You are on page 1of 120

‫المقدمة‬

‫الحمــد للــه رب العالميــن والصــاة والســام علــى أشــرف األنبيــاء‬


‫والمرســلين‪ ،‬ســيدنا محمــد وعلــى آلــه وصحبــة أجمعيــن‪ ،‬أمــا بعد؛‬

‫فــإن للقيــادة (‪ )Leadership‬شــأنٌ عظيـ ٌـم ودور محــوري فــي نجــاح‬


‫ـال فــي عمــل المنظمــات والمؤسســات‪ ،‬وهــي بعــد توفيــق‬ ‫كل أمــر ذي بـ ٍ‬
‫اللــه وعونــه وتســديده‪ ،‬حجــر الزاويــة فــي النهــوض بالمنظمــة‬
‫والســير بهــا صعــدا فــي ســلم التميــز‪ ،‬والبقــاء فــي مقدمــة الركــب‬
‫أزمانــا متطاولــة‪ .‬والحديــث عــن القيــادة وأســاليبها وطرقهــا‬
‫ٍ‬ ‫وأنواعهــا كثيــر جــدا ومبثــوثٌ منــذ زمــن بعيــد فــي كتـ ٍ‬
‫ـب ومقــاالت‬
‫ٍ‬
‫وبحــوث متعــددةٍ تعـ ُّـد َد اللغــات و األلســن‪ .‬إال أن تلــك الكتابــات علــى‬
‫كثرتهــا نبعــت فــي أغلبهــا مــن الغــرب‪ ،‬فخرجــت إلينــا بلغــة عربيــة‬
‫وروح غربيــة‪ ،‬ففهمنــا صورتهــا واستشــكل علينــا كنههــا فاســتعصى‬
‫تطبيقهــا‪ .‬ونحــن بذلــك نكــون كمــن يحضــر ثوبــا لشــخص ويلبســه‬
‫آخــر‪ ،‬فــا يتناســب معــه فيلقيــه إمــا مــن أول وهلــة أو بعــد‬
‫نفصــل‬
‫محــاوالت يائســة‪ ،‬لكننــا ولألســف بعــد تلــك المحــاوالت لــم ِّ‬
‫ثوبــا علــى مقاســنا بــل ظللنــا نبحــث فــي مالبــس الشــخص األول‬
‫عــن ثــوب يناســبنا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫لقــد رأيتنــا ونحن فــي الشــركات الصناعية ننتقل مــن نظرية‬
‫إلــي أخــرى ومن مستشــار غربــي إلى آخــر‪ ،‬لكن تلــك النظريات‬
‫لــم تبــرح أدراجهــا‪ ،‬وخــرج أولئــك المستشــارون بأمــوال طائلــة‬
‫وخرجنــا نحــن بنتــف قليلــة مــن المفهــوم العــام لــم تغــن عنــا‬
‫فــي جانــب التطبيــق شــيئا‪ ،‬فظللنــا نــدرس شــيئا ونطبــق آخر‪.‬‬
‫وظلــت القيــادة اإلســتبدادية هــي الغالبــة فــي العالــم‬
‫العربـ�ي( ‪.)Sarayrah ،2004‬‬
‫ظهــرت فــي الســبعينات الميالديــة مــن القــرن الماضــي‬
‫نظريــة فــي القيــادة تســمى ‪ Servant Leadership‬أو القيــادة‬
‫بالخدمــة‪ ،‬والتــي وضــع لبنتهــا األولــى مديــر شــركة ‪AT&T‬‬
‫الســابق ‪ .Robert Greenleaf‬وكنــت أحســب أن هــذه النظريــة‬
‫هــي المخلصــة لنــا ممــا نحــن فيــه مــن القيــادة الدكتاتوريــة‬
‫فــي كثيــر مــن مؤسســاتنا وشــركاتنا و ذلــك أنهــا تتفــق فــي‬
‫مفهومهــا العــام مــع المثــل العربــي الســائد «ســيد القــوم‬
‫خادمهــم»‪ ،‬فحرصــت علــى دراســتها والتعمــق فــي مبادئهــا‬
‫وأسســها‪ ،‬إال أننــي وجدتنــي وبعــد طــول دراســة و تنقيــب‪،‬‬
‫أبحــث فــي دوالب ذلكــم الشــخص عــن ثــوب يناســبني!‬

‫‪2‬‬
‫فحرصــت علــى الخــروج منــه وبــدأت أدرس مبــادئ القيــادة مــن‬
‫المنبــع اإلســامي الرصيــن فــي كتــاب اللــه وســنة رســوله‬
‫ﷺ‪ ،‬فــكان أن خــرج هــذا الكتــاب‪.‬‬
‫اللهــم مــا كان فيــه مــن صــواب فمنــك وحــدك ال شــريك‬
‫لــك ومــا كان فيــه مــن خطــأ فمــن نفســي ومــن الشــيطان‬
‫وأســتغفر اللــه وأتــوب إليــه‪.‬‬

‫د‪.‬فهد بن ضيف الله القرشي‬


‫‪qurashifd@gmail.com‬‬

‫‪3‬‬
4
‫سريعة ع ِن القيادةِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫لمحة‬
‫بالخدم ِة‬
‫ِ‬
‫‪Servant Leadership‬‬

‫‪5‬‬
‫كان ‪ Robert Greenleaf‬هــو أول مــن وضــع هــذا المســمى‬
‫(‪ )Servant Leadership‬إال أن مفهــوم القيــادة بالخدمــة‬
‫قديــم قــدم التاريــخ‪ ،‬فقــد جــاء فــي بحــث ‪Barnabas,‬‬
‫‪ ((( Anbarasu and Paul‬أن مفهــوم القيــادة بالخدمــة يرجــع‬
‫إلــى ألفــي ســنة قبــل الميــاد‪ ،‬فهــذا الفيلســوف الصينــي‬
‫‪ Lao-tsu‬والــذي عــاش فــي القــرن الســادس قبــل الميــاد‬
‫يشــجع علــى القيــادة غيــر اآلمــرة والتــي تنحــو بالقائــد‬
‫جانبــا عــن حــب الــذات‪ .‬وكتــب ‪ Chanakkya‬فــي القــرن‬
‫الرابــع قبــل الميــاد أن القائــد الجيــد ليــس مــن يرضــي‬
‫نفســه ولكــن مــن يرضــي مرؤوســيه‪ .‬وجــاء علــى لســان‬
‫عيســى عليــه الســام فــي أنجيــل متــى أنــه علــم حوارييــه‬
‫« لكــن العظيــم منكــم هــو خادمكــم» (‪)Matthew, 11:23‬‬
‫وفــي العهــد االســامي حفــظ التــراث لنــا المثــل القائــل –‬

‫والــذي ينســبه البعــض خطــأ للرســول ﷺ – «ســيد القــوم‬


‫خادمهــم»‪.‬‬
‫مفهــوم القيــادة بالخدمــة مــن‬ ‫‪Greenleaf‬‬ ‫اســتنبط‬
‫((( (‪)Barnabas, Anbarasu and Paul , 2010‬‬

‫‪6‬‬
‫قصــة كتــاب «رحلــة إلــى الشــرق»((( وفحــوى القصــة يــدور‬
‫حــول مجموعــة مــن األشــخاص ذهبــوا فــي رحلــة طويلــة ومعهم‬
‫خــادم لهــم يســمى ‪( Leo‬ليــو) وهــو بطــل القصــة‪ ،‬فحيــن‬
‫يكــون ليــو موجــود ًا تســير الرحلــة بأمــن وســام وإذا غــاب‬
‫ألي عــارض توقفــت الرحلــة وذهــب القــوم شــذر مــذر‪ .‬وبعــد‬
‫عــدد مــن الســنوات اكتشــف الــراوي للقصــة أن ليــو لــم يكــن‬
‫تزعــم الرحلــة منــذ بدايتهــا‪،‬‬
‫خادمــا بــل القائــد الفعلــي الــذي ّ‬
‫ولذلــك فــإن ليــو والــذي كان يظــن أنــه مجــرد خــادمٍ‪ ،‬كان فــي‬
‫الواقــع قائــد ًا بالخدمــة‪ .‬وعليــه اســتنتج ‪ Greenleaf‬الكثيــر‬
‫مــن الــدروس مــن هــذه القصــة وأخــرج لنــا مفهوم ـ ًا جديــد ًا‬
‫للقيــادة هــو القيــادة بالخدمــة (‪.) Servant Leadership‬‬
‫يقــوم مبــدأ القيــادة بالخدمــة علــى أن القائــد هــو‬
‫خــادم بالدرجــة األولــى لمــن تحــت يــده((( فهــو يتحســس‬
‫حوائجهــم ويتعاهدهــم حتــى يرتقــوا بأنفســهم إلــى‬
‫أعلــى درجــات التفــوق(((‪ ،‬وهــو أيضــا يزيــل العوائــق مــن‬
‫((( (‪.)Reinke, 2004‬‬

‫((( (‪.)Greenleaf, 1977‬‬

‫((((‪.)Rowe, 2003( & )Ehrhart, 2004‬‬

‫‪7‬‬
‫طريقهــم ليكونــوا أكثــر تركيــز ًا فيمــا يخــدم مصالحهــم‬
‫(((‬
‫العمليــة ومصالــح المؤسســة التــي ينتمــون إليهــا‬

‫وقــد جعــل(((‪ Spears‬لمفهــوم القيــادة بالخدمــة عشــرة‬


‫خصائــص هــي ‪-:‬‬

‫‪1.‬االستماع‪ ،‬للمقول والمسكوت عنه‬

‫‪2.‬التعاطف‪ ،‬كوحدة واحدة‬

‫‪3.‬إلتئام النفس والعالقات‬

‫‪4.‬الوعي‪ ،‬بالنفس واآلخرين‬

‫‪5.‬اإلقناع‪ ،‬بدل من طلب اإلذعان‬

‫‪6.‬التصور التكاملي‬

‫‪7.‬بعد النظر‬

‫((( (‪.)Black, 2010‬‬

‫((( (‪)spears,2006‬‬

‫‪8‬‬
‫‪8.‬الرعاية‪ ،‬للموظفين والمنظمة‬

‫‪9.‬االلتزام‪ ،‬بتطوير الموظفين والمنظمة‬

‫‪10.‬البنية المجتمعية‪ ،‬بين أفراد المنظمة‬


‫كانــت تلــك مجــرد لمحــة بســيطة عــن مفهــوم القيــادة‬
‫بالخدمــة والــذي كنــت أحســب أنــه الــدواء الناجــع لعــاج‬
‫مشــكالت القيــادات فــي العالــم العربــي واإلســامي‪.‬‬
‫إال أننــي وجــدت أن جــودة المفهــوم وجمــال الخصائــص ال‬
‫يصــل بنــا بعيــدا إلــى العمــق الــذي نريــد لنقــل مفهــوم‬
‫القيــادة لدينــا إلــى مــا نصبــو إليــه مــن الصــاح واإلصــاح‪.‬‬
‫إال أنناحيــن نحــاول أن ننقــل هــذه النظريــة لعالمنــا‬
‫العربــي نجدهــا ال تلبــث طويــا لســببين رئيســين‪.‬‬
‫الســبب األول‪ :‬أن النظريــة تحــاول أن تعالــج تصرفــات الرئيــس‬
‫بجعلــه يتصــرف كالخــادم لمــن تحــت يــده‪ ،‬بــدال مــن أن‬
‫تعالــج منطلقاتــه األساســية ولمــاذا ُوجــد هــو أصــا فــي‬
‫ذلــك المــكان وماهــي المبــادئ التــي ينبغــي أن يتحلــى بهــا‪.‬‬
‫الســبب الثانــي‪ :‬أن النظريــة ُولــدت بشــكلها الحالي فــي الغرب‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫ومحاولــة زرعهــا فــي العالــم العربــي واإلســامي بشــكلها‬
‫ـاء على عــدة دراســات أثبتت‬
‫الحالــي لــن تجدي شــيئا‪ ،‬وذلــك بنـ ً‬
‫محدوديــة نجــاح النظريــات الغربيــة فــي العالــم الشــرقي(((‪.‬‬
‫وانطالقــ ًا مــن دراســة أعدهــا برنامــج البحــوث العالمــي‬
‫فــي ‪ ((( 2007‬فــإن ردود األفعــال لتصرفــات معينــة تعتمــد بشــكل‬
‫أســاس علــى البيئــة المنبثــق منهــا التصــرف مــن جهــة‪ ،‬ثــم ردة‬
‫الفعــل مــن جهــة أخــرى‪ .‬فــردة فعــل الغربــي لتصــرف غربــي‬
‫هــي غيــر ردة فعــل العربــي لتصــرف غربــي‪ ،‬فزيــادة بســيطة‬
‫فــي الراتــب قــد تعنــي الكثيــر لموظــف غربــي بينمــا نقــل‬
‫عمــل موظــف مســلم بجــوار والديــة قــد تكــون أحــب إليــه ولــو‬
‫فقــد بعضــا مــن راتبــه‪ .‬وقــد قــام برنامــج البحــوث العالمــي‬
‫بدراســة لتلــك الفروقــات‪ ،‬وأخــرج لنــا الشــكل رقــم ‪ 1‬صفحــة‬
‫رقــم ‪.16‬‬
‫يمثــل الشــكل رقــم ‪ 1‬نتيجــة لدراســة تباعــد الحضــارات‬
‫وتقاربهــا‪ ،‬فتجــاور األقاليــم فــي الشــكل يعنــي قربهــا حضاريــا‬
‫مــن بعضهــا البعض‪،‬مــا يــؤدي إلــى ســهولة نقــل المفاهيــم‬
‫((( (‪)Turnbull, 2010‬‬

‫((( (‪)Chhokar, Brodbeck, and House, (Eds.), 2008‬‬

‫‪10‬‬
‫والقيــم فيمــا بينهــا‪ .‬وتقابــل األقاليــم يعنــي ُبعدهــا حضاريــا‬
‫عــن بعضهــا البعــض وبالتالــي صعوبــة نقــل القيــم والمفاهيــم‬
‫بينهــا‪.‬‬
‫إن إقليــم الشــرق األوســط يقــع بجــوار أوروبــا الشــرقية‬
‫ومقابــل للمنحدريــن مــن أصــول إنجليزيــة‪ ،‬لــذا يصعــب‬
‫حســب هــذه الدراســة جلــب نظريــة ُولــدت فــي الواليــات‬
‫المتحــدة وتطبيقهــا فــي العالــم العربــي نظــرا لتبايــن الثقافات‬
‫والمبــادئ‪.‬‬
‫وبنــاء علــى ذلــك فــإن جلــب نظريــة القيــادة بالخدمــة‬
‫إلــى العالــم العربــي لــن يغنــي عنــا شــيئا‪ ،‬إذ البــد لنــا مــن‬
‫أن نســتخلص نظريــة قياديــة خاصــة بنــا تنبثــق مــن مبادئنــا‬
‫وقيمنــا‪ ،‬فــكان أن تبلــورت نظريــة شــجرة القيــادة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫سويسرا ‪ : 1‬تقع شمال الكونفدرالية السويسرية ويتحدثون اللغة األلمانية‬
‫سويسرا ‪ : 2‬تقع جنوب الكونفدرالية السويسرية ويتحدثون اللغة اإليطالية‬
‫أفريقيا الجنوبية ‪ : 1‬في جنوب أفريقيا نصف عدد السكان ذوو أصول أفريقية‬
‫أفريقيا الجنوبية ‪ : 2‬القسم اآلخر من سكان جنوب أفريقيا ذوو أصول اوروبية‬

‫الشكل رقم ‪ :1‬تباعد الحضارات وتقاربها‬

‫‪12‬‬
‫بودي ِة‬
‫ّ‬ ‫الع‬
‫ُ‬ ‫ض‬
‫ُ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أ‬

‫‪13‬‬
14
‫أوال‬
‫قبــل أن نبــدأ فــي الحديــث عــن شــجرة القيــادة دعونــا ً‬
‫نصــف األرض التــي ينبغــي أن تــزرع فيهــا تلكــم الشــجرة أال‬
‫وهــي أرض العبوديــة‪.‬‬
‫ال ينفــك المســلم فــي هــذه الحيــاة عــن كونــه عبــدا للــه‬
‫تعالــى ‪ ،‬وهــو بذلــك يحقــق غايتــه ومقصــوده مــن هــذه الحياة‬
‫ــن َو ْ َ َّ ْ ُ ُ‬ ‫ال َّ‬‫ََ َ َْ ُ ْ‬
‫(((‬
‫النــس إِل ِلَعبــد ِ‬
‫ون﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كمــا قــال تعالى﴿ومــا خلقــت‬
‫فالقيــادة جــزء مــن العبــادة شــاء القائــد المســلم أم أبــى‪ ،‬فــا‬
‫ينبغــي للقائــد المســلم أن يغفــل هــذا الجانــب المهــم فــي‬
‫حياتــه القياديــة‪ ،‬فهــو يــزرع فــي هــذه الدنيــا لمــا ســيجنيه‬
‫فــي اآلخــرة‪.‬‬

‫وحيــن نتأمــل فــي الدراســات القياديــة واإلداريــة‪ ،‬فــي طــول‬


‫العالــم وعرضــه ال تــكاد تجــد هــذا الحــس العبــادي مطروق ـ ًا‬
‫ـدرس هنــا أو هنــاك‪ .‬وحيــن غــاب‬ ‫فــي أغلــب النظريــات التــي ُتـ َّ‬
‫هــذا الجانــب خبــت الحــس األخــروي فــي العمليــة القياديــة‬
‫لــدى كثيــر مــن المــدراء و القــادة‪ ،‬فــكان نصيبهــم مــن النجــاح‬
‫بقــدر مــا مارســوا مــن المبــادئ الماديــة البعيــدة عــن الوحــي‬

‫(((سورة الذاريات ‪ ،‬آية ‪65‬‬

‫‪15‬‬
‫اإللهــي والتوفيــق الربانــي‪.‬‬
‫إن القائــد المســلم البــد لــه أوال أن يختــار األرض المناســبة‬
‫لغــرس شــجرته القياديــة حتــى تؤتــي أكلهــا كل حيــن بــإذن‬
‫ربهــا‪ ،‬وال أرض تنفــع لذلــك ســوى أرض العبوديــة للــه تعالــى‪.‬‬
‫فشــجرة القيــادة تســتمد مادتهــا وغذاءهــا مــن أرض‬
‫العبوديــة ألن القائــد نفســة عبــد للــه تعالــى‪ ،‬فــا بيئــة‬
‫أنســب لحياتــه مــن العبوديــة لخالقــه‪ .‬ثــم إن مــواد أرض‬
‫العبوديــة مــن تقــوى اللــه و التــوكل عليــه واالســتعانة‬
‫بــه و رجائــه والخــوف منــه وحســن الظــن بــه و الرضــا‬
‫بقضائــه وغيرهــا‪ ،‬تــزود شــجرة القيــادة بالمــواد األساســية‬
‫لصالحهــا وثباتهــا أمــام عواصــف الحيــاة العاتيــة‪.‬‬
‫وكمــا أن القائــد بحاجــة للمــواد األساســية مــن أرض‬
‫العبوديــة فهــو أيضــا بحاجــة ماســة لتخليــص تلــك األرض‬
‫مــن شــوائبها التــي تحــرم شــجرة القيــادة مــن اإلســتفادة‬
‫العظمــى مــن المــواد الالزمــة لحياتهــا‪ .‬ومــن تلــك الشــوائب‬
‫الحســد‪ ،‬واألثــرة‪ ،‬والكبــر ‪،‬والظلــم‪ ،‬والريــاء‪ ،‬والخيانــة‪،‬‬
‫و ســوء الظــن ‪،‬والنفــاق‪ ،‬وحــب الدنيــا‪ ،‬وغيرهــا‪ .‬وهــذه‬

‫‪16‬‬
‫الشــوائب قــد تكــون خفيــة علــى القائــد وال يعلــم بوجودهــا‬
‫ولــذا فهــو بحاجــة لتلمــس مقاصــد أفعالــه ومــاذا يريــد‬
‫منهــا ومــا مــدى مطابقتهــا لمــراد اللــه تعالــى منــه‪.‬‬
‫و قــد ورد فــي األثــر أن أبــا ذر رضــي اللــه عنــه جــاء إلى رســول‬
‫اللــه ﷺ يطلــب منــه الواليــة علــى أي جهــة مــن الجهــات‪-‬‬
‫فتأمــل رد النبــي ﷺ‪( :-‬يــا أبــا ذر‪ ،‬إنــك ضعيــف‪ ،‬وإنهــا أمانــة‬
‫وإنهــا يــوم القيامــة خــزي وندامــة‪ ،‬إال مــن أخذهــا بحقهــا‬
‫وأدى الــذي عليــه فيهــا)((( إن المحصلــة النهائيــة التــي يريدنــا‬
‫النبــي ﷺ أن نراعيهــا هــي يــوم القيامــة‪ ،‬فالقائــد الضعيــف‬
‫أو غيــر األميــن ‪ -‬وســنتطرق لهذيــن الوصفيــن الحقــ ًا ‪-‬‬
‫ســيجني خــزي وندامــة يــوم القيامــة‪ ،‬فيــوم القيامــة ينبغــي‬
‫أن ال يغيــب عــن حــس القائــد فــي كل حركــة أو ســكنة ومــع كل‬
‫قــرار أو خطــة قلــم‪ .‬البــد للقائــد المســلم أن يســتحضر النيــة‬
‫الصالحــة فــي كل أعمالــه وأن يراجــع نيتــه ويســتحضر مــراد‬
‫اللــه منــه فــي هــذا المنصــب قبــل العمــل وأثنــاءه وبعــده‬
‫حتــى ينجــو يــوم القيامــة‪.‬‬
‫إن العبوديــة تعنــي أن يســتحضر القائــد أن أعمالــه‬
‫((( رواه مسلم(‪ ) 1457 / 3‬رقم ‪.1825‬‬

