You are on page 1of 48

‫‪http://www.shamela.

ws‬‬
‫مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة‬

‫الكتاب‪ :‬درء اللوم والضيم يف صوم يوم الغيم‬


‫املؤلف‪ :‬ابن اجلوزي (‪ 597‬هـ)‬
‫احملقق‪ :‬جاسم بن سليمان الفهيد الدوسري‬
‫الناشر‪ :‬دار البشائر اإلسالمية‬
‫الطبعة‪ :‬األوىل ‪ 1415‬هـ ‪ 1994 -‬م‬
‫عدد األجزاء‪1 :‬‬
‫مالحظات‪[ :‬موافق للمطبوع ‪ -‬مقابل على املطبوع‪ -‬إمكانية اإلنتقال‬
‫للصفحة]‬
‫مصدر الكتاب‪[ :‬مكتبة اي ابغي اخلري أقبل ‪ -‬ملتقى أهل احلديث]‬
‫مالحظة‪[ :‬هذا الكتاب من كتب املستودع مبوقع املكتبة الشاملة]‬

‫درء اللوم والضيم يف صوم يوم الغيم‬

‫تصنيف‬
‫اإلمام العالمة أيب الفرج عبد الرمحن بن علي بن اجلوزي‬
‫املتوىف سنة (‪ 597‬هـ) رمحه هللا‬

‫حتقيق وتعليق‬
‫جاسم بن سليمان الفهيد الدوسري‬
‫عفا هللا عنه‬

‫دار البشائر اإلسالمية‬


‫الطبعة األوىل‬

‫‪ 1415‬هـ ‪ 1994 -‬م‬

‫(‪)/‬‬

‫اجلزء األول من كتاب‪(( :‬درء اللوم والضيم يف صوم يوم الغيم))‬


‫أتليف اإلمام العامل شيخ اإلسالم سيد الفقهاء شرف احلفاظ مفيت الفرق مجال الدين أيب الفرج عبد‬
‫الرمحن بن علي بن حممد بن علي بن اجلوزي (قدس هللا روحه ونور ضرحيه)‬
‫رواية‪ :‬ولده السيد العامل األوحد الفقيه حميي الدين أيب حممد يوسف ‪-‬أبقاه هللا تعاىل‪ -‬عنه‪.‬‬
‫رواية‪ :‬عبد الرازق بن رزق هللا بن أيب بكر احلنبلي الرسعين عنه‪.‬‬

‫(‪)39/1‬‬

‫(‪)40/1‬‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬


‫قال الشيخ اإلمام العامل األوحد‪ ،‬شيخ اإلسالم‪ ،‬سيد العلماء‪ ،‬انصر احلق مجال الدين أبو الفرج عبد‬
‫الرمحن بن علي بن حممد بن علي بن اجلوزي ‪-‬رمحه هللا‪:-‬‬
‫احلمد هلل الذي حفظ شرعه املنقول عن الرسول أبئمة حفاظ‪ ،‬يعرفون ما صح وما ال يصح من مجيع‬
‫األلفاظ‪ ،‬وكمل من شاء منهم بعرفان الفقه فتم هبم احلفاظ‪ ،‬فهم ينفون حتريف الغالني وانتحال‬
‫املبطلني بغزارة العلم وقوة االستيقاظ‪ ،‬وصلى هللا على سيد األنبياء ٍ‬
‫حممد صال ًة للسان هبا إلظاظ‪،‬‬
‫وعلى أصحابه وأتباعه إىل أن تسوق جهنم مالئكتها الغالظ‪،‬‬
‫أما بعد‪،‬‬
‫فإن امليل إىل اهلوى والعصبية شأن السفهاء‪ ،‬وقد تلبس به مجاعةٌ يعدون يف العلماء‪ ،‬فال ما عرفوه‬
‫من العلم راضهم‪ ،‬وال بلغوا ‪-‬الفتضاح ابطلهم‪ -‬أغراضهم‪.‬‬
‫حمفوف ابلنقل حمشو ٌد‪ ،‬فهو ملكان فضله‬
‫ٌ‬ ‫ومذهبنا –حبمد هللا‪-‬‬

‫(‪)41/1‬‬

‫وفضائله حمسو ٌد‪ ،‬وملا بىن إمامنا أمحد بن حنبل ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬على أثبت ٍ‬
‫أساس‪ ،‬مل يستفد حساده‬
‫إال صداع الرأس!‪.‬‬
‫سادات‪ .‬ومنهم من يقول‪ :‬قد أفىت‬
‫ٌ‬ ‫فمنهم‪ :‬من يعيبه ابملفردات‪ ،‬وما فيها مسألةٌ وإال وقد تقدمه فيها‬
‫كالم!‪.‬‬
‫مبنام‪ ،‬وما يبقى مع املتخرص املباهت ٌ‬
‫عقد ٍ‬
‫خبيث‪.‬‬ ‫ومنهم‪ :‬من يسمينا‪( :‬احلشوية) إشارةً إىل رواية احلديث‪ ،‬وما يصدر هذا إال عن ٍ‬
‫ومنهم‪ :‬من يتعرض لذم اتبعيه وصحابته‪ ،‬مث يقول عند املوت‪ :‬امحلوين إىل تربته!‪.‬‬
‫عجيب‪ :‬أبو بكر أمحد بن علي اخلطيب‪ ،‬فإنه مأل بعلم أمحد مجيع‬
‫ٌ‬ ‫يف‬
‫وممن له قص ٌد هلذا املذهب طر ٌ‬
‫ات‪ ،‬وهللا اجملازي على املقاصد‬
‫كتبه‪ ،‬مث حتامل عليه وعلى أهل مذهبه‪ ،‬وله يف ((التاريخ)) وغريه وكز ٌ‬
‫والنيات‪:‬‬
‫قال يف ترمجة أمحد بن حنبل‪(( :‬إمام احملدثني))‪ ،‬ويف ترمجة‬

‫(‪)42/1‬‬

‫الشافعي‪(( :‬زين الفقهاء))‪ ،‬فلم يذكر أمحد ابلفقه‪ ،‬وما ضره ذلك فقد شهد له ابلفقه الشافعي‪،‬‬
‫واخلطيب يروي هذا‪:‬‬
‫أخربان عبد الرمحن بن حممد قال‪ :‬أخربان أبو بكر اخلطيب قال‪ :‬أخربان أبو القاسم عبد الرمحن بن‬
‫حممد السراج‪ :‬قثنا األصم قال‪ :‬مسعت أاب يعقوب اخلوارزمي يقول‪ :‬مسعت حرملة بن حيىي يقول‪:‬‬
‫مسعت الشافعي يقول‪ :‬خرجت من بغداد وما خلفت هبا أحداً أورع وال أتقى وال أفقه من أمحد بن‬
‫حنبل‪.‬‬
‫وحكى اخلطيب يف ترمجة حسني الكرابيسي أنه قال عن أمحد‪ :‬أي ٍ‬
‫شيء نعمل هبذا الصيب؟! إن قلنا‪:‬‬
‫لفظنا ابلقرآن خملوق‪ .‬قال‪ :‬بدعةٌ‪ .‬وإن قلنا‪ :‬غري ٍ‬
‫خملوق‪ :‬قال‪ :‬بدعةٌ‪.‬‬
‫(‪)43/1‬‬

‫دسائس يف ذم أصحاب أمحد [بن حنبل] عجيبةٌ‪ ،‬ال يفطن هلا إال املربز يف العلم‬
‫ٌ‬ ‫فصل‪ :‬وللخطيب‬
‫والفهم‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أنه ذكر مهىن بن حيىي‪ ،‬وكان من كبار أصحاب أمحد [بن حنبل]‪ ،‬وذكر عن الدارقطين أنه قال‪:‬‬
‫نبيل‪ .‬مث حكى بعد ذلك عن أيب الفتح األزدي أنه قال‪ :‬مهىن منكر احلديث‪ .‬وهو يعلم أن‬
‫مهىن ثقةٌ ٌ‬
‫األزدي مطعون عليه عند الكل‪ ،‬ال يقبل قوله‪.‬‬
‫قال اخلطيب‪ :‬حدثين أبو النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد األرموي‪ ،‬قال‪ :‬رأيت أهل املوصل‬
‫يوهنون أاب الفتح األزدي وال يعدونه شيئاً‪.‬‬
‫قال اخلطيب‪ :‬وحدثين حممد بن صدقة املوصلي أن أاب الفتح قدم‬

‫(‪)44/1‬‬

‫بغداد على ابن بويه‪ ،‬فوضع له حديثاً‪ :‬أن جربيل كان ينزل على النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يف‬
‫صورته‪ .‬فأعطاه دراهم‪.‬‬
‫أفال يستحيي اخلطيب أن يقابل قول الدارقطين يف مهىن ومدحه يقول هذا!! وإن هذا يدل على قوة‬
‫ٍ‬
‫عصبية وقلة دي ٍن‪.‬‬
‫ومال اخلطيب على أيب احلسن عبد العزيز بن احلارث بن أسد التميمي‪ ،‬وهذا التميمي قد مسع من‬
‫أيب بكر النيسابوري‪ ،‬والقاضي احملاملي‪ ،‬وحممد بن خملد الدوري‪ ،‬ونفطويه وغريهم‪ .‬وكان جليل‬
‫القدر‪ ،‬له تصانيف يف األصول والفروع والفرائض‪ ،‬فتعصب عليه اخلطيب‪ :‬فحكى عن أيب القاسم‬
‫عبد الواحد بن علي العكربي أن التميمي وضع حديثاً‪.‬‬
‫وقد ذكر اخلطيب أن هذا العكربي مل يكن من أهل احلديث والعلم‪ ،‬إمنا كان يعرف شيئاً من العربية‪،‬‬
‫ومل يرو شيئاً من احلديث‪.‬‬
‫وكان هذا العكربي أيضاً معتزلياً‪ ،‬وكان يقول‪ :‬إن الكفار ال خيلدون يف النار‪ .‬فكيف يقبل قوله يف‬
‫ومعلوم ما بني املعتزلة واحلنابلة من العداوة؟!‬
‫ٌ‬ ‫األئمة‬
‫بعصبية ابردةٍ يف ذم أصحابنا‪ ،‬وإذا ذكر املتكلمني من األشاعرة وغريهم فخم‬
‫ٍ‬ ‫غري أن اخلطيب يبهرج‬
‫أمرهم وذكر من فضائلهم ما يقارب‬

‫(‪)45/1‬‬

‫االستحالة‪ .‬فإنه ذكر عن ابن اللبان أنه قال‪ :‬حفظت القرآن ويل مخس سنني‪.‬‬
‫ومال اخلطيب على أيب عبد هللا بن بطة ميالً ال خيفى على من له أدىن ٍ‬
‫فهم بعد أن ذكر عن الفضالء‬
‫مدحه‪:‬‬
‫فأخربان عبد الرمحن بن حممد القزاز‪ ،‬قال‪ :‬أخربان أمحد بن علي بن اثبت‪ ،‬قال‪ :‬حدثين القاضي أبو‬
‫حامد أمحد بن حممد الدلوي‪ ،‬قال‪ :‬ملا رجع أبو عبد هللا بن بطة من الرحلة الزم بيته أربعني سنةً فلم‬
‫خرب‬ ‫ٍ‬
‫ير منها يف سوق‪ ،‬وال رؤي مفطراً إال يف يوم األضحى والفطر‪ .‬وكان أماراً ابملعروف‪ ،‬ومل يبلغه ٌ‬
‫منك ٍر إال غريه‪.‬‬
‫أخربان عبد الرمحن‪ ،‬قال‪ :‬أخربان أمحد بن علي‪ ،‬قال‪ :‬أنبأ العتيقي‪ ،‬قال‪ :‬كان ابن بطة شيخاً صاحلاً‬
‫مستجاب الدعوة‪.‬‬
‫أنبأان أبو بكر حممد بن عبد الباقي عن أيب حممد اجلوهري‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أخي احلسني بن علي أاب عبد‬
‫هللا يقول‪ :‬رأيت النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يف املنام‪ ،‬فقلت‪ :‬اي رسول هللا! قد اختلفت علينا‬
‫املذاهب‪ ،‬فبمن نقتدي؟ فقال‪ :‬عليك أبيب عبد هللا بن بطة‪ .‬فلما أصبحت لبست ثيايب‪ ،‬وأصعدت‬
‫إىل عكربا‪ ،‬فدخلت إليه‪ ،‬فلما رآين تبسم وقال‪ :‬صدق رسول هللا‪ ،‬صدق رسول هللا‪ ،‬صدق رسول‬
‫هللا‪ .‬يقوهلا ثالاثً‪.‬‬
‫فغمزه اخلطيب وقدح فيه بقول عبد الواحد بن علي األسدي الذي‬

‫(‪)46/1‬‬

‫قدح يف التميمي‪ ،‬وذكر عن غريه أنه قال‪ :‬ابن بطة ما مسع ((املعجم)) من البغوي‪.‬‬
‫وهذه شهادةٌ على نفيٍ‪ ،‬وقد قال ابن بطة‪ :‬قرأان على البغوي ((املعجم)) يف نف ٍر ٍ‬
‫خاص يف مدة عشرة‬
‫ٍ‬
‫أايم‪.‬‬
‫مث روى اخلطيب حديثاً‪ ،‬وقال‪ :‬احلمل فيه على ابن بطة‪ .‬فواعجباً للخطيب! كيف حيكي عن أشياخه‬
‫حديث ٍ‬
‫واحد‪ ،‬والراوي‬ ‫ٍ‬ ‫الفضالء مدح هذا الرجل‪ ،‬ويعلم كثرة رواايته‪ ،‬مث ينسبه إىل تعمد اخلطأ يف‬
‫هلذا احلديث عن ابن بطة‪ :‬عبد الواحد األسدي‪ ،‬فلم جيعل احلمل على األسدي املعتزيل الراوي عن‬
‫ابن بطة‪ ،‬دون ابن بطة املتدين الصاحل‪ .‬هذا التعصب القبيح الذي ال خيفى على الصبيان‪.‬‬
‫ومال اخلطيب على أيب علي بن املذهب ألجل روايته ((املسند))‪ ،‬فقال‪ :‬أحلق امسه يف أجز ٍاء‪ ،‬وكان‬
‫أصل عتي ٌق‪ ،‬وإمنا كانت النسخة خبطه كتبها‬
‫يروي عن ابن مالك ((كتاب الزهد))‪ ،‬ومل يكن له به ٌ‬
‫آبخره‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا ال يوجب قدحاً‪ ،‬إمنا أهل الغفلة من احملدثني يقدحون هبذا‪ ،‬فإهنم لو مسعوا رجالً يقول‪:‬‬
‫(حدثين فالن عن فالن) قبلوا‪ ،‬فإذا كتب مساعه خبطه توقفوا!‪ .‬وهذا الرجل جيوز أن يكون أحلق‬
‫ٍ‬
‫نسخة أخرى‪ ،‬أو تيقن مساع ما أحلق فيه مساعه‪.‬‬ ‫مساعه يف نسخته من‬

‫(‪)47/1‬‬

‫قال اخلطيب‪ :‬وحدث ابن املذهب عن ابن مالك عن أيب شعيب حب ٍ‬


‫ديث‪ ،‬ومجيع ما كان عند ابن‬
‫مالك عن أيب شعيب جزءٌ‪ ،‬وليس ذلك احلديث فيه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن اجلائز أن يكون ذلك احلديث سقط من نسخه‪ ،‬وجيوز أن يكون مسعه منه يف غري ذلك‬
‫اجلزء‪.‬‬
‫قال اخلطيب‪ :‬وكان يعرض علي أحاديث يف أسانيدها أمساء‪ ،‬فيسألين عنهم‪ ،‬فأذكر له أنساهبم‬
‫فيلحقها يف تلك األحاديث‪.‬‬
‫ٍ‬
‫شخص جاز يل أن أنسبه! وال فرق بني قويل‪:‬‬ ‫قلت‪ :‬وهذا قلة ٍ‬
‫فقه من اخلطيب‪ ،‬ألين إذا تيقنت اسم‬
‫فقه ٍ‬
‫وفهم‪.‬‬ ‫(حدثنا ابن املذهب)‪ ،‬وبني قويل‪( :‬حدثنا احلسن بن علي)‪ ،‬فهذا يدل على قلة ٍ‬

‫(‪)48/1‬‬

‫فصل‪ :‬واعلم أن تعصب اخلطيب وميله قد ابن ألكثر العلماء‪:‬‬


‫ٌ‬
‫فأنبأان أبو زرعة طاهر بن حممد بن طاهر املقدسي عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬مسعت إمساعيل بن أيب الفضل‬
‫القومسي ‪-‬وكان من أهل املعرفة ابحلديث‪ -‬يقول‪ :‬ثالثةٌ من احلفاظ ال أحبهم لشدة تعصبهم وقلة‬
‫إنصافهم‪ :‬احلاكم أبو عبد هللا‪ ،‬وأبو نعيم األصبهاين‪ ،‬وأبو بكر اخلطيب‪.‬‬
‫وكان إمساعيل هذا حافظاً ثقةً صدوقاً‪ ،‬له معرفةٌ ابلرجال واملتون‪ ،‬عزيز الداينة‪ ،‬مسع أاب احلسني بن‬
‫املهتدي‪ ،‬وابن النقور‪ ،‬وغريمها‪ .‬وقال احلق‪ ،‬فإن احلاكم كان متشيعاً ظاهر التشيع‪ ،‬واآلخران كاان‬
‫يتعصبان للمتكلمني واألشاعرة‪.‬‬
‫وما يليق هذا أبصحاب احلديث‪ ،‬ألن احلديث جاء يف ذم الكالم حىت قال الشافعي‪ :‬رأيي يف‬
‫أصحاب الكالم أن حيملوا على البغال ويطاف هبم‪.‬‬

