You are on page 1of 449

‫واقعنا المعاصر والغزو الفكري‬

‫الدكتور صالح الرقب‬


‫كلية أصول الدين‪ -‬الجامعة السلمية‬

‫فلسطين ‪ -‬غـزة‬

‫الطبعة التاسعة‬
‫‪1427‬هـ‪2006 -‬مـ‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة‪...‬‬
‫ن الحمد لله‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ‬ ‫إ ّ‬
‫بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده الله فل مضل له‪،‬‬
‫ومن يضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليمًا‪ ،‬وبعد‪...‬‬
‫ل‪ ،‬ليس لهم وزن ول اعتبار‪،‬‬ ‫فلقد أصبح المسلمون اليوم كما ً مهم ً‬
‫ول شأن لهم بين المم والشعوب‪ ،‬يتعرضون للذل والهوان والضياع‪،‬‬
‫يستفتى غيرهم‪-‬أعداؤهم‪ -‬في رسم حاضرهم ومستقبلهم‪ ،‬بل ويصنع‬
‫هذا الغير حاضرهم ومستقبلهم‪ ،‬وسبب ذلك تخلي المسلمين عن‬
‫مصدر القوة والعزة والسيادة والكرامة‪ ،‬تخليهم عن السلم رسالة‬
‫ومنهجا ً ونظاما ً للحياة‪ ،‬لقد ضاع الدين الحق منا‪ ،‬ضاع من واقعنا‬
‫ومجتمعاتنا‪ ،‬ضاع من أخلقنا وسلوكنا‪ ،‬ضاع من حركتنا مع الحياة‬
‫وتعاملنا مع الخرين‪ .‬قال تعالى‪):‬ومن أعرض عن ذكري فإن له‬
‫معيشة ضنكا ً( سورة طه‪.124 :‬‬
‫ولقد تعرض المسلمون إلى حملة ظالمة من قبل الغرب الصليبي‬
‫والحقد اليهودي استهدفت تلك الحملة فكر المة السلمية‪ ،‬وعقلها‬
‫وقلبها‪ ،‬حملة فكرية تناولت حرمات عقيدة المة ورسالتها في الحياة‪،‬‬
‫كما تناولت مقدسات أخلقها وقيمها الدينية الصيلة‪ ،‬بالهدم والتقويض‪،‬‬
‫والتشويه وإثارة الشبهات والشكوك‪.‬‬
‫وقد بدأ المفكرون السلميون بحمد الله بمجاهدة أعداء الله‬
‫تعالى جهادا ً فكريًا‪ ،‬من خلل كتاباتهم ومؤلفاتهم وبحوثهم ومقالتهم‪،‬‬
‫ومن هنا رأيت من واجبي أن أساهم في هذا المجال مسترشدا ً بخطى‬
‫هؤلء المفكرين الفذاذ‪.‬‬
‫ولما ك ُّلفت قبل عدة سنين بتدريس مادتي )حاضر العالم‬
‫السلمي( و)السلم والمذاهب المعاصرة( من قبل كلية أصول‬
‫الدين بالجامعة السلمية بغزة‪ ،‬قمت بكتابة هاتين المادتين في‬
‫مذكرات كنت أمليها على طلبي وطالباتي‪ ،‬ولما رأيت أن الحاجة‬

‫‪2‬‬
‫تتطلب إخراج هذا العمل في كتاب يكون متناول ً بين أيديهم‪ ،‬عزمت‬
‫على ذلك بعد أن استكملت الكتابة في جوانب الموضوعات والعناصر‬
‫كلها‪ ،‬مراعيا ً التصنيف والتبويب والتقسيم سالكا ً المنهج العلمي في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫والله تعالى أسأل أن يكتب لي الجر والثواب‪ ،‬وأن ينفع به طلب‬
‫العلم‪ ،‬ودعاة الحق وأهله‪ .‬وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين‪،‬‬
‫والصلة والسلم على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه وعلى‬
‫من اتبع منهاجه بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الباب التمهيدي‬

‫الفصل الول‪ :‬الجاهلية معناها وخصائص‬


‫المجتمعات الجاهلية‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الحروب الصليبية‬

‫‪4‬‬
‫الباب التمهيدي‬
‫الفصل الول‬
‫الجاهلية معناها وخصائص المجتمعات الجاهلية‬
‫المقدمة…‬
‫شاع في الجزيرة العربية والعالم أجمع قبيل بعثة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم الفساد والجهل والخرافة والوهم‪ ،‬والنحراف في تصور‬
‫الحقيقة اللهية‪ ،‬وعلقة النسان بالله‪ ،‬وعلقة الله بالكون والحياة‬
‫والنسان‪ .‬كانت الصنام والوثان ُتعبد إلى جوار الله حول الكعبة وغيرها‬
‫كانت قوانين الجاهلية وأعرافها تحكم حياة الناس‪ ،‬كانت الهواء تسيطر‬
‫على تصرفات الناس وسلوكهم‪ ،‬كان الطواغيت والكهنة وسدنة الصنام‬
‫ضاعين للشرائع والعراف والتقاليد‪ ،‬يحّرمون ما يشاءون‪ ،‬ويحّلون ما‬ ‫و ّ‬
‫يشاءون وفق أهوائهم ومصالحهم الذاتية وكانت تسود الشهوات من‬
‫الخمر والنساء والميسر‪ ،‬والقتل والسلب والنهب‪ ،‬والغارات والثأر‬
‫والعدوان على الناس‪ .‬لقد كان الناس في جاهلية جهلء‪ ،‬وضللة عمياء‪.‬‬
‫ولقد بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم ليحارب‬
‫الفساد والجهل والخرافات والوهام وليصحح للناس تصوراتهم‬
‫العتقادية في الله وعلقته بالكون والنسان والحياة وليقيم دولة‬
‫السلم في نفوس الناس وفي واقعهم‪ .‬وفي سبيل ذلك تحمل صلى‬
‫الله عليه وسلم كل أصناف اليذاء والضطهاد‪ ،‬وجاهد الكفار‬
‫والمنافقين‪ ،‬لقد قام بمهمته خير قيام حتى أتاه اليقين والتحق بالرفيق‬
‫العلى‪.‬‬
‫وحمل الصحابة والتابعون مشعل الهداية والعلم والمعرفة للناس‬
‫دون تفريق أو تمييز‪ ،‬فحّرروا العقول من الوهام والخرافات‪ ،‬وحّرروا‬
‫ظلت دولة السلم قائمة في نفوسهم‬ ‫النفوس من الذل والستعباد‪ .‬و ّ‬
‫ومجتمعاتهم‪ .‬ولما اتسعت الفتوحات السلمية ودخلت في السلم‬
‫شعوب كثيرة‪ ،‬ذات مذاهب وعقائد وفلسفات مختلفة‪ ،‬وكثير من هؤلء‬
‫دخلوا في دين الله تعالى مستسلمين لحكامه وأوامره‪ ،‬وعاملين‬

‫‪5‬‬
‫بشرائعه وأنظمته‪ ،‬إل أنه بقيت بعض رواسب المعتقدات السابقة في‬
‫ضحون للناس حقائق العقيدة‬ ‫أذهان بعض الناس‪ ،‬فقام علماء السلم يو ّ‬
‫وأسس التصور‪ ،‬ويدفعون في وجه الشبهات والشكوك التي يثيرها‬
‫أعداء السلم وخصومه‪.‬‬
‫وظل المسلمون يعيشون في مجتمعهم السلمي ولهم كيانهم‬
‫ب الضعف‬ ‫السياسي المستقل حتى مطلع القرن التاسع عشر‪ ،‬حيث د ّ‬
‫في جسم الدولة السلمية‪ ،‬وبدأت سلطة الخلفة تضعف على بعض‬
‫أقاليم الدولة السلمية‪ ،‬وحدثت الحروب الطاحنة بين الدولة وأعدائها‪.‬‬
‫وفي النصف الول من القرن العشرين سقطت الخلفة السلمية‬
‫وازدادت غفلة الناس عن التفقه في الدين والبعد عنه‪ ،‬وتعرض العالم‬
‫السلمي إلى غزو استعماري استهدف الوطان والعقول‪ ،‬فازداد‬
‫المسلمون جهل ً على ما بهم من جهل‪ ،‬حيث شاعت الخرافات‬
‫والوهام‪ ،‬وانتشرت العادات والتقاليد الغربية الوافدة‪ ،‬وباختصار عادت‬
‫الجاهلية من جديد‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫تمهيد في معنى الجاهلية‪:‬‬
‫يستكثر كثير من الناس أن نصف الوضاع السائدة في معظم‬
‫أرجاء الرض اليوم بأنها )جاهلية(‪ ،‬ويحسبون ذلك تزيدا ً ل يليق‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ووصفا ً خاطئًا‪ ،‬ل يتناسب مع واقع الحال‪.‬‬
‫والسبب في ذلك أنهم يفهمون من الجاهلية صورة معينة‪ ،‬يرونها‬
‫غير منطبقة على الواقع اليوم‪ ،‬فينبغي أول ً أن نفهم حقيقة الجاهلية‪،‬‬
‫لنرى مدى انطباقها على هذا الواقع أو ُبعدها عنه‪.‬‬
‫ولنعلم ‪ -‬بادئ ذي بدء‪ -‬أن لفظ )الجاهلية( مصطلح قرآني‪ ،‬وهذه‬
‫الصيغة بالذات‪ -‬صيغة "الفاعلية"‪ -‬لم ترد في استعمال العرب قبل‬
‫ل"‪ ،‬وتصريفاته‬ ‫جهِ َ‬
‫نزول القرآن الكريم‪ ،‬فقد استخدموا الفعل " َ‬
‫المختلفة‪ ،‬واستخدموا المصدر "الجهل" و"الجهالة"‪ ،‬ولكنهم لم‬
‫يستخدموا صيغة "الفاعلية" )جاهلية(‪ ،‬ول هم وصفوا أنفسهم ول‬
‫غيرهم بأنهم "جاهليون"‪ .‬إنما جاء وصفهم بهذه الصفة في القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫والمصطلح القرآني ‪-‬كل مصطلح قرآني‪ -‬هو استخدام خاص للفظ‬
‫من اللفاظ‪ُ ،‬يخصصه بمعنى معين‪ ،‬ل ُيفهم من المعنى اللغوي على هذا‬
‫النحو الخاص إل بتخصيص القرآن الكريم له‪ ،‬وإن كان يدخل ‪-‬بداهة‪-‬‬
‫في إطار المعنى العام‪.‬‬
‫فالصلة في اللغة مثل ً هي الدعاء‪ ،‬والزكاة هي الطهارة‪ ،‬والدين هو‬
‫ما يعتقده النسان ويدين به‪ ،‬واليمان هو التصديق‪.‬‬
‫ولكن "الصلة" في المصطلح القرآني‪ ،‬هي تلك الهيئة الخاصة التي‬
‫يقف فيها النسان بين يدي موله‪ ،‬متجها ً وجهة معينة‪ ،‬راكعا ً ساجدا ً‬
‫قائما ً قاعدا ً داعيا ً مسبحا ً كما أمر الله‪ ،‬وكما أمر رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫و"الزكاة" هي تلك النسبة المعينة التي يؤديها المسلم من ماله‬
‫لتنفق في مصارفها المحددة في كتاب الله‪.‬‬

‫‪ -1‬هذا المبحث مستفاد عمن كتمماب‪ :‬رؤيممة إسملمية لحمموال العمالم المعاصممر محمممد‬
‫قطب ص ‪.21-13‬‬

‫‪7‬‬
‫و"الدين" هو السلم ‪-‬إسلم الوجه لله‪ -‬وما يستتبعه من شهادة أل‬
‫إله إل الله‪ ،‬وأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬وإقام الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم‬
‫رمضان‪ ،‬وحج البيت من استطاع إليه سبي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫واليمان هو اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر‬
‫)‪(1‬‬
‫خيره وشره‪ ،‬وما يقتضيه ذلك من أعمال القلب وأعمال الجوارح‪.‬‬
‫فإذا ذكر لفظ الصلة أو الزكاة أو الدين أو اليمان لم ينصرف ذهن‬
‫المسلم إلى المعنى اللغوي العام‪ ،‬إنما ينصرف ذهنه ابتداء إلى المعنى‬
‫الصطلحي الذي ورد في كتاب الله‪ ،‬وفي سنة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫و"الجاهلية"‪-‬كسائر المصطلحات القرآنية‪ -‬لها معناها المحدد‪ ،‬الذي‬
‫يدخل بطبيعة الحال في إطار المعنى اللغوي العام‪ ،‬ولكنه يتخذ دللته‬
‫المحددة من استخدام القرآن له‪ ،‬وتحديده لمعناه‪.‬‬
‫الجاهلية لغة‪-:‬‬
‫جاء في معاجم اللغة‪:‬جهل ضد علم‪ ،‬والجهل ضد العلم‪ .‬فالجاهلية‬
‫لغة‪:‬هي عدم العلم‪ ،‬أو عدم إتباع العلم‪ .‬يقول شيخ السلم ابن‬
‫تيمية في بيان المعنى اللغوي للجهل‪" :‬هو عدم العلم‪ ،‬أو عدم إتباع‬
‫ن من لم يعلم الحق فهو جاهل جهل ً بسيطًا‪ ،‬فإن اعتقد خلفه‬ ‫العلم‪ .‬فإ ّ‬
‫فهو جاهل جهل ً مركبًا‪ .‬وكذلك من عمل بخلف الحق فهو جاهل‪ ،‬وإن‬
‫علم أنه مخالف للحق"‪.‬‬
‫وقد ورد اللفظ في كلم العرب بكل المعنيين‪ -‬وبصفة خاصة في‬
‫المعنى الثاني الذي يفيد عدم إتباع العلم‪ ،‬والعمل بما ُيخالف مقتضاه‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫فحين يقول الشاعر)‪:(3‬‬

‫‪ -1‬يقول السلف ‪-‬وقولهم الحق‪ -‬إن اليمان قول وعمممل‪.‬أممما المممرجئة ‪-‬الممذي أخممذوا‬
‫المعنى اللغوي دون الصطلحي‪ -‬فيقولون إنممه التصممديق والقممرار‪ ،‬وليممس العمممل‬
‫داخل ً في مسمى اليمان‪ ،‬وهو قول واضح البطلن‪.‬‬
‫‪" -2‬اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" ‪.228-1/227‬‬
‫‪ -3‬هو عمرو بن كلثوم‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫فنجهل فوق جهل‬ ‫أل ل يجهلممن أحممد علينمما‬
‫الجاهلينا‬
‫ن الشاعر يستخدم الجهل بمعنى‪ :‬نغضب غضبا ً شديدًا‪ ،‬ونتصرف‬ ‫إ ّ‬
‫بما يمليه علينا الغضب من بطش وعدوان‪ ،‬ول نقف عند الضوابط التي‬
‫حْلم‪.‬‬‫تحكم سلوكنا في حالة ال ِ‬
‫وحين يقول الشاعر الخر )‪:(1‬‬
‫عن الجهل بعد الحلم‬ ‫بكت عيني اليسرى فلما زجرتها‬
‫أسبلتا معًا!‬
‫فالشاعران العربيان يستخدمان الجهل‪:‬بمعنى السلوك غير المنضبط‬
‫بالضوابط اللئقة بمثله‪ ،‬من صبر وكتمان‪ ،‬وعدم إظهار للوعة السى‬
‫وفرط الحزن‪.‬‬
‫معنى الجاهلية اصطلحا‪-:‬‬
‫أما في القرآن الكريم فاللفظ يرد في معنى خاص‪ ،‬وفي الحقيقة يرد‬
‫في معنيين محدديمن‪ -1 :‬إما الجهل بحقيقمة اللوهية وخصائصها‪-2 ،‬‬
‫وإما السلوك غير المنضبط بالضوابط الربانية‪ ،‬أي بعبارة أخرى‪ :‬عدم‬
‫ل شأنه‪):‬وجاوزنا ببني إسرائيل البحر‬ ‫إتباع ما أنزل الله‪ .‬فحين يقول ج ّ‬
‫فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم‪ ،‬قالوا يا موسى اجعل لنا إلها ً‬
‫كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون(‪ (2) .‬فالجهل المقصود هنا هو عدم‬
‫العلم بحقيقة اللوهية‪ .‬إذ لو علموا أنه تعالى )ل تدركه البصار()‪ (3‬وأنه‬
‫)ليس كمثله شيء( )‪ (4‬وأنه تعالى) خالق كل شيء( )‪ (5‬وليس بمخلوق‪،‬‬
‫ول صفاته تشبه صفات الخلق‪ ،‬ما سألوا هذا السؤال الذي ينم عن‬
‫جهلهم بهذه المور كلها‪.‬‬

‫مة بن عبد الله القشيري‪.‬‬


‫ص ّ‬
‫‪ -‬هو ال ُ‬
‫‪1‬‬

‫‪ -2‬سورة العراف‪138 :‬‬


‫‪ -3‬سورة النعام‪.102 :‬‬
‫‪ -4‬سورة الشورى‪.11 :‬‬
‫‪ -5‬سورة النعام‪.102 :‬‬

‫‪9‬‬
‫وحين يقول سبحانه وتعالى‪):‬وطائفة قد أهمتهم أنفسهم‪ ،‬يظنون‬
‫بالله غير الحق ظن الجاهلية‪ ،‬يقولون هل لنا من المر شيء()‪ (1‬فالذي‬
‫يعيبه الله على هذه الطائفة هو تصور معين لمر يتعلق بحقيقة اللوهية‬
‫هو تصورهم أن هناك من يمكن أن ُيشارك الله سبحانه وتعالى في‬
‫تدبير المر‪ ،‬وجهلهم بأن ما يتم بالفعل هو إرادة الله وحده‪ ،‬وتدبيره‬
‫وحده‪ ،‬ل تدبيرهم هم ول تدبير غيرهم‪ ،‬وأنهم سواء كانوا استشيروا أم‬
‫لم ُيستشاروا‪ ،‬أخذ برأيهم أم لم يؤخذ به‪ ،‬فليس لشيء من ذلك تأثير‬
‫في قدر الله وتدبيره‪ ،‬كما تصوروا في جهالتهم‪ .‬لذلك رد عليهم بقوله‬
‫تعالى‪):‬قل إن المر كله لله(‪.‬‬
‫وحين يقول تعالى‪) :‬وقال الذين ل يعلمون)‪ (2‬لول يكلمنا الله أو‬
‫تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم‪ ،‬تشابهت قلوبهم‪ ،‬قد‬
‫بينا اليات لقوم يوقنون(‪ (3).‬فالمقصود كذلك أن هؤلء الجاهلين أو‬
‫الجاهليين يجهلون أمرا ً يتعلق باللوهية‪ ،‬وهو أن الله ل يكلم الناس إل‬
‫وحيا ً أو من وراء حجاب‪ ،‬كما قال سبحانه‪):‬وما كان لبشر أن يكلمه‬
‫الله إل وحيا ً أو من وراء حجاب‪ ،‬أو يرسل رسول ً فيوحي‬
‫ي حكيم(‪ (4).‬وأنه تعالى ل ينزل اليات حسب‬ ‫بإذنه ما يشاء‪ ،‬إنه عل ّ‬
‫أمزجة الناس‪ ،‬إنما ينزلها حين يشاء سبحانه‪ ،‬لحكمة يريدها‪ ،‬فإذا أنزلت‬
‫ترتب عليها نتائجها‪ ،‬وهي التدمير العاجل على الكافرين‪ ،‬كما قال‬
‫)‪(5‬‬
‫سبحانه‪):‬ولو أنزلنا ملكا ً لقضي المر ثم ل ُينظرون(‪.‬‬
‫وحين يقول سبحانه على لسان يوسف عليه السلم‪):‬وإل تصرف‬
‫ب إليهن وأكن من الجاهليـن(‪ (6).‬فالمعنمى‬ ‫عني كيدهن أصـ ُ‬
‫متعلق بسملوك غير منضبمط بالضوابمط الربانية‪ ،‬وهو الصبو إلى‬ ‫ُ‬

‫‪ -1‬سورة آل عمران‪.154 :‬‬


‫‪ -2‬أي الذين يجهلون‪.‬‬
‫‪ -3‬سورة البقرة‪.118 :‬‬
‫‪ -4‬سورة الشورى‪.51 :‬‬
‫‪ -5‬سورة النعام‪.8 :‬‬
‫‪ -6‬سورة يوسف‪.33 :‬‬

‫‪10‬‬
‫النسوة‪ ،‬ومخالفة أمر الله‪ ،‬والوقوع فيما حرم الله وهو المر الذي‬
‫يخشى يوسف عليه السلم أن يقع فيه‪ ،‬ويستعيذ بالله منه‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وحين يقول تعالى‪):‬ول تبرجن تبرج الجاهلية الولى(‪.‬‬
‫فالمقصود كذلك سلوك غير منضبط بالضوابط الربانية‪ ،‬وإتباع لغير ما‬
‫أنزل الله من وجوب التحشم وعدم إبداء النساء لزينتهن إل لمحارمهن‪.‬‬
‫وحين يقول جل شأنه‪):‬إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية‬
‫حمية الجاهلية(‪ (2).‬فالمقصود سلوك غير منضبط بالضوابط الربانية‪،‬‬
‫التي تلزم النسان أل يقاتل إل في سبيل الله‪ ،‬ول يقاتل حمية‪ ،‬ول‬
‫عصبية‪ ،‬ول لمر ُيغضب الله سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫وأخيرا ً حين يقول سبحانه وتعالى‪):‬أفحكم الجاهلية يبغون‪،‬‬
‫ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون()‪ .(3‬فالمر متعلق‬
‫مباشرة بإتباع غير ما أنزل الله من التشريع الذي قال الله فيه‪) :‬ومن‬
‫)‪(4‬‬
‫لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون(‪.‬‬
‫إذا ً الجاهلية مقابل معرفة الله والهتداء بهديه‪ ،‬والحكم بما أنزل‬
‫الله في كتابه وعلى لسان رسوله‪ ،‬وليست هي مقابل ما يسمى العلم‬
‫والحضارة المادية ووفرة النتاج‪ .‬ولم يقل القرآن الكريم قط إن العرب‬
‫كانوا في جاهلية لنهم ل يعرفون الفلك والطبيعة والكيمياء والطب‪ ،‬ول‬
‫لنهم ل يعرفون النظم السياسية‪ ،‬ول لّنهم متأخرون في ميدان النتاج‬
‫المادي والعلمي‪ ،‬ول لنهم خلوا من بعض الفضائل والقيم‪ .‬إنما قال‬
‫كمون أهواءهم‪ ،‬ويرفضون حكم الله‪ .‬ولقد‬ ‫لهم‪ :‬إنهم جاهليون لنهم يح ّ‬
‫أعطاهم الله تعالى البديل عن الجاهلية أل وهو السلم عقيدة وشريعة‬
‫ومنهج حياة‪.‬‬
‫من خلل ما سبق يتبين لنمما أن المعنممى "الصممطلحي" للجاهليممة‪،‬‬
‫الذي جمماء فممي كتمماب اللممه الكريممم‪ ،‬خلصته هو‪ :‬الجهــل بحقيقــة‬

‫‪ -1‬سورة الحزاب‪.33 :‬‬


‫‪ -2‬سورة الفتح‪.26 :‬‬
‫‪ -3‬سورة المائدة‪.50 :‬‬
‫‪ -4‬سورة المائدة‪.44 :‬‬

‫‪11‬‬
‫اللوهية‪ ،‬أي الجهل بما يجب لله سبحانه وتعالى مــن إخلص‬
‫العبادة‪-‬الظاهرة والباطنــة‪ -‬لــه وحــده دون شــريك‪.‬بالضــافة‬
‫إلى السلوك غير الملتزم بالضوابط الربانية‪ .‬وهي بهذا المعنممى‬
‫ليست محددة بزمن معين‪ ،‬ول مكان معيممن ول قمموم معينيممن‪ .‬إنممما هممي‬
‫تصورات معينة‪ ،‬وسمملوك معيممن‪ ،‬حيثممما وجممدت فهممي الجاهليممة بصممرف‬
‫النظر عن الزمان والمكان والقوم‪.‬‬

‫الجاهلية المعاصرة‪:‬‬
‫وبهذا المعيار الرباني‪ ،‬نصف الجاهلية المعاصرة بأنها جاهلية!‬
‫والذين يظنون أن الجاهلية كانت فترة زمنية معينة في الجزيرة العربية‪،‬‬
‫انتهت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولم يعد لها وجود في أي‬
‫مكان في الرض‪ ،‬يغفلون عن الواقع الذي تعيشه معظم الرض اليوم‪،‬‬
‫كما يغفلون عن أقوال العلماء في هذا الشأن‪.‬‬
‫يقول ابن تيمية رحمه الله‪" :‬فإذا تبين ذلك)‪ ،(1‬فالناس قبل مبعث‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا في حال جاهلية منسوبة إلى‬
‫جّهال‪،‬‬
‫الجهل‪ ،‬فإن ما كانوا عليه من القوال والعمال إنما أحدثه لهم ُ‬
‫وإنما يفعله جاهل‪ .‬وكذلك كل ما يخالف ما جاء به المرسلون من‬
‫يهودية ونصرانية فهو جاهلية‪ .‬وتلك كانت الجاهلية العامة"‪.‬‬
‫"فأما بعدما بعث الله الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فالجاهلية‬
‫المطلقة قد تكون في مصرٍ دون مصر‪ ،‬كما هي في دار الكفار‪ ،‬وقد‬
‫تكون في شخص دون شخص كالرجل قبل أن يسلم‪ ،‬فإنه يكون في‬
‫جاهلية‪ ،‬وإن كان في دار السلم"‪.‬‬
‫"فأما في زمان مطلق فل جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم فإنه ل تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام‬
‫الساعة"‪" .‬والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين‪ ،‬وفي‬

‫‪ -1‬أي الشرح الذي شرح بممه معنممى الجاهليممة‪ ،‬واشممتمالها علممى التصممورات الخمماطئة‬
‫والعمال المخالفة لما أنزل الله‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫)‪(1‬‬
‫كثير من المسلمين‪."...‬‬
‫وخلصممة الكلم الممدقيق الممذي يقمموله ابممن تيميممة رحمممه اللممه أن‬
‫الجاهلية العامة التي تشمل كل وجه الرض قد انتفمت بعمد بعثمة محممد‬
‫صلى الله عليه وسلم لن الرض ل تخلو في أية لحظة من وجود طائفة‬
‫من أمته ظاهرين على الحق‪ ،‬ولكن الجاهلية المطلقة )التامممة الكاملممة(‬
‫قد توجد في بعض البلد بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم كما أن‬
‫الجاهلية المقيدة )أي التي ل تشمل كل شيء ول كل أحد( قد توجد في‬
‫بعض ديار المسلمين وفي كثير منهم‪.‬‬

‫خصائص المجتمع الجاهلي‪-:‬‬


‫المجتمع الجاهلي له سمات وملمح يتميز بها عن غيره‪ ،‬تبرز هويته‬
‫وتوضح حقيقته‪.‬‬
‫فمن خصائص المجتمع الجاهلي ما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬جاهلية التصور والعتقاد‪-:‬‬
‫من سمات المجتمع الجاهلي عدم اليمان بالله عز وجل‬
‫إلها ً مستحقا ً لكمال العبادة والخضوع مع كمال المحبة‪ ،‬أي‬
‫عدم إفراده تعالى باللوهية‪ ،‬وعدم إفراده بالحاكمية والتشريع‪ ،‬إنما‬
‫يشرك معه آلهة أخرى سواء كان ذلك في العبادة أم في التشريع‪ .‬قال‬
‫تعالى‪):‬أفغير الله تأمروّني أعبد أيها الجاهلون()‪ (2‬وقال‪):‬إن‬
‫الحكم إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم()‪.(3‬‬
‫وقال‪):‬أفحكم الجاهلية يبغون‪ .‬ومن أحسن من الله حكما ً‬
‫)‪(4‬‬
‫لقوم يوقنون(‪.‬‬
‫لقد انحرفت التصورات العتقادية فمي كثير من المجتمعات‪،‬‬
‫فمنها ممن يعبد الوثان والصنام‪ ،‬ويزعم أن الملئكممة بنممات اللممه‪ ،‬ومنهمما‬

‫‪ -1‬اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ص ‪..1/227‬‬


‫‪ -2‬سورة الزمر‪.64 :‬‬
‫‪ -3‬سورة يوسف‪.40 :‬‬
‫‪ -4‬سورة المائدة‪.50 :‬‬

‫‪13‬‬
‫من يقول بتعدد اللهة‪ ،‬ويجعل لله تعالى ولدا ً وزوجة‪ ،‬ومنها من يريد أن‬
‫يكون الله صورة محسوسممة‪ ،‬ويجعلممون للممه تعممالى ابنمًا)وقممالت اليهممود‬
‫عزير ابن الله وقالت النصارى المسمميح ابممن اللممه()‪ .(1‬ومممن المجتمعممات‬
‫من يعبد الّنار أو البقار‪ ،‬أو النجوم والكواكب‪ ،‬ومنها من يأَله الطبيعية أو‬
‫النسان‪ ،‬أو المادة‪ ..‬فأهل الجاهليمة يظنممون بمالله غيممر الحمق كممما قمال‬
‫تعالى عنهم‪) :‬يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية()‪.(2‬‬
‫‪ -‬جاهلية الحكم والتباع‪-:‬‬
‫ويلزم من عدم معرفة الله وعدم اليمان به تعالى وحده ل شريك‬
‫له‪ ،‬جاهلية في الحكم‪ ،‬أي عدم تحكيم شرع الله تعالى في واقع الحياة‪،‬‬
‫بممل تحكيممم ممما يشممرعه البشممر أنفسممهم وفممق طممواغيتهم‪،‬وأهمموائهم‬
‫وشممممهواتهم‪ ،‬قممممال تعممممالى‪):‬أفحكممممم الجاهليممممة يبغممممون ومممممن‬
‫أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنممون()‪ ،(3‬وقممال تعممالى‪) :‬قممل أفغيممر اللممه‬
‫تأمروّني أعبد أيها الجاهلون()‪ ،(4‬وقال‪) :‬وممن لممم يحكممم بممما أنممزل اللممه‬
‫)‪(5‬‬
‫فأولئك هم الكافرون(‪.‬‬
‫ويترتب على ذلك أمران اثنان‪-:‬‬
‫مهم صرف الناس عن‬ ‫أولهما‪ :‬وجود الطواغيت الذين يه ّ‬
‫ن‬‫عبادة الله وحده ل شريك لـه وعدم تحكيم شـريعته‪ -:‬إ ّ‬
‫الجاهليين يريدون من النماس أن يتجهوا إلى عبادة أولئك الطواغيت‬
‫والحكم بشمريعتهم‪ .‬يقول الله عز وجل‪):‬يريدون أن يتحاكموا إلى‬
‫الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به()‪ .(6‬وقال تعالى‪):‬الله ولي الذين‬
‫آمنوا يخرجهمم من الظلمات إلى النمور والذين كفروا أولياؤهم‬

‫‪ -1‬سورة التوبة‪.30 :‬‬


‫‪ -2‬سورة آل عمران‪.154 :‬‬
‫‪ -3‬سورة المائدة‪.50 :‬‬
‫‪ -4‬سورة الزمر‪.64 :‬‬
‫‪ -5‬سورة المائدة‪.44 :‬‬
‫‪ -‬النساء‪.60:‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪14‬‬
‫الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات(‪ (1).‬وقال‪):‬الذين آمنوا‬
‫)‪(2‬‬
‫يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت(‪.‬‬
‫وصورة الطاغوت تختلف من عصر إلى عصر‪ ،‬ومن أمة إلى أمة‪،‬‬
‫والطاغوت قد يكون فردًا‪ ،‬أو طائفة‪ ،‬أو جماعة‪ ،‬أو عرفًا‪ ،‬أو حزبًا‪ ،‬أو أي‬
‫قوة تستعبد الناس لها فل يملكون الخروج عن أوامرها‪ ،‬والطاغوت‬
‫دائما ً يحرص أن يكون الولء لشخصه ولحزبه ومصالحه‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬إتباع الهواء وطاعتهمما مممن دون اللممه عممز وجممل‪ ،‬يقممول اللممه‬
‫تعالى‪):‬وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع أهممواءهم()‪ .(3‬ويقممول‪):‬ول‬
‫ل الل ّمهِ ل َهُ م ْ‬
‫م‬ ‫سِبي ِ‬
‫ن َ‬ ‫ضّلو َ‬
‫ن عَ ْ‬ ‫ن يَ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إ ّ‬
‫ب( )‪.(4‬ويقول تعالى‪):‬أفرأيت من اتخذ‬ ‫سا ِ‬
‫ح َ‬‫م ال ْ ِ‬
‫سوا ي َوْ َ‬
‫ما ن َ ُ‬
‫ديد ٌ ب ِ َ‬ ‫ب َ‬
‫ش ِ‬ ‫عَ َ‬
‫ذا ٌ‬
‫إلهه هواه(‪ ،(5).‬والهواء تختلف من عصر إلى عصر ومن بيئة إلممى بيئة‪،‬‬
‫ومن أمة إلى أمة ولكنها دائمما ً "همموى" فريمق ممن النماس يحكممون بممه‬
‫خر مممن أجلهمما‬ ‫سائر الناس‪ ،‬ومصلحة معينة لفرد أو جماعة أو حزب يس م ّ‬
‫بقية الناس على حسب هواه‪.‬‬
‫‪ -3‬جاهلية السلوك والخلق‪-:‬‬
‫المجتمع الجاهلي يكون فيه سلوك الفراد والجماعات بعيدا ً عن‬
‫المنهج السلمي بل يكون السلوك فيه وفق الهواء والشهوات‪ ،‬خروجا ً‬
‫ما فطر الله عليه الناس‪ ،‬فمثل ً قال الله تعالى مخاطبا ً النساء‪) :‬ول‬ ‫ع ّ‬
‫تبرجن تبرج الجاهلية الولى()‪ ،(6‬فالخطاب ذم للسلوك الجاهلي‬
‫المشين المتمثل في تبرج المرأة وسفورها‪ ،‬وإبداء زينتها لغير محارمها‪.‬‬
‫ن النجراف في تيار الشهوات‪ :‬الشهوات أسبابها كامنة في‬ ‫إ ّ‬
‫فطرة النسان‪ ،‬وهي أمر محّبب له‪ ،‬قال تعالى‪):‬زين للناس حب‬

‫‪ -1‬سورة البقرة‪.257 :‬‬


‫‪ -2‬سورة النساء‪.76 :‬‬
‫‪ -3‬سورة المائدة‪.49:‬‬
‫‪ -4‬سورة ص‪.26:‬‬
‫‪ -5‬سورة الجاثية‪.23:‬‬
‫‪ -6‬سورة الحزاب‪.33 :‬‬

‫‪15‬‬
‫الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة‬
‫ن قدرا ً من‬
‫والخيل المسومة والنعام والحرث ذلك متاع الحياة‪ (1).(...‬إ ّ‬
‫هذه الشهوات ضروري لقيام النسان بمهمة الخلفة التي تولها في‬
‫الرض ولكن عندما تزيد هذه الشهوات عن قدرها المعقول‪ ،‬وتصبح‬
‫مسيطرة على كيان النسان مدمرة لكيانه ومبددة لطاقاته‪ ،‬وصارفة له‬
‫عن مهمة الخلفة فإنها تهبط به عن مستوى النسان الكريم بتكريم‬
‫الله له إلى مستوى البهائم والنعام‪.‬‬
‫ن الذي يحد ّ من اندفاعها وسيطرتها على كيان النسان‪ ،‬هي‬ ‫إ ّ‬
‫العقيدة في الله والحياة في ظل نظام يقوم على شريعة وأحكام الله‪،‬‬
‫ولكن الجاهلية التي ل تؤمن بالله ول تحتكم إلى شريعته فإن النسان‬
‫في ظلها يجرفه تيار الشهوات‪ (2).‬وتجار الشهوات يريدون من الناس أن‬
‫يبتعدوا عن منهج الله‪ ،‬قال تعالى‪):‬ويريد الذين يتبعون الشهوات أن‬
‫ً ‪(3).‬‬
‫تميلوا ميل ً عظيما(‬
‫‪ -4‬جاهلية رابطة التجمع والجتماع‪-:‬‬
‫إن رابطة التجمع في المجتمع الجاهلي رابطة فاسدة تقوم مثل ً‬
‫على القومية أو الوطنية أو المصالح المشتركة‪ ،‬وقد يجتمع الناس على‬
‫أساس من اللون كما في التفرقة العنصرية التي سادت في أمريكا‬
‫وجنوب أفريقيا‪ ،‬قال تعالى‪):‬إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية‬
‫حمية الجاهلية(‪ (4).‬وقال صلى الله عليه وسلم لبي ذر لما عّير بلل بن‬
‫رباح بسواده‪) :‬إنك امرؤ فيك جاهلية(‪.‬‬

‫خصائص المجتمع السلمي‪-:‬‬


‫ن المجتمع الذي أقامه المسلمون الوائل‪ ،‬والذي يسعى‬ ‫إ ّ‬
‫المسلمون الصادقون اليوم إلى إقامته وإيجاده يتميز بالخصائص‬

‫‪ -1‬سورة آل عمران‪.14 :‬‬


‫‪ -2‬جاهلية القرن العشرين محمد قطب ‪.55-52‬‬
‫‪ -3‬سورة النساء‪.27 :‬‬
‫‪ -4‬سورة الفتح‪.26 :‬‬

‫‪16‬‬
‫التالية‪-:‬‬
‫ل‪ :‬التصور العتقادي الصحيح‪-:‬‬ ‫أو ً‬
‫ن السلم جاء لتصحيح التصورات والعتقادات‪ ،‬ولتصحيح‬ ‫إ ّ‬
‫الوضاع القائمة ولبطال مقومات الجاهلية وسماتها‪ ،‬لقد أقام السلم‬
‫المجتمع على تصور سليم‪ ،‬وأسس متينة منبثقة عن التصور السلمي‬
‫لله‪ ،‬وعلقته بالكون والنسان والحياة‪ .‬ونستطيع القول أن التصور‬
‫العتقادي في المجتمع السلمي يقوم على السس الثلثة التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬العتقاد بأن الله تعالى وحده ل شريك له‪:‬هو الخالق الرازق المحيي‬
‫المميت‪ ،‬الذي يملك النفع والضر‪.‬‬
‫‪ -2‬إفراده تعالى بالعبادة والطاعة‪ ،‬من‪ :‬الستعاذة والرجاء والخوف‬
‫والرهبة والنابة والحب والتوكل والستعانة‪.‬‬
‫‪ -3‬إفراده تعالى بالسماء الحسنى والصفات العل‪) :‬ليس كمثله شيء‬
‫وهو السميع البصير()‪) ،(1‬ولله السماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين‬
‫)‪(2‬‬
‫يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون(‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الحاكمية لله وحده‪- :‬‬
‫لبد أن يكون حكم الله وحده هو السائد في المجتمع السلمي‪،‬‬
‫وإل فالمجتمع جاهلي )أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله‬
‫)‪(5‬‬
‫حكما ً لقوم يوقنون()‪) ،(3‬إن الحكم إل لله()‪) ،(4‬أل له الخلق والمر(‪.‬‬
‫إن سلطة التشريع والحكم لله تعالى‪ ،‬فالحلل ما أحله في كتابه وعلى‬
‫لسان رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والحرام ما كان محرما ً في دين‬
‫الله تعالى‪ ،‬ول يملك واحد من الناس مهما بلغت مكانته أن يشّرع‬
‫للناس من تلقاء نفسه وحسب هواه‪ ،‬والمسلمون في المجتمع‬
‫السلمي وظيفتهم تنفيذ حكم الله في واقع حياتهم كلها‪ ،‬ووظيفة‬

‫‪ -1‬سورة الشورى‪.11 :‬‬


‫سورة العراف‪.180 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬سورة المائدة‪.50 :‬‬


‫‪ -4‬سورة النعام‪.57 :‬‬
‫‪ -5‬سورة العراف‪.54 :‬‬

‫‪17‬‬
‫العلماء أن يبينوا للناس حكم الله‪ ،‬وأن يستنبطوا من كتابه وسنة‬
‫رسوله أحكاما ً لما يستجد من الوقائع والحداث‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬التجمع على أساس رابطة العقيدة‪-:‬‬
‫لقد جعل السلم آصرة التجمع رابطة العقيدة‪-‬رابطة الخوة‬
‫اليمانية‪ -‬ل رابطة التراب والطين )إنما المؤمنون إخوة()‪،(1‬‬
‫)واعتصموا بحبل الله جميعا ً ول تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم‬
‫ً )‪(2‬‬
‫أعداًء فأّلف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا(‪.‬‬
‫لقد آخت العقيدة السلمية بين السود والبيض‪ ،‬بين العربي‬
‫والحبشي‪ ،‬والرومي والفارسي‪ ،‬وقضت على الفوارق المصطنعة بسبب‬
‫اللون أو المال أو القومية‪ ،‬قال تعالى‪) :‬إن أكرمكم عند الله‬
‫أتقاكم()‪ (3‬ويقول صلى الله عليه وسلم‪) :‬ل فضل لعربي على أعجمي‬
‫ول لعجمي على عربي‪ ،‬ول لبيض على اسود‪ ،‬ول لسود على أبيض إل‬
‫بالتقوى‪ ،‬كلكم لدم‪ ،‬وآدم من تراب(‪ (4).‬واقتلع عليه الصلة والسلم‬
‫جذور الجاهلية في التعصب‪ ،‬وسد ّ كل منافذها فقال‪) :‬ليس منا من دعا‬
‫إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية‪ ،‬وليس منا من مات على‬
‫عصبية()‪ ،(5‬وحّرم حمية الجاهلية فقال‪) :‬دعوها فإنها منتنة(‪(6).‬وقال‬
‫صلى الله عليه وسلم في حق سلمان الفارسي‪) :‬سلمان مّنا آل‬
‫البيت(‪ ،‬وقال عمر رضي الله عنه في حق بلل بن رباح الحبشي‪:‬‬
‫)اعتق سيدنا سيدنا‪-‬يقصد صنيع أبي بكر مع بلل رضي الله عنهما(‬
‫واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم بلل ً مؤذنا ً ينادي المسلمين‬
‫جميعا ً للصلة‪ ،‬وزّوج عليه السلم موله زيد بن حارثة امرأة شريفة من‬
‫أشراف قريش هي زينب ابنة عمته‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪) :‬إذا‬

‫‪ -1‬سورة الحجرات‪.10 :‬‬


‫‪ -2‬سورة آل عمران‪.103 :‬‬
‫‪ -3‬سورة الحجرات‪.13 :‬‬
‫‪ -4‬كنز العمال ‪.2/22‬‬
‫‪ -5‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫‪ -6‬رواه البخاري‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه‪ ،‬إل تفعلوا تكن فتنة في الرض‬
‫وفساد عريض()‪ .(1‬قال تعالى‪) :‬إ ّ‬
‫ن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله(‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫رابعًا‪ :‬النسان له كرامته‪-:‬‬


‫النسان في المجتمع السلمي له كرامته ومنزلته‪ ،‬حيث كّرمه‬
‫ضله على غيره من المخلوقات‪ ،‬فهو أشرف المخلوقات‪،‬‬ ‫الله تعالى وف ّ‬
‫لقد كّرمه الله تعالى إذ جعله خليفته على الرض )ولقد كرمنا بني آدم(‬
‫)‪(4‬‬
‫)‪) ،(3‬وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الرض خليفة‪.(...‬‬
‫وزّوده الله تعالى بالمؤهلت والخصممائص الممتي مممن شممأنها القيممام‬
‫بحمل المانة وأداء المسئولية على الوجه الذي يريده ويحبه ويرضاه‪.‬‬
‫والمجتمع السلمي يخلو من النسان السّيد الحاكم المطاع‪،‬‬
‫وبتعبير آخر يخلو من الطغاة‪ ،‬ليس فيه سادة وعبيد‪ ،‬فالكل عبيد لله‬
‫الواحد القهار‪ ،‬ول طاعة لمخلوق في معصية الخالق‪ .‬إن الحاكم أو‬
‫الخليفة عبد لله تعالى كسائر العباد‪ ،‬ل يمتاز عن غيره من أفراد الرعية‬
‫إل بثقل المسئولية الملقاة عليه‪ ،‬مسئولية رعاية الناس وفق شرع الله‬
‫)‪(5‬‬
‫ومنهجه )كلكم راٍع وكلكم مسئول عن رعيته(‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬السلوك المستقيم مع شريعة الله تعالى‪-:‬‬
‫المجتمع السلمي ينضبط أفراده في سلوكهم وتصرفاتهم مع‬
‫ن العقيدة المغروسة في وجدانهم جعلتهم‬ ‫شريعة الله تعالى‪ .‬ذلك أ ّ‬
‫يقولون لشرع الله‪ :‬سمعنا وأطعنا‪ ،‬وتكاد المعاصي والجرائم الخلقية‬
‫تغيب عن هذا المجتمع‪ ،‬وقد يكون فيه أناس يرتكبون المعاصي من‬
‫الزنا وشرب الخمر ونحوها‪ ،‬ولكنهم قلة ل يأبه بها أحد‪ ،‬فضل ً من أن‬

‫‪ -1‬رواه الترمذي وابن ماجة وهو حديث حسن‪.‬‬


‫‪ -2‬سورة النور‪.32 :‬‬
‫‪ -3‬سورة السراء‪.70 :‬‬
‫‪ -4‬سورة البقرة‪.30 :‬‬
‫‪ -5‬جزء من حديث شريف رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫أحكام الله تعالى تطبق عليهم‪ ،‬وقد يسعى هؤلء إلى الحاكم المسلم‬
‫طالبين إيقاع العقوبات المقررة شرعا ً في حقهم‪.‬‬
‫ما نزلت آيات تحريم الخمر في المدينة أسرع القوم إلى دلق‬ ‫إّنه ل ّ‬
‫ما عندهم من الخمر في الشوارع‪ ،‬ومن كان بيده قدح ألقاه عن فيه‬
‫)‪(1‬‬
‫ما نزلت آيات‬ ‫ما سمع منادي رسول الله ينادي بتحريم الخمر ‪ ،‬ول ّ‬ ‫ل ّ‬
‫الحجاب أسرعت النساء إلى مروطهن يصنعن منها خمارا ً ساترا ً‬
‫لعوراتهن)‪ .(2‬إنه المجتمع السلمي‪ :‬مجتمع نظيف‪ ،‬ذو سلوك مهذب‪،‬‬
‫وتصّرف منضبط بأحكام الله عز وجل‪.‬‬

‫)‪:(3‬‬
‫صور للمجتمعات الجاهلية‬
‫ل‪ :‬المجتمعات الوثنية‪-:‬‬ ‫أو ً‬
‫المجتمعات الوثنيممة القائمممة فممي هممذا القممرن ‪-‬القممرن العشممرين‪-‬‬
‫مجتمعات جاهلية منهمما المجتمعممات الهنديممة واليابانيممة وغيرهمما فممي دول‬
‫أفريقيا وآسيا‪ ،‬حيث تعبد اللهة الكثيرة العدد‪ ،‬فالهند مثل ً فيها آلف مممن‬
‫اللهة‪ ،‬إذ يعبدون كل شيء رائع وجذاب‪ ،‬يعبدون آلت الحمرب والكتابمة‬
‫والمعممادن والنهمممار وآلت التناسمممل والحيوانمممات‪ ،‬وأعظمهممما عبممممادة‬
‫عندهمممم البقممرة‪ ،‬وأصممبحت الديانممة نسمميجا ً مممن الخرافممات والسمماطير‪،‬‬
‫والناشيد‪ ،‬والعقائد‪ ،‬والعبادات التي ما أنزل الله بها مممن سمملطان‪ ،‬ولممم‬
‫يستسغها العقل السليم‪ .‬وفي المجتمع الوثني يستمد الناس تصمموراتهم‬
‫العتقادية من الكهنة وسدنة الوثان‪ ،‬أو من السحرة والعرافين‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬المجتمعات اليهودية والنصرانية‪- :‬‬


‫إّنها مجتمعات جاهلية لن تصوراتها العتقادية محّرفة‪ ،‬يجعلون لله‬
‫تعالى شركاء في اللوهية‪ ،‬وقد وصفوا الله تعالى بما ل يليق بجلله‬
‫وكماله واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً من دون الله‪ ،‬يحلون لهم‬

‫‪ -1‬انظر تفسير الطبري ‪.10/572‬‬


‫‪ -2‬انظر تفسير ابن كثير ‪.3/513‬‬
‫‪ -3‬انظر معالم في الطريق سيد قطب ص ‪.92-88‬‬

‫‪20‬‬
‫ويحّرمون عليهم ما يشاءون‪ ،‬ويشرعون لهم ما لم ينزل الله به‬
‫سلطانًا‪:‬وهم لهؤلء المشرعين مطيعون‪ .‬وفي ذلك يقول الله تعالى‪:‬‬
‫)وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك‬
‫قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى‬
‫يؤفكون اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا ً من دون الله والمسيح ابن‬
‫مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها ً واحدا ً ل إله إل هو سبحانه عما يشركون(‬
‫)‪) ،(1‬لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة وما من إله إل إله واحد(‪،‬‬
‫)وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه‬
‫مبسوطتان ينفق كيف يشاء()‪) ،(2‬وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله‬
‫وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق()‪ ،(3‬وقالوا‪):‬إن‬
‫)‪(4‬‬
‫الله فقير ونحن أغنياء(‪.‬‬
‫في المجتمعات اليهودية والنصرانية يستمد الناس تصوراتهم‬
‫العتقادية من الكتب المحرفة‪ ،‬التي كتبتها أيدي الكهان والحبار ورجال‬
‫الدين‪ ،‬وهي تصورات مشوبة بالخرافات والساطير‪ ،‬والتي ل تقبلها‬
‫الفطرة السليمة والعقل الصريح‪ ،‬وفي تلك المجتمعات يفرض رجال‬
‫الدين نفوذهم وسلطانهم البشري على الناس‪ ،‬ويمارسون تجاههم‬
‫أنواعا ً من الطغيان العقلي والروحي‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬المجتمعات الرأسمالية‪-:‬‬


‫المجتمعات الرأسمالية مجتمعات جاهملية لنها مجتمعات فصلت‬
‫الدين عن جوانمب الحياة المختلفة‪ ،‬ولم يعد اليمان بالله تعالى له وجود‬
‫سوى في ضمير الفرد‪ ،‬وداخل جدران الكنيسة‪ ،‬إنها مجتمعات تقدس‬
‫الدولر والنفع المادي في هذه الحياة العاجلة‪ ،‬وهي مجتمعات يسود‬
‫فيها الفساد الخلقي‪ ،‬والصراع المدمر بين القوي والضعيف‪ ،‬والستعمار‬

‫‪ -1‬سورة التوبة‪.31-30 :‬‬


‫‪ -2‬سورة المائدة‪.64 :‬‬
‫‪ -3‬سورة المائدة‪.15 :‬‬
‫‪ -4‬سورة آل عمران‪.88 :‬‬

‫‪21‬‬
‫الوحشي تجاه الشعوب الضعيفة‪ ،‬إنها مجتمعات تمسخ الفطرة‬
‫وتفسدها بصرفها عن توجهها الفطري إلى عبادة الله الواحد الحد‪ ،‬لقد‬
‫أفسدت فطرة الرجل وفطرة المرأة بدعوى المساواة وفتنة التطوير‬
‫وتحرير المرأة‪ ،‬وأفسدت الحياة السرية بصرف المرأة عن رسالتها في‬
‫البيت والسرة ورعاية النشء‪ ،‬وتنفيرها من قوامة الرجل لها‪ ،‬وأفسدت‬
‫حياة الفراد النفسية والجتماعية بكثرة المنتجات المدمرة كالخمر‬
‫والمخدرات‪ ،‬وأصبح الفرد يعيش انتكاسة هائلة في الجانب الروحي‬
‫والقيم المعنوية اللزمة للحياة السعيدة‪ ،‬فهو يعاني في ظل تلك‬
‫المجتمعات من‪ :‬القلق والجنون والمراض النفسية والعصبية والشذوذ‬
‫الجنسي‪ ،‬وأخيرا ً النتحار‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬المجتمعات الشيوعية‪-:‬‬


‫وهي تلك المجتمعات التي تنكر وجود الله تعالى ولسان حالها‬
‫يقول‪ :‬ل إله والحياة مادة‪ ،‬تقول صحيفة برافدا الشيوعية‪" :‬نحن نؤمن‬
‫بثلثة أشياء‪ :‬كارل ماركس‪ ،‬ولينين‪ ،‬وستالين‪ ،‬ول نؤمن بثلثة‪ :‬الله‪،‬‬
‫الدين‪ ،‬الملكية الخاصة"‪ ،‬وتفسر التاريخ والكون تفسيرا ً ماديًا‪ .‬والعبودية‬
‫في هذه المجتمعات ل تكون إل للحزب الحاكم وفلسفته من شياطين‬
‫النس الذين يفرضون على الناس تصوراتهم العتقادية‪ ،‬وفي ظل هذه‬
‫المجتمعات أصبح هدف النسان في الحياة الحصول على الطعام‬
‫والشراب والملبس والمسكن‪ ،‬ول بأس أن هدرت كرامته‪ ،‬وأصبح فردا ً‬
‫في قطيع من البشر يساقون كما تساق البهائم‪ ،‬ولقد أزيلت القيم‬
‫الجتماعية التي تعيش في ضمير المجتمع وتحكم علقاته‪ ،‬كما تم‬
‫تحطيم القيم الدينية والروحية‪ ،‬ونشر الفكار والفلسفات اللحادية‪،‬‬
‫وفي سبيل ذلك قتل عشرات المليين من المسلمين والنصارى داخل‬
‫التحاد السوفيتي وحده‪.‬‬

‫المجتمعات السلمية المعاصرة والجاهلية‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية‪" :‬فأما بعدما بعث الله الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فالجاهلية المطلقة قد تكون في مصر دون‬
‫مصر‪ ،‬كما هي في دار الكفار‪ ،‬وقد تكون في شخص دون شخص‪،‬‬
‫كالرجل قبل أن يسلم‪ ،‬فإنه يكون في جاهلية‪ ،‬وإن كان في دار‬
‫السلم‪...‬فأما في زمان مطلق فل جاهلية بعد مبعث محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فإنه ل تزال من أمته طائفة ظاهرين على الحق إلى قيام‬
‫الساعة‪...‬والجاهلية المقيدة قد تقوم في بعض ديار المسلمين‪ ،‬وفي‬
‫كثير من المسلمين")‪.(1‬‬
‫وخلصة هذا القول لبن تيمية رحمه الله أن الجاهلية العامة التي‬
‫تشمل كل وجه الرض قد انتفت بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم‬
‫لن الرض ل تخلو أية لحظة من وجود الطائفة المسلمة التي تتمسك‬
‫بالحق الذي أنزله الله تعالى‪ ،‬ولكن الجاهلية المطلقة التامة قد توجد‬
‫في بعض البلد بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم يقول رحمه‬
‫الله‪) :‬وكذلك كل ما يخالف ما جاء به المرسلون من يهودية‬
‫ونصرانية فهو جاهلية(‪ ،‬كما أن الجاهلية المقيدة أي التي ل تشمل‬
‫كل شيء ول كل أحد قد توجد في بعض ديار المسلمين وفي كثير‬
‫)‪(2‬‬
‫منهم‪.‬‬
‫ن أغلب أنظمة وزعامات هذه المجتمعات التي تدعي السلم‬ ‫إ ّ‬
‫اليوم تحارب الله تعالى في أخص خصائص اللوهية‪ ،‬تحارب الله في‬
‫حاكميته والله يقول‪) :‬إن الحكم إل لله()‪) ،(3‬أل له الخلق والمر()‪) ،(4‬فل‬
‫وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم‬

‫‪ -1‬اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم ص ‪.1/227‬‬


‫رؤية إسلمية لحوال العالم السلمي ص ‪.18‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة النعام‪.57 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة العراف‪.54 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪23‬‬
‫حرجا ً ما قضيت ويسلموا تسليمًا()‪)، (1‬أفحكم الجاهلية يبغون ومن‬
‫أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون()‪.(2‬‬
‫إن زعامات هذه المجتمعات تتلقى التشريعات والنظمة والقوانين‬
‫من عند غير الله تعالى‪ ،‬وتجعل بعض البشر أربابا ً من دون الله تعطيهم‬
‫سلطة التشريع وإصدار القوانين‪ ،‬إنها مجتمعات يعلن زعماؤها‬
‫السياسيون ومفكروها أنه ل صلة للدين بالحكم والسياسة والقتصاد‪ ،‬ل‬
‫صلة للدين بالحياة‪ ،‬ويحارب هؤلء السياسيون كل من يدعو إلى تحكيم‬
‫شريعة الله في المجتمع‪ ،‬ويقوم العلم ‪-‬بوسائله المختلفة‪ -‬بالصد ّ عن‬
‫حاكمية الله ونشر الفتراءات والشكوك حول منهج الله وشريعته‪ .‬لقد‬
‫سادت القيم المادية وعمت المفاسد الجتماعية‪ ،‬صار الحلل حرامًا‪،‬‬
‫ل‪ ،‬والمعروف منكرا ً والمنكر معروفًا‪ ،‬وأصبحت الوطنية‪-‬‬ ‫والحرام حل ً‬
‫التراب والطين‪-‬رابطة التجمع والجتماع عند كثير من الناس‪ ،‬وأصبح‬
‫الولء للحاكم ولحزبه هو البديل عن الولء لله ولرسوله وللمؤمنين‪.‬‬
‫لقد عادت الجاهلية من جديد‪ ،‬وعاش المسلمون في بلدانهم أغرابًا‪،‬‬
‫كثرت صور النحراف عن عقيدة التوحيد‪ ،‬كما تعددت صور النحراف‬
‫عن الشريعة السلمية‪ ،‬وضاعت كرامة المسلمين بين المم‪ ،‬فما عاد‬
‫لهم وزن ول شأن‪ ،‬أصبحوا يعانون من الضنك السياسي والقتصادي‬
‫والفكري )ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ً‬
‫ن الواقع الذي يعيشه المسلمون‬ ‫ونحشره يوم القيامة أعمى(‪ (3).‬إ ّ‬
‫له أسبابه الذاتية التي تتعلق بهم‪ ،‬وله أسبابه الخارجية التي تتعلق بمكر‬
‫أعدائهم ومخططاتهم الشيطانية التي استهدفت القضاء على السلم‬
‫وأهله‪ ،‬وهذا ما نعالجه ‪-‬إن شاء الله تعالى‪ -‬في البواب والفصول‬
‫التالية‪....‬‬

‫سورة النساء‪.65 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة المائدة‪.50 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة طه‪.124 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫الحروبـ الصليبية‬

‫تسميتها بالحروب الصليبية‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫سميت الحروب التي قام بها نصارى أوربا ضد المسلمين‬
‫بالحروب الصليبية لنها قامت باسم الدين النصراني‪ ،‬كما أن الكنيسة‬
‫بزعمائها وقادتها ورجالها هم الذين دعوا إلى هذه الحروب‪ ،‬وهم الذين‬
‫أمدوها بتأييدهم المادي والمعنوي‪ ،‬وقد اتخذ المشتركون فيها الصليب‬
‫شعارا ً لهم‪ ،‬وكان يقدمهم الرهبان وعلى رأسهم بطرس الراهب‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وملوك فرنسا والنمسا وإيطاليا وغيرهم‪.‬‬
‫أسباب ودوافع الحروب الصليبية‪:‬‬
‫ذهب كثير من المؤرخين النصارى إلى إعطاء تفسيرات لسباب‬
‫الحروب الصليبية ركزت في الغالب على السباب القتصادية‬
‫والسياسية والتجارية‪ ،‬بينما جعلت السباب الدينية ثانوية وليست عامل ً‬
‫رئيسا ً في هذه الحروب‪ .‬ولكن الحقيقة العلمية الموضوعية غير ما ذهب‬
‫إليه هؤلء المؤرخون‪ ،‬فالسباب التي ركزوا عليها ما هي إل روافد‬
‫استخدمت لتدعيم المحرك الرئيس لهذه الحروب‪ ،‬ولذا سنذكر من‬
‫الشواهد والدلة ما يدل على أن الدافع الول لهذه الحروب هو الدافع‬
‫)‪(2‬‬
‫الديني‪.‬‬
‫ل‪ :‬الدافع الديني‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫لقد كان الدافع الديني هو المحرك الرئيس للحروب المسيحية‬
‫ضد العالم السلمي‪ ،‬حيث كان البابوات ورجال الكنيسة هم الداعون‬
‫إليها‪ ،‬ذكر المؤرخون أن البابا سلفستر الثاني )‪1002‬م( أول من دعا‬
‫إلى هذه الحروب ثم تله البابا خريغوريس )‪1075‬م( ثم تله البابا‬
‫أربان الثاني الذي بدأت الجيوش النصرانية الغربية بالتحرك فعل ً في‬
‫عهده تجاه العالم السلمي‪ ،‬وبيان ذلك‪ :‬أن البابا أربان الثاني وقف في‬
‫مجمع كارمونت بفرنسا في ‪ 26/11‬سنة ‪1095‬م يلقي موعظة مؤثرة‬
‫في جموع النصارى الذين احتشدوا لسماع كلم الزعيم الديني‪ ،‬حث‬
‫البابا في موعظته أتباعه على محاربة المسلمين‪ ،‬وتخليص قبمر المسيح‬
‫المقدس منهم‪ ،‬وتحرير بيت المقدس والمقدسات المسيحية في بلد‬

‫انظر جهاد المسلمين في الحروب الصليبية د‪ .‬فايد حماد عاشور ص ‪.77‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪.92-78‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪26‬‬
‫الشام من أيدي المسلمين‪ .‬وقد وعد المحاربين بأن تكون رحلتهم إلى‬
‫الشرق السلمي بمثابة غفران كامل لذنوبهم‪ .‬لقد أدرك المستمعون‬
‫لخطاب البابا ما يعنيه وما يرمي إليه‪ ،‬فصاحوا في حماس جنوني‪" :‬هذه‬
‫هي إرادة الله‪...‬إن الله يريدها" وحملوا من ساعتها شارة الصليب وقد‬
‫توجهوا نحو الشرق السلمي كما طلب منهم‪.‬‬
‫ومما جاء في خطاب البابا أربان‪":‬بأمر الله تتوقف العمليات‬
‫الحربية بين المسيحيين في أوربا‪ ،‬ويتجه هؤلء بأسلحتهم إلى هزيمة‬
‫الكفرة ‪-‬يقصد المسلمين‪ -‬الن اذهبوا وأزعجوا البرابرة‪ ،‬وخلصوا البلد‬
‫المقدسة من أيدي الكفار وامتلكوها لنفسكم فإنها كما تقول التوراة‬
‫تفيض لبنا ً وعس ً‬
‫ل"‪.‬‬
‫لقد قام البابا بالتنقل بين المدن والبلدان المسيحية داعيا ً حكامها‬
‫وشعوبها للحروب الصليبية‪ ،‬وأرسل المبعوثين والرسل إلى مختلف‬
‫القاليم المسيحية داعين للمشاركة في هذه الحروب‪ ،‬كما أرسل إلى‬
‫القوى البحرية يدعوها كي تساهم في الحروب بسفنها ورجالها وجنودها‬
‫وأموالها‪.‬‬
‫‪ -‬أناب البابا أربان الثاني عنه السقف أدهمار كي يشجع المتطوعين‬
‫للحرب‪ ،‬ولكي تكون الكنيسة هي المسيطرة على الروح الصليبية لدى‬
‫المقاتلين‪ ،‬ولتوجههم حسب إرادتها‪.‬‬
‫‪ -‬إن البابا نفسه هو الذي اختار مدينة القسطنطينية لتكون مكان تجمع‬
‫الجيوش النصرانية‪ ،‬وحدد يوم ‪15/8/1096‬م ‪499 -‬هم تاريخا ً لبدء‬
‫تحرك الجيوش إلى الشرق السلمي‪.‬‬
‫‪ -‬ومما يبين مكانة الدافع الديني في الحروب الصليبية حركة الحياء‬
‫الديني التي ظهرت في الغرب النصراني في القرنين العاشر والحادي‬
‫عشر الميلديين‪ ،‬حيث ترتب على هذه الحركة عودة البابوية والكنيسة‬
‫إلى سطوتها القديمة‪ ،‬وإثارة الحماس الديني في نفوس الغربيين‪ ،‬وقد‬
‫ظهر شعور قوي لدى النصارى الغربيين بضرورة إنقاذ الرض المقدسة‬
‫من أيدي المسلمين‪ ،‬كما ترتب على هذه الحركة الزدياد الملحوظ في‬
‫عدد قوافل الحجاج النصارى المتجهة إلى الشرق‪ ،‬وقد كانت قوافل‬

‫‪27‬‬
‫حربية غايتها أداء الحج والدفاع عن النفس إذا تعرضت لذى خلل رحلة‬
‫الحج إلى الراضي المقدسة في فلسطين‪.‬‬
‫‪ -‬ومن الدلئل التي تشير إلى أن الدافع الديني هو المحرك الرئيس‬
‫للحروب الصليبية الدور البارز الذي قامت به الجماعات الدينية في‬
‫الحروب الصليبية‪ ،‬تلك الجماعات التي رغبت في محاربة السلم‬
‫والمسلمين‪ ،‬وخاصة جماعة الفرسان السبتارية وجماعة الداوية‪ ،‬اللتان‬
‫تجردتا من كل المور الدنيوية‪ ،‬لقد اتخذت الجماعات الدينية من المدن‬
‫والحصون قواعد ومراكز للتدريبات العسكرية والستعدادات الحربية‪،‬‬
‫وكان لها دور كبير في تشجيع المراء والنبلء والشجعان الفرسان من‬
‫أجل الخروج للحرب‪ .‬ولما دخلت الجيوش الصليبية بلد الشام أصبحت‬
‫جماعة الفرسان يمثلون القوة العسكرية الرئيسة التي تحافظ على‬
‫الوجود الصليبي في بلد الشرق السلمي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدافع القتصادي‪:‬‬
‫إن النظام القطاعي السائد في أوربا أوجد نوعا ً سيئا ً من‬
‫العلقات بين أمراء القطاع أنفسهم من جهة‪ ،‬وبينهم وبين عبيد الرض‬
‫وفلحيها من جهة أخرى‪ ،‬وكانت الحروب ل تنقطع‪ ،‬والستقرار مفقودًا‪،‬‬
‫والفوضى تغلب على الحياة الوربية‪ ،‬فرغب بعض أمراء أوربا في‬
‫ض جديدة في الشرق السلمي أكثر خصوبة وإنتاجًا‪،‬‬ ‫الحصول على أرا ٍ‬
‫وأحسن استقرارا ً وأمنًا‪ .‬وأيضا ً رغب الشباب الذين حرموا من الميراث‬
‫‪-‬نتيجة القوانين القطاعية السائدة التي تجعل الميراث للبن الكبر‬
‫ض أخرى يمتلكونها‪ ،‬ووجد عبيد الرض ‪-‬في‬ ‫ً‬
‫سنا‪ -‬في الحصول على أر ٍ‬
‫ظل النظام القطاعي‪ -‬فرصة في الحروب الصليبية للتحرر من ظلم‬
‫سادتهم القطاعيين‪ ،‬فانضموا بنشاط وحماسة للمشاركة في الحروب‬
‫الصليبية‪.‬‬
‫ن أوربا كانت تعاني ‪-‬قبيل الحروب الصليبية‪ -‬من‬ ‫وأيضا ً فإ ّ‬
‫المجاعات وندرة الغلل وارتفاع ثمنها‪ ،‬بالضافة لنتشار المراض‬
‫والوبئة‪ ،‬ونتيجة للزمة القتصادية الشديدة أكل الناس بعض العشاب‬
‫والحشائش‪ ،‬وتدهورت التجارة‪ ،‬وانقطع المن‪ .‬لذلك انضم كثير من‬

‫‪28‬‬
‫الوربيين للحروب الصليبية كي يخرجوا إلى بلد أخرى ينعمون فيها‬
‫بالعيش الرغيد والمن والستقرار‪.‬‬
‫ن هذا الدافع في نظرنا ليس كافيا ً ليكون محركا ً للشعوب‬ ‫ولك ّ‬
‫الوربية كي تخرج لمحاربة المسلمين‪ ،‬إذ تعرضت أوربا في العصور‬
‫الوسطى المظلمة إلى أزمات اقتصادية وإلى حروب داخلية وإلى‬
‫فقدان المن والستقرار أكثر حدة من الزمة القتصادية التي كانت‬
‫سائدة قبيل الحروب الصليبية ولم تخرج الشعوب الوربية لمقاتلة‬
‫المسلمين‪ ،‬والسبب أن الجهاز الكنسي لم يبث في نفوس تلك‬
‫الشعوب الروح الدينية التي أخرجتهم فيما بعد للحروب ضد المسلمين‪،‬‬
‫وبذلك يكون العامل الديني والروح الدينية الصليبية هما المحركان‬
‫الرئيسان للحروب ضد المسلمين‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الدافع التجاري‪:‬‬
‫لقممد شمماركت الجمهوريممات اليطاليممة الواقعممة علممى السمماحل‬
‫الشمالي للبحر المتوسط في الحروب الصليبية رغبمة منهما فمي تحقيمق‬
‫المكاسب التجارية والقتصادية‪ ،‬وذلممك بممامتلك الممموانئ الجديممدة علممى‬
‫الساحل الشرقي والجنموبي علمى البحمر المتوسمط‪ ،‬ولكمي تكمون همذه‬
‫الموانئ مراكز تجارية جديممدة تنطلممق منهمما إلممى داخممل البلد السمملمية‬
‫فتسيطر بذلك على تجارة الشممرق السمملمي والغممرب النصممراني‪ ،‬وقممد‬
‫قامت هذه الجمهوريات بتقديم العون المممادي للجيمموش الصممليبية‪ ،‬وقممد‬
‫تمثل هذا العون بنقل القمموات المحاربممة والمممواد التموينيممة والمممدادات‬
‫العسكرية عن طريق البحر‪ ،‬وبفرض الحصار العسكري والتجمماري علممى‬
‫مصمر وبلد الشمام‪ ،‬وقمام التجمار اليهمود بمدور التشمجيع علمى الحمروب‬
‫الصليبية‪.‬‬
‫إن الدافع القتصادي وحده ل يبرر لجوء الموانئ التجارية الغربية‬
‫إلى الشتراك في الحروب الصليبية‪ ،‬بل الروح الدينية والحماس‬
‫للنصرانية هو المسيطر على نفوس القوى التجارية الغربية فهم‬
‫يدركون أن انتصار النصرانية على السلم‪ ،‬وازدياد قوة الصليبيين‬

‫‪29‬‬
‫العسكرية والمادية هو الذي يحقق أهدافهم التوسعية والتجارية‪ ،‬وهو‬
‫الذي يسلب ثروة المسلمين ويحولها لهم‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الدافع السياسي‪:‬‬
‫ذكر المؤرخون المحدثون أن ملوك وأمراء أوربا شاركوا في‬
‫الحروب الصليبية رغبة منهم في حب الظهور وخدمة لمصالحهم‬
‫السياسية‪ ،‬وأن معظم هؤلء الملوك والمراء لم يشاركوا في الحروب‬
‫الصليبية إل بتأثير البابوية ورجال الكنيسة الذين استخدموا معهم‬
‫أسلوب الترغيب تارة وأسلوب التهديد والحرمان الكنسي تارة أخرى‪.‬‬
‫والواقع أن هؤلء القادة السياسيين قد شاركوا في الحروب‬
‫الصليبية تلبية للواجب الديني المتمثل في نصرة النصرانية ومحاربة‬
‫السلم وأهله‪ ،‬والوقائع الحربية التي اشترك فيها هؤلء السياسيون‬
‫بمجهوداتهم العظيمة تثبت هذا المر بكل وضوح‪.‬‬
‫إن الروح الصليبية كانت سائدة في أوربا الغربية كلها‪ ،‬والكنيسة‬
‫كانت مسيطرة على الحياة الوربية الغربية لدرجة أنه ل يمكن لحد أن‬
‫يخالف التعاليم الكنسية‪ ،‬وأن يبتعد عن تأثير الحماس الديني الشديد‬
‫والتعصب البغيض للديانة النصرانية‪.‬‬
‫أهداف الحروب الصليبية‪-:‬‬
‫‪ -1‬إذلل المسلمين بغزوهم في عقر دارهم)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬إقامة إمارة أو إمارات صليبية ‪-‬وخاصة في فلسطين‪ -‬تدوم إلى‬
‫البد‪ ،‬وتتوسع حتى تقضي على السلم والمسلمين‪ ،‬يقول غاردنز‪" :‬لقد‬
‫خاب الصليبيون في انتزاع القدس من أيدي المسلمين ليقيموا دولة‬
‫مسيحية في قلب العالم السلمي‪...‬والحروب الصليبية لم تكن لنقاذ‬
‫هذه المدينة بقدر ما كانت لتدمير السلم"‪ .‬ويقول ليفونيان فيري‪" :‬لقد‬
‫أحب الصليبيون أن ينتزعوا القدس من أيدي المسلمين بالسيف ليقيموا‬
‫للمسيح مملكة في هذا العالم")‪.(2‬‬

‫جاء في الثر‪ :‬ما غزي قوم في عقر دارهم إل ذلوا‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬انظر التبشير والستعمار ص ‪.115‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ -3‬التشكيك في العقيدة السلمية وتشجيع العقائد والفكار اللدينية‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ومن ثم القضاء على السلم وأهله‪.‬‬
‫حالة العالم السلمي قبيل الحروب الصليبية‪-:‬‬
‫كان العالم السلمي قبيل الحروب الصليبية يعاني من أسباب‬
‫)‪(2‬‬
‫الضعف والنحلل والتفكك‪.‬‬
‫‪ -1‬فدولة التراك السلجقة قد ذهبت قوتها‪ ،‬وانقسمت إلى عدة دويلت‬
‫متحاربة‪ ،‬وذلك بعد وفاة السلطان ملكشاه ‪1092‬م‪ ،‬حيث اقتسم أبناؤه‬
‫الربعة مملكته الواسعة‪ ،‬فأصبحت الدولة الواحدة أربعة ممالك‪ :‬فارس‬
‫‪-‬كرمان ‪-‬العراق ‪-‬حلب ودمشق ‪ ،-‬وخرج عن التبعية للسيادة‬
‫السلجوقية حكام المدن والوليات‪ ،‬المعروفون بالتابكة‪ ،‬وحدثت‬
‫خلفات ومنازعات بين سلجقة الشام أنفسهم‪.‬‬
‫‪ -2‬كما كانت بلد الشام منطقة نزاع بين الفاطميين والسلجقة منذ‬
‫سنة ‪1070‬م‪ ،‬وكانت الحرب بينهما سجال‪ ،‬فالسلجقة تمكنوا من‬
‫انتزاع فلسطين ودمشق من أيدي الفاطميين‪ ،‬وسيطروا على حلب‬
‫والرها والموصل‪...‬ولما كان الفاطميون يمتلكون أسطول ً بحريا ً قويا ً‬
‫فقد تمكنوا من الستيلء على جميع مدن الساحل الشامي‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫عسقلن وعكا وصور وجبيل‪ ،‬كما استولوا على القدس للمرة الثانية‬
‫سنة ‪1096‬م وبقيت في أيديهم إلى أن سقطت بأيدي الصليبيين سنة‬
‫‪1099‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬لقد كانت الدولة الفاطمية )في مصر وشمال أفريقيا( ذات نزعة‬
‫شيعية متطرفة‪ ،‬عملت على توسيع سلطانها على حساب المسلمين‬
‫أهل السنة‪ ،‬وبهدف إضعاف الخلفة العباسية السنية‪ ،‬وقد أصاب‬
‫الضعف والخور هذه الدولة‪ ،‬ومنيت بأزمات اقتصادية ومجاعات شديدة‪،‬‬
‫وكانت أشدها ضراوة في عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله‪ ،‬الذي‬
‫ن وخمسين سنة )‪1036‬م ‪1094 -‬م(‪.‬‬ ‫حكم ثما ٍ‬

‫‪ -1‬الطريق إلى حكم إسلمي محمد الضناوي ص ‪.139‬‬


‫‪ -2‬انظر جهاد المسلمين في الحروب الصليبية ص ‪..95-93‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ -4‬وأما الخلفة العباسية التي كان مقرها بغداد‪ ،‬فلقد اعتراها أيضا ً‬
‫الضعف والنحلل نتيجة الخلفات والمنازعات بين أبناء الخلفاء‬
‫أنفسهم‪ ،‬وبين الخلفاء وحكام الوليات الراغبين في النفصال‬
‫والستقلل عن جسم الدولة العباسية‪ ،‬لقد تولى الحكام غير الكفاء‬
‫مقاليد الحكم‪ ،‬وأصبح الفرس والتراك أصحاب قوة ونفوذ سياسي على‬
‫حساب الخلفاء العرب‪ ،‬وانتشر البذخ والترف والسراف في أوساط‬
‫الخلفاء والمراء‪ ،‬وترك الجهاد في سبيل الله‪ ،‬وانحاز كثير من الناس‬
‫إلى الدنيا ومتاعها‪ ،‬صدق تعالى فيهم قوله‪) :‬وإذا أردنا أن نهلك‬
‫قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول‬
‫ً )‪(1‬‬
‫فدمرناها تدميرا (‪.‬‬
‫ظهر نتيجة ذلك كله دويلت مستقلة انفصلت عن الخلفة‬
‫العباسية‪ ،‬وقام السماعيليون الشيعة بنشر أفكارهم وعقائدهم الضالة‪،‬‬
‫وتعاون السماعيليون مع الصليبيين فقاموا باغتيال كثير من القادة‬
‫المسلمين الفاتحين والسلطين المشهورين‪.‬‬
‫جهاد المسلمين ضد الصليبيين‪-:‬‬
‫رغم حالة الضعف التي كانت سائدة في بلد الشام قبيل مجيء‬
‫الغرب الصليبي ورغم سقوط المدن الشامية بأيدي الصليبيين إل أن‬
‫المسلمين لم ييأسوا ولم يستسلموا لعدوهم أبدًا‪ ،‬حيث بدأ الجهاد‬
‫وحروب التحرير من قبل المسلمين‪ ،‬إذ قّيض الله تعالى للمسلمين‬
‫عماد الدين زنكي ‪541‬هم‪ ،‬الذي جاهد الصليبيين وهزمهم في معارك‬
‫كثيرة واستطاع أن يسترد الّرها منهم –وهي إمارة أسسها الصليبيون‬
‫في الشرق‪ -‬وكانت فتح الفتوح بالنسبة لعماد الدين والمسلمين‪ .‬ولقد‬
‫قتل –رحمه الله‪ -‬قبل أن يتمكن من مواصلة فتح بقية المدن الخرى‪،‬‬
‫تولى المر بعده ولده الملك العادل نور الدين محمود زنكي ‪569‬هم‪،‬‬
‫الذي صمم على إجلء الصليبيين عن بلد الشام وخاصة مدينة القدس‪،‬‬
‫لكنمه مات قبمل أن يكممل مهمتمه‪ ،‬وخلفه في الحكم أحمد رجال‬
‫حاشيته وهو الملك الناصمر السلطان صلح الدين يوسف بن أيوب ملك‬

‫سورة السراء‪.16 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪32‬‬
‫مصر‪ ،‬وجاء صلح الدين على قدر من الله تعالى‪ ،‬إذ تجمعت فيه خصال‬
‫التقوى والخلص والحرص على الجهاد‪ ،‬وعرف‪-‬رحمه الله‪ -‬بالتنظيم‬
‫وحسن القيادة‪ ،‬ومكارم الخلق‪ ،‬ومواظبته على الصلة والقيام‬
‫والصيام‪.‬‬
‫أهم أعمال صلح الدين قبل معركة حطين‪-:‬‬
‫‪ -1‬الدفاع عن البلد والمدن المستهدفة من القوات الصليبية‪.‬‬
‫‪ -2‬إصلح أحوال المسلمين‪ ،‬وإبعاد عوامل الضعف والفساد عن الصممف‬
‫المسلم وذلك من خلل‪-:‬‬
‫أ‪ -‬توحيد المسلمين في بلد الشام ومصر‪.‬‬
‫ب‪ -‬وضع حد ّ للفكار والعقائد السماعيلية المنحرفة‪.‬‬
‫إقامة المدارس لتربية الناس التربية اليمانية‬ ‫‪-5‬‬
‫العقائدية‪.‬‬
‫د‪-‬بث روح الجهاد في نفوس الناس‪.‬‬
‫هم‪-‬إقامة المعسكرات للمجاهدين مقابل معسكرات النصارى‬
‫الصليبيين‪ ،‬بهدف إثارة الحماس الديني في نفوس المسلمين‪،‬‬
‫وإثارة الرعب في نفوس الكافرين‪.‬‬

‫معركة حطين وفتح القدس‪:‬‬


‫وقف العالم المسيحي وقفة رجل واحد إزاء المسلمين‪ ،‬ولكنه لم‬
‫يستطع أن يزحزح صلح الدين عن مكانه‪ ،‬لقد ظل جيش صلح الدين‬
‫أعواما ً مرابطا ً مجاهدا ً قويًا‪ ،‬رغم طول فترة الجهاد والمتاعب العظيمة‪،‬‬
‫دخلت الجيوش المسلمة في عدة معارك مع الصليبيين‪ ،‬استطاعوا فتح‬
‫وتحرير كثير من المدن‪ ،‬وحصار بعضها‪ ،‬وفي سنة ‪583‬هم – ‪1187‬م‬
‫هزم المسلمون الصليبيين هزيمة منكرة في معركة حطين واستردوا‬
‫من أيديهم مدينة القدس‪ ،‬وكانت حطين فتح الفتوح في تاريخ‬
‫المسلمين)‪.(1‬‬

‫‪ -1‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين لبي الحسن الندوي ص ‪.133-130‬‬

‫‪33‬‬
‫وتعاقب على حلبة الجهاد أبطال عظام أمثال الصالح أيوب وقطز‬
‫وبيبرس وقلوون‪ ،‬قام كل بدوره في تسديد الضربات إلى قلب‬
‫الصليبي المنتحر‪ .‬ولقد انتصر السلم في صراعه ضد الصليبية الماكرة‬
‫والتي عادت تجر ذيول العار والهزيمة من حيث جاءت خاسرة خائبة‬
‫دون أن تحقق أهدافها الكبرى)‪.(1‬‬

‫الموالة بين الصليبية والمغول‪:‬‬


‫بعد الهجوم الصليبي على الشرق السلمي كان الهجوم المغولي‬
‫الوثني على العراق ومركز الخلفة السلمية في بغداد سنة ‪656‬هم‪،‬‬
‫استطاع المغول التتار الستيلء على بغداد‪ ،‬لقد نشروا الخراب والدمار‬
‫في كل مدينة دخلوها‪ ،‬قتلوا آلف الناس‪ ،‬في هذه الفترة التاريخية عقد‬
‫حلف بين الصليبيين المهزومين والمغول الوثنيين المتقدمين نحو‬
‫الشرق‪ ،‬بهدف القضاء على السلم والمسلمين‪ ،‬وتم عقد الحلف بين‬
‫الصليبيين الذين بقوا حاكمين لبعض المدن الشامية والمغول‪.‬‬
‫يذكر بعض المؤرخين أنه لما قضت الحملة المغولية الوثنية‬
‫وطرها من الدولة العباسية واصلت الزحف إلى المام حتى بلغت‬
‫شواطئ البحر المتوسط في بلد الشام‪ ،‬غير أنها لم تتعرض للبقية‬
‫الباقية من المناطق التي ما زالت في حوزة الصليبيين بالشام‪ ،‬وخاصة‪:‬‬
‫يافا وعكا وأنطاكية‪ ،‬وذلك يرجع للعلقات الطيبة التي كانت بين المغول‬
‫والصليبيين‪ ،‬وما تخللها من مفاوضات كان البابا زعيم النصارى يتولها‬
‫بنفسه للتفاق معا ً ضد السلم والمسلمين‪(2).‬‬
‫عين جالوت‪:‬‬
‫ن معركة عين جالوت التي حدثت في أرض عين جالوت الواقعة‬ ‫إ ّ‬
‫في بيسان بفلسطين في ‪ 25‬رمضان ‪658‬هم‪ ،‬غيرت الموازين لصالح‬
‫المسلمين‪ ،‬إذ ألحقوا هزيمة ساحقة بالمغول‪ ،‬وكانت في الوقت نفسه‬
‫درسا ً قاسيا ً للصليبية المتآمرة‪.‬‬

‫‪ -1‬تم جلء الصليبيين نهائيا ً عن البلد على يد الملك الشرف خليل بممن قلوون سممنة‬
‫‪690‬هم‪1291-‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر الطريق إلى حكم إسلمي ص ‪.141‬‬

‫‪34‬‬
‫تغيير خطة الغزاة الصليبيين‪:‬‬
‫بعد أن جّربت أوربا الحروب العسكرية ضد المسلمين‪ ،‬وبعد أن‬
‫أدركت إخفاقها في تحقيق أهدافها الماكرة إذ لقيت من المسلمين‬
‫كرت أوربا في استخدام طرق أخرى‬ ‫ل‪ ،‬ف ّ‬‫جهادا ً ومقاومة واستبسا ً‬
‫ووسائل جديدة‪ ،‬لكي تحقق أهدافها‪ ،‬وكان أمام البابا سلسلتين‬
‫الخامس أحد طريقين‪:‬‬
‫الولى‪:‬الخذ بخطة المبشر الصليبي السباني رامون لول‪ ،‬التي‬
‫تتلخص في غزو المسلمين تبشيريا ً فكريا ً عن طريق وسائل العلم‬
‫والتعليم‪ ،‬وإذا ما فشلت أوربا في ذلك تعود لسلوب القوة المادية في‬
‫تنصير المسلمين‪.‬‬
‫الثانية‪:‬تنصير المغول الوثنيين واستخدامهم من جديد في حروب‬
‫مدمرة ضد المسلمين‪.‬اعتمد البابا الطريقة الثانية لنها في نظره أفضل‬
‫وأسرع في تحقيق الهداف الصليبية خاصة وأن صلت مودة كانت‬
‫موجودة مع المغول أثناء زحفهم على بلد الشرق السلمي‪ ،‬ولكون‬
‫المغول وثنيين يمكن أن يستجيبوا للتنصير أسرع من المسلمين‪.‬‬
‫لكن جهود الكنيسة في تنصير المغول لم تفلح إذ أبطل الله‬
‫تعالى كيدهم‪ ،‬حيث أراد الله بالمغول خيرًا‪ ،‬لقد دخل معظمهم السلم‬
‫بإرادتهم‪ ،‬طواعية واختيارًا‪(1).‬‬
‫بعد فشل الغرب في الخذ بالطريقة الثانية عاود الخذ بخطة‬
‫المبشر رامون لول التي عرضها على البابوية سنة ‪1229‬م‪ ،‬ومما‬
‫شجعهم على ذلك صلت المودة التي كانت سائدة بينهم وبين نصارى‬
‫الشام‪ ،‬وهؤلء النصارى العرب وسيلة جيدة يمكن العتماد عليها في‬
‫تنصير المسلمين‪.‬في الماضي القريب‪.‬‬
‫ن الصراع العسكري مع‬ ‫لقد أدرك الوربيون وساد العتقاد بينهم أ ّ‬
‫السلم ل يجدي نفعًا‪ ،‬ول يكفي وحده لسقاطه ودحره‪ ،‬وأّنه لبد ّ من‬
‫التفكير بعمق في تنظيم برنامج عمل كامل يقوم بدراسة وفهم‬
‫مضامين الفكر السلمي ومعرفة مواضع القوة والضعف فيه كمرحلة‬
‫أولى‪ ،‬ثم محاولة نقضه وإحداث الشرخ في جدرانه‪ ،‬لغرض اختراقه‬
‫وتحطيمه من الداخل‪ ،‬وبالتالي ضرب إرادة المقاومة عند هذا الخصم‬
‫ن قوة المسلمين إنما هي بالسلم‪،‬‬ ‫العنيد ثم استئصاله نهائيًا‪ .‬ذلك ل ّ‬

‫‪ -1‬الستعمار والتبشير ص ‪.115‬‬

‫‪35‬‬
‫فهو سبب قوة المسلمين وصمودهم في وجه جحافل الصليبية القادمة‬
‫من أوربا‪ .‬ومن هنا دخلت المواجهة بين السلم والغرب المسيحي‬
‫مرحلة جديدة تعتمد السلوب الثقافي الفكري سلحا ً لها لضرب ‪-‬‬
‫السلم‪ -‬الخطر الدائم على وجوده‪.‬‬
‫ولكن أوربا لم تعتمد خطة التبشير وحدها في الهجوم الماكر ضد‬
‫السلم والمسلمين‪ ،‬بل استخدمت وسائل أخرى تستهدف من خللها‬
‫محو السلم عقيدة وشريعة وسلوكا ً من حياة المسلمين‪ ،‬ومن هنا‬
‫تعددت محاور الهجوم الماكر‪ ،‬وكثرت وسائلة التي تستهدف العقول‬
‫والذهان والفكار المسلمة‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الباب الثاني‬
‫الغزو الفكري للعالم السلمي‬
‫الفصل الول‪ :‬التبشير‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الستشراق‬
‫الفصل الثالث‪ :‬التغريب‬

‫‪37‬‬
‫الباب الثاني‬
‫الغزو الفكري للعالم السلمي‬

‫تمهيد‪-:‬‬
‫ن أفضل الطريق وأقربها لغزو العالم‬ ‫لقد وجد الوربيون أ ّ‬
‫السلمي وإخضاعه لسيطرتهم الستعمارية هو‪ :‬سلوك الغزو الفكري‪،‬‬
‫ططات والبرامج الدقيقة في هذا الجانب‪ ،‬ونسجوا‬ ‫فوضعوا المخ ّ‬
‫المؤامرات للغارة على الفكار والمفاهيم السلمية‪ ،‬وعلى كل ما له‬
‫مة وحضارةً وفكرًا‪ ،‬وأضحت قاعدتهم التي ارتكزوا عليها‬ ‫صلة بالسلم أ ّ‬
‫وك فأفسد فكره ينتحر به ومن ثم‬ ‫هي "إذا أرهبك عد ّ‬
‫تستعبده"‪ ،‬فانتقلت المعركة من ساحة الحرب إلى ميدان الفكر‬
‫والثقافة‪(1).‬‬
‫المراد بالغزو الفكري‪:‬تغيير أحوال المسلمين السياسية والثقافية‬
‫والجتماعية والقتصادية عن طريق استعمار القلوب والعقول‪ ،‬وتبديل‬
‫الفكار والقيم والعقائد‪ ،‬فيصبح المغزو فكريا ً خاضعا ً بشكل تام لقادة‬
‫الغزو وجنوده‪.‬‬

‫الفرق بين الغزو الفكري والغزو العسكري‪-:‬‬


‫يمكن ملحظة الفرق بين كل من الغزو الفكري العسكري فيما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬الغزو العسكري يستهدف أول ً وأخيرا ً الرض وما فيها من خيرات‬
‫وموارد اقتصادية‪ ،‬وما تشكله من موقع استراتيجي للعداء‪ ،‬بينما الغزو‬
‫الفكري يستهدف أشرف ما في النسان‪ :‬عقيدته وفكره‪ ،‬قلبه وعقله‪.‬‬
‫‪ -2‬الغزو العسكري يضر بالغزاة أنفسهم أكثر مما يحقق أهدافهم‪ ،‬لنه‬
‫يحّرك في الشعوب المغزوة عاطفة الولء للدين والوطن‪ ،‬ويثير فيهم‬

‫انظر في الغزو الفكري د‪ .‬أحمد السايح‪ -‬ضمن سلسمملة منشممورات كتمماب المممة‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫العدد )‪ (38‬ط‪ .‬قطر ص ‪.51‬‬

‫‪38‬‬
‫الحمية ضد المستعمر‪ ،‬فتهب الشعوب مجاهدة عن دينها ومدافعة عن‬
‫أوطانها‪ ،‬بينما الغزو الفكري يعمل في المسلمين عكس ذلك‪.‬‬
‫س العمل الجاد للستقلل‬ ‫‪ -3‬الغزو العسكري يحرك في الشعوب ح ّ‬
‫والتحرر من التبعية والخضوع للعداء‪ .‬بينما الغزو الفكري ُيفقد‬
‫المغزوين القدرة والستعداد للمجابهة‪ ،‬مما يجعلهم يقعون في أحابيل‬
‫قادة الغزو بسهولة‪.‬‬
‫فرة‪ ،‬وهي مصحوبة بالدمار والقتل والدم‪،‬‬ ‫‪ -4‬الغزو العسكري وسائله من ّ‬
‫بينما وسائل الغزو الفكري ناعمة وخادعة‪ ،‬ومصحوبة بالشهوات‪،‬‬
‫فالستجابة لها من قبل المغزوين‪ :‬أسرع وأكثر وأنجع‪.‬‬
‫‪ -5‬الغزو العسكري تكاليفه باهظة‪ ،‬وهو يلقى أسباب المقاومة‪ ،‬وآثاره‬
‫تنهى في الغالب برحيل قادة الغزو وجنوده‪ ،‬بينما الغزو الفكري قليل‬
‫التكلفة‪ ،‬ول يلقى في الغالب أسباب المقاومة‪ ،‬وتبقى آثاره في عقول‬
‫وقلوب المغزوين‪.‬‬
‫‪ -6‬قممادة الغممزو العسممكري وجنمموده يوجممدون فممي مسممرح العمليممات‬
‫والحداث‪ ،‬بينمما الغمزو الفكمري يكمون قمادته فمي الغمالب بعيمدين عمن‬
‫مسرح الحداث‪ ،‬إنهم يعملون من خلل عملئهم ومممأجوريهم مممن أبنمماء‬
‫البلد المغزوة‪ ،‬والغزو يتم في جو من العلنية التامة‪ ،‬وتحت سمع وبصر‬
‫القانون‪ ،‬بل برعايته وحمايته‪.‬‬
‫‪ -7‬الغزو العسكري ل يجد له كثيرا ً من التباع‪ ،‬بينما الغزو الفكري يجد‬
‫له كثيرا ً من التباع والنصار‪ ،‬الذين يمدون يد التعاون باستمرار لقادة‬
‫الغزو الفكري‪ ،‬وهؤلء التباع والنصار يعتبرون أعمالهم وطنية وخدمة‬
‫لبلدهم‪ ،‬وهم يظنون أن خيانتهم ‪-‬لدينهم وأمتهم‪ -‬ل يمكن أن تنكشف‬
‫)‪(1‬‬
‫للناس‪.‬‬
‫أهداف الغزو الفكري‪-:‬‬
‫لقد هدف الستعمار الغربي إلى تحقيق الهداف التالية‪-:‬‬
‫ل‪ :‬ضرب السلم من الداخل عن طريق إضعاف فاعليته‪ ،‬وعزله عن‬ ‫أو ً‬
‫التأثير في حياة المسلمين‪ ،‬وتحويله إلى دين ‪-‬أشبه بدين النصارى‪ -‬ل‬

‫انظر دراسات في الثقافة السلمية صالح دياب هندي ص ‪.30‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪39‬‬
‫يأبه بحياة الناس التشريعية والسياسية والجتماعية والقتصادية‪ ،‬أي‬
‫فصل الدين وعزله عن الدولة والحكم وحياة الناس العامة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬وقف المد السلمي‪ ،‬وحصر السلم داخل حدود ل يتجاوزها‪،‬‬
‫حتى ل يدخل فيه أحد من الغربيين‪ ،‬وحقن الشعوب الخرى بكراهية‬
‫السلم والمسلمين‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬تجزئة المسلمين أرضا ً وأمة وفكرًا‪ ،‬وتشويه صورتهم التاريخية‬
‫الغابرة والحالية‪ ،‬والحيلولة دون مستقبل مشرق للسلم والمسلمين‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫وف بشعوب مختلفة‪ ،‬ولكننا بعد‬ ‫يقول لورانس براون‪" :‬لقد كنا نخ ّ‬
‫وف من قبل بالخطر‬ ‫الختبار لم نجد مبررا ً لمثل هذا الخوف‪ ،‬لقد كنا نخ ّ‬
‫اليهودي والخطر الصفر‪ ،‬وبالخطر البلشفي )الشيوعي(‪ ،‬إل أن هذا‬
‫التخويف كله لم يتفق كما تخيلناه‪ .‬إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا‪ ،‬وعلى‬
‫هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا اللد‪ ،‬ثم رأينا البلشفة حلفاء لنا‪ ،‬أما‬
‫الشعوب الصفر فإن هناك دول ً ديمقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتها‪...‬‬
‫ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام السلم وفي قدرته على التوسع‬
‫والخضاع‪ ،‬وفي حيويته‪ :‬إنه الجدار الوحيد في وجه الستعمار الغربي"‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫ويقول المبشر الصليبي غاردنز‪:‬إن القوة التي تكمن في السلم‬


‫هي التي تخيمف أوربما")‪ ،(3‬ويقمول رئيس وزراء إسمرائيل السمبق "بمن‬
‫غوريون"‪" :‬نحن ل نخشمى الشتراكيات‪ ،‬ول الثوريات‪ ،‬ول‬
‫الديمقراطيات في المنطقة نحن فقط نخشى السلم‪ ،‬هذا المارد الذي‬
‫نام طوي ً‬
‫ل‪ ،‬وبدأ يتململ من جديد")‪.(4‬‬

‫‪ -1‬انظر المصدر السابق ص ‪.31-30‬‬


‫‪ -2‬الستعمار والتبشير ص ‪.184‬‬
‫‪ -3‬نفس المصدر ص ‪.36‬‬
‫‪ -4‬عداء اليهود للحركة السلمية ص ‪.53 ،46‬‬

‫‪40‬‬
‫أتباع وأنصار الغزو الفكري‪-:‬‬
‫يمكن حصر القوى المؤازرة ‪-‬من داخل البلد السلمية‪ -‬لقادة‬
‫الغزو الفكري الصليبي واليهودي في أصناف أربعة‪:‬‬
‫‪ -1‬الجراء‪ :‬وهم الذين باعوا أنفسهم لعداء دينهم وأمتهم وأوطانهم‬
‫مقابل ثمن بخس دراهم معدودة‪ ،‬أو مناصب موعودة‪ ،‬أو شهوات‬
‫مبذولة ومتع مرذولة‪ ،‬وهؤلء الجراء يستخدمهم الستعمار لتحقيق‬
‫مصالحه وأهدافه‪ ،‬ومن هؤلء الجراء‪ :‬زمرة السياسيين الذين ينفذون‬
‫سياسة العداء في الحكم والسياسة‪ ،‬وزمرة الماليين الذي ينفذون‬
‫سياسة العداء في مجال المال والقتصاد‪ ،‬وزمرة العسكريين الذين‬
‫يجرون شعوبهم لعار الهزيمة والذل في ميادين القتال‪ ،‬وزمرة‬
‫الصحفيين والمثقفين والدباء الذين ينشرون فكر العداء وثقافتهم‬
‫ورذائلهم الجتماعية‪.‬‬
‫‪ -2‬الخارجون‪ :‬وهم الذين ارتدوا عن الدين‪ ،‬وخرجوا عن أمتهم خروجا ً‬
‫كليا ً أو جزئيًا‪ ،‬وهؤلء يرتدون ثياب الوطنية أثناء حملتهم المسعورة ضد‬
‫السلم عقيدة ونظاما ً وثقافة‪ ،‬وأثناء استيرادهم للمبادئ والفكار‬
‫والمذاهب المعادية للسلم‪.‬‬
‫‪ -3‬المتهاونون‪ :‬وهم الذين ل يبالون بالحداث‪ ،‬ول يكترثون بالمور‪،‬‬
‫ليس لهم هدف في الحياة سوى الكل والشرب والمسكن والنكاح‬
‫ومتاع الحياة الدنيا‪ .‬وقد نجد من هؤلء من يكون على خلق ودين ظاهر‪،‬‬
‫لكنه يرّوج الباطل والمنكر والضلل‪ ،‬لن في ذلك تحقيق كسب مادي‬
‫له‪.‬‬
‫‪ -4‬الجهلة بحقيقة السلم‪ :‬أو بطرق الدعوة إليه والعمل له‪ ،‬مع‬
‫تعصبهم لما يؤمنون به من الفكار الغير صحيحة والمخالفة لنهج‬
‫السلم‪ ،‬وجهل هؤلء بالدين يستغله أعداء السلم في بث أفكارهم‬
‫وآرائهم الباطلة في نفوس المسلمين‪ ،‬وهؤلء مؤازرون لقادة الغزو‬
‫الفكري من حيث ل يعلمون‪ ،‬وهم يظنون أنهم يحسنون صنعًا‪ ،‬ولكن ل‬
‫يشعرون)‪.(1‬‬

‫‪ -1‬أجنحة المكر الثلثة‪ :‬التبشير ‪-‬الستشراق ‪-‬الستعمار للميداني ص ‪.22-19‬‬

‫‪41‬‬
‫وسائل الغزو الفكري‪-:‬‬
‫لقد اعتمدت اليهودية الماكرة والنصرانية الحاقدة في حروبهم‬
‫الفكرية ضد المسلمين محاور متعددة‪ ،‬وصورا ً شتى‪ ،‬بل استخدموا كل‬
‫وسيلة وطريقة وجدوا فيها محورا ً نافعا ً في صراعهم ضد السلم‪ ،‬لقد‬
‫تعددت وسائل الغزو الفكري‪ ،‬وتكاثرت سبله حتى كاد الباحث المسلم‬
‫يعجز عن تحديدها وحصرها‪ ،‬ومن العجيب أن بعض هذه الوسائل‬
‫أصبحت أممرا ً مستساغا ً جدا ً عند كثير من المسلمين‪ .‬ونحاول هنا‬
‫الحديث عن بعض وسائل الغزو الفكري منبهين إلى خطورتها وآثارها‬
‫في حياة المسلمين‪ ،‬ومنها‪ :‬التبشير‪ ،‬والستشراق‪ ،‬والتغريب‪،‬‬
‫والعولمة‪ ،‬والدعوات والنعرات الهدامة‪ ،‬والفرق الضالة‪،‬‬
‫والمذاهب الفكرية الفلسفية المناقضة للسلم عقيدة ومنهجا ً‬
‫ونظامًا‪.‬‬
‫وسوف نتناول كل واحدة من هذه الوسائل بالحديث‪ ،‬كاشفين عن‬
‫حقيقتها‪ ،‬ومعرفين بأهدافها وكيدها ووسائلها وآثارها المدمرة في حياة‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصل الول‬
‫التبشير‬
‫التبشير لغة‪:‬‬
‫التبشير من البشرى والبشارة‪ ،‬مصدر لفعل‪ :‬بشر‪ ،‬أبشر‪ :‬أي أخبر‪،‬‬
‫والبشارة المطلقة ل تكون إل بالخير‪ ،‬وإنما تكون بالشر إذا كانت مقيدة‬
‫به كقوله تعالى‪):‬فبشرهم بعذاب أليم()‪.(1‬‬
‫ً )‪(2‬‬
‫التبشير اصطلحا‪:‬‬
‫يطلق اسم التبشير على الحملة التي تزعمتها الصليبية الوربية‬
‫فيما يعرف بتعليم الدين المسيحي ونشره‪ ،‬والتبشير هو أحد صور الغزو‬
‫الفكري الذي يهدف إلى غزو عقول وقلوب المسلمين من خلل الفكار‬
‫والثقافات الغربية النصرانية‪ .‬وخير تعريف للتبشير أن يقال‪:‬هو‬
‫التنصير الرامي إلى زعزعة العقيدة السلمية في قلوب‬
‫ونفوس المسلمين وتشكيكهم فيها‪ ،‬وبالتالي إخراجهم من‬
‫السلم‪.‬‬
‫إن التبشير هو نسخة مكررة من رسالة المحارب الصليبي الذي‬
‫قدم إلى العالم السلمي‪ ،‬وفي صدره حقد دفين وكراهية للسلم‬
‫والمسلمين‪ (3).‬يقول القس اليسوعي "ميز"‪" :‬إن الحروب الصليبية‬
‫الهادئة التي بدأها مبشرونا في القرن السابع عشر ل تزال مستمرة‬
‫إلى أيامنا هذه")‪ .(4‬ويقول اليسوعيون في عرض نشاطهم في بلد‬
‫َ‬
‫م نرجع تحت راية الصليب‬ ‫الشام‪" :‬ألم نكن نحن ورثة الصليبيين…أوَل َ ْ‬
‫لنستأنف التسرب التبشيري والتمدين المسيحي‪ ،‬ولنعيد في ظل العلم‬
‫الفرنسي‪ ،‬وباسم الكنيسة مملكة المسيح"‪ (5).‬ويقول الب تشانتور‬

‫‪ -1‬سورة آل عمران‪ ،21 :‬انظر مختار الصحاح للرازي‪ ،‬مادة‪ :‬بشر‪.‬‬


‫ن التبشير مطلقا ً يكممون‬
‫‪ -2‬الصواب أن يسمى التنصير –كما هو واضح من تعريفه‪ -‬ل ً‬
‫بالخير‪ ،‬ولكن استخدمنا مصطلح التبشير لتعارف أهله النصارى عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬دراسات في الثقافة السلمية ص ‪.31‬‬
‫‪ -4‬التبشير والستعمار ص ‪.127‬‬
‫‪ -5‬المصدر السابق ص ‪.116-115‬‬

‫‪43‬‬
‫رئيس الكلية اليسوعية في بيروت أيام النتداب الفرنسي‪" :‬ويأتي‬
‫المبشر تحت علم الصليب‪ ،‬يحلم بالماضي وينظر إلى المستقبل‪ ،‬وهو‬
‫فر من بعيد من شواطئ رومية‪ ،‬ومن‬ ‫يصغي إلى الريح التي تص ّ‬
‫شواطئ فرنسية‪ ،‬وليس من أحد يستطيع أن يمنع تلك الريح أن تعيد‬
‫ن الله‬‫على آذاننا قولها بالمس وصرخة أسلفنا "الصليبيين من قبل‪ :‬إ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫يريدها"‪.‬‬
‫نشأة التبشير‪-:‬‬
‫يعتبر القس السباني "ريمون لول" هو أول من تولى مهمة‬
‫التنصير بعد فشل الحروب العسكرية الصليبية في مهمتها‪ ،‬لقد تعّلم‬
‫لول اللغة العربية بعد أن بذل جهدا ً شاقا ً في ذلك‪ ،‬ثم جال في بلد‬
‫السلم يبشر بالنصرانية ويناقش علماء المسلمين‪.‬‬
‫وبدأت الرساليات التبشيرية في القرون الوسطى توجه جهودها‬
‫إلى الهند وجزائر السند وجاوة‪ ،‬واهتمت هولندا بالتبشير في جاوة في‬
‫أوائل القرن الثامن عشر‪ ،‬وفي سنة ‪1664‬م عمل البارون "دويتز"‬
‫على تأسيس مدرسة كلية مهمتها تعليم أصول التبشير ووسائله‪ ،‬ومن‬
‫ثم تخريج المبشرين الذين يتقنون القيام بمهامه‪.‬‬
‫وقد تأسست في بلد الغرب جمعيات تبشيرية كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫جمعية لندن التبشيرية سنة ‪1795‬م‪ ،‬وجمعية مماثلة في كل من‬
‫اسكتلندا ونيويورك وألمانيا‪ ،‬والدانمرك‪ ،‬وهولندا‪ ،‬والسويد‪ ،‬والنرويج‪،‬‬
‫وسويسرا… كما تأسست جمعيات فرعية كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬جمعية التبشير‬
‫في أرض التوراة العثمانية ‪-‬يقصدون البلد العربية الواقعة تحت حكم‬
‫العثمانيين‪.-‬‬
‫وفي عام ‪1846‬م تأسس المركز البروتستانتي في الستانة‪،‬‬
‫الذي أصبح مركزا ً آمنا ً للمبشرين‪ ،‬وفي عام ‪1855‬م تألفت جمعية‬
‫الشبان المتطوعين للتبشير في البلد الجنبية‪ ،‬وفي سنة ‪1898‬م‬
‫تأسست الجمعية العامة للتبشير في مصر‪ ،‬وكان لها معاهد في‬
‫السويس والدلتا‪ ،‬ومدارس للصبيان والبنات‪ ،‬وفي عام ‪1902‬م‬

‫‪ -1‬المصدر السابق ص ‪.38‬‬

‫‪44‬‬
‫تأسست جمعية تبشير الشبان‪ ،‬ومهمتها استمالة النساء والبنات‬
‫والشباب والطلبة إلى استماع أصوات المبشرين)‪.(1‬‬
‫أهداف التبشير‪-:‬‬
‫رسم لويس التاسع ملك فرنسا التخطيط المبدئي للسياسة التي‬
‫رأى أنها تمكن الغرب النصراني من مواجهة السلم والنيل من قوته‪،‬‬
‫وكان بينها‪" :‬تحويل الحملت الصليبية العسكرية إلى حملت صليبية‬
‫سلمية‪ ،‬تستهدف الغرض نفسه‪ ،‬ل فرق بين النوعيمن إل ممن حيث نوع‬
‫السلح المستخدم في المعركة‪ ،‬وتجنيد المبشرين الغربيين فمي هذه‬
‫المعركة السلمية لمحاربة تعاليم السلم ووقف انتشاره ثم القضاء‬
‫)‪(2‬‬
‫عليه معنويًا‪ ،‬واعتبار المبشرين في تلك المعارك جنودا ً للغرب‪.‬‬
‫ويهدف التبشير إلى تحقيق ما يلي)‪:(3‬‬
‫الول‪ :‬تنصير المسلمين‪ :‬أي جعلهم نصارى يدينون بالدين‬
‫المنسوب زورا ً وبهتانا ً إلى المسيح عيسى بن مريم عليه السلم‪..‬وقد‬
‫كشف ذلك بصراحة قادة المبشرين‪ :‬يقول القس المبشر رايد‪ :‬إنني‬
‫أحاول أن أنقل المسلم من محمد إلى المسيح‪ ،‬ومع ذلك يظن المسلم‬
‫أن لي في ذلك غاية خاصة‪ :‬أنا ل أحب المسلم لذاته‪ ،‬ول لنه أخ لي‬
‫في النسانية‪ ،‬ولول أنني أريد ربحه إلى صفوف النصارى لما كنت‬
‫تعرضت له لساعده")‪.(4‬‬
‫لقد بذل المبشرون جهدا ً كبيرا ً متواصل ً استمر سنين طويلة في‬
‫تنصير المسلمين‪ ،‬وأنفقوا في ذلك المليارات من الدولرات والجنيهات‪،‬‬

‫‪ -1‬انظر‪ :‬أجنحة المكر الثلثة‪ :‬التبشير‪-‬الستشراق‪-‬الستعمار للميممداني ص ‪،32-27‬‬


‫الموسوعة الميسرة للديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.160-159‬‬
‫‪ -2‬حقائق عن التبشير عماد شرف ص ‪.10-9‬‬
‫‪ -3‬انظر أهداف التبشممير‪ :‬التبشممير والسممتعمار فممي البلد العربيممة‪ ،‬معظممم صممفحات‬
‫الكتاب شرح لها‪ ،‬التنصير‪ :‬مفهومه وأهدافه ووسائله وسبل مواجهته د‪.‬علي إبراهيم‬
‫النملة ص ‪ 33‬وما بعدها‪ ،‬حقائق عن التبشممير عممماد شممرف ‪ ،15-9‬حقيقممة التبشممير‬
‫أحمد عبد الوهاب ص ‪ ،191-153‬دراسات في الثقافة السلمية ص ‪.32–31‬‬
‫‪ -4‬التبشير والستعمار ص ‪.193‬‬

‫‪45‬‬
‫وجندوا لهذا الغرض عشرات اللف من القساوسة والرهبان‪ ،‬لكن‬
‫حصيلتهم في التنصير كانت قليلة‪ ،‬ولكن في الونة الخيرة‪-‬بمساعدة‬
‫من الحكام الجراء العملء‪ -‬استطاع المبشرون تنصير أعداد كبيرة من‬
‫المسلمين وخاصة في إندونيسيا وبعض دول أفريقيا‪ ،‬حيث ينتشر‬
‫الجهل والفقر والمرض‪ ،‬وتشجيع الحكومات التي مات السلم في‬
‫قلبها وحياتها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إخراج المسلمين من دينهم أو التذبذب فيه‪ :‬بحيث‬
‫يصبح المسلم بعيدا ً عن دينه في أخلقه وعاداته الجتماعية‪ ،‬بعيدا ً عن‬
‫ثقافته وفكره السلمي‪ ،‬يخلو قلبه وعقله من العقيدة والحمية للدين‪،‬‬
‫أو هو‪:‬هدم السلم في قلوب المسلمين وعقولهم‪ ،‬وقطع صلتهم بالله‬
‫تعالى‪ ،‬وجعلهم مسخا ً ل تعرف عوامل الحياة القوية التي ل تقوم إل‬
‫على العقيدة الربانية المتينة‪ ،‬والخلق الفاضلة القويمة‪.‬‬
‫يقول السقف دي ميستيل وكيل إدارة البعثات التبشيرية في‬
‫شر تحقيقه هو‬ ‫ن الهدف الذي يتعّين على المب ّ‬‫الشرق بروما بصراحة‪" :‬إ ّ‬
‫تحطيم قوة التمسك الجبارة التي يتمتع بها السلم‪ ،‬أو على القل‬
‫شر أن يدرس ويتفّهم قرآن محمد‬ ‫ن على المب ّ‬‫إضعاف هذه القوة‪ .‬وإ ّ‬
‫كر الناس في الشرق بأّنه كانت هناك مدنّية سابقة على‬ ‫ليعرف كيف يذ ّ‬
‫الهجرة وأّنها كانت مدنّية مسيحية"‪(1).‬‬
‫ويقول المبشر كروفورد في مؤتمر القاهرة التبشيري ‪1906‬م‪:‬‬
‫"إن المسلمين يقتبسون من حيث ل يشعرون شطرا ً من المدنية‬
‫النصرانية‪،‬ويدخلونه في‬
‫ارتقائهم الجتماعي‪ ،‬وما دامت الشعوب السلمية تتدرج إلى غايات‬
‫ونزعات ذات‬
‫علقة بالنجيل‪ ،‬فإن الستعداد يتولد فيها عن غير قصد منها…" ويقول‬
‫القس زويممر‪" :‬ل ينبغي للمبشر المسيحي أن يفشل أو أن ييأس‬
‫ويقنط عندما يرى أن مساعيه لم تثمر في جلب كثير من المسلمين‬
‫إلى المسيحية‪ ،‬لكن يكفي جعل السلم يخسر المسلمين بذبذبة‬

‫‪ -1‬نقل ً عن كتاب »روائع إسلمية« لبراهيم نعمة ص ‪.69‬‬

‫‪46‬‬
‫بعضهم‪ ،‬عندما تذبذب مسلما ً وتجعل السلم يخسره تعتبر ناجحا ً أيها‬
‫المبشر المسيحي ويكفي أن تذبذبه‪ ،‬ولو لم يصبح هذا المسلم‬
‫مسيحيًا"‪.‬‬
‫وفي مؤتمر القدس التبشيري عام ‪1935‬م أعلن "زويمر" صراحة‪،‬‬
‫إذ قال لخوانه المبشرين‪" :‬أيها الخوان البطال والزملء الذين كتب‬
‫الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية واستعمارها لبلد السلم‪،‬‬
‫فأحاطتكم عناية الرب بالتوفيق الجليل المقدس‪ ،‬لقد أديتم الرسالة‬
‫التي نيطت بكم أحسن أداء‪ ،‬ووفقتم لها أسمى التوفيق‪ ،‬وإن كان يخيل‬
‫ي أنه مع إتمامكم العمل على أكمل الوجوه‪ ،‬لم يفطن بعضكم إلى‬ ‫إل ّ‬
‫الغاية الساسية فيه… إن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية‬
‫للقيام بها في البلد المحمدية‪ ،‬ليست إدخال المسلمين في المسيحية‪،‬‬
‫فإن هذا هداية وتكريمًا‪ ،‬وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من السلم‪،‬‬
‫ليصبح مخلوقا ً ل صلة له بالله‪ ،‬وبالتالي فل صلة تربطه بالخلق التي‬
‫تعتمد عليها المم في حياتها‪ ،‬وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة‬
‫الفتح الستعماري في الممالك السلمية‪ .‬وهذا ما قمتم به خلل‬
‫العوام المائة السالفة خير قيام‪ ،‬وهذا ما أهنئكم عليه‪ ،‬وتهنئكم عليه‬
‫المسيحية والمسيحيون جميعًا…ولقد أعددتم في ديار السلم شبابا ً ل‬
‫يعرف الصلة بالله ول يريد أن يعرفها‪ ،‬وأخرجتم المسلم من السلم‬
‫ولم تدخلوه في المسيحية‪ ،‬وبالتالي جاء النشء طبقا ً لما أراده‬
‫الستعمار‪ ،‬ل يهتم بالعظائم‪ ،‬ويحب الراحة والكسل‪ ،‬ول يصرف همه‬
‫في دنياه إل للشهوات‪ ،‬وإذا جمع المال فللشهوات‪ ،‬وإذا تبوأ أسمى‬
‫المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء‪ .‬إن مهمتكم قد تمت‬
‫على أكمل الوجوه‪ ،‬وانتهيتم إلى خير النتائج وباركتكم المسيحية‪،‬‬
‫ورضي عنكم الستعمار‪ ،‬فاستمروا في أداء رسالتكم‪ ،‬فقد أصبحتم‬
‫بفضل جهادكم موضع بركات الرب")‪.(1‬‬
‫الثالث‪ :‬إخضاع العالم السلمي لسيطرة الستعمار الوربي‬

‫‪ -1‬حقممائق عممن التبشممير‪:‬عممماد شممرف ص ‪ ،33‬المخططممات السممتعمارية لمكافحممة‬


‫الستعمار محمد محمود الصواف ص ‪.59–57‬‬

‫‪47‬‬
‫الغربي والتحكم في مقدراته وخيراته وإمكانياته‪ :‬وذلك عبر‬
‫إيجاد جيل من المسلمين يحمل أفكار الغرب وثقافاته ويخضع‬
‫لسياساته وإملءاته‪ .‬يقول اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا وصاحب‬
‫الوعد المشئوم‪" :‬المبشرون هم عيون الستعمار التي تقوم بإطلع‬
‫الدول الغربية بالنواحي التي تهتم بمعرفتها"‪ .‬ويقول غاردنز‪":‬إن القوة‬
‫التي تكمن في السلم هي التي تخيف الغرب"‬
‫ويقول القس سيمون‪" :‬إن الوحدة السلمية تجمع آمال الشعوب‬
‫السمر وتساعدهم على التملص من السيطرة الوربية"‪ .‬ويقول بعض‬
‫المبشرين‪ :‬يجب أن نحول بالتبشير مسار التفكير في الوحدة السلمية‬
‫)‪(1‬‬
‫حتى تستطيع المسيحية أن تتغلغل في المسلمين‪.‬‬

‫وسائل التبشير‪-:‬‬
‫لقد لجأ المبشرون من أجل تحقيق أهدافهم إلى استخدام كافة‬
‫السبل‪ ،‬ورصدت لهم دولهم الستعمارية ومؤسساتهم الكنسية مليارات‬
‫الدولرات‪ ،‬ووفرت لهم كل إمكانيات النجاح‪ ،‬والحقائق والحصائيات‬
‫التالية تبرز مدى خطورة الحرب التي تشنها الكنائس الكاثوليكية‬
‫صرين المحترفين العاملين‬ ‫من ّ‬
‫والنجيلية على السلم‪ ,‬حيث أن عدد ال ُ‬
‫على رأس العمل التنصيري في الدول العربية والفريقية السلمية يبلغ‬
‫تعدادهم )‪ ،(4208250‬وأن مؤسسات التنصير هذه تمتلك ‪ 82‬مليونا ً‬
‫من أجهزة الكمبيوتر‪ ،‬وعدد المجلت التي ُتصدرها المؤسمسمات‬
‫عدد الكتب التي أصدرتها هذه‬ ‫الت َْنصيرية يبملغ )‪ (24900‬مجلة‪ ،‬و َ‬
‫المؤسمسات بلمغ في عمام واحمد )‪ (88610‬كتاب‪ .‬وعدد محطات‬
‫الذاعة والتلفاز التي تبث التنصير يبلغ )‪ (2340‬محطة‪ ،‬وُنسخ الناجيل‬
‫التي وّزعتها مجانا ً في عام واحد هو ‪ 53‬مليون نسخة‪ ،‬والمدارس‬
‫ورياض الطفال التي ُتشرف عليها كنائس التنصير تبلغ أعدادها )‬
‫‪ (10677‬مدرسة‪.‬والطلب الذين يدرسون في هذه المدارس الكنسية‬

‫‪ -1‬انظر‪ :‬هذه القوال‪ :‬التبشير والستعمار ص ‪.84 ،37-36‬‬

‫‪48‬‬
‫يبلغ عددهم تسعة مليين طالب‪ ،‬والمستشفيات التي تملكها هذه‬
‫الكنائس يبلغ عددها )‪ (10600‬مستشفا‪.‬‬
‫ويمكن تقسيم الوسائل الكثيرة التي استخدمها المبشرون في‬
‫غزوهم الصامت للعالم السلمي إلى ثلثة مجالت‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ل‪ :‬التعليم في المدارس والكليات والجامعات‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫يقول المبشر هنري حبيب‪" :‬إن التعليم إنما هو واسطة إلى غاية‬
‫فقط في الرساليات المسيحية‪ ،‬هذه الغاية قيادة الناس إلى المسيح‪،‬‬
‫وتعليمهم حتى يصبحوا أفرادا ً مسيحيين وشعوبا ً مسيحية‪ ،‬ولكن حينما‬
‫يخطو التعليم وراء هذه الحدود ليصبح غاية في نفسه‪ ،‬وليخرج لنا خيرة‬
‫علماء الفلك وطبقات الرض وعلماء النبات وخير الجراحين والطباء‬
‫ن رسالة مثل هذه‬ ‫في سبيل الزهو العلمي‪ ،‬فإّننا ل نتردد في أن نقول‪:‬إ ّ‬
‫قد خرجت عن المدى التبشيري المسيحي إلى مدى علماني محض‪،‬إلى‬
‫مدى علمي دنيوي"‪ (1).‬وجاء في كتاب اليسوعيين في سوريا‪" :‬إن‬
‫)‪(2‬‬
‫المبشر الول هو المدرسة"‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك سلك المبشرون الطرق التالية‪-:‬‬
‫أ ‪ -‬الكثار من المدارس ورياض الطفال‪ ،‬وقالوا‪" :‬إن الوسيلة التي‬
‫تأتي بأحسن الثمار في تنصير المسلمين إنما هي تعليم أولدهم‬
‫ن الثر المفسد في السلم‬ ‫الصغار"‪ .‬ويقول المبشر "جون موط"‪" :‬إ ّ‬
‫يبدأ باكرا ً جدًا‪ ،‬من أجل ذلك يجب أن نحمل الطفال الصغار إلى‬
‫المسيح قبل بلوغهم الرشد‪ ،‬وقبل أن تأخذ طبائعهم أشكالها‬
‫)‪(3‬‬
‫السلمية"‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إنشاء الجامعات والكليات‪ :‬أنشأت في ديار السلم كثير من‬
‫الجامعات الستعمارية التبشيرية‪ ،‬ومن أشهرها الجامعة المريكية‬
‫في كل من بيروت والقاهرة‪ ،‬وفي جنين بفلسطين‪ .‬يقول نبروز رئيس‬
‫الجامعة المريكية في بيروت )‪1954-1948‬م(‪" :‬لقد برهن التعليم‬

‫التبشير والستعمار ص ‪.167-166‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.71‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.68‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪49‬‬
‫على أنه أثمن الوسائل التي استطاع المبشرون أن يلجأوا إليها في‬
‫سعيهم لتنصير سورية ولبنان"‪ (1).‬وتقول المبشرة أنا ميليغان‪" :‬في‬
‫صفوف كلية البنات في القاهرة بنات آباؤهم باشاوات وبكوات‪ ،‬وليس‬
‫ثمة مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه مثل هذا العدد من البنات‬
‫المسلمات تحت النفوذ المسيحي‪ ،‬وليست ثمة طريق إلى حصن‬
‫السلم أقصر مسافة من هذه المدرسة"‪ (2).‬وعن الجامعة المريكية‬
‫في القاهرة يقول المبشرون‪":‬لبد من إنشاء مدرسة جامعية نصرانية‬
‫تقوم الكنيسة بنفقاتها‪ ،‬وتكون مشتركة بين كل الكنائس المسيحية في‬
‫الدنيا لتتمكن من مزاحمة الزهر بسهولة‪ ،‬وأن العزة اللهية قد دعتنا‬
‫إلى اختيار مصر مركز عمل للتبشير‪ ،‬لنسرع بإنشاء هذا المعهد‬
‫المسيحي لتنصير البلدان السلمية")‪.(3‬‬
‫ج ‪ -‬اختيار المدرسين والمعلمين وفق مقياس خاص‪ ،‬فالمدرس يجب‬
‫أن يكون أجنبيا ً غير وطني‪ ،‬وإذا دعت الحاجة إلى معلم وطني فليكن‬
‫مسيحيا ً في الدرجة الولى‪ ،‬وفي المناطق التي ل يوجد فيها أمثال‬
‫هؤلء‪ :‬فليكن ممن مسخت أفكارهم وعقائدهم‪ ،‬ول يعرفون عن‬
‫السلم إل اسمه)‪.(4‬‬
‫د ‪ -‬تأليف الكتب الخاصة لمختلف مراحل التعليم وحقوله‪ ،‬وملؤها‬
‫س على السلم وأهله‪ ،‬وإحالة الطلبة‬ ‫بالشبهات والتشكيكات وفي الد ّ‬
‫على المراجع التي كتبها المبشرون والمستشرقون‪.‬‬
‫هم – إجبار الطلب المسلمين على دخول الكنيسة‪ ،‬والستماع إلى‬
‫مواعظ الحد الدينية والقيام بالطقوس المسيحية‪ .‬ولقد صّرح بهذا‬
‫المر عمدة الجامعة المريكية في بيروت عندما أصدر بيانا ً سنة‬
‫‪1909‬م‪ ،‬جاء فيه "إن هذه الكلية مسيحية‪ ،‬أسست بأموال شعب‬
‫مسيحي‪ ،‬هم اشتروا الرض‪ ،‬وهم أقاموا البنية‪ ،‬وهم أنشأوا‬

‫التبشير والستعمار ص ‪.46‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.87‬‬ ‫‪2‬‬

‫الغارة على العالم السلمي أ‪ .‬شاتليه ص ‪.33‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.71‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪50‬‬
‫المستشفى وجّهزوه‪ ،‬ول يمكن للمؤسسة أن تستمر إذا لم يسندها‬
‫هؤلء‪ .‬وكل هذا قد فعله هؤلء ليوجدوا تعليما ً يكون النجيل من مواده‪،‬‬
‫فنعرض منافع الدين المسيحي على كل تلميذ‪ ،‬هكذا نجد أنفسنا‬
‫ملزمين بأن نعرض الحقيقة المسيحية على كل تلميذ‪ ،‬وإن كل طالب‬
‫يدخل إلى مؤسساتنا يجب أن يعرف مسبقا ً ماذا يطلب منه")‪.(1‬‬
‫و ‪ -‬غرس مبادئ التربية الغربية وأنماط السلوك الغربي في نفوس‬
‫المسلمين وحياتهم حتى يشبوا مقلدين للغرب الكافر وقد استخفوا‬
‫بالخلق والقيم السلمية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مجال التطبيب والتمريض‪:‬‬
‫يعتبر الطب من أكرم المهن النسانية‪ ،‬لكن المبشرين استغلوه‬
‫كوسيلة خداع وأداة للرق ونشر العتقادات المسيحية‪ ،‬استغلوا الدواء‬
‫في نشر النجيل بين المرضى‪ ،‬يقول المبشر الطبيب "بول‬
‫دنا‬
‫ج ْ‬‫ن المبشر ل يرضى عن إنشاء مستشفى‪..‬لقد و ِ‬ ‫هاريسون"‪" :‬إ ّ‬
‫نحن في بلد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى"‪ .‬ويقول المبشر‬
‫موريسون‪" :‬نحن متفقون بل ريب على أن الغاية الساسية من أعمال‬
‫التنصير بين المرضى الخارجين في المستشفيات‪ :‬أن ندخلهم أعضاء‬
‫عاملين في الكنيسة المسيحية الحية"‪ .‬وتقول المبشرة إيراهايس‬
‫ناصحة الطبيب النصراني الذاهب في مهمة تبشيرية‪" :‬يجب أن تنتهز‬
‫الفرصة لتصل إلى آذان المسلمين وقلوبهم فتكّرز ‪-‬فتبشر‪ -‬لهم‬
‫بالنجيل‪ .‬إياك أن تضيع التطبيب في المستوصفات والمستشفيات فإنه‬
‫)‪(2‬‬
‫أثمن تلك الفرص على الطلق"‪.‬‬
‫لقد أنشأ التبشير في كثير من ديار السلم المستشفيات‬
‫والمستوصفان ودور العلج‪ ،‬ومن خللها يقدم المبشرون النجيل مع‬
‫الدواء‪ ،‬ويعالجون المرضى باسم المسيح ويعلمونهم أنه الشافي‬
‫للمهم وأمراضهم‪.‬ففي أفريقيا وحدها أنشأ المنصرون ‪1600‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.105‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬انظر هذه القوال‪ :‬التبشير والستعمار ص ‪.62-59‬‬

‫‪51‬‬
‫مستشفى‪،‬و ‪ 5112‬مستوصف‪،‬و ‪1050‬صيدلية‪،‬و ‪ 980‬دارا ً ليواء اليتام‬
‫والعجزة والرامل‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬المطبوعات والصحف والنشرات والمطابع‪:‬‬


‫اهتم التبشير بالمطبوعات والنشرات وإصدار الجرائد والمجلت‬
‫التبشيرية‪ ،‬فأنشئوا المطابع لذلك‪ ،‬وحرصوا أن يتولى الكتابة المبشرون‬
‫الحاقدون وبعض الوطنيين العلمانيين أو الشخاص المتعاونون مع‬
‫الغرب الكافر‪ .‬وأخطر المطبوعات التبشيرية دائرة المعارف السلمية‬
‫التي كتبت بعدةِ لغات‪ ،‬ومجلة العالم السلمي التي أنشأها القس‬
‫صمويل زويمر سنة ‪1911‬م‪ ،‬وأهم المطابع التبشيرية‪ :‬المطبعة‬
‫المريكية في بيروت‪ ،‬والمطبعة الكاثوليكية في بيروت أيضًا‪.‬‬
‫جاء في تقرير للندوة العالمية للشباب السلمي عن النشاط‬
‫م توزيع ‪ 610‬عنوانا ً لكتب تنصيرية مطبوعة‬ ‫التنصيري في أفريقيا‪ :‬لقد ت ّ‬
‫بلغات مختلفة‪ ،‬ومئات المليين من الكتب المطبوعة والتي تم نشرها‪،‬‬
‫و ‪ 24.900‬مجلة متنوعة يوزع منها مليين النسخ‪ ،‬ووزعوا ‪ 112‬مليون‬
‫نسخة إنجيل في عام ‪1987‬م‪ ،‬تم ترجمة النجيل إلى ‪ 652‬لغة ولهجة‬
‫أفريقية مقابل سبع لغات تم ترجمة القرآن لها فقط‪ ،‬و ‪ 5445‬لغة‬
‫ولهجة تم ترجمة وتسجيل النجيل في أشرطة‪ ،‬وتم توزيع عشرات‬
‫المليين من هذه الشرطة‪(1).‬‬
‫رابعًا‪ :‬استخدام وسائل العلم‪:‬‬
‫يستخدم التبشير كل وسائل العلم في تحقيق أغراضه التنصيرية‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬الذاعة المسموعة والمرئية‪ ،‬والصحافة‪ ،‬والمسرح‪ ،‬وشرائط‬
‫الفيديو والنترنت ونحوها‪ ،‬ومن أشهر الذاعات التبشيرية إذاعة‬
‫منتوكارلو الفرنسية‪ .‬وحسب إحصائية عام ‪1416‬هم يملك المنصرون )‬
‫‪ (52‬إذاعة في أفريقيا‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬الجمعيات الشبابية ودور الخدمة الجتماعية‪،‬‬

‫‪ -1‬مجلة البيان جماد الخر ‪1421‬هم‬

‫‪52‬‬
‫والندية الرياضية وبيوت الطلبة والشباب‪ ،‬ودور العجزة‬
‫والمسنين‪:‬‬
‫جاء في كتاب مؤتمر العاملين المسيحيين بين المسلمين ما يلي‪:‬‬
‫"نحن نعنى بالعممل الجتماعي المسيحي‪ :‬تطبيمق مبادئ يسموع‬
‫دعون أن في‬ ‫المسيح في جميع الصلت النسانيمة‪ ،‬إن المسلمين ي ّ‬
‫السلم ما يلبي كل حاجة اجتماعية في البشر‪ ،‬فعلينا أن نقماوم السلم‬
‫دينيا ً بالسلحة الروحية‪ ،‬فالنشاط الجتماعي يجب أن يوافق التعليم‬
‫المباشمر للنجيل ويساعده ويتممه‪ .‬من أجل ذلك ننصح بالسير في‬
‫العمال الجتماعية على السس التالية‪ :‬إيجاد بيوت للرجال والنساء‪،‬‬
‫خصوصا ً الطلبة منهم ومنهن‪ ،‬وإيجاد أندية للعتناء بالتعليم الرياضي‬
‫وبأعمال الترفيه‪ ،‬وحشد المتطوعين لمثال هذه العمال… وبما أن‬
‫صبتا‬
‫جمعية الشباب المسيحية وجمعية الشابات المسيحيات قد ن ّ‬
‫نفسهما للوصول إلى الشباب المسلم… فالواجب يقضي أن تشجعا‬
‫فتتسع دائرة عملهما فتشمل الجماعات المسؤولة عن المسلمين")‪.(1‬‬
‫يقول المبشر أديسون‪ :‬إن فروع جمعية الشبان المسيحية قد نشرت‬
‫في الشرق السلمي لتكون عونا ً على تغلغل التبشير المسيحي وإلى‬
‫مثل ذلك أشار ولبرت سميث)‪.(2‬‬
‫جاء في مقررات المؤتمر التبشيري الذي انعقد في القدس سنة‬
‫‪1935‬م‪ :‬يجب أن نستخدم جميع الوسائط كالمدرسة… وجمعية‬
‫الشبان المسيحية‪ ،‬وجمعية الشابات المسيحيات وسواهما من منظمات‬
‫الشباب‪ ،‬والندية الرياضية‪ ،‬وبيوت الطلبة التي يجب أن تجذب الطلب‬
‫إلى مملكة المسيح)‪ .(3‬وقال كورنيليوس باتون في كتابه‪" :‬عمل‬
‫الرساليات"‪ :‬قد اقتضى أن يعهد إلى جمعية الشباب المسيحيين‬
‫بالعمل في المدن وخصوصا ً بين الطلب والطبقات المثقفة في‬
‫المدن… إن هذه الجمعية تستطيع بواسطة نشاطها الجانبي في الحياة‬

‫التبشير والستعمار ص ‪.192-191‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.202-201‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.214‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪53‬‬
‫الجتماعية والرياضية أن تجتذب رجال ً ليس بالمكان أن يتقبلوا‬
‫النصرانية بطريقة شخصية")‪.(1‬‬
‫ولبيان النشاط التنصيري في قطاع غزة نذكر هنا ما‬
‫نقلته صحيفة الرسالة على لسان أحد الشباب المسلم‬
‫الذين كانت لهم تجربة في هذا المجال‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫"خلل التحاقي في إحدى دورات اللغة النجليزية العام الماضي‬
‫في إحدى المكتبات العامة في القطاع ومن خلل تواجدي في هذه‬
‫الدورة عرفت أنهم مبشرون يحاولون بث المفاهيم المسيحية بين‬
‫الطلبة الحاضرين الذين تتراوح أعمارهم ما بين‬
‫‪ "15-18‬عاما ً وأضاف الشاب )م( منوها ً إلى شعوره بالخطورة‬
‫الشديدة للمؤسسات التي تقف وراء هذه الحملت التبشيرية‪ ،‬ومن‬
‫بينها مؤسسة )‪ (Light to Nation‬المريكيمة ويضميف الشماب )م( أن‬
‫لمدي الكثيممر ممن الدلمة التي تثبمت أن جمعيمات تبشميريمة كثيممرة‬
‫بدأت تنشط في قطاع غزة بهدف إغراء العديد من الشباب‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫"خلل فترة الدورة قام المشرفون عليها بتوزيع الناجيل على‬
‫المشتركين ثم قاموا بعد ذلك بتوزيع أشرطة خاصة بأغاني الم ‪،Prais‬‬
‫وخلل شهر رمضان الماضي قاموا بإرسال بعض الفتيات الوربيات إلى‬
‫رفح‪ ،‬واللواتي أقمن علقات مع شباب من أهل المنطقة" وأضاف‪ :‬بأن‬
‫أحد هؤلء الشباب أكد بأن إحدى الفتيات عرضت عليه الذهاب إلى‬
‫الكنيسة‪ .‬وذكر بأن خادمة من الكنيسة "البابيتش" )أي التبشير( وهي‬
‫من أمريكا وتدعى ‪ Glinda‬كانت نشطة جدا ً في مجال التبشير في‬
‫مناطق القطاع‪ ،‬وقد وزعت العشرات من الناجيل على الشباب‪ ،‬كما‬
‫قامت بمناقشة العديد منهم في قضايا دينية بحضور فتيات أوربيات‪.‬‬
‫يقول شاب آخر من منطقة رفح أنه في شهر مايو الماضي‬
‫جاءت مجموعة من المبشرين مكونة من حوالي ثلثين شابا ً وفتاة‪،‬‬
‫وكانوا يدعون الشباب إلى قراءة النجيل وهذا المر لم يعلن عنه‬
‫صراحة إل في حفلة التعارف التي أقاموها والتي شهدت حفل ً نصرانيا ً‬

‫المصدر السابق ص ‪.202‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪54‬‬
‫كبيرا ً تخلله رقص وغناء‪ ،‬وقد قام مسؤول هذه المجموعة بإلقاء كلمة‬
‫تحدث فيها حول ضرورة اليمان بالنجيل والتمسك بتعاليمه‪ ،‬وتم توزيع‬
‫الناجيل على الحاضرين ويؤكد الشاب أن الحفل كان مختلطًا‪ ،‬وأن‬
‫الهدف كان واضحا ً وهو تعليم الشباب أصول ومبادئ الدين المسيحي‪.‬‬
‫ويضيف بعض الهالي في منطقة الشابورة ‪-‬رفح‪ -‬بأن العديد من‬
‫المبشرين يأتون على شكل أفراد أو مجموعات‪ ،‬ويحاولون الختلط‬
‫بالمواطنين وخصوصا ً الشباب ويعرضون عليهم بعض المساعدات مثل‬
‫العلج الطبي‪ ،‬وإهداء الكتب والمجلت‪ ،‬وإجراء التصالت‪ ،‬وعقد‬
‫الرحلت المختلطة إلى البحر بحجة الترفيه‪..‬وذكر لنا مواطنون بأنهم‬
‫التقوا هؤلء الجانب واستضافوهم في بيوتهم ولم يكونوا يعرفون أنهم‬
‫يهدفون إلى نشر النصرانية بين المواطنين‪ ،‬وقال لنا أحدهم أنهم كانوا‬
‫يأتون على شكل مجموعات من ثلثة أو خمسة أفراد ثم يتوزعون‬
‫للسكن في البيوت‪ .‬ويضيف بأنه في عدة مرات كانت فتيات أجنبيات‬
‫تصحبهم في رحلتهم هذه‪.‬‬
‫ن أحد القساوسة عرض عليه الموافقة على‬ ‫وذكر أحد المواطن بأ ّ‬
‫وجبة غداء في إحدى المكتبات العامة في غزة‪ ،‬وعندما ذهب إلى هناك‬
‫فوجئ بإحدى الفتيات "المتبرجات" تحاول الحتكاك به والتحدث إليه‪.‬‬
‫وأضاف بأن أحد العاملين في المكتبة فتح نقاشا ً معه تبين بعدها أنه‬
‫يعمل ‪" God Server‬أي خادم الرب" في إحدى الكنائس"‪(1).‬‬
‫سادسًا‪ :‬تقديم المساعدات والمعونات للفقراء والمحتاجين‪:‬‬
‫استغل المبشرون الفقر والجوع فقاموا بتقديم المساعدات المالية‬
‫والعينية لفقراء المسلمين ممزوجين بالتبشير بالنصرانية‪ ،‬استغلوا ما‬
‫بأيديهم من وسائل الحسان حتى يصلوا إلى أهدافهم التبشيرية‬
‫الستعمارية‪ ،‬فلقد اعترف المبشر اتمر دوغلس بأن الجماعات‬
‫التبشيرية قد استغلت تقديم الطعام والكساء للفقراء المسلمين‬
‫وخاصة الطفال منهم في إبعادهم عن السلم‪ ،‬وكتب القس زويمر‬

‫‪-1‬الرسالة العدد ‪ 21 ،20‬صفر ‪1418‬هم – ‪ 26‬يونيو ‪1997‬م‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫مقال ً في مجلته "العالم السلمي" بعنوان‪ :‬استخدام الصدقات‬
‫لكتساب الصابئين‪-‬أي الذين يتركون دينهم إلى دين آخر‪.-‬‬
‫سابعًا‪ :‬المكتبات والمراكز الثقافية والتصوير والستكشاف‬
‫والكشافة والمخيمات والمؤتمرات الطلبية والشبابية‬
‫للجنسين‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬إقامة المشروعات الزراعية والصناعية‪ ،‬ومشروعات‬
‫إنعاش القرى والرياف‪ ،‬ثم استغللها في التبشير بالمسيح‪،‬‬
‫والمبشر الناجح يؤثر في الفلحين والمزارعين من خلل سلوكه‬
‫الشخصي وأقواله وأعماله‪ ،‬وعليه أن ينقل إليهم بهدوء رسالة المسيح‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬البعثات الجامعية والمنح والقروض للطلب‬
‫المحتاجين‪:‬‬
‫قام المبشرون باختيار نفر من الطلب المسلمين لرسالهم إلى‬
‫أوربا وأمريكا كي يكسبوهم شيئا ً من أساليب الحياة الغربية‪ ،‬ومن‬
‫ما أن يصبح هؤلء‬ ‫الثقافات والتجاهات الفكرية الغربية‪ ،‬ومن ثم إ ّ‬
‫الدارسون‪-‬في جامعات ومعاهد الغرب‪ -‬إما نصارى بالفعل أو ممالئين‬
‫للنصرانية‪ ،‬ولكي تنجح المهمة مع هؤلء الدارسين كان لبد من زواج‬
‫عدد منهم من الغربيات الكوافر ممن يحملن في قلوبهن الحقد‬
‫والكراهية للسلم والمسلمين‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬المناظرات والحوارات والندوات والمحاضرات في‬
‫المعاهد والمؤسسات العلمية في العالم السلمي‪.‬‬
‫الحادي عاشر‪ :‬رعاية بعض الحزاب والمنظمات القومية‬
‫والوطنية وتوجيهها الوجهة اللدينية‪ ،‬وخاصة في لبنان وفلسطين‬
‫وسوريا‪.‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬الدعوة إلى التسامح المشبوه‪ ،‬والحوار بين‬
‫الديان‪ ،‬واستغلل الحوار لقامة علقات إنسانية من خللها يتم‬
‫التبشير بالمسيحية ومفاهيمها‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫الستشراق‬
‫ة الستشراق في القرن الرابع عشر الهجري وبخاصة‬ ‫شطت حرك ُ‬ ‫نَ ِ‬
‫ة الستشراق هذه‬ ‫ص حرك ُ‬‫بعد سقوط الخلفة نشاطا ً ملحوظًا‪ ،‬وتتلخ ُ‬
‫ب عَْبر العديد من‬
‫ب التي اعتمدها الغر ُ‬‫ت والسالي ِ‬ ‫بأنها إحدى المحاول ِ‬
‫مؤسساته وعلمائه‪ ،‬للدس على السلم وإلقاء الكثير من المفتريات‬
‫ة‬
‫مظل ِ‬‫والباطيل في محيط السلم وأفكاره ومصادره وتاريخه تحت ِ‬
‫البحث العلمي‪.‬‬
‫الستشراق‪ :‬هو تعلم علوم الشرق السلمي‪ ،‬وتطلق كلمة‬
‫الستشراق على الدراسات التي يقوم بها غير المسلمين ‪-‬من اليهود‬
‫والنصارى ونحوهم‪ -‬للدين السلمي‪ ،‬وعلوم المسلمين‪ ،‬وتاريخهم‪،‬‬
‫ولغاتهم‪ ،‬وأوضاعهم السياسية والثقافية والجتماعية‪.‬‬
‫والمستشرق‪ :‬هو العالم الذي يشتغل بتلك الدراسات‪ ،‬وأغلب‬
‫المستشرقين يهدفون من دراستهم تشكيك المسلمين في معتقداتهم‬
‫وتراثهم التاريخي والفقهي‪ ،‬وإضعاف روح المقاومة الروحية والمعنوية‬
‫في نفوس المسلمين)‪.(1‬‬
‫نشأة الستشراق وبدايته‪-:‬‬
‫لقد كان الستشراق وليد الحتكاك بين الشرق السلمي والغرب‬
‫النصراني أيام الفتوحات السلمية للغرب‪ ،‬وإّبان الستعمار الغربي‬
‫الصليبي للشرق‪ ،‬وعن طريق السفارات والرحلت‪ ،‬وكان الدافع‬
‫الساسي لحركة الستشراق الجانب اللهوتي النصراني بغية تحطيم‬
‫السلم من داخله بالدس والكيد‪ ،‬وإثارة الشبهات والشكوك حول‬
‫مبادئه وقيمه وشرائعه وتاريخه‪.‬‬
‫ولم يستطع المؤرخون أن يتفقوا على تحديد بداية الستشراق‪،‬‬
‫فبعضهم يعود به إلى الراهب الفرنسي "جريردوي أورالياك" الذي قصد‬
‫بلد الندلس السلمية وتتلمذ على أساتذتها في أشبيلية وقرطبة‪ ،‬حتى‬

‫انظر الستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري ص ‪ ،18‬أجنحة المكر الثلثة‬ ‫‪1‬‬

‫للميداني ص ‪.83‬‬

‫‪57‬‬
‫أصبح أوسع علماء عصره الوربيين إطلعًا‪ ،‬وقد تقلد فيما بعد منصب‬
‫البابوية في روما باسم سلفستر الثاني )‪1003-999‬م(‪.‬‬
‫وبعض المؤرخين أرجع بداية الستشراق إلى القرن الثاني عشر‬
‫مت فيه أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم إلى اللغة اللتينية‪،‬‬ ‫حيث ت ّ‬
‫وظهر فيه أول قاموس لتيني عربي‪.‬‬
‫وأما الستشراق اللهوتي الديني فقد بدأ بشكل رسمي حين‬
‫صدور قرار مجمع فينا الكنسي عام ‪1312‬هم بإنشاء عدد من كراسي‬
‫اللغة العربية في عدد من الجامعات الوربية‪.‬‬
‫وقد ظهر مفهوم الستشراق في أوربا في نهاية القرن الثامن‬
‫عشر‪ ،‬إذ ظهر أول ً في إنجلترا عام ‪1779‬م‪ ،‬وفي فرنسا ‪1799‬م‪ ،‬وفي‬
‫سنة ‪1838‬م أدرج مفهوم الستشراق في قاموس الكاديمية‬
‫الفرنسية‪...‬ويعد القرنين التاسع عشر والعشرين عصرا الزدهار‬
‫الحقيقي للحركة الستشراقية‪ ،‬ففي شهر مارس ‪1795‬م أنشأت‬
‫الحكومة الفرنسية مدرسة اللغات الشرقية الحية‪.‬‬
‫وبدأت حركة الستشراق في فرنسا تتجه نحو اتخاذ طابع علمي‬
‫على يد سلفستر دي اس ‪1838‬م الذي أصبح إماما ً للمستشرقين في‬
‫عصره‪ ،‬وإليه يعود الفضل في جعل باريس مركزا ً للدراسات العربية‬
‫مها التلميذ والعلماء من مختلف أوربا ليتعلموا على يديه‪.‬‬‫يؤ ّ‬
‫وفي منتصف القرن التاسع عشر قام المستشرقون بإنشاء‬
‫جمعيات للدراسات الستشراقية في مختلف بلدان أوربا وأمريكا‪،‬‬
‫فتأسست أول ً الجمعية السيوية في باريس عام ‪1822‬م‪ ،‬ثم الجمعية‬
‫الملكية السيوية في بريطانيا وايرلندا عام ‪1823‬م‪ ،‬والجمعية الشرقية‬
‫المريكية عام ‪1842‬م‪ ،‬والجمعية الشرقية اللمانية عام ‪1845‬م‪ ،‬وأول‬
‫مجلة استشراقية أصدرها "هام برجشتال" في فينا باسم "ينابيع‬
‫الشرق" من سنة ‪1818-1809‬م وفي عام ‪1895‬م ظهرت في باريس‬
‫مجلة السلم الستشراقية‪ ،‬وفي ‪1906‬م ظهرت مجلة العالم‬
‫السلمي التي أصدرتها البعثة العلمية الفرنسية في المغرب‪ ،‬ثم‬
‫ولت هذه المجلة إلى مجلة الدراسات السلمية‪ ،‬وفي عام ‪1910‬م‬ ‫تح ّ‬

‫‪58‬‬
‫ظهرت مجلة السلم اللمانية‪ ،‬وفي ‪1912‬م ظهرت مجلة عالم‬
‫السلم الروسية‪ ،‬وفي ‪1911‬م ظهرت مجلة العالم السلمي المريكية‬
‫برئاسة القس زويمر رئيس المبشرين في الشرق الوسط‪.‬‬
‫وشهد القرن التاسع عشر بداية عقد المؤتمرات الدولية‬
‫الستشراقية‪ ،‬ففي باريس عام ‪1873‬م عقد أول مؤتمر دولي‬
‫استشراقي‪ ،‬ثم توالى عقد المؤتمرات الستشراقية‪ ،‬وقد بلغ عددها‬
‫العشرات‪ ،‬وهي تضم مئات العلماء المتخصصين في الدراسات‬
‫السلمية‪ ،‬وقد نشرت بحوث ودراسات المؤتمرات الستشراقية في‬
‫عدة مجلدات‪ ،‬ول يزال المستشرقون يستفيدون من نتائج هذه‬
‫المؤتمرات في كتاباتهم ومؤلفاتهم التي يبثون فيها مواقفهم التشكيكية‬
‫من السلم عقيدة وشريعة وتاريخًا‪.‬‬
‫وقامت الجامعات الغربية بتأسيس كراسي للدراسات‬
‫الستشراقية في علوم السلم وآدابه وحضارته‪ ،‬ولقد تخّرج على أيدي‬
‫الساتذة المستشرقين عدد من المستشرقين الجدد وعدد ل يستهان به‬
‫من الطلب القادمين من العالم السلمي‪ ،‬ومما يأسف له أن بعضهم‬
‫أصبحوا معاول هدم في بلدانهم السلمية)‪.(1‬‬
‫دوافع وأهداف الستشراق)‪-:(2‬‬
‫يستطيع الباحث أن يتلمس أهداف المستشرقين ودوافعهم من‬
‫خلل دراسته أعمالهم الستشراقية التي تتمثل في أبحاثهم ودراساتهم‬
‫حص أوجه الصلة بين‬ ‫ومؤلفاتهم ومؤتمراتهم وجمعياتهم‪ ،‬ومن خلل تف ّ‬

‫انظر الستشممراق والخلفيممة الفكريممة للصممراع الحضمماري ص ‪ ،40-18‬الموسمموعة‬ ‫‪1‬‬

‫الميسممرة فممي الديممان والمممذاهب المعاصممرة‪ ،‬إصممدار النممدوة العالميممة للشممباب‬


‫السلمية‪ ،‬السعودية ص ‪ 33‬وما بعدها‪ ،‬عقممائد وتيممارات فكريممة معاصممرة ص ‪-156‬‬
‫‪ ،157‬أجنحة المكر الثلثة ص ‪ 89‬وما بعدها‪.‬‬
‫انظر الستشراق والخلفية الفكرية للصممراع الحضمماري ص ‪ ،74-70‬أجنحمة المكمر‬ ‫‪2‬‬

‫الثلثممة للميممداني ص ‪ ،97-94‬تيممارات وعقممائد فكريممة معاصممرة ص ‪،162-158‬‬


‫التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪.18-17‬‬

‫‪59‬‬
‫الستشراق والتبشير‪ ،‬وبين الستشراق والدوائر الستعمارية الغربية‪،‬‬
‫ويمكن إيجاز أهدافهم ودوافعهم فيما يلي‪:‬‬
‫ل‪ :‬الدافع الديني‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫بدأ الستشراق بالرهبان النصارى الذين في نفوسهم حقد‬
‫وكراهية شديدة للسلم وأهله‪ ،‬وهؤلء اشتغلوا في الدراسات‬
‫الستشراقية انتصارا ً لدينهم الذي لم يستطع أن يصمد في وجه السلم‬
‫الذي بدأ يغزو المجتمعات النصرانية‪ ،‬يقول لورنس براون‪ :‬إن دين‬
‫المسلمين دين دعوة‪ ،‬إن السلم انتشر بين النصارى وغير النصارى‪ ،‬ثم‬
‫إن المسلمين كان لهم كفاح طويل في أوربا‪ ،‬فأخضعوها في مناسبات‬
‫كثيرة)‪ ،(1‬والدافع الديني للستشراق يتمثل في المور التالية‪-:‬‬
‫‪ -1‬لما تزعزعت العقيدة النصرانية المحّرفة في نفوس الوربيين عمد‬
‫نفر من رجال الكنيسة ومنسوبيها إلى دراسة السلم دراسة تشكيكية‬
‫لحماية النصارى منه‪ ،‬فحجبوا عن شعوبهم حقائق السلم‪ ،‬وأطلعوهم‬
‫على ما زعموه من نقائص وعيوب‪ ،‬وحذروهم من الدخول فيه‪ ،‬خاصة‬
‫وأن أعدادا ً كبيرة من النصارى بدأت تبحث عن دين جديد‪ .‬إنهم أرادوا‬
‫أن يثبتوا لشعوبهم أن السلم دين ل يستحق التقدير‪ ،‬وأن أتباعه‬
‫مجموعة من اللصوص الهمج وسفاكي الدماء‪.‬‬
‫‪ -2‬أرادوا النتقاص من السلم حتى ل يلتفت النصارى إلى نقد العقيدة‬
‫النصرانية التي ل يقبلها العقل‪ ،‬ونقد الكتب المقدسة المحّرفة عندهم‪.‬‬
‫‪ -3‬محاولة تنصير المسلمين‪ ،‬أو تشويه صورة السلم في نفوس أبنائه‪،‬‬
‫ما أن يكونوا من الملحدة‬ ‫وحملهم على كراهيته والبتعاد عنه‪ ،‬ومن ثم إ ّ‬
‫الذين ل دين لهم‪ ،‬أو من الخاضعين فكريا ً واجتماعيا ً لحضارة الغرب‬
‫اللدينية‪.‬‬
‫‪ -4‬إثارة الشبهات والشكوك في مصادر التشريع السلمي‪ ،‬والزعم بأن‬
‫أصوله ومبادئه مستمدة من اليهودية والنصرانية‪.‬‬

‫التبشير والستعمار ص ‪.184‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪60‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدافع الستعماري‪:‬‬
‫عمد المستشرقون إلى دراسمة السلم وعلوممه وآدابه خدمة‬
‫للمخطط الستعماري الذي يهدف إلى السيطرة على العالم السلمي‪،‬‬
‫فكانت الدراسات الستشراقية بغية تحقيق ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬اكتشاف مواطن القوة في الشعوب المسلمة‪ -‬عناصر المقاومة‬
‫السلمية الروحية والمعنوية‪ -‬التي تقف حائل ً أمام السيطرة‬
‫الستعمارية‪ ،‬ثم بث عوامل الوهن والرتباك في تفكير المسلمين‪،‬‬
‫لفقادهم الثقة بأنفسهم وتراثهم‪ ،‬وتنمية مواطن الضعف التي تجعل‬
‫في المسلمين قابلية للستعمار بأشكاله وأساليبه الحديثة والمعاصرة‪.‬‬
‫‪-2‬العمل على ارتماء الشعوب المسلمة في أحضان الغرب‬
‫الستعماري‪ ،‬والقبال على الفكار والثقافات الغربية المادية اللدينية‪.‬‬
‫‪ -4‬إحياء الدعوات والنعرات الجاهلية‪ ،‬وإحلل المفاهيم القومية‬
‫والوطنية الضيقة‪ ،‬ومن ثم تشتيت شمل المة المسلمة الواحدة التي‬
‫تجمعها رابطة‪ :‬وحدة العقيدة وأخوة اليمان‪.‬‬
‫يقول القس سيمون‪":‬إن الوحدة السلمية تجمع آمال الشعوب‬
‫السمر وتساعدهم على التملص من السيطرة الوربية"‪ (1).‬ويقول‬
‫لورانس بروان‪" :‬الخطر الحقيقي كامن في نظام السلم‪ ،‬وفي قوته‬
‫على التوسع والخضاع‪ ،‬وفي حيويته‪ ،‬إنه الجدار الوحيد في وجه‬
‫الستعمار الوربي"‪ (2).‬ويقول غاردنز‪" :‬إن القوة التي تكمن في السلم‬
‫)‪(3‬‬
‫هي التي تخيف أوربا"‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬الدافع السياسي‪:‬‬


‫ظهر الدافع السياسي وراء الدراسات الستشراقية على النحو التالي‪-:‬‬
‫‪ -1‬أنه لما خضع العالم للستعمار الغربي في القرنين التاسع عشر‬
‫والعشرين اضطرت الدول الستعمارية إلى تعليم موظفيها في‬

‫التبشير والستعمار ص ‪.37‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.184‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.36‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪61‬‬
‫المستعمرات لغات أهلها وآدابهم وتاريخهم وتراثهم حتى يتمكنوا من‬
‫سياسة شعوب تلك البلد‪ ،‬وتوجيهها لقبول السياسات الستعمارية‪.‬‬
‫ما رحل الجنبي عن البلد السلمية وتحررت الشعوب من‬ ‫‪ -2‬ل ّ‬
‫سيطرته العسكرية‪ ،‬أراد الغرب الصليبي أن تكون له في قنصلياته‬
‫وسفاراته رجال لهم زاد جيد من الدراسات الستشراقية‪ ،‬لكي يقوم‬
‫هؤلء الرجال بالمهام التي تخدم سياسة الغرب وأطماعه في المنطقة‪.‬‬
‫ومن هذه المهام‪:‬‬
‫أ‪ -‬التصال برجال الفكر والدب والسياسة والصحافة وإقامة علقة‬
‫مودة وصداقة معهم‪ ،‬ومن ثم استخدامهم في بث التجاهات السياسية‬
‫والفكرية التي تريدها الدول الستعمارية‪.‬‬
‫ب‪ -‬التصال بالعملء والجراء الذين تربوا في أحضان الغرب ومعاهده‪،‬‬
‫ومن ثم تزويدهم بما يساعدهم على القيام بمهمة خدمة الغرب‪.‬‬
‫ج‪ -‬إحداث الفتن والثورات والنقلبات السياسية والجتماعية والثقافية‬
‫في العالم السلمي‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الدافع القتصادي والتجاري‪:‬‬
‫إن ثروات الشرق السلمي وخيراته وموارده إحدى الهداف التي‬
‫يسعى الغرب للسيطرة عليها‪ ،‬لحتياج الغرب لها في ازدهار صناعته‬
‫وتجارته‪ ،‬ولحرمان شعوب المنطقة منها‪ ،‬وأيضا ً لتوسيع تجارة الغرب‬
‫بالستيلء على السواق التجارية الستهلكية‪ ،‬والقضاء على الصناعات‬
‫المحلية‪ ،‬ومن هنا عمد المستشرقون إلى السفر إلى البلدان السلمية‬
‫لدراسة تاريخها وجغرافيتها وطبيعتها الزراعية والبشرية‪ ،‬ودراسة‬
‫عادات وتقاليد الشعوب المسلمة المتعلقة باللباس والطعام ونحوه‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الدافع العلمي‪:‬‬
‫هناك قلة من المستشرقين درسوا علوم السلم وآدابه بدافع‬
‫الرغبة في الطلع على حضارة وأديان غيرهم من المم‪ ،‬ومن باب‬
‫طلب المعرفة وحبها‪ ،‬وبعضهم درس علوم السلم بحثا ً عن الحق‬
‫وبلوغا ً إلى الحقيقة‪ ،‬وقد اتبعت هذه القلة الموضوعية والحيدة‬
‫والعتدال‪ ،‬ولذا فإن نفرا ً منهم اعترف بأن المبادئ السلمية تتفق‬

‫‪62‬‬
‫والحقائق العقلية المنطقية وتتوافق مع الحقائق العلمية‪ ،‬وشهدوا‬
‫بريادة الفكر السلمي‪ ،‬وخاصة في العلوم التجريبية والرياضية‪ ،‬وأعلن‬
‫بعض هؤلء إسلمه‪ ،‬ومن هؤلء‪ :‬المستشرق النمساوي ليوبلد فايس‬
‫الذي تسمى بم محمد أسد‪ ،‬والشاعر اللماني جوتيه‪ ،‬والفرنسي واتين‬
‫وانيه الذي تسمى بم ناصر الدين‪ ،‬والدكتور جرينيه الذي كان عضوا ً‬
‫بمجلس النواب الفرنسي‪ ،‬وروجيه جارودي الذي دّون عدة كتب يدافع‬
‫ول هؤلء بعد‬ ‫فيها عن حق الفلسطينيين العرب في وطنهم‪ .‬ولقد تح ّ‬
‫إسلمهم إلى جنود مدافعين عن السلم وقضاياه‪ ،‬وعن العالم‬
‫السلمي وقضاياه ومشكلته‪ ،‬غير أن بعضا ً منهم قد وقع في أخطاء‬
‫علمية بسبب حداثة إسلمهم‪ ،‬وجهلهم بأساليب اللغة العربية وطرائق‬
‫التعبير فيها‪.‬‬

‫وسائل الستشراق‪-:‬‬
‫لقد لجأ المستشرقون من أجل تحقيق أهدافهم إلى وسائل‬
‫وأساليب متعددة أهمها)‪:(1‬‬
‫ل‪ :‬تأليف الكتب في الموضوعات والدراسات العربية والدينية‪ ،‬ألفوا‬‫أو ً‬
‫في التاريخ العربي السلمي‪ ،‬وفي الشريعة والعقيدة‪ ،‬وفي تاريخ الدب‬
‫العربي‪ ،‬وفي التصوف والخلق‪ ،‬وفي العلوم المتعلقة بالقرآن والسنة‪،‬‬
‫وأكثر مؤلفاتهم مشحونة بالكاذيب والطعون في السلم ومملوءة‬
‫بالشبهات والشكوك‪ .‬وقد بلغت أعداد الكتب التي ألفوها منذ القرن‬
‫التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين ما يقرب من ستين ألف‬
‫كتاب‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إصدار الموسوعات والمعاجم بلغات مختلفة‪ ،‬وقد اعتبرت هذه‬
‫المعاجم والموسوعات مرجعا ً لكثير من طلب الدراسات العربية‬
‫والسلمية‪ ،‬ومن هذه الموسوعات‪ :‬دائرة المعارف السلمية‪ ،‬المعجم‬
‫العربي اللتيني لجورج فيلهم فرايتاك‪ ،‬تاريخ الدب العربي لللماني‬