‫‪17‬‬
‫الصالحــة تزيــده توفيقــا فــي حياتــه القياديــة و أن‬
‫معاصيــه تحرمــه التوفيــق‪ ،‬فكلمــا أكثــر المــرء مــن‬
‫الصالحــات وابتعــد عــن المعاصــي وفقــه اللــه وســدد‬
‫نــرهُ ۗ﴾((( ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫﴿و َلَنــر َّن َّ ُ‬
‫الل َمــن يَ‬ ‫خطــاه كمــا قــال تعالــى َ‬
‫ــم َو ُيثَ ّب ْ‬
‫ــت‬ ‫ك ْ‬ ‫َ ُ ُ َّ َ َ ُ ْ ُ‬
‫ثــم فــي قولــه تعالــى ﴿إِن تنــروا الل ينص‬
‫ِ‬
‫َْ َ َ ُ‬
‫كـ ْ‬
‫ـم﴾((( وهــذه اآليــة وإن وردت فــي الجهــاد إال أن معناهــا‬ ‫أقدام‬
‫عــام ألن مفعــول ينصركــم محــذوف وهــذا عنــد علمــاء البالغة‬
‫يفيــد العمــوم أي ينصركــم فــي كل شــأن مــن شــؤونكم‪ ،‬والقيادة‬
‫مــن أهــم الشــؤون التــي يحتــاج القائــد فيهــا نصــر اللــه‪ .‬لكــن‬
‫ذلــك النصــر مــن اللــه كمــا رأيــت مشــروط بــأن ينصــر القائــد‬
‫اللــه وذلــك بالقيــام بدينــة كمــا قــال الســعدي رحمــة اللــه(((‪.‬‬
‫إن الذنــوب فــي أرض العبوديــة كدابــة األرض التــي تــأكل‬
‫شــجرة القيــادة فتنخرهــا حتــى تســقط أو تضعــف فــا تؤتــي‬
‫أكلهــا كمــا يــراد منهــا‪ ،‬فينبغــي للقائــد أن يتعاهــد أرض‬
‫العبوديــة التــي يعتــزم غــرس شــجرته فيهــا بالعنايــة‪ ،‬وذلــك‬
‫‪40‬‬ ‫((( سورة الحج‪ ،‬آية‬
‫((( سورة محمد‪ ،‬آية ‪7‬‬
‫((( تيسير الكريم المنان في تفسير كالم الرحمن (ص ‪)926‬‬

‫‪18‬‬
‫بتزويدهــا بمــا تحتاجــه مــن األعمــال الصالحــة التــي تنفعهــا‬
‫وتجنيبهــا المعاصــي التي تفســدها وتســلبها رونقهــا ونضارتها‪.‬‬
‫وال ريــب أن هــذا العمــل مــن االســتزادة مــن الطاعــات والتجافي‬
‫عــن المعاصــي هــو أشــرف مــا يقــوم بــه القائــد لنفــع نفســه‬
‫أوال ثــم نفــع مــن تحــت يــده‪ ،‬قــال الشــيخ الســعدي رحمــه اللــه‬
‫ْ َ َّ‬ ‫ـن أَ ْغ َفلْ َنــا قَلْ َبـ ُ‬
‫ـه َعــن ذِك ِرنــا َوات َب َع‬ ‫﴿و َل تُطـ ْ‬
‫ـع َمـ ْ‬ ‫فــيتفســيرقولــهتعالــى َ ِ‬
‫َ‬
‫ـرهُ فُ ُر ًطــا﴾((( (ودلــت اآليــة علــى أن الــذي ينبغــي أن‬ ‫ـواهُ َو َك َن أ ْمـ ُ‬
‫َهـ َ‬
‫يطــاع‪ ،‬ويكــون إمام ـ ًا للنــاس‪ ،‬مــن امتــأ قلبــه بمحبــة اللــه‪،‬‬
‫وفــاض ذلــك علــى لســانه‪ ،‬فلهــج بذكــر اللــه‪ ،‬واتبــع مراضــي‬
‫ربــه‪ ،‬فقدمهــا علــى هــواه‪ ،‬فحفــظ بذلــك مــا حفــظ مــن‬
‫وقتــه‪ ،‬وصلحــت أحوالــه‪ ،‬واســتقامت أفعالــه‪ ،‬ودعــا النــاس‬
‫إلــى مــا مــن اللــه بــه عليــه‪ ،‬فحقيــق بذلــك‪ ،‬أن ُيتبــع ُويجعــل‬
‫إمامــ ًا)(((‪.‬‬
‫وقبــل أن ننهــي هــذا الفصــل البــد لنــا أن نبيــن أن واقــع‬
‫العمــل اإلداري الحالــي فــي العالــم اإلســامي يئــن مــن وطــأة‬
‫البعــد عــن مفاهيــم القيــادة اإلســامية كنتيجــة بدهيــة لبعــد‬
‫‪٢٨‬‬ ‫((( سورة الكهف‪ ،‬آية‬
‫((( تيسير الكريم المنان في تفسير كالم الرحمن (ص ‪)475‬‬

‫‪19‬‬
‫المســلمين العــام عــن تطبيــق اإلســام فــي شــتى مناحــي‬
‫الحيــاة‪ .‬وقــد يبــدو الحديــث عــن العبوديــة فــي ســياق القيــادة‬
‫لــدى بعــض اإلدارييــن نوعــ ًا مــن الغلــو فــي أســلمة العمــل‬
‫القيــادي وقــد يبــدو لــدى البعــض اآلخــر حديثــا وعظيـ ًا بعيــد ًا‬
‫عــن الواقعيــة والرصانــة‪ .‬والحقيقــة أننــا ال نســتغرب هــذا‬
‫النــوع مــن اإلستشــكال ألنــه نتيجــة لمــا نعيشــه مــن انفصــال‬
‫بيــن العلــوم الشــرعية والعلــوم التطبيقيــة‪ .‬وأحــد أســباب‬
‫هــذا االنفصــال هــو أننــا نتيجــة لتقــدم الغــرب فــي العلــوم‬
‫التطبيقيــة أصبحنــا نأخــذ عنهــم كل شــيء فــي هــذا المجــال‬
‫وال نجــد فــي أدبياتهــم فــي مثــل هــذه العلــوم تطرقـ ًا لمفهــوم‬
‫العبوديــة أو اليــوم اآلخــر‪ ،‬فعندمــا يطــرق ســمعنا ربــط‬
‫إستشــكاال‪ ،‬ألننــا‬
‫ً‬ ‫ألعمــال إداريــة بآثــار أخرويــة يســبب لنــا‬
‫مارســنا األعمــال اإلداريــة لســنوات عــدة بأدبياتهــا الغربيــة‬
‫ولمســنا فيهــا نجاح ـ ًا‪ ،‬وعنــد ذلــك قــد نجــد أنفســنا نتــردد‬
‫فــي قبــول مثــل هــذه العالقــة أو فــي جدواهــا إمــا ألننــا نجحنا‬
‫بدونهــا أو ألنهــا أمــور غيبيــة اليمكــن إثبــات أثرهــا بوضــوح فــي‬
‫الحيــاة اإلداريــة ببحــث علمــي أو دراســة تجريبيــة‪.‬‬
‫والحقيقــة أننــا عندمــا نتطــرق لمفهــوم العبوديــة فــي‬

‫‪20‬‬
‫العمــل القيــادي نطمــح لتحقيــق هدفيــن أساســيين‪:‬‬
‫الهــدف االول‪ :‬هــو نفــع القائــد نفســه بــأن يســتثمر وقتــه‬
‫فــي هــذه الدنيــا لمــا يصلــح بــه آخرتــه وأن ال يغفــل وهــو‬
‫يمــارس أعمالــه األدرايــة أنــه عبــد للــه وأن هــذه المســؤولية‬
‫عــبء عليــه‪ ،‬والبــد لــه مــن مراقبــة‬ ‫ً‬ ‫التــي تقلدهــا ســتكون‬
‫اللــه تعالــى وطلــب العــون منــه والتســديد حتــى يلقــى اللــه‬
‫وهــو متخفــف مــن تلــك األعبــاء مؤديــا لألمانــة قــدر وســعه‬
‫وطاقتــه‪ .‬وأن يتذكــر أن النجــاح القيــادي الدنيــوي أمــر ســهل‪،‬‬
‫ســبقنا إليــه الكثيــر شــرق ًا وغرب ـ ًا‪ ،‬ولهــم فــي ذلــك صــوالت‬
‫وجــوالت‪ ،‬لكــن النجــاح الدنيــوي الموصــول بالنجــاح األخــروي‬
‫عزيــز إال لمــن وفقــه اللــه لتلمــس العبوديــة فــي أعمالــه كلهــا‪.‬‬
‫الهــدف الثانــي‪:‬أن مالحظــة القائــد لمفهــوم العبوديــة ينفع من‬
‫تحــت يــده ألنــه يراقــب أعمالــه ويحاســب نفســه علــى مــا قــدم‬
‫لهــم ويخشــى مــن ظلمهــم و يســعى فــي مصالحهــم ما اســتطاع‬
‫إلــى ذلك ســبيال فهــو حين يفعــل ذلــك يمــارس دور ًا قياديـ ًا فذ ًا‬
‫يجعــل مرؤوســيه يبــادرون لخدمــة المنظمــة التــي يتبعــون لها‬
‫بــكل حــب وتفــان وعنــد ذلــك فــا تســل عــن نجاحهــا وتفوقها‪.‬‬
‫وهــذان األمــران همــا محــك العبوديــة للقائــد‪ .‬تأمــل هــذه‬

‫‪21‬‬
‫القصــة‪ :‬عــن ابــن أبــي نجيــح قــال‪( :‬لمــا ُأ ِتــي عمــر بتــاج‬
‫إن‬
‫كســرى وســواريه جعــل ُيقلبــه بعــود فــي يــده ويقــول‪ :‬واللــه َّ‬
‫الــذي َّأدى إلينــا هــذا لَميــن‪ .‬فقــال رجــل‪ :‬يــا أميــر المؤمنيــن‬
‫ـت‬‫ـت إلــى اللــه فــإذا َر َت ْعـ َ‬
‫ـؤدون إليــك مــا َّأديـ َ‬‫ـن اللــه يـ ُّ‬
‫ـت أميـ ُ‬
‫أنـ َ‬
‫(((‬
‫ـال‪َ :‬ص َد ْقـ َ‬
‫ـت)‬ ‫َر َت ُعــوا‪ .‬قـ َ‬

‫((( عيون األخبار ( ‪)115 / 1‬‬

‫‪22‬‬
ِ‫َش َج َر ُة ال ِق َيا َدة‬
The Leadership Tree

23
24
‫حيــن يتتبــع المــرء آيــات الكتــاب الحكيــم وســيرة النبــي‬
‫ﷺ‪ ،‬يقــف أمــام صفــات قياديــة باهــرة ظهــرت فــي مواقــف‬
‫مختلفــة تســتحث كل قائــد مســلم لممارســتها وتطبيقهــا‪ .‬انظر‬
‫مثــا لقــول إحــدى بنتــي شــعيب ألبيهــا عــن موســى عليــه‬
‫ـن﴾((( وقــول يوســف‬ ‫ت الْ َقــو ُّي ْالَ ِمـ ُ‬ ‫ـتأ ْ َج ْر َ‬
‫اسـ َ‬‫ـر َمــن ْ‬ ‫الســام ﴿إ َّن َخـ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ َٰ َ‬ ‫َ َ ْ َْ‬
‫َ‬
‫ــن الر ِض ۖ إ ِ ِن‬‫ــي ع خزائ ِ ِ‬ ‫عليــه الســام عــن نفســه ﴿قــال اجعل ِ‬
‫ـم﴾((( وقــول اللــه تعالــى في صفــات اإلئمــة ﴿ َو َج َعلْناَ‬ ‫ـظ َعل ِيـ ٌ‬ ‫َ ٌ‬
‫حفِيـ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُْ ْ‬
‫ـروا ۖ َوكنوا بِآيَات َِنــا يُوق ُِنــون﴾((( وصبر‬ ‫ـدون بأمرنا ل َّمــا َصـ َ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫ـم أئ َّمــة َي ْهـ ُ‬
‫مِنهـ ِ‬
‫النبــي ﷺ وثباتــه ســنوات طــوال فــي مكــة حتــى نصــره اللــه‬
‫وأحيــا بدينــه العبــاد والبــاد‪ ،‬و كذلــك تعامــل النبــي ﷺ فــي‬
‫المواقــف المختلفــة والســيما مــع المنافقيــن‪ ،‬وغيــر ذلــك‬
‫كثيــر‪ .‬هــذا المعيــن الفيــاض مــن الــدروس القياديــة يجعلنــا‬
‫نقــف مبهوريــن أمــام عظمتهــا وجاللتهــا ويســتحثنا لتلمــس‬
‫بعــض الخطــوط العريضــة لمالمــح القائــد والصفــات التــي‬
‫ينبغــي أن يتحلــى بهــا وذلــك لحاجتنــا الماســة ألولئــك القــادة‬
‫األفــذاذ فــي جميــع قطاعاتنــا الحكوميــة والخاصــة والخيريــة‪.‬‬
‫‪٢٦‬‬ ‫((( سورة القصص‪ ،‬آية‬
‫((( سورة يوسف‪ ،‬آية ‪٥٥‬‬
‫((( سورة السجدة‪ ،‬آية ‪٢٤‬‬

‫‪25‬‬
‫شــجرة القيــادة فكــرة تبســيطية لصفــات القائــد الناجــح‬
‫َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َّ ُ َ ً َ ً‬
‫الل َمثــا ك َِمــة‬ ‫مســتوحاة مــن قولــه تعالــى ﴿ألــم تــر كيــف ضب‬
‫ـج َرة َط ّي َبة أَ ْ‬
‫صلُ َها ثَابـ ٌ‬
‫ـت َوفَ ْر ُع َهــا ف َّ‬ ‫َ َ ً َ َ َ‬
‫السـ َ‬
‫ـماءِ﴾((( تتكون الشــجرة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ط ّيِبــة كشـ ٍ ِ ٍ‬
‫التــرى بالعيــن لكنهــا‬‫مــن جــذور وســاق وأغصــان‪ ،‬فالجــذور ُ‬
‫تمــد الســاق واألغصــان بــكل مــا تحتاجــه مــن غــذاء‪ ،‬وكذلــك‬
‫تمتــد فــي األرض لتعطــي الشــجرة الثبــات الــذي تحتاجــة‬
‫فــي أوقــات الريــاح أو العواصــف‪ ،‬والســاق يعطــي الشــجرة‬
‫القــوة والتمكيــن ويتفــرع منــه باقــي األغصــان لتحمــل األوراق‬
‫والثمــار‪ .‬وكذلــك شــجرة القيــادة‪ ،‬فــإن للقائــد تســع صفــات‪،‬‬
‫أربــع منهــا للجــذور وواحــد للســاق والباقــي لألغصان‪.‬أنظــر‬
‫الشــكل ص ‪31‬‬

‫‪42‬‬ ‫((( سورة ابراهيم‪ ،‬آية‬

‫‪26‬‬
27
28
‫ص أَ َّو ًال‬
‫ا ِإل ْخ َل ُ‬
‫ســبق وأن ذكرنــا أهميــة التعبــد بالقيــادة للــه تعالــى‪ ،‬لكننــا‬
‫نريــد هنــا أن نذ ّكــر القائــد بصفــة اإلخــاص للــه وهــي شــيء‬
‫زائــد علــى مجــرد نيــة العبوديــة‪ ،‬فالقائــد قــد يســتحضر‬
‫العبوديــة للــه لكنــه يرائــي بعملــه أحــد ًا أو يبحــث عــن جــاه‬
‫أو ســمعة أو حضــوة لــدى رئيــس أو مســؤول‪ .‬إذ ًا البــد للقائــد‬
‫ويصفيــه مــن‬ ‫ّ‬ ‫ينقــي عملــه‬
‫أن ينــوي بعملــة اللــه تعالــى وأن ّ‬
‫كل شــائبة تشــوبه مــن حظــوظ الدنيــا وأن ال يريــد إال اللــه‬
‫والــدار اآلخــرة‪ ،‬فــإذا أراد القائــد بعملــه الدنيــا أعطــاه اللــه‬
‫منهــا واســتغنى ســبحانه عنــه ألنــه ســبحانه أغنــى الشــركاء‬
‫عــن الشــرك‪ ،‬وأمــا إذا أراد القائــد بعملــه اللــه والــدار اآلخــرة‬
‫فســيزيده اللــه توفيقـا وســدادا كمــا قــال تعالــى ﴿ َمــن َك َن يُريـ ُ‬
‫ـد‬
‫ِ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ َ ُّ ْ ُ ْ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ادلن َيــانؤت ِـهِمِن َهــا َو َما ُل‬ ‫خــرة ِنـ ِ‬
‫ـزدل ِفحرث ِـهِۖومــنكني ِريــدحــرث‬ ‫ـرثال ِ‬ ‫حـ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ِف ال ِ َ‬
‫ـب﴾((( والمقصــود بقولــه تعالــى "حرثــه" أي‬ ‫خــرة ِ ِمــن ن ِصيـ ٍ‬
‫عملــه و أجــره‪ ،‬كمــا قال الســعدي رحمــه اللــه(((‪ .‬فتأمــل الزيادة‬
‫لمــن أراد اآلخــرة والنقــص لمــن أراد الدنيــا بقولــه تعالــى‬
‫((( سورة الشورى‪ ،‬آية ‪20‬‬
‫((( تيسير الكريم المنان في تفسير كالم الرحمن (ص‪)891‬‬

‫‪29‬‬
‫«منهــا» ومــع ذلــك ليــس لــه فــي اآلخــرة مــن نصيــب‪ .‬إن‬
‫اإلخــاص صفــة عزيــزة المنــال وقــد يظــن المــرء أحيانــا أنــه‬
‫مخلــص وهنــاك شــرك خفــي قــد خالــط عملــه وهــو ال يــدري‪،‬‬
‫تأمــل قولــه ﷺ‪( :‬الشــرك فــي أمتــي أخفــى مــن دبيــب النمــل‬
‫علــى الصفــا)(((‪ .‬وســبب صعوبــة اإلخــاص علــى النفــس ذكره‬
‫التســتري رحمــه اللــه حيــن ســأله ســائل‪ :‬أي شــيء أشــد علــى‬
‫النفــس؟ قــال (اإلخــاص‪ ،‬ألنــه ليــس لهــا فيــه نصيــب)(((‪.‬‬
‫ولكننــا نؤكــد علــى هــذه الصفــة للقائــد ونخصهــا بمزيــد‬
‫عنايــة‪ ،‬ألن اإلخــاص بالنســبة للعمــل كالــروح بالنســبة‬
‫للجســد‪ ،‬كمــا قــال ابــن الجــوي رحمــه اللــه(((‪ .‬وقــد يــرزق‬
‫اللــه العبــد التوفيــق والســداد فــي العمــل القليــل الخالــص‬
‫فيكــون لــه نتائــج فــوق التوقعــات مــا ال يكــون فــي العمــل‬
‫الكثيــر المشــوب بشــائبة ريــاء أوســمعة‪.‬‬
‫فينبغــي للقائــد أن يولــي هــذه الصفــة مزيــد عنايــة وأن‬
‫يتفحــص نيتــه فــي كل عمــل‪ ،‬مــاذا يريــد منــه ولمــاذا يقــوم‬
‫بــه‪ ،‬فاألعمــال وان كانــت دنيويــة إال أنهــا البــد وأن تصــب‬
‫((( صحيح الجامع (‪)693/1‬‬
‫((( مدارج السالكين (‪)92/2‬‬
‫((( المدهش ص ‪418‬‬

‫‪30‬‬
‫فــي النهايــة فــي قالــب تعبــدي ال محالــة‪ ،‬فرئيــس القســم أو‬
‫المؤسســة أو الوزيــر أو غيــره يعمــل لتوفيــر خدمــة يحتاجهــا‬
‫البلــد أو لبــذل منفعــة لقطــاع مــن الشــعب أو لتعليــم أو‬
‫تطبيــب أو للــذود عــن حمــى األمــة أو لجلــب مصلحــة‬
‫للنــاس أو لدفــع شــر عنهــم أو لدعــوة للخيــر أو لرفــع للظلــم‬
‫أو غيــر ذلــك كثيــر‪ ،‬وهــو فــي كل واحــدة منهــا البــد لــه أن‬
‫يســتحضر أنــه يرجــو مــا عنــد اللــه مــن األجــر بإخــاص‬
‫العمــل للــه تعالــى‪ .‬وإذا جاهــد العبــد نفســه علــى اإلخــاص‬
‫بــارك اللــه لــه فــي القليــل مــن العمــل فصــار كثيــرا كمــا‬
‫الل ل َ َم َ‬ ‫َ َّ َ َ َ ُ َ َ َ ْ َ َّ ُ ْ ُ ُ َ َ َّ‬
‫ِإَون َّ َ‬
‫ــع‬ ‫قــال تعالــى ﴿والِيــن جاهــدوا فِينــا لهدِينهــم ســبلنا ۚ‬
‫ْ ْ‬
‫ـدال من "ســبيلنا"‬ ‫ال ُمح ِسـنِني﴾ ((( وتأمــل قولــه تعالى "ســبلنا" بـ ً‬
‫داللــة علــى كثــرة األعمــال وبركتهــا‪.‬‬

‫إن اإلخــاص جــذر فــي شــجرة القيــادة وال يــراه التابعــون‬


‫لكنهــم يحســون بــه ال محالــة‪ ،‬فالــذي يعمــل للــه ليــس كالــذي‬
‫يعمــل للبشــر‪ .‬فــإذا رأيــت الحــب الــذي يحظــى بــه بعــض‬
‫الرؤســاء والســمعة الحســنة والطاعــة ومبــادرات الموظفيــن‬
‫التــي ال تنتهــي‪ ،‬فاعلــم أن وراء ذلــك عمــل خفــي لذلكــم‬
‫الرئيــس بينــه وبيــن ربــه وفقــه لهــذا األثــر العظيــم‪.‬‬
‫‪69‬‬ ‫((( سورة العنكبوت‪ ،‬آية‬

