You are on page 1of 675

‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫منبر الجمع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة من الحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرم المك ـ ـ ـ ـ ــي‬


‫الجـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزء الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأول‬

‫بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬


‫جمع وترتيب إبتهاج حجازي بدوي سالم غبور‬

‫‪1‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ِّم ـ ـةٌ‬
‫ُم َقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد َ‬
‫الر ِح ِـ‬
‫يم‬ ‫بِ ْس ِم اللَّ ِه َّ‬
‫الر ْح َم ِن َّ‬

‫َّها ِر َويُولِ ُج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ْح ِّي ‪ ،‬يُول ُج اللَّْي َل في الن َ‬
‫ِ ِ‬
‫ِج ال َْميِّت م ْن ال َ‬ ‫ت َو ُم ْخر ِ‬ ‫ِج الْح ِّي ِمن الْميِّ ِ‬
‫ْح ْم ُد للَّه ُم ْخر ِ َ ْ َ‬
‫ِِ‬
‫ال َ‬
‫يم الْ َخبِ ُير ‪،‬‬ ‫اد ِةـ وهو ال ِ‬ ‫ب َو َّ‬ ‫الص ُدو ِر ‪َ ،‬عالِ ُم الْغَْي ِ‬ ‫َّهار فِي اللَّْي ِل و ُهو َعلِيم بِ َذ ِ‬
‫ْحك ُ‬ ‫الش َه َ َ ُ َ َ‬ ‫ات ُّ‬ ‫َ َ ٌ‬ ‫الن َ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫يم بِ َما تُ ْخ ِفي ُّ‬ ‫ِ‬
‫صى َو اَل ُت َع ُّد‬ ‫َأح َم ُدهُ َعلَى ن َع ِمه التي اَل تُ ْح َ‬ ‫ور َو ُت ْبديهـ م ْن ُك ِّل َش ْيء ‪َ ،‬و ْ‬ ‫الص ُد ُ‬ ‫ال َْعل ُ‬
‫ْك َو‬ ‫المل ُ‬
‫يك لَهُ ‪ ،‬لَهُ ُ‬ ‫ضبِ ِه ‪َ ،‬وَأ ْش َه ُـد َأ ْن اَل إلَهَ إاَّل اللَّهُ َو ْح َدهُ اَل َش ِر َـ‬‫‪َ ،‬وَأعُوذُ بِ ِه ِم ْن َس َخ ِط ِه َو غَ َ‬
‫يء قَ ِد ٌير ‪َ ،‬وَأ ْش َه ُـد َّ‬‫الحم ُد و النِّعمةُ يحيِي و ي ِميت و هو علَى ُك ِّل َش ٍ‬
‫َأن ُم َح َّم ًدا َع ْب ُدهُ َو َر ُسولُهُ‬ ‫َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ُ ُ َ َُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ُ ،‬هو َخاتَم النَّبِيين و المرسلِين ‪ ،‬و ُهو َّ ِ‬
‫صلَّى اللَّهُ‬ ‫ين‪َ -‬‬ ‫وث َر ْح َمةً لل َْعالَم َ‬‫الم ْبعُ ُ‬ ‫ين َ‬ ‫الصاد ُق اَألم ُ‬ ‫َ َ ُْ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ص ْحبِ ِه ِم ْن ُك ِّل قَبِيلَ ٍة َو َح ٍّي ‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َعلَْيه َو َسلَّ َم ‪َ -‬و َعلَى آله َو َ‬

‫‪ََّ :‬أمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َب ْعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُد‬

‫الح ُّق َتبَ َار َك َو َت َعالَىـ ِفي ُم ْح َك ِم آَيَاتِِه‬


‫ول َ‬‫َي ُق ُ‬

‫الر ِحيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم‬ ‫بِ ْسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـم اللَّ ِه َّ‬


‫الر ْح َم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِن َّ‬
‫اس َع ْوا ِإلَى ِذ ْك ِر اللَّ ِه َو َذ ُروا الَْب ْي َع‬ ‫لصاَل ِة ِمن يوِم ال ِ‬ ‫ودي لِ َّ‬ ‫﴿ يا َُّأيها الَّ ِذين آمنُوا ِإ َذا نُ ِ‬
‫ْج ُم َعة فَ ْ‬
‫َْ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫‪1‬‬
‫َذلِ ُك ْـم َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم ِإن ُكنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن (‪﴾ )9‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السنَ ِن‬
‫اب ُّ‬
‫َأص َح ُ‬ ‫صلُّوا َك َما َر َْأيتُ ُموني َ‬
‫ُأصلِّي " َأ ْخ َر َجهُ ْ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْيه َو َسلَّ َم – " َ‬
‫ال ‪َ -‬‬
‫َوقَ ْد قَ َ‬
‫يح ‪.‬‬ ‫ص ِح ٍ‬ ‫بِ ٍ‬
‫سنَد َ‬ ‫َ‬

‫‪1‬‬
‫سورة الجمعة‬

‫‪2‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬ ‫َعن َع ْب ِد اللَّ ِه بْ ِن عُمر ر ِ‬
‫ب‬ ‫ال ‪َ " :‬كا َن النَّبِ ُّي َ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْيه َو َسلَّ َم يَ ْخطُ ُ‬ ‫ض َي اللَّهُ َع ْن ُه َما قَ َ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ‬
‫ُخطْبََت ْي ِن َي ْقعُ ُد َب ْيَن ُه َما " متفق عليه‬

‫ص ُّح الْجمعةُ حتَّى يَت َق َّدم َها ُخطْبتَ ِ‬


‫ان "‬ ‫وهذا يؤكد أنه " اَل تَ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َُ َ َ َ‬

‫و لما كانت خطب الجمعة التي شهدها منبر الحرم المكي مجلس فقهي إسالميـ َقيِّ ٌم ثمين ‪،‬‬
‫لما تضمنته من درر فقهية إسالمية نفيسة ‪ ،‬تحث على إخالص العبادة هلل وعلى التحلي‬
‫ت على تجميع َج ِميع خطب الجمعة التي ألقاهاـ‬
‫ص ُ‬
‫بالفضيلة ومكارم األخالق ‪ ،‬فقد َح َر ْ‬
‫الدكتور صالح بن محمد آل طالب بالمسجد الحرام ‪ ،‬والدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫وهو إمام الحرم المكي منذ عام ‪ 1423‬ه ‪.‬‬

‫وهذا الكتابـ الذي بين أيديكم هو بمثابة الجزء األول من خطب الدكتور صالح بن محمد‬
‫آل طالب ‪ ،‬وهو يتضمن جميع خطب الجمعة التي ألقاها الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫في المسجد الحرام خالل السنوات الهجريةـ التالية ‪-:‬‬
‫‪ 1429‬هـ ‪ 1430 -‬هـ ‪ 1431 -‬هـ ‪ 1432 -‬هـ ‪ 1433 -‬هـ ‪ 1434 -‬هـ‬

‫وكل هذه الخطب حصلت عليها من موقع الرئاسة العامة للحرمين الشريفين ‪ ،‬فيما عدا‬
‫الخطب التالية ‪:‬‬
‫" عظات وعبر من قصة يوسف عليه السالم " و التي ألقيت بتاريخ عشرين من‬ ‫‪)1‬‬
‫جمادى اآلخرـ من عام ‪ 1433‬هـ‬
‫فقد حصلت عليها من موقع اليوتيوب ‪ ،‬وهي متوفرة على الرابط التاليـ ‪-:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/watch?v=l3Zb5SSpZRg‬‬

‫‪3‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫" بر الوالدينـ سبب لتفريج الكرب وإجابةـ الدعاء " والتي ألقيت بتاريخ األولـ من‬ ‫‪)2‬‬
‫صفر من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫فقد حصلت عليها من موقع المكتبة الصوتية الكبرى ‪ ،‬وذلك في صورة ملف صوتي ‪،‬‬
‫‪ :‬وهي متوفرة بالموقع على الرابط التالي‬
‫‪http://www.aqbas.com/audios/2385/‬‬
‫وبعد أن قمت بتفريغها قمت بمقارنة بعض مقاطعها مع تلك المقاطع التي أوردتها جريدة‬
‫الرياضـ الصادرة بتاريخ السبت الموافق للثانيـ من صفر من عام ‪1429‬هـ والموافق‬
‫للتاسع من فبراير من عام ‪2008‬م ‪ ،‬وذلك في العدد رقم ‪ ، 14474‬وذلك في‬
‫حديثها عن خطبة الجمعة الخاصة باليوم السابق ‪ ،‬و التي أذيعت من الحرم المكي ‪ ،‬وقد‬
‫" تناولت الجريدة الحديث عنها في مقال بقسمـ المحليات ‪ ،‬و كان عنوان المقالـ‬
‫إمام وخطيب المسجد الحرام يدعو إلى بر الوالدين واإلحسانـ إليهما " و هي متوفرة‬
‫على الرابط التالي‬
‫‪http://www.alriyadh.com/316119‬‬

‫" شمائل الحبيب صلى اهلل عليه و سلم " والتي ألقيت بتاريخ الخامس من ربيع‬ ‫‪)3‬‬
‫اآلخرـ من عام ‪ 1429‬هـ‬
‫فقد حصلت عليها من موقع األلوكة ‪ ،‬وهو موقع يشرف عليه كالً من ‪-:‬‬
‫الجريسي‬
‫الحميِّد ‪ ،‬والدكتور خالد بن عبد الرحمنـ ُ‬
‫الدكتور سعد بن عبد اهلل َ‬

‫وهي متوفرة بالموقع على الرابط التاليـ ‪-:‬‬


‫‪http://www.alukah.net/sharia/1220/2295/‬‬

‫كما أنها متوفرة بموقع المسلم في صورة ملف صوتي ‪ ،‬وهو موقع أليكترونيـ يشرف‬
‫عليه الدكتور ناصر بن سليمان العمر‪ ،‬وهي متوفرة بالموقع على الرابط التالي‬
‫‪4‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪http://almoslim.net/node/91715‬‬

‫ِّين ِعن َد اللّ ِه اِإل ْسالَ ُم " والتي ألقيت بتاريخ الخامس عشر من رجب من عام‬
‫" ِإ َّن الد َـ‬ ‫‪)4‬‬
‫‪ 1429‬هـ‬

‫فقد حصلت عليها في صورة ملف صوتي من موقع المكتبة الصوتية الكبرى ‪ ،‬وذلك من‬
‫الرابط التاليـ‬
‫‪http://www.aqbas.com/audios/2163/‬‬

‫وبعد أن قمت بتفريغها قمت بمضاهاة بعض مقاطعها مع تلك المقاطع التي أوردتها‬
‫جريدة الرياضـ الصادرةـ بتاريخ السبت الموافق للسادس عشر من رجب من عام‬
‫‪1429‬هـ والموافق للتاسع عشر من يوليو من عام ‪2008‬م ‪ ،‬وذلك في العددـ رقم‬
‫‪ ، 14635‬وذلك في حديثها عن خطبة الجمعة الخاصة باليوم السابق ‪ ،‬و التي أذيعت‬
‫من الحرم المكيـ ‪ ،‬وقد تناولت الجريدة الحديث عنها في مقالـ بقسم المتابعاتـ ‪ ،‬و‬
‫" كان عنوان المقالـ‬
‫إمام المسجد الحرام في خطبة الجمعة‪:‬‬
‫" الحوار ال يعني صهر األديانـ والمذاهب بحجة التقريب بينها" " ‪.‬‬
‫وقد قمت بتقسيم الكتاب إلى ستة فصول ‪ ،‬أال وهي ‪- :‬‬
‫الفصل األولـ بعنوان ‪ :‬منبر الجمعة من الحرم المكيـ للعام الهجري ‪ 1429‬هـ‬ ‫‪)1‬‬
‫الفصل الثانيـ ‪ :‬منبر الجمعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1430‬هـ‬ ‫‪)2‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬منبر الجمعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1431‬ه‬ ‫‪)3‬‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬منبر الجمعة من الحرم المكيـ للعام الهجري ‪ 1432‬ه‬ ‫‪)4‬‬
‫الفصل الخامس ‪ :‬منبر الجمعة من الحرم المكيـ للعام الهجري ‪ 1433‬ه‬ ‫‪)5‬‬
‫الفصل السادسـ ‪ :‬منبر الجمعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1434‬ه‬ ‫‪)6‬‬

‫‪5‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أما بالنسبة للسيرة الذاتية للدكتور صالح بن محمد آل طالب أحد أئمة الحرم المكي ‪،‬‬
‫وصاحب الخطب التي يتضمنها هذا الكتابـ الذي بين أيديكم فقد حاولت الحصول عليها‬
‫من مصدر موثوق منه ‪ ،‬فقمت بمراجعةـ موقع الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام‬
‫والمسجد النبوي على الرابط التاليـ‬

‫?‪http://www.alharamain.gov.sa/index.cfm‬‬
‫‪do=cms.conarticle&contentid=5943&categoryid=1025‬‬

‫لكنني لم أجدـ به إال القليل من المعلوماتـ ‪ ،‬أال وهي المعلومات التاليةـ ‪-:‬‬

‫" الشيخ ‪ /‬صالح بن محمد بن إبراهيم آل طالب من مواليد الرياضـ في ‪ 16/7/1393‬هـ‪،‬‬


‫تخرج من كلية الشريعةـ جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالميةـ عام ‪ 1415‬هـ ‪ ،‬وحصل‬
‫على الماجستيرـ من المعهد العالي للقضاء عام ‪ 1417‬هـ وعين قاضياً بالمحكمة الشرعية‬
‫بتربة عام ‪ 1418‬هـ ثم انتقل إلى محكمة رابع عام ‪ 1420‬هـ واستمر بها حتى عام ‪1422‬‬
‫هـ ثم كلف بالعمل قاضياً بمحكمة مكة المكرمةـ في ‪ 1/12/1422‬هـ ‪ ،‬ثم صدر األمرـ‬
‫الساميـ بتعيينه إماماًـ وخطيباً بالمسجد الحرام في ‪ 28/8/1423‬هـ‬
‫له مشاركاتـ دعوية في الداخل والخارج وهو عضو في فريق التحكيم السعودي وكان‬
‫رئيساً لجمعية تحفيظ القرآن الكريمـ برابع عام ‪ 1420‬هـ "‬

‫و قد قمت بمراسلة الرئاسةـ العامةـ لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي على البريدـ‬
‫اإلليكتروني التالي‬
‫‪Contact_us@gph.gov.sa‬‬

‫‪6‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وذلك للحصول على سيرة ذاتية كافية ووافية للشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫لكنهم تكرموا مشكورين بعدم الرد ‪.‬‬

‫أما بالنسبة لتلقيبه بالدكتور صالح بن محمد آل طالب فإنني قد قمت بمراجعةـ العدد رقم‬
‫‪ 16762‬من جريدةـ الرياض والصادرة يوم الجمعة الموافق للسابع عشر من رجب من عام‬
‫‪ 1435‬هـ والموافق للسادس عشر من مايو من عام ‪2014‬م فوجدت أن الجريدة لقبته‬
‫بالدكتور وذلك في مقالـ بعنوان " إمام وخطيب المسجد الحرام يلتقي مفتي أسترالياـ "‬
‫والمقال ورد بقسم الشئون الدوليةـ من الجريدةـ ‪.‬‬

‫كما وجدت أن الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي قد نشرت على‬
‫موقعها مقاالًـ قد نشرته صحيفة الندوة بعنوان " آل طالـ ــب يح ـ ـ ــاضـ ـ ــر عـ ـ ـ ــن (ع ـ ـ ــزتي في‬
‫ح ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ــابي)ـ " وذلك على الرابط التالي‬
‫?‪http://www.gph.gov.sa/index.cfm‬‬
‫‪do=cms.conarticle&contentid=7433&categoryid=10‬‬

‫وكانت الصحيفة قد نشرته في الصفحة رقم ‪ 13‬من العددـ رقم ‪ ، 15653‬وقد نعتته في‬
‫المقال ب " فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب إمام وخطيب المسجد الحرام‬
‫والقاضي بالمحكمة الكبرى بمكة المكرمةـ "‬

‫كما وجدت أن الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي قد نشرت على‬
‫موقعها مقاالًـ قد نشرته صحيفة االقتصاديةـ بعنوان " إمام وخطيب المسج ـ ـ ـ ــد الح ـ ـ ـ ـ ــرام يزور‬
‫مدرسة الملك فه ـ ـ ـ ـ ــد اإلسالميـ ـ ـ ـ ـ ــة في سي ـ ـ ـ ـ ـ ــدني " وذلك على الرابط التاليـ‬
‫?‪www.gph.gov.sa/index.cfm‬‬
‫‪do=cms.conarticle&contentid=12037&categoryid=10‬‬

‫‪7‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وقد ورد المقال في الصفحة رقم ‪ 27‬من العدد رقم ‪ 7521‬والصادر بتاريخ السادسـ عشر‬
‫من رجب من عام ‪ 1435‬هـ ‪ ،‬وقد نعتته في المقالـ ب " إمام وخطيب المسجد الحرام‬
‫بمكة المكرمة الشيخ الدكتور صالح بن محمد آل طالب " مما يعني أنه قد حصل على‬
‫درجة الدكتوراه ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ــأول‬

‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1429‬هـ‬

‫‪9‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬بر الوالدين سبب لتفريج الكربـ وإجابة الدعاء‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬األولـ من صفر من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫بر الوالدين سبب لتفريج الكرب وإجابة الدعاء‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل ‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪،‬‬
‫من يهده اهلل فال مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫الس ِميع الب ِ‬
‫ص ُير ‪،‬‬ ‫ِ ِِ‬
‫س َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ‬
‫شريك له ‪ ،‬عز عن الشبيه وعن الند وعن النظير ‪ ،‬لَْي َ‬
‫وأشهدـ أن محمداً عبده ورسوله ‪ ،‬وصفيه من خلقه ‪ ،‬البشير النذير ‪ ،‬والسراج المنير ‪ ،‬صلى‬
‫اهلل عليه و على آله و صحبه و التابعين ‪ ،‬وسلم تسليماً كبيراً إلى يوم المصير ‪.‬‬

‫أما بعد ‪- :‬‬


‫فاتقوا اهلل تعالى أيهاـ الناس ‪ ،‬فإن خير الزاد التقوى ‪ ،‬واستمسكوا بكلمة اإلخالصـ فهي‬
‫العروة الوثقى ‪ ،‬وال تغرنكمـ الحياة الدنياـ ‪ ،‬وال تلهينكم عن األخرىـ ‪ ،‬فإن أمامكمـ موتاً وقبرا‬
‫‪ ،‬ثم نشراً وحشراـ ‪ ،‬والمصير إما إلى جنة ‪ ،‬أو نار ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪-:‬‬

‫إن الحياة وهي مندفعة في طريقها باألحياءـ توجه اهتمام األحياءـ إلى األمام ‪ ،‬إلى الناشئة‬
‫الجديدةـ والجيل المقبل ‪ ،‬إلى األبناء ‪ ،‬وقلما توجه اهتمامهمـ إلى الوراء ‪ ،‬إلى الحياة المولية‬
‫والجيل الذاهب ‪ ،‬وإن اآلباء و االمهات ليندفعون بالفطرةـ إلى رعاية األوالدـ ‪ ،‬والتضحية‬
‫بكل شيء حتى بالذات ‪ ،‬في سبيل رعاية األوالد وإسعادهمـ ‪ ،‬وكما تمتص النابتة الخضراء‬
‫كل غذاء في الحبة فإذا هي قتات ‪ ،‬ويمتص الفرخ كل غذاء في البيضة فإذا هي قشر ‪،‬‬
‫‪10‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫فكذلك يمتص األوالدـ كل رحيق وعافية ‪ ،‬وكل جهد واهتمام من الوالدين ‪ ،‬فإذا هما‬
‫شيخوخة فانية ‪ ،‬وشخوص منهكةـ باليةـ ‪ ،‬أما األوالد فسرعان ما ينسون هذا كله‬
‫ويندفعون بدورهم إلى األمام ‪ ،‬إلى الزوجات والذريةـ ‪ ،‬وهكذا تسير الحياة‬
‫لذا فال يحتاج اآلباءـ إلى سبيل توصية باألبناء ‪ ،‬إنما األبناء هم الذين يحتاجون إلى من‬
‫يستبيح وجدانهم لينعطفوا إلى الوراء ‪ ،‬ويتلفتوا إلى اآلباء واألمهات ‪ ،‬ليذكروا واجب‬
‫الجيل الذي أنفق رحيقه كله حتى ادركه الجفاف ‪ .‬وهنا يجيء األمر باإلحسان إلى الوالدينـ‬
‫في صورة قضاء محتوم يحمل معنى األمر واإللزام ‪ ،‬بعد األمر بعبادةـ اهلل وتوحيده‬

‫ساناًـ ِإ َّما َي ْبلُغَ َّن ِعن َد َك‬ ‫ِإ ِإ ِ ِ ِإ‬


‫ك َأالَّ َت ْعبُ ُدواْ الَّ يَّاهُ َوبال َْوال َديْ ِن ْح َ‬
‫ضى َربُّ َ‬
‫يقول الحق عز وجل ﴿ َوقَ َ‬
‫‪2‬‬
‫ُأف َوالَ َت ْن َه ْر ُه َما َوقُل لَّ ُه َما َق ْوالً َك ِريماً (‪﴾ )23‬‬ ‫َأح ُد ُه َما َْأو كِالَ ُه َما فَالَ َت ُقل لَّ ُه َما ٍّ‬ ‫ِ‬
‫الْكَب َر َ‬

‫أيها المسلمون حق الوالدينـ من أعظم الواجبات ‪ ،‬وأجره من أوفر الحسنات ‪ ،‬وبرهما‬


‫شرف الدنيا وفالح اآلخرة ‪ ،‬زكى به اهلل نبيه يحيى بقوله ﴿ َو َب ّراً بَِوالِ َديْ ِه َولَ ْم يَ ُكن َجبَّاراً‬
‫‪3‬‬
‫صيّاً (‪﴾ )14‬‬ ‫َع ِ‬
‫‪4‬‬
‫وتم َّدح به عيسى عليه السالم بقوله ﴿ َو َب ّراً بَِوالِ َدتِي َولَ ْم يَ ْج َعلْنِي َجبَّاراً َش ِقيّاً (‪﴾ )32‬‬ ‫َ‬
‫ِ ِإ ِئ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫و هو ميثاق اهلل على األولين ‪ ،‬يقول الحق عز وجل ﴿ َو ْذ َأ َخ ْذنَاـ ميثَا َق بَني ْس َرا َ‬
‫يل الَ‬
‫ساكِي ِن َوقُولُواْ لِلن ِ‬
‫َّاس ُح ْسناً‬ ‫ِ‬
‫ساناًـ َوذي الْ ُق ْربَى َوالْيَتَ َامىـ َوال َْم َ‬
‫ِ ِ ِإ‬ ‫ِإ‬
‫َت ْعبُ ُدو َن الَّ اللّهَ َوبال َْوال َديْ ِن ْح َ‬
‫الز َكا َة ثُ َّم َت َولَّْيتُ ْم ِإالَّ قَلِيالً ِّمن ُك ْم َوَأنتُم ِّم ْع ِر ُ‬
‫الصالَ َة َوآتُواْ َّ‬ ‫ِ‬
‫‪5‬‬
‫ضو َن (‪﴾ )83‬‬ ‫يمواْ َّ‬ ‫َوَأق ُ‬

‫ِ ِ ِإ‬ ‫ِِ‬
‫وهو أمر اهلل لكل المؤمنين ﴿ َوا ْعبُ ُدواْ اللّهَ َوالَ تُ ْش ِر ُكواْ به َش ْيئاً َوبال َْوال َديْ ِـن ْح َ‬
‫‪6‬‬
‫ساناً (‪﴾ )36‬‬

‫‪2‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪3‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪4‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪5‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪6‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪11‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وفي سورة األنعام ﴿ قُ ْل َت َعالَ ْواْ َأتْ ُل َما َح َّر َم َربُّ ُك ْم َعلَْي ُك ْم َأالَّ تُ ْش ِر ُكواْ بِ ِه َش ْيئاً َوبِال َْوالِ َديْ ِـن‬
‫‪7‬‬
‫ساناًـ (‪﴾ )151‬‬ ‫ِإ‬
‫ْح َ‬

‫َأن ا ْش ُك ْر لِي َولَِوالِ َديْ َـ‬


‫ك‬ ‫قرن اهلل حقه بحقهما ‪ ،‬وشكرهـ بشكرهما ‪ ،‬يقول الحق عز وجل ﴿ ِ‬
‫ص ُير ﴾ ِم َن اهلل نعمة الخلق واإليجاد ‪ ،‬ومن الوالدينـ بأمر اهلل النسل واإليالج‬
‫ِإلَ َّي الْم ِ‬
‫َ‬

‫األب واألم كم شقياـ لتسعدـ ‪ ،‬وكم سهرا لتنعم ‪ ،‬هما سبب وجودك ‪ ،‬وأصل حياتكـ ‪ ،‬كم‬
‫عانت أمك في حملك ‪ ،‬ورأت الموت عند وضعك ‪ ،‬وعانت آالمها لتستقبل حياتك بشوق‬
‫عارم وعين متلهفة ‪ ،‬كفكفت من عبراتها ‪ ،‬وجففت من دمعاتهاـ لتستقبلك بوجه بسام وجبين‬
‫وضاح ‪ ،‬األم ذلك المخلوق الضعيف و الروح اللطيف ‪ ،‬هي األم الرؤوم والقلب الحنون ‪،‬‬
‫تفزع إلى حضنها وتدفن رأسك في صدرها ‪ ،‬ال تعلم ملجأ وال مالذا سواها ‪ ،‬فإذا كبرت لم‬
‫تزل لك مداد الرحمةـ و األنس ‪ ،‬و لم يزل صدرها لك معطاءا بساما ‪ ،‬وال أصدق في‬
‫نسا َـن بَِوالِ َديْ ِه َح َملَْتهُ ُُّأمهُ َو ْهناً َعلَى َو ْه ٍن‬
‫ص ْينَا اِإْل َ‬ ‫وصف معاناتهاـ من قول اهلل عز وجل ﴿ َو َو َّ‬
‫ك ِإلَ َّي الْم ِ‬ ‫َأن ا ْش ُك ْـر لِي َولَِوالِ َديْ َ‬ ‫وفِصالُهُ فِي َعام ْي ِن ِ‬
‫‪8‬‬
‫ص ُير (‪﴾ )14‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صالُهُ ثَاَل ثُو َن َش ْهراًـ َحتَّى ِإذَا َبلَ َغ َأ ُش َّدهُ َو َبلَ َغ َْأربَع َ‬
‫ين‬ ‫ض َع ْتهُ ُك ْرهاً َو َح ْملُهُ َوف َ‬ ‫وقوله ﴿ ُك ْرهاً َو َو َ‬
‫صالِحاً‬ ‫ي َوَأ ْن َأ ْع َم َل َ‬ ‫ت َعلَ َّي َو َعلَى َوالِ َد َّ‬ ‫ك الَّتِي َأْن َع ْم َ‬ ‫ب َْأو ِز ْعنِي َأ ْن َأ ْش ُك َر نِ ْع َمتَ َ‬
‫ال َر ِّ‬ ‫َسنَةً قَ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َأصلِ ْح لِي فِي ذُ ِّريَّتِي ِإنِّيـ ُت ْب ُ‬
‫ك َوِإنِّي م َن ال ُْم ْسلم َ‬ ‫ت ِإلَْي َ‬
‫‪9‬‬
‫ين (‪﴾ )15‬‬ ‫ضاهُ َو ْ‬ ‫َت ْر َ‬

‫هذه وصية اهلل تعالى لكم أيهاـ المسلمون ‪ ،‬اإلحسانـ إلىـ الوالدين ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪8‬‬
‫سورة لقمان‬
‫‪9‬‬
‫سورة األحقاف‬

‫‪12‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ب ِإلَىـ اللَّ ِه‬


‫َأح ُّ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ُّ  :‬‬
‫َأي ال َْع َم ِل َ‬ ‫ْت النَّبِ َّي َ‬
‫ال ‪َ :‬سَأل ُ‬ ‫‪َ  ‬عن َعب ِد اللَّ ِه ب ِن مسع ٍ‬
‫ود‪ ‬قَ َ‬ ‫ْ َ ُْ‬ ‫ْ ْ‬
‫ْت ‪:‬‬ ‫ال ‪ " :‬بُِّر ال َْوالِ َديْ ِـن " ‪ُ ،‬قل ُ‬
‫َأي ؟ قَ َ‬ ‫ْت ‪ :‬ثُ َّم ُّ‬‫الصالةُ َعلَى َوقْتِ َها " ‪ُ ،‬قل ُ‬‫ال ‪َّ " :‬‬‫َع َّز َو َج َّل ؟ قَ َ‬
‫يل اللَّ ِه " ‪.10‬‬ ‫اد فِي َسبِ ِ‬ ‫ال ‪ " :‬ال ِ‬
‫ْج َه ُ‬ ‫َأي ؟ قَ َ‬
‫ثُ َّم ُّ‬

‫نعم الصالة ‪ ،‬ثم بر الوالدين ‪ ،‬ثم الجهاد في سبيل اهلل ‪ ،‬فحق الوالدين مقدم على الجهادـ‬

‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪،‬‬ ‫ِ‬


‫ال ‪َ " :‬أقْبَ َل َر ُج ٌل ِإلَىـ نَبِ ِّي اللَّه َ‬ ‫َع ْب َد اللَّ ِه بْ َن َع ْم ِرو بْ ِن ال َْع ِ‬
‫اص‪ ، ‬قَ َ‬
‫َأح ٌد َح ٌّي‬‫ك َ‬ ‫ال ‪َ  :‬ف َه ْل ِم ْن َوالِ َديْ َـ‬
‫اَأْلج َر ِم َن اللَّ ِه ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ك َعلَى الْ ِهجر ِة وال ِ ِ ِ‬
‫ْج َهاد َْأبتَغيـ ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫ال ‪ُ :‬أبَايِعُ َـ‬ ‫َف َق َـ‬
‫ال ‪ :‬فَ ْار ِج ْع ِإلَىـ‬ ‫ال ‪َ :‬ن َع ْم ‪ ،‬قَ َ‬‫اَأْلج َـر ِم َن اللَّ ِه ؟ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪َ :‬فتَْبتَغي ْ‬ ‫ال ‪َ :‬ن َع ْم ‪ ،‬بَ ْل كِاَل ُه َما ‪ ،‬قَ َ‬ ‫؟ قَ َ‬
‫ص ْحبََت ُه َما "‪ 11 . ‬؛ متفق عليه‬ ‫ك فَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َأحس ْن ُ‬
‫َوال َديْ َ ْ‬

‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه‬ ‫ال ‪ :‬هاجر رجل ِإلَى رس ِ ِ‬


‫ول اللَّه َ‬ ‫ي َرض َي اللَّهُ َع ْنهُ ‪،‬قَ َ َ َ َ َ ُ ٌ َ ُ‬
‫يد الْ ُخ ْد ِر ِّ ِ‬ ‫َعن َأبِي س ِع ٍ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫الش ْر َك َولَ ِكنَّهُ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪َ " :‬ه َج ْر َ‬ ‫ال لَهُ رس ُ ِ‬
‫ت ِّ‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫َو َسلَّ َم م َن الْيَ َم ِن ‪َ ،‬ف َق َ َ ُ‬
‫ال لَهُ‬ ‫ال ‪ :‬اَل ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ك ؟ " ‪ ,‬قَ َ‬ ‫ال ‪َِ " :‬أذنَا لَ َ‬ ‫ال ‪َ :‬ن َع ْم ‪ ،‬قَ َ‬
‫اك ؟ قَ َ‬ ‫اد ‪َ ،‬ه ْل بِالْيَ َم ِن ََأب َو َ‬ ‫ال ِ‬
‫ْج َه ُ‬
‫ك ‪ ،‬فَاستَ ِ‬
‫ْأذ ْن ُه َماـ ‪ ،‬فَِإ ْن َف َعاَل ‪َ ،‬وِإاَّل‬ ‫ْ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ْ " :‬ار ِج ْع ِإلَىـ ََأب َويْ َ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬
‫فَبِ َّر ُه َما " ‪ 12‬؛ رواه أحمد في مسنده‬

‫ال ‪ِ :‬إنِّيـ َأ ْشتَ ِهيـ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪َ -‬ف َق َ‬ ‫ال ‪َ :‬أتَى رجل رس َ ِ‬
‫ول اللَّه ‪َ -‬‬ ‫ٌََُُ‬ ‫س قَ َ‬ ‫َع ْن َأنَ ٍ‬
‫ال ‪ُِّ :‬أمي ‪.‬‬ ‫َأح ٌد ؟ " ‪ .‬قَ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ال ‪َ " :‬ه ْل بَِق َـي ِم ْن َوالِ َديْ َـ‬ ‫اد َواَل َأق ِْد ُر َعلَْي ِه ‪ .‬قَ َ‬ ‫ال ِ‬
‫ْج َه َ‬
‫اج ومعت ِم ٍر ومج ِ‬
‫اه ٍد‬ ‫ْت َذلِ َ‬ ‫ال ‪ " :‬فََأبْ ِل اللَّهَ فِي بِِّر َها ‪ ،‬فَِإ َذا َف َعل َ‬
‫َأج ُر َح ٍّ َ ُ ْ َ َ ُ َ‬ ‫ك ْ‬ ‫ك َكا َن لَ َ‬ ‫قَ َ‬
‫ك ‪ ،‬فَاتَّ ِق اللَّهَ َوبَِّر َها " ‪َ .‬ر َواهُ َأبُو َي ْعلَى َوالطََّبَرايِن ُّ فِي‬ ‫ك ُُّأم َ‬ ‫ت َع ْن َ‬‫ضيَ ْ‬‫‪ ،‬فَِإ َذا ر ِ‬
‫َ‬
‫يح َو َو َّث َقهُ ابْ ُن ِحبَّا َن‬
‫ون بْ ِن نَ ِج ٍ‬‫يح غَْير م ْيم ِ‬
‫الصح ِ َ َ ُ‬
‫ال َّ ِ‬ ‫اَأْلو َس ِط َو ِر َجالُ ُه َماـ ِر َج ُ‬
‫الصغي ِر َو ْ‬
‫َّ ِ‬
‫‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫متفق عليه‬
‫‪11‬‬
‫متفق عليه‬
‫‪12‬‬
‫رواه أحمد في مسنده‬

‫‪13‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن حق الوالد ال يقبل مساومةـ ‪ ،‬حتى ولو كان األمرـ يتعلق بالجهادـ ‪.‬‬

‫األم طريق الجنة‬

‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪،‬‬ ‫ت رس َ ِ‬ ‫السلَ ِم ِّي ‪ ،‬قَ َ‬ ‫َعن معا ِويةَـ ب ِن ج ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ال ‪َ :‬أَت ْي ُ َ ُ‬ ‫اه َمةَ ُّ‬ ‫ْ َُ َ ْ َ‬
‫ك َو ْجهَ اللَّ ِه‬ ‫ك َْأبتَ ِغي بِ َذلِ َـ‬ ‫اد َم َع َ‬‫ْج َه َ‬‫ت ال ِ‬ ‫ت ََأر ْد ُ‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ِ ،‬إنِّي ُك ْن ُ‬ ‫ْت ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫َف ُقل ُ‬
‫ال ‪ْ " :‬ار ِج ْع ‪،‬‬ ‫ْت ‪َ :‬ن َع ْم ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ك ؟ " ُقل ُ‬ ‫َأحيَّةٌ ُُّأم َـ‬
‫ك‪َ ،‬‬ ‫ال ‪َ " :‬ويْ َح َ‬ ‫الد َار اآْل ِخ َر َةـ ‪ ،‬قَ َ‬
‫َو َّ‬
‫ول اللَّ ِه ‪ِ ،‬إنِّي ُك ْن ُ‬ ‫ب اآْل َخ ِـر ‪َ ،‬ف ُقل ُ‬ ‫ْجانِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫ت ََأر ْد ُ‬ ‫ْت ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫َفَب َّر َها " ‪ ،‬ثُ َّم َأَت ْيتُهُ م َن ال َ‬
‫ك"‬ ‫َأحيَّةٌ ُُّأم َ‬
‫ك‪َ ،‬‬ ‫ال ‪َ " :‬ويْ َح َ‬ ‫الد َار اآْل ِخ َر َة ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ك َو ْجهَ اللَّ ِه َو َّ‬ ‫ك َْأبتَ ِغيـ بِ َذلِ َ‬‫اد َم َع َ‬
‫ْج َه َ‬‫ال ِ‬
‫ال ‪ " :‬فَ ْار ِج ْع ِإلَْي َها َفَب َّر َها " ‪ ،‬ثُ َّم َأَت ْيتُهُ ِم ْن ََأم ِام ِه‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ْت ‪َ :‬ن َع ْم يَا َر ُس َ‬ ‫‪ُ ،‬قل ُ‬
‫ك َو ْجهَ اللَّ ِه َو َّ‬
‫الد َار‬ ‫ك َْأبتَ ِغي بِ َذلِ َ‬
‫اد َم َع َـ‬ ‫ت ال ِ‬
‫ْج َه َـ‬ ‫ت ََأر ْد ُ‬ ‫ول اللَّ ِه ِإنِّي ُك ْن ُ‬
‫ْت ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫َف ُقل ُ‬
‫ال ‪" :‬‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ْت ‪َ :‬ن َع ْم يَا َر ُس َ‬ ‫ك " ‪ُ ،‬قل ُ‬ ‫َأحيَّةٌ ُُّأم َ‬
‫ك‪َ ،‬‬ ‫ال ‪َ " :‬ويْ َح َ‬ ‫اآْل ِخ َرةَ ‪ ،‬قَ َ‬
‫ْجنَّةُ " ‪ .‬رواه النسائي وابن ماجةـ بسند صحيح‬ ‫ك ال َْز ْم ِر ْجلَ َها َفثَ َّم ال َ‬‫َويْ َح َ‬

‫نعم الجنة ميعاد اهلل لألبرار ‪ ،‬وميراث البررة األخيار ‪.‬‬

‫ْت‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َوآلِ ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬


‫ال ‪َ " :‬د َخل ُ‬ ‫َأن النَّبِ َّي َ‬
‫ضي اللَّهُ َع ْن َها ‪َّ ،‬‬ ‫َعن َعاِئ َ ِ‬
‫شةَ َر َ‬ ‫ْ‬
‫ُّعم ِ‬ ‫الْجنَّةَ فَس ِمع ُ ِ ِ‬
‫ال‬
‫ان " ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ْت ‪َ :‬م ْن َه َذا ؟ قَالُوا ‪َ :‬حا ِرثَةُ بْ ُن الن ْ َ‬ ‫اء ًة َف ُقل ُ‬ ‫ت ف َيها ق َر َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َوآلِ ِه َو َسلَّ َم ‪َ " :‬ك َذلِ ُك ُم الْبِ ُّر َك َذلِ ُك ُم الْبِ ُّر" ‪ .‬أخرجهـ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬
‫الحاكم والبغوي بإسناد صحيح‬

‫ضيِّ ْع‬ ‫ت فَ َحافِ ْظ َعلَى الْبَ ِـ‬


‫اب َْأو َ‬ ‫ْجن َِّة ‪ ،‬فَِإ ْن ِشْئ َ‬ ‫لذا قال النبي " ال َْوالِ ُد َْأو َس ُ‬
‫ط َْأب َو ِ‬
‫اب ال َ‬
‫" رواه الترمذيـ بإسناد صحيح‬
‫‪14‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬البِ ُّر َد ٌ‬


