Professional Documents
Culture Documents
ws
مت إعداد هذا امللف آليا بواسطة املكتبة الشاملة
تصنيف
اإلمام العالمة أيب الفرج عبد الرمحن بن علي بن اجلوزي
املتوىف سنة ( 597هـ) رمحه هللا
حتقيق وتعليق
جاسم بن سليمان الفهيد الدوسري
عفا هللا عنه
()/
()39/1
()40/1
()41/1
وفضائله حمسو ٌد ،وملا بىن إمامنا أمحد بن حنبل -رضي هللا عنه -على أثبت ٍ
أساس ،مل يستفد حساده
إال صداع الرأس!.
سادات .ومنهم من يقول :قد أفىت
ٌ فمنهم :من يعيبه ابملفردات ،وما فيها مسألةٌ وإال وقد تقدمه فيها
كالم!.
مبنام ،وما يبقى مع املتخرص املباهت ٌ
عقد ٍ
خبيث. ومنهم :من يسمينا( :احلشوية) إشارةً إىل رواية احلديث ،وما يصدر هذا إال عن ٍ
ومنهم :من يتعرض لذم اتبعيه وصحابته ،مث يقول عند املوت :امحلوين إىل تربته!.
عجيب :أبو بكر أمحد بن علي اخلطيب ،فإنه مأل بعلم أمحد مجيع
ٌ يف
وممن له قص ٌد هلذا املذهب طر ٌ
ات ،وهللا اجملازي على املقاصد
كتبه ،مث حتامل عليه وعلى أهل مذهبه ،وله يف ((التاريخ)) وغريه وكز ٌ
والنيات:
قال يف ترمجة أمحد بن حنبل(( :إمام احملدثني)) ،ويف ترمجة
()42/1
الشافعي(( :زين الفقهاء)) ،فلم يذكر أمحد ابلفقه ،وما ضره ذلك فقد شهد له ابلفقه الشافعي،
واخلطيب يروي هذا:
أخربان عبد الرمحن بن حممد قال :أخربان أبو بكر اخلطيب قال :أخربان أبو القاسم عبد الرمحن بن
حممد السراج :قثنا األصم قال :مسعت أاب يعقوب اخلوارزمي يقول :مسعت حرملة بن حيىي يقول:
مسعت الشافعي يقول :خرجت من بغداد وما خلفت هبا أحداً أورع وال أتقى وال أفقه من أمحد بن
حنبل.
وحكى اخلطيب يف ترمجة حسني الكرابيسي أنه قال عن أمحد :أي ٍ
شيء نعمل هبذا الصيب؟! إن قلنا:
لفظنا ابلقرآن خملوق .قال :بدعةٌ .وإن قلنا :غري ٍ
خملوق :قال :بدعةٌ.
()43/1
دسائس يف ذم أصحاب أمحد [بن حنبل] عجيبةٌ ،ال يفطن هلا إال املربز يف العلم
ٌ فصل :وللخطيب
والفهم ،ومن ذلك:
أنه ذكر مهىن بن حيىي ،وكان من كبار أصحاب أمحد [بن حنبل] ،وذكر عن الدارقطين أنه قال:
نبيل .مث حكى بعد ذلك عن أيب الفتح األزدي أنه قال :مهىن منكر احلديث .وهو يعلم أن
مهىن ثقةٌ ٌ
األزدي مطعون عليه عند الكل ،ال يقبل قوله.
قال اخلطيب :حدثين أبو النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد األرموي ،قال :رأيت أهل املوصل
يوهنون أاب الفتح األزدي وال يعدونه شيئاً.
قال اخلطيب :وحدثين حممد بن صدقة املوصلي أن أاب الفتح قدم
()44/1
بغداد على ابن بويه ،فوضع له حديثاً :أن جربيل كان ينزل على النيب -صلى هللا عليه وسلم -يف
صورته .فأعطاه دراهم.
أفال يستحيي اخلطيب أن يقابل قول الدارقطين يف مهىن ومدحه يقول هذا!! وإن هذا يدل على قوة
ٍ
عصبية وقلة دي ٍن.
ومال اخلطيب على أيب احلسن عبد العزيز بن احلارث بن أسد التميمي ،وهذا التميمي قد مسع من
أيب بكر النيسابوري ،والقاضي احملاملي ،وحممد بن خملد الدوري ،ونفطويه وغريهم .وكان جليل
القدر ،له تصانيف يف األصول والفروع والفرائض ،فتعصب عليه اخلطيب :فحكى عن أيب القاسم
عبد الواحد بن علي العكربي أن التميمي وضع حديثاً.
وقد ذكر اخلطيب أن هذا العكربي مل يكن من أهل احلديث والعلم ،إمنا كان يعرف شيئاً من العربية،
ومل يرو شيئاً من احلديث.
وكان هذا العكربي أيضاً معتزلياً ،وكان يقول :إن الكفار ال خيلدون يف النار .فكيف يقبل قوله يف
ومعلوم ما بني املعتزلة واحلنابلة من العداوة؟!
ٌ األئمة
بعصبية ابردةٍ يف ذم أصحابنا ،وإذا ذكر املتكلمني من األشاعرة وغريهم فخم
ٍ غري أن اخلطيب يبهرج
أمرهم وذكر من فضائلهم ما يقارب
()45/1
االستحالة .فإنه ذكر عن ابن اللبان أنه قال :حفظت القرآن ويل مخس سنني.
ومال اخلطيب على أيب عبد هللا بن بطة ميالً ال خيفى على من له أدىن ٍ
فهم بعد أن ذكر عن الفضالء
مدحه:
فأخربان عبد الرمحن بن حممد القزاز ،قال :أخربان أمحد بن علي بن اثبت ،قال :حدثين القاضي أبو
حامد أمحد بن حممد الدلوي ،قال :ملا رجع أبو عبد هللا بن بطة من الرحلة الزم بيته أربعني سنةً فلم
خرب ٍ
ير منها يف سوق ،وال رؤي مفطراً إال يف يوم األضحى والفطر .وكان أماراً ابملعروف ،ومل يبلغه ٌ
منك ٍر إال غريه.
أخربان عبد الرمحن ،قال :أخربان أمحد بن علي ،قال :أنبأ العتيقي ،قال :كان ابن بطة شيخاً صاحلاً
مستجاب الدعوة.
أنبأان أبو بكر حممد بن عبد الباقي عن أيب حممد اجلوهري ،قال :مسعت أخي احلسني بن علي أاب عبد
هللا يقول :رأيت النيب -صلى هللا عليه وسلم -يف املنام ،فقلت :اي رسول هللا! قد اختلفت علينا
املذاهب ،فبمن نقتدي؟ فقال :عليك أبيب عبد هللا بن بطة .فلما أصبحت لبست ثيايب ،وأصعدت
إىل عكربا ،فدخلت إليه ،فلما رآين تبسم وقال :صدق رسول هللا ،صدق رسول هللا ،صدق رسول
هللا .يقوهلا ثالاثً.
فغمزه اخلطيب وقدح فيه بقول عبد الواحد بن علي األسدي الذي
()46/1
قدح يف التميمي ،وذكر عن غريه أنه قال :ابن بطة ما مسع ((املعجم)) من البغوي.
وهذه شهادةٌ على نفيٍ ،وقد قال ابن بطة :قرأان على البغوي ((املعجم)) يف نف ٍر ٍ
خاص يف مدة عشرة
ٍ
أايم.
مث روى اخلطيب حديثاً ،وقال :احلمل فيه على ابن بطة .فواعجباً للخطيب! كيف حيكي عن أشياخه
حديث ٍ
واحد ،والراوي ٍ الفضالء مدح هذا الرجل ،ويعلم كثرة رواايته ،مث ينسبه إىل تعمد اخلطأ يف
هلذا احلديث عن ابن بطة :عبد الواحد األسدي ،فلم جيعل احلمل على األسدي املعتزيل الراوي عن
ابن بطة ،دون ابن بطة املتدين الصاحل .هذا التعصب القبيح الذي ال خيفى على الصبيان.
ومال اخلطيب على أيب علي بن املذهب ألجل روايته ((املسند)) ،فقال :أحلق امسه يف أجز ٍاء ،وكان
أصل عتي ٌق ،وإمنا كانت النسخة خبطه كتبها
يروي عن ابن مالك ((كتاب الزهد)) ،ومل يكن له به ٌ
آبخره.
قلت :وهذا ال يوجب قدحاً ،إمنا أهل الغفلة من احملدثني يقدحون هبذا ،فإهنم لو مسعوا رجالً يقول:
(حدثين فالن عن فالن) قبلوا ،فإذا كتب مساعه خبطه توقفوا! .وهذا الرجل جيوز أن يكون أحلق
ٍ
نسخة أخرى ،أو تيقن مساع ما أحلق فيه مساعه. مساعه يف نسخته من
()47/1
()48/1
()49/1
فصل :وما زال أبو بكر اخلطيب مييل على مذهبنا يف تصانيفه ميالً ظاهراً ينبئ عن ٍ
حقد. ٌ
ومن أعجب ما رأيت له :مسألة صوم يوم الغيم ،فإنه أظهر فيها تعصباً زائداً يف احلد ،وتكلم فيها
بكالم العوام الذين يقصدون التشفي من األعداء ،وقبح قول من يقول هبا ،كأنه ما قاهلا إال أمحد بن
حنبل وحده ،وهو يروي أنه قد قال هبا مجاعةٌ من الصحابة والتابعني ،مث قال(( :أمجع علماء السلف
ٍ
واجب ،وهو إذا كانت السماء متغيمةً)). على أن صوم يوم الشك غري
وهذا ضد ما علمه ورواه! مث نسي أن مجاعةً من الفقهاء األعالم انفردوا مبسائل وما شنعت عليهم،
وأمحد فلم ينفرد .وأخذ هو يشنع ابحملال ،ويقول( :خالف تعرف) ،ويقول( :هذا خالف األحاديث
()50/1
الصحاح) ،وحيتج أبحاديث ليس فيها حجةٌ ،وأحاديث يعلم هو بطالهنا ،وينكر أن حيمل احلديث
على ٍ
شيء فتبني بذلك قلة فقهه ،وما زال الفقهاء حيملون احلديث على صوٍر ،مث حيمل أحاديثنا
وينسى ما قال ،وما علم أنه أييت بعده أح ٌد يظهر عوار كالمه ،ويبني تعصبه البارد ،فرأيت أن أحرر
هذه املسألة ،وأذكر دليل املذهب فيها ،وأبني فساد كالمه ،وهللا املوفق.
