Professional Documents
Culture Documents
1
احبَتِ ِو َوبَنِ ِيو * لِ ُك ّْل ْام ِر ٍئ ِم ْنػ ُه ْم يَػ ْوَمئِ ٍذ َشأْ ٌف يُػ ْغنِ ِيو } .
َخ ِيو * وأ ُّْم ِو وأَبِ ِيو * وص ِ
َ َ َ َ
ويومئذ { ي ِف ُّر الْمرء ِمن أ ِ
َ َُْ ْ
وىناؾ { يعض الظالم على يديو يقوؿ يا ليتني اتخذت مع الرسوؿ سبيبل يا ويلتى ليتني لم أتخذ فبلنا
خليبل } وتسود حينئذ وجوه وتبيض وجوه وتنصب الموازين التي يوزف بها مثاقيل الذر من الخير والشر
وتنشر صحائف األعماؿ وما فيها من جميع األعماؿ واألقواؿ والنيات من صغير وكبير وينصب الصراط
على متن جهنم وتزلف الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين { إذا رأتهم من مكاف بعيد سمعوا لها تغيظا
وزفيرا * وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا ىنالك ثبورا } ويقاؿ لهم { ال تَ ْدعوا الْيػوـ ثُػبورا و ِ
اح ًدا ُ َْ َ ُ ً َ
وف } قد غضب عليهم وا ْدعُوا ثُػبورا َكثِيرا } وإذا نادوا ربهم ليخرجهم منها قاؿ { ا ْخسئُوا فِ َيها وال تُ َكلّْم ِ
ُ َ َ ًُ ً َ
الرب الرحيم وحضرىم العذاب األليم وأيسوا من كل خير ووجدوا أعمالهم كلها لم يفقدوا منها نقيرا وال
قطميرا
ىذا والمتقوف في روضات الجنات يحبروف وفي أنواع اللذات يتفكهوف وفيما اشتهت أنفسهم خالدوف
فحقيق بالعاقل الذي يعرؼ أف كل ىذا أمامو أف يعد لو عدتو وأف ال يلهيو األمل فيترؾ العمل وأف تكوف
تقوى اهلل شعاره وخوفو دثاره ومحبة اهلل وذكره روح أعمالو
يد (ُ )3كتِب َعلَْي ِو أَنَّوُ من تَػوَّالهُ فَأَنَّوُ ي ِ
اف م ِر ٍ
ٍ ِ ِ ِ ِ َوِم َن الن ِ
ضلُّوُ ُ َْ َ َ َّاس َم ْن يُ َجاد ُؿ في اللَّو بِغَْي ِر عل ٍْم َويَػتَّبِ ُع ُك َّل َش ْيطَ َ
الس ِعي ِر ()4
اب َّ َويَػ ْه ِد ِيو إِلَى َع َذ ِ
ِ ِ ِِ ِ { َ { } 4 - 3وِم َن الن ِ
ب َعلَْي ِو أَنَّوُ َم ْن تَػ َوالهُ ٍ ٍ ِ ِ
َّاس َم ْن يُ َجاد ُؿ في اللَّو بغَْي ِر عل ٍْم َويَػتَّب ُع ُك َّل َش ْيطَاف َم ِريد * ُكت َ
الس ِعي ِر } .
اب َّ ضلُّوُ َويَػ ْه ِد ِيو إِلَى َع َذ ِ
فَأَنَّوُ ي ِ
ُ
أي :ومن الناس طائفة وفرقة ،سلكوا طريق الضبلؿ ،وجعلوا يجادلوف بالباطل الحق ،يريدوف إحقاؽ الباطل
وإبطاؿ الحق ،والحاؿ أنهم في غاية الجهل ما عندىم من العلم شيء ،وغاية ما عندىم ،تقليد أئمة
الضبلؿ ،من كل شيطاف مريد ،متمرد على اهلل وعلى رسلو ،معاند لهم ،قد شاؽ اهلل ورسولو ،وصار من
األئمة الذين يدعوف إلى النار.
ضلُّوُ } عن الحق، { ُكتِب َعلَْي ِو } أي :قدر على ىذا الشيطاف المريد { أَنَّوُ من تَػوالهُ } أي :اتبعو { فَأَنَّوُ ي ِ
ُ َْ َ َ
الس ِعي ِر } وىذا نائب إبليس حقا ،فإف اهلل قاؿ عنو { إِنَّ َما ويجنبو الصراط المستقيم { َويَػ ْه ِد ِيو إِلَى َع َذ ِ
اب َّ
2
الس ِعي ِر } فهذا الذي يجادؿ في اهلل ،قد جمع بين ضبللو بنفسو ،وتصديو َص َح ِ
اب َّ ِ ِ ِ
يَ ْدعُو ح ْزبَوُ ليَ ُكونُوا م ْن أ ْ
إلى إضبلؿ الناس ،وىو متبع ،ومقلد لكل شيطاف مريد ،ظلمات بعضها فوؽ بعض ،ويدخل في ىذا،
جمهور أىل الكفر والبدع ،فإف أكثرىم مقلدة ،يجادلوف بغير علم.
ضغَ ٍةاب ثُ َّم ِم ْن نُطْ َف ٍة ثُ َّم ِم ْن َعلَ َق ٍة ثُ َّم ِم ْن ُم ْ
ث فَِإنَّا َخلَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن تُػر ٍ
َ
ب ِمن الْبػ ْع ِ ِ
َّاس إِ ْف ُك ْنتُ ْم في َريْ ٍ َ َ يَا أَيُّػ َها الن ُ
س ِّمى ثُ َّم نُ ْخ ِر ُج ُك ْم ِط ْف ًبل ثُ َّم لِتَْبػلُغُوا شاءُ إِلَى أ َ
َج ٍل ُم َ ُم َخلَّ َق ٍة َوغَْي ِر ُم َخلَّ َق ٍة لِنُبَػيّْ َن لَ ُك ْم َونُِق ُّر فِي ْاأل َْر َح ِاـ َما نَ َ
ض َى ِام َدةً ِ ِ ِ ِ ِ ِ
أَ ُش َّد ُك ْم َوم ْن ُك ْم َم ْن يُػتَػ َوفَّى َوم ْن ُك ْم َم ْن يُػ َر ُّد إِلَى أ َْرذَ ِؿ الْعُ ُم ِر ل َك ْي َبل يَػ ْعلَ َم م ْن بَػ ْعد عل ٍْم َش ْيئًا َوتَػ َرى ْاأل َْر َ
يج ()5 ت ِم ْن ُك ّْل َزْو ٍج بَ ِه ٍ ت َوأَنْػبَتَ ْت َوَربَ ْ فَِإ َذا أَنْػ َزلْنَا َعلَْيػ َها ال َْم َ
اء ْاىتَػ َّز ْ
3
ِط ْفبل } ال تعلموف شيئا ،وليس لكم قدرة ،وسخرنا لكم األمهات ،وأجرينا لكم في ثديها الرزؽ ،ثم تنتقلوف
طورا بعد طور ،حتى تبلغوا أشدكم ،وىو كماؿ القوة والعقل.
{ َوِم ْن ُك ْم َم ْن يُػتَػ َوفَّى } من قبل أف يبلغ سن األشد ،ومنكم من يتجاوزه فيرد إلى أرذؿ العمر ،أي :أخسو
وأرذلو ،وىو سن الهرـ والتخريف ،الذي بو يزوؿ العقل ،ويضمحل ،كما زالت باقي القوة ،وضعفت.
{ لِ َك ْيبل يَػ ْعلَ َم ِم ْن بَػ ْع ِد ِعل ٍْم َش ْيئًا } أي :ألجل أف ال يعلم ىذا المعمر شيئا مما كاف يعلمو قبل ذلك ،وذلك
لضعف عقلو ،فقوة اآلدمي محفوفة بضعفين ،ضعف الطفولية ونقصها ،وضعف الهرـ ونقصو ،كما قاؿ
ف قُػ َّو ًة ثُ َّم َج َع َل ِم ْن بَػ ْع ِد قُػ َّوةٍ َ
ض ْع ًفا َو َش ْيبَةً ف ثُ َّم َج َع َل ِم ْن بَػ ْع ِد َ
ض ْع ٍ تعالى { :اللَّوُ الَّ ِذي َخلَ َق ُك ْم ِم ْن َ
ض ْع ٍ
ِ ِ
ض يم الْ َقد ُير } والدليل الثاني ،إحياء األرض بعد موتها ،فقاؿ اهلل فيوَ { :وتَػ َرى ْ
األر َ شاءُ َو ُى َو ال َْعل ُ يَ ْخلُ ُق َما يَ َ
ِ
ت } أي :تحركت اء ْاىتَػ َّز َْىام َد ًة } أي :خاشعة مغبرة ال نبات فيها ،وال خضر { ،فَِإ َذا أَنزلْنَا َعلَْيػ َها ال َْم َ
ت ِم ْن ُك ّْل َزْو ٍج } أي :صنف من ت } أي :ارتفعت بعد خشوعها وذلك لزيادة نباتهاَ { ،وأَنْػبَتَ ْ بالنبات { َوَربَ ْ
يج } أي :يبهج الناظرين ،ويسر المتأملين ،فهذاف الدليبلف القاطعاف ،يدالف على ىذه أصناؼ النبات { بَ ِه ٍ
المطالب الخمسة ،وىي ىذه.
ب فِ َيها َوأ َّ
َف الس َ ِ
اعةَ آتيَةٌ َال َريْ َ ْح ُّق َوأَنَّوُ يُ ْح ِي ال َْم ْوتَى َوأَنَّوُ َعلَى ُك ّْل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير (َ )6وأ َّ
َف َّ ك بِأ َّ
َف اللَّوَ ُى َو ال َ ذَلِ َ
ث َم ْن فِي الْ ُقبُوِر ()7 اللَّوَ يَػ ْبػ َع ُ
4
يل اللَّ ِو لَوُ اب منِي ٍر ( )8ثَانِي ِعط ِْف ِو لِي ِ
ض َّل َع ْن َسبِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َوِم َن الن ِ
ُ َ َّاس َم ْن يُ َجاد ُؿ في اللَّو بِغَْي ِر عل ٍْم َوَال ُى ًدى َوَال كتَ ٍ ُ
َف اللَّوَ لَيس بِظََّبلٍـ لِلْعبِ ِ
اؾ َوأ َّ ْح ِر ِيق ( )9ذَلِ َ
ك بِ َما قَ َّد َم ْ ِ ِ الدنْػيا ِخ ْز ِ ِ
يد َ ْ َ ت يَ َد َ اب ال َ في ُّ َ ٌ
ي َونُذي ُقوُ يَػ ْوَـ الْقيَ َامة َع َذ َ
( )10
5
ِ ؼ فَِإ ْف أَصابوُ َخيػر اطْمأ َّ ِ َّاس من يػعب ُد اللَّو َعلَى حر ٍ ِ
ب َف بِو َوإِ ْف أ َ
َصابَػ ْتوُ ف ْتػنَةٌ انْػ َقلَ َ َ َ ٌْ َ َْ { َ { } 13 - 11وم َن الن ِ َ ْ َ ْ ُ َ
ْخسرا ُف الْمبِين * ي ْدعُو ِمن ُد ِ
وف اللَّ ِو َما ال يَ ُ الدنْػيا و ِ
اآلخ َرةَ ذَلِ َ ِ ِ
ض ُّرهُ َوَما ال يَػ ْنػ َفعُوُ ْ ك ُى َو ال ُ ْ َ ُ ُ َ َعلَى َو ْج ِهو َخس َر ُّ َ َ
س ال َْع ِش ُير } . ِ ض ُّرهُ أَقػْر ُ ِ ِ ِ ِ ك ُىو الض ُ ِ ِ
س ال َْم ْولَى َولَب ْئ َ ب م ْن نَػ ْفعو لَب ْئ َ َّبلؿ الْبَعي ُد * يَ ْدعُو لَ َم ْن َ َ ذَل َ َ
أي :ومن الناس من ىو ضعيف اإليماف ،لم يدخل اإليماف قلبو ،ولم تخالطو بشاشتو ،بل دخل فيو ،إما
َف بِ ِو } أي :إف استمر رزقو رغدا، خوفا ،وإما عادة على وجو ال يثبت عند المحن { ،فَِإ ْف أ َ
َصابَوُ َخ ْيػ ٌر اط َْمأ َّ
ولم يحصل لو من المكاره شيء ،اطمأف بذلك الخير ،ال بإيمانو .فهذا ،ربما أف اهلل يعافيو ،وال يقيض لو
ِ
ب َعلَىَصابَػ ْتوُ ف ْتػنَةٌ } من حصوؿ مكروه ،أو زواؿ محبوب { انْػ َقلَ َ من الفتن ما ينصرؼ بو عن دينوَ { ،وإِ ْف أ َ
الدنْػيا و ِ ِ ِ
اآلخ َرَة } أما في [ ص ] 535الدنيا ،فإنو ال يحصل لو َو ْج ِهو } أي :ارتد عن دينوَ { ،خس َر ُّ َ َ
بالردة ما أملو الذي جعل الردة رأسا لمالو ،وعوضا عما يظن إدراكو ،فخاب سعيو ،ولم يحصل لو إال ما
ك ُى َوقسم لو ،وأما اآلخرة ،فظاىر ،حرـ الجنة التي عرضها السماوات واألرض ،واستحق النارَ { ،ذلِ َ
ين } أي :الواضح البين.ِ
ْخ ْس َرا ُف ال ُْمب ُ
ال ُ
{ ي ْدعُو } ىذا الراجع على وجهو { ِمن ُد ِ
وف اللَّ ِو َما ال يَ ُ
ض ُّرهُ َوَما ال يَػ ْنػ َفعُوُ } وىذا صفة كل مدعو ومعبود ْ َ
َّبلؿ الْبَ ِعي ُد } الذي قد بلغ في من دوف اهلل ،فإنو ال يملك لنفسو وال لغيره نفعا وال ضرا { ،ذَلِ َ
ك ُى َو الض ُ
البعد إلى حد النهاية ،حيث أعرض عن عبادة النافع الضار ،الغني المغني ،وأقبل على عبادة مخلوؽ مثلو
ض ُّرهُ
أو دونو ،ليس بيده من األمر شيء بل ىو إلى حصوؿ ضد مقصوده أقرب ،ولهذا قاؿ { :يَ ْدعُو لَ َم ْن َ
س ال َْم ْولَى } أي :ىذا المعبود { ِ أَقػْر ِ ِ ِ
ب م ْن نَػ ْفعو } فإف ضرره في العقل والبدف والدنيا واآلخرة معلوـ { لَب ْئ َ َُ
س ال َْع ِش ُير } أي :القرين المبلزـ على صحبتو ،فإف المقصود من المولى والعشير ،حصوؿ النفع ،ودفع ِ
َولَب ْئ َ
الضرر ،فإذا لم يحصل شيء من ىذا ،فإنو مذموـ ملوـ.
ار إِ َّف اللَّوَ يَػ ْف َع ُل َما يُ ِري ُد ()14 ِ ِ ٍ إِ َّف اللَّوَ ي ْد ِخل الَّ ِذين آمنُوا و َع ِملُوا َّ ِ ِ
الصال َحات َجنَّات تَ ْج ِري م ْن تَ ْحت َها ْاألَنْػ َه ُ ُ ُ َ َ َ
ار إِ َّف اللَّوَ يَػ ْف َع ُل َما ِ ِ ٍ { { } 14إِ َّف اللَّوَ ي ْد ِخل الَّ ِذين آمنُوا و َع ِملُوا َّ ِ ِ
الصال َحات َجنَّات تَ ْج ِري م ْن تَ ْحت َها األنْػ َه ُ ُ ُ َ َ َ
يُ ِري ُد } .
6
لما ذكر تعالى المجادؿ بالباطل ،وأنو على قسمين ،مقلد ،وداع ،ذكر أف المتسمي باإليماف أيضا على
قسمين ،قسم لم يدخل اإليماف قلبو كما تقدـ ،والقسم الثاني :المؤمن حقيقة ،صدؽ ما معو من اإليماف
باألعماؿ الصالحة ،فأخبر تعالى أنو ( )1يدخلهم جنات تجري من تحتها األنهار ،وسميت الجنة جنة،
الشتمالها على المنازؿ والقصور واألشجار والنوابت التي تجن من فيها ،ويستتر بها من كثرتها { ،إِ َّف اللَّوَ
يَػ ْف َع ُل َما يُ ِري ُد } فما أراده تعالى فعلو من غير ممانع وال معارض ،ومن ذلك ،إيصاؿ أىل الجنة إليها ،جعلنا
اهلل منهم بمنو وكرمو.