‫ين‬
‫ساُؤ ُك ْم ‪َ ،‬وبُِّروا‬
‫فنَ‬ ‫س ِاء الن ِ‬
‫َّاس تَ ِع َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اللَّ ِه َ َّ َّ ِ ِ ِ َّ‬
‫صلى اللهُ َعلَْيه َوآله َو َسل َم " ع ُّفوا َع ْن ن َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫قَ َ‬
‫اء ُك ْم َتَب َّر ُك ْم َْأبنَاُؤ ُك ْم " أخرجهـ الطبراني والحاكم والهيثمي بأسانيدـ صحيحة‬ ‫آبَ َ‬

‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم " اَل يَ ِزي ُد فِي الْعُ ْم ِر ِإاَّل الْبِ ُّر‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫والبر سبب في طول العمر كما قَ َ َ ُ‬
‫الر ْز َق بِ َخ ِطيَئ ٍة َي ْع َملُ َها " ‪ .‬رواه الترمذيـ وابن‬ ‫الد َعاءُ ‪َ ،‬وِإ َّن َّ‬
‫الر ُج َل لَيُ ْح َر ُم ِّ‬ ‫‪َ ،‬واَل َي ُر ُّد الْ َق َد َر ِإاَّل ُّ‬
‫ماجة‬

‫ط لَهُ فِي ِر ْزقِ ِه ‪َ ،‬وَأ ْن‬


‫سَ‬ ‫ول اللَّ ِه َ َّ َّ ِ َّ‬
‫صلى اللهُ َعلَْيه َو َسل َم" َم ْن َس َّرهُ َأ ْن ُي ْب َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫وفي الصحيحين قَ َ‬
‫ص ْل َر ِح َمهُ " ‪.‬‬‫ي ْنسَأ لَهُ فِي َأثَ ِر ِه ‪َ ،‬فلْي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬

‫وال رحمة أعظم من رحمة الوالدينـ ‪.‬‬

‫والبر بالوالدينـ سبب في تفريج الكربـ ‪ ،‬وإجابة الدعاء ‪ ،‬والنجاة من المضائق والمصائب ‪،‬‬
‫وحديث الثالثة الذينـ انطبقت عليهم صخرة الغار ‪ ،‬فجاء أحدهم ربه ببره بوالديهـ الشيخين‬
‫الكبيرين ففرج اهلل عنهم ‪ ،‬وانفرجت صخرة الغار ‪ ،‬فخرجوا يمشون‬
‫ال ‪َ " :‬ب ْينَ َما ثَاَل ثَةُ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ ،‬قَ َ‬ ‫َأن رس َ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬
‫ِ‬
‫َع ْن ابْ ِن عُ َمَر َرض َي اللَّهُ َع ْن ُه َما ‪ُ َ َّ ،‬‬
‫ض ُه ْم‬‫ال ‪َ :‬ب ْع ُ‬ ‫َأص َاب ُه ْم َمطٌَر فَ ََأو ْوا ِإلَى غَا ٍر فَانْطَبَ َق َعلَْي ِه ْم ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫شو َن ِإ ْذ َ‬ ‫َن َف ٍر ِم َّم ْن َكا َن َق ْبلَ ُك ْم يَ ْم ُ‬
‫ص َد َق‬ ‫ِ‬
‫الص ْد ُق فَليَ ْدعُ ُك ُّل َر ُج ٍل م ْن ُك ْم بِ َما َي ْعلَ ُم َأنَّهُ قَ ْد َ‬ ‫ض ِإنَّهُ َواللَّ ِه يَا َهُؤ اَل ِء اَل ُي ْن ِجي ُك ْم ِإاَّل ِّ‬‫لَِب ْع ٍ‬
‫َأج ٌير َع ِم َل لِي َعلَى َف َر ٍق ِم ْن َُأر ٍّز‬ ‫ت َت ْعلَم َأنَّهُ َكا َن لِي ِ‬ ‫َّ ِإ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال ‪َ :‬واح ٌد م ْن ُه ُم الل ُه َّم ْن ُك ْن َ ُ‬ ‫فِ ِيه ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ت ِم ْنهُ َب َق ًرا‬ ‫ص َار ِم ْن َْأم ِر ِه َأنِّي ا ْشَت َريْ ُ‬
‫ك الْ َف َر ِق َف َز َر ْعتُهُ فَ َ‬ ‫ت ِإلَى ذَلِ َ‬ ‫ب َوَت َر َكهُ ‪َ ،‬وَأنِّي َع َم ْد ُ‬ ‫فَ َذ َه َ‬
‫ال لِي ‪ِ :‬إنَّ َما لِي ِع ْن َد َك‬ ‫س ْق َها ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ْت لَهُ ‪ :‬ا ْع ِم ْد ِإلَىـ تِل َ‬
‫ْك الَْب َق ِر فَ ُ‬ ‫َأج َرهُ ‪َ ،‬ف ُقل ُ‬
‫ب ْ‬ ‫ِ‬
‫َوَأنَّهُ َأتَانيـ يَطْلُ ُ‬
‫ت َت ْعلَ ُم‬ ‫سا َق َها فَِإ ْن ُك ْن َ‬ ‫ِ‬
‫ك الْ َف َرق فَ َ‬ ‫ْك الَْب َق ِر فَِإ َّن َها ِم ْن ذَلِ َ‬
‫ْت لَهُ ‪ :‬ا ْع ِم ْد ِإلَى تِل َ‬ ‫َف َر ٌق ِم ْن َُأر ٍّز ‪َ ،‬ف ُقل ُ‬
‫ال اآْل َخ ُر ‪ :‬اللَّ ُه َّم ِإ ْن‬‫الص ْخ َرةُ ‪َ ،‬ف َق َـ‬‫ت َع ْن ُه ُم َّ‬ ‫اح ْ‬ ‫س َ‬ ‫ك َف َف ِّر ْج َعنَّا فَانْ َ‬‫ك ِم ْن َخ ْشيَتِ َ‬ ‫ْت ذَلِ َ‬‫َأنِّي َف َعل ُ‬
‫‪15‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ت آتِي ِه َما ُك َّل لَْيلَ ٍة بِلَبَ ِن غَنَ ٍم لِي فََأبْطَ ُ‬


‫ْأت‬ ‫ان ‪ ،‬فَ ُك ْن ُ‬ ‫ان َكبِير ِ‬
‫َ‬
‫ان َش ْي َخ ِ‬ ‫ت َت ْعلَم َأنَّهُ َكا َن لِي َأبو ِ‬
‫ََ‬ ‫ُك ْن َ ُ‬
‫َأس ِقي ِه ْم َحتَّى‬ ‫ِ‬ ‫ت َوقَ ْد َرقَ َدا َو َْأهلِي َو ِعيَالِي َيتَ َ‬ ‫َعلَْي ِه َما لَْيلَةً فَ ِجْئ ُ‬
‫ت اَل ْ‬ ‫وع فَ ُك ْن ُ‬ ‫ْج ِ‬ ‫ضاغَ ْو َن م َن ال ُ‬
‫ش ْربَتِ ِه َماـ ‪َ ،‬فلَ ْم ََأز ْل‬ ‫َأد َع ُه َما َفيَ ْستَ ِكنَّا لِ َ‬
‫ت َأ ْن َ‬ ‫ت َأ ْن ُأوقِظَ ُه َما َو َك ِر ْه ُ‬ ‫اي ‪ ،‬فَ َك ِر ْه ُ‬ ‫ب ََأب َو َ‬ ‫يَ ْش َر َ‬
‫ت‬‫اح ْ‬ ‫س َ‬ ‫ك َف َف ِّر ْج َعنَّا فَانْ َ‬‫ك ِم ْن َخ ْشيَتِ َ‬ ‫ْت ذَلِ َـ‬‫ت َت ْعلَ ُم َأنِّي َف َعل ُ‬ ‫َأْنتَ ِظ ُر َحتَّى طَلَ َع الْ َف ْج ُر فَِإ ْن ُك ْن َ‬
‫ت َت ْعلَ ُم َأنَّهُ َكا َن لِي ْابنَةُ‬ ‫ال اآْل َخ ُر ‪ :‬اللَّ ُه َّم ِإ ْن ُك ْن َ‬ ‫الس َم ِاء ‪َ ،‬ف َق َـ‬ ‫الص ْخ َرةُ َحتَّى نَظَُروا ِإلَى َّ‬ ‫َع ْن ُه ُم َّ‬
‫ت ِإاَّل َأ ْن آتَِي َها بِ ِماَئ ِة ِدينَا ٍر ‪ ،‬فَطَلَْب ُت َها‬ ‫َّاس ِإلَ َّي َوَأنِّي َر َاو ْد ُت َها َع ْن َن ْف ِس َها فََأبَ ْ‬
‫ب الن ِ‬ ‫َأح ِّ‬ ‫ِ‬
‫َع ٍّم م ْن َ‬
‫ت َب ْي َن ِر ْجلَْي َها ‪،‬‬ ‫ت فََأَت ْي ُت َها بِ َها فَ َد َف ْع ُت َها ِإلَْي َها فَ َْأم َكنَْتنِي ِم ْن َن ْف ِس َهاـ َفلَ َّما َق َع ْد ُ‬‫َحتَّى قَ َد ْر ُ‬
‫ت َت ْعلَ ُم َأنِّي‬ ‫ت ال ِْماَئةَ ِدينَا ٍر فَِإ ْن ُك ْن َ‬ ‫ت َوَت َر ْك ُ‬ ‫ض الْ َخاتَ َم ِإاَّل بِ َح ِّق ِه َف ُق ْم ُ‬ ‫ت ‪ :‬اتَّ ِق اللَّهَ َواَل َت ُف َّ‬ ‫َف َقالَ ْ‬
‫ك َف َف ِّر ْج َعنَّا َف َف َّر َج اللَّهُ َع ْن ُه ْم فَ َخ َر ُجوا " ‪ .‬متفق عليه‬ ‫ك ِم ْن َخ ْشيَتِ َ‬ ‫ْت َذلِ َ‬‫َف َعل ُ‬

‫أيهاـ المسلمون ‪-:‬‬

‫ومن بر الوالدينـ إطعامهماـ ‪ ،‬وكسوتهما ‪ ،‬وخدمتهما ‪ ،‬وامتثال أمرهماـ ما لم تكن معصية ‪،‬‬
‫وتقديمـ هواهما ورغباتهما على رغبات النفس ‪ ،‬واحتساب ذلك عند اهلل ‪ ،‬والتكلمـ معهما‬
‫بلين ‪ ،‬ومعاملتهماـ بالرفقـ واللطف خاصة مع الكبر ‪ ،‬وأن ال يمشي خلفهما ‪ ،‬وال يدعوهما‬
‫الذ ِّل ِم َن َّ‬
‫الر ْح َم ِة َوقُل‬ ‫اح ُّ‬ ‫باسمهما المجرد ‪ ،‬بل يوقرهما ويتلطف إليهما ﴿ َوا ْخ ِف ْ‬
‫ض لَ ُه َما َجنَ َ‬
‫‪13‬‬
‫ص ِغيراً (‪﴾ )24‬‬ ‫ِ‬
‫ب ْار َح ْم ُه َما َك َما َر َّبيَاني َ‬
‫َّر ِّ‬

‫‪14‬‬
‫ص ِغيراً (‪﴾ )24‬‬ ‫ِ‬
‫ب ْار َح ْم ُه َما َك َما َر َّبيَاني َ‬
‫وأن يدعو لهما ‪ ،‬ويستغفرـ لهما ﴿ َوقُل َّر ِّ‬

‫صبِ ُح‬ ‫ان مسلِم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ان يُ ْ‬ ‫ال ‪َ " :‬ما م ْن ُم ْسل ٍم لَهُ َوال َد ـ ُ ْ َ‬ ‫وفي األدب المفرد للبخاري َع ِن ابْ ِن َعبَّ ٍ‬
‫اس ‪ ،‬قَ َ‬
‫اح ًداـ َفو ِ‬
‫اح ًدا ‪َ ،‬وِإ ْن‬ ‫ِإلَي ِهما مح ِسنا ‪ِ ،‬إاَّل َفتح اللَّه لَه بابي ِن يعنِي ِمن الْجن َِّة ‪ ،‬وِإ ْن َكا َن و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ُ َ َْ َ ْ َ َ َ‬ ‫ْ َ ُْ ً‬

‫‪13‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪14‬‬
‫سورة اإلسراء‬

‫‪16‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ال ‪َ :‬وِإ ْن ظَلَ َماهُ‬


‫ال ‪َ :‬وِإ ْن ظَلَ َماهُ ؟ قَ َ‬ ‫ض اللَّهُ َع ْنهُ َحتَّى َي ْر َ‬
‫ضى َع ْنهُ ‪ ،‬قَ َ‬ ‫َأح َد ُه َماـ لَ ْم َي ْر َ‬
‫ب َ‬ ‫َأ ْغ َ‬
‫ضَ‬
‫"‪.‬‬

‫ت َأ ْن َت ْن ِك َحنِي‪،‬‬ ‫ت ْام َرَأةً‪،‬ـ فََأبَ ْ‬‫ال‪ِ :‬إنِّي َخطَْب ُ‬ ‫اس‪َ ،‬أنَّهُ َأتَاهُ َر ُج ٌل َف َق َ‬
‫وفيه أيضا " َع ِن ابْ ِن َعبَّ ٍ‬
‫ك َحيَّةٌ؟‬ ‫ال‪ُُّ :‬أم َ‬ ‫ت َعلَْي َها َف َقَتل ُْت َها‪َ ،‬ف َه ْل لِي ِم ْن َت ْوبٍَة؟ قَ َ‬‫ت َأ ْن َت ْن ِك َحهُ‪ ،‬فَ ِغ ْر ُـ‬ ‫َو َخطََب َها غَْي ِري‪ ،‬فَ َ‬
‫َأحبَّ ْ‬
‫اهلل َع َّز وج َّل‪ ،‬وَت َق َّر ـ ِ‬
‫اس‪:‬‬ ‫ْت ابْ َن َعبَّ ٍ‬ ‫سَأل ُ‬ ‫ت فَ َ‬ ‫ت‪ ،‬فَ َذ َه ْب ُ‬ ‫ب ِإلَْيه َما ْ‬
‫استَطَ ْع َ‬ ‫ب ِإلَى ِ َ َ َ ْ‬ ‫ال‪ :‬تُ ْ‬ ‫ال‪ :‬الَ‪ ،‬قَ َ‬ ‫قَ َ‬
‫اهلل َع َّز َو َج َّل ِم ْن بِِّر ال َْوالِ َد ِة " ‪.‬‬
‫ال‪ِ :‬إنِّي الَ َأ ْعلَم َعمالً َأقْرب ِإلَى ِ‬
‫ُ َ َ َ‬ ‫لِ َم َسَألْتَهُ َع ْن َحيَ ِاة ُِّأم ِه؟ َف َق َ‬

‫عباد اهلل ‪-:‬‬

‫ولألم حق مقدم مراعاة لضعفها ‪ ،‬ومعاناتهاـ ‪ ،‬ولحملها ‪ ،‬ووضعها ‪ ،‬وتربيتهاـ ‪ ،‬والغالب أنها‬
‫تحملت من المشقة مالم يتحمله غيرها ‪ ،‬فكانت الوصية بالعناية بها أبلغ‬

‫َأح ّق النّ ِ‬
‫اس‬ ‫ول اللّ ِه صلى اهلل عليه وسلم َف َق َ‬
‫ال‪:‬ـ َم ْن َ‬ ‫ال‪َ :‬جاء ر ُجل ِإلَى ر ُس ِ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن َأبي ُه َر ْي َرةَ‪ .‬قَ َ َ َ ٌ َ َ‬
‫ك"ـ‬
‫ال‪" :‬ثُ ّم ُّأم َ‬
‫ال‪ :‬ثُ ّم َم ْن؟ قَ َ‬
‫ك"ـ قَ َ‬
‫ال‪" :‬ثُ ّم ُّأم َ‬
‫ال‪ :‬ثُ ّم َم ْن؟ قَ َ‬
‫ك" قَ َ‬
‫"ُأم َ‬
‫ال‪ّ :‬‬‫ص َحابَتِي؟ قَ َ‬
‫بِ ُح ْس ِن َ‬
‫وك"‪ .‬متفق عليه‬
‫ال‪" :‬ثُ ّم َأبُ َ‬
‫ال‪ :‬ثُ ّم َم ْن؟ قَ َ‬
‫قَ َ‬

‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم – قَ َ‬ ‫َأن رس َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫ال " " ِإ َّن اللَّهَ‬ ‫ول اللَّه ‪َ -‬‬ ‫ب َّ َ ُ‬ ‫َع ِن الْم ْق َدام بْ ِن َم ْعدي َك ِر َ‬
‫ب " رواه ابن‬ ‫وصي ُكم بِآباِئ ُك ـم ِإ َّن اللَّهَ ي ِ‬
‫وصي ُك ْم بِاَأْلق َْر ِـ‬
‫ب فَاَأْلق َْر ِـ‬ ‫وصي ُكم بِ َُّأم َهاتِ ُكم ِإ َّن اللَّهَ ي ِ‬
‫ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ماجة‬

‫وف بِالْب ْي ِ‬
‫ت قَ ْد‬ ‫ِ‬
‫قال أبو موسى األشعريـ ‪-‬رضي اهلل عنه‪" :-‬شهدـ ابن عمر َر ُجاًل يَ َمانيًّا يَطُ ُ َ‬
‫ت ِر َك ُاب َهاـ لَ ْم ُأ ْذ َع ِر ثُ َّم قَ َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ول‪ِ :‬إنِّي لَ َها بَِع ُير َهاـ ال ُْم َذلَّ ُل ِإ ْن ُأ ْذ ِع َر ْ‬
‫َح َم َل َُّأمهُ َعلَى ظَ ْه ِر ِه‪َ ،‬و ُه َو َي ُق ُ‬
‫اح َد ٍة"‪.‬ـ‬‫ال‪ :‬اَل ‪ ،‬واَل بِز ْفر ٍة و ِ‬ ‫يَا ابْ َن عُ َم َر‪َ ،‬أُت َرانِيـ َج َز ْي ُت َها؟ قَ َ‬
‫َ َ َ َ‬

‫‪17‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المسلمون ‪-:‬‬

‫حاجةـ األبوين عند الكبر ‪ ،‬حاجةـ األبوين عند الكبر تفوق كل حاجةـ خاصة في جانب‬
‫الشعور والواقع النفسيـ ‪ ،‬فيكون الشعور مرهفا ‪ ،‬والنفس حساسةـ ‪ ،‬هما أحوج ما يكون‬
‫إلى الرفق والمالطفة ‪ ،‬واألنس والعناية ‪ ،‬هما أحوج ما يكون إلىـ الرفق والمالطفة ‪ ،‬واألنس‬
‫والعناية ‪ ،‬وإظهار االهتمام بهما ‪.‬‬
‫إنك لتحزن حين ترى الكبير منهما في وحدته مغرقا في مناجاته ‪ ،‬مبحرا في همومه‬
‫وشكاته ‪.‬‬
‫ال يريد طعاما ‪ ،‬وال شراباـ ‪ ،‬وال ماال ‪ ،‬إنما يريد لمسة اهتمام من بنيه وبناته ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪-:‬‬

‫لقد ُجبِلَت النفوس على اإلحسان لمن أحسن إليها ‪ ،‬وال منة بين المخلوقين أعظم من منة‬
‫الوالدانـ على ولدهما ‪ ،‬لكن حين تنتكس الفطن ‪ ،‬وتقسى القلوب وتتحجر ‪ ،‬ترى نماذج‬
‫الجحود وأمثالـ النكران ‪ ،‬وهذا هو سر الجمع بين حق اهلل وحق الوالدينـ ‪ ،‬وبين الشرك‬
‫والعقوق ‪.‬‬

‫فاهلل تعالى يخلق ويرزق ‪ ،‬ثم يتوجه الظالمـ بالعبادة غيره ‪.‬‬
‫والوالدان يلدان ويشقيان ‪ ،‬فيقابالن بالجحود والعقوق‬
‫َأن ا ْش ُك ْـر لِي َولَِوالِ َديْ َ‬
‫ك ِإلَ َّي الْم ِ‬ ‫وتأمل قول اهلل عز وجل ﴿ ِ‬
‫‪15‬‬
‫ص ُير (‪﴾ )14‬‬ ‫َ‬
‫لذا كان الوعيد شديداَـ ‪ ،‬والعقابـ أليما لمن عاق والديه وأساء لهما ‪.‬‬

‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه‬ ‫َعن عب ِد الرَّمْح ِن ب ِن َأيِب بكْر َة ‪َ ،‬عن َأبِ ِيه ر ِ‬
‫ال النَّبِ ُّي َ‬ ‫ض َي اللَّهُ َع ْنهُ ‪ ،‬قَ َ‬
‫ال ‪ :‬قَ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َْ‬
‫اك بِاللَّ ِه ‪،‬‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ،‬قَ َ‬
‫ال ‪ :‬اِإْل ْش َر ُـ‬ ‫َو َسلَّ َم ‪َ " :‬أاَل ُأَنبُِّئ ُك ْم بَِأ ْكبَ ِر الْ َكبَاِئ ِـر ثَاَل ثًا ؟ قَالُوا ‪َ :‬بلَى يَا َر ُس َ‬
‫‪15‬‬
‫سورة لقمان‬

‫‪18‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ال يُ َك ِّر ُر َها‬ ‫الزو ِر " ‪ ،‬قَ َ‬


‫ال ‪ :‬فَ َما َز َ‬ ‫ال ‪َ :‬أاَل َو َق ْو ُل ُّ‬ ‫وعُ ُقو ُق الْوالِ َدي ِـن ‪ ،‬وجلَس و َكا َن مت ِ‬
‫َّكًئا ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ََ َ َ‬ ‫َ‬
‫ت ‪ .‬متفق عليه‬ ‫َحتَّى ُقلْنَا لَْيتَهُ َس َك َ‬

‫وفي صحيح البخاري‬


‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم الْ َكبَاِئَـر َْأو‬ ‫ال ‪ :‬ذَ َكر رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ض َي اللَّهُ َع ْنهُ ‪ ،‬قَ َ‬‫كرِ‬ ‫ٍِ‬ ‫َع ْن َأنَ ٍ‬
‫َ َُ‬ ‫س بْ َن َمال َ‬
‫ال ‪َ :‬أاَل ُأَنبُِّئ ُك ْم‬ ‫س َوعُ ُقو ُق ال َْوالِ َديْ ِن ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫الش ْر ُك بِاللَّ ِه َو َق ْت ُل َّ‬
‫الن ْف ِ‬ ‫ال ‪ِّ " :‬‬ ‫ُسِئ َل َع ِن الْ َكبَاِئ ِـر َف َق َ‬
‫ال ‪:‬‬ ‫ال ُش ْعبَةُ ‪َ :‬وَأ ْك َث ُر ظَنِّي َأنَّهُ قَ َ‬ ‫الزو ِر " قَ َ‬
‫ادةُ ُّ‬ ‫ال َش َه َ‬ ‫الزو ِر َْأو قَ َ‬ ‫ال ‪َ :‬ق ْو ُل ُّ‬‫بَِأ ْكبَ ِر الْ َكبَاِئ ِـر ؟ قَ َ‬
‫الزو ِر ‪.‬‬
‫ادةُ ُّ‬ ‫َش َه َ‬

‫وعند الترمذيـ بسند صحيح‬


‫ضى ال َْوالِ ِد ‪،‬‬
‫ب فِي ِر َ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫الر ِّ‬ ‫ال " ِر َ‬
‫ضى َّ‬ ‫َع ْن َعْبد اللَّه بْ ِن َع ْم ٍرو َع ْن النَّبِ ِّي َ‬
‫ب ِفي َس َخ ِط ال َْوالِ ِـد "‬ ‫الر ِّ‬
‫ط َّ‬
‫َو َس َخ ُ‬

‫ب‪،‬‬ ‫ت ِع ْن َد َعلِ ِّي بْ ِن َأيِب طَالِ ٍ‬


‫ال ‪ُ :‬ك ْن ُ‬ ‫وفي صحيح مسلم ‪َ ،‬ع ْن َأيِب الطَُّفْي ِل َع ِام ُر بْ ُن َواثِلَةَ ‪ ،‬قَ َ‬
‫ال ‪:‬‬ ‫ب ‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪َ :‬فغَض َ‬ ‫ك ‪ ،‬قَ َ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم يُ ِس ُّر ِإلَْي َ‬
‫ال ‪َ :‬ما َكا َن النَّبِ ُّي َ‬ ‫فََأتَاهُ َر ُج ٌل ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫ما َكا َن النَّبِ ُّي صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه وسلَّم ي ِس ُّر ِإلَ َّي َش ْيًئا ي ْكتُمهُ النَّاس غَْير َأنَّهُ قَ ْد ح َّدثَنِي بِ َكلِم ٍ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ال ‪ " :‬لَ َع َن اللَّهُ َم ْن لَ َع َن َوالِ َدهُ ‪َ ،‬ولَ َع َن‬ ‫ال ‪ :‬قَ َ‬ ‫ين ؟ قَ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪َ :‬ما ُه َّن يَا َأم َير ال ُْمْؤ من َ‬
‫ال ‪َ :‬ف َق َ‬ ‫َْأربَ ٍع ‪ ،‬قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض"‪.‬‬ ‫آوى ُم ْحدثًا ‪َ ،‬ولَ َع َن اللَّهُ َم ْن غََّي َر َمنَ َار ْ‬
‫اَأْلر ِ‬ ‫اللَّهُ َم ْن َذبَ َح لغَْي ِر اللَّه ‪َ ،‬ولَ َع َن اللَّهُ َم ْن َ‬

‫وفي الصحيحين‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ِ " :‬إ َّن‬ ‫ال رس ُ ِ‬ ‫َعن عب ِد اللَّ ِه ب ِن عم ٍرو ر ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ال ‪ :‬قَ َ َ ُ‬ ‫ض َي اللَّهُ َع ْن ُه َما ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫ْ َْ‬
‫الر ُج ُل َوالِ َديْ ِـه ؟‬
‫ف َيل َْع ُن َّ‬ ‫ول اللَّ ِه ‪َ ،‬و َك ْي َ‬
‫يل ‪ ،‬يَا َر ُس َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الر ُج ُل َوال َديْ ـه " ق َ‬ ‫ِم ْن َأ ْكبَ ِر الْ َكبَاِئ ِر َأ ْن َيل َْع َن َّ‬
‫ب َُّأمهُ " ‪.‬‬‫س ُّ‬‫ب َأبَاهُ َويَ ُ‬ ‫الر ُج ِـل َفيَ ُ‬
‫س ُّ‬ ‫الر ُج ُل َأبَا َّ‬‫ب َّ‬ ‫س ُّ‬‫ال ‪ " :‬يَ ُ‬ ‫قَ َ‬

‫‪19‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن األمرـ جد خطير ‪ ،‬فهل يعي ذلك العاقون ‪ ،‬أال يخافون من دعوة تبلغ عنان السماء ‪،‬‬
‫ث َد َعو ٍ‬
‫ات‬ ‫ال " ثَاَل ُ َ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬
‫فتمحق دنياهم وأخراهم ‪ ،‬وقد قال النَّبِ ُّي َ‬
‫وم "‬‫ك فِي ِه َّن دعوةُ الْوالِ ِد ودعوةُ الْمسافِ ِر ودعوةُ الْمظْلُ ِ‬ ‫ات اَل َش َّ‬
‫ُم ْستَ َجابَ ٌـ‬
‫َ َْ َ َ َ َْ ُ َ َ َ َْ َ‬
‫رواه أبو داود والترمذيـ وابن ماجة‬

‫أال فبروا باآلباء واألمهات ‪ ،‬أحسنوا إليهم بأنواع البر والصالت ‪ ،‬قبلوا األيديـ والجباه ‪،‬‬
‫وشنفوا اآلذانـ بأجمل ما تنطق به الشفاهـ ‪ ،‬واصلوا معهم العطاء والبذلـ ‪ ،‬وال تمنوا عليهم‬
‫فهم بحق أصحاب المن والفضل ‪.‬‬

‫إعرفوا رغباتهم قبل أن ينطقوا بها ‪ ،‬ولكل ما يريدون فسارعوا وحققوا ‪ ،‬بلغنا اهلل و إياكم‬
‫رضاه ‪ ،‬وأدخلنا و إياكم جنته ومأواه ‪ ،‬بارك اهلل لي ولكمـ في الكتابـ و السنةـ ‪ ،‬ونفعناـ بما‬
‫فيهما من اآليات والحكمة ‪.‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي و لكم‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثانيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ‪:‬‬

‫الحمد هلل تفرد بالبقاءـ ‪ ،‬وكتب على خلقه الموت والفناء ‪ ،‬أحمده تعالىـ حمداً كثيراً طيبا‬
‫مباركا فيه ‪ ،‬وهو المحمود في السراء والضراء ‪.‬‬

‫وأشهد أن ال إله إالَّ اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن سيدناـ محمداً عبده ورسوله – صلى‬
‫اهلل عليه ‪ -‬و على آله و صحبه ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والجزاء ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون ‪-:‬‬

‫‪20‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ِّر في هذه األمة ‪ ،‬والوفاء أصل من دينها ‪ ،‬ومن بر األمةـ بالكبار واألعالم‬
‫فإن البر خلق ُمتَ َجد ٌ‬
‫األخيار البر والوفاء بعلماءها الربانيينـ ‪ ،‬ودعاتها الصالحين العامرين ‪ ،‬من بذلوا أعمارهم في‬
‫العلمـ ‪ ،‬وفي حماية الدين ‪ ،‬وحراسة الفضيلة ‪ ،‬والذبـ عن حياض السنة ‪.‬‬

‫قمم شامخة و جبال راسية في وجه طوفان الفسادـ ‪ ،‬ومصابح واجذة تبدد ظالم الدجىـ وتنير‬
‫درب السالكينـ ‪.‬‬

‫العلماء كالنجوم ‪ ،‬زينة للسماء ‪ ،‬وهداية للخلق ‪ ،‬ورجوم للشياطين ‪.‬‬


‫وحين تفجع األمةـ بموت العالمـ فيحق لها أن تحزن وتأسف ‪ ،‬فالعلماء ورثة األنبياء ‪،‬‬
‫وحامليـ الوحي ‪ ،‬وأمان األرض ‪.‬‬

‫إن من حقهم على األمةـ االعتراف بفضلهم وقدرهم ‪ ،‬والذب عن أعراضهم ‪ ،‬ونشر فضائلهمـ‬
‫ين َجاُؤ وا ِمن‬ ‫َّ ِ‬
‫ومآثرهمـ ‪ ،‬واالستنان بسيرتهمـ ‪ ،‬والدعاء لهم ‪ ،‬يقول الحق عز وجل ﴿ َوالذ َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم ِـ‬ ‫ِ‬ ‫َب ْع ِد ِه ْـم َي ُقولُو َن َر َّبنَا ا ْغ ِف ْر لَنَا َوِإِل ْخ َوانِنَا الَّ ِذ َـ‬
‫ان َواَل تَ ْج َع ْل في ُقلُوبنَا غاّل ً لِّلَّذ َ‬
‫ين‬ ‫ين َسَب ُقونَا باِإْل َ‬
‫ُأسْي ٍد‬
‫يم (‪ ﴾ )10‬فندعوا لهم كما ندعوا لوالديناـ ‪َ ،‬و َع ْن َأيِب َ‬
‫‪16‬‬ ‫ك رُؤ ٌ ِ‬
‫وف َّرح ٌ‬ ‫آمنُوا َر َّبنَا ِإنَّ َ َ‬ ‫َ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ِ -‬إ ْذ‬ ‫ال ‪ :‬بينَا نَحن ِع ْن َد رس ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اع ِد ِّ‬
‫الس ِ‬
‫ول اللَّه ‪َ -‬‬ ‫َُ‬ ‫ي ‪َ -‬رض َي اللَّهُ َع ْنهُ ‪ -‬قَ َ َ ْ ْ ُ‬ ‫َّ‬
‫ول اللَّ ِه َه ْل بَِق َـي ِم ْن بِِّر ََأب َو َّ‬
‫ي ََأب ُّر ُه َما بِ ِه َب ْع َد َم ْوتِ ِه َما ؟‬ ‫ال ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫اء َر ُج ٌل ِم ْن بَنِي َسلَ َمةَ ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َج َ‬
‫الر ِح ِم‬
‫صلَةُ َّ‬ ‫ار لَ ُهما ‪ ،‬وِإ ْن َفاذُ َع ْه ِد ِهما ِمن ب ْع ِد ِهماـ ‪ ،‬و ِ‬
‫َ َْ َ َ‬
‫اِل ِ‬
‫الصاَل ةُ َعلَْي ِه َما ‪َ ،‬وا ْست ْغ َف ُـ َ َ‬ ‫ال ‪َ " :‬ن َع ْم ‪َّ ،‬‬ ‫قَ َ‬
‫الَّتِي اَل تُوصل ِإاَّل بِ ِهما ‪ ،‬وِإ ْكرام ِ ِ‬
‫صديق ِه َما " ‪َ .‬ر َواهُ َأبُو َد ُاو َد ‪َ ،‬وابْ ُن َم َ‬
‫اج ْه‬ ‫َ َ َُ َ‬ ‫َُ‬
‫‪17‬‬
‫ص ِغيراً ( ‪﴾ )24‬‬ ‫ِ‬
‫ب ْار َح ْم ُه َما َك َما َر َّبيَاني َ‬ ‫‪ .‬وإذا تأملت قول اهلل عز وجل ﴿ َقُل َّر ِّ‬

‫‪16‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪17‬‬
‫سورة اإلسراء‬

‫‪21‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫فإذ كأنه كلما ازدادتـ التربيةـ ازداد الحق ‪ ،‬وكذلك من تولى تربية اإلنسانـ في صغره في‬
‫دينه ودنياه تربيةـ صالحة غير األبوينـ ‪ ،‬فإن له حقاً على من ربى ‪ ،‬وإذا كان هذا في حق‬
‫الوالدين المربيين فهو كذلك في حق العلماء الربانيينـ ‪.‬‬

‫فاللهم ارحم علماؤنا ‪ ،‬واغفر لهم ‪ ،‬وجازهم عنا وعن اإلسالم خير الجزاء ‪.‬‬

‫اللهم آجرنا في مصابنا ‪ ،‬وفقد علمائنا ‪ ،‬واخلف علينا وعلى المسلمين خيرا ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمين ‪-:‬‬

‫لقد أمر خادم الحرمين الشريفينـ حفظه اهلل بإقامة صالة االستسقاء في صبيحة يوم غد‬
‫السبت ‪ ،‬اقتداءاً بسنة النبي صلى اهلل عليه و سلم في طلب السقيا من اهلل حين يتأخرـ نزول‬
‫المطر ‪ ،‬و لما نزل بالمسلمين من قحط ‪ ،‬والحاجةـ الشديدة إلى الماء ‪ ،‬والمطر من‬
‫السماء ‪.‬‬
‫فاحرصوا رحمكم اهلل على هذه الصالة ‪ ،‬و أكثروا من االستغفار ‪ ،‬والدعاء ‪ ،‬والتوبة ‪،‬‬
‫والتحلل من المظالم ‪ ،‬وأكثروا من الذلـ والخشوع هلل رب العالمينـ ‪ ،‬وتقربوا بفعل‬
‫الواجباتـ ‪ ،‬وترك المحرمات ‪ ،‬لعل اهلل أن يرحمنا ‪ ،‬وأن يغيثنا ‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادرـ‬
‫عليه ‪ ،‬ثم اعلموا رحمكم اهلل إن اهلل تعالى أمركم بامرـ بدأ فيه بنفسه ﴿ ِإ َّن اللَّهَ َو َماَل ِئ َكتَهُ‬
‫‪18‬‬
‫صلُّوا َعلَْي ِه َو َسلِّ ُموا تَ ْسلِيماً ( ‪﴾ )56‬‬
‫آمنُوا َ‬ ‫صلُّو َن َعلَى النَّبِ ِّي يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬ ‫يُ َ‬

‫اللهم صلى وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬صاحب الوجه األبهرـ ‪ ،‬والجبين‬
‫األزهرـ‬

‫‪18‬‬
‫سورة اإلسراء‬

‫‪22‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وصلى وسلم على آل بيته األطهار ‪ ،‬وصحبه األخيار ‪ ،‬صالة وسالما دائمين ‪ ،‬مادام الليل‬
‫والنهار ‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين ‪ ،‬ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعل هذا‬
‫البلد آمنا مطمئنا وسائر بالد المسلمين ‪ ،‬اللهم أمنا في أوطاننا ‪ ،‬اللهم أمنا في أوطاننا ‪،‬‬
‫وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬واجعلـ واليتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب‬
‫العالمين ‪.‬‬

‫اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه ‪ ،‬ورد كيده في نحره ‪.‬‬

‫ال إله إال اهلل العظيمـ الحليم ‪.‬ال إله إال اهلل رب العرشـ العظيم ‪ ،‬ال إله إال اهلل رب السموات‬
‫السبع ورب األراض ورب العرش الكريم ‪.‬‬
‫عز جاره ‪ ،‬وجل ثناؤوه ‪ ،‬وتقدست أسماؤه ‪.‬‬

‫اللهم يا من ال يهزم جندك ‪ ،‬وال يخلف وعدك ‪ ،‬اللهمـ أصلح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم‬
‫أصلح أحوال المسلمين في فلسطين ‪ ،‬وفي كل مكان ‪ ،‬اللهم انصر المسلمين المحاصرين‬
‫في غزة ‪ ،‬اللهم فرج همهم ‪ ،‬ونفث كربهم ‪ ،‬وشد أزرهم ‪ ،‬وفك حصارهمـ ‪ ،‬وارفع عنهم‬
‫الضر يا رب العالمين ‪.‬‬

‫اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم ‪ ،‬واجمع كلمتهم على الهدى والحق ‪ ،‬يا حي يا قيوم يا‬
‫ذا الجالل واإلكرام ‪.‬‬

‫اللهم قاتل الكفرةـ والملحدين ‪ ،‬اللهمـ قاتل الكفرة والملحدين ‪ ،‬الذين يصدون عن دينك‬
‫ويعادون أولياءك ‪ ،‬اللهم قاتل الكفرة والملحدين ‪ ،‬الذين يصدون عن دينك ويعادون‬
‫أولياءك ‪ ،‬اللهم قاتل الكفرةـ والملحدين ‪ ،‬اللهم قاتل الكفرةـ والملحدين ‪ ،‬الذين يصدون‬
‫‪23‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عن دينك ويعادون أولياءك ‪ ،‬اللهم اجعل أمرهمـ في وبال ‪ ،‬وشأنهمـ في سفالـ ‪ ،‬اللهم انصر‬
‫دينك وكتابكـ ‪ ،‬وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل‬
‫مكان يا رب العالمين ‪.‬‬

‫اللهم وفقك ولي أمرنا لما تحب وترضى ‪ ،‬وخذ به للبر والتقوى ‪ ،‬اللهم وفقه ‪ ،‬ونائبهـ ‪،‬‬
‫وإخوانهم ‪ ،‬وأعوانهم لما فيه صالح البالد والعباد ‪.‬‬