ٍ
رواايت عن غيم أو قرتٌ يف ليلة الثالثني من شعبان ففيه ثالث
مسألة :إذا حال دون مطلع اهلالل ٌ
أمحد:
إحداهن :جيب صوم ذلك اليوم من رمضان :أنبأان حممد بن عبد امللك بن خريون ،قال :أنبأان أمحد
بن علي بن اثبت ،قال :أخربان أبو احلسن علي بن أمحد بن احلسن بن عبد السالم املقرئ ،قال:
حدثنا أمحد بن جعفر بن محدان القطيعي ،قال :أخربان حممد بن أمحد البوراين القاضي ،قال :حدثنا
أبو بكر األثرم ،قال :مسعت أمحد بن حنبل يقول :إذا كان يف السماء سحابةٌ أو علةٌ أصبح صائماً،
فإن مل يكن يف السماء علةٌ أصبح مفطراً .مث قال :كان ابن عمر إذا رأى يف السماء سحاابً أصبح
صائماً .قلت أليب عبد هللا :فيعتد به؟ .قال :كان ابن عمر يعتد به ،فإذا أصبح عازماً على الصوم
اعتد به ،وجيزئه .قلت :فإن أصبح متلوماً :يقول :إن قالوا هو من رمضان صمت ،وإن قالوا ليس من
رمضان أفطرت؟ قال :هذا ال يعجبين ،يتم صومه ويقضيه ألنه مل يعزم.
()51/1
وهذه الرواية قد نقلها عن أمحد :ابناه صاحل وعبد هللا ،وأبو داود ،وأبو بكر األثرم ،واملروذي،
والفضل بن زايد.
اختيار عامة مشاخينا ،منهم :أبو بكر اخلالل ،وصاحبه عبد العزيز ،وأبو بكر النجاد ،وأبو علي
ٌ وهي
النجاد ،وأبو القاسم اخلرقي ،وأبو إسحاق بن شاقال ،وأبو احلسن التميمي ،وأبو عبد هللا بن حامد،
والقاضيان أبو علي بن أيب موسى ،وأبو يعلى بن الفراء.
مروي من الصحابة :عن عمر بن اخلطاب ،وعلي بن أيب طالب ،وعبد هللا بن عمر ،وأنس بن
وهذا ٌّ
مالك ،وأيب هريرة ،ومعاوية ،وعمرو بن العاصي ،واحلكم بن أيوب الغفاري ،وعائشة وأمساء ابنيت أيب
بكر الصديق [رضي هللا تعاىل عنهم].
وقال به من كرباء التابعني :سامل بن عبد هللا بن عمر ،وجماهد بن جرب ،وطاووس ،وأبو عثمان
النهدي ،ومطرف بن عبد هللا بن الشخري ،وميمون بن مهران ،وبكر بن عبد هللا املزين يف آخرين.
فأما الرواية عن عمر بن اخلطاب:
فروى أبو حفص بن رجاء العكربي ،قال :حدثنا أبو أيوب احملور،
()52/1
قال :ان أبو الوليد القرشي ،قال :ثنا الوليد بن مسلم ،قال :أخربين ابن ثوابن عن أبيه.
عن مكحول أن عمر بن اخلطاب كان يصوم إذا كانت السماء يف تلك الليلة متغيمةً ،ويقول :ليس
هذا ابلتقدم ،ولكنه التحري.
وأما الرواية عن ابن عمر:
فاحلديث الصحيح الذي سنذكره أنه كان إذا رأى يف السماء علةً أصبح صائماً.
وأما الرواية عن علي بن أيب طالب:
فأنبأان أبو منصور بن خريون ،قال :أنبأان أبو بكر أمحد بن علي ،قال :أخربان القاضي أبو بكر أمحد
بن احلسن احلرشي ،قال :ثنا أبو العباس حممد بن يعقوب األصم ،قال :أخربان الربيع بن سليمان
املرادي ،قال :أخربان الشافعي ،قال :أخربان عبد العزيز بن حممد الدراوردي عن حممد بن عبد هللا بن
عمرو بن عثمان عن أمه :فاطمة بنت حسني.
أن علي بن أيب طالب قال :أصوم يوماً من شعبان أحب إيل من أن أفطر يوماً من رمضان.
وأما الرواية عن أنس:
()53/1
فأنبأان ابن خريون ،قال أنبأان أمحد بن علي ،قال :أخربان أبو طالب بن غيالن ،قال :حدثنا حممد بن
عبد هللا الشافعي ،قال :حدثنا عبد هللا بن أمحد ،قال :حدثين أيب ،قال :ثنا إمساعيل بن إبراهيم قال:
انس من الناس ،فأتينا
ثنا حيىي بن أيب إسحاق ،قال :رأيت اهلالل إما الظهر وإما قريباً منها ،فأفطر ٌ
أنس بن مالك ،فأخربانه برؤية اهلالل ،وإبفطار من أفطر ،فقال :هذا اليوم يكمل يل أح ٌد وثالثون
صائم غداً ،فكرهت اخلالف عليه
يوماً ،وذاك أن احلكم بن أيوب أرسل إيل قبل صيام الناس إين ٌ
متم يومي هذا إىل الليل.
فصمت ،وأان ٌ
وأما معاوية:
فروى أمحد :قثنا املغرية ،قال :حدثنا سعيد بن عبد العزيز ،قال :حدثين مكحول وابن حلبس.
أن معاوية بن أيب سفيان كان يقول :ألن أصوم يوماً من شعبان أحب إيل من أن أفطر يوماً من
رمضان.
()54/1
()55/1
()56/1
()57/1
البارد ،وكيف حتث أمساء على صيامه تطوعاً ،وقد هني عن استقبال رمضان؟! والعجب ملن هذا أتويله
كيف ينكر علينا أتويالً أصلح من هذا؟!.
والرواية الثانية :عن أمحد يف هذه املسألة :أن املرجع يف الصوم والفطر إىل رأي اإلمام :فإن صام وأمر
الناس ابلصوم وجب ،وإن منع منه مل جيز صيامه:
أنبأان حممد بن عبد الباقي البزاز عن أيب إسحاق إبراهيم بن عمر الربمكي ،قال :ثنا أبو احلسن حممد
بن العباس بن الفرات ،قال :أخربان محزة بن القاسم اهلامشي ،قال :حدثنا حنبل بن إسحاق ،قال:
مسعت أاب عبد هللا يقول :ال أرى صيام يوم الشك إال مع اإلمام ومع الناس.
وهبذه الرواية قال احلسن وابن سريين.
والرواية الثالثة :ال جيوز صيامه من رمضان وال نفالً ،بل جيوز صيامه نذراً أو كفارةً ،ونفالً يوافق عادةً.
وهو قول الشافعي ،وقال أبو حنيفة ومالك :ال جيوز صيامه من رمضان ،وجيوز صيامه ما سوى
ذلك.
()58/1
لنا يف الدليل على الرواية األوىل ثالثة مسالك :النقل ،وأقوال الصحابة ،واملعىن.
أما النقل:
فأخربان هبة هللا بن حممد بن احلصني ،قال :أخربان أبو علي احلسن بن علي التميمي ،قال :أخربان
أمحد بن جعفر ،قثنا عبد هللا بن أمحد بن حنبل ،قال :حدثين أيب ،قال :حدثنا إمساعيل ،قثنا أيوب
عن انفع.
عن ابن عمر قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم(( :-إمنا الشهر تس ٌع وعشرون ،فال تصوموا
حىت تروه ،وال تفطروا حىت تروه ،فإن غم عليكم فاقدروا له)).
تسع وعشرون يبعث من ينظر فإن رؤي فذاك ،وإن مل
قال انفع :فكان عبد هللا إذا مضى من شعبان ٌ
قرت أصبح
سحاب أو ٌ
ٌ قرت أصبح مفطراً ،وإن حال دون منظره
سحاب وال ٌ
ٌ ير ومل حيل دون منظره
صائماً.
()59/1
أخرجه البخاري ومسلم يف الصحيحني ،ومل يذكرا فعل ابن عمر .وذكره اجلوزقي يف كتابه املخرج على
الصحيحني.
أخربان عبد األول ،قال :أخربان الداوودي ،قال :أخربان ابن أعني ،قال :ثنا الفربري ،قثنا البخاري،
قثنا عبد هللا بن مسلمة،
وأخربان حممد بن عبيد هللا الزاغوين ،قال :أخربان نصر بن احلسن الشاشي ،قال :أخربان عبد الغافر بن
حممد ،قثنا حممد بن عيسى بن عمرويه ،قثنا إبراهيم بن حممد بن سفيان ،قثنا مسلم بن احلجاج ،قثنا
حيىي بن حيىي ،كالمها عن مالك عن انفع.
عن ابن عمر أن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -ذكر رمضان ،فقال(( :ال تصوموا حىت تروه ،وال
تفطروا حىت تروه ،فإن غم عليكم فاقدروا له)).
أخرجاه أيضاً.
وقد رواه عن انفع مجاعةً ،منهم :عبيد هللا بن عمر بن حفص بن عاصم ،وأخوه عبد هللا ،وسلمة بن
علقمة ،وفليح بن سليمان ،وعمر بن حممد بن زيد العمري ،وأسامة بن زيد الليثي ،وعبد العزيز بن
أيب رواد ،واحلكم بن عبد هللا األيلي.
وقد رواه سامل عن أبيه ،وعبد هللا بن دينار عن ابن عمر.
ووجه احلجة من هذا احلديث من جهتني:
()60/1
إحدامها :منفصلة عن احلديث ،وهي فعل ابن عمر ،وأصحاب رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-
أعلم مبراده ،فينبغي الرجوع إىل ما فهمه ابن عمر من هذا كما رجعنا إليه يف خيار اجمللس ،فإنه كان
إذا أراد بت البيع فارق صاحبه.
واجلهة الثانية :تتعلق بنفس احلديث ،وفيها دليالن:
تسع وعشرون)) ،فبني أن األصل يف الشهور ذلك .فإذا زال األصل
أحدمها :قوله(( :إمنا الشهر ٌ
ثبت األصل من الشهر اآلخر.
أمر جهل معناه اخلطيب ،فقال(( :ما أعظم غفلة احملتج هبذا؟! ومن ينازع أن الشهر يكون
وهذا ٌ
تسعاً وعشرين؟!)).
