You are on page 1of 136

‫التجربة الصينية‬

‫‪1‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫‪2‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫التجربة الصينية بإيجاز‬

‫الكاتب ‪ /‬محمد شاهين‬


‫رجل أعمال مصري مقيم بالصين‬

‫‪3‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫إمضاء‬

‫أؤمن متاما ً أننا في هذه احلياة لن يتبقى لنا إال كل أثر‬


‫طيب في حياتنا‪ ..‬وأنه وبعد املمات سيكون ٌّ‬
‫كل منا في‬
‫طي النسيان ولن يتبقى لنا إال أثر في الدنيا‪ ..‬وهذا كتابي‬
‫األول أدعو اهلل أن يكون فيه من الفائدة لقارئه ما جتعله‬
‫أثرا ً لي في هذه الدنيا‪ ،‬وأطالبكم بضرورة ترك أثر في هذه‬
‫احلياة‪ ..‬بصدقة جارية أو علم يتنفع به أو سيرة طيبة‪..‬‬
‫ٌّ‬
‫فكل منا لديه رسالة‪ ،‬فاجعل رسالتك جديرة باالحترام‪.‬‬

‫محمد شاهين‬

‫‪4‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫التجربة الصينية‬
‫أسرد بعض املواقف والقصص من واقع إقامتي بالصني عشر سنوات‬
‫تقريبا ً عن التجربة الصينية‪ ،‬أعرضها من وجهة نظري الشخصية‪..‬‬
‫بعيدا ً عن السياسات ‪ -‬وإن تطرقت لها في بعض النقاط اضطرارايا ً‬
‫‪ -‬وال أقصد بالتجربة الصينية نظام احلكم بالصني‪ ،‬علما ً بأنه نظام‬
‫ناجح جدا ً هنا‪ ..‬ولكن ليس من الضروري جناحه أو فشله في أي دولة‬
‫أخرى فنظام احلكم هو أسلوب تعايش يتفق اجلميع عليه لتنظيم‬
‫احلياة والقوانني وحتقيق الرفاهية للشعوب‪،‬‬
‫ستجد أغلب الدول الناجحة متتلك أنظمة غير متشابهة‪ ،‬فلكل دولة‬
‫أو كيان نظاما ً خاصا ً ذا طبيعة متيزه عن غيره من األنظمة األخرى‪،‬‬
‫لديه جذور في الهوية واألصول‪ ،‬في الثقافات واالعتقادات‪.‬‬
‫التجربة الصينية أعرضها هنا من جانبها االقتصادي الذي جنحت فيه‬
‫وأبهرت العالم أجمع‪ ،‬بسرعة التطوير وإميان الشعب بضرورة التنمية‬
‫والتغير‪ ..‬التجربة الصينية ُكتب ويكتب وسيكتب عنها الكثير‪ ،‬إال‬
‫أن هذا الكتاب ‪ -‬بعيدا ً عن الدراسات واألرقام ‪ -‬يأتي بصورة مبسطة‬
‫يفهمه القارئ العادي‪ .‬وسيعلم الكثير عن الصني والصينيني‪ ،‬وعن‬
‫احلياة والثقافة‪ ..‬عن العمل واإلنتاج‪ ..‬عن الهوية الصينية والعائلة‬
‫والعادات‪ ،‬وبالضرورة الدستور األخالقي الصيني وإميان الشعب بالقائد‬
‫وتقديره لتراب الوطن‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫إهداء‬

‫أهدي هذا الكتاب‪َّ ،‬‬


‫وكل جناح في حياتي إليهم‪..‬‬

‫إلى والدتي‪ ..‬التي غرست ّ‬


‫في حب الناس وأن احلياة مهما طالت‬
‫ستنتهي على سيرة فالن بن فالن‪ ..‬فاحرص أن تتبعها الدعوات باخلير‬
‫والرحمة‪..‬‬
‫إلى والدي‪ ..‬الذي علمني كيف يكون االعتماد على النفس وكيف‬
‫أستطيع أن أكون من ال شيء‪ ..‬كيف أبني وأزرع أرضي مبجهودي أنا‪..‬‬
‫الذي علمني أنني لن أجدهم بجواري عندما أحتاج إليهم‪ ،‬ولكنني‬
‫إلي! فأعطيهم وأسامح‪ ،‬وأن أتذكر أن‬
‫سأجدهم حني يحتاجون هم ّ‬
‫اهلل سيكون بجانبي‪ ..‬وأن من يعطي اهلل حقه سيعطيه بالضرورة‪..‬‬
‫والدي الذي علمني أن أفارق كل من يجور على حق اهلل في الدنيا في‬
‫صاله أو زكاة أو غير ذلك من أعمال اخلير‪..‬‬
‫الذي علمني أنني في هذه الدنيا عابر سبيل‪ ..‬فتاجر مع اهلل ستجد‬
‫جتارتك تزيد وستجد احلالل به بركة وإن قل‪ ..‬وأن أسعى سعي العباد‬
‫في األرض وأال أتواكل‪ ،‬وأن أضع يدي في عملي وإن اتسخت‪ !..‬وأال أتكبر‬
‫عن أي عمل كان‪ ..‬وأن أشارك اخلير وأبحث عنه‪ ،‬فيبحث اخلير عني‬
‫‪6‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫بعدها في عثرتي حتى يجدني‪ ..‬وأن أنظر دائما ً لألمام وأال أنظر خلفي‬
‫أبداً‪ ،‬وأن أجاور العلم والعلماء وأال أصادق أو ّ‬
‫أصدق من خان‪..‬‬

‫إلى أخي األكبر‪ ..‬الذي علمني فن االحترام‪ ..‬قدم كل االحترام والتقدير‬


‫إليهم في نفس الوقت الذي تعقد فيه رحالك وترحل عن حياتهم‪..‬‬
‫اختر وتخير منهم دائما ً وتقرب ممن يحترمك‪ ..‬تقرب ممن يريد لنفسه‬
‫حياة أفضل‪ ..‬كل من يجيد فن الكالم عن نفسه وكانت حياته برهانا ً‬
‫على صدق حديثه‪ ،‬فصادقه‪ .‬وإن كانت حياته تبرهن لك إنه إنسان‬
‫فاشل فأنت في دائرة يجب عليك أن تدور خارجها بأقصى سرعة‪..‬‬

‫إلى زوجتي‪ ..‬التي علمتني أن كل قرار في حياتي ليس ملكي وحدي‬


‫ومهما كان موقفها الرافض لقراراتي فهي أول الدعامني‪..‬‬

‫إلى كل من كان سببا ً في فشل لي في حياتي سواء كان قرارا ً فاشالً‬


‫أو صديقا ً أو خائنا ً أو كاذباً‪ ..‬أشكرهم بكل حب وصفح جميل‪ ،‬فلوال‬
‫وجودهم ما كنت اكتسبت أي خبرات‪..‬‬

‫وأخيراً‪ ..‬إلى الكاتب واملترجم واملدون الرائع رؤوف شبايك الذي‬


‫شجعني بعد كتابه (انشر كاتبك بنفسك) على تلك اخلطوة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫مقدمة‬

‫تتطلع النفس البشرية للنجاح بطبيعتها‪ ،‬وتختلف املقاييس‬


‫واألسباب وفي االحتالف سنة احلياة‪ ،‬ويكون الفيصل دائما ً هو‬
‫التوقيت‪ ..‬تكوينك ملعادلة النجاح في أي مجال من اجملاالت لن تكتمل‬
‫إال مبراعاة فرق التوقيت‪ ،‬مها كان عمرك أو قدرتك أو وضعك االجتماعي‬
‫أو التعليمي فستجد املعادلة لم تنجح لهذا الفارق أو جنحت لتفاديك‬
‫الفارق‪ ..‬هل تتذكرون جراهام بل واختراعه للتليفون‪ ..‬هل تتذكرون اسم‬
‫منافسه الذي متكن من حتقيق نفس النتائج ولكن بفارق دقائق‪..‬؟؟!‬
‫هل تتذكرون صاحب شركة ويستيرن يونيون كم خسر عندما قال‬
‫تعليقه الشهير “ما فائدة جهاز التليفون ليتحدث صديقان بغرفتني‬
‫مجاورتني‪..‬؟!” هل تتخليون حجم اخلسارة الذي حققها عندما رفض‬
‫شراء هذا االختراع‪..‬؟ هل تتوقعون أنه سيرفضه مجددا ً إذا قدم له‬
‫العرض مرة أخرى؟!‬
‫آمنت باهلل وبحكمه وحكمته في اختالف العباد‪ ،‬فكل منا ميلك ما‬
‫ال ميلكه اآلخر من موهبة أو نقاط القوة‪ ،‬وكل منا لديه إعاقة ظاهرة‬
‫‪8‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫أو باطنة؛ فال كامل إال اهلل‪ .‬فليس املعاق منا من فقد يده أو قدمه أو‬
‫فقد القدرة على احلركة أو التفكير‪ ،‬فكل لديه نقاط ضعف ال ميكنه‬
‫تغييرها سواء في التفكير أو التنفيذ أو حتى اإلرادة أو اإلدارة وتختلف‬
‫النسب وتختلف اإلمكانيات‪ ،‬وتختلف األنواع‪ ،‬إال أنها تتساوى في‬
‫النهاية لتحقيق معادلة اخلالق في خلقه وأول خطأ ميكنك أن ترتكبه‬
‫هو أن تظن أنك أفضل أو األفضل! فال فرق سيدي سوى االجتهاد في‬
‫البحث عن نقاط قوتك وتنميتها وصقلها بالتعليم ‪.‬‬
‫أقدم لك هذا الكتاب وأطالبك بقراءة مابني السطور وأن تبدء بنفسك‬
‫أوال ً وال تنتظر الفرصه حتى تأتي إليك ‪ ,‬بل عليك أن تصنع فرصتك‬
‫بنفسك وال تستهني بأي عمالً كان ‪ ..‬فال تعلم اين سينتهي بك مطاف‬
‫ذلك العمل ‪..‬‬
‫نصيحتي لك أن تبتعد عن أولئك الذين يسفهون أمالك فصغار الناس‬
‫يفعلون ذلك ‪ .‬العظماء من الناس هم من يشعرك أنك أيضا ً قادر على‬
‫أن تكون عظيما ً “ مارك توين “ ‪.‬‬
‫وتذكر أينشتني في قوله “ال تكافح من أجل النجاح ولكن كافح‬
‫من أجل القيمة” سيدونون اسمك بحروف الذهب وستبقى أبد الدهر‬
‫تفوح رائحة أثرك الطيب‪..‬‬

‫‪9‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫تقديم الكتاب‬
‫من يتابع التقدم االقتصادي الذي حتققه الصني يصاب بالدهشة‬
‫واإلعجاب ‏في الوقت نفسه‪ ،‬إذ يبدو األمر وكأن الصني قد حتولت الى‬
‫“ورشة عمل‏للعالم” فالشركات الصناعية واخلدماتية من كافة أرجاء‬
‫األرض تتقاطر ‏على هذا البلد منذ سنوات‪ ،‬بل إن صناعات وماركات‬
‫عريقة انتقلت إلى ‏الصني من بلدانها األصلية وهذا ما يدور حوله‬
‫كتابنا هذا ويؤكد املؤلف ان الشروع في عملية التنمية البشرية هو‬
‫الركيزه األساسية وأساس اقتصادي متني فمن غير اليسير إن نشرع‬
‫بعملية تطوير املهارات البشرية وزيادة املستوى التعليمي والصحي‬
‫دون ان تتوفر مقدرة متويلية وبنية حتتية راسخة في االقتصاد الوطني‬
‫ويالحظ أن التجربة الصينية في التنمية البشرية قد أدركت هذا األمر‬
‫لذا فقد سبقت وواكبت في بعض األحيان برامج التنمية البشرية‬
‫بأداء اقتصادي فعال‪ .‬وبعد عقود من التركيز على الداخل والعمل‬
‫على التنمية‪ ،‬أصبحت لدى صانعي القرار في الصني رغبة حقيقية‬
‫في التوسع واالنتشار في اخلارج‪ .‬فالصني مرتبطة بعالقات اقتصادية‬
‫وثيقة مع معظم دول العالم‪،‬‬
‫ويكمن هذا فى دعوة الرئيس الصينيى إلى إحياء طريق احلرير ( احلزام‬
‫والطريق)‪ .‬وهذا ما اكد عليه الكاتب محمد شاهني في هذا الكتاب‬
‫بلغة مبسطه بفهمها القارئ العادي فالتجربة الصينية تستحق‬
‫الدراسة لالستفادة منها لتنمية االقتصاديات النامية‪ ،‬‏مبا فيها‬
‫االقتصاديات العربية‪.‬‬

‫االستاذ الدكتور ‪ /‬حسين ابراهيم‬


‫املستشار الثقافي والتعليمي والعلمي لسفارة مصر بالصني‬
‫مدير مكتب مصر للعالقات الثقافية والتعليمية بالصني‬
‫مارس ‪ 2016‬الصني‬
‫‪10‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫لقد دعاني األبن والصديق األستاذ محمد شاهني ‪ ،‬لقراءة كتابة الذي‬
‫بني يديكم األن وكتابة مقدمة لهذا الكتاب ‪ ،‬والذي إختار موضوعة‬
‫عن التجربة الصينية ‪ ،‬وقد إكتشفت أن هذا الكتاب هو مزيج من‬
‫التجارب الشخصية واملعايشات اليومية واملطالعات التاريخية ‪،‬‬
‫يقول لك الكاتب في أوله أنه ليس كتاب في السياسة ولكنك تشعر‬
‫أنه كتاب سياسي من الطراز األول ‪ ،‬صحيح أن الكاتب إهتم بالنهضة‬
‫اإلقتصادية والصناعية الصينية ‪ ،‬ولكن هيهات له أن يترك اجلانب‬
‫السياسي والذي هو العامل األول للنجاح اإلقتصادي ‪ ،‬ألن السياسة‬
‫الصحيحة هي املدخل لإلدارة السليمة واألخيرة هي مفتاح النجاح‬
‫ألي جهد بشري ‪ ،‬والكتاب أيضا ً ثقافي من الطراز األول ‪،‬‬
‫أشار بإقتدار إلي العوامل اإليجابية في الشخصية الصينية واملزايا‬
‫املوجودة لدى الضمير اجلمعي الصيني من الثقة في القيادة حتى‬
‫اإلستعداد باجلهد املثمر للنجاحات املتوالية إقتصاديا ً وإجتماعيا ً‬
‫وعلى املستوى الداخلي والصعيد الدولي‪.‬‬
‫وأخيرا ً إن إسلوب الكتاب البسيط ولغته املباشرة وتعدد عناوين‬
‫فصوله والتي تعتبر في أي كتاب آخر نواحي قصور ستكتشف في‬
‫هذا الكتاب أنها عوامل قوة وأساليب تشويق ‪ ،‬وأن املصدر احلقيقي‬
‫للكتاب هو قلب الكاتب قبل عقله ‪ ،‬هنيئا ً لك أستاذ محمد شاهني‬
‫بهذا اإلنتاج اجليد ‪ ،‬وأرجوا أن تستمر في جتارب أخرى ‪ ،‬فهذا الكتاب‬
‫إعالن عن مولد كاتب سيكون مع تعدد التجارب عظيم ‪ ،‬وهنيئا ً لك‬
‫أيها القارئ الكرمي بالكتاب الذي بني يديك‬

‫المستشار الدكتور ‪ /‬عادل المسلماني‬


‫رئيس مجلس األعمال العربي الصيني‬
‫للتكامل التجاري والتبادل الثقافي‬
‫مارس ‪ 2016‬الصني‬
‫‪11‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫‪12‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفصل األول‬
‫الوحدة الصينية‬

‫‪13‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫اللغة الصينية‬

‫اعتمدت اللغة الصينية في جوهرها على مجموعة من املقاطع‬


‫وصلت آلالف من املقاطع تعدت ‪ 60000‬مقطع في اللغة الصينية‬
‫التقليدية والتي بدأ الصينيون استخدامها قبل ‪ 4000‬عام‪،‬‬
‫تعد من أولى اللغات املكتوبة في العالم‪ .‬ويحتاج خريج اجلامعات لـ‬
‫‪ 6000‬مقطع ليتمكن من قراءة مجلة أو جريدة أو كتاب‪ .‬أما الشخص‬
‫العادى فيستخدم عاده من ‪ 3000‬لـ ‪ 5000‬مقطع‪.‬‬
‫عندما بدأت الصني أولى خطوات نهضتها قبل أكثر من ‪ 65‬عام‬
‫تطورت اللغة معها في خطوة لربط كافة املقاطعات الصينية بلغة‬
‫واحدة يبدأ بتعلمها الطالب عند دخوله سن الدراسة هذا من جهة‪،‬‬
‫ومن اجلهة األخرى لتمكني اللغة الصينية املوحدة واملوحدة لصفوف‬
‫الصينيني من االنتشار عامليا ً ونشر حضارتها بني الدول واختار “ماوسي‬
‫توجن” الرئيس والزعيم الصيني صاحب أجرأ قرارات لبناء الصني احلديثة‬
‫التي أجبرت العالم كله أن يضع الصني والصينيني في موضع االحترام‬
‫والتقدير “املاندرين” كلهجة أو لغة موحدة أو كما يطلق عليها اللغة‬
‫الصينية املبسطة والتي أختيرت من ضمن ‪ 56‬قومية صينية عدد‬
‫القوميات بالصني‪ ،‬وباتت هي اللغة الرسمية في الصني اآلن‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫تعتمد اللغة الصينية على لغة فكرية تتكون كتابتها من عدة‬


‫خطوط تكتب من اليسار لليمني ويكون كل مصطلح على حدة له‬
‫معنى منفصل وعند وضع مقطعني متالصقني ميكن تكوين كلمة‬
‫مختلفة متاماً‪ ،‬ومثاال ً على هذا يطلق الصينيون الرمز (‪ )手‬على اليد‬
‫والرمز (‪ )机‬على املاكينات وعند وضع املقطعني معا ً يكون معنى‬
‫“الهاتف اجلوال” (‪ )手 机‬ونفس الطريقة كلمة تليفزيون فتتكون‬
‫من ثالث مقاطع (‪ )电 视 机‬وهم عبارة عن كهرباء (‪ )电‬رؤية (‪)视‬‬
‫ماكينة (‪.)机‬‬
‫أما النطق في اللغة فيعتمد على ‪ 4‬نبرات أساسية عند إتقان مخارج‬
‫األربع نبرات ميكن حتدث اللغة وبدونها تكون كلمة مختلفة متاما ً ورمبا‬
‫يسبب نطقها في مشكلة لك إذا كانت كلمة بذيئة!‬
‫وتستخدم الصني األرقام العربية األصلية في لغتهم ويدرسوها‬
‫ألبنائهم باسم األرقام العربية‪ ..,1,2,3 ( .‬إلى اخره ) ‪.‬‬
‫أما عن نشأة اللغة الصينية‪ ،‬كما تقول‬

‫اللغة الصينية هي‬ ‫األسطورة الصينية‪ ،‬أن تسانغ جي وهو أحد‬


‫رقم واحد بالعالم‬ ‫حاشية اإلمبراطور خوانع ومكلف باإلشراف‬
‫من حيث عدد‬
‫املتحدثني بها‪.‬‬ ‫على بعض األمور الهامة كإحصاء عدد‬
‫املواشي وكمية املؤونة ومواقيت القرابني‬

‫‪15‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الدينية والزيادة والنقصان في عدد السكان وغيرها كان يستخدم‬


‫طريقة تقليدية متوارثة عبر عقد احلبل‪ ،‬وذلك من خالل عقد عقدة‬
‫كلما حدث أي تغير ويستخدم حباال ً مختلفة األلوان لتميز األشياء‬
‫ويشير عدد العقد إلى عدد املواشي أو كمية املؤونة‪ ،‬ومع مرور الزمن‬
‫أصبح األمر أكثر تعقيدا ً وكان تسانغ جي يتمتع بالذكاء والذاكرة‬
‫القوية وبدأ باستحداث طريقة جديدة عبر حفر عالمات بالسكني‬
‫على أعواد اخلشب وفروع األشجار إال أن رسم املواشي واألطعمة كان‬
‫يستغرق الكثير من الوقت‪ ،‬وفي أحد األيام ذهب للصيد مع أفراد‬
‫قبيلته والحظ آثار حيوانات مختلفة ومتكن وقتها أحد الصيادين‬
‫اخلبراء من معرفة أثر حافر الغنم والتمييز‬
‫اللغة الصينية‬ ‫بينه وبني النمر واإلبل‪ ،‬وأتت إليه فكرة‬
‫(املاندرين) هي لغة‬
‫الرموز الصينية وقتها‪ ،‬وبدأ يراقب كل شيء‬
‫قومية هان واللغة‬
‫الرئيسية في‬ ‫حوله‪ ،‬الشمس والقمر والنجوم والسماء‬
‫الصني‪.‬‬ ‫إلى أن وجد أكثر ما مييز تلك األشياء وبعد‬
‫أن استخدم ما توصل إليه في عمله كانت‬
‫النتيجة رائعة‪،‬‬
‫أمر اإلمبراطور وقتها أن يعلمها لآلخرين‪ ،‬وبدأ الناس خطوة خطوة‬
‫في استخدام تلك الرموز وعني بعد ذلك مشرفا ً على تسجيل أحداث‬

‫‪16‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫التاريخ‪ .‬ورغم تطور اللغة الصينة عبر القرون‪ ،‬إال أنها مازالت حتمل‬
‫الفكرة الرئيسية لـ تسانغ جي‪ ،‬ومثال على ذلك تكتب كلمة شخص‬
‫هكذا (‪ )人‬أما السماء فهكذا (‪ )天‬لإليحاء بأنها فوق الناس‪ ..‬ومن‬
‫املؤكد أنه لم يقم باختراع اللغة الصينية وحده أو أنها تكتب اآلن‬
‫مبثل ما كانت تكتب عليه من قبل‪ ،‬بل تتطورت بشكل ملحوظ‪.‬‬
‫بعد أن قام ماوسي تونغ بتبسيطها أصبح اآلن املاليني من غير‬
‫الصينيني يتقنون اللغة الصينية قراءة وكتابة‪ .‬وتعد هي اللغة األولى‬
‫عامليا ً من حيث تعداد املتحدثني بها نظرا ً لتعداد السكان واإلنتشار‬
‫الصيني عامليا ً ومن الطبيعي أن تنتشر اللغات عبر التجارة ورغم‬
‫صعوبة اللغة فهناك الكثير من الدول بدءت بإستحداث مدارس‬
‫خاصه لتعليم اللغة الصينية ويحرص الصينني على نشر اللغة‬
‫بأكثر من طريقة سواء عن طريق زيادة املنح الدراسية بالصني أو من‬
‫خالل السفارات الصينية حول العالم ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫مفجر األمل‬

‫((مهما خابت وفشلت خططك كقائد ستجد االحترام والتقدير‬


‫محمد شاهني‬ ‫األبدي ما دمت تعمل من أجل اجلميع))‬

‫أنه ماوسي تونغ الذى عمل بجمع احلطب والرعى واحلرث وجتفيف‬
‫احلبوب في صغره‪ ،‬فعشق الصني بأرضها وخيرها وأيقن أنه وبسواعد‬
‫أبنائها ستعود للصني أمجادها‪ ،‬وضع اخلطة اخلمسية األولى‬
‫وبدأ تنفيذها ‪ 1955‬وضع الصناعة والصناعات الدفاعية في أولى‬
‫االهتمامات وركزت اخلطة على الزراعة والتنمية الزراعية‪ ،‬وأيقن أن‬
‫الصناعة هي ما سوف تدفع التنمية الزراعية ألعلى مستوياتها‬
‫فزاد إنتاج احلديد والصلب والطاقة الكهربائية والفحم والبترول‬
‫واألسمنت‪ ،‬أما املاكينات فزاد تصنيعها بنسبة ‪ .100%‬تفوق عسكريا ً‬
‫وامتلك القنابل الهيدروجينية‪ ،‬وأطلق أول قمر صناعى في عام ‪1970‬‬
‫كما أنه قاد مشروع القفزة الكبرى لألمام عام ‪ ،1958‬والذي اعتمد‬
‫على الصناعات الصغيرة وتنفيذها ورغم انهيار املشروع وفشله‪ ،‬إال‬
‫أن الغرب اعتبره من أخطر املشاريع التي بناها الزعيم الراحل واضطر‬
‫الزعيم أن يشترى القمح ليطعم شعبه في هذا العام إلى أن استطاع‬

‫‪18‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫نقل الشعب الصيني من الفقر والبطالة إلى شعب من أغنى الدول‬