الس َم ِاء ثُ َّم لْيَػ ْقطَ ْع فَػ ْليَػ ْنظُْر َى ْل يُ ْذ ِىبَ َّن
ب إِلَى َّ
سبَ ٍ ِ ِ ِ ص َرهُ اللَّوُ فِي ُّ
الدنْػيَا َو ْاآلخ َرة فَػلْيَ ْم ُد ْد ب َ َم ْن َكا َف يَظُ ُّن أَ ْف لَ ْن يَػ ْن ُ
ظ ()15 َك ْي ُدهُ َما يَ ِغي ُ
7
الكريمة ،فيها من الوعد والبشارة بنصر اهلل لدينو ولرسولو وعباده المؤمنين ما ال يخفى ،ومن تأييس
الكافرين ،الذين يريدوف أف يطفئوا نور اهلل بأفواىهم ،واهلل متم نوره ،ولو كره الكافروف ،أي :وسعوا مهما
أمكنهم.
َف اللَّوَ يَػ ْه ِدي َم ْن يُ ِري ُد ()16 ات بػيّْػنَ ٍ
ات َوأ َّ ٍ
ك أَنْػ َزلْنَاهُ آيَ ََوَك َذلِ َ
8
ص ُموا فِي َربّْ ِه ْم } إلى قولو[ : اف َخ ْ ِ
شاء * َى َذ ِ َّ َّ ِ ومن ي ِه ِن اللَّو فَما لَو ِمن م ْك ِرٍ
ص َماف ا ْختَ َ ُ َ ي
َ امَ ل
ُ ع
َ فْ ػ
َ ي و
َ ل ال ف إ ـ ُ َ ُ ْ ُ ََ ْ ُ
يد } .اط الْح ِم ِ صر ِ ِ ِ
َ ص َ { ] 536و ُى ُدوا إلَى َ
يخبر تعالى عن طوائف أىل األرض ،من الذين أوتوا الكتاب ،من المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين،
ومن المجوس ،ومن المشركين أف اهلل سيجمعهم جميعهم ليوـ القيامة ،ويفصل بينهم بحكمو العدؿ،
ويجازيهم بأعمالهم التي حفظها وكتبها وشهدىا ،ولهذا قاؿ { :إِ َّف اللَّوَ َعلَى ُك ّْل َش ْي ٍء َش ِهي ٌد } ثم فصل
ص ُموا فِي َربّْ ِه ْم } كل يدعي أنو المحق. اف َخ ْ ِ
ص َماف ا ْختَ َ
ىذا الفصل بينهم بقولوَ { :ى َذ ِ
ين َك َف ُروا } يشمل كل كافر ،من اليهود ،والنصارى ،والمجوس ،والصابئين ،والمشركين. َّ ِ
{ فَالذ َ
اب ِم ْن نَا ٍر } أي :يجعل لهم ثياب من قطراف ،وتشعل فيها النار ،ليعمهم العذاب من ت لَ ُه ْم ثِيَ ٌ{ قُطّْ َع ْ
جميع جوانبهم.
يم } الماء الحار جدا ،يصهر ما في بطونهم من اللحم والشحم واألمعاء، وس ِهم ال ِ ِ ِ { يص ُّ ِ
ْحم ُ
ب م ْن فَػ ْوؽ ُرءُ ُ َ َُ
يد } بيد المبلئكة الغبلظ الشداد ،تضربهم فيها من شدة حره ،وعظيم أمره { ،ولَهم م َق ِامع ِمن ح ِد ٍ
َ ُْ َ ُ ْ َ
ادوا أَ ْف يَ ْخ ُر ُجوا ِم ْنػ َها ِم ْن غَ ٍّم أ ُِعي ُدوا فِ َيها } فبل يفتر عنهم العذاب ،وال ىم ينظروف، وتقمعهمُ { ،كلَّ َما أ ََر ُ
ِ َّ ِ
آمنُوا
ين َْح ِر ِيق } أي :المحرؽ للقلوب واألبداف { ،إِ َّف اللَّوَ يُ ْدخ ُل الذ َ اب ال َ ويقاؿ لهم توبيخا { :ذُوقُوا َع َذ َ
ِ ِ ٍ و َع ِملُوا َّ ِ ِ
ار } ومعلوـ أف ىذا الوصف ال يصدؽ على غير الصال َحات َجنَّات تَ ْج ِري م ْن تَ ْحت َها األنْػ َه ُ َ
ب } أي :يسوروف َسا ِوَر ِم ْن ذَ َى ٍ ِ ِ
المسلمين ،الذين آمنوا بجميع الكتب ،وجميع الرسل { ،يُ َحلَّ ْو َف ف َيها م ْن أ َ
في أيديهم ،رجالهم ونساؤىم أساور الذىب.
اس ُه ْم فِ َيها َح ِر ٌير } فتم نعيمهم بذكر أنواع المأكوالت اللذيذات المشتمل عليها ،لفظ الجنات ،وذكر ِ
{ َولبَ ُ
األنهار السارحات ،أنهار الماء واللبن والعسل والخمر ،وأنواع اللباس ،والحلي الفاخر.
ب ِم َن الْ َق ْوِؿ } الذي أفضلو وأطيبو كلمة اإلخبلص ،ثم سائر األقواؿوذلك بسبب أنهم { ُى ُدوا إِلَى الطَّيّْ ِ
يد } أي :الصراط المحمود، صر ِ
اط الْح ِم ِ ِ ِ
َ الطيبة التي فيها ذكر اهلل ،أو إحساف إلى عباد اهللَ { ،و ُى ُدوا إلَى َ
وذلك ،ألف جميع الشرع كلو محتو على الحكمة والحمد ،وحسن المأمور بو ،وقبح المنهي عنو ،وىو
الدين الذي ال إفراط فيو وال تفريط ،المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح .أو :وىدوا إلى صراط اهلل
9
الحميد ،ألف اهلل كثيرا ما يضيف الصراط إليو ،ألنو يوصل صاحبو إلى اهلل ،وفي ذكر { الحميد } ىنا،
ْح ْم ُد لِلَّ ِو الَّ ِذي َى َدانَا لِ َه َذا
ليبين أنهم نالوا الهداية بحمد ربهم ومنتو عليهم ،ولهذا يقولوف في الجنة { :ال َ
ي لَ ْوال أَ ْف َى َدانَا اللَّوُ } واعترض تعالى بين ىذه اآليات بذكر سجود المخلوقات لو ،جميع من ِ ِ
َوَما ُكنَّا لنَػ ْهتَد َ
في السماوات واألرض ،والشمس ،والقمر ،والنجوـ ،والجباؿ ،والشجر ،والدواب ،الذي يشمل
ِ ِ
اب } أي :وجب وكتب ،لكفره الحيوانات كلها ،وكثير من الناس ،وىم المؤمنوفَ { ،وَكث ٌير َح َّق َعلَْيو ال َْع َذ ُ
وعدـ إيمانو ،فلم يوفقو لئليماف ،ألف اهلل أىانوَ { ،وَم ْن يُِه ِن اللَّوُ فَ َما لَوُ ِم ْن ُم ْك ِرٍـ } وال راد لما أراد ،وال
معارض لمشيئتو ،فإذا كانت المخلوقات كلها ساجدة لربها ،خاضعة لعظمتو ،مستكينة لعزتو ،عانية
لسلطانو ،دؿ على أنو وحده ،الرب المعبود ،والملك المحمود ،وأف من عدؿ عنو إلى عبادة سواه ،فقد
ضل ضبلال بعيدا ،وخسر خسرانا مبينا.
ف فِ ِيو والْب ِ
اد َوَم ْن ِ
اء ال َْعاك ُ َ َ ْح َر ِاـ الَّ ِذي َج َعلْنَاهُ لِلن ِ
َّاس َس َو ً
ِِ إِ َّف الَّ ِذين َك َفروا ويص ُّدو َف َعن سبِ ِ ِ
يل اللَّو َوال َْم ْسجد ال َ ْ َ َ ُ ََ ُ
يم ()25 اد بِظُل ٍْم نُ ِذقْوُ ِم ْن َع َذ ٍ
اب أَلِ ٍ ي ِر ْد فِ ِيو بِِإلْح ٍ
َ ُ
ف فِ ِيو
اء ال َْعاكِ ُ ْح َر ِاـ الَّ ِذي َج َعلْنَاهُ لِلن ِ
َّاس َس َو ً
ِِ { { } 25إِ َّف الَّ ِذين َك َفروا ويص ُّدو َف َعن سبِ ِ ِ
يل اللَّو َوال َْم ْسجد ال َ ْ َ َ ُ ََ ُ
يم } . اد بِظُل ٍْم نُ ِذقْوُ ِم ْن َع َذ ٍ
اب أَلِ ٍ ادي ومن ي ِر ْد فِ ِيو بِِإلْح ٍ
َ
ِ
َوالْبَ َ َ ْ ُ
يخبر تعالى عن شناعة ما عليو المشركوف الكافروف بربهم ،وأنهم جمعوا بين الكفر باهلل ورسولو ،وبين الصد
عن سبيل اهلل ومنع الناس من اإليماف ،والصد أيضا عن المسجد الحراـ ،الذي ليس ملكا لهم وال آلبائهم،
بل الناس فيو سواء ،المقيم فيو ،والطارئ إليو ،بل صدوا عنو أفضل الخلق محمدا وأصحابو ،والحاؿ أف
ىذا المسجد الحراـ ،من حرمتو واحترامو وعظمتو ،أف من يرد فيو بإلحاد بظلم نذقو من عذاب أليم.
فمجرد إرادة الظلم واإللحاد في الحرـ ،موجب للعذاب ،وإف كاف غيره ال يعاقب العبد عليو إال بعمل
الظلم ،فكيف بمن أتى فيو أعظم الظلم ،من الكفر والشرؾ ،والصد عن سبيلو ،ومنع من يريده بزيارة ،فما
ظنكم ( )1أف يفعل اهلل بهم؟"
السج ِ ِِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ
ود ()26 الرَّك ِع ُّ ُ ين َو ُّ يم َم َكا َف الْبَػ ْيت أَ ْف َال تُ ْش ِر ْؾ بي َش ْيئًا َوطَ ّْه ْر بَػ ْيت َي للطَّائف َ
ين َوالْ َقائم َ ِ
َوإ ْذ بَػ َّوأْنَا ِإلبْػ َراى َ
يق ( )27لِيَ ْش َه ُدوا َمنَافِ َع لَ ُه ْم ين ِم ْن ُك ّْل فَ ٍّج َع ِم ٍ وؾ ِرج ًاال و َعلَى ُك ّْل َ ِ ِ
ضام ٍر يَأْت َ ْح ّْج يَأْتُ َ َ َ َوأَذّْ ْف فِي الن ِ
َّاس بِال َ
10
س الْ َف ِق َير ِ ِ ِ ِ ات َعلَى ما رَزقَػهم ِمن ب ِه ِ اسم اللَّ ِو فِي أَيَّ ٍاـ م ْعلُوم ٍ
يمة ْاألَنْػ َعاـ فَ ُكلُوا م ْنػ َها َوأَطْع ُموا الْبَائ َ َ َ ُْ ْ َ َ َ َ َويَ ْذ ُك ُروا ْ َ
يق ()29 ت ال َْعتِ ِ
ضوا تَػ َفثَػ ُهم ولْيوفُوا نُ ُذورُىم ولْيطََّّوفُوا بِالْبػ ْي ِ
َ َ ْ ََ ْ َُ ( )28ثُ َّم لْيَػ ْق ُ
وفي ىذه اآلية الكريمة ،وجوب احتراـ الحرـ ،وشدة تعظيمو ،والتحذير من إرادة المعاصي فيو وفعلها.
[ ص ] 537
ِِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ
يم َم َكا َف الْبَػ ْيت أَ ْف ال تُ ْش ِر ْؾ بي َش ْيئًا َوطَ ّْه ْر بَػ ْيت َي للطَّائف َ
ين َوالْ َقائم َ
ين ِ
{ َ { } 29 - 26وإ ْذ بَػ َّوأْنَا إلبْػ َراى َ
ين ِم ْن ُك ّْل فَ ٍّج َع ِم ٍ
يق * لِيَ ْش َه ُدوا وؾ ِرجاال و َعلَى ُك ّْل َ ِ ِ
ضام ٍر يَأْت َ ْح ّْج يَأْتُ َ َ َ َّاس بِال َود * َوأَذّْ ْف فِي الن ِ السج ِ
الرَّك ِع ُّ ُ َو ُّ
ِ ِ ِ ِ ات َعلَى ما رَزقَػهم ِمن ب ِه ِ اسم اللَّ ِو فِي أَيَّ ٍاـ م ْعلُوم ٍ ِ
يمة األنْػ َعاـ فَ ُكلُوا م ْنػ َها َوأَطْع ُموا الْبَائ َ
س َ َ ُْ ْ َ َ َ َ َمنَاف َع لَ ُه ْم َويَ ْذ ُك ُروا ْ َ
يق } .ت ال َْعتِ ِضوا تَػ َفثَػ ُهم ولْيوفُوا نُ ُذورُىم ولْيطََّّوفُوا بِالْبػ ْي ِ
َ َ ْ ََ ْ َُ الْ َف ِق َير * ثُ َّم لْيَػ ْق ُ
ِ ِ
يذكر تعالى عظمة البيت الحراـ وجبللتو وعظمة بانيو ،وىو خليل الرحمن ،فقاؿَ { :وإ ْذ بَػ َّوأْنَا إلبْػ َراى َ
يم
ت } أي :ىيأناه لو ،وأنزلناه إياه ،وجعل قسما من ذريتو من سكانو ،وأمره اهلل ببنيانو ،فبناه على م َكا َف الْبػ ْي ِ
َ َ
تقوى اهلل ،وأسسو على طاعة اهلل ،وبناه ىو وابنو إسماعيل ،وأمره أف ال يشرؾ بو شيئا ،بأف يخلص هلل
أعمالو ،ويبنيو على اسم اهلل.
{ َوطَ ّْه ْر بَػ ْيتِ َي } أي :من الشرؾ والمعاصي ،ومن األنجاس واألدناس وأضافو الرحمن إلى نفسو ،لشرفو،
وفضلو ،ولتعظم محبتو في القلوب ،وتنصب إليو األفئدة من كل جانب ،وليكوف أعظم لتطهيره وتعظيمو،
لكونو بيت الرب للطائفين بو والعاكفين عنده ،المقيمين لعبادة من العبادات من ذكر ،وقراءة ،وتعلم علم
السج ِ
ود } أي :المصلين ،أي :طهره لهؤالء الفضبلء، الرَّك ِع ُّ ُ
وتعليمو ،وغير ذلك من أنواع القربَ { ،و ُّ
الذين ىمهم طاعة موالىم وخدمتو ،والتقرب إليو عند بيتو ،فهؤالء لهم الحق ،ولهم اإلكراـ ،ومن إكرامهم
تطهير البيت ألجلهم ،ويدخل في تطهيره ،تطهيره من األصوات البلغية والمرتفعة التي تشوش المتعبدين،
بالصبلة والطواؼ ،وقدـ الطواؼ على االعتكاؼ والصبلة ،الختصاصو بهذا البيت ،ثم االعتكاؼ،
الختصاصو بجنس المساجد.
ْح ّْج } أي :أعلمهم بو ،وادعهم إليو ،وبلغ دانيهم وقاصيهم ،فرضو وفضيلتو ،فإنك { َوأَذّْ ْف فِي الن ِ
َّاس بِال َ
ض ِام ٍر } أي:
إذا دعوتهم ،أتوؾ حجاجا وعمارا ،رجاال أي :مشاة على أرجلهم من الشوؽَ { ،و َعلَى ُك ّْل َ
11
ناقة ضامر ،تقطع المهامو والمفاوز ،وتواصل السير ،حتى تأتي إلى أشرؼ األماكنِ { ،م ْن ُك ّْل فَ ٍّج َع ِم ٍ
يق }
أي :من كل بلد بعيد ،وقد فعل الخليل عليو السبلـ ،ثم من بعده ابنو محمد صلى اهلل عليو وسلم ،فدعيا
الناس إلى حج ىذا البيت ،وأبديا في ذلك وأعادا ،وقد حصل ما وعد اهلل بو ،أتاه الناس رجاال وركبانا من
مشارؽ األرض ومغاربها ،ثم ذكر فوائد زيارة بيت اهلل الحراـ ،مرغبا فيو فقاؿ { :لِيَ ْش َه ُدوا َمنَافِ َع لَ ُه ْم } أي:
لينالوا ببيت اهلل منافع دينية ،من العبادات الفاضلة ،والعبادات التي ال تكوف إال فيو ،ومنافع دنيوية ،من
اسم اللَّ ِو فِي أَيَّ ٍاـ م ْعلُوم ٍ
ات َ َ التكسب ،وحصوؿ األرباح الدنيوية ،وكل ىذا أمر مشاىد كل يعرفوَ { ،ويَ ْذ ُك ُروا ْ َ
يم ِة األنْػ َع ِاـ } وىذا من المنافع الدينية والدنيوية ،أي :ليذكروا اسم اهلل عند ذبح ِ
َعلَى َما َرَزقَػ ُه ْم م ْن بَ ِه َ
س الْ َف ِق َير } ِ ِ ِ
الهدايا ،شكرا هلل على ما رزقهم منها ،ويسرىا لهم ،فإذا ذبحتموىا { فَ ُكلُوا م ْنػ َها َوأَطْع ُموا الْبَائ َ
ضوا تَػ َفثَػ ُه ْم } أي :يقضوا نسكهم ،ويزيلوا الوسخ واألذى ،الذي لحقهم في أي :شديد الفقر { ،ثُ َّم لْيَػ ْق ُ
ورُى ْم } التي أوجبوىا على أنفسهم ،من الحج ،والعمرة والهداياَ { ،ولْيَطََّّوفُوا حاؿ اإلحراـَ { ،ولْيُوفُوا نُ ُذ َ
يق } أي :القديم ،أفضل المساجد على اإلطبلؽ ،المعتق :من تسلط الجبابرة عليو .وىذا أمر ت ال َْعتِ ِ بِالْبػ ْي ِ
َ
بالطواؼ ،خصوصا بعد األمر بالمناسك عموما ،لفضلو ،وشرفو ،ولكونو المقصود ،وما قبلو وسائل إليو.