‫انظر الستشراق والخلفية الفكرية ص ‪ ،69-59‬أجنحة المكر الثلثة ص ‪.99-98‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪63‬‬
‫كارل بروكلمان‪ ،‬المعجم المفهرس للفاظ الحديث النبوي لعدد من‬
‫المستشرقين‪.‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬إلقاء المحاضرات وعقد الندوات في الجامعات والمعاهد‬
‫والمؤسسات العلمية في العالم السلمي‪ ،‬وهم في الغالب يستدعون‬
‫عن طريق تلمذتهم وعملئهم‪ .‬والتدريس في الجامعات الوربية‬
‫والمريكية وخاصة في أقسام الدراسات العربية والسلمية التي‬
‫أنشأوها في بلد الغرب لستقبال أبناء العالم السلمي‪ ،‬ولتخريج‬
‫الغربيين العاملين في النشاط الدبلوماسي بالسفارات والقنصليات‬
‫لبلدانهم‪ ،‬والذين يلتحقون بمراكز البحوث والدراسات المهتمة بالشرق‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬إصدار المجلت الخاصة ببحوثهم حول السلم‬
‫والمسلمين‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬جمع المخطوطات وفهرستها وتحقيقها ونشر الكثير منها‪،‬‬
‫وخاصة تلك التي تحمل الفكار الضالة والعقائد المنحلة‪ ،‬وقد بلغت‬
‫المخطوطات العربية في مكتبات أوربا عشرات اللف‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬الترجمة‪ :‬قام المستشرقون بترجمة المئات من الكتب‬
‫والمؤلفات العربية والسلمية إلى اللغات الوربية‪ ،‬لقد ترجموا القرآن‬
‫الكريم ووضعوا في الهوامش ومقدمات ترجماتهم تصوراتهم الخاطئة‬
‫للحقائق والمفاهيم السلمية‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬نشر المقالت والبحوث في الصحف والمجلت السلمية‪ ،‬وقد‬
‫تمكنوا من استئجار عدد منها لنشر أفكارهم وآرائهم المعادية للسلم‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬عقد المؤتمرات الستشراقية التي يتدارسون فيها طرق‬
‫ووسائل الستشراق وأهدافه ويتبادلون فيها الرأي والمكيدة‪ ،‬وأول‬
‫مؤتمر استشراقي عقد في باريس سنة ‪1873‬م‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬التدريس في الجامعات والمدارس التي أقامتها الدول الوربية‬
‫في ديار المسلمين ولقد استطاع المستشرقون أن يخّرجوا أعدادا ً من‬
‫أبناء المسلمين الذين يكون ولؤهم الثقافي والسياسي والحضاري‬
‫للغرب الكافر‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫عاشرًا‪ :‬تربية عدد من أبناء المسلمين ‪ -‬وخاصة في جامعاتهم‬
‫ومعاهدهم ومراكزهم العلمية‪ -‬على أفكارهم المعادية للسلم ومن ثم‬
‫استخدامهم معاول هدم للسلم من الداخل‪.‬‬
‫ميزان البحث لدى المستشرقين‪-:‬‬
‫لم يسلك المستشرقون في أبحاثهم ودراساتهم الستشراقية‬
‫قواعد البحث العلمي‪،‬بل اتبعوا منهجا ً في غاية الغرابة‪ ،‬فالباحث‬
‫المخلص يجب أن يتجرد عن كل هوى وميل شخصي فيما يبحث‪ ،‬وعليه‬
‫أن ل يجافي الحقيقة العلمية‪ ،‬وأن ل يبتعد عنها بهواه ورغباته‬
‫الشخصية‪ ،‬وعليه أن يلتزم الحيدة الموضوعية العلمية‪ .‬وقد اعترف‬
‫ن كثيرا ً من زملئهم قد انحرفت بهم نزواتهم عن‬ ‫بعض المستشرقين بأ ّ‬
‫النزاهة العلمية‪ ،‬وطغت على أبحاثهم روح التعصب الصليبي‪ ،‬يقول‬
‫برنارد لويس‪":‬ل تزال آثار التعصب الديني الغربي ظاهرة في‬
‫مؤلفات عدد من العلماء المعاصرين‪ ،‬ومستترة في الغالب وراء‬
‫الحواشي المرصوصة في البحاث العلمية"‪.‬‬
‫ويقول نورمان دانييل‪":‬على الرغم من المحاولت الجدية‬
‫المخلصة التي بذلها بعض الباحثين في العصور الحديثة للتحرر من‬
‫المواقف التقليدية للكّتاب النصارى من السلم‪ ،‬فإنهم لم يتمكنوا أن‬
‫يتجردوا منها تجردا ً تامًا"‪ .‬ويقول مونتجمري وات‪ :‬جد ّ الباحثون منذ‬
‫القرن الثاني عشر في تعديل الصورة المشوهة التي توّلدت في أوربا‬
‫عن السلم‪ ،‬وعلى الرغم من الجهد العلمي الذي بذل في هذا السبيل‪،‬‬
‫فإن آثار الموقف المجافي للحقيقة التي أحدثتها كتابات القرون‬
‫المتوسطة في أوربا ل تزال قائمة‪ ،‬فالبحوث والدراسات الموضوعية‬
‫)‪(1‬‬
‫لم تقدر بعد على اجتنابها"‪.‬‬
‫ويمكن أن نلخص ميزان البحث لدى المستشرقين في النقاط التالية‪-:‬‬
‫‪ -1‬العتماد على الهوى والرغبة الشخصية في النتقاص من السلم‬
‫والمسلمين‪ .‬إنهم يخضعون النصوص الدينية لتأويلتهم التي يتخيلونها‬

‫انظر هذه القوال‪ :‬الستشراق والخلفية الفكرية ص ‪.73‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪65‬‬
‫حسب أهوائهم‪ ،‬وكثيرا ً ما يرفضون النصوص‪ ،‬أو يقبلونها مع التأويل‬
‫الفاسد‪ ،‬أو يحرفونها حسب أهوائهم واتجاهاتهم الشخصية المغرضة‪.‬‬
‫م تصّيد الوقائع المغلوطة والدلة‬ ‫‪ -2‬وضع فكرة معينة في الذهن ث ّ‬
‫الضعيفة لثبات صحة هذه الفكرة‪ ،‬مع العتماد على الكتب والمصادر‬
‫غير الموثوق فيها من قبل المسلمين‪ ،‬أو التحكم في اختيار المصادر‬
‫والدلة‪ ،‬فمثل ً ينقلون من كتب الدب ‪-‬كالغاني للصفهاني والحيوان‬
‫للدميري‪ -‬ما يحكمون به في تاريخ الحديث النبوي‪ ،‬وينقلون من كتب‬
‫التاريخ ما يحكمون به في الفقه وتاريخ التشريع‪.‬‬
‫‪ -3‬العتماد على الخيال والوهم المجرد في تفسير الوقائع وتحليل‬
‫الحوادث والمفاهيم الدينية)‪.(1‬‬
‫‪ -4‬جمع الشبهات المختلفة‪ ،‬وإثارة الشكوك المتعددة‪ ،‬وإظهار الدعوات‬
‫الباطلة‪ :‬كالدعوة إلى اللهجة العامية التي بدأ بها كل من ولكوكس‬
‫وويلمور‪ ،‬وكالدعوة إلى الفينيقية والفرعونية التي بدأها كل من كرومر‬
‫وفمبري‪.‬‬
‫صد الخطاء‪ ،‬والعمل على تضخيمها‪،‬‬ ‫‪ -5‬البحث عن نقاط الضعف‪ ،‬وتق ّ‬
‫رغبة في التجريح والطعن‪ ،‬فمثل ً نرى المستشرقين يعتمدون على‬
‫الحاديث الضعيفة والروايات الساقطة والخبار السقيمة‪ ،‬وكثيرا ً ما‬
‫)‪(2‬‬
‫يغفلون النصوص والخبار التي تناقض ما يقررون‪.‬‬

‫تلميذ المستشرقين‪-:‬‬
‫اسممتطاع المستشممرقون أن يكسممبوا عممددا ً مممن النصممار فممي العممالم‬
‫السلمي‪ ،‬وأن يرّبوا فمي معاهمدهم العلميمة عمددا ً ممن التلميمذ‪ ،‬المذين‬
‫استخدموا كمعمماول هممدم للسمملم مممن داخلممه‪ ،‬وقممد آزر هممؤلء النصممار‬
‫والتلميذ المستشرقين في مواقفهم ودعوا تهممم العدائيممة فعملمموا علممى‬
‫تضليل الجماهير المسمملمة‪ ،‬وأسمماءوا إلممى السمملم والمسمملمين إسمماءة‬
‫كبيرة‪ .‬وأغلب التلميذ والنصار آثروا الخروج عممن دينهممم والرتممماء فممي‬

‫انظر أجنحة المكر الثلثة للميداني ص ‪ ،100-99‬أساليب الغممزو الفكممري ص ‪-24‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.25‬‬
‫الستشراق والخلفية الفكرية د‪ .‬زقزوق ص ‪.78‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪66‬‬
‫أحضان الحضارة الغربية‪ ،‬ومما يؤسف له أن كثيرين من هممؤلء التلميممذ‬
‫قد أصبحوا من أصممحاب الصممدارة فممي الفكممر والدب والسياسممة‪ .‬وفممي‬
‫مقدمتهم‪ :‬الدكتور طه حسين الذي أكممثر مممن إعجممابه وتقممديره لمناهممج‬
‫المستشرقين‪ ،‬وقام بالترويج لفكارهم وآرائهم التشممكيكية‪ ،‬لدرجممة أنممه‬
‫وصف‪ :‬بأنه مستشرق من أصل عربي‪ ،‬وكتابات طه حسين تشهد بذلك‪،‬‬
‫ففي كتابه "الشعر الجاهلي" أعلن إنكاره لبناء إبراهيم وابنممه إسممماعيل‬
‫عليهما السلم للقواعممد مممن الكعبممة المشمممرفة‪ ،‬وفممي كتممابه "مسممتقبل‬
‫الثقافة في مصر" زعم أن العرب قوم مستعمرون كالرومان والفممرس‪،‬‬
‫وأخذ يدعو المصريين إلى اقتفاء الحضارة الغربية حلوها ومّرهمما‪ ،‬خيرهمما‬
‫وشّرها‪ .‬لقد كان طه حسين تلميذا ً مخلصا ً ووفيا ً لساتذته المستشرقين‬
‫في جامعة السربون الفرنسية‪ .‬ومنهم الشمميخ أميممن الخممولي‪ ,‬وهممو مممن‬
‫خريجي مدرسة القضاء الشممرعي‪ ,‬عمممل مدرس ما ً بقسممم اللغممة العربيممة‬
‫بالجامعة المصرية‪ ,‬وكان يقول‪":‬من حق الناس جميعا أن يقرأوا الكتممب‬
‫الدينية المقدسة ويدرسوها ويعلنوا آراءهم فيهمما مممن حيممث هممي موضممع‬
‫للبحث الفني والعلمي‪ ,‬بقطع النظر عن مكانتها الدينية"‪,‬وراح يروج لها‪,‬‬
‫ويممدعو إليهمما وقممد كممان يممدرس مممادتي التفسممير والبلغممة‪ ,‬وظممل أمممره‬
‫مستورا ً إلممى سممنة ‪ ,1947‬ل يممدري أحممد خممارج الكليممة ممما يلقنممه أميممن‬
‫لتلميذه من أنواع الكفر والضمملل‪..‬ففممي هممذه السممنة– ‪1947‬م– تقممدم‬
‫أحد الطلبة برسممالة موضمموعها "الفممن القصصممي فممي القممرآن الكريممم"‬
‫للحصول على درجة الدكتوراه من قسم اللغة العربية‪ ,‬وكممان أميممن هممو‬
‫المشرف على هذه الرسالة‪ ,‬والموجه للطالب فيما كتب‪ ,‬وقممد رفضممت‬
‫الرسالة‪ ,‬فرفع الطالب المر إلى وزيممر المعممارف الممذي أحممال الرسممالة‬
‫إلى الشيخ محمود شلتوت‪ ,‬عضو جماعة كبار العلماء‪ ,‬للنظر فيها وإبداء‬
‫الرأي‪.‬‬
‫وكان من هؤلء منصمور فهممي المذي قمال فمي رسمالة المدكتوراه‬
‫وكان موضوعها)حالة المرأة في التقاليد السمملمية وتطوراتهمما( صممفحة‬
‫‪":15‬محمد يشرع لجميع الناس ويستثني نفسه‪..‬ومع أّنه كممان المشممرع‬
‫الذي ينبغي أن يخضع لما يدعو إلى تطبيقه على الخرين‪ ,‬إل أنه كان له‬
‫ضعفه واختص نفسه ببعض المزايمما‪ "..‬ويقممول فممي صممفحة ‪":16‬وهكممذا‬
‫نجد انه بعممد أن ينممام نوممما عميقمًا‪ ,‬يقمموم ليممؤدي صمملواته دون أن يجممدد‬
‫طهوره ووضوءه على حين أن المؤمنين الخرين‪ ,‬كممان عليهممم الشممروع‬
‫فممي وضمموء وطهممور جديممد‪ .‬ومممن أجممل أن يممبرر السممتثناء الممذي عمممل‬
‫لصالحه‪ ,‬اكتفى بأن قال‪ :‬إن عيني تنام ول ينام قلبي أبدا"‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫وكان منهم أميممن الخممولي الممذي كممان معجبمما بطممه حسممين وبممالفكر‬
‫الستشراقي عمومًا‪ .‬وقد بقي أمره مستورا سممنوات طمموال حيممث كممان‬
‫يلقن طلبه أنواع الكفر والضلل إلى أن انكشف عام ‪1947‬م‪.‬‬
‫ومن تلميذ المستشرقين‪:‬سلمة موسى‪ ،‬وحسين فوزي‪ ،‬وزكي‬
‫نجيب محمود‪ ،‬ومحمود عزمي‪ ،‬وعلي عبد الرازق‪ ،‬وأحمد لطفي السيد‪،‬‬
‫وعبد العزيز فهمي‪ ،‬ولويس عوض‪ ،‬وتوفيق الحكيم‪ ،‬وآخرون غيرهم‪.‬‬
‫كز عليها المستشرقون في دراساتهم‬ ‫الموضوعات التي ر ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫وأعمالهم الستشراقية‪:‬‬
‫ل‪ :‬القرآن الكريم‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫زعم المستشرقون أن القرآن الكريممم مممن وضممع محمممد‪ ،‬وليممس‬
‫كتابا ً منزل ً من الله عز وجل بواسطة أمين الوحي جبريل عليمه السملم‪،‬‬
‫وزعموا أن محمدا ً استمد المعلومات التي جاءت في القرآن من أنمماس‬
‫كانوا يخبرونه بها‪ ،‬وجعلوا اليهودية والنصممرانية مصممادر للقممرآن الكريممم‪،‬‬
‫وأما الحقائق العلمية التي أشار إليها القممرآن فقممد زعممم المستشممرقون‬
‫أن محمدا ً تو ّ‬
‫صممل إليهمما بممذكائه وعبقريتممه الفممذة أو جمماء بهمما مممن قبيممل‬
‫المصمممادفة البحتمممة‪ .‬وعلمممى رأس المستشمممرقين فمممي همممذا المجمممال‪:‬‬
‫جولدتسمميهر‪ ،‬وجممب‪ ،‬وبلشممير‪ ،‬وجممورج سمميل‪ .‬يقممول جممورج سمميل فممي‬
‫ن‬‫مقدمممة ترجمتممه لمعمماني القممرآن الممتي صممدرت عممام ‪1736‬م‪":‬أممما أ ّ‬
‫محمدا ً كان في الحقيقة مؤلف القرآن والمخممترع الرئيسممي لممه فممأمر ل‬
‫يقبممل الجممدل"‪ ،‬وقممال ريتشممارد بممل‪":‬إن محمممدا ً اعتمممد علممى الكتمماب‬
‫المقدس في كتابته للقرآن"‪ .‬وذهب المستشممرق لمموت إلممى أن محمممدا ً‬
‫مدين بفواتح السور مثل‪ :‬حم‪ -‬طسم ‪-‬ألم إلى التأثير اليهودي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬التشكيك في رسالة النبي‪:‬‬
‫أنكر المستشرقون نبوة محمد عليه السلم‪ ،‬وأنكروا رسالته‬
‫ل‪ ،‬وزعمموا أنمه كمان زعيما ً سياسيا ً أو مصلحا ً اجتماعيًا‪،‬‬ ‫جملة وتفصي ً‬

‫انظممر فممي ذلممك‪ :‬الستشممراق والخلفيممة الفكريممة ص ‪ ،108-81‬معممالم الثقافممة‬ ‫‪1‬‬

‫السلمية عبد الكريم عثمان ص ‪ ،101-100‬أساليب الغزو الفكري ص ‪ ،27‬تيارات‬


‫وعقائد فكرية معاصرة ص ‪.175-162‬‬

‫‪68‬‬
‫سماعدته الظروف السمائدة في مكمة‪ ،‬وقد تخبطوا في تفسير ظاهرة‬
‫الوحي‪ :‬فمنهم من أرجعها إلى مرض نفسي أو إلى حالة نفسية أدت به‬
‫إلى نوع من التأمل الذاتي في السماء‪ ،‬ومنهم من زعم أن تخيلت‬
‫كانت تمل ً ذهن النبي عليه السلم‪ .‬يقول غوستاف لوبون‪":‬ويجب اعتبار‬
‫محمد من فصيلة المتهوسين من الناحية العلمية كأكبر مؤسسي‬
‫الديانات‪."....‬‬

‫ثالثًا‪ :‬التشكيك في السنة النبوية‪:‬‬


‫شكك المستشرقون في الحديث النبوي وفي نسبته إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم حيث زعموا أنه كان نتيجة للتطور الديني‬
‫والسياسي والجتماعي في القرنين الول والثاني الهجري‪ .‬وأن تدوين‬
‫الحديث كان متأخرًا‪ ،‬وطعنوا في أعلم السنة الذين عملوا على تدوينها‬
‫وحفظها وصيانتها أمثال المام الزهري رحمه الله‪ ،‬كما لمزوا في‬
‫الضوابط والقواعد التي اعتمدها العلماء في نقل الخبار‪ ،‬وتمييز‬
‫صحيحها من سقيمها‪.‬‬
‫ن الذي حمل المستشرقين على التشكيك في السنة النبوية‬ ‫إ ّ‬
‫أنهم وجدوا فيها ثروة فكرية وتشريعية‪ ،‬ولكونها التبيان والتفصيل لما‬
‫في القرآن من الحكام والصول‪ ،‬ولن السنة المصدر الثاني من‬
‫مصادر التشريع السلمي‪ ،‬فالمسلم ل يمكنه اللتزام بشرائع وأحكام‬
‫القرآن الكريم دون الرجوع إلى السنة النبوية‪ ،‬فالصلة مثل ً تبين السنة‬
‫عدد ركعات كل فريضة منها‪ ،‬وتبّين كيفيتها ومبطلتها وأركانها وآدابها‪،‬‬
‫قال‪ :‬صلى الله عليه وسلم )صلوا كما رأيتموني أصلي()‪ ،(1‬وما‬
‫ُيقال في الصلة ُيقال في الحج والزكاة والحدود والعقوبات الشرعية‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬التشكيك في الفقه السلمي‪:‬‬
‫يعتبر الفقه السلمي ثروة فكرية عظيمة‪ ،‬وهو فقه شامل يتسممع‬
‫جوانب الحياة‪ ،‬ولسعته وشموله وعظمته التي فاقت القوانين الوضممعية‬

‫الحديث رواه البخاري في صحيحه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪69‬‬
‫الغربية قام المستشرقون بالتشكيك فيه‪ ،‬فاتهموه بعدم مواكبممة العصممر‬
‫وروح المدنية‪ ،‬واتهموا الحدود والعقوبات بالقسوة والشدة‪ ،‬في المموقت‬
‫الممذي أبمماحت تشممريعات الغممرب الكممافر كمل سميئة وجريمممة اجتماعيممة‪،‬‬
‫وأحلت الممرذائل والموبقممات كالزنمما والربمما واللممواط والجهمماض وشممرب‬
‫المسكرات‪.‬‬
‫لقد زعم المستشرقون أن أحكام الشريعة السلمية مستمدة من‬
‫القانون الروماني الوثني‪ ،‬وتولى كبر هذه الفرية المستشرق "شيلدون‬
‫مدي ليس إل‬ ‫ن الشرع المح ّ‬
‫أموس" الذي قال بصريح العبارة‪" :‬إ ّ‬
‫القانون الروماني للمبراطورية الشرقية معدل ً وفق الحوال السياسية‬
‫)‪(1‬‬
‫في الممالك الغربية"‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬التشكيك في التراث الحضاري السلمي‪ ،‬والتشكيك‬
‫في تاريخ المسلمين وماضيهم المشرق‪ ،‬وخاصة الفتوحات‬
‫السلمية‪ :‬زعموا أن الحضارة السلمية منقولة عن الحضارة‬
‫ن‬‫الرومانية‪ ،‬وأن المسلمين لم يكن لهم أي إبداع حضاري أو فكري‪ ،‬وأ ّ‬
‫المسلمين كانوا مستعمرين وسفاكي دماء‪ ،‬استخدموا السيف لتحقيق‬
‫مصالحهم المادية‪.‬‬
‫سادسًا‪ :‬التشكيك في الدب العربي‪ :‬حيث زعموا أنه أدب ضحل‬
‫مجدب‪ ،‬وهدفهم من ذلك‪ :‬أن يتجه المسلمون إلى الدب الوربي‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬التشكيك في اللغة العربية وقدرتها على مسايرة‬
‫)‪(2‬‬
‫التطور العلمي‪ :‬وسلك المستشرقون في ذلك عدة محاور‪:‬‬
‫‪ -1‬محور التنفير من اللغة العربية‪ :‬من خلل الستهزاء والسخرية‬
‫ط من قواعدها النحوية وأصولها البلغية‪ ،‬مع الترغيب في‬ ‫منها‪ ،‬والح ّ‬
‫لغة الوربيين‪.‬‬
‫‪ -2‬محور نشر اللهجات العامية‪ :‬لقد قاد الحملة ضد اللغة‬
‫الفصحى‪ ،‬والترغيب والترويج للعامية مجموعة من المستشرقين أمثال‪:‬‬

‫الستشراق والخلفية الفكرية ص ‪.107‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظمر همذه المحاور‪ :‬التجاهمات الوطنية في الدب المعاصر ‪ ،382-2/359‬أجنحة‬ ‫‪2‬‬

‫المكر الثلثة ص ‪.331-289‬‬

‫‪70‬‬
‫اللماني "ويلهم سبيتا"‪ ،‬والنجليزي المهندس "وليم ويلكوكس" الذي‬
‫أرجع تأخر المصريين إلى تمسكهم بلغة القرآن الكريم في الكتابة‬
‫دن ولمور"‪ -‬عمل قاضيا ً في محكمة‬ ‫والتأليف‪ ،‬والنجليزي‪" :‬سل ُ‬
‫الستئناف الهلية في مصر‪ -‬الذي أّلف عام ‪1901‬م كتابا ً بعنوان‪:‬‬
‫العربية المحكية في مصر‪ ،‬واللماني "كارل فولرسي" الذي تولى‬
‫سابقا ً إدارة دار الكتب المصرية‪ ،‬وساعد المستشرقين في حملتهم ضد‬
‫الفصحى بعض نصارى مصر والشام‪ ،‬أمثال سلمة موسى وسعيد عقل‪،‬‬
‫وأجراؤهم من أبناء المسلمين في مصر أمثال‪ :‬أحمد لطفي السيد‪.‬‬
‫‪ -3‬محور كتابة العربية بالحروف اللتينية‪ :‬وقاد هذا المحور‬
‫ن ذلك ضرورة لمسايرة‬ ‫الفرنسي "لويس ماسينيون" الذي زعم أ ّ‬
‫الركب الحضاري‪ ،‬وناصره في ذلك القاضي المصري عبد العزيز فهمي‪،‬‬
‫واللبنانيان سعيد عقل‪ ،‬وأنيس فريحة‪ .‬وتناسى المستشرقون أن اللغة‬
‫العربية الفصحى هي لغة القرآن الكريم‪ ،‬ولغة الحضارة والتراث‬
‫الفكري السلمي‪ ،‬وأنها من أكبر عوامل وحدة المة السلمية‪ ،‬وأن‬
‫تعّلمها واجب على كل مسلم مو ّ‬
‫حد‪.‬‬
‫‪ -4‬محور تطوير اللغة الفصحى بإصلح الخط العربي أو‬
‫استبداله وتهذيب قواعد اللغة والنحو والصرف‪ ،‬ونشر اللغة‬
‫الوسطى بين الفصحى والعامية‪ :‬وقد قاده في مصر كل من‬
‫أمين الخولي وتوفيق الحكيم وفريد أبو حديد وطه حسين‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ثامنًا‪ :‬التشكيك في مكانة المرأة ومنزلتها في السلم‪:‬‬
‫عندما أدرك الغرب الكافر أن المرأة المسلمة هي محضن الولد‬
‫وصانعة الجيال‬
‫المسلمة أخذوا في الدس على مكانتها في السلم‪ ،‬فزعموا أن‬
‫السلم انتقص حقوق المرأة‬
‫الشخصية والجتماعية‪ ،‬وحد ّ من حريتها‪ ،‬وسّلط الرجل عليها‪ ،‬أثار‬
‫المستشرقون في أبحاثهم وأعمالهم الشبهات والشكوك المتعددة في‬
‫هذا الجانب‪ ،‬لمزوا الحجاب‪ ،‬والحكام الشرعية المتعلقة بالطلق‬

‫انظر أجنحة المكر الثلثة ص ‪.388-339‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪71‬‬
‫والزواج وتعدد الزوجات‪ ،‬والميراث‪ ،‬وعمل المرأة خارج البيت ودائرة‬
‫السرة‪ ،‬وأثاروا ما يعرف بم "تحرير المرأة" ولكنهم –وإن نجحوا في‬
‫ذلك‪ -‬خابوا وخسروا‪ ،‬إذ امتدت الصحوة السلمية إلى النساء‬
‫المسلمات‪ .‬فأصبحت المرأة المسلمة تعرف حقيقة التآمر الغربي‬
‫الصليبي واليهودي ضد بنات جنسها‪ ،‬وأصبحت تعلم بوعي أن السلم‬
‫أعطاها من الحقوق ما لم تنله المرأة في ظل المبادئ والدساتير‬
‫والديان المصطنعة‪ ،‬وأصبحت تدرك أن كل من يتباكى على المرأة إنما‬
‫يريد بها شرًا‪ ،‬فالغرب الكافر يريد إفساد السرة المسلمة النواة الولى‬
‫في المجتمع السلمي‪ ،‬ويريد أن يحطم الخلق والقيم التي تقوم عليها‬
‫المجتمعات القوية‪ .‬وأجراء الغرب يريدون سلبها أعّز شيء لديها‪ ،‬أل‬
‫وهو عرضها وعفافها‪ ،‬لتكون متعة رخيصة في سوق الملذات‬
‫والشهوات‪.‬‬
‫تاسعًا‪ :‬إحياء القوميات القديمة‪ ،‬وإثارة النعرات الجاهلية‪:‬‬
‫التي من شأنها تحطيم روح الخاء السلمي والوحدة السلمية‪ ،‬وإقامة‬
‫الحواجز النفسية والمادية بين الشعوب المسلمة‪ ،‬وتجزئة العالم‬
‫السلمي إلى دويلت مهزوزة متناحرة‪.‬‬
‫عاشرًا‪ :‬إحياء الفرق والجماعات الضالة التي أساءت للسلم‬
‫والمسلمين كالقرامطة والبهائية والقاديانية‪ ،‬وإحياء ما يسمى‬
‫بالتصوف السلمي وما فيه من ضللت وانحرافات عقائدية‪ ،‬كعقيدة‬
‫الحلول ووحدة الوجود‪.‬‬

‫الصلة بين الستعمار والستشراق والتبشير)‪:(1‬‬


‫يمكننا القول بأن أكثر المستشرقين من منسوبي الكنيسة‬
‫ورجالها الذين يحملون في نفوسهم أهداف التبشير ومخططاته‪ ،‬كما أن‬
‫المبشرين اعتمدوا على مؤلفات وكتب ورسائل المستشرقين‬
‫واستفادوا منها في حملتهم التبشيرية‪ ،‬لقد كان المبشرون‬

‫الستشراق والخلفية الفكرية ص ‪ 43‬وما بعدها‪ ،‬أجنحة المكر الثلثة ص ‪ 117‬وما‬ ‫‪1‬‬

‫بعدها‪ ،‬تيارات وعقائد فكرية معاصرة ص ‪.192-186‬‬

‫‪72‬‬
‫والمستشرقون هم المقدمات النفسية والمعنوية لطوابير الجيوش‬
‫الستعمارية‪ ،‬وهم الممهدون للسيطرة الغربية على مقدرات المة‬
‫المسلمة ومواردها وخيراتها‪.‬‬
‫وكان للمد ّ الستعماري في العالم السلمي دور كبير في تحديد‬
‫طبيعة النظرة الوربية إلى الشرق‪ ،‬وخاصة بعد منتصف القرن التاسع‬
‫عشر‪ ،‬وقد أفاد الستعمار من الدراسات الستشراقية كما أفاد من‬
‫طوابير المبشرين الذين زحفوا إلى البلدان السلمية وكان للسيطرة‬
‫الغربية على الشرق السلمي دورها في تعزيز مواقف المستشرقين‬
‫والمبشرين‪ ،‬وتواكبت مرحلة التقدم العلمي الضخم في المؤسسات‬
‫الستشراقية مع مرحلة التوسع الوربي في الشرق‪ .‬ولقد استطاع‬
‫المستعمر الغربي أن يجند مجموعة من المستشرقين والمبشرين‬
‫ليكونوا دعائم مخططاته وأدوات تنفيذ سياساته في البلدان السلمية‪.‬‬
‫يقول اللورد بلفور وزير خارجية بريطانية وصاحب الوعد المشؤوم‪" :‬إن‬
‫المبشرين هم ساعد جميع الحكومات المستعمرة وعضدها في كثير من‬
‫ذر على تلك الحكومات أن تذلل كثيرا ً من‬‫المور المهمة ولولهم لتع ّ‬
‫العقبات‪ ،‬ولذلك فإنا في حاجة إلى لجنة دائمة تعمل لما فيه صالح‬
‫المبشرين"‪ .‬ويقول المستشرق اللماني "استفان فيلد"‪" :‬والقبح من‬
‫ذلك أنه توجد جماعة يسمون أنفسهم مستشرقين سخروا معلوماتهم‬
‫عن السلم وتاريخه في سبيل مكافحة السلم والمسلمين‪ ،‬وهذا واقع‬
‫مؤلم لبد أن يعترف به المستشرقون المخلصون لرسالتهم بكل‬
‫صراحة"‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك لم تبخل الحكومات‪ ،‬ول الهيئات‪ ،‬ول الشركات ول‬
‫المؤسسات ول الكنائس في يوم من اليام في دعم حركة الستشراق‬
‫وحركة التبشير المسخرتين في خدمة الستعمار الغربي الكافر‪.‬‬
‫لقد تقاسم التبشير والستشراق والستعمار الدوار في خطة‬
‫غزو العالم السلمي ثقافة وفكرًا‪ ،‬وعقيدة وشريعة‪ ،‬وأمة وأرضًا‪،‬‬
‫وعملوا سويا ً على إضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس‬
‫المسلمين‪ ،‬فالتبشير حمل أعباء الدعوة الجماهيرية من خلل المدارس‬

‫‪73‬‬
‫ورياض الطفال والمستشفيات ودور الضيافة والملجئ للعجزة‬
‫والمسنين والنوادي الرياضية والجتماعية‪ ،‬وحمل الستشراق عبء‬
‫العمال في ميدان المعرفة والعلم‪ ،‬فاستخدم التأليف والكتابة وإلقاء‬
‫المحاضرات وعقد الندوات‪ ،‬وإصدار الموسوعات والمجلت‪ ،‬وأما‬
‫الستعمار فقد أعان كليهما ماديا ً ومعنويًا‪ ،‬ليقوم كل منهما بمهامه وهو‬
‫آمن على نفسه وعلى إنجاح خطته‪ ،‬واستطاعوا جميعا ً إيجاد أجيال‬
‫متعاقبة من المسلمين ل تفقه السلم ول تحفظ من القرآن الكريم إل‬
‫آيات معدودة‪ ،‬أجيال تتنكر لدينها وهويتها السلمية‪ ،‬وتعمل ضد مصالح‬
‫خر نشاطها وأقلمها وأموالها في النيل من‬ ‫المسلمين‪ ،‬أجيال تس ّ‬
‫السلم وعلومه وآدابه وحضارته‪.‬‬
‫كدت وقائع التاريخ المعاصر أن الستشراق والتبشير قد‬ ‫ولقد أ ّ‬
‫خرا في خدمة اليهودية والنصرانية‪ ،‬ويكفينا أن نعلم أن في أوربا‬ ‫س ّ‬
‫ُ‬
‫وأمريكا آلف القساوسة والرهبان ومئات المنظمات الكنسية العاملة‬
‫ث اليهود في الستعجال‬ ‫من أجل دعم إسرائيل ماليا ً ومعنويًا‪ ،‬وكلها تح ّ‬
‫بهدم المسجد القصى‪ ،‬وبناء الهيكل اليهودي الثالث على أنقاضه)‪ (1‬لن‬
‫المسيح سينزل بعد ذلك‪ ،‬وعلى رأس اللف الميلدي كما جاء في رؤيا‬
‫يوحنا)‪.(2‬‬

‫‪ -1‬انظر العلقة الوثيقة بين التبشير واليهودية‪ :‬التبشير والستعمار في البلد العربية‬
‫ص ‪.190-179‬‬
‫‪ -2‬في أمريكا وحدها ‪-‬أكثر من أربعين مليون نصراني صهيوني حسب إحصائية‬
‫‪1985‬م‪ -‬يؤمنون بوجوب هدم المسجد القصى قبل سنة ‪2000‬م‪ .‬ومعظم‬
‫العاملين في السياسة المريكية الداخلية والخارجية‪ ،‬بل ورئاسة الجمهورية هم من‬
‫هؤلء القوم‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫التـغـريب‬

‫من أساليب الغزو الفكري التغريب أو الستغراب‪ ،‬وهو ما يقوم‬


‫به الغرب من مخططات لحمل المسلمين على تغيير حياتهم الجتماعية‬
‫والسلوكية واقتفاء سيرة الغرب الكافر‪.‬‬
‫تعريفه‪ :‬هو إحداث التغيير الجتماعي والخلقي والفكري في حياة‬
‫المسلمين مما يجعلهم بعيدين عن دينهم‪ ،‬وخاضعين في ذلك للجاهلية‬
‫الغربية‪ ،‬ومقتفين آثارها الخلقية والجتماعية‪ ،‬أي يصبح المسلم غربيا ً‬
‫)‪(1‬‬
‫أوربيا ً في سلوكه وأخلقه وقيمه وحياته الجتماعية‪.‬‬
‫أو هو‪ :‬تيار كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وفنية‪ ،‬يرمي‬
‫إلى صبغ حياة المسلمين بالسلوب الغربي الوربي‪ ،‬بهدف إلغاء‬
‫شخصيتهم المستقلة وكيانهم الخاص المتفرد‪ ،‬وجعلهم أسرى التبعية‬
‫)‪(2‬‬
‫الكاملة للحياة الغربية اللدينية‪.‬‬
‫أسماء ومصطلحات‪-:‬‬
‫قد يطلق على التغريب عدة مصطلحات بهدف تجميله وفتنة‬
‫الخرين به مثل‪ :‬المدنية‪ ،‬التطور والتقدم‪ ،‬الحضارة‪ ،‬الحياة الجديدة‪،‬‬
‫التغيير الجتماعي‪ ،‬التحديث والتنوير‪.‬‬
‫ملمح خطة التغريب‪-:‬‬
‫‪ -‬اعتمد التغريب خطة طويلة المد لتغيير أحوال المسلمين وسلوكهم‪،‬‬
‫حتى ل تحس المة المسلمة بأهدافها البعيدة‪ ،‬أو ل تشعر بأسلوبها الذي‬
‫تعتمده في التغيير‪ ،‬وكأن هذا التغيير يتم تلقائيًا‪.‬‬
‫‪ -‬اتخذ التغريب لتحقيق أهدافه رسول ً من أبناء المسلمين أنفسهم‪،‬‬
‫يدعو القوم إلى أفكار الغرب وأخلقه‪ ،‬وهم المفكرون والدباء والكتاب‬

‫انظممر دراسممات فممي الثقافممة السمملمية ص ‪ ،35‬أسماليب الغممزو الفكممري د‪ .‬علمي‬ ‫‪1‬‬

‫جريشة وزميله ص ‪.58‬‬


‫انظر الموسوعة الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.145‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪75‬‬
‫الذين ترّبوا في أحضان الثقافة الغربية‪،‬لقد كانت خطة الغرب‪ :‬أن‬
‫يقطع الشجرة أحد أعضائها‪.‬‬
‫‪ -‬يبدأ التغريب ‪-‬التغيير الجتماعي‪ -‬أول ً في أدنى مظاهر الحياة‬
‫الجتماعية‪ ،‬كالكل والشراب باليد اليسرى‪ ،‬واستخدام الكلمات‬
‫والمصطلحات الجنبية في آداب التحية والوداع أو التحية بغير تحية‬
‫السلم المعروفة ‪-‬السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪ -‬ثم النتقال إلى‬
‫كبائر المحرمات كأكل لحم الخنزير وشرب الخمر والرقص والسفور‬
‫والتبرج والشتراك في مسابقات ملكات التعري ‪-‬ملكات الجمال‪،-‬‬
‫وكأن تخرج المرأة أول ً وهي تبدي بعض عورتها‪ ،‬أو ترتدي البنطال‪ ،‬ثم‬
‫النتقال إلى الموضات الغربية الفاضحة التي تكشف أجزاًء من جسم‬
‫المرأة‪ ،‬تثير الغرائز الجنسية وتؤجج الشهوات في نفوس الشباب‪.‬‬
‫‪ -‬أن يبدأ التغريب بمخاطبة فكر المة المسلمة وعقيدتها‪ ،‬عن طريق‬
‫المأجورين والعملء من الداخل‪ ،‬ثم يجري داخل العقول والقلوب‪،‬‬
‫وأخيرا ً ينتقل إلى الخلق والتقاليد والعادات الجتماعية والسلوكية‪.‬‬
‫‪ -‬تعتمد خطة التغريب وسائل القناع المختلفة‪ ،‬وهي وسائل مدروسة‬
‫ومخطط لها تخطيطا ً علميًا‪ ،‬يشرف عليه علماء النفس والجتماع‪،‬‬
‫وأجهزة المخابرات‪ ،‬ورجال الحصاء‪.‬‬
‫‪ -‬تستفيد خطة التغريب في إحداث التغيير الجتماعي من جهود‬
‫المبشرين‪ ،‬وأعمال المستشرقين‪ ،‬وجهود العلمانيين اللدينيين من أبناء‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫‪ -‬إن خطة التغريب تشمل كل نواحي الحياة الجتماعية والثقافية‪،‬‬
‫وليست قاصرة على ناحية أو جانب واحد‪ ،‬كي يصبح أبناء المسلمين‬
‫غربيين في كل مظاهر الحياة‪ ،‬تشمل آداب الطعام والشراب‪ ،‬وآداب‬
‫اللباس والزينة‪ ،‬ومجال البناء والتعمير‪ ،‬كما تشمل مجال التربية‬
‫والخلق‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام الشعارات والمصطلحات والعبارات التي تدغدغ العواطف‪،‬‬
‫كالتطور والتقدم والمدنية والرفاهية والحضارة‪ ،‬مع عدم الصطدام‬
‫بالمشاعر والحاسيس‪ ،‬واستخدام مصطلح التقاليد والعادات الموروثة‬

‫‪76‬‬
‫القديمة للدللة على الحكام الشرعية التي يجب تركها وعدم التقيد بها‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫السباب التي أدت إلى تغريب كثير من المسلمين‪-:‬‬


‫‪ -1‬وقموع البملد السملميمة تحمت سميطرة الغربييمن فتمرة طويلمة‪،‬‬
‫ومحاولمة السممتعمار الوربي إحداث التغريب بكل ما يملك من‬
‫إمكانيات‪ ،‬كما فعلت فرنسا في كل من الجزائر وسوريا ولبنان‪.‬‬
‫‪ -2‬تولية الستعمار الغربي أبناء النصارى والمنافقين من أبناء‬
‫المسلمين المراكز والمناصب المهمة ذات التأثير في حياتهم‪.‬‬
‫‪ -3‬الضعف السياسي الذي أصاب المسلمين بعد رحيل عساكر‬
‫الحتلل‪ ،‬وفقدان المسلمين الثقة بأنفسهم وبما عندهم‪ .‬ولقد وجد‬
‫أصحاب هذا الدين السلمي وأتباعه أنفسهم مبهورين بزخرف القول‬
‫وحلوة المنطق الذي صبغ الغزو الفكري العقائدي‪ ،‬كما وجدوا أنفسهم‬
‫مبهورين حائرين أمام الغزو العسكري المنظم القوي الذي ضم آلت‬
‫من آلت الدمار والحرب ما كان يحلم أهل السلم بها‪ ،‬وبالرغم من‬
‫الكثرة العظيمة الهائلة للمسلمين في العالم ودخول بعض الفراد‬
‫دين يفقد‬ ‫ن هذا ال ّ‬‫والجماعات في السلم ‪-‬كل يوم وإلى يومنا هذا‪ -‬فإ ّ‬
‫مع كل طلعة شمس مواقع جديدة في فكر أهله وعقائدهم‪ ،‬وذلك بفعل‬
‫الدعاية المنظمة القوية لهل الدعوات الباطلة الخرى‪ ،‬وللعلم‬
‫الخبيث الموجه إلى عقول المسلمين وقلوبهم‪ ،‬وليس هذا التراجع‬
‫والهزيمة النفسية عند المسلمين مرده ضعف العقيدة ذاتها‪ ،‬وإّنما مرده‬
‫إلى قوة الرسالة العلمية الموجهة من أعداء المسلمين إلى نفوس‬
‫المسلمين وقلوبهم‪ ،‬وضعف الرسالة العلمية الموجهة لهذا الغزو‬
‫الفكري والعقائدي الخبيث‪.‬‬
‫‪ -4‬تخّلف العلوم السلمية‪ ،‬وجمود المنهج الدراسي على خطه القديم‪،‬‬
‫ووقوف الفكر السلمي عن التجديد والبتكار‪ ،‬ومعالجة شئون العصر‪.‬‬
‫‪ -5‬أخذ المجتمعات السلمية بنظم التعليم الغربية‪ ،‬ففي مصر فرض‬
‫اللورد كرومر المعتمد البريطاني وبمساعدة من القس دنلوب منهج‬
‫التعليم والتربية الغربي على الدارسين‪ ،‬ولقد بقي هذا المنهج سائدا ً‬
‫فيها حتى يومنا هذا‪ ،‬وقد تأثرت به كثير من البلدان العربية‪.‬‬

‫‪ -1‬أساليب الغزو الفكري ص ‪.58‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ -6‬جهل معظم المسلمين بحقائق السلم ومفاهيمه‪ ،‬وقلة الدعاة‬
‫المخلصين الذين يقومون بواجبهم تجاه هذا الدين وأهله)‪.(1‬‬

‫مواقف المسلمين من الحضارة الغربية)‪:(2‬‬


‫اختلفت مواقف المسلمين من الحضارة الغربية على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫التجاه الول‪ :‬الموقف السلبي‪ :‬اتخذ بعض المسلمين موقفا ً‬
‫سلبيا ً أمام الحضارة الغربية وكل ما انبثق عنها من مؤسسات ثقافية‪،‬‬
‫وهو يدعو إلى عدم الخذ بشيء من أسباب هذه الحضارة‪ .‬وفي نظرنا‬
‫أن هذا الموقف السلبي كان نتيجة سوء تفسير للنصوص الدينية‪ ،‬فالله‬
‫تعالى حثنا على استعمال العقل والفكر في الكون‪ ،‬واقتباس الصالح‬
‫المفيد‪ ،‬وإعداد القوة‪ ،‬والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق‬
‫الناس بها‪ ،‬ولقد أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم فكرة حفر الخندق‬
‫حول المدينة حماية لها من العداء‪ ،‬وهي فكرة فارسية نافعة‪،‬‬
‫والموقف الرافض لكل ما أنتجته الحضارة الغربية يستحيل عمليا ً لن‬
‫طبيعة الشياء تأباه‪.‬‬
‫التجاه الثاني‪ :‬الموقف الداعي إلى التغريب والخذ بكل‬
‫أسباب الحضارة الغربية خيرها وشرها‪ ،‬حلوها ومرها‪ ،‬سواء ما يتعلق‬
‫بالعلم والصناعة أو ما يتعلق بالثقافة‪ ،‬وأسلوب الحياة الجتماعية‬
‫والروحية‪ .‬إنه الموقف المستسلم للحضارة الغربية والمقلد لها‪،‬‬
‫المؤمن بكل قيمها ومبادئها‪ ،‬وفلسفتها المادية‪ ،‬ونظمها السياسية‬
‫والقتصادية‪.‬‬
‫وقد وجد لهذا التجاه أنصار ومؤيدون في كافة بلدان المسلمين‪،‬‬
‫ففي تركيا‪ :‬كان ضياء كوكب ألب هو الممثل الفكري لهذا التجاه‪،‬‬
‫وكانت المؤسسات الرسمية التي تولت السلطة بعد الحرب العالمية‬

‫‪ -1‬انظر معالم الثقافة السلمية عبد الكريم عثمان ص ‪.102‬‬


‫‪ -2‬انظر هذه المواقف في كتاب‪ :‬معالم الثقافة السمملمية لعبممد الكريممم عثمممان ص‬
‫‪.105-104‬‬

‫‪78‬‬
‫الولى اليد المنفذة له‪ ،‬وكان هدفها واضحا ً ومحددًا‪ ،‬وهو إقامة دولة‬
‫على طراز الدول الوربية الحديثة‪ ،‬ففصلت الدين عن الدولة‪ ،‬وأقامت‬
‫المجتمع التركي على السس العلمانية‪ ،‬وأجبرت الناس على لبس‬
‫القبعة والملبس الفرنجية‪ ،‬وأجبرت المرأة على الخروج سافرة‬
‫متبرجة‪ ،‬ثم عمدت إلى الحروف العربية فأبدلتها باللتينية وسلخت تركيا‬
‫عن كل صلة بتاريخها السلمي‪ .‬ولكن تركيا لم تكسب من تقليدها‬
‫للغرب شيئا ً مقابل ما فقدته وتخّلت عنه‪.‬‬
‫وفي الهند‪ :‬حمل لواء التغريب أحمد خان والمدرسة الفكرية‬
‫التي أسسها‬
‫في عليكره‪ ،‬حيث دعا إلى تقليد الحضارة الغربية وأسسها المادية‪،‬‬
‫واقتباس العلوم العصرية‪ ،‬بحذافيرها وعلى ع ّ‬
‫لتها‪ ،‬وتفسير القرآن‬
‫الكريم ومفاهيم الدين وفق ما وصلت إليه الحضارة الوربية‪ ،‬وأصدر‬
‫سر فيه القرآن‬‫أحمد خان في ذلك تفسيرا ً سماه "تبيان الكلم" ف ّ‬
‫الكريم على صورة تطابق هواه وأهواء أسياده الغربيين وآرائهم‪.‬‬
‫وفي مصر‪ :‬كان التجاه إلى التغريب قويا ً ومتحمسًا‪ ،‬والحق أن‬
‫مصر كانت بيئة صالحة لهذه الدعوة ولجميع دعوات الستشراق‪ ،‬لدرجة‬
‫ست الدين بسوء وجدت لها أنصارا ً‬ ‫أن كل فكرة ودعوة غربية أوربية م ّ‬
‫ودعاة من المصريين أنفسهم‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬فكرة فصل الدين عن الدولة‪،‬‬
‫وإنكار حجية السنة النبوية‪ ،‬والدعوة إلى ما ُيسمى تحرير المرأة‬
‫ومساواتها بالرجل‪ ،‬والدعوة إلى ترك المرأة للحجاب والخروج سافرة‬
‫متبرجة‪ ،‬والدعوة إلى العامية‪ ،‬واستخدام اللتينية بدل العربية الفصحى‪،‬‬
‫والدعوة إلى الفرعونية والقومية والشتراكية إلى غير ذلك من‬
‫الدعوات الهدامة‪.‬‬
‫ويعتبر الدكتور طه حسين من أبرز الشخصيات المصرية في‬
‫الدعوة إلى‬
‫التغريب)‪ ،(1‬ومن أكثرها إلحاحا ً في الخذ به‪ ،‬كما أنه من المغالين في‬
‫ذلك‪ ،‬وقد ضمن آراءه التغريبية في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"‪،‬‬

‫انظر التجاهات الوطنية في الدب المعاصر ‪ 2/228‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪79‬‬
‫ففيه زعم أن مصر ذات صلة بأوربا أكثر من الشرق‪ ،‬وأن الثقافة‬
‫المصرية جزء من الثقافة الغربية الوربية‪ ،‬وأن الحياة المصرية المادية‬
‫حياة أوربية‪ ،‬وأن المثل العلى للمصري في حياته المادية إنما هو‬
‫المثل العلى للوربي في حياته المادية‪ ،‬سواء كان في نظام الحكم أو‬
‫نظام التعليم‪.‬‬
‫ح طه حسين على المصريين أن يقتفوا سيرة الوربيين في‬ ‫وقد أل ّ‬
‫ل‪ ،‬نافعا ً أم ضارا ً فقال‪" :‬إننا في هذا‬
‫كل شيء‪ ،‬سواء كان حقا ً أم باط ً‬
‫العصر الحديث نريد أن نتصل بأوربا اتصال ً يزداد قوة من يوم إلى يوم‪،‬‬
‫ل"‪ .‬وإذن يتعين علينا‬ ‫حتى نصبح جزءا ً منها لفظا ً ومعنى وحقيقة وشك ً‬
‫كما يقول طه حسين‪" :‬أن نسير سيرة الوربيين‪ ،‬ونسلك طريقهم‬
‫لنكون لهم أندادًا‪ ،‬ولنكون لهم شركاء في الحضارة‪ ،‬خيرها وشرها‪،‬‬
‫وحلوها ومرها‪ ،‬وما يحب منها وما يكره‪ ،‬وما يحسن منها وما ُيعاب"‬
‫وعلينا أيضا ً كما يقول طه حسين‪" :‬أن نشعر الوربي بأننا نرى الشياء‬
‫ومها‪ ،‬ونحكم على الشياء كما يحكم‬ ‫وم الشياء كما يق ّ‬‫كما يراها‪ ،‬ونق ّ‬
‫عليها…"‪.‬‬
‫التجاه الثالث‪ :‬اتجاه تطوير السلم والتوفيق بينه وبين‬
‫الثقافة الغربية‪ ،‬من خلل تقريب مبادئ السلم ومفاهيمه من‬
‫الحضارة الغربية‪ ،‬وتصيد الدلة على ذلك من أقوال مفكري السلم‪.‬‬
‫ويعتبر الشيخ محمد عبده من مناصري هذا التجاه والداعين إليه‪،‬‬
‫لقد قام الرجل باعتماد أسلوب جديد يعتمد على توضيح السلم‬
‫والدفاع عن الثقافة السلمية والتأكيد على أنه دين التطور والتجديد‪،‬‬
‫وأنه ل يتعارض مع المدنية الحديثة‪ ،‬وعلى هذا الساس انطلق الشيخ‬
‫إلى مهاجمة التقليد‪ ،‬والدعوة إلى الجتهاد وتطوير السلم‪ ،‬وإعادة‬
‫النظر في وضع المرأة في المجتمع‪ :‬الحجاب‪ ،‬الحد من تعدد الزوجات‪،‬‬
‫الحد من حرية الطلق والمناداة بالوطنية والقومية‪ ،‬والعمل على الخذ‬
‫بالنظام السياسي الغربي‪ ،‬والعناية بالتاريخ السابق على السلم‪.‬‬
‫ومن الداعين إلى اتجاه التطوير قاسم أمين داعية تحرير المرأة‪،‬‬
‫وعلي عبد الرازق وسعد زغلول‪ ،‬وهما من دعاة الوطنية والقومية‪،‬‬

‫‪80‬‬
‫والعناية بالتاريخ الفرعوني والخذ بالنظام السياسي الغربي بحجة‬
‫واهية‪ ،‬وهي أن السلم دين ل دولة ول حكم‪.‬‬
‫ولقد مدح اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر أصحاب‬
‫هذا التجاه وخاصة الشيخ محمد عبده‪ ،‬حيث شبهه بالسيد أحمد خان‬
‫في الهند‪ ،‬وبين أن أهميته السياسية ترجع إلى أنه يقوم بتقريب الهوة‬
‫التي تفصل بين الغرب والمسلمين‪ ،‬وأن محمد عبده وتلميذه خليقون‬
‫دم لهم كل ما يمكن من العون والتشجيع لنهم الخلفاء‬ ‫بأن يق ّ‬
‫الطبيعيون للمصلح الوربي‪.‬‬
‫التجاه الرابع‪ :‬وهو الذي يتمثل في الدعوة إلى احتفاظ‬
‫المسلمين بهويتهم السلمية وشخصيتهم المستقلة‬
‫المتميزة حسب القرآن والسنة‪ ،‬والمحافظة على الفكر السلمي‬
‫في منابعه الصيلة‪ ،‬وإعادة تماسك الجماعة السلمية‪ ،‬مع الفادة من‬
‫خير ما أنجزته المدنية الغربية والعلم الغربي‪ ،‬مع عدم الخذ من الثقافة‬
‫نفسها إل ما كان منها ل يتعارض مع هوية المة السلمية وشخصيتها‬
‫وثقافتها الصيلة‪.‬‬
‫ن أصحاب هذا الموقف يرون ضرورة مواجهة الحضممارة الغربيممة‬ ‫إ ّ‬
‫ديها بشجاعة وإيمان‪ ،‬ومعاملممة هممذه الحضممارة كمممادة خممام يسممتفاد‬ ‫وتح ّ‬
‫منها للخير أو للشر‪ ،‬وهو موقف الفحممص والتمحيممص والنقممد والختيممار‪،‬‬
‫فالمسلم كما يرون صاحب عقيدة ورسمالة وثقافمة ومنهمج فمي الحيماة‪،‬‬
‫وعليه أن يحمممل رسممالته الربانيممة للنمماس جميعمًا‪ ،‬وعليممه أن يجمممع بيممن‬
‫حسنات ما عنده وحسنات ما عند الخرين‪ ،‬فالنافع والصالح يبحممث عنممه‬
‫ويأخذ به‪ ،‬مع المحافظة على الصول السلمية‪ ،‬ولقممد قممام علممماء هممذا‬
‫التجاه بنقد قوي جريء لحضارة الغرب وثقافته ومواجهتها وجها ً لوجه‪.‬‬
‫ونحن أمام أمرين في التعامل مع الحضارة الغربية‪-:‬‬
‫الول‪ :‬فهو التفكير والدراسة في جميممع المظمماهر الكونيممة‪ ،‬والتفحممص‬
‫في أنظمتها دراسة فاحصة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬فهو استخدام ما فيها من الفوائد المادية أو المدنيممة الممتي هممي‬
‫نعم الله تعالى‪ ،‬والتي هي عطاء وعوض لممن جاهمد وتعمب فمي فحمص‬

‫‪81‬‬
‫المظاهر والموجودات وأنظمتها‪ .‬وعلى سبيل المثال لقد ورد في كتمماب‬
‫الله تعالى في المجال الول‪):‬قل انظروا ماذا في السممماوات والرض(‪.‬‬
‫)قل سيروا في الرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثممم اللممه ينشممئ النشممأة‬
‫الخرة(‪) .‬أفل ينظرون إلى البل كيف خلقت وإلى السماء كيمف رفعمت‬
‫وإلى الجبال كيممف نصممبت وإلممى الرض كيممف سممطحت( وفممي المجممال‬
‫الثاني وهو النقد الصناعي يقممول اللممه تبممارك وتعممالى‪):‬اللممه الممذي خلممق‬
‫السماوات والرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمممرات رزقمما‬
‫لكم‪ ،‬وسخر لكم الفلك لتجرى فممي البحممر بممأمره‪ ،‬وسممخر لكممم النهممار‪.‬‬
‫وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار‪ .‬واتاكم من‬
‫كل ما سألتموه(‪.‬‬
‫ويمثل هذا التجاه الحركات والجماعات السلمية في البلدان‬
‫السلمية‪ ،‬ويمثله المفكرون والعلماء الذي نقدوا الثقافة الغربية‪،‬‬
‫وأعادوا الثقة بالثقافة السلمية ومنابعها الصيلة‪.‬‬
‫ففي الهند تمثله ندوة العلماء التي يرأسها الشيخ أبو الحسن‬
‫الندوي‪ ،‬وفي باكستان الجماعة السلمية التي أسسها المفكر الكبير‬
‫أبو العلى المودودي الذي أّلف عدة كتب في نقد الحضارة الغربية من‬
‫أشهرها "نحن والحضارة الغربية"‪ .‬وفي مصر وغيرها من البلدان‬
‫العربية يمثل هذا التجاه حركة الخوان المسلمين التي أسسها الشيخ‬
‫حسن البنا‪ ،‬وفي الجزائر يمثل هذا التجاه جمعية العلماء الجزائريين‬
‫التي كان الشيخ عبد الحميد بن باديس ثم الشيخ البشير البراهيمي من‬
‫أهم رجالها‪ ،‬وفي أندونيسيا حركة ما شومي‪ ،‬وفي تركيا الحركة النورية‬
‫التي أسسها الشيخ سعيد النورسي‪ ،‬وجماعة الستاذ نجم الدين أربكان‪.‬‬

‫وسائل التغريب‪-:‬‬
‫اتخذ التغريب وسائل عدة من أجل جعل المسلم غربيا ً في‬
‫أخلقه وسلوكه‪ ،‬غربيا ً في حياته الجتماعية والفكرية والسياسية‪ ،‬ومن‬
‫هذه الوسائل‪ :‬العلمانية‪ ،‬والقومية‪ ،‬والمرأة‪ ،‬وسنتناول بالحديث كل‬
‫واحدة من هذه الوسائل‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬العلمانية‬
‫معنى العلمانية في اللغة‪-:‬‬
‫لم ترد كلمة علماني بحروفها في معجم عربي قديم أو حديث‪،‬‬
‫قبل المعجم الوسيط الذي أصدره مجمع اللغة العربية عام ‪1961‬م‪،‬‬
‫جاء فيه‪ :‬العلمانية نسبة إلى العَْلم بمعنى الَعاَلم‪ ،‬وهو خلف الديني أو‬
‫)‪(1‬‬
‫الكهنوتي‪.‬‬
‫ومن المعاجم الحديثة التي جاءت فيه كلمة علماني معجم "المعلم‬
‫البستاتي" جاء فيه‪ :‬العلماني‪ :‬العامي الذي ليس بأكليريكي‪ .‬ومعجم‬
‫العربي الحديث )لرهس( للدكتور خليل الجسر‪ ،‬جاء فيه‪ :‬علماني‪ :‬ما‬
‫ليس كنسيا ً ولدينيًا‪.‬‬
‫ووردت كلمتا علماني وعلمانية نسبة إلى الَعاَلم في بعض‬
‫المعاجم الثنائية اللغة منها معجم ألفه إلياس بقطر المصري عام‬
‫‪1828‬م‪ ،‬وقد وردت كلمة علماني في معجمه ترجمة كلمة ‪Laique‬‬
‫الفرنسية)‪.(2‬‬
‫والذي تعرضوا لهذه الكلمة في اللغة العربية تعاملوا معها على‬
‫أنها أتت من لغات أوربية حديثة انتقلت إليها من اللتينية من مادتي‬
‫‪.saeculum, laicus‬‬
‫العلمانية ترجمة غير دقيقة بل غير صحيحة لكلمة ‪ secularism‬في‬
‫النجليزية ‪ secularite‬بالفرنسية‪ ،‬إنها كلمة ل صلة لها بلفظ العلم‬
‫ومشتقاته على الطلق‪ .‬فالعلم في النجليزية والفرنسية معناه‬
‫‪ ،science‬والمذهب العلمي تطلق عليه كلمة ‪ scientism‬والنسبة إلى‬
‫)‪(3‬‬
‫العلم هي ‪ scientific‬في النجليزية أو ‪ scientifique‬في الفرنسية‪.‬‬
‫م إن زيادة اللف والنون غير قياسية في لغتنا العربية‪ ،‬وإنما‬ ‫ث ّ‬
‫جاءت سماعا ً‬

‫انظر جذور العلمانية د‪ .‬السيد أحمد فراج ص ‪.133-132‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪.137 ،133‬‬ ‫‪2‬‬

‫العلمانيممة سممفر الحمموالي ص ‪ ،21‬السمملم والعلمانيممة وجهمما ً لمموجه د‪ .‬يوسممف‬ ‫‪3‬‬

‫القرضاوي ص ‪.48‬‬

‫‪83‬‬
‫مثل‪ :‬رباني نسبة إلى رب‪ ،‬ثم كثرت في كلم المتأخرين كقولهم‪:‬‬
‫روحاني‪ ،‬نفساني نوراني‪ ،‬جسماني‪.‬‬
‫ن الترجمة الصحيحة لكلمة العلمانية هي اللدينية أو الدنيوية‪ ،‬ل‬ ‫إ ّ‬
‫بمعنى ما يقابل الخروية فحسب بل بمعنى أخص هو‪ :‬ما ل صلة له‬
‫بالدين‪ ،‬أو ما كانت علقته بالدين علقة تضاد‪ .‬وتتضح الترجمة الصحيحة‬
‫لكلمة علمانية من خلل التعريفات التي وردت في دوائر المعارف‬
‫والمعاجم الجنبية الغربية للكلمة‪ .‬هذا ما نتعرض إليه في بيان المعنى‬
‫اصطلحًا‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن ننوه هنا إلى أن خلفا ً نشأ حول كلمة‬
‫علمانية" نسبة إلى الَعاَلم‪ ،‬كما‬ ‫علمانية فبعضهم ينطقها بفتح العين " َ‬
‫نص على ذلك المعجم الوسيط الذي أصدره مجمع اللغة العربية‬
‫بالقاهرة في طبعته الولى الصادرة سنة ‪1961‬م‪ ،‬وبعضهم ينطقها‬
‫علمانية" كما جاء في الطبعة الثانية للمعجم الوسيط‬ ‫بكسر العين " ِ‬
‫الصادرة سنة ‪1979‬م)‪ .(1‬ويرى الستاذ الدكتور عدنان الخطيب عضو‬
‫علماني" بكسر العين‬ ‫مجمع اللغة العربية بالقاهرة أن ضبط كلمة " َ‬
‫علماني" ل سند له من لغة أو تاريخ‪ ،‬بل هو مجرد إقرار لخطأ شاع‬ ‫" ِ‬
‫بين طوائف المثقفين غير المبالين بسلمة نطق الكلمة)‪.(2‬‬
‫ويرى الدكتور عبد الصبور شاهين ‪-‬الخبير بمجمع اللغة العربية‬
‫بالقاهرة‪ -‬أن كلمة "الَعلمانية" بفتح العين هو الصوب‪ ،‬وعليه درجت‬
‫معظم المعاجم قديما ً وحديثًا‪ ،‬إذ ل علقة بين الَعلمانية والِعلم بكسر‬
‫العين‪ ،‬ل من حيث الضبط ول من حيث الدللة)‪.(3‬‬

‫انظر جذور العلمانية ص ‪.168-162‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪.166‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪.124‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪84‬‬
‫العلمانية اصطلحًا‪-:‬‬
‫إذا كانت كلمة العلمانية غريبة في لغتنا العربية‪ ،‬وقد أتت إلينا‬
‫من اللغات الوربية فإنه يجدر بنا أن نتعرف على المعنى الصطلحي‬
‫لهذه الكلمة من المصادر الغربية الجنبية)‪.(4‬‬
‫‪ -1‬جاء في دائرة المعارف المريكية عند الحديث عن العلمانية‪،‬‬
‫الدنيوية هي‪ :‬نظام أخلقي أسس على مبادئ الخلق الطبيعية‪،‬‬
‫ومستقل عن الديانات السماوية أو القوى الخارقة للطبيعة‪.‬‬
‫‪ -2‬جاء في دائرة المعارف البريطانية تحت مادة‪ secularism :‬هي‬
‫حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الهتمام بالخرة‬
‫إلى الهتمام بهذه الدنيا وحدها‪ ،‬ذلك أنه كان لدى الناس في العصور‬
‫الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم‬
‫الخر‪ ،‬وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت الم "‪ "secularism‬تعرض نفسها‬
‫من خلل تنمية النزعة النسانية‪ ،‬حيث بدأ الناس في عصر النهضة‬
‫يظهرون تعلقهم الشديد بالنجازات الثقافية والبشرية‪ ،‬وبإمكانية تحقيق‬
‫مطامحهم في هذه الدنيا القريبة‪..‬وظل التجاه إلى الم "‪"secularism‬‬
‫يتطور باستمرار خلل التاريخ الحديث كله‪ ،‬باعتبارها حركة مضادة‬
‫للدين ومضادة للمسيحية‪.‬‬
‫‪ -3‬جاء في قاموس "العالم الجديد" ويبستر شرحا ً لمادة‬
‫‪ secularism‬ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الروح الدنيوية‪ ،‬أو التجاهات الدنيوية‪ ،‬ونحو ذلك على الخصوص‪:‬‬
‫نظام من المبادئ والتطبيقات يرفض أي شكل من أشكال اليمان‬
‫والعبادة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬العتقاد بأن الدين والشئون الكنسية‪ ،‬ل دخل لها في شئون‬
‫الدولة‪ ،‬وخاصة التربية العامة‪.‬‬
‫‪ -4‬يقول معجم "أكسفورد" في شرحه لكلمة ‪:secular‬‬

‫انظر في ذلك‪ :‬العلمانية سفر الحوالي ص ‪ ،23-21‬العلمانية والسلم وجها ً لمموجه‬ ‫‪4‬‬

‫ص ‪.50-48‬‬

‫‪85‬‬
‫أ ‪ -‬دنيوي‪ ،‬أو مادي‪ ،‬ليس دينيا ً ول روحيًا‪ ،‬مثل التربية اللدينية‪ ،‬الفن أو‬
‫الموسيقى اللدينية‪ ،‬السلطة اللدينية‪ ،‬الحكومة المناقضة للكنيسة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الرأي الذي يقول‪ :‬إنه ل ينبغي أن يكون الدين أساسا ً للخلق‬
‫والتربية‪.‬‬
‫‪ -5‬ويقول "المعجم الدولي الثالث الجديد" تحت مادة ‪:secularism‬‬
‫"اتجاه في الحياة أو شأن خاص‪ ،‬يقوم على مبدأ أن الدين أو العتبارات‬
‫الدينية يجب أن ل تتدخل في الحكومة‪ ،‬أو استبعاد هذه العتبارات‬
‫ل‪ :‬السياسية اللدينية البحتة في‬ ‫استبعادا ً مقصودًا‪ ،‬فهي تعني مث ً‬
‫الحكومة‪ ،‬وهي نظام اجتماعي في الخلق مؤسس على فكرة وجوب‬
‫قيام القيم السلوكية والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة‬
‫والتضامن الجتماعي دون النظر إلى الدين‪.‬‬
‫‪ -6‬ويقول المستشرق "أربري" في كتابه "الدين في الشرق‬
‫الوسط" عن كلمة العلمانية‪" :‬إن المادية العلمية والنسانية والمذهب‬
‫الطبيعي والوضعية‪ ،‬كلها أشكال للدينية‪ ،‬واللدينية صفة مميزة لوربا‬
‫وأمريكا‪ ،‬ومع أن مظاهرها موجودة في الشرق الوسط فإنها لم تتخذ‬
‫أي صيغة فلسفية أو أدبية محددة‪ ،‬والنموذج الرئيس لها هو فصل الدين‬
‫عن الدولة في الجمهورية التركية"‪.‬‬
‫الخلصة‪-:‬‬
‫ن العلماني ما ليس‬ ‫يتبين لنا من خلل تلك التعريفات أ ّ‬
‫بديني‪ ،‬ومقابله الديني أو الكهنوتي‪ ،‬وكأن مدلول العلمانية‬
‫المتفق عليه يعني‪ :‬عزل الدين عن الدولة وحياة المجتمع‪،‬‬
‫فالحياة يجب أن تقام بمعزل عن الدين سواء بالنسبة للمة‬
‫أو للفراد‪ .‬وإن سمح للدين بالتعبير عن نفسه ففي الشعائر التعبدية‬
‫ومراسم الزواج والوفاة‪ ،‬وإبقاءه حبيسا ً في نفس الفرد‪ ،‬ل يتجاوز‬
‫العلقة الخاصة بينه وبين ربه الذي خلقه‪ (1).‬يقول الدكتور عبد الصبور‬
‫شاهين ‪-‬الخبير بمجمع اللغة العربية بالقاهرة‪" :(2)-‬من المصطلحات‬

‫السلم والعلمانية وجها ً لوجه ص ‪.51‬‬ ‫‪1‬‬

‫جذور العلمانية ص ‪.118-117‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪86‬‬
‫التي أفرزتها الحياة الوربية مصطلح ‪ secualrite‬وُيراد به كما جاء في‬
‫المورد‪) :‬عدم المبالة بالدين أو العتبارات الدينية(‪ ،‬وقد اتخذت الحياة‬
‫في أوربا هذا التجاه في ظروف الصراع بين الكنيسة والدولة حول‬
‫السلطة‪.‬‬
‫ورأى المفكرون والمصلحون آنذاك أن حسم المشكلة يكمن في‬
‫إبعاد الكنيسة عن السلطة‪ ،‬وعزلها عن كل ما يتصل بإدارة المجتمع مع‬
‫إبقاء بعض الداريات بين أيدي الكهنة والرهبان‪ ،‬كشئون الزواج‬
‫والطلق‪ ،‬ومراسم التعميد والوفيات‪ ،‬وهو كل ما بقي للمسيحية من‬
‫علقة بالمجتمع‪.‬‬
‫وقد أطلقوا على الوضع الناشئ عن هذا البعاد كلمة‬
‫)السيكولريزم( وهي تتضمن كما جاء في معجم ويبستر )اللمبالة‬
‫بالدين ورفضه وإبعاده(‪ ،‬ومعنى ذلك أن النسان الملتزم بالسيكولريزم‬
‫هو النسان الرافض للدين‪ ،‬المبعد له في حياته‪ ،‬المحارب لرسالته في‬
‫المجتمع‪ ،‬الحريص على أن يلتزم الناس بقيم مدنية ولدينية عالمية‪،‬‬
‫فإما النتماء إلى الله وإلى الدين‪ ،‬وإما النتماء إلى الرض وإلى‬
‫العالم"‪ ،‬ويضيف‪" :‬وإذن فالسيكولريزم في كل احتمالتها مفهوم‬
‫سياسي ل حضاري‪ ،‬وهي تستهدف بكل بساطة أحد هدفين ل ثالث‬
‫لهما‪ :‬فصل الدين عن الحياة‪ ،‬وإبعاده من مجال التأثير ‪-‬يقصد العلمانية‬
‫الوربية والمتأثرة بها في العالم السلمي‪ -‬أو القضاء عليه بصورة‬
‫كاملة من خلل التصفيات الدموية والصراع الطبقي والشمولية العالمية‬
‫‪-‬يقصد الدول الشيوعية والنظمة المتأثرة بها في العالم السلمي‪-‬‬
‫ولقد تلقت الحياة في العالم العربي والسلمي مفهوم )السيكولريزم(‪،‬‬
‫بين ما تلقته من ضروب التأثير الوربية"‪.‬‬
‫العلمانية والدين‪-:‬‬
‫إن كلمة العلمانية ترجمة خبيثة عن كلمة ‪ secularism‬في اللغات‬
‫الوربية‪ ،‬وكان يمكن أن تترجم بلفظة تدل على معناها عند القوم‬
‫"لدينية"‪ ،‬لن معنى الكلمة كما سبق بيانه في دوائر المعارف‬

‫‪87‬‬
‫والمعاجم الجنبية‪ :‬ما ليس بديني‪ ،‬وكل ما ليس بديني هو ل ديني‪.‬‬
‫ولكن اختيرت كلمة علماني أو مدني لنها أقل إثارة من كلمة ل ديني‪.‬‬
‫ن علقة العلمانية بالدين قائمة على أساس نفي الدين والقيم‬ ‫إ ّ‬
‫الدينية عن الحياة‪ ،‬وأنه من الولى الترجمات في اللغة العربية أن‬
‫نسميها "اللدينية"‪ ،‬بصرف النظر عن دعوى العلمانيين في الغرب‬
‫وأتباعهم في العالم السلمي الذين يزعمون بأن العلمانية ل تعادي‬
‫الدين‪ ،‬وإنما تبعده فقط عن مجالت الحياة الواقعية‪ :‬السياسية‬
‫والقتصادية والفكرية والجتماعية…الخ‪ ،‬وتترك للناس حرية التدين‬
‫بالمعنى العتقادي الفردي على أن يضل التدين مزاجا ً شخصيا ً ل دخل‬
‫له بأمور الحياة العملية‪ ،‬بصرف النظر عن هذا العتراض الذي ل‬
‫يتطابق مع المفاهيم السلمية‪ ،‬فإن "اللدينية" هي أقرب ترجمة تؤدي‬
‫المقصود من الكلمة عند أصحابها‪ ،‬إنها تعبر عن المقصود دون أن‬
‫تصدم مشاعر وأحاسيس المسلمين فترجمة الكلمة إلى لفظ العلمانية‬
‫يدل على خبث مقصود)‪ ،(1‬يوجب على أهل العلم والمعرفة تعريته‬
‫وبيانه‪.‬‬

‫العلمانية والعلم)‪:(2‬‬
‫ذكرنا فيما سبق أنه ل صلة بين لفظ العلمانية ولفظ العلم‬
‫ومشتقاته‪ ،‬سواء في اللغة العربية أم في اللغة النجليزية والفرنسية‪،‬‬
‫ولكن بعض العلمانيين في العالم السلمي يجهدون أنفسهم في إيجاد‬
‫صلة بين هذين اللفظين من حيث المعنى مستغلين الترجمة الخاطئة‬
‫لكلمة ‪ ،secularism‬يزعم هؤلء العلمانيون أن العلمانية والعلمية بمعنى‬
‫واحد وأن العلمانية تعني استخدام العلم والعقل‪ ،‬ولكن البحث‬
‫الموضوعي الدقيق يظهر الفرق البّين بينهما‪.‬‬

‫السلم والعلمانية ص ‪.51‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪ ،71-63‬العلمانية النشممأة والثممر فممي الشممرق والغممرب‬ ‫‪2‬‬

‫زكريا فايد ص ‪.161-159‬‬

‫‪88‬‬
‫فالعلمانية معناها إبعاد الدين عن مجالت الحياة‪ ،‬وفصل الدين‬
‫عن الدولة والمجتمع‪ ،‬وقيام الدولة وحياة المجتمع على أسس دنيوية ل‬
‫صلة لها ألبتة بالنظمة والتشريعات الدينية‪.‬‬
‫أما العلمية فهي وجهة تنتسب إلى العلم وتحتكم إليه في كل‬
‫مجالت الحياة وجوانبها‪ ،‬أو هي وصف للتجاهات التي تركز في‬
‫الدراسة والبحث على المنهج العلمي وهذه التجاهات هي الوصف‬
‫والشرح والتحليل في ضوء الملحظة والتجربة والستقراء‪.‬‬
‫العلمانيممة إذا ً منهممج حيمماة يبعممد الممدين عممن أن يكممون مصممدرا ً‬
‫للتشريعات والنظمممة والحكممام الممتي تنظممم شممئون الدولممة والمجتمممع‪،‬‬
‫والعلمية إذًا‪ :‬اتجاه يحاول معرفة القوانين التي تعمل عليها أو بمقتضاها‬
‫الطبيعة‪.‬‬
‫والعلميممون مممن النمماس هممم الممذي يحممترمون العلممم وممما يقممرره‪،‬‬
‫ويتبنون حكمه‪ ،‬ويكيفون حياتهم وفقا ً لمقتضاه ونتممائجه‪،‬ول يلجئون إلممى‬
‫الهواء والراء الشخصية أو الحزبية‪ ،‬ول يبتغون الوهام والخرافممات‪ ،‬ول‬
‫يقبلون الفتراضات إل بعد الفحص والتمحيص والتدقيق‪.‬‬
‫والعلمانيون من الناس هم الذين ل يؤمنون بالحتكام إلى‬
‫الشريعة السلمية في شئون الفراد والمجتمع والدولة‪ ،‬فالشريعة في‬
‫نظرهم يجب إقصاؤها عن الدولة‪ ،‬وليس لها السلطان والحاكمية في‬
‫حياة الناس‪.‬‬
‫ن المنهج العلمي ظهر في الحضارة السلمية ابتداًء‪ ،‬ولم يشهد‬ ‫إ ّ‬
‫التاريخ السلمي صراعا ً بين العلم والدين كالصراع الذي عرفته أوربا‬
‫ن من العلم‬ ‫ف شائ ٌ‬
‫في القرون الوسطى حيث كان للكنيسة موق ٌ‬
‫والعلماء ترتبت عليه نتائج خطيرة من أبرزها الفصام النكد بين العلم‬
‫والدين‪ ،‬والفصام النكد بين السياسة والدين‪ ،‬ونشوء عداوة للدين أدت‬
‫إلى إبعاده من حياة الناس وإبعاده من البحث العلمي‪.‬‬
‫العلمانية والخلق)‪:(1‬‬
‫الخلق قوام المة القوية‪ ،‬وسياج المجتمع الفاضل‪ ،‬والخلق في‬

‫‪ -1‬السلم والعلمانية ص ‪.116-114‬‬

‫‪89‬‬
‫السلم لها وزنها ومكانتها‪ ،‬والله تعالى شرع كثيرا ً من الحكام لصيانتها‬
‫والمحافظة عليها‪ .‬والخلق والفضائل مصدرها عند المسلمين دين الله‬
‫عز وجل‪.‬‬
‫والعلمانية قد تسمح بالخلق والفضائل وترحب بها‪ ،‬لكن نجد تصادما ً‬
‫بين السلم والعلمانية في موضعين‪:‬‬
‫الول‪ :‬مجال العلقة بين الرجل والمرأة‪:‬‬
‫فالسلم يضع من الحكام والتشريعات والتوجيهات التي تضبط‬
‫هذه العلقة وتنظمها‪ ،‬ويبعد عنها كل عوامل النحلل‪ ،‬فلقد جعل الله‬
‫تعالى الزواج المشروع طريقا ً لشباع الغريزة الجنسية‪ ،‬ووسيلة لتكوين‬
‫السرة على أساس من المودة والرحمة‪ ،‬وحّرم الله تعالى كل اتصال‬
‫جنسي خارج دائرة ما أحّله وأباحه‪ .‬فالزنا حرام‪ ،‬وكل وسائله والطرق‬
‫التي تؤدي إليه حرام‪ :‬كالتبرج والسفور‪ ،‬وخلوة الرجل بالمرأة الجنبية‪،‬‬
‫والنظر إليها بشهوة‪ ،‬والغنية الخليعة‪ ،‬والصورة المثيرة‪ ،‬والقصة‬
‫الخليعة ونحوها مما يثير الغرائز الجنسية‪.‬‬
‫بينما العلمانية تسمح بكثير من هذه الرذائل تحت عنوان الحرية‬
‫الشخصية‪ ،‬والتمدن وحضارة القرن العشرين‪ ،‬وتعتبر أن أحكام السلم‬
‫في هذا الشأن متزمتة ل تناسب روح العصر والمدنية‪ ،‬بل وتشرع‬
‫العلمانية من القوانين التي تحمي الرذيلة ودعاتها‪ ،‬وتدافع عن‬
‫الساقطين في أوحالها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إن العلمانية ترفض بشدة أن تربط الخلق بالدين‪:‬‬
‫إنها ل ترى أن الدين ينبوع الخلق والفضائل‪ ،‬بل تقيمها على‬
‫أساس فلسفي أو عملي‪ ،‬ولقد نقلنا سابقا ً من المعاجم الوربية عند‬
‫الحديث عن معنى العلمانية اصطلحا ً ما يبين نظرة العلمانية للخلق‪.‬‬
‫جاء في المعجم الدولي الثالث الجديد أن‪" :‬العلمانية نظام اجتماعي‬
‫في الخلق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية والخلقية‬
‫على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الجتماعي دون النظر إلى‬
‫الدين"‪ ،‬وجاء في معجم )أكسفورد(‪" :‬الرأي الذي يقول‪ :‬إنه ل ينبغي أن‬
‫يكون الدين أساسا ً للخلق والتربية"‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫نشأة العلمانية‪-:‬‬
‫لقد كان للعلمانية نشأتان في أوربا‪ ،‬الولى نشأة قديمة‪ ،‬تبدأ‬
‫منذ اعتنقت أوربا النصرانية وجعلتها الدين الرسمي للمبراطورية‬
‫ن رجال الكنيسة‬ ‫الرومانية في القرن الرابع الميلدي )‪325‬م(‪ ،‬ذلك أ ّ‬
‫قد فصلوا فعل ً بين الشريعة والعقيدة‪ ،‬فالدين عندهم عقيدة فقط‪ ،‬أما‬
‫الشريعة التي تنظم حياة الناس فقد تركت للقانون الوضعي الروماني‪،‬‬
‫وقد مارس رجال الكنيسة هذا الفصام النكد بين العقيدة والشريعة‬
‫تحت قول مدسوس نسبوه للسيد المسيح عليه السلم وهو‪" :‬أعطوا ما‬
‫لقيصر لقيصر وما لله"‪ .‬فالتشريعات كانت لقيصر الحاكم الروماني‪،‬‬
‫والعقيدة لله‪ ،‬يقرر تصوراتها ومبادئها رجال الكنيسة كما يحلوا لهم وفق‬
‫أهوائهم وتحريفاتهم التي أدخلوها في الدين النصراني‪.‬‬
‫أما النشأة الثانية للعلمانية التي تمثلت في إبعاد رجال‬
‫الكنيسة والدين الذي يمثلونه عن الدولة والسياسة والحكم ثم إبعاده‬
‫عن العلم‪ ،‬فلقد ظهرت بعد القرن السادس عشر نتيجة ظروف خاصة‬
‫مّرت بها أوربا‪ ،‬فللعلمانية مبرراتها الفكرية والدينية في أوربا‪ ،‬وأهمها‬
‫ما يلي)‪:(1‬‬
‫ل‪ :‬فساد العقيدة النصرانية وطغيان الكنيسة وفساد‬ ‫أو ً‬
‫رجالها‪:‬‬
‫‪ -1‬تحريف الدين وفساد عقائده‪ :‬وهذا يتمثل في قضايا عقائدية كثيرة‪،‬‬
‫منها عقيدة التثليث‪،‬‬
‫وعقيدة الصلب والعشاء الرباني‪ ،‬وصكوك الغفران‪ ،‬ونظام الرهبنة‪.‬‬
‫‪ -2‬الطغيان المالي‪ :‬امتلكت الكنيسة العقارات والراضي‪ ،‬فدير "فيلدا"‬
‫كان يملك ‪ 15‬ألف قصر‪ ،‬ودير "سانت جول" كان يملك ألفين من‬
‫الرقيق‪ ،‬يعملون في الراضي التابعة له والتي بلغت عشرات اللف من‬

‫‪ -1‬راجع مبررات نشأة العلمانية في المصممادر التاليممة‪ :‬العلمانيممة سممفر الحمموالي ص‬


‫‪ ،208-123‬مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص ‪ ،462-446‬السلم والعلمانية‬
‫للقرضاوي ص ‪ ،57-53‬التجاهات الفكرية المعاصممرة د‪ .‬علممي جريشمة ص ‪،66-51‬‬
‫العلمانية النشأة والثر زكريا فايد ص ‪.67-12‬‬

‫‪91‬‬
‫الفدنة‪ ،‬لقد فرضت الكنيسة نظام السخرة على الناس وهو أن يعمل‬
‫كل نصراني يوما ً في السبوع في أراضي الكنيسة‪.‬‬
‫لقد فرض رجال الدين الضرائب الباهظة والعشور على الناس‬
‫باسم الدين ويسوع المخّلص‪ ،‬وفرضوا عليهم أن يكتبوا الوصايا المالية‬
‫قبل وفاتهم لصالح الكنيسة ورجالها‪.‬‬
‫‪ -3‬الطغيان الروحي‪ :‬استولت الكنيسة على أرواح الناس من خلل‬
‫فرضها جملة من التشريعات التي تجعل أرواح النصارى بقبضة رجل‬
‫مده حيمن ولدتمه رجل‬ ‫الدين منذ ولدته إلى وفاته‪ ،‬فالطفل لبمد أن يع ّ‬
‫ديمن‪ ،‬وإذا أراد الزواج فلبمد أن تجري مراسمم الزواج على يد رجل‬
‫الدين في الكنيسة‪ ،‬وصلة الحد لبد أن تكون وراء الكاهن الذي يصلي‬
‫بهم ويوعظهم في الغالب بكلمات ل يفهمون تفسيرها‪ ،‬والعتراف‬
‫بالذنب لبد أن يكون أمام رجل الدين الذي يجلس المذنب على كرسي‬
‫العتراف‪ ،‬وقد يمنحه رجل الدين صكك غفران‪ ،‬خاصة إذا دفع مبلغا ً من‬
‫المال ثمنا ً له‪.‬‬
‫‪ -4‬الطغيممان السياسممي الممذي مارسممه رجممال الكنيسممة تجمماه الملمموك‬
‫والباطرة‪ ،‬فالبابا ادعى لنفسه السلطة الدنيوية بجانب سلطته الدينيممة‪،‬‬
‫ونتيجة ذلك نشأ صراع شديد بيممن السمملطة الروحيممة البابويممة والسمملطة‬
‫الحاكمة للباطرة والملوك‪ ،‬كان ينتهي بالغالب بإذلل الباطرة والملوك‬
‫والمراء‪.‬‬
‫‪ -5‬الطغيان العلمي والعقلي الذي مارسه رجال الكنيسة ضد العلماء‬
‫والمفكرين الوربيين في القرنين السادس والسابع عشر الميلديين‪،‬‬
‫حيث فرضوا على العقول أل تفكر في أمور الكون المادي وأن تلتزم‬
‫بالتفسيرات الكنسية له‪ ،‬والعلماء الذي يخرجون بعلمهم عن مقررات‬
‫الكنيسة فإن التعذيب والحرق بالنار‪ ،‬بالضافة إلى اللعن والطرد من‬
‫ملكوت الله هو نصيب هؤلء الخارجين‪ ،‬فعالم الفلك الهولندي‬
‫كوبرنيكس يقدم للمحاكمة‪ ،‬وجردانو أنوبرونو صاحب نظرية تعدد‬
‫العوالم قررت الكنيسة حرقه‪ ،‬وجاليلو صاحب نظرية كروية الرض‬
‫يجبر على التراجع عن آرائه خوفا ً من الحرق‪ ،‬وأقيمت المحاكم ليعرض‬

‫‪92‬‬
‫عليها عشرات اللف المخالفين لراء الكنيسة وتفسيراتها الخرافية)‪.(1‬‬
‫‪ -6‬فساد رجال الدين‪ :‬لم يكن رجال الدين بمختلف مستوياتهم‬
‫ودرجاتهم نموذجا ً صالحا ً في المجتمع الوربي يقتدي به في عالم الفكر‬
‫والمشاعر والسلوك والخلق‪ ،‬فمعظمهم كان يعيش حياة الترف‬
‫والملذات والشهوات‪ ،‬ومنغمس في الفسق والرذائل والشر كما‬
‫وصفهم بذلك الديب اليطالي بوكاتشيو‪.‬‬
‫يقول المفكر الغربي ول ديورانت في فصل بعنوان‪):‬أخلق رجال‬
‫الدين من كتابه قصة الحضارة(‪":‬فمن الخطأ الظن أن القساوسة كانوا‬
‫في روما أكثر فساًدا منهم في غيرها من المدن‪ ،‬ذلك أن لدينا من‬
‫الوثائق ما يثبت الدليل القاطع فساد أخلق القسيسين في كل مدينة‬
‫تقريًبا من مدن شبه الجزيرة اليطالية‪ ،‬بل إن الحال في كثير من‬
‫الماكن كالبندقية مثًل كانت أسوأ كثيرا منها في روما‪ ،‬فل عجب‬
‫والحالة هذه أن يتضاءل نفوذ رجال الدين كما يشهد بذلك مع السف‬
‫الشديد الكتاب المعاصرون‪ ،‬وإذا كان المرء ل يكاد يجد في كثير من‬
‫الماكن أي احترام يظهره الشعب للقسيسين‪ ،‬ذلك أن الفساد قد‬
‫استشرى بينهم إلى حد بدأنا نسمع معه آراء تحبذ زواجهم"‪(2).‬‬
‫ويضيف ول ديورانت‪":‬وظل كرسي البابوية عدة سنين بعد ذلك ل‬
‫ينال إل بالرشا أو القتل أو رغبات النساء ذوات المقام السامي والخلق‬
‫الدنئ وبقيت أسرة بثوفيلكت أحد كبار الموظفين في قصر البابا ترفع‬
‫البابوات إلى كراسيهم وتنزلهم عنها كما يحلو لها"‪.‬‬
‫ومما يدلل على انتشار الرذائل بين رجال الدين أن بعض الديرة‬
‫وجد فيها عشرون مجلدا ً من المحاكمات بسبب التصال الجنسي بين‬
‫الرهبان والراهبات‪ .‬وحسب وكالة أسوشيتدتبرس في أمريكا‪ 167:‬قسا ً‬
‫كاثوليكيا نقلوا من مواقعهم الكنسية بسبب تفجر فضيحة العتداءات‬
‫الجنسية على الطفال التي ضربت الكنيسة الكاثوليكية‪ 260 .‬سلمت‬
‫أوراقهم إلى الشرطة‪ ،‬و ‪ 550‬شخصا أثاروا مزاعم ضد رجال دين‬

‫عاقبت محاكم التفتيش في أوربا ‪ 300‬ألف شخص‪ ،‬أحرقت منهم ‪ 32‬ألف إنسان‬ ‫‪1‬‬

‫وهم أحياء‪.‬‬
‫‪ -2‬قصة الحضارة‪.86 -21/83 :‬‬

‫‪93‬‬
‫مسيحيين في وليتين فقط ‪.‬تم انتقاد اجتماع بابا الفاتيكان بالكرادلة‬
‫المريكيين لعلج عدم النسجام في السياسة الكنسية تجاه الفضيحة‪،‬‬
‫والسبب لّنه لم يصدر قرارا ً يجيز عزل القساوسة الذين يثبت‬
‫اعتداؤهم على الطفال‪ .‬وتم دفع ‪ 30‬مليون دولر من قبل أبرشية‬
‫رئيس الساقفة الكاثوليك في بوسطن للعشرات من الشخاص الذين‬
‫تعرضوا للتحرش بهم على يد الكاهن‪(1).‬‬
‫‪ -7‬مساندة الكنيسة للظلم السياسي والقتصادي والجتماعي المتمثل‬
‫في القطاع والملوك الظلمة‪ ،‬لقد وقفت الكنيسة في صف القطاع‬
‫تدافع عنه‪ ،‬وتتوعد الثائرين على ظلمه وتهددهم بقرارات اللعن والطرد‬
‫من ملكوت الله‪ ،‬وحجب صكوك الغفران عنهم‪.‬‬
‫ثـانيًا‪ :‬الثورة الفرنسـية سمنة ‪1789‬م وما صاحبها من أفكار‬
‫معادية للدين‪ ،‬فلقمد رفعت شعار‪):‬اقتلوا آخر ملك بأمعاء آخر‬
‫قسيس(‪ ،‬ومن أهم إفرازات هذه الثورة فصل الدين عن الدولة‪ ،‬وتقييد‬
‫السلطان السياسي للملوك والحكام الذين ادعوا الحق اللهي‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬النشاط اليهودي‪ :‬يقول الكاتب المريكي "وليام غاي كار"‪:‬‬
‫"لقد كان اليهود وراء فكرة فصل الدين عن الدولة")‪ .(2‬ويؤكد دور‬
‫اليهود في إبعاد الدين عن الحياة الوربية ما جاء في بروتوكولت حكماء‬
‫صهيون‪" :‬لقد بدأت ثمار جهودنا تؤتي أكلها إذ أخذ ذلك النفوذ الديني‬
‫العظيم على الناس يتضاءل رويدا ً رويدًا‪ ،‬وحّلت حرية الضمير محله في‬
‫كل مكان" "لن يمضي غير سنوات معدودات حتى نشهد احتضار‬
‫المسيحية ولن تتطلب الديانات الخرى إل اليسير من الجهد‪ ،‬حتى تتبع‬
‫المسيحية في النهيار‪ ،‬وسنحصر الدين ورجاله في أضيق نطاق")‪،(3‬‬
‫ولقد كان اليهود يطمعون من وراء ذلك أن يزيحوا سلطان الدين ‪-‬غير‬
‫اليهودي‪ -‬عن حياة الناس‪ ،‬وتكون لهم كلمة الفصل النهائية في هذا‬
‫العالم‪ ،‬وأن يحققوا لنفسهم السيادة على الديان والجناس كلها‪.‬‬

‫مجلة البيان ربيع الخر ‪1423‬هم‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬انظر كتابه‪:‬أحجار على رقعة الشطرنج ص ‪.57‬‬


‫‪ -3‬انظر برتوكولت حكماء صهيون‪ -‬البرتوكول السابع عشر‪ -‬ص ‪.114‬‬

‫‪94‬‬
‫أسباب العلمانية في العالم السلمي‪:‬‬
‫لقد عرفنا مما سبق أن العلمانية مبدأ مستورد من خارج العالم‬
‫السلمي‪،‬‬
‫ومن قوم ليسوا بمسلمين‪ ،‬لهم تاريخ غير تاريخنا‪ ،‬وعقائد غير عقائدنا‪،‬‬
‫وقوانين غير شريعتنا‪ ،‬وأوضاع غير أوضاعها‪.‬‬
‫إن الغرب الوربي احتاج العلمانية لظروف خاصة به‪ ،‬فلقد كانت‬
‫ن العلمانية هناك ل تتعارض‬ ‫حل ً لمشكلتهم مع الكنيسة ودينها ورجالها‪ .‬إ ّ‬
‫مع عقائدهم وشرائعهم‪ ،‬ولكّنها عندنا تعارض السلم عقيدة وشريعة‬
‫ومنهج حياة‪ ،‬وإذا كانت العلمانية قد غزت مجتمعات المسلمين في هذا‬
‫القرن فلبد من دراسة أسباب ظهورها في العالم السلمي‪.‬‬
‫يمكن إيجاز أسباب العلمانية في العالم السلمية فيما‬
‫يلي)‪:(1‬‬
‫ل‪ :‬انحراف المة السلمية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫أصاب المة السلمية انحراف عن فهم السلم كدين شامل‬
‫لجميع جوانب الحياة‪ ،‬وانحسر مفهومه في حس المسلمين وتصوراتهم‬
‫ن ضيقة ومدلولت محدودة‪ .‬والنحراف الشد كان في العقيدة‬ ‫في معا ٍ‬
‫والتصور‪ ،‬انحسر في حس المسلمين وتصوراتهم مفهوم كلمة التوحيد‬
‫ن العبودية لله وحده‪ ،‬والقرار بحاكميته واللتزام‬ ‫"ل إله إل الله" فإ ّ‬
‫ن تتضمنها هذه‬ ‫بشرائعه‪ ،‬وعدم اللتفات إلى غيره من الولياء هي معا ٍ‬
‫الكلمة‪ .‬نسي المسلمون تلك المعاني‪ ،‬وغفلوا قوله تعالى‪):‬اتبعوا ما‬
‫م إ ِّل‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫حك ْ ُ‬
‫)‪(2‬‬
‫أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء( ‪ ،‬وقوله‪):‬إ ِ ِ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫دوا إ ِّل إ ِّياهُ ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كل‬ ‫م()‪ ،(3‬وقوله‪َ):‬فل وََرب ّ َ‬ ‫قي ّ ُ‬ ‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مَر أّل ت َعْب ُ ُ‬ ‫ل ِل ّهِ أ َ‬
‫حَرجا ً‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ِفي أ َن ْ ُ‬
‫ج ُ‬
‫م ل يَ ِ‬‫م ثُ ّ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ما َ‬
‫ش َ‬ ‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬
‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤْ ِ‬

‫‪ -1‬انظممر فممي ذلممك‪ :‬العلمانيممة سممفر الحمموالي ص ‪ ،560-507‬التجاهممات الفكريممة‬


‫المعاصرة د‪.‬علي جريشة ص ‪.71-68‬‬
‫سورة العراف‪.3 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة يوسف‪.40 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪95‬‬
‫سِليمًا()‪ .(1‬وبالتالي أعرضوا عن تحكيم شرع الله‬ ‫موا ت َ ْ‬‫سل ّ ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ِ‬
‫عز وجل في مجتمعاتهم‪ ،‬إّنهم اعتقدوا حاكمية غير الله‪ ،‬فتلقوا من هذا‬
‫الغير الحاكمية في أنظمتهم‪ ،‬وشرائعهم‪ ،‬وقيمهم وموازينهم‪ ،‬وعاداتهم‬
‫وتقاليدهم‪ ،‬وكل مقومات حياتهم مع أن كتاب الله عز وجل يدعوهم‬
‫م‬ ‫إلى الكفر بغير الله حاكما ً ومعبودًا‪):‬أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمو َ‬
‫ن أن ّهُ ْ‬‫ِ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ ََ ِ‬
‫موا إ َِلى‬ ‫ك يريدو َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬
‫حاك َ ُ‬
‫ن ي َت َ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ن قَب ْل ِ َ ُ ِ ُ َ‬ ‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫مُنوا ب ِ َ‬‫آ َ‬
‫طا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ضلل ً‬ ‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬‫ن يُ ِ‬‫نأ ْ‬ ‫شي ْ َ ُ‬
‫ريد ُ ال ّ‬
‫فُروا ب ِهِ وَي ُ ِ‬‫ن ي َك ْ ُ‬
‫مُروا أ ْ‬ ‫ت وَقَد ْ أ ِ‬ ‫غو ِ‬ ‫ال ّ‬
‫طا ُ‬
‫ً )‪(2‬‬
‫ب َِعيدا(‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬تخلف العالم السلمي‪:‬‬
‫لقد شهد العالم السلمي طفرة من النشاط الفكري الذي لم‬
‫ل‪ ،‬وقمد أثمر علوما ً عديدة في مختلف الميادين‪ ،‬في‬ ‫يشهد له العالم مثي ً‬
‫الطب‪ ،‬في الهندسة‪ ،‬وعلم الفلك‪ ،‬وفمي مجال الفيزياء‪ ،‬والكيمياء‪،‬‬
‫والرياضيات‪ ،‬وعلم الجتماع والعمران‪ ،‬وغيرها‪ ،‬لكن سرعان ما بدأ‬
‫التخلف‪ ،‬خاصة مع ابتعاد المسلمين عن كتاب ربهم وسنة نبيهم‪،‬‬
‫وانصراف حكامهم إلى شهواتهم ومصالحهم الشخصية مع خضوعهم‬
‫للسياسات الستعمارية‪ ،‬وابتعاد علمائهم عن الستنباط الفقهي مجاراة‬
‫للوقائع المستحدثة فيما عرف بغلق باب الجتهاد مما أدى إلى استيراد‬
‫القوانين الجنبية الكافرة‪ ،‬فكان التخلف الحضاري والمادي‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬نهضة أوربا المادية مع العلمانية‪:‬‬
‫ن الكنيسة ورجالها كانوا يناصبون العلم والعلماء العداء‪،‬‬ ‫عرفنا أ ّ‬
‫وبعد سقوط الكنيسة وانحسارها بين جدرانها‪ ،‬وفصل دينها عن الدولة‬
‫شهدت أوربا نهضة علمية ومادية‪ ،‬وقد أحدث هذا المر شعورا ً بأن‬
‫التقدم العلمي مرتبط بإقصاء الدين ونبذه‪ ،‬وإل ّ فلم نهضت أوربا‬
‫وتقدمت ماديًا‪.‬‬
‫لكن الدارس المنصف لحركة تاريخ أوربا المعاصرة يستيقن بأن‬
‫أوربا بدأت تفيق وتنهض بعد احتكاكها بالمسلمين في الحروب الصليبية‪،‬‬

‫سورة النساء‪.65 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النساء‪.60 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪96‬‬
‫وباتصالها بمراكز العلم والثقافة في الندلس والشمال الفريقي‬
‫وصقلية وغيرها‪ .‬وأما الدين الذي نبذته أوربا وفصلته عن الدولة فليس‬
‫له صلة بالدين الحق المنزل من رب العالمين‪ .‬إنه دين الخرافات‬
‫والساطير والطلسم‪ ،‬إنه الدين الذي اغتال العلم والعلماء‪ .‬أما السلم‬
‫فبريء من الصورة القاتمة لهذا الدين الذي عرفته أوربا‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬التخطيط الصليبي اليهودي‪:‬‬


‫لقد بدأ التخطيط الصليبي اليهودي معا ً لخراج المة السلمية‬
‫من دينها‪ ،‬وتعريتها من مقومات وجودها‪ ،‬وحملها على العلمانية‪،‬‬
‫واعتمدت الخطة على عدة أجنحة هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحتلل العسكري المباشر‪:‬‬
‫وتتلخص جهود هذا الجناح في النقاط التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬تقطيع أوصال الخلفة‪ ،‬بالحتلل العسكري لمناطق إسلمية تخضع‬
‫لنفوذ دولة الخلفة العثمانية‪ ،‬وقد صاحب هذا الحتلل إشاعة النحلل‬
‫الخلقي والفساد الجتماعي وإثارة الشبهات والشكوك حول مفاهيم‬
‫وعقائد السلم‪ ،‬وغزو العقول بالنزعات الجاهلية‪.‬‬
‫ب‪ -‬إسقاط دولة الخلفة وإسقاط الخلفة السلمية‪ ،‬وقد كان ذلك من‬
‫عمل البطل العلماني الذي أعد للقيام بهذه المهمة‪ ،‬أل وهو الماسوني‬
‫مصطفى كمال أتاتورك‪.‬‬
‫ج‪ -‬القضاء على الحركات السلمية الجهادية كحركة المهدي في‬
‫السودان‪ ،‬وعمر المختار في ليبيا‪ ،‬وعبد القادر الجزائري وعبد الكريم‬
‫الخطابي في المغرب القصى وإسماعيل الشهيد في الهند‪.‬‬
‫د‪ -‬هدم الشريعة السلمية وإحلل القوانين الوضعية الغربية محلها‪،‬‬
‫وإلغاء المحاكم الشرعية‪ ،‬وإقامة المحاكم المختلطة والمحاكم الهلية‬
‫التي تحكم بالقوانين البريطانية والفرنسية والسويسرية واليطالية‪.‬‬
‫هم – القضاء على التعليم السلمي والوقاف السلمية‪.‬‬
‫و – إحياء النعرات والدعوات الجاهلية‪ ،‬وإيجاد وإحياء الطوائف غير‬
‫السلمية ثم استخدامها في القضاء على السلم والمسلمين‪ ،‬ومن‬

‫‪97‬‬
‫هذه الطوائف‪ :‬البابية‪،‬والبهائية والقاديانية‪ ،‬والنصيرية‪ ،‬والصوفية‬
‫القبورية‪.‬‬
‫ز ‪ -‬اصطناع العملء وإيجاد المأجورين من أبناء المسلمين ثم‬
‫استخدامهم معاول هدم للسلم من الداخل‪.‬‬
‫‪ -2‬المبشرون والمستشرقون‪ :‬لقد نقل المستشرقون‬
‫والمبشرون العلمانية إلى العالم السلمي من خلل كتبهم ومؤلفاتهم‪،‬‬
‫ومن خلل المدارس المختلفة التي أقاموها في المنطقة‪ ،‬وقد تحدثنا‬
‫فيما سبق عن أساليب القوم في القضاء على السلم وإبعاد المسلمين‬
‫عن دينهم‪.‬‬
‫‪ -3‬نصارى العرب‪ :‬إن أول من دعا إلى العلمانية بشعاراتها الصريحة‪،‬‬
‫وتحت أسماء أخرى هم نصارى العرب‪ ،‬وخاصة الذين تربطهم صلت‬
‫استعمارية بالغرب الوربي‪ ،‬فهؤلء حركهم حقدهم على السلم‬
‫وشريعته العادلة كي يقوموا بإنهاء هيمنة الشريعة على الحياة‬
‫السلمية‪ ،‬وإحلل النظمة الغربية اللدينية محلها‪ .‬ومن أجل الوصول‬
‫إلى بغيتهم هذه قاموا بعدة أنشطة منها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬العمال السياسية عبر الجمعيات السرية التي أنشأوها في العالم‬
‫السلمي ومن الشخصيات النصرانية العربية التي تذكر في هذا‬
‫المجال‪ :‬فارس نمر صاحب جمعية بيروت‪ ،‬ونجيب عازوري‪ ،‬وأنطون‬
‫سعادة مؤسس الحزب القومي السوري‪ ،‬وميشيل عفلق مؤسس حزب‬
‫البعث‪.‬‬
‫ب ‪ -‬العمال الفكرية‪ :‬قام نصارى العرب بنشر الثقافة الغربية عن‬
‫طريق الصحافة‪ ،‬ومن هؤلء‪ :‬نصيف اليازجي ويعقوب صروف وأخوه‬
‫نمر‪ ،‬وجرجي زيدان وشاهين مكاريوس‪ ،‬الذين أنشأوا الجنان‬
‫والمقتطف ‪1885‬م والهلل والمقطم ‪1889‬م واللطائف الدبية‬
‫‪1886‬م‪ ،‬كما لجأوا للتأليف والكتابة والبحوث ومن هؤلء‪ :‬أحمد فارس‬
‫الشدياق وبطرس البستاني ولويس شيخو وشبلي شميل وسلمة‬
‫موسى وفرح أنطون‪.‬‬
‫‪ -4‬العملء والمأجورون‪:‬‬

‫‪98‬‬
‫وهؤلء هم أخطر الجنحة‪ ،‬فالخارجون عن دينهم وأمتهم‪،‬‬
‫والبائعون أنفسهم لعداء السلم بثمن بخس دراهم معدودة أو مناصب‬
‫موعودة‪ ،‬أو شهوات ومتع مبذولة هم معاول هدم من الداخل‪ ،‬إذ‬
‫يحملون ألقابا ً علمية‪ ،‬ويحتلون مراكز التوجيه في بلدهم ويرتدون ثياب‬
‫الوطنية‪ ،‬ويقومون باستيراد المبادئ والفكار الوربية التي تعادي‬
‫السلم عقيدة وشريعة‪ ،‬ثم يعرضونها بأقلمهم ولغاتهم الوطنية‪،‬‬
‫يخاطبون بها عقول وقلوب الناشئة والجيل الجديد من أبناء المسلمين‪،‬‬
‫والجراء طبقات وأصناف‪ :‬منهم السياسيون الذين يفرضون على‬
‫شعوبهم قوانين الوربيين وأنظمتهم المناقضة لشرائع الدين وأحكامه‬
‫ومنهم رجال المال الذين أقاموا المؤسسات المالية الربوية‪ ،‬ومنهم‬
‫المبتعثون العائدون من بلد الغرب وهم يحملون أفكاره وفلسفته‪،‬‬
‫وعاداته وتقاليده‪ ،‬فأصبحوا رصيدا ً في حساب أعداء السلم بالسلوك‬
‫والتربية والعادات الجديدة والفكار الوافدة‪.‬‬
‫‪ -5‬الماسون العرب‪:‬‬
‫دخلت الماسونية العالم السلمي قبل دخممول السممتعمار البريطمماني‬
‫العسممكري‪ ،‬مممن خلل الجهممود الممذي بممذلها الفرنممج وأعمموانهم مممن‬
‫السياسيين ومن أبرزهم‪ :‬حاكم مصر محمد علممي باشمما‪ ،‬ثممم أبنمماؤه مممن‬
‫بعده‪ ،‬ومن أبرزهم خديوي مصمر‪ ،‬وممن العماملين علمى نشمرها شماهين‬
‫مكاريوس أحد أصحاب مجلة المقطممم وصمماحب امتيمماز مجلممة اللطممائف‬
‫التي أنشئت عام ‪1886‬م لتكون أعلى أبواق الدعاية للماسونية واللحاد‬
‫في مصر‪ .‬وعملت الماسونية على تمييع فعل الدين في النفوس‪ ،‬وقتممل‬
‫آثاره في نفوس أتباعه‪ ،‬يقول الشيخ محمد رشيد رضما‪" :‬فلمم يكمن لهما‬
‫مممن ثمممرة إل إعممداد النفمموس لفصممل السياسممة والحكومممة مممن الممدين‪،‬‬
‫والستغناء عن الشرع بممالقوانين‪ ،‬والمؤاخمماة بيممن المسمملمين وغيرهممم‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وموالتهم لهم"‪.‬‬

‫‪ -1‬مجلة المنار ‪.15/33‬‬

‫‪99‬‬
‫وسائل علمنة المجتمع‪:‬‬
‫لقد سلك أعداء الدين من الغربيين وعملئهم في ديار السلم‬
‫وسائل عدة في علمنة المجتمعات والدول السلمية وفصل الدين عن‬
‫السياسة والجتماع والخلق والحياة الثقافية وغيرها‪ ،‬وأهم هذه‬
‫الوسائل‪:‬‬
‫‪ -1‬علمنة التعليم‪.‬‬
‫‪ -2‬علمنة العلم‪.‬‬
‫‪ -3‬علمنة القوانين‪.‬‬
‫‪ -4‬العلمنة من خلل الدسائس الفكرية اللدينية‪.‬‬
‫‪ -5‬العلمنة من خلل إخماد الحركات السلمية‪.‬‬
‫وسوف نتكلم عن كل واحدة من هذه الوسائل بشيء من‬
‫التفصيل‪.‬‬
‫ل‪ :‬علمنة التعليم)‪:(1‬‬ ‫أو ً‬
‫يعتبر التعليم من أكبر السبل التي عمل من خللها أعداء السلم‬
‫على علمنة المجتممع السملمي‪ ،‬يقمول المستشرق البريطاني جمب‪:‬‬
‫"التعليم أكبمر العوامل التي تعممل للستغراب‪ ،‬والحق أنه العامل‬
‫الوحيد‪ ،‬إن فهمنا من كلمة التعليم ما تدل عليه‪ ،‬ول تستطيع الحكم‬
‫على مدى الستغراب في العالم السلمي إل بمقدار دراسة الفكر‬
‫الغربي والمبادئ والنظم الغربية‪ ،‬إن إدخال طرائق جديدة في الفكر‬
‫في البلد السلمية كان يتطلب نظاما ً جديدا ً في التربية من عهد‬
‫الطفولة في المدارس البتدائية والثانوية قبل النتقال إلى الدراسات‬
‫العليا…")‪.(2‬‬
‫ويتباهى الدكتور طه حسين‪-‬أحد تلمذة المستشرقين‪-‬الذي تولى‬
‫يوما ً منصب وزير التربية والتعليم‪ -‬بسلوك المنهج الوربي في التعليم‬
‫فيقول‪" :‬التعليم عندنا على أي نحو قد أقمنا صروحه ووضعنا مناهجه‬

‫‪ -1‬انظر العلمانية سفر الحمموالي ص ‪ ،607-588‬التجاهممات الفكريممة المعاصممرة ص‬


‫‪ ،110-104‬الشباب المسلم في مواجهة التحديات عبد الله علوان ص ‪.139-132‬‬
‫التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪.106-105‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪100‬‬
‫وبرامجه منذ القرن الماضي على النحو الوربي الخالص‪ ،‬وما في ذلك‬
‫ون أبناءنا في مدارسنا الولية والثانوية والعالية‬‫شك ول نزاع‪ ،‬نحن نك ّ‬
‫تكوينا ً أوربيا ً ل تشوبه شائبة")‪.(1‬‬
‫ومّرت عملية علمنة التعليم بخطوات مرحلية ومدروسة‪ ،‬وأهمها‪-:‬‬
‫‪ -1‬حصار التعليم الديني ماديا ً ومعنويًا‪ ،‬وتطويقه من الخارج‬
‫وتطويره من الداخل‪:‬‬
‫بهدف تجهيل المسلمين بدينهم وصرفهم عنه‪ ،‬وتصويره بأنه دين‬
‫يتسم بالتخلف والجمود وعدم مواكبة التطور الحضاري المعاصر‪.‬‬
‫التطويق من الخارج من خلل ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الزدراء بالتعليم الديني‪ ،‬والسخرية والستهزاء من معلميه وطلبه‪،‬‬
‫من خلل الكلمة السيئة‪ ،‬والمسرحية والفيلم والتمثيلية السخيفة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬قفل الوظائف المهمة أمام خريجي المعاهد والكليات الشرعية‪،‬‬
‫وقصر هذه الوظائف على خريجي التعليم العلماني‪ ،‬وقصر وظائف‬
‫الكليات الشرعية على الوعظ والمأذونية والتدريس وإمامة الناس في‬
‫الصلة‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الستهزاء من علماء السلم الذين عرفوا بتقواهم وعلمهم‬
‫وجرأتهم في قول الحق‪.‬‬
‫التطوير من الداخل‪ :‬وذلك‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بتقليل ساعات مادة التربية الدينية‪ ،‬وإسناد تدريسها إلى غير‬
‫المتخصصين‪.‬‬
‫ب ‪ -‬تمييع المنهج‪ ،‬واقتصاره على القشور‪ ،‬واحتواؤه على التعقيد وعلى‬
‫المفاهيم المغلوطة‪.‬‬
‫ج‪ -‬جعل مادة الدين مادة ثانوية ل قيمة لها‪ ،‬وجعل حصتها آخر الحصص‬
‫في اليوم الدراسي‪ ،‬حيث يشعر الطلب بالملل‪.‬‬
‫د‪ -‬إصدار قوانين تطوير الزهر بدءا ً من سنة ‪1936‬م ‪1961 -‬م‪ ،‬وكان‬
‫اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر قد أوصى سنة ‪1906‬م‬
‫سامية التي تتمثل في‬ ‫بتطوير الزهر ‪-‬بتخريب‪ -‬وإبعاده عن رسالته ال ّ‬

‫مستقبل الثقافة في مصر لطه حسين ص ‪.38‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪101‬‬
‫تنوير المسلمين وتربيتهم تربية إسلمية شاملة‪ ،‬وإشاعة الفكر‬
‫السلمي في ربوع البلدان السلمية‪ ،‬وتزكية روح المقاومة للستعمار‬
‫الصليبي واليهودي‪.‬‬
‫كل هذا الذي سبق ذكره‪ -‬وغيره‪ -‬بهدف تنفير الطلب من الدين‬
‫ودراسته‪ ،‬والتنفير من العلماء المخلصين‪.‬‬
‫‪ -2‬تطوير المناهج التعليمية وحشوها بالفكر اللديني‪:‬‬
‫ويشمل هذا التطوير كل ما يتصل بمناهج الدين والدب والتاريخ‬
‫والفلسفة والعلوم‪ ،‬وهدف هذا التطوير خدمة الفكر اللديني‪ ،‬وذلك من‬
‫خلل حشو المناهج بالفكار والفلسفات المعادية للعقيدة السلمية‬
‫دون نقد أو تمحيص‪ ،‬بل بأسلوب تقريري توكيدي‪ :‬ومن ذلك نظرية‬
‫دارون في أصل النسان‪ ،‬وأفكار فرويد في علم النفس‪ ،‬وإميل‬
‫دوركايم في علم الجتماع‪ ،‬وآدم سميث في القتصاد‪ ،‬والفلسفة الوثنية‬
‫الغريقية)‪ ،(1‬وأيضًا‪ :‬تشويه تاريخ المسلمين وحضارتهم مع تمجيد‬
‫وتقديس حضارة الجاهلية الوربية‪.‬‬
‫‪ -3‬البتعاث إلى الخارج‪:‬‬
‫لقمد تم ابتعاث عمدد ل بأس به من خريجي المدارس الحكومية‬
‫والجنبيمة إلى دول الغرب الصليبي‪ ،‬أو الشرق الشيوعي‪ ،‬للتخصص في‬
‫فروع العلم والمعرفة‪ ،‬من أجل تحصيل الشهادات العليا‪ ،‬ثم إضفاء‬
‫الحترام والهيبة لصحابها‪ ،‬مع أنهم عادوا وهم يحملون في عقولهم‬
‫وأذهانهم فكر وثقافة الغرب اللدينية‪ ،‬ويتم تسليم هؤلء العائدين من‬
‫البتعاث المناصب والمراكز المهمة‪ ،‬ووضعهم في مواقع التأثير اللديني‬
‫في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -4‬السماح للمدارس والجامعات الوربية والمريكية بفتح‬
‫أبوابها في ديار المسلمين‪:‬‬

‫أّلف الستاذ علمي لبممن كتابما ً فضممح فيمه آثممار الغمزو الفكممري اللدينمي فمي كتمابي‬ ‫‪1‬‬

‫الفلسممفة والمنطممق المقرريممن علممى طلب الثانويممة العامممة‪ ،‬وقممامت دار الوفمماء‬
‫بالمنصورة بطبع كتابه‪ ،‬وهو بعنوان‪ :‬الغزو الفكري في المناهج الدراسية‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫انتشرت في كثير من ديار السلم المدارس والكليات‬
‫والجامعات الجنبية التي فتحت أبوابها لبناء المسلمين‪ ،‬وقد أطلقت‬
‫أيدي المبشرين والمستشرقين في وضع برامج ومناهج التعليم فيها‪،‬‬
‫لقد خّرجت هذه المؤسسات التعليمية جيل ً ل صلة له بالدين ول‬
‫بالخلق‪ ،‬حيث تعلم هذا الجيل اللغات الوربية والتقاليد والخلق‬
‫اللدينية‪ ،‬وأصبحوا معاول هدم في داخل مجتمعاتهم‪ ،‬ويندر أن تجد‬
‫زعيما ً أو زعيمة ممن تصدروا لقيادة التغيير الجتماعي ونشر روح‬
‫اللحاد واللدينية إل وهو خريج هذه المدارس والجامعات أو هو متزوج‬
‫بخريجة منها‪ .‬يقول المعتمد البريطاني كرومر‪:‬إن السلم بطبيعة‬
‫تعاليمه عدو للحضارة الوربية‪ ،‬وأن المسلم غير المتعلق بأخلق‬
‫الوربيين ل يقوى على حكم مصر في هذه اليام‪ ،‬لذلك سيكون‬
‫المستقبل الوزاري للمصريين المتربين تربية أوربية)‪.(1‬‬
‫وعن آثار المدارس الجنبية في حياة المسلمين يقول‬
‫المستشرق النجليزي جب‪" :‬فقد انتشرت في منتصف القرن التاسع‬
‫عشر شبكة واسعة من المدارس في معظم البلد السلمية‪ ،‬ولسيما‬
‫تركيا وسوريا ومصر‪ ،‬ترجع غالبا ً إلى جهود جمعيات تبشيرية مسيحية‬
‫ونت ذوقهم‪ ،‬والهم‬ ‫مختلفة… هذه المدارس صاغت أخلق التلميذ وك ّ‬
‫أنها علمتهم اللغات الوربية التي جعلت التلميذ قادرين على التصال‬
‫المباشر بالفكر الوربي فصاروا في مستقبل حياتهم مستعدين للتأثر‬
‫بالمؤثرات التي فعلت فيهم فعلها أيام الطفولة وفي أثناء الجزء الخير‬
‫فذت هذه الخطة إلى أبعد من ذلك‪ ،‬بإنماء‬ ‫من القرن التاسع عشر ن ّ‬
‫التعليم العلماني تحت إشراف النجليز في مصر والهند")‪.(2‬‬
‫‪ -5‬الختلط بين الجنسين في مراحل التعليم‪:‬‬
‫بدأ الختلط بين الذكور والناث بدءا ً بالمدارس الجنبية التي‬
‫تشملها حماية خاصة‪ ،‬ثم بدأ الختلط وبالتدرج بالنسبة للتعليم الوطني‬
‫في الجامعات ثم نزول ً إلى المدارس البتدائية‪ ،‬وأخيرا ً صعودا ً إلى‬

‫انظر التجاهات الوطنية في الدب المعاصر د‪ .‬محمد محمد حسين ‪.1/261‬‬ ‫‪1‬‬

‫التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪.106‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪103‬‬
‫التعليم المتوسط والثانوي حيث سن المراهقة الخطيرة‪ ،‬وقام‬
‫العلمانيون المتأثرون بالثقافة الغربية بالتقليل من خطورة الختلط‬
‫وآثاره المدمرة للقيم والخلق‪ ،‬وزعموا أنه من ضرورات التقدم‬
‫والتمدين‪ ،‬وتعميق الصداقة البريئة والروح الجامعية‪.‬‬
‫جاء في أحد الكتب التي تصدرها مؤسسة "فرنكلين المريكية"‬
‫التي تنشرها في بعض الدول السلمية "إن خروج الفتيات في صحبة‬
‫الفتيان من المور الطبيعية التي يستطيع معظم الباء تقبلها في الوقت‬
‫المناسب على أي حال‪ ،‬باعتبارها جانبا ً من جوانب النمو الجسمي‬
‫للمراهق… وفي كل علقة بين فتى وفتاة يشعر كل منهما في بعض‬
‫الحيان بدافع يحفزه على التعبير عن حّبه وتقديره للخر بلمسه أو‬
‫ضغط يده أو قبلة… والكشمف عن المشاعمر بهذه الطريقة أممر‬
‫طبيعي…فالشموق إلى القبلة‪ ،‬أو بعض الغزل الرقيق‪ ،‬أو النصات إلى‬
‫قصة فيها تلميحات جنسية‪...‬هذه ليست أمورا ً شائنة")‪.(1‬والختلط‬
‫يصاحبه خلع الفتاة المسلمة حجابها‪ ،‬والكشف عن مفاتنها ومحاسنها‪،‬‬
‫تحت دعوى الحرية والتمدين والتحرر‪.‬‬
‫ويتغافل العلمانيون عما أثبتممه علممم النفممس والواقممع مممن أخطممار‬
‫الختلط وأثاره السيئة علممى الفممرد والمجتمممع‪ .‬فعلممم النفممس أثبممت أن‬
‫الختلط إما أن يشيع البرود الجنسي بين الجنسين‪ ،‬أو أن يؤجممج سممعار‬
‫الجنس ويقمموي لهيبممه‪ ،‬وبالتممالي يكممون مقدمممة لرتكمماب الزنمما وإشمماعة‬
‫النحلل‪ ،‬وأما الواقع‪:‬فإشاعة الفاحشة‪ ،‬وما يعقبها ممن الحمممل السمفاح‬
‫والجهاض وذهاب عفمة الفتيممات‪ ،‬والحصممائيات المتي تتحمدث عمن همذه‬
‫المور في الجامعات والكليات المختلطة ل تكاد تصدق‪.‬‬
‫‪ -6‬اقتباس النظمة والمناهج الغربية اللدينية‪ ،‬واقتباس‬
‫أسلوب التربية وفلسفة السلوك الغربية‪ :‬ومن ذلك‪ :‬إدخال‬
‫التمثيل والرقص والتصوير والفنون الخليعة ضمن مناهج التعليم‪،‬‬

‫حصوننا مهددة من الداخل د‪ .‬محمد محمد حسين‪ ،‬التجاهممات الفكريممة المعاصممرة‬ ‫‪1‬‬

‫هامش ص ‪.109‬‬

‫‪104‬‬
‫وتدريس النظريات والفلسفات التربوية الوربية ذات التوجيه اللديني‬
‫واللأخلقي‪.‬‬
‫لقد أنشأ التعليم العلماني جيل ً فارغا ً من العقيدة والخلق‪ ،‬مح ّ‬
‫طم‬
‫الشخصية والكيان مزعزع الثقة بالتاريخ والمجاد‪ ،‬جيل ً يدعو إلى التحرر‬
‫من الصالة السلمية‪ ،‬والرتماء في أحضان الغرب الكافر‪ ،‬أو الشرق‬
‫الملحد‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬علمنة العلم)‪:(1‬‬


‫يعتبر العلم من الوسائل الناجحة في تبلغ دعوة الله عز وجل‪،‬‬
‫وإشاعة الخير في المة‪ ،‬وتعليم الناس ما ينفعهم في الدنيا والخرة‪،‬‬
‫فوسائل العلم تخاطب عقول وقلوب الناس‪ ،‬وتعتمد في ذلك على‬
‫الكلمة المقروءة والمسموعة والمرئية‪ ،‬وكذا تعتمد على الصورة‬
‫المرئية في الصحافة والتليفزيون والسينما والمسرح والفيديو‬
‫والنترنت‪ ،‬وقد دخلت وسائل العلم كل بيت‪ ،‬وجلس إليها جميع الناس‬
‫على اختلف أعمارهم ودرجاتهم الثقافية والجتماعية‪ ،‬ول يكاد يسلم‬
‫منها أحد‪.‬‬
‫خروا وسائل‬ ‫ولقد استطاع أعداء الله تعالى وأعداء دينه أن يس ّ‬
‫العلم المختلفة لشاعة الفواحش والمنكرات‪ ،‬ونشر الفكار المنحلة‬
‫والعقائد الفاسدة‪ ،‬أي علمنة أفكار المة وأخلقها وتقاليدها وعاداتها‪،‬‬
‫لتكون بعيدة عن السلم عقيدة وخلقا ً وفكرا ً وسلوكا ً وتعاون مع رجال‬
‫العلم في أداء هذه المهمة الخطيرة طائفة من رجال الفكر والدب‬
‫والسياسة‪ ،‬الذين سخروا أقلمهم ومواهبهم في كتابة الفلم‬
‫والتمثيليات والمسرحيات والقصص الخليعة والهابطة‪.‬‬
‫ومن صور العلمنة في وسائل العلم‪:‬‬
‫‪ -1‬المجلت النسائية التي تصدر في معظم البلد السلمية‪ ،‬تنشر هذه‬
‫المجلت صور النساء في أوضاع تخدش الحياء والكرامة‪ ،‬وتثير في‬

‫انظمممر التجاهمممات الفكمممرية المعاصمممرة ص ‪ ،113-112‬الشمممباب المسممملم فممي‬ ‫‪1‬‬

‫مواجهة التحديات ص ‪.141-140‬‬

‫‪105‬‬
‫الشباب الشهوات‪ ،‬وتقوم بنشر التحقيقات الصحفية والمقالت السيئة‬
‫التي تحبذ الفجور والختلط‪ ،‬وممارسة المنكرات وتزين النحلل‬
‫الخلقي‪ ،‬تحت دعاوى التمدين والتقدم‪ ،‬وإتباع الحضارة‪.‬‬
‫‪ -2‬القصص الخليعة التي تدعو إلى ممارسة الجريمة الخلقية‪ ،‬وارتكاب‬
‫الفسوق مع التهوين من شأنه‪ ،‬وإطلق الوصاف الحسنة على‬
‫الفاعلين‪ ،‬واستخدام الكلمات المثيرة في هذا الجانب‪ .‬والفضائيات‬
‫الباحية ودورها في اقتلع جذور كل ما هو إسلمي في المجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬شبكة المعلومات الدولية)النترنت( ودوره في إضاعة الوقات‪،‬‬
‫والّتعرف على صحبة السوء‪ ،‬وزعزعة العقائد والتشكيك فيها‪.‬وتدمير‬
‫الخلق‪ ،‬ونشر الرذائل‪.‬والتعرف على أساليب الباحية والفجور‪ .‬ومن‬
‫م الغرق في أوحال الدعارة والفساد‪.‬والتجسس على السرار‬ ‫ث ّ‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫‪ -4‬تمجيد أهل الفن والخلعة والهوى باعتبارهم القدوة الحسنة للشباب‬
‫والفتيات‪.‬‬
‫‪ -5‬تشويه صورة المسلمين التاريخية الغابرة والحاضرة من خلل‬
‫الفلم والتمثيليات حيث تصور الحداث التاريخية على غير حقيقتها‪،‬‬
‫ويشترك أهل الخلعة في تمثيل أدوار الصحابة والتابعين والخلفاء‬
‫والمراء المسلمين‪ ،‬ويلحظ المتابع للمسلسلت التمثيلية قصص الحب‬
‫وعلقات الغرام المحرمة التي ل تكاد يخلو منها مسلسل تمثيلي‪.‬‬
‫‪ -6‬نشر الفتراءات والكاذيب حول الحكام الشرعية والمبادئ الدينية‬
‫عبر التحقيقات الصحفية والحاديث الذاعية‪ ،‬فمثل ً تم تشويه فريضة‬
‫الحجاب الشرعي‪ ،‬باتهام المحجبات بالتستر وراء الدين‪ ،‬أو الزعم‬
‫بمنافاة الحجاب لروح العصر والحضارة والتمدين‪ ،‬وأن ارتداءه دللة‬
‫على التخلف والرجعية‪.‬‬
‫‪ -7‬الدعوة إلى الختلط في المدارس والجامعات والمؤسسات العامة‪،‬‬
‫والمطالبة بحقوق المرأة في التحرر‪ ،‬والخروج من عصر الجمود‬
‫والتخلف‪ ،‬ومحاولة ربط التخلف العلمي والمادي بالتمسك بالدين‪،‬‬
‫والدعوة إلى الفكار والمناهج الغربية الكافرة‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫‪ -8‬ما تكتبه الصحف في الزاوية المعروفة "أنت والنجوم" أو "برجك‬
‫اليومي" ودورها السيئ في تحطيم عقيدة القضاء والقدر‪ ،‬والساءة إلى‬
‫علم الله عز وجل بالغيب‪.‬‬
‫‪ -9‬الغناء والموسيقى ودورهما في إفساد عقول وقلوب وأذواق أبناء‬
‫المسلمين‪ ،‬من خلل ما تبثه الغاني من سمومها النافثة القاتلة‪.‬‬
‫‪ -10‬الهجوم الشديد على الدعاة والعلماء المسلمين‪ ،‬وتشويه صورتهم‪،‬‬
‫والسخرية منهم بهدف إبعاد الناس عن منارات الهدى والخير‪ ،‬ودعاة‬
‫إقامة دين الله تعالى في الرض‪.‬‬
‫‪ -11‬نشر آراء وأفكار المبشرين والمستشرقين الحاقدين على السلم‪،‬‬
‫مع تمجيدهم وتمجيد كتاباتهم‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬علمنة التشريع)‪:(1‬‬


‫بقيت الشريعة السمملمية ‪-‬بمعناهمما القممانوني‪ -‬تحكممم المجتمعممات‬
‫السمملمية أكممثر مممن ألممف عممام‪ ،‬وتلممبي حاجممات المجتمعممات‪ ،‬وتسمماير‬
‫قضاياها المتجددة‪ ،‬ظلت الشريعة بأصولها وأنظمتها شامخة راسممخة‪ ،‬ل‬
‫تدانيها اجتهادات العقول‪ ،‬ول تقاربها تجارب أوربا القانونية‪ ،‬ولكن نتيجممة‬
‫غفلممة المسمملمين وبجهممود الغممزاة المسممتعمرين وعملئهممم مممن أبنمماء‬
‫المسمملمين طممردت الشممريعة السمملمية مممن ميممادين الحيمماة‪ ،‬ووضممعت‬
‫مكانها شتاتا ً من شرائع الكفار وقمموانينهم‪ ،‬وتعّرضممت الشممريعة الربانيممة‬
‫لحملة ظالمة من التشكيك فمي صملحيتها‪ ،‬ورميهما بمالجمود والتعصمب‪،‬‬
‫والتخلف عن مسايرة الحياة‪.‬‬
‫وتعتبر الهند أول قطر إسلمي تم فيه إلغاء الشريعة السلمية من‬
‫قبل الستعمار البريطاني‪ ،‬إذ اتبع أسلوب التدرج في اللغاء‪ ،‬وفي‬
‫أواسط القرن التاسع عشر لم يبق من أحكام الشريعة سوى ما يتعلق‬
‫بأحكام الزواج والطلق ‪-‬ما يعرف بالحوال الشخصية‪ -‬وعلى منوال‬

‫انظر الغزو الفكري والتيارات المعادية للسلم د‪ .‬عبد الستار فتممح اللمه سمعيد ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 101‬وممما بعممدها‪ ،‬العلمانيممة سممفر الحمموالي ص ‪ ،587-561‬التجاهممات الفكريممة‬


‫المعاصرة ص ‪ ،114-113‬الشباب المسلم والتحديات المعاصرة ص ‪.131-130‬‬

‫‪107‬‬
‫صنيع النجليز في الهند نسجت الحكومات الوطنية العميلة في العالم‬
‫السلمي‪.‬‬
‫ففي تركيا‪ :‬أدت المتيازات الجنبية إلى تغلغل القوانين‬
‫والتشريعات الكافرة داخل دولة الخلفة‪ ،‬فأنشأت المحاكم الخاصة‬
‫برعايا الدول الجنبية‪ ،‬ثم أنشأت المحاكم المختلطة والمحاكم التجارية‪،‬‬
‫وأصدرت القوانين الوضعية‪ .‬وعقب هزيمة تركيا في الحرب العالمية‬
‫الولى أملى الستعمار الغربي عليها شروطه الظالمة التي تمس‬
‫السلم وسيادته وشريعته‪ ،‬والخلفة السلمية‪ ،‬ومن هذه الشروط‪ :‬أن‬
‫تختار تركيا لنفسها دستورا ً مدنيا ً ل دينيا ً بدل الدستور العثماني‬
‫المستمد من أحكام الشريعة السلمية)‪.(1‬‬
‫ومع إلغاء الخلفة السلمية عام ‪1924‬م‪ ،‬تم إصدار قانون مدني‬
‫مستمد من القانون السويسري‪ ،‬وقانون جنائي مستمد من القانون‬
‫اليطالي‪ ،‬وقانون تجاري مستمد من القانون اللماني‪.‬‬
‫وفي مصر‪ :‬أنشأ الخديوي إسماعيل المحاكم المختلطة عام ‪1875‬م‬
‫التي تحكم بالقانون الفرنسي‪ ،‬وبعد احتلل النجليز لمصر عام ‪1882‬م‬
‫أقام النجليز المحاكم الهلية التي تحكم بالقانون النجليزي الذي‬
‫استمدت مواده من القانون الفرنسي‪ ،‬وشرع النجليز في إقصاء‬
‫الشريعة السلمية عن الحكم في المعاملت المالية والتجارية‬
‫والزراعية‪ ،‬والمبادلت والشركات ونحوها‪ ،‬وقصروا القضاء الشرعي‬
‫السلمي على ما سمي بالحوال الشخصية تماما ً كما فعل النجليز في‬
‫الهند‪ .‬وتدعيما ً للقوانين الوربية الكافرة أنشئت مدرسة الحقوق‬
‫م إرسال الطلبة المتفوقين إلى‬ ‫المصرية لدراسة القوانين الوربية‪ ،‬وت ّ‬

‫‪ 1‬بعد هزيمة تركيا سنة ‪1918‬م من قبل الحلفاء‪ ،‬أملت بريطانيمما مممن خلل وزيرهمما‬
‫"كرزن" شروطا ً أربعة على مصطفى كمال أتاتورك‪ ،‬عرفت في التاريخ المعاصر بم م‬
‫"شروط كرزن"‪ ،‬وهي‪ -1 :‬إلغاء الخلفة السلمية نهائي ما ً ‪ -2‬أن تقطممع تركيمما صمملتها‬
‫بالعالم السلمي ‪ -3‬أن تجمد وتشل كل نشاط إسلمي ‪ -4‬أن تختمار تركيما لنفسمها‬
‫دستورا ً مدنيا ً ل دينيًا‪ .‬انظر المخططات الستعمارية لمكافحة السلم محمد محمود‬
‫الصواف ص ‪.128-127‬‬

‫‪108‬‬
‫م يعودوا معاول هدم‬ ‫فرنسا ليستكملوا دراساتهم القانونية‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫للشريعة السلمية ولقد تطورت هذه المدرسة فأصبحت كليات‬
‫الحقوق الجامعية التي تخّرج آلف العاملين في سلك القضاء والنيابة‬
‫والمحاماة‪ ،‬وفي لجان مجالس التشريع الوضعي داخل البرلمانات‬
‫وخارجها‪.‬‬
‫ومع معاهدة إلغاء المتيازات الجنبية عام ‪1937‬م‪ ،‬اشترط‬
‫المؤتمرون الوربيون الكفار‪ ،‬وعلى رأسهم النجليز‪ :‬أن تلغي مصر‬
‫المحاكم الشرعية‪ ،‬وأن تستمد مصر تشريعاتها وقوانينها من التشريع‬
‫والقانون الوربي‪ ،‬وفي سنة ‪1948‬م صدر القانون المدني المصري‬
‫الذي جعل الشريعة السلمية في الدرجة الثالثة بعد التشريع الوضعي‬
‫والعرف الوضعي‪.‬‬
‫وفي عهد حكومة الرئيس جمال عبد الناصر في سنة ‪1955‬م‬
‫‪-‬ألغيت المحاكم الشرعية‪ ،‬وأدخل القانون الوضعي في صلب برامج‬
‫الدراسة بكلية الشريعة بجامعة الزهر وسميت "كلية الشريعة‬
‫والقانون" بعد أن كانت كلية الشريعة‪ .‬وقصد من هذا الفعل‪ :‬جمع‬
‫المتناقضات في منهج واحد‪ ،‬والتقليل من المواد الشرعية السلمية‪،‬‬
‫وتقريب الشقة بين الحق والباطل‪ ،‬وحل عقدة الرفض في الرؤوس‬
‫والنفوس)‪…(1‬ولكن هيهات )أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله‬
‫حكما ً لقوم يوقنون()‪.(2‬‬
‫وهكذا صارت خطة علمنة القانون في البلدان السلمية‪ ،‬حتى‬
‫أصبحت شريعة الكفار "القوانين الوضعية" هي الحاكمة المسيطرة‪،‬‬
‫وشريعة الله تعالى غائبة ومحاربة وصدق رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم عندما قال‪) :‬لتنتقض عرى السلم‪ :‬عروة… عروة‪،‬‬
‫فكلما انتقضت عروة يتشبث الناس بالتي تليها‪ ،‬وأولهن‬
‫نقضا ً الحكم‪ ،‬وأخره ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫ن الصلة(‪.‬‬

‫انظر الغزو الفكري والتيارات المعادية للسلم ص ‪.132‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة المائدة‪.50 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه أحمد في المسند ‪ ،5/251‬وسنده صحيح‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪109‬‬
‫رابعًا‪ :‬العلمنة من خلل الدسائس الفكرية اللدينية)‪:(1‬‬
‫قامت الحكومات اللدينية العميلة بفرض سلطانها الفكري‬
‫اللديني بالترغيب تارة وبالترهيب والقوة تارة أخرى‪ ،‬وأهم ما تحرص‬
‫عليه هذه الحكومات توعية الجيل السلمي الناشئ بالفكر اللديني‪،‬‬
‫والتوجيه اللأخلقي…ليرتبط هذا الجيل بها‪ ،‬ولينقاد لفكارها‬
‫وسياساتها‪ ،‬وينفذ في المستقبل مخططاتها‪ ،‬ويندفع بقوة في الدعوة‬
‫إلى مبادئها‪.‬‬
‫واستعانت الحكومات اللدينية بما اتصفت به من المكر والدهاء‪،‬‬
‫وأساليب الغراء والتضليل‪ ،‬وعاونها في ذلك جماعة من الدباء‬
‫والمفكرين والكتاب والصحفيين‪.‬‬
‫فمن الساليب التي يسلكها دعاة العلمانية في الغراء والفساد‬
‫والتضليل‪-:‬‬
‫ن يتوجه إليهم بالحضارة الغربية والفكار الشيوعية‪ ،‬والزعم‬ ‫م ْ‬‫‪ -‬ترغيب َ‬
‫بأن أصحاب هذه الحضارة والمبادئ ما وصلوا إلى قمة المجد والقوة إل‬
‫بعد أن طرحوا الدين جانبًا‪ ،‬وأبعدوه عن ميدان الحياة‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أساليبهم‪ :‬تمنية الشباب عند التخرج بالوظيفة والجاه والمنصب‬
‫إذا تقبلوا أفكارهم وانتموا إلى أحزابهم ومنظماتهم العلمانية‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أساليبهم‪ :‬تشكيك الشباب في النظم السلمية‪ ،‬كأن يقولوا لهم‪:‬‬
‫إن نظم السلم قد انتهى دورها‪ ،‬واستنفدت أغراضها‪ ،‬ولم تعد صالحة‬
‫لعصر الذرة والعلم وغزو الفضاء‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أساليبهم‪ :‬إقناع الجيل بأن السلم ظلم المرأة وانتقص حقوقها‪،‬‬
‫وحد ّ من حريتها في التعلم والعمل والخروج إلى الشارع‪ ،‬وفرض عليها‬
‫الحجاب‪ ،‬وأعطاها نصف الرجل فمي الميراث‪ ،‬وأعطى الرجمل حق‬
‫القوامة عليها…ول يمكن للممرأة في العصر الحديمث أن تتبوأ المكانة‬
‫اللئقة بها إل إذا حصلت على حقوقها كاملة‪ ،‬وتحرّرت من قيود الدين‬
‫والخلق والعراف والتقاليد الموروثة‪.‬‬

‫الشباب المسلم في مواجهة التحديات ص ‪.128-127‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪110‬‬
‫‪ -‬ومن أساليبهم‪ :‬طرح الشعارات المزّيفة في كل حين‪ ،‬فحينا ً تكون‬
‫المناداة باسم الوطنية وأحيانا ً المناداة باسم القومية‪ ،‬وتارة باسم‬
‫التمدين والتقدمية‪ ،‬وأخرى باسم الشتراكية والمبادئ الثورية‪ ،‬وتارة‬
‫ينادون بتحرير المرأة‪ ،‬وتحرير العامل‪ ،‬وتحرير الفلح‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أساليبهم‪ :‬إطلق القوال الرنانة التي يسّبون فيها الغرب الكافر‬
‫أو الشرق الملحد حتى يتخيل المرء أنهم وطنيون مخلصون‪ ،‬وليسوا‬
‫من العملء الذين باعوا عقولهم وشعوبهم وأوطانهم لعداء الدين‬
‫والوطن‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬محاربة الحركات السلمية تشويه الصحوة‬


‫السلمية)‪:(1‬‬
‫لقد رحل الستعمار الغربي بجنوده وعساكره عن بلد المسلمين‪،‬‬
‫وسّلم زمام المر في هذه البلد لزمرة من أبناء المسلمين الذين رّباهم‬
‫على عينه لتنفيذ أغراضه ومخططاته بعد رحيله العسكري‪ ،‬وتم استبدال‬
‫بعض الحكومات بالنقلبات العسكرية وبقوة الحديد والنار‪ .‬ولقد قامت‬
‫زمرة المفروضين من قبل الغرب بمحاربة الحركات السلمية وإخماد‬
‫الصحوة السلمية أو تشويهها‪.‬‬
‫ويستخدم العلمانيون في تحقيق هذا كله عدة وسائل منها‬
‫‪:‬المحاكمات الظالمة والسجون‪ ،‬والقتل‪ ،‬والمطاردة والنفي‪ ،‬والمنع من‬
‫الوظيفة والعمل‪ ،‬والتضييق في الرزق ووسيلة التهام والسخرية‪،‬‬
‫وأسلوب التشهير‪ :‬فتارة تتهم الحركات بالتآمر على نظام الحكم وأنهم‬
‫يعملون ضد مصلحة الوطن‪ ،‬وتارة ينسبون إليهم المغالة في الدين‬
‫والتطرف‪،‬وأخرى يتهمون بالعمالة لجهة خارجية‪ ،‬وأخرى يقولون عنها‪:‬‬
‫إّنها ل تملك برنامجا ً واضحًا‪ ،‬ول خططا ً عملية في الصلح‪.‬‬
‫والهدف من هذه المحاربة‪ :‬حتى ل يصل دعاة استئناف المجد‬
‫السلمي إلى الحكم‪ ،‬فل يقام حكم الله تعالى في الرض‪ ،‬بل تظل‬
‫شريعة وقوانين الكفار سائدة‪.‬‬

‫الشباب المسلم في مواجهة التحديات ص ‪.130-129‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪111‬‬
‫‪ -‬وحممتى ل تفقممد القمموى الدوليممة مصممالحها السياسممية والقتصممادية‬
‫والعسكرية في بلد السلم‪.‬‬
‫‪ -‬وحتى ل تسري الصحوة السلمية في الجيل المسلم سريان النور‬
‫في الظلم‪ ،‬ول يكون لها النماء والمتداد في أنحاء المعمورة‪.‬‬
‫‪ -‬وحتى يبقى جيل السلم متقبل ً مبادئ الغرب أو مبادئ الشرق‬
‫الشيوعي…بل وعي ول معارضة‪ ،‬ول تمحيص ول نقد‪ ،‬وبالتالي بل‬
‫مقاومة ول جهاد‪.‬‬
‫آثار العلمانية في العالم السلمي‪-:‬‬
‫لقد تركت العلمانيممة آثممارا ً مممدمرة وخطيممرة فممي تفكيممر الفممراد‪،‬‬
‫وحياة الشعوب المسلمة‪.‬‬
‫آثارها في الفراد‪ :‬فمن تركيا‪:‬‬
‫نقدم بعض الفراد كنموذج فقط‪-:‬‬
‫‪ -1‬ضياء كوكب ألب )‪1924-1875‬م(‪:‬‬
‫إنه واحد من أبناء تركيا الذين دعوا إلى سلخ تركيا من ماضيها‬
‫السلمي القريب وتكوينها تكوينا ً قوميا ً خالصًا‪ ،‬وإيثار الحضارة الغربية‬
‫على أساس أنها امتداد للحضارة القديمة التي ساهم التراك ‪-‬على‬
‫زعمه‪ -‬في تكوينها وحراستها ‪ .‬استغل ضياء كوكب ألب وظيفته كأستاذ‬
‫في جامعة أستانبول ومواهبه الشخصية‪ ،‬فاستطاع أن يؤثر بأفكاره‬
‫المريضة في الجيل التركي الجديد‪.‬‬
‫لقد نادى هذا الرجل صراحة بقبول وأخذ الحضارة الغربية‪ ،‬وترك‬
‫الدين السلمي لنه سبب استعبادنا للغرب‪ .‬يقول‪" :‬علينا أن نختار‬
‫ما أن نقبل الحضارة الغربية أو نظل مستعبدين‬ ‫إحدى الطريقتين‪ ،‬إ ّ‬
‫لقوى الغرب‪ ...‬يجب علينا أن نسيطر على الحضارة الغربية لندافع عن‬
‫حريتنا واستقللنا‪ ...‬ليست هناك حضارة مسيحية ول حضارة إسلمية‪،‬‬
‫فكما ل يصح أن تسمى الحضارة الغربية حضارة مسيحية كذلك ل يصح‬
‫أن تسمى الحضارة الشرقية حضارة إسلمية")‪.(1‬‬

‫انظر الصراع بين الفكرة السلمية والفكرة الغربية للندوي ص ‪.275‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪112‬‬
‫‪ -2‬مصطفى كمال أتاتورك)‪:(1‬‬
‫عرف هذا الرجل ‪-‬كما يقول المعجبون به‪ -‬بأنه يثور ويهيج‬
‫بسرعة‪ ،‬شديد الغرام بالناث‪ ،‬والتسلي بشرب الخمور‪ ،‬وعداوته‬
‫الشديد للدين السلمي‪ ،‬وعدم إيمانه بالله تعالى فالله في نظره ل‬
‫حاجة إليه‪ ،‬وعرف أيضا ً بحبه الشديد للغرب وحضارته المادية‪.‬‬
‫تممولى مصممطفى كمممال حكممم تركيمما بعممد المممؤامرة الوربيممة ضممد‬
‫الخلفممة السمملمية فأصممبح يقمموم بأعمممال عدائيممة ضممد السمملم عقيممدة‬
‫وشريعة‪ .‬ونلخص أعماله فيما يلي‪-:‬‬
‫‪ -‬الدعوة إلى إلغاء الشريعة‪ ،‬وإقصاء قضاة المحاكم الدينية‪،‬‬
‫وضرورة إقامة المحاكم الحديثة والمحاكم المدنية على الطراز‬
‫الوربي‪.‬‬
‫‪ -‬طرد الخليفة‪ ،‬وإلغاء الخلفة بالتعاون مع اليهود والنجليز‪.‬‬
‫‪ -‬منع التعليم الشرعي‪ ،‬وإعدام مجموعة من العلماء والمشايخ‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء الحجاب‪ ،‬وفرض السفور والتبرج على النساء‪ ،‬ومنع الرجال‬
‫ارتداء الطربوش‪ ،‬وإلزامهم القبعة الوربية‪.‬‬
‫‪ -‬إلغاء الحروف العربية‪ ،‬وفرض اللتينية‪.‬‬
‫‪ -‬منع الذان بالعربية‪ ،‬وفرضه بالتركية‪،‬وتحطيمه لمئذنة جامع أيا‬
‫صوفيا وتحويله إلى متحف‪.‬‬
‫‪ -‬رمي المصحف على رأس شيخ السلم مصطفى صبري‪.‬‬
‫‪ -‬العمل بالقوانين الوربية‪ :‬القانون المدني السويسري‪ ،‬والقانون‬
‫)‪(2‬‬
‫اليطالي الجنائي‪ ،‬والقانون التجاري النجليزي‪.‬‬
‫ومن مصر‪ -1 :‬رفاعة الطهطاوي)‪:(3‬‬
‫ابتعث الشيخ رفاعمة إلممى بماريس سمنة ‪1826‬م مممن قبممل حماكم‬

‫انظر أقوال وأعمال الرجل‪ :‬السممرار الخفيممة وراء إلغمماء الخلفممة العثمانيممة لشمميخ‬ ‫‪1‬‬

‫السمملم مصممطفى صممبري‪ ،‬الممذئب الغممبر لرمسممترونج‪ ،‬أتمماتورك لعرفممان أوركمما‪،‬‬


‫مذكرات رضا نور‪.‬‬
‫التجاهممات الفكريممة المعاصممرة ص ‪ ،91-87‬السممرار الخفيممة وراء إلغمماء الخلفممة‬ ‫‪2‬‬

‫العثمانية ص ‪.187 ،179 ،172 ،129 ،49‬‬

‫‪113‬‬
‫مصر محمد علي حيث طلب الخير إلى شمميخ الزهممر "الشمميخ العطممار"‬
‫اختيار أزهري للبتعاث إلممى أوربمما‪ ،‬فوقممع الختيممار علممى الشمميخ رفاعممة‪،‬‬
‫وكان يعامل ماليا ً معاملممة اليوزباشممي "نقيممب عسممكري" وصممحبه مممدير‬
‫البعثة الفرنسي مسيو جومار والمستشرق البارون دي سامي‪.‬‬
‫وفي فرنسا تعلم رفاعممة التاريممخ والجغرافيمما والفلسممفة الوربيممة‬
‫والداب الفرنسممية وهنمماك كممان يلتقممي بمجموعممة مممن المستشممرقين‬
‫والعلماء الفرنسيين‪.‬عاد رفاعة إلى بلده مصر‪ ،‬وأّلف عددا ً مممن الكتممب‪،‬‬
‫منهمما‪ :‬مناهممج اللبمماب المصممرية فممي مباهممج الداب العصممرية‪ ،‬المرشممد‬
‫المين للبنات والبنين‪ ،‬تلخيص البريز في وصممف بمماريز ‪-‬يقصممد بمماريس‪-‬‬
‫وفممي هممذه الكتممب طممرح أفكمماره اللدينيممة فممدعا إلممى الوطنيممة‪ ،‬وإلممى‬
‫الفرعونية بديل ً عن السلم‪ ،‬وصّرح بأن الرقممص الغربممي المختلممط نمموع‬
‫من العيافة والشلبنة )الناقممة والفتمموة(‪ ،‬وزعمم أن مدنيممة الغممرب تقمموم‬
‫على نفس أسس مدنية الممدين‪ ،‬وأن عفممة النسمماء ل علقممة لهمما بكشممف‬
‫أجسادهن أو سترها‪ ،‬بل منشأ ذلك التربية الجيدة والخسيسة‪ ،‬وقال عن‬
‫الرقص الفرنسي‪" :‬إنه نمط مخصوص ل يشممم منممه رائحممة العهممر أبممدًا‪،‬‬
‫وكل إنسان يعزم امرأة يرقص معها‪ ،‬فإذا فرغ من الرقص‪ ،‬عزمها آخممر‬
‫للرقصة الثانية‪ ،‬وهكذا سواء كان يعرفها أم ل"‪.‬‬
‫‪ -2‬الدكتور طه حسين‪:‬‬
‫كان طه حسين)‪ (1‬من أبناء الزهر‪ ،‬أرسل إلى فرنسا‪ ،‬فدرس في‬
‫جامعات مونبليه والسربون والكوليج دي فرانس‪ ،‬تعّلم هناك على أيدي‬
‫المستشرقين أمثال‪ :‬كازانوفا ومرجليوت‪ ،‬ودوركايم‪ ،‬وماسينون‪ ،‬ولما‬
‫عاد إلى مصر أخذ بالترويج للثقافة الفرنسية والحضارة الوربية‪ ،‬ودعا‬
‫في كتبه المصريين إلى أخذ الحضارة الغربية حلوها ومرها خيرها‬

‫انظر أقواله وأعماله في كتاب‪ :‬السلم والحضارة الغربية د‪ .‬محمد محمد حسممين‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪.40-18‬‬
‫انظر في معرفة دور طه حسين التغريبي العلماني‪ :‬التجاهات الوطنية فممي الدب‬ ‫‪1‬‬

‫المعاصر ‪ ،242-2/228‬طه حسين حياته وفكره في ميممزان السمملم أنممور الجنممدي‪،‬‬


‫طه حسين مفكرا ً ؟ وعبد المجيد المحتسب‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫وشرها‪ ،‬وما يحب منها وما يكره‪ ،‬وما يحمد منها وما يعاب‪ ،‬وافتخر‬
‫بإعجابه وحبه الشديد بفرنسا وحضارتها‪ ،‬وزعم أنه من السخف الذي‬
‫ليس بعده سخف اعتبار مصر جزءا ً من الشرق‪ ،‬واعتبار العقلية‬
‫المصرية عقلية شرقية‪ ،‬وعرف عنه تقديره للمستشرقين وكتاباتهم‬
‫حول السلم‪ ،‬وأما كتب طه حسين عن السلم فلقد ملها بالتشكيك‪،‬‬
‫وإثارة الشبهات‪.‬‬
‫ويمكن إجمال أفكار وأعمال طه حسين فيما يلي‪-:‬‬
‫‪ -‬زعمه بالتناقض الواضح بين نصوص الكتب الدينية وما وصل إليه‬
‫العلم‪ ،‬وكان يقصد القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -‬تشكيكه فيما حكاه القرآن الكريم من بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما‬
‫ن السلم لم تكن له أولية‬ ‫السلم للكعبة‪ .‬وزعم أّنها رواية خرافية‪ ،‬وأ ّ‬
‫في بلد العرب‪ ،‬أو أنه دين ابراهيم عليه السلم‪.‬‬
‫‪ -‬صّرح بأن الفرعونية متأصلة في نفوس المصريين‪ ،‬وعلى كل‬
‫مصري أن يبقى فرعونيا ً لنه كان فرعونيا ً قبل أن يكون عربيًا‪.‬‬
‫ن المصريين تعرضوا لضروب من البغي والعدوان جاءتهم‬ ‫‪ -‬زعم أ ّ‬
‫من الفرس والرومان والعرب )يقصد الفاتحين المسلمين(‪.‬‬
‫‪ -‬النسان يستطيع أن يكون مؤمنا ً وكافرا ً في وقت واحد‪ ،‬مؤمنا ً‬
‫بضميره‪ ،‬وكافرا ً بعقله‪.‬‬
‫‪ -‬علينا أن نسير سيرة الغربيين ونسلك طريقهم‪ ،‬ونأخذ حضارتهم بكل‬
‫حذافيرها‪.‬‬
‫‪ -‬وصف القرن الثاني الهجري بأنه عصر شك ومجون‪ ،‬وانتقص قدر‬
‫الرعيل الول من الصحابة الكرام‪ ،‬ووضعه موضع النقد‪ ،‬وأشاع‬
‫السطورة في السيرة النبوية‪.‬‬
‫‪ -‬تفاخره بتبعيته للستشراق والتبشير والتغريب‪.‬‬
‫‪ -‬دعا إلى العلمانية‪ ،‬وإلغاء التعليم الديني‪.‬‬
‫‪ -‬تابع المبشرين في قولهم ببشرية القرآن‪ ،‬وأنكر القراءات السبع‪.‬‬
‫‪ -‬لقد كانت جملة آرائه وأفكاره مسروقة من فكر المستشرقين‬
‫والمبشرين‪ ،‬فكتابه الشعر الجاهلي أخذ نظريته من مرجليوت‪ ،‬ورأيه في‬

‫‪115‬‬
‫المتنبي أخذ نظريته من بلشير‪ .‬ومذهبه في النقد أخذ نظريته من تين‬
‫وبرودينر‪ ،‬وبحثه عن ابن خلدون أخذه من دوركايم‪ ،‬واتجاهه في حديث‬
‫)‪(1‬‬
‫الربعاء أخذه من سانت بيف‪.‬‬
‫ن اللجنة العلمية للزهر الشريف التي ضمت‬ ‫ونّنوه هنا بأ ّ‬
‫دمت تقريرا ً للزهر حول كتاب الشعر‬ ‫مجموعة من كبار العلماء ق ّ‬
‫الجاهلي لطه حسين‪..‬جاء فيه‪":‬والكتاب مملوء بروح اللحاد والزندقة‪،‬‬
‫وفيه مغامز عديدة ضد الدين مبثوثة فيه‪...‬والمتأمل فيه يجده دعامة‬
‫من دعامة الكفر‪ ،‬ومعول ً لهدم الديان‪ ،‬وكأّنه ما وضع إل ليأتي عليها من‬
‫أصولها‪ ،‬وبخاصة الدين السلمي"‪(2).‬‬

‫‪ -3‬قاسم أمين‪:‬‬
‫قاسم أمين)‪ (3‬واحد من تلميذ الشيخ محمد عبده‪ ،‬درس في‬
‫جامعة مونبليه الفرنسية وهناك تعّرف على الحياة الوربية وما فيها من‬
‫انحلل وابتذال وفساد أخلقي واجتماعي وهناك تعّرف على فتاة‬
‫فرنسية تدعى "سلفا" صاحبته في تنقلته في المجتمعات والنوادي‬
‫الفرنسية‪ ،‬عاد قاسم أمين إلى مصر‪ ،‬وهو يحمل في رأسه أفكارا ً‬
‫جديدة أعجب بها كل من سعد زغلول ومصطفى كامل وأحمد لطفي‬
‫السيد وعلي شعراوي زوج زعيمة الحركة النسائية هدى شعراوي‪،‬‬
‫وغيرهم‪،‬ممن قال عنهم اللورد كرومر‪":‬أسميهم حبا ً في الختصار أتباع‬
‫المرحوم المفتي السابق الشيخ محمد عبده"‪.‬‬
‫ّ‬
‫أّلف قاسم أميممن كتممابيه‪ :‬تحريممر المممرأة ‪1899‬م‪ ،‬والمممرأة الجديممدة‬
‫‪1900‬م‪ ،‬وفيهما نفممث أفكمماره وعممرض أراءه الممتي يمكممن إجمالهمما فممي‬

‫‪ -1‬انظر طه حسين حياته وفكممره فممي ميممزان السمملم للجنممدي ص ‪ ،35-33‬م ‪-231‬‬
‫‪.235‬‬
‫‪ -2‬قوى الشر المتحالفة –الستشراق‪ -‬التبشير‪-‬الستعمار‪ -‬محمد محمد الدهمان‪،‬‬
‫دار الوفاء‪ ،‬المنصورة الطبهة الثانية ‪1408‬هم‪1988 -‬م ص ‪.59‬‬
‫انظر أفكاره وآراءه‪ ،‬قاسمم أميممن‪ :‬ممماهر حسممن فهمممي‪ ،‬التجاهممات الوطنيممة فممي‬ ‫‪3‬‬

‫الدب المعاصر د‪ .‬محمد محمد حسين ‪.311-1/293‬‬

‫‪116‬‬
‫التي‪-:‬‬
‫وق الرجل البدني سببه‬ ‫‪ -‬يجب مساواة المرأة بالرجل‪ ،‬وأن تف ّ‬
‫استعمال العضاء‪.‬‬
‫‪ -‬إن النتقاب والتبرقع ليسا من المشروعات السلمية‪ ،‬ل للتعبد ول‬
‫للدب بل هما من العادات القديمة السابقة على السلم والباقية بعده‪،‬‬
‫والدين منهما براء‪.‬‬
‫‪ -‬إن الحجاب عائق عن التقدم‪ ،‬ومدعاة للرذيلة وغطاء للفاحشة‪،‬‬
‫والختلط يهذب النفس‪ ،‬ويميت دوافع الشهوة‪.‬‬
‫‪-‬الختلط بين الجنسين في الجتماعات يسبغ عليها عذوبة ورقة‪،‬‬
‫سحر الذي تشيعه المرأة في كل مكان توجد فيه شيء ممتع‪ ،‬ونفاذ‬ ‫فال ّ‬
‫كعطور الزهور‪.‬‬
‫‪ -‬طالب بمنع تعدد الزوجات‪ ،‬والكتفاء بزوجة واحدة‪.‬‬
‫‪ -‬عدم وقوع الطلق إل إذا كان أمام القاضي‪ ،‬وفي وثيقة رسمية‬
‫بحضور شاهدين‪.‬‬
‫‪ -‬الدعوة إلى أخذ الحضارة الوروبية‪ ،‬وإصلح الحوال السلمية على‬
‫أسس من العلوم العصرية‪ ،‬وقد طّبق قاسم أمين ذلك عمليا ً إذ أحضر‬
‫لبنتيه مربيتين‪ ،‬إحداهما فرنسية والخرى إنجليزية‪..‬ولقد مات قاسم‬
‫دم طالبات‬ ‫أمين بالسكتة القلبية يوم ‪ 23‬أبريل ‪1908‬م‪ ،‬وهو ُيق ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫رومانيات في نادي المدارس العليا‪.‬‬