‫بثقافته واقتصاده ومصانعه وصناعته ويده العاملة‪ .‬وجنحت اخلطة‬
‫اخلمسية األولى في رفع معدالت النمو في الصناعة إلى ‪ ،20%‬وفي‬
‫الزراعة ‪ ،41%‬وارتفاع الدخل القومي للفرد بنسبة ‪.24%‬‬
‫صحوة الصني تزامنت مع صحوة القيادات فبعد وفاة ماوسي تونغ‬
‫كان مولد قائدا ً جديدا ً رمبا يصح التعبر انه قائد النهضة الصينية‬
‫“ دنغ شيانغ بينغ “ الذي ادخل العديد من األصالحات على النظام‬
‫الرزراعي والصناعي وحقوق اإلنسان واحلريات وحول النظام من‬
‫مخطط إلى نظام مختلط يتماشى مع الصني وشعبها او كما يطلق‬
‫عليها الصينني األن “ األشتراكية ذات اخلصائص الصينية “ في ذلك‬
‫الوقت مت منح املزارعني األراضي بحق األنتفاع مما زاد من الزراعي بشكل‬
‫كبير واثرت التعديالت األقتصادية في الواقع الصيني بشكل مهول‬
‫‪ .‬وبوالدة قاده كل يوم تستمر الصني في التطور وتعديل سياساتها‬
‫األقتصادية بإستمرار مما يجعل الصني في مقدمة الدول بأعلى معدل‬
‫منو في العالم ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الوحده الصينية‬

‫يجتمع الصينيون في ‪ 22‬مقاطعة بتعداد سكاني يتعدى املليار و‪400‬‬


‫مليون نسمة على قلب رجل واحد بالرغم من وجود خمس مناطق‬
‫ذاتية احلكم‪ .‬وتنظر الصني لتايوان على أنها املقاطعة رقم ‪ 23‬من‬
‫جمهورية الصني بعد احلرب األهلية في ذلك الوقت وانفصالها‪.‬‬
‫تعتبر الصني ثانى أكبر مساحة من حيث البر عامليا ً ورغم أنها متتلك‬
‫‪ 7%‬فقط من األراضي الزراعية إال إنها حتقق االكتفاء الذاتي من الزراعة‬
‫واستطاعت احلكومة الصينية متمثلة في احلزب الشيوعي احلاكم‬
‫من ربط تلك املقاطعات بأكبر شبكة طرق عاملية من كباري وأنفاق‬
‫ووسائل مواصالت ونقل بري وجوي‪،‬‬
‫احتوت مؤخرا ً على أكبر وأسرع شبكة قطارات عاملية‪ ،‬وال توجد بني‬
‫تلك املقاطعات من أقرب نقطة ألبعدها حدود أكثر من تعريفة املرور‬
‫العادية للسيارات بأنواعها‪ ،‬وساهمت تلك الشبكة في جناح وإجناح‬
‫نام في اخلمسني عاما ً املاضية‪.‬‬
‫أكبر وأسرع اقتصاد ٍ‬
‫على الرغم من وجود مناطق ذاتية احلكم مثل هوجن كوجن وماكو‬
‫تتطلب من الصينيني أنفسهم استخراج تأشيرة للسفر‪ ،‬إال أنه ال‬

‫‪20‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫توجد جمارك على البضائع بني كافة املقطعات بإستثناء املناطق‬


‫احلره مثل هوجن كوجن وتعتبر هذه نقطة مكملة ألسباب جناح الصني‬
‫في تصنيع وتصدير أغلب املنتجات العاملية لكل الدول بعد حتقيق‬
‫االكتفاء الذاتي من االحتياجات األساسية‪،‬‬
‫وساهم تبسيط اللغة الصينية وتعميمها على كافة املقاطعات‬
‫في سهولة التواصل والتنقل بني املقاطعات وتبادل اخلبرات واأليدي‬
‫العاملة‪ .‬وعملت الثقافة والفن على توحيد الصني حتت هذا الهدف‬
‫فتجد حتى يومنا هذا األساطير التاريخية والقصص القدمية من‬
‫التاريخ من أهم الروابط التي تساعد على تلك الوحدة‪ .‬وتنتشر‬
‫مراكز احلزب احلاكم في كافة أرجاء جمهورية الصني وتقوم بدور مهم‬
‫في نشر الثقافات‪ ،‬وتذخر املكتبات مباليني الكتب التي تنشر أن قوة‬
‫الصني تعود لوحدتها وثروتها السكانية املتناغمة وتراعي الصني في‬
‫قوانينها حقوق األقليات الصينية نظرا ً ألن قومية هان متثل أغلبية‬
‫سكان الصني من بني الـ ‪ 56‬قومية تكون الشعب الصيني‪.‬‬
‫ومما الشك فيه ان النجاحات األقتصادية‬
‫‪ 23‬مقاطعة‬
‫‪ 4‬مدن ارتباط مركزي‬ ‫املتتالية والتنمية املستمره في الصني‬
‫‪ 5‬مقاطعات حكم ذاتي‬ ‫من اهم اسباب استمرار الوحدة‬
‫منظقتني حكم خاص‬
‫الصينية فتحقيق معدل دخل متنامي‬

‫‪21‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫للطبقة الفقيرة واملتوسطة وسهولة االنتقال من الطبقة الفقيره‬


‫للمتوسطة او من الطبقة املتوسطه للطبقة الغنية له اكبر اثر في‬
‫حتقيق تناغم مجتمعي ‪.‬‬
‫تنمي الصني املهارات وتنتقي قادة األعمال وقادة احلزب ايضا ً مما خلق‬
‫جو تنافسي وروح تعاون تعطي للفرد الصيني العادي األمل في حياة‬
‫كرمية ‪.‬‬
‫تنوع املقاطعات في األنتاج والثروات وحق األنتقال بينها وحق توزيع‬
‫الثورات على انحاء جمهورية الصني الشعبية اثر في كل اركانها‬
‫وبالطبع السياسات والقوانني الصارمه في الصني ‪.‬‬
‫وعودة للمشهد العربى وبعيدا ً عن السياسات العربية والصينية‬
‫معا ً فإن الدول العربية مجتمعة بحجم سكانها ومساحة أرضها ال‬
‫يتعدى ‪ 15%‬من سكان الصني وبالرغم من ذلك فإن التقسيم الغربى‬
‫للعرب جنح في تكوين ‪ 22‬دويلة عربية وفصل بينها بحواجز حديدية‬
‫وأوراق وأختام وتأشيرات وكفيل‪.‬‬
‫للتصديق على أن التقسيم غربى بال هوية وبالنظر خلريطة العالم‬
‫من أقصى إلى أقصى وبتمعن النظر في احلدود العربية بني الدول جند‬
‫أن أغلبها عبارة عن خط مستقيم‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫أربو‬

‫إذا كنت تعرف من قريب أو بعيد أحد املستثمرين أو املوردين بالصني‬


‫فسيأكد لك تلك النظرية ‪.‬‬
‫ينظر الصينيون للـ ‪ 22‬دولة عربية من أكبر دولة إلى أصغرها على‬
‫أنهم أربو “عرب” وال يجيد وال يريد الصيني العادي معرفة من أى‬
‫مقاطعة عربية تنتمي عفوا ً دولة عربية‪.‬‬
‫فكرة الهويات العربية اخملتلفة التي جنح االستعمار في تعمقيها‬
‫داخل العرب وأن يكون لكل دولة منها هوية مختلفة ينظر أحدهم‬
‫ألخرى بنظرة متدنية وال يضعها بعني االعتبار لم تصل بعد‪ ..‬يذكرنا‬
‫الصينيون هنا كم كان لنا من العظمة مكان‪،‬‬
‫ذكرت سابقا ً وأؤكد مرة أخرى باألرقام العربية والذي جنح االستعمار في‬
‫محوها من بعض البلدان العربية ويستخدمها العالم أجمع اآلن في‬
‫كتبه وحساباته بل أن لغة الكمبيوتر‬
‫أساس جناح الصني‬
‫تتكون من تلك األرقام العربية‪ ..‬وهنا‬
‫“الوحدة الوطنية” وتخطي‬
‫أتساءل هل ميكن أن ينجح رأس املال‬
‫عقبة اللغات اخملتلفة‬
‫بدون أيدى عاملة وبيئة مناسبة في‬
‫حتقيق معدل منو وجناح إلحدى الدول؟‬
‫‪23‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫حتاول كافة الدول العربية في جذب االستثمارات منفردة وتكوين‬


‫اقتصاد متكامل منفرد والتصدي لالستعمار منفردة‪ .‬عن أى دولة‬
‫تتحدث ونحن في األصل دولة واحدة ونتحدث لغة واحدة‪ .‬فأساس‬
‫جناح الصني “الوحدة الوطنية” وتخطي عقبة اللغات اخملتلفة والتي‬
‫ينظر لها الصينيون على أنها لهجات مختلفة‪ ،‬ولكنها في احلقيقة‬
‫عشرات اللغات التي يصعب فهمها بني املقاطعات اخملتلفة‪.‬‬
‫لدينا العديد من احملاوالت العربية في هذا الشأن ولدينا الكثير من‬
‫املنظمات التي تسعى لتكوين نوع من الوحدة مثل جامعة الدول‬
‫العربية ‪ ..‬أال اننا في حاجه لوحدة اقتصادية شاملة بيننا حتى تعود‬
‫امجاد العرب مره اخرى‪.‬‬
‫وتكوين شبكة طرق وبنية حتتيه بني كافة البالد العربيه واتفاقيات‬
‫جتارية مدروسه وتوزيع عادل لالنتاج والثروات املكتسبه بيننا ‪.‬‬
‫فلن يستطيع أيا ً من الدول العربية من الوصول للدول املتقدمه منفردا ً‬

‫‪24‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفصل الثاني‬
‫فرق التوقيت‬

‫‪25‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫فرق التوقيت‬

‫خاضت الصني معاركها االقتصادية بعد احلروب األهلية من‬


‫خمسينيات القرن املاضي وفي مطالع الستينيات في ظل حالة‬
‫تكنولوجيا معدومة وبيئة حتتية منهارة وشبكة طرق بدأتها من‬
‫الصفر وشبكة معلومات ضعيفة جدا ً مع صعوبة إيصال املعلومات‬
‫في ظل عدم وجود شبكات االتصال السريع كاإلنترنت والهاتف‬
‫واحملمول وأيضا ً األقمار الصناعية والفضائيات‪..‬‬
‫وهو ما يجعل بداية املصريني والعرب مختلفة متاما ألننا لن نبدأ‬
‫من الصفر وفى ظل وجود تلك الثورة التكنولوجيا العاملية‪ ،‬وإذا مت‬
‫استغاللها والتخطيط اجليد إلثراء احملتوى العربي على اإلنترنت مبادة‬
‫دسمة يستطيع الشباب استغاللها وحتويلها إلى دخل مادي ملموس‪.‬‬

‫أؤمن متاما ً أن احلكومة وحتى الرؤساء عليهم جزء كبير من وصول‬


‫اجملتمع العربي لهذا الوضع السيئ‪ ،‬حتى وإن لم يبذلوا جهدا ً في‬
‫تشغيل الشباب فعليهم أن يبذلوا كل اجلهد في التعليم واالهتمام‬
‫بالبحث العلمى ونشر الثقافة وتغيير املناهج الدراسية من الروضة‬
‫وحتى املرحلة اجلامعية ووضع هدف واضح يتربى عليه الطالب ويكبر‬
‫‪26‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫معه مع إثراء فكرة الهوية العربية والعروبة ووضع معلومات كاملة‬


‫عن عالقات مصر الدولية واالتفاقيات املبرمة بيننا ليساعد الشباب‬
‫على تفعيل تلك االتفاقيات املوجودة على الورق واالستفادة ببعض‬
‫املميزات التي حصلت عليها مصر مع بعض الدول‪.‬‬
‫كما ترون حجم التوجة املصري لبالد اخلليج بنفس التوقيت الذى‬
‫يسعى اخلليج الستبدال العمالة املصرية بأخرى رخيصة مثل الهنود‬
‫أو إحالل كبار املوظفني بأبناء تلك البالد وكما أن فرصة السفر‬
‫للشباب املصري باتت مرهونة بدفع حفنة من الدوالرات لشراء تعاقد‬
‫أو تخليص أوراق‪!!..‬‬
‫وعلى اجلانب األخر ال توجد معلومات متوفرة لدى أكبر قطاع من‬
‫الشباب عن أن بالدا ً مثل هوجن كوجن وماليزيا وأندونيسيا وغيرها ال‬
‫حتتاج تأشيرة دخول وأن بتلك البالد املزيد من فرص األعمال بدون شراء‬
‫حق الكفالة أو إصدار تأشيرة‪..‬‬
‫احملتوى العربي على‬ ‫وأتساءل عن عروبتنا في ظل إقدام‬
‫اإلنترنت يحتاج الدعم‬
‫مثل هذه الدول لألخذ باالعتبار بعض‬
‫املنظم من شباب الوطن‬
‫العربي واحلكومات‬ ‫مواقف مصر الدولية ومبقتضاها مت‬
‫واملنظمات اخملتلفة‬ ‫تسهيل التأشيرات بدون قيود ومن‬
‫املطار؟!‬

‫‪27‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫من التاريخ‬

‫في زيارة ألحد الكتاب الصينيني ملصر في عام ‪ 1960‬وبعد أن رأى جمال‬
‫القاهرة الكبرى واملباني الشاهقة وجمال التصميم ورسم الطرق‬
‫واالهتمام باملرور متنى أن تكون العاصمة بكني مثل القاهرة في يوم من‬
‫األيام‪ ..‬وبعد أن شاءت األقدار لنفس الكاتب وزار مصر في ‪ 2010‬قبل‬
‫الثورة بعام بكى على ما حدث لها‪ ،‬وأن كل شيء جميل بها أصبح‬
‫في ذاكرة النسيان‪ ..‬وأن بكني اليوم هي من أكبر وأجمل عواصم الدول‬
‫وأن قليالً من االهتمام وعلى مدى خمس عقود من الزمان بات األمر‬
‫مختلفاً‪..‬‬
‫ثم بعد أن كانت مصر أولى الدول العربية واإلفريقية في االعتراف‬
‫بجمهورية الصني الشعبية وبدأت العالقات التجارية وحركة االستيراد‬
‫والتصدير قامت الصني باستيراد األقطان وبعض املواد اخلام والفواكه‬
‫بإجمالي يقرب من ‪ 2‬مليار دوالر في عام ‪ 1969‬ومقابله استوردت مصر‬
‫منها بـ ‪ 20‬مليون دوالر‪ ،‬أما عن حجم التجارة والتبادل اآلن الظاهر على‬
‫األوراق بإحصائيات مصلحة اجلمارك الصينية بلغ أكثر من ‪ 9.6‬مليار‬
‫دوالر في ‪ 9‬أشهر فقط في حني بلغت صادرات مصر إلى الصني مائتني‬
‫وأحد عشر مليون دوالر أمريكي‪ ..‬أما عن احلجم احلقيقى لالستيراد من‬
‫‪28‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الصني فيختلف كليا ً ليصل ألكثر من ‪ 7‬اضعاف نظرا ً لتالعب أغلب‬


‫املستوردين في األرقام احلقيقية للبضائع املستوردة‪.‬‬
‫وأعتقد أن علينا التكامل مع الصني لزيادة نسبة التصدير للصني‬
‫والعالم‪ ،‬فعلينا إيقاف استيراد أي منتج كامل نستطيع تصنيعه وأن‬
‫يتضمن أي منتج مستورد نسبة تصنيع مبصر على أقل تقدير ‪10%‬‬
‫ونهتم مبنتجاتنا الزراعية والتسويق لها والتطوير عليها بعد حصادها‬
‫وإضافة عناصر التعبئة والتغليف بعد التجفيف مثالً ليكون منتجا ً‬
‫منافسا ً عاملياً‪.‬‬
‫أوافق على أن أي حكومة مبصر على مر السنوات املاضية كانت تسعى‬
‫ملعدل اقتصادي أفضل‪ ،‬ومقتنع بأن النظرية املفروضة علينا بأن فساد‬
‫احلكومات هو السبب‪ ..‬هي نظرية غير مكتملة ألن الفساد احلكومي‬
‫موجود بكل بالد العالم‪ ..‬وبرغم ذلك فإن الدول تستمر في التقدم‬
‫لألمام خطوات بعد خطوات‪ .‬وتخيلي هنا يعود للسير عكس االجتاه‬
‫فالقوانني تصدر من أعلى القمم ال من أرض الهمم‪ ..‬والدراسات نظرية‬
‫وال وجود خلبراء املهنة بني خبراء دراسة القوانني وهو ما حدث ويحدث‬
‫حتى يومنا هذا وأدلل على ذلك باتفاقية حماية املستهلك ‪ CIQ‬والتي‬
‫صدرت وتعد بال جدوى‪ ،‬علما ً بأنها نظريا ً عملية جداً‪ ،‬وتبعها العديد‬
‫من القرارت الناقصة وغير املكتملة‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ناقص األرباح‬

‫فى عام ‪ 2007‬كانت هناك أربعة خطوط ملترو األنفاق مبدينة كوانزو (ال‬
‫ليست العاصمة) إنها مجرد إحدى املدن مبقاطعة كوندوجن الصينية‬
‫كما أنها إحدى املدن في املقاطعة التي حتتوى على مترو األنفاق أما‬
‫في عام ‪ 2010‬وصلت اخلطوط إلى ‪ 6‬خطوط تعمل‪ ،‬أما اآلن ‪ 32‬خط‬
‫بعضها مايزال العمل جاري فيه وبعضها سيتم افتتاحه هذا العام‬
‫ليغطى كافة أنحاء املدينة ‪.‬‬
‫هل تتخيلون كيف أثر ذلك على سوق العقارات؟! !!‬
‫وعلى بعد أقل من ‪ 100‬كيلو من كوانزو تقع مدينة شينزن مدينة‬
‫التكنولوجيا حتتوي على ‪ 8‬خطوط ملترو األنفاق‪.‬‬
‫لم أنت ِه بعد‪ ..‬األمر لم يكن مجرد افتتاح خط مترو أو عدد خطوط‬
‫القطارات بل كيف مت البناء بدون إغالق أي شارع ولو جانبي أو تعطيل‬
‫املرور ولو أليام!‬
‫وال يفرق عن اخلط األول أو الثامن أى تفاصيل أو زيادة باالهتمام فنسبة‬
‫النظام واألمان تفوق كافة التوقعات مع الوضع في االعتبار بأن نظام‬
‫املترو مبصر ال يتعدى محطة قطار‪..‬‬

‫‪30‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ووصوال ً للقطار بالصني فعند دخولك‬


‫النظر في عملية الدعم‬ ‫ستظن في بداية األمر أنك أخطأت في‬
‫العشوائي لكل الفئات‬
‫ودراسة حترير األسعار‬ ‫العنوان ووصلت إلى صالة املطار‪.‬‬
‫وتفعيل احلد األدنى لألجور‬ ‫أما عند دخولك الدرجة األولى داخل‬
‫القطار فأنت يا سيدى جتلس على‬
‫مقعد أفضل من مقاعد الدرجة األولى بكافة أنواع الطائرات هل‬
‫هناك سحر أم دعم مهول ليغطي كل هذا النظام؟‬
‫اإلجابه‪ :‬ال‪.‬‬
‫فالنظرية هنا نظرية األسعار فتكلفة املواصالت الداخلية بالصني‬
‫وحتى أسعار تذاكر القطارات تدور في تكلفة التشغيل إضافة إلى‬
‫األرباح‪ ..‬أما تكلفة تذاكر مترو األنفاق فهى تختلف باختالف عدد‬
‫احملطات مع مراعاة املسافات وهنا دروس مستفادة‪.‬‬

‫الدرس األول‬

‫عند احتساب التكلفة الفعلية إضافة لألرباح متكنت احلكومة من‬


‫جتديد وتطوير هذه الشبكات بصورة مستمرة ‪.‬‬
‫استطاعت أن تفتح خطوطا ً جديدة من حسابات األرباح على عكس‬
‫التذكرة املوحدة بجنية مصري لكافة احملطات والتي لن تكفي لتغطية‬

‫‪31‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫تشغيل اخلطوط‪،‬‬
‫فكيف نطالب مبزيد من االهتمام؟‬

‫الدرس الثاني‬

‫إضافة األرباح مليزانية الدولة التي من خاللها تستطيع إعادة تقييم‬


‫الدخل وتوفير حد أدنى لألجور في القطاعني اخلاص والعام‪.‬‬
‫سؤال كم مليون مصري لم يستخدم يوما ً ما مترو األنفاق؟ أين حقه‬
‫في الدعم وأين حقه في احلياة باحترام؟‬

‫وأتذكر قرار رئيس اجلمهورية‪ ..‬بزيادة املعاشات لكبار السن وبعض‬


‫الفقراء ‪ 50%‬نسبة خيالية ال تتحملها احلكومات وبالنظر لألرقام جند‬
‫أن املعاش ‪ 10‬دوالرات شهرية ومت زيادته لـ ‪ 15‬دوالر شهرى أين حقه في‬
‫احلياة كإنسان؟ لطفا ً بنا أيها احلكام!‬
‫دعم الوقود والقطار واملترو‪ ..‬لن يفيد أصحاب احلمار ولن يصل لكثير‬
‫من الفقراء‪..‬ولن يصل بنا لنكون بلدا ً حضارية تستطيع أن تقدم‬
‫وتطور خدماتها األساسية‪ ..‬كفانا سيرا ً عكس االجتاه!‬

‫‪32‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫كيف تصنع الماكينات‬

‫األمر لم يتوقف بالصني على جلب املستثمرين وإعطائهم بعض‬


‫التسهيالت وال على جلب اخلبراء األجانب وتزويدهم برواتب خيالية‬
‫فالوضع بالبالد اآلن لن يحتمل مزيدا ً من التكهنات‪ ،‬فبعد الثورة‬
‫الثقافية وخطة القفزة الكبرى لألمام ووضع اخلطة اخلمسية األولى‬
‫في ثمانينيات القرن املاضي كان هناك مزيد من االهتمام بالوقود‬
‫الصيني وأقصد هنا األيدي العاملة وتخريج كوادر صينية تستطيع‬
‫االلتحام‪..‬‬

‫قرار جمهورى ‪ -‬بتغير النشيد الوطنى للبالد‬

‫انهضوا‪ ..‬من ترفضون أن تكونوا عبيدا!‬


‫من دمنا‪ ..‬من حلمنا‪ ..‬نبني لنا سورا ً عظيما ً جديدا‪..‬‬
‫األمة الصينية اليوم تواجه اخلطر األكبر‪..‬‬
‫من كل صدر يتعالى زئير غاضب‪..‬‬
‫انهضوا‪ ..‬انهضوا‪..‬‬
‫انهضوا‪ ،‬يا ماليني الشعب بقلب واحد!‬
‫مدافع العدو ال نهابها‪ ..‬تقدموا!‪ ..‬تقدموا‪ ..‬تقدموا‪ ..‬تقدموا!‬
‫‪33‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫وبعد جرعة من احلماس وغرس احللم والهدف في نفوس الشعب‬


‫وحتقيق ملحمة حقيقية لبدء األسطورة االقتصادية الصينية مت‬
‫صقلها بالتعليم وخبرات اخلبراء وإنشاء املدارس املهنية ذوات العام‬
‫واالثنني والثالثة أعوام وتأهيل الكوادر احلالية وأصحاب املهن ونشر‬
‫املعلومة بكافة الطرق املتاحة حتى من خالل الزيارات املنزلية إضافة‬
‫لتغيير املناهج الدراسية مبا يتناسب وطبيعة سوق العمل اخلارجي‪.‬‬
‫أيضا ً جلب اخلبراء األجانب وإرسال البعثات التعليمية واالهتمام‬
‫بالبحث العلمى‪ ..‬هذا إضافة لتعديالت على الطريقة االشتراكية‬
‫ووضع النظام اخملتلط بنظرية املاوية نسبه لـ ماوسى تونغ الزعيم‬
‫الصيني امللهم لهذا الشعب‪ ..‬وال ننسى أن من أهم أسباب تالحم‬
‫هذا الشعب هو تعرضهم لالستعمار واخلروج يدا ً واحدة كما حدث‬
‫مبصر بعد حروبها‪ ..‬أما السبب في متاسكهم حتى اآلن فيعود لإلدارة‬
‫احلكيمة املوجودة بالبالد‪ ..‬وتوزيع الثروات بشكل عادل وخلق بيئة‬
‫اقتصادية واستثمارية مميزة يستطيع أن ينمو بها كل عقل قادر على‬
‫التفكير والعمل‪ .‬لم تلزم الدولة نفسها من توظيف الشباب في‬
‫القطاع العام بل وفرت الفرص والبيئة واملناخ االقتصادي والتعليم‬
‫وصحب كل ذلك سياسات خارجية معتدلة في كل اجتاه‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫عن التصنيع نتحدث‬