ولعلو -واهلل أعلم أيضا -لفائدة أخرى ،وىو :أف الطواؼ مشروع كل وقت ،وسواء كاف تابعا لنسك ،أـ
مستقبل بنفسو.
س ج الر
ّْ واب اجتَنِف
َ م ك
ُ ي ل
َ ع ىَل ػ ت
ْ ػ ي ام اـ إَِّ
ال ع ػْنَاأل
ْ م ك
ُ ل
َ ت
ْ ات اللَّ ِو فَػهو َخيػر لَو ِع ْن َد ربِّْو وأ ِ
ُحلَّ ك ومن يػعظّْم حرم ِ َ ذَلِ
َ ْ ُ ْ ْ ْ َ ُ َ ُ َ ُ َ َ ُ ٌ ْ َ ُ َ ُ ُ ْ َ ُ ْ َ َ
الزوِر ()30 اجتَنِبُوا قَػ ْو َؿ ُّ ِمن ْاألَوثَ ِ
اف َو ْ َ ْ
اـ إِال َما يُػ ْتػلَى ات اللَّ ِو فَػهو َخيػر لَو ِع ْن َد ربِّْو وأ ِ
ُحلَّ ْ ك ومن يػعظّْم حرم ِ ِ
ت لَ ُك ُم األنْػ َع ُ َ َ َُ ٌْ ُ { َ { } 31 - 30ذل َ َ َ ْ ُ َ ْ ُ ُ َ
اجتَنِبُوا قَػ ْو َؿ ُّ
الزوِر } . الر ْجس ِمن األوثَ ِ َعلَْي ُكم فَ ْ ِ
اف َو ْ اجتَنبُوا ّْ َ َ ْ ْ
ك } الذي ذكرنا لكم من تلكم األحكاـ ،وما فيها من تعظيم حرمات اهلل وإجبللها وتكريمها ،ألف { َذلِ َ
تعظيم حرمات اهلل ،من األمور المحبوبة هلل ،المقربة إليو ،التي من عظمها وأجلها ،أثابو اهلل ثوابا جزيبل
وكانت خيرا لو في دينو ،ودنياه وأخراه عند ربو.
12
وحرمات اهلل :كل مالو حرمة ،وأمر باحترامو ،بعبادة أو غيرىا ،كالمناسك كلها ،وكالحرـ واإلحراـ،
وكالهدايا ،وكالعبادات التي أمر اهلل العباد بالقياـ بها ،فتعظيمها إجبللها بالقلب ،ومحبتها ،وتكميل العبودية
فيها ،غير متهاوف ،وال متكاسل ،وال متثاقل ،ثم ذكر منتو وإحسانو بما أحلو لعباده ،من بهيمة األنعاـ ،من
إبل وبقر وغنم ،وشرعها من جملة المناسك ،التي يتقرب بها إليو ،فعظمت منتو فيها من الوجهين { ،إِال َما
الدـ ولَحم ال ِ
ْخنزي ِر } اآلية ،ولكن ت َعلَْي ُك ُم ال َْم ْيتَةُ َو َّ ُ َ ْ ُ
يُػ ْتػلَى َعلَْي ُك ْم } في القرآف تحريمو من قولوُ { :ح ّْرَم ْ
الذي من رحمتو بعباده ،أف حرمو عليهم ،ومنعهم منو ،تزكية لهم ،وتطهيرا من الشرؾ بو وقوؿ الزور ،ولهذا
اف } أي :األنداد ،التي جعلتموىا آلهة مع اهلل، الر ْجس } أي :الخبث القذر { ِمن األوثَ ِ قاؿ { :فَ ْ ِ
َ ْ اجتَنبُوا ّْ َ
فإنها أكبر أنواع الرجس ،والظاىر أف { من } ىنا ليست لبياف الجنس ،كما قالو كثير من المفسرين ،وإنما
ىي للتبعيض ،وأف الرجس عاـ في جميع المنهيات المحرمات ،فيكوف [ ص ] 538منهيا عنها عموما،
اجتَنِبُوا قَػ ْو َؿ ُّ
الزوِر } أي :جميع األقواؿ المحرمات ،فإنها من وعن األوثاف التي ىي بعضها خصوصاَ { ،و ْ
قوؿ الزور الذي ىو الكذب ،ومن ذلك شهادة الزور فلما نهاىم عن الشرؾ والرجس وقوؿ الزور.
يح فِي الس َم ِاء فَػتَ ْخطَُفوُ الطَّْيػ ُر أ َْو تَػ ْه ِوي بِ ِو ّْ
الر ُ ين بِ ِو َوَم ْن يُ ْش ِر ْؾ بِاللَّ ِو فَ َكأَنَّ َما َخ َّر ِم َن َِّ حنَػ َف ِ ِ
اء للَّو غَْيػ َر ُم ْش ِرك َ
ُ َ
يق ( )31 اف َس ِح ٍم َك ٍ
َ
يح فِي الس َم ِاء فَػتَ ْخطَُفوُ الطَّْيػ ُر أ َْو تَػ ْه ِوي بِ ِو ّْ
الر ُ ين بِ ِو َوَم ْن يُ ْش ِر ْؾ بِاللَّ ِو فَ َكأَنَّ َما َخ َّر ِم َن َّ ِ { حنَػ َف ِ ِ
اء للَّو غَْيػ َر ُم ْش ِرك َ
ُ َ
يق } . اف َس ِح ٍم َك ٍ
َ
اء لِلَّ ِو } أي :مقبلين عليو وعلى عبادتو ،معرضين عما سواه. أمرىم أف يكونوا { ُحنَػ َف َ
الس َم ِاء } أي :سقط منها { فَػتَ ْخطَُفوُ الطَّْيػ ُر ين بِ ِو َوَم ْن يُ ْش ِر ْؾ بِاللَّ ِو } فمثلو { فَ َكأَنَّ َما َخ َّر ِم َن َّ ِ
{ غَْيػ َر ُم ْش ِرك َ
يق } أي :بعيد ،كذلك المشرؾ ،فاإليماف بمنزلة السماء، اف َس ِح ٍ الريح فِي م َك ٍ ِ
} بسرعة { أ َْو تَػ ْه ِوي بِو ّْ ُ َ
محفوظة مرفوعة.
ومن ترؾ اإليماف ،بمنزلة الساقط من السماء ،عرضة لآلفات والبليات ،فإما أف تخطفو الطير فتقطعو
أعضاء ،كذلك المشرؾ إذا ترؾ االعتصاـ باإليماف تخطفتو الشياطين من كل جانب ،ومزقوه ،وأذىبوا عليو
دينو ودنياه.
13
س ِّمى ثُ َّم َم ِحلُّ َها إِلَى ِ ِ ك َوَم ْن يُػ َعظّْ ْم َش َعائِر اللَّ ِو فَِإنَّػ َها ِم ْن تَػ ْق َوى الْ ُقلُ ِ
وب ( )32لَ ُك ْم ف َيها َمنَاف ُع إِلَى أ َ َذلِ َ
َج ٍل ُم َ َ
يق ()33 ت ال َْعتِ ِ الْبػ ْي ِ
َ
ِ ِ ك َوَم ْن يُػ َعظّْ ْم َش َعائِر اللَّ ِو فَِإنَّػ َها ِم ْن تَػ ْق َوى الْ ُقلُ ِ
وب * لَ ُك ْم ف َيها َمنَاف ُع إِلَى أ َ { { } 33 - 32ذَلِ َ
َج ٍل ُم َ
س ِّمى َ
يق } . ثُ َّم م ِحلُّ َها إِلَى الْبػ ْي ِ
ت ال َْعتِ ِ َ َ
أي :ذلك الذي ذكرنا لكم من تعظيم حرماتو وشعائره ،والمراد بالشعائر :أعبلـ الدين الظاىرة ،ومنها
الص َفا َوال َْم ْرَو َة ِم ْن َش َعائِ ِر اللَّ ِو } ومنها الهدايا والقرباف للبيت ،وتقدـ المناسك كلها ،كما قاؿ تعالى { :إِ َّف َّ
أف معنى تعظيمها ،إجبللها ،والقياـ بها ،وتكميلها على أكمل ما يقدر عليو العبد ،ومنها الهدايا ،فتعظيمها،
باستحسانها واستسمانها ،وأف تكوف مكملة من كل وجو ،فتعظيم شعائر اهلل صادر من تقوى القلوب،
فالمعظم لها يبرىن على تقواه وصحة إيمانو ،ألف تعظيمها ،تابع لتعظيم اهلل وإجبللو.
ِ ِ
س ِّمى } ىذا في الهدايا المسوقة ،من البدف ونحوىا، { لَ ُك ْم ف َيها } أي[ :في] الهدايا { َمنَاف ُع إِلَى أ َ
َج ٍل ُم َ
س ِّمى } مقدر ،موقت وىو َج ٍل ُم َ ينتفع بها أربابها ،بالركوب ،والحلب ونحو ذلك ،مما ال يضرىا { إِلَى أ َ
يق ،أي :الحرـ كلو " منى " وغيرىا ،فإذا ذبحت ،أكلوا منها ت ال َْعتِ ِذبحها إذا وصلت م ِحلُّ َها وىو الْبػ ْي ِ
َ َ
وأىدوا ،وأطعموا البائس الفقير.
َسلِ ُموا ِ ولِ ُك ّْل أ َُّم ٍة جعلْنَا م ْنس ًكا لِي ْذ ُكروا اسم اللَّ ِو َعلَى ما رَزقَػهم ِمن ب ِه ِ
يمة ْاألَنْػ َع ِاـ فَِإلَ ُه ُك ْم إِلَوٌ َواح ٌد فَػلَوُ أ ْ
َ َ ُْ ْ َ َ ََ َ َ َ ُ ْ َ َ
الص َبلةِ الصابِ ِرين َعلَى ما أَصابػ ُهم والْم ِق ِ ين إِذَا ذُكِ َر اللَّوُ َو ِجلَ ْ َّ ِ ِِ
يمي َّ َ ََ ْ َ ُ ت قُػلُوبُػ ُه ْم َو َّ َ ين ( )34الذ َ ش ِر ال ُْم ْخبت َ َوبَ ّْ
اى ْم يُػ ْن ِف ُقو َف ()35 ِ
َوم َّما َرَزقػْنَ ُ
يم ِة األنْػ َع ِاـ فَِإلَ ُه ُك ْم إِلَوٌ ِ ِ ِ ٍ ِ
اس َم اللَّو َعلَى َما َرَزقَػ ُه ْم م ْن بَ ِه َ
س ًكا ليَ ْذ ُك ُروا ْ{ َ { } 35 - 34ول ُك ّْل أ َُّمة َج َعلْنَا َم ْن َ
ت قُػلُوبُػ ُه ْم و َّ ِ ين إِ َذا ذُكِ َر اللَّوُ َو ِجلَ ْ َّ ِ ِِ َسلِ ُموا َوبَ ّْ ِ
َصابَػ ُه ْم
ين َعلَى َما أ َ الصاب ِر َ َ ين * الذ َ ش ِر ال ُْم ْخبت َ َواح ٌد فَػلَوُ أ ْ
اى ْم يُػ ْن ِف ُقو َف } . يمي َّ ِ ِ والْم ِق ِ
الصبلة َوم َّما َرَزقػْنَ ُ َ ُ
أي :ولكل أمة من األمم السالفة جعلنا منسكا ،أي :فاستبقوا إلى الخيرات وتسارعوا إليها ،ولننظر أيكم
أحسن عمبل والحكمة في جعل اهلل لكل أمة منسكا ،إلقامة ذكره ،وااللتفات لشكره ،ولهذا قاؿ{ :
14
اح ٌد } وإف اختلفت أجناس الشرائع ،فكلها لِي ْذ ُكروا اسم اللَّ ِو علَى ما رَزقَػهم ِمن ب ِهيم ِة األنْػع ِاـ فَِإلَه ُكم إِلَوٌ و ِ
ُ ْ َ َ َ َ َ ُْ ْ َ َ َ ُ َْ
َسلِ ُموا }متفقة على ىذا األصل ،وىو ألوىية اهلل ،وإفراده بالعبودية ،وترؾ الشرؾ بو ولهذا قاؿ { :فَػلَوُ أ ْ
ِِ
ش ِر ال ُْم ْخبت َ
ين أي :انقادوا واستسلموا لو ال لغيره ،فإف اإلسبلـ لو طريق إلى الوصوؿ إلى دار السبلـَ { .وبَ ّْ
} بخير الدنيا واآلخرة ،والمخبت :الخاضع لربو ،المستسلم ألمره ،المتواضع لعباده ،ثم ذكر صفات
ت قُػلُوبُػ ُه ْم } أي :خوفا وتعظيما ،فتركوا لذلك المحرمات، ين إِذَا ذُكِ َر اللَّوُ َو ِجلَ ْ َّ ِ
المخبتين فقاؿ { :الذ َ
لخوفهم ووجلهم من اهلل وحده { ،و َّ ِ
َصابَػ ُه ْم } من البأساء والضراء ،وأنواع األذى ،فبل ين َعلَى َما أ َ الصاب ِر َ َ
يجري منهم التسخط لشيء من ذلك ،بل صبروا ابتغاء وجو ربهم ،محتسبين ثوابو ،مرتقبين أجره{ ،
الصبلةِ } أي :الذين جعلوىا قائمة مستقيمة كاملة ،بأف أدوا البلزـ فيها والمستحب ،وعبوديتها يمي َّ والْم ِق ِ
َ ُ
اى ْم يُػ ْن ِف ُقو َف } وىذا يشمل جميع النفقات الواجبة ،كالزكاة ،والكفارة ،والنفقة ِ
الظاىرة والباطنةَ { ،وم َّما َرَزقػْنَ ُ
على الزوجات والمماليك ،واألقارب ،والنفقات المستحبة ،كالصدقات بجميع وجوىها ،وأتي بػ { من }
المفيدة للتبعيض ،ليعلم سهولة ما أمر اهلل بو ورغب فيو ،وأنو جزء يسير مما رزؽ اهلل ،ليس للعبد في
تحصيلو قدرة ،لوال تيسير اهلل لو ورزقو إياه .فيا أيها المرزوؽ من فضل اهلل ،أنفق مما رزقك اهلل ،ينفق اهلل
عليك ،ويزدؾ من فضلو.
ِ ِ ِ ِ
ت ُجنُوبُػ َها اؼ فَِإذَا َو َجبَ ْص َو َّ اىا لَ ُك ْم م ْن َش َعائِ ِر اللَّو لَ ُك ْم ف َيها َخ ْيػ ٌر فَاذْ ُك ُروا ْ
اس َم اللَّو َعلَْيػ َها َ َوالْبُ ْد َف َج َعلْنَ َ
وم َها َوَال اؿ اللَّوَ لُ ُح ُ
اىا لَ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َف ( )36لَ ْن يَػنَ َ ك َسخ َّْرنَ َ فَ ُكلُوا ِم ْنػ َها َوأَط ِْع ُموا الْ َقانِ َع َوال ُْم ْعتَػ َّر َك َذلِ َ
ين ()37 ِِ
ش ِر ال ُْم ْحسن َ َّرَىا لَ ُك ْم لِتُ َكبّْػ ُروا اللَّوَ َعلَى َما َى َدا ُك ْم َوبَ ّْك َسخ َ ِد َما ُؤ َىا َولَ ِك ْن يَػنَالُوُ التَّػ ْق َوى ِم ْن ُك ْم َك َذلِ َ
15
فتعظم وتستسمن ،وتستحسن { ،لَ ُك ْم فِ َيها َخ ْيػ ٌر } أي :المهدي وغيره ،من األكل ،والصدقة ،واالنتفاع،
ِ
اؼ اس َم اللَّو َعلَْيػ َها } أي :عند ذبحها قولوا " بسم اهلل "س واذبحوىاَ { ،
ص َو َّ والثواب ،واألجر { ،فَاذْ ُك ُروا ْ
} أي :قائمات ،بأف تقاـ على قوائمها األربع ،ثم تعقل يدىا اليسرى ،ثم تنحر.