‫آثار العلمانية في الجتماع والخلق)‪:(2‬‬


‫جوا‬
‫أدخل العلمانيون المرأة كسلح في المعركة ضد السلم‪ ،‬وز ّ‬
‫بها في جحيم الشقاوة‪ ،‬تحت شعارات خادعة براقة بدعوى التحرر من‬
‫عصور الظلم‪ ،‬والتحضر والتمدين‪ ،‬واللحوق بالركب الحضاري‬
‫دمت قربانا ً رخيصا ً على‬
‫المعاصر‪ ،‬لقد بيعت المرأة سلعة رخيصة‪ ،‬وق ّ‬

‫العلمانية سفر الحوالي ص ‪.629-627‬‬ ‫‪1‬‬

‫الشباب المسلم في مواجهة التحديات ص ‪ ،144‬العلمانية سفر الحوالي ص ‪621‬‬ ‫‪2‬‬

‫وما بعدها‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫مذابح دعاة الوجودية والباحية‪ ،‬وأبواق الميوعة والتحلل‪ ،‬وكل ذلك‬
‫لسحق كرامة المرأة والقضاء على شرفها وعفتها‪ ،‬وإخراجها عن‬
‫رسالتها الكريمة‪ :‬كأم فاضلة‪ ،‬وزوجة وفية‪ ،‬ومربية رائدة‪ ،‬وعنصر خير‬
‫في مجتمع نظيف كريم‪.‬‬
‫اجتاحت موجات الميوعة والنحلل بلدان المسلمين‪،‬‬
‫حيث‪:‬خرجت المرأة المسلمة سافرة حاسرة متبرجة بشكل يدعو إلى‬
‫الفتنة والغراء‪ ،‬وحدث الختلط بين المرأة والرجل في المدارس‬
‫والجامعات والمؤسسات والوظائف‪ ،‬وأبيحت الخمور في الحانات‬
‫والنوادي والمتنزهات‪ ،‬وانتشرت صالت الرقص‪ ،‬والمسابح المختلطة‪،‬‬
‫وعرفت بلدان المسلمين‪ :‬أولد الزنا ودور اللقطاء‪ ،‬وقتل الجنة من‬
‫خلل ما يسمى بالجهاض‪ ،‬وراجت المخدرات والمسكرات‪ ،‬وظهرت‬
‫ن جديدة من الفواحش والموبقات‪.‬‬ ‫ألوا ٌ‬

‫آثارها في الحياة السياسية والحكم)‪:(1‬‬


‫تم إقصاء القرآن عن دفة الحكم‪ ،‬غيبت الشممريعة السمملمية عممن‬
‫أنظمة الحياة‪ ،‬وحبست في المسجد والمحاكم الشرعية التي تبممت فممي‬
‫صممب بعممض النمماس أنفسممهم آلهممة يش مّرعون‬
‫قضايا الممزواج والطلق‪ ،‬ون ّ‬
‫للناس ما تمليه عليهم أهواؤهم ومصالحهم وممما تمليممه عليهممم شممياطين‬
‫الجن والنس‪.‬‬
‫لقد تمكنت النظريات السياسية اللدينية الغربية من الحياة‬
‫السلمية فأفسدتها‪ ،‬فالديمقراطية أخذوا بها كنظام سياسي لبلدهم‪،‬‬
‫وهي تقرر مبدأ حاكمية مجموعة من الناس بدل حاكمية الله تعالى‪:‬‬
‫)إن الحكم إل لله()‪) (2‬أل له الخلق والمر()‪.(3‬‬

‫الشباب المسلم في مواجهة التحديات ص ‪ ،145-144‬العلمانية سفر الحوالي ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 561‬وما بعدها‪.‬‬
‫سورة يوسف‪.40 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة العراف‪.54 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪118‬‬
‫لقد تمّزقت الوحدة السلمية التي كانت تجمع الشعوب المسلمة‪،‬‬
‫فانقسمت البلد إلى دويلت وأجزاء‪ ،‬وصارت معظمها ألعوبة بيد القوى‬
‫الدولية الكبرى‪.‬‬
‫ومن آثار العلمانية في بلد المسلمين‪ :‬رواج الشعارات‬
‫والمصطلحات والتعابير التي أفرزتها الثقافة الوربية‪ ،‬ومنها‪ :‬الثورة‬
‫والثورة المضادة والدفع الثوري‪ ،‬التقدمية والرجعية‪ ،‬والمبريالية‬
‫واليسارية‪ ،‬الجبهة التقدمية والجبهة والوطنية‪ ،‬اليمين واليسار‬
‫البرجوازية والرستقراطية‪ ،‬الرهاب والتطرف والصولية‪ ،‬السلم‬
‫المعتدل والسلم المتشدد وغيرها من التعبيرات التي رددها الببغاويون‬
‫في عالمنا السلمي دون نقد أو تمحيص‪.‬‬
‫وكما تمزقت البلدان السلمية تمزقت المة السلمية إلى أحزاب‬
‫وشيع ذات عقائد وأفكار متناقضة‪ ،‬أكثرها يعادي السلم‪ ،‬ويعطي الولء‬
‫للكفار‪):‬يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء‬
‫)‪(1‬‬
‫بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم(‬
‫لقد شاعت النعممرات الجاهليممة‪ ،‬والنزعممات القبليممة‪ ،‬وأبعممد الجيممل‬
‫المسلم عن منهج اللممه تعممالى‪ ،‬وتممم إغممراق الكممثير منهممم فممي الميوعممة‬
‫والنحلل‪ ،‬وزرع اللحاد والتشكيك في كثير من المجتمعات السلمية‪.‬‬
‫وماذا جنبينا من وراء ذلك‪-:‬‬
‫* جنينا انحسار الكيان السياسي الكبير عن أرض السلم‪ ،‬وانقسام‬
‫البلد السلمية إلى دويلت صغيرة متعادية متصارعة‪.‬‬
‫* وجنينا إلغاء الخلفة رمز العزة والقوة والوحدة السلمية‪.‬‬
‫* وجنينا انحياز الحكومات إلى سياسات أوربا وأمريكا‪.‬‬
‫* وجنينا موت الوازع اليماني في نفوس الجيال المسلمة الناشئة‪.‬‬
‫* وجنينا انتشار الجريمة والميوعة‪ ،‬والمبادئ الضالة‪ ،‬والفكار‬
‫اللدينية في بلد السلم‪.‬‬
‫* وجنينا تسلط اليهود على القدس والمسجد القصى والرض‬
‫المباركة حوله‪ ،‬والمواقع الستراتيجية من الحصون والقلع المسلمة‪.‬‬

‫سورة المائدة‪.51 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪119‬‬
‫* وجنينا الذلة والتخلف والتقهقر في الشعوب المسلمة التي كانت‬
‫خير أمة أخرجت للناس‪ ،‬وكانت القدوة في العطاء الحضاري‪.‬‬
‫* وأخيرا ً جنينا سيادة القوانين الكافرة‪ ،‬والتشريع للبرلمانات‪ ،‬والحكم‬
‫للدينية‪ ،‬وتنفيذ المخططات الصليبية والشيوعية واليهودية في‬
‫)‪(1‬‬
‫المجتمعات السلمية‪.‬‬

‫آثارها في الحياة القتصادية)‪:(2‬‬


‫ابتزاز الموال عن طريق المصارف والبنوك الربوية‪ ،‬وإقامة‬
‫شركات التأمين القائمة على الستغلل والجشع‪ ،‬وإنشاء الملهي‬
‫والمسارح ودور السينما لمتصاص الموال عن طريق الجنس والرقص‬
‫والغناء والفلم الخليعة‪.‬‬
‫لقد أصبحت البلد السلمية أسواقا ً تجارية لمنتجات الغرب‬
‫الرأسمالي‪ ،‬أو الشرق الشيوعي‪ ،‬دون التخطيط والعمل الجاد من أجل‬
‫إقامة المصانع الكبرى الوطنية‪ ،‬وأصبحت كثير من البلدان السلمية ل‬
‫تستطيع العيش إل باستيراد القمح المريكي والمنتجات الوربية‪.‬كما‬
‫أصبحت هذه البلدان غارقة في الديون الربوية بصورة مذهلة تثقل‬
‫كاهل الوطن والمواطن‪.‬‬
‫ذلكم حاضر العالم السلمي بعد أن ألغيت الخلفة السلمية‪،‬‬
‫وأبعدت الشريعة الربانية عن الحكم والسلطان‪ ،‬واستيراد اللدينية‬
‫الغربية منهجا ً ونظاما ً للحياة‪.‬‬
‫ورحم الله الشاعر المسلم محمد إقبال‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬
‫حي دينما‬
‫ول دنيما لممن لم ي ُ ْ‬ ‫إذا اليمان ضاع فل أممان‬
‫فقمد جعممل الفناء له قرينما‬ ‫ومن رضي الحياة بغير ديمن‬

‫‪ -1‬انظر الشباب المسلم في مواجهة التحديات ص ‪.149-131‬‬


‫‪ -2‬انظر الشباب المسلم في مواجهة التحديات ص ‪.146‬‬

‫‪120‬‬
‫موقف السلم من العلمانية)‪:(1‬‬
‫إذا كانت علقة العلمانية بالدين علقة سلبية‪ ،‬لكونهمما تبعممد الممدين‬
‫عن المجتمع والحياة‪ ،‬وعممن الدولممة والحكممم‪ ،‬وتبقيممه حبيسما ً فممي نفممس‬
‫الفرد‪ ،‬ل يتجاوز علقته الخاصة بينممه وبيممن ربممه‪ ،‬فالسممؤال الممذي يطممرح‬
‫نفسه‪ :‬هل يمكن أن تتعايش العلمانية مع السلم؟‬
‫والجابة عن السؤال ل تحتاج إلممى كممبير عنمماء‪ ،‬فإنهمما ل يمكممن أن‬
‫تتعايش مع السلم الذي أنزله الله تعالى كممي يحتكممم إليممه النمماس فممي‬
‫جميع شئون حياتهم‪ ،‬فالسلم نظام شامل للحيمماة‪ ،‬وإذا كممان يمكممن أن‬
‫تقبل السلم عقيدة في نفس الفرد‪ ،‬فإنها ل تقبل هذه العقيدة أساسمما ً‬
‫للولء والنتماء‪ ،‬ورابطة وحيدة للتجمع‪ ،‬ول ترى أن من موجبات العقيدة‬
‫اللتزام بحكم الله ورسوله‪.‬‬
‫وإذا كان يمكن أن تقبل العلمانية السلم عبادة ونسكًا‪ ،‬لكن‬
‫بشرط أن يكون شأنا ً موكول ً إلى الفراد‪ ،‬ل على أن ترعاه الدولة‬
‫وتحاسب عليه‪ ،‬وإن كانت تقبله أخلقا ً وآدابا ً شمخصية للفمرد‪ ،‬ل يمس‬
‫التيمار العام للمجتمع‪ ،‬فالعلمانيمون يرغبمون في أن تسمود العادات‬
‫والتقاليد الغربية في اللباس والطعام والمسكن والزينة ونحوها في‬
‫مجتمعاتنا السلمية‪ ،‬ل يرغبون في أن يقيد المجتمع المسلم بأحكام‬
‫الحلل والحرام التي جاءت في الكتاب والسنة‪ ،‬فهل هناك واحد من‬
‫العلمانيين مثل ً يرغب في أن يسود الحجاب الشرعي حياة المرأة‬
‫المسلمة في الشوارع والسواق ومعاهد الدراسة‪.‬‬
‫كيف تتعايش العلمانية مع السلم وهي تقف بكل صراحة وقوة‬
‫ضد الشريعة التي تنظم بأحكامها وأنظمتها وآدابها الحياة السلمية‪،‬‬
‫سواء فيما يتعلق بحياة الفرد أو السرة أو المجتمع أو الدولة‪ ،‬إن‬
‫شريعتنا السلمية تغنينا بأنظمتها وأحكامها من استيراد القوانين من‬
‫البلد الغربية‪ .‬إن السلم يرفض هذه القوانين الوضعية المستوردة‬
‫والعلمانية تقبلها وترّوج لها وترفض شريعة الله تعالى‪ ،‬فكيف تتعايش‬
‫العلمانية مع السلم‪.‬‬

‫‪ -1‬السلم والعلمانية وجها ً لوجه د‪ .‬يوسف القرضاوي ص ‪.119-103‬‬

‫‪121‬‬
‫كيف يجوز لمسلم أن يقول إن السلم ل يعادي العلمانية أو أن‬
‫العلمانية ليست مضادة للعقيدة‪ ،‬والعلمانية تقول‪ :‬ل دين في السياسة‬
‫ول سياسة في الدين‪ ،‬وهي تقول‪ :‬إن القتصاد ل علقة له بالدين‪،‬‬
‫والفن ل علقة له بالدين‪ ،‬وشئون الحكم ل علقة لها بالدين وهي تقول‬
‫باختصار‪ :‬ل حكم لله في أي شأن من شئون الحياة النسانية‪.‬‬
‫إن الحتكام إلى شريعة الله واجب شرعي‪ ،‬ول يمكن أن يكون‬
‫المرء مسلما ً إذا أخذ من السلم ما يوافق هواه‪ ،‬ورفض منه يخالف‬
‫هواه‪ ،‬ول يمكن أن يكون مسلما ً إذا آمن ببعض الكتاب وكفر ببعضه‬
‫قال تعالى‪):‬وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع أهواءهم‬
‫واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك()‪ ،(1‬وقال‪:‬‬
‫)ول تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله()‪ ،(2‬وقال تعالى‪:‬‬
‫)أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من‬
‫يفعل ذلك منكم إل خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة‬
‫)‪(3‬‬
‫يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون(‪.‬‬
‫ن العلمانية تناصب السلم العداء‪ ،‬لن أنظمته وتشريعاته‬ ‫إ ّ‬
‫تشمل جوانب الحياة المختلفة‪ ،‬والسلم يناصبها العداء لنها تنازعه‬
‫سلطانه الشرعي في قيادة سفينة المجتمع وتوجيه دفتها وفقا ً لوامر‬
‫الله ونواهيه‪.‬‬
‫إذا ً العلمانية هي الجاهلية بعينها‪ ،‬قال تعالى‪) :‬أفحكم الجاهلية‬
‫يبغون ومن أحسـن مـن الله حكما ً لقـوم يوقنون()‪ ،(4‬ويقول‬
‫صلى الله عليه وسلم‪):‬من دعـا بدعوى الجاهلية فهـو في جثي‬
‫جهنم(‪ ،‬قالوا‪ :‬وإن صام وصلى‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪):‬وإن‬
‫صام وصلى وزعم أنه مسلم()‪.(5‬‬

‫سورة المائدة‪.49 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة ص‪.26 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة البقرة‪.85 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة المائدة‪.50 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪122‬‬
‫ماذا تريد العلمانية من السلم؟‬
‫ن العلمانيممة تريممد مممن السمملم أن يعممتزل حيمماة النمماس السياسممية‬ ‫إ ّ‬
‫والقتصادية والجتماعية والتشريعية‪ ،‬وأن ينزوي في زاوية له في بعممض‬
‫داها ول يتجاوزها‪ ،‬فمث ً‬
‫ل‪-:‬‬ ‫جوانب الحياة ل يتع ّ‬
‫* تريد منه أن يقنع بالحديث الديني في الذاعة والتلفاز‪ ،‬وأن يقنع‬
‫بالصفحة الدينية في الصحيفة يوم الجمعة‪ ،‬ويوم المناسبات الدينية‪.‬‬
‫* تريد منه أن ل يتدخل في الشئون التشريعية والقانونية‪ ،‬بل يقنع‬
‫بقانون الحوال الشخصية في قوانين الدولة‪.‬‬
‫* تريد منه أن يقنع بالمسجد من مؤسسات الدولة‪ ،‬وبوزارة‬
‫الوقاف في وزارات الدولة‪ ،‬وفي بعض الدول السلمية أقصت كثير‬
‫من أحكام الشريعة السلمية والمتعلقة بشؤون السرة‪.‬‬
‫* تريد منه أن ل يتدخل بأحكامه وتشريعاته في شئون المرأة إل‬
‫فيما يتعلق بالزواج والطلق‪ ،‬وأخيرا ً تم اعتداء العلمانية على هذه‬
‫الحكام‪.‬‬
‫* تريد منه أن يقنع بحصة للدين في المدرسة‪.‬‬
‫ن العلمانية تريد من السلم ذلك‪ ،‬ول ترضى عنه إذا أراد أن‬ ‫إ ً‬
‫يتجاوز هذه الحدود وإل اصطدمت معه‪ ،‬وناصبته العداء وحاربته بكل‬
‫طاقاتها)‪.(1‬‬
‫ن العلمانية دعوة مرفوضة‪ ،‬ونبتمة خبيثمة‪ ،‬لمم تنبمت فمي أرضمنا‪،‬‬ ‫إ ً‬
‫ولم تنبع من عقائدنا وقيمنمما وأخلقنما‪ ،‬إنهما غريبممة عّنما‪ ،‬وسمتظل كمذلك‬
‫مرتبطة في أذهاننا وقلوبنا بالستعمار الغربممي‪ ،‬الممذي نبتممت فممي أرضممه‬
‫وفرضها علينا دون إرادة مّنا ول اختيار‪.‬‬

‫رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح غريب‪ ،‬ورواه ابن خزيمة وابن حبممان فممي‬ ‫‪5‬‬

‫صحيحيهما‪ ،‬والحاكم في المستدرك‪.‬‬


‫‪ 1‬السلم والعلمانية وجها ً لوجه ص ‪.105-103‬‬

‫‪123‬‬
‫حكم السلم في دعاة العلمانية‪-:‬‬
‫وإذا كانت حقيقة العلمانية‪ ،‬ولب معناها رفض الدين وإبعاده‬
‫وإقصائه عن جوانب الحياة السياسية والقتصادية والفكرية والخلقية‬
‫والجتماعية وعن التشريع‪ ،‬فإن العلماني ينتهي أمره إلى الكفر‬
‫البواح والعياذ بالله‪ ،‬لنه ينكر جملة معلومات من الدين بالضرورة‪،‬‬
‫ينكر القطعيات التي ثبتت بالتواتر اليقيني‪ ،‬وينكر ما أجمعت عليها المة‬
‫ن العلماني الذي يرفض تحكيم الشريعة السلمية‪ ،‬ويرى‬ ‫السلمية‪..‬إ ً‬
‫عدم مواكبتها لروح العصر والحضارة‪ ،‬ليس له من السلم إل‬
‫اسمه‪ ،‬وهو مرتد عن الدين بيقين‪ ،‬يجب أن يستتاب‪ ،‬وأن‬
‫تزاح عنه الشبهة‪ ،‬وتقام عليه الحجة‪ ،‬وإن بقي على اعتقاداته الباطلة‬
‫حكم القضاء بردته‪ ،‬وجرده من انتمائه إلى السلم‪ ،‬وفّرق بينه وبين‬
‫)‪(1‬‬
‫زوجه وأولده‪ ،‬وأجرى عليه أحكام المرتدين في الحياة وبعد الوفاة‪.‬‬

‫انظر السلم والعلمانية وجها ً لوجه ص ‪.74-73‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪124‬‬
‫ثانيـًا‪:‬القومـيـة‬

‫ن فكرة القومية قديمة قدم الجتماع البشري‪ ،‬ولكنها تسمى‬ ‫إ ً‬


‫قديما ً "العصبية" فالعصبية كانت تجمع أفراد القبيلة الواحدة في تكتل‬
‫واحد‪ ،‬وكان العرب قبل السلم تسود فيهم ‪-‬وبصورة جامحة‪ -‬العصبية‬
‫القبلية والدموية‪ ،‬وكان أساسها جاهليا ً تتمثله الجملة المأثورة عنهم‪:‬‬
‫)انصر أخاك ظالما ً أو مظلومًا(‪ ،‬فكانوا يتناصرون ظالمين أو‬
‫مظلومين وبسبب الروح العصبية نشبت حروب وأريقت دماء غزيرة‪،‬‬
‫منها حرب داحس والغبراء وحرب البسوس‪.‬‬
‫ولما قامت دولة السلم الفتية على يد رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم تم القضاء على النعرات والدعوات القبلية والقومية‪ ،‬آخى‬
‫عليه الصلة والسلم بين المهاجرين والنصار على أساس رابطة الخوة‬
‫اليمانية )إنما المؤمنون إخوة()‪ ،(1‬وليس على أساس آصرة أخرى‪،‬‬
‫آخى بين بلل بن رباح الحبشي وخالد بن رويحة الخثعمي العربي‪ ،‬وبين‬
‫موله زيد وعمه حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬وبين خارجة بن زيد وأبي بكر‬
‫الصديق‪ ،‬وبين عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان‪ .‬وقّرب عليه الصلة‬
‫والسلم سلمان الفارسي فقال‪) :‬سلمان منا آل البيت(‪ ،‬وجعل بلل ً‬
‫ي على الصلة‪.‬‬ ‫السود الحبشي مؤذنا ً ينادي ح ّ‬
‫م صلى الله عليه وسلم العصبية فقال‪) :‬ليس منا من دعا‬ ‫وذ ّ‬
‫إلى عصبية‪ ،‬وليس منا من قاتل على عصبية()‪ ،(2‬وقال صلى‬
‫مّية يدعو عصبية أو ينصر‬ ‫الله عليه وسلم‪):‬من قتل تحت راية ع ّ‬
‫عصبية‪ ،‬فقتلته جاهلية()‪ .(3‬ولما تنازع اثنان من المسلمين وأرادا‬
‫أن يثيرا العصبية فنادى النصاري‪ :‬يا للنصار‪ ،‬ونادى المهاجري‪ :‬يا‬

‫سورة الحجرات‪.10 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه أبو داود وهو حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه مسلم والنسائي‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪125‬‬
‫للمهاجرين‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم غاضبًا‪):‬أبدعوى الجاهلية وأنا‬
‫)‪(1‬‬
‫بين أظهركم(‪.‬‬
‫لقد ألغى السلم كل أنواع التفاضل بين القوميات‪ ،‬وأثبت معيارا ً‬
‫واحدا ً للتفاضل أل وهو تقوى الله تعالى‪ ،‬قال الله تعالى‪) :‬يا أيها‬
‫الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ً وقبائل‬
‫لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم()‪ ،(2‬وفي وصيته يوم حجة‬
‫الوداع أكد صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الكريم فقال‪):‬كلكم لدم‬
‫وآدم من تراب‪ ،‬ل فضل لعربي على عجمي‪ ،‬ول لعجمي‬
‫على عربي‪ ،‬ول لبيض على أسود‪ ،‬ول لسود على‬
‫أبيض‪...‬إل بالتقوى(‪.‬‬
‫مت أرض‬ ‫وعلى عهد الخلفاء الراشدين ‪-‬رضي الله عنهم‪ -‬ض ّ‬
‫السلم قوميات شتى‪ :‬العرب والروم والفرس والحباش وغيرهم‪ ،‬فما‬
‫ضل أحد لجنسه أو لونه‪ ،‬بل‬ ‫ضل عربي على أعجمي لعروبته وما فُ ّ‬ ‫فُ ّ‬
‫كان الفضل بعد التقوى للعمل الصالح‪ ،‬وعرفت علوم السلم في‬
‫فروعها المختلفة‪ ،‬فقهاء وعلماء من المصار ليس فيهم من العرب إل‬
‫النزر اليسير)‪.(3‬‬
‫وفي العصر الحديث عرفت أوربا فكرة القومية‪ ،‬ثم تخّلت عنها‬
‫بعد أن اكتوت بنارها‪ ،‬ولكن المة السلمية ابتليت بها‪ ،‬إذ ظهرت‬
‫القومية الطورانية‪ ،‬والقومية العربية والقومية الكردية‪ ،‬والقومية‬
‫الفارسية‪ ،‬وأشدها فتنة كانت القومية الطورانية والقومية العربية اللتان‬
‫كانتا سببا ً في إلغاء الخلفة السلمية وإلغاء فكرة الجامعة السلمية‪.‬‬
‫وفي الصفحات القليلة القادمة نعالج موضوع القومية من حيث‬
‫التعريف بها‪ ،‬وبيان نشأتها في أوربا وفي العالم العربي‪ ،‬ثم بيان‬
‫تجاوزات الفكر القومي ومقولته‪ ،‬وأخيرا ً نبّين موقف السلم من دعوة‬
‫القومية‪.‬‬

‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الحجرات‪.13 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫أساليب الغزو الفكري للعالم السلمي د‪ .‬علي جريشة وزميله ص ‪.75‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪126‬‬
‫تعريف القومية‪:‬‬
‫القومية مصدر صناعي‪ ،‬مقيس على ما تواضع عليه العرب‬
‫المعاصرون على اشتقاقه من لفظة "قوم" بإضافة ياء النسب وتاء‬
‫التأنيث‪ .‬هذا في اللغة‪ ،‬وهي ترجمة للصطلح الغربي ‪.(1)Nationalism‬‬
‫وأما في الصطلح‪ :‬هي ظاهرة يشعر فيها أبناء الصل‬
‫العرقي الواحد "القوم" واللغة الواحدة بالولء الواحد‬
‫المشترك‪ ،‬وإن تعددت أرضهم وتفرقت أوطانهم واختلفت أديانهم‪...‬‬
‫والقومية في النهاية معنية بالسعي إلى توحيد الوطن‪ ،‬بحيث يكون‬
‫لبناء القومية الواحدة وطن شامل يجتمعون فيه‪ ،‬لكن الولء يبقى‬
‫للقومية أص ً‬
‫ل‪ ،‬ولو لم تتحقق وحدة الرض)‪.(2‬‬
‫ويعرفها الديب والكاتب المصري د‪ .‬محمد محمد حسنين بقوله‪:‬‬
‫القومية تعبر عن ظاهرة برزت في المجتمعات الغربية في‬
‫ور وعيا ً جديدا ً يمجد جماعة محدودة‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬تص ّ‬
‫من الناس‪ ،‬يضمها إطار جغرافي ثابت‪ ،‬ويجمعها تراث‬
‫مشترك‪ ،‬وتنتمي إلى أصول عرقية واحدة)‪.(3‬‬

‫نشأة القومية‪-:‬‬
‫يكاد يجمع الباحثون أن القومية كظاهرة وفكرة ودعوة ظهرت‬
‫في بلد الغرب بعد انكسار موجة التسلط الكنسي التي سادت أوربا‬
‫عدة قرون‪ .‬وبيان ذلك‪:‬أن العتداد الشديد بالشعب والموقع الجغرافي‬
‫من خصائص الطبع الوربي‪ ،‬ولكن النصرانية قهرت هذه الطبيعة‪ ،‬إذ أن‬
‫دخول المبراطورية الرومانية ‪ -‬التي كانت تجمع قوميات شتى ولغات‬
‫وأجناس شتى ‪ -‬في المسيحية قد أنشأ ‪ -‬ولفترة من الوقت ‪ -‬لونا ً من‬
‫التجمع الشعوري‪ ،‬وقد كان الهدف الحقيقي للمبراطور قسطنطين من‬

‫انظر السلم والحضارة الغربية ص ‪.224 ،195‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر مذاهب فكرية معاصرة لمحمد قطب ص ‪.554‬‬ ‫‪2‬‬

‫السلم والحضارة الغربية ص ‪.195‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪127‬‬
‫اعتناق المسيحية هو توحيد المبراطورية التي كانت توشك على‬
‫التمزق والفتراق)‪.(1‬‬
‫لقد جعلت النصرانية إذا ً من المم الوربية عالما ً واحدًا‪،‬‬
‫وأخضعت الكنيسة اللتينية الشعوب لسيادتها‪ ،‬فغلبت الكنيسة القومية‬
‫والنعرة الوطنية التي كانت تسري في العنصر الوربي‪.‬‬
‫ولكن النصرانية لم تستطع أن تحافظ على قوتها وسطوتها‪،‬‬
‫وبالتالي على بقاء المم والشعوب والقوميات المختلفة في بوتقة‬
‫واحدة‪ ،‬إذ تعرضت الكنيسة اللتينية الكاثوليكية إلى زلزال أحدث فيها‬
‫خورا ً وضعفًا‪ ،‬لما قام لوثر مارتن )‪1546-1483‬م( بحركته الصلحية‬
‫الشهيرة ضد الكنيسة‪ ،‬ورأى من مصلحة مهمته أن يستعين ببني جنسه‬
‫"اللمان"‪ ،‬ونجح في عمله نجاحا ً باهرًا‪ ،‬وانهزمت الكنيسة في عاقبة‬
‫المر‪ ،‬فانفرط عقدها واستقلت المم‪ ،‬وأصبحت ل تربطها رابطة‪ ،‬ولم‬
‫تزل كل يوم تزداد استقلل ً في شئونها وتشتتًا‪ ،‬حتى إذا ما تراجعت‬
‫النصرانية واضمحل تأثيرها في أوربا قويت العصبية القومية والوطنية‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫يقول لورد لوثين ‪-‬السفير البريطاني السابق في أمريكا ‪-‬سنة‬


‫‪1938‬م في خطبة له في جامعة عليكرة بالهند‪" :‬لما قضت حركة لوثر‬
‫التي تدعى حركة الصلح الديني على وحدة أوربا الثقافية والدينية‪،‬‬
‫انقسمت هذه القارة إلى إمارات شعبية مختلفة‪ ،‬وأصبحت منازعاتها‬
‫ومنافساتها خطرا ً خالدا ً على أمن العالم ‪-‬يقصد الحربين العالميتين‬
‫دث عن أثر الدين في الخلق وفي حياة‬ ‫الولى والثانية ‪ "-‬وبعد أن تح ّ‬
‫النسان يضيف‪":‬كان نتيجة النحطاط في سلطانه أن فتن العالم‬
‫الغربي بمذاهب سياسية تقوم على أساس اختلف الجناس‬
‫والطبقات‪...‬وصعب على أوربا أن توفق بين روحها وحياتها توفيقا ً‬

‫ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص ‪ ،211‬مذاهب فكرية معاصرة ص ‪-555‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،556‬كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة للميداني ص ‪.262‬‬


‫انظر ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين لبي الحسن الندوي ص ‪.211‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪128‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ينقذها من القومية‪ ،‬داهية هذا العصر"‪.‬‬
‫وفي القرن التاسع عشر دخلت أوربا عصر القوميات‪ ،‬ونتج عن‬
‫الحركات القومية الوربية في هذا العصر ظاهرتان متناقضتان‪ ،‬الولى‪:‬‬
‫تدعو إلى النسلخ من المبراطوريات الكبرى)‪ ،(2‬كالذي حدث في‬
‫حركات دول البلقان والبلد العربية حين تداعت إلى النسلخ من الدولة‬
‫العثمانية‪ .‬والثانية‪ :‬تدعو إلى ضم شتات المارات الصغيرة التي ُيعتقد‬
‫‪-‬بناًء على علم الجناس البشرية الحديث‪ -‬أنها تنتمي إلى أصول عرقية‬
‫مشتركة‪ ،‬كالذي حدث في نشوء الدولتين اللمانية والبريطانية‪ ،‬واجتماع‬
‫كل منهما في دولة كبرى بعد أن كانت مجموعة من المارات الصغيرة‬
‫)‪(3‬‬
‫المتنافسة‪.‬‬
‫وظهرت في ألمانيا نزعات قومية متطرفة لدرجة أن هناك من‬
‫تبرأ من السيد المسيح لكونه عربيًا‪ ،‬ودعا إلى إحياء اللهة القومية التي‬
‫كان يعبدها اللمان في تاريخهم القديم‪ .‬وأيضا ً ظهرت النزعة القومية‬
‫والوطنية لدى الناس في روسيا‪ ،‬لدرجة أن الناس هناك أرجعوا الفضل‬
‫في أغلب الختراعات الكبرى في العصر الحديث إلى الروس‪.‬‬
‫وإثر موجة العصبية القومية نشب في داخل أوربا صراع عنيف‬
‫بين القوميات الناشئة بعضها وبعض‪ .‬ومن ذلك‪ :‬الحروب اليطالية التي‬
‫كانت حروب منقطعة استمرت خمسة وستين عاما ً )‪1559-1494‬م(‪،‬‬
‫وكانت تهدف كل من فرنسا وأسبانيا إلى السيطرة والنفوذ والتوسع‬
‫القليمي داخل أوربا‪ ،‬ومن نتائج هذه الحروب المدمرة‪:‬‬
‫‪ -1‬أفول النهضة اليطالية وخضوعها للحكم الجنبي‪.‬‬
‫‪ -2‬اجتياح أوربا دوامة مدمرة بسبب التنافسات القومية‪.‬‬

‫ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين لبي الحسن الندوي ص ‪.212‬‬ ‫‪1‬‬

‫كانت إمبراطورية النمسا تحكم بلدا ً شاسعة تعيش فيها أمم وقوميات مختلفة‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫اللمان‪ ،‬الطليان‪ ،‬المجر البلونيون‪ ،‬اليوغسلف‪،‬التشيل‪.‬وكانت روسيا تضم قوميات‬


‫أوربية أهمها‪:‬البلونيون والوكرانيون والفلنديون‪ .‬وكانت السلطة العثمانية تضم في‬
‫قسمها الوربي عدة قوميات‪ :‬البلغار‪ ،‬اليونان‪ ،‬اللبان‪ ،‬اليوغسلف‪ ،‬الرومان‪.‬‬
‫انظر السلم والحضارة الغربية د‪ .‬محمد محمد حسين ص ‪.195‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪129‬‬
‫ومن تلك الحروب‪ :‬حروب نابليون التي اجتاحت أوربا بفعل حمى‬
‫)‪(1‬‬
‫م عملت القوميات الوربية على القضاء على المسلمين‬ ‫القومية‪ .‬ث ّ‬
‫في الندلس‪ ،‬ونجحت في تنصير أهلها بالقوة والجبروت‪ ،‬وكانت هذه‬
‫القوميات مختبئة تحت عباءة الصليب‪ ،‬وبذلك ارتبطت القوميات‬
‫بالستعمار البشع‪ ،‬وأصبحت ذات نزعة بشرية شريرة‪ ،‬وكان من نتائج‬
‫الروح القومية التي اجتاحت أوربا‪-:‬‬
‫‪ -1‬الحروب العالمية الولى )‪1918-1914‬م( التي حصدت أكثر من‬
‫عشرة مليين من الناس‪.‬‬
‫‪ -2‬ثم الحرب العالمية الثانية )‪1945-1939‬م( التي قتل فيها ما يقرب‬
‫من أربعين مليون إنسان‪ ،‬بالضافة إلى الدمار والخراب الذي أصاب‬
‫العمران‪ ،‬ول يستطيع المرء أن ينسى القنابل النووية التي ضربت بها‬
‫نجازاكي‪ ،‬وهيروشيما اليابانيتين‪ ،‬وما أحدثتاه من دمار شديد أصاب‬
‫)‪(2‬‬
‫الحرث والرض والناس‪.‬‬
‫ت أخيرا ً في‬
‫خب َ ْ‬
‫ما يجدر التنويه إليه أن وقدة النزعات القومية َ‬ ‫وم ّ‬
‫أوربا واتجه العالم الغربي إلى نزعات أخرى غير قومية‪ ،‬ولكن ضمن‬
‫التجاه العلماني اللديني السائد هناك‪ ،‬فمنها من اتجه شطر اللتقاء‬
‫على المصالح المشتركة‪ :‬القتصادية أو السياسية أو الدفاعية‪ ،‬ومنها ما‬
‫كان لقاًء على وحدة فكرية عالمية‪ ،‬غير ذات حدود إقليمية أو وطنية أو‬
‫ما أفلت شمس القومية في بلد الغرب الكافر‪ ،‬بدأت تظهر‬ ‫قومية‪ .‬ول ّ‬
‫في بعض الشعوب السلمية‪ ،‬من خلل المكايد الستعمارية وبتعاون مع‬
‫العملء والجراء الذين ارتبطوا بالمستعمر الغربي‪(3).‬‬
‫نشأة القومية العربية‪-:‬‬
‫سرت عدوى القومية التي ظهرت في أوربا إلى العالم العربي‬
‫في أواخر القرن التاسع عشر الميلدي‪ ،‬فنشأت الدعوة إلى القومية‬
‫العربية تحت تأثير عاملين اثنين‪-:‬‬

‫انظر مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص ‪.566 ،564‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.568-564‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة للميداني ص ‪.263‬‬

‫‪130‬‬
‫الول‪ :‬مجاراة القومية الطورانية‪ ،‬ورد فعل على سياسة‬
‫ل‬‫"التتريك" التي تبّناها أعضاء جمعية التحاد والترقي‪ ،‬التي كان ج ّ‬
‫أعضائها من يهود الدونمة‪ ،‬التي يرجع الفضل إليها في إحكام السيطرة‬
‫على الدولة العثمانية بعد أن تم خلعهم للسلطان عبد الحميد الثاني‬
‫سنة ‪1909‬م‪ .‬وقد ذكر بعض المؤرخين‪:‬أّنه لم يكن أحد من زعماء‬
‫وقادة هذه الجمعية من أصل تركي صاف‪ ،‬بل كانوا بالضافة إلى‬
‫يهوديتهم موزعين بين أصول أسبانية وبولندية ومجرية وبلغارية‪ ،‬ومع‬
‫ذلك تبنوا القومية الطورانية‪ ،‬ورفعوا شعار "الذئب الغبر" الذي كان‬
‫معبود التراك في جاهليتهم‪-‬قبل اعتناق التراك للسلم‪ -‬وبدءوا بفرض‬
‫اللغة التركية وحدها على جميع شعوب الدولة العثمانية‪ ،‬ومحاولة صبغ‬
‫هذه الشعوب بالثقافة التركية‪ .‬وعداء أصحاب الدعوة إلى الطورانية‬
‫للسلم ل يحتاج إلى بيان‪ ،‬وأما عداؤهم للدولة العثمانية فيظهر من‬
‫خلل تحريك الشعوب التي كانت خاضعة للسلطة العثمانية لكي تدعو‬
‫إلى قومتيها‪ ،‬وتطالب بالنفصال عن دولة الخلفة‪ ،‬وقد كان ذلك‪.‬‬
‫وهكذا بدأ بعض العرب بالدعوة إلى قوميتهم مجاراة لهذه الدعوة‬
‫)‪(1‬‬
‫الطورانية الجاهلية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬استعارة الفكار والنظم الغربية‪ ،‬أو تقليد الوربيين في‬
‫شعارات عصر نهضتهم الخاصة‪ ،‬حيث سرت الدعوة إلى القومية بين‬
‫العرب والمسلمين في عصر التفوق الوربي‪ .‬فانتهز الفرصة دهاة‬
‫الغرب وقادتهم السياسيون الذين كانوا يحلمون من القديم بانهيار‬
‫المبراطورية العثمانية وزوال سلطانها ونفوذها الروحي والسياسي في‬
‫الشرق فاحتضنوا هذه الفكرة التي دبت في عروق بعض الشباب‬
‫العرب الطامحين‪ ،‬وبدأوا يغذون الدعوة القومية بكتاباتهم ورحلتهم‬
‫وجولتهم في المدن العربية الكبرى‪ ،‬ومن خلل التصال بقادة الرأي‬
‫)‪(2‬‬
‫وحملة القلم ورؤساء القبائل‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر عقائد وتيارات فكرية معاصرة د‪ .‬محمد شامة وآخرون ص ‪.218-217‬‬


‫‪ -2‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص ‪ ،217‬تيارات وعقممائد فكريممة معاصممرة‬
‫ص ‪.219‬‬

‫‪131‬‬
‫ونشبت الحرب العالمية الولى )‪1918-1914‬م( وسنحت للقطار‬
‫العربية فرصة النشقاق عن الدولة العثمانية‪ ،‬وانتهز الحلفاء الغربيون‬
‫هذه الفرصة‪ ،‬فقاموا بالنفخ في قربة القومية‪ ،‬وقام لورانس الداهية‬
‫البريطاني بدوره‪ ،‬فأشعل الحماس القومي‪ ،‬وأثار العرب على التراك‪.‬‬
‫يقول لورانس‪":‬وأخذت طول الطريق أفكر في سوريا)‪ ،(1‬وفي الحمج‪،‬‬
‫وأتساءل‪ :‬همل تتغلب القوميمة ذات يوم على النزعمة الدينية‪ ،‬وهل‬
‫ل المثل العليا السياسية‬‫يغلب العتقماد الديني؟ وبمعنى أصح‪ :‬هل تح ّ‬
‫ل الوحي واللهام وتستبدل سوريا بمثلها العلى الديني مثلها العلى‬ ‫مح ّ‬
‫الوطني‪ ،‬هذا ما كان يجول في خاطري طول الطريق"‪ (2).‬ووعد الغرب‬
‫الشريف حسين أمير الحجاز بالحرية والستقلل‪ ،‬وأن يكون أميرا ً على‬
‫العرب كلهم في دولة مستقلة‪ ،‬فثار أهل الحجاز بقيادته ضد التراك‬
‫وثار أهل الشام في الشام‪ ،‬وفضلوا جميعا ً النضمام إلى راية الحلفاء‬
‫الكافرين على البقاء في جوار التراك المسلمين)‪ ،(3‬وجنى العرب من‬
‫وراء هذه الجاهلية وقوع بلدهم تحت السيطرة الستعمارية الوربية‪ ،‬إذ‬
‫تقاسمت فرنسا وبريطانيا البلدان العربية فيما يعرف باتفاقية‪:‬‬
‫سايكس‪-‬بيكو وذهبت أحلم الستقلل والحرية أدراج الرياح الجاهلية‬
‫القومية‪.‬‬

‫دور نصارى العرب في الدعوة إلى القومية‪:‬‬


‫أجمع الباحثون أن الكثرة من الرعيل الول في الحركة القومية‬
‫كانت من أبناء نصارى لبنان أمثال‪ :‬بطرس البستاني وفارس الشدياق‬
‫وأديب إسحاق وإبراهيم اليازجي وسليم نقاش وسليم تقل مؤسس‬
‫صحيفة الهرام القاهرية‪ ،‬وجورجي زيدان ونمر صروف وأخوه يعقوب‬

‫‪ -1‬كانت سوريا تمثل في تلك الفترة بلد الشام كلها‪ ،‬وهو يقصد تفتيتها إلى دويلت‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر كتابه‪ :‬الثورة العربية ترجمة كامل صمويل‪ ،‬بيروت ص ‪.52‬‬
‫‪ -3‬ماذا خسر العممالم بانحطمماط المسمملمين ص ‪ ،220-219‬التجاهممات الوطنيممة فممي‬
‫الدب المعاصر ‪ 2/106‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫وشبلي شميل‪ ،‬وقد عرف هؤلء باتصالهم بالرساليات التبشيرية‬
‫)‪(1‬‬
‫الفرنسية والمريكية والدوائر الستعمارية وانخراطهم في الماسونية‪.‬‬
‫جاء في الموسوعة العربية‪" :‬أن أول من دعا إلى القومية العربية‬
‫في أواخر القرن التاسع عشر الميلدي هم الغربيون على أيدي بعثات‬
‫التبشير في سوريا ليفصلوا الترك عن العرب‪ ،‬ويفرقوا بين المسلمين‪،‬‬
‫ولم تزل الدعوة إليها في الشام والعراق ولبنان تزداد وتنموا حتى عقد‬
‫)‪(2‬‬
‫لها أول مؤتمر في باريس عام ‪1910‬م"‪.‬‬
‫وقد اعترف بدور النصارى في هذا الجانب صاحب كتاب "يقظة‬
‫العرب" جورج أنطونيوس عندما قال‪" :‬يرجع أول جهد منظم في حركة‬
‫العرب القومية إلى سنة ‪1875‬م حين ألف خمسة شبان من الذين‬
‫درسوا في الكلية البروتستنتية ببيروت ‪-‬الجامعة المريكية فيما بعد‪-‬‬
‫جمعية سرية‪ ،‬وكانوا جميعا ً نصارى"‪ (3).‬وقال‪":‬ولذلك انتقلت هذه الراء‬
‫التي بذرها النصارى في البداية‪ ،‬وأصبحت في نهاية القرن التاسع عشر‬
‫)‪(4‬‬
‫وبداية القرن العشرين تجد تربة صالحة للنمو بين المسلمين"‪.‬‬
‫وفي أواخر القرن التاسممع عشممر وبدايممة القممرن العشممرين ظهممرت‬
‫سها شخصيات نصرانية‪ ،‬منها على سبيل المثال‪:‬‬ ‫جمعيات قومية أس ّ‬
‫‪ -1‬الجمعية السورية‪ :‬أسست في دمشق ‪1847‬م على يد بطرس‬
‫البستاني‪ ،‬ونصيف اليازجي‪.‬‬
‫‪ -2‬الجمعية السورية‪ :‬شارك في تأسيسها في بيروت ‪1868‬م سليم‬
‫البستاني‪ ،‬ومنيف خوري‪.‬‬
‫‪ -3‬الجمعية العربية السورية‪ :‬ظهرت سنة ‪1875‬م‪ ،‬ولها فروع في‬
‫دمشق‪ ،‬وطرابلس وصيدًا‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر السلم والحضممارة الغربيممة ص ‪ ،202‬تيممارات وعقممائد فكريممة معاصممرة ص‬


‫‪ 220‬وما بعدها‪ ،‬الموسوعة الميسممرة فممي الديممان والمممذاهب المعاصممرة ص ‪،404‬‬
‫كواشف زيوف في المذاهب المعاصرة ص ‪.264-263‬‬
‫‪ -2‬انظر الموسوعة العربية‪ ،‬مادة القومية‪.‬‬
‫‪ -3‬يقظة العرب ص ‪.149‬‬
‫‪ -4‬يقظة العرب ص ‪.168‬‬

‫‪133‬‬
‫‪ -4‬جمعية رابطة الوطن العربي‪ :‬أسسها في باريس ‪1904‬م‬
‫)‪(1‬‬
‫نجيب عازوري‪.‬‬
‫كما ظهرت جمعيات قومية أخرى ساهم في تأسيس بعض منها أبناء‬
‫المسلمين المتأثرين بالفكر القومي‪ ،‬ثم ظهرت أخيرا ً في العالم‬
‫العربي‪ :‬حركات قومية‪ ،‬تولى تأسيسها وقيادتها زعامات نصرانية‪:‬‬
‫فميشيل عفلق زعيما ً للحزب العربي الشتراكي‪ ،‬وأنطون سعادة زعيما ً‬
‫للقوميين السوريين‪ ،‬وجورج حبش زعيما ً للقوميين العرب‪ ،‬وقسطنطين‬
‫زريق زعيما ً آخر‪ ،‬وساطع الحصري )‪1968-1880‬م( رائدا ً ومفكرا ً‬
‫)‪(2‬‬
‫للقومية العربية‪.‬‬
‫وظلت الدعوة إلى القومية العربية محصورة في نطاق القليات الدينية‬
‫غير المسلمة‪ ،‬وفي عدد محدود من أبناء المسلمين المتأثرين بفكرتها‪،‬‬
‫ولم تصبح تيارا ً شعبيا ً إل حين تبنى الدعوى إليها الرئيس المصري‬
‫خر لها وسائل العلم ومناهج التعليم‬ ‫الراحل جمال عبد الناصر الذي س ّ‬
‫والقلم والكتاب‪ ،‬وكانت هزيمة العرب عام ‪1967‬م ضربة قاضية‬
‫للحركة القومية‪ ،‬فأصبحت تعاني القومية بعدها حالة من الجمود‬
‫والنحسار‪ ،‬ثم جاء غزو إسرائيل لبيروت عام ‪1982‬م ثم حرب الخليج‬
‫عام ‪1990‬م لتوجه إليها ضربة قاضية ثانية أخيرة وحاسمة‪.‬‬

‫تجاوزات الفكر القومي العربي‪-:‬‬


‫يمكن إجمال تجاوزات الفكر القومي في النقاط التالية‪:‬‬
‫ده مرحلة ماضممية مممن‬ ‫‪ -1‬إضفاء الصبغة التاريخية على السلم‪ ،‬إذ تم ع ّ‬
‫تاريممخ المممة العربيممة‪ ،‬فالقوميممة العربيممة هممي الفكممرة الكليممة الشمماملة‪،‬‬
‫والسلم جزء من القومية‪ ،‬أو هو تجربة من إفرازات العبقرية العربية‪.‬‬
‫‪ -2‬محاولة تضخيم تاريخ الجاهلية وتاريخ العرب قبل البعثة النبوية‪،‬‬
‫والعتداد به‪ ،‬وجعله في الغالب مصدر انتماء واعتزاز‪ ،‬وتصوير العرب‬
‫في تاريخهم الطويل على أنهم أصحاب حضارة ممتدة‪ .‬مع تحجيم دور‬

‫‪ -1‬الموسوعة الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.401‬‬


‫‪ -2‬انظر المصدر السابق‪ ،‬أساليب الغزو الفكري ص ‪.76‬‬

‫‪134‬‬
‫السلم من خلل التركيز على الحركات الشعوبية‪ :‬كالقرامطة‬
‫والزنادقة والزنج والحشاشين وإخوان الصفا‪ ،‬إلى جانب الهتمام بنقاط‬
‫الضعف والجوانب السوداء في التاريخ السلمي‪.‬‬
‫‪ -3‬إعطاء القومية بوصفها انتماء‪ ،‬مضمونا ً عقائديًا‪ ،‬بحيث تصبح القومية‬
‫عقيدة أو دينا ً يحل محل العقائد والديان التي من جملتهمما السمملم‪ ،‬بممل‬
‫ة القومية العربية المجممردة فممترةً‬ ‫دم النزع ُ‬‫هو المقصود من دونها‪ .‬فلم ت ُ‬
‫طويلة حيث بدأت تنكفيء أمام الغزو الماركسي والحزاب والشمميوعية‪.‬‬
‫عقد في بيروت اجتماع لدعاة القومية العربيممة يهممدف‬ ‫ففي الخمسينات ُ‬
‫ي للقومية العربية كان من نتممائجه اعتبمماُر الفكممر‬ ‫إلى تبني محتوىً عقائد ٍ‬
‫الشتراكي الماركسي المحتوى اليديولوجي للحركات القوميممة العربيممة‬
‫ت كثيرة من إطار العمممل القممومي بسممبب‬ ‫عمومًا‪ ,‬كما نجم عنه انسحابا ٌ‬
‫من توجهاته الماركسية‪ ،‬وهكذا أصبحت العروبة مركب ما ً للفكممر اليسمماري‬
‫والحركات الشيوعية‪(1).‬‬
‫وم الساس للشخصية العربية‪ ،‬والنتقاص‬ ‫‪ -4‬إقصاء السلم بوصفه المق ّ‬
‫من دوره في الحياة‪.‬‬
‫‪ -5‬ربط القومية ببعض المذاهب والفلسفات اللدينية‪ ،‬كالربط بينها‬
‫وبين الفكر الماركسي والشتراكي‪ ،‬أو الفكر العلماني‪ ،‬وذلك على‬
‫)‪(2‬‬
‫الصعيد السياسي والثقافي والجتماعي‪.‬‬
‫نتائج الدعوة القومية في العالم السلمي‪-:‬‬
‫لقد ترك تيار الدعوة القومية آثارا ً خطيرة في العالم السلمي‪ ،‬نذكر‬
‫منها ما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬نشر الفكار الغربية اللدينية‪ ،‬وإقصاء السلم وتفريغ القضية‬
‫السياسية والجتماعية بوجه عام من المحتوى السلمي‪ ،‬وإحلل‬
‫فلسفات وعقائد أخرى محل العقيدة السلمية‪ ،‬واستبدال الرابطة‬
‫الدينية بالقومية التي تستهدف عزل الشعوب والمم السلمية بعضها‬
‫عن بعض‪ ،‬ومثال ذلك ظهور الجامعة العربية ‪-‬تحت شعار القومية‬
‫العربية‪ -‬كبديل عن الجامعة السلمية التي كانت المناداة بها فكرة‬

‫‪ -1‬العالم السلمي والمكائد الدولية خلل القرن الرابع عشر الهجري‪ :‬فتحي يكن‬
‫‪ -2‬تيارات وعقائد فكرية معاصرة ص ‪.239-234‬‬

‫‪135‬‬
‫تراود دعاة الصملح السملمي فمي تلمك الفتمرة)‪ ،(1‬وممن المعلموم أن‬
‫فكمرة إنشماء جامعة الدول العربية سنة)‪1945‬م( هي من بنات أفكار‬
‫)‪(2‬‬
‫وزير خارجية بريطانيا السابق "أنتوني إيدن"‪.‬‬
‫‪ -2‬تمكين الستعمار الغربي من تحقيق أهدافه الشريرة التي تتمثل في‬
‫هدم الخلفة السلمية‪ ،‬وتفتيت الكيان السياسي السلمي‪ ،‬والقضاء‬
‫على الوحدة السلمية التي كانت تخيف الغرب الكافر‪ ،‬والتي كانت‬
‫تمثل سدا ً منيعا ً تحول دون سيطرته على العالم السلمي‪ .‬يقول القس‬
‫سيمون‪":‬إن الوحدة السلمية تجمع آمال الشعوب السمر وتساعدهم‬
‫على التملص من السيطرة الوربية" ويقول زميله غاردنز‪":‬إن القوة‬
‫)‪(3‬‬
‫التي تكمن في السلم هي التي تخيف الغرب"‪.‬‬
‫وبالفعل لم يستطع الستعمار الغربي الكافر إخضاع العالم‬
‫السلمي لسيطرته العسكرية وسياسته الستعمارية إل بعد أن آتت‬
‫الدعوة القومية ثمارها‪ ،‬إذ ظهرت القومية الطورانية في تركيا‪،‬‬
‫والقومية العربية في بلد العرب‪ ،‬والكردية في العراق‪ ،‬والقومية‬
‫الهندية التي أدت إلى انقسام شبه القارة الهندية إلى عدة دول‬
‫متناحرة‪ :‬الهند ‪-‬باكستان ‪-‬كشمير‪ ،‬ثم أصبحت باكستان بفعل القومية‬
‫البنغالية دولتين‪:‬باكستان وبنغلدش‪.‬‬
‫‪ -3‬لقد عملت الدعوة القومية على إحياء النعرات الجاهلية القديمة‬
‫التي كانت سائدة قبل السلم‪ ،‬وإلى الهتمام بما يعرف بالحضارات‬
‫القديمة‪ ،‬كالفارسية والفرعونية والشورية والفينيقية والطورانية‪ ،‬بل‬
‫أدت إلى الهتمام بالديانات الوثنية القديمة وآلهتها المنقرضة بحجة أن‬
‫)‪(4‬‬
‫هذه المور من التراث والتاريخ القومي‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر الصراع الذي دار بين فكرة الجامعة السلمية والجامعة العربية‪ :‬التجاهممات‬
‫الوطنية في الدب المعاصر ‪.189-2/136‬‬
‫‪ -2‬انظر المصدر السابق ص ‪.189‬‬
‫‪ -3‬سبق أن ذكرنا مصدر هذه القوال‪.‬‬
‫انظر ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ص ‪.216-215‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪136‬‬
‫‪ -4‬ومن نتائج الفكر القومي‪ :‬احتلل فلسطين عام ‪1948‬م من قبل‬
‫اليهود وبدعم وتأييد استعماري أوربي وأمريكي‪ ،‬ثم سيطرة إسرائيل‬
‫على البقية الباقية من فلسطين بما فيها القدس والمسجد القصى‬
‫المبارك‪ ،‬ولقد ترتب على الفكر القومي العربي أن أصبحت قضية‬
‫فلسطين قضية قومية تخص العرب وحدهم‪ ،‬وإقصاء السلم عنها‪.‬‬
‫موقف السلم من القومية)‪:(1‬‬
‫ممن المعلوم من دين السلم بالضرورة بطلن الدعوة إلممى غيممر‬
‫السمملم‪ ،‬بطمممملن التحممزب والتعصممب والتجمممع علممى غيممر الممولء للممه‬
‫ورسمموله والمممؤمنين‪ ،‬فالممدعوة إلممى القوميممة سممواء كممانت عربيممة أم‬
‫طورانية أم فارسية‪ ،‬وغيرها من القوميات دعمموة باطلممة منكممرة‪ ،‬يأباهمما‬
‫دين الله عز وجل للسباب التالية‪-:‬‬
‫ل‪ :‬كونها تفّرق بين المسلمين‪ ،‬وتجعلهم أحزابا ً وقوميات متنافرة كل‬ ‫أو ً‬
‫منها يتعصب لتاريخه وتراثه‪ ،‬فهي تفصل المسلم العربي عن أخيه‬
‫المسلم العجمي‪ ،‬وتفّرق بين العرب أنفسهم لنهم كلهم لن يرتضوها‪،‬‬
‫وإنما يرتضيها فريق منهم دون فريق‪ ،‬وكذا تفرق بين المسلمين‪:‬‬
‫التراك والفرس والعرب فيما بينهم‪ ،‬وبذلك تخالف مقاصد السلم في‬
‫التجمع والعتصام‪،‬يقول الله تعالى‪):‬واعتصموا بحبل الله جميعا ً‬
‫ول تفرقوا()‪(2‬ويقول‪):‬إنما المؤمنون أخوة()‪،(3‬ويقول‪):‬هو الذين‬
‫أيدك بنصره وبالمؤمنين وأّلف بين قلوبهم لو أنفقت ما في‬
‫ن الله أّلف بينهم إنه‬ ‫الرض جميعا ً ما أّلفت بين قلوبهم ولك ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫عزيز حكيم(‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن الدعوة إلى القومية من دعاوى الجاهلية التي حاربها السلم‬
‫بل هوادة‪ ،‬إذ حارب السلم كل دعوة تخرج عن دعوته المستمدة من‬

‫انظر نقد القومية العربية على ضوء السلم والواقع الشيخ عبد العزيز بن بمماز ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.51-13‬‬
‫سورة آل عمران‪.103 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الحجرات‪.10 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة النفال‪.62 ،61 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪137‬‬
‫مصدريه‪ :‬القرآن والسنة‪ ،‬سواء كانت تلك الدعوة مرتبطة بلون أو‬
‫جنس وعرق‪ ،‬أو بلد ووطن‪ ،‬أو مذهب وطريقة‪ .‬ول شك أن الدعوة‬
‫القومية دعوة إلى غير السلم‪ ،‬ومناصرة لغير الحق‪ ،‬يقول شيخ‬
‫السلم ابن تيمية‪" :‬كل من خرج عن دعوى السلم والقرآن من نسب‬
‫أو بلد أو جنس أو مذهب أو طريقة‪ ،‬فهو من عزاء الجاهلية‪ ،"...‬قال‬
‫تعالى‪):‬إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمّية‬
‫الجاهلية()‪ ،(1‬وإذا كان دعاة القومية يدعون إلى عصبية قومية‬
‫ويتفاخرون بالعروبة أو بالطورانية ونحوها من القوميات‪ ،‬فإن السلم‬
‫تبرأ من كل عصبية‪ ،‬قال صلى الله عليه وسلم‪):‬ليس منا من دعا‬
‫إلى عصبية‪ ،‬وليس منا من قاتل على عصبية‪ ،‬وليس منا من‬
‫مات على عصبية()‪ ،(2‬وقال صلى الله عليه وسلم‪):‬إن الله قد‬
‫أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالباء‪ ،‬إنما هو مؤمن‬
‫تقي أو فاجر شقي‪ ،‬الناس بنو آدم وآدم خلق من تراب‪ ،‬ول‬
‫)‪(3‬‬
‫فضل لعربي على عجمي إل بالتقوى(‪.‬‬
‫وإذا كانت القومية من دعاوى الجاهلية فإن الداعي إليها يخلع‬
‫ربقة الدين من عنقه‪ ،‬ويعّرض نفسه إلى عذاب جهنم وبئس القرار‪،‬‬
‫روى الحارث الشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪):‬وأنا‬
‫آمركم بخمس‪ ،‬الله أمرني بهن‪:‬السمع والطاعة‪ ،‬والجهاد‪،‬‬
‫والهجرة‪ ،‬والجماعة‪ ،‬فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد‬
‫خلع ربقة السلم من عنقه إل أن يراجع‪ ،‬ومن دعا بدعوى‬
‫الجاهلية فهو من جثي جهنم(‪ .‬قيل‪:‬يا رسول الله وإن صلى‬
‫وصام؟ قال‪):‬وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم‪ ،‬فادعوا بدعوى‬
‫)‪(4‬‬
‫ماكم المسلمين المؤمنين عباد الله"‪.‬‬ ‫الله الذي س ّ‬

‫سورة الفتح‪.26 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه أبو داود‪ ،‬وهو حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب التفسير‪ ،‬وقال حديث حسن‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه الترمذي وابن حبان وابن خزيمة والحاكم‪ ،‬وهو حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪138‬‬
‫وهذا الحديث فيه دللة قوية على أن الدعوة إلى القومية أيا ً كانت‬
‫هي من الجاهلية التي يستحق دعاتها أن يكونوا من الخوارج ومن جثي‬
‫جهنم‪ ،‬وإن صاموا وصلوا وزعموا أنهم مسلمون‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬من أدلة بطلن الدعوة القومية‪:‬أنها تؤدي إلى موالة الكفار‬
‫سّلم إلى موالة كفار العرب‬ ‫والملحدة‪ ،‬فالدعوة إلى القومية العربية ُ‬
‫من النصارى واليهود والدروز والشيوعيين والباطنيين وغيرهم من‬
‫الملحدة والزنادقة‪ ،‬لن الفكر القومي العربي يقول‪ :‬كل العرب أولياء‬
‫بعض‪ ،‬ل فرق بين المسلم وغيره من أصحاب الديان والمعتقدات‬
‫الخرى‪.‬‬
‫ن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية تضافرت على بغض‬ ‫إ ّ‬
‫الكافرين من العرب وغيرهم‪ ،‬ومعاداتهم وتحريم موالتهم واتخاذهم‬
‫بطانة‪ ،‬ومن ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫)يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم‬
‫أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله ل يهدي‬
‫القوم الظالمين فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون‬
‫فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة( )‪ ،(1‬وقال‪):‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة(‬
‫)‪ ،(2‬وقال‪):‬ل تجد قوما ً يؤمنون بالله واليوم الخر يوادون من‬
‫حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو‬
‫)‪(3‬‬
‫عشيرتهم(‪.‬‬
‫ن الدعوة القومية تفضي بالمجتمع إلى إقصاء السلم عقيدة‬ ‫رابعًا‪ :‬إ ّ‬
‫وشريعة‪ ،‬لن القوميين غيمر المسلمين لمن يرضموا ‪-‬ضمرورة كونهمم‬
‫ليسموا بمسلميمن‪ -‬تحكيمم القمرآن وشمرع الله تعالى‪ ،‬وهذا يوجب‬
‫لزعماء القومية اتخاذ الحكام والقوانين الوضعية التي تخالف شرع الله‬
‫وحكم القرآن الكريم حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الحكام‬

‫سورة المائدة‪.51 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الممتحنة‪ :‬الية الولى‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة المجادلة‪.22 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪139‬‬
‫والقوانين )أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما ً‬
‫لقوم يوقنون()‪) ،(1‬ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم‬
‫الكافرون()‪ .(2‬ولقد صّرح قادة القومية العربية‪ ،‬ومثلهم قادة القومية‬
‫الطورانية التركية‪ ،‬بأنهم ل يرغبون الحتكام إلى الشريعة السلمية‪.‬‬
‫والفكر القومي‪ -‬كما صّرح قادته‪ -‬إنما جاء لتحرير النسان العربي من‬
‫الخرافات والغيبيات والديان‪ ،‬ورفعوا شعار‪ :‬الدين لله والوطن للجميع‪،‬‬
‫وزعموا أن الديان والتقاليد الموروثة عقبات يجب التخلص منها من‬
‫أجل بناء مستقبل المة‪ ،‬وكان كثيرا ً ما يتمثل دعاة القومية العربية‬
‫بقول الشاعر القروي‪:‬‬
‫وسيروا بجثماني على‬ ‫هبوني عيدا ً يجعــل العرب أمـة‬
‫هــم‬
‫دين ب َْر َ‬
‫)‪(3‬‬
‫وأهمل ً وسمهل ً بعمده بجهنمم‬ ‫حمد بيننا‬
‫سلم علمى كفمر يو ّ‬
‫وبقول شاعر آخر‪:‬‬
‫أنا بمعثي اشتراكي عربمي‬ ‫ل تسمل عن مملتي أو مذهبي‬
‫وإذا كانت هذه حال الدعوة القومية‪ ،‬وتلك جنايتها على السلم‬
‫عقيدة وشريعة وأخوة إيمانية أدركنا سر ارتباط الدعوة القومية‬
‫بالستعمار الغربي الكافر وبأبناء النصارى ويهود الدونمة‪ ،‬وارتباطها‬
‫باليهودية العالمية والمحافل الماسونية التي زرعها اليهود في المنطقة‪.‬‬

‫سورة المائدة‪.50 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة المائدة‪.44 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫الموسوعة العربية الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.404-403‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪140‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المرأة‬
‫تواجه المرأة المسلمة اليوم تحديات عديدة وخطيرة تقتل في‬
‫نفسها الطموح إلى الفضل‪ ،‬فهي تحارب في دينها وقيمها بفرض‬
‫أنماط من السلوك والوضاع الغربية المتناقضة مع قيمنا السلمية‬
‫والمخالفة لشريعتنا الربانية‪ ،‬وذلك فيما يتعلق بشكل هذه القيم الرفيعة‬
‫وجوهرها؛ فتوصم بالتطرف والجمود والرجعية إذا التزمت بدينها مظهرا ً‬
‫ومخبرًا‪ ،‬فهي متطرفة في زيها الواسع الفضفاض‪ ،‬ومتطرفة في‬
‫رفضها الختلط والتبرج الممجوج‪ ،‬متعصبة في دفاعها عن قضايا‬
‫المسلمين‪ ،‬ومتزمتة في حرصها على تلقين أولدها مفاهيم السلم‪،‬‬
‫بينما يكون النموذج الغربي هو العتدال المقبول الذي يجب على‬
‫ونسائنا اللتزام به‪.‬‬
‫وما أكثر أولئك الذين يكيدون للمرأة المسلمة‪..‬وما أكثر الذين‬
‫يريدون النيل منها فيدبرون لها ليل نهار‪ ،‬يريدونها سلعة تباع وتشترى‪،‬‬
‫تتخبطها الشهوات وتغرق في مستنقع الرذائل‪ ..‬حول تلك المؤامرات‬
‫التي تحاك للمرأة المسلمة والتحديات التي تواجهها كان لنا هذا البحث‪.‬‬
‫ولتنفيذ العداء لمخططاتهم في هدم كيان المجتمع السلمي من‬
‫خلل المرأة‪ -‬لهمية دورها في بناء كيان السرة والمجتمع‪ -‬ساروا في‬
‫عدة مسارات في آن واحد‪ ،‬وهي‪-:‬‬
‫أ‪ -‬التمويل المريكي والوربي للجمعيات والمنظمات الهلية النسائية‬
‫العلمانية‪ ،‬ويستهدف الّتمويل الجنبي للجمعيات الهلية الّنسائية تسخير‬
‫هذه الجمعيات لخدمة أهداف مموليها‪ ،‬وفي مقدمة الممولين‬
‫مؤسسات أمريكية تتبع الحكومة المريكية مباشرة‪ ،‬وتمويلها جزء من‬
‫ميزانية الوليات المتحدة‪ ،‬ويتحكم فيها الكونجرس المريكي‪.‬‬
‫وتعد هيئة المعونة المريكية ‪ A.I.D‬أحد المصادر الساسية‬
‫للتمويل في مصر للجمعيات الهلية غير ذات الّتوجه السلمي‪ .‬وهناك‬
‫مؤسسات أمريكية أخرى ل تندرج تحت اسم ‪ A.I.D‬ولكنها تتبع الحكومة‬
‫المريكية‪.‬ومن المؤسسات العالمية التي تدعم الجمعيات الّنسائية‬

‫‪141‬‬
‫سمعة‬‫دولية ذات ال ّ‬‫مؤسسة "فورد فوندشن" وغيرها من المنظمات ال ّ‬
‫العالمية في زعزعة بنيان العالم الّثالث‪،‬وتهيئته لما يسمى بالنظام‬
‫سطوة المريكية الجديدة مثل‪ :‬المعونة السترالية‬ ‫العالمي الجديد ‪،‬أو ال ّ‬
‫‪،‬و"سيدا "كندا ‪،‬وهي تتبع الحكومة الكندية مباشرة ‪ ،‬و"دانيدا" الدانمرك‬
‫‪،‬و"فنيدا" فنلندا ‪،‬و"نورادا "الّنرويج ‪،‬و"سيدا" السويد ‪،‬ومؤسسة‬
‫"نوفيب" الّتابعة للحكومة الهولندية ‪،‬ومنظمة "فردريش إيبرت"‪،‬وهي‬
‫ديمقراطي في ألمانيا‪.‬‬ ‫منظمة ألمانية على علقة بالحزب ال ّ‬
‫وإن كانت الجمعيات الهلية الّنسائية تسعى إلى استقللها عن‬
‫حكوماتها‪ ،‬فهي بسعيها وراء الّتمويل الجنبي تقذف بنفسها في أحضان‬
‫الحكومات المريكية والكندية والسويدية والهولندية‪ ،‬والدانمركية‪،‬‬
‫ن هذه الحكومات ل تمول هذه الجمعيات لوجه الله تعالى‪،‬‬ ‫واللمانية‪ ،‬ل ّ‬
‫وإّنما تدعمها لتسيرها َوفقَ خطط وأهداف وضعتها هذه الحكومات‬
‫مسخرة القيادات الّنسائية في هذه الجمعيات لتحقيقها‪(1).‬‬
‫ب‪ -‬التفاقيات الدولية الخاصة بحقوق النسان‪ :‬ومن أخطر هذه‬
‫التفاقيات‪ ،‬اتفاقية القضاء على جميع أشكال الّتمييز ضد المرأة )سيداو‬
‫‪ ،(CEDAW‬وقد صدرت هذه التفاقية من الجمعية العمومية للمم‬
‫المتحدة في عام ‪1979‬م‪ ،‬وأصبحت سارية المفعول منذ ‪ 3‬سبتمبر عام‬
‫دول الموقعة عليها إلى ‪ 139‬دولة أي أكثر من‬ ‫‪1981‬م‪ ،‬ووصل عدد ال ّ‬
‫ثلثي أعضاء المم المتحدة‪.‬‬
‫دول الطراف‬ ‫وتنص هذه التفاقية على ديباجة تشجب فيها ال ّ‬
‫جميع أشكال التمييز ضد المرأة وتوافق على أن تنتهج بكل الوسائل‬
‫المناسبة ودون إبطاء سياسة القضاء على التمييز ضد المرأة‪ ،‬وتحقيقا ً‬
‫لذلك فهي تتعهد بتجسيد مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في‬

‫ماد‪.‬‬
‫‪ - 1‬بحث الوحمدة الثقمافمية للممة‪ :‬للكاتبة السعودية سهيلة زين العابدين ح ّ‬
‫لمؤتمر رابطة العالم السلمي"المة السلمية في مواجهة التحديات" المنعقد في‬
‫مكة المكرمة في الفترة من ‪12/1424/ 4-2‬هم الموافق ‪24/1/2004‬م‪ .‬راجع‬
‫شبكة المعلومات الدولية‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها‪ ،‬واتخاذ التدابير الّتشريعية المناسبة‬
‫وغيرها من الجراءات الضرورية لحظر كافة أشكال التمييز ضد المرأة‪،‬‬
‫والمتناع عن الضطلع بأي عمل أو ممارسة تمييزية ضد المرأة‪،‬‬
‫سلطات والمؤسسات العامة بما يتفق وهذا اللتزام‪،‬‬ ‫وكفالة تصرف ال ّ‬
‫إضافة إلى ذلك تتكون التفاقية من عدد من البنود تتناول كافة جوانب‬
‫الحياة العامة والشخصية للّنساء‪.‬‬
‫هذه التفاقية تستهدف إبطال الشرائع الدينية وإحلل محلها‬
‫التشريعات الوضعية التي تنص عليها هذه التفاقية‪ ،‬وفي مقدمة هذه‬
‫التشريعات الشريعة السلمية‪ ،‬التي وضعت التشريعات وفق ما‬
‫يتناسب وفطرة الذكر والنثى‪ ،‬وكلنا يعرف اختلف الذكر والنثى في‬
‫التركيب الفسيولوجي والبيولوجي لختلفهما في المهام والوظائف‬
‫فهما يخضعان لقانون الزوجية الذي تخضع له جميع الكائنات في هذا‬
‫الكون‪ ،‬وقد أعلنها جل شأنه )وليس الذكر كالنثى( والله الذي خلقنا هو‬
‫أعلم بنا من كل البشر الذين وضعوا هذه النظمة والقوانين‪ ،‬والتي‬
‫وضعوها ليس لخير البشرية‪ ،‬وإنما لغايات وأهداف يسعون لتحقيقها‬
‫لزيادة الهيمنة والسيطرة‪ ،‬إن الله الذي خلقنا من صفاته العدل‪ ،‬ونحن‬
‫م وقع ظلم على المرأة من جراء‬ ‫الذين أسأنا تطبيق تشريعاته ومن ث ّ‬
‫ذلك‪ ،‬ولذا فعلينا أن نراجع أنفسنا ونصحح أخطاءنا ونطّبق شرع الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫ن اتفاقية )السيداو(هي–الن‪ -‬بمثابة قانون دولي لحماية حقوق‬ ‫إ ّ‬
‫دول الطراف الموقعة‬ ‫المرأة‪ ،‬حيث أّنه بموجب هذه التفاقية تصبح ال ّ‬
‫عليها ملتزمة باتخاذ كافة التدابير للقضاء على التمييز بين الرجال‬
‫والّنساء سواًء على مستوى الحياة العامة فيما يتعلق بممارسة جميع‬
‫سياسية والقتصادية والجتماعية والّثقافية‪ ،‬وفي‬ ‫الحقوق المدنية وال ّ‬
‫الّتمتع بهذه الحقوق‪ ،‬أو على مستوى الحياة الخاصة‪ ،‬وعلى وجه‬
‫الخصوص في الطار السري‪ .‬وهذه التفاقية تعتبر عمل المرأة‬
‫ن هذه التفاقية ل‬ ‫التكسبي حقا ً مكتسبًا‪ ،‬وليس ضرورة استثنائية‪ ،‬كما أ ّ‬
‫تريد استثناء المرأة من بعض العمال التي توصف بأّنها ذات مخاطر‬

‫‪143‬‬
‫جسدية أو أخلقية فهي تريد للمرأة أن تعمل في العمال الليلية‪ ،‬وفي‬
‫المحاجر والمناجم‪ ،‬وتعد منظمة العمل الدولية استثناء المرأة من هذه‬
‫العمال تخلفا ً ورجعية‪ ،‬وآية ذلك أنه لما عرضت الحكومة المصرية‬
‫عليها قوانين عمل المرأة‪ ،‬رفضت منظمة العمل الدولية هذه القوانين‬
‫لنها استثنت الّنساء من هذه العمال لنهن رفضن مزاولتها‪ ،‬فالنساء‬
‫المصريات ل يردن تركن بيوتهن في الليل لحاجة أولدهن لهن من جهة‪،‬‬
‫ولن هذه العمال قد تعرضهن للبتزاز الجنسي من زملئهن من جهة‬
‫ثانية‪ ،‬ولن خروجهن في الليل يعرضهن إلى كثير من المخاطر من جهة‬
‫ثالثة‪ ،‬وهذا يبين لنا أّنه ل يمكن بأية حال من الحوال مناقضة الفطرة‬
‫سعْي َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫خل َقَ الذ ّك ََر َواْل ُن َْثى ّ‬
‫ن َ‬ ‫ما َ‬
‫التي فطر الله تعالى الّناس عليها )وَ َ‬
‫شّتى(سورة الليل‪(1).4-3:‬‬ ‫لَ َ‬
‫ج‪ -‬المؤتمرات العالمية للتعليم المرأة من أجل تنفيذ مخططات إخراج‬
‫المرأة المسلمة من الخلق السلمية‪ ،‬وتمردها على أحكام الشريعة‬
‫الربانية‪.‬‬
‫د‪ -‬أسطورة الجندرة‪ :‬الجندرة في الصل تعني النوع أو الجنس‪ ،‬وهي‬
‫تشير إلى الدوار الجتماعية للنساء والرجال والتي تتحدد من قبل‬
‫مجتمع ما أو ثقافة ما على أنها الدوار والمسئوليات والسلوكيات‬
‫المناسبة لكل من الرجل والمرأة في هذا المجتمع‪ ،‬مفهوم الجندرة في‬
‫الغرب‪ -‬والمستورد لنا من خلل عملئه‪ -‬يعني الدور الجتماعي‬
‫والسياسي المتماثل لكل من المرأة والرجل‪.‬وتعتبر الثقافة الغربية‬
‫المادية‪،‬هي العامل الساس في ترتيب الدوار‪ ،‬وليس الجنس ومكوناته‬
‫النفسية والفسيولوجية‪،‬والعضوية‪.‬‬
‫وقد شكلت مقررات مؤتمر بكين أساسا ً عمليا ً للسير في هذا‬
‫التجاه‪ ,‬وكان بمثابة إشارة واضحة لكل الدول بحكوماتها ومنظماتها‬
‫المدنية للعمل على تعزيز المساواة الجتماعية بين الرجل والمرأة‪،‬‬
‫على الرغم من أنه يصعب تحديد الدور الجتماعي بشكل قاطع لن‬
‫ذلك يختلف بحكم اختلف القيم الدينية الجتماعية والثقافية والخلقية‪.‬‬

‫‪ -‬انظر المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪144‬‬
‫يقول نزار محمد عثمان في مقاله‪(:‬الجندرة‪..‬مطية الشذوذ‬
‫الجنسي()‪:(1‬إن دعاة الجندرة في عالمنا السلمي يروجون لفكار‬
‫خمطيرة أهما‪-:‬‬
‫أول ً‪:‬رفض أن اختلف الذكر والنثى راجع لصنع الله الذي أتقن كل‬
‫َ‬
‫مَنى( سورة‬ ‫ذا ت ُ ْ‬ ‫ن ن ُط ْ َ‬
‫فة ٍ إ ِ َ‬ ‫ن الذ ّك ََر َواْل ُن َْثى ِ‬
‫م ْ‬ ‫خل َقَ الّزوْ َ‬
‫جي ْ ِ‬ ‫ه َ‬
‫شيء خلقه)وَأن ّ ُ‬
‫النجم‪.46-45:‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬فرض فكرة حق النسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره‬
‫المترتبة عليها‪.‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬العتراف بالشذوذ الجنسي وفتح الباب لدراج حقوق الشواذ من‬
‫زواج المثليين وتكوين أسر غير نمطية‪ ،‬والحصول على أبناء بالتبني‬
‫ضمن حقوق النسان‪.‬‬
‫رابعا ً‪ :‬العمل على إضعاف السرة الشرعية التي هي لبنة بناء المجتمع‬
‫السليم المترابط ومحضن التربية الصالحة‪ ،‬ومركز القوة الروحية‪،‬‬
‫ومفخرة الشعوب المسلمة في عصر النحطاط المادي‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬إذكاء روح العداء بين الجنسين‪ ،‬وكأنهما متناقضان متنافران‪،‬‬
‫ويكفي لتأييد هذا التجاه مراجعة أوراق المؤتمر الدولي لتحديات‬
‫الدراسات النسوية في القرن الحادي والعشرين الذي نظمه مركز‬
‫البحوث التطبيقية والدراسات النسوية في جامعة صنعاء ‪ -‬اليمن‪ ،‬فقد‬
‫كان مما جاء فيه العتراض على كثرة وجود اسم الشارة للمذكر في‬
‫اللغة العربية أكثر من المؤنث وكذلك ضمائر المخاطبة للمذكر أكثر‬
‫منها للمؤنث‪ ،‬ومما يدعو إلى الضحك اعتراض إحدى الباحثات في هذا‬
‫المؤتمر الدولي على تصويب أبي السود الدؤلي لبنته عندما قالت‪:‬ما‬
‫ل السماء‪ ،‬وأرادت التعجب‪ ،‬فنبهها أن النصب هو الصواب‪ ،‬عّلقت‬ ‫أجم ُ‬
‫الباحثة قائلة معترضة على التصويب‪:‬ألم يكن أحد ٌ قبلها قد أخطأ!!‬
‫سادسًا‪ :‬التقليد العمى للتجاهات الجنسية الغربية المتطرفة‪ :‬والتي‬
‫امتدت حتى شملت الموقف من الذات اللهية في بعض الحيان‪ ،‬فكما‬
‫سمعنا أن جمعية الكتاب المقدس أصدرت ترجمة جديدة للكتاب‬

‫‪ -‬وقد نشره في موقع )‪http://www.lahaonline.com)3/07/142‬هم‪30/08/2003 -‬م‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪145‬‬
‫المقدس تتسم بالحيادية في مخاطبة الجندر‪ ،‬سمعنا في مؤتمر صنعاء‬
‫ن أقدم كتاب كّرس محو النثى وكّرس‬ ‫المشار إليه آنفا ً من تقول"إ ّ‬
‫سلطة الذكورية كان في التوراة‪ ،‬ابتداء بفكرة الله المذكرة" تعالى الله‬
‫عما يقولون علوا ً كبيرًا‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬رفع المسؤولية عن الشواذ جنسيا ً وإظهارهم بثوب الضحية‬
‫التي جنى عليها المجتمع‪ ،‬وهذه محاولة قديمة تتشح بثوب العلمية‬
‫ن هناك سببا ً‬ ‫أحيانا ً وتأتزر بلباس بعض البحاث المغرضة‪-‬التي ترى أ ّ‬
‫فسيولوجيا ً في تركيب الدماغ يسبب الشذوذ‪ -‬أحيانا ً أخرى‪ ،‬و ِ‬
‫كل‬
‫القولين مردود‪ ،‬ذلك أنه ل أحد ينكر أن هناك عوامل مختلفة تؤثر وربما‬
‫تدعو إلى الشذوذ‪ ،‬لكن كما يقول د‪ .‬ستيفن أر‪.‬كوفي‪" :‬بين المؤثر‬
‫من حرية الختيار"‪ ،‬وهذه هي المسؤولية‬ ‫والستجابة توجد مساحة رحبة ِ‬
‫التي يحاسب العبد بموجبها‪ ،‬وينتفي الحساب بانتفائها كما في حالة‬
‫المجنون والصبي ونحوه‪.‬‬
‫هم‪ -‬المؤتمرات النسائية والتي يقصد بها هدم المجتمعات البشرية‪ ،‬ول‬
‫سيما المجتمعات السلمية‪ .‬وبمراجعة البحوث التي ألقيت في‬
‫المؤتمرات النسائية التي عقدت في بعض البلد السلمية‪ ،‬نجدها‬
‫جميعها تريد إخراج المرأة المسلمة من النظام الجتماعي السلمي‬
‫الذي ينظر إلى المرأة من خلل فطرتها واستعداداتها وكرامتها‪(1).‬‬
‫ن قضايا المرأة المسلمة تشكل تحديا ً خطيرا ً لبناء أمتها؛ إذ‬ ‫إ ّ‬
‫يستخدمها العداء‪ -‬من الغرب الكافر والخوارج الجدد‪ -‬كسلح‬
‫ن المتتبع لتاريخ‬‫إستراتيجي في هجمتهم على السلم والمسلمين‪.‬إ ّ‬
‫المرأة منذ بدء الخليقة حتى وقتنا الراهن يجد أّنها قد عانت من الظلم‬
‫والذل والقهر أمر المعاناة في كل العصور والتشريعات السابقة‬
‫للسلم‪ ،‬والسلم وحده الذي أزال عنها ذاك الظلم‪ ،‬وقد تمتعت المرأة‬

‫‪ -‬انظر‪:‬المرأة المسلمة ومواجهة تحديات العولممة‪ ،‬سهيلة زين العابدين‬ ‫‪1‬‬

‫حماد‪ ،‬المنهل شوال‪ ،‬ذو القعدة‪ 1420 ،‬يناير‪ ،‬فبراير ‪2000‬م ص ‪،87-84‬‬
‫والمجتمع الكويتية‪ ،‬عدد ‪ 1404‬و ‪ ،1406‬يونيو ‪2000‬م‪.‬المجتمع الكويتية‪،‬‬
‫عدد ‪ ،1406‬في ‪ 25‬ربيع الول‪1421 ،‬هم‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫بكامل حقوقها التي منحها إّياها السلم‪ ،‬ول سيما في العهدين النبوي‬
‫والراشدي‪ ،‬ولكن المرأة المسلمة أصيبت بنكسة كبرى في عصور‬
‫النحطاط والتراجع الحضاري التي مّرت بالمة السلمية‪ ،‬ولعل نكساتها‬
‫تتفاقم نتيجة الستجابة النفسية لمخططات الغرب من مجموعة كبيرة‬
‫من أصحاب الفكر المريض الذين يتحكمون في مناهج التعليم ووسائل‬
‫العلم‪ ،‬والمتنفذين في مجال التشريع للمرأة المسلمة ممن يتحكمون‬
‫في مصير الرجال والنساء‪.‬‬
‫أعداء المرأة المسلمة‪:‬‬
‫‪ -‬يقول أحد المبشرين‪":‬كأس وغانية تفعلن في تحطيم المة المحمدية‬
‫أكثر مما يفعله ألف مدفع‪ ،‬فأغرقوها في حب المادة والشهوات"‪.‬‬
‫‪ -‬وتقول المنصرة أغا ميغليان‪:‬في صفوف كلية البنات في القاهرة‬
‫بنات آباؤهن باشوات وباكوات‪ ،‬وليس ثمة مكان آخر يمكن أن يجتمع‬
‫فيه مثل هذا العدد من البنات المسلمات تحت النفوذ الجنبي‪ ،‬وليس‬
‫ثمة طريق إلى حصن السلم أقصر مسافة من هذه المدرسة‪.‬‬
‫‪ -‬ويقول اليهود في بروتوكولتهم‪":‬علينا أن نكسب المرأة ففي أي يوم‬
‫مدت إلينا يدها ربحنا القضية"‪.‬‬
‫‪ -‬ويقول اليهودي د‪.‬مور بيرغر‪":‬إن المرأة المسلمة هي أقدر فئات‬
‫المجتمع السلمي على جّره إلى التحلل والفساد أو إلى حظيرة الدين‬
‫من جديد"‪.‬‬
‫‪ -‬ويقول صاحب كتاب المرأة والحجاب‪" :‬إنه لم يبق حائل يحول دون‬
‫هدم المجتمع السلمي في المشرق إل أن يطرأ على المرأة المسلمة‬
‫التحويل‪ ،‬بل الفساد الذي عم الرجال في المشرق"‪.‬‬
‫‪ -‬ويقول لسي‪":‬إن التربية المسيحية أو تربية الراهبات لبنات‬
‫المسلمين توجد للسلم داخل حصنه المنيع‪-‬السرة‪-‬عدوا ً لدودا ً وخصما ً‬
‫قويا ً ل يقوى الرجل على قهره لن المسلمة التي تربيها يد مسيحية‬
‫تعرف كيف تتغلب على الرجل‪ ،‬ومتى تغلبت عليه أصبح من السهل‬
‫سه السلمي وُتربي أولدها على‬ ‫عليها أن تؤثر على عقيدة زوجها وح ّ‬

‫‪147‬‬
‫غير دين أبيهم‪ ،‬في هذه الحالة نكون قد نجحنا في غايتنا من أن تكون‬
‫المرأة المسلمة نفسها هي هادمة للسلم"‪.‬‬
‫ن التأثير الغربي‬
‫‪ -‬ويقول جان بوكارو في كتابه)السلم في الغرب(‪":‬إ ّ‬
‫الذي يظهر في كل المجالت‪ ،‬ويقلب رأسا على عقب المجتمع‬
‫السلمي‪ ،‬ل يبدو في جلء مثل ما يبدو في تحرير المرأة"‪.‬‬
‫صرين‪":‬وبما أن الثر الذي ُتحدثه الم في أطفالها‬ ‫‪ -‬يقول أحد المن ّ‬
‫ذكورا ً وإناثا ً بالغ الهمية‪ ،‬وبما أن النساء هن العنصر المحافظ في‬
‫الدفاع عن العقيدة‪ ،‬فإننا نعتقد أن الهيئات التبشيرية يجب أن ُتؤكد‬
‫جانب العمل بين النساء المسلمات على أنه وسيلة مهمة في التعجيل‬
‫بتنصير البلد السلمية"‪.‬‬
‫ن المرأة أقصر‬ ‫ن أعداء السلم يعلمون أ ّ‬
‫ما سبق يظهر لنا أ ّ‬ ‫م ّ‬
‫ن فساد المرأة يترتب‬ ‫طريق يؤدي إلى تدمير المجتمع السلمي كله‪.‬ل ّ‬
‫عليه فساد النشء‪ ،‬والجيل المسلم‪ ،‬وفساد السرة المسلمة‪ ،‬والمجتمع‬
‫من حولها‪.‬‬
‫ويتم ُينفذ مخططات إفساد المرأة المسلمة مجموعة من العداء‬
‫الذين يتربصون بها الدوائر‪ ،‬وهم‪-:‬‬
‫‪-1‬الصليبية الحاقدة وما تمتلكه من وسائل الستعمار‪،‬والستشراق‪،‬‬
‫والتنصير والتغريب‪.‬‬
‫‪-2‬الصهيونية الماكرة وما تمتلكه من تخطيط ماسوني‪ ،‬وبروتوكولت‬
‫ونوادي الروتاري‪.‬‬
‫‪-3‬الشيوعية الماركسية وما تعتمد عليه من تيارات فكرية ملحدة‪.‬‬
‫‪-4‬العلمانيون المستغربون من تلميذ الغرب‪ ،‬وما يملكون من سلطان‬
‫سياسي وفكري وإعلمي‪.‬‬
‫‪ -5‬أصحاب الشهوات‪.‬‬
‫ن شعار تحرير المرأة من الشعارات المزيفة التي رفعتها‬ ‫إ ً‬
‫اليهودية والصليبية ودعاة التبشير والستشراق والتغريب وعملؤهم في‬
‫ديار السلم‪ ،‬وهو شعار خادع يقصدون من ورائه اجتذاب المرأة‬
‫م استخدامها سلحا ً في معركتهم ضد السلم‪.‬‬ ‫المسلمة‪ ،‬ث ّ‬

‫‪148‬‬
‫ن السلم ظلم المرأة إذ لم يجعلها حرة في اختيار‬ ‫لقد زعموا أ ّ‬
‫الزوج الذي تريد واللباس الذي تريد‪ ،‬والعمل الذي تريد‪ ،‬والخروج من‬
‫البيت إلى الشارع متى تشاء‪ ،‬وزعموا أن المرأة نصف المجتمع‪ ،‬فلماذا‬
‫طل هذا النصف ببقائه رهين العادات والتقاليد‪ ،‬فتبقى محبوسة في‬ ‫يع ّ‬
‫مل المسؤوليات‬ ‫البيت ل تخرج منه ول تعمل‪ ،‬ول تشارك الرجال في َتح ّ‬
‫تجاه الوطن‪ ،‬وتجاه تكاليف الحياة‪.‬‬
‫لقد صنع أعداء السلم من المرأة المسلمة قضية ومشكلة تحتاج‬
‫إلى حل‪ ،‬وقامت في ديار المسلمين "هيجة" تسمى حقوق المرأة‪،‬‬
‫والمطالبة بالمساواة الكاملة بالرجل‪ ،‬ووجوب تحريرها‪ ،‬وأثاروا حملة‬
‫من التشكيك في موضوعات تخص المرأة منها‪ :‬تعدد الزوجات‪،‬‬
‫والطلق‪ ،‬وعمل المرأة‪ ،‬والرث‪ ،‬والدية‪ ،‬والختلط‪ ،‬والحجاب‪.‬‬
‫ن أبناء السلم الذين انخرطوا في دعوة تحرير المرأة‬ ‫وقد ظهر أ ّ‬
‫والمطالبة بحقوقها‪ ،‬هم واحد من اثنين‪ :‬إما جاهل لوضع المرأة في‬
‫السلم وقد خدعته الشعارات الوافدة من الغرب الكافر‪ ،‬أو شخص‬
‫مأجور لقادة الغزو الفكري الغربي‪ ،‬وهدفه هو هدف هؤلء القادة‪ :‬ابتغاء‬
‫الفتنة ونشر الفساد في المجتمع‪ ،‬والساءة إلى السلم والنتقاص منه‪.‬‬
‫لقد ساوى السلم بين المرأة والرجل في الكرامة والمنزلة‬
‫النسانية والتكاليف الشرعية والجزاء عليها‪ ،‬فماذا يريد دعاة تحرير‬
‫المرأة من وراء المطالبة بالمساواة التامة بين الجنسين‪ ،‬إن هذا من‬
‫المستحيل المخالف لسنن الله تعالى ونواميسه في الكون‪ ،‬مخالف‬
‫للفطرة الصحيحة ولمقتضيات العقل والمنطق‪ ،‬أرأيت إلى الليل‬
‫والنهار‪ ،‬والسالب والموجب‪ ،‬هل يمكن المساواة التامة بينهما من كل‬
‫وجه‪ ،‬إن العاقل يدرك استحالة ذلك‪ ،‬فكلهما خلق لداء غاية تختلف‬
‫كلن سويا ً دائرة واحدة متكاملة فالحركة والعمل‬ ‫عن الخر‪ ،‬ولكنهما يش ّ‬
‫والشقاء في طلب المعاش محله النهار‪ ،‬والراحة والسكون في الليل‪.‬‬
‫ولن يستطيع أحد مهما أوتي من قوة وعلم أن يغّير من نواميس الليل‬
‫والنهار‪ ،‬فالشمس للنهار والنجوم والكواكب لليل‪ ،‬ولكل غاية ووظيفة‬
‫كلن دائرة متكاملة في حياة الناس والنبات‬ ‫من وجوده‪ ،‬وكلهما يش ّ‬

‫‪149‬‬
‫والحيوان‪ .‬لقد صدق الله عز وجل القائل‪):‬والليل إذا يغشى‬
‫ن سعيكم لشتى(‪.‬‬
‫والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والنثى إ ّ‬
‫)‪(1‬‬

‫ن السلم بعد تقريره المساواة الكاملة في النسانية‪،‬‬ ‫إ ّ‬


‫والمساواة في جميع الحقوق التي تتصل مباشرة بالكيان البشري‬
‫المشترك بين الجميع‪ ،‬يفرق بين المرأة والرجل في بعض الحقوق‬
‫والواجبات التي تكون نتيجة الختلف والفروق بينهما في أصل التكوين‬
‫الجسمي والنفسي‪ ،‬وفي متطلبات أعباء الحياة ومشكلتها‪ .‬والضجة‬
‫الكبرى التي يثيرها أعداء السلم وأعداء المرأة على حد سواء من‬
‫الغرب الكافر وعملئه من نساء اللجان والمؤتمرات النسائية‬
‫وبمشاركة كتاب وصحفيين وأدعياء إصلح وغيرهم يعلم الله تعالى أنها‬
‫ضجة مفتعلة ليس وراءها إصلح ول صلح)‪ ،(2‬بل وراءها أهداف‬
‫شريرة‪:‬أولها‪ :‬إبعاد المرأة عن رسالتها الفطرية كزوجة وأم ومربية‬
‫أجيال‪ .‬وثانيهما‪ :‬إخراجها إلى الشارع لتكون سهلة التناول لطلب‬
‫المتع الرخيصة‪ ،‬والمتهافتين على الشهوات المبذولة‪.‬‬
‫وللمقلدين للغرب في دعوى المساواة نقول‪ :‬في استطلع جرى‬
‫ن ‪ %87‬من النساء يقلن أّنه لو عادت عجلة‬ ‫أخيرا ً في أمريكا تبين أ ّ‬
‫التاريخ للوراء لعتبرنا المطالبة بالمساواة مؤامرة اجتماعية ضد‬
‫الوليات المتحدة‪ ،‬وقاومنا اللواتي يرفعن شعاراتها‪(3).‬‬
‫ولمواجهة المرأة المسلمة مثل هذه التحديات يجب‬
‫التي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تكون المرأة واعية لفهم دينها فهما ً شامل ً وتجعله منهاجا ً‬
‫ن‬ ‫تؤمن به وتحوله إلى واقع في حياتها؛ لقول الله تعالى‪(:‬قُ ْ‬
‫ل إِ ّ‬
‫ن)‪.‬‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ‬
‫م َ‬
‫حَيايَ وَ َ‬
‫م ْ‬
‫كي وَ َ‬ ‫صل َِتي وَن ُ ُ‬
‫س ِ‬ ‫َ‬

‫سورة الليل‪.4-1 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬شبهات حول السلم محمد قطب ص ‪.115‬‬


‫‪ -3‬مجلة البيان عدد ربيع الخر ‪1420‬هم‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫‪ -2‬أن تسعي إلى التآلف والترابط مع الخرين ممن يعينونها على‬
‫طاعة الله وحسن الصلة به‪ ،‬وبذلك يأمرنا الله عز وجل (َيا أ َي َّها‬
‫ن) فإن ذلك يقوي‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫كوُنوا ْ َ‬
‫معَ ال ّ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬
‫ه وَ ُ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الروابط ويحث على العمل من أجل صلح الفراد فتذكرهم إذا‬
‫نسوا‪ ،‬وتعظهم إذا غفلوا وتعينهم إذ وهنوا‪.‬‬
‫‪ -3‬التعاون مع بنات جنسها في إقامة الروابط والندية والتحادات‬
‫النسائية التي تهتم بقضايا المرأة وأنشطتها المختلفة من المنظور‬
‫السلمي‪.‬‬
‫‪-4‬الثقة بأن منهج الله هو أكمل النظم وأتم التشريعات التي تقوم‬
‫بتنظيم حياة البشر وحاجتهم إليه لضمان سلمتهم واستقرارهم‬
‫والفوز بالطاعة‪.‬إن الثقة بمنهج الله تحصن المرأة أمام تحديات‬
‫عصرها من طغيان الحياة المادية وفسادها‪.‬‬
‫‪ -5‬أن يكون لدى المرأة رصيد عال من المعرفة والوعي بمكائد‬
‫العداء سواء ممن الخارج أو الداخل‪ .‬ورصيد من المعرفة بطرق‬
‫التحدى والمجابهة‪.‬‬
‫‪ -6‬الهتمام الدائم بتربية أولدها وغرس القيم والخلق السلمية‬
‫فيهم‪ ،‬وتحصينهم ضد الغزو الغربي الوافد عبر العلم‪ ،‬والهتمام‬
‫بحفظ القرآن وتعليمهم لغة القرآن وعدم النسياق وراء المدارس‬
‫التغريبية؛ لنها وسيلة خبيثة لتغريب عقول أبنائنا‪.‬‬
‫‪ -7‬أن تفهم حاجة المجتمع وضروراته وأهم قضاياه ورصد مشكلته‬
‫من أجل المساهمة في تنميته والنهوض بالمرأة فيه؛ فتساهم في‬
‫حل مشكلة أمية المرأة‪ ،‬وتساعد الفتيات على ممارسة الشغال‬
‫اليدوية والحرف المنزلية؛ ولهذا يجب تشجيع السر المنتجة وإقامة‬
‫المعارض الخيرية ومحاولة إيجاد مشروعات صغيرة لمساعدة ربة‬
‫المنزل على توفير احتياجاتها‪ ،‬وعليها أيضا أن تعين الزوجات على‬
‫تربية أبنائهن تربية راشدة بتقديم العون والنصيحة والوقوف على‬
‫أحدث الوسائل التربوية في ذلك‪ ،‬كما يجب عليها أن تقوم بنصح‬
‫الزوجات‪ ،‬وحثهن على التأسي بأمهات المؤمنين وسنة رسول الله‬

‫‪151‬‬
‫صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ فإن من أهم مشكلت الحياة‬
‫الزوجية وفشلها هو جهل الزوجة والزوج لحقوق وواجبات كل‬
‫منهما نحو الخر‪ ،‬وقد حدد الشارع الحكيم هذه الحقوق وتلك‬
‫الواجبات‪ ،‬وهي تعتمد أساسا ً على العدل والنصاف‪ ،‬وفي جوهرها‬
‫تقوم على المودة والرحمة‪.‬‬
‫‪ -8‬العمل على تخريج القيادات السلمية النسائية في المجال‬
‫الدعوي‪ ،‬والخطابي والجتماعي‪ ،‬والفكري‪ ،‬ذات القدرة العالية في‬
‫التأثير والدارة‪.‬‬

‫شبهات أعداء السلم حول قضايا المرأة المسلمة‪-:‬‬


‫ن مزية السلم الكبرى أنه نظام ومنهاج واقعي‪ ،‬يراعي الفطرة‬ ‫إ ّ‬
‫البشرية دائمًا‪ ،‬ول يصادمها أو يحيد بها عن طبيعتها‪ ،‬وهو يدعو الناس‬
‫لتهذيب طباعهم والرتفاع بها‪ ،‬ويصل في ذلك إلى نماذج تقرب من‬
‫الخيالت والحلم‪ ،‬ولكنه في تهذيبه ل يدعو إلى تغيير الطبائع‪ ،‬ول يضع‬
‫في حسابه أن هذا التغيير ممكن‪ ،‬أو مفيد لحياة البشرية حتى إذا أمكن‪،‬‬
‫وإنما يؤمن بأن أفضل ما تستطيع البشرية أن تصل إليه من الخير هو‬
‫ما يأتي منسجما ً متوافقا ً مع الفطرة بعد تهذيبها‪ ،‬ومع سنن الله تعالى‬
‫المودعة في موجودات الكون‪.‬‬
‫والسلم يسير في مسألة الرجل والمرأة على طريقته الواقعية‬
‫المدركة لفطرة البشر ‪-‬رجال ً ونساًء‪ -‬إنه يسوي بينهما حين تكون‬
‫التسوية هي منطق الفطرة الصحيح‪ ،‬والمتوافق مع سنن خلقتهما‬
‫السوية‪ ،‬ويفرق بينهما حين تكون التفرقة هي منطق الفطرة الصحيح‬
‫والمتوافق مع سنن خلقتهما السوية‪ .‬وما يحدثه الناس من تسوية‬
‫بينهما على غيمر هذا المنهج الواضح يكون من باب العتداء على منطق‬
‫الفطرة وسنن الخلقة‪ ،‬وهو نكوس بالنسان وهبوط به إلى مستوى‬
‫النعام التي ل تسمع ول تعقل)‪.(1‬‬

‫شبهات حول السلم محمد قطب ص ‪.119‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪152‬‬
‫ن الغرب الكافر خرج عن مقتضيات الفطرة والعدالة اللهية‬ ‫إ ّ‬
‫والسنن الربانية‪ ،‬إذ أخرج المرأة عن رسالتها الفطرية ومكانتها‬
‫الطبيعية‪ ،‬وخرج عن مقتضيات الفطرة والعقل والعدالة مرة أخرى‬
‫عندما أخذ رجاله من المبشرين والمستشرقين والمستغربين في إثارة‬
‫الشكوك والشبهات حول السلم دين الفطرة والعدالة‪ ،‬فتحت دعوى‬
‫المساواة طالبوا ‪ :‬بأن تتساوى المرأة مع الرجل في الميراث‪ ،‬وأن‬
‫يمنع تعدد الزوجات‪ ،‬ويقّيد الطلق‪ ،‬ويسمح لها بمشاركة الرجل في‬
‫ميادين أعماله‪ ،‬وبالختلط بين الجنسين في كل مكان‪ ،‬لقد أعلنوا‬
‫اعتراضهم على شريعة رب العالمين الذي خلقهم ويعلم ما يصلحهم‬
‫)أل يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير()‪ ،(1‬ويهمنا هنا مناقشة‬
‫الشبهات والشكوك المثارة حول بعض قضايا وحقوق المرأة المسلمة‪.‬‬
‫قضايا مثارة من دعاة تحرير المرأة‪-:‬‬
‫ل‪ :‬الميراث‪-:‬‬ ‫أو ً‬
‫من الشبهات والباطيل التي يرّوجها خصوم السلم زعمهم بأنه‬
‫ظلم المرأة في الحقوق المالية التي تؤول إليها من الميراث‪ ،‬حيث‬
‫أعطاها نصف الرجل‪.‬‬
‫وللرد على هذا نقول‪-:‬‬
‫ن السلم حين يعطي الرجل أو المرأة من الميراث يلحظ المحيط‬ ‫‪ -1‬إ ّ‬
‫القتصادي لهما‪ ،‬ويقيم أحكامه على أساس من العدالة في التوزيع‪،‬‬
‫فهي مثل ً تأخذ من الميراث كالرجل تمامًا‪ ،‬كما في حالتي الم مع الب‬
‫إذا ترك الميت معهما فرعا ً وارثا ً فقط‪ ،‬فلكل واحد منهما السدس‪،‬‬
‫والخوات والخوة من الم يأخذ الذكر إذا انفرد تماما ً كالنثى إذا‬
‫انفردت لكل منهما السدس‪.‬‬
‫ن إعطاء المرأة نصممف الرجممل كممما هممو العممم الغممالب فممي أحكممام‬ ‫‪ -2‬إ ّ‬
‫الميراث مبني أيضما ً علممى العدالممة فممي توزيممع العبمماء والواجبممات علممى‬
‫قاعدة‪" :‬الُغرم بالغُْنم"‪ ،‬فالنظام السلمي يلزم الرجمل أعبماء وواجبمات‬
‫مالية ل يلزمها المرأة‪ ،‬فهو الذي يدفع المهممر‪ ،‬وينفممق علممى تممأثيث بيممت‬

‫سورة الملك‪.14 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪153‬‬
‫الزوجية‪ ،‬وعلى زوجته وأولده‪ ،‬وقد يلزم بالنفمماق علممى ممما عممدا هممؤلء‬
‫ممن يكونون تحت وليته‪ ،‬أما المرأة فهي تأخذ المهر‪ ،‬وتعفى من جميع‬
‫أنواع النفقة ولمو كانت غنية‪ .‬ومن هنا يمكن أن نقول‪ :‬إن السمملم كممان‬
‫مع المرأة كريما ً متسامحا ً حين طرح عنها أعباء المعيشة‪ ،‬وألقاها علممى‬
‫عبء الرجل ثم أعطاها نصف ما يأخذ‪.‬‬
‫ن ما تأخذه المرأة من ميراث أبيها يبقى مدخرا ً ليام النكبات‪،‬‬ ‫‪ -3‬إ ّ‬
‫وفقد المعيل من زوج أو أخ أو قريب‪ .‬بينما ما يأخذه أخوها الرجل‬
‫يكون معرضا ً للستهلك في النفقة وأعباء المعيشة‪ .‬حقا ً إن السلم‬
‫صنها من أن تستعمل أنوثتها لحياتها كما‬ ‫أكرم المرأة‪ ،‬وراعى أنوثتها‪ ،‬وح ّ‬
‫تفعل النساء في بلد الغرب الكافر‪ ،‬إن السلم إذا أعطاها نصف أخيها‪،‬‬
‫فلن النصف سيكفيها بل زوج‪ ،‬لن المنفق عليها غيرها‪ ،‬وسيكون‬
‫النصف خالصا ً لها‪ ،‬وإذا تزوجت فإنها ستلتحق بمن ينفق عليها وعلى‬
‫أولدها‪ ،‬والنصف سيزداد مع المهر الذي ستقبضه من زوجها‪.‬‬
‫ن السلم إذا ً لم ينتقص إنسانية المرأة‪ ،‬ولم ينتقص كرامتها‪ ،‬أو‬ ‫‪ -4‬إ ّ‬
‫يحط من قدرها عندما أعطاها نصف الرجل‪ ،‬إن القوانين التي فعلت‬
‫ذلك هي القوانين البشرية التي أعطتها مثل نصيب الرجل‪ ،‬ثم كّلفتها‬
‫أعباًء مالية تماما ً مثل أعباء الرجل‪ ،‬وأخرجتها إلى الشارع كي تنفق‬
‫على نفسها‪ ،‬وبالتالي جعلتها عرضة للسفاف والبتذال‪.‬‬
‫ونفهم من ذلك أن دعوى المساواة في هذا الجانب باطلة‪ :‬لنه ل‬
‫مجال للمساواة بينهما في الميراث إل بعد المساواة في العباء‬
‫والواجبات المالية‪ .‬إن فلسفة السلم متكاملة‪ ،‬ويعالج قضايا المرأة‬
‫مجتمعة‪ ،‬ففي علجه تتحقق مصلحة الفرد والسرة والمجتمع‪ ،‬والمرأة‬
‫بشكل خاص‪ ،‬وعلى أدعياء الحضارة والتمدين‪ ،‬وأدعياء التحديث‬
‫والتنوير أن يعودوا لرشدهم‪ ،‬وأن يلتزموا هدى رب العالمين الذي‬
‫)‪(1‬‬
‫خلقهم‪.‬‬

‫المرأة بين الفقه والقمانون ص ‪ ،35-33‬شممبهات حممول السمملم محمممد قطممب ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،120-119‬في ظلل القرآن سيد قطممب ‪ ،646-2/645‬شممبهات وأباطيممل خصممموم‬


‫السلم والرد عليها محمد متولي الشعراوي ص ‪.72-70‬‬

‫‪154‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدية‪-:‬‬
‫وأيضا ً أثيرت الضجة من المتفرنجين والمتفرنجات حول مسألة‬
‫الدية حيث قالوا‪ :‬إن السلم ظلم المرأة إذ جعل ديتها إذا ما قتلت‬
‫نصف دية الرجل‪ .‬وللرد عليهم يقال‪:‬‬
‫ن الدية هي تعويض مالي روعيت فيه الخسارة المالية التي‬ ‫إ ّ‬
‫لحقت السرة التي فقدت المرأة‪ ،‬فالرجل هو الذي يواجه أعباء الحياة‬
‫بالسعي والحركة‪ ،‬والمرأة الصل فيها السكون والستر‪.‬‬
‫ن الولد الذين قتل أبوهم خطأ‪ ،‬والزوجة التي قتل زوجها خطممأ‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫فقدوا معيلهم المذي كان ينفق عليهم ويسعى في سبيل إعاشمتهم‪ ،‬أممما‬
‫الولد الممذين قتلمممت أمهممم‪ ،‬والمممزوج الممذي قتلممت زوجتممه فلممم يفقممدوا‬
‫ديمة ليسمت تقممديرا ً‬ ‫المعيل المنفق‪ ،‬إنهم فقدوا بقتلها ناحية معنويمة‪ ،‬وال ّ‬
‫للناحية المعنوية والنسانية في القتيل‪ ،‬إنما هي تقدير للخسارة الماديممة‬
‫التي تلحق السرة بفقد المعيل المنفق)‪.(1‬‬
‫ن المرأة قد تأخذ من تركممة زوجهمما المقتممول خطممأ كممما يأخممذ‬ ‫مإ ً‬ ‫ث ً‬
‫الرجل من تركة زوجته المقتولة خطأ‪ ،‬ومثاله‪:‬لو كانت دية زيد المقتممول‬
‫خطأ ‪ 40‬ألف دينار وترك وراءه ولممد فزوجتمه تممرث الثممن وهمو ‪ 5‬آلف‬
‫دينار‪ ،‬و لو كانت دية فاطمة المقتولة خطأ)نصف الرجل( وهي ‪ 20‬ألف‬
‫دينار وتركت وراءها ولد فزوجها يرث الربع وهو ‪ 5‬آلف دينار‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬القوامة‪-:‬‬
‫ن الضرورة تقضي أن يكون هناك قَّيم توكل إليه الدارة العامة‬ ‫إ ً‬
‫لهذه الشركة القائمة بين الرجل والمرأة وما ينتج عنها من أولد‪ ،‬إن‬
‫السرة المؤسسة الولى في المجتمع‪ ،‬وكل مؤسسات المجتمع لبد‬
‫فيها من رئيس مسؤول‪ ،‬فلمن تكون القوامة في أهم مؤسسات‬
‫المجتمع‪..‬إننا هنا أمام ثلث افتراضات‪ ،‬أو ثلثة أوضاع‪ ،‬إما أن تكون‬
‫القوامة للثنين معًا‪ ،‬أم للمرأة وحدها‪ ،‬أم للرجل وحده‪.‬‬
‫أ‪ -‬كونها للثنين معًا‪:‬‬

‫المرأة بين الفقه والقانون ص ‪.39-37‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪155‬‬
‫هذا ما تأباه السنن والطبائع‪ ،‬وما أثبتت فشله التجارب‪ ،‬فوجود‬
‫رئيسين للعمل الواحد وللمؤسسة الواحدة أدعى للفساد والتخبط‬
‫والضطراب‪ ،‬قال تعالى عن السماء والرض ومن فيهن‪):‬لو كان‬
‫فيهما آلهة إل الله لفسدتا()‪) (1‬إذا ً لذهب كل إله بما خلق‬
‫ولعل بعضهم على بعض( )‪ (2‬فإذا كان المر هكذا بين اللهة‬
‫المتوهمين فكيف هو بين البشر العاديين؟‬
‫ن الطفال الذين يتربون في ظل أبوين‬ ‫وعلم النفس يقرر أ ّ‬
‫متنازعين على السيادة‪ ،‬تكون عواطفهم مختلة‪ ،‬وتكثر العقد‬
‫والضطرابات النفسية في حياتهم)‪.(3‬‬
‫ب ‪ -‬كون القوامة للمرأة‪:‬‬
‫إن المرأة ذات النفعالت السريعة والعواطف المتأججة ل تصلح‬
‫للسيادة على الرجل‪ ،‬إن تكوينها النفسي والعاطفي المختلف تماما ً عن‬
‫الرجل ل يسمح لها أن تقوم بهذا العمل الذي يتطلب غلبة الفكر على‬
‫العاطفة‪ ،‬ويتطلب قدرة على ضبط العصاب من النفلت‪ ،‬ويتطلب‬
‫تقدير النتائج والتبعات بعيدا ً عن العواطف عند اتخاذ القرار‪.‬‬
‫لقمد أثبت الواقع‪:‬أن المرأة ل تحترم الرجل الذي تسّيره ويخضممع‬
‫لرغباتها‪ ،‬إنهما بفطرتها النثوية الرقيقة تحتقره ول تقيممم لممه اعتبممارًا‪ ،‬إن‬
‫المرأة إذا تطّلعت للسيادة في أول عهدها بالزواج لكونهمما فارغممة البممال‬
‫مممن الولد وتكمماليف التربيممة وممما يممترتب عليهمما مممن إرهمماق البممدن‬
‫والعصاب‪ ،‬سرعان ما تنصرف عنها حين تأتيها المشاغل‪.‬‬
‫ن المرأة المريكية التي نالت الستقلل الذاتي عن الرجل‪ ،‬مّلت‬ ‫إ ّ‬
‫هذه الحياة وعادت فاستعبدت نفسها للرجل‪ ،‬أصبحت هي التي تغازله‬
‫‪(4).‬‬
‫وتتلطف له ليرضى‪ ،‬لنها تقر تماما ً بقوته بالقياس إلى ضعفها‬

‫سورة النبياء‪.22 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة المؤمنون‪.91 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫شبهات حول السلم ص ‪.121‬‬ ‫‪3‬‬

‫شبهات حول السلم محمد قطب ص ‪.122‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪156‬‬
‫ن ما يصيب السرة والمجتمع من تخبط وفساد‪ ،‬ومن تدهور‬ ‫إ ّ‬
‫وانهيار‪ ،‬سببه اهتزاز سلطة القوامة في السرة‪ ،‬أو اختلط معالمها‪ ،‬أو‬
‫)‪(1‬‬
‫شذوذها عن قاعدتها الفطرية الصيلة‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الرجل هو صاحب القوامة والسيادة في السرة‪:‬‬
‫يقول الله تعالى‪):‬الرجال قوامون على النساء بما فضل الله‬
‫بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم()‪ .(2‬إن الله تعالى جعل‬
‫القوامة في السرة للرجل‪ ،‬ولكي يقوم بها على الوجه اللئق بها‪ ،‬زّود‬
‫الرجل بمجموعة من الخصائص المناسبة لها زوده بالخشونة والصلبة‪،‬‬
‫وبطء النفعال والستجابة‪ ،‬واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة‬
‫والستجابة والتروي قبل القدام‪ ،‬وإعمال الفكر وتغليبه على العاطفة‪.‬‬
‫ثم كّلفه بالنفاق على السرة‪ ،‬وهو فرع من توزيع الختصاصات يجعله‬
‫بدوره أولى بالقوامة من المرأة التي ُينفق عليها من قبل الرجل‪ ،‬لن‬
‫تدبير المعاش للمؤسسة السرية ومن فيها داخل في هذه القوامة)‪.(3‬‬
‫وليس معنى قوامة الرجل في السرة أن يستبد بالمرأة وبإدارة‬
‫البيت‪ ،‬فالدارة الناجحة تقوم على المشاورة والمعاونة‪ ،‬كما تقوم على‬
‫التفاهم الكامل والتعاطف المستمر والمعاشرة الحسنة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫)وعاشرهن بالمعروف()‪ (4‬وقال صلى الله عليه وسلم‪):‬خيركم خيركم‬
‫)‪(5‬‬
‫لهله(‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬الطلق‪-:‬‬
‫لقد زعم الغرب الكافر وأدعياء التحضر في ديار المسلمين أن‬
‫الطلق يخّرب البيوت ويشّرد الطفال‪ ،‬ويفكك السرة‪ ،‬وفي إباحته‬
‫وجعله بيد الرجل هضم لحقوق المرأة وانتقاص لنسانيتها وحط من‬
‫كرامتها‪.‬‬

‫في ظل القرآن سيد قطب ‪.2/651‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النساء‪.34 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫في ظلل القرآن سيد قطب ‪.2/651‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة النساء‪.19 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه الترمذي‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪157‬‬
‫وللرد على هؤلء نقول‪-:‬‬
‫ذبه وقضى‬ ‫‪-1‬إن الطلق كان معروفا ً قبل السلم‪ ،‬فجاء السلم فه ّ‬
‫على مساوئه‪.‬‬
‫‪ -2‬كان الطلق ممنوعا ً في الغرب وفق التقاليد الكنسية التي تجعل‬
‫الزواج مؤبدًا‪ ،‬ثم عادت أوربا وأمريكا فأخذتا به حل ً لمشكلتها السرية‪،‬‬
‫وبلغت نسبة الطلق في أمريكا حدا ً كبيرا ً إذ يقع طلق واحد بين كل‬
‫ست أو أربع زيجات حسب الحصائيات الرسمية في الستينات‪ ،‬وفي‬
‫سنة ‪1978‬م كانت نسبة الطلق في أمريكا ‪ ،% 40‬و ‪ %60‬في‬
‫السويد‪ %30 ،‬في ألمانيا‪ ،‬ونسبة الطلق بالنسبة للزيجات في بعض‬
‫الدول الغربية ‪ ،%85‬ونسبة الطلق في تونس‪ -‬نتيجة لهاث السلطة‬
‫نحو الغرب‪(1).%40-‬‬
‫‪ -3‬إن السلم أجاز الطلق على بغضه له‪ ،‬ولم يندب إليه ولم يستحبه‪،‬‬
‫ن الله جعله رخصة شرعت للضرورة‪ ،‬حين تسوء‬ ‫وكونه حلل‪ ،‬فإ ّ‬
‫العشرة‪ ،‬وتستحكم الخلفات بين الزوجين‪ ،‬وتفشل كل محاولت‬
‫الصلح بينهما‪.‬‬
‫‪ -4‬إن الطلق الذي يترتب عليه انفصال المرأة عن الرجل ل يتم بكلمة‬
‫واحدة من الزوج‪ ،‬ولكن التشريع السلمي يعطي فرصة وفرصة أخرى‬
‫بعدها‪ ،‬ويجعل الطرفين يعيدان حساباتهما‪ ،‬ويحاول حسم النزاعات‬
‫والخلفات‪):‬الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح‬
‫بإحسان()‪ ،(2‬إنه إذا عّز اللقاء وعّزت الحياة والعشرة كان أمرا ً لبد‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ -5‬إن الذي يقلل وقوع الطلق أو يجعله نادرا ً الختيار الحسن من قبل‬
‫الرجل للمرأة‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬فلو أن التدين الصادق وحسن الخلق كانا‬
‫المعيار عند اختيار كل منهما لشريك حياته لوّفرا على أنفسهما مثل هذا‬
‫العنت‪.‬‬

‫‪ -1‬مجلة المجتمع ‪16/4/1422‬هم‬


‫‪ -2‬سورة البقرة‪.229 :‬‬

‫‪158‬‬
‫‪ -6‬إن الطلق ل يلجأ إليه كحل للمشكلت الزوجية إل بعد أن تسبقه‬
‫عدة وسائل إصلحية وعلجية يجب على الرجل سلوكها‪ ،‬إن الطلق هو‬
‫الحل الخير لحالت يصعب في ظلها استمرار الحياة الزوجية‪ ،‬ومثله‬
‫تماما ً كالطبيب الذي يحافظ على سلمة الجسم ببتر عضو منه‪ .‬ومن‬
‫عجب أن السلم ضيق على الرجال في إيقاع الطلق‪ ،‬وحدده بجملة‬
‫حدود وربطه بمجموعة من القيود في وقته وكيفيته وعدده تضييقا‬
‫لدائرته‪.‬‬
‫‪ -7‬ليس الطلق هو السبب الوحيد في تشرد الطفال وتفكك السرة‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فقد تحدث مثل هذه المور في أسرة مشحونة بالخلفات الزوجية‪.‬‬

‫لماذا جعل السلم الطلق بيد الرجل؟‬


‫لقد جعل السلم الطلق بيد الرجل وحده لّنه‪-:‬‬
‫‪ -1‬هو الذي يتحمل العباء المالية نحو الزوجة والبيت‪ ،‬فهو وحده يدفع‬
‫المهر ونفقات الزواج والعرس‪ ،‬فإذا رضي أن يتحمل الخسارة المالية‬
‫والمعنوية الناشئتين عن رغبته في الطلق فله ذلك‪ .‬ولو جعل الطلق‬
‫بيد المرأة لربحت المهر السابق‪ ،‬ثم المهر الجديد والعريس الجديد‬
‫والبيت الجديد وخسر الرجل كل شيء‪.‬‬
‫‪ -2‬الرجل حسب تكوينه الجسدي والنفسي‪ :‬أضبط أعصابًا‪ ،‬وأكثر ترويا ً‬
‫وتفكرًا‪ ،‬وأكثر تقديرا ً للنتائج في ساعة الغضب والثورة‪ ،‬والمرأة شديدة‬
‫الغضب وسريعة التأثر‪ ،‬وهي عاطفية أكثر من الرجل‪ ،‬ولو جعل الطلق‬
‫بيد المرأة لكانت نسبته أضعاف أضعاف نسبته هذه اليام‪.‬‬
‫‪ -3‬إذا كان بعض الرجال يسيئون استخدام حقهم في الطلق‪ ،‬فيخّربون‬
‫البيوت ويشردون الطفال فهؤلء قلة‪ ،‬وهم شواذ‪ ،‬وبالتربية السلمية‬
‫والتدين الصحيح‪ ،‬مع مراعاة حسن اختيار المرأة للزوج صاحب الخلق‬
‫والدين يمكن القضاء على هذه الظاهرة‪ ،‬ول يوجد في الدنيا نظام إل‬

‫‪ -1‬شبهات حول السلم ص ‪ ،134-133‬الحلل والحرام في السلم للقرضمماوي ص‬


‫‪ .200،209‬شبهات وأباطيل خصوم السلم والرد عليها للشعراوي ص ‪.74‬‬

‫‪159‬‬
‫وهناك مخالفون والنظام الصالح ل يوضع إل للكثرة الصالحة التي تلتزم‬
‫)‪(1‬‬
‫به‪.‬‬
‫وقد يقول المتطرفون والمتطرفات من المخدوعين بالثقافة‬
‫الغربية…لماذا ل يكون الطلق بواسطة المحكمة؟‬
‫نقول لهؤلء‪-:‬‬
‫ن الدول التي جعلت الطلق عن طريق المحكمة ثبتت معاناتها‬ ‫إ ّ‬
‫من ذلك‪ ،‬وعدم جدواه أيضًا‪ .‬حيث كثرت فضائح السرار السرية أمام‬
‫المحكمة والمحامين والشهود وبعض هذه السرار مخزية لصحابها‪،‬‬
‫ومن الخير لهم سترها‪ ،‬وأصبحت كثير من السر مادة للسخرية‬
‫والستهزاء من قبل الصدقاء والجيران وبعض الصحف التي يهمها نشر‬
‫ذلك‪ ،‬لترويج أعدادها‪.‬‬
‫ما عدم جدواه‪ ،‬فإن المتتبع لحوادث الطلق في المحاكم في‬ ‫وأ ّ‬
‫بلد الغرب يتأكد أن تدخل المحكمة شكلي في الموضوع‪ ،‬فهي في‬
‫الغالب ل ترفض طلبا ً لمتقدم للطلق‪ ،‬وأبشع صورة للطلق أمام‬
‫المحاكم هو‪ :‬ما فرضته بعض البلد الغربية من قوانين صارمة في إيقاع‬
‫الطلق من قبل القاضي في المحكمة‪ ،‬فإنه ل يقع إل إذا ثبت زنى‬
‫الزوجة أو الزوج‪ .‬وكثيرا ً ما يتفق الزوجان فيما بينهما على الرمي بهذه‬
‫التهمة ليفترقا‪ ،‬وقد يلفقان الشهادات والوقائع من أجل ذلك)‪ .(2‬وقبل‬
‫سنوات وضع البوليس المريكي يده على عصابة ضخمة مكونة من‬
‫المحامين والطباء مهمتها مساعدة الزواج والزوجات على الطلق‬
‫بإيجاد الزوجة أو الزوج في حالة تلبس بالزنا‪ .‬ومع ذلك فإن نسبة‬
‫الطلق في أمريكا في ارتفاع حاد مثير‪ ،‬وفي أمريكا مكاتب كثيرة‬
‫مهمتها البحث عن الزواج الهاربين من زوجاتهم والبحث عن الزوجات‬
‫)‪(3‬‬
‫الهاربات من أزواجهن‪.‬‬

‫‪ -1‬المرأة بين الفقه والقانون د‪ .‬مصطفى السباعي ص ‪.130-129‬‬


‫المرأة بين الفقه والقانون ص ‪.128‬‬ ‫‪2‬‬

‫في ظلل القرآن ‪.2/636‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪160‬‬
‫خامسًا‪ :‬تعدد الزوجات‪-:‬‬
‫ن الغربيون المتعصبون من المبشرين والمستشرقين‬ ‫يش ّ‬
‫والمستعمرين حملة قاسية على السلم والمسلمين بسبب تعدد‬
‫الزوجات‪ ،‬ويتخذون من ذلك دليل ً على اضطهاد السلم للمرأة‪،‬‬
‫ويزعمون أن الرجال يستخدمون المرأة في إرضاء شهواتهم ونزواتهم‪،‬‬
‫ويتغافل الغرب عن الوضاع الجنسية الشاذة السائدة فيه‪ ،‬كما يتغافل‬
‫عن المراض الجنسية والمفاسد الجتماعية المترتبة على تلك الوضاع‬
‫الشاذة‪ .‬ومع ذلك نرد ّ على مزاعمهم تجاه السلم والمسلمين بما‬
‫يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬لقد كان السلم مسبوقا ً بتعدد الزوجات‪ ،‬كان التعدد موجودا ً في‬
‫المم القديمة كلها تقريبا ً ‪ :‬عند اليابانيين‪ ،‬والصينيين‪ ،‬والهنود‪،‬‬
‫والبابليين‪ ،‬والشوريين‪ ،‬والمصريين ‪ .‬كما كان عند العرب الجاهليين‬
‫قبل البعثة النبوية‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الديانة اليهودية تبيح التعدد وبدون حد‪ ،‬وتحدثنا التمموراة الممتي بيممن‬
‫أيديهم أن أنبياء بني إسرائيل كلهم كانت لهم زوجات كثيرة‪ ،‬بلغممن عنممد‬
‫بعضهم المئات‪ .‬وليس في أناجيل الديانة النصرانية ما يمنع التعممدد‪ ،‬بممل‬
‫فممي رسممائل بممولس ممما يفيممد جمموازه‪ ،‬وقممد ثبممت أ‪ ،‬بعممض المسمميحيين‬
‫القممدمين كممانوا يممتزوجون أكممثر مممن واحممدة‪ ،‬بممل اعممترف بعممض ك ُت ّمماب‬
‫المسيحية أن تعممدد الزوجممات بمماعتراف الكنيسممة قممد بقممي إلممى القممرن‬
‫السممابع عشممر الميلدي‪ ،‬بممل إن اقتنمماء السمممراري كممان مباحمما ً فمممي‬
‫المسمميحية علممى إطممملق كتعممدد الزوجممات‪ ،‬وقمممد اضممطرت المسمميحية‬
‫ممما رأت أن منعممه‬ ‫المعاصرة إلى العتراف بالتعدد في أفريقيا السوداء ل ّ‬
‫يحممول دون نشمماطها التنصمميري فممي أوسمماط القمموم الممذين يعممددون‬
‫الزوجات‪.‬‬
‫‪ -3‬في سنة ‪1948‬م درس مؤتمر للشباب عقد في ميونيخ بألمانيا‪،‬‬
‫موضوع زيادة النساء في الغرب بسبب الحرب العالمية‪ ،‬وكانت النتيجة‬

‫‪161‬‬
‫إقرار توصية من المؤتمر بإباحة تعدد الزوجات بناًء على اقتراح قدمه‬
‫بعض الدارسين من أبناء المسلمين)‪.(1‬‬
‫ن الصل في الزواج في السلم اكتفاء الرجل بزوجة واحدة‪ ،‬وأباح‬ ‫‪ -4‬إ ّ‬
‫له التعدد إذا استطاع العدل‪ ،‬والعدل غير مضمون التحقيق‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫)فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلث ورباع‪ ،‬فإن‬
‫خفتم أل تعدلوا فواحدة()‪ .(2‬السلم إذا ً لم يأمر بالتعدد بل أباحه‬
‫مع اشتراط العدل والقسط بين الزوجات في النفقة والمعاملة‪ ،‬والذي‬
‫ل يستطيع ذلك فتكفيه زوجة واحدة‪ ،‬والفقير الذي ل يملك مال ً ول‬
‫يستطيع النفاق على الزوجات وأولدهن ل يحبب له السلم أن يتزوج‬
‫واحدة فضل ً من أن يعدد‪.‬‬
‫‪ -5‬لقد شرع الله تعالى التعدد مراعاة للفطرة البشرية‪ ،‬وحل ً لكثير من‬
‫المشكلت الجتماعية‪ ،‬وغالبا ً ما تكون فيها المصلحة للمرأة وللرجل‬
‫سويًا‪ ،‬وللمجتمع نفسه‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬زيادة عدد النساء عن عدد الرجال إما بسبب الحروب أو بسبب زيادة‬
‫دل مواليد الناث على الذكور‪ ،‬فقد بلغت في فنلندا قبل سنين‬ ‫مع ّ‬
‫النسبة ‪ 3‬من الناث و ‪ 1‬من الذكور‪ ،‬أو بسبب كثرة تعّرض الرجال‬
‫لحوادث العمل وحوادث الطرق‪ ،‬أو الموت بسبب الوبئة لنهم أقل‬
‫مناعة بالطبيعة من النساء‪.‬‬
‫ب‪ -‬إذا كانت المرأة عقيما ً ل تنجب‪ ،‬والزوج متلهف على ولد‪.‬‬
‫ج‪ -‬إذا كانت الزوجة مصابة بمرض يمنعها من التصال الجنسي‪ ،‬أو‬
‫مصابة بمرض يمنعها من القيام بواجباتها المنزلية‪ ،‬فالفضل أن تكون‬
‫لزوجها زوجة ثانية مع بقائها هي عنده تحت رعايته‪ ،‬ينفق عليها ويحسن‬
‫إليها بالمعروف‪.‬‬
‫د‪ -‬إذا كان الرجل ذا قوة جنسية جامحة بحيث ل تكفي معها زوجة‬
‫واحدة‪ ،‬إما لكبر سنها أو لكثرة اليام التي ل تصلح فيها للمعاشرة‬

‫‪ -‬المرأة بين الفقه والقانون ص ‪.75-71‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬سورة النساء‪.3 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪162‬‬
‫الجنسية‪ ،‬فأيهما أفضل أن يتزوج بأخرى أم يقضي شهوته بالحرام عبر‬
‫الخيانة الزوجية‪ .‬إن الصبر هنا ل يصلح علجا ً لكل الرجال‪.‬‬
‫هم ‪ -‬إذا وقع الرجل المتزوج في خطأ فاحش مع امرأة‪ ،‬وكانت المرأة‬
‫ضحية هذا الخطأ الذي يهينها في سمعتها وكرامتها‪ ،‬أليس من الفضل‬
‫أن يستر عليها وهو الجاني‪ ،‬فيتزوجها ولو كانت عنده زوجة أخرى‪.‬‬
‫و‪ -‬إذا استحكمت الخلفات العائلية بين الزوجين واستنفدت طرق‬
‫الصلح‪ ،‬ولم تعد تنفع المواعظ والنصائح‪ ،‬فهل من الفضل طلق‬
‫المرأة‪ ،‬وتشتيت الولد‪ ،‬أم الزواج بثانية مع بقاء الولى في وضعها مع‬
‫)‪(1‬‬
‫أولدها وتحت رعاية الزوج المالية والمعنوية‪.‬‬
‫التعدد عند الغرب الكافر‪-:‬‬
‫ن الغرب منع تعدد الزوجات وأباح ‪-‬بل حياء‪ -‬تعدد الخليعات‬ ‫إ ّ‬
‫والعشيقات‪ ،‬فكثر أولد الحرام الذين ملئوا الشوارع والملجئ‪،‬‬
‫وانتشرت المراض الجنسية والمفاسد الجتماعية‪ ،‬وراجت المفاسد‬
‫الخلقية‪.‬‬
‫لقد أعلن ‪-‬فيما مضى‪ -‬أحد رؤساء أمريكا‪ :‬أن ستة من كل سبعة‬
‫من شباب أمريكا ل يصلحون للجندية بسب النحلل الخلقي‪ ،‬وقررت‬
‫لجنة الربعة عشر المريكية المهتمة بمراقبة حالة البلد الخلقية أن ‪90‬‬
‫‪ %‬من الشعب المريكي مصابون بالمراض السرية الفتاكة )هذا قبل‬
‫)‪(2‬‬
‫وجود المركبات الدوائية الحديثة(‪.‬‬
‫ن التعدد في الغرب قائم على انبعاث الشهوة والنانية‪ ،‬ل يحمل‬ ‫إ ّ‬
‫صاحبه أية مسؤولية تجاه النساء اللواتي يعاشرهن الرجال‪ ،‬ول تجاه‬
‫الولد الذين يأتون عن طريقه‪ ،‬إنه تعدد ل يقتصر على عدد بعينه‪.‬‬

‫سادسًا‪ :‬العمل خارج البيت‪-:‬‬


‫ن السلم ل يستريح لخروج المرأة للعمل في غير العمال‬ ‫إ ّ‬
‫الضرورية التي تقتضيها حاجة المجتمع من ناحية‪ ،‬أو حاجة امرأة بعينها‬

‫المرأة بين الفقه والقانون ص ‪ ،88-81‬شبهات حول السلم ص ‪.137-135‬‬ ‫‪1‬‬

‫في ظلل القرآن ‪.637-2/636‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪163‬‬
‫من ناحية أخرى‪ ،‬على أن يكون عملها مناسبا ً لتكوينها الجسدي‬
‫والنفسي‪ ،‬مناسبا ً لنوثتها وفطرتها‪ ،‬فلها أن تعمل في مجال‪ :‬تعليم‬
‫البنات‪ ،‬والتمريض لهن وتطبيب النساء‪ ،‬ومساعدة زوجها أو أبيها في‬
‫الخياطة والتطريز‪ ،‬ونحو ذلك من العمال التي تتناسب وفطرتها‪،‬‬
‫كإجراء المعاملت المختلفة من بيع وشراء وإجارة‪.‬‬
‫واشترط السلم لخروج المرأة المضطرة للعمل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون العمل مناسبا ً لطبيعتها النثوية كما سبق بيان أمثلة ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬أن ل يكون العمل معطل ً لرسالتها في البيت كأم مرّبية لولدها‪،‬‬
‫وكزوجة مكّلفة بالعباء المنزلية والواجبات الزوجية‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تراعي آداب الخروج التي افترضها الله على المرأة المسلمة‪:‬‬
‫من ارتداء الحجاب الشرعي‪ ،‬والبتعاد عن الختلط بالرجال‪ ،‬والخلوة‬
‫بالجنبي‪ ،‬مع وجوب غض البصر عما حّرم الله‪ ،‬وتجنب عوامل الثارة‬
‫والغراء‪ ،‬مثل ألوان الزينة والروائح العطرية‪ ،‬وتليين الكلم والخضوع‬
‫فيه‪ ،‬والمشي بتكسر وتمايل‪ ،‬إن المرأة المسلمة عنوانها الحياء‬
‫والحتشام)‪.(1‬‬
‫‪ -4‬أن ل تعمل المرأة في العمال المهينة لكرامتها المفسدة لخلقها‪،‬‬
‫فتها‪ ،‬مثل‪ :‬الرقص‪ ،‬وحلقة‬ ‫العمال التي يستغل فيها الرجال أنوثتها وع ّ‬
‫الرجال‪ ،‬والغناء والتمثيل‪ ،‬وسكرتيرة لرجل يستغل أنوثتها وجمالها‬
‫فتها‪ ،‬وعارضة أزياء تعرض جسمها ومفاتنها وأعضاءها للنظارة ونحو‬ ‫وع ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ذلك من العمال المفسدة للخلق‪ ،‬المثيرة للشهوات‪.‬‬
‫حجة المنادين بوجوب عمل المرأة ومناقشتها‪-:‬‬
‫يزعم دعاة التحديث والتنوير‪ ،‬وأدعياء تحرير المرأة‪ :‬أن اشتغال‬
‫المرأة يزيد في الثروة القومية للبلد‪ ،‬وأنها بالعمل خارج البيت تشارك‬
‫أخاها الرجل في نهضة الوطن وتقدمه‪ ،‬وأنها تحقق شخصيتها‬
‫المستقلة‪ ،‬وبقاؤها في البيت إهدار لطاقتها وانتقاص لكرامتها‪.‬‬
‫نقض هذه الحجة‪ :‬ويمكن دحض هذه الحجة بما يلي‪:‬‬

‫المرأة المسلمة ص ‪.227-226‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتاوى معاصرة للقرضاوي ‪.2/305‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪164‬‬
‫‪ -1‬إن اشتغال النساء يؤثر على الحياة القتصادية تأثيرا ً سيئًا‪،‬‬
‫باعتبار أن عملها فيه مزاحمة للرجال في ميدان نشاطهم الطبيعي‪،‬‬
‫مما يؤدي إلى ازدياد نشر البطالة في صفوف الرجال‪ ،‬والواقع‬
‫المعاصر في كثير من بلد المسلمين يشهد بذلك‪ ،‬فلقد أصبح عدد‬
‫كبير من حملة الشهادة الثانوية والشهادات الجامعية العليا عاطلين‬
‫عن العمل‪ ،‬يملئون الشوارع والمقاهي‪ ،‬ويقفون أمام المؤسسات‬
‫الحكومية والهلية يقرعون أبوابها طلبا ً للوظيفة‪ ،‬بينما تحتل‬
‫أمكنتهم فتيات ونساء ل يحملن غالبا ً مثل مؤهلتهم وكفاءاتهم‪.‬‬
‫‪ -2‬وإذا ثبت أن اشتغال المرأة يؤدي إلى بطالة الرجل‪ ،‬فإّنه من‬
‫المحتمل أن يكون هذا الرجل الذي زاحمته هو زوجها‪ ،‬أو أخوها‪ ،‬أو‬
‫أبوها‪ ،‬أو ابنها‪ ،‬فأي ربح اقتصادي للسرة‪ ،‬إذا كان اشتغال المرأة يؤدي‬
‫إلى بطالة زوجها أو أبوها أو غيرهما ممن هو مكّلف بالنفاق عليها‪.‬‬
‫حسب إحصاءات مكتب العمل العربي‪ 7.3 :‬عدد العاطلين عن العمل‬
‫لعام ‪1991‬م أي بنسبة ‪ 10.6‬من القوى العاملة الجمالية‪ ،‬ومن‬
‫المتوقع ازدياد هذه النسبة نتيجة لزيادة مشاركة المرأة في العمل‬
‫خارج المنزل‬
‫ن الدراهم التي تحصل عليها المرأة من العمل ل توازي خسارة‬ ‫‪ -3‬إ ّ‬
‫ل نسبة كبيرة من هذه الدراهم‬ ‫الولد لعطف وحنان ورعاية الم‪ ،‬ولع ّ‬
‫تذهب إلى الملبس الزاهية وأدوات التجميل والزينة والروائح العطرية‬
‫وغير ذلك مما نراه في واقع مجتمعاتنا‪ ،‬وتلك الدراهم لن تساوي ما‬
‫تخسره المرأة من أنوثتها وسمعتها‪ ،‬وربما شرفها‪ ،‬والقصص والحكايات‬
‫ن ‪ %87‬من‬ ‫في ذلك كثيرة تكاد تصم آذان العقلء والمصلحين‪ .‬إ ّ‬
‫العاملت من ‪ 85‬مليون امرأة يفضلن البقاء في المنزل من نساء أوربا‬
‫وأمريكا واليابان وكندا‪ ،‬و ‪ 12‬مليون حالة طلق بسبب عمل المرأة‬
‫‪ %85‬منها في الغرب‪ %‬نقصان راتب المرأة عن الرجل في الغرب مع‬
‫القيام بنفس العمل‪ .‬وفي استفتاء نشرته مؤسسة أبحاث السوق في‬
‫ن ‪ %90‬من النساء‬ ‫عام ‪1990‬م أجري على ‪ 2.5‬مليون امرأة تبين أ ّ‬

‫‪165‬‬
‫يرغبن العودة للبيت لتتجنب التوتر الدائم في العمل‪ ،‬ولعدم‬
‫استطاعتهن رؤية أزواجهن وأطفالهن إل بعد العشاء‪.‬‬
‫ن ما تؤديه المرأة ‪-‬في الغالب‪ -‬من عمل يؤديه أي عامل بسيط‪،‬‬ ‫‪ -4‬إ ّ‬
‫ما أعمالها في البيت فل يستطيع أن يقوم به غيرها‪ ،‬والخسائر المعنوية‬ ‫أ ّ‬
‫والجتماعية التي يتعرض لها المجتمع من وراء عمل المرأة خارج البيت‬
‫در بمال‪ ،‬ولقد صّرح عقلء الغرب ومفكروه أنهم خسروا كثيرا ً‬ ‫ل تق ّ‬
‫باشتغال المرأة‪ ،‬حيث انهار صرح السرة‪ ،‬وتشرد الولد وفسدت‬
‫أخلقهم وكثرت المنازعات والخلفات الزوجية‪ .‬إن النظر إلى كل فرد‬
‫في المجتمع كآلة منتجة وبمقدار ما يكسب من المال‪ ،‬هو رجوع‬
‫بالنسان إلى الوراء‪ ،‬إلى عهود الرق والعبودية والسخرة‪ ،‬وهذا ما ل‬
‫يرضاه العقلء والمصلحون وما ل ترضاه النسانية الكريمة‪ .‬ولقد أثبتت‬
‫الحصائيات ‪ %40‬من راتب المرأة العاملة خارج بيتها ينفق على‬
‫المظهر والمواصلت‪ ،‬و ‪ %30‬من تكاليف المنزل توفرها المرأة التي‬
‫تعمل في منزلها‪ .‬و ‪ %70‬من الدخل التي يمكن أن تحصل عليه‬
‫تستطيع المرأة أن توفره إذا عملت في المنزل‪.‬‬
‫ن البنت ما دامت في المدرسة أو الجامعة فهي تتلقى العلم‪ ،‬وهذه‬ ‫‪ -5‬إ ّ‬
‫ل يجوز إرهاقها بالعمل معه وإذا انتهت من الدراسة فإنها غالبا ً ما‬
‫تمكث في بيت أبيها وأمها إل بمقدار ما تتهيأ إلى بيت الزوجية فهي في‬
‫ُ‬
‫مها في إدارة البيت وأعماله‬ ‫هذه الحالة تتلقى دروسا ً عملية عن أ ّ‬
‫وشؤونه‪ ،‬فل يجوز إرهاقها بالعمل خارج البيت‪ ،‬وأعمال المرأة في‬
‫البيت سواء كانت أما ً وزوجة أو بنتا ً ل تقل عن أعمالها خارج البيت‬
‫ن ‪ %80‬من‬ ‫مشقة وعناًء‪ ،‬وكثيرا ً ما تكون أكثر مشقة وإرهاقًا‪ .‬إ ّ‬
‫المريكيات يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه‬
‫العمل ومسؤولياتهن تجاه الزوج والولد‪ .‬و ‪ %90‬منهن شعرن بمزاج‬
‫عال وحالة معنوية ممتازة بعد أداء الواجب المنزلي‪.‬‬
‫ن مصالح الشعوب والمم ل تقاس دائما ً بالمقياس المادي البحت‪،‬‬ ‫‪ -6‬إ ّ‬
‫طلة عن النتاج المادي‪ ،‬فالجيوش وكثير‬ ‫ن في كل مجتمع فئات مع ّ‬ ‫فإ ّ‬
‫من الموظفين ل يزيدون في ثروة المة المادية‪ ،‬ولقد رضيت كل المم‬

‫‪166‬‬
‫ن يتفرغ الجيش لحماية البلد‪ ،‬دون أن تلزمه بالعمل والكسب‪،‬‬ ‫بأ ّ‬
‫ومنفعة هؤلء أغلى وأثمن من المنفعة القتصادية‪ ،‬والتفرغ لشؤون‬
‫السرة ورعاية النشء وتربيته وإعداده لبنة صالحة في المجتمع ليس‬
‫بأقل فائدة من تفرغ الجيش لحماية البلد)‪.(1‬جاء في دراسة نشرتها‬
‫إحدى أكبر شركات التأمين البريطانية على مليون امرأة ووقع الختيار‬
‫ن المرأة المتفرغة للبيت‬ ‫على أم بيت متفرغة فجاءت النتائج المثيرة‪:‬إ ّ‬
‫تعمل ‪ 19‬ساعة في أعمال البيت‪ ،‬وهي المربية والممرضة والمسؤول‬
‫الول عن إدارة الشؤون المالية للبيت‪ ،‬إضافة لذلك – فحسب دراسة‬
‫بالتقييم المادي البعيد عن العواطف ‪ -‬كانت المرأة المتفرغة للمنزل‬
‫هي أثمن شيء تمتلكه السرة‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬الختلط بين الجنسين في معاهد التعليم‪-:‬‬
‫دأب صنف من المستغربين على إشاعة التقاليد والعادات الغربية‬
‫في المجتمع السلمي‪ ،‬دون مراعاة لداب السلم وأخلقه وأحكامه‪،‬‬
‫ودون مراعاة للفطرة البشرية التي ل يناسبها سوى الستقامة على‬
‫المنهج الذي اختاره الله‪ .‬إن هؤلء المستغربين يقلدون الغرب ويتبعون‬
‫سنته‪ ،‬ول يراعون ما يشكو منه عقلء الغربيين الذين أدركوا سوء‬
‫العاقبة التي تسير إليها حضارتهم المادية‪.‬‬
‫وتمثل المناهج الداعية إلى الختلط والسفور أهم التحديات‬
‫الماثلة أمام المرأة‪ ،‬بينما تسعى نفوس مريضة إلى استغلل‬
‫النساء في بيئات أخرى لعمال الرذيلة وترويج المخدرات‬
‫وتشجيعهن لعمال البغاء‪ ،‬وبيعهن في السواق مقابل الحصول‬
‫على الموال القذرة‪ ،‬وتؤكد تقارير عديدة أن النشاط المعادي‬
‫للمرأة بأشكاله المتعددة ليس في تراجع بل في تزايد واستفحال‪،‬‬
‫برغم ترديد اسطوانات المواثيق والعراف الدولية‪ ،‬وبرغم الجهود‬
‫التي تبذلها بعض الدول لتقليل تلك المخاطر والحد من الظاهرة‪.‬‬
‫والمرأة الغربية تشكو اليوم من نتائج الختلط‪ ،‬وما جّره عليها‬
‫ن ‪ %80‬من المريكيات‬ ‫من ويلت‪ ،‬وعلى الرجل والسرة والمجتمع‪ .‬إ ً‬

‫انظر المرأة بين الفقه والقانون ص ‪ ،198-192‬شبهات حول السلم ‪.141-137‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪167‬‬
‫يعتقدن أن الحرية التي حصلت عليها المرأة خلل الثلثين عاما هي‬
‫سبب النحلل والعنف في الوقت الراهن‪ %16 .‬من الفتيات بين ‪-12‬‬
‫‪ 17‬سنة يعانون من مشاكل ذات علقة بالمخدرات ‪ %16.7‬من الفتيان‬
‫بين ‪ 17-12‬سنة يعانون من مشاكل ذات علقة بالمخدرات‪.‬‬
‫وحسب المسح القومي المريكي في سنة ‪1999‬م‪ :‬التعليم‬
‫المختلط يشجع على إقامة العلقات بين الولد والبنات‪ ،‬إضافة إلى‬
‫عدم تركيزهم بسبب توجه الهتمام للجنس الخر‪ ،‬و ‪ %75‬من‬
‫المراهقات الحوامل من المدارس المختلطة‪ ،‬وفقط ‪ %5‬من الحوامل‬
‫في المدارس التي تطبق الفصل بين الجنسين‪ ،‬بينما النتيجة صفر ‪%‬‬
‫في المدارس السلمية‪ -‬ولله الحمد‪.-‬‬
‫ونحن المسلمين لنا شخصيتنا المستقلة المتميزة‪ ،‬لنا شخصيتنا‬
‫ونها عقيدتنا السلمية الربانية‪ ،‬لنا قيمنا وأخلقنا التي يجب أن‬ ‫التي تك ّ‬
‫نستمدها من ديننا الحنيف‪ ،‬ومطلوب منا أل نجاري الخرين وأل نسير‬
‫على مناهجهم التي ابتدعوها حسب أهوائهم وآرائهم بعيدا ً عن الدين‬
‫الحق والعقيدة الربانية)‪.(1‬‬
‫ولمعرفة موقف الشرع السلمي من الختلط الذي يطالب به‬
‫البعض في مدارسنا وجامعاتنا لبد أول ً من معرفة وضع المرأة في‬
‫المجتمع السلمي الذي أسسه رسول الله صلى الله عليه وسلم على‬
‫قواعد وأسس ربانية‪.‬‬
‫فالمرأة المسلمة كانت تشهد الجمعة والجماعة في المسجد النبوي‪،‬‬
‫وكانت تحضر صلة العيد‪ ،‬ولكنها كانت مأمورة من رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم أن تتخذ الصف الخير خلف صف الرجال‪ ،‬وكان‬
‫ما خاف النبي‬ ‫الصبيان في وسط الصفوف بين الرجال والنساء‪ ،‬ول ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم الفتنة عند باب المسجد أمر بأن يكون للنساء‬
‫باب خاص فقال‪):‬لو أنكم جعلتم هذا الباب للنساء()‪ (2‬وصار الباب‬
‫يعرف إلى يومنا هذا بباب النساء‪.‬‬

‫انظر فتاوى معاصرة‪ :‬الدكتور يوسف القرضاوي ‪.2/278‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه أبو داود‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪168‬‬
‫وكانت النساء تحضرن درس العلم والوعظ مع الرجال في مسجده‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم طلبن منه أن يخصص لهن يوما ً يأتين فيه‬
‫)‪(1‬‬
‫فيعلمهن الرسول عليه السلم مما علمه الله‪.‬‬
‫وأيضا ً كانت تشارك في الجهاد في سبيل الله‪ ،‬وكانت طبيعة عملها‬
‫فيه يناسب فطرتها كأنثى‪ ،‬كالتمريض والسعاف وسقاية المجاهدين‬
‫والطهي ورعاية الجرحى وغزل ال ّ‬
‫شَعر‪.‬‬
‫واللواتي جاهدن بالسيف والخنجر قلئل من النساء ذكرهن أهل‬
‫السير والتاريخ في صورة مشرقة كلها حياء واحتشام أمثال‪:‬أم عمارة‬
‫سَليم‪.‬‬
‫نسيبة بنت كعب‪ ،‬وأم ُ‬
‫وإذا كانت المرأة المسلمة قد شاركت الرجال في ميادين العبادة‬
‫والعلم والجهاد فما هي الداب التي فرضت عليهما ممن اللمه تعمالى؟ إن‬
‫هذه الداب فرائض في حق كل امرأة مسلمة‪ ،‬ل يجوز لمن تؤمن بممالله‬
‫واليوم الخر أن تتخلى عن إحداها‪ ،‬وإل فإنها تكون عاصية لله ورسمموله‪،‬‬
‫تجلب على نفسها سخط الله وعذابه‪ ،‬وهذه الداب الفرائض هي‪:‬‬
‫‪ -1‬غض البصر‪:‬أي ل تنظر إلى عورة‪ ،‬ول تنظر بشهوة‪ ،‬وأل تطيل النظر‬
‫في غير حاجة‪ ،‬وهذا فرض يشاركها فيه الرجل‪ ،‬قال تعالى‪):‬قل‬
‫للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم()‪ ،(2‬وقال‪:‬‬
‫)وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن‬
‫ما ظَ َ‬
‫ن إ ِّل َ‬
‫)‪(3‬‬
‫هر منها(‪.‬‬ ‫ه ّ‬
‫زين َت َ ُ‬
‫ن ِ‬
‫دي َ‬
‫ول ي ُب ْ ِ‬‫َ‬
‫‪ -2‬ارتداء الجلباب الساتر لكل جسمها ما عدا الوجه والكفين عند أكثر‬
‫الفقهاء والساتر لكل جسمها بما فيه الوجه والكفين عند بعضهم‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪):‬يا أيها النبي قل لزواجك وبناتك ونساء المؤمنين‬
‫يدنين عليهن من جلبيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فل يؤذين(‬
‫)‪.(4‬‬

‫رواه مسلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة النور‪.30 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة النور‪.31 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة الحزاب‪.59 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪169‬‬
‫‪ -3‬عدم الخلوة بالرجل الجنبي‪ ،‬ولو كان رجل ً يعلمها القرآن الكريم‪،‬‬
‫قال عليه الصلة والسلم‪) :‬ما خل رجل بامرأة إل وكان‬
‫الشيطان ثالثهما()‪.(1‬‬
‫‪ -4‬تجنب عوامل الثارة والغراء مثل الروائح العطرية وألوان الزينة‪،‬‬
‫سر وتمايل‪ ،‬بل يجب عليها‬ ‫وتليين الكلم والخضوع فيه‪ ،‬والمشي بتك ّ‬
‫الحياء والحتشام)‪.(2‬‬
‫ل مشاركة من النساء للرجال في ميادين العلم ومعاهد التعليم‬ ‫إذا ً ك ّ‬
‫دون مراعاة لتلك الداب تصبح مشاركة آثمة يحّرمها الشرع السلمي‬
‫الحنيف‪.‬‬
‫ونقول بصراحة لدعاة الختلط في المدارس والجامعات في‬
‫عصرنا هذا‪ ،‬هل يمكن مراعاة تلك الفرائض الداب في الختلط الذي‬
‫ترغبونه‪ ،‬أم أنتم في نفس الوقت دعاة التبرج والسفور وخروج المرأة‬
‫من بيتها بل ضوابط ودون مراعاة لحكام الشرع‪ ،‬إنكمم تريمدون‬
‫اختلطا ً على الطريقة الغربيمة‪ ،‬مقلدون وكفى‪ ،‬وبدعموة التممدن‬
‫والتحضمر والنفتاح‪ ،‬ثم هل قرأتم آلف الصفحات التي كتبت في‬
‫مفاسد الختلط وسيئاته‪ ،‬ول تقولوا‪ :‬في العالم السلمي جامعات فيها‬
‫)‪(3‬‬
‫اختلط بين الطلب والطالبات‪.‬‬
‫نقمول‪:‬اسمألوا العقلء فمي تلمك الجامعمات واسمألوهم عمن مفاسمده‬
‫وسيئاته‪ ،‬تعّرفوا على ويلته‪،‬بل اسألوا الفتيممات المسمملمات اللممواتي زاد‬
‫عددهن وارتفع صوتهن يطالبن باللتزام بآداب السمملم وأخلقممه والبعممد‬
‫عن مواطن الفتنة ومواقع الشبهات‪.‬‬

‫رواه الطبراني‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتاوى معاصرة للقرضاوي ‪.286-2/285‬‬ ‫‪2‬‬

‫اقرأ في آثار الختلط في المدارس والجامعات الوربية‪ :‬ما كتبه الداعية الكبير أبو‬ ‫‪3‬‬

‫العلى المودودي في كتابيه‪ :‬الحجاب‪ ،‬ونحن والحضارة الغربية‪ ،‬واقرأ في آثاره في‬
‫الجامعات المصرية ما كتبممه السمتاذ أحمممد محممد جممال فمي كتمابه القيمم‪ :‬مكانمك‬
‫تحمدي‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫قد يقول دعاة الختلط‪:‬إنه ضرورة اجتماعية وقومية‪ ،‬وضرورة‬
‫حضارية‪ ،‬وأن التربية السليمة تجعل الجنسين يترفعان عن العلقة‬
‫الجنسية الثمة‪ ،‬وتبقى العلقة زمالة وصداقة‪.‬‬
‫وهذه الدعاءات الكاذبة يفضحها واقع المجتمع الذي تسوده المفاسد‬
‫الخلقية والرذائل الجتماعية‪ ،‬ثم إن الضرورة يقدرها الشرع السلمي‪،‬‬
‫ويضع لها الضوابط والحكام‪.‬‬
‫ما الضرورة المدعاة دون التزام ضوابط وقيود الشرع‪ ،‬فإنها بغاية‬ ‫أ ّ‬
‫ما الزعم بأنه ضرورة حضارية‪ ،‬فُيرد ّ عليه بقولنا‪:‬نحن‬ ‫السوء مفسدة‪ ،‬أ ّ‬
‫مسلمون‪ ،‬وحضارتنا تنبع من أخلقنا وقيمنا السلمية‪ ،‬وترتكز على‬
‫أساس من اللتزام بمنهج الله تعالى الذي ارتضاه للبشرية)إن الدين‬
‫عند الله السلم()‪) ،(1‬ومن يبتغ غير السلم دينا ً فلن يقبل‬
‫)‪(2‬‬
‫منه وهو في الخرة من الخاسرين(‪.‬‬
‫وليس مطلوبا ً منا أن نترك أحكام إسلمنا‪ ،‬وأن نترك حضارتنا‬
‫السلمية الخالدة‪ ،‬وننتقل بفكرنا وأخلقنا وسلوكنا إلى حضارات‬
‫الخرين نقلدهم في مفاسدها وانحدارها إلى الهاوية‪.‬‬
‫إن أمريكا ربة الحضارة الحديثة بها ‪-‬حسب إحصائية ‪1977‬م‪) -‬‬
‫‪ (107‬جامعة وكلية متوسطة غير مختلطة‪ ،‬منها )‪ (79‬جامعة وكلية‬
‫للبنات‪ ،‬و)‪ (28‬جامعة وكلية للطلب‪ .‬فهل تناست أمريكا التي تقلدونها‬
‫الضرورات القومية والجتماعية والحضاريمة والتربويمة والقتصاديمة؟!‬
‫أم تريدون الشمهوات والمتمع الرخيصمة‪ ،‬وابتممذال المرأة وتحطيم‬
‫)‪(3‬‬
‫أخلق الرجل بدعوة ضرورة الختلط والحاجة إليه‪.‬‬
‫ن الختلط يشغل الفتيات عن‬ ‫ن كثيرا ً من المريكيين أدركوا أ ّ‬
‫إ ّ‬
‫الجد والنشاط العلمي بالملبس والزينة وما إلى ذلك‪ ،‬مما ل يفكرن‬
‫فيه عندما ل يوجد معهن فتيان‪ (4).‬ولقد أصدر الرئيس المريكي جورج‬

‫‪ -1‬سورة آل عمران‪.19 :‬‬


‫‪ -2‬سورة آل عمران‪.85 :‬‬
‫‪ -3‬انظر‪ :‬أيتها الفتاة المسلمة منير محمد الغضبان ص ‪.23‬‬
‫مكانك تحمدي ص ‪.93‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪171‬‬
‫بوش البن أمرا ً بتشجيع العودة إلى تطبيق سياسة الفصل بين‬
‫الجنسين في المدارس الثانوية والعدادية‪ ،‬لمساعدة التلميذ في‬
‫كد مسؤول كبير في البيت‬ ‫التفرغ للدراسة وتحصيل نتائج أفضل‪ ،‬وأ ّ‬
‫ن المدارس التي تطبق سياسة الفصل ستمنح تمويل ً يفوق‬ ‫البيض أ ّ‬
‫المدارس المختلطة‪.‬‬
‫ولقد قامت طالبات الم ‪ Miggs College‬بكاليفورنيا‪ -‬باختلف أصولهن‬
‫الجتماعية‪ -‬بإضراب لرفض الختلط‪ ،‬وربحن القضية‪ ،‬وقامت مجموعة‬
‫من البريطانيات بجامعة أكسفورد بمظاهرة خوفا ً من السماح بالختلط‬
‫في الكلية‪.‬وفي بريطانيا نفسها أفضل النتائج في التحصيل العلمي‬
‫كانت في المدارس الدينية التي تفصل الطلب عن الطالبات‪ ،‬وأفضل‬
‫النتائج في فرنسا في المدارس غير المختلطة‪.‬‬
‫خلصة القول‪-:‬‬
‫ن الختلط بيممن الجنسممين فممي المممدارس والجامعممات ومعاهممد‬ ‫إ ّ‬
‫ما ل حاجة إليه ووجوده مبعث الفتممن والفسمماد‬ ‫التعليم‪ -‬في أيامنا هذه‪-‬م ّ‬
‫وحدوث المنكرات‪ .‬لذا فإن الشرع السمملمي يمنعممه ويحرمممه محافظممة‬
‫علممى الخلق والقيممم‪ ،‬وصمميانة للعممراض وحفاظ ما ً علممى كرامممة الفتمماة‬
‫وعفتها‪.‬‬