‫بحكم عملى كمصمم للمطبوعات وقبلها كمندوب للمطابع فنشأ‬


‫في داخلى حلم امتالك مطبعة‪ ،‬وبعد أن حان وقتها قمنا بافتتاح تلك‬
‫املطبعة مبصر في مدينة العاشر من رمضان ورغم عدد املطابع الكبير‬
‫في مصر ونسبة العاملني باجملال من صغار األسر وفى كبرى الشركات‬
‫إال أن هذا اجملال يحتاج للتطوير بشكل كبير وإدخال بعض األفكار‬
‫واملنتجات اجلديدة مبصر هو ما سوف يدفع ذلك اجملال لالزدهار كما هو‬
‫احلال في الصني على سبيل املثال‪.‬‬
‫مجرد إيصال املعلومة لشاب أو مجموعة من األفراد قادرين على‬
‫االستثمار والدخول للسوق التجاري أو الصناعي لتحقيق جناج صناعي‬
‫أو جتاري عليه ان يتبع تلك املعادلة ‪:‬‬
‫ماكينة ‪ +‬خام = منتج أو نصف منتج أو أن ماكينة ‪ +‬نصف منتج‬
‫= منتج‪ ..‬أو أن منتج ‪ +‬تغليف = منتج عالي التسويق‪ ،‬ستجد من‬
‫القيادات اآلالف ومن اجلنود ماليني من الشباب‪.‬‬
‫عودة للموضوع فمنذ عقدين من الزمان في مصر كانت هناك بعض‬
‫رحالت املدارس والتي تتوجه للمدن الصناعية مبصر مثل مدينة ‪6‬‬
‫أكتوبر أو مدينة العاشر من رمضان ليرى الطلبة كيف تعمل تلك‬

‫‪35‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫املصانع‪ ،‬وتلك الرحالت من أهم الرحالت إال انها كانت تذهب جملموعة‬
‫من املصانع كثيفة العمالة واإلنتاج والتي تضع في مخيلة الطلبة‬
‫أن ال مفر من كونه عامالً أو مهندسا ً إلحدى تلك املشروعات وتأخذ‬
‫منه كل حلم في امتالك مؤسسة صناعية صغيرة‪ ،‬ولعدم توافر‬
‫القدرة للذهاب لتلك املصانع الصغيرة واألفكار الصناعية البسيطة‬
‫فيجب إثراء الكتب الدراسية واملكتبات بطرق عمل املاكينات وكيف‬
‫تستطيع من ماكينة واحدة صنع منتج في بعض اخلطوات‪.‬‬
‫في يناير ‪ 2014‬قمت بتوقيع اتفاقية لتوريد طلبية كبيرة من أكياس‬
‫القمامة مطلوبة للتوزيع اجملاني على الالجئني السوريني بالعراق من‬
‫قبل منظمه األمم املتحدة وتقدر تلك الطلبية مبليون كيس قمامة‬
‫شهريا ً والتعاقد ملدة عام‪ ،‬وألن األكياس تصنع بشكل كامل من‬
‫اخمللفات‪ ،‬فقمت باالتصال بعدد من األصدقاء في مصر حملاولة تنفيذ‬
‫األكياس مبصر والتصدير مباشرة إلى العراق ‪ ,‬كانت األجابة من أحد‬
‫األصدقاء بالسعر املضاعف وبالرد من آخر بعدم إمكانية املاكينات‬
‫في مصر لتغليف األكياس بنفس الطريقة‪ .‬علما ً بأن االستثمار بهذا‬
‫اجملال ال يتطلب رأس مال كبيراً‪.‬‬
‫ثم بعد أن قمت بدراسة أسعار السوق الصيني ‪,‬كانت لدي الفرصة‬
‫أثناء الزيارة ملعرفة كيف يتم تصنيع تلك األكياس وفوجئت بسهولة‬
‫‪36‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫غير عادية في التصنيع فبعد جتميع العبوات البالستيك الفارغة‬


‫وبعض األسالك واملنتجات البالستيكية القابلة إلعادة التدوير تدخل‬
‫على ماكينة تكسير وفرم ثم ماكينة أخرى تنتج الكيس‪ ،‬ويصبح‬
‫لدينا منتج كامل عالي جدا ً في التسويق واملبيعات وتكلفة إنشاء‬
‫مصنع مثل هذا ال تتعدى ‪ 40‬ألف دوالر وهناك آالف من الشباب‬
‫القادرين على البدء مببلغ مثل هذا إذا توافرت لهم املعلومات ودراسة‬
‫اجلدوى‪ ..‬وبالطبع املنتج من احتياجات البيت اليومية‪..‬‬
‫أعلم أن النظرة قاصرة على أشياء بسيطة‪ ،‬ولكنها مجرد جهد‬
‫فردي لتوصيل فكرة للمسئولني القادرين على تبنى األفكار واخلوض‬
‫لتنفيذها‪ .‬أما عن أغلب املنتجات البالستيكة فهي تتم مباكينات‬
‫احلقن واحلقن الرأسي والتي ميكن أن تنفذ اآلالف من املنتجات وأسعارها‬
‫ال تتعدى ‪ 10‬آالف دوالر‪..‬‬
‫خالصة القول أن اآلالف من املنتجات ميكن االستغناء حاليا ً عن‬
‫استيرادها والبدء الفورى في تصنيعها عبر التنسيق بني املستوردين‬
‫والتجار والصناعة املوجودة ونشر املعلومات املتعلقة بالصناعة‬
‫والتصنيع الفردي واألسري بشكل كبير‪ ..‬ستجد بعدها أن عادات‬
‫اجملتمع املصري العظيمة والتالحم بني الطبقات زاد بصورة خيالية‬
‫عندما يؤدي كل منا دوره‪ ،‬وتزيد قيمة العلم والتعليم ويعود دور املعلم‬

‫‪37‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ألعظم مكان‪.‬‬
‫وعودة للذاكرة ففى عام ‪ 1999‬وعندما بدأت العمل في مجال الطباعة‬
‫تعرفت على اثنني من الشباب يعملون بالطباعة اليدوية “سلك‬
‫سكرين” وقصوا لي كيف بدأوا العمل بعد تخرجهم من اجلامعة‬
‫بالصدفة بعد أن وجدوا فكرة الطباعة ال حتتاج رأس مال وأنهم بتكلفة‬
‫لن تتعدى ‪ 50‬دوالر وتعلم حرفة في عدة أيام يستطيعون بدء مشروع‬
‫يعود عليهم بدخل جيد ومثلهم عشرات من الشباب الذين عملوا‬
‫بتلك املهنة ومازالت تلك املهنة موجودة مبصر والصني وبعدة أشكال‪،‬‬
‫وباملثل يوجد مئات من الصناعات البسيطة واملهارات احلرفية التي‬
‫يستطيع أن يعمل بها قطاع كبير جدا ً من الشباب خاصة مبصر أغنى‬
‫دول العالم مبواردها وموقعها وبالطبع ثروتها العمالية الكثيفة‪.‬‬

‫فإن جاز التعبير فنحن كحطب أو وقود إن أشعلنا به النار أنار كل من‬
‫حوله واستخدمته في شتى نواحي احلياة وإن أهملت الوقود سيعطب‬
‫من كثرة العوامل اخلارجية املؤثرة كاألمطار والرياح وسنتفرق في بالد‬
‫العباد وإن أشعلت ذلك الوقود املتفرق في البالد فستختلط نيرانه‬
‫اخملتلفة ويكون العامل املميز هو مصدر النار والنور مكان االشتعال‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفصل الثالث‬
‫ثقافة العمل والحياة‬

‫‪39‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫النظام‬

‫من إشارات املرور “بتقول لنا انتباه” نبدأ فهى مجرد أغنيه من التراث‬
‫املصري اآلن‪،‬‬
‫أما هنا في الصني فإشارات املرور لها احترام‪ .‬مختلف الفئات العمرية‬
‫واجلنسيات اخملتلفة وحتى السيارات في الساعات األولى من الصباح‬
‫وعند خلو الشوارع من املارة ومن ازدحام السيارات ينتظرون الضوء‬
‫األخضر للمرور‪،‬‬
‫األمر أصبح ثقافة “ثقافة النظام” أما عندما جتد من يكسر تلك‬
‫القاعدة ويعبر الطريق في أغلب األحيان لن مير بسالم فستجد شرطي‬
‫املرور يوقفه ويأخذه ألقرب جلنة مرور ويأخذ من وقته ‪ 15‬دقيقة يشاهد‬
‫خاللها بعض الفيديوهات اخملتلفة عن حوادث املرور‪،‬‬
‫أليس فعالً عقاب؟!!‬
‫ومرورا ً بالنظام اجملتمعي وقصة الساعة ‪ 12‬ظهرا ً والساعة السادسة‬
‫مساءاً‪ ،‬وكيف أنك لن جتد مقعدا ً في هذه األوقات في أى من املطاعم‬
‫الصينية الكتمال األعداد!‬
‫الصينيون يعطون للغذاء اهتماماً‪ ،‬وكما يهتمون بطريقة الطهي‬
‫واحلرص على وجود اخلضروات يهتمون أيضا ً مبوعد ذلك الطعام في‬
‫‪40‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫موعد مقدس لوجبة الغذاء في الساعة ‪ 12‬وموعدا ً آخر في السادسة‬


‫مساء لتناول وجبة العشاء ويرى الصينيون أن اجلسم ينظم الطاقات‬
‫في تلك األوقات‪ ،‬فيجب أن تكون في الوقت احملدد لسريان النظام‪..‬‬

‫وإمتاما ً لثقافة النظام في حياه الصينيني فهم يعطون وقت العمل‬


‫كامل االهتمام وبنفس االهتمام يقضون وقت الراحة واإلجازات‪..‬‬
‫ستكون سعيدا ً بينهم وستجد بساطة احلياة‪ ..‬ستندهش عندما جتد‬
‫عامة الشعب والعاملني بالنظافة يرتبون ويصنفون أنواع القمامة‬
‫واألوراق بنظام!‬
‫سوف يثار إعجابك عندما تذهب لسوق اخلضروات وجتدهم قاموا‬
‫بتنظيمها كما لو أنها علبة من الشيكوال‪..‬‬
‫هل تتوقع حجم التوفير في نقل البضائع على اختالف أنواعها‬
‫بعد ثقافة النظام؟‬
‫وستغضب عندما تذهب للبنك في أول مره في الصني من ضياع‬
‫الوقت في عد النقود مرة واملراجعة من أكثر من شخص مره أخرى‪..‬‬
‫وستعتاد عليها بعد عدة مرات‪ ..‬عندما تفهم جيدا ً ملاذا هذا النظام‪.‬‬

‫أما ما أعتبره من مواقف الكامير اخلفية‪ ،‬مررت بالسيارة بأحد الشوارع‬


‫الكبرى باملدينة في عام ‪ 2010‬كعادتي اليومية ذهابا ً وإياباً‪ ،‬وبعد نصف‬

‫‪41‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ساعة مررت مرة أخرى ألجد الطريق وعلى مساحة ال تقل عن ‪3000‬‬
‫متر مزوعا ً باألشجار!‬
‫في التحضير لدورة األلعاب اآلسيوية ‪ 2010‬في مدينة كوانزو بذلت‬
‫احلكومة هنا نشاطا ً غير عادي في جتميل املدينة وتنظيمها‪،‬‬
‫األمر هنا لم يقتصر على رصف طرق أو جتهيز الصاالت واملالعب‬
‫الرياضية بل شمل ترميم وجتميل مباني املدينة‪..‬‬
‫ذهب الصينيون بخيالهم إلعادة ديكورات كافة املبانى بالطرق‬
‫الداخلية والرئيسية بالبورسلني‪ ،‬بل وإضافة إضاءات أعلى املبانى ‪ ,‬في‬
‫شكل يبهر املاره من املقيمني والزوار ‪.‬‬
‫في تلك الفترة اختارت الصني ان جتمل املدينه ضمن خطة طويلة لم‬
‫تقتصر فقط على دورة األلعاب األسوية التي تستمر أليام ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫األجازات الصينية‬

‫متاما ً كما اهتم الصينيون بالعمل ودفع عجلة اإلنتاج‪ ،‬اهتموا‬


‫باألجازات األسبوعية والسنوية متمثلة بعيد العمال وعيد الربيع‬
‫والعيد الوطني‪،‬‬
‫اهتموا أيضا ً بعيد رأس السنة امليالدية‪ .‬ونظرا ً لسفر أغلبية شباب‬
‫األسر من اجلنسني من مقاطعاتهم إلى املقاطعات ذوات احلركة‬
‫العالية‪ ،‬والتي تطلب املزيد من األيدي العاملة‪ ،‬فباتت تلك األجازات‬
‫هي مواعيد جتمع األسرة السنوية إال أنه ليس شرطا ً للعودة بكل‬
‫األجازات كما أعياد الربيع أو عيد بداية السنة الصينية والتي يهتم‬
‫بها الصيني كل اهتمام؛‬
‫هو املوعد األهم اللتقاط صورة عائلية رمبا تشمل العشرات من أفراد‬
‫العائلة‪ ،‬وتتراوح أجازات الشركات‬
‫تنوع األجازات وفتراتها‬ ‫واملصانع في أعياد الربيع من ‪20‬‬
‫اثر بشكل كبير على‬ ‫يوما ً إلى شهر‪ ،‬أما اجلهات احلكومية‬
‫السوق الداخلي للسياحة‬
‫الصينية‬ ‫فتكتفي بسبعة أيام‪ .‬هذه األجازة هي‬
‫املوعد لتوقف عجلة اإلنتاج لتعود‬
‫بحماس غير عادي للعمل بعد االنتهاء‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫يرفض الصينيون أكبر األعمال والتعاقدات في هذه الفترة ويتفرغون‬


‫للراحة‪ ،‬وأستطيع أن أؤكد أنك لن جتد مصنعا ً يعمل في أعياد الربيع‬
‫على األقل ملدة السبعة أيام التي تقيده بها احلكومة أو ألسبوعني‬
‫املقيد بها من طرف العمال‪.‬‬
‫تنشط في تلك األجازات السياحة الداخلية في البالد والتي حتقق‬
‫أرباحا ً خيالية من شعب املليار‪ ،‬وتعمل كافة خطوط القطارات‬
‫والطيران والنقل بأنواعه بدون توقف واحلجز املسبق لعشرين يوما ً‬
‫لألمام‪ .‬كان ذلك سببا ً هاما ً في تعديل أجازة العيد القومي من يوم‬
‫إلى ثالثة أيام ثم سبعة أيام بعد ذلك‪،‬‬
‫ومتتلك الصني العديد من املواقع السياحية الطبيعية املميزه كاجلبال‬
‫واألنهار وايضا ً سور الصني العظيم واهتمت الصني بتنمية اجلانب‬
‫السياحي بالصني الى ان اصبحت واجه سياحية يقصدها السائحني‬
‫حول العالم بعيدا ً عن التجاره والتصنيع ‪.‬‬

‫هناك ايضا ً بعض األجازات املرتبطة ببعض العادات والتقاليد‬


‫الصينية القدمية مثل عيد املوتى فتقوم األسر بحرق بعض النقود‬
‫الورقية املزيفة اعتقادا ً منهم أن املوتى أحياء يحتاجون لهذه النقود‬
‫في حياتهم األخرى‪ ،‬كما يقدمون بعض أنواع الفاكهة وبعض أنواع‬
‫الطعام وإضاءة املصابيح احلمراء فوق أسطح املنازل وفى الشرفات‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫أما الشباب من تلك األسر فيرفض االهتمام؛‬


‫فغالبية الشعب الصيني بدون ديانة أو معتقدات‪ ،‬وأذكر أن مديرة‬
‫مكتبي ذات يوم عندما خضنا حديثا ً عن الديانات فكانت رافضة أن‬
‫تسمع أو تتقبل أي حوار الرتباط موقف معها أن والدتها اقتطعت‬
‫من مصروفها الشهري ذات يوم لشراء بعض النقود املزيفة إلحراقها‬
‫وإرسالها للموتى‪،‬‬
‫وأخرى عندما حتدثت معها فكان جوابها “سيد‪ /‬محمد أنا ال أهتم‬
‫بتلك احلياة التي تتحدث عنها بعد املوت؛ أنا أهتم فقط بهذه احلياة‬
‫‪”I don’t care about another life I only care about this life‬‬
‫ولكن الغريب أنها بالفعل أسلمت بعد ذلك وعندها من األبناء اآلن‬
‫عبد اهلل وعبد الرحمن!‬

‫‪45‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫أعياد الربيع‬

‫يجتمع آالف الصينيني في املتنزهات واحلدائق وأماكن االحتفال بشكل‬


‫يومي وفي أعياد الربيع تنفق احلكومات ماليني الدوالرات على تنظيم‬
‫أماكن االحتفال‪ ،‬تخصص املدينة شارعا ً رئيسيا ً بها لألحتفال‬
‫وحتيطه بالزهور من كل اجتاه‪ ،‬وتضع على مداخله بوابة عظيمة من‬
‫الورود الطبيعية على شكل حيوان العام؛ فالسنة القمرية هنا ‪12‬‬
‫شهرا ً ميثل َّ‬
‫كل عام منها حيوان بعدد األشهر متاما ً كنظرية األبراج‬
‫الفلكية‪.‬‬
‫وكما تدخل الشركات في رعاية عدد كبير من تلك احلفالت والتي‬
‫تتضمن العروض الترفيهية وعروضا ً من التراث الثقافي الصيني‪،‬‬
‫إضافة ملاليني األطنان من األلعاب النارية على أشكال الورود والقلوب‬
‫وأرقام احلظ مثل الرقم ‪ 8‬والذي يؤمن به الصينيون في الثقافة‬
‫الصينية على أنه جالب للحظ ويستمر االحتفال أليام متواصلة‪،‬‬
‫وتقيم احلكومة مهرجانا ً تليفزيونيا ً يحرص أغلب الصينيني على‬
‫متابعته سنوياً‪ .‬كما تهتم األسره الصينية أن جتتمع سنويا ً ‪,‬‬
‫يتبادل األقارب في هذه األعياد الزيارات حاملني معهم الهدايا‬
‫ومغلفات حتوي بعض النقود لألطفال يطلقون عليها النقود اجلالبة‬
‫‪46‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫للحظ ‪ lucky money‬ويطلبها عادة األطفال بأسلوب رقيق من عائالتهم‬


‫وأقاربهم بقولهم “حون شي فاتساي” أو نتمنى لك املزيد من املال في‬
‫العام القادم‪.‬‬
‫ويؤمن الصينيون باألساطير الصينية القدمية‪ ،‬وفي أعياد الربيع هناك‬
‫أسطورة ترتبط بعيدهم هذا بوجود مخلوق غريب يطلقون عليه “نيان‬
‫شو” يأتي في بداية كل عام صيني (قمري) يهجم عليهم ويأكل كل‬
‫أخضر ويدمر املكان‪ ..‬ووجدوا أنه يخاف ويبتعد من اللون األحمر واألصوات‬
‫العالية الصادرة من األلعاب النارية‪ ..‬ويأتي من هنا االهتمام باللون‬
‫األحمر في حياة الصينيني وخصوصا ً في هذه األعياد‪ ..‬فيقومون بتزيني‬
‫منازلهم باللون األحمر ويقومون بإصدار املزيد واملزيد من األصوات عبر‬
‫تلك األلعاب النارية وهي صناعة قدمية جدا ً عند الصينيني‪ ..‬مقتنعني‬
‫أن من يصدر أصواتا ً أكثر سوف يحصد‬
‫النظر في عملية الدعم‬ ‫املزيد من احلظ واملال في العام املقبل‪.‬‬
‫العشوائي لكل الفئات‬ ‫عند زيارتك للصني فأول كلمة سوف‬
‫ودراسة حترير األسعار‬
‫وتفعيل احلد األدنى لألجور‬ ‫تسمعها كثيرا ً هي التحية “ني هاو”‬
‫ماتعني بالعربية أهالً وسهالً وترجمتها‬
‫احلرفية (كن بخير) أما إذا كانت زيارتك‬
‫في أعياد الربيع فستمع (شني نيان كويال) وتعني عام جديد سعيد‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الحظ عند الصينيين‬

‫يؤمن الصينيون باحلظ بشكل غير عادي‪ ،‬ويتمثل عندهم في بعض‬


‫األرقام مثل الرقم ‪ 8‬والذي جتده في أغلب أرقامهم حتى في السوبر‬
‫ماركت واملوالت مثل ‪ 3.8‬أو ‪ 528‬أو ‪ 888‬املهم أن يحتوي على الرقم‬
‫‪ 8‬والذي يعني عندهم املزيد من املال‪ .‬وباملثل الرقم ‪ 6‬والذي يعني‬
‫عندهم احلظ الوفير‪.‬‬
‫أما األرقام السيئة‪ ،‬والتي يتبرأ منها الصينيون هو الرقم ‪ 4‬ويرجع‬
‫لقرب نطقه بالصينية من كلمة (موت) فتجد في أغلب املصاعد‬
‫الكهربائية قد مت حذف الدور الرابع من الترتيب واالستعاضة عنه‬
‫بـ‪ 3A‬أو إلغاءه من اللوحة من األساس‪.‬‬
‫يعتقدون أن اللون األحمر يجلب احلظ فتجد شارة حمراء عن بعض‬
‫األطفال أو سلسلة من نسيج أحمر في العنق أو في إحدى األرجل‪ ،‬وال‬
‫يفضلون اللون األسود واللون األبيض‪.‬‬
‫ايضا ً هناك العديد من املعتقدات التي ترتبط بالطعام وطولة الطعام‬
‫وكيفية استخدام ادوات الطعام بشكل يبعد اخلظ السيء ‪.‬‬
‫ال يحب الصينيون ذكر كلمة املوت عادة وخصوصا ً في األعياد وميارسون‬
‫الكثير من العادات والتقاليد في حياتهم وأعيادهم ليست كديانة‬
‫‪48‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ولكن جللب املزيد من احلظ في حياتهم‪ ،‬ومثاال ً على ذلك األلعاب‬


‫النارية في أعياد الربيع أو إصدار األصوات بشكل عام؛ فهم يعتقدون‬
‫أن من يصدر أصواتا ً أعلى سيجلب له احلظ األكثر في السنة القادمة‪،‬‬
‫تزدهر هنا صناعة األلعاب النارية بشكل كبير‪ ،‬ومينع استخدامها‬
‫في املدن الكبرى إال أن احلكومات ال تستطيع إيقافها أو منعها متاما ً‬
‫الرتباطها بالعادات الصينية‪.‬‬
‫في املعتقدات القدمية ايضا ً الكثير من تلك األمور وهناك من ميتهن‬
‫تلك املهن بني الصينني وبالصرف النظر عن وجود اميان كامل بتلك‬
‫األمور اال انها تختلف من مقاطعة إلى اخرى ‪.‬‬
‫وجتد العديد من الصينني من يضع ميزانية خاصة لهذه األعمال ‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الحياة الطبيعية في الصين‬

‫تهيئة مناخ مناسب للحياة واالهتمام باالحتياجات األساسية‬


‫لقضاء عطلة نهاية األسبوع أو للتدريبات الرياضية الصباحية مثالً‪،‬‬
‫واالهتمام بتوفيرها مجانا ً بات أمرا ً اعتياديا ً فلن جتد شارعا ً رئيسيا ً‬
‫يخلو من بعض املناطق التي حتتوي على أجهزة رياضية مجانية لكل‬
‫املارة‪ ،‬وحاولت احلكومة توفيرها في كل املدن وصوال ً للقرى‪ ،‬ومتثلت في‬
‫مجموعة األجهزة املتعددة منها املسلي لألطفال‪ ،‬ومنها املساعد على‬
‫تقوية العضالت أو حركة املشي وغيرها‪ ،‬وجتدها من اخلامسة صباحا ً‬
‫تستعد في استقبال كبار السن رمبا فوق ‪ 70‬عاما ً في بعض األحيان‬
‫ليستخدموا تلك األجهزة ‪ ,‬ليس هذا هو كل املتاح فيوجد عدد كبير‬
‫جدا ً من املتنزهات اجملانية‪ ،‬والتي متلؤها اخلضرة واألشجار‪ ،‬ورمبا بعض‬
‫البحيرات‪ ،‬وتلقى تلك املتنزهات قبوال ً ورواجا ً كبيرا ً بني طبقتي الشعب‬
‫الفقير واملتوسط ومتتأل بالشباب من مختلف األعمار‪ ،‬تلك املتنزهات‬
‫تتحول ليالً جلماهير غفيرة ميارسون بعض الرياضات والترفيهات وبها‬
‫من املساحات ما يكفى الستيعاب اآلالف‪ ،‬وهناك أيضا ً متارس رياضة‬
‫الكونغوفو الروحية والقتالية من خالل مجموعة من املتطوعني‪ ،‬وهذا‬
‫ال يغني عن وجود عدد كبير منها برسوم‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫أحفاد التجار‬