ت ُجنُوبُػ َها } أي :سقطت في األرض جنوبها ،حين تسلخ ،ثم يسقط الجزار جنوبها على { فَِإذَا َو َجبَ ْ
األرض ،فحينئذ قد استعدت ألف يؤكل منها { ،فَ ُكلُوا ِم ْنػ َها } وىذا خطاب للمهدي ،فيجوز لو األكل من
ىديوَ { ،وأَط ِْع ُموا الْ َقانِ َع َوال ُْم ْعتَػ َّر } أي :الفقير الذي ال يسأؿ ،تقنعا ،وتعففا ،والفقير الذي يسأؿ ،فكل
منهما لو حق فيهما.
اىا لَ ُك ْم } أي :البدف { لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َف } اهلل على تسخيرىا ،فإنو لوال تسخيره لها ،لمك َسخ َّْرنَ َ { َك َذلِ َ
يكن لكم بها طاقة ،ولكنو ذللها لكم وسخرىا ،رحمة بكم وإحسانا إليكم [ ،ص ] 539فاحمدوه.
وم َها َوال ِد َما ُؤ َىا } أي :ليس المقصود منها ذبحها فقط .وال يناؿ اهلل من لحومها اؿ اللَّوَ لُ ُح ُ
وقولو { :لَ ْن يَػنَ َ
وال دمائها شيء ،لكونو الغني الحميد ،وإنما ينالو اإلخبلص فيها ،واالحتساب ،والنية الصالحة ،ولهذا
قاؿَ { :ولَ ِك ْن يَػنَالُوُ التَّػ ْق َوى ِم ْن ُك ْم } ففي ىذا حث وترغيب على اإلخبلص في النحر ،وأف يكوف القصد
وجو اهلل وحده ،ال فخرا وال رياء ،وال سمعة ،وال مجرد عادة ،وىكذا سائر العبادات ،إف لم يقترف بها
اإلخبلص وتقوى اهلل ،كانت كالقشور الذي ال لب فيو ،والجسد الذي ال روح فيو.
َّرَىا لَ ُك ْم لِتُ َكبّْػ ُروا اللَّوَ } أي :تعظموه وتجلوهَ { ،علَى َما َى َدا ُك ْم } أي :مقابلة لهدايتو إياكم، { َك َذلِ َ
ك َسخ َ
ِِ
ش ِر ال ُْم ْحسن َ
ين } بعبادة اهلل بأف يعبدوا اهلل، فإنو يستحق أكمل الثناء وأجل الحمد ،وأعلى التعظيمَ { ،وبَ ّْ
كأنهم يرونو ،فإف لم يصلوا إلى ىذه الدرجة فليعبدوه ،معتقدين وقت عبادتهم اطبلعو عليهم ،ورؤيتو
إياىم ،والمحسنين لعباد اهلل ،بجميع وجوه اإلحساف من نفع ماؿ ،أو علم ،أو جاه ،أو نصح ،أو أمر
بمعروؼ ،أو نهي عن منكر ،أو كلمة طيبة ونحو ذلك ،فالمحسنوف لهم البشارة من اهلل ،بسعادة الدنيا
ِِ اإلحس ِ
سا ُف } { للَّذ َ
ين اف إِال ْ
اإلح َ واآلخرة وسيحسن اهلل إليهم ،كما أحسنوا في عبادتو ولعباده { َى ْل َج َزاءُ ْ َ
ْح ْسنَى َوِزيَ َ
ادةٌ } سنُوا ال ُ َح َأْ
آمنُوا إِ َّف اللَّوَ َال يُ ِح ُّ
ب ُك َّل َخ َّو ٍ
اف َك ُفوٍر ()38 َّ ِ ِ
إِ َّف اللَّوَ يُ َداف ُع َع ِن الذ َ
ين َ
16
آمنُوا إِ َّف اللَّوَ ال يُ ِح ُّ
ب ُك َّل َخ َّو ٍ
اف َك ُفوٍر } . َّ ِ ِ
{ { } 38إِ َّف اللَّوَ يُ َداف ُع َع ِن الذ َ
ين َ
ىذا إخبار ووعد وبشارة من اهلل ،للذين آمنوا ،أف اهلل يدافع عنهم كل مكروه ،ويدفع عنهم كل شر -
بسبب إيمانهم -من شر الكفار ،وشر وسوسة الشيطاف ،وشرور أنفسهم ،وسيئات أعمالهم ،ويحمل عنهم
عند نزوؿ المكاره ،ما ال يتحملوف ،فيخفف عنهم غاية التخفيف .كل مؤمن لو من ىذه المدافعة والفضيلة
بحسب إيمانو ،فمستقل ومستكثر.
{ إِ َّف اللَّوَ ال يُ ِح ُّ
ب ُك َّل َخ َّو ٍ
اف } أي :خائن في أمانتو التي حملو اهلل إياىا ،فيبخس حقوؽ اهلل عليو،
ويخونها ،ويخوف الخلق.
ور } لنعم اهلل ،يوالي عليو اإلحساف ،ويتوالى منو الكفر والعصياف ،فهذا ال يحبو اهلل ،بل يبغضو
{ َك ُف ٌ
ويمقتو ،وسيجازيو على كفره وخيانتو ،ومفهوـ اآلية ،أف اهلل يحب كل أمين قائم بأمانتو ،شكور لمواله.
ين أُ ْخ ِر ُجوا ِم ْن ِديَا ِرِى ْم بِغَْي ِر َح ٍّق إَِّال َّ ِ أ ُِذ َف لِلَّ ِذين يػ َقاتَػلُو َف بِأَنَّػهم ظُلِموا وإِ َّف اللَّوَ َعلَى نَ ْ ِ ِ
ص ِرى ْم لََقد ٌير ( )39الذ َ ُْ ُ َ َُ
اج ُد يُ ْذ َك ُر فِ َيها
ات ومس ِ ت ِ َّ ِ
صلَ َو ٌ َ َ َ ص َوام ُع َوبِيَ ٌع َو َ ّْم ْ َ
ض لَ ُهد َ ض ُه ْم بِبَػ ْع ٍ َّاس بَػ ْع َ َّ
أَ ْف يَػ ُقولُوا َربُّػنَا اللوُ َولَ ْوَال َدفْ ُع اللو الن َ
ض أَقَ ُامواَّاى ْم فِي ْاأل َْر ِين إِ ْف َم َّكن ُ َّ ِ
ي َع ِز ٌيز ( )40الذ َ ص ُرهُ إِ َّف اللَّوَ لََق ِو ّّ
ص َر َّف اللَّوُ َم ْن يَػ ْن ُ
ْ ِ ِ
اس ُم اللَّو َكث ًيرا َولَيَػ ْن ُ
وؼ َونَػ َه ْوا َع ِن ال ُْم ْن َك ِر َولِلَّ ِو َعاقِبَةُ ْاأل ُُموِر ()41الزَكاةَ وأَمروا بِالْمعر ِ
الص َبلةَ َوآتَػ ُوا َّ َ َ ُ َ ْ ُ َّ
ين أُ ْخ ِر ُجوا ِم ْن َّ ِ { { } 41 - 39أ ُِذ َف لِلَّ ِذين يػ َقاتَػلُو َف بِأَنَّػهم ظُلِموا وإِ َّف اللَّوَ َعلَى نَ ْ ِ ِ
ص ِرى ْم لََقد ٌير * الذ َ ُْ ُ َ َُ
ت ِ َّ ِ ِ ِ ِ
ات ص َوام ُع َوبِيَ ٌع َو َ
صلَ َو ٌ ّْم ْ َ ض ُه ْم بِبَػ ْع ٍ
ض لَ ُهد َ َّاس بَػ ْع َ َّ ِ
ديَا ِرى ْم بغَْي ِر َح ٍّق إال أَ ْف يَػ ُقولُوا َربُّػنَا اللوُ َولَ ْوال َدفْ ُع اللو الن َ
َّاى ْم فِي ين إِ ْف َم َّكن ُ َّ ِ
ي َع ِز ٌيز * الذ َ ص ُرهُ إِ َّف اللَّوَ لََق ِو ّّ
ص َر َّف اللَّوُ َم ْن يَػ ْن ُ
اج ُد ي ْذ َكر فِ َيها ْ ِ ِ
اس ُم اللَّو َكث ًيرا َولَيَػ ْن ُ س ُ ُ
وم ِ
ََ َ
ِِ ِ ِ
األموِر } . الزَكا َة َوأ ََم ُروا بِال َْم ْع ُروؼ َونَػ َه ْوا َع ِن ال ُْم ْن َك ِر َوللَّو َعاقبَةُ ُ الصبل َة َوآتَػ ُوا َّ
ض أَقَ ُاموا َّاألر ِ
ْ
كاف المسلموف في أوؿ اإلسبلـ ممنوعين من قتاؿ الكفار ،ومأمورين بالصبر عليهم ،لحكمة إلهية ،فلما
ِ ِِ
ىاجروا إلى المدينة ،وأوذوا ،وحصل لهم منعة وقوة ،أذف لهم بالقتاؿ ،قاؿ تعالى { :أُذ َف للَّذ َ
ين يُػ َقاتَػلُو َف }
يفهم منو أنهم كانوا قبل ممنوعين ،فأذف اهلل لهم بقتاؿ الذين يقاتلوف ،وإنما أذف لهم ،ألنهم ظلموا،
بمنعهم من دينهم ،وأذيتهم عليو ،وإخراجهم من ديارىم.
17
ين أُ ْخ ِر ُجوا َّ ِ { وإِ َّف اللَّوَ َعلَى نَ ْ ِ ِ
ص ِرى ْم لََقد ٌير } فليستنصروه ،وليستعينوا بو ،ثم ذكر صفة ظلمهم فقاؿ { :الذ َ َ
ِم ْن ِديَا ِرِى ْم } أي :ألجئوا إلى الخروج باألذية والفتنة { بِغَْي ِر َح ٍّق إِال } أف ذنبهم الذي نقم منهم أعداؤىم {
أَ ْف يَػ ُقولُوا َربُّػنَا اللَّوُ } أي :إال أنهم وحدوا اهلل ،وعبدوه مخلصين لو الدين ،فإف كاف ىذا ذنبا ،فهو ذنبهم
يد } وىذا يدؿ على حكمة الجهاد ،وأف كقولو تعالى { :وما نَػ َقموا ِم ْنػهم إِال أَ ْف يػ ْؤِمنُوا بِاللَّ ِو الْع ِزي ِز الْح ِم ِ
َ َ ُ ََ ُ ُ ْ
المقصود منو إقامة دين اهلل ،وذب الكفار المؤذين للمؤمنين ،البادئين لهم باالعتداء ،عن ظلمهم
ض ُه ْمَّاس بَػ ْع َ َّ ِ
واعتدائهم ،والتمكن من عبادة اهلل ،وإقامة الشرائع الظاىرة ،ولهذا قاؿَ { :ولَ ْوال َدفْ ُع اللو الن َ
ات ومس ِ ت ِ
اج ُد } ص َوام ُع َوبِيَ ٌع َو َ
صلَ َو ٌ َ َ َ ّْم ْ َ
ض } فيدفع اهلل بالمجاىدين في سبيلو ضرر الكافرين { ،لَ ُهد َ بِبَػ ْع ٍ
أي :لهدمت ىذه المعابد الكبار ،لطوائف أىل الكتاب ،معابد اليهود والنصارى ،والمساجد للمسلمين{ ،
اس ُم اللَّ ِو َكثِ ًيرا } تقاـ فيها الصلوات ،وتتلى فيها كتب اهلل ،ويذكر فيها يُ ْذ َك َر ف َيها } أي :في ىذه المعابد { ْ
ِ
اسم اهلل بأنواع الذكر ،فلوال دفع اهلل الناس بعضهم ببعض ،الستولى الكفار على المسلمين ،فخربوا
معابدىم ،وفتنوىم عن دينهم ،فدؿ ىذا ،أف الجهاد مشروع ،ألجل دفع الصائل والمؤذي ،ومقصود لغيره،
ودؿ ذلك على أف البلداف التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة اهلل ،وعمرت مساجدىا ،وأقيمت فيها شعائر
الدين كلها ،من فضائل المجاىدين وببركتهم ،دفع اهلل عنها الكافرين ،قاؿ اهلل تعالىَ { :ولَ ْوال َدفْ ُع اللَّ ِو
ِ ض َولَ ِك َّن اللَّوَ ذُو فَ ْ
ض ٍل َعلَى ال َْعالَم َ
ين } األر ُ ض لََف ِ
س َدت ْ النَّاس بَػ ْع َ ِ
ض ُه ْم ببَػ ْع ٍ َ َ
فإف قلت :نرى اآلف مساجد المسلمين عامرة لم تخرب ،مع أنها كثير منها إمارة صغيرة ،وحكومة غير
منظمة ،مع أنهم ال يداف لهم بقتاؿ من جاورىم من اإلفرنج ،بل نرى المساجد التي تحت واليتهم
وسيطرتهم عامرة ،وأىلها آمنوف مطمئنوف ،مع قدرة والتهم من الكفار على ىدمها ،واهلل أخبر أنو لوال دفع
اهلل الناس بعضهم ببعض ،لهدمت ىذه المعابد ،ونحن ال نشاىد دفعا.
أجيب بأف ىذا السؤاؿ واالستشكاؿ ،داخل في عموـ ىذه اآلية وفرد من أفرادىا ،فإف من عرؼ أحواؿ
الدوؿ اآلف ونظامها ،وأنها تعتبر كل أمة وجنس تحت واليتها ،وداخل في حكمها ،تعتبره عضوا من أعضاء
المملكة ،وجزء من أجزاء الحكومة ،سواء كانت تلك األمة [ ص ] 540مقتدرة بعددىا أو عددىا ،أو
مالها ،أو عملها ،أو خدمتها ،فتراعي الحكومات مصالح ذلك الشعب ،الدينية والدنيوية ،وتخشى إف لم
18
تفعل ذلك أف يختل نظامها ،وتفقد بعض أركانها ،فيقوـ من أمر الدين بهذا السبب ما يقوـ ،خصوصا
المساجد ،فإنها -وهلل الحمد -في غاية االنتظاـ ،حتى في عواصم الدوؿ الكبار.
وتراعي تلك الدوؿ الحكومات المستقلة ،نظرا لخواطر رعاياىم المسلمين ،مع وجود التحاسد والتباغض
بين دوؿ النصارى ،الذي أخبر اهلل أنو ال يزاؿ إلى يوـ القيامة ،فتبقى الحكومة المسلمة ،التي ال تقدر
تدافع عن نفسها ،سالمة من [كثير] ( )1ضررىم ،لقياـ الحسد عندىم ،فبل يقدر أحدىم أف يمد يده
عليها ،خوفا من احتمائها باآلخر ،مع أف اهلل تعالى ال بد أف يري عباده من نصر اإلسبلـ والمسلمين ،ما
قد وعد بو في كتابو.
وقد ظهرت -وهلل الحمد -أسبابو [بشعور المسلمين بضرورة رجوعهم إلى دينهم والشعور مبدأ العمل]
ص َر َّف اللَّوُ َم ْن
( )2فنحمده ونسألو أف يتم نعمتو ،ولهذا قاؿ في وعده الصادؽ المطابق للواقعَ { :ولَيَػ ْن ُ
ص ُرهُ } أي :يقوـ بنصر دينو ،مخلصا لو في ذلك ،يقاتل في سبيلو ،لتكوف كلمة اهلل ىي العليا. يَػ ْن ُ
{ إِ َّف اللَّوَ لََق ِو ّّ
ي َع ِز ٌيز } أي :كامل القوة ،عزيز ال يراـ ،قد قهر الخبلئق ،وأخذ بنواصيهم ،فأبشروا ،يا
معشر المسلمين ،فإنكم وإف ضعف عددكم وعددكم ،وقوي عدد عدوكم وعدتهم ( )3فإف ركنكم القوي
العزيز ،ومعتمدكم على من خلقكم وخلق ما تعملوف ،فاعملوا باألسباب المأمور بها ،ثم اطلبوا منو نصركم،
فبل بد أف ينصركم.
َّ ِ
ت أَقْ َد َام ُك ْم } وقوموا ،أيها المسلموف ،بحق اإليماف ص ُروا اللَّوَ يَػ ْن ُ
ص ْرُك ْم َويُػثَبّْ ْ آمنُوا إِ ْف تَػ ْن ُ ين َ { يَا أَيُّػ َها الذ َ
ض َك َما األر ِ ات لَيستَ ْخلِ َفنػ ِ والعمل الصالح ،فقد { و َع َد اللَّوُ الَّ ِذين آمنُوا ِم ْن ُكم و َع ِملُوا َّ ِ ِ
َّه ْم في ْ ُ الصال َح َ ْ َْ َ َ َ
َّه ْم ِم ْن بَػ ْع ِد َخ ْوفِ ِه ْم أ َْمنًا يَػ ْعبُ ُدونَنِي ين ِم ْن قَػ ْبلِ ِه ْم َولَيُ َم ّْكنَ َّن لَ ُه ْم ِدينَػ ُه ُم الَّ ِذي ْارتَ َ
ضى لَ ُه ْم َولَيُبَ ّْدلَنػ ُ
استَ ْخلَ َ َّ ِ
ف الذ َ ْ
ال يُ ْش ِرُكو َف بِي َش ْيئًا }
ثم ذكر عبلمة من ينصره ،وبها يعرؼ ،أف من ادعى أنو ينصر اهلل وينصر دينو ،ولم يتصف بهذا الوصف،
ض } أي :ملكناىم إياىا ،وجعلناىم المتسلطين عليها ،من األر ِ فهو كاذب فقاؿ { :الَّ ِذين إِ ْف م َّكن ُ ِ
َّاى ْم في ْ َ َ
غير منازع ينازعهم ،وال معارض { ،أَقَ ُاموا َّ
الصبل َة } في أوقاتها ،وحدودىا ،وأركانها ،وشروطها ،في الجمعة
والجماعات.