‫‪31‬‬
‫تأمــل معــي ســيرة الخليفــة الراشــد عمــر بــن عبــد العزيــز‬
‫والــذي لــم يمكــث فــي الخالفــة ســوى ســنتين ونيــف‪ ،‬مــاذا‬
‫عســاه أن يفعــل فــي ســنتين فــي دولــة متراميــة األطــراف حتى‬
‫يفيــض المــال فــا يجــدون فقيــرا يســتحق الــزكاة؟ ليــس ذلك‬
‫بعزيــز علــى اللــه حيــن يكــون العبــد مخلصــا لــه فــي ليلــه‬
‫ونهــاره وإليــك هــذا الموقــف مــن مواقفــه رضــي اللــه عنــه‪،‬‬
‫قالــت زوجــه فاطمــة بنــت عبــد الملــك (إن عمــر رحمــه اللــه‬
‫كان قــد فــرغ نفســه وبدنــه للنــاس‪ ،‬كان يقعــد لهــم يومــه فــإن‬
‫أمســى وعليــه بقيــة مــن حوائــج يومــه وصلــه بليلتــه إلــى أن‬
‫أمســى مســاء وقــد فــرغ مــن حوائــج يومــه‪ ،‬فدعــا بســراجه‬
‫الــذي كان يســرج لــه مــن مالــه ثــم قــام فصلــى ركعتيــن ثــم‬
‫أقعــى واضعــا رأســه علــى يــده‪ ،‬تتســايل دموعــه علــى خــده‪،‬‬
‫يشــهق الشــهقة فأقــول قــد خرجــت نفســه أو تصدعــت كبــده‬
‫فلــم يــزل كذلــك ليلــة حتــى بــرق لــه الصبــح ثــم أصبــح‬
‫صائم ـ ًا قالــت‪ :‬فدنــوت منــه فقلــت يــا أميــر المؤمنيــن لشــئ‬
‫مــا كان قبــل الليلــة مــا كان منــك! قــال أجــل‪ ،‬فدعينــي وشــأني‬
‫وعليــك بشــأنك‪ ،‬قالــت‪ :‬قلــت لــه إنــي أرجــو أن أتعــظ قــال‬
‫إذن أخبــرك‪ ،‬قــال‪ :‬إنــي نظــرت إلــي فوجدتنــي قــد وليــت‬

‫‪32‬‬
‫هــذه األمــة صغيرهــا وكبيرهــا وأســودها وأحمرهــا ثــم‬
‫ذكــرت الغريــب الضائــع والفقيــر المحتــاج واألســير المفقــود‬
‫وأشــباههم فــي أقاصــي البــاد وأطــراف األرض‪ ،‬فعلمــت أن‬
‫اللــه ســائلي عنهــم وأن محمــدا ﷺ حجيجــي فيهــم فخفــت‬
‫أن ال يثبــت لــي عنــد اللــه عــذر وال يقــوم لــي مــع رســول اللــه‬
‫ﷺ حجــة فخفــت علــى نفســي خوفــا دمــع لــه عينــي ووجــل‬
‫لــه قلبــي فأنــا كلمــا ازددت لهــذا ذكــرا ازددت منــه وجــا‪ ،‬وقــد‬
‫(((‬
‫أخبرتــك فاتعظــي اآلن أو دعــي!)‬
‫إن هــذه المراقبــة للــه تعالــى والخــوف منــه واإلخــاص لــه‬
‫هــي الســر الــذي ال ينبغــي أن يخفــى علــى كل مســؤول ليفتــح‬
‫اللــه علــى يديــه قلــوب مــن هــم دونــه‪ ،‬فييســر اللــه لــه مــن‬
‫األعمــال واإلنجــازات مــا ال يحصــى‪.‬‬

‫((( تاريخ دمشق (‪)197/45‬‬

‫‪33‬‬
34
‫األ َ َما َن ُة‬
‫التــرى للمتبوعيــن‪ ،‬ولــذا‬ ‫الصفــة الثانيــة للقائــد والتــي ُ‬
‫فهــي جــذر فــي شــجرة القيــادة‪ ،‬إنهــا األمانــة‪ .‬تأمــل قــول‬
‫الســام علــى لســان إحــدى‬ ‫اللــه تعالــى عــن موســى عليــه‬
‫ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُّ ْ َ‬ ‫بنــات شــعيب ألبيهــا﴿إ َّن َخـ ْ َ‬
‫ُ‬
‫ـن اســتأجرت القــوِي ال ِمــن﴾(((‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ـر َمـ‬ ‫ِ‬
‫ـومَ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫وتأمــل قــول ملــك مصــر ليوســف عليــه الســام ﴿إنــك الَـ ْ‬
‫ِ‬
‫ـن﴾(((‪ ،‬وتأمــل الصفتــان اللتــان أشــتهر بهمــا‬ ‫ـن أَ ِمـ ٌ‬ ‫َل ْي َنــا َم ِ‬
‫كـ ٌ‬ ‫َ‬

‫نبينــا محمــد ﷺ وهمــا (الصــادق األميــن)‪.‬‬

‫ـش بِاأل َمي ِن َعلى * * ِصدقِ األ َما َنـ ِة َوا ِإل يفا ِء ب ِّ‬
‫ِالذ َمم (((ِ‬ ‫َو ل ََّق َبتـ ُـه ُق َريـ ٌ‬
‫قــال شــيخ اإلســام ابــن تيميــة رحمــه اللــه تعالــى ‪:‬‬
‫( واألمانــة ترجــع إلــى خشــية اللــه تعالــى وتــرك خشــية‬
‫النــاس وأن ال ُيشــترى بآيــات اللــه ثمنـ ًا قليـ ًـا وهــذه الخصــال‬
‫الثــاث التــي أخذهــا اللــه علــى كل حاكــم علــى النــاس فــي‬
‫َ‬
‫ـت ُروا بِآيَاتِــي ث َم ًنــا‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َّ َ َ ْ َ ْ‬
‫ـون َولَا ت َ ْشـ َ‬
‫قولــه تعالــى ﴿فــلا تخشــوا النــاس واخشـ ِ‬
‫‪٢٦‬‬ ‫((( سورة القصص‪ ،‬آية‬
‫((( سورة يوسف‪ ،‬آية ‪٥٤‬‬
‫((( من قصيدة كشف الغمة في مدح سيد األمة لمحمود سامي البارودي‬

‫‪35‬‬
‫ُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ‬
‫َ ُّ َ ٰ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫(((‬
‫ون﴾)‪.‬‬ ‫ـك ُهـ ُ‬
‫ـم الكافِــر‬
‫ْ َ ْ ُ‬
‫حكــم ب ِ َمــا أنــزل الل فأولئِـ‬ ‫قل ِيــلا ۚ َو َمــن لــم ي‬
‫فالقائــد األميــن هــو الــذي يســير فــي النــاس وفــق هدايــة اللــه‬
‫تعالــى ال يخشــى إال اللــه وهــو مــع ذلــك ال يشــتري بآيــات اللــه‬
‫ثمن ـ ًا قليـ ًـا أي ال يقــدم علــى مــراد اللــه حظ ـ ًا مــن حظــوظ‬
‫الدنيــا فــا يرتشــي وال يقــدم قريب ـ ًا أو صديق ـ ًا علــى مــن هــو‬
‫أكفــأ منــه وال يحابــي أحــد ًا وال يتنــازل عــن حــق وال يظلــم‬
‫لمصلحــة شــخصية فهــو يعطــي كل ذي حــق حقــة‪.‬‬
‫إن األمانــة فــي هــذا الســياق مفهــوم فــوق حفــظ الودائــع‬
‫العينيــة وأدائهــا بــل يتعــدى ذلــك ليشــمل صــدق القــول‬
‫والعــدل فــي اتخــاذ القــرار والنزاهــة والــورع وحســن الطويــة‪.‬‬
‫واألمانــة يصفهــا الغزالــي فيقــول‪( :‬فاألمانــة فــي نظــر‬
‫ـان شــتى‪ ،‬مناطها‬ ‫الشــارع واســعة الداللــة‪ ،‬وهــي ترمــز إلــى معـ ٍ‬
‫جميعـ ًا شــعور المــرء بتبعتــه فــي كل أمــر يــوكل إليــه‪ ،‬وإدراكــه‬
‫الجــازم بأنــه مســئول عنــه أمــام ربه)(((واالمانــة عنــد الطاهــر‬
‫بــن عاشــور (تســتدعي الحكمــة والعدالــة‪ ،‬إذ بالحكمــة يؤثــر‬
‫األفعــال الصالحــات ويتــرك الشــهوات الباطلــة‪ ،‬وبالعدالــة‬
‫((( السياسة الشرعية (ص ‪)13‬‬
‫((( خلق المسلم (ص ‪) 45‬‬

‫‪36‬‬
‫يوصــل الحقــوق إلــى أهلهــا)(((‪.‬‬
‫قــدم االمــر بــأداء‬ ‫إن اللــه تعالــى فــي ســورة النســاء ّ‬
‫األمانــة علــى األمــر بطاعــة ولــي االمــر ولعــل فــي‬
‫ذلــك إشــارة – واللــه تعالــى أعلــم ‪ -‬إلــى أهميــة قيــام‬
‫قبــل مطالبــة متبوعيهــم بحقوقهــم‪،‬‬ ‫ْ‬
‫القــادة بواجباتهــم‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫َّ َّ َ َ ُ ُ ُ ْ ُ َ ُّ َ َ‬
‫ــات إ ِ ٰل أهل َِهــا ِإَوذا‬
‫ــم أن تــؤدوا المان ِ‬ ‫قــال تعالــى ﴿ إِن الل يأمرك‬
‫ُ ُ‬
‫الل نِعِ َّمــا يَعِظكــم‬ ‫َْ ْ‬
‫ــدل ۚ إ َّن َّ َ‬ ‫ــن انلَّ ِ َ َ ْ ُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ك ْم ُتــم َب ْ َ‬ ‫ح‬
‫ــاس أن تكمــوا بِالع ِ ِ‬
‫َّ‬
‫اللَ‬ ‫ُ‬ ‫َ َُ َ‬ ‫ً َ َ ُّ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ َ َ َ‬
‫بِــهِ ۗ إِن الل كن ســ ِميعا ب ِصــرا ‪ 58‬يــا أيهــا الِيــن آمنــوا أطِيعــوا‬
‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫ََ ُ‬
‫ــم ۖ﴾(((‪ ،‬فالقائــد العــدل‬ ‫ِنك ْ‬ ‫ول ال ْمــرِ م‬ ‫َّ‬
‫وأطِيعــوا الرســول وأ ِ‬
‫األميــن يســتجلب طاعــة متبوعيــه بــكل يســر وســهولة‪.‬‬

‫ثــم تأمــل معــي هــذه العبــارة التــي ســاقها اللــه تعالــى‬


‫فــي ســورة الشــعراء علــى لســان نــوح وهــود و صالــح و لــوط و‬
‫ـول أَ ِمـ ٌ‬
‫ـن﴾ أليــس فــي هــذا داللــة باهــرة‬
‫ّ َ ُ ْ َُ ٌ‬
‫شــعيب‪ ﴿ :‬إ ِ ِن لكــم رسـ‬
‫علــى أن األمانــة صفــة مميــزة ألصحــاب الرســاالت بجميــع‬
‫أنواعهــا الســماوية واألرضيــة‪.‬‬

‫((( التحرير و التنوير (‪) 8/13‬‬


‫‪85‬‬ ‫((( سورة النساء‪ ،‬آية‬

‫‪37‬‬
‫ولقــد حــث النبــي ﷺ أمتــه علــى صفــة االمانــة‬
‫بأســاليب شــتى فهــو مــرة يجعــل االمانــة دليــل‬
‫علــى اإليمــان وعالمــة علــى وجــوده فــي قلــب‬
‫ــي‬ ‫ب‬ ‫ن‬ ‫ــا‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫ــا‬ ‫م‬ ‫‪:‬‬ ‫َــال‬ ‫ق‬ ‫‪،‬‬ ‫العبــد فع أَنــس بــن ما ِل ٍ‬
‫ــك‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ــنْ َ ِ ْ ِ َ‬
‫َــه ‪َ ،‬و َال ِد َ‬
‫يــن‬ ‫ــان ِل َمــنْ َال أَ َما َنــ َة ل ُ‬
‫ِيم َ‬ ‫‪(:‬ال إ َ‬ ‫اللــ ِه ﷺ إ َِّال ق َ‬
‫َــال َ‬
‫َــه)(((‪ .‬والحــظ هــذا التكــرار منــه ﷺ‬ ‫ــد ل ُ‬ ‫ِل َمــنْ َال َع ْه َ‬
‫لهــذا األمــر فــي كل خطبــة مــن خطبــه‪ .‬ومــرة أخــرى‬
‫يحفــز أتباعــه علــى التحلــي بهــا ويجعلهــا ربــع الدنيــا‬
‫ــول اللــ ِه ﷺ ق َ‬
‫َــال‪:‬‬ ‫ــرو ‪ ،‬أَ َّن َر ُس َ‬ ‫ــد اللــ ِه ْبــ ِن َع ْم ٍ‬‫كمــا روى َع ْب ِ‬
‫الد ْن َيــا‪:‬‬
‫ــن ُّ‬ ‫ــك ِم َ‬ ‫ــك َمــا فَا َت َ‬ ‫َــا َع َل ْي َ‬
‫يــك ‪ ،‬ف َ‬ ‫ــن ِف َ‬ ‫(أَ ْر َب ٌ‬
‫ــع ِإ َذا ُك َّ‬
‫ـة ‪َ ،‬و ِع َّفــةٌ ِفــي‬ ‫ـث‪ ،‬وحســن خ ِليقـ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ـظ أَ َما َنــة ‪َ ،‬و ِصـ ْـد ُق َح ِديـ َ ُ ْ ُ َ َ‬ ‫ِحفْ ـ ُ‬
‫ٍ‬
‫ُط ْع َمــة)(((‪.‬‬

‫إن هــذا التأكيــد المتواتــر بشــتى األنــواع علــى صفــة‬


‫األمانــة فــي كتــاب اللــه تعالــى وســنة رســوله ﷺ ينبغــي أن‬
‫يحفــز كل قائــد مســلم علــى التحلــي بهــا وممارســتها فــي كل‬
‫شــأن مــن شــؤونه‪.‬‬
‫((( أخرجه أحمد (‪ )375/19‬رقم‪12383‬و صححه األلباني في صحيح الجامع‪ )5021/2(.‬رقم‪7174‬‬
‫((( أخرجه أحمد (‪ )233/11‬رقم ‪ 6652‬و صححه األلباني في السلسلة الصحيحة (‪ )361/2‬رقم ‪733‬‬

‫‪38‬‬
‫قــام كل مــن جيــم كوزيــز و بــاري بوســنر بأبحــاث لعــدة‬
‫عقــود عــن أهــم صفــات القــادة وقــد شــملت بحوثهــم أكثــر‬
‫مــن ‪ 75‬ألــف شــخص عبــر العالــم وكانــت النتيجــة كمــا هــو‬
‫مبيــن فــي الشــكل ‪2‬ص ‪ ،44‬حيــث كانــت األمانــة هــي الصفــة‬
‫األهــم علــى مــر الســنين‪ ،‬إذ ذكــر ‪ %83‬مــن المشــاركين أن‬
‫األمانــة هــي أهــم صفــات القائــد عــام ‪1987‬م واســتمرت هــذه‬
‫النســبة فــي اإلزديــاد حتــى وصلــت ‪ %89‬عــام ‪2007‬م‪ .‬وعنــد‬
‫مقارنــة األمانــة بصفــات أخــرى كالــذكاء مثــا نجــد أن نســبة‬
‫الذيــن ذكــروا أن الــذكاء أهــم صفــات القائــد لــم تتجــاوز ‪%49‬‬
‫فــي أحســن األحــوال(((‪ ،‬وبنــاء علــى هــذه اإلســتبانة والتــي‬
‫امتــدت علــى مــدى عشــرين ســنة فــإن أمانــة القائــد تعــد‬
‫فــي األهميــة ضعفــي ذكائــه‪ ،‬وهــذه النتيجــة ليســت فــي‬
‫الحقيقــة مســتغربة ألن القائــد محــدود الــذكاء يمكــن أن‬
‫يســتعين بمســاعدين أذكيــاء لكــن القائــد الخائــن ال عــاج لــه!‬

‫((( (‪.) Cohn, J. & Moran, J., 2011‬‬

‫‪39‬‬
40
‫لكن النجاح الدنيوي الموصول‬
‫بالنجاح األخروي عزيز ‪ ..‬إال لمن وفقه‬
‫الله لتلمس العبودية في أعماله كلها‬

‫‪41‬‬
‫الرؤ َي ُة ال َي ِقي ِن َّي ُة‬
‫ُ‬
‫تتحــدث ُجــل ‪-‬إن لــم يكــن كل‪ -‬كتــب اإلدارة عــن أهميــة‬
‫الرؤيــة والرســالة للمؤسســة‪ ،‬إذ أن وجــود الرؤيــة والرســالة‬
‫لــدى المنظمــة يوحــد الوجهــة ويحــدد الهــدف لجميــع‬
‫العامليــن فيهــا ويجعــل كل قطاعــات المنظمــة تســير فــي إيقاع‬
‫تناغمــي لتحقيــق تلــك الرؤيــة والرســالة‪ ،‬أمــا مــن وجهــة‬
‫نظــر القيــادة اإلســامية فــإن رؤيــة القائــد البــد أن تكــون‬
‫رؤيــة يقينيــة نابعــة مــن يقيــن راســخ ال يتزعــزع بمــا ســتجنيه‬
‫المنظمــة أو المؤسســة‪ ،‬فالــكالم النظــري والشــعارات البراقــة‬
‫التــي تكتــب فــي كل مــكان ويرددهــا البعــض بــكل بــرود لــن‬
‫تغنــي عــن المنظمــة شــيئا‪ .‬البــد للقائــد أن يعيــش الرؤيــة‬
‫ويكــون مســتيقنا مــن تحققهــا! وســنتحدث بعــد قليــل لمــاذا‬
‫كانــت الرؤيــة اليقينيــة جــذرا فــي شــجرة القيــادة‪.‬‬
‫حينمــا كان النبــي ﷺ والمســلمين مســتضعفين فــي مكــة‬
‫أتــاه مــن شــكا لــه الحــال وطلــب منــه النصــرة‪ ،‬فتأمــل هــذا‬
‫الجــواب منــه ﷺ‪.....( :‬واللــه ليتمــن اللــه هــذا األمــر‬
‫حتــى يســير الراكــب مــا بيــن صنعــاء وحضرمــوت مــا يخــاف‬

‫‪43‬‬
‫(((‬
‫إال اللــه تعالــى والذئــب علــى غنمــه‪ ،‬ولكنكــم تعجلــون)‬
‫انــه ﷺ ُيقســم علــى أن اللــه ســيبدل خوفهــم أمنــا وأن ذلــك‬
‫ســيحدث ال محالــه‪ ،‬يقيــن راســخ ورؤيــة تمتــد لســنوات‬
‫طويلــة‪ .‬هــذه الرؤيــة اليقينيــة اســتمطرت كل معانــي الصبــر‬
‫والثبــات والتضحيــة لــدى األتبــاع حتــى لكأنهــم يــرون مــا يــراه‬
‫ﷺ‪ ،‬اقــرأ معــي هــذا الحــوار بينــه ﷺ وعــدي بيــن حاتــم قبل‬
‫إســامه‪( :‬ياعــدي بــن حاتــم أســلم تســلم فإنــي قــد أظــن – أو‬
‫قــد أرى أو كمــا قــال رســول اللــه ﷺ – أنــه مــا يمنعك أن ُتســلم‬
‫خصاصــة تراهــا مــن حولــي وتوشــك الظعينــة أن ترحــل مــن‬
‫الحيــرة بغيــر جــوار حتــى تطــوف بالبيــت ولتفتحــن علينــا‬
‫كنــوز كســرى بــن هرمــز‪ ،‬وليفيضــن المــال – أو ليفيــض –‬

‫ـم الرجــل مــن يقبــل منــه مالــه صدقــة)‪ ،‬قــال عــدي‬ ‫حتــى ُيهـ َ‬
‫بــن حاتــم ‪-‬بعــد أن أســلم‪( :-‬فقــد رأيــت الظعينــة ترحــل‬
‫مــن الحيــرة بغيــر جــوار حتــى تطــوف بالبيــت‪ ،‬وكنــت فــي‬
‫أول خيــل أغــارت علــى المدائــن علــى كنــوز كســرى بــن هرمــز‬
‫وأحلــف باللــه لتجيئــن الثالثــة‪ ،‬إنــه لقــول رســول اللــه ﷺ‬
‫لــي)‪ (((.‬لقــد مــات عــدي ابــن حاتــم ولــم يــرى الثالثــة لكــن‬
‫((( سنن أبي داود (‪ )47/3‬رقم ‪2649‬‬
‫((( صحيح ابن حبان (‪ )71/15‬رقم ‪6679‬‬

‫‪44‬‬
‫رآهــا مــن بعــده فــي عهــد عمــر بــن عبــد العزيــز رحمــه اللــه‬
‫تعالــى‪.‬‬
‫إن هــذا اليقيــن الراســخ بتلــك الرؤيــة التــي تمتــد إلــى مــا‬
‫بعــد مــوت المــرء هــو الــذي يحفــز القائــد وأتباعــه لمواصلــة‬
‫الســير والصبــر علــى مــا قــد يالقونــه فيــه مــن عنــت‬
‫ومشــقة‪ ،‬إنهــم يســيرون كالظمــأى لكنهــم يــرون غديــر المــاء‬
‫أمــام أعينهــم‪.‬‬
‫إن الرؤيــة اليقينيــة تقفــز باإلنســان فــوق األســباب الماديــة‬
‫ليــرى ممكنــا مــا يــراه غيــره ليــس بممكــن‪ .‬لقــد قــال الذيــن‬
‫َ‬
‫تجــاوزوا النهــر مــع طالــوت ‪ -‬أصحــاب الرؤيــة الماديــة ‪﴿-‬ل‬
‫ـو َم بَالُـ َ‬ ‫َ َ َ َ ْ‬
‫ـوت َو ُج ُنــودِه ِ ۚ﴾ فــرد عليهــم أصحــاب الرؤيــة‬ ‫طاقــة لَــا الَـ ْ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َّ َ ُ‬
‫ـن َيظ ُّنــون أن ُهــم ُّملقــو اللِ﴾ ﴿ كــم ّ ِمــن ف َِئـ ٍة قل ِيل ٍة‬ ‫اليقينيــة ﴿الِيـ‬
‫ـن﴾ فكانــت النتيجــة‬ ‫ـع َّ‬
‫الصابريـ َ‬ ‫َّ‬
‫الل َمـ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ـرة بـإذن اللِ ۗ َو ُ‬ ‫ً‬ ‫َ ََ ْ َ ً َ َ‬
‫ِِ‬ ‫غلبــت ف ِئــة كثِـ ِ ِ ِ‬
‫َ َ َ ُ ُ ْ َّ‬
‫اللِ﴾(((‪.‬‬ ‫﴿فهزموهم بِإِذ ِن‬