‫اللهم فرج هم المهومين من المسلمين ‪ ،‬ونفث كرب المكروبين ‪ ،‬واقض الدينـ عن‬
‫المدينين ‪ ،‬واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين ‪.‬‬

‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ ،‬وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪.‬‬

‫اب النَّا ِر ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َر َّبنَا آتِنَا ِفي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآلخ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬

‫ربنا اغفر لنا ‪ ،‬ولوالدينا ‪ ،‬والديهمـ ‪ ،‬وجميع المسلمين ‪.‬‬

‫َّاب‬
‫َأنت ال َْوه ُ‬
‫ك َ‬ ‫ب لَنَا ِمن لَّ ُد َ‬
‫نك َر ْح َمةً ِإنَّ َ‬ ‫وبنَا َب ْع َد ِإ ْذ َه َد ْيَتنَا َو َه ْ‬
‫غ ُقلُ َ‬
‫َر َّبنَا الَ تُ ِز ْ‬

‫ربنا ال تؤاخذناـ بذنوبنا ‪ ،‬وال بما فعل السفهاء منا ‪.‬‬

‫نستغفرـ اهلل ‪ ،‬نستغفر اهلل ‪ ،‬نستغفر اهلل الذي ال إله إال هو الحي القيوم ‪ ،‬ونتوب إليه ‪.‬‬

‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغني ونحن الفقراء ‪ ،‬أنزل علينا الغيث وال تجعلنا من‬
‫القانطينـ ‪ ،‬اللهم أغثنا ‪ ،‬اللهم أغثنا ‪ ،‬اللهم أغثنا غيثا هنيئاً مريئاً ‪ ،‬سحاً غدقاً مجلجالً ‪َ ،‬ع َّاماً‬
‫نافعاً غير ضار ‪ ،‬تحيي به البالد ‪ ،‬وتسقي به العبادـ ‪ ،‬وتجعله بالغا للحاضر والباد ‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم سقيا رحمة ‪ ،‬اللهم سقيا رحمة ‪ ،‬ال سقيا عذاب ‪ ،‬وال هدم ‪ ،‬وال بالء ‪ ،‬وال غرق ‪.‬‬

‫الر ِح ُـ‬
‫يم ‪.‬‬ ‫اب َّ‬
‫َّو ُ‬
‫َأنت الت َّ‬
‫ك َ‬ ‫ب َعلَْينَا ِإنَّ َ‬ ‫يع ال َْعلِ ُـ‬
‫يم ‪َ ،‬وتُ ْ‬
‫َأنت َّ ِ‬
‫السم ُ‬ ‫ك َ‬ ‫َر َّبنَا َت َقبَّ ْل ِمنَّا ِإنَّ َ‬

‫ْح ْم ُد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ر ِّ ِ ِ‬


‫ين ( ‪َ ) 181‬وال َ‬
‫ب الْع َّزة َع َّما يَص ُفو َن ( ‪َ ) 180‬و َساَل ٌم َعلَى ال ُْم ْر َسل َ‬ ‫﴿ ُس ْب َحا َن َربِّ َ َ‬
‫ين ( ‪﴾ ) 182‬‬ ‫ِ‬ ‫لِلَّ ِه َر ِّ‬
‫ب ال َْعالَم َ‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬شمائل الحبيب صلى اهلل عليه و سلم‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس من ربيع اآلخر من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫‪ -‬شمائل الحبيب المصطفى ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫‪25‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ونستغفره ‪ ،‬ونعوذُ باهلل من شرور أنفسنا وسيئاتـ أعمالنا ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫إن الحمد هلل ‪ ،‬نَحمده ونستعينُه‬
‫ضلِل فال هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وح َدهُ ال‬ ‫من ي ْه ِده اهلل فال م ِ‬
‫ض َّل له ‪ ،‬ومن يُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الس ِميع الب ِ‬
‫ص ُير‬ ‫ِ ِِ‬ ‫عز عن الشبيه وعن ِّ‬
‫س َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ‬
‫الند وعن النظير ‪ ﴿ ،‬لَْي َ‬ ‫شريك له ‪َّ ،‬‬ ‫َـ‬
‫(‪ 19﴾ )11‬وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله البشير النذير والسراجـ المنير ‪ ،‬صلى اهلل عليه‬
‫كبيرا‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫وعلى آله وصحبه ومن تبعهمـ بإحسان إلى يوم البعث والنشور وسلَّم‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َولْتَنظُْر‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالى وراقبوه ‪ ،‬وأطيعوا أمره وال تعصوه‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ت لِغَ ٍد َو َّات ُقوا اللَّهَ ِإ َّن اللَّهَ َخبِ ٌير بِ َما َت ْع َملُو َن (‪ 20﴾ )18‬بالتقوى تستجلب‬ ‫س َّما قَ َّد َم ْ‬
‫َن ْف ٌ‬
‫األرزاق ‪ ،‬وتفتح األغالق ‪ ،‬وتفرج الكربـ ‪ ،‬وتدفع النقم ‪َ ﴿ ،‬و َمن َيت َِّق اللَّهَ يَ ْج َعل لَّهُ‬
‫ب (‪.21﴾ )3‬‬ ‫ِ‬
‫ث الَ يَ ْحتَس ُ‬‫َم ْخ َرجاًّ (‪َ )2‬و َي ْر ُزقْهُ ِم ْن َح ْي ُ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫حديث اليوم حديث تستلذه األسماع ‪ ،‬وتهفو به األفئدة ‪ ،‬وتجثو عندها العواطف ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وصفات ال تدانيهاـ األوصاف ‪ ،‬إنه لمحات‬ ‫حديث اليوم في سيرة تتقاصر دونها السير ‪،‬‬
‫ونفحات ‪ ،‬تعبق من صفات الرسولـ المجتبى ‪ ،‬وشمائل الحبيب المصطفى ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪.‬‬

‫شذراتـ تزيد الحب حبًّا ‪ ،‬والقلب قربًا ‪ ،‬تجدد اإليمان ‪ ،‬وتعضد الوالء ‪ ،‬وتثمر‬
‫االتباع ‪ ،‬صفاته وشمائله ‪ ،‬وكراماتهـ وفضائله ‪ ،‬أفق أفيح ‪ ،‬وسماء رحبة ‪ ،‬وحديقة‬
‫غناء ‪ ،‬يحار الناظر ماذاـ يقطف ‪ ،‬وأي شيء يتخير‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫‪19‬‬

‫‪20‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪21‬‬
‫سورة الطالق‬
‫‪26‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫حين نتحدث عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فإننا نتطلب زيادة اإليمان ‪ ،‬ومزيد‬
‫شرعا ‪،‬‬ ‫التعظيم والتبجيل ‪ ،‬وقدره َّ‬
‫حق قدره ‪ ،‬وازديادـ محبته ‪ ،‬وكل ذلك مطلوب ً‬
‫والثمرة في ذلك طاعته واتباعه ‪ ،‬وتعظيم أمره ونهيه ‪ ،‬واقتفاء سنته ‪ ،‬والثباتـ على‬
‫شرعته‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وجمع‬
‫وخلًُقا ‪َ ،‬‬
‫وكمله ‪ ،‬وطيَّبه َخ ْل ًقا ُ‬ ‫بشر َمخلوق ‪ ،‬إال َّ‬
‫أن اهلل تعالىـ َج َّمله َّ‬ ‫ومع إيماننا بأنَّهـ ٌ‬
‫شرف‬
‫ُ‬ ‫حمد بن عبداهلل بن عبدالمطلب الهاشميـ القرشيـ ‪،‬‬ ‫الفضائل ُكلَّها نس ًقاـ متَّس ًقاـ ‪ُ ،‬م َّ‬
‫َ‬ ‫له‬
‫نسبِه ‪ ،‬وكرم أصلِه ‪ ،‬وفضل بلده ومنشِئه ‪ -‬ال يحتاج إلى دليل عليه؛ فإنه نخبة بني‬
‫نفرا من جهة أبيه وأمه ‪ ،‬صلى‬
‫وأعزهم ً‬
‫هاشمـ ‪ ،‬وساللة قريش وطميمها ‪ ،‬وأشرف العرب ُّ‬
‫اهلل عليه وسلم‪.‬‬

‫أما بلده مكة؛ـ فأكرم بالد اهلل على اهلل وعلى عباده ‪ ،‬محمد بن عبداهلل رسول اهلل وخليله ‪،‬‬
‫فاضت بمحبته القلوب ‪ ،‬وامتألت بإجاللهـ الصدور ‪ ،‬وأسبغ اهلل عليه من الحسن والجمال‬
‫في منظره ومخبره ‪ ،‬و َخلْقه و ُخلُقه ‪ ،‬ما جعله آية في الكمال والجمال‪.‬‬

‫وصفته أم معبد فقالت‪ " :‬إنه ظاهر الوضاءة ‪ ،‬أبلج الوجه ‪ ،‬حسن ال َخلْق ‪ ،‬وسيم قسيم ‪،‬‬
‫ْ‬
‫في عينيه دعج ‪ ،‬وفي أشفاره وطف ‪ ،‬وفي صوته صحل ‪ ،‬وفي عنقه سطع ‪ ،‬أحور ‪،‬‬
‫أكحل ‪ ،‬أزج ‪ ،‬أقرن ‪ ،‬شديد سواد الشعر ‪ ،‬إذا صمت عاله الوقار ‪ ،‬وإذا تكلَّم عاله‬
‫البهاء ‪ ،‬أجمل الناس وأبهاهم من بعيد ‪ ،‬وأحسنهـ وأحاله من قريب ‪ ،‬حلو المنطق فصل ‪،‬‬
‫ال نذر وال هذر ‪ ،‬ال تقحمه عين من قصر ‪ ،‬وال تشنؤه من طول‪.‬‬

‫قال علي بن أبيـ طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في وصفه‪ " :‬كان رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬أبيض مشربًا بحمرة ‪ ،‬أدعج العينين ‪ ،‬أهدبـ األشفارـ ‪ ،‬إذا مشى تقلع كأنما‬

‫‪27‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫جميعا ‪ ،‬بين كتفيه خاتم النبوة ‪ ،‬أجود الناس ًّ‬
‫كفا ‪،‬‬ ‫يمشي في صبب ‪ ،‬وإذا التفت التفت ً‬
‫ذمة ‪ ،‬وألينُهم عريكةـ ‪َ ،‬م ْن رآه‬
‫صدرا ‪ ،‬وأصدق النَّاس لَهجة ‪ ،‬وأوفاهم َّ‬
‫وأجرأ الناس ً‬
‫بديهةًـ هابه ‪ ،‬ومن خالطه معرفةً أحبَّه ‪ ،‬يقول ِ‬
‫ناعتَهُ‪ :‬لم أر قبله وال بعده مثله"!!‬ ‫َْ‬

‫أبيض مليح الوجه"‪.‬‬


‫وقال أبو الطفيل‪" :‬كان َ‬

‫وقال أنس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " :-‬كان بسط الكفينـ ‪ ،‬أزهر اللون ‪ ،‬ليس في رأسه ولحيته‬
‫يسير في صبغيه "‪.‬‬
‫عشرون شعرة بيضاء ‪ ،‬إنما كان شيءٌ ٌ‬

‫مربوعا ‪ ،‬بعيد ما بين المنكبين ‪ ،‬له شعر يبلغ‬


‫ً‬ ‫وقال البراء ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " :-‬كان‬
‫شحمة أذنيه ‪ ،‬رأيته في حلة حمراء ‪ ،‬لم أر شيًئا قط أحسن منه ‪ ،‬كان مثل القمر "‪.‬‬

‫تبسما ‪ ،‬إذا نظرت إليه قلت‪ :‬أكحل‬


‫وقال جابر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " :-‬كان ال يضحك إال ً‬
‫العينين ‪ ،‬وليس بأكحل ‪ ،‬رأيته ليلة أضحيان ‪ -‬أي ليلة بدر ‪ -‬فجعلت أنظر إلى رسول اهلل‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وعليه حلة حمراء ‪ ،‬وأنظر إلى القمر؛ فإذا هو عندي أحسن من‬
‫القمر " وقال أبو هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " :-‬لم أر شيًئا أحسنـ من رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ -‬كأن الشمس تجري في وجهه ‪ ،‬وما رأيت أح ًدا أسرع في مشيه من رسول‬
‫طوى له ‪ ،‬وإنا لنجهد أنفسنا ‪ ،‬وإنه لغير‬
‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كأنما األرض تُ َ‬
‫مكترثـ "!!‬

‫الثنيت ْي ِن ‪ ،‬إذا تكلَّم رؤي كالنور يخرج‬


‫وقال ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ " :-‬كان أبلج َ‬
‫من بين ثناياهـ "‪.‬‬

‫َّبي ‪ -‬صلى‬ ‫ديباجاـ ألْيَ َن من ِّ‬


‫كف الن ِّ‬ ‫رضي اهلل عنه ‪ " :-‬ما ِ‬
‫ِ‬
‫حريراـ وال ً‬
‫ت ً‬ ‫مس ْس ُ‬ ‫وقال أنس ‪َ -‬‬
‫ريحا وال َعرفًا أطيب من ريح أو َعرف رسول اهلل ‪ -‬صلَّى اهلل‬‫مت ً‬‫اهلل عليه وسلَّم ‪ -‬وال َش َم ُ‬

‫‪28‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عليه وسلم "‪.‬‬

‫هاجراـ ‪ ،‬وأقبل الناس ينظرون إليه ‪ ،‬جاء‬ ‫ولما ِ‬


‫َّبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬المدينة ُم ً‬
‫قد َم الن ُّ‬ ‫َّ‬
‫عبداهلل بن سالم ‪ -‬رضي اهلل عنه – مع الناس لينظر إليه ‪ -‬وكان من أحبار اليهود وعلمائهم‬
‫عرفت أن وجهه ليس بوجه‬
‫ُ‬ ‫َّبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫نظرت إلى وجه الن ِّ‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬يقول‪ " :‬فلما‬
‫كذاب "‪.‬‬

‫هذه بعض أوصاف النبي الكريمـ ‪ ،‬في َجمال الخلق ‪ ،‬وحسن الصورة ‪ ،‬وكمال الهيئة‪.‬‬

‫َّأما كمال النفس ومكارم األخالق؛ فقد كان في أعالها ‪ ،‬وله من الذرى أسناهاـ ‪ ،‬ويكفي‬
‫ك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظ ٍيم (‪ ، 22﴾ )4‬وقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫في ذلك شهادة ربه له‪َ ﴿ :‬وِإنَّ َ‬
‫ْأديبِي " لذا فقد كان مثاالًـ عاليًا في كل فضيلة ‪ ،‬كان ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫‪َ " :-‬أدَّبنِي ربِّي فََأحس ـن تَ ِ‬
‫ْ ََ‬ ‫َ َ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬دائم البشر ‪ ،‬سهل الخلق ‪ ،‬لين الجانب ‪ ،‬ليس بفظ وال غليظ ‪ ،‬وال‬
‫مداح ‪ ،‬طويل السكوت ‪ ،‬ال يتكلَّم في غير حاجة ‪،‬‬ ‫فحاش ‪ ،‬وال عتَّاب وال َّ‬ ‫صخَّاب وال َّ‬
‫ِ‬
‫ويعاش ُر النَّاس بالرحمةـ‬ ‫ال يضر أح ًدا وال يعيِّره ‪ ،‬وال يتبع عورته ‪ ،‬يعفو ويصفح ‪،‬‬
‫يهمه ‪ ،‬أما الحلم واالحتمالـ ‪ ،‬والعفو والصبر ‪ -‬فهي‬ ‫واللطف ‪ ،‬يتغافل عما ال يشتهيه وال ُّ‬
‫س َر ُهماـ ‪ ،‬ما لم يكن إثما؛ فإن كان إثما‬
‫صفات ميزه ربه بها ‪ ،‬ما خير بين أمرينـ إال اختار أيْ َ‬
‫كان أبعدـ الناس عنه ‪ ،‬ما انتقم لنفسه ‪ ،‬إال أن تُنتهك حرمةـ اهلل؛ فإنه يغضب هلل‪.‬‬

‫عطاء َم ْن ال يخشى الفقر ‪ ،‬وكان أجود‬


‫َّأما الجود والكرم والبذلـ والعطاء؛ فإنه يعطي َ‬
‫وأعفهم ‪ ،‬وأصدقهم لهجة وأعظمهم أمانة ‪،‬‬‫بالخير من الريح المرسلةـ ‪ ،‬وكان أعدل النَّاس َّ‬
‫كان يسمى قبل نبوته بالصادق األمين‪.‬ـ‬

‫‪22‬‬
‫سورة القلم‬
‫‪29‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ت وصمد ‪ ،‬لم يلن ولم يتزعزع؛ قال علي‬


‫أشجع النَّاس؛ القى الشدائدـ واألهوال و َثبَ َ‬
‫َ‬ ‫وكان‬
‫الح ُدق ‪ ،‬اتقينا برسول‬
‫واحم َّرتـ ُ‬
‫َ‬ ‫بن أبي طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " :-‬كنا إذا حمي البأس ‪،‬‬
‫اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه "‪.‬‬

‫حياء من العذراء‬
‫أشد ً‬‫َّأما أدبه وحياؤه؛ فيقول أبو سعيدـ الخدري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " :-‬كان َّ‬
‫في خدرها ‪ ،‬وإذا كره شيًئا ُعرف في وجهه " ؛ رواه البخاري‪.‬‬
‫ال يثبت نظره في وجه أحدـ ‪ ،‬نظره إلى األرض أطول من نظره إلى السماء ‪ ،‬جل نظره‬
‫متواضعا بعي ًدا عن الكبر ‪ ،‬يعود المساكين ‪ ،‬ويجالس الفقراء ‪ ،‬ويجيب‬
‫ً‬ ‫المالحظة ‪ ،‬كان‬
‫دعوة العبد ‪ ،‬ويجلس في أصحابه كأحدهمـ ‪ ،‬ويَمنع من القيام له كما يُقام للملوك ‪ ،‬تقول‬
‫عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪" :-‬كان يخصف نعله ‪ ،‬ويخيط ثوبه ‪ ،‬ويحلب شاته ‪ ،‬ويعمل‬
‫بيده كما يعمل أحدكم في بيته"‪.‬‬
‫كان أوفى الناس بالعهودـ ‪ ،‬وأوصلهم للرحم ‪ ،‬وأشفقهم ‪ ،‬وأرحم الخلق بالخلق ‪،‬‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين‬ ‫ُّم َح ِر ٌ‬
‫يص َعلَْي ُكم بال ُْمْؤ من َ‬ ‫ول ِّم ْن َأن ُفس ُك ْم َع ِز ٌيز َعلَْيه َما َعنت ْ‬
‫اء ُك ْم َر ُس ٌ‬
‫وصدق اهلل‪ ﴿ :‬لََق ْد َج َ‬
‫يم (‪. 23﴾ )128‬‬ ‫رء ٌ ِ‬
‫وف َّرح ٌ‬ ‫َُ‬

‫نت فَظاًّ‬ ‫إنَّهاـ الرحمةـ التي جمعت له قلوب الخلق‪ ﴿ :‬فَبِ َما َر ْح َم ٍة ِّم َن اللَّ ِه لِ َ‬
‫نت لَ ُه ْم َولَ ْو ُك َ‬
‫ف َع ْن ُه ْم (‪. 24﴾ )159‬‬ ‫ك فَا ْع ُ‬ ‫ْب الن َفضُّوا ِم ْن َح ْولِ َ‬ ‫غَلِي َ‬
‫ظ ال َقل ِ‬
‫لطف في المعشر ‪ ،‬وتبسم عند اللقاء؛ في "الصحيحين" عن جابر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫" ما حجبني رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬منذ أسلمت ‪ ،‬وال رآني إال تبسم "‪.‬‬

‫إلي ِه‬
‫سيقت ْ‬‫ْ‬ ‫وإعراضه عن زهرتِها ‪ ،‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫َّأما ُز ْه ُده في الدنيا؛ فحسبُك تقلُّله منها ‪،‬‬
‫ت علي ِه فتوحها ‪ ،‬إلى أن توفِّي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ -‬‬
‫ود ْرعُه‬ ‫ُ‬ ‫بحذافيرها ‪ ،‬وترادفَ ْ ْ‬
‫آل ُم َح َّم ٍد قُوتًا‬
‫اج َعل ِر ْز َق ِ‬ ‫َّ‬
‫مرهونةٌ عند يهودي في نفقةـ عياله ‪ ،‬وهو يدعو يقول‪ " :‬الل ُه َّم ْ ْ‬
‫‪23‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪24‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪30‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫" ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫عن عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬قالت‪" :‬ما شبِع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ثالثة‬
‫ضا‪" :‬ما ترك رسول اهلل ‪ -‬صلَّى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫وقالت أي ً‬
‫ْ‬ ‫تباعا من خبز حتى قُبِ َ‬
‫ض" ‪،‬‬ ‫أيام ً‬
‫وحشوه من ليف"‪..‬‬ ‫بعيرا " ‪ ،‬وقالت‪" :‬كان فرا ُشهـ من أدم ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫هما وال شا ًة وال ً‬
‫دينارا وال د ْر ً‬
‫ً‬
‫كل ذلك مخرج في "الصحيحين"‪.‬‬
‫َّأما خوفه من ربه ‪ ،‬وخشيته وطاعته له ‪ ،‬وشدة عبادته ‪ -‬فذاك شأن عظيم؛ يقوم الليل إال‬
‫قليالً ‪ ،‬ويسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاءـ ‪ ،‬ويصلي حتى تَ ِر َم أو تنتفخ قدماه ‪،‬‬
‫فيقال له‪" :‬قد غفر اهلل لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر"!!ـ فيقول‪َ " :‬أفَاَل َأ ُكو ُن َع ْب ًدا َش ُك ً‬
‫ورا‬
‫" ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫قام ليلةً فقرأ في ركعة سورة البقرةـ والنساء وآل عمران ‪ ،‬ومع كل ذلك فإنه يقول‪ " :‬إني‬
‫ألستغفرـ اهلل وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة " !!‬

‫عن عبداهلل بن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪" :‬قال لي النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬‬
‫علي " ‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬أأقرُأ عليك وعليك أنزل! قال‪ " :‬إني أحب أن أسمعه‬ ‫اقرأ َّ‬
‫ف ِإ َذا ِجْئ نَا ِمن ُك ِّل َُّأم ٍة‬
‫من غيري " ؛ فقرأت سورة النساء حتى أتيت هذه اآلية‪:‬ـ ﴿ فَ َك ْي َ‬
‫ك علَى هُؤ ِ‬ ‫بِ َ ٍ‬
‫ُّ‬
‫فالتفت ‪،‬‬ ‫الء َش ِهيداً (‪ ، 25﴾ )41‬قال‪ " :‬حسبك اآلن " ‪،‬‬ ‫ش ِهيد‪َ   ‬و ِجْئ نَا بِ َ َ َ‬
‫فإذا عيناه تذرفان؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫الو َرى‬ ‫صلَّى‪َ  ‬علَْي َ‬


‫ك‪ ‬اهللُ‪ ‬يَا‪َ   ‬خ ْي َر‪َ   ‬‬ ‫َ‬
‫ضو ِ‬
‫ان‬ ‫ِئ‬
‫الر ْ َ‬
‫ب‪ِّ  ‬‬ ‫ك‪َ  ‬س َحا ُ‬ ‫ت‪َ  ‬علَْي َ‬
‫َو َه َم ْ‬

‫‪25‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪31‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫هذا الحبيب يا محب ‪ ،‬وهذه بعض القطوف من شمائلـ النبي الرؤوف ‪ ،‬بحر من الحب ال‬
‫ساحل له ‪ ،‬وفضاء من الخير ال منتهى له ‪ ،‬شمائل المصطفى ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال‬
‫تحدها الكلماتـ ‪ ،‬وال توفيها العبارات ‪ ،‬وحسبنا من ذلك اإلشارات‪.‬ـ‬

‫وتستن‬
‫َّ‬ ‫وإن على أمة اإلسالم أن تتربىـ على سيرته ‪ ،‬وأن تتخلق ب ُخلُقه ‪ ،‬وتتبع هديه ‪،‬‬
‫بسنته ‪ ،‬وتقفو أثره ‪ ،‬فما عرفت الدنياـ ولن تعرف مثله ‪ ،‬وإن لديناـ ‪ -‬نحن المسلمين ‪-‬‬
‫من ميراثه ما نفاخرـ به األممـ ‪ ،‬ونسابقـ به الحضارات‪.‬ـ‬

‫فهذا النبع فأين الواردون؟! وهذا المنهل فأين الناهلون؟!‬

‫ِ‬ ‫﴿ لََق ْد َكا َن لَ ُك ـم فِي رس ِ ِ‬


‫سنَةٌ لِّ َمن َكا َن َي ْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآلخ َـر َوذَ َك َر اللَّهَ‬ ‫ول اللَّه ْ‬
‫ُأس َوةٌ َح َ‬ ‫ْ َُ‬
‫َكثِيراً (‪. 26﴾ )21‬‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪ ،‬ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيمـ ‪ ،‬مالك يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شريكـ له الملك الحق المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله الصادق األمين ‪،‬‬
‫صلى اهلل وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ،‬أما بعد‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫‪26‬‬

‫‪32‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫لقد كانت لرسول اهلل م ٍ‬
‫حمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عند ربه المكانةـ العلية ‪ ،‬والمنزلة‬ ‫ُ‬
‫السامية الجلية؛ فقربه واصطفاه ‪ ،‬أسرى به وناجاه ‪ ،‬ومن كل فضل حباه ‪ ،‬واقرأ في‬
‫اله َوى (‪ِ )3‬إ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ض َّل ِ‬
‫َّج ِم ِإذَا َه َوى (‪َ )1‬ما َ َ‬
‫صاحبُ ُك ْم َو َما غَ َوى (‪َ )2‬و َما يَنط ُق َع ِن َ‬ ‫ذلك‪َ ﴿ :‬والن ْ‬
‫وحى (‪َ )3‬علَّ َمهُ َش ِدي ُد ال ُق َوى (‪. 27﴾ )4‬‬ ‫ُه َو ِإالَّ َو ْح ٌي يُ َ‬

‫صلَّى باألنبياء ‪ ،‬ثم عرج به إلى السماء ‪ ،‬ووصل إلى سدرة المنتهى ‪ ،‬ودنا واقترب ‪،‬‬
‫ت إلى ربِّي حتَّى‬
‫وراجع ربَّه في عدد الصلوات ‪ ،‬وقال لموسى ‪ -‬عليه السالم ‪ " :-‬قد َر َج ْع ُ‬
‫ت منه " ؛ رواه مسلم‪.‬‬
‫استحَي ْي ُ‬
‫ْ‬

‫ض ْعنَا‬
‫ص ْد َر َك (‪َ )1‬و َو َ‬ ‫ك َ‬ ‫شرح اهلل صدره ‪ ،‬وغفر ذنبه ‪ ،‬ورفع ذكره‪َ ﴿ :‬ألَ ْم نَ ْش َر ْح لَ َ‬
‫ك ِذ ْك َر َك (‪. 28﴾ )4‬‬ ‫ِ‬
‫نك‪ِ  ‬و ْز َر َك (‪ )2‬الَّذي َأن َق َ‬
‫ض ظَ ْه َر َك (‪َ )3‬و َر َف ْعنَا لَ َ‬ ‫َع َ‬
‫قرن اهلل اسمه باس ِمه في شهادةـ التوحيد ‪ ،‬وفي األذان ‪ ،‬وفي اإليمان‪ِ ﴿ :‬‬
‫آمنُوا‬ ‫َُْ ْ‬
‫َأطيعوا اللَّه‪  ‬و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ول (‪، 30﴾ )92‬‬ ‫بِاللَّه‪َ  ‬و َر ُسوله (‪ ، ﴾ )136‬وفي الطاعة‪َ ﴿ :‬و ُ‬
‫‪29‬‬
‫الر ُس َ‬ ‫َأطيعُوا َّ‬ ‫َ َ‬
‫اع اللَّهَ (‪ ، ﴾ )80‬صلى اهلل عليه‪ِ ﴿ :‬إ َّن اللَّهَ َو َمالِئ َكتَهُ‬ ‫﴿ َمن يُ ِط ِع َّ‬
‫‪31‬‬
‫ول َف َق ْد َأطَ َ‬
‫الر ُس َ‬
‫صلُّو َن َعلَى النَّبِ ِّي (‪ ،  32﴾ )56‬جعله شاه ًدا على الناس‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها النَّبِ ُّي ِإنَّا َْأر َسلْنَ َ‬
‫اك‬ ‫يُ َ‬
‫اعياً ِإلَى اللَّ ِه بِِإ ْذنِِـه‪َ  ‬و ِس َراجاًـ ُّمنِيراً (‪ ، 33﴾ )46‬أقسم‬ ‫شراً‪   ‬ونَ ِذيراًـ (‪ )45‬ود ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ‬ ‫َشاهداً‪َ   ‬و ُمبَ ِّ َ‬
‫اهلل تعالىـ به‪ ﴿ :‬لَ َع ْم ُر َك ِإَّن ُه ْم لَِفي َس ْك َرتِ ِه ْـم َي ْع َم ُهو َن (‪ ، 34﴾ )72‬والطََفهُ بقوله‪َ ﴿ :‬ع َفا‬
‫ف ُي ْع ِط َ‬ ‫نك لِ َم َِأذ َ‬
‫اللَّهُ َع َ‬
‫‪35‬‬
‫ك‬‫يك َربُّ َ‬ ‫س ْو َ‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫﴿‬ ‫الرضا‪:‬‬ ‫حتى‬ ‫بالعطاء‬ ‫ووعده‬ ‫‪،‬‬ ‫نت لَ ُه ْم (‪﴾ )43‬‬

‫‪27‬‬
‫سورة النجم‬
‫‪28‬‬
‫سورة الشرح‬
‫‪29‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪30‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪31‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪32‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪33‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪34‬‬
‫سورة الحجر‬
‫‪35‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪33‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ون (‪ ، 37﴾ )3‬طمأنه ربه بالحفظ‬ ‫َألجراًـ غَْير ممنُ ٍ‬ ‫ضى (‪َ ﴿ ، ﴾ )5‬وِإ َّن لَ َ‬
‫‪36‬‬
‫َ َْ‬ ‫ك ْ‬ ‫َفَت ْر َ‬
‫ك ِم َن‬
‫ص ُم َ‬ ‫ين (‪ ﴿ ، 38﴾ )95‬واللَّهُ ي ْع ِ‬
‫َ َ‬ ‫الم ْسَت ْه ِزِئ َـ‬
‫اك ُ‬ ‫والرعايةـ واألمن والكفاية‪:‬ـ ﴿ ِإنَّا َك َف ْينَ َ‬
‫ك بَِأ ْعيُنِنَا (‪4‬‬ ‫اصبِ ْر لِ ُح ْك ِم َربِّ َ‬
‫ك فَِإ نَّ َ‬ ‫الن ِ‬
‫‪39‬‬
‫َّاس (‪[ ﴾ )67‬المائدة‪ ، ]67 :‬وقال سبحانه‪:‬ـ ﴿ َو ْ‬
‫‪. 40﴾ )8‬‬

‫كانت حياته أمانًاـ ألهل األرض ‪ ،‬أمانًاـ من الهالك العام والعذاب الطَّام‪َ ﴿ :‬و َما َكا َن اللَّهُ‬
‫لُِي َع ِّذ َب ُه ْم‪َ   ‬وَأنْ َ‬
‫ت ِفي ِه ْم (‪. 41﴾ )33‬‬

‫أعطاه اهلل الكوثر ‪ ،‬وآتاه السبع المثاني والقرآن العظيم ‪ ،‬وغفر له ما تقدم من ذنبه وما‬
‫اك ِإالَّ‬
‫تأخر ‪ ،‬وأتم عليه نعمته عليه ‪ ،‬وهداه ونصره ‪ ،‬وجعله رحمة للخلق‪َ ﴿ :‬و َما َْأر َسلْنَ َ‬
‫ِ‬
‫َر ْح َمةً لِّل َْعالَم َ‬
‫ين (‪. 42﴾ )107‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وعظيم هذا قدره ‪ -‬ال يضره َشنَُأ الشانئينـ ‪ ،‬وال ينال‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ورسول هذا شأوه ‪،‬‬ ‫نَبِ ٌّي هذاـ شأنهـ ‪،‬‬
‫سماءه حقد الحاقدين‪.‬‬

‫إن رسول اهلل محم ًدا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قد فاضت بمحبته قلوب المسلمين ‪،‬‬
‫وتشربت بمودته جوارح المؤمنين ‪ ،‬وقدره عند اهلل عظيم ‪ ،‬ولن يضر الشمس أن تشتمها‬
‫خفافيش الظالم ‪ ،‬ولن يغير الحق تهويش الباطل ‪ ،‬وإذا عجز الباغي أمام الحقيقة فزع إلى‬
‫ِّ‬
‫الشتام ‪ ،‬ومن جف دلوه من الماء أثار الترابـ والغبار‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫سورة الضحى‬
‫‪37‬‬
‫سورة القلم‬
‫‪38‬‬
‫سورة الحجر‬
‫‪39‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪40‬‬
‫سورة الطور‬
‫‪41‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪42‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪34‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫فاللهم اشرح صدورنا بمحبة نبينا ‪ ،‬واشف صدورنا ممن آذانا في نبينا ‪ ،‬اللهم ارزقنا طاعة‬
‫رسولك محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬واتباع سنته‪.‬‬

‫صل على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما صليت على إبراهيمـ وعلى آل إبراهيم ‪،‬‬
‫اللهم ِّ‬
‫إنك حميد مجيد ‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما باركت على إبراهيمـ وعلى‬
‫آل إبراهيم ‪ ،‬في العالمينـ إنك حميد مجيد‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين ‪ ،‬واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا‬
‫وسائرـ بالد المسلمين‪.‬‬

‫اللهم ِّأمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬واجعل واليتنا فيمن خافكـ واتقاكـ‬
‫واتبع رضاك يا حي يا قيوم يا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬

‫اللهم انصر من نصر الدين ‪ ،‬واخذلـ الطغاة والمالحدة والمفسدين‪.‬‬

‫اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬اللهمـ أصلح بطانته ‪ ،‬واصرف عنه‬
‫بطانة السوء يا رب العالمين ‪ ،‬اللهم وفقه ونائبه وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صالح العبادـ‬
‫والبالد‪.‬‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر المجاهدين في‬
‫سبيلك في فلسطين ‪ ،‬وفي كل مكان يا رب العالمين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهمـ ال‬
‫ورج َزك إله الحق‪.‬‬
‫يعجزونكـ ‪ ،‬اللهمـ أنزل عليهم بأسكـ ْ‬

‫اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ‪ ،‬ونفث كرب المكروبين ‪ ،‬وفك أسر‬


‫المأسورين ‪ ،‬واقض الدين عن المدينين ‪ ،‬واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ ،‬ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلغنا فيما يرضيك آمالنا‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة ‪ ،‬وفي اآلخرةـ حسنة ‪ ،‬وقنا عذاب النار‪.‬‬

‫اللهم ادفع وارفع عنا الغالء والوباء ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل والمحن وسوء الفتن ‪ ،‬ما‬
‫ظهر منها وما بطن ‪ ،‬عن بلدنا وعن سائرـ بالد المسلمين ‪ ،‬يا حي يا قيوم ‪ ،‬يا ذا الجالل‬
‫واإلكرام‪.‬‬

‫ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهمـ وذرياتهمـ ‪ ،‬ولجميع المسلمين‪.‬‬

‫ربنا ال تؤاخذنا بذنوبنا ‪ ،‬وال بما فعل السفهاءـ منا ‪ ،‬ربنا ظلمنا أنفسنا ‪ ،‬وإن لم تغفر لنا‬
‫وترحمنا لنكونن من الخاسرين‪.‬ـ‬

‫نستغفر اهلل ‪ ،‬نستغفر اهلل ‪ ،‬نستغفرـ اهلل الذي ال إله إال هو الحي القيوم ونتوب إليه‪.‬‬

‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغنيـ ونحن الفقراءـ ‪ ،‬أنزلـ علينا الغيث وال تجعلنا من‬
‫سحا غدقًا مجلالً ‪،‬‬ ‫القانطين ‪ ،‬اللهم أغثنا ‪ ،‬الله َّم ِ‬
‫أغثْنا ‪ ،‬اللهمـ أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ‪ًّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫نافعا غير ضار ‪ ،‬تحيي به البالد ‪ ،‬وتسقيـ به العبادـ ‪ ،‬وتجعله بالغًا للحاضر والباد ‪،‬‬ ‫عاما ً‬
‫ًّ‬
‫اللهم سقيا رحمة ‪ ،‬اللهم سقيا رحمة ‪ ،‬اللهم سقيا رحمة ‪ ،‬ال سقياـ عذاب وال بالء وال‬
‫هدم وال غرق‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬

‫ْح ْم ُد لِلَّ ِه‬


‫ين (‪َ )181‬وال َ‬
‫ِ‬
‫الم ْر َسل َ‬
‫الم َعلَى ُ‬
‫ص ُفو َن (‪َ )180‬و َس ٌ‬ ‫الع َّز ِةـ َع َّما ي ِ‬
‫َ‬
‫ب ِ‬ ‫ك َر ِّ‬
‫﴿ ُس ْب َحا َن َربِّ َ‬
‫ين (‪. 43 ﴾ )182‬‬ ‫العالَ ِم َـ‬
‫ب َ‬ ‫َر ِّ‬
‫‪43‬‬
‫سورة الصافات‬
‫‪36‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬التحذير من اإلسراف‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابعـ من جمادى األولى من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫‪ -‬التحذير من اإلسراف ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستهديهـ ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات‬
‫أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هاديـ له‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده‬
‫‪37‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬بلغ الرسالة‪ ،‬وأدى األمانة‪،‬ـ ونصح األمة‪ ،‬ما‬
‫شرا إال حذرنا منه‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله‬
‫خيرا إال دلنا عليه‪ ،‬وال ً‬
‫ترك ً‬
‫وصحبه والتابعين لهم بإحسان‪.‬ـ‬

‫أما بعد‪،‬‬
‫ٍ‬
‫محمد صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وشر األمور‬ ‫فإن أصدق الحديث كتاب اهلل‪ ،‬وخير الهدي هدي‬
‫محدثاتها‪ ،‬وكل محدثة بدعة‪ ،‬وكل ضاللة في النار‪ ،‬ثم إن خير الوصايا بعد المحامد‬
‫ين آمنُوا َّات ُقوا اللَّه‪ ‬ولْتنظُر َن ْفس َّما قَ َّدم ْ ِ‬
‫ت لغَ ٍد‪َ  ‬و َّات ُقوا اللَّهَ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َََ ْ ٌ‬ ‫والتحايا تقوى اهلل‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّذ َـ َ‬
‫نخشاك كأنَّا‬
‫َ‬ ‫اج َعلْنَاـ‬‫و‬ ‫اك‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫ُ‬ ‫ا‬‫ْن‬
‫َ‬ ‫ق‬ ‫وارز‬
‫ُ‬ ‫داك‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ِإ َّن اللَّه َخبِير بِما َتعملُو َن (‪ 44﴾ )18‬اللهم وفِ ْقنَا لِ‬
‫َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ٌ َ َْ‬
‫اك‪.‬‬
‫َن َر َ‬