19
{ َوآتُوا َّ
الزَكا َة } التي عليهم خصوصا ،وعلى رعيتهم عموما ،آتوىا أىلها ،الذين ىم أىلهاَ { ،وأ ََم ُروا
وؼ } وىذا يشمل كل معروؼ حسنو شرعا وعقبل من حقوؽ اهلل ،وحقوؽ اآلدميينَ { ،ونَػ َه ْوا َع ِن بِالْمعر ِ
َ ُْ
ال ُْم ْن َك ِر } كل منكر شرعا وعقبل معروؼ قبحو ،واألمر بالشيء والنهي عنو يدخل فيو ما ال يتم إال بو ،فإذا
كاف المعروؼ والمنكر يتوقف على تعلم وتعليم ،أجبروا الناس على التعلم والتعليم ،وإذا كاف يتوقف على
تأديب مقدر شرعا ،أو غير مقدر ،كأنواع التعزير ،قاموا بذلك ،وإذا كاف يتوقف على جعل أناس متصدين
لو ،لزـ ذلك ،ونحو ذلك مما ال يتم األمر بالمعروؼ والنهي عن المنكر إال بو.
ِِ ِ
{ َوللَّو َعاقبَةُ ُ
األموِر } أي :جميع األمور ،ترجع إلى اهلل ،وقد أخبر أف العاقبة للتقوى ،فمن سلطو اهلل على
العباد من الملوؾ ،وقاـ بأمر اهلل ،كانت لو العاقبة الحميدة ،والحالة الرشيدة ،ومن تسلط عليهم
بالجبروت ،وأقاـ فيهم ىوى نفسو ،فإنو وإف حصل لو ملك موقت ،فإف عاقبتو غير حميدة ،فواليتو
مشئومة ،وعاقبتو مذمومة.
اب ٍ ِ ِ َوإِ ْف يُ َك ّْذبُ َ
وؾ فَػ َق ْد َك َّذبَ ْ
َص َح ُ يم َوقَػ ْو ُـ لُوط (َ )43وأ ْ ود (َ )42وقَػ ْو ُـ إبْػ َراى َ وح َو َعا ٌد َوثَ ُم ُ ت قَػ ْبػلَ ُه ْم قَػ ْو ُـ نُ ٍ
اىا َو ِى َي ِ م ْدين وُك ّْذب موسى فَأَملَي ُ ِ ِ
ف َكا َف نَ ِكي ِر ( )44فَ َكأَيّْ ْن م ْن قَػ ْريٍَة أ َْىلَ ْكنَ َ َخ ْذتُػ ُه ْم فَ َك ْي َ ت ل ْل َكاف ِر َ
ين ثُ َّم أ َ َ ََ َ َ ُ َ ْ ْ
يد ( )45أَفَػلَ ْم يَ ِس ُيروا فِي ْاأل َْر ِ ص ٍر م ِش ٍ ٍ ِ ِ
وب
ض فَػتَ ُكو َف لَ ُه ْم قُػلُ ٌ ظَال َمةٌ فَ ِه َي َخا ِويَةٌ َعلَى عُ ُروش َها َوبِْئ ٍر ُم َعطَّلَة َوقَ ْ َ
الص ُدوِر ()46 وب الَّتِي فِي ُّ ِ
ار َولَك ْن تَػ ْع َمى الْ ُقلُ ُ
صُ يَػ ْعقلُو َف بِ َها أ َْو آذَا ٌف يَ ْس َمعُو َف بِ َها فَِإنَّػ َها َال تَػ ْع َمى ْاألَبْ َ
ِ
20
{ وُك ّْذب موسى فَأَملَي ُ ِ ِ
ت ل ْل َكاف ِر َ
ين } المكذبين ،فلم أعاجلهم بالعقوبة ،بل أمهلتهم ،حتى استمروا في َ َ ُ َ ْْ
َخ ْذتُػ ُه ْم } بالعذاب أخذ عزيز مقتدر
طغيانهم يعمهوف ،وفي كفرىم [ ص ] 541وشرىم يزدادوف { ،ثُ َّم أ َ
ف َكا َف نَ ِكي ِر } أي :إنكاري عليهم كفرىم ،وتكذيبهم كيف حالو ،كاف أشد العقوبات ،وأفظع{ فَ َك ْي َ
المثبلت ،فمنهم من أغرقو ،ومنهم من أخذتو الصيحة ،ومنهم من أىلك بالريح العقيم ،ومنهم من خسف
بو األرض ،ومنهم من أرسل عليو عذاب يوـ الظلة ،فليعتبر بهم ىؤالء المكذبوف ،أف يصيبهم ما أصابهم،
فإنهم ليسوا خيرا منهم ،وال كتب لهم براءة في الكتب المنزلة من اهلل ،وكم من المعذبين المهلكين أمثاؿ
ِ
اىا } بالعذاب الشديد ،والخزي ىؤالء كثير ،ولهذا قاؿ { :فَ َكأَيّْ ْن م ْن قَػ ْريٍَة } أي :وكم من قرية { أ َْىلَ ْكنَ َ
الدنيويَ { ،و ِى َي ظَالِ َمةٌ } بكفرىا باهلل وتكذيبها لرسلو ،لم يكن عقوبتنا لها ظلما منا { ،فَ ِه َي َخا ِويَةٌ َعلَى
وش َها } أي :فديارىم متهدمة ،قصورىا ،وجدرانها ،قد سقطت عروشها ،فأصبحت خرابا بعد أف كانت عُر ِ
ُ
ص ٍر م ِش ٍ ٍ
يد } أي :وكم من بئر ،قد كاف عامرة ،وموحشة بعد أف كانت آىلة بأىلها آنسةَ { ،وبِْئ ٍر ُم َعطَّلَة َوقَ ْ َ
يزدحم عليو الخلق ،لشربهم ،وشرب مواشيهم ،ففقد أىلو ،وعدـ منو الوارد والصادر ،وكم من قصر ،تعب
عليو أىلو ،فشيدوه ،ورفعوه ،وحصنوه ،وزخرفوه ،فحين جاءىم أمر اهلل ،لم يغن عنهم شيئا ،وأصبح خاليا
من أىلو ،قد صاروا عبرة لمن اعتبر ،ومثاال لمن فكر ونظر.
األر ِ ِ ِ
ض } بأبدانهم ولهذا دعا اهلل عباده إلى السير في األرض ،لينظروا ،ويعتبروا فقاؿ { :أَفَػلَ ْم يَس ُيروا في ْ
وب يَػ ْع ِقلُو َف بِ َها } آيات اهلل ويتأملوف بها مواقع عبره { ،أ َْو آذَا ٌف يَ ْس َمعُو َف بِ َها } وقلوبهم { فَػتَ ُكو َف لَ ُه ْم قُػلُ ٌ
أخبار األمم الماضين ،وأنباء القروف المعذبين ،وإال فمجرد نظر العين ،وسماع األذف ،وسير البدف الخالي
ار َولَ ِك ْن صُمن التفكر واالعتبار ،غير مفيد ،وال موصل إلى المطلوب ،ولهذا قاؿ { :فَِإنَّػ َها ال تَػ ْع َمى األبْ َ
الص ُدوِر } أي :ىذا العمى الضار في الدين ،عمى القلب عن الحق ،حتى ال وب الَّتِي فِي ُّ تَػ ْع َمى الْ ُقلُ ُ
يشاىده كما ال يشاىد األعمى المرئيات ،وأما عمى البصر ،فغايتو بلغة ،ومنفعة دنيوية.
ْف َسنَ ٍة ِم َّما تَػعُ ُّدو َف (َ )47وَكأَيّْ ْن ِم ْن ف اللَّوُ َو ْع َدهُ َوإِ َّف يَػ ْوًما ِع ْن َد َربّْ َ
ك َكأَل ِ اب َولَ ْن يُ ْخلِ َ َويَ ْستَػ ْع ِجلُونَ َ
ك بِال َْع َذ ِ
ص ُير ()48 ت لَ َها و ِىي ظَالِمةٌ ثُ َّم أَ َخ ْذتُػ َها وإِلَ َّي الْم ِ ٍ
َ َ قَػ ْريَة أ َْملَْي ُ َ َ َ
21
ْف َسنَ ٍة ِم َّما تَػعُ ُّدو َف ف اللَّوُ َو ْع َدهُ َوإِ َّف يَػ ْوًما ِع ْن َد َربّْ َ
ك َكأَل ِ اب َولَ ْن يُ ْخلِ َ ك بِال َْع َذ ِ { َ { } 48 - 47ويَ ْستَػ ْع ِجلُونَ َ
ص ُير } . َ َ ت لَ َها َو ِى َي ظَالِ َمةٌ ثُ َّم أ َ
َخ ْذتُػ َها وإِلَ َّي الْم ِ * َوَكأَيّْ ْن ِم ْن قَػ ْريٍَة أ َْملَْي ُ
أي :يستعجلك ىؤالء المكذبوف بالعذاب ،لجهلهم ،وظلمهم ،وعنادىم ،وتعجيزا هلل ،وتكذيبا لرسلو ،ولن
يخلف اهلل وعده ،فما وعدىم بو من العذاب ،ال بد من وقوعو ،وال يمنعهم منو مانع ،وأما عجلتو،
والمبادرة فيو ،فليس ذلك إليك يا محمد ،وال يستفزنك عجلتهم وتعجيزىم إيانا .فإف أمامهم يوـ القيامة،
الذي يجمع فيو أولهم وآخرىم ،ويجازوف بأعمالهم ،ويقع بهم العذاب الدائم األليم ،ولهذا قاؿَ { :وإِ َّف
ْف َسنَ ٍة ِم َّما تَػعُ ُّدو َف } من طولو ،وشدتو ،وىو لو ،فسواء أصابهم عذاب في الدنيا ،أـ يَػ ْوًما ِع ْن َد َربّْ َ
ك َكأَل ِ
تأخر عنهم العذاب ،فإف ىذا اليوـ ،ال بد أف يدركهم.
ويحتمل أف المراد :أف اهلل حليم ،ولو استعجلوا العذاب ،فإف يوما عنده كألف سنة مما تعدوف ،فالمدة،
وإف تطاولتموىا ،واستبطأتم فيها نزوؿ العذاب ،فإف اهلل يمهل المدد الطويلة وال يهمل ،حتى إذا أخذ
الظالمين بعذابو لم يفلتهم.
ت لَ َها } أي :أمهلتها مدة طويلة { َو ِى َي ظَالِ َمةٌ } أي :مع ظلمهم ،فلم يكن مبادرتهم { َوَكأَيّْ ْن ِم ْن قَػ ْريٍَة أ َْملَْي ُ
َخ ْذتُػ َها } بالعذاب { وإِلَ َّي الْم ِ
ص ُير } أي :مع عذابها في الدنيا، بالظلم ،موجبا لمبادرتنا بالعقوبة { ،ثُ َّم أ َ
َ َ
سترجع إلى اهلل ،فيعذبها بذنوبها ،فليحذر ىؤالء الظالموف من حلوؿ عقاب اهلل ،وال يغتروا باإلمهاؿ.
ِ قُل يا أَيُّػ َها النَّاس إِنَّما أَنَا لَ ُكم نَ ِذير مبِين ( )49فَالَّ ِذين آمنُوا و َع ِملُوا َّ ِ ِ
الصال َحات لَ ُه ْم َمغْف َرةٌ َوِرْز ٌؽ َك ِر ٌ
يم َ َ َ ْ ٌ ُ ٌ ُ َ َْ
يم ()51 ْج ِح ِ
اب ال َ
َص َح ُ كأ ْ ين أُولَئِ َ ِ ِ ِ
ين َس َع ْوا في آيَاتنَا ُم َعاج ِز َ
َّ ِ
( َ )50والذ َ
الصالِح ِ
ات لَ ُه ْم َم ْغ ِف َرةٌ ِ َّ ِ ِ
آمنُوا َو َعملُوا َّ َ
ين َ ين * فَالذ ََّاس إِنَّ َما أَنَا لَ ُك ْم نَذ ٌير ُمبِ ٌ
{ { } 51 - 49قُ ْل يَا أَيُّػ َها الن ُ
يم } (. )1 ْج ِح ِ
اب ال َ
َص َح ُكأ ْ ين أُولَئِ َ ِ ِ ِ
ين َس َع ْوا في آيَاتنَا ُم َعاج ِز َ
َّ ِ
َوِرْز ٌؽ َك ِر ٌ
يم * َوالذ َ
يأمر تعالى عبده ورسولو محمدا صلى اهلل عليو وسلم أف يخاطب الناس جميعا ،بأنو رسوؿ اهلل حقا ،مبشرا
ين } أي :بين اإلنذار ،وىو للمؤمنين بثواب اهلل ،منذرا للكافرين والظالمين من عقابو ،وقولوُ { :مبِ ٌ
التخويف مع اإلعبلـ بالمخوؼ ،وذلك ألنو أقاـ البراىين الساطعة على صدؽ ما أنذرىم بو ،ثم ذكر
الصالِح ِ
ات } ِ َّ ِ
آمنُوا } بقلوبهم إيمانا صحيحا صادقا { َو َعملُوا َّ َ
ين َ
تفصيل النذارة والبشارة فقاؿ { :فَالذ َ
22
بجوارحهم { في جنات النعيم } أي :الجنات التي يتنعم بها بأنواع النعيم من المآكل والمشارب والمناكح
والصور واألصوات والتنعم برؤية الرب الكريم وسماع [ ص ] 542كبلمو { والذين كفروا } أي :جحدوا
نعمة ربهم وكذبوا رسلو وآياتو فأولئك أصحاب الجحيم أي :المبلزموف لها ،المصاحبوف لها في كل
أوقاتهم ،فبل يخفف عنهم من عذابها وال يفتر عنهم لحظة من عقابها.