‫‪٢٥١‬‬ ‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية‬

‫‪45‬‬
‫لماذا جعلنا الرؤية جذر ًا؟‬
‫لقــد قصدنــا إضافــة لفظــة يقينيــة للرؤيــة ألن الرؤيــة‬
‫إذا لــم تكــن يقينيــة فــا جــدوى لهــا! إن الرؤيــة اليقينيــة‬
‫مغروســة فــي قلــب القائــد وأتباعــه فهــي بالنســبة لــه يقيــن‬
‫يــراه ويحســه بــكل حواســه‪ ،‬إنهــا رؤيــة يــكاد أن يقســم علــى‬
‫وقوعهــا ألنــه يراهــا رأي العيــن‪ ،‬إنهــا يقيــن ال يتطــرق إليــه‬
‫االحتمــال والشــك‪ .‬وألنهــا بهــذه المثابــة كانــت جــذر ًا عميق ـ ًا‬
‫فــي شــجرة القيــادة يمدهــا بالثبــات ويغــذي باقــي الصفــات‬
‫بمــا تحتاجــه حتــى تتحقــق‪ ،‬وعندمــا تكــون الرؤيــة يقينـ ًا فــي‬
‫قلــب القائــد فــإن صــدق لهجتــه فــي الحديــث عنهــا يتجــاوز‬
‫ســمع متبوعيــه إلــى قلوبهــم فهــم يحســون بمــا يحــس بــه‬
‫ويــكادون يــرون مــا يــراه‪ ،‬كمــا قــرأت قبــل قليــل فــي قصــة‬
‫عــدي بــن حاتــم‪ ،‬وهــم كذلــك أقــدر علــى التضحيــة فــي‬
‫ســبيلها والصبــر علــى طــول الطريــق فــي الســير إليهــا – كمــا‬
‫رأيــت فــي صبــر أصحابــه ﷺ فــي مكــة ‪ -‬ألنهــا أصبحــت‬
‫رؤيــة يقينيــة لهــم‪ ،‬قادهــم لهــا صــدق قائدهــم فــي الحديــث‬
‫عنهــا وغرســها فــي نفوســهم‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫قــام الدكتــور عمــر الصــاوي مــن جامعــة جنــوب كالفورنيــا‬
‫بدراســة أثــر عمــق الماضــي فــي نفــس القائــد علــى رؤيتــه‬
‫للمســتقبل‪ ،‬وخلــص بنتيجــة مفادهــا أنــه كلمــا كان الماضــي‬
‫أعمــق فــي نفــس القائــد كانــت رؤيتــه للمســتقبل أبعــد‪ ،‬فقــد‬
‫قســم ثالثــة وأربعيــن رئيــس شــركة إلــى مجموعتيــن‪ ،‬قــام‬
‫الرؤســاء فــي المجموعــة األولى بالنظــر لماضيهــم أوال والتركيز‬
‫فيــه وتذكــره بعنايــة ثــم كتابــة رؤيتهــم المســتقبلية‪ ،‬وقــام‬
‫الرؤســاء فــي المجموعــة الثانيــة بكتابــة رؤيتهــم المســتقبلية‬
‫بــدون تذكــر ماضيهــم‪ .‬فكانــت النتيجة أن الــرؤى المســتقبلية‬
‫للمشــاركين فــي المجموعــة األولــى كانــت أبعــد بمراحــل مــن‬
‫الــرؤى للمشــاركين فــي المجموعــة الثانيــة‪ .‬وعلــق الدكتــور‬
‫عمــر الصــاوي علــى هــذه النتيجــة بأننــا نبنــي مســتقبلنا عــن‬
‫طريــق االســتقراء لمــا كنــا عليــه فــي الماضــي(((‪ ،‬وأن الطريــق‬
‫للمســتقبل يبــدأ بالنظــر للماضــي‪ .‬وقــد ذكــر تشرشــل قبــل‬
‫أن المــرء ال يســتطيع أن يــرى فــي المســتقبل إال بعمــق رؤيتــه‬
‫للماضــي(((‪ ،‬لــذا فــإن رؤيتنــا المســتقبلية متجــذرة فــي ماضينا‬
‫ولــذا فهــي جــذر فــي شــجرة القيــادة‪.‬‬
‫((((‪.) Cohn, J. & Moran, J., 2011‬‬

‫((( المرجع السابق‬

‫‪47‬‬
48
‫الص ْب ُر‬
‫َّ‬
‫هنــا محــك العزيمــة! فحاجــة القائــد للصبــر كحاجــة‬
‫المــرء للمــاء‪ ،‬البــد للقائــد أن يصبــر حتــى يحقــق رؤيتــه‬
‫اليقينيــة! فلــن تكــون األرض مفروشــة بالــورود‪ .‬تأمــل حــال‬
‫األنبيــاء مــع أقوامهــم هــل كانــت حياتهــم بــردا وســاما؟! كال‪.‬‬
‫لكنهــم حينمــا كانــت رؤيتهــم يقينيــة واســتصحبوا الصبــر‬
‫مكنهــم اللــه فــي األرض وجعلهــم أئمــة تحقيقا‬ ‫طــوال الطريــق َّ‬
‫َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َّ ً َ ْ ُ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ُ َ َ ُ‬
‫لقولــه تعالــى ﴿وجعلنــا مِنهــم أئِمــة يهــدون بِأمرِنــا لمــا صــروا ۖ وكنوا‬
‫َ َ ُ ُ َ‬
‫ـون﴾(((‪ .‬وألن القيــادة كمــا ذكرنــا ســابقا عبــادة وطاعة‬ ‫بِآيات ِنــا يوق ِنـ‬
‫للــه تعالــى يرجــو مــن ورائهــا القائــد نصــرا ألمتــه أو نجاحــا‬
‫دنيويــا فــي مؤسســته أو عمــارة لــأرض أو بــذال فــي قطــاع‬
‫خيــري أو غيــر ذلــك فــإن مــن ســنة اللــه تعالــى التــي ال تنفــك‬
‫أنــه ال تمكيــن للمــرء إال بعــد اإلبتــاء‪ .‬ســأل رجــل الشــافعي‬
‫رحمــه اللــه فقــال‪ :‬يــا أبــا عبداللــه أيمــا أفضــل للرجــل أن‬
‫يمكــن حتــى يبتلــى‪،‬‬ ‫يمكــن أو يبتلــى؟ فقــال رحمــه اللــه‪( :‬ال َّ‬ ‫َّ‬
‫فــإن اللــه ابتلــى نوحــا وإبراهيــم وموســى وعيســى ومحمــدا‬

‫‪24‬‬ ‫((( سورة السجدة‪ ،‬آية‬

‫‪49‬‬
‫مكنهــم‪،‬‬
‫صلــوات اللــه وســامه عليهــم أجمعيــن فلمــا صبــروا َّ‬
‫فــا يظــن المــرء أن يخلــص مــن األلــم البتــة)(((‪.‬‬
‫وألن القيــادة جــزء مــن العبــادة والعبــادة جــزء مــن‬
‫اإليمــان فــإن اللــه ســيختبر صــدق القائــد فــي هــذه‬
‫العبــادة بشــتى أنــواع االختبــارات كمــا قــال تعالــى ﴿أَ َحس َ‬
‫ِــب‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ـد َف َت َّنــا َّالِيـ َ‬
‫ـن‬ ‫ـون ‪َ 2‬ولَ َقـ ْ‬‫َ ُ ُ َ َّ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ُ َ‬
‫تك ـوا أن يقول ـوا آمنــا وهــم ل يفتنـ‬
‫ُ َُْ‬
‫ـاس أن ي‬‫انلَّـ ُ‬

‫ــن﴾ (((‪.‬‬ ‫ــن الْ َكذِب َ‬ ‫الل َّال َ‬


‫ِيــن َص َدقُــوا َو َلَ ْعلَ َم َّ‬ ‫ــم ۖ فَلَ َي ْعلَ َم َّ‬
‫ــن َّ ُ‬ ‫مِــن َقبْلِه ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فالبــد للقائــد مــن اختبــار يتمحــص فيــه صدقــه وإخالصــه‪.‬‬
‫ولالبتــاء صــور شــتى الحصــر لهــا فقــد يكــون فــي صــورة‬
‫ضعــف مــوارد ماليــة أو بشــرية أو مشــاكل إداريــة أو صعوبــات‬
‫تنفيذيــة أو حــوادث أو قالقــل أو إشــاعات أو كــوارث طبيعيــة‬
‫أو نقــص مــواد أو ضعــف علمــي أو عملــي أو انهيــار عملــة أو‬
‫نقــص مخــزون أو تدنــي ســعر أو شــح عمالــة أو غيــر ذلــك‬
‫كثيــر‪ .‬فكلمــا كان القائــد متعلقــ ًا باللــه مخلصــ ًا فــي عملــه‬
‫رزقــه اللــه التوفيــق فــي هــذه االختبــارات كلهــا وأمــا إن لــم‬
‫يكــن كذلــك َو َك َلــه اللــه لنفســه ولمــا قــد يبذلــه مــن أســباب‬
‫((( الفوائد (ص ‪)208‬‬
‫(‪)2-1‬‬ ‫((( سورة العنكبوت‪ ،‬آية‬

‫‪50‬‬
‫ماديــة قــد تحقــق لــه نجاح ـ ًا ظاهــر ًا أو مؤقت ـ ًا وقــد ال يكــون‬
‫ذلــك فيخســر الحــظ الدنيــوي واألجــر األخــروي‪ .‬لــذا فــا‬
‫بــد للقائــد أن يتحلــى بالصبــر علــى مــا قــد يالقيــه وهــو‬
‫يســير بيقيــن نحــو رؤيتــه‪.‬‬
‫والتحلــي بالصبــر يعنــي طــول النفــس وعــدم اســتعجال‬
‫ُ ْ ََ‬
‫ـم فأنـذ ِْر‬ ‫النتائــج! تأمــل كــم مــن الزمــن بيــن قولــه تعالــى ﴿قـ‬
‫الل أَفْ َو ً‬
‫اجــا﴾‬
‫َّ‬
‫ـن ِ‬
‫ـ‬ ‫ِي‬ ‫د‬ ‫ف‬
‫َ َ َ ْ َ َّ َ َ ْ ُ ُ َ‬
‫﴾ (((وقولــه تعالــى ﴿ ورأيــت انلــاس يدخلـ‬
‫ـون‬
‫ِ ِ‬
‫(((‬

‫إنهــا ثــاث وعشــرون ســنة هــي عمــر دعوتــه ﷺ! لقــد ثبــت‬


‫ﷺ طــوال هــذه الســنين قائمــا بمــا أوجبــه اللــه عليــه صابــرا‬
‫محتســبا حتــى حقــق اللــه لــه رســالته فأكمــل بــه الديــن وأتــم‬
‫بــه النعمــة‪.‬‬
‫إن بعــض القــادة ضيقــوا العطــن ذوو نفــس قصيــر فــي‬
‫ســبيل تحقيــق الرؤيــة اليقينيــة فهــم يعجلــون كمــا قــال ﷺ‬
‫فــي حديــث ســابق‪ (((.‬فالبعــض يتــرك العمــل بمجــرد صعوبات‬
‫بســيطة واجههــا والبعــض اآلخــر يمــل ويــكل والبعــض األخــر‬
‫‪٢‬‬ ‫((( سورة المدثر‪ ،‬آية‬
‫((( سورة النصر‪ ،‬آية ‪٢‬‬
‫((( أنظر ص ‪48‬‬

‫‪51‬‬
‫ييئــس وغيــر ذلــك‪ .‬تجــد الواحــد مــن هــؤالء يتنقــل مــن‬
‫مــكان آلخــر ومــن إدارة ألخــرى‪ ،‬إن أمثــال هــؤالء لــن يحققــوا‬
‫نفعـ ًا عظيمـ ًا ألن الشــجرة ال تثمــر حتــى تضــرب بأعماقهــا فــي‬
‫األرض بــكل ثبــات‪.‬‬
‫آفــة الكثيــر مــن الكفــاءات فــي عالمنــا العربــي واإلســامي‬
‫االســتعجال‪ ،‬فهــم يريــدون تحقيــق الكثيــر مــن النتائــج فــي‬
‫أســرع األوقــات وهــذا محــال فــي ســنن اللــه الكونيــة‪ ،‬فإنــه‬
‫تعالــى خلــق الســموات واألرض فــي ســتة أيــام مــع قدرتــه‬
‫تعالــى علــى قــول كــن‪ ،‬وهــذا االســتعجال هــو أيضــا أحــد‬
‫األســباب فــي غلــو بعــض الشــباب وتنكبهم الســبيل فــي تحقيق‬
‫الخالفــة اإلســامية التــي يزعمــون‪ ،‬فهــم يريــدون الوصــول‬
‫ألعلــى الهــرم بأقــرب وســيلة فيمــا يظنــون‪ ،‬عــن طريــق‬
‫التفجيــرات واالنقالبــات‪ ،‬بعيــد ًا عــن هــدي الكتــاب والســنة‬
‫واســتقالال عــن رأي ذوي البصيــرة مــن العلمــاء وأولــي األمــر‪.‬‬
‫فينبغــي للقائــد أن يثبــت فــي مكانــه حتــى يصلــب عــوده‬
‫وتصقــل مهارتــه وينضــج فكــره مــن خــال الممارســات التــي‬
‫ينتهجهــا واالختبــارات التــي يقــع تحتهــا ثــم يبــدأ بعــد ذلــك‬
‫فــي العطــاء الالمحــدود‪ .‬إن أغلــب النجاحــات العظيمــة‬

‫‪52‬‬
‫التــي رأيناهــا كانــت ألنــاس شــابت لحاهــم وهــم ثابتــون علــى‬
‫مكــن اللــه لهــم فيمــا هــم فيــه‪.‬‬
‫مبادئهــم حتــى َّ‬
‫ســار ســراقة ابــن مالــك خلــف الرســول ﷺ وصاحبــه فــي‬
‫يمنــي نفســه بجائــزة قريــش إن د َّلهــم‬
‫هجرتهمــا للمدينــة وهــو ّ‬
‫علــى مكانــه ﷺ وصاحبــه‪ ،‬لكــن اللــه كان يريــد لــه شــيئا‬
‫وأجــل‪ .‬اســتطاع ســراقة رؤيــة النبــي ﷺ‬ ‫ّ‬ ‫آخــر هــو أعظــم‬
‫وصاحبــه لكــن قدمــا فرســه ســاخت فــي األرض بقــدرة اللــه‬
‫فوعــده رســول اللــه ﷺ بســواري كســرى ان هــو رجــع ولــم‬
‫يخبــر قريشــ ًا بمكانهمــا(((‪ ،‬ففعــل ســراقة رضــي اللــه عنــه‬
‫ذلــك لكنــه لــم يلبــس ســواري كســرى إال فــي خالفــة عمــر بــن‬
‫الخطــاب رضــي اللــه عنــه!((( انظــر إلــى هــذا الثبــات طــوال‬
‫هــذه الســنون‪ ،‬ألــم يمكنــه رضــي اللــه عنــه أن ّيكــذب وعــد‬
‫رســول اللــه بعــد مــرور عــام أو عاميــن؟‪ ،‬ألــم يمكنــه أن يرتـ ّـد‬
‫بعــد موتــه ﷺ وهــو لــم يحقــق لــه مــا وعــده؟ انــه الصبــر‬
‫المتعلــق باليقيــن بالموعــود وصــدق الواعــد‪.‬‬

‫((( اإلصابة في تمييز الصحابة ( ‪ ) 35/3‬ترجمة رقم ‪3122‬‬


‫((( المرجع السابق‬

‫‪53‬‬
54
‫الق َّو ُة‬
‫ُ‬
‫ننتقــل بهــذه الصفــة مــن الجــذور (وهــي الصفــات‬
‫الخفيــة) إلــى الســاق (وهــي أولــى الصفــات الظاهــرة)‪ .‬فــإذا‬
‫كانــت صفــات اإلخــاص واألمانــة والرؤيــة اليقينيــة والصبــر‬
‫تمثــل الــروح فــإن القــوة تمثــل الجســد بالنســبة للقائــد‪ .‬وقــد‬
‫ذكــر اللــه تعالــى القــوة بوصفيــن مختلفيــن فــي كتابــه العزيــز‬
‫همــا القــوة والمكانــة‪ ،‬فقــد قــال تعالــى حكايــة عــن موســى‬
‫علــى لســان أحــدى الفتاتيــن ألبيهــا فــي ســورة القصــص‬
‫ـن﴾(((‪ .‬وقــال الملــك ليوســف‬ ‫ت الْ َقــو ُّي ْالَ ِمـ ُ‬ ‫ـتأ ْ َج ْر َ‬ ‫اسـ َ‬ ‫﴿إ َّن َخـ ْ َ‬
‫ـر َمــن ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫عليــه الســام﴿إنك الَـ ْ‬
‫ـوم لينــا م ِكــن أ ِمــن﴾((( والمكانــة تعنــي ‪-‬‬ ‫ِ‬
‫كمــا قــال الطاهــر بــن عاشــور رحمــه اللــه ‪ -‬القــوة العلميــة‬
‫والقــدرة العمليــة(((‪ .‬فالقــوة للقائــد تعنــي العلــم التــام بمــا‬
‫يريــد والقــدرة التامــة علــى تنفيــذ مــا يريــد‪.‬‬
‫وبمعنــى آخــر فــإن القــوة ماديــة ومعنويــة‪ ،‬فالماديــة تمثــل‬
‫‪٢٦‬‬ ‫((( سورة القصص‪ ،‬آية‬
‫((( سورة يوسف‪ ،‬آية ‪٥٤‬‬
‫((( التحرير و التنوير ( ‪) 8 / 13‬‬

‫‪55‬‬
‫قــوة الجســد والممتلــكات‪ ،‬والمعنويــة تمثــل قــوة العلــم واإلرادة‬
‫أال تــرى أن اللــه تعالــى أمــد طالــوت بهاتيــن الصفتيــن‬
‫َ َ َُ َ ْ َ ً ْ ْ َ ْ‬
‫ال ْســ ِم﴾(((إن قــوة اإلرادة‬ ‫فقــال تعالــى ﴿وزاده بســطة ِف العِلــ ِم و ِ‬
‫فــي الســير نحــو الرؤيــة اليقينيــة مبنيــة علــى العلــم‬
‫بصــاح تلــك الرؤيــة وأهليتهــا للســير نحوهــا‪ .‬وهــذه‬
‫القــوة فــي العلــم واإلرادة تحتــاج لقــوة الجســم ليصبــر‬
‫علــى مــا يالقيــه مــن صعوبــات فــي ذلكــم الطريــق‪.‬‬
‫وقــوة الجســم ال تعنــي هنــا قــوة جســم القائــد ولكــن‬
‫تعنــي قــوة جســم المؤسســة بكامــل إمكاناتهــا مــن موظفيــن‬
‫وممتلــكات‪ .‬أال تــرى أن طالــوت اختبــر قــوة جنــوده فــي‬
‫ْ ُ َّ‬ ‫َ َ‬
‫ــه إِل‬ ‫ش ُبــوا مِن‬ ‫الصبــر علــى العطــش عنــد عبــور النهــر ﴿ف ِ‬
‫ُ َ َ َّ‬ ‫َ ً ْ‬
‫ـه﴾((( ‪ .‬إن‬ ‫ـن َآم ُنــوا َم َعـ ُ‬
‫اليـ َ‬ ‫قل ِيــا ّمِن ُه ْم﴾(((فلــم يجــاوزه إال ﴿ هــو و ِ‬
‫هــذا االختبــار لقــوة الجيــش ونفــي الضعــف عنــه هــو أحــد‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الدعائــم الرئيســية لالنتصــار حتــى كانــت النتيجــة ﴿ف َه َز ُموهــم‬
‫ْ َّ‬
‫المخذليــن‬
‫ّ‬ ‫اللِ﴾(((إن القائــد ال ينفــك عــن وجــود بعــض‬ ‫ب ِـإِذ ِن‬
‫‪٢٤٧‬‬ ‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية ‪٢٤٩‬‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية ‪٢٤٩‬‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية ‪٢٥٢‬‬

‫‪56‬‬
‫والخائفيــن والمتقاعســين فــي منظمتــه لكنــه ينبغــي أن يتعامل‬
‫معهــم بحــزم كــي ال يخذلــوه عــن تحقيــق مــا يصبــو إليــه‪.‬‬
‫فأنــت تــرى مثــا أن بعــض مــن جــاوز النهــر مــع طالــوت قــال‬
‫ـو َم بَالُـ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ‬
‫ـوت َو ُج ُنــودِه ِ﴾((( وقــال بعــض أصحــاب‬ ‫لــه ﴿ل طاقــة لَــا الَـ ْ ِ‬
‫َ (((‬ ‫َ ْ َ ْ َ َ َ َ ُّ َ َ َ َ َّ َ ُ‬
‫اه َنــا قَا ِعـ ُ‬
‫ـدون﴾‬ ‫موســى لــه ﴿فاذهــب أنــت وربــك فقاتِــا إِنــا ه‬
‫َ ُ‬
‫ِيكــمْ‬ ‫وقــال اللــه عــن بعــض الصحابــة فــي غــزوة تبــوك ﴿وف‬
‫ـم﴾((( أي ســماعون لتخذيــل المنافقيــن وصدهــم عن‬ ‫ون ل َ ُهـ ْ‬
‫َ َّ ُ َ‬
‫ســماع‬
‫الجهــاد‪ ،‬كمــا قــال الســعدي رحمــه اللــه(((‪ .‬إن القائــد الملهــم‬
‫هــو مــن يســتطيع أن يتعامــل مــع هــؤالء بقــوة مــع االحتفــاظ‬
‫بخاصيــة االســتيعاب التــي ســنتحدث عنهــا فيمــا بعــد‪.‬‬
‫والقــوة يختلــف مضمونهــا باختــاف مــكان القائــد والــدور‬
‫الــذي يلعبــه‪ .‬يقــول شــيخ االســام ابــن تيميــة رحمــه اللــه‪:‬‬
‫( والقــوة فــي كل واليــة بحســبها فالقــوة فــي إمــارة الحــرب‬
‫ترجــع إلــى شــجاعة القلــب وإلــى الخبــرة بالحــروب والمخادعة‬
‫فيهــا‪ ،‬فــإن الحــرب ُخ ْد َعــةٌ ‪ ،‬وإلــى القــدرة علــى أنــواع القتــال‪:‬‬
‫‪٢٤٩‬‬ ‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية‬
‫((( سورة المائدة‪ ،‬آية ‪٢٤‬‬
‫((( سورة التوبة‪ ،‬آية ‪٤٧‬‬
‫((( تيسير الكريم المنان في تفسير كالم الرحمن (ص ‪)387‬‬

‫‪57‬‬
‫مــن رمــي وطعــن وضــرب وركــوب وكــر وفــر‪ ،...‬والقــوة فــي‬
‫الحكــم بيــن النــاس ترجــع إلــى العلــم بالعــدل الــذي دل عليــه‬
‫الكتــاب والســنة‪ ،‬وإلــى القــدرة علــى تنفيــذ األحــكام)(((‪.‬‬