‫أيها المسلمون‪ ،‬دين اإلسالم هو دين القسط والميزان والعدل والوسطية والتوازن‪ ،‬فميز‬
‫بهذه المبادئ في كل النواحي وفي كل المجاالت‪،‬ـ في أحكامه وتوجيهاته‪،‬ـ ومواقفه في‬
‫العادات والعبادات‪،‬ـ والمعامالتـ والتصرفات‪ ،‬واألخالق والسلوك‪ ،‬والعقل والفكر‪ ،‬ومن‬
‫هذا التوسط واالعتدالـ والتوازن‪ ،‬جاء اإلسالم بالقصدـ في كل األمور‪ ،‬وحذر من خصلة‬
‫تنافي هذه المبادئ‪ ،‬وذم سلو ًكا يتعارض مع أصوله ومبادئه‪،‬ـ إنه "اِإل ْس َر ُ‬
‫اف" ذلكمـ التصرف‬
‫موضعا‬
‫ً‬ ‫المشين والسلوك المنحرف المنافي للعقل والشرع‪ ،‬ذمه القرآن في ثالث وعشرين‬
‫كما ذم أخاهـ "التَْب ِذ َير"ـ في مواضع أخرى‪.‬ـ‬

‫اف هو مجاوزة الحد وتعدي المشروع‪ ،‬وكل ما بذل في غير وجهه فهو تبذير‪،‬ـ نهى‬ ‫اِإل ْس َر ُ‬
‫ِ‬
‫ين (‪ 45﴾ ) 9‬وقال عز‬ ‫الم ْس ِرف َ‬
‫عنه اهلل وذمه‪ ،‬وخوف من عاقبته؛ فقال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َْأهلَ ْكنَا ُ‬
‫اب النَّا ِر (‪ 46﴾ )43‬وكره صاحبه فقال‪َ ﴿ :‬والَ‪ ‬تُ ْس ِرفُوا‬ ‫ِ‬ ‫وجل‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫َأص َح ُ‬ ‫ين ُه ْم ْ‬‫الم ْس ِرف َ‬
‫َأن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِإنَّهُ الَ يُ ِح ُّ‬
‫ين (‪.47﴾ )141‬‬ ‫الم ْس ِرف َ‬
‫ب ُ‬

‫‪44‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪45‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪46‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪47‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪38‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وإذا غرق المسرف في بحر إسرافهـ وأشرب هواه عميت بصيرته؛ فيضل وال يهتدي‪ ،‬وربما‬
‫ال يوفق للتوبة؛ حتى يموت على معاصيه وآثامه‪ ،‬وفي ذلك يقول اهلل ‪ -‬عز وجل‪ِ ﴿ :-‬إ َّن‬
‫كي ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللَّهَ الَ َي ْه ِدي َم ْن ُه َو ُم ْس ِر ٌ‬
‫ف َك َّذ ٌ‬
‫‪48‬‬
‫ض ُّل‬ ‫اب (‪ ﴾ )28‬ويقول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬ك َذل َ ُ‬
‫اب (‪. 49﴾ )34‬‬ ‫اللَّهُ َم ْن ُه َو ُم ْس ِر ٌ‬
‫ف ُّم ْرتَ ٌ‬
‫اإلسراف مذموم في كل حال؛ـ حتى ورد النهيـ عند ذكر الزكاة والصدقات‪ ،‬قال اهلل – عز‬
‫ين (‪ 50﴾ )141‬وقال‬ ‫ِ‬
‫الم ْس ِرف َ‬
‫ب ُ‬ ‫اد ِه‪َ  ‬والَ‪ ‬تُ ْس ِرفُوا ِإنَّهُ الَ يُ ِح ُّ‬
‫وجل‪ ﴿ :-‬وآتُوا ح َّقهُ يوم حص ِ‬
‫َ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ص َّدقُوا ‪ ،‬فِي غَْي ِر ِإ ْس َر ٍـ‬
‫اف‬ ‫سوا َوتَ َ‬
‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ " :-‬كلُوا َوا ْش َربُواـ ‪َ ،‬والْبَ ُ‬
‫‪َ ،‬واَل َم ِخيلَ ٍة " حديث صحيح رواه النسائيـ وابن ماجه‪.‬‬

‫ووصف اهلل ‪ -‬تعالى – حال كثير من األممـ التي أهلكهاـ بأنها كانت مسرفة‪ ،‬وأن هالكها‬
‫بسبب إسرافها‪،‬ـ ويكفي في ذمه أنه صفة للشيطان‪ ،‬وأن المتصف به من حزب الشيطان‪ ،‬قال‬
‫الشي ِ‬ ‫ِ‬
‫اطي ِن‪َ  ‬و َكا َن‬‫ين َكانُوا ِإ ْخ َوا َن َّ َ‬ ‫اهلل – عز وجل ‪َ ﴿ :-‬والَ‪ُ  ‬تبَ ِّذ ْر َت ْبذيراًـ (‪ِ )26‬إ َّن ُ‬
‫المبَ ِّذ ِر َ‬
‫الش ْيطَا ُن لَِربِِّـه‪َ  ‬ك ُفوراً (‪. 51﴾ )27‬‬ ‫َّ‬
‫ومع ذلك فهو إضاعة للمال‪ ،‬وحسابـ وحسرة في المآل‪ ،‬في الصحيحين أن النبي – صلى‬
‫السَؤ ِال ‪َ ،‬وِإ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ َّ‬
‫اعةَ‬
‫ضَ‬ ‫ال ‪َ ،‬و َك ْث َرةَ ُّ‬‫يل َوقَ َ‬ ‫اهلل عليه وسلم – قال‪َّ " :‬ن اللهَ َك ِر َه لَ ُك ْم ثَاَل ثًا ‪ :‬ق َ‬
‫ال " ‪.‬‬ ‫الْم ِ‬
‫َ‬
‫ين ِإذَا َأن َف ُقوا لَ ْم‬ ‫َّ ِ‬
‫عباد اهلل‪ ،‬وفي صفات عباد الرحمن الواردة في آخر سورة الفرقان‪،‬ـ ﴿ َوالذ َ‬
‫ك َق َواماً (‪ 52﴾ )67‬هذا هو منهج اإلسالم‪ ،‬وخصال أهل‬ ‫يُ ْس ِرفُوا‪َ  ‬ولَ ْم َي ْق ُت ُروا‪َ  ‬و َكا َن َب ْي َن ذَلِ َـ‬
‫سط َْها ُك َّل‬ ‫ك‪َ  ‬والَ‪َ ‬ت ْب ُ‬‫اإليمان‪ ،‬القوام والقصد واالعتدال‪َ ﴿ ،‬والَ‪ ‬تَ ْج َع ْل يَ َد َك َم ْغلُولَةً ِإلَى عُنُِق َ‬
‫سوراً (‪. 53﴾ )29‬‬ ‫ِ‬
‫البَ ْسط َفَت ْقعُ َد َملُوماً َّم ْح ُ‬
‫‪48‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪49‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪50‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪51‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪52‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪53‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪39‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫هذا المنهج الرباني المأمور به هو االقتصاد وهو التوازن‪ ،‬والتزامهـ يعني الكفاف‪ ،‬واالستغناء‬
‫عن الخلق‪ ،‬وتضييق الفجوة بين األغنياء والفقراء‪ ،‬وتوفير المال للنافع المفيد‪ ،‬ليصرف في‬
‫قنوات المصالح العامةـ والخاصة بما يعود بالخير على الجميع‪.‬‬

‫واإلسراف إما يكون بالزيادة عن القدر الكافي‪،‬ـ وإما بزيادة الترفه والتنعم‪ ،‬وإما بتجاوز‬
‫الحالل إلى الحرام‪ ،‬وهذه أقبح صوره‪.‬‬
‫عباد اهلل‪ ،‬إن التحذير من اإلسراف‪ ،‬ال يعني األمر بترك المباح لذا جاء في اآليةـ الكريمة‬
‫آد َم ُخ ُذوا ِزينَتَ ُك ْم ِعن َد ُك ِّل َم ْس ِج ٍد‪َ  ‬و ُكلُوا‪َ  ‬وا ْش َربُوا‪َ  ‬والَ‪ ‬تُ ْس ِرفُوا ِإنَّهُ الَ يُ ِح ُّ‬
‫ب‬ ‫﴿ يَا بَنِي َ‬
‫الر ْز ِق (‪. 54﴾ )32‬‬ ‫ات ِم َن ِّ‬ ‫اد ِهـ‪ ‬والطَّيِّب ِ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين (‪ )31‬قُ ْل َم ْن َح َّر َم ِزينَةَ اللَّه الَتي َأ ْخ َر َج لعبَ َ َ‬
‫ِ‬
‫الم ْس ِرف َ‬
‫ُ‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫وكما أن اإلسراف مذموم‪ ،‬فكذلك البخر والتقتير‪ ،‬وكنز المال والشح به‪َ ﴿ ،‬والذ َ‬
‫اب َألِ ٍيم (‪ 55﴾ )34‬والبخل‬ ‫يل اللَّ ِه َفبَ ِّ‬
‫ش ْر ُهم بِ َع َذ ٍـ‬ ‫ضةَـ‪َ  ‬والَ‪ ‬يُ ِنف ُقو َن َهاـ فِي َسبِ ِ‬
‫ب‪َ  ‬وال ِْف َّ‬ ‫يَ ْكنِ ُزو َن َّ‬
‫الذ َه َ‬
‫والشح من أقبح الصفات والخصال‪ ،‬إنما المطلوب االعتدالـ فال إسراف وال تقتير‪ ،‬قال ابن‬
‫القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪" :-‬إن مجاوزة الحد في كل أمر يضر بمصالح الدنياـ واآلخرة‪ ،‬بل يفسد‬
‫ضا؛ إذ إنه متى زالت أخالقه عن حد العدل والوسط‪ ،‬ذهب من صحته وقوته‬
‫البدن أي ً‬
‫ضا في األفعال الطبيعية كالنوم والسهرـ واألكل والشربـ‬
‫بحسب ذلك‪ ،‬وهذا مفترض أي ً‬
‫والجماع والخلوة والمخالطة وغير ذلك"؛ انتهىـ كالمه رحمه اهلل‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪ ،‬ومن آفات اإلسراف أنه يطبع المجتمع على االنحالل‪ ،‬وعدم المباالة‪،‬‬
‫والبعدـ عن الجد واالجتهاد‪،‬ـ كما أنه يضيق الفقراءـ من حال األغنياء‪ ،‬ويزرع العداوة‬
‫والبغضاء حين يرون تبديدهم للثروة والعبث بها‪ ،‬بينما هو في الضنك والعوذ والفاقة‬
‫والحاجة إلى الضروريات‪ ،‬وربما سعى أصحاب الدخل الضعيف أو حتى المتوسط لمجاراة‬
‫األغنياء في إنفاقهم وإسرافهم‪،‬ـ فانقلبت كثير من موازين االقتصاد على مستوى المجتمع‬
‫وربما على مستوى الدولة‪ ،‬كما هو واقع في المجتمع اليوم‪ ،‬فمن لك بالقنوع الراضي؟!‬

‫‪54‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪55‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪40‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن الناظر في حالـ غالب الناس اليوم يرى أن نفقتهم تضيق بهم مع وفرة المال‪،‬ـ وترى غالب‬
‫الصرف في مجال الكمالياتـ والمجامالت على حسابـ الضرورياتـ والحاجيات‪،‬ـ بل ترى‬
‫بعض الناس يستدينون ويقترضون ال لسد الحاجة وإنما للكماليات ولمجاراة األغنياء‬
‫ضا‪ ،‬ويسرفون كما يسرفون‪ ،‬ويركضون خلف التقليد ويلهثون‪،‬‬ ‫والمترفين‪ ،‬فيقلد بعضهم بع ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ْس ِرف َ‬
‫ين (‬ ‫حتى يسقطوا في حمأة الديون‪ ،‬وقد قال اهلل – عز وجل ‪َ ﴿ :-‬والَ‪ ‬تُطيعُوا َْأم َر ُ‬
‫‪. 56﴾ )151‬‬
‫ك ُزيِّن لِل ِ‬‫ِ‬
‫ْم ْس ِرف َ‬
‫ين َما‬ ‫ومع كل ذلك فإن الجهول يعمى عن هذه العواقب‪ ،‬وصدق اهلل ﴿ َك َذل َ َ ُ‬
‫َكانُوا َي ْع َملُو َن (‪.57﴾ )12‬‬
‫ع لإلنفاق ولسد الحاجة‪ ،‬ال للترفه بما ال يدركه اإلنسانـ وال يقوى عليه‪،‬‬
‫إن االقتراض ُش ِر َ‬
‫وقد نص العلماء على كراهة االستدانة لغير حاجةـ كراهة شديدة‪ ،‬قال وهب بن منبه – رحمه‬
‫اهلل ‪" :-‬من الترف أن يلبس اإلنسانـ ويأكل ويشربـ مما ليس عنده‪ ،‬وما جاوز الكفافـ فهو‬
‫تبذير"‪.‬ـ‬

‫ومما يلفت النظر في هذا المجال الكثرةـ الهائلة للمحالت التجارية واألسواق‪ ،‬خاصةً فيما‬
‫يتعلق بأمور النساء‪ ،‬والنسف الهائل من المال على شراء ما ال يُحتاج إليه؛ حتى أصبحت‬
‫مجتمعاتناـ سوقًا استهالكية كبرى لكل بضاعة‪ ،‬وأصبحت بيوتنا معارض لكل ما تنتجه مصانع‬
‫العالم‪ ،‬وتسوق له الشركات‪ ،‬ولعبت الدعاية بعقول الناس؛ حتى لكأنما ُخلقت النساء‬
‫لألسواق!!‬

‫ويحمل اإلعالم المقروء والمرئي بدعاياته وبرامجه مسؤولية وصول المجتمع إلى هذا‬
‫المستوى‪ ،‬فأين دور اإلعالم في صيانة الناس وتوعيتهم باالقتصاد وتدبير المعيشة‪.‬‬
‫ضا ترى اإلنفاق الضخم على الحفالت والمناسبات‬
‫أيهاـ المسلمون‪ ،‬وفي هذا المجال أي ً‬
‫دهرا‬
‫واألعراف والدرجاتـ سرف عظيم وإنفاق ليس له مردود يكفيـ إلعاشة المحتفلين ً‬
‫طويالً‪.‬‬
‫‪56‬‬
‫سورة الشعراء‬
‫‪57‬‬
‫سورة يونس‬
‫‪41‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫على العاقلـ أالَّ ينهزم أمام رغبات ضعاف العقولـ واألهواء من أهل بيته وممن حوله؛ فإنه‬
‫اء َْأم َوالَ ُك ُـم‬
‫الس َف َه َ‬
‫المسؤول عنهم وعن تدبيرهم‪،‬ـ وقد قال اهلل – عز وجل ‪َ ﴿ :-‬والَ‪ ‬تُْؤ تُوا ُّ‬
‫س َو ُه ْم‪َ  ‬وقُولُوا لَ ُه ْم َق ْوالً َّم ْع ُروفاً (‪ 58﴾ )5‬عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الَتي َج َع َل اللهُ لَ ُك ْم قيَاماً‪َ  ‬و ْار ُز ُق َو ُه ْم ف َيها‪َ  ‬وا ْك ُ‬
‫علي ابن أبي طالب – رضي اهلل عنه – قال‪" :‬ما أنفقت على نفسك وأهل بيتك في غير‬
‫رياء وسمعة فذلك حظ الشيطان"‪ ،‬ولقد‬
‫سرف وال تبذير وما تصدقت فهو لك‪ ،‬وما أنفقت ً‬
‫كان العربـ في الجاهلية ينفقون أموالهمـ ويطعمون الطعام ويقيمون الوالئم للتفاخرـ والسمعة‪،‬ـ‬
‫ويذكرون ذلك في أشعارهم؛ـ فنهى اهلل عن ذلك الصنيع‪ ،‬فهل عادت تلك الخصلة الجاهلية‬
‫بالمباهاةـ والتكلف في المناسبات‪،‬ـ ليقالـ ما صنع آل فالن؟!!‬

‫عذرا وال مسوغًا إلسراف‪ ،‬حتى وإن كان المنفق‬


‫أيهاـ المسلمون‪ ،‬إن وفرة المال ليس ً‬
‫مقتدرا‪ ،‬وقد علمتم ما جاء في السرف‪ ،‬فإن صاحب المال مسؤول عنه يوم القيامة‪،‬ـ قال‬ ‫ً‬
‫ول قَ َد َما َع ْب ٍد َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة َحتَّى يُ ْس َ‬
‫َأل َع ْن َْأربَ ِع‬ ‫رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ال َت ُز ُ‬
‫يما َأْن َف َقهُ " رواه الترمذيـ بإسناد‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫صٍ‬ ‫ِ‬
‫سبَهُ َوف َ‬ ‫((‪...‬و َع ْن َمال ـه م ْن َأيْ َن ا ْكتَ َ‬
‫َ‬ ‫ال‪ ، "...‬ومنها‬ ‫خَ‬
‫صحيح‪ ،‬قال اهلل – عز وجل ‪ ﴿ :-‬ثُ َّم لَتُ ْسَألُ َّن َي ْو َمِئ ٍذ َع ِن الن َِّع ِيم (‪ 59﴾ )8‬أي ما تنعمتم به‬
‫في الدنيا‪،‬ـ فهل أعددنا للسؤال جوابا؟! وهل أعددنا للجواب صوابا؟!!‬

‫عباد اهلل‪ ،‬إنها ليست دعوة للبخل والتقتير‪ ،‬وليس اعتذارا للشحيح المضيق على أهله المقتر‬
‫عليهم‪ ،‬ولكن يجب أن يعاد النظر في كثير من العادات‪ ،‬في الصرف واإلنفاق‪،‬ـ على ضوء‬
‫ين ِإذَا َأن َف ُقوا لَ ْم يُ ْس ِرفُوا‪َ  ‬ولَ ْم َي ْق ُت ُروا‪َ  ‬و َكا َن َب ْي َن ذَلِ َ‬
‫ك َق َواماً (‪﴾ )67‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الصفة الكريمةـ ﴿ َوالذ َ‬
‫‪ 60‬إنه القصد والعدل‪ ،‬والتوازن والتقصد‪ ،‬وقد قيل‪" :‬ال عقل كالتدبير"‪.‬‬
‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة‪ ،‬ونفعناـ بما فيهما من اآليات والحكمة‪ ،‬أقول قولي‬
‫هذا‪ ،‬وأستغفر اهلل – تعالىـ – لي ولكم‪.‬ـ‬

‫‪58‬‬

‫‪59‬‬
‫سورة التكاثر‬
‫‪60‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪42‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل المحمود في عليائه‪ ،‬وهو اإللهـ الحق في أرضه وسمائه‪،‬ـ وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شريكـ له‪ ،‬تعالى بعزتهـ وكبريائه‪،‬ـ وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬وخيرته من‬
‫ٍـ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫أنبيائه‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن تبعهم‬

‫أما بعد‪،‬‬
‫فمن صور اإلسرافـ التي بان خطرها‪ ،‬وتنادتـ الدول والمنظمات بتداركها‪،‬ـ اإلسراف فيما‬
‫الناس شركاء فيه‪ ،‬وهو اإلسراف في هدر المياه‪ ،‬واإلسراف في طاقة الكهرباء‪ ،‬والتي تكلف‬
‫كثيرا من جهة إنتاجها وجلبها وتوفيرها؛ـ حتى تكادـ الدول تتقاتلـ على مصادرها‪،‬ـ وإن‬
‫شيًئا ً‬
‫اإلسراف مع هدرهاـ يحرم آخرين هم في أمس الحاجةـ إليها مع تعرضها للنفاذ‪ ،‬والعالمـ اليوم‬
‫مقبل على أزمة في المياه‪ ،‬حذر من مغبتها العقالء والمراقبون‪ ،‬خاصةً في بالدنا التي تنعدم‬
‫فيها األنهار‪ ،‬وتندر فيها األمطار‪ ،‬وأوشكت أن تغور فيها اآلبار‪.‬ـ‬

‫أيها المسلمون‪ ،‬القصدـ في استهالك الماء هو السنة‪،‬ـ حتى في الوضوء والطهارة‪ ،‬مع أنها‬
‫ب بها إلى اهلل باستعمالـ الماء فيها‪ ،‬وقد كان النبي – صلى اهلل عليه وسلم – "‬ ‫عبادة ُيَت َق َّر ُ‬
‫اع " رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ضُأ بِال ُْمدِّ‪َ ،‬و َي ْغتَ ِس ُل بِ َّ‬
‫الص ِ‬ ‫َيَت َو َّ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‬
‫اء َأ ْع َرابِ ٌّي ِإلَى النَّبِ ِّي َ‬
‫وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‪َ :‬ج َ‬
‫ض ِ‬
‫اد َعلَى َه َذا‬ ‫ضوءُ ‪ ،‬فَ َم ْن َز َ‬‫ال ‪َ :‬ه َك َذاـ ال ُْو ُ‬ ‫وء ثَاَل ثًا ثَاَل ثًا ‪ ،‬ثُ َّم قَ َ‬
‫ض َ‬‫وء " فَ ََأراهُ ال ُْو ُ‬ ‫يَ ْسَألُهُـ َع ِن ال ُْو ُ‬
‫اء َوَت َع َّدى َوظَلَ َم " ؛ حديث صحيح أخرجهـ النسائي وأبو داود وابن ماجه‪.‬ـ‬ ‫َأس َ‬
‫َف َق ْد َ‬
‫قال ابن قدامة – رحمه اهلل –‪" :‬ويكره اإلسراف في الماء‪ ،‬والزيادةـ الكثيرة فيه لما روينا من‬
‫اآلثار"‪،‬ـ وكان يُقال‪" :‬من قلة فقه الرجلـ ولعه بالماء" وعن عبد اهلل بن عمرو – رضي اهلل‬
‫ف يَا َس ْع ُد‬
‫الس َر ُ‬
‫ال ‪َ " :‬ما َه َذا َّ‬ ‫س ْع ٍد َو ُه َو َيَت َو َّ‬
‫ضُأ َف َق َ‬ ‫ِ‬ ‫َأن النَّبِ َّي َ َّ َّ ِ َّ‬
‫صلى اللهُ َعلَْيه َو َسل َم َم َّر ب َ‬ ‫عنه –‪َّ :‬‬
‫ض ِ‬
‫ت َعلَى َن ْه ٍر َجا ٍر " ؛ رواه ابن ماجهـ‬ ‫ال ‪َ " :‬ن َع ْم ! َوِإ ْن ُك ْن َ‬ ‫ف ؟ ! قَ َ‬ ‫وء َس َر ٌ‬ ‫ال ‪َ :‬أفِي ال ُْو ُ‬
‫قَ َ‬
‫بإسناد ضعيف‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وإذا كان هذا في الوضوء والعبادة فما بالك بغير ذلك‪ ،‬إن المحافظة على الماء والطاقة‬
‫واالقتصاد فيها‪ ،‬لَ ُه َو واجب عام على المجتمع واألفراد‪ ،‬وهو حق مشترك‪ ،‬ونقصه نقص‬
‫كل بحسبه‪ ،‬اتخاذ جميع التدابيرـ الالزمة للحفاظ على هذه‬ ‫على الجميع‪ ،‬والواجب على ٍ‬
‫الثروة من الهدر والضياع‪ ،‬مع سن األنظمة وتفعيلهاـ ألق ِر الناس على القصد فيها‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪ ،‬إن التواصي بالقصد واالعتدالـ في اإلنفاق واالستهالك‪ ،‬وإن التشهير من‬
‫اإلسراف والتبذير لَ ُه َو من التواصي بالبرـ والتقوى‪ ،‬ومن األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫ومن النصح للمسلمين‪ ،‬بل هو ما وصى به القرآن‪ ،‬وتكرر في مواضع كثيرة منه‪ ،‬وإن‬
‫التعاون مع الجهات التي تسعىـ لتحقيق هذه المصالح بالتوعية والتثقيف والتربية والتعليم‬
‫لمما يحتسب فيه ويرجىـ عنه الثواب‪.‬‬
‫هذا وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة‪ ،‬والنعمة المسداة‪ ،‬محمد بن عبداهلل رسول اهلل‬
‫صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬ ‫وخاتم أنبيائه‪،‬ـ اللهم ِ‬
‫أجمعين‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمنا مطمئنًا‬
‫وسائر بالد المسلمين‪ ،‬اللهمـ آمنا في أوطاننا‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا‪ ،‬واجعل واليتنا‬
‫فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين‪ ،‬اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى‪،‬‬
‫وخذ به للبر والتقوى‪ ،‬اللهم وفقه ونائبه وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صالح العبادـ والبالد‪،‬‬
‫اللهم هيئ له البطانة الصالحة‪ ،‬واصرف عنه بطانة السوء يا رب العالمين‪.‬ـ‬
‫اللهم انصر من نصر الدين‪،‬ـ اللهم انصر من نصر الدين‪ ،‬واخذلـ الطغاة والمالحدة‬
‫والمفسدين‪ ،‬اللهم انصر دينك وكتابك‪ ،‬وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪ ،‬اللهم انصر‬
‫المجاهدين في سبيلك في كل مكان‪،‬ـ اللهمـ انصرهم في فلسطين‪ ،‬وفي كل مكان يا رب‬
‫العالمين‪.‬ـ‬

‫اللهم أصلح أحوال المسلمين‪ ،‬اللهم أصلح أحوال المسلمين‪ ،‬اللهم أصلح أحوال‬
‫المسلمين‪ ،‬في كل مكان يا رب العالمين‪،‬ـ اللهم انصر المستضعفينـ من المسلمين‪ ،‬وكن لهم‬

‫‪44‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وظهيرا‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهم ال يعجزونك‪،‬ـ اللهم إنا نعوذ‬
‫ً‬ ‫ونصيرا‪ ،‬ومعينا‬
‫ً‬ ‫وليًا‬
‫بك من شرورهم‪ ،‬وندرأ بك في نحورهم‪ ،‬اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين‪ ،‬ونفس‬
‫ِ‬
‫واشف برحمتك‬ ‫ِ‬
‫واقض الدينـ عن المدينين‪،‬‬ ‫كرب المكروبين‪،‬ـ وفك أسرى المأسورين‪،‬‬
‫مرضانا ومرضى المسلمين‪.‬‬

‫اللهم اغفر ذنوبنا‪ ،‬واستر عيوبنا‪ ،‬ويسر أمورنا‪ ،‬وبلغنا فيما يرضيك آمالنا‪ ،‬ربنا آتنا في الدنياـ‬
‫حسنة وفي اآلخرة وقنا عذاب النار‪ ،‬ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ولجميع‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫ربنا ظلمنا أنفسناـ وإن لم تغفرـ لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‪ ،‬نستغفرـ اهلل‪ ،‬نستغفر اهلل‪،‬‬
‫نستغفرـ اهلل الذي ال إله إال هو الحي القيوم ونتوب إليه‪ ،‬اللهمـ أنت اهلل ال إله إال أنت‪ ،‬أنت‬
‫الغني ونحن الفقراء‪ ،‬أنزل علينا الغيث وال تجعلنا من القانطين‪ ،‬اللهمـ أغثنا‪ ،‬اللهم أغثنا‪،‬‬
‫نافعا غير ضار‪ ،‬تحيي به البالد‪ ،‬وتسقي به‬
‫عاما ً‬
‫صحا طب ًقا مجلالً ً‬
‫اللهم أغثنا غيثًا هنيئا مريئا ً‬
‫العباد‪،‬ـ وتجعله بالغًا للحاضر والباد‪ ،‬اللهم سقيا رحمة‪ ،‬اللهم سقيا رحمة‪ ،‬اللهم سقيا رحمة‪،‬‬
‫ال سقيا وال بالء وال هدم وال غرق‪.‬‬

‫مدرارا‪ ،‬ربنا تقبل منا إنك أنت‬


‫ً‬ ‫غفارا‪ ،‬فأرسل السماء علينا‬
‫اللهم إنا نستغفرك‪ ،‬إنكـ كنت ً‬
‫السميع العليم‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬‬
‫ْح ْم ُد‬ ‫ِ‬ ‫الع َّز ِة َع َّما ي ِ‬
‫ب ِ‬
‫ين (‪َ )181‬وال َ‬
‫الم ْر َسل َ‬
‫الم َعلَى ُ‬
‫ص ُفو َن (‪َ )180‬و َس ٌ‬ ‫َ‬ ‫ك َر ِّ‬
‫﴿ ُس ْب َحا َن َربِّ َ‬
‫ين (‪. 61 ﴾ )182‬‬ ‫ب َ ِ‬
‫العالَم َ‬ ‫لِلَّ ِه َر ِّ‬

‫‪61‬‬
‫سورة الصافات‬
‫‪45‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وجل‬
‫عز َّ‬ ‫عنوان الخطبة ‪ :‬الحذر من فجأة نقمة اهلل َّ‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن عشر من جمادى األولى من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫وجل ‪-‬‬
‫عز َّ‬
‫‪ -‬الحذر من فجأة نقمة اهلل َّ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫راد ألمره وال ِّ‬


‫معقب‬ ‫الحمد هلل العزيز القاهر‪ ،‬يعلم خفاياـ الصدور ومكنو َن الضمائر‪،‬ـ ال َّ‬
‫الرقابـ‬
‫ض َعت لجبَروته ِّ‬
‫الرواسي‪ ،‬وخ َ‬
‫تطامنَت َلعظَ َمته الجبال َّ‬ ‫ِِ‬
‫لحكمه‪ ،‬سبحانه وبحمده‪َ ،‬‬
‫األول واآلخرـ والظاهر والبَاطن‬
‫والنَّواصي‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬هو َّ‬
‫الورى وخير من وطئت‬ ‫عليم‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عبداهلل ورسوله‪ ،‬أزكى َ‬
‫وهو بكل شيء ٌ‬
‫قدمه الثرى‪ ،‬صلى اهلل وسلَّم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرينـ وأصحابه والتابعينـ ومن‬
‫ُ‬
‫تبِ َعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬

‫أما بعد أيُّها المسلمون‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ْم ِإ َّن َزل َْزلَةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫فإن التقوى أعظم وصيَّة‪ ،‬وهي خير لبَاس وأكرم َسدية‪:‬ـ ﴿ يَا َُّأي َها الن ُ‬
‫ات َح ْم ٍل‬ ‫ضع ُك ُّل ذَ ِ‬ ‫اع ِة َشيء َع ِظيم (‪ )1‬يوم َترو َن َهاـ تَ ْذ َهل ُك ُّل مر ِ‬
‫ض َع ٍة َع َّما َْأر َ‬
‫ت َوتَ َ ُ‬ ‫ض َع ْ‬ ‫ُ ُْ‬ ‫َْ َ َ ْ‬ ‫الس َ ْ ٌ ٌ‬ ‫َّ‬
‫اب اللَّ ِه َش ِدي ٌـد (‪.62﴾ )2‬‬ ‫س َك َارى َولَ ِك َّن َع َذ َـ‬ ‫ِ‬
‫َّاس ُس َك َارى َو َما ُهم ب ُ‬
‫َح ْملَ َها َوَت َرى الن َ‬

‫أيُّهاـ المسلمون‪:‬‬
‫قس َوة القلوب وجفافها‪ ،‬واإلغراق في الدنيا ونسيان اآلخرة‪،‬ـ وفي فترة القوة‬
‫في غمرات ْ‬
‫ونشوة االقتدار‪ ،‬وتجبُّر اإلنسان في هذه األرض يظن أنه القادر عليها والمتمكن فيها‪ ،‬يأذن‬
‫مزم ِجر‪،‬‬
‫مدمر‪ ،‬أو طوفان ْ‬
‫تجأر‪ ،‬في زلزالـ ِّ‬ ‫ظهر‪ ،‬ولصورة من قوته أن َ‬
‫اهلل لبعض آياته أن تَ َ‬
‫ظاهرها باطنَها‪ ،‬ويغيِّر معالم الكون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يقلب عالي األرض سافلَها‪ ،‬ويجعل َ‬
‫وقوته‬
‫الزلزالـ آيَة من آيات اهلل الكبرى‪ ،‬وسطوة من أمر اهلل العظمى‪ ،‬تُريك عظمة اهلل َّ‬
‫بصر‪ ،‬وبال مقدمات‪ ،‬يغير اهلل معالمـ األرض‪ ،‬ويمحو‬
‫وجبروته‪،‬ـ في طرفة عين‪ ،‬وفي لمحة َ‬
‫ومئات اآلالف من المصابين‬
‫ُ‬ ‫دوالً ويَدفِن مدنًا‪..‬ـ سبعون أل ًفا من البشر ما بين قتيل وجريح‪،‬‬
‫ودمار وخرابـ ال يعلم مداه إال اهلل‪ ،‬لو رأيت الرعب في وجوه الحيارى‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫والمشردين‪،‬‬
‫والذعر في قسماتهم وذهولهم كالسكارى؛ـ ألدركت هول المصيبة وقوة الكارثة‪ ،‬رعب‬
‫ثوان ولحظات‪ ﴿ :‬وما َأمرنَا ِإالَّ و ِ‬
‫اح َدةٌ‬ ‫وفزع وذعر وجزع‪ ،‬واهلل غالب على أمره‪ ،‬كله في ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ ُْ‬
‫َكلَ ْم ٍح بِالْبَ َ‬
‫ص ِر (‪. 63﴾ )50‬‬

‫لما جاء أمر اهلل نفذ قضاؤه‪ ،‬فلم يكن للناس من قوة وال ناصر وال دافع أو ساتر‪ ،‬فالملك هلل‬
‫َّ‬
‫واألمرـ أمره‪ ،‬والخلق خلقه‪ ،‬والكل عبيده‪ ،‬وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون‪ ،‬إنه اهلل‬
‫‪64‬‬
‫وهو القاهرـ فوق عباده‪ ،‬وهو العزيز‬ ‫َأل َع َّما َي ْف َع ُل َو ُه ْم يُ ْسَألُو َن (‪﴾ )23‬‬
‫العظيم‪ ﴿ :‬الَ يُ ْس ُـ‬
‫الحكيم‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫‪63‬‬

‫‪64‬‬

‫‪47‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫وزالزل األرض وكوارث الطبيعية تهون أمام الزلزلة الكبرى والقيامة العظمى‪ ،‬وذلك حين‬
‫ت‬‫يأذن اهلل تعالى بانقضاءـ الدنيا وزوالها‪ ،‬فترتج األرض كلِّها‪ ،‬ويخرج مكنونها‪ِ ﴿ :‬إذَا ُزلْ ِزلَ ِ‬
‫نسا ُن َما لَ َها (‪َ )3‬ي ْو َمِئ ٍذ‬
‫ال اِإل َ‬
‫ض َأْث َقالَ َها (‪َ )2‬وقَ َ‬
‫اَألر ُ‬ ‫ِ‬
‫ض ِزل َْزالَ َهاـ (‪َ )1‬وَأ ْخ َر َجت ْ‬ ‫اَألر ُ‬
‫ْ‬
‫تكور الشمس وتتناثر النجوم‬ ‫‪65‬‬
‫ك َْأو َحىـ لَ َها (‪ ﴾ )5‬يوم َّ‬ ‫ِّث َأ ْخبَ َار َها (‪ )4‬بِ َّ‬
‫َأن َربَّ َ‬ ‫تُ َحد ُ‬
‫ات‪ ‬وبر ُزوا لِلَّ ِه الو ِ‬
‫اح ِد‬ ‫اَألر ِ‬
‫َ‬ ‫الس َم َو ُ َ َ َ‬
‫ض‪َ  ‬و َّ‬ ‫ض غَْي َر ْ‬ ‫نارا‪َ ﴿ :‬ي ْو َم ُتبَ َّد ُل ْ‬
‫اَألر ُ‬ ‫وتسجر البحار فتلتهب ً‬
‫ال َقهَّا ِـر (‪. 66﴾ )48‬‬

‫يوم الزلزالـ العظيمـ سيأتي ‪ -‬واهلل ‪ -‬ال محالة‪ ،‬ولكن أين المؤمنون؟!‬

‫يم (‪ ..67﴾ )1‬شيء مهول‪ ،‬تترك‬ ‫ِ‬ ‫الس َ ِ‬


‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ْم ِإ َّن َزل َْزلَةَ َّ‬
‫اعة َش ْيءٌ َعظ ٌ‬ ‫﴿ يَا َُّأي َها الن ُ‬
‫الناس‬
‫المرضع رضيعها من شدة الذهول‪ ،‬وتسقط الحاملـ ما في بطنها من شدة الفزع‪ ،‬وترى َ‬
‫ولكن عذاب اهلل شديد‪،‬ـ وإن زالزل‬‫تحسبُهم سكارى من هول الموقف‪ ،‬وما هم بسكارى‪َّ ،‬‬
‫اليوم مقدمات وإرهاصات‪،‬ـ وقد جاء في السنة َّ‬
‫أن الزالزل تَهيج قبل قيام الساعة وكأنَّهاـ‬
‫مدكِر؟!‬
‫لألرض صحوةُ الموت‪ ،‬أو انتفاضةُ الوداع األخير؛ـ فهل من َّ‬

‫أيُّهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ضح عجز البشر‪ ،‬وتظهر الضعف والذلـ والعجز والهزيمةـ أمام قوة‬ ‫إن الزالزل والكوارث تف َ‬
‫رب العالمين‪ ،‬إنَّها آية لمن تدبَّرها‪،‬ـ كيف تحركت األرض الراسية؟! وتزلزلت الجبال‬
‫الشامخة؟! وغارت أنهار وتطاولت بحار وطمرت القرى بمن فيها؟! ﴿ َسنُ ِري ِه ْـم آيَاتِنَا فِي‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اآلفَاق َوفي َأن ُفس ِه ْم َحتَّى َيتََبيَّ َن لَ ُه ْم َأنَّهُ َ‬
‫الح ُّق (‪. 68﴾ )53‬‬

‫‪65‬‬

‫‪66‬‬

‫‪67‬‬

‫‪68‬‬

‫‪48‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ض‬
‫اَألر ُ‬
‫ت ْ‬ ‫َأخ َذ ِـ‬
‫يغتر الخلق بقوتهمـ حين يعمرون األرض ويملكونها‪َ ﴿ :‬حتَّى ِإذَا َ‬
‫اها ح ِ‬ ‫ت‪ ‬وظَ َّن َْأهلُها ََّأنهم قَ ِ‬
‫صيداً‬ ‫اد ُرو َن َعلَْي َها َأتَ َ‬
‫اها َْأم ُرنَاـ لَْيالً َْأو َن َهاراً فَ َج َعلْنَ َ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ُز ْخ ُر َف َها‪َ  ‬واز ََّّينَ ْ َ‬
‫س (‪. 69﴾ )24‬‬ ‫َكَأن لَّ ْم َتغْ َن بِ ْ‬
‫اَألم ِ‬

