همول تصورها البمدان .وفمي كمبوديما ارتكمب
الشيوعيون مجازر جماعية منظمة ضد المسلمين ،وفي أفغانستان
المسلمين قتلت الشيوعية ما يزيد عن مليون مسلم عدا عشرات
اللف من الجرحى والمعاقين ،وهدمت عشرات آلف البيوت
والمدارس والمساجد.
-2تجريد المسلمين من أملكهم وثرواتهم ،وهدم مساجدهم ومعاهدهم
الدينية ،وتحويل العدد الذي تبقى إلى متاحف ،وأندية ،ومقاهي ،ودور
لهو وعربدة ،وإسطبلت للخيل ،وحظائر للماشية.
-3قتل علماء المسلمين ،ففي سنة 1917م كان عددهم -فيما عدا
بخارى وخيوه -ل يقل عن ،45339وفي سنة 1955م أصبح عددهم
،8052والحكم على كثير منهم بالشغال الشاقة ،وما فعلوه في
العلماء فعلوا نفسه في زعماء المسلمين السياسيين.
-4نفي مليين من المسلمين من أوطان آبائهم وأجدادهم إلى سيبيريا،
أو إلى مناطق أخرى ل يجدون فيها إل الذل والفقر والجوع والتشرد،
ونتج عن ذلك وقوع مجاعات هلك فيها مليين من المسلمين
المنكوبين ،ومن يرفض الطرد من أرضه تعّرض للقتل على أيدي
الشيوعيين الكفرة ،وفي يوغسلفيا تم تقطيع التجمعات السلمية إلى
أوصال مشتتة ودمجها ضمن المناطق الصربية والكرواتية بعيدا ً عن
أرضهم وممتلكاتهم وأموالهم.
-5منع التعليم الديني للمسلمين ،وإحراق المصاحف وكتب العلوم
الشرعية ،ومحاكمة أي شخص يقتني شيئا ً منها.
364
-6اغتصاب الحرائر المسلمات وهتك أعراضهن بصورة لم تعرف
البشرية أشد منها بشاعة.
-7بعد استيلء الشيوعيين على الحكم في روسيا ويوغسلفيا وألبانيا
وأفغانستان والصين قاموا بفرض اللحاد والكفر والفجور على
المسلمين ،وأجبروهم على ترك تراثهم وترك أوطانهم وقطع صلتهم
بالمة المسلمة ،والشعوب المسلمة خارج الدول الشيوعية.
365
إن الدلة والشواهد والبراهين التي تثبت دور اليهودية العالمية في
المذهب الشيوعي والثورة البلشفية عام 1917م تمل مئات
الصفحات).(2
ونذكر هنا بعض الحقائق والشواهد عن علقة الصهيونية العالمية
بالشيوعية والثورة البلشفية سنة 1917م.
ل :لقد ثبت أن موسى هس رائد الفكر الصهيوني الحديث ،صاحب أو ً
كتاب "روما والقدس" الذي ألفه سنة 1862م كان أستاذا ً لكل من
مؤسس الصهيونية الحديثة هرتزل ،ومؤسس الشيوعية كارل ماركس،
فالول تلقى عنه الفكر الصهيوني الذي أودعه في كتابه "الدولة
اليهودية" ،والثاني تلقى عنه المبادئ الشتراكية .وكان موسى هس
صديقا ً حميما ً للرجل الثاني في المذهب الشيوعي فردريك إنجلز ،وكانا
سويا ً يعقدان الجتماعات للطبقة العاملة بغرض استمالتهم للشيوعية،
وتأسيس المنظمات الثورية.
ولقد ثبت أن حركة النورانيين الماسونية اليهودية ومقرها لندن ،قد
طلبت من إنجلز وماركس وضع المبادئ والسس للمذهب الشيوعي
اللحادي).(2
يقول روبرت وليامز في كتابه" :اليهود في أمريكا"" :الصهيونية هي
صنو الشميوعية وحاميتهما ،ومرضعتها ،وكلتاهما تهدف إلى إشعال ثورة
ذت في عالميمة ،والشميوعية التي وضعها يهودي عريق هو ماركس ،ونف ّ
روسيا بفضل اليهود هي من نتاج العقل اليهودي").(3
انظر في ذلك:الصهيونية والشيوعية فرانك ل .بريتون ،حقيقة الشيوعية عمدد مممن 2
366
ثانيًا :إن الثورة الشيوعية في روسيا سنة 1917م قامت بتوجيه ودعم
وتمويل يهودي ،والذين قادوا الثورة وتّزعموها وأعلنوها ثم حكموا
روسيا بعدها كانوا يهودًا ،وقد اعترفت الصهيونية بذلك ،فمجلة
"أفريكان هيبرو" وهي من كبريات المجلت الصهيونية في أمريكا تقرر
في عددها الصادر يوم 10سبتمبر 1920م ذلك ،وتضيف بأن اليهود
كانوا يهدفون من تدبير الثورة الشيوعية خلق نظام جديد للعالم ،وأن
ما تحقق في روسيا كان بفضل العقلية اليهودية ،وأن الشيوعية سوف
تعم العالم بسواعد اليهود).(1
ولقد عمل اليهود زعماء الثورة الشيوعية على أن يحتفظ السكان
اليهود في روسيا بقوميتهم ضمن الشيوعية ،وأن تكون لهم دائرة خاصة
لدراسة الصهيونية ورعايتها ،وسمحوا بتدريس الصهيونية لليهود
)(2
الشيوعيين أنفسهم.
ثالثًا :الشيوعية وبرتوكولت حكماء صهيون:
ن الدارس للمذهب الشيوعي من حيث وسائله وأهدافه يدرك إ ّ
وبدون عناء أن هذا المذهب هو نتاج العقلية اليهودية التي اجتمعت في
بازل بسويسرا عام 1887م والذي أسفر عن وضع المخطط اليهودي
لتدمير البشرية ،وقد عرف هذا المخطط باسم برتوكولت صهيون،
ومن الجدير ذكره هنا أن زعيم الثورة البلشفية فلدمير ديمتروف
المشهور بلينين كان واحدا ً من هؤلء الحكماء الذين حضروا تلك
الجتماعات ،وقد اعترف بذلك حاييم وايزمن الزعيم الصهيوني
المشهور في مذكراته.
وهذه مقارنة بين الشيوعية وبروتوكولت صهيون:
-1السيادة على العالم والسيطرة عليه:
من المعلوم أن الحركة الشيوعية حركة أممية تهدف إلى غزو العالم
والسيطرة عليه عبر قيام الثورات الدموية في كل بلدان العالم ،وقد
كشفت الشيوعية عن هذا الهمدف في البيان الشيوعي المشهور ،يقول
367
ماركس" :أمامكم العالم وعليكم أن تكسمبوه" .ويقول دجيلس نائب
الرئيس اليوغسلفي الشيوعي السابق تيتو" :إن النزعة الشيوعية
السوفيتية تتجه منذ أيام ستالين حتى اليوم إلى فرض نظامها على
)(1
العالم وتقسيمه حسب مصالحها".
وفكرة السيطرة على العالم طغت على العقلية اليهودية منذ
القديم لعتقادهم بأنهم شعب الله المختار ،وأن غيرهم من الناس قد
خلقوا للتسخير في خدمة بني إسرائيل :جاء في البرتوكول الخامس
من برتوكولت حكماء صهيون :لقد أخبرنا أنبياؤنا :أن الله نفسه اختار
اليهود ليحكموا الرض كلها ،ولقد منحنا الله العبقرية كي نكون قادرين
على القيام بهذه المهمة .سنقهر كل قوى الحكم المعادية لنا في كل
أنحاء العالم ،وذلك بإقامة الحكومة العليا العالمية التي سنضعها مكان
الحكومات القائمة ،وتحت إمرتها سيكون نظام ذو مواصفات يستحيل
معها أن يحدث فشل في إخضاع كل أقطار العالم).(2
-2الكفر بالديان ومحاربتها ونشر اللحاد:
الشيوعية تنكر وجود الله ،ومن أسسها الفكرية ما قاله ماركس :ل
إله والحياة مادة ،وقد قامت الثورة البلشفية بحملة اضطهاد شديدة
ضد المسلمين والنصارى ،وخاصة في عهد ستالين الزعيم الثاني للثورة
الشيوعية.
-جاء في البرتوكول الرابع :يجب علينا أن ننتزع فكرة الله ذاتها من
عقول الميين )غير اليهود( ونضع مكانها عمليات حسابية ورغبات
مادية.
-وجاء في البرتوكول الرابع عشر :من الضروري لنا أن نمحق عقائد
الديان الخرى ،ولو أفضى محقنا للديان الخرى إلى شيوع وتفشي
حالة اللحاد ...إن فلسفتنا سيناقشون كل عيوب ومثالب مختلف
368
العقائد للشعوب الخرى ،ولن يتطرقوا إلى مناقشة عقيدتنا اليهودية ول
المبادئ التي نؤمن نحن بها).(1
-3استخدام أساليب العنف الوحشية والتوسل بالخداع
والتضليل والكذب:
تلجممأ الشمميوعية إلممى الوسممائل الدمويممة والعنممف والقسمموة
والوحشممية للوصممول إلممى تحقيممق أهممدافها .يقممول سممتالين":إنكممم ل
تستطيعون الهرب مممن الكمموارث الطبيعيممة كممالزلزل والعواصممف الممتي
تقتل المليين ،فتقبلونهمما صمماغرين ،فكيممف ل تقبلممون عمليممات التطهيممر
الممتي تقمموم بهمما السمملطات الشمميوعية للحفمماظ علممى هممذا المبممدأ الممذي
سيقدم إليكم الخير".
ويقول لينين":يجب على المناضل الشيوعي الحق ،أن يتمرس
بشتى ضروب الخداع والغش والتضليل ،فالكفاح من أجل الشيوعية
يبارك كل وسيلة تحقق
)(2
الشيوعية".
-جاء في البرتوكول الصهيوني الول :إن أفضل الطرق لحكم العداد
الكثر من الناس هي الطرق التي تعتمد على العنف والبطش
والرهاب ...يجب علينا أل نتردد في استخدام الغش والرشوة ،وأل
)(3
نأنف من الخيانة عندما تقربنا من بلوغ هدفنا....
-وجاء في البرتوكول السابع :لكي ننجح في أعمالنا يجب أن نعمد إلى
أساليب المكر والدهاء...ولكي تظهر قوتنا لواحدة من الحكومة الممية
)(4
في أوربا لبد من المحاولت الرهابية التي ل قبل لها بها.
ن الماسونية العالمية التي يقودها اليهود هي التي طلبت من رابعًا:إ ّ
محافلها وعناصرها إنشاء وتدعيم الحركة الشيوعية والترويج لها في
أنحاء المعمورة ،ومن شواهد ذلك:
369
-ما جاء في بيان المشرق العظم الفرنسي الماسوني لعام 1904م
صفحة 237ما يلي":إن الماركسية واللقومية هما وليدتا الماسونية،
سْيها كارل ماركس وإنجلز هما من ماسونيي الدرجة الحادية لن مؤس َ
والثلثين ،ومن منتسبي المحفل النجليزي ،وإنهما كانا من الذين أداروا
)(1
الماسونية السرية ،وبفضلهما أصدر البيان الشيوعي المشهور."..
-جاء في مجلة أكاسيا الماسونية عام 1903م ما يلي":إن الماسونية
التي هيأت الجو لثورة 1789م-الثورة الفرنسية-عليها الن أن تهيئ
الجو للثورة الماركسية ،وعلى الماسونيين أن يعملوا بالشتراك مع
)(2
العمال ...وباجتماع هاتين القوتين يتولد الضطراب الجتماعي".
-عقد المحفل المريكي الماسوني الكوني الذي يديره اليهود العظام
مؤتمرا ً قرر فيه أن يقوم خمسة يهود من أصحاب المليين بإنفاق مليار
)(3
دولر لثارة الثورة في روسيا القيصرية.
-أعلنت المجلة اللمانية الماسونية "لتونيا" فرحها واستبشارها بانتشار
الشتراكية في مقال لها بتاريخ 12تموز سنة 1894م وقالت :إن
الماسونية قد وجدت في المبادئ الشتراكية خير معوان لها فلبد لنا
من معاضدتها").(4
خامسًا :إن الحكومة الشيوعية الولى التي تولت حكم روسيا عام
1917م أقرت إنشاء دولة يهودية في فلسطين ،وكانت روسيا الدولة
الولى -أي قبل بريطانيا صاحبة وعد بلفور -التي تصدر قرارين لصالح
اليهود-:
القرار الول :صدر في السبوع الول لحكم لينين سنة 1917م ،جاء
فيه :أن العداء لليهود جريمة يعاقب عليها القانون.
370
القرار الثاني :جاء تنفيذا ً لتفاق لينين -وايزمن الموقع بينهما سنة
1916م ورد فيه :إن الحكومة البلشفية برئاسة لينين تعلن تأييدها
)(1
الكامل لحق اليهود في وطن قومي لهم في فلسطين.
ولقد كتب لينين إلى وايزمان يقول" :على نجاح الثورة في روسيا
يتوقف تحرير اليهود من كابوس ملوك أوربا وحكامها الرجعيين،
ورفعهم إلى أسمى مراتب الدولة ،وسوف تحقق الثورة للشعب
اليهودي المشتت أمانيه ،وبعد أن تزول القيصرية وكنيستها في روسيا
تقام الدولة الماركسية الشتراكية على السس التي خطط لها لتحقيق
)(2
أهدافها البعيدة المدى في الغرب والشرق".
وكتب وايزمان إلى لينين يقول":إن فتح أبواب الشرق واستقرار
اليهود في فلسطين يتوقف على تدمير المبراطورية العثمانية،
وبتدميرها تزول العقبات والحواجز التي تعترض المسيرة إلى أرض
الميعاد ،وعندما يتحقق ذلك تبدأ المسيرة اليهودية إلى ارض الميعاد
"فلسطين" ونقيم دولة اشتراكية في المشرق ،وسوف نتخطى
)(3
العقبات ونقود الشعب اليهودي وفقا ً للمخطط الذي وضعناه".
ن الثورات الشيوعية في ألمانيا وهنغاريا ورومانيا وبولونياسادسًا:إ ّ
والمجر وتشيكوسلوفاكيا كان اليهود وراءها ،وقد استلموا المناصب
)(4
الرئيسة في الحكم أو الحزب الشيوعي في تلك البلدان.
سابعًا :إن معظم الحزاب والمنظمات الشيوعية التي تشكلت في
البلدان العربية كان اليهود وحدهم من ورائها ،ثم بعد ذلك شاركهم
بعض نصارى العرب ،فالحزب الشيوعي الفلسطيني تأسس على يد
371
نفر من اليهود الروس سنة 1919م ،وقد شكله أول ً اليهودي الروسي
"روز شتاين" ،وأوفدت موسكوا اليهوديين جاك شابيليف ،ورادول كان
بورغ للتنظيم في فلسطين ،وكانت جميع عناصر الحزب الشيوعي
الفلسطيني في بداية المر من اليهود الروس .ثم أرسلت موسكوا
فلديمير جابوتينسكي ثم انتدب س .أفربوخ اليهودي الملقب بأبي زيام
لتنظيم الحزب الشيوعي في البلد العربية ،وهذا الرجل من أصدقاء
لينين بسويسرا.
وقد تولى أبو زيام رئاسة الحزب الشيوعي الفلسطيني من
1924م 1929 -م ،بعد سنة 1937م دخل بعض النصارى والمنتسبون
للسلم من الفلسطينيين في المنظمات الشيوعية من أمثال :أميل
توما ،وتوفيق طوبي ،وفؤاد نصار ،وأميل حبيبي ،وإبراهيم بكر وطلعت
حرب ،وبعد النكبة 1948م كان الصلة بين الشيوعيين في قسمي
فلسطين ضابط إسرائيلي ،وسكرتير صحفي شيوعي ،وكلهما يعملن
في لجنة الهدنمة .وفي مصر ُأسس الحزب الشيوعي المصمري على
أيدي اليهود الروس ،وممن أبرزهم :أفجيدور ،ناداب ،هنري كورتل،
بالضافة إلى بعض النصارى أمثال :أنطون مارون ،وسلمة موسى،
)(1
ورزنتال.
ثامنًا :دعم الدول الشيوعية للسياسات السرائيلية في المنظمات
الدولية ،والشواهد على هذا المر كثيرة جدًا ،ومن ذلك:
-قول مندوب التحاد السوفيتي في المم المتحدة بتاريخ 2/5/1947م:
"إن علينا أن نذكر دائما ً أن قضية فلسطين ليممس سمموى قضممية اليهممود،
ولذا فل مجال للبحممث فممي هممذه القضممية بغيممر مراعمماة مصممالح اليهممود،
والخذ بعين العتبار قلقهم ،ليس يهود فلسطين وحدهم بل اليهممود فممي
كل مكان".
-في 3/5/1947م صّرح مندوب بولندا":ل سلم بين العرب واليهممود إل
بزوال الرجعية العربية".
372
-وفي 5/5/1947م صّرح مندوب تشيكوسلوفاكيا بقوله" :يهود العالم
ينتظرون منا أن ننصرهم".
-وفي 2/12/1948م قال جاكوب مالك مندوب روسيا في مجلس
)(1
المن" :وجدت إسرائيل لتبقى حيث هي موطن أجدادها".
-وفي 14مايو 1967م نقلت صحيفة "الجيروسالم بوست"
السرائيلية عن الزعيم الروسي فلديمير بافلوف قوله" :إن قلوب
الشعبين السوفيتي واليهودي تخفق كقلب واحد.(2)"..
لقد أفزعت سياسة التحاد السوفيتي المنحازة لسرائيل الدول
العربية ،قال مندوب سورية "فارس الخوري" في شهر تشرين عام
1948م أمام هيئة المم المتحدة" :إن موقف التحاد السوفيتي من
تطور القضية الفلسطينية شيء مخيف ،فموسكو ل تريمد العدل ول
النصماف ول السلم ول مبادئ المم المتحدة ،إن كل ما تريده همو زرع
استعمار جديد في قلب العالم العربي ،فإذا كان هذا هو حال السياسة
السوفيتية هنا ،فل لوم علينا ول تثريب إذا نحن كفرنا بكل شيء بالغرب
ً )(3
والشرق معا".
كر القارئ بقول الله تعالى):والذين كفـروا بعضهـم وهنا نذ ّ
أولياء بعض( سورة النفال.73 :
تاسعًا :إن الدول الشيوعية ساعدت الدولة الصهيونية "إسرائيل"
بالسلح والرجال والمال ،وبيان ذلك:
-في سنة 1920م أرسلت موسكو إلى فلسطين اليهودي الشيوعي
"فلديمير جابوتنسكي" كي يتولى تدريب الشباب اليهود على السلح.
-دفعت روسيا % 40من مجموع الموال التي قدمت لليهود حتى سنة
)(4
1939م ،استخدم بعضها في إنشاء مستعمرات لليهود في فلسطين.
373
-لقد كان التحاد السوفيتي قديما ً وغيره من الدول الشمميوعية الوربيممة
مصممدرا ً رئيسمميا ً للهجممرة اليهوديممة إلممى إسممرائيل ،بالضممافة إلممى مئات
اللوف من غيرهم الذين جاءوا تمهيدا ً لنشاء دولة إسرائيل الكبرى كما
صرح شامير علنية.
-في كتاب صدر في لندن عام 1974ذكر صاحبه الموظف السابق
بالستخبارات الروسية في مصر ساخاروف:أن الروس كتموا في حرب
1967م معلومات خطيرة جدا ً عن الحرب مع إسرائيل عن القيادة
المصرية ،مما كان سببا ً في تدمير الطيران المصري من قبل الطيران
)(1
السرائيلي.
-بعد هدنة حرب 1948م قدم إلى فلسطين المحتلة عشرون ألف
مسلح يهودي من الدول الشيوعية :بولونيا ،ورومانيا ،وبلغاريا،
وتشيكوسلوفاكيا ،وكانت تشيكوسلوفاكيا أّول من أرسل كميات ضخمة
من السلح لسرائيل ،وكان هذا السلح مساعدا ً لليهود في تثبيت
أقدامهم في مناطق شاسعة من أرض فلسطين).(2
أما عن السلح الروسي الذي زودت به بعض الدول العربية ،فإن خير
ضح حقيقته هم الروس أنفسهم ،وإليك بعض تصريحاتهم: من يو ّ
-1تصريح أدلى به الملحق العسكري الروسي في باريس سنة 1964م
بتاريخ 22كانون الثاني إلى صحيفة "معاريف" السرائيلية ،جاء فيه:
"إن إسرائيل تستطيع أن تشتري منا السلح ،فالقضية عندنا هي
المتاجرة به ،ونحن نبيع الجمهورية العربية المتحدة -مصر -وغيرها ممن
يبحث عن السلح..إننا على أتم الصلت بإسرائيل ولم يصدر عنا ولن
يصدر مع مصر أو غيرها ما يسيء أو يضر بالكيان السياسي المستقل
لسرائيل .هذه هي القاعدة في سياستنا نحو الشرق الوسط...نحن
أعربنا عن تأييدنا لسرائيل بالسلح أيضا ً وبالعتاد والرجال في أشد
أوقات الزمة الفلسطينية يوم كانت حركة التحرير الوطني اليهودية في
أمس الحاجة إلى هذا العون ،إن ما قدمنا ونقدمه لمصر من سلح هو
374
لغراض دفاعية ،ولن نسمح باستخدامه ضد إسرائيل ،وإذا احتاجت
إسرائيل السلح منا فليس لدينا ما يمنع من أن نبيعها إياه ..لتطمئن
إسرائيل ،فالتحاد السوفيتي يدرك أن بقاء إسرائيل قوة عزيزة هو أمر
ضروري لسياستنا في المنطقة العربية ،ومصالحنا متجانسة مع
مصالحكم ،إننا نرعى الشتراكية العربية تعزيزا ً لمصلحة إسرائيل
أيضًا.(1)"...