‫ثامنًا‪ :‬الحجاب‪:‬‬
‫لقد تعّرض حجاب المرأة المسلمة إلى كثير من الطعن والدس‬
‫الرخيص من قبل الغرب الكافر‪..‬تقول المبشرة الغربية آنا مليجان‪:‬‬
‫"إننا نريد صياغة المرأة المسلمة على النمط الغربي الذي تختفي فيه‬
‫كلمة الحرام والحياء والفضيلة‪ ..‬وليس هناك طريق لهدم السلم أقصر‬
‫مسافة من خروج المرأة المسلمة سافرة متبرجة"‪.‬‬
‫ويقول جلدستون رئيس وزراء إنجلترا السابق‪" :‬لن يستقيم حال‬
‫الشرق السلمي ما لم ُيرفع الحجاب عن وجه المرأة‪ ،‬وُيغطى به‬
‫القرآن"‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫ويقول اليهودي المريكي مورو بيرجر‪":‬إن المرأة المسلمة‬
‫المتعلمة هي أبعد أفراد المجتمع عن تعاليم الدين‪ ،‬وأقدر أفراد المجتمع‬
‫على جّر المجتمع كله بعيدا ً عن الدين")‪.(1‬‬
‫ومن البديهي أن يكون هذا هو موقف الغرب من الحجاب لن‬
‫الغربيين يعتبرون المرأة بكل ما فيها متعة وجنس‪ ،‬ولوحة فنية‪ ،‬وليست‬
‫عرضا ً يجب أن يصان أو يحفظ‪ ،‬لذا فإن السفور والتبرج والعري‪،‬‬
‫والموضات الفاضحة هو شغلهم الشاغل‪.‬‬
‫وإذا كان موقف الغرب من الحجاب ليس غريبًا‪ ،‬فإن من الغريب‬
‫دعون السلم‪ -‬يقفون من‬ ‫جدا ً أن نجد كّتابا ً وصحفيين رجال ً ونساًء ‪-‬ي ّ‬
‫حجاب المرأة المسلمة نفس موقف الغرب الكافر‪.‬‬
‫ومن يقرأ ما يكتبه دعاة التنوير والتحديث وتحرير المرأة في ديار‬
‫المسلمين‪ ،‬ومن يستمع إلى أقوالهم عبر الذاعة والتلفاز وندواتهم‬
‫ومؤتمراتهم فإنه ل يكاد يجد فرقا ً بين هجوم الغرب على الحجاب‬
‫وهجوم هؤلء التائهين‪.‬‬
‫فهم يقولون مثل ً)‪:(2‬‬
‫‪ -‬إن الحجاب تزمت ورجعية وعودة إلى الوراء‪ ،‬ول يناسب حضارة‬
‫القرن العشرين‪.‬‬
‫‪ -‬إن الحجاب يمثل النتماء إلى الجماعات والحزاب الدينية المتطرفة‪.‬‬
‫‪ -‬إن الحجاب يعيق المرأة عن الحركة والعمل والتعليم‪.‬‬
‫‪ -‬إن الحجاب يسبب لصاحبته الخجل وسخرية الناس منها‪.‬‬
‫‪ -‬إن الصلة‪ ،‬والصوم‪ ،‬وطهارة القلب‪ ،‬وسلمة النية‪ ،‬وحسن التربية‬
‫تغني عن الحجاب‪ ،‬وأن اليمان بالله وحب الله ورسوله هو قمة التدين‪،‬‬
‫والدين يسر ل عسر فيه‪.‬‬
‫‪ -‬إن التبرج أمر عادي ل يلفت النظر‪ ،‬وبالتربية السليمة يتعود الناس‬
‫عليه‪.‬‬

‫‪ -1‬الموضة في التصور السلمي فاطمة الزهراء ص ‪.50 ،49 ،40‬‬


‫‪ -2‬انظر هذه القوال الزائفة مع الرد ّ الجميل عليهمما‪ :‬المتبرجممات لفاطمممة بنممت عبممد‬
‫الله ص ‪.102-101‬‬

‫‪173‬‬
‫ومن أقوال بعض الساذجات من النساء المتبرجات‪:‬‬
‫ل‪ ،‬أو إن زوجي يدفعني للتبرج ونزع‬ ‫‪ -‬إّني سأحتجب عندما أقتنع به أو ً‬
‫الحجاب‪ ،‬أو إني سأحتجب عندما أكبر‪ ،‬أو إن الحجاب يسبب لي‬
‫الصداع‪ ،‬ول أطيقه بسبب حرارة الجو المرتفعة في فصل الصيف‪.‬‬
‫ومن مكائدهم‪:‬‬
‫‪ -‬وصفهم المتحجبة بالرجعية والتأخر والتزمت‪ ،‬وعدم مواكبة عصر‬
‫الحرية والتمدين‪.‬‬
‫‪ -‬تمجيد السافرات المتبرجات عبر وسائل التعليم والعلم‪.‬‬
‫‪ -‬قيام الشباب المنحل أخلقيا ً بملحقة المتحجبات‪ ،‬وإيذائهن بالكلمة‬
‫البذيئة‪.‬‬
‫‪ -‬وصف الفتيات المحجبات بالتستر وراء الدين‪.‬‬
‫‪ -‬ارتداء النساء الفواسق الحجاب مع ارتكاب الفواحش الخلقية بهدف‬
‫تنفير المجتمع من الحجاب والمحجبات‪.‬‬
‫‪ -‬إجبار الفتيات المسلمات ‪-‬في بعض البلدان السلمية‪ -‬على خلع‬
‫الحجاب في المدارس والجامعات والوزارات وسائر المؤسسات‪ ،‬وفي‬
‫بعض البلدان السلمية يمنع توظيف الفتاة المحجبة‪ ،‬بل ويشترطون‬
‫انتماءها للمنظمات والحزاب العلمانية اللدينية‪.‬‬

‫مهل ً يا دعاة التحرير‪...‬‬


‫ماذا تقصدون بتحرير المرأة بعد أن أكرمها السلم بنتا ً وأما ً‬
‫وزوجة وأختًا؟ وأعطاها من الحقوق ما لم يعطها أي نظام آخر‪.‬‬
‫إنكم تريدون تحريرها من بيتها‪ ،‬وتحريرها من حجابها ‪-‬زّيها‬
‫الشرعي‪ -‬لتصبح متعة للمارة والنظارة في الشوارع والسواق‪ ،‬وأماكن‬
‫العمل‪ ،‬لتصبح مادة للغراء بالفاحشة والدعوة إليها‪ ،‬تثير العواطف‬
‫وتحرك بجسمها العاري الغرائز الجنسية‪ .‬لقد أصبحت المرأة في بلد‬
‫الغرب الكافر وفي كثير من بلد السلم ‪-‬بفعل العدوى الغربية‪ -‬متعة‬
‫وسلعة‪...‬فهي متعة لمشاهدي الفلم السينمائية‪ ،‬وقّراء الصحف‬
‫والمجلت‪ ،‬وهواة الصورة العارية‪ ،‬حيث تحتل المرأة وقصصها الغرامّية‪،‬‬

‫‪174‬‬
‫وجسدها العاري‪ ،‬وأنوثتها المبتذلة‪ ،‬ومغامراتها الغرامية‪ ،‬وأخطاؤها‬
‫الخلقية مكان الصدارة في هذه الفلم والمجلت والصور الستغللية‬
‫التجارية‪ ،‬وهي متعة لمنظمي مسابقات ملكات الجمال التي تتكشف‬
‫فيها الفتيات‪ ،‬باديات الصدور والظهور وناهدات الثدي والرداف‪ ،‬وهي‬
‫سلعة لطلب البغاء الرسمي والسري‪ ،‬ولصحاب المتاجر ومعارض‬
‫الزياء‪ ،‬وصناعي الدعايات والعلنات التجارية‪ ،‬وهي سلعة لكتاب أدب‬
‫الفراش وشعراء الحداثة)‪.(1‬‬
‫إن الخوارج من دعاة تحرير المرأة‪ :‬يريدون منها أن تتحرر من‬
‫الخلق التي تقوم عليها المجتمعات القوّية‪ ،‬وأن تكون حربا ً على مبادئ‬
‫الخلق التي جاءت بها الشريعة السلمية‪ ،‬فل تتحلى المرأة بحياء‪ ،‬ول‬
‫تتأدب مع كبير‪ ،‬ول تتقبل نصح ولي‪ ،‬ول تتقيد بدين أو عرف‪.‬‬
‫ويعنون بالتحرير‪...‬تحرير المرأة من عقيدتها‪...‬تثور على المبادئ‬
‫السلمية التي تدعو المرأة المسلمة إلى اللتزام بها والعمل‬
‫بموجبها‪...‬تثور على الحجاب‪...‬وتثور على نظام تعدد الزوجات‪..‬وتثور‬
‫على نظام الرث‪...‬وتثور على مبدأ القوامة التي أولها السلم‬
‫للرجل‪...‬تثور على التقاليد والعراف‪...‬يريدونها أن تخلع رقبة السلم‬
‫)‪(2‬‬
‫من عنقها‪ ،‬وتنسلخ من العقيدة الربانية‪.‬‬
‫لقد حقق هؤلء الخوارج الجدد هدف الصليبي الحاقد القس‬
‫)زويمر( الذي أشار إليه في مؤتمر تبشيري عقد في ديار المسلمين‪.‬‬
‫قال القس زويمر‪":‬ينبغي للمبشرين أن ل يقنطوا إذا رأوا نتيجة‬
‫ن المسلمين قد نما في‬ ‫تبشيرهم للمسلمين ضعيفة‪ ،‬إذ من المحقق أ ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الوربيين وتحرير المرأة"‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر مكانك تحمدي لحمد محمد جمال ص ‪.90‬‬


‫‪ -2‬انظر الشباب المسلم في مواجهة التحديات لعبد الله علوان ص ‪.87‬‬
‫‪ -3‬الغارة على العالم السلمي ص ‪.80‬‬

‫‪175‬‬
‫رابعًا‪:‬العولمة‬
‫المقدمة…‬
‫لقد كثر الحديث عن العولمة في السنوات العشر الخيرة من‬
‫القرن العشرين بعد سقوط التحاد السوفيتي‪ ،‬فتناولتها بالحديث‬
‫الوساط الجامعية والعلمية والتيارات الفكرية والسياسية المختلفة‪،‬‬
‫وأصبحت حديث الجتماعيين والفلسفة الوربيين وعلماء البيئة‬
‫والطبيعة وكثرت أعداد الندوات والمؤتمرات والمحاضرات التي تحمل‬
‫عناوينها "العولمة" أو النظام العالمي الجديد أو المتغيرات الدولية‬
‫الجديدة أو الكونية‪.‬‬
‫ولقد صدرت كثير من المؤلفات باللغات الوربية والعربية التي‬
‫تتناول هذه الظاهرة‪ ،‬لدرجة أن المرء يكاد يحار في كيفية دراسة هذه‬
‫الظاهرة واللمام بموضوعها‪ ،‬خاصة أن كل كاتب أو متحدث يتناولها‬

‫‪176‬‬
‫بالدراسة والتحليل من جانب معين مثل الجانب القتصادي أو الثقافي‬
‫أو السياسي أو العلمي‪.‬‬
‫ومعظم الفكار والطروحات الغربية التي تتناول دراسة ظاهرة‬
‫العولمة تقوم على ما طرحه الكاتب المريكي الياباني الصل‬
‫"فرانسيس فوكاياما" في كتابه )نهاية التاريخ والنسان الخير()‪،(1‬‬
‫والتي يزعم فيه أننا وصلنا إلى نقطة حاسمة في التاريخ البشري تتحدد‬
‫بانتصار النظام الرأسمالي الليبرالي والديمقراطية الغربية على سائر‬
‫النظم المنافسة لهما‪ ،‬وأن العالم قد أدرك بعد فترة حماقة طويلة أن‬
‫الرأسمالية هي أفضل أنواع النظم القتصادية‪ ،‬وأن الليبرالية الغربية‬
‫هي أسلوب الحياة الوحيد الصالح للبشرية‪ ،‬وأن الوليات المتحدة‬
‫المريكية وامتدادها القتصادي القيمي )النظام الرأسمالي المادي(‬
‫أوربا يمثلن الدورة النهائية للتاريخ‪ ،‬وأن النسان الغربي هو النسان‬
‫الكامل الخير)‪.(2‬‬
‫ومن هنا وجدت الفلسفة العلمية الغربية في أفكار وأطروحات‬
‫وغ بها سياسات الغرب الرعناء تجاه العالم‬ ‫)فوكوياما( مادة تس ّ‬
‫المعاصر)‪.(3‬‬

‫‪ -1‬صدر هذا الكتماب بعمد انهيمار الشميوعية وسمقوط التحماد السموفيتي‪ ،‬وقمد صمدر‬
‫مترجما ً إلممى اللغممة العربيممة عممن مركممز النممماء القممومي‪ ،‬بيممروت ‪1993‬م بإشممراف‬
‫مطاوع صفدي‪.‬‬
‫‪-‬انظر العولمة‪ ،‬د‪ .‬جلل أمين‪ -‬دار المعارف‪ ،‬القمماهرة ‪1998‬م ‪ -‬سلسمملة اقممرأ ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،5‬السلم والغرب والديمقراطية ‪ -‬جودت سعيد وعبد الوهمماب علممواني‪ -‬دار الفكممر‬
‫المعاصممر‪ -‬لبنممان‪ ،‬دار الفكممر‪ -‬دمشممق‪ -‬الطبعممة ‪1417‬هممم‪1997 -‬م‪ ،‬ص ‪ .186‬فممخ‬
‫العولمة‪،‬هانس بيترمارتين ‪ ،‬هارالد شومان ترجمة د‪ .‬عممدنان عبمماس علممي‪ ،‬مراجعممة‬
‫وتقديم أ‪.‬د‪ .‬رمزي زكي‪ -‬عالم المعرفة ‪ -‬المجلس الوطني للثقافة والفنممون والداب‬
‫‪ -‬الكويت‪ ،‬ص ‪. 8-7‬‬
‫‪ -‬انظر السلم والغرب والديمقراطية ‪ -‬مصدر سابق‪ -‬ص ‪.185‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪177‬‬
‫تعريف العولمة‪-:‬‬
‫العولمة لغة‪ :‬العولمة على وزن فوعلة‪ ،‬وهذه الكلمة بهذه الصيغة‬
‫الصرفية لم ترد في كلم العرب‪ ،‬والحاجة المعاصرة قد تفرض‬
‫استعمالها‪ ،‬وهي تدل على تحويل الشيء إلى وضعية أخرى‪ ،‬ومعناها‪:‬‬
‫وضع الشيء على مستوى العالم‪ ،‬وأصبحت الكلمة دارجة على ألسنة‬
‫الكتاب والمفكرين في أنحاء الوطن العربي)‪.(1‬‬
‫والعولمة ترجمة لكلمة "‪ "Mondialisation‬الفرنسية‪ ،‬بمعنى جعل‬
‫الشيء على مستوى عالمي‪ ،‬والكلمة الفرنسية المذكورة إنما هي‬
‫ترجمة “‪ ”Globalisation‬النجليزية التي ظهرت أول ً في الوليات‬
‫المتحدة المريكية‪ ،‬بمعنى تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل الكل‪.‬‬
‫ومن خلل المعنى اللغوي يمكننا أن نقول بأن العولمة إذا صدرت‬
‫من بلد أو جماعة فإنها تعني‪ :‬تعميم نمط من النماط التي تخص ذلك‬
‫البلد أو تلك الجماعة‪ ،‬وجعله يشمل الجميع أي العالم كله)‪.(2‬‬
‫العولمة إذا ً من حيث اللغة كلمة غريبة على اللغة العربية ويقصد‬
‫منها عند الستعمال‪-‬اليوم‪ -‬تعميم الشيء وتوسيع دائرته ليشمل العالم‬
‫كله‪.‬‬
‫العولمة اصطلحاً‪ :‬إن كلمة العولمة جديدة‪ ،‬وهي مصطلح حديث لم‬
‫يدخل بعد في القواميس السياسية والقتصادية‪.‬‬
‫والكلمة "العولمة" نسبة إلى الَعالم ‪-‬بفتح العين‪ -‬أي الكون‪،‬‬
‫وليس إلى الِعلم ‪-‬بكسر العين‪ -‬لقد ظهرت العولمة أول ً كمصطلح في‬
‫مجال التجارة والمال والقتصاد‪ ،‬ثم أخذ يجري الحديث عنها بوصفها‬
‫نظاما ً أو نسقا ُ أو حالة ذات أبعاد متعددة‪ ،‬تتجاوز دائرة القتصماد‪،‬‬
‫فتشممل إلى جانب ذلك المبادلت والتصال والسياسة والفكر والتربية‬
‫والجتماع واليديولوجيا)‪.(3‬‬

‫‪ -‬العرب والعولمممة‪ ،‬مركممز دراسممات الوحممدة العربيممة‪ ،‬بيممروت ‪1998‬م مممن بحممث‬ ‫‪1‬‬

‫للدكتور محمد عابد الجابري‪ ،‬ص ‪.135‬‬


‫‪ -‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.137 -136‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬المصدر السابق ص ‪.138‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪178‬‬
‫وقد أطلق عليها بعض الكتاب والمفكرين "النظام العالمي‬
‫الجديد" وربما يوحي هذا الطلق بأن اللفظة ذات مضامين سياسية‬
‫بحتة‪ ،‬ولكن في الحقيقة تشمل مضامين سياسية واقتصادية وثقافية‬
‫واجتماعية وتربوية)‪ ،(1‬بمعنى آخر تشمل مضامين تتعلق بكل جوانب‬
‫الحياة النسانية‪ .‬يقول الرئيس كلينتون‪" :‬ليست العولمة مجرد قضية‬
‫اقتصادية بل يجب النظر إلى أهمية مسائل البيئة والتربية والصحة")‪.(2‬‬
‫ولقد كثرت التعاريف التي توضح معنى العولمة‪ ،‬نذكر هنا بعضا ً‬
‫منها‪ ،‬ثم اذكر التعريف الذي أرى أّنه يعّبر عن المعنى الحقيقي لظاهرة‬
‫العولمة‪.‬‬
‫ومن هذه التعريفات‪:‬‬
‫‪" -1‬نظام عالمي جديد يقوم على العقل اللكتروني‪ ،‬والثورة‬
‫المعلوماتية القائمة على المعلومات والبداع التقني غير المحدود‪ ،‬دون‬
‫اعتبار للنظمة والحضارات والثقافات والقيم‪ ،‬والحدود الجغرافية‬
‫والسياسية القائمة في العالم)‪.(3‬‬
‫‪" -2‬إنها حرية حركة السلع والخدمات واليدي العاملة ورأس المال‬
‫والمعلومات عبر الحدود الوطنية والقليمية")‪.(4‬‬
‫‪ -3‬العولمة هي‪ :‬العملية التي يتم بمقتضاها إلغاء الحواجز بين الدول‬
‫والشعوب‪ ،‬والتي تنتقل فيها المجتمعات من حالة الفرقة والتجزئة إلى‬
‫حالة القتراب والتوحد‪ ،‬ومن حالة الصراع إلى حالة التوافق‪ ،‬ومن حالة‬
‫التباين والتمايز إلى حالة التجانس والتماثل‪ ،‬وهنا يتشكل وعي عالمي‬
‫وقيم موحدة تقوم على مواثيق إنسانية عامة")‪.(5‬‬

‫‪ -‬انظر العولمة محمد سعيد أبو زعرور‪ ،‬دار البيارق‪ -‬عمان‪ ،‬الردن‪ ،‬الطبعة الولى‬ ‫‪1‬‬

‫‪1418‬هم‪1998 -‬م‪ ،‬ص ‪.13‬‬


‫‪ -‬من خطاب ألقاه في المنتدى القتصادي بدافوس في يناير ‪2000‬م‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬محمد سعيد أبو زعرور ‪-‬مصدر سابق‪ -‬ص ‪.14‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬مصطفى حمدي‪:‬العولمة آثار ومتطلباتها نقل ً عن المصدر السابق ص ‪.1-14‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -5‬د‪ .‬أحمد مجدي حجازي‪ :‬العولمة وآليات التهميش في الثقافة العربية ص ‪ ،3‬وهممو‬
‫بحث ألقي فممي المممؤتمر العلمممي الرابممع )الثقافممة العربيممة فممي القممرن القممادم بيممن‬

‫‪179‬‬
‫والمواثيق النسانية الواردة في هذا التعريف هي المواثيق التي‬
‫يصنعها الغرب الكافر وأساسها نظرة علمانية مادية للوجود لتحقيق‬
‫مصالحه الخاصة‪ ،‬ثم تصدر للعالم على أنها مواثيق إنسانية لصالح‬
‫البشرية‪ ،‬ول بأس أن تصدر بها القرارات الدولية من هيئة المم‬
‫المتحدة باعتبارها مؤسسة حامية للحقوق النسانية‪.‬‬
‫‪" -4‬هي تعاظم شيوع نمط الحياة الستهلكي الغربي‪ ،‬وتعاظم آليات‬
‫فرضه سياسيا ً واقتصاديا ً وإعلميا ً وعسكريًا‪ ،‬بعد التداعيات العالمية‬
‫التي نجمت عن انهيار التحاد السوفيتي وسقوط المعسكر الشرقي" أو‬
‫هي محاولة لفرض الفلسفة البراجماتية النفعية المادية العلمانية‪ ،‬وما‬
‫يتصل بها من قيم وقوانين ومبادئ وتصورات على سكان العالم‬
‫أجمع)‪.(1‬‬
‫‪ -5‬هي العمل على تعميم نمط حضاري يخص بلدا ً بعينه هو الوليات‬
‫المتحدة المريكية بالذات على بلدان العالم أجمع" وهي أيضا ً‬
‫أيديولوجيا ً تعبر بصورة مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم‬
‫وأمركته)‪.(2‬‬
‫وبعد دراسة متأنية لظاهرة العولمة وأهدافها‬
‫ووسائلها وتأثيراتها في واقع المجتمعات والشعوب يمكن‬
‫أن تعرف العولمة بما يلي‪-:‬‬
‫العولمة هي الحالة التي تتم فيها عملية تغيير النماط والنظم‬
‫القتصادية‪ ،‬والثقافية والجتماعية‪ ،‬ومجموعة القيم والعادات السائدة‪،‬‬
‫وإزالة الفوارق الدينية‪ ،‬والقومية والوطنية في إطار تدويل النظام‬
‫الرأسمالي الحديث وفق الرؤية المريكية المهيمنة‪ ،‬والتي تزعم أنها‬
‫سيدة الكون وحامية النظام العالمي الجديد‪.‬‬

‫العولمة والخصوصية( المنعقد بجامعة فيلدلفيا في الردن في مايو ‪1998‬م‪.‬‬


‫‪ -1‬السمملم والعولمممة‪ ،‬محمممد إبراهيممم المممبروك وآخممرون‪ ،‬الممدار القوميممة العربيممة‪،‬‬
‫القاهرة ‪1999‬م ‪ ،‬ص ‪. 101، 99‬‬
‫‪ -‬انظر العرب والعولمة ‪ ،‬محمد عابد الجابري‪ ،‬ص ‪. 137‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪180‬‬
‫نشأة العولمة‪-:‬‬
‫اختلف الباحثون في التأريخ لنشأة العولمة على قولين‪-:‬‬
‫الول‪ :‬يرى هؤلء الباحثون أن ظاهرة العولمة قديمة‪ ،‬عمرها‬
‫خمسة قرون‪ ،‬ترجع إلى القرن الخامس عشر أي إلى زمن النهضة‬
‫الوربية الحديثة‪ .‬حيث التقدم العلمي في مجال التصال والتجارة‪ ،‬ويدل‬
‫على ذلك‪ :‬أن العناصر الساسية في فكرة العولمة وهي‪ :‬ازدياد‬
‫العلقات المتبادلة بين المم‪ ،‬سواء المتمثلة في تبادل السلع‬
‫والخدمات‪ ،‬أو في انتقال رؤوس الموال‪ ،‬أو في انتشار المعلومات‬
‫والفكار‪ ،‬أو في تأثر أمة بقيم وعادات غيرها من المم يعرفها العالم‬
‫من ذلك التاريخ ‪.‬‬
‫ولكن يقال‪ :‬ثمة أمور مهمة جديدة طرأت على ظاهرة العولمة‬
‫في السنوات الثلثين الخيرة منها‪:‬‬
‫‪ -‬اكتساح تيار العولمة مناطق مهمة في العالم كانت معزولة‪ ،‬ومن هذه‬
‫المناطق الدول الوربية الشرقية والصين‪.‬‬
‫‪ -‬الزيادة الكبيرة في تنوع السلع والخدمات التي يجري تبادلها بين‬
‫المم والشعوب‪ ،‬وتنوع مجالت الستثمار التي تتجه إليها رؤوس‬
‫الموال‪.‬‬
‫‪ -‬سيطرة تبادل المعلومات والفكار على العلقات الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬ارتفاع نسبة السكان ‪-‬في دخل كل دولة‪ -‬التي تتفاعل مع العالم‬
‫الخارجي‪.‬‬
‫‪ -‬النشاط المتزايد والفعال للشركات المتعددة الجنسيات في مجال‬
‫تبادل السلع وانتقال رأس المال والمعلومات والفكار‪ ،‬واتخاذها العالم‬
‫كله مسرحا ً لعملياتها في النتاج والتسويق‪ ،‬وما تبع ذلك من هدم‬
‫الحواجز الجمركية وإلغاء نظام التخطيط وإعادة توزيع الدخل‪ ،‬والنظر‬
‫في دعم السملع والخدمات الضرورية للسكان‪ ،‬وتخفيض النفاق على‬
‫الجيوش والجانب العسكري)‪.(1‬‬

‫‪ -‬انظممر العولمممة‪ ،‬د‪ .‬جلل أميممن ص ‪ ،26‬العممرب والعولمممة ‪ -‬مصممدر سممابق ‪ -‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.139‬‬

‫‪181‬‬
‫الثاني‪ :‬يرى فريق آخر أن العولمة ظاهرة جديدة‪ ،‬فما هي إل امتداد‬
‫للنظام الرأسمالي الغربي بل هي المرحلة الخيرة من تطور النظام‬
‫الرأسمالي العلماني المادي النفعي‪ ،‬وقد برزت في المنتصف الثاني‬
‫من القرن العشرين نتيجة أحداث سياسية واقتصادية معينة منها‪ :‬انتهاء‬
‫الحرب الباردة بين التحاد السوفيتي والوليات المتحدة المريكية عام‬
‫‪1961‬م ثم سقوط التحاد السوفيتي سياسيا ً واقتصاديا ً عام ‪1991‬م‪،‬‬
‫وما أعقبه من انفراد الوليات المتحدة المريكية بالتربع على عرش‬
‫الصدارة في العالم المعاصر وانفرادها بقيادته السياسية والقتصادية‬
‫والعسكرية‪ ،‬ومنها‪ :‬بروز القوة القتصادية الفاعلة من قبل المجموعات‬
‫المالية والصناعية الحرة عبرة شركات ومؤسسات اقتصادية متعددة‬
‫الجنسيات‪ ،‬مدعومة بصورة قوية وملحوظة من دولها)‪.(1‬‬
‫يرى توماس فيردمان الصحافي المريكي الذي يكتب في "نيويورك‬
‫تايمز"‪):‬إن العولمة الحالية هي مجرد جولة جديدة بعد الجولة الولى‬
‫التي بدأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بحكم التوسع‬
‫الهائل في الرحلت البحرية باستخدام طاقة البخار والتي أدت إلى‬
‫اتساع حجم التجارة الدولية بشكل لم يسبق له مثيل()‪.(2‬‬
‫أقول‪ :‬وإن كانت همذه العولمة تسمتهدف هيمنة دولة واحدة‬
‫‪-‬وهي الوليات المتحدة المريكية‪ -‬على دول العالم أجمع فإن هذه‬
‫الصورة من العولمة لم تكن لتظهر فجأة دون بدايات أو مقدمات‬
‫مهدت لها بصورة فاعلة ومخطط لها من القوى الرأسمالية ذات النزعة‬
‫الستعمارية‪ .‬ومن ذلك إنشاء منظمة المم المتحدة وما تبعها من‬
‫مؤسسات مالية دولية‪ :‬البنك الدولي للنشاء والتعمير‪ ،‬وصندوق النقد‬
‫الدولي‪ ،‬ثم اتفاقية الجات "التفاقية العامة على الرسوم الجمركية‬
‫والتجارة" التي تعود في تاريخها إلى سنة ‪1947‬م حيث اجتمعت ثلث‬
‫وعشرون دولة صناعية في جنيف للنظر في تحرير التجارة وفتح‬

‫‪ -‬العولمة‪ ،‬محمد سعيد أبو زعرور ص ‪.18‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬الوطنية في عالم بل هوية ‪ -‬تحديات العولمة ‪ -‬د‪ .‬حسين كامممل بهمماء الممدين‪ -‬دار‬ ‫‪2‬‬

‫المعارف ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ص ‪. 63-62‬‬

‫‪182‬‬
‫البواب بين هذه الدول‪ ،‬وبدأت سريان هذه التفاقية منذ أول يناير‬
‫‪1948‬م‪ ،‬وبلغ عدد الدول الموقعة عليها سنة ‪1993‬م مائة وسبع‬
‫عشرة دولة‪.‬‬
‫ثم معاهدة "ماستريخت" التي ضمت خمسة عشر بلدا ً صناعيًا‪،‬‬
‫وظهور المناطق التجارية الحرة‪ ،‬والتحادات الجمركية‪ ،‬ثم الحداث‬
‫السياسية التي تتمثل بانتهاء الحرب الباردة‪ ،‬ثم قيام الرئيس السوفيتي‬
‫السبق ‪-‬ميخائيل غورباتشوف‪ -‬وبدعم أمريكي ملحوظ ‪ -‬عام ‪1985‬م‬
‫بالعلن عن إصلح النظام القتصادي الشيوعي الذي سمي وقتها‬
‫"البيروستويكا" وقد كان هذا العلن بمثابة العلن عن سقوط‬
‫الشيوعية وانهيار التحاد السوفيتي سياسيا ً واقتصاديًا‪ ،‬وما تله من‬
‫سقوط حائط برلين عام ‪1989‬م‪ ،‬واتحاد اللمانيتين‪ ،‬ثم حرب الخليج‬
‫الثانية عام ‪1991‬م‪ ،‬وما أسفرت عنه من تثبيت القواعد المريكية‬
‫العسكرية في منطقة الخليج العربي‪ .‬كل هذه الحداث ساهمت إلى حد‬
‫بعيد في تربع الوليات المتحدة المريكية على عرش النفوذ العالمي‪،‬‬
‫وبالتالي برز مصطلح "النظام العالمي الجديد" و"الحادية القطبية‬
‫والعولمة"‪.‬‬
‫وظهر أول نظام تجاري دولي ملزم للقطار المنضوية تحت لوائه‬
‫في شهر نيسان سنة ‪1995‬م‪ ،‬حيث أعلن عن إنشاء المنظمة العالمية‬
‫للتجارة ‪ - W.T. O -‬بمدينة مراكش المغربية وهي امتداد لتفاقية‬
‫الجات‪ .‬وهذه المنظمة تمثل أحد أركان النظام القتصادي العالمي‬
‫الجديد‪ ،‬وتختص بأعمال إدارة ومراقبة وتصحيح أداء العلقات التجارية‪،‬‬
‫وستكون عامل مساعد للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتنفيذ‬
‫م دعم صرح العولمة‬ ‫وإقرار النظام القتصادي العالمي الجديد‪ .‬وأخيرا ً ت ّ‬
‫بالتوقيع ‪-‬في شباط عام ‪1997‬م بمدينة جنيف بسويسرا‪ -‬على أول‬
‫اتفاق دولي يتعلق بتحرير المبادلت الخدمية المتطورة‪ ،‬وخاصة فيما‬
‫عرف "بالتكنولوجيا المعلوماتية" أو ثورة التصالت)‪.(1‬‬

‫‪ -‬انظر العولمة‪ ،‬محمد سعيد أبو زعرور‪ ،‬ص ‪.19‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪183‬‬
‫ومما ساعد على سرعة انتشار ظاهرة العولمة انضمام كثير من‬
‫دول شرق أوربا إلى الحلف الطلسي‪ ،‬وانفتاح دول أخرى على الحلف‬
‫نفسه‪ ،‬وانضمام كثير من الدول العربية إلى المنظمة العالمية‬
‫للتجارة)‪- ،(2‬وبقية الدول تتفاوض للنضمام‪ -‬ثم المؤتمرات القتصادية‬
‫المتلحقة التي تنظر لهذه العولمة كأمر حتمي ل مفر منه‪ ،‬وإظهار‬
‫مزاياها القتصادية والتنموية ومن أشهرها "منتدى دافوس القتصادي"‬
‫ثم المشروعات القتصادية السرائيلية التي تستهدف عولمة الشرق‬
‫الوسط لصالح المشروع الصهيوني الذي يتمثل في دولة إسرائيل‬
‫الكبرى‪ ،‬التي تسعى لتحقيقه اقتصاديا ً وثقافيا ً عبر بوابات اتفاقيات‬
‫السلم التي تعقدها منفردة مع الدول العربية‪ ،‬والتفاقيات القتصادية‬
‫الثنائية مع دول المنطقة وعبر بوابات التطبيع التي تهيأ لها بكل قوة‬
‫الوليات المتحدة المريكية وحلفاؤها في المنطقة العربية‪ ،‬وقد أضفى‬
‫ذلك كله بعدا ً استراتيجيا ً جديدا ً على دعم الدور المريكي ‪-‬ومن ورائه‬
‫القوى الصهيونية المتحكمة في السياسة والقيادة المريكية‪ -‬لقيادة‬
‫النظام العالمي الجديد‪.‬‬

‫أهدافها وآثارها‪-:‬‬
‫لقد رّوج دعاة العولمة في الغرب وعملؤهم في المنطقة العربية‬
‫ن العولمة تبشر‬‫مجموعة من المقولت لصالح العولمة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬أ ّ‬
‫بالزدهار القتصادي والتنمية والرفاهية لكل المم والعيش الرغيد‬
‫للناس كلهم‪ ،‬والنتعاش ونشر التقنية الحديثة وتسهيل الحصول على‬
‫المعلومات والفكار عبر الستفادة من الثورة المعلوماتية الحديثة‪،‬‬

‫‪ -‬تضم هذه المنظمة حتى ديسمممبر ‪1999‬م مممائة وخمسممة وثلثيممن )‪ (135‬دولممة‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وتشممارك بنحممو ‪ %95‬مممن حجممم التجممارة الدوليممة‪ .‬لمعرفممة المزيممد عممن دور هممذه‬
‫المنظمة وآثارها اليجابية لمريكمما وآثارهمما السمملبية علممى الممدول السمملمية‪:‬النظممام‬
‫القتصادي العالمي واتفاقية الجات‪ ،‬د‪ .‬حسين شممحاته‪ ،‬دار البشممير‪ ،‬طنطمما‪ ،‬الطبعممة‬
‫الولى ‪1418‬هم ‪1998 -‬م‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫وإيجاد فرص للنطلق للسواق الخارجية‪ ،‬وتدفق الستثمارات الجنبية‬
‫التي تتمتع بكفاءة عالية وبالتالي ينتعش القتصاد الوطني والقومي‪.‬‬
‫ولكن سرعان ما اكتشف الباحثون والمفكرون أن تلك المقولت‬
‫ما هي إل شعارات استهلكية جوفاء‪ .‬لقد أدركت الدول الفقيرة والنامية‬
‫أن طغيان العولمة واحتكارات الشركات الدولية إنما يزيدها فقرا ً‬
‫وخضوعا ً للسياسات الرأسمالية الغربية فأخذت تستنفر جهودها للدفاع‬
‫عن حقوقها في مواجهة هذه العولمة‪ ،‬فلقد حذر مهاتير محمد رئيس‬
‫وزراء ماليزيا من العولمة في المجال القتصادي وقال‪" :‬إن منظمة‬
‫التجارة العالمية تسمح للدول الغنية بابتلع الدول الفقيرة")‪.(1‬‬
‫والهداف الحقيقية للعولمة يمكن تلخيصها فيما يلي‪-:‬‬
‫ل‪ :‬الهداف والثار القتصادية‪-:‬‬ ‫أو ً‬
‫ترتبط عملية العولمة بتدويل النظام القتصادي الرأسمالي‪ ،‬حيث‬
‫تم توحيد الكثير من أسواق النتاج والستهلك‪ ،‬وتم التدخل المريكي‬
‫في الوضاع القتصادية للدول‪ ،‬وخاصة دول العالم الثالث‪ ،‬عبر‬
‫المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي‬
‫تمارس الملءات القتصادية المغايرة لمصالح الشعوب‪ ،‬وبالتالي تحقق‬
‫العولمة لصحابها عدة أهدف كبيرة في المجال القتصادي هي‪-:‬‬
‫‪ -1‬السيطرة على رؤوس المال العربية واستثماراتها في الغرب‪،‬‬
‫فالعالم العربي الذي تتفاقم ديونه بمقدار)‪ (50‬ألف دولر في الدقيقة‬
‫الواحدة هو نفسه الذي تبلغ حجم استثماراته في أوروبا وحدها )‪(465‬‬
‫مليار دولر عام ‪1995‬م‪ ،‬بعد أن كانت )‪ (670‬مليارا ً عام ‪1986‬م‬
‫فنتيجة عدم الستقرار السياسي والقتصادي والتبعية النفسية للغرب‬
‫تصب هذه الموال هناك لتدار حسب المنظومة الغربية‪(2).‬‬
‫‪ -2‬الهيمنة المريكية على اقتصاديات العالم من خلل القضاء على‬
‫سلطة وقوة الدولة الوطنية في المجال القتصادي بحيث تصبح الدولة‬

‫‪ -‬جاء ذلك فممي كلمممة ألقاهمما أمممام مممؤتمر لمموزراء خارجيممة دول منظمممة المممؤتمر‬ ‫‪1‬‬

‫السلمي الذي انعقد في كوالمبور في السابع والعشرين من يونيو ‪2000‬م ‪.‬‬


‫‪ -‬العولمة حلقة في تطور آليات السيطرة‪ :‬خالد أبو الفتوح‪ ،‬البيان ‪.136‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪185‬‬
‫تحت رحمة صندوق النقد الدولي حين تستجدي منه المعونة‬
‫والمساعدة عبر بوابة القروض ذات الشروط المجحفة‪ ،‬وخاضعة‬
‫لسيطرة الحتكارات والشركات المريكية الكبرى على اقتصاد‬
‫الدول)‪ ،(1‬ولعل تركيا والمكسيك من النماذج الواضحة للدول التي‬
‫ن الدول‬‫عصف بها تيار العولمة لصالح المستثمرين المريكيين‪ (2).‬إ ّ‬
‫العربية م كإحدى المناطق المستهدفة بالعولمة م بلغت ديونها الخارجية‬
‫عام ‪1995‬م‪ (250) :‬مليار دولر‪ ،‬وتتفاقم ديونها بما مقداره )‪ (50‬ألف‬
‫دولر في الدقيقة الواحدة‪ ،‬ول شك أّنه كلما ارتفعت وتيرة الديون كلما‬
‫سخت التبعية وُوجدت الذريعة للتدخل‪ ،‬وبسبب هذه الديون م التي‬ ‫تر ّ‬
‫بدأت بتشجيع من الغرب عن طريق البنك الدولي وصندوق النقد‬
‫الدولي اللذين يعملن على إغراق الدول المستهدفة بالديون م أصبح‬
‫اقتصاد معظم هذه الدول متخبطًا‪ ،‬يستطيع وبصعوبة بالغة ملحقة‬
‫خدمة الديون وفوائدها المتراكمة‪ ،‬فهي في الحقيقة وسيلة لبسط‬
‫ن أمريكا‬‫النفوذ على البلد تماما ً كما كانت في الماضي‪ (3).‬مع العلم أ ّ‬
‫التي توصف بأنها أغنى وأقوى بلد في العالم هي أيضا ً أكبر بلد مدين‬
‫في العالم‪ ،‬وكما يقول مؤلفا كتاب )الفلس ‪1995‬م م النهيار القادم‬
‫لمريكا(‪" :‬من الجدير بالذكر أن ديون أمريكا بلغت )‪ (4‬تريلون دولر‬
‫في العام ‪1992‬م‪ ،‬أما الفوائد فقد بلغت )‪ (300‬مليار دولر‪ ،‬أي أكثر‬
‫من المبلغ الذي تنفقه البلد على قطاعات التعليم والعدل والسكان‬
‫والبيئة مجتمعة"‪(4).‬‬
‫‪ -3‬تحقيق مصالح المجموعات الغنية في الدول الغربية والقوى‬
‫المتحالفة معها في الدول الخمرى علمى حسماب شمعوب العالمم‪ ،‬ومما‬
‫يدل على ذلك فشل تجربة "النمور السيوية" ومنها إندونيسيا وماليمزيا‪،‬‬
‫حيث لم تسمتطع تحقيمق المصالح القتصمادية المطلموبمة لشمعوبها‪ ،‬إذ‬

‫‪ -‬العولمة‪ ،‬محمد سعيد أبو زعرور ص ‪ ،36‬السلم والعولمة ص ‪.136‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬فخ العولمة ص ‪.258-254‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬العولمة حلقة في تطور آليات السيطرة‪ :‬خالد أبو الفتوح‪ ،‬البيان ‪.136‬‬
‫‪ -4‬انظر المصدر السابق‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫عملت الشركات المتعددة الجنسيات على إحداث هذا الفشل‪ ،‬وقام‬
‫أحد المستثمرين الجانب ‪-‬أحد رموز العولمة‪ -‬الملياردير "جورج‬
‫سورس" باللعب في البورصة مما أدى إلى ضرب التجمارة التنمويمة‬
‫وإحباطهما)‪ ،(1‬يقول الدكتور مجدي قرقر‪" :‬إن الشركات المتعددة‬
‫الجنسيات أدى تطورها وتضخمها إلى تعميق العولمة اقتصاديًا‪ ،‬وتعدد‬
‫أنشطتها في كل المجالت‪ :‬الستثمار والنتاج والنقل والتوزيع‬
‫والمضاربة‪ ،‬ووصل المر إلى أنها قد صارت تؤثر في القرار السياسي‬
‫والبعد الثقافي والمعرفي‪ ،‬وفي ظل العولمة استطاعت هذه الشركات‬
‫الستفادة من فروق السعار‪ ،‬من نسبة الضرائب‪ ،‬من مستوى الجور‬
‫لتركيز النتاج في المكان الرخص وبعد ذلك ينقل النتاج إلى المكان‬
‫الذي يكون فيه مستوى السعار أعلى ويتم تسويقه هناك"‪(2).‬‬
‫في يوم ‪19/6/2000‬م عقد في القاهرة مؤتمر ضم الدول‬
‫الخمسة عشر‪-‬أفريقية وآسيوية‪-‬من الدول النامية‪ -‬أكد المتحدثون فيه‬
‫أن القتصاد العالمي الجديد هو لصالح فئة قليلة تزيدها غنى فوق غناها‪،‬‬
‫على حساب الدول الكثيرة الفقيرة‪ ،‬وهو يدفع الدول النامية إلى مقبرة‬
‫الفقر‪.‬‬
‫وترتب على هذا الهدف ما يلي من النتائج‪-:‬‬
‫أ‪ -‬تركيز الثروة المالية في يد قلة من الناس أو قلة من الدول‪ ،‬فم ‪358‬‬
‫ملياردير في العالم يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه أكثر من نصف‬
‫سكان العالم‪ ،‬و ‪ %20‬من دول العالم تستحوذ على ‪ %85‬من الناتج‬
‫العالمي الجمالي‪ ،‬وعلى ‪ %84‬من التجارة العالمية‪ ،‬ويمتلك سكانها‬
‫‪ %85‬من المدخرات العالمية‪.‬‬
‫ب‪ -‬سيطرة الشركات العملقة عمليا ً على القتصاد العالمي‪ ،‬إن خمس‬
‫دول ‪-‬الوليات المتحدة المريكية واليابان وفرنسا وألمانيا وبريطانيا‪-‬‬

‫‪ -‬السلم والعولمة ص ‪ ،126-125‬الوطنية في عالم بل هوية ‪ -‬تحديات العولممة ‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪81‬‬
‫‪ -‬السلم والعولمة‪ ،‬ص ‪.70‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪187‬‬
‫تتوزع فيما بينها ‪ 172‬شركة من أصل مائتي شركة من الشركات‬
‫العالمية العملقة)‪.(1‬‬
‫ج‪ -‬تعميق التفاوت في توزيع الدخل والثروة بين الناس بل بين‬
‫المواطنين في الدولة الواحدة‪ ،‬واختزال طاقات شعوب العالم إلى‬
‫طاقة دفع لماكينة الحياة البراجماتية الستهلكية للقوى الرأسمالية‬
‫والسياسة الغربية المسيطرة‪(2).‬‬
‫د‪ -‬استئثار قلة من سكان الدولة الواحدة بالقسم الكبر من الدخل‬
‫الوطني والثروة المحلية في الوقت الذي يعيش أغلبية السكان حياة‬
‫القلة والشقاء‪ ،‬ويوضح ذلك أن عشرين بالمائة من الفرنسيين‬
‫يتصرفون فيما يقرب من سبعين بالمئة من الثروة الوطنية‪ ،‬وعشرين‬
‫بالمائة من الفرنسيين ل ينالون من الدخل الوطني سوى نسبة ستة‬
‫بالمائة‪(3).‬‬
‫هم‪ -‬النمو المطرد للبطالة‪ ،‬وانخفاض الجور وما يرتبط بها من تقليص‬
‫في قدرة المستهلكين واتساع دائرة المحرومين‪ ،‬وقد دلت الحصائيات‬
‫على حقائق خطيرة‪ ،‬ففي العالم )‪ (800‬مليون شخص يعانون من‬
‫البطالة وهذا الرقم في ازدياد‪ ،‬وفي السنوات العشرة الخيرة عملت‬
‫‪ 500‬شركة من أكبر الشركات العالمية على تسريح أربعمائة ألف‬
‫عامل‪-‬في المتوسط‪ -‬كل سنة‪ ،‬على الرغم من ارتفاع أرباح هذه‬
‫الشركات بصورة هائلة فإحدى هذه الشركات منحت للمساهمين فيها‬
‫مبلغ خمسة مليون دولر لكل منهم‪ (4).‬والشركات المريكية تسّرح‬
‫مليونين من العمال‪(5).‬‬
‫و‪ -‬فرض السياسات القتصادية والزراعية على دول العالم ‪-‬وخاصة‬
‫النامية‪ -‬بهدف تعطيل التنمية القتصادية‪ ،‬وإبقائها سوقا ً استهلكية رائجة‬

‫‪ -‬انظر فخ العولمة ص ‪ ،13 -11‬العرب والعولمة‪ ،‬ص ‪.140‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬السلم والعولمة ص ‪ ،107‬فخ العولمة ص ‪.36 ،28-26 ،8-7‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬العرب والعولمة ص ‪ ،141‬فخ العولمة‪ ،‬ص ‪.11‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬العرب والعولمة‪ ،‬ص ‪.141‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ -‬السلم والعولمة‪ ،‬ص ‪.61‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪188‬‬
‫للمنتوجات الغربية‪ ،‬وتسليم إرادتها السياسية للقوى الحاكمة في‬
‫أمريكا‪ .‬ففي بعض الدول انخفضت معدلت النمو عام ‪98‬م بأكثر من‬
‫‪ ،%100‬وارتفعت معدلت البطالة بنسبة خطيرة أدت إلى حدوث‬
‫مشكلت اجتماعية عديدة من أهمها زيادة نسبة الفقر والمية)‪ .(1‬يقول‬
‫ساكيكو فوكيربار‪":‬ما دام القتصاد ومفاهيم السوق من العناصر‬
‫الساسية في العولمة فإن التنمية البشرية لن تأخذ حظها الذي تستحق‬
‫من هذه العولمة"‪(2).‬‬
‫ز‪ -‬إضعاف قوة موارد الثروة المالية العربية المتمثلة في النفط حيث‬
‫تم إضعاف أهميته كسلعة حينما تم استثناؤه من السلع التي تخضع‬
‫لحرية التجارة الدولية ‪-‬أسوة بتجارة المعلومات‪ -‬من تخفيض الضرائب‬
‫والقيود الجمركية المفروضة عليه من الدول المستهلكة‪ ،‬فما زالت هذه‬
‫الدول وعلى رأسها الوليات المتحدة المريكية ترفض اعتبار النفط‬
‫والمشتقات البتروكيماوية من السلع التي يجب تحريرها من القيود‬
‫الجمركية والضرائب الباهضة التي تفرضها الدول المستهلكة‪ ،‬وبذلك‬
‫تجني هذه الدول الرباح الهائلة من وراء ذلك‪ ،‬وهي تعادل ثلثة أمثال‬
‫العائدات إلى الدول المنتجة في الوقت الحاضر‪ ،‬بل أصدر الكونجرس‬
‫المريكي تشريعا ً يقضي بفرض العقوبات على دول في منظمة‬
‫"أوبيك" إذا شاركت في رفع أسعار النفط أو تثبيتها‪(3).‬‬
‫ح‪ -‬ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الدول السلمية‪ ،‬نتيجة إلغاء هذه‬
‫الدول الدعم المالي الذي كانت تقدمه للسلع الغذائية‪ ،‬وبسبب الحتكار‬
‫والمنافسة غير المتكافئة من الدول الكبرى‪ ،‬وبسبب قيود الجودة‬
‫وشروط المواصفات العالمية التي تفرضها التفاقيات التجارية‬
‫والصناعية الدولية‪ ،‬وهي شروط ل تقدر الدول السلمية النامية على‬

‫‪ -‬انظر جريدة الرسالة ‪ -‬قطاع غممزة ‪ -‬عممدد ‪ ،141‬تاريممخ ‪ 28‬شمموال ‪1420‬هم م ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.21‬‬
‫‪ -‬انظر المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬انظر المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪189‬‬
‫الوفاء بها)‪ .(1‬ويترتب على ذلك أن تبقى السواق السلمية سوقا ً‬
‫مفتوحا ً رائجا ً أمام المنتجات والبضائع الوربية والمريكية‪ ،‬وأن تقوض‬
‫المصانع والمؤسسات الوطنية والقتصاد الوطني)‪.(2‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الهداف والثار السياسية‪:‬‬
‫‪ -1‬فرض السيطرة السياسية الغربية على النظمة الحاكمة والشعوب‬
‫التابعة لها‪ ،‬والتحكم في مركز القرار السياسي وصناعته في دول‬
‫العالم لخدمة المصالح المريكية والقوى الصهيونية المتحكمة في‬
‫السياسة المريكية نفسها‪ ،‬على حساب مصالح الشعوب وثرواتها‬
‫الوطنية والقومية‪ ،‬وثقافتها ومعتقداتها الدينية)‪ .(3‬يقول جون بوتنغ‬
‫رئيس المدراء التنفيذيين السابق في بنك بنسلفانيا "في العولمة نحن‬
‫نقرر من الذي سيعيش ونحن نقرر من الذي سيموت")‪.(4‬‬
‫‪ -2‬إضعاف فاعلية المنظمات والتجمعات السياسية القليمية والدولية‪،‬‬
‫والعمل على تغييبها الكامل كقوى مؤثرة في الساحة العالمية‬
‫والقليمية‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬منظمة الدول المريكية ومنظمة الوحدة‬
‫الفريقية والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر السلمي‪ ،‬والمتابع‬
‫لنشاطات هذه المنظمات يلحظ أنها ل تستطيع اتخاذ أي موقف تجاه‬
‫القضايا السياسية المعاصرة وتجاه الحداث الجارية مثل قضايا‪:‬‬
‫البوسنة والهرسك‪ ،‬وألبان كوسوفو‪ ،‬والشيشان‪(5).‬‬

‫‪ -‬انظمممر آثمممار التفاقيمممات القتصمممادية والصمممناعية والزراعيمممة‪-‬علمممى العمممالم‬ ‫‪1‬‬

‫السلمي‪:-‬النظام القتصادي العالمي واتفاقية الجات تمأليف د‪ .‬حسممين شمحاته‪ ،‬دار‬


‫البشير للثقافة والعلوم‪ ،‬طنطا‪ ،‬الطبعة الولى ‪1418‬هم‪1998 ،‬م‪ ،‬ص ‪.25-20‬‬
‫‪ -‬انظر السلم والعولمة ص ‪.148‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬العولمة‪ ،‬محمد سعيد أبو زعرور ص ‪.36‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ -‬دراسة حول البعد التاريخي والمعاصر لمفهوم العولمة‪ ،‬غازي الصوراني‪ ،‬إصممدار‬ ‫‪4‬‬

‫منتدى الفكر الديمقراطي الفلسطيني‪ ،2000 ،‬ص ‪.80‬‬


‫‪ -‬انظر مقال‪":‬نظام عالمي أم سيطرة استعمارية جديدة" لجمال قنان في مجلممة‬ ‫‪5‬‬

‫المستقبل العربي‪ ،‬العدد ‪ ،180‬فبراير ‪1994‬م‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫‪ -3‬إبقاء الدول السلمية ‪-‬خاصة‪ -‬منقوصة السيادة‪ ،‬حتى تبقى هذه‬
‫الدول ضعيفة وتابعة للهيمنة السياسية الغربية‪.‬‬
‫‪ -4‬إضعاف سلطة الدول الوطنية‪ ،‬أو إلغاء دورها وتقليل فاعليتها‪ ،‬وقتل‬
‫روح النتماء في نفوس أبنائها‪ ،‬فالعولمة نظام يقفز على الدولة‬
‫والوطن والمة‪ ،‬واستبدال ذلك بالنسانية‪ ،‬إنها نظام يفتح الحدود أمام‬
‫الشبكات العلمية والشركات المتعددة الجنسيات)‪ ،(1‬ويزيل الحواجز‬
‫التي تقف حائل ً دون الثقافة الرأسمالية المادية والغزو الفكري الذي‬
‫يستهدف تفتيت وحدة المة‪ ،‬وإثارة النعرات الطائفية‪ ،‬وإثارة الحروب‬
‫والفتن داخل الدولة الواحدة كما في السودان‪.‬‬
‫‪ -5‬إضعاف دور الحزاب السياسية في التأثير في الحياة السياسية في‬
‫كثير من دول العالم ‪-‬خاصة الدول السلمية‪ -‬في الوقت التي بدأت فيه‬
‫المنظمات غير الحكومية والجمعيات الهلية تمارس دورا ً متزايدا ً في‬
‫الحياة السياسية‪(2).‬‬
‫‪ -6‬بعثرة الشعوب المسلمة وتفرقها‪ ،‬والقضاء على مقومات الوحدة‬
‫والتضامن السلمي‪ ،‬وتفريغ المنظمات والتجمعات السلمية من‬
‫مضامينها الحقيقية حتى تبقى عاجزة عن تحقيق آمال وأماني‬
‫المسلمين‪ ،‬ولتصبح أداة طيعة في خدمة المخططات الستعمارية‬
‫الغربية‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الهداف والثار الثقافية‪:‬‬
‫لعل من أخطر أهداف العولمة ما يعرف بالعولمة الثقافية فهي‬
‫تتجاوز الحدود التي أقامتها الشعوب لتحمي كيان وجودها‪ ،‬وما له من‬
‫خصائص تاريخية وقومية وسياسية ودينية‪ ،‬ولتحمي ثرواتها الطبيعية‬
‫والبشرية وتراثها الفكري الثقافي‪ ،‬حتى تضمن لنفسها البقاء‬
‫والستمرار والقدرة على التنمية ومن ثم الحصول على دور مؤثر في‬
‫المجتمع الدولي‪.‬‬

‫‪ -‬العرب والعولمة‪ ،‬ص ‪ ،145‬م ‪ ، 148-147‬الوطنية في عالم بل هويممة ‪ ،‬ص ‪-157‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 158‬‬
‫‪ -‬الوطنية في عالم بل هوية ‪ -‬مرجع سابق ‪ -‬ص ‪.80-79‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪191‬‬
‫يقول بلقيزر‪":‬العولمة كما يدعي روادها هي انتقال من مرحلة‬
‫الثقافة الوطنية إلى ثقافة عليا جديدة "عالمية"‪ ،‬وهي في حقيقتها‬
‫اغتصاب ثقافي وعدوان رمزي على سائر الثقافات الخرى‪ ،‬وهي‬
‫اختراق تقني يستخدم وسائل النقل والتصال لهدر سيادة الثقافات‬
‫الخرى للشعوب‪ ،‬وفرض الثقافة الغربية"‪(1).‬‬
‫ودعا دافايد روشكويف )أستاذ العلقات الدولية بجامعة كولومبيا‬
‫والمسئول السابق في حكومة الرئيس المريكي كلينتون( الوليات‬
‫المتحدة إلى استغلل الثورة المعلوماتية الكونية للترويج للثقافة والقيم‬
‫المريكية على حساب الثقافات الخرى‪ ،‬لن المريكان أكثر المم عدل ً‬
‫وتسامحا ً وهم النموذج الفضل للمستقبل‪ ،‬والقدر على قيادة العالم‪(2).‬‬
‫ن المهمة‬‫ويقول شتراوس هوب في كتابه‪-‬توازن الغد‪":-‬إ ّ‬
‫الساسية لمريكا توحيد الكرة الرضية تحت قيادتها‪ ،‬واستمرار هيمنة‬
‫الثقافة الغربية‪ ،‬وهذه المهمة التي ل بد من إنجازها بسرعة في مواجهة‬
‫نمور آسيا وأي قوى أخرى ل تنتمي للحضارة الغربية"‪(3).‬‬
‫إذا ً من الهداف الثقافية للعولمة‪ :‬الترويج لفلسفة النظام الغربي‬
‫الرأسمالي النفعي البرجماتي‪ ،‬وفرض الثقافة الغربية الوافدة وجعلها‬
‫في محل الصدارة والهيمنة في العالم وقهر الهوية الثقافية للمم‬
‫والشعوب الخرى‪ ،‬على أن تظل الثقافات الخرى محدودة في نطاق‬
‫السلوك الفردي ل تتعداه‪ ،‬فالدساتير والنظم والقوانين والقيم الخلقية‬
‫يجب أن تستمد من الفلسفة المادية النفعية‪ ،‬ومن ثقافة الرجل البيض‬
‫العلمانية‪ ،‬المناهضة للعقائد والشرائع السماوية‪(4).‬‬

‫‪ -‬انظر مجلة المجمع العربي للمحاسبين القانونيين‪ ،‬عدد ‪1999 ،11‬م‪ ،‬ص ‪.38‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬السلم والعولمة‪ ،‬ص ‪.14-13‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬نقل ً عن دراسة حول البعد التاريخي المعاصر لمفهوم العولمة ‪-‬مرجع سابق‪ -‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.5‬‬
‫‪ -‬السلم والعولمة‪ ،‬ص ‪ ،96-95‬العولمة وآليات التهميش في الثقافة الغربيممة ص‬ ‫‪4‬‬

‫‪.11-10‬‬

‫‪192‬‬
‫إن عملء الغرب في العالم السلمي الذين يروجون العولمة‬
‫يحاولون جادين تعميم الفلسفة المادية والفكر الغربي العلماني ليصبح‬
‫العالم السلمي جزءا ً من المنظومة العلمانية العالمية التي تتميز‬
‫بخصائص معينة وتظهر بثقافة واحدة‪ ،‬تتجاوز الفكر السلمي بكل‬
‫أبعاده الثقافية والسياسية والجتماعية والقتصادية والخلقية‪.‬‬
‫ومن آثار العولمة في الهوية الثقافية‪-:‬‬
‫جد ثقافة الستهلك‪ -‬التي‬ ‫ن العولمة تم ّ‬
‫‪ -1‬شيوع الثقافة الستهلكية ‪-‬ل ّ‬
‫استخدمت كأداة قوية فاعلة في إطلق شهوات الستهلك إلى أقصى‬
‫م تشويه التقاليد والعراف السائدة في العالم السلمي‪.‬‬ ‫عنان ومن ث ّ‬
‫‪ -2‬تغريب النسان المسلم وعزله عن قضاياه وهمومه السلمية‪،‬‬
‫وإدخال الضعف لديه والتشكيك في جميع قناعته الدينية وهويته‬
‫الثقافية‪(1).‬‬
‫‪ -3‬إشاعة ما يسمى بأدب الجنس‪ ،‬وثقافة العنف التي من شأنها تنشئة‬
‫أجيال كاملة تؤمن بالعنف كأسلوب للحياة وكظاهرة عادية وطبيعية‪(2).‬‬
‫وما يترّتب على ذلك من انتشار الرذيلة والجريمة والعنف في‬
‫المجتمعات السلمية‪ ،‬وقتل أوقات الشباب بتضييعها في توافه المور‬
‫وبما يعود عليه بالضرر البالغ في دينه وأخلقه وسلوكه وحركته في‬
‫الحياة‪ ،‬وتساهم في هذا الجانب شبكات التصال الحديثة والقنوات‬
‫الفضائية وبرامج العلنات والدعايات للسلع الغربية وهي مصحوبة‬
‫بالثقافة الجنسية الغربية التي تخدش الحياء والمروءة والكرامة‬
‫النسانية‪ ،‬ولقد أثبتت الدراسات الحديثة خطورة القنوات الفضائية ‪-‬بما‬
‫تبثه من أفلم ومسلسلت جنسية فاضحة‪ -‬على النظام التعليمي‬

‫‪ -‬الوطنية في عالم بل هوية ص ‪.150‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪-‬انظر مبحث الثقافة العربية في مواجهة المتغيرات الدولية الراهنممة–مجلممة الفكممر‬ ‫‪2‬‬

‫العربممي المعاصممر العممدد ‪ 100‬إلممى ‪ ،101‬بيممروت ‪1993‬م‪ ،‬مسممعود ظمماهر ص ‪،36‬‬


‫الوطنية في عالم بل هوية ص ‪.150 ،85-84‬‬

‫‪193‬‬
‫والحياة الثقافية والعلقات الجتماعية ونمط الحياة القتصادية في‬
‫العالم السلمي‪(1).‬‬
‫‪ -4‬ومن آثار عولمة الثقافة انتشار نوعية مميزة من الثقافة المادية‬
‫والمعنوية المريكية حيث سيطرت الثقافة المريكية الشعبية على‬
‫أذواق البشر فأصبحت موسيقى وغناء مايكل جاكسون وتليفزيون رامبو‬
‫وسينما دالس هي الليات والنماذج السائدة في مختلف أنحاء العالم‬
‫وأصبحت اللغة النجليزية ذات اللكنة المريكية هي اللغة السائدة‪(2).‬‬
‫‪ -5‬ومن آثار العولمة في طمس الهوية الثقافية للمة السلمية انتشار‬
‫الزياء والمطاعم والمأكولت والمنتوجات المريكية في كثير من الدول‬
‫السلمية‪ ،‬لن هذه السلع تحمل في طياتها ثقافة مغايرة تسحق‬
‫ثقافات المم المستوردة لها‪ ،‬وظهور اللغة النجليزية على واجهات‬
‫المحلت والشركات‪ ،‬وعلى اللعب والهدايا‪ ،‬وعلى ملبس الطفال‬
‫والشباب‪.‬‬
‫لقد ثبت أن الزياء الوربية والمريكية قد كتبت عليها عبارات‬
‫باللغة النجليزية)‪ (3‬تحتوي على ألفاظ وجمل جنسية مثيرة للشهوات‬
‫ومحركة للغرائز الجنسية‪ ،‬وأيضا ً ل دينية تمس المشاعر والمقدسات‬
‫والخلق السلمية وتروج للثقافة الغربية التي تقوم على الباحية‬
‫والحرية الفوضوية في مجال العلقات بين الرجل والمرأة‪(4).‬‬
‫رابعًا‪ :‬الهداف والثار الدينية‪:‬‬
‫العولمة آتية من الغرب الصليبي الكافر الذي يعتمد النظمة‬
‫والمفاهيمم العلمانية اللدينية‪ .‬ولقد حذرنا الله تعالى من اليهود‬

‫‪ -‬العولمة‪ ،‬د‪ .‬جلل أمين ص ‪.128-126‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬انظر مجلة المستقبل العربي‪ -‬مركممز دراسمات الوحممدة العربيمة ‪-‬بيمروت‪ -‬العمدد‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،229‬مارس ‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ومن تلك الكلمممات والعبممارات المكتوبممة علممى ملبممس الطفممال والشممباب‪kiss :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪:me‬قبلني‪ :take me -‬خذني‪ :Sow -‬خنزير‪ :I'm Jewish -‬أنا يهودي‪ :prostitute -‬عاهر‪-‬‬
‫‪ :Adulery‬ابن الزنا‪ :Zion -‬صهيوني‪.‬‬
‫‪ -‬السلم والعولمة ص ‪.137-136‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪194‬‬
‫والنصارى فقال عز وجل‪) :‬ولن ترضى عنك اليهود ول النصارى حتى‬
‫تتبع ملتهم( سورة البقرة‪ ،120:‬وقال‪) :‬ول يزالون يقاتلونكم حتى‬
‫يردوكم عن دينكم إن استطاعوا( سورة البقرة‪.217:‬‬
‫يقول الدكتور جلل أمين‪" :‬وهناك من يكره العولمة ل لسبب‬
‫اقتصادي‪ ،‬بل لسبب ديني‪ .‬فالعولمة آتية من مراكز دينها غير ديننا‪ ،‬بل‬
‫هي قد تنكرت للديان كلها‪ ،‬وآمنت بالعلمانية التي ل تختلف كثيرا ً في‬
‫م ففتح البواب أمام العولمة هو فتح‬ ‫نظر هؤلء عن الكفر‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫البواب أمام الكفر‪ ،‬والغزو هنا في الساس ليس غزوا ً اقتصاديًا‪ ،‬بل‬
‫غزو من جانب فلسفة للحياة معادية للدين‪ ،‬والهوية الثقافية المهددة‬
‫هنا هي في الساس دين المة وعقيدتها‪ ،‬وحماية الهوية معناها في‬
‫الساس الدفاع عن الدين"‪ (1).‬فمن أهداف العولمة الدينية‪-:‬‬
‫‪ -1‬التشكيك في المعتقدات الدينية وطمس المقدسات لدى الشعوب‬
‫المسلمة لصالح الفكر المادي اللديني الغربي‪ ،‬أو إحلل الفلسفة‬
‫المادية الغربية محل العقيدة السلمية‪.‬‬
‫‪ -2‬استبعاد السلم وإقصاؤه عن الحكم والتشريع‪ ،‬وعن التربية‬
‫والخلق‪ ،‬وإفساح المجال للنظم والقوانين والقيم الغربية المستمدة‬
‫من الفلسفة المادية والعلمانية البرجماتية‪(2).‬‬
‫‪ -3‬تحويل المناسبات الدينية إلى مناسبات استهلكية‪ ،‬وذلك بتفريغها‬
‫من القيم والغايات اليمانية إلى قيم السوق الستهلكية‪ ،‬فعلى سبيل‬
‫ول شهر رمضان‬ ‫المثال‪ :‬استطاع التقدم العلمي والتقني الحديث أن يح ّ‬
‫‪)-‬شهر الصوم والعبادة والقرآن(‪ -‬وعيد الفطر خاصة من مناسبة دينية‬
‫إلى مناسبة استهلكية‪(3).‬‬
‫ومن آثار العولمة في هذا الجانب‪ :‬التحدي الخطير الذي تواجهه‬
‫الشريعة السلمية من القوى المحلية العلمانية التي تتلقى الحماية‬

‫‪ -‬العولمة‪ ،‬ص ‪.46‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬السلم والعولمة ص ‪.96‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬إن مممن ينظممر إلممى أسممواق المسمملمين فممي رمضممان ل يملممك إل أن يقممر بممأن‬ ‫‪3‬‬

‫المخططات المعادية قد نجحت في تحقيق ذلك‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫الدولية المعنوية والمادية باسم الحرية والديمقراطية وحقوق النسان‪،‬‬
‫ولقد انتشرت الجمعيات الهلية المدعومة غربيًا‪ ،‬التي تقوم بمحاربة‬
‫الهوية الثقافية السلمية وإثارة الشبه والشكوك حول النظم‬
‫والتشريعات السلمية ‪-‬وخاصة فيما يتعلق بالعلقة بين المرأة والرجل‬
‫وقضايا المرأة المسلمة‪ -‬وتطالب بعضها جهارا ً نهارا ً الحكومات‬
‫والمجالس البرلمانية إصدار القوانين وفق مواثيق المم المتحدة‬
‫المتعلقة بحقوق النسان بعيدا ً عن النظم والتشريعات السلمية‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الهداف والثار الجتماعية والخلقية‪:‬‬
‫تكريس النزعة النانية لدى الفرد‪ ،‬وتعميق مفهوم الحرية‬
‫الشخصية في العلقة الجتماعية‪ ،‬وفي علقة الرجل بالمرأة‪ ،‬وهذا‬
‫بدوره يؤدي إلى التساهل مع الميول والرغبات الجنسمية‪ ،‬وتمرد‬
‫النسان على النظم والحكام الشرعية التي تنظم وتضبط علقة الرجل‬
‫بالمرأة‪ .‬وهذا بدوره يؤدي إلى انتشار الباحية والرذائل والتحلل الخلقي‬
‫وخدش الحياء والكرامة والفطرة النسانية‪.‬‬
‫ن ثقافة العولمة ثقافة مادية بحتة ل مجال فيها للروحانيات أو‬ ‫إ ّ‬
‫العواطف النبيلة‪ ،‬أو المشاعر النسانية‪ ،‬إنها تهمل العلقات الجتماعية‬
‫القائمة على التعاطف والتكافل والهتمام بمصالح وحقوق الخرين‬
‫ومشاعرهم‪ .‬فهي تشكل عالما ً يجعل من الشح والبخل فضيلة ويشجع‬
‫على الجشع والنتهازية والوصول إلى الهداف بأي وسيلة دون أدنى‬
‫التفات إلى القيم الشريفة السائدة في المجتمع‪(1).‬‬
‫إن العولمة تجيز الشذوذ الجنسي والعلقات الجنسية الثمة بين‬
‫الرجل والمرأة‪ ،‬بل بين الرجل والرجل‪ .‬ولبيان هذا الجانب الخطير‬
‫المدمر للحياة الجتماعية في العالم السلمي تراجع وثيقة مؤتمر المم‬
‫المتحدة عن السكان والتنمية الذي عقد في القاهرة في شهر سبتمبر‬
‫عام ‪1994‬م وأذكر هنا بعض التي ركزت عليها هذه الوثيقة‪-:‬‬

‫‪ -‬الوطنية في عالم بل هوية‪ ،‬ص ‪ ،151-150‬تحممديات العولمممة ‪ -‬د‪ .‬حسممين كامممل‬ ‫‪1‬‬

‫بهاء الدين‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫‪ -‬الفرد هو السماس ومصالحمه ورغباتمه همي المعيمار‪ ،‬ل الديمن ول‬
‫المة‪ ،‬ول العائلة‪ ،‬ول التقاليد‪ ،‬ول العرف‪ .‬ومن حق الفرد التخلص من‬
‫القيود التي تفرض من جانب تلك الجهات‪.‬‬
‫‪ -‬تتحدث عن ممارسة الجنس دون أن تفترض وجود زواج‪ ،‬وعن‬
‫ممارسة الجنس بين المراهقين دون أن تستهجنه‪ ،‬والمهم في نظر‬
‫الوثيقة أل تؤدي هذه الممارسة إلى الوقوع في المراض‪ ،‬والواجب‬
‫توعية المراهقين وتقديم النصائح المتعلقة بممارسة الجنس ومنع‬
‫الحمل‪ ،‬وتوفير منتهى السرية لهم‪ ،‬واحترام حقهم في الحتفاظ‬
‫بنشاطهم الجنسي سرا ً عن الجميع‪.‬‬
‫‪ -‬تستهجن الوثيقة الزواج المبكر لنه يؤدي ‪-‬في نظرها‪ -‬إلى زيادة‬
‫معدل المواليد‪.‬‬
‫‪ -‬الجهاض‪ :‬ل تدين الوثيقة الجهاض حتى ولو لم يكن ثمة خطر على‬
‫صحة الم‪ ،‬المهم أن يكون الجهاض آمنا ً ل يهدد حياة الم‪.‬‬
‫‪ -‬استهجنت الوثيقة المومة المبكرة ‪-‬دون أن تميز بين ما إذا كانت هذه‬
‫المومة قد حدثت في نطاق الزواج الشرعي أم خارجه‪ -‬لنها في‬
‫نظرها تزيد من معدلت النمو ‪ ،‬وتقيد المرأة من العمل والمساهمة في‬
‫النتاج‪.‬‬
‫‪ -‬استخدمت الوثيقة لفظ "قرينين" بدل ً من زوجين‪ ،‬فلفظ قرينين أكثر‬
‫حيادًا‪ ،‬لنه ل يفترض وجود رباط قانوني معين‪ .‬وهذا الحياد يجعل‬
‫الشذوذ الجنسي والعلقات الجنسية دون زواج أمرا ً جائزا ً ومقبو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫‪ -‬المساواة بين المرأة والرجل‪ :‬تدعو الوثيقة إلى المساواة التامة بين‬
‫الطرفين‪ ،‬وحثت المرأة على إلغاء الفوارق الطبيعية بينها وبين الرجل‪،‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬اشتراك الرجل في العمال المنزلية ورعاية الطفال أسوة‬
‫بالنساء‪ ،‬دون النظر إلى اختلف الظروف القتصادية والجتماعية‬
‫والثقافية بين الرجال والنساء‪(1).‬‬
‫ومن آثار العولمة في الجانب الجتماعي زيادة معدلت نسبة‬
‫الجريمة ليس في الدول النامية وحدها‪ ،‬بل في كل الدول الوربية‬

‫‪ -‬انظر العولمة ‪ ،‬د‪ .‬جلل أمين ص ‪ ،138-133‬السلم والعولمة ص ‪.122-121‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪197‬‬
‫الغنية‪ ،‬وقد أكد هذا المر الكاتبان اللمانيان )هانس بيتر مارتين‪،‬‬
‫وهارالدشومان( حيث قال‪" :‬ينتفع مرتكبو الجرائم متعدية الجنسيات‬
‫أيضا ً من إلغاء القيود القانونية المفروضة على القتصاد‪ ،‬فعلى مستوى‬
‫كل البلدان الصناعية تتحدث دوائر الشرطة والقضاء عن طفرة بينة في‬
‫نمو الجريمة المنظمة‪ ،‬وكان أحد موظفي الشرطة الدولية قد أشار‬
‫إلى هذه الحقيقة بعين العقل‪ ،‬حينما راح يقول‪" :‬إن ما هو في مصلحة‬
‫التجارة الحرة‪ ،‬هو في مصلحة مرتكبي الجرائم أيضًا"‪ (1).‬ويضيفان‪":‬إن‬
‫النتائج المترتبة تثير الرعب بل شك‪ ،‬ففي منظور الخبراء أضحت اليوم‬
‫الجريمة المنظمة عالميًا‪ ،‬أكثر القطاعات القتصادية نموًا‪ ،‬إنه يحقق‬
‫أرباحا َ تبلغ خمسمائة مليار دولر في العام"‪(2).‬‬
‫ومن آثار العولمة في الجانب الجتماعي أيضا ً زيادة معدلت الفقر‬
‫والبطالة وتوهين العلقات الجتماعية بين الفراد‪ ،‬والظلم الجتماعي‬
‫الذي يصيب السر الفقيرة نتيجة تقليص الدولة للدعم الجتماعي لهذه‬
‫السر‪ ،‬ولقد أصدرت المم المتحدة أخيرا ً تقريرا ً يفيد بأن قوى العولمة‬
‫رغم إتاحتها فرص لم يحلم بها لمنفعة بعض الشعوب وبعض الدول إل‬
‫أنها قد أسهمت في الوقت نفسه في كثير من دول العالم في رفع‬
‫معدلت الفقر والظلم والقلق على فرص العمل وإضعاف المؤسسات‬
‫التي تقدم الدعم الجتماعي للفقراء‪ ،‬كما أسهمت في تفتت القيم‬
‫والعادات السائدة منذ زمن بعيد‪(3).‬‬

‫‪ -‬فخ العولمة ص ‪.367‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ - 2‬المصممدر نفسممه‪ :‬ص ‪ ،370‬فمممن المثلممة‪:‬ارتفمماع حجممم المبيعممات فممي السمموق‬


‫العالمية للهيروين في عام ‪1990‬م إلممى عشممرين ضممعفا ً مممن خلل العشممرين سممنة‬
‫الماضية‪ ،‬وارتفعت المتاجرة بالكوكايين إلى خمسين ضعفًا‪ .‬انظر المصممدر السممابق‪،‬‬
‫ص ‪.368-367‬‬
‫‪ -‬انظر مجلة المشاهد السياسي عدد ‪ 11 ،108‬نيسان ‪1998‬م ص ‪.36‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪198‬‬
‫وسائل العولمة‪-:‬‬
‫لقد لجأت القوى الرأسمالية الغربية وعلى رأسها الوليات‬
‫المتحدة المريكية إلى الوسائل التالية من أجل تحقيق الهداف‬
‫المنشودة من وراء العولمة‪.‬‬
‫‪ -1‬إنشاء التكتلت والمنظمات القتصادية والتجارية التي تمرر من‬
‫خللها السياسات والملءات لصالح العولمة‪ ،‬ومن ذلك اتفاقية "الجات‬
‫" أعضاؤها ‪ 117‬دولة" )التفاقية العامة للتجارة والتعرفة الجمركية(‪،‬‬
‫وتكتل "النافتا" المكون من كندا وأمريكا والمكسيك والسوق الوربية‬
‫المشتركة‪ ،‬و"إيباك" المكون من دول "النافتا" واستراليا ونيوزلندة‬
‫واليابان وإندونيسيا وماليزيا‪ ،‬ومنظمة التجارة العالمية التي تنتمي إليها‬
‫كثير من دول العالم‪(1).‬‬
‫‪ -2‬استخدام الشرعية الدولية الزائفة وعبر استغلل المم المتحدة‬
‫ومؤسساتها المالية ‪-‬صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للنشاء‬
‫والتعمير‪ -‬في فرض وتنفيذ الملءات والقرارات السياسية والقتصادية‬
‫التي تضر بالدول والشعوب وتحقق المصالح العليا لمريكا وحلفائها‪(2).‬‬
‫‪ -3‬تقديم الدعم القتصادي والمعنوي للنظمة والحكومات المعادية‬
‫للسلم‪ ،‬وفرض سياسة الحصار والتجويع على النظمة المتمردة على‬
‫الرادة المريكية‪ ،‬أو النظمة التي تسعى إلى اتخاذ السلم منهجا ً‬
‫وشريعة للحياة‪ .‬واستخدم العقوبات الدولية التي تفرضها أمريكا‪-‬من‬

‫‪ -‬لقممد فصممل الحممديث عممن المنظمممات والتكتلت القتصممادية العالميممة د‪ .‬حسممين‬ ‫‪1‬‬

‫شحاته في كتابه "النظام القتصادي العالمي واتفاقيممة الجممات" دار البشممير للثقافممة‬
‫والعلوم‪ ،‬طنطا ‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ - 2‬انظر السلم والعولمة‪ ،‬ص ‪ ،150‬العولمة‪ ،‬محمد سعيد أبو زعرور‪ ،‬ص ‪ ،42‬من‬
‫الملحظ أن العولمة ترتكز اقتصاديا ً على ثلث ركائز هي‪-:‬‬
‫)أ( النظام النقدي العالمي ويشرف عليه صندوق النقد الدولي‪.‬‬
‫)ب( النظام الستثماري العالمي بإشراف البنك الدولي‪.‬‬
‫)ج( النظام التجاري العالمي بإشراف وإدارة منظمة التجارة العالميممة والممتي تعمممل‬
‫بالتنسيق مع الشركات الكبرى العابرة للقوميات‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫خلل المم المتحدة‪ -‬طبقا ً لمعاييرها الخاصة التي تحقق أهداف‬
‫العولمة‪.‬‬
‫‪ -4‬تقييد الحكومات في العالم السلمي بالتفاقيات المجحفة الظالمة‪،‬‬
‫كاتفاقية منع انتشار السلحة النووية والكيماوية في الوقت الذي يسمح‬
‫فيه لليهود ومن على شاكلتهم بامتلك تلك السلحة وتطويرها‪.‬‬
‫‪ -5‬تسخير القوى العلمانية الداخلية من الكتاب ورجال العلم والتربية‬
‫لصالح العولمة والستفادة من جهود المستشرقين وقادة الغزو‬
‫الفكري‪.‬‬
‫‪ -6‬كتم الصوت السلمي المعبر عن آمال المة وتطلعاتها في الحرية‬
‫والستقلل وعدم التبعية للسيطرة الغربية‪.‬‬
‫‪ -7‬الكثار من المنظمات والجمعيات والمؤسسات الخدماتية الهلية‬
‫ذات الهداف اللدينية ودعمها ماليا ً ومعنويًا‪.‬‬
‫‪ -8‬إحلل الثقافة الغربية من خلل نشر اللغة النجليزية من خلل‬
‫الزياء والمأكولت والمنتوجات الغربية وإقامة المطاعم المريكية‬
‫)ماكدونالد( وإقامة شركات إنتاج المواد الغذائية المريكية ومن أمثلتها‬
‫شركة )كوكا كول( للمشروبات الغازية‪.‬‬
‫‪ -9‬استخدام وسائل الدعاية والعلم وشبكات التصال الحديثة كالقمار‬
‫الصناعية والقنوات الفضائية وشاشات الحاسوب لحداث التغيرات‬
‫المطلوبة لعولمة العالم‪(1).‬‬
‫‪ -10‬التوسع في قبول الطلب الجانب في الجامعات والمعاهد الغربية‪،‬‬
‫ففي أمريكا وحدها أكثر من عشرين ألف جامعة ومعهد مهمتها القيام‬
‫بالبرامج الثقافية التي ترسخ لديهم الثقافة الغربية وتستخدمهم وسائل‬
‫للعولمة‪.‬‬
‫‪ -11‬استخدام ما يسمى بالديمقراطية وحقوق النسان واعتبارات‬
‫الحياة المعاصرة ومواثيق المم المتحمدة في محاربة منظومة القيم‬
‫والخلق والتشريعات السائدة في المجتمعات السلمية‪.‬‬

‫‪ -‬السلم والعولمة‪ ،‬ص ‪ ،98-97‬العولمة‪ ،‬محمد سعيد أبو زعرور‪ ،‬ص ‪.42‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -12‬المؤتمرات القتصادية ومؤتمرات التنمية والسكان التي تعقد في‬
‫كافة دول العالم‪ ،‬واستخدامها للترويج لثقافة وفكرة العولمة‪.‬‬
‫‪ -13‬تنظيم المهرجانات الفنية الغنائية والموسيقية واللقاءات الشبابية‬
‫التي تشترك فيها فرق ووفود من كل أنحاء العالم‪.‬‬
‫‪ -14‬استغلل المرأة عبر دعوات لتحقيق المساواة بينها وبين الرجل‪،‬‬
‫وسن قوانين عالمية بحجة حماية حقوق المرأة‪.‬‬
‫‪ -15‬سياسة السوق وفتح المجال أمام الشركات المريكية والشركات‬
‫الكبرى متعددة الجنسيات للقيام بالستثمار غير المباشر في دول‬
‫العالم والعتماد على خوصصة الشركات والمؤسسات القتصادية‬
‫والخدماتية الوطنية والحكومية‪ ،‬أي نزع ملكية الوطن والمة والدولة لها‬
‫ونقلها للخواص من الداخل والخارج لضعاف سلطة الدولة والتخفيف‬
‫من حضورها لصالح ظاهرة العولمة‪ ،‬ومن ثم إحداث هزات مالية في‬
‫أسواق العالم‪ ،‬وفتح السواق المحلية أمام السلع ورؤوس الموال‬
‫والمعلومات الوافدة‪ ،‬وهدم السوار الجمركية والقيود أمام التجارة‬
‫الدولية‪ ،‬وعدم إعطاء الدعم لبعض السلع بحجة أن ذلك يضر التنمية‪،‬‬
‫وتسريح الجيوش أو الحد من أعدادها وخوصصة القطاع العام‪ ،‬وتخلي‬
‫الدولة عن دورها في إدارة اقتصادها وحمايته وفق رؤيتها ومصالحها‬
‫الخاصة‪(1).‬‬

‫من وراء العولمة؟‬ ‫َ‬


‫‪ -1‬لقد لعبت الصهيونية دورها في الوليات المتحدة المريكية‪،‬‬
‫واستطاع اليهود في مطلع القرن العشرين‪-‬ول يزالون‪ -‬أن يسيطروا‬
‫على القرار السياسي في تلك الدولة‪ ،‬وأصبح الزعماء السياسيون‬
‫يخشون سلطان الصهيونية التي تستطيع إسقاطهم عن كراسيهم‬
‫لقدرتها على نشر الفضائح والشاعات عبر دور الدعاية والعلن‬

‫‪ -‬العولمة‪ ،‬د‪ .‬جلل أمين ص ‪ ،28-27‬العولمة‪ ،‬محمممد سممعيد أبممو زعممرور ص ‪-44‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪،45‬م ‪ ،49‬الوطنية فممي عممالم بل هويممة ‪ -‬تحممديات العولمممة‪ -‬مرجممع سممابق‪ -‬ص ‪،74‬‬
‫العولمة وآليات التهميش في الثقافة العربية ‪ -‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬

‫‪201‬‬
‫ووسائل العلم التي يسيطر عليها اليهود ولذا فإن كل من يفكر في‬
‫الوصول إلى البيت البيض يجب عليه أن يسترضي اليهود ويخضع‬
‫لبتزازاتهم‪ ،‬وينحني صاغرا ً أمام الصهيونية‪ ،‬وإذا كانت مؤسسات المم‬
‫المتحدة من أهم الوسائل التي تستخدمها الوليات المتحدة في‬
‫العولمة‪ ،‬فأنا نجد اليهود قد استطاعوا السيطرة على المم المتحدة‬
‫منذ إنشائها‪ ،‬وتغلغلوا إلى معظم مؤسساتها ودوائرها ومكاتبها‬
‫المختلفة‪ ،‬يقول الكاتب المريكي دوجلس ويد‪):‬إن رؤساء أمريكا ومن‬
‫يعملون معهم ينحنون أمام الصهيونية كما لو كانوا ينحنون أمام ضريح‬
‫له قداسته()‪ ،(1‬بل وصل بعض اليهود إلى رئاسة الوليات المتحدة‬
‫المريكية‪(2).‬‬
‫لقد استطاع اليهود أن يسيطروا على معظم المؤسسات‬
‫القتصادية‪ ،‬فمن شركات البترول إلى الشركات الصناعية والبنوك‬
‫والبورصة‪ ،‬وسيطروا على العلم ووسائله المختلفة وأسسوا دور‬
‫السينما وصناعة الفلم وتولوا أماكن الصدارة في مجلس الشيوخ‬
‫والنواب‪ ،‬وعملوا كمستشارين للرؤساء المريكيين في الشؤون المالية‬
‫والسياسية والمنية ولقد مكن لهم بعض الرؤساء المريكان اليهود أصل ً‬
‫أمثال ‪-‬روزفلت‪ -‬من السيطرة على اقتصاديات البلد ومواردها‪،‬‬
‫والوصول إلى الوظائف العامة في وزارات الدفاع والخارجية والقتصاد‬
‫والمخابرات‪ ،‬بل تمكن بعض اليهود من الوصول إلى رئاسة الوليات‬
‫المتحدة المريكية‪.‬‬
‫واليوم يسيطر اليهود على القرار السياسي والقتصادي والمالي‬
‫والشؤون المنية في الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬وكما هو معلوم فإن‬
‫سبعة أعضاء يتبوءون أعلى مراكز الصدارة في البيت البيض ويرسمون‬
‫السياسة الداخلية والخارجية لمريكا‪ ،‬خمسة منهم من اليهود‪ ،‬ومن‬
‫هؤلء السيدة مادلين أولبرايت في وزارة الخارجية‪ ،‬وليم كوهين في‬

‫‪ -‬وثيقة الصهيونية‪ ،‬جورجي كنعان‪ ،‬دار اقرأ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1985‬م‪ ،‬ص ‪.142‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬أمثال روزفلت وترومان وآيزنهاور‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪202‬‬
‫وزارة الدفاع‪ ،‬ساندي بيرغر مستشار الرئيس كلينتون لشئون المن‬
‫القومي‪.‬‬
‫‪ -2‬لقد استطاع اليهود أن يتغلغلوا في عقلية الشعب المريكي وأن‬
‫يغزوه في عقيدته الدينية‪ ،‬حيت استغلوا المجامع الكنسية والمؤتمرات‬
‫الدينية‪ ،‬ووضعوا التفسيرات والشروحات الدينية للعهد القديم‪ ،‬وتمكنوا‬
‫من أن يجعلوا الرأي العام المريكي ينطلق من المرتكزات الصهيونية‬
‫في السياسة والفكر والدين‪.‬‬
‫‪ -3‬إن اليهودية العالمية لها نفوذ واضح في كثير من الدول الوربية‬
‫خاصة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا‪ ،‬فهم يسيطرون في هذه الدول‬
‫على كثير من المؤسسات القتصادية كالبنوك والشركات الصناعية‬
‫والتجارية والمناجم وأسهم شركات البترول‪ ،‬وامتلكوا كثيرا ً من الصحف‬
‫الكبرى التي تسير الرأي العام بل وتصنعه لصالح السياسة الصهيونية‬
‫العامة في الشرق الوسط‪.‬‬
‫‪ -4‬ولما أنشئت هيئة المم المتحدة تغلغل اليهود والماسونيون إلى‬
‫دوائرها ومكاتبها المختلفة وبالتالي استغللها لتحقيق أهدافهم الشريرة‬
‫في السيطرة على العالم‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬مكتب السكرتارية لهيئة المم‬
‫المتحدة الذي هو أهم شعبة فيها‪ ،‬ومراكز الستعلمات‪ ،‬وشعبة القسام‬
‫الداخلية‪ ،‬ومؤسسة التغذية والزراعة‪ ،‬ومؤسسة التعليم والثقافة والفن‬
‫"اليونسكو"‪ ،‬وبنك العمار الدولي‪ ،‬وصندوق النقد الدولي‪ ،‬ومؤسسة‬
‫الصحة العالمية‪ ،‬ومؤسسة اللجئين الدولية‪ ،‬ومؤسسة التجارة الدولية‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ -5‬ومن خلل دراسة الوثائق اليهودية يتبين للقارئ دور اليهودية‬
‫العالمية في صناعة الحداث أو في استغللها لصالح مخططاتهم التي‬
‫تستهدف السيطرة على العالم كله من خلل تأسيس جمهورية‬
‫ديمقراطية عالمية‪ .‬إذا أن من أهداف الحركة الماسونية ‪-‬التي أسسها‬

‫‪ -‬أسرار الماسونية الجنرال جواد رفعت آتلخان‪ ،‬الزهراء للعلم العربممي‪ -‬الطبعممة‬ ‫‪1‬‬

‫الولممى ‪1410‬هممم‪1990 -‬م‪ ،‬ص ‪ ،71-61‬وذكممر فممي هممذا الكتمماب أسممماء اليهممود‬
‫ووظائفهم داخل مؤسسات هيئة المم المتحدة‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫ويديرها اليهود‪ -‬إقامة دولة عالمية ل دينية‪ ،‬وقد نص على ذلك الهدف‬
‫المؤتمر الماسوني العالمي المنعقد في باريس سنة ‪1900‬م‪(1).‬‬
‫‪ -6‬وتحدثت بروتوكولت حكماء صهيون عن المخطط اليهودي لحكم‬
‫العالم من خلل الحكومة اليهودية العالمية‪ ،‬وللوصول لهذا الهدف ل بد‬
‫من استغلل النشاط القتصادي والصناعي والتجاري‪ ،‬وإتاحة الحرية‬
‫لرأس المال لكي يصل إلى مرحلة سيادة الحتكار في كل مجالت‬
‫التجارة والصناعة‪ ،‬وتخريب القتصاد للحكومات والشعوب الخرى عن‬
‫طريق المضاربة والقروض وزيادة السعار للسلع الساسية الضرورية‬
‫ولصناعة الرأي العام لصالح اليهود ل بد من السيطرة على وسائل‬
‫العلم‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن اليهود وضعوا مخططاتهم للسيطرة على العالم‬
‫فيما يسمى )بروتوكولت حكماء صهيون(‪ ،‬ومن يدرس هذه‬
‫البروتوكولت يستطيع أن يعقد وبكل سهولة مقارنة دقيقة بين ما‬
‫تضمنته هذه البروتوكولت وما يسود العالم من أوضاع سياسية‬
‫واقتصادية الن‪ ،‬فكل وسائل العولمة التي سبق ذكرها قد نصت عليها‬
‫البروتوكولت الربع والعشرون‪ .‬وأكثر وسيلة ركزت عليها في الوصول‬
‫إلى حكم العالم وجعله خاضعا ً لحكومة واحدة‪ :‬النشاط القتصادي‬
‫والتحكم في حركة التجارة العالمية‪ ،‬وإيجاد أزمات اقتصادية عالمية‪،‬‬
‫والسيطرة على مقدرات المم ومواردها المالية)‪.(2‬‬
‫‪ -7‬ومن الوثائق اليهودية القديمة التي تكشف عن حقيقة مشروع‬
‫العولمة‪ ،‬وأنه ضمن خطة يهودية هدفها الهيمنة على العالم‪ ،‬ما نشرته‬
‫جمعية "القباله"‪ (3).‬اليهودية‪ .‬جاء فيها‪" :‬وبفضل قرية السلم العامة‬
‫التي جعلناها بمنزلة الصلة اليومية للنسانية جمعاء لكثرة ما تحدثت‬

‫‪ -‬أسرار الماسونية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬انظر البروتوكولت‪:‬الرابع‪-‬العشرون‪ -‬الحادي والعشرون‪ -‬الثاني والعشرون من‬ ‫‪2‬‬

‫كتاب بروتوكولت حكماء صهيون ترجمة محمد خليفة التونسي أو ترجمة أحمد عبد‬
‫الغفور العطار أو ترجمة علي الجوهري‬
‫دس عند اليهود‪.‬‬
‫‪ -‬القبالة‪:‬كتاب مق ّ‬ ‫‪3‬‬

‫‪204‬‬
‫عنها إذاعتنا‪ ،‬سوف نحطم أعصاب البشرية برمتها‪ ،‬وسنركز جهدنا على‬
‫تذكير الناس بالهوال المرتقبة من الحروب لنرهبهم‪ ،‬ونجعلهم‬
‫يلتمسون تجنبها مهما كان الثمن‪ ،‬عندها سنخرج عليهم بفكرة الدولة‬
‫العالمية الواحدة‪ ،‬بحجة أنها الوسيلة الفريدة للحيلولة دون قيام‬
‫الحرب‪ ،‬بينما سيكون هدفنا الحقيقي منها التمهيد لزالة الفوارق‬
‫العنصرية والدينية لتنصرف الشعوب المعادية لنا عن مراقبتنا‪ ،‬والتحري‬
‫عن خفايا مناهجنا‪ ،‬ومن ثم إضعاف النزعات القومية والوطنية بين‬
‫أفرادها‪ ،‬وليهامها بنبل مقاصد دعوتنا سنروج لفكرة التعاون القتصادي‬
‫بين الدول بحجة السعي لرفع مستوى الشعوب المختلفة‪ ،‬وسنشجع‬
‫الدول الرأسمالية الخاضعة لنا على منح القروض للدول الخرى‪،‬‬
‫ولغفالها عن مراقبتنا سنبادر إلى السهام بقسم من هذه القروض‪،‬‬
‫ومن المؤكد أن الدول الكبرى ستلبي دعوتنا لتظهر بمظهر المحبة‬
‫للخير والنسانية ومن جهة ثانية لتسيطر ‪-‬بزعمها‪ -‬على الدول التي‬
‫ح زعمها هذا فتكون في الواقع قد‬ ‫ستتلقى منها القروض وإن ص ّ‬
‫أخضعت تلك الدول لمشيئتنا بصورة غير مباشرة‪ ،‬باعتبارها هي نفسها‬
‫خاضعة لنا‪ ،‬وبهذه الطريقة سنوزع ما تبقى من الثروات في حوزة‬
‫وة‬
‫الشعوب الخرى دون أي أمل في تحقيق الغاية القتصادية المرج ّ‬
‫من هذا التوزيع على العالم"‪(1).‬‬

‫إسرائيل والعولمة‪-:‬‬
‫لم تنصاع إسرائيل إلى تيار العولمة الذي اكتسح دول العالم‬
‫السلمي‪ ،‬فما زالت إسرائيل كدولة تتدخل في القتصاد والمجتمع‪،‬‬
‫وتتمسك بقوتها العسكرية وتعمل على تنميتها‪ ،‬وزيادتها عددا ً وعتادًا‪،‬‬
‫وترفض بشدة وقف أي نشاط وتقدم في عملية التسلح وترفض بشدة‬
‫التوقيع على اتفاقيات منع السلح النووي والسلحة الكيماوية‪ ،‬وهي ل‬
‫تتلقى التوجيهات من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي للنشاء‬

‫‪ -‬مكائد يهوديممة‪ ،‬عبمد الرحمممن حسممن الميممداني‪ ،‬دار القلممم‪ ،‬بيمروت ‪ -‬دمشمق ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.447-437‬‬

‫‪205‬‬
‫والتعمير‪ ،‬كشأن كثير من دول العالم‪ ،‬ويخضع القطاع الخاص في‬
‫مجالي القتصاد والصناعة ونحوهما باستمرار للعتبارات التي تمليها‬
‫مصالح الدولة العليا ول تسمح بتجاوزها‪.‬‬
‫وتطرح إسرائيل تصورها الخاص للعولمة فيما يعرف بمشروع‬
‫)الشرق أوسطية( وترّوج له‪ ،‬وتحاول فرضه على دول الشرق الوسط‬
‫المحيطة بها‪ .‬وإذا كانت هذه العولمة تعني انتهاء عصر اليديولوجيا‬
‫)الدين والعقيدة( والنفتاح على الخر وعدم التمسك بالولء للوطن أو‬
‫المة‪ ،‬فإن إسرائيل تتمسك بأيديولوجيتها وترفض النفتاح على الخر‬
‫والتفاعل معه‪ ،‬بل تريد من الخر النفتاح عليها لتعمل هي على التأثير‬
‫فيه وفق مصالحها ومخططاتها الستراتيجية المستقبلية‪ .‬وتتمسك‬
‫بالولء التقليدي للوطن )إسرائيل( والمة )اليهود شعب الله المختار(‬
‫وتمارس الحروب باستمرار لثبات سطوتها وفرض هيمنتها في‬
‫المنطقة وتتلقى الدعم المادي والسياسي من القوى الستعمارية‬
‫الغربية‪(1).‬‬
‫إن إسرائيل تسعى جادة لعولمة الشرق الوسط لحسابها الخاص‪،‬‬
‫ولقد طرح شمعون بيرز رئيس الوزراء السرائيلي السابق مشروع‬
‫الشرق الوسطية‪ ،‬وهو مشروع للعولمة يستند إلى فكرة أن النسان‬
‫العربي إنسان اقتصادي مستهلك وأيدي عاملة‪ ،‬وأن النسان السرائيلي‬
‫إنسان اقتصادي مفكر ومنتج‪ .‬ولقد صرح شمعون بيرز بأفكاره في‬
‫عولمة المنطقة لحساب إسرائيل في كثير من الندوات واللقاءات‬
‫القليمية والدولية‪ ،‬ففي لقائه مع المثقفين المصريين قال بيرز‪":‬إن‬
‫الشعب اليهودي يريد فقط أن يشتري ويبيع ويستهلك وينتج‪ ،‬وعظمة‬
‫إسرائيل تكمن في عظمة أسواقها"‪ .‬فالسوق في نظر بيرز هو المعيار‬
‫الساسي وهو المكان الذي نتبادل فيه السلع والفكار)‪ ،(2‬ولما كان‬
‫ن إسرائيل تتفوق على جيرانها في استخدام التقنية الجدية في‬ ‫معلوما ً أ ّ‬

‫‪ -‬العولمة‪ ،‬د‪ .‬جلل أمين ص ‪ ،30-29‬العولمة‪ ،‬محمممد سممعيد أبممو زعممرور ص ‪-50‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.51‬‬
‫‪ -‬السلم والعولمة‪ ،‬محمد المبروك ص ‪.88‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪206‬‬
‫النتاج فمعنى ذلك أن بيرز يريد من السواق العربية أن تصبح أسواقا ً‬
‫استهلكية للسلع والمنتوجات السرائيلية وما يصاحبها من ثقافة وفكر‬
‫صهيوني يريد أن يتسلل من خللها إلى حصون وقلع المسلمين في‬
‫عقر دارهم‪.‬‬
‫وأفكار عولمة الشرق الوسط ليست وليدة أفكار جديدة لبيرز‬
‫وليست نشأتها مرتبطة بعقد اتفاقيات السلم مع إسرائيل التي بدأت‬
‫بمعاهدة كامب ديفيد مع مصر سنة ‪1979‬م ثم باتفاقية أوسلو مع‬
‫منظمة التحرير واتفاقية وادي عربة مع الردن‪ ،‬بل نشأت أفكار العولمة‬
‫السرائيلية منذ أكثر من ثلثين سنة من خلل دراسات علمية جادة قام‬
‫بها الخبراء السرائيليون في المجالت العسكرية والقتصادية والعلمية‬
‫ومن أهمها‪-:‬‬
‫ل‪ :‬الدراسات المستقبلية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬دراسة الشرق الوسط عام ‪2000‬م‪ :‬أصدرتها رابطة السلم في تل‬
‫أبيب سنة ‪1970‬م وتتضمن تصور مجموعة من الكاديميين والمفكرين‬
‫السرائيليين للحياة في منطقة الشرق الوسط في نهاية القرن انطلقا ً‬
‫من فرضية إحلل السلم القتصادي في المنطقة‪ ،‬ويترتب على ذلك‪:‬‬
‫إزالة العوائق والحدود بين إسرائيل والدول العربية‪ ،‬وحرية انتقال‬
‫السلع والخدمات وعناصر النتاج سواء من خلل سوق مشتركة للشرق‬
‫الوسط‪ ،‬أم سوق مشتركة لدول البحر المتوسط تضم إسرائيل والدول‬
‫العربية والدول الوربية المطلة على البحر المتوسط على أن تستحوذ‬
‫إسرائيل على النصيب الكبر في إدارة هذه السوق‪ ،‬وأن تكون قلب‬
‫المنطقة ومركز إدارتها وأساس تطورها القتصادي والتكنولوجي وفي‬
‫مجال البحوث العلمية‪ ،‬واقترحت الدراسة إقامة المجمعات الصناعية‬
‫بين إسرائيل ودول الجوار العربي‪.‬‬
‫‪ -2‬دراسة لمعهد "هورفينز للسلم" نشرت عام ‪1972‬م تناولت‬
‫الوضاع القتصادية في إسرائيل والعالم العربي في السبعينات‪،‬‬
‫وذكرت فرضيات لقوة إسرائيل القتصادية المستقبلية‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫‪ -3‬دراسة أعدها معهد "فان لير" في القدس عام ‪1978‬م بعنوان‬
‫عندما "يأتي السلم ‪ . .‬الحتمالت والمخاطر" شارك في إعدادها‬
‫مجموعة مختارة من الباحثين والكتاب في إسرائيل من أصحاب‬
‫الخبرات في مجال الدراسات الستراتيجية والسياسية والقتصادية‬
‫والثقافية والعلمية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الدراسات التخطيطية‪:‬‬
‫مع تزايد احتمالت السلم في المنطقة وبخاصة منذ زيارة‬
‫الرئيس المصري الراحل أنور السادات انشغلت مراكز البحاث‬
‫السرائيلية في الوزارات بإعداد عشرات الدراسات التخطيطية حول‬
‫علقة إسرائيل بالوطن العربي‪ .‬منها‪-:‬‬
‫‪ -1‬دراسة أعدتها وزارة المالية وهي تطوير لبحوث "افرايم ديبرت"‬
‫المستشار للوزارة التي كان أعدها سنة ‪1970‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬دراسة من بنك إسرائيل بتطوير أبحاث "عيزر سيفر" التي أعدها‬
‫من قبل‪.‬‬
‫‪ -3‬مشروعات ودراسات أعدتها وزارات الصناعة والسياحة والتجارة‬
‫والطاقة والزراعة‪.‬‬
‫‪ -4‬مشروعات الجامعات ومراكز البحاث العلمية ومن أشهرها مشروع‬
‫بحث التعاون القتصادي في الشرق الوسط الذي أعدته جامعة تل‬
‫أبيب‪.‬‬
‫وأهم المشروعات التي نالت أهمية خاصة‪-:‬‬
‫‪ -1‬مشروع مركز الرصاد التكنولوجي المتفرع عن دائرة القتصاد‬
‫بجامعة تل أبيب الذي بدأ العمل به في عام ‪1981‬م وهو يتناول‬
‫مجالت الطاقة والمواصلت والصناعة والمياه بالشرق الوسط‪.‬‬
‫‪ -2‬مشروع التعاون القتصادي في الشرق الوسط الذي يعرف بم‬
‫"مشروع مارشال الخاص بشمعون بيرز")‪ .(1‬وقد بدأت فكرة المشروع‬

‫‪ -1‬اقترح شمعون بيرز خلل زيممارته للمممارات المتحممدة فممي أبريممل ‪1986‬م اعتممماد‬
‫مشروع مارشال للشرف الوسط على غرار مشممروع مارشممال لوربمما الغربيممة بعممد‬
‫الحممرب العالميممة الثانيممة‪ ،‬وفممي سممنة ‪1992‬م طممرح بيممرز تصمموراته حممول الشممرق‬

‫‪208‬‬
‫تظهر للوجود بعد اتفاقية كامب ديفيد من قبل سياسيين ورجال أعمال‬
‫وأصحاب رؤوس أموال‪ ،‬وجرى تبادلها في عدد من الجتماعات في‬
‫أمريكا وفرنسا وإسرائيل‪(1).‬‬

‫أهداف العولمة السرائيلية‪-:‬‬


‫صلت إسرائيل وبرعاية أوربية أمريكية خاصة مشروع‬ ‫لقد ف ّ‬
‫الشرق أوسطي الجديد لخدمة الهداف السرائيلية ولتحقيق الطماع‬
‫اليهودية في المنطقة حيث يحقق المشروع السرائيلي فرصة الهيمنة‬
‫على اقتصاديات دول الشرق الوسط والتحكم في مواردها النفطية‬
‫والمالية والمائية‪ ،‬وإلغاء فكرة التكامل القتصادي العربي‪ ،‬وغزو‬
‫المنطقة ثقافيًا‪ ،‬والقضاء على مقوماتهما العقائديمة والخلقية‬
‫والجتماعية)‪ .(2‬ويقوم هذا المشروع على دعامتين اثنتين‪-:‬‬
‫الولى‪ :‬النفتاح القتصادي الكامل على العالم عامة وعلى دول منطقة‬
‫الشرق الوسط خاصة شاملة الدول العربية وغير العربية وإسرائيل‬
‫ضمن العولمة القائمة على نظام سوق التجارة الدولية الحرة‬
‫والمتعددة الطراف‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬التعاون القليمي المتعدد الطراف‪ ،‬الذي يستند إلى النفتاح‬
‫الكامل بين دول المنطقة تجاريًا‪ ،‬ويستهدف إسرائيليا ً وأمريكيا ً إقامة‬
‫تجمع إقليمي شرق أوسطي بديل من تجمع إقليمي عربي‪ ،‬تشغل فيه‬

‫الوسط أمام المعهد القومي لدراسات الشرق الوسط في القاهرة ثم نشر أفكاره‬
‫سنة ‪1993‬م في كتاب له بعنوان )الشرق الوسط الجديد(‪ ،‬انظر لمشروع الشممرق‬
‫أوسطي‪ ،‬ص ‪.8،11-7‬‬
‫‪ -1‬انظر هذه الدراسات والمشروعات في كتمماب "السممتراتيجية السممرائيلية لتطممبيع‬
‫العلقات مع البلد العربية‪ :‬محسن عوض‪ ،‬مركز دراسات الوحممدة العربيممة‪ ،‬بيممروت‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪1988‬م‪ ،‬ص ‪.42-29‬‬
‫‪ -‬انظر المشروع الشرق أوسطي‪ ،‬ص ‪.46‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪209‬‬
‫إسرائيل مركزا ً متفوقا ً ومتميزا ً اقتصاديا ً وسياسيا ً وعسكريًا‪ ،‬وتقوم فيه‬
‫بدور القوة القليمية المهيمنة والعظمى)‪.(1‬‬
‫لقد نشر شمعون بيرز رئيس وزراء إسرائيل السبق مخطط الشرق‬
‫أوسطي في كتابه الذي أصدره عام ‪1993‬م تحت عنوان "الشرق‬
‫الوسط الجديد" وأهم أفكار بيرز هي‪-:‬‬
‫‪ -1‬استخدام القتصاد في غزو دول الشرق الوسط بدل الدبابة "الخبز‬
‫مقابل الدبابة"‪ .‬وتقوم نظرية بيرس على مقولة‪ :‬إن القتصاد هو مفتاح‬
‫السياسة‪ ،‬وأن من يسيطر على مشاريع القتصاد في بلد ما يستطيع‬
‫في النهاية إملء السياسة التي يراها مناسبة‪.‬‬
‫‪ -2‬إن إسرائيل ستقوم بدور المركز والقائد والقوة الساسية لتحويل‬
‫النظام القليمي الجديد إلى قوة عظمى على غرار التحاد الوروبي‬
‫وبالتعاون والتنسيق معه‪.‬‬
‫‪ -3‬التعاون السرائيلي العربي فالعرب يملكون المال والنفط واليدي‬
‫العاملة وإسرائيل تملك العلم والعقل‪.‬‬
‫وهذا كله يحقق لسرائيل أن تصبح القوة القتصادية الولى في‬
‫المنطقة‪ ،‬وبالتالي تحقق حلمها بأن تكون الدولة العظمى اقتصاديا بدل‬
‫إسرائيل الكبرى جغرافيًا‪ ،‬ولقد صرح بهذا الهدف شيمون بيرز حرفميا ً‬
‫عندما قال‪) :‬إن إسرائيل تواجه خيارا ً حادا ً أن تكون إسرائيل الكبرى‬
‫اعتمادا ً على عدد الفلسطينيين الذين تحكمهم أو أن تكون إسرائيل‬
‫الكبرى اعتمادا ً على حجم السوق التي تحت تصرفها(‪ .‬ويعتبر بيرز أن‬
‫الشرق أوسط الجديد هو الذي يحل مشاكل المنطقة ويقضي عليها‪،‬‬
‫يقول‪" :‬أنا أقول أنه لن يكون هناك أي حل دائم إذا لم يصبح هناك‬
‫شرق أوسط جديد")‪.(2‬‬

‫‪ -‬انظر المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.13-12‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬انظر المشروع الشرق أوسطي‪ ،‬م فتحممي شممهاب الممدين‪ ،‬دار البشممير‪ ،‬القمماهرة‬ ‫‪2‬‬

‫‪1418‬هم ‪1998 -‬م‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫وسائل العولمة السرائيلية‪-:‬‬
‫‪ -1‬التعاون المني‪ ،‬ونزع السلح المؤثر وفرض مناطق أمنية وإقامة‬
‫أجهزة النذار المبكر داخل الدول العربية وخاصة الدول المجاورة‪،‬‬
‫وتقييد تطوير القدرات الدفاعية العربية‪ ،‬وتقليل النفقات العسكرية‪،‬‬
‫وإحباط أي جهود لتنمية القدرات النووية‪.‬‬
‫‪ -2‬تطبيع العلقات الدبلوماسية والسياسية بين إسرائيل والدول‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪ -3‬التفاقيات القتصادية الثنائية‪ ،‬وفتح السواق للمنتوجات السرائيلية‬
‫ذات الجودة والمواصفات القياسية العالمية‪.‬‬
‫‪ -4‬إقامة المشاريع القليمية المشتركة في المجالين الصناعي‬
‫والتجاري والطرق البرية والموانئ البحرية والمطارات‪.‬‬
‫‪ -5‬استثمار مزيد من الموال السرائيلية في دول المنطقة من خلل‬
‫إقامة المصانع والمؤسسات القتصادية وشراء العقارات وأسهم‬
‫شركات القطاع الخاص الناجحة‪ ،‬ومن ذلك قيام مركز بيرس للسلم‬
‫بشراء أسهم في شركة التصالت الفلسطينية وهي من كبرى شركات‬
‫القطاع الخاص الفلسطيني على الطلق)‪.(1‬‬
‫‪ -6‬تغيير المناهج الثقافية في الدول العربية لتحقيق الهداف التالية‪-:‬‬
‫أ‪ -‬طمس روح العداء والكراهية تجاه اليهود‪.‬‬
‫ب‪ -‬مودة اليهود ومحبتهم وموالتهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬القرار بوجود اليهود وحقهم التاريخي في أرض فلسطين والقبول‬
‫بالساس العقائدي الصهيوني لدولة إسرائيل‪.‬‬
‫‪ -7‬إقامة اللقاءات الشبابية بين الشباب اليهودي وغيرهم من الشباب‬
‫العربي‪ ،‬يقول نحميا ستراسلر )أحد أبرز المعلقين القتصاديين اليهود(‪:‬‬
‫إن أكثر من سبعين في المائة من الموال التي يجمعها مركز بيرس‬
‫للسلم من الدول المانحة واليابان ‪) -‬استطاع بيرس أن يجمع ثلثمائة‬
‫مليون دولر من هذه الدول( ‪ -‬لصالح مشاريع في الراضي الفلسطينية‬
‫من أجل تعزيز فرص السلم بين الشعبين اليهودي والفلسطيني‬

‫‪ -‬انظر جريدة الرسالة ‪ -‬الفلسطينية ‪ -‬عدد ‪ 27 ،162‬ربيع الول ‪1421‬هم‪ ،‬ص ‪.6‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪211‬‬
‫وإنعاش القتصاد الفلسطيني تصرف على برامج اللقاءات الشبابية‬
‫وآليات التطبيع الثقافي والسياسي والجتماعي‪ ،‬ومن ذلك إقامة‬
‫المخيمات الصيفية في المنتجعات الوربية والمريكية‪(1).‬‬
‫‪ -8‬السماح بتدفق الفكار والدبيات السرائيلية داخل العالم العربي‪،‬‬
‫وإيجاد علقات إنسانية وطبيعية وتلقائية بين اليهود وشعوب المنطقة‪.‬‬
‫‪ -9‬عقد المؤتمرات القتصادية الدولية في المنطقة العربية بمشاركة‬
‫إسرائيل‪ ،‬وكلها تروج لفكار إسرائيل في عولمة الشرق الوسط‬
‫اقتصاديا ً ومن ذلك‪-:‬‬
‫أ‪ -‬القمة القتصادية الولى في المغرب من ‪- 30/10/94‬‬
‫‪1/11/1994‬م)‪.(2‬‬
‫ب‪ -‬القمة القتصادية الثانية في عمان من ‪- 29/10/95‬‬
‫‪31/10/1995‬م‪.‬‬
‫ج‪ -‬القمة القتصادية الثالثة في القاهرة من ‪- 12/11/96‬‬
‫‪14/11/1996‬م‪.‬‬
‫د‪ -‬القمة القتصادية الرابعة في الدوحة بقطر من ‪- 16/11/97‬‬
‫‪18/11/1997‬م‪ .‬وقد عرضت في هذه المؤتمرات عشرات المشاريع‬
‫القتصادية والصناعية التي تصب في مصلحة إسرائيل بالدرجة الولى‪.‬‬
‫‪ -10‬استخدام المعونات المريكية بربطها بتنمية اتجاهات موالية‬
‫للسياسة المريكية الداعمة للمشروع السرائيلي وتعزيز أهدافها لدى‬
‫الجهات المتلقية للمعونة‪.‬‬

‫‪ -‬انظر المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬إن الذي نظم هذا المؤتمر مجلممس العلقممات الخارجيممة المريكممي فممي نيويممورك‬ ‫‪2‬‬

‫والمنتدى القتصادي الدولي في دافمموس بسويسممرا‪ ،‬ومممن المعلمموم أن المخممابرات‬


‫المريكية هي تقف وراء مجلس العلقممات الخارجيممة المريكممي وهممي الممتي أنشممأت‬
‫المنتممدى الممدولي فممي دافمموس سممنة ‪1950‬م‪ ،‬واشمممتركت فممي العمممداد للمؤتممممر‬
‫مجموعمممة مممن المؤسمممسات السمممرائيلية والوربيممة والمريكيممة‪ .‬انظممر المشممروع‬
‫الشرق أوسطي‪ ،‬أ‪ .‬فتحي شهاب الدين ص ‪. 33-32‬‬

‫‪212‬‬
‫‪ -11‬إيجاد مجال للتواصل مع بعض التيارات السياسية والفكرية‪ ،‬وتجلى‬
‫ذلك في حركات السلم الفلسطينية والمصرية‪ ،‬الزيارات المتبادلة التي‬
‫يقوم بها رجال العلم والصحافة وإقامة المعارض الفنية بالتبادل‪.‬‬
‫وزيارة البرلمانيين بالتبادل‪ ،‬ومشاركة المؤسسات العلمية والدبية‬
‫والعلماء اليهود في المؤتمرات العلمية وزيارتهم للمؤسسات التربوية‬
‫والكاديمية‪.‬‬
‫‪ -12‬التحالف مع القليات الدينية والعرقية في المنطقة‪ ،‬كالعلقة‬
‫المميزة لسرائيل مع موارنة لبنان وكالتحالف الوثيق مع النصارى في‬
‫جنوب السودان ومساعدتهم عسكريا ً في حربهم ضد الحكومة‬
‫السودانية‪.‬‬
‫‪ -13‬محاربة الحركات والجماعات السلمية المجاهدة وتجفيف منابع‬
‫ومصادر الصحوة السلمية التي تحمل روح العداء لسرائيل عبر‬
‫مشاريع عدة منها‪-:‬‬
‫أ‪ -‬إقامة علقات جوار ولقاءات متعددة مع جامعة الزهر‪.‬‬
‫ب‪ -‬إجراء حوار ديني وثقافي على المستوى الشعبي‪ ،‬عبر لقاءات‬
‫مؤتمرات لتباع الديان الثلثة‪.‬‬
‫ج‪ -‬إقامة اللقاءات الثقافية والترويحية بين الشباب‪ ،‬لجراء عمليات‬
‫غسيل دماغ لصالح الوجود اليهودي وإثارة العداء ضد أعدائها وتشويه‬
‫الفكر السلمي الرافض لوجود دولة لليهود في قلب العالم السلمي‪.‬‬
‫د‪ -‬التخويف المستمر من الجماعات السلمية والتأكيد على دورها في‬
‫عرقلة السلم والتطبيع والتنمية القتصادية‪.‬‬
‫هم‪ -‬المواجهة المباشرة لهذه الحركات بالقتل والعتقال والمطاردة‬
‫والمحاكمات الظالمة والقمع المنهجي المنظم المستمر لبنائها‪،‬‬
‫وإسكات الصوت السلمي في الجامعات والنقابات والتحادات المهنية‬
‫والطلبية‪.‬‬
‫و‪ -‬تشويه الجهاد السلمي‪ ،‬واعتباره إرهابا ً وتخريبا ً وأعمال عنف‪،‬‬
‫والتقليل من فاعليته في المواجهة‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫ز‪ -‬الستفادة من التعاون المني المشترك لمحاصرة الجهاد السلمي‬
‫وتطويقه ومنعه‪(1).‬‬

‫الباب الثالث‬
‫الحركات الهدامة والفرق الضالة‬
‫الفصل الول‪ :‬الماسونية‬

‫‪ -‬انظر كتاب‪:‬الستراتيجية السممرائيلية لتطممبيع العلقممات مممع البلد العربيممة‪-‬مرجممع‬ ‫‪1‬‬

‫سابق‪ -‬صفحات متعددة‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬القاديانية‬

‫الفصل الثالث‪ :‬البابية والبهائية‬

‫‪215‬‬
‫الفصل الول‬
‫الماسونية‬
‫الماسونية لغة‪:‬‬
‫أصل التسمية باللغة النجليزية )‪ (Free-Masonry‬فري ماسون‪،‬‬
‫أي البّناء‬
‫الحر‪ ،‬وباللغة الفرنسية ‪ ((Franc-Macon‬فرانك ماسون‪ ،‬أي البّناء‬
‫الصادق‪ ،‬وقد ترجمت الكلمتان إلى اللغة العربية بكلمة‪ :‬الماسونية أو‬
‫الفرماسونية أو الفرمسون كما تلفظ في بلد الشام‪ ،‬أو الفرمصون كما‬
‫تلفظ في العراق‪.‬‬
‫فالماسونية لغة إذًا‪ :‬البناءون الحرار أو الب َِناء الحر‪ .‬والبناءون الحرار‬
‫هم الذين بنوا هيكل سليمان)‪.(1‬‬

‫الماسونية اصطلحًا‪:‬‬
‫هي منظمة يهودية إرهابية مغلقة غامضة محكمة التنظيم تهدف‬
‫إلى سيطرة اليهود على العالم عن طريق تقويض الديان‪-‬غير اليهودي‪-‬‬
‫والخلق‪ ،‬وإشاعة اللحاد والباحية والفساد‪ ،‬واستخدام الشخصيات‬
‫المرموقة في العالم‪ ،‬يوثقهم عهد متين بحفظ السرار وتنفيذ ما ُيطلب‬
‫)‪(2‬‬
‫منهم‪.‬‬
‫وعّرفها‪ :‬جواد رفعت آتلخان بقوله‪":‬الماسونية‪ :‬هي السم الجديد‬
‫للشريعة اليهودية المقنعة‪ .‬ورموزها وتقاليدها يهودية )قبال()‪ ،(3‬وأنها‬
‫ض مظلم‪ ،‬وتدثرت بضباب قاتم من الكاذيب والراجيف‬ ‫التفعت بما ٍ‬
‫الخانقة‪ ،‬وأن ارتباطها مع اليهودية والتوراة المحّرفة من الوضوح‬

‫‪ -1‬انظر‪ :‬أوقفوا هذا السرطان ‪-‬حقيقة الماسونية وأهدافها‪ -‬د‪ .‬سيف الممدين البسممتاني ص‬
‫‪.20‬‬
‫‪ -2‬الموسوعة الميسرة في الديممان والمممذاهب المعاصممرة‪ ،‬إصممدار النممدوة العالميممة‬
‫للشباب السلمي ص ‪449‬‬
‫‪ -3‬القبال‪ :‬كتمماب مقممدس عنممد اليهممود وهممو مزيممج مممن الفلسممفة والتعمماليم الروحيممة‬
‫والسحر والشعوذة‪ ،‬متعارف عليه قديما ً عندهم‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫لستنادها إلى آيات التوراة المحرفة لتعظيم مثلها العلى المتمثل في‬
‫الستاذ حيرام‪."..‬وحيرام هو عريف البنائين في بناء هيكل سليمان في‬
‫)‪(1‬‬
‫القدس‪.‬‬
‫نشأة الماسونية‪:‬‬
‫نظرا ً لما أضفاه اليهود على الماسونية من أسرار وطلسم‬
‫وغموض في جميع أدوارها ومراحلها‪ ،‬فإن المؤرخين قد اختلفت آراؤهم‬
‫وتباينت أقوالهم في أصل الماسونية وبدء نشأتها والسم الساسي لها‪،‬‬
‫ولقد ذهب الباحث المؤرخ محمد عبد الله عنان إلى أن الماسونية من‬
‫دامة التي مازالت قائمة حتى عصرنا‬ ‫أقدم الجمعيات السرية اله ّ‬
‫الحاضر‪ ،‬وأن منشأها ما زال غامضا ً مجهول‪.‬‬
‫ً )‪(2‬‬

‫ل أقرب الراء والقوال إلى الحقيقة ما ذهب إليه بعض‬ ‫ولع ّ‬


‫الباحثين في الماسونية‪ :‬من أن مؤسس الماسونية هو والي الرومان‬
‫على فلسطين‪ ،‬هيرودوس الثاني من عام ‪44–37‬م‪ ،‬وهو يهودي مغالي‬
‫يرى أن اليهود شعب الله المختار هم وحدهم الذين يستحقون الحياة‪،‬‬
‫وأن غيرهم من المم والشعوب يجب أن تكون مسخرة ومستعبدة‬
‫لليهود‪.‬‬
‫وكان اسم هذه المنظمة في زمن هيرودوس الثاني "القوة‬
‫الخفية"‪ ،‬وقد ساعده في تأسيسها اثنان من العاملين في بلطه‪ ،‬وهما‬
‫حيروم آبيود وموآب لوى‪ ،‬وكان هدفها‪ :‬القضاء على المسيحية عبر‬

‫‪ -1‬أسرار الماسونية ص ‪.27‬‬


‫انظر تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة عبد الله عنان ص ‪،98 -88‬‬ ‫‪2‬‬

‫الماسونية منشئة إسرائيل د‪ .‬محمد علي الزعبي‪ ،‬تبديد الظلم عوض الخوري‪،‬‬
‫أوقفوا هذا السرطان ‪-‬حقيقة الماسونية وأهدافها‪ .‬د‪ .‬سيف الدين البستاني ص ‪35‬‬
‫وما بعدها‪ ،‬المذاهب المعاصرة وموقف السلم منها د‪ .‬عبد الرحمن عميرة ص ‪28‬‬
‫‪ ،55 -‬الموسوعة الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ‪ ،450-449‬حقيقة‬
‫الماسونية د‪ .‬محمد علي الزعبي‪ ،‬الماسونية أحمد عبد الغفور عطار‪ ،‬الماسونية‬
‫ذلك العالم المجهول د‪ .‬صابر طعيمة‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫التنكيل بالنصارى واغتيالهم وتشريدهم‪ ،‬ومنع دينهم من النتشار‪ ،‬ومن‬
‫م إرجاع العالم إلى اليهودية‪.‬‬‫ث ّ‬
‫مت في‬ ‫ون هؤلء الثلثة منظمة أو جمعية سرية‪ ،‬ض ّ‬ ‫وقد ك ّ‬
‫اجتماعها الول تسعة أشخاص عقدوا اجتماعها السري في العاشر من‬
‫أغسطس عام ‪ 43‬م في أحد أبنية قصر هيرودوس ‪-‬الذي أطلق عليه‬
‫اسم ملك اليهود‪ -‬وقد تسمى مكان الجتماع باسم هيكل سليمان‬
‫تخليدا ً لهيكل سليمان الذي تنبأ المسيح عليه السلم بتقويضه وهدمه‪.‬‬
‫وأقسم العضاء التسعة يمينا ً مغلظا ً وهم يضعون أيديهم على التوراة‪،‬‬
‫ملخصه‪ :‬المحافظة على أسرار جمعيتهم وعدم إطلع الخرين على‬
‫أعمالها ونشاطها‪ ،‬وعدم إلحاق الضرر بأي من أعضائها‪ ،‬واتباع مبادئها‬
‫وتنفيذ قراراتها بكل دقة وأمانة‪ ،‬وأن من يخون هذا اليمين يستحق‬
‫الموت بأي طريقة يختارها باقي أعضاء الجمعية‪.‬‬
‫أسست الجمعية أول محفل لها في القدس سمي بم "محفل‬
‫أورشليم" واختاروا دهليزا ً لعقد اجتماعاتهم السرية فيه‪.‬‬
‫استمرت جمعية القوة الخفية في نشاطها ضد النصارى‬
‫والنصرانية قتل ً وتعذيبا ً واضطهادا ً وترويجا ً للشاعات حولهم وحولها‪،‬‬
‫إلى أن مات هيرودس في أواخر عام ‪44‬م نتيجة مرض شديد أصيب‬
‫به‪ ،‬وكان آخر كلماته لتباعه قبل موته‪" :‬حافظوا على السر واظبوا‬
‫على العمل‪ ،‬اشتغلوا ول تملوا‪."...‬‬
‫تولى حيروم آبيود زعامة الجمعية بعد موت مؤسسها‪ ،‬وأول عمل‬
‫اتجه إليه هو إضافة اسم جديد إلى اسم "هيكل أورشليم" هو "كوكب‬
‫الشرق العظم" بغرض إيهام الناس بأن النور الحقيقي لهدايتهم هو‬
‫هذا الكوكب أي كوكب القوة الخفية‪..‬وبعد موت حيروم خلفه في‬
‫الزعامة "موآب لوى"‪ ،‬وظل في هذا المنصب إلى أن هلك عام ‪55‬م‪.‬‬
‫تلك هي البداية الولى في نشأة الحركة الماسونية وهناك‬
‫مرحلة أخرى حديثة لظهورها‪ ،‬وخاصة في أوربا‪.‬‬
‫ذهب كثير من الباحثين الراصدين لتاريخ الماسونية وأنشطتها‬
‫ومخططاتها إلى أن سنة ‪1770‬م هي البداية الثانية لهذه الحركة‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫وقالوا في ذلك‪ :‬إن آدم وآيزهاويت‪ ،‬مسيحي ألماني‪ ،‬عمل أستاذا ً‬
‫لعلم اللهوت في جامعة "أنفولد شتات" اللمانية‪ ،‬ارتد وألحد‪ ،‬قد اتصل‬
‫به بعض الماسونيين‪ ،‬وطلبوا منه إعادة تأسيس الحركة الماسونية على‬
‫أسس حديثة‪ ،‬ووضع خطة جديدة للسيطرة على العالم عن طريق نشر‬
‫اللحاد وفرضه على البشرية جميعًا‪.‬‬
‫في عام ‪1776‬م أنهى آدم وايزهاويت مشروع الخطة الحديثة‬
‫للماسونية‪ ،‬ووضع أول محفل ماسوني في هذه الفترة‪ ،‬وهو "المحفل‬
‫النوراني" نسبة إلى الشيطان الذي يقدسونه‪.‬‬
‫خطة آدم وايزهاويت‪:‬‬
‫تقوم الخطة الماسونية الحديثة التي وضعها هذا الرجل على ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تقويض الديان‪-‬المسيحية والسلم‪ ،-‬وتدمير الحكومات الشرعية‪.‬‬
‫‪ -2‬تقسيم الجويم ‪-‬المم غير اليهودية‪ -‬إلى معسكرات تتصارع فيما‬
‫دها بالسلح‪ ،‬وإحداث المنازعات والخصومات‬ ‫بينها بشكل دائم‪ ،‬ثم م ّ‬
‫بينها‪ ،‬ليحدث التقاتل والتصادم العسكري‪.‬‬
‫‪-3‬بث سموم النزاع والشقاق داخل البلد الواحد‪ ،‬ليتصارع الفراد‪،‬‬
‫ولتتصارع الجماعات والحزاب‪ ،‬حتى تتقوض الدعائم الدينية والخلقية‬
‫والمادية في البلد‪.‬‬
‫‪ -4‬ثم ليتحقق الهدف المنشود‪ :‬وهو تقويض المبادئ الدينية والخلقية‬
‫والفكرية‪ ،‬والتمهيد لشاعة اللحاد والباحية وسقوط الحكومات الوطنية‬
‫ن على شاكلتهم الحكم والسلطة بعد‬ ‫م ْ‬
‫الشرعية‪ ،‬وتسلم الماسون أو ّ‬
‫ل‪ :‬سقطت الحكومات الشرعية في فرنسا وإنجلترا‪ ،‬وسقطت‬ ‫ذلك‪ ،‬وفع ً‬
‫دولة القياصرة في روسيا‪ .‬وظهرت الحكومات التي تتبنى الفكار‬
‫)‪(1‬‬
‫والفلسفات المناقضة للدين والقيم والخلق الدينية‪.‬‬
‫ومن الوسائل التي تعتمد عليها الخطة في تحقيق أهدافها‪:‬‬

‫انظر أحجار على رقعة الشطرنج ص ‪.24‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪219‬‬
‫‪ -1‬استعمال الرشوة بالمال والجنس أو الشذوذ الخلقي‪ ،‬وخاصة مع‬
‫الشخاص الذين يشغلون مراكز حساسة في المجال السياسي‬
‫والقتصادي والعلمي‪.‬‬
‫‪ -2‬توجيه الشخص الضحية إلى العمل لتحقيق الهداف والمصالح‬
‫الماسونية اللحادية‪.‬‬
‫‪ -3‬السيطرة على وسائل الدعاية والعلم‪ ،‬وخاصة الصحافة الوسيلة‬
‫)‪(1‬‬
‫الفعالة في تلك الفترة‪.‬‬
‫لقد استطاع آدم وايزهاويت أن يخدع ألفي رجل من كبار‬
‫الساسة والقتصاديين والصناعيين وأساتذة الجامعات وغيرهم من‬
‫رجال الفكر والعلم‪ .‬وبهؤلء المخدوعين أسس المحفل الرئيسي‬
‫المسمى بمحفل "الشرق الكبر"‪.‬‬
‫وفي سنة ‪1830‬م توفي وايزهاويت‪..‬وفي عام ‪1834‬م تم اختيار‬
‫الزعيم اليطالي "مازيني" خلفا ً لوايزهاويت‪ ،‬وقد استطاع أن يعيد‬
‫المور إلى نصابها بعد موت ذلك الشيطان‪.‬‬
‫مخطط "بايك" الماسوني العالمي‪:‬‬
‫وفي سنة ‪1840‬م ضم المحفل الماسوني العالمي إلى صفوفه‬
‫سّرح من الجيش المريكي‪ ،‬وقد‬ ‫الجنرال المريكي "ألبرت بايك" الذي ُ‬
‫استطاعت الماسونية استغلله من أجل أن يصب جام غضبه وحقده‬
‫على الشعوب من خلل الماسونية‪ ،‬وفي منزل بمدينة ليتل روك‬
‫بأمريكا اعتكف الجنرال بايك من سنة ‪1871 - 1859‬م‪ ،‬ثم خرج‬
‫بمخطط ماسوني جديد وضعه مسترشدا ً بمخططات الزعيم الماسوني‬
‫السابق وايزهاويت‪.‬‬
‫بدأ بايك بعمل التي‪-:‬‬
‫‪ -1‬إعادة تنظيم المحافل الماسونية‪.‬‬
‫‪-2‬تأسيس ثلثة مجالس مركزية عليا‪ ،‬مقر الول بلدة "شارلستون"‬
‫بأمريكا‪ ،‬والثاني في روما‪ ،‬والثالث في برلين‪.‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪.12-10‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪220‬‬
‫‪ -3‬عهد إلى "مازيني" تأسيس عشرين مجلسا ً تحت إشراف المجالس‬
‫العليا الخاضعة بدورها للمحفل العلى‪ ،‬يختص كل مجلس بمنطقة‬
‫معينة بحيث تغطي كل المناطق الهامة في العالم كله‪ .‬وإحاطة أعمال‬
‫ونشاط ورجال الماسونية بستار من التكتم الشديد‪ ،‬لدرجة أن كثيرا ً من‬
‫العضاء المغرر بهم ل يشعرون بما يدور في محفل الشرق الكبر‪،‬‬
‫ويجهلون ما يدور في المحافل الماسونية التابعة لهذه المجالس‪ ،‬وقد‬
‫صّرح بهذا المر "مازيني" نفسه في رسالته لمساعدة اليهودي "برايد‬
‫نشتاين"‪.‬‬
‫ويقوم المخطط الذي أعده بايك بتنفيذ ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تبني الحركات التخريبية الهدامة العالمية الثلثة‪ :‬الشيوعية ‪-‬الفاشية‬
‫‪-‬الصهيونية‪.‬‬
‫‪ -2‬العداد لحروب عالمية ثلث‪-:‬‬
‫الولى‪ :‬تطيح الحكم القيصري في روسيا‪ ،‬وجعل روسيا العقل‬
‫المركزي والمنطلق الفكري للحركة الشيوعية اللحادية‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬تؤمن اجتياح الشيوعية العالمية لنصف العالم مما يمهد‬
‫للمرحلة‬
‫التالية‪ :‬وهي إقامة دولة إسرائيل على أرض فلسطين المسلمة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬وتتصدى فيها الصهيونية السياسية للزعماء المسلمين في‬
‫العالم السلمي وتحارب السلم الدين الخصم القوى للحركة‬
‫الماسونية‪ ،‬وبالتالي السيطرة على العالم السلمي‪ ،‬والقضاء على‬
‫العقيدة السلمية)‪.(1‬‬
‫أهداف الماسونية‪-:‬‬
‫من خلل دراسة نشممأة الماسمونية‪ ،‬ومعرفمة المخططمات الماسممونية‬
‫المممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممتي وضمممممممممممممممممممممممممممممممممممممممممعها‬
‫كل من وايزهاويت والجنرال بايك‪ ،‬والطلع على أقوال كبممار الماسممون‬
‫وقراراتهممم الممتي صممدرت عممن المحافممل الماسممونية العالميممة‪،‬تممبين أن‬

‫انظر الدنيا لعبة إسرائيل‪ ،‬وليم كار ص ‪ ،26-25‬أحجار علممى رقعممة الشممطرنج ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.18-17‬‬

‫‪221‬‬
‫الماسمممممممممممممممونية تسمممممممممممممممعى إلمممممممممممممممى تحقيمممممممممممممممق‬
‫الهداف التالية‪-:‬‬
‫ل‪ :‬الهداف القريبة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬العمل في الخفاء من أجل الستيلء على العالم عن طريق تطعيم‬
‫أكبر قدر من الكتل البشرية بالفكر الماسوني‪.‬‬
‫‪ -2‬إخضاع الحزاب السياسية الكبرى في العالم لسيادتها وجعلها‬
‫خادمة لتحقيق أطماعها‪.‬‬
‫‪ -3‬محاربة الجمعيات والمؤسسات والحركات الوطنية المخلصة‬
‫ومحاربة الحركات السلمية‪.‬‬
‫‪ -4‬تقويض الحكومات الشرعية وإلغاء أنظمة الحكم الوطنية ومحاولة‬
‫إخضاعها والسيطرة عليها‪.‬‬
‫‪ -5‬إشاعة الباحية الجنسية والنحلل والفساد الخلقي والجتماعي‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وترويج الفكار والفلسفات المادية اللحادية‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الهداف البعيدة‪:‬‬
‫‪-1‬إقامة المملكة اليهودية في فلسطين وإعادة بناء هيكل سليمان ‪-‬معبد‬
‫الرب‪ -‬على أنقاض المسجد القصى)‪ .(2‬جاء في إحدى الوثائق الماسونية‪:‬‬
‫"والهدف المقدس الذي تعمل الماسونية على تحقيقه هو إعادة هيكل‬
‫سليمان‪ ،‬وهو أكثر من مجرد رمز بل هو حقيقة مؤكدة ستبرز دون ريب‬
‫)‪(3‬‬
‫إلى عالم الوجود عندما يستأصل العرب في فلسطين‪."..‬‬
‫‪ -2‬صيانة الدولة اللدينية العلمانية‪،‬ومن ثم السعي إلى تأسيس جمهورية‬
‫لدينية ل تعرف الله‪ ،‬ديموقراطية‪ ،‬عالمية‪ ،‬خفية‪ ،‬تسيطر على الكرة‬
‫)‪(4‬‬
‫الرضية كلها‪.‬‬

‫‪ -1‬أسرار الماسونية الجنرال جواد رفعت آتلخان ص ‪.41-40‬‬


‫‪ -2‬هيكل سليمان يوسف الحمماج ص ‪ ،35‬أوقفمموا هممذا السممرطان‪-‬حقيقممة الماسممونية‬
‫وأهدافها‪ ،‬للبستاني ص ‪ ،147‬الماسونية والماسونيون في المموطن العربيممة‪ ،‬حسممين‬
‫عمر حمادة ص ‪.74‬‬
‫‪ -3‬الماسونية أقدم الحركات السرية وأخطرها ص ‪.55‬‬
‫انظر أسرار الماسونية ‪.42– 41‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪222‬‬
‫وسائل الماسونية في تحقيق أهدافها‪:‬‬
‫سلكت الماسونية عدة سبل ووسائل لتحقيق أهدافها‪ ،‬وهي‬
‫تطور وتجدد وسائلها باستمرار‪ ،‬ومن وسائلها‪-:‬‬
‫‪-1‬إباحة الجنس‪ ،‬واستخدام المرأة كوسيلة للسيطرة‪.‬‬
‫‪ -2‬إحياء الدعوات الجاهلية والنعرات الطائفية العنصرية‪ ،‬وبث الفكار‬
‫المسمومة‪.‬‬
‫‪-3‬استعمال الرشوة بالمال والجنس مع أصحاب الجاه والمناصب‬
‫السياسية لسقاطهم في حبائل الماسونية‪ ،‬ومن ثم استخدامهم لخدمة‬
‫الماسونية‪.‬‬
‫‪-4‬تجرد الداخلين في الماسونية من الفضائل والخلق والروابط‬
‫الدينية‪ ،‬والتجرد من الولء للوطن‪ ،‬فالولء يجب أن يكون خالصا ً‬
‫للماسونية نفسها‪.‬‬
‫‪-5‬السيطرة على رجال السياسية والحكم والفكر والدب البارزين في‬
‫بلدانهم‪ ،‬ثم استخدامهم صاغرين لتنفيذ المخططات الماسونية‪.‬‬
‫‪-6‬السيطرة على أجهزة الدعاية والصحافة والنشر والعلم‪،‬‬
‫واستخدامها في تحقيق الهداف الماسونية‪.‬‬
‫‪ -7‬بث الخبار الكاذبة والشاعات والباطيل‪ ،‬والتركيز عليها لتصبح كأنها‬
‫حقائق‪ ،‬من أجل طمس الحقائق أمام الجماهير‪.‬‬
‫‪ -8‬توفير سبل الباحية والرذيلة بين الشباب والشابات‪ ،‬وتوهين‬
‫العلقات الزوجية والروابط السرية‪.‬‬
‫‪ -9‬الدعوة إلى تحديد النسل والعقم الختياري بين المسلمين‪.‬‬
‫‪ -10‬السيطرة على المنظمات والمؤسسات الدولية‪ ،‬كمؤسسات‬
‫منظمة المم المتحدة التي أصبح معظمها تحت رئاسة يهودي ماسوني‪.‬‬
‫‪ -11‬السيطرة على منظمات الشباب واتحادات النساء في كل بلدان‬
‫العالم‪.‬‬
‫‪ -12‬اعتماد السرية والكتمان الشديدين‪ ،‬واعتبارهما من أهم وظائف‬
‫)‪(1‬‬
‫الماسونية وواجبات الماسوني‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر الموسوعة الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.452 – 450‬‬

‫‪223‬‬
‫درجات الماسونية‪:‬‬
‫الماسونية العالمية تقسم إلى ثلث درجات أو ثلث طوائف‬
‫وفرق‪ ،‬ولكل منها‪ :‬مراتبها ودرجاتها وطقوسها وتعاليمها‪ ،‬وقد أفاض‬
‫البحث فيها الماسوني السابق يوسف الحاج في كتابه "هيكل سليمان‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫أو الوطن القومي لليهود"‪.‬‬
‫وهذه الدرجات أو الفرق‪:‬‬
‫الولى‪ :‬الماسونية العامة أو الماسونية الرمزية‪:‬‬
‫وهي ذات ثلث وثلثين درجة‪ ،‬تكثر الرموز في جميع درجاتها‪ ،‬ول‬
‫يرتقي أعضاؤها هذه الدرجات إل بعد امتحانات مختلفة‪ ،‬وهي منتشرة‬
‫في القطار العربية‪ ،‬وقسم من البلد الوربية والمريكية‪ ،‬وأعضاؤها‬
‫يشكلون السواد العظم من الحركة الماسونية ويتحدثون بالرموز‬
‫والطلسم واللفاظ السرية‪ ،‬ولهم في اجتماعاتهم مراتب وقلئد‬
‫وأوسمة ول تقبل في عضويتها من ل يعتقد بالله وخلود النفس‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الماسونية الملوكية‪:‬‬
‫وتعرف بالعقد الملوكي‪ ،‬وهي بتعاليمها ودرجاتها وغاياتها تقدس‬
‫ما ورد في التوراة‪ ،‬وتحترم الدين اليهودي‪ ،‬وتعمل على تجديد المملكة‬
‫اليهودية في فلسطين‪ ،‬وإعمادة بناء هيكل سمليمان بعد هدم المسجد‬
‫القصى‪ ،‬وترتبمط الماسونية الملوكيمة بالماسونية الرمزية ارتباطا ً‬
‫خفيمًا‪ ،‬ل يعلمه سوى الراسخون في تاريخ الماسونيات الثلث‪ ،‬ول‬
‫يدخل في الماسونية الملوكية إل من تّنكر لدينه ووطنه وأمته‪ ،‬وجّرد‬
‫ولءه لصالح اليهودية‪ .‬وأعضاؤها قليلون في القطار العربية وأكثرهم‬
‫من اليهود في فلسطين المحتلة عام ‪1948‬م‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬الماسونية الكونية‪:‬‬
‫أعضاؤها من اليهممود فقممط‪ ،‬وعممددهم قليلممون جممدًا‪ ،‬انحممدروا مممن‬
‫الماسممونية الملوكيممة مممن اليهممود المتحرريممن مممن السممللة الرومانيممة‪،‬‬

‫‪ -1‬انظر الصفحات ‪ ،36 -34‬الماسونية ذلك العالم المجهول عبد الحليممم إليمماس الخمموري‬
‫ص ‪ ،37‬الماسونية أٌقدم الحركات السرية وأخطرها ص ‪ ،81- 80‬أوقفوا هممذا السممرطان‬
‫ص ‪.98– 94،97-92 ،67‬‬

‫‪224‬‬
‫ووظيفتهممم اسممتخدام الفرقممتين السممابقتين‪ ،‬لنشمماء الدولممة اليهوديممة‬
‫العالمية من خلل إشاعة الفوضى والفتن والحروب‪ ،‬وسلطان أعضممائها‬
‫فمموق البمماطرة والملمموك والرؤسمماء لّنهممم يتحكمممون فيهممم‪ ،‬وزعممماء‬
‫الصمهيونية العالميمة همم ممن الماسمونية الكونيمة‪ ،‬وقمد وردت شمهادات‬
‫ماسونية تؤكد كون أعضاء هذه الفرقة من اليهود فقط‪.‬‬
‫الماسونية وعلقتها باليهودية‪-:‬‬
‫الحركة الماسونية يهودية في نشأتها‪ ،‬وحقيقتها‪ ،‬وفي مصادرها‬
‫الفكرية واصطلحاتها وتعاليمها‪ ،‬ودرجاتها‪ ،‬وأسرارها‪ ،‬يهودية في‬
‫أهدافها وغاياتها ومعتقداتها‪ .‬ولقد أجمع الباحثون الراصدون للحركة‬
‫الماسونية على يهودية هذه الحركة )‪ .(1‬ومن هؤلء بعض العرب الذين‬
‫شفت لهم أهدافها وحقيقتها‬ ‫ما تك ّ‬
‫انضموا إليها‪ ،‬ثم خرجوا منها‪ ،‬ل ّ‬
‫اليهودية‪ ،‬وقد كتبوا في ذلك محذرين منها‪ :‬أمثال‪ :‬محمد علي الزعبي‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ويوسف الحاج‪.‬‬
‫يقول الماسوني السابق الدكتور محمد علي الزعبي‪" :‬الماسونية‬
‫آلة صيد بيد اليهود‪ ،‬يصرعون بها كبار الساسة‪ ،‬ويخدعون المم الغافلة‬
‫)‪(3‬‬
‫والشعوب الجاهلة‪."..‬‬
‫وهذه بعض الشواهد على يهودية الماسونية‪:‬‬
‫ن المحافل الماسونية‬ ‫يقول هرتزل أحد حكماء صهيون‪":‬إ ّ‬
‫المنتشرة في كل أنحاء العالم تعمل في غفلة – كقناع لغراضنا – وإن‬

‫انظر أسرار الماسونية الجنرال جواد رفعت آتلخان ص ‪ 74‬وما بعدها‪ ،‬أوقفوا هممذا‬ ‫‪1‬‬

‫السرطان د‪ .‬سيف الدين البستاني ص ‪ 46‬وممما بعممدها‪ ،‬الماسممونية أقممدم الحركممات‬


‫السرية وأخطرها ص ‪ 20‬وما بعدها‪ ،‬الماسممونية والماسممونيون فممي المموطن العربممي‬
‫حسين عمر حمادة ص ‪ 55‬وما بعدها‪ ،‬تاريخ الجمعيات السممرية والحركممات الهدامممة‬
‫محمد عبد الله عنان ص ‪.93‬‬
‫الول في كتابيه‪ :‬حقيقة الماسونية‪ ،‬الماسونية منشئة ملك إسرائيل‪ ،‬والثمماني فممي‬ ‫‪2‬‬

‫كتابه‪ :‬هيكل سليمان أو الوطن القومي اليهودي‪.‬‬


‫انظر كتابه حقيقة الماسونية‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪225‬‬
‫النصارى المنحطين ليساعدوننا على استقللنا وإن وكلءنا من غير‬
‫اليهود ليحققوا لنا كثيرا ً من السعادة"‪.‬‬
‫‪ -1‬جاء في الصفحة ‪ 74‬من العدد الخامس للصحيفة اليهودية "لفارينا‬
‫إسرائيليت" الصادرة في عام ‪1861‬م ما يلي‪" :‬إن روح الحركة‬
‫الماسونية هي الروح اليهودية في أعمق معتقداتها الساسية‪ ،‬إنها‬
‫أفكارها ولغتها‪ ،‬وتسير في الغالب على نفس تنظيمها‪ ،‬وأن المال التي‬
‫تنير طريق الماسونية وتسند حركتها هي نفس المال التي تساعد وتنير‬
‫طريق إسرائيل‪ ،‬وتتويج نضالها سيكون عند الظفر بذلك المعبد الرائع‬
‫‪-‬معبد سليمان‪ -‬الذي ستكون أورشليم رمزه وقلبه النابض")‪.(1‬‬
‫‪-2‬وقالت دائرة معارف الماسونية الصادرة في فيلديفيا سنة ‪1906‬م‪:‬‬
‫"يجب أن يكون كل محفل رمزا ً لهيكل اليهود‪ ،‬وهو بالفعل كذلك‪ ،‬وأن‬
‫يكون كل أستاذ على كرسيه ممثل ً لملك اليهود‪ ،‬وكل ماسوني تجسيدا ً‬
‫للعالم اليهودي")‪.(2‬‬
‫‪-3‬إن العضو الجديد يتم قبوله بعد أن يؤدي يمين حفظ السر وهو يضع‬
‫يده على كتاب العهد القديم)‪ ،(3‬وهو الكتاب المقدس لدى اليهود كما هو‬
‫معلوم‪.‬‬
‫‪-4‬إن العهد القديم‪ ،‬والتلمود‪ ،‬والنشرات والكتب التي صنفها أحبار‬
‫اليهود وقادة الحركة الماسونية من اليهود هي مصادر الفكر الماسوني‪.‬‬
‫‪ -5‬جاء في برتوكولت حكماء صهيون ما يؤكد يهودية الحركة‬
‫الماسونية‪ ،‬وأنها أسست لتحقيق الهداف اليهودية‪ .‬ومن ذلك‪ :‬ما جاء‬
‫في البروتوكول الرابع‪":‬من ذا الذي يستطيع أن يخلع قوة خفية عن‬
‫ن‬
‫عرشها؛ وأية قوة ظاهرة هي تلك التي تتصدى لهذه القوة الخفية؟ إ ّ‬
‫ن المحافل الماسونية المنبثة في‬ ‫هذه بالتحديد هي مهمة قوتنا نحن‪ .‬إ ّ‬
‫أنحاء العالم تعمل لخدمتنا‪ ،‬مستغلة الجويم ‪-‬غير اليهود‪ -‬لتحقيق مآربنا‪،‬‬

‫الماسونية أقدم الحركات السرية وأخطرها ص ‪.22–21‬‬ ‫‪1‬‬

‫أحجار على رقعة الشطرنج وليام كار ترجمة سعيد جزائري‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر الماسونية أقدم الحركات السرية وأخطرها ص ‪.43‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪226‬‬
‫ول يعرف الجويم عن حقيقتها شيئا ً بما في ذلك تواجدها الذي نجعله‬
‫متنقل ً سريا ً في الغالب العم ليظل سرا ً غامضًا")‪.(1‬‬
‫وجاء في البرتوكول الخامس عشر‪" :‬والجمعيات السرية الموجودة‬
‫في العالم الن معروفة لنا‪ ،‬تخدمنا‪ ،‬وهي قد خدمتنا‪ ،‬فإنا سنقوم بحلها‬
‫وسنقوم بنفي وتشتيت أعضائهما في كل أنحاء الدنيما‪ ..‬وبهذه الطريقة‬
‫نفسمها سنتعامل مع أعضاء الجمعيات الماسمونية الموجودة‪ ،‬والتي‬
‫تمارس نشاطها لصالحنا بين شمعوب الجويم‪...‬وإلى أن يحين قيام‬
‫دولتنا سنتصرف بطريقة مخالفة تماما ً لطريقة تصرفنا قبل قيامها‪:‬‬
‫سننشئ ونضاعف عدد المحافل الماسونية بدعوى التحرر والخير في‬
‫كل أقطار العالم‪ ،‬وسنجذب إليها كل أولئك الذين يجوز أن يصبحوا‬
‫متفوقين في النشاط الجتماعي المتصل بالجماهير‪ ...‬إن الجويم‬
‫يتهافتون على الوقوع في شباك محافلنا الماسونية بسبب شغفهم بحب‬
‫الستطلع‪ ،‬أو جريا ً وراء المل‪ ..‬ومن الطبيعي أننا نحن اليهود الذين‬
‫يجب أن نقود أنشطة المحافل الماسونية لننا نعرف معنى القيادة‬
‫)‪(2‬‬
‫ولننا نعرف ما إذا كان علينا أن نقود‪.‬‬
‫‪ -6‬ذكرت دائرة المعارف اليهودية طبعة ‪1903‬م الجزء ‪ ،5‬الصفحة‬
‫‪" :503‬إن اللغة الفنية والرموز والطقوس التي تمارسها الماسونية‬
‫الوربية ممتلئة بالمثل والصطلحات اليهودية‪ ،‬ففي "سكوتلندا" تجد‬
‫التواريخ الموضوعة على المراسلت والوثائق الرسمية كلها بحسب‬
‫تقويم العصر‪ ،‬والشهر اليهودية‪ ،‬وتستعمل البجدية العبرية")‪.(3‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد ذكر صاحب كتاب‪" :‬الماسونية أقدم الحركات السرية‬
‫وأخطرها" أمثلة للرموز والمصطلحات والشكال والرسومات‬
‫)‪(4‬‬
‫والطقوس اليهودية المستعملة في المحافل الماسونية‪.‬‬

‫‪ -1‬برتوكولت حكماء صهيون ترجمة ودراسة وتقديم علي الجوهري ص ‪.52‬‬


‫‪ -2‬برتوكولت حكماء صهيون ترجمة ودراسة وتقديم علي الجوهري ص ‪.98 ،97‬‬
‫‪ -3‬الماسونية أحمد عبد الغفور عطار ص ‪ ،60‬الماسونية أقدم الحركات السرية وأخطرهمما‬
‫ص ‪.50‬‬
‫‪ -4‬انظر الصفحات ‪.49–43‬‬

‫‪227‬‬
‫‪ -7‬صرح الدكتور الحاخام اليهودي إسحاق وايز في كتابه "إسرائيليو‬
‫أمريكا" ‪3/8/1866‬م‪":‬إن الماسونية مؤسسة يهودية‪ ،‬فتاريخها‬
‫ودرجاتها وأهدافها ورموزها السرية ومصطلحاتها يهودية من أولها إلى‬
‫)‪(1‬‬
‫آخرها"‪.‬‬
‫‪ -8‬لقد صّرحت المجلت الماسونية بعلقة اليهود بالحركة الماسونية‪،‬‬
‫ومنها‬
‫مجلة أكاسيا عدد ‪ 66‬الصادرة سنة ‪1908‬م‪ ،‬ومجلة تريينال جويف عدد‬
‫‪ 61‬الصادر سنة ‪ ،1921‬كما اعترفت بهذه الحقيقة الجمعيات‬
‫)‪(2‬‬
‫الماسونية المريكية والوربية‪.‬‬

‫الماسونية والدين‪:‬‬
‫لقد أعلنت الحركة الماسونية عداءها السافر للديان‪ ،‬وقامت‬
‫بترويج اللحاد والعقائد الكفرية‪ ،‬والفلسفات والفكار المادية اللدينية‪،‬‬
‫وتبنت الفلسفة والمفكرين الملحدة أمثال ماركس ونيتشه وفرويد‬
‫وإميل دور كايم ونحوهم‪.‬‬
‫وكشفت جميع المؤلفات والنشرات والوثائق التي كتبت عن‬
‫الماسونية‪ ،‬سواء التي كتبها أصحابها أم التي كتبها خصومها عن حقيقة‬
‫موقفها من الديان‪ ،‬ما عدا الدين اليهودي فقط‪ ،‬لنها وجدت لتثبيت‬
‫دعائمه وتمجيده وسيطرته على العالم بعد القضاء على الديان الخرى‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫ونذكر هنا أمثلة فقط من أقوالهم التي تكشف عداءهم للدين‪:‬‬


‫‪-‬في مؤتمر الطلب الذي انعقد في سنة ‪1865‬م في مدينة لييج التي‬
‫تعتبر أحد المراكز الماسونية‪ ،‬أعلن الماسوني المشهور لفارج أمام‬
‫الطلب الوافدين من ألمانيا وأسبانيا وروسيا وإنجلترا وفرنسا قائ ً‬
‫ل‪:‬‬
‫يجب ان يتغلب النسان على الله‪ ،‬وأن يعلن الحرب عليه‪ ،‬وأن يخرق‬

‫‪ -1‬نفس المصدر ص ‪.49‬‬


‫‪ -2‬انظر أسرار الماسونية ص ‪.81–79‬‬
‫‪ -3‬انظر الماسونية أقدم الحركات السرية وأخطرها ص ‪.55 ،52‬‬

‫‪228‬‬
‫السموات ويمزقها كالوراق‪..‬‬
‫إن اللحاد من عناوين المفاخر‪ ،‬وليعش أولئك البطال الذين يناضلون‬
‫في الصفوف الولى وهم منهمكون في إصلح الدنيا)‪.(1‬‬
‫‪-‬ومن وثائق المحفل الماسوني الكبر سنة ‪1922‬م ص ‪" :198‬سوف‬
‫نقوي حرية الضمير في الفراد بكل ما أوتينا من طاقة‪ ،‬وسوف نعلنها‬
‫حربا ً شعواء على العدو الحقيقي للبشرية‪ ،‬الذي هو الدين‪ .‬وهكذا سوف‬
‫ننتصر على العقائد الباطلة وعلى أنصارها"‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في وثائق مؤتمر بلغراد الماسوني سنة ‪1911‬م‪":‬ويجب أل‬
‫ننسى أننا نحن الماسونيين أعداء للديان‪ ،‬وعلينا أل نألوا جهدا ً في‬
‫)‪(2‬‬
‫القضاء على مظاهرها"‪.‬‬
‫‪ -‬وقالوا‪:‬إن ذخر البشرية الذي ل يقدر بثمن هو عدم العتراف بأي‬
‫حقيقة مقدسة‪ ،‬وإن الحقائق تنبثق من نظرة النسان ذاته‪ ،‬فعليه لبد‬
‫من المحافظة على هذه الحقيقة‪ ،‬وإن جمال اللحاد هو في هذا‪ ،‬وإن‬
‫هذا لهو أساس اللحاد"‪.‬‬
‫‪ -‬جاء في وثائق المؤتمر الماسوني العالمي سنة ‪1900‬م ص ‪:102‬‬
‫"إننا ل نكتفي بالنتصار على المتدينين ومعابدهم‪ ،‬إنما غايتنا الساسية‬
‫هي إبادتهم من الوجود"‪.‬‬
‫‪ -‬وجاء في مجلة أكاسيا الماسونية الصادرة سنة ‪ 1903‬ص ‪" :860‬إن‬
‫النضال ضد الديان ل يبلغ نهايته إل بعد فصل الدين عن الدولة‪ .‬وقالوا‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ستحل الماسونية محل الديان وإن محافلها ستقوم مقام المعابد"‪.‬‬
‫‪ -‬جاء في مجلة المشرق الكبر التركية الماسونية عدد ‪ 17‬ص ‪":49‬ل‬
‫يعنينا كفر الملحد أو ثواب المتدين‪ ،‬أو وصف الجنة والنار‪ ،‬وإذا وجد من‬
‫يحاول العمل في ساحة الدين فتركه وشأنه مع الله‪..‬وإذا أصّر على‬
‫)‪(4‬‬
‫رأيه نرجو منه أن يتركنا وأل يدخلنا بينه وبين الله"‪.‬‬

‫‪ -1‬المصدر السابق ص ‪.45‬‬


‫‪ -2‬أسرار الماسونية ‪.46‬‬
‫‪ -3‬أسرار الماسونية ‪.47‬‬
‫المصدر السابق ص ‪.47‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪229‬‬
‫‪ -‬يقول الستاذ كولفين في محفل منفيس بلندن‪":‬إننا إذا سمحنا‬
‫ليهودي أو مسلم‪ ،‬أو لكاثوليكي‪ ،‬أو لبروتستانتي بالدخول في أحد‬
‫هياكل الماسونية‪ ،‬فإنما ذلك يتم بشرط أن الداخل يتجرد من أضاليله‬
‫)‪(1‬‬
‫السابقة ويجحد خرافاته الدينية"‪.‬‬
‫‪ -‬وقال دلس ‪-‬مقدم الشرق العظم‪1901 -‬م‪" :‬إن انتصار الجليلي‪-‬‬
‫ل‪ ،‬وها هو يسقط بمساعينا‪ ،‬هذا الله‬ ‫السيد المسيح‪ -‬قد دام عشرين جي ً‬
‫الكاذب‪ ،‬ونحن الماسون‪ :‬يسرنا أن نشاهد سقوط النبياء الكذبة‪ ،‬فإن‬
‫الماسونية قد أنشئت كي تناصب الحرب كل الديان‪ ،‬بل كل‬
‫الخرافات")‪.(2‬‬
‫الله عند الماسونيين‪:‬‬
‫إذا كانت الماسونية والماسونيين قد اتفقوا على اللحاد والكفر بالله‬
‫رب العالمين‪ ،‬ووضعوا المخططات موضع التنفيذ للقضاء على العقائد‬
‫الدينية‪ ،‬فإن المحافل والهياكل الماسونية تختلف في حقيقة الله الذي‬
‫تدعو إلى اليمان به‪.‬‬
‫‪ -1‬فبعض المحافل الماسونية تسمى الله "ادويزام" وهو ازيريس إله‬
‫المصريين القدماء‪ ،‬وميترا إله الفرس‪ ،‬وبافوس إله الرومان‪ ،‬أو هو أحد‬
‫اللهة التي كان يعبدها الوثنيون القدماء‪.‬‬
‫ن اللممه هممو الطبيعممة‪ ،‬وذهممب‬ ‫‪ -2‬وبعممض المحافممل الماسممونية تعتممبر أ ّ‬
‫الجنرال بايك شيطان الماسونية وصاحب مخططهمما الجرامممي‪ ،‬إلممى أن‬
‫الله والشيطان إلهان متساويان‪ ،‬الشيطان إله النممور والخيمر‪ ،‬واللمه إلمه‬
‫الظلم والشر‪ ،‬والشيطان مازال يكافح ضد الله‪.‬‬
‫‪ -3‬وذهبت بعض المحافل الماسونية إلى أن الله هو النسان نفسه‪،‬‬
‫وأن النسانية يجب أن تتخذ غاية من دون الله‪ ،‬والنفس النسانية هي‬
‫)‪(3‬‬
‫المعبود الذي يجب أن تتخذه الماسونية‪.‬‬
‫يقول الزعيم الماسوني برودون‪":‬ليست الماسونية سوى نكران‬