‫(‪)49/1‬‬

‫فصل‪ :‬وما زال أبو بكر اخلطيب مييل على مذهبنا يف تصانيفه ميالً ظاهراً ينبئ عن ٍ‬
‫حقد‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ومن أعجب ما رأيت له‪ :‬مسألة صوم يوم الغيم‪ ،‬فإنه أظهر فيها تعصباً زائداً يف احلد‪ ،‬وتكلم فيها‬
‫بكالم العوام الذين يقصدون التشفي من األعداء‪ ،‬وقبح قول من يقول هبا‪ ،‬كأنه ما قاهلا إال أمحد بن‬
‫حنبل وحده‪ ،‬وهو يروي أنه قد قال هبا مجاعةٌ من الصحابة والتابعني‪ ،‬مث قال‪(( :‬أمجع علماء السلف‬
‫ٍ‬
‫واجب‪ ،‬وهو إذا كانت السماء متغيمةً))‪.‬‬ ‫على أن صوم يوم الشك غري‬
‫وهذا ضد ما علمه ورواه! مث نسي أن مجاعةً من الفقهاء األعالم انفردوا مبسائل وما شنعت عليهم‪،‬‬
‫وأمحد فلم ينفرد‪ .‬وأخذ هو يشنع ابحملال‪ ،‬ويقول‪( :‬خالف تعرف)‪ ،‬ويقول‪( :‬هذا خالف األحاديث‬

‫(‪)50/1‬‬

‫الصحاح)‪ ،‬وحيتج أبحاديث ليس فيها حجةٌ‪ ،‬وأحاديث يعلم هو بطالهنا‪ ،‬وينكر أن حيمل احلديث‬
‫على ٍ‬
‫شيء فتبني بذلك قلة فقهه‪ ،‬وما زال الفقهاء حيملون احلديث على صوٍر‪ ،‬مث حيمل أحاديثنا‬
‫وينسى ما قال‪ ،‬وما علم أنه أييت بعده أح ٌد يظهر عوار كالمه‪ ،‬ويبني تعصبه البارد‪ ،‬فرأيت أن أحرر‬
‫هذه املسألة‪ ،‬وأذكر دليل املذهب فيها‪ ،‬وأبني فساد كالمه‪ ،‬وهللا املوفق‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رواايت عن‬ ‫غيم أو قرتٌ يف ليلة الثالثني من شعبان ففيه ثالث‬
‫مسألة‪ :‬إذا حال دون مطلع اهلالل ٌ‬
‫أمحد‪:‬‬
‫إحداهن‪ :‬جيب صوم ذلك اليوم من رمضان‪ :‬أنبأان حممد بن عبد امللك بن خريون‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أمحد‬
‫بن علي بن اثبت‪ ،‬قال‪ :‬أخربان أبو احلسن علي بن أمحد بن احلسن بن عبد السالم املقرئ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا أمحد بن جعفر بن محدان القطيعي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان حممد بن أمحد البوراين القاضي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫أبو بكر األثرم‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أمحد بن حنبل يقول‪ :‬إذا كان يف السماء سحابةٌ أو علةٌ أصبح صائماً‪،‬‬
‫فإن مل يكن يف السماء علةٌ أصبح مفطراً‪ .‬مث قال‪ :‬كان ابن عمر إذا رأى يف السماء سحاابً أصبح‬
‫صائماً‪ .‬قلت أليب عبد هللا‪ :‬فيعتد به؟‪ .‬قال‪ :‬كان ابن عمر يعتد به‪ ،‬فإذا أصبح عازماً على الصوم‬
‫اعتد به‪ ،‬وجيزئه‪ .‬قلت‪ :‬فإن أصبح متلوماً‪ :‬يقول‪ :‬إن قالوا هو من رمضان صمت‪ ،‬وإن قالوا ليس من‬
‫رمضان أفطرت؟ قال‪ :‬هذا ال يعجبين‪ ،‬يتم صومه ويقضيه ألنه مل يعزم‪.‬‬

‫(‪)51/1‬‬

‫وهذه الرواية قد نقلها عن أمحد‪ :‬ابناه صاحل وعبد هللا‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬وأبو بكر األثرم‪ ،‬واملروذي‪،‬‬
‫والفضل بن زايد‪.‬‬
‫اختيار عامة مشاخينا‪ ،‬منهم‪ :‬أبو بكر اخلالل‪ ،‬وصاحبه عبد العزيز‪ ،‬وأبو بكر النجاد‪ ،‬وأبو علي‬
‫ٌ‬ ‫وهي‬
‫النجاد‪ ،‬وأبو القاسم اخلرقي‪ ،‬وأبو إسحاق بن شاقال‪ ،‬وأبو احلسن التميمي‪ ،‬وأبو عبد هللا بن حامد‪،‬‬
‫والقاضيان أبو علي بن أيب موسى‪ ،‬وأبو يعلى بن الفراء‪.‬‬
‫مروي من الصحابة‪ :‬عن عمر بن اخلطاب‪ ،‬وعلي بن أيب طالب‪ ،‬وعبد هللا بن عمر‪ ،‬وأنس بن‬
‫وهذا ٌّ‬
‫مالك‪ ،‬وأيب هريرة‪ ،‬ومعاوية‪ ،‬وعمرو بن العاصي‪ ،‬واحلكم بن أيوب الغفاري‪ ،‬وعائشة وأمساء ابنيت أيب‬
‫بكر الصديق [رضي هللا تعاىل عنهم]‪.‬‬
‫وقال به من كرباء التابعني‪ :‬سامل بن عبد هللا بن عمر‪ ،‬وجماهد بن جرب‪ ،‬وطاووس‪ ،‬وأبو عثمان‬
‫النهدي‪ ،‬ومطرف بن عبد هللا بن الشخري‪ ،‬وميمون بن مهران‪ ،‬وبكر بن عبد هللا املزين يف آخرين‪.‬‬
‫فأما الرواية عن عمر بن اخلطاب‪:‬‬
‫فروى أبو حفص بن رجاء العكربي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو أيوب احملور‪،‬‬

‫(‪)52/1‬‬

‫قال‪ :‬ان أبو الوليد القرشي‪ ،‬قال‪ :‬ثنا الوليد بن مسلم‪ ،‬قال‪ :‬أخربين ابن ثوابن عن أبيه‪.‬‬
‫عن مكحول أن عمر بن اخلطاب كان يصوم إذا كانت السماء يف تلك الليلة متغيمةً‪ ،‬ويقول‪ :‬ليس‬
‫هذا ابلتقدم‪ ،‬ولكنه التحري‪.‬‬
‫وأما الرواية عن ابن عمر‪:‬‬
‫فاحلديث الصحيح الذي سنذكره أنه كان إذا رأى يف السماء علةً أصبح صائماً‪.‬‬
‫وأما الرواية عن علي بن أيب طالب‪:‬‬
‫فأنبأان أبو منصور بن خريون‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أبو بكر أمحد بن علي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان القاضي أبو بكر أمحد‬
‫بن احلسن احلرشي‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو العباس حممد بن يعقوب األصم‪ ،‬قال‪ :‬أخربان الربيع بن سليمان‬
‫املرادي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان الشافعي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان عبد العزيز بن حممد الدراوردي عن حممد بن عبد هللا بن‬
‫عمرو بن عثمان عن أمه‪ :‬فاطمة بنت حسني‪.‬‬
‫أن علي بن أيب طالب قال‪ :‬أصوم يوماً من شعبان أحب إيل من أن أفطر يوماً من رمضان‪.‬‬
‫وأما الرواية عن أنس‪:‬‬

‫(‪)53/1‬‬

‫فأنبأان ابن خريون‪ ،‬قال أنبأان أمحد بن علي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان أبو طالب بن غيالن‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حممد بن‬
‫عبد هللا الشافعي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد هللا بن أمحد‪ ،‬قال‪ :‬حدثين أيب‪ ،‬قال‪ :‬ثنا إمساعيل بن إبراهيم قال‪:‬‬
‫انس من الناس‪ ،‬فأتينا‬
‫ثنا حيىي بن أيب إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬رأيت اهلالل إما الظهر وإما قريباً منها‪ ،‬فأفطر ٌ‬
‫أنس بن مالك‪ ،‬فأخربانه برؤية اهلالل‪ ،‬وإبفطار من أفطر‪ ،‬فقال‪ :‬هذا اليوم يكمل يل أح ٌد وثالثون‬
‫صائم غداً‪ ،‬فكرهت اخلالف عليه‬
‫يوماً‪ ،‬وذاك أن احلكم بن أيوب أرسل إيل قبل صيام الناس إين ٌ‬
‫متم يومي هذا إىل الليل‪.‬‬
‫فصمت‪ ،‬وأان ٌ‬
‫وأما معاوية‪:‬‬
‫فروى أمحد‪ :‬قثنا املغرية‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا سعيد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثين مكحول وابن حلبس‪.‬‬
‫أن معاوية بن أيب سفيان كان يقول‪ :‬ألن أصوم يوماً من شعبان أحب إيل من أن أفطر يوماً من‬
‫رمضان‪.‬‬

‫(‪)54/1‬‬

‫وأما عمرو بن العاصي‪:‬‬


‫فروى أمحد‪ :‬قال‪ :‬حدثنا زيد بن احلباب‪ ،‬قال‪ :‬أخربين ابن هليعة عن عبد هللا بن هبرية‪.‬‬
‫عن عمرو بن العاصي أنه كان يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان‪.‬‬
‫وأما أبو هريرة‪:‬‬
‫فروى أمحد‪ :‬قال‪ :‬حدثنا عبد الرمحن بن مهدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا معاوية بن صاحل عن أيب مرمي قال‪:‬‬
‫مسعت أاب هريرة يقول‪ :‬ألن أتعجل يف صوم رمضان ٍ‬
‫بيوم أحب إيل من أن أأتخر‪ ،‬ألين إذا تعجلت مل‬
‫يفتين‪ ،‬وإذا أتخرت فاتين‪.‬‬
‫وأما عائشة‪:‬‬
‫فأنبأان ابن خريون‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أمحد بن علي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان احلسن بن أيب بكر‪ ،‬قال‪ :‬أنبأ دعلج بن‬
‫أمحد‪ ،‬قال‪ :‬أخربان ابن زيد بن الصائغ‪ ،‬قال‪ :‬ثنا سعيد بن منصور‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو عوانة عن يزيد بن‬
‫مخري عن الرسول الذي أتى عائشة يف اليوم الذي يشك فيه من رمضان‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قالت عائشة‪ :‬ألن أصوم يوماً من شعبان أحب إيل من أن أفطر يوماً من رمضان‪.‬‬

‫(‪)55/1‬‬

‫وأما أمساء بنت أيب بكر‪:‬‬


‫فباإلسناد عن سعيد بن منصور‪ ،‬قال‪ :‬ثنا يعقوب بن عبد الرمحن عن هشام بن عروة‪.‬‬
‫عن فاطمة بنت املنذر قالت‪ :‬ما غم هالل رمضان إال كانت أمساء تتقدمه وأتمران بتقدميه‪.‬‬
‫وروى أمحد‪ :‬قال‪ :‬ثنا روح بن عبادة عن محاد بن سلمة عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أمساء أهنا‬
‫كانت تصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان‪.‬‬
‫ذكر هذه األحاديث الفضل بن زايد القطان عن أمحد بن حنبل يف مسائله‪.‬‬
‫وقد تعرض هلا أبو بكر اخلطيب ابلتأويالت الفاسدة‪ ،‬وروى عن أرابهبا ما ال يناقضها‪:‬‬
‫فروى عن عمر بن اخلطاب أنه قال‪ :‬أال ال يتقدمن الشهر منكم أح ٌد‪.‬‬

‫(‪)56/1‬‬

‫وهذا ال حجة فيه‪.‬‬


‫وروى أن عمر قال‪ :‬صوموا لرؤية اهلالل‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم فعدوا ثالثني‪.‬‬
‫ٌ‬
‫حممول على األخري‪.‬‬ ‫وهذا‬
‫وروى عن عثمان أنه كان ال جييز شهادة الواحد يف رؤية اهلالل‪ .‬وهذا ال ميس ما حنن فيه‪.‬‬
‫وروى عن علي أنه قال‪ :‬إذا رأيتم اهلالل فصوموا‪ ،‬وإذا رأيتموه فأفطروا‪ ،‬فإن غم عليكم فأمتوا العدة‪.‬‬
‫وهذه إشارةٌ إىل األخري‪ ،‬ألنه أقرب املذكورين‪.‬‬
‫وهذا املراد مبا روي عن ابن مسعود أنه قال‪ :‬فإن غم فعدوا ثالثني‪.‬‬
‫وقال اخلطيب‪(( :‬حيتمل أن يكون أمساء صامت تطوعاً))‪ .‬فهذا أتويله‬

‫(‪)57/1‬‬

‫البارد‪ ،‬وكيف حتث أمساء على صيامه تطوعاً‪ ،‬وقد هني عن استقبال رمضان؟! والعجب ملن هذا أتويله‬
‫كيف ينكر علينا أتويالً أصلح من هذا؟!‪.‬‬
‫والرواية الثانية‪ :‬عن أمحد يف هذه املسألة‪ :‬أن املرجع يف الصوم والفطر إىل رأي اإلمام‪ :‬فإن صام وأمر‬
‫الناس ابلصوم وجب‪ ،‬وإن منع منه مل جيز صيامه‪:‬‬
‫أنبأان حممد بن عبد الباقي البزاز عن أيب إسحاق إبراهيم بن عمر الربمكي‪ ،‬قال‪ :‬ثنا أبو احلسن حممد‬
‫بن العباس بن الفرات‪ ،‬قال‪ :‬أخربان محزة بن القاسم اهلامشي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حنبل بن إسحاق‪ ،‬قال‪:‬‬
‫مسعت أاب عبد هللا يقول‪ :‬ال أرى صيام يوم الشك إال مع اإلمام ومع الناس‪.‬‬
‫وهبذه الرواية قال احلسن وابن سريين‪.‬‬
‫والرواية الثالثة‪ :‬ال جيوز صيامه من رمضان وال نفالً‪ ،‬بل جيوز صيامه نذراً أو كفارةً‪ ،‬ونفالً يوافق عادةً‪.‬‬
‫وهو قول الشافعي‪ ،‬وقال أبو حنيفة ومالك‪ :‬ال جيوز صيامه من رمضان‪ ،‬وجيوز صيامه ما سوى‬
‫ذلك‪.‬‬

‫(‪)58/1‬‬

‫لنا يف الدليل على الرواية األوىل ثالثة مسالك‪ :‬النقل‪ ،‬وأقوال الصحابة‪ ،‬واملعىن‪.‬‬
‫أما النقل‪:‬‬
‫فأخربان هبة هللا بن حممد بن احلصني‪ ،‬قال‪ :‬أخربان أبو علي احلسن بن علي التميمي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان‬
‫أمحد بن جعفر‪ ،‬قثنا عبد هللا بن أمحد بن حنبل‪ ،‬قال‪ :‬حدثين أيب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا إمساعيل‪ ،‬قثنا أيوب‬
‫عن انفع‪.‬‬
‫عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬إمنا الشهر تس ٌع وعشرون‪ ،‬فال تصوموا‬
‫حىت تروه‪ ،‬وال تفطروا حىت تروه‪ ،‬فإن غم عليكم فاقدروا له))‪.‬‬
‫تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رؤي فذاك‪ ،‬وإن مل‬
‫قال انفع‪ :‬فكان عبد هللا إذا مضى من شعبان ٌ‬
‫قرت أصبح‬
‫سحاب أو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫قرت أصبح مفطراً‪ ،‬وإن حال دون منظره‬
‫سحاب وال ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ير ومل حيل دون منظره‬
‫صائماً‪.‬‬

‫(‪)59/1‬‬

‫أخرجه البخاري ومسلم يف الصحيحني‪ ،‬ومل يذكرا فعل ابن عمر‪ .‬وذكره اجلوزقي يف كتابه املخرج على‬
‫الصحيحني‪.‬‬
‫أخربان عبد األول‪ ،‬قال‪ :‬أخربان الداوودي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان ابن أعني‪ ،‬قال‪ :‬ثنا الفربري‪ ،‬قثنا البخاري‪،‬‬
‫قثنا عبد هللا بن مسلمة‪،‬‬
‫وأخربان حممد بن عبيد هللا الزاغوين‪ ،‬قال‪ :‬أخربان نصر بن احلسن الشاشي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان عبد الغافر بن‬
‫حممد‪ ،‬قثنا حممد بن عيسى بن عمرويه‪ ،‬قثنا إبراهيم بن حممد بن سفيان‪ ،‬قثنا مسلم بن احلجاج‪ ،‬قثنا‬
‫حيىي بن حيىي‪ ،‬كالمها عن مالك عن انفع‪.‬‬
‫عن ابن عمر أن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ذكر رمضان‪ ،‬فقال‪(( :‬ال تصوموا حىت تروه‪ ،‬وال‬
‫تفطروا حىت تروه‪ ،‬فإن غم عليكم فاقدروا له))‪.‬‬
‫أخرجاه أيضاً‪.‬‬
‫وقد رواه عن انفع مجاعةً‪ ،‬منهم‪ :‬عبيد هللا بن عمر بن حفص بن عاصم‪ ،‬وأخوه عبد هللا‪ ،‬وسلمة بن‬
‫علقمة‪ ،‬وفليح بن سليمان‪ ،‬وعمر بن حممد بن زيد العمري‪ ،‬وأسامة بن زيد الليثي‪ ،‬وعبد العزيز بن‬
‫أيب رواد‪ ،‬واحلكم بن عبد هللا األيلي‪.‬‬
‫وقد رواه سامل عن أبيه‪ ،‬وعبد هللا بن دينار عن ابن عمر‪.‬‬
‫ووجه احلجة من هذا احلديث من جهتني‪:‬‬

‫(‪)60/1‬‬

‫إحدامها‪ :‬منفصلة عن احلديث‪ ،‬وهي فعل ابن عمر‪ ،‬وأصحاب رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫أعلم مبراده‪ ،‬فينبغي الرجوع إىل ما فهمه ابن عمر من هذا كما رجعنا إليه يف خيار اجمللس‪ ،‬فإنه كان‬
‫إذا أراد بت البيع فارق صاحبه‪.‬‬
‫واجلهة الثانية‪ :‬تتعلق بنفس احلديث‪ ،‬وفيها دليالن‪:‬‬
‫تسع وعشرون))‪ ،‬فبني أن األصل يف الشهور ذلك‪ .‬فإذا زال األصل‬
‫أحدمها‪ :‬قوله‪(( :‬إمنا الشهر ٌ‬
‫ثبت األصل من الشهر اآلخر‪.‬‬
‫أمر جهل معناه اخلطيب‪ ،‬فقال‪(( :‬ما أعظم غفلة احملتج هبذا؟! ومن ينازع أن الشهر يكون‬
‫وهذا ٌ‬
‫تسعاً وعشرين؟!))‪.‬‬
‫تسع وعشرون))‪ ،‬ولفظة‪( :‬إمنا) تثبت‬
‫قلنا‪ :‬أنت أحق ابلغفلة‪ ،‬ألنك مل تفهم معىن قوله‪(( :‬إمنا الشهر ٌ‬
‫املشار إليه‪ ،‬وتنفي ما عداه‪ ،‬فلما كانت الزايدة قد تقع كان املراد أن األصل يف الشهور هذا‪ ،‬وما‬
‫عداه مرتدد‪.‬‬
‫ويدل عليه‪:‬‬
‫ما أخربان به أبو بكر حممد بن عبد الباقي البزاز‪ ،‬قال‪ :‬أنبأ أبو حممد احلسن بن علي اجلوهري‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أنبأ أبو حفص عمر بن حممد بن علي الصرييف املعروف بـ (ابن الزايت)‪ :‬قثنا قاسم بن زكراي املطرزي‪:‬‬
‫قثنا أبو كريب‪ ،‬قثنا أبو بكر بن عياش‪ ،‬قال‪ :‬أخربان األعمش‪ ،‬قثنا أبو صاحل‪.‬‬