-2تصريح السفير السوفيتي "ديمتري شوفاخين" في المؤتمر السنوي
اليهودي العالمي الذي انعقد في تل أبيب ،في شهر مارس 1966م،
وقد نقلته مجلة "الجوين كرونيكل" في العدد 18/3/1966م ،ومجلة
"اليكونومست" البريطانية في نفس العدد .جاء فيه" :أقول لكم
ببصراحة إن التحاد السوفيتي حكومة وشعبا ً بل نفاق ول رياء يح ّ
إسرائيل حبا ً جمًا ،ومعجب أشد العجاب بكل ما حققته من عمران
وبناء وعدالة وسؤدد في أرض الباء والجداد اليهود...إننا نحارب الحلف
السلمي ،ونجند لذلك كل الصوات العربية الشتراكية القوية
لمكافحته ،فانهزام العصبية العربية الدينية والقومية مفيد جليل الفائدة
لسرائيل ولنصارها من اليهود في كل مكان ،وفي التحاد السوفيتي
بصفة استثنائية...إننا سنتعمد ونسعى وسننجح في معادلة القوة
السرائيلية بالقوة العربية وخصوصا ً في مسمألة التسملح المذري
فاطمئنموا .وسمياسة التحماد السوفيتي همو تجميمد الطاقمات العسكرية
في الشرق الوسط ...والتحاد السوفيتي قادر على ضبط أي شطط
عربي ..ول نعتقد أن الجانب العربي الشتراكي التقدمي سيشتط في
)(2
العداء لسرائيل".
-3تصريح المستشار الول في السفارة الروسية في إسرائيل ،وقد
نشرته صحيفة "هما آرتس" السمرائيلية يموم 14فبرايمر 1965م ،جماء
فيمه" :لم نقمدم السلح لبعض الدول العربية إل بما يكفي لحاجات
375
الدفاع ل الهجوم ،وعلى الشعب في إسرائيل أن يتذكر أن التحاد
السوفيتي كان أول من دعا إلى حظر توريد السلح إلى الشرق العربي
عام 1957م ونحن مستعدون لحظر السلح عن المنطقة العربية ..لكن
حركات التحرير اليسارية في العالم العربي تحتاج إلى السلح لتكافح
الرجعية العربية وتقضي عليها وعلى كل من يساعدها ،إن القضاء على
الرجعية العربية سيزيل خطر العدوان العربي على إسرائيل ،لن
النظمة والحركات التقدمية اليسارية في البلد العربية ل تريد العدوان
على إسرائيل").(1
-4تصريح رئيس روسيا السابق ألكس كوسيغن في خطاب ألقاه في
مدينة مدينسك السوفيتية يوم 15فبراير عام 1968م ،جاء فيه" :نحن
لسنا أنصار حرب جديدة في الشرق الوسط ،بل على العكس ،نريد
سلما ً مستقرا ً في المنطقة ،وهناك بعض الدول العربية تؤيد هذا
الموقف ،إننا نرفض تصفية إسرائيل ،بل نؤيد استمرار إسرائيل
)(2
كدولة".
م إن أمريكا وبريطانيا تبيع السلح لكثير من الدول العربية، ث ّ
وبعضها دول مجاورة لسرائيل اشتركت في حرب 1967م ،وأمريكا
اليوم تبيع السلح لمصر والردن والسعودية والكويت وغيرها ،فهل
أمريكا دولة معادية لسرائيل .إنها التجارة التي تمتص الثروات العربية
عن طريق السلح المقيد عن الحركة النافعة للشعوب العربية ،السلح
الملجم عن التحرك الفعال ضد إسرائيل ،السلح الذي يستهلك في
الصراعات العربية ،السلح الذي يشاهد في العروض العسكرية
والحتفالت القومية ،إنه السلح الذي يستخدم لضرب ومقاومة
الحركات والصحوة السلمية ،إنه السلح الذي يبدد القتصاد للدول
العربية ويبدد ثرواتها ،ويجعلها واقعمة تحت الملءات السياسية للدول
المصدرة له ،إنه السلح الذي يثقل كاهل الدول العربية بالديون
والتزاماتها السياسية ،وما ينتج عنها من خراب اقتصادي والضن بلقمة
376
العيش لكثير من الشعوب العربية المقهورة ،وعلى حساب رفاهية
شعوبها ونمو اقتصادها.
ول معظمه في حرب 1967م ،وفي إّنه السلح الروسي الذي تح ّ
غزو إسرائيل لبنان عام 1982م للمخازن السرائيلية بعد أن بذل
ملت في سبيل شرائه الشعوب العرب في شرائه الموال الباهظة ،وتح ّ
)(1
الديون المثقلة لكاهلها.
روسيا ،واستولت إسرائيل على آلف الدبابات المصرية الممتي حشممدت فممي صممحراء
سيناء ،وفي عام 1982م أثناء غزوها للبنان استولت إسرائيل علمى كميممات ضممخمة
من السلحة التي كانت بحوزة المنظمات الفلسطينية.
-2السرطان الحمر ص .106
377
)(1
شعب له حق الحياة".
ولقد كشف رفيق رضا -عضو قيادة الحزب الشيوعي اللبناني
السوري ومساعد خالد بكداش -عن مواقف هذا الحزب ،فقال" :كانت
قيادة الحزب الشيوعي بمثل حماس ابن غوريون على بعث الدولة
اليهودية في فلسطين..والشعب السرائيلي المشرد لبد وأن يلتقي في
أرض الميعاد ،ووجود إسرائيل له في عرفها مبرراته النسانية التي
تتخطى المبررات الوقائع القومية".
-كان الشيوعيون العرب يرون أن اليهود مظلومون ،ويعتبرون الدفاع
عن فلسطين رجعية دينية ومؤامرة ضد اليهود.
-لقد رفض الشيوعيون العراقيون بإباء محاربة الشعب السرائيلي
الشقيق ،وقال سكرتير الحزب في العراق يوسف سلمان الملقب
بفهد" :مرحبا ً بإنشاء دولتين عربية ويهودية في فلسطين ،واشترط لهما
الشتراكية والتحالف ضد الرجعية الدينية العربية".
وخرج الشيوعيون العراقيون في مظاهرات سنة 1948م ينددون
بالجيوش العربية التي تحارب اليهود المظلومين.
-في 15مايو سنة 1948م كتبت المنظمة الشيوعية المصرية تحت
عنوان:غزت جيوش البلد العربية فلسطين" .وهذه الحرب حرب رجعية
تخدم البرجوازية العربية بكبت البروليتاريا الصاعدة )اليهود( الثورية في
فلسطين".
-في سنة 1957م ألقى فؤاد نصار سكرتير الحزب الشيوعي الردني
محاضرة في الجفر بالردن قال فيها :إننا نعلم ويعلم الجميع بأن
إسرائيل أمر واقع ،ودولة لها كيانها السياسي والقتصادي والعسكري.
وأن اليهود شعب كباقي الشعوب ،له حق الحياة ،وأنا أعترف باليهود
)(2
كدولة ،لن الشمس ل تغطى بغربال".
378
الشيوعية خيانة عظمى للدين والوطن وعمالة للستعمار:
بعد دراسممتنا للشمميوعية ومواقفهمما مممن الممدين والخلق ،ومواقممف
الشيوعيين من السمملم والمسمملمين ،وقضمماياهم ،وعلممى رأسممها قضممية
فلسممطين ،أل يحممق للبمماحث المنصممف أن يحكممم بارتممداد المنتميممن
للشمميوعية عممن الممدين ،ووصمممهم بالخيانممة العظمممى للمموطن والمممة،
وبالعمالة للستعمار الشيوعي البغيض الذي هو أشممد فظاعممة وشراسممة
من الستعماريين الصليبي واليهودي ،وشواهد العصر تؤكد ذلك
ن الذي ينتمي إلى التيارات الماركسية في البلد السلمية ينتمي إ ّ
إلممى غيممر ديممن أمتممه وهممو معممول هممدم شمماء أم أبممى فممي جسممم المممة
المسلمة ،إنه بارتباطه بالشيوعية يرتبط بكيمان أجنممبي يضمممع المصمملحة
)(1
الشيوعية فموق المصلحة الوطمنية والعربيمة والسملمية.
أليس البيان الشيوعي يقول" :ليس للعمال وطن ،يا صعاليك العالم
اتحدوا" ،أليس الزعيم الشيوعي ستالين هو القائل" :إن من واجب
الشيوعي في كل الحوال أن يناضل ضد الوطنية الضيقة ،وأن ل يحصر
نفسه في حركته المحدود الفق") .(2إن إطلق الحزاب الشيوعية
السماء والمصطلحات غير الشيوعية على نفسها،وارتداء ثوب الوطنية
والتقدمية والديمقراطية لن يغير من طبيعتها وحقيقتها ،وإن ممارسة
زعماء الحزاب اليسارية الشيوعية وبعض قادتها للشعائر التعبدية
بشكل علني ليراهم الناس ،هي حيلة مكشوفة ،ومهادنة مؤقتة أملتها
عليهم الصحوة السلمية من جهة ،والمخطط الشيوعي الذي كشفت
)(3
كشف النقاب عنها سنة 1967م. عنه الوثائق السرية التي ُ
يا شباب السلم :عرفتم ما تريده الشيوعية الملحدة من
-1لقد أثبت عدد من الباحثين في الفكر الشيوعي -اعتمادا ً علممى الوثممائق والمصممادر
الصيلة -عمالة الحزاب الشيوعية في البلد العربية لكل مممن السممتعمار الشمميوعي
واليهودي .انظر :الشيوعية منشأ ً ومسلكا ً دنممدل جممبر ص ،188-148الكيممد الحمممر
ص .136-121
-2انظر حركات ومذاهب في ميزان السلم ص .32
379
استئصال لشأفة السلم من قلوبكم ومن واقع حياتكم ومن
المجتمعات السلمية ،فليكن الواحد منكم على حذر منها ،وكراهية
وبغضا ً لها ،وإعراضا ً عنها ،وعن الحزاب اليسارية التي تتبناها ،لتبقى
للمسلم عقيدته وشخصيته السلمية المستقلة المتميزة ،وصدق الله
العظيم إذ يقول):كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف
وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله( آل عمران.110 :
انظر هذه الوثيقة :الشباب المسلم في مواجهة التحديات عبد الله علمموان ص 41 3
وما بعدها.
380
الباب الخامس
السلم ومستقبل البشرية
الفصل الول :سقوط الشيوعية والحضارة
الغربية
381
الفصل الول
سقوط الشيوعية والحضارة الغربية
تمهيد:
استعرضنا في البواب الثلثة السابقة حاضر العالم السلمي،
وتبين لنا أن هذا العالم يمر بفترة سيئة جدًا ،نتيجة النحراف عن منهج
الله عز وجل ،والبعد عن أسباب المنعة والعزة والسيادة ،ونتيجة الغزو
الفكري الذي تمثله أجنحة متعددة ،مذاهب فلسفية وحركات هدامة،
وعقائد وأفكار جاهلية.
ن العالم السلمي يعاني من الضعف والذل والهوان والضياع وغلبة إ ّ
العداء من الصليبيين واليهود ،كما يعاني من أزمات اقتصادية ،وأزمات
سياسية ،وأزمات اجتماعية وأخلقية ،وأزمات فكرية وروحية.
والسؤال الذي يطرح نفسه :هل المتوقع لفترة السوء أن تستمر
على ما هي
عليه ،أما آن لليل أن يمحي..أما آن للفجر أن يبزغ؟
إن بعض الغيورين من أبناء المسلمين قد يصيبهم اليأس من عودة
العالم السلمي إلى المسار الصحيح ،لما يرون من مكر العداء
وجهودهم في محاربة السلم وأهله ،ولما يرون من بعد الناس عن دين
الله تعالى الذي ارتضاه للبشرية.
إن المسلم الصادق يدرك أن سعادة البشرية وشفاءها مما هي فيه
هو باتباعها الدين الحق ،وأن هذا الدين لبد أن يأخذ دوره في مسيرة
الحياة البشرية ،نعم لقد جاء دور السلم ليتقدم ،إن المستقبل لدين
الله تعالى ،لنه وحده القادر على إنقاذ البشرية من الخطار الماحقة.
إن كثيرا ً من المؤشرات ،وكثيرا ً من المبررات تشير إلى قرب
قيادة السلم للبشرية في مستقبلها القريب.
ضح تلكوفي الفصول القادمة نعالج هذه المؤشرات ،ونو ّ
المبررات ،ونستعين أيضا ً بالمبشرات من الكتاب والسنة والحياة
المعاصرة...ومن هذه المبشرات انهيار المذهب الشيوعي ،وقرب انهيار
الحضارة الغربية المعاصرة.
382
المبحث الول :سقوط الشيوعية:
لقد أصدر ماركس وإنجلز مؤسسا المذهب الشيوعي البيان
الشيوعي "المانغستو" سنة 1848م ،وسادت الشيوعية في روسيا منذ
عام 1917م ،ثم بعد ذلك سادت في دول غيرها…لكن الشيوعية بعد
مائة وخمسين سنة من بيانها الول ،وبعد ثمانين سنة من ثورتها
البلشفية ،قد تهاوت وانهارت ،لقد سقطت الشيوعية نظريًا ،وهي لم
تزل وليدة ،لنها تحمل في طياتها عوامل السقوط والنهيار والفناء،
وسقطت الشيوعية تطبيقًا ،رغم كل وسائل القسر والعنف ،والقتل،
والتآمر ،والتدبير في الخفاء ،ثم سقطت بانحسارها وتراجعها عن
معظم البلد التي سيطرت الشيوعية فيها (1).وأبرز ملمح هذا السقوط
تفكك المبراطورية السوفيتية وعودة الناس إلى أديانهم ومعتقداتهم
السابقة.
ن انهيار المذهب الشيوعي في ذاته لبد أن يوضع في المبشرات إ ّ
بأن المستقبل للسلم ،فلقد كانت الشيوعية فتنة لكثير من شباب
العالم السلمي ،بل كانت أمريكا ذاتها تستخدم الشيوعية في مناطق
نفوذها لتحارب بها السلم ،وكانت تضع وسائل العلم في أيدي
الشيوعيين -وما زالت وسائل العلم في بعض البلد العربية بيد
الشيوعيين -ليشوهوا صورة السلم في نفوس الشباب ويفتنوهم عنه،
ومهما يكن في جعبة اليهود -مبتدعي الشيوعية -من بدائل لفتنة الناس
عن الدين ،فإن انهيار النظام الذي كان قائما ً على اللحاد ،هو دفعة
للتجاه الديني في الرض كلها ،ودفعة للتيار السلمي في أرض
السلم).(2
-1لم تبق سوى الصين وكوبمما تممدينان بالمممذهب الشمميوعي ،ولممو أعطيممت الشممعوب
هنمماك الخيممار للحقممت بغيرهمما مممن شممعوب التحمماد السمموفيتي وألمانيمما ورومانيمما
ويوغسلفيا وألبانيا.
-2رؤية إسلمية لحوال العالم المعاصر محمد قطب ص .244
383
وأصبحت الشيوعية في البلد غير الشيوعية تعاني أزمة التحجر
والجمود ،وتقابل بالسخرية والستهزاء والنفور ،لدرجة أن الحزاب
الشيوعية بدأت تتلون في فكرها ،وتغّير في أسمائها ومصطلحاتها
وشعاراتها ،لكّنها مع ذلك كله فقدت هويتها وصبغتها -اللهم -إل تمسكها
باللدينية واللحاد ،لن البديل عنه اليمان بالله تعالى ربا ً وخالقًا..
)وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد( سورة الحج،16 :
)ذلك بأنهم استحبموا الحياة الدنيا على الخمرة وأن الله ل يهدي القوم
الكافرين( سورة النحل)،107 :ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من
الله إن الله ل يهدي القوم الظالمين( سورة القصص) 50 :إن تحرص
على هداهم فإن الله ل يهدي من يضل وما لهم من ناصرين( سورة
النحل) ،37 :قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب( سورة
الرعد.27 :
عوامل وأسباب سقوط الشيوعية:
قلنا سابقا ً أن الشيوعية تحمل عوامل فنائها وانهيارها نظريا ً -ذاتيا ً
وداخليًا -وأنهما فشملت تطبيقيًا ،لن ما كان منهمارا ً في الداخمل
يسمتحيل إيجماده علمى أرض الواقمع التطبيقي ،ثم هناك أسباب
وعوامل خارجية تتمثل في المجابهة للشيوعية من قبل الشعوب
المسلمة ،وغيرها من الشعوب التي ابتليت بها أو بأحزابها وتنظيماتها.
ل :السباب الذاتية لسقوط الشيوعية: أو ً
أ -مجافاتها للعلم وحقائقه:
أطلق كارل ماركس على نظريته اسم "الشتراكية العلمية" لنه
اعتمد حسب زعمه على مجموعة من المفاهيم العلمية ،ولكنها في
الواقع هي مجموعة فرضيات العلم التجريبي التي كانت ول تزال لم
ترق إلى مستوى الحقائق العلمية ،إذ لم يلبث أن جرفها وحطمها
التقدم العلمي الذي وصل إليه النسان في القرن العشرين.
ن الماركسية من الوجهة النظرية تقوم على جهالة علمية منقطعة إ ّ
النظير ،تقوم على جهالة عميقة بالنفس البشرية وطبيعتها وتاريخها،
وعلى جهالة عميقة بالحقيقة الكونية من حيث تفسير الكون والحياة،
384
ولم تقم على أساس واقع عملي في الحياة التي يزاولها البشر ،ولذا
اضطرت الماركسية عند التطبيق العملي أن تتخلى عن أهم مقدساتها،
عبر سلسلة من التعديلت والتراجعات والترميمات ،فحتمية العامل
القتصادي في صناعة التاريخ البشري وتوجيهه تحطمت ،وتراجع
)(1
الماركسيون أنفسهم عن القول به.
ن أول أعمدتها المنهارة اعتبار النسان كيان مادي خالص ،وأن إ ّ
قوانين المادة صالحة للتطبيق عليه ،لقد أثبت العلماء أن الكيان
النساني هو كيان مستقل بذاته ،وأن قوانين التجارب المادية ل تصلح
دمها دارون في نظريته بشأن للتطبيق عليه ،وأن الفرضيات التي ق ّ
العلقة بين النسان والقرد قد انهارت ،وتبين للعلماء المختصين
فسادها).(2
يقول الفيلسوف هكسلي":كانت الشيوعية أكثر تنسيقا ً وملئمة،
ولكن أساسها المادي المحض قد حد ّ من فاعليتها ،فقد حاولت أن تنكر
)(3
حقائق القيم الروحية ،وهذه القيم موجودة قائمة".
-لقد تلقت النظرية الشيوعية ضربات موجعة من حقائق العلم ،التي
أثبتت أن الزمن تجماوز الشيوعية لقيامهما على فروض علمية قمد
تغّيرت ،ومن أدلمة ذلك شمهادات العلمماء المختصين الروس التي
أحدثت شرخا ً كبيرا ً في البناء العلمي المزعوم للفكر الشيوعي ،ومن
ذلك :أن "ألكسندر إيفانوفيتش أوبارين" أستاذ الكيمياء الحيوية في
معهد العلوم السوفيتية ورئيس المعهد نفسه الذي بحث طوال سبع
وثلثين سنة:إذا كان من الممكن إيجاد الخلية الولى عن طريق تفاعمل
كيميائي قد أعلن "أن الحياة ل يمكن أن تبدأ من العدم ،أو أن تتوالد
من التفاعل الكيميائي والتوالد الذاتي ،وأن العلم ل يمكن أن يخوض
-1انظر المستقبل لهذا الدين سيد قطب ص ،51 - 50هزيمة الشيوعية في عالم
السملم :أنور الجندي ص .73-72
-2انظر هزيمة الشيوعية في عممالم السمملم ص ،63م ،69هنمماك عشممرات البحمماث
العلمية التي تحدثت عن فساد نظرية دارون.
-3المصدر السابق نفسه.
385
فيما وراء حدود المادة" ،وقد تناقلت وكالت النباء العالمية هذا العلن
)(1
العلمي الخطير ،وفي مقدمتها وكالة النباء السوفيتية "تاس".
ومن ذلك أّنه أعلن أربعون عالما ً شيوعيا ً روسيا ً -بعد أن اجتمعوا
في بداية الستينات في شكل مجتمع علمي لدراسة أسس الماركسية:-
ول كثيرا ً على جدل المادة بعد أن تجاوزه العلم ،وقد أّنه يجب أل يع ّ
سس الماركسية اللينينية" ووصل إلى مصر ،ولقد صدر كتاب باسم "أ ّ
أصدرت القيادة الماركسية في روسيا قرارا ً بجمعه من السواق ،وتم
طبعه مرة ثانية سنة 1963م بعد أن حذف منه الفصل الخاص بعدم
)(2
التركيز على جدل المادة كما توهمه ماركس وإنجلز.