‫السر المصون في شريعة الفرمسون للب لويس شيخوص ‪ ،36‬الماسممونية ذلممك‬ ‫‪1‬‬

‫العالم المجهول د‪ .‬صابر طعيمة ص ‪.309-308‬‬


‫أوقفوا هذا السرطان ص ‪.108‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪230‬‬
‫جوهر الدين‪ ،‬وإن قال الماسون بوجود إله أرادوا به الطبيعة وقواها‬
‫المادية أو جعلوا النسان والله كشيء واحد")‪.(1‬‬
‫الماسونية وعبدة الشيطان‪-:‬‬
‫بدأت هذه العبادة تظهر في العصر الحديث بقوة‪ ،‬حيث وجمدت‬
‫منظمات شيطانية لعبدة الشيطان كمنظمة )‪ (ONA‬في بريطانيا‪ ،‬و)‬
‫ست" في أمريكا‪ ،‬و"كنيسة الشيطان" وهي‬ ‫‪ (OSV‬في أيرلندا‪ ،‬و"معبد ِ‬
‫أكبر وأخطر هذه المنظمات جميعًا‪ ،‬وقد أسسمها الكاهن المريكي‬
‫اليهودي الساحر )أنطون ساندرو لفي( سنة ‪1966‬م‪ ،‬الذي أسس‬
‫كنيسة ومحفل ً لتباعه في سان فرانسيسكو ليمارسوا طقوس عبادة‬
‫الشيطان‪ ،‬وأًلف لهم كتاب )إنجيل الشيطان( ‪-‬طبع سنة ‪1970‬م‪ -‬الذي‬
‫يشتمل على أفكار هذه الجماعة وتعاليمها الشيطانية وكان وقتها يقدر‬
‫عدد المنتمين إليها بم ‪ 50‬ألف عضو‪،‬ولهذه المنظمة فروع في أمريكا‬
‫وأوروبا‪ ،‬واليابان‪،‬وبعض الدول الفريقية‪ ،‬وروسيا وتنتشر عبادة‬
‫الشيطان لدى اليهود في فلسطين المحتلة‪ ,‬ويعرف أتباعها بجماعة‬
‫)أخوة الشياطين( ومقّرها تل أبيب وإيلت‪ ،‬وتتخذ الصليب المقلوب‬
‫والنجمة السداسية شعارا ً لها‪ .‬وقد صدر تقرير حكومي يؤكد اتساع‬
‫ظاهرة )جماعة الشيطان( في المجتمع السرائيلي‪ ،‬وكشف النقاب عن‬
‫عمليات قتل قام أفراد هذه الجماعة بتنفيذها في المدن السرائيلية في‬
‫العوام الماضية‪.‬وقد انتقل نشاط هذه الجماعة إلى مدن إسرائيلية‬
‫أخرى‪ ،‬بعدما كانت محصورة في المدن الرئيسية الكبرى تل أبيب‬
‫وحيفا والقدس وبئر السبع‪ .‬وقد انشغلت وسائل العلم السرائيلية في‬
‫تغطيا واسعة حول هذه الجماعة وأنشطتها‪ ،‬حيث أشارت إلى أن‬
‫معظم عناصر هذه الجماعة من الشباب العلماني الشكنازي الذي‬
‫ينتمي إلى الطبقات المتوسطة في المجتمع السرائيلي‪ .‬وأصدر رئيس‬

‫‪ -3‬انظر أسرار الماسونية ص ‪ ،46‬الماسونية أحمد عبد الغفور عطار ص ‪ ،49‬السمر‬


‫المصون في شيعة الفرمسون‪ ،‬المذاهب المعاصممرة وموقممف السمملم منهمما د‪ .‬عبممد‬
‫الرحمن عميرة ص ‪.67-63‬‬
‫‪ -1‬الماسونية ذلك العالم المجهول ص ‪.313‬‬

‫‪231‬‬
‫أركان الجيش السرائيلي شاؤول موفاز تعليماته لقسم القوى في‬
‫الجيش بإعفاء الشباب السرائيلي العضاء في )جماعة الشيطان( من‬
‫الخدمة العسكرية‪ .‬وذكرت الذاعة السرائيلية أن تعليمات موفاز‬
‫صدرت في أعقاب صدور تقرير حكومي يؤكد اتساع ظاهرة " جماعة‬
‫الشيطان " في المجتمع السرائيلي وفي ظل كشف النقاب عن‬
‫عمليات قتل قام أفراد هذه الجماعة بتنفيذها في المدن السرائيلية في‬
‫العوام الماضية‪(1).‬‬
‫ويوجد عبدة الشيطان في كينيا‪ .‬حيث طالبت الطوائف السلمية‬
‫والمسيحية في كينيا السلطات الرسمية بإيقاف نشاط جماعة "عبدة‬
‫الشيطان" المسماة بم)موجيكي( ومنعها من مزاولة نشاطاتها التي‬
‫تحاول عن طريقها إحداث فوضى في أمن المجتمع‪ .‬حيث انتشرت‬
‫عمليات القتل والختطاف على يد عناصر هذه الجماعة في مدينة‬
‫ممباسا الكينية –التي ينتشر فيها المسلمون‪ -‬وكان رئيس أساقفة‬
‫الكنائس النغليكانية قد شن هجوما على طائفة )موجيكي(عبدة‬
‫الشيطان‪ ،‬قائل‪:‬إّنها طائفة شيطانية بحتة تتستر بالدين لتحدث الفوضى‬
‫في المجتمع‪)2(.‬‬

‫فلسفتهم في الحياة‪-:‬‬
‫عبمدة الشيطان قوم ل يؤمنون بالله تعالى‪ ،‬ول بالنبياء‪ ،‬ول‬
‫بالخرة‪ ،‬ول بالجزاء‪ ،‬والجّنة والّنمار‪ .‬ولذلك فقاعمدتهم الساسية‬
‫هي‪:‬السراف من الشهوات‪ ،‬والتمتع بأقصى قدر من الملذات قبل‬
‫الممات‪ .‬يقول الشيطاني الكبر اليهودي" أنطوني لفي" في كتابه‪):‬‬
‫‪ -Satan wants yo‬أي الشيمطان يريدك‪ :(-‬الحياة هي الملذات‬
‫والشهوات فقط والموت هو الذي سيحرمنا منها‪ ،‬لذا اغتنم هذه‬
‫‪ -‬انظر‪ :‬موقع إسلم أون ليممن‪ 2000-12-14 /‬م‪ -‬محمممد الصممالح‪-‬تحممت عنمموان‪"-‬‬ ‫‪1‬‬

‫الجيش السرائيلي يحظر تجنيد "عبدة الشيطان"‪.‬‬

‫‪-‬لمزيد من المعلومات عن عبدة الشمميطان فممي كينيمما انظممر‪:‬مجلممة المجلممة العممدد‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -10–1113‬تاريخ ‪2001/ 16/6‬م‪.‬‬

‫‪232‬‬
‫الفرصة الن للستمتاع بهذه الحياة‪ ،‬فل حياة بعدها ول جنة ول نار‪،‬‬
‫فالعذاب والنعيم هنا فقط‪.‬‬
‫وجماعة عبدة الشيطان يحبون اللون السود‪ ،‬فيستخدمون‬
‫الطلء السود لبيوتهم ونوافذهم وأدوات معيشتهم‪ ،‬ويرتدون الثياب‬
‫السوداء‪ ،‬والقداس يسمونه بالقداس السود‪ .‬وهم يطلقون شعورهم‪،‬‬
‫ويرسمون نجمة داود‪ ،‬أو وشم الصليب المعقوف على صدورهم‬
‫وأذرعهم…ومن علمات الناث عابدات الشيطان‪ :‬طلء الظافر‬
‫والشفاه باللون السود وارتداء الملبس المطبوع عليها نقوش‬
‫الشيطان‪ ،‬والمقابر‪ ،‬والتزين بالحلي الفضية‪ ،‬ذات الشكال غير‬
‫المألوفة‪ ،‬التي تعبر عن أفكارهم‪ ،‬مثل الجماجم ورؤوس الكباش‪.‬‬

‫طقوسهم وعباداتهم‪-:‬‬
‫ما طقوس جنسية‬ ‫وطقوس عبدة الشيطان فهي بين أمرين‪:‬إ ّ‬
‫ما‬
‫مفرطة‪ ،‬حتى إنها تصل إلى درجة مقززة ممجوجة إلى الغاية‪ .‬وإ ّ‬
‫طقوس دموية يخرج فيها هؤلء عن الدمية إلى حالة ل توصف إل‬
‫بأنها فعل ً شيطانية‪ ،‬والتي لعل أدناها شرب الدم الدمي المأخوذ من‬
‫جروح العضاء وشرب دماء الماعز والقطط والكلب بعد ذبحها‪ ،‬وليس‬
‫أعلها تقديم القرابين البشرية "وخاصة من الطفال" بعد تعذيبهم بجرح‬
‫أجسامهم والمكي بالنار‪ ،‬ثم ذبحهم تقربا ً لمعبودهم إبليس الرجيم‪.‬‬
‫وقد أشار المؤلف البريطاني المعاصر "بنثورن هيوز" أّنه حتى القرن‬
‫السابع عشر‪ ،‬كان هناك قدر كبير من الرقص الطقوسي في الكنائس‬
‫الوروبية‪ ،‬وكان النغماس العميق في الرقمص يؤدي إلى انحملل قيمود‬
‫الساحرات‪ ،‬وتفكك قواهمن استعدادا ً لبلوغ قمة السبت‪ .‬وتلك هي ذروة‬
‫الطقوس التي يضاجعهن فيها الشيطان‪ ،‬ويغرق معهن في أشد‬
‫الملذات الحقيرة إثارة‪ ،‬ثم ينتهي احتفال السبت بعربدة جنسمية عارمة‬
‫ل قيود لها‪ .‬وقد أشار "سيبروك"‪ :‬أنه شاهد طقوس القداس السود‬
‫في نيويورك وباريس وليون ولندن‪ .‬ويبدو أن هذه الطقوس مستمرة‬
‫حتى أيامنا هذه‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫ويصف المؤلف البريطاني المعاصر "جوليان فرانكلين" هذه‬
‫ل‪ :‬يقام القداس السود في منتصف الليل بين أطلل‬ ‫الطقوس قائ ً‬
‫كنيسة خربة‪ ،‬برئاسة كاهن مرتد‪ ،‬ومساعداته من البغايا‪ ،‬ويتم تدنيس‬
‫القربان ببراز الدميين‪ .‬وكان الكاهن يرتدي رداًء كهنوتًيا مشقوًقا عند‬
‫ثلث نقاط‪ ،‬ويبدأ بحرق شموع سوداء‪ ،‬ول بد من استخدام الماء‬
‫المقدس لغمس المعمدين من الطفال غير الشرعيين حديثي الولدة ‪.‬‬
‫ويتم تزيين الهيكل بطائر البوم والخفافيش والضفادع والمخلوقات ذات‬
‫الفأل السيئ‪ ،‬ويقوم الكاهن بالوقوف مادا ً قدمه اليسرى إلى المام‪،‬‬
‫ويتلو القداس الروماني الكاثوليكي معكوسًا‪ .‬ثم يتعرى الكاهن من‬
‫ملبسه تماما وتقوم فتاة غاوية متجردة من ملبسها بمداعبة أعضائه‬
‫الجنسية‪ ،‬وبعده مباشرة ينغمس الحاضرون في ممارسة كل أنواع‬
‫العربدة الممكنة‪ ،‬وكافة أشكال النحراف الجنسي أمام الهيكل‪.‬‬
‫ويجزم فرانكلين أن كثيرا ً من الناس في العصر الحديث‬
‫يجتمعون لقامة القداس السود بشكل أو بآخر‪ .‬وقد انتشرت موجة‬
‫من أفلم السينما الوروبية والمريكية تتحمدث عن مثل همذه الطقوس‬
‫بما فيها ممارسة الجنس مع الشيطان‪.‬‬
‫كد ذلك ما قاله أحدهم )كلين بنتون( قائد فرقة موسيقية عندما‬ ‫يؤ ّ‬
‫سئل عن أهداف فرقته؟ قال‪ :‬وضع موسيقى تدعو إلى الشر بقدر‬
‫المستطاع؛ لكي نفوز بالدخول إلى جهنم من البوابات السبع وهذه‬
‫إحدى الطرق للتعبير عن انتمائي لعبادة الشيطان‪.‬‬
‫عبادة الشيطان والجنس‪-:‬‬
‫ن الغرض الساسي عند عباد الشيطان هو إشباع الغريزة‬ ‫إ ّ‬
‫الجنسمية إشباعا ً تامًا‪،‬بغمض النظر عن الوسيلة فهم يبيحون ممارسة‬
‫الجنس بجميع صوره المعقولة وغير المعقولة حتى بين أفراد الجنس‬
‫الواحد ‪-‬أي اتصال الذكر بالذكر والنثى بالنثى‪ -‬كما أنهم ل يجدون‬
‫غضاضة في إتيان البهائم‪ ،‬أو فعل الفماحشة في جثث الموتى‪ ،‬أو‬
‫اغتصاب النساء والطفال‪ ،‬كل ذلك ل بأس به عندهم طالما أنه يؤدي‬
‫إلى إشباع الغريزة الجنسية‪ .‬ويؤمن أفراد هذه الطائفة بإباحة كل امرأة‬

‫‪234‬‬
‫لكل رجل‪ ،‬وبالذات إتيان المحارم‪ ،‬وكلما كانت المرأة أقرب رحما ً‬
‫كانت أفضل‪ ،‬كالبن مع أمه‪ ،‬والبنت مع أخيها أو أبيها‪ ،‬وهكذا‪..‬وهو ل‬
‫شك يعّبر عن تلبيس إبليس الرجيم واستيلئه عليهم تمامًا‪.‬‬
‫عبدة الشيطان في العالم العربي والسلمي‪-:‬‬
‫ن أن عبمادة الشيطان ستقتصر على الغربيين نظرا ً‬ ‫ربما ً يظ ّ‬
‫للخواء المروحي وانعدام القيم الدينية وسيطرة المادية والفلسفات‬
‫النفعية على حياة الناس هناك‪ ،‬وانقطاع الصلة بالله تعالى وأن العالم‬
‫السلمي وأبناءه في معزل عن ذلك الشر المستطير‪ ،‬ولكننا فوجئنا‬
‫بالصحف والمجلت ومراكز الشرطة والمباحث تخبر بأن هذا الوباء‬
‫والبلء قد وصل إلى العالم السلمي‪ ،‬وطال بعضا ً من أبناء المسلمين‬
‫في بلد الشام ومصر‪ ،‬وبعض دول الخليج‪.‬‬
‫فمثـل ً‪ :‬في مصمر بلد الزهر والسلم فكانت الفاجعة الكبرى‬
‫في شهر رمضان ‪1417‬هم‪1997/‬م حيث ُقبضت الشرطة ورجال‬
‫المباحث على مجموعة من الشباب ‪-‬من أبناء الطبقة الغنية ومن أبناء‬
‫الذوات‪ -‬وفيهم مذيعات‪ ،‬وموسيقيون‪ ،‬وكبار الفنانين والفنانات‪ ،‬وأبناء‬
‫فنانين‪ ،‬ومنهم المثقفون‪ ،‬وطلبة الجامعات وخريجيها‪ ،‬وبعض أساتذتها‬
‫الكبار‪.‬وفي شهر مايو‪-‬أيار‪2001-‬م ألقي القبض للمرة الثانية خلل ‪4‬‬
‫سنوات على ‪ 55‬شابا ً وفتاة من مجموعة عرفت باسم )عبدة‬
‫الشيطان(‪ .‬هؤلء جميعا ً ينتمون إلى هذا الفكر الضال ويتقربون إلى‬
‫مهاتهم‪ ,‬وشرب الخمور‬ ‫معبودهم الشيطان بالتعري كما أنجبتهم أ ً‬
‫والمخدرات‪ ،‬والرقص وممارسة الجنس الجماعي‪ ،‬واللواط الذي يعدوّنه‬
‫ن الشذوذ هو خير وسيلة تقرب بين‬ ‫أمرا ً طبيعيًا‪ ،‬وتعتقد هذه الجماعة أ ّ‬
‫الناس وتنشر بينهم اللفة‪ ،‬وهم يصفون أنفسهم بأنهم أبناء قوم )لوط(‬
‫ن الشاعر العربي )ابو نواس( هو نبيهم الذي يؤمنون‬ ‫ويزعمون أ ّ‬
‫بأفكاره نظرا ً لما عرف عنه أّنه قضى حياته في السكر واللهو‬
‫والمجون‪ ،‬والتغزل بالشباب‪..‬وهم يحبون سماع الموسيقى الغربية‬
‫الصاخبة‪ ،‬ونبش قبور الموتى‪ ،‬والبحث عن جثث حديثي الوفاة‬
‫والتراقص فوقها‪ ،‬وذبح القطط والكلب وشرب دمائها وتلطيخ الوجوه‬

‫‪235‬‬
‫والجسام منها‪ ،‬وأًنهم ل يؤمنون بالله تعالى وينكرون وجوده‪ ،‬ويزدرون‬
‫سون الشيطان باعتباره القوة العظمى‬ ‫بالديان‪ ،‬والخلق الفاضلة‪ ،‬ويقد ّ‬
‫التي تحرك الحياة والبشر‪..‬ووجدت عندهم شرائط كاسيت سجّلت‬
‫عليها أغان فيها ازدراء للدين‪ .‬وقد اعترفوا بذلك كله‪ :‬أمام نيابة أمن‬
‫الدولة المصرية‪ ،‬وأمام علماء الزهر الذين ناقشوهم‪.‬وهم يعبدون‬
‫شيطان –كما ذكر هؤلء الشباب لساتذة جامعة الزهر الذين‬ ‫ال ّ‬
‫ناقشوهم‪ :‬لّنه رمز للقوة والصرار‪ ،‬ولكل ما هو لذيذ‪ ،‬وما هو لذيذ‬
‫ينبغي اقتناؤه وحيازته‪ .‬وفي السطورة الدينية في اليهودية والسلم‬
‫والمسيحية –كما ذكروا– يلعب الشيطان الدور الحضاري الكبر‪ ،‬فهو‬
‫الذي عرف آدم وحواء شجرة الخلود أو المعرفة‪ ،‬والمعرفة خلود‪،‬‬
‫وبسببه خرج آدم وحواء إلى الحياة ليتناسل وينجبا الذكور والناث‪،‬‬
‫ويتكاثروا ويفعلوا‪ ،‬ويرتقوا‪،‬ويعرفوا‪ ،‬والقانون الحاكم هو قانون القوى‪،‬‬
‫والقوى هو الصلح‪ .‬ولم تكن أخلقيات التوراة والنجيل والقرآن إل‬
‫لتكريس الضعف وحماية الضعفاء‪ .‬وهؤلء الشباب يريدون القوة‪ ،‬وان‬
‫يشكلوا النظام التربوي من جديد‪ ،‬وأن يعيدوا النظر في أهداف التعليم‪،‬‬
‫ويقيموا العلقات بين الناس وفق مذهب اللذة والمنفعة‪ ،‬ويقننوا‬
‫للحرب التي هدفها الستعلء والستكبار وسيادة الجنس القوى‪ ،‬والفرد‬
‫القوى‪ .‬وهم ضد المساواة‪ ،‬فالكون ليست فيه مساواة لّنها ضد طبيعة‬
‫ن الخير تكريس للعجز‪ ،‬ووسيلة لبقاء‬ ‫المور‪ .‬وهم وضد الخير‪ ،‬ل ّ‬
‫المتسولين والغبياء والكسالى وقليلي الحيلة من الناس‪ .‬ولهذه الفكار‬
‫المنحلة والعقائد الضالة أدانهم القضاء المصري وعلماء الزهر‪ ،‬وحكم‬
‫عليهم المفتي المصري الدكتور نصر فريد واصل بالردة عن الدين‪،‬‬
‫ولكن للسف الشديد ماتت القضية‪ ،‬وخرج المتهمون من السجن بدون‬
‫أي عقاب؟!‪(1).‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬أخبار عبمدة الشيطان في مصر‪ :‬أخبار الحوادث‪ -‬المصرية‪ 17 -‬مايو‬


‫‪2001‬م–‪ 23‬صفر ‪1422‬هم‪-‬عدد ‪-476‬السنة ‪.9‬وأيضا ً عدد ‪ 477،24‬مايو ‪2001‬م‪1-‬‬
‫ربيع الول ‪1422‬هم‪ -‬السنة ‪.9‬‬

‫‪236‬‬
‫‪ -‬وفي لبنان ذكرت صحيفة )كل السرة( حادث انتحار مراهق )‪16‬‬
‫سنة( بإطلق النار على رأسه‪ ،‬وقد وجدت ملصقات وصور لعضاء من‬
‫فرقة )الروك( ورسوما ً لجمماجم‪ ،‬وثبت من التحليمل الول للقضية أن‬
‫الفتى كان ينتمي إلى إحدى المجموعات التي تعبد الشيطان‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الردن أعلنت دائرة المطبوعات والنشر الحكومية الردنية‬
‫عن مصادرة نحو ألف شريط فيديو أو) سي‪ .‬دي( تروج لفكار طائفة‬
‫)عبدة الشيطان( التي تمس الديان والقيم الجتماعية‪ .‬وذكرت صحيفة‬
‫)الدستور( الردنية في عددها يوم الثلثاء ‪7/2000 /31‬م أن هذه‬
‫الشرطة تدخل )مهربة( إلى الردن وتباع لفئات الشباب والمراهقين‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن المجتمع الردني يتعرض لغزو فكري وثقافي صهيوني‬
‫منذ اتفاقية )وادي عربة ( التي أبرمت بين الردن والكيان الصهيوني‬
‫عام ‪1996‬م‪ ،‬ويؤكد ذلك سجل انتشار المخدرات‪ ،‬والتجاوز على‬
‫أخلقيات المجتمع والجريمة المنظمة التي ارتفعت ارتفاعا ً ملفتا ً ‪،‬كما‬
‫هي الحال في مصر‪.‬‬
‫م اكتشاف جماعات تنتمي لعبدة الشيطان في‬ ‫‪ -‬وفي فلسطين ت ّ‬
‫منطقة قطاع غزة‪ ،‬وأصل أفكارهم قادمة من مصر‪ .‬وللموساد‬
‫السرائيلي دوره البارز في إيجاد مثل هذه الفكار‪ ،‬كما تبين لنا دوره‬
‫في مصر‪.‬‬
‫‪-‬وفي ماليزيا‪ :‬فلقد استنفرت الجهزة المنية الماليزية رجالها في‬
‫اليام الماضية لمواجهة خطر انتشار جماعات عبدة الشيطان‪ ،‬وكذلك‬
‫موسيقى "البلك ميتال" الهابطة السوداء المرتبطة بهذه‬
‫الجماعات‪.‬ويشير"فاضل حنفي" أحد مسئولي المجلس السلمي لولية‬
‫"قدح" الواقعة في الشمال الغربي لماليزية إلى أن الشرطة الماليزية‬
‫قد قبضت في اليام الثلثة الماضية على اثنين من رؤوس الجماعة‬
‫الشيطانية في الولية‪ ،‬كما تم التعرف على هوية ‪ 25‬شابا ينتمون لتك‬
‫الجماعة‪ .‬ويضيف أن عدد المنتمين إلى عبدة الشيطان في وليته‬
‫يصلون إلى ألف‪ -1000-‬فتى وفتاة‪ ،‬وجزء كبير منهم من المسلمين‪،‬‬

‫‪237‬‬
‫وآخرين من الديانات الخرى من النصارى والبوذيين‪ .‬أما "قمر الدين‬
‫قاسم" من المجلس السلمي لولية قدح فيقول‪ :‬إن هناك العديد من‬
‫أسماء مجموعات طائفة عبدة الشيطان مثل‪ :‬مجموعة البانك‪ ،‬ورأس‬
‫الثعبان‪،‬وفرقة رقصات قفزات الهيب هوب والنذار السود‪(1).‬‬
‫أسباب وجود ظاهرة عبدة الشيطان‪-:‬‬
‫صة القنوات التلفزيونية‪-‬‬‫‪-1‬النفتاح العلمي الخطير بدون أي قيود ‪-‬وخا ً‬
‫ونشر الباحية بصورة كبيرة‪ .‬وإثارة النزوات‪ ،‬ونشر الفكر الهابط من‬
‫أغاني ماجنة‪ ،‬وأفلم هابطة‪ ،‬وكتب ومجلت إباحية بأيسر السبل وأزهد‬
‫التكاليف‪ ،‬وسوء استخدام شبكات التصالت الحديثة )النترنت( التي‬
‫تمتلئ كثير من مواقعها بمثل هذا الفكر المنحرف‪.‬‬
‫‪ -2‬سياسة تجفيف المنابع السلمية التي أعقبت اتفاقيات السلم مع‬
‫اليهود وما تبعها من عمليات التطبيع معهم‪ ،‬وكذلك تحجيم دور الدعاة‬
‫والعلماء‪ ،‬وعدم وجود مناهج تعليمية وتربوية دينية قوية في المدارس‬
‫والجامعات‪ ،‬ومنع وصول المفاهيم الشرعية إلى الناس‪.‬‬
‫‪-3‬الحياة المترفة والمتفلتة التي تعيشها أسر هؤلء الشباب‪ ،‬والختلط‬
‫م جميع البلد‪ ،‬مع السفور والتبرج الشديد‪ ،‬وذهاب‬‫الفاضح الذي ع ّ‬
‫الخلق الدينية‪.‬‬
‫‪4-‬انتشار الكتب الرخيصة والقصص الماجنة التي يهاجم أصحابها‬
‫العلمانيون الدين ويسخرون من علمائه ودعاته‪.‬‬
‫‪ 5-‬الدعوة المشبوهة للدفاع عن حرية الكفر واللحاد ‪-‬تحت اسم حرية‬
‫الفمكر والرأي والعتقاد‪ -‬في حين يحاسب أهل السملم على النموايا‬
‫والخطرات‪ ،‬حتى صدق قول القائل‪-:‬‬
‫ب الله فكل‬ ‫ب الزعيم‪ ...‬ومن س ّ‬ ‫يقاد للسجن من س ّ‬
‫الناس أحرار‬

‫‪ -‬استنفمممار ممماليزي ضممد عبممدة الشمميطان ‪-‬صممهيب جاسممم – موقممع إسمملم علمى‬ ‫‪1‬‬

‫الطريق‪ -‬على النترنت يوم ‪.2001-7-21‬‬

‫‪238‬‬
‫‪ 6-‬موجة التغريب‪ ،‬والثقافة الستهلكية‪ ،‬وحياة الترف التي انتشرت‬
‫بين أبناء الطبقة الغنية مع انعدام التربية السرية‪.‬‬
‫‪ -7‬غياب القدوة الحسنة لدى الشباب الذي يجري وراء الغريزة والمال‪.‬‬
‫ول يفكر إل في الشهوة‪.‬‬
‫‪ -8‬التأثر والتقليد العمى للشباب الوربي والمريكي الذي يعيش حياة‬
‫الفجور والشذوذ الجنسي والفراغ الديني‪.‬‬

‫دور الجماعات اليهودية والوربية‪:‬‬


‫قد أثبتت التحقيقات التي قامت بها الجهزة المنية في الدول التي‬
‫قبض فيها على مجموعات من عبدة الشطان أن اليهود والجانب من‬
‫الوربيين كان لهم الدور الكبر في إسقاط هؤلء الشباب في حبائل‬
‫عبادة الشيطان‪ ،‬وقامت بدعمهم ماليًا‪ ،‬بل ومشاركتهم في طقوس‬
‫عبادة الشيطان‪ .‬لقد اعترف شباب عبدة الشيطان في مصر أّنهم تلقوا‬
‫أفكارهم المنحرفة من اختلطهم باليهود الذين يدخلون منطقة طابا‬
‫ن الموساد السرائيلي‬ ‫المصرية بدون جوازات سفر‪ .‬وأثبتت التحقيقات أ ّ‬
‫له دور كبير في نشأة عبدة الشيطان في مصر‪.‬‬
‫ن رئيس إحدى هذه الجماعات‪-‬المدعو شريف حسن فرحات‪-‬‬ ‫ثم إ ّ‬
‫قد تبين من التحقيقات أنه سافر مرات عدة إلى الخارج‪ ،‬وزار الكيان‬
‫الصهيوني ودول أوربية‪ ،‬واعترف المتهمون بأنه كان يحرص على نشر‬
‫أفكار الجماعة في الوساط الطلبية وأنه أقنعهم بأن المجتمع سيتقبل‬
‫تلك الفكار في مرحلة مقبلة كما هي الحال في الدول الغربية‪،‬‬
‫وتكررت أيضا ً رحلت شريف من القدس إلى البحر الميت حيث قبلتهم‬
‫التي يحجون إليها كما يعتقدون‪ ،‬وذكر أمام اّلنيابة المصرية أّنه يتعاطف‬
‫دس سيدنا داود‪-‬عليه السلم‪ -‬لّنه هو الّنبي الذي ألن‬ ‫مع اليهود‪ ،‬ويق ّ‬
‫الله تعالى له الحديد‪ ،‬لذلك هو من المعتزين بنجمة داود‪ ،‬ويتخذها شعارا ً‬
‫ن دولة أوربية قدمت المساعدات التي تشجع على قيام‬ ‫له‪ ،‬و ثبت أ ّ‬
‫الطقوس الشيطانية‪ .‬وأيضا ً لقد دافعت عن شباب عبدة الشيطان‬

‫‪239‬‬
‫المؤسسة الغربية التنصيرية في مصر )الجامعة المريكية( بالقاهرة‬
‫على صفحات جريدتها )القافلة( حيث انتقدت على تصريحات العلماء‬
‫شاذ‪ ،‬جاء في جريدة‬‫والكتاب والصحفيين الرافضة لهذا النحراف ال ّ‬
‫ن ما تنشره الصحف المصرية عن هذا الموضوع هو نوع من‬ ‫القافلة‪ " :‬إ ّ‬
‫مه شيئا ً‬
‫العتداء على حرية الرأي وتوجيه التهام بالكفر إلى شباب ل يه ّ‬
‫سوى سماع الموسيقى الجنبية المختلفة‪."...‬‬

‫الماسونية والمرأة‪:‬‬
‫لقد اتخذت الماسونية المرأة كسلح في معركتها ضد الخلق‬
‫والقيم والفضائل‪ ،‬وكوسيلة للقضاء على نفوذ الدين وسيطرته على‬
‫الرجال‪.‬‬
‫قال أصحاب مؤتمر بولونيا الماسوني عام ‪" :1899‬يجب علينا أن‬
‫نكسب‬
‫دت إلينما يدها فزنا بالممرام‪ ،‬وتبمدد جيش المنتصرين‬ ‫المرأة‪ ،‬فأي يوم م ّ‬
‫للديمن")‪ ،(1‬وقال الماسوني "بوكه" سنة ‪1879‬م‪" :‬تأكدوا تماما ً أننا‬
‫لسنا منتصرين على الدين إل يوم تشاركنا المرأة‪ ،‬فتمشي في‬
‫صفوفنا")‪ .(2‬وقال الرئيس بوفرييه في المجمع الماسوني عام ‪1900‬م‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫"لبد أن نجعل المرأة رسول ً لمبادئنا‪ ،‬ونخّلصها من نفوذ الدين"‪.‬‬
‫ن الماسونية تريد من المرأة عفتها وشرفها‪ ،‬تريد من المرأة أن‬ ‫إ ّ‬
‫تنغمس في مستنقع الرذائل الجنسية‪ ،‬لتفسد الرجل‪ ،‬ولتقضي على‬
‫الروابط السرية والجتماعية‪ ،‬لتروج النحلل والباحية‪ ،‬لتذهب الخلق‬
‫التي تعتمد عليها المم في نهضتها‪ ،‬ليسهل لليهودية العالمية السيطرة‬
‫على البشرية المنهوكة القوى‪.‬‬
‫لقد نجح اليهود وأتباعهم ‪-‬الماسونيون‪ -‬في التضحية بالخلق‬
‫والشرف والعرض في سبيل تحقيق أغراضهم الشيطانية‪ ،‬ولقد كانت‬

‫أوقفوا هذا السرطان ص ‪.127-125‬‬ ‫‪1‬‬

‫أوقفوا هذا السرطان ص ‪.127-125‬‬ ‫‪2‬‬

‫أوقفوا هذا السرطان ص ‪.127-125‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪240‬‬
‫المحافل الماسونية ومازالت مخورا ً ترتكب فيه المنكرات والفواحش‪،‬‬
‫وفي داخل الغرف السوداء يتم القضاء على عفة المرأة وإغواء الفتيات‬
‫الممتنعات العفيفات عن طريق الرجال الذين طرحوا الدين والخلق‬
‫والشرف جانبًا‪.‬‬
‫يقول الزعيم الماسوني "دور فويل"‪" :‬ليس الزنا بإثم في شريعة‬
‫الطبيعة‪ ،‬ولو بقي البشر على سذاجة طبيعتهم لكانت النساء كلهن‬
‫مشتركات بينهم")‪ ،(1‬ويقول "راغون" في كتابه‪" :‬رسوم إدخال النساء‬
‫إلى الماسونية" ص ‪" :28-22‬العفة المطلقة مرذولة عند الماسونيين‬
‫والماسونيات لنها ضد ّ ميل الطبيعة‪ ،‬ومن ثم تبطل كونها فضيلة")‪.(2‬‬
‫وقد صّرحت السيدة جانيت)‪ (3‬عن آثار الماسونية في حياة المرأة‬
‫وأخلقها فقالت‪":‬لقد أصيبت المرأة من الماسونية ‪-‬وهي غير عالمة‪-‬‬
‫وض‪ ،‬خسرت هناءها وسعادتها الزمنية والبدية‪،‬‬ ‫بخسارة جسيمة ل تع ّ‬
‫خسرت آدابها وحياتها‪ ،‬وبهذه الخسارة خسر الكمون نظاممه الجتماعمي‬
‫والعائلمي والدبمي والديني والصحي والنسلي‪ .‬أجل لقمد فرحمت المرأة‬
‫بهذا التساهل‪ ،‬ولكن نتيجة فرحها كان شقاًء وبكاًء‪ ،‬أل ليت التساهل‬
‫أدى إلى بكاء المرأة لوحدها‪ ،‬هيهات ذلك فأنه قد أبكى معها الكون‬
‫)‪(4‬‬
‫بأسره"‪.‬‬

‫منظمات ماسونية جديدة‪:‬‬


‫لقد أنشأت الماسونية عددا ً من المنظمات والندية الشبابية‬
‫والجتماعية لتقوم بنفس النشاطات الماسونية تحت عناوين جديدة‬
‫أخرى‪ ،‬ومن بين هذه المنظمات والندية‪ :‬الروتاري‪ ،‬والليونز‪ ،‬الكيداني‪،‬‬

‫أوقفوا هذا السرطان ص ‪.125‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.126‬‬ ‫‪2‬‬

‫السيدة جانيت هي زوجة جوناس أحمد المبرازيليين الممذي سماعد علمى نشممر تاريمخ‬ ‫‪3‬‬

‫الماسونية مع عوض الخوري في كتاب‪ :‬تبديد الظلم‪.‬‬


‫‪-4‬تبديد الظلم لعوض الخوري ص ‪ ،373‬نقل ً عمن أوقفمموا هممذا السمرطان للبسممتاني‬
‫ص ‪ ،128‬الماسونية أقدم الحركات السرية وأخطرها ص ‪.66‬‬

‫‪241‬‬
‫الكستشانج‪ ،‬المائدة المستديرة‪ ،‬القلم‪ ،‬بناي برث )أبناء العهد(‪ ،‬وهي‬
‫كلها تعمل بنفس الطريقة ولنفس الغرض مع تعديل بسيط‪ ،‬وذلك‬
‫لكثار الساليب التي يتم من خللها ترويج الفكار اللحادية واجتذاب‬
‫المؤيدين والنصار‪ .‬وتوجد بين هذه النوادي زيارات متبادلة‪ ،‬وخطوات‬
‫تنسيقية‪ ،‬لتحقيق الهداف الماسونية‪.‬‬
‫وتعتبر نوادي الروتاري والليونز من أوسعها انتشارا ً في البلد‬
‫السلمية‪ ،‬حيث تعمل تحت لفتات العمل الخيري الجتماعي‪ ،‬فتقوم‬
‫بتقديم الخدمات للمواطنين المحتاجين‪ ،‬وتساعد المكفوفين‪ ،‬وتعد‬
‫المسابقات الترفيهية‪ ،‬وتنمي روح الصداقة بين الفراد بعيدا ً عن‬
‫الروابط العقائدية‪ ،‬وتدعو إلى الحرية والخاء والمساواة‪ .‬ولكي تستمر‬
‫في خداع وتضليل مؤيديها وأنصارها وروادها تمنع دخول العقائديين‬
‫وذوي الغيرة الوطنية الصادقة من اللتحاق بها‪ .‬وهناك غموض شديد‬
‫يكتنف أسرارهم ومواردهم ووسائلهم‪ .‬ومن شعاراتهم التي يرفعونها‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الدين لله والوطن للجميع‪.‬‬

‫انتشار الماسونية ونفوذها‪:‬‬


‫الماسونية من أقوى المنظمات السرية انتشارا ً ونفوذًا‪ ،‬فمحافلها‬
‫توجد في كل العالم تقريبًا‪ ،‬ولها في معظم الدول العربية مراكز‬
‫ومحافل‪ ،‬يكون رئيس المحفل الفخري أو الفعلي في الغالب الزعيم أو‬
‫الرئيس للدولة‪ ،‬وقد استقطبت المحافل الماسونية في البلد العربية‬
‫الشخصيات السياسية والدبية والصحفية والجتماعية والعسكرية‬
‫البارزة‪ ،‬ذات المكانة والتأثير في المجتمع‪ ،‬ولقد أصبح هؤلء كالدمى‬
‫في يد الماسونية ينفذون سياساتها وتعليماتها خوفا ً على أنفسهم وعلى‬
‫كراسيهم‪ ،‬وقد استطاع الباحث حسين عمر حمادة أن يكشف عن‬
‫معلومات خطيرة‪ ،‬وجوانب مجهولة عن الماسونية في الدول العربية‪،‬‬

‫‪-1‬الموسوعة الميسرة للديان والمذاهب المعاصممرة ص ‪ 241‬وممما بعممدها‪431 ،‬وممما‬


‫بعدها‪ ،‬الماسونية ذلك العالم المجهول د‪ .‬صابر طعيمة ص ‪.383‬‬

‫‪242‬‬
‫ويعتبر كتابه‪" :‬الماسونية والماسونيون في الوطن العربي")‪ (1‬مصدرا ً‬
‫رئيسيا ً ودقيقا ً لتاريخ الماسونية في العالم العربي‪.‬‬
‫والماسونيون العرب ‪-‬كغيرهم من ماسونيي العالم‪ -‬يتلقون‬
‫التعليمات والوامر من المحفل الماسوني العظم اليهودي‪ ،‬فقد جاء‬
‫في محضر المحافل الماسونية المنعقد عام ‪1889‬م ص ‪ 267‬ما يلي‪:‬‬
‫"في وسع الماسوني أن يكون مواطنا ً على أن يكون ماسونيا ً وقبل كل‬
‫شيء‪ ،‬وفي وسعه بعد ذلك أن يكون موظفا ً أو نائبا ً أو عينا ً أو رئيس‬
‫جمهورية‪ ،‬وعليه أن يستلهم الفكار الماسونية‪ ،‬ومهما علت مكانته‬
‫الجتماعية فإنه يستوحي مذهبه من المحفل الماسوني ‪-‬الكوني‪ -‬ل من‬
‫)‪(2‬‬
‫مكانته"‪.‬‬
‫واستطاعت الماسونية عمبر رجالهمما ‪-‬وخاصممة اليهممود‪ -‬أن تسمميطر‬
‫علممى معظممم وسممائل العلم ودور النشممر والصممحافة فممي العممالم‪ ،‬وأن‬
‫تسيطر على معظم الجمعيات والمنظمات الدولية‪ ،‬ومنظمات الشممباب‪،‬‬
‫لتضمن سير العالم كما تريد وتشتهي‪.‬‬
‫ل‪ -‬على هيئة المم المتحدة ومعظم المؤسسات‬ ‫فهي تسيطر ‪-‬مث ً‬
‫والمنظمات التابعة لها‪ ،‬مثل‪ :‬مكتب السكرتارية لهيئة المم المتحدة‪،‬‬
‫ومراكز الستعلمات فيهما‪ ،‬وشعبمة القسام الداخلية للهيئة‪ ،‬ومؤسسة‬
‫التغذيمة والزراعمة‪ ،‬واليونسمكو "مؤسسمة التعليم والثقافة والفن"‪،‬‬
‫وبنك العمار الدولي‪ ،‬وصندوق النقد الدولي‪ ،‬ومؤسسة اللجئين‬
‫الدولية‪ ،‬ومؤسسة الصحة الدولية‪ ،‬ومؤسسة التجارة العامة)‪.(3‬‬
‫ولكي تستمر آلة الصيد اليهودية )الماسونية( في أعمالها‬
‫الشيطانية‪ ،‬ومخططاتها الجرامية‪ ،‬أنشأت عصابات إرهابية مهمتها‬
‫تنفيذ العمليات الجرامية للتخلص من الشخاص والجماعات‬
‫دوا سيف الدين البستاني‬ ‫َ‬
‫والمؤسسات التي تقف في طريقها‪ ،‬لقد أْر َ‬

‫الكتاب في ‪ 330‬صممفحة‪ ،‬تممولت طبمماعته ونشممره دار قتيبممة للطباعممة والنشممر والتوزيممع‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫دمشق‪ ،‬سوريا‪.‬‬
‫أسرار الماسونية ص ‪.37-36‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر أسرار الماسونية ص ‪ ،73-61‬أوقفوا هذا السرطان ص ‪.160-156‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪243‬‬
‫قتيل ً بعد أن ترك كتابا ً يكشف عن خطورة الحركة الماسونية‪ ،‬وأطلقوا‬
‫الرصاص على الدكتور محمد علي الزعبي صاحب كتاب "حقيقة‬
‫الماسونية" والرجل كان ماسونيا ً ثم تركها بعد أن تكشفت له حقيقتها‬
‫كحركة خطيرة هدامة)‪.(1‬‬

‫وماذا بعد؟؟‬
‫ألست أخي القارئ تشاركنا الرأي الذي ذهب إليه الجنرال جواد‬
‫رفعت آتلخان‪ ،‬عندما قال‪ :‬إن كلمة الماسونية هي اللدينية واللوطنية‬
‫واليهودية‪ ..‬هي الكفر البواح)‪ ،(2‬أليست هي الجرثومة الخبيثة القاتلة‬
‫التي يجب استئصالها حتى يسود الهدوء والطمئنان هذا العالم كما‬
‫ذهب إلى ذلك صاحب كتاب‪" :‬الماسونية أقدم الحركات السرية‬
‫وأخطرها")‪.(3‬‬
‫وإليك أخي المسلم فتوى العلماء الذين يمثلون العالم السلمي‬
‫في الماسونية والمنتسبين إليها‪ ،‬كما ورد في قرار المجمع الفقهي‬
‫الذي انعقد بمكة المكرمة)‪ ،(4‬وقد جاء فيه ما يلي‪":‬نظر المجمع الفقهي‬
‫في دورته الولى المنعقدة بمكة المكرمة في العاشر من شعبان‬
‫‪1398‬هم الموافق ‪15/7/1978‬م في قضية الماسونية والمنتسبين إليها‬
‫وحكم الشريعة السلمية في ذلك‪ .‬وقد قام أعضاء المجمع بدراسة‬
‫وافية عن هذه المنظمة الخطيرة‪ ،‬وطالع ما كتب عنها من قديم وجديد‪،‬‬
‫وما نشر من وثائقها نفسها فيما كتبه ونشره أعضاؤها وبعض أقطابها‪،‬‬
‫من مؤلفات‪ ،‬ومن مقالت‪ ،‬في المجلت التي تنطق باسمها‪.‬‬
‫وقد تبين للمجمع بصورة ل تقبل الريب من مجموع ما اطلع عليه من‬
‫كتابات ونصوص ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬إن الماسونية منظمة سرية تخفي تنظيمها تارة وتعلنه تارة بحسب‬

‫انظر الماسونية والماسونيون في الوطن العربي ص ‪.5‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر كتابه‪ :‬أسرار الماسونية ص ‪.89‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر ص ‪.86‬‬ ‫‪3‬‬

‫الماسونية ذلك العالم المجهول د‪ .‬صابر طعيمة ص ‪.443 – 441‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪244‬‬
‫ظروف الزمان والمكان‪ ،‬ولكن مبادئها الحقيقية التي تقوم عليها‪ ،‬هي‬
‫سرية في جميع الحوال‪ ،‬محجوب علمها حتى على أعضائها إل خواص‬
‫الخواص الذي يصلون بالتجارب العديدة إلى مراتب عليا فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬إنها تبني صلة أعضائها بعضهم ببعض في جميع بقاع الرض على‬
‫أساس ظاهري للتمويه على المغفلين وهو الخاء النساني المزعوم‬
‫بين جميع الداخلين في تنظيمها دون تمييز بين مختلف العقائد والنحل‬
‫والمذاهب‪.‬‬
‫‪ -3‬إنها تجذب الشخاص إليها ممن يهمها ضمهم إلى تنظيمها بطريق‬
‫الغراء بالمنفعة الشخصية على أساس أن كل أٍخ ماسوني مجند في‬
‫عون كل أٍخ ماسوني آخر في أي بقعة من بقاع الرض‪ ،‬يعينه في‬
‫حاجاته وأهدافه ومشكلته‪ ،‬ويؤيده في الهداف إذا كان من ذوي‬
‫الطموح السياسي‪ ،‬ويعينه إذا وقع في مأزق من المآزق أيا ً كان على‬
‫أساس معاونته في الحق والباطل ظالما ً أو مظلومًا‪ ،‬وإن كانت تستر‬
‫ذلك ظاهريا ً بأنها تعينه على الحق ل الباطل‪ .‬وهذا أعظم إغراء تصطاد‬
‫به الناس من مختلف المراكز الجتماعية وتأخذ منهم اشتراكات مالية‬
‫ذات بال‪.‬‬
‫‪-4‬إن الدخول فيها يقوم على أساس احتفال بانتساب عضو جديد تحت‬
‫مراسم وأشكال رمزية إرهابية لرهاب العضو إذا خالف تعليماتها‬
‫والوامر التي تصدر إليه بطريق التسلسل في الرتبة‪.‬‬
‫‪-5‬إن العضاء المغفلين يتركون أحرارا ً في ممارسة عباداتهم الدينية‪،‬‬
‫وتستفيد من توجيههم وتكليفهم في الحدود التي يصلحون لها ويبقون‬
‫في مراتب دنيا‪ ،‬أما الملحدة أو المستعدون لللحاد فترتقي مراتبهم‬
‫تدريجيا ً في ضوء التجارب والمتحانات المتكررة للعضو على حسب‬
‫استعدادهم لخدمة مخططاتها ومبادئها الخطيرة‪.‬‬
‫‪ -6‬إنها ذات أهداف سياسية ولها في معظم النقلبات السياسية‬
‫والعسكرية والتغيرات الخطيرة ضلع وأصابع ظاهرة أو خفية‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫‪-7‬أنها في أصلها وأساس تنظيمها يهودية الجذور‪ ،‬ويهودية الدارة العليا‬
‫العالمية‬
‫السرية‪ ،‬وصهيونية النشاط‪.‬‬
‫‪-8‬إنها في أهدافها الحقيقية السرية ضد الديان جميعا ً لتهديمها بصورة‬
‫عامة وتهديم السلم في نفوس أبنائه بصورة خاصة‪.‬‬
‫‪-9‬إنها تحرص على اختيار المنتسبين إليها من ذوي المكانة المالية‬
‫والسياسية أو الجتماعية أو العلمية أو أية مكانة يمكن أن تستغل نفوذا ً‬
‫لصحابها في مجتمعاتهم‪ ،‬ول يهمها انتساب من ليس لهم مكانة يمكن‬
‫استغللها ولذلك‪ ،‬تحرص كل الحرص على ضم الملوك والرؤساء‬
‫والوزراء وكبار موظفي الدولة ونحوهم‪.‬‬
‫‪-10‬إنها ذات فروع تأخذ أسماء أخرى تمويهًا‪ ،‬وتحويل ً للنظار لكي‬
‫تستطيع ممارسة نشاطاتها تحت مختلف السماء‪ ،‬إذا لقيت مقاومة‬
‫لسم الماسونية في محيط ما‪،‬وتلك الفروع المستورة بأسماء مختلفة‬
‫من أبرزها‪ :‬منظمة السود‪ ،‬والروتاري‪ ،‬والليونز‪ ،‬إلى غير ذلك من‬
‫المبادئ والنشاطات الخبيثة التي تتنافى تنافيا ً كليا ً مع قواعد السلم‬
‫وتناقضه مناقضة كلية‪.‬‬
‫وقد تبين للمجمع بصورة واضحة العلقة الوثيقة للماسونية باليهودية‬
‫الصهيونية العالمية‪ ،‬وبذلك استطاعت أن تسيطر على نشاطات كثير‬
‫من المسئولين في البلد العربية وغيرها في موضوع قضية فلسطين‪.‬‬
‫وتحول بينهم وبين كثير من واجباتهم في هذه القضية المصيرية‬
‫العظمى لمصلحة اليهود والصهيونية العالمية‪..‬لذلك ولكثير من‬
‫المعلومات الخرى التفصيلية عن نشاط الماسونية‪ ،‬وخطورتها‬
‫العظمى‪ ،‬وتلبيساتها الخبيثة‪ ،‬وأهدافها الماكرة يقرر المجمع الفقهي‬
‫اعتبار الماسونية من أخطر المنظمات الهدامة على السلم‬
‫والمسلمين وأن من ينتسب إليها على علم بحقيقتها وأهدافها فهو كافر‬
‫بالسلم مجانب لهله"‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫القاديانية‬
‫المقدمة‪-:‬‬
‫ظروف نشأة القاديانية‪:‬‬
‫اتسم القرن التاسع عشر الميلدي بالضطراب الفكري والثورات‬
‫النفسية في الشرق السلمي‪ ،‬واشتد هذا الضطراب في الهند بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬حيث كان الصراع بين الحضارتين الغربية والشرقية‪ ،‬وبين‬
‫السلم والمسيحية‪.‬‬
‫في سنة ‪1857‬م بليت الهند بالستعمار النجليزي‪ ،‬ولقد قوبل‬
‫بثورة عارمة من قبل المسلمين شملت معظم البلد‪ ،‬وبعد فشل الثورة‬
‫قام المستعمر النجليزي باضطهاد المسلمين وإنزال الذى والظلم بهم‬
‫مع التقرب إلى الهنادكة الهندوس‪ ،‬وعمل النجليز منذ احتللهم للبلد‬
‫على أن تكون جزءا ً من مملكة بريطانيا العظمى‪ ،‬فعانى أهل البلد‬
‫وخاصة المسلمين وطأة الستعمار السياسي والثقافي‪ ،‬حيث قام‬
‫النجليز بهدم منازل المسلمين ومساجدهم ومدارسهم‪ ،‬وتحويل بعضها‬
‫إلى ثكنات عسكرية لجيوشهم‪ ،‬وشردوا الكثير من المسلمين‪ ،‬وضيقوا‬
‫سبل المعيشة عليهم‪ ،‬ونفوا العلماء والشخصيات المؤثرة إلى جزيرة‬
‫"إندومان"‪.‬‬
‫وقام القساوسة والرهبان النجليز بحملة من التشكيك في‬
‫السلم مستخدمين الكتب والرسائل التي يوزعونها على المسلمين‪،‬‬
‫كما قاموا بالدعوة إلى المسيحية بين الجيل الناشئ‪ ،‬عساهم بهذه‬
‫)‪(1‬‬
‫العمال أن يردوا المسلمين عن دينهم‪.‬‬
‫في تلك الفترة من تاريخ بلد الهند ظهرت حركة السيد أحمد‬
‫خان التي تدعو المسلمين إلى مسالمة النجليز وعدم الثورة عليهم‪ ،‬ثم‬
‫دعا أحمد خان المسلمين إلى اقتفاء وتقليد الحضارة الغربية‪ ،‬أظهر‬
‫الرجل للنجليز نفاقا ً شديدًا‪ ،‬فاستخدموه للكيد للسلم والمسلمين‪،‬‬

‫انظر القادياني والقاديانية أبو الحسممن النممدوي ص ‪ ،19‬الفكممر السمملمي الحممديث‬ ‫‪1‬‬

‫وصلته الستعمار الغربي د‪ .‬محمد البهي ص ‪.41-40‬‬

‫‪247‬‬
‫فأخذوا في تعزيزه وتكريمه‪ ،‬وساعدوه على بناء مدرسة في "عليكرة"‪،‬‬
‫موها مدرسمة المحمدييمن‪ .‬كتمب أحممد خمان تفسميرا ً للقمرآن‬ ‫س ّ‬
‫الكريمم‪ ،‬حّرف فيمه وأّول كلم الله تعالى على الوجه الذي يتفق وفكره‬
‫الخاص‪ .‬لقد قامت حركة السيد أحمد خان على الفتتان بالعلمم‬
‫الطبيعمي والحضمارة الغربيمة المادية‪ ،‬والتنكر للقيم والمفاهيم والعقيدة‬
‫)‪(1‬‬
‫السلمية‪.‬‬
‫وفي أواخر القرن التاسع عشر ظهر الميرزا غلم أحمد مؤسس‬
‫القاديانية‪ ،‬وقد وجد محيطا ً مناسبا ً لفكرته ودعوته‪ ،‬ووجد من البيئة التي‬
‫نشأ فيها‪ ،‬والوضاع التي عاصرته ورافقته كل مساعدة وتشجيع‪ ،‬كما‬
‫وجد من الحكومة النجليزية ‪-‬التي يهمها وجود زعيم روحي يؤيد‬
‫سياستها ويخدم مصالحها‪ -‬كل تشجيع ودعم ومؤازرة بالمال والحماية‬
‫والدعاية‪ ..‬وهكذا نشأت القاديانية واستمرت تحت ظروف وعوامل‬
‫مساعدة حتى أصبحت ديانة مستقلة‪ ،‬ومشكلة تهدد العالم السلمي‬
‫)‪(2‬‬
‫وخاصة في أماكن وجودها وانتشارها ونفوذها‪.‬‬

‫التعريف بالقاديانية‪:‬‬
‫القاديانية حركة دينية نشأت في النصف الثاني للقرن التاسع‬
‫عشر الميلدي في بلد الهند بدعم وتخطيط من الستعمار النجليزي‬
‫بهدف إبعاد المسلمين عن دينهم وإخضاعهم للسياسات والثقافات‬
‫الستعمارية الصليبية‪ ،‬وإخماد روح الجهاد والمقاومة في نفوس‬
‫المسلمين حتى ل يواجهوا المستعمر الدخيل‪ ،‬وهي تنسب إلى رجل‬
‫ُيدعى الميرزا غلم أحمد القادياني‪ ،‬وقاديان إحدى مدن مقاطعة بنجاب‬
‫في الهند‪.‬‬

‫الفكر السلمي الحديث وصلته بالستعمار الغربي ص ‪. 44 ،42 - 41‬‬ ‫‪1‬‬

‫القادياني والقاديانية أبو الحسن الندوي ص ‪.21‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪248‬‬
‫من هو القادياني؟‬
‫هو غلم أحمد بن الميرزا غلم مرتضى ولد عام ‪1839‬م أو‬
‫عرف والده الميرزا غلم مرتضى بموالته للحكومة النجليزية‬ ‫‪1840‬م‪ُ ،‬‬
‫ومساعدتها في إخماد الثورة السملمية‪ ،‬ومساندة حكم السميخ الطغاة‬
‫أشد أعداء السلم في بلد الهند‪ .‬وقمد اعترف غلم أحمد بموالة والده‬
‫للنجليز‪ ،‬ومن أقواله في ذلك‪" :‬لم تبخل عائلتي ولم تضن‪ ،‬ولن تبخل‬
‫ً )‪(1‬‬
‫ولن تضن بدماء أبنائها في خدمة المصالح النجليزية أبدا"‪.‬‬
‫عرف غلم أحمد القادياني بإصابته بطائفة من المراض النفسية‬ ‫ُ‬
‫والجسدية‬
‫الفتاكة‪ ،‬منها‪ :‬الهستيريا‪ ،‬التي كانت تسبب له نوبات عصبية عنيفة تؤدي‬
‫إلى إغمائه أحيانًا‪ ،‬والماليخوليا‪ ،‬وهو نوع من الجنون‪ ،‬والسل وأمراض‬
‫ضْين الخَيرْين‬ ‫الصدر‪ ،‬ودوار الرأس‪ ،‬وسلس البول‪ ،‬وقد أصيب بالمر َ‬
‫)‪(2‬‬
‫منذ ادعى بأنه مأمور‪ ،‬وأنه يتلقى اللهامات من الله عز وجل‪.‬‬
‫وفاته‪-:‬‬
‫في عام ‪1907‬م جرى نقاش ومناظرة بين العالم الهندي‬
‫المشهور مولنا "ثناء الله المرتسري" والميرزا غلم أحمد القادياني‪،‬‬
‫تحدى على إثره القادياني بأن الكاذب المفتري منهما سيموت‪ ،‬ودعا‬
‫الله تعالى بأن يكون الموت في حياة صاحبه‪ ،‬ويسّلط عليه داًء مثل‬
‫الكوليرا أو الطاعون به يكون موته‪..‬وفي شهر مايو ‪1908‬م أصيب‬
‫القادياني بالهيصة )الكوليرا( الوبائية‪ ،‬وبها كان حتفه‪ ،‬وفي قاديان‬
‫مسقط رأسه دفن غلم أحمد القادياني‪ .‬وأما مولنا "ثناء الله‬
‫)‪(3‬‬
‫المرتسري فقد توفي بعد أربعين سنة من هلك الكذاب‪.‬‬
‫خلف غلم أحمد أحد أتباعه‪ ،‬وهو حكيم نور الدين‪ ،‬ثم خلفه ابنه‬
‫بشير الدين محمود أحمد‪ ،‬وبعد وفاته تولى الخلفة الميرزا ناصر أحمد‬

‫ما هي القاديانية للمودودي ص ‪.12‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬المصدرين السابقين الول ص ص ‪ ،26‬والثاني ‪.18-16‬‬


‫‪ -3‬القادياني والقاديانية للندوي ص ‪ ،29-28‬وانظممر سممبب وفمماته ممما هممي القاديانيممة‬
‫للمودودي ص ‪.19‬‬

‫‪249‬‬
‫بن بشير الدين محمود‬
‫أحمد‪.‬‬
‫ما تأسست باكستان عام ‪1947‬م‪ ،‬بقي جماعة من القاديانيين‬ ‫ول ّ‬
‫في قاديان في الهند‪ ،‬وهجر الباقون بمن فيهم خليفتهم الراحل بشير‬
‫الدين محمود أحمد إلى باكستان‪ ،‬حيث أسس هؤلء مدينة خاصة بهم‬
‫موها ربوة مستدلين في ذلك بقوله تعالى‪):‬وآويناهما إلى ربوة‬ ‫س ّ‬
‫‪(1).‬‬
‫ذات قرار ومعين( سورة المؤمنون‪50 :‬‬

‫انقسام القاديانيين‪:‬‬
‫بعد وفاة الميرزا غلم أحمد القادياني سنة ‪1908‬م انقسم أتباعه‬
‫إلى فريقين‪ :‬فريق يرى أنه نبي مرسل‪ ،‬وأن من ل يعتقد ذلك يكون‬
‫كافرًا‪ ،‬وعلى رأس هذه الفرقة حكيم نور الدين والميرزا بشير أحمد‪،‬‬
‫وهما خلفاء القادياني من بعده‪ ،‬وتسمى هذه الفرقة بالقاديانية‪.‬‬
‫وفريق‪:‬كان يرى أن القادياني ليس نبيًا‪ ،‬لن ادعاء النبوة خروج عن‬
‫السلم‪ ،‬إنما هو مصلح ملهم‪ ،‬ويجب إصلح القوال والراء التي وقع‬
‫فيها القادياني غلم أحمد بما ل يخرج عن هذا العتقاد‪ ،‬وأطلق هؤلء‬
‫على أنفسهم اسم الحمدية‪ ،‬وعرفوا بالفرع اللهوري‪ ،‬نسبة إلى مدينة‬
‫لهور التي تواجدوا فيها‪ ،‬وهي من أهم المدن في شمال باكستان‪ ،‬ومن‬
‫أشهر رجال هذه الفرقة‪ :‬خوجة كمال الدين‪ ،‬ومولنا محمد علي الذي‬
‫قام بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة النجليزية‪ ،‬وأّلف كتاب "بيان‬
‫القرآن" أّول فيه نصوص القرآن تأويلت فاسدة منكرة‪ ،‬مخالفا ً بها‬
‫إجماع علماء المسلمين في كل زمان‪ ،‬ويعتبر مولنا محمد علي من‬
‫)‪(2‬‬
‫أكثر الشخصيات تأثيرا ً في جماعته اللهورية‪.‬‬

‫‪ -1‬ما هي القاديانية ص ‪.19‬‬


‫‪ -2‬انظر إسلم بل مذاهب د‪ .‬مصطفى الشكعة ص ‪.382-381‬‬

‫‪250‬‬
‫العقيدة القاديانية‪:‬‬
‫لقد تدرج الميرزا غلم أحمد في اعتقاداته‪ ،‬فزعم أول ً أنه مصلح‬
‫ما وجد من المسلمين من يصدقه‪ ،‬زعم بأنه‬ ‫ومجدد للدين ليس إل‪ ،‬ول ّ‬
‫مثيل للمسيح ومشابه له‪ ،‬ثم ادعى أنه المسيح الموعود‪ ،‬ولما راجت‬
‫دث أو النبي الناقص‪ ،‬ثم صّرح‬ ‫أفكاره وكثر أتباعه‪ ،‬أعلن أنه النبي المح ّ‬
‫بأنه نبي مستقل بالوحي وبشريعة مستقلة‪ .‬ولذا من المناسب الحديث‬
‫عن عقائده وفق الترتيب التاريخي منذ ‪1880‬م إلى يوم وفاته‬
‫)‪(1‬‬
‫‪26/5/1928‬م‪.‬‬
‫المرحلة الولى‪ :‬القادياني المؤلف والداعية السلمي‪) :‬‬
‫‪1888 - 1880‬م(‬
‫كان غلم أحمد القادياني في هذه المرحلة يدعو إلى السلم‬
‫ويدافع عنه إزاء حملة الطعون والتشكيكات التي تعرض لها السلم من‬
‫أصحاب الديانات والمذاهب السائدة في بلد الهند‪ ،‬كالهندوسية‬
‫والمسيحية والرية‪ ،‬وأّلف في ذلك كتابه "براهين أحمدية"‪ ،‬أثبت فيه‬
‫فضل السلم وإعجاز القرآن‪ ،‬وصدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وتميزت أفكاره بما يلي‪-:‬‬
‫‪-1‬اللجوء إلى اللهامات والمنامات والخوارق‪ ،‬لتأييد ما ذهب إليه‪.‬‬
‫‪ -2‬الدعوة إلى مسالمة النجليز والخلص لحكومتهم ببلد الهند‪ ،‬وإعلن‬
‫حرمة جهاد ومقاومة النجليز‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬القادياني مجدد العصر ودعوى مماثلة‬
‫المسيح‪1890 -1888):‬م(‬
‫في شهر ديسمبر سنة ‪1888‬م نادى الميرزا غلم أحمد في‬
‫المسلمين ودعاهم إلى مبايعته‪ ،‬ومع بداية سنة ‪1889‬م أخذ يتلقى‬
‫البيعة ممن يؤمن بأفكاره‪ ،‬وادعى حينذاك بأنه‪ :‬مجدد العصر‪ ،‬ومأمور‬
‫من الله‪ ،‬وأخذ يظهر مماثلته للمسيح‪ ،‬زعما ً منه أنه ل يقوم بمهمة‬
‫الدعوة والرشاد إل بمثل ما كان عليه المسيح من التواضع والمسكنة‬
‫عم فيها ما ذهب إليه‪ .‬ومن‬ ‫والدعة‪ .‬ووضع غلم أحمد عدة كتب يد ّ‬

‫‪ -1‬انظر ما هي القاديانية صفحات متعددة‪ ،‬القادياني والقاديانية صفحات متعددة‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫أقواله في ذلك‪" :‬من الممكن‪ ،‬ومن الممكن حقا ً أن يأتي في زمن من‬
‫الزمان مسيح تنطبق عليه بعض ألفاظ الحديث الظاهرة")‪" .(1‬وقد‬
‫أظهر هذا العاجز أن هذا الفقير ‪-‬يقصد نفسه‪ -‬نموذج لحياة المسيح‬
‫الولى من جهة مسكنته وتواضعه وتوكله وآياته وأنواره‪ ،‬وأن خطوة هذا‬
‫العاجز وفطرة المسيح تتشابهان في ما بينهما تشابها ً عظيمًا")‪ ،(2‬ومنها‪:‬‬
‫"قد أخبر هذا الضعيف أيضا ً بأنه مجدد زمانه‪ ،‬وأن كمالته تشابه‬
‫كمالت المسيح على الوجه الروحي")‪ ،(3‬ومنها‪" :‬أني ما ادعيت قط أني‬
‫ذاب‪ ،‬بل الذي‬ ‫المسيح ابن مريم‪ ،‬والذي يتهمني بهذا‪ ،‬فإنه المفتري الك ّ‬
‫قد نشر من جانبي منذ سبعة أو ثمانية أعوام هو أني مثيل المسيح‪."..‬‬
‫)‪(4‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬المسيح الموعود‪:‬‬


‫تبدأ هذه المرحلة سنة ‪1891‬م‪ ،‬حيث أعلن الميرزا غلم أحمد أن‬
‫المسيح عليه السلم قد مات‪ ،‬وادعى أنه هو المسيح الموعود والمهدي‬
‫المعهود‪ .‬وفي بدء هذه المرحلة كتب الميرزا نفسمه‪" :‬ثم بقيت إلى‬
‫اثنتي عشرة سمنة ‪-‬وهي مدة مديدة‪ -‬غافل ً كل الغفلمة عن أن الله‬
‫تعالى قد خاطبني بالمسيح الموعود بكل إصرار وشدة في البراهين‬
‫‪-‬يقصد كتابه البراهين الحمدية‪ -‬ومازالت على عقيدة نزول عيسى‬
‫ي‬‫العامة‪ ،‬ولكن لما انقضت اثنتاة عشرة سنة‪ ،‬آن أن تنكشف عل ّ‬
‫)‪(5‬‬
‫ي اللهام أنك أنت المسيح الموعود"‪.‬‬‫العقيدة الثابتة‪ .‬فتواتر عل ّ‬
‫ولكي يدعم آراءه الخيالية وفكره المريض بما يدل عليه ابتدع‬
‫قصة اكتشاف قبر المسيح عليه السلم في كشمير‪ :‬حيث زعم أن‬
‫المسيح توفي في كشمير ودفن فيها‪ ،‬وزعم‪ :‬أن كشمير ينطق بها في‬
‫اللغة الكشميرية "كشير"‪ ،‬والكلمة في الصل عبرية مركبة من الكاف‬

‫‪ -1‬إزالة الوهام للميرزا غلم أحمد ص ‪.199‬‬


‫‪ -2‬البراهين الحمدية له ص ‪.499‬‬
‫‪ -3‬تبليغ الرسالة له ج ‪ 1‬ص ‪.15‬‬
‫‪ -4‬إزالة الوهام للميرزا غلم أحمد ص ‪.190‬‬
‫‪ -5‬العجاز المحمدي ص ‪ ،7‬ونفس التصريح في كتابه‪ :‬حقيقة الوحي ص ‪.149‬‬

‫‪252‬‬
‫التي للماثلة والمشابهة‪ ،‬و"أشير" ومعناها في العبرية الشام‪ ،‬فتصبح‬
‫الكلمة‪ :‬مثل الشام‪ .‬ولما هاجر عيسى عليه السلم من فلسطين إلى‬
‫ماها‬‫كشمير التي تشبه بلد الشام في طيب مناخها وبرودة هوائها‪ ،‬س ّ‬
‫الله تعالى كشمير تسلية لعيسى بن مريم وإدخال ً للسرور عليه‪ ،‬ولقد‬
‫سقطت اللف بكثرة الستعمال وأصبحت كشمير‪ (1).‬ثم زعم غلم أحمد‬
‫أنه اكتشف قبر المسيح عليه السلم في سرنجار قرب كشمير‪،‬‬
‫والمشهور أنه قبر أحد الولياء يدعى يوسف أساف أو بوذاسف‪ ،‬وقال‬
‫القادياني‪ :‬أن عيسى عليه السلم فّر من اليهود عندما شبه لهم ونجا‬
‫من الصلب‪ ،‬وألقى به الترحال في هذا المكان‪ ،‬حيث أدركه الموت‪،‬‬
‫ودفن في هذا القبر‪.‬‬
‫لقد خالف بذلك القادياني عقيدة جمهور المسلمين في رفع‬
‫عيسى عليه السلم إلى السماء‪ .‬قال تعالى‪) :‬بل رفعه الله إليه(‬
‫النساء‪ ،158:‬وقال‪) :‬إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك‬
‫ي ومطهرك من الذين كفروا( آل عمران‪ .55 :‬وزعم القادياني‬ ‫إل ّ‬
‫أن عيسى عليه السلم لم يرفع ببدنه إلى السماء‪ ،‬بل رفع بروحه‪ ،‬وأن‬
‫جسده مدفون في الرض‪ ،‬وفي نفس المكان الذي قرر أنه قبر‬
‫)‪(2‬‬
‫المسيح‪.‬‬
‫ي الناقص‪:‬‬ ‫المرحلة الرابعة‪ :‬الّنبوة الجزئية‪ ،‬والنب ّ‬
‫تبدأ هذه المرحلة سنة ‪1900‬م‪ ،‬حيث بدأ الخواص من أتباع‬
‫صها‬‫الميرزا يلقبونه بالنبي صراحة‪ ،‬وينزلونه المنزلة السامية التي خ ّ‬
‫الله تعالى بالنبياء‪.‬‬
‫وأما الميرزا غلم فلقد كان موقفه مما يسمع يتسم بالمكر والدهاء‬
‫والحيلة‬
‫دق ما يطلقه عليه أتباعه ويقرهم عليه‪ ،‬إذا وجد‬ ‫البارعة‪ ،‬فكان تارة يص ّ‬
‫منهم ميل ً شديدا ً إلى ذلك‪ ،‬وتارة يأول نبوته بكلمات "النبي الناقص" أو‬

‫‪ -1‬انظر القادياني والقاديانية ‪-‬دراسة تحليلية‪ -‬أبو الحسن الندوي ص ‪.65‬‬


‫‪ -2‬انظر المصدر السابق نفسه‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫دث"‪ ،‬وهذا يظهره للذين يترددون في‬ ‫"النبي الجزئي" أو "النبي المح ّ‬
‫اليمان بنبوته من أتباعه ومريديه‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪:‬أن المولوي عبد الكريم‪-‬أحد أتباع الميرزا غلم‪-‬‬
‫خطب الجمعة في يوم ‪7/8/1900‬م‪ ،‬وقال في خطبته‪":‬واعلموا أنكم‬
‫كموا المسيح الموعود في ما شجر بينكم‪ ،‬وتؤمنوا به كما آمن‬ ‫إن لم تح ّ‬
‫الصحابة بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كنتم إلى حد كبير‬
‫من المفرقين بين رسل الله كغير الحمديين"‪ .‬وبعد الخطبة قال‬
‫ن مذهبي هو عين ما قد بينته في خطبتك‪،‬‬ ‫الميرزا لعبد الكريم‪:‬نعم إ ّ‬
‫ولقد كان الميرزا يتجنب التصريح أمام الناس بالنبوة‪ ،‬بل اقتصر التأييد‬
‫والتصديق للقائلين بنبوته من خواص أتباعه‪.‬‬
‫وكان ابنه الميرزا بشير الدين محمود يشير إلى أن الميرزا غلم‬
‫أحمد القادياني كان له فضل ً جزئيا ً على المسيح‪ ،‬وأنه إذا قيل أنه نب ّ‬
‫ي‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫فإنما هي نبوة جزئية أو نبوة غير كاملة‪.‬‬

‫المرحلة الخامسة‪ :‬النبي والرسول‪:‬‬


‫ي والرسول‪،‬‬ ‫في سنة ‪1901‬م أعلن الميرزا غلم أحمد أنه النب ّ‬
‫وقد صّرح بذلك بوجه سافر‪ ،‬فلم يعد يقيد نبوته ورسالته بكلمات‬
‫النقص أو الجزئية‪ ،‬كما كان يفعل في المرحلة السابقة‪.‬‬
‫صّرح القادياني جلل الدين شمس في كتابه "مآل منكري النبوة"‬
‫بأن السيد القدس ‪-‬الميرزا‪ -‬قد أنكر في بعض كتاباته قبل سنة‬
‫دث‪ ،‬ولكنمه لم يقل في‬ ‫‪1901‬م نبوته‪ ،‬وقال لست نبيا ً ولكني مح ّ‬
‫دث‪ ،‬بل‬‫كتاباته بعد سنة ‪1901‬م أن نبوته هذه نبوة ناقصمة أو نبوة مح ّ‬
‫ي بكلمات واضحة"‪ .‬وقال الميرزا غّير عقيدته‬ ‫مازال يصّرح بكونه النب ّ‬
‫سنة ‪1901‬م‪ ،‬والمصادر التي أنكر فيها نبوته قبل سنة ‪1901‬م‪ ،‬صارت‬
‫منسوخة‪ ،‬فل يصح أن يحتج بها أحد الن)‪.(2‬‬

‫‪ -1‬انظر ما هي القاديانية أبو العلى المودودي ص ‪.23‬‬


‫‪ -2‬المصدر السابق ص ‪.24‬‬

‫‪254‬‬
‫ولقد صّرح بشير الدين محمود في كتبه‪ ،‬وخاصة في كتابيه‪:‬‬
‫"حقيقة النبوة"‪ ،‬و"أنوار الخلفة" بنبوة أبيه‪ ،‬وأن باب النبوة بعد رسول‬
‫الله محمد صلى الله عليه وسلم ل يزال مفتوحًا‪ ،‬ومن زعم غير ذلك‬
‫فهو كذاب)‪ .(1‬ففي كتابه "حقيقة النبوة" ص ‪ 174‬يقول بشير الدين‬
‫محمود‪" :‬فالمعنى التي تفّهمنا إياه الشريعة السلمية عن النبي ل‬
‫يسمح أن يكون المسيح الموعود نبيا ً مجازا ً فقط‪ ،‬بل لبد أن يكون نبيا ً‬
‫حقًا‪ ،‬إّنا نؤمن بنبوة ميرزا عليه السلم")‪ ،(2‬ونقل أتباع الطائفة القاديانية‬
‫عن الميرزا غلم أحمد أقوال ً كثيرة تؤكد ادعاءه النبوة‪.‬‬
‫ومن ذلك قوله‪" :‬أنا نبي وفقا ً لمر الله‪ ،‬وأكون آثما ً إن أنكرت‬
‫ذلك‪ ،‬وإذا كان الله هو الذي يسميني النبي‪ ،‬فكيف لي أن أنكر ذلك؟‬
‫إنني سأتمسك بهذا المر حتى أجاوز هذه الدنيا")‪ ،(3‬ولقد اشتد نقاش‬
‫بين اثنين من أتباع الميرزا حول نبوته‪ ،‬أحدهما وهو الشيخ محمد أحسن‬
‫المروهي وهو منكر لذلك‪ ،‬والثاني المولوي عبد الكريم‪ ،‬فعرضا المر‬
‫على الميرزا نفسه‪ ،‬قال المولوي عبد الكريم للميرزا‪ :‬أنا أعتقد أنك‬
‫نبي ورسول‪ ،‬فإن كنت مخطئا ً نبهني على ذلك"‪ .‬قال الميرزا‪" :‬هذا‬
‫دعيه"‪ ،‬فأقلق ذلك منكر النبوة الشيخ محمد أحسن‪،‬‬ ‫الذي أدين به وأ ّ‬
‫فجعل يناقش المولوي عبد الكريم وارتفع صوتهما‪ ،‬فخرج عليهما‬
‫الميرزا من بيته وهو يقرأ قوله تعالى من سورة الحجرات‪):‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا ل ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي(‪.‬الية‪.2:‬‬
‫ومن ذلك قوله‪ :‬إنني ل أقتصر على قولي أن لو كنت كاذبا ً‬
‫لهلكت‪ ،‬بل أضيف إلى ذلك أنني صادق كموسى وعيسى وداود ومحمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقد أنزل اللمه لتصديقي آيات سمماوية تربمو‬
‫على عشمرة آلف‪ ،‬وقد شمهد لي القرآن‪ ،‬وشهد لي الرسول‪ ،‬وقد عين‬

‫‪ -1‬المصدر السابق ص ‪ ،72‬القادياني والقاديانية للندوي ص ‪.73‬‬


‫‪ -2‬ما هي القاديانية للمودودي ص ‪.73‬‬
‫‪ -3‬المصدر السابق ص ‪.73‬‬

‫‪255‬‬
‫النبياء زمان بعثتي‪ ،‬وذلك هو عصرنا هذا‪ ،‬والقرآن يعين عصري‪ ،‬وقد‬
‫)‪(1‬‬
‫شهدت لي السماء والرض‪ ،‬وما من نبي إل قد شهد لي"‪.‬‬
‫ومؤلفاته مملوءة بالنصوص التي تدل على أنه كان مقتنعا ً بأنه‬
‫نبي مستقل‪ ،‬وصاحب شريعمة وأمر ونهي‪ ،‬وأن الوحي كان يتنزل عليه‪،‬‬
‫ثم إن نسخه لفريضة الجهماد الذي شّرعه الله رب العالمين دليل على‬
‫اعتقاده ذلك‪ ،‬بل تمادى في طغيانه وضلله وزعم أن الروضة النسانية‬
‫)‪(2‬‬
‫كانت ل تزال ناقصة‪ ،‬وقد تمت بأوراقها وأثمارها بقدومه هو‪.‬‬
‫ن ل يؤمن بنبوة الميرزا غلم أحمد القادياني‪:‬‬ ‫م ْ‬‫تكفير َ‬
‫إن ادعاء النبوة من قبل الميرزا غلم أحمد القادياني يقتضي‬
‫ن ل يؤمن بها‪ ،‬وهذا ما فعله القاديانيون‪ ،‬إذ ذهبوا إلى تكفير‬ ‫م ْ‬‫تكفير َ‬
‫منكري نبوة القادياني‪ ،‬وصّرحوا بذلك علنا ً في خطبهم وكتاباتهم)‪،(3‬‬
‫وعلى هذا فإن المسلمين جميعا ً كافرون لنهم يعتقدون أن الميرزا غلم‬
‫رجل ضال مهووس‪ ،‬ليس بنبي ول ولي‪ ،‬بل رجل دجال مدعي النبوة‪،‬‬
‫سبقه إلى ذلك كثير من المتهوسين الدعياء أمثال مسيلمة الكذاب‬
‫الذي ظهر زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وقتل في خلفة أبي‬
‫بكر الصديق رضي الله عنه‪ ،‬وقد أخبر عنهم الصادق المصدوق عليه‬
‫الصلة والسلم ومن ذلك قوله‪) :‬وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلثون‬
‫كلهم يزعم أنه نبي‪ ،‬وأنا خاتم النبيين ل نبي بعدي()‪ ،(4‬وقوله‪) :‬ل تقوم‬
‫الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلثين كلهم يزعم أنه‬
‫)‪(5‬‬
‫رسول الله(‪.‬‬

‫‪ -1‬القادياني والقاديانية ص ‪.73-72‬‬


‫‪ -2‬انظر المصدر السابق ص ‪.75-74‬‬
‫‪ -3‬انظر ما هي القاديانية ص ‪ ،74-73 ،46-44‬القادياني والقاديانية ص ‪.76-75‬‬
‫رواه أبو داود في كتاب الفتن‪ ،‬والترمذي في الفتن‪ ،‬باب ما جمماء ل تقمموم السمماعة‬ ‫‪4‬‬

‫حتى يخرج كذابون وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬


‫رواه أبو داود في كتاب الملحم‪ ،‬والترمذي في الفتن‪ ،‬باب ما جاء ل تقوم الساعة‬ ‫‪5‬‬

‫حتى يخرج كذابون وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح ‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫ومن المعلوم بالضروة من دين السلم أن رسول الله محمد هو‬
‫خاتم النبياء والمرسلين‪ ،‬وأّنه ل نبي بعده‪ .‬ول ينكر ذلك إل من هو مرتد‬
‫زنديق‪ .‬قال تعالى‪):‬ما كان محمد أبا أحمد من رجالكم ولكن‬
‫رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ً( سورة‬
‫الحزاب‪.40 :‬‬
‫وقد رتبوا على تكفيرهم لمنكري نبوة القادياني‪-:‬‬
‫‪-1‬عدم الصلة على موتى المسلمين غير القاديانيين‪ ،‬ولقد رفض‬
‫الميرزا نفسه الصلة على ولده المتوفى فضل لنه كان مخالفا ً له‪.‬‬
‫‪-2‬حرمة تزويج بنات القاديانيين لغيرهم‪ ،‬وجواز زواج القادياني من بنات‬
‫غيرهم‪ ،‬أي معاملتهم معاملة أهل الكتاب‪ ،‬كما صّرح بذلك القادياني‬
‫غلم أحمد نفسه‪.‬‬
‫‪-3‬عدم صحة الصلة خلف غير القادياني‪.‬‬
‫‪-4‬معاملة المسلمين‪-‬غير القاديانيين‪ -‬معاملة الرسول صلى الله عليه‬
‫)‪(1‬‬
‫وسلم للنصارى واليهود‪.‬‬
‫القادياني أفضل من النبياء‪:‬‬
‫جمع ما‬ ‫وق على النبياء جميعًا‪ ،‬إذ ُ‬ ‫وزعم الميرزا غلم أحمد أنه تف ّ‬
‫تفرق من النبياء في الصفات في شخصه‪ ،‬وأنه الرجل الذي أراد الله‬
‫تعالى أن يتمثل فيه جميع النبياء والمرسلين‪.‬‬
‫وقد تفوق على رسول الله صلى الله عليه وسلم في روحانيته‪،‬‬
‫ذلك أن روحانية الرسول قد تجّلت في عصره بصفات إجمالية لنها لم‬
‫تبلغ غاياتها وأوجها بعد‪ ،‬وتجّلت هذه الروحانيات في القرن العشرين‬
‫في شخص غلم أحمد في أبهى حللها وأرقى مظاهرها‪ .‬وقد ضمن هذه‬
‫)‪(2‬‬
‫المزاعم في كتابه "الخطبة اللهامية"‪.‬‬
‫ولقد صّرح بهذا العتقاد الشنيع الميرزا بشير الدين محمود الخليفة‬
‫الثاني قال‪" :‬إن غلم أحمد أفضل من بعض أولي العزم من‬

‫انظر ما هي القاديانية ص ‪ ،77-76 ،48-46‬القادياني والقاديانية ص ‪.76‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬انظر القادياني والقاديانية ص ‪.79-78‬‬

‫‪257‬‬
‫الرسل‪...‬إنه كان أفضل من كثير من النبياء ويجوز أن يكون أفضل من‬
‫‪(1).‬‬
‫جميع النبياء"‬
‫ادعاؤه المعجزات‪:‬‬
‫عم فكرة النبوة المدعاة‪ ،‬أخذ ينسب إلى نفسه‬ ‫ولكن يد ّ‬
‫المعجزات التي ظهرت لتأييمده وتثبيت صدقه ونبوته‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫خسوف القمر وكسوف الشمس‪ ،‬وأنه أخبر بهما قبل وقوعهما‪ ،‬وأنشد‬
‫في ذلك شعرا ً فقال‪:‬‬
‫غسا القمران المشرقان‬ ‫له خسف القمر المنير وإن لي‬
‫)‪(2‬‬
‫أتنكر‬
‫ومن عقائدهم‪ :‬التناسخ والحلول‪:‬‬
‫يقول الشيخ أبو الحسن الندوي‪-‬رئيس ندوة العلماء بالهند‪:-‬‬
‫"وفي عبارات الميرزا ما يدل على عقيدة التناسخ والحلول‪ ،‬وعلى أن‬
‫النبياء كانت تتناسخ أرواحهم‪ ،‬ويتقمص روح بعضهم وحقيقتهم جسد‬
‫بعضهم‪ ،‬وتظهر في مظهر الخر‪ .‬وقد جاء في "ترياق القلوب" ص‬
‫‪" :155‬إن مراتب الوجود دائرة‪ ،‬وقد ولد إبراهيم بعادته وفطرته‬
‫ومشابهته القلبية‪ ،‬بعد وفاته بنحو ألفي سنة وخمسين في بيت عبد الله‬
‫بن عبد المطلب‪ ،‬وسمي بمحمد صلى الله عليه وسلم"‪.‬‬
‫ل الحقيقة المحمدية‪ ،‬وتتجلى في‬ ‫ويقول في كتاب آخر‪" :‬وتح ّ‬
‫متبع كامل‪ ...‬وقد مضى مئات من الفراد تحققت فيهم الحقيقة‬
‫مون عند الله عن طريق الظل محمدا ً وأحمدًا")‪.(3‬‬ ‫المحمدية‪ ،‬وكانوا يس ّ‬
‫مكانة قاديان عند القاديانية‪:‬‬
‫من المعلوم أن قاديان منبت هذه النبتة الخبيثة‪ ،‬ومن هنا لبد من‬
‫إضفاء مكانة خاصة عليها‪ ،‬ولذا قاموا بتطبيق اليات التي نزلت في مكة‬
‫والمسجد القصى على قاديان‪ ،‬وزعموا أنها في الرض الحرام‪ ،‬وأن‬
‫الله ذكرها في القرآن الكريم‪ ،‬وهي المراد من المسجد القصى في آية‬

‫‪ -1‬المصدر السابق ص ‪.80‬‬


‫‪ -2‬المصدر السابق ص ‪.79‬‬
‫‪ -3‬انظر القادياني والقاديانية ص ‪.77-76‬‬

‫‪258‬‬
‫سورة السراء‪ ،‬فالمسجد القصى هو مسجد المسيح الموعود في‬
‫قاديان‪ ،‬وزيارة قاديان واجبة‪ ،‬وهي تجلب لصاحبها البركة‪ ،‬وأن الحج‬
‫إلى مكة بغير الحج إلى قاديان حج جاف خشيب‪ ،‬لن الحج إلى مكة ل‬
‫)‪(1‬‬
‫يؤدي رسالته ول يفي بغرضه‪ ..‬إلى آخر ذلك من الترهات‪.‬‬

‫إبطال فريضة الجهاد‪:‬‬


‫ولما كان المستعمر النجليزي هو صاحب الفضل والنعمة على‬
‫الميرزا غلم أحمد في ظهور دعوته وإظهارها في بلد الهند‪ ،‬كان لبد‬
‫من مكافئته‪ ،‬فقام الميرزا القادياني بإصدار التصريحات وتأليف الكتب‬
‫وإعداد النشرات في إلغاء فريضة الجهاد وتحريمه في هذا العصر‬
‫‪-‬عصر ظهور المسيح الموعود‪.-‬‬
‫لقد كان تعطيل فريضة الجهاد وتحريم قتال المستعمر النجليزي‬
‫هدفا ً للقاديانية استماتت في سبيل الدعوة إليه والدفاع عنه‪ .‬ولكي‬
‫يحققوا ذلك قاموا بالتلعب في نصوص القرآن والسنة التي تشير إلى‬
‫فرضية الجهاد‪ ،‬وإلى تغيير حقائق السيرة النبوية وأحداث التاريخ‬
‫السلمي‪ ،‬وخاصة ما يتعلق بالغزوات والفتوحات السلمية‪ ،‬ومن أقوال‬
‫الميرزا غلم أحمد في ذلك‪" :‬لقد ألغي الجهاد في عصر المسيح‬
‫ن تفتح أبواب السماء وقد ع ّ‬ ‫َ‬
‫طل الجهاد‬ ‫الموعود إلغاًء باتًا"‪" ..‬لقد آن أ ْ‬
‫في الرض وتوقفت الحروب‪ ،‬كما جاء في الحاديث أن الجهاد للدين‬
‫يحرم في عصر المسيح‪ ،‬فيحرم الجهاد من هذا اليوم‪ ،‬وكل من يرفع‬
‫السيف للدين‪ ،‬ويقتل الكفار باسم الغزو والجهاد يكون عاصيا ً لله‬
‫ولرسوله"‪ .‬وقال‪" :‬إن الفرقة السلمية التي قلدني الله إمامتها‬
‫وسيادتها تمتاز بأنها ل ترى الجهاد بالسيف ول تنتظره بل إن الفرقة‬
‫المباركة ل تستحله سرا ً كان أو علنية وتحرمه تحريما ً باتًا")‪.(2‬‬
‫وفي سنة ‪1875‬م قامت ثورة إسلمية ضد المستعمر النجليزي‪،‬‬
‫فقام غلم أحمد القادياني باتخاذ موقف مثبط لعزائم المجاهدين‬

‫انظر القاديانية‪ ،‬نشأتها وتطورها حسن عيسى عبد الظاهر ص ‪.170-169‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬القادياني والقاديانية ص ‪.102-101‬‬

‫‪259‬‬
‫المسلمين‪ ،‬قال لهم‪" :‬لقد رأيتم نتيجة الجهاد الذي قمتم به سنة‬
‫‪1857‬م‪ ،‬إنه ليس لدي مانع ضد عقيدتكم‪ ،‬ولكنكم سوف تنهزمون‪،‬‬
‫يمكنكم أن تنظموا عصيانا ً مدنيا ً بنية الجهاد‪ ،‬والله سوف يؤجركم على‬
‫ذلك")‪.(1‬‬
‫إن إلغاء فريضة الجهاد كان منسجما ً مع عقيدة الولء للنجليز‪ ،‬ففممي‬
‫سنة ‪1898‬م كتممب الميممرزا غلم أحمممد رسممالة للحمماكم النجليممزي فممي‬
‫المقاطعة التي يعيش فيها‪ ،‬جاء فيها‪" :‬لقد ظللت منذ حداثة سممني وقممد‬
‫ناهزت اليوم الستين أجاهد بلساني وقلمي لصمممرف قلمموب المسمملمين‬
‫إلى الخلص للحكومة النجليزيممة والنصممح لهمما والعطممف عليهمما‪ ،‬وألغممى‬
‫فكرة الجهاد التي يدين بها بعض رجممالهم‪ ،‬والممتي تمنعهممم مممن الخلص‬
‫لهممذه الحكومممة‪ ،‬وأرى أن كتابمماتي قممد أّثممرت فممي قلمموب المسمملمين‪،‬‬
‫وأحدثت تحول ً في مئات اللف منهم"‪.‬‬
‫وقال في أحد كتبه‪" :‬وقد أّلفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي‬
‫المر النجليز من الكتب والنشرات ما لو جمع بعضها إلى بعض لمل‬
‫خمسين خزانة‪ ،‬وقد نشرت جميع هذه الكتب في البلد العربية ومصر‬
‫‪(2).‬‬
‫والشام وكابل والروم"‬

‫القاديانية صنيع النجليز‪:‬‬


‫القاديانية من غرس وصنيع النجليز‪ ،‬ولقد اعترف القادياني نفسه‬
‫بذلك‪ ،‬حيث كتب في رسالة موجهة لنائب الحاكم النجليزي في‬
‫المقاطعة في ‪ 24‬فبراير سنة ‪1898‬م "والمأمول من الحكومة أن‬
‫تعامل هذه السرة التي هي من غرس النجليز أنفسهم ومن صنعاهم‬
‫بكل حزم واحتياط وتحقيق ورعاية‪ ،‬وتوصي رجال حكومتها أن تعاملني‬
‫)‪(3‬‬
‫وجماعتي بعطف خاص ورعاية فائقة"‪.‬‬

‫‪ -1‬إسلم بل مذاهب د‪ .‬مصطفى الشكعة ص ‪.387‬‬


‫‪ -2‬ما هي القاديانية ص ‪ ،13-12‬القادياني والقاديانية ص ‪.97-96‬‬
‫‪ -3‬القادياني والقاديانية ص ‪.101-100‬‬

‫‪260‬‬
‫وذهب العلمة أبو العلى المودودي إلى أن النجليز هم الذين‬
‫غرسوا بذرة القاديانية ورعوها وشجعوها وباركوها‪ ،‬لنها مصدر الفتنة‬
‫والشقاق في صفوف المسلمين‪ ،‬ومن العوامل الرئيسية لتمزق‬
‫شملهم‪ ،‬وهي أصلح أداة لتحقيق أغراض النجليز الستعمارية‪ ،‬وقد أخذ‬
‫النجليز بيدها حتى استفحل أمرها واشتد خطرها‪ ،‬وعملوا على تسليم‬
‫القاديانيين المراكز الرئيسية في الدارة والمدنية والجيش‪(1).‬وعرفت‬
‫أسرة القادياني غلم أحمد بالولء الكامل للستعمار النجليزي‪ ،‬فوالده‬
‫الميرزا غلم مرتضى كان من الموالين المخلصين للحكومة النجليزية‪،‬‬
‫وكان من الجلساء المقربين من الحاكم النجليزي للمقاطعة التي‬
‫دم لهذه الحكومة أعمال جليلة‪ ،‬منها‪ :‬تقديم مساعدات‬ ‫يعيش فيها‪ ،‬وق ّ‬
‫للنجليز أثناء مواجهتم للثورة السلمية‪ ،‬والتجنيمد في صمفوف النجليز‬
‫لمحاربة المسلمين‪ ،‬ولقد اعترف الميرزا غملم أحمد بذلك في كتبه‬
‫ورسائله)‪ ،(2‬ومن ذلك قوله‪":‬لم تبخل عائلتي ولم تضن‪ ،‬ولن تبخل ولن‬
‫ً )‪(3‬‬
‫تضن بدماء أبنائها في خدمة مصالح الحكومة النجليزية أبدا"‪.‬‬
‫ومنها قوله‪" :‬لقد نشرت خمسين ألف كتاب ورسالة وإعلن في‬
‫هذه البلد وفي البلد السلمية‪ ،‬تفيد أن الحكومة النجليزية صاحبة‬
‫الفضل والمنة على المسلمين‪ ،‬فيجب على كل مسلم أن يطيع هذه‬
‫الحكومة طاعة صادقة‪ ،‬وقد أّلفت هذه الكتب في اللغات الردية‬
‫)‪(4‬‬
‫والعربية والفارسية‪ ،‬وأذعتها في أقطار العالم السلمي‪."..‬‬
‫لقد ناصر النجليز الحركة القاديانية‪ ،‬حيث منعوا الرساليات‬
‫دمت لهم‬ ‫التبشيرية في القارة الهندية من التعرض لتباعها‪ ،‬وق ّ‬
‫المساعدات والخدمات خارج الهند‪ ،‬وخاصة في مستعمراتها في‬

‫‪ -1‬انظر ما هي القاديانية ص ‪.53‬‬


‫‪ -2‬انظممر طائفممة مممن أقممواله وأقمموال أولده‪:‬ممما هممي القاديانيممة ص ‪،14-9‬القاديمماني‬
‫والقاديانية ص ‪.101-96‬‬
‫ما هي القاديانية ص ‪.12‬‬ ‫‪3‬‬

‫القادياني والقاديانية ص ‪.98‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪261‬‬
‫أفريقيا‪ ،‬وفي فلسطين الواقعة تحت النتداب البريطاني‪ ،‬ومكنتهم من‬
‫الدعوة إلى ديانتهم الجديدة‪ ،‬مع توفير سبل المن والحماية لهم)‪.(1‬‬
‫دت الحركة القاديانية الحكومة النجليزية بخير رجالها‬‫لقد أم ّ‬
‫وجواسيسها لخدمة مصالحها الستعمارية‪ ،‬وكانوا موضع ثقة النجليز‪،‬‬
‫وقاموا بخدمتها في الهند‬
‫وخارج الهند‪ ،‬وبذلوا في سبيل ذلك نفوسهم ودماءهم بسخاء)‪ ،(2‬وتباهوا‬
‫دوها من المآثر والفضائل التي يعجز غيرهم‬ ‫بذلك العمل الخسيس‪ .‬وع ّ‬
‫من المسلمين القيام بها على حد تعبير القادياني غلم أحمد نفسه‪:‬‬
‫"وهذه مآثري أتباهى بها‪ ،‬يعجز المسلمون في الهند أن ينافسوني‬
‫فيها")‪.(3‬‬
‫وقد عّلل الميرزا غلم أحمد موقفه من الحكومة النجليزية‪ ،‬ور ّ‬
‫ده‬
‫إلى أسباب ثلثة‪ ،‬هي‪ :‬نفوذ والده عند النجليز‪ ،‬وأيادي وأفضال‬
‫الحكومة على غلم أحمد نفسه‪ ،‬واللهام من الله تعالى الذي طالبه‬
‫باتخاذ هذا الموقف الموالي والممالئ للنجليز‪.‬‬
‫علقة القاديانية بإسرائيل‪:‬‬
‫لقد أسس القاديانيون لهم مركزا ً تبشيرا ً لديانتهم الجديدة في‬
‫مدينة حيفا بفلسطين زمن النتداب البريطاني لها‪ ،‬ومن هذا المركز‬
‫يرسلون دعاتهم إلى البلد العربية وغيرها‪ .‬ولما انسحبت بريطانيا من‬
‫فلسطين بعد أن سلمتها لليهود‪ ،‬وجد القاديانيون في إسرائيل أمنا ً‬
‫وسلمًا‪ ،‬كما وجدوا رعاية ومساعدة‪ ،‬ول يزال مركزهم فيها إلى الن‪،‬‬
‫وهو يقع في جبل الكرمل بمدينة حيفا‪ ،‬ولهم فيه مسجد‪ ،‬ودار للتبشير‪،‬‬
‫ومكتبة عامة‪ ،‬ومكتبة أخرى لبيع الكتب‪ ،‬ومدرسة‪ ،‬ويصدر هذا المركز‬
‫مجلة خاصة باللغة العربية اسمها "البشرى" تتولى السفارات اليهودية‬
‫في العالم توزيعها‪ ،‬كما يقوم بترجمة كتب ونشرات الميرزا غلم أحمد‬

‫انظر القاديانية نشأتها وتطورها حسن عيسى عبد الظاهر ص ‪.165‬‬ ‫‪1‬‬

‫ما هي القاديانية ص ‪.15-14‬‬ ‫‪2‬‬

‫القادياني والقاديانية ص ‪.98‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪262‬‬
‫)‪(1‬‬
‫القادياني إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫القاديانيون وباكستان‪:‬‬
‫لقد نالت باكستان استقللها سنة ‪1947‬م‪ ،‬وأصبحت القاديانية‬
‫مشكلة خطيرة تشكل ضررا ً كبيرا ً للمسلمين ودينهم وحاضرهم‪ ،‬ويظهر‬
‫خطرها فيما يلي‪:‬‬
‫م‬
‫‪-1‬محاولتهمم جعل مقاطعة "بلوجستان" منطقة قاديانية‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫اتخاذها قاعدة للستيلء على باكستان كلها‪ ،‬وتحويلها إلى الدين‬
‫القادياني‪.‬‬
‫‪-2‬إقحام القاديانيين أنفسهم في المؤسسات والدوائر الحكومية‪،‬‬
‫استغلل السلطة الحكومية في مصالح الجماعة القاديانية‪ (2).‬والتغلغل‬
‫كزوا عليه اللتحاق‬ ‫في الجيش والشرطة والمالية والجمارك‪ ،‬وأهم ما ر ّ‬
‫بالجيش الباكستاني‪ .‬لقد استبد القاديانيون من الوظائف الرسمية‬
‫الحكومية بما يزيد زيادة كبيرة على نسبتهم من السكان‪.‬‬
‫‪ -3‬التحريض المستمر على إيصال الذى بالمسلمين‪ ،‬لنهم العدو‬
‫الحقيقي للقاديانيين والتهديد العلني للمسلمين بسوء العاقبة والمصير‪.‬‬
‫‪-4‬تخويف المسملمين وإرهابهممم‪ ،‬من خلل الترويمج لعمالهممم العدائيمة‬
‫وممن ذلك‪ :‬تشكيل كتيبة عسكرية من الجنود القاديانيين داخل الجيش‬
‫الباكستاني‪ ،‬وتسمى كتيبة الفرقان‪ .‬والسيطرة على بعض مصانع‬
‫)‪(3‬‬
‫السلحة‪.‬‬
‫النتشار ومواقع النفوذ‪:‬‬
‫ينشط القاديانيون اليمموم فممي الهنممد وباكسممتان وإسممرائيل‪ ،‬ولهممم‬
‫نشاط وتواجد في بعض البلدان الوربية‪ ،‬فلهم مراكز إسلمية في لندن‬
‫وهامبورج بألمانيا‪ ،‬وفي مدريد بأسممبانيا‪ ،‬وفممي زيممورخ بسويسممرا‪ .‬ولهممم‬

‫‪ -1‬انظر ما هي القاديانية ص ‪ ،65-64‬الموسوعة الحركية فتحي يكن ‪.2/127‬‬


‫‪-2‬بعد استقلل باكستان مباشرة تولى القادياني ظفر الله خان وزارة الخارجية‪ ،‬وقد‬
‫استغل منصبه في تقوية الحركة القاديانيممة‪ .‬انظممر ممماهي القاديانيممة ص ‪،130-129‬‬
‫القادياني والقاديانية ص ‪.8‬‬
‫‪-3‬انظر ما هي القاديانية ص ‪.132-129 ،121-18‬‬

‫‪263‬‬
‫مراكز ونشمماط فممي بعممض بلممدان آسمميا‪ ،‬منهمما‪ :‬سمميلن وبورممما وماليزيمما‬
‫وإندونيسيا‪ ،‬ولهم نشاط في أفريقيا‪ ،‬وأهم مراكزهم توجممد فممي نيروبممي‬
‫بكينيا‪ ،‬وتابور وكوسومو وليندي‪ ،‬وجينجمما‪،‬وفممي سمميراليون‪،‬وفممي نيجيريمما‬
‫وخاصة لجوس العاصمة‪ ،‬وفي كانوا حيث الكثرية المسلمة في شمممال‬
‫نجييريا‪.‬‬
‫وللقاديانية تواجد في أمريكا‪ ،‬حيث بدأوا نشاطهم في مدينة‬
‫"شيكاغو"‪ ،‬وأكثر نشاطهم بين المريكيين الملونين‪ .‬ولهم الن مراكز‬
‫ثلثة في كل من نيويورك‪ ،‬وواشنطن وسان فرانسيسكو)‪.(1‬‬

‫‪ -1‬انظر القاديانية ‪-‬نشأتها وتطورها‪ -‬ص ‪.182-180‬‬

‫‪264‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫البابية والبهائية‬

‫البابية والبهائية‪ :‬حركتان باطنيتان نشأتا في إيران في النصف الول‬


‫من القرن الثامن عشر الميلدي‪ ،‬تحت رعاية الستعمار الروسي‬
‫واليهودية العالمية والستعمار النجليزي بهدف إفساد العقيدة‬
‫السلمية‪ ،‬وإثارة الفتنة بين المسلمين وتفكيك وحدتهم‪ ،‬وبالتالي تسهل‬
‫السيطرة الستعمارية على العالم السلمي‪.‬‬
‫والبابية تنسب إلى الميرزا علي محمد الشيرازي‪ ،‬والبهائية تنسب‬
‫ما كانت البابية هي الحركة‬
‫إلى خليفته من بعده المدعو حسين علي‪ ،‬ول ّ‬
‫الم والصل للبهائية‪ ،‬فإنا نبدأ بالحديث عنها أو ً‬
‫ل‪.‬‬

‫أو ً‬
‫ل‪ :‬البابية‪-:‬‬
‫تمهيد‪...‬‬
‫وقعت شبة الجزيرة الهندية ‪-‬الواقعة جنوب روسيا‪ -‬تحت‬
‫السيطرة الستعمارية النجليزية‪ ،‬ولقد وّلد هذا لدى قياصرة روسيا‬
‫طموحا ً للستيلء على إيران وبعض الدول العربية المجاورة لها‪ ،‬خاصة‬
‫وأن روسيا القيصرية قد حققت انتصارا ً على المسلمين من بني عثمان‬
‫في بلد القوقاز والتركستان وأوزبكستان‪ ،‬فسعت روسيا إلى إيجاد‬
‫طريقة مناسبة لبث الفتن‪ ،‬وإضعاف الوحدة السلمية‪ ،‬وإيجاد العملء‬
‫والمناصرين لها‪.‬‬
‫ومن هنا سعت روسيا إلى إيجاد مذهب باطني باسم السلم‪،‬‬
‫يكون معول ً لهدم السلم من داخله‪ ،‬وفي نفس الوقت يخدم مصالحها‪،‬‬
‫ويعمل لحسابها ولتحقيق أهدافها‪ ،‬ويساعدها في الوصول إلى إيران‬
‫والبلد العربية ومن ثم الوصول إلى المحيط الهندي‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫ومن أجل تحقيق هذا الهدف أوعزت روسيا القيصرية لثنين من‬
‫العملء المهرة أن يقوما بإلقاء بذرة المذهب الباطني الهدام عن طريق‬
‫)‪(1‬‬
‫رجل تتوفر فيه المؤهلت التي تمكنه من القيام بهذا الدور الخطير‪.‬‬
‫‪ -‬فالعميل الول‪ :‬هو قسيس روسي يعمل في مجال التبشير في‬
‫إندونيسيا‬
‫ون‬
‫المسلمة‪ ،‬جاء إلى العراق وسمى نفسه بالشيخ أحمد الحسائي‪ ،‬وك ّ‬
‫لنفسه طريقة عرفت بم "الشيخية"‪ ،‬عرف الرجل بعقليته الفلسفية‪،‬‬
‫وقدرته على التنكر والخداع‪ ،‬فاستطاع أن يمثل دوره بكل جدارة ودقة‪.‬‬
‫قام الشيخ أحمد الحسائي بشرح فكرة الحقيقة المحمدية شرحا ً‬
‫عقليا ً ممزوجا ً بالوهام والضللت والتدليس‪ .‬واعتمد على الرؤى‬
‫والحلم في نشر أفكاره وآرائه‪ ،‬ولقد استطاع أن يكسب بعض الناس‪،‬‬
‫وخاصة ممن غزاهم الجهل بعقائد السلم ومفاهيمه)‪.(2‬‬
‫‪ -‬وأما العميل الروسي الثاني‪ :‬فهو قسيس آخر‪ ،‬تنكر تحت اسم‬
‫"كاظم الرشتي"‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه رجل فارسي‪ ،‬تعّرف عليه الشيخ أحمد‬
‫الحسائي‪ ،‬والكاظم هو مؤسس الفرقة الكشفية‪ .‬التقى كاظم الرشتي‬
‫في طهران بالشيخ أحمد الحسائي‪ ،‬فتعلق به وأصبح تلميذا ً له‪ ،‬ارتحل‬
‫سويا ً إلى العراق‪ .‬وفي كربلء قاما بالترويج للفكار الباطنية الهدامة‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وفي تلك البيئة الخصبة ظهر الباب والبابية‪.‬‬
‫من هو الباب؟‬
‫هو‪:‬علي محمد المولود بشيراز من بلد إيران سنة ‪1819‬م‪ ،‬مات والده‬
‫محمد رضا الشيرازي وهو في سن صغيرة‪ ،‬فكفله خاله علي الشيرازي‬
‫الذي كان يشتغل بالتجارة‪.‬‬
‫درس على محمد الرياضيات والعلوم الدينية‪ ،‬ومال إلى المجاهدة‬
‫ل‪ ،‬والوقوف تحت أشعة‬ ‫النفسية والجسدية‪ ،‬فأتعب نفسه بالسهر لي ً‬

‫‪ -1‬انظر الموسوعة الحركية فتحي يكن ‪ ،120-2/119‬البهائيمة وسمائل وغايمات طممه‬


‫الدسوقي ص ‪.15‬‬
‫‪-2‬البهائية وسائل وغايات ص ‪.17-16‬‬
‫‪-3‬المصدر السابق ص ‪ ،18-17‬الموسوعة الحركية ‪.2/119‬‬

‫‪266‬‬
‫الشمس الشديدة نهارًا‪ ،‬والخلوة والعزلة‪ ،‬وقد لوحظ عليه شذوذ في‬
‫التفكير‪ ،‬وإتيان أفعال وحركات غير عادية‪ .‬فلما عرضه خاله على‬
‫الطباء نصحوه إن يذهب إلى كربلء للستجمام والراحة‪.‬‬
‫وفي كربلء تعّرف علي محمد على كاظم الرشتي‪ ،‬فتردد على‬
‫دروسه‪ ،‬ولقد وجد فيه الرشتي ضالته المنشودة‪ ،‬إنه الشخصية المؤهلة‬
‫)‪(1‬‬
‫باعتناق الفكار الباطنية والدعوة إليها في بلد إيران‪.‬‬
‫الفكار والعقائد البابية‪:‬‬
‫لممما بلممغ علممي محمممد الشمميرازي سممن الخامسممة والعشممرين ‪-‬سممنة‬
‫‪1844‬م‪ -‬ادعى أنه الباب‪ ،‬حيث استطاع أن يكسممب عممددا ً مممن النمماس‪،‬‬
‫خاصة من بسطاء العقول والجهلة بالسلم من خلل ما يظهره لهم من‬
‫الزهد والتقشف‪ ،‬وبعد موت أستاذه ومرشممده الروحممي كمماظم الرشممتي‬
‫بعام واحد‪ ،‬ادعى أنه "باب الله"‪ ،‬أي البمماب الموصممل إلممى اللممه تعممالى‪،‬‬
‫عم دعمموته ومممن‬ ‫وكان يخاطب المقربين إليه‪ :‬بأقوال غامضة‪ ،‬لكنهمما تممد ّ‬
‫ذلك‪" :‬فادخلوا البيوت من أبوابهمما"‪ .‬وكممان كممثيرا ً ممما يسمممعهم الحممديث‬
‫المشهور في أوساط الشيعة‪":‬أنا مدينة العلم وعلي بابها"‪ .‬ولقد سمممى‬
‫نفسه بالباب‪ ،‬وما كان يشير إلى نفسه بعد ذلك إل بلقممب البمماب‪ ،‬حممتى‬
‫أنه ترك الشارة إلى اسمه الصلي"‪.‬‬
‫وكان أول المؤمنين به المل حسين البشروئي‪ ،‬فسماه الباب‬
‫"باب البواب"‪ .‬واعتبر اليوم الذي أظهر فيه علي محمد دعوى البابية‬
‫عيدًا‪ ،‬سماه البابيون "عيد المبعث" وما زالوا حتى اليوم يقدسونه‬
‫)‪(2‬‬
‫ويحّرمون العمل فيه‪.‬‬

‫ادعاؤه بأنه المهدي المنتظر‪:‬‬

‫البهائية غايات ووسائل ص ‪ ،29-28‬ذيل الملل والنحل للشهرستاني تأليف محمممد‬ ‫‪1‬‬

‫سيد كيلني ‪.2/42‬‬


‫ذيل الملل والنحل ‪ ،2/43‬البهائية محب الدين الخطيب ص ‪ ،7‬الموسوعة الحركية‬ ‫‪2‬‬

‫‪.2/12‬‬

‫‪267‬‬
‫ما وجد الباب مقاومة من العلماء لدعواه البابية‪ ،‬وميل الجهلة من‬ ‫ل ّ‬
‫العوام‬
‫إليه‪ ،‬أعلن أنه المهدي المنتظر‪ ،‬وزعم أن جسم المهدي اللطيف قد‬
‫ل في جسمه‬ ‫ح ّ‬
‫المادي‪ ،‬وأنه يطهر الن ليمل الرض قسطا ً وعدل ً بعد أن ملئت ظلما ً‬
‫وجورا ً)‪.(1‬‬
‫ادعاؤه الوحي والرسالة‪:‬‬
‫بعد ذلك ادعى علي محمد الرسالة وأنه رسول من الله تعالى وأن‬
‫الوحي يتنزل عليه‪ ،‬وأن كتابه "البيان" وحي من الله تعالى‪ .‬جاء في هذا‬
‫الكتاب‪" :‬قال الله في كلمه العزيز كتاب من القرآن فقال المؤمنون‬
‫جميعا ً هو كتاب الله ثم سأل هل من فرق بين الفرقان والبيان فأجاب‬
‫ذو الفكر الروحاني‪ :‬ل والله إنهما جميعا ً من ربنا‪.(2)"...‬‬
‫وادعى الباب أنه أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم صاحب‬
‫الدعوة السلمية العظمى‪ ،‬وأن تعاليمه التي جمعها في بيانه أفضل من‬
‫تعاليم نبي المسلمين في قرآنه‪ ،‬وأنه إذا كان محمد تحدى الناس‬
‫بالتيان بسورة من سور الفرقان المبين‪ ،‬فإنه يتحدى الجميع بالتيان‬
‫بباب من أبواب بيانه العظيم)‪.(3‬‬
‫ما ناظره العلماء‪ ،‬وسألوه عن الرسالة التي جاء بها‪ ،‬أجابهم‬ ‫ول ّ‬
‫الباب علي محمد‪" :‬إني أنا الموعود‪ ،‬وأنا الذي دعوتموه منذ ألف سنة‪،‬‬
‫وتقومون عند سماع اسمه‪ ،‬وكنتم تشتاقون للقائه عند مجيئه‪ ،‬وتدعون‬
‫الله بتعجيل ساعة ظهوره‪ ،‬الحق أقول لكم‪ :‬إن طاعتي واجبة على أهل‬
‫الشرق والغرب‪ ...‬ولقد آتاني الله البرهان‪ ،‬ففي ظرف يومين وليلتين‬
‫)‪(4‬‬
‫أقرر أني أقدر أن أظهر آيات توازي في الحجم جميع القرآن"‪.‬‬
‫مؤتمر بدشت وإلغاء الشريعة السلمية‪:‬‬

‫ذيل الملل والنحل ‪ ،2/45‬البهائية للخطيب ص ‪.7‬‬ ‫‪1‬‬

‫الموسوعة الحركية ‪.2/120‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬ذيل الملل والنحل ‪.2/46‬‬


‫‪ -4‬المصدر السابق ص ‪.48‬‬

‫‪268‬‬
‫في سنة ‪1847‬م أمر الشاه ناصر الدين باعتقال الباب في قلعة‬
‫ماكو في ولية أذربيجان بالقرب من الحدود اليرانية الروسية العثمانية‪،‬‬
‫ولقد كان هذا العتقال سببا ً في مجاهرة أتباعه بالدعوة بعد أن كانت‬
‫سرًا‪ ،‬وأخذ عددهم يزيد يوما ً بعد يوم‪ ،‬فنقلته الحكومة إلى قلعة‬
‫"جهريق"‪ ،‬وأثناء وجوده في المعتقل أمر أتباعه بالتحرك‪ ،‬فدعا التباع‬
‫إلى عقد مؤتمر في صحراء بدشت‪ ،‬ووجهت الدعوة إلى أقطاب‬
‫المذهب‪ ،‬فلبى الدعوة ثمانية عشر مرتدا ً من الذين استجابوا قبل ذلك‬
‫لحمد الحسائي وكاظم الرشتي‪ ،‬وأبلغوا الباب أنهم آمنوا به وصاروا له‬
‫أتباعًا‪ ،‬وصار يرمز لهم بكلمة "حي"‪ ،‬وقد انتشروا في البلد للدعوة له‪،‬‬
‫وممن حضره باب الباب المل حسين البشروئي‪ ،‬وحسين علي الذي‬
‫تسمى بالبهاء‪ ،‬وأم سلمى هانم رزين تاج الملقبة بقرة العين‪ ،‬وهي من‬
‫النساء المقربات من الباب‪ ،‬والمدافعات بقوة عن دعوته‪ ،‬وهي خطيبة‬
‫)‪(1‬‬
‫مفوهة‪ ،‬وذات شخصية قوية‪.‬‬
‫وقد تناول المجتمعون في المؤتمر أمرين‪-:‬‬
‫أحدهما‪ :‬بحث إمكانية إطلق سراح الباب من المعتقل‪ ،‬ونقله إلى‬
‫مكان آمن‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬إعلن نسخ الشريعة السلمية‪ ،‬ووضع حد ّ بين المبادئ‬
‫البابية ومبادئ الدين السلمي‪.‬‬
‫أمـا بالنسمبة للمر الول‪ :‬فقمد قرروا تخليص الباب سلمًا‪ ،‬وإن‬
‫لم يكن فعنوة بالقوة‪ ،‬وأما بالنسبة للمر الخر‪ :‬فلم يستطع أحد أن‬
‫يقوم بمثل هذا العلن‪ ،‬لن العلن عن نسخ الشريعة السلمية معناه‪:‬‬
‫الردة‪ ،‬وقد يؤدي إلى تصدع الجماعة وتفرقها‪ .‬وممن أحجم عن ذلك‬
‫ن قرة العين وقفت في‬ ‫حسين علي‪ ،‬وباب الباب حسين البشروئي‪ ،‬لك ّ‬
‫القوم تلقي عليهم خطبة جريئة‪ ،‬ومما أعلنته فيها‪-:‬‬
‫‪ -‬نسخ الشريعة السلمية بظهور الباب‪.‬‬
‫‪ -‬الشتغال بالصلة والصوم والزكاة وما جاء به ‪-‬محمد صلى الله عليه‬

‫‪ -1‬انظر البهائية للخطيممب ص ‪ ،19-10‬البهائيممة للدسمموقي ص ‪ ،40-30‬ذيممل الملممل‬


‫والنحل ‪.48-2/47‬‬

‫‪269‬‬
‫وسلم‪ -‬لغو وباطل‪ ،‬ول يقدم عليه إل جاهل غافل‪.‬‬
‫‪ -‬الدعوة إلى إلغاء الحجاب وتمزيقه‪ ،‬والباحية‪ ،‬ومشاعية النساء‬
‫والمال‪.‬‬

‫نهاية الباب‪:‬‬
‫ما أحس الناس والعلماء خطورة البابية‪ ،‬والكفر الصريح فيما‬ ‫ل ّ‬
‫يدعو إليه‬
‫الباب‪ ،‬طالبوا والي شيراز إقامة الحد عليه وتخليص البلد والعباد من‬
‫ضللته وبدعه‪ ،‬علم الشاه ناصر الدين بالمر‪ ،‬فأمر بقتل الباب علي‬
‫محمد‪ ،‬لثبوت تنبؤه‪ ،‬وإنكاره للبعث وقوله بالتناسخ‪ ،‬ونسخ الشريعة‬
‫السلمية‪..‬وفي صباح يوم السابع والعشرين من شهر شعبان عام‬
‫فذ عليه الحكم بالعدام رميا ً‬‫‪1266‬هم الموافق ‪ 8‬تموز ‪1850‬م‪ ،‬ن ُ ّ‬
‫بالرصاص عن عمر يزيد قليل ً عن ثلثين سنة‪ .‬وسحب المسلمون جثته‬
‫في الشوارع على سبيل النكاية بالكافر عدو الله‪ .‬وقد أخذ بعض أتباعه‬
‫جثته ونقلوها بعد فترة من الزمان إلى جبل الكرمل بحيفا من مدن‬
‫فلسطين‪ ،‬وهناك دفن حيث دفن عبد البهاء عباس‪.‬‬
‫وبعد مقتل الباب زادت تعاليمه اشتهارًا‪ ،‬وعظم الضطهاد على‬
‫أتباعه الذين قاموا بكثير من أعمال العنف والتخريب في البلد‪.‬‬
‫وفي يوم ‪ 30‬أغسطس ‪1852‬م تسللت قرة العين على رأس‬
‫ثلثين رجل ً من بغداد إلى طهران للثأر ولغتيال الشاه ناصر الدين‬
‫والسعي لقلب حكومته‪ ،‬ولكنها كشفت‪ ،‬وفشلت‪ ،‬وألقي عليها القبض‪،‬‬
‫وتم تنفيذ حكم العدام فيها وفي أتباعها الذين جاءوا معها‪ ..‬وهكذا‬
‫أسدل الستار على عهد الباب والبابية لتظهر بثوب جديد‪ ،‬وعقيدة أكثر‬
‫)‪(1‬‬
‫إضلل ً وأشد فسادًا‪ ..‬أل وهي البهائية‪.‬‬

‫البهائيمة للخطيب ص ‪ ،23‬البهائيمة للدسموقي‪ ،‬ذيممل الملممل والنحممل ‪،49 - 2/48‬‬ ‫‪1‬‬

‫الموسوعة الحركية ‪.122-2/121‬‬

‫‪270‬‬
‫ثانيًا‪ :‬البهائية‪:‬‬
‫تنسب البهائية‪ :‬إلى المدعو حسين علي نوري أحد أتباع الباب علي‬
‫قب نفسه ببهاء الله‪ ،‬مدعيا ً‬ ‫محمد‪ ،‬وسميت بهذا السم‪ ،‬لن مؤسسها ل ّ‬
‫ل فيه‪ ،‬ولهذا كان إذا مشى‬ ‫أن بهاء الله تعالى قد تجّلى في شخصه وح ّ‬
‫غطى وجهه ببرقع حتى ل يشاهد أحد من الناس بهاء الله‪ ،‬حسب‬
‫)‪(1‬‬
‫زعمه‪.‬‬
‫التعريف بالبهاء‪:‬‬
‫هو‪:‬الميرزا حسين علي ابن الميرزا عباس بزرك النوري‪ ،‬ولد حسين‬
‫في مازندران‪ ،‬وعلى رأي في ظهران عام ‪1233‬هم الموافق ‪1817‬م‪،‬‬
‫عرف منذ شبابه ميله إلى علوم الصوفية والشيعة‪ ،‬والفلسفة اليونانية‪،‬‬
‫وتأثر كثيرا ً بالفكر السفسطائي‪ ،‬وقد أظهر تفوقا ً في تلك العلوم‪ ،‬كان‬
‫يحضر مجالس العلماء مستفيدا ً ومناقشا ً ومجادل ً لهم‪.‬‬
‫كان الميرزا حسين من أوائل المستجيبين لدعوة الباب‪ ،‬ومع ذلك لم‬
‫يكن من أهل الصفوة فيها‪ ،‬ولكنه استطاع بثقافته الواسعة وقدرته على‬
‫الجدل والتفلسف‪ ،‬وبالمكر والحيلة أن يصبح في الموقع الممتاز بعد‬
‫هلك الباب الميرزا علي محمد‪ ،‬ويتصدر الزعامة والخلفة‪ ،‬بل ويؤسس‬
‫مذهبا ً جديدا ً عرف باسمه "البهائية")‪.(2‬‬
‫ومن التدابير التي اتخذها البهاء لنجاح فكرته‪ ،‬وتصدره للزعامة ما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬عزل أخيه يحيى صبح أزل عن الحباب والتباع‪ ،‬ثم التخلص منه‪ ،‬لن‬
‫الباب قبل هلكه قد أوصى له بالخلفة‪.‬‬
‫‪ -2‬التخلص من الشخصيات المخلصة لفكار الباب‪ ،‬والتي التفت حول‬
‫يحيى صبح‬
‫أزل‪ ،‬وقد دبر حسين علي بنفسه المؤامرات لقتل واغتيال هؤلء‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪-3‬تقريب الرجال المخلصين له‪ ،‬ليكونوا له سندًا‪ ،‬ولدعوته مرتكزًا‪.‬‬

‫البهائية للدسوقي ص ‪.73‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ص ‪ ،54-53‬البهائيممة للخطيممب ص ‪ ،25-24‬الموسمموعة الحركيممة‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،2/125‬المذاهب المعاصرة وموقف السلم منها ص ‪.266‬‬

‫‪271‬‬
‫‪ -4‬العلن عن مبدأ جديد‪ ،‬وفكرة جديدة تربط أتباعه بشخصه‪ ،‬فأعلن‬
‫شر بمه الباب وأنه سماه المظهر‪ ،‬وحتى يستميل‬ ‫أنه الشخص الذي ب ّ‬
‫الناس إلى فكره الجديد‪،‬لجأ إلى أسلوب التدرج‪ ،‬حيث أعلن دعوته أول ً‬
‫في إطار محدود من التباع‪ ،‬وأحاط إعلنه بالسرية التامة‪ ،‬وبعد تخلصه‬
‫من أخيه يحيى صبح أزل والمخلصين له‪ ،‬جهر البهاء بأنه الوريث‬
‫الحقيقي للباب وأنه المظهر والبهاء‪ ...‬فتجمع حوله مجموعة من الناس‬
‫)‪(1‬‬
‫سموا بالبهائية‪ ،‬وبقيت مجموعة أخرى سميت بالبابية أو الزلية‪.‬‬
‫أقدم البهاء حسين علي على محاولة اغتيال الشاه ناصر الدين ملك‬
‫إيران‪ ،‬ولكن المؤامرة باءت بالفشل‪ ،‬هّرب البهاء إلى السفارة‬
‫ح الشاه على محاكمته‬ ‫الروسية التي عملت على استضافته وحمايته‪ ،‬أل ّ‬
‫وعقوبته جزاء جريمته‪ ،‬وبعد مفاوضات مع السفير الروسي الذي تدخل‬
‫شخصيا ً في قضيته‪ ،‬تسلمت السلطات اليرانية البهاء حيث حبسته مدة‬
‫ثم قدمته للمحكمة‪ ،‬ولكنها لم تستطع إعدامه‪ ،‬نظرا ً للمساعي الروسية‬
‫التي بذلت في المحافظة على حياته‪ .‬ولذا فإن الحكومة اليرانية نفته‬
‫)‪(2‬‬
‫مع بعض أتباعه إلى العراق‪.‬‬
‫وفي العراق ‪-‬وخاصة في بغداد وشمال البلد‪ -‬وجد البهاء منطلقا ً‬
‫رحبا ً لدعوته‪ ،‬فاستمال الجهلة والعوام‪ ،‬فلما ظهر أمره وانتشرت‬
‫دعوته‪ ،‬تم نفيه للمرة الثانية إلى أدرنة بالراضي التركية‪ ،‬وهناك وقع‬
‫الخلف بين البهاء حسين علي وأخيه يحيى صبح أزل حول الزعامة‪.‬‬
‫ما خاف يحيى على حياته من أخيه رفع المر إلى الحكومة التركية‪،‬‬ ‫ول ّ‬
‫فما كان منها إل أن أصدرت قرارا ً بترحيل يحيى صبح أزل إلى جزيرة‬
‫)‪(3‬‬
‫قبرص‪ ،‬وترحيل البهاء حسين علي إلى عكا بفلسطين‪.‬‬

‫البهائية للدسوقي ص ‪.67-66‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬المصدر السابق ص ‪.65-62‬‬


‫‪ -3‬المصدر السابق ص ‪،66‬مم ‪ ،96‬الموسوعة الحركية ‪ ،2/125‬البهائية للخطيممب ص‬
‫‪ ،25‬المذاهب المعاصرة وموقف السلم منها ص ‪.267‬‬

‫‪272‬‬
‫نهاية البهاء‪:‬‬
‫استقر البهاء في عكا‪ ،‬وفيها لقي الحفاوة والترحيب‪ ،‬بل الرعاية‬
‫والحماية والمساعدة من اليهود والنجليز‪ ،‬فمكنوه من الستمرار في‬
‫دعوته‪ ،‬وطلب منه اليهود أن يتبرقمع حتى ل ُيرى وجهمه‪ ،‬ومنع من نشمر‬
‫صوره إمعانا ً في خلمع الهيبة عليه لكمن الله تعالى لم يمهله طوي ً‬
‫ل‪ ،‬إذ‬
‫سلط عليه ما يسلبه عقله‪ ،‬ويفقده القدرة على التمييز بين النار والنور‪،‬‬
‫والسود والبيض‪ ،‬والحار والبارد‪ ،‬وصدرت عنه القوال والحركات‬
‫الرديئمة المنفمرة للعوام منه‪ ،‬وانحدر إلى رتبة الحيوانات‪ ،‬أصابه‬
‫المرض والجنون ممما اضطر ابنه عباس إلى حبسه حتى ل يراه الناس‪،‬‬
‫ثم أصيب بالحمى الشديدة‪ ،‬وفي السادس عشر من مايو سنة ‪1892‬م‬
‫هلك البهاء ودفن في قبر يسمى بيت البهجة في مدينة حيفا على سفح‬
‫جبل الكرمل بفلسطين‪ .‬وقد خلفه في القيام على المذهب ابنه عباس‬
‫أفندي المسمى عبد البهاء أو غصن أعظم المولود سنة ‪1844‬م‬
‫)‪(1‬‬
‫والهالك سنة ‪1921‬م‪.‬‬

‫أهم العقائد البهائية‪:‬‬


‫ل تختلف البهائية فممي تعاليمهمما عممن البابيممة كممثيرًا‪ ،‬إل أن الميممرزا‬
‫حسين علي البهاء ادعى لنفسه ما ادعاه البمماب مممن قبممل لنفسممه‪ ،‬وزاد‬
‫على ذلك دعوى اللوهية‪ ،‬وعقائد أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬ادعى حسين في بدء الدعوة أنه خليفة الباب‪ ،‬ثم ادعى أنه الباب‬
‫نفسه‪ ،‬ثم زعم أنه المهدي المنتظر‪ ،‬ثم ادعى النبوة الخاصة‪ ،‬ثم بعد‬
‫مدة زعم أنه النبي لكل البشر‪ ،‬وهي النبوة العامة المذكورة في الكتب‬
‫البهائية‪ ،‬وفي طور جديد ادعى اللوهية على أساس عقيدة حلول الله‬
‫فيه‪ ،‬وأنه مظهر بهاء الله تعالى‪ ،‬ومنع ادعاء اللوهية لحد من بعده‬
‫)‪(2‬‬
‫خلل ألف سنة قادمة‪.‬‬

‫‪ -1‬البهائية غايات ووسائل ص ‪ ،210 ،74-73‬الموسوعة الحركية ‪.2/126‬‬


‫انظر الموسوعة الحركية لفتحي يكن ‪.2/125‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪273‬‬
‫وقد شرح الكاتب السلمي الكبير محب الدين الخطيب فكرة‬
‫المظهر التي ادعاها البهاء لنفسه‪ ،‬فقال‪" :‬استقرت عقيدة البهائيين‬
‫‪-‬كما قررها لهم البهاء حسين على المازندراني )‪1309-1233‬هم( في‬
‫سرها دعاته في كتبهم ونشراتهم‪ :‬على أن الله‬ ‫ألواحه ووحيه‪ ،‬وكما ف ّ‬
‫ليس له أسماء ول صفات ول أفعال‪ ،‬وان كل ما ُيضاف إليه من أسماء‬
‫وصفات وأفعال هي رموز لشخاص ممتازين من البشر قديما ً وحديثا ً‬
‫هم مظاهر أمر الله ومهابط وحيه في زعمهم‪ ،‬وآخرهم وأكملهم هو‬
‫مفسر سورة الواقعة في مؤتمر بدشت ميرزا حسين المازندراني الذي‬
‫لقب نفسه بهاء الله‪ ،‬فهو عند نفسمه وعند أذنابه مظهر الله الكمل‪،‬‬
‫وهو الموعود‪ ،‬ومجيئة الساعة الكبرى‪ ،‬وقياممة القيامة‪ ،‬ورسالة البعث‪،‬‬
‫والنتماء إليه الجنة‪ ،‬ومخالفته هي النار‪ ،‬وأن الديانات السابقة والنبياء‬
‫كانت مهمتهم التبشير بسخافاته‪ ،‬وأن ظهوره هو ظهور جمال الله‬
‫)‪(1‬‬
‫البهى"‪.‬‬
‫ومن أقوال حسين علي في ألوهيته‪" :‬ل يرى في هيكلي إل هيكل‬
‫الله‪ ،‬ول في جمالي إل جماله‪ ،‬ول في كينونتي إل كينونته‪ ،‬ول في ذاتي‬
‫إل ذاته‪ ..‬ول يرى في ذاتي إل الله"‪" ..‬يا مل النسان اسمعوا نداء مالك‬
‫السماء يناديكم من شطر سجنه العظم إنه ل إله إل أنا المقتدر‬
‫المتكبر المتسخر المتعال العليم الحكيم إنه ل إله إل هو المقتدر على‬
‫)‪(2‬‬
‫العالمين"‪.‬‬

‫الكتب المقدسة عند البهائية‪:‬‬


‫لقد نسب البهائيون إلى ربهم البهاء حسين علي كتبا ً مقدسة‬
‫يؤمنون بأنها وحي الله‪ ،‬ومنها‪ :‬كتاب القدس‪ ،‬وكتاب اليقان‪ ،‬وكتاب‬
‫مجموعة اللواح المباركة وقد طبعته مطبعة السعادة بمصر سنة‬
‫‪1920‬م بأمر من عبد البهاء خليفة البهاء‪ ،‬وإشراقات وتجليات‪،‬‬

‫البهائية للخطيب ص ‪.26-25‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفقرات في كتاب القدس للبهمماء نفسممه نقل ً عممن البهائيممة وسممائل وغايممات لطممه‬ ‫‪2‬‬

‫الدسوقي ص ‪.131‬‬

‫‪274‬‬
‫وطرازات كلمات فردوسية‪ .‬وننوه هنا أن كتاب اليقان وقع عليه خلف‬
‫ل يدعيه لنفسه‪ ،‬وحصل نفس الخلف بين‬ ‫بين البهاء وأخوه يحيى‪ ،‬ك ّ‬
‫أتباعهما)‪.(1‬‬
‫ولقد قام البهاء بإنشاء الرسائل والكتب وإرسالها للحكام‬
‫والملوك‪ ،‬وفيها يتحدث عن حلول الله فيه‪ ،‬وعلمه للغيب‪ ،‬ومعرفته بما‬
‫سيحدث في المستقبل‪ ،‬ومن ذلك قوله‪:‬إن حكومة نابليون الثالث‬
‫ستسقط‪ ،‬وبالفعل سقطت بعد أربع سنوات‪ ،‬وكان هذا سببا ً في‬
‫تصديق الكثيرين له‪ ،‬مع أنه لم يعين زمن السقوط‪ ،‬ومن المعلوم أن‬
‫‪(2).‬‬
‫كل حكومة مصيرها السقوط بموت رئيسها أو بثورة تنهيها‬

‫أهم تعاليم البهائية‪:‬‬


‫‪ -‬إلغاء ما جاء به السلم من أحكام الحلل والحرام في البيوع‬
‫والطعمة وغيرها‪ ،‬وإحلل العقل في الحكم محل الشرع‪.‬‬
‫‪ -‬نبذ القيود السلمية‪ ،‬والتحلل من القيم والضوابط الدينية‪.‬‬
‫‪ -‬المساواة بين الناس دون اللتفات إلى اللوان والجناس والديان‪.‬‬
‫‪ -‬المساواة بين المرأة والرجل‪ ،‬وخاصة في القضايا الجتماعية‪ :‬فألغى‬
‫تعدد الزوجات‪ ،‬ومنع الطلق إل في حالت نادرة جدًا‪ ،‬وإذا ما طلقت‬
‫المرأة فلها أن تتزوج دون أن تنتظر لقضاء العدة‪ ،‬والمساواة بين‬
‫الرجل والمرأة في الميراث‪ ،‬وفي كافة الحقوق‪.‬‬
‫‪ -‬إنكار معجزات النبياء إل ما جاء في عكا على حد زعمهم‪ ،‬وتأويل‬
‫الغيبيات كالبعث والحشر والجنة والنار‪ ،‬تأويل ً فاسدًا‪ ،‬معناه إبطالها‬
‫وإنكارها‪.‬‬
‫‪ -‬محاربة اللغة العربية الفصحى باعتبارها اللغة المشتركة في العالم‬
‫دل اللغة الفصحى‬ ‫السلمي‪ ،‬قال البهاء في ألواحه‪" :‬يا قلمي العلى ب ّ‬
‫باللغة النوراء")‪.(3‬‬

‫انظر البهائية للخطيب ص ‪ ،28-27‬الموسوعة الحركية ‪.2/126‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر تاريخ المذاهب السلمية للشيخ محمد أبو زهرة ‪.1/243‬‬ ‫‪2‬‬

‫البهائية للخطيب ص ‪.33‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪275‬‬
‫‪ -‬تفضيل ضللتهم على جميع ما جاء به النبياء المرسلون‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ -‬إنكار إعجاز القرآن إل ما جاء في البشارة بالبهاء كما يزعمون‪.‬‬

‫العبادات عند البهائية‪:‬‬


‫‪-‬الصوم‪ :‬يصوم البهائيون الشهر التاسع عشر ‪-‬السنة عندهم تسعة‬
‫عشر شهرًا‪ -‬وعدد أيامه تسعة عشر يومًا‪ ،‬آخرها عيد النيروز الفارسي‬
‫الصل وهو يوم ‪ 21‬مارس )آذار("‪ ،‬ويعفى من الصيام من كان دون‬
‫البلوغ‪ ،‬والمريض‪ ،‬والطاعن في السن‪ ،‬والمرأة الحامل والحائض‬
‫والنفساء‪ ،‬ول قضاء على هؤلء جميعًا‪.‬‬
‫‪-‬الصلة‪ :‬يصلونها فرادى‪ ،‬وعدد ركعاتها تسع‪ ،‬وأوقاتها ثلثة‪ :‬حين‬
‫الزوال‪ ،‬وفي البكمور‪ ،‬وفي الصال‪ ،‬وقبلتهم مدينة عكا حيث يرقد‬
‫الهالك بهاء الله‪ ،‬وصملة الميت تصلى جماعة‪ ،‬ولصلواتهم أدعية وترانيم‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫خاصة‪ ،‬وُيعفى منها من ُيعفى من الصوم‪ .‬ويسبق الصلة الوضوء‪ ،‬و َ‬
‫فقد الماء‪ ،‬فما عليه إل أن يقول‪ :‬بسم الله الطهر خمس مرات ثم‬
‫شرع في الصلة‪.‬‬
‫‪-‬الحج‪ :‬ليس للحج وقت معين‪ ،‬والحجاج يتوجهون إلى الدار التي ولد‬
‫بها مؤسس الديانة البابية الميرزا علي محمد بمدينة شيراز‪ ،‬أو إلى‬
‫)‪(2‬‬
‫الدار التي نزل بها "بهاء الله" حسين علي‪.‬‬

‫نشاط البهائية ومراكز نفوذهم‪:‬‬


‫لقد اتخذت البهائية من مدينة حيفا بفلسطين قاعدة للنطلق لنشر‬
‫دعوتهم وترويج أفكارهم وضللتهم‪ ،‬وقد أمدتهم اليهودية العالمية‬
‫بمقومات نجاحهم‪ ،‬كما ساعدتهم الصليبية في ذلك‪.‬‬

‫انظممر ممما سممبق مممن الضمممللت‪ :‬الخطيمممب ص ‪ ،38‬م ‪ ،39‬م ‪ ،41‬تاريممخ المذاهمممب‬ ‫‪1‬‬

‫السلمية أبي زهرة ص ‪ ،244-243‬ذيل الملل والنحل للشهرسممتاني تممأليف محمممد‬


‫سيد كيلني ‪ ،2/53‬البهائية وسائل وغايات صممفحات متعممددة‪ ،‬الموسمموعة الميسممرة‬
‫للديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.64‬‬
‫‪ -2‬ذيل الملل والنحل ‪ ،52-2/51‬الموسوعة الحركية ‪.2/126‬‬

‫‪276‬‬
‫استطاعت البهائية أن تنشر ضللتها في أغلب الدول الوربية‬
‫شيدوا المحافل البهائية‪ ،‬تقوم تلك‬ ‫والمريكية‪ ،‬وفي عواصم تلك الدول ّ‬
‫المحافل بمهمة الدعوة والنشر‪ ،‬وقد تبّين أن كثيرا ً من دعاة البهائية‬
‫في أوربا وأمريكا من اليهود المتسترين بلباس البهائية مما جعل جامعة‬
‫الدول العربية إدراج البهائية في القائمة السوداء أسوة بالشركات‬
‫المتعاملة مع إسرائيل‪ ،‬وهذا ما أوصى به مؤتمر المنظمات السلمية‬
‫الذي عقد في مكة المكرمة بإشراف رابطة العالم السلمية وذلك عام‬
‫‪1393‬هم )‪.(1‬‬
‫واستطاعت البهائية أن تتسلل إلى أرض الكنانة مصر وبعض‬
‫الدول العربية وخاصة العراق‪ .‬ففي سنة ‪ 1960‬أصدرت الحكومة‬
‫المصرية قرارا ً بحل المحفل البهائي بالقاهرة لثبوت تعامل أعضائه‬
‫بالتجسس لصالح إسرائيل‪ ،‬وتم اعتقال الكثيرين منهم)‪ ،(2‬وفي سنة‬
‫‪1972‬م ألقت الحكومة القبض على مجموعة بهائية بمدينة طنطا‪ .‬وفي‬
‫سنة ‪1975‬م تم اكتشاف مجموعة بهائية مصرية تعمل في القاهرة‪،‬‬
‫ومن بين أفرادها "حسين بيكار" الرسام المشهور بجريدة الخبار‬
‫المصرية‪ ،‬وقد تبين أنه بمنصب نائب البهائي لمصر والسودان وشمال‬
‫أفريقيا‪ ،‬وفي سنة ‪1985‬م كشفت الحكومة المصرية بعض العناصر‬
‫البهائية التي تحتل مراكز قيادية في الفكر والثقافة‪.‬‬
‫وفي العراق أصدرت وزارة الداخلية قرارا ً في ‪11/4/1965‬م‬
‫بمنع النشاط البهائي‪ ،‬ولكن يبدو أنه لم تكن الحكومة جادة في تنفيذه‪،‬‬
‫وفي سنة ‪1970‬م صدر قرار آخر لنفس الغرض‪ ،‬وهدد القرار في هذه‬
‫المرة باتخاذ الشدة والحزم في وقف النشاط البهائي)‪.(3‬‬

‫‪ -1‬انظر الموسوعة الحركية ‪.2/129‬‬


‫‪-‬المصدر السابق نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر البهائية وسائل وغايات ص ‪ ،255 ،252 ،3‬هامش ص ‪.255 – 254‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪277‬‬
‫صلة البابية والبهائية بالدوائر الستعمارية‪:‬‬
‫ل‪ :‬علقة روسيا القيصرية بالبابية والبهائية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫لقد ثبت بما ل يدع مجال ً للشك أن روسمميا القيصممرية قممد وقفممت‬
‫بكل جهد وراء فتنة البابية والبهائية‪ ،‬إذ عمل جواسيسها وعملؤهمما علممى‬
‫إيجاد النبتة الخبيثة في بلد إيران وأمدوها بالمنطلقات الفكرية‪ ،‬ووفمروا‬
‫لها المال والدعم المادي‪ ،‬وكانت الحكومممة الروسممية تمموفر لهمما أسممباب‬
‫النجاح والحماية عندما كشف أمرها‪ ،‬ويمكن كشف الدور الروسممي فممي‬
‫النقاط التالية‪:‬‬
‫‪-1‬لما سقطت حكومة روسيا القيصرية عام ‪1917‬م‪ ،‬قامت الحكومة‬
‫الشيوعية بإذاعة التقارير السرية التي تفضح فيها أحوال الحكومة‬
‫السابقة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬التقرير الذي يؤكد أن الحكومة الروسية القيصرية‬
‫أرسلت اثنين من القساوسة إلى إيران باسمين مستعارين‪ ،‬أحدهما‪:‬‬
‫الذي تسمى بأحمد الحسائي الذي كان يعمل مبشرا ً بالنصرانية في بلد‬
‫إندونيسيا‪ ،‬والثاني‪ :‬المدعو كاظم الرشتي‪ ،‬وكان هدفهما إيجاد مذهب‬
‫باطني يثير الفتنة في بلد المسلمين ويضعف صفهم‪ ،‬ووقع الختيار‬
‫على محمد علي الشيرازي ليقوم بهذا الدور)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬ذكر بعض الكتاب في نشأة البابية‪ :‬أن رجل ً من روسيا أتى طهران‬
‫بعد انتزاع الروس مملكة القوقاز من الدولة اليرانية‪ ،‬تعلم الرجل اللغة‬
‫الفارسية وأتقنها‪ ،‬ثم أظهر التدين بالسلم‪ ،‬وتزيا بزي أهل العلم‪،‬‬
‫فأطلق لحية كبيرة‪ ،‬ولبس عمامة كبيرة وعباءة وحمل مسبحة‪ ،‬وحافظ‬
‫على الصلة في المسجد‪ ،‬ودرس شيئا ً من المبادئ الدينية واشتهر بين‬
‫الناس باسم الشيخ عيسى‪ ،‬ثم أخذ يجول في بلد إيران‪ ،‬وفي شيراز‬
‫وجد ضالته‪ ،‬حيث تعّرف على الغلم علي محمد الشيرازي‪ ،‬وقد خل به‬
‫مرات كثيرة والظاهر أنه كانت حلقة الوصل بين الباب وأتباعه من جهة‬
‫والحكومة الروسية القيصرية من جهة أخرى)‪.(2‬‬

‫نظر الموسوعة الحركية ‪.120-2/119‬‬ ‫‪1‬‬

‫حقيقة البابية والبهائية د‪ .‬محسن عبد الحميد ص ‪.120-119‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪278‬‬
‫‪ -3‬إن الروس قاموا بتخصيص منطقة "عشق آباد" الروسية للبابيين‪،‬‬
‫يتدربون فيها على السلح‪ ،‬وتكون معقل ً لهم‪ ،‬ومنطلقا ً لنشر أفكارهم‬
‫الهدامة‪ ،‬ثم منحتهم بلدة "باكو" لتكون معقل ً آخر يؤدي نفس الغرض‪.‬‬
‫وقد اعترف كثير من الكتاب البهائيين أنفسهم أن روسيا القيصرية‬
‫كانت تمد البابيين بالسلح والمعونات المالية‪ ،‬لهتمامها الخاص بهم‪.‬‬
‫‪ -4‬اعترف الجاسوس الروسي "كيناز دالفوركي" بدوره في حماية‬
‫البابيين من الحكومة اليرانية‪ ،‬حيث قال في مذكراته ص ‪" :82‬إن‬
‫البابيين لما أطلقوا الرصاص على الملك اليراني ناصر الدين شاه‪،‬‬
‫قبض عليهم‪ ،‬ومن بينهم الميراز حسين علي البهاء والبعض الخرين‬
‫قة أثبت‬‫الذين كانوا لي أصحاب السر‪ ،‬فأنا حاميت عنهم‪ ،‬وبألف مش ّ‬
‫أنهم ليسوا مجرمين‪ ،‬وشهد عمال السفارة ‪-‬الروسية‪ -‬وموظفوها‪...‬‬
‫فنجيناهم من الموت‪ ،‬وسيرناهم إلى بغداد")‪.(1‬‬
‫ولقد كان السفير الروسي ‪-‬وهو الجاسوس المشار إليه‪ -‬في طهران‬
‫يحضر جلسات المحاكمة‪ ،‬وشهد بنفسه أمام القضاء اليراني بطهارة‬
‫ما صدر المر بنفيه هو وأتباعه‪،‬‬ ‫البهاء واستحالة وقوع الخيانة منه‪ ،‬ول ّ‬
‫عرض عليهم السفير الروسي رغبة حكومة بلده استضافتهم في روسيا‬
‫ومنح الجنسية لهم)‪.(2‬‬
‫ولما خرج البهاء من إيران هو وأتباعه كان عدد من الفرسان‬
‫الروس في حمايتهم حتى وصلوا إلى بلد العراق بالحشمة والقتدار‬
‫)‪(3‬‬
‫على حد تعبير البهاء نفسه‪.‬‬
‫‪ -5‬لقد وجهت الحكومة الروسية لعميلها اليراني "الصدر العظم" أن‬
‫يتدخل بكل ثقة لحماية البهاء‪ ،‬وأعلمته أن التقصير في ذلك هو تقصير‬
‫في واجباته تجاه الحكومة الروسية نفسها)‪.(4‬‬

‫البهائية وسائل وغايات ص ‪.22-21‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪.63-62‬‬ ‫‪2‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪.63‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪.64‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪279‬‬
‫ثانيًا‪ :‬دور الستعمار البريطاني في الحركة البهائية‪:‬‬
‫دمت‬‫لقد حضنت بريطانيا الحركة البهائية ورعتها حق الرعاية‪ ،‬وق ّ‬
‫للبهاء وخليفته عبد البهاء عباس ولتباعهم كل ما يساعدهم على‬
‫الستمرار في دعوتهم الكفرية‪ ،‬ويمكن بيان دور بريطانيا من خلل ما‬
‫يأتي‪-:‬‬
‫ما صدر أمر نفي البهاء وأتباعه من إيران‪ ،‬عرضت الحكومة‬ ‫‪-‬ل ّ‬
‫البريطانية عليهم الستضافة ومنح الجنسية البريطانية)‪.(1‬‬
‫‪-‬اعترف الداعية البهائي "أسلمنت" بالعلقات الحميمة بين النجليز‬
‫والبهائيين فقال‪" :‬لقد شعر البهائيون بالبتهاج والسرور حين سقطت‬
‫حيفا مسقط دعوتهم في فلسطين بيد الستعمار البريطاني في سبتمبر‬
‫عام ‪1918‬م‪ ،‬كما بادلهم النجليز نفس الشعور‪ ،‬واهتم النجليز بعبد‬
‫البهاء ونبي البهائيين عباس أفندي ابن الميراز حسين‪ ،‬ولقد كان عدد‬
‫من الجند وكبار قادة الجيش النجليزي يترددون على زيارته‪ ،‬وقام‬
‫الحاكم النجليزي بمنحه وسام الفرسان البريطانيين تقديرا ً لجهوده‬
‫التي بذلها في مساعدة النجليز في الستيلء على فلسطين‪ ،‬وعلى‬
‫دوره في إسقاط الخلفة العثمانية)‪.(2‬‬
‫‪-‬عندما قررت الحكومة العثمانية النسحاب من حيفا سنة ‪1917‬م‪،‬‬
‫أرادت أن تقوم بقتل عبد البهاء وعائلته للتخلص من شره وفتنته‪ ،‬وكان‬
‫جمال باشا هو صاحب هذه الفكرة ولكن وزارة الخارجية البريطانية‬
‫ممثلة في شخص اللورد بلفور طلبت من الجنرال اللنبي المحافظة‬
‫على البهائيين وحمايتهم‪ ،‬وبالفعل قام بذلك‪ ،‬وأبرق لحكومته يخبرها‬
‫)‪(3‬‬
‫بسلمة الذات المباركة على العالم‪.‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪.64-63‬‬ ‫‪1‬‬

‫البهائية أضواء وحقائق إحسان إلهممي ظهيممر نقل ً عممن البهائيممة وسممائل وغايممات ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪.65‬‬
‫البهائية وسائل وغايات ص ‪.231-230‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪280‬‬
‫ثالثًا‪ :‬دور اليهودية في الحركة البهائية‪:‬‬
‫إن علقة البهائية باليهودية‪ ،‬وارتباط اليهودية بالبهائية واضحة‬
‫بصورة جلية وعلنية‪ ،‬فالعلقات بينهما وثيقة جدًا‪ ،‬وقد عّبر عن هذه‬
‫العلقة وذاك الرتباط المؤتمر البهائي العالمي الذي عقد في مدينة‬
‫القدس المحتلة عام ‪1968‬م‪ ،‬حيث قيل في افتتاح المؤتمر‪ :‬إن‬
‫الحركتين اليهودية والبهائية متممتان لبعضهما‪ ،‬وتجتمعان في أكثر‬
‫)‪(1‬‬
‫النقاط‪.‬‬
‫ويمكننا ذكر بعض هذه النقاط بعد بيان دور اليهود في الترويج‬
‫للفكار البابية والبهائية‪.‬‬
‫‪ -‬أثبتت بعض المصادر أن يهود إيران دخلوا في البابية‪ ،‬بناًء على‬
‫مشورة الماسونية اليهودية‪ ،‬ففي طهران دخل مائة وخمسون يهوديًا‪،‬‬
‫وفي همدان مائة يهودي‪ ،‬وفي كاشان خسمون يهوديًا‪ ،‬وفي كلباكيان‬
‫خمس وثمانون يهوديًا‪ .‬ومن هؤلء الحبران اليهوديان‪ :‬إلياهو ولزار‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن اليهود يتسللون إلى الديان والنحل غير اليهودية بهدف‬
‫استغللها لتحقيق أهدافهم‪ ،‬وتوجيهها حسب مصالحهم الخاصة)‪.(2‬‬
‫‪-‬لقد قام اليهود بالدعاية والترويج للبهائية من خلل وسائل العلم‬
‫العالمية التي يسيطرون عليها‪ ،‬ومن خلل السفارات السرائيلية في‬
‫البلدان الفريقية وغيرها‪ ،‬ومن خلل المستشرقين اليهود أمثال‬
‫جد هذه الحركة عندما كانت في إيران)‪.(3‬‬ ‫جولدتسيهر الذي م ّ‬
‫‪ -‬أنه لما سجنت الحكومة التركية البهاء الميزار حسين وأتباعه في عكا‬
‫بفلسطين قبل وقوعها تحت النتداب البريطاني سنة ‪1920‬م‪ ،‬قام‬
‫اليهود بإغداق الموال عليه‪ ،‬يقول الميرزا حسين‪ :‬إن سجنه قد انقلب‬
‫بهم إلى جنة عدن‪ ،‬فخصصت له سيارة‪ ،‬وحديقة‪ ،‬وقصور فخمة‪،‬‬
‫وسهلت له التنقلت بين عكا حيفا‪ ،‬وأصبحت له مكانة ومنزلة‪ .‬وعطلوا‬

‫الموسوعة الحركية ‪.2/128‬‬ ‫‪1‬‬

‫البهائية وسائل وغايات ص ‪.24‬‬ ‫‪2‬‬

‫البهائية وسائل وغايات ص ‪.24‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪281‬‬
‫بذلك أوامر الباب العالي التركي التي تتضمن سجنه ومنع الناس من‬
‫التصال به)‪.(1‬‬
‫‪-‬قام مجموعة من أحبار وحاخامت اليهود بتأويل نصوص كتابهم‬
‫المقدس لصالح الحركة البهائية‪ ،‬وقد اعترف بذلك المستشرق اليهودي‬
‫جولدتسيهر إذ قال‪ :‬إن بعض اليهود المتحمسين للبهائية استخلصوا من‬
‫دفائن العهد القديم وتنبؤات أسفاره ما ينبئ بظهور بهاء الله وعباس‪..‬‬
‫ونسبوا جزءا ً كبيرا ً من الشارات والتلميحات التي في السفار اليهودية‬
‫إلى جبل الكرمل الذي تجلى على مقربة منه نور الله وأضاء على‬
‫الكون كله‪ ،‬وذلك في نهاية القرن الثامن عشر الميلدي ‪-‬زمن ظهور‬
‫البهاء‪ ،(2)-‬واعترف الميرزا أحمد سهراب بعمل هؤلء الحبار اليهود في‬
‫إظهار نبوة عباس أفندي)‪.(3‬‬
‫‪-‬لقد أحاط اليهود عبد البهاء حسين بالهتمام والحتفاء عندما ذهب إلى‬
‫الوليات المتحدة المريكيمة‪ ،‬فهنماك كمان يدخل مجامعهمم ومعابدهمم‬
‫الخاصمة‪ ،‬وفمي المجممع اليهمودي المنعقد سنة ‪1912‬م في سان‬
‫دم الحاخام ميارفي عبد البهاء للحاضرين بقوله‪ :‬من‬ ‫فرانسيسكو ق ّ‬
‫حسن حظنا وهو ل شك حظ سعيد أن نرحب هذا الصباح بعبد البهاء‬
‫المعلم العظيم في عصرنا هذا‪ ..‬ثم قام عبد البهاء عباس بإلقاء خطاب‬
‫)‪(4‬‬
‫ظم فيه اليهود‪.‬‬‫جد وع ّ‬
‫م ّ‬
‫‪-‬لما هلك عبد البهاء حسين خلفه في الزعامة للبهائية ابن ابنته المدعو‬
‫شوقي أفندي‪ ،‬ولما هلك هذا الرجل الذي لم يعقب ولدًا‪ ،‬أسس‬
‫البهائيون بتوجيه اليهود ما عرف بم "بيت العدل" في مدينة حيفا وذلك‬
‫سنة ‪1963‬م‪ ،‬وقد انتخب الصهيوني المريكي "ميسون" ليكون رئيسا ً‬
‫روحيا ً لجميع أفراد الطائفة البهائية في العالم)‪.(5‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.69‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر كتابه‪ :‬العقيدة والشريعة ص ‪.280‬‬ ‫‪2‬‬

‫قراءة في وثائق البهائية ص ‪ ،112‬نقل ً عن البهائية وسائل وغايات ص ‪.214‬‬ ‫‪3‬‬

‫البهائية ‪-‬المصدر السابق‪ -‬ص ‪.222-221‬‬ ‫‪4‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.250‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪282‬‬
‫‪-‬قد ثبت أن المحافل البهائية في العالم السلمي أوكار تستخدمها‬
‫اليهودية للتجسس لصالح إسرائيل‪ ،‬ومن ذلك المحفل البهائي في‬
‫مصر‪ ،‬حيث صدر قرار سنة ‪1960‬م بحله لثبوت تجسس أعضائه الذين‬
‫ضبطت بحوزتهم أوراق ووسائل تثبت ذلك)‪.(1‬‬
‫وأما النقاط التي تشترك فيها كل من البهائية واليهودية كما جاء في‬
‫افتتاح المؤتمر البهائي العالمي المنعقد في القدس عام ‪1968‬م فهي‬
‫كثيرة من أهمها‪:‬‬
‫‪-‬الهدف المشترك في القضاء على الديان‪ ،‬وإثارة الفتن والشكوك بين‬
‫المسلمين‪ ،‬وهناك تشابه تام إلى حد كبير بين ما جاء في برتوكولت‬
‫حكماء صهيون وما تخطط له الماسونية اليهودية وبين التعاليم البهائية‬
‫التي تتحدث عن المساواة التامة بين الديان‪ ،‬وما ُيعرف بنظرية جمع‬
‫الديان في دين واحد للبشرية كلها)‪ .(2‬يقول البهاء حسين في لوحة‬
‫الملكة فكتوريا‪" :‬وما جعله الله الدرياق العظم والسبب التم لصحته‬
‫هو اتحاد من على الرض على أمر واحد وشريعة واحدة"‪ ،‬ويقول‬
‫الداعية البهائي أسلمنت‪" :‬أن يتحد جميع العالم على دين واحد‪ ،‬ويصبح‬
‫جميع الناس إخوانا ً وتتوثق عرى المحبة والتحاد بينهم وتزول‬
‫الختلفات الدينية وتمحى الختلفات بين جميع البشر")‪.(3‬‬
‫‪-‬إن عبد البهاء وأتباعه كانوا من الداعين إلى إقامة وطن لليهود في‬
‫فلسطين باعتبار أنهم أصحاب الحق الديني والحق التاريخي فيها‪ ،‬وقد‬
‫ما صدر وعد‬ ‫طالبوا يهود العالم بأن يهاجروا إلى أرضهم المقدسة‪ ،‬ول ّ‬
‫بلفور المشئوم في نوفمبر سنة ‪1917‬م فرح وسّر به عبد البهاء‪ ،‬وعّبر‬
‫عن فرحته وسروره بأن أعلن‪ :‬أن اليهود سيجتمعون في الرض‬
‫المقدسة من كل مكان‪ ،‬وستتحقق هذه البشائر لليهود في عصر‬
‫الجمال المبارك ‪-‬يقصد البهاء المازندراني‪ ،‬وأن فلسطين كلها ستكون‬

‫الموسوعة الحركية ‪.2/129‬‬ ‫‪1‬‬

‫الموسوعة الحركية ‪.2/128‬‬ ‫‪2‬‬

‫البهائية وسائل وغايات ص ‪.79‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪283‬‬
‫وطنا ً لليهود‪ ،‬وختم إعلنه هذا بدعاء الله تعالى أن يؤيد الملك جورج‬
‫)‪(4‬‬
‫الخامس ملك بريطانيا صاحب المكارم والفضال على اليهود‪.‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪.230-229‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪284‬‬
‫الباب الرابع‬
‫المذاهب السياسية والقتصادية والفلسفية‬
‫الوافدة‬
‫الفصل الول‪ :‬الديمقراطية‬
‫الفصل الثاني‪ :‬الرأسمالية‬

‫الفصل الثالث‪ :‬الشيوعية‬

‫‪285‬‬
‫الفصل الول‬
‫المذهب السياسي الوافد "الديمقراطية"‬

‫الديمقراطية لغة‪ :‬كلمة الديمقراطية ليست عربية في أصولها‪ ،‬بل‬


‫هي مصطلح يوناني الصل‪ ،‬مكون من كلمتين‪ ،‬أضيفت أحدهما إلى‬
‫الخرى‪.‬‬
‫أولهما‪ :‬ديموس ومعناها الشعب‪.....‬ثانيهما‪ :‬كراتوس‪ ،‬ومعناها‬
‫الحكم أو السلطة‪ .‬فالكلمة معناها إذًا‪ :‬حكم الشعب أو سلطة‬
‫الشعب‪.‬‬
‫الديمقراطية اصطلحًا‪:‬‬
‫هي نظام سياسي من أنظمة الحكم الذي يكون فيه الشعب هو‬
‫صاحب الحكم أو السلطة‪ ،‬أي سلطة إصدار القوانين وسن التشريعات‪.‬‬
‫وتطلق الديمقراطية على النظام السياسي الذي يكون فيه الشعب‬
‫رقيبا ً على أعمال الحكومة بواسطة المجالس النيابية‪ ،‬ويكون لنواب‬
‫المة سلطة إصدار القوانين وسن التشريعات‪ (1).‬وهي الوجه السياسي‬
‫للعلمانية‪ ،‬التي ترى فصل الدين عن السياسة‪.‬‬

‫نشأة الديمقراطية‪:‬‬
‫يمكن القول بأن الديمقراطية لها نشأتان‪ ،‬نشأة قديمة‪ ،‬ونشأة‬
‫حديثة‪.‬‬
‫النشأة القديمة‪:‬‬
‫ل من مارس الديمقراطية كنظام حكم هم الغريق في مدينتي‬ ‫أو ّ‬
‫أثينا وإسبارطة خلل القرنين الخامس والرابع قبل الميلد وذلك بعد‬
‫تطور سياسي طويل استغرق حوالي سبعة قرون‪ ،‬حيث كانت تقوم في‬
‫المدينة حكومة‪ ،‬يطلق عليها اصطلحًا‪ :‬اسم حكومة المدينة‪ ،‬لقد كان‬
‫أفراد الشعب من الرجال يجتمعون كلهم في المدينة‪ ،‬ويشاركون جميعا ً‬
‫فمي حكمها‪ ،‬أي يجتمعون في هيئة جمعية عمومية‪ ،‬يتشاورون فيها في‬