‫يتباهون‪ ،‬ويقولون‪َ :‬من ُّ‬


‫أشد منا قوة؟!‬ ‫كم من البشر اليوم في قوتهم يتغطرسون‪ ،‬وبدنياهم َ‬
‫قوة‪ ،‬إنها واهلل آية فأين المعتبرون؟! ﴿ َو َكَأيِّن‬ ‫أولم يروا أن اهلل الذي خلقهمـ هو أشدـ منهم َّ‬
‫ضو َن (‪. 70﴾ )105‬‬‫ض يَ ُم ُّرو َن َعلَْي َها َو ُه ْم َع ْن َها ُم ْع ِر ُ‬
‫اَألر ِ‬ ‫ِّمن آي ٍة فِي َّ ِ‬
‫الس َم َوات َو ْ‬ ‫ْ َ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫َ‬
‫وتز َرعُ ال َخ ْشيَة في النُّفوس‪ ،‬وتَ ْدعُو إلى‬
‫الرهبة في القلوب‪ْ ،‬‬
‫ث َّ‬‫وقه َرهُ َت ْب َع ُ‬
‫وقوته ْ‬ ‫َّ‬
‫إن عظمة اهلل َّ‬
‫تجرأ على‬
‫تجرأ َمن َّ‬ ‫قدر اهلل َّ‬
‫حق قدره‪ ،‬والخوف من حسابه وعذابه وانتقامهـ وعقابه‪ ،‬وما َّ‬
‫قل خوفهم من‬ ‫ومحادَّة اهلل في أمره وشرعه وحكمه وقدره‪ ،‬إال حين َّ‬ ‫المعاصي والذنوب‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫قوة اهلل ِ‬
‫وبطشه‪ ،‬كما قال الحق سبحانه‪َ ﴿ :‬ما قَ َد ُروا اللَّهَ َح َّق قَ ْد ِره ِإ َّن اللَّهَ‬ ‫وتناسوا َّ‬
‫اهلل‪َ ،‬‬
‫ي َع ِز ٌيز (‪. 71﴾ )74‬‬
‫لََق ِو ٌّ‬

‫حق قَ ْد ِره حين كفروا باهلل‪ ،‬وما قدروا اهلل حق قدره حين َ‬
‫اجت َرؤوا على‬ ‫َن َعم‪ ،‬ما قدروا اهلل َّ‬
‫َمحارم اهلل‪ ،‬وما قدروا اهلل حق قدره وهم يُحادُّون اهلل ورسوله‪ ،‬ويعارضون شرعه وشريعته‪:‬‬

‫‪69‬‬

‫‪70‬‬

‫‪71‬‬

‫‪49‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ولعبًا وسخرية‬ ‫﴿ ما لَ ُكم ال َترجو َن لِلَّ ِه وقَارا (‪ 72﴾ )13‬ما وقر اهلل من جعل دينه هزوا ِ‬
‫ً‬ ‫َ ً‬ ‫َ ْ ُْ‬
‫َّاس لَِر ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ك ََّأنهم َّمبعوثُو َن (‪ )4‬لِيوٍم َع ِ‬ ‫ِئ‬
‫ب‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫وم‬
‫ُ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫و‬
‫ْ‬ ‫ي‬
‫َ‬ ‫)‬‫‪5‬‬ ‫(‬ ‫يم‬ ‫ظ‬ ‫َْ‬ ‫واستخفافًا‪:‬ـ ﴿ َأالَ‪ ‬يَظُ ُّن ُْأولَ َ ُ ْ ُ‬
‫ين (‪.73﴾ )6‬‬‫العالَ ِم َـ‬
‫َ‬
‫وقوته‬ ‫ومن هنا ِ‬
‫كانت المواعيد الربانيَّة والزواجر اإللهيَّة‪،‬ـ مذكرةً بعظمة اهلل ولقائه‪،‬ـ وقدرته َّ‬ ‫ِ‬
‫وقه ِر ِه‪ ،‬وهو سنن للداعين إلى اهلل أن يعظموا في قلوب الخلق‪ ،‬وأن يعظموا أمره ونهيَه‪ ،‬فإن‬
‫أعرف فهو له أخوف‪ِ ﴿ :‬إنَّ َما‬
‫ومن كان باهلل َ‬ ‫عالما‪َ ،‬‬ ‫أتقىـ الناس وأخشاهمـ هلل من كان باهلل ً‬
‫شى اللَّهَ ِمن ِعب ِ‬
‫اد ِه العُلَ َماءُ (‪. 74﴾ )28‬‬ ‫يَ ْخ َ‬
‫ْ َ‬

‫أيُّهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وثَ َّمة عبرة في الزالزلـ والكوارث‪ ،‬وما ترى في أعطافها من المصائب والمشاهدـ الداميات‪،‬‬
‫عصوا " ‪.‬‬
‫والتي تعبر عنها مقولة الحكيم الرباني‪ " :‬أال ما أهون الخلق على اهلل إن هم َ‬

‫ٌ‬
‫رجال ونساء وأطفال بينما هم نائمون‪ ،‬أو في دنياهم غافلون‪ ،‬إذا باألرض تنطبق على‬
‫وتدمر القرى والبنايات‪ ،‬ويُق َفل الستار‬ ‫األرض‪ ،‬والبحر يطغى ويغرق األرض‪ ،‬ويهلك الجميع َّ‬
‫يم َش ِدي ٌـد (‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫على خرابـ ودمار‪َ ﴿ :‬و َك َذلِ َـ‬
‫َأخ َذ ال ُق َرى َوه َي ظَال َمةٌ ِإ َّن َأ ْخ َذهُـ َأل ٌ‬
‫ك ِإذَا َ‬
‫ك َأ ْخ ُـذ َربِّ َ‬
‫‪. 75﴾ )102‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صوا‪َ ﴿ :‬أفََأم َن َْأه ُل ال ُق َرى َأن يَْأتَي ُهمـ بَ ُ‬
‫ْأسنَا َبيَاتاً َو ُه ْم‬ ‫أال ما أهون الخلق على اهلل إن هم َع َ‬

‫‪72‬‬

‫‪73‬‬

‫‪74‬‬

‫‪75‬‬

‫‪50‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ض ًحى َو ُه ْم َيل َْعبُو َن (‪َ )98‬أفَ َِأمنُوا َم ْك َر‬


‫ْأسنَا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫نَا ُمو َن (‪ََ )97‬أو َأم َن َْأه ُل ال ُق َرىـ َأن يَْأتَي ُهم بَ ُ‬
‫اس ُرو َن (‪. 76﴾ )99‬‬ ‫اللَّ ِه فَالَ يْأم ـن م ْكر اللَّ ِه ِإالَّ ال َقوم ال َخ ِ‬
‫ُْ‬ ‫ََُ َ َ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫عم‬
‫نسب‪ ،‬وسنن اهلل ال تُحابي أح ًدا‪،‬ـ وإذا كثر الخبَث َّ‬ ‫إنه ليس بيننا وبين اهلل حسب أو َ‬
‫العذاب‪ ،‬وهذه النذر في كل ناحية‪ :‬زالزل‪ ،‬وفيضانات‪،‬ـ وحروب‪ ،‬وتهديدات‪،‬ـ وغالء في‬
‫األسعار‪،‬ـ وقلة في األمطار‪ ،‬وذنوب ومعاصي‪ ،‬وانحدار سريع في التفلُّت من حبالـ الدين‪:‬‬
‫سن َِّة اللَّ ِه تَ ْح ِويالً (‬ ‫ِ ِ‬ ‫اَألولِين َفلَن تَ ِج َد لِ ِ َّ ِ ِ‬
‫سنَّة الله َت ْبديالً‪َ  ‬ولَن تَج َد ل ُ‬ ‫ُ‬ ‫﴿ َف َه ْل يَنظُُرو َن ِإالَّ ُسنَّةَ َّ َ‬
‫ين (‪. 78﴾ )50‬‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫م‬
‫ُّ‬ ‫ير‬
‫ـ‬ ‫‪ ﴿ ، 77﴾ )43‬فَِف ُّروا ِإلَى اللَّ ِه ِإنِّي لَ ُكم ِّم ْنهُ نَ ِ‬
‫ذ‬
‫ٌ ٌ‬

‫ض‬ ‫ات َأن يَ ْخ ِس َ‬


‫ف اللَّهُ بِ ِه ُم ْ‬
‫اَألر َ‬ ‫السيَِّئ ِ‬
‫ين َم َك ُروا َّ‬ ‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪َ ﴿ :‬أفَ َِأم َن الَّ ِذ َـ‬
‫ين (‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث الَ يَ ْشعُ ُرو َن (‪َْ )45‬أو يَْأ ُخ َذ ُه ْم في َت َقلُّب ِه ْم فَ َما ُهم ب ُم ْعج ِز َ‬ ‫اب ِم ْن َح ْي ُ‬
‫الع َذ ُـ‬ ‫ِ‬
‫َْأو يَْأتَي ُه ُم َ‬
‫يم (‪. 79﴾ )47‬‬ ‫ف فَِإ َّن ربَّ ُكم لَرء ٌ ِ‬ ‫ْأخ َذهم َعلَى تَ َخ ُّو ٍ‬
‫وف َّرح ٌ‬ ‫َ ْ َُ‬ ‫‪َْ )46‬أو يَ ُ ُ ْ‬

‫وتحول عافيتك‪ ،‬وفجاءة نقمتك‪ ،‬وجميع سخطك؛‬


‫اللهم‪ ،‬إنا نعوذ بك من زوال نعمتك‪ُّ ،‬‬
‫بارك لنا في القرآن والسنة‪ ،‬وانفعناـ بما فيهما من اآليات والقواعد والحكمة‪ ،‬أقول‬
‫اللهم‪،‬ـ ْ‬
‫قولي هذا وأستغفرـ اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫‪77‬‬

‫‪78‬‬

‫‪79‬‬

‫‪51‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫نصيرا‪ ،‬من ركن إليه ك َفاه وآواه‬


‫كثيرا‪ ،‬وكفى باهلل وليًّا وكفى باهلل ً‬
‫الحمد هلل َحم ًدا طيبًا ً‬
‫وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وح َده ال شريكـ له‪ ،‬وأشهدـ َّ‬
‫أن‬ ‫واكتَن َفه وحماه‪ ،‬وكفى باهلل وكيالً‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫محم ًدا عب ُده ورسوله‪ ،‬صلى اهلل وسلم عليه‪ ،‬وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان‬
‫إلى يوم الدين‪.‬‬

‫أيُّهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ُّ‬
‫والتوكل عليه‬ ‫الث َقة باهلل‬ ‫َّ‬
‫إن استحضار عظمة اهلل‪ ،‬واليقين بمعرفة قدره وقهره‪ ،‬باعث على ِّ‬
‫والتعلُّق به ورجائه وعدم الخوف ِم َّما سواه‪ ،‬وذلك من صميم التوحيد‪ ،‬إن اإليمان أن تعلَم‬
‫يتصرف فيها كيف يشاء‪،‬‬
‫السموات واألرض‪َّ ،‬‬ ‫أن التَّقدير والتدبيرـ بِيَد اهلل‪ ،‬وأنَّه مالكـ َّ‬ ‫ًّ‬
‫حقا َّ‬
‫وقوتِها‪ ،‬فإنهم ال يخرجون عن سلطان اهلل وملكه‬
‫ْق َم ْه َما أوتُوا من علم الدنيا َّ‬ ‫َّ‬
‫وأن ال َخل َ‬
‫وقه ِره‪ ،‬وإذا كان األمرـ كذلك فكيف يُرجى غير اهلل لجلب نفع أو دفع ضر‪ ،‬أو كيف‬
‫يُخشى غير اهلل وهو القوي القاهرـ والعزيز الناصر‪ ،‬وقد قال جل في علياِئِه‪َ ﴿ :‬وَت َو َّك ْل َعلَى‬
‫وت‪َ  ‬و َسبِّ ْح بِ َح ْم ِد ِه (‪. 80﴾ )58‬‬
‫الح ِّي الَّ ِذي الَ يَ ُم ُ‬
‫َ‬

‫كيف يتسلَّل اليأس واإلحباطـ إلىـ قلوب المؤمنين حين يُ ُ‬


‫ضامون في دينهم ويُ َبتغَ ْون في‬
‫المبِي ِن (‪ 81﴾ )79‬؟!‪.‬‬ ‫الح ِّق ُ‬ ‫شرعتِ ِهم‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪َ ﴿ :‬فَت َو َّك ْل َعلَى اللَّ ِه ِإنَّ َـ‬
‫ك َعلَى َ‬
‫حشود الباطل وإجالبِ ِه ال تزيدـ المؤمن إال ثباتًا‪ ،‬وثقة بوعد اهلل ويقينًا‪ ،‬فهو القوي‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫َّ ِ‬
‫اد ُه ْم ِإ َ‬
‫يماناً‪َ  ‬وقَالُوا‬ ‫ش ْو ُه ْم َف َز َ‬
‫َّاس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَا ْخ َ‬ ‫ال لَ ُهم الن ِإ‬
‫َّاس َّن الن َ‬
‫ين قَ َ ُ ُ‬ ‫المسيطر‪ ﴿ :‬الذ َ‬

‫‪80‬‬

‫‪81‬‬

‫‪52‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫َحس ُبنَا اللَّهُ ونِ ْعم الوكِيل (‪ )173‬فَان َقلَبُوا بِنِ ْعم ٍة ِّمن اللَّ ِه‪ ‬وفَ ْ َّ‬
‫ض ٍل ل ْم يَ ْم َ‬
‫س ْس ُه ْم ُسوءٌ (‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫‪82‬‬
‫‪. ﴾ )174‬‬

‫اليقين باهلل والتَّوكل على اهلل يعنِي التعلُّق به في كل حال‪ ،‬يعني اعتماد القلب على اهلل‬
‫واستناده عليه وسكونه إليه‪ ،‬فال يضطرب القلب إلى اضطرابـ األحوال واألسباب‪ ،‬وال‬
‫يركن إليها‪،‬ـ وال يبالي بإخفائها وإدبارها؛ـ ألن اعتماده على اهلل القوي العزيز‪،‬ـ ومن كان اهلل‬
‫فم َّمن يخاف؟! ومن كان عليه فمن يرجو؟!‬ ‫معه ِ‬

‫فاللهم احفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا‪،‬ـ وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا‪ ،‬وآخرتنا‬
‫التي إليها معادنا‪،‬ـ واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير‪ ،‬والموت راحة لنا من كل شر‪ ،‬وعافنا‬
‫واعف عنا‪ ،‬ثم صلُّوا وسلِّموا على الرسول المصطفى‪ ،‬والنبي المجتبى‪ ،‬محمد بن عبداهلل‬
‫ُ‬
‫حمد كما صليت على إبراهيم وعلى‬‫حمد وعلى آل ُم َّ‬
‫صل على ُم َّ‬‫الهاشميـ القرشي‪،‬ـ اللهم ِّ‬
‫آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬وبا ِر ْك على ُمحمد وعلى آل ُم َّ‬
‫حمد كما باركت على إبراهيم‬
‫وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد‪.‬‬
‫أعز اإلسالم والمسلمين‪ِ ،‬‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين‪،‬‬ ‫أعز اإلسالم والمسلمين‪ ،‬اللهم َّ‬
‫اللهم َّ‬
‫وسائر بالد المسلمين‪.‬‬
‫َ‬ ‫ودمر أعداء الدين‪،‬ـ واجعلـ هذا البلد آمنًا مطمئنًا‬
‫ِّ‬

‫اللهم انصر من نصر الدين‪ ،‬واخ ُذلـ الطغاةَ والمالحدة والمفسدين‪.‬‬

‫اللهم‪،‬ـ آمنَّا في أوطاننا‪ ،‬وأصلح أئمتَنا ووالة أمورنا‪ ،‬واجعل واليتنا فيمن خافك واتَّقاك واتَّبع‬
‫رضاك‪ ،‬يا رب العالمين!!‬
‫َ‬

‫ولي ْأم ِرنا لما تُ ِح ُّ‬


‫ب وَت ْرضى‪ ،‬وخذ به للبر والتقوى؛ اللهم‪ ،‬وفقه ونائبهـ وإخوانهم‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬

‫‪82‬‬

‫‪53‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأعوانهمـ لما فيه صالح العباد والبالد‪ ،‬يا حي‪ ،‬يا قيوم‪ ،‬يا ذا الجالل واإلكرام؛ اللهم‪،‬‬
‫أصلح بطانته؛ اللهم‪،‬ـ أصلح بطانته‪ ،‬واصرف عنه بطانة السوء‪ ،‬يا رب العالمين!!‬

‫اللهم‪،‬ـ‪ ‬انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان؛ اللهم‪ ،‬انصر دينك وكتابك وسنة نبيِّك‬
‫أصلِ ْح أحوال المسلمين في كل‬ ‫ِ‬
‫الله َّم‪،‬ـ أصل ْح أحوال المسلمين؛ اللهم‪،‬ـ ْ‬
‫وعبادك المؤمنين؛ ُ‬
‫مكان‪ ،‬يا رب العالمين!!ـ‬

‫يصدون عن دينِك ويُ ُ‬


‫عادون أولياءك؛ اللهم‪ ،‬أنزلـ بهم‬ ‫اللَّ ُه َّم قاتل الكفرة والملحدين‪ ،‬الذينـ ُّ‬
‫َّك‪ ،‬إلهَ الحقِّ‪.‬‬
‫بأسك ورد َ‬
‫الدينـ عن‬ ‫ِ‬
‫واقض َّ‬ ‫ونفث كرب المكروبين‪،‬‬ ‫هم المهمومين من المسلمين‪ِّ ،‬‬ ‫فرج َّ‬
‫اللهم ِّ‬
‫واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين!!‬ ‫ِ‬ ‫المدينين‪ ،‬وفُ َّ‬
‫ك أسرى المأسورين‪،‬‬

‫ربَّنا‪ ،‬آتنا في الدنيا حسنة‪ ،‬وفي اآلخرةـ حسنة‪ ،‬وقنا عذاب النار‪ ،‬ربنا اغفر لنا ولوالدينا‬
‫ولوالديهمـ ولجميع المسلمين‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك العفو والعافيةـ والمعافاة الدائمة في الدين والدنياـ واآلخرة‪ ،‬اللهم ِ‬
‫اغفر ذنوبنا‬
‫واستر عيوبنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا؛ اللهم‪ ،‬اغفر ذنوبنا‪ ،‬واستر عيوبنا‪ ،‬ويسر أمورنا‪،‬‬
‫وبلِّغنا فيما يرضيك آمالنا!!‬

‫نستغفر اهلل‪ ،‬نستغفرـ اهلل‪ ،‬نستغفر اهلل الذي ال إله إال هو الحي القيوم ونتوب إليه!!‬

‫اللهم أنت اهلل‪ ،‬ال إله إال أنت‪ ،‬أنت الغني ونحن الفقراء‪ ،‬أنزل علينا الغيث وال تجعلنا من‬

‫‪54‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫غير‬
‫نافعا َ‬
‫عاما‪ً ،‬‬
‫القانطين؛ـ اللهمـ أغثنا؛ اللهم أغثنا؛ اللهم أغثنا غيثًا هنيًئا َمريًئا‪،‬ـ طب ًقا مجلالً ًّ‬
‫ضار‪ ،‬تحيي به البالد‪ ،‬وتسقيـ به العباد‪،‬ـ وتجعله بالغًا للحاضر والبادي‪ ،‬اللهم سقيا رحمة‪،‬‬ ‫ٍّ‬
‫اللهم سقيا رحمة‪ ،‬اللهم سقيا رحمة‪ ،‬ال سقيا عذاب وال بالء وال هدم وال غرق‪ ،‬اللهمـ إنا‬
‫رارا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ت َّ‬
‫نستغفرك إنَّك ُك ْن َ‬
‫غف ًارا‪ ،‬فأرسل السماء علينا م ْد ً‬
‫ب علينا إنك أنت التواب الرحيم!!ـ‬
‫ربنا تقبل منا إنكـ أنت السميع العليم‪ ،‬وتُ ْ‬
‫ْح ْم ُد‬ ‫ِ‬ ‫الع َّز ِة َع َّما ي ِ‬
‫ب ِ‬
‫ين (‪َ )181‬وال َ‬
‫الم ْر َسل َ‬
‫الم َعلَى ُ‬
‫ص ُفو َن (‪َ )180‬و َس ٌ‬ ‫َ‬ ‫ك َر ِّ‬
‫﴿ ُس ْب َحا َن َربِّ َ‬
‫ب َ ِ‬ ‫لِلَّ ِه َر ِّ‬
‫‪83‬‬
‫ين (‪﴾ )182‬‬ ‫العالَم َ‬

‫‪83‬‬

‫‪55‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫س ُن َع َمالً‬ ‫عنوان الخطبة ‪َ :‬أيُّ ُك ْـم ْ‬


‫َأح َ‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثانيـ من جمادى اآلخرة من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫س ُن َع َمالً ‪-‬‬ ‫‪َ -‬أيُّ ُك ْم ْ‬


‫َأح َ‬
‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستهديهـ ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن‬
‫وم ْن يُضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬
‫مضل له‪َ ،‬‬
‫سيئات أعمالنا‪َ ،‬م ْن يهده اهلل فال َّ‬
‫وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫كثيرا‪ ،‬أما بعد ‪-:‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬

‫فاتقوا اهلل تعالى أيهاـ المسلمون‪ ،‬اتقوا اهلل تعالىـ حق التقوى‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعروة‬
‫صلِ ْح لَ ُك ْـم‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ‪َ  ‬وقُولُوا َق ْوالً َسديداًـ (‪ )70‬يُ ْ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫الوثقى‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫َأ ْع َمالَ ُك ْم‪َ  ‬و َيغْ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْـم َو َمن يُ ِط ِع اللَّهَ‪َ  ‬و َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْوزاً َع ِظيماً (‪. 84﴾ )71‬‬

‫واعلموا أن الدنيا ممر‪ ،‬وأن اآلخرة هي المستقر‪ ،‬فاستبقوا الخيرات قبل فواتها‪،‬ـ وحاسبواـ‬
‫أنفسكم على زالَّتها وهفواتها‪ ،‬و ُك ُّفوها عن اإلغراق في شهواتها؛ـ فالكيِّس َم ْن دان نفسه‬
‫وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز َم ِن اتَّبع نفسه هواها وتمنى على اهلل األماني‪،‬ـ َ‬
‫وم ْن أصلح‬
‫وم ْن أصلح ما بينه وبين اهلل كفاه اهلل ما بينه وبين الناس‪ ،‬فاهللَ اهللَ‬
‫سريرتهـ أصلح اهلل عالنيته‪َ ،‬‬
‫في السرائر‪ ،‬فما ينفع في فسادها جمال الظاهر‪.‬ـ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫‪84‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪56‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫في زحمة الحياة‪ ،‬ومع تراكم مشاغل الدنياـ وتواليها ‪ -‬قد يَغفل اإلنسان عن وظيفته األساس‬
‫وولِد؛ أال وهي عبادة اهلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وطاعته‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التي من أجلها ُوجد‪ ،‬والغايةـ التي لها ُخلق ُ‬
‫ون (‪. 85﴾ )56‬‬ ‫الج َّن واِإل نس ِإالَّ لِي ْعب ُد ِ‬
‫ت ِ‬ ‫﴿ َو َما َخلَ ْق ُ‬
‫َ َ َُ‬

‫فأرسل اهلل الرسل‪،‬ـ وأنزل الكتب‪ ،‬وخلق اإلنسان وسخَّر له ما في السماوات واألرض‪ ،‬كل‬
‫ذلك ألجل القيام بحق العبودية ومقتضياتهاـ هلل سبحانه‪.‬ـ ووعد بالجنة َم ْن أطاعه‪ ،‬وتوعَّد بالنار‬
‫شر‬ ‫يوم تُعرض الخالئق فيه على اهلل‪ ،‬وتن َ‬ ‫جل في عاله ‪ -‬أنه سيأتي ٌ‬ ‫َم ْن عصاه‪ ،‬وأخبر ‪َّ -‬‬
‫وو َجل‪ ،‬يتمنى كمال عمله وحسن ما‬ ‫ٍـ‬
‫بإشفاق َ‬ ‫وتوزن األعمال؛ فينظر كلٌّ لميزانه‬ ‫الصحف َ‬
‫يوم يكون الحساب والجزاء فيه باألعمال‪،‬‬ ‫عل ميزانه أن يثقل بالحسنات‪،‬ـ فيأتيـ ٌ‬ ‫قدم‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫يشح بها المرء على أمه وأبيه‪ ،‬وزوجه وبنيه وأخيه‪:‬‬ ‫تأثير‪ُّ ،‬‬‫وللذرة قيمةٌ وميزان‪ ،‬وللحسنة ٌ‬ ‫َّ‬
‫ول يَا لَْيتَنِي قَ َّد ْم ُ‬
‫ت‬ ‫َّم َي ْو َمِئ ٍذ َيتَ َذ َّك ُر اِإل نسا ُن َوَأنَّى لَهُ ِّ‬
‫الذ ْك َرى (‪َ )23‬ي ُق ُ‬ ‫ِئ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يء َي ْو َم ذ ب َج َهن َ‬
‫﴿ َوج َ‬
‫لِ َحيَاتِي (‪. 86﴾ )24‬‬

‫فالمقصر يندم على تقصيره‪ ،‬والعاملـ يندم أن لم يكن قد ازداد!‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫فما من أحد إال سيندم؛‬

‫في يوم القيامة مواقف وعرصات‪ ،‬وأهوال وكربات‪ ،‬ووزن للحسنات والسيئات‪،‬ـ لن ينجو‬
‫منها إنس وال جان؛ إال بالعمل ‪ -‬إذا رحمه الرحيمـ أرحم الراحمين‪.‬‬

‫فماذا قدمت لحياتك األخرىـ يا عبداهلل؟ ما مقداره ونوعه؟ وما مدى كماله وصحته؟‬

‫عن معاذ بن جبل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أخذ بيده وقال‪" :‬‬
‫يك يَا ُم َعاذُـ اَل تَ َد َع َّن ِفي ُدبُ ِر‬ ‫ال‪:‬ـ " ِ‬ ‫ك‪ ،‬واللَّ ِه ِإنِّي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأوص َ‬ ‫ك»‪،‬ـ َف َق َ‬ ‫ُأَلحبُّ َ‬ ‫يا يَا ُم َعاذُ‪،‬ـ َواللَّه ِإنِّي ُأَلحبُّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صاَل ٍة َت ُق ُ‬
‫ك"ـ ؛ رواه أبو داود في‬ ‫ول‪ " :‬اللَّ ُه َّم َأعنِّي َعلَى ِذ ْك ِر َك َو ُش ْك ِر َك َو ُح ْس ِن عبَ َ‬
‫ادتِ َ‬ ‫ُك ِّل َ‬
‫‪85‬‬
‫سورة الذاريات‬
‫‪86‬‬
‫سورة الفجر‬
‫‪57‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫"سننه" بإسنادـ صحيح‪.‬‬

‫فهذا إرشادـ نبوي كريم‪ ،‬بأن ندعو اهلل بعد الفراغ من الصالة‪ ،‬ونسألهـ حسن عبادته‪ ،‬وقبل‬
‫ت وال ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫س ُن َع َمالً (‬ ‫ْحيَاةَ ليَْبلَُو ُك ْم َأيُّ ُك ْم ْ‬
‫َأح َ‬ ‫الم ْو َ َ َ‬
‫ذلك يقول الخالقـ جل في عاله‪ ﴿ :‬الذي َخلَ َق َ‬
‫‪ 87﴾ )2‬فدل النصان الكريمان على أن حسن العبادةـ مرتبةٌ زائدةٌ على مجرد أدائها‪.‬ـ‬

‫وإلن كان الكثير من المسلمين حريصين على أداء عباداتهمـ وما افترضه اهلل عليهم؛ فإن‬
‫القليل منهم هم الحريصون على أدائهاـ بإحسان‪ ،‬كاملة السنن والواجبات واألركان‪ ،‬سالمةً‬
‫من الخلل والنقصان‪.‬‬

‫متوضئين للصالة‪ ،‬ساعيين إلى المسجد‪ ،‬يصليان خلف إمام‬


‫ْ‬ ‫الم ْسلِ َم ْين ليخرجان‬
‫وأيم اهلل‪ ،‬إن ُ‬
‫واحد‪،‬ـ يننصرفان من صالتهما وبينهما كما بين السماء واألرض في المثوبة والجزاء!!‬
‫واسمعوا حديث عمار بن ياسرـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫صاَل تِِه تُ ْسعُ َها ثُ ْم ُن َها ُس ْبعُ َها‬
‫ب لَهُ ِإاَّل عُ ْش ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ص ِر ُ‬
‫ف َو َما ُكت َ‬ ‫وسلم ‪ -‬يقول‪ِ " :‬إ َّن َّ‬
‫الر ُج َل لََي ْن َ‬
‫ص ُف َها " ؛ رواه أبو داود بإسنادـ حسن‪.‬‬ ‫س َها ُر ْبعُ َها ُثلُ ُث َها نِ ْ‬
‫ُس ْد ُس َها ُخ ْم ُ‬

‫ف صالته كثوب خلق‪ ،‬فيرمى بها في وجهه! وقد قال النبي ‪-‬‬ ‫بل إن من المصلين من ُتلَ ُّ‬
‫ِ‬
‫ص ِّل ؛ فَِإ نَّك لَ ْم تُ َ‬
‫ص ِّل " مع أنه أتى بأفعالها الظاهرة‪.‬ـ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لرجل‪ْ " :‬ارج ْع فَ َ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫إن مما ينبغي للمسلم معرفته واستحضاره‪ ،‬أن للواجباتـ والمفروضات من العباداتـ‬
‫ذمته منها‬
‫جانب ْين‪:‬جانب اإلجزاء‪ ،‬وجانب الجزاء‪ ،‬فإذا أدى المسلم عبادته الواجبة؛ برأتـ َّ‬
‫َ‬
‫وأجزأت‪،‬ـ وأصبح غير مطالب بها‪ ،‬أما الجزاء‪ :‬فهو المثوبة واألجر المترتِّب على أداء هذه‬
‫العبادة‪،‬ـ فقد يتساوى عابدان في اإلجزاء‪،‬ـ ويختلفان كما بين المشرق والمغربـ في الجزاء‪،‬‬
‫‪87‬‬
‫سورة الملك‬
‫‪58‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وم َر ُّد هذا االختالف إلى حرص أحدهماـ على حسن عبادته وتمامها‪،‬ـ وتقصير اآلخرـ فيها‪.‬‬
‫َ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ٌّ‬
‫حق على كل مسلم يرجو لقاء اهلل‪ ،‬ويطمع في جنته‪ ،‬ويستجير به من ناره ‪ -‬أن يسعى‬
‫ُّ‬
‫وتسود وجوه‪.‬‬ ‫تبيض وجوهٌ‬
‫إلحسانـ عمله في تمام وكمال‪ ،‬يسره وينجيه يوم ُّ‬

‫سن به العبادة‪:‬‬
‫وإليكم ‪ -‬رعاكم اهلل ‪ -‬بعض ما تَ ْح ُ‬
‫فأول ذلك ورأسه‪ ،‬شرط صحتها؛ هو‪ :‬اإلخالص هلل والمتابعةـ لرسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وذلكمـ هو مقتضى الشهادتين‪،‬ـ والمراد‪ :‬اإلخالص بنوعيه العام والخاص‪ ،‬وأال‬
‫متلبسا بشيء من الشرك في حياته‪ ،‬كدعاء غير اهلل‪ ،‬أو االستغاثةـ واالستعانة‬
‫يكون العبد ً‬
‫بغيره‪ ،‬أو فرض ٍ‬
‫شيء من العباداتـ لغير الخالقـ الواحدـ ‪ -‬سبحانه وتعالىـ ‪ -‬وهذا باب عظيم‬
‫ك َوِإلَى‬ ‫ينبغي العناية به؛ فقد قال اهلل ‪ -‬جل في عاله ‪ -‬لرسولهـ الكريم‪:‬ـ ﴿ ولََق ْد ِ‬
‫ُأوح َـي ِإلَْي َ‬ ‫َ‬
‫ين (‪ )65‬بَ ِل اللَّهَ فَا ْعبُ ْد‬ ‫ك ولَتَ ُكونَ َّن ِمن ال َخ ِ‬
‫اس ِر َـ‬ ‫ين ِمن َق ْبلِ َ‬
‫ك لَِئ ْن َأ ْش َر ْك َ‬ ‫الَّ ِذ َـ‬
‫َ‬ ‫ت لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ َ‬
‫دليل على أن الشرك ال ينفع معه عمل‪.‬‬ ‫ين (‪ ﴾ )66‬فهو ٌ‬
‫‪88‬‬
‫الشاكِ ِر َـ‬‫َو ُكن ِّم َن َّ‬

‫دوما‪ ،‬وتوحيد اهلل في كل شؤونه‪.‬‬ ‫فالواجب على المسلم ُّ‬


‫تفقد نفسه ً‬

‫وأما النوع الثانيـ مما تنبغي العنايةـ به في جانب اإلخالص؛ـ فهو‪ :‬أن تكون العبادة المؤدَّاة‬
‫مرادا بها وجه اهلل وحده‪ ،‬وفي الحديث القدسيـ قال اهلل ‪  -‬تبارك وتعالىـ‬ ‫سالمةً من الرياء‪،‬ـ ً‬
‫الش ْرك ‪َ ,‬م ْن َع ِم َل َع َماًل َأ ْش َر َك فِ ِيه غَْي ِري َت َر ْكته َو ِش ْركه " ؛ رواه‬ ‫‪َ " :-‬أنَا َأ ْغنَى ُّ‬
‫الش َر َكاء َع ْن ِّ‬
‫مسلم‪.‬‬

‫أما الشرط الثاني من شروط صحة العبادة فهو‪ :‬المتابعة لرسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬والمراد بها تأديةـ العبادة على الصفة التي جاءت عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من‬
‫‪88‬‬
‫سورة الزمر‬
‫‪59‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫غير زيادة وال نقصان‪ ،‬ومعنى هذا‪ :‬أنه ال يجوز أن يُعبد اهلل إال بما شرعه رسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫صحيحا عن رسول اهلل‬
‫ً‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬مبلِّغًا عن ربه؛ فالتعبد بما لم يشرعه اهلل‪ ،‬ولم يرد‬
‫‪ -‬هو البدعة التي قال عنها النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في حديث عائشة ‪ -‬رضي اهلل‬
‫هو َردٌّ " ؛ رواه البخاري ومسلم‪ ،‬ولفظ البخاري‪:‬‬ ‫عنها ‪ " :-‬من َع ِمل َعمالً لَي ِ ِ‬
‫س َعل ْيه َْأم ُرنَاـ فَ َ‬ ‫َْ َ َ ْ َ‬
‫س ِم ْنهُ َف ُه َو َردٌّ " واهلل تعالى يقول‪َْ ﴿ :‬أم لَ ُه ْم ُش َر َكاءُ َش َرعُوا‬ ‫" من َأح َد َـ ِ‬
‫ث في َْأم ِرنَاـ َه َذا َما لَْي َ‬ ‫َْ ْ‬
‫لَ ُهم ِّم َن الدِّي ِن َما لَ ْم يَْأذَ ْن بِ ِه اللَّهُ (‪. 89﴾ )21‬‬

‫وثمة أمر آخر يتعلق بالمتابعة؛ـ وهو‪ :‬أن العابدـ قد يؤدي عبادته كما ُأمر‪ ،‬لكنه ينتقص من‬
‫َّ‬
‫ُسننها‪ ،‬ويجتزئ من واجباتها‪ ،‬وقد تتخللها بعض المكروهات‪ ،‬أو يداخلهاـ شيءٌ من‬
‫المحرمات‪ .‬فهذه العبادة وإن أجزأت ‪ -‬إال أنه ينقص من ثوابها بقدر ما نقص من حسنها‪،‬‬
‫أنقص بكثير‬
‫والغبن كل الغبن ‪ -‬يا عباد اهلل ‪ -‬أن يفعلـ اإلنسان ما يفعلهـ غيره‪ ،‬ثم يأخذـ أجره َ‬
‫من صاحبه؛ بل ربما لم يأخذـ من ثوابه شيًئا! وربما فعل العبد فعالً يريد به من اهلل الزلفى‪،‬‬
‫على هيئة لم يشرعها اهلل‪ ،‬ولم ترد عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فيخزيه اهلل بهذا‬
‫شبيها بالضالِّين‪.‬ـ‬
‫العمل‪ ،‬ويكتبه في عباده المبتدعين‪ً ،‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ومما تحسن به العباداتـ الواجبات‪:‬ـ تكميلها بالنوافل التي من جنسها‪ ،‬فأركان اإلسالم‬
‫متحكمات‪ ،‬ومن جنسها نوافل ومستحبَّات‪.‬‬‫عباداتـ ِّ‬

‫عن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪" " :-‬‬
‫اع ‪،‬‬‫س فِينَا َم ْن اَل ِد ْر َه َم لَهُ َواَل ِدينَ َار َواَل َمتَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َأتَ ْدرو َن م ِن الْم ْفلِ ِ ِ‬
‫س م ْن َُّأمتي ؟ " قَالُوا ‪ :‬ال ُْم ْفل ُ‬ ‫ُ َ ُ ُ‬
‫صاَل تِِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اللَّهُ صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه وسلَّم ‪ " :‬الْم ْفلِ ِ ِ‬
‫س م ْن َُّأمتي َم ْن يَْأتي َي ْو َم الْقيَ َامة بِ َ‬‫ُ ُ‬ ‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫َف َق َ‬
‫ب َه َذا‬ ‫ض َر َ‬‫ك َد َم َه َذا ‪َ ،‬و َ‬ ‫ال َه َذا ‪َ ،‬و َس َف َ‬ ‫صيَ ِام ِه ‪َ ،‬ويَْأتِيـ قَ ْد َشتَ َم َه َذاـ ‪َ ،‬وقَ َذ َ‬
‫ف َه َذا ‪َ ،‬وَأ َك َل َم َ‬ ‫وِ‬
‫َ‬
‫ض َي َما َعلَْي ِه ‪،‬‬ ‫ت حسنَاتُهُ َق ْبل َأ ْن ي ْق ِ‬ ‫ص لِ َه َذاـ ِمن حسنَاتِِـه ‪ ،‬ولِ َه َذاـ ِمن ح ِِ ِإ ِ‬
‫َ َ‬ ‫سنَات ـه ‪ ،‬فَ ذَا فَنيَ ْ َ َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ‬ ‫‪َ ،‬فُي ْقتَ ُّ‬
‫‪89‬‬

‫‪60‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ِح فِي النَّا ِر " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ُأخ َذ ِمن َخطَاياهم فَطُ ِرح ْ ِ‬
‫ِ‬
‫ت َعلَْيه ثُ َّم طُر َ‬ ‫َ‬ ‫َُْ‬ ‫ْ‬

‫ات َك َما‬ ‫ضا في الحديث عند أبي داود ٍ‬


‫بسند فيه مقال‪:‬ـ " ِإ َّن الْحس َد يْأ ُكل الْحسنَ ِ‬ ‫كما ورد أي ً‬
‫ََ َ ُ ََ‬
‫ب"‪.‬‬
‫ْحطَ َ‬ ‫تَْأ ُك ُل الن ُ‬
‫َّار ال َ‬

‫ٍ‬
‫كأقوام‬ ‫أال فاتقوا ‪ -‬عباد اهلل ‪ -‬وأحسنوا فيما تقدِّمون‪ ،‬وحافظوا على أعمالكم‪،‬ـ وال تكونوا‬
‫ال يرضون أن تنتقص دنياهمـ شعرة‪ ،‬ال يبالون بما نقص من دينهم مهما كان من القلة‬
‫ِ ِ ِإ ِ‬ ‫والكثرة‪،‬ـ أرضوا بالحياة من اآلخرة؟ ﴿ فَما متَاعُ الحي ِاة ُّ ِ‬
‫الد ْنيَا في اآلخ َرة الَّ قَل ٌ‬
‫يل (‪3‬‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫‪.90﴾ )8‬‬

‫بارك اهلل لي ولكم في الكتاب والسنة‪ ،‬ونفعنا وإياكم بما فيهما من اآلياتـ والحكمة‪.‬‬