‫(‪)61/1‬‬

‫عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬كم مضى من الشهر؟))‪ .‬قالوا‪ :‬اي‬
‫سبع‪ .‬اطلبوها‬
‫رسول هللا مضى ثنتان وعشرون‪ ،‬وبقي مثان‪ .‬فقال‪(( :‬مضى ثنتان وعشرون‪ ،‬وبقي ٌ‬
‫الليلة))‪ .‬يعين‪ :‬ليلة القدر‪.‬‬
‫قال املطرزي‪ :‬وثنا حممد بن الصباح اجلرجرائي‪ ،‬قثنا جرير عن األعمش عن أيب صاحل عن أيب هريرة‬
‫قال‪ :‬ذكران ليلة القدر عند رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فقال‪(( :‬كم مضى من الشهر؟))‬
‫قلنا‪ :‬قد مضى اثنتان وعشرون‪ ،‬وبقي مثان‪ .‬فقال‪(( :‬ال‪ ،‬بل سبع‪ .‬الشهر تسع وعشرون))‪ .‬مث قال‪:‬‬
‫عده حىت عد تسعاً وعشرين‪ .‬مث قال‪(( :‬التمسوها الليلة))‪.‬‬
‫قال املطرزي‪ :‬وثنا أبو كريب وفياض بن زهري‪ ،‬قاال‪ :‬ثنا أبو معاوية‪ ،‬قثنا األعمش [عن أيب صاحل عن‬
‫أيب هريرة] قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬كم مضى من الشهر؟)) قلنا مضى اثنتان‬
‫وعشرون‪ ،‬وبقيت مثان‪ .‬فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬ال‪ ،‬بل مضت اثنتان وعشرون‪،‬‬
‫وبقيت سبع))‪[ ،‬اطلبوها الليلة]))‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬قوله‪(( :‬فاقدروا له))‪ ،‬ويف معناه قوالن‪:‬‬

‫(‪)62/1‬‬

‫أحدمها‪ :‬أن املعىن‪ :‬قدروا للهالل زماانً ميكن أن يطلع فيه‪ ،‬وذلك ليلة الثالثني‪ .‬فأما الليلة اليت بعدها‬
‫فذاك ال حيتاج إىل تقدير‪ ،‬وهذا من قوله تعاىل‪{ :‬ومن قدر عليه رزقه} أي‪ :‬ضيق‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن معىن ((اقدروا))‪ :‬احكموا بطلوعه من جهة الظاهر‪ ،‬من قوله تعاىل‪{ :‬قدرانها من‬
‫الغابرين} أي‪ :‬حكمنا بذلك‪.‬‬
‫اعرتضوا على هذا احلديث أبربعة أسئلة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنكم فهمتم من احلديث ما مل يرد به‪ ،‬ألنكم محلتم قوله‪(( :‬فاقدروا)) على تضييق العدد‪،‬‬
‫وليس املراد به ذلك‪ ،‬بل املراد به إكمال عدة شعبان‪ .‬وبيان هذا من ثالثة ٍ‬
‫أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يف بعض ألفاظ الصحيحني‪(( :‬فإن غم عليكم فاقدروا ثالثني))‪ .‬ويف ٍ‬
‫لفظ‪(( :‬فأكملوا‬
‫العدة ثالثني))‪ ،‬ويف رواية‪(( :‬فاقدروا له ثالثني))‪.‬‬
‫قال اخلطيب‪(( :‬وهذا قد فسر اجململ‪ ،‬وأوضح املشكل‪ ،‬وأبطل شبهة املخالف‪ ،‬وكشف عوار أتويله‬
‫جممل‪ ،‬وقوله‪(( :‬فأكملوا العدة ثالثني)) و ((اقدروا له ثالثني))‬
‫الفاسد‪ ،‬ألن قوله‪(( :‬فاقدروا له)) ٌ‬
‫يفسره))‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن ابن عمر كان مينع من صوم هذا اليوم‪:‬‬
‫فأنبأان حممد بن عبد الباقي البزاز‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان إبراهيم بن عمر الربمكي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حممد بن العباس‬
‫بن الفرات‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا محزة بن القاسم‪ ،‬قال‪ :‬ثنا حنبل بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬حدثين أمحد بن حنبل‪،‬‬
‫قثنا وكيع‬

‫(‪)63/1‬‬

‫عن سفيان عن عبد العزيز بن حكيم احلضرمي‪ ،‬قال‪:‬‬


‫مسعت ابن عمر يقول‪ :‬لو صمت السنة كلها ألفطرت اليوم الذي يشك فيه‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن ابن عمر كان يفيت خبالف ما ذكرمت عنه‪:‬‬
‫قال اخلطيب‪ :‬فتواه أحج من فعله‪.‬‬
‫فأنبأان ابن عبد الباقي‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان الربمكي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا ابن الفرات‪ ،‬قال‪ :‬أخربان محزة‪ ،‬قثنا حنبل‪،‬‬
‫قثنا أمحد بن حنبل‪ ،‬قثنا عبيدة بن محيد‪ ،‬قال‪ :‬أخربين عبد العزيز بن حكيم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أف! ٍ‬
‫أف! صوموا مع‬ ‫سألوا ابن عمر فقالوا‪ :‬نسبق قبل رمضان حىت ال يفوتنا منه شيء؟‪ .‬فقال‪ٍ :‬‬
‫ٌ‬
‫اجلماعة‪.‬‬
‫وأما صوم ابن عمر فيحتمل أنه كان يصومه تطوعاً معتاداً أو نذراً أو كفارةً‪ ،‬وحيتمل أن يكون ابن‬
‫عمر كان يصبح متلوماً ممسكاً حىت يبني مع ارتفاع النهار‪ :‬هل تقوم البينة برؤيته أم ال؟ ويقدم النية يف‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الليل ليكون عند قيام البينة قد أتى ٍ‬
‫بصوم‬
‫قالوا‪ :‬وقولكم‪(( :‬األصل يف الشهور تسعةٌ وعشرون)) ال يسلم‪ ،‬بل معىن احلديث‪ :‬إن الشهر الذي‬
‫ال يتصور النقصان منه‪ :‬هذا العدد‪ ،‬فأما‬

‫(‪)64/1‬‬

‫ما زاد فيحتمل أن يكون منه ومن غريه‪ .‬ولو سلمنا قلنا‪ :‬هذا اليوم الزائد ليس من هذا الشهر‪ ،‬وال‬
‫إجياب‬
‫حمتمل لألمرين‪ .‬وما هذا سبيله ال جيب صومه‪ ،‬ألنه ٌ‬
‫ٌ‬ ‫من الذي بعده بطريق األصالة‪ ،‬بل هو‬
‫للعبادة ابلشك‪.‬‬
‫وقولكم‪( :‬معىن ((اقدروا))‪ :‬ضيقوا العدد)‪ .‬حيتمل هذا‪ ،‬وحيتمل أن يكون املعىن ضيقوا للهالل أبن ال‬
‫حتكموا به إال يف الليلة اليت ال يتأخر عنها‪ ،‬يدل على هذا قوله‪(( :‬فاقدروا له ثالثني))‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫((فأكملوا عدة شعبان ثالثني))‪.‬‬
‫وأما قولكم‪( :‬إن املعىن‪ :‬احكموا له ابلوجود) فال يستقيم‪ ،‬ألنه ضد املعروف يف اللغة‪ ،‬ومعىن‬
‫(قدرانها)‪ :‬علمناها‪.‬‬
‫السؤال الثاين‪:‬‬
‫على أصل احلديث‪ :‬أنه مشرتك الداللة‪ ،‬ألن قوله‪(( :‬صوموا لرؤيته)) يدل على أنه ال جيب الصوم إال‬
‫برؤية اهلالل يف الليلة اليت ميكن أن يطلع فيها‪ ،‬وميكن أن ال يطلع‪ .‬فتعارضت الداللتان‪.‬‬
‫السؤال الثالث‪:‬‬
‫أن هذا خرب ٍ‬
‫واحد خيالف قياس األصول فال يقبل‪.‬‬
‫بيانه‪ :‬أن سائر األحكام املتعلقة ابلشهور ال تثبت يف يوم الثالثني على هذا الوصف يف شعبان وال يف‬
‫غريه‪.‬‬
‫السؤال الرابع‪:‬‬
‫معارض ابألخبار اليت نذكرها يف حجتنا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أن هذا احلديث‬
‫قلنا‪ :‬أما قوله‪(( :‬فاقدروا له ثالثني)) فجوابه من وجهني‪:‬‬

‫(‪)65/1‬‬

‫أحدمها‪ :‬أن أكثر أصحاب ابن عمر مل يرووا هذه الزايدة‪ ،‬وإمنا رواها واح ٌد منهم على ظنه أن املعىن‬
‫ذلك‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أهنا حممولةٌ على رمضان‪ ،‬بدليل قوله يف أحاديث ستأيت‪(( :‬فإن غم عليكم فصوموا ثالثني‪ ،‬مث‬
‫أفطروا))‪.‬‬
‫وعليه حيمل قوله‪(( :‬فأكملوا العدة ثالثني))‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ابجتهاد منه‪ .‬ألن قوله‪(( :‬فاقدروا‬ ‫وأما فعل ابن عمر فقد ذكران وجه احلجة فيه‪ ،‬وال يقال‪ :‬كان ذلك‬
‫له)) دل على وجوب الصوم على ما قلنا‪ ،‬فقد عمل ابن عمر مبا روى ال مبا رأى‪.‬‬
‫ولو دل على الفطر كان قد عمل خبالف ما روى‪ ،‬واألصل أن الصحايب ال خيالف ما يروي ال سيما‬
‫مع تكرر ذلك منه‪ ،‬ألن الراوي قال‪ :‬كان ابن عمر يفعل كذا‪ .‬وهذا يدل على تكرر الفعل منه‪.‬‬
‫وما رويتم عنه أنه قال‪ :‬لو صمت السنة كلها ألفطرت اليوم الذي يشك فيه‪ .‬جوابه من أربعة ٍ‬
‫أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن راويه‪ :‬عبد العزيز بن حكيم‪ ،‬قال أبو حامت الرازي‪ :‬ليس ابلقوي‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن يوم الغيم ليس بشك على ما سيأيت بيانه‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يريد به الشك يف الصحو‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أن يكون املراد [منه]‪ :‬مل أصمه تطوعاً‪.‬‬

‫(‪)66/1‬‬

‫وقول اخلطيب‪ :‬فتواه أحج من فعله‪ .‬جوابه من وجهني‪:‬‬


‫أحدمها‪ :‬أنه ال يصح عنه‪ ،‬ألنه يرويه عبد العزيز بن حكيم‪ ،‬وقد ضعفناه‪.‬‬
‫تغفيل!‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أنه إمنا أفىت فيمن يسبق قبل رمضان‪ ،‬فاحتجاج اخلطيب به ٌ‬
‫تسع وعشرون))‪.‬‬
‫ويدل على ما قلنا‪ :‬قوله‪(( :‬إمنا الشهر ٌ‬
‫قوهلم‪ :‬املراد‪ :‬أن الشهر ال يتصور نقصانه عن هذا‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬وهبذا يعرف أنه األصل‪ ،‬وإن ما زاد قد يكون من الشهر وقد ال يكون‪.‬‬
‫وقوهلم‪(( :‬اقدروا))‪ .‬مبعىن‪ :‬ضيقوا‪ .‬قلنا‪ :‬التضييق للهالل أن حيكم بطلوعه يف ليلة الثالثني‪ ،‬ألنه‬
‫بذلك يضيق على شعبان‪ ،‬ومىت قدرانه يف ٍ‬
‫ليلة بعدها كان التضييق عليه‪ ،‬ألنه يتسع شعبان‪،‬‬
‫والتضييق للشيء توسعةً له‪ ،‬وتضيي ٌق على غريه‪.‬‬
‫يدل على ما قلنا شيئان‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن قوله‪(( :‬فاقدروا)) يقتضي إثبات ٍ‬
‫فعل من جهتنا‪ ،‬واهلاء يف ((له)) عائدةٌ إىل اهلالل‪ ،‬فال‬
‫فعل من جهتنا ألنه مستفا ٌد من البقاء على‬ ‫جيوز أن يراد إثباته من شعبان‪ ،‬ألن ذلك ال حيتاج إىل ٍ‬
‫األصل‪ ،‬فثبت أن املراد إثباته من رمضان‪.‬‬

‫(‪)67/1‬‬

‫والثاين‪ :‬أنه لو أراد ما قلتم لقال‪ :‬فإن غم عليكم فأفطروا‪ .‬وقد قال الزجاج يف قوله تعاىل‪{ :‬قدرانها}‬
‫فثابت‬
‫دبرانها‪ .‬والتدبري يف مسألتنا ال يتحقق إال أبن حيكم ابهلالل ليلة الغيم‪ ،‬فأما وجوده فيما بعدها ٌ‬
‫من غري تدب ٍري‪.‬‬
‫ختمني وحسبان‪ ،‬وهذا ال يكون إال يف احملتمل‪.‬‬
‫يدل عليه‪ :‬أن تقدير الشيء بكذا ٌ‬
‫وقوهلم‪(( :‬هو مشرتك الداللة)) ال نسلم‪ ،‬بل التقدير واالحتياط فيما قلنا‪.‬‬
‫خمالف لقياس األصول)) قلنا‪ :‬األصول هي األخبار الصحاح‪.‬‬
‫قوهلم‪(( :‬هو ٌ‬
‫وأما إجياب العبادة ابلشك‪ ،‬وبقية األحكام واملعارضة فسيأيت جوابه إن شاء هللا تعاىل‪.‬‬
‫وأما أقوال الصحابة فقد تقدمت‪.‬‬
‫وأما املعىن فلنا فيه أربعة مسالك‪:‬‬
‫املسلك األول‪:‬‬
‫أن نقول‪ :‬الفطر يف هذا اليوم مرتد ٌد بني احلظر واإلابحة فوجب فيه الصوم‪ ،‬كما لو غم اهلالل يف‬
‫آخر رمضان‪.‬‬

‫(‪)68/1‬‬
‫والدليل على تردد الفطر‪ :‬أن هذا اليوم جيوز أن يكون من رمضان فيكون الفطر فيه حمظوراً‪ ،‬وجيوز‬
‫أن يكون من شعبان فيكون الفطر فيه مباحاً‪ ،‬وال سبيل إىل إنكار جتويز األمرين‪.‬‬
‫وإذا تردد األمر بني احلظر واإلابحة ترجح جانب احلظر بدليل احلكم واملعىن‪.‬‬
‫أما احلكم فست مسائل‪:‬‬
‫إحداها‪ :‬إذا غم اهلالل يف آخر الشهر فإنه جيب الصوم ملا ذكران‪ ،‬وهذا أوىل‪ ،‬ألن اليوم األخري جيوز‬
‫أن يكون من شوال فيحرم فيه الصوم‪ ،‬وجيوز أن يكون من رمضان فيجب فيه الصوم‪.‬‬
‫فإذا كنا نرجح الصوم مع تردده بني الوجوب واحلظر‪ ،‬فألن نرجح الصوم هاهنا مع تردده بني‬
‫الوجوب واإلابحة أوىل‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إذا اشتبهت امليتة ابملذكاة غلبنا جانب احلظر فحرمتا‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬إذا اشتبهت أخته ٍ‬
‫بنساء أجانب حرمن لذلك أيضاً‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬إذا اشتبه املاء ابلبول حرم استعماهلما‪.‬‬
‫اخلامسة‪ :‬أنه جيب إمساك ٍ‬
‫جزء من الليل يف أول الصوم ويف آخره يف حق من ال يتيقن الفصل بني‬
‫الزمانني ليسلم الواجب‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬إذا طلق إحدى نسائه ونسي عينها حرم اجلميع‪.‬‬
‫وأما املعىن‪:‬‬
‫فهو أن فعل الشيء الذي يرتدد بني احلظر واإلابحة على تقدير أن يكون حراماً يلزم منه مفسدةٌ‪،‬‬
‫وعلى تقدير أن يكون مباحاً ال يلزم منه مفسدةٌ‪.‬‬