‫((( السياسة الشرعية (ص ‪) 13‬‬

‫‪58‬‬
‫القوة واألمانة‬
‫القــوة واألمانــة للقائــد توأمــان الينبغــي أن يتخلــف أحــد‬
‫منهمــا‪ .‬فالقائــد األميــن الضعيــف ال يغنــي عــن المؤسســة‬
‫شــيئا ألن أمانتــه وحدهــا ال تكفــي في دفــع عجلــة اإلدارة لألمام‬
‫وال فــي رد المتربصيــن بهــا والكائديــن لهــا‪ ،‬والمنظمــة التــي‬
‫يقودهــا قــوي خائــن ســرعان مــا تهــوي ألنهــا شــجرة خبيثــة‬
‫جذورهــا فاســده‪ .‬إن األمانــة – كمــا يقــول الدكتــور بــكار ‪-‬‬
‫قيــد علــى القــوة ‪ ،‬فهــي التــي تحــدد مجــاالت اســتخدامها‬
‫وكيفياتــه(((‪.‬‬
‫والقائــد القــوي األميــن فــي النــاس قليــل لألســف‪ ،‬إذ‬
‫يقــول شــيخ اإلســام رحمــه اللــه‪( :‬إن اجتمــاع القــوة واألمانــة‬
‫فــي النــاس قليــل‪ ،‬ولهــذا كان عمــر بــن الخطــاب رضــي‬
‫اللــه عنــه يقــول‪ :‬اللهــم أشــكوا إليــك جلــد الفاجــر وعجــز‬
‫الثقــة)(((‪ .‬ويقــول الدكتــور عبــد الكريــم بــكار ‪( :‬ســوف يظــل‬
‫النمــط الــذي يجمــع بيــن القــوة واألمانــة نــادر ًا فــي بنــي‬

‫((( في إشراقة آية (ص ‪) 87‬‬


‫((( السياسة الشرعية (ص ‪)15‬‬

‫‪59‬‬
‫اإلنســان وكلمــا اقتربــا مــن الكمــال فــي شــخص صــار وجــوده‬
‫أكثــر نــدرة ‪ ،‬والقــوي الــذي ال يؤتمــن‪ ،‬والموثــوق العاجــز هــم‬
‫أكثــر النــاس ‪ ،‬والذيــن فيهــم شــيء مــن القــوة وشــيء مــن‬
‫األمانــة كثيــرون ‪ ،‬وقــد روي عــن عمــر رضــي اللــه عنــه قولــه‬
‫‪( :‬أشــكو إلــى اللــه َج َلــد الفاجــر وعجــز الثقــة) ‪ ،‬فــكل منهمــا‬
‫ال يمثــل المســلم المطلــوب ‪ ،‬ودخــل عمــر أيض ـ ًا علــى لفيــف‬
‫مــن الصحابــة فــي مجلــس لهــم فوجدهــم يتمنــون ضروبــ ًا‬
‫مــن الخيــر ‪ ،‬فقــال ‪ :‬أمــا أنــا فأتمنــى أن يكــون لــي مــلء هــذا‬
‫البيــت مــن أمثــال ســعيد بــن عامــر الجمحــي ‪ ،‬فأســتعين‬
‫بهــم علــى أمــور المســلمين)(((‪ .‬لمــاذا ســعيد بــن عامــر؟ ألنــه‬
‫قــوي أمين‪.‬وعنــد فقــد القائــد المتصــف بالقــوة واألمانــة فــإن‬
‫(الواجــب فــي كل واليــة األصلــح بحســبها‪ ،‬فــإذا تعيــن رجــان‬
‫أحدهمــا أعظــم أمانــة‪ ،‬واآلخــر أعظــم قــو ًة‪ ،‬قــدم أنفعهمــا‬
‫لتلــك الواليــة‪ ،‬وأقلهمــا ضــرر ًا فيهــا‪ ،‬فتقــدم فــي إمــارة‬
‫الحــروب الرجــل القــوي الشــجاع وإن كان فيــه فجــور‪ ،‬علــى‬
‫الرجــل الضعيــف العاجــز وإن كان أمين ـ ًا‪.‬‬
‫وقــد ســئل اإلمــام أحمــد‪ :‬عــن الرجليــن يكونــان أميريــن‬
‫((( في إشراقة آية (ص ‪)87‬‬

‫‪60‬‬
‫فــي الغــزو‪ ،‬وأحدهمــا قــوي فاجــر‪ ،‬واآلخــر صالــح ضعيــف مع‬
‫أيهمــا ُيغــزى؟ فقــال‪ :‬أمــا الفاجــر القــوي فقوتــه للمســلمين‪،‬‬
‫وفجــوره علــى نفســه‪ ،‬وأمــا الصالــح الضعيــف فصالحه لنفســه‬
‫(((‬
‫وضعفــه علــى المســلمين‪ ،‬فيغــزى مــع القــوي الفاجــر‪).‬‬
‫وبعــد أن تجاوزنــا الجــذور والســاق نصــل إلــى أغصــان شــجرة‬
‫القيــادة والتــي تمثلهــا الصفــات األربــع‪ :‬اإلحســان و الليــن‬
‫واالســتيعاب والشــورى‪.‬‬

‫((( السياسة الشرعية (ص ‪)15‬‬

‫‪61‬‬
62
‫اإلح َس ُان‬
‫ْ‬
‫ال يقصــد باإلحســان هنــا المرتبــة الثالثــة مــن مراتــب‬
‫الديــن بعــد اإلســام واإليمــان وإنمــا يقصــد بــه المعنــى‬
‫العــام لإلحســان وهــو بلــوغ الغايــة القصــوى المســتطاعة مــن‬
‫تحســين األداء والبلــوغ بــه إلــى أعلــى درجــات االمتيــاز‪ .‬وهــو‬
‫بهــذا المعنــى ينطبــق علــى اإلتقــان المذكــور فــي قولــه ﷺ‬
‫(((‬
‫( إن اللــه تعالــى يحــب إذا عمــل أحدكــم عمــا أن يتقنــه)‬
‫واإلحســان هــو مــراد اللــه تعالــى مــن كل عمــل نعملــه لــه‬
‫ســبحانه كمــا قــال تعالــى فــي ثــاث آيــات ليــس لهــن رابعــة﴿‬
‫ً‬ ‫َلبْلُ َو ُه ْم َأ ُّي ُه ْم أَ ْ‬ ‫َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُّ ُ ْ َ ْ َ ُ َ ً‬
‫ـن َع َمــا﴾(((‪.‬‬ ‫ح َسـ ُ‬ ‫ـن ع َمــا﴾(((‪ِ ﴿ ،‬‬
‫ِلبلوكــم أيكــم أحسـ‬
‫وإحســان العمــل وإتقانــه ممــا اتصــف اللــه ســبحانه وتعالــى به‬
‫ْ َ َ‬
‫ـال َتْ َسـ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫ـب َها‬ ‫فــي خلقــه لهــذا الكــون كمــا قــال تعالــى ﴿وتــرى ِ‬
‫البـ‬
‫ش ٍء إنَّ ُه َخب ٌ‬‫ُ ْ َ َّ َّ َ ْ َ َ ُ َّ َ‬ ‫َ َ ً َ َ َ ُ ُّ َ َّ َّ َ‬
‫ري ب ِ َما‬‫ِ‬ ‫اب صنــع اللِ الِي أتقــن ك ْ ِ‬ ‫جا ِمــدة و ِه تمر مر الســح ِ‬
‫ََُْ َ‬
‫ـون﴾(((‪ .‬وقــد أمرنــا اللــه تعالــى باإلحســان وذكــر أنه يحب‬ ‫تفعلـ‬
‫((( حســنه األلباني في صحيح الجامع (‪ )383/1‬رقم ‪.1880‬‬
‫((( ســورة الملك‪ ،‬آية ‪ ٢‬و سورة هود‪ ،‬آية ‪٧‬‬
‫‪7‬‬‫((( سورة الكهف‪ ،‬آية‬
‫((( سورة النمل‪ ،‬آية ‪88‬‬

‫‪63‬‬
‫المحســنين كمــا قال تعالــى ﴿ َ َ ْ ُ َّ َّ َ ُي ُّ ْ ْ‬
‫(((‬
‫ِب ال ُمح ِ‬
‫سـنِني ﴾‬ ‫ســنوا إِن الل‬
‫وأح ِ‬
‫وإتقــان العمــل وإحســانه يعنــي اإلجــادة واإلحــكام والضبــط‪.‬‬
‫وهــذا هــو هاجــس كثيــر مــن المؤسســات والمنظمــات فــي‬
‫جميــع القطاعــات فهــي تتســابق للحصــول علــى شــهادات‬
‫الجــودة واآليــزو والســيجما وغيرهــا لتضمــن جــودة العمــل‬
‫وإحكامــه ألنهــا تصــل بذلــك ألهــداف رســمتها مــن إرضــاء‬
‫العميــل ومنافســة الغيــر وتقليــل الهــدر وغيرهــا مــن األهــداف‬
‫ذات القيمــة المضافــة‪.‬‬
‫لكننــا هنــا نريــد مــن القائــد أن يزيــد ذلــك الهــدف ســموا‬
‫فينــوي باإلحســان أوال رضــى اللــه تعالــى‪ ،‬ثــم مــا يصبــو إليــه‬
‫مــن أهــداف تحقــق لــه الميــزة التنافســية الشــريفة التــي‬
‫تجعــل إدارتــه أكثــر إنتاجــا وأعلــى ربحيــة‪ .‬ولهــذا الســبب‬
‫آثرنــا اختيــار لفــظ اإلحســان علــى غيــره مــن المصطلحــات‬
‫كاإلتقــان واإلحــكام والجــودة وغيرهــا‪.‬‬
‫ولكي يتصف القائد بصفة اإلحسان فإنه بحاجة لتذكر النقاط‬
‫التالية‪-:‬‬

‫‪١٩٥‬‬ ‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية‬

‫‪64‬‬
‫•أداء عمــل واحــد بإحســان خيــر مــن أداء‬
‫أعمــال كثيــرة بدرجــة أقــل منــه لســببين‪:‬‬
‫الســبب األول‪ :‬أن اللــه تعالــى ذكــر فــي اآليــات‬
‫الســابقة أن االبتــاء فــي هــذه الدنيــا علــى‬
‫علــى كثرتــه‪ .‬كمــا قــال‬ ‫َ‬
‫إحســان العمــل َال‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫﴿لَبْلُ َو ُكـ ْ‬
‫ـم أيُّكـ ْ‬
‫ـم أح َسـ ُ‬
‫ـن ع َمــا ۚ﴾((( ولــم‬ ‫تعالــى ِ‬
‫يقــل ليبلوكــم أيكــم أكثــر عمــا‪ .‬ولهــذا‬
‫فــإن علــى القائــد أن يســتصحب هــذا المعنــى‬
‫وهــو يبــذل جهــده فــي إدارتــه ليكــون عملــه‬
‫موافقــ ًا لمــراد اللــه منــه فيمــا يقــوم بــه‪.‬‬
‫الســبب الثانــي‪ :‬أن الكثيــر مــن الشــركات‬
‫والمؤسســات الناجحــة بــرزت فــي بعــض‬
‫منتجاتهــا أو خدماتهــا حتــى عرفــت بهــا مــع‬
‫أن لهــا أعمــال أخــرى كثيــرة تشــاركها فيهــا‬
‫غيرهــا مــن الشــركات والمؤسســات لكــن‬
‫نجاحهــم فــي إتقــان بعــض منتجاتهــم أو‬
‫خدماتهــم جعــل لهــم قيمــة مضافــة علــى‬
‫غيرهــم مــن منافســيهم‪.‬‬
‫((( سورة الملك‪ ،‬آية ‪٢‬‬

‫‪65‬‬
‫•اإلحســان يجعــل القائــد يعطــي أكثــر ممــا‬
‫عليــه ويأخــذ أقــل ممــا لــه‪ ،‬وهــو بهــذا‬
‫المعنــى يتفــوق علــى كثيــر مــن المعانــي‬
‫األخــرى ‪ -‬كاإلتقــان والجــودة ‪ -‬ألنــه ينحــى‬
‫بالقائــد نحــو تقديــم غيــره علــى نفســه وجعل‬
‫همــوم الموظفيــن وطموحاتهــم وأمالهــم فــوق‬
‫همومــه وطموحاتــه وآمالــه‪ ،‬وعندمــا يشــعر‬
‫الموظفــون بذلــك فــا تســل عــن مــدى‬
‫بذلهــم وتضحيتهــم وتفانيهــم‪.‬‬
‫•أن يطبــق اإلحســان بمفهومــه الشــامل؛ يقــول‬
‫ﷺ (إن اللــه كتــب اإلحســان علــى كل شــيئ‬
‫فــإذا قتلتــم فأحســنوا القتلــة وإذا ذبحتــم‬
‫فأحســنوا الذبــح)(((‪ .‬أرأيــت قولــه"كل‬
‫شــيء"! إنــه يشــمل اإلحســان فــي مبتــدأ‬
‫العمــل ووســطه ومنتهــاه‪ ،‬ويشــمل اإلحســان‬
‫الحســي والمعنــوي‪ ،‬ويشــمل اإلحســان القولــي‬
‫والعملــي‪ ،‬ويشــمل اإلحســان للموظــف والعميل‬
‫ـورد والمنافــس‪ ،‬ويشــمل اإلحســان للبيئــة‬
‫والمـ ّ‬
‫((( رواه مسلم(‪ )1548/3‬رقم ‪.1955‬‬

‫‪66‬‬
‫والمجتمــع‪ ،‬إلــى غيــر ذلــك مــن وجــوه‬
‫اإلحســان المختلفــة‪.‬‬
‫•ينبغــي أن يتذكــر القائــد أن إحســانه ليــس‬
‫فضــا منــه بــل هــو مجــرد رد لجميــل اللــه‬
‫تعالــى عليــه بمــا أعطــاه إيــاه مــن صنــوف‬
‫النعــم المختلفــة‪ ،‬ومنهــا مــا حبــاه بــه مــن‬
‫ـال‪ ،‬وهــذا امتثــاال لقولــه‬‫َ‬
‫ووجاهــة ومـ‬ ‫َ‬
‫منصــب‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ـن ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ســن ك َمــا أح َسـ َ‬ ‫ْ‬ ‫تعالــى َ‬
‫الل إِلْــك﴾((( ‪.‬‬ ‫﴿وأح ِ‬

‫•وأخيــرا ينبغــي للقائــد أن يتذكــر أن إحســانه‬


‫للخلــق والســيما مــن تحــت يــده يجعلــه مــن‬
‫خيــر خلــق اللــه كمــا قــال ﷺ (المؤمــن يألف‬
‫و يؤلــف ‪ ،‬و ال خيــر فيمــن ال يألــف و ال يؤلــف ‪،‬‬
‫(((‬
‫و خيــر النــاس أنفعهــم للنــاس‪).‬‬

‫((( سورة القصص‪ ،‬آية ‪٧٧‬‬


‫((( السلسلة الصحيحة(‪ )787/1‬رقم ‪426‬‬

‫‪67‬‬
68
‫ـيـن‬
‫الـل ُ‬
‫ِّ‬
‫الغصــن الثانــي مــن أغصــان شــجرة القيــادة هــو الليــن‬
‫وهــو المذكــور فــي قولــه تعالــى لنبيــه عليــه الصــاة الســام‬
‫َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ َ َ ًّ َ َ ْ َ ْ َ َ ُّ‬ ‫َ َ َ ْ َ ّ َ َّ‬
‫ـب لنفضوا‬‫﴿فبِمــا رحـ ٍة ِمــن اللِ لِ ــت لهم ولــو كنت فظا غل ِيــظ ال ْق َلـ ِ‬
‫ـر﴾(((‪ .‬إن‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ ُْ ْ َ ْ َ ْ ْ َُ ْ َ َ ُْ ْ‬
‫ِمــن حولِــك فاعــف عنهــم واســتغفِر لهــم وشــاوِرهم ِف المـ ِ‬
‫الليــن كمــا تــرى رحمــة مــن اللــه وهبهــا لنبيــه عليــه الصــاة‬
‫والســام كانــت ســببا فــي إقبــال أصحابــه عليــة والتفافهــم‬
‫حولــه وتضحيتهــم لمــراده‪ .‬ولــو عــدم ذلــك ‪ -‬وحاشــاه‬
‫ْ َ ْ َ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫ـك﴾(((‪ ،‬هــذا وهــو ﷺ‬ ‫‪ -‬لكانــت النتيجــة ﴿ لنفضــوا ِمــن حولِـ‬
‫لديــه مــن األســباب األخــرى مــا يؤيــده ُويقنــع بــه مــن حولــه‬
‫مــن القــرآن الــذي ينــزل عليــه بيــن حيــن وآخــر والمعجــزات‬
‫التــي وهبهــا اللــه إيــاه كشــق القمــر‪ ،‬وتســبيح الحصــى فــي‬
‫يــده‪ ،‬وإســرائه ومعراجــه‪ ،‬وحنيــن الجــذع لــه‪ ،‬ووفــرة الطعــام‬
‫القليــل للنفــر الكثيــر وغيرهــا مــن المعجــزات واآليــات التــي‬
‫ُتقنــع مــن حولــه بصــواب دعوتــه وصحــة منهجــه‪ .‬لكــن‬
‫اللــه تعالــى يقــول لــه إن الليــن الــذي وهبــك اللــه إيــاه كان‬
‫((( سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪159‬‬
‫((( سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪159‬‬

‫‪69‬‬
‫الســبب الرئيــس فــي بقــاء أصحابــك حولــك وخضوعهــم‬
‫لتوجيهاتــك‪ .‬إذا كان هــذا فــي حقــة ﷺ فكيــف بــك أنــت أيهــا‬
‫القائــد وليــس لديــك مــن تلــك المؤيــدات شــيء! وهــذا الليــن‬
‫الناتــج عــن الرحمــة غيــر ذلــك الليــن الــذي ســببه دوافــع‬
‫آنيــة‪ .‬إن ليــن الرحمــة ليــن‬ ‫ماديــة ومصالــح شــخصية ومــآرب ّ‬
‫أصيــل ال تغيــره الحــوادث وال تؤثــر فيــه المواقــف‪ ،‬إنــه ليــن‬
‫ينبــع مــن القلــب فيصــل إلــى قلــوب التابعيــن ويؤثــر فيهــم‪،‬‬
‫و هــذا النــوع مــن الليــن يســتحث القائــد علــى العفــو عمــن‬
‫تحتــه وتجــاوز ذلــك العفــو إلــى مرحلــة أعلــى وهــي االســتغفار‬
‫لهــم ثــم بعــد ذلــك مشــاورتهم فيمــا يهمهــم مــن مصالحهــم‬
‫كمــا ســنتحدث عنــه قريبــا فــي صفــة الشــورى‪ ،‬لذلــك قــال‬
‫َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ َ َ ًّ َ َ ْ َ ْ‬ ‫َ َ َ ْ َ ّ َ َّ‬
‫تعالــى ﴿ فبِمــا رحـ ٍة ِمــن اللِ لِ ــت لهــم ولــو كنــت فظــا غل ِيــظ القلـ ِ‬
‫ـب‬
‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ ُ َ ُْ ْ َ ْ َ ْ ْ َُ ْ َ‬ ‫َ َ ُّ‬
‫ـم َوشــاوِ ْره ْم ِف ال ْمــرِ﴾(((‪.‬‬
‫لنفضـوا ِمــن حول ِك فاعــف عنهم واســتغفِر لهـ‬
‫إن صفــة الليــن ال تعــارض صفــة القــوة كمــا قــد يفهمــه‬
‫البعــض‪ ،‬فالقــوة يرادفهــا الضعــف‪ ،‬والليــن يرادفــه‬
‫الفظاظــة والغلظــة‪ ،‬فالقائــد الفــذ قــوي فــي ليــن‪.‬‬
‫فمحمــد ﷺ الــذي قــال عـــن بـنتـــه فـــاطمة رضي اللــه عنها‬

‫‪159‬‬ ‫((( سورة آل عمران‪ ،‬آية‬

‫‪70‬‬
‫(فاطمــة بضعــة منــي)((( قال‪(:‬لــو أن فاطمــة بنــت محمــد‬
‫ســرقت لقطعــت يدهــا)((( فحبــه لهــا وعطفــه عليهــا وشــفقته‬
‫بهــا ال يمنعــه مــن إقامــة حــد اللــه فيهــا لــو أنهــا ســرقت‬
‫وحاشــاها‪.‬‬
‫إن القائــد يســتدر بلينــه قلــوب مــن تحــت يــده‪،‬‬
‫فيطيعــوه حبــ ًا ويمتثلــوا أمــره تقديــر ًا واحترامــ ًا‪ ،‬إنــه‬
‫ليــس بحاجــة للوقــوف علــى رؤوســهم لينفــذوا أوامــره‪،‬‬
‫بــل هــو معهــم فــي قلوبهــم وهــو حاضــر وإن كان غائبــ ًا‪.‬‬
‫ـر﴾((( كيــف أتــى بعــد الليــن‬ ‫﴿و َشــاو ْر ُه ْم ف ْالَ ْ‬
‫أرأيــت قولــه تعالى َ‬
‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعفــو االســتغفار؟ إنــه يؤيــد مــا نــراه يوميــا فــي حياتنــا‬
‫يهبــه‬
‫ُ‬ ‫العمليــة مــن أن الموظــف ال يفتــح قلبــه للقائــد وال‬
‫قدراتــه وطاقاتــه بحــب ووالء إال إذا أحــس بصــدق القائــد وحبه‬
‫لمتبوعيــه وإخالصــه فــي جــذب مــا ينفعهــم ودفع مــا يضرهم‪.‬‬
‫إن شــعور الموظــف بطيبــة قائــده ‪ -‬ال ضعفــه ‪ -‬وحنــوه علــى‬
‫موظفيــه بالليــن والعفــو عــن األخطــاء تفتــح مغاليــق قلبــه‬

‫((( رواه البخاري (‪ )21/5‬رقم ‪3714‬‬


‫((( رواه البخاري (‪ )151/5‬رقم ‪4304‬‬
‫((( سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪١٥٩‬‬