‫انظر مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص ‪.178‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪286‬‬
‫كمل أممور الحكم‪ ،‬مثل‪ :‬انتخاب الحاكم وإصدار القوانين‪ ،‬والشراف‬
‫على تنفيذها‪ ،‬ووضع العقوبات على المخالفين‪ ،‬وربما ساعد على هذا‬
‫الجتماع العام‪ :‬قلة عدد السكان‪ ،‬وبساطة الحياة‪ ،‬وسهولة المشاكل‬
‫ويسرها‪ ،‬وقد توزعت الختصاصات التشريعية والتنفيذية والقضائية على‬
‫الهيئات التالية‪ :‬الجمعية الشعبية "العمومية"‪ ،‬والمجلس النيابي‪،‬‬
‫والمحاكم الشعبية‪.‬‬
‫فحكم الشعب في هاتين المدينتين كان مطبقا ً بصورة مباشرة‪،‬‬
‫وكانت التسمية )حكم الشعب( مطبقة بصورة مباشرة‪ ،‬ومنطبقة على‬
‫الواقع انطباقا ً كام ً‬
‫ل‪ .‬ولكن‬
‫هذه الصورة من حكم الشعب )الديمقراطية( قد انتهت بانتهاء حكومة‬
‫)‪(1‬‬
‫المدينة في أثينا وإسبارطة اليونانيتين‪.‬‬
‫النشأة الجديدة‪:‬‬
‫عرفت أوربا نظام القطاع الذي ظل يحكمها أكثر من ألف عام‬
‫في ظل المبراطورية الرومانية والقانون الروماني‪ ،‬ولما آمنت أوربا‬
‫بالديانة المسيحية‪ ،‬لم تغير المسيحية من واقع الحياة في الجانب‬
‫التشريعي والقانوني شيئا ً بل مارس رجال الدين النصارى ظلما ً‬
‫وطغيانا ً تجاه الشعوب الوربية‪ ،‬وفي ظل النظام القطاعي والطغيان‬
‫الكنسي لم يكن للشعب قيمة أو وزن‪ ،‬بل كان يتعرض لبشع أنواع‬
‫الظلم والطغيان‪.‬‬
‫كان الشعب يعاني من ظلم وطغيان الملوك والمراء الذين كانوا‬
‫يمارسون الحكم المستبد استنادا ً إلى نظرية التفويض اللهي التي‬
‫ُاخترعت لتبرير سلطانهم المطلق‪ ،‬حيث تقول هذه النظرية‪ :‬إن الملوك‬
‫يستمدون سلطانهم من تفويض الله لهم سواًء كان تفويضا ً مباشرا ً أو‬
‫غير مباشر‪ ،‬وكان الشعب يعاني أيضا ً من ظلم القطاعيين ورجال‬

‫انظر الديمقراطية الثينية أ‪.‬هم‪.‬م‪ .‬جونز‪ ،‬ترجمة د‪ .‬عبمد المحسمن الخشماب‪ ،‬الهيئة‬ ‫‪1‬‬

‫المصممرية العامممة ‪1976‬م ص ‪ ،121‬الديمقراطيممة بيممن الفكممر الفممردي والفكممر‬


‫الشممتراكي د‪ .‬أنممور أحمممد رسمملن‪ ،‬دار النهضممة العربيممة‪ ،‬مصممر ‪ 1971‬ص ‪ ،2‬م ‪،23‬‬
‫مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص ‪. 178‬‬

‫‪287‬‬
‫الكنيسة‪ ،‬ونتيجة المظالم المتراكمة تفجرت الثورة الفرنسية‪ ،‬ورفع‬
‫شعار‪ :‬اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس‪.‬‬
‫لقد تخلصت أوربا مممن ظلممم القطمماع والمممراء والملمموك ورجممال‬
‫الكنيسة‪ ،‬ولكنها استبدلت نظام الحكمم الظمالم المذي كمان جاثمما ً علمى‬
‫صدرها لعدة قرون بنظممام حكممم آخممر‪ ،‬إنممه النظممام الممديمقراطي الممذي‬
‫أخذته من تراثها الغريقي الروماني‪.‬‬
‫والساس الذي استندت إليه أوربا الحديثة في أخذها بمبدأ سيادة‬
‫الشعب هو نظرية العقد الجتماعي التي صاغها كل من توماس هوبز‪،‬‬
‫وجون لوك‪ ،‬وجان جاك روسو‪ (1).‬وجوهر هذه النظرية‪ :‬أن الناس في‬
‫أول أمرهم كانوا يعيشون حياتهم الفطرية البدائية حياة غير منظمة‪،‬‬
‫تخلو من التشريع الذي يحكمهم‪ ،‬وليس هناك دولة أو مؤسسة تنظم‬
‫معاملتهم وأمور حياتهم‪ ،‬ثم نتيجة تطور الحياة احتاج الناس إلى دولة‬
‫وتشريع حاكم‪ ،‬لجل ذلك عقدوا فيما بينهم عقدا ً تنازلوا بمقتضاه عن‬
‫جميع حقوقهم أو بعضها للمجموع‪ ،‬من أجل إقامة السلطة التي‬
‫تحكمهم وتنظم شؤون حياتهم وتحفظ حقوقهم وحرياتهم‪ .‬والسلطة‬
‫حسب هذا التصور قامت بناء على الرادة الشعبية‪ ،‬فالشعب هو صاحب‬
‫السيادة والسلطة)‪.(2‬‬
‫وبعد نضال وكفاح استمر فترة طويلة من الزمان استقرت‬
‫الديمقراطية في أوربا على صورتها الحالية‪ ،‬على اختلف بينها في‬
‫)‪(3‬‬
‫الجزئيات ل يؤثر في صورتها العامة ومبادئها الرئيسية‪.‬‬
‫الديمقراطية بين اليوم والمس‪:‬‬
‫ب الديمقراطية وخصيصتها‬ ‫إذا كان حكم الشعب للشعب هو ل ّ‬
‫الكبرى‪ ،‬فإن التاريخ في القديم والحديث لم يذكر لنا أن هذه الخصيصة‬

‫هناك اختلف في وجهممات النظممر بيممن الشخصمميات الثلثممة‪ ،‬لكنهمما ل تمممس جمموهر‬ ‫‪1‬‬

‫النظرية‪.‬‬
‫انظر التجاهات الفكرية المعاصممرة ص ‪ ،120‬حقيقممة الديمقراطيممة محمممد شمماكر‬ ‫‪2‬‬

‫الشريف ص ‪.23‬‬
‫مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص ‪.180-178‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪288‬‬
‫قد تحققت‪ ،‬فالديمقراطية كنظام للحكم كانت دوما ً نظاما ً طبقيًا‪ ،‬أي‬
‫كانت ومازالت طبقة واحدة هي التي تفرد إرادتها ومشيئتها على باقي‬
‫طبقات المجتمع‪ .‬ففي القديم ‪-‬عند الغريق‪ -‬كانت الطبقة المكونة من‬
‫المراء والنبلء وأشراف القوم هي الطبقة الحاكمة المشّرعة صاحبة‬
‫الدارة العليا‪ ،‬بينما كان بقية أفراد الشعب ‪-‬وهم الغلبية‪ -‬ل تملك من‬
‫المر شيئًا‪.‬‬
‫وفي الحديث نجد طبقة كبار الغنياء من أصحاب رؤوس الموال‬
‫هم الذين يشكلون الطبقة الحاكمة المشّرعة صاحبة الرادة العليا‪ ،‬فهي‬
‫التي تملك الحزاب ووسائل العلم التي تصنع الرأي العام وتوجهه‬
‫لصالح القلة الحاكمة‪..‬إن الديمقراطية لعبة القلية سواء كانت فئة أو‬
‫طبقة‪ ،‬وليست حكومة الشعب أو الغلبية كما جاء في تعريفها‪ ،‬وكما‬
‫يتوهم كثير من الناس‪.‬‬
‫صور الديمقراطية‪:‬‬
‫اتخذت الديمقراطية صممورا ً شمتى فمي واقمع الحيمماة العمليمة مممن‬
‫حيث كيفية حكم الشعب لنفسه‪ ،‬وهذه الصور هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الديمقراطية المباشرة‪:‬‬
‫من أقدم صور الديمقراطية حكم الشعب لنفسه مباشرة دون‬
‫وساطة برلمان أو غيره‪ ،‬بحيث يمارس الشعب كله الحكم في كافة‬
‫مجالت الحياة )من الناحية التشريعية والتنفيذية والقضائية(‪ ،‬فهو الذي‬
‫يقترح‪ ،‬وهو الذي يشرع‪ ،‬وهذا أمر عسير‪ ،‬إذ يستحيل جمع الشعب كله‬
‫في صعيد واحد‪ ،‬ولربما يكون ذلك إذا كان عدد أفراد الشعب محدودا ً‬
‫للغاية‪ ،‬وفي عالمنا المعاصر ل وجود لها إل على نطاق محدود جدا ً كما‬
‫في بعض المقاطعات السويسرية الصغيرة)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬الديمقراطية غير المباشرة )النيابية(‪:‬‬
‫في هذه الصورة يختار الشعب نوابا ً عنه يمثلونه في برلمان أو‬
‫مجلس نيابي‪ ،‬والنواب يمارسون السلطة كوسيط عن الشعب‪ ،‬وأما‬

‫‪ -1‬انظمر النظمم السمياسية محممد كاممل ليلة ص ‪ ،502‬المبادئ الدسممتورية العامممة‬


‫د‪ .‬محمود حلمي ص ‪ ،305-304‬النظم السياسية د‪ .‬ثروت بدوي ص ‪.201‬‬

‫‪289‬‬
‫الشعب نفسه فل يمارس الحكم من حيث إصدار التشريعات وسن‬
‫القوانين‪ ،‬إنما يمارس العمل السياسي مرة واحدة‪ ،‬وهي المرة التي‬
‫يختار فيها الشعب نوابه لممارسة السلطة بالنيابة عنه‪ .‬ووظيفة النواب‬
‫‪-‬أعضاء البرلمان‪ -‬إصدار التشريعات باسم الشعب الذي اختارهم‪،‬‬
‫والموافقة على الميزانية العامة)‪.(1‬‬
‫‪ -3‬الديمقراطية شبه المباشرة‪:‬‬
‫وهي صورة متطورة توفيقية من الديمقراطية المباشرة‬
‫والديمقراطية النيابية‪ ،‬ففي هذه الصورة توجد هيئة نيابية كما في‬
‫الديمقراطية النيابية‪ ،‬ولكن الشعب هنا يحتفظ لنفسه ببعض مظاهر‬
‫السيادة والسلطة‪ ،‬التي يمارسها دون وسيط كما في الديمقراطية‬
‫المباشرة‪.‬‬
‫ل‪ :‬يمكن أن يقترح مشروعا ً قانونيًا‪ ،‬أو فكرة يقدمها إلى‬ ‫فالشعب مث ً‬
‫البرلمان‪ ،‬أو يقدم الشعب اعتراضا ً على قانون ما يصدره البرلمان‪،‬‬
‫فيوقف القانون ويلغيه‪ ،‬وتارة يستفتي الشعب في موضوع سياسي‪ ،‬أو‬
‫دستوري‪ ،‬أو تشريعي‪ ،‬ثم تنفذ رغبة الشعب التي ظهرت من خلل‬
‫الستفتاء‪ .‬وأحيانا ً يملك الشعب سلطة حل البرلمان‪ ،‬أو عزل رئيس‬
‫)‪(2‬‬
‫الدولة‪.‬‬
‫ومن المفيد أن نذكر هنا‪ :‬أن كثيرا ً من الدول تأخذ بمبدأ‬
‫تعدد الحزاب‪ ،‬والحزب الذي يفوز بأغلبية أصوات الناخبين هو الذي‬
‫يحكم‪ ،‬ويكون التصويت داخل الهيئة النيابية ‪-‬البرلمان‪ -‬بالغلبية كذلك‪.‬‬
‫والغلبية نوعان‪ :‬الغلبية المطلقة‪ :‬وهي تتحقق بتوافر‬
‫نصف الصوات مع زيادة واحد‪ ،‬وهذا تأخذ به كثير من الدساتير في‬
‫أغلب أعمال البرلمان‪ .‬والغلبية الساحقة‪ :‬وتتحقق بتوافر ثلثي‬

‫‪ -1‬انظر المبادئ الدستورية العامة د‪ .‬محممود حلممي ص ‪ ،307‬النظمم السياسية د‪.‬‬


‫محمود كامل ليلة ص ‪.525‬‬
‫‪ -2‬انظممر النظممم السياسممية د‪ .‬محمممد كامممل ليلممة ص ‪ 511‬وممما بعممدها‪ ،‬المبممادئ‬
‫الدستورية العامة د‪ .‬محمود حلمي ص ‪ 315‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫الصوات أو أكثرها‪ ،‬ويعمل بذلك في المسائل المهمة مثل‪ :‬عزل رئيس‬
‫)‪(1‬‬
‫الدولة أو محاكمته‪ ،‬أو إجراء تعديل دستوري‪.‬‬
‫موقف السلم من صور الديمقراطية الثلث‪:‬‬
‫ن السمملم ل يمممانع مممن تطممبيق أيممة صممورة منهمما‪،‬إذا اقتضممت‬ ‫إ ّ‬
‫المصلحة تطبيقها‪ ،‬فهي من المور التنظيمية المتروكممة للمسمملمين كممي‬
‫يحققوا مبدأ الشورى والنتخاب في حيمماتهم السياسممية‪ ،‬ولكممن السمملم‬
‫يقيد تطبيق أية صورة منها بشرطين اثنين‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬عدم ممارسة الشعب أو ممثليه لشيء من التشريع‬
‫الذي هو حق لله تعالى وحده‪) :‬إن الحكم إل لله( سورة يوسف‪،4 :‬‬
‫بل لهم ممارسة ما يبيحه الشارع لهم ل غير بما ل يتناقض مع مجموعة‬
‫الوامر والنواهي الربانية‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون المشارك في النتخاب أو في إبداء الرأي‪،‬‬
‫أو في الترشيح للمجلس النيابي مؤهل ً شرعًا‪ ،‬أي تتوافر فيه الصفات‬
‫المعتبرة شرعًا‪ ،‬من الكفاية والعدالة والتقوى والعلم المناسب والمانة‬
‫والقدرة على تحمل المسئولية ونحوها مما هي مذكورة في كتب‬
‫السياسة الشرعية التي وضعها علماء وأئمة السلم مستدلين عليها من‬
‫)‪(2‬‬
‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫خصائص النظام الديمقراطي‪:‬‬
‫تقمموم الديمقراطيممة علممى أعمممدة ثلثممة‪ ،‬بحيممث ل يكممون النظممام‬
‫السياسي نظاما ً ديمقراطيا إل إذا وجدت هذه العمدة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ل‪ :‬مبدأ سيادة المة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ُتعّرف السيادة بأنها‪ :‬تلك السلطة العليا التي تملك حق سن‬
‫التشريع وإصدار القوانين‪ ،‬والتي ل تعرف بجانبها أو فوقها ‪-‬فيما تنظم‬
‫من علقات‪ -‬سلطة عليا أخرى‪ ،‬فهي سلطة تسمو فوق الجميع‪،‬‬
‫وتفرض نفسها على الجميع بما تملك من سلطة المر والنهي العليا‪.‬‬

‫انظر التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪.123‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬انظر كواشف زيوف للميداني ص ‪.722‬‬

‫‪291‬‬
‫ولتوضيح مبدأ سيادة المة أو سيادة الشعب قيل‪ :‬الشعب مصدر‬
‫جميع السلطات‪ ،‬أو المة مصدر جميع السلطات‪ ،‬والمراد بالسلطات‪:‬‬
‫أ‪-‬السلطة التشريعية‪ :‬ومهمتها‪ :‬تشريع الحكام وسن القوانين‬
‫وتعديلها وإلغاؤها‪ ،‬ومراقبة تنفيذها‪ ،‬ويقوم بذلك المجلس النيابي الذي‬
‫اختاره الشعب ليمارس السلطة بالنيابة عنه‪.‬‬
‫ب‪-‬السلطة التنفيذية‪ :‬ومهمتها‪ :‬القيام بتنفيذ القوانين والحكام‬
‫التي صدرت عن السلطة التشريعية‪ .‬وهذه السلطة تعين من قبل‬
‫رئيس الدولة الذي يختارهم من أعضاء البرلمان أو خارجه أو من أعضاء‬
‫البرلمان أنفسهم ومن خارجه معًا‪.‬‬
‫ج‪-‬السلطة القضائية‪ :‬ومهمتها‪ :‬القضاء في كل ما يعرض عليها وفق‬
‫الحكام والقوانين الصادرة عمن السملطة التشريعية‪ ،‬ووفق القانون‬
‫الساسي للدولة ‪-‬الدستور‪ -‬فالشعب إذا ً هو مصدر السلطات الثلث‪،‬‬
‫بمعنى أن الحكم بمدلولممه الشاممل للتشمريع والتنفيمذ والقضماء إنمما‬
‫همو للشعب أو الممة‪ ،‬ومعنى ذلك أن كلمة السلطة للشعب أو السيادة‬
‫)‪(1‬‬
‫للشعب‪ :‬أن الحكم للشعب‪ ،‬أو حكم الشعب‪ ،‬أو سلطة الشعب‪.‬‬
‫نشأة مبدأ السيادة‪:‬‬
‫نشأ مبدأ سيادة المة مرتكزا ً إلى نظرية العقد الجتماعي التي‬
‫أشرنا إليها سابقًا‪ .‬وملخص هذه النظرية‪:‬أن الفراد كانوا أحرارا ً‬
‫يتمتعون بكافة الحقوق‪ ،‬لكنهم تنازلوا عن حقوقهم وحرياتهم من خلل‬
‫عقد اجتماعي أمضوه‪ ،‬ونشأت بموجبه "إرادة عامة لمجموع‬
‫الفراد" تسود عليهم‪ ،‬وتكون لها حق المر والسيادة عليهم‪ ،‬وقد كان‬
‫هذا الحق قديما ً للملوك بموجب الحق اللهي ثم انتقل إلى الشعوب إثر‬
‫ذت هذا‬ ‫دت من سلطان الملوك‪ ،‬ونتيجة أفكار وفلسفات غ ّ‬ ‫ثورات ح ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫الجانب‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر حقيقة الديمقراطية محمد شاكر الشريف ص ‪.15‬‬


‫انظر حقيقة الديمقراطية ص ‪ ،24-22‬التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪.121‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪292‬‬
‫مناقشة مبدأ السيادة‪:‬‬
‫لقد تعّرض مبدأ سيادة المة ‪-‬فيما تعرضت له الديمقراطية‪-‬‬
‫ل‪ :‬يستند إلى فكرة العقد الجتماعي‪ ،‬وهي‬ ‫لنتقادات كثيرة‪ ،‬فهو أو ً‬
‫فكرة خيالية بعيدة عن الواقع‪ ،‬مما دعا البعض إلى إسناد مبدأ السيادة‬
‫إلى أساس آخر هو‪:‬أن السلطة نشأت من أجل المة‪ ،‬ومن ثم وجب أن‬
‫يكون للمة رقابة تامة على السلطة‪.‬‬
‫دمت لنا الديمقراطية صورا ً‬ ‫وهي ثانيًا‪ :‬لم تمنع الستبداد‪ :‬إذ ق ّ‬
‫كثيرة للنظم الديمقراطية المستبدة‪ ،‬كالديمقراطية القيصرية ومن‬
‫أمثلتها‪ :‬نظام نابليون بونابرت‪ ،‬ونظام لويس نابليون ‪1852‬م‪ ،‬وأغلب‬
‫الديمقراطيات في الدول العربية والسلمية)‪.(1‬‬
‫وأما موقف السلم من مبدأ السيادة فنجمله فيما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬إن مبدأ السيادة الذي يمثل العمود الفقري لي نظام ديمقراطي‬
‫يعطي السلطة العليا في سن التشريعات وإصدار القوانين لفئة من‬
‫الناس يزعمون أنها تمارس ذلك نيابة عن الشعب الذي اختارها‪.‬‬
‫وإن هذا المبدأ يتناقض مع مفهوم كلمة التوحيد "ل إله إل الله"‪،‬‬
‫حد أن الله عز وجل له‬ ‫فمن المور الواضحة في عقيدة كل مسلم مو ّ‬
‫الحكم والسلطان‪ ،‬فالحكم ليس للشعب ل كله ول بعضه‪ ،‬ول فئة منه‪،‬‬
‫ص الله تعالى في القرآن الكريم على هذا المر بما ل يدع مجال ً‬ ‫ولقد ن ّ‬
‫حدين‪ .‬ومن هذه النصوص‪:‬قولمه‬ ‫للمجادلة أو الختلف بين مسلمين مو ّ‬
‫تعالى‪):‬إن الحكم إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم( سورة‬
‫يوسف‪ ،40 :‬فكون الله تعالى هو الحاكم المتفرد بذلك هو لب هذا‬
‫الدين‪ ،‬وهو جوهر العبودية له عز وجل‪ ،‬وقوله تعالى‪):‬أفغير الله أبتغي‬
‫ل( النعام‪ ،114 :‬وقوله‪):‬ومن‬ ‫حكما ً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفص ً‬
‫أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون( المائدة‪ ،50 :‬وقوله‪) :‬ومن لم‬
‫يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون( المائدة‪ ،44 :‬وقوله‪) :‬فل‬
‫وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم‬
‫حرجا ً مما قضيت ويسّلموا تسليمًا( النساء‪ ،65 :‬وقوله‪):‬أل له الخلق‬

‫انظر التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪.122-121‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪293‬‬
‫والمر( العراف‪ ،54 :‬وقوله‪):‬وأن احكم بينهم بما أنزل الله( المائدة‪:‬‬
‫‪ ،49‬وقوله‪) :‬وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله( الشورى‪:‬‬
‫‪.10‬‬
‫ن النصوص القرآنية الواضحة تبين استحقاق الله تعالى وحده‬ ‫إ ّ‬
‫الحاكمية على البشر‪ ،‬واختصاصه تعالى بالمر والنهي والتشريع‪ ،‬ورد‬
‫النزاع والختلف إلى حكمه‪ ،‬وتبين علو حكمه وسموه على جميع‬
‫الحكام‪.‬‬
‫وإذا كان المر كذلك فإنه تعالى يرفض أن يشاركه في الحكم أحد‬
‫من خلقه قال تعالى‪):‬ول يشرك في حكمه أحدا ً( الكهف‪،110 :‬‬
‫قب على حكمه أحد قال تعالى‪):‬والله يحكم ل معقب‬ ‫ويرفض أن يع ّ‬
‫لحكمه( الرعد‪ ،41 :‬وقد نفى اليمان عن الرافضين لحكمه فقال‪):‬فل‬
‫وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم( النساء‪.65 :‬‬
‫وأيضا ً وصم الله تعالى الرافضين لبعض حكمه بالكفر وتوعدهم‬
‫بالخزي في الحياة الدنيا‪ ،‬وسوء المصير يوم القيامة فقال‪) :‬أفتؤمنون‬
‫ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إل خزي‬
‫في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل‬
‫عما تعملون( البقرة‪.85 :‬‬
‫وعد ّ الله تعالى التحاكم إلى غيره تحاكما ً إلى الطاغوت الذي يجب‬
‫أن ُيكفر به‪ ،‬فقال‪) :‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك‬
‫وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن‬
‫يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلل ً بعيدًا( النساء‪..60 :‬واعتبر‬
‫الله تعالى المعرضين عن حكمه متبعين للجاهلية فقال‪) :‬أفحكم‬
‫الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون( المائدة‪.50 :‬‬
‫وبهذا يتبين أن النظام الديمقراطي‪ -‬وعموده الفقري مبدأ سيادة‬
‫الشعب‪ -‬مباينا ً للحكم السلمي الذي يقوم على قاعدة حاكمية الله عز‬
‫وجل‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬كيف يستقيم إسلم امرئ مع إيمانه‬
‫)‪(1‬‬
‫بالديمقراطية؟!‬

‫انظر حقيقة الديمقراطية محمد شاكر الشريف ص ‪.15‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪294‬‬
‫‪ -2‬إن النظام الديمقراطي ل يقر بأحكام الشريعة السلمية المستفادة‬
‫من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ول يرى‬
‫وجوب تنفيذها‪ ،‬لن الحكام والقوانين التي يقرها ذلك النظام هي‪:‬‬
‫الحكام والقوانين الصادرة عن نواب الشعب وممثليه‪ ،‬وهي أحكام‬
‫وقوانين تصدر وفق الدساتير والعراف الوضعية‪ ،‬ووفق المصالح‬
‫والرغبات والهواء الشخصية‪.‬‬
‫إن النظام الديمقراطي يعزل الشريعة السلمية كليا ً عن شؤون‬
‫الحكم والتشريع‪ ،‬ويستبعدها عن شؤون الحياة السياسية والقتصادية‬
‫والجتماعية والثقافية ونحوها استبعادا ً تامًا‪ ،‬وهو بذلك نظام ل ديني‬
‫تمامًا‪.‬‬
‫‪ -3‬إن الذين يشّرعون ويصدرون القوانين في النظمة الديمقراطية‬
‫ون على الله تعالى‪ ،‬ويستدركون على شرعه وحكمه‪ ،‬ولسان‬ ‫يتعال َ ْ‬
‫حالهم يقول‪ :‬نحن أعلم بما يصلح للناس منك‪ ،‬والقوانين الغربية‬
‫الوضعية أهدى سبيل ً من أحكام شريعتك‪ .‬وفات هؤلء قوله تعالى‪) :‬أل‬
‫يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير( تبارك‪ .14 :‬وقوله‪) :‬أل له‬
‫الخلق والمر( العراف‪ .54 :‬وقوله‪) :‬أفحكم الجاهلية يبغون‬
‫ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون( المائدة‪.50 :‬‬
‫‪-4‬إن السلطة القضائية في واقع المر ليست بيد الشعب كما تزعم‬
‫الديمقراطية بل هي بيد الدولة‪ ،‬ولو وضعت بيد الشعب لفسدت‪.‬‬
‫والقضاة في السلم يحكمون باسم الشرع‪ ،‬ومصدر حكمهم الشرع‬
‫أيضًا‪.‬‬
‫والديمقراطية تزعم زورا ً وبهتانا ً أن القضاء فيها يحكم باسم‬
‫الشعب وأن مصدر القضاء هو الشعب‪ ،‬إن كلمة الشعب مصدر‬
‫السلطات التي تقوم عليها الديمقراطية هي مجرد كلم إنشائي ل واقع‬
‫له في الحياة)‪.(1‬‬
‫‪-5‬إن وظيفة الشعب في النظام السلمي تنفيذ شريعة الله تعالى‪ ،‬وأن‬
‫يضع المؤهلون ‪-‬علميا ً وإيمانيًا‪ -‬من أفراده من النظم الدارية والكيفيات‬

‫انظر حكم السلم في الشتراكية عبد العزيز البدري ص ‪.142-141‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪295‬‬
‫التي تسهل له أمر تنفيذها‪ ،‬وتكيف حياته كلها وفق منهج الله تعالى‬
‫وحكمه‪ ،‬ويسمح في ظل النظام السلمي أن ُيعطى لجماعة المسلمين‬
‫المؤهلين أن يضعوا النظم الدارية والتنظيمية الصالحة والنافعة للناس‬
‫بشرط أل يعارض شيء منها حكما ً شرعيا ً ثابتا ً عن الله ورسوله‪.‬‬
‫أما النظام الديمقراطي فيجعل وظيفة فئة من الناس سن‬
‫التشريعات والقوانين بعيدا ً عن هدي الله تعالى‪ ،‬ثم تفرض هذه‬
‫القوانين والتشريعات على الناس‪ ،‬وعليهم جميعا ً واجب احترامها‬
‫وتنفيذها والحتكام إليها‪ .‬قال تعالى‪) :‬أم لهم شركاء شرعوا لهم‬
‫من الدين ما لم يأذن به الله( الشورى‪.21 :‬‬
‫والحقيقة أن المجلس النيابي‪-‬بكل أفممراده أو أكممثرهم‪ -‬فممي النظممام‬
‫ن تشممريعا ً صممالحا ً نافعمًا‪ ،‬لتعممذر اتفمماق‬
‫الممديمقراطي ل يسممتطيع أن يسم ّ‬
‫ما أدرك هؤلء النواب استحالة‬ ‫عقول جميع النواب على تشريع واحد‪ ،‬ول ّ‬
‫ذلك‪ ،‬جعلوا في المجلس لجنة قانونيممة‪ ،‬ولهما مقممرر واحممد‪ ،‬حممتى يمكممن‬
‫وضع النظام من واحممد‪ ،‬ثممم يعممرض للنقمماش مممن عممدد محممدود ‪-‬أعضمماء‬
‫اللجنة القانونية‪ ،-‬ثم يعرض على المجلس ل لوضعه‪ ،‬وإنما لقراره‪ ،‬بعد‬
‫نقده من عممدة أشممخاص‪ ،‬وبعممد ذلممك يصممبح قانونما ً مممن قبممل المجلممس‪.‬‬
‫وحقيقة المر‪:‬أن واضع القانون شخص واحممد‪ ،‬وناقشممه عممدة أشممخاص‪،‬‬
‫فيكون واضع القانون بضعة أفراد‪ ،‬ل الشممعب ول أكممثريته‪ ،‬ول المجلممس‬
‫النيابي المنتخب نفسه‪.‬‬
‫وعلى فرض أن نواب المة ‪-‬ممثلي أكثرية المة‪ -‬هم واضعو‬
‫القوانين‪ ،‬فإن القانون أو النظام الذي وضعوه ل يصلح لن يعين‬
‫المصلحة ويحدد المفسدة‪ ،‬التي تقوم عليها علقات المة في المجتمع‪،‬‬
‫لن النظام أو القانون مصدره العقل‪ ،‬والعقل وحده ل يملك ذلك‪ ،‬لن‬
‫عقول الناس متفاوتة ومتباينة من حيث الفكار وتحديد المصالح‬
‫والمفاسد‪.‬‬
‫دد المفسدة‪ ،‬لن‬ ‫ن الشرع في السلم هو الذي يقرر المصلحة ويح ّ‬ ‫إ ّ‬
‫الشرع من الله تعالى‪ ،‬وهو وحده العالم بالنسان وحاجاته وغرائزه‪،‬‬
‫المحيط بمصالحه ومتطلبات حياته‪ ،‬قال تعالى‪) :‬أل يعلم من خلق‬

‫‪296‬‬
‫وهو اللطيف الخبير( تبارك‪ ،14 :‬ولذا فإن القوانين والنظمة لبد‬
‫أن تستمد من الشريعة السلمية وحدها‪ ،‬وأما العقل فوظيفته أن يفهم‬
‫الشرع‪ ،‬وأن يستنبط الحكام والقوانين منه لمعالجة مشكلت الحياة‬
‫)‪(1‬‬
‫وتنظيم شؤون المجتمع‪ ،‬وله أن يضع النظم الدارية الدنيوية البحتة‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬مبدأ المشروعية‪:‬‬


‫معناه‪ :‬سيادة القانون‪ ،‬أي خضوع الحاكم والمحكوم للقانون‬
‫على السواء‪ .‬وقد ظهر هذا المبدأ مع حاجة المجتمعات الوربية إلى‬
‫الحماية في مواجهة افتئات واستبداد السلطة وتجاوزاتها‪ ،‬ذلك أن‬
‫السلطة تغري أصحابها بإساءة استعمالها‪ ،‬وخاصة إذا كانوا ممن ل‬
‫يدينون بالدين الحق ول يخافون الله تعالى كواقع أغلب أصحاب‬
‫)‪(2‬‬
‫السلطة في المجتمعات المعاصرة‪.‬‬
‫ضمانات لمبدأ المشروعية‪:‬‬
‫ولكي يسود القانون على الجميع دون تفرقممة بيممن حمماكم ومحكمموم‪،‬‬
‫قيل لبد من ضمانات في هذا الجانب‪ ،‬ومن ذلك‪-:‬‬
‫أ ‪ -‬جمود الدساتير‪:‬‬
‫والهدف من ذلك عدم حدوث التغيير الكثير في القانون‪ ،‬وعدم‬
‫ن ذلك يتطلب أغلبية خاصة‪ ،‬ل تتوافر غالبًا‪.‬‬ ‫حدوث التغيير المفاجئ‪ ،‬ل ّ‬
‫ولكن هذا الضمان ل قيمة له في بلدان ذات دساتير مرنة‪ ،‬مثل‪:‬إنجلترا‪،‬‬
‫ي‬
‫والدول النجلوسكسونية‪ ،‬التي سمحت للغلبية المطالبة بإجراء أ ّ‬
‫تغيير‪ ،‬ول قيمة له في بلدان يشكل فيها الحزب الحاكم أغلبية ساحقة‪،‬‬
‫تجعل النواب يتجاوبون مع التغيير المطلوب في القانون عندما يعرض‬
‫على البرلمان‪ .‬ول قيمة لجمود الدساتير مع وجود النقلبات الثورية‬
‫)‪(3‬‬
‫التي تسقط الدستور‪ ،‬وتفرض قوانينها الثورية على الناس‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الفصل بين السلطات‪:‬‬

‫‪-1‬انظر حكم السلم في الشتراكية عبد العزيز البدري ص ‪.141-140‬‬


‫‪ -2‬انظر التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪.125‬‬
‫‪ -3‬انظر المصدر السابق ص ‪.127‬‬

‫‪297‬‬
‫من الضمانات لمبدأ المشروعية ‪-‬سيادة القانون‪ -‬الفصل بين‬
‫السلطات‪ ،‬على أساس أن السلطة تحد السلطة‪ ،‬بيد أن الفصل بين‬
‫السلطات ل وجود له في واقع كثير من الدول الديمقراطية‪ ،‬وأما البلد‬
‫التي أخذت به‪ ،‬ومن ضمنها أمريكا فإن شخصية الرئيس فيها الثقل‬
‫الول‪ ،‬والكونجرس الثقل الثاني بغض النظر عن الفصل بين السلطات‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الرقابة القضائية‪:‬‬
‫وقيل بالرقابة القضائية كضمان لعمال دستورية القوانين‪،‬‬
‫وشرعية اللوائح لبطال أو إلغاء أو المتناع عن كل نص يخالف النص‬
‫القانوني العلى منه‪ ،‬وهذه وسيلة جديدة‪ ،‬لكنها تفتقر إلى مستوى‬
‫القاضي الرفيع‪ ،‬كما أن البلد التي ل تأخذ برقابة المحاكم نصا ً تتردد‬
‫كثير منها في التطوع للرقابة القضائية‪ ،‬ويقف جهدها في هذه الحالة‬
‫)‪(1‬‬
‫عند حد المتناع فقط‪ ،‬عن تنفيذ التشريع المخالف‪.‬‬
‫مناقشة مبدأ المشروعية‪:‬‬
‫المشممروعية بوصممفها الوضممعي تفتقممر فممي مجالهمما العملممي إلممى‬
‫الضمانات‪ ،‬وضماناتها الحالية ضعيفة‪ ،‬وهي أيضا ً ضعيفة بدون ضمممانات‪،‬‬
‫ومن ثم فإن مبدأ سيادة القانون بحاجة إلى حمايممة مممن آسمماد السمملطة‬
‫وذئابها‪ ،‬وهذا المبدأ يفتقر إلى التقدير والحترام‪ ،‬لن ما يصوغه البشممر‪-‬‬
‫فئة أو مجموع منهم‪ -‬لن يلزم باقي البشر‪ ،‬فبممأي سمملطان يملممك هممؤلء‬
‫السيادة ليصبح ما يصمموغونه مممن القممانون واجممب الحممترام‪ ،‬ومهممما بلممغ‬
‫بعض البشر من العدل فإنهم لن يسممتطيعوا أن يتجممردوا مممن الهممواء أو‬
‫الجهل أو الظلم‪ ،‬خاصة وهم ل يدينون بدين الحممق‪ ،‬ول يؤمنممون بعقيممدة‬
‫ربانية تكفهم عن الظلممم والجمور‪ ،‬أو تحقيممق مصممالحهم ورغبماتهم علمى‬
‫حساب مصالح ورغبات مجموع الشعب‪.‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪.127‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪298‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الحقوق والحريات للفراد‪:‬‬
‫تقوم الديمقراطية على مبدأ تقرير الحقوق والحريات للفراد‪،‬‬
‫ووجوب ضمانها وصيانتها وحمايتها‪ ،‬ولقد ظهرت هذه الحقوق والحريات‬
‫في البداية لحماية الفراد في مواجهة سلطة الدولة‪ ،‬واستمدت دعائمها‬
‫من النظريات التي أوردت قيودا ً على سلطان الدولمة كنظريتي القانون‬
‫الطبيعي والعقد الجتماعي‪ ،‬ولقد استقرت أخيرا ً هذه الحقوق‬
‫والحريمات وأصبحت جزءا ً من النظام الديمقراطي‪ ،‬إذ قررتها من قبل‬
‫إعلنات الحقوق المختلفة عقب الثورات النجليزية والمريكية‬
‫والفرنسية‪ ،‬وظهرت في شكل نصوص دستورية في صلب القوانين‬
‫الساسية‪ ،‬وهو ما أخذت به أغلب الدساتير‪ .‬وقررها أيضا ً ميثاق هيئة‬
‫المم‪ ،‬والميثاق العالمي لحقوق النسان الصادر في ‪ 15‬ديسمبر‬
‫‪1948‬م‪.‬‬
‫وتتلخص حقوق النسان الطبيعية في المساواة والحرية‪ ،‬وهما‬
‫بدورهما يتفرعان إلى أقسام وأنواع‪.‬‬
‫‪ -1‬المساواة‪ :‬وأقسامها أربعة‪ :‬المساواة أمام القانون‪،‬‬
‫والمساواة أمام القضاء‪ ،‬والمساواة أمام الوظائف‪ ،‬والمساواة أمام‬
‫الضرائب‪.‬‬
‫‪ -2‬الحرية‪ :‬وتشمل‪ :‬الحرية الشخصية‪ ،‬والحرية القتصادية‪ ،‬والحرية‬
‫السياسية‪ ،‬ويندرج تحت كل قسم أنواع‪.‬‬
‫‪ (1‬الحرية الشخصية‪ ،‬وأقسامها‪:‬‬
‫أ‪-‬الحرية المادية‪ :‬حق الحياة‪ ،‬والتنقل‪ ،‬والمن‪ ،‬وعدم السترقاق‪،‬‬
‫وحرمة المسكن‪ ،‬وسرية المراسلت‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحرية المعنوية‪ :‬وتشمل حرية التفكير العلمي‪ ،‬وحرية العتقاد‪،‬‬
‫والتعبير عن الرأي‪ ،‬وحرية الشكوى وتقديم العرائض‪ ،‬وحرية التعليم‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الحرية الجتماعية‪ :‬وتشمل حرية عقد الجتماعات وحضورها‪،‬‬
‫وحرية تكوين الجمعيات والنتساب إليها‪.‬‬
‫‪ (2‬الحرية القتصادية‪ :‬وتشمل حق التملك والعمل والجر وحق‬
‫الراحة‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫‪ (3‬الحرية السياسية‪ :‬وتشمل حق النتخاب والترشيح والتشريع‪،‬‬
‫وحق مراقبة الحاكم وعزل رئيس الدولة‪ ،‬وحق تولي الوظائف‬
‫)‪(1‬‬
‫العامة‪ ،‬وحق تكوين الحزاب السياسية والنتماء إليها‪.‬‬

‫عيوب الديمقراطية في الحقوق والحريات‪:‬‬


‫الحقوق والحريات الشخصية في الديمقراطية حقوق وحريات‬
‫مسرفة‪ ،‬بل قيود ول ضوابط‪ ،‬إنها تفضي إلى ترويج الفكار والعقائد‬
‫الكفرية اللحادية‪ ،‬كما تفضي إلى ترويج المفاسد والرذائل السلوكية‬
‫والخلقية والجتماعية التي ل تقرها العقول السليمة والفطر البشرية‬
‫الصحيحة‪ ،‬وواقع المجتمعات الوربية يشهد بذلك كله‪ ،‬إذ كفلت القوانين‬
‫والتشريعات الديمقراطية للفرد أن يفعل ما يشاء‪ ،‬وأن يجهر بالقول‬
‫والكتابة كما يشاء‪ ،‬فالقوانين تحمي هذا الحق‪ ،‬بل تجعله أمرا ً مقدسًا‪.‬‬
‫ولكشف زيوف الديمقراطية في هذا الجانب نذكر بعض الحقوق‬
‫كأمثلة فقط‪.‬‬
‫‪ -1‬حرية العتقاد‪:‬‬
‫إن الديمقراطية تفتح الباب على مصراعيه‪ ،‬فتعطي الفرد حرية‬
‫اختيار الدين أو العتقاد الذي يريده‪ ،‬وله أن يبدل دينه ولو في اليوم‬
‫الواحد عشر مرات‪ ،‬فحرية العتقاد‪ ،‬وحرية الرتداد عن الدين‪ ،‬وحرية‬
‫الكفر واللحاد مكفولة قانونيا ً في النظم الديمقراطية‪ .‬كما أن الفرد له‬
‫‪(2).‬‬
‫أن يجاهر بفعل المحرمات وترك الفرائض والواجبات‬
‫ومن هنا وجدنا مئات من الكتاب والدباء والصحفيين الذين تتفوه‬
‫مقالتهم وأقوالهم بالساءة إلى الدين السلمي والنتقاص منه‪ ،‬وإثارة‬

‫انظر الديمقراطية وموقف السمملم منهمما محمممد نممور مصممطفى الرهمموان‪ ،‬النظممم‬ ‫‪1‬‬

‫السياسية د‪ .‬ثروت بممدوي ص ‪ 419‬وممما بعممدها‪ ،‬التجاهممات الفكريممة المعاصممرة ص‬


‫‪.132-131‬‬
‫‪-2‬حقيقة الديمقراطية ‪ ،28 - 27‬حكم السلم في الشتراكية عبد العزيز البدري ص‬
‫‪.144‬‬

‫‪300‬‬
‫الشبهات والشكوك في مفاهيمه وعقائده وشرائعه‪ ،‬فالقانون في‬
‫الديمقراطية يحمي صنيع هؤلء الخوارج الجدد والزنادقة المحدثين‪.‬‬
‫إن السلم صان حرية العتقاد والعبادة للفرد‪ ،‬ولكنه ل يسمح‬
‫للمواطن في ظل الدولة السلمية أن يرّوج اللحاد والكفر بالله‬
‫ورسوله والعقائد الدينية‪ ،‬ول يسمح له أن يغّير دينه‪ ،‬أي يرتد عنه‪ ،‬ومن‬
‫يفعل ذلك تطبق عليه أحكام المرتد المقررة شرعًا‪.‬‬
‫‪ -2‬الحرية في مجال الخلق‪:‬‬
‫يقول الستاذ محمد قطب‪" :‬وحرية النسان في أن يفسد حرية‬
‫مكفولة بالقانون فالسلوك الجنسي مسألة خاصة إلى أبعد حدود‬
‫الخصوصية‪ ،‬ل يتدخل القانون بشأنها‪ ،‬أي تدخل إل ّ في حالة واحدة هي‬
‫جريمة الغتصاب‪ ،‬لنها تقع بالكراه ل بالتفاق‪ ،‬أما أي علقة ‪-‬على‬
‫الطلق‪ -‬تقع بالتفاق فل دخل للقانون بها ول دخل للمجتمع ول دخل‬
‫لحد من الناس‪ ..‬فسواء كانت هذه العلقة سوية أو شاذة‪ ،‬وسواء‬
‫كانت مع فتاة لم تتزوج أو مع امرأة متزوجة‪ ،‬فهذا شأن الطراف‬
‫أصحاب العلقة‪ ،‬وليس شأن أحد آخر‪.‬‬
‫والغابات والحدائق العامة مسرح لكل ألوان السلوك الجنسي فضل ً‬
‫عن النوادي والبيوت‪..‬كلها ماخور كبير يعج بالفساد الذي يحميه‬
‫القانون‪ ،‬قانون الديمقراطية‪.‬‬
‫‪ -‬ومن سنوات عقد في الكنيسة الهولندية عقد شرعي بين فتى وفتى‬
‫على يد القسيس‪ .‬ومن سنوات اجتمع البرلمان النجليزي الموقر لينظر‬
‫في أمر العلقات الجنسية الشاذة‪ ،‬ثم قّرر أنها علقات حرة ل ينبغي‬
‫التدخل في شأنها‪ ،‬كما أعلن أسقف كانتربري‪ -‬وهو رئيس الساقفة في‬
‫بريطانيا‪ -‬أنها علقات مشروعة‪.‬‬
‫‪ -‬وفي أمريكا‪ :‬ظهرت مسرحية في نيويورك وقف فيها الممثلون‬
‫يمارسون اللواط أمام أعين المتفرجين‪ ،‬وفي مسرحية أخرى ظهر‬
‫خمس رجال وخمس نساء‪ ،‬وقفوا جميعا ً يمارسون العلقة الجنسية‬
‫أمام جمهور المتفرجين‪.‬‬

‫‪301‬‬
‫‪ -‬ومن سنوات كذلك عرض على المسرح المريكي ‪-‬وفي التلفزيون‪-‬‬
‫مسرحية تشكل العملية الجنسية بكاملها جزءا ً منها‪ ،‬ورأى المشاهدون‬
‫‪-‬أو هم ذهبوا ليروا‪ -‬رجل ً وامرأة يقومان بالعملية الجنسية أمام أعينهم‪،‬‬
‫ونقلت الصورة حية على شاشة التلفزيون‪.‬‬
‫‪ -‬وفي سنة ‪1978‬م تقدم عشرون شخصا ً أمريكيا ً ‪-‬يمثلون عشرين‬
‫مليون شاذ أمريكي‪ -‬بمذكرة للسيدة مارغريت مساعدة الرئيس‬
‫المريكي كارتر للعلقات العامة‪ ،‬يطالبون فيها بإباحة المزيد من اللواط‬
‫والسحاق والشذوذ الجنسي بأنواعه في المؤسسات والمراكز الرسمية‬
‫التابعة للدولة)‪.(1‬‬
‫‪ -‬وفي بريطانيا أحد وزراء حكومة العمل الحالية –‪1999‬م‪ -‬شاذ جنسيا ً‬
‫)يمارس اللواط( والرجل الذي يعيش معه يحضر جلسات وزارة العموم‬
‫)‪(2‬‬
‫في الغرفة المجاورة على أساس أن له امتياز الزوجة‪.‬‬
‫عرض في التلفزيون البريطاني حوار جنسي‬ ‫‪ -‬ومن سنوات كذلك ُ‬
‫اشترك يه عشرات من الفتيات الصغار‪ ،‬وكان موضوع الحوار هو‪:‬‬
‫سؤالهن عن الوضع الذي يفضلنه في العملية الجنسية‪ ،‬وأجابت الفتيات‬
‫بصراحة وقحة تقشعر منه أبدان الذين في نفوسهم أي قدر من الحياء‬
‫)‪(3‬‬
‫الفطري‪ ..‬أما المرأة فهي تتحدث دون حياء"‪.‬‬
‫‪ -‬أظهرت إحدى الحصائيات أن ‪ 19‬مليونا ً من النساء في الوليات‬
‫ن ضحايا لعمليات الغتصاب !!‬ ‫المتحدة ك ُ ّ‬
‫‪ -‬أجرى التحاد اليطالي للطب النفسي استطلعا ً للرأي اعترف فيه‬
‫‪ %70‬من اليطاليين الرجال بأنهم خانوا زوجاتهم‪.‬‬
‫‪ -‬في أمريكا مليون طفل كل عام من الزنا ومليون حالة إجهاض‪.‬‬
‫‪ -‬في استفتاء قامت به جامعة كورنل تبين أن ‪ %70‬من العاملت في‬
‫الخدمة المدنية قد اعُتدي عليهن جنسّيا وأن ‪ %56‬منهن اعتدي عليهن‬
‫اعتداءات جسما نية خطيرة‪.‬‬

‫انظر العلمانية سفر الحوالي ص ‪.442-441‬‬ ‫‪1‬‬

‫السلم والعولمة محمد إبراهيم مبروك ص ‪.123‬‬ ‫‪2‬‬

‫مذاهب فكرية معاصرة ص ‪.216‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪302‬‬
‫‪ -‬في ألمانيا وحدها ُتغتصب ‪ 35000‬امرأة في السنة‪ ،‬وهذا العدد يمثل‬
‫الحوادث المسجلة لدى الشرطة فقط أما حوادث الغتصاب غير‬
‫المسجلة فتصل حسب تقدير البوليس الجنائي إلى خمسة أضعاف هذا‬
‫الرقم‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الدانمارك يوم ‪99-3-13‬م‪ :‬عقد وزير الصحة السابق الذي‬
‫يترأس لئحة الحزب الجتماعي الديمقراطي الحاكم )تورين لوند( ‪49‬‬
‫سنة قرانه على صديقه الشاب )كلوس لتروب( ‪ 28‬عاما ً بحضور عدد‬
‫من أهالي الزوجين والصدقاء‪ ،‬ومن بينهم رئيس البلدية جينس كرامر‬
‫ووزير العدل الدانمركي فرانك جنسين‪ ،‬ويعتزم الزوجان السفر إلى‬
‫الوليات المتحدة المريكية لقضاء عطلة الصيف‪ .‬مع العلم بأن الوزير‬
‫)‪(1‬‬
‫الدانمركي قد تزوج قبل ذلك مرتين ولديه ابنتان‪.‬‬
‫تلك هي الحرية التي تقر بها الديمقراطية في بلد الغرب‪ ،‬وتحميها‬
‫بالقانون‪ ،‬وتعطيها الشرعية الكاملة‪.‬‬
‫أما الديمقراطية في الدول العربية ‪-‬المسلمة‪ -‬فهي أيضا ً تبيح العهر‬
‫من خلل عرض المسرحيات والفلم وحلقات الرقص التي تتعرى فيهمما‬
‫النسممماء بصمممورة ممممثيرة للفتنمممة ومحركمممة للشمممهوات‪.‬وقممموانين همممذه‬
‫الديمقراطية تبيح الزنا والربا والحتكار‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أصدرت المحكمة العليا في بنجلديش يمموم ‪2000-3-14‬م حكممما ً‬
‫قانونيا ً بإباحة مهنة الدعارة للنساء التي لممم يجممدن مهنممة يتكسممبن منهمما‬
‫المال‪ ،‬وطلبت من الشرطة إطلق سراح المومسات المحجمموزات فممي‬
‫)‪(2‬‬
‫مواخير الدعارة‪.‬‬
‫‪ -‬وفي إباحة الزنا تقول إحدى مواد القانون المعمول به في كثير من‬
‫الدول العربية الديمقراطية‪" :‬ل يعاقب القانون على جريمة هتك‬
‫العرض‪ ،‬إذا ما كانت الفتاة بالغة‪ ،‬وتم الفعل برضاها"‪...‬وتقول مادة‬
‫أخرى‪" :‬للزوجة التي زنى زوجها في منزل الزوجية الحق في أن تزني‬

‫جريدة الحياة الجديدة ‪-‬العدد ‪ -1160‬بتاريخ ‪14/3/99‬م‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫أذاعت الخبر إذاعة لندن بتاريخ ‪2000-3-15‬م‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪303‬‬
‫مع من شاءت‪ ،‬ول تثريب عليها إن فعلت ذلك" )‪.(1‬‬

‫‪ -3‬الحريات القتصادية‪:‬‬
‫لقد أعطت الديمقراطية الفرد حرية مطلقة في الكسب والتملك‬
‫والثراء والنفاق‪ ،‬دون ضوابط ول قيود‪ ،‬ومن هنا كان الربا والحتكار‬
‫والكساد والبطالة‪ ،‬والسراف في إنفاق المال ولو كان على الفساد‬
‫والرذيلة‪ ،‬وظهر المحتالون على أموال الناس‪ ،‬يأكلونها بالقمار‪،‬‬
‫والرشوة واستغلل السلطة‪ ،‬وعبر المصنوعات التافهة‪ ،‬والتجارة‬
‫بالمواد المفسدة للفطرة والذوق النساني‪ ،‬ومن خلل دور العهر‬
‫والبغاء‪ ،‬وصالت الرقص والتعري والنحلل الجنسي‪ ،‬ومن خلل‬
‫الحروب المصطنعة ليجاد أسواق تصريف فائض النتاج من السلح‬
‫ووسائل الدمار‪ ،‬ومن خلل مؤسسات الجنس والسينما والمودة‬
‫)‪(2‬‬
‫والتقاليع المفسدة للخلق والطباع‪.‬‬
‫‪ -4‬حق الفرد في ترشيح نفسه للحكم‪:‬‬
‫إن عدم وجود شروط يجب توافرها في الشخص الذي يريد‬
‫ترشيح نفسه للحكم في الديمقراطية يجعل طلب السلطة يتنافسون‬
‫عليها‪ ،‬بل يتقاتلون من أجلها‪ ،‬ويسلكون في سبيل الوصول إلى الحكم‬
‫كل الوسائل اللأخلقية التي من شأنها التأثير على الناخبين وشراء‬
‫أصواتهم بالموال المبذولة للعامة‪ ،‬والمناصب الموعودة للكتاب‬
‫والصحفيين والساسة والزعماء ونحوهم ممن يسير في موكب النفاق‬
‫للشخص أو الحزب المرشح للحكم‪.‬‬
‫كن غير المؤهلين علميا ً وإداريا ً‬ ‫ثم إن انعدام هذه الشروط تم ّ‬
‫وخلقيا ً ‪-‬من خلل أموالهم الطائلة وموكب المنافقين السائدين معهم‪-‬‬
‫من الوصول إلى الحكم‪ ،‬وأمثال هؤلء يكونون لعنة على شعوبهم‬
‫وبلدانهم‪ ،‬كما نرى في واقعنا المعاصر‪.‬‬
‫إن النظمممة والتشممريعات الممتي تصممدر عممن المجممالس البرلمانيممة‬

‫السلم وأوضاعنا القانونية عبد القادر عودة ص ‪ ،40‬حقيقة الديمقراطية ص ‪.31‬‬ ‫‪1‬‬

‫مذاهب فكرية معاصرة ص ‪ ،231‬كواشف زيوف للميداني ص ‪.733‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪304‬‬
‫الديمقراطية تؤكد إن نسبة الغلبية التي توافممق علممى هممذه التشممريعات‬
‫والنظمة نسبة تافهة مجردة من القيم والخلق‪ ،‬نسممبة خاضممعة لهممواء‬
‫ورغبات شممياطين النمس والجممن المذين يهمهمم تفكيمك روابمط السممرة‬
‫والمجتمممع‪ ،‬وهممدم قواعممد الحممق والعممدل والخلق‪ .‬وإل‪ :‬بممماذا نفسممر‬
‫القوانين التي تبيح ما ل يقبله من لديه مسكة من عقل أو ذرة من حياء‪،‬‬
‫كقوانين إباحة اللواط‪ ،‬وعقد الرجل الممزواج علمى رجممل آخممر كممما يعقممد‬
‫الممزواج بيممن الرجممل والمممرأة‪ ،‬وإباحممة الزنمما والربمما والقمممار‪ ،‬وإباحممة‬
‫المشممروبات الكحوليممة المممدمرة للفممرد والمجتمممع‪ ،‬والمسممببة للضممياع‬
‫وفقدان الحساس‪ ،‬ونحو ذلك مما تقشعر منه الفطر والعقول السليمة‪.‬‬
‫موقف السلم من الديمقراطية‪:‬‬
‫ن الديمقراطية نظام‬ ‫يزعم بعض الكتاب والمفكرين المخدوعين أ ّ‬
‫سياسي صالح‬
‫ل يعترض عليه السلم‪ ،‬ول مانع من الخذ به‪ ،‬لن لب الديمقراطية‬
‫التزام الحاكم برأي الشعب‪ ،‬وهذا معناه منع الحاكم من الظلم‬
‫والطغيان‪ ،‬ثم إن هناك وجه شبه والتقاء بين الديمقراطية والسلم في‬
‫الحقوق والحريات ومبدأ الشورى واختيار الحاكم وممثلي الشعب‪.‬‬
‫ولكن هؤلء يتناسون الحقائق الكلية التالية‪:‬‬
‫الولى‪ :‬إن السلم نظام رباني اختاره الله تعالى للبشرية‪):‬إن الدين‬
‫عند الله السلم(‪ ،‬والنظام السياسي السلمي له منابعه ومصادره‬
‫الربانية "الكتاب والسنة"‪ ،‬بينما النظام الديمقراطي نظام جاهلي‪،‬‬
‫اختارته الشعوب الوربية كمخرج لها من الظلم الذي وقع عليها من‬
‫الملوك المستبدين ونظام القطاع وطغيان الكنيسة النصرانية وتسلط‬
‫رجالها‪ .‬لقد اختارته أوربا من تراثها اليوناني الوثني ثم أجرت عليه‬
‫تعديلت تتلئم والحياة المعاصرة‪.‬‬
‫إّنه ل يجوز‪-‬وبأية حال‪ -‬أن نعقد أدنى مقارنة بين النظام الجاهلي‬
‫والنظام الرباني‪ ،‬وليس من باب المدح للنظام السلمي أن نقول أنه‬
‫نظام ديمقراطي لوجود نقاط التقاء مع النظام الديمقراطي الوربي‬
‫الجاهلي‪ .‬يقول تعالى‪):‬أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من‬

‫‪305‬‬
‫الله حكما ً لقوم يوقنون( المائدة‪ ،50 :‬ويقول‪):‬يريدون أن‬
‫يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به( النساء‪،60 :‬‬
‫إن من يفعل ذلك فإنه يعبر عن الهزيمة الداخلية التي أصابت نفسيته‬
‫وتسّربت إلى فهمه الخاص‪ ،‬وهذه الهزيمة نشأت عن حالة الخواء‬
‫العقائدي والجمود الفكري‪ ،‬وعن الهزيمة العسكرية‪ ،‬والنحسار‬
‫)‪(1‬‬
‫السياسي الذي أصاب العالم السلمي في القرن العشرين‪.‬‬
‫ن وجه الشبه العارض بين السلم والديمقراطية في الحقوق‬ ‫الثانية‪ :‬إ ّ‬
‫والضمانات يجب أل ينسينا أن هناك فارقا ً ضخما ً وبونا ً شاسعا ً في‬
‫القاعدة التي يقوم كل من النظام السياسي السملمي والنظام‬
‫الديمقراطي عليها‪ .‬فالسلم قائم على قاعدة "ل إله إل الله" التي‬
‫تعطي حق الحكم والتشريع والعبادة لله الواحد الحد‪ ،‬قال تعالى‪) :‬إن‬
‫الحكم إل لله أمر أل تعبدوا إل إياه ذلك الدين القيم( يوسف‪:‬‬
‫‪ ،40‬وقال تعالى‪):‬أل له الخلق والمر تبارك الله رب العالمين(‬
‫العراف‪ ،54 :‬وقوله‪):‬أل له الحكم وهو أسرع الحاسبين( النعام‪:‬‬
‫‪ ،62‬وقال تعالى‪) :‬ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون(‬
‫المائدة‪ .50 :‬والديمقراطية قائمة على قاعدة "حاكمية وسيادة‬
‫الشعب"‪ ،‬فالتشريع من حق فئة من الفراد انتخبهم الشعب ليقوموا‬
‫بهذا المر نيابة عنه‪ ،‬فالديمقراطية إذن تعّبد البشر لغير الله‪ ،‬تعّبدهم‬
‫لفئة من البشر يمارسون حق الحاكمية والتشريع‪ .‬قال تعالى‪):‬أم لهم‬
‫شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله( الشورى‪:‬‬
‫‪ ،21‬وقال تعالى‪):‬وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع‬
‫أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك(‬
‫المائدة‪ .49 :‬وقال تعالى‪):‬يقولون هل لنا من المر من شيء‬
‫)‪(2‬‬
‫قل إن المر كله لله( آل عمران‪154. :‬‬

‫مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص ‪.252-251‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر المصدر السابق ص ‪ ،252‬نظرية السلم وهديه في السياسة والقانون‬ ‫‪2‬‬

‫والدستور لبي العلى المودودي ص ‪.33-30‬‬

‫‪306‬‬
‫الثالثة‪ :‬إن الديمقراطية لن ترضى بتقرير أحكام الله تعالى وأحكام‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬إن الحكم الديمقراطي يعزل الدين عزل ً‬
‫كليا ً عن شؤون السياسة والحكم‪ ،‬ويستبعد شرائعه عن الدولة استبعادا ً‬
‫تامًا‪ .‬إن الديمقراطية إذا ً هي فرع العلمانية "اللدينية"‪ ،‬أو هي الوجه‬
‫السياسي للعلمانية‪ .‬إنها تولي الشعب سلطة التشريع‪ ،‬وحتى وضع‬
‫القوانين‪ ،‬ولن تكون الديمقراطية هي كذلك إل به‪ ،‬وإذا حكم الشعب‬
‫نفسه بحكم الله تعالى وحكم رسوله فيما فيه نص عن الله ورسوله‪،‬‬
‫وبحكم الله ورسوله فيما ل نص فيه عبر استنباط واجتهاد العلماء من‬
‫ن النظام السائد عندئذ لن يكون‬‫نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬فإ ّ‬
‫الديمقراطية‪ ،‬بل هو النظام السلمي‪.‬‬
‫ثم هل يرضى الديمقراطيون‪:‬أن ننفذ أحكام الله المتعلقة‬
‫بالردة عن الدين‪ ،‬والزنا‪ ،‬وشرب الخمر‪ ،‬والسرقة؟ وهل يوافقون في‬
‫أن نلزم المرأة بالحجاب‪ ،‬ونمنع التبرج والتعري على الشواطئ وفي‬
‫الشوارع والطرقات‪ ،‬وفي الوقت نفسه نكون ديمقراطيين‪.‬‬
‫إنهم سيقولون على الفور‪:‬إن هذه ليست الديمقراطية‬
‫التي نعرفها‪ ..‬إن الديمقراطية ل تتدخل في الحريات الشخصية للفراد‪،‬‬
‫فمن شاء أن يرتد عن دينه فله ذلك‪ ،‬ومن أراد أن يتخذ صديقة أو‬
‫عشيقة فهو حر‪ ،‬ومن شاءت أن تكشف عن صدرها ونحرها وساقيها‬
‫فهي حرة‪ ،‬ومن شاءت أن تخون زوجها في عرضه فهي حرة ما لم‬
‫)‪(1‬‬
‫يشتك الزوج‪.‬‬
‫وليدرك أبناء السلم أن الدول الغربية الكافرة تهاجم النظمة‬
‫الحاكمة في الدول العربية والسلمية بدعوى ما تمارسه هذه النظمة‬
‫من الظلم الجتماعي‪ ،‬والستبداد السياسي‪ ،‬والنهب المالي‪ ،‬وترتفع‬
‫الصوات المطالبة بقطع المعونات أو تقليل المساعدات حتى تأخذ‬
‫الدول العربية والسلمية الظالمة بالنظام الديمقراطي الذي يحفظ‬
‫للناس حقوقهم ويصون حرياتهم‪ ،‬إن الدول الغربية تفعل ذلك حتى‬
‫تقطع على الصحوة السلمية ودعاتها وشبابها المطالبة بإقامة النظام‬

‫‪ -1‬مذاهب فكرية معاصرة ص ‪.254-253‬‬

‫‪307‬‬
‫السلمي‪ ..‬النظام البديل للنظمة الظالمة المستبدة الجائرة‪ ،‬فتكون‬
‫الديمقراطية حينئذ قاطع طريق على النظام السلمي‪ ،‬وقاطع طريق‬
‫على الحركة السلمية التي أخذت تتنامى شيئا ً فشيئا ً في ديار‬
‫السلم)‪.(1‬‬

‫خلصة القول‪:‬‬
‫إن النظام السياسي في السلم نظام مستقل‪ ،‬يتميز عن غيره‬
‫من النظمة الخرى التي عرفها النسان في تاريخه القديم والحديث‪،‬‬
‫إنه النظام الذي وصف الله تعالى مصدره وأصله بالكمال والتمام‪:‬‬
‫)اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم‬
‫السلم دينا ً( المائدة‪ .3 :‬إنه النظام الذي يقر مبدأ حاكمية الله‬
‫الخالق عز وجل‪):‬أل له الخلق والمر( العراف‪ ،54 :‬ول يقر المبدأ‬
‫الذي تقوم عليه الديمقراطية "حاكمية الشعب"‪ ،‬إن السلم بأحكامه‬
‫وتشريعاته يقّيد الحاكم والمحكوم بقيود تمنعهم من النطلق وراء‬
‫تحقيق شهواتهم ومصالحهم ورغباتهم الشخصية‪ ،‬بعكس الديمقراطية‬
‫التي ترى ذلك‪.‬‬
‫إن السلم يضع مقاييس العدل والحق والمساواة والخير للفراد‬
‫والجماعة‪ ،‬بينما الديمقراطية تترك للبشر أن يرسموا حدود كل شيء‪،‬‬
‫وأن يضعوا ما يشاءون من النظمة والقوانين وفق أهوائهم‬
‫وشهواتهم)‪.(2‬‬

‫‪ -1‬انظر حقيقة الديمقراطية ص ‪.47-45‬‬


‫‪ -2‬انظر رسالتنا للماجستير "أبو العلى المودودي ومنهمماجه فممي الصمملح والممدعوة"‬
‫ص ‪.514-513‬‬

‫‪308‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫المذهب القتصادي الوافد "الرأسمالية"‬

‫الرأسمالية نظام وضعي يقف على قدم المساواة مع الشيوعية‬


‫وغيرها من النظم التي وضعها البشر بعيدا ً عن منهج الله تعالى الذي‬
‫ارتضاه للناس‪.‬‬
‫تعريفها‪:‬‬
‫الرأسمالية نظام اقتصادي ذو فلسفة اجتماعية وسياسية يقوم‬
‫على أساس تنمية الملكية الفردية‪ ،‬والمحافظة عليها‪ ،‬متوسعا ً في‬
‫مفهوم الحرية‪(1).‬‬
‫والرأسمالية هي الوجه القتصادي للعلمانية‪ ،‬التي ترى فصل الدين‬
‫نهائيا ً عن مجالت الحياة‪ ،‬ومنها المجال القتصادي‪ ،‬فالرأسمالية نظام‬
‫عرفته أوربا بعد الثورة ضد الكنيسة ورجالها وعزلها عن مجالت الحياة‬
‫والعلم‪ ،‬فالنظام الرأسمالي يقوم على العقل البشري واعتبارات الحياة‬
‫المعاصرة بعيدا ً عن الدين والقيم والخلق‪.‬‬

‫نشأتها‪:‬‬
‫تعتبر الرأسمالية طورا ً جديدا ً للنظام القتصادي ‪-‬القطاع‪ -‬الذي‬
‫ساد أوربا عدة قرون‪ ،‬ولقد انتقلت أوربا إلى الرأسمالية نتيجة عوامل‬
‫وأسباب وأفكار وكتابات عديدة دعت إلى تصحيح النظام القطاعي‬
‫وتقرير حقوق النسان الفردية‪.‬‬
‫عوامل نشأة الرأسمالية‪-:‬‬
‫نشأت الرأسمالية في الغرب بسبب عوامل ثلثة‪:‬‬
‫الول‪ :‬الصلح الديني‪:‬‬
‫شهدت أوربا ثورة دينية عرفت بحركة الصلح الديني التي سمماهم‬
‫فيها كل من مارتن لوثر كنغ وزنجلي وكلفن‪ ،‬ولم يقف الصلح في عهد‬
‫كلفن عند حد الكنيسة وطقوسها ورجالهمما‪ ،‬وعنممد حممد تفسممير النصمموص‬

‫‪ -1‬الموسوعة الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.231‬‬

‫‪309‬‬
‫الدينيممة‪ ،‬بممل تنمماول الصمملح العلقممات الجتماعيممة‪ ،‬ومجممالت الحيمماة‬
‫القتصادية‪ .‬وفي مجال الحياة القتصادية بارك التطور التجاري‪ ،‬ونظممام‬
‫المعاملت الماليممة‪ ،‬وخضممعت القممروض للفممائدة المحممددة‪ ،‬وراج أمرهمما‬
‫كوسيلة ميسرة لقضاء الحاجات‪ ،‬وبرواجها زاد سممعر الفممائدة‪ ،‬لقممد أقممر‬
‫"كلفن" التعامل بالربا بعد أن كان محرما ً في نظممر الكنيسممة حممتى إلممى‬
‫عهممد ممارتن لمموثر‪ .‬وقممامت أسممر عديممدة فمي إنجلممترا وألمانيمما وهولنممدا‬
‫وبلجيكا باستخدام الربا كعامل أساسي في تنميمة الممال وجمعمه‪ ،‬وعمن‬
‫طريقه أصبحت لها ثروات هائلة‪ .‬وبإقرار التعامل التجاري والمالي على‬
‫أساس الربمما انتشممرت حركممة الصملح الممديني فممي تلممك البلد‪ ،‬ونشممأت‬
‫سممع فيهمما فيممما بعممد)‪ .(1‬يقممول جممورج سممول‪ :‬إن الفلسممفة‬ ‫البنمموك‪ ،‬وتو ّ‬
‫الرأسمالية تعود إلى كتاب ومفكري عصر الصلح وما تله مممن عصممور‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ممن حرصوا على تأكيد الفردية كقوة اجتماعية ضرورية ونافعة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الثورة الفرنسية‪:‬‬
‫كانت الثورة الفرنسية عامل ً آخر في تكوين النظام الرأسمالي‬
‫عن طريق الحرية الفردية التي كانت غاية رئيسية لها‪.‬‬
‫ولئن كانت الثورة الفرنسية ضد الظلم والستعباد الداخلي‪ ،‬فلقد‬
‫قامت بعد ذلك الثورة المريكية ضد الستعمار الخارجي )النجليزي(‬
‫وكانت الثورتان تحملن نفس الشعارات والمفاهيم المستمدة من آراء‬
‫المفكرين الذين صاحبوا حركة الصلح الديني‪ .‬وكذا الثورة التي كانت‬
‫في إنجلترا‪ ،‬والتي صارت جميعا ً في اتجاه تدعيم الحرية الفردية‪.‬‬
‫ولقد كانت هناك ثورات ل تهدأ في كل مكان في أوربا‪ ،‬بلغت ذروتها‬
‫‪(3).‬‬
‫عام ‪1848‬م‪ ،‬حتى أطلق عليه عام الثورات‬
‫لقد امتدت الحرية الفردية من مجال العقيدة والفكر إلممى مجممال‬
‫السياسة والقتصاد‪.‬وفي مجال القتصاد عملت الحرية على إبعاد القيود‬
‫الممتي تفرضممها الدولممة علممى المممال والعمممل‪ ،‬وحرصممت علممى أن يبقممى‬

‫‪ -1‬السلم في الواقع اليديولوجي المعاصر د‪ .‬محمد البهي ص ‪.74-73‬‬


‫‪ -2‬انظر المذاهب القتصادية الكبرى لجورج سول ص ‪.181‬‬
‫‪ -3‬العقيدة السلمية واليديولوجيات المعاصرة د‪.‬عبد الغني عبود ص ‪.94‬‬

‫‪310‬‬
‫اختصاص الدولة هو حفظ المممن الممداخلي والممدفاع عممن الحممدود فقممط‪،‬‬
‫وحثت الدولة على بناء الطرق وتحسين وسائل النقل وفتح الحدود أمام‬
‫الصادرات والواردات‪ ،‬وفرض الحمايممة الجمركيممة للنتمماج المحلممي‪ ،‬كممل‬
‫ذلك خدمة للتجارة والصناعة‪ ،‬وتيسير أفضل الفرص للربح الوفير‪.‬‬
‫‪ -‬وأبعد سلطان الدولة عن رقابة السعار للمواد الخام والمنتجات‬
‫الصناعية‪ ،‬وعن رقابة الرعاية الجتماعية وشئون الجور للعمال‪ ،‬وفي‬
‫الوقت الذي اتسع فيه نطاق الحرية الفردية لصحاب رؤوس الموال‬
‫ضاق بالنسبة للدولة والعمال معًا‪.‬‬
‫لقد تجاوزت الحرية مجال القتصاد إلى السياسة والتوجيه عن‬
‫طريق النشر والعلن‪ ،‬وأصبح الحكم في واقع المر لرجال العمال‬
‫وأصحاب الثروة الطائلة‪ ،‬أي أصبح أصحاب الموال هم رجال السياسة‬
‫والحكم‪ ،‬واستخدموا السياسة في مزيد من جمع الموال وتكديسها‬
‫وتركيز الشراف عليها‪.‬‬
‫‪ -‬وإذا كانت الثورة الفرنسية قد واجهت سابقا ً طغيان الكنيسة وفسادها‬
‫المالي وطغيان القطاع والملوك والمراء القطاعيين‪ ،‬فأصبحت تواجه‬
‫الشعوب في المجتمعات الجديدة طغيان المال واستبداد أصحابه‪ ،‬وكأن‬
‫الثورة الفرنسية نقلت الطغيان من طبقة القطاعيين ورجال الكنيسة‬
‫إلى طبقة الرأسماليين ورجال السياسة والحكم)‪.(1‬‬

‫ثالثًا‪ :‬التقدم الصناعي‪:‬‬


‫‪ -‬لقد ازدهرت الصناعة في أوربا‪ ،‬وظهرت اللة البخارية التي اخترعها‬
‫جيمس وات سنة ‪1770‬م‪ ،‬والمغزل اللي سنة ‪1785‬م‪ ،‬مما أدى إلى‬
‫قيام الثورة الصناعية في إنجلترا أول ً وفي أوربا عامة إبان القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬وكانت الرأسمالية التي تقوم على أساس الفصل بين‬
‫رأس المال وبين العامل‪ ،‬أي بين النسان واللة)‪.(2‬‬

‫‪ -1‬السلم في الواقع اليديولوجي المعاصر ‪-‬بتصرف‪ -‬ص ‪.75-74‬‬


‫‪ -2‬الموسوعة الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.234‬‬

‫‪311‬‬
‫‪ -‬تقدمت الصناعة في الغرب‪ ،‬فبدل ً من الصناعة اليدوية‪ ،‬ظهرت‬
‫سرت اللمة النتاج وزادت في سمرعته‪ ،‬وأمكمن‬ ‫الصناعات اللية‪ ،‬لقمد ي ّ‬
‫للصناعة عندئمذ أن تقلمل من نفقمات المنتجات الصناعية ومن ساعات‬
‫العمل التي تقتضيها‪ ،‬وبالتالي زاد الربح وعائد رأس المال‪.‬‬
‫‪ -‬وقضممت الصممناعة الليممة علممى الصممناعات اليدويممة الممتي لممم تسممتطع‬
‫المنافسة في الجودة والسرعة والكم‪ ،‬وأصممبح أصممحاب الحممرف عمممال ً‬
‫فمممممممممممي المصمممممممممممانع الحديثمممممممممممة‪ ،‬بينمممممممممممما أصمممممممممممبح‬
‫رجال الصناعة الليممة أكممثر حريممة فممي العمممل وأكممثر إفمادة ممن التقممدم‬
‫العلمممممممممممممممممممممممممممممممممممممممي الصممممممممممممممممممممممممممممممممممممممناعي‬
‫)التكنولوجي(‪.‬‬
‫‪ -‬وأغرتهم وفرة النتاج وكثرة الموال لديهم في التشديد على العمال‬
‫في الجور والرعاية الجتماعية وساعات العمل اليومية‪ ،‬وضغطوا على‬
‫أثمان المواد الخام وتكلفة إنتاجها ونقلها في سبيل تحقيق زيادة أخرى‬
‫في عائد رأس المال‪ ،‬وتكوين المدخرات الحتياطية التي تفوق رأس‬
‫المال عدة مرات‪ .‬وبسبب ذلك مال رجال العمال والصناعة إلى‬
‫التركيز في الشراف على المال وتداوله‪ .‬وما كاد الثلث الول من‬
‫القرن التاسع عشر يمضي حتى ظهرت أزمة في العلقات في المجتمع‬
‫الوربي الصناعي تهدد بحرب أهلية بين القلة التي تكتنز المال‪ ،‬والكثرة‬
‫التي تعاني من الرعاية الجتماعية والصحية والتعليم كما تعاني من‬
‫الحرمان المالي‪.‬‬
‫‪ -‬وتحولت جمعيات العمال ‪-‬التي أقيمت لرعاية المهن والحرف‬
‫الصناعية‪ -‬إلى نقابات تدافع عن العمال في المصانع ضد أصحاب‬
‫رؤوس الموال‪ ،‬وطالبت بحق التعليم لبنائهم‪ ،‬والرعاية الصحية‬
‫والجتماعية في المسكن ووسائل النقل‪ ،‬وتحديد ساعات العمل‬
‫اليومية‪ ،‬وتنظيم الجازات السبوعية والسنوية‪ .‬ودعت نقابات العمال‬
‫إلى إنشاء هيئات تحكيم بين العمال وأصحاب رؤوس الموال‪ ،‬وبذلك‬
‫ظهرت في أوربا كتلتان قويتان متصارعتان‪ ،‬إحداهما‪ :‬قوية بالمال‬
‫الوفير الذي تملكه‪ ،‬وقليلة في العدد ‪-‬وهم رجال الصناعة والعمال‬

‫‪312‬‬
‫وأصحاب رؤوس الموال‪ .-‬والخرى‪ :‬قوية بالعدد وبالعمل الفني‪،‬‬
‫وضعيفة من حيث المال الذي تملكه من عوائد العمل ‪-‬وهي طبقة‬
‫العمال‪.(1)-‬‬
‫لقد أدت الثورة الصناعية إلى ظهور طبقة رأسمالية جديدة‬
‫تمركزت مفاتيح الحياة القتصادية في أيديها‪ ،‬ورجالها قلة من الناس‪،‬‬
‫هم أصحاب المصانع الكبرى‪ ،‬وأصحاب البنوك والمؤسسات المالية‪،‬‬
‫وأصحاب الحتكارات الصناعية‪ ،‬وملوك النفط والحديد واللمنيوم‬
‫والسكك الحديدية والفحم والصحف‪ ...‬وأصبح هؤلء الملوك أصحاب‬
‫رؤوس الموال ‪-‬الذين أوجدتهم الثورة الصناعية في الغرب‪ -‬هم سدنة‬
‫الحكم والسياسة‪ ،‬وبسببهم كانت حركة الستعمار الغربي التي عانت‬
‫)‪(2‬‬
‫منها الشعوب والمم الضعيفة في آسيا وأفريقيا‪.‬‬
‫‪ -‬لقممد اسممتبدلت أوربمما طبقممة القطمماعيين بطبقممة جديممدة هممي طبقممة‬
‫الرأسماليين الجديدة‪ ،‬لقد فّرت من ظلم واستبداد إلى ظلممم واسممتبداد‬
‫أبشع وأنكى‪ ،‬فّرت من طاغوت القطاع إلى طاغوت الرأسماليين‪.‬‬

‫مدارس فكرية ومفكرون ساعدوا في نشأة الرأسمالية‪:‬‬


‫ظهرت في أوربا مدارس فكرية ونظريات فلسفية ومفكرون أحرار‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ساهم ذلمك كله في تدعيم الحرية الفردية في المجال القتصادي‪.‬‬
‫‪ -‬فم جوحروشيوس أّول من نادى بأن للفرد حقوقا ً ل تقبل التبديل ول‬
‫يمكن القضاء عليها‪ ،‬ثم تبعه توماس هوبز )‪1651‬م(‪ ،‬وجون لوك )‬
‫‪1704 - 1632‬م( صاحب النظرية الطبيعية الحرة‪ ،‬التي ترى أن‬

‫‪-1‬السلم في الواقع اليديولوجي المعاصر ص ‪.76-75‬‬


‫‪- -2‬انظر العقيدة السلمية واليديولوجيات المعاصممرة د‪ .‬عبممد الغنممي عبممود ص ‪-95‬‬
‫‪.96‬‬
‫‪- -3‬الموسمموعة الميسممرة فممي الديممان والمممذاهب المعاصممرة ص ‪،233 - 231‬‬
‫التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪.140-137‬‬

‫‪313‬‬
‫الملكية الفردية حق من حقوق الطبيعة‪ ،‬وغريزة تنشأ مع نشأة‬
‫النسان‪.‬‬
‫‪ -‬وظهر المذهب الحر "الطبيعي" ومن أشهر دعاته‪ :‬فرانسوا كيزني )‬
‫‪1778 - 1694‬م( فرنسي‪ ،‬طبيب ثم اقتصادي‪ ،‬أسس المذهب‬
‫الطبيعي‪ ،‬نشر في سنة ‪1756‬م مقالين عن الفلحين والجنوب‪ ،‬وأصدر‬
‫سنة ‪1758‬م الجدول القتصادي‪ ،‬الذي شبه فيه تداول المال داخل‬
‫الجماعة بالدورة الدموية‪ ،‬وقد عَد ّ بعض الباحثين أن الجدول القتصادي‬
‫لكيزني من أعظم الختراعات‪ .‬ثم تبعه جان جاك روسو )‪- 1712‬‬
‫مت الحقوق‬ ‫‪1778‬م( صاحب نظرية العقد الجتماعي‪ ،‬التي دع ّ‬
‫القتصادية للفراد‪ ،‬وكان لها أثرها البارز في إعلن الحقوق الفرنسي‬
‫للنسان‪.‬‬
‫ثم ظهرت مدرسة التجاريين‪ ،‬التي أقامت الدولة على أساس‬
‫قومي‪ ،‬وترى‬
‫أن قوتهما من خلل التجارة‪ ،‬وأن تحسن الوضع القتصادي رهين بزيادة‬
‫الصادرات علمى الواردات‪ .‬ومن ثم كان الهتمام بالزراعة وزيادة النتاج‬
‫الزراعي وإنشاء المراكز التجارية وتشجيع الصناعة‪ ،‬وزيادة الصادرات‬
‫درت‬ ‫من كل هذا النتاج‪ .‬ثم جاءت مدرسة الطبيعيين‪ :‬التي ق ّ‬
‫للفراد حقوقا ً طبيعية منها‪ :‬حقل العمل والتنقل واقتناء الثروة وحق‬
‫التصرف فيها‪ ،‬ومن خلل هذه المدرسة ارتفع شعار‪:‬دعه يمر‪..‬دعه‬
‫يعمل‪..‬دعه يتنقل‪ .‬ووضعت هذه المدرسة أساس المذهب‬
‫القتصادي الحر‪.‬‬
‫ثم ظهر بعد ذلك المذهب الكلسيكي الذي تبلورت أفكاره على أيدي‬
‫عدد من المفكرين الغربيين‪ ،‬منهم‪:‬‬
‫‪ -1‬آدم سميث )‪1790-1723‬م(‪ :‬اقتصادي وفيلسوف اسكوتلندي‪.‬‬
‫لقد صار آدم سميث علما ً للقتصممادي الرأسمممالي‪ ،‬ونممال شممهرة فممي‬
‫ذلك بسبب كتابه‪" :‬بحث في طبيعة وأسباب ثروة المممم" الممذي وضممعه‬
‫في سنة ‪1776‬م‪ .‬في هذا الكتاب نادى سميث بما يلي‪-:‬‬

‫‪314‬‬
‫أ‪ -‬القيمة الحقيقية للشيء بقدر ما بذل فيه من عمل‪ ،‬وثروة المم‬
‫بإنتاجها الناجم عن العمل‪ ،‬والنتاج يزيد بتقسيم العمل واستخدام اللة‪.‬‬
‫ب‪ -‬المنافسة لزمة لقيام الحرية القتصادية‪.‬‬
‫ج‪ -‬النقود هي أداة التبادل‪ ،‬والمقادير الضافية منها تسبب ارتفاع‬
‫السعار‪.‬‬
‫د‪ -‬ل حرج في أخذ الفوائد ‪-‬الربا‪ -‬عن الديون‪.‬‬
‫هم– الربط بين رفاهية الفرد وبين الحجم الكلي للعمل وعدد السكان‪.‬‬
‫‪ -2‬روبرت مالتس )‪1836-1766‬م(‪ :‬اقتصادي إنجليزي‪.‬‬
‫اقترن اسم مالتس بالنظرية المشهورة عن السكان "نظرية التفجير‬
‫السكاني"‪ ،‬إذ يعتبر أن عدد السكان يزيد وفق متوالية هندسية بينما‬
‫يزيد النتاج الزراعي وفق متوالية حسابية‪ .‬أي تكاثر النسل ل يتناسب‬
‫مع تزايد الموارد الغذائية‪ ،‬فنادى بتأخير الزواج وتحديد النسل‪ .‬وقال‬
‫بقانون تناقص الغلة‪ :‬الذي يقوم على أن النتاج بعد حد معين تصير‬
‫نفقاته أكبر من قيمة الغلة‪.‬‬
‫‪ -3‬دافيد ريكاردو )‪1823-1772‬م(‪:‬‬
‫قام ريكاردو بشرح قوانين توزيع الدخل في القتصاد الرأسمالي في‬
‫كتابه "مبادئ القتصاد السياسي ونظام الضرائب"‪ ،‬وتحدث عن الفرق‬
‫بين الربح والريع‪ ،‬فالول مصدره العمل‪ ،‬والثاني مصدره امتلك نوع‬
‫نادر من المصادر الطبيعية‪ .‬وقال إن الجور تخضع للعرض والطلب‪،‬‬
‫وترتفع بارتفاع ثمن الحاصلت الزراعية‪.‬‬

‫‪ -4‬اللورد كينز )‪1946-1883‬م(‪:‬‬


‫هو صاحب النظرية التي عرفت باسمه‪ ،‬والتي نشرها في كتابه‬
‫"النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود" سنة ‪1939‬م‪ ،‬وتدور‬
‫حول البطالة والتشغيل‪ ،‬وإليه يرجع الفضل في تحقيق التشغيل الكامل‬
‫للقوة العاملة في المجتمع الرأسمالي‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫خصائص الرأسمالية وأسسها‪:‬‬
‫إن روح النظممام الرأسمممالي وأسممه ال َّولممي‪ :‬الفردية‪ ،‬فالرأسمممالية‬
‫تقدس الفرد ومصلحته الشخصية وحريته التي تكاد مطلقممة فممي تملكممه‬
‫المال وتنميته وإنفاقه‪ ،‬وإيجاد تلممك العقليممة النفعيممة الفرديممة النتهازيممة‪،‬‬
‫التي ل تهتمم بغيرهما مما لمم يكمن ممن ورائه كسمب‪ ،‬ول يعنيهما مصملحة‬
‫المجتمممع‪ ،‬ولسمميما إذا اصممطدمت بمصمملحته‪ ،‬ول يشممغلها إل منافسممة‬
‫الخصوم والتغلب عليهم‪ ،‬إن العقلية الفردية فممي النظممام الرأسمممالي ل‬
‫تهتم إل بالربح المادي والثراء المالي‪ ،‬بكل وسيلة ممكنممة‪ ،‬وخاصممة مممن‬
‫النقود التي أصبحت الله المعبود في الرأسمالية‪ ،‬فالنقود هممي الوسمميلة‬
‫إلى النفوذ والقوة والمتعة والمجد والشممهرة‪ ،‬وأعظممم معابممد هممذا اللممه‬
‫السواق والبنوك والمؤسسات المالية‪.‬‬
‫إن الفرد هو محور الحركة القتصادية في النظام الرأسمالي‪ ،‬وهو‬
‫الهدف‬
‫والغاية‪ ،‬ووظيفة الدولة أن توفر الحرية الكاملة للفراد كي يقوموا‬
‫بالنشاط القتصادي كما يشاءون ويريدون‪ ،‬وعلى كل فرد أن يثبت‬
‫كفايته ومواهبه في هذا المجال‪ ،‬وهو وحده الذي يتحمل نتيجة جهده‬
‫وعمله‪ ،‬سواء كان ربحا ً أم خسارة‪ ،‬وما عليه إل أن يحترم النظام العام‬
‫)‪(1‬‬
‫والقانون‪ ،‬وهما اللذان وجدا لحمايته‪ ،‬وصيانة حريته ونشاطه العام‪.‬‬
‫من خلل ما سبق يتبين لنا أن خصائص الرأسمالية وأسسها هي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحرية القتصادية‪:‬إن نمو الحياة القتصادية وتقدمها وازدهارها‬
‫إنما يتوقف على الحرية القتصادية‪ ،‬وتتمثل هذه الحرية في ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الحرية الفردية في اختيار العمل الذي يتفق واستعدادات الفرد‪،‬‬
‫ويحقق له الدخل المطلوب‪.‬‬
‫‪ -‬حرية التنقل التي تتيح للفرد المنافسة الحرة والمزاحمة في العمل‪.‬‬
‫‪ -‬الحرية التجارية التي يتم فيها النتاج‪ ،‬والتداول والتوزيع في جو من‬
‫المنافسة والمزاحمة الحرة‪.‬‬

‫دور القيم والخلق فمي القتصماد السملمي –بتصمرف‪ -‬د‪ .‬يوسمف القرضماوي ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.81‬‬

‫‪316‬‬
‫‪ -‬الحرية ضرورية للفرد من أجل تحقيق التوفيق بينه وبين المجتمع‪،‬‬
‫ولكونها قوة دافعة للنتاج‪ ،‬وحق إنساني يعبر عن الكرامة البشرية‪.‬‬
‫ولقد مرت الحرية القتصادية بمرحلتين‪ :‬الولى‪ :‬اقتصاد الرفاهية‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬القتصاد الموجه‪ ،‬ولقد تم تطعيم الرأسمالية أخيرا ً بشيء‬
‫من الشتراكية)‪.(1‬‬
‫‪-2‬الملكية الفردية‪:‬‬
‫دس النظام الرأسمالي الملكية الفردية‪ ،‬واعتبرها حافزا ً‬ ‫لقد ق ّ‬
‫هاما ً للنتاج والتقدم والزدهار القتصادي‪ ،‬وفتحت الطريق أمام الفرد‬
‫كي يستغل كل قدراته في زيادة ثروته‪ ،‬وتملكه وسائل النتاج وعوائده‪.‬‬
‫ووضعت الدولة القوانين التي من شأنها حماية الملكية الفردية ونموها‪،‬‬
‫وعدم العتداء عليها‪ ،‬ولم تتدخل الدولة في الحياة القتصادية إل بالقدر‬
‫)‪(2‬‬
‫الذي يتطلبه النظام العام واستقرار المن‪.‬‬
‫ومّرت الملكية الفردية بمرحلتين‪ .‬الولى‪:‬الملكية المطلقة من غير‬
‫قيود‪ ،‬والثانية‪ :‬الملكية المقيدة‪ ،‬وهي التي تؤدي وظيفة اجتماعية‪ ،‬وقد‬
‫)‪(3‬‬
‫تأثرت في ذلك بالنظام الشتراكي‪.‬‬
‫‪-3‬البحث عن الربح بشتى السبل والوسائل‪ ،‬إل ما تمنعه الدولة‬
‫ل‪ ،‬مع أن تجارة المخدرات رائجة جدا ً في‬ ‫لضرر عام كالمخدرات مث ً‬
‫المجتمعات الرأسمالية ولم تستطع قوانين الدولة وجهودها العظيمة أن‬
‫تمنعها‪.‬‬
‫‪-4‬المنافسة والمزاحمة الحرة في السواق‪ ،‬ونظام حرية السعار‪،‬‬
‫وإطلق هذه الحرية وفق متطلبات العرض والطلب‪ ،‬واعتماد قانون‬
‫)‪(4‬‬
‫السعر المنخفض في سبيل ترويج البضاعة وبيعها‪.‬‬

‫‪ -1‬الموسوعة الميسرة ص ‪ ،235-234‬التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪.141‬‬


‫‪ -2‬انظر المصدرين السابقين الول ص ‪ ،233‬والثاني ص ‪.141‬‬
‫‪ -3‬انظر التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪.141‬‬
‫‪ -4‬الموسوعة الميسرة ص ‪.233‬‬

‫‪317‬‬
‫‪ -5‬الحتكار‪:‬الحتكار من السس التي يقوم عليها النظام القتصادي‬
‫الرأسمالي‪ ،‬والمقصود منه‪ :‬حبس السلعة عن التداول في السواق‪،‬‬
‫حتى تغلو أثمانها‪ ،‬والحتكار قد يقوم به تاجر رأسمالي واحد‪ ،‬أو‬
‫مجموعة منهم حيث يتواطئون على حبس نوع أو أنواع من البضائع‪،‬‬
‫ومن أخطر أنواعه‪ :‬الحتكارات الكبيرة التي تقوم بها الشركات متعددة‬
‫ضع الدول‬ ‫خ ِ‬ ‫الجنسيات التي ل تخضع للحكومات المحلية‪ ،‬بل كثيرا ً ما ت ُ ْ‬
‫لمصالحها ورغباتها بالرشوة السافرة والمقنعة‪ ،‬فتتحكم في النتاج‬
‫)‪(1‬‬
‫والسعار‪.‬‬
‫‪ -6‬الفوائد )الربا(‪:‬‬
‫إن النظام الرأسمالي يقوم على الفوائد "الربا"‪ ،‬ولقد حاول‬
‫القتصاديون الرأسماليون تبرير مشروعية الفائدة‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن صاحب‬
‫النقود يمكنه بدل ً من إقراضها أن ينفقها في إشباع حاجاته الحاضرة‪،‬‬
‫ولكنه يضحي بهذه الحاجات ويفضل النتظار‪ ،‬ولبد لهذه التضحية ولهذا‬
‫النتظار من ثمن‪ ،‬أل وهو الفائدة‪ ،‬فالفائدة إذا ً هي عائد النتظار أو عائد‬
‫رأس المال‪ .‬وزعم أنصار الربا )الفائدة( أن الربح الذي يحصل عليه‬
‫المقترض "المدين" من عمله في المال الذي اقترضه إنما ينشأ من‬
‫التزاوج بين العمل ورأس المال‪ ،‬وإذا كان العمل قد حقق له ربحًا‪ ،‬فإن‬
‫المال حقق ربحا ً أيضًا‪ ،‬فوجب إذن أن يعود للدائن المقرض ربح على‬
‫المال الذي أقرضه‪ .‬ونسي هؤلء أن المال في يد المقترض قد يتعرض‬
‫)‪(2‬‬
‫للهلك أو الخسارة‪ ،‬فهل يوافقون على تحمل المدين ذلك؟!‪.‬‬
‫لقد أدى النظام الربوي إلى حدوث أزمات اقتصادية في الدول‬
‫الرأسمالية‪،‬‬
‫ولقد تحدث كثير من فلسفة القتصاد في هذا العصر عن أضرار الربا‬

‫‪ -1‬دور القيم والخلق في القتصماد السملمي ص ‪،293‬م ‪ ،318‬التجاهمات الفكريمة‬


‫المعاصرة ص ‪.143‬‬
‫‪ -2‬دور القيم والخلق في القتصاد السلمي ص ‪.285-284‬‬

‫‪318‬‬
‫في الحياة الجتماعية والقتصادية والسياسية‪ ،‬وطالبوا بإلغائه نهائيًا‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ومن هؤلء القتصادي البريطاني اللورد كينز‪.‬‬

‫التجاه الرأسمالي‪:‬‬
‫إن تلك الخصائص التي تمّيز بها النظام الرأسمالي اتجهت به إلى‬
‫ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬تركيز الثروة القومية في يد قلة من أصحاب رؤوس الموال‪،‬‬
‫وظهرت في المجتمع الرأسمالي طبقة تستأثر بتداول المال واستثماره‬
‫في التجارة والصناعة‪ ،‬وأصبحت هذه الطبقة تتمتع بحياة الترف وإشباع‬
‫الرغبات الشخصية‪ ،‬بالضافة إلى التمتع بالنفوذ والسلطة‪ ،‬وبالتالي تتم‬
‫لها السيطرة في توجيه الحياة القتصادية للنفع الخاص والستغلل غير‬
‫المشروع الذي يقوم على إهدار الكرامة البشرية‪ ،‬والستخفاف بالقيم‬
‫والخلق التي تصون علقات الفراد من النحراف والنانية وفقدان‬
‫الحساس بالخرين‪ ،‬ثم ظهور المفاسد الخلقية التي تتجلى في الحقد‬
‫والحسد‪.‬‬
‫‪ -2‬الميل إلى تكوين احتياطي من المال متعطل‪ ،‬ضمانا ً لرأس المال‬
‫العامل‪ ،‬تكون وظيفته المساندة والمؤازرة دون أن يشارك في استثمار‬
‫جديد‪ ،‬والحافز الحقيقي لتكوين الحتياطي من عائد المال العامل في‬
‫التجارة أو الصناعة هو الرغبة في التكديس للمال‪ ،‬مع تجنب الخطار‬
‫في دفعه للعمل واستثماره في مجالت أخرى قد ل تكون مأمونة‬
‫العواقب‪ .‬وذلك عن طريق خصم نسبة مئوية من الرباح السنوية وضم‬
‫بعضها إلى بعض في صورة احتياطي عادي وغير عادي‪ ،‬وقد يفوق هذا‬
‫الحتياطي رأس المال العامل في الصناعة أو التجارة‪.‬‬
‫‪ -3‬ويتجه النظام الرأسمالي إلى زيادة البطالة في القوى البشرية‬
‫العاملة‪ ،‬والبطالة ظاهمرة مألوفمة فمي المجتممع الرأسممالي‪ ،‬وتكمون‬
‫شمديدة كلمما كمان النتاج أكثر من الستهلك‪ ،‬وكلما زادت نسبة تجميد‬

‫‪ -3‬المصدر السابق ص ‪.283‬‬

‫‪319‬‬
‫المال الحتياطي المحجوب عن الستثمار‪ ،‬إذ كلما زاد الحتياطي كلما‬
‫قلت فرص العمل‪.‬‬
‫‪ -4‬ويتجه النظام الرأسمالي إلى استغلل الشعوب المتخلفة في‬
‫القتصاد والصناعة‪ ،‬وهي في واقع المر الشعوب الفريقية والسيوية‬
‫وشعوب أمريكا اللتينية‪ ،‬وهذا الستغلل يتناول طاقات الشعوب‬
‫البشرية‪ ،‬وثرواتها ومواردها الطبيعية‪.‬‬
‫ويقوم رأس المال الجنبي ‪-‬من احتياطي الشركات الوربية‬
‫الصناعية والتجارية بالحصول على امتيازات في الستثمار تجعل منه‬
‫مصدرا ً للحتكار والستغلل البشع‪ ،‬الذي يشبه السلب والنهب‬
‫للقتصادي القومي والطاقات البشرية العاملة في البلد المتخلفة‪.‬‬
‫ولضمان بقاء المتيازات وبقاء الستغلل الفاحش تبعا ً لذلك تقوم‬
‫الدول الرأسمالية بتقديم القروض بفوائد تثقل كاهل القتصاد المحلي‪،‬‬
‫وتتدخل هذه الدول صاحبة المال عسكريا ً لحماية رأس مالها‪ ،‬وحماية‬
‫رأس المال الجنبي تجر إلى التدخل في تغيير نظام المجتمع في‬
‫القتصاد والدارة والسياسة والتعليم والقضاء والحكم‪ ،‬وهذا أمر مشاهد‬
‫في عالمنا المعاصر‪ ،‬كما في العلقات الوربية والمريكية بدول العالم‬
‫الثالث‪ ،‬ومنها الدول السلمية الخاضعة للدارة المريكية الدولة‬
‫الرأسمالية العظمى‪.‬‬
‫وكما اتجه النظام الرأسمالي إلى الستغلل البشع‪ ،‬اتجه في‬
‫الوقت نفسه إلى الستعمار بدافع البحث عن الموارد الولية اللزمة‬
‫للصناعة‪ ،‬وبدافع البحث عن السواق الجديدة لتسويق المنتجات‪ .‬ولقد‬
‫نتج عن الستعمار الرأسمالي‪ :‬الحروب والتدمير والقتل للشعوب‬
‫)‪(1‬‬
‫الخرى‪.‬‬

‫السلم في الوقاع اليديولوجي المعاصر ص ‪.72-68‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪320‬‬
‫عيوب الرأسمالية ومفاسدها‪:‬‬
‫يكشف الناقدون القتصاديون عن مجموعة من مساوئ وعيوب‬
‫النظام الرأسمالي وهذا أمر بديهي لن النظام الرأسمالي نظام‬
‫وضعي‪ ،‬وضعه الناس‪ ،‬بعيدا ً عن منهج الله تعالى الذي ارتضاه للبشرية‪:‬‬
‫)إن الدين عند الله السلم( آل عمران‪ .19 :‬وقال تعالى‪):‬ومن‬
‫أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا( طه‪ .124 :‬وواضعو هذا النظام‬
‫وقعوا تحت تأثير أهوائهم ونزعاتهم النانية ومصالحهم الشخصية‪.‬‬
‫ويمكن تلخيص بعض هذه العيوب في النقاط التالية‪:‬‬
‫‪-1‬إطلق الحريات الفردية في النشاط القتصادي دون ضوابط أو قيود‬
‫تحد من الشح والنانية والستغلل والضرار بالخرين‪ ،‬وهذا ما حصل‬
‫في المجتمعات الرأسمالية‪ ،‬ثم تشجيعه على سيادة الغرائز المادية‬
‫البحتة على حساب القيم النسانية النبيلة والفضائل الفطرية البشرية‪،‬‬
‫فالرأسماليون ل يفكرون إل في تحقيق الربح وزيادة الموال في‬
‫أيديهم‪ ،‬ول يهتمون بسعادة الخرين‪ ،‬وخاصة أبناء الطبقة العاملة التي‬
‫تتعرض للبتزاز وفق العرض والطلب وكأنهم سلعة خاصة‪.‬‬
‫‪ -2‬النانية والشح من المراض الجتماعية التي ابتليت بها المجتمعات‬
‫الرأسمالية‪ ،‬فقلة من الفراد يتحكمون في السواق تحقيقا ً لمصالحهم‬
‫الذاتية دون تقدير منهم لحاجات المجتمع أو احترام للمصلحة العامة‪،‬‬
‫لقد ضعف الوازع الديني‪ ،‬وطغى الوازع المادي وثبطت الرغبة في‬
‫الخدمات الجتماعية‪ ،‬وبالتالي ساد الحقد والحسد في العلقات بين‬
‫الطبقتين‪ :‬المالكة والمحرومة‪.‬‬
‫‪-3‬إتاحة الفرصة للكبار أصحاب رؤوس الموال للتحكم في الحياة‬
‫القتصادية وفق مصالحهم‪ ،‬وتوجيه السلطة السياسية نحو تحقيق‬
‫أغراضهم‪ ،‬ومن ذلك شراء طبقة الناخبين بالموال‪ ،‬وسيطرة رأس‬
‫المال على الحكم‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫‪ -4‬البطالة‪:‬وما يترتب عليها من مخاطر اجتماعية ومفاسد خلقية‪ ،‬تتمثل‬
‫في السرقة والجريمة والغتصاب والنتحار والمراض النفسية‬
‫والعصبية‪.‬‬
‫‪ -5‬الحتكار‪:‬وما يترتب عليه من أخطار اقتصادية واجتماعية وسياسية‪،‬‬
‫تظهر آثارها في المستهلكين الضعفاء في المجتمعات الرأسمالية‪ ،‬وفي‬
‫الشعوب والمم المتخلفة في أفريقيا وآسيا‪.‬‬
‫‪ -6‬الربا‪:‬إن الربا على رأس العلل التي يعاني منها الفراد والجماعات‬
‫في العالم أجمع‪ ،‬فهو أكل لمال الغير بل جهد ول مخاطرة‪ ،‬وتحّيز‬
‫لصحاب الموال على حساب الفقراء المحتاجين للقرض‪ ،‬وإهدار‬
‫للجانب النساني مقابل سبيل الكسب المادي‪ ،‬وهو طريق لستغلل‬
‫واستعمار الشعوب والمم الفقيرة المقترضة من قبل الدول الغنية‬
‫الرأسمالية‪ ،‬كما هو واقع في عالمنا المعاصر‪.‬‬
‫‪ -7‬إنتاج المواد الكمالية وترويج الدعايات المكلفة ماليا ً لها‪ ،‬وحرق‬
‫البضائع الفائضة أو إتلفها بقذفها في البحر خوفا ً من انخفاض أسعارها‬
‫لكثرة العرض‪ ،‬وإهدار الموال الطائلة في إنتاج وسائل الدمار والهلك‪،‬‬
‫في الوقت الذي ل يلتفت فيه إلى الحاجات الساسية لكثير من أفراد‬
‫المجتمع‪ ،‬فأمريكا مثل ً تنفق عشرات اللف من مليين الدولرات في‬
‫غزو الفضاء الخارجي‪ ،‬وأضعافها في صناعة السلحة المدمرة للبشرية‬
‫في الوقت الذي يعاني ثلث سكانها من انعدام الحياة القتصادية‬
‫الكريمة‪ .‬وفي الوقت الذي تنتشر فيه المجاعة في كثير من البلدان‬
‫الفريقية والسيوية‪.‬‬
‫‪ -8‬الحياة المحمومة نتيجة للصراع القائم بين طبقة الغنياء التي تبحث‬
‫عن زيادة الثراء من كل السبل‪ ،‬وطبقة الفقراء المحرومين الذين‬
‫يستغرقون حياتهم في توفير الحياة الكريمة لهم ولسرهم‪ .‬ثم‬
‫المزاحمة والمنافسة بين الغنياء أنفسهم في زيادة الثروة وكثيرا ً ما‬
‫يؤدي ذلك إلى إفلس عدد من المصانع والشركات‪ ،‬فالقوي في الغابة‬
‫الرأسمالية يأكل الضعيف‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫‪ -9‬الستغلل البشع للمم والشعوب والفراد الضعفاء‪ ،‬واستعمار البلد‬
‫الخرى بحثا ً عن المواد الولية اللزمة للصناعة‪ ،‬وبحثا ً عن السواق‬
‫اللزمة لتصريف النتاج‪ ،‬وبحثا ً عن اليدي العاملة الرخيصة‪ .‬ولقد شهد‬
‫القرنان التاسع عشر والعشرون ألوانا ً للستعمار الرأسمالي للشعوب‬
‫السيوية والفريقية‪ ،‬وشهد القرن العشرون اصطناع الحروب‬
‫والنزاعات بين الدول المتجاورة من قبل الدول الرأسمالية بغية‬
‫تصريف المنتجات العسكرية المدمرة للبشرية‪ ،‬واستغلل شعوب هذه‬
‫الدول لمصلحة الرأسمالية المتحكمة في تلك الصناعات‪.‬‬
‫‪ -10‬وأخيرًا‪ :‬فإن النظام الرأسمالي شأنه شأن المذاهب المادية‬
‫البشرية التي عرفتها أوربا‪ ،‬وكلها تتساوى في النظر إلى النسان على‬
‫أنه كائن مادي مجرد من الميول الروحية والفكار الخلقية‪ ،‬والغايات‬
‫المعنوية النبيلة‪ .‬وبالتالي تفصل القتصاد عن الدين‪ ،‬وعن الخلق‬
‫)‪(1‬‬
‫والقيم المستمدة منه‪.‬‬

‫موقف السلم من الرأسمالية‪:‬‬


‫يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪) :‬من أحدث في ديننا‬
‫هذا ما ليس منه فهو رد(‪ ،‬وفي رواية‪) :‬من عمل عمل ً ليس‬
‫عليه أمرنا فهو رد()‪ ،(2‬والحديث معناه واضح‪ ،‬فهو يبين أن من‬
‫أحدث أو أنشأ فكرة أو نظاما ً أو قانونًا‪ ،‬ل يقوم على دين السلم‪ ،‬أو‬
‫ناقضه‪ ،‬أو خالفه فهو رد على صاحبه‪ ،‬ل يجوز الخذ به والتسليم له‪،‬‬
‫ن ادعاه‪ ،‬فردا ً كان أم جماعة‪ ،‬عالما ً أو أميرا ً للمؤمنين‪.‬‬
‫م ْ‬
‫بغض النظر ع ّ‬
‫والحديث الشريف قاعدة ثابتة‪ ،‬وميزان عادل‪ ،‬ومقياس صادق لكل أمر‬

‫‪ -1‬انظممر عيمموب ومفاسممد الرأسمممالية‪ :‬كواشممف زيمموف للميممداني ص ‪،650-649‬‬


‫الموسممموعة الميسمممرة ص ‪ ،236-235‬التجاهمممات الفكريمممة المعاصمممرة ص ‪،143‬‬
‫السلم في الواقع اليديولوجي المعاصر ص ‪ ،72-71‬حركات ومممذاهب فممي ميممزان‬
‫السلم فتحي يكن ص ‪.48-46‬‬
‫‪ -2‬الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫يحدث‪ ،‬أو نظام يستحدث‪ ،‬فإن قبله دين السلم وارتضاه‪ ،‬فهو من‬
‫)‪(1‬‬
‫رب به عرض الحائط‪.‬‬ ‫ض ِ‬
‫الدين‪ ،‬وإل ُرِفض و ُ‬
‫ن هذا الدين قد كمل في أنظمته وتشريعاته التي تتناول جوانب‬ ‫مإ ّ‬
‫ث ّ‬
‫الحياة السياسية والجتماعية والخلقية والقتصادية وغيرها‪ ،‬فنصوص‬
‫الكتاب والسنة تشتمل على القواعد والمبادئ العامة في ذلك‪ ،‬فضل ً‬
‫عن الفروع والتفصيلت في كثير من القضايا والمور والتطبيقات‬
‫والتفريعات‪ ،‬والمشكلت والوقائع والقضايا المستحدثة في حياة الناس‪،‬‬
‫يجب أن تكون منسجمة ومتوافقة مع القواعد والمبادئ الكلية العامة‪،‬‬
‫ومبنية عليها‪.‬‬
‫وإذا وضعنا النظام القتصادي الرأسمالي في الميزان السلمي‪،‬‬
‫وقسناه بمقياس الشرع‪ ،‬وإذا رددناه إلى القواعد الكلية والمبادئ‬
‫العامة التي أشارت إليها نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫الشريفة‪ ،‬وجدناه نظاما ً مرفوضا ً لمخالفته لما جاءت به الشريعة‬
‫السلمية‪ ،‬فضل ً عن كونه مناقضا ً للعقيدة السلمية التي هي أسس‬
‫بناء النظام القتصادي السلمي‪ ،‬وغيره من أنظمة الحياة‪ ،‬وبيان ذلك‬
‫من عدة وجوه‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن النظام السلمي منهج رباني في مصدره وأصوله‪ ،‬فهو مستنبط‬
‫من نصوص كتاب الله وسنة رسوله‪ ،‬وما يقاس عليها ضمن الكليات‬
‫الشرعية‪ .‬وهو مبني على القاعدة الكبرى لهذا الدين‪ ،‬قاعدة‪) :‬ل إله‬
‫إل الله( فالله عز وجل هو الخالق الحاكم العليم الخبير بالناس‬
‫وبمصالحهم العاجلة والجلة )أل يعلم من خلق وهو اللطيف‬
‫الخبير( تبارك‪) ،14 :‬أل له الخلق والمر( العراف‪ ،54 :‬والنظمة‬
‫التي اصطفاها للناس هي الحسن والصلح‪ ،‬التي تحقق للناس السعادة‬
‫والرخاء والطمأنينة )أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من‬
‫الله حكما ً لقوم يوقنون( المائدة‪ .50 :‬أما النظام الرأسمالي فهو‬
‫نظام وضعي‪ ،‬وضعه فئة من الناس اعتمادا ً على أفكارهم وآرائهم‪ ،‬تلبية‬
‫لهوائهم ورغباتهم‪ ،‬ومراعاة لظروفهم وأحوالهم‪ ،‬وإرضاًء لجمهور‬

‫‪-1‬حكم السلم في الشتراكية للبدري ص ‪.61-60‬‬

‫‪324‬‬
‫الناس الواقعين تحت تأثير ظروف تاريخية معينة)‪.(1‬‬
‫والنظام الرأسمالي ل يعترف واضعوه بحاكمية الله‪ ،‬ول يعترفون‬
‫بشريعته‪ ،‬إنهم عزلوا الدين عن الحياة كلها‪ ،‬واستبعدوه استبعادا ً كليا ً‬
‫عن الحكم والسياسة والقتصاد والخلق‪ ،‬وأبقوه حبيسا ً في ضمير‬
‫الفرد‪ ،‬وداخل جدران المعبد الذي يمارس فيه شعائره وطقوسه‬
‫التعبدية التي ما أنزل الله بها من سلطان)‪.(2‬‬
‫‪ -2‬إن النظام القتصادي السلمي ملئم للفطرة النسانية‪ ،‬ومحقق‬
‫للبشرية صلحا ً وسعادة وكفاية ورخاًء‪ ،‬وهو قائم على قواعد الحق‬
‫والعدل‪ ،‬وعلى الموازنة السليمة بين مصالح الفرد ومصالح الجماعة‪.‬‬
‫بينما النظام الرأسمالي‪-‬وإن جاء منسجما ً مع الفطرة البشرية‬
‫في حب التملك‪-‬مسرف في انحيازه لحريات الفراد القتصادية‪،‬‬
‫ومخل بقضية التوازن بين مصالح الفرد والمجتمع‪ ،‬ومن هنا أحدث‬
‫كن قلة من الناس‪-‬أصحاب رؤوس الموال‪-‬‬ ‫فسادا ً في المجتمع‪ ،‬وم ّ‬
‫من ممارسة الظلم والستبداد تجاه الكثرة غير المالكة‪.‬‬
‫‪ -3‬النظام القتصادي السلمي يقرر أن المالك الصلي للكون وما فيه‬
‫هو الله الخالق الحاكم المشرع‪ ،‬ومالك الملك قّرر قواعد ومبادئ‬
‫لملكية الفراد والجماعات‪ ،‬ووضع قيودا ً وضوابط‪ ،‬تتناول الكسب‬
‫والملكية‪ ،‬وتتناول النفاق‪ ،‬وجعل في الملكية الخاصة والعامة حقوقا ً‬
‫لعباده الفقراء والمحتاجين ممن ل يملكون‪ ،‬ورّتب على التقيد بتلك‬
‫القيود والنضباط بتلك الضوابط أجرا ً وثوابًا‪ ،‬كما رتب على مخالفتها‬
‫والتمرد عليها جزاًء وحسابًا‪.‬‬
‫أما النظام الرأسمالي فل يقر بذلك‪ ،‬لن واضعوه ‪-‬وإن كانوا‬
‫مؤمنين بالله ربا ً وخالقًا‪ -‬فهم يكفرون به حاكما ً ومشرعًا‪ ،‬ول يؤمنون‬
‫بشريعته الحاكمة‪ ،‬بل تواطئوا على استبعادها عن أنظمة الحياة‪ ،‬ومن‬

‫انظر كواشف زيوف ص ‪.629‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬انظر المصدر السابق ص ‪ 1110‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫هنا فإنهم ل يؤمنون بحقوق الله تعالى في الملك‪ ،‬ول بمبدأي الثواب‬
‫والعقاب)‪.(1‬‬
‫‪ -4‬إن النظام الرأسمالي يقوم على أساس من الربا‪ ،‬والحتكار‪،‬‬
‫واغتصاب أموال الخرين‪ ،‬وأكل حقوقهم بالباطل‪ ،‬وعلى السراف في‬
‫إنفاق المال الخاص والعام على ما يضّر النسان ويشقيه‪ ،‬بل ويسحقه‬
‫ويقتله‪ ،‬وهو يذكي روح النانية بين الفمراد‪ ،‬وروح العمداء والبغضماء بين‬
‫المم والشمعوب)‪ ،(2‬ونظمام بهذا الشكل وتلمك الروح جدير بالزدراء‬
‫والحتقار‪ ،‬وجدير بأل يقارن ألبته بالنظام الرباني القائم على الحق‬
‫والعدل والخير للفرد وللجماعة‪ ،‬المحقق للناس كلهم على اختلف‬
‫مواهبهم ودرجات تفكيرهم وقدراتهم حياة كريمة‪ ،‬الحياة المطمئنة‬
‫السعيدة‪ .‬والمسلم الصادق يعلم أن شريعته الغّراء خير وأبقى‪ ،‬وهو‬
‫ملزم بها دون غيرها من الشرائع الوضعية الفاسدة‪ .‬قال تعالى‪) :‬لكل‬
‫جعلنا شرعة ومنهاجا ً( المائدة‪ ،48 :‬وقال‪):‬ثم جعلناك على‬
‫شريعة من المر فاتبعها ول تتبع أهواء الذين ل يعلمون(‬
‫الجاثية‪ ،18 :‬وقال‪):‬وأن احكم بينهم بما أنزل الله ول تتبع‬
‫أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك‬
‫فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم‬
‫وإن كثيرا ً من الناس لفاسقون( المائدة‪.49 :‬‬

‫‪ -1‬انظر المصدر السابق ص ‪.632-630‬‬


‫‪ -2‬انظر حركات ومذاهب في ميزان السلم فتحي يكن ص ‪.48-47‬‬

‫‪326‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫المذهب الفلسفي الوافد"الشيوعية"‬

‫تعريف الشيوعية‪:‬‬
‫ليست الشيوعية مذهبا ً اقتصاديا ً بحتا ً كما يتبادر إلى ذهن كثير‬
‫من الناس‪ ،‬وإن كان لها ول شك مذهب اقتصادي محدد متميز‪ ،‬إن‬
‫الشيوعية تصور شامل للكون والحياة والنسان‪ ،‬ولقضية اللوهية‬
‫كذلك‪ ،‬وعن هذا التصور ينبثق المذهب القتصادي‪ .‬ثم إن الوضاع‬
‫)‪(1‬‬
‫السياسية والفكرية والجتماعية المصاحبة له هي مجرد انعكاس له‪.‬‬
‫ويمكن تعريفها‪ ،‬بقولنا‪" :‬الشيوعية مذهب فلسفي مادي‬
‫إلحادي غير أخلقي‪ ،‬استبدادي‪ ،‬يرى أن المادة هي أصل‬
‫وأساس كل شيء‪ ،‬يفسر التاريخ تفسيرا ً ماديًا‪ ،‬يرجعه إلى‬
‫)‪(2‬‬
‫العوامل القتصادية وصراع الطبقات"‪.‬‬
‫وأصبح من المعلوم ضرورة‪:‬أن الشيوعية تنظيم يهودي‪ ،‬ذو هيمنة‬
‫عقائدية‪ ،‬هدفه تحقيق جانب من المخطط اليهودي العالمي الرامي إلى‬
‫تدمير المم والشعوب‪ ،‬والديان‪ ،‬والقيم‪ ،‬والخلق‪ ،‬تمهيدا ً لقامة الدولة‬
‫اليهودية العالمية‪ .‬ووسائل الشيوعية في ذلك‪ :‬الستبداد المطلق‬
‫المقرون بالعنف الدموي‪ ،‬والنفعية الميكافيلية‪ ،‬والشهوات الباحية‪.‬‬
‫أسس المذهب الشيوعي‪-:‬‬
‫يقوم المذهب الشيوعي اللحادي المادي على السس الفكرية‬
‫والعتقادية التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬إنكار وجود الله تعالى‪ ،‬وإنكار كل الغيبيات‪ ،‬واعتبار المادة أزلية‬
‫أبدية‪ ،‬وأنها أساس كل شيء وأصله‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير حركة المادة وتغيراتها وتطورها وفق ما يسمى "بالمادية‬
‫الجدلية"‪ ،‬وتفسير التاريخ البشري وفق ما يسمى "بالمادية التاريخية"‪.‬‬

‫‪ -1‬مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص ‪.259‬‬


‫‪ -2‬الكيممد الحمممر عبممد الرحمممن الميممداني ص ‪ ،9‬الموسمموعة الميسممرة فممي الديممان‬
‫والمذاهب المعاصرة ص ‪.309‬‬

‫‪327‬‬
‫‪ -3‬محاربة الديان‪ ،‬واعتبارها وسيلة لتخدير الشعوب وخادما ً للرأسمالية‬
‫والستعمار‪ ،‬وقد استثنوا من ذلك اليهودية‪ ،‬لن اليهود شعب مظلوم‬
‫يحتاج إلى دينه ليستعيد حقوقه المغتصبة‪.‬‬
‫‪" -4‬الشتراكية العلمية"‪ ،‬وهي المذهب القتصادي الذي يقوم على‬
‫إلغاء الملكية الفردية‪ ،‬وإلغاء الوسائل المؤدية إليها كشيوعية الموال‬
‫والميراث‪ ،‬والقول بأن الدولة الممثلة للمجتمع هي المالكة لكل شيء‪.‬‬
‫‪ -5‬اعتبرا العوامل القتصادية هي المحرك الول للفراد والجماعات‪،‬‬
‫وأن الفكر والحضارة‪ ،‬والثقافة هي وليدة التطور القتصادي‪ ،‬وأن كل‬
‫تغيير يحدث إنما هو نتيجة حتمية لتغير وسائل النتاج‪.‬‬
‫‪ -6‬تزعم الشيوعية أن النظام الجتماعي في الدولة الشيوعية نظام‬
‫تطلق فيه الحريات الشخصية على أوسع مدى بشرط أل تمس المبادئ‬
‫الشيوعية ونظم دولتها وأوامرها وعندما تصل الدولة الشيوعية إلى‬
‫غايتها المرسومة لها‪ ،‬فإنه سُتلغى السرة‪ ،‬ويصبح الجنس مشاعًا‪ ،‬فكل‬
‫الرجال لكل النساء‪ ،‬وأما الولد فهم للدولة الشيوعية التي تتولى‬
‫تربيتهم ورعايتهم‪.‬‬
‫‪ -7‬إلغاء القيم والخلق المتعارف عليها بين الناس‪ ،‬واستبدالها بأخلق‬
‫الطاعة للدولة الشيوعية وتنفيذ أوامرها وبرامجها‪.‬‬
‫‪ -8‬النظام السياسي والداري الذي تقوم عليه الدولة الشيوعية‪ ،‬هو‬
‫الديكتاتورية الستبدادية المطلقة الصارمة‪ ،‬وتتوله قيادة جماعية‪ ،‬تقع‬
‫على رأس هرم الحزب الشيوعي‪ ،‬تسمى بم "ديكتاتورية" الطبقة‬
‫)‪(1‬‬
‫العاملة "البروليتاريا"‪.‬‬

‫‪-1‬انظر كواشف وزيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة ص ‪ ،465-464‬الموسوعة‬


‫الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.311-310‬‬

‫‪328‬‬
‫أبرز الشخصيات الشيوعية‪:‬‬
‫كارل ماركس )‪:(1)(1882-1818‬‬
‫تدين الشيوعية في معظم أفكارها إلى كاهنهمما الكبركممارل ممماركس‬
‫حفيد الحاخام مردخاي ماركس‪،‬ونسبت الشميوعية إلى ماركس باعتباره‬
‫واضمممعا ً للمبممادئ الساسممية لهمما‪ ،‬وباعتبمماره صمماحب مجموعممة الراء‬
‫والتعاليم الفلسفية والقتصادية والجتماعية التي يتشكل ممن مجموعهما‬
‫المذهب الشيوعي‪ ،‬ولذا فإنه من المناسب التعريف بصمماحب المممذهب‪،‬‬
‫وأبرز شخصياته الفكرية‪.‬‬
‫ولد كارل ماركس في مايو سنة ‪1818‬م بمقاطعة رينانيا في‬
‫ألمانيا من أسرة يهودية‪ ،‬فأبوه هيرشل ماركس من رجال الشريعة‬
‫مه تنحدر من أسرة يهودية هولندية هاجرت في القرن‬ ‫اليهودية‪ ،‬وأ ّ‬
‫ده الحاخام مردخاي ماركس‪.‬‬ ‫السابع عشر إلى البلد المجرية‪ ،‬وج ّ‬
‫تحول أبواه عن اليهودية إلى المذهب الرثوذكسي النصراني عام‬
‫‪1824‬م‪ ،‬حيث كان كارل في السادسة من عمره‪ ،‬ولم يكن هذا التحول‬
‫عن إيمان صادق بالنصرانية‪ ،‬إنما كان تمهيدا ً لفرص العيش‪ ،‬ولتأمين‬
‫فرص المستقبل أمام البن كارل‪ ،‬لن اليهود كانوا يعيشون في بيئة‬
‫اجتماعية تنبذ وتحتقر اليهود‪ ،‬ولقد ترك هذا التحول بفعل الظروف‬
‫القتصادية أثره السيء في حياة كارل ماركس‪ ،‬وفي شعوره بالدين‬
‫والعقيدة الروحية‪ ،‬ويصدق هذا‪ :‬إذا عرفنا أن ماركس أقام مذهبه‬
‫الفكري على المادية القتصادية‪ ،‬وذهب إلى أن الديانات والعقائد جميعا ً‬
‫إنما هي انعكاس الضرورات القتصادية في المجتمع‪.‬‬
‫دراسته وعلمه‪:‬‬
‫تتسم دراسته العلمية بحالة القلق والختلل‪ ،‬حيث درس أول ً‬
‫ول إلى دراسة المشكلت القتصادية‪ ،‬وهذا‬ ‫القانون ثم الفلسفة ثم تح ّ‬
‫التحول كما يفسر ظاهرة الختلل عنده فإنه يفسر ظاهرة الرغبة في‬
‫إشباع شهوة الشهرة وحب الظهور‪ ،‬وشهوة الهدم والنقمة‪ ،‬فدراسة‬

‫‪ -1‬انظر حياة ماركس وثقافته وأخلقه وصممفاته‪ :‬الشمميوعية والنسممانية فممي شممريعة‬
‫السلم عباس محمود العقاد ص ‪.75-29‬‬

‫‪329‬‬
‫القانون والفلسفة ل تتصل بهياج الثورات والفتن‪ ،‬إنما تهيج الفتن‬
‫والثورات بما يتصل بغرائز وحاجات المليين في بيئة مادية‪ ،‬فصراع‬
‫الطبقات وضرورات المعاش ومشكلت القتصاد أمور تناسب الثورة‬
‫والظهور‪ ،‬وتلك كانت من صلب ما تقوم عليه الشيوعية‪.‬‬
‫درس ماركس في جامعة "بون" ثم في جامعة "برلين"‪ ،‬واشتهر‬
‫ماركس بغيابه عن دروسه وانقطاعه عن الجامعة‪ ،‬حيث كان يقضي‬
‫الليالي في السهر واللهو مع السكارى وأهل المجون بعيدا ً عن موطن‬
‫الجامعة‪ ،‬وقد ساقته الشرطة مرة إلى دارها مع بعض هؤلء السكارى‪،‬‬
‫وساقته مرة أخرى إلى دارها لستعماله السلحة النارية في مبارزة‬
‫بالسيف‪ ،‬وفي سنة ‪1841‬م حصل على درجة الدكتوراه من جامعة‬
‫"جينا" اللمانية في موضوع كتبه عن‪" :‬الختلف بين فلسفة الطبيعة‬
‫عند ديمقريطس وبين فلسفة أبيقور"‪ ،‬ولم يحصل كارل ماركس على‬
‫لقبه العلمي من جامعة يتعلم الطلب فيها‪ ،‬ولم يحصل عليه بعد‬
‫مناقشة علمية في موضوعه أو امتحان يكشف فيه عن عقليته وتفكيره‬
‫ومدى أصالته واعتماده على البراهين والسانيد العلمية‪ ،‬إنما حصل‬
‫على الدرجة العلمية بالمراسلة على نحو غريب وغير مألوف في‬
‫الوساط العلمية‪ ،‬إذ أرسل كارل ماركس أطروحته إلى الجامعة بالبريد‬
‫في السادس من شهر أبريل سنة ‪1841‬م على عنوان عميد قسم‬
‫الفلسفة‪ ،‬فوقع العميد شهادة الدكتوراه بتاريخ الخامس عشر من أبريل‬
‫سنة ‪1841‬م‪.‬‬
‫صفاته وأخلقه‪:‬‬
‫‪ -1‬الغرور والكبرياء‪:‬‬
‫لقد أجمع أساتذة ماركس وتلميذه وأصدقاؤه‪ ،‬ويشاركهم في ذلك‬
‫والده على أنه كان مغرورا ً معروفا ً بحبه لنفسه أضعاف حبه للخرين‬
‫من أصدقائه ومريديه‪ ،‬وأنه ل يغفر أبدا ً أصغر الساءات إلى شخصه‪،‬‬
‫ودائما ً ما يقول‪ :‬آرائي‪ ..‬أفكاري‪ ،‬دون أن يتلفت إلى آراء وأفكار‬
‫مخالفيه‪ ،‬ول يتورع عن اختلق التهم الباطلة تجاه معارضيه بهدف‬
‫النتقام منهم‪ ،‬كتب إليه أبوه مرة يقول له‪" :‬إنك لسوء الحظ تؤيد‬

‫‪330‬‬
‫بسلوكك رأيي الذي كونته عنك‪ ،‬وأرى أنك على ما فيك من خصال‬
‫حسنة‪ ،‬أناني تغلب النانية على جميع صفاتك"…وقد دفعه كبرياؤه إلى‬
‫جمود العاطفة والتعالي عن الحزن على حد تعبير صديقه إنجلز‪.‬‬
‫‪ -2‬كسله في العمل وعالته على الخرين‪:‬‬
‫يقول )أوتوروهل( أحد تلمذة ماركس ومترجمي حياته‪" :‬كان على‬
‫الدوام متقلبا ً مبتئسا ً حقودًا‪ ..‬وكان موسوسا ً يغلو كجميع الموسوسين‬
‫في الشعور بمتاعبه الجسدية‪ ..‬كان في صباه عاجزا ً عن المثابرة على‬
‫دراسة ترشحه لعمل يعينه على مطالب العيش‪ ،‬وأصبح في كهولته‬
‫عاجزا ً عن المثابرة على جهد من الجهود العقلية يتكفل بغذاء الشخصية‬
‫كلها‪ ،‬فلم تكن له صناعة‪ ،‬ول مكتب‪ ،‬ول شاغل منتظم‪ ،‬ول وسيلة من‬
‫وسائل المعيشة‪ ،‬وما من شيء لديه إل وهو موكول إلى المصادفة‬
‫والرتجال والضطراب‪."..‬‬
‫ولقد عاش كارل ماركس في صباه وفي كهولته عالة على أسرته‬
‫وأقاربه وأصدقائه‪-:‬‬
‫‪ -‬والده‪ :‬كان والده ينفق عليه في حياته‪ ،‬وخاصة وهو طالب في‬
‫الجامعة‪ ،‬مع أنه كان يتغيب عنها‪ ،‬قاضيا ً الوقت في الملهي والنوادي‪،‬‬
‫حتى أنه سيق مرة إلى دار الشرطة مع جماعة من السكارى‬
‫والمعربدين‪.‬‬
‫لما توفي أبوه كان ماركس في برلين‪ ،‬ولم يكّلف نفسه ‪-‬لجمود‬
‫عاطفته‪ -‬أن ينتقل إلى بلده ليواسي أهله وأخوته الصغار‪ ،‬ويتفقد‬
‫شؤون السرة بعد وفاة عائلها‪ ،‬بل أرسل إلى أمه يطلب نصيبه من‬
‫الميراث‪.‬‬
‫أخذ ماركس نصيبه من الميراث فأنفقه على ملذاته‪ ،‬ولما انتهى‬
‫المال سطا على نصيب أمه وأخته‪ ،‬ولم يكلف نفسه بالعمل‪ ،‬مع أنه‬
‫رب السرة بعد أبيه‪ ،‬وكانت أمه تلح عليه أن يغنيهم بكسبه أو يكفيهم‬
‫على القل مؤنة نفقاته‪.‬‬
‫‪-‬أصدقاؤه وأقاربه‪:‬‬

‫‪331‬‬
‫اشتهر ماركس بأنه كان يمد يده للخرين طالبا ً منهم المعونة‪ ،‬لقد‬
‫تقبل من المعونة بل من الحسان‪ ،‬ما ل يقبله رجل ذو كرامة‪ ،‬كان‬
‫يفعل ذلك في صباه وبعد زواجه‪ ،‬إنه لم يكف في طلب المعونة من‬
‫زوج أخته وأقارب ذلك الزوج‪ ،‬ومنهم قريبة العم "فيليبس"‪ ،‬ومن‬
‫أصدقائه إنجلز وأنينكوف‪.‬‬
‫لقد رفض ماركس أن يزّوج ابنته للكاتب المشهور "برناردشو"‪ ،‬لكنه‬
‫زّوجها لحد الغنياء ممن ترك له والده ميراثا ً كبيرًا‪.‬‬
‫إنه لما ضاق زملؤه من طلباته المتلحقة أحالوا عليه العمال التي‬
‫تطلب منهم‪ ،‬فكان يقبلها وهو ل يحسن أداءها ثم يحيلها بدوره على من‬
‫يحسن الداء بعد أن يكون قد استولى على أجورها‪.‬‬
‫عاش ماركس فترة طويلة من الزمن متطفل ً على أموال زميله في‬
‫ظف مبلغا ً من المال في السنة لمعيشة‬ ‫المذهب إنجلز‪ ،‬الذي و ّ‬
‫ماركس‪ ،‬ونظم له داره‪ ،‬وسدد عنه ديونه‪ ،‬وأنجز المشروعات الكتابية‬
‫المعطلة التي أكل ماركس أجورها سلفًا‪ .‬لقد صدقت في ماركس‬
‫مقولة أبوه عنه‪:‬إنه سيعيش عالة على الناس ما عاش‪.‬‬
‫‪ -3‬إهماله لنفسه وميله للقذارة وبعده عن النظافة‪:‬‬
‫يقول عنه "ليوبلد شوارز" صاحب كتاب البروسي الحمر‪":‬إنه‬
‫شخص مشعث للغاية‪ ،‬سيئ التصرف في أعماله‪ ،‬يجري في معيشته‬
‫على منهج المتشردين المشتغلين بالمطالب الفكرية‪..‬ويندر أن يستحم‬
‫أو يمشط شعره‪ ،‬ويغير ملبسه الداخلية‪ ،‬يشرب كثيرًا‪ ،‬ويحوم أياما ً‬
‫على غير هدى وبغير عمل‪ ،‬فإذا حزبه أمر لزب قضى الليل والنهار في‬
‫العمل‪ ،‬ول يخطر على باله أن ينظم ساعاته ومواعيده"‪.‬‬
‫كان قذرا ً يهمل الغتسال والنظافة‪ ،‬وكان منظر القروح والثآليل‬
‫التي تمل وجهه وعينيه‪ ،‬وما ظهر من جلده يزيده قذارة على قذارة‪،‬‬
‫وكانت هذه القروح والثآليل مما جناه على نفسه بتهافته على الطعمة‬
‫)‪(1‬‬
‫الممنوعة من قبل الطباء‪ ،‬لكونه مريضا ً بالكبد المتأصل فيه‪.‬‬

‫الشيوعية والنسانية في شريعة السلم عباس محمود العقاد ص ‪.70-69‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪332‬‬
‫ماركس واليهودية‪:‬‬
‫ول على يدي والديه‬ ‫سبق أن قلنا أن ماركس كان يهوديًا‪ ،‬وقد تح ّ‬
‫تحول ً ظاهريا ً إلى المذهب الرثوذكسي‪ ،‬ولم يكن تحول ً عن إيمان‬
‫صادق بغير اليهودية‪ .‬فظل الشعور بالنتماء لليهودية يلحق ماركس في‬
‫أطوار حياته المتناقضة المضطربة لدرجة أن شعورا ً بالنقص كان‬
‫يعتوره دائمًا‪..‬كان يهوديا ً في أعماق نفسه‪ ،‬وكانت زمرته التي يأوي‬
‫إليها على الكثر من شذاذ اليهود في زمنه‪ ،‬وكان في مظهره يتشبه‬
‫بالسلف والباء اليهود كما وصفهم التلمود‪ ،‬فقد أرسل لحيته وأطلق‬
‫جمته ‪-‬مجتمع شعر الرأس‪ -‬بطريقة مشعثة للغاية‪ ،‬حتى يتراءى للناس‬
‫كأنه من آباء اليهود في أيامهم التاريخية الولى‪.‬‬
‫وأما كتابته ضد اليهود واليهودية فما هي إل محاولة بائسة لكي‬
‫ينفي عن نفسه ذلك النسب اليهودي في بيئة تحتقر اليهود‪ ،‬وليعطي‬
‫نفسه مبررا ً ومسوغا ً في إنكار وجود الله وحملته الظالمة على الديان‬
‫تماما ً كما تفعل الحركة الماسونية اليهودية)‪ ،(1‬إنه تتلمذ على اليهودي‬
‫المشهور موسى هس الذي تعّرف عليه عام ‪1841‬م‪ ،‬وأخذ عنه مبادئ‬
‫الشمتراكية العامة‪ ،‬وموسى هس هو المنشئ الول للتفكيمر الصهيوني‬
‫الحديث‪ ،‬وأعظمم مفكري اليهود في القرن التاسع عشر‪ ،‬وصاحب كتاب‬
‫"روما والقدس" الذي ألفه عام ‪1862‬م‪ ،‬واقترح فيه إقامة دولة لليهود‬
‫في فلسطين بمساعدة فرنسا‪ ،‬يقول ماركس عن موسمى هس‪" :‬لقد‬
‫اتخذت هذا العبقري لي مثل ً وقدوة‪ ،‬لما يتحلى به من دقة في التفكير‪،‬‬
‫واتفاق آرائه مع عقيدتي‪ ،‬وما أومن به‪ ،‬إنه رجل نضالي الفكر‬
‫والسلوك"‪ ،‬وموسى هس هو أستاذ الصهيوني العالمي هرتزل الذي‬
‫استقى المبادئ الرئيسة التي ذكرها في كتابه "الدولة اليهودية" من‬
‫كتاب أستاذه وأستاذ كارل ماركس‪ ،‬أي كان موسى هس أستاذا ً‬
‫لماركس في فلسفته الشيوعية وأستاذا ً لهرتزل في فلسفته الصهيونية‪.‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.71-70‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪333‬‬
‫ولقد اعترف الحاخام لويس برونز في كتابه "أغرب من الخيال"‬
‫بإخلص ماركس لليهودية‪ ،‬وأنه كان في روحه وعمله أشد إخلصا ً‬
‫)‪(1‬‬
‫لسرائيل من أولئك الذين يتشدقون بذلك‪.‬‬
‫ومما يؤكد يهودية ماركس نسبا ً وفكرا ً وهدفا ً ما جاء في بيان‬
‫المشرق العظم الفرنسي الماسوني عام ‪1904‬م صفحة ‪":237‬إن‬
‫الماركسية واللقومية هما وليدتا الماسونية‪ ،‬لن مؤسسيها كارل‬
‫ماركس وإنجلز هما من ماسونيي الدرجة الحادية والثلثين‪ ،‬ومن‬
‫منتسبي المحفل النجليزي‪ ،‬وأنهما كانا من الذين أداروا الماسونية‬
‫)‪(2‬‬
‫السرية‪ ،‬وبفضلها أصدرا البيان الشيوعي المشهور"‪.‬‬
‫فردريك إنجلز )‪1895-1820‬م(‪:‬‬
‫إنجلز زميل ماركس وصديقه الحميم‪ ،‬وهو من كبار مؤسسي‬
‫المذهب الشيوعي‪ .‬ولد عام ‪1820‬م بمقاطعة الراين بألمانيا‪ ،‬وأبوه‬
‫ثري اشتغل بصناعة نسيج القطن‪ ،‬وكان معروفا ً بعقيدته المسيحية‪.‬‬
‫وفي سنة ‪1844‬م التقى إنجلز بماركس في فرنسا‪ ،‬وتلقت‬
‫أفكارهما وقضيا عشرة أيام معًا‪ ،‬واتفقا على فلسفة الشيوعية‪ ،‬وظل‬
‫يعملن معا ً في توافق لمدة أربعين سنة‪ ،‬في سنة ‪ 1848‬أصدرا سويا ً‬
‫البيان الشيوعي المشهور بالمانغستو‪ .‬ولقد اعتمد ماركس على زميله‬
‫إنجلز في أثناء تأليفه كتاب "رأس المال"‪ ،‬حيث تعاونا سويا ً في المجلد‬
‫الول‪ ،‬ثم قام إنجلز بمراجعة وتحقيق ونشر المخطوطات غير الكاملة‬
‫للمجلدين الثاني والثالث من الكتاب‪ .‬وإذا كانت الشيوعية مقرونة باسم‬
‫ماركس‪ ،‬فإن النصيب الكبر في هذه النظرية يعود إلى إنجلز نفسه‪.‬‬
‫أصول الفلسفة الشيوعية‪:‬‬
‫نقدم للقارئ فكرة مجملة للصول الفلسفية الماركسية‪ ،‬ومن‬
‫أراد التوسع فليرجع إلى المصادر المتخصصة‪ ،‬مع ملحظة أن نقض هذه‬

‫‪ -1‬انظر الشيوعية منشأ ً ومسلكا ً دندل جبر ص ‪.17-15‬‬


‫‪ -2‬الماسممونية أقممدم الحركممات السممرية وأخطرهمما ص ‪ ،67‬الماسممونية ذلممك العممالم‬
‫المجهول ص ‪ ،428‬وسيأتي بيان صلة الشيوعية بالمخططات اليهودية التدميرية‪.‬‬

‫‪334‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الصول قد كتب فيه الكثير‪.‬‬
‫تقوم الفلسفة الشيوعية التي أرساها ماركس وإنجلز على‬
‫أصلين اثنين هما‪ :‬المادية الجدلية والمادية التاريخية‪ ،‬وبناًء عليهما وضع‬
‫الماركسيون آراءهم وأفكارهم في مجال القتصاد والسياسة والجتماع‬
‫والعقائد والخلق‪.‬‬

‫ل‪ :‬أصول المادية الجدلية‪:‬‬ ‫أو ً‬


‫‪ -1‬المادية‪:‬‬
‫المادية نسبة إلى المادة في مفهومها المجرد البحت‪ ،‬والتي تنافي‬
‫الروحي‬
‫والمثالي‪ ،‬والمادية الماركسية تقوم على المبدأ القائل بأن العالم‬
‫بطبيعته مادي‪ ،‬وأن مختلف ظواهر الكون إنما هي جوانب مختلفة‬
‫للمادة في حركتها‪ ،‬فالمادة هي الشيء الوحيد الصيل في الكون‪ ،‬هي‬
‫أساس الروح وينبوع الحياة‪ ،‬إن كل ما في الكون ومن فيه ينبثق عن‬
‫المادة ومحكوم بقوانين المادة‪.‬‬
‫والمادة ل تتوقف عن الحركة‪ ،‬والحركة تعني السير نحو التغيير‬
‫والتطور‪ ،‬وعلى هذا فإن‪:‬‬
‫‪-‬ل إله للكون‪ ،‬والحياة والكون مادة‪ ،‬فالمادة أصل الحياة وأساس كل‬
‫شيء‪.‬‬
‫‪ -‬لمادة أبدية أزلية‪ ،‬فالكون المادي أزلي سرمدي‪ ،‬ل بداية له ول نهاية‪.‬‬
‫‪-‬النسان نتاج المادة‪ ،‬والفكر أو الوعي نتاج مادة عالية التنظيم هي‬
‫)‪(2‬‬
‫الدماغ‪.‬‬
‫وهذا يعني أن الشيوعية ترفض جميع الفلسفات الميتا فيزيقية التي‬

‫‪ -1‬ومن هممؤلء‪ :‬د‪ .‬محمممد سممعيد رمضممان البمموطي فممي كتممابه‪:‬نقممض أوهممام الماديممة‬
‫الجدلية‪ ،‬د‪ .‬صلح عبد العليم فممي كتممابه‪:‬تهممافت الفكممر الماركسممي‪ ،‬فهممما مممن أهممم‬
‫مصادري في هذا النقض‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر تهافت الفكر الماركسي ص ‪ ،43-39‬الماركسية في ميزان السلم د‪ .‬أمير‬
‫عبد العزيز ص ‪ ،17‬مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص ‪.268‬‬

‫‪335‬‬
‫تفسر العالم وظواهره بعلل ومبادئ وأسباب خارجة عنه‪ ،‬وترفض جميع‬
‫الديان التي تقر بوجود الله الخالق المبدع للكون وما فيه‪ ،‬وترفض‬
‫الغيبيات التي هي من جملة العقائد اليمانية التي جاء بها السلم‬
‫كالروح والملئكة والجن والبعث والجنة والنار والحشر والنشر ونحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وإذا كانت الشيوعية ل تعترف ول تقر إل بالوجود المادي ‪-‬المادة‬
‫وظواهرها‪ -‬وأنه أزلي أبدي‪ ،‬فالسؤال‪ :‬كيف نشأت الحياة وتنوعت‬
‫الكائنات‪ ،‬وكيف تحدث سائر التغيرات والتحولت الكونية؟ هذا ما تجيب‬
‫)‪(1‬‬
‫عليه الشيوعية من خلل الجدلية وقوانينها المدعاة‪.‬‬

‫‪ -2‬الجدلية )الديالكتيك(‪:‬‬
‫الجدل أو الديالكتيك معناه فن المجادلة أو مجاذبة أطراف‬
‫الكلم‪ .‬والكلمة يونانية في نشأتها أخذت من "دياليغو" بمعنى المجادلة‬
‫والمحادثة‪ ،‬فالديالكتيك معناه عند اليونان‪ :‬فن الوصول إلى الحقيقة‬
‫باكتشاف المتناقضات التي يتضمنها استدلل الخصم‪ ،‬وبالتغلب عليها‪،‬‬
‫ثم استخدمت للتعبير عن أحد التصورات للكون والطبيعة فيما يصل‬
‫بالنسان إلى الحقيقة عن طريق اكتشاف التناقضات‪.‬‬
‫واستخدم "هيرقليط" كلمة الديالكتيك لدى تعبيره عن تصوره‬
‫للطبيعة‪ ،‬وهو أن كل شيء يتغير ويتطور من حال إلى حال ضمن‬
‫صيرورة ذاتية ل تنقطع‪ .‬ثم استخدم الفيلسوف اللماني هيجل‬
‫"الديالكتيك" كطريقة منطقية لفلسفته ليصل بها إلى أن الكل أو‬
‫المطلق أو الروح الشامل ‪-‬الله‪ -‬هو المبدأ والمنتهى‪ ،‬وأن العالم‬
‫الطبيعي والوعي النساني ليس إل تجسيدا ً لذلك الكل المطلق أو‬
‫الروح الشامل‪.‬‬
‫وأما الديالكتيك عند الشيوعية فمعناه‪ :‬علم القوانين العامة لحركة‬
‫وتطور الطبيعة والمجتمع والفكر النساني‪ ،‬وهو يقوم على أساس‪ :‬أنه‬
‫ل ينبغي النظر إلى العالم باعتباره مجموعة من الشياء الجاهزة‪ ،‬وإنما‬

‫‪ -1‬انظر تهافت الفكر الماركسي ص ‪.44-43‬‬

‫‪336‬‬
‫باعتباره مجموعة من العمليات يطرأ فيها ‪-‬على الشياء التي تبدو ثابتة‬
‫في الظاهر وعلى صورها العقلية في أدمغتنا‪ -‬تغير مستمر من‬
‫الصيرورة والفناء‪ .‬إنها تكشف عن الطابع النتقالي لكل الشياء وفي‬
‫كل الشياء‪ ،‬من الدنى إلى العلى‪.‬‬
‫ن الديالكتيك عند هيجل يتم بين الفكر والروح من جهة وبين‬ ‫إ ّ‬
‫المادة من جهة أخرى‪ ،‬لكن الديالكتيك في تصور الشيوعية يتم بين‬
‫المادة والفكر ضمن المادة ذاتها‪ ،‬دون أي عامل آخر من الفكر أو‬
‫الروح خارج المادة‪ ،‬وذلك هو سر التطور في الكون والحياة والكائنات‪،‬‬
‫وهو تطور يسير في اتجاه دائري نحو الكمال‪.‬‬
‫فالديالكتيك الشيوعي يؤله المادة ويعطيها خصائص اللوهية‪،‬‬
‫وينكر نكرانا ً كامل ً فكرة الله الخالق المبدع للكون وما فيه‪ ،‬ويعتبر‬
‫المادة هي المألوه‪ ،‬والصل الذي انبثقت عنه المشاعر والتصورات‬
‫والفكار والحقائق بما في ذلك الوعي أو الفكر أو الروح‪.‬‬
‫وتقوم الجدلية الشيوعية على قوانين ثلثة هي‪-:‬‬
‫‪-1‬وحدة الضداد والصراع بينها‪.‬‬
‫‪-2‬تحول التغيرات الكمية إلى تغيرات الكيفية‪.‬‬
‫‪-3‬نفي النفي‪.‬‬
‫ومجمل هذه القوانين‪:‬أن كل شيء في الطبيعة أو المجتمع‬
‫يتحرك ويتطور وينتقل في الطبيعة من حالة قديمة سابقة إلى حالة‬
‫جديدة لحقة‪ ،‬بفعل الصراع والتفاعل بين ما تشتمل عليه الشياء من‬
‫الضداد والتناقضات‪ ،‬وبذلك فإن الجديد ينفيه جديد ثالث خلل التطور‪-‬‬
‫وهذا هو نفي النفي‪ -‬وهكذا دواليك‪ :‬تغير وتطور مستمر في الطبيعة‬
‫والمجتمع مصدره وعلته الصراع بين الضداد المتزاحمة الموجودة‬
‫ضمن وحدات المادة‪ ،‬وهو تغير في الكم أول ً ينتهي إلى تغير كيفي‬
‫)‪(1‬‬
‫نوعي‪ ،‬إنه تغير وتطور صاعد من الدنى إلى العلى والرقى‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪ ،29-28‬تهافت الفكممر الماركسممي ص ‪،45‬‬


‫‪ ،53-50‬النظرية الماركسية في الميزان ص ‪ ،17‬م ‪ ،20-19‬مذاهب فكرية معاصممرة‬
‫ص ‪.269‬‬

‫‪337‬‬
‫ثانيًا‪ :‬المادية التاريخية‪:‬‬
‫المادية التاريخية هي محاولة لتفسير التاريخ البشري على‬
‫السس المادية‪ ،‬أي تفسير التغيرات والظواهر السياسية والجتماعية‬
‫التي يمر بها المجتمع البشري عبر العصور والجيال بأسباب مادية‬
‫خارجة عن إرادة النسان‪ ،‬كما جاء في شرح المادية الجدلية‪ .‬أي على‬
‫أساس أن المادة أزلية أبدية‪ ،‬وأنها هي الخالقة لكل الكون وما فيه من‬
‫المخلوقات‪ ،‬وأن النسان نتاج المادة‪ ،‬والفكر نتاج المادة‪ ،‬ووفق قوانين‬
‫المادية الجدلية باعتبار أنها وحدها التي تحكم حياة البشر الجتماعية‪،‬‬
‫فالوضع القتصادي ‪-‬المادي‪ -‬هو الذي يكيف شكل الحياة البشرية في‬
‫كل طور من أطوارها‪ ،‬وهو العامل الوحيد الذي يشكل تطورها من‬
‫طور إلى طور آخر‪ ،‬وإذا كان الوضع المادي والقتصادي في تطور دائم‬
‫فإن ما ينبثق عنه في تطور دائم كذلك‪ ،‬فالفكار والمشاعر‬
‫والمؤسسات والنظم والخلق والعقائد بحكم ارتباطها بالوضاع‬
‫القتصادية وانبثاقها عنها هي كذلك في تطور دائم)‪.(1‬‬
‫والتفسير المادي للتاريخ كما يتناول تفسير التاريخ البشري وتطوراته‬
‫يتناول تفسير الدين والقيم والخلق والمعتقدات‪.‬‬
‫والمادية التاريخية يسميها أنصار الشيوعية هي‪" :‬علم الجتماع‬
‫العلمي"‪ ،‬وتهدف كما زعم ماركس إلى جعل علم الجتماع منسجما ً مع‬
‫الساس المادي‪ ،‬وإعادة بنائه على هذا الساس‪.‬‬
‫ومممما يتقممدم يتممبين أنممه ليممس ثمممة انفصممال بيممن الماديممة الجدليممة‬
‫والتاريخية‪ ،‬وإنما هما تكونان وحدة متماسكة ل انفكاك فيها بيممن حركممة‬
‫الطبيعة وحركة المجتمع‪ ،‬وبتعبير آخر‪ :‬إن المادية التاريخية هممي تطممبيق‬
‫للمادية الجدلية في مجال المجتمع‪.‬‬
‫نقض أوهام المادية الجدلية والمادية التاريخية‪:‬‬
‫ل‪ :‬نقض أوهام المادية الجدلية‪ ،‬ثم ثانيًا‪:‬‬ ‫سنتناول بإيجاز شديد أو ً‬
‫أوهام المادية التاريخية‪.‬‬

‫انظر مذاهب فكرية معاصرة ص ‪ ،281‬تهافت الفكر الماركسي ص ‪.122-121‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪338‬‬
‫ل‪ :‬نقض أوهام المادية الجدلية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫سبق أن بينا أن المادية الجدلية تقوم على قوانين ثلثة هي‪:‬‬
‫وحدة الضداد والصراع بينها‪ ،‬وتحول الكم إلى الكيف‪ ،‬ونفي النفي‪،‬‬
‫وبيّنا أن المادية تستلزم مقولت منها‪ :‬المادة أصل الحياة وأساس‬
‫الكون‪ ،‬والمادة أزلية أبدية‪ ،‬والفكر أو الوعي نتاج المادة‪.‬‬
‫‪ -1‬نقض قانون وحدة الضداد والصراع بينها‪:‬‬
‫تزعم الشيوعية‪" :‬أن مصدر التطور في كل شيء إنما هو أضداد‬
‫موجودة متزاحمة ضمن الشيء الواحد‪ ،‬بل ضمن الوحدة الصغيرة‬
‫المجتزئة من الشيء ‪-‬الذرة‪ ،-‬والعامل المباشر للتطور هو الصراع الذي‬
‫يتم بين هذه الضداد ضمن وحدات المادة مهما تكن ضئيلة أم صغيرة‪،‬‬
‫إن أشياء الطبيعة وظواهرها ‪-‬تحتوي على تناقضات داخلية‪ ،‬فالمادة‬
‫نفسها تحتوي على جانب سلبي وجانب إيجابي وفيها جميعا ً عناصر‬
‫تزول أو تنمو‪ ،‬والصراع بين هذه الضداد‪ :‬بين القديم والحديث‪ ،‬بين ما‬
‫يزول وما ينمو ويتطور هو المحتوى الداخلي لعملية التطور وتحول‬
‫)‪(1‬‬
‫الكمية إلى تغيرات كيفية"‪.‬‬
‫إن هذا القانون يقرر أمرين‪-:‬‬
‫‪ -1‬وجود الضداد في وحدة ذاتية‪ ،‬ضمن المادة وأجزاء المادة‪.‬‬
‫‪ -2‬تصارع هذه الضداد فيما بينها على نحو يسّير المادة نحو نهجها‬
‫الديالكتيكي أي على نحو يجعلها تتطور من كيفية بدائية بسيطة إلى‬
‫)‪(2‬‬
‫قدة‪ ،‬ثم إلى أخرى أشد تعقيدًا‪ ..‬وهكذا‪.‬‬ ‫كيفية أخرى مع ّ‬
‫ولكي نفهم القانون فهما ً جيدًا‪ ،‬ولكي نبين أيضا ً مدى تهافته أمام‬
‫العلم ومسلمات العقل لبد من معرفة المعنى العلمي لكلمتي الضد‬
‫والنقيض‪ ،‬وما المقصود بالضدين والمتناقضين‪.‬‬
‫معنى الضدين‪ :‬الضممدان كممل صممفتين ل تشممتركان فممي أي جممزء مممن‬
‫أجزاء الماهية ‪-‬حقيقة الشيء الذاتية‪ -‬مطلقًا‪ ،‬ومن شروطهما‪-:‬‬
‫‪-1‬عدم الجتماع معا ً في مكان واحد وفي زمن واحد‪ ،‬وتحت ظل وحدة‬

‫‪-1‬أصول الفلسفة الماركسية‪ :‬جورج بوليتزر وآخرون ص ‪.125‬‬


‫‪-2‬انظر نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪.58‬‬

‫‪339‬‬
‫من الموضوع والمحمول‪.‬‬
‫‪-2‬قابلية الرتفاع معًا‪ .‬كالبيض والسود‪ ،‬فالشيء إما أبيض وإممما أسممود‪،‬‬
‫وإما ل أسممود ول أبيممض‪ ،‬كممأن يكممون أزرقما ً أو أحمممرا ً أو غيممر ذلممك مممن‬
‫اللوان‪.‬‬
‫معنى المتناقضين‪ :‬كل صفتين ل تشتركان في أي جزء من أجزاء‬
‫الماهية‬
‫مطلقًا‪ ،‬ومن شروطهما‪-:‬‬
‫‪-1‬عدم الجتماع في مكان واحد وفي زمن واحد‪.‬‬
‫‪-2‬عدم الرتفاع معا ً عن الشيء الواحد‪ .‬مثل‪:‬السالب والموجب‪،‬‬
‫والحركة والسكون‪ ،‬والليل والنهار‪ ،‬والموت والحياة‪ .‬فالشيء إما حي‬
‫وإما ميت‪ ،‬ول يصح أن يكون ل حي ول ميت‪ ،‬أو يكون حيا ً أو ميتا ً في‬
‫آن واحد)‪.(1‬‬
‫إن قانون الضداد والصراع بينهما متهافت من عدة وجوه‪ ،‬نكتفي‬
‫ببيان بعضها‪:‬‬
‫أ‪ -‬إن الدارس للقانون يلحظ مدى جهل أئمة الشيوعية بالمسلمات‬
‫العقلية المنطقية‪ ،‬إنهم يتحدثون عن الضداد وصراعها ثم يخلطون بينها‬
‫ن هناك فرقا ً دقيقا ً بين الضدين‬ ‫ن بيّنا أ ّ‬
‫وبين المتناقضات‪ .‬وقد سبق أ ْ‬
‫والمتناقضين‪ ،‬وهذا الخلط الشيوعي بين المسلمات العقلية ثم بناء‬
‫مذهب عليه يدعي أصحاب العلمية ل يستقيم بحال؟!‬
‫ب‪ -‬إن الضدين والمتناقضين كما يقرر المنطق ومسلمات العقل التي‬
‫ل تقبل المناقشة‪ ،‬ل يمكن أن يجتمعا معا ً في وحدة مكانية مهما تصغر‪،‬‬
‫فكيف يجتمعان في أصغر جزئيات المادة كما يزعم القانون الشيوعي‪،‬‬
‫كما ل يمكن أن يجتمعا في أي آنية زمنية مهما تكن متناهية‪ ،‬فكيف‬
‫اجتمعا معا ً ليتحقق الصراع بينهما؟!‬
‫ج– إننا نقر بوجود الضداد والمتناقضات في الكون‪ ،‬ونسلم بتأثير‬
‫أحدهما على الخر‪ ،‬وهمذا أممر مشاهمد في حياتنما‪ ،‬فالبرودة تتأثمر‬
‫بالحمرارة‪ ،‬والنفجمار بالضغط‪ ،‬والسمالب بالموجب‪ ،‬والجهل‬

‫‪-1‬نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪.57‬‬

‫‪340‬‬
‫بالعملم‪...‬ول نقمر اجتماعهمما معا ً في مكان واحد فمي زممن واحد)‪..(1‬‬
‫ول نقر بأن العلقة بينهما علقة صراع‪ ،‬والصواب أنها علقة تعاون‬
‫وتكامل ليس إل‪ ،‬فالليل يكمل النهار‪ ،‬الول مسكن والثاني معاش‬
‫وحركة‪ ،‬قال تعالى‪) :‬ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه‬
‫والنهار مبصرا ً إن في ذلك ليات لقوم يؤمنون( سورة النمل‪:‬‬
‫‪ ،86‬والسالب والموجب يتعاونان في إكمال الدائرة الكهربائية‪ ،‬ولو‬
‫حدث صراع بينهما لما تصورنا ضوء الكهرباء)‪.(2‬‬
‫د‪ -‬فقول الشيوعية إذن‪ :‬بأن أصغر جزئيات المادة في أضيق وحدات‬
‫الزمان ليس إل ملتقى الضداد المتراكمة المتصارعة‪ ،‬ل يقبله العقل‬
‫الذي يستسلم لقواعد ضبط المعرفة‪.‬‬
‫لقد أثبت العلم أن الذرة خالية من التناقض الباطني‪ ،‬وأن‬
‫الطبيعة في أشكالها عبارة عن ذرات‪ ،‬وإذا ثبت ذلك‪ :‬عرفنا أن الطبيعة‬
‫أو المادة ل تنطوي في باطنها على أضداد أو تناقضات مجتمعة معًا‪ ،‬ول‬
‫يدور خللها صراع‪ ،‬وبذلك لم يعد من الممكن القول بأن حركة المادة‬
‫جدلية‪.‬‬
‫هم– وإذا كانت الشيوعية تتوهم بأن تحول المادة من نوع إلى نوع آخر‬
‫هو نتيجة الصراع‪ ،‬فإن العلم أبطل هذا الوهم‪ ،‬إذ أثبت أن تحول المادة‬
‫إلى تركيبات مختلفة يتم عن طريق اندماج الذرات‪ ،‬ويتطلب ذرتين‬
‫على القل تكون درجة تشبعهما مختلفة لتدمجا‪ ،‬فتصبح الذرتان ذرة‬
‫واحدة من نوع ثالث‪ ..‬ولبد من التأثير الخارجي‪ ،‬أي تأثير ذرة على‬
‫أخرى لتتم عملية التحول‪ ..‬وهذا يخالف نظرية الجدلية التي ترى أن‬
‫التحول يحدث في الباطن الداخلي للمادة‪ .‬لقد نفت الشيوعية التأثير‬
‫الخارجي لتنفي المؤثر‪ ،‬وهو الله عّز وجل الذي خلق كل ذرة وكل مادة‬
‫في هذا الكون)‪.(3‬‬

‫‪ -1‬انظر نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪.59‬‬


‫‪ -2‬انظر المصدر السابق ص ‪.59‬‬
‫‪ -3‬انظر المصدر السابق ص ‪ ،39‬تهافت الفكر الماركسي ‪.98-97‬‬

‫‪341‬‬
‫و‪ -‬أثبت العلم اليوم أن الذرة مركبة‪ ،‬أي ليست أصغر جزئيات المادة‬
‫كما توهم ماركس وإنجلز وغيرهما من أئمة الشيوعية‪ .‬إن الذرة تتكون‬
‫من نواة يحيط بها عدد من اللكترونات تتحرك حولها بسرعة هائلة‪،‬‬
‫والنواة تتكون من بروتونات ونيوترونات وأجسام أخرى‪ ..‬اللكترونات‬
‫كهارب ذات شحنات سالبة‪ ،‬والبروتونات كهارب ذات شحنات موجبة‪،‬‬
‫والنيترون متعادل‪ ،‬وقوامه برتون وإلكترون متعانقان‪.‬‬
‫إن الختلف في الظواهر التي نراها في المادة وتركيبها راجع إلى‬
‫اختلف فمي عدد وترتيمب اللكترون في ذرات تلمك الممواد‪ ،‬فمثم ً‬
‫ل‪ :‬إذا‬
‫كانت الذرة تحتموي علمى إلكترون واحد هي هيدروجين‪ ،‬وإذا كانت‬
‫تحتوي على اثنين فهي هليوم‪ ،‬وإذا كانت تحتوي على ‪ 36‬إلكترون فهي‬
‫حديد‪ ،‬وإذا كانت تحتوي على ‪ 92‬إلكترون فهي يورانيوم‪.‬‬
‫ز‪ -‬أثبت العلم أيضًا‪ :‬أن عدد اللكترونات في أي ذرة يساوي تماما ً عدد‬
‫البروتونات‪ ،‬أي الشحنات السالبة تساوي الشحنات الموجبة‪ ،‬إذا ً ل‬
‫وجود للتناقض الباطني ول وجود للصراع داخل الذرة في كل مادة‪.‬‬
‫وإذا كان يظن أن وجود الشحنتين الكهربائيتين في ذات الشيء إما‬
‫أن تتنافرا إذا كانتا من نوع واحد ‪-‬سالبتان مثل ً أو موجبتان‪ -‬وإما أن‬
‫تتجاذبا إذا كانتا مختلفتين‪ ،‬فالسالب نقيض الموجب‪ ،‬فإن هذا الظن قد‬
‫أبطله العلم‪ ،‬الذي أثبت أن هناك مسافة يبطل عندها هذا القانون‪ ،‬وهي‬
‫جزء من ثلثين مليون جزء من السنتيمتر‪ ،‬أي يعادل⅛ قطر أكبر ذرة‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وبذلك ثبت أنه ليس داخل الذرة جذب ول تنافر‪ ،‬أي ل تناقض‪.‬‬
‫‪ -2‬نقض قانون تحول الكم إلى كيف‪:‬‬
‫الكم‪ :‬هو الظواهر التي تحدد بالوزن أو العدد أو الحجم أو‬
‫القياس‪ ..‬وهو ينقسم إلى كم متصل‪ :‬وهو ما يحدد بالحجم وأحيانا ً‬
‫بالوزن‪ ..‬وإلى كم منفصل‪ :‬وهو ما يحدد بالعدد وأحيانا ً بالوزن‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر مستقبل الحضارة بين العلمانية الشيوعية والسلم ص ‪.38‬‬