تسع وعشرون)) ،ولفظة( :إمنا) تثبت
قلنا :أنت أحق ابلغفلة ،ألنك مل تفهم معىن قوله(( :إمنا الشهر ٌ
املشار إليه ،وتنفي ما عداه ،فلما كانت الزايدة قد تقع كان املراد أن األصل يف الشهور هذا ،وما
عداه مرتدد.
ويدل عليه:
ما أخربان به أبو بكر حممد بن عبد الباقي البزاز ،قال :أنبأ أبو حممد احلسن بن علي اجلوهري ،قال:
أنبأ أبو حفص عمر بن حممد بن علي الصرييف املعروف بـ (ابن الزايت) :قثنا قاسم بن زكراي املطرزي:
قثنا أبو كريب ،قثنا أبو بكر بن عياش ،قال :أخربان األعمش ،قثنا أبو صاحل.
()61/1
عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم(( :-كم مضى من الشهر؟)) .قالوا :اي
سبع .اطلبوها
رسول هللا مضى ثنتان وعشرون ،وبقي مثان .فقال(( :مضى ثنتان وعشرون ،وبقي ٌ
الليلة)) .يعين :ليلة القدر.
قال املطرزي :وثنا حممد بن الصباح اجلرجرائي ،قثنا جرير عن األعمش عن أيب صاحل عن أيب هريرة
قال :ذكران ليلة القدر عند رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -فقال(( :كم مضى من الشهر؟))
قلنا :قد مضى اثنتان وعشرون ،وبقي مثان .فقال(( :ال ،بل سبع .الشهر تسع وعشرون)) .مث قال:
عده حىت عد تسعاً وعشرين .مث قال(( :التمسوها الليلة)).
قال املطرزي :وثنا أبو كريب وفياض بن زهري ،قاال :ثنا أبو معاوية ،قثنا األعمش [عن أيب صاحل عن
أيب هريرة] قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم(( :كم مضى من الشهر؟)) قلنا مضى اثنتان
وعشرون ،وبقيت مثان .فقال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم(( :ال ،بل مضت اثنتان وعشرون،
وبقيت سبع))[ ،اطلبوها الليلة])).
والثاين :قوله(( :فاقدروا له)) ،ويف معناه قوالن:
()62/1
أحدمها :أن املعىن :قدروا للهالل زماانً ميكن أن يطلع فيه ،وذلك ليلة الثالثني .فأما الليلة اليت بعدها
فذاك ال حيتاج إىل تقدير ،وهذا من قوله تعاىل{ :ومن قدر عليه رزقه} أي :ضيق.
والثاين :أن معىن ((اقدروا)) :احكموا بطلوعه من جهة الظاهر ،من قوله تعاىل{ :قدرانها من
الغابرين} أي :حكمنا بذلك.
اعرتضوا على هذا احلديث أبربعة أسئلة:
أحدها :أنكم فهمتم من احلديث ما مل يرد به ،ألنكم محلتم قوله(( :فاقدروا)) على تضييق العدد،
وليس املراد به ذلك ،بل املراد به إكمال عدة شعبان .وبيان هذا من ثالثة ٍ
أوجه:
أحدها :أن يف بعض ألفاظ الصحيحني(( :فإن غم عليكم فاقدروا ثالثني)) .ويف ٍ
لفظ(( :فأكملوا
العدة ثالثني)) ،ويف رواية(( :فاقدروا له ثالثني)).
قال اخلطيب(( :وهذا قد فسر اجململ ،وأوضح املشكل ،وأبطل شبهة املخالف ،وكشف عوار أتويله
جممل ،وقوله(( :فأكملوا العدة ثالثني)) و ((اقدروا له ثالثني))
الفاسد ،ألن قوله(( :فاقدروا له)) ٌ
يفسره)).
والثاين :أن ابن عمر كان مينع من صوم هذا اليوم:
فأنبأان حممد بن عبد الباقي البزاز ،قال :أنبأان إبراهيم بن عمر الربمكي ،قال :حدثنا حممد بن العباس
بن الفرات ،قال :حدثنا محزة بن القاسم ،قال :ثنا حنبل بن إسحاق ،قال :حدثين أمحد بن حنبل،
قثنا وكيع
()63/1
()64/1
ما زاد فيحتمل أن يكون منه ومن غريه .ولو سلمنا قلنا :هذا اليوم الزائد ليس من هذا الشهر ،وال
إجياب
حمتمل لألمرين .وما هذا سبيله ال جيب صومه ،ألنه ٌ
ٌ من الذي بعده بطريق األصالة ،بل هو
للعبادة ابلشك.
وقولكم( :معىن ((اقدروا)) :ضيقوا العدد) .حيتمل هذا ،وحيتمل أن يكون املعىن ضيقوا للهالل أبن ال
حتكموا به إال يف الليلة اليت ال يتأخر عنها ،يدل على هذا قوله(( :فاقدروا له ثالثني)) ،وقوله:
((فأكملوا عدة شعبان ثالثني)).
وأما قولكم( :إن املعىن :احكموا له ابلوجود) فال يستقيم ،ألنه ضد املعروف يف اللغة ،ومعىن
(قدرانها) :علمناها.
السؤال الثاين:
على أصل احلديث :أنه مشرتك الداللة ،ألن قوله(( :صوموا لرؤيته)) يدل على أنه ال جيب الصوم إال
برؤية اهلالل يف الليلة اليت ميكن أن يطلع فيها ،وميكن أن ال يطلع .فتعارضت الداللتان.
السؤال الثالث:
أن هذا خرب ٍ
واحد خيالف قياس األصول فال يقبل.
بيانه :أن سائر األحكام املتعلقة ابلشهور ال تثبت يف يوم الثالثني على هذا الوصف يف شعبان وال يف
غريه.
السؤال الرابع:
معارض ابألخبار اليت نذكرها يف حجتنا.
ٌ أن هذا احلديث
قلنا :أما قوله(( :فاقدروا له ثالثني)) فجوابه من وجهني:
()65/1
أحدمها :أن أكثر أصحاب ابن عمر مل يرووا هذه الزايدة ،وإمنا رواها واح ٌد منهم على ظنه أن املعىن
ذلك.
والثاين :أهنا حممولةٌ على رمضان ،بدليل قوله يف أحاديث ستأيت(( :فإن غم عليكم فصوموا ثالثني ،مث
أفطروا)).
وعليه حيمل قوله(( :فأكملوا العدة ثالثني)).
ٍ
ابجتهاد منه .ألن قوله(( :فاقدروا وأما فعل ابن عمر فقد ذكران وجه احلجة فيه ،وال يقال :كان ذلك
له)) دل على وجوب الصوم على ما قلنا ،فقد عمل ابن عمر مبا روى ال مبا رأى.
ولو دل على الفطر كان قد عمل خبالف ما روى ،واألصل أن الصحايب ال خيالف ما يروي ال سيما
مع تكرر ذلك منه ،ألن الراوي قال :كان ابن عمر يفعل كذا .وهذا يدل على تكرر الفعل منه.
وما رويتم عنه أنه قال :لو صمت السنة كلها ألفطرت اليوم الذي يشك فيه .جوابه من أربعة ٍ
أوجه:
أحدها :أن راويه :عبد العزيز بن حكيم ،قال أبو حامت الرازي :ليس ابلقوي.
والثاين :أن يوم الغيم ليس بشك على ما سيأيت بيانه.
والثالث :أن يريد به الشك يف الصحو.
والرابع :أن يكون املراد [منه] :مل أصمه تطوعاً.
()66/1
()67/1
والثاين :أنه لو أراد ما قلتم لقال :فإن غم عليكم فأفطروا .وقد قال الزجاج يف قوله تعاىل{ :قدرانها}
فثابت
دبرانها .والتدبري يف مسألتنا ال يتحقق إال أبن حيكم ابهلالل ليلة الغيم ،فأما وجوده فيما بعدها ٌ
من غري تدب ٍري.
ختمني وحسبان ،وهذا ال يكون إال يف احملتمل.
يدل عليه :أن تقدير الشيء بكذا ٌ
وقوهلم(( :هو مشرتك الداللة)) ال نسلم ،بل التقدير واالحتياط فيما قلنا.
خمالف لقياس األصول)) قلنا :األصول هي األخبار الصحاح.
قوهلم(( :هو ٌ
وأما إجياب العبادة ابلشك ،وبقية األحكام واملعارضة فسيأيت جوابه إن شاء هللا تعاىل.
وأما أقوال الصحابة فقد تقدمت.
وأما املعىن فلنا فيه أربعة مسالك:
املسلك األول:
أن نقول :الفطر يف هذا اليوم مرتد ٌد بني احلظر واإلابحة فوجب فيه الصوم ،كما لو غم اهلالل يف
آخر رمضان.
()68/1
والدليل على تردد الفطر :أن هذا اليوم جيوز أن يكون من رمضان فيكون الفطر فيه حمظوراً ،وجيوز
أن يكون من شعبان فيكون الفطر فيه مباحاً ،وال سبيل إىل إنكار جتويز األمرين.
وإذا تردد األمر بني احلظر واإلابحة ترجح جانب احلظر بدليل احلكم واملعىن.
أما احلكم فست مسائل:
إحداها :إذا غم اهلالل يف آخر الشهر فإنه جيب الصوم ملا ذكران ،وهذا أوىل ،ألن اليوم األخري جيوز
أن يكون من شوال فيحرم فيه الصوم ،وجيوز أن يكون من رمضان فيجب فيه الصوم.
فإذا كنا نرجح الصوم مع تردده بني الوجوب واحلظر ،فألن نرجح الصوم هاهنا مع تردده بني
الوجوب واإلابحة أوىل.
الثانية :إذا اشتبهت امليتة ابملذكاة غلبنا جانب احلظر فحرمتا.
الثالثة :إذا اشتبهت أخته ٍ
بنساء أجانب حرمن لذلك أيضاً.
الرابعة :إذا اشتبه املاء ابلبول حرم استعماهلما.
اخلامسة :أنه جيب إمساك ٍ
جزء من الليل يف أول الصوم ويف آخره يف حق من ال يتيقن الفصل بني
الزمانني ليسلم الواجب.
السادسة :إذا طلق إحدى نسائه ونسي عينها حرم اجلميع.
وأما املعىن:
فهو أن فعل الشيء الذي يرتدد بني احلظر واإلابحة على تقدير أن يكون حراماً يلزم منه مفسدةٌ،
وعلى تقدير أن يكون مباحاً ال يلزم منه مفسدةٌ.