ب -كذب تنبؤات كاهن الشيوعية الكبر كارل ماركس:
يزعم ماركس وشيعته أن تنبؤاته قامت على أسس علمية ،ولكن
الواقع المشاهد عصف بهذه العلمية المزعومة ،وجاءت حقممائق التاريممخ
مخالفة لنبوءات ماركس ،كاشفة للكممذب وأوهممام الكذبممة وهممي كممثيرة،
ومن ذلك-:
-تنبأ أن الثورة الشتراكية ستقوم في كل البلدان الرأسمالية المتطورة
وخاصة ألمانيا وإنجلترا ،ولكن حممدث العكممس ،إذ قمامت الشمميوعية فمي
روسيا المتخلفة صناعيًا ،ودون أن تمر روسيا بالمرحلة الرأسمالية التي
هي حتمية في تاريخ البشر كممما زعممم أنصممار التفسممير المممادي للتاريممخ،
كذلك قامت الشيوعية فمي الصمين ،وهمي أيضما ً دولمة زراعيمة متخلفمة،
وبقيت الدول الرأسمالية ،كما هي ولم تنتقل إلى الشتراكية.
-ومن نبوءات ماركس التي سقطت قوله :إن العالم يسير في
الصناعة والتجارة نحو الحتكار ،بحيث يأكل القوياء ضعفاء الملك ،وأن
هذا الحتكار يستمر ويطرد في جميع الصمناعات ،حتمى ينتهمي إلى
إلغماء الملكيمة الفرديمة ،وممن العجيب أن روسميا الشيوعية سمحت
386
بالملكية الفردية في بعض الشياء ،كالسيارة والبيت وادخار بعض المال
في البنك).(1
-تنبأ ماركس بأن شقة الخلف ستتسع بين البرجوازية والبروليتارية في
الدول
الرأسمالية ،إلى أن تحدث ثورة تقلب النظام الرأسمالي كله ،وحدث
العكس ،إذ حصل مزيد من التقارب من خلل الصلحات والنشطة
النقابية ،بينما حصل الخلف وتفاقم في الدول الشتراكية سابقًا :كما
حدث بين روسيا والصين ،ورومانيا ويوغسلفيا ،وألبانيا والمجر وبولندا،
)(2
لقد انقسم المعسكر الشيوعي على نفسه وتناقض وتصارع.
-لقد تنبأ ماركس بأن تستولي طبقة البروليتاريا -طبقة العمال
الكادحة -على مقاليد النظام والسلطة ،وأن الحياة ستتحول إلى
شيوعية كاملة ،ولكن لم يحدث شيء من ذلك ،بل استبد الحزب
الشيوعي بالحكم والسلطة وزادت حالة العمال سوءًا ،واشتد الفقر في
الدول الشيوعية -سابقًا -بصورة ملفتة للنظار ،ولم تصل أي دولة منها
إلى حالة الشيوعية التي تختفي فيها الحكومة والجيش والسرة ،وينعم
)(3
الناس بجنة الشيوعية.
ج -اصطدام النظرية بالفطرة البشرية:
ما كانت الماركسية تقوم على جهالة عميقة بالنفس البشرية ل ّ
وطبيعتها وتاريخها ،كان من الضرورة أن تصطدم مع الفطرة البشرية،
وأن تجانب حقائقها .إنها تصطدم مع الفطرة النسانية عندما تلغي:
الدين والملكية الخاصة ،والسرة والحرية الفردية ،وعندما تحاول
-1هزيمة الشيوعية فممي عممالم السمملم أنممور الجنممدي ص ،68موقممف السمملم مممن
نظريممة ممماركس للتفسممير المممادي للتاريممخ أحمممد العوايشممة ص ،473النظريممة
الماركسية في ميزان السلم ص .77
-2انظر موقف السلم من نظرية ماركس ص ،474 - 473هزيمة الشيوعية فممي
عالم السلم ص .69
-3انظر المستقبل لهذا الدين سيد قطب ص ،51النظريممة الماركسممية فممي ميممزان
السلم ص .78-77
387
القضاء على الخلق والكرامة النسانية ،وعندما تفرض سلطانها
الفكري الزائف وسلطانها السياسي الرهيب عبر التصفيات الدموية
)(1
الرهيبة.
إن الشعوب التي اكتوت بالشيوعية ظلت فطرتها تقاومها مقاومة
عنيفة ،على الرغم من طول خضوع هذه الشعوب للرهاب البوليسي،
وسيطرة الحزب الشيوعي القليمل العمدد على مقدرات البملد وأرزاق
العباد ،وعلى الرغم من بلشفة الطفال والشباب والكبار عن طريق
المنظمات الخاصة ومن خلل أجهزة التوجيه ووسائل العلم ومناهج
التعليم التي سيطر عليها الحزب الشيوعي سيطرة كاملة ،فقد قوبل
النظام الشيوعي بالكراهية والنفور من قبل الشعوب لصطدام النظرية
بالفطرة ،ولم تعد تجدي كل وسائل الترويض والخضاع.
ن كل نظرية أو مذهب ،أو نظام ،ينتقص الفطرة أو يصطدم بها إ ّ
مصيره الفشل والسقوط ،لن الشعوب لن تصبر طويل ً على ذلك.
وخير مثال على ذلك مظاهر الفرحة والسرور التي أبدتها الشعوب لما
سقطت الشيوعية وأنظمتها الحاكمة ،ومظاهر البهجة والسرور التي
أبداها الناس في بولونيا الشيوعية في يونية عام 1979م عندما زار
البابا يوحنا بولس الثاني مسقط رأسه بولونيا ،لقد كتبت الصحف
الغربية عن تلك الزيارة ،فقالت تحت عنوان":اليام التسعة التي هزت
العالم"" ،لم تعد رحلة الوديسا التي قام بها على مدى تسعة أيام
مجرد فصل مثير في تاريخ البشرية بل أصبحت أكبر مجابهة في الزمنة
الحديثة بين القوى الملحدة والمشاعر اليمانية العارمة".
ن الحنين إلى الله تعالى منغرز في أعماق الفطرة البشرية ،ولن إ ّ
تستطيع أن تمحوه كل الفلسفات مهما حاولت ارتداء ثوب العلم،
)(2
ومهما استخدم الطغاة من أدوات الرهاب أو وسائل الغراء.
لقد أظهرت إحصائية للحزب الشيوعي اليطالي أن %70من
388
أفراده يترددون على الكنيسة ..إنهم لم يقتنعوا بإنكار الله والديان كما
صورت لهم ذلك النظرية الشيوعية ،ولم يستطيعوا أن يصمدوا طويل ً
أمام مشاعرهم المكبوتة وفطرهم المسحوقة المغمورة بالمكابرة
والعناد ،فاضطروا للتخلص من ذلك كله وعادوا إلى الكنيسة ،إلى دينهم
القديم تلبية لنداء الفطرة في نفوسهم ،التي لم تستطع النظرية
)(1
الماركسية طمسه وإسكاته.
د -فشل النظرية في التطبيق:
إن الشيوعية في الواقع التطبيقي تتناقض مع أفكارها النظرية
دعت أنها قوانين التي ألبستها ثوب المنطق ورداء العلم كذبا ً وزورًا ،ثم ا ّ
حتمية لطبيعة المجتمع البشري وإذا كمان الممر كما زعمت الشيوعيمة
فلماذا الرهماب والعممال الدمويمة ،ولماذا الحكمم الستبدادي الذي لم
تعرف البشرية في تاريخها الطويل أبشع وأنكى منه ،إّنه لو أردنا
محاكمة الشيوعية-لنقف على مدى البون الشاسع بين النظرية
والتطبيق -لحتجنا إلى مجلدات كبار ،ويكفي هنا أن نشير إلى اثنين من
السس والمبادئ الشيوعية ،أحدهما يتعلق بالجانب القتصادي ،والخر
يتعلق بالحرية ودكتاتورية البروليتاريا "الطبقة الكادحة".
ل :النهيار القتصادي في ظل النظام الشيوعي: أو ً
ن من أكبر أسباب انهيار الشيوعية وسقوطها ،انهيار القتصاد في إ ّ
)(2
البلدان التي ساد فيها النظام الشيوعي.
لقد بدأ النهيار في القتصاد الروسي مبكرا ً منذ أيام لينين ،إذ
أعلن الرجل عام 1921م فشل تجربة إلغاء الملكية الفردية ،وذلك
مس ) (1/5ما كان عليه خ ْ
نتيجة هبوط النتاج الزراعي والصناعي إلى ُ
قبل الثورة ،ولمعالجة ذلك سمح لصغار المنتجين ببيع إنتاجهم لحسابهم
389
الخاص ،وألغى تأميم المؤسسات الصناعية الصغيرة ،وسمح للشركات
أن تقيم مصانع مملوكة لها ملكية خاصة.
وحاول ستالين أن يتغلب على النهيار القتصادي بإحداث كسر في
المبادئ الشيوعية التي تقضي بالمساواة بين العمال في الجور ،فسمح
للعمال بالشتغال فترة عمل إضافية مقابل أجر إضافي ،ليتمكن العمال
شراء حاجيات ل توفرها لهم ساعات العمل الجباري.
قام ستالين بعمليممة التجميممع الزراعممي فممي الريممف عممبر اسممتخدام
القوة والتدابير القتصادية المدروسة ،فأدت سياسته إلى مجاعممة عامممة
شديدة ،مات بسببها خمسة مليين ونصف المليون من الرجال والنسمماء
والطفال.
ولقد تراجع القتصاد أكثر في زمن خرتشوف بهبوط النتاج
الزراعي ،مما اضطر لحداث كسر آخر في المبادئ الشيوعية التي
تقضي بإلغاء الملكية الفردية إلغاًء تامًا ،وجعل الملكية الجماعية بديل ً
عنها ،فسمح خرتشوف للفلحين بملكية عشر المحصمول لذوات
أنفسهم ،وامتلك الدار التي يسكنونها وما فيها من أثاث ،كل ذلك لدفمع
الفلحين والمزارعين والعمال لزيادة إنتاجهم ،ولكن ذلك لم يجد نفعًا،
فلم يتقدم القتصاد بل هبط النتاج الزراعي أكثر ،مما دفع روسيا –التي
كانت دولة مصدرة للقمح -إلى استجداء القمح من أعدائها
الرأسماليين ،وبلغت كمية القمح المستوردة من أمريكا في زمن
خرتشوف وحده 15,8مليون طن.
ل فيها إنتاج العامل ،ففي سنةوأما في رومانيا الشيوعية فقد ق ّ
1966م كان إنتاج العامل الروماني يساوي ثلث أو نصف إنتاج العامل
اليطالي أو الفرنسي أو اللماني .وخسرت 1370سلعة ما يقرب من
240مليون جنيه ،وفي سنة 1967م حدث عجز في ميزانية الدولة
يساوي 215مليون جنيه.
لقد كتب أندريه جيد -أحد المتحمسين للشيوعية -عن الوضع
المزري لجمهور الناس في روسيا بعد أن زارها ،تحدث عن الفقر
الشديد المنتشر بين العمال والمزارعين ،الذين جاءت الشيوعية من
390
أجل تخليصهم من ظلم القطاع ،وكل ما فعلته لهم أنها زادتهم فقرا ً
على فقر ،وظلما ً على ظلم ،فعاشوا في حياة بائسة أليمة محزنة،
أفضل منها بكثير حياة بعض الحيوانات.
يقول دجيلس-الذي كان نائبا ً للرئيس اليوغسلفي السابق
ن القتصاد الشيوعي الموجه ،تعصف بداخله فوضى رهيبة ذات تيتو" :-إ ّ
طابع متميز ،ومنهج القتصاد الشيوعي من أكثر المناهج القتصادية في
تاريخ المجتمعات البشرية إسرافا ً وتبذيرًا ،وهدرا ً للجهود والطاقات"،
وقرر دجيلس :إن النظام الشيوعي دائم التخبط والنتكاس في المجال
القتصادي ،وإن كثيرا ً من المصانع في الدول الشيوعية تنتج مواد
تكلفها أضعاف تكلفة نظيرها في الدول الخرى ،وإن النظام الشيوعي
قد استنفد دوره التاريخي الفاشل.
ثانيًا :انعدام الحرية :ودلئل ذلك كثيرة منها:
تفشي الدكتاتورية ،والستبداد ،والتصفيات الدموية،
والتعذيب ،والنفي إلى معسكرات العممل الجماعمي فيما ُيعرف بنظام
السخرة ،ولم يكن الرهماب الدموي والقتممل والتصفيات) (1موجه فقط
للمسلمين والنصارى ،بل كان لكل المعارضين للفكممر الشيوعي،
وللنظام الشيوعي ،وللحزب الشيوعي ،وأخيرا ً طالت معظم أبناء
الحزب الشيوعي نفسه ،بل وأعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي،
ولم يسلم من ذلك الصحفيون والكّتاب والمفكرون والعلماء والفنانون.
ونذكر بعض المثلة على ذلك-:
-لقد سحقت الثورة البلشفية عشرات المليين من أعدائها ،ثم عادت
تصفي جنودها وأنصارها ،ففي سنة 1934م كان أعضاء اللجنة
المركزية في روسيا 71شخصًا ،لم يبقَ منهم سنة 1938م سوى ،21
-1انظر وسائل الرهمماب والتعممذيب وضممحاياه فممي كممل مممن روسمميا والصممين :الكيممد
الحمر للميداني ص ،336-243الطبقممة الجديممدة يملوفممان دجيلس ،تقممديم فممدوى
قلعجي ،الرهاب الكبير )قصة تصفيات ستالين في السممتينات( روبممرت كونكوسممت،
"الصنم الذي هوى" أندريه جيد وآخرون.
391
وفي سنة 1936م كان مجلس الشعب 21شخصًا ،لم يبقَ منهم بعد
سنتين سوى خمسة ،والبقية قتلوا.
درت الحصائيات عدد ضحايا الرهاب الشيوعي في حكم -لقد ق ّ
ستالين -الممتد من سنة 1930إلى 1953م -بما ل يقل عن ثلثين
ذب وهالك ،بسبب مليون ضحية ،ما بين مقتول ومسجون ومع ّ
المجاعات التي حدثت نتيجة السياسات القتصادية الفاشلة.
-إن من البراهين الواضحة على انعدام الحرية في الدول الشيوعية:
ظاهرة هروب كثير من العلماء والمفكرين وغيرهم من الشخصيات
البارزة في مجالها إلى الدول الغربية ،ومن لم يستطع الهروب فقد
تخلص من الحياة بالنتحار.
-إن شعار" :الفرد سيصبح حرا ً بعد أن يتخلص من هم خبزه اليومي"
كان من الراجيف والضاليل التي استخدمتها الشيوعية في ترويج
بضاعتها المزجاة.
إن حرية النقد في المجتمع الشيوعي سواء في روسيا أو غيرها
معدومة جدًا ،اللهمم إل ما تنشره الصحف ووسائل العلم المملوكة
للحزب الحاكم وفق خطة مبرمجمة.
-ومن دلئل الحرية المزعومة :وجود نظام للتجسس رهيب ،لم يعرف
له مثيل في دول العالم ،فكل فرد هناك جاسوس على غيره ،وغيره
جاسوس عليه ،ومن دلئل ذلك أيضًا :السجون والمعتقلت في روسيا
والصين وما يحدث داخلها من عذاب وحشي واضطهاد مرّوع،
استخدمت فيها كل الوسائل التي تقشعر لهولها أبدان قارئيها .كل ذلك
يحدث تحت ستار مظهري من النتخابات ،والمجالس النيابية والتمثيل
الشعبي.
يقممول "دجيلس":إن النتخابممات الممتي تجممري فممي ظممل الحكممم
الشيوعي مهزلة وأبهتها الفارغة معروفة تمام مًا ،إنهمما سممباق يعممدو فيهمما
ن الذين يفوزون فيها حصان واحد...إنها فارغة من أي معنى أو محتوى،إ ّ
هم المنتقون بعنايممة فائقممة مممن قبممل الحممزب الشمميوعي الحمماكم...وأمما
البرلمممان فهممو هيكممل صمموري مهمتممه تنفيممذ مقممررات القيممادة الحزبيممة
392
العليا...ول يملك أعضاء البرلمان الجرأة لبحث القضايا الهامممة فممي جممو
من الحرية...إن أبلغ وصممف للبرلمانممات الشمميوعية أن يقممال:هممي قبممور
للنواب...وأي نظممام برلممماني آخممر ليممس لممه مكممان فممي دولممة البطممش
والرهاب.
ل" :إن النظام الشيوعي سحق كرامة النسان، ويضيف دجيلس قائ ً
وله إلى مجرد ترس في دولب ،فاقد الشخصية الذاتية ،والميزات وح ّ
الخاصة ،في آلة حكومية ل ترحم ،تدار حسب أهواء الزعيم
ن النظام الشيوعي استطاع أن يخنق الشخصية الفردية أكثر العلى"..إ ّ
)(1
من أي نظام آخر.
-1لقد نقممل الشمميخ عبممد الرحمممن الميممداني عممن "ميلوفممان دجيلس" أقمموال ً كممثيرة
تكشف الجحيم الشيوعي الذي يصله الفرد في ظل النظمة الشيوعية في كل مممن
روسيا والصين ويوغسلفيا وبولندا وغيرها ،انظر الكيممد الحمممر للميممداني ص -161
.240
393
وانضمامها لدول عدم النحياز ،رافضة الزعامة الروسية للمعسكر
)(1
الشيوعي.
ولقد أثرت هذه الخلفات والمنازعات على الشيوعيين العرب،
فسمعنا من يقول عن نفسه :أنا ماركسي ،وآخر :أنا ماركسي لينيني
وثالث :أنا ماركسي ماوسوتنغي ،وهكذا خربوا بيوتهم بأيديهم.
-3الجهاد الفغاني :لقد كان الجهاد الفغاني سببا ً جوهريا ً لنهيار
الشيوعية ،وقد أغفلته المصادر الغربية ،كراهية منها أن تذكره ،حيث
استطاع شعب شبه أعزل أن يصمد أمام وحشية الدب الروسي،
واضطر روسيا في نهاية المطاف أن تسحب قواتها المنهارة معنويا ً
وعسكريا ً من أفغانستان ،وهي تحمل في نفوسها معاني الذل
والصغار).(2
-4الصحوة السلمية من أسباب سقوط الشيوعية في البلدان
الشيوعية كروسيا ،وفي البلد السلمية ،وهذه الصحوة نتاج جهاد
طويل ودماء غزيرة ،سالت على ثرى النيل ،وسوريا ،وفلسطين،
وأفغانستان ،واليمن )الجنوبي( ،والصومال ،وإرتريا ،وغيرها من البلد
التي اكتوت بنار الستعمار الشيوعي ،وتسّلط الحزاب الشيوعية،
وتآمرها ضد مصالح الشعوب والمم المسلمة.
-5ويمكن أن نضيف إلى ما سبق من أسباب انهيار الشيوعية:الردة عن
الشيوعية والكفمر بأفكارهما ومبادئهما ،وخاصة من قبل كثير من العلماء
والمفكرين الذين كانوا من أشد الدعاة أو المتحمسين لها أمثال:روجيه
جارودي الذي كان سكرتيرا ً للحزب الشيوعي الفرنسي ،والكاتب أندريه
جيد الذي زار روسيا سنة 1936م ،وعاد يائسا ً من الشيوعية ،ورتشارد
رايت ،وآرثر كستلر ،واكنار سيلوني ،وستيفن سيندر ،ولويس فيشر،
)(3
ويملوفان دجيلس الذي كان نائبا ً للرئيس اليوغسلفي تيتو.
394
المبحث الثاني :سقوط الحضارة الغربية-:
عوامل انهيار الحضارات والمم-:
ن سقوط الحضارات وانهيارها وهلك المم وذهابها له أسبابه إ ّ
وعوامله المنسجمة مع سنن الله تعالى ونواميسه ،والهلك نوعان،
الول :هلك الخذ والستئصال ،وقد توقف وانتهى ببعثة رسولنا محمد
صلى الله عليه وسلم ،قال تعالى" :وما أرسلناك إل رحمة للعالمين"
سورة النبياء ،107 :والثاني :هلك الهزيمة والنهيار والضياع ،وهذا
النوع سنة باقية على المم حتى قيام الساعة .ومن خلل دراسة تاريخ
المم السابقة التي ذهبت إلى غير رجعة ،وباستقراء آيات القرآن
الكريم يتبين أن هلك المم وسقوط الحضارات يرجع في
الجملة إلى السباب التالية-:
-1الكفر بالله تعالى ورسله :قال تعالى" :كدأب آل فرعون
والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي
شديد العقاب" النفال .52 :وبعد أن أخبر الله تعالى عن إهلك قوم
سبأ قال عز وجل" :ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إل الكفور"
سبأ.17 :
-2التكذيب لهدى الرسل :قال تعالى" :ولقد آتينا موسى الكتاب
وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا ً فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا
فدمرناهم تدميرا وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم
للناس آية واعتدنا للظالمين عذابا ً أليما ً وعادا ً وثمودا ً وأصحاب الرس
وقرونا بين ذلك كثيرًا" الفرقان .38-35 :وقال تعالى" :قد خلت من
قبلكم سنن فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" آل
عمران.137 :
-3الظلم :قال تعالى" :ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا"..
يونس .13 :وقال تعالى" :فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة"..