‫‪342‬‬
‫الكيف‪ :‬هو السمات الجوهرية للشيء‪ ،‬التي ل تخضع لضوابط‬
‫العدد والحجم والوزن‪ ،‬مثل الصلبة والليونية‪ ،‬والحرارة والبرودة‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫والقوة والضعف‪ ،‬والبقاء والزوال‪.‬‬
‫تزعم الشيوعية‪" :‬أن التغيرات التي تطرأ على كمية الشيء تؤثر‬
‫أخيرا ً في تغّير كيفياته‪ ،‬فالحجارة التي تتراكم شيئا ً فشيئا ً في مجرى‬
‫النهر تتحول عند حد معين من تطورها الكمي إلى كيفية جديدة لم تكن‬
‫من قبل‪ ،‬إذ إنك تنظر فترى ركام الحجارة وقد أصبح سدًا‪ ،‬والتغير في‬
‫الكيفية ل يتحقق بالتدرج تبعا ً لما يتم من التدرج في تغير الكمية‪ ،‬وإنما‬
‫يكون تغّير الكمية بمثابة التهيؤ والعداد لولدة كيفية جديدة منتظرة‪،‬‬
‫حتى إذا جاءت اللحظة الحاسمة تم التغير الكيفي فجأة وبقفزة‪ ،‬إل أن‬
‫)‪(2‬‬
‫شكل هذه القفزة تختلف ما بين حالة وأخرى"‪.‬‬
‫يقول ستالين‪":‬إن الحركة وعملية النمو في المفهوم الجدلي تعني‬
‫النتقال من التحولت الكمية الضئيلة الكامنة إلى تحولت ظاهرة‬
‫أساسية‪ ،‬هي التحولت الكيفية‪ ..‬وليست هذه التحولت تدريجية بل هي‬
‫تحولت سريعة مباغتة‪ ،‬تحدث بواسطة قفزات من حالة إلى أخرى‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وهي تحولت ضرورية لنها ثمرة تحولت كمية تدريجية ل نشعر بها"‪.‬‬
‫ولبيان تهافت هذا القانون الحتمي نذكر ما يلي‪-:‬‬
‫أ‪-‬إّنا نسّلم بأن الكم إذا كان متصل ً يتحول إلى كيف‪ ،‬ولكن ليممس قانون ما ً‬
‫حتميًا‪ ،‬كما زعمممت الشمميوعية‪ ،‬فممتراكم الحجممارة فممي مجممرى النهممر قممد‬
‫تتحول إلى سد إذا اتحدت في كتلة واحدة‪ ،‬ولكنها قممد تقممف عنممد حممدود‬
‫ول فيها‪.‬‬‫كيفيات بسيطة ل تح ّ‬
‫ومن المعلوم أن سائر التحولت الكيميائية‪ ،‬والقوانين الهندسية‪،‬‬
‫والطاقات الحياتية‪ ،‬إنما تخضع لقانون ملزمة الكيف للكم‪ ،‬ولكن‬
‫ما بذاته‪ ،‬أو عن طريق الصهر والتأليف‪.‬‬ ‫بشرط أن يكون الكم متصل ً إ ّ‬

‫‪ -2‬انظر ضوابط المعرفة وأصول الستدلل والمناظرة ص ‪.341-340‬‬


‫‪ -2‬نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪.35‬‬
‫‪ -3‬المادية الديالكتيكية والتاريخية‪ :‬ستالين ص ‪.5‬‬

‫‪343‬‬
‫ب‪ -‬ول نسّلم بأن الكم المنفصل حتما ً يجب أن يتحول إلى كيف‪ ،‬فالماء‬
‫الذي يتحول بخارا ً فوق سطح البحار وتحمله السحب‪ ،‬ليس حتما ً أن‬
‫تحوله السحب بقفزة إلى ماء هاطل ما دام الجو يبث كمية حرارة تتفق‬
‫ول إلى ماء إذا‬ ‫واحتفاظ السحب بأبخرتها‪ ،‬غير أنها سرعان ما تتح ّ‬
‫هبطت درجة الحرارة فيها إلى مستوى يسمح لها بأن ُتحيل تلك البخرة‬
‫)‪(1‬‬
‫إلى أمطار هاطلة‪.‬‬
‫ج‪ -‬إن القفزة التي يتحدث عنها القانون على أنها السبب في التحول‬
‫من حالة إلى حالة أخرى‪ ،‬ليست حتما ً أن تتجه دائما ً إلى أعلى وأرقى‬
‫أي إلى الفضل والتم والكثر فائدة وتعقيدا ً كما يزعم أئمة الماركسية‪،‬‬
‫بل المر عائد إلى السبب الدافع الذي يقتضي ذلك‪ .‬فربما جاءت‬
‫القفزة إلى المام‪ ،‬وربما كانت القفزة إلى الخلف‪ ،‬فمثل ً طاقة النور‬
‫أغنى من طاقة الحرارة كما همو معلوم‪ ،‬ومن السهل أن تتحول ألف‬
‫وحدة من طاقمة النمور إلى ألف وحدة حرارية‪ ،‬وخليا الجسم تتجدد‬
‫باستمرار‪ ،‬ولكن ضمن خط عام يتجه بمجموعه نحو الركود والنسحاق‪،‬‬
‫وباختصار شديد‪ :‬إن العلم يؤكد بأن الخط البياني في سير الطبيعة‬
‫عمومًا‪ ،‬إنما هو خط منحدر إلى الدنى‪ ،‬وليس متصاعدا ً في جملته إلى‬
‫)‪(2‬‬
‫العلى‪.‬‬
‫د‪ -‬إن المثلة التي ذكرها أئمة الشيوعية للدللة على تحول الكم إلى‬
‫كيف‪ ،‬حجة عليهم ل لهم‪ ..‬وبيان ذلك‪-:‬‬
‫المثال الول‪:‬‬
‫يقول إنجلز‪" :‬الكسجين إذا اتحدت ثلث ذرات منه بدل ً من ذرتين‬
‫لتكوين جزيء نحصل على الوزون‪ ،‬وهو جسم يختلف عن الكسجين‬
‫ً )‪(3‬‬
‫العادي برائحته وتأثيره‪ ،‬أي يختلف عنه نوعا ً وكيفا"‪.‬‬
‫نقض المثال‪:‬‬

‫‪ -1‬انظر نقض أوهام المادية الجدلية للبوطي ص ‪.71‬‬


‫‪ -2‬نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪.77 ،73‬‬
‫‪ -3‬أصول الفلسفة الماركسية ص ‪.103‬‬

‫‪344‬‬
‫ن تصور المادية الجدلية للفرق بين الكسجين والوزون بأنه مجرد‬ ‫إ ّ‬
‫فرق رقمي كمي هو خطأ علمي فادح‪ ،‬فأي طالب مبتدئ في علم‬
‫الكيمياء يعرف‪ :‬أن الفرق بين الكسجين والوزون ليس مجرد فرق‬
‫عددي في الذرات‪ ،‬وإنما هو فرق في التوليف والتشكيل والنظم‬
‫والترتيب داخل الجزيء‪ ،‬وهذه كلها أمور كيفية‪ ،‬أي هناك أسباب أخرى‬
‫)‪(1‬‬
‫تدخلت في عملية التحول‪.‬‬
‫المثال الثاني‪:‬‬
‫يقول الشيوعيون‪" :‬الماء بواسطة الحرارة يتحول من حالة‬
‫السيولة إلى حالة الغازية‪ ،‬على أن تغير الحرارة التدريجي بالرتفاع في‬
‫درجتها هو تغير كمي‪ ،‬أي أن كمية الحرارة التي يحتوي عليها الماء‬
‫تزداد‪ ،‬وأن تحول الماء من حالة السيولة إلى حالة الغازية عندما تبلغ‬
‫حرارته درجة الغليان يعتبر تحول ً كيفيا ً نوعيًا")‪.(2‬‬
‫نقض المثال‪:‬‬
‫‪-1‬الماء كم من الكموم‪ ،‬وله كيفيات مختلفة‪ ،‬منها السيولة ومنها‬
‫الغازية‪ ،‬ففي المثال‪ :‬تحولت بالتسخين كيفية الماء السيولة إلى كيفية‬
‫جديدة هي الغازية )بخار الماء(‪.‬‬
‫‪-2‬إن الحرارة ليست كمًا‪ ،‬وإنما هي إحدى كيفيات الطاقة‪ ،‬فليس الكم‬
‫هو الذي تحول إلى كيف كما تزعم الشيوعية‪ ،‬لن الحرارة في ذاتها‬
‫ول إلى كيف آخر‪ ،‬أي حركة تؤدي إلى‬ ‫هي كيفية‪ ،‬أي إننا أمام كيف تح ّ‬
‫حركة‪ ،‬فالحرارة في تعريفها النهائي هي حركة‪.‬‬
‫‪ -3‬إن ماهية الحرارة في ذاتها مجهولة‪ ،‬ول نملك عنها إل الفروض‪ ،‬وما‬
‫تحدثه الحرارة في جزئيات الماء ل نعرف عنه إل مجموعة فروض‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪ -4‬إنه من المغالطة القول بأن تراكم الكميات التي تتمثل في تزايد‬
‫درجات الحرارة هو الذي وّلد بمجموعة القفزة "حالة التبخر"‪ ،‬إن الذي‬
‫أوجد القفزة هو غليان الماء‪ ،‬والغليان سبب جديد ظهر بعد أن لم يكن‬

‫‪-1‬انظر تهافت الفكر الماركسي ص ‪.95-94‬‬


‫‪-2‬أصول الفلسفية الماركسية ص ‪.97-96‬‬

‫‪345‬‬
‫بقطع النظر عن عوامله‪ ،‬وغليان الماء بحد ذاته كيفية‪ ،‬وليس مجموعه‬
‫سدها مجموعة الدرجات العتبارية لحرارة الماء‪،‬‬ ‫كموم متراكمة تج ّ‬
‫وتعداد الدرجات الحرارية ليس إل مقياسا ً اعتباريا ً تضبط به الكيفيات‬
‫)‪(1‬‬
‫المتدرجة‪.‬‬
‫‪ -3‬نقض قانون نفي النفي‪:‬‬
‫إن نفي النفي عند الشيوعيين‪ :‬هو العملية المتكررة المتجددة‬
‫وهلك القديم‪ ،‬أو هو هلك الظواهر التي مضى زمانها لتؤول إلى‬
‫حطام‪ ،‬ثم تحل محلها ظواهر جديدة‪ ،‬وكل ظاهرة تمر بطور الجدة ثم‬
‫الهرم والبلى لتقوم مكانها ظاهرة جديدة أعلى وأرقى‪ ،‬حتى إن‬
‫الظاهرة الجديدة تصبح فيما بعد قديمة بالية يجري نفيها من قبل‬
‫ظاهرة أقوى وأكثر جدة وعطاًء‪ ،‬وهذه العملية تمر في الطبيعة‬
‫والمجتمع)‪ .(2‬وهذا القانون يمتاز ‪-‬فيما تراه الماركسية‪ -‬بما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬الستمرار الذي ل توّقف له‪ ،‬فهو دستور التطور الدائم‪ ،‬ورمز الج ّ‬
‫دة‬
‫الناسخة لكل قديم‪ ،‬فما من كيفية إل وهي تحمل في باطنها بذور‬
‫نسخها بما هو أتم وأفضل‪ ،‬عندما تحين اللحظة الطبيعية المناسبة‪.‬‬
‫‪ -2‬ليس معنى نسخ القديم أو نفيه من قبل الظاهرة أو الكيفية‬
‫الجديدة‪ ،‬القضاء على عناصره كلها‪ ،‬بل هو نفي من شأنه الحتفاظ‬
‫بأفضل خصائص القديم مع إضافة جديد إليه يطوره ويرقيه‪.‬‬
‫‪ -3‬إن عملية نفي النفي ل تسير سيرا ً ميكانيكيا ً مستقيمًا‪ ،‬بل تسير‬
‫بشكل دائري لولبي متصاعد مستمر‪ ،‬بحيث يرتد نفي النفي إلى‬
‫)‪(3‬‬
‫أطروحته الولى بشكل أغنى وأفضل وأرقى‪.‬‬
‫نقض القانون‪:‬‬
‫ن قانون نفي النفي المزعوم ل يقوم على أساس سليم من العلم‬ ‫إ ّ‬
‫والحس والواقعية‪ ،‬إنه قانون تنفيه حقائق الملحظة والتجربة والواقع‬

‫‪ -1‬انظر نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪ ،72‬تهافت الفكر الماركسي ص ‪.94‬‬


‫‪ -2‬النظريممة الماركسممية فممي ميممزان السمملم ص ‪ ،42-41‬وانظممر تهممافت الفكممر‬
‫الماركسي ص ‪.56‬‬
‫‪ -3‬نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪.74 ،37‬‬

‫‪346‬‬
‫التي تثبت أن خط الطبيعة في سيرها عمومًا‪ ،‬إنما هو خط منحدر إلى‬
‫الدنى‪ ،‬وليس متصاعدا ً في جملته إلى العلى وفي بعض الظواهر‬
‫الطبيعية وخاصة في عالم النبات نرى أن التصاعد ليس إلى أعلى‪ ،‬بل‬
‫يرتد الشيء في عملية التطور والتصاعد إلى أصله دون إضافة جدية أو‬
‫الحصول على تركيب أغنى وأفضل من ذي قبل‪.‬‬
‫ونذكر هنا بعض المثلة التي تبين المغالطة التي يقوم‬
‫عليها قانون نفي النفي‪.‬‬
‫المثال الول‪ :‬من عالم الطبيعة‪:‬‬
‫من المعلوم عند علماء الطبيعة والفلك‪ ،‬أن مادة الكون الصلدة‬
‫ولها إلى إشعاع‪ .‬ومن المعلوم أن‬ ‫آخذة في النحلل والتلشي أثناء تح ّ‬
‫وزن الشمس كان يزيد على ما هي عليه اليوم بآلف الطنان‪ ،‬وإذا‬
‫كانت الشمس هي التي تمد هذه الطبيعة بمعظم عوامل التماسك‬
‫والحياة‪ ،‬فمعنى ذلك‪ :‬أن الطبيعة عموما ً تسير في منحدر إلى الدنى‪،‬‬
‫ول تسير في خط تصاعدي إلى العلى والفضل‪ ،‬كما تزعم‬
‫الشيوعية)‪.(1‬‬
‫المثال الثاني‪ :‬في عالم النسان‪:‬‬
‫إن الخلية هي وحدة التركيب في جسم النسان‪ ،‬ول يفتأ نسيج‬
‫الخليا أن يقوم بوظيفته‪ ،‬أي يظل يتأثر بعملية الفناء والتجديد‪ ،‬ففيه‬
‫عناصر تزول وعناصر تنمو وتتجدد‪ ،‬وتستمر عملية التجديد فيه‪ ،‬إلى‬
‫أجل محدود‪ ،‬حيث تتقاصر أجهزة الجسم كلها عن أداء وظيفتها‪،‬‬
‫فتتناقص الحرارة في الجسم‪ ،‬وتعجز أجهزته عن استخراج الحرارة‬
‫اللزمة للجسد والخليا‪ ،‬وإذا ما انتهى كل شيء فيمه عن أداء وظيفته‬
‫التي كان مستمرا ً عليها ممن قبل‪ ،‬تحقق الموت الذي ل مهرب منه‪.‬‬
‫فأين نفي النفي هنا‪ ،‬وأين التصاعد المستمر إلى العلى والفضل كما‬
‫)‪(2‬‬
‫يزعم نظام الديالكتيك الشيوعي‪.‬‬
‫المثال الثالث‪ :‬في عالم المواد المشعة‪:‬‬

‫‪ -1‬انظر المصدر السابق ص ‪.77‬‬


‫‪ -2‬المصدر السابق ص ‪ ،77‬النظرية الماركسية في ميزان السلم ص ‪.43‬‬

‫‪347‬‬
‫من المعلوم أن ذرات الراديوم وغيره من المواد المشعة تتفكك‬
‫بمرور الزمن عليها‪ ،‬عن طريق إشعاعات نووية‪ ،‬وتتحول إلى ذرات من‬
‫الرصاص أو الهليوم‪ ،‬وما رأينا أن الرصاص والهليوم قد عاد كل منهما‬
‫فتحول ذات يوم ‪-‬ولو في ذرة واحدة منه‪ -‬إلى الراديوم ذاته الذي‬
‫انحدر منه‪ ،‬أي لم يعد تصاعديا ً بتركيب جديد أفضل وأغنى‪ ،‬فالراديوم‬
‫)‪(1‬‬
‫أحسن وأفضل جودة وقيمة من الرصاص‪.‬‬
‫المثال الرابع‪ :‬في عالم النبات‪:‬‬
‫إن المثمال المفضمل فمي نفمي النفمي عنمد إممام الماركسمية إنجلمز‬
‫وغيره من أئمة المادية الجدلية‪ :‬هو مثال حبة الحنطة أو حبة الشعير‪.‬‬
‫يقول إنجلز‪ :‬إذا ما صادفت مثل هذه الحبة من الشعير شروطا ً هي‬
‫طبيعية بالنسبة إليه‪ ،‬إذا ما سقطت في تربة مناسبة‪ ،‬فإنها تجتاز إذن‬
‫تحت تأثير الحرارة والرطوبة تحول ً نوعيًا‪ ،‬فتنتشي‪ ،‬وعندئذ فإن الحبة‬
‫بحد ّ ذاتها تكف عن الوجود‪ ،‬إنها ُتنفى‪ ،‬وتظهر في مكانها النبتة التي‬
‫نشأت عنها‪ ،‬وهي نفي الحبة‪ ،‬ثم تنمو النبتة وتزدهر وتلقح‪ ،‬وأخيرا ً تنتج‬
‫من جديد حبوب الشعير‪ ،‬ل تكاد هذه الحبوب تنضج حتى تموت الساق‪،‬‬
‫فهي تنفي بدورها‪ ،‬لنحصل من جديد بنتيجة هذا النفي للنفي على حبة‬
‫الشعير الصلية من جديد‪ ،‬لكن ل نحصل عليها وحدها‪ ،‬بل مضاعفة‬
‫عشرات المرات)‪.(2‬‬
‫المناقشة‪-:‬‬
‫ن إنجلز وأصحابه الماركسيين ل يستطيعون تطبيق قانون‬ ‫إ ّ‬
‫الديالكتيك في هذا المثال‪ ،‬لن حبة الشعير ‪-‬حسب قانون نفي النفي‪-‬‬
‫الجديدة لبد أن تكون من نوعيمة أجود وأفضل‪ ،‬وأغنى تركيبًا‪ ،‬لن‬
‫التحول متصاعدا ً في جملته إلى العلى‪ .‬إن حبات الشعير والحنطة‬
‫والرز ونحوها‪ :‬هي منذ أقدم الزمان إلى اليوم‪ ،‬ولم تحقق عمليات‬
‫الزرع المتلحقة لها إل رجوعا ً دائريا ً إلى أصلها ذاته‪ ،‬لم تتحول إلى‬
‫تركيب جديد أغنى من ذي قبل‪.‬‬

‫‪ -1‬المصدرين السابقين‪ ،‬الول ص ‪ ،78‬والثاني ص ‪.44‬‬


‫انظر نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪.78-77‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪348‬‬
‫وما يقال عن الشعير والقمح ينطبق بذاته على كل أصناف النبات‬
‫)‪(1‬‬
‫والشجار المثمرة‪.‬‬
‫تلك فقط أمثلة من جملة المثلة الكثيرة جدا ً التي تقطع من الدلة‬
‫والبراهين على تهافت القانون الشيوعي‪ ،‬وعدم صدق المقولت التي‬
‫يتبناها الشيوعيون‪ ،‬والتي يتصورون بموجبها تقلب الشياء والكائنات‬
‫في سلم الرقي من مرحلة لخرى إلى أن تبلغ أعلى درجة في الرقي‬
‫)‪(2‬‬
‫والكتمال‪.‬‬

‫نقض المقولت الشيوعية‪ :‬نتناول هنا أهم المقولت فقط‪.‬‬


‫المقولة الولى‪ :‬المادة أصل الحياة وأساس الوجود‪:‬‬
‫‪ -‬إن هذه المقولة دعوى مجردة ل تستند إلى أي برهان علمي‪ ،‬إنها‬
‫مخالفة للعقل والعلم معًا‪ ،‬وبيان ذلك من خلل تهافت برهان الدعوى‬
‫الوحيد الذي يقدمه أئمة الماركسية وهو‪ :‬أن الحياة تنشأ عن الحرارة‪،‬‬
‫والحرارة تنشأ عن الحركة‪ ،‬أي الحركة زائد الحرارة = الحياة)‪.(3‬‬
‫أ‪ -‬إن الحرارة والحركة هما من خصائص وصفات الحياة‪ ،‬وصفات‬
‫الشيء وخصائصه ليست هي ذاته‪ ،‬فالماء مثل ً في حالة الغليان يتصف‬
‫بالحرارة والحركة‪ ،‬ومن المعلوم أن جوهر الماء وحقيقته شيء آخر غير‬
‫الحركة والحرارة‪.‬‬
‫ب‪ -‬إن الحركة والحرارة‪ ،‬وكل ما يعد ّ من العناصر الساسية للحياة من‬
‫اليدروجين والكربمون والوزون والكسجين والفسمفور والكبريت‬
‫ونحوها ل يمكن أن تتكون الحياة ممن مجموعهما على شمكل معيمن‪ ،‬إن‬
‫الحيماة تتخمذ من همذه العناصمر مظهرا ً لهما‪ ،‬تمماما ً كالضمياء الساطع‬

‫نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪.81-79‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬انظر أمثلة أخرى المصدر السممابق ص ‪ ،85-77‬النظريممة الماركسممية فممي ميممزان‬


‫السلم ص ‪.45-43‬‬
‫‪ -3‬المادية والمذهب التجريبي النقدي ص ‪ 24‬نقل ً عن نقض أوهممام الماديممة الجدليممة‬
‫للبوطي ص ‪.98‬‬

‫‪349‬‬
‫على صفحة الجدار‪ ،‬وكصورة النسان في المرآة إنها مظهر له ليس‬
‫غير ذلك وليست ذاته)‪.(1‬‬
‫ج‪ -‬وإذا سألت ما هو أصل الحياة وما سّرها ؟ فإن الجواب ندعه للعلم‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ول يمكن أن يصل إليه‬ ‫الذي قرر أن سّر الحياة وأمرها ل يزال مجهو ً‬
‫العلم يوما ً ما‪ ،‬وهذا السر أبعد من أن يكون مجرد بناء نواة عضوية‬
‫معينة وظواهر طبيعية وكيميائية خاصة‪.‬‬
‫د‪ -‬لقد اجتمع ستة من أئمة علماء الحياة في كل من الشرق والغرب‬
‫سنة ‪1959‬م في مدينة نيويورك على مائدة مستديرة‪ ،‬للتعاون في‬
‫سبيل فهم شيء عن أصل الحياة ونشأتها على ظهر هذه الرض‪ ،‬أو‬
‫معرفة مدى إمكان إيجاد الحياة عن طريق التفاعل الكيميائي‪ ،‬وكان‬
‫فيهم أستاذ الكيمياء الحيوية بأكاديمية العلوم السوفيتية "ألكسندر‬
‫إيفانوفيتش أوبارين"‪.‬‬
‫لقد قرر المؤتمرون في نهاية بحوثهم بالجماع‪ :‬أن أمر الحياة ل‬
‫)‪(2‬‬
‫ل‪ ،‬ول مطمع في أن يصل إليه العلم يوما ً ما‪.‬‬ ‫يزال مجهو ً‬
‫‪ -‬وفي نفس العام ‪1959‬م تناقلت وكالت النباء العالمية‪ ،‬ومنهمما وكالممة‬
‫النباء السوفيتية "تاس" ما يلي‪:‬‬
‫ن ألكسندر أوبارين رئيس معهد الكيمياء الحيوية في روسيا بعد‬ ‫إ ّ‬
‫أن ظل يبحث سبعة وثلثين عاما ً في أصل الحياة‪ ،‬وفي البحث عما إذا‬
‫كان من الممكن إيجاد الخلية الولى عن طريق تفاعل كيميائي‪ ،‬أعلن‬
‫ما يلي‪" :‬إن الحياة ل يمكن أن تبدأ من العدم‪ ،‬أو أن تتوالد من التفاعل‬
‫الكيميائي والتوالد الذاتي‪ ،‬وأن العلم ل يمكن أن يخوض فيما وراء‬
‫)‪(3‬‬
‫حدود المادة"‪.‬‬
‫نقول لئمة الشيوعية إذا كان العلم ‪-‬كما قرر العلماء‬
‫المختصون‪ -‬لم يعرف سر الحياة وأصلها‪ ،‬ولن يكون في مقدوره في‬
‫يوم من اليام أن يعرف‪ ،‬فكيف عرفوا هم؟! إذا لم يكن العلم قد دلهم‬

‫‪ -1‬انظر نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪.99‬‬


‫‪ -2‬المصدر السابق ص ‪ ،98‬تهافت الفكر الماركسي ص ‪.92‬‬
‫‪ -3‬تهافت الفكر الماركسي ص ‪ ،92‬كبرى اليقينيات الكونية للبوطي ص ‪.82‬‬

‫‪350‬‬
‫على ذلك أليس من حقنا بأن نحكم بأن الجهمل والتخبط والوهم همو‬
‫الذي أرشدهم إلى هذا الضلل والضياع‪ ،‬وأن استنادهم إلى العلم هو‬
‫عمل يتسم بالكذب والدجل لترويج العتقادات اللحادية‪.‬‬
‫ح أن المادة هي أصل الحياة وينبوع الروح‪ ،‬لقضى العقل‬ ‫د ‪ -‬إنه لو ص ّ‬
‫أن النسان أسبق إلى فهمم المروح وعناصرها من فهم المادة وذراتها‬
‫وجزئياتها وكهاربها‪ ،‬لن العقل يحكمم بأن الذي أدرك الصل للشيء‬
‫وحقيقته "المادة" لبد أن يدرك ثمرته وفروعه "الروح" وبجهد أقل‪...‬‬
‫لن إدراك الفرع أيسر على النسان من إدراك الصل‪ ،‬فالذي أدرك‬
‫ل أجزائها ودخائلها يسهل‬ ‫ذات الشجرة في جذورها وطبيعتها وحّلل ك ّ‬
‫عليه إدراك الثمر في أعلى إذا رآه‪ ،‬والذي ل يفهم الثمار مع أنه فهم‬
‫أصله وذاته فليس هو من العقلء‪ ..‬وإذا كان النسان اليوم ل يفهم شيئا ً‬
‫ل ذلك على أن الروح ليست هي‬ ‫عن أصل الحياة ‪-‬كما قرر العلم‪ -‬د ّ‬
‫الفرع والثمرة للمادة كما تزعم الشيوعية‪ ،‬بل إن المادة هي من‬
‫ثمرات وفروع الروح)‪ .(1‬وصدق الله تعالى إذ يقول‪):‬يسألونك عن الروح‬
‫ل( سورة السراء‪:‬‬ ‫قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إل قلي ً‬
‫‪.85‬‬
‫ولقد صدق "رسل تشارلز آرنست" عالم الحياء والنبات اللماني‬
‫سر كيف بدأت الخلية الحية حركتها‪،‬‬ ‫عندما قال‪ :‬يستحيل علينا أن نف ّ‬
‫وكيف اتخذت صورتها إل إذا سلمنا عن طريق العقل والمنطق أن وراء‬
‫)‪(2‬‬
‫ذلك قوة الله وحكمته وتدبيره‪.‬‬

‫المقولة الثانية‪ :‬المادة أزلية أبدية‪ ،‬والكون ليس له بداية ول‬


‫نهاية‪:‬‬
‫‪ -‬إن هممذه المقولممة متهافتممة علميمما ً كغيرهمما مممن المقممولت والقمموانين‬
‫الشيوعية‪ ،‬إنها جميعا ً فروض فلسفية ألبسها أئمة الشيوعية ثوب العلممم‬
‫بهدف ترويجها‪ ،‬وإشاعة اللحاد المترتب عليها‪ ،‬إن العلم يكممذب دعمماوى‬

‫‪ -1‬انظر نقض أوهام المادية الجدلية ص ‪.100-99‬‬


‫‪ -2‬انظر تهافت الفكر الماركسي ص ‪.92-90‬‬

‫‪351‬‬
‫الشيوعية‪ ،‬وبيان ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬لقد قرر العلماء أن الطاقة تتلشى في يوم ما‪ ،‬وإذا كانت المادة‬
‫وعاء للطاقة‪ ،‬فمعنى ذلك أن مصير المادة إلى التلشي أي التفكك‬
‫والضياع‪ ،‬إن الشمس أهم مصدر للطاقة كما قرر العلم‪ -‬فقدت آلف‬
‫الطنان من وزنها‪ ،‬وهي ماضية في هذا الفقد والضياع‪ ..‬إنه إذا صادف‬
‫شعاع الشمس الرض‪ ،‬فإن ذرات الرض تأخذ حرارته‪ ،‬وتصبح الرض‬
‫مشحونة بالطاقة الحرارية‪ ،‬وإذا لم يصادف الشعاع مادة‪ ،‬فإنه لم يقل‬
‫أحد حتى اليوم أنه سيتحول بنفسه إلى ذرة مادية‪.‬‬
‫‪ -2‬أعلن العلماء‪ :‬أن قوانين الديناميكا الحرارية قد أخذت تدلهم على‬
‫أن لهذا الكون بداية‪ ،‬ولبمد لمه ممن مبدئ من صمفاته العقمل والرادة‬
‫واللنهايمة‪ ،‬ويجب أن تخالمف طبيعتمه طبيعة المادة التي تتكون من‬
‫ذرات تتآلف بدورها من شحنات أو طاقات‪ ،‬ل يمكن بحال بحكم العلم‬
‫)‪(1‬‬
‫أن تكون أبدية أزلية‪.‬‬
‫‪ -3‬يقول أستاذ العلوم الطبيعية في جامعة ميتشيجان المريكية‪:‬‬
‫"إيرفنج وليام نوبلوتشي"‪" :‬فعلم الفلك مثل ً يشير إلى أن لهذا الكون‬
‫بداية قديمة‪ ،‬وأن الكون يسير إلى نهاية محتومة‪ ،‬وليس مما يتفق مع‬
‫العلم أن نعتقد أن هذا الكون أزلي ليس له بداية‪ ،‬أو أبدي ليس له‬
‫)‪(2‬‬
‫نهاية‪ ،‬فهو قائم على أساس التغيير‪."..‬‬
‫‪ -4‬ومن الدلة العلمية على عدم أزلية الكون ما يعرف بم "قانون‬
‫الطاقة المتاحة" الذي أشار إليه عدد من العلماء‪:‬‬
‫‪ -‬يقول الستاذ الحجة في علم الحياة‪:‬إدوارد لو ثركيسيل‪":‬إن العلوم‬
‫تثبت بكل وضوح أن هذا الكون ل يمكن أن يكون أزليًا‪ ،‬فهناك انتقال‬
‫حراري مستمر من الجسام الحارة إلى الجسام الباردة‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫يحدث العكس بقوة ذاتية‪ ،‬بحيث تعود الحرارة فترتد من الجسام‬
‫الباردة إلى الجسام الحارة‪ ،‬ومعنى ذلك‪ ،‬أن الكون يتجه إلى درجة‬

‫‪ -1‬انظر الله يتجلى في عصر العلم لمجموعة من المؤلفين ترجمة د‪.‬الدمرداش عبد‬
‫المجيد سرحان ص ‪ ،51‬قضايا العصر في ضوء السلم أنور الجندي ص ‪.39‬‬
‫‪ -2‬الله يتجلى في عصر العلم ص ‪.53‬‬

‫‪352‬‬
‫تتساوى فيها حرارة جميع الجسام‪ ،‬وينضب فيها معين الطاقة‪ ،‬ويومئذ‬
‫لن تكون هناك عمليات كيماوية أو طبيعية‪ ،‬ولن يكون هناك أثر للحياة‬
‫نفسها في هذا الكون‪.‬‬
‫ولما كانت الحياة ل تزال قائمة‪ ،‬ول تزال العمليات الكيميائية أو‬
‫الطبيعية تسير في طريقها فإننا نستطيع أن نستنتج أن هذا الكون ل‬
‫يمكن أن يكون أزليًا‪ ،‬وإل استهلكت طاقته منذ زمن بعيد‪ ،‬وتوقف كل‬
‫نشاط في الوجود‪.‬‬
‫ويضيف هذا العالم فيقول‪" :‬وهكذا أثبتت البحوث العلمية ‪-‬دون قصد‪-‬‬
‫أن لهذا الكون بداية‪ ،‬فأثبتت تلقائيا ً وجود الله‪ ،‬لن كل شيء ذي بداية‬
‫ل يمكن أن يبتدئ بذاته‪ ،‬ولبد له من مبدئ‪ ،‬أو من محرك أول‪ ،‬أو من‬
‫)‪(1‬‬
‫خالق‪ ،‬هو الله"‪.‬‬
‫‪ -5‬ويقول‪:‬جون كليفلند كوثران من علماء الكيمياء والرياضة‬
‫المريكان‪" :‬وتدلنا الكيمياء على أن بعض المواد في سبيل الزوال أو‬
‫الفناء‪ ،‬ولكن بعضها يسير نحو الفناء بسرعة كبيرة‪ ،‬والخر بسرعة‬
‫ضئيلة‪ ،‬وعلى ذلك فإن المادة ليست أبدية‪ ،‬ومعنى ذلك أيضا ً أنها ليست‬
‫أزلية‪ ،‬إذ أن لها بداية‪ .‬وتدل الشواهد من الكيمياء وغيرها من العلوم‬
‫على أن بداية المادة لم تكن بطيئة أو تدريجية‪ ،‬بل وجدت بصورة‬
‫فجائية‪ ،‬وتستطيع العلوم أن تحدد لنا الوقت الذي نشأت فيه هذه‬
‫المواد‪ ،‬وعلى ذلك فإن هذا العالم المادي لبد أن يكون مخلوقًا‪ ،‬وهو‬
‫منذ أن خلق يخضع لقوانين كونية محدودة‪ ،‬ليس لعنصر المصادفة بينها‬
‫)‪(2‬‬
‫مكان"‪.‬‬

‫المقولة الثالثة‪ :‬الوعي وظيفة الدماغ‪:‬‬


‫يزعم أئمة الماركسية أن الوعي من ثمرات لمادة‪ ،‬ولكنه ليس‬
‫من ثمرات المادة أيا ً كانت‪ ،‬بل هي ثمرة لمادة عالية التنظيم هي‬
‫الدماغ‪.‬‬

‫المصدر السابق ص ‪ ،27‬السلم يتحدى وحيد الدين خان ص ‪.50‬‬ ‫‪1‬‬

‫الله يتجلى في عصر العلم ص ‪.25‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪353‬‬
‫ن الشيوعية إذ تقوم ذلك لم تقدم أي دليل علمي تسنده‪ ،‬وكل ما‬ ‫إ ّ‬
‫استندوا إليه هو دعواهم بأن المادة هي كل ما في الوجود‪،‬وهي أصل‬
‫كل شيء‪ .‬ومن المعلوم أن كل دعوى بل دليل علمي تعتبر باطلة‪ ،‬بل‬
‫هي أقرب إلى الوهم أو الخيال منه إلى الظن فضل ً عن العلم‪ ،‬ومع‬
‫ذلك يمكننا رد الدعوى الشيوعية بما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬من المفروض حسب مزاعم الشيوعية أن يتمتع الحوت بذكاء يفوق‬
‫ذكاء النمل بمليين المرات بالنظر إلى كبر حجم مخه عن حجم مخ‬
‫النملة‪ ،‬بل يفوق ذكاء النسان لن حجم مخه يفوق حجم مخ النسان‬
‫بثلثة أضعاف تقريبًا‪.‬‬
‫‪ -2‬إن في الجسم مواد عالية التنظيم وبصورة أسمى كالجملة العصبية‬
‫أو المخيخ أو نياط القلب‪ ،‬أو حدقة العين‪ ،‬فلماذا المخ من دونها‪ ،‬ثم من‬
‫أين جاء التنظيم العالي للمخ‪ ،‬من الذي نظمه‪ ،‬إذا كان ثمة تنظيم فلبد‬
‫من المنظم الفاعل‪.‬‬
‫‪ -3‬لو كان الفكر نتاج نشاط الدماغ فقط‪ ،‬لوجب التسليم بأن هذا‬
‫النشاط يستفرغ ويستهلك من جسم صاحبه وطاقاته كل ما يستهلكه‬
‫أي نشاط مماثل‪ ،‬ولقد نفى العلم كون عملية التفكير تستنفذ أي نشاط‬
‫من شأنه أن تستنفذه الوظائف الجسمية الخرى‪.‬‬
‫‪ -4‬إننا نشاهد قوة التفكير ونضجه مع ضعف الجسم وكلله في حالة‬
‫الكبر‪ ،‬وهذا ينقض الدعوى بأن التفكير وظيفة الدماغ‪ .‬إن المخ آلة‬
‫النفس في التفكير أو شرط فيه‪ ،‬ولبد من وجود العقل أو الروح‪،‬‬
‫وعندما يقال‪ :‬إن الفكر عمل العقل مرتبط بالمخ ومفتقر إليه‪ ،‬افتقار‬
‫الفعل بآلية‪ ،‬وليس افتقار الشيء إلى علته ومصدره كما تتوهم‬
‫)‪(1‬‬
‫الماركسية‪.‬‬

‫انظر نقض أوهممام الماديممة الجدليممة ص ‪ ،140-138‬تهممافت الفكممر الماركسممي ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.88-87‬‬

‫‪354‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نقض أوهام المادية التاريخية‪:‬‬
‫يمكن نقض التفسير المادي للتاريخ من عدة جوانب‪ ،‬ونكتفي هنا‬
‫ببعضها‪ ،‬على الوجه التالي‪:‬‬
‫ل‪ :‬خطأ القول بحتمية العامل القتصادي‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫يتوهم الماركسيون أن العامل القتصادي هو العامل الوحيد الذي‬
‫يؤلف سببا ً أساسيا ً يكمن خلف كل التغيرات سواء كانت سياسية أم‬
‫اجتماعية أم نفسية أم دينية‪ ،‬إنها المحرك الساس للفراد والجماعات‪،‬‬
‫وأن كل تغيير يحدث إنما هو نتيجة حتمية لتغير وسائل النتاج‪.‬‬
‫ولبيان مدى تهافت هذه الوهام الشيوعية نذكر التي‪-:‬‬
‫‪ -1‬إن وسائل النتاج التي تكيف المجتمع ‪-‬كما تزعم الشيوعية‪ -‬في‬
‫أمريكا الرأسمالية هي نفسها وسائل النتاج في روسيا الشيوعية‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإن استخدامها في روسيا لم يفرض عليها أن تكون رأسمالية‪ ،‬بل‬
‫إن روسيا لم تستخدم هذه الوسائل إل بعد أن تحولت إلى الشيوعية‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫حيث كانت روسيا دولة زراعية متخلفة صناعياً‪.‬‬
‫‪ -2‬كان ماركس يعتقد انطلقا ً من مبدأ الجبرية القتصادية أن الشيوعية‬
‫ستقوم أول ً في إنجلترا‪ ،‬ومنها إلى بقية دول أوربا‪ ،‬ولكن خاب اعتقاده‬
‫لفساد فكره‪ ،‬فظهرت الشيوعية أول ً في روسيا التي لم تستكمل نموها‬
‫الرأسمالي‪ ،‬إنما كانت بلدا ً زراعيا ً متأخرا ً)‪ ،(2‬وتأخرت الشيوعية عن‬
‫الظهور في إنجلترا مع أنها استكملت نموها القتصادي الرأسمالي منذ‬
‫)‪(3‬‬
‫أيام ماركس‪.‬‬
‫‪ -3‬لقد أثبت كثير من المؤرخين والقتصاديين مجافاة الوهم الشيوعي‬
‫للعلم‪ ،‬ومن هؤلء "ماكس فيبر" في كتابه )البحوث الدينية والجتماعية(‬

‫انظر تهافت الفكر الماركسي ص ‪.149‬‬ ‫‪1‬‬

‫لم تظهممر الشمميوعية فممي روسمميا وفممق قمموانين الماديممة الجدليممة المفممتراة‪ ،‬ولكممن‬ ‫‪2‬‬

‫ظهرت وفق المخطط الصهيوني الممذي كممان وراء الثممورة الشمميوعية سممنة ‪1917‬م‪،‬‬
‫انظر ص ‪ 253‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫انظر تهافت الفكر الماركسي ص ‪.149‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪355‬‬
‫الذي نقض الزعم الماركسي بأن القتصاد أساس الحياة النسانية من‬
‫جميع اتجاهاتها‪ ،‬وذلك من عدة وجوه‪-:‬‬
‫‪ -‬إن الدين عند الهنود والصينيين واليهود لم يقم على أساس اقتصادي‬
‫كما حاول ماركس أن يشرح كل شيء في الوجود‪ ،‬حتى الدين والخلق‬
‫ن الفكرة الدينية وحدها في هذه الديان الثلثة هي التي حددت‬ ‫والفكر‪،‬إ ّ‬
‫البناء الجتماعي لشعوب هذه الديان‪.‬‬
‫‪-‬إن التفكير الكنسي كان له تأثير على المجتمع القتصادي في القرون‬
‫الوسطى‪.‬‬
‫‪ -‬إن الرأسمالية المعاصرة قامت على اليديولوجية الخاصة والتعاليم‬
‫التي قال بها "كلفن"‪ ،‬وتحت تأثير أصحاب النزعة الخاصة في‬
‫المسيحية من البروتستانت في إنجلترا منذ القرن السادس عشر‪،‬‬
‫وليست الرأسمالية هي التي أودت هذه اليديولوجية‪.‬‬
‫‪-‬هل يمكن أن تكون الحقائق الرياضية والمنطقية تابعة لسس مادية أو‬
‫اقتصادية ؟! إنه من المستحيل ذلك‪ ،‬لن الحقائق الرياضية والمنطقية‬
‫هي في كل عصر‪ ،‬وتحت كل ظرف‪.‬‬
‫‪-‬إذا كان العامل القتصادي هو المؤثر في إحداث التاريخ‪ ،‬وأن النسان‬
‫ل إرادة له أمامها‪ ،‬فكيف استطاع كارل ماركس‪-‬وهو وليد النظام‬
‫الرأسمالي‪-‬أن يفكر ضد العوامل القتصادية السائدة في عصره‪ ،‬فهل‬
‫)‪(1‬‬
‫صعد إلى القمر لكي يبحث في أحوال الرض‪.‬‬
‫‪ -4‬أثبت العلم أنه ل يوجد عامل واحد في ميدان الظواهر الجتماعية‪،‬‬
‫إنما هناك عوامل عدة تؤثر في بعضها تأثيرات متقابلة‪ ،‬فالعامل‬
‫الجوهري اليوم يمكن أن يصبح عامل ً ثانويا ً غدا ً)‪.(2‬‬
‫‪ -5‬إن أقوى رد على مزاعم الشيوعيين هو اعتراف إنجلز زميل‬
‫ماركس ومؤسس المذهب الشيوعي معه‪ ،‬بأنه هو وماركس بالغا في‬
‫تقدير العامل القتصادي‪.‬‬

‫‪-1‬تهافت الفكر الماركسي ص ‪.151-150‬‬


‫‪-2‬انظر المصدر السابق ص ‪.151‬‬

‫‪356‬‬
‫كتب إنجلز في رسالته إلى جوزيف بلوخ في ‪ 22‬أيلول سنة‬
‫‪1890‬م‪-‬أي قبل وفاته بخمس سنوات‪ -‬ما يلي‪ :‬ينبغي علينا‪ ،‬ماركس‬
‫وأنا‪ ،‬أن نتحمل جزئيا ً مسؤولية كون بعض الشبان يعلقون في بعض‬
‫الحيان وزنا ً أكبر مما ينبغي للعامل القتصادي‪ ،‬ولقد اضطررنا إلى‬
‫تأكيد صفة المركزية في معارضتنا للخصوم الذين كانوا ينكرونه‪ ،‬ولم‬
‫نجد الوقت ول المكان ول المناسبة لنصاف العوامل الخرى في‬
‫الحركة التاريخية)‪.(1‬‬
‫‪-6‬إن التاريخ البشري حافل بالحداث والمواقف التي تهمل العامل‬
‫القتصادي مطلقًا‪ ،‬فالدعوة السلمية ليس للعوامل القتصادية فيها أثر‪،‬‬
‫والفتوحات السلمية في عهد الخلفاء الراشدين‪ ،‬وانتشار السلم في‬
‫أنحاء المعمورة على يد المسلمين المخلصين لعقيدتهم ليس للعامل‬
‫القتصادي فيه أثر‪ ،‬إن العامل الوحيد في ذلك هو ابتغاء القوم رضا الله‬
‫تعالى‪ ،‬والحرص على جنته‪ ،‬وإعلء كلمة الله في الرض‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الموقف الشيوعي من السرة‪:‬‬
‫إن السرة كما تقرر الشيوعية هي مؤسسة برجوازية ومصلحة‬
‫اقتصادية‪ ،‬نشأت من اعتماد المرأة في معيشتها وإعالتها على الرجل‬
‫الذي يملك وسائل النتاج‪ ،‬ويفرض على المرأة تبعا ً لذلك أن تكون له‬
‫وحده دون شريك‪ ،‬وليست السرة حاجة نفسية متأصلة في نفس‬
‫الرجل والمرأة على السواء)‪.(2‬‬
‫يقول إنجلز‪":‬الرجل في العائلة هو البرجوازي‪ ،‬بينما المرأة تمثل‬
‫البروليتاريا‪..‬وإن الشرط الول لتحرر المرأة هو عودة جنس المرأة إلى‬
‫النتاج الجتماعي‪ ،‬المر الذي يتطلب بدوره زوال العائلة الفردية‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫بوصفها وحدة اقتصادية في المجتمع"‪.‬‬
‫ولقد دعت الشيوعية إلى مشاعية النساء‪ ،‬بمعنى أن المرأة لكل‬

‫‪ -1‬تهافت الفكر الماركسي ص ‪ ،151‬موقف السلم مممن نظريممة ممماركس للتفسممير‬


‫المادي للتاريخ‪ ،‬ص ‪.449‬‬
‫‪ -2‬النسان بين المادية والسلم ص ‪.69‬‬
‫‪ -3‬أصل العائلة لنجلز ص ‪.96 ،94 ،93‬‬

‫‪357‬‬
‫رجل‪ ،‬وليس هناك شيء اسمه شرف العذارى وحشمة النساء على حد‬
‫تعبير إنجلز نفسه)‪ .(1‬والولد يجب أن تؤول تربيتهم للمجتمع في ظل‬
‫غياب السرة وزوالها‪ ،‬فالسرة ليس لها أية قداسة‪ ،‬فكل القداسات‬
‫)‪(2‬‬
‫زائفة كما صّرح الزعيم الشيوعي ستالين‪.‬‬
‫لماذا العداء الشيوعي للسرة ؟‬
‫ن الشيوعية تعادي السرة للسباب التالية‪:‬‬ ‫إ ّ‬
‫‪ -1‬لنه في وجود السرة توجد ملكية خاصة‪ ،‬وهذا ما ل تؤمن به‬
‫الشيوعية‪.‬‬
‫‪ -2‬في ظل السرة يتربى البناء على الفضيلة والخلق‪ ،‬وقد يتربون‬
‫على القيم والعقائد والفكار الدينية الصحيحية‪ ،‬وهذا كله ما تخشاه‬
‫الشيوعية التي تريد من الجميع أن يؤمن بفلسفتها اللحادية دون عائق‬
‫من السرة أو الدين أو غير ذلك‪.‬‬
‫‪ -3‬في السرة ولء الزوجة والولد للب المعيل‪ ،‬والشيوعية تريد الولء‬
‫خالصا ً لها وللحزب الشيوعي الحاكم‪ ،‬وللزعيم المتربع على سدة‬
‫الحكم والسلطة الدكتاتورية‪.‬‬
‫‪ -4‬في السرة يتمتع الجميع بالطمأنينة ويشعرون بالسعادة والمودة‪.‬‬
‫وصراع الطبقات بين أفراد المجتمع‪ ،‬والحقد والضغينة والثورات ل‬
‫يناسبها ذلك‪.‬‬
‫إن محاربة الشيوعية للسرة لن يكتب لها النجاح لن السرة فطرة‬
‫بشرية‪ ،‬وقضية نفسية‪ ،‬وضرورة من ضرورات الحياة النسانية‪ ،‬ومن‬
‫دعائم الحضارة النسانية‪ ،‬ولن يوجد مجتمع إنساني مهما كانت ديانته أو‬
‫عقائده ينادي عقلؤه بإلغاء السرة‪.‬‬

‫‪ -1‬المصدر السابق ص ‪.96‬‬


‫‪ -2‬نقل ً عن تهافت الفكر الماركسي ص ‪.214‬‬

‫‪358‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الموقف الشيوعي من الدين‪:‬‬
‫إن اعتبار الشيوعية المادة أساس الكون وأصل الحياة‪ ،‬وزعمهم بأنها‬
‫أزلية أبدية جعلها تنكر وجود الله تعالى‪ ،‬وتنكر كل الغيبيات الخرى التي‬
‫)‪(3‬‬
‫جاءت بها العقيدة السلمية‪ ،‬وننقل أقوال أئمة الشيوعية في ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬يقول ماركس‪:‬ل إله والحياة مادة‪ .‬وقال عن الدين‪:‬إّنه نفثة المخلوق‬
‫المضطهد‪ ،‬وشعوره بالدنيا التي ل قلب لها‪ ،‬إنه أفيون الشعوب‪.‬‬
‫‪ -‬يقول إنجلز‪:‬تكمن أصول الديانة في النظريات المحدودة الجاهلة التي‬
‫تنشأ في حالة الهمجية‪.‬‬
‫‪ -‬ويقممول لينيممن‪ :‬ليممس صممحيحا ً أن اللممه هممو الممذي ينظممم الكمموان‪ ،‬إنممما‬
‫الصحيح هو أن الله فكمرة خرافية اختلقها النسمان ليبرر عجزه‪ ،‬وبهمممذا‬
‫فإن كل شخص يدافع عمن فكمرة الله‪ ،‬إنما هممو شممخص جاهممل وعمماجز‪.‬‬
‫وقال‪:‬إن الخلق الشمميوعية ليسممت مسمتمدة ممن وصمايا إلهيممة‪ ،‬لننما ل‬
‫نؤمن بالله‪.‬‬
‫م معادية للدين‪،‬‬‫‪ -‬وقال لينين أيضًا‪ :‬الماركسية هي الدين‪ ،‬وهي من ث ّ‬
‫واللحاد جزء طبيعي من الماركسية ل ينفصل عنها‪ ،‬وأن البحث عن الله‬
‫ل فائدة منه‪ ،‬ومن العبث البحث عن شيء لم يخبأ‪ ،‬وبدون أن تزرع ل‬
‫تستطيع أن تحصد‪ ،‬وليس لك إله لنك لم تخلقه بعد‪ ،‬واللهة ل يبحث‬
‫عنها‪ ،‬وإنما تخلق‪.‬‬
‫‪ -‬وقال ستالين‪ :‬يجب أن يكون مفهوما ً أن الدين خرافة‪ ..‬وأن فكرة‬
‫الله خرافة‪ ..‬وأن اللحاد مذهبنا‪ ،‬ونحن نؤمن بأن اليمان بالدين يعرقل‬
‫تقدمنا‪ ..‬ول نريد أن نجعل الدين يسيطر علينا‪ ،‬لننا ل نريد أن نكون‬
‫سكارى‪.‬‬

‫انظر المصادر التالية‪ :‬تهافت الفكر الماركسممي ص ‪ ،177-175‬حركممات ومممذاهب‬ ‫‪3‬‬

‫في ميزان السلم ص ‪ ،17-15‬النظرية الماركسممية فممي ميممزان السمملم ص ‪-101‬‬


‫‪ ،102‬فتاوى عن الشيوعية د‪ .‬عبد الحليم محمود‪ ،‬السلم يتحدى وحيد الممدين خممان‬
‫ص ‪.30‬‬

‫‪359‬‬
‫‪ -‬لقد نشرت الصحف الروسية الرسمية في أعدادها أكثر من مرة‬
‫القوال اللحادية التي تبين الموقف العدائي من فكرة اللوهية ومن‬
‫الدين‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬قول صحيفة برافدا‪ :‬نحن نؤمن بثلثة أشياء‪ :‬كارل ماركس‪ ،‬لينين‪،‬‬
‫ستالين‪ ،‬ول نؤمن بثلثة‪ :‬الله‪ ،‬الدين‪ ،‬الملكية الخاصة‪.‬‬
‫‪ -‬قول صحيفة "سوفتسكيا برافدا"‪ :‬إن العتقاد بالله هو تراث القدامى‬
‫الجهلة‪.‬‬
‫‪ -‬إن الشيوعية ترى أن الدين خرافة‪ ،‬وهو جهل نشأ من جهل النسان‬
‫وعجزه أمام قوى الطبيعة وسطوة القوياء‪ ،‬وهو تفسير خاطئ‪ ،‬وهو‬
‫من بقية النظم البالية‪ ،‬ويعتبر لونا ً من ألوان الخداع صنعه بعض البشر‬
‫)‪(1‬‬
‫لستغلل كل الناس‪ ،‬وخاصة الطبقة الكادحة‪.‬‬

‫نقض الموقف الشيوعي من الدين‪:‬‬


‫‪ -1‬إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره‪ ،‬والحكم الصواب يكون بعد‬
‫دراسة الشيء من جميع جوانبه‪ ،‬إن التفسير الشيوعي للدين تفسير‬
‫قاصر ل يصل إلى مرتبة العلم بحال‪ ،‬إنه ل يتناول الديان جميعا ً لكونه‬
‫صادرا ً عن الواقع الجتماعي الذي كان يعيشه أئمة الشيوعية‪ ،‬فالدين‬
‫النصراني الذي ساد أوربا لم يكن دينا ً ربانيا ً جاء لخير البشرية‪ ،‬ولرساء‬
‫الحق والعدل بين الناس‪ ،‬إنما هو دين بشري صنعه أعداء الدين الحق‬
‫من فلسفة وحكماء ويهود‪ ،‬والظلم الذي مارسه رجال الدين النصراني‬
‫تجاه الشعوب لم يكونوا سوى ممثلين للدين المصطنع‪.‬‬
‫‪ -2‬إن التفسير الشيوعي يتناول الديان الوثنية المليئة بالوهام‬
‫والخرافات والساطير‪ ،‬مثلها مثل الدين الوربي الذي يحتوي على‬
‫عقائد ومفاهيم يرفضها العقل الصريح‪ ،‬وترفضها الفطرة السليمة)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬إن التفسير الشيوعي يستحيل أن يتناول الدين المنزل من الله‬
‫تعالى )السلم(‪ ،‬لنه بريء من الصورة القاتمة عن الدين‪ ،‬فالسلم‬

‫انظر تهافت الفكر الماركسي ص ‪175‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬انظر تهافت الفكر الماركسي ص ‪.179‬‬

‫‪360‬‬
‫يدعو إلى المحبة والمساواة النسانية‪ ،‬ويضمن للفرد حريته وكرامته‪،‬‬
‫وتشريعاته قائمة على العدل والرحمة‪ ،‬وهو يحث أتباعه على عدم‬
‫الستسلم للظلم والظالمين‪ ،‬ولقد حارب السلم الخرافات‬
‫ث فيه على طلب العلم واحترام العلماء‪.‬‬ ‫والساطير‪ ،‬في الوقت الذي ح ّ‬
‫إن السلم يعني الخضوع فقط لله تعالى وحده‪ ،‬ول يسمح لحد من‬
‫أتباعه أن يتلقى التوجيهات والوامر من البشر إذا كانت بعيدة عن منهج‬
‫السلم‪ ،‬وليس في السلم رجال دين‪ ،‬ول وسطاء بين النسان وربه‬
‫تعالى‪ .‬ولقد حارب السلم الفقر وسد الطرق المؤدية إليه‪ ،‬وحث‬
‫المسلمين على السعي في طلب المعاش وتحصيل الرزق‪.‬‬
‫‪ -4‬إن الدين للنسان تماما ً كالطعام للجسد‪ ،‬فالغذاء أساسي لبقاء‬
‫النسان‪ ..‬ول تخلو أطعمة الناس في تاريخهم القديم والحديث من‬
‫أنواع من الطعمة الفاسدة والضارة‪ ..‬فهل يستطيع أحد من العقلء أن‬
‫يطالب النسانية بالتخلي عن طلب الغذاء أو ترك أحد الطعمة‪..‬وكذلك‬
‫الديان‪ ،‬فهناك أديان باطلة تحتوي على الخرافات‪ ،‬وتسوغ لرجالها‬
‫الظلم والضطهاد‪ ،‬وهناك الدين الحق الذي ليس كذلك‪ ،‬فكيف يحق‬
‫للشيوعية أن تطالب النسانية بالتخلي عن الدين كله؟)‪.(1‬‬
‫‪ -5‬إن التدين فطري ثابت في النفوس‪ ،‬ولن يستطيع إنسان أن يعيش‬
‫بمعزل عن فطرته التي فطرها الله تعالى عليها‪ ،‬والتوحيد هو أصل‬
‫التدين‪ ،‬بينما الشرك أمر طارئ على النفس وله أسبابه من خارج‬
‫النفس‪ ،‬والقول بأن الدين مخترع هو وهم وخداع‪ ،‬وليس له ما يدعمه‬
‫علما ً وعقل ً وفطرة‪ ،‬إنه قول باطل وهو تضليل وخداع القصد منه هدم‬
‫م تدمير البشرية أو استعبادها لصالح المخطط اليهودي‬ ‫الديان‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫الذي تحدثت عنه برتوكولت حكماء صهيون‪ ،‬والمذهب الشيوعي‬
‫اللحادي واحد من هذه المخططات اليهودية‪.‬‬
‫ن الشيوعية تزعم أنها تفّر من الدين فرارا ً من الظلم والضطهاد‪،‬‬‫‪-6‬إ ّ‬
‫وفرارا ً من الوهام والخرافات‪ ،‬ولكنا نراها وقعت فيما هربت منه‪،‬‬
‫فالمادة هي المألوه‪ ،‬والمذهب الشيوعي بما يحتوي من الوهام‬

‫‪ -1‬أفيون الشعوب ص ‪.51-50‬‬

‫‪361‬‬
‫والضللت والمناقضات للعلم ومسلمات العقل هو الدين‪ ،‬وماركس‬
‫وإنجلز ولينين هم النبياء الدجاجلة‪ ،‬ورجال الحزب الحاكم في‬
‫المجتمعات الشيوعية هم كهنة هذا الدين ورجاله وحراسه‪ ،‬ولقد‬
‫مارسوا من الظلم والبشاعة والقتل أضعاف ما مارسه رجال الدين في‬
‫أوربا‪ .‬وإذا كان حال الشيوعية هو ذاك أفل يحق للبشرية أن تكفر‬
‫بالشيوعية وأن تبحث عن دين غيره يحررها من الخرافات والوهام‬
‫ويمنحها السعادة والطمأنينة‪ ،‬ويخلصها من الظلم والضطهاد الشيوعي‪.‬‬
‫‪-7‬إن الماركسية هي الجدر بأن توصف بأنها أفيون الشعوب‪ ،‬لنها ترفع‬
‫عن الضمير شعوره بالمسؤولية‪ ،‬وتغريه بالتطاول والبذاءة على‬
‫العظماء وذوي القدار‪ .‬إن الماركسية تروج بين الذين يسقطون التبعة‬
‫والمسؤولية عن أنفسهم‪ ،‬ويلقون أوزار الجرائم والرذائل على‬
‫المجتمع‪ .‬إن الماركسيين يتحدثون عن المذهب العلمي‪ ،‬أو التفسير‬
‫العلمي للتاريخ‪،‬ويكثرون من ذكر العلم والبحث والستقراء‪ ،‬ثم إنك‬
‫تنظر فيمن تستهويهم بهذا الهراء‪ ،‬فل ترى أحدا ً منهم يحفل بالعلم‪ ،‬أو‬
‫يعنيه أمر المعرفة والستقراء‪ ،‬إنهم يندفعون فقط بغرائزهم اندفاع‬
‫السائمة على غير هدى‪.‬‬
‫إن الماركسية أفيون الشعب بل مراء‪ ،‬وكلما بحثت عن سبب‬
‫صالح لشيوع المسكرات في بيئة من البيئات‪ ،‬فاعلم أنه سبب صالح‬
‫كذلك لشيوع المذاهب الهدامة‪ ،‬فالسكران تبدو عليه نفس أعراض‬
‫أصحاب المذاهب الهدامة‪ :‬إسقاط التبعية والمسؤولية‪ ،‬وخلع الحياء‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫والتطاول والبذاءة على كل محسود‪ ،‬وإن لم يكن من الغنياء‪.‬‬
‫ومما يبرهن أن السلم لم يكن مخدرا ً في يوم من اليام‪:‬‬
‫الفتوحات والغزوات السلمية قديمًا‪ ،‬ثم الثورات السلمية المعاصرة‬
‫التي وقفت في وجه الستعمار الرأسمالي والشيوعي واليهودي‪ ،‬وهي‬
‫ثورات كان الدين وحده هو المحّرك لها‪ ،‬لنه يأمر أتباعه بجهاد الكفار‬
‫وقتالهم وعدم الستسلم والخضوع لهم‪.‬‬
‫‪ -8‬إن مما يبين تهافت الموقف الشيوعي من الديان أنه عقب سقوط‬

‫أفيون الشعوب ص ‪.12-11‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪362‬‬
‫الشيوعية وانهيار التحماد السوفيتي قبل عدة سمنين‪ ،‬عماد سمكان‬
‫المبراطورية الشميوعية إلى معتقداتهمم التمي كانوا عليها قبمل فرض‬
‫الشيوعية بالدم والحديمد والنار‪ ،‬فرأينما شعوبا ً كاملة تعود إلى السلم‪،‬‬
‫وأخرى إلى النصرانية‪ ،‬وعاد الشيوعيون يتجرعون مرارة وهم الخيبة‬
‫والسقوط يدافعون عن صنم لينين في الساحة الحمراء بموسكو‪ ،‬ولو‬
‫كانوا من أصحاب العقول والنصاف لسقطوه‪ ،‬كما سقطت أفكاره‪،‬‬
‫وتهاوت أضاليله‪.‬‬
‫محاربة الشيوعية للسلم‪:‬‬
‫يقول عباس محمود العقاد‪" :‬إن عداوة الشيوعية للسلم عداوات‬
‫متكررة‪ ،‬وليست بعداوة واحدة‪ .‬فإنها تعاديه معاداة الخوف من‬
‫منافسته في تنظيم المجتمع على قواعده وأحكامه‪ ،‬وتعاديه معاداة‬
‫الحاكم الروسي للمحكوم المطموع في ماله واستقلله‪ ،‬وتعاديه أخيرا ً‬
‫معاداة الشعور بالخطر والفلس على أثر إخفاق التجارب الماركسية‬
‫واحدة بعد الخرى خلل السنوات الخيرة")‪.(1‬‬
‫إن أصناف الضطهاد وألوان القمع‪ ،‬وعمليات القتل والتطهير التي‬
‫تعرض لها المسلمون في ظل الدول الشيوعية لم تعرف البشرية في‬
‫تاريخها الطويل مثله‪ ،‬ولن تعرف ما هو أقل منه‪.‬‬
‫ويمكن إيجاز محاربة الشيوعية للسلم والمسلمين في النقاط‬
‫التالية)‪-:(2‬‬
‫‪ -1‬المذابح الجماعية وعمليات القتل العشوائية التي استهدفت مليين‬
‫المسلمين‪ ،‬فلقد ثبت بالحصائيات الروسية وحدها أن عدد المسلمين‬

‫‪ -1‬أفيون الشعوب ص ‪.67‬‬


‫‪ -2‬في محاربة الشيوعية للسلم اقممرأ ممما يلممي‪ :‬السمملم فممي وجممه الزحممف الحمممر‬
‫للشيخ محمد الغزالي‪ ،‬الكيد الحمر عبد الرحمممن الميممداني‪ ،‬حقممائق عممن الشمميوعية‬
‫محمد منير لطفي‪ ،‬حقيقة الشيوعية مجموعة من المؤلفين المصممريين‪ ،‬المسمملمون‬
‫في يوغسلفيا غانم سلطان أمان ويوسف محمد الغانم‪ ،‬المسلمون تحت السيطرة‬
‫الشميوعية محممود شماكر‪ ،‬السمملم والشميوعية د‪ .‬عبمد الحليممم محمممود‪ ،‬الصممهيونية‬
‫والشيوعية محمود عباس العقاد وأحمد عبد الغفور عطار‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫الذين قتلهم ستالين أحد عشر )‪ (11‬مليونًا‪ .‬والذين أبادهم تيتو في‬
‫يوغوسلفيا بعد الحرب العالمية الثانية أكثر من مليون مسلم‪ .‬وأما‬
‫المسلمون الذين قتلوا في روسيا بعد قيام الثورة الشيوعية سنة‬
‫‪ 1917‬فأعدادهم بالمليين‪ ،‬إذ أصدر لينين في نيسان سنة ‪1918‬م‬
‫أوامره للجيش الحمر بالزحف على بلد المسلمين‪ ،‬فحصدت الدبابات‬
‫والطائرات الناس حصدًا‪ ،‬وقامت الحكومية الصينية الشيوعية خلل ربع‬
‫قرن بقتل عدة مليين من المسلمين‪ ،‬وتعذيب مئات اللوف منهم‬
‫بوسائل تقشمعر ممن همول تصورها البمدان‪ .‬وفمي كمبوديما ارتكمب‬
‫الشيوعيون مجازر جماعية منظمة ضد المسلمين‪ ،‬وفي أفغانستان‬
‫المسلمين قتلت الشيوعية ما يزيد عن مليون مسلم عدا عشرات‬
‫اللف من الجرحى والمعاقين‪ ،‬وهدمت عشرات آلف البيوت‬
‫والمدارس والمساجد‪.‬‬
‫‪ -2‬تجريد المسلمين من أملكهم وثرواتهم‪ ،‬وهدم مساجدهم ومعاهدهم‬
‫الدينية‪ ،‬وتحويل العدد الذي تبقى إلى متاحف‪ ،‬وأندية‪ ،‬ومقاهي‪ ،‬ودور‬
‫لهو وعربدة‪ ،‬وإسطبلت للخيل‪ ،‬وحظائر للماشية‪.‬‬
‫‪ -3‬قتل علماء المسلمين‪ ،‬ففي سنة ‪1917‬م كان عددهم ‪-‬فيما عدا‬
‫بخارى وخيوه‪ -‬ل يقل عن ‪ ،45339‬وفي سنة ‪1955‬م أصبح عددهم‬
‫‪ ،8052‬والحكم على كثير منهم بالشغال الشاقة‪ ،‬وما فعلوه في‬
‫العلماء فعلوا نفسه في زعماء المسلمين السياسيين‪.‬‬
‫‪ -4‬نفي مليين من المسلمين من أوطان آبائهم وأجدادهم إلى سيبيريا‪،‬‬
‫أو إلى مناطق أخرى ل يجدون فيها إل الذل والفقر والجوع والتشرد‪،‬‬
‫ونتج عن ذلك وقوع مجاعات هلك فيها مليين من المسلمين‬
‫المنكوبين‪ ،‬ومن يرفض الطرد من أرضه تعّرض للقتل على أيدي‬
‫الشيوعيين الكفرة‪ ،‬وفي يوغسلفيا تم تقطيع التجمعات السلمية إلى‬
‫أوصال مشتتة ودمجها ضمن المناطق الصربية والكرواتية بعيدا ً عن‬
‫أرضهم وممتلكاتهم وأموالهم‪.‬‬
‫‪ -5‬منع التعليم الديني للمسلمين‪ ،‬وإحراق المصاحف وكتب العلوم‬
‫الشرعية‪ ،‬ومحاكمة أي شخص يقتني شيئا ً منها‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫‪ -6‬اغتصاب الحرائر المسلمات وهتك أعراضهن بصورة لم تعرف‬
‫البشرية أشد منها بشاعة‪.‬‬
‫‪ -7‬بعد استيلء الشيوعيين على الحكم في روسيا ويوغسلفيا وألبانيا‬
‫وأفغانستان والصين قاموا بفرض اللحاد والكفر والفجور على‬
‫المسلمين‪ ،‬وأجبروهم على ترك تراثهم وترك أوطانهم وقطع صلتهم‬
‫بالمة المسلمة‪ ،‬والشعوب المسلمة خارج الدول الشيوعية‪.‬‬

‫الشيوعية وليدة الصهيونية‪:‬‬


‫لم يعد خافيا ً على أحد من الباحثين في نشأة المذاهب الهدامة‬
‫دور الحركة اليهودية العالمية في تأسيس هذه المذاهب‪ ،‬وتنظيم‬
‫الحركات أو الثورات التي تتولى مسؤولية نشرها وترويجها في أنحاء‬
‫المعمورة بهدف تدمير الديان‪ ،‬والقضاء على المعتقدات‪ ،‬وهدم القيم‬
‫والخلق ومن ثم إخضاع المم والشعوب لخدمة التسخير لشعب الله‬
‫المختار "اليهود"‪.‬‬
‫ومن يطالع برتوكولت حكماء صهيون يدرك دور العقلية اليهودية‬
‫في المذهب الشيوعي والثورة البلشفية الشيوعية التي قام بها اليهود‬
‫للقضاء على الحكم القيصري الروسي سنة ‪1917‬م‪ .‬ولقد اعترف‬
‫حاييم وايزمن الزعيم الصهيوني المشهور في مذكراته بيهودية قائد‬
‫الثورة لينين ‪-‬اسمه الحقيقي فلديمير أليتش بوليانوف‪ ،-‬وذكر أنه من‬
‫ضمن حكماء صهيون الذين عقدوا مؤتمرا ً في مدينة بال بسويسرا سنة‬
‫‪1887‬م‪ ،‬وأسفر مؤتمرهم عن وضع المخطط اليهودي لتدمير البشرية‬
‫والمعروف بم "برتوكولت حكماء صهيون"‪ ،‬ولقد اتخذ اليهود في ذلك‬
‫المؤتمر قرارا ً بإنشاء دولة لليهود في فلسطين يعلن عن قيامها بعد‬
‫خمسين سنة)‪.(1‬‬

‫انظر الشيوعية منشأ ً ومسلكا ً دندل جبر ص ‪.17‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪365‬‬
‫إن الدلة والشواهد والبراهين التي تثبت دور اليهودية العالمية في‬
‫المذهب الشيوعي والثورة البلشفية عام ‪1917‬م تمل مئات‬
‫الصفحات)‪.(2‬‬
‫ونذكر هنا بعض الحقائق والشواهد عن علقة الصهيونية العالمية‬
‫بالشيوعية والثورة البلشفية سنة ‪1917‬م‪.‬‬
‫ل‪ :‬لقد ثبت أن موسى هس رائد الفكر الصهيوني الحديث‪ ،‬صاحب‬ ‫أو ً‬
‫كتاب "روما والقدس" الذي ألفه سنة ‪1862‬م كان أستاذا ً لكل من‬
‫مؤسس الصهيونية الحديثة هرتزل‪ ،‬ومؤسس الشيوعية كارل ماركس‪،‬‬
‫فالول تلقى عنه الفكر الصهيوني الذي أودعه في كتابه "الدولة‬
‫اليهودية"‪ ،‬والثاني تلقى عنه المبادئ الشتراكية‪ .‬وكان موسى هس‬
‫صديقا ً حميما ً للرجل الثاني في المذهب الشيوعي فردريك إنجلز‪ ،‬وكانا‬
‫سويا ً يعقدان الجتماعات للطبقة العاملة بغرض استمالتهم للشيوعية‪،‬‬
‫وتأسيس المنظمات الثورية‪.‬‬
‫ولقد ثبت أن حركة النورانيين الماسونية اليهودية ومقرها لندن‪ ،‬قد‬
‫طلبت من إنجلز وماركس وضع المبادئ والسس للمذهب الشيوعي‬
‫اللحادي)‪.(2‬‬
‫يقول روبرت وليامز في كتابه‪" :‬اليهود في أمريكا"‪" :‬الصهيونية هي‬
‫صنو الشميوعية وحاميتهما‪ ،‬ومرضعتها‪ ،‬وكلتاهما تهدف إلى إشعال ثورة‬
‫ذت في‬ ‫عالميمة‪ ،‬والشميوعية التي وضعها يهودي عريق هو ماركس‪ ،‬ونف ّ‬
‫روسيا بفضل اليهود هي من نتاج العقل اليهودي")‪.(3‬‬

‫انظر في ذلك‪:‬الصهيونية والشيوعية فرانك ل‪ .‬بريتون‪ ،‬حقيقة الشيوعية عمدد مممن‬ ‫‪2‬‬

‫المؤلفين المصريين‪ ،‬التاريخ السري للعلقممات الشمميوعية الصممهيونية نهمماد الغممادري‪،‬‬


‫الشيوعية والصهيونية توأمان إبراهيم الحلو‪ ،‬الشيوعية وليممدة الصممهيونية أحمممد عبممد‬
‫الغفور عطار‪ ،‬حقائق عن الشيوعية محمد منير لطفي‪ ،‬الكيد الحمممر عبممد الرحمممن‬
‫الميداني‪ ،‬موسكو وإسرائيل عمر حليق‪.‬‬
‫‪-2‬انظر أحجار على رقعة الشطرنج وليام غاي كممار ص ‪ ،38‬الماسممونية ذلممك العممالم‬
‫المجهول د‪ .‬صابر طعيمة ص ‪ ،426‬الكيد الحمر للميداني ص ‪.64‬‬
‫‪ -3‬نقل ً عن الشيوعية منشأ ً ومسلكا ً دندل جبر ص ‪.17‬‬

‫‪366‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إن الثورة الشيوعية في روسيا سنة ‪1917‬م قامت بتوجيه ودعم‬
‫وتمويل يهودي‪ ،‬والذين قادوا الثورة وتّزعموها وأعلنوها ثم حكموا‬
‫روسيا بعدها كانوا يهودًا‪ ،‬وقد اعترفت الصهيونية بذلك‪ ،‬فمجلة‬
‫"أفريكان هيبرو" وهي من كبريات المجلت الصهيونية في أمريكا تقرر‬
‫في عددها الصادر يوم ‪ 10‬سبتمبر ‪1920‬م ذلك‪ ،‬وتضيف بأن اليهود‬
‫كانوا يهدفون من تدبير الثورة الشيوعية خلق نظام جديد للعالم‪ ،‬وأن‬
‫ما تحقق في روسيا كان بفضل العقلية اليهودية‪ ،‬وأن الشيوعية سوف‬
‫تعم العالم بسواعد اليهود)‪.(1‬‬
‫ولقد عمل اليهود زعماء الثورة الشيوعية على أن يحتفظ السكان‬
‫اليهود في روسيا بقوميتهم ضمن الشيوعية‪ ،‬وأن تكون لهم دائرة خاصة‬
‫لدراسة الصهيونية ورعايتها‪ ،‬وسمحوا بتدريس الصهيونية لليهود‬
‫)‪(2‬‬
‫الشيوعيين أنفسهم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الشيوعية وبرتوكولت حكماء صهيون‪:‬‬
‫ن الدارس للمذهب الشيوعي من حيث وسائله وأهدافه يدرك‬ ‫إ ّ‬
‫وبدون عناء أن هذا المذهب هو نتاج العقلية اليهودية التي اجتمعت في‬
‫بازل بسويسرا عام ‪1887‬م والذي أسفر عن وضع المخطط اليهودي‬
‫لتدمير البشرية‪ ،‬وقد عرف هذا المخطط باسم برتوكولت صهيون‪،‬‬
‫ومن الجدير ذكره هنا أن زعيم الثورة البلشفية فلدمير ديمتروف‬
‫المشهور بلينين كان واحدا ً من هؤلء الحكماء الذين حضروا تلك‬
‫الجتماعات‪ ،‬وقد اعترف بذلك حاييم وايزمن الزعيم الصهيوني‬
‫المشهور في مذكراته‪.‬‬
‫وهذه مقارنة بين الشيوعية وبروتوكولت صهيون‪:‬‬
‫‪ -1‬السيادة على العالم والسيطرة عليه‪:‬‬
‫من المعلوم أن الحركة الشيوعية حركة أممية تهدف إلى غزو العالم‬
‫والسيطرة عليه عبر قيام الثورات الدموية في كل بلدان العالم‪ ،‬وقد‬
‫كشفت الشيوعية عن هذا الهمدف في البيان الشيوعي المشهور‪ ،‬يقول‬

‫‪-1‬المصدر السابق ص ‪.19-18‬‬


‫‪-2‬انظر المصدر السابق ص ‪.23‬‬

‫‪367‬‬
‫ماركس‪" :‬أمامكم العالم وعليكم أن تكسمبوه"‪ .‬ويقول دجيلس نائب‬
‫الرئيس اليوغسلفي الشيوعي السابق تيتو‪" :‬إن النزعة الشيوعية‬
‫السوفيتية تتجه منذ أيام ستالين حتى اليوم إلى فرض نظامها على‬
‫)‪(1‬‬
‫العالم وتقسيمه حسب مصالحها"‪.‬‬
‫وفكرة السيطرة على العالم طغت على العقلية اليهودية منذ‬
‫القديم لعتقادهم بأنهم شعب الله المختار‪ ،‬وأن غيرهم من الناس قد‬
‫خلقوا للتسخير في خدمة بني إسرائيل‪ :‬جاء في البرتوكول الخامس‬
‫من برتوكولت حكماء صهيون‪ :‬لقد أخبرنا أنبياؤنا‪ :‬أن الله نفسه اختار‬
‫اليهود ليحكموا الرض كلها‪ ،‬ولقد منحنا الله العبقرية كي نكون قادرين‬
‫على القيام بهذه المهمة‪ .‬سنقهر كل قوى الحكم المعادية لنا في كل‬
‫أنحاء العالم‪ ،‬وذلك بإقامة الحكومة العليا العالمية التي سنضعها مكان‬
‫الحكومات القائمة‪ ،‬وتحت إمرتها سيكون نظام ذو مواصفات يستحيل‬
‫معها أن يحدث فشل في إخضاع كل أقطار العالم)‪.(2‬‬
‫‪ -2‬الكفر بالديان ومحاربتها ونشر اللحاد‪:‬‬
‫الشيوعية تنكر وجود الله‪ ،‬ومن أسسها الفكرية ما قاله ماركس‪ :‬ل‬
‫إله والحياة مادة‪ ،‬وقد قامت الثورة البلشفية بحملة اضطهاد شديدة‬
‫ضد المسلمين والنصارى‪ ،‬وخاصة في عهد ستالين الزعيم الثاني للثورة‬
‫الشيوعية‪.‬‬
‫‪-‬جاء في البرتوكول الرابع‪ :‬يجب علينا أن ننتزع فكرة الله ذاتها من‬
‫عقول الميين )غير اليهود( ونضع مكانها عمليات حسابية ورغبات‬
‫مادية‪.‬‬
‫‪-‬وجاء في البرتوكول الرابع عشر‪ :‬من الضروري لنا أن نمحق عقائد‬
‫الديان الخرى‪ ،‬ولو أفضى محقنا للديان الخرى إلى شيوع وتفشي‬
‫حالة اللحاد‪ ...‬إن فلسفتنا سيناقشون كل عيوب ومثالب مختلف‬

‫‪ -1‬انظر الكيد الحمر ص ‪.27‬‬


‫‪-2‬برتوكولت حكماء صهيون ترجمة علي الجوهري ص ‪.58 ،56‬‬

‫‪368‬‬
‫العقائد للشعوب الخرى‪ ،‬ولن يتطرقوا إلى مناقشة عقيدتنا اليهودية ول‬
‫المبادئ التي نؤمن نحن بها)‪.(1‬‬
‫‪ -3‬استخدام أساليب العنف الوحشية والتوسل بالخداع‬
‫والتضليل والكذب‪:‬‬
‫تلجممأ الشمميوعية إلممى الوسممائل الدمويممة والعنممف والقسمموة‬
‫والوحشممية للوصممول إلممى تحقيممق أهممدافها‪ .‬يقممول سممتالين‪":‬إنكممم ل‬
‫تستطيعون الهرب مممن الكمموارث الطبيعيممة كممالزلزل والعواصممف الممتي‬
‫تقتل المليين‪ ،‬فتقبلونهمما صمماغرين‪ ،‬فكيممف ل تقبلممون عمليممات التطهيممر‬
‫الممتي تقمموم بهمما السمملطات الشمميوعية للحفمماظ علممى هممذا المبممدأ الممذي‬
‫سيقدم إليكم الخير"‪.‬‬
‫ويقول لينين‪":‬يجب على المناضل الشيوعي الحق‪ ،‬أن يتمرس‬
‫بشتى ضروب الخداع والغش والتضليل‪ ،‬فالكفاح من أجل الشيوعية‬
‫يبارك كل وسيلة تحقق‬
‫)‪(2‬‬
‫الشيوعية"‪.‬‬
‫‪-‬جاء في البرتوكول الصهيوني الول‪ :‬إن أفضل الطرق لحكم العداد‬
‫الكثر من الناس هي الطرق التي تعتمد على العنف والبطش‬
‫والرهاب‪ ...‬يجب علينا أل نتردد في استخدام الغش والرشوة‪ ،‬وأل‬
‫)‪(3‬‬
‫نأنف من الخيانة عندما تقربنا من بلوغ هدفنا‪....‬‬
‫‪ -‬وجاء في البرتوكول السابع‪ :‬لكي ننجح في أعمالنا يجب أن نعمد إلى‬
‫أساليب المكر والدهاء‪...‬ولكي تظهر قوتنا لواحدة من الحكومة الممية‬
‫)‪(4‬‬
‫في أوربا لبد من المحاولت الرهابية التي ل قبل لها بها‪.‬‬
‫ن الماسونية العالمية التي يقودها اليهود هي التي طلبت من‬ ‫رابعًا‪:‬إ ّ‬
‫محافلها وعناصرها إنشاء وتدعيم الحركة الشيوعية والترويج لها في‬
‫أنحاء المعمورة‪ ،‬ومن شواهد ذلك‪:‬‬

‫‪ -1‬المصدر السابق ص ‪.93 ،92 ،53‬‬


‫‪ -2‬حركات ومذاهب في ميزان السلم فتحي يكن ص ‪.27 ،26‬‬
‫‪ -3‬برتوكولت حكماء صهيون ص ‪.37‬‬
‫‪ -4‬المصدر السابق ص ‪.62 ،61‬‬

‫‪369‬‬
‫‪ -‬ما جاء في بيان المشرق العظم الفرنسي الماسوني لعام ‪1904‬م‬
‫صفحة ‪ 237‬ما يلي‪":‬إن الماركسية واللقومية هما وليدتا الماسونية‪،‬‬
‫سْيها كارل ماركس وإنجلز هما من ماسونيي الدرجة الحادية‬ ‫لن مؤس َ‬
‫والثلثين‪ ،‬ومن منتسبي المحفل النجليزي‪ ،‬وإنهما كانا من الذين أداروا‬
‫)‪(1‬‬
‫الماسونية السرية‪ ،‬وبفضلهما أصدر البيان الشيوعي المشهور‪."..‬‬
‫‪ -‬جاء في مجلة أكاسيا الماسونية عام ‪1903‬م ما يلي‪":‬إن الماسونية‬
‫التي هيأت الجو لثورة ‪1789‬م‪-‬الثورة الفرنسية‪-‬عليها الن أن تهيئ‬
‫الجو للثورة الماركسية‪ ،‬وعلى الماسونيين أن يعملوا بالشتراك مع‬
‫)‪(2‬‬
‫العمال‪ ...‬وباجتماع هاتين القوتين يتولد الضطراب الجتماعي"‪.‬‬
‫‪ -‬عقد المحفل المريكي الماسوني الكوني الذي يديره اليهود العظام‬
‫مؤتمرا ً قرر فيه أن يقوم خمسة يهود من أصحاب المليين بإنفاق مليار‬
‫)‪(3‬‬
‫دولر لثارة الثورة في روسيا القيصرية‪.‬‬
‫‪ -‬أعلنت المجلة اللمانية الماسونية "لتونيا" فرحها واستبشارها بانتشار‬
‫الشتراكية في مقال لها بتاريخ ‪ 12‬تموز سنة ‪1894‬م وقالت‪ :‬إن‬
‫الماسونية قد وجدت في المبادئ الشتراكية خير معوان لها فلبد لنا‬
‫من معاضدتها")‪.(4‬‬
‫خامسًا‪ :‬إن الحكومة الشيوعية الولى التي تولت حكم روسيا عام‬
‫‪1917‬م أقرت إنشاء دولة يهودية في فلسطين‪ ،‬وكانت روسيا الدولة‬
‫الولى ‪-‬أي قبل بريطانيا صاحبة وعد بلفور‪ -‬التي تصدر قرارين لصالح‬
‫اليهود‪-:‬‬
‫القرار الول‪ :‬صدر في السبوع الول لحكم لينين سنة ‪1917‬م‪ ،‬جاء‬
‫فيه‪ :‬أن العداء لليهود جريمة يعاقب عليها القانون‪.‬‬

‫‪ -1‬الماسونية ذلك العالم المجهول ص ‪ ،428‬الكيد الحمر ‪.62‬‬


‫‪-‬الماسونية ذلك العالم المجهول ص ‪ ،428‬الكيد الحمر ‪.62‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬انظر أسرار الماسونية جواد رفعت آتلخان ص ‪.83‬‬


‫‪ -4‬الماسونية ذلمك العمالم المجهمول ص ‪ ،428‬الكيمد الحممر ص ‪ ،63-62‬ولمعرفمة‬
‫المزيد من دور الماسممونية اليهوديممة فممي الحركممة الشمميوعية انظممر الماسممونية ذلممك‬
‫العالم المجهول ص ‪.429-399‬‬

‫‪370‬‬
‫القرار الثاني‪ :‬جاء تنفيذا ً لتفاق لينين‪ -‬وايزمن الموقع بينهما سنة‬
‫‪1916‬م ورد فيه‪ :‬إن الحكومة البلشفية برئاسة لينين تعلن تأييدها‬
‫)‪(1‬‬
‫الكامل لحق اليهود في وطن قومي لهم في فلسطين‪.‬‬
‫ولقد كتب لينين إلى وايزمان يقول‪" :‬على نجاح الثورة في روسيا‬
‫يتوقف تحرير اليهود من كابوس ملوك أوربا وحكامها الرجعيين‪،‬‬
‫ورفعهم إلى أسمى مراتب الدولة‪ ،‬وسوف تحقق الثورة للشعب‬
‫اليهودي المشتت أمانيه‪ ،‬وبعد أن تزول القيصرية وكنيستها في روسيا‬
‫تقام الدولة الماركسية الشتراكية على السس التي خطط لها لتحقيق‬
‫)‪(2‬‬
‫أهدافها البعيدة المدى في الغرب والشرق"‪.‬‬
‫وكتب وايزمان إلى لينين يقول‪":‬إن فتح أبواب الشرق واستقرار‬
‫اليهود في فلسطين يتوقف على تدمير المبراطورية العثمانية‪،‬‬
‫وبتدميرها تزول العقبات والحواجز التي تعترض المسيرة إلى أرض‬
‫الميعاد‪ ،‬وعندما يتحقق ذلك تبدأ المسيرة اليهودية إلى ارض الميعاد‬
‫"فلسطين" ونقيم دولة اشتراكية في المشرق‪ ،‬وسوف نتخطى‬
‫)‪(3‬‬
‫العقبات ونقود الشعب اليهودي وفقا ً للمخطط الذي وضعناه"‪.‬‬
‫ن الثورات الشيوعية في ألمانيا وهنغاريا ورومانيا وبولونيا‬‫سادسًا‪:‬إ ّ‬
‫والمجر وتشيكوسلوفاكيا كان اليهود وراءها‪ ،‬وقد استلموا المناصب‬
‫)‪(4‬‬
‫الرئيسة في الحكم أو الحزب الشيوعي في تلك البلدان‪.‬‬
‫سابعًا‪ :‬إن معظم الحزاب والمنظمات الشيوعية التي تشكلت في‬
‫البلدان العربية كان اليهود وحدهم من ورائها‪ ،‬ثم بعد ذلك شاركهم‬
‫بعض نصارى العرب‪ ،‬فالحزب الشيوعي الفلسطيني تأسس على يد‬

‫‪-1‬حقيقمة المواقف الشيوعية من القضية الفلسطينية عابممد سممليمان المشمموخي ص‬


‫‪ ،2423‬السرطان الحمر د‪ .‬عبد الله عزام ص ‪.62‬‬
‫‪ -2‬التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪.170‬‬
‫‪ -3‬دور الممدول الشممتراكية فممي تكمموين إسممرائيل إبراهيممم الشممريقي ص ‪ 17‬وانظممر‬
‫التجاهات الفكرية المعاصرة د‪ .‬علي جريشة ص ‪ ،170‬حقيقة المواقممف الشمميوعية‬
‫ص ‪.18-17‬‬
‫‪ -4‬انظر الكيد الحمر للميداني ص ‪ ،109‬الشيوعية منشأ ً ومسلكا ً ص ‪.40-36‬‬

‫‪371‬‬
‫نفر من اليهود الروس سنة ‪1919‬م‪ ،‬وقد شكله أول ً اليهودي الروسي‬
‫"روز شتاين"‪ ،‬وأوفدت موسكوا اليهوديين جاك شابيليف‪ ،‬ورادول كان‬
‫بورغ للتنظيم في فلسطين‪ ،‬وكانت جميع عناصر الحزب الشيوعي‬
‫الفلسطيني في بداية المر من اليهود الروس‪ .‬ثم أرسلت موسكوا‬
‫فلديمير جابوتينسكي ثم انتدب س‪ .‬أفربوخ اليهودي الملقب بأبي زيام‬
‫لتنظيم الحزب الشيوعي في البلد العربية‪ ،‬وهذا الرجل من أصدقاء‬
‫لينين بسويسرا‪.‬‬
‫وقد تولى أبو زيام رئاسة الحزب الشيوعي الفلسطيني من‬
‫‪1924‬م ‪1929 -‬م‪ ،‬بعد سنة ‪1937‬م دخل بعض النصارى والمنتسبون‬
‫للسلم من الفلسطينيين في المنظمات الشيوعية من أمثال‪ :‬أميل‬
‫توما‪ ،‬وتوفيق طوبي‪ ،‬وفؤاد نصار‪ ،‬وأميل حبيبي‪ ،‬وإبراهيم بكر وطلعت‬
‫حرب‪ ،‬وبعد النكبة ‪1948‬م كان الصلة بين الشيوعيين في قسمي‬
‫فلسطين ضابط إسرائيلي‪ ،‬وسكرتير صحفي شيوعي‪ ،‬وكلهما يعملن‬
‫في لجنة الهدنمة‪ .‬وفي مصر ُأسس الحزب الشيوعي المصمري على‬
‫أيدي اليهود الروس‪ ،‬وممن أبرزهم‪ :‬أفجيدور‪ ،‬ناداب‪ ،‬هنري كورتل‪،‬‬
‫بالضافة إلى بعض النصارى أمثال‪ :‬أنطون مارون‪ ،‬وسلمة موسى‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ورزنتال‪.‬‬
‫ثامنًا‪ :‬دعم الدول الشيوعية للسياسات السرائيلية في المنظمات‬
‫الدولية‪ ،‬والشواهد على هذا المر كثيرة جدًا‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬قول مندوب التحاد السوفيتي في المم المتحدة بتاريخ ‪2/5/1947‬م‪:‬‬
‫"إن علينا أن نذكر دائما ً أن قضية فلسطين ليممس سمموى قضممية اليهممود‪،‬‬
‫ولذا فل مجال للبحممث فممي هممذه القضممية بغيممر مراعمماة مصممالح اليهممود‪،‬‬
‫والخذ بعين العتبار قلقهم‪ ،‬ليس يهود فلسطين وحدهم بل اليهممود فممي‬
‫كل مكان"‪.‬‬
‫‪ -‬في ‪3/5/1947‬م صّرح مندوب بولندا‪":‬ل سلم بين العرب واليهممود إل‬
‫بزوال الرجعية العربية"‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر الكيممد الحممممر ص ‪،111‬م ‪ ،118‬الشيممموعية منشممأ ً ومسمملكا ً ص ‪،60‬م ‪،68‬‬


‫السرطان الحمر ص ‪.65-62 ،59-58‬‬

‫‪372‬‬
‫‪ -‬وفي ‪5/5/1947‬م صّرح مندوب تشيكوسلوفاكيا بقوله‪" :‬يهود العالم‬
‫ينتظرون منا أن ننصرهم"‪.‬‬
‫‪ -‬وفي ‪2/12/1948‬م قال جاكوب مالك مندوب روسيا في مجلس‬
‫)‪(1‬‬
‫المن‪" :‬وجدت إسرائيل لتبقى حيث هي موطن أجدادها"‪.‬‬
‫‪ -‬وفي ‪ 14‬مايو ‪1967‬م نقلت صحيفة "الجيروسالم بوست"‬
‫السرائيلية عن الزعيم الروسي فلديمير بافلوف قوله‪" :‬إن قلوب‬
‫الشعبين السوفيتي واليهودي تخفق كقلب واحد‪.(2)"..‬‬
‫لقد أفزعت سياسة التحاد السوفيتي المنحازة لسرائيل الدول‬
‫العربية‪ ،‬قال مندوب سورية "فارس الخوري" في شهر تشرين عام‬
‫‪1948‬م أمام هيئة المم المتحدة‪" :‬إن موقف التحاد السوفيتي من‬
‫تطور القضية الفلسطينية شيء مخيف‪ ،‬فموسكو ل تريمد العدل ول‬
‫النصماف ول السلم ول مبادئ المم المتحدة‪ ،‬إن كل ما تريده همو زرع‬
‫استعمار جديد في قلب العالم العربي‪ ،‬فإذا كان هذا هو حال السياسة‬
‫السوفيتية هنا‪ ،‬فل لوم علينا ول تثريب إذا نحن كفرنا بكل شيء بالغرب‬
‫ً )‪(3‬‬
‫والشرق معا"‪.‬‬
‫كر القارئ بقول الله تعالى‪):‬والذين كفـروا بعضهـم‬ ‫وهنا نذ ّ‬
‫أولياء بعض( سورة النفال‪.73 :‬‬
‫تاسعًا‪ :‬إن الدول الشيوعية ساعدت الدولة الصهيونية "إسرائيل"‬
‫بالسلح والرجال والمال‪ ،‬وبيان ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬في سنة ‪1920‬م أرسلت موسكو إلى فلسطين اليهودي الشيوعي‬
‫"فلديمير جابوتنسكي" كي يتولى تدريب الشباب اليهود على السلح‪.‬‬
‫‪ -‬دفعت روسيا ‪ % 40‬من مجموع الموال التي قدمت لليهود حتى سنة‬
‫)‪(4‬‬
‫‪1939‬م‪ ،‬استخدم بعضها في إنشاء مستعمرات لليهود في فلسطين‪.‬‬

‫‪-1‬انظر هذه القوال وغيرها‪ :‬حقيقة المواقف الشيوعية من القضية الفلسممطينية ص‬


‫‪.54-51‬‬
‫‪-‬المصدر السابق ص ‪.60‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -3‬الكيد الحمر ص ‪.142-141‬‬


‫‪ -4‬انظر حقيقة المواقف الشيوعية ص ‪.31‬‬

‫‪373‬‬
‫‪ -‬لقد كان التحاد السوفيتي قديما ً وغيره من الدول الشمميوعية الوربيممة‬
‫مصممدرا ً رئيسمميا ً للهجممرة اليهوديممة إلممى إسممرائيل‪ ،‬بالضممافة إلممى مئات‬
‫اللوف من غيرهم الذين جاءوا تمهيدا ً لنشاء دولة إسرائيل الكبرى كما‬
‫صرح شامير علنية‪.‬‬
‫‪ -‬في كتاب صدر في لندن عام ‪ 1974‬ذكر صاحبه الموظف السابق‬
‫بالستخبارات الروسية في مصر ساخاروف‪:‬أن الروس كتموا في حرب‬
‫‪1967‬م معلومات خطيرة جدا ً عن الحرب مع إسرائيل عن القيادة‬
‫المصرية‪ ،‬مما كان سببا ً في تدمير الطيران المصري من قبل الطيران‬
‫)‪(1‬‬
‫السرائيلي‪.‬‬
‫‪ -‬بعد هدنة حرب ‪1948‬م قدم إلى فلسطين المحتلة عشرون ألف‬
‫مسلح يهودي من الدول الشيوعية‪ :‬بولونيا‪ ،‬ورومانيا‪ ،‬وبلغاريا‪،‬‬
‫وتشيكوسلوفاكيا‪ ،‬وكانت تشيكوسلوفاكيا أّول من أرسل كميات ضخمة‬
‫من السلح لسرائيل‪ ،‬وكان هذا السلح مساعدا ً لليهود في تثبيت‬
‫أقدامهم في مناطق شاسعة من أرض فلسطين)‪.(2‬‬
‫أما عن السلح الروسي الذي زودت به بعض الدول العربية‪ ،‬فإن خير‬
‫ضح حقيقته هم الروس أنفسهم‪ ،‬وإليك بعض تصريحاتهم‪:‬‬ ‫من يو ّ‬
‫‪ -1‬تصريح أدلى به الملحق العسكري الروسي في باريس سنة ‪1964‬م‬
‫بتاريخ ‪ 22‬كانون الثاني إلى صحيفة "معاريف" السرائيلية‪ ،‬جاء فيه‪:‬‬
‫"إن إسرائيل تستطيع أن تشتري منا السلح‪ ،‬فالقضية عندنا هي‬
‫المتاجرة به‪ ،‬ونحن نبيع الجمهورية العربية المتحدة ‪-‬مصر‪ -‬وغيرها ممن‬
‫يبحث عن السلح‪..‬إننا على أتم الصلت بإسرائيل ولم يصدر عنا ولن‬
‫يصدر مع مصر أو غيرها ما يسيء أو يضر بالكيان السياسي المستقل‬
‫لسرائيل‪ .‬هذه هي القاعدة في سياستنا نحو الشرق الوسط‪...‬نحن‬
‫أعربنا عن تأييدنا لسرائيل بالسلح أيضا ً وبالعتاد والرجال في أشد‬
‫أوقات الزمة الفلسطينية يوم كانت حركة التحرير الوطني اليهودية في‬
‫أمس الحاجة إلى هذا العون‪ ،‬إن ما قدمنا ونقدمه لمصر من سلح هو‬

‫‪ -1‬انظر المصدر السابق ص ‪.40‬‬


‫‪ -2‬انظر المصدر السابق ص ‪.47‬‬

‫‪374‬‬
‫لغراض دفاعية‪ ،‬ولن نسمح باستخدامه ضد إسرائيل‪ ،‬وإذا احتاجت‬
‫إسرائيل السلح منا فليس لدينا ما يمنع من أن نبيعها إياه‪ ..‬لتطمئن‬
‫إسرائيل‪ ،‬فالتحاد السوفيتي يدرك أن بقاء إسرائيل قوة عزيزة هو أمر‬
‫ضروري لسياستنا في المنطقة العربية‪ ،‬ومصالحنا متجانسة مع‬
‫مصالحكم‪ ،‬إننا نرعى الشتراكية العربية تعزيزا ً لمصلحة إسرائيل‬
‫أيضًا‪.(1)"...‬‬
‫‪ -2‬تصريح السفير السوفيتي "ديمتري شوفاخين" في المؤتمر السنوي‬
‫اليهودي العالمي الذي انعقد في تل أبيب‪ ،‬في شهر مارس ‪1966‬م‪،‬‬
‫وقد نقلته مجلة "الجوين كرونيكل" في العدد ‪18/3/1966‬م‪ ،‬ومجلة‬
‫"اليكونومست" البريطانية في نفس العدد‪ .‬جاء فيه‪" :‬أقول لكم‬
‫ب‬‫بصراحة إن التحاد السوفيتي حكومة وشعبا ً بل نفاق ول رياء يح ّ‬
‫إسرائيل حبا ً جمًا‪ ،‬ومعجب أشد العجاب بكل ما حققته من عمران‬
‫وبناء وعدالة وسؤدد في أرض الباء والجداد اليهود‪...‬إننا نحارب الحلف‬
‫السلمي‪ ،‬ونجند لذلك كل الصوات العربية الشتراكية القوية‬
‫لمكافحته‪ ،‬فانهزام العصبية العربية الدينية والقومية مفيد جليل الفائدة‬
‫لسرائيل ولنصارها من اليهود في كل مكان‪ ،‬وفي التحاد السوفيتي‬
‫بصفة استثنائية‪...‬إننا سنتعمد ونسعى وسننجح في معادلة القوة‬
‫السرائيلية بالقوة العربية وخصوصا ً في مسمألة التسملح المذري‬
‫فاطمئنموا‪ .‬وسمياسة التحماد السوفيتي همو تجميمد الطاقمات العسكرية‬
‫في الشرق الوسط‪ ...‬والتحاد السوفيتي قادر على ضبط أي شطط‬
‫عربي‪ ..‬ول نعتقد أن الجانب العربي الشتراكي التقدمي سيشتط في‬
‫)‪(2‬‬
‫العداء لسرائيل"‪.‬‬
‫‪ -3‬تصريح المستشار الول في السفارة الروسية في إسرائيل‪ ،‬وقد‬
‫نشرته صحيفة "هما آرتس" السمرائيلية يموم ‪ 14‬فبرايمر ‪1965‬م‪ ،‬جماء‬
‫فيمه‪" :‬لم نقمدم السلح لبعض الدول العربية إل بما يكفي لحاجات‬

‫‪ -1‬الكيد الحمر ص ‪ ،146-145‬الشيوعية منشأ ً ومسلكا ً ص ‪ ،97‬حركممات ومممذاهب‬


‫في ميزان السلم ص ‪.29‬‬
‫‪ -‬الكيد الحمر ص ‪.147-146‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪375‬‬
‫الدفاع ل الهجوم‪ ،‬وعلى الشعب في إسرائيل أن يتذكر أن التحاد‬
‫السوفيتي كان أول من دعا إلى حظر توريد السلح إلى الشرق العربي‬
‫عام ‪1957‬م ونحن مستعدون لحظر السلح عن المنطقة العربية‪ ..‬لكن‬
‫حركات التحرير اليسارية في العالم العربي تحتاج إلى السلح لتكافح‬
‫الرجعية العربية وتقضي عليها وعلى كل من يساعدها‪ ،‬إن القضاء على‬
‫الرجعية العربية سيزيل خطر العدوان العربي على إسرائيل‪ ،‬لن‬
‫النظمة والحركات التقدمية اليسارية في البلد العربية ل تريد العدوان‬
‫على إسرائيل")‪.(1‬‬
‫‪ -4‬تصريح رئيس روسيا السابق ألكس كوسيغن في خطاب ألقاه في‬
‫مدينة مدينسك السوفيتية يوم ‪ 15‬فبراير عام ‪1968‬م‪ ،‬جاء فيه‪" :‬نحن‬
‫لسنا أنصار حرب جديدة في الشرق الوسط‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬نريد‬
‫سلما ً مستقرا ً في المنطقة‪ ،‬وهناك بعض الدول العربية تؤيد هذا‬
‫الموقف‪ ،‬إننا نرفض تصفية إسرائيل‪ ،‬بل نؤيد استمرار إسرائيل‬
‫)‪(2‬‬
‫كدولة"‪.‬‬
‫م إن أمريكا وبريطانيا تبيع السلح لكثير من الدول العربية‪،‬‬ ‫ث ّ‬
‫وبعضها دول مجاورة لسرائيل اشتركت في حرب ‪1967‬م‪ ،‬وأمريكا‬
‫اليوم تبيع السلح لمصر والردن والسعودية والكويت وغيرها‪ ،‬فهل‬
‫أمريكا دولة معادية لسرائيل‪ .‬إنها التجارة التي تمتص الثروات العربية‬
‫عن طريق السلح المقيد عن الحركة النافعة للشعوب العربية‪ ،‬السلح‬
‫الملجم عن التحرك الفعال ضد إسرائيل‪ ،‬السلح الذي يستهلك في‬
‫الصراعات العربية‪ ،‬السلح الذي يشاهد في العروض العسكرية‬
‫والحتفالت القومية‪ ،‬إنه السلح الذي يستخدم لضرب ومقاومة‬
‫الحركات والصحوة السلمية‪ ،‬إنه السلح الذي يبدد القتصاد للدول‬
‫العربية ويبدد ثرواتها‪ ،‬ويجعلها واقعمة تحت الملءات السياسية للدول‬
‫المصدرة له‪ ،‬إنه السلح الذي يثقل كاهل الدول العربية بالديون‬
‫والتزاماتها السياسية‪ ،‬وما ينتج عنها من خراب اقتصادي والضن بلقمة‬

‫‪ -‬حركات ومذاهب في ميزان السلم ص ‪.30-29‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -‬المصدر السابق ص ‪.30‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪376‬‬
‫العيش لكثير من الشعوب العربية المقهورة‪ ،‬وعلى حساب رفاهية‬
‫شعوبها ونمو اقتصادها‪.‬‬
‫ول معظمه في حرب ‪1967‬م‪ ،‬وفي‬ ‫إّنه السلح الروسي الذي تح ّ‬
‫غزو إسرائيل لبنان عام ‪1982‬م للمخازن السرائيلية بعد أن بذل‬
‫ملت في سبيل شرائه الشعوب‬ ‫العرب في شرائه الموال الباهظة‪ ،‬وتح ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫الديون المثقلة لكاهلها‪.‬‬

‫الشيوعيون العرب وفلسطين‪:‬‬


‫ن الشيوعية هي وليدة اليهودية‪ ،‬وأن الحزاب الشمميوعية فممي‬ ‫عرفنا أ ّ‬
‫العالم العربي همي ممن صمناعة اليهمود‪ ،‬ثمم انضمم إليهما أبنمماء النصممارى‬
‫والمغفلممون مممن أبنمماء المسمملمين‪ ،‬ولممذا فممإنه مممن الطممبيعي أن تكممون‬
‫المواقف السياسية لهمذه الحمزاب لصمالح اليهمود ووجمودهم فمي قلمب‬
‫العالم السلمي‪ .‬والشواهد التي توصممم هممذه الحممزاب بالعممار والخممزي‬
‫كثيرة يمكن الطلع عليها في مظانها‪ ،‬وهنا نذكر بعضا ً منها‪-:‬‬
‫‪ -‬في سنة ‪1948‬م كتب الشيوعيون العرب من أبناء فلسطين إلى‬
‫موسكو‪" :‬إن جعل فلسطين وطنا ً قوميا ً لليهود هو الطريق الوحيد‬
‫)‪(2‬‬
‫والوسيلة الناجحة لبلشفة العالم العربي"‪.‬‬
‫‪ -‬عندما أعلنت روسيا عن تأييدها لتقسيم فلسطين سنة ‪1947‬م أّيد‬
‫الشيوعيون العرب التقسيم‪ ،‬ودافعوا عن موقف قبلتهم موسكو‪ ،‬يقول‬
‫خالد بكداش السكرتير العام للشيوعيين العرب‪" :‬الحكومات الرجعية‬
‫العربية هي المسؤولة‪ ،‬لقد عارضت التحاد السوفيتي الصديق حتى‬
‫اللحظة الخيرة‪ ،‬ولم تخطب وده‪ .‬صحيح أن اليهود ليسوا أمة لكنهم‬

‫مممرت إسممرائيل معظممم الطيممران المصممري المشممترى مممن‬


‫‪ -‬فممي حممرب ‪1967‬م د ّ‬
‫‪1‬‬

‫روسيا‪ ،‬واستولت إسرائيل على آلف الدبابات المصرية الممتي حشممدت فممي صممحراء‬
‫سيناء‪ ،‬وفي عام ‪1982‬م أثناء غزوها للبنان استولت إسرائيل علمى كميممات ضممخمة‬
‫من السلحة التي كانت بحوزة المنظمات الفلسطينية‪.‬‬
‫‪-2‬السرطان الحمر ص ‪.106‬‬

‫‪377‬‬
‫)‪(1‬‬
‫شعب له حق الحياة"‪.‬‬
‫ولقد كشف رفيق رضا ‪-‬عضو قيادة الحزب الشيوعي اللبناني‬
‫السوري ومساعد خالد بكداش‪ -‬عن مواقف هذا الحزب‪ ،‬فقال‪" :‬كانت‬
‫قيادة الحزب الشيوعي بمثل حماس ابن غوريون على بعث الدولة‬
‫اليهودية في فلسطين‪..‬والشعب السرائيلي المشرد لبد وأن يلتقي في‬
‫أرض الميعاد‪ ،‬ووجود إسرائيل له في عرفها مبرراته النسانية التي‬
‫تتخطى المبررات الوقائع القومية"‪.‬‬
‫‪ -‬كان الشيوعيون العرب يرون أن اليهود مظلومون‪ ،‬ويعتبرون الدفاع‬
‫عن فلسطين رجعية دينية ومؤامرة ضد اليهود‪.‬‬
‫‪ -‬لقد رفض الشيوعيون العراقيون بإباء محاربة الشعب السرائيلي‬
‫الشقيق‪ ،‬وقال سكرتير الحزب في العراق يوسف سلمان الملقب‬
‫بفهد‪" :‬مرحبا ً بإنشاء دولتين عربية ويهودية في فلسطين‪ ،‬واشترط لهما‬
‫الشتراكية والتحالف ضد الرجعية الدينية العربية"‪.‬‬
‫وخرج الشيوعيون العراقيون في مظاهرات سنة ‪1948‬م ينددون‬
‫بالجيوش العربية التي تحارب اليهود المظلومين‪.‬‬
‫‪ -‬في ‪ 15‬مايو سنة ‪1948‬م كتبت المنظمة الشيوعية المصرية تحت‬
‫عنوان‪:‬غزت جيوش البلد العربية فلسطين‪" .‬وهذه الحرب حرب رجعية‬
‫تخدم البرجوازية العربية بكبت البروليتاريا الصاعدة )اليهود( الثورية في‬
‫فلسطين"‪.‬‬
‫‪ -‬في سنة ‪1957‬م ألقى فؤاد نصار سكرتير الحزب الشيوعي الردني‬
‫محاضرة في الجفر بالردن قال فيها‪ :‬إننا نعلم ويعلم الجميع بأن‬
‫إسرائيل أمر واقع‪ ،‬ودولة لها كيانها السياسي والقتصادي والعسكري‪.‬‬
‫وأن اليهود شعب كباقي الشعوب‪ ،‬له حق الحياة‪ ،‬وأنا أعترف باليهود‬
‫)‪(2‬‬
‫كدولة‪ ،‬لن الشمس ل تغطى بغربال"‪.‬‬

‫‪-1‬المصدر السابق ص ‪.107‬‬


‫‪-2‬انظر هذه المواقف والقمموال وغيرهمما‪ :‬السممرطان الحمممر د‪ .‬عبممد اللممه عممزام ص‬
‫‪ ،118-108‬وقممد نقممل معظمهمما عممن كتمماب التاريممخ السممري للعلقممات الشمميوعية‬
‫الصهيونية ص ‪.171-170‬‬

‫‪378‬‬
‫الشيوعية خيانة عظمى للدين والوطن وعمالة للستعمار‪:‬‬
‫بعد دراسممتنا للشمميوعية ومواقفهمما مممن الممدين والخلق‪ ،‬ومواقممف‬
‫الشيوعيين من السمملم والمسمملمين‪ ،‬وقضمماياهم‪ ،‬وعلممى رأسممها قضممية‬
‫فلسممطين‪ ،‬أل يحممق للبمماحث المنصممف أن يحكممم بارتممداد المنتميممن‬
‫للشمميوعية عممن الممدين‪ ،‬ووصمممهم بالخيانممة العظمممى للمموطن والمممة‪،‬‬
‫وبالعمالة للستعمار الشيوعي البغيض الذي هو أشممد فظاعممة وشراسممة‬
‫من الستعماريين الصليبي واليهودي‪ ،‬وشواهد العصر تؤكد ذلك‬
‫ن الذي ينتمي إلى التيارات الماركسية في البلد السلمية ينتمي‬ ‫إ ّ‬
‫إلممى غيممر ديممن أمتممه وهممو معممول هممدم شمماء أم أبممى فممي جسممم المممة‬
‫المسلمة‪ ،‬إنه بارتباطه بالشيوعية يرتبط بكيمان أجنممبي يضمممع المصمملحة‬
‫)‪(1‬‬
‫الشيوعية فموق المصلحة الوطمنية والعربيمة والسملمية‪.‬‬
‫أليس البيان الشيوعي يقول‪" :‬ليس للعمال وطن‪ ،‬يا صعاليك العالم‬
‫اتحدوا"‪ ،‬أليس الزعيم الشيوعي ستالين هو القائل‪" :‬إن من واجب‬
‫الشيوعي في كل الحوال أن يناضل ضد الوطنية الضيقة‪ ،‬وأن ل يحصر‬
‫نفسه في حركته المحدود الفق")‪ .(2‬إن إطلق الحزاب الشيوعية‬
‫السماء والمصطلحات غير الشيوعية على نفسها‪،‬وارتداء ثوب الوطنية‬
‫والتقدمية والديمقراطية لن يغير من طبيعتها وحقيقتها‪ ،‬وإن ممارسة‬
‫زعماء الحزاب اليسارية الشيوعية وبعض قادتها للشعائر التعبدية‬
‫بشكل علني ليراهم الناس‪ ،‬هي حيلة مكشوفة‪ ،‬ومهادنة مؤقتة أملتها‬
‫عليهم الصحوة السلمية من جهة‪ ،‬والمخطط الشيوعي الذي كشفت‬
‫)‪(3‬‬
‫كشف النقاب عنها سنة ‪1967‬م‪.‬‬ ‫عنه الوثائق السرية التي ُ‬
‫يا شباب السلم‪ :‬عرفتم ما تريده الشيوعية الملحدة من‬

‫‪-1‬لقد أثبت عدد من الباحثين في الفكر الشيوعي ‪-‬اعتمادا ً علممى الوثممائق والمصممادر‬
‫الصيلة‪ -‬عمالة الحزاب الشيوعية في البلد العربية لكل مممن السممتعمار الشمميوعي‬
‫واليهودي‪ .‬انظر‪ :‬الشيوعية منشأ ً ومسلكا ً دنممدل جممبر ص ‪ ،188-148‬الكيممد الحمممر‬
‫ص ‪.136-121‬‬
‫‪ -2‬انظر حركات ومذاهب في ميزان السلم ص ‪.32‬‬

‫‪379‬‬
‫استئصال لشأفة السلم من قلوبكم ومن واقع حياتكم ومن‬
‫المجتمعات السلمية‪ ،‬فليكن الواحد منكم على حذر منها‪ ،‬وكراهية‬
‫وبغضا ً لها‪ ،‬وإعراضا ً عنها‪ ،‬وعن الحزاب اليسارية التي تتبناها‪ ،‬لتبقى‬
‫للمسلم عقيدته وشخصيته السلمية المستقلة المتميزة‪ ،‬وصدق الله‬
‫العظيم إذ يقول‪):‬كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف‬
‫وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله( آل عمران‪.110 :‬‬

‫انظر هذه الوثيقة‪ :‬الشباب المسلم في مواجهة التحديات عبد الله علمموان ص ‪41‬‬ ‫‪3‬‬

‫وما بعدها‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫الباب الخامس‬
‫السلم ومستقبل البشرية‬
‫الفصل الول‪ :‬سقوط الشيوعية والحضارة‬
‫الغربية‬

‫الفصل الثاني‪ :‬المستقبل للسلم‬

‫‪381‬‬
‫الفصل الول‬
‫سقوط الشيوعية والحضارة الغربية‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫استعرضنا في البواب الثلثة السابقة حاضر العالم السلمي‪،‬‬
‫وتبين لنا أن هذا العالم يمر بفترة سيئة جدًا‪ ،‬نتيجة النحراف عن منهج‬
‫الله عز وجل‪ ،‬والبعد عن أسباب المنعة والعزة والسيادة‪ ،‬ونتيجة الغزو‬
‫الفكري الذي تمثله أجنحة متعددة‪ ،‬مذاهب فلسفية وحركات هدامة‪،‬‬
‫وعقائد وأفكار جاهلية‪.‬‬
‫ن العالم السلمي يعاني من الضعف والذل والهوان والضياع وغلبة‬ ‫إ ّ‬
‫العداء من الصليبيين واليهود‪ ،‬كما يعاني من أزمات اقتصادية‪ ،‬وأزمات‬
‫سياسية‪ ،‬وأزمات اجتماعية وأخلقية‪ ،‬وأزمات فكرية وروحية‪.‬‬
‫والسؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬هل المتوقع لفترة السوء أن تستمر‬
‫على ما هي‬
‫عليه‪ ،‬أما آن لليل أن يمحي‪..‬أما آن للفجر أن يبزغ؟‬
‫إن بعض الغيورين من أبناء المسلمين قد يصيبهم اليأس من عودة‬
‫العالم السلمي إلى المسار الصحيح‪ ،‬لما يرون من مكر العداء‬
‫وجهودهم في محاربة السلم وأهله‪ ،‬ولما يرون من بعد الناس عن دين‬
‫الله تعالى الذي ارتضاه للبشرية‪.‬‬
‫إن المسلم الصادق يدرك أن سعادة البشرية وشفاءها مما هي فيه‬
‫هو باتباعها الدين الحق‪ ،‬وأن هذا الدين لبد أن يأخذ دوره في مسيرة‬
‫الحياة البشرية‪ ،‬نعم لقد جاء دور السلم ليتقدم‪ ،‬إن المستقبل لدين‬
‫الله تعالى‪ ،‬لنه وحده القادر على إنقاذ البشرية من الخطار الماحقة‪.‬‬
‫إن كثيرا ً من المؤشرات‪ ،‬وكثيرا ً من المبررات تشير إلى قرب‬
‫قيادة السلم للبشرية في مستقبلها القريب‪.‬‬
‫ضح تلك‬‫وفي الفصول القادمة نعالج هذه المؤشرات‪ ،‬ونو ّ‬
‫المبررات‪ ،‬ونستعين أيضا ً بالمبشرات من الكتاب والسنة والحياة‬
‫المعاصرة‪...‬ومن هذه المبشرات انهيار المذهب الشيوعي‪ ،‬وقرب انهيار‬
‫الحضارة الغربية المعاصرة‪.‬‬

‫‪382‬‬
‫المبحث الول‪ :‬سقوط الشيوعية‪:‬‬
‫لقد أصدر ماركس وإنجلز مؤسسا المذهب الشيوعي البيان‬
‫الشيوعي "المانغستو" سنة ‪1848‬م‪ ،‬وسادت الشيوعية في روسيا منذ‬
‫عام ‪1917‬م‪ ،‬ثم بعد ذلك سادت في دول غيرها…لكن الشيوعية بعد‬
‫مائة وخمسين سنة من بيانها الول‪ ،‬وبعد ثمانين سنة من ثورتها‬
‫البلشفية‪ ،‬قد تهاوت وانهارت‪ ،‬لقد سقطت الشيوعية نظريًا‪ ،‬وهي لم‬
‫تزل وليدة‪ ،‬لنها تحمل في طياتها عوامل السقوط والنهيار والفناء‪،‬‬
‫وسقطت الشيوعية تطبيقًا‪ ،‬رغم كل وسائل القسر والعنف‪ ،‬والقتل‪،‬‬
‫والتآمر‪ ،‬والتدبير في الخفاء‪ ،‬ثم سقطت بانحسارها وتراجعها عن‬
‫معظم البلد التي سيطرت الشيوعية فيها‪ (1).‬وأبرز ملمح هذا السقوط‬
‫تفكك المبراطورية السوفيتية وعودة الناس إلى أديانهم ومعتقداتهم‬
‫السابقة‪.‬‬
‫ن انهيار المذهب الشيوعي في ذاته لبد أن يوضع في المبشرات‬ ‫إ ّ‬
‫بأن المستقبل للسلم‪ ،‬فلقد كانت الشيوعية فتنة لكثير من شباب‬
‫العالم السلمي‪ ،‬بل كانت أمريكا ذاتها تستخدم الشيوعية في مناطق‬
‫نفوذها لتحارب بها السلم‪ ،‬وكانت تضع وسائل العلم في أيدي‬
‫الشيوعيين‪ -‬وما زالت وسائل العلم في بعض البلد العربية بيد‬
‫الشيوعيين‪ -‬ليشوهوا صورة السلم في نفوس الشباب ويفتنوهم عنه‪،‬‬
‫ومهما يكن في جعبة اليهود ‪-‬مبتدعي الشيوعية‪ -‬من بدائل لفتنة الناس‬
‫عن الدين‪ ،‬فإن انهيار النظام الذي كان قائما ً على اللحاد‪ ،‬هو دفعة‬
‫للتجاه الديني في الرض كلها‪ ،‬ودفعة للتيار السلمي في أرض‬
‫السلم)‪.(2‬‬

‫‪ -1‬لم تبق سوى الصين وكوبمما تممدينان بالمممذهب الشمميوعي‪ ،‬ولممو أعطيممت الشممعوب‬
‫هنمماك الخيممار للحقممت بغيرهمما مممن شممعوب التحمماد السمموفيتي وألمانيمما ورومانيمما‬
‫ويوغسلفيا وألبانيا‪.‬‬
‫‪ -2‬رؤية إسلمية لحوال العالم المعاصر محمد قطب ص ‪.244‬‬

‫‪383‬‬
‫وأصبحت الشيوعية في البلد غير الشيوعية تعاني أزمة التحجر‬
‫والجمود‪ ،‬وتقابل بالسخرية والستهزاء والنفور‪ ،‬لدرجة أن الحزاب‬
‫الشيوعية بدأت تتلون في فكرها‪ ،‬وتغّير في أسمائها ومصطلحاتها‬
‫وشعاراتها‪ ،‬لكّنها مع ذلك كله فقدت هويتها وصبغتها ‪-‬اللهم‪ -‬إل تمسكها‬
‫باللدينية واللحاد‪ ،‬لن البديل عنه اليمان بالله تعالى ربا ً وخالقًا‪..‬‬
‫)وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد( سورة الحج‪،16 :‬‬
‫)ذلك بأنهم استحبموا الحياة الدنيا على الخمرة وأن الله ل يهدي القوم‬
‫الكافرين( سورة النحل‪)،107 :‬ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من‬
‫الله إن الله ل يهدي القوم الظالمين( سورة القصص‪) 50 :‬إن تحرص‬
‫على هداهم فإن الله ل يهدي من يضل وما لهم من ناصرين( سورة‬
‫النحل‪) ،37 :‬قل إن الله يضل من يشاء ويهدي إليه من أناب( سورة‬
‫الرعد‪.27 :‬‬
‫عوامل وأسباب سقوط الشيوعية‪:‬‬
‫قلنا سابقا ً أن الشيوعية تحمل عوامل فنائها وانهيارها نظريا ً ‪-‬ذاتيا ً‬
‫وداخليًا‪ -‬وأنهما فشملت تطبيقيًا‪ ،‬لن ما كان منهمارا ً في الداخمل‬
‫يسمتحيل إيجماده علمى أرض الواقمع التطبيقي‪ ،‬ثم هناك أسباب‬
‫وعوامل خارجية تتمثل في المجابهة للشيوعية من قبل الشعوب‬
‫المسلمة‪ ،‬وغيرها من الشعوب التي ابتليت بها أو بأحزابها وتنظيماتها‪.‬‬
‫ل‪ :‬السباب الذاتية لسقوط الشيوعية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫أ ‪ -‬مجافاتها للعلم وحقائقه‪:‬‬
‫أطلق كارل ماركس على نظريته اسم "الشتراكية العلمية" لنه‬
‫اعتمد حسب زعمه على مجموعة من المفاهيم العلمية‪ ،‬ولكنها في‬
‫الواقع هي مجموعة فرضيات العلم التجريبي التي كانت ول تزال لم‬
‫ترق إلى مستوى الحقائق العلمية‪ ،‬إذ لم يلبث أن جرفها وحطمها‬
‫التقدم العلمي الذي وصل إليه النسان في القرن العشرين‪.‬‬
‫ن الماركسية من الوجهة النظرية تقوم على جهالة علمية منقطعة‬ ‫إ ّ‬
‫النظير‪ ،‬تقوم على جهالة عميقة بالنفس البشرية وطبيعتها وتاريخها‪،‬‬
‫وعلى جهالة عميقة بالحقيقة الكونية من حيث تفسير الكون والحياة‪،‬‬

‫‪384‬‬
‫ولم تقم على أساس واقع عملي في الحياة التي يزاولها البشر‪ ،‬ولذا‬
‫اضطرت الماركسية عند التطبيق العملي أن تتخلى عن أهم مقدساتها‪،‬‬
‫عبر سلسلة من التعديلت والتراجعات والترميمات‪ ،‬فحتمية العامل‬
‫القتصادي في صناعة التاريخ البشري وتوجيهه تحطمت‪ ،‬وتراجع‬
‫)‪(1‬‬
‫الماركسيون أنفسهم عن القول به‪.‬‬
‫ن أول أعمدتها المنهارة اعتبار النسان كيان مادي خالص‪ ،‬وأن‬ ‫إ ّ‬
‫قوانين المادة صالحة للتطبيق عليه‪ ،‬لقد أثبت العلماء أن الكيان‬
‫النساني هو كيان مستقل بذاته‪ ،‬وأن قوانين التجارب المادية ل تصلح‬
‫دمها دارون في نظريته بشأن‬ ‫للتطبيق عليه‪ ،‬وأن الفرضيات التي ق ّ‬
‫العلقة بين النسان والقرد قد انهارت‪ ،‬وتبين للعلماء المختصين‬
‫فسادها)‪.(2‬‬
‫يقول الفيلسوف هكسلي‪":‬كانت الشيوعية أكثر تنسيقا ً وملئمة‪،‬‬
‫ولكن أساسها المادي المحض قد حد ّ من فاعليتها‪ ،‬فقد حاولت أن تنكر‬
‫)‪(3‬‬
‫حقائق القيم الروحية‪ ،‬وهذه القيم موجودة قائمة"‪.‬‬
‫‪ -‬لقد تلقت النظرية الشيوعية ضربات موجعة من حقائق العلم‪ ،‬التي‬
‫أثبتت أن الزمن تجماوز الشيوعية لقيامهما على فروض علمية قمد‬
‫تغّيرت‪ ،‬ومن أدلمة ذلك شمهادات العلمماء المختصين الروس التي‬
‫أحدثت شرخا ً كبيرا ً في البناء العلمي المزعوم للفكر الشيوعي‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪ :‬أن "ألكسندر إيفانوفيتش أوبارين" أستاذ الكيمياء الحيوية في‬
‫معهد العلوم السوفيتية ورئيس المعهد نفسه الذي بحث طوال سبع‬
‫وثلثين سنة‪:‬إذا كان من الممكن إيجاد الخلية الولى عن طريق تفاعمل‬
‫كيميائي قد أعلن "أن الحياة ل يمكن أن تبدأ من العدم‪ ،‬أو أن تتوالد‬
‫من التفاعل الكيميائي والتوالد الذاتي‪ ،‬وأن العلم ل يمكن أن يخوض‬

‫‪ -1‬انظر المستقبل لهذا الدين سيد قطب ص ‪ ،51 - 50‬هزيمة الشيوعية في عالم‬
‫السملم‪ :‬أنور الجندي ص ‪.73-72‬‬
‫‪ -2‬انظر هزيمة الشيوعية في عممالم السمملم ص ‪،63‬م ‪ ،69‬هنمماك عشممرات البحمماث‬
‫العلمية التي تحدثت عن فساد نظرية دارون‪.‬‬
‫‪ -3‬المصدر السابق نفسه‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫فيما وراء حدود المادة"‪ ،‬وقد تناقلت وكالت النباء العالمية هذا العلن‬
‫)‪(1‬‬
‫العلمي الخطير‪ ،‬وفي مقدمتها وكالة النباء السوفيتية "تاس"‪.‬‬
‫ومن ذلك أّنه أعلن أربعون عالما ً شيوعيا ً روسيا ً ‪-‬بعد أن اجتمعوا‬
‫في بداية الستينات في شكل مجتمع علمي لدراسة أسس الماركسية‪:-‬‬
‫ول كثيرا ً على جدل المادة بعد أن تجاوزه العلم‪ ،‬وقد‬ ‫أّنه يجب أل يع ّ‬
‫سس الماركسية اللينينية" ووصل إلى مصر‪ ،‬ولقد‬ ‫صدر كتاب باسم "أ ّ‬
‫أصدرت القيادة الماركسية في روسيا قرارا ً بجمعه من السواق‪ ،‬وتم‬
‫طبعه مرة ثانية سنة ‪1963‬م بعد أن حذف منه الفصل الخاص بعدم‬
‫)‪(2‬‬
‫التركيز على جدل المادة كما توهمه ماركس وإنجلز‪.‬‬
‫ب ‪ -‬كذب تنبؤات كاهن الشيوعية الكبر كارل ماركس‪:‬‬
‫يزعم ماركس وشيعته أن تنبؤاته قامت على أسس علمية‪ ،‬ولكن‬
‫الواقع المشاهد عصف بهذه العلمية المزعومة‪ ،‬وجاءت حقممائق التاريممخ‬
‫مخالفة لنبوءات ماركس‪ ،‬كاشفة للكممذب وأوهممام الكذبممة وهممي كممثيرة‪،‬‬
‫ومن ذلك‪-:‬‬
‫‪ -‬تنبأ أن الثورة الشتراكية ستقوم في كل البلدان الرأسمالية المتطورة‬
‫وخاصة ألمانيا وإنجلترا‪ ،‬ولكن حممدث العكممس‪ ،‬إذ قمامت الشمميوعية فمي‬
‫روسيا المتخلفة صناعيًا‪ ،‬ودون أن تمر روسيا بالمرحلة الرأسمالية التي‬
‫هي حتمية في تاريخ البشر كممما زعممم أنصممار التفسممير المممادي للتاريممخ‪،‬‬
‫كذلك قامت الشيوعية فمي الصمين‪ ،‬وهمي أيضما ً دولمة زراعيمة متخلفمة‪،‬‬
‫وبقيت الدول الرأسمالية‪ ،‬كما هي ولم تنتقل إلى الشتراكية‪.‬‬
‫‪ -‬ومن نبوءات ماركس التي سقطت قوله‪ :‬إن العالم يسير في‬
‫الصناعة والتجارة نحو الحتكار‪ ،‬بحيث يأكل القوياء ضعفاء الملك‪ ،‬وأن‬
‫هذا الحتكار يستمر ويطرد في جميع الصمناعات‪ ،‬حتمى ينتهمي إلى‬
‫إلغماء الملكيمة الفرديمة‪ ،‬وممن العجيب أن روسميا الشيوعية سمحت‬

‫‪ -1‬سبق أن أشرنا إلى ذلك‪.‬‬


‫‪ -2‬انظر حوار مع الشيوعيين في أقبية السممجون‪:‬عبممد الحليممم خفمماجي ‪،142‬م ‪-144‬‬
‫‪ ،145‬هزيمة الشيوعية في عالم السلم‪:‬أنور الجندي ص ‪.64‬‬

‫‪386‬‬
‫بالملكية الفردية في بعض الشياء‪ ،‬كالسيارة والبيت وادخار بعض المال‬
‫في البنك)‪.(1‬‬
‫‪ -‬تنبأ ماركس بأن شقة الخلف ستتسع بين البرجوازية والبروليتارية في‬
‫الدول‬
‫الرأسمالية‪ ،‬إلى أن تحدث ثورة تقلب النظام الرأسمالي كله‪ ،‬وحدث‬
‫العكس‪ ،‬إذ حصل مزيد من التقارب من خلل الصلحات والنشطة‬
‫النقابية‪ ،‬بينما حصل الخلف وتفاقم في الدول الشتراكية سابقًا‪ :‬كما‬
‫حدث بين روسيا والصين‪ ،‬ورومانيا ويوغسلفيا‪ ،‬وألبانيا والمجر وبولندا‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫لقد انقسم المعسكر الشيوعي على نفسه وتناقض وتصارع‪.‬‬
‫‪ -‬لقد تنبأ ماركس بأن تستولي طبقة البروليتاريا ‪-‬طبقة العمال‬
‫الكادحة‪ -‬على مقاليد النظام والسلطة‪ ،‬وأن الحياة ستتحول إلى‬
‫شيوعية كاملة‪ ،‬ولكن لم يحدث شيء من ذلك‪ ،‬بل استبد الحزب‬
‫الشيوعي بالحكم والسلطة وزادت حالة العمال سوءًا‪ ،‬واشتد الفقر في‬
‫الدول الشيوعية ‪-‬سابقًا‪ -‬بصورة ملفتة للنظار‪ ،‬ولم تصل أي دولة منها‬
‫إلى حالة الشيوعية التي تختفي فيها الحكومة والجيش والسرة‪ ،‬وينعم‬
‫)‪(3‬‬
‫الناس بجنة الشيوعية‪.‬‬
‫ج ‪ -‬اصطدام النظرية بالفطرة البشرية‪:‬‬
‫ما كانت الماركسية تقوم على جهالة عميقة بالنفس البشرية‬ ‫ل ّ‬
‫وطبيعتها وتاريخها‪ ،‬كان من الضرورة أن تصطدم مع الفطرة البشرية‪،‬‬
‫وأن تجانب حقائقها‪ .‬إنها تصطدم مع الفطرة النسانية عندما تلغي‪:‬‬
‫الدين والملكية الخاصة‪ ،‬والسرة والحرية الفردية‪ ،‬وعندما تحاول‬

‫‪ -1‬هزيمة الشيوعية فممي عممالم السمملم أنممور الجنممدي ص ‪ ،68‬موقممف السمملم مممن‬
‫نظريممة ممماركس للتفسممير المممادي للتاريممخ أحمممد العوايشممة ص ‪ ،473‬النظريممة‬
‫الماركسية في ميزان السلم ص ‪.77‬‬
‫‪ -2‬انظر موقف السلم من نظرية ماركس ص ‪ ،474 - 473‬هزيمة الشيوعية فممي‬
‫عالم السلم ص ‪.69‬‬
‫‪ -3‬انظر المستقبل لهذا الدين سيد قطب ص ‪ ،51‬النظريممة الماركسممية فممي ميممزان‬
‫السلم ص ‪.78-77‬‬

‫‪387‬‬
‫القضاء على الخلق والكرامة النسانية‪ ،‬وعندما تفرض سلطانها‬
‫الفكري الزائف وسلطانها السياسي الرهيب عبر التصفيات الدموية‬
‫)‪(1‬‬
‫الرهيبة‪.‬‬
‫إن الشعوب التي اكتوت بالشيوعية ظلت فطرتها تقاومها مقاومة‬
‫عنيفة‪ ،‬على الرغم من طول خضوع هذه الشعوب للرهاب البوليسي‪،‬‬
‫وسيطرة الحزب الشيوعي القليمل العمدد على مقدرات البملد وأرزاق‬
‫العباد‪ ،‬وعلى الرغم من بلشفة الطفال والشباب والكبار عن طريق‬
‫المنظمات الخاصة ومن خلل أجهزة التوجيه ووسائل العلم ومناهج‬
‫التعليم التي سيطر عليها الحزب الشيوعي سيطرة كاملة‪ ،‬فقد قوبل‬
‫النظام الشيوعي بالكراهية والنفور من قبل الشعوب لصطدام النظرية‬
‫بالفطرة‪ ،‬ولم تعد تجدي كل وسائل الترويض والخضاع‪.‬‬
‫ن كل نظرية أو مذهب‪ ،‬أو نظام‪ ،‬ينتقص الفطرة أو يصطدم بها‬ ‫إ ّ‬
‫مصيره الفشل والسقوط‪ ،‬لن الشعوب لن تصبر طويل ً على ذلك‪.‬‬
‫وخير مثال على ذلك مظاهر الفرحة والسرور التي أبدتها الشعوب لما‬
‫سقطت الشيوعية وأنظمتها الحاكمة‪ ،‬ومظاهر البهجة والسرور التي‬
‫أبداها الناس في بولونيا الشيوعية في يونية عام ‪1979‬م عندما زار‬
‫البابا يوحنا بولس الثاني مسقط رأسه بولونيا‪ ،‬لقد كتبت الصحف‬
‫الغربية عن تلك الزيارة‪ ،‬فقالت تحت عنوان‪":‬اليام التسعة التي هزت‬
‫العالم"‪" ،‬لم تعد رحلة الوديسا التي قام بها على مدى تسعة أيام‬
‫مجرد فصل مثير في تاريخ البشرية بل أصبحت أكبر مجابهة في الزمنة‬
‫الحديثة بين القوى الملحدة والمشاعر اليمانية العارمة"‪.‬‬
‫ن الحنين إلى الله تعالى منغرز في أعماق الفطرة البشرية‪ ،‬ولن‬ ‫إ ّ‬
‫تستطيع أن تمحوه كل الفلسفات مهما حاولت ارتداء ثوب العلم‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ومهما استخدم الطغاة من أدوات الرهاب أو وسائل الغراء‪.‬‬
‫لقد أظهرت إحصائية للحزب الشيوعي اليطالي أن ‪ %70‬من‬

‫‪ -1‬هزيمة الشيوعية في عالم السلم ص ‪ ،63‬التجاهات الفكرية المعاصرة د‪ .‬علممي‬


‫جريشة ص ‪.176‬‬
‫‪ -2‬السلم ومستقبل البشرية د‪ .‬عبد الله عزام ص ‪.69‬‬

‫‪388‬‬
‫أفراده يترددون على الكنيسة‪ ..‬إنهم لم يقتنعوا بإنكار الله والديان كما‬
‫صورت لهم ذلك النظرية الشيوعية‪ ،‬ولم يستطيعوا أن يصمدوا طويل ً‬
‫أمام مشاعرهم المكبوتة وفطرهم المسحوقة المغمورة بالمكابرة‬
‫والعناد‪ ،‬فاضطروا للتخلص من ذلك كله وعادوا إلى الكنيسة‪ ،‬إلى دينهم‬
‫القديم تلبية لنداء الفطرة في نفوسهم‪ ،‬التي لم تستطع النظرية‬
‫)‪(1‬‬
‫الماركسية طمسه وإسكاته‪.‬‬
‫د ‪ -‬فشل النظرية في التطبيق‪:‬‬
‫إن الشيوعية في الواقع التطبيقي تتناقض مع أفكارها النظرية‬
‫دعت أنها قوانين‬ ‫التي ألبستها ثوب المنطق ورداء العلم كذبا ً وزورًا‪ ،‬ثم ا ّ‬
‫حتمية لطبيعة المجتمع البشري وإذا كمان الممر كما زعمت الشيوعيمة‬
‫فلماذا الرهماب والعممال الدمويمة‪ ،‬ولماذا الحكمم الستبدادي الذي لم‬
‫تعرف البشرية في تاريخها الطويل أبشع وأنكى منه‪ ،‬إّنه لو أردنا‬
‫محاكمة الشيوعية‪-‬لنقف على مدى البون الشاسع بين النظرية‬
‫والتطبيق‪ -‬لحتجنا إلى مجلدات كبار‪ ،‬ويكفي هنا أن نشير إلى اثنين من‬
‫السس والمبادئ الشيوعية‪ ،‬أحدهما يتعلق بالجانب القتصادي‪ ،‬والخر‬
‫يتعلق بالحرية ودكتاتورية البروليتاريا "الطبقة الكادحة"‪.‬‬
‫ل‪ :‬النهيار القتصادي في ظل النظام الشيوعي‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ن من أكبر أسباب انهيار الشيوعية وسقوطها‪ ،‬انهيار القتصاد في‬ ‫إ ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫البلدان التي ساد فيها النظام الشيوعي‪.‬‬
‫لقد بدأ النهيار في القتصاد الروسي مبكرا ً منذ أيام لينين‪ ،‬إذ‬
‫أعلن الرجل عام ‪1921‬م فشل تجربة إلغاء الملكية الفردية‪ ،‬وذلك‬
‫مس )‪ (1/5‬ما كان عليه‬ ‫خ ْ‬
‫نتيجة هبوط النتاج الزراعي والصناعي إلى ُ‬
‫قبل الثورة‪ ،‬ولمعالجة ذلك سمح لصغار المنتجين ببيع إنتاجهم لحسابهم‬

‫‪ -1‬المصدر السابق ص ‪.68‬‬


‫‪ -2‬انظر في ذلك‪ :‬الكيد الحمر للميممداني ص ‪ ،240-227‬م ‪ ،276-270‬السمملم فممي‬
‫وجه الزحف الحمر ص ‪ ،102-84‬رؤية إسلمية للعممالم المعاصممر محمممد قطممب ص‬
‫‪ ،208-207‬السرطان الحمر د‪ .‬عبد الله عزام ص ‪.150-145‬‬

‫‪389‬‬
‫الخاص‪ ،‬وألغى تأميم المؤسسات الصناعية الصغيرة‪ ،‬وسمح للشركات‬
‫أن تقيم مصانع مملوكة لها ملكية خاصة‪.‬‬
‫وحاول ستالين أن يتغلب على النهيار القتصادي بإحداث كسر في‬
‫المبادئ الشيوعية التي تقضي بالمساواة بين العمال في الجور‪ ،‬فسمح‬
‫للعمال بالشتغال فترة عمل إضافية مقابل أجر إضافي‪ ،‬ليتمكن العمال‬
‫شراء حاجيات ل توفرها لهم ساعات العمل الجباري‪.‬‬
‫قام ستالين بعمليممة التجميممع الزراعممي فممي الريممف عممبر اسممتخدام‬
‫القوة والتدابير القتصادية المدروسة‪ ،‬فأدت سياسته إلى مجاعممة عامممة‬
‫شديدة‪ ،‬مات بسببها خمسة مليين ونصف المليون من الرجال والنسمماء‬
‫والطفال‪.‬‬
‫ولقد تراجع القتصاد أكثر في زمن خرتشوف بهبوط النتاج‬
‫الزراعي‪ ،‬مما اضطر لحداث كسر آخر في المبادئ الشيوعية التي‬
‫تقضي بإلغاء الملكية الفردية إلغاًء تامًا‪ ،‬وجعل الملكية الجماعية بديل ً‬
‫عنها‪ ،‬فسمح خرتشوف للفلحين بملكية عشر المحصمول لذوات‬
‫أنفسهم‪ ،‬وامتلك الدار التي يسكنونها وما فيها من أثاث‪ ،‬كل ذلك لدفمع‬
‫الفلحين والمزارعين والعمال لزيادة إنتاجهم‪ ،‬ولكن ذلك لم يجد نفعًا‪،‬‬
‫فلم يتقدم القتصاد بل هبط النتاج الزراعي أكثر‪ ،‬مما دفع روسيا –التي‬
‫كانت دولة مصدرة للقمح‪ -‬إلى استجداء القمح من أعدائها‬
‫الرأسماليين‪ ،‬وبلغت كمية القمح المستوردة من أمريكا في زمن‬
‫خرتشوف وحده ‪ 15,8‬مليون طن‪.‬‬
‫ل فيها إنتاج العامل‪ ،‬ففي سنة‬‫وأما في رومانيا الشيوعية فقد ق ّ‬
‫‪1966‬م كان إنتاج العامل الروماني يساوي ثلث أو نصف إنتاج العامل‬
‫اليطالي أو الفرنسي أو اللماني‪ .‬وخسرت ‪ 1370‬سلعة ما يقرب من‬
‫‪ 240‬مليون جنيه‪ ،‬وفي سنة ‪1967‬م حدث عجز في ميزانية الدولة‬
‫يساوي ‪ 215‬مليون جنيه‪.‬‬
‫لقد كتب أندريه جيد ‪-‬أحد المتحمسين للشيوعية‪ -‬عن الوضع‬
‫المزري لجمهور الناس في روسيا بعد أن زارها‪ ،‬تحدث عن الفقر‬
‫الشديد المنتشر بين العمال والمزارعين‪ ،‬الذين جاءت الشيوعية من‬

‫‪390‬‬
‫أجل تخليصهم من ظلم القطاع‪ ،‬وكل ما فعلته لهم أنها زادتهم فقرا ً‬
‫على فقر‪ ،‬وظلما ً على ظلم‪ ،‬فعاشوا في حياة بائسة أليمة محزنة‪،‬‬
‫أفضل منها بكثير حياة بعض الحيوانات‪.‬‬
‫يقول دجيلس‪-‬الذي كان نائبا ً للرئيس اليوغسلفي السابق‬
‫ن القتصاد الشيوعي الموجه‪ ،‬تعصف بداخله فوضى رهيبة ذات‬ ‫تيتو‪" :-‬إ ّ‬
‫طابع متميز‪ ،‬ومنهج القتصاد الشيوعي من أكثر المناهج القتصادية في‬
‫تاريخ المجتمعات البشرية إسرافا ً وتبذيرًا‪ ،‬وهدرا ً للجهود والطاقات"‪،‬‬
‫وقرر دجيلس‪ :‬إن النظام الشيوعي دائم التخبط والنتكاس في المجال‬
‫القتصادي‪ ،‬وإن كثيرا ً من المصانع في الدول الشيوعية تنتج مواد‬
‫تكلفها أضعاف تكلفة نظيرها في الدول الخرى‪ ،‬وإن النظام الشيوعي‬
‫قد استنفد دوره التاريخي الفاشل‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬انعدام الحرية‪ :‬ودلئل ذلك كثيرة منها‪:‬‬
‫تفشي الدكتاتورية‪ ،‬والستبداد‪ ،‬والتصفيات الدموية‪،‬‬
‫والتعذيب‪ ،‬والنفي إلى معسكرات العممل الجماعمي فيما ُيعرف بنظام‬
‫السخرة‪ ،‬ولم يكن الرهماب الدموي والقتممل والتصفيات)‪ (1‬موجه فقط‬
‫للمسلمين والنصارى‪ ،‬بل كان لكل المعارضين للفكممر الشيوعي‪،‬‬
‫وللنظام الشيوعي‪ ،‬وللحزب الشيوعي‪ ،‬وأخيرا ً طالت معظم أبناء‬
‫الحزب الشيوعي نفسه‪ ،‬بل وأعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي‪،‬‬
‫ولم يسلم من ذلك الصحفيون والكّتاب والمفكرون والعلماء والفنانون‪.‬‬
‫ونذكر بعض المثلة على ذلك‪-:‬‬
‫‪ -‬لقد سحقت الثورة البلشفية عشرات المليين من أعدائها‪ ،‬ثم عادت‬
‫تصفي جنودها وأنصارها‪ ،‬ففي سنة ‪1934‬م كان أعضاء اللجنة‬
‫المركزية في روسيا ‪ 71‬شخصًا‪ ،‬لم يبقَ منهم سنة ‪1938‬م سوى ‪،21‬‬

‫‪ -1‬انظر وسائل الرهمماب والتعممذيب وضممحاياه فممي كممل مممن روسمميا والصممين‪ :‬الكيممد‬
‫الحمر للميداني ص ‪ ،336-243‬الطبقممة الجديممدة يملوفممان دجيلس‪ ،‬تقممديم فممدوى‬
‫قلعجي‪ ،‬الرهاب الكبير )قصة تصفيات ستالين في السممتينات( روبممرت كونكوسممت‪،‬‬
‫"الصنم الذي هوى" أندريه جيد وآخرون‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫وفي سنة ‪1936‬م كان مجلس الشعب ‪ 21‬شخصًا‪ ،‬لم يبقَ منهم بعد‬
‫سنتين سوى خمسة‪ ،‬والبقية قتلوا‪.‬‬
‫درت الحصائيات عدد ضحايا الرهاب الشيوعي في حكم‬ ‫‪ -‬لقد ق ّ‬
‫ستالين ‪-‬الممتد من سنة ‪ 1930‬إلى ‪1953‬م‪ -‬بما ل يقل عن ثلثين‬
‫ذب وهالك‪ ،‬بسبب‬ ‫مليون ضحية‪ ،‬ما بين مقتول ومسجون ومع ّ‬
‫المجاعات التي حدثت نتيجة السياسات القتصادية الفاشلة‪.‬‬
‫‪ -‬إن من البراهين الواضحة على انعدام الحرية في الدول الشيوعية‪:‬‬
‫ظاهرة هروب كثير من العلماء والمفكرين وغيرهم من الشخصيات‬
‫البارزة في مجالها إلى الدول الغربية‪ ،‬ومن لم يستطع الهروب فقد‬
‫تخلص من الحياة بالنتحار‪.‬‬
‫‪ -‬إن شعار‪" :‬الفرد سيصبح حرا ً بعد أن يتخلص من هم خبزه اليومي"‬
‫كان من الراجيف والضاليل التي استخدمتها الشيوعية في ترويج‬
‫بضاعتها المزجاة‪.‬‬
‫إن حرية النقد في المجتمع الشيوعي سواء في روسيا أو غيرها‬
‫معدومة جدًا‪ ،‬اللهمم إل ما تنشره الصحف ووسائل العلم المملوكة‬
‫للحزب الحاكم وفق خطة مبرمجمة‪.‬‬
‫‪ -‬ومن دلئل الحرية المزعومة‪ :‬وجود نظام للتجسس رهيب‪ ،‬لم يعرف‬
‫له مثيل في دول العالم‪ ،‬فكل فرد هناك جاسوس على غيره‪ ،‬وغيره‬
‫جاسوس عليه‪ ،‬ومن دلئل ذلك أيضًا‪ :‬السجون والمعتقلت في روسيا‬
‫والصين وما يحدث داخلها من عذاب وحشي واضطهاد مرّوع‪،‬‬
‫استخدمت فيها كل الوسائل التي تقشعر لهولها أبدان قارئيها‪ .‬كل ذلك‬
‫يحدث تحت ستار مظهري من النتخابات‪ ،‬والمجالس النيابية والتمثيل‬
‫الشعبي‪.‬‬
‫يقممول "دجيلس"‪:‬إن النتخابممات الممتي تجممري فممي ظممل الحكممم‬
‫الشيوعي مهزلة وأبهتها الفارغة معروفة تمام مًا‪ ،‬إنهمما سممباق يعممدو فيهمما‬
‫ن الذين يفوزون فيها‬ ‫حصان واحد‪...‬إنها فارغة من أي معنى أو محتوى‪،‬إ ّ‬
‫هم المنتقون بعنايممة فائقممة مممن قبممل الحممزب الشمميوعي الحمماكم‪...‬وأمما‬
‫البرلمممان فهممو هيكممل صمموري مهمتممه تنفيممذ مقممررات القيممادة الحزبيممة‬

‫‪392‬‬
‫العليا‪...‬ول يملك أعضاء البرلمان الجرأة لبحث القضايا الهامممة فممي جممو‬
‫من الحرية‪...‬إن أبلغ وصممف للبرلمانممات الشمميوعية أن يقممال‪:‬هممي قبممور‬
‫للنواب‪...‬وأي نظممام برلممماني آخممر ليممس لممه مكممان فممي دولممة البطممش‬
‫والرهاب‪.‬‬
‫ل‪" :‬إن النظام الشيوعي سحق كرامة النسان‪،‬‬ ‫ويضيف دجيلس قائ ً‬
‫وله إلى مجرد ترس في دولب‪ ،‬فاقد الشخصية الذاتية‪ ،‬والميزات‬ ‫وح ّ‬
‫الخاصة‪ ،‬في آلة حكومية ل ترحم‪ ،‬تدار حسب أهواء الزعيم‬
‫ن النظام الشيوعي استطاع أن يخنق الشخصية الفردية أكثر‬ ‫العلى"‪..‬إ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫من أي نظام آخر‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬السباب الخارجية لسقوط الشيوعية‪:‬‬


‫‪ -1‬استخدام الشيوعية للرهاب والقتل والدمار بصورة غاشمة تجاه‬
‫الدول والشعوب الخرى‪ .‬ومن ذلك أحداث المجر عام ‪1956‬م‪،‬‬
‫وأحداث تشيكوسلوفاكيا عام ‪1968‬م‪ ،‬وأحداث أفغانستان في‬
‫ول الجيش الحمر الشيوعي هذه البلد‬ ‫السبعينيات والثمانينات‪ ،‬حيث ح ّ‬
‫ول أكثر دورها إلى مقابر للضحايا‪ ،‬وملجئ لليتام‬ ‫إلى خراب ودمار‪ ،‬وح ّ‬
‫واليامى‪.‬‬
‫‪ -2‬التصدع والنزاع بين الدول الشيوعية نفسها‪ ،‬حيث انشقت الصين‬
‫على روسيا‪ ،‬وتبادلتما التهام بخيانمة المبادئ الشيوعيمة وممالة‬
‫المبريالية‪ ،‬وصارت العمداوة بيمن الصين وروسيا شديدة جدًا‪ ،‬لقد‬
‫وقفت الصين الشتراكية مع أمريكا المبريالية الرأسمالية ضد التحاد‬
‫السوفيتي الشتراكي‪ ،‬أي لم تستطع اليديولوجية الشيوعية أن‬
‫توحدهما على القل تجاه الخصم الرأسمالي‪ ،‬وحدثت انشقاقات أخرى‬
‫في الصف الشيوعي ومن أمثلتها خروج يوغسلفيا على روسيا‪،‬‬

‫‪ -1‬لقد نقممل الشمميخ عبممد الرحمممن الميممداني عممن "ميلوفممان دجيلس" أقمموال ً كممثيرة‬
‫تكشف الجحيم الشيوعي الذي يصله الفرد في ظل النظمة الشيوعية في كل مممن‬
‫روسيا والصين ويوغسلفيا وبولندا وغيرها‪ ،‬انظر الكيممد الحمممر للميممداني ص ‪-161‬‬
‫‪.240‬‬

‫‪393‬‬
‫وانضمامها لدول عدم النحياز‪ ،‬رافضة الزعامة الروسية للمعسكر‬
‫)‪(1‬‬
‫الشيوعي‪.‬‬
‫ولقد أثرت هذه الخلفات والمنازعات على الشيوعيين العرب‪،‬‬
‫فسمعنا من يقول عن نفسه‪ :‬أنا ماركسي‪ ،‬وآخر‪ :‬أنا ماركسي لينيني‬
‫وثالث‪ :‬أنا ماركسي ماوسوتنغي‪ ،‬وهكذا خربوا بيوتهم بأيديهم‪.‬‬
‫‪ -3‬الجهاد الفغاني‪ :‬لقد كان الجهاد الفغاني سببا ً جوهريا ً لنهيار‬
‫الشيوعية‪ ،‬وقد أغفلته المصادر الغربية‪ ،‬كراهية منها أن تذكره‪ ،‬حيث‬
‫استطاع شعب شبه أعزل أن يصمد أمام وحشية الدب الروسي‪،‬‬
‫واضطر روسيا في نهاية المطاف أن تسحب قواتها المنهارة معنويا ً‬
‫وعسكريا ً من أفغانستان‪ ،‬وهي تحمل في نفوسها معاني الذل‬
‫والصغار)‪.(2‬‬
‫‪ -4‬الصحوة السلمية من أسباب سقوط الشيوعية في البلدان‬
‫الشيوعية كروسيا‪ ،‬وفي البلد السلمية‪ ،‬وهذه الصحوة نتاج جهاد‬
‫طويل ودماء غزيرة‪ ،‬سالت على ثرى النيل‪ ،‬وسوريا‪ ،‬وفلسطين‪،‬‬
‫وأفغانستان‪ ،‬واليمن )الجنوبي(‪ ،‬والصومال‪ ،‬وإرتريا‪ ،‬وغيرها من البلد‬
‫التي اكتوت بنار الستعمار الشيوعي‪ ،‬وتسّلط الحزاب الشيوعية‪،‬‬
‫وتآمرها ضد مصالح الشعوب والمم المسلمة‪.‬‬
‫‪-5‬ويمكن أن نضيف إلى ما سبق من أسباب انهيار الشيوعية‪:‬الردة عن‬
‫الشيوعية والكفمر بأفكارهما ومبادئهما‪ ،‬وخاصة من قبل كثير من العلماء‬
‫والمفكرين الذين كانوا من أشد الدعاة أو المتحمسين لها أمثال‪:‬روجيه‬
‫جارودي الذي كان سكرتيرا ً للحزب الشيوعي الفرنسي‪ ،‬والكاتب أندريه‬
‫جيد الذي زار روسيا سنة ‪1936‬م‪ ،‬وعاد يائسا ً من الشيوعية‪ ،‬ورتشارد‬
‫رايت‪ ،‬وآرثر كستلر‪ ،‬واكنار سيلوني‪ ،‬وستيفن سيندر‪ ،‬ولويس فيشر‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ويملوفان دجيلس الذي كان نائبا ً للرئيس اليوغسلفي تيتو‪.‬‬

‫‪ -1‬التجاهات الفكرية المعاصرة ص ‪ ،177‬واقعنا المعاصر محمد قطب ص ‪.357‬‬


‫‪ -2‬رؤية إسلمية لحوال العالم المعاصر ص ‪.208‬‬
‫‪ -3‬وقد صّنف أندريه جيد مع هؤلء الخمسة كتاب "الصممنم الممذي همموى" تحممدثوا فيممه‬
‫عن فساد الشيوعية وقبائحها وفضائحها‪ .‬انظر الكيد الحمر للميداني ص ‪.33‬‬

‫‪394‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬سقوط الحضارة الغربية‪-:‬‬
‫عوامل انهيار الحضارات والمم‪-:‬‬
‫ن سقوط الحضارات وانهيارها وهلك المم وذهابها له أسبابه‬ ‫إ ّ‬
‫وعوامله المنسجمة مع سنن الله تعالى ونواميسه‪ ،‬والهلك نوعان‪،‬‬
‫الول‪ :‬هلك الخذ والستئصال‪ ،‬وقد توقف وانتهى ببعثة رسولنا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬قال تعالى‪" :‬وما أرسلناك إل رحمة للعالمين"‬
‫سورة النبياء‪ ،107 :‬والثاني‪ :‬هلك الهزيمة والنهيار والضياع‪ ،‬وهذا‬
‫النوع سنة باقية على المم حتى قيام الساعة‪ .‬ومن خلل دراسة تاريخ‬
‫المم السابقة التي ذهبت إلى غير رجعة‪ ،‬وباستقراء آيات القرآن‬
‫الكريم يتبين أن هلك المم وسقوط الحضارات يرجع في‬
‫الجملة إلى السباب التالية‪-:‬‬
‫‪ -1‬الكفر بالله تعالى ورسله‪ :‬قال تعالى‪" :‬كدأب آل فرعون‬
‫والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي‬
‫شديد العقاب" النفال‪ .52 :‬وبعد أن أخبر الله تعالى عن إهلك قوم‬
‫سبأ قال عز وجل‪" :‬ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إل الكفور"‬
‫سبأ‪.17 :‬‬
‫‪ -2‬التكذيب لهدى الرسل‪ :‬قال تعالى‪" :‬ولقد آتينا موسى الكتاب‬
‫وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا ً فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا‬
‫فدمرناهم تدميرا وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم‬
‫للناس آية واعتدنا للظالمين عذابا ً أليما ً وعادا ً وثمودا ً وأصحاب الرس‬
‫وقرونا بين ذلك كثيرًا" الفرقان‪ .38-35 :‬وقال تعالى‪" :‬قد خلت من‬
‫قبلكم سنن فسيروا في الرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" آل‬
‫عمران‪.137 :‬‬
‫‪ -3‬الظلم‪ :‬قال تعالى‪" :‬ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا‪"..‬‬
‫يونس‪ .13 :‬وقال تعالى‪" :‬فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة‪"..‬‬
‫الحج‪.45 :‬‬

‫‪395‬‬
‫‪ -4‬الفساد في الرض‪ :‬قال تعالى‪" :‬ثم بعثنا من بعدهم موسى‬
‫بآياتنا إلى فرعون ومله فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين"‬
‫العراف‪.103 :‬‬
‫‪ -5‬الستكبار في الرض‪ :‬قال تعالى عن فرعون وجنوده‪" :‬واستكبر‬
‫هو وجنوده في الرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا ل يرجعون فأخذناه‬
‫وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين" القصص‪:‬‬
‫‪.40-39‬‬
‫‪ -6‬انتشار الرذائل وفساد الخلق‪ :‬قال تعالى عن هلك قوم‬
‫لوط‪" :‬ولوطا ً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من‬
‫العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم‬
‫مسرفون"‪ ..‬ثم بين الله تعالى هلكهم فقال‪" :‬وأمطرنا عليهم مطرا ً‬
‫فانظر كيف كان عاقبة المجرمين" العراف‪.84-80 :‬‬
‫‪ -7‬استفحال الذنوب والمعاصي والفسق‪ :‬قال تعالى‪" :‬ألم يروا‬
‫كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الرض ما لم نمكن لكم‬
‫وأرسلنا السماء عليهم مدرارا ً وجعلنا النهار تجري من تحتهم فأهلكناهم‬
‫بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا ً آخرين" النعام‪ .6 :‬وقال تعالى‪" :‬أولم‬
‫يسيروا في الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا هم‬
‫أشد منهم قوة وأثارا ً في الرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من‬
‫الله من واق" غافر‪ .21 :‬وقال تعالى في هلك قوم ثمود‪" :‬فدمدم‬
‫عليهم ربهم بذنبهم فسواها ول يخاف عقباها" الشمس‪ .15-14 :‬وقال‬
‫تعالى‪" :‬وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها‬
‫القول فدمرناهم تدميرًا" السراء‪ .167 :‬وقال تعالى‪" :‬وكذلك حقت‬
‫كلمة ربك على الذين فسقوا‪ "..‬يونس‪.33 :‬‬
‫‪ -8‬التمرد على أوامر الله تعالى والستهزاء بها وعدم‬
‫القيام بواجب النعمة والفضل اللهي‪ :‬قال تعالى‪" :‬وكأين من قرية‬
‫عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا ً شديدا ً وعذبناها عذابا ً نكرا ً‬
‫فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا" الطلق‪ .9-8 :‬وقال‬
‫تعالى‪" :‬فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا‬