()69/1
وما هذا سبيله يطرح لئال يلزم منه املفسدة .وهذا ظاهر ،فإن العاقل إذا أراد سلوك طر ٍيق يستوي فيه
احتمال السالمة واهلالك وجب عليه الكف عن سلوكها.
اعرتضوا على هذا بستة أسئلة:
أحدها :ال نسلم أن الفطر مرتد ٌد بني احلظر واإلابحة .قولكم( :جيوز أن يكون هذا اليوم من رمضان،
مسلم ،ولكن احلظر ال ينبين على هذا ،إمنا احلظر ما أوجب اإلمث ،واإلمث
وأن يكون من شعبان) ٌ
حمظور ،واملفطر يف هذا اليوم ال يعلم أنه من رمضان فال
ٌ يكون مع ارتكاب احملظور مع العلم أبنه
يلحقه إمثٌ ،كما لو شرب مخراً ظنه شراابً مباحاً.
الثاين :سلمنا أنه مرتد ٌد بينهما ،ولكن :تردد على السواء ،أو جانب اإلابحة أرجح؟ إن قلتم( :على
فمسلم .ولكن مل قلتم بوجوب الصوم يف هذه
ٌ ع ،وإن قلتم( :جانب اإلابحة أرجح)
السواء) فممنو ٌ
احلالة؟.
وبيانه :أن كون هذا اليوم من شعبان أرجح بدليل احلكم املعىن:
أما احلكم:
فإان أمجعنا أنه لو شد برؤية اهلالل فاسق أو جمهول احلال مل تقبل شهادته ،وكذلك لو تقاعد اجلماعة
عن ترائي اهلالل مل جيب الصوم ،وال يتعلق بذلك اليوم حلول دي ٍن وال الطالق املعلق برمضان.
وأما املعىن:
فهو أن األصل يف الشهور :التمام ،والنقصان على خالف األصل .فإذا ترجح احتمال اإلابحة كان
العمل به أوىل.
الثالث :سلمنا أن االحتمالني متساواين ،ولكن :من كل ٍ
وجه ،أو من الوجه الذي ذكرمت؟ األول:
مسلم.
ع ،والثاينٌ :
ممنو ٌ
()70/1
بيانه :أنه حيتمل األمرين ،إال أن احتمال الفطر أرجح من حيث إن األصل إابحة الفطر ،والتحرمي
طارئ عليه .واألصل بقاء ما كان على ما كان.
الرابع :سلمنا استواء االحتمالني من كل ٍ
وجه ،ولكن :هل قامت على احتمال حظر الفطر أمارةٌ؟ إن
ع ،ألنه ال أمارة على وجود اهلالل حتت الغيم .وإن قلتم :مل تقم .فكيف يعمل
قلتم :قامت فممنو ٌ
مبجرد االحتمال من غري أمارةٍ؟!.
اخلامس :سلمنا أنه يعمل هبذا االحتمال ،ولكن :مل قلتم :إنه جيب الصوم؟ بل ينبغي أن جيب
اإلمساك ،ألن به حيرتز من الفطر املرتدد بني احلظر واإلابحة.
وقولكم(( :يف الفطر مفسدةٌ)) .الكالم عليه من مخسة أوجه:
أحدها :أن احتمال وقوع املفسدة ابلفطر يعارضه مفسدة اعتقاد حترمي املباح.
بيانه :أنه جيوز أن يكون اليوم من شعبان فيكون الفطر مباحاً ،وكما حتذر مفسدة الفطر يف رمضان
حتاذر مفسدة اعتقاد حترمي املباح ،فيقع التعارض.
والثاين :أن نقول :هل تعني الصوم طريقاً يف التحرز من هذه املفسدة ،أم هو طري ٌق وغريه طريق؟
مسلم.
األول :ممنوع ،والثاينٌ :
بيانه :أن احملذور يف هذا اليوم الفطر ،والفطر ابألكل والشرب واجلماع ،وهذا حيصل التحرز منه برتكه
كما يتحرز عنه ابلصوم ،فلم قلتم :جيب الصوم؟.
()71/1
والثالث :سلمنا أن الصوم تعني طريقاً يف التحرز ،ولكن مطلق الصوم أو صوم رمضان؟ األول:
مسلم ،والثاين :ممنوعٌ.
ٌ
بيانه :أن الصوم ضد الفطر ،سواء كان من رمضان أو من غريه ،واالحرتاز من الفطر حيصل مبطلق
ٍ
خمصوص. الصوم ال ٍ
بصوم
والرابع :سلمنا أن صوم رمضان يتعني طريقاً يف التحرز منه ،ولكن أمكن إجيابه أم مل ميكن؟ األول:
مسلم.
ممنوع ،والثاينٌ :
وبيان عدم اإلمكان من ثالثة ٍ
أوجه:
أحدها :أان مىت أوجبنا الصوم يف هذا اليوم كان منهياً عنه ،ألنه صوم يوم شك ،وقد هني عن ذلك.
واحملظور ال حيرتز عنه بفعل حمظوٍر مثله بل أرجح منه! ألن حظر الفطر بناءٌ على احتمال ،والنهي عن
دليل ٍ
حمكم ،فكان ابملنع أوىل. صوم يوم الشك مستن ٌد إىل ٍ
والوجه الثاين :أن إجياب صومه من رمضان ال خيلو إما أن يكون ٍ
بنية لرمضان -وهذا ال جيوز ألنه ال
يتيقن أنه من رمضان ،والنية ينبغي أن تكون على وفق املنوي -أو يقول :إن كان غداً من رمضان،
صحيح.
ٍ فأان صائم .وهذا ال جيوز ألن تعليق النية ٍ
بشرط غري ٌ
والثالث :أن إجياب صومه من رمضان يفضي إىل إجياب صوم أحد وثالثني يوماً ،وهو إذا غم هالل
خمالف لإلمجاع.
رمضان وهالل شوال ،وهذا ٌ
والوجه اخلامس:
منقوض مبسائل ،منها:
ٌ أن ما ذكرمتوه من املناسبة
()72/1
إذا شك يف الطهارة بعد يقينها ،فإنه جيوز أن يصلي مع احتمال أن يكون حمداثً ،والصالة مع احلدث
حمظورةٌ .وهكذا الثوب .وكذلك إذا اشتبهت عليه القبلة استدل ابلنجوم مع جواز اخلطأ يف جهة
الكعبة ،والصالة إىل غري [جهة] الكعبة حمظورة.
وإذا انتقضت املناسبة مل جيز العمل هبا.
وأما إذا غم هالل شوال فإمنا وجب صومه ألنه خوطب بصيام شهر رمضان ،والشهر قد يكون
شك :هل وجد رمضان أم ال؟ وكذلك بقية ثالثني ،واألصل بقاء وجوب الصوم ،خبالف مسألتنا فإنه ٌ
متيقن للتحرميٌّ ،
شاك يف التحليل ،فبقي على اليقني ،واليقني يف مسألتنا :جواز الفطر، املسائل ،فإنه ٌ
فال نرتكه ابلشك.
السؤال السادس :على أصل الدليل:
أن ما ذكرمتوه ينتقض مبا إذا شهد برؤية اهلالل فاس ٌق أو جمهول احلال فإنه ال جيب الصوم ،وكذلك
إذا اشتغل الناس عن الرتائي مع احتمال الفطر للحظر واإلابحة.
قلنا :أما املنع أبن الفطر مرتد ٌد بني احلظر واإلابحة ،فال سبيل إليه.
وقولكم :حترمي الفطر يقف على العلم بكون اليوم من رمضان.
قلنا :ال نسلم بل يقف على العلم ابحتمال كونه من رمضان بداللة اليوم األخري.
وكذلك إذا اشتبهت ابملذكاة امليتة ،ومجيع املسائل املشتبهة.
()73/1
()74/1
الوجه الثاين:
سلمنا أنه ال يرجح كونه من رمضان ،ولكن االحتماالن على السواء ،إذ ال دليل يدل على كونه من
أحدمها ،وسيأيت جواب األحكام.
الوجه الثالث:
سلمنا أن احتمال كونه من شعبان أرجح ،ولكن :مل ال جيب التحرز من الفطر؟ وبيانه :من وجهني:
أحدمها :أن احتمال املفسدة -وإن بعد -ال يؤمن معه وقوعها ،فإذا مل يلزم من التحرز مفسدة تعني
االحرتاز.
وأما إذا شهد برؤيته فاس ٌق فإمنا مل جيب الصوم ألن احتمال وجود اهلالل يف غاية البعد ،إذ لو كان
موجوداً ألخرب به غريه لتوفر الدواعي على الرتائي .وكذلك اجملهول احلال.
وأما إذا تشاغلوا عن الرؤية ،فيبعد أن يقع التشاغل من الكل من الشيوخ والنساء الذين هم ٍ
مبعزل
عن الشواغل.
الوجه الثاين:
أصل، أن أكثر ما يف هذا أن األصل بقاء شعبان ،ولكن جيوز أن خيالف األصل ٍ
ألصل آخر .وهاهنا ٌ
وهو :االحتياط للعبادة ،كما قلنا فيمن أصابه جناسةٌ وخفي عليه موضعها ،فإنه يغسل اجلميع ،وإن
ني ،فينبغي أن ال حيصل فراغها إال بيق ٍ
ني)) كان األصل الطهارة .وال يقال(( :إن الذمة اشتغلت بيق ٍ
فإنه إذا اشتبهت عليه القبلة وحترى وصلى كفاه ،وإن كان غري متيق ٍن أهنا القبلة ،وقد فرغت الذمة
ني مبا ليس بيق ٍ
ني. املشغولة بيق ٍ
وكذلك إذا اشتبهت عليه الثياب النجسة ابلطاهرة فإنه يتحرى عندهم
()75/1
ويصلي .وقد خرج من هذا جواب السؤال الثالث ،وهو أن األصل إابحة الفطر.
قوهلم(( :هذا عمل ابالحتمال من غري أمارةٍ)) ،قلنا :حنن ال نعمل ابالحتمال ،وإمنا نعمل ابالحتياط
يف احملتمل حترزاً من وقوع املفسدة .هذا إذا نزلنا عن أن األصل يف الشهر تسعةٌ وعشرون ،فإن
ارتكبناه فاألمارة على حترمي الفطر موجودةٌ على ما سبق تقريره.
وأما املطالبة :فقد سبق جواهبا.