‫(‪)69/1‬‬

‫وما هذا سبيله يطرح لئال يلزم منه املفسدة‪ .‬وهذا ظاهر‪ ،‬فإن العاقل إذا أراد سلوك طر ٍيق يستوي فيه‬
‫احتمال السالمة واهلالك وجب عليه الكف عن سلوكها‪.‬‬
‫اعرتضوا على هذا بستة أسئلة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬ال نسلم أن الفطر مرتد ٌد بني احلظر واإلابحة‪ .‬قولكم‪( :‬جيوز أن يكون هذا اليوم من رمضان‪،‬‬
‫مسلم‪ ،‬ولكن احلظر ال ينبين على هذا‪ ،‬إمنا احلظر ما أوجب اإلمث‪ ،‬واإلمث‬
‫وأن يكون من شعبان) ٌ‬
‫حمظور‪ ،‬واملفطر يف هذا اليوم ال يعلم أنه من رمضان فال‬
‫ٌ‬ ‫يكون مع ارتكاب احملظور مع العلم أبنه‬
‫يلحقه إمثٌ‪ ،‬كما لو شرب مخراً ظنه شراابً مباحاً‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬سلمنا أنه مرتد ٌد بينهما‪ ،‬ولكن‪ :‬تردد على السواء‪ ،‬أو جانب اإلابحة أرجح؟ إن قلتم‪( :‬على‬
‫فمسلم‪ .‬ولكن مل قلتم بوجوب الصوم يف هذه‬
‫ٌ‬ ‫ع‪ ،‬وإن قلتم‪( :‬جانب اإلابحة أرجح)‬
‫السواء) فممنو ٌ‬
‫احلالة؟‪.‬‬
‫وبيانه‪ :‬أن كون هذا اليوم من شعبان أرجح بدليل احلكم املعىن‪:‬‬
‫أما احلكم‪:‬‬
‫فإان أمجعنا أنه لو شد برؤية اهلالل فاسق أو جمهول احلال مل تقبل شهادته‪ ،‬وكذلك لو تقاعد اجلماعة‬
‫عن ترائي اهلالل مل جيب الصوم‪ ،‬وال يتعلق بذلك اليوم حلول دي ٍن وال الطالق املعلق برمضان‪.‬‬
‫وأما املعىن‪:‬‬
‫فهو أن األصل يف الشهور‪ :‬التمام‪ ،‬والنقصان على خالف األصل‪ .‬فإذا ترجح احتمال اإلابحة كان‬
‫العمل به أوىل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬سلمنا أن االحتمالني متساواين‪ ،‬ولكن‪ :‬من كل ٍ‬
‫وجه‪ ،‬أو من الوجه الذي ذكرمت؟ األول‪:‬‬
‫مسلم‪.‬‬
‫ع‪ ،‬والثاين‪ٌ :‬‬
‫ممنو ٌ‬

‫(‪)70/1‬‬

‫بيانه‪ :‬أنه حيتمل األمرين‪ ،‬إال أن احتمال الفطر أرجح من حيث إن األصل إابحة الفطر‪ ،‬والتحرمي‬
‫طارئ عليه‪ .‬واألصل بقاء ما كان على ما كان‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬سلمنا استواء االحتمالني من كل ٍ‬
‫وجه‪ ،‬ولكن‪ :‬هل قامت على احتمال حظر الفطر أمارةٌ؟ إن‬
‫ع‪ ،‬ألنه ال أمارة على وجود اهلالل حتت الغيم‪ .‬وإن قلتم‪ :‬مل تقم‪ .‬فكيف يعمل‬
‫قلتم‪ :‬قامت فممنو ٌ‬
‫مبجرد االحتمال من غري أمارةٍ؟!‪.‬‬
‫اخلامس‪ :‬سلمنا أنه يعمل هبذا االحتمال‪ ،‬ولكن‪ :‬مل قلتم‪ :‬إنه جيب الصوم؟ بل ينبغي أن جيب‬
‫اإلمساك‪ ،‬ألن به حيرتز من الفطر املرتدد بني احلظر واإلابحة‪.‬‬
‫وقولكم‪(( :‬يف الفطر مفسدةٌ))‪ .‬الكالم عليه من مخسة أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن احتمال وقوع املفسدة ابلفطر يعارضه مفسدة اعتقاد حترمي املباح‪.‬‬
‫بيانه‪ :‬أنه جيوز أن يكون اليوم من شعبان فيكون الفطر مباحاً‪ ،‬وكما حتذر مفسدة الفطر يف رمضان‬
‫حتاذر مفسدة اعتقاد حترمي املباح‪ ،‬فيقع التعارض‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن نقول‪ :‬هل تعني الصوم طريقاً يف التحرز من هذه املفسدة‪ ،‬أم هو طري ٌق وغريه طريق؟‬
‫مسلم‪.‬‬
‫األول‪ :‬ممنوع‪ ،‬والثاين‪ٌ :‬‬
‫بيانه‪ :‬أن احملذور يف هذا اليوم الفطر‪ ،‬والفطر ابألكل والشرب واجلماع‪ ،‬وهذا حيصل التحرز منه برتكه‬
‫كما يتحرز عنه ابلصوم‪ ،‬فلم قلتم‪ :‬جيب الصوم؟‪.‬‬

‫(‪)71/1‬‬

‫والثالث‪ :‬سلمنا أن الصوم تعني طريقاً يف التحرز‪ ،‬ولكن مطلق الصوم أو صوم رمضان؟ األول‪:‬‬
‫مسلم‪ ،‬والثاين‪ :‬ممنوعٌ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫بيانه‪ :‬أن الصوم ضد الفطر‪ ،‬سواء كان من رمضان أو من غريه‪ ،‬واالحرتاز من الفطر حيصل مبطلق‬
‫ٍ‬
‫خمصوص‪.‬‬ ‫الصوم ال ٍ‬
‫بصوم‬
‫والرابع‪ :‬سلمنا أن صوم رمضان يتعني طريقاً يف التحرز منه‪ ،‬ولكن أمكن إجيابه أم مل ميكن؟ األول‪:‬‬
‫مسلم‪.‬‬
‫ممنوع‪ ،‬والثاين‪ٌ :‬‬
‫وبيان عدم اإلمكان من ثالثة ٍ‬
‫أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أان مىت أوجبنا الصوم يف هذا اليوم كان منهياً عنه‪ ،‬ألنه صوم يوم شك‪ ،‬وقد هني عن ذلك‪.‬‬
‫واحملظور ال حيرتز عنه بفعل حمظوٍر مثله بل أرجح منه! ألن حظر الفطر بناءٌ على احتمال‪ ،‬والنهي عن‬
‫دليل ٍ‬
‫حمكم‪ ،‬فكان ابملنع أوىل‪.‬‬ ‫صوم يوم الشك مستن ٌد إىل ٍ‬
‫والوجه الثاين‪ :‬أن إجياب صومه من رمضان ال خيلو إما أن يكون ٍ‬
‫بنية لرمضان ‪-‬وهذا ال جيوز ألنه ال‬
‫يتيقن أنه من رمضان‪ ،‬والنية ينبغي أن تكون على وفق املنوي‪ -‬أو يقول‪ :‬إن كان غداً من رمضان‪،‬‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫فأان صائم‪ .‬وهذا ال جيوز ألن تعليق النية ٍ‬
‫بشرط غري‬ ‫ٌ‬
‫والثالث‪ :‬أن إجياب صومه من رمضان يفضي إىل إجياب صوم أحد وثالثني يوماً‪ ،‬وهو إذا غم هالل‬
‫خمالف لإلمجاع‪.‬‬
‫رمضان وهالل شوال‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫والوجه اخلامس‪:‬‬
‫منقوض مبسائل‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫أن ما ذكرمتوه من املناسبة‬

‫(‪)72/1‬‬
‫إذا شك يف الطهارة بعد يقينها‪ ،‬فإنه جيوز أن يصلي مع احتمال أن يكون حمداثً‪ ،‬والصالة مع احلدث‬
‫حمظورةٌ‪ .‬وهكذا الثوب‪ .‬وكذلك إذا اشتبهت عليه القبلة استدل ابلنجوم مع جواز اخلطأ يف جهة‬
‫الكعبة‪ ،‬والصالة إىل غري [جهة] الكعبة حمظورة‪.‬‬
‫وإذا انتقضت املناسبة مل جيز العمل هبا‪.‬‬
‫وأما إذا غم هالل شوال فإمنا وجب صومه ألنه خوطب بصيام شهر رمضان‪ ،‬والشهر قد يكون‬
‫شك‪ :‬هل وجد رمضان أم ال؟ وكذلك بقية‬ ‫ثالثني‪ ،‬واألصل بقاء وجوب الصوم‪ ،‬خبالف مسألتنا فإنه ٌ‬
‫متيقن للتحرمي‪ٌّ ،‬‬
‫شاك يف التحليل‪ ،‬فبقي على اليقني‪ ،‬واليقني يف مسألتنا‪ :‬جواز الفطر‪،‬‬ ‫املسائل‪ ،‬فإنه ٌ‬
‫فال نرتكه ابلشك‪.‬‬
‫السؤال السادس‪ :‬على أصل الدليل‪:‬‬
‫أن ما ذكرمتوه ينتقض مبا إذا شهد برؤية اهلالل فاس ٌق أو جمهول احلال فإنه ال جيب الصوم‪ ،‬وكذلك‬
‫إذا اشتغل الناس عن الرتائي مع احتمال الفطر للحظر واإلابحة‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬أما املنع أبن الفطر مرتد ٌد بني احلظر واإلابحة‪ ،‬فال سبيل إليه‪.‬‬
‫وقولكم‪ :‬حترمي الفطر يقف على العلم بكون اليوم من رمضان‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬ال نسلم بل يقف على العلم ابحتمال كونه من رمضان بداللة اليوم األخري‪.‬‬
‫وكذلك إذا اشتبهت ابملذكاة امليتة‪ ،‬ومجيع املسائل املشتبهة‪.‬‬

‫(‪)73/1‬‬

‫قوهلم‪ :‬احتمال كونه من شعبان أرجح‪ .‬جوابه من ثالثة ٍ‬


‫أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬ال نسلم‪ ،‬بل احتمال كونه من رمضان أرجح‪ ،‬ألن األصل يف الشهر أن يكون تسعةٌ وعشرين‬
‫بدليل النص واملعىن‪.‬‬
‫أما النص‪:‬‬
‫فقد ذكران يف الصحيحني من حديث ابن عمر عن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪(( :‬إمنا‬
‫تسع وعشرون))‪ .‬ويف لفظ ٍ‬
‫متفق عليه من حديث ابن عمر عن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه‬ ‫الشهر ٌ‬
‫وسلم‪ -‬أنه قال‪(( :‬الشهر كذا وكذا))‪ ،‬وصفق بيديه مرتني بكل أصابعهما‪ ،‬ونقص يف الصفقة الثالثة‬
‫إهبام اليسرى‪ .‬وهذه إشارةٌ إىل أصل الشهر‪.‬‬
‫وأما املعىن‪:‬‬
‫فهو أن يقني الشهر يزول مبضي ٍ‬
‫تسعة وعشرين‪ ،‬فال يغلب على الظن يوم الثالثني‪ ،‬وإذا زال اليقني‬
‫أصل يدل على أنه قد زال يقني شعبان‪.‬‬
‫وغلبة الظن مل يبق ٌ‬
‫إن عند اخلصم حيرم صوم هذا اليوم‪ ،‬ولو كان من شعبان ملا حرم صومه‪ ،‬فدل على أن يقني شعبان‬
‫قد زال‪.‬‬
‫فإن قالوا‪ :‬فيلزمكم مثله إذا كانت السماء مصحيةً‪ .‬قلنا‪ :‬هناك شعبان موجو ٌد حقيقةً وحكماً‪ ،‬ومل‬
‫يوجد ٌّ‬
‫شك وال شبهةٌ‪.‬‬

‫(‪)74/1‬‬

‫الوجه الثاين‪:‬‬
‫سلمنا أنه ال يرجح كونه من رمضان‪ ،‬ولكن االحتماالن على السواء‪ ،‬إذ ال دليل يدل على كونه من‬
‫أحدمها‪ ،‬وسيأيت جواب األحكام‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪:‬‬
‫سلمنا أن احتمال كونه من شعبان أرجح‪ ،‬ولكن‪ :‬مل ال جيب التحرز من الفطر؟ وبيانه‪ :‬من وجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن احتمال املفسدة ‪-‬وإن بعد‪ -‬ال يؤمن معه وقوعها‪ ،‬فإذا مل يلزم من التحرز مفسدة تعني‬
‫االحرتاز‪.‬‬
‫وأما إذا شهد برؤيته فاس ٌق فإمنا مل جيب الصوم ألن احتمال وجود اهلالل يف غاية البعد‪ ،‬إذ لو كان‬
‫موجوداً ألخرب به غريه لتوفر الدواعي على الرتائي‪ .‬وكذلك اجملهول احلال‪.‬‬
‫وأما إذا تشاغلوا عن الرؤية‪ ،‬فيبعد أن يقع التشاغل من الكل من الشيوخ والنساء الذين هم ٍ‬
‫مبعزل‬
‫عن الشواغل‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪:‬‬
‫أصل‪،‬‬ ‫أن أكثر ما يف هذا أن األصل بقاء شعبان‪ ،‬ولكن جيوز أن خيالف األصل ٍ‬
‫ألصل آخر‪ .‬وهاهنا ٌ‬
‫وهو‪ :‬االحتياط للعبادة‪ ،‬كما قلنا فيمن أصابه جناسةٌ وخفي عليه موضعها‪ ،‬فإنه يغسل اجلميع‪ ،‬وإن‬
‫ني‪ ،‬فينبغي أن ال حيصل فراغها إال بيق ٍ‬
‫ني))‬ ‫كان األصل الطهارة‪ .‬وال يقال‪(( :‬إن الذمة اشتغلت بيق ٍ‬
‫فإنه إذا اشتبهت عليه القبلة وحترى وصلى كفاه‪ ،‬وإن كان غري متيق ٍن أهنا القبلة‪ ،‬وقد فرغت الذمة‬
‫ني مبا ليس بيق ٍ‬
‫ني‪.‬‬ ‫املشغولة بيق ٍ‬
‫وكذلك إذا اشتبهت عليه الثياب النجسة ابلطاهرة فإنه يتحرى عندهم‬
‫(‪)75/1‬‬

‫ويصلي‪ .‬وقد خرج من هذا جواب السؤال الثالث‪ ،‬وهو أن األصل إابحة الفطر‪.‬‬
‫قوهلم‪(( :‬هذا عمل ابالحتمال من غري أمارةٍ))‪ ،‬قلنا‪ :‬حنن ال نعمل ابالحتمال‪ ،‬وإمنا نعمل ابالحتياط‬
‫يف احملتمل حترزاً من وقوع املفسدة‪ .‬هذا إذا نزلنا عن أن األصل يف الشهر تسعةٌ وعشرون‪ ،‬فإن‬
‫ارتكبناه فاألمارة على حترمي الفطر موجودةٌ على ما سبق تقريره‪.‬‬
‫وأما املطالبة‪ :‬فقد سبق جواهبا‪.‬‬
‫وقوهلم‪(( :‬مفسدة الفطر معارضةٌ مبفسدة اعتقاد حترمي املباح))‪ .‬قلنا‪ :‬ال مفسدة يف اعتقاد حترمي ما‬
‫جيوز أن يكون حراماً وأن يكون مباحاً‪ ،‬مع تغليبنا للحرمة كما نعتقد حترمي العقد على األجنبيات‬
‫املختلطات ابألخت‪ .‬وإمنا حياذر اعتقاد حترمي املباح يف غري حالة االشتباه‪.‬‬
‫قوهلم‪(( :‬مل يتعني الصوم للتحرز من مفسدة الفطر))‪ .‬قلنا‪ :‬ال نسلم‪.‬‬
‫بيانه‪ :‬أن كل موض ٍع حرم فيه الفطر وأمكن الصوم وجب الصوم‪ ،‬بدليل اليوم األخري‪.‬‬
‫يوم منه عن صومه‪ ،‬ومىت أمسك من غري ٍ‬
‫نية وقع‬ ‫وإمنا قلنا ذلك ألن احملذور يف رمضان إخالء ٍ‬
‫احملذور‪ ،‬ألنه جيب عليه القضاء‪ ،‬ويكون يف حكم املفطر حىت لو جامع أو أكل مل يلزمه كفارةٌ‪.‬‬
‫رواية‪ :‬ال يلزم اإلمساك‪ .‬ويف ٍ‬
‫رواية‪ :‬يلزمهم‬ ‫وأما إذا بلغ الصيب وأسلم الكافر يف أثناء اليوم ففي ٍ‬
‫ممكن‪.‬‬
‫اإلمساك‪ ،‬وال يسمى صوماً‪ ،‬ألن بعض النهار ليس مبحل للصوم‪ ،‬ويف مسألتنا الصوم ٌ‬

‫(‪)76/1‬‬

‫قوهلم‪(( :‬التحرز من الفطر حيصل مبطلق الصوم))‪ .‬جوابه من وجهني‪:‬‬


‫أحدمها‪ :‬ال نسلم‪ ،‬إمنا حيصل بصوم رمضان‪ ،‬ألن احملظور ها هنا الفطر يف رمضان‪ ،‬وال حيرتز عنه إال‬
‫بضده‪ ،‬وهو صوم رمضان‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مطلقة‪ ،‬وعند أيب حنيفة‪:‬‬ ‫والثاين‪ :‬ال نسلم أنه حيصل مبطلق الصوم‪ ،‬ونقول‪ :‬يصح صوم رمضان ٍ‬
‫بنية‬
‫بنية النفل‪.‬‬
‫قوهلم‪(( :‬ال ميكن التحرز من الفطر إبجياب هذا الصوم))‪ .‬قلنا‪ :‬ال نسلم‪ ،‬بل قد أمكن‪.‬‬
‫وأما كونه صوم شك‪ ،‬فجوابه من وجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬ال نسلم‪ ،‬ألن الشك ما تردد بني أمرين متساويني‪ ،‬وقد بينا أن كون هذا اليوم من رمضان‬
‫أرجح‪ ،‬فال يكون يوم ٍ‬
‫شك‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬نسلم أنه يوم ٍ‬
‫شك‪ ،‬ولكن‪ :‬مل ال جيب صومه؟ فإن قالوا‪ :‬للنهي عن صوم يوم الشك‪.‬‬
‫فسنجيب عنه يف حجتهم‪.‬‬
‫وقوهلم‪ :‬ال ميكن أن يصام ابلنية‪ .‬قلنا‪ :‬ميكن‪ .‬قالوا‪ :‬فاألمر مرتد ٌد‪ ،‬فكيف جيزم؟‪.‬‬
‫جوابه من وجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن لنا روايةٌ أنه يصح‪ ،‬وليس هذا ٌّ‬
‫شك يف النية‪ ،‬بل يف املنوي‪ .‬وليس هو تعليق النية على‬
‫شرط‪ ،‬بل هو تعليق الصوم على شرط‬ ‫ٍ‬