‫(كان ياما كان)‪ ..‬وعندما كان اإلسالم في مهده والكل يحمل احلب‬
‫والسالم والقرآن وصلت الرسالة للعالم أجمع ومعها انتشرت اللغة‬
‫العربية‪ ،‬وعندما وصل اإلسالم على أيدي التجار العرب ألكثر من مكان‬
‫داخل الصني وانتشرت الرسالة وانتشرت املساجد‪ ،‬كانت جتارتنا رابحة‬
‫فقد ربحنا املال وربحنا االحترام املتمثل اآلن في املساجد املنتشرة حول‬
‫الصني وماليني املسلمني الصينيني وحاملي اللغة العربية والثقافة‬
‫اإلسالميه والعديد من املعالم اإلسالمية‪.‬‬
‫واآلن وبعد مرور ألف عام عاد العرب وعاد أحفاد التجار بدون هوية‬
‫وبدون ثقافة عربية‪ ..‬نعم مئات اآلالف سنويا ً من التجار أطالبهم‬
‫ونفسي بنشر االحترام وعادات وأخالق األسالم ونقل الثورة الصناعية‬
‫والتكنولوجيا وثقافة العمل وثقافة النظام‪.‬‬
‫بعد مرور عامني بالصني لي ونزولي مصر وذهبت إلى صالون احلالقة‬
‫مبدينتي‪ ،‬وكالعاده يتحاور معى احلالق وطلب مني أن أعطي له جملة‬
‫واحدة عن شيء لفت نظري بالصني فأجبته بأنني طوال عامني لم‬
‫أسمع صوت آلة تنبيه السيارة (الكالكس) في مدينة كوانزو املزدحمة‬
‫بالسيارات‪ .‬أما عندما زارني أخي في زيارة سريعه ملدينه كوانزو بالصني‬
‫‪51‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫وإحساسه بوجود نظام غير عادي في املدينة فقال لي أنه يتخيل أن‬
‫أهل املدينة جاؤوا إليها بعد بناء املدينة ورصف الطرق وإنارة الشوارع‬
‫وتوفير النظام (تسليم مفتاح)‪.‬‬
‫أما مقولة أحد أصدقائي “إن حذائي لم يتسخ بعد أسبوع من زيارتي”‬
‫لم تفارقني؛ أتذكر في عام ‪ 2008‬كان مكتبي في الدور التاسع يطل‬
‫على طريق جانبي‪ ،‬وتخيلت أنني أنظر للشعب الصيني والشعب‬
‫املصري على سبيل املثال من أعلى املبنى وسألت نفسي إذا وقف‬
‫الشعبان كل في دائرة منفصلة بدون حتديد أي دائرة للجانب الصيني‬
‫وأي دائرة للجانب املصري‪.‬‬
‫املشهد األول من الدائرة الصينية‪ :‬يخرج كبار السن السادسة صباحا ً‬
‫لرياضة املشي واجلري وبعض التمرينات الرياضية‪ ..‬في السابعة إلى‬
‫التاسعة الكل يذهب إلى عمله‪ ،‬وتبقى املنازل شبه خاوية‪ .‬والعودة‬
‫باملثل بكل احترام وتغلق األسواق أبوابها عند العاشرة وتبقى الشوارع‬
‫خالية حتى صباح اليوم التالي‪ ..‬الليل والنهار كل ملا خلق له‪.‬‬
‫املشهد الثانى من الدائرة املصرية‪ :‬تفتح املقاهي أبوابها ويبدأ أغلب‬
‫الشباب يومه بالسباب وتبدأ احلياة التجارية بالشارع من السابعة‬
‫مساء حتى صباح اليوم التالي‪ ،‬ومتر ليلة من الصخب والضجيج‪.‬‬
‫هنا كان السؤال‪ ..‬أى الشعبني يحمل تعاليم االسالم؟‬

‫‪52‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ثقافة العمل‬

‫بعد أن انتهت احلرب العاملية الثانية وانتهت بعدها العديد من‬


‫الصراعات واحلروب األهلية بالصني‪ ،‬عاش الصينيون سنوات من اجلوع‬
‫وقلة الدخل والبطالة واإلدمان‪ ،‬وقابلتها في نفس التوقيت صحوة‬
‫القيادات والترتيب والتخطيط خلروج العمالق النائم للسوق العاملي‬
‫وبدأت بغرس حلم لدى الصينيني بأنهم هم من قاموا ببناء سور‬
‫الصني العظيم‪ ،‬وهم فقط قادرون على بناء اقتصاد عاملي يضاهي‬
‫بنجاحه عظمة هذا السور!‬
‫غرسوا حب العمل واألعمال لدى هذا الشعب‪ ،‬وتبنوا القيادات‪ ،‬وتأكدوا‬
‫أن حسن االختيار سيدفع باملاليني من فرص العمل للشعب الصيني‬
‫على اختالف األعمار‪.‬‬
‫تنب الصني جهودها فقط على الشباب‬
‫فلم ِ‬
‫أبناء األثرياء‬
‫يبحثون أيضاً‬ ‫بل على األسره بأكملها من أصغر طفل‬
‫عن العمل اجلزئي‬ ‫مسن قادر على العمل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وحتى أكبر‬
‫في وقت فراغهم‬
‫في مدينة إيوو املوجودة مبقاطعة جيحيان‪،‬‬
‫إلكتساب اخلبرات‬
‫والتي تعتبر من أكبر املقاطعات حركة‬
‫في الصني‪ ،‬بل إن تلك املقاطعة إذا فرضنا‬
‫‪53‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫أنها دولة بحد ذاتها‪ ،‬فسنجدها حتتل املرتبة ‪ 16‬من أكبر اقتصاديات‬
‫العالم على اإلطالق‪ ،‬وبها نسبة عالية جدا ً اآلن األثرياء بعد أن كانت‬
‫تلك املقاطعة ال متلك األسر بها قوت يومها من ‪ 5‬عقود من الزمان!‬
‫كان يستقبل صاحب العمل طلبية ويوزعها على بيوت املدينة‬
‫بأسرها ليتم جتميعها وتغليفها في زمن قياسي‪ .‬هذه املدينة يطلق‬
‫األخص‬
‫ّ‬ ‫عليها اآلن املدينة العربية لكثرة العرب املوجودين بها ‪ -‬وعلى‬
‫املصريني ‪ -‬بل ان اللوحات في الطرق كتبت باللغتني العربية والصينية‬
‫معاً‪ .‬تنبهر عند زيارتك لها بكمية من السيارات الفارهة والتي ميلكها‬
‫أصحاب األعمال‪.‬‬
‫منذ ذلك الوقت بدأت ثقافة العمل باالنتشار إلى أن وصلت اآلن إلى‬
‫أن أبناء األثرياء يبحثون أيضا ً عن العمل حتى أثناء األجازات الدراسية‬
‫ليكتسبوا اخلبرات‪.‬‬
‫وهنا أتذكر موقفا ً لزوجتي فهى من عائله صينية من الطبقة‬
‫املتوسطة‪ ،‬فبعد أن أنهت دراستها اجلامعية‪ ،‬ذهبت للراحة ثالثة أيام‪،‬‬
‫بدأ قلق العائلة ألنها بدون عمل! وبدأ اجليران يتقدمون لها ببعض‬
‫الفرص الوظيفية‪ ،‬إال أنها كانت تكره املساعدة بهذه الطريقة‪ ،‬وفي‬
‫اليوم الرابع وجدت عمالً لها كمدرسة للغة اإلجنليزية بإحدى املدارس‬
‫اخلاصة‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫وموقف آخر إلحدى الصديقات الصينيات‪ ..‬كانت تنتهي يوميا ً من‬


‫دراستها اجلامعية‪ ،‬وتذهب للسوق‪ ،‬وتفترش الطريق ببعض املالبس‬
‫ذات القطعة الواحدة واملقاس الواحد لتتجر بها بالتجزئة واستطاعت‬
‫في خالل ثالث سنوات امتالك متجر بأفضل شوارع املدينة للمالبس‬
‫اجلاهزة!‬
‫أما موظفة بأحد املكاتب العربية بالصني‪ ،‬والتي قررت أن جتلس على‬
‫رصيف الشارع الرئيسي لبيع بعض ورود الزينة والتي مت استالمها من‬
‫املصنع بطريقة خاطئة ورفض أن يستلمها العميل‪.‬‬
‫واجلدير بالذكر أنها رفضت احلصول على ربحها من هذه الطلبية‬
‫واكتفت بتصحيح خطئها بهذه الطريقة‪.‬‬
‫مئات من احلكايات حدثت أمام عيني على مر تلك السنوات من شباب‬
‫ال ميتلك أي رأس مال خالف راتبه‪ ،‬ويبدأ باالستثمار لنفسه في شركة‬
‫أو مصنع أو مطعم بعد أن امتلك اخلبرات إضافة لإلصرار‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫فرص العمل‬

‫دائما ً ما كنا نتخيل أن كثرة أعداد الصينيني متثل عائقا ً في إيجاد‬


‫وظائف لهم جميعاً‪ ،‬وأن البطالة منتشرة‪ ،‬وأن انتشارهم بشوارع‬
‫املدن العربية يسوقون لبضائعهم دليل على ذلك‪.‬‬
‫لم نتخيل أنهم يعملون بكل شيء وأي شيء‪ ،‬وحتى أوقات دراستهم‬
‫وفي األجازات‪ .‬وهنا تذكرت موقفني يفرق بينهم عامان‪..‬‬
‫املوقف األول في مصر‪:‬‬
‫بعد تخرجي من اجلامعة‪ ،‬وبحثت زمنا ً ليس بالقليل عن وظيفة إلى‬
‫أن وجدت وظيفة براتب جيد جدا ً بالنسبة للسوق املصري (مئة دوالر‬
‫تقريبا ً شهريا) في عام ‪ 2006‬في الوقت الذي يعمل به أصدقائى بـ‬
‫‪ 50‬دوالر التزمت يوميا ً بفترة العمل (‪ 11‬ساعة) من الساعة الثامنة‬
‫صباحا ً وحتى الساعة السابعة مسا ًء‪ ،‬وكانت طبيعة عملي مصمم‬
‫جرافيك بإحدى املطابع‪ ،‬ومر عام وكنت أدخر شهريا ً ‪ 80‬دوالراً‪ .‬إلى أن‬
‫وجدت بعد ‪ 10‬شهر من عملى أني ادخرت مبلغ ‪ 800‬دوالر‪ ،‬جلست‬
‫يومها ألفكر كيف ميكنني أن أبدأ حياتي‪ ،‬فحتى أستطيع أن أتزوج‬
‫علي العمل ‪ 10‬سنوات‬
‫أحتاج على األقل ‪ 8000‬دوالر‪ ،‬ما يعني أنه يجب ّ‬
‫متتالية ألكمل احلد األدنى للمبلغ املطلوب للزواج! فأخذت قرارا ً بعدها‬

‫‪56‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫بترك العمل والبحث عن فرصة عمل أفضل في أي مكان كان‪.‬‬


‫املوقف الثانى في الصني‪:‬‬
‫بعد أن بدأت شركتي اخلاصة في الصني مببلغ ‪ 140‬دوالراً‪ ،‬وبعد أن زاد‬
‫عدد موظفي شركتي براتب يبدأ من ‪ 400‬دوالر شهريا ً لكل منهم‪،‬‬
‫وعمليه البحث عم موظف جيد ليس امرا ُ سهالً ‪ ،‬بل صعوبة البحث‬
‫عن راتب جيد مبصر تعادل صعوبة البحث عن مصمم بالصني‪..‬‬
‫ننتظر كل عام اخلريجني اجلدد من اجلامعات لالنضمام إلينا هذا هو‬
‫حال شركتي وآالف الشركات األخرى واملصانع‪ ،‬وألننى ذكرت هنا بعض‬
‫التفاصيل واألرقام‪ ،‬فعلي التوضيح‪:‬‬
‫أن الرواتب بالصني واحلد األدنى لألجور يضمن ‪ -‬وحتى للخريجني اجلدد‬
‫‪ -‬حياة كرمية‪ ،‬ويضمن ملن يدخر أن يحصل على حياة أفضل بأسرع‬
‫وقت ممكن‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫سوق العمل‬

‫بعد أن انتهت دراستي اجلامعية مبصر‪ ،‬خضت جتربة إنشاء صحيفة‬


‫غير دورية‪ ،‬وأصدرت منها عددين‪ ،‬وكانت معتمدة على عائد اإلعالنات‪،‬‬
‫وجنحت بالفعل في أصدار عددين مع بعض األصدقاء‪ .‬ولكن نظرة إلى‬
‫السوق اخلدمي مبصر فهو وقتها غير قابل النتشار مثل هذه الفكرة‬
‫وإن قبلها‪ .‬سأكون من محدودي الدخل وصغار التجار لعقود من الزمن‪،‬‬
‫وبعد أن قمت بتكرار التجربة في السوق الصيني وعلى شريحة النيش‬
‫(‪ )NICHE‬من التجار (فئة محددة من العمالء احملتملني‪ )،‬اختلف‬
‫الوضع واختلفت األرباح‪.‬‬
‫قمت بإصدار مجلة باسم (هنا الصني) بدأت الصدور في ‪2008‬‬
‫واستمرت في الصدور حتى اآلن‪ .‬عندما تدور احلركة الصناعية‬
‫والتجارية في بلد من البلدان تساعد العديد من األنشطة اخلدمية‬
‫في الظهور واالزدهار‪ ،‬وعلى هامش اقتصاد الصني املتنامي تعمل أكثر‬
‫من ‪ 5000‬شركة عربية من املقيمني بالصني على خدمة هذا االقتصاد‬
‫ومحاولة املساعدة والتواصل بني اللغات اخملتلفة واملوردين واملستوردين‬
‫مقابل العموالت كما تعمل اآلالف من شركات الشحن والعمال‪.‬‬
‫ورغم أن الصني نعرفها أكثر في التجارة واالستيراد إال أنها باتت‬
‫‪58‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫من أهم املقاصد السياحية حول العالم الحتوائها على العديد من‬
‫الوجهات السياحية اخلالبه واجلبال الشاهقة‪ ،‬كما أن لها من التراث‬
‫ما يشار له باالحترام كسور الصني العظيم وبعض املعابد واملباني‬
‫القدمية تاريخياً‪.‬‬
‫مييل اجلنس البشرى القتناص الفرص‪ ،‬ومييل الستغالل الوقت ويختار‬
‫رجال األعمال قضاء رحالت ترفيهية أثناء إجنازهم بعض األعمال؛ مما‬
‫دفع باآلالف من فرص األعمال في مجاالت السياحة والنقل والطيران‪.‬‬
‫أما اآلن فبدأت السياحة الصينية تنتشر بشكل كبير خصوصا ً بعد‬
‫االنفتاح واهتمام احلكومة هنا باالستثمار في شتى اجملاالت‪ ،‬وباتت‬
‫الصني تبتكر معالم جديدة جديرة باالهتمام من متاحف وناطحات‬
‫سحاب ومدن ترفيهية‪.‬‬
‫حتصد الصني سنويا ً مليارات الدوالرات من السياحية الداخلية‬
‫واخلارجية إصافة لتوفير فرص العمل‪.‬‬
‫كما اهتمت الصني بالسياحة الطبيه والعالجية عبر استخدام الطب‬
‫الصيني القدمي كاإلبر الصينية والتدليك‪ ،‬وأيضا ً نهضتها الطبية اآلن‬
‫بإمكانيات متقدمة‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫المرأة بالصين‬

‫متاما ً مثل املثل السائد لدينا “خلف كل رجل عظيم امرأة” فخلف كل‬
‫اقتصاد عظيم امرأة!‬
‫في حقبة اخلمسينيات في مصر‪ ،‬عندما كانت مصر سلة الغذاء‬
‫العاملي وتطورت الزراعة مبصر تطورا ً ملحوظاً‪ ،‬واكتسب القطن‬
‫املصري اسمه العاملي‪ ،‬فكانت املرأة املصرية الذراع األساسي في هذه‬
‫النهضة‪..‬‬
‫وهو ما حدث بالصني عند بدء نهضتها‪ ،‬فتجد املرأة الصينية محركا ً‬
‫أساسيا ً ألقتصادها‪ ،‬وفي شتى اجملاالت األخرى‪ ..‬في الصناعة والتجارة‪..‬‬
‫في الزراعة واخلدمات العامة‪ ..‬ستجدها جنديا ً على احلدود وسائقة‬
‫حلافلة ركاب‪ ..‬تصنع املنتجات وتدير كبرى املشروعات‪ ..‬وتتفرغ لبيتها‬
‫في نفس الوقت دون تأثير على أسرتها‪ ..‬فالنجاح الصيني اعتمد في‬
‫األساس على األسرة العاملة‪ ..‬ال يفرق اجملتمع الصيني في العمل بني‬
‫اجلنسني‪ ،‬وال توجد أعمال متيز الرجال عن النساء‪.‬‬
‫وهناك من العديد النساء من حصدن أرفع األوسمة الدولية والعاملية‬
‫في شتى اجملاالت‪ ..‬ثقافة وأدب وفنون وحتى أبرز االختراعات‪ ..‬مرورا ًَ‬
‫باملرأه العاملة في املصانع واملزارع والشركات‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫تهتم املرأة الصينية بأسرتها وتراعي شؤون بيتها بشغف‪ ،‬وهذا ال‬
‫يقلل من دور الزوج في البيت؛ بل يعتبر ذلك مصدر فخر لها ولزوجها‪.‬‬
‫هذه الثقافة أثرت بشكل كبير جدا ً على االقتصاد الصيني وعلى‬
‫طبيعة تكوين املنظمات واملؤسسات الصينية وتكوين الشارع‬
‫الصيني‪.‬‬
‫تتحمل املرأه الصينية كافة املسؤوليات ويعتمد عليها في كل املهام‬
‫املوكلة إليها‪.‬‬
‫تسعى دائما ً للتطوير والتدريب وينتهي بها املطاف دائما ً ألفضل‬
‫الدرجات في مجالها‪..‬‬
‫تهتم بزوجها وحترص على أن تكون امللكة املتوجة عنده‪.‬‬
‫حتب بشدة وتخلص آلخر حلظة في حياتها‪ ،‬ومع كل هذا تطيع زوجها‬
‫وتأخذ بيده للتغيير لألفصل بكل ما أوتيت من قوة‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفصل الرابع‬
‫معركة البقاء‬

‫‪62‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫معركة البقاء‬

‫حزب واحد يحكم شعب املليار‪ ..‬يفهم دوره جيداً‪ ..‬عليه توفير الكثير‬
‫للشعب‪ ،‬ال مجال ألن يخرج عليه الشعب‪..‬‬
‫فإن ثار الشعب الصيني فهي نهاية العالم‪ ..‬ال مجال هنا لألهواء وال‬
‫أطماع السلطة‪ ..‬املسؤولية أكبر من أية مسؤولية ألية حكومة أو‬
‫بلد‪ ..‬إنها الصني!‬
‫إنه احلزب الشيوعي الصيني‪ ..‬يحكم عادال ً بتفرده‪ ..‬ويقدم ما لم‬
‫يقدمه حكام لشعب على مر العصور‪ ..‬يفكر ببساطة الشعب‬
‫الصيني وحكمة البقاء‪ ..‬ال يثور وال يجور‪..‬‬
‫يعدل ويتعلم من أخطاء الشعوب‪ .‬رغم االنفتاح العاملي على كل‬
‫البالد‪ ،‬يضع لنفسه مكان احلكيم الصيني في وسط عالم يجور بال‬
‫رحمة! ليس ضعف البناء وال خوف البقاء‪ ،‬بل حكمة العظماء‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الربيع الصيني‬

‫ال لم أقصد هنا أعياد الربيع‪ ..‬بل أسوة بالربيع العربي‪ ،‬ربيع الثورات‪..‬‬
‫فقد قرأت احلكومة الصينية األمر مبكرا ً جدا ً قبل عقد من الزمان‪.‬‬
‫السياسات الصينية مت بناؤها على االنفتاح العادل لكافة الشركات‬
‫العاملية الصغيرة قبل الكبيرة لالستثمار في الصني ولكل اجلنسيات‪..‬‬
‫وعلى اجلانب اآلخر لم تفكر الصني باإلحالل أبدا ً حتى عندما توافر‬
‫البديل الصيني في الصناعات‪..‬‬
‫ذلك ال يعني أن تقبل من أي كيان كان أي تدخل في األوضاع الداخلية‬
‫للصني‪ ..‬أو أن تعطي زمام األمور ألي محتكر داخل الصني‪.‬‬
‫عندما كانت وسائل التواصل االجتماعي هي أكبر جتمع عاملي‬
‫للشباب على اإلنترنت‪ ،‬وجهت الصني شركاتها العمالقة لضرورة‬
‫االلتحاق بهذا اجملال وكانت شركة (تن سنت) من أوائل الشركات التي‬
‫بدأت حتتل مرتبة عالية في الصني بني ياهو وفيسبوك في ذلك الوقت‬
‫ببرنامجها ‪ QQ‬أيضا ً منصة ويبوو ‪،‬‬
‫إال أنه لم يكن كافيا ً ليتصدر املنافسة بالسوق الصيني بني‬
‫فيسبوك ويوتيوب‪ .‬وبعد أن شعرت احلكومة أن ثمة أمرا ً رمبا يحدث في‬
‫ظل رفض تلك املنصات مساعدة احلكومة الصينية في اإلبقاء على‬
‫‪64‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫وحدة شعبها‪ ..‬فكان القرار‪:‬‬


‫إغالق فيسبوك ويوتيوب وتويتر وغيرها من املنصات في عام ‪٢٠٠٧‬‬
‫قبل أي ربيع عربي أو آسيوي بأعوام‪،‬‬
‫باتت تدعم املنصات الصينية والتي تستطيع أن تتحمل مسؤولية‬
‫أفعالها جتاه الشعب الصيني في حكمة يكتبها التاريخ‪.‬‬
‫وبدأ بعدها منو مئات من املنصات الصينية املشابهة‪ ،‬والتي تغطي‬
‫رغبات الشعب الصيني في التواصل احلر داخل الصني وخارجها‬
‫مثل العمالق الصيني (وي تشات) واجلدير بالذكر أنه مملوك لشركة‬
‫(تن‪ ‬سنت) أيضاً‪.‬‬
‫تتطور تلك املنصات بشكل سريع جدا ً داخل الصني إال أن أغلبيتها‬
‫موجهة للسوق الصيني شعب املليار‪.‬‬
‫نستطيع القول أن الصني استطاعت حتقيق االكتفاء الذاتي في‬
‫التكنولوجيا أيضاً‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫مصنع العالم‬

‫بعد أن وضعت الصني لنفسها سياسات صارمة لالستيراد وضرائب‬


‫وجمارك عالية على املنتجات القادمة من اخلارج إليها ومتكنت بنفس‬
‫الوقت من إخراج الكوادر اجلاهزة للعمل واإلنتاج‪ ،‬وفي ظل تنامي‬
‫السوق الصيني والقوة الشرائية الداخلية للصينيني‪،‬‬
‫تسابقت كبرى الشركات واملصانع واملاركات العاملية في التنافس‬
‫على هذا السوق البكر‪ ،‬وبدأت بإنشاء فروع لها داخل الصني من أجل‬
‫التصنيع الكامل أو جتميع املنتج داخل الصني واالستفادة من انخفاض‬
‫تكاليف العمالة مع احلفاظ على اجلودة واالسم بنفس املواصفات‬
‫املتبعة عاملياً‪.‬‬
‫تكتف بعدها من اإلنتاج للسوق الصيني فقط؛ بل التصدير‬
‫ِ‬ ‫لم‬
‫خارجياً‪ .‬واكتملت نظرية التكامل بالتصنيع وحتقيق معادلة عادلة‬
‫للربح املتكافيء نظير توفير فرص العمل داخل الصني ملاليني الشباب‬
‫والعمال‪.‬‬
‫بالطبع لم يتحقق ذلك احللم الوردي بني ليلة وضحاها‪ ،‬بل بعد سنوات‬
‫من احملاوالت والتجربة والتدريب وجتهيز الكوادر القادرة الستكمال‬
‫وتوصيل نقاط اخملطط الصيني في اإلنتاج والتصنيع وحتقيق معدل‬
‫‪66‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫منو يكافئ التطلعات‪.‬‬