س ُخ اللَّوُ َما يُػل ِْقي َّ
الش ْيطَا ُف ِ ِ ِِ ك ِم ْن ر ُس ٍ
وؿ َوَال نَبِ ٍّي إَِّال إِذَا تَ َمنَّى أَلْ َقى َّ ِ ِ
الش ْيطَا ُف في أ ُْمنيَّتو فَػيَػ ْن َ َوَما أ َْر َسلْنَا م ْن قَػ ْبل َ َ
ين فِي قُػلُوبِ ِه ْم َم َر ٌ ِ ِِ يم ( )52لِيَ ْج َع َل َما يُػل ِْقي َّ ِ ِ ِِ ِ
ض الش ْيطَا ُف ف ْتػنَةً للَّذ َ يم َحك ٌ ثُ َّم يُ ْحك ُم اللَّوُ آيَاتو َواللَّوُ َعل ٌ
ك فَػيُػ ْؤِمنُواْح ُّق ِم ْن َربّْ َ ِ َّ ِ ِ اسي ِة قُػلُوبػهم وإِ َّف الظَّالِ ِم ِ ِ ٍ ِ ٍ ِ
ْم أَنَّوُ ال َ
ين أُوتُوا الْعل َ ين لَفي ش َقاؽ بَعيد (َ )53وليَػ ْعلَ َم الذ َ َ َوالْ َق َ ُ ُ ْ َ
صر ٍ
اط ُم ْستَ ِق ٍ ِ ِ ِ َّ ِ بِ ِو فَػتُ ْخبِ َ
يم ()54 آمنُوا إلَى َ ين َ ت لَوُ قُػلُوبُػ ُه ْم َوإِ َّف اللَّوَ لَ َهاد الذ َ
س ُخ ِ ِ ِِ ك ِم ْن ر ُس ٍ
وؿ َوال نَبِ ٍّي إِال إِ َذا تَ َمنَّى أَلْ َقى َّ ِ ِ
الش ْيطَا ُف في أ ُْمنيَّتو فَػيَػ ْن َ { َ { } 57 - 52وَما أ َْر َسلْنَا م ْن قَػ ْبل َ َ
ين فِي ِ ِِ يم * لِيَ ْج َع َل َما يُػل ِْقي َّ ِ ِ ِِ ِ اللَّوُ َما يُػل ِْقي َّ
الش ْيطَا ُف ف ْتػنَةً للَّذ َ يم َحك ٌ الش ْيطَا ُف ثُ َّم يُ ْحك ُم اللَّوُ آيَاتو َواللَّوُ َعل ٌ
ْح ُّق ِم ْن َربّْ َ ِ َّ ِ اسي ِة قُػلُوبػهم وإِ َّف الظَّالِ ِم ِ ِ ٍ ِ ٍ ِ ِ
ك ْم أَنَّوُ ال َين أُوتُوا الْعل َ
ين لَفي ش َقاؽ بَعيد * َوليَػ ْعلَ َم الذ َ َ ض َوالْ َق َ ُ ُ ْ َ قُػلُوبِ ِه ْم َم َر ٌ
ين َك َف ُروا فِي يم * وال يػز ُ َّ ِ
اؿ الذ َ
ِ ِ ٍ
آمنُوا إِلَى ص َراط ُم ْستَق ٍ َ َ َ ين َ
ِ َّ ِ
ت لَوُ قُػلُوبُػ ُه ْم َوإِ َّف اللَّوَ لَ َهادي الذ َفَػيُػ ْؤِمنُوا بِ ِو فَػتُ ْخبِ َ
يم } . اب يَػ ْوٍـ َع ِق ٍ ِ
اعةُ بَػغْتَةً أ َْو يَأْتيَػ ُه ْم َع َذ ُ ِم ْريٍَة ِم ْنوُ َحتَّى تَأْتِيَػ ُه ُم َّ
الس َ
وؿ َوال نَبِ ٍّي إِال إِذَا تَ َمنَّى يخبر تعالى بحكمتو البالغة ،واختياره لعباده ،وأف اهلل ما أرسل قبل محمد { ِم ْن ر ُس ٍ
َ
الش ْيطَا ُف فِي أ ُْمنِيَّتِ ِو } أي :في قراءتو، } أي :قرأ قراءتو ،التي يذكر بها الناس ،ويأمرىم وينهاىم { ،أَلْ َقى َّ
من طرقو ومكايده ،ما ىو مناقض لتلك القراءة ،مع أف اهلل تعالى قد عصم الرسل بما يبلغوف عن اهلل،
وحفظ وحيو أف يشتبو ،أو يختلط بغيره .ولكن ىذا اإللقاء من الشيطاف ،غير مستقر وال مستمر ،وإنما ىو
س ُخ اللَّوُ َما يُػل ِْقي َّ
الش ْيطَا ُف } أي :يزيلو عارض يعرض ،ثم يزوؿ ،وللعوارض أحكاـ ،ولهذا قاؿ { :فَػيَػ ْن َ
ويذىبو ويبطلو ،ويبين أنو ليس من آياتو ،و { يُ ْح ِك ُم اللَّوُ آيَاتِِو } أي :يتقنها ،ويحررىا ،ويحفظها ،فتبقى
خالصة من مخالطة إلقاء الشيطافَ { ،واللَّوُ َع ِز ٌيز } أي :كامل القوة واالقتدار ،فبكماؿ قوتو ،يحفظ وحيو،
يم } يضع األشياء مواضعها ،فمن كماؿ حكمتو ،مكن الشياطين من ِ
ويزيل ما تلقيو الشياطينَ { ،حك ٌ
الش ْيطَا ُف فِ ْتػنَةً } لطائفتين من الناس ،ال يبالياإللقاء المذكور ،ليحصل ما ذكره بقولو { :لِيَ ْج َع َل َما يُػل ِْقي َّ
23
اهلل بهم ،وىم الذين { فِي قُػلُوبِ ِه ْم َم َر ٌ
ض } أي :ضعف وعدـ إيماف تاـ وتصديق جازـ ،فيؤثر في قلوبهم
أدنى شبهة تطرأ عليها ،فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطاف ،داخلهم الريب والشك ،فصار فتنة لهم.
اسيَ ِة قُػلُوبُػ ُه ْم } أي :الغليظة ،التي ال يؤثر فيها زجر وال تذكير ،وال تفهم عن اهلل وعن رسولو
{ والْ َق ِ
َ
لقسوتها ،فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطاف ،جعلوه حجة لهم على باطلهم ،وجادلوا بو وشاقوا اهلل ورسولو،
ولهذا قاؿ { :وإِ َّف الظَّالِ ِم ِ ِ ٍ
اؽ ب ِع ٍ
يد } أي :مشاقة هلل ،ومعاندة للحق ،ومخالفة لو ،بعيد من ين لَفي ش َق َ
َ َ
الصواب ،فما يلقيو الشيطاف ،يكوف فتنة لهؤالء الطائفتين ،فيظهر بو ما في قلوبهم ،من الخبث الكامن
ْم ِ َّ ِ ِ
ين أُوتُوا الْعل َ
فيها ،وأما الطائفة الثالثة ،فإنو يكوف رحمة في حقها ،وىم المذكوروف بقولوَ { :وليَػ ْعلَ َم الذ َ
ك } ألف اهلل منحهم من العلم ،ما بو يعرفوف الحق من الباطل ،والرشد من الغي ،فيميزوف ْح ُّق ِم ْن َربّْ َ
أَنَّوُ ال َ
بين األمرين ،الحق المستقر ،الذي يحكمو اهلل ،والباطل العارض الذي ينسخو اهلل ،بما على كل منهما من
الشواىد ،وليعلموا أف اهلل حكيم ،يقيض بعض أنواع االبتبلء ،ليظهر بذلك كمائن النفوس الخيرة والشريرة،
{ فَػيُػ ْؤِمنُوا بِ ِو } بسبب ذلك ،ويزداد إيمانهم عند دفع المعارض والشبو.
ت لَوُ قُػلُوبػهم } أي :تخشع وتخضع ،وتسلم لحكمتو ،وىذا من ىدايتو إياىم { ،وإِ َّف اللَّوَ لَه ِ
اد { فَػتُ ْخبِ َ
َ َ ُُ ْ
يم } علم بالحق ،وعمل بمقتضاه ،فيثبت اهلل الذين آمنوا صر ٍ
اط ُم ْستَ ِق ٍ ِ ِ َّ ِ
آمنُوا } بسبب إيمانهم { إلَى َ
ين َالذ َ
بالقوؿ الثابت في الحياة الدنيا وفي اآلخرة ،وىذا النوع من تثبيت اهلل لعبده.
وىذه اآليات ،فيها بياف أف للرسوؿ صلى اهلل عليو وسلم أسوة بإخوانو المرسلين ،لما وقع منو عند قراءتو
البلت َوالْعُ َّزىَ .وَمنَاةَ الثَّالِثَةَ األ ْخ َرى } ألقى الشيطاف
َ صلى اهلل عليو وسلم { :والنجم } فلما بلغ { أَفَػ َرأَيْػتُ ُم
في قراءتو " :تلك الغرانيق العلى ،وإف شفاعتهن ( )1لترتجى " فحصل بذلك للرسوؿ حزف وللناس فتنة،
كما ذكر اهلل ،فأنزؿ اهلل ىذه اآليات.
اب يَػ ْوٍـ َع ِق ٍ
يم ()55 ِ
اعةُ بَػ ْغتَةً أ َْو يَأْتيَػ ُه ْم َع َذ ُ ين َك َف ُروا فِي ِم ْريٍَة ِم ْنوُ َحتَّى تَأْتِيَػ ُه ُم َّ
الس َ وَال يػز ُ َّ ِ
اؿ الذ َ َ ََ
24
يخبر تعالى عن حالة الكفار ،وأنهم ال يزالوف في شك مما جئتهم بو يا محمد ،لعنادىم ،وإعراضهم ،وأنهم
اعةُ بَػ ْغتَةً } أي :مفاجأة { أ َْو ( )1ال يبرحوف مستمرين على ىذه الحاؿ [ ص َ { ] 543حتَّى تَأْتِيَػ ُه ُم َّ
الس َ
يم } أي :ال خير فيو ،وىو يوـ القيامة ،فإذا جاءتهم الساعة ،أو أتاىم ذلك اليوـ، اب يَػ ْوٍـ َع ِق ٍ ِ
يَأْتيَػ ُه ْم َع َذ ُ
علم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين ،وندموا حيث ال ينفعهم الندـ ،وأبلسوا وأيسوا من كل خير ،وودوا لو
آمنوا بالرسوؿ واتخذوا معو سبيبل ففي ىذا تحذيرىم من إقامتهم على مريتهم وفريتهم.
َّ ِ الصالِح ِ
ات فِي جن ِ
َّات الن َِّع ِ ِ َّ ِ الْمل ُ ِ ٍ ِ ِ
ين َك َف ُروا
يم (َ )56والذ َ َ آمنُوا َو َعملُوا َّ َ
ين َْك يَػ ْوَمئذ للَّو يَ ْح ُك ُم بَػ ْيػنَػ ُه ْم فَالذ َ ُ
ين ()57 اب ُم ِه ٌ
ك لَ ُه ْم َع َذ ٌ َوَك َّذبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِ َ
سنًا َوإِ َّف اللَّوَ لَ ُه َو يل اللَّ ِو ثُ َّم قُتِلُوا أ َْو َماتُوا لَيَػ ْرُزقَػنػ ُ َّ
اج ُروا فِي َسبِ ِ َّ ِ
َّه ُم اللوُ ِرْزقًا َح َ ين َى َ { َ { } 59 - 58والذ َ
ضونَو وإِ َّف اللَّو لَعلِ ِ ِ َخيػر َّ ِ
يم } . يم َحل ٌ َ َ ٌ َّه ْم ُم ْد َخبل يَػ ْر َ ْ ُ َ الرا ِزق َ
ين * لَيُ ْدخلَنػ ُ ُْ
ىذه بشارة كبرى ،لمن ىاجر في سبيل اهلل ،فخرج من داره ووطنو وأوالده ومالو ،ابتغاء وجو اهلل ،ونصرة
لدين اهلل ،فهذا قد وجب أجره على اهلل ،سواء مات على فراشو ،أو قتل مجاىدا في سبيل اهلل{ ،
لَيَػ ْرُزقَػنػ ُ َّ
َّه ُم اللوُ ِرْزقًا َح َ
سنًا } في البرزخ ،وفي يوـ القيامة بدخوؿ الجنة الجامعة للروح والريحاف ،والحسن
25
واإلحساف ،ونعيم القلب والبدف ،ويحتمل أف المعنى ( )1أف المهاجر في سبيل اهلل ،قد تكفل برزقو في
الدنيا ،رزقا واسعا حسنا ،سواء علم اهلل منو أنو يموت على فراشو ،أو يقتل شهيدا ،فكلهم مضموف لو
الرزؽ ،فبل يتوىم أنو إذا خرج من دياره وأموالو ،سيفتقر ويحتاج ،فإف رازقو ىو خير الرازقين ،وقد وقع كما
أخبر ،فإف المهاجرين السابقين ،تركوا ديارىم وأبناءىم وأموالهم ،نصرة لدين اهلل ،فلم يلبثوا إال يسيرا،
حتى فتح اهلل عليهم الببلد ،ومكنهم من العباد فاجتبوا من أموالها ،ما كانوا بو من أغنى الناس ،ويكوف على
ض ْونَوُ } إما ما يفتحو اهلل عليهم من البلداف ،خصوصا فتح مكة
َّه ْم ُم ْد َخبل يَػ ْر َ ِ
ىذا القوؿ ،قولو { :لَيُ ْدخلَنػ ُ
المشرفة ،فإنهم دخلوىا في حالة الرضا والسرور ،وإما المراد بو رزؽ اآلخرة ،وأف ذلك دخوؿ الجنة،
فتكوف اآلية جمعت بين الرزقين ،رزؽ الدنيا ،ورزؽ اآلخرة ،واللفظ صالح لذلك كلو ،والمعنى صحيح ،فبل
ِ ِ
يم } يعصيو مانع من إرادة الجميع { َوإِ َّف اللَّوَ لَ َعل ٌ
يم } باألمور ،ظاىرىا ،وباطنها ،متقدمها ،ومتأخرىاَ { ،حل ٌ
الخبلئق ،ويبارزونو بالعظائم ،وىو ال يعاجلهم بالعقوبة مع كماؿ اقتداره ،بل يواصل لهم رزقو ،ويسدي
إليهم فضلو.
ِ ك ومن َعاقَب بِ ِمثْ ِل ما عُوقِ ِ ِ ِ
ب بِو ثُ َّم بُغ َي َعلَْيو لَيَػ ْن ُ
ص َرنَّوُ اللَّوُ إِ َّف اللَّوَ لَ َع ُف ّّو غَ ُف ٌ
ور ()60 َ َ َ ذَل َ َ َ ْ
26
ص ٌير (َ )61ذلِ َ
ك بِأ َّ
َف اللَّوَ ُى َو يع ب ِ ِ ار فِي اللَّْي ِل َوأ َّ ِ ِ ِ َذلِ َ
ك بِأ َّ
َف اللَّوَ َسم ٌ َ َّه َ َف اللَّوَ يُول ُج اللَّْي َل في النػ َ
َّها ِر َويُول ُج النػ َ
َف اللَّوَ ُى َو ال َْعلِ ُّي الْ َكبِ ُير ()62 َف ما ي ْدعُو َف ِمن ُدونِِو ىو الْب ِ
اط ُل َوأ ََُّ َ ْ ْح ُّق َوأ َّ َ َال َ
ص ٌير * ذَلِ َ يع ب ِ ِ ار فِي اللَّْي ِل َوأ َّ ِ ِ ِ ك بِأ َّ{ { } 62 - 61ذَلِ َ
ك َف اللَّوَ َسم ٌ َ َّها ِر َويُول ُج النػ َ
َّه َ َف اللَّوَ يُول ُج اللَّْي َل في النػ َ
َف اللَّوَ ُى َو ال َْعلِ ُّي الْ َكبِ ُير } . َف ما ي ْدعُو َف ِمن ُدونِِو ىو الْب ِ بِأ َّ
اط ُل َوأ َّ َُ َ ْ ْح ُّق َوأ َّ َ ََف اللَّوَ ُى َو ال َ
ذلك الذي شرع لكم تلك األحكاـ الحسنة العادلة ،ىو حسن التصرؼ ،في تقديره وتدبيره ،الذي { يُولِ ُج
ِ
َّها ِر } أي :يدخل ىذا على ىذا ،وىذا على ىذا ،فيأتي بالليل بعد النهار ،وبالنهار بعد الليل، اللَّْي َل في النػ َ
ويزيد في أحدىما ما ينقصو في اآلخر ،ثم بالعكس ،فيترتب على ذلك ،قياـ الفصوؿ ،ومصالح الليل
َف اللَّوَ َس ِم ٌ
يع والنهار ،والشمس والقمر ،التي ىي من أجل نعمو على العباد ،وىي من الضروريات لهمَ { .وأ َّ
ص ٌير } يرى دبيب النملة } يسمع ضجيج األصوات ،باختبلؼ ،اللغات ،على تفنن الحاجات { ،ب ِ
َ
َس َّر الْ َق ْو َؿ َوَم ْن َج َه َر بِ ِو َوَم ْن ُى َو ِ
السوداء ،تحت الصخرة الصماء ،في الليلة الظلماء { َس َواءٌ م ْن ُك ْم َم ْن أ َ
َّها ِر }ب بِالنػ َ مستَ ْخ ٍ
ف بِاللَّْي ِل َو َسا ِر ٌ ُْ
[ ص ] 544
ْح ُّق } أي :الثابت ،الذي ال يزاؿ وال يزوؿ ،األوؿ ك } صاحب الحكم واألحكاـ { بِأ َّ
َف اللَّوَ ُى َو ال َ { ذَلِ َ
الذي ليس قبلو شيء ،اآلخر الذي ليس بعده شيء ،كامل األسماء والصفات ،صادؽ الوعد ،الذي وعده
حق ولقاؤه حق ،ودينو حق ،وعبادتو ىي الحق ،النافعة الباقية على الدواـ.
َف ما ي ْدعُو َف ِمن ُدونِِو } من األصناـ واألنداد ،من الحيوانات والجمادات { ،ىو الْب ِ
اط ُل } الذي ،ىو َُ َ ْ { َوأ َّ َ َ
َف اللَّوَ ُى َو
باطل في نفسو ،وعبادتو باطلة ،ألنها متعلقة بمضمحل فاف ،فتبطل تبعا لغايتها ومقصودىاَ { ،وأ َّ
ال َْعلِ ُّي الْ َكبِ ُير } العلي في ذاتو ،فهو عاؿ على جميع المخلوقات وفي قدره ،فهو كامل الصفات ،وفي قهره
لجميع المخلوقات ،الكبير في ذاتو ،وفي أسمائو ،وفي صفاتو ،الذي من عظمتو وكبريائو ،أف األرض
قبضتو يوـ القيامة ،والسماوات مطويات بيمينو ،ومن كبريائو ،أف كرسيو وسع السماوات واألرض ،ومن
عظمتو وكبريائو ،أف نواصي العباد بيده ،فبل يتصرفوف إال بمشيئتو ،وال يتحركوف ويسكنوف إال بإرادتو.
27
وحقيقة الكبرياء التي ال يعلمها إال ىو ،ال ملك مقرب ،وال نبي مرسل ،أنها كل صفة كماؿ وجبلؿ وكبرياء
وعظمة ،فهي ثابتة لو ،ولو من تلك الصفة أجلها وأكملها ،ومن كبريائو ،أف العبادات كلها ،الصادرة من
أىل السماوات واألرض ،كلها المقصود منها ،تكبيره وتعظيمو ،وإجبللو وإكرامو ،ولهذا كاف التكبير شعارا
للعبادات الكبار ،كالصبلة وغيرىا.