الحج.45 :
395
-4الفساد في الرض :قال تعالى" :ثم بعثنا من بعدهم موسى
بآياتنا إلى فرعون ومله فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين"
العراف.103 :
-5الستكبار في الرض :قال تعالى عن فرعون وجنوده" :واستكبر
هو وجنوده في الرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا ل يرجعون فأخذناه
وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين" القصص:
.40-39
-6انتشار الرذائل وفساد الخلق :قال تعالى عن هلك قوم
لوط" :ولوطا ً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من
العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم
مسرفون" ..ثم بين الله تعالى هلكهم فقال" :وأمطرنا عليهم مطرا ً
فانظر كيف كان عاقبة المجرمين" العراف.84-80 :
-7استفحال الذنوب والمعاصي والفسق :قال تعالى" :ألم يروا
كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الرض ما لم نمكن لكم
وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ً وجعلنا النهار تجري من تحتهم فأهلكناهم
بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا ً آخرين" النعام .6 :وقال تعالى" :أولم
يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم
أشد منهم قوة وأثارا ً في الرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من
الله من واق" غافر .21 :وقال تعالى في هلك قوم ثمود" :فدمدم
عليهم ربهم بذنبهم فسواها ول يخاف عقباها" الشمس .15-14 :وقال
تعالى" :وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها
القول فدمرناهم تدميرًا" السراء .167 :وقال تعالى" :وكذلك حقت
كلمة ربك على الذين فسقوا "..يونس.33 :
-8التمرد على أوامر الله تعالى والستهزاء بها وعدم
القيام بواجب النعمة والفضل اللهي :قال تعالى" :وكأين من قرية
عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا ً شديدا ً وعذبناها عذابا ً نكرا ً
فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا" الطلق .9-8 :وقال
تعالى" :فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا
396
فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين
ظلموا والحمد لله رب العالمين" النعام.45-44 :
وبتطبيق عوامل النهيار والهلك للمم السابقة على الحضارة
المادية الشيوعية والحضارة الغربية المعاصرة يتضح لنا بجلء أّنه قد
ل العوامل السابقة من كل جانب ،من أحاطت بهاتين الحضارتين ك ّ
الكفر والتكذيب والتمرد على شرائع الله تعالى وهدى رسله،
واستفحلت فيها الذنوب والمعاصي والثام ،وانغمست في مستنقعات
الشهوات والرذائل ،وبلغت من القوة المادية شأنا ً عظيمًا،وإذا كانت
الحضارة الشيوعية قد سقطت وهوت نظرية وتطبيقا ودولة عظمى،
فإن الحضارة الغربية الرأسمالية تنتظر أيضا الهاوية والهلك
والسقوط ..تنتظر أن تجري فيها سنن الله تعالى التي جرت في المم
البائدة قال تعالى" :سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة
ل" الحزاب ،62 :وعندها لن ينفع العلم ول التقدم المادي الله تبدي ً
أصحابها كما لم ينفع السابقين الهالكين قال تعالى":أفلم يسيروا في
الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد
قوة وأثارا ً في الرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم
رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به
يستهزئون" غافر .83 :وقال تعالى" :أولم يسيروا في الرض فينظروا
كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الرض
وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله
)(1
ليظلمهم لكن كانوا أنفسهم يظلمون"الروم.9 :
يقول الستاذ عمر عبيد حسنة":ولقد ذهب علماء الحضارات،
كثمرة لستقرائهم التاريخ البشري ،وصفحات السقوط والنهوض ،إلى
أن الحضارة ،أية حضارة ،تمر بمراحل ثلث ،هي-:
* المرحلة الولى :هي مرحلة الفكرة ،مرحلة اليمان بالهدف ،الذي يمل
على النسان نفسه ،ويشكل له هاجسا ً دائمًا ،وقلقا ً سويًا ،ويدفعه للعطاء
غير المتناهي،و التضحية في سبيل ذلك ،بكل شيء ،بما يمكن أن يعتبر أن
-1التمكين ص .281-279
397
من أهم سمات هذه المرحلة :بروز إنسان الواجب ،الذي ل يرى إل ما
عليه ،ويقبل على فعله بوازع داخلي ،بإيمان ،واحتساب ،دون أن يخامر
عقله ،ماله من حقوق ،هو إنسان واجب ،إنسان إنتاج ،وليس إنسان حق
كر بحديث الرسول فقط ،إنسان استهلك،وقد يكون من المفيد هنا ،أن نذ ّ
الله صلى الله عليه وسلم ،الذي وصف مرحلة الوهن الحضاري،
والشراف على السقوط ،وحدد معادلتها ،عندما سئل عن الوهن ،الذي
يصيب المة قال":حب الدنيا ")) :(1ظهور إنسان الغريزة-إنسان
الستهلك() ،وكراهية الموت ( )غياب إنسان اليمان ،والنتاج والحتساب.
* أما الدورة الحضارية الثانية ،أو المرحلة الحضارية الثانية ،التي تمر بها
المة ،هي مرحلة العقل ،وضمور اليمان ،وفتور الحماس ،نسبيًا ،مرحلة
التوازن ،بين العمل والجر ،بين الحق والواجب ،بين النتاج والستهلك،
بين الدنيا والخرة ،دورة ضبط النسب ،حلول العدل ،محل الحسان،وهنا
تصل الحضارة إلى قمتها ،وتبدأ مرحلة السقوط ،إذا لم تستدرك ما
يتسرب لها من أمراض.
* والدورة الحضارية الثالثة ،أو مرحلة ما قبل السقوط النهائي ،هي
مرحلة غياب اليمان وبروز الشهوة ،والغريزة ،وانكسار الموازين
الجتماعية،واستباحة كل شيء وبكل الساليب وعندها تسقط الحضارة،
وتموت المة ،ويتم الستبدال"(2).
وإذا كّنا نقول اليوم بسقوط وهلك الحضارة الرأسمالية الغربية
ن ذلك كائنا ً في الغد القريب –إل أن يشاء اللهفلسنا من الحالمين بأ ّ
شيئًا -إّنما نقول فقط إّنها مقضي عليها بالسقوط حسب سنة الله
ما سرعة تعالى لما تشتمل عليه من عوامل السقوط والنهيار..وأ ّ
-2في مقدمته لكتاب المستقبل للسلم:الدكتور أحمد علي المام ،في سلسة كتب
المة-السادس والربعون -إصدار مركز البحوث والدراسات بوزارة الوقاف
والشؤون السلمية ،قطر.
398
)(1
النهيار وبطؤه فأمر متعلق بمشيئة الله تعالى وإرادته.
لقد تسّلم الرجل الغربي قيادة البشرية بعد أن خاض معركة
قاسية ضد الكنيسة ودينها ورجالها ،أسفرت عن تنحية الدين جانبًا،
وعزله عن شئون الحياة كلها ،بل والسخرية منه والكفر بالله رب
العالمين.
وكان من نتائج ذلك إفلس الحضارة الغربية وإشقائها لهلها لنها:
أرادت أن تطير بجناح واحد ،هو الجناح المادي ،وأّنا لها ذلك ،يقول
برناردشو" :كنت أعرف دائما ً أن الحضارة تحتاج إلى دين ،وأن حياتها أو
موتها يتوقفان على ذلك" .ويقول الكاتب النجليزي " كولن ولسون"
ن الحضارة المعاصرة حضارة ذات تطور في كتابه )الل منتمي(:إ ّ
ميكانيكي عال استمر ثلثة قرون يصاحبه فراغ كبير ل تعرف الحضارة
كيف تنفقه).(2
ولقد تحدث كثير من مفكري الغرب عن بوادر انهيار الحضارة
الغربية وسقوطها ،وننقل هنا أقوال بعض هؤلء المفكرين-:
-يقول الفيلسوف النجليزي "برتراندرسل"" :لقد انتهى العصر الذي
يسود فيه الرجل البيض ،وبقاء تلك السيادة إلى البد ليس قانونا ً من
قوانين الطبيعة ،وأعتقد أن الرجل البيض لن يلقى أياما ً رضية كتلك
التي لقيها خلل أربعة قرون").(3
-ويقول الدكتور ألكسيس كاريل في كتابه" :النسان ذلك
المجهول"" :إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب ،لنها ل
تلئمنا ،فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقية ،إذ إنها توّلدت من
خيالت الكتشافات العلمية ،وشهوات الناس ،وأوهامهم ،ونظرياتهم،
ورغباتهم ،وعلى الرغم من أنها أنشئت لمجهوداتنا ،إل أنها غير صالحة
بالنسبة لحجمنا وشكلنا".
399
-وتحدث "جون فوستر دالس" وزير خارجية أمريكا السبق في
كتابه "حرب أم سلم" عن إفلس الحضارة الغربية ،وسبب ذلك :نقص
اليمان الصحيح القوي ،وهو النقص الذي ل يعوضه السياسيون مهما
بلغت قدرتهم ،أو الدبلوماسيون مهما كانت فطنتهم ،أو العلماء مهما
)(1
كُثرت اختراعاتهم.
-ويقول المفكر ليبولد فلم دانز في كتابه":النسان والضمير
المأسوي الممزق"" :إن النسان المنتمي إلى عصرنا هذا ل يؤمن
بشيء ،ول يفكر ،أو أنه لم يفكر بعد ،ولكنه يعلم كثيرًا ،إن نهاية
المسيحية تشمل أيضا ً نهاية اليدلوجيات الخرى كالماركسية ،التي
تجتاز من أجل ذلك أزمة عميقة ،وإن هذه الزمة ليست أبدا ً علمة حياة
بل علمة موت".
-ويقول المفكر لموني" :إن الجنس البشري بكامله يمشي بخطى
حثيثة إلى الهلك ،إنه في النزاع الخير ،كذلك النسان الجريح المسكين
الذي ل يرجى له شفاء .فكثرة الخطاء في حضارتنا تجرها إلى الغرق".
)(2
400
كعبادة المادة ،أو العلم ومخترعاته ،أو عبادة النسان لنفسه ،أو عبادة
التقدم والعقل والطبيعة.
-ظهر في أمريكا كتاب بعنوان":يوم أن اعترفت أمريكا
بالحقيقة" وهذا الكتاب هو دراسة قامت على إحصاءات ،واستبيانات،
وأرقام من واقع المجتمع المريكي ،ويتضمن هذا الكتاب نتائج مفزعة،
مخيفة بالنسبة للمريكيين ،يقول عن هذا الكتاب "إلكس هلي" مؤلف
كتاب آخر " :كتاب مفزع عندما أنهيت قراءته؛ لم أعرف ماذا أفعل ،هل
أصدع بالحقائق -أي التي فيه -أم أركض للتلل وأختبئ؟ إنه يعرض لنا
حقائق عن أنفسنا لم نشاهدها في أية دراسة ،أو في استطلعات
الرأي ،ول حتى في الحاديث الشخصية " .و قالت صحيفة "نيويورك
ديلي نيوز" عن الكتاب كلمة واحدة " :نتائج مفزعة ".
-يقول سعد جمعة رئيس وزراء الردن السبق في كتابه "الله أو
الدمار")" :(1إن المفكرين الغربيين على اختلف نزعاتهم -باستثناء قلة
ضئيلة من الملحدة الماديين -يعتقدون أن سبب الضياع الوجداني
والعقم الروحي اللذين أصبحا طابع الحضارة الغربية المعاصرة التي
أوشكت إلى الندثار والدمار هو غياب الدين ،وأن الحل الوحيد لنقاذ
تلك الحضارة هو الحل الديني ،وينقل عن بعض هؤلء المفكرين
أقوالهم في ذلك ،ومن هؤلء :رئيس أكاديمية نيويورك السابق الذي
يقول" :إن حضارتنا تنتحر لغياب الوازع الديني ،وسوف يجيء يوم
ول فيه النظام إلى فوضى ،وينعدم التوازن وضبط النفس، قريب ،يتح ّ
ويتفشى الشر في كل مكان ،ويبدو أن المور لن تستقر إل بالعودة إلى
الله" .ومن هؤلء" :جوليا غرين" الفيلسوف النجليزي الذي يقول:
"إن ظاهرة هذا الجيل هي النحلل والتفسخ ،وأن ل شيء ينقذ
الحضارة الغربية إل النعتاق والتغلب على نوازع الجسد بالتأمل الروحي
والرتداد إلى الدين ،الذي يستطيع وحده أن يحل في النفس البشرية
السكينة والمل محل القلق والتمرد".
401
ويرى الستاذ سيد قطب أن من أسباب انهيار الحضارة
الوربية المعاصرة أنها حضارة منبتة -منقطعة -عن الله تعالى ،ومنبتة
ط النسان التفسير الواحدعن منهجه للحياة ،وأنها لم تستطع أن تع ِ
الصحيح لحقيقة هذا الكون وعلقته بخالقه عز وجل ،ولغاية وجوده
النساني ووسائل بلوغها المشروعة ،لقد حصل فصام نكد بين الدين
والحياة ،وبين عالم المادة والروح ،وبين العلم والدين.
ويضيف إلى ذلك سببا ً آخر:إنه الخواء الروحي الذي ينخر في روح
الحضارة الغربية ،ففي ظل هذا الخواء تختمنق روح النسان ،وتهدر
قيمته ،وتنحدر خصائصه ،بينما تتكدس الشياء وتعلو قيمتها ،وتطغى
على كل قيمة للنسان ..إنه الخواء الذي يهدد هذه الحضارة بالنكسة
والنحدار ،على الرغم من ضخامة النتاج المادي والفتوح العلمية،
والتقدم الصناعي) .(1ويكفي أن نعلم أن في أمريكا أكثر من ستمائة )6
(00مذهب وطائفة دينية كلها تبث روح اليأس والحباط في نفوس
أتباعها.
إن الخواء الروحي جعل البشرية تعاني من الشقاء والتمزق
الداخلي ،والتوتر العصبي والفزع ،ومن ثم محاولت الهروب من الحياة
إلى الكحول والمخدرات وأخيرا ً إلى النتحار الذي أصبح موضة لدى
كثيرين من ضحايا الخواء الروحي والفراغ العقائدي .يقول آرثر
شوينهار" :إن الحياة تتأرجح من اليمين إلى اليسار ،من اللم إلى
الملل ،وليستغث هذا الغرب المسكين إلهه إذا شاء .إنه سيظل فريسة
مصيره ،فالقدر ل يرحم") .(2ويقول الدكتور ألكسيس في كتابه
"النسان ذلك المجهول")" :(3إن القلق والهموم التي يعاني منها سكان
المدن العصرية تتولد عن نظمهم السياسية والقتصادية والجتماعية،
فإن البيئة التي أوجدها العلم للنسان ل تلئمه ،لنها أنشئت دون اعتبار
ذات النسان".
402
ويقول "آرثر ميللر" متحدثا ً عن أمريكا الحديثة" :إن مشكلة
انحراف الشباب ل تنتمي فقط للمدن الكبرى بل إلى الريف أيضًا ،إنها
ليست مشكلة الرأسمالية فحسب ،بل الشتراكية أيضًا...إنني أعتقد أن
مرت النسان المشكلة -في وضعها الراهن -هي نتاج التكنولوجيا التي د ّ
كقيمة من ذاته...وباختصار:لقد اندثرت الروح وتلشت").(1
يقول الرئيس المريكي السابق "ولسون" قبل وفاته بأسابيع
قليلة":إن حضارتنا ل تستطيع الستمرار في البقاء من الناحية المادية،
إل إذا استردت روحانيتها...هذا هو التحدي النهائي لكنائسنا ومنظماتنا
)(2
السياسية ،وللرأسماليين عندنا ،ولكل فرد يخاف الله ،أو يحب بلده".
ن تحذير الرئيس ولسن لن يفيد أمريكا شيئًا ،فالكنائس النصرانية إ ّ
ليس لديها شيء من الدين الحق ،فكل ما لديها مجموعة من الخرافات
والساطير التي أفسد بها بولس النصرانية ،إنه دين ل يصلح الفرد ول
الحياة النسانية.
وإذا كانت أمريكا هي ربة الحضارة الغربية وسمميدتها ،فلننظممر فممي
حيمماة القمموم هنمماك ،ولنلحممظ الشممقاء الممذي وصممل إليممه المجتمممع
المريكي،إّنه شقاء ينذر بقممرب وقمموع كارثممة السممقوط ،الممتي نرجممو أن
تكون قريبة ،وأن غدا ً لناظره قريب.وإليممك نممماذج مممن مظمماهر الشممقاء
في الحياة المريكية.
-1السلم بين الشرق والغرب علي عزت بيجوفيتش رئيس البوسنة والهرسممك ص
.121
-2المستقبل لهذا الدين ص .73
403
سكان أمريكا باختلف ثقافاتهم وأديانهم وأوطانهم وأصولهم لم يربط
بينهم رابط سوى البحث عن عمل وكسب المال ،ويقول ص ):(48
محلل ومراقب ثاقب وقد اكتشف )توكفيل( الحقيقة وكان أول ٍِ
البصيرة للوليات المتحدة منذ عام 1840في كتابه السلمي عن هذه
الدولة وكانت ل تزال وليدة حين قال ) :لم أعرف شعبا ً مثل هذا
ب المال على قلوب البشر،إّنه شعب من شراذم الشعب استولى فيه ح ّ
المضاربين والمقامرين( ،واليوم نستطيع أن نعثر في تاريخ هذا الشعب
على أسس انحطاط ثقافته(".
ما بالنسبة لتعليم :فالنظام المريكي يعتبر في الحضيض ،فقد أظهر -وأ ّ
تقرير المتخصصين من جامعة كولومبيا أن % 40من الشباب المريكي
الذين يدرسون في كليات اعترفوا بعدم قدرتهم على القراءة على نحو
جيد ،وهناك 23مليون شاب أمريكي أمي )حسب تقرير صادر في جلو
بال ايكوتومي .(1990
-حسب الحصائيات القديمة 4أشخاص من كل ألف شخص نزلء في
مستشفيات المراض العقلية ،وفي مدينة هوليود أكبر نسبة من عدد
الطباء النفسانيين في العالم.
-يقول د .ألكسيس كارل" :في بعض وليات أمريكا يزيد عدد
المجانين الذي يوجدون في المصحات على عدد المرضى الموجودين
في جميع المستشفيات الخرى .وكالجنون ،فإن الضطرابات العصبية،
وضعف القوى العقلية آخذ في الزدياد ،وهي أكثر العناصر نشاطا ً في
جلب التعاسة للفراد ،وتحطيم السر..إن الفساد العقلي أكثر خطورة
على الحضارة من المراض المعدية").(1
-حسب التقرير الصحي لسنة 1978م :أن واحدا ً من كل خمسة
أمريكي يعاني من النهيار العصبي أو هو على حافته ،وأن % 48من
المريكيين قد عانوا خلل ً عقليا ً حسب إحصائية عام ،1994وأن عشرة
بالمائة منهم قد عانوا من مشكلت الكبت النفسي خلل عام 1993م.
وعلى الرغم من أن الوليات المتحدة تتمتع بأفضل العيادات
404
والمستشفيات ومراكز البحث في العالم ،فإن النظام الصحي نفسه
يعد كارثة حقيقية ،ففي وفيات الطفال تتمركز هذه الدولة في المرتبة
الثانية والعشرين على الصعيد العالمي ،وحصة الصحة من النفقات
العامة ٍُتعد القل بين الدول منظمة التعاون والتنمية القتصادية
المعروفة باسم .OCDE
-في سنة 1965م وقعت خمسة مليين جريمة ،ثم ازدادت الجرائم
الخطيرة أسرع أربع عشرة مرة من الزيادة السكانية ) % 187مقابل
.(% 13
-في أمريكا :تحدث جريمة كل 12ثانية ،وجريمة قتل كل ساعة،
وجريمة اغتصاب للعرض كل 25دقيقة -مع أن الجنس مباح(-جاء في
كتاب:يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة للمؤلفين المريكيين :جيمس
بات رسون ,وبيتر كيم:أظهرت إحدى الحصائيات أن 19مليونا ً من
ن ضحايا لعمليات الغتصاب !!( .وفي النساء في الوليات المتحدة ك ُ ّ
استفتاء قامت به جامعة )كورنل( تبين أن %70من العاملت في
الخدمة المدنية قد اعُتدي عليهن جنسّيا .وتقدر )جمعية مناهضة
ن 35حالة تلتزم الصمت مقابل حالة يبلغ اغتصاب النساء في أمريكا( أ ّ
عنها .و %70من الطالبات تعرضن لمضايقات جنسية مختلفة خلل
ن %90من اللتي تعرضن لمضايقة فترة الدراسة في الجامعة ،مع أ ّ
لم يبلغن الشرطة.
-وفي أمريكا:مليون طفل يولدون سنويا من السفاح ،و 12مليون
طفل مشّرد في ظروف غير صحية ،ومليون حالة إجهاض سنويا.
-وفي أمريكا تحدث جريمة سرقة كل خمس دقائق ،وسرقة سيارة
كل دقيقة.
-وفي نيويورك وحدها –حسب إحصاءات الشرطة– يقع حادث قتل كل
أربع ساعات واغتصاب كل ثلثة ساعات ،واعتداء كل ثلثين ساعة ،مع
ن نيويورك ل تتبوأ سوى المكانة العاشرة ضمن مدن الوليات المتحدة أ ّ
بالنسبة لنتشار الجرائم ،ففي عام 1998تم إحصاء 21ألف جريمة
قتل في سجل الوليات المتحدة المريكية ،ومنذ العام 1979م وحتى
405
ل من تسعة عام 1991م قتل ما يقرب 50ألف أمريكي أعمارهم أق ّ
ل من 14عاما ،وأربعون ألفا عشر عاما منهم تسعة آلف أعمارهم أق ّ
بين خمسة عشر وتسعة عشر عامًا.