‫ويعتبر معدل النمو الصيني هو أكبر معدل لدولة نامية على اإلطالق‬
‫من خالل رؤية ودراسات اخلبراء الصينيني‪.‬‬
‫وعلى اجلانب اآلخر حتقيق األمن واحلماية لتلك االستثمارات من خالل‬
‫القوانني والعقوبات الصارمة للمخالفني‪ ،‬لتصبح الصني مصنع‬
‫العالم بتحقيق تلك املعادلة الصعبة‪.‬‬
‫أغلب الشركات العاملية اآلن مثل أبل األمريكية وسامسوجن الكورية‬
‫في صناعة اجلواالت‪ ،‬ومرسيدس وغيرها في صناعة السيارات‪ ،‬متتلك‬
‫أكبر مصانعها داخل الصني‪ ،‬والعديد من هذه املصانع ال يكتفي‬
‫بالسوق الصيني فقط‪ ،‬بل تصدر منتجاتها للعالم ‪.‬‬
‫وتوفر الصني خلبراء التصنيع واجلودة احلياة الكرمية بالصني وتصدر لهم‬
‫اإلقامات‪ .‬أما العمالة فهي صينية بشكل شبه كامل‪ ،‬فال تعطي‬
‫الصني اإلقامات إال للدارسني بجامعاتها‪ ،‬وأصحاب اخلبرات النادرة‬
‫املطلوبة‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الضريبه المستعادة‬

‫بالطبع تربح احلكومات عادة من الضرائب لتوفر احتياجات الدولة‬


‫وتوفير اإلنفاقات على الرواتب احلكومية والتطوير‪ ،‬إال أن الصني أخذت‬
‫قرارا ً لم يسبق له مثيل في العالم بإعفاء الشركات واملصانع من‬
‫الضريبة احلكومية في حالة التصدير للسوق العاملي‪.‬‬
‫ساعد ذلم القرار املنتج الصيني في منافسة السعر العاملي‬
‫للمنتجات‪ ،‬حيث يعتبر السعر هو تكلفة املنتج واخلامات إضافة‬
‫ألجور التصنيع فقط‪.‬‬
‫شجع ذلك القرار كافة الشركات واملصانع الصينية من املنافسة‬
‫العاملية وشجع الكثير على التصدير‪ ،‬ومهد األرض الستقبال املزيد‬
‫من املستثمرين وخلق فرص العمل للشعب الصيني‪.‬‬
‫بتحرير الدعم املقدم من احلكومة تستطيع الطرق أن تتطور ألنها‬
‫تربح من تعريفة املرور وتستطيع شبكات املواصالت من التطور ألنها‬
‫تربح وتعتمد على سياسه الربح وليس الدعم‪.‬‬
‫استطاعت احلكومات اإلبقاء على الشركات العمالقة داخل الصني‬
‫مملوكة للدولة فتوفر شركات االتصاالت احلكومية وحدها مليارات‬
‫الدوالرات وسط االستخدام الكثيف من شعب املليار وغيرها الكثير‬
‫‪68‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫من اخلدمات العامة للمواطنني والتي تستطيع بها معادلة امليزان‬


‫النقدي ملتطلبات دولة بحجم الصني من الرقي واالزدهار والتطوير‬
‫املستمر‪.‬‬

‫مع مالحظة ان الضريبة املستعادة او املسترجعه ليست إعفاء وإمنا‬


‫تقوم املصانع بدفع ضريبة الدولة والتي تقدر بـ ‪ 6%‬وتقوم الدولة‬
‫بإعادة ضريبة مسترجعة لتلك املصانع التي قامت بتصدير منتجاتها‬
‫للخارج قد تصل إلى ثالث أصعاف ضريبة الدولة ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الصين أكبر مستورد‬

‫الشائع هو أن الصني اكبر مصدر عاملي‪ ..‬لكن احلقيقي أن الصني‬


‫تستورد أغلب موادها اخلام من دول العالم‪..‬‬
‫يقف العالم في دور االنتظار عندما تستورد الصني حصتها السنوية‬
‫من احلديد والفوالذ وغيرها من املوارد اخلام التي ال حتويها أرض الصني‪.‬‬
‫الصني ال تستورد البترول من دول العالم فقط بل استطاعت أن متتلك‬
‫العديد من األنشطة النفطية داخل البالد العربية مثل السودان‬
‫والكويت‪.‬‬
‫تنفذ مشاريع نفطية داخل تلك البالد وأيضا ً داخل الصني‪ ،‬وضمنت‬
‫حصتها العاملية بشكل عادل من النفط من خالل اتفاقيات عادلة‬
‫بينها وبني البالد املصدرة للنفط مثل السعودية وإيران بعيدا ً عن‬
‫احلروب والقتال‪ .‬وعلى الرغم من أن الشرق األوسط هي منطقة‬
‫ملتهبة من الصراعات‪ ،‬استطاعت السياسات الصينية احلكيمة‬
‫تكوين عالقات قوية جدا ً بينها وبني تلك البالد‪ ،‬وأن تضمن أو تتصدى‬
‫للدفاع عن شركائها مثلما تصدت أكثر من مرة من خالل مواقفها‬
‫الدولية بالسودان‪.‬‬
‫ستجد برهان ذلك من خالل الزيارة األخيرة للرئيس الصيني في عام‬
‫‪70‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫‪ ٢٠١٦‬حيث قام بجولة خارجية زار فيها السعودية ومصر وإيران رغم‬
‫املشاكل الدولية بني تلك البالد وبعضها أو بينها وبني أمريكا من خالل‬
‫العقوبات الدولية‪.‬‬

‫مالحظة‪:‬‬
‫الصني لديها مخزون هائل من املواد اخلام ولكن سياسة الدولة تقوم‬
‫على عدم استخدام هذه املواد وتنشط استيراد املواد اخلام من الدول‬
‫األخرى ليبقى مخزونها من املواد اخلام الستخدامه الحقا ً ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫مستقبل الصين‬

‫يضع العالم كله الصني حتت اجملهر‪ ..‬عدوا ً كان أو صديقاً‪ .‬يقف أساتذة‬
‫اجلامعات للتجربة ويشهدوا بنجاحها ويتوقع العديد منهم أن النهاية‬
‫قادمة والشيخوخة قادمة؛‬
‫فمن قام بهذا اجلهد هم نفس التعداد لسنوات‪ ،‬إال أن الصني لم‬
‫تكتب كتاباً‪ ،‬وتسير على خطواته بدون تعديل؛ فالتجربة مبتكرة‬
‫مرنة تتعدل باستمرار وفقا ً ملتطلبات العمل والسوق‪.‬‬
‫تهتم الصني باحلفاظ على معدل منو من ‪ ٪٦‬إلى ‪ ٪ ١٢‬في كل عام‪ .‬وتدور‬
‫األفكار وتتغير اخلطط القصيرة والطويلة ويعدل عليها للحفاظ على‬
‫معدل النمو‪.‬‬
‫تقرأ السوق وتستطلع وتدرس اإلجابة فمصير أمة مرتبط بقرار!‬
‫وأبرهن على ذلك عندما فوجئ العالم بأزمة مالية عام ‪ ٢٠٠٨‬وخرجت‬
‫الصني بنفس املعدل للنمو‪ ،‬ألنها قرأت السوق جيدا ً وعلمت أنها إذا‬
‫لم تستخدم خطة بديلة سريعة رمبا جت ّر هي األخرى إلى تلك األزمة‪،‬‬
‫يومها قررت االهتمام ودعم صناعة السيارات في ذلك العام لتتخطى‬
‫األزمة املالية العاملية بنفس معدل النمو‪.‬‬
‫مستقبل الصني ليس كتابا ً مكتوباً‪ ،‬بل هو إصرار لتحقيق املعادلة‬
‫‪72‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫التي عجز العالم عن فهمها‪ ،‬إداره حكيمة والدة تعتمد وتقدر دور‬
‫اخلبراء واملستثمرين متاما ً مثل احلكمة الصينية الشهيرة “ال يهم لون‬
‫القطة أسود أم أبيض‪ ..‬طاملا أنها سوف تأكل الفئران!”‬
‫منذ أقل من ‪ ٥٠‬عاما ً وفي وسط حالة الفقر والبطالة بالصني‪ ،‬قررت‬
‫الصني حتديد النسل؛ فكل عائلة يجب أن تكتفي بطفل واحد‪ ،‬حيث‬
‫أن حكومة الصني تتكفل وحدها بربع سكان األرض! وتوفر لهم األمن‬
‫والغذاء! وجنح األمر طوال الفترة السابقة في احلفاظ على معدل ثابت‬
‫من السكان إال وفي اللحظة التي يعتقد العالم أن هذه هي نقطة‬
‫ضعف الصني في الـ‪ ٥٠‬عاما ً املقبلة‪ ،‬قررت الصني السماح لكل أسرة‬
‫بدءا ً من عام ‪ ٢٠١٥‬إجناب طفلني‪ .‬ساعد قرار التحديد بتوفير معدل‬
‫النمو املطلوب على مدى العقود املاضية‪ ،‬وسيساعد اجلديد في‬
‫جتديد شباب الصني واأليدي العاملة واالبتعاد عن مرحلة الشيخوخة‬
‫وستكون الصني مستعدة في الفترة القادمة الستقبال اجليل اجلديد‬
‫بشكل يزيد من تنوع اإلناث والذكور في اجملتمع‪،‬‬
‫ستكون قادرة على توفير بيئة صاحلة الستقبال األعداد اجلديدة وتوفير‬
‫البيئة املناسبة لهم‪ ،‬والتعليم املناسب القادر على إيصالهم لقيادة‬
‫العالم علميا ً وصناعيا ً وجتارياً‪ .‬يحظي اجليل احلالي بأكبر اهتمام في‬
‫التعليم وتنمية املواهب والقدرات اخلاصة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الصناعات المتقدمة والبحث العلمي‬

‫تهتم الصني بالوصول إلى كافة الصناعات املتقدمة من خالل اخلبراء‬


‫األجانب والصينيني‪ ,‬التعليم والبحث العلمي‪.‬‬
‫امتلكت الصني مفاتيح الصناعات الكبرى منذ سنوات وطورتها‪ ،‬وال‬
‫تتردد في استيراد كافة التقنيات اجلديدة في كل اجملاالت‪.‬‬
‫تهتم منذ سبعينيات القرن املاضي بتحقيق هذا الهدف وتنشر‬
‫املعلومة جلنودها من املهندسني واخلبراء في كافة اجملاالت‪ ..‬وجتد ذلك‬
‫اآلن متمثالً في تنوع اخلامات اجلديدة في شتى اجملاالت‪ ،‬جتاوزت أضعاف‬
‫املتعارف عليه دولياً‪ .‬فأصبح التجديد الدوري في التصنيع وأضافة‬
‫اللمسات الصينية في اخلامات والتصميمات اجلديدة هو سمة الصني‪.‬‬
‫تتطور بسرعة فائقة وتواكب كافة التقنيات الصناعية والتكنولوجيا‬
‫املستخدمة في اجملاالت التجارية والعسكرية‪.‬‬
‫فكما هو معروف أن الصني متتلك وتطور أسطوال ً عسكريا ً من‬
‫اجلنود واألسلحة يضاهي وينافس روسيا وأمريكا في اإلنتاج وحجم‬
‫االبتكارات‪ ،‬فهي كذلك في اجملال الصناعي لالستخدامات التجارية‬
‫والطبية‪ .‬وفي الفترات األخيرة ظهرت بعض خطوط اإلنتاج واملاكينات‬
‫الصغيرة واملتوسطة ال وجود لها بكافة دول العالم من أمريكا‬
‫‪74‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫واليابان وحتى أملانيا‪ ،‬فقوة وسرعة وتيرة التطوير لم تتوقف ألي سبب‬
‫من األسباب؛ تستغل البحث العلمي لتأهيل الكوادر لضمان تقدم‬
‫الصناعات‪.‬‬
‫يحصل البحث العلمي في الصني على نصيب األسد من الدعم؛‬
‫فتدعم الدولة بكل جهودها العلم والعلماء‪ ..‬توفر التقنيات واملعامل‬
‫واالحتياجات‪ ..‬تستقطب املبدعني وترعاهم بكافة الدراسات‪ ..‬تدعم‬
‫األبحاث واألفكار وتقدم يد العون لكل االبتكارات‪.‬‬
‫يتطلع العالم في الفترات القليلة القادمة لثوره صناعية جديدة‬
‫ستتقدم بها الصني في كافة اجملاالت من خالل استخدام تكنولوجيا‬
‫النانو اجلديدة في العديد من الصناعات كالورق والزجاج واملنسوجات‬
‫واستخدام التقنية في اجملاالت الطبية والزراعية‪ .‬قدمت الصني‬
‫ميزانية هائلة للبحث العاملي فقد أزاحت أمريكا واليابان من صدارة‬
‫الدول املنفقة على البحث العلمي وتتأهب لتكون على قمة العالم‬
‫في اإلنفاق على البحث العلمي‪ .‬ويعتبر اآلن أعداد املهندسني في‬
‫جامعة بكني وحدها يضاهي أعداد الباحثني في أووربا كلها‪ .‬ومن‬
‫املنتظر اآلن أن نرى الصني من أولى الدول العظمى علميا ً وبدأت الصني‬
‫منذ أكثر من عقد من الزمان في اتباع قيود أكثر صرامة على حقوق‬
‫امللكية الفكرية وبراءات االخترعات‪ ،‬خاصة بعد انضمامها في عام‬
‫‪ ٢٠٠١‬التفاقية التجارة العاملية‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الصين المبتكرة‬

‫يبدو من الواضح اآلن أن الصني لن تكتفي بكونها صاحبة الفضل في‬


‫العديد من االختراعات القدمية كالبوصلة والطباعة واحلرير والورق‪،‬‬
‫بل إنها تهدف لزعامة العالم قريبا ً في مجاالت البحوث العلمية‬
‫واالبتكارات‪ .‬وحتث الدوله الصينية على االبتكارات من أجل التنمية؛‬
‫فطوال العقود املاضية بدأت الصني من حيث انتهى اآلخرون إال أن‬
‫املرحلة القادمة ستتميز فيها الصني‪ ،‬وحتافظ على معدالت التنمية‬
‫من خالل االبتكارات الصينية‪ ،‬حيث أن الفتره السابقة استخدمت‬
‫الصني مهارتها في تنفيذ االبتكارات األمريكية واألوروبية‪ ،‬وتقيم‬
‫الصني معارض عاملية داخل الصني وخارجها لتقدمي ابتكاراتها‬
‫في مجاالت متعددة‪ ،‬منها الزراعة والبتروكيماويات والتكنولوجيا‬
‫والسيارات والقطارات والسفن واحملركات واألجهزة الطبية واملاكينات‬
‫والتسليح العسكري ووصوال ً للفضاء‪.‬‬
‫ويعود حصول الصني على هذه املرتبة املتقدمة في تقدمي اآلالف من‬
‫االبتكارت احلديثة إلى اهتمام الصني بالتعليم والبحث العلمي‪ ،‬وأيضا ً‬
‫إلى جناح جتربة االبتكار احلكومي لتطوير اإلنتاج بالصني منذ أكثر من‬
‫‪ ٣٠‬عاماً‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفصل الخامس‬
‫التسويق الصيني (للصين)‬

‫‪77‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫المعارض الصينية‬

‫دور األسد كان للحكومات في تنظيم املعارض العاملية والتسويق‬


‫بشتى الطرق للمعارض الصينية‪ ،‬وتهتم احلكومة الصينية حتى‬
‫اآلن باملعارض وتقدرها وتثمن جهودها وتنفرد باالهتمام بأكبر معرض‬
‫حكومي عاملي وهو معرض كانتون مبدينة كوانزو‪ .‬تسوق له عامليا ً‬
‫بشكل كبير منذ نشأته إلى أن أصبح أكبر معارض الصني والوجه‬
‫الفعلي للصني التجارية‪ .‬تقدم من خالله أكبر شركاتها ومصانعها‬
‫الصينية احلكومية واخلاصة وترحب أيضا ً باملنافسني حول العالم؛ فهو‬
‫معرض لالستيراد والتصدير‪ ،‬ولكن اجلانب األكبر مخصص للتصدير‬
‫نظرا ً لوفرة املعروض الصيني من املنتجات التي تتطور بتطور العالم‬
‫واحتياجاته‪.‬‬
‫قبل أن تلتحق الصني بالتجارة اإللكترونية بشكلها الفعال كان‬
‫معرض كانتون الباب الرئيسي والوحيد لعرض املنتجات الصينية‬
‫ومقابلة البائع واملشتري وجها ً لوجه‪ .‬وحرصت احلكومة الصينية على‬
‫أن تقدم الشركات واملصانع الصينية الكبيرة فقط في هذا املعرض‬
‫لسنوات طويلة‪ .‬لضمان الثقة ولضمان جناح العمليات التجارية‬
‫وتوفير االحتياطي النقدي من الدوالر‪.‬‬
‫‪78‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ينعقد معرض كانتون مرتني سنويا ً في أبريل وأكتوبر من كل عام‬


‫وينقسم املعرض لثالث مراحل تضم كافة األصناف والصناعات‬
‫واملنتجات‪ .‬كل مرحلة مدتها خمسة أيام‪ ،‬املرحلة األولى منه تضم‬
‫املاكينات والصناعات الثقيلة والسيارات واحملركات‪ .‬وينظم املعرض‬
‫بشكل مهني أبهر العالم كله من حيث التنظيم والعرض والبناء‪،‬‬
‫فتجد نفسك تتجول بني املاكينات وكأنك تتجول بني املئات من‬
‫يكتف الصينيون بعرض املاكينة وكأنها‬
‫ِ‬ ‫املصانع اخملتلفة! فلم‬
‫مجسم معدني؛ بل إن املعرض أنشئ بطبيعته للتجربة احلية ألكبر‬
‫املاكينات وخطوط اإلنتاج حيث إنك ترى املنتج النهائي أمامك وأنت‬
‫تتجول بني تلك املاكينات‪.‬‬
‫لم يبتكر الصينيون تلك الطريقة للعرض إال أنه استعان باخلبراء منذ‬
‫االنفتاح لنقل املعارف وطور عليها لينفرد بأكبر معرض جتاري عاملي‬
‫ترفع له القبعات حتى اآلن في التنظيم واإلدارة والعرض‪ .‬وبالطبع تنوع‬
‫املنتجات في املرحلتني الثانية والثالثة‪.‬‬

‫يعتبر معرض‬ ‫جدير بالذكر أن الصينيني لم يحتفظوا‬


‫كانتون أكبر‬ ‫والصناعية‬ ‫التجارية‬ ‫باملعلومات‬
‫معرض في العالم‬
‫ألنفسهم‪ ،‬بل يسارعون مبشاركة العالم‬
‫لإلستيراد والتصدير‬
‫كل جديد؛ فستجد مع كل املاكينات‬
‫وخطوط اإلنتاج الشرح والتدريب‪ ،‬وال ميل‬
‫‪79‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الصينيون من إتقان صناعتهم والتطوير فيها وإرسالها للعالم بثقة‬


‫مهولة في إمكانياتهم على اللحاق بالعالم وتقدمي يد العون منذ‬
‫طريق احلرير وحتى يومنا هذا بـ (احلزام والطريق) التي أطلقها الرئيس‬
‫احلالي مؤخرا ً ‪.‬‬
‫وكما يتميز معرض كانتون بكثرة املعروض وتنوعه فهناك أيضا ً‬
‫العديد من املعارض الصينية املتخصصة والتي تكمل معرض كانتون‬
‫في تنويع املصادر‪ ،‬فهناك املئات من املعارض الصينية املتخصصة في‬
‫كافة اجملاالت وفي مختلف املقاطعات‪ .‬كما تهتم الصني والصينيون‬
‫باملشاركة في املعرض العاملية اخلارجية‪.‬‬
‫أصبح أمر واقعا ً لكل العالم ‪ -‬الصديق والعدو ‪ -‬أن الصني ليست‬
‫الدولة القائمة على صناعة التقليد كما هو شائع‪ ،‬بل هي دوله‬
‫التعليم واالبتكار والتكامل مع العالم وتقدم ذلك اآلن من خالل هذه‬
‫املعارض‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫أسواق الجملة‬

‫اهتمت احلكومات الصينية في مختلف املقاطعات بتوفير املساحات‬


‫واملعارض الدائمة ألسواق اجلملة املتخصصة‪.‬‬
‫جتد في كل املقاطعات الكثير والكثير من هذه األسواق‪ ،‬والتي يجتمع‬
‫بها أغلب التجار واملصنعني لنفس األصناف‪ ،‬ويتوافد إليها التجار‬
‫وصغار املصنعني لشراء كافة احتياجاتهم من لوازم التجارة والتصنيع‬
‫سواء كان للتصنيع الداخلي أو للتصدير‪.‬‬
‫الصني هي أكبر مصدر للخامات اجلاهزة للتصنيع‪ ،‬ال تعتمد فقط على‬
‫املنتج النهائي فستجد أسواقا ً للماكينات وأسواقا ً أخرى للخامات‬
‫واإلكسسوارات‪ ،‬وأخرى للمنتج النهائي القادر على غزو أكبر األسواق‪.‬‬
‫اعتمد الصينيون في أسواقهم على جتميع أغلب املنتجات املتشابهة‬
‫بنفس السوق‪ .‬فيستجد سوقا ً مخصصا ً للجلود الطبيعية وآخر‬
‫مخصصا ً للجلود الصناعية‪ .‬ستجد سوقا ً مخصصا ً جللود األحذية‬
‫وإكسسواراتها وآخر مخصصا ً جللود احلقائب أو املالبس وإكسسوارتها‪.‬‬
‫تنوع شعب املليار في تقدمي كافة لوازم التصنيع ولن جتد من يقدم‬
‫خدمة كاملة أو منتجا ً من األلف إلى الياء؛ فالتكامل بني الصناعات‬
‫هو أساس العمل واإلنتاج بالصني‪،‬‬
‫‪81‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ستجد كل مقاطعة متميزة في صنف معني أو عدة أصناف وتساعد‬


‫احلكومات في الدعاية لتلك املقاطعات باألسواق العاملية وحتفيزها‬
‫إلكمال مسيرتها في هذه األصناف‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال شوندا مدينة األثاث حتتوي على أكبر سوق عاملي‬
‫لألثاث املنزلي واملكتبي بشكل يبهر األنظار‪ ،‬وال وجه للمقارنة بينه‬
‫وبني مدينة األثاث مبصر (دمياط)‪ .‬كما أن هناك مدينة لألدوات الصحية‬
‫وأخرى للماكينات‪ ،‬مدينة للطباعة وأخرى لإلكسسوارات‪.‬‬
‫وال مانع من تكرار املدن وتعدد اخليارات؛ فدور احلكومات هو االهتمام‬
‫بالصناعات وتوفير املعارض واألسواق ونشر املعلومات وتوفير‬
‫مستلزمات التصنيع وتوجيه املصنعني واملبادرين للفرص واالحتياجات‪.‬‬
‫واهتمت الصني بتوفير تلك األسواق في املدن الكبيرة أيضا ً حتى‬
‫وإن كانت خارج مدينة التصنيع مثل مدينة كوانزو التي حتتوي على‬
‫مئات األسواق إضافة إلى معرض كانتون‪ ،‬وذلك لتوافد أكبر عدد من‬
‫املستوردين إليها‪ .‬وأيضا ً مدينة إيوو التي‬
‫الصني أكبر مصدر‬ ‫تضم أكبر سوق دائم على مستوى‬
‫للخامات اجلاهزة ومواد‬
‫العالم لعرض اآلالف من املنتجات‬
‫التصنيع واإلكسسوارات‬
‫اخملتلفة‪.‬‬
‫ال يجد املستورد القادم للصني أية‬

‫‪82‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫صعوبة في التنقالت بني املقاطعات باختالف املسافات والبعد حتى‬


‫التنقل الداخلي بالطائرة من مقاطعة إلى أخرى ليذهب ألحد املصانع‬
‫أو الشركات أو األسواق بحثا ً عن ضالته حتى يجدها‪.‬‬
‫شبكة الطرق واملواصالت وتنوعها تعطي سهولة نظرا ً لالقتناع بأن‬
‫السعر الصيني سيكون مختلفا ً عن نظيره العاملي‪.‬‬

‫ملحوظة‬
‫سوق الفوتيان في ايوو على مساحة ‪ 6‬كيلو متر طولي ومكون من‬
‫ثالث طوابق ويحتوي على أكثر من ‪ 700‬ألف محل ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫فتح أسواق عالمية‬