‫(‪)77/1‬‬

‫وذلك جائز‪ ،‬كما لو قال‪ :‬إن قدم زي ٌد يف ٍ‬


‫غد فأان صائ ٌم‪ .‬والصحيح من املذهب أنه جيزم على أنه من‬ ‫ٌ‬
‫رمضان وإن مل يتحقق كما يف اليوم األخري‪.‬‬
‫وأما إذا غم اهلالل يف أوله وآخره فيجب صوم أحد وثالثني حترزاً من الفطر احملظور كما جيب مخس‬
‫ٍ‬
‫صلوات يف حق من نسي واحدة‪.‬‬
‫وأما النقض ابملسائل فال يصح ملا بينها وبني مسألتنا من الفروق‪:‬‬
‫أما إذا شك يف الطهارة‪ :‬فالفرق بينها وبني مسألتنا من وجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن الطهارة غري مقصودةٍ لنفسها‪ ،‬بل هي شر ٌ‬
‫ط لغريها‪ ،‬والشروط ال حيتاط هلا كما حيتاط‬
‫أصل‪.‬‬
‫لألصول‪ ،‬والصوم ٌ‬
‫والثاين‪ :‬أن احلاجة داعيةٌ إىل بقاء الطهارة‪ ،‬ألن زماهنا يطول‪ ،‬والنواقض كثريةٌ‪ ،‬وشواغل اإلنسان عن‬
‫حفظ طهارته تكثر‪ ،‬فدعت احلاجة إىل إلقاء الشك ملا يف اعتباره من املشقة ابلتكرر خبالف الصوم‪.‬‬
‫وهكذا طهارة الثوب‪.‬‬
‫وأما إذا اشتبهت عليه القبلة فجوابه من وجهني‪:‬‬
‫ٍ‬
‫جهات ليحصل له اليقني كمسألتنا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫صلوات إىل أربع‬ ‫أحدمها‪ :‬يصلي أربع‬
‫والثاين‪ :‬نسلم أنه يصلي صالةً واحدةً‪ ،‬ولكن الواجب عندان يف حالة االشتباه التوجه إىل ٍ‬
‫جهة يغلب‬
‫على ظنه أهنا الكعبة‪ ،‬وقد حصل ذلك من غري شك‪ ،‬وليس الواجب عليه التوجه إىل الكعبة يقيناً يف‬
‫قادر على صوم هذا اليوم فوجب عليه‪.‬‬
‫عاجز عن ذلك‪ .‬ويف مسألتنا هو ٌ‬
‫هذه احلال ألنه ٌ‬
‫ب بصوم‬
‫خماطب بصوم رمضان‪ ،‬ومل يتيقن خروجه‪ .‬قلنا‪ :‬هو خماط ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وقوهلم‪ :‬فإذا غم هالل شوال هو‬
‫كل ٍ‬
‫يوم على حدة‪ ،‬ألن كل يوم عبادةٌ‬

‫(‪)78/1‬‬

‫منفردةٌ عن ما بعدها على ما بينا يف مسألة إفاقة اجملنون‪.‬‬


‫وإمنا مجع يف اخلطاب بني عبادات الشهر كلها كما مجع يف اخلطاب بني الصلوات اخلمس بقوله‬
‫تعاىل‪{ :‬أقيموا الصالة}‪ ،‬وقوله ‪-‬عليه السالم‪(( -‬صلوا مخسكم))‪.‬‬
‫ويف ليلة الثالثني من رمضان هو ٌّ‬
‫شاك‪ :‬هل ذلك اليوم من رمضان؟ فتوجه اخلطاب به‪.‬‬
‫وأما النقض فقد سبق جوابه‪ ،‬وهو‪ :‬أن هذا االحتمال يف غاية البعد‪.‬‬
‫املسلك الثاين‪ :‬أن نقول‪ :‬الصوم عبادةٌ مقدرةٌ بوقت وجوهبا‪ ،‬فوجبت مع االشتباه كالصالة يف آخر‬
‫الوقت‪ ،‬وكالصوم يف اليوم األخري‪ .‬وال إشكال يف تقدرها بوقت وجوهبا‪ ،‬فإن الصوم ٌّ‬
‫ممتد من أول‬
‫اليوم إىل آخره‪ ،‬وليس هو كالصالة اليت يتسع وقتها ألمثاهلا‪.‬‬
‫وتقرير املطالبة‪ :‬أن تقدرها بوقت وجوهبا مينع من االستظهار يف حتقق وقتها‪ ،‬ألان إن أخران الصوم حىت‬
‫ٍ‬
‫مبصلحة ال حتصل ابلصوم يف غريه‪،‬‬ ‫خمتص‬
‫يتحقق دخول وقته مل أنمن فواته‪ ،‬ألن زمان رمضان ٌّ‬
‫والدليل عليه‪ :‬النص واحلكم واملعقول‪:‬‬

‫(‪)79/1‬‬

‫أما النص‪:‬‬
‫فأخربان حممد بن عبد الباقي البزاز‪ ،‬قال‪ :‬أخربان أبو حممد اجلوهري‪ ،‬قال‪ :‬أخربان علي بن حممد بن‬
‫كيسان‪ ،‬قال‪ :‬أخربان أبو يوسف القاضي‪ ،‬قثنا حممد بن أيب بكر‪ ،‬قثنا عبد الرمحن بن مهدي عن‬
‫سفيان عن حبيب بن أيب اثبت‪ ،‬قال‪ :‬حدثين أبو املطوس عن أبيه‪.‬‬
‫عن أيب هريرة عن النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪(( :‬من أفطر يوماً من رمضان من غري ٍ‬
‫مرض وال‬
‫ٍ‬
‫رخصة مل يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه))‪.‬‬

‫(‪)80/1‬‬
‫ومعلوم أنه مل يرد القضاء الذي تربأ به الذمة‪ ،‬وإمنا أراد القضاء الذي حيرز به فضيلة صوم رمضان‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وقد أخربان حيىي بن علي املدير‪ ،‬قثنا أبو احلسني أمحد بن السمناين قال‪ :‬أنبأ أبو طاهر حممد بن علي‬
‫بن مهدي‪ ،‬قثنا عثمان بن حممد السمرقندي‪ ،‬قثنا أبو أمية حممد بن إبراهيم الطرسوسي‪ ،‬قثنا أبو نعيم‬
‫عن أيب هاشم ابن بنت أنس عن عبد الوارث‪.‬‬
‫عن أنس قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬من أفطر يوماً من رمضان من غري عذ ٍر‬
‫فعليه صوم شه ٍر))‪.‬‬
‫مجاعة من السلف يف املبالغة لقضاء ٍ‬
‫يوم من رمضان‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫وقد روي عن‬

‫(‪)81/1‬‬

‫فروي عن علي ‪-‬عليه السالم‪ -‬أنه قال‪ :‬من أفطر يوماً من رمضان متعمداً فعليه صوم أربعة آالف‬
‫ٍ‬
‫يوم‪.‬‬
‫وعن النخعي‪ :‬صوم شه ٍر‪ .‬وروى أبو بكر اآلجري يف ((كتاب النصيحة)) أن مذهب إبراهيم النخعي‬
‫أن من شرب اخلمر يف رمضان كان عليه صوم ثالثة آالف ٍ‬
‫يوم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقال سعيد بن املسيب‪ :‬عليه صوم شه ٍر متتاب ٍع‪ .‬قال‪ :‬وقال الربيع بن أيب عبد الرمحن‪ :‬عليه‬
‫صيام اثين عشر يوماً‪ ،‬ألن هللا تعاىل أوجب صيام شه ٍر من اثين عشر شهراً‪[ .‬فيكون صيام كل يوم‬
‫ابثين عشر يوماً]‪.‬‬

‫(‪)82/1‬‬

‫وأما احلكم‪:‬‬
‫ملعىن يف‬
‫فإنه تلزم الكفارة إبفساد الصوم يف رمضان‪ ،‬وال تلزم يف القضاء عنه‪ ،‬ومل يكن ذلك إال ً‬
‫رمضان‪.‬‬
‫وكذلك املضي يف فاسده‪ ،‬حىت أن من أفطر من غري عذ ٍر مل جيز له أن أيكل مرةً أخرى‪ .‬وكذلك من مل‬
‫ينو الصوم‪.‬‬
‫وكذلك إذا قدم املسافر يف أثناء النهار أمسك وإن مل يعتد له بذلك‪ .‬كل ذلك الحرتام الوقت‪.‬‬
‫وأما املعقول‪:‬‬
‫فهو أن الشرع أوجب صوم رمضان على الفور مقدراً بوقت وجوبه ومل يوسعه‪ ،‬فدل ذلك على‬
‫اختصاص املصلحة به‪ .‬وإذا كان كذلك‪ :‬وجب مع االشتباه بدليل احلكم واملعىن‪:‬‬
‫أما احلكم‪:‬‬
‫وإمساك ٍ‬
‫جزء من الليل يف أوله وآخره وإن مل يكن حمالًّ للصوم‪ .‬وإذا وجب اإلمساك‬ ‫ٌ‬ ‫فاليوم األخري‪،‬‬
‫مبحل أصالً ليتحقق صوم رمضان‪ ،‬فألن جيب الصوم يف ٍ‬
‫زمان جيوز أن يكون من‬ ‫يف ٍ‬
‫زمان ليس ٍ‬
‫رمضان أوىل‪ .‬وكذلك إذا شهد برؤيته واح ٌد يف ليلة الغيم فإنه جيب الصوم عند أيب حنيفة‪.‬‬
‫وأما املعىن‪:‬‬
‫فنقول‪ :‬لو مل نوجبه مل أنمن من فوات املصلحة‪ ،‬وإذا أوجبناه‪ :‬فإن وافق زمان رمضان حصل الغرض‪،‬‬
‫ضرر‪ .‬وصار هذا كما إذا شك يف تضايق وقت الصالة فإنه جيب عليه فعلها‬
‫وإن مل يوافق مل حيصل ٌ‬
‫حذر الفوات‪.‬‬

‫(‪)83/1‬‬

‫وخرج على ما قلنا الصالة‪ ،‬فإهنا غري مقدرةٍ بوقت وجوهبا‪ ،‬بل وقتها يتسع ألمثاهلا‪ ،‬فإذا شككنا يف‬
‫دخول وقتها مل جيب فعلها حذراً من وقوعها قبل وقتها‪ ،‬فإذا أخرانها مل خنف الفوت‪ .‬ويف مسألتنا‪:‬‬
‫إذا قدمنا الصوم مل تفت وظيفته‪ ،‬ومىت أخرانه فاتت‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬مل قلتم‪ :‬إن تقدرها بوقت وجوهبا يوجب الصوم مع الشك؟‬
‫قولكم‪(( :‬مصلحة الصوم خمتصةٌ برمضان))‪ ،‬جوابه من وجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬ال نسلم‪ ،‬بل مصلحة الصوم حتصل يف كل زمان‪ ،‬ألن تلك املصلحة هي االبتالء برتك‬
‫مألوف النفس‪ ،‬وهذا ال خيتلف ابألزمنة إال أن الشرع أوجب هذا على الفور‪ .‬فإذا أخر فاتت‬
‫الفورية‪ ،‬والفورية صفةٌ زائدةٌ على الوجوب‪ ،‬فمىت مل يثبت الوجوب مل تثبت مصلحة الفورية‪.‬‬
‫وإن ابن بعد ذلك أنه كان من رمضان سقطت الفورية للجهل هبا‪ ،‬وبقي أصل املصلحة‪ .‬ومن هاهنا‬
‫وجبت الكفارة ابإلفساد‪ ،‬ألنه يفوت الفورية بعد الوجوب مع العلم هبا‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬سلمنا أن املصلحة خمتصةٌ بزمان رمضان‪ ،‬ولكن مل قلتم‪ :‬إنه جيب االحتياط هبذه الطريق‬
‫على هذا الوصف؟‪.‬‬
‫قولكم‪(( :‬قد أوجبنا اإلمساك يف الليل))‪ ،‬قلنا‪ :‬هناك حتققنا وجوب الصوم فاحتطنا للخروج من‬
‫عهدته‪ ،‬وهاهنا مل يتحقق‪.‬‬
‫قولكم‪(( :‬ال أنمن فوات املصلحة))‪ ،‬جوابه من وجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن هذا يشري إىل كونه من شعبان وكونه من رمضان‪ ،‬وقد سبق يف هذا ما فيه كفايةٌ‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أن هذا االحتمال ال يؤمن مثله يف شهادة الفاسق وترك‬

‫(‪)84/1‬‬

‫الرتاءي وإذا مل ير مع الصحو‪ ،‬وقد يرى يف مكان آخر‪.‬‬


‫فلو كان جمرد االحتمال موجباً للصوم لوجب الصوم مطلقاً‪ ،‬وقد سبق العذر عن اليوم األخري‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬أما املطالبة فقد سبق جواهبا‪.‬‬
‫قوهلم‪(( :‬مصلحة الصوم حتصل يف كل زمان))‪ .‬قلنا‪ :‬هذا غلطٌ‪ ،‬ألهنا لو حصلت يف كل ٍ‬
‫زمان مل يكن‬
‫مرجح علمناه أو جهلناه‪.‬‬
‫إلجياهبا على الفور يف هذا الزمان مزيةٌ‪ ،‬فال بد لتخصيصها من ٍ‬
‫قوهلم‪(( :‬الفورية صفةٌ زائدةٌ على الوجوب))‪ ،‬قلنا‪ :‬مىت أمكن أن يكون واجباً أمكنت الفورية‪ ،‬وحنن‬
‫حناذر من الفوات املمكن الذي ال يستدرك‪ ،‬وهلذا جيب إمساك ٍ‬
‫جزء من الليل‪.‬‬
‫قوهلم‪(( :‬هناك حتققنا الوجوب))‪ .‬قلنا‪ :‬وحنن نتحقق الوجوب يف اليوم الثاين‪ ،‬ونشك يف هذا اليوم‪:‬‬
‫هل هو من رمضان أم ال؟‪ .‬فإذا كنا نوجب ما ليس ٍ‬
‫بصوم ليتحقق الصوم‪ ،‬فلم ال نوجب ما جيوز أن‬
‫يكون صوماً واجباً؟!‪ ،‬ألن هذا مراعاةٌ للشيء‪ ،‬وتلك مراعاةٌ لغريه‪.‬‬
‫قوهلم‪(( :‬لو وجب هاهنا االحتياط لوجب مع الصحو))‪ .‬جوابه من وجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن اهلالل مع الصحو لو كان موجوداً لرؤي‪ ،‬ألن حمله ميكن اتصال النظر به‪ ،‬والدواعي‬
‫متوفرةٌ على النظر‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬نقدر وجوده إال أن الشرع أوجب الصوم مع الصحو بشرط رؤية اهلالل ال بوجوده‪ ،‬فأما مع‬
‫حكم آخر بدليل آخر الشهر‪.‬‬
‫الغيم فله ٌ‬

‫(‪)85/1‬‬

‫هذا آخر اجلزء‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وصلى هللا على سيدان حممد وآله‪ .‬يتلوه يف اجلزء الثاين‪:‬‬
‫((املسلك الثالث‪ :‬أحد طريف الشهر ‪.)) .. ..‬‬
‫كتبه عبد الرازق بن رزق هللا بن أيب بكر احلنبلي الرسعين ‪-‬نفعه هللا ابلعلم‪ .-‬وكان الفراغ منه يوم‬
‫األربعاء رابع وعشرين صفر سنة اثنيت عشرة وستمائة ببغداد مبدرسة ابن اجلوزي‪.‬‬

‫(‪)86/1‬‬

‫اجلزء الثاين من كتاب‪ :‬درء اللوم والضيم يف صوم يوم الغيم‬


‫أتليف اإلمام شيخ اإلسالم مجال الدين أيب الفرج عبد الرمحن بن علي بن حممد بن اجلوزي (قدس هللا‬
‫روحه ونور ضرحيه)‬
‫رواية‪ :‬ولده اإلمام العامل مجال اإلسالم حميي الدين أيب حممد يوسف عنه‪.‬‬
‫رواية‪ :‬عبد الرازق بن رزق هللا احلنبلي عنه‪.‬‬

‫(‪)87/1‬‬

‫(‪)88/1‬‬

‫بسم هللا الرمحن الرحيم رب يسر وأعن‬


‫املسلك الثالث‪ :‬أحد طريف الشهر‪:‬‬
‫فإذا حال دون املطلع غيم وجب صومه من رمضان كالطرف اآلخر‪.‬‬
‫مسلم‪ ،‬والثاين‪ :‬ممنوع‪ .‬قالوا‪ :‬واألصل حجةٌ‬
‫قال اخلصم‪ :‬أحد طريف شعبان أو رمضان؟‪ .‬األول‪ٌ :‬‬
‫عليكم من وجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أنه جيب فيه البقاء على األصل‪ ،‬والقضاء بعدم طلوع اهلالل‪ ،‬فليكن يف مسألتنا مثله تغليباً‬
‫للبقاء على األصل‪ ،‬وهو شعبان‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أان قد اتفقنا على التفريق بني حكم اهلالل يف أول الشهر ويف آخره يف الصحو والغيم‪ ،‬ففي‬
‫الصحو تقبل شهادة الواحد يف إثبات رمضان‪ ،‬وجيب الصوم عندكم وعند الشافعي‪ ،‬وعند أيب حنيفة‬
‫مع الغيم‪.‬‬
‫رجل يف أول رمضان برؤية اهلالل‪ ،‬وردت شهادته‪ ،‬فإنه يلزمه الصوم‪.‬‬
‫وكذلك إذا شهد ٌ‬
‫وإذا شهد يف آخر الشهر فردت شهادته مل جيز له أن يعمل مبقتضى شهادته وال يفطر‪ ،‬فاعتبار أول‬
‫الشهر آبخره فاس ٌد‪.‬‬
‫والسبب يف ذلك‪ :‬أن ما يعرض يف آخر الشهر يوجب اخلروج عن‬

‫(‪)89/1‬‬

‫الواجب بعد ثبوته واشتغال الذمة به‪ ،‬فال جيوز اخلروج عن يقني ذلك إال بيق ٍ‬
‫ني‪.‬‬
‫وما يعرض يف أول الشهر يلزم الوجوب ويشغل الذمة‪ ،‬واألصل الرباءة‪ .‬هذا اعرتاض من يفهم الفقه‪.‬‬
‫فأما اخلطيب فقال‪(( :‬ما ابملخالف من الغباوة هبذا كله‪ ،‬فكيف استجاز أن يقول‪ :‬يوم الشك أحد‬
‫قياس خيالف النص))‪.‬‬
‫طريف الشهر؟!))‪ ،‬قال‪(( :‬وهذا ٌ‬
‫قلنا‪ :‬قد بينا أن األصل يف الشهر تسعةٌ وعشرون‪ ،‬فقد زال اليقني يف يوم الثالثني كما زال اليقني يف‬
‫آخر الشهر‪ ،‬فالظاهر كونه من رمضان‪.‬‬
‫وقولكم‪ :‬األصل أنه من شعبان‪ .‬ال نسلم‪ ،‬وأما اليوم األخري فاألصل أنه من شوال‪ ،‬إال أن هذا‬
‫يوم ٍ‬
‫حمرم‪.‬‬ ‫األصل عارضه معو ٌق‪ ،‬وهو‪ :‬أنه يؤدي إىل صوم ٍ‬
‫وهلذا نقول فيمن أكل يظن أن الفجر ما طلع‪ ،‬أو أن الشمس قد غابت ومل يكن كذلك أنه يقضي‪،‬‬
‫وإن كان األصل بقاء الليل والنهار‪ ،‬وإمنا فرقنا بني أول الشهر وآخره من جهة الشهادة احتياطاً‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫أمر ينقلب عليه‪،‬‬
‫وإذ قد ثبت أن األصل يف الشهر تسعةٌ وعشرون‪ ،‬فقول اخلطيب‪(( :‬هذه غباوةٌ)) ٌ‬
‫ألنه ما فهم ما ذهبنا إليه‪.‬‬