‫‪71‬‬
‫بحــب ووالء ليدلــي بــكل مــا لديــه مــن آراء ومقترحــات لصالــح‬
‫المنظمــة التــي ينتمــي إليهــا‪.‬‬
‫الليــن صفــة قياديــة تزيــد الثقــة بيــن القائــد و األتبــاع و‬
‫تفتــح المجــال رحب ـ ًا للمبــادرة و اإلبتــكار و تقتــل روح الخــوف‬
‫الــذي قــد يســري للنفــوس نتيجــة العنــف أو القســوة‪ ،‬والليــن‬
‫والعفــو واالســتغفار يجعــل مرؤوســيك يحبونــك أيهــا القائــد‬
‫حتــى فــي أحلــك الظــروف التــي تمــر بهــا المنظمــة ويجــدون‬
‫لــك المعاذيــر فــي مــا قــد يبــدر منــك مــن أخطــاء أو قــرارات‬
‫صارمــة تقتضيهــا المصلحــة العامــة أو الظــروف االقتصاديــة‬
‫التــي تمــر بهــا المنظمــات مــن وقــت آلخــر‪.‬‬
‫تأمــل معــي حادثــة غــزوة الحديبيــة وكيــف أنهــم ُمنعــوا‬
‫مــن دخــول مكــة مــع أن الرســول ﷺ وعدهــم بدخولهــا وقبلوا‬
‫فلمــا فــر َغ ﷺ مــن‬ ‫شــروطا بــدت لهــم جائــرة‪ .‬قــال الــراوي‪َّ :‬‬
‫الكتــاب وكتابــة الشــروط‪ ،‬قــال ألصحابــه ‪( :‬قومــوا‬ ‫ِ‬ ‫قضيــ ِة‬
‫َّ‬
‫فانحــروا ثــم اح ِلقــوا‪ ،‬قــال فواللـ ِه مــا قــام منهــم رجـ ٌـل‪ ،‬حتــى‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫أحـ ٌـد‪ ،‬قــام فد َخـ َـل على‬
‫ـم منهــم َ‬ ‫ـاث ِمــرار‪َّ ،‬‬
‫فلمــا لــم ُيقـ ْ‬ ‫قــال ثـ َ‬
‫ـر لهــا مــا َل ِقـ َ‬
‫ـي مــن النــاس‪ ،‬فقالــت ُّأم َس ـ َلمةَ‪:‬‬ ‫ِّأم َس ـ َلم َة فذ َكـ َ‬

‫‪72‬‬
‫ـدا كلم ـ ًة‬ ‫ـم أحـ ً‬ ‫ـم ال ت َك ِّلـ ْ‬
‫ـب ذلــك؟ اخـ ُـر ْج ثـ َّ‬ ‫يــا نبــي الل ـ ِه‪ِ ،‬‬
‫أتحـ ُّ‬ ‫َّ‬
‫ـر ُب ْد َنــك وتدعـ َـو بحا ِل ِقــك فيح ِل َقــك‪ ،‬فقــام فخــرج‬ ‫حتــى َ َ‬
‫ـ‬ ‫تنح‬
‫ـر ُب ْد َنــه ودعــا‬ ‫نحـ َ‬ ‫ـدا منهــم حتــى فعــل ذلــك؛ َ‬ ‫ـم أحـ ً‬ ‫فلــم ي َك ِّلـ ْ‬
‫بعضهم‬ ‫فلمــا رأوا ذلــك قامــوا ف َن َحــروا وج َعـ َـل ُ‬ ‫فح َلقــه‪َّ ،‬‬ ‫حا ِل َقــه َ‬
‫بعضــا َغ ًّمــا)(((‪،‬‬ ‫ــل ً‬ ‫يقت ُ‬ ‫بعضهــم ُ‬ ‫بعضــا‪ ،‬حتــى كاد ُ‬ ‫ــق ً‬ ‫يح ِل ُ‬
‫إن فاجعــة القــرار جعلتهــم يقفــون مشــدوهين أمامــه حتــى‬
‫أنــه ﷺ يأمرهــم ثــاث مــرات فــا يســتجيبون لــه مــع علمهــم‬
‫يبوا ِ َّلِ َول َّ‬
‫ِلر ُســو ِل‬ ‫ـتج ُ‬ ‫اسـ َ‬ ‫ويقينهــم بقولــه تعالــى ﴿يَا َأ ُّي َهــا َّالِيـ َ‬
‫ـن َآم ُنوا ْ‬
‫ِ‬
‫يكـ ْ‬‫َ َ َ ُ ْ َ ُْ ُ‬
‫ـم﴾((( لكنهــم بعــد ذلــك قامــوا طائعيــن‬ ‫إِذا دعكــم ل ِمــا يي ِ‬
‫مختاريــن مستســلمين ألمــره مفوضيــن أمرهــم للــه ورســوله‬
‫وإن كان خــاف رغبتهــم ومرادهــم‪.‬‬
‫َ‬
‫ـت ْغفِ ْر ل ُهـ ْ‬
‫اسـ َ‬
‫إن فــي قولــه تعالــى في هــذه اآليــة ﴿ َو ْ‬
‫ـم ﴾((( معنى‬
‫عميــق يوحــي بــأن هــذا القائــد يحمــل فــي قلبــه حبا لمــن تحت‬
‫إدارتــه يجعلــه يســتقطع جــزأ مــن دعائــه لهــم ليغفــر اللــه لهم‬
‫مــا قــد يكــون بــدر منهم مــن أخطــاء علمهــا أو لــم يعلمهــا‪ .‬إن‬

‫((( دالئل النبوة (‪.)107/4‬‬


‫‪42‬‬‫((( سورة األنفال‪ ،‬آية‬
‫((( سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪159‬‬

‫‪73‬‬
‫المرؤوســين ال يــرون ذلــك االســتغفار وال يعلمــون بــه لكنهــم‬
‫يحســونه فــي كلماتــك أيهــا القائــد وقراراتــك‪ ،‬واالســتغفار هنــا‬
‫ممــا يميــز القيــادة اإلســامية عــن غيرهــا ولــن تجــد مثــل‬
‫هــذه الصفــة القياديــة فــي كتــب القيــادة الغربيــة وال الشــرقية‬
‫ألنهــا تنبــع مــن قيمنــا وموروثاتنــا الدينيــة التــي نعتــز بهــا‬
‫وتؤثــر فينــا أكثــر مــن غيرهــا ألننــا نجــد فيهــا روحــا تــدب‬
‫فينــا وتحفزنــا ال نجدهــا فــي صفــات جلبــت ألينــا وألبســناها‬
‫علــى غيــر قناعــة منــا‪.‬‬
‫ْ ََ َ َ‬ ‫ْ‬
‫احــك‬ ‫قــال تعالــى فــي ســورة الحجــر ﴿ َواخفِــض جن‬
‫َ ْ ْ ََ َ َ‬
‫احــك‬ ‫ـن﴾ ((( وقــال فــي ســورة الشــعراء ﴿ واخفِــض جن‬ ‫ل ِلْ ُم ْؤ ِمن ِـ َ‬
‫ـن ال ْ ُم ْؤ ِمن ِـ َ‬
‫ـن﴾((( وهمــا آيتــان يأمــر فيهمــا اللــه‬ ‫َّ َ َ َ‬
‫ـك مِـ َ‬‫ـن اتبعـ‬ ‫َ‬
‫ل ِمـ ِ‬
‫تعالــى نبيــه بخفــض الجنــاح للمؤمنيــن وخفــض الجناح‪-‬كمــا‬
‫عرفــه الســعدي ‪-‬هــو ليــن الجانــب(((‪ ،‬فأنــت أيهــا القائــد تــرى‬
‫كيــف أن اللــه تعالــى أمــر نبيــه بليــن الجانــب لمــن معــه ألن‬
‫ذلــك أدعــى فــي قبولهــم دعوتــه واســتجابتهم ألمــره‪ ،‬وقــد‬

‫‪٨٨‬‬ ‫((( سورة الحجر‪ ،‬آية‬


‫((( سورة الشعراء‪ ،‬آية ‪٢١٥‬‬
‫((( تيسير الكريم المنان في تفسير كالم الرحمن (ص ‪)701‬‬

‫‪74‬‬
‫اســتجاب النبــي ﷺ لهــذ األمــر غايــة االســتجابة حتــى مدحــه‬
‫اللــه تعالــى وامتــن بــه َعلــى عبــاده المؤمنيــن فقــال تعالــى‬
‫ـك ْم َعزيــز َعلَيْـهِ َما َعن ُِّتـ ْ‬
‫ـم َح ِريص‬
‫ُ‬ ‫ْ ُْ‬
‫ـن أنفسـ‬ ‫كـ ْ‬
‫ـم َر ُســول ِمـ‬
‫ََ ْ َ َ ُ‬
‫﴿لقــد جاء‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ ُ ْ‬
‫ـم بال ُمؤ ِمنِـ َ‬
‫(((‬
‫ـن َر ُءوف َرحِيم﴾‬ ‫عليكـ ِ‬

‫((( سورة التوبة‪ ،‬آية ‪١٢٨‬‬

‫‪75‬‬
76
‫اإلس ِت َ‬
‫يع ُاب‬ ‫ْ‬
‫القــدرة علــى اســتيعاب اآلخريــن والســيما المخالفيــن‬
‫صفــة تحتــاج إلــى مــران ُودربــة‪ ،‬كمــا تحتــاج للنظــر لمــآالت‬
‫األمــور التــي ال يراهــا المســتعجلون‪ ،‬إن القائــد الحكيــم‬
‫لديــه القــدرة علــى تحمــل أخطــاء األخريــن واســتيعاب بــذكاء‬
‫تجــاوز المتجاوزيــن ألنــه يرتكــب المفســدة الصغــرى تحقيقــا‬
‫للمصلحــة الكبــرى ويــرى بعيــن بصيرتــه مــآالت اســتيعابه‬
‫لهــم علــى التســرع فــي إجــراء حاســم ضدهــم قــد يحــول دون‬
‫االســتفادة منهــم مســتقبال‪ ،‬أو قــد يضــر بالمنظمــة عاجــا أو‬
‫آجــا‪.‬‬

‫االستيعاب للمخطئ‬
‫قــال علــي بــن أبــي طالــب رضــي اللــه عنــه بعثنــي‬
‫رســول اللــه ﷺ أنــا والزبيــر والمقــداد بــن األســود ‪ ،‬قــال ‪:‬‬
‫( انطلقــوا حتــى تأتــوا روضــة خــاخ ‪ ،‬فــإن بهــا ظعينــة ‪ ،‬ومعها‬
‫كتــاب فخــذوه منهــا )‪ ،‬فانطلقنــا تعــادى بنــا خيلنــا‪ ،‬حتــى‬
‫انتهينــا إلــى الروضــة ‪ ،‬فــإذا نحــن بالظعينــة ‪ ،‬فقلنــا ‪ :‬أخرجي‬

‫‪77‬‬
‫الكتــاب ‪ ،‬فقالــت ‪ :‬مــا معــي مــن كتــاب ‪ ،‬فقلنــا لتخرجــن‬
‫الكتــاب أو لنلقيــن الثيــاب ‪ ،‬فأخرجتــه مــن عقاصهــا ‪ ،‬فأتينــا‬
‫بــه رســول اللــه ﷺ فــإذا فيــه ‪ :‬مــن حاطــب بــن أبــي بلتعــة‬
‫إلــى أنــاس مــن المشــركين مــن أهــل مكــة ‪ ،‬يخبرهــم ببعــض‬
‫أمــر رســول اللــه ﷺ ‪ ،‬فقــال رســول اللــه ﷺ ( يــا حاطــب مــا‬
‫هــذا؟ ) ‪ .‬قــال ‪ :‬يــا رســول اللــه ال تعجــل علــي ‪ ،‬إنــي كنــت‬
‫امــرؤ ًا ملصقــ ًا فــي قريــش ‪ ،‬ولــم أكــن مــن أنفســها ‪ ،‬وكان‬
‫مــن معــك مــن المهاجريــن لهــم قرابــات بمكــة ‪ ،‬يحمــون بهــا‬
‫أهليهــم وأموالهــم ‪ ،‬فأحببــت إذ فاتنــي ذلــك مــن النســب فيهــم‬
‫‪ ،‬أن أتخــذ عندهــم يــد ًا يحمــون بهــا قرابتــي ‪ ،‬ومــا فعلــت كفر ًا‬
‫وال ارتــداد ًا ‪ ،‬وال رضــ ًا بالكفــر بعــد اإلســام‪ ،‬فقــال رســول‬
‫اللــهﷺ‪ (:‬لقــد صدقكــم ) ‪ .‬قــال عمــر ‪ :‬يــا رســول اللــه ‪ ،‬دعنــي‬
‫أضــرب عنــق هــذا المنافــق ‪ ،‬قــال ‪ ( :‬إنــه قــد شــهد بــدرا‪،‬‬
‫ومــا يدريــك لعــل اللــه أن يكــون قــد اطلــع علــى أهــل بــدر‬
‫فقــال ‪ :‬اعملــوا مــا شــئتم فقــد غفــرت لكــم )(((‪ .‬أرأيــت هــذا‬
‫االســتيعاب لخطــأ جســيم كهــذا؟ إن ذكــر الحســنات الفائتــة‬
‫فــي مثــل هــذا الموقــف ال يفعلــه إال القــادة المتصفــون بالحلــم‬
‫واألنــاة وعــدم االســتعجال فــي الحكــم علــى األخريــن‪ .‬لقــد‬
‫((( رواه البخاري (‪ )59/4‬رقم ‪3007‬‬

‫‪78‬‬
‫تذكــر ﷺ أن حاطبــا كان مــن أهــل بــدر قبــل أربــع ســنوات مــن‬
‫هــذا الموقــف فكانــت تلــك المنقبــة شــافعة لــه ‪ -‬باإلضافــة‬
‫إلــى صدقــه واعترافــه بخطئــه – علــى عــدم المعاقبــة واألخــذ‬
‫بالجريــرة‪.‬‬

‫االستيعاب للجاهل‬
‫عــن عبــد اللــه بــن عبــاس رضــي اللــه عنــه قــال قــدم‬
‫عيينــة بــن حصــن‪ ،‬فنــزل علــى بــن أخيــه الحــر بــن قيــس‬
‫بــن حصــن‪ ،‬وكان مــن النفــر الذيــن يدنيهــم عمــر‪ ،‬وكان القراء‬
‫ـوال كانــوا أو شــبان ًا‪ ،‬فقــال‬
‫أصحــاب مجلــس عمــر ومشــاورته‪ ،‬كهـ ً‬
‫عيينــة البــن أخيــه ‪ :‬يــا ابــن أخــي‪ ،‬هــل لــك وجــه عنــد‬
‫هــذا األميــر فتســتأذن لــي عليــه ؟ قــال ‪ :‬سأســتأذن لــك‬
‫عليــه‪ ،‬قــال ابــن عبــاس ‪ :‬فاســتأذن لعيينــة‪ ،‬فلمــا دخــل قــال‪:‬‬
‫يــا ابــن الخطــاب‪ ،‬واللــه مــا تعطينــا الجــزل‪ ،‬وال تحكــم‬
‫بيننــا بالعــدل‪ ،‬فغضــب عمــر حتــى هــم بــأن يقــع بــه‪،‬‬
‫أميــر المؤمنيــن‪ ،‬إن اللــه تعالــى قــال لنبيــه‬ ‫فقــال الحــر‪ :‬يــا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َ ْ َُْ ْ ْ ُ ْ ََ‬
‫الاهِلِــن﴾(((‪ .‬وإن‬ ‫ﷺ ‪﴿:‬خ ـ ِذ العفـ َ‬
‫ـو وأمــر بالعــر ِف وأعــرض عــن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪199‬‬ ‫((( سورة األعراف‪ ،‬آية‬

‫‪79‬‬
‫هــذا مــن الجاهليــن‪ ،‬فواللــه مــا جاوزهــا عمــر حيــن تالهــا‬
‫عليــه‪ ،‬وكان وقاف ـ ًا عنــد كتــاب اللــه(((‪.‬‬
‫أيــن القــادة اليــوم الذيــن يســمعون مثــل هــذا التجريــح فــي‬
‫أمانتهــم أمــام المــأ ثــم يطفئــون جمــرة الغضــب فــي قلوبهــم‬
‫بآيــة مــن كتــاب اللــه؟ إن القائــد ال يعيــش فــي بــرج عاجــي‬
‫ال يســمع فيــه إال مــا يرغبــه ويحبــه بــل هــو يخالــط النــاس‬
‫ويصبــر علــى أذاهــم ويغفــر لمســيئهم ويتجــاوز عــن جاهلهــم‬
‫ويبســط عليهــم بســاط الرحمــة الــذي يســتوعبهم جميعهــم‬
‫علــى اختــاف مشــاربهم ومواردهــم‪.‬‬

‫االستيعاب للمخالف‬
‫هــل رأيــت اســتيعابا لمخالــف كاســتيعاب محمــد ﷺ لعبــد‬
‫ـي بــن ســلول مــع كل مــا صــدر منــه تجــاه دعوتــه‬
‫اللــه بــن أبـ ّ‬
‫ﷺ وأصحابــه وشــخصة وعرضــه‪ ،‬لقــد اتهــم عبــد اللــه بــن‬
‫أبــي عائشــة رضــي اللــه عنهــا بالزنــا واتهــم محمــدا ﷺ‬ ‫ّ‬
‫وأصحابــه بالجبــن وانســحب بثلــث الجيــش فــي غــزوة أحــد‪،‬‬
‫إلــى غيــر ذلــك مــن المخــازي ورســول اللــه ﷺ يعفــو عنــه‬
‫(((‪.‬رواه البخاري (‪ )60/6‬رقم ‪.4642‬‬

‫‪80‬‬
‫ويتحملــه ويصبــر عليــه‪ ،‬لمــاذا؟ تجــد اإلجابــة فــي نهايــة‬
‫الحديــث التالــي‪.‬‬
‫عــن جابــر بــن عبــد اللــه رضــي اللــه عنــه قــال‪ :‬كنــا فــي َغــزاةٍ‪،‬‬
‫المهاجرين رجـ ًـا من األنصــارِ‪ ،‬فقال األنصــا ِريُّ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫رجل مــن‬ ‫فكســع ٌ‬ ‫َ‬
‫ـن‪ ،‬فسـ َّـم َعها اللـ ُـه‬ ‫ـرِي ‪ :‬يــا للمهاجريـ َ‬ ‫يــا لَألنصــارِ‪ ،‬وقــال المهاجـ ُّ‬
‫كســع‬ ‫صلــى اللـ ُـه عليــه وسـ َّـلم‪ ،‬قــال ‪( :‬ما هــذا؟ ) فقالوا ‪َ :‬‬ ‫رســولَه َّ‬
‫ـن رجـ ًـا مــن األنصــارِ‪ ،‬فقــال األنصــار ُِّي ‪ :‬يا‬ ‫رجـ ٌـل مــن المهاجريـ َ‬
‫صلى‬ ‫ـي َّ‬ ‫ـن‪ ،‬فقــال النبـ ُّ‬ ‫لَألنصــارِ‪ ،‬وقــال المهاجـر ُِّي ‪ :‬يــا لَلمهاجريـ َ‬
‫ـت‬‫اللـ ُـه عليــه وسـ َّـلم ‪َ ( :‬دعوهــا فإنهــا ُم ْن ِت َنــةٌ )‪ ،‬قــال جابـ ٌـر ‪ :‬وكانـ ِ‬
‫ـر‪ ،‬ثــم‬ ‫صلــى اللـ ُـه عليــه وسـ َّـلم أكثـ َ‬ ‫ـي َّ‬ ‫ِ‬
‫ـار حيــن قــدم النبـ ُّ‬ ‫األنصـ ُ‬
‫ـي ‪َ :‬أو قــد ف َعلــوا‪،‬‬ ‫ـن ُأ َبـ ٍّ‬ ‫ـرون بعـ ُـد‪ ،‬فقــال عبـ ُـد اللـ ِه بـ ُ‬ ‫ـر المهاجـ َ‬ ‫ك ُثـ َ‬
‫األعـ ُّـز منهــا األ َذ َّل‪،‬‬
‫ـن َ‬ ‫رج ْعنــا إلــى المدين ـ ِة ُليخر َِجـ َّ‬ ‫والل ـ ِه ل ِئــنْ َ‬
‫ـول الل ِه‬‫ـاب رضــي اللـ ُـه عنــه ‪َ :‬د ْعنــي يــا رسـ َ‬ ‫الخطـ ِ‬
‫ـن َّ‬ ‫فقــال ُع َمـ ُـر بـ ُ‬
‫صلــى اللـ ُـه عليه وسـ َّـلم‬ ‫ـي َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ـق‪ ،‬قــال النبـ‬ ‫أضـر ِْب ع ُنـ َـق هــذا المنافـ ِ‬
‫يقت ُل أصحا َبه)(((‪.‬‬ ‫محمدا ُ‬‫ً‬ ‫الناس أن‬
‫يتح َّد ُث ُ‬ ‫( َد ْعه‪ ،‬ال َ‬
‫أرأيــت ذلــك االســتيعاب الموفــق لذلكــم المنافــق‪ ،‬إنــه ﷺ‬
‫رأى بعيــن بصيرتــه قبــل عيــن بصــره ضــرر تصفيــة ابــن‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ )154/6‬رقم ‪.4907‬‬

‫‪81‬‬
‫ســلول علــى الدعــوة فآثــر بقــاءه علــى أن يتحــدث النــاس أن‬
‫محمــدا يقتــل أصحابــه‪ .‬لقــد اســتوعب محمــد ﷺ عبــد اللــه‬
‫ـي بــن ســلول حتــى بعــد مماتــه! أمــا كيــف فأليــك هــذا‬ ‫بــن أُبـ ّ‬
‫الحديــث‪.‬‬
‫عــن عمــر بــن الخطــاب رضــي اللــه عنــه قــال‪ :‬لمــا توفــي‬
‫ـي دعــي رســول اللــه ﷺ للصــاة عليــه فقــام‬ ‫عبــد اللــه بــن أُبـ ّ‬
‫إليــه فلمــا وقــف عليــه يريــد الصــاة تحولــت حتــى قمــت فــي‬
‫صــدره فقلــت يــا رســول اللــه أعلــى عــدو اللــه عبــد اللــه بــن‬
‫ـي القائــل يــوم كــذا‪ ،‬كــذا وكــذا ؟ يعــد أيامــه قــال ورســول‬ ‫أُبـ ّ‬
‫اللــه ﷺ يتبســم حتــى إذا أكثــرت عليــه قــال أخــر عنــي يــا‬
‫ْ َْ‬
‫ــتغفِ ْر‬ ‫خيــرت فاختــرت‪ ،‬قــد قيــل لــي ‪ ﴿:‬اس‬ ‫عمــر‪ ،‬إنــي قــد ِّ‬ ‫َ‬
‫َ ُ ْ ْ َ َ ْ َ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ْ ْ َ ُ ْ َ ْ َ َ َّ ً َ َ َ ْ َ َّ ُ َ‬
‫الل ل ُه ْم‬ ‫لهــم أو ل تســتغفِر لهــم إِن تســتغفِر لهــم ســبعِني مرة فلــن يغفِــر‬
‫﴾(((لــو أعلــم أنــي لــو زدت علــى الســبعين ُغفــر لــه لــزدت ‪.‬‬
‫قــال ‪ :‬ثــم صلــى عليــه‪ ،‬ومشــى معــه ‪ ،‬فقــام علــى قبــره حتــى‬
‫فــرغ منــه ‪ .‬قــال ‪ :‬فعجــب لــي وجرأتــي علــى رســول اللــه ﷺ‪،‬‬
‫واللــه ورســوله أعلــم‪ .‬فواللــه مــا كان إال يســيرا حتــى نزلــت‬
‫ـم َ َ ٰ‬ ‫ـات َأبَـ ً‬
‫ـدا َو َل َت ُقـ ْ‬ ‫ع أَ َحــد ّمِنْ ُهــم َّمـ َ‬
‫ـل َ َ ٰ‬
‫ََ ُ َ ّ‬
‫ع‬ ‫ٍ‬ ‫هاتــان اآليتــان ﴿ول تصـ ِ‬