‫اهتمت الصني باحلفاظ على عالقات دولية متوازنة مع كافة دول‬


‫العالم مما ساعد الصينيني في نشر منتجاتهم وافتتاح أسواق‬
‫عاملية في كل أنحاء العالم‪ .‬فتتخذ الصني سياسات ثابتة تراعي‬
‫بها مصاحلها الدولية بشفافية عالية مستخدمة احلكمة الصينية‬
‫في موازنة األمور‪ .‬فستجد الصني بأفريقيا وأوروبا وأمريكا بالشرق‬
‫األوسط وأيضا بباقي الدول اآلسيوية‪ .‬ستجد أكبر املعارض الصينية‬
‫بكافة دول العالم ستجد املصانع الصينية ال تقتصر على األراضي‬
‫الصينية‪ ،‬ستجد االستثمارات الصينية بقلب أمريكا‪ .‬وستجد‬
‫الشركات الصينية تطوف العالم من الشرق إلى الغرب‪ .‬ستجد‬
‫املعونات للدول الفقيرة والقروض للدول النامية‪ .‬ستجد الشركات‬
‫واالستثمارات بالشكل العادل بينها وبني الدول باختالف تلك الدول‬
‫من القوي للضعيف لن جتد الكيل مبكيالني‪ .‬فالسياسات اخلارجية‬
‫تعتمد على التكامل وتبادل االستثمارات والتعامل باملثل‪.‬‬
‫ساعدت تلك السياسات التي عادة لن يفهمها الصيني العادي من‬
‫عدم تعامل الصني بالقوة املفرطة أو فرض إرادتها على العالم‪ ،‬وهي‬
‫متتلك تلك القوة التجارية واالقتصاية والعسكرية‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫جذب المستثمرين‬
‫قدمت الصني الكثير من التسهيالت طوال الفترات السابقة‬
‫للمستثمرين الصينيني واألجانب داخل األراضي الصينية‪.‬‬
‫قدمت املدن الكاملة وآالف األفدنة اخملصصة للتصنيع بشكل مجاني‪،‬‬
‫بل ومعها في بعض األحيان القروض اجلزئية والكاملة لشراء املاكينات‬
‫وااللتزام بتوفير املواد اخلام من أجل مستقبل الشعب الصيني والعامل‬
‫الصيني‪ ..‬من أجل ضمان الراتب والعمل للعامل البسيط بالصني‪.‬‬
‫وهنا يأتي املثال العربي الشهير بالصني “مؤسسة عجالن” حيث‬
‫قدمت له تسهيالت خرافية تضمنت األراضي الصينية اجملانية إلنشاء‬
‫مدينة عجالن الصناعية بالصني‪،‬‬
‫استطاع حينها إنشاء قلعته الصناعية بالصني والتي تضم‬
‫مصانع للنسيج واخلياطة وأخرى‬
‫شبكة الطرق والبنية‬ ‫للطباعة والتعبئة والتغليف وفتح‬
‫التحتية وتوفير‬
‫الدعم اللوجيستي‬ ‫مئات األسواق واملتاجر بالدول العربية‬
‫والضريبة املستعادة‬ ‫للجلباب والشماغ العربي وغيرها من‬
‫من اهم عوامل جذب‬
‫املستثمرين‬
‫املنتجات التي وفرت عشرات اآلالف من‬
‫فرص العمل للصينيني حتى وقتنا هذا‬

‫‪85‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫وغيره من املستثمرين العرب واألجانب وأيضا ً املستثمرين الصينيني‬


‫الذين ساعدوا العمالق الصيني على النهوض وتقدمي املنتج الصيني‬
‫وتطويره لينافس عامليا ً أكبر املاركات؛‬
‫فاملنافسه الصينية اآلن لم تعد كما السابق تقتصر على األسعار‬
‫فقط‪ ،‬بل شملت اجلودة وضمان البقاء والعماله الصينية‪.‬‬
‫ايضا ً الضريبة املستعادة كما حتدثنا سابقا ً أنها من أهم العوامل‬
‫املشجعة لألستثمار ‪.‬‬
‫البنية التحتيه الصينية وتوفير الدعم اللوجيستي واملواني أضافة‬
‫لشبكة الطرق الهائلة بالصني ‪.‬‬
‫التطوير والتنمية املستمرة وقدرة املنتج الصيني على املنافسة في‬
‫السوق العاملي ‪ ,‬وتوفير بيئة صاحلة لألستثمار وحياة أمنه للحياة‬
‫داخل الصني ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفصل السادس‬
‫التجارة اإللكترونية‬

‫‪87‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫التجارة اإللكترونية‬

‫أصبحت التجارة اإللكترونية تشكل نسبة كبيرة جدا ً من حجم‬


‫التجارة بشكل عام ‪ ،‬فالسوق الداخلي الصيني قوة شرائية ال يستهان‬
‫بها‪ ،‬واستفاد الصينيون أنفسهم بحصة األسد من السوق الصيني‬
‫لتوافر التكنولوجيا وثقافة التجارة اإللكترونية لديهم‪ ،‬خاصة جيل‬
‫الشباب‪.‬‬
‫هنا الصني‪ ..‬هنا تاوباو‪ ..‬البيع بالتجزئة لكل األصناف كل اخلدمات من‬
‫شحن رصيد جوالك وحتى شراء اخلضروات واألطعمة‪.‬‬
‫تاوباو هو منصة مجانية حتوي العديد من احملالت الصغيرة ميكن ألي‬
‫بائع ان ميتلكها بشكل مجاني‪ ،‬وال يتقاضى عموالت بيع وال نسب‬
‫أرباح‪ ،‬وينظم بدوره عملية حتويل األموال كوسيط جتاري ولضمان الثقة‬
‫واألمان للمشتري والبائع‪ .‬استطاع أن يعطي ثقة كاملة للصينيني في‬
‫السنوات األخيرة في التجارة اإللكترونية‪ ،‬فيختار املشتري السلعة‬
‫ويدفع الثمن‪ .‬إال أن البائع ال يتقاضى الثمن إال بعد أن تصل البضاعة‬
‫إلى املشتري ويفحصها‪ ،‬إن كانت حسب االتفاق‪ ،‬يستلم البائع حقه‪،‬‬
‫وإن لم تكن كذلك يعيد ارسال البضاعة‪ ،‬ويستلم نقوده مرة أخرى‪.‬‬
‫ويوجد قسم للشكاوي واألموال العالقة فيستطيع أن يحكم من‬
‫‪88‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫اخملطئ من خالل احملادثة وطبيعة االتفاق‪ .‬وغالبا ً ما يحاول البائع أن‬


‫يتمم البيع بنجاح لتفادي العقوبات ولتفادي التقيمات السلبية على‬
‫بضائعه؛ لم يستطع العمالق األمريكي ( جوجل ) أن يدرك أنه يتعامل‬
‫مع الصني الدولة احلكيمة ( القوية ) ‪ .‬وقتها تخيل أنه في صراع‬
‫مشابه ملا حدث مع العديد من البلدان‪ ..‬وأنه مبجرد التهديد باخلروج‬
‫باستثماراته من الصني وحجب اخلدمة عن الصني‪ ،‬بأن ذلك كفيل بأن‬
‫تشتعل النيران‪ ،‬وأن يضغط الشعب على احلكومة أو احلاكم من أجل‬
‫جوجل! لم ينتظر حينها أن تقوم احلكومة الصينية وقتها باإلغالق‪..‬‬
‫بل قام هو بخطوه غير مدروسة أثرت عليه بشكل كبير عامليا ً وداخل‬
‫الصني‪ ..‬بنقدمي بيانه الشهير بسحب كافة استثماراته من الصني‬
‫واالكتفاء بهوجن كوجن‪ ..‬في تصريح يوضح أن هوجن كوجن ال تعتبر جزءا ً‬
‫أصيالً من الصني‪ .‬بالطبع لم يكن جوجل هو اخلدمة الوحيدة املقدمة‬
‫للشعب الصيني‪ ..‬بل كان هناك املنافس الوطني الطموح (بايدو)‬
‫والذي استطاع ان يتربع على العرش منفردا ً بعد جوجل‪.‬‬
‫في قراءة للتاريخ الصيني‪ ..‬تثبت لنا الصني أنها لن ترضى ولن تتنازل‬
‫عن أي حق من حقوقها أو ملكيتها أو حقوق شعبها مرة أخرى بعد أن‬
‫ذاقت مرارة الضعف والتوقيع على اتفاقيات ظاملة لها وحلقوقها على‬
‫مر التاريخ إبان حرب األفيون والتنازل عن هوجن كوجن وكواندوجن من قبل‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ثورة المعلومات‬

‫إذا كنت تبحث باللغة العربية على اإلنترنت‪ ،‬فغالبا ً لن حتصل على‬
‫ما تريد من إجابات قاطعة أو جتارب مشابهة‪ ،‬وقلما جتد يد املساعدة‪.‬‬
‫وسوف يتحسن األمر قليالً إذا بحثت باللغة اإلجنليزية‪ ،‬وستجد ما‬
‫تبحث عنه بنسبة كبيرة‪ .‬وستفاجأ إذا كنت تبحث باللغة الصينية‬
‫من كم املعلومات التي تأتي إليك من كل اجتاه‪ .‬بل تستطيع أن تعرف‬
‫ما مدى جدية الشركة التي تبحث عنها مثالً من خالل التعليقات‬
‫والتجارب‪ .‬أما إذا كان منتَجا ً فسوف تعرف عيوبه قبل مميزاته‪.‬‬
‫أدمن الصينيون حب مشاركة الغير جتاربهم؛ مما ساعد على وجود ثورة‬
‫هائلة من املعلومات تساعد كل من يسأل في شتى اجملاالت‪ ..‬جتارب‬
‫املليار تأتي إليك‪ ،‬ومن خاللها تتخذ قرارك‪ ..‬في أمريكا توجد سياسات‬
‫بيع مبالغ فيها حيث ميكنك أن تسترد قيمة بضاعتك ولو بعد عام‪.‬‬
‫أما في الصني فتوجد سياسات أخالقيه تساعدك على االحتفاظ‬
‫بقيمة بضاعتك قبل إهدارها‪ .‬ساعد وسيساعد احملتوى الصيني‬
‫على شبكة اإلنترنت الصينيني ومتحدثي اللغة الصينية من التقدم‬
‫بسرعه العصر‪ ،‬وأمامنا وبال جدال طريقان للحاق بالعالم‪ .‬إما أن نهتم‬
‫باحملتوى العربي بعيدا ً عن فيسبوك أو أن نتعلم اللغة الصينية‪.‬‬
‫‪90‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫أرشفة المعلومات‬

‫مبا أن احملتوى املعلوماتي على شبكة اإلنترنت ليس بالضرورة أن يكون‬


‫كله مجاناً‪.‬‬
‫من هنا أتت فكرة أرشفة املعلومات التجارية وظهور مؤسس اإلنترنت‬
‫الصيني واحملتوى التجاري على الشبكة أو إن صح التعبير ملياردير‬
‫احملتوى الصيني (جاك ما) مؤسس موقع (علي بابا) التجاري الشهير‪،‬‬
‫والذي استطاع أن يضع ماليني املصانع والشركات في منصته‪.‬‬
‫التي ساعدت العالم أجمع في احلصول على كافة املنتجات الصينية‬
‫من خالل مواقعه اإلجنليزية والصينية‪.‬‬
‫فإن لم أبالغ في األمر فهو العامل احملرك لالقتصاد الصيني طوال‬
‫السنوات السابقة‪ .‬ما يهمنا هنا ليس كم جمع من املال‪،‬‬
‫ولكن كم عدد الشركات واملصانع التي‬
‫جاك ما مؤسس‬
‫أستطاعت األعتماد عليه في تقدمي‬
‫موقع على بابا‬
‫التجاري ‪ .‬يعتبر‬ ‫بضاعته للسوق الصيني الداخلي‬
‫املثل األعلى للتجارة‬
‫والسوق العاملي؟‪.‬‬
‫اإلليكترونية‬
‫بالصني‬ ‫بعد ظهوره ظهر املئات من املنافسني ٌّ‬
‫كل‬
‫منهم يحصد أو حصد نسبة من األرياح‬
‫‪91‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫إال أن اجلميع اتفق على إثراء احملتوى الصيني والتسويق للصينيني‬


‫وأعمالهم‪..‬‬
‫ومنهم املوقع الشهير (صنع في الصني) أو ‪ ..Made in China‬وغيره‬
‫وقد قمت مبحاوالت متواضعة في هذا اجملال أيضا ً ابتداء من موقع (هنا‬
‫الصني) وحتى مشروعنا البكر (هاوماتش)‪ ..‬وهو تطبيق على اجلوال‬
‫يساعد التجار حول العالم من السؤال عن أي عرض سعر ألي منتج‪،‬‬
‫ويجيب عليه العديد من املصانع ويختار بعدها أفضل سعر‪.‬‬

‫ميكنك حتميل‬
‫تطبيق هاوماتش‬
‫من متاجر ايفون‬
‫واندرويد وجتربته‬
‫او زيارة املوقع‬
‫اإلليكتروني‬
‫‪WWW.HOWMUCHAPP.NET‬‬
‫ايضاً ميكنك‬
‫التواصل معي‬
‫بشأن جتربتك له‬

‫‪92‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫النقل الداخلي (إكسبرس)‬

‫كان ألزدهار التجارة اإلليكترونية أثر كبير في مساعدة شركات النقل‬


‫الداخلي على األزدهار والتطوير‪.‬‬
‫خدمة البيع ال تقتصر على قبول عروض البيع والشراء فقط‪ ،‬بل‬
‫بكيفية إرسالها والوقت احملدد لإلرسال‪ .‬وتنوعت الشركات من شركات‬
‫للنقل بني املقاطعات أو الشركات التي تسلمها لباب بيتك أو مكتبك‪.‬‬
‫وأيضا ً بعض الشركات الكبرى التي جتمع بني االثنني‪ .‬فساعدت سرعة‬
‫تطور هذه الشركات في كيفية احلفاظ على مشترياتك وسرعة‬
‫استالمها من االعتماد الكلي أو شبه الكلي للشراء عبر اإلنترنت‪،‬‬
‫فيمكنك جتهيز بيتك كامالً بهذه الطريقة‪ ،‬كما ميكنك شراء كافة‬
‫متطلباتك اليومية عبر اإلنترنت وحتى الفاكهة واخلضروات‪ .‬وتنوعت‬
‫طرق الدفع لتلك الشركات سواء عن طريق حساب شهري أو الدفع‬
‫عند االستالم أو أن البائع قد دفع مسبقا ً لك‪ .‬وتتنافس هذه الشركات‬
‫على سرعة الوصول وقيمة اإلرسال‪ ،‬فتبدأ من دوالر واحد للكيلوجرام‬
‫إذا كان املكان داخل نفس املدينة‪.‬‬
‫أيضا ً التنافس في تعبئة وتغليف البضائع سواء داخل أكياس خاصة‬
‫بكل شركة أو كرتون ورقي‪ ،‬حسب نوع البضاعة املرسلة‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الحياة بالتكنولوجيا‬

‫احلياة هنا سريعة جداً‪ ..‬مجتمع يتقبل التغيرات والتطوير التكنولوجي‬


‫بشكل كبير جدا ً ‪.‬‬
‫في ‪ .٢٠١٦‬اآلن لم يبقَ الوضع كما كان عليه في ‪ ،٢٠٠٧‬حاليا ً ميكنك أن‬
‫تستغني كليا ً عن النقود التي حتملها‪ ،‬وتكتفي بجوالك فقط وبدون‬
‫كارت بنك إن أردت‪ .‬وتغسل مالبسك وتشتري طعامك وتذهب لعملك‬
‫بأي مكان سواء باملواصالت العامة أو إن تستأجر سيارة بسائق أو بدون‬
‫سائق‪ ،‬بل أن تدفع (معايدة) في األعياد بدون أن حتمل أية نقود معك! أما‬
‫في ‪ ٢٠٠٧‬فكان يتوجب عليك أن حتمل معك كارت البنك على األقل‪.‬‬
‫عبر جوالك اآلن إذا كنت بالصني تستطيع أن تطلب سيارة عبر تطبيق‬
‫يأتي إليك وأنت تعرف التكلفة من مكانك ألي مكان تريد أن تذهب‬
‫إليه‪ .‬تقريبا ً لن حتتاج إلى التحدث معه أو أن تسأله عن التكلفة أو أن‬
‫تدفع له نقداً‪ .‬ميكنك عبر تطبيق احملادثة (وي شات) من التبرع إلحدى‬
‫اجلهات أو أن تدفع (معايدة) لقريب‪ ..‬وميكنك املزيد‪.‬‬
‫وهنا أتذكر أنني قطعت مسافة ‪ ١٠٠‬كيلومتر مبصر أثناء إحدى‬
‫األجازت في عام ‪ ٢٠٠٩‬لدفع مبلغ ‪ ٢٠٠‬دوالر ألحد العمال!‬
‫أهملنا كثيرا ً التعليم وااللتحاق بركب التكنولوجيا وتثقيف الشعب‪.‬‬
‫‪94‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفصل السابع‬
‫الصين تتحدي‬

‫‪95‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الصين تعلن عن نفسها‬

‫بعد مرحلة التجربة واإلخفاق الصينية ومرحلة النجاح في صمت‬


‫ومرحلة االستقرار الداخلي واستعادتها ملقعدها الشرعي مبجلس‬
‫األمن والتطوير والتعديل املستمر على النظام االشتراكي ليتناسب‬
‫مع كل مرحلة‪ ،‬وليصبح نظاما ً يصعب تكراره أو نسخه‪.‬‬
‫أرادت الصني أن تعلن عن نفسها وتقدم للعالم سياسة احلكمة‬
‫الصينية الداخلية واخلارجية‪ ..‬يعتبرها العالم من الدول النامية إال‬
‫أنها من أوائل الدول العظمى اآلن في كل اجملاالت‪ ..‬الرياضة والطب‬
‫التجارة العاملية‬ ‫والتعليم‪ ..‬القوة والتنمية والبحث العلمي‪..‬‬
‫واالستثمارات واالحتياطي النقدي‪ ..‬الزراعة والصناعة ومستوى دخل‬
‫الفرد‪.‬‬
‫أرادت الصني أن تعلن خارجيا ً عن نفسها‪ ،‬ففي عام ‪ ٢٠٠١‬عقدت‬
‫الصني مؤمترا ً عامليا ً ضخما ً حتت اسم الصني والعالم في القرن الواحد‬
‫والعشرين‪ ،‬ضم أكثر من ‪ ٢٣٦‬من رؤساء العالم السابقني إضافة‬
‫لرؤساء كبرى الشركات العاملية والصينية الكبرى‪ ،‬وكان من ضمن‬
‫احلضور املصري حينها الدكتور بطرس غالي‪.‬‬
‫بدون مقدمات كثيرة كان من الواضح جدا ً أن الصني تعلن عن نفسها‬
‫‪96‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫للعالم‪ .‬ففي اليوم كان لقاء الرئيس الصيني (جياجن زمين) بأعضاء‬
‫املؤمتر في قصر الشعب ووجه حديثه لرؤساء العالم السابقني قائالً‬
‫“أنتم اآلن خارج السلطة‪ ،‬ولم تعد قيود السلطة تفرض عليكم‬
‫احلرص في احلديث واختيار الكلمات‪ ..‬لذلك أريدكم أن تتحدثوا بوضوح‬
‫كيف ترون الصني اآلن؟ وكيف ترونها في القرن اجلديد؟‬
‫فاإلنسان ال يسطيع أن يرى نفسه جيداً‪ ،‬وال يستطيع أن يقدر احلجم‬
‫احلقيقي له‪ ،‬ولكن اآلخر يستطيع أن يراه بصورة أفضل‪ ،‬ولهذا حرصنا‬
‫على حضوركم لنتعرف على رأي كل واحد منكم‪ ،‬وسوف ندرس بكل‬
‫دقة كل فكرة وسوف نستفيد من كل نصيحة‪”.‬‬
‫هنا انتهت املقدمة الضرورية‪ ،‬والتي ستعمل عليها احلكومة بكل‬
‫جهد‪ ،‬كما تفضل سيادة الرئيس‪ .‬وبدأ بعدها الرئيس الصيني‬
‫باإلعالن عن الصني حقيقتها وسياستها في مؤمتر استمر ملدة‬
‫ثالثة أيام استخرجت الصني منه عصارة‬
‫الصني بلد‬
‫األفكار والرؤى‪ ،‬وقدمت للعالم بوضوح‬
‫دميقراطية بأسلوب‬
‫خاص يتناسب مع‬ ‫النظرة الصينية احلكيمة املتمثلة في أن‬
‫طبيعة الشعب‬
‫التنمية والسالم هي هدف كل الشعوب‪،‬‬
‫الصيني‬
‫وهي الهدف الرئيسي للصني احلديثة‪.‬‬
‫إن االحترام يجب أن يكون على أساس‬

‫‪97‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫احلضارات واملعتقدات للشعوب جميعاً‪ .‬إن على العالم اآلن أن يفهم‬


‫الصني اجلديدة بعيدا ً عن الترجمة احلرفية للكلمات‪ ،‬القرن الواحد‬
‫والعشرين هو فرصة للجميع لتعديل وتصحيح الكثير من األخطاء‪،‬‬
‫وأنه ضد القول بأن الشرق ضد الغرب أو أن هناك مواجهة بني روسيا‬
‫وأوروبا والصني‪ ،‬فلكل بلد ظروفها وحقها في التجربة للرقي والتقدم‪.‬‬
‫يقول العالم أن الصني ليس بها دميقراطية؟ ما هي الدميقراطية؟ لدينا‬
‫وحدات للحزب في كل قرية ومدينة ومصنع وحي تناقش القرارات وتبدأ‬
‫من الشارع وحتى تصل للمؤمتر العام‪ ،‬أليست هذه هي الدميقراطية؟‬
‫ليس في الصني ديكتاتور بل رئيس وحزب قوي‪ ،‬ووقتها كانت الصني‬
‫تستعد ألوملبياد ‪ ٢٠٠٨‬لتثبت للعالم أنها جديرة مبكان الصدارة‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الصين تتحدى‬

‫شهد العام ‪ ٢٠٠١‬إطالق أحد األقمار الصناعية‪ ،‬وارتفع الصاروخ احلامل‬


‫للقمر مسافة بالفضاء ثم هبط صاروخ لسيقط مندفعا ً باجتاه إستاد‬
‫بكني إلى أن وصل للشعلة متاما ً التي تعلن بدء دورة األلعاب األوملبية‬
‫العاملية لشباب اجلامعات ليضيئ الشعلة‪ ،‬كل هذا أمام كاميرات‬
‫التلفزيون الناقلة للحدث مباشرة أمام العالم‪ .‬وقتها لم يكن اإلعالن‬
‫عن إطالق قمر للفضاء وال بدء الدورة األوملبية‪ ،‬بل اإلعالن عن التحديات‬
‫الصينية اجلديدة‪ ،‬وأنها وصلت ملرحلة متقدمة جدا ً في علوم الفضاء‬
‫والتكنولوجيا بوجه عام‪ ،‬وأنها مستعدة خلوض سباق الفضاء في‬
‫َح َدث لم يسبق له مثيل‪ ،‬فالطبيعي أن يقوم بعض الرياضيني بإضاءة‬
‫الشعلة أو أن بإطالق أشعة الليزر‪ .‬واجلدير بالذكر أن الصني جنحت في‬
‫إطالق العديد من األقمار الصناعية حتى يومنا هذا‪ ،‬وصنعت الصواريخ‬
‫اخملتلفة بصناعات صينية كاملة وأطلقت أول سفينة فضاء صينية‬
‫حتمل حيوانات وبشرا ً بعد ذلك بصناعات صينية كاملة‪ ،‬ويقدر أعداد‬
‫العلماء الصينيني العاملني في مجال التكنولوجيا عموما ً بأكثر من ‪٣‬‬
‫ماليني عالم صيني‪ ،‬وساهم كل هذا التقدم في الوصول إلى معايير‬
‫اجلودة العاملية في العديد من املنتجات الصينية اآلن‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الصين التي النعرفها‬