‫(‪)90/1‬‬

‫وقوله‪(( :‬هذا خالف النص)) لو فهم معىن (النص) علم أنه ال نص يف هذه املسألة‪.‬‬
‫املسلك الرابع‪ :‬أن الصوم عبادةٌ مقصودةٌ على البدن فجاز أن جيب فعلها حني االشتباه على سبيل‬
‫االحتياط‪.‬‬
‫دليله‪ :‬الصالة‪ ،‬فإنه إذا نسي صالةً من ٍ‬
‫يوم ال يعرفها بعينها وجب عليه إبراء ذمته بفعل مخس‬
‫ٍ‬
‫صلوات‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬الصالة حجةٌ لنا من ٍ‬
‫وجه‪ ،‬وهو أنه‪ :‬إذا شك هل دخل الوقت مل جيز له أن يصلي‪ ،‬ولو‬
‫صلى مل يسقط فرضه‪ .‬قلنا‪ :‬إمنا مل جيز ألن وقت الصالة يتسع ألمثاهلا خبالف الصوم‪.‬‬
‫قال اخلطيب‪(( :‬العبادة ال يلزم فعلها إال بعد وجوهبا‪ ،‬فأما أن حيتاط ليجب‪ ،‬فذلك قول من ليس له‬
‫صحيح))‪ .‬قلنا‪ :‬لو صح متيزك مليزت ما قلنا! وذاك أننا ما احتطنا ليجب‪ ،‬إمنا احتطنا للواجب‬
‫ٌ‬ ‫متييز‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫صلوات ال جتب لتحصل الواجبة‪.‬‬ ‫كما احتطنا بفعل‬
‫احتجوا أبحاديث‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ما أخربان به ابن احلصني‪ ،‬قال‪ :‬أخربان ابن املذهب‪ ،‬قال‪ :‬أنبأ القطيعي‪ ،‬قثنا عبد هللا بن أمحد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثين أيب‪ ،‬قثنا عمرو بن اهليثم‪ ،‬قثنا هشام عن حيىي عن أيب سلمة‪.‬‬
‫عن أيب هريرة أن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪(( :‬ال تقدموا بني يدي رمضان بيوم وال‬
‫يومني‪ ،‬إال رجالً كان يصوم صوماً فليصمه))‪.‬‬

‫(‪)91/1‬‬

‫أخرجه البخاري ومسلم يف الصحيحني‪.‬‬


‫وهذا ال حجة هلم فيه‪ ،‬ألان ننويه من رمضان‪ ،‬ونعتقده منه حكماً فما تقدمنا الشهر‪.‬‬
‫وقد روى أبو بكر اخلطيب من حديث أيب عباد عن سعيد املقربي‪.‬‬
‫أايم‪ :‬قبل رمضان ٍ‬
‫بيوم‪،‬‬ ‫عن أيب هريرة قال‪ :‬هنى رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬عن صيام ستة ٍ‬
‫واألضحى‪ ،‬والفطر‪ ،‬وثالثة أايم التشريق‪.‬‬
‫ومل يذكر اخلطيب اسم أيب عباد حىت ال يعرف‪ ،‬وامسه‪ :‬عبد هللا‪ ،‬وهو ابن سعيد املقربي‪ .‬قال أمحد بن‬
‫حنبل والفالس‪ :‬هو منكر احلديث مرتوكه‪ .‬وقال حيىي بن سعيد‪ :‬استبان يل كذبه يف ٍ‬
‫جملس‪ .‬وقال ابن‬
‫ٍ‬
‫بشيء‪ ،‬ال يكتب حديثه‪ .‬وقال النسائي والدارقطين‪:‬‬ ‫معني‪ :‬ليس‬

‫(‪)92/1‬‬

‫مرتوك‪ ،‬وقال ابن حبان‪ :‬كان يقلب األخبار‪ ،‬ويهم يف اآلاثر حىت يسبق إىل القلب أنه املتعمد هلا‪.‬‬
‫مث أعاد اخلطيب هذا احلديث من طريق سعد بن سعيد املقربي‪ ،‬قال‪ :‬حدثين أخي عبد هللا عن أبيه‪،‬‬
‫يوم من‬
‫عن أيب هريرة أن النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪(( :‬ستة أايم من السنة يكره صيامهن‪ٌ :‬‬
‫شعبان يوصل به رمضان‪ ،‬ويوم الفطر‪ ،‬ويوم النحر‪ ،‬وأايم التشريق))‪.‬‬
‫وعبد هللا هو أبو عباد‪ ،‬وسع ٌد أخوه‪ ،‬قال أبو حامت بن حبان‪(( :‬ال حيل االحتجاج ٍ‬
‫بسعد))‪.‬‬
‫فقد كثر اخلطيب العدد ابلفارغ‪ ،‬وقد كان يكفيه احلديث الصحيح األول!‪ .‬وأي ٍ‬
‫حجة يف هذه‬
‫األحاديث‪ ،‬ألان ما نصوم من شعبان وال قبل رمضان إمنا ننويه منه‪.‬‬
‫واحتجوا مبا أنبأان به أبو منصور بن خريون‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أبو بكر أمحد بن علي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان القاضي‬
‫أبو بكر أمحد بن احلسن احلريي‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو العباس حممد بن يعقوب األصم‪ ،‬قال‪ :‬أخربان الربيع‬
‫بن‬

‫(‪)93/1‬‬

‫سليمان‪ ،‬قال‪ :‬أخربان الشافعي‪ ،‬قال‪ :‬أنبأ سفيان عن عمرو بن دينار عن حممد بن حنني‪.‬‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬عجبت ممن يتقدم الشهر‪ ،‬وقد قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬ال‬
‫تصوموا حىت تروه‪ ،‬وال تفطروا حىت تروه))‪.‬‬
‫وهذا ال حجة فيه ألننا ما نتقدم الشهر‪.‬‬
‫ٌ‬
‫حممول على الصحو بدليلنا‪.‬‬ ‫وقوله‪(( :‬ال تصوموا حىت تروه))‬
‫واحتجوا بقوله ‪-‬عليه السالم‪(( :-‬فأكملوا العدة ثالثني))‪ ،‬ويف ٍ‬
‫لفظ‪(( :‬فعدوا ثالثني))‪ .‬واللفظتان‬
‫مرويتان عن ابن عمر‪:‬‬
‫أخربان ابن احلصني‪ ،‬قال‪ :‬أخربان ابن املذهب‪ ،‬قال‪ :‬أخربان أمحد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عبد هللا بن أمحد‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثين أيب‪ ،‬قثنا روح‪ ،‬قثنا زكراي بن إسحاق‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أاب الزبري يقول‪:‬‬
‫مسعت جابر بن عبد هللا يقول‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪:-‬‬

‫(‪)94/1‬‬

‫((إذا رأيتم اهلالل فصوموا‪ ،‬وإذا رأيتموه فأفطروا‪ ،‬فإن أغمي عليكم فعدوا ثالثني يوماً))‪.‬‬
‫أخربان حممد بن عبيد هللا الزاغوين‪ ،‬قال‪ :‬أخربان نصر بن احلسن‪ ،‬قال‪ :‬أخربان عبد الغافر بن حممد‪،‬‬
‫قال‪ :‬أخربان ابن عمرويه‪ ،‬قال‪ :‬أخربان إبراهيم بن سفيان‪ ،‬قثنا مسلم بن احلجاج‪ ،‬قثنا الوليد بن مسلم‬
‫عن حممد بن زايد‪.‬‬
‫عن أيب هريرة أن النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪(( :‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غمي‬
‫عليكم فأكملوا العدة))‪.‬‬
‫أخرجه مسلم‪.‬‬
‫أنبأان حممد بن عبد امللك‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أمحد بن علي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان أبو احلسن علي بن جعفر‪ ،‬قثنا‬
‫أمحد بن حممد بن حيىي القصار‪ ،‬قثنا صاحل بن أمحد بن حممد بن حنبل‪ ،‬قثنا أيب ‪-‬رضوان هللا عليه‪،-‬‬
‫قثنا إمساعيل بن علية عن أيوب السختياين عن انفع‪ ،‬عن ابن عمر قال‪ :‬قال‬

‫(‪)95/1‬‬

‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فعدوا ثالثني))‪.‬‬
‫أنبأان حممد‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أمحد بن علي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان أبو نعيم احلافظ‪ ،‬قثنا عبد هللا بن جعفر بن أمحد‪،‬‬
‫قثنا يونس بن حبيب‪ ،‬قثنا أبو داود‪ ،‬قثنا عمران القطان عن قتادة عن احلسن‪،‬‬
‫عن أيب بكرة قال‪ :‬قال النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم‬
‫عليكم فأكملوا العدة ثالثني يوماً))‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫أن هذه األحاديث حممولةٌ على الطرف األخري‪ ،‬ألنه أقرب املذكورين‪ ،‬والدليل على أن اإلشارة إىل‬
‫الطرف األخري‪:‬‬
‫ما أخربان به ابن احلصني‪ ،‬قال‪ :‬أخربان ابن املذهب‪ ،‬قال‪ :‬أخربان أمحد بن جعفر‪ ،‬قال‪ :‬ثنا عبد هللا بن‬
‫أمحد‪ ،‬قال‪ :‬حدثين أيب ‪-‬رضوان هللا عليه‪ ،-‬قثنا عبد األعلى عن معمر عن الزهري عن أيب سلمة‪،‬‬

‫(‪)96/1‬‬

‫عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬إذا رأيتم اهلالل فصوموا‪ ،‬وإذا رأيتموه‬
‫فأفطروا‪ ،‬فإن غم عليكم فصوموا ثالثني يوماً))‪.‬‬
‫أخرجه مسلم يف الصحيح‪.‬‬
‫أخربان ابن عبد اخلالق‪ ،‬قال‪ :‬أخربان عبد الرمحن بن أمحد‪ ،‬قال‪ :‬أخربان حممد بن عبد امللك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنا علي بن عمر الدارقطين‪ ،‬قال‪ :‬ثنا ابن صاعد‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا حممد بن زنبور املكي‪ ،‬قثنا إمساعيل‬
‫بن جعفر‪ ،‬قثنا حممد بن عمرو عن أيب سلمة‪،‬‬
‫عن أيب هريرة أن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪(( :‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم‬
‫عليكم فعدوا ثالثني مث أفطروا))‪.‬‬
‫ورواه أبو بكر بن عياش‪ ،‬وأسامة بن زيد عن حممد بن عمرو هبذا‪.‬‬
‫صحاح))‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫قال الدارقطين‪(( :‬وهي أسانيد‬

‫(‪)97/1‬‬

‫أنبأان حممد بن عبد امللك‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أمحد بن علي بن اثبت‪ ،‬قال‪ :‬أنبأ احلسن بن أيب بكر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أنبأ حممد بن عبد هللا الشافعي‪ ،‬قثنا علي بن محاد بن السكن‪ ،‬قثنا الواقدي‪ ،‬قثنا حممد بن عبد هللا‬
‫بن مسلم الزهري عن أبيه عن حنظلة بن علي األسلمي عن رافع بن خديج قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬أحصوا عدة شعبان‪ ،‬ال تقدموا الشهر ٍ‬
‫بيوم‪ ،‬وإذا رأيتموه فصوموا‪ ،‬وإذا‬
‫رأيتموه فأفطروا‪ ،‬فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثالثني يوماً مث أفطروا‪ .‬فإن الشهر هكذا وهكذا‬
‫وهكذا)) ثالاثً‪ ،‬وضم إهبامه يف الثالثة‪.‬‬
‫أنبأان حممد‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أمحد بن علي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان القاضي أبو عمر اهلامشي‪ ،‬قثنا حممد بن أمحد‬
‫اللؤلؤي‪ ،‬قثنا أبو داود قثنا احلسن بن علي‪ ،‬قثنا حسني ‪-‬يعين‪ :‬اجلعفي‪ -‬عن زائدة عن مساك عن‬
‫عكرمة‪،‬‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬ال تقدموا الشهر بصيام ٍ‬
‫يوم وال‬
‫يومني‪ ،‬إال أن يكون شيئاً يصومه أحدكم‪ .‬ال تصوموا حىت تروه‪ ،‬مث صوموا حىت تروه‪ ،‬فإن حال دونه‬
‫تسع وعشرون))‪.‬‬
‫غمامةٌ‪ ،‬فأمتوا العدة ثالثني مث أفطروا‪ ،‬والشهر ٌ‬

‫(‪)98/1‬‬

‫أنبأان أبو بكر حممد بن عبد الباقي‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان علي بن أيب علي املعدل‪ ،‬قال‪ :‬أخربان إسحاق بن‬
‫سعد النسوي‪ ،‬قثنا عبد هللا بن زيدان‪ ،‬قثنا حممد بن عبيد‪ ،‬قثنا علي بن هاشم عن حريث بن أيب مطر‬
‫عن الشعيب عن مسروق‪.‬‬
‫عن الرباء بن عازب‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪،‬‬
‫فإن أغمي عليكم فأمتوا ثالثني))‪ ،‬وقال بيده‪(( :‬الشهر هكذا وهكذا وهكذا))‪- .‬يعين‪ :‬ثالثني‪،-‬‬
‫وخنس يف الثالثة ‪-‬يعين‪ :‬تسعاً وعشرين‪.-‬‬
‫أنبأان حممد بن عبد امللك‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أمحد بن علي‪ ،‬قال‪ :‬أخربين احلسن بن أيب طالب‪ ،‬قثنا حممد بن‬
‫نصر بن مكرم‪ ،‬قثنا علي بن الفضل بن طاهر البلخي‪ ،‬قثنا عبد الصمد بن الفضل أن عصام بن‬
‫يوسف حدثهم عن حممد بن عبد هللا بن عبيد بن عمري عن حممد بن املنكدر‪.‬‬
‫عن أيب هريرة أن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪(( :‬أحصوا عدة شعبان لرؤية رمضان‪ ،‬فإن‬
‫غم عليكم فاقدروا له ثالثني))‪.‬‬

‫(‪)99/1‬‬

‫وقد رواه األعرج عن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬صوموا لرؤيته‪،‬‬
‫وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فاقدروا له ثالثني))‪.‬‬
‫قال اخلصم‪ :‬ال يصلح محله على الطرف األخري‪ ،‬ألنه قد جاء مفسراً يف احلديث‪:‬‬
‫أخربان عبد األول‪ ،‬قال‪ :‬أخربان الداودي‪ ،‬قال‪ :‬أخربان ابن أعني‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا الفربري‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬
‫البخاري‪ ،‬قثنا آدم‪ ،‬قثنا شعبة‪ ،‬قثنا حممد بن زايد‪.‬‬
‫قال‪ :‬مسعت أاب هريرة يقول‪ :‬قال النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪،‬‬
‫فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثالثني))‪.‬‬
‫انفرد إبخراجه البخاري‪.‬‬
‫أخربان ابن احلصني‪ ،‬قال‪ :‬أخربان ابن املذهب‪ ،‬قثنا أمحد بن جعفر‪ ،‬قثنا عبد هللا بن أمحد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثين أيب‪ ،‬قثنا إمساعيل‪ ،‬قال‪ :‬أخربان حامت بن أيب صغرية عن مساك بن حرب عن عكرمة قال‪:‬‬
‫مسعت ابن عباس يقول‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪،‬‬
‫سحاب فكملوا العدة ثالثني‪ ،‬وال تستقبلوا الشهر استقباالً))‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فإن حال بينكم وبينه‬

‫(‪)100/1‬‬

‫قال حامت‪ :‬يعين‪ :‬عدة شعبان‪.‬‬


‫قال أمحد‪ :‬وحدثنا روح‪ ،‬قثنا شعبة‪ ،‬قثنا عمرو بن مرة‪:‬‬
‫(‪)101/1‬‬

‫عن أيب البخرتي‪ ،‬قال‪ :‬تراءينا هالل رمضان بذات ٍ‬


‫عرق‪ ،‬فأرسلنا إىل ابن عباس نسأله‪ ،‬فقال‪ :‬إن نيب‬
‫هللا قال‪(( :‬إن هللا تعاىل قد مده لرؤيته‪ ،‬فإذا غم فأكملوا العدة))‪.‬‬
‫أخرجه مسلم‪ ،‬ويف ٍ‬
‫لفظ‪(( :‬فأكملوا العدة ثالثني))‪.‬‬
‫قال أمحد‪ :‬وثنا حيىي بن زكراي‪ ،‬قثنا حجاج عن حسني بن احلارث اجلديل قال‪:‬‬
‫خطب عبد الرمحن بن زيد بن اخلطاب يف اليوم الذي يشك فيه‪ ،‬فقال‪ :‬أال إين قد جالست أصحاب‬
‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وساءلتهم‪ ،‬أال وأهنم حدثوين أن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬قال‪(( :‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬وانسكوا هلا‪ ،‬فإن غم عليكم فأمتوا ثالثني وإن شهد‬
‫شاهد أو شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا))‪.‬‬

‫(‪)102/1‬‬

‫أخربان ابن عبد اخلالق‪ ،‬قال‪ :‬أخربان عبد الرمحن بن أيب بكر‪ ،‬قثنا حممد بن عبد امللك‪ ،‬قثنا‬
‫الدارقطين‪ ،‬قثنا حممد بن موسى بن سهل‪ ،‬قثنا يوسف بن موسى‪ ،‬قثنا جرير عن منصور عن ربعي‪.‬‬
‫عن حذيفة قال‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬ال تقدموا الشهر حىت تروا اهلالل أو‬
‫تكملوا العدة قبله‪ ،‬مث صوموا حىت تروا اهلالل أو تكملوا العدة))‪.‬‬
‫ورواه منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬قال‪(( :‬ال تصوموا حىت‬
‫تروا اهلالل أو تكملوا العدة ثالثني مث تصوموا‪ ،‬وال تفطروا حىت تروا اهلالل أو تتموه وتكملوا العدة‬
‫ثالثني))‪.‬‬