السماو ِ ِ ض َّرةً إِ َّف اللَّوَ لَ ِط ٌ ِ َف اللَّو أَنْػز َؿ ِمن َّ ِ
ات يف َخب ٌير ( )63لَوُ َما في َّ َ َ صبِ ُح ْاأل َْر ُ
ض ُم ْخ َ اء فَػتُ ْ
الس َماء َم ً أَلَ ْم تَػ َر أ َّ َ َ َ
ْح ِمي ُد ()64 ِ َوَما فِي ْاأل َْر ِ
ض َوإِ َّف اللَّوَ لَ ُه َو الْغَن ُّي ال َ
28
يطعم ،ومن غناه ،أف الخلق كلهم مفتقروف إليو ،في إيجادىم ،وإعدادىم وإمدادىم ،وفي دينهم ودنياىم،
ومن غناه ،أنو لو اجتمع من في السماوات ومن في األرض ،األحياء منهم واألموات ،في صعيد واحد،
فسأؿ كل منهم ما بلغت أمنيتو ،فأعطاىم فوؽ أمانيهم ،ما نقص ذلك من ملكو شيء ،ومن غناه ،أف يده
سحاء بالخير والبركات ،الليل والنهار ،لم يزؿ إفضالو على األنفاس ،ومن غناه وكرمو ،ما أودعو في دار
كرامتو ،مما ال عين رأت ،وال أذف سمعت ،وال خطر على قلب بشر.
يد } أي :المحمود في ذاتو ،وفي أسمائو ،لكونها حسنى ،وفي صفاتو ،لكونها كلها صفات كماؿ، { الْح ِم ِ
َ
وفي أفعالو ،لكونها دائرة بين العدؿ واإلحساف والرحمة والحكمة وفي شرعو ،لكونو ال يأمر إال بما فيو
مصلحة خالصة أو راجحة ،وال ينهى إال عما فيو مفسدة خالصة أو راجحة ،الذي لو الحمد ،الذي يمؤل ما
في السماوات واألرض ،وما بينهما ،وما شاء بعدىا ،الذي ال يحصي العباد ثناء على حمده ،بل ىو كما
أثنى على نفسو ،وفوؽ ما يثني عليو عباده ،وىو المحمود على توفيق من يوفقو ،وخذالف من يخذلو ،وىو
الغني في حمده ،الحميد في غناه.
اء أَ ْف تَػ َق َع َعلَى
الس َم َ
ك َّ ْك تَ ْج ِري فِي الْبَ ْح ِر بِأ َْم ِرهِ َويُ ْم ِس ُ َّر لَ ُك ْم َما فِي ْاأل َْر ِ
ض َوالْ ُفل َ أَلَ ْم تَػر أ َّ َّ
َف اللوَ َسخ َ َ
َحيَا ُك ْم ثُ َّم يُ ِميتُ ُك ْم ثُ َّم يُ ْحيِي ُك ْم إِ َّف ِْ ِ َّاس لَرء ٌ ِ ْاألَر ِ ِ ِِ
سا َف
اإلنْ َ يم (َ )65و ُى َو الَّذي أ ْ وؼ َرح ٌ
ِ
ض إَِّال بِإ ْذنو إِ َّف اللَّوَ بالن ِ َ ُ ْ
ور ( )66 لَ َك ُف ٌ
اء
الس َم َ
ك َّ ْك تَ ْج ِري فِي الْبَ ْح ِر بِأ َْم ِرهِ َويُ ْم ِس ُ ض َوالْ ُفل َاألر ِ ِ
َّر لَ ُك ْم َما في ْ { { } 66 - 65أَلَ ْم تَػر أ َّ َّ
َف اللوَ َسخ َ َ
َحيَا ُك ْم ثُ َّم يُ ِميتُ ُك ْم ثُ َّم يُ ْحيِي ُك ْم إِ َّف ِ َّاس لَرء ٌ ِ أَ ْف تَػ َقع َعلَى األر ِ ِ ِِ
يم * َو ُى َو الَّذي أ ْ
وؼ َرح ٌ
ِ
ض إِال بِإ ْذنو إِ َّف اللَّوَ بالن ِ َ ُ ْ َ
ور } .
سا َف لَ َك ُف ٌ
اإلنْ َ
ض} األر ِ ِ أي :ألم تشاىد ببصرؾ وقلبك نعمة ربك السابغة ،وأياديو الواسعة ،و { أ َّ َّ
َّر لَ ُك ْم َما في ْ َف اللوَ َسخ َ
من حيوانات ،ونبات ،وجمادات ،فجميع ما في األرض ،مسخر لبني آدـ ،حيواناتها ،لركوبو ،وحملو،
وأعمالو ،وأكلو ،وأنواع انتفاعو ،وأشجارىا ،وثمارىا ،يقتاتها ،وقد سلط على غرسها واستغبللها ،ومعادنها،
ْك } أي :وسخر لكم الفلك ،وىي السفن [ ص { ] 545تَ ْج ِري فِي يستخرجها ،وينتفع بهاَ { ،والْ ُفل َ
الْبَ ْح ِر بِأ َْم ِرهِ } تحملكم ،وتحمل تجاراتكم ،وتوصلكم من محل إلى محل ،وتستخرجوف من البحر حلية
29
ض } فلوال رحمتو وقدرتو ،لسقطت األر ِ
اء أَ ْف تَػ َق َع َعلَى ْ الس َم َ
ك َّ تلبسونها ،ومن رحمتو بكم أنو { يُ ْم ِس ُ
ض أَ ْف تَػ ُزوال َولَئِ ْن
األر َ ك َّ ِ
الس َم َاوات َو ْ السماء على األرض ،فتلف ما عليها ،وىلك من فيها { إِ َّف اللَّوَ يُ ْم ِس ُ
ِ َزالَتا إِ ْف أَمس َكهما ِمن أ ٍ ِ ِ ِ
ورا } . يما غَ ُف ً َحد م ْن بَػ ْعده إِنَّوُ َكا َف َحل ً ْ َ َُ ْ َ َ
َّاس لَرء ٌ ِ ِ
يم } أرحم بهم من والديهم ،ومن أنفسهم ،ولهذا يريد لهم الخير ،ويريدوف لها وؼ َرح ٌ { إِ َّف اللَّوَ بالن ِ َ ُ
الشر والضر ،ومن رحمتو ،أف سخر لهم ما سخر من ىذه األشياء.
َحيَا ُك ْم } أوجدكم من العدـ { ثُ َّم يُ ِميتُ ُك ْم } بعد أف أحياكم { ،ثُ َّم يُ ْحيِي ُك ْم } بعد موتكم، ِ
{ َو ُى َو الَّذي أ ْ
ِ
ور } سا َف } أي :جنسو ،إال من عصمو اهلل { لَ َك ُف ٌ ليجازي المحسن بإحسانو ،والمسيء بإساءتو { ،إ َّف اإلنْ َ
لنعم اهلل ،كفور باهلل ،ال يعترؼ بإحسانو ،بل ربما كفر بالبعث وقدرة ربو.
يم ()67 ك لَ َعلَى ُى ًدى ُم ْستَ ِق ٍ
ك إِنَّ ََّك فِي ْاأل َْم ِر َوا ْدعُ إِلَى َربّْ َ لِ ُك ّْل أ َُّم ٍة جعلْنَا م ْنس ًكا ُىم نَ ِ
اس ُكوهُ فَ َبل يُػنَا ِزعُن َ ْ ََ َ َ
يما ُك ْنتُ ْم فِ ِيو تَ ْختَلِ ُفو َف ()69 ِ ِِ ِ
وؾ فَػ ُق ِل اللَّوُ أَ ْعلَ ُم ب َما تَػ ْع َملُو َف ( )68اللَّوُ يَ ْح ُك ُم بَػ ْيػنَ ُك ْم يَػ ْوَـ الْقيَ َامة ف َ
ادلُ ََوإِ ْف َج َ
ك َعلَى اللَّ ِو يَ ِس ٌير ()70 اب إِ َّف ذَلِ َك فِي كِتَ ٍ ض إِ َّف ذَلِ َالس َم ِاء َو ْاأل َْر ِ
َف اللَّوَ يَػ ْعلَ ُم َما فِي َّ
أَلَ ْم تَػ ْعلَ ْم أ َّ
ك لَ َعلَى ك إِنَّ َاألم ِر َوا ْدعُ إِلَى َربّْ َ اس ُكوهُ فَبل يػنَا ِزعُن َ ِ { { } 70 - 67لِ ُك ّْل أ َُّم ٍة جعلْنَا م ْنس ًكا ُىم نَ ِ
َّك في ْ ُ ْ ََ َ َ
يما ُك ْنتُ ْم فِ ِيو ِ ِِ ِ
وؾ فَػ ُق ِل اللَّوُ أَ ْعلَ ُم ب َما تَػ ْع َملُو َف * اللَّوُ يَ ْح ُك ُم بَػ ْيػنَ ُك ْم يَػ ْوَـ الْقيَ َامة ف َ ُى ًدى ُم ْستَ ِق ٍ
يم * َوإِ ْف َج َ
ادلُ َ
َف اللَّو يػعلَم ما فِي َّ ِ
ك َعلَى اللَّ ِو يَ ِس ٌير } . اب إِ َّف ذَلِ َ
ك فِي كِتَ ٍ ض إِ َّف ذَلِ َ
األر ِ
الس َماء َو ْ
ِ
تَ ْختَل ُفو َف * أَلَ ْم تَػ ْعلَ ْم أ َّ َ َ ْ ُ َ
س ًكا } أي :معبدا وعبادة ،قد تختلف في بعض األمور ،مع اتفاقها على يخبر تعالى أنو جعل لكل أمة { َم ْن َ
العدؿ والحكمة ،كما قاؿ تعالى { :لِ ُك ٍّل جعلْنا ِم ْن ُكم ِشرعةً وِم ْنػهاجا ولَو َشاء اللَّو لَجعلَ ُكم أ َُّمةً و ِ
اح َد ًة ْ ْ َ َ َ ً َ ْ َ ُ ََ ْ َ ََ َ
اس ُكوهُ } أي :عاملوف عليو ،بحسب أحوالهم ،فبل اعتراض ولَ ِكن لِيبػلُوُكم فِي ما آتَا ُكم } اآليةُ { ،ىم نَ ِ
ْ ْ َ ْ َْ َ ْ َ
على شريعة من الشرائع ،خصوصا من األميين ،أىل الشرؾ والجهل المبين ،فإنو إذا ثبتت رسالة الرسوؿ
بأدلتها ،وجب أف يتلقى جميع ما جاء بو بالقبوؿ والتسليم ،وترؾ االعتراض ،ولهذا قاؿ { :فَبل يُػنَا ِزعُن َ
َّك
األم ِر } أي :ال ينازعك المكذبوف لك ،ويعترضوف على بعض ما جئتهم بو ،بعقولهم الفاسدة ،مثل ِ
في ْ
منازعتهم في حل الميتة ،بقياسهم الفاسد ،يقولوف " :تأكلوف ما قتلتم ،وال تأكلوف ما قتل اهلل " وكقولهم {
الربَا } ونحو ذلك من اعتراضاتهم ،التي ال يلزـ الجواب عن أعيانها ،وىم منكروف ألصل إِنَّ َما الْبَػ ْي ُع ِمثْ ُل ّْ
30
الرسالة ،وليس فيها مجادلة ومحاجة بانفرادىا ،بل لكل مقاـ مقاؿ ،فصاحب ىذا االعتراض ،المنكر
لرسالة الرسوؿ ،إذا زعم أنو يجادؿ ليسترشد ،يقاؿ لو :الكبلـ معك في إثبات الرسالة وعدمها ،وإال
فاالقتصار على ىذه ،دليل أف مقصوده التعنت والتعجيز ،ولهذا أمر اهلل رسولو أف يدعو إلى ربو بالحكمة
والموعظة الحسنة ،ويمضي على ذلك ،سواء اعترض المعترضوف أـ ال وأنو ال ينبغي أف يثنيك عن الدعوة
يم } أي :معتدؿ موصل للمقصود ،متضمن علم الحق والعمل بو ،فأنت شيء ،ألنك { على ُى ًدى ُم ْستَ ِق ٍ
على ثقة من أمرؾ ،ويقين من دينك ،فيوجب ذلك لك الصبلبة والمضي لما أمرؾ بو ربك ،ولست على
أمر مشكوؾ فيو ،أو حديث مفترى ،فتقف مع الناس ومع أىوائهم ،وآرائهم ،ويوقفك اعتراضهم ،ونظير
ك لَ َعلَى ُى ًدى ُم ْستَ ِق ٍ
يم } ْح ّْق ال ُْمبِي ِن } مع أف في قولو { :إِنَّ َ ىذا قولو تعالى { :فَػتَػ َوَّك ْل َعلَى اللَّ ِو إِنَّ َ
ك َعلَى ال َ
إرشاد ألجوبة المعترضين على جزئيات الشرع ،بالعقل الصحيح ،فإف الهدى وصف لكل ما جاء بو
الرسوؿ ،والهدى :ما تحصل بو الهداية ،من مسائل األصوؿ والفروع ،وىي المسائل التي يعرؼ حسنها
وعدلها وحكمتها بالعقل والفطرة السليمة ،وىذا يعرؼ بتدبر تفاصيل المأمورات والمنهيات.
وؾ فَػ ُق ِل اللَّوُ أَ ْعلَ ُم بِ َما تَػ ْع َملُو َف } ولهذا أمره اهلل بالعدوؿ عن جدالهم في ىذه الحالة ،فقاؿَ { :وإِ ْف َج َ
ادلُ َ
أي :ىو عالم بمقاصدكم ونياتكم ،فمجازيكم عليها في يوـ القيامة الذي يحكم اهلل بينكم فيما كنتم فيو
تختلفوف ،فمن وافق الصراط المستقيم ،فهو من أىل النعيم ،ومن زاغ عنو ،فهو من أىل الجحيم ،ومن
َف اللَّوَ يَػ ْعلَ ُم
تماـ حكمو ،أف يكوف حكما بعلم ،فلذلك ذكر إحاطة علمو ،وإحاطة كتابو فقاؿ { :أَلَ ْم تَػ ْعلَ ْم أ َّ
ض } ال يخفى عليو منها خافية ،من ظواىر األمور وبواطنها ،خفيها وجليها ،متقدمها األر ِ ما فِي َّ ِ
الس َماء َو ْ َ
ومتأخرىا ،أف ذلك العلم المحيط بما في السماء واألرض قد أثبتو اهلل في كتاب ،وىو اللوح المحفوظ،
حين خلق اهلل القلم ،قاؿ لو " :اكتب " قاؿ :ما أكتب؟ قاؿ " :اكتب ما ىو كائن إلى يوـ القيامة
{ إِ َّف َذلِ َ
ك َعلَى اللَّ ِو يَ ِس ٌير } وإف كاف تصوره عندكم ال يحاط بو ،فاهلل تعالى يسير عليو أف يحيط علما
بجميع األشياء ،وأف يكتب ذلك في كتاب مطابق للواقع.