‫يقول املثل الصيني “إنك حتتاج ‪ ١٠‬سنوات لبناء غابة من األشجار‬


‫وحتتاج ‪ ١٠٠‬سنة لبناء إنسان”‬

‫تسعي كافة الدول لبناء اقتصاد قوي‪ ،‬ولكن كيف ميكن لهذا البناء أن‬
‫يكتمل بدون بناء إنسان‪.‬‬
‫تدرك الصني جيدا ً أن الصراع العاملي لتحقيق القوة االقتصادية لن‬
‫يتحقق إال بامتالك القوة العلمية والتكنولوجيا‪.‬‬
‫أقامت الصني مناطق خاصة يجتمع بها الباحثون‪ ،‬تعتبر مدنا ً في حد‬
‫ذاتها ومثاال ً وادي السيلكون في بكني والذي يضم العديد من شركات‬
‫العلوم والتكنولوجيا املتخصصة ووادي السيكون في جنوب غرب‬
‫الصني الذي يضم أكثر من ‪ ٧٠‬كلية متخصصة في البحوث العلمية‬
‫تقدم العديد واجلديد من االبتكارات كل عام إلى أن أصبحت مدينة‬
‫شينزن من أكبر األسواق التجارية للمنتجات اإللكترونية الدقيقة‬
‫والكمبيوتر‪ ،‬ويطلق على شينزن (مدينة التكنولوجيا) ‪.‬‬
‫تضم شينزن أكثر من ‪ ١٣٠‬هيئة حكومية للبحث العلمي وأكثر من‬
‫‪ ١٦٠‬مركزا ً خاصا ً تابعا ً للشركات اإلنتاجية‪ ،‬وحتتل املرتبة األولى في‬

‫‪100‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫عدد براءات االختراعات التي حتولت إلى منتجات‪ ،‬واملرتبة األولى في‬
‫عدد الصفقات وقيمة الصادرات التكنولوجية‪،‬‬
‫قادت شينزن مقاطعة كواندوجن ألن تصبح الثالثة على مستوى‬
‫الصني بعد بكني العاصمة وشنغهاي التي تضم املركز املالي العاملي ‪.‬‬
‫تعتمد تلك املدينة على العقول أكثر مما تعتمد على اآلالت واملال‪..‬‬
‫تستثمر في اإلنسان‪.‬‬
‫حصدت تلك املدينة وحدها النصيب األكبر من االستثمارات العاملية‬
‫وتدفق العملة األجنبية بالصني تتطور بشكل كبير جداً‪ ،‬وتتغير‬
‫مالمحها كل عام حتظى بشهرة عاملية ملعارضها وأسواقها‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الشركات الصينية العالمية‬

‫هواوي‪ :‬مملوكة بالكامل للقطاع اخلاص يعمل بها أكثر من ‪ ١٩‬ألف‬


‫مهندس وخبير‪ ،‬متخصصة في التكنولوجيا وتنتح معدات االتصاالت‬
‫ذات املستوى العاملي‪ ،‬متتد خدماتها لتصل للعالم كله‪ ،‬لها مراكز‬
‫أبحاث تصم أكثر من ‪ ١٠‬آالف باحث‪ ،‬تنفق أكثر من ‪ ٣٠٠‬مليون دوالر‬
‫سنويا ً على األبحاث واخلبراء والباحثني‬
‫ليوتشو‪ :‬مملوكة بالكامل للقطاع اخلاص وينتج أكثر من ‪ ٪٣٠‬من‬
‫إنتاج الصني من سيارات النقل واحلفارات واجلرافات ويصدر أغلب‬
‫إنتاجه ومتتلك مصنعا ً للحديد والصلب‪ ،‬لها فروع حول العالم وعدد‬
‫املوظفني فاق الـ ‪ ٥٠‬ألفاً‪ ،‬ومتتلك مركزا ً خاص لألبحاث‪.‬‬
‫لينوفو‪ :‬مملوكة للقطاع اخلاص برأس مال ‪ ٣٤‬مليار دوالر‪ ،‬لها أكثر من‬
‫‪ ١٦٠‬فرعا ً حول العالم لها العديد من مراكز األبحاث بالداخل واخلارج‪،‬‬
‫قامت بشراء موتورال عام ‪.٢٠١٤‬‬
‫هاير‪ :‬شركة أجهزة كهرومنزلية‪ ،‬وتضم منتجاتها الثالجات‬
‫والغساالت وأجهزة التكييف والتلفزيونات‪ ،‬ومقرها الرئيسي شندوجن‪،‬‬
‫متتلك مركز أبحاث خاص‪ .‬وهناك العديد من الشركات األخرى والتي‬
‫استطاعت أن تنافس في مجاالت البترول وصناعة الفضاء‪.‬‬
‫‪102‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫أولمبياد بكين ‪٢٠٠٨‬‬


‫الماضي والحاضر والمستقبل‬

‫كان كما اتفقنا أن عام ‪ ٢٠٠١‬هو العام الذي اختارته الصني لنفسها‬
‫لتعلن عن نفسها‪ ،‬و هذا العام كان مليئ بالكثير من األحداث‬
‫العاملية من بينها اختيار الدولة املنظمة لألوملبياد‪ ،‬وكان من نصيب‬
‫الصني التي تستحق التنظيم ملا أحدثته من ثورة اقتصادية‪ ،‬كان‬
‫تنظيم األلعاب األوملبية حلم يراود الصني لتثبت للعالم أنها قادرة‬
‫على املنافسة العاملية في شتى اجملاالت‪.‬‬
‫خططت الصني لهذا احلدث جيدا ً على مدى سنوات بإمكانيات مهولة‬
‫أبهرت العالم كله‪ ،‬فبعد أن كان مقررا ً ألن تقام األوملبيات في ستاد‬
‫كواندوجن‪ ،‬قررت أن تبني ستادا ً خاصا ً في العاصمة بكني أبهر العالم‬
‫أجمع كان على شكل عش طائر‪. ،‬‬
‫اختير الشعار بعناية والرموز اخلمسة املصاحبة للشعار‪ ،‬والتي‬
‫تعكس هوية الصني في الشكل والفكر‪ ،‬فكان الشعار حتت اسم‬
‫رقص بكني يحمل جمال وقوة الصني التي تتمثل في الهوية الصينية‬
‫منحوتا ً على شكل راقص‪ .‬أما الرموز اخلمسة املصاحبة للشعار فقد‬
‫مت اختيارها من خمس شخصيات‪ :‬السمكة والباندا الضخم والنار‬
‫‪103‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫والظبي التبتي والسنونو‪ ،‬وهم يرمزون لعناصر الفلسفة الصينية‬


‫اخلمسة املاء واملعدن والنار واخلشب واألرض‪ .‬وحتمل تلك الشخصيات‬
‫أسماء بيبي وجينغجيتغ وهوانهوان ويتغينغ ونيني‪ .‬وإذا جمعت أول‬
‫مقطع من الكلمات اخلمسة ستظهر عبارة (بيحيتغ هوانغيتغ ني)‬
‫والتي تعني بالصينية بكني ترحب بك‪.‬‬
‫مرت الشعلة األوملبية العالم على مدار خمسة أشهر في أكبر حملة‬
‫تسويقية للصني حول العالم إلى أن وصلت لبكني (عش الطائر) في ‪٨‬‬
‫أغسطس ‪ ٢٠٠٨‬موعد افتتاح األوملبياد‪ .‬واستعدت الصني جيدا ً لهذا‬
‫اليوم لتقدم حفل افتتاح أسطوري لم يشهد العالم مثله يحمل في‬
‫طيات كل فقرة من الفقرات رسالة واضحة للعالم تعلن عن العمالق‬
‫الصيني حينها‪ .‬حضر احلفل أكثر من ‪ ١٠٠‬ألف شحص في املدرجات‬
‫وأكثر من ‪ ٤‬مليارات تابعوا احلدث حول العالم من خالل شاشات التلفاز‬
‫ليشاهدوا كيف ينفذ حلم أكثر من مليار صيني مثل هذا احلدث‪ .‬وبدأ‬
‫املراسل بأغنية “أنا وأنت من عالم واحد‪ ..‬قلب لقلب‪ ..‬نسافر من أجل‬
‫أحالمنا في رسالة للعالم‪ ..‬رسالة الصني الداعية للمحبة والسالم”‬
‫أما العروض والتي استمرت ملدة أربع ساعات كاملة بشكل شيق‪ ،‬متت‬
‫تغطية الصني من أيام عصور األباطره واألسر احلاكمة مستخدمة‬
‫التكنولوجيا احلديثة واملهارات الفردية واجلماعية للصينيني‪ .‬أما اجلزء‬

‫‪104‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫اخلاص بحمل الشعلة فقد كان كمشهد سينمائي أكشن يصور‬


‫مباشرة أمام اجلمهور‪ ،‬استطاعت الصني حينها من تقدمي نفسها‬
‫للعالم تاريخيا ً وتصل املاضي باحلاضر متخطية أي تأثر بالصراعات‬
‫السابقة واحلروب واالستعمار في مشاهد جتبر العالم إلفساح الطريق‬
‫للقوى العاملية القادمة التي تتواضع بحكمة دائما أن لديها الكثير‬
‫وأن الوقت لم يحن بعد‪ .‬ويفتخر الصينيون بهذا احلدث واقتنع عامة‬
‫الشعب الصيني يومها بأن سنوات التعب لم تهدر‪ ،‬بل قدمنا للعالم‬
‫احلضارة القدمية والتقدم احلديث‪.‬‬
‫وبدأت األوملبياد في الدقيقة الثامنة من اليوم الثامن للشهر الثامن‬
‫من العام الثامن بعد األلفني في توقيت يعكس إميان الصينيني بالرقم‬
‫‪ ٨‬رقم احلظ لديهم‪ ..‬استطاعت الصني حينها تغيير نظرة العالم‬
‫للصني‪ ،‬واعتبرها الكثير أنها أصبحت فعليا ً من الدول العظمى‬
‫وأيقنت الصني أن لهذا احلدث أهمية قصوى مبكراً‪ ،‬وعملت على‬
‫أن يكتب في سجالت التاريخ بداية من‬
‫دعوة لكل العرب‬
‫لألستفادة من‬ ‫احللم واالستعداد ووصوال ً للرؤية والتنفيذ‬
‫التجربة الصينية‬ ‫واإلبهار‪ ،‬وقد أنتجت بكني مسلسالً من‬
‫وحتقيق التكامل‬
‫‪ ١٠٠‬حلقة تسرد فيه احللم والتنفيذ‪.‬‬
‫التجاري والصناعي‬
‫معها‬ ‫اهتمت بكني بكل صغيرة وكبيرة حينها‬

‫‪105‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫حتى أنها أطلقت ألف صاروخ لتشتيت السحب ملنع سقوط األمطار‪،‬‬
‫وكانت هي املرة األولى بالصني الستخدام مثل هذه التقنية ‪.‬‬
‫وشاركت مصر يومها بـ ‪ ١٧٧‬رياضيا ً باألوملبياد‪ ،‬ومت نقل كامل االفتتاح‬
‫مباشرة عبر التليفزيون املصري‪ .‬واجلدير بالذكر أن االستعداد لألوملبياد‬
‫لم يكن فقط في التجهيز وحفل االحتفال‪ ،‬بل في التدريب وحصد‬
‫أكبر عدد من امليداليات الذهبية كعادتها سابقاً‪.‬‬
‫وسوف أكرر هنا أنني مبهور بشكل كبير مبا أحرزته الصني والصينيون‬
‫من تقدم في كافة اجملاالت وحتقيق حلم الشعب في حياة كرمية وابهار‬
‫العالم بالعمل والنظام ‪ ,‬إال أن ذلك ال يعني أني أحتامل على أي بلد‬
‫آخر أو أنني أمجد بغير حق‪ ،‬و هي دعوة لكل العرب ومصر ألن نتحد‬
‫ونخطو خطوة لألمام‪ ،‬لتستعيد مصر حضارة السبعة آالف عام‪،‬‬
‫وتعلن للعالم عن وجودها كما فعلت الصني بشعبها وحتت قيادتها‬
‫احلكيمة‪ ،‬فقد قدمت مصر القدمية حضارة عظيمة وقدمت مصر‬
‫احلديثة علماء في شتى العالم‪ ،‬وفي شتى اجملاالت وأحلم كمصري بأن‬
‫يتسع لنا العالم في يوم من األيام لرؤية مصر املستقبل‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫طريق الحرير ( الحزام والطريق )‬

‫أول من عرف صناعة احلرير هم الصينيون ولم ترد في الكتب الصينية‬


‫طريقة االكتشاف إال في كتاب قصص األلفية الشهير‪ ،‬ووردت في‬
‫األسطوره الصينية أن خادمة أعطت بعضا ً من خيوط احلرير للملكة‪،‬‬
‫واهتمت امللكة بتلك اخليوط وصنعت منها ثوبا ً وقبعة حيث أن‬
‫الصينيني في ذلك الوقت كانوا يجيدون صناعة املالبس اجللدية‪.‬‬
‫وبعدها أمرت امللكة بالبحث عن مصدر تلك اخليوط حتى وجودوا غابة‬
‫متلؤها أشجار التوت وعليها دودة القز مصدر احلرير‪ ،‬وأمر امللك حينها‬
‫بجمع تلك الشرانق وبالتجربة حتى وصلوا لطريقة حتويلها خليوط‬
‫عبر املاء املغلي‪ ،‬وبعدها أمر بزراعة أشجار التوت بشكل كبير لتوفير‬
‫الطعام والبيئة الالزمة حلياة دودة القز‪ .‬وتطورت صناعة احلرير وقتها‬
‫واقتصرت على الطبقة العليا من القوم‪ ،‬وجاءت بعدها صباغة احلرير‬
‫بألوان مختلفة‪ .‬وبدأ الصينيون يسلكون طرق للتجارة آلسيا وأوروبا‬
‫وشبه اجلزيرة العربية حاملني معهم احلرير وبعض البضائع األخرى‬
‫للتجارة‪ ،‬أطلق على هذه الطرق (طريق احلرير)‪ .‬وظلت صناعة احلرير‬
‫لقرون سرا ً حتى أتت خادمة وأفشت سر الصناعة حتى انتشرت‬
‫عاملياً‪ ،‬وفي ذلك الوقت مر على شبكة الطرق اجلديدة (طريق احلرير )‬
‫‪107‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫العديد من التغيرات اجلوهرية حيث توحدت أغلب بلدان طريق احلرير‬


‫حتت احلكم اإلسالمي إال أن الصينيني منذ القدم ميلكون احلكمة‬
‫في معاجلة األمور واستطاعوا عقد االتفاقيات للحماية واألمان في‬
‫طريق جتارتهم مع املسلمني‪ .‬أما (احلزام والطريق) فهي مبادرة قام‬
‫بها الرئيس احلالي للصني (شي جني بينغ) في عام ‪ ٢٠١٣‬حتت اسم‬
‫(احلزام االقتصادي لطريق احلرير) وطريق احلرير البحري للقرن الواحد‬
‫والعشرين‪ .‬وقدمت احلكومة خطوات عملية في الفترة السابقة‬
‫للدول الواقعة في خارطة احلزام والطريق‪ ،‬ومت إنشاء البنك اآلسيوي‬
‫لالستثمار في البنية التحتية املقرض الصيني الذي سيقدم خدمات‬
‫التمويل للمشروعات اخلاصة باحلزام والطريق في ‪ ،٢٠١٥‬ويعتبر احلزام‬
‫والطريق مشروعا ً قوميا ً صينيا ً أوال ً وعامليا ً ثانيا ً لوجود ‪ ١٢‬دولة على‬
‫احلزام متثل ‪ ٪ ٧٠‬من إجمالي سكان العالم و ‪ ٪٧٥‬من موارد الطاقة‬
‫املعروفة في العالم‪ .‬وتسعى الصني إلكمال بناء احلزام االقتصادي‬
‫لطريق احلرير خالل ‪ ٣٥‬عاماً‪ ..‬عندها سيتغير مجرى ومضمون التجارة‬
‫العاملية وسيكون جسرا ً جديد لالنفتاح الصيني على كافة النواحي‪.‬‬
‫‪.‬ولكن إذا خضنا في تفاصيل احلزام والطريق ومميزاته وسلبياته للدول‬
‫املشاركة وغير املشاركة سيتطلب كتابا ً كامالً ودراسات وتقارير‬
‫كاملة‪ .‬وهل هناك من يعارض املشروع؟‬
‫السؤال هنا ملاذا أهمل اإلعالم العربي تفاصيل املشروع؟‬
‫‪108‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفصل الثامن‬
‫الدستور األخالقي الصيني‬

‫‪109‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الدستور األخالقي الصيني‬

‫اتخذت الصني دستورا ً خاصا ً بها لتعليم الفضيلة واألخالق تربي‬


‫عليه أطفالها‪ .‬رمبا يكون هذا الدستور األخالقي الصيني عبارة عن‬
‫مجموعة من القصص واألساطير القدمية إال أنه هو اإلميان الكامل‬
‫لدى الصينيني في احلياة؛ فمنذ زمن بعيد يحظى تعليم األطفال‬
‫والشباب في الصني بأكبر اهتمام‪ ،‬واشتهرت ثالثة مؤلفات من‬
‫التراث لتربية وتهذيب أخالق األطفال ورفع مستوى ذكائهم وحسهم‬
‫على التعليم والفضيلة وهي (الثالثيات) و(األلفية) و(روضة املعارف‬
‫لألطفال) تعتبر تلك الكتب سهلة الفهم؛ فهي عبارة عن قصص‬
‫وسهلة احلفظ واإللقاء‪ ،‬من خاللها يعرف التالميذ تاريخ بالدهم‬
‫وغرس القيم واألخالق وأيضا ً هناك كتاب آخر اسمه كتاب (احلوارات)‬
‫أقوال وأفعال معلم شهير اسمه كونفوشيوس‪ ،‬د ّونه تلميذه عنه‪ ،‬وبه‬
‫العديد من املبادئ في تربية الذات وحتى حكم الدولة‪ .‬يقدر الصينيون‬
‫باختالف أعمارهم تلك املؤلفات ويحبونها ويحرصون على تعليمها‬
‫ألطفالهم‪ .‬ولكثرة مضمون تلك الكتب وتنوعها يجعل من يقرأها‬
‫وكأنه جتول العالم كله‪ .‬بها التقاليد الصينية والتاريخية للقوميات‬
‫وتناسب كل مهتم بالصني ومبا يؤمنون به وكيف تستطيع أن حتافظ‬
‫‪110‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫دولة مثل الصني بتعداد سكانها على القيم السامية واألساسية في‬
‫احلياة رغم أن أغلب الشعب ال يؤمن بأية ديانة‪ ،‬حتى أن أغلب املؤمنني‬
‫بديانة يعتبرونها مجرد عادات صينية‪ .‬وهنا سوف أختار مجموعة‬
‫من هذه القصص ألسردها باختصار‪ ،‬والتي متتلك النصيب األكبر في‬
‫ّ‬
‫حث األطفال والشباب على التعليم واالبتكار واحملافظة على العادات‬
‫والقيم واملبادئ اإلنسانية من خالل تلك القصص واألساطير‪ ،‬وتنقسم‬
‫إلى قصص للحث على التعليم‪ ،‬وقصص عن مكارم األخالق‪ ،‬وقصص‬
‫عن النابغني‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬قصص مكارم األخالق‬


‫دو يو يون وتعليم أبنائه اخلمسة‬

‫عاش دو يو يون في عصر األسر اخلمسة عام ‪ 907‬ميالدياً‪ .‬كان الوضع‬


‫السياسي مضطرباً‪ ،‬وتكاد تكون هناك حرب كل يوم‪ ،‬ولكنه أصر على‬
‫تعليم أطفاله‪ ،‬وكان صارما ً وطالبهم قبل أي شيء بالعدل واملنطق‬
‫في كل أفعالهم‪ .‬وكان يلزم نفسه أيضا ً بذلك‪ .‬كان رجل علم‪ ،‬وشغل‬
‫مناصب مرموقة‪ ،‬وكان يعمل اخلير كثيراً؛ فيساعد الشباب‬
‫َ‬ ‫في حياته‬
‫على الزواج والفقراء على حتمل نفقات احلياة ودفن موتاهم‪ ،‬وأشكال‬
‫كثيرة بهذا الشكل ال تعد وال حتصى‪ ،‬والبالغ األهمية أنه قام ببناء‬
‫‪111‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫مدرسة في حوش بيته بها عشرات الفصول وعينّ معلمني أفاضل‬


‫وجمع فيها آالف الكتب ملساعدة األطفال الفقراء الذين ال ميلكون‬
‫مصاريف التعليم‪ ،‬وال يستبقي لنفسه إال ما يكفي من مصاريف‬
‫احلياة الضرورية‪ .‬علم بهذه املدرسة أوالده اخلمسة‪ ،‬وكانت أقوال‬
‫وأفعال أبيهم خير قدوة فأصبحوا متفوقني دراسيا ً متحلني مبكارم‬
‫األخالق‪.‬‬
‫وينظر كل الناس إلى عائلته على أنها عائلة مثالية‪ ،‬وكانت هناك‬
‫اختبارات دورية في البالط امللكي الختيار الكفاءات‪ .‬ودائما ً عدد‬
‫الناجحني قليل جدا ً إال أن أبناءه اخلمسة جنحوا تباعا ً في تلك االختبارات‬
‫وأصبحوا من دعائم الدولة وركائزها وهو األمر النادر في تاريخ الصني‬
‫كلها‪ .‬وتوفي في العقد السادس من عمره‪ ،‬وحزن اإلمبراطور عليه‬
‫قائالً “ملاذا سلبتْه مني السماء مبكراً” وكتب فيه أحد املشاهير وقتها‬
‫قصيدة مدح له‪.‬‬

‫هوانغ شيانغ يدفئ اللحاف‬

‫حتكي لنا تلك األسطورة عن بر الوالدين وكيف أن ولدا ً صغيرا ً في‬


‫سن التاسعة في ذات مرة واجلو بارد جدا ً خاف على والديه من البرد‬
‫فبدأ يدخل خلسة غرفتهم كل يوم يدفئ السرير اخلاص بهم بحرارة‬
‫‪112‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫جسده حتى يأتي والداه‪ .‬وفي الصيف كان يدخل مستخدما ً املروحة‬
‫اهتم بها كل اهتمام‪ ،‬وبعد‬
‫ّ‬ ‫اليدوية في طرد احلشرات‪ ،‬وملا مرضت أمه‬
‫فترة ماتت فخاف على والده بعدها فأصبح يعتني به كثيرا ً ويساعده‬
‫في عمله وال يترك دراسته ويجتهد أيضا ً وملا سمع به اإلمبراطور أمر‬
‫أن يأتي إليه وعلمه‪ ،‬وأصبح مثقفا ً جدا ً لقراءته كل الكتب في مكتبة‬
‫القصر‪ .‬وذات مرة قدمه اإلمبراطور لضيوفه قائالً هواجن شيانغ املثقف‬
‫املشهور الذي ال مثيل له في العالم وأعطاه منصبا ً بعدها يعادل‬
‫رئيس الوزراء‪ ،‬وكان يتعامل في الشؤون العامة فقلما كان يعتني‬
‫بوالديه باهتمام وذاع صيته لنزاهته واستقامته وبره بوالديه‪.‬‬

‫كونغ رونع والكمثرى‬

‫حتكي لنا هذه األسطورة عن اإليثار‪ .‬كان كونغ هو ترتيبه السادس بني‬
‫إخوته السبع‪ ،‬وذات مرة أحضرت والدته ثمار الكمثرى‪ ،‬وقالت له هو‬
‫وأخيه األصغر اختاروا أوالً‪ ،‬فقام باختيار أصغر الثمار‪ ،‬وباملصادفة مر‬
‫والده فسأله ملاذا تختار أصغرها‪ ،‬قال إن لي أخا ً أكبر مني وأنا صغير‬
‫فأنا آخذ الثمار الصغيرة‪ ،‬فقال‪ :‬ولكنك تركت الكبيرة ألخيك األصغر‬
‫منك‪ ،‬قال هو أصغر مني وعلى الكبير أن يعتني بالصغير ‪،‬انبهر والده‬
‫وقال كمثرى لذيذة مثل هذه يود اجلميع لو أكل منها أكثر‪ ،‬فهل يعقل‬
‫‪113‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫أنك لست راغباً‪ ،‬فأجابه أننا إخوة‪ ،‬وعندما يسعد إخوتي سأسعد أنا‬
‫أيضاً‪ ،‬علم والده حينها إنه سيكون له شأن كبير عندما يكبر ألنه‬
‫يُ ْؤثِر على نفسه ويهتم بإخوته وإسعادهم‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬قصص للحث على التعليم‬


‫أم منشيوس تختار جيرانها‬

‫كانت أم منشيوس تسكن بالقرب من مقبرة‪ ،‬فكان الناس يذهبون‬


‫هناك لتشييع اجلنازات‪ ،‬ولهم طقوسهم املعتادة‪ ،‬كان منشيوس‬
‫الصغير يجري مع األطفال ليشاهد ماذا يفعلون وبعد ذلك يقوم هو‬
‫وأصحابه من اجليران بتقليد تلك الطقوس من بكاء ودفن وركوع وبكاء‬
‫(نعم دفن! فقدميا ً كان الصينيون يقومون بالدفن‪ ،‬واستحدث منذ أقل‬
‫من ‪ 30‬عاما ً احلرق وليس الدفن‪ ،‬ولم يتقبلها الصينيون بسهولة إال‬
‫أنه أصبح واقعاً) وملا شاهدت األم ما يفعله ابنها قلقت عليه قلقا ً‬
‫شديدا ً وغيرت منزلها إلى منطقة مأهولة بالسكان والتجارة متحملة‬
‫نفقات أعلى عليها‪ ،‬وما كان من منشيوس إال أن صاحب أبناء الشارع‬
‫من األطفال وبدءوا يلعبون لعبة البيع والشراء بحيث ميثل أحدهم‬
‫دور البائع وآخر دور املشتري‪ ،‬وملا رأت أمه الوضع خافت عليه أن يصبح‬
‫‪114‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫تاجرا ً في املستقبل‪ ،‬فكانت مهنة التجارة في هذا الوقت من املهن‬