‫((( سورة التوبة‪ ،‬آية ‪٨٠‬‬

‫‪82‬‬
‫َ ْ‬
‫ـره ِ﴾((( إلــى آخــر اآليــة‪ ،‬قــال ‪ :‬فمــا صلــى رســول اللــه ﷺ‬
‫قـ ِ‬
‫بعــده علــى منافــق‪ ،‬وال قــام علــى قبــره ‪ ،‬حتــى قبضــه اللــه(((‪.‬‬
‫إن أصحــاب الــرؤى البعيــدة ينفــذون بأبصارهــم للمســتقبل‬
‫البعيــد فيقدمــون مــا يحقــق رؤيتهــم ومرادهــم علــى االنتصــار‬
‫ـي للنفــس مــن شــخص جاهــل أو مخطــئ أو حتــى مخالــف‪.‬‬ ‫اآلنـ ّ‬

‫((( سورة التوبة‪ ،‬آية ‪٨٤‬‬


‫((( أخرجه أحمد (‪ )254/1‬رقم ‪95‬‬

‫‪83‬‬
84
‫الشو َرى‬
‫ُّ‬
‫َْ‬
‫ْ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫ََ‬
‫ــر﴾(((‪،‬‬
‫قــال تعالــى آمــر ًا نبيــه بالشورى‪ ﴿:‬وشــاوِرهم ِف الم ِ‬
‫‪(:‬أمــر اللــه النبــي‬‫قــال ابــن جريــر الطبــري رحمــه اللــه َ‬
‫ﷺ بمشــاورة أصحابــه فيمــا أمــره بمشــاورتهم فيــه‪ ،‬مــع‬
‫إغنائــه بتقويمــه إيــاه‪ ،‬وتدبيــره أســبابه عــن آرائهــم؛ ليتبعــه‬
‫حزبهــم مــن أمــر ِدينهــم‪،‬‬ ‫المؤمنــون مــن بعــده‪ ،‬فيمــا َ‬
‫ـتنوا بســنته فــي ذلــك‪ ،‬فــي أمــور دينهــم متبعيــن الحــق‬ ‫ويسـ ُّ‬
‫فــي ذلــك‪ ،‬لــم ُيخْ ِلهــم اللــه عــز وجــل مــن لطفــه‪ ،‬وتوفيقــه‬
‫للصــواب مــن الــرأي والقــول فيــه)(((‪ ،‬فهــو ﷺ يشــاورهم‬
‫مــع غنــاه عنهــم بتســديد اللــه لــه وتوفيقــه ألمــره وفــي هــذا‬
‫توجيــه لمــن بعــده مــن المؤمنيــن التبــاع ســنته واقتفــاء أثــره‬
‫عليــه الصــاة والســام‪(.‬قال الضحــاك بــن مزاحـ ٍ‬
‫ـم‪ :‬مــا أمــر‬ ‫َّ َّ‬
‫نبيــه ﷺ بالمشــورة إال لمــا ع ِلــم فيهــا مــن‬ ‫اللــه عــز وجــل َّ‬
‫الفضــل)((( وقــد َّنفــذ ﷺ أمــر ربــه حتــى قــال أبــو ُهريــرة‬
‫ـر مشــور ًة ألصحا ِبه‬ ‫ـدا كان أكثـ َ‬‫ـت أحـ ً‬
‫رضــي اللــه عنــه ‪( :‬مــا رأيـ ُ‬
‫‪١٥٩‬‬ ‫((( سورة آل عمران‪ ،‬آية‬
‫((( تفسير الطبري (‪)190/6‬‬
‫((( المرجع السابق‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫من رســول اللــه ﷺ)(((‪.‬‬
‫وقــد مــدح اللــه المؤمنيــن بالشــورى فقــال‪:‬‬
‫ــم﴾(((‪ ،‬وكان هــذا دأب الــوالة المســلمين‬ ‫ى بَيْ َن ُه ْ‬
‫ــور ٰ‬ ‫﴿ َوأَ ْم ُر ُه ْ‬
‫ــم ُش َ‬
‫ٍ‬
‫طالــب رضــي‬ ‫مــن الخلفــاء و األمــراء‪ .‬قــال علــي بــن أبــي‬
‫االســتعداد‬
‫ُ‬ ‫اللــه عنــه ‪ِ ( :‬نعــم المــؤازر ُة المشــاور ُة‪ ،‬وبئــس‬
‫ـتبداد)(((‪ .‬وقــال عبدالملــك بــن مــروان رحمــه اللــه‪( :‬ألن‬ ‫االسـ ُ‬
‫ـي مــن أن أصيــب مــن غيــر‬ ‫أحــب إلـ َّ‬
‫ُّ‬ ‫استشــرت‬
‫ُ‬ ‫أُخطــ َئ وقــد‬
‫مشــورةٍ)(((‪ ،‬والشــورى تعطــي القائــد عقــا إلــى عقلــه وتقلــل‬
‫مــن احتمــال الخطــأ فــي القــرار المتخــذ‪ ،‬وإن كان مــن خطــأ‬
‫فــي القــرار المتخــذ فــإن الالئمــة تخــف علــى القائــد ألنــه‬
‫صــدر عــن قــرار اتفــق عليــه أغلــب أهــل الشــورى مــن ذوي‬
‫الخبــرة فــي ذلــك الشــأن‪.‬‬
‫(((‬
‫وقــد ذكــر الدكتــور علــي الصالبــي عــدة فوائــد للشــورى‬
‫((( دالئل النبوة ( ‪.) 101/4‬‬
‫((( سورة الشورى‪ ،‬آية ‪٣٨‬‬
‫والدين (ص‪)300‬‬
‫((( أدب الدنيا ِّ‬
‫(((اآلداب الشرعية (‪)328/1‬‬
‫((( الشورى فريضة إسالمية (ص ‪)97‬‬

‫‪86‬‬
‫نجملهــا فيمــا يلــي‪:‬‬

‫ •إصابــة الحــق فــي الغالــب والســيما إذا تــم اختيــار‬


‫المستشــارين بعنايــة‪ ،‬واتقــى كل واحــد منهــم اللــه فيمــا‬
‫يقــدم مــن المشــورة‪.‬‬
‫ •تالقــح األفــكار وتبــادل الخبــرة واالســتفادة مــن‬
‫الخبــرات المتنوعــة‪.‬‬
‫ •الشــورى تشــعر المشــاركين بالمســؤولية وأنهــم مــع‬
‫المســؤول يســعون إلــى تحقيــق المصالــح العامــة‪ ،‬ودرء‬
‫المفاســد فــي عمليــة تكامليــة‪.‬‬
‫ •الشورى تولد الثقة بين الرئيس والمرؤوس‪.‬‬
‫ •فــي الشــورى وقايــة مــن االســتبداد‪ ،‬و تنحصــر بهــا‬
‫عيــوب التفــرد بالقــرار‪.‬‬
‫ •الشــورى تفجــر الطاقــات الكامنــة فــي أفــراد المؤسســة‪،‬‬
‫وتشــجع ذوي الخبــرات وتفســح المجــال لــكل مــن لديــه‬
‫خبــرة أن يدلــي برأيــه وهــو آمــن‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫ •تســديد النظــر إلــى المشــكلة مــن زوايــا متباينــة وبذلك‬
‫تنضــاف الــرؤى الجزئيــة بعضهــا إلــى بعــض وتتكامــل‬
‫قــدر اإلمــكان‪.‬‬
‫ومــع كل هــذه الفوائــد وغيرهــا فــا ينبغــي لقائــد أن‬
‫يغفــل هــذا العنصــر المهــم مــن عناصــر القيــادة اعتمــادا علــى‬
‫قدراتــه وإن عظمــت‪ ،‬أو تجاربــه وإن كثــرت‪ ،‬فإنــه بالشــورى‬
‫ال يكســب القــرار الصحيــح فقــط بــل يكســب معــه قلــوب‬
‫المتبوعيــن وعقولهــم وتفانيهــم للمؤسســة فــي العســر واليســر‬
‫و يقــوي فيهــم صفــة اإلنتمــاء للمؤسســة أو المنظومــة ألنهــم‬
‫يحســون أنهــم جــزء مــن المنظومــة اإلداريــة‪ ،‬لهــم مــا لهــا‬
‫وعليهــم مــا عليهــا‪.‬‬
‫وقبــل أن ننهــي هــذا البــاب نذكــر القائــد بــأن الشــورى‬
‫تعــود علــى‬
‫ونتائجهــا ليســت باألمــر الــذي يستســيغه مــن ّ‬
‫فرديــة القــرار وأنــه فــوق الخطــأ ألنهــا تعنــي أن تخضــع لــرأي‬
‫األغلبيــة وإن خالــف رأيــك وهــذا مــا لــم يتعــود عليــه أصحــاب‬
‫الــرأي الواحــد‪ .‬وأولئــك يحتاجــون قبــل تفعيــل الشــورى‬
‫العجــب واألنفــة حتــى تنجــح الشــورى‬ ‫معالجــة دواخلهــم مــن ُ‬

‫‪88‬‬
‫معهــم وال تكــون صوريــة لتنفيــذ قــرارات اتخذوهــا ســلفا!‬
‫وفــي ختــام الحديــث عــن أغصــان هــذه الشــجرة نقــول أن‬
‫تلــك الصفــات األربــع قــد تبــدو متباينــة ال عالقــة لواحــدة‬
‫منهــا باألخــرى‪ ،‬لكنهــا فــي الحقيقــة عنــد التأمــل فيهــا‬
‫نجدهــا مبنيــة بعضهــا علــى بعــض فــإذا حبــاك اللــه واحــدة‬
‫كنــت أقــرب مــن األخــرى‪ .‬فــإذا كان اللــه يهــب القائــد صفــة‬
‫َ َ َ ْ َ ّ َ َّ‬
‫اللِ لِ ـ َ‬
‫ـت‬ ‫الليــن رحمــة منــه كمــا قــال تعالــى ﴿فبِمــا رح ـ ٍة ِمــن‬
‫ـم﴾((( فــإن القائــد يســتمطر تلــك الرحمــة باإلحســان كمــا‬ ‫ل َ ُهـ ْ‬
‫ٌ ّ َ ْ‬ ‫َّ َ ْ َ َ َّ َ‬
‫ـن ال ُم ْح ِسن ِ َني﴾(((فاإلحســان‬ ‫قــال تعالــى ﴿إِن رحـ‬
‫ـت اللِ ق ِريــب مِـ‬
‫يقربــك مــن رحمــة اللــه وبرحمــة اللــه يهبــك لينــ ًا‪ ،‬وإذا‬
‫كنــت لينـ ًا كنــت أقــدر علــى اســتيعاب مــن تحــت يــدك‪ ،‬وعنــد‬
‫اســتيعابهم ســيجودون عليــك بآراهــم وقــت المشــورة‪.‬‬
‫فأحسن تنل لينا يسعفك إلستيعابهم ثم شاورهم‬

‫‪١٥٩‬‬ ‫((( سورة آل عمران‪ ،‬آية‬


‫((( سورة األعراف‪ ،‬آية ‪٥٦‬‬

‫‪89‬‬
90
‫ُث َل ِث َّي ُة َّ‬
‫الت ْث ِب ِ‬
‫يت‬

‫‪91‬‬
‫مــا ســتقرأه فــي هــذا القســم لــن تجــده فــي أي مــن كتــب‬
‫اإلدارة أو القيــادة الغربيــة ألنــه مســتخلص مــن كتــاب اللــه‬
‫وســيرة نبينــا محمــد ﷺ‪ ،‬وعليــه درج الــوالة المصلحــون فــي‬
‫طــول العالــم اإلســامي وعرضــه‪ .‬فــي هــذا الفصل نســتعرض‬
‫ثــاث أعمــال يقــوم بهــا القائــد تصحــح لــه مســاره‪ ،‬وتعينــه‪،‬‬
‫وتســدده‪ ،‬وتجبــر لــه النقــص البشــري فيمــا أراد تحقيقــه‬
‫بعــد اتخــاذ الخطــوات الالزمــة‪ ،‬وتمــده بالمــدد الربانــي الــذي‬
‫يحتاجــه فــي كل خطــوة مــن خطواتــه‪ .‬هــذه األعمــال الثالثــة‬
‫هــي كثــاث ســحابات فــوق شــجرة القيــادة‪ ،‬تمطرهــا بالمــاء‬
‫الــازم لثباتهــا ونمائهــا‪ ،‬أال وهــي الذكــر واالســتغفار والدعــاء‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫ــر‬
‫الـذ ْك ُ‬
‫ِّ‬
‫ـرا ‪41‬‬ ‫الل ذ ِْكـ ً‬
‫ـرا َكثِـ ً‬ ‫ـروا َّ َ‬‫ـن َآم ُنــوا اذْ ُكـ ُ‬ ‫قــال تعالى‪﴿:‬يَــا َأ ُّي َهــا َّالِيـ َ‬
‫ك ُت ُ‬‫ُ َ َّ ُ َ ّ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ‬ ‫ً‬ ‫َ َ ّ ُ ُ ُ ْ ً ََ‬
‫ــه‬ ‫ــي عليكــم ومل ِئ‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫ِي‬ ‫ال‬ ‫ــو‬ ‫ه‬ ‫‪42‬‬ ‫يــا‬ ‫ص‬
‫ِ‬ ‫وســبحوه بك َ‬
‫ــرة وأ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫(((‬
‫ــات إِل انلــورِ وكن بِالمؤ ِمن ِــن رحِيمــا ‪﴾43‬‬ ‫ِلُخ ِرجكــم مِــن الظلم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ ْ َ ُ ّ َ ُّ ُ‬
‫ـات إِل انلُّــورِ﴾ وهــو‬ ‫ـن الظل َمـ ِ‬ ‫أرأيــت قولــه تعالى‪ِ ﴿:‬لخ ِرجكــم ِمـ‬
‫ـن َآم ُنــوا﴾‪ ،‬إنــه اخــراج مــن كل أنــواع الظلمــات‬ ‫يخاطــب ﴿ َّالِيـ َ‬
‫التــي قــد يحــس بهــا المــرء وتجعلــه حائــرا فــي أمــره ال يــدري‬
‫أيــن الصــواب‪ .‬إن القائــد بحاجــة ماســة لذلــك النــور الــذي‬
‫يأتــي بــه الذكــر ليســير علــى بينــة مــن أمــره ويتخــذ قراراتــه‬
‫وهــو يشــعر بصوابهــا مســتمدا ذلــك الشــعور مــن النــور الــذي‬
‫هــو فيــه وكأنــه يــرى نتائجهــا المثمــرة قبــل حدوثهــا‪.‬‬
‫إن الذكــر هــو وصيــة اللــه تعالــى لنبيــه فــي كل حيــن‬
‫ْ َ َّ َ ُ ْ ًَ ََ ً‬ ‫َ ُْ‬
‫صيل﴾(((وقــال‬ ‫كمــا قــال تعالى‪﴿:‬واذك ِ‬
‫ــر اســم ربِــك بكــرة وأ ِ‬
‫َ َ َ ُّ ً َ َ ً َ ُ َ ْ َ ْ‬ ‫َ ْ ُ َّ َّ َ َ ْ‬
‫عــز وجــل ﴿واذكــر ربــك ِف نفسِــك تــرع وخِيفــة ودون اله ِ‬
‫ــر‬
‫ِــن الْ َغافِل َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫كــن ّم َ‬ ‫َ َْ ْ ُْ ُ ْ‬
‫ِــن﴾(((‪ ،‬وقــال‬ ‫ــد ّوِ َوال َصــا ِل ول ت‬ ‫مِــن القــو ِل بِالغ‬
‫((( سورة األحزاب‪ ،‬آية ( ‪) 43 - 41‬‬
‫((( سورة االنسان‪ ،‬آية ‪25‬‬
‫((( سورة األعراف‪ ،‬آية ‪205‬‬

‫‪93‬‬
‫ً‬ ‫ْ َ‬ ‫ُْ‬
‫ــك َوتَبَ َّتــل إِلْــهِ تَبْتِيــا﴾(((‪ .‬وبالذكــر‬ ‫ْ َ َّ َ‬ ‫َ‬
‫ســبحانه‪﴿:‬واذك ِر اســم رب ِ‬
‫يكــون المــرء فــي معيــة اللــه تعالــى كمــا قــال ســبحانه‪:‬‬
‫َ ُْ ُ َُْ ْ ُ‬
‫كـ ْ‬
‫ـم﴾((( وهــو وصيــة اللــه للمؤمنيــن جميعــا‬ ‫ون أذكر‬‫﴿فاذكــر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ‬
‫ــروا الل ذِك ً‬
‫ــرا‬ ‫َ‬
‫كمــا قــال ســبحانه‪﴿:‬يا أيهــا الِيــن آمنــوا اذك ُ‬
‫ـرا﴾(((‪ ،‬وهــو وصيــة اللــه للمجاهديــن فــي ســبيله كمــا قــال‬ ‫َكثِـ ً‬
‫الل َكث ِ ً‬
‫ـروا َّ َ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ َ َ ُ َ َ ُ ْ َ ً‬
‫ـة فَاثْبُ ُتــوا َواذْ ُكـ ُ‬
‫ريا‬ ‫تعالى‪﴿:‬يــا أيهــا الِيــن آمنــوا إِذا لقِيتــم ف ِئـ‬
‫َّ َ َّ ُ‬
‫ـم ُت ْفل ُِحــون﴾(((‪.‬‬
‫كـ ْ‬ ‫لعل‬

‫والذكــر هــو المــدد الــذي يســتصحبه ذوو المهمــات الصعبــة‬


‫ألنــه ينــزل عليهــم كالبلســم يشــرح صدورهــم ويربــط علــى‬
‫قلوبهــم ألنهــم يحســون بمعيــة اللــه لهــم وهــم يذكرونــه‪ .‬فعندما‬
‫ســأل موســى عليــه الســام ربــه أن يــؤازره بأخيــه قــال‪َ ﴿:‬ك ْ‬
‫ـر َك َكثِـ ً‬
‫ـرا ﴾((( وعندمــا انطلــق هــو وأخــوه‬ ‫ك َكثِـ ً‬
‫ـرا ‪َ 33‬ونَ ْذ ُكـ َ‬ ‫َُ ّ َ َ‬
‫نســبِح‬
‫عليهمــا الســام لمالقــاة فرعــون قــال اللــه تعالــى لهمــا‪:‬‬

‫((( سورة المزمل‪ ،‬آية ‪8‬‬


‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية ‪152‬‬
‫((( سورة األحزاب‪ ،‬آية ‪41‬‬
‫((( سورة األنفال‪ ،‬آية ‪54‬‬
‫((( سورة طه‪ ،‬آية ‪٣٤،33‬‬

‫‪94‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫َ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ــري﴾(((‪ ،‬فالقائــد‬ ‫﴿اذهــب أنــت وأخــوك بِآي ِ‬
‫ــات ول تنِيــا ِف ذِك ِ‬
‫يســتمطر مــدد اللــه لــه وتســديده بذكــره ســبحانه حتــى يــردم‬
‫تلــك الفجــوات التــي ال ينفــك عنهــا بنــو البشــر مــن خلــل فــي‬
‫التخطيــط أو التنفيــذ أو المراقبــة أو القيــاس أو غيرهــا مــن‬
‫خطــوات العمليــة اإلداريــة‪.‬‬

‫((( سورة طه‪ ،‬آية ‪42‬‬

‫‪95‬‬
‫اإلس ِتغ َْف ُار‬
‫ْ‬
‫العامــل الثانــي مــن عوامــل ثبــات شــجرة القيــادة هــو‬
‫االســتغفار‪ .‬واالســتغفار هــو طلــب المغفــرة مــن اللــه تعالــى‬
‫لجبــر خلــل وقــع فــي العمــل‪ ،‬وال يخلــو عمــل المــرء مــن‬
‫خلــل فقــد وصــف نبينــا محمــد ﷺ بنــي البشــر بالخطائيــن‬
‫(((‬
‫فقــال‪( :‬كل ابــن آدم خطــاء وخيــر الخطائيــن التوابــون)‬
‫ومحمــد ﷺ كان يســتخدم االســتغفار إلزالــة مــا قــد يعلــق‬
‫بالقلــب مــن الغشــاوة الرقيقــة التــي قــد تحجبــه عــن الــرأي‬
‫الســديد كمــا قــال ﷺ فــي الحديث‪(:‬إنــه ليغــان علــى قلبــي‬
‫وإنــي ألســتغفر اللــه فــي اليــوم مائــة مــرة)(((‪ .‬أي أنــه ﷺ‬
‫ليغــان علــى قلبــه مــع كثــرة اســتغفاره فكيــف بــك أنــت أيهــا‬
‫القائــد؟ وقــال ﷺ‪(:‬واللــه إنــي ألســتغفر اللــه وأتــوب إليــه‬
‫فــي اليــوم أكثــر مــن ســبعين مــرة)(((‪ .‬واســتغفاره ﷺ إنمــا‬
‫َ ْ ْ‬
‫ـر إ َّن َو ْعـ َ‬
‫ـد‬ ‫هــو اســتجابة ألمــر مــواله فــي قولــه تعالى﴿فاصـ ِ ِ‬