صي ٍر (َ )71وإِذَا تُػ ْتػلَى وف اللَّ ِو ما لَم يػنَػ ّْز ْؿ بِ ِو س ْلطَانًا وما لَْيس لَ ُهم بِ ِو ِعلْم وما لِلظَّالِ ِمين ِمن نَ ِ
ويػ ْعب ُدو َف ِمن ُد ِ
َ ْ ٌ ََ ََ َ ْ ُ َ ُْ ْ ََ ُ
ين يَػ ْتػلُو َف َعلَْي ِه ْم آيَاتِنَا قُ ْل ِ َّ ِ ِ َّ ِ ات تَػ ْع ِر ُ ِ
َعلَْي ِهم آياتُػنَا بػيّْػنَ ٍ
ادو َف يَ ْسطُو َف بالذ َ
ين َك َف ُروا ال ُْم ْن َك َر يَ َك ُ
ؼ في ُو ُجوه الذ َ ْ َ َ
ش ٍّر ِمن ذَلِ ُكم النَّار و َع َد َىا اللَّوُ الَّ ِذين َك َفروا وبِْئس الْم ِ
ص ُير ()72 َ ُ َ َ َ ُ َُ أَفَأُنَػبّْئُ ُك ْم بِ َ ْ
31
ين ِم ْن ِ ِِ
ْم َوَما للظَّالم َ
ِِ ِ
س لَ ُه ْم بو عل ٌ
ِِ ِ َّ ِ ِ
{ َ { } 72 - 71ويَػ ْعبُ ُدو َف م ْن ُدوف اللو َما لَ ْم يُػنَػ ّْز ْؿ بو ُس ْلطَانًا َوَما لَْي َ
ين يَػ ْتػلُو َف ِ َّ ِ ِ َّ ِ ات تَػ ْع ِر ُ ِ
صي ٍر * وإِذَا تُػ ْتػلَى َعلَْي ِهم آياتُػنَا بػيّْػنَ ٍ نَ ِ
ادو َف يَ ْسطُو َف بالذ َ
ين َك َف ُروا ال ُْم ْن َك َر يَ َك ُ
ؼ في ُو ُجوه الذ َ ْ َ َ َ
ش ٍّر ِمن ذَلِ ُكم النَّار و َع َد َىا اللَّوُ الَّ ِذين َك َفروا وبِْئس الْم ِ ِ
ص ُير } . َ ُ َ َ َ ُ َُ َعلَْي ِه ْم آيَاتنَا قُ ْل أَفَأُنَػبّْئُ ُك ْم بِ َ ْ
يذكر تعالى حالة المشركين بو ،العادلين بو غيره ،وأف حالهم أقبح الحاالت ،وأنو ال مستند لهم على ما
فعلوه ،فليس لهم بو علم ،وإنما ىو تقليد تلقوه عن آبائهم الضالين ،وقد يكوف اإلنساف ال علم عنده بما
فعلو ،وىو -في نفس األمر -لو حجة ما علمها ،فأخبر ىنا ،أف اهلل لم ينزؿ في ذلك سلطانا ،أي :حجة
تدؿ علي وتجوزه ،بل قد أنزؿ البراىين القاطعة على فساده وبطبلنو ،ثم توعد الظالمين منهم المعاندين
صي ٍر } ينصرىم من عذاب اهلل إذا نزؿ بهم وحل .وىل لهؤالء الذين الللحق فقاؿ { :وما لِلظَّالِ ِمين ِمن نَ ِ
َ ْ ََ
علم لهم بما ىم عليو قصد في اتباع [ ص ] 546اآليات والهدى إذا جاءىم؟ أـ ىم راضوف بما ىم
عليو من الباطل؟ ذكر ذلك بقولوَ { :وإِذَا تُػ ْتػلَى َعلَْي ِه ْم آيَاتُػنَا } التي ىي آيات اهلل الجليلة ،المستلزمة لبياف
ين َك َف ُروا ال ُْم ْن َك َر } من ِ َّ ِ الحق من الباطل ،لم يلتفتوا إليها ،ولم يرفعوا بها رأسا ،بل { تَػ ْع ِر ُ ِ
ؼ في ُو ُجوه الذ َ
ين يَػ ْتػلُو َف َعلَْي ِه ْم آيَاتِنَا } ِ َّ ِ
ادو َف يَ ْسطُو َف بالذ َ
بغضها وكراىتها ،ترى وجوىهم معبسة ،وأبشارىم مكفهرة { ،يَ َك ُ
أي :يكادوف يوقعوف بهم القتل والضرب البليغ ،من شدة بغضهم وبغض الحق وعداوتو ،فهذه الحالة من
الكفار بئس الحالة ،وشرىا بئس الشر ،ولكن ثم ما ىو شر منها ،حالتهم التي يؤولوف إليها ،فلهذا قاؿ{ :
ش ٍّر ِمن ذَلِ ُكم النَّار و َع َد َىا اللَّوُ الَّ ِذين َك َفروا وبِْئس الْم ِ
ص ُير } فهذه شرىا طويل عريض، َ ُ َ َ َ ُ َُ قُ ْل أَفَأُنَػبّْئُ ُك ْم بِ َ ْ
ومكروىها وآالمها تزداد على الدواـ.
اجتَ َمعُوا لَوُ َوإِ ْف ض ِرب مثَل فَاستَ ِمعوا لَوُ إِ َّف الَّ ِذين تَ ْدعُو َف ِمن ُد ِ ِ
وف اللَّو لَ ْن يَ ْخلُ ُقوا ذُبَابًا َولَ ِو ْ ْ َ َّاس ُ َ َ ٌ ْ ُ يَا أَيُّػ َها الن ُ
ِ ضع َ ِ ِ ِ
وب (َ )73ما قَ َد ُروا اللَّوَ َح َّق قَ ْد ِره إِ َّف اللَّوَ ف الطَّال ُ
ب َوال َْمطْلُ ُ اب َش ْيئًا َال يَ ْستَػ ْنق ُذوهُ م ْنوُ َ ُ يَ ْسلُْبػ ُه ُم ُّ
الذبَ ُ
ي َع ِز ٌيز ()74
لََق ِو ّّ
32
استَ ِمعوا لَوُ إِ َّف الَّ ِذين تَ ْدعُو َف ِمن ُد ِ
وف اللَّ ِو لَ ْن يَ ْخلُ ُقوا ذُبَابًا َولَ ِو ْ َ ب َمثَ ٌل فَ ْ ُ ض ِر َ
َّاس ُ{ { } 74 - 73يَا أَيُّػ َها الن ُ
ف الطَّالِب والْمطْلُوب * ما قَ َدروا اللَّو ح َّق قَ ْد ِرهِ
ُ َ َ ُ َ ُ َ َ ضعُ َ اب َش ْيئًا ال يَ ْستَػ ْن ِق ُذوهُ ِم ْنوُ َ اجتَ َمعُوا لَوُ َوإِ ْف يَ ْسلُْبػ ُه ُم ُّ
الذبَ ُ ْ
ي َع ِز ٌيز } .إِ َّف اللَّوَ لََق ِو ّّ
ىذا مثل ضربو اهلل لقبح عبادة األوثاف ،وبياف نقصاف عقوؿ من عبدىا ،وضعف الجميع ،فقاؿ { :يَا أَيُّػ َها
َّاس } ىذا خطاب للمؤمنين والكفار ،المؤمنوف يزدادوف علما وبصيرة ،والكافروف تقوـ عليهم الحجة{ ، الن ُ
استَ ِمعُوا لَوُ } أي :ألقوا إليو أسماعكم ،وتفهموا ما احتوى عليو ،وال يصادؼ منكم قلوبا ض ِر َ
ب َمثَ ٌل فَ ْ ُ
الىية ،وأسماعا معرضة ،بل ألقوا إليو القلوب واألسماع ،وىو ىذا { :إِ َّف الَّ ِذين تَ ْدعُو َف ِمن ُد ِ
وف اللَّ ِو } ْ َ
شمل كل ما يدعى من دوف اهلل { ،لَ ْن يَ ْخلُ ُقوا ذُبَابًا } الذي ىو من أحقر المخلوقات وأخسها ،فليس في
قدرتهم خلق ىذا المخلوؽ الضعيف ،فما فوقو من باب أولىَ { ،ولَ ِو ْ
اجتَ َمعُوا لَوُ } بل أبلغ من ذلك لو {
ضع َ ِ ِ ِ
ف الطَّال ُ
ب } الذي ىو اب َش ْيئًا ال يَ ْستَػ ْنق ُذوهُ م ْنوُ } وىذا غاية ما يصير من العجزُ َ { . يَ ْسلُْبػ ُه ُم ُّ
الذبَ ُ
وب } الذي ىو الذباب ،فكل منهما ضعيف ،وأضعف منهما ،من يتعلق
المعبود من دوف اهلل { َوال َْمطْلُ ُ
بهذا الضعيف ،وينزلو منزلة رب العالمين.
فهذا ما قدر { اللَّوَ َح َّق قَ ْد ِرهِ } حيث سوى الفقير العاجز من جميع الوجوه ،بالغني القوي من جميع
الوجوه ،سوى من ال يملك لنفسو ،وال لغيره نفعا وال ضرا ،وال موتا وال حياة وال نشورا ،بمن ىو النافع
الضار ،المعطي المانع ،مالك الملك ،والمتصرؼ فيو بجميع أنواع التصريف.
{ إِ َّف اللَّوَ لََق ِو ّّ
ي َع ِز ٌيز } أي :كامل القوة ،كامل العزة ،من كماؿ قوتو وعزتو ،أف نواصي الخلق بيديو ،وأنو
ال يتحرؾ متحرؾ ،وال يسكن ساكن ،إال بإرادتو ومشيئتو ،فما شاء اهلل كاف وما لم يشأ لم يكن ،ومن كماؿ
قوتو ،أنو يمسك السماوات واألرض أف تزوال ومن كماؿ قوتو ،أنو يبعث الخلق كلهم ،أولهم وآخرىم،
بصيحة واحدة ،ومن كماؿ قوتو ،أنو أىلك الجبابرة واألمم العاتية ،بشيء يسير ،وسوط من عذابو.
ص ٌير ( )75يَػ ْعلَ ُم َما بَػ ْي َن أَيْ ِدي ِه ْم َوَما َخ ْل َف ُه ْم َوإِلَى
يع ب ِ ِ صطَِفي ِم َن ال َْم َبلئِ َك ِة ُر ُس ًبل َوِم َن الن ِ
َّاس إِ َّف اللَّوَ َسم ٌ َ اللَّوُ يَ ْ
ِ
ور ()76 اللَّو تُػ ْر َج ُع ْاأل ُُم ُ
33
ص ٌير * يَػ ْعلَ ُم َما بَػ ْي َن أَيْ ِدي ِه ْم
يع ب ِ ِ صطَِفي ِم َن ال َْمبلئِ َك ِة ُر ُسبل َوِم َن الن ِ
َّاس إِ َّف اللَّوَ َسم ٌ َ { { } 76 - 75اللَّوُ يَ ْ
ِ
ور } . َوَما َخ ْل َف ُه ْم َوإِلَى اللَّو تُػ ْر َج ُع ُ
األم ُ
لما بين تعالى كمالو وضعف األصناـ ،وأنو المعبود حقا ،بين حالة الرسل ،وتميزىم عن الخلق بما تميزوا بو
َّاس } أي :يختار ويجتبي من المبلئكة رسبل صطَِفي ِم َن ال َْمبلئِ َك ِة ُر ُسبل َوِم َن الن ِ
من الفضائل فقاؿ { :اللَّوُ يَ ْ
ومن الناس رسبل يكونوف أزكى ذلك النوع ،وأجمعو لصفات المجد ،وأحقو باالصطفاء ،فالرسل ال يكونوف
إال صفوة الخلق على اإلطبلؽ ،والذي اختارىم واصطفاىم ( )1ليس جاىبل بحقائق األشياء ،أو يعلم شيئا
دوف شيء ،وإنما المصطفى لهم ،السميع ،البصير ،الذي قد أحاط علمو وسمعو وبصره بجميع األشياء،
ثفاختياره إياىم ،عن علم منو ،أنهم أىل لذلك ،وأف الوحي يصلح فيهم كما قاؿ تعالى { :اللَّوُ أَ ْعلَ ُم َح ْي ُ
يَ ْج َع ُل ِر َسالَتَوُ }
ِ
ور } أي :ىو يرسل الرسل ،يدعوف الناس إلى اهلل ،فمنهم المجيب ،ومنهم الراد { َوإِلَى اللَّو تُػ ْر َج ُع ُ
األم ُ
لدعوتهم ،ومنهم العامل ،ومنهم الناكل ،فهذا وظيفة الرسل ،وأما الجزاء على تلك األعماؿ ،فمصيرىا إلى
اهلل ،فبل تعدـ منو فضبل أو عدال.
اى ُدوا فِي اللَّ ِوْخيػر لَعلَّ ُكم تُػ ْفلِحو َف ( )77وج ِ َّ ِ
ََ اس ُج ُدوا َوا ْعبُ ُدوا َربَّ ُك ْم َوافْػ َعلُوا ال َ ْ َ َ ْ ُ آمنُوا ْارَكعُوا َو ْ
ين َ يَا أَيُّػ َها الذ َ
ين ِم ْن ِِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِِ
َح َّق ِج َهاده ُى َو ْ
اجتَبَا ُك ْم َوَما َج َع َل َعلَْي ُك ْم في الدّْي ِن م ْن َح َر ٍج ملةَ أَبي ُك ْم إبْػ َراى َ
يم ُى َو َس َّما ُك ُم ال ُْم ْسلم َ
الص َبلةَ َوآتُوا َّ
الزَكاةَ يموا َّ وؿ َش ِهي ًدا َعلَي ُكم وتَ ُكونُوا ُشه َداء َعلَى الن ِ ِ
َّاس فَأَق ُ َ َ ْ َْ قَػ ْب ُل َوفِي َى َذا لِيَ ُكو َف َّ
الر ُس ُ
َّص ُير ()78 صموا بِاللَّ ِو ُىو موَال ُكم فَنِ ْعم الْمولَى ونِ ْعم الن ِ ِ
َ َْ ْ َ َ ْ َ َ َوا ْعتَ ُ
34
يأمر تعالى ،عباده المؤمنين بالصبلة ،وخص منها الركوع [ ص ] 547والسجود ،لفضلهما وركنيتهما،
وعبادتو التي ىي قرة العيوف ،وسلوة القلب المحزوف ،وأف ربوبيتو وإحسانو على العباد ،يقتضي منهم أف
يخلصوا لو العبادة ،ويأمرىم بفعل الخير عموما.
وعلق تعالى الفبلح على ىذه األمور فقاؿ { :لَ َعلَّ ُك ْم تُػ ْفلِ ُحو َف } أي :تفوزوف بالمطلوب المرغوب ،وتنجوف
من المكروه المرىوب ،فبل طريق للفبلح سوى اإلخبلص في عبادة الخالق ،والسعي في نفع عبيده ،فمن
وفق لذلك ،فلو القدح المعلى ،من السعادة والنجاح والفبلح.
ادهِ } والجهاد بذؿ الوسع في حصوؿ الغرض المطلوب ،فالجهاد في اهلل حق { وج ِ
اى ُدوا فِي اللَّ ِو ح َّق ِجه ِ
َ َ ََ
جهاده ،ىو القياـ التاـ بأمر اهلل ،ودعوة الخلق إلى سبيلو بكل طريق موصل إلى ذلك ،من نصيحة وتعليم
وقتاؿ وأدب وزجر ووعظ ،وغير ذلك.
اجتَبَا ُك ْم } أي :اختاركم -يا معشر المسلمين -من بين الناس ،واختار لكم الدين ،ورضيو لكم،
{ ُى َو ْ
واختار لكم أفضل الكتب وأفضل الرسل ،فقابلوا ىذه المنحة العظيمة ،بالقياـ بالجهاد فيو حق القياـ،
ادهِ } ربما توىم متوىم أف ىذا من باب تكليف ما ال يطاؽ ،أو ولما كاف قولو { :وج ِ
اى ُدوا فِي اللَّ ِو ح َّق ِجه ِ
َ َ ََ
تكليف ما يشق ،احترز منو بقولوَ { :وَما َج َع َل َعلَْي ُك ْم فِي الدّْي ِن ِم ْن َح َر ٍج } أي :مشقة وعسر ،بل يسره
غاية التيسير ،وسهلو بغاية السهولة ،فأوال ما أمر وألزـ إال بما ىو سهل على النفوس ،ال يثقلها وال يؤودىا،
ثم إذا عرض بعض األسباب الموجبة للتخفيف ،خفف ما أمر بو ،إما بإسقاطو ،أو إسقاط بعضو .ويؤخذ
من ىذه اآلية ،قاعدة شرعية وىي أف " المشقة تجلب التيسير " و " الضرورات تبيح المحظورات "
فيدخل في ذلك من األحكاـ الفرعية ،شيء كثير معروؼ في كتب األحكاـ.
ِ َّ ِ ِ ِ
يم } أي :ىذه الملة المذكورة ،واألوامر المزبورة ،ملة أبيكم إبراىيم ،التي ما زاؿ عليها، { ملةَ أَبي ُك ْم إبْػ َراى َ
فالزموىا واستمسكوا بها.
ين ِم ْن قَػ ْب ُل } أي :في الكتب السابقة ،مذكوروف ومشهوروفَ { ،وفِي َى َذا } أي :ىذا ِِ
{ ُى َو َس َّما ُك ُم ال ُْم ْسلم َ
وؿ َش ِهي ًدا َعلَْي ُك ْم } الكتاب ،وىذا الشرع .أي :ما زاؿ ىذا االسم لكم قديما وحديثا { ،لِيَ ُكو َف َّ
الر ُس ُ
َّاس } لكونكم خير أمة أخرجت للناس ،أمة وسطا عدال اء َعلَى الن ِ
بأعمالكم خيرىا وشرىا { َوتَ ُكونُوا ُش َه َد َ
خيارا ،تشهدوف للرسل أنهم بلغوا أممهم ،وتشهدوف على األمم أف رسلهم بلغتهم بما أخبركم اهلل بو في
35
الصبل َة } بأركانها وشروطها وحدودىا ،وجميع لوازمهاَ { ،وآتُوا َّ
الزَكا َة } المفروضة يموا َّ ِ
كتابو { ،فَأَق ُ
ص ُموا بِاللَّ ِو } أي :امتنعوا بو وتوكلوا عليو في ذلك ،وال تتكلوا
لمستحقيها شكرا هلل على ما أوالكمَ { ،وا ْعتَ َ
على حولكم وقوتكمُ { ،ى َو َم ْوال ُك ْم } الذي يتولى أموركم ،فيدبركم بحسن تدبيره ،ويصرفكم على أحسن
َّصير } أي :نعم المولى لمن تواله ،فحصل لو مطلوبو { ونِ ْعم الن ِ
َّص ُير } لمن ِ ِ ِ
َ َ تقديره { ،فَن ْع َم ال َْم ْولَى َون ْع َم الن ُ
استنصره فدفع عنو المكروه.
36