‫احلقيرة‪ ،‬وأخذت تفكر في مكان آخر مالئم إلى أن وجدت مكانا ً بجوار‬
‫مدرسة ونقلت بيتها هناك‪ ،‬وكان منشيوس يسمع صوت الطالب‬
‫ويردد خلفهم‪ ،‬ويرى املعلمني ويحاول تقليدهم ففرحت األم وأيقنت أن‬
‫هذا هو املكان املناسب البنها‪ ،‬وحتملت نفقات أعلى بعد ذلك لتقدم‬
‫له في مدرسة ليتعلم‪ .‬وذات يوم وجدت ابنها قد أتى إلى البيت مبكرا ً‬
‫ولم ترد أن توبخه‪ ،‬وما كانت إال أن أتت باملقص‪ ،‬وقامت بقص قطعة‬
‫القماش التي انتهت للتو من غزلها‪َ ،‬ف ِهم منشيوس أن هناك شيئا ً‬
‫غير عادي قد حدث‪ ،‬فسألها عن السبب‪ ،‬فقالت له إن الدراسة وطلب‬
‫العلم مثل النسيج متاما ً البد له من التراكم حتى يؤتي ثماره‪ ،‬فإذا‬
‫قص القماش فهل له من فائدة؟! إن أهملت دراستك أصبحت متاما ً‬
‫مثل القماش املقصوص! ندم منشيوس ندما ً شديدا ً وأيقن خطأه‬
‫والتزم دراسته واجتهد حتى أصبح عاملا ً مشهورا ً في النهاية‪.‬‬

‫تشني يني صائد اليراعات‬

‫كان تشني يني من أسرة فقيرة ال متلك شراء مصباح الزيت ليقرأ عليه‬
‫وكان عليه العمل بالنهار ليساعد عائلته‪ ،‬وذات يوم وجد مجموعة‬
‫من اليراعات تطير وتصدر ضوءا ً خافتاً‪ ،‬فأتت له فكرة أن يجمعها‬
‫‪115‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ويضعها في كيس من الشاش‪ .‬وملا جنحت فكرته في إصدار ضوء‬


‫يستطيع القراءة عليه أصبح سعيدا ً ومجتهدا ً ونال من العلم قدرا ً‬
‫عالياً‪.‬‬
‫سون كانغ القارئ على ضوء الثلوج‬

‫اكتشف سون كانغ أن الثلوج تعكس ضوء القمر فقرر أن يجلس في‬
‫فناء منزله كل يوم وسط البرد والثلوج ليقرأ الكتب‪ ،‬وكان يتمنى‬
‫هطول الثلوج كل يوم حتى يكمل قراءته وصار بعد ذلك عاملا ً مشهوراً‪،‬‬
‫وتولى مناصب حكومية عالية‪.‬‬

‫جو ماي تشن يحمع احلطب ويقرأ الكتب‬

‫كان يعمل حطاباً‪ ،‬مات أبوه وهو صغير؛ فلم يستطيع أن يكمل‬
‫تعليمه إال أنه في كل مرة يذهب لعمله كان يأخذ معه كتابا ً فيقرأه‬
‫عال‪ ،‬وأطلق عليه الناس‬ ‫ويعود وهو يحمل احلطب يكرره بصوت ٍ‬
‫(مجنون) أو (مخلوق عجيب) ألنه دائما ً ما يردد كالما ً ال يفهمه العامة‪،‬‬
‫وكان متزوجا ً وتضايقت زوجته من هذا األمر‪ ،‬فقال لها اصبري معي‬
‫لعلي يكون لي شأن في املستقبل إال أنها تركته ألنه فقير وقد جتاوز‬
‫األربعني‪ .‬وذات يوم صادف بعض املسؤولني وحملوه معهم لإلمبراطور‬
‫وأعطاه وظيقة حكومية وكان قد أثبت جدا ً في عمله فبعثه محافظا ً‬
‫‪116‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫في مدينته التي كان بها‪ ،‬وذهب الناس ليستقبلوا احملافظ اجلديد‬
‫وكانت دهشتهم عظيمة حينما علموا أن احملافظ اجلديد هو احلطاب‬
‫(اخمللوق الغريب) كان قد جتاوز اخلمسني في ذلك الوقت لكن مستقبله‬
‫العلمي كان قد بدأ لتوه‪.‬‬

‫العديد والعديد من هذه القصص‬


‫واألساطير هو ما يؤمن به الصينيون‬
‫األخالق‬ ‫مكارم‬ ‫منها‬ ‫ويتعلمون‬
‫والفضيلة‪ ،‬ويهتمون به في التعليم‪،‬‬
‫ولتعليم أبنائهم بقصص تاريخية‬
‫لعظماء الصينيني القدماء‪ ،‬هي مجرد‬
‫نبذة عن معتقدات الصينيني وطريقة‬
‫تعليمهم‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫رؤية للكاتب‬

‫‪118‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫عندما بدأت التفكير في موضوع هذا الكتاب كنت أنوى التحدث‬


‫فقط عن الصني وعن إيجابيات هذا الشعب لعلنا نستفيد من‬
‫بعض جتاربه الناجحة في االقتصاد وكيف جنح القادة في التقرب‬
‫يلتف حول سياساتهم لعقود مضت‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫من الشعب وجعلوه‬
‫ولكن وجدت نفسى في بعض املقارنات غير املقصودة والتي بدأ‬
‫قلمى يجبرني ويسطرها ويكتب حروفها‪ ..‬وجدت نفسى أحتدث عن‬
‫مصر وعن العروبة وعن اللغة العربية‪ ..‬وأتذكر حال مصر واملصريني‬
‫والعرب قبل وبعد الثورات‪ .‬وبعد أن توقف قلمي عن الكتابة في ذات‬
‫الوقت وطالبني عقلي بسرعة النشر‪ ،‬فضلت أن أكمل ما بدأت‬
‫واضعاً حلماً أو رؤية أمتنى أن تكون مصر عليها ‪.‬‬
‫واملصريون باختالف أعمارهم ودرجة تعليمهم ومستويات دخلهم‬
‫قادرين عليها بإذن اهلل‪ ،‬بل وقبل خمسه أعوام من اآلن‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫‪ :1‬الزراعة‪ :‬مكانة مصر الزراعية بأرضها فقد كنا سلة غذاء العالم‬
‫في خمسينيات القرن املاضي بتوجيه كل طاقتنا الزراعية لالكتفاء‬
‫الذاتي من احلاجات األساسية كالقمح وتوفير رغيف اخلبز‪ .‬ورغم أنني‬
‫من أشد املعارضني لكل سياسات الدعم املقدمة من احلكومات منذ‬
‫ستينيات القرن املاضي وحتى اآلن‪ ،‬ألنها تعيق حق التوزيع العادل‬
‫للثروات إال أنني وفي حالة مصر حتديدا ً أرى عدم املساس برغيف اخلبز‬
‫لعقد من الزمان على األقل‪ ،‬ولكن بدال ً من أن نكون أكبر مستوردين‬
‫للقمح في العالم ونحن مصر التي ذكرت في القرآن بخيرها وأرضها‬
‫في أكثر من آية قرآنية نستطيع أن نزرع ونحصد‪ .‬ولدينا من الشباب‬
‫اآلالف القادرون على حتقيق هذه النقطة في عامني على األكثر من‬
‫خالل اجلمعيات الزراعية املنتشرة في كافة القرى املصرية‪.‬‬

‫‪ :2‬الصناعة وثورة مصر البشرية وشبابها القادر على العمل واإلنتاج‪:‬‬


‫توفير ماكينات الصناعات الصغيرة والتي تستطيع أن تعيل أسرة‬
‫كاملة وتوفر لها دخالً ماديا ً سريعا ً وملموساً‪ ،‬وتسليمها تسليم‬
‫مفتاح للشباب القادر على إدارتها ومطالبته بتسليم إنتاج شهري‬
‫لها على أن تكون بعض املاكينات بالتقسيط يرد إليه إن جنح في إثبات‬
‫دخله بها على مدار عامني من الزمان مع مالحظة توفير املاكينات‬
‫وليس قروضا ً لشراء املاكينات؛ فهناك اآلالف من أنواع املاكينات‬
‫‪120‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫أمس احلاجة‬
‫الصغيرة التي تعتمد عليها بعض الصناعات ونحن في ّ‬
‫ملنتجاتها‪ ،‬ونستوردها‪.‬‬

‫‪ :3‬تقدمي التسهيالت للشباب وإتاحة الفرص لبدء نشاط جتاري أو‬


‫خدمي أو صناعي لفترة خمسة أعوام‪ ،‬وإعفاء من الضرائب إذا أثبت أن‬
‫دخله يفوق ‪ 500‬دوالر شهريا ً وأقل من ‪ 5000‬دوالر‪.‬‬

‫‪ :4‬توفير دراسات اجلدوى اجلاهزة ملشاريع ومنتجات تستوردها مصر‬


‫وتقسيمها من مشاريع أقل من ‪ 2000‬دوالر و ‪ 5000‬دوالر و‪ 20000‬دوالر‬
‫مع توفير بيانات كاملة عن مستوردي تلك األصناف وتسليمها مع‬
‫املشروع‪.‬‬

‫‪ :5‬املستورد (عفريت العلبة!)‪ :‬تثقيف املستوردين احلاملني لتراخيص‬


‫االستيراد بأن يتحروا الدقة في البضائع املستوردة‪ ،‬وأن يحاولوا إدخال‬
‫بعض الصناعات اجلديدة والبسيطة التي ميكن ان تنفذ برعايتهم‬
‫أو يقوموا هم بالتصنيع مع االستيراد (التصنيع وليس التجميع)‬
‫واشتراط على منتج للتجميع في مصر أن يحتوي على األقل نسبة‬
‫‪ % 10‬صناعة مصرية‪.‬‬

‫‪ :6‬أصحاب األعمال غير املرخصة‪ :‬محاولة التقرب منهم وأعطاؤهم‬


‫‪121‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الضوء األخضر‪ ،‬فمن حقه أن يحصل على الترخيص‪ ،‬وإلغاء بعض‬


‫أعباء التسجيل والتراخيص ودراسة استرداد الضريبة كاملة في حال‬
‫التصدير‪.‬‬

‫‪ :7‬رجال األعمال حاملو التراخيص‪ :‬عقد الندوات ومطالبتهم بتوفير‬


‫أنواع معينة من املنتجات ذات الطابع االستهالكي العالي والتي تقوم‬
‫مصر باستيرادها بشكل كبير‪.‬‬

‫‪ :8‬توفير أراضى ووحدات تصنيع تسليم مفتاح بحق االنتفاع لعقد‬


‫واحد من الزمن على أن ترد خالل ‪ 6‬أشهر إذا لم تثبت اجلدية‪ ،‬وإذا‬
‫لم يتم االعتذار قبل املدة يعرض للمساءلة والسجن والغرامة أو‬
‫تسليمها وربطها بحجم إنتاجه وعدد العاملني معه باملشروع‪.‬‬

‫‪ :9‬توفير األيدي العاملة املدربة والتي يحتاج إليها كافة املصانع‬


‫والشركات في معاهد تقنية ذات العام الدراسى الواحد على أن تتقدم‬
‫املصانع بطلبات التشغيل لتلك املدارس بل وزيارتها واالنتقاء منها‪.‬‬

‫‪ :10‬تطوير الورش املوجودة وأصحاب احلرف اليدوية بجهاز بعيد كل‬


‫البعد عن الضرائب وتزويدهم ببعض املنتجات التي ميكن أن تكون‬
‫محل طلب بعد ذلك‪ ،‬وليس انتظار العمل بأمر مباشر من الزبائن‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫‪ :11‬إقامة سوق جتاري ثابت ومتخصص وبأماكن التصنيع واملدن‬


‫القريبة منها لعرض املنتجات التي تنتج من تلك املدينة‪.‬‬

‫‪ :12‬إقامة معرض سنوي يضاهى جناحه جناح (معرض الكتاب) ويكون‬


‫منوذجا ً مشابها ً ملعرض كانتون الصيني أكبر معارض العالم لالستيراد‬
‫والتصدير‪ ،‬وسيجذب ذلك املعرض حتى الشركات واملصانع الصينية‬
‫لالندماج به‪.‬‬

‫‪ :13‬االهتمام باملنتجات الزراعية كافة والدخول لسوق التعبئة‬


‫والتجفيف والتغليف لكافة الفواكه واملنتجات الغذائية للسوق‬
‫احمللي والتصدير كما االهتمام باملنتجات املصنعة من هذه النباتات‬
‫كالعصائر وغيرها‪.‬‬

‫‪ :14‬تكليف موظفي احلكومة احلالية باالهتمام بتلك املشاريع‬


‫وتدريبهم وحسم أمر احلضور جملرد اإلمضاء‪ .‬إعطاؤهم هدف بتحفيز‬
‫الشباب للمشاركة في الصناعة والبناء وتصرف لهم حوافز على كل‬
‫مشروع جديد يقام‪.‬‬

‫‪ :15‬تفعيل دور التليفزيون املصري من خالل مئات من اإلعالنات عن تلك‬


‫اخلطط ومحاولة جذب انتباه الشباب‪ .‬عقد عدة اجتماعات ومؤمترات‬

‫‪123‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫مع الكتاب وصناع السينما ومسلسالت التليفزيون لوضع هذه‬


‫اخلطط داخل نسق الدراما واألفالم‪ .‬فن ننجح بدون إعالم قوي ينشر‬
‫املعلومة ويصر عليها ويحفز عليها ويكون همزة وصل بني احلكومات‬
‫والشعب‪.‬‬

‫‪ :16‬تغيير وتعديل بعض مناهج اجلامعات وإلغاء كل املواد التي لن‬


‫تفيده في سوق العمل فمصيره العملي أصبح شبه معروف وفتح‬
‫باب اجلامعات املفتوحة من بعد احلصول على الثانوية العامة‪.‬‬

‫‪ :17‬االهتمام بقصور الثقافة في كل مدينة وفى احملافظات واإلعالن‬


‫الدوري عن ندوات متخصصة النتقاء القادة‪.‬‬

‫‪ :18‬رفع كافة أنواع الدعم عن مترو األنفاق وكافة املواصالت تدريجيا ً‬


‫وحتدد مبده ثالث سنوات وتتغير تعريفة مترو األنفاق على حسب بعد‬
‫املسافات‪.‬‬

‫‪ :19‬االهتمام مبنظومة النقل اخلاص فهناك أكثر من مليون سائق‬


‫مصري بشوارع مصر‪ ،‬ومحاولة تنظيم السيارات بشكل عملي‬
‫وإعطاء حتفيزات‪.‬‬

‫‪ :20‬االهتمام باملزارع السمكية ومضاعفة اإلنتاج من كافة أنواع‬


‫‪124‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫األسماك‪ ،‬واالهتمام مبزارع الدواجن واألرانب واملاشية ملضاعفة اإلنتاج‪.‬‬

‫‪ :21‬السياحة‪ ..‬السياحة‪ ..‬السياحة‪ ..‬يوجد لدينا ثلث آثار العالم‬


‫ومنطقة األثار خصوصا ً بالقاهرة واجليزة غير منظمة‪ ،‬يجب النظر‬
‫فيها وجتميل منطقة األهرامات‪.‬‬

‫‪ :22‬يوجد لدينا الكثير من املبدعني في اجلامعات‪ ،‬اختيار فرق منهم‬


‫لتجميل شوارع القاهرة واحملافظات من فنون جميلة وتربية فنية‪.‬‬
‫وغيرهم من املبدعني وإقامة مسابقات بينهم بأهداف وطنية تساعد‬
‫الدوله على اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ :23‬التقنيات والتكنولوجيا يوجد لدينا الكثير والكثير من الشباب‬
‫املصري املميز القادر على البرمجة والتطوير‪ .‬نحتاج موسوعة مصرية‬
‫للمحتوى العربي‪ ،‬وسينضم لها آالف الشباب بشكل تطوعي‪.‬‬
‫االهتمام بهذه املشاريع وطرحها على الشباب خلدمة مصر‪.‬‬

‫‪ :24‬التسويق الدولي من خالل اإلنترنت بشكل مجاني ملصر والسياحة‬


‫خصوصا ً من خالل فرق متطوعة وحمالت مدروسة‪.‬‬
‫‪ :25‬حث الشباب في اخلارج على االستثمار في تلك املشاريع واملساهمة‬
‫باألفكار من واقع رؤيتهم اخلارجية للعالم‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ليس هذا كل شيء وهناك آالف األفكار التي ميكن تنفيذها وماليني‬
‫املبدعني من أرض مصر وخارج مصر عندما نعمل ستجد العالم كله‬
‫يأتي إلينا‪ .‬دور احلكومات التعليم والتنوير وبدء املبادرات والفعاليات‬
‫وتوجيه اإلعالم للمشروعات التي يستطيع الشعب أن يلتحم فيها‬
‫ويقودها‪ ،‬فاملشروعات القومية لن نستطيع كشباب إال أن نصفق لها‬
‫أو ننتقدها‪.‬‬

‫يجب أن نهتم بثروة مصر (الشباب)‬


‫واهلل من وراء القصد‬

‫‪126‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الخاتمة‬

‫ال لن جتد في هذا الكتاب أية سلبيات أو اخطاء أو اختالفات‬


‫جوهرية في العقيدة أو السياسة أو نظام احلكم ألن كل‬
‫مجتمع مهما وصلت درجة تقدمه ورقيه ستجد فيه ما‬
‫يرضي وما ال يرضي‪ ،‬وهنا اخترنا أن يكون الكتاب كرسالة‬
‫بإيجابيات هذا الشعب العظيم الذي استطاع أن يبني أكبر‬
‫إمبراطورية اقتصاديه في العالم وأن يتفوق بإرادته احلرة‬
‫على شعوب العالم‪ ،‬وللتذكرة أنا ال أمجد الصني أو الشعب‬
‫الصيني بدون وجه حق‪ ،‬ولكني أكتب ما رأيته وعشته على‬
‫مدار ‪ 10‬سنوات وقت كتابة هذه األسطر‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفهرس‬

‫التحربة الصينية‬
‫إمضاء‪4 ....................................................................................‬‬

‫تمهيد‪5 ...................................................................................‬‬

‫إهداء‪6 .....................................................................................‬‬

‫مقدمة‪8 ...................................................................................‬‬

‫تقديم الكتاب ‪10.........................................................................‬‬

‫الفصل األول (الوحدة الصينية)‬


‫اللغة الصينية‪14 ..........................................................................‬‬

‫مفجر األمل‪18 .............................................................................‬‬


‫الوحدة الصينية‪20 .......................................................................‬‬

‫أربو‪23 .......................................................................................‬‬

‫الفصل الثاني (فرق التوقيت)‬


‫فرق التوقيت‪26 ...........................................................................‬‬

‫من التاريخ‪28 ..............................................................................‬‬

‫ناقص األرباح‪30 ..........................................................................‬‬

‫كيف تصنع الماكينات‪33 ................................................................‬‬

‫عن التصنيع نتحدث‪35 ..................................................................‬‬


‫‪128‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفهرس‬

‫الفصل الثالث (ثقافة العمل والحياة)‬


‫النظام‪40 ..................................................................................‬‬

‫األجازات بالصين‪43 .....................................................................‬‬

‫أعياد الربيع‪46 ............................................................................‬‬

‫الحظ‪48 ....................................................................................‬‬

‫الحياة الطبيعية بالصين‪50 ............................................................‬‬

‫أحفاد التجار‪51 ............................................................................‬‬

‫ثقافة العمل‪53............................................................................‬‬

‫فرص العمل‪56 ...........................................................................‬‬

‫سوق العمل‪58 ............................................................................‬‬

‫المرأة بالصين‪60 ........................................................................‬‬

‫الفصل الرابع (معركة البقاء)‬


‫معركة البقاء‪63 ...........................................................................‬‬

‫الربيع الصيني‪64 .........................................................................‬‬

‫مصنع العالم‪66 ...........................................................................‬‬


‫الضريبة المستعادة‪68 ..................................................................‬‬

‫الصين أكبر مستورد‪70 .................................................................‬‬

‫‪129‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفهرس‬

‫مستقبل الصين‪72 .......................................................................‬‬

‫الصناعات المتقدمة‪74...................................................................‬‬

‫البحث العلمي‪75 ..........................................................................‬‬

‫الصين المبتكرة‪76 ......................................................................‬‬

‫الفصل الخامس (التسويق الصيني للصين)‬


‫المعارض الصينية‪78 ....................................................................‬‬

‫أسواق الجملة‪81 .........................................................................‬‬

‫فتح أسواق جديدة‪84 ....................................................................‬‬

‫جذب المستثمرين‪85 ...................................................................‬‬

‫الفصل السادس (التجارة اإللكترونية)‬


‫التجارة اإللكترونية‪88 ...................................................................‬‬

‫ثورة المعلومات‪90 .......................................................................‬‬

‫أرشفة المعلومات‪91 .....................................................................‬‬

‫النقل الداخلي‪93 .........................................................................‬‬

‫الحياة بالتكنولوجيا‪94 ..................................................................‬‬


‫الفصل السابع (الصين تتحدى)‬
‫الصين تعلن عن نفسها‪96 ...........................................................‬‬

‫‪130‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫الفهرس‬

‫الصين تتحدى‪99 ...........................................................................‬‬

‫الصين التي ال نعرفها‪100 .................................................................‬‬

‫الشركات الصينية العالمية‪102 ...........................................................‬‬

‫أولمبياد بكين‪103 ...........................................................................‬‬

‫طريق الحرير (الحزام والطريق)‪107 .....................................................‬‬

‫الفصل الثامن (الدستور األخالقي الصيني)‬


‫الدستور األخالقي الصيني‪110 ...........................................................‬‬

‫قصص عن مكارم األخالق‪111 ...........................................................‬‬

‫قصص للحث على التعليم‪114............................................................‬‬

‫رؤية للكاتب‪119 ...........................................................................‬‬

‫الخاتمة‪127 .................................................................................‬‬

‫الفهرس‪128 ...............................................................................‬‬

‫شكر وتقدير‪132 ..........................................................................‬‬

‫‪131‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫شكر وتقدير‬

‫كل الشكر والتقدير إلى‬

‫الدكتور فهمي نعمان‬


‫مؤسس مركز كانتون للتعليم املفتوح بالصني‬
‫ومؤسس العديد من الشركات اخلدمية بالصني‬
‫ملراجعة النسخة األولى من الكتاب وتقدميه النصح واإلرشاد‬

‫واألستاذ وائل البدوي‬


‫الباحث واملفكر في الشؤون العربية واللغوية‬
‫لتصحيح ومراجعة الكتاب لغويا ً‬

‫والكاتب والمدون ‪ /‬ماهر ذكي‬


‫ملراجعة الكتاب وتقدمية النصح واإلرشاد‬

‫‪132‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫ميكنك التعرف‬
‫على اعمال الكاتب‬
‫التجارية بالصني‬
‫من خالل موقع‬
‫شركة شاهني‬
‫اإلليكتروني‬
‫‪WWW.SHAHEIN.COM‬‬
‫وأسعد بالتواصل‬
‫معكم عبر األمييل‬
‫‪INFO@SHAHEIN.COM‬‬

‫‪133‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫مت حبمد اهلل‬


‫تمت كتابة الكتاب بالصين في مدينة كوانزو ومدينة أوهان في‬
‫الفترة من ‪ ٢٠10‬وحتى ‪ ٢٠١٦‬وهو أول تجربة كتابية للكاتب‬
‫الطبعة األولى توزع بدار أخبار اليوم بمصر‬
‫للمراسلة ‪info@shahein.com‬‬

‫جميع الحقوق محفوظة‬


‫أقوم بتوفير هذا الكتاب عبر اإلنترنت للتحميل المجاني بدون التخلي عن ملكيتي له‬

‫( وال يجوز نسخ اي جزء بشكل تجاري دون الرجوع للكاتب )‬


‫‪134‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫‪135‬‬
‫التجربة الصينية‬

‫‪136‬‬

You might also like