-هناك أكثر من مليون أمريكي في السجون ،وأكثر من ثلثة مليين
تحت المراقبة ،هذه هي نتائج اقتصاد سوق مفترس بل هوادة يحكم–
كما كتب "هوبز" في كتابه " فجر الرأسمالية "– بمنطق "حرب الكل
ضد الكل "وهو منطق ونظام الحرب.
ن عدد الشباب المسجلين كمدمنين -وحسب إحصائية سنة 1963م :فإ ّ
للهروين في مدينة نيويورك وحدها تجاوز 23ألف شاب ،وعدد غير
المدمنين يزيد على مائة ألف ،وفي كلية "هنتر" بنيويورك أكثر من
نصف الطلب يتعاطون الحشيش .الذين يتعاطون المخدرات في
درت أمريكا -حسب إحصائية 1978م % 49 -من الشعب المريكي .وق ّ
-حسب إحصائية 1991م -حجم التجارة الداخلية للمخدرات في أمريكا
190مليار دولر سنويًا ،مع العلم بأن الدولة -منذ سنة 1992م -تنفق
)(1
30مليار دولر سنويا ً في محاربة هذه التجارة.
يقول المفكر الفرنسي الكبير المسلم روجيه جارودي":نجد
ن الركيزتين الساسيتين ،والكثر صلبة وقوة في توسع السوق اليوم إ ّ
هما :المخدرات والسلح ،حيث يتساوى حجم المخدرات ماليا مع حجم
تجارة السيارات والصلب داخل الوليات المتحدة المريكية ،كما ويتزايد
الستهلك يوميا مع افتقاد أي معنى للحياة وتفشي
البطالة،والقصاء..وأصبحت الغاية الوحيدة لستهلك المخدرات هي
الحساس بسعادة التسوق في السوبر ماركت التي تسمح بها"(2).
-جاء في كتاب):يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة( للمؤلفين
المريكيين:جيمس بات رسون ,وبيتر كيم ما يلي :ص :21
النموذج المثالي للطفولة انتهى .نسبة مروعة من الفتيات المريكيات
-2أمريكا طليعة النحطاط :روجيه جارودي ،تقديم كامل زهيري وتعريب عمرو
زهيري ،دار الشروق ،الطبعة الولى 1420ه1999-م ،ص .42
406
يفقدن بكارتهن قبل سن الثالثة عشرة .نسبة %20من النساء اللتي
شملتهن هذه الدراسة اعترفن لنا بأّنهن قد اغتصبن من قَِبل أصدقائهن,
%42من المريكيين اعترفوا بأنهم قد تعرضوا لعتداءات جنسية
ن ما نسبته 1إلى 5من المريكيين -رجال شرسة وقاسية .ص : 22إ ّ
ونساء -لديهم تصورات و أحلم وتخيلت ذات علقة بالشذوذ الجنسي،
ونفس الصفحة :يقول المريكيون والمريكيات:على الرغم من أننا ل
زلنا نتزاوج ,إل أننا فقدنا الثقة في الزواج نفس الصفحة :هناك انحلل
وتدهور فيما يتعلق بالهتمام بالسرة وطاعة الوالدين .ص %29 :65
ن أبكارا ً ليلة زواجهن .والباقي ؟! في ص :70نسبة من نساء أمريكا ك ّ
1إلى 4من المريكيات تخون زوجها بينما الرجال 1إلى .3وفي ص
%61: 75من الفتيات الذين تتراوح أعمارهن بين 18و 24سنة قلن
بأنهن فقدن عذريتهم قبل بلوغهن السادسة عشرة .
-وفي الكتاب المذكور ص :106حوادث النتحار المسجلة رسميا هي
30.000حالة سنويا وهذا الرقم أقل من الرقم الحقيقي لحوادث
النتحار.
-فممي نيويممورك مليممون ومائتمما ألممف شمماذ جنسمميًا ،وفممي جامعممة لمموس
أنجلوس بولية "كاليفورنيا" بلغممت نسممبة الشمماذين جنسمميا ً مممن الطلب
والطالبات ،% 84ويكفي أن تعلم أنه يوجد في أمريكمما أكممثر مممن 652
مستشفى للمراض الجنسمية .و %95 – 85نسمبة الممرأة المريكيمة
العاملة في قطاع الدعارة
-نشرت دائرة المعارف البريطانيممة معلومممات عممن المممراض الجنسممية
المنتشرة في أمريكمما سممنة 1940م ،فممذكرت :أن % 90مممن الشممباب
المريكممي مصمماب بممالزهري % 60 ،مصمماب بالسمميلن % 40 ،مصمماب
بالبرود الجنسي.
-في عام 1962م صرح الرئيس المريكممي جممون كنممدي أن 7ر % 85
من الشباب المريكي غير صممالحين للخدمممة العسممكرية ،لن الشممهوات
التي غرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية.
-إن نصف مليون اتصال جنسي مدفوع الجر يتم يوميا ً في أمريكا ،وإن
407
مهنة الدعارة تأتي في المرتبة الثانية في المهن التي تتمّناها الفتاة
المريكية .وحسب إحصائية رسمية أمريكية فإن % 85من الفتيات
المريكيات أعمارهن ما بين 21-14عاما ً يحلمن بأن يصبحن عاملت
)(1
في الدعارة والعهر.
-لقد نشرت الصحف المريكية صورة لحد الشباب المريكي وعمره
في الحادية والعشرين تزوج جدته وعمرها سبع وسبعون سنة ،وتم عقد
)(2
النكاح في الكنيسة في قرية قرب لوس أنجلوس.
-يقول القس المريكي "د .جيري فالويل" في كتابه" )اسمعي يا
أمريكا(" :لدينا إحصاءات مرعبة عن حوادث الطلق وتدمير السرة
والجهاض وجنوح الناشئة ،والفوضى الجنسية ،وتعاطي المخدرات،
وجرائم القتل ،إنني أشاهد حطام النسان ،والرواح المهدودة بأكداس
)(3
تفوق الحصائيات".
-ومن مظاهر انحطاط القيم والمواقف والمعايير ل يتقنها إل ّ الرؤساء
المريكيون ،ما ذكره الفيلسوف جارودي في كتابه "أمريكا طليعة
النحطاط" إل إّنه مثال يؤكد انحطاط أمريكا شعبا وحكومة ،فلقد
أوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت " السرائيلية في عددها الصادر يوم
الجمعة 4/1/2002م وعلى صفحتها الخيرة صورة للرئيس المريكي
السابق كلينتون ،وهو واقف وأمامه يقف منتصبا كلبه الشخصي– الذي
مات دهسا ً قبلها بأيام – على رجليه الخلفيتين ،وينتصب كلينتون في
شبه زاوية قائمة ،حيث يقبل الرئيس كلبه قبلة حارة بل إن الرئيس
كلينتون قد أسمى كلبه باسم "بادي"ولقد اختار هذا السم ليخلد اسم
مه "بادي" الذي مات مطلع العام 1997م فاقتنى هذا الكلب بعد ع ّ
مه وسماه باسمه تخليدا ً لذكراه بدل تسمية بضعة أشهر من موت ع ّ
أحد الحفاد تخليدا لذكرى الجداد ،نعم إّنه النحطاط في أجلى معانيه
408
ن العجب يزول إذا كان هذا أن يحترم العم بأن يسمى كلب باسمه ،إل ّ أ ّ
يحصل في أمريكا طليعة النحطاط .وبعدها فقط بخمسة أيام نشرت
صحيفة " هآرتس " في عددها يوم 9/1/2002م صورة الرئيس بوش–
ما الكلب "بارني" فيحمله على يده خليفة كلينتون– وهو يحمل كلبيه ،أ ّ
ما الكلب "سبوت " فيجّره بحبل بيده؟؟. مه إلى صدره وأ ّ
ويض ّ
تلك هي حضارة أمريكا التي قربت من الفول ،الحضارة التي
ن
يعيش النسان في ظلها وهو محروم من السعادة والهناء ،على حين أ ّ
الحيوان يعيش حياة يغمرها السرور والفرح ،كما أشار إلى هذه
الحقيقة "برتراندرسل" ،وصدق الله تعالى إذ يقول):ومن أعرض عن
ذكري فإن له معيشة ضنكا ً( سورة طه.124:
409
الفصل الثاني
المستقبل للسلم
تمهيد:
يقول شبنجلر في كتابه "سقوط الحضارة"" :إن للحضارة دورات
فلكية ،تغرب هنا ،لتشرق هناك ،وإن حضارة جديدة أوشكت على
الشروق في أروع صورة هي حضارة السلم ،الذي يملك أقوى قوة
)(1
روحانية عالمية نقية".
ويقول الروائي الروسي "سولجستين"":إن الطريقة الوحيدة
نحو تصحيح المسار المادي المنحرف ،للنسان الغربي المعاصر ،هو
عودة النسان إلى اليمان بقوة مهيمنة على مصير النسان ،وهي التي
تحدد له قيمه ومسؤولياته الخلقية والجتماعية ،وكذلك اليمان بوجود
قيم أخلقية عالية ،وموضوعية شاملة لكل البشر ،وهي تعلو على كل
اعتبارات الحرية الفردية التي ل تحدها حدود".
ويقول المفكر الفرنسي "ديباسكييه" مرشحا ً السلم لقيادة
البشرية ،وإنقاذها من التردي والسقوط" :إن الغرب لم يعرف السلم
أبدًا ،فمنذ ظهور السلم اتخذ الغرب موقفا ً عدائيا ً منه ،ولم يكف عن
الفتراء عليه والتنديد به ،لكي يجد مبررات لقتاله ،وقد ترتب على هذا
التشويه أن في العقلية الغربية مقولت فظة عن السلم".
ويضيف" :ول شك أن السلم هو الوحدانية التي يحتاج إليها العالم
المعاصر ،ليتخلص من متاهات الحضارة المادية المعاصرة التي لبد إن
)(2
استمرت أن تنتهي بتدمير النسان".
ويقول المستشرق المريكي "سارتون" :ليس ثمة ما يمنع أن تقود
شعوب العالم السلمي العالم مرة أخرى في المستقبل القريب أو
)(3
البعيد ،كما قادته في العصور الوسطى.
410
تلك هي صرخات عقلء الغرب الذين وضعوا أيديهم على العلج
الشافي والدواء الناجح للبشرية وأدوائها ،إنهم ينادون العالم السلمي
كي يتقدم حامل ً معه الشريعة الربانية التي تنقذ البشرية مما هي فيه،
وتجرها إلى السعادة والطمأنينة .وهي صرخات نقدمها لمن سرى في
نفوسهم اليأس القاتل عن مستقبل السلم ،والذين صاروا حين
يسمعون الحديث عن هذا المستقبل تفتر ثغورهم عن ابتسامات صفراء
أقرب إلى السخرية.
قال تعالى):ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم( آل
عمران ،101 :وقال) :فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فل يضل
ول يشقى( طه ،123 :وقال) :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم السلم دينًا( المائدة.3 :
ما المسلمون الصادقون فإن إيمانهم بالمستقبل لهذا الدين ،فقد وأ ّ
استقوه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم،
ففيهما عشرات النصوص التي تقول :إن السلم قادم ،وهو المنتصر
دائما ً وأبدا ً )هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله ولو كره المشركون( التوبة ،33 :الصف9 :
ونذكر هنا بعض المبشرات النصية في الكتاب والسنة والفطرة ،ثم
نعرض لبعض المبشرات الواقعية في واقع الحياة:
المبحث الول :المبشرات النصية في الكتاب والسنة):(1
ل :المبشرات القرآنية: أو ً
-1مبشرات غلبة الدين وظهوره على ما عداه من الديان
والمذاهب والفكار والنحل ،ومن ذلك:
-قوله تعالى):يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إل أن
يتم نوره ولو كره الكافرون .هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون( التوبة) ،33-32 :هو الذي
-1هذا المبحث أكثره مستفاد من :السلم ومستقبل البشرية د .عبد اللممه عممزام ص
،60-40البشائر بنصرة السلم محمد بن عبد الله الدويش ص .27-13
411
أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله
شهيدًا( الفتح.28 :
ن وعد الله تعالى بنصرة السلم قد تحقق زمن رسوله صلى الله إ ّ
عليه وسلم وزمن خلفائه ،ومن جاء بعدهم فترة طويلة من الزمان،
وكان هو الظهر والغلب .وسوف يتحقق لنه وعد الله القائم وفق
سننه التي ل تتبدل ول تتحول ،وما على المسلمين الصادقين إل أن
ينهضوا لحمل راية الدين والمضي بها اقتداًء بسيرة النبي صلى الله
عليه وسلم ،واقتفاًء لخطواته المباركة.
-قوله تعالى):ألم تر كيف ضرب الله مثل ً كلمة طيبة كشجرة طيبة
أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب
الله المثال للناس لعلهم يتذكرون ومثمل كلممة خبيثمة كشجمرة خبيثمة
اجتثت من فوق الرض ما لها من قرار(إبراهيم.25-24 :
ن الكلمة الطيبممة الممتي تتمثممل فممي ديممن اللممه تعممالى ومنهجممه هممي
إ ّ
كالشجرة الطيبة ،ثابتة سامقة مستقرة مثمممرة ،وإن خي ّممل للبعممض أنهمما
معرضة للخطر الممماحق فممي بعممض الحيممان وسممتظل سممامقة متعاليممة،
قاهرة للشر والظلم والطغيان الذي يتمثل في الديان الباطلة والفكممار
الضممالة والمممذاهب الفاسممدة الممتي هممي كالشممجرة الخبيثممة ،وإن يخيممل
للبعض أنها متعالية ،إنها قد تهيج وتتعممالى ،ولكنهمما فممي جممذورها ضممعيفة
غير متماسكة ،ليس لها قرار ول بقمماء ،والبقمماء والثبممات للكلمممة الطيبممة
التي هي كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها ممتد إلى السممماء ،حيممث
حفظ الله وعنايته الدائمة.
-2مبشرات وعده تعالى بالنصر للمسلمين وبالتمكين
لدينهم..ومن ذلك:
-قوله تعالى):أذن للذين ُيقاَتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم
لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ولول
دمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُ ّ
ُيذكر فيها اسم الله كثيرا ً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز(
الحج.40-39 :
412
-قوله تعالى):ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم
المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون( الصافات.171 :
يقول سيد قطب في ظلله حول هذه الية الكريمة":والوعد قائم،
وكلمة الله قائمة...وكل المحاولت التي بذلت لمحو العقائد اللهية التي
جاء بها الرسل وتغليب أية فكرة أو فلسفة أخرى قد باءت بالفشل.
باءت بالفشل حتى في الرض التي نبعت منها ،وحقت كلمة الله لعباده
المرسلين ،إنهم لهم المنصورون ،وإن جنده لهم الغالبون.
هذه بصفة عامة ،وهي ظاهرة ملحوظة ،في جميع بقاع الرض ،في
جميع العصور ،وهي كذلك متحققة في كل دعوة لله ،يخلص فيها الجند،
ويتجرد لها الدعاة .إنها غالبة منصورة مهما وضعت في سبيلها العوائق،
وقامت في طريقها العراقيل ،ومهما رصد لها الباطل من قوى الحديد
والنار ،وقوى الدعاية والفتراء وقوى الحرب والمقاومة ،وإن هي إل
معارك تختلف نتائجها .ثم تنتهي إلى الوعد الذي وعده الله لرسله،
والذي ل يخلف ،ولو قامت قوى الرض كلها في طريقه.الوعد بالنصر
)(1
والغلبة والتمكين".
ت
حا ِ صال ِ َمُلوا ال ّ م وَعَ ِ من ْك ُ ْمُنوا ِ نآ َ ذي َ ه ال ّ ِ -قوله تعالى ):وَعَد َ الل ّ ُ
ن ل َهُ ْ
م مك ّن َ ّم وَل َي ُ َ ن قَب ْل ِهِ ْم ْن ِ ذي َ ف ال ّ ِ خل َ َ
ست َ ْ
ما ا ْ ض كَ َ ِ م ِفي اْل َْر فن ّهُ ْخل ِ َ
ست َ ْل َي َ ْ
َ
دون َِني ل منا ً ي َعْب ُ ُمأ ْ خوْفِهِ ْ ن ب َعْدِ َ م ْ م ِم وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ ضى ل َهُ ْ ذي اْرت َ َ م ال ّ ِ ِدين َهُ ُ
ْ َ َ ُ َ َ َ ً ُ
ن( النور.55: قو َ س ُفا ِ م ال َ فَر ب َعْد َ ذ َل ِك فأولئ ِك هُ ُ نك َ م ْشْيئا وَ َ ن ِبي َ شرِكو َ يُ ْ
ن وعد الله تعالى لعباده بالستخلف في الرض سيتحقق ،فهو ل إ ّ
يخلف الميعاد ،ووعده لدينه بالظهور والغلبة ومن ثم التمكين في
الرض ،هو من الحقائق الكبرى المستقرة في قلب كل مؤمن.
-3الخبار بضعف كيد الكفار وضلل سعيهم في النيل من
السلم ،وفشل كيدهم في الصد عنه والتآمر عليه .ومن ذلك:
دوا عن سبيل الله -قوله تعالى):إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليص ّ
فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم ُيغلبون والذين كفروا إلى جهنم
ُيحشرون( النفال .36 :يقول المام ابن كثير" :فقد أخبر تعالى أن
الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن إتباع طريق الحق ،فسيفعلون ذلك،
413
ثم تذهب أموالهم ،ثم تكون عليهم حسرة أي ندامة ،حيث لم تجد شيئًا،
لنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق ،والله متم
نوره ولو كره الكافرون ،وناصر دينه ،ومعلن كلمته ،ومظهر دينه على
)(1
كل دين."..
-قوله تعالمى) :إنهمم يكيمدون كيدا ً وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم
رويدًا( الطارق.17-15 :
ن اليات الكريمة فيها تثبيت للمؤمنين وتطمين لهم ،كما أن فيها إ ّ
تهوين من أمر ما يصنع الكفار من حرب للسلم والمسلمين ،ونهاية
المعركة محسومة لهذا الدين ،لن الله تعالى ل يقوى أحد على
مواجهته ،أو النيل من دينه )ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين(
النفال.18 :
ثانيًا :المبشرات النبوية:
-1المبشرات العامة بنصر السلم وإذلل الكافرين-:
-روى أبي بن كعب رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
)(2
سناء والنصر والتمكين.(.. عليه وسلم):بشر هذه المة بال ّ
-روى تميم الداري رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله
ن هذا المر ما بلغ الليل والنهار ،ول يترك الله عليه وسلم يقول" :ليبلغ ّ
بيت مدر ول وبر إل أدخله الله هذا الدين ،بعز عزيز ،أو بذل ذليل ،عزا ً
)(3
يعز الله به السلم ،وذل ً يذل الله به الكفر".
-روى ثوبان رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم):إن الله زوى لي الرض ،فرأيت مشارقها ومغاربها ،وإن أمتي
414
(1).
سيبلغ ملكها ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الحمر والبيض(
-عن خباب بن الرت رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
ن الله هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء
عليه وسلم) :والله ليتم ّ
إلى حضرموت ل يخاف إل الله والذئب على غنمه ،ولكنكم تستعجلون(.
)(2
-عن أبو هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم):ل تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال ويفيض ،وحتى يخرج
الرجل بزكاة ماله ،فل يجد أحدا ً يقبلها منه ،وحتى تعود أرض العرب
ً )(3
مروجا ً وأنهارا (.
-1رواه مسلم رقم 2889في الفتن ،باب هلك هذه المة بعضهم ببعض ،والترمذي
رقم ،2177في الفتن ،باب ما جاء في سؤال النممبي ثلث ما ً فممي أمتممه ،وأبممو داود
رقم ،4252في الفتن ،باب ذكر الفتن ودلئلها ،وأحمد .284 ،5/278
-2رواه البخاري.
-3رواه مسلم رقم 157في الزكاة ،باب الترغيب في الصدقة ،وفي اليمان ،وبمماب
بيان الزمن الذي ل يقبل فيه اليمان ،ورقم ،2912م 2922في الفتن ،باب ل تقمموم
الساعة حتى يمر الرجل بقممبر الرجممل ،..ورواه أحمممد ،2/703م ،417والحمماكم فممي
المستدرك .4/477
-4رواه أحمممد ،4/273وأبممو داود الطيالسممي رقممم ،438قممال الهيثمممي فممي مجمممع
الزوائد 6/188رجاله ثقات ،وصححه العراقي بقوله :هممذا حممديث صممحيح ،وأخرجممه
415
-وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأس أبى
حوالة الزدى وقال":يا بن حوالة إذا رأيت الخلفة قد نزلت الرض
المقدسة فقد دنت الزلزل ،والبليا والمور العظام ،والساعة يومئذ
)(1
أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك".
-3المبشرات بقتال اليهود وانتصار المسلمين عليهم:
-عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال):ل تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود ،فيقتلهم
المسلمون ،حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر ،فيقول
الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي ،فتعال فاقتله
)(2
إل الغرقد ،فإنه من شجر اليهود(.
ن باحث َْين أمريكي َْين زاراني في بيتي ،طالبين فهممم الحممديث أذكر أ ّ
في ضوء الواقممع المعاصممر ،ولقممد أخممبراني بممأن اليهممود يؤمنممون بصممحة
مضمون الحديث ،وهم يعملون جادين على تأخير همذا اليموم ،ويزرعمون
شجر الغرقد استعدادا ً لذلك.