‫‪396‬‬
‫فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين‬
‫ظلموا والحمد لله رب العالمين" النعام‪.45-44 :‬‬
‫وبتطبيق عوامل النهيار والهلك للمم السابقة على الحضارة‬
‫المادية الشيوعية والحضارة الغربية المعاصرة يتضح لنا بجلء أّنه قد‬
‫ل العوامل السابقة من كل جانب‪ ،‬من‬ ‫أحاطت بهاتين الحضارتين ك ّ‬
‫الكفر والتكذيب والتمرد على شرائع الله تعالى وهدى رسله‪،‬‬
‫واستفحلت فيها الذنوب والمعاصي والثام‪ ،‬وانغمست في مستنقعات‬
‫الشهوات والرذائل‪ ،‬وبلغت من القوة المادية شأنا ً عظيمًا‪،‬وإذا كانت‬
‫الحضارة الشيوعية قد سقطت وهوت نظرية وتطبيقا ودولة عظمى‪،‬‬
‫فإن الحضارة الغربية الرأسمالية تنتظر أيضا الهاوية والهلك‬
‫والسقوط‪ ..‬تنتظر أن تجري فيها سنن الله تعالى التي جرت في المم‬
‫البائدة قال تعالى‪" :‬سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة‬
‫ل" الحزاب‪ ،62 :‬وعندها لن ينفع العلم ول التقدم المادي‬ ‫الله تبدي ً‬
‫أصحابها كما لم ينفع السابقين الهالكين قال تعالى‪":‬أفلم يسيروا في‬
‫الرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد‬
‫قوة وأثارا ً في الرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم‬
‫رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به‬
‫يستهزئون" غافر‪ .83 :‬وقال تعالى‪" :‬أولم يسيروا في الرض فينظروا‬
‫كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الرض‬
‫وعمروها أكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله‬
‫)‪(1‬‬
‫ليظلمهم لكن كانوا أنفسهم يظلمون"الروم‪.9 :‬‬
‫يقول الستاذ عمر عبيد حسنة‪":‬ولقد ذهب علماء الحضارات‪،‬‬
‫كثمرة لستقرائهم التاريخ البشري‪ ،‬وصفحات السقوط والنهوض‪ ،‬إلى‬
‫أن الحضارة‪ ،‬أية حضارة‪ ،‬تمر بمراحل ثلث‪ ،‬هي‪-:‬‬
‫* المرحلة الولى‪ :‬هي مرحلة الفكرة‪ ،‬مرحلة اليمان بالهدف‪ ،‬الذي يمل‬
‫على النسان نفسه‪ ،‬ويشكل له هاجسا ً دائمًا‪ ،‬وقلقا ً سويًا‪ ،‬ويدفعه للعطاء‬
‫غير المتناهي‪،‬و التضحية في سبيل ذلك‪ ،‬بكل شيء‪ ،‬بما يمكن أن يعتبر أن‬

‫‪ -1‬التمكين ص ‪.281-279‬‬

‫‪397‬‬
‫من أهم سمات هذه المرحلة‪ :‬بروز إنسان الواجب‪ ،‬الذي ل يرى إل ما‬
‫عليه‪ ،‬ويقبل على فعله بوازع داخلي‪ ،‬بإيمان‪ ،‬واحتساب‪ ،‬دون أن يخامر‬
‫عقله‪ ،‬ماله من حقوق‪ ،‬هو إنسان واجب‪ ،‬إنسان إنتاج‪ ،‬وليس إنسان حق‬
‫كر بحديث الرسول‬ ‫فقط‪ ،‬إنسان استهلك‪،‬وقد يكون من المفيد هنا‪ ،‬أن نذ ّ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬الذي وصف مرحلة الوهن الحضاري‪،‬‬
‫والشراف على السقوط‪ ،‬وحدد معادلتها‪ ،‬عندما سئل عن الوهن‪ ،‬الذي‬
‫يصيب المة قال‪":‬حب الدنيا ")‪) :(1‬ظهور إنسان الغريزة‪-‬إنسان‬
‫الستهلك(‪) ،‬وكراهية الموت ( )غياب إنسان اليمان‪ ،‬والنتاج والحتساب‪.‬‬
‫* أما الدورة الحضارية الثانية‪ ،‬أو المرحلة الحضارية الثانية‪ ،‬التي تمر بها‬
‫المة‪ ،‬هي مرحلة العقل‪ ،‬وضمور اليمان‪ ،‬وفتور الحماس‪ ،‬نسبيًا‪ ،‬مرحلة‬
‫التوازن‪ ،‬بين العمل والجر‪ ،‬بين الحق والواجب‪ ،‬بين النتاج والستهلك‪،‬‬
‫بين الدنيا والخرة‪ ،‬دورة ضبط النسب‪ ،‬حلول العدل‪ ،‬محل الحسان‪،‬وهنا‬
‫تصل الحضارة إلى قمتها‪ ،‬وتبدأ مرحلة السقوط‪ ،‬إذا لم تستدرك ما‬
‫يتسرب لها من أمراض‪.‬‬
‫* والدورة الحضارية الثالثة‪ ،‬أو مرحلة ما قبل السقوط النهائي‪ ،‬هي‬
‫مرحلة غياب اليمان وبروز الشهوة‪ ،‬والغريزة‪ ،‬وانكسار الموازين‬
‫الجتماعية‪،‬واستباحة كل شيء وبكل الساليب وعندها تسقط الحضارة‪،‬‬
‫وتموت المة‪ ،‬ويتم الستبدال"‪(2).‬‬
‫وإذا كّنا نقول اليوم بسقوط وهلك الحضارة الرأسمالية الغربية‬
‫ن ذلك كائنا ً في الغد القريب –إل أن يشاء الله‬‫فلسنا من الحالمين بأ ّ‬
‫شيئًا‪ -‬إّنما نقول فقط إّنها مقضي عليها بالسقوط حسب سنة الله‬
‫ما سرعة‬ ‫تعالى لما تشتمل عليه من عوامل السقوط والنهيار‪..‬وأ ّ‬

‫‪ -‬رواه أحمد ‪.5/278‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬في مقدمته لكتاب المستقبل للسلم‪:‬الدكتور أحمد علي المام‪ ،‬في سلسة كتب‬
‫المة‪-‬السادس والربعون‪ -‬إصدار مركز البحوث والدراسات بوزارة الوقاف‬
‫والشؤون السلمية‪ ،‬قطر‪.‬‬

‫‪398‬‬
‫)‪(1‬‬
‫النهيار وبطؤه فأمر متعلق بمشيئة الله تعالى وإرادته‪.‬‬
‫لقد تسّلم الرجل الغربي قيادة البشرية بعد أن خاض معركة‬
‫قاسية ضد الكنيسة ودينها ورجالها‪ ،‬أسفرت عن تنحية الدين جانبًا‪،‬‬
‫وعزله عن شئون الحياة كلها‪ ،‬بل والسخرية منه والكفر بالله رب‬
‫العالمين‪.‬‬
‫وكان من نتائج ذلك إفلس الحضارة الغربية وإشقائها لهلها لنها‪:‬‬
‫أرادت أن تطير بجناح واحد‪ ،‬هو الجناح المادي‪ ،‬وأّنا لها ذلك‪ ،‬يقول‬
‫برناردشو‪" :‬كنت أعرف دائما ً أن الحضارة تحتاج إلى دين‪ ،‬وأن حياتها أو‬
‫موتها يتوقفان على ذلك"‪ .‬ويقول الكاتب النجليزي " كولن ولسون"‬
‫ن الحضارة المعاصرة حضارة ذات تطور‬ ‫في كتابه )الل منتمي(‪:‬إ ّ‬
‫ميكانيكي عال استمر ثلثة قرون يصاحبه فراغ كبير ل تعرف الحضارة‬
‫كيف تنفقه)‪.(2‬‬
‫ولقد تحدث كثير من مفكري الغرب عن بوادر انهيار الحضارة‬
‫الغربية وسقوطها‪ ،‬وننقل هنا أقوال بعض هؤلء المفكرين‪-:‬‬
‫‪ -‬يقول الفيلسوف النجليزي "برتراندرسل"‪" :‬لقد انتهى العصر الذي‬
‫يسود فيه الرجل البيض‪ ،‬وبقاء تلك السيادة إلى البد ليس قانونا ً من‬
‫قوانين الطبيعة‪ ،‬وأعتقد أن الرجل البيض لن يلقى أياما ً رضية كتلك‬
‫التي لقيها خلل أربعة قرون")‪.(3‬‬
‫‪ -‬ويقول الدكتور ألكسيس كاريل في كتابه‪" :‬النسان ذلك‬
‫المجهول"‪" :‬إن الحضارة العصرية تجد نفسها في موقف صعب‪ ،‬لنها ل‬
‫تلئمنا‪ ،‬فقد أنشئت دون أية معرفة بطبيعتنا الحقيقية‪ ،‬إذ إنها توّلدت من‬
‫خيالت الكتشافات العلمية‪ ،‬وشهوات الناس‪ ،‬وأوهامهم‪ ،‬ونظرياتهم‪،‬‬
‫ورغباتهم‪ ،‬وعلى الرغم من أنها أنشئت لمجهوداتنا‪ ،‬إل أنها غير صالحة‬
‫بالنسبة لحجمنا وشكلنا"‪.‬‬

‫‪ -1‬رؤية إسلمية لحوال العالم السلمي محمد قطب ص ‪.211‬‬


‫‪ -2‬السلم ومستقبل البشرية د‪ .‬عبد الله عزام ص ‪.16‬‬
‫‪ -3‬المستقبل لهذا الدين سيد قطب ص ‪.47‬‬

‫‪399‬‬
‫‪ -‬وتحدث "جون فوستر دالس" وزير خارجية أمريكا السبق في‬
‫كتابه "حرب أم سلم" عن إفلس الحضارة الغربية‪ ،‬وسبب ذلك‪ :‬نقص‬
‫اليمان الصحيح القوي‪ ،‬وهو النقص الذي ل يعوضه السياسيون مهما‬
‫بلغت قدرتهم‪ ،‬أو الدبلوماسيون مهما كانت فطنتهم‪ ،‬أو العلماء مهما‬
‫)‪(1‬‬
‫كُثرت اختراعاتهم‪.‬‬
‫‪ -‬ويقول المفكر ليبولد فلم دانز في كتابه‪":‬النسان والضمير‬
‫المأسوي الممزق"‪" :‬إن النسان المنتمي إلى عصرنا هذا ل يؤمن‬
‫بشيء‪ ،‬ول يفكر‪ ،‬أو أنه لم يفكر بعد‪ ،‬ولكنه يعلم كثيرًا‪ ،‬إن نهاية‬
‫المسيحية تشمل أيضا ً نهاية اليدلوجيات الخرى كالماركسية‪ ،‬التي‬
‫تجتاز من أجل ذلك أزمة عميقة‪ ،‬وإن هذه الزمة ليست أبدا ً علمة حياة‬
‫بل علمة موت"‪.‬‬
‫‪ -‬ويقول المفكر لموني‪" :‬إن الجنس البشري بكامله يمشي بخطى‬
‫حثيثة إلى الهلك‪ ،‬إنه في النزاع الخير‪ ،‬كذلك النسان الجريح المسكين‬
‫الذي ل يرجى له شفاء‪ .‬فكثرة الخطاء في حضارتنا تجرها إلى الغرق"‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫ن الحضارة الغربية في الطور الخير من أطوار‬ ‫‪ -‬ويقول ماكنيل‪" :‬إ ّ‬


‫حياتها‪ ،‬الشبه بالوحش الذي بلغت شراسته النهاية في انتهاكه كل ما‬
‫دس ومحرم‬ ‫هو معنوي‪ ،‬وبلغ اعتداؤه على تراث السلف وعلى كل مق ّ‬
‫‪-‬يقصد الدين والخلق‪ -‬قمته ثم أغاص مخالبه في أمعائه فانتزعها‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫وأخذ يمزقها‪ ،‬ويلوكها بين فكيه بمنتهى الغيظ والتشفي"‪.‬‬
‫إذا ً السبب الكبر في انهيار الحضارة الغربية هو بعدها عن الدين الحق‬
‫الذي ارتضاه الله تعالى للناس‪) :‬إن الدين عند الله السلم(‪ ،‬ومن‬
‫م العراض عن منهج الله تعالى عمل ً وتطبيقا ً في واقع الحياة‪،‬‬ ‫ث ّ‬
‫والستكبار عن عبادة الله عز وجل‪ ،‬وعبادة آلهة أخرى من دونه تعالى‪،‬‬

‫‪ -1‬المستقبل لهذا الدين ص ‪.68-67‬‬


‫‪ -2‬السلم ومستقبل البشرية ص ‪.16-15‬‬
‫‪ -3‬المصدر السابق ص ‪.19‬‬

‫‪400‬‬
‫كعبادة المادة‪ ،‬أو العلم ومخترعاته‪ ،‬أو عبادة النسان لنفسه‪ ،‬أو عبادة‬
‫التقدم والعقل والطبيعة‪.‬‬
‫‪ -‬ظهر في أمريكا كتاب بعنوان‪":‬يوم أن اعترفت أمريكا‬
‫بالحقيقة" وهذا الكتاب هو دراسة قامت على إحصاءات‪ ،‬واستبيانات‪،‬‬
‫وأرقام من واقع المجتمع المريكي‪ ،‬ويتضمن هذا الكتاب نتائج مفزعة‪،‬‬
‫مخيفة بالنسبة للمريكيين‪ ،‬يقول عن هذا الكتاب "إلكس هلي" مؤلف‬
‫كتاب آخر‪ " :‬كتاب مفزع عندما أنهيت قراءته؛ لم أعرف ماذا أفعل‪ ،‬هل‬
‫أصدع بالحقائق‪ -‬أي التي فيه‪ -‬أم أركض للتلل وأختبئ؟ إنه يعرض لنا‬
‫حقائق عن أنفسنا لم نشاهدها في أية دراسة‪ ،‬أو في استطلعات‬
‫الرأي‪ ،‬ول حتى في الحاديث الشخصية "‪ .‬و قالت صحيفة "نيويورك‬
‫ديلي نيوز" عن الكتاب كلمة واحدة‪ " :‬نتائج مفزعة "‪.‬‬
‫‪ -‬يقول سعد جمعة رئيس وزراء الردن السبق في كتابه "الله أو‬
‫الدمار")‪" :(1‬إن المفكرين الغربيين على اختلف نزعاتهم ‪-‬باستثناء قلة‬
‫ضئيلة من الملحدة الماديين‪ -‬يعتقدون أن سبب الضياع الوجداني‬
‫والعقم الروحي اللذين أصبحا طابع الحضارة الغربية المعاصرة التي‬
‫أوشكت إلى الندثار والدمار هو غياب الدين‪ ،‬وأن الحل الوحيد لنقاذ‬
‫تلك الحضارة هو الحل الديني‪ ،‬وينقل عن بعض هؤلء المفكرين‬
‫أقوالهم في ذلك‪ ،‬ومن هؤلء‪ :‬رئيس أكاديمية نيويورك السابق الذي‬
‫يقول‪" :‬إن حضارتنا تنتحر لغياب الوازع الديني‪ ،‬وسوف يجيء يوم‬
‫ول فيه النظام إلى فوضى‪ ،‬وينعدم التوازن وضبط النفس‪،‬‬ ‫قريب‪ ،‬يتح ّ‬
‫ويتفشى الشر في كل مكان‪ ،‬ويبدو أن المور لن تستقر إل بالعودة إلى‬
‫الله"‪ .‬ومن هؤلء‪" :‬جوليا غرين" الفيلسوف النجليزي الذي يقول‪:‬‬
‫"إن ظاهرة هذا الجيل هي النحلل والتفسخ‪ ،‬وأن ل شيء ينقذ‬
‫الحضارة الغربية إل النعتاق والتغلب على نوازع الجسد بالتأمل الروحي‬
‫والرتداد إلى الدين‪ ،‬الذي يستطيع وحده أن يحل في النفس البشرية‬
‫السكينة والمل محل القلق والتمرد"‪.‬‬

‫‪ -1‬الله أو الدمار ص ‪.209‬‬

‫‪401‬‬
‫ويرى الستاذ سيد قطب أن من أسباب انهيار الحضارة‬
‫الوربية المعاصرة أنها حضارة منبتة ‪-‬منقطعة‪ -‬عن الله تعالى‪ ،‬ومنبتة‬
‫ط النسان التفسير الواحد‬‫عن منهجه للحياة‪ ،‬وأنها لم تستطع أن تع ِ‬
‫الصحيح لحقيقة هذا الكون وعلقته بخالقه عز وجل‪ ،‬ولغاية وجوده‬
‫النساني ووسائل بلوغها المشروعة‪ ،‬لقد حصل فصام نكد بين الدين‬
‫والحياة‪ ،‬وبين عالم المادة والروح‪ ،‬وبين العلم والدين‪.‬‬
‫ويضيف إلى ذلك سببا ً آخر‪:‬إنه الخواء الروحي الذي ينخر في روح‬
‫الحضارة الغربية‪ ،‬ففي ظل هذا الخواء تختمنق روح النسان‪ ،‬وتهدر‬
‫قيمته‪ ،‬وتنحدر خصائصه‪ ،‬بينما تتكدس الشياء وتعلو قيمتها‪ ،‬وتطغى‬
‫على كل قيمة للنسان‪ ..‬إنه الخواء الذي يهدد هذه الحضارة بالنكسة‬
‫والنحدار‪ ،‬على الرغم من ضخامة النتاج المادي والفتوح العلمية‪،‬‬
‫والتقدم الصناعي)‪ .(1‬ويكفي أن نعلم أن في أمريكا أكثر من ستمائة )‪6‬‬
‫‪ (00‬مذهب وطائفة دينية كلها تبث روح اليأس والحباط في نفوس‬
‫أتباعها‪.‬‬
‫إن الخواء الروحي جعل البشرية تعاني من الشقاء والتمزق‬
‫الداخلي‪ ،‬والتوتر العصبي والفزع‪ ،‬ومن ثم محاولت الهروب من الحياة‬
‫إلى الكحول والمخدرات وأخيرا ً إلى النتحار الذي أصبح موضة لدى‬
‫كثيرين من ضحايا الخواء الروحي والفراغ العقائدي‪ .‬يقول آرثر‬
‫شوينهار‪" :‬إن الحياة تتأرجح من اليمين إلى اليسار‪ ،‬من اللم إلى‬
‫الملل‪ ،‬وليستغث هذا الغرب المسكين إلهه إذا شاء‪ .‬إنه سيظل فريسة‬
‫مصيره‪ ،‬فالقدر ل يرحم")‪ .(2‬ويقول الدكتور ألكسيس في كتابه‬
‫"النسان ذلك المجهول")‪" :(3‬إن القلق والهموم التي يعاني منها سكان‬
‫المدن العصرية تتولد عن نظمهم السياسية والقتصادية والجتماعية‪،‬‬
‫فإن البيئة التي أوجدها العلم للنسان ل تلئمه‪ ،‬لنها أنشئت دون اعتبار‬
‫ذات النسان"‪.‬‬

‫‪ -1‬انظر المستقبل لهذا الدين ص ‪.54-52‬‬


‫‪ -2‬السلم ومستقبل البشرية ص ‪.21‬‬
‫‪ -3‬المصدر السابق ص ‪.44‬‬

‫‪402‬‬
‫ويقول "آرثر ميللر" متحدثا ً عن أمريكا الحديثة‪" :‬إن مشكلة‬
‫انحراف الشباب ل تنتمي فقط للمدن الكبرى بل إلى الريف أيضًا‪ ،‬إنها‬
‫ليست مشكلة الرأسمالية فحسب‪ ،‬بل الشتراكية أيضًا‪...‬إنني أعتقد أن‬
‫مرت النسان‬ ‫المشكلة ‪-‬في وضعها الراهن‪ -‬هي نتاج التكنولوجيا التي د ّ‬
‫كقيمة من ذاته‪...‬وباختصار‪:‬لقد اندثرت الروح وتلشت")‪.(1‬‬
‫يقول الرئيس المريكي السابق "ولسون" قبل وفاته بأسابيع‬
‫قليلة‪":‬إن حضارتنا ل تستطيع الستمرار في البقاء من الناحية المادية‪،‬‬
‫إل إذا استردت روحانيتها‪...‬هذا هو التحدي النهائي لكنائسنا ومنظماتنا‬
‫)‪(2‬‬
‫السياسية‪ ،‬وللرأسماليين عندنا‪ ،‬ولكل فرد يخاف الله‪ ،‬أو يحب بلده"‪.‬‬
‫ن تحذير الرئيس ولسن لن يفيد أمريكا شيئًا‪ ،‬فالكنائس النصرانية‬ ‫إ ّ‬
‫ليس لديها شيء من الدين الحق‪ ،‬فكل ما لديها مجموعة من الخرافات‬
‫والساطير التي أفسد بها بولس النصرانية‪ ،‬إنه دين ل يصلح الفرد ول‬
‫الحياة النسانية‪.‬‬
‫وإذا كانت أمريكا هي ربة الحضارة الغربية وسمميدتها‪ ،‬فلننظممر فممي‬
‫حيمماة القمموم هنمماك‪ ،‬ولنلحممظ الشممقاء الممذي وصممل إليممه المجتمممع‬
‫المريكي‪،‬إّنه شقاء ينذر بقممرب وقمموع كارثممة السممقوط‪ ،‬الممتي نرجممو أن‬
‫تكون قريبة‪ ،‬وأن غدا ً لناظره قريب‪.‬وإليممك نممماذج مممن مظمماهر الشممقاء‬
‫في الحياة المريكية‪.‬‬

‫* ففي أمريكا ربة النظام العالمي الجديد‪-:‬‬


‫‪ -‬تعاني أمريكا انحطاطا ً ثقافيًا‪ :‬يقول المفكر الفرنسي الكبير‬
‫المسلم روجيه جارودي في كتابه " أمريكا طليعة النحطاط " والذي‬
‫ن انحطاط الثقافة في الوليات‬ ‫صدرت طبعته الولى عام ‪1999‬م‪ ":‬إ ّ‬
‫ن الثقافة هناك لم تلعب أي دور‬‫المتحدة ينبع من تاريخ ذاتها وتكوينها‪،‬ل ّ‬
‫ن‬
‫منظم في حياة المجتمع المريكي كما هو الحال في أوروبا ‪ ،‬وذلك أ ّ‬

‫‪ -1‬السلم بين الشرق والغرب علي عزت بيجوفيتش رئيس البوسنة والهرسممك ص‬
‫‪.121‬‬
‫‪-2‬المستقبل لهذا الدين ص ‪.73‬‬

‫‪403‬‬
‫سكان أمريكا باختلف ثقافاتهم وأديانهم وأوطانهم وأصولهم لم يربط‬
‫بينهم رابط سوى البحث عن عمل وكسب المال ‪ ،‬ويقول ص )‪:(48‬‬
‫محلل ومراقب ثاقب‬ ‫وقد اكتشف )توكفيل( الحقيقة وكان أول ٍِ‬
‫البصيرة للوليات المتحدة منذ عام ‪ 1840‬في كتابه السلمي عن هذه‬
‫الدولة وكانت ل تزال وليدة حين قال ‪ ) :‬لم أعرف شعبا ً مثل هذا‬
‫ب المال على قلوب البشر‪،‬إّنه شعب من شراذم‬ ‫الشعب استولى فيه ح ّ‬
‫المضاربين والمقامرين(‪ ،‬واليوم نستطيع أن نعثر في تاريخ هذا الشعب‬
‫على أسس انحطاط ثقافته("‪.‬‬
‫ما بالنسبة لتعليم‪ :‬فالنظام المريكي يعتبر في الحضيض‪ ،‬فقد أظهر‬ ‫‪ -‬وأ ّ‬
‫تقرير المتخصصين من جامعة كولومبيا أن ‪ % 40‬من الشباب المريكي‬
‫الذين يدرسون في كليات اعترفوا بعدم قدرتهم على القراءة على نحو‬
‫جيد‪ ،‬وهناك ‪ 23‬مليون شاب أمريكي أمي )حسب تقرير صادر في جلو‬
‫بال ايكوتومي ‪.(1990‬‬
‫‪ -‬حسب الحصائيات القديمة ‪ 4‬أشخاص من كل ألف شخص نزلء في‬
‫مستشفيات المراض العقلية‪ ،‬وفي مدينة هوليود أكبر نسبة من عدد‬
‫الطباء النفسانيين في العالم‪.‬‬
‫‪ -‬يقول د‪ .‬ألكسيس كارل‪" :‬في بعض وليات أمريكا يزيد عدد‬
‫المجانين الذي يوجدون في المصحات على عدد المرضى الموجودين‬
‫في جميع المستشفيات الخرى‪ .‬وكالجنون‪ ،‬فإن الضطرابات العصبية‪،‬‬
‫وضعف القوى العقلية آخذ في الزدياد‪ ،‬وهي أكثر العناصر نشاطا ً في‬
‫جلب التعاسة للفراد‪ ،‬وتحطيم السر‪..‬إن الفساد العقلي أكثر خطورة‬
‫على الحضارة من المراض المعدية")‪.(1‬‬
‫‪ -‬حسب التقرير الصحي لسنة ‪1978‬م‪ :‬أن واحدا ً من كل خمسة‬
‫أمريكي يعاني من النهيار العصبي أو هو على حافته‪ ،‬وأن ‪ % 48‬من‬
‫المريكيين قد عانوا خلل ً عقليا ً حسب إحصائية عام ‪ ،1994‬وأن عشرة‬
‫بالمائة منهم قد عانوا من مشكلت الكبت النفسي خلل عام ‪1993‬م‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن الوليات المتحدة تتمتع بأفضل العيادات‬

‫النسان ذلك المجهول ص ‪.330‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪404‬‬
‫والمستشفيات ومراكز البحث في العالم ‪ ،‬فإن النظام الصحي نفسه‬
‫يعد كارثة حقيقية‪ ،‬ففي وفيات الطفال تتمركز هذه الدولة في المرتبة‬
‫الثانية والعشرين على الصعيد العالمي‪ ،‬وحصة الصحة من النفقات‬
‫العامة ٍُتعد القل بين الدول منظمة التعاون والتنمية القتصادية‬
‫المعروفة باسم ‪.OCDE‬‬
‫‪ -‬في سنة ‪1965‬م وقعت خمسة مليين جريمة‪ ،‬ثم ازدادت الجرائم‬
‫الخطيرة أسرع أربع عشرة مرة من الزيادة السكانية )‪ % 187‬مقابل‬
‫‪.(% 13‬‬
‫‪ -‬في أمريكا‪ :‬تحدث جريمة كل ‪ 12‬ثانية‪ ،‬وجريمة قتل كل ساعة‪،‬‬
‫وجريمة اغتصاب للعرض كل ‪ 25‬دقيقة ‪-‬مع أن الجنس مباح‪(-‬جاء في‬
‫كتاب‪:‬يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة للمؤلفين المريكيين ‪ :‬جيمس‬
‫بات رسون‪ ,‬وبيتر كيم‪:‬أظهرت إحدى الحصائيات أن ‪ 19‬مليونا ً من‬
‫ن ضحايا لعمليات الغتصاب !!(‪ .‬وفي‬ ‫النساء في الوليات المتحدة ك ُ ّ‬
‫استفتاء قامت به جامعة )كورنل( تبين أن ‪ %70‬من العاملت في‬
‫الخدمة المدنية قد اعُتدي عليهن جنسّيا‪ .‬وتقدر )جمعية مناهضة‬
‫ن ‪ 35‬حالة تلتزم الصمت مقابل حالة يبلغ‬ ‫اغتصاب النساء في أمريكا( أ ّ‬
‫عنها‪ .‬و ‪ %70‬من الطالبات تعرضن لمضايقات جنسية مختلفة خلل‬
‫ن ‪ %90‬من اللتي تعرضن لمضايقة‬ ‫فترة الدراسة في الجامعة‪ ،‬مع أ ّ‬
‫لم يبلغن الشرطة‪.‬‬
‫‪ -‬وفي أمريكا‪:‬مليون طفل يولدون سنويا من السفاح‪ ،‬و ‪ 12‬مليون‬
‫طفل مشّرد في ظروف غير صحية‪ ،‬ومليون حالة إجهاض سنويا‪.‬‬
‫‪ -‬وفي أمريكا تحدث جريمة سرقة كل خمس دقائق‪ ،‬وسرقة سيارة‬
‫كل دقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬وفي نيويورك وحدها –حسب إحصاءات الشرطة– يقع حادث قتل كل‬
‫أربع ساعات واغتصاب كل ثلثة ساعات‪ ،‬واعتداء كل ثلثين ساعة‪ ،‬مع‬
‫ن نيويورك ل تتبوأ سوى المكانة العاشرة ضمن مدن الوليات المتحدة‬ ‫أ ّ‬
‫بالنسبة لنتشار الجرائم‪ ،‬ففي عام ‪ 1998‬تم إحصاء ‪ 21‬ألف جريمة‬
‫قتل في سجل الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬ومنذ العام ‪1979‬م وحتى‬

‫‪405‬‬
‫ل من تسعة‬ ‫عام ‪1991‬م قتل ما يقرب ‪ 50‬ألف أمريكي أعمارهم أق ّ‬
‫ل من ‪ 14‬عاما‪ ،‬وأربعون ألفا‬ ‫عشر عاما منهم تسعة آلف أعمارهم أق ّ‬
‫بين خمسة عشر وتسعة عشر عامًا‪.‬‬
‫‪ -‬هناك أكثر من مليون أمريكي في السجون‪ ،‬وأكثر من ثلثة مليين‬
‫تحت المراقبة‪ ،‬هذه هي نتائج اقتصاد سوق مفترس بل هوادة يحكم–‬
‫كما كتب "هوبز" في كتابه " فجر الرأسمالية "– بمنطق "حرب الكل‬
‫ضد الكل "وهو منطق ونظام الحرب‪.‬‬
‫ن عدد الشباب المسجلين كمدمنين‬ ‫‪ -‬وحسب إحصائية سنة ‪1963‬م‪ :‬فإ ّ‬
‫للهروين في مدينة نيويورك وحدها تجاوز ‪ 23‬ألف شاب‪ ،‬وعدد غير‬
‫المدمنين يزيد على مائة ألف‪ ،‬وفي كلية "هنتر" بنيويورك أكثر من‬
‫نصف الطلب يتعاطون الحشيش‪ .‬الذين يتعاطون المخدرات في‬
‫درت‬ ‫أمريكا ‪-‬حسب إحصائية ‪1978‬م‪ % 49 -‬من الشعب المريكي‪ .‬وق ّ‬
‫‪-‬حسب إحصائية ‪1991‬م‪ -‬حجم التجارة الداخلية للمخدرات في أمريكا‬
‫‪ 190‬مليار دولر سنويًا‪ ،‬مع العلم بأن الدولة ‪-‬منذ سنة ‪1992‬م‪ -‬تنفق‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ 30‬مليار دولر سنويا ً في محاربة هذه التجارة‪.‬‬
‫يقول المفكر الفرنسي الكبير المسلم روجيه جارودي‪":‬نجد‬
‫ن الركيزتين الساسيتين‪ ،‬والكثر صلبة وقوة في توسع السوق‬ ‫اليوم إ ّ‬
‫هما‪ :‬المخدرات والسلح‪ ،‬حيث يتساوى حجم المخدرات ماليا مع حجم‬
‫تجارة السيارات والصلب داخل الوليات المتحدة المريكية‪ ،‬كما ويتزايد‬
‫الستهلك يوميا مع افتقاد أي معنى للحياة وتفشي‬
‫البطالة‪،‬والقصاء‪..‬وأصبحت الغاية الوحيدة لستهلك المخدرات هي‬
‫الحساس بسعادة التسوق في السوبر ماركت التي تسمح بها"‪(2).‬‬
‫‪ -‬جاء في كتاب‪):‬يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة( للمؤلفين‬
‫المريكيين‪:‬جيمس بات رسون‪ ,‬وبيتر كيم ما يلي‪ :‬ص ‪:21‬‬
‫النموذج المثالي للطفولة انتهى‪ .‬نسبة مروعة من الفتيات المريكيات‬

‫انظر السلم بين الشرق والغرب ص ‪.122 ،120 ،117‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬أمريكا طليعة النحطاط‪ :‬روجيه جارودي‪ ،‬تقديم كامل زهيري وتعريب عمرو‬
‫زهيري‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬الطبعة الولى ‪1420‬ه‪1999-‬م‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪406‬‬
‫يفقدن بكارتهن قبل سن الثالثة عشرة‪ .‬نسبة ‪ %20‬من النساء اللتي‬
‫شملتهن هذه الدراسة اعترفن لنا بأّنهن قد اغتصبن من قَِبل أصدقائهن‪,‬‬
‫‪ %42‬من المريكيين اعترفوا بأنهم قد تعرضوا لعتداءات جنسية‬
‫ن ما نسبته ‪ 1‬إلى ‪ 5‬من المريكيين‪ -‬رجال‬ ‫شرسة وقاسية‪ .‬ص ‪: 22‬إ ّ‬
‫ونساء ‪ -‬لديهم تصورات و أحلم وتخيلت ذات علقة بالشذوذ الجنسي‪،‬‬
‫ونفس الصفحة ‪ :‬يقول المريكيون والمريكيات‪:‬على الرغم من أننا ل‬
‫زلنا نتزاوج‪ ,‬إل أننا فقدنا الثقة في الزواج نفس الصفحة ‪ :‬هناك انحلل‬
‫وتدهور فيما يتعلق بالهتمام بالسرة وطاعة الوالدين‪ .‬ص ‪%29 :65‬‬
‫ن أبكارا ً ليلة زواجهن‪ .‬والباقي ؟! في ص ‪ :70‬نسبة‬ ‫من نساء أمريكا ك ّ‬
‫‪ 1‬إلى ‪ 4‬من المريكيات تخون زوجها بينما الرجال ‪ 1‬إلى ‪ .3‬وفي ص‬
‫‪ %61: 75‬من الفتيات الذين تتراوح أعمارهن بين ‪18‬و ‪ 24‬سنة قلن‬
‫بأنهن فقدن عذريتهم قبل بلوغهن السادسة عشرة ‪.‬‬
‫‪ -‬وفي الكتاب المذكور ص ‪ :106‬حوادث النتحار المسجلة رسميا هي‬
‫‪ 30.000‬حالة سنويا وهذا الرقم أقل من الرقم الحقيقي لحوادث‬
‫النتحار‪.‬‬
‫‪ -‬فممي نيويممورك مليممون ومائتمما ألممف شمماذ جنسمميًا‪ ،‬وفممي جامعممة لمموس‬
‫أنجلوس بولية "كاليفورنيا" بلغممت نسممبة الشمماذين جنسمميا ً مممن الطلب‬
‫والطالبات ‪ ،% 84‬ويكفي أن تعلم أنه يوجد في أمريكمما أكممثر مممن ‪652‬‬
‫مستشفى للمراض الجنسمية‪ .‬و ‪ %95 – 85‬نسمبة الممرأة المريكيمة‬
‫العاملة في قطاع الدعارة‬
‫‪ -‬نشرت دائرة المعارف البريطانيممة معلومممات عممن المممراض الجنسممية‬
‫المنتشرة في أمريكمما سممنة ‪1940‬م‪ ،‬فممذكرت‪ :‬أن ‪ % 90‬مممن الشممباب‬
‫المريكممي مصمماب بممالزهري‪ % 60 ،‬مصمماب بالسمميلن‪ % 40 ،‬مصمماب‬
‫بالبرود الجنسي‪.‬‬
‫‪ -‬في عام ‪1962‬م صرح الرئيس المريكممي جممون كنممدي أن ‪7‬ر ‪% 85‬‬
‫من الشباب المريكي غير صممالحين للخدمممة العسممكرية‪ ،‬لن الشممهوات‬
‫التي غرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية‪.‬‬
‫‪ -‬إن نصف مليون اتصال جنسي مدفوع الجر يتم يوميا ً في أمريكا‪ ،‬وإن‬

‫‪407‬‬
‫مهنة الدعارة تأتي في المرتبة الثانية في المهن التي تتمّناها الفتاة‬
‫المريكية‪ .‬وحسب إحصائية رسمية أمريكية فإن ‪ % 85‬من الفتيات‬
‫المريكيات أعمارهن ما بين ‪ 21-14‬عاما ً يحلمن بأن يصبحن عاملت‬
‫)‪(1‬‬
‫في الدعارة والعهر‪.‬‬
‫‪ -‬لقد نشرت الصحف المريكية صورة لحد الشباب المريكي وعمره‬
‫في الحادية والعشرين تزوج جدته وعمرها سبع وسبعون سنة‪ ،‬وتم عقد‬
‫)‪(2‬‬
‫النكاح في الكنيسة في قرية قرب لوس أنجلوس‪.‬‬
‫‪ -‬يقول القس المريكي "د‪ .‬جيري فالويل" في كتابه" )اسمعي يا‬
‫أمريكا(‪" :‬لدينا إحصاءات مرعبة عن حوادث الطلق وتدمير السرة‬
‫والجهاض وجنوح الناشئة‪ ،‬والفوضى الجنسية‪ ،‬وتعاطي المخدرات‪،‬‬
‫وجرائم القتل‪ ،‬إنني أشاهد حطام النسان‪ ،‬والرواح المهدودة بأكداس‬
‫)‪(3‬‬
‫تفوق الحصائيات"‪.‬‬
‫‪ -‬ومن مظاهر انحطاط القيم والمواقف والمعايير ل يتقنها إل ّ الرؤساء‬
‫المريكيون‪ ،‬ما ذكره الفيلسوف جارودي في كتابه "أمريكا طليعة‬
‫النحطاط" إل إّنه مثال يؤكد انحطاط أمريكا شعبا وحكومة‪ ،‬فلقد‬
‫أوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت " السرائيلية في عددها الصادر يوم‬
‫الجمعة ‪4/1/2002‬م وعلى صفحتها الخيرة صورة للرئيس المريكي‬
‫السابق كلينتون‪ ،‬وهو واقف وأمامه يقف منتصبا كلبه الشخصي– الذي‬
‫مات دهسا ً قبلها بأيام – على رجليه الخلفيتين‪ ،‬وينتصب كلينتون في‬
‫شبه زاوية قائمة‪ ،‬حيث يقبل الرئيس كلبه قبلة حارة بل إن الرئيس‬
‫كلينتون قد أسمى كلبه باسم "بادي"ولقد اختار هذا السم ليخلد اسم‬
‫مه "بادي" الذي مات مطلع العام ‪1997‬م فاقتنى هذا الكلب بعد‬ ‫ع ّ‬
‫مه وسماه باسمه تخليدا ً لذكراه بدل تسمية‬ ‫بضعة أشهر من موت ع ّ‬
‫أحد الحفاد تخليدا لذكرى الجداد‪ ،‬نعم إّنه النحطاط في أجلى معانيه‬

‫؟ كمما سمقط التحماد السموفيتي مممدوح الزوبمي‪ ،‬صمفحات‬


‫‪ -1‬هل ستسقط أمريكا ‍‬
‫متعددة في الكتاب‪.‬‬
‫‪ -2‬السلم ومستقبل البشرية ص ‪.33-30‬‬
‫التمكين للمة السلمية ص ‪.284‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪408‬‬
‫ن العجب يزول إذا كان هذا‬ ‫أن يحترم العم بأن يسمى كلب باسمه‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫يحصل في أمريكا طليعة النحطاط‪ .‬وبعدها فقط بخمسة أيام نشرت‬
‫صحيفة " هآرتس " في عددها يوم ‪9/1/2002‬م صورة الرئيس بوش–‬
‫ما الكلب "بارني" فيحمله على يده‬ ‫خليفة كلينتون– وهو يحمل كلبيه‪ ،‬أ ّ‬
‫ما الكلب "سبوت " فيجّره بحبل بيده؟؟‪.‬‬ ‫مه إلى صدره وأ ّ‬
‫ويض ّ‬
‫تلك هي حضارة أمريكا التي قربت من الفول‪ ،‬الحضارة التي‬
‫ن‬
‫يعيش النسان في ظلها وهو محروم من السعادة والهناء‪ ،‬على حين أ ّ‬
‫الحيوان يعيش حياة يغمرها السرور والفرح‪ ،‬كما أشار إلى هذه‬
‫الحقيقة "برتراندرسل"‪ ،‬وصدق الله تعالى إذ يقول‪):‬ومن أعرض عن‬
‫ذكري فإن له معيشة ضنكا ً( سورة طه‪.124:‬‬

‫‪409‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫المستقبل للسلم‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫يقول شبنجلر في كتابه "سقوط الحضارة"‪" :‬إن للحضارة دورات‬
‫فلكية‪ ،‬تغرب هنا‪ ،‬لتشرق هناك‪ ،‬وإن حضارة جديدة أوشكت على‬
‫الشروق في أروع صورة هي حضارة السلم‪ ،‬الذي يملك أقوى قوة‬
‫)‪(1‬‬
‫روحانية عالمية نقية"‪.‬‬
‫ويقول الروائي الروسي "سولجستين"‪":‬إن الطريقة الوحيدة‬
‫نحو تصحيح المسار المادي المنحرف‪ ،‬للنسان الغربي المعاصر‪ ،‬هو‬
‫عودة النسان إلى اليمان بقوة مهيمنة على مصير النسان‪ ،‬وهي التي‬
‫تحدد له قيمه ومسؤولياته الخلقية والجتماعية‪ ،‬وكذلك اليمان بوجود‬
‫قيم أخلقية عالية‪ ،‬وموضوعية شاملة لكل البشر‪ ،‬وهي تعلو على كل‬
‫اعتبارات الحرية الفردية التي ل تحدها حدود"‪.‬‬
‫ويقول المفكر الفرنسي "ديباسكييه" مرشحا ً السلم لقيادة‬
‫البشرية‪ ،‬وإنقاذها من التردي والسقوط‪" :‬إن الغرب لم يعرف السلم‬
‫أبدًا‪ ،‬فمنذ ظهور السلم اتخذ الغرب موقفا ً عدائيا ً منه‪ ،‬ولم يكف عن‬
‫الفتراء عليه والتنديد به‪ ،‬لكي يجد مبررات لقتاله‪ ،‬وقد ترتب على هذا‬
‫التشويه أن في العقلية الغربية مقولت فظة عن السلم"‪.‬‬
‫ويضيف‪" :‬ول شك أن السلم هو الوحدانية التي يحتاج إليها العالم‬
‫المعاصر‪ ،‬ليتخلص من متاهات الحضارة المادية المعاصرة التي لبد إن‬
‫)‪(2‬‬
‫استمرت أن تنتهي بتدمير النسان"‪.‬‬
‫ويقول المستشرق المريكي "سارتون"‪ :‬ليس ثمة ما يمنع أن تقود‬
‫شعوب العالم السلمي العالم مرة أخرى في المستقبل القريب أو‬
‫)‪(3‬‬
‫البعيد‪ ،‬كما قادته في العصور الوسطى‪.‬‬

‫‪ -1‬السلم ومستقبل البشرية ص ‪.39-38‬‬


‫‪ -2‬المصدر السابق ص ‪.53-52‬‬
‫‪ -3‬انظر الفكر السلمي بين الصالة والتجديد د‪ .‬محمد عبد المنعم خفاجي ص ‪.84‬‬

‫‪410‬‬
‫تلك هي صرخات عقلء الغرب الذين وضعوا أيديهم على العلج‬
‫الشافي والدواء الناجح للبشرية وأدوائها‪ ،‬إنهم ينادون العالم السلمي‬
‫كي يتقدم حامل ً معه الشريعة الربانية التي تنقذ البشرية مما هي فيه‪،‬‬
‫وتجرها إلى السعادة والطمأنينة‪ .‬وهي صرخات نقدمها لمن سرى في‬
‫نفوسهم اليأس القاتل عن مستقبل السلم‪ ،‬والذين صاروا حين‬
‫يسمعون الحديث عن هذا المستقبل تفتر ثغورهم عن ابتسامات صفراء‬
‫أقرب إلى السخرية‪.‬‬
‫قال تعالى‪):‬ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم( آل‬
‫عمران‪ ،101 :‬وقال‪) :‬فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فل يضل‬
‫ول يشقى( طه‪ ،123 :‬وقال‪) :‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم‬
‫نعمتي ورضيت لكم السلم دينًا( المائدة‪.3 :‬‬
‫ما المسلمون الصادقون فإن إيمانهم بالمستقبل لهذا الدين‪ ،‬فقد‬ ‫وأ ّ‬
‫استقوه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ففيهما عشرات النصوص التي تقول ‪ :‬إن السلم قادم‪ ،‬وهو المنتصر‬
‫دائما ً وأبدا ً )هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على‬
‫الدين كله ولو كره المشركون( التوبة‪ ،33 :‬الصف‪9 :‬‬
‫ونذكر هنا بعض المبشرات النصية في الكتاب والسنة والفطرة‪ ،‬ثم‬
‫نعرض لبعض المبشرات الواقعية في واقع الحياة‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬المبشرات النصية في الكتاب والسنة)‪:(1‬‬
‫ل‪ :‬المبشرات القرآنية‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬مبشرات غلبة الدين وظهوره على ما عداه من الديان‬
‫والمذاهب والفكار والنحل‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪):‬يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إل أن‬
‫يتم نوره ولو كره الكافرون‪ .‬هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق‬
‫ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون( التوبة‪) ،33-32 :‬هو الذي‬

‫‪-1‬هذا المبحث أكثره مستفاد من‪ :‬السلم ومستقبل البشرية د‪ .‬عبد اللممه عممزام ص‬
‫‪ ،60-40‬البشائر بنصرة السلم محمد بن عبد الله الدويش ص ‪.27-13‬‬

‫‪411‬‬
‫أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله‬
‫شهيدًا( الفتح‪.28 :‬‬
‫ن وعد الله تعالى بنصرة السلم قد تحقق زمن رسوله صلى الله‬ ‫إ ّ‬
‫عليه وسلم وزمن خلفائه‪ ،‬ومن جاء بعدهم فترة طويلة من الزمان‪،‬‬
‫وكان هو الظهر والغلب‪ .‬وسوف يتحقق لنه وعد الله القائم وفق‬
‫سننه التي ل تتبدل ول تتحول‪ ،‬وما على المسلمين الصادقين إل أن‬
‫ينهضوا لحمل راية الدين والمضي بها اقتداًء بسيرة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬واقتفاًء لخطواته المباركة‪.‬‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪):‬ألم تر كيف ضرب الله مثل ً كلمة طيبة كشجرة طيبة‬
‫أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب‬
‫الله المثال للناس لعلهم يتذكرون ومثمل كلممة خبيثمة كشجمرة خبيثمة‬
‫اجتثت من فوق الرض ما لها من قرار(إبراهيم‪.25-24 :‬‬
‫ن الكلمة الطيبممة الممتي تتمثممل فممي ديممن اللممه تعممالى ومنهجممه هممي‬
‫إ ّ‬
‫كالشجرة الطيبة‪ ،‬ثابتة سامقة مستقرة مثمممرة‪ ،‬وإن خي ّممل للبعممض أنهمما‬
‫معرضة للخطر الممماحق فممي بعممض الحيممان وسممتظل سممامقة متعاليممة‪،‬‬
‫قاهرة للشر والظلم والطغيان الذي يتمثل في الديان الباطلة والفكممار‬
‫الضممالة والمممذاهب الفاسممدة الممتي هممي كالشممجرة الخبيثممة‪ ،‬وإن يخيممل‬
‫للبعض أنها متعالية‪ ،‬إنها قد تهيج وتتعممالى‪ ،‬ولكنهمما فممي جممذورها ضممعيفة‬
‫غير متماسكة‪ ،‬ليس لها قرار ول بقمماء‪ ،‬والبقمماء والثبممات للكلمممة الطيبممة‬
‫التي هي كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها ممتد إلى السممماء‪ ،‬حيممث‬
‫حفظ الله وعنايته الدائمة‪.‬‬
‫‪ -2‬مبشرات وعده تعالى بالنصر للمسلمين وبالتمكين‬
‫لدينهم‪..‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪):‬أذن للذين ُيقاَتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم‬
‫لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا الله ولول‬
‫دمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد‬ ‫دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُ ّ‬
‫ُيذكر فيها اسم الله كثيرا ً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز(‬
‫الحج‪.40-39 :‬‬

‫‪412‬‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪):‬ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم‬
‫المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون( الصافات‪.171 :‬‬
‫يقول سيد قطب في ظلله حول هذه الية الكريمة‪":‬والوعد قائم‪،‬‬
‫وكلمة الله قائمة‪...‬وكل المحاولت التي بذلت لمحو العقائد اللهية التي‬
‫جاء بها الرسل وتغليب أية فكرة أو فلسفة أخرى قد باءت بالفشل‪.‬‬
‫باءت بالفشل حتى في الرض التي نبعت منها‪ ،‬وحقت كلمة الله لعباده‬
‫المرسلين‪ ،‬إنهم لهم المنصورون‪ ،‬وإن جنده لهم الغالبون‪.‬‬
‫هذه بصفة عامة‪ ،‬وهي ظاهرة ملحوظة‪ ،‬في جميع بقاع الرض‪ ،‬في‬
‫جميع العصور‪ ،‬وهي كذلك متحققة في كل دعوة لله‪ ،‬يخلص فيها الجند‪،‬‬
‫ويتجرد لها الدعاة‪ .‬إنها غالبة منصورة مهما وضعت في سبيلها العوائق‪،‬‬
‫وقامت في طريقها العراقيل‪ ،‬ومهما رصد لها الباطل من قوى الحديد‬
‫والنار‪ ،‬وقوى الدعاية والفتراء وقوى الحرب والمقاومة‪ ،‬وإن هي إل‬
‫معارك تختلف نتائجها‪ .‬ثم تنتهي إلى الوعد الذي وعده الله لرسله‪،‬‬
‫والذي ل يخلف‪ ،‬ولو قامت قوى الرض كلها في طريقه‪.‬الوعد بالنصر‬
‫)‪(1‬‬
‫والغلبة والتمكين"‪.‬‬
‫ت‬
‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫م وَعَ ِ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫‪ -‬قوله تعالى‪ ):‬وَعَد َ الل ّ ُ‬
‫ن ل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫مك ّن َ ّ‬‫م وَل َي ُ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ف ال ّ ِ‬ ‫خل َ َ‬
‫ست َ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ض كَ َ‬ ‫ِ‬ ‫م ِفي اْل َْر‬ ‫فن ّهُ ْ‬‫خل ِ َ‬
‫ست َ ْ‬‫ل َي َ ْ‬
‫َ‬
‫دون َِني ل‬ ‫منا ً ي َعْب ُ ُ‬‫مأ ْ‬ ‫خوْفِهِ ْ‬ ‫ن ب َعْدِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫م وَل َي ُب َد ّل َن ّهُ ْ‬ ‫ضى ل َهُ ْ‬ ‫ذي اْرت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫ِدين َهُ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ن( النور‪.55:‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬ ‫م ال َ‬ ‫فَر ب َعْد َ ذ َل ِك فأولئ ِك هُ ُ‬ ‫نك َ‬ ‫م ْ‬‫شْيئا وَ َ‬ ‫ن ِبي َ‬ ‫شرِكو َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ن وعد الله تعالى لعباده بالستخلف في الرض سيتحقق‪ ،‬فهو ل‬ ‫إ ّ‬
‫يخلف الميعاد‪ ،‬ووعده لدينه بالظهور والغلبة ومن ثم التمكين في‬
‫الرض‪ ،‬هو من الحقائق الكبرى المستقرة في قلب كل مؤمن‪.‬‬
‫‪ -3‬الخبار بضعف كيد الكفار وضلل سعيهم في النيل من‬
‫السلم‪ ،‬وفشل كيدهم في الصد عنه والتآمر عليه‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬
‫دوا عن سبيل الله‬ ‫‪ -‬قوله تعالى‪):‬إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليص ّ‬
‫فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم ُيغلبون والذين كفروا إلى جهنم‬
‫ُيحشرون( النفال‪ .36 :‬يقول المام ابن كثير‪" :‬فقد أخبر تعالى أن‬
‫الكفار ينفقون أموالهم ليصدوا عن إتباع طريق الحق‪ ،‬فسيفعلون ذلك‪،‬‬

‫في ظلل القرآن ‪.3002-5/3001‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪413‬‬
‫ثم تذهب أموالهم‪ ،‬ثم تكون عليهم حسرة أي ندامة‪ ،‬حيث لم تجد شيئًا‪،‬‬
‫لنهم أرادوا إطفاء نور الله وظهور كلمتهم على كلمة الحق‪ ،‬والله متم‬
‫نوره ولو كره الكافرون‪ ،‬وناصر دينه‪ ،‬ومعلن كلمته‪ ،‬ومظهر دينه على‬
‫)‪(1‬‬
‫كل دين‪."..‬‬
‫‪ -‬قوله تعالمى‪) :‬إنهمم يكيمدون كيدا ً وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم‬
‫رويدًا( الطارق‪.17-15 :‬‬
‫ن اليات الكريمة فيها تثبيت للمؤمنين وتطمين لهم‪ ،‬كما أن فيها‬ ‫إ ّ‬
‫تهوين من أمر ما يصنع الكفار من حرب للسلم والمسلمين‪ ،‬ونهاية‬
‫المعركة محسومة لهذا الدين‪ ،‬لن الله تعالى ل يقوى أحد على‬
‫مواجهته‪ ،‬أو النيل من دينه )ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين(‬
‫النفال‪.18 :‬‬
‫ثانيًا‪ :‬المبشرات النبوية‪:‬‬
‫‪-1‬المبشرات العامة بنصر السلم وإذلل الكافرين‪-:‬‬
‫‪ -‬روى أبي بن كعب رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫)‪(2‬‬
‫سناء والنصر والتمكين‪.(..‬‬ ‫عليه وسلم‪):‬بشر هذه المة بال ّ‬
‫‪ -‬روى تميم الداري رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫ن هذا المر ما بلغ الليل والنهار‪ ،‬ول يترك الله‬ ‫عليه وسلم يقول‪" :‬ليبلغ ّ‬
‫بيت مدر ول وبر إل أدخله الله هذا الدين‪ ،‬بعز عزيز‪ ،‬أو بذل ذليل‪ ،‬عزا ً‬
‫)‪(3‬‬
‫يعز الله به السلم‪ ،‬وذل ً يذل الله به الكفر"‪.‬‬
‫‪ -‬روى ثوبان رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪):‬إن الله زوى لي الرض‪ ،‬فرأيت مشارقها ومغاربها‪ ،‬وإن أمتي‬

‫تفسير القرآن العظيم ابن كثير ‪.2/307‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ -2‬رواه أحمد في المسند ‪ ،5/134‬وابممن حبممان فممي صممحيحه رقممم ‪ ،2501‬والحمماكم‬


‫‪ ،4/311‬وقال حديث صحيح ووافقه الذهبي‪ ،‬وأقره المنذري‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه أحمد ‪ ،4/103‬والحاكم ‪ 4/430‬بمعناه وصححه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬والطممبراني‬
‫في المجمع ‪ 6/14‬وقال رجاله رجال الصحيح‪ ،‬وابن حبان في صممحيحه رقممم ‪،1631‬‬
‫‪ ،1632‬واللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة ‪.1/7‬‬

‫‪414‬‬
‫‪(1).‬‬
‫سيبلغ ملكها ما زوى لي منها وأعطيت الكنزين الحمر والبيض(‬
‫‪ -‬عن خباب بن الرت رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫ن الله هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء‬
‫عليه وسلم‪) :‬والله ليتم ّ‬
‫إلى حضرموت ل يخاف إل الله والذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون(‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫‪ -‬عن أبو هريرة رضي الله عنه قال‪:‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪):‬ل تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال ويفيض‪ ،‬وحتى يخرج‬
‫الرجل بزكاة ماله‪ ،‬فل يجد أحدا ً يقبلها منه‪ ،‬وحتى تعود أرض العرب‬
‫ً )‪(3‬‬
‫مروجا ً وأنهارا (‪.‬‬

‫‪ -2‬المبشرات بقيام الخلفة الراشدة‪-:‬‬


‫ه عَل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫‪ -‬عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه‪َ:‬قا َ‬
‫َ‬ ‫شاَء الل ّ َ‬
‫ن‬‫شاَء أ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م ي َْرفَعَُها إ ِ َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ن الن ّب ُوّةُ ِفيك ُ ْ‬ ‫كو ُ‬ ‫م‪ ):‬ت َ ُ‬ ‫سل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫شاَء الل ّ َ‬
‫ن‬ ‫كو َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫كو ُ‬ ‫من َْهاِج الن ّب ُوّةِ فَت َ ُ‬ ‫ة عََلى ِ‬ ‫خَلفَ ٌ‬ ‫ن ِ‬‫كو ُ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫ي َْرفَعََها ث ُ ّ‬
‫ضا فَي َ ُ‬ ‫مل ْ ً‬ ‫م تَ ُ‬ ‫شاَء الل ّ َ‬
‫شاَء‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫كو ُ‬ ‫عا ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ن ي َْرفَعََها ث ُ ّ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ذا َ‬ ‫م ي َْرفَعَُها إ ِ َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ة فَت َ ُ‬ ‫مل ْ ً‬ ‫م تَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ن‬
‫كو ُ‬ ‫جب ْرِي ّ ً‬ ‫كا َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫ن ي َْرفَعََها ث ُ ّ‬ ‫شاَء أ ْ‬ ‫ذا َ‬‫م ي َْرفَعَُها إ ِ َ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫خلفَ ً‬ ‫َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ة عَلى‬ ‫ن ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ن ي َْرفَعََها ث ُ ّ‬ ‫شاَء أ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫م ي َْرفَعَُها إ ِ َ‬‫ن ثُ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫شاَء الل ُ‬ ‫ما َ‬ ‫َ‬
‫سك َ َ‬ ‫من َْهاِج الن ّب ُوّةِ ث ُ ّ‬
‫)‪(4‬‬
‫ت(‪.‬‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬

‫‪ -1‬رواه مسلم رقم ‪ 2889‬في الفتن‪ ،‬باب هلك هذه المة بعضهم ببعض‪ ،‬والترمذي‬
‫رقم ‪ ،2177‬في الفتن‪ ،‬باب ما جاء في سؤال النممبي ‪ ‬ثلث ما ً فممي أمتممه‪ ،‬وأبممو داود‬
‫رقم ‪ ،4252‬في الفتن‪ ،‬باب ذكر الفتن ودلئلها‪ ،‬وأحمد ‪.284 ،5/278‬‬
‫‪ -2‬رواه البخاري‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه مسلم رقم ‪ 157‬في الزكاة‪ ،‬باب الترغيب في الصدقة‪ ،‬وفي اليمان‪ ،‬وبمماب‬
‫بيان الزمن الذي ل يقبل فيه اليمان‪ ،‬ورقم ‪ ،2912‬م ‪ 2922‬في الفتن‪ ،‬باب ل تقمموم‬
‫الساعة حتى يمر الرجل بقممبر الرجممل‪ ،..‬ورواه أحمممد ‪،2/703‬م ‪ ،417‬والحمماكم فممي‬
‫المستدرك ‪.4/477‬‬
‫‪-4‬رواه أحمممد ‪ ،4/273‬وأبممو داود الطيالسممي رقممم ‪ ،438‬قممال الهيثمممي فممي مجمممع‬
‫الزوائد ‪ 6/188‬رجاله ثقات‪ ،‬وصححه العراقي بقوله‪ :‬هممذا حممديث صممحيح‪ ،‬وأخرجممه‬

‫‪415‬‬
‫‪ -‬وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وضع يده على رأس أبى‬
‫حوالة الزدى وقال‪":‬يا بن حوالة إذا رأيت الخلفة قد نزلت الرض‬
‫المقدسة فقد دنت الزلزل‪ ،‬والبليا والمور العظام‪ ،‬والساعة يومئذ‬
‫)‪(1‬‬
‫أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك"‪.‬‬
‫‪ -3‬المبشرات بقتال اليهود وانتصار المسلمين عليهم‪:‬‬
‫‪ -‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪):‬ل تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود‪ ،‬فيقتلهم‬
‫المسلمون‪ ،‬حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر‪ ،‬فيقول‬
‫الحجر أو الشجر يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي‪ ،‬فتعال فاقتله‬
‫)‪(2‬‬
‫إل الغرقد‪ ،‬فإنه من شجر اليهود(‪.‬‬
‫ن باحث َْين أمريكي َْين زاراني في بيتي‪ ،‬طالبين فهممم الحممديث‬ ‫أذكر أ ّ‬
‫في ضوء الواقممع المعاصممر‪ ،‬ولقممد أخممبراني بممأن اليهممود يؤمنممون بصممحة‬
‫مضمون الحديث‪ ،‬وهم يعملون جادين على تأخير همذا اليموم‪ ،‬ويزرعمون‬
‫شجر الغرقد استعدادا ً لذلك‪.‬‬
‫وليعلم أبناء السلم أن الستعلء اليهودي اليوم هو استعلء‬
‫مؤقت‪ ،‬وتمكين الله تعالى اليهود في الرض لن يدوم‪ ،‬إن وعد الله‬
‫تعالى سيتحقق‪ ،‬وأن المعركة الفاصلة التي أخبر عنها الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم بين المسلمين واليهود ستنهي الفترة الستثنائية التي‬
‫كن فيها اليهود )بحبل من الله وحبل من الناس( آل عمران‪:‬‬ ‫م ّ‬
‫ُ‬
‫‪ ،112‬وسيعود اليهود إلى وضعهم الطبيعي الذي كتبه الله تعالى عليهم‪:‬‬
‫)وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا‬
‫يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغر الحق ذلك بما عصوا وكانوا‬
‫يعتدون( البقرة‪.61 :‬‬

‫اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة ‪.9/1-8‬‬


‫‪ -1‬رواه أحمد بسنده )‪ ،(5/288‬وصححه الحاكم واللباني في صحيح الجامع ‪.7838‬‬
‫‪ -2‬رواه البخاري )‪ 6/75 ،(2926‬في الجهاد‪ ،‬باب قتال اليهود‪ ،‬ومسلم )‪ (2922‬في‬
‫الفتن‪ ،‬باب ل تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقمبر الرجمل‪ ،‬فيتمنمى أن يكممون مكمان‬
‫الميت من البلء‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫‪ -4‬المبشرات بوجود الطائفة المنصورة في الشام عامة‪،‬‬
‫وفي فلسطين خاصة‪:‬‬
‫هناك أحاديث كثيرة صحيحة في فضائل الشام‪ ،‬وهي تبين أن هذه‬
‫الرض المباركة سيكون لها دور في تاريخ البشرية وقيادتها‪ ،‬وأنها‬
‫ستكون الحصن الحصين الذي يأوي إليه المسلمون عند اشتداد المحنة‬
‫ونزول الفتنة‪ .‬ومن ذلك‪-:‬‬
‫‪ -‬عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪" :‬ل تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله‪،‬‬
‫وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله‪ ،‬ل يضرهم من خذلهم‪ ،‬ظاهرين‬
‫)‪(1‬‬
‫على الحق إلى أن تقوم الساعة"‪.‬‬
‫‪ -‬وعن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه أتى النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم فقال‪ :‬ثم إني سئمت الخيل وألقيت السلح‪ ،‬ووضعت‬
‫الحرب أوزارها‪ ،‬قلت‪ :‬ل قتال فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪":‬الن‬
‫جاء القتال‪ ،‬ل تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس‪ ،‬يرفع الله‬
‫قلوب أقوام فيقاتلونهم‪ ،‬ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز‬
‫وجل وهم على ذلك‪ ،‬أل إن عقر دار المؤمنين الشام‪ ،‬والخيل معقود‬
‫في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"‪(2).‬‬
‫‪ -‬عن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪) :‬سيصير المر إلى أن تكونوا جنودا ً مجندة‪:‬جند بالشام‪،‬‬
‫خْر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬عليك‬ ‫وجند بالعراق‪ ،‬فقلت ِ‬
‫بالشام‪ ،‬فإنها خيرة الله من أرضه‪ ،‬يجتبي إليها خيرته من عباده‪ ،‬فأما‬
‫دركم‪ ،‬فإن الله توكل لي بالشام‬ ‫إن أبيتم فعليكم بيمنكم‪ ،‬واسقوا من غُ ُ‬
‫)‪(3‬‬
‫وأهله(‪.‬‬

‫‪ -1‬رواه أبو يعلى‪ ،‬قال الهيثمي رجاله ثقات‪ ،‬انظر مجمع الزوائد ‪.64 ،30/63‬‬
‫‪ -2‬رواه أحمد في المسند ‪ ،4/104‬ورواه اللباني في سلسلة الحاديث الصحيحة‬
‫رقم ‪ ،1916‬وقال إسناد شامي حسن‪ ،‬رجاله كله موثقون‪.‬‬
‫‪ -3‬رواه أبو داود رقم ‪ ،2483‬في الجهاد‪ ،‬باب في سكنى الشام‪ ،‬وإسناده صحيح‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫‪ -‬ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم‪):‬بينا أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي‪،‬‬
‫فظننت أنه مذهوب به‪ ،‬فأتبعته بصري‪ ،‬فُعمد به إلى الشام‪ ،‬أل وإن‬
‫)‪(1‬‬
‫اليمان حين تقع الفتن بالشام(‪.‬‬
‫وبعد أن ذكر أحاديث فضل الشام وبيت المقدس‪..‬يقول شيخ‬
‫ل الكتاب والسنة وما روى عن النبياء‬ ‫السلم ابن تيمية‪":‬وقد د ّ‬
‫المتقدمين عليهم السلم‪ ،‬مع ما علم بالحس والعقل وكشوفات‬
‫م الخلق‪،‬‬‫ن الخلق والمر ابتدآ من مكة أم القرى‪ ،‬فهي أ ّ‬ ‫العارفين إ ّ‬
‫وفيها إبتدئت الرسالة المحمدية التي طبق نورها الرض‪ ،‬وهى جعلها‬
‫الله قياما للناس إليها‪ ،‬يصلون ويحجون‪ ،‬ويقوم بها ما شاء الله‪ ،‬من‬
‫مصالح دينهم ودنياهم‪ ،‬فكان السلم في الزمان الول ظهوره بالحجاز‬
‫أعظم‪ ،‬ودّلت الدلئل المذكورة على أن ملك النبوة بالشام‪ ،‬والحشر‬
‫إليها فإلى بيت المقدس وما حوله يعود الخلق والمر‪ ،‬وهناك يحشر‬
‫الخلق والسلم في آخر الزمان يكون أظهر بالشام‪ ،‬وكما أن مكة‬
‫أفضل من بيت المقدس‪ ،‬فأّول المة خير من آخرها‪ ،‬وكما أّنه في آخر‬
‫الزمان يعود المر إلى لشام‪ ،‬كما أسرى بالنبي من المسجد الحرام‬
‫إلى المسجد القصى‪ ،‬فخيار أهل الرض في آخر الزمان ألزمهم مهاجر‬
‫إبراهيم عليه السلم وهو بالشام"‪(2).‬‬
‫‪ -4‬المبشرات بفتح روما عاصمة الكاثوليكية‪:‬‬
‫‪ -‬عن أبي قبيل قال‪ :‬كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬وسئل أي‬
‫المدينتين تفتح أول ً القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له‬
‫حلق‪ ،‬قال فأخرج منه كتابا قال‪ :‬فقال عبد الله‪ :‬بينما نحن حول رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم نكتب‪ ،‬إذ سئل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪:‬أي المدينتين تفتح أول ً أقسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله‬

‫‪ -1‬رواه أحمد في المسند ‪ ،199-5/198‬وذكره الهيثمي في مجمع الممزوائد ‪،7/292‬‬


‫وقال‪ :‬رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير محممد بمن عمامر النطماكي وهمو ثقمة‪،‬‬
‫وقال الحافظ ابن حجر‪ :‬سنده صحيح‪.‬‬
‫‪ -2‬مجموع الفتاوى ‪.446-4/445‬‬

‫‪418‬‬
‫)‪(1‬‬
‫ل‪ .‬يعني قسطنطينية(‪.‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم‪):‬مدينة هرقل تفتح أو ً‬
‫ومن المعلوم أن القسطنطينية فتحت عام ‪857‬هم على يد القائد‬
‫المسلم محمد الفاتح‪ ،‬وستفتح روما ‪-‬قريبا ً بإذن الله‪ -‬عاصمة إيطاليا‪،‬‬
‫وعاصمة النصرانية الكاثوليكية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المبشرات من طبيعة الدين الموافقة‬
‫للفطرة البشرية‪ ،‬ولسنن الله تعالى في الكون‪-:‬‬
‫يقول الله عز وجل‪):‬فأقم وجهك للدين حنيفا ً فطرت الله التي‬
‫فطر الناس عليها ل تبديل لخلق الله ذلك الدين القّيم ولكن أكثر الناس‬
‫ل يعلمون( سورة الروم‪.30 :‬‬
‫لقد ربطت الية الكريمة بين فطرة النفس البشرية وطبيعة هذا‬
‫الدين‪ ،‬فكلهما من صنع الله تعالى‪ ،‬وكلهما موافق لسنن الله تعالى‬
‫في هذا الوجود‪ ،‬وكلهما متناسق مع الخر في طبيعته واتجاهه‪،‬‬
‫والفطرة ثابتة‪ ،‬والدين ثابت‪ ،‬وإذا انحرفت النفوس البشرية عن‬
‫الفطرة‪ ،‬فل يرّدها إل هذا الدين المتناسق معها‪ ،‬فطرة البشر وفطرة‬
‫ومه من‬ ‫ُ‬
‫الوجود‪ .‬والدين هو أنزل ليحكم النسان ويصرفه إلى الحق‪ ،‬ويق ّ‬
‫النحراف ول سعادة للبشرية إل إذا عادت فطرتها لتتناسق مع الدين‬
‫)‪(2‬‬
‫الحق‪.‬‬
‫ن المستقبل لهذا الدين لنه منهج حياة للبشرية‪ ،‬يشتمل على كل‬ ‫إ ّ‬
‫المقومات المنظمة لشتى جوانب الحياة البشرية‪ ،‬ولقد كافح السلم‬
‫‪-‬وهو أعزل‪ -‬لن عنصر القوة كامن في طبيعته‪ ،‬وكامن في بساطته‬
‫ووضوحه وشموله‪ ،‬وملئمته للفطرة البشرية‪ ،‬وتلبيته لحاجاتها‬
‫الحقيقية‪ ،‬وأعداؤه يحاربونه لجل ذلك‪ ،‬ولنه يقف عائقا ً أمامهم عن‬
‫تحقيق أهدافهم الستعمارية الستغللية‪ ،‬ولكن‪ ،‬الذي ل شك فيه أنه‬

‫‪ -1‬رواه أحمد في المسند ‪ ،2/167‬والدارمي في سننه ‪ ،1/126‬وابن أبي شيبة فممي‬


‫المصنف ‪ ،153/2 ،47‬وعبد الغني المقدسي في كتاب العلم ‪ 30/1 ،2‬وقال‪:‬حديث‬
‫حسن السناد‪.‬‬
‫‪ -2‬انظر في ظلل القرآن سيد قطب ‪.5/2767‬‬

‫‪419‬‬
‫سينتصر كما انتصر في السابق‪ ،‬وسيكون المستقبل لهذا الدين)‪.(1‬‬
‫فمن طبيعة المنهج الذي يرسمه السلم‪ ،‬ومن حاجة البشرية إلى‬
‫هذا المنهج نستمد نحن المسلمين يقيننا الذي ل يتزعزع في أن‬
‫ن له دورا ً كبيرا ً في هذه الرض‪ ،‬دورا ً في قيادة‬ ‫المستقبل للسلم‪ ،‬وأ ّ‬
‫البشرية‪ ،‬خاصة بعد أن أثبت الواقع البشري إفلس كل النظم‬
‫والمذاهب في مناهجها وتشريعاتها وعقائدها‪ ،‬إن السلم مدعو لداء‬
‫)‪(2‬‬
‫دوره في المستقبل القريب‪ ،‬أراد أعداؤه أم لم يريدوا‪.‬‬
‫يقول سيد قطب‪" :‬ول يجوز أن يتطرق إلى قلوبنا الشك‪ ،‬بسبب ما‬
‫نراه حولنا‪ ،‬من الضربات الوحشية التي ُتكال لطلئع البعث السلمي‬
‫في كل مكان‪ ،‬ول بسبب ما نراه كذلك من ضخامة السس التي تقوم‬
‫عليها الحضارة المادية‪ ،‬إن الذي يفصل في المر ليس هو ضخامة‬
‫الباطل‪ ،‬وليس هو قوة الضربات التي ُتكال للسلم‪ ،‬إنما الذي يفصل‬
‫في المر هو قوة الحق‪ ،‬ومدى الصمود للضربات‪.‬‬
‫إننا لسنا وحدنا‪ ،‬إن رصيد الفطرة معنا‪ ،‬فطرة الكون وفطرة‬
‫النسان‪ ،‬وهو رصيد هائل ضخم‪ ،‬أضخم من كل ما يطرأ على الفطرة‬
‫من أثقال الحضارة‪ ،‬ومتى تعارضت الفطرة مع الحضارة‪ ،‬فلبد أن‬
‫‪(3).‬‬
‫يكتب النصر للفطرة‪ ،‬قصر الصراع أم طال"‬
‫ن البشرية اليوم في حاجة إلى من يغنيها عن جهالة الشيوعية‪،‬‬ ‫إ ّ‬
‫وهي في حاجة إلى من يريحها من طغيان الرأسمالية‪ ،‬فكلهما نظام‬
‫غير طبيعي‪ ،‬ومعاند للفطرة البشرية‪ ،‬وإنما يتطرق الفساد إلى المجتمع‬
‫عندما تسير أموره على غير نواميس الكون وسنن الفطرة‪ .‬إن النظام‬
‫السلمي هو البديل‪ ،‬والمستقبل له‪ ،‬لن تنظيماته الجتماعية هي‬
‫تنظيمات القوى الفطرية‪ ،‬ولن تشريعاته تلبي دوافع الغريزة‪،‬‬
‫واتجاهات الميول الفطرية‪.‬‬

‫‪-1‬انظر المستقبل لهذا الدين ص ‪.5‬‬


‫‪ -2‬المصدر السابق ‪.93-92‬‬
‫‪ -3‬المصدر السابق ص ‪.94‬‬

‫‪420‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المبشرات الواقعية‪:‬‬
‫يقول الشهيد سيد قطب‪":‬لقد صمد السلم في حياته المديدة‪،‬‬
‫لما هو أعنف وأقسى من هذه الضربات الوحشية‪ ،‬التي توجه اليوم إلى‬
‫طلئع البعث السلمي في كل مكان‪ .‬وكافح ‪-‬وهو مجرد من كل قوة‬
‫غير قوته الذاتية‪ -‬وانتصر‪ ،‬وبقى‪ ،‬وأبقى على شخصية الجماعات‬
‫والوطان‪ ،‬التي كان يحميها‪ ،‬وهو مجرد من السلح! إن السلم هو‬
‫لسلمي في الشرق من هجمات التتار؛ كما حماه‬ ‫الذي حمى الوطن ا ٍ‬
‫من هجمات الصليبيين على السواء‪..‬ولو انتصر الصليبيون في الشرق‬
‫كما انتصروا في الندلس قديمًا‪ ،‬أو كما انتصر الصهيونيون في‬
‫فلسطين حديثًا‪ ،‬ما بقيت قومية عربية‪ ،‬ول جنس عربي‪ ،‬ول وطن‬
‫عربي‪..‬والندلس قديما ً وفلسطين حديثا ً كلهما شاهد على أنه حين‬
‫يطرد السلم من أرض‪ ،‬فإنه ل تبقى فيها لغة ول قومية‪ ،‬بعد اقتلع‬
‫الجذر الصيل! والمماليك الذين حموا هذه البقعة من التتار‪ ،‬لم يكونوا‬
‫من جنس العرب إنما كانوا من جنس التتار! ولكنهم صمدوا في وجه‬
‫بني جنسهم المهاجمين‪ ،‬حمية للسلم‪ ،‬لنهم كانوا مسلمين! صمدوا‬
‫بإيحاء من العقيدة السلمية‪ ،‬وبقيادة روحية إسلمية من المام المسلم‬
‫ابن تيمية الذي قاد التعبئة الروحية‪ ،‬وقاتل في مقدمة الصفوف!‬
‫ولقد حمى صلح الدين هذه البقعة من اندثار العروبة منها‪،‬‬
‫والعرب‪ ،‬واللغة العربية‪ ،‬وهو كردي ل عربي‪ ،‬ولكنه حفظ لها عروبتها‬
‫ولغتها حين حفظ لها إسلمها من غارة الصليبيين‪ .‬وكان السلم في‬
‫ضميره هو الذين كافح الصليبيين‪ ،‬كما كان السلم في ضمير الظاهر‬
‫بيبرس‪ ،‬والمظفر قطز‪ ،‬والملك الناصر‪..‬هو الذي كافح التتار‬
‫المتبربرين!‬
‫والسلم هو الذي كافح في الجزائر مئة وخمسين عامًا‪ .‬وهو الذي‬
‫استبقى أرومة العروبة فيها‪ .‬حتى بعد أن تحطمت مقوماتها الممثلة في‬
‫اللغة والثقافة‪ ،‬حينما اعتبرت فرنسا اللغة العربية –في الجزائر‪ -‬لغة‬
‫أجنبية محظورا ً تعليمها! هنالك قام السلم‪-‬وحده‪ -‬في الضمير‪ ،‬يكافح‬
‫الغزاة‪ ،‬ويستعلي عليهم‪ ،‬ول يحنى رأسه لهم لنهم أعداؤه الصليبيون!‬

‫‪421‬‬
‫وبهذا ‪-‬وحده‪ -‬بقيت روح المقاومة في الجزائر‪ ،‬حتى أزكتها من جديد‬
‫الحركة السلمية التي قام بها عبد الحميد بن باديس‪ ،‬فأضاءت شعلتها‬
‫من جديد‪..‬وهذه الحقيقة التي حاول أن يطمسها المغفلون والمضّللون‪،‬‬
‫يعرفها الفرنسيون والصليبيون جيدا ً لنهم صليبيون! إنهم على يقين أن‬
‫السلم باستعلء روحه على أعدائه‪ ،‬هو الذي يقف في طريقهم‪ .‬ومن‬
‫ثم يعلنونها حربا ً على المسلمين‪..‬ل على العرب!‬
‫والسلم هو الذي كافح في برقة وطرابلس ضد الغزو‬
‫الطلياني‪..‬وفي أربطة السنوسية وزواياها نمت بذرة المقاومة‪ ،‬ومنها‬
‫انبثق جهاد عمر المختار الباسل النبيل‪..‬وأول انتفاضة في مراكش‪،‬‬
‫كانت منبثقة من الروح السلمي‪ .‬وكان الظهير البربري الذي سنه‬
‫الفرنسيون سنة ‪1931‬م وأرادوا به رد قبائل البربر هناك إلى الوثنية‪،‬‬
‫وفصلهم عن الشريعة السلمية‪..‬هو الشرارة التي ألهبت كفاح مراكش‬
‫ضد الفرنسيين‪.‬‬
‫ن عنصر القوة‪ :‬كامن في‬ ‫لسلم‪-‬وهو أعزل‪-‬ل ّ‬ ‫لقد كافح ا ٍ‬
‫طبيعته‪ ،‬كامن في بساطته ووضوحه وشموله‪ ،‬وملءمته للفطرة‬
‫البشرية‪ ،‬وتلبيته لحاجاتها الحقيقية‪ .‬كامن في الستعلء عن العبودية‬
‫للعباد بالعبودية لله رب العباد؛ وفي رفض التلقي إل منه‪ ،‬ورفض‬
‫الخضوع إل له من دون العالمين‪...‬وكامن كذلك في الستعلء بأهله‬
‫على الملبسات العارضة كالوقوع تحت سلطان المتسلطين‪ ،‬فهذا‬
‫السلطان يظل خارج نطاق الضمير مهما اشتدت وطأته‪..‬ومن ثم ل تقع‬
‫الهزيمة الروحية طالما عمر السلم القلب والضمير‪ ،‬وإن وقعت‬
‫الهزيمة الظاهرية في بعض الحايين‪..‬ومن أجل هذه الخصائص في‬
‫السلم يحاربه أعداؤه هذه الحرب المنكرة؛ لّنه يقف لهم في الطريق‪،‬‬
‫يعوقهم عن أهدافهم الستعمارية الستغللية‪ ،‬كما يعوقهم عن الطغيان‬
‫والتأله في الرض كما يريدون!‬
‫ومن أجل هذه الخصائص يطلقون عليه حملت القمع البادة‪ ،‬كما‬
‫يطلقون عليه حملت التشويه والخداع والتضليل! ومن أجل هذا‬
‫يريدون أن يستبدلوا به قيما ً أخرى‪ ،‬وتصورات أخرى‪ ،‬ل تمت بسبب‬

‫‪422‬‬
‫إلى هذا المناضل العنيد؛ لتستريح الصهيونية العالمية‪ ،‬والصليبية‬
‫العالمية‪ ،‬والستعمار العالمي من هذا المناضل العنيد!‬
‫ن خصائص السلم الذاتية هي التي تحنق عليه أعداءه الطامعين‬ ‫إ ّ‬
‫في أسلب الوطن السلمي‪..‬هذه هي حقيقة المعركة؛ وهذا هو دافعها‬
‫الصيل‪..‬ولكن الذي ل شك فيه ‪ -‬على الرغم من ذلك كله‪ -‬هو أن‬
‫المستقبل لهذا الدين‪.‬‬
‫فمن طبيعة المنهج الذي يرسمه هذا الدين؛ ومن حاجة البشرية‬
‫إلى هذا المنهج نستمد نحن يقيننا الذي ل يتزعزع‪ ،‬في أن المستقبل‬
‫لهذا الدين‪ .‬وأن له دورا ً في هذه الرض هو مدعو لدائه ‪-‬أراد أعداؤه أم‬
‫لم يريدوا‪ -‬وأن دوره هذا المرتقب ل تملك عقيدة أخرى‪ -‬كما ل يملك‬
‫منهج آخر‪-‬أن يؤديه‪ ،‬وأن البشرية بجملتها ل تملك كذلك أن تستغني‬
‫طويل ً عنه‪ .‬ول حاجة بنا إلى المضي في توكيد هذه الحقيقة على هذا‬
‫النحو"‪(1).‬‬

‫ل‪ :‬الحركات السلمية)‪:(2‬‬ ‫أو ً‬


‫نشأت الحركات السلمية في ظروف صعبة‪ ،‬لقد ولدت فممي قلممب‬
‫الصراع‪ ،‬وفي وسط الهجوم الماكر على العالم السلمي‪ ،‬وكممانت هممذه‬
‫الظممروف المعاكسممة كفيلممة بالقضمماء عليهمما وطمممس معالمهمما‪ ،‬لكممن‬
‫استطاعت هذه الحركات ‪-‬بعون الله تعممالى‪ -‬أن تتغلممب علممى كممثير مممن‬
‫الصعوبات‪ ،‬وأن تواجه كثيرا ً من التحديات‪ ،‬بإيمان ووعي‪ ،‬أثبتممت حيويممة‬
‫هذا الدين وقدرته على المقاومة والنتصار‪.‬‬
‫يقممول برنممارد لممويس فممي كتممابه‪):‬الغممرب والشممرق الوسممط ص‬
‫‪":(179‬والشيء الواضح أن من بين جميع الحركات الكبرى الممتي ه مّزت‬
‫الشرق الوسط في آخر قرن ونصف كانت الحركات السمملمية وحممدها‬
‫أصيلة في تمثيلهمما لمطامممح أهممل هممذه المنطقممة‪ ،‬فالليبراليممة والفاشممية‬

‫‪ -1‬المستقبل لهذا الدين‪ :‬سيد قطب‪.‬‬


‫‪-2‬هذا المبحث مستفاد أكممثره ممن كتمماب‪:‬الطريمق إلمى حكممم إسملمي محممد علمي‬
‫الضناوي ص ‪ ،249-210‬الموسوعة الحركية فتحي يكن المجلد الول ‪.217 ،155‬‬

‫‪423‬‬
‫والوطنية والقومية والشمميوعية والشممتراكية كلهمما أوربيممة الصممل‪ ،‬مهممما‬
‫دلها أتباعها في الشرق الوسط‪ .‬والمنظمممات السمملمية هممي‬ ‫أقلمها وع ّ‬
‫الوحيممدة الممتي تنبممع مممن تممراب المنطقممة‪ ،‬وتعممبر عممن مشمماعر الكتممل‬
‫الجماهيرية المسممحوقة‪ .‬وبممالرغم مممن أن كممل الحركممات السمملمية قممد‬
‫هزمت حتى الن غير أنها لم تقل بعد كلمتها الخيرة"‪.‬‬
‫يقول الخبير المريكي في الشؤون السلمية والشرق الوسط‬
‫الدكتور "جون اسبوسيتو"‪" :‬إن الصحوة السلمية أو الصولية‬
‫السلمية حقيقة تعيش معنا وسوف تستمر بقوة في صياغتها لسياسة‬
‫)‪(1‬‬
‫الشرق الوسط في المستقبل القريب"‪.‬‬
‫لقد انتشرت الحركات السلمية في مختلف بلدان العالم‬
‫السلمي‪ ،‬وأصبح لها أتباع وأنصار في بعض دول أوربا وأمريكا‪ ،‬وكانت‬
‫‪-‬وما زالت‪ -‬شوكة في أعين المبشرين والمستعمرين وتلميذهم‬
‫وأعوانهم من أبناء المسلمين‪.‬‬

‫أهداف الحركات السلمية‪:‬‬


‫تهدف الحركات السلمية ‪-‬بوجه عام‪ -‬إلى استئناف الحياة‬
‫السلمية وإقامة مجتمع إسلمي نظيف‪ ،‬مجتمع تطبق فيه أحكام‬
‫السلم وتشريعاته‪ ،‬وتسوده مفاهيم العقيدة السلمية في الكون‬
‫والحياة والنسان‪ ،‬مجتمع يدين أفراده بالولء لله ولرسوله وللمؤمنين‪،‬‬
‫يرددون قول الله تعالى‪) :‬ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون‬
‫من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير( سورة لقمان‪.30 :‬‬
‫وسائل الحركات السلمية‪-:‬‬
‫تلجأ الحركات السلمية في سبيل تحقيق أهدافها إلى كل الوسائل‬
‫الموافقة للشممرع السمملمي‪ ،‬ومممن ذلممك‪:‬التممدريس والخطابممة والتعليممم‪،‬‬
‫والكتممب والمطبوعممات والرسممائل والصممحف‪ ،‬والمحاضممرات والنممدوات‪،‬‬
‫والعمل الجتماعي‪ ،‬بالضافة إلى التنظيممم والتجميممع باختيممار الشممخاص‬
‫الملتزمين دينيا ً وخلقيا ثم سلكهم في تجمع حركممي منظممم تحممت قيممادة‬

‫‪-1‬السلم والكونجرس د‪ .‬أحمد إبراهيم خضر ص ‪.17‬‬

‫‪424‬‬
‫مؤمنة واعية‪.‬‬
‫ومن الوسائل التي لجأت إليها كثير من الحركات السلمية في‬
‫نشر فكرتها والتبشير بأهدافها العمل السياسي ضمن أحزاب مشروعة‪،‬‬
‫تقتحم بأفرادها المجالس النيابية والبلدية‪ ،‬ودخول النقابات المهنية‬
‫والمؤسسات والجمعيات الشبابية والرياضية والجتماعية‪ ،‬والعمل من‬
‫خللها لخدمة المشروع السلمي‪.‬‬
‫المبادئ التي أظهرتها الحركات السلمية‪-:‬‬
‫أظهرت الحركات السلمية عدة مبادئ ومفاهيم بشكل جديد‪،‬‬
‫وذلك من خلل مؤلفات مفكريها وقادتها‪ ،‬ونوجزها فيما يأتي‪:‬‬

‫ل‪ :‬التصور السلمي للكون والنسان والحياة‪:‬‬ ‫أو ً‬


‫وهو بحث اعتقادي‪ ،‬يتناول خصائص التصور السلمي وطبيعته‬
‫ومقوماته‪ ،‬ومصدره الصيل‪ :‬القرآن الكريم والسنة النبوية‪ ،‬وفهم‬
‫السلف الصالح لهما‪ ،‬وقد عرضت الحركات السلمية هذا التصور‬
‫بأسلوب العقيدة نفسها‪ ،‬بعيدا ً عن السلوب الفلسفي الذي يقتل‬
‫العقيدة في النفوس‪ ،‬ويطفئ إشعاعها في القلوب‪.‬‬
‫إن الله عز وجل خلق النسان لداء مهمة عظيمة‪ ،‬وهي خلفته‬
‫في الرض‪ ،‬وفق المنهج الرباني‪ ،‬وكل ما في الكون مسخر للنسان‪،‬‬
‫ومعين له على أداء هذه المهمة‪ .‬وأن النسانية لن تصل إلى الحياة‬
‫الكريمة إل إذا رجعت إلى ربها عز وجل‪ ،‬وإلى المنهج القرآني عمل ً‬
‫وتطبيقا ً في واقع الحياة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الجاهلية والسلم‪:‬‬
‫بناءا ً على التصور السلمي للكون والنسان والحياة‪ ،‬أطلقت‬
‫الحركة السلمية لفظ الجاهلية على كل مجتمع يرفض الهتداء بمنهج‬
‫الله تعالى‪ ،‬ويأبى الحتكام إلى الشريعة السلمية‪ ،‬وليست الجاهلية‬
‫فترة زمنية مضت ولن تعود كما يظن الطيبون السذج من المسلمين‪،‬‬
‫إنها مقابل السلم أو مقابل حكم الله تعالى‪) :‬أفحكم الجاهلية يبغون‬
‫ومن أحسن من الله حكما ً لقوم يوقنون( المائدة‪ .54 :‬وليست الجاهلية‬

‫‪425‬‬
‫مقابل العلم أو الحضارة‪ ،‬إنها حالة نفسية ترفض الهتداء بهدي الله‪ ،‬أو‬
‫وضع تنظيمي يرفض الحكم بما أنزل الله‪.‬‬
‫ولعل السممتاذ أبمما العلممى المممودودي مؤسممس الجماعممة السمملمية‬
‫بباكسممتان وأميرهمما الول هممو أول مممن أطلممق مصممطلح الجاهليممة ‪-‬وهممو‬
‫مصطلح قرآني‪ -‬على المجتمعات الحديثة الشاردة عن دين اللممه‪ ،‬وذلممك‬
‫في رسالته "السلم والجاهلية"‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬شمول السلم للحياة كلها‪:‬‬


‫لقد أكدت الحركات السلمية في أهدافها وكتاباتها‪ ،‬أن السلم‬
‫يشمل بتشريعاته وأنظمته كل جوانب الحياة‪ ،‬السياسية والثقافية‬
‫والجتماعية والقتصادية والخلقية‪ ،‬إنه دين ودولة‪ ،‬مصحف وسيف‪ ،‬جهاد‬
‫وصلة ونسك‪ ،‬اقتصاد وعدالة اجتماعية‪.‬‬
‫يقول المام حسن البنا‪":‬من ظن أن السلم ل يعرض للسياسة‪ ،‬أو‬
‫أن السياسة ليست من مباحثه فقد ظلم نفسه‪ ،‬وظلم علمه بهذا‬
‫السلم‪.‬‬

‫رابعًا‪ :‬الجهاد السلمي‪:‬‬


‫لقد أكدت الحركات السلمية أن الجهاد الشرعي واجب في مقاومة‬
‫الستعمار بكافة أشكاله‪ ،‬ولقد مارسته فعل ً في واقع الحياة المعاصرة‪،‬‬
‫مارسته ضد الستعمار النجليزي في مصر والسودان‪ ،‬ومارسته ضد‬
‫الستعمار اليهودي عام ‪1948‬م و ‪1967‬م‪ ،‬وفي سنوات النتفاضة وما‬
‫بعدها على أرض فلسطين‪ ،‬وجاهدت الستعمار الشيوعي لفغانستان‪،‬‬
‫وكل أتباعها وأبنائها يتشوقون للستشهاد على أرض فلسطين المباركة‪،‬‬
‫وجاهدت الستعماريين الياباني والهولندي في إندونيسيا‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬البعث السلمي‪:‬‬


‫لقد كان للحركات السلمية فضل البعث السلمي‪ ،‬وظهور ما‬
‫يعرف بالصحوة السلمية في كثير من دول العالم ن إذ لم تكن حركات‬

‫‪426‬‬
‫إقليمية أو وطنية‪ ،‬بل كانت حركات شعبية عالمية تستهدف استئناف‬
‫الحياة السلمية‪ ،‬وعودة الخلفة الراشدة‪ ،‬فحركة الخوان المسلمين‬
‫تجاوزت حدود مصر التي نشأت فيها‪ ،‬وتجاوزتها إلى سوريا‪ ،‬والردن‬
‫وفلسطين والسودان‪ ،‬والعراق‪ ،‬والجزائر‪ ،‬وتونس‪ ،‬وأفغانستان‪،‬‬
‫وسيلن‪ ،‬وسيرلنكا‪.‬وحركة ماش ومي )مجلس شورى المسلمين(‬
‫تجاوزت حدود إندونيسيا إلى الفليبين وماليزيا‪ ،‬وفطاني‪ .‬وحركة‬
‫الجماعة السلمية تجاوزت حدود باكستان والهند‪ ،‬إلى كشمير‪،‬‬
‫وأفغانستان‪ ،‬وسيريلنكا وسيلن‪.‬‬

‫أهم هذه الحركات)‪:(1‬‬


‫‪ -1‬حركة الخوان المسلمين‪:‬‬
‫أسسها في مصر عام ‪1928‬م الستاذ حسن البنا‪ ،‬وتكونت أول‬
‫هيئة تأسيسية للحركة عام ‪1941‬م من مائة عضو‪ .‬بدأت الحركة في‬
‫السماعيلية ثم انتقلت إلى القاهرة‪ ،‬ومنها إلى معظم مدن وقرى‬
‫مصر‪ ،‬وانتقلت الحركة إلى القطار العربية‪ ،‬ولها وجود قوي في الردن‪،‬‬
‫حيث تأسست سنة ‪1945‬م‪ ،‬وسوريا‪ ،‬وفلسطين‪ ،‬ولبنان‪ ،‬والعراق‪،‬‬
‫واليمن‪ ،‬والسودان وغيرها‪ .‬وأتباعها يوجدون في معظم أنحاء العالم‪.‬‬
‫من أهم شخصياتها المصرية‪ :‬سيد قطب‪ ،‬وحسن الهضيبي المرشد‬
‫الثاني لها بعد حسن البنا‪ ،‬وعمر التلمساني المرشد الثالث‪ ،‬ومصطفى‬
‫مشهور‪ ،‬والدكتور علي جريشة‪ ،‬والدكتور يوسف القرضاوي‪ .‬ومن أهم‬
‫شخصياتها خارج مصر‪ :‬الشيخ محمد محمود الصمواف مؤسس حركة‬
‫الخوان في العراق‪ ،‬والدكتور مصطفى السباعي )‪1384-1334‬هم(‬
‫مؤسس الحركة في سوريا‪ ،‬والعالم الجليل عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬وسعيد‬
‫حوى‪.‬‬

‫‪ -1‬لمزيد من المعلومات عن الحركات السلمية يرجع إلى‪ :‬الموسوعة الميسرة في‬


‫الديان والمذاهب المعاصرة‪ ،‬الموسوعة الحركية فتحي يكن المجلد الثاني‪ ،‬الطريق‬
‫إلى حكم إسلمي للضناوي‪.‬‬

‫‪427‬‬
‫‪ -2‬حركة الجماعة السلمية‪:‬‬
‫أسس هذه الحركة في شبه القارة الهندية الباكستانية الستاذ أبو‬
‫العلى المودودي عام ‪1941‬م زمن الحتلل البريطاني‪ .‬ولقد ترك‬
‫المودودي مئات الكتب والرسائل في مختلف الفكر السلمي ومجالت‬
‫الحياة السلمية‪ ،‬وله تفسير للقرآن الكريم معروف باسم "ترجمان‬
‫القرآن"‪ ،‬وكتاب في مجلدات حول سيرة النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وأهم شخصياتها‪ :‬الستاذ ميان طفيل محمممد الممذي تممولى إمارتهمما‬
‫سنة ‪1972‬م بعد إعفاء المودودي من المارة للجماعة لمرضه‪ ،‬وقاضي‬
‫حسين أحمد الذي انتخب أميرا ً لها بعد ميان طفيل محمد عام ‪1987‬م‪،‬‬
‫وأمين أحسن الصلحي وهو من كبار العلماء الباكستانيين‪ ،‬والستاذ عبد‬
‫الغفمور أحمممد تمولى وزارة الصممناعات والممواد المعدنيممة عمام ‪1978‬م‪،‬‬
‫والستاذ خورشيد أحممد وهمو مفكمر إسمملمي مشمهور‪ ،‬والسمتاذ أسمعد‬
‫الجيلني صاحب الثمانين كتاب في مختلف مجالت الفكر السلمي‪.‬‬
‫وأما أهم شخصياتها خارج باكستان‪ :‬أبو الليث الصلحي الندوي‪ ،‬أول‬
‫أمير للجماعة في الهند‪ ،‬والشيخ محمد يوسف‪ ،‬وأبو الكلم محمد‬
‫يوسف‪ ،‬أول أمير للجماعة في بنغلدش‪ ،‬وعباس علي خان أميرها‬
‫الحالي‪.‬‬

‫‪-3‬التجاه السلمي في تركيا‪-:‬‬


‫لقد أسس السلميون حزبا ً إسلميا ً خاصا ً بهم يعملون من خلله‬
‫ن الحكومة‬ ‫لقامة دين الله في الرض واستئناف الحياة السلمية‪ ,‬ولك ّ‬
‫ما يجعل السلميين‬ ‫العلمانية في تركيا‪ ،‬تقوم بحل الحزب السلمي‪،‬م ً‬
‫يؤسسون حزبا ً آخر جديدا ً ‪ ،‬فتعمد الحكومة إلى حّله من جديد‪ ،‬وهكذا‬
‫يبقى حال العمل السلمي في تركيا‪ ..‬فحزب السلمة الوطني أسسه‬
‫ما تم حل حزب السلمة واعتقال‬ ‫نجم الدين أربكان عام ‪1972‬م‪ ،‬ول ّ‬
‫أربكان مع ثلث وثلثين من قادة الحزب‪ ،‬عاود أربكان وأصحابه إلى‬
‫ما تم‬
‫العمل من جديد من خلل حزب جديد سمي بم "حزب الرفاه" ول ّ‬
‫م حّله‪.‬‬‫سس أصحابه حزب الفضيلة‪ ،‬وهذا أيضا ً ت ّ‬ ‫حله أ ّ‬

‫‪428‬‬
‫والحزب السلمي يعمل على إعادة بناء الحياة وصياغتها من جديد‬
‫على أساس مبادئ السلم‪ ،‬وقد اختار الطريق السياسي وسيلة لتحقيق‬
‫أفكاره على أرض الواقع‪ ،‬واضعا ً كل طاقاته أمام التيار العلماني الذي‬
‫سيطر على تركيا بعد زوال الخلفة العثمانية‪ ،‬والنظام العلماني تحميه‬
‫الحزاب العلمانية وقادة الجيش التركي‪ ،‬ويتلقى الدعم والمساندة من‬
‫أمريكا والماسونية العالمية‪.‬‬
‫ولقد استطاع حزب الرفاه بقيادة أربكان الحصول على أعلى‬
‫الصوات في انتخابات ‪1996‬م مما أهله من الوصول إلى رئاسة الوزارة‬
‫التركية‪ ،‬واستطاع أن يحقق عدة إنجازات اقتصادية وغيرها‪ ،‬مما دفع‬
‫حماة العلمانية إلى حبك المؤامرات من أجل إسقاط الحكومة التي‬
‫يقودها حزب الرفاه‪ ،‬وبالفعل نجح العلمانيون بالتعاون مع الدوائر‬
‫الماسونية اليهودية من إسقاط نجم الدين أربكان‪ ،‬وقد نفذت المؤامرة‬
‫ل الحزب وتجميد نشاطه السلمي‪ .‬ثم أسس أنصاره‬ ‫ح ّ‬
‫الثانية من أجل َ‬
‫حزب الفضيلة الذي خاض النتخابات ‪1999‬م‪.‬‬
‫ولقد لخصت صحيفة "لوس أنجلس تايمز" المريكية موقف الغرب‬
‫من نجم الدين أربكان فقالت‪" :‬إن احتمال نجاح أربكان يحدث قشعريرة‬
‫وشكوكا ً في الوساط السياسة التركية‪ ،‬وفي كواليس السفارات الغربية‬
‫في أنقرة‪ ،‬لن أربكان يقف ضد أي تسوية في قبرص‪ ،‬وهو ضد السوق‬
‫الوربية المشتركة‪ ،‬ويريد تحويل اتجاه تركيا عن الغرب‪ ،‬والعودة بها من‬
‫جديد إلى تراثها السلمي والشرقي‪ ،‬وهو غير عابئ بتوتر العلقات‬
‫التركية ‪-‬المريكية‪ ،‬ويطالب أن تصحح الخطاء الكثيرة التي ارتكبتها بحق‬
‫تركيا"‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الصحوة السلمية‪:‬‬


‫من المبشرات الواقعية في أن المستقبل للسلم‪:‬الصحوة‬
‫السلمية المباركة التي يشهدها العالم السلمي اليوم‪ ،‬حيث أصبحت‬
‫الرغبة في السلم تيارا ً ذاتيا ً عند الشباب وغيرهم من فئات المجتمع‪،‬‬

‫‪429‬‬
‫وهذا التيار ل يتعلق بحركة أو جماعة إسلمية معينة‪ ،‬بل ل يتعلق أحيانا‬
‫بأي جماعة على الطلق)‪.(1‬‬
‫وظاهرة الصحوة السلمية القائمة اليوم من المبشرات بأن‬
‫المستقبل للسلم‪ ،‬وهي حدث تاريخي له دللته الواقعية‪ ،‬فهي تجئ من‬
‫جهة بعد الجهد الكبير الذي بذلته القوى الصليبية والصهيونية على مدى‬
‫ما يقرب من قرنين من الزمان لزحزحة المة المسلمة عن دينها‬
‫وسلخها منه‪ ،‬وتجئ من جهة أخرى والبشرية في أحد منعطفاتها‬
‫التاريخية‪ ،‬وقد بدأت تيأس من حضاراتها المادية الجافة‪ ،‬وبدأت تتطلع‬
‫)‪(2‬‬
‫إلى المخلص والمنقذ الجديد‪.‬‬
‫إن الصحوة السلمية هي أبرز خطوط الحاضر‪ ،‬وهي كذلك فيما‬
‫نتوقع أبرز خطوط المستقبل‪ ،‬وهذا القول ليس من باب إلقاء الكلم‬
‫على عواهنة‪ ،‬ول من باب تصديق الماني‪ ،‬ول من باب إعطاء الحركات‬
‫السلمية القائمة أكثر من حجمها الحقيقي‪ ،‬إنما نقول ذلك‪ :‬تبعا ً للسنن‬
‫الربانية‪ ،‬ووعد الله تعالى لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأمروا‬
‫بالمعروف ونهوا عن المنكر‪ ،‬ووعيد للكافرين المتمردين المستكبرين‬
‫)‪(3‬‬
‫على عبادته بالهلك وسوء المصير‪.‬‬
‫والصحوة السلمية بمظاهرها وتياراتها الظاهرة والخفية ليست‬
‫عارضة أو طارئة‪ ،‬كما أنها ليست رد فعل لظروف معينة‪ ،‬أو أوضاع‬
‫اجتماعية‪ ،‬أو نكسة عسكرية‪ ،‬ليست رد فعل لظروف معينة‪ ،‬بل هي‬
‫امتداد طبيعي لرسالة المة السلمية جاءت من العمق التاريخي‬
‫وامتدت إلى الجذور الصيلة لعقيدتها‪ ،‬إنها استمرار التواصل الحضاري‬
‫السلمي من خلل الطائفة القائمة على الدين‪ ،‬الظاهرة على الحق رغم‬
‫وجود العقبات والتحديات والمؤامرات التي تحاول زحزحتها عن إسلمها‬

‫‪-1‬انظر رؤية إسلمية لحوال العالم المعاصر محمد قطب ص ‪ ،242‬واقعنا المعاصر‬
‫له أيضا ً ص ‪.536‬‬
‫‪ -2‬واقعنا المعاصر ص ‪.12‬‬
‫‪ -3‬رؤيا إسلمية لحوال العالم السلمي –بتصرف بسيط‪ -‬ص ‪.210‬‬

‫‪430‬‬
‫العظيم يقول صلى الله عليه وسلم‪) :‬ل تزال طائفة من أمتي على الحق‬
‫)‪(1‬‬
‫ظاهرين ل يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله(‪.‬‬
‫ومن روافد الصحوة السلمية‪ :‬فشل النظم المستوردة في حل‬
‫مشكلت الناس وقضاياهم‪ ،‬وفشل الزعماء العلمانيين وسياساتهم في‬
‫تحقيق ما كانت تعلقه عليهم الشعوب من المال والماني‪ ..‬وماذا فعلت‬
‫النظم المستوردة‪ ،‬وماذا فعل الزعماء العلمانيون إل المزيد من تمزق‬
‫الدول السلمية وتفتيت العالم السلمي‪ ،‬وتراكم الديون الربوية‬
‫المتفاقمة‪ ،‬وظهور طبقة الغنياء والمترفين والمفسدين في الرض‪،‬‬
‫وانهيار الخلق وتدهور القيم واستفحال الفواحش والمنكرات‪ ،‬واقتطاع‬
‫القدس وما حولها من قلب العالم السلمي‪ ،‬واستمرار العدوان الوحشي‬
‫على المسلمين في الفليبين‪ ،‬والحبشة‪ ،‬والصومال‪ ،‬وأرتيريا‪ ،‬والبوسنة‬
‫والهرسك‪ ،‬وكوسوفو والشيشان‪ .‬ماذا فعلت النظم المستوردة والزعماء‬
‫العلمانيون وقد جرت هذه المصائب على أيديهم أو من خلل وجودهم‪.‬‬
‫وحين ييأس الناس من هذه النظم والزعامات‪ ،‬فأين يتجهون؟ إنه‬
‫)‪(2‬‬
‫رافد للصحوة السلمية ل يمكن وقفه‪.‬‬

‫أبرز مظاهر الصحوة السلمية‪:‬‬


‫وتتجلى فيما يلي‪-:‬‬
‫‪ -‬انتشار الدعوة السلمية في صفوف المثقفين من الطباء والمهندسين‬
‫والمحامين والمعلمين‪ ،‬وغيرهم من أصحاب الثقافات الحديثة‪ ،‬ومن‬
‫طلب الجامعة في شتى التخصصات‪.‬‬
‫‪ -‬عودة كثير من الشباب إلى السلم رغم محاولت الحزاب العلمانية‬
‫واللحادية التي بذلت لصرفهم عن ذلك‪ ،‬حتى أصبحت كثير من هذه‬
‫الحزاب تعاني من الكساد في ترويج أفكارها‪ ،‬وقلة أعداد الشباب الذين‬
‫يطرقون أبوابها‪ ،‬وأصبحت أفكارها مثارا ً للسخرية والستهزاء‪ .‬بل تح ّ‬
‫ول‬

‫‪ -1‬رواه مسلم والترمذي وأبو داوود‪.‬‬


‫‪ -2‬واقعنا المعاصر ص ‪.539-538‬‬

‫‪431‬‬
‫كثير من الشباب من الحزاب القومية والشيوعية إلى الحركة السلمية‪،‬‬
‫كما هو مشاهد اليوم في الجزء المحتل من فلسطين عام ‪1948‬م‪.‬‬
‫‪ -‬اعتزاز الشباب المسلم بدينه‪ ،‬وبالفكر السلمي الذي يؤمن‬
‫به‪ ،‬والجهر بهذا العتزاز في المنتديات والتجمعات‪ ،‬وتجمع هؤلء‬
‫الشباب حول شعار "السلم هو الحل"‪.‬‬
‫‪ -‬أن أشرطة القرآن الكريم والندوات والخطب السلمية أصبحت‬
‫من الظواهر الجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬ومن مظاهر الصحوة السلمية الفوز الكبير الذي يحققه أصحاب‬
‫التجاه السلمي في النقابات المهنية والمنظمات الطلبية ومجالس‬
‫الطلبة في المعاهد والجامعات في كثير من ديار السلم رغم‬
‫الوسائل المنية والجراءات القمعية التي تتخذها النظمة الحاكمة‬
‫اتجاه رجالت الدعوة السلمية وشبابها‪.‬‬
‫‪ -‬ومن مظاهر الصحوة السلمية في فلسطين أن كثيرا ً من‬
‫المساجد في مدن يافا وعكا وحيفا والناصرة واللد وغيرها‪ ،‬عادت لتأخذ‬
‫دورها الطبيعي في تربية الشباب وإعدادهم‪ ،‬بعد أن كان بعض هذه‬
‫المساجد مهجورا ً ل يصلي فيه أحد‪ ،‬لقد أصبحت اليوم تمتلئ بالشباب‬
‫الفلسطيني المسلم‪ .‬في شهر فبراير ‪1981‬م بثت وكالة رويتر تحليل ً‬
‫عن الشباب المسلم في فلسطين المحتلة عام ‪1948‬م جاء فيه‪" :‬إن‬
‫الصحوة السلمية التي انتشرت بين سكان الراضي المحتلة في‬
‫فلسطين تثير قلق سلطات الحتلل السرائيلي‪ ،‬وأن همذه السلطات‬
‫تنظر بقلق بالغ إلى تزايد أعداد المترددين على المساجد‪ ،‬وخاصة‬
‫الشباب الذين أصبحوا ينادون علنية بضرورة العودة إلى أصول الدين‬
‫والسلم")‪.(1‬‬
‫‪ -‬الحياة السلمية‪ ،‬والمظاهر الدينية في الفراح والحزان‪.‬‬
‫‪ -‬تحري الحلل والحرام في المأكل والمشرب‪ ،‬وتوظيف المال‬
‫في المؤسسات التي تتعامل بالحلل‪ ،‬والتحري في التعامل مع البنوك‬
‫والمؤسسات المالية‪.‬‬

‫عداء اليهود للحركة السلمية زياد أبو غنيمة ص ‪.101‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪432‬‬
‫‪ -‬أصبح الكتاب السلمي أكثر الكتب رواجا ً في السواق‪ ،‬مع كساد‬
‫كتب الدب الرخيص‪ ،‬والقصص الخليعة‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أصبحت مكة المكرمة تزدحم بالشباب المسلم القادمين من‬
‫أنحاء العالم السلمي لقضاء منسك العمرة‪ ،‬وخاصة في شهر رمضان‬
‫المبارك‪ ،‬وفي أوقات العطل الرسمية‪.‬‬
‫‪ -‬عودة كثير من النساء ‪-‬وخاصة الفتيات‪ -‬إلى الحجاب الشرعي‪،‬‬
‫ففي جامعة القاهرة سنة ‪1971‬م كانت طالبة واحدة فقط ترتدي‬
‫الحجاب الشرعي من بين أكثر من مائة ألف طالبة‪ ،‬وأما اليوم فإن‬
‫أعداد اللواتي يرتدينه تتجاوز العشرين ألف فتاة‪ ،‬بالضافة إلى اللف‬
‫اللواتي يرتدين النقاب‪ ،‬ومثل هذه العداد في كثير من الجامعات‬
‫المصرية والسودانية والفلسطينية وغيرها‪.‬‬
‫‪ -‬ومن مظاهر الصحوة السلمية توبة عدد كبير من الممثلت‬
‫والمغنيات وعودتهن إلى السلم واعتزازهن بذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ومن مظاهر الصحوة السلمية أن الشباب المسلم الذي يدرس‬
‫في أوربا وأمريكا عادوا إلى السلم فهما ً وعمل ً ودعوة‪ ،‬ولم تؤثر‬
‫فيهم الثقافة الغربية اللدينية‪ ،‬وأصبح اتحاد الطلبة المسلمين في أمريكا‬
‫يتشكل من عشرات اللف من هؤلء الشباب‪ ،‬مع أنه بدأ سنة ‪1965‬‬
‫بثلثة عشر طالبًا‪.‬‬
‫‪ -‬ومن مظاهر ذلك انتشار السلم في أوربا وأمريكا‪ ،‬ويشهد له‬
‫المليين من المسلمين الجدد في تلك البلد‪ ،‬وتحويل عشرات من‬
‫)‪(1‬‬
‫الكنائس إلى مساجد بعد أن يتم شراؤها من أهلها‪.‬‬
‫‪ -‬أصبح الفكر السلمي‪ ،‬والصوت السلمي‪ ،‬والشخصية‬
‫)‪(2‬‬
‫السلمية حديث المنتديات الفكرية والصحافة في العالم السلمي‪.‬‬
‫ولقد خصص الكونجرس المريكي جلسات متعددة يحضرها الخبراء‬
‫والمتخصصون بشؤون السلم والمسلمين لدراسة الصحوة السلمية‬

‫‪ -1‬السلم ومستقبل البشرية ص ‪.84-83‬‬


‫‪ -2‬المصدر السابق ص ‪.80-77‬‬

‫‪433‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وآثارها في العالم السلمي‪ ،‬وآثارها على المصالح المريكية فيه‪.‬‬
‫‪ -‬لقد أّثرت الصحوة السلمية على أصحاب المناصب السياسية في‬
‫العالم السلمي‪ ،‬فعملوا على استرضاء شعوبهم من خلل ارتدائهم ثياب‬
‫السلم‪ ،‬فالرئيس الراحل أنور السادات)‪ (2‬خصص لنفسه اسم "الرئيس‬
‫المؤمن"‪ ،‬وكانت وسائل العلم تغطي أداءه للصلة في المساجد‪،‬‬
‫وزادت البرامج الدينية في وسائل العلم المصرية‪ ،‬وبنيت المساجد‪،‬‬
‫وزادت المحاضرات الدينية في المدارس والمساجد‪ ،‬ولعب السادات‬
‫على النغمة السلمية في خطبه العامة‪ ،‬حيث كان يفتحها بم "بسم الله"‪،‬‬
‫ويختمها بآية من القرآن الكريم‪ ،‬واستخدم السادات السلم في حرب‬
‫‪1973‬م‪ ،‬حيث حاول صب الحرب في قالب إسلمي‪ ،‬مستخدما ً‬
‫الشعارات السلمية‪ ،‬ومعتبرا ً إياها حربا ً مقدسة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬تسميتها‬
‫)‪(3‬‬
‫بمعركة رمضان‪ ،‬والتسمية عند قراءة البيانات العسكرية‪.‬‬
‫أعداء السلم يدركون خطورة الصحوة‪:‬‬
‫لقد أدرك أعداء السلم خطورة تنامي الصحوة السلمية على‬
‫أنظمتهم الجاهلية واستعبادهم للشعوب المسلمة وعلى وجود ربيبتهم‬
‫دويلة إسرائيل في ديار السلم‪ ،‬وعلى مصالحهم المتعلقة بوجود‬
‫عملئهم في العالم السلمي‪ ،‬فتعاونوا في جهد مشترك لوقف مسيرة‬
‫السلم‪ ،‬وللقضاء على الصحوة السلمية ومظاهرها مسترشدين بالروح‬
‫العدائية الصليبية واليهودية للسلم والمسلمين‪ .‬فصرخ قادة الغرب‬
‫مروا السلم وأبيدوا أهله"‪ .‬ولقد جاء هذا‬ ‫واليهود بأعلى أصواتهم‪" :‬د ّ‬
‫المعنى على لسان كثير من هؤلء القادة‪.‬‬
‫يقول "روبرت كابلند" الخبير المريكي في شئون العالم الثالث‪:‬‬

‫‪ -1‬انظر السلم والكونجرس‪:‬المقدمة‪ ،‬صفحات متعددة‪.‬‬


‫‪ -2‬لقد فعل السادات ذلك في بداية عهده ليس من باب إيمانه بالسلم دين ودولممة‪،‬‬
‫ولكن ليعطي الشرعية لحكمه‪ ،‬وليحصل على تأييد الجماهير‪ ،‬وبعد أن وقممع اتفاقيممة‬
‫كممامب ديفيممد الممتي اعممترف فيهمما صممراحة بدولممة إسممرائيل‪ ،‬قممام بقمممع المعارضممة‬
‫السلمية بطريقة وحشية‪.‬‬
‫‪ -3‬انظر السلم والكونجرس ص ‪.302‬‬

‫‪434‬‬
‫"في هذا الجزء من العالم سيكون السلم بسبب تأييده المطلق‬
‫للمقهورين والمظلومين أكثر جاذبية‪ ،‬فهذا الدين المطرد النتشار على‬
‫)‪(1‬‬
‫المستوى العالمي هو الديانة الوحيدة المستعدة للمنازلة والكفاح"‪.‬‬
‫كتب اللورد "كامبل" أحد أعضاء مجلس اللوردات البريطاني في‬
‫تقرير له يقول‪" :‬إن هناك شعبا ً واحدا ً يقطن ما بين الخليج إلى المحيط‬
‫لغته واحدة ودينه واحد‪ ،‬وقبلته واحدة‪ ،‬وثقافته واحدة وآماله مشتركة‬
‫وأرضه متصلة وهو اليوم في قبضة أيدينا‪ ،‬ولكنه بدأ يتململ‪ ،‬فماذا يحدث‬
‫)‪(2‬‬
‫لنا غدا ً إذا استيقظ العملق"‪.‬‬
‫ويقول "البرمشادور"‪":‬إن هذا المسلم الذكي الشجاع قد ترك لنا‬
‫حيث حل آثار علمه وفنه ومجده وفخاره‪ ،‬وإن هذا المسلم الذي نام نوما ً‬
‫عميقا ً مئات السنين وأخذ ينادي‪ :‬ها أنذا لم أمت‪ ،‬إني أعود للحياة‪ ،‬ل‬
‫لكون أداة طيعة‪ ،‬أو ثقل ً من البشر تسيره العواصم الكبرى"‪ .‬ثم يقول‪:‬‬
‫"ومن يدري؟ قد يعود اليوم الذي تصبح فيه بلدنا مهددة بالمسلمين‪،‬‬
‫فيهبطون من السماء لغزو العالم مرة ثانية في الوقت المناسب‪،‬‬
‫والزمن الموقوت‪ ،‬لست أدعي النبوة‪،‬ولكن المارات الدالة على هذه‬
‫)‪(3‬‬
‫الحتمالت كثيرة ل تقوى الذرة ول الصواريخ على وقف تيارها"‪.‬‬
‫ويقول المستشرق جب‪" :‬إن أخطر ما في هذا الدين إنه يبعث‬
‫فجأة دون أسباب ظاهرة‪ ،‬ودون أن تستطيع أن تتنبأ بالمكان الذي يمكن‬
‫)‪(4‬‬
‫أن ينبعث منه"‪.‬‬
‫ويقول المؤرخ الفرنسي "ياباسكبيه"‪" :‬إن السلم هو المنقذ‬
‫الوحيد الذي يحتاج إليه العالم المعاصر ليتخلص من متاهات الحضارة‬
‫)‪(5‬‬
‫المادية المعاصرة‪ ،‬والتي ل بد إن استمرت أن تنتهي بتدمير النسان"‪.‬‬
‫يقول ابن غوريون رئيس وزراء إسرائيل السبق‪" :‬نحن ل‬

‫‪ -1‬فخ العولمة هايس بيتر مارتين وهارد شومان ص ‪.64‬‬


‫‪ -2‬واقعنا المعاصر‪ ،‬محمد قطب ص ‪.389‬‬
‫‪ -3‬جند الله ثقافة وأخلقًا‪ ،‬سعيد حوى ص ‪.15‬‬
‫‪ -4‬واقعنا المعاصر‪ ،‬محمد قطب ص ‪.289‬‬
‫‪ -5‬التمكين للمة السلمية ص ‪.286‬‬

‫‪435‬‬
‫نخشى الشتراكيات‪،‬ول الثوريات‪ ،‬ول الديمقراطيات في المنطقة‪ ،‬نحن‬
‫ل‪ ،‬وبدأ يتململ من‬ ‫فقط نخشى السلم‪ ،‬هذا المارد الذي نام طوي ً‬
‫جديد"‪ .‬ويقول اليهودي الماكر شمعون بيرز‪" :‬إّنه ل يمكن أن يتحقق‬
‫السلم ‪-‬حسب الطريقة اليهودية‪ -‬في المنطقة ما دام السلم شاهرا ً‬
‫سيفه‪ ،‬ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد السلم سيفه إلى البد"‪.‬‬
‫ن‬
‫ويقول افرايم هليلفي الرئيس السابق لجهاز الموساد‪":‬إ ّ‬
‫أخطر ما يمكن أن تتوقعه إسرائيل من العرب أن يتوحد الدين مع‬
‫التوجهات القومية‪ ،‬أن ما نعيشه حاليا ً يمكن أن يكون نكتة لما قد نعيشه‬
‫في المستقبل في حال تواصل المد السلمي المقاتل في مواجهة‬
‫ن هذا هو الذي يتوجب أن يقلقنا بشكل كثير‪ ،‬وللسف‬ ‫الدولة العبرية‪ .‬إ ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫أننا ل نحرك ساكنا ً في سبيل قطع الطريق على تعاظم هذا الخطر"‪.‬‬
‫ويقول المعلق الصهيوني لراديو العدو إسرائيل الذي أذيع مساء‬
‫الخامس من أيلول ‪1978‬م‪ ،‬جاء فيه‪":‬إن على اليهود وأصدقائهم أن‬
‫يدركوا أن الخطر الحقيقي الذي تواجهه إسرائيل هو خطر عودة الروح‬
‫ن على المحبين لسرائيل أن‬ ‫السلمية إلى الستيقاظ من جديد‪ ،‬وأ ّ‬
‫يبذلوا كل جهدهم لبقاء الروح السلمية خامدة‪ ،‬لنها إذا اشتعلت من‬
‫جديد‪ ،‬فلن تكون إسرائيل وحدها في خطر‪ ،‬ولكن الحضارة الغربية كلها‬
‫)‪(2‬‬
‫ستكون في خطر"‪.‬‬
‫ن ما ينجزه‬ ‫ويقول موشيه أرنس وزير الحرب اليهودي السبق‪":‬إ ّ‬
‫المتدينون المسلمون في مواجهتنا سيدفع مئات المليين من العرب‬
‫ن على دولة‬ ‫والمسلمين للندفاع نحو الحرب المقدسة ضد إسرائيل‪ .‬إ ّ‬
‫إسرائيل أل تسمح لصحاب الدعوات الدينية بالنجاح في هذه المعركة‪،‬‬
‫هذا يعني تهاوي قدرة الردع السرائيلية في مواجهة العرب‬

‫‪ -1‬القناة الولي في التلفزيون السرائيلي‪15/7/2006 ،‬م‪.‬‬


‫‪ -2‬انظر هذه القوال‪:‬عداء اليهود للحركة السلمية زياد أبو غنيمة ص ‪،47 ،46 ،37‬‬
‫والكتاب وثيقة لرصمد مواقمف اليهمود ممن السملم والمسملمين‪ ،‬وخاصمة الحركمات‬
‫السلمية الجهادية‪.‬‬

‫‪436‬‬
‫والمسلمين‪ ،‬فبعد ذلك سيتجرأ علينا الجميع‪ ،‬عندها سنتحول إلى‬
‫)‪(3‬‬
‫أضحوكة أمام دول العالم"‪.‬‬

‫مراجع ومصادر الكتاب‬


‫‪-1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪-2‬كتب الحديث النبوي الشريف‪.‬‬
‫‪-3‬الله أو الدمار‪ :‬سعد جمعة‪ ،‬المختار السلمي للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع ‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1396‬هم‪1976-‬م‪.‬‬
‫‪-4‬الله يتجلى في عصر العلم‪:‬نخبة من العلماء المريكيين‪ ،‬ترجمة د‪.‬‬
‫الدمرداش عبد الحميد سرحان‪ ،‬مؤسسة الحلبي وشركاه للنشر‬
‫والتوزيع ‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1968‬م‪.‬‬
‫‪-5‬التجاهات الفكرية المعاصرة‪ :‬د‪ .‬علي جريشة‪ ،‬دار الوفاء للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع ‪-‬المنصورة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1409‬هم‪1988-‬م‪.‬‬
‫‪-6‬التجاهات الوطنية في الدب المعاصر‪ :‬د‪ .‬محمد محمد حسين‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪1402‬هم‪1982-‬م‪.‬‬
‫‪-7‬أجنحة المكر الثلثة‪ :‬عبد الرحمن حسن حنبكة الميداني‪ ،‬دار القلم‪-‬‬
‫دمشق بيروت‪1395 ،‬هم‪1975-‬م‪.‬‬
‫‪-8‬أساليب الغزو الفكري‪ :‬د‪ .‬علي جريشة ومحمد شريف الزيبق‪ ،‬دار‬
‫العتصام ‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1398‬هم‪1978-‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬الستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري‪ :‬د‪ .‬محمود زقزوق‪،‬‬
‫قطر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1404‬هم‪.‬‬
‫‪-10‬أسرار الماسونية‪ :‬جواد رفعت أتلخان‪ ،‬الزهراء للعلم العربي‬
‫‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1990-1410‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬السلم بين الشرق والغرب‪:‬د‪ .‬علي عزت بيجوفيتش‪ ،‬مؤسسة‬
‫والعلم والخدمات ومجلة النور الكويتية‪ ،‬الطبعة‬ ‫بافاريا للنشر‬
‫الولى ‪1414‬هم‪1994-‬م‪.‬‬
‫‪ -12‬السلم في الواقع اليدلوجي‪:‬د‪.‬محمد البهي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى ‪1970‬م‬
‫‪ -13‬السلم في وجه الزحف الحمر‪:‬محمد الغزالي‪ ،‬مكتبة المل‬
‫‪-‬الكويت‪.‬‬
‫‪ -14‬السلم والحضارة الغربية‪:‬د‪ .‬محمد محمد حسين‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة –بيروت‪ -‬الطبعة الرابعة ‪1401‬هم‪1981-‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬إذاعة صوت الجيش السرائيلي‪ ،‬مساء يوم ‪14/7/2006‬م‪.‬‬

‫‪437‬‬
‫‪ -15‬السلم والعلمانية وجها ً لوجه‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬دار الصحوة‬
‫للنشر والتوزيع ‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1987‬م‪1408-‬هم‪.‬‬
‫‪ -16‬السلم والكونجرس‪ :‬د‪ .‬أحمد إبراهيم خضر‪ ،‬دار العتصام‬
‫‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1414‬هم‪1994-‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬السلم ومستقبل البشرية‪ :‬د‪ .‬عبد الله عزام‪ ،‬مكتبة المنار‬
‫‪-‬الردن‪ ،‬الطبعة الولى ‪1980-1400‬م‪.‬‬
‫‪ -18‬السلم يتحدى‪ :‬وحيد الدين خان‪ ،‬ترجمة ظفر السلم خان‪ ،‬مكتبة‬
‫القرآن‪ ،‬المختار السلمي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الطبعة السادسة ‪1976‬م‪.‬‬
‫‪ -19‬أصول الفلسفة الماركسية‪ :‬جورج بوليترر وآخرون‪ ،‬ترجمة شعبان‬
‫بركات‪ ،‬المكتبة العصرية ‪-‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -20‬أفيون الشعوب‪ :‬عباس محمود العقاد‪ ،‬المكتبة العصرية ‪-‬بيروت‪،‬‬
‫صيدا‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -21‬اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم‪ :‬شيخ السلم‬
‫ابن تيمية‪ ،‬تحقيق د‪.‬ناصر عبد الكريم العقل ‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪1404‬هم‪.‬‬
‫‪ -22‬أوقفوا هذا السرطان ‪-‬حقيقة الماسونية وأهدافها‪ :‬د‪ .‬سيف الدين‬
‫البستاني‪.‬‬
‫‪ -23‬برتوكولت حكماء صهيون‪ :‬ترجمة ودراسة وتقديم علي الجوهري‬
‫مكتبة‬
‫ابن سينا ‪-‬القاهرة ‪1993‬م‪ ،‬ونسخة أخرى ترجمة محمد خليفة‬
‫التونسي‪.‬‬
‫‪ -24‬البشائر بنصرة السلم‪ :‬محمد بن عبد الله الدويش‪ ،‬دار الوطن‬
‫للنشر ‪ -‬الرياض الطبعة الولى‪.‬‬
‫‪ -25‬البهائية‪ :‬محب الدين الخطيب‪ ،‬المكتب السلمي‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الخامسة ‪1400‬هم‪1980-‬م‪.‬‬
‫‪ -26‬البهائية وسائل وغايات‪ :‬د‪ .‬طه الدسوقي‪ ،‬دار الهدى للطباعة ‪-‬‬
‫القاهرة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1405‬هم‪1985-‬م‪.‬‬
‫‪ -27‬تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة‪ :‬عبد الله عنان‪.‬‬
‫‪ -28‬تاريخ المذاهب السلمية‪ :‬محمد أبو زهرة‪ ،‬دار الفكر العربي‪.‬‬
‫‪ -29‬التبشير والستعمار في البلد العربية‪ :‬د‪ .‬مصطفى خالدي‪ ،‬د‪ .‬عمر‬
‫فروخ‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪1970-1390‬م‪.‬‬
‫‪ -30‬تفسير القرآن العظيم‪ :‬الحافظ ابن كثير‪ ،‬مكتبة دار التراث –‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -31‬التمكين للمة السلمية في ضوء القرآن والسنة‪ :‬محمد السيد‬
‫محمد يوسف‪ ،‬دار السلم –القاهرة‪ -‬الطبعة الولى ‪1418‬هم‪1997-‬م‪.‬‬

‫‪438‬‬
‫‪ -32‬التنصير مفهومه وأهدافه ووسائل وسبل مواجهته‪ :‬د‪ .‬علي إبراهيم‬
‫النملة‪ ،‬دار الصحوة للنشر والتوزيع ‪-‬القاهرة ‪1413‬هم‪1993-‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬تهافت الفكر الماركسي‪:‬د‪ .‬صلح عبد العليم إبراهيم‪ ،‬دار الطباعة‬
‫المحمدية ‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1402‬هم‪1981-‬م‪.‬‬
‫‪ -34‬جاهلية القرن العشرين‪ :‬محمد قطب‪ ،‬دار الشروق –القاهرة‪،‬‬
‫بيروت ‪1398‬هم‪1981-‬م‪.‬‬
‫‪ -35‬جذور العلمانية‪ :‬د‪ .‬السيد أحمد فرج‪ ،‬دار الوفاء للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع ‪-‬المنصورة‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪1411‬هم‪1990-‬م‪.‬‬
‫‪ -36‬جهاد المسلمين في الحروب الصليبية‪ :‬د‪ .‬فايد حماد عاشور‬
‫مؤسسة الرسالة ‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة الولى ‪1401‬هم‪1981-‬م‪.‬‬
‫‪ -37‬حركات ومذاهب في ميزان السلم‪ :‬فتحي يكن‪ ،‬مؤسسة الرسالة‬
‫‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1397‬هم‪1977-‬م‪.‬‬
‫‪ -38‬حقائق عن التبشير‪:‬عماد شرف‪ ،‬المختار السلمي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -39‬حقيقة البابية والبهائية‪:‬د‪ .‬محسن عبد الحميد‪ ،‬بيروت‪ ،‬المكتب‬
‫السلمي‪1975 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -40‬حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر‪ :‬أحمد عبد الوهاب‪ ،‬مكتبة‬
‫وهبة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1401‬هم‪1981-‬م‪.‬‬
‫‪ -42‬حقيقة الديمقراطية‪ :‬محمد شاكر الشريف‪ ،‬دار الوطن للنشر‬
‫‪-‬الرياض‪،‬الطبعة الولى ‪1412‬هم‪.‬‬
‫‪ -43‬حقيقة الماسونية‪:‬د‪ .‬محمد علي الزعبي‪ ،‬مؤسسة معتوق إخوان‪،‬‬
‫بيروت ‪1974‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬حقيقة المواقف الشيوعية من القضية الفلسطينية‪ :‬عابد سليمان‬
‫المشوخي‪ ،‬مكتبة المنار‪ ،‬الردن‪ ،‬الطبعة الولى ‪1404‬هم‪1984-‬م‪.‬‬
‫‪ -45‬حصوننا مهددة من داخلها‪ :‬د‪ .‬محمد محمد حسين‪ ،‬بيروت ‪-‬المكتب‬
‫السلمي‪.‬‬
‫‪ -46‬حكم السلم في الشتراكية‪ :‬عبد العزيز البدري‪ ،‬المكتبة العلمية‬
‫‪-‬المدينة المنورة‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1384‬هم‪1965-‬م‪.‬‬
‫‪ -47‬الحلل والحرام في السلم‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬المكتب‬
‫السلمي ‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة السادسة ‪1972‬م‪1392-‬هم‪.‬‬
‫‪ -48‬رؤية إسلمية لحوال العالم المعاصر‪ :‬محمد قطب‪ ،‬دار الوطن‬
‫للنشر ‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة الولى ‪1411‬هم‪1991-‬م‪.‬‬
‫‪ -49‬دراسات في الثقافة السلمية‪ :‬صالح ذياب هندي‪ ،‬الطبعة الثالثة‬
‫‪1402‬هم‪1982-‬م‪.‬‬
‫‪ -50‬دور القيم والخلق في القتصاد السلمي‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪-‬‬
‫مكتبة وهبة‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1415‬هم‪1995-‬م‪.‬‬

‫‪439‬‬
‫‪ -51‬ذيل الملل والنحل للشهرستاني‪ :‬محمد سيد كيلني‪ ،‬بيروت دار‬
‫المعرفة‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -52‬السر المصون في شريعة الفرمسون‪ :‬الب لويس شيخو‪ ،‬بغداد‬
‫‪1965‬م‪.‬‬
‫‪ -53‬السرطان الحمر‪ :‬د‪ .‬عبد الله عزام‪ ،‬مكتبة القصى‪،‬عمان‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى ‪1400‬هم‪1980-‬م‪.‬‬
‫‪ -54‬الشباب المسلم في مواجهة التحديات المعاصرة‪ :‬عبد الله علوان‬
‫دارالسلم للطباعة والنشر والتوزيع ‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1413‬هم‪-‬‬
‫‪1993‬‬
‫‪ -55‬شبهات حول السلم‪ :‬محمد قطب‪ ،‬دار الشروق ‪-‬القاهرة‪ ،‬بيروت‬
‫الطبعة الحادية عشرة ‪1398‬هم‪1978-‬م‪.‬‬
‫‪ -56‬شبهات وأباطيل خصوم السلم‪ :‬محمد متولي الشعراوي‪ ،‬مكتبة‬
‫التراث السلمي القاهرة ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ -57‬الشيوعية منشئا ً ومسلكًا‪ :‬دندل جبر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1403‬هم‪-‬‬
‫‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ -58‬الشيوعية والنسانية في شريعة السلم‪ :‬عباس محمود العقاد‪ ،‬دار‬
‫الكتاب العربي بيروت‪.‬‬
‫‪ -59‬الصراع بين الفكرة السلمية والفكرة الغربية‪ :‬أبو الحسن الندوي‪،‬‬
‫‪1970‬م‪.‬‬
‫‪ -60‬الطريق إلى حكم إسلمي‪ :‬محمد علي الضناوي‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪1390‬هم‪.‬‬
‫‪ -61‬طه حسين حياته وفكره في ميزان السلم‪ :‬أنور الجندي‪ ،‬دار‬
‫العتصام ‪-‬القاهرة الطبعة الثانية ‪1397‬هم‪1977-‬م‪.‬‬
‫‪ -62‬عداء اليهود للحركة السلمية‪ :‬زياد محمود علي أبو غنيمة‪ ،‬دار‬
‫الفرقان للنشر والتوزيع ‪-‬عمان‪ ،‬الردن‪.‬‬
‫‪ -63‬عقائد وتيارات فكرية معاصرة‪ :‬د‪ .‬محمد شامة وآخرون‪ ،‬دار‬
‫قطري بن الفجاَءة للنشر والتوزيع‪ ،‬الدوحة ‪-‬قطر‪ ،‬الطبعة الولى‬
‫‪1413‬هم‪1993-‬م‪.‬‬
‫‪ -64‬العقيدة السلمية واليديولوجيات المعاصرة‪ :‬د‪.‬عبد الغني عبود دار‬
‫الفكر العربي ‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1976‬م‪.‬‬
‫‪ -65‬العلمانية النشأة والثر في الشرق والغرب‪:‬زكريا فايد‪ ،‬الزهراء‬
‫للعلم العربي ‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1408‬هم‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -66‬العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة السلمية المعاصرة‪:‬‬
‫سفر الحوالي‪ ،‬دار مكة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬مكة المكرمة‪،‬‬
‫الطبعة الولى ‪1402‬هم‪1982-‬م‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫‪ -67‬الغارة على العالم السلمي‪ :‬أ‪ .‬شاتليه‪.‬‬
‫‪ -68‬الغزو الفكري والتيارات المعادية للسلم‪:‬د‪ .‬عبد السّتار فتح الله‬
‫سعيد‪ ،‬دار النصار للطباعة والنشر والتوزيع ‪-‬القاهرة‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫‪-69‬الفكر السلمي بين الصالة والتجديد‪:‬د‪ .‬محمد عبد المنعم خفاجي‪.‬‬
‫‪ -70‬فتاوى معاصرة‪ :‬د‪ .‬يوسف القرضاوي‪ ،‬دار الوفاء‪-‬المنصورة الطبعة‬
‫الثانية ‪1414‬هم‪1993-‬م‪.‬‬
‫‪ -71‬في ظلل القرآن‪:‬سيد قطب‪ ،‬دار الشرق‪-‬القاهرة‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫التاسعة ‪1400‬هم–‪1980‬م‪.‬‬
‫‪-72‬القاديانية –نشأتها وتطورها‪:-‬حسن عيسى عبد الظاهر‪ ،‬الهيئة‬
‫العامة لشؤون المطابع الميرية ‪-‬القاهرة ‪1393‬هم‪1971-‬م‪.‬‬
‫‪-73‬القادياني والقاديانية‪:‬أبو الحسن الندوي‪ ،‬الدار السعودية للنشر‪-‬‬
‫جدة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪1387‬هم‪1967-‬م‪.‬‬
‫‪ -74‬كبرى اليقينيات الكونية‪:‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬دار الفكر‬
‫‪-‬دمشق الطبعة السادسة ‪1399‬م‪.‬‬
‫‪ -75‬الكيد الحمر‪ :‬عبد الرحمن حسن حنبكة الميداني‪ ،‬دار القلم‬
‫‪-‬دمشق‪ ،‬بيروت الطبعة الولى ‪1400‬هم‪1980-‬م‪.‬‬
‫‪ -76‬كواشف وزيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة‪ :‬عبد الرحمن‬
‫حسن حنبكة الميداني‪ ،‬دار القلم‪-‬دمشق‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1412‬هم‪-‬‬
‫‪1991‬م‪.‬‬
‫‪-77‬ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين‪ :‬أبو الحسن الندوي‪ ،‬دار‬
‫القلم ‪ -‬الكويت الطبعة التاسعة ‪1393‬هم‪1973-‬م‪.‬‬
‫طار‪ ،‬المكتبة العصرية ‪-‬بيروت‬ ‫‪ -78‬الماسونية‪ :‬أحمد عبد الغفار ع ّ‬
‫‪1394‬هم‪.‬‬
‫سرية وأخطرها‪ :‬ل يوجد عليه اسم‬ ‫‪-79‬الماسونية أقدم الحركات ال ّ‬
‫المؤلف واسم الناشر‪.‬‬
‫‪ -80‬الماسونية ذلك العالم المجهول‪ :‬د‪ .‬صابر طعيمة‪ ،‬دار الجيل –‬
‫بيروت‪ -‬الطبعة الخامسة ‪1406‬هم‪1986-‬م‪.‬‬
‫‪-81‬الماسونية والماسونيون في الوطن العربي‪ :‬حسين عمر حمادة‪،‬‬
‫دار قتيبة للطباعة والنشر والتوزيع ‪-‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -82‬ما هي القاديانية‪:‬أبو العلى المودودي‪ ،‬دار القلم ‪-‬الكويت‪.‬‬
‫‪-83‬المبادئ الدستورية العامة‪:‬د‪ .‬محمود حلمي‪ ،‬دار الفكر العربي‬
‫‪-‬مصر ‪1964‬م‪.‬‬
‫‪ -84‬المخططات الستعمارية لمكافحة الستعمار‪:‬محمد محمود‬
‫الصواف‪ ،‬دار العتصام ‪-‬القاهرة ‪1979‬م‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫‪ -85‬مذاهب فكرية معاصرة‪:‬محمد قطب‪ ،‬دار الشروق ‪-‬القاهرة‪،‬‬
‫بيروت ‪-‬الطبعة الولى ‪1403‬هم‪1983-‬م‪.‬‬
‫‪ -86‬المذاهب المعاصرة وموقف السلم منها‪:‬د‪ .‬عبد الرحمن عميرة‪.‬‬
‫‪ -87‬المرأة بين الفقه والقانون‪:‬د‪ .‬مصطفى السباعي‪ ،‬المكتب‬
‫السلمي ومؤسسة الرسالة ‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة الثالثة‪.‬‬
‫‪ -88‬مستقبل الحضارة بين العلمانية والشيوعية والسلم‪ :‬يوسف كمال‬
‫محمد المختار السلمي ‪-‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الولى ‪1394‬هم‪1974-‬م‪.‬‬
‫‪ -89‬المستقبل لهذا الدين‪ :‬سيد قطب‪ ،‬دار الشروق‪،‬القاهرة‪ ،‬بيروت‬
‫‪1401‬هم‪1981-‬م‬
‫‪ -90‬معالم الثقافة السلمية‪:‬د‪ .‬عبد الكريم عثمان‪ ،‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪،‬بيروت مكتبة النور‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ليبيا‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1392‬هم‪-‬‬
‫‪1972‬م‪.‬‬
‫‪ -91‬مكانك تحمدي‪ :‬أحمد محمد جمال‪ ،‬طبعة ‪1976‬م‪.‬‬
‫‪ -92‬الموسوعة الحركية‪ :‬فتحي يكن‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة‬
‫الولى ‪1400‬هم‪1980-‬م‪.‬‬
‫‪ -93‬الموسوعة الميسرة في الديان والمذاهب المعاصرة‪ :‬الندوة‬
‫العالمية للشباب السلمي ‪-‬الرياض‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1409‬هم‪1989-‬م‪.‬‬
‫‪ -94‬الموضة في التصور السلمي‪:‬الزهراء فاطمة بنت عبد الله‪ ،‬مكتبة‬
‫السنة ‪-‬القاهرة الطبعة الولى ‪1411‬هم‪1991-‬م‪.‬‬
‫‪-95‬موقف السلم من نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ‪ :‬أحمد‬
‫العوايشة دار مكة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الولى ‪1402‬هم‪-‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ -96‬النظرية الماركسية في ميزان السلم‪ :‬د‪ .‬أمير عبد العزيز‪ ،‬مكتبة‬
‫القصى‪-‬عمان الردن‪ ،‬الطبعة الولى ‪1401‬هم‪1981-‬م‪.‬‬
‫‪ -97‬النظم السلمية‪:‬د‪ .‬محمود كامل ليلة‪ ،‬دار الفكر العربي ‪-‬القاهرة‬
‫‪1971‬م‪.‬‬
‫‪ -98‬نقد القومية العربية على ضوء السلم‪ :‬عبد العزيز بن باز‪ ،‬المكتب‬
‫السلمي ‪-‬بيروت‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪1400‬هم‪.‬‬
‫‪ -99‬نقض أوهام المادية الجدلية‪ :‬د‪ .‬محمد سعيد رمضان البوطي‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1399‬هم‪1979-‬م‪.‬‬
‫‪ -100‬هزيمة الشيوعية في عالم السلم‪ :‬أنور الجندي‪ ،‬دار العتصام‬
‫‪-‬القاهرة‪1977 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -101‬واقعنا المعاصر‪ :‬محمد قطب‪ ،‬مؤسسة المدينة للصحافة‬
‫والطباعة والنشر ‪-‬جدة الطبعة الثانية ‪1408‬ه‪.‬‬

‫‪442‬‬
443
‫فهرست الموضوعات‬
‫الباب التمهيدي‪4..............................................................................................‬‬
‫الفصل الول‪ :‬الجاهلية معناها وخصائص المجتمعات الجاهلية‪4.....................................‬‬
‫الباب التمهيدي‪5..............................................................................................‬‬
‫الفصل الول‪5.................................................................................................‬‬
‫الجاهلية معناها وخصائص المجتمعات الجاهلية‪5.......................................................‬‬
‫تمهيد في معنى الجاهلية‪7.................................................................................:‬‬
‫الجاهلية لغة‪8...............................................................................................-:‬‬
‫خصائص المجتمع الجاهلي‪13............................................................................-:‬‬
‫خصائص المجتمع السلمي‪16...........................................................................-:‬‬
‫صور للمجتمعات الجاهلية)(‪20...........................................................................:‬‬
‫الفصل الثاني‪25..............................................................................................‬‬
‫الحروبم الصليبية‪25...........................................................................................‬‬
‫أسباب ودوافع الحروب الصليبية‪26......................................................................:‬‬
‫ل‪ :‬الدافع الديني‪26.......................................................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬الدافع القتصادي‪28..................................................................................:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الدافع التجاري‪29.....................................................................................:‬‬
‫رابعًا‪ :‬الدافع السياسي‪30..................................................................................:‬‬
‫أهداف الحروب الصليبية‪30..............................................................................-:‬‬
‫حالة العالم السلمي قبيل الحروب الصليبية‪31.....................................................-:‬‬
‫جهاد المسلمين ضد الصليبيين‪32.......................................................................-:‬‬
‫الباب الثاني‪37................................................................................................‬‬
‫الغزو الفكري للعالم السلمي‪37.........................................................................‬‬
‫الباب الثاني‪38................................................................................................‬‬
‫الغزو الفكري للعالم السلمي‪38.........................................................................‬‬
‫تمهيد‪38......................................................................................................-:‬‬
‫أهداف الغزو الفكري‪39..................................................................................-:‬‬
‫أتباع وأنصار الغزو الفكري‪41............................................................................-:‬‬
‫وسائل الغزو الفكري‪42..................................................................................-:‬‬
‫الفصل الول‪43...............................................................................................‬‬
‫التبشير‪43.....................................................................................................‬‬
‫نشأة التبشير‪44............................................................................................-:‬‬
‫أهداف التبشير‪45..........................................................................................-:‬‬
‫وسائل التبشير‪48..........................................................................................-:‬‬
‫الفصل الثاني‪57..............................................................................................‬‬
‫الستشراق‪57.................................................................................................‬‬
‫نشأة الستشراق وبدايته‪57..............................................................................-:‬‬
‫دوافع وأهداف الستشراق)(‪59.........................................................................-:‬‬
‫ل‪ :‬الدافع الديني‪60.......................................................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬الدافع الستعماري‪61................................................................................:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الدافع السياسي‪61.................................................................................. :‬‬
‫ظهر الدافع السياسي وراء الدراسات الستشراقية على النحو التالي‪61.......................-:‬‬
‫رابعًا‪ :‬الدافع القتصادي والتجاري‪62....................................................................:‬‬
‫خامسًا‪ :‬الدافع العلمي‪62..................................................................................:‬‬
‫وسائل الستشراق‪63.....................................................................................-:‬‬
‫ميزان البحث لدى المستشرقين‪65....................................................................-:‬‬
‫تلميذ المستشرقين‪66....................................................................................-:‬‬
‫كز عليها المستشرقون في دراساتهم وأعمالهم الستشراقية‪68.......():‬‬ ‫الموضوعات التي ر ّ‬

‫‪444‬‬
‫الصلة بين الستعمار والستشراق والتبشير)(‪72.....................................................:‬‬
‫الفصل الثالث‪75.............................................................................................‬‬
‫التمغمريب‪75...................................................................................................‬‬
‫ملمح خطة التغريب‪75...................................................................................-:‬‬
‫السباب التي أدت إلى تغريب كثير من المسلمين‪77...............................................-:‬‬
‫مواقف المسلمين من الحضارة الغربية)(‪78..........................................................:‬‬
‫وسائل التغريب‪82.........................................................................................-:‬‬
‫ل‪ :‬العلمانية‪83..............................................................................................‬‬‫أو ً‬
‫معنى العلمانية في اللغة‪83..............................................................................-:‬‬
‫العلمانية اصطلحًا‪85......................................................................................-:‬‬
‫العلمانية والدين‪87.........................................................................................-:‬‬
‫العلمانية والعلم)(‪88.......................................................................................:‬‬
‫العلمانية والخلق)(‪89.....................................................................................:‬‬
‫نشأة العلمانية‪91...........................................................................................-:‬‬
‫أسباب العلمانية في العالم السلمي‪95................................................................:‬‬
‫وسائل علمنة المجتمع‪100................................................................................:‬‬
‫ل‪ :‬علمنة التعليم)(‪100..................................................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬علمنة العلم)(‪105..................................................................................:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬علمنة التشريع)(‪107................................................................................:‬‬
‫رابعًا‪ :‬العلمنة من خلل الدسائس الفكرية اللدينية)(‪110...........................................:‬‬
‫خامسًا‪ :‬محاربة الحركات السلمية تشويه الصحوة السلمية)(‪111..............................:‬‬
‫آثار العلمانية في العالم السلمي‪112.................................................................-:‬‬
‫آثارها في الفراد‪ :‬فمن تركيا‪112........................................................................:‬‬
‫‪ -1‬ضياء كوكب ألب )‪1924-1875‬م(‪112............................................................:‬‬
‫‪ -2‬مصطفى كمال أتاتورك)(‪113........................................................................:‬‬
‫ومن مصر‪ -1 :‬رفاعة الطهطاوي)(‪113................................................................:‬‬
‫‪ -2‬الدكتور طه حسين‪114................................................................................:‬‬
‫‪ -3‬قاسم أمين‪116.........................................................................................:‬‬
‫آثار العلمانية في الجتماع والخلق)(‪117..............................................................:‬‬
‫آثارها في الحياة السياسية والحكم)(‪118..............................................................:‬‬
‫آثارها في الحياة القتصادية)(‪120.......................................................................:‬‬
‫موقف السلم من العلمانية)(‪121......................................................................:‬‬
‫ماذا تريد العلمانية من السلم؟‪123.....................................................................‬‬
‫حكم السلم في دعاة العلمانية‪124...................................................................-:‬‬
‫ثانيمًا‪:‬القومميمة‪125...........................................................................................‬‬
‫تعريف القومية‪127.........................................................................................:‬‬
‫نشأة القومية‪127..........................................................................................-:‬‬
‫نشأة القومية العربية‪130................................................................................-:‬‬
‫دور نصارى العرب في الدعوة إلى القومية‪132......................................................:‬‬
‫تجاوزات الفكر القومي العربي‪134....................................................................-:‬‬
‫نتائج الدعوة القومية في العالم السلمي‪135.......................................................-:‬‬
‫موقف السلم من القومية)(‪137........................................................................:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬المرأة‪141..............................................................................................‬‬
‫شبهات أعداء السلم حول قضايا المرأة المسلمة‪152............................................-:‬‬
‫قضايا مثارة من دعاة تحرير المرأة‪153...............................................................-:‬‬
‫ل‪ :‬الميراث‪153..........................................................................................-:‬‬ ‫أو ً‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬الدية‪155..............................................................................................-:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬القوامة‪155..........................................................................................-:‬‬
‫رابعًا‪ :‬الطلق‪157..........................................................................................-:‬‬

‫‪445‬‬
‫خامسًا‪ :‬تعدد الزوجات‪161...............................................................................-:‬‬
‫التعدد عند الغرب الكافر‪163............................................................................-:‬‬
‫سادسًا‪ :‬العمل خارج البيت‪163.........................................................................-:‬‬
‫سابعًا‪ :‬الختلط بين الجنسين في معاهد التعليم‪167...............................................-:‬‬
‫ثامنًا‪ :‬الحجاب‪172..........................................................................................:‬‬
‫مهل ً يا دعاة التحرير‪174....................................................................................‬‬
‫رابعًا‪:‬العولمة‪176............................................................................................‬‬
‫تعريف العولمة‪178........................................................................................-:‬‬
‫نشأة العولمة‪181..........................................................................................-:‬‬
‫أهدافها وآثارها‪184........................................................................................-:‬‬
‫ل‪ :‬الهداف والثار القتصادية‪185..........................................................................-:‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬الهداف والثار السياسية‪190......................................................................:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الهداف والثار الثقافية‪191........................................................................:‬‬
‫رابعًا‪ :‬الهداف والثار الدينية‪194........................................................................:‬‬
‫خامسًا‪ :‬الهداف والثار الجتماعية والخلقية‪196.....................................................:‬‬
‫وسائل العولمة‪199........................................................................................-:‬‬
‫من وراء العولمة؟‪201......................................................................................‬‬ ‫َ‬
‫إسرائيل والعولمة‪205....................................................................................-:‬‬
‫أهداف العولمة السرائيلية‪209.........................................................................-:‬‬
‫وسائل العولمة السرائيلية‪211.........................................................................-:‬‬
‫الباب الثالث‪214.............................................................................................‬‬
‫الحركات الهدامة والفرق الضالة‪214....................................................................‬‬
‫الفصل الول‪216.............................................................................................‬‬
‫الماسونية‪216................................................................................................‬‬
‫الماسونية لغة‪216..........................................................................................:‬‬
‫الماسونية اصطلحًا‪216...................................................................................:‬‬
‫نشأة الماسونية‪217........................................................................................:‬‬
‫مخطط "بايك" الماسوني العالمي‪220.................................................................:‬‬
‫أهداف الماسونية‪221.....................................................................................-:‬‬
‫وسائل الماسونية في تحقيق أهدافها‪223..............................................................:‬‬
‫درجات الماسونية‪224.....................................................................................:‬‬
‫الماسونية وعلقتها باليهودية‪225.......................................................................-:‬‬
‫الماسونية والدين‪228......................................................................................:‬‬
‫الماسونية وعبدة الشيطان‪231.........................................................................-:‬‬
‫فلسفتهم في الحياة‪232..................................................................................-:‬‬
‫طقوسهم وعباداتهم‪233..................................................................................-:‬‬
‫عبادة الشيطان والجنس‪234............................................................................-:‬‬
‫عبدة الشيطان في العالم العربي والسلمي‪235...................................................-:‬‬
‫دور الجماعات اليهودية والوربية‪239...................................................................:‬‬
‫الماسونية والمرأة‪240.....................................................................................:‬‬
‫انتشار الماسونية ونفوذها‪242............................................................................:‬‬
‫الفصل الثاني‪247............................................................................................‬‬
‫القاديانية‪247.................................................................................................‬‬
‫التعريف بالقاديانية‪248....................................................................................:‬‬
‫من هو القادياني؟‪249.......................................................................................‬‬
‫وفاته‪249....................................................................................................-:‬‬
‫انقسام القاديانيين‪250.....................................................................................:‬‬
‫العقيدة القاديانية‪251......................................................................................:‬‬
‫إبطال فريضة الجهاد‪259..................................................................................:‬‬

‫‪446‬‬
‫القاديانية صنيع النجليز‪260...............................................................................:‬‬
‫علقة القاديانية بإسرائيل‪262............................................................................:‬‬
‫القاديانيون وباكستان‪263.................................................................................:‬‬
‫النتشار ومواقع النفوذ‪263................................................................................:‬‬
‫الفصل الثالث‪265...........................................................................................‬‬
‫البابية والبهائية‪265..........................................................................................‬‬
‫ل‪ :‬البابية‪265.............................................................................................-:‬‬ ‫أو ً‬
‫تمهيد‪265......................................................................................................‬‬
‫من هو الباب؟‪266...........................................................................................‬‬
‫الفكار والعقائد البابية‪267................................................................................:‬‬
‫نهاية الباب‪270..............................................................................................:‬‬
‫ثانيًا‪ :‬البهائية‪271............................................................................................:‬‬
‫التعريف بالبهاء‪271.........................................................................................:‬‬
‫نهاية البهاء‪273..............................................................................................:‬‬
‫أهم العقائد البهائية‪273....................................................................................:‬‬
‫الكتب المقدسة عند البهائية‪274.........................................................................:‬‬
‫أهم تعاليم البهائية‪275.....................................................................................:‬‬
‫العبادات عند البهائية‪276..................................................................................:‬‬
‫نشاط البهائية ومراكز نفوذهم‪276......................................................................:‬‬
‫صلة البابية والبهائية بالدوائر الستعمارية‪278.........................................................:‬‬
‫ل‪ :‬علقة روسيا القيصرية بالبابية والبهائية‪278.....................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيا‪ :‬دور الستعمار البريطاني في الحركة البهائية‪280..............................................:‬‬ ‫ً‬
‫ثالثًا‪ :‬دور اليهودية في الحركة البهائية‪281.............................................................:‬‬
‫الباب الرابع‪285..............................................................................................‬‬
‫المذاهب السياسية والقتصادية والفلسفية الوافدة‪285..............................................‬‬
‫الفصل الول‪286.............................................................................................‬‬
‫المذهب السياسي الوافد "الديمقراطية"‪286..........................................................‬‬
‫الديمقراطية اصطلحًا‪286................................................................................:‬‬
‫نشأة الديمقراطية‪286.....................................................................................:‬‬
‫الديمقراطية بين اليوم والمس‪288.....................................................................:‬‬
‫صور الديمقراطية‪289.....................................................................................:‬‬
‫موقف السلم من صور الديمقراطية الثلث‪291.....................................................:‬‬
‫خصائص النظام الديمقراطي‪291........................................................................:‬‬
‫نشأة مبدأ السيادة‪292.....................................................................................:‬‬
‫مناقشة مبدأ السيادة‪293.................................................................................:‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مبدأ المشروعية‪297.................................................................................:‬‬
‫ضمانات لمبدأ المشروعية‪297...........................................................................:‬‬
‫مناقشة مبدأ المشروعية‪298.............................................................................:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬الحقوق والحريات للفراد‪299.....................................................................:‬‬
‫عيوب الديمقراطية في الحقوق والحريات‪300.......................................................:‬‬
‫موقف السلم من الديمقراطية‪305....................................................................:‬‬
‫الفصل الثاني‪309............................................................................................‬‬
‫المذهب القتصادي الوافد "الرأسمالية"‪309...........................................................‬‬
‫نشأتها‪309....................................................................................................:‬‬
‫خصائص الرأسمالية وأسسها‪316........................................................................:‬‬
‫التجاه الرأسمالي‪319.....................................................................................:‬‬
‫عيوب الرأسمالية ومفاسدها‪321........................................................................:‬‬
‫موقف السلم من الرأسمالية‪323......................................................................:‬‬
‫الفصل الثالث‪327...........................................................................................‬‬

‫‪447‬‬
‫المذهب الفلسفي الوافد"الشيوعية"‪327...............................................................‬‬
‫تعريف الشيوعية‪327.......................................................................................:‬‬
‫أسس المذهب الشيوعي‪327...........................................................................-:‬‬
‫أبرز الشخصيات الشيوعية‪329...........................................................................:‬‬
‫كارل ماركس )‪329....................................................................:()(1882-1818‬‬
‫دراسته وعلمه‪329..........................................................................................:‬‬
‫صفاته وأخلقه‪330.........................................................................................:‬‬
‫ماركس واليهودية‪333......................................................................................:‬‬
‫فردريك إنجلز )‪1895-1820‬م(‪334....................................................................:‬‬
‫أصول الفلسفة الشيوعية‪334............................................................................:‬‬
‫ل‪ :‬أصول المادية الجدلية‪335..........................................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬المادية التاريخية‪338.................................................................................:‬‬
‫نقض أوهام المادية الجدلية والمادية التاريخية‪338...................................................:‬‬
‫ل‪ :‬نقض أوهام المادية الجدلية‪339....................................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬نقض قانون وحدة الضداد والصراع بينها‪339.....................................................:‬‬
‫‪ -2‬نقض قانون تحول الكم إلى كيف‪342..............................................................:‬‬
‫‪ -3‬نقض قانون نفي النفي‪346...........................................................................:‬‬
‫نقض المقولت الشيوعية‪ :‬نتناول هنا أهم المقولت فقط‪349......................................‬‬
‫المقولة الولى‪ :‬المادة أصل الحياة وأساس الوجود‪349............................................:‬‬
‫المقولة الثانية‪ :‬المادة أزلية أبدية‪ ،‬والكون ليس له بداية ول نهاية‪351...........................:‬‬
‫المقولة الثالثة‪ :‬الوعي وظيفة الدماغ‪353..............................................................:‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نقض أوهام المادية التاريخية‪355.................................................................:‬‬
‫ل‪ :‬خطأ القول بحتمية العامل القتصادي‪355.......................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيا‪ :‬الموقف الشيوعي من السرة‪357................................................................:‬‬ ‫ً‬
‫ثالثًا‪ :‬الموقف الشيوعي من الدين‪359.................................................................:‬‬
‫نقض الموقف الشيوعي من الدين‪360.................................................................:‬‬
‫محاربة الشيوعية للسلم‪363............................................................................:‬‬
‫الشيوعية وليدة الصهيونية‪365...........................................................................:‬‬
‫الشيوعيون العرب وفلسطين‪377.......................................................................:‬‬
‫الشيوعية خيانة عظمى للدين والوطن وعمالة للستعمار‪379.....................................:‬‬
‫الباب الخامس‪381...................................................................‬‬
‫السلم ومستقبل البشرية‪381........................................................‬‬
‫الفصل الول‪382.............................................................................................‬‬
‫سقوط الشيوعية والحضارة الغربية‪382.................................................................‬‬
‫تمهيد‪382.....................................................................................................:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬سقوط الشيوعية‪383...................................................................:‬‬
‫عوامل وأسباب سقوط الشيوعية‪384..................................................................:‬‬
‫ل‪ :‬السباب الذاتية لسقوط الشيوعية‪384...........................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬السباب الخارجية لسقوط الشيوعية‪393.......................................................:‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬سقوط الحضارة الغربية‪395.........................................................-:‬‬
‫الفصل الثاني‪410............................................................................................‬‬
‫المستقبل للسلم‪410......................................................................................‬‬
‫تمهيد‪410.....................................................................................................:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬المبشرات النصية في الكتاب والسنة)(‪411........................................:‬‬
‫ل‪ :‬المبشرات القرآنية‪411..............................................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيا‪ :‬المبشرات النبوية‪414...............................................................................:‬‬ ‫ً‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المبشرات من طبيعة الدين الموافقة للفطرة البشرية‪ ،‬ولسنن الله تعالى في‬
‫الكون‪419...................................................................................................-:‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المبشرات الواقعية‪421...............................................................:‬‬

‫‪448‬‬
‫ل‪ :‬الحركات السلمية)(‪423...........................................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫أهداف الحركات السلمية‪424...........................................................................:‬‬
‫وسائل الحركات السلمية‪424..........................................................................-:‬‬
‫المبادئ التي أظهرتها الحركات السلمية‪425........................................................-:‬‬
‫ل‪ :‬التصور السلمي للكون والنسان والحياة‪425..................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانيًا‪ :‬الجاهلية والسلم‪425...............................................................................:‬‬
‫ثالثًا‪ :‬شمول السلم للحياة كلها‪426....................................................................:‬‬
‫رابعًا‪ :‬الجهاد السلمي‪426................................................................................:‬‬
‫خامسًا‪ :‬البعث السلمي‪426.............................................................................:‬‬
‫أهم هذه الحركات)(‪427...................................................................................:‬‬
‫‪ -1‬حركة الخوان المسلمين‪427.........................................................................:‬‬
‫‪ -2‬حركة الجماعة السلمية‪428.........................................................................:‬‬
‫‪-3‬التجاه السلمي في تركيا‪428.......................................................................-:‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الصحوة السلمية‪429...............................................................................:‬‬
‫أبرز مظاهر الصحوة السلمية‪431......................................................................:‬‬
‫وتتجلى فيما يلي‪431......................................................................................-:‬‬
‫مراجع ومصادر الكتاب‪437.................................................................................‬‬
‫فهرست الموضوعات‪444..................................................................................‬‬

‫‪449‬‬

You might also like