وقوهلم(( :مفسدة الفطر معارضةٌ مبفسدة اعتقاد حترمي املباح)) .قلنا :ال مفسدة يف اعتقاد حترمي ما
جيوز أن يكون حراماً وأن يكون مباحاً ،مع تغليبنا للحرمة كما نعتقد حترمي العقد على األجنبيات
املختلطات ابألخت .وإمنا حياذر اعتقاد حترمي املباح يف غري حالة االشتباه.
قوهلم(( :مل يتعني الصوم للتحرز من مفسدة الفطر)) .قلنا :ال نسلم.
بيانه :أن كل موض ٍع حرم فيه الفطر وأمكن الصوم وجب الصوم ،بدليل اليوم األخري.
يوم منه عن صومه ،ومىت أمسك من غري ٍ
نية وقع وإمنا قلنا ذلك ألن احملذور يف رمضان إخالء ٍ
احملذور ،ألنه جيب عليه القضاء ،ويكون يف حكم املفطر حىت لو جامع أو أكل مل يلزمه كفارةٌ.
رواية :ال يلزم اإلمساك .ويف ٍ
رواية :يلزمهم وأما إذا بلغ الصيب وأسلم الكافر يف أثناء اليوم ففي ٍ
ممكن.
اإلمساك ،وال يسمى صوماً ،ألن بعض النهار ليس مبحل للصوم ،ويف مسألتنا الصوم ٌ
()76/1
()77/1
()78/1
()79/1
أما النص:
فأخربان حممد بن عبد الباقي البزاز ،قال :أخربان أبو حممد اجلوهري ،قال :أخربان علي بن حممد بن
كيسان ،قال :أخربان أبو يوسف القاضي ،قثنا حممد بن أيب بكر ،قثنا عبد الرمحن بن مهدي عن
سفيان عن حبيب بن أيب اثبت ،قال :حدثين أبو املطوس عن أبيه.
عن أيب هريرة عن النيب -صلى هللا عليه وسلم -قال(( :من أفطر يوماً من رمضان من غري ٍ
مرض وال
ٍ
رخصة مل يقض عنه صيام الدهر كله وإن صامه)).
()80/1
ومعلوم أنه مل يرد القضاء الذي تربأ به الذمة ،وإمنا أراد القضاء الذي حيرز به فضيلة صوم رمضان.
ٌ
وقد أخربان حيىي بن علي املدير ،قثنا أبو احلسني أمحد بن السمناين قال :أنبأ أبو طاهر حممد بن علي
بن مهدي ،قثنا عثمان بن حممد السمرقندي ،قثنا أبو أمية حممد بن إبراهيم الطرسوسي ،قثنا أبو نعيم
عن أيب هاشم ابن بنت أنس عن عبد الوارث.
عن أنس قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم(( :-من أفطر يوماً من رمضان من غري عذ ٍر
فعليه صوم شه ٍر)).
مجاعة من السلف يف املبالغة لقضاء ٍ
يوم من رمضان: ٍ وقد روي عن
()81/1
فروي عن علي -عليه السالم -أنه قال :من أفطر يوماً من رمضان متعمداً فعليه صوم أربعة آالف
ٍ
يوم.
وعن النخعي :صوم شه ٍر .وروى أبو بكر اآلجري يف ((كتاب النصيحة)) أن مذهب إبراهيم النخعي
أن من شرب اخلمر يف رمضان كان عليه صوم ثالثة آالف ٍ
يوم.
قال :وقال سعيد بن املسيب :عليه صوم شه ٍر متتاب ٍع .قال :وقال الربيع بن أيب عبد الرمحن :عليه
صيام اثين عشر يوماً ،ألن هللا تعاىل أوجب صيام شه ٍر من اثين عشر شهراً[ .فيكون صيام كل يوم
ابثين عشر يوماً].
()82/1
وأما احلكم:
ملعىن يف
فإنه تلزم الكفارة إبفساد الصوم يف رمضان ،وال تلزم يف القضاء عنه ،ومل يكن ذلك إال ً
رمضان.
وكذلك املضي يف فاسده ،حىت أن من أفطر من غري عذ ٍر مل جيز له أن أيكل مرةً أخرى .وكذلك من مل
ينو الصوم.
وكذلك إذا قدم املسافر يف أثناء النهار أمسك وإن مل يعتد له بذلك .كل ذلك الحرتام الوقت.
وأما املعقول:
فهو أن الشرع أوجب صوم رمضان على الفور مقدراً بوقت وجوبه ومل يوسعه ،فدل ذلك على
اختصاص املصلحة به .وإذا كان كذلك :وجب مع االشتباه بدليل احلكم واملعىن:
أما احلكم:
وإمساك ٍ
جزء من الليل يف أوله وآخره وإن مل يكن حمالًّ للصوم .وإذا وجب اإلمساك ٌ فاليوم األخري،
مبحل أصالً ليتحقق صوم رمضان ،فألن جيب الصوم يف ٍ
زمان جيوز أن يكون من يف ٍ
زمان ليس ٍ
رمضان أوىل .وكذلك إذا شهد برؤيته واح ٌد يف ليلة الغيم فإنه جيب الصوم عند أيب حنيفة.
وأما املعىن:
فنقول :لو مل نوجبه مل أنمن من فوات املصلحة ،وإذا أوجبناه :فإن وافق زمان رمضان حصل الغرض،
ضرر .وصار هذا كما إذا شك يف تضايق وقت الصالة فإنه جيب عليه فعلها
وإن مل يوافق مل حيصل ٌ
حذر الفوات.
()83/1
وخرج على ما قلنا الصالة ،فإهنا غري مقدرةٍ بوقت وجوهبا ،بل وقتها يتسع ألمثاهلا ،فإذا شككنا يف
دخول وقتها مل جيب فعلها حذراً من وقوعها قبل وقتها ،فإذا أخرانها مل خنف الفوت .ويف مسألتنا:
إذا قدمنا الصوم مل تفت وظيفته ،ومىت أخرانه فاتت.
قالوا :مل قلتم :إن تقدرها بوقت وجوهبا يوجب الصوم مع الشك؟
قولكم(( :مصلحة الصوم خمتصةٌ برمضان)) ،جوابه من وجهني:
أحدمها :ال نسلم ،بل مصلحة الصوم حتصل يف كل زمان ،ألن تلك املصلحة هي االبتالء برتك
مألوف النفس ،وهذا ال خيتلف ابألزمنة إال أن الشرع أوجب هذا على الفور .فإذا أخر فاتت
الفورية ،والفورية صفةٌ زائدةٌ على الوجوب ،فمىت مل يثبت الوجوب مل تثبت مصلحة الفورية.
وإن ابن بعد ذلك أنه كان من رمضان سقطت الفورية للجهل هبا ،وبقي أصل املصلحة .ومن هاهنا
وجبت الكفارة ابإلفساد ،ألنه يفوت الفورية بعد الوجوب مع العلم هبا.
الوجه الثاين :سلمنا أن املصلحة خمتصةٌ بزمان رمضان ،ولكن مل قلتم :إنه جيب االحتياط هبذه الطريق
على هذا الوصف؟.
قولكم(( :قد أوجبنا اإلمساك يف الليل)) ،قلنا :هناك حتققنا وجوب الصوم فاحتطنا للخروج من
عهدته ،وهاهنا مل يتحقق.
قولكم(( :ال أنمن فوات املصلحة)) ،جوابه من وجهني:
أحدمها :أن هذا يشري إىل كونه من شعبان وكونه من رمضان ،وقد سبق يف هذا ما فيه كفايةٌ.
والثاين :أن هذا االحتمال ال يؤمن مثله يف شهادة الفاسق وترك
()84/1
()85/1
هذا آخر اجلزء ،واحلمد هلل رب العاملني ،وصلى هللا على سيدان حممد وآله .يتلوه يف اجلزء الثاين:
((املسلك الثالث :أحد طريف الشهر .)) .. ..
كتبه عبد الرازق بن رزق هللا بن أيب بكر احلنبلي الرسعين -نفعه هللا ابلعلم .-وكان الفراغ منه يوم
األربعاء رابع وعشرين صفر سنة اثنيت عشرة وستمائة ببغداد مبدرسة ابن اجلوزي.
()86/1
()87/1
()88/1
()89/1
الواجب بعد ثبوته واشتغال الذمة به ،فال جيوز اخلروج عن يقني ذلك إال بيق ٍ
ني.
وما يعرض يف أول الشهر يلزم الوجوب ويشغل الذمة ،واألصل الرباءة .هذا اعرتاض من يفهم الفقه.
فأما اخلطيب فقال(( :ما ابملخالف من الغباوة هبذا كله ،فكيف استجاز أن يقول :يوم الشك أحد
قياس خيالف النص)).
طريف الشهر؟!)) ،قال(( :وهذا ٌ
قلنا :قد بينا أن األصل يف الشهر تسعةٌ وعشرون ،فقد زال اليقني يف يوم الثالثني كما زال اليقني يف
آخر الشهر ،فالظاهر كونه من رمضان.
وقولكم :األصل أنه من شعبان .ال نسلم ،وأما اليوم األخري فاألصل أنه من شوال ،إال أن هذا
يوم ٍ
حمرم. األصل عارضه معو ٌق ،وهو :أنه يؤدي إىل صوم ٍ
وهلذا نقول فيمن أكل يظن أن الفجر ما طلع ،أو أن الشمس قد غابت ومل يكن كذلك أنه يقضي،
وإن كان األصل بقاء الليل والنهار ،وإمنا فرقنا بني أول الشهر وآخره من جهة الشهادة احتياطاً
أيضاً.
أمر ينقلب عليه،
وإذ قد ثبت أن األصل يف الشهر تسعةٌ وعشرون ،فقول اخلطيب(( :هذه غباوةٌ)) ٌ
ألنه ما فهم ما ذهبنا إليه.
()90/1
وقوله(( :هذا خالف النص)) لو فهم معىن (النص) علم أنه ال نص يف هذه املسألة.
املسلك الرابع :أن الصوم عبادةٌ مقصودةٌ على البدن فجاز أن جيب فعلها حني االشتباه على سبيل
االحتياط.
دليله :الصالة ،فإنه إذا نسي صالةً من ٍ
يوم ال يعرفها بعينها وجب عليه إبراء ذمته بفعل مخس
ٍ
صلوات.
فإن قيل :الصالة حجةٌ لنا من ٍ
وجه ،وهو أنه :إذا شك هل دخل الوقت مل جيز له أن يصلي ،ولو
صلى مل يسقط فرضه .قلنا :إمنا مل جيز ألن وقت الصالة يتسع ألمثاهلا خبالف الصوم.