وليعلم أبناء السلم أن الستعلء اليهودي اليوم هو استعلء
مؤقت ،وتمكين الله تعالى اليهود في الرض لن يدوم ،إن وعد الله
تعالى سيتحقق ،وأن المعركة الفاصلة التي أخبر عنها الرسول صلى
الله عليه وسلم بين المسلمين واليهود ستنهي الفترة الستثنائية التي
كن فيها اليهود )بحبل من الله وحبل من الناس( آل عمران: م ّ
ُ
،112وسيعود اليهود إلى وضعهم الطبيعي الذي كتبه الله تعالى عليهم:
)وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا
يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغر الحق ذلك بما عصوا وكانوا
يعتدون( البقرة.61 :
416
-4المبشرات بوجود الطائفة المنصورة في الشام عامة،
وفي فلسطين خاصة:
هناك أحاديث كثيرة صحيحة في فضائل الشام ،وهي تبين أن هذه
الرض المباركة سيكون لها دور في تاريخ البشرية وقيادتها ،وأنها
ستكون الحصن الحصين الذي يأوي إليه المسلمون عند اشتداد المحنة
ونزول الفتنة .ومن ذلك-:
-عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال" :ل تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله،
وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله ،ل يضرهم من خذلهم ،ظاهرين
)(1
على الحق إلى أن تقوم الساعة".
-وعن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه أتى النبي صلى
الله عليه وسلم فقال :ثم إني سئمت الخيل وألقيت السلح ،ووضعت
الحرب أوزارها ،قلت :ل قتال فقال النبي صلى الله عليه وسلم":الن
جاء القتال ،ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس ،يرفع الله
قلوب أقوام فيقاتلونهم ،ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز
وجل وهم على ذلك ،أل إن عقر دار المؤمنين الشام ،والخيل معقود
في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"(2).
-عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم) :سيصير المر إلى أن تكونوا جنودا ً مجندة:جند بالشام،
خْر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك ،فقال :عليك وجند بالعراق ،فقلت ِ
بالشام ،فإنها خيرة الله من أرضه ،يجتبي إليها خيرته من عباده ،فأما
دركم ،فإن الله توكل لي بالشام إن أبيتم فعليكم بيمنكم ،واسقوا من غُ ُ
)(3
وأهله(.
-1رواه أبو يعلى ،قال الهيثمي رجاله ثقات ،انظر مجمع الزوائد .64 ،30/63
-2رواه أحمد في المسند ،4/104ورواه اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة
رقم ،1916وقال إسناد شامي حسن ،رجاله كله موثقون.
-3رواه أبو داود رقم ،2483في الجهاد ،باب في سكنى الشام ،وإسناده صحيح.
417
-ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم):بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي،
فظننت أنه مذهوب به ،فأتبعته بصري ،فُعمد به إلى الشام ،أل وإن
)(1
اليمان حين تقع الفتن بالشام(.
وبعد أن ذكر أحاديث فضل الشام وبيت المقدس..يقول شيخ
ل الكتاب والسنة وما روى عن النبياء السلم ابن تيمية":وقد د ّ
المتقدمين عليهم السلم ،مع ما علم بالحس والعقل وكشوفات
م الخلق،ن الخلق والمر ابتدآ من مكة أم القرى ،فهي أ ّ العارفين إ ّ
وفيها إبتدئت الرسالة المحمدية التي طبق نورها الرض ،وهى جعلها
الله قياما للناس إليها ،يصلون ويحجون ،ويقوم بها ما شاء الله ،من
مصالح دينهم ودنياهم ،فكان السلم في الزمان الول ظهوره بالحجاز
أعظم ،ودّلت الدلئل المذكورة على أن ملك النبوة بالشام ،والحشر
إليها فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والمر ،وهناك يحشر
الخلق والسلم في آخر الزمان يكون أظهر بالشام ،وكما أن مكة
أفضل من بيت المقدس ،فأّول المة خير من آخرها ،وكما أّنه في آخر
الزمان يعود المر إلى لشام ،كما أسرى بالنبي من المسجد الحرام
إلى المسجد القصى ،فخيار أهل الرض في آخر الزمان ألزمهم مهاجر
إبراهيم عليه السلم وهو بالشام"(2).
-4المبشرات بفتح روما عاصمة الكاثوليكية:
-عن أبي قبيل قال :كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص ،وسئل أي
المدينتين تفتح أول ً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له
حلق ،قال فأخرج منه كتابا قال :فقال عبد الله :بينما نحن حول رسول
الله صلى الله عليه وسلم نكتب ،إذ سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم:أي المدينتين تفتح أول ً أقسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله
418
)(1
ل .يعني قسطنطينية(. صلى الله عليه وسلم):مدينة هرقل تفتح أو ً
ومن المعلوم أن القسطنطينية فتحت عام 857هم على يد القائد
المسلم محمد الفاتح ،وستفتح روما -قريبا ً بإذن الله -عاصمة إيطاليا،
وعاصمة النصرانية الكاثوليكية.
المبحث الثاني :المبشرات من طبيعة الدين الموافقة
للفطرة البشرية ،ولسنن الله تعالى في الكون-:
يقول الله عز وجل):فأقم وجهك للدين حنيفا ً فطرت الله التي
فطر الناس عليها ل تبديل لخلق الله ذلك الدين القّيم ولكن أكثر الناس
ل يعلمون( سورة الروم.30 :
لقد ربطت الية الكريمة بين فطرة النفس البشرية وطبيعة هذا
الدين ،فكلهما من صنع الله تعالى ،وكلهما موافق لسنن الله تعالى
في هذا الوجود ،وكلهما متناسق مع الخر في طبيعته واتجاهه،
والفطرة ثابتة ،والدين ثابت ،وإذا انحرفت النفوس البشرية عن
الفطرة ،فل يرّدها إل هذا الدين المتناسق معها ،فطرة البشر وفطرة
ومه من ُ
الوجود .والدين هو أنزل ليحكم النسان ويصرفه إلى الحق ،ويق ّ
النحراف ول سعادة للبشرية إل إذا عادت فطرتها لتتناسق مع الدين
)(2
الحق.
ن المستقبل لهذا الدين لنه منهج حياة للبشرية ،يشتمل على كل إ ّ
المقومات المنظمة لشتى جوانب الحياة البشرية ،ولقد كافح السلم
-وهو أعزل -لن عنصر القوة كامن في طبيعته ،وكامن في بساطته
ووضوحه وشموله ،وملئمته للفطرة البشرية ،وتلبيته لحاجاتها
الحقيقية ،وأعداؤه يحاربونه لجل ذلك ،ولنه يقف عائقا ً أمامهم عن
تحقيق أهدافهم الستعمارية الستغللية ،ولكن ،الذي ل شك فيه أنه
419
سينتصر كما انتصر في السابق ،وسيكون المستقبل لهذا الدين).(1
فمن طبيعة المنهج الذي يرسمه السلم ،ومن حاجة البشرية إلى
هذا المنهج نستمد نحن المسلمين يقيننا الذي ل يتزعزع في أن
ن له دورا ً كبيرا ً في هذه الرض ،دورا ً في قيادة المستقبل للسلم ،وأ ّ
البشرية ،خاصة بعد أن أثبت الواقع البشري إفلس كل النظم
والمذاهب في مناهجها وتشريعاتها وعقائدها ،إن السلم مدعو لداء
)(2
دوره في المستقبل القريب ،أراد أعداؤه أم لم يريدوا.
يقول سيد قطب" :ول يجوز أن يتطرق إلى قلوبنا الشك ،بسبب ما
نراه حولنا ،من الضربات الوحشية التي ُتكال لطلئع البعث السلمي
في كل مكان ،ول بسبب ما نراه كذلك من ضخامة السس التي تقوم
عليها الحضارة المادية ،إن الذي يفصل في المر ليس هو ضخامة
الباطل ،وليس هو قوة الضربات التي ُتكال للسلم ،إنما الذي يفصل
في المر هو قوة الحق ،ومدى الصمود للضربات.
إننا لسنا وحدنا ،إن رصيد الفطرة معنا ،فطرة الكون وفطرة
النسان ،وهو رصيد هائل ضخم ،أضخم من كل ما يطرأ على الفطرة
من أثقال الحضارة ،ومتى تعارضت الفطرة مع الحضارة ،فلبد أن
(3).
يكتب النصر للفطرة ،قصر الصراع أم طال"
ن البشرية اليوم في حاجة إلى من يغنيها عن جهالة الشيوعية، إ ّ
وهي في حاجة إلى من يريحها من طغيان الرأسمالية ،فكلهما نظام
غير طبيعي ،ومعاند للفطرة البشرية ،وإنما يتطرق الفساد إلى المجتمع
عندما تسير أموره على غير نواميس الكون وسنن الفطرة .إن النظام
السلمي هو البديل ،والمستقبل له ،لن تنظيماته الجتماعية هي
تنظيمات القوى الفطرية ،ولن تشريعاته تلبي دوافع الغريزة،
واتجاهات الميول الفطرية.
420
المبحث الثالث :المبشرات الواقعية:
يقول الشهيد سيد قطب":لقد صمد السلم في حياته المديدة،
لما هو أعنف وأقسى من هذه الضربات الوحشية ،التي توجه اليوم إلى
طلئع البعث السلمي في كل مكان .وكافح -وهو مجرد من كل قوة
غير قوته الذاتية -وانتصر ،وبقى ،وأبقى على شخصية الجماعات
والوطان ،التي كان يحميها ،وهو مجرد من السلح! إن السلم هو
لسلمي في الشرق من هجمات التتار؛ كما حماه الذي حمى الوطن ا ٍ
من هجمات الصليبيين على السواء..ولو انتصر الصليبيون في الشرق
كما انتصروا في الندلس قديمًا ،أو كما انتصر الصهيونيون في
فلسطين حديثًا ،ما بقيت قومية عربية ،ول جنس عربي ،ول وطن
عربي..والندلس قديما ً وفلسطين حديثا ً كلهما شاهد على أنه حين
يطرد السلم من أرض ،فإنه ل تبقى فيها لغة ول قومية ،بعد اقتلع
الجذر الصيل! والمماليك الذين حموا هذه البقعة من التتار ،لم يكونوا
من جنس العرب إنما كانوا من جنس التتار! ولكنهم صمدوا في وجه
بني جنسهم المهاجمين ،حمية للسلم ،لنهم كانوا مسلمين! صمدوا
بإيحاء من العقيدة السلمية ،وبقيادة روحية إسلمية من المام المسلم
ابن تيمية الذي قاد التعبئة الروحية ،وقاتل في مقدمة الصفوف!
ولقد حمى صلح الدين هذه البقعة من اندثار العروبة منها،
والعرب ،واللغة العربية ،وهو كردي ل عربي ،ولكنه حفظ لها عروبتها
ولغتها حين حفظ لها إسلمها من غارة الصليبيين .وكان السلم في
ضميره هو الذين كافح الصليبيين ،كما كان السلم في ضمير الظاهر
بيبرس ،والمظفر قطز ،والملك الناصر..هو الذي كافح التتار
المتبربرين!
والسلم هو الذي كافح في الجزائر مئة وخمسين عامًا .وهو الذي
استبقى أرومة العروبة فيها .حتى بعد أن تحطمت مقوماتها الممثلة في
اللغة والثقافة ،حينما اعتبرت فرنسا اللغة العربية –في الجزائر -لغة
أجنبية محظورا ً تعليمها! هنالك قام السلم-وحده -في الضمير ،يكافح
الغزاة ،ويستعلي عليهم ،ول يحنى رأسه لهم لنهم أعداؤه الصليبيون!
421
وبهذا -وحده -بقيت روح المقاومة في الجزائر ،حتى أزكتها من جديد
الحركة السلمية التي قام بها عبد الحميد بن باديس ،فأضاءت شعلتها
من جديد..وهذه الحقيقة التي حاول أن يطمسها المغفلون والمضّللون،
يعرفها الفرنسيون والصليبيون جيدا ً لنهم صليبيون! إنهم على يقين أن
السلم باستعلء روحه على أعدائه ،هو الذي يقف في طريقهم .ومن
ثم يعلنونها حربا ً على المسلمين..ل على العرب!
والسلم هو الذي كافح في برقة وطرابلس ضد الغزو
الطلياني..وفي أربطة السنوسية وزواياها نمت بذرة المقاومة ،ومنها
انبثق جهاد عمر المختار الباسل النبيل..وأول انتفاضة في مراكش،
كانت منبثقة من الروح السلمي .وكان الظهير البربري الذي سنه
الفرنسيون سنة 1931م وأرادوا به رد قبائل البربر هناك إلى الوثنية،
وفصلهم عن الشريعة السلمية..هو الشرارة التي ألهبت كفاح مراكش
ضد الفرنسيين.
ن عنصر القوة :كامن في لسلم-وهو أعزل-ل ّ لقد كافح ا ٍ
طبيعته ،كامن في بساطته ووضوحه وشموله ،وملءمته للفطرة
البشرية ،وتلبيته لحاجاتها الحقيقية .كامن في الستعلء عن العبودية
للعباد بالعبودية لله رب العباد؛ وفي رفض التلقي إل منه ،ورفض
الخضوع إل له من دون العالمين...وكامن كذلك في الستعلء بأهله
على الملبسات العارضة كالوقوع تحت سلطان المتسلطين ،فهذا
السلطان يظل خارج نطاق الضمير مهما اشتدت وطأته..ومن ثم ل تقع
الهزيمة الروحية طالما عمر السلم القلب والضمير ،وإن وقعت
الهزيمة الظاهرية في بعض الحايين..ومن أجل هذه الخصائص في
السلم يحاربه أعداؤه هذه الحرب المنكرة؛ لّنه يقف لهم في الطريق،
يعوقهم عن أهدافهم الستعمارية الستغللية ،كما يعوقهم عن الطغيان
والتأله في الرض كما يريدون!
ومن أجل هذه الخصائص يطلقون عليه حملت القمع البادة ،كما
يطلقون عليه حملت التشويه والخداع والتضليل! ومن أجل هذا
يريدون أن يستبدلوا به قيما ً أخرى ،وتصورات أخرى ،ل تمت بسبب
422
إلى هذا المناضل العنيد؛ لتستريح الصهيونية العالمية ،والصليبية
العالمية ،والستعمار العالمي من هذا المناضل العنيد!
ن خصائص السلم الذاتية هي التي تحنق عليه أعداءه الطامعين إ ّ
في أسلب الوطن السلمي..هذه هي حقيقة المعركة؛ وهذا هو دافعها
الصيل..ولكن الذي ل شك فيه -على الرغم من ذلك كله -هو أن
المستقبل لهذا الدين.
فمن طبيعة المنهج الذي يرسمه هذا الدين؛ ومن حاجة البشرية
إلى هذا المنهج نستمد نحن يقيننا الذي ل يتزعزع ،في أن المستقبل
لهذا الدين .وأن له دورا ً في هذه الرض هو مدعو لدائه -أراد أعداؤه أم
لم يريدوا -وأن دوره هذا المرتقب ل تملك عقيدة أخرى -كما ل يملك
منهج آخر-أن يؤديه ،وأن البشرية بجملتها ل تملك كذلك أن تستغني
طويل ً عنه .ول حاجة بنا إلى المضي في توكيد هذه الحقيقة على هذا
النحو"(1).
423
والوطنية والقومية والشمميوعية والشممتراكية كلهمما أوربيممة الصممل ،مهممما
دلها أتباعها في الشرق الوسط .والمنظمممات السمملمية هممي أقلمها وع ّ
الوحيممدة الممتي تنبممع مممن تممراب المنطقممة ،وتعممبر عممن مشمماعر الكتممل
الجماهيرية المسممحوقة .وبممالرغم مممن أن كممل الحركممات السمملمية قممد
هزمت حتى الن غير أنها لم تقل بعد كلمتها الخيرة".
يقول الخبير المريكي في الشؤون السلمية والشرق الوسط
الدكتور "جون اسبوسيتو"" :إن الصحوة السلمية أو الصولية
السلمية حقيقة تعيش معنا وسوف تستمر بقوة في صياغتها لسياسة
)(1
الشرق الوسط في المستقبل القريب".
لقد انتشرت الحركات السلمية في مختلف بلدان العالم
السلمي ،وأصبح لها أتباع وأنصار في بعض دول أوربا وأمريكا ،وكانت
-وما زالت -شوكة في أعين المبشرين والمستعمرين وتلميذهم
وأعوانهم من أبناء المسلمين.
424
مؤمنة واعية.
ومن الوسائل التي لجأت إليها كثير من الحركات السلمية في
نشر فكرتها والتبشير بأهدافها العمل السياسي ضمن أحزاب مشروعة،
تقتحم بأفرادها المجالس النيابية والبلدية ،ودخول النقابات المهنية
والمؤسسات والجمعيات الشبابية والرياضية والجتماعية ،والعمل من
خللها لخدمة المشروع السلمي.
المبادئ التي أظهرتها الحركات السلمية-:
أظهرت الحركات السلمية عدة مبادئ ومفاهيم بشكل جديد،
وذلك من خلل مؤلفات مفكريها وقادتها ،ونوجزها فيما يأتي:
425
مقابل العلم أو الحضارة ،إنها حالة نفسية ترفض الهتداء بهدي الله ،أو
وضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله.
ولعل السممتاذ أبمما العلممى المممودودي مؤسممس الجماعممة السمملمية
بباكسممتان وأميرهمما الول هممو أول مممن أطلممق مصممطلح الجاهليممة -وهممو
مصطلح قرآني -على المجتمعات الحديثة الشاردة عن دين اللممه ،وذلممك
في رسالته "السلم والجاهلية".
426
إقليمية أو وطنية ،بل كانت حركات شعبية عالمية تستهدف استئناف
الحياة السلمية ،وعودة الخلفة الراشدة ،فحركة الخوان المسلمين
تجاوزت حدود مصر التي نشأت فيها ،وتجاوزتها إلى سوريا ،والردن
وفلسطين والسودان ،والعراق ،والجزائر ،وتونس ،وأفغانستان،
وسيلن ،وسيرلنكا.وحركة ماش ومي )مجلس شورى المسلمين(
تجاوزت حدود إندونيسيا إلى الفليبين وماليزيا ،وفطاني .وحركة
الجماعة السلمية تجاوزت حدود باكستان والهند ،إلى كشمير،
وأفغانستان ،وسيريلنكا وسيلن.
427
-2حركة الجماعة السلمية:
أسس هذه الحركة في شبه القارة الهندية الباكستانية الستاذ أبو
العلى المودودي عام 1941م زمن الحتلل البريطاني .ولقد ترك
المودودي مئات الكتب والرسائل في مختلف الفكر السلمي ومجالت
الحياة السلمية ،وله تفسير للقرآن الكريم معروف باسم "ترجمان
القرآن" ،وكتاب في مجلدات حول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأهم شخصياتها :الستاذ ميان طفيل محمممد الممذي تممولى إمارتهمما
سنة 1972م بعد إعفاء المودودي من المارة للجماعة لمرضه ،وقاضي
حسين أحمد الذي انتخب أميرا ً لها بعد ميان طفيل محمد عام 1987م،
وأمين أحسن الصلحي وهو من كبار العلماء الباكستانيين ،والستاذ عبد
الغفمور أحمممد تمولى وزارة الصممناعات والممواد المعدنيممة عمام 1978م،
والستاذ خورشيد أحممد وهمو مفكمر إسمملمي مشمهور ،والسمتاذ أسمعد
الجيلني صاحب الثمانين كتاب في مختلف مجالت الفكر السلمي.
وأما أهم شخصياتها خارج باكستان :أبو الليث الصلحي الندوي ،أول
أمير للجماعة في الهند ،والشيخ محمد يوسف ،وأبو الكلم محمد
يوسف ،أول أمير للجماعة في بنغلدش ،وعباس علي خان أميرها
الحالي.
428
والحزب السلمي يعمل على إعادة بناء الحياة وصياغتها من جديد
على أساس مبادئ السلم ،وقد اختار الطريق السياسي وسيلة لتحقيق
أفكاره على أرض الواقع ،واضعا ً كل طاقاته أمام التيار العلماني الذي
سيطر على تركيا بعد زوال الخلفة العثمانية ،والنظام العلماني تحميه
الحزاب العلمانية وقادة الجيش التركي ،ويتلقى الدعم والمساندة من
أمريكا والماسونية العالمية.
ولقد استطاع حزب الرفاه بقيادة أربكان الحصول على أعلى
الصوات في انتخابات 1996م مما أهله من الوصول إلى رئاسة الوزارة
التركية ،واستطاع أن يحقق عدة إنجازات اقتصادية وغيرها ،مما دفع
حماة العلمانية إلى حبك المؤامرات من أجل إسقاط الحكومة التي
يقودها حزب الرفاه ،وبالفعل نجح العلمانيون بالتعاون مع الدوائر
الماسونية اليهودية من إسقاط نجم الدين أربكان ،وقد نفذت المؤامرة
ل الحزب وتجميد نشاطه السلمي .ثم أسس أنصاره ح ّ
الثانية من أجل َ
حزب الفضيلة الذي خاض النتخابات 1999م.
ولقد لخصت صحيفة "لوس أنجلس تايمز" المريكية موقف الغرب
من نجم الدين أربكان فقالت" :إن احتمال نجاح أربكان يحدث قشعريرة
وشكوكا ً في الوساط السياسة التركية ،وفي كواليس السفارات الغربية
في أنقرة ،لن أربكان يقف ضد أي تسوية في قبرص ،وهو ضد السوق
الوربية المشتركة ،ويريد تحويل اتجاه تركيا عن الغرب ،والعودة بها من
جديد إلى تراثها السلمي والشرقي ،وهو غير عابئ بتوتر العلقات
التركية -المريكية ،ويطالب أن تصحح الخطاء الكثيرة التي ارتكبتها بحق
تركيا".