‫((( سنن الترمذي (‪ )659 /4‬رقم ‪2499‬‬


‫((( صحيح مسلم (‪ )2075/4‬رقم ‪2702‬‬
‫((( صحيح البخاري ( ‪ )67/8‬رقم ‪6307‬‬

‫‪96‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫َّ َ ٌّ َ ْ َ ْ ْ َ َ َ َ ّ ْ َ ْ َ ّ َ َ ّ َ ْ َ‬
‫ـكارِ﴾‬
‫(((‬
‫البـ‬ ‫ـي و ِ‬
‫اللِ حــق واســتغ ِفر ِلنبِــك وســبِح ِبمـ ِد ربِــك بِالعـ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ّ ْ َْ َّ َ َ ْ َ‬
‫ــت ْغف ْرهُ ۚ إنَّ ُ‬
‫ــه ك َن تَ َّوابًــا﴾(((‪.‬‬ ‫وقولــه تعالى﴿فســبِح ِبمــ ِد ربِــك واس ِ ِ‬
‫ولإلستغفار فائدتين أخريين ال غنى للقائد عنهما‪:‬‬
‫أوالهمــا دفــع آثــار الذنــوب الســيئة عــن التأثيــر علــى العمل‬
‫القيــادي ألن ذنــوب العبــد فــي الخلــوات والجلــوات تؤثــر عليــه‬
‫إمــا بفســاد عملــه أو نقــص آثــاره المتوقعــة‪ .‬فــكل قائــد يريــد‬
‫اإلصــاح لمؤسســته مــا اســتطاع إلــى ذلــك ســبيال لكنــه كمــا‬
‫ـت َط ْع ُ‬
‫ت ۚ َو َما‬ ‫اسـ َ‬ ‫ْ ُ ُ‬
‫ـد إ َّل ْال ْ‬
‫ص َل َح َمــا ْ‬
‫قــال شــعيب عليــه الســام﴿إِن أرِي ُـ ِ ِ‬
‫َّ َ َ ْ َ َ َّ ْ ُ َ‬
‫ِإَولْهِ أنِيـ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬
‫ـب﴾((( فهو بحاجــة لإلنابة‬ ‫ـي إِل بِــاللِ ۚ عليـهِ توكــت‬
‫توفِيـ ِ‬
‫واالســتغفار والتوبــة ليرزقــه اللــه التوفيــق الــذي يســاعده فــي‬
‫عمليتــه اإلصالحيــة أيــا كانــت‪ ،‬فينبغــي للقائــد أن ال يغفــل‬
‫هــذا الجانــب مــا اســتطاع إلــى ذلــك ســبيال‪.‬‬
‫الفائــدة الثانيــة‪:‬أن القائــد بكثــرة االســتغفار ينفــي الكمــال‬
‫عــن نفســة ويعتــرف أمــام ربــه بتقصيــره وضعفــه مهمــا بــذل‬

‫((( سورة غافر‪ ،‬آية ‪55‬‬


‫((( سورة النصر‪ ،‬آية ‪3‬‬
‫((( سورة هود‪ ،‬آية ‪88‬‬

‫‪97‬‬
‫مــن جهــد وأنــه ال حــول لــه وال قــوة إال باللــه وأنــه ســبحانه إن‬
‫تخلــى عنــه فقــد وكلــه إلــى نفســه وإن وكلــه إلــى نفســه وكلــه‬
‫إلــى ضعــف‪ .‬لــذا فالقائــد عندمــا يواظــب علــى االســتغفار فــي‬
‫ليلــه ونهــاره فهــو يقــول لنفســه‪ :‬أتبــرأ مــن حولــي وقوتــي‬
‫وأســتغفر اللــه مــن التقصيــر والخلــل وألجــأ إلــى اللــه فــي كل‬
‫حــال‪ .‬ومثــل هــذا االســتغفار بعــد بــذل الجهــد والطاقــة فــي‬
‫تحســين العمــل كمثــل االســتغفار بعــد الصــاة والــزكاة كمــا‬
‫ـنا‬ ‫ـز َكةَ َوأَقْر ُضــوا َّ َ‬
‫الل قَ ْر ًضــا َح َسـ ً‬ ‫َّ َ‬
‫ـاةَ َوآتُــوا الـ َّ‬‫ـ‬‫الص‬ ‫ـوا‬
‫ـ‬ ‫قــال تعالى‪َ ﴿:‬وأَق ُ‬
‫ِيم‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ـرا َوأ ْع َظـ َ‬
‫ـو َخـ ْ ً‬ ‫َ َّ‬
‫اللِ ُهـ َ‬ ‫ـر َتـ ُ‬
‫ـدوهُ عِنــد‬ ‫ُ ّ ْ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ّ‬
‫ۚ َو َمــا تقد ُِمــوا ِلنف ِ‬
‫ـم‬ ‫ســكم ِمــن خـ ٍ ِ‬
‫ـم﴾((( وكاالســتغفار بعد أداء‬ ‫الل َغ ُفـ ٌ‬
‫ـور َّرحِيـ ٌ‬ ‫ـت ْغفِ ُروا َّ َ‬
‫الل ۖ إ َّن َّ َ‬ ‫اسـ َ‬
‫ـرا ۚ َو ْ‬
‫ً‬ ‫أَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬
‫ْ َ ْ ُ ََ َ‬ ‫ُ َّ َ ُ‬
‫فريضــة الحــج كمــا قــال تعالى‪﴿:‬ثــم أفِيضــوا ِمــن حيــث أفــاض‬
‫ـم﴾(((‪.‬‬ ‫الل َغ ُفـ ٌ‬
‫ـور َّرحِيـ ٌ‬ ‫ـت ْغفِ ُروا َّ َ‬
‫الل ۚ إ َّن َّ َ‬ ‫اسـ َ‬
‫ـاس َو ْ‬ ‫انلَّـ ُ‬
‫ِ‬

‫ولعلــك أيهــا القائــد تالحــظ أن اللــه أمــر رســوله ﷺ‬


‫بالذكــر واالســتغفار بعــد أن أكمــل عليــه الصــاة والســام‬
‫مهمتــه الدعويــة كمــا قــال َســبحانه فــي ســورة النصــر‪:‬‬
‫َّ‬ ‫َ َ ْ َ َّ َ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َ َ ْ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ‬
‫﴿إِذا جــاء نــر اللِ والفتــح ‪ 1‬ورأيــت انلــاس يدخلــون ِف دِيـ ِ‬
‫ـن اللِ‬

‫((( سورة المزمل‪ ،‬آية ‪20‬‬


‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية ‪199‬‬

‫‪98‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ّ ْ َْ َّ َ َ ْ َ‬
‫ـت ْغف ْرهُ ۚ إنَّـ ُ‬ ‫َْ‬
‫ـه ك َن تَ َّوابًــا ‪ .(((﴾3‬فالذكر‬ ‫أفواجــا ‪ 2‬فســبِح ِبمـ ِد ربِــك واسـ ِ ِ‬
‫َ ً‬

‫واالســتغفار مالزمــان للقائــد حتــى بعــد أداء مهمتــه القياديــة‬


‫وهــذه المالزمــة لهذيــن العامليــن أثنــاء وبعــد العمــل تجعــل‬
‫القائــد يســتصحب معيــة اللــه لــه فــي كل حــال كمــا قــال‬
‫ظــن عبــدي بــي ‪،‬‬
‫عنــد ِّ‬ ‫تعالــى فــي الحديــث القدســي‪(:‬أنا َ‬
‫وأنــا معــه إذا ذ َك َر ِنــي)(((‪ ،‬وهــذه المعيــة تــزود القائــد بالثبــات‬
‫الــازم ألداء مهمتــه القياديــة كمــا قــال موســى لقومــه‪:‬‬
‫َ َ َ َّ‬
‫ك ۖ إ ِ َّن َمـ ِ َ‬
‫ـي َر ّ ِب َسـ َـي ْهدِين﴾((( وكمــا قــال محمــد ﷺ ألبــي‬ ‫﴿قــال‬
‫ـز ْن إ َّن َّ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الل َم َع َنــا﴾(((‪.‬‬ ‫بكــر وهمــا فــي الغــار‪﴿:‬ل تـ ِ‬

‫((( ســورة النصر‪ ،‬آية ( ‪) 3 - 1‬‬


‫((( صحيح البخاري (‪ )121/9‬رقم ‪7405‬‬
‫((( سورة الشعراء‪ ،‬آية ‪٦٢‬‬
‫((( سورة التوبة‪ ،‬آية ‪٤٠‬‬

‫‪99‬‬
‫الد َع ُاء‬
‫ُّ‬
‫بعــد أن بــذل طالــوت كل الســبل فــي نجــاح مهمتــه وكان‬
‫معــه القــوم الصالحــون الذيــن عبــروا النهــر واصطــف‬
‫الجيشــان للقتــال‪ ،‬جيــش طالــوت وجيــش جالــوت‪ ،‬لــم‬
‫يبــق إال الدعــاء‪ ،‬وقــد وصــف اللــه تعالــى ذلــك المشــهد‪:‬‬
‫َ ُ َ َّ َ َ ْ ْ‬
‫غ َعلَيْ َنــا َصـ ْ ً‬
‫ـرا َو َث ّبـ ْ‬ ‫َ َ َّ َ َ ُ َ ُ َ َ ُ ُ‬
‫ـت‬ ‫ِ‬ ‫َ﴿ولمــا بــرزوا ِلالــوت وجنــودِه ِ قالــوا ربنــا أفـ ِ‬
‫ـر‬
‫ـو ِم الْ َكف ِريـ َ‬ ‫َْ ََ َ ْ ُ َْ ََ‬
‫ع الْ َقـ ْ‬
‫ـن﴾((( وبعــد هــذا الدعــاء‪ ،‬كان‬ ‫ِ‬ ‫أقدامنــا وانصنــا‬
‫ُ‬
‫ود َجال َ‬ ‫ْ َّ َ َ َ َ َ ُ ُ‬ ‫وه ْ‬ ‫َََُ ُ‬
‫ــوت﴾(((‪.‬‬ ‫ــم بِــإِذ ِن اللِ وقتــل داو‬ ‫الجــواب مــن الله‪﴿:‬فهزم‬

‫ضــرب اللــه مثــا لمحمــد ﷺ وأصحابــه بمــن كان قبلهــم‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ّ ْ ْ َ ّ َ َ َ َ َ ُ ّ ُّ َ َ ٌ َ‬
‫ري ف َمــا َوه ُنوا ل َِمــا أ َص َاب ُه ْم‬ ‫فقال‪﴿:‬وكأيِــن ِمــن نـ ِ ٍ‬
‫ـي قاتــل معه رِبِيــون كث ِ‬
‫ـن * َو َمــا‬ ‫الصابريـ َ‬ ‫ـب َّ‬ ‫ـت َكنُوا َو َّ ُ‬
‫الل ُيِـ ُّ‬ ‫اسـ َ‬‫اللِ َو َمــا َض ُع ُفــوا َو َمــا ْ‬
‫َّ‬
‫يل‬ ‫ِف َس ـب‬
‫َِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِإَوس َاف َنــا ف أ ْمرنَــا َو َث ّبـ ْ‬
‫وب َنــا ْ َ‬ ‫ـر َلَــا ُذنُ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ ْ َّ َ ْ َ ُ َ َّ َ ْ‬
‫اغفِـ ْ‬
‫ـت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كن قولهــم إِل أن قالــوا ربنــا‬
‫ادلنْ َيــا َو ُح ْســنَ‬
‫اب ُّ‬ ‫الل ثَـ َ‬
‫ـو َ‬ ‫ـم َّ ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫اهـ ُ‬ ‫ََْ َ َ َ ْ ُ َْ ََ َْ ْ ْ َ‬
‫أقدامنــا وانصنــا ع القــو ِم الكف ِِريــن * فآت‬
‫َ َ ْ َ َ َّ ُ ُ ُّ ْ‬
‫ـب ال ُم ْح ِسـن ِ َني﴾(((‪ .‬تأمــل كيــف أنهــم قاتلــوا‬ ‫خــرة ِ والل يِـ‬ ‫اب ال ِ‬‫ثــو ِ‬
‫ولــم يهنــوا ولــم يضعفــوا ولــم يســتكينوا وصبــروا ثــم بعــد‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية ‪250‬‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬آية ‪251‬‬
‫((( سورة آل عمران‪ ،‬آية( ‪)148-146‬‬

‫‪100‬‬
‫َ َّ َ ْ ْ َ‬
‫ـر لَــا‬ ‫هجيراهــم الدعــاء بقولهم‪﴿:‬ربنــا اغفِـ‬ ‫ِّ‬ ‫كل هــذا البــذل كان‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صنَــا ع ال َقـ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِإَوس َاف َنــا ف أَ ْمرنَــا َوث ّبـ ْ‬
‫ـت أق َد َام َنا َوان ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُذنُ َ‬
‫ين﴾‪.‬‬ ‫ـو ِم الكف ِر َ‬ ‫وب َنــا ْ َ‬
‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫خـ َ‬ ‫َ َ ُ ُ َّ ُ َ َ َ ُّ ْ َ َ ُ ْ َ َ َ‬
‫ـرة ِ ﴾‪.‬‬ ‫فكانــت النتيجــة ﴿ فآتاهــم الل ثــواب ادلنيــا وحســن ثــو ِ‬
‫اب ال ِ‬

‫لمــا كان يــوم بــدر نظــر رســول اللــه صلــى اللــه عليه وســلم‬
‫إلــى المشــركين وهــم ألــف‪ ،‬وأصحابــه ثــاث مائــة وتســعة‬
‫عشــر رجــا‪ ،‬فاســتقبل نبــي اللــه صلــى اللــه عليــه وســلم‬
‫القبلــة‪ ،‬ثــم مــد يديــه‪ ،‬فجعــل يهتــف بربــه‪ :‬اللهــم أنجــز‬
‫لــي مــا وعدتنــي‪ ،‬اللهــم آت مــا وعدتنــي‪ ،‬اللهــم إن تهلــك‬
‫هــذه العصابــة مــن أهــل اإلســام ال تعبــد فــي األرض‪ ،‬فمــا‬
‫ـاد ًا يديــه مســتقبل القبلــة‪ ،‬حتــى ســقط‬ ‫زال يهتــف بربــه‪ ،‬مـ ّ‬
‫رداؤه عــن منكبيــه‪ ،‬فأتــاه أبــو بكــر فأخــذ رداءه‪ ،‬فألقــاه علــى‬
‫منكبيــه‪ ،‬ثــم التزمــه مــن ورائــه‪ ،‬وقــال‪ :‬يــا نبــي اللــه‪ ،‬كفــاك‬
‫مناشــدتك ربــك‪ ،‬فإنــه ســينجز لــك مــا وعــدك‪ ،‬فأنــزل اللــه‬
‫عــز وجــل‪ :‬إذ تســتغيثون ربكــم فاســتجاب لكــم أنــي ممدكــم‬
‫بألــف مــن المالئكــة مردفيــن فأمــده اللــه بالمالئكــة(((‪،‬‬
‫أرأيــت هــذا اإللحــاح فــي الدعــاء وطــول المناشــدة بعــد بــذل‬
‫كل اإلمكانــات للنجــاح!‬
‫((( رواه مسلم (‪ ) 1383 /3‬رقم ‪1763‬‬

‫‪101‬‬
‫ـن شـ َّـداد علــى الســلطان صــاح الديــن االيوبــي أن‬ ‫واقتــرح ابـ ُ‬
‫يصلــي ركعتيــن ويدعــو اللــه وهــو يــوم الجمعــة ففعــل‪ ،‬يقــول‬
‫ودموعــه َت َت َق َاطـ ُـر علــى شــيبته‬
‫ُ‬ ‫ابــن شـ َّـداد ‪ ...‬ورأ ْي ُتــه سـ ِ‬
‫ـاج ًدا‬
‫حتــى وصــل‬ ‫ـض ذلــك اليــوم َّ‬ ‫ـجا َد ِته‪َ ...‬ف َلـ ْ‬
‫ـم َي ْن َقـ ِ‬ ‫ـم علــى ِسـ َّ‬
‫ُثـ َّ‬
‫الخبــر بــأن الفرنــج مختبطــون‪ ،‬وجــاء الخبــر فــي اليــوم التالي‬
‫َّأن ُزعماءهــم تشــاوروا وهــم كعادتهــم علــى الخيــل‪ ،‬وجميعهــم‬
‫بأنهــم رحلــوا((( ‪.‬‬ ‫المبشــر َّ‬ ‫راكبــون ثــم جــاء ّ‬
‫هــذه األمثلــة وغيرهــا كثيــر تبيــن لــك كيــف أن القائــد‬
‫ال ينفــك عــن حاجتــه للدعــاء كــي ينصــره اللــه فــي مهمتــه‬
‫القياديــة أيــا كانــت‪ ،‬إن بــذل األســباب إلنجــاح المهمــة القياديــة‬
‫ال معنــى لــه بالنســبة للقائــد المســلم بــا اســتصحاب لمعيــة‬
‫اللــه تعالــى والحاجــة إليــه بالتأييــد والتســديد وهــذا ال يأتــي‬
‫إال باللجــأ إلــى اللــه بالدعــاء‪.‬‬

‫(((النوادر السلطانية و المحاسن اليوسفية (ص ‪ )41-38‬بإختصار‬

‫‪102‬‬
‫الخا ِت َم ُة‬
‫َ‬

‫‪103‬‬
‫إذا وجــدت أرض العبوديــة فغرســت فيهــا شــجرة القيــادة‬
‫واســتمطرتها بثالثيــة التثبيــت فقــد يســرك اللــه لخدمــة‬
‫قياديــة جليلــة تنفــع بهــا نفســك ومجتمعــك‪ ،‬لكننــي أهمــس‬
‫فــي أذنــك فــي هــذه الخاتمــة أن األمــر ليــس بالهيــن وأنــك‬
‫ســتقابل وأنــت تمــارس بعــض مــا اســتعرضناه هاهنــا‪ ،‬بعــض‬
‫الصعوبــة وذلــك لســببين رئيســيين‪.‬‬
‫يقــرب‬
‫الســبب األول‪ :‬أن فــي الكثيــر ممــا ســطرناه ممــا ّ‬
‫المــرء مــن ربــه ويجعلــه يســير وهــو يســتحضر آخرتــه‪،‬‬
‫وهــذا منــاف لمــراد الشــيطان ومصــادم لقصــده‪ ،‬ولــذا فــإن‬
‫الشــيطان ســيعمل بخيلــه ورجلــه ليصــدك أيهــا القائد المســلم‬
‫عــن العمــل بهــذه األســباب وســيقذف إلــى ذهنــك الكثيــر مــن‬
‫اإلشــكاالت حــول جدواهــا ومــدى فعاليتهــا ال ألنهــا صــواب أو‬
‫خطــأ وإنمــا ألنهــا تقربــك مــن اللــه والــدار اآلخــرة‪ ،‬لــذا‬
‫فإنــي أوصيــك بــأن تكــون قــادرا علــى الفصــل بــكل حياديــة‬
‫بيــن أن نظريــة شــجرة القيــادة فــي مجملهــا عمــل بشــري‬
‫يعتريــه الصــواب والخطــأ وال عصمــة لكاتبهــا وبيــن أن بعــض‬
‫تفصيالتهــا مبنيــة علــى آيــات قرآنيــة وأحاديــث نبويــة وســيرة‬
‫مصطفويــة ال يجــوز لنــا ردهــا أو التشــكيك فــي أثرهــا‪ .‬فــإذا‬

‫‪104‬‬
‫وجــدت صعوبــة فــي تنفيــذ بعــض مــا ذكــر فــي هــذه النظريــة‬
‫فكــن علــى بينــة مــن أمــرك‪ :‬هــل المشــكلة فــي خطئهــا أم أن‬
‫الشــيطان يريــد أن يصرفــك عــن أمــر ينفعــك فــي آخرتــك؟‬
‫فــإذا اتضــح لــك الســبيل فســر علــى بركــة اللــه‪.‬‬
‫الســبب الثانــي‪ :‬لمــا قــد تالقيــه مــن صعوبــة فــي تنفيــذ‬
‫بعــض مافــي هــذه النظريــة حيــث أن بعــض فقراتهــا شــاق‬
‫علــى النفــس ويحتــاج تطبيقــه إلــي كثيــر مــن المــران والصبــر‬
‫والتحمــل‪ .‬فاإلخــاص مثـ ًـا مــن أصعــب مــا يمارســه المــرء‬
‫فــي حياتــه ألنــه شــاق علــى النفــس وذلــك ألنهــا ال نصيــب لهــا‬
‫فيــه‪ ،‬وكذلــك الصبــر فإنــه مــر الطعــم وقــد تســتمر حاجتــه‬
‫مــع المــرء ألشــهر بــل ســنوات‪ ،‬وقليــل مــن الرجــال مــن‬
‫يســتطيع ذلــك ألن كثيــر ًا مــن النــاس ضيــق العطــن قصيــر‬
‫النظــر فيحرمــه ذلــك مــن نتائــج الصبــر عظيمــة األثــر حلــوة‬
‫المــذاق‪ ،‬ومثــل ذلــك االســتيعاب فــإن الكثيــر مــن النــاس يميــل‬
‫إلــى التخلــص مــن الموظــف الضعيــف أو المخالف ألنــه ال يجد‬
‫جــدوى مــن اســتيعابه بعــد قليــل مــن المحــاوالت اليائســة‪.‬‬
‫وقــل مثــل ذلــك فــي الشــورى فإنهــا تحمــل المــرء علــى تنفيــذ‬
‫قــرار قــد يخالــف هــواه أو مــا يــرى أنــه هــو الصــواب‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫وبعــد هــذا العــرض المبســط لهــذه النظريــة فإني أســتغفر‬
‫اللــه مــن كل مــا قــد يكــون فيهــا مــن خطــأ وأبرأ إلــى اللــه من‬
‫حولــي وقوتــي إلــى حولــه وقوتــه‪ ،‬فمــا كان فيهــا مــن صــواب‬
‫فهــو منــه وحــده جــل جاللــه وتقدســت أســماؤه ومــاكان فيهــا‬
‫مــن خطــأ فمنــي ومــن الشــيطان وأســتغفر اللــه وأتــوب إليــه‪.‬‬

‫‪106‬‬
107
‫الم َر ِاج ُع َ‬
‫الع َر ِب َّي ُة‬ ‫َ‬

‫‪110‬‬
111
‫الم َر ِاج ُع األ َ ْج َن ِب َّي ُة‬
‫َ‬

‫‪112‬‬
113
114
115

You might also like