‫(‪)103/1‬‬

‫أنبأان حممد بن عبد امللك‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أمحد بن علي‪ ،‬قثنا احلسن بن أيب طالب‪ ،‬قثنا عبيد هللا بن‬
‫أمحد بن يعقوب املقرئ‪ ،‬قثنا حيىي بن حممد بن صاعد‪ ،‬قثنا حممد بن عمرو بن سليمان‪ ،‬قثنا عبد‬
‫الوهاب الثقفي‪ ،‬قثنا هشام ‪-‬وهو‪ :‬ابن حسان‪ ،-‬عن حممد بن جابر عن قيس بن طلق‪.‬‬
‫عن أبيه عن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أن رجالً سأله‪ ،‬فقال‪ :‬اي رسول هللا! اليوم يصبح‬
‫الناس‪ ،‬يقول القائل‪ :‬هو رمضان‪ ،‬ويقول القائل‪ :‬ليس هو من رمضان‪ .‬فقال رسول هللا ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪(( :-‬إذا رأيتم اهلالل فصوموا‪ ،‬وإذا رأيتموه فأفطروا‪ ،‬فإن أغمي عليكم فأمتوا العدد‬
‫ثالثني))‪.‬‬
‫أنبأان حممد بن عبد امللك‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أمحد بن علي‪ ،‬قثنا عبيد هللا بن أيب الفتح‪ ،‬قثنا ابن شاهني‪،‬‬
‫قثنا حممد بن هارون احلضرمي‪،‬‬

‫(‪)104/1‬‬

‫قثنا إمساعيل بن اهليثم‪ ،‬قثنا أبو قتيبة‪ ،‬قثنا حازم بن إبراهيم البجلي عن مساك عن عكرمة‪.‬‬
‫عن ابن عباس قال‪ :‬متارى الناس يف رؤية هالل رمضان‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬اليوم‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬غداً‪.‬‬
‫فجاء أعرايب إىل النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬فذكر أنه قد رآه‪ ،‬فقال النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫‪(( :‬تشهد أن ال إله إال هللا‪ ،‬وأن حممداً رسول هللا؟))‪ .‬قال‪ :‬نعم‪ .‬فأمر النيب بالالً فنادى يف الناس‪:‬‬
‫صوموا‪ .‬مث قال‪(( :‬صوموا لرؤيته‪ ،‬وأفطروا لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليكم فعدوا ثالثني يوماً مث صوموا‪ ،‬وال‬
‫تصوموا قبله يوماً))‪.‬‬
‫قال اخلطيب‪ :‬وهذا أوىل أن يؤخذ به من حديث ابن عمر ملا فيه من البيان الشافعي‪ ،‬واللفظ‬
‫الواضح الذي ال حيتمل التأويل‪.‬‬
‫أخربان ابن عبد اخلالق‪ ،‬قال‪ :‬أخربان عبد الرمحن بن أمحد‪ ،‬قثنا حممد بن عبد امللك‪ ،‬قثنا الدارقطين‪،‬‬
‫قثنا عبد هللا بن حممد بن زايد‪ ،‬قثنا عبد الرمحن بن بشر بن احلكم‪ ،‬قثنا عبد الرمحن بن مهدي عن‬
‫معاوية بن صاحل عن عبد هللا بن أيب قيس‪.‬‬
‫عن عائشة قالت‪ :‬كان رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬يتحفظ من هالل شبعان ما ال يتحفظ من‬
‫غريه‪ ،‬مث يصوم رمضان لرؤيته‪ ،‬فإن غم عليه عد ثالثني يوماً مث صام‪.‬‬

‫(‪)105/1‬‬

‫ٌ‬
‫معلول‪:‬‬ ‫واجلواب عن هذه األحاديث أن أكثرها‬
‫أما حديث أيب هريرة الذي أخرجه البخاري فجوابه من وجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أنه مل يقل فيه‪(( :‬فأكملوا عدة شعبان ثالثني)) غري البخاري‪ ،‬وكل من روى عن آدم وعن‬
‫شعبة قال‪(( :‬وإن غم عليكم فعدوا ثالثني))‪ ،‬فيحمل على أن يكون آدم قد رواه للبخاري على‬
‫التفسري من عنده للخرب‪.‬‬
‫اثبت أيب‪،‬‬
‫أخربان حممد بن انصر‪ ،‬قال‪ :‬أخربان اثبت بن بندار‪ ،‬وأخربان حيىي بن اثبت‪ ،‬قال‪ :‬أخربين ٌ‬
‫قثنا أبو بكر الربقاين‪ ،‬قثنا أمحد بن إبراهيم اإلمساعيلي‪ ،‬قثنا احلسن بن علوية‪ ،‬قثنا عاصم بن علي‪،‬‬
‫قثنا شعبة عن حممد بن زايد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫مسعت أاب هريرة يقول‪ :‬قال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪:-‬‬

‫(‪)106/1‬‬

‫((ال تصوموا حىت تروا اهلالل‪ ،‬وال تفطروا حىت تروا اهلالل‪ ،‬فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثالثني))‪.‬‬
‫قال اإلمساعيلي‪(( :‬قد رواه البخاري عن آدم عن شعبة فقال فيه‪( :‬فأكملوا عدة شعبان ثالثني)))‪.‬‬
‫قال‪(( :‬وقد روينا عن غندر‪ ،‬وعبد الرمحن بن مهدي‪ ،‬وابن علية‪ ،‬وعيسى بن يونس‪ ،‬وشبابة‪ ،‬وعاصم‬
‫بن علي‪ ،‬والنضر بن مشيل‪ ،‬ويزيد بن هارون‪ ،‬وابن داود‪ ،‬وآدم كلهم عن شعبة‪ ،‬مل يذكر أح ٌد منهم‪:‬‬
‫(فأكملوا عدة شعبان ثالثني)‪.‬‬
‫قال‪(( :‬وهذا جيوز أن يكون من آدم‪ ،‬رواه على التفسري من عنده للخرب‪ ،‬وإال فليس النفراد البخاري‬
‫عنه هبذا من بني من رواه عنه ومن بني سائر من ذكران ممن يرويه عن شعبة وجهٌ‪ .‬ورواه املقرئ عن‬
‫ورقاء عن شعبة على ما ذكرانه أيضاً))‪.‬‬

‫(‪)107/1‬‬

‫قلت‪ :‬فتحمل رواية اجلماعة على أن تكون اإلشارة بقوله‪(( :‬فإن غم)) إىل آخر الشهر‪ ،‬ألنه أقرب‬
‫املذكورين‪.‬‬
‫واجلواب الثاين‪ :‬أان حنمل ما انفرد به البخاري من ذكر شعبان ‪-‬إذا مل يكن غلطاً‪ -‬على ما إذا غم‬
‫هالل رمضان وهالل شوال فإان حنتاج إىل إكمال شعبان ثالثني احتياطاً للصوم‪ ،‬وإن كنا قد صمنا‬
‫يوم الثالثني من شعبان فلسنا نقطع أنه من رمضان‪ ،‬إمنا صمناه حكماً‪.‬‬
‫وأما حديث ابن عباس األول‪ ،‬فجوابه من ثالثة ٍ‬
‫أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن راويه‪ :‬مساك بن حرب عن عكرمة‪ ،‬وكان شعبةٌ وسفيان يضعفانه‪ ،‬وقال ابن عمار‪ :‬كانوا‬
‫يقولون أنه يغلط‪ ،‬وخيتلفون يف حديثه‪ .‬وقال ابن معني‪ :‬أسند أحاديث مل يسندها غريه‪ .‬وقال أمحد بن‬
‫عبد هللا العجلي احلافظ‪ :‬كان يف حديث عكرمة رمبا وصل الشيء عن ابن عباس‪ ،‬ورمبا قال‪ :‬قال‬
‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪.))-‬‬
‫والثاين‪ :‬أن قد روينا فيما تقدم هذا احلديث عن عكرمة عن ابن عباس‪(( :‬فأمتوا العدة ثالثني مث‬
‫أي منه‪.‬‬
‫أفطروا))‪ .‬فقول حامت‪( :‬يعين‪ :‬عدة شعبان) ر ٌ‬
‫ٍ‬
‫وشوال على ما سبق بيانه‪.‬‬ ‫والثالث‪ :‬أان نكمل عدة شعبان إذا غم هالل رمضان‬

‫(‪)108/1‬‬

‫وأما حديث ابن عباس الثاين فالذي يف الصحيح منه‪(( :‬فإن غم عليكم فأكملوا العدة))‪ ،‬وهذا‬
‫ٌ‬
‫حممول على آخر الشهر‪ .‬وأما ذكر شعبان فيه فانفرد بروايته آدم بن أيب إايس دون مجيع من رواه‪،‬‬
‫فالظاهر أنه على سبيل التفسري من آدم كما قال يف حديث أيب هريرة الذي رواه البخاري من طريق‬
‫آدم‪ ،‬فيكون آدم قد فسر احلديثني من عنده‪ ،‬أو روى على ما يظنه املعىن‪.‬‬
‫ٌ‬
‫حممول على‬ ‫وأما حديث حذيفة فقد ضعفه أمحد‪ ،‬وقال‪(( :‬ليس ذكر حذيفة فيه مبحفوظ))‪ .‬مث هو‬
‫حالة الصحو‪ ،‬أو على ما إذا غم هالل رمضان و [هالل] شوال‪.‬‬
‫وقد استعظم أبو بك ٍر اخلطيب هذا احلمل لعدم علمه ابلفقه‪ ،‬وقال‪(( :‬من خلت يداه من الدليل جلأ‬
‫إىل هذا التأويل‪ ،‬وكيف جيوز أن حيمل اخلرب العام على اخلصوص بغري دليل؟!))‪.‬‬

‫(‪)109/1‬‬

‫قلنا‪ :‬لو فهمت ما قلت ما قلت! فما محلناه بال ٍ‬


‫دليل‪ ،‬وإمنا محلناه بدليلنا لنجمع بني األحاديث‪،‬‬
‫والفقهاء حيملون احلديث على صوٍر بعيدةٍ ليجمعوا بني األحاديث‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء‪ .‬وقال أمحد بن حنبل‪ :‬ال‬ ‫وأما حديث ٍ‬
‫طلق فريويه حممد بن جابر‪ ،‬قال حيىي بن معني‪ :‬ليس‬
‫شر منه‪ .‬فقرت عني اخلطيب!‪.‬‬
‫حيدث عنه إال ٌّ‬
‫وقال الفالس‪ :‬هو مرتوك احلديث‪ .‬وقال ابن حبان‪ :‬كان يلحق يف كتبه ما ليس من حديثه‪ ،‬ويسرق‬
‫ما ذوكر به فيحدث به‪.‬‬
‫وأما حديث ابن عباس الذي زعم اخلطيب أنه أوىل من حديث ابن عمر فنبني مبا نذكره فساد زعمه‬
‫من أربعة أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن حديث ابن عمر يف الصحاح كلها‪ ،‬وهذا ليس يف الصحاح‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أان قد ذكران تضعيف راويه‪ ،‬وهو‪ :‬مساك بن حرب‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أنه قد اختلف على مساك فيه‪ :‬فرواه سفيان وغريه عن مساك عن عكرمة عن رسول هللا ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ -‬مرسالً‪ .‬قال أبو داود‪ :‬وقد رواه مجاعةٌ كذلك‪ ،‬ورواه وكيع عن سفيان عن‬
‫ٍ‬
‫مساك قوله‪.‬‬

‫(‪)110/1‬‬

‫وروينا يف حجتنا عنه أنه قال‪( :‬مث أفطروا)‪ ،‬وإذا كان قد اختلف يف هذا احلديث على هذه األوصاف‬
‫مبرفوع‪ ،‬فيكف حيسن ابخلطيب أن‬
‫ٍ‬ ‫مع ما سبق من تضعيف ما يرويه مساك‪ ،‬وأنه قد يرفع ما ليس‬
‫يعارض به احلديث املتفق على صحته؟!‪ .‬مث ال يستحيي ويقول‪ :‬قد اختلفت الرواية عن ابن عمر‬
‫اختالفاً يؤول إىل موافقة ما يقوله‪ ،‬وإمنا روى عن ابن عمر النهي عن التقدم قبل رمضان‪ .‬فما أقبح‬
‫هذا التعصب البارد!‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أن قوله‪(( :‬متاروا‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬هو اليوم‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬غداً))‪ .‬دليل على أن ذلك األمر‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ‬ ‫كان يف النهار ال عن ٍ‬
‫غيم‪ ،‬ويكون األمر قد خفي عليهم يف الصحو‪ ،‬وقد تتاركوا الرؤية‬
‫يعدون ثالثني مث يصومون‪.‬‬
‫وأما حديث عائشة‪:‬‬
‫فريويه معاوية بن صاحل‪ ،‬قال أبو حامت الرازي‪ :‬ال حيتج به‪ ،‬وكان حيىي بن سعيد ال يرضاه‪ ،‬فإذا روى‬
‫ابن مهدي عن معاوية بن حيىي زبره حيىي بن سعيد‪.‬‬

‫(‪)111/1‬‬

‫وأما حديث أيب هريرة‪:‬‬


‫فعنه جواابن‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء‪ .‬وقال النسائي‪:‬‬ ‫أحدمها‪ :‬أنه يرويه حممد بن عبد هللا بن عبيد بن عمري‪ ،‬قال الدراقطين‪ :‬ليس‬
‫مرتوك‪ .‬وقال ابن حبان‪ :‬جتب جمانبته‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وأما رواية األعرج فريويها علي بن غراب‪ ،‬قال ابن حبان‪ :‬حدث ابألشياء املوضوعة‪ ،‬فبطل‬
‫االحتجاج به‪.‬‬
‫فالعجب من اخلطيب كيف كثر العدد ابلفارغ؟!‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أان قد تكلمنا على معناه‪.‬‬

‫(‪)112/1‬‬

‫واحتج املخالف ابلنهي عن صوم يوم الشك‪:‬‬


‫أخربان ابن عبد اخلالق قال‪ :‬أخربان عبد الرمحن بن أمحد‪ ،‬قال‪ :‬أخربان حممد بن عبد امللك‪ ،‬قثنا‬
‫الدارقطين‪ ،‬قثنا حممد بن عمرو بن البخرتي‪ ،‬قثنا أمحد بن اخلليل‪ ،‬قثنا الواقدي‪ ،‬قثنا داود بن خالد‬
‫وحممد بن مسلم عن املقربي‪.‬‬
‫عن أيب هريرة قال‪ :‬هنى رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬عن صيام ستة أايم‪ :‬اليوم الذي يشك فيه‬
‫من رمضان‪ ،‬ويوم الفطر‪ ،‬ويوم األضحى‪ ،‬وأايم التشريق‪.‬‬
‫وأخربان عبد امللك الكروخي‪ ،‬قال‪ :‬أنبأ أبو عامر األزدي وأبو بكر الغورجي‪ ،‬قاال‪ :‬أخربان اجلراحي‪،‬‬
‫قثنا احملبويب‪ ،‬قثنا الرتمذي‪ ،‬قثنا أبو سعيد عبد هللا بن سعيد األشج‪ ،‬قثنا أبو خالد األمحر عن عمرو‬
‫بن قيس عن أيب إسحاق عن صلة بن زفر‪.‬‬
‫صائم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قال‪ :‬كنا عند عمار بن ايسر فأيت بشاة مصلية‪ ،‬فقالوا‪ :‬كلوا‪ .‬فتنحى بعض القوم‪ ،‬فقال‪ :‬إين ٌ‬
‫فقال عمار‪ :‬من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أاب القاسم ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪.-‬‬

‫(‪)113/1‬‬

‫ٍ‬
‫مجاعة أهنم هنوا عن صوم يوم الشك‪ ،‬منهم‪ :‬عمار‪ ،‬وحذيفة‪ ،‬وابن عباس‪.‬‬ ‫وروى اخلطيب عن‬

‫(‪)114/1‬‬
‫واجلواب‪:‬‬
‫أما احلديث األول‪ :‬فراويه الواقدي قال أمحد بن حنبل‪ :‬الواقدي كذاب‪ .‬وقال حيىي بن معني‪ :‬ليس‬
‫ٍ‬
‫بشيء‪ .‬وقال البخاري‪ :‬مرتوك احلديث‪ .‬وذكر أبو حامت الرازي وأبو عبد الرمحن النسائي أنه كان‬
‫ٍ‬
‫حمفوظة‪ ،‬والبالء منه‪.‬‬ ‫يضع احلديث‪ .‬وقال ابن عدي‪ :‬أحاديثه غري‬
‫ٌ‬
‫فمحمول على أن املراد به الشك يف الصحو‪ .‬وقد فسر أمحد بن حنبل الشك‪،‬‬ ‫وأما احلديث الثاين‪:‬‬
‫فقال‪ :‬الشك أن يشهد برؤيته واح ٌد فريد احلاكم شهادته‪ ،‬أو أن تكون السماء مصحيةً ويتقاعد‬
‫ٌ‬
‫حممول على ذلك‪.‬‬ ‫الناس عن طلب اهلالل‪ .‬ومجيع ما روي يف النهي عن صوم الشك‬