429
وهذا التيار ل يتعلق بحركة أو جماعة إسلمية معينة ،بل ل يتعلق أحيانا
بأي جماعة على الطلق).(1
وظاهرة الصحوة السلمية القائمة اليوم من المبشرات بأن
المستقبل للسلم ،وهي حدث تاريخي له دللته الواقعية ،فهي تجئ من
جهة بعد الجهد الكبير الذي بذلته القوى الصليبية والصهيونية على مدى
ما يقرب من قرنين من الزمان لزحزحة المة المسلمة عن دينها
وسلخها منه ،وتجئ من جهة أخرى والبشرية في أحد منعطفاتها
التاريخية ،وقد بدأت تيأس من حضاراتها المادية الجافة ،وبدأت تتطلع
)(2
إلى المخلص والمنقذ الجديد.
إن الصحوة السلمية هي أبرز خطوط الحاضر ،وهي كذلك فيما
نتوقع أبرز خطوط المستقبل ،وهذا القول ليس من باب إلقاء الكلم
على عواهنة ،ول من باب تصديق الماني ،ول من باب إعطاء الحركات
السلمية القائمة أكثر من حجمها الحقيقي ،إنما نقول ذلك :تبعا ً للسنن
الربانية ،ووعد الله تعالى لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأمروا
بالمعروف ونهوا عن المنكر ،ووعيد للكافرين المتمردين المستكبرين
)(3
على عبادته بالهلك وسوء المصير.
والصحوة السلمية بمظاهرها وتياراتها الظاهرة والخفية ليست
عارضة أو طارئة ،كما أنها ليست رد فعل لظروف معينة ،أو أوضاع
اجتماعية ،أو نكسة عسكرية ،ليست رد فعل لظروف معينة ،بل هي
امتداد طبيعي لرسالة المة السلمية جاءت من العمق التاريخي
وامتدت إلى الجذور الصيلة لعقيدتها ،إنها استمرار التواصل الحضاري
السلمي من خلل الطائفة القائمة على الدين ،الظاهرة على الحق رغم
وجود العقبات والتحديات والمؤامرات التي تحاول زحزحتها عن إسلمها
-1انظر رؤية إسلمية لحوال العالم المعاصر محمد قطب ص ،242واقعنا المعاصر
له أيضا ً ص .536
-2واقعنا المعاصر ص .12
-3رؤيا إسلمية لحوال العالم السلمي –بتصرف بسيط -ص .210
430
العظيم يقول صلى الله عليه وسلم) :ل تزال طائفة من أمتي على الحق
)(1
ظاهرين ل يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله(.
ومن روافد الصحوة السلمية :فشل النظم المستوردة في حل
مشكلت الناس وقضاياهم ،وفشل الزعماء العلمانيين وسياساتهم في
تحقيق ما كانت تعلقه عليهم الشعوب من المال والماني ..وماذا فعلت
النظم المستوردة ،وماذا فعل الزعماء العلمانيون إل المزيد من تمزق
الدول السلمية وتفتيت العالم السلمي ،وتراكم الديون الربوية
المتفاقمة ،وظهور طبقة الغنياء والمترفين والمفسدين في الرض،
وانهيار الخلق وتدهور القيم واستفحال الفواحش والمنكرات ،واقتطاع
القدس وما حولها من قلب العالم السلمي ،واستمرار العدوان الوحشي
على المسلمين في الفليبين ،والحبشة ،والصومال ،وأرتيريا ،والبوسنة
والهرسك ،وكوسوفو والشيشان .ماذا فعلت النظم المستوردة والزعماء
العلمانيون وقد جرت هذه المصائب على أيديهم أو من خلل وجودهم.
وحين ييأس الناس من هذه النظم والزعامات ،فأين يتجهون؟ إنه
)(2
رافد للصحوة السلمية ل يمكن وقفه.
431
كثير من الشباب من الحزاب القومية والشيوعية إلى الحركة السلمية،
كما هو مشاهد اليوم في الجزء المحتل من فلسطين عام 1948م.
-اعتزاز الشباب المسلم بدينه ،وبالفكر السلمي الذي يؤمن
به ،والجهر بهذا العتزاز في المنتديات والتجمعات ،وتجمع هؤلء
الشباب حول شعار "السلم هو الحل".
-أن أشرطة القرآن الكريم والندوات والخطب السلمية أصبحت
من الظواهر الجتماعية.
-ومن مظاهر الصحوة السلمية الفوز الكبير الذي يحققه أصحاب
التجاه السلمي في النقابات المهنية والمنظمات الطلبية ومجالس
الطلبة في المعاهد والجامعات في كثير من ديار السلم رغم
الوسائل المنية والجراءات القمعية التي تتخذها النظمة الحاكمة
اتجاه رجالت الدعوة السلمية وشبابها.
-ومن مظاهر الصحوة السلمية في فلسطين أن كثيرا ً من
المساجد في مدن يافا وعكا وحيفا والناصرة واللد وغيرها ،عادت لتأخذ
دورها الطبيعي في تربية الشباب وإعدادهم ،بعد أن كان بعض هذه
المساجد مهجورا ً ل يصلي فيه أحد ،لقد أصبحت اليوم تمتلئ بالشباب
الفلسطيني المسلم .في شهر فبراير 1981م بثت وكالة رويتر تحليل ً
عن الشباب المسلم في فلسطين المحتلة عام 1948م جاء فيه" :إن
الصحوة السلمية التي انتشرت بين سكان الراضي المحتلة في
فلسطين تثير قلق سلطات الحتلل السرائيلي ،وأن همذه السلطات
تنظر بقلق بالغ إلى تزايد أعداد المترددين على المساجد ،وخاصة
الشباب الذين أصبحوا ينادون علنية بضرورة العودة إلى أصول الدين
والسلم").(1
-الحياة السلمية ،والمظاهر الدينية في الفراح والحزان.
-تحري الحلل والحرام في المأكل والمشرب ،وتوظيف المال
في المؤسسات التي تتعامل بالحلل ،والتحري في التعامل مع البنوك
والمؤسسات المالية.
432
-أصبح الكتاب السلمي أكثر الكتب رواجا ً في السواق ،مع كساد
كتب الدب الرخيص ،والقصص الخليعة.
-لقد أصبحت مكة المكرمة تزدحم بالشباب المسلم القادمين من
أنحاء العالم السلمي لقضاء منسك العمرة ،وخاصة في شهر رمضان
المبارك ،وفي أوقات العطل الرسمية.
-عودة كثير من النساء -وخاصة الفتيات -إلى الحجاب الشرعي،
ففي جامعة القاهرة سنة 1971م كانت طالبة واحدة فقط ترتدي
الحجاب الشرعي من بين أكثر من مائة ألف طالبة ،وأما اليوم فإن
أعداد اللواتي يرتدينه تتجاوز العشرين ألف فتاة ،بالضافة إلى اللف
اللواتي يرتدين النقاب ،ومثل هذه العداد في كثير من الجامعات
المصرية والسودانية والفلسطينية وغيرها.
-ومن مظاهر الصحوة السلمية توبة عدد كبير من الممثلت
والمغنيات وعودتهن إلى السلم واعتزازهن بذلك.
-ومن مظاهر الصحوة السلمية أن الشباب المسلم الذي يدرس
في أوربا وأمريكا عادوا إلى السلم فهما ً وعمل ً ودعوة ،ولم تؤثر
فيهم الثقافة الغربية اللدينية ،وأصبح اتحاد الطلبة المسلمين في أمريكا
يتشكل من عشرات اللف من هؤلء الشباب ،مع أنه بدأ سنة 1965
بثلثة عشر طالبًا.
-ومن مظاهر ذلك انتشار السلم في أوربا وأمريكا ،ويشهد له
المليين من المسلمين الجدد في تلك البلد ،وتحويل عشرات من
)(1
الكنائس إلى مساجد بعد أن يتم شراؤها من أهلها.
-أصبح الفكر السلمي ،والصوت السلمي ،والشخصية
)(2
السلمية حديث المنتديات الفكرية والصحافة في العالم السلمي.
ولقد خصص الكونجرس المريكي جلسات متعددة يحضرها الخبراء
والمتخصصون بشؤون السلم والمسلمين لدراسة الصحوة السلمية
433
)(1
وآثارها في العالم السلمي ،وآثارها على المصالح المريكية فيه.
-لقد أّثرت الصحوة السلمية على أصحاب المناصب السياسية في
العالم السلمي ،فعملوا على استرضاء شعوبهم من خلل ارتدائهم ثياب
السلم ،فالرئيس الراحل أنور السادات) (2خصص لنفسه اسم "الرئيس
المؤمن" ،وكانت وسائل العلم تغطي أداءه للصلة في المساجد،
وزادت البرامج الدينية في وسائل العلم المصرية ،وبنيت المساجد،
وزادت المحاضرات الدينية في المدارس والمساجد ،ولعب السادات
على النغمة السلمية في خطبه العامة ،حيث كان يفتحها بم "بسم الله"،
ويختمها بآية من القرآن الكريم ،واستخدم السادات السلم في حرب
1973م ،حيث حاول صب الحرب في قالب إسلمي ،مستخدما ً
الشعارات السلمية ،ومعتبرا ً إياها حربا ً مقدسة ،ومن ذلك :تسميتها
)(3
بمعركة رمضان ،والتسمية عند قراءة البيانات العسكرية.
أعداء السلم يدركون خطورة الصحوة:
لقد أدرك أعداء السلم خطورة تنامي الصحوة السلمية على
أنظمتهم الجاهلية واستعبادهم للشعوب المسلمة وعلى وجود ربيبتهم
دويلة إسرائيل في ديار السلم ،وعلى مصالحهم المتعلقة بوجود
عملئهم في العالم السلمي ،فتعاونوا في جهد مشترك لوقف مسيرة
السلم ،وللقضاء على الصحوة السلمية ومظاهرها مسترشدين بالروح
العدائية الصليبية واليهودية للسلم والمسلمين .فصرخ قادة الغرب
مروا السلم وأبيدوا أهله" .ولقد جاء هذا واليهود بأعلى أصواتهم" :د ّ
المعنى على لسان كثير من هؤلء القادة.
يقول "روبرت كابلند" الخبير المريكي في شئون العالم الثالث:
434
"في هذا الجزء من العالم سيكون السلم بسبب تأييده المطلق
للمقهورين والمظلومين أكثر جاذبية ،فهذا الدين المطرد النتشار على
)(1
المستوى العالمي هو الديانة الوحيدة المستعدة للمنازلة والكفاح".
كتب اللورد "كامبل" أحد أعضاء مجلس اللوردات البريطاني في
تقرير له يقول" :إن هناك شعبا ً واحدا ً يقطن ما بين الخليج إلى المحيط
لغته واحدة ودينه واحد ،وقبلته واحدة ،وثقافته واحدة وآماله مشتركة
وأرضه متصلة وهو اليوم في قبضة أيدينا ،ولكنه بدأ يتململ ،فماذا يحدث
)(2
لنا غدا ً إذا استيقظ العملق".
ويقول "البرمشادور"":إن هذا المسلم الذكي الشجاع قد ترك لنا
حيث حل آثار علمه وفنه ومجده وفخاره ،وإن هذا المسلم الذي نام نوما ً
عميقا ً مئات السنين وأخذ ينادي :ها أنذا لم أمت ،إني أعود للحياة ،ل
لكون أداة طيعة ،أو ثقل ً من البشر تسيره العواصم الكبرى" .ثم يقول:
"ومن يدري؟ قد يعود اليوم الذي تصبح فيه بلدنا مهددة بالمسلمين،
فيهبطون من السماء لغزو العالم مرة ثانية في الوقت المناسب،
والزمن الموقوت ،لست أدعي النبوة،ولكن المارات الدالة على هذه
)(3
الحتمالت كثيرة ل تقوى الذرة ول الصواريخ على وقف تيارها".
ويقول المستشرق جب" :إن أخطر ما في هذا الدين إنه يبعث
فجأة دون أسباب ظاهرة ،ودون أن تستطيع أن تتنبأ بالمكان الذي يمكن
)(4
أن ينبعث منه".
ويقول المؤرخ الفرنسي "ياباسكبيه"" :إن السلم هو المنقذ
الوحيد الذي يحتاج إليه العالم المعاصر ليتخلص من متاهات الحضارة
)(5
المادية المعاصرة ،والتي ل بد إن استمرت أن تنتهي بتدمير النسان".
يقول ابن غوريون رئيس وزراء إسرائيل السبق" :نحن ل
435
نخشى الشتراكيات،ول الثوريات ،ول الديمقراطيات في المنطقة ،نحن
ل ،وبدأ يتململ من فقط نخشى السلم ،هذا المارد الذي نام طوي ً
جديد" .ويقول اليهودي الماكر شمعون بيرز" :إّنه ل يمكن أن يتحقق
السلم -حسب الطريقة اليهودية -في المنطقة ما دام السلم شاهرا ً
سيفه ،ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد السلم سيفه إلى البد".
ن
ويقول افرايم هليلفي الرئيس السابق لجهاز الموساد":إ ّ
أخطر ما يمكن أن تتوقعه إسرائيل من العرب أن يتوحد الدين مع
التوجهات القومية ،أن ما نعيشه حاليا ً يمكن أن يكون نكتة لما قد نعيشه
في المستقبل في حال تواصل المد السلمي المقاتل في مواجهة
ن هذا هو الذي يتوجب أن يقلقنا بشكل كثير ،وللسف الدولة العبرية .إ ّ
)(1
أننا ل نحرك ساكنا ً في سبيل قطع الطريق على تعاظم هذا الخطر".
ويقول المعلق الصهيوني لراديو العدو إسرائيل الذي أذيع مساء
الخامس من أيلول 1978م ،جاء فيه":إن على اليهود وأصدقائهم أن
يدركوا أن الخطر الحقيقي الذي تواجهه إسرائيل هو خطر عودة الروح
ن على المحبين لسرائيل أن السلمية إلى الستيقاظ من جديد ،وأ ّ
يبذلوا كل جهدهم لبقاء الروح السلمية خامدة ،لنها إذا اشتعلت من
جديد ،فلن تكون إسرائيل وحدها في خطر ،ولكن الحضارة الغربية كلها
)(2
ستكون في خطر".
ن ما ينجزه ويقول موشيه أرنس وزير الحرب اليهودي السبق":إ ّ
المتدينون المسلمون في مواجهتنا سيدفع مئات المليين من العرب
ن على دولة والمسلمين للندفاع نحو الحرب المقدسة ضد إسرائيل .إ ّ
إسرائيل أل تسمح لصحاب الدعوات الدينية بالنجاح في هذه المعركة،
هذا يعني تهاوي قدرة الردع السرائيلية في مواجهة العرب
436
والمسلمين ،فبعد ذلك سيتجرأ علينا الجميع ،عندها سنتحول إلى
)(3
أضحوكة أمام دول العالم".
437
-15السلم والعلمانية وجها ً لوجه :د .يوسف القرضاوي ،دار الصحوة
للنشر والتوزيع -القاهرة ،الطبعة الولى 1987م1408-هم.
-16السلم والكونجرس :د .أحمد إبراهيم خضر ،دار العتصام
-القاهرة ،الطبعة الولى 1414هم1994-م.
-17السلم ومستقبل البشرية :د .عبد الله عزام ،مكتبة المنار
-الردن ،الطبعة الولى 1980-1400م.
-18السلم يتحدى :وحيد الدين خان ،ترجمة ظفر السلم خان ،مكتبة
القرآن ،المختار السلمي ،القاهرة ،الطبعة السادسة 1976م.
-19أصول الفلسفة الماركسية :جورج بوليترر وآخرون ،ترجمة شعبان
بركات ،المكتبة العصرية -بيروت.
-20أفيون الشعوب :عباس محمود العقاد ،المكتبة العصرية -بيروت،
صيدا ،الطبعة الثانية.
-21اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم :شيخ السلم
ابن تيمية ،تحقيق د.ناصر عبد الكريم العقل -الرياض ،الطبعة الولى
1404هم.
-22أوقفوا هذا السرطان -حقيقة الماسونية وأهدافها :د .سيف الدين
البستاني.
-23برتوكولت حكماء صهيون :ترجمة ودراسة وتقديم علي الجوهري
مكتبة
ابن سينا -القاهرة 1993م ،ونسخة أخرى ترجمة محمد خليفة
التونسي.
-24البشائر بنصرة السلم :محمد بن عبد الله الدويش ،دار الوطن
للنشر -الرياض الطبعة الولى.
-25البهائية :محب الدين الخطيب ،المكتب السلمي -بيروت ،الطبعة
الخامسة 1400هم1980-م.
-26البهائية وسائل وغايات :د .طه الدسوقي ،دار الهدى للطباعة -
القاهرة ،الطبعة الولى 1405هم1985-م.
-27تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة :عبد الله عنان.
-28تاريخ المذاهب السلمية :محمد أبو زهرة ،دار الفكر العربي.
-29التبشير والستعمار في البلد العربية :د .مصطفى خالدي ،د .عمر
فروخ ،الطبعة الرابعة 1970-1390م.
-30تفسير القرآن العظيم :الحافظ ابن كثير ،مكتبة دار التراث –
القاهرة.
-31التمكين للمة السلمية في ضوء القرآن والسنة :محمد السيد
محمد يوسف ،دار السلم –القاهرة -الطبعة الولى 1418هم1997-م.
438
-32التنصير مفهومه وأهدافه ووسائل وسبل مواجهته :د .علي إبراهيم
النملة ،دار الصحوة للنشر والتوزيع -القاهرة 1413هم1993-م.
-33تهافت الفكر الماركسي:د .صلح عبد العليم إبراهيم ،دار الطباعة
المحمدية -القاهرة ،الطبعة الولى 1402هم1981-م.
-34جاهلية القرن العشرين :محمد قطب ،دار الشروق –القاهرة،
بيروت 1398هم1981-م.
-35جذور العلمانية :د .السيد أحمد فرج ،دار الوفاء للطباعة والنشر
والتوزيع -المنصورة ،الطبعة الرابعة 1411هم1990-م.
-36جهاد المسلمين في الحروب الصليبية :د .فايد حماد عاشور
مؤسسة الرسالة -بيروت ،الطبعة الولى 1401هم1981-م.
-37حركات ومذاهب في ميزان السلم :فتحي يكن ،مؤسسة الرسالة
-بيروت ،الطبعة الثانية 1397هم1977-م.
-38حقائق عن التبشير:عماد شرف ،المختار السلمي ،القاهرة.
-39حقيقة البابية والبهائية:د .محسن عبد الحميد ،بيروت ،المكتب
السلمي1975 ،م.
-40حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر :أحمد عبد الوهاب ،مكتبة
وهبة ،الطبعة الولى 1401هم1981-م.
-42حقيقة الديمقراطية :محمد شاكر الشريف ،دار الوطن للنشر
-الرياض،الطبعة الولى 1412هم.
-43حقيقة الماسونية:د .محمد علي الزعبي ،مؤسسة معتوق إخوان،
بيروت 1974م.
-44حقيقة المواقف الشيوعية من القضية الفلسطينية :عابد سليمان
المشوخي ،مكتبة المنار ،الردن ،الطبعة الولى 1404هم1984-م.
-45حصوننا مهددة من داخلها :د .محمد محمد حسين ،بيروت -المكتب
السلمي.
-46حكم السلم في الشتراكية :عبد العزيز البدري ،المكتبة العلمية
-المدينة المنورة ،الطبعة الثانية 1384هم1965-م.
-47الحلل والحرام في السلم :د .يوسف القرضاوي ،المكتب
السلمي -بيروت ،الطبعة السادسة 1972م1392-هم.
-48رؤية إسلمية لحوال العالم المعاصر :محمد قطب ،دار الوطن
للنشر -الرياض ،الطبعة الولى 1411هم1991-م.
-49دراسات في الثقافة السلمية :صالح ذياب هندي ،الطبعة الثالثة
1402هم1982-م.
-50دور القيم والخلق في القتصاد السلمي :د .يوسف القرضاوي-
مكتبة وهبة-القاهرة ،الطبعة الولى 1415هم1995-م.
439
-51ذيل الملل والنحل للشهرستاني :محمد سيد كيلني ،بيروت دار
المعرفة1988 ،م.
-52السر المصون في شريعة الفرمسون :الب لويس شيخو ،بغداد
1965م.
-53السرطان الحمر :د .عبد الله عزام ،مكتبة القصى،عمان ،الطبعة
الولى 1400هم1980-م.
-54الشباب المسلم في مواجهة التحديات المعاصرة :عبد الله علوان
دارالسلم للطباعة والنشر والتوزيع -القاهرة ،الطبعة الولى 1413هم-
1993
-55شبهات حول السلم :محمد قطب ،دار الشروق -القاهرة ،بيروت
الطبعة الحادية عشرة 1398هم1978-م.
-56شبهات وأباطيل خصوم السلم :محمد متولي الشعراوي ،مكتبة
التراث السلمي القاهرة 1993م.
-57الشيوعية منشئا ً ومسلكًا :دندل جبر ،الطبعة الثانية 1403هم-
1983م.
-58الشيوعية والنسانية في شريعة السلم :عباس محمود العقاد ،دار
الكتاب العربي بيروت.