قال اخلطيب(( :العبادة ال يلزم فعلها إال بعد وجوهبا ،فأما أن حيتاط ليجب ،فذلك قول من ليس له
صحيح)) .قلنا :لو صح متيزك مليزت ما قلنا! وذاك أننا ما احتطنا ليجب ،إمنا احتطنا للواجب
ٌ متييز
ٌ
ٍ
صلوات ال جتب لتحصل الواجبة. كما احتطنا بفعل
احتجوا أبحاديث ،منها:
ما أخربان به ابن احلصني ،قال :أخربان ابن املذهب ،قال :أنبأ القطيعي ،قثنا عبد هللا بن أمحد ،قال:
حدثين أيب ،قثنا عمرو بن اهليثم ،قثنا هشام عن حيىي عن أيب سلمة.
عن أيب هريرة أن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -قال(( :ال تقدموا بني يدي رمضان بيوم وال
يومني ،إال رجالً كان يصوم صوماً فليصمه)).
()91/1
()92/1
مرتوك ،وقال ابن حبان :كان يقلب األخبار ،ويهم يف اآلاثر حىت يسبق إىل القلب أنه املتعمد هلا.
مث أعاد اخلطيب هذا احلديث من طريق سعد بن سعيد املقربي ،قال :حدثين أخي عبد هللا عن أبيه،
يوم من
عن أيب هريرة أن النيب -صلى هللا عليه وسلم -قال(( :ستة أايم من السنة يكره صيامهنٌ :
شعبان يوصل به رمضان ،ويوم الفطر ،ويوم النحر ،وأايم التشريق)).
وعبد هللا هو أبو عباد ،وسع ٌد أخوه ،قال أبو حامت بن حبان(( :ال حيل االحتجاج ٍ
بسعد)).
فقد كثر اخلطيب العدد ابلفارغ ،وقد كان يكفيه احلديث الصحيح األول! .وأي ٍ
حجة يف هذه
األحاديث ،ألان ما نصوم من شعبان وال قبل رمضان إمنا ننويه منه.
واحتجوا مبا أنبأان به أبو منصور بن خريون ،قال :أنبأان أبو بكر أمحد بن علي ،قال :أخربان القاضي
أبو بكر أمحد بن احلسن احلريي ،قال :حدثنا أبو العباس حممد بن يعقوب األصم ،قال :أخربان الربيع
بن
()93/1
سليمان ،قال :أخربان الشافعي ،قال :أنبأ سفيان عن عمرو بن دينار عن حممد بن حنني.
عن ابن عباس قال :عجبت ممن يتقدم الشهر ،وقد قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم(( :-ال
تصوموا حىت تروه ،وال تفطروا حىت تروه)).
وهذا ال حجة فيه ألننا ما نتقدم الشهر.
ٌ
حممول على الصحو بدليلنا. وقوله(( :ال تصوموا حىت تروه))
واحتجوا بقوله -عليه السالم(( :-فأكملوا العدة ثالثني)) ،ويف ٍ
لفظ(( :فعدوا ثالثني)) .واللفظتان
مرويتان عن ابن عمر:
أخربان ابن احلصني ،قال :أخربان ابن املذهب ،قال :أخربان أمحد بن جعفر ،قال :ثنا عبد هللا بن أمحد،
قال :حدثين أيب ،قثنا روح ،قثنا زكراي بن إسحاق ،قال :مسعت أاب الزبري يقول:
مسعت جابر بن عبد هللا يقول :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم:-
()94/1
((إذا رأيتم اهلالل فصوموا ،وإذا رأيتموه فأفطروا ،فإن أغمي عليكم فعدوا ثالثني يوماً)).
أخربان حممد بن عبيد هللا الزاغوين ،قال :أخربان نصر بن احلسن ،قال :أخربان عبد الغافر بن حممد،
قال :أخربان ابن عمرويه ،قال :أخربان إبراهيم بن سفيان ،قثنا مسلم بن احلجاج ،قثنا الوليد بن مسلم
عن حممد بن زايد.
عن أيب هريرة أن النيب -صلى هللا عليه وسلم -قال(( :صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته ،فإن غمي
عليكم فأكملوا العدة)).
أخرجه مسلم.
أنبأان حممد بن عبد امللك ،قال :أنبأان أمحد بن علي ،قال :أخربان أبو احلسن علي بن جعفر ،قثنا
أمحد بن حممد بن حيىي القصار ،قثنا صاحل بن أمحد بن حممد بن حنبل ،قثنا أيب -رضوان هللا عليه،-
قثنا إمساعيل بن علية عن أيوب السختياين عن انفع ،عن ابن عمر قال :قال
()95/1
رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم(( :-صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته ،فإن غم عليكم فعدوا ثالثني)).
أنبأان حممد ،قال :أنبأان أمحد بن علي ،قال :أخربان أبو نعيم احلافظ ،قثنا عبد هللا بن جعفر بن أمحد،
قثنا يونس بن حبيب ،قثنا أبو داود ،قثنا عمران القطان عن قتادة عن احلسن،
عن أيب بكرة قال :قال النيب -صلى هللا عليه وسلم(( :-صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته ،فإن غم
عليكم فأكملوا العدة ثالثني يوماً)).
اجلواب:
أن هذه األحاديث حممولةٌ على الطرف األخري ،ألنه أقرب املذكورين ،والدليل على أن اإلشارة إىل
الطرف األخري:
ما أخربان به ابن احلصني ،قال :أخربان ابن املذهب ،قال :أخربان أمحد بن جعفر ،قال :ثنا عبد هللا بن
أمحد ،قال :حدثين أيب -رضوان هللا عليه ،-قثنا عبد األعلى عن معمر عن الزهري عن أيب سلمة،
()96/1
عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم(( :-إذا رأيتم اهلالل فصوموا ،وإذا رأيتموه
فأفطروا ،فإن غم عليكم فصوموا ثالثني يوماً)).
أخرجه مسلم يف الصحيح.
أخربان ابن عبد اخلالق ،قال :أخربان عبد الرمحن بن أمحد ،قال :أخربان حممد بن عبد امللك ،قال:
حدثنا علي بن عمر الدارقطين ،قال :ثنا ابن صاعد ،قال :حدثنا حممد بن زنبور املكي ،قثنا إمساعيل
بن جعفر ،قثنا حممد بن عمرو عن أيب سلمة،
عن أيب هريرة أن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -قال(( :صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته ،فإن غم
عليكم فعدوا ثالثني مث أفطروا)).
ورواه أبو بكر بن عياش ،وأسامة بن زيد عن حممد بن عمرو هبذا.
صحاح)).
ٌ قال الدارقطين(( :وهي أسانيد
()97/1
أنبأان حممد بن عبد امللك ،قال :أنبأان أمحد بن علي بن اثبت ،قال :أنبأ احلسن بن أيب بكر ،قال:
أنبأ حممد بن عبد هللا الشافعي ،قثنا علي بن محاد بن السكن ،قثنا الواقدي ،قثنا حممد بن عبد هللا
بن مسلم الزهري عن أبيه عن حنظلة بن علي األسلمي عن رافع بن خديج قال :قال رسول هللا -
صلى هللا عليه وسلم(( :-أحصوا عدة شعبان ،ال تقدموا الشهر ٍ
بيوم ،وإذا رأيتموه فصوموا ،وإذا
رأيتموه فأفطروا ،فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثالثني يوماً مث أفطروا .فإن الشهر هكذا وهكذا
وهكذا)) ثالاثً ،وضم إهبامه يف الثالثة.
أنبأان حممد ،قال :أنبأان أمحد بن علي ،قال :أخربان القاضي أبو عمر اهلامشي ،قثنا حممد بن أمحد
اللؤلؤي ،قثنا أبو داود قثنا احلسن بن علي ،قثنا حسني -يعين :اجلعفي -عن زائدة عن مساك عن
عكرمة،
عن ابن عباس قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم(( :-ال تقدموا الشهر بصيام ٍ
يوم وال
يومني ،إال أن يكون شيئاً يصومه أحدكم .ال تصوموا حىت تروه ،مث صوموا حىت تروه ،فإن حال دونه
تسع وعشرون)).
غمامةٌ ،فأمتوا العدة ثالثني مث أفطروا ،والشهر ٌ
()98/1
أنبأان أبو بكر حممد بن عبد الباقي ،قال :أنبأان علي بن أيب علي املعدل ،قال :أخربان إسحاق بن
سعد النسوي ،قثنا عبد هللا بن زيدان ،قثنا حممد بن عبيد ،قثنا علي بن هاشم عن حريث بن أيب مطر
عن الشعيب عن مسروق.
عن الرباء بن عازب ،قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم(( :-صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته،
فإن أغمي عليكم فأمتوا ثالثني)) ،وقال بيده(( :الشهر هكذا وهكذا وهكذا))- .يعين :ثالثني،-
وخنس يف الثالثة -يعين :تسعاً وعشرين.-
أنبأان حممد بن عبد امللك ،قال :أنبأان أمحد بن علي ،قال :أخربين احلسن بن أيب طالب ،قثنا حممد بن
نصر بن مكرم ،قثنا علي بن الفضل بن طاهر البلخي ،قثنا عبد الصمد بن الفضل أن عصام بن
يوسف حدثهم عن حممد بن عبد هللا بن عبيد بن عمري عن حممد بن املنكدر.
عن أيب هريرة أن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -قال(( :أحصوا عدة شعبان لرؤية رمضان ،فإن
غم عليكم فاقدروا له ثالثني)).
()99/1
وقد رواه األعرج عن أيب هريرة قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم(( :-صوموا لرؤيته،
وأفطروا لرؤيته ،فإن غم عليكم فاقدروا له ثالثني)).
قال اخلصم :ال يصلح محله على الطرف األخري ،ألنه قد جاء مفسراً يف احلديث:
أخربان عبد األول ،قال :أخربان الداودي ،قال :أخربان ابن أعني ،قال :حدثنا الفربري ،قال :حدثنا
البخاري ،قثنا آدم ،قثنا شعبة ،قثنا حممد بن زايد.
قال :مسعت أاب هريرة يقول :قال النيب -صلى هللا عليه وسلم(( :-صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته،
فإن غمي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثالثني)).
انفرد إبخراجه البخاري.
أخربان ابن احلصني ،قال :أخربان ابن املذهب ،قثنا أمحد بن جعفر ،قثنا عبد هللا بن أمحد ،قال:
حدثين أيب ،قثنا إمساعيل ،قال :أخربان حامت بن أيب صغرية عن مساك بن حرب عن عكرمة قال:
مسعت ابن عباس يقول :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم(( :-صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته،
سحاب فكملوا العدة ثالثني ،وال تستقبلوا الشهر استقباالً)).