‫أقول قولي هذا وأستغفرـ اهلل العظيم لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل‪ ،‬توالت نعمه‪ ،‬وأحاطتنا ِمَننُه؛ َّ‬


‫فحقت علينا عبادته‪ .‬نسأله أن يودعنا شكرـ نعمه‪،‬‬
‫وأن يوفقنا للصالحات‪ ،‬ويسعدناـ في الدنيا وبعد الممات‪ .‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫تسليما‬
‫ً‬ ‫شريك له‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫ً‬

‫أما بعد أيها المسلمون‪:‬‬


‫إذا استشعرـ المسلم أن هذه العبادةـ أمر اهلل‪ ،‬وفيها رضاه‪ ،‬قد رضي ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أن تكون‬
‫من اإلنسانـ زلفى له وقربةً منه‪ ،‬يرفع بها الدرجات‪ ،‬ويمحو بها السيئاتـ ‪ -‬كان هذا أ ْدعى‬
‫‪90‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪61‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ويحسنها‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫لإلنسان أن يهتم بعبادتهـ ويعظِّمها ِّ‬
‫ويجودها‬

‫فليحذر المسلم من تقديمـ العبادة بشكلـ هزيل‪ ،‬أو مظهر عليل؛ ألن الواجب تعظيم شعائرـ‬
‫ك َو َمن ُي َعظِّ ْم َش َعاِئر اللَّ ِه فَِإ َّن َها ِمن َت ْق َوى ال ُقلُ ِ‬
‫وب (‪. 91﴾ )32‬‬ ‫اهلل‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫َ‬

‫ولذا كان اإلحسان أعلى مراتب الدين؛ في استشعارـ مراقبة اهلل للعبد‪ ،‬كما في الحديث‬
‫المخرج في "الصحيحين"‪ ،‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬اِإل ْح َ‬
‫سا ُن َأ ْن‬ ‫َّ‬
‫َت ْعبُ َد اللَّهَ َكَأنَّ َ‬
‫ك َت َراهُ فَِإ ْن لَ ْم تَ ُك ْن َت َراهُ فَِإ نَّهُ َي َر َ‬
‫اك " ‪.‬‬

‫وهذا من جوامع الكلم التي أوتِيَها النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ألنَّا لو َّ‬
‫قدرنا أن أح ًداـ قام‬
‫يقدر عليه من الخضوع‬ ‫بعبادتهـ وهو يعاين ربه ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬لم يترك شيًئا مما َّ‬
‫الس ْمت‪ ،‬واجتماعه بظاهره وباطنه على االعتناء بتتميمها على أحسنـ‬
‫والخشوع وحسن َّ‬
‫وجوهها‪ ،‬إال أتى به بالتتميم المذكور‪.‬‬
‫وفي حال العيان؛ إنما كان لعلم العبد باطالع اهلل ‪ -‬سبحانه وتعالىـ عليه ‪ -‬فال ي ِ‬
‫قدم على‬‫ُ‬
‫تقصي ٍر في هذه الحال‪.‬‬

‫مانعاـ من تلبُّس اإلنسانـ بشيء من النقائص‪/‬‬


‫وإذا كانت مجالسة الصالحين مندوبة‪ ،‬لتكون ً‬
‫مطلعا عليه في سره وعالنيته‪،‬‬ ‫واستحياءا منهم ‪ -‬فكيف بمن ال يزال اهلل تعالى ً‬ ‫ً‬ ‫احتراماـ لهم‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫الح ْسنَى َو ِزيَ َ‬
‫ادةٌ‬ ‫سنُوا ُ‬ ‫َأح َ‬
‫ين ْ‬‫نسألـ اهلل تعالى أن يكتبنا في المحسنين‪ ،‬الذين قال عنهم‪ ﴿ :‬لِّلَّذ َ‬
‫ين فِ َيها‬ ‫َّات تَج ِري ِمن تَحتِها اَألْنهار َخالِ ِ‬
‫د‬ ‫(‪ ، 92﴾ )26‬وقال‪ ﴿ :‬فََأثَاب ُهم اللَّهُ بِما قَالُوا جن ٍ‬
‫ـ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِِ‬ ‫َو َذلِ َ‬
‫‪93‬‬
‫ين (‪. ﴾ )85‬‬ ‫الم ْحسن َ‬
‫ك َج َزاءُ ُ‬

‫‪91‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪92‬‬
‫سورة يونس‬
‫‪93‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪62‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة‪ ،‬والنعمة المسداة‪ ،‬محمد بن عبداهلل‪ ،‬الهادي‬
‫البشير والسراج المنير‪ ،‬رسول اهلل وخاتم أنبيائه‪.‬ـ‬

‫صل على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك‬
‫اللهم ِّ‬
‫حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد‪ ،‬كما باركت على إبراهيمـ وعلى آل‬
‫إبراهيم‪،‬ـ في العالمين؛ـ إنكـ حميد مجيد‪.‬‬

‫وارض‬ ‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدِّين‪،‬‬ ‫وم ْن تبعهمـ‬
‫َ‬ ‫وارض اللهم عن صحابة نبيِّك أجمعين‪ ،‬والتابعين َ‬
‫َ‬
‫عنَّا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين‪.‬ـ‬

‫أعز اإلسالم والمسلمين‪ ،‬واهزم الشرك والمشركين‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمنًا مطمئنًا‬
‫اللهم َّ‬
‫وسائرـ بالد المسلمين‪.‬‬

‫اللهم آمنَّا في أوطاننا‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا‪ ،‬اللهم انشر األمن واالستقرار في بالدنا‬
‫وبالد المسلمين‪.‬‬

‫اللهم من أرادنا وأراد اإلسالم والمسلمين وديارهمـ ودينهم وأمنهم ٍ‬


‫بسوء ‪ -‬فأشغله بنفسه‪،‬‬ ‫َْ‬
‫َّ‬
‫ورد كيده في نحره‪ ،‬واجعلـ دائرة السوء عليه يا رب العالمين‪.‬‬

‫اللهم ال تسلِّط علينا بذنوبنا َم ْن ال يخافك وال يرحمنا‪ ،‬وال تؤاخذناـ بذنوبنا‪ ،‬وال بما فعل‬
‫السفهاء منَّا‪.‬‬

‫وردَّهم إليك ردًّا جميالً‪.‬‬


‫اللهم أصلح أحوالـ المسلمين في كل مكان‪ُ ،‬‬

‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين‪ ،‬في فلسطين‪ ،‬وفي كل ٍ‬


‫مكان يا رب العالمين‪ ،‬اللهم‬
‫‪63‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك وعبادك المؤمنين‪ ،‬اللهم َأنْ ِج المستضعفينـ والمظلومين‬
‫المضطَّ َهدين في دينهم وديارهمـ في كل ٍ‬
‫مكان يا رب العالمين‪ .‬اللهم انصر المجاهدينـ في‬
‫فلسطين وفي كل مكان‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدين؛ فإنهم ال يعجزونك‪ ،‬اللهم أنزل بهم‬
‫بأسك ورجزك إله الحق‪.‬‬

‫للبر والتقوى‪،‬‬
‫وخ ْذ بنواصيهم ِّ‬ ‫اللهم أصلح والة أمور المسلمين‪ ،‬ووفِّقهم لما ُّ‬
‫تحب وترضى‪ُ ،‬‬
‫وانصر اللهم َم ْن نصر الدين‪ ،‬واخذلـ الطغاة والمالحدة والمفسدين‪.‬‬

‫اللهم وفِّق ولي أمرناـ خادم الحرمين الشريفين‪ ،‬اللهم وفِّقه لهداك‪ ،‬واجعل عمله في رضاك‪،‬‬
‫وفِّقه ونائبه وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صالح العباد والبالد‪ ،‬اللهم جا ِز ِه على ما يبذل‬
‫لخدمة اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وكافئه على ذلك بالتوفيق وحسن النتاج يا رب العالمين‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة‪ ،‬وفي اآلخرةـ حسنة‪ ،‬وقنا عذاب النار‪ ،‬وقنا عذاب القبر‪ ،‬وشر فتنة‬
‫المسيح الدجال‪ ،‬وفتنة المحيا والممات‪.‬‬

‫ربنا ظلمنا أنفسنا‪ ،‬وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‪،‬ـ ربنا اغفر لنا ولوالديناـ‬
‫ووالديهمـ ولجميع المسلمين‪.‬‬

‫اللهم اجعلنا لك شاكرين‪ ،‬لك ذاكرين‪ ،‬لك مطواعين مخبتين منيبين‪ ،‬ونسألكـ اللهم فعل‬
‫الخيرات‪،‬ـ وترك المنكرات‪،‬ـ وحب المساكين‪.‬‬

‫ِ‬
‫واقض الدِّينـ عن‬ ‫هم المهمومين من المسلمين‪ِّ ،‬‬
‫ونفث كرب المكروبين‪،‬‬ ‫فرج َّ‬
‫اللهم ِّ‬
‫واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين‪.‬‬‫ِ‬ ‫َأس َر المأسورين‪،‬‬ ‫المدينين‪َّ ،‬‬
‫وفك ْ‬

‫‪64‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اهلل اغفر ذنوبنا‪ ،‬واستر عيوبنا‪ ،‬وبلِّغنا فيما يرضيك آمالنا‪ ،‬نسألكـ اللهم رضاك والجنة‪،‬‬
‫ب علينا إنك أنت‬
‫ونعوذ بك من سخطك والنار‪ ،‬ربنا تقبل منَّا إنك أنت السميع العليم‪،‬ـ وتُ ْ‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬

‫ْح ْم ُد‬ ‫ِ‬ ‫الع َّز ِة َع َّما ي ِ‬


‫ب ِ‬
‫ين (‪َ )181‬وال َ‬
‫الم ْر َسل َ‬
‫الم َعلَى ُ‬
‫ص ُفو َن (‪َ )180‬و َس ٌ‬ ‫َ‬ ‫ك َر ِّ‬
‫﴿ ُس ْب َحا َن َربِّ َ‬
‫ين (‪. 94﴾ )182‬‬ ‫ب َ ِ‬
‫العالَم َ‬ ‫لِلَّ ِه َر ِّ‬

‫ك اهلل‬
‫عنوان الخطبة ‪َ :‬حتَّى يَ ْح َفظُ َ‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالث والعشرون من جمادى اآلخرةـ من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫‪ِ -‬ح ْف ُ‬
‫ظ اهلل ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫‪94‬‬
‫سورة الصافات‬
‫‪65‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪،‬ـ ونعوذ باهلل من شرور أنفسناـ ومن سيئات أعمالنا‪،‬‬
‫مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ‬ ‫َم ْن يهده اهلل فال َّ‬
‫ِّد وعن النَّظير‪ ،‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصير‪ ،‬وأشهدـ أن‬ ‫عز عن َّ‬
‫الشبيه وعن الن ِّ‬ ‫له‪َّ ،‬‬
‫صلَّى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله‬
‫محم ًدا عبده ورسوله السراج المنير والبشير النذير‪،‬ـ َ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم البعث والنشور‪.‬‬ ‫وم ْن تَبِ َعهمـ‬
‫وصحبه والتابعين‪َ ،‬‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن وصية اهلل تعالى هي التَّقوى‪ ،‬خير الزادـ وهي األبقى‪:‬ـ ﴿ يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين آ ََمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ‬
‫ت لِغَ ٍد َو َّات ُقوا اللَّهَ ِإ َّن اللَّهَ َخبِ ٌير بِ َما َت ْع َملُو َن (‪. 95﴾ )18‬‬
‫س َما قَ َّد َم ْ‬
‫َولَْت ْنظُْر َن ْف ٌ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫َر َوى لنا الصحابي الجليل أبو هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حادثةً وقعت له في إحدى الليالي؛ـ‬
‫آت فَ َج َع َل‬‫ضا َن ‪ ،‬فََأتَانِيـ ٍ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم بِ ِح ْف ِظ َز َك ِاة َر َم َ‬ ‫فقال " و َّكلَنِي رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬
‫ال ‪:‬‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ .‬قَ َ‬ ‫َّك ِإلَى رس ِ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬ ‫َألر َف َعن َ‬
‫ْت ‪ْ :‬‬ ‫َأخ ْذتُهُ ‪َ ،‬و ُقل ُ‬‫يَ ْحثُو ِم َن الطَّ َع ِام فَ َ‬
‫اجةٌ َش ِدي َدةٌـ ‪ .‬قَ َ‬ ‫ِإنِّي محتاج وعلَي ِعي ٌ ِ‬
‫ول‬‫ال َر ُس ُ‬ ‫ت ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫َأصبَ ْح ُ‬ ‫ت َسبِيلَهُ ‪ ،‬فَ ْ‬ ‫ال ‪ :‬فَ َخلَّْي ُ‬ ‫ال َولي َح َ‬ ‫ُ ْ َ ٌ َ َ َّ َ‬
‫ول‬
‫ْت ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫َأس ُير َك الْبَا ِر َحةَ ؟ " ُقل ُ‬ ‫اللَّ ِه صلَّى اللَّهُ َعلَي ِه وسلَّم ‪ " :‬يا َأبا هريرةَـ ‪ ،‬ما َفعل ِ‬
‫ْ َ َ َ َ َ َُ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫ال ‪ََ " :‬أما ِإنَّهُ قَ ْد َك َذبَ َ‬ ‫ت َسبِيلَهُ ‪ .‬قَ َ‬ ‫اجةً َش ِدي َدةًـ َو ِعيَاال ‪َ ،‬ف َر ِح ْمتُهُ فَ َخلَّْي ُ‬ ‫اللَّه ‪َ ،‬ش َكا َح َ‬
‫ِ‬

‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ِإنَّهُ َسَيعُ ُ‬ ‫ود لَِقو ِل رس ِ ِ‬


‫ص ْدتُهُ‬ ‫ود ‪َ ،‬ف َر َ‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫ت َأنَّهُ َسَيعُ ُ ْ َ ُ‬ ‫ود " ‪َ .‬ف َع َرفْ ُ‬ ‫َو َسَيعُ ُ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪.‬‬ ‫َّك ِإلَى رس ِ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬ ‫َألر َف َعن َ‬
‫ْت ‪ْ :‬‬ ‫اء يَ ْحثُو ِم َن الطَّ َع ِام فَ َ‬
‫َأخ ْذتُهُ ‪َ ،‬ف ُقل ُ‬ ‫فَ َج َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ت َسبِيلَهُ ‪ ،‬فَ ْ‬
‫َأصبَ ْح ُ‬ ‫ود ‪َ .‬ف َر ِح ْمتُهُ فَ َخلَّْي ُ‬‫ال َوال َأعُ ُ‬ ‫اج ‪َ ،‬و َعلَ َّي ِعيَ ٌ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪َ :‬د ْعني فَِإ نِّي ُم ْحتَ ٌ‬ ‫قَ َ‬
‫ْت ‪ :‬يَا‬ ‫َأس ُير َك ؟ " ُقل ُ‬ ‫ول اللَّ ِه صلَّى اللَّهُ َعلَي ِه وسلَّم ‪ " :‬يا َأبا هرير َة ‪ ،‬ما َفعل ِ‬
‫ْ َ َ َ َ َ َُ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ال لِي َر ُس ُ‬ ‫َف َق َـ‬
‫ك‬ ‫ال ‪ََ " :‬أما ِإنَّهُ قَ ْد َك َذبَ َ‬ ‫ت َسبِيلَهُ ‪ .‬قَ َ‬ ‫اجةًـ َش ِدي َدةً َو ِعيَاال ‪َ ،‬ف َر ِح ْمتُهُ َو َخلَّْي ُ‬ ‫رس َ ِ‬
‫ول اللَّه ‪َ ،‬ش َكا َح َ‬ ‫َُ‬
‫ول‬‫َّك ِإلَى ر ُس ِ‬
‫َ‬ ‫َألر َف َعن َ‬
‫ْت ‪ْ :‬‬ ‫َأخ ْذتُهُ ‪َ ،‬ف ُقل ُ‬ ‫اء يَ ْحثُو ِم َن الطَّ َع ِام فَ َ‬ ‫ِ‬
‫ص ْدتُهُ الثَّالثَةَـ ‪ ،‬فَ َج َ‬
‫ود " ‪َ .‬ف َر َ‬ ‫َو َسَيعُ ُ‬
‫الث م َّر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪:‬‬ ‫ود ‪ .‬قَ َ‬ ‫ود ثُ َّم َتعُ ُ‬‫ك َت ْزعُ ُم ال َتعُ َ‬ ‫ات ‪ِ ،‬إنَّ َ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْيه َو َسلَّ َم ‪َ ،‬و َه َذا آخ ُر ثَ َ‬ ‫اللَّه َ‬
‫‪95‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪66‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ك فَاق َْرْأ‬ ‫ت ِإلَى فِر ِ‬
‫اش َـ‬ ‫َ‬ ‫ْت ‪َ :‬ما ِه َي ؟ قَ َ‬
‫ال ‪ِ :‬إ َذا ََأويْ َ‬ ‫ك اللَّهُ بِ َها ‪ُ .‬قل ُ‬ ‫ات َي ْن َفعُ َ‬‫ك َكلِم ٍ‬
‫ُأعلِّ ُم َ َ‬ ‫َد ْعنِي َ‬
‫ِ‬
‫ك لَ ْن‬ ‫وم سورة البقرة آية ‪َ 255‬حتَّى تَ ْختَ َم اآليَةَ ‪ ،‬فَِإ نَّ َ‬ ‫آيَةَ الْ ُك ْرس ِّي اللَّهُ ال ِإلَهَ ِإال ُه َو ال َ‬
‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫ت‪،‬‬ ‫َأصبَ ْح ُ‬ ‫ت َسبِيلَهُ ‪ ،‬فَ ْ‬ ‫صبِ َح ‪ .‬فَ َخلَّْي ُ‬ ‫ك َش ْيطَا ٌن َحتَّى تُ ْ‬ ‫ظ َوال َي ْق َربُ َ‬ ‫ك ِم َن اللَّ ِه َحافِ ٌ‬ ‫ال َعلَْي َ‬ ‫َي َز َ‬
‫ول‬‫ْت ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ول اللَّ ِه صلَّى اللَّهُ َعلَي ِه وسلَّم ‪ " :‬ما َفعل ِ‬
‫َأس ُير َك الْبَا ِر َحةَـ ؟ " ُقل ُ‬ ‫ْ ََ َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫ال لِي َر ُس ُ‬ ‫َف َق َـ‬
‫ال‬
‫ْت ‪ :‬قَ َ‬ ‫ال ‪َ :‬و َما ِه َي ؟ ُقل ُ‬ ‫ت َسبِيلَهُ ‪ .‬قَ َ‬ ‫ات َي ْن َفعُنِي اللَّهُ بِ َها فَ َخلَّْي ُ‬‫اللَّ ِه ‪َ ،‬ز َعم َأنَّهُ يعلِّمنِي َكلِم ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫ك فَاق َْرْأ آيَةَ الْ ُك ْر ِس ِّي ِم ْن ََّأولِ َهاـ َحتَّى تَ ْختِ َم اآليَةَ اللَّهُ ال ِإلَهَ ِإال ُه َو‬ ‫اش َ‬ ‫ت ِإلَى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫لِي ‪ِ :‬إذَا ََأويْ َ‬
‫ك‬
‫ظ ‪َ ،‬وال َي ْق َربُ َ‬ ‫ك ِم َن اللَّ ِه َحافِ ٌ‬ ‫ال َعلَْي َ‬‫ال ‪ :‬لَ ْن َي َز َ‬ ‫وم سورة البقرةـ آية ‪َ 255‬وقَ َ‬ ‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫ال َ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪" :‬‬ ‫ال النَّبِ ُّي َ‬
‫َّاس َعلَى الْ َخ ْي ِر ‪َ .‬ف َق َ‬ ‫ص الن ِ‬ ‫َأح َر َـ‬
‫صبَ َح ‪َ ،‬و َكانُوا ْ‬ ‫َش ْيطَا ٌن َحتَّى تُ ْ‬
‫اطب ِمن ثَ ِ‬
‫الث لَيَ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ْت ‪:‬‬ ‫ال يَا َأبَا ُه َر ْي َر َةـ ؟ " ُقل ُ‬ ‫وب ‪َ ،‬ت ْعلَ ُم َم ْن تُ َخ ُ ْ‬ ‫ك َو ُه َو َك ُذ ٌ‬ ‫ََأما ِإنَّهُ قَ ْد َ‬
‫ص َدقَ َ‬
‫اك َش ْيطَا ُن " ؛ رواه البخاري‪.‬‬ ‫ال ‪َ :‬ذ َ‬ ‫ال ‪ .‬قَ َ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وم ْن أحاطهـ برعايتهـ وحماه وحرسهـ فهو في غاية األمن واألمان‪،‬ـ‬
‫َم ْن حفظه اهلل فلن يضيع‪َ ،‬‬
‫التامات‪،‬ـ ومنها‬
‫وج َواره‪ .‬حين تلجأ إلى اهلل وتتلو آياته وكلماته َّ‬ ‫ِ‬
‫وعياذه ِ‬
‫تلك هي عناية اهلل َ‬
‫هذه اآليةـ ‪ -‬آية الكرسي ‪ -‬سيدة آي القرآن‪ ،‬وأعظم آية في كتاب اهلل‪.‬‬

‫صلَّى اهلل عليه َو َسلَّم ‪ " :-‬يَا َأبَا‬ ‫ضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ -‬‬ ‫عن ُأبَ ّي بن كعب ‪َ -‬ر َ‬
‫ْت ‪ :‬اللَّهُ َو َر ُسولُهُ َأ ْعلَ ُم ‪،‬‬
‫ك َأ ْعظَ ُم ؟ " ُقل ُ‬ ‫َأي آيٍَة ِم ْن كِتَ ِ‬
‫اب اللَّ ِه ‪َ -‬ت َعالَى ‪َ -‬م َع َـ‬ ‫ال ُْم ْن ِذ ِر َأتَ ْد ِري ُّ‬
‫ْت ‪ :‬اللَّهُ اَل‬
‫ك َأ ْعظَ ُم ؟ " ُقل ُ‬ ‫َأي آيٍَة ِم ْن كِتَ ِ‬
‫اب اللَّ ِه ‪َ -‬ت َعالَىـ ‪َ -‬م َع َ‬ ‫ال ‪ " :‬يَا َأبَا ال ُْم ْن ِذ ِر َأتَ ْد ِري ُّ‬ ‫قَ َ‬
‫ْم يَا َأبَا ال ُْم ْن ِذ ِر " ؛ رواه‬ ‫ال ‪ :‬لِي ْهنِ َ ِ‬ ‫ضر ِ‬
‫ك الْعل ُ‬ ‫ص ْد ِري َوقَ َ َ‬ ‫ب في َ‬ ‫ال ‪ :‬فَ َ َ َ‬ ‫وم ‪ ،‬قَ َ‬‫ِإلَهَ ِإاَّل ُه َو احْلَ ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫مسلم‪.‬‬

‫آية الكرسي‪:‬ـ‬
‫صلَّى اهلل عليه َو َسلَّم ‪ -‬زي ًدا فكتبها‪ ،‬تواترت النصوص‬
‫آية شريفةـ نزلت ليالً‪ ،‬ودعا النبي ‪َ -‬‬
‫واآلثارـ على فضلها‪ ،‬وفضل قراءتها في الصباح والمساء وقبل النوم وبعد الصلوات‪،‬‬
‫‪67‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫والربوبيَّةـ واألسماء والصفات‪،‬ـ تَ َك َّر َر فيها اسم اهلل تعالىـ بين‬


‫اشتملت على توحيد اإللهيَّةـ ُّ‬
‫العلَم األعظم الجامع لكل معانيـ األسماء‬ ‫مجمل وظاهر ثماني عشرة َم َّرة‪ ،‬افتُتِ َح ْ‬
‫ت باسمـ اهلل‪َ ،‬‬
‫الحسنى‪.‬‬

‫مجازا وال معنى‪.‬ـ‬ ‫﴿ اللَّهُ‪ : ﴾...‬اسم ٌّ‬


‫دال على اهلل وحده‪ ،‬ال ينصرف لغيره ً‬ ‫ٌ‬

‫﴿ اَل ِإلَهَ ِإاَّل ُه َو‪ :﴾...‬كلمة التوحيد الخالصة؛ فهو المألوه المحبوب سبحانه‪ ،‬وهو الوحيد‬
‫بحق إال اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المستح ّق للعبادة‪ ،‬فال معبود ٍّ‬

‫وهذا التوحيد الخالص هو القاعدةـ التي يقوم عليها منهج اإلسالم؛ فال عبادة إالَّ هلل‪ ،‬وال‬
‫طاعة مطلقة إالَّ له سبحانه‪ ،‬ومنه التشريع‪ ،‬وله الحكم‪ ،‬وله االستسالم في كل القضاياـ‬
‫لقيمة من قِيَم الحياة إذا لم تُقبل في ميزان اهلل‪.‬‬
‫والتصورات‪ ،‬وال اعتبار ٍ‬
‫ُّ‬

‫َّامةـ الكاملة‪،‬ـ التي ليس لها ابتداء وال انتهاء‪ُ ﴿ :‬ه َو‬ ‫ْح ُّي‪ : ﴾...‬فاهلل تعالىـ له الحياة الت َّ‬ ‫﴿ ال َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم (‪. 96﴾ )3‬‬ ‫اَأْلو ُـل َواآْل َخ ُر َوالظَّاه ُـر َوالْبَاط ُن َو ُه َو ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫َّ‬
‫س‬
‫اَأْلو ُل َفلَْي َ‬
‫ت َّ‬ ‫الله َّم َأنْ َ‬
‫وفي "صحيح مسلم" من رواية جرير‪،‬ـ عن سهل عن أبي صالح‪ُ " :‬‬
‫س َب ْع َدك َش ْيءٌ‪ " ..‬الحديث‪ ،‬وكان يرويه عن أبي هريرة ‪-‬‬ ‫َقبلَك َشيء وَأنْ َ ِ‬
‫ت اآْل خ ُـر َفلَْي َ‬ ‫ٌْ َ‬ ‫ْ‬
‫صلَّى اهلل عليه َو َسلَّم‪.‬‬ ‫رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النَّبي ‪َ -‬‬
‫وت (‪. 97﴾ )58‬‬ ‫ْح ِّي الَّ ِذيـ اَل يَ ُم ُ‬
‫فالحياة أزالً وأب ًداـ هلل تعالى‪َ ﴿ :‬وَت َو َّك ْل َعلَى ال َ‬

‫وم‪ : ﴾...‬القائمـ بنفسه سبحانه‪ ،‬ال يحتاج لغيره‪ ،‬ويقوم به كل موجود؛ فكل مخلوق‬
‫﴿ الْ َقيُّ ُ‬
‫ال يقوم إال باهلل‪ ،‬وهو سبحانه القائمـ على كل شيء‪ ،‬ال يحول وال يزول‪ ،‬قامت به السماوات‬
‫من البدء واإليجاد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫من المخلوقات‪ ،‬فالكل ُمفتَق ٌر إلى اهلل في كل شيء؛ َ‬
‫واألرض وما فيها َ‬
‫‪96‬‬

‫‪97‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪68‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫التامة‪،‬ـ وإذا آمن‬


‫والحفظ واإلمداد‪،‬ـ وفي كل حال‪،‬ـ واهلل سبحانه هو الغنيـ وله القيُّوميَّة َّ‬
‫َأسلَ َم أمره هلل‪ ،‬والتزم في حياته‬ ‫بذلك‪،‬ـ وعلم َّ‬
‫أن التدبيرـ والتَّصريف هلل سبحانه ‪ْ -‬‬ ‫المسلم َ‬
‫بالمنهج المرسوم القائمـ على الحكمة والتدبير‪،‬ـ يستمد منه ِقيَ َمه وموازينه‪ ،‬وال يعا ِرض أمره‬
‫وشرعه‪.‬‬

‫وصفة الحياة والقيُّوميَّة تستلزم كل صفات الكمال والجالل هلل وحده تعالى‪،‬ـ ومن هنا قال‬
‫وم ﴾‪" :‬هو اسم اهلل األعظم‪ ،‬الذي إذا ُد ِع َي به أجاب‪ ،‬وإذا‬
‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬ ‫ِّ‬
‫المحققين إن ﴿ ال َ‬ ‫بعض‬
‫ُسئل به أعطى"؛ كما ورد في "السنن"‪ ،‬وعند اإلمام أحمد‪.‬‬

‫ولتمام الحياة والقيُّوميَّة فإنه‪:‬‬


‫﴿ اَل تَْأ ُخ ُذهُ ِسنَةٌ َواَل َن ْو ٌم‪ِّ : ﴾ ...‬‬
‫والسنَة‪ :‬هي النُّعاس‪،‬ـ وقيل‪ :‬بل هو بدء النعاس‪،‬ـ وهو الفتور‬
‫المخلوقين‪ ،‬وقد َتَن َّزه عنها‬
‫َ‬ ‫نقص تَعتَ ِري‬
‫سل كلها صفات ٍ‬ ‫والكسل‪،‬ـ والنَّوم والنُّعاس وال َك َ‬
‫جل في عُاله‪.‬‬
‫الخالق َّ‬

‫شريك له وال منازع‪ ،‬يعطي‬


‫َـ‬ ‫فالملك كله هلل‪ ،‬ال‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ لَهُ َما فِي َّ‬
‫ض‪ُ :﴾...‬‬ ‫الس َم َاوات َو َما في ْ‬
‫ويمنع‪ ،‬ويخفض ويرفع‪ ،‬كل األكوان له خاضعة‪ ،‬والخالئق له ذليلة خاشعة‪،‬ـ السماوات‬
‫واألفالك‪ ،‬واألرض واألمالك‪ ،‬والمالئكة الكرام‪،‬ـ واإلنس والجا ّن‪ ،‬والطير والحيوان‪ ،‬وكل‬
‫تعج به األكوان‪ ،‬كله هلل وحده‪ ،‬له الملك وال َخلْق والتَّدبير"‪.‬‬
‫ما ُّ‬

‫ف فيه ليعمل‬
‫من اهلل مستخلَ ٌ‬
‫كل ما في يده عطاءٌ َ‬
‫أن َّ‬‫أدرك َّ‬
‫وإذا علم اإلنسان هذه الحقيقة؛ َ‬
‫َّص ُّرفات‪ ،‬وإن ذلك من حقيقة التوحيد‪ ،‬كما أن‬
‫ضوع هلل في كل الت َ‬ ‫بأمر اهلل‪ ،‬فال بُ َّد َ‬
‫من ال ُخ ُ‬
‫استقرار هذه الحقيقة في الضمير‪ ،‬واستشعار الملكية الحقيقية هلل‪ ،‬وأن ما في يد اإلنسانـ‬
‫كفيل بأن يطامن من َّ‬ ‫ٍ‬
‫حدة‬ ‫عارية مؤقتة ال تلبث أن تُ ْسَت َر َّد بموت أو افتقار ‪ -‬إن ذلك كله ٌ‬
‫الش َره والطمع ُّ‬
‫والش ِّح والحرص والتكالب المسؤول على ُحطَام الدنيا وفتاتها‪.‬‬ ‫َّ‬

‫‪69‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الرزق‪ ،‬واليقين بما عند‬


‫من ِّ‬
‫كفيل بأن يسكب في النفس القناعة والرضا بما يحصل َ‬
‫كما أنه ٌ‬
‫اهلل‪ ،‬والثقة بوعده ونصره ورزقه وحفظه؛ ألنه اهلل الذيـ له ما في السماواتـ وما في األرض‪.‬‬

‫مقرب‪،‬ـ وال نبي ُم ْر َسل‪ ،‬كلهم عبي ٌد هلل‪،‬‬ ‫﴿ َم ْن ذَا الَّ ِذي يَ ْش َف ُع ِع ْن َدهُ ِإاَّل بِِإ ْذنِِه‪ : ﴾...‬ال َملَك َّ‬
‫فمقام العبوديَّةـ ال يتطاول لمقام األلوهيَّة‪،‬ـ ومهما كان حال الرسلـ واألنبياء والصالحين‬
‫واألولياء فإن الشفاعةـ ال تكون إالَّ بإذن اهلل‪ ،‬ولمن رضي اهلل‪َ ﴿ :‬واَل يَ ْش َفعُو َن ِإاَّل لِ َم ِن‬
‫ضى َو ُه ْم ِم ْن َخ ْشيَتِ ِه ُم ْش ِف ُقو َن (‪. 98﴾ )28‬‬
‫ْارتَ َ‬

‫الموحدين‪ ،‬عن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬ ‫ِّ‬ ‫معلوم؛ لكنَّه للمؤمنين‬ ‫ٌ‬ ‫ثابت‬
‫إن أصل الشفاعةـ ٌ‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬لِ ُك ِّل نَبِ ٍّي َد ْع َوةٌ ُم ْستَ َجابَةٌ ‪َ ،‬فَت َع َّج َل ُك ُّل‬
‫اء اللَّهُ ‪َ ،‬م ْن‬ ‫ِئ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اعةً َّ ِ‬
‫ْأت َد ْع َوتِي َش َف َ‬
‫نَبِ ٍّي َد ْع َوتَهُ ‪َ ،‬وِإنِّي ا ْختَبَ ُـ‬
‫ُأِلمتي َي ْو َم الْقيَ َامة ‪ ،‬فَ ِه َي نَا لَةٌ ِإ ْن َش َ‬
‫ات ِم ْن َُّأمتِي اَل يُ ْش ِر ُك بِاللَّ ِه َش ْيًئا " ؛ رواه مسلم‪ ،‬وأخرجهـ البخاري‪.‬‬ ‫َم َ‬

‫عز وجل ‪َ ﴿ :-‬و َي ْعبُ ُدو َن ِم ْن‬ ‫ضل السبيل‪ ،‬قال اهلل ‪َّ -‬‬ ‫توسل إلى الشفاعة بالشرك فقد َّ‬ ‫فمن َّ‬ ‫َ‬
‫ض ُّر ُه ْم َواَل َي ْن َفعُ ُه ْم َو َي ُقولُو َن َهُؤ اَل ِء ُش َف َعاُؤ نَا ِع ْن َد اللَّ ِه قُ ْل َأُتنَبُِّئو َن اللَّهَ بِ َما اَل‬
‫ون اللَّ ِه َما اَل يَ ُ‬
‫ُد ِ‬
‫ض ُس ْب َحانَهُ َوَت َعالَى َع َّما يُ ْش ِر ُكو َن (‪. 99﴾ )18‬‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي ْعلَ ُم فِي َّ‬
‫الس َم َاو ِـ‬
‫ات َواَل في ْ‬

‫الملْك وحده؛ فال شفاعة‬


‫ومن هنا تظهر مناسبة ذكر الشفاعةـ في مقام التوحيد‪ ،‬وبعد تقريرـ ُ‬
‫موح ًدا بعي ًدا عن الشرك صغيره وكبيره‪.‬‬ ‫إالَّ بإذنه‪َ ،‬‬
‫ولم ْن رضي عنه‪ ،‬وكان ِّ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ثم ذكر اهلل تعالى في هذه اآلية العظيمة ِعل َْمه المحيط بكل شيء‪...‬‬

‫‪98‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪99‬‬
‫سورة يونس‬
‫‪70‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫﴿ َي ْعلَ ُم َما َب ْي َن َأيْدي ِه ْـم َو َما َخ ْل َف ُه ْم‪ :﴾...‬إنه العلم التام بكل دقائق األمور وتفصيالتها‪ٌ ،‬‬
‫عالم‬
‫من الماضي والحاضر‬ ‫من الدنيا واآلخرة‪َ ،‬‬ ‫بكل أحوال الناس مما بين أيديهم وما خلفهم‪َ ،‬‬
‫الس َّر َوَأ ْخ َفى‬ ‫‪100‬‬
‫ور (‪َ ﴿ ، ﴾ )19‬ي ْعلَ ُم ِّ‬ ‫الص ُد ُ‬‫والمستقبل‪َ ﴿ :‬ي ْعلَ ُم َخاِئنَةَـ اَأْل ْعيُ ِن َو َما تُ ْخ ِفي ُّ‬
‫ط ِم ْن َو َرقَ ٍة ِإاَّل َي ْعلَ ُم َها َواَل َحبَّ ٍة ِفي‬
‫(‪َ ﴿ ، 101﴾ )7‬و َي ْعلَ ُم َما فِي الَْب ِّر َوالْبَ ْح ِر َو َما تَ ْس ُق ُ‬
‫اب ُمبِي ٍن (‪. 102﴾ )59‬‬ ‫س ِإاَّل فِي كِتَ ٍ‬ ‫ْب َواَل يَابِ ٍ‬ ‫ض َواَل َرط ٍ‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬
‫ظُلُ َمات ْ‬

‫السر والنَّجوى؛ ألنه‬


‫بذلك يبعث على التَّقوى‪ ،‬ويحدو بالمؤمن أن يخشى اهلل في ِّ‬ ‫َّ‬
‫إن اإليما َن َ‬
‫سبحانه ال تخفى عليه خافية‪ ،‬يعلم ويطَّلع ويحصي‪ ،‬ثم يحاسب ويجزي‪ ،‬فأين المهرب وأين‬
‫المفر وأنت في ُملْك اهلل‪ ،‬وتحت قهره وسلطانه وعلمه وقدرته‪ ،‬وال شفاعة إالَّ بإذنه‬
‫ّ‬
‫ورضاه؟!‬

‫باعث على كمال اإليمان والتوحيد‪ ،‬وااللتزام باألمر والنهي‪،‬ـ وطاعة اهلل ًّ‬
‫حقا‪.‬‬ ‫إن ذلك ٌ‬

‫التام المطلَق؛ فإن ال َخلْق ال يحيطون بهذا العلم‪ ،‬وال يدركون منه إال ما َِأذ َن‬
‫ومع علم اهلل ِّ‬
‫سبحانه‪.‬‬

‫﴿ واَل يُ ِحيطُو َن بِ َ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ش ْيء م ْن علْمه ِإاَّل ب َما َش َ‬
‫اء‪ : ﴾ ...‬إن اهلل تعالىـ أعطى اإلنسان شيًئا قليالً‬ ‫َ‬
‫أسرارا أخرى‪ ،‬ومهما ترقَّى اإلنسان في‬
‫ً‬ ‫من الكون؛ لكنه له‬ ‫أسراراـ َ‬‫ً‬ ‫من المعرفة‪ ،‬وكشف له‬
‫يسيرا في علم اهلل‪ ،‬لم َيَنلْهُ اإلنسان أصالً إالَّ‬
‫جانب العلم والمعرفة ‪ -‬فإن ذلك ال يعدو شيًئا ً‬
‫بإذن اهلل‪.‬‬

‫َأج َل نفسه‪،‬ـ ومع ذلك قد يُفتن‬ ‫من الظواهر‪ ،‬حتى َّ‬


‫إن اإلنسان ال يعلم َ‬ ‫وال زالت الخفاياـ أكثر َ‬

‫‪100‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪101‬‬
‫سورة طه‬
‫‪102‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪71‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إلها‪ ،‬ويكفر‬ ‫حصله؛ فيحسب نفسه في األرض ً‬ ‫من العلم الذي َّ‬ ‫اإلنسانـ بذلك الطرف َ‬
‫َأن اللَّهَ الَّ ِذي َخلَ َق ُه ْم ُه َو َأ َش ُّد ِم ْن ُه ْم‬
‫ويتَ َجبَّر‪ ،‬ويقول‪َ ﴿ :‬م ْن َأ َش ُّد ِمنَّا ُق َّوةً ﴾ ‪ََ ﴿ ،‬أولَ ْم َي َر ْوا َّ‬
‫َ‬
‫ُق َّوةً (‪. 103﴾ )15‬‬