-59الصراع بين الفكرة السلمية والفكرة الغربية :أبو الحسن الندوي،
1970م.
-60الطريق إلى حكم إسلمي :محمد علي الضناوي ،الطبعة الولى
1390هم.
-61طه حسين حياته وفكره في ميزان السلم :أنور الجندي ،دار
العتصام -القاهرة الطبعة الثانية 1397هم1977-م.
-62عداء اليهود للحركة السلمية :زياد محمود علي أبو غنيمة ،دار
الفرقان للنشر والتوزيع -عمان ،الردن.
-63عقائد وتيارات فكرية معاصرة :د .محمد شامة وآخرون ،دار
قطري بن الفجاَءة للنشر والتوزيع ،الدوحة -قطر ،الطبعة الولى
1413هم1993-م.
-64العقيدة السلمية واليديولوجيات المعاصرة :د.عبد الغني عبود دار
الفكر العربي -القاهرة ،الطبعة الولى 1976م.
-65العلمانية النشأة والثر في الشرق والغرب:زكريا فايد ،الزهراء
للعلم العربي -القاهرة ،الطبعة الولى 1408هم1988 ،م.
-66العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة السلمية المعاصرة:
سفر الحوالي ،دار مكة للطباعة والنشر والتوزيع ،مكة المكرمة،
الطبعة الولى 1402هم1982-م.
440
-67الغارة على العالم السلمي :أ .شاتليه.
-68الغزو الفكري والتيارات المعادية للسلم:د .عبد السّتار فتح الله
سعيد ،دار النصار للطباعة والنشر والتوزيع -القاهرة1977 ،م.
-69الفكر السلمي بين الصالة والتجديد:د .محمد عبد المنعم خفاجي.
-70فتاوى معاصرة :د .يوسف القرضاوي ،دار الوفاء-المنصورة الطبعة
الثانية 1414هم1993-م.
-71في ظلل القرآن:سيد قطب ،دار الشرق-القاهرة ،بيروت ،الطبعة
التاسعة 1400هم–1980م.
-72القاديانية –نشأتها وتطورها:-حسن عيسى عبد الظاهر ،الهيئة
العامة لشؤون المطابع الميرية -القاهرة 1393هم1971-م.
-73القادياني والقاديانية:أبو الحسن الندوي ،الدار السعودية للنشر-
جدة ،الطبعة الثالثة 1387هم1967-م.
-74كبرى اليقينيات الكونية:د .محمد سعيد رمضان البوطي ،دار الفكر
-دمشق الطبعة السادسة 1399م.
-75الكيد الحمر :عبد الرحمن حسن حنبكة الميداني ،دار القلم
-دمشق ،بيروت الطبعة الولى 1400هم1980-م.
-76كواشف وزيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة :عبد الرحمن
حسن حنبكة الميداني ،دار القلم-دمشق ،الطبعة الثانية 1412هم-
1991م.
-77ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين :أبو الحسن الندوي ،دار
القلم -الكويت الطبعة التاسعة 1393هم1973-م.
طار ،المكتبة العصرية -بيروت -78الماسونية :أحمد عبد الغفار ع ّ
1394هم.
سرية وأخطرها :ل يوجد عليه اسم -79الماسونية أقدم الحركات ال ّ
المؤلف واسم الناشر.
-80الماسونية ذلك العالم المجهول :د .صابر طعيمة ،دار الجيل –
بيروت -الطبعة الخامسة 1406هم1986-م.
-81الماسونية والماسونيون في الوطن العربي :حسين عمر حمادة،
دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع -دمشق.
-82ما هي القاديانية:أبو العلى المودودي ،دار القلم -الكويت.
-83المبادئ الدستورية العامة:د .محمود حلمي ،دار الفكر العربي
-مصر 1964م.
-84المخططات الستعمارية لمكافحة الستعمار:محمد محمود
الصواف ،دار العتصام -القاهرة 1979م.
441
-85مذاهب فكرية معاصرة:محمد قطب ،دار الشروق -القاهرة،
بيروت -الطبعة الولى 1403هم1983-م.
-86المذاهب المعاصرة وموقف السلم منها:د .عبد الرحمن عميرة.
-87المرأة بين الفقه والقانون:د .مصطفى السباعي ،المكتب
السلمي ومؤسسة الرسالة -بيروت ،الطبعة الثالثة.
-88مستقبل الحضارة بين العلمانية والشيوعية والسلم :يوسف كمال
محمد المختار السلمي -القاهرة ،الطبعة الولى 1394هم1974-م.
-89المستقبل لهذا الدين :سيد قطب ،دار الشروق،القاهرة ،بيروت
1401هم1981-م
-90معالم الثقافة السلمية:د .عبد الكريم عثمان ،مؤسسة
الرسالة،بيروت مكتبة النور ،طرابلس ،ليبيا ،الطبعة الثانية 1392هم-
1972م.
-91مكانك تحمدي :أحمد محمد جمال ،طبعة 1976م.
-92الموسوعة الحركية :فتحي يكن ،مؤسسة الرسالة -بيروت ،الطبعة
الولى 1400هم1980-م.
-93الموسوعة الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة :الندوة
العالمية للشباب السلمي -الرياض ،الطبعة الثانية 1409هم1989-م.
-94الموضة في التصور السلمي:الزهراء فاطمة بنت عبد الله ،مكتبة
السنة -القاهرة الطبعة الولى 1411هم1991-م.
-95موقف السلم من نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ :أحمد
العوايشة دار مكة للطباعة والنشر والتوزيع ،الطبعة الولى 1402هم-
1982م.
-96النظرية الماركسية في ميزان السلم :د .أمير عبد العزيز ،مكتبة
القصى-عمان الردن ،الطبعة الولى 1401هم1981-م.
-97النظم السلمية:د .محمود كامل ليلة ،دار الفكر العربي -القاهرة
1971م.
-98نقد القومية العربية على ضوء السلم :عبد العزيز بن باز ،المكتب
السلمي -بيروت ،الطبعة الرابعة 1400هم.
-99نقض أوهام المادية الجدلية :د .محمد سعيد رمضان البوطي ،دار
الفكر ،الطبعة الثانية 1399هم1979-م.
-100هزيمة الشيوعية في عالم السلم :أنور الجندي ،دار العتصام
-القاهرة1977 ،م.
-101واقعنا المعاصر :محمد قطب ،مؤسسة المدينة للصحافة
والطباعة والنشر -جدة الطبعة الثانية 1408ه.
442
443
فهرست الموضوعات
الباب التمهيدي4..............................................................................................
الفصل الول :الجاهلية معناها وخصائص المجتمعات الجاهلية4.....................................
الباب التمهيدي5..............................................................................................
الفصل الول5.................................................................................................
الجاهلية معناها وخصائص المجتمعات الجاهلية5.......................................................
تمهيد في معنى الجاهلية7.................................................................................:
الجاهلية لغة8...............................................................................................-:
خصائص المجتمع الجاهلي13............................................................................-:
خصائص المجتمع السلمي16...........................................................................-:
صور للمجتمعات الجاهلية)(20...........................................................................:
الفصل الثاني25..............................................................................................
الحروبم الصليبية25...........................................................................................
أسباب ودوافع الحروب الصليبية26......................................................................:
ل :الدافع الديني26.......................................................................................: أو ً
ثانيًا :الدافع القتصادي28..................................................................................:
ثالثًا :الدافع التجاري29.....................................................................................:
رابعًا :الدافع السياسي30..................................................................................:
أهداف الحروب الصليبية30..............................................................................-:
حالة العالم السلمي قبيل الحروب الصليبية31.....................................................-:
جهاد المسلمين ضد الصليبيين32.......................................................................-:
الباب الثاني37................................................................................................
الغزو الفكري للعالم السلمي37.........................................................................
الباب الثاني38................................................................................................
الغزو الفكري للعالم السلمي38.........................................................................
تمهيد38......................................................................................................-:
أهداف الغزو الفكري39..................................................................................-:
أتباع وأنصار الغزو الفكري41............................................................................-:
وسائل الغزو الفكري42..................................................................................-:
الفصل الول43...............................................................................................
التبشير43.....................................................................................................
نشأة التبشير44............................................................................................-:
أهداف التبشير45..........................................................................................-:
وسائل التبشير48..........................................................................................-:
الفصل الثاني57..............................................................................................
الستشراق57.................................................................................................
نشأة الستشراق وبدايته57..............................................................................-:
دوافع وأهداف الستشراق)(59.........................................................................-:
ل :الدافع الديني60.......................................................................................: أو ً
ثانيًا :الدافع الستعماري61................................................................................:
ثالثًا :الدافع السياسي61.................................................................................. :
ظهر الدافع السياسي وراء الدراسات الستشراقية على النحو التالي61.......................-:
رابعًا :الدافع القتصادي والتجاري62....................................................................:
خامسًا :الدافع العلمي62..................................................................................:
وسائل الستشراق63.....................................................................................-:
ميزان البحث لدى المستشرقين65....................................................................-:
تلميذ المستشرقين66....................................................................................-:
كز عليها المستشرقون في دراساتهم وأعمالهم الستشراقية68.......(): الموضوعات التي ر ّ
444
الصلة بين الستعمار والستشراق والتبشير)(72.....................................................:
الفصل الثالث75.............................................................................................
التمغمريب75...................................................................................................
ملمح خطة التغريب75...................................................................................-:
السباب التي أدت إلى تغريب كثير من المسلمين77...............................................-:
مواقف المسلمين من الحضارة الغربية)(78..........................................................:
وسائل التغريب82.........................................................................................-:
ل :العلمانية83..............................................................................................أو ً
معنى العلمانية في اللغة83..............................................................................-:
العلمانية اصطلحًا85......................................................................................-:
العلمانية والدين87.........................................................................................-:
العلمانية والعلم)(88.......................................................................................:
العلمانية والخلق)(89.....................................................................................:
نشأة العلمانية91...........................................................................................-:
أسباب العلمانية في العالم السلمي95................................................................:
وسائل علمنة المجتمع100................................................................................:
ل :علمنة التعليم)(100..................................................................................: أو ً
ثانيًا :علمنة العلم)(105..................................................................................:
ثالثًا :علمنة التشريع)(107................................................................................:
رابعًا :العلمنة من خلل الدسائس الفكرية اللدينية)(110...........................................:
خامسًا :محاربة الحركات السلمية تشويه الصحوة السلمية)(111..............................:
آثار العلمانية في العالم السلمي112.................................................................-:
آثارها في الفراد :فمن تركيا112........................................................................:
-1ضياء كوكب ألب )1924-1875م(112............................................................:
-2مصطفى كمال أتاتورك)(113........................................................................:
ومن مصر -1 :رفاعة الطهطاوي)(113................................................................:
-2الدكتور طه حسين114................................................................................:
-3قاسم أمين116.........................................................................................:
آثار العلمانية في الجتماع والخلق)(117..............................................................:
آثارها في الحياة السياسية والحكم)(118..............................................................:
آثارها في الحياة القتصادية)(120.......................................................................:
موقف السلم من العلمانية)(121......................................................................:
ماذا تريد العلمانية من السلم؟123.....................................................................
حكم السلم في دعاة العلمانية124...................................................................-:
ثانيمًا:القومميمة125...........................................................................................
تعريف القومية127.........................................................................................:
نشأة القومية127..........................................................................................-:
نشأة القومية العربية130................................................................................-:
دور نصارى العرب في الدعوة إلى القومية132......................................................:
تجاوزات الفكر القومي العربي134....................................................................-:
نتائج الدعوة القومية في العالم السلمي135.......................................................-:
موقف السلم من القومية)(137........................................................................:
ثالثًا :المرأة141..............................................................................................
شبهات أعداء السلم حول قضايا المرأة المسلمة152............................................-:
قضايا مثارة من دعاة تحرير المرأة153...............................................................-:
ل :الميراث153..........................................................................................-: أو ً
ً
ثانيا :الدية155..............................................................................................-:
ثالثًا :القوامة155..........................................................................................-:
رابعًا :الطلق157..........................................................................................-:
445
خامسًا :تعدد الزوجات161...............................................................................-:
التعدد عند الغرب الكافر163............................................................................-:
سادسًا :العمل خارج البيت163.........................................................................-:
سابعًا :الختلط بين الجنسين في معاهد التعليم167...............................................-:
ثامنًا :الحجاب172..........................................................................................:
مهل ً يا دعاة التحرير174....................................................................................
رابعًا:العولمة176............................................................................................
تعريف العولمة178........................................................................................-:
نشأة العولمة181..........................................................................................-:
أهدافها وآثارها184........................................................................................-:
ل :الهداف والثار القتصادية185..........................................................................-: أو ً
ثانيًا :الهداف والثار السياسية190......................................................................:
ثالثًا :الهداف والثار الثقافية191........................................................................:
رابعًا :الهداف والثار الدينية194........................................................................:
خامسًا :الهداف والثار الجتماعية والخلقية196.....................................................:
وسائل العولمة199........................................................................................-:
من وراء العولمة؟201...................................................................................... َ
إسرائيل والعولمة205....................................................................................-:
أهداف العولمة السرائيلية209.........................................................................-:
وسائل العولمة السرائيلية211.........................................................................-:
الباب الثالث214.............................................................................................
الحركات الهدامة والفرق الضالة214....................................................................
الفصل الول216.............................................................................................
الماسونية216................................................................................................
الماسونية لغة216..........................................................................................:
الماسونية اصطلحًا216...................................................................................:
نشأة الماسونية217........................................................................................:
مخطط "بايك" الماسوني العالمي220.................................................................:
أهداف الماسونية221.....................................................................................-:
وسائل الماسونية في تحقيق أهدافها223..............................................................:
درجات الماسونية224.....................................................................................:
الماسونية وعلقتها باليهودية225.......................................................................-:
الماسونية والدين228......................................................................................:
الماسونية وعبدة الشيطان231.........................................................................-:
فلسفتهم في الحياة232..................................................................................-:
طقوسهم وعباداتهم233..................................................................................-:
عبادة الشيطان والجنس234............................................................................-:
عبدة الشيطان في العالم العربي والسلمي235...................................................-:
دور الجماعات اليهودية والوربية239...................................................................:
الماسونية والمرأة240.....................................................................................:
انتشار الماسونية ونفوذها242............................................................................:
الفصل الثاني247............................................................................................
القاديانية247.................................................................................................
التعريف بالقاديانية248....................................................................................:
من هو القادياني؟249.......................................................................................
وفاته249....................................................................................................-:
انقسام القاديانيين250.....................................................................................:
العقيدة القاديانية251......................................................................................:
إبطال فريضة الجهاد259..................................................................................:
446
القاديانية صنيع النجليز260...............................................................................:
علقة القاديانية بإسرائيل262............................................................................:
القاديانيون وباكستان263.................................................................................:
النتشار ومواقع النفوذ263................................................................................:
الفصل الثالث265...........................................................................................
البابية والبهائية265..........................................................................................
ل :البابية265.............................................................................................-: أو ً
تمهيد265......................................................................................................
من هو الباب؟266...........................................................................................
الفكار والعقائد البابية267................................................................................:
نهاية الباب270..............................................................................................:
ثانيًا :البهائية271............................................................................................:
التعريف بالبهاء271.........................................................................................:
نهاية البهاء273..............................................................................................:
أهم العقائد البهائية273....................................................................................:
الكتب المقدسة عند البهائية274.........................................................................:
أهم تعاليم البهائية275.....................................................................................:
العبادات عند البهائية276..................................................................................:
نشاط البهائية ومراكز نفوذهم276......................................................................:
صلة البابية والبهائية بالدوائر الستعمارية278.........................................................:
ل :علقة روسيا القيصرية بالبابية والبهائية278.....................................................: أو ً
ثانيا :دور الستعمار البريطاني في الحركة البهائية280..............................................: ً
ثالثًا :دور اليهودية في الحركة البهائية281.............................................................:
الباب الرابع285..............................................................................................
المذاهب السياسية والقتصادية والفلسفية الوافدة285..............................................
الفصل الول286.............................................................................................
المذهب السياسي الوافد "الديمقراطية"286..........................................................
الديمقراطية اصطلحًا286................................................................................:
نشأة الديمقراطية286.....................................................................................:
الديمقراطية بين اليوم والمس288.....................................................................:
صور الديمقراطية289.....................................................................................:
موقف السلم من صور الديمقراطية الثلث291.....................................................:
خصائص النظام الديمقراطي291........................................................................:
نشأة مبدأ السيادة292.....................................................................................:
مناقشة مبدأ السيادة293.................................................................................:
ثانيًا :مبدأ المشروعية297.................................................................................:
ضمانات لمبدأ المشروعية297...........................................................................:
مناقشة مبدأ المشروعية298.............................................................................:
ثالثًا :الحقوق والحريات للفراد299.....................................................................:
عيوب الديمقراطية في الحقوق والحريات300.......................................................:
موقف السلم من الديمقراطية305....................................................................:
الفصل الثاني309............................................................................................
المذهب القتصادي الوافد "الرأسمالية"309...........................................................
نشأتها309....................................................................................................:
خصائص الرأسمالية وأسسها316........................................................................:
التجاه الرأسمالي319.....................................................................................:
عيوب الرأسمالية ومفاسدها321........................................................................:
موقف السلم من الرأسمالية323......................................................................:
الفصل الثالث327...........................................................................................
447
المذهب الفلسفي الوافد"الشيوعية"327...............................................................
تعريف الشيوعية327.......................................................................................:
أسس المذهب الشيوعي327...........................................................................-:
أبرز الشخصيات الشيوعية329...........................................................................:
كارل ماركس )329....................................................................:()(1882-1818
دراسته وعلمه329..........................................................................................:
صفاته وأخلقه330.........................................................................................:
ماركس واليهودية333......................................................................................:
فردريك إنجلز )1895-1820م(334....................................................................:
أصول الفلسفة الشيوعية334............................................................................:
ل :أصول المادية الجدلية335..........................................................................: أو ً
ً
ثانيا :المادية التاريخية338.................................................................................:
نقض أوهام المادية الجدلية والمادية التاريخية338...................................................:
ل :نقض أوهام المادية الجدلية339....................................................................: أو ً
-1نقض قانون وحدة الضداد والصراع بينها339.....................................................:
-2نقض قانون تحول الكم إلى كيف342..............................................................:
-3نقض قانون نفي النفي346...........................................................................:
نقض المقولت الشيوعية :نتناول هنا أهم المقولت فقط349......................................
المقولة الولى :المادة أصل الحياة وأساس الوجود349............................................:
المقولة الثانية :المادة أزلية أبدية ،والكون ليس له بداية ول نهاية351...........................:
المقولة الثالثة :الوعي وظيفة الدماغ353..............................................................:
ثانيًا :نقض أوهام المادية التاريخية355.................................................................:
ل :خطأ القول بحتمية العامل القتصادي355.......................................................: أو ً
ثانيا :الموقف الشيوعي من السرة357................................................................: ً
ثالثًا :الموقف الشيوعي من الدين359.................................................................:
نقض الموقف الشيوعي من الدين360.................................................................:
محاربة الشيوعية للسلم363............................................................................:
الشيوعية وليدة الصهيونية365...........................................................................:
الشيوعيون العرب وفلسطين377.......................................................................:
الشيوعية خيانة عظمى للدين والوطن وعمالة للستعمار379.....................................:
الباب الخامس381...................................................................
السلم ومستقبل البشرية381........................................................
الفصل الول382.............................................................................................
سقوط الشيوعية والحضارة الغربية382.................................................................
تمهيد382.....................................................................................................:
المبحث الول :سقوط الشيوعية383...................................................................:
عوامل وأسباب سقوط الشيوعية384..................................................................:
ل :السباب الذاتية لسقوط الشيوعية384...........................................................: أو ً
ثانيًا :السباب الخارجية لسقوط الشيوعية393.......................................................:
المبحث الثاني :سقوط الحضارة الغربية395.........................................................-:
الفصل الثاني410............................................................................................
المستقبل للسلم410......................................................................................
تمهيد410.....................................................................................................:
المبحث الول :المبشرات النصية في الكتاب والسنة)(411........................................:
ل :المبشرات القرآنية411..............................................................................: أو ً
ثانيا :المبشرات النبوية414...............................................................................: ً
المبحث الثاني :المبشرات من طبيعة الدين الموافقة للفطرة البشرية ،ولسنن الله تعالى في
الكون419...................................................................................................-:
المبحث الثالث :المبشرات الواقعية421...............................................................:
448
ل :الحركات السلمية)(423...........................................................................: أو ً
أهداف الحركات السلمية424...........................................................................:
وسائل الحركات السلمية424..........................................................................-:
المبادئ التي أظهرتها الحركات السلمية425........................................................-:
ل :التصور السلمي للكون والنسان والحياة425..................................................: أو ً
ثانيًا :الجاهلية والسلم425...............................................................................:
ثالثًا :شمول السلم للحياة كلها426....................................................................:
رابعًا :الجهاد السلمي426................................................................................:
خامسًا :البعث السلمي426.............................................................................:
أهم هذه الحركات)(427...................................................................................:
-1حركة الخوان المسلمين427.........................................................................:
-2حركة الجماعة السلمية428.........................................................................:
-3التجاه السلمي في تركيا428.......................................................................-:
ثانيًا :الصحوة السلمية429...............................................................................:
أبرز مظاهر الصحوة السلمية431......................................................................:
وتتجلى فيما يلي431......................................................................................-:
مراجع ومصادر الكتاب437.................................................................................
فهرست الموضوعات444..................................................................................
449