‫(‪)115/1‬‬

‫وقول اخلطيب‪(( :‬يوم الثالثني من شعبان هو يوم الشك))‪ .‬ليس بصحيح‪ ،‬ألن الناس اتفقوا على‬
‫كراهة صوم يوم الشك‪ ،‬وقد ذهب مجاعةٌ من الفقهاء إىل جواز صوم هذا اليوم عن نذ ٍر‪ ،‬وكفارةً‬
‫وتطوعاً‪.‬‬
‫وحنن ال نسمي يوم الغيم شكاً‪ ،‬ومن مساه شكاً فللتعريف‪ ،‬وبيان هذا‪:‬‬
‫أن الشك تردد بني أمرين ال مزية ألحدمها على اآلخر‪ ،‬وهاهنا مزيةٌ‪ ،‬وهو‪ :‬أنه قد خرج األصل يف‬
‫الشهور‪ ،‬واألصل‪ :‬تسعةٌ وعشرون‪ ،‬فبقي اليوم األخري خارجاً عن األصل‪ ،‬وهذا وإن مسي يوم شك‬
‫قضاء ونذراً ونفالً يوافق عادةً‪.‬‬
‫فإنه جيوز صومه عندكم ً‬
‫ولنا‪ :‬يوم شك جيب صومه على الكل‪ ،‬وهو إذا غم هالل شو ٍال ٍٍ‪ ،‬ولنا‪ :‬يوم شك جيب صومه على‬
‫رجل برؤيته فرد احلاكم شهادته‪ ،‬فإنه جيب عليه صومه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شخص‪ ،‬وهو إذا أخرب ٌ‬ ‫ٍ‬
‫شخص دون‬
‫قال اخلطيب‪(( :‬إذا كانت السماء مصحيةً‪ ،‬وتراءى الناس اهلالل فلم يروه ال يسميه يوم شك إال من‬
‫عميت بصريته!))‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬من قال ما قلت فقد عميت بصريته! ألن الناس إذا تراؤوا اهلالل يف الصحو فلم يروه مل يسم‬
‫أحد ذلك اليوم شكاً‪ ،‬إمنا إذا تشاغلوا عن الرتاءي مسي شكاً‪.‬‬
‫حديث فيه كفايةٌ عن ما سواه))‪ .‬أنبأان حممد بن عبد امللك‬
‫ٌ‬ ‫قال اخلطيب‪(( :‬وقد روي يف هذه املسألة‬
‫بن خريون‪ ،‬قال‪ :‬أنبأان أمحد بن‬

‫(‪)116/1‬‬
‫علي بن اثبت‪ ،‬قال‪ :‬أخربين عبد هللا بن أيب الفتح‪ ،‬قال‪ :‬أنبأ أبو بكر بن شاذان‪ ،‬قثنا أمحد بن عيسى‬
‫بن السكني البلدي‪ ،‬قال‪ :‬حدثين هشام بن القاسم احلراين‪ ،‬قثنا يعلى بن األشدق عن عبد هللا بن‬
‫جراد‪ ،‬قال‪ :‬أصبحنا يوم الثالثني صياماً‪ ،‬وكان الشهر قد أغمي علينا‪ ،‬فأتينا النيب ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫رجل يصوم‬
‫وسلم‪ -‬فأصبناه مفطراً‪ ،‬فقلنا‪ :‬اي نيب هللا! صمنا اليوم؟‪ .‬قال‪(( :‬أفطروا‪ ،‬إال أن يكون ٌ‬
‫أحب إيل من أن أصوم يوماً من شعبان‬
‫هذا اليوم فليتم صومه‪ ،‬ألن أفطر يوماً من رمضان يتمارى فيه ُّ‬
‫ليس منه))‪ .‬يعين‪ :‬ليس من رمضان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ال تكون عصبيةٌ خترج من الدين أقوى من هذه العصبية! فليته ملا روى هذا احلديث سكت‪،‬‬
‫فأما أن يقول‪( :‬فيه كفايةٌ) فلقد زرى بذلك على علمه ودينه‪.‬‬
‫ظاهر ملن شدا شيئاً من علم احلديث؟ فكيف‬
‫أتراه‪ :‬ما علم أن أحداً يعرف قبح ما أتى! كيف واألمر ٌ‬
‫مبن أوغل فيه؟!‪.‬‬
‫أتراه‪ :‬ما علم أنه يف احلديث الصحيح عن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪(( :‬من روى‬
‫ب فهو أحد الكاذبني))!‪.‬‬
‫حديثاً يرى أنه كذ ٌ‬

‫(‪)117/1‬‬

‫ع على رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪،-‬‬


‫كذب موضو ٌ‬
‫وما كان خيفى على اخلطيب أن هذا احلديث ٌ‬
‫كذب فقد ذهب الدين‬
‫ولو خفي هذا عليه كان يزري بعلمه ويسلم دينه‪ ،‬فأما إذا كان يعلم أنه ٌ‬
‫ابلعصبية‪ ،‬ومل ينفع العلم‪.‬‬
‫وهذا احلديث ال أصل له عن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬وال ذكره أح ٌد من األئمة الذين‬
‫مذكور يف نسخة يعلى بن األشدق عن‬
‫ٌ‬ ‫مجعوا السنن‪ ،‬وترخصوا يف ذكر األحاديث الضعاف‪ ،‬وإمنا هو‬
‫ابن جراد‪ ،‬وهي نسخةٌ موضوعةٌ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء‪ .‬وقال البخاري‪ :‬يعلى ال يكتب حديثه‪ .‬وقال‬ ‫قال أبو زرعة الرازي‪ :‬يعلى بن األشدق ليس‬
‫أبو أمحد بن عدي احلافظ‪ :‬روى يعلى بن األشدق عن عمه عبد هللا بن جراد عن النيب ‪-‬صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪ -‬أحاديث كثريةً منكرةً‪ ،‬وهو وعمه غري معروفني‪.‬‬
‫قال ابن عدي‪ :‬وبلغين عن أيب مسه ٍر‪ ،‬قال‪ :‬قلت ليعلى بن األشدق‪ :‬ما مسع عمك من رسول هللا ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪-‬؟ فقال‪(( :‬جامع سفيان))‪ ،‬و ((موطأ مالك))‪ ،‬وشيئاً من الفوائد!!‪.‬‬
‫وقال أبو حامت بن حبان احلافظ‪(( :‬لقي يعلى عبد هللا بن جراد‪ ،‬فلما كرب اجتمع عليه من ال دين له‪،‬‬
‫حديث نسخةً عن ابن جراد‪ ،‬فجعل حيدث هبا وهو ال يدري‪ ،‬وقد قال له‬‫ٍ‬ ‫فوضعوا له شبيهاً مبائيت‬
‫شيء مسعت من عبد هللا بن جراد؟ قال‪ :‬هذه النسخة‬‫بعض مشايخ أصحابنا‪ :‬أي ٍ‬

‫(‪)118/1‬‬

‫و ((جامع سفيان))!‪ .‬ال حتل الرواية عنه حب ٍ‬


‫ال‪ ،‬وال االحتجاج به))‪.‬‬
‫ومثل هذا ال خيفى على اخلطيب‪ ،‬وقد عرف ما قال ابن حبان يف ذلك‪ ،‬وعلم مقدار علم ابن حبان‪،‬‬
‫وأثىن عليه‪ ،‬وعد تصانيفه‪ ،‬وحث على التشاغل هبا‪.‬‬
‫ط ال يعلم به الواهم‪ ،‬إمنا هذا يدل على قلة دي ٍن‬ ‫وليس هذا ٍ‬
‫بوهم يؤخذ على اخلطيب‪ ،‬ألن الوهم غل ٌ‬
‫صحيح قد فسره‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حبديث‬ ‫خمرجة عن التقوى‪ .‬ومن فعل مثل هذا فكيف يعيب من أيخذ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وعصبية‬
‫صحايب‪ ،‬وينسبه إىل اهلوى؟! وكيف جيوز أن يقول رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬ألن أفطر‬
‫يوماً من رمضان يتمارى فيه أحب إيل من أن أصوم يوماً من شعبان)) وقد ذكران أن خلقاً من الفقهاء‬
‫أجازوا صوم يوم الغيم نذراً‪ ،‬ونفالً يوافق عادةً؟!‪.‬‬
‫ولو مل يذكر اخلطيب هذا احلديث كان أصلح له‪ ،‬فلقد فضح نفسه بذكره‪ ،‬ولكنه لسوء قصده حرم‬
‫التوفيق‪ .‬وقد قال القائل‪:‬‬
‫من آذن هللا يف فضيحته ‪ ...‬أغرى يديه بكشف عورته‬
‫وقال اآلخر يف حساد أمحد ‪-‬رضي هللا عنه‪:-‬‬
‫أضحى ابن حنبل حمنةً مأمونةً ‪ ...‬وحبب أمحد يعرف املتنسك‬
‫وإذا رأيت ٍ‬
‫ألمحد متنقصاً ‪ ...‬فاعلم أبن سرتوه ستهتك‬

‫(‪)119/1‬‬

‫وأما املعىن‪ ،‬فلهم فيه ثالثة مسالك‪:‬‬


‫األول‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬الواجب عليه صوم رمضان‪ ،‬وهذا اليوم ليس من رمضان فال جيب صومه‪ .‬وال نزاع يف املقدمة‬
‫األوىل‪.‬‬
‫فأما الدليل على أنه ليس من رمضان فاحلكم واملعىن‪:‬‬
‫أما احلكم‪:‬‬
‫فإنه ليس من رمضان يف الدين املؤجل‪ ،‬والعدد‪ ،‬والطالق املعلق به‪ ،‬واألميان‪ ،‬فال يكون من رمضان‬
‫يف الصوم‪.‬‬
‫وأما املعىن‪:‬‬
‫فهو أن رمضان يثبت إما ابلقطع‪ ،‬وهي‪ :‬الرؤية من اجلميع‪ ،‬أو كمال عدد شعبان‪ ،‬أو بغلبة الظن‬
‫فيشهد العدل الواحد عند ٍ‬
‫قوم‪ ،‬والعدد عند آخرين‪ ،‬ومل يوجد يف مسألتنا شيءٌ من ذلك‪ ،‬ألن الغيم‬
‫ال يدل على وجود اهلالل‪ ،‬وال على عدمه‪ .‬ومل يكن الشهر اثبتاً فال يثبت مبجرد الشك‪ ،‬وصار كما‬
‫لو شك يف وقت الصالة‪ ،‬وهل طلع الفجر؟ فإنه ال حيرم عليه األكل‪ .‬وخرج على هذا اليوم األخري‪،‬‬
‫ألن األصل وجوب الصوم‪ ،‬وها هنا األصل الفطر‪.‬‬
‫املسلك الثاين‪:‬‬
‫قالوا‪ :‬الشك ابلغيم ليس أبكثر من الشك احلاصل بشهادة من رد احلاكم شهادته‪ .‬مث هناك ال جيب‬
‫فيه الصوم‪ ،‬فكذلك يف الغيم‪ ،‬ألنه يف املوضعني حيتمل أن يكون اهلالل طالعاً‪.‬‬

‫(‪)120/1‬‬

‫ٍ‬
‫بسبب يف وجوب الصوم‪ ،‬إمنا السبب رؤيةٌ أو شهادةٌ برؤيته‪ ،‬وحنن على‬ ‫ويوضح هذا‪ :‬أن الغيم ليس‬
‫األصل‪ ،‬وهو شعبان‪ ،‬فال بد من ٍ‬
‫انقل عن هذا األصل‪ ،‬والغيم ال يصلح انقالً‪.‬‬
‫املسلك الثالث‪:‬‬
‫عبادة فال جيوز الدخول فيها إال على يق ٍ‬
‫ني كسائر العبادات‪.‬‬
‫وتصحيحه‪ :‬أن الشرع ملا أوجب العبادات املؤقتة نصب هلا أسباابً وأعالماً‪ .‬فدخول وقت الصالة‬
‫ٍ‬
‫نصاب‪ ،‬أو يف وجود الزاد‬ ‫سبب لوجوهبا‪ ،‬فلو شك فيه مل جيز له فعلها‪ .‬وكذلك لو شك يف ملك‬‫ٌ‬
‫والراحلة‪ ،‬وهل طلق أو أعتق أم ال؟‬
‫ويوضحه‪ :‬أن اخلطاب يتعلق ابلذمة فيقصد أبداء العبادة أن تربأ‪ ،‬وهاهنا مل يتعلق بذمته شيءٌ حيتاج‬
‫أن يربأ منه‪.‬‬
‫واجلواب‪:‬‬
‫قوهلم‪(( :‬ليس هذا من رمضان))‪ ،‬جوابه من أربعة ٍ‬
‫أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن نقول‪ :‬ليس من رمضان قطعاً أو ظاهراً؟‪.‬‬
‫ع‪ .‬وبيانه‪ :‬أن األصل يف الشهور النقصان على ما سبق‪ .‬وقد كان مقتضى‬
‫مسلم‪ ،‬والثاين‪ :‬ممنو ٌ‬
‫األول‪ٌ :‬‬
‫هذا أن ال جيب صوم اليوم األخري‪ ،‬لكن أوجبناه احتياطاً‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬سلمنا أنه ليس من رمضان ظاهراً‪ ،‬ولكن حيتمل أن يكون منه أم ال؟‬

‫(‪)121/1‬‬

‫مسلم‪.‬‬
‫األول‪ٌ :‬‬
‫والثاين‪ :‬ممنوعٌ‪ .‬بيانه‪ :‬أن كونه من رمضان وكونه من شعبان على السواء يف االحتمال‪ ،‬فوجب أن‬
‫يصام احتياطاً‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬سلمنا أن كونه من رمضان أبعد من كونه من شعبان‪ ،‬ولكن‪ :‬مل ال جيب صومه توصالً إىل‬
‫ني‪ ،‬كما أوجبنا غسل قصاص الشعر مع الوجه؟‪.‬‬‫أداء الواجب بق ٍ‬
‫والرابع‪ :‬أن ما ذكروه ينتقض ابليوم األخري‪ ،‬وقد أجبنا عن عذرهم‪.‬‬
‫وأما ما ذكروه من األحكام فجواهبا من وجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أهنا كمسألتنا‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬أهنا مل تثبت‪ ،‬ألان إمنا أوجبنا الصوم احتياطاً‪ ،‬واالحتياط أن ال حيل الدين‪ ،‬وال تنقضي العدة‪.‬‬
‫وأما األميان والطالق فمبناها على العرف‪ ،‬والعرف أن هذا ال يقال أنه من رمضان‪ .‬على أان نقول‪:‬‬
‫الطالق والعتاق حقو ٌق آلدميني اثبتةٌ‪ ،‬فال ترفع إال بيق ٍ‬
‫ني‪.‬‬
‫يوم من رمضان مل يرب بدخوله يف هذا اليوم‪ ،‬ألان قد حتققنا انعقاد‬‫وكذلك لو حلف ليدخلن الدار أول ٍ‬
‫اليمني فال تربأ ذمته إال بيقني‪.‬‬
‫خرب ال شهادةٌ‪ ،‬وليس من شرط اخلرب أن‬
‫وأما من رد احلاكم شهادته‪ ،‬فإان نقول‪ :‬ذكر رؤية اهلالل ٌ‬
‫حاكم‪ ،‬وإن رد خربه لفسقه فليست تلك شهادةً وال خرباً يوجب شكاً‪ .‬ولو سلمنا أهنا شهادةٌ‬ ‫يقبله ٌ‬
‫ط هلا فكأهنا مل توجد‪.‬‬‫فإن رد احلاكم إايها إسقا ٌ‬
‫مسلم‪ ،‬ولكن قد أضيف إليه ما يوجب‬
‫بسبب ابنفراده ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بسبب))‪ .‬قلنا‪ :‬ليس‬‫ٍ‬ ‫وقوهلم‪(( :‬الغيم ليس‬
‫الرتجيح‪ ،‬وهو صالحية الزمان لطلوع اهلالل‪،‬‬

‫(‪)122/1‬‬
‫وذلك يوجب االحتياط للصوم كما نقول يف آخر الشهر‪.‬‬
‫يدل عليه‪ :‬أن أاب حنيفة قبل شهادة الواحد مع الغيم‪ ،‬ومل يقبلها مع الصحو‪ .‬والشافعي أجاز أن‬
‫ينوي من الليل رمضان‪ ،‬فإن ابن من النهار أنه كان من رمضان أجزأه‪ ،‬وليس كذلك يف الصحو‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بسبب مع غريه‪ .‬فهي مسالة اخلالف‪ ،‬وحصركم األسباب ممنوعٌ‪.‬‬ ‫وإن قلتم‪ :‬ليس‬
‫سبب آخر‪ ،‬وهو‪ :‬الغيم يف الزمان الصاحل لطلوع اهلالل‪.‬‬
‫وعندان ٌ‬
‫وقولكم‪(( :‬ال ندخل يف العبادات ابلشك))‪ .‬قلنا‪ :‬ال نسميه شكاً على ما سبق‪ .‬مث لو سلمنا فقد‬
‫ذكران أن من العبادات ما يلزم مع الشك‪ ،‬وهو إذا نسي صالةً ال يعلم عينها‪.‬‬
‫وأما دخول الوقت فقد سبق جوابه‪ ،‬وهو أن أتخري الصالة ال يؤدي إىل ترك االحتياط خبالف‬
‫مسألتنا‪.‬‬
‫وقوهلم‪(( :‬مل يتعلق بذمته شيءٌ))‪ .‬ال نسلم‪.‬‬

‫(‪)123/1‬‬

‫فصل‪ :‬فإن قال قائل‪ :‬فهل تصلون الرتاويح يف ليلة الغيم؟‪ .‬قلنا‪ :‬لنا وجهان‪:‬‬
‫ٌ‬
‫تبع‬
‫أحدمها‪ :‬نصلي‪ ،‬وهو ظاهر كالم أمحد‪ ،‬واختيار أكثر مشاخينا املتقدمني ووجه ذلك‪ :‬أن الصالة ٌ‬
‫للصوم‪ ،‬ألن النيب ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال‪(( :‬إن هللا تعاىل فرض عليكم صيامه‪ ،‬وسننت لكم‬
‫قيامه))‪.‬‬
‫ومن جهة املعىن نقول‪ :‬كل ٍ‬
‫يوم فرض صيامه سنت صالة الرتاويح يف ليلته كسائر أايم الشهر‪.‬‬

‫(‪)124/1‬‬

‫والوجه الثاين‪ :‬ال نصلي فيها الرتاويح‪ ،‬وهو اختيار أيب حفص من أصحابنا‪ .‬وعلل أبهنا انفلةٌ ال حتتاج‬
‫فرض فاحتيط له‪ .‬وهذا هو الصحيح‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫إىل احتياط‪ ،‬خبالف الصوم فإنه ٌ‬
‫آخر الكتاب واحلمد هلل‬
‫نقلته من خط مصنفه ‪-‬رضي هللا عنه وأرضاه‪ ،-‬وكان الفراغ منه يوم األربعاء أول ربيع األول سنة‬
‫اثنيت عشرة وستمائة ببغداد‪.‬‬
‫وكتبه عبد الرازق بن رزق هللا الرسعين احلنبلي‪.‬‬
‫‪-‬نفعه هللا ابلعلم‪ ،‬وزينه ابحللم‪ ،‬مبنه وكرمه‪.-‬‬

‫(‪)125/1‬‬

You might also like