‫يا هلل‪ ،‬ما أعظم هذه اآلية‪،‬ـ وما أجلها‪،‬ـ وما أسمى مراميها‪،‬ـ وما أغزر معانيها!!‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وم اَل تَْأ ُخ ُذهُ ِسنَةٌ َواَل َن ْو ٌم لَهُ َما فِي َّ‬
‫ض‬‫اَأْلر ِ‬
‫الس َم َاوات َو َما في ْ‬ ‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬‫﴿ اللَّهُ اَل ِإلَهَ ِإاَّل ُه َو ال َ‬
‫ش ْي ٍء ِم ْن‬
‫َم ْن َذا الَّ ِذي يَ ْش َف ُع ِع ْن َدهُ ِإاَّل بِِإ ْذنِِه َي ْعلَ ُم َما َب ْي َن َأيْ ِدي ِه ْـم َو َما َخ ْل َف ُه ْـم َواَل يُ ِحيطُو َن بِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات واَأْلرض واَل يُؤ ِ‬ ‫اء َو ِس َع ُك ْر ِسيُّهُ َّ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫يم (‬
‫ودهُ ح ْفظُ ُه َما َو ُه َو ال َْعل ُّي ال َْعظ ُ‬‫الس َم َاو ِ َ ْ َ َ َ ُ‬ ‫علْمه ِإاَّل ب َما َش َ‬
‫‪.104﴾ )255‬‬

‫بار َك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنَّة‪،‬ـ ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة‪.‬‬
‫َ‬

‫أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫دائما يتوالى‪ ،‬أحمده تعالى وأشكره‪ ،‬وأثني عليه وأستغفره؛ـ إخباتًا له‬
‫الحمد هلل حم ًدا ً‬
‫وإجالالً‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬صلَّى‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫وم ْن تَبِ َعهم‬
‫اهلل وسلم وبارك عليه‪ ،‬وعلى آله وصحبه والتَّابعين‪َ ،‬‬

‫‪ ‬أما بعد؛ أيها المسلمون‪:‬‬

‫‪103‬‬
‫سورة فصلت‬
‫‪104‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪72‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫تنبيها لعظمته‬
‫ففي ختام هذه اآليةـ العظيمة ‪ -‬ذَ َك َر اهلل تعالىـ َخ ْل ًقا من أعظم مخلوقاته؛ ً‬
‫وجالله‪:‬‬
‫ض‪ ﴾ ...‬أي‪ :‬شمل وأحاطـ كرسيُّه ‪ -‬والكرسي‪ :‬هو‬
‫اَأْلر َ‬
‫ات َو ْ‬ ‫﴿ َو ِس َع ُك ْر ِسيُّهُ َّ‬
‫الس َم َاو ِـ‬
‫صحت بذلكـ‬
‫جل َو َعال ‪ -‬وهو بين يَ َدي العرشـ كالمقدمةـ له‪ ،‬كما َّ‬
‫الرب ََّ‬
‫موضع قَ َد َمي ِّ‬
‫الن ُقول"‪.‬‬
‫ُّ‬
‫عظيم بين يَ َدي العرش‪،‬ـ‬ ‫قال القاضي‪" :‬والذيـ تقتضيه األحاديث‪َّ :‬‬
‫أن ال ُكرسيـ مخلو ٌق ٌ‬
‫والعرشـ أعظم منه"‪.‬‬
‫صلَّى اهلل عليه َو َسلَّم ‪ -‬قال‪" :‬‬ ‫أن النَّبي ‪َ -‬‬ ‫بإسناد صحيح‪َّ ،‬‬ ‫ٍـ‬ ‫وقد أخرج البَ َيهقيـ وابن أبي شيبة‬
‫الس ْب ُع ِع ْن َد الْ ُك ْر ِس ِّي ِإاَّل َك َح ْل َق ٍة ُم ْل َق ٍاة بِ َْأر ٍ‬
‫ض فَاَل ٍة ‪َ ،‬وِإ َّن‬ ‫ضو َن َّ‬ ‫اَأْلر ُ‬
‫الس ْب ُع َو َ‬‫ات َّ‬ ‫الس َم َاو ُـ‬
‫ِ َما َّ‬
‫ْح ْل َق ِة " ‪.‬‬
‫ْك ال َ‬ ‫ض ِل الْفَاَل ِة َعلَى تِل َ‬ ‫ش َعلَى الْ ُك ْر ِس ِّي َك َف ْ‬
‫ض َل ال َْع ْر ِـ‬
‫فَ ْ‬
‫وأن الكرسي قد َو ِس َع السماواتـ واألرض‪،‬‬ ‫ذلك دليالً على عظمة األكوان واتِّساعها‪،‬ـ َّ‬ ‫إن في َ‬ ‫َّ‬
‫جل في عاله؟!!‬ ‫والمتصرف فيها ‪َّ -‬‬ ‫ِّ‬ ‫وأنه أعظم َخ ْل ًقا منها‪ ،‬فكيف باهلل خالِقهاـ‬

‫ومع كل هذه العظمة فإنَّه‪:‬‬


‫َّ‬
‫والمشقة؛ لكنه‬ ‫واَألود‪ :‬هو الجهد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ واَل يُؤ ِ‬
‫ودهُ ح ْفظُ ُه َما‪ :﴾ ...‬أي‪ :‬ال ُيثْقلُه وال ُي ْعج ُزه‪ْ ،‬‬
‫َ َ ُ‬
‫يشق عليه حفظ هذه العوالمـ الهائلة‪،‬ـ وال يثقله حفظ السماواتـ‬ ‫اهلل تعالى ال يثقله ذلك وال ُّ‬
‫محتاج‬ ‫شيء حقير بين يديه‪ ،‬متواضع ذليل بالنسبةـ إليه‪ ،‬كل ٍ‬
‫شيء‬ ‫كل ٍ‬ ‫وم ْن فيها‪ُّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫واألرض َ‬
‫إليه‪.‬‬

‫ومما يشمله الحفظ‪ :‬حفظه لجميع خلقه بهدايتهم‪،‬ـ وتيسيرهمـ لمصالحهم وأمور معاشهم‪،‬ـ‬
‫ٍ‬
‫بحفظ‬ ‫ويخص عباده الصالحين‬ ‫ودفع ما يضرهم‪ ،‬فهو الذي يحفظ جميع َخل ِْقه بنِ َعمه‪،‬‬
‫ّ‬
‫خاص‪ ،‬فيدفع عنهم ما يضرهم في دينهمـ ودنياهم‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫صلَّى اهلل عليه َو َسلَّم ‪ -‬قال له‪" :‬‬
‫أن النَّبي ‪َ -‬‬‫وفي حديث ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪َّ -‬‬
‫اح َف ِظ اللَّهَ يَ ْح َفظ َ‬
‫ْك " ‪.‬‬ ‫ْ‬

‫‪73‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وعلو‬
‫الذات‪ ،‬وعلو ال َق ْدر‪،‬ـ ُّ‬ ‫علو َّ‬
‫العلو بكل معانيهـ السامية‪ُّ ،‬‬
‫يم‪ : ﴾ ...‬إنه ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َو ُه َو ال َْعل ُّي ال َْعظ ُ‬
‫ص ُير (‪.105﴾ )11‬‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫س َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ‬
‫القهر‪ ،‬وعلو األسماء والصفات‪ ﴿ :‬لَْي َ‬

‫المتفرد بالعظمة‪ ،‬وما يتطاول أح ٌد من العبيدـ إلىـ هذا‬ ‫ِّ‬ ‫بالعلو المطلَق‪،‬‬
‫المتفرد ِّ‬
‫ِّ‬ ‫إن اهلل تعالى هو‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الحط والذلة‪ ،‬والهوان والقلة‪ ﴿ :‬تِل َ‬
‫الد ُار اآْل َخ َرةُ نَ ْج َعلُ َها للَّذ َ‬
‫ين اَل‬ ‫ْك َّ‬ ‫ويرده اهلل إلى ِّ‬
‫المقام إال ّ‬
‫ِ‬
‫ادا (‪ .106﴾ )83‬وقد أهلكـ اهلل فرعون ألنه كان عاليًا‬ ‫سً‬‫ض َواَل فَ َ‬ ‫يُ ِري ُدو َن ُعلُ ًّوا في ْ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫متعاليًا‪.‬ـ‬

‫ترده إلى التواضع والخشوع هلل‪ ،‬واألدبـ مع المولى‬


‫إن استشعارـ المؤمن لعظمة اهلل وعليائه ّ‬
‫وسلوك توحيه‬
‫ٌ‬ ‫وعمل‬
‫ٌ‬ ‫وتصو ٌر‪،‬‬
‫من االستكبار على عباد اهلل‪ ،‬إنه اعتقا ٌد ُّ‬
‫والتحرج َ‬
‫ُّ‬ ‫العظيم‪،‬‬
‫هاتان الصفتان الكريمتان‪ ،‬والتي ختمت بها أعظم آية في القرآن ‪ -‬آية الكرسيـ ‪ -‬أسبغ اهلل‬
‫ممن يتلوها َّ‬
‫حق تالوتها‪.‬‬ ‫علينا من بركتها‪ ،‬وجعلنا َّ‬

‫الم ْس َداة‪،‬ـ محمد بن عبداهلل ‪ -‬رسول اهلل‬


‫المهداة‪ ،‬والنعمة ُ‬ ‫ثم صلُّوا وسلِّموا على َّ‬
‫الرحمة ُ‬
‫وخاتم أنبيائه‪.‬ـ‬
‫وم ْن‬
‫والتابعين‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ورسولك محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫َ‬ ‫صل وسلِّم وبارك على َ‬
‫عبدك‬ ‫الله َّم ِّ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫تبعهم‬

‫ودمر أعداء الدين‪ ،‬واجعلـ هذا‬


‫والمشركين‪ِّ ،‬‬ ‫الشرك‬ ‫أعز اإلسالم والمسلمين‪َّ ،‬‬
‫وأذل ِّ‬ ‫اللهم َّ‬
‫َ‬
‫البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫داك‪،‬ـ واجعلـ‬ ‫الله َّم وفِّق َّ‬


‫ولي أمرناـ ُله َ‬ ‫اللهم آمنا في أوطاننا‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا‪ُ ،‬‬
‫الله َّم وفقه ونائبه وإخوانهم‬
‫السوء‪ُ ،‬‬
‫رضاك‪ ،‬اللهم أصلح بطانته‪ ،‬واصرف عنه بطانةـ ُّ‬
‫َ‬ ‫عمله في‬

‫‪105‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪106‬‬
‫سورة القصص‬
‫‪74‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأعوانهمـ لما فيه صالح العباد والبالد‪.‬‬

‫الله َّم أصلح أحوالـ المسلمين‪ ،‬اللهم أصلح أحوال المسلمين في فِلَسطين وفي كل مكان‪،‬‬
‫ُ‬
‫وَأر ِخص أسعارهم‪ ،‬واجمع كلمتهم على الحق والهدىـ يا‬
‫اللهم احقنـ دماءهم‪ ،‬وأظ ِهر أمنهم‪،‬ـ ْ‬
‫رب العالمين‪.‬ـ‬

‫المجاهدين في فِلَسطين‪ ،‬وفي كل مكان يا رب العالمين‪،‬ـ اللهم انصر َ‬


‫دينك‬ ‫َ‬ ‫انصر‬
‫اللهم ُ‬
‫الله َّم قاتل ال َك َفرة والمشركين‪ ،‬الذين يصدون عن‬
‫ك وعبادك المؤمنين‪ُ ،‬‬
‫وكتابك وسنَّة نبيِّ َ‬
‫َ‬
‫دينك ويعادون أولياءك‪.‬‬ ‫َ‬

‫من المسلمين‪ِّ ،‬‬


‫ونفث كرب المكروبين‪،‬ـ َّ‬
‫وفك أسر المأسورين‪،‬‬ ‫هم المهمومين َ‬‫فرج َّ‬
‫الله َّم ِّ‬
‫ُ‬
‫برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين‪.‬‬
‫َـ‬ ‫ِ‬
‫واشف‬ ‫المدينين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واقض َّ‬
‫الديْنـ عن َ‬
‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة‪ ،‬وفي اآلخرةـ حسنة‪ ،‬وقنا عذاب النار‪.‬‬

‫من الخاسرين‪.‬ـ‬
‫ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن َ‬

‫ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهمـ وذرياتهمـ ولجميع المسلمين‪.‬‬

‫يرضيك آمالنا‪.‬‬
‫َ‬ ‫وبلِّغنا فيما‬
‫سر أمورنا‪َ ،‬‬
‫اللهم اغفر ذنوبنا‪ ،‬واستر عيوبنا‪ ،‬ويَ ِّ‬

‫الرحيم‪ ،‬واختم لنا بخير‪،‬‬


‫َّواب َّ‬
‫أنت الت َّ‬
‫ك َ‬ ‫ب علينا إنَّ َ‬
‫السميع العليم‪ ،‬وتُ ْ‬
‫أنت َّ‬
‫ك َ‬‫ربنا تقبَّل منَّا إنَّ َـ‬
‫وظاهرا وباطنًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وآخرا‪،‬‬
‫واجعلـ عواقبنا إلى خير‪ ،‬والحم ُد هلل أوالً ً‬

‫‪75‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ِّين ِعن َد اللّ ِه اِإل ْسالَ ُم ﴾‬


‫عنوان الخطبة ‪ِ ﴿ :‬إ َّن الد َـ‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس عشر من رجب من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫ِّين ِعن َد اللّ ِه اِإل ْسالَ ُم ‪-‬‬


‫‪ِ -‬إ َّن الد َ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫‪76‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫ُّور ثُ َّم الذ َ‬
‫ِ‬
‫ض َو َج َع َل الظُّلُ َمات َوالن َ‬ ‫اَألر َ‬
‫ات َو ْ‬ ‫ْح ْم ُد لِلّ ِه الَّ ِذي َخلَ َق َّ‬
‫الس َم َاو ِـ‬ ‫الحمد هلل ‪ ﴿ ،‬ال َ‬
‫سمى ِعن َدهُ ثُ َّم‬ ‫َأج ٌلـ ُّم ًّ‬
‫َأجالً َو َ‬‫ضى َ‬ ‫َك َف ُرواْ بَِربِّ ِهم َي ْع ِدلُو َن (‪ُ )1‬ه َو الَّ ِذي َخلَ َق ُكم ِّمن ِطي ٍن ثُ َّم قَ َ‬
‫هر ُك ْـم َو َي ْعلَ ُم َما‬ ‫ِ‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َأنتُ ْم تَ ْمَت ُرو َن (‪َ )2‬و ُه َو اللّهُ ِفي َّ‬
‫ض َي ْعلَ ُم س َّر ُك ْم َو َج َ‬ ‫الس َم َاوات َوفي ْ‬
‫‪107‬‬
‫تَ ْك ِسبُو َن (‪﴾ )3‬‬

‫ْح ْم ُد ِفي‬
‫أحمد ربي تعالى وأشكره ‪ ،‬وأثني عليه وأستغفره ﴿ َو ُه َو اللَّهُ اَل ِإلَهَ ِإاَّل ُه َو لَهُ ال َ‬
‫ْح ْك ُم َوِإلَْي ِه ُت ْر َجعُو َن ﴾ وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫اُأْلولَىـ َواآْل خ َرةـ َولَهُ ال ُ‬
‫وأشهدـ أن محمداً عبده ورسوله – صلى اهلل و سلم ‪ -‬وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫والتابعين ومن تبعهمـ بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬

‫آمنُواْ َّات ُقواْ‬ ‫فاتقوا اهلل حق التقوى ‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعروة الوثقىـ ﴿ يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬
‫اللّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوَأنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن ﴾‬

‫عباد اهلل ‪:‬‬


‫إن اهلل تعالىـ أوجد الناس وذرأهم ‪ ،‬وهيء لهم ما يعمرون به الكون ‪ ،‬يقول المولى جل َّ‬
‫ض َج ِميعاً ﴾ وضمن نسلهم وبقاءهمـ ‪ ،‬فهم جيل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعال ﴿ ُه َو الَّذيـ َخلَ َق لَ ُكم َّما في ْ‬
‫اَألر ِ‬
‫يخلف جيال ‪ ،‬وأمة تقفوا أمة ‪ ،‬وحضارة تلي أخرى ‪ ،‬يقول المولى جل َّ وعال ﴿ ثُ َّم‬
‫ض ِمن َب ْع ِد ِهم لِنَنظَُر َك ْي َ‬
‫ف َت ْع َملُو َن ﴾‬ ‫اَألر ِ‬
‫ف في ْ‬
‫جعلْنَا ُكم َخالَِئ َ ِ‬
‫ََ ْ‬
‫شعوب وأمم ‪ ،‬وأعراق واجناس ‪ ،‬ولغات وطباع ‪ ،‬وأديانـ ومذاهبـ ‪ ،‬نسبها في الميالد‬
‫آدم ‪ ،‬وأصلها في التدين التوحيد ‪ ،‬ولما خبت أنوار النبوة في حين من الدهرـ ‪ ،‬وضعف‬
‫استمداد الناس من الوحيـ في فترات من التاريخ ‪ ،‬وتفرق الناس وأصبح كل حزبـ بما‬
‫‪107‬‬
‫سورة األنعام‬

‫‪77‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫لديهمـ فرحون ‪ ،‬يقول المولى جل َّ وعال ﴿ وما َكا َن النَّاس ِإالَّ َُّأمةً و ِ‬
‫اح َد ًة فَا ْخَتلَ ُفواْ َولَ ْوالَ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫يما ِف ِيه يَ ْختَلِ ُفو َن ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ت ِمن َّربِّ َ ِ‬
‫َكلِ َمةٌ َسَب َق ْ‬
‫ك لَ ُقض َي َب ْيَن ُه ْم ف َ‬

‫فنشأ أتباع كل أمة على ما ورثوا وقالوا ﴿ ِإنَّا َو َج ْدنَاـ آبَاءنَا َعلَى َُّأم ٍة َوِإنَّا َعلَى آثَا ِر ِهم‬
‫ُّم ْهتَ ُدو َن ﴾‬

‫فعميت أبصارهمـ على ما أنعمـ اهلل به على هذا الكون من وحي وهدايات ‪ ،‬ونبوات ورساالت‬
‫‪ ،‬تنير للسالكين دروب الحياة ‪ ،‬وتضمن للمهتدين الفوز والنجاة ‪ ،‬بل إن انغالقهم عن فهم‬
‫دين تنطق أنواره بصدقه ‪ ،‬وتشهد بقاياـ دينهمـ بعدله قد حرم امتداداً طبيعياً ‪ ،‬وتجديداً إلهياً‬
‫لشريعتهم ‪ ،‬يحمل شعلته نبي قد بشر به نبيهم ‪ ،‬ورسول توميء إليه كتبهم وذلك أن اهلل‬
‫تعالى لما كان هو وحده المستحق للعبادة فقد أوجد فطرة التدين في نفوس خلقه ‪ ،‬وبعث‬
‫إليهم أنبياء ورسل بعقيدةـ واحدة وهي التوحيد ‪ ،‬وشرائع شتى في المعامالتـ واألحكامـ كما‬
‫ت َُّأمها ُتهم َشتَّى و ِدينهم و ِ‬
‫اح ٌد "‬ ‫في الحديث المتفق عليه " اَأْلنْبِياء ِإ ْخوةٌ لِعاَّل ٍ‬
‫َ ُُ ْ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َُ َ َ‬

‫فإن غبر الدهرـ على وحي ذلكـ النبي ‪ ،‬وخفتت أنوار نبوته في نفوس المتأخرينـ من اتباعه‬

‫كلما َبعُ َد جيل ووهن االستمداد يبعث اهلل نبياً آخر حتى ال يترك الخلق ُسدى ‪ ،‬يقول‬
‫المولى جل َّ وعال ﴿ ثُ َّم َْأر َسلْنَا ُر ُسلَنَا َت ْت َرا ُك َّل َما َجاء َُّأمةً َّر ُسولُ َها َك َّذبُوهُ فََأْتَب ْعنَا َب ْع َ‬
‫ض ُهم‬
‫يث َفُب ْعداً لَِّق ْوٍم اَّل ُيْؤ ِمنُو َن ﴾ يبعثه اهلل بعقيدة من سبق ‪ ،‬وشريعة‬ ‫اد َـ‬ ‫اهم َأح ِ‬
‫َب ْعضاً َو َج َعلْنَ ُ ْ َ‬
‫مختلفة عما سبقهاـ لحكمة يريدهاـ اهلل سبحانه وتعالىـ حتى ختمها اهلل تعالىـ بشريعة ضمن‬
‫خلودها و أوجب على الناس ‪ ،‬كل الناس اتباعهاـ ‪،‬‬

‫صر ِ‬
‫اطي‬ ‫ِ‬ ‫جمع فيها خير ما وجد في الشرائع السماوية السابقة ‪ ،‬وقال جل َّ وعال ﴿ َو َّ‬
‫َأن َهـ َذا َ‬
‫السبُ َل َفَت َف َّر َق بِ ُك ْم َعن َسبِيلِ ِه ذَلِ ُك ْم َو َّ‬
‫صا ُكم بِ ِه لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُقو َن ﴾‬ ‫ُم ْستَ ِقيماً فَاتَّبِعُوهُ َوالَ َتتَّبِعُواْ ُّ‬

‫‪78‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوَأتْ َم ْم ُ‬


‫ت َعلَْي ُك ْم نِ ْع َمتِي‬ ‫وقال جل َّ وعال في ختام مرحلة النبوة ﴿ الَْي ْو َم َأ ْك َمل ُ‬
‫يت لَ ُك ُـم اِإل ْسالَ َم ِديناً ﴾‬
‫ض ُ‬‫ور ِ‬
‫ََ‬

‫وفي الوقت ذاتهـ وصى اهلل تعالى بمن لم يتبع هذه الشريعةـ الخاتمة من أتباع الديانات‬
‫ث ‪ ،‬وإكراماً لوح ٍي قد بقيت في أيديهمـ منه بقية ‪ ،‬فخص أهل‬ ‫السابقةـ وفاءا لنبي لهم قد بُِع َ‬
‫اد ِه ْم‬
‫الكتابـ بديٍَّة ليست لغيرهمـ ‪ ،‬وأحلـ ذبائحهمـ ونكاح نسائهم ‪ ،‬وأوصى بعدم التعرض لعبَّ ِ‬
‫ُ‬
‫وأماكن عبادتهمـ ‪.‬‬

‫َأج َر ُهمـ َّم َّرَت ْي ِن‬


‫وجعل لمن أسلم منهم ْ‬

‫وجاء القرآن الكريمـ بكثير من أخبارهمـ ‪ ،‬وأخبار أنبيائهم عليهم السالم ‪ ،‬وجعل اإليمان‬
‫بالكتب السماويةـ و التصديق بنبوات األنبياء السابقينـ ورساالت الرسلـ الماضيين ركناً من‬
‫أركان اإليمان بهذاـ الدين الخاتم ‪.‬‬

‫وكثر خطاب القرآن ألهلـ الكتاب وأتباع الدياناتـ ‪ ،‬وتنوعت أساليبه ‪ ،‬وتعددتـ أغراضه ‪،‬‬
‫اب ﴾ في حوارات عقلية ‪ ،‬ونداءاتـ حضارية‬ ‫ت كثير من آياته ب ﴿ يا َْأهل ال ِ‬
‫ْكتَ ِـ‬ ‫واستُ ِهلَّ ْ‬
‫َ َ‬
‫تحترم عقل المخاطب ‪ ،‬وتحاور فكره ‪ ،‬وال تجرح عقيدته ‪.‬‬

‫سبُّواْ اللّهَ َع ْدواً بِغَْي ِر ِعل ٍْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ين يَ ْدعُو َن من ُدون اللّه َفيَ ُ‬ ‫سبُّواْ الَّ ِذ َـ‬
‫يقول المولى جل َّ وعال ﴿ َوالَ تَ ُ‬
‫ك َز َّينَّا لِ ُك ِّل َُّأم ٍة َع َملَ ُه ْم ثُ َّم ِإلَى َربِّ ِهم َّم ْر ِجعُ ُه ْم َف ُينَبُِّئ ُهم بِ َما َكانُواْ َي ْع َملُو َن ﴾‬
‫َك َذلِ َ‬

‫أيهاـ المسلمون ‪:‬‬

‫وألننا في زمن الصراع على المصالح ‪ ،‬وتغلييبها على القيمـ والمباديء ‪ ،‬وفي وقت استعمل‬
‫فيه كل ما أمكنـ من أدواتـ الصراع ‪،‬كانت األديان وسيلة من هذه الوسائل المستخدمة ‪،‬‬
‫‪79‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ع‬
‫كأنها لم تكن من مشكاة واحدة أتت بعقيدة راسخة ثابتةـ ‪ ،‬يقول المولى جل َّ وعال ﴿ َش َر َ‬
‫يسى‬ ‫ِ‬ ‫ص ْينَا بِ ِه ِإ ْب َر ِاه َـ‬ ‫صى بِ ِه نُوحاً َوالَّ ِذي َْأو َح ْينَا ِإلَْي َ‬
‫لَ ُكم ِّم َن الدِّي ِن َما َو َّ‬
‫وسى َوع َ‬ ‫يم َو ُم َ‬ ‫ك َو َما َو َّ‬
‫وه ْم ِإلَْي ِه اللَّهُ يَ ْجتَبِي ِإلَْي ِه َمن‬
‫ين َما تَ ْدعُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ِّين َواَل َتَت َف َّرقُوا فيه َكُب َر َعلَى ال ُْم ْش ِرك َ‬
‫يموا الد َ‬
‫ِ‬
‫َأ ْن َأق ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يب ﴾‬‫شاءُ َو َي ْهدي ِإلَْيه َمن يُن ُ‬ ‫يَ َ‬

‫وكان دين اإلسالم هو أكثر دين تعرضت محاسنهـ للتغييب ‪ ،‬ونالت أحكامه اإلساءة‬
‫والتشويه ‪ ،‬تارة من أعدائه وتارة أخرىـ من بعض أبنائه ‪.‬‬

‫و إنك لتعجب ونحن في زمن القرية الكونية الواحدةـ ‪ ،‬وفي عصر المعرفة المنتشرة وفي‬
‫ٍ‬
‫صحف سيارة مرموقة وفي‬ ‫وقت حرية وسائلـ النشر واالتصال واإلعالم أن تجد في‬
‫فضائيات المسابعة الموثوقة جهالً فاضحاً بهذا الدينـ وعماية تامة بنبيه الكريمـ ‪ ،‬واستفزازاً‬
‫صريحاً للمسلمين وتشويهاً لتاريخهم ورجاله الماضين مما يجلب الجهل بهذا الدينـ لدى‬
‫الشعوب المغيبة ‪ ،‬وتجلب الحيرة لدى الباحثينـ عن الحقيقة ‪ ،‬ومن أجل هذا وجب على‬
‫القادرين من المسلمين أن ال يألوا جهداًـ في إظهار حقيقة هذا الدينـ وعرضه كما هو على‬
‫الباحثينـ ‪ ،‬وعلى التائهين بال مزايدةـ وال تحريف وال نقص وال تحوير‬
‫ألن أنواره دالة على حقيقته وصفاته يخبر عن معدنهـ وجوهره ‪.‬‬

‫وكانت دعوة خادم الحرمين ‪ -‬وفقه اهلل تعالىـ ‪ -‬للقاء العلماء وأصحاب الفكرـ من أتباع‬
‫الدياناتـ ‪ُ ،‬لي ْع َرف الدين من رجاله ‪ ،‬وليس من أعدائه‬

‫وليُطَّلع على أحكامهـ من علمائه ‪ ،‬وليس من جهال أبنائهـ ‪ ،‬وهي فجوة كانت تنتظر من‬
‫يرجمها ‪ ،‬وهوة وجب تكسيرها ‪ ،‬واآلن قد استمع من علماء األديان من استمع فقد وجب‬
‫عليهم الصدق مع ربهم ‪ ،‬فقد وجب عليهم الصدق مع ربهم ‪ ،‬والتجرد للحق والعدل ألنهم‬
‫مسئولون ‪ ،‬وفي قومهم م َق َّدرون ‪ ،‬ويوم القيامةـ محاسبون ‪ ،‬وأن يقطعوا الطريق على من‬
‫‪80‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يستخدم الدين وال يخدمه ‪ ،‬ويسفكـ الدماء باسمه ‪ ،‬ويقهر الشعوب تحت مظلته ‪ ،‬ويشعل‬
‫الحروب تحت نافذتهـ ‪.‬‬

‫اب َت َعالَ ْواْ ِإلَىـ َكلَ َم ٍة َس َواء َب ْيَننَا َو َب ْينَ ُك ْم َأالَّ َن ْعبُ َد‬ ‫يقول المولى جل َّ وعال﴿ قُل يا َْأهل ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫َْ َ‬
‫ون اللّ ِه فَِإ ن َت َولَّ ْواْ َف ُقولُواْ‬ ‫ضنَا ب ْعضاً َأرباباًـ ِّمن ُد ِ‬
‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِإالَّ اللّهَ َوالَ نُ ْش ِر َك بِه َش ْيئاً َوالَ َيتَّخ َذ َب ْع ُ َ‬
‫ا ْش َه ُدواْـ بَِأنَّاـ ُم ْسلِ ُمو َن ﴾‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ونفعنا وإياكمـ بما فيه من اآليات والذكر الحكيم ‪،‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثانيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ‪:‬‬

‫ك َي ْوِم الدِّي ِن (‪ ﴾ )3‬نعبده ونستعينه‬ ‫َ‬ ‫الر ِح ِـ‬


‫يم (‪ )2‬مالِ ِ‬ ‫الر ْحمـ ِن َّ‬
‫ين (‪َّ )1‬‬ ‫ِ‬ ‫ْح ْم ُد للّ ِه َر ِّ‬
‫ب ال َْعالَم َ‬ ‫﴿ ال َ‬
‫ونسأله أن يهديناـ الصراط المستقيم ‪ ،‬وأن يُ َجنبَنا طريق المغضوب عليهم والضالين ‪ ،‬وأشهد‬
‫أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬و أشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه و‬
‫على آله ‪ ،‬وصحبه ‪ ،‬والتابعين ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون ‪:‬‬

‫إن مما نادى به خادم الحرمين الشريفينـ ‪ -‬وفقه اهلل ‪ -‬من التأكيد على أن الدينـ الذيـ أراده‬
‫اهلل إلسعاد البشر يجب أن يكون وسيلة لسعادتهمـ ‪ ،‬لذلك يجب علينا أن نعلن للعالمـ أن‬
‫االختالف ليس بالضرورة أن يؤدي إلى النزاع والصراع ‪ ،‬وأن المآسي التي مرت في تاريخ‬
‫البشر لم تكن بسبب الدينـ ‪ ،‬ولكن بسبب التطرف والغلو الذي ابتلي به بعض أتباع كل‬
‫دين سماوي وكل عقيدة سياسيةـ ‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وما أكده ‪ -‬وفقه اهلل ‪ -‬من أن الحوار ال يعني صهر األديان والمذاهب بحجة التقريب بينها‬
‫‪ ،‬فهذا هو الحق الذي ال ينبغي تجاوزه ‪ ،‬والحد الذي ال ينبغي تخطيه ‪ ،‬فليس الحوار تميعاً‬
‫للدين ‪ ،‬وال وهناً في االعتقاد ‪ ،‬وال مجامالت في الشريعة أو تنازالتـ عنها ‪.‬‬
‫ِّين ِعن َد اللّ ِه‬
‫جل وعال ﴿ ِإ َّن الد َـ‬ ‫وال مزايدة على أن الدينـ عند اهلل اإلسالم ‪ ،‬يقول المولى َّ‬
‫ْم َبغْياً َب ْيَن ُه ْم َو َمن يَ ْك ُف ْـر‬ ‫ْكتَاب ِإالَّ ِمن ب ْع ِد ما ج ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف الَّ ِذ َـ‬
‫اِإل ْسالَ ُم َو َما ا ْخَتلَ َ‬
‫اءه ُم الْعل ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ين ُْأوتُواْ ال َ‬
‫ِ‬ ‫بِآي ِـ ِ‬
‫يع ﴾‬‫ات اللّه فَِإ َّن اللّه َس ِر ُ‬‫َ‬

‫اآلخ َر ِة ِم َن‬
‫جل وعال ﴿ ومن يبت ِغ غَير اِإل سالَِم ِديناً َفلَن ي ْقبل ِم ْنه وهو ِفي ِ‬
‫ُ َ َ ُ َ َُ‬ ‫َ َ َ َْ ْ َ ْ‬ ‫يقول المولى َّ‬
‫ين ﴾‬ ‫الْ َخ ِ‬
‫اس ِر َـ‬
‫هذا وصلوا وسلموا على خير البريةـ ‪ ،‬وأزكى البشريةـ ‪ ،‬محمداً بن عبد اهلل ‪ ،‬رسول اهلل‬
‫وخاتمـ أنبيائه ‪.‬‬

‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‬

‫إنك حميد مجيد‬

‫وبارك على محمد على ىل محمد كما باركت‬

‫وارض اللهم عن األربعة الخلفاء ‪ ،‬األئمة الحلفاء ‪ ،‬أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ‪ ،‬وعن‬
‫التابعينـ ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسانـ إلىـ يوم الدينـ‬
‫‪82‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين‬


‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين‬
‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين‬
‫وأذل الشرك والمشركين ‪ ،‬ودمر أعداء الدين ‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمناً مطمئناً وسائرـ بالد‬
‫المسلمين ‪.‬‬

‫اللهم ِّأمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا‬

‫اللهم اجعلـ واليتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين‬

‫اللهم وفق والة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه ‪ ،‬وخذ بهم للبر والتقوى‬

‫اللهم وفق ولي أمرناـ لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬اللهم وفقه ونائبه وإخوانهم‬
‫وأعوانهم لما فيه صالح العبادـ والبالد ‪.‬‬

‫اللهم أصلح بطانته ‪.‬‬

‫اللهم أصلح بطانته ‪ ،‬وأبعدـ عنه بطانةـ السوء يا رب العلمين ‪.‬‬

‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪.‬‬

‫اللهم أصلح أحوال المسلمين ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم احقنـ دمائهمـ ‪ ،‬وَأظْ ِهر أمنهم ‪ ،‬وأرغد عيشهم ‪ ،‬واجمعهم على الحق والهدى يا رب‬
‫العالمين ‪.‬‬

‫اللهم انصر المجاهدينـ في سبيل اهلل ‪.‬‬

‫اللهم انصر المجاهدينـ في سبيلك في فلسطين ‪ ،‬وفي كل مكان يا رب العالمين ‪.‬‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‬

‫اللهم انصر ‪ ،‬واخذلـ الطغاة والمالحدة والمشركين‬

‫اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم ال يعجزونكـ ‪.‬‬

‫اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم ال يعجزونكـ ‪.‬‬

‫اللهم اكفنا شر األشرار ‪ ،‬وكيد ال ُف َّجار ‪ ،‬وشر طوارق الليل والنهار يا حي يا قيوم يا ذا‬
‫الجالل واإلكرام ‪.‬‬

‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪.‬‬


‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬

‫اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ‪ ،‬ونفث كرب المكربين ‪ ،‬وفك أسر المأسورينـ ‪،‬‬
‫واقض الدين عن المدينين ‪ ،‬واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين ‪ ،‬يا حي يا قيوم يا‬
‫ذا الجالل واإلكرام ‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اب النَّا ِر ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬


‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآلخ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬

‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَا فِي َْأم ِرنَا َو َك ِّف ْر َعنَّا َسيَِّئاتِنَا يا حي يا قيوم يا ذا الجالل واإلكرام‬ ‫َّ ِ‬
‫ربنَا ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬

‫عباد اهلل ‪:‬‬

‫ان َوِإيتَاء ِذي الْ ُق ْربَىـ َو َي ْن َهى َع ِن الْ َف ْح َ‬


‫شاء َوال ُْمن َك ِر َوالَْب ْغ ِي‬ ‫﴿ ِإ َّن اللّهَ يْأمر بِالْع ْد ِل واِإل ْحس ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُُ َ َ‬
‫يَِعظُ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن ﴾‬

‫ضواْ اَأليما َن بع َد َتوكِ ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫يد َها َوقَ ْد َج َعلْتُ ُم اللّهَ َعلَْي ُك ْم‬ ‫َْ َْ ْ‬ ‫﴿ َو َْأوفُواْ بِ َع ْهد اللّه ِإ َذا َع َ‬
‫اهدتُّ ْـم َوالَ تَن ُق ُ‬
‫َك ِفيالً ِإ َّن اللّهَ َي ْعلَ ُم َما َت ْف َعلُو َن ﴾‬

‫‪85‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اح َذ ُروا اللَّغْ َو ( اللغو جريمة في حق َّ‬


‫األمة )‬ ‫عنوان الخطبة ‪ْ :‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابع عشر من شعبان من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫اح َذ ُروا اللَّغْ َو ‪-‬‬


‫‪ْ -‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪،‬ـ ونعوذ باهلل من شرور أنفسناـ ومن سيئات أعمالنا‪،‬‬
‫من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ‬
‫له‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه‪ ،‬وعلى آله وصحبه‬
‫والتابعين‪،‬ـ ومن تبعهم بإحسانـ إلى يوم الدين‪.‬ـ‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫حق التقوى‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعروة الوثقى‪:‬ـ ﴿ يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين‬ ‫فاتقوا اهلل – تعالى ‪َّ -‬‬
‫صلِ ْح لَ ُك ْم َأ ْع َمالَ ُك ْم َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َم ْن‬ ‫ِ‬
‫آ ََمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َوقُولُوا َق ْواًل َسدي ًداـ (‪ )70‬يُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما (‪. 108﴾ )71‬‬ ‫يُط ِع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا َعظ ً‬