ٌ فإن حال بينكم وبينه
()100/1
()102/1
أخربان ابن عبد اخلالق ،قال :أخربان عبد الرمحن بن أيب بكر ،قثنا حممد بن عبد امللك ،قثنا
الدارقطين ،قثنا حممد بن موسى بن سهل ،قثنا يوسف بن موسى ،قثنا جرير عن منصور عن ربعي.
عن حذيفة قال :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم(( :-ال تقدموا الشهر حىت تروا اهلالل أو
تكملوا العدة قبله ،مث صوموا حىت تروا اهلالل أو تكملوا العدة)).
ورواه منصور عن ربعي عن بعض أصحاب النيب -صلى هللا عليه وسلم ،-قال(( :ال تصوموا حىت
تروا اهلالل أو تكملوا العدة ثالثني مث تصوموا ،وال تفطروا حىت تروا اهلالل أو تتموه وتكملوا العدة
ثالثني)).
()103/1
أنبأان حممد بن عبد امللك ،قال :أنبأان أمحد بن علي ،قثنا احلسن بن أيب طالب ،قثنا عبيد هللا بن
أمحد بن يعقوب املقرئ ،قثنا حيىي بن حممد بن صاعد ،قثنا حممد بن عمرو بن سليمان ،قثنا عبد
الوهاب الثقفي ،قثنا هشام -وهو :ابن حسان ،-عن حممد بن جابر عن قيس بن طلق.
عن أبيه عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -أن رجالً سأله ،فقال :اي رسول هللا! اليوم يصبح
الناس ،يقول القائل :هو رمضان ،ويقول القائل :ليس هو من رمضان .فقال رسول هللا -صلى هللا
عليه وسلم(( :-إذا رأيتم اهلالل فصوموا ،وإذا رأيتموه فأفطروا ،فإن أغمي عليكم فأمتوا العدد
ثالثني)).
أنبأان حممد بن عبد امللك ،قال :أنبأان أمحد بن علي ،قثنا عبيد هللا بن أيب الفتح ،قثنا ابن شاهني،
قثنا حممد بن هارون احلضرمي،
()104/1
قثنا إمساعيل بن اهليثم ،قثنا أبو قتيبة ،قثنا حازم بن إبراهيم البجلي عن مساك عن عكرمة.
عن ابن عباس قال :متارى الناس يف رؤية هالل رمضان ،فقال بعضهم :اليوم .وقال بعضهم :غداً.
فجاء أعرايب إىل النيب -صلى هللا عليه وسلم -فذكر أنه قد رآه ،فقال النيب -صلى هللا عليه وسلم-
(( :تشهد أن ال إله إال هللا ،وأن حممداً رسول هللا؟)) .قال :نعم .فأمر النيب بالالً فنادى يف الناس:
صوموا .مث قال(( :صوموا لرؤيته ،وأفطروا لرؤيته ،فإن غم عليكم فعدوا ثالثني يوماً مث صوموا ،وال
تصوموا قبله يوماً)).
قال اخلطيب :وهذا أوىل أن يؤخذ به من حديث ابن عمر ملا فيه من البيان الشافعي ،واللفظ
الواضح الذي ال حيتمل التأويل.
أخربان ابن عبد اخلالق ،قال :أخربان عبد الرمحن بن أمحد ،قثنا حممد بن عبد امللك ،قثنا الدارقطين،
قثنا عبد هللا بن حممد بن زايد ،قثنا عبد الرمحن بن بشر بن احلكم ،قثنا عبد الرمحن بن مهدي عن
معاوية بن صاحل عن عبد هللا بن أيب قيس.
عن عائشة قالت :كان رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -يتحفظ من هالل شبعان ما ال يتحفظ من
غريه ،مث يصوم رمضان لرؤيته ،فإن غم عليه عد ثالثني يوماً مث صام.
()105/1
ٌ
معلول: واجلواب عن هذه األحاديث أن أكثرها
أما حديث أيب هريرة الذي أخرجه البخاري فجوابه من وجهني:
أحدمها :أنه مل يقل فيه(( :فأكملوا عدة شعبان ثالثني)) غري البخاري ،وكل من روى عن آدم وعن
شعبة قال(( :وإن غم عليكم فعدوا ثالثني)) ،فيحمل على أن يكون آدم قد رواه للبخاري على
التفسري من عنده للخرب.
اثبت أيب،
أخربان حممد بن انصر ،قال :أخربان اثبت بن بندار ،وأخربان حيىي بن اثبت ،قال :أخربين ٌ
قثنا أبو بكر الربقاين ،قثنا أمحد بن إبراهيم اإلمساعيلي ،قثنا احلسن بن علوية ،قثنا عاصم بن علي،
قثنا شعبة عن حممد بن زايد ،قال:
مسعت أاب هريرة يقول :قال رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم:-
()106/1
((ال تصوموا حىت تروا اهلالل ،وال تفطروا حىت تروا اهلالل ،فإن غم عليكم الشهر فعدوا ثالثني)).
قال اإلمساعيلي(( :قد رواه البخاري عن آدم عن شعبة فقال فيه( :فأكملوا عدة شعبان ثالثني))).
قال(( :وقد روينا عن غندر ،وعبد الرمحن بن مهدي ،وابن علية ،وعيسى بن يونس ،وشبابة ،وعاصم
بن علي ،والنضر بن مشيل ،ويزيد بن هارون ،وابن داود ،وآدم كلهم عن شعبة ،مل يذكر أح ٌد منهم:
(فأكملوا عدة شعبان ثالثني).
قال(( :وهذا جيوز أن يكون من آدم ،رواه على التفسري من عنده للخرب ،وإال فليس النفراد البخاري
عنه هبذا من بني من رواه عنه ومن بني سائر من ذكران ممن يرويه عن شعبة وجهٌ .ورواه املقرئ عن
ورقاء عن شعبة على ما ذكرانه أيضاً)).
()107/1
قلت :فتحمل رواية اجلماعة على أن تكون اإلشارة بقوله(( :فإن غم)) إىل آخر الشهر ،ألنه أقرب
املذكورين.
واجلواب الثاين :أان حنمل ما انفرد به البخاري من ذكر شعبان -إذا مل يكن غلطاً -على ما إذا غم
هالل رمضان وهالل شوال فإان حنتاج إىل إكمال شعبان ثالثني احتياطاً للصوم ،وإن كنا قد صمنا
يوم الثالثني من شعبان فلسنا نقطع أنه من رمضان ،إمنا صمناه حكماً.
وأما حديث ابن عباس األول ،فجوابه من ثالثة ٍ
أوجه:
أحدها :أن راويه :مساك بن حرب عن عكرمة ،وكان شعبةٌ وسفيان يضعفانه ،وقال ابن عمار :كانوا
يقولون أنه يغلط ،وخيتلفون يف حديثه .وقال ابن معني :أسند أحاديث مل يسندها غريه .وقال أمحد بن
عبد هللا العجلي احلافظ :كان يف حديث عكرمة رمبا وصل الشيء عن ابن عباس ،ورمبا قال :قال
رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم.))-
والثاين :أن قد روينا فيما تقدم هذا احلديث عن عكرمة عن ابن عباس(( :فأمتوا العدة ثالثني مث
أي منه.
أفطروا)) .فقول حامت( :يعين :عدة شعبان) ر ٌ
ٍ
وشوال على ما سبق بيانه. والثالث :أان نكمل عدة شعبان إذا غم هالل رمضان
()108/1
وأما حديث ابن عباس الثاين فالذي يف الصحيح منه(( :فإن غم عليكم فأكملوا العدة)) ،وهذا
ٌ
حممول على آخر الشهر .وأما ذكر شعبان فيه فانفرد بروايته آدم بن أيب إايس دون مجيع من رواه،
فالظاهر أنه على سبيل التفسري من آدم كما قال يف حديث أيب هريرة الذي رواه البخاري من طريق
آدم ،فيكون آدم قد فسر احلديثني من عنده ،أو روى على ما يظنه املعىن.
ٌ
حممول على وأما حديث حذيفة فقد ضعفه أمحد ،وقال(( :ليس ذكر حذيفة فيه مبحفوظ)) .مث هو
حالة الصحو ،أو على ما إذا غم هالل رمضان و [هالل] شوال.
وقد استعظم أبو بك ٍر اخلطيب هذا احلمل لعدم علمه ابلفقه ،وقال(( :من خلت يداه من الدليل جلأ
إىل هذا التأويل ،وكيف جيوز أن حيمل اخلرب العام على اخلصوص بغري دليل؟!)).
()109/1
()110/1
وروينا يف حجتنا عنه أنه قال( :مث أفطروا) ،وإذا كان قد اختلف يف هذا احلديث على هذه األوصاف
مبرفوع ،فيكف حيسن ابخلطيب أن
ٍ مع ما سبق من تضعيف ما يرويه مساك ،وأنه قد يرفع ما ليس
يعارض به احلديث املتفق على صحته؟! .مث ال يستحيي ويقول :قد اختلفت الرواية عن ابن عمر
اختالفاً يؤول إىل موافقة ما يقوله ،وإمنا روى عن ابن عمر النهي عن التقدم قبل رمضان .فما أقبح
هذا التعصب البارد!.
والرابع :أن قوله(( :متاروا ،فقال بعضهم :هو اليوم .وقال بعضهم :غداً)) .دليل على أن ذلك األمر
ٍ
فحينئذ كان يف النهار ال عن ٍ
غيم ،ويكون األمر قد خفي عليهم يف الصحو ،وقد تتاركوا الرؤية
يعدون ثالثني مث يصومون.
وأما حديث عائشة:
فريويه معاوية بن صاحل ،قال أبو حامت الرازي :ال حيتج به ،وكان حيىي بن سعيد ال يرضاه ،فإذا روى
ابن مهدي عن معاوية بن حيىي زبره حيىي بن سعيد.