‫‪108‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪86‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيها المسلمون‪:‬‬
‫آيةٌ جاءت بين آيتين‪ ،‬وصفةٌ كريمة توثَّقت بين ركنين عظيمين‪َّ ،‬‬
‫تبوأت مكانها بين الصالة‬
‫والزكاة‪ ،‬وتعلق بها فالح الدنيا واآلخرة‪،‬ـ إنها صفة المؤمنين‪ ،‬الذين هم عن اللغو معرضون؛‬
‫اشعُو َن (‪)2‬‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‪:‬ـ ﴿ قَ ْد َأ ْفلَح الْمْؤ ِمنُو َن (‪ )1‬الَّ ِذين هم فِي صاَل تِ ِهم َخ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ ُ‬
‫وج ِه ْـم‬‫اعلُو َن (‪ )4‬والَّ ِذين ُهم لِ ُفر ِ‬ ‫لز َك ِاة فَ ِ‬ ‫ين ُه ْم لِ َّ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َوالَّ ِذ َـ‬
‫ين ُه ْم َع ِن اللَّغْ ِو ُم ْع ِر ُ‬
‫َ َ ْ ُ‬ ‫ضو َن (‪َ )3‬والذ َ‬
‫ِ‬ ‫حافِظُو َن (‪ِ )5‬إاَّل َعلَى َأ ْزو ِ‬
‫ين (‪ )6‬فَ َم ِن ْابَتغَى‬ ‫ت َأيْ َما ُن ُه ْـم فَِإ َّن ُه ْم غَْي ُر َملُوم َ‬
‫اج ِه ْم َْأو َما َملَ َك ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ين ُه ْم‬ ‫َأِلمانَاتِ ِه ْم َو َع ْه ِد ِه ْم َراعُو َن (‪َ )8‬والَّ ِذ َـ‬ ‫ين ُه ْم َ‬ ‫ادو َـن (‪َ )7‬والَّ ِذ َـ‬ ‫ك ُه ُم ال َْع ُ‬ ‫اء َذلِ َ‬
‫ك فَُأولَِئ َـ‬ ‫َو َر َ‬
‫س ُه ْم ِف َيها‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ك ُه ُم ال َْوا ِرثُو َن (‪ )10‬الذ َ‬
‫ين يَ ِرثُو َن الْف ْر َد ْو َ‬ ‫صلَ َواتِ ِه ْم يُ َحافِظُو َن (‪ُ )9‬أولَِئ َ‬ ‫َعلَى َ‬
‫َخالِ ُدو َـن (‪. 109﴾ )11‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫َ‬
‫اللغو‪ :‬هو الباطل‪ ،‬وهو كل ما ال نفع فيه وال فائدة من األقوال واألفعال‪،‬ـ ومن صفات‬
‫المؤمنين الحميدة‪ :‬أنهم يتنزهون عن اللغو والباطل‪ ،‬ويربأون بأنفسهم عنه‪ ،‬وفي سورة‬
‫ور َوِإذَا َم ُّروا بِاللَّغْ ِو َم ُّروا كِ َر ًاما (‪ 110﴾ )72‬ال يشهدون‬
‫الز َ‬
‫ين اَل يَ ْش َه ُدو َن ُّ‬ ‫َّ ِ‬
‫الفرقان‪:‬ـ ﴿ َوالذ َ‬
‫الزور؛ أي‪ :‬ال يحضرونه‪ ،‬والزور‪ :‬هو كل قول وفعل محرم‪ ،‬فيجتنبون مجالسه‪ ،‬ويتحاشون‬
‫مظانه‪،‬ـ ومن باب أولى أال يقولوه وال يفعلوه‪.‬‬

‫﴿ َوِإ َذا َم ُّروا بِاللَّ ْغ ِو َم ُّروا كِ َر ًاما﴾ ‪ :‬إشارة إلى أنهمـ ال يقصدون مجالسهـ وأماكنه‪ ،‬لكن إن‬
‫حصل ذلك من غير قصد؛ فإنهم يرغبون بأنفسهمـ عنه‪ ،‬حتى ولو نزل عن رتبة الحرام؛ فهو‬
‫ونقص‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫َس َفهٌ‬

‫تكرر التأكيد عليها في القرآن‪ ،‬ونُزه‬


‫أساس من صفات المؤمنين‪َّ ،‬‬
‫واإلعراض عن اللغو صفةٌ ٌ‬
‫‪109‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪110‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪87‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وفي سورة‬ ‫‪111‬‬


‫الجنان ‪ ﴿:‬اَل يَ ْس َمعُو َن فِ َيها لَ ْغ ًوا ِإاَّل َساَل ًما (‪﴾ )62‬‬ ‫عنها المؤمنون في ِ‬
‫القصص ‪ -‬في وصف اهلل للمؤمنين الصادقين ‪َ ﴿ :-‬وِإذَا َس ِمعُوا اللَّ ْغ َو َأ ْع َر ُ‬
‫ضوا َع ْنهُ َوقَالُوا‬
‫ين (‪. 112﴾ )55‬‬ ‫اهلِ َـ‬
‫لَنَا َأ ْعمالُنَا ولَ ُكم َأ ْعمالُ ُك ـم ساَل م َعلَي ُكم اَل َنبت ِغي الْج ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ٌ ْ ْ َْ‬

‫ومن اللغو‪ :‬فارغ الحديث الذي ال طائل تحته‪ ،‬وال حاصل وراءه‪ ،‬وهو الهدر الذي يهدر‬
‫زادا جدي ًدا‪،‬ـ وهو البذيء من القول‪ ،‬الذي‬
‫الوقت‪ ،‬دون أن يضيف إلى القلب أو العقل ً‬
‫حديث عن غائب‪ ،‬ومنه‪ :‬االشتغال بما ال‬
‫ٌ‬ ‫الحس واللسان‪ ،‬سواءٌ ُو ِّجهَ إلى مخاطَب أم‬
‫َّ‬ ‫يفسد‬
‫ينفع‪.‬‬

‫والقلوب المؤمنة ال تلغو ذلك الل ْغ َو وال تسمع لذلك الهدر؛ فهي منشغلة بتكاليف اإليمان‪،‬‬
‫جدل مع أهل اللغو؛ ألن ذلك من الجهل وضياع‬ ‫متطهرة بالرفق؛ بل إنهم ال يدخلون في ٍ‬
‫ين ﴾ ‪.‬‬ ‫األوقات‪ ﴿ :‬ساَل م َعلَي ُكم اَل َنبت ِغي ال ِ ِ‬
‫ْجاهل َ‬
‫َ‬ ‫َ ٌ ْ ْ َْ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫َ‬
‫الحق ما يشغل عن الباطل‪ ،‬وفي حياة المسلم من الواجبات ما ال يستقيم معه ضياع‬
‫إن في ِّ‬
‫واُألمةـ‬
‫األوقات‪ ،‬واألمةـ التي تبتغي المجد لن ترقى إليه بالعبث واللهو والغفلةـ واللغو‪َّ ،‬‬
‫الجادة‪ :‬هي األمة المنتجة المنشغلة بما ينفعها‪،‬ـ وفي تكاليف الحياة ما يدعو للجد‪ ﴿ :‬فَِإ ذَا‬
‫ب (‪. 113﴾ )8‬‬ ‫ب (‪َ )7‬وِإلَى َربِّ َ‬
‫ك فَ ْارغَ ْ‬ ‫ص ْ‬
‫ت فَانْ َ‬
‫َف َر ْغ َ‬

‫عبث وال هزل‪ ،‬حتى في مواطن الترويح؛ ألن ضياع األوقاتـ‬


‫ليس في قاموس األمة القائدة ٌ‬
‫وإهدار للحياة‪ ،‬والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك‬
‫ٌـ‬ ‫فيما ال فائدة فيه ضياعٌ لألعمار‬
‫بالباطل‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪112‬‬
‫سورة القصص‬
‫‪113‬‬
‫سورة الشرح‬
‫‪88‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫والنفس الفارغةـ ال تعرف الجد؛ فتلهو في أخطر المواقف‪ ،‬وتهزل في مواطن الجد‪ ،‬وتستهتر‬
‫ٍ‬
‫بعبء‪،‬‬ ‫في مواطن القداسة‪ ،‬حتى تنتهي إلى حالة من التفاهةـ واالنحالل‪ ،‬فال تصلح للنهوض‬
‫وال القيام بواجب‪ ،‬وال تبني دوال أخرى‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وج ْعلَهاـ‬
‫إن التوسع في المباحات‪،‬ـ واالشتغال بالملهيات‪،‬ـ وصرف الطاقاتـ واألوقات فيها‪َ ،‬‬
‫مقصداـ ‪ -‬لهو إلهاء‪ ،‬وتغفيل‪ ،‬ولغو مذموم‪ ،‬فكيف إذا خالطتهاـ المحرمات‪ ،‬وعلت رايتها‬
‫بالمنكرات‪،‬ـ وصار اإلثمـ َعلَ ًما على اإلسعاد والترفيه؟!‬

‫التغفيل‪ ،‬واإللهاء‪،‬ـ وإشغالـ‬


‫َ‬ ‫أمر مشروع‪ ،‬ال مزايدةـ فيه‪ ،‬لكن‬
‫إن مبدأ الترويح عن النفس ٌ‬
‫ويعرضها للعقاب‪،‬ـ‬
‫عموم األمةـ بما ال ينفعهاـ وال يضرها ويبعدهاـ عن اهلل‪ ،‬ويقصيها عن رضاه‪ِّ ،‬‬
‫حق األمة‪ ،‬وإقعا ٌد لها‪ ،‬وإهانة‪،‬ـ‬
‫الس ْبق في علوم الدنيا واآلخرةـ ‪ -‬هو جريمةٌ في ِّ‬
‫ويُقعدهاـ عن َّ‬
‫وي ُردُّهاـ إلى التِّيه والغفلة‪ ،‬ونسيان اهلل والدار اآلخرة‪.‬ـ‬
‫وتغفيل‪ ،‬وتوهين‪َ ،‬‬

‫واللغْ ُو ‪ -‬بكل ما عليه من األقوال واألفعالـ واألفكار واألحوالـ – غفلةٌ تميت القلب‪،‬‬
‫فتتالشى الطاعة من النفس‪ ،‬وييأس القلب؛ فتكون االستهانةـ بالذنوب واآلثام‪،‬ـ والتخبُّط في‬
‫بنصح وال إرشاد‪.‬ـ‬
‫دياجير الظالم‪ ،‬فال يُنتفع ٍ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫َ‬
‫السمع والبصر واللسان تصب في القلب‪ ،‬ترويه بما تغشاه‪ ،‬ويتشبَّع القلب بما يَ ِر ُد عليه من‬
‫والغيبة والنميمة والخوض في أعراض المسلمين من أقبح‬ ‫هذه الجوارح‪ ،‬إن خيرا أو شرا‪ِ ،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لغو يفسد القلب‪ ،‬وسهر الليالي‬ ‫اللغو‪ ،‬وَتتَبُّع أحوال الناس وحديث اإلنسان فيما ال يعنيه ٌ‬
‫فيما ال ينفع لغو م ِ‬
‫ض ٌّر‪.‬‬ ‫ٌ ُ‬

‫‪89‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫والسمع والبصر إن ُأطْلِقا في تتبع العورات‪،‬ـ وإتيان المحرمات‪،‬ـ ورؤية المنكرات‪،‬ـ ومتابعة‬
‫صيه على الطاعة‪ُّ ،‬‬
‫وتنكره‬ ‫فساد القلب‪ ،‬وَت َع ِّ‬
‫األفالم والمسلسالت ‪ -‬كانت عاقبةُ هذا اللغو َ‬
‫تكرر وقوعه‪ ،‬وألفت‬
‫للمعروف‪ .‬وإن اإلنسانـ قد يستقبح السوء في َّأول األمر‪ ،‬حتى إذا َّ‬
‫حدة استقباحه‪ ،‬وسهل على النفس أن تسمع وترى؛ لذا َّ‬
‫حذر اهلل من‬ ‫خفت َّ‬ ‫نفسه رؤيته ‪َّ -‬‬
‫الس ِ‬
‫وء ِم َن الْ َق ْو ِل (‪ 114﴾ )148‬فكيف بالفعل‪ ،‬أو‬ ‫ْج ْه َر بِ ُّ‬ ‫المجاهرة بالسوء‪ ﴿ :‬اَل يُ ِح ُّ‬
‫ب اللَّهُ ال َ‬
‫عرض السوء على الناس ونشره‪ ،‬والدعوة إلىـ رؤيته‪ ،‬والمطالبة بتخصيص األماكن العامةـ‬
‫لعرضه؟‬

‫وعرضا‪ ،‬ويبدأ قوالً وقد يكون فرديًّا‪ ،‬ثم ينتهي انحالالً اجتماعيًّا وفوضى‬
‫ً‬ ‫إنه يبدأ كتابةً‬
‫ض ُّل فيها تقديرات الناس‪ ،‬وتنتشر الشكوك والشائعات‪ ،‬وتنعدم الثقةـ في داخل‬ ‫أخالقية‪ ،‬تَ ِ‬
‫ت بها قلوب الناس‪ ،‬وينتشر‬‫المجتمع‪ ،‬حتى بين األقارب؛ـ بسبب هذه األفكار‪،‬ـ التي َأ ْش َهبَ ْ‬
‫ٍ‬
‫غارقة في‬ ‫ٍ‬
‫غارقة في الشهوات‪،‬ـ‬ ‫ونتاج يُرجىـ من َّأم ٍة‬‫صالح ٍ‬
‫ٍ‬ ‫فأي‬
‫الفساد بال نكير‪ُّ ،‬‬
‫الم ْل ِهيَات؟!‬
‫ُ‬

‫لهوا ‪ -‬فهل تحسب الموت‬ ‫كل َم ْن يلتبس المالهي لصرف وقته‪ ،‬أراك تحسب الحياة ً‬ ‫أال يا َّ‬
‫يع من الزمن‬ ‫ِ‬
‫كنت تجهل ما تُض ُ‬‫لهوا؟! ويا كل َم ْن يصف األيام بين األوهام واألحالم‪ ،‬إن َ‬ ‫ً‬
‫سكانهاـ برهةًـ من الوقت؛ لتعلم أنه العزيزـ الذيـ ال يهلك‪ ،‬والفائت‬ ‫فقف بالقبور‪ ،‬ملتمسا من َّ‬
‫ً‬
‫ت(‬‫يما َت َر ْك ُ‬ ‫ون (‪ )99‬لَعلِّي َأ ْعمل ِ ِ‬ ‫ب ار ِجع ِ‬
‫صال ًحا ف َ‬
‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫الذي ال يُستَ ْد َرك‪ ،‬وكم من قائل‪َ ﴿ :‬ر ِّ ْ ُ‬
‫وم ْن أدلج بلغ المنزل‪ ،‬أال إن‬ ‫َ‬ ‫أدلج‪،‬‬ ‫خاف‬ ‫ن‬ ‫وم‬
‫َْ‬ ‫يعود‪،‬‬ ‫ال‬ ‫العمر‬ ‫إن‬ ‫َّ‬
‫ال‬ ‫ك‬ ‫ـ‬
‫‪:‬‬ ‫فيقال‬ ‫‪115‬‬
‫‪﴾ )100‬‬
‫سلعة اهلل غالية؛ أال إن سلعة اهلل الجنَّة‪.‬‬

‫بارك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنَّة‪،‬ـ ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪115‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪90‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أقول قولي هذا‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫مبار ًكا فيه‪ ،‬كما يحب ربنا ويرضى‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬
‫كثيرا طيِّبًا‪َ ،‬‬
‫الحمد هلل حم ًدا ً‬
‫وحده ال شريكـ له‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عبداهلل ورسوله‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه‪ ،‬وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين ‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ط بذكاء النفس وصالحها‪ ،‬وذلك ال يكون إال‬ ‫إن النجاح والفالح في الدنيا واآلخرةـ منو ٌ‬
‫اهاـ (‪ ﴿ 116﴾ )10‬قَ ْد‬‫اب َم ْن َد َّس َ‬
‫اها (‪َ )9‬وقَ ْد َخ َـ‬ ‫ضر بها‪ ﴿ :‬قَ ْد َأ ْفلَ َح َم ْن َز َّك َ‬
‫باجتناب ما يُ ُّ‬
‫صلَّى (‪. 117﴾ )15‬‬ ‫ِ‬
‫َأ ْفلَ َح َم ْن َت َز َّكى (‪َ )14‬وذَ َك َر ْ‬
‫اس َـم َربِّه فَ َ‬

‫وإن اللغو والباطل واإلثمـ والمعاصي تطفئ نور اإليمان‪ ،‬وتخمد جذوة الطاعة‪ ،‬وتمنع ذكاء‬
‫شيـ الظالم على القلب؛ حتى ال ينتفع بموعظة‪ ،‬وال يهتدي بهدى؛ قال‬ ‫النفس وطهارتها‪ ،‬و ُتغَ ِّ‬
‫وجل ‪َ ﴿ :-‬كاَّل بَ ْل َرا َن َعلَى ُقلُوبِ ِه ْم َما َكانُوا يَ ْك ِسبُو َن (‪ 118﴾ )14‬قال ابن‬ ‫عز َّ‬ ‫اهلل ‪َّ -‬‬
‫عباس – رضي اهلل عنهما ‪" :-‬هو الذنب بعد الذنب"‪.‬‬

‫وعن حذيفةـ بن اليمان – رضي اهلل عنه – قال‪ :‬سمعت رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم –‬
‫ت ِف ِيه نُ ْكتَةٌ‬
‫ْب ُأ ْش ِر َب َها نُ ِك َ‬
‫َأى َقل ٍ‬
‫ودا‪ ،‬فَ ُّ‬ ‫وب َكالْح ِ‬
‫صي ِر عُ ً‬
‫ودا عُ ً‬ ‫َ‬ ‫ض ال ِْفتَ ُن َعلَى الْ ُقلُ ِ‬
‫يقول‪ُ " :‬ت ْع َر ُ‬
‫ض ِمثْ ِل‬ ‫ضاء‪ ،‬حتَّى تَ ِ‬
‫ص َير َعلَى َقلَْب ْي ِن‪َ ،‬علَى َْأبيَ َ‬
‫ْب َأنْ َكرهاـ نُ ِك َ ِ ِ‬
‫ت فيه نُ ْكتَةٌ َب ْي َ ُ َ‬ ‫َأى َقل ٍ َ َ‬ ‫َس ْو َداءُ‪َ ،‬و ُّ‬

‫‪116‬‬
‫سورة الشمس‬
‫‪117‬‬
‫سورة األعلى‬
‫‪118‬‬
‫سورة المطففين‬
‫‪91‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫َأس َو ُد ُم ْربَادًّا َكالْ ُكو ِز ُم َجخِّيًا‪ ،‬الَ‬


‫اآلخ ُر ْ‬
‫ض‪َ ،‬و َ‬ ‫اَألر ُ‬ ‫ض ُّرهُ فِ ْتنَةٌ ما َدام ِ‬
‫ات َو ْ‬ ‫الس َم َو ُ‬ ‫ت َّ‬ ‫َ َ‬ ‫الص َفا‪،‬ـ فَالَ تَ ُ‬
‫َّ‬
‫ب ِم ْن َه َواهُ " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ف َم ْع ُروفًا‪َ ،‬والَ ُي ْنك ُر ُم ْن َك ًرا؛ ِإالَّ َما ُأ ْش ِر َ‬‫َي ْع ِر ُ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫َ‬
‫ومن أسوأ اللغو‪ :‬ما كان في الزمنـ الفاضل‪ ،‬وما كان سببًا في ترك الطاعة والعبادة‪،‬ـ ويقال‬
‫هذا مع إقبال شهر رمضان المبارك‪ ،‬الذي تنتظره القلوب المؤمنة بعد أيام؛ لترتوي من‬
‫الطاعات‪،‬ـ وتتعرض للرحمات‪،‬ـ وتترقَّى في مدارج اإليمان‪ ،‬وتلتمس النفحات‪.‬‬

‫يصد عن ِذ ْكر اهلل وعن الصالة‪،‬‬


‫في وقت اجتهد فيه أهل اللغو والباطل وتسابقواـ في ملئه بما ُّ‬
‫ُّ‬
‫ويصد عن سبيل اهلل‪،‬‬ ‫فترى وسائل اإلعالم واإللهاء في تسابقـ محموم للدعايةـ لكل ما ُيلْهي‬
‫ويتعارض مع روحانيةـ هذا الشهر الكريم‪ ،‬فكيف تزكو النفوس؟! وكيف تصفو القلوب مع‬
‫هذا اللغو المتكاثر كالطوفان‪ ،‬والمشحون باإلثم والعصيان؟! وفي صحيح البخاري‪ :‬أن النبي‬
‫الزور والعمل به والجهل؛ فليس هلل ٍ‬
‫حاجة‬ ‫ع قول ُّ‬
‫– صلى اهلل عليه وسلم – قال‪َ " :‬م ْن لم يَ َد ْ‬
‫ع طعامه وشرابه " ‪.‬‬ ‫أن يَ َد َ‬

‫الس لف – رحمهم اهلل – يتركون التعليم والتحديث‪ ،‬ويتفرغون للعبادات وقراءة‬ ‫وقد كان َّ‬
‫القرآن؛ بل إن زكاة الفطر المشروعة في ختام الشهرـ ليست إال طهرةً للصائمـ من اللَّغو‬
‫وصدودا؟!‬
‫ً‬ ‫ولهوا‬
‫والرفَث‪ ،‬فكيف بمن كان شهره كله لغواً وعبثًا ً‬
‫َّ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫َ‬
‫كل ما ُّ‬
‫يصد عن اهلل؛ فالخليق بالمؤمن أن يحذر ذلك‪ ،‬وأن‬ ‫وكما اجتهد العارفون في توفير ِّ‬
‫يحفظ صومه وشهره أن يضيع في لغ ٍو وخسران‪.‬‬

‫اللهم بلِّغنا رمضان‪ ،‬ووفِّقنا فيه لما يرضيك‪ ،‬وتقبَّل منَّا صالح أعمالنا‪ ،‬وجنِّبنا مواطن‬
‫سخطك‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة‪ ،‬والنعمة المسداة‪،‬ـ رسول اهلل‪ ،‬محمد بن عبداهلل‪،‬‬
‫وم ْن‬
‫صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه‪ ،‬والتابعينـ َ‬
‫اللهم ِّ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫تَبِ َعهم‬

‫ودمر أعداء الدين‪ ،‬واجعلـ هذا‬ ‫أعز اإلسالم والمسلمين‪َّ ،‬‬


‫وأذل الشرك والمشركين‪ِّ ،‬‬ ‫اللهم َّ‬
‫البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫فيم ْن خافكـ واتَّقاك واتَّبع‬


‫اللهم آمنا في أوطاننا‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا‪ ،‬واجعل واليتنا َ‬
‫رضاك يا رب العالمين‪.‬‬

‫للبر والتقوى‪ ،‬اللهمـ ارزقه البطانة الصالحة‪،‬‬


‫تحب وترضى‪ ،‬وخذ به ِّ‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي أمرناـ لما ُّ‬
‫واصرف عنه بطانة السوء‪ ،‬اللهم َو ِّف ْقه ونائبه وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صالح العبادـ‬
‫والبالد‪.‬‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيِّك وعبادك المؤمنين‪.‬‬

‫اللهم انصر المجاهدينـ في سبيلك؛ في فلسطين وفي كل مكان‪.‬‬

‫وَأر ِغد عيشهم‪ ،‬واجمع كلمتهم على ِّ‬


‫الحق‬ ‫اللهم أصلح أحوال المسلمين‪ ،‬وَأظْ ِهر َْأمنهم‪ْ ،‬‬
‫والهدى يا رب العالمين‪.‬‬

‫اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهمـ ال يعجزونك‪.‬‬

‫هم المهمومين من المسلمين‪ِّ ،‬‬


‫ونفث كرب المكروبين‪،‬ـ وفك أسر المأسورين‪،‬‬ ‫فرج َّ‬
‫اللهم ِّ‬
‫‪93‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫واشف برحمتكـ مرضانا ومرضى المسلمين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واقض َّ‬
‫الديْنـ عن المدينين‪،‬‬

‫ويسر أمورنا‪ ،‬وبلِّغنا فيما يرضيك آمالنا‪.‬‬


‫اللهم اغفر ذنوبنا‪ ،‬واستر عيوبنا‪ِّ ،‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫سنَا َوِإ ْن لَ ْم َتغْف ْر لَنَا َوَت ْر َح ْمنَا لَنَ ُكونَ َّن م َن الْ َخاس ِر َ‬
‫ين (‪.119﴾ )23‬‬ ‫﴿ َر َّبنَا ظَلَ ْمنَا َأْن ُف َ‬

‫ربنا اغفر لنا ولوالدينا‪ ،‬ووالديهم وذريَّاتهم‪،‬ـ ولجميع المسلمين‪.‬‬

‫اب النَّا ِر (‪.120﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آَتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل َخ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ش ِاء َوال ُْم ْن َك ِر َوالَْب ْغ ِي‬
‫ان َوِإيتَ ِاء ِذي الْ ُق ْربَى َو َي ْن َهى َع ِن الْ َف ْح َ‬‫﴿ ِإ َّن اللَّهَ يْأم ـر بِالْع ْد ِـل واِإْل ْحس ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُُ َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫ضوا اَأْليْ َما َن َب ْع َد‬ ‫يَِعظُ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن (‪َ )90‬و َْأوفُوا بِ َع ْهد اللَّه ِإذَا َع َ‬
‫اه ْدتُ ْـم َواَل َت ْن ُق ُ‬
‫يد َها َوقَ ْد َج َعلْتُ ُم اللَّهَ َعلَْي ُك ْم َك ِفياًل ِإ َّن اللَّهَ َي ْعلَ ُم َما َت ْف َعلُو َن (‪. 121﴾ )91‬‬ ‫َتوكِ ِ‬
‫ْ‬

‫‪119‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪120‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪121‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪94‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬نعيم الجنة‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثاني عشر من رمضان من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫‪ -‬نعيم الجنة ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫المؤمل لمغفرة الذنوبـ‬


‫الحمد هلل ذي الفضلـ والعطايا‪ ،‬له وافر الحمد وأزكى التحايا‪ ،‬وهو َّ‬
‫وو َعد‪ ،‬وجعل العاقبة الحسنى لمن آمن به ورشد ومن استقام واهتدى ولم‬
‫والخطايا‪َْ ،‬أو َعد َ‬
‫يشرك بربه أحدا‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له‪ ،‬لم يلد ولم يولد ولم يكن له‬
‫كفوا أحد‪،‬ـ وأشهدـ أن محم ًدا عبداهلل ورسوله‪َّ ،‬‬
‫بشر أمته بالجنة وأنذرهم بالنار‪،‬ـ وتجافى عن‬
‫طمعا في دار القرار‪ ،‬صلَّى اهلل وسلم وبارك عليه‪ ،‬وعلى آله األطهار وصحبه‬ ‫هذه الدار ً‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫األخيار والتابعين‪،‬ـ ومن تبعهمـ‬

‫أما بعد‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬


‫فأوصيكم ونفسيـ بتقوى اهلل فهي عُ َّدة هذه الحياة للوصول إلى ِع َد ِة اإلله‪،‬ـ وال تُلهينَّكم‬
‫دوالب عما قليل سوف يقف‪ ،‬ونفوس إلى آجالها تدنو وتزدلف‪،‬ـ‬ ‫ٌـ‬ ‫فإن الحياة‬ ‫الحياة الدنيا؛ـ َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ثم يصير الخلق كلهم بعد ذلك إلى وعد اهلل أو وعيده‪ ﴿ ،‬يَا َق ْوم ِإنَّ َما َهذه ال َ‬
‫ْحيَاةُ ُّ‬
‫الد ْنيَاـ‬
‫صالِ ًحا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َمتَاعٌ َوِإ َّن اآْل َخ َر َةـ ه َي َد ُار الْ َق َرا ِر (‪َ )39‬م ْن َع ِم َل َسيَِّئةً فَاَل يُ ْج َزى ِإاَّل م ْثلَ َها َو َم ْن َع ِم َل َ‬
‫اب (‪. 122﴾ )40‬‬ ‫ْجنَّةَ ُي ْر َزقُو َن ِف َيها بِغَْي ِر ِحس ٍ‬ ‫ِم ْن ذَ َك ٍر َْأو ُأْنثَى َو ُه َو ُمْؤ ِم ٌن فَُأولَِئ َ‬
‫ك يَ ْد ُخلُو َن ال َ‬
‫َ‬

‫‪122‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪95‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وشمر‪ ،‬وفي مواطن الخيرات سعى وبها استبشر؛ ليحظى بالجنة وبالجنة‬ ‫فالموفَ ُق من َّ‬
‫جد ِّ‬ ‫ُ‬
‫يظفر‪.‬‬

‫أيها الصائمون‪ ،‬أيهاـ المتعبدون‪ ،‬أيها األوابون األواهون‪:‬‬


‫ام َربِِّه‬ ‫وو ْع ُده لكم أعالي الجنان ﴿ َولِ َم ْن َخ َ‬
‫اف َم َق َ‬ ‫شارةُ اهلل لكم جنَّة الخلد دار السالم‪ُ ،‬‬
‫بُ َ‬
‫ان (‪. 123﴾ )46‬‬ ‫جنَّتَ ِ‬
‫َ‬

‫الحديث عن الجنَّة ‪ -‬أيهاـ المؤمنون ‪ -‬فريا ٌق وسلوان وتشويق وإيمان‪ ،‬وعند العمل الصالح‬
‫ُ‬
‫تهفو القلوب إلى مو ِ‬
‫عودها‪ ،‬وترتجي الجنات من ربها ومعبودها‪،‬ـ فالجنة َم ْوعُود رب‬ ‫ْ‬
‫العالمين‪،‬ـ وجائزتهـ للمتقين العاملين‪،‬ـ هي سلوى الصابرينـ ومحط رحال العابدين‪،‬ـ هي منازل‬
‫وس ْكنَىـ األصفياء السعداء ومستقر األولياء‪.‬‬
‫األنبياء ُ‬

‫الجنَّة وما فيها منتهى أمل اآلملين‪ ،‬وغاية طموح الطامحين‪ ،‬الحديث عن الجنة هو حادي‬
‫األرواح إلى بالد األفراح‪ ،‬والمقصود منه شحذ الهمم وترقيق القلوب وتذكير النفوس‬
‫أعد اهلل لهم في الجنَّة؛ فإنهمـ المستحقون للبشرى في الحياة‬ ‫وبشارة أهل اإليمان والسنة بما َّ‬
‫َّات تَ ْج ِري ِم ْن تَ ْحتِ َها‬ ‫َأن لَ ُهم جن ٍ‬
‫الصال َحات َّ ْ َ‬
‫ين آَمنُوا و َع ِملُوا َّ ِ ِ‬
‫ش ِر الذ َـ َ َ‬
‫الدنياـ وفي اآلخرةـ‪ ﴿ ،‬وب ِّ َّ ِ‬
‫ََ‬
‫الصالِ َح ِـ‬
‫ين آ ََمنُوا َو َع ِملُوا َّ‬ ‫ادهُ الَّ ِذ َـ‬ ‫ِ‬ ‫ك الَّ ِذي ُيبَ ِّ‬ ‫ار (‪َ ﴿ . ﴾ )25‬ذلِ َ‬
‫ش ُر اللَّهُ عبَ َ‬
‫‪124‬‬
‫ات (‪2‬‬ ‫اَأْلْن َه ُـ‬
‫يل اللَّ ِه بِ َْأم َوالِ ِه ْم َوَأْن ُف ِس ِه ْـم َأ ْعظَ ُم َد َر َجةً‬
‫اه ُدواـ فِي َسبِ ِ‬ ‫اج ُرواـ َو َج َ‬ ‫ه‬‫َ‬
‫َ َ َ َ‬‫و‬ ‫وا‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫َم‬
‫آ‬ ‫ين‬
‫ـ‬ ‫‪ ﴿ ، 125﴾ )3‬الَّ ِ‬
‫ذ‬
‫َّات لَ ُه ْم فِ َيها‬
‫ان وجن ٍ‬ ‫شر ُهم ر ُّب ُهم بِر ْحم ٍة ِم ْنهُ و ِر ْ ٍ‬ ‫ِئ‬ ‫ِع ْن َد اللَّ ِه َوُأولَِئ َـ‬
‫ض َو َ َ‬ ‫َ‬ ‫ك ُه ُم الْ َفا ُزو َن (‪ُ )20‬يبَ ِّ ُ ْ َ ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نَِعيم م ِقيم (‪َ )21‬خالِ ِد ِ‬
‫يم (‪. 126﴾ )22‬‬ ‫َأج ٌر َعظ ٌ‬ ‫ين ف َيها َأبَ ًداـ ِإ َّن اللَّهَ ع ْن َدهُ ْ‬
‫َ‬ ‫ٌُ ٌ‬

‫‪123‬‬
‫سورة الرحمن‬
‫‪124‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪125‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪126‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪96‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ض ُع َس ْو ٍط فِي‬
‫الجنَّة‪ :‬هي الميعاد‪ ،‬ونعيمها يفوق الوصف والخيال‪ ،‬في الصحيحين‪ " :‬مو ِ‬
‫َْ‬
‫ْجن َِّة َخ ْي ٌر ِم َن ُّ‬
‫الد ْنيَا َو َما ِف َيها "‪.‬‬ ‫ال َ‬

‫ف َعلَْي ُك ُم الَْي ْو َم َواَل َأْنتُ ْم‬


‫اد اَل َخ ْو ٌ‬ ‫يستقبل أهل الجنة باألمن والبشارة والخلود‪ ﴿ ،‬يا ِعب ِ‬
‫َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫تَ ْح َزنُو َن (‪ )68‬الَّ ِذ َـ‬
‫اج ُك ْم‬ ‫ْجنَّةَ َأْنتُ ْم َوَأ ْز َو ُ‬
‫ين (‪ )69‬ا ْد ُخلُوا ال َ‬ ‫ين آ ََمنُوا بآَيَاتنَا َو َكانُوا ُم ْسلم َ‬
‫س َوَتلَ ُّذ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تُحبرو َن (‪ )70‬يطَ ُ ِ ِ ِ ٍ ِ‬
‫اف َعلَْيه ْم بص َحاف م ْن ذَ َهب َوَأ ْك َواب َوف َيها َما تَ ْشتَهيه اَأْلْن ُف ُ‬ ‫ُ‬ ‫َُْ‬
‫وها بِ َما ُك ْنتُ ْم َت ْع َملُو َن (‪)72‬‬ ‫ْجنَّةُ الَّتِي ُأو ِر ْثتُ ُم َ‬ ‫اَأْل ْعيُ ُن َوَأْنتُ ْم ِف َيها َخالِ ُدو َن (‪َ )71‬وتِل َ‬
‫ْك ال َ‬
‫لَ ُك ْم فِ َيها فَاكِ َهةٌ َكثِ َيرةٌ ِم ْن َها تَْأ ُكلُو َن (‪. 127﴾ )73‬‬

‫ٍ‬
‫ْجنَّةَ َعلَى‬ ‫وسلَّم ‪ -‬قال‪ِ " :‬إ َّن ََّأو َل ُز ْم َرة يَ ْد ُخلُو َن ال َ‬ ‫في الصحيحين أن النبي ‪ -‬صلَّى اهلل عليه َ‬
‫اءةً ‪ ،‬ال‬ ‫ضَ‬ ‫الس َم ِاء ِإ َ‬
‫ي ِفي َّ‬ ‫ب ُد ِّر ٍّ‬‫ين َيلُو َن ُه ْم َعلَى َأ َش ِّد َك ْو َك ٍ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ص ِ‬
‫ورة الْ َق َم ِر لَْيلَةَ الْبَ ْد ِر ‪ ،‬ثُ َّم الذ َ‬
‫ُ َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫ب ‪َ ،‬و َر ْش ُح ُه ُم ال ِْم ْس ُ‬ ‫شاطُ ُه ُم َّ‬
‫الذ َه ُ‬ ‫َيبُولُو َن َوال َيَتغَ َّوطُو َن ‪َ ،‬وال َي ْت ُفلُو َن َوال َيتَ َم َّخطُو َن ‪َْ ،‬أم َ‬
‫ور ِة َأبِي ِه ْـم‬ ‫ٍِ‬ ‫ِ‬
‫ص َ‬ ‫ْحو ِر ال َْع ْي ِن ‪َ ،‬علَى َخل ِْق َر ُج ٍل َواحد ‪َ ،‬علَى ُ‬ ‫َو ُم َجام ُر ُه ُم اَأللَُّوةُ ‪َ ،‬وَأ ْز َو ُ‬
‫اج ُه ُـم ال ُ‬
‫الس َم ِاء " ‪.‬‬
‫اعا فِي َّ‬ ‫آد َم ‪ِ ،‬ستُّو َن ِذ َر ً‬ ‫َ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫المؤمن عنه العناء‪ ،‬ويستريح من الوعثاء‪ ،‬ويحمد اهلل على هذا المستقر‬ ‫ُ‬ ‫في الجنَّة يُ ِلقي‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫ور (‪ )34‬الَّذي َ‬
‫َأحلَّنَا َد َار‬ ‫ور َش ُك ٌ‬ ‫ْح َز َن ِإ َّن َر َّبنَا لَغَ ُف ٌ‬ ‫ْح ْم ُد للَّه الذي َأ ْذ َه َ‬
‫ب َعنَّا ال َ‬ ‫﴿ َوقَالُوا ال َ‬
‫وب (‪. 128﴾ )35‬‬ ‫سنَا فِيها نَصب واَل يم ُّ ِ‬ ‫الْم َقام ِـة ِمن فَ ْ ِ ِ‬
‫سنَا ف َيها لُغُ ٌ‬ ‫ضله اَل يَ َم ُّ َ َ ٌ َ َ َ‬ ‫ُ َ ْ‬

‫ادهُ بِالْغَْي ِ‬
‫ب ِإنَّهُ َكا َن‬ ‫ِ‬ ‫َّات َع ْد ٍن الَّتِي َو َع َد َّ‬ ‫منزهةٌ عن كل المنغِّصات‪ ﴿ ،‬جن ِ‬
‫الر ْح َم ُن عبَ َ‬ ‫َ‬ ‫الجنَّةُ َّ‬
‫َو ْع ُدهُ َمْأتِيًّا (‪ )61‬اَل يَ ْس َمعُو َن فِ َيها لَ ْغ ًوا ِإاَّل َساَل ًما َولَ ُه ْم ِر ْز ُق ُه ْم فِ َيها بُ ْك َرةً َو َع ِشيًّا (‪)62‬‬

‫‪127‬‬
‫سورة الزخرف‬
‫‪128‬‬
‫سورة فاطر‬
‫‪97‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ث ِمن ِعب ِ‬
‫ادنَا َم ْن َكا َن تَِقيًّا (‪﴾ )63‬‬ ‫ِ‬ ‫تِل َ‬
‫ْجنَّةُ الَّتي نُو ِر ُ ْ َ‬
‫‪129‬‬
‫‪.‬‬ ‫ْك ال َ‬

‫اسمعوا ‪ -‬أيها المتقون ‪ -‬إنكمـ أنتم الوارثون‪ ،‬وهذاـ الوعد ح ٌق واهلل! ﴿ ِإنَّهُ َكا َن َو ْع ُدهُ َمْأتِيًّا‬
‫سو َن ِم ْن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ين في َم َقام َأمي ٍن (‪ )51‬في َجنَّات َوعُيُون (‪َ )52‬يلْبَ ُ‬
‫ٍ ِ‬ ‫(‪ِ ﴿ ، 130﴾ )61‬إ َّن الْمت َِّق ِ‬
‫ُ َ‬
‫اه ْم بِ ُحو ٍر ِعي ٍن (‪ )54‬يَ ْدعُو َن فِ َيها بِ ُك ِّل‬ ‫ك َو َز َّو ْجنَ ُ‬‫ين (‪َ )53‬ك َذلِ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫س َوِإ ْستَْب َرق ُمَت َقابل َ‬
‫ُس ْن ُد ٍ‬
‫ْج ِح ِيم (‬ ‫ت ِإاَّل ال َْم ْوتَةَ اُأْلولَى َو َوقَ ُ‬ ‫ين (‪ )55‬اَل يَ ُذوقُو َن فِ َيها ال َْم ْو َ‬ ‫ِ ٍ ِِ‬
‫اب ال َ‬‫اه ْم َع َذ َ‬ ‫فَاك َهة آَمن َ‬
‫يم (‪. 131﴾ )57‬‬ ‫ِ‬
‫ك ُه َو الْ َف ْو ُز ال َْعظ ُ‬ ‫ك ذَلِ َ‬ ‫ضاًل ِم ْن َربِّ َ‬‫‪ )56‬فَ ْ‬

‫وقصر َم ِشيد‪ ،‬ونهر مطلد‬ ‫ٌ‬ ‫نور يتألأل‪