()111/1
()112/1
()113/1
ٍ
مجاعة أهنم هنوا عن صوم يوم الشك ،منهم :عمار ،وحذيفة ،وابن عباس. وروى اخلطيب عن
()114/1
واجلواب:
أما احلديث األول :فراويه الواقدي قال أمحد بن حنبل :الواقدي كذاب .وقال حيىي بن معني :ليس
ٍ
بشيء .وقال البخاري :مرتوك احلديث .وذكر أبو حامت الرازي وأبو عبد الرمحن النسائي أنه كان
ٍ
حمفوظة ،والبالء منه. يضع احلديث .وقال ابن عدي :أحاديثه غري
ٌ
فمحمول على أن املراد به الشك يف الصحو .وقد فسر أمحد بن حنبل الشك، وأما احلديث الثاين:
فقال :الشك أن يشهد برؤيته واح ٌد فريد احلاكم شهادته ،أو أن تكون السماء مصحيةً ويتقاعد
ٌ
حممول على ذلك. الناس عن طلب اهلالل .ومجيع ما روي يف النهي عن صوم الشك
()115/1
وقول اخلطيب(( :يوم الثالثني من شعبان هو يوم الشك)) .ليس بصحيح ،ألن الناس اتفقوا على
كراهة صوم يوم الشك ،وقد ذهب مجاعةٌ من الفقهاء إىل جواز صوم هذا اليوم عن نذ ٍر ،وكفارةً
وتطوعاً.
وحنن ال نسمي يوم الغيم شكاً ،ومن مساه شكاً فللتعريف ،وبيان هذا:
أن الشك تردد بني أمرين ال مزية ألحدمها على اآلخر ،وهاهنا مزيةٌ ،وهو :أنه قد خرج األصل يف
الشهور ،واألصل :تسعةٌ وعشرون ،فبقي اليوم األخري خارجاً عن األصل ،وهذا وإن مسي يوم شك
قضاء ونذراً ونفالً يوافق عادةً.
فإنه جيوز صومه عندكم ً
ولنا :يوم شك جيب صومه على الكل ،وهو إذا غم هالل شو ٍال ٍٍ ،ولنا :يوم شك جيب صومه على
رجل برؤيته فرد احلاكم شهادته ،فإنه جيب عليه صومه. ٍ
شخص ،وهو إذا أخرب ٌ ٍ
شخص دون
قال اخلطيب(( :إذا كانت السماء مصحيةً ،وتراءى الناس اهلالل فلم يروه ال يسميه يوم شك إال من
عميت بصريته!)).
قلنا :من قال ما قلت فقد عميت بصريته! ألن الناس إذا تراؤوا اهلالل يف الصحو فلم يروه مل يسم
أحد ذلك اليوم شكاً ،إمنا إذا تشاغلوا عن الرتاءي مسي شكاً.
حديث فيه كفايةٌ عن ما سواه)) .أنبأان حممد بن عبد امللك
ٌ قال اخلطيب(( :وقد روي يف هذه املسألة
بن خريون ،قال :أنبأان أمحد بن
()116/1
علي بن اثبت ،قال :أخربين عبد هللا بن أيب الفتح ،قال :أنبأ أبو بكر بن شاذان ،قثنا أمحد بن عيسى
بن السكني البلدي ،قال :حدثين هشام بن القاسم احلراين ،قثنا يعلى بن األشدق عن عبد هللا بن
جراد ،قال :أصبحنا يوم الثالثني صياماً ،وكان الشهر قد أغمي علينا ،فأتينا النيب -صلى هللا عليه
رجل يصوم
وسلم -فأصبناه مفطراً ،فقلنا :اي نيب هللا! صمنا اليوم؟ .قال(( :أفطروا ،إال أن يكون ٌ
أحب إيل من أن أصوم يوماً من شعبان
هذا اليوم فليتم صومه ،ألن أفطر يوماً من رمضان يتمارى فيه ُّ
ليس منه)) .يعين :ليس من رمضان.
قلت :ال تكون عصبيةٌ خترج من الدين أقوى من هذه العصبية! فليته ملا روى هذا احلديث سكت،
فأما أن يقول( :فيه كفايةٌ) فلقد زرى بذلك على علمه ودينه.
ظاهر ملن شدا شيئاً من علم احلديث؟ فكيف
أتراه :ما علم أن أحداً يعرف قبح ما أتى! كيف واألمر ٌ
مبن أوغل فيه؟!.
أتراه :ما علم أنه يف احلديث الصحيح عن رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -أنه قال(( :من روى
ب فهو أحد الكاذبني))!.
حديثاً يرى أنه كذ ٌ
()117/1
()118/1
()119/1
()120/1
ٍ
بسبب يف وجوب الصوم ،إمنا السبب رؤيةٌ أو شهادةٌ برؤيته ،وحنن على ويوضح هذا :أن الغيم ليس
األصل ،وهو شعبان ،فال بد من ٍ
انقل عن هذا األصل ،والغيم ال يصلح انقالً.
املسلك الثالث:
عبادة فال جيوز الدخول فيها إال على يق ٍ
ني كسائر العبادات.
وتصحيحه :أن الشرع ملا أوجب العبادات املؤقتة نصب هلا أسباابً وأعالماً .فدخول وقت الصالة
ٍ
نصاب ،أو يف وجود الزاد سبب لوجوهبا ،فلو شك فيه مل جيز له فعلها .وكذلك لو شك يف ملكٌ
والراحلة ،وهل طلق أو أعتق أم ال؟
ويوضحه :أن اخلطاب يتعلق ابلذمة فيقصد أبداء العبادة أن تربأ ،وهاهنا مل يتعلق بذمته شيءٌ حيتاج
أن يربأ منه.
واجلواب:
قوهلم(( :ليس هذا من رمضان)) ،جوابه من أربعة ٍ
أوجه:
أحدها :أن نقول :ليس من رمضان قطعاً أو ظاهراً؟.
ع .وبيانه :أن األصل يف الشهور النقصان على ما سبق .وقد كان مقتضى
مسلم ،والثاين :ممنو ٌ
األولٌ :
هذا أن ال جيب صوم اليوم األخري ،لكن أوجبناه احتياطاً.
والثاين :سلمنا أنه ليس من رمضان ظاهراً ،ولكن حيتمل أن يكون منه أم ال؟
()121/1
مسلم.
األولٌ :
والثاين :ممنوعٌ .بيانه :أن كونه من رمضان وكونه من شعبان على السواء يف االحتمال ،فوجب أن
يصام احتياطاً.
والثالث :سلمنا أن كونه من رمضان أبعد من كونه من شعبان ،ولكن :مل ال جيب صومه توصالً إىل
ني ،كما أوجبنا غسل قصاص الشعر مع الوجه؟.أداء الواجب بق ٍ
والرابع :أن ما ذكروه ينتقض ابليوم األخري ،وقد أجبنا عن عذرهم.
وأما ما ذكروه من األحكام فجواهبا من وجهني:
أحدمها :أهنا كمسألتنا.
والثاين :أهنا مل تثبت ،ألان إمنا أوجبنا الصوم احتياطاً ،واالحتياط أن ال حيل الدين ،وال تنقضي العدة.
وأما األميان والطالق فمبناها على العرف ،والعرف أن هذا ال يقال أنه من رمضان .على أان نقول:
الطالق والعتاق حقو ٌق آلدميني اثبتةٌ ،فال ترفع إال بيق ٍ
ني.
يوم من رمضان مل يرب بدخوله يف هذا اليوم ،ألان قد حتققنا انعقادوكذلك لو حلف ليدخلن الدار أول ٍ
اليمني فال تربأ ذمته إال بيقني.
خرب ال شهادةٌ ،وليس من شرط اخلرب أن
وأما من رد احلاكم شهادته ،فإان نقول :ذكر رؤية اهلالل ٌ
حاكم ،وإن رد خربه لفسقه فليست تلك شهادةً وال خرباً يوجب شكاً .ولو سلمنا أهنا شهادةٌ يقبله ٌ
ط هلا فكأهنا مل توجد.فإن رد احلاكم إايها إسقا ٌ
مسلم ،ولكن قد أضيف إليه ما يوجب
بسبب ابنفراده ٌ ٍ بسبب)) .قلنا :ليسٍ وقوهلم(( :الغيم ليس
الرتجيح ،وهو صالحية الزمان لطلوع اهلالل،
()122/1
وذلك يوجب االحتياط للصوم كما نقول يف آخر الشهر.
يدل عليه :أن أاب حنيفة قبل شهادة الواحد مع الغيم ،ومل يقبلها مع الصحو .والشافعي أجاز أن
ينوي من الليل رمضان ،فإن ابن من النهار أنه كان من رمضان أجزأه ،وليس كذلك يف الصحو.
ٍ
بسبب مع غريه .فهي مسالة اخلالف ،وحصركم األسباب ممنوعٌ. وإن قلتم :ليس
سبب آخر ،وهو :الغيم يف الزمان الصاحل لطلوع اهلالل.
وعندان ٌ
وقولكم(( :ال ندخل يف العبادات ابلشك)) .قلنا :ال نسميه شكاً على ما سبق .مث لو سلمنا فقد
ذكران أن من العبادات ما يلزم مع الشك ،وهو إذا نسي صالةً ال يعلم عينها.
وأما دخول الوقت فقد سبق جوابه ،وهو أن أتخري الصالة ال يؤدي إىل ترك االحتياط خبالف
مسألتنا.
وقوهلم(( :مل يتعلق بذمته شيءٌ)) .ال نسلم.
()123/1
فصل :فإن قال قائل :فهل تصلون الرتاويح يف ليلة الغيم؟ .قلنا :لنا وجهان:
ٌ
تبع
أحدمها :نصلي ،وهو ظاهر كالم أمحد ،واختيار أكثر مشاخينا املتقدمني ووجه ذلك :أن الصالة ٌ
للصوم ،ألن النيب -صلى هللا عليه وسلم -قال(( :إن هللا تعاىل فرض عليكم صيامه ،وسننت لكم
قيامه)).
ومن جهة املعىن نقول :كل ٍ
يوم فرض صيامه سنت صالة الرتاويح يف ليلته كسائر أايم الشهر.
()124/1
والوجه الثاين :ال نصلي فيها الرتاويح ،وهو اختيار أيب حفص من أصحابنا .وعلل أبهنا انفلةٌ ال حتتاج
فرض فاحتيط له .وهذا هو الصحيح. ٍ
إىل احتياط ،خبالف الصوم فإنه ٌ
آخر الكتاب واحلمد هلل
نقلته من خط مصنفه -رضي هللا عنه وأرضاه ،-وكان الفراغ منه يوم األربعاء أول ربيع األول سنة
اثنيت عشرة وستمائة ببغداد.
وكتبه عبد الرازق بن رزق هللا الرسعين احلنبلي.
-نفعه هللا ابلعلم ،وزينه ابحللم ،مبنه وكرمه.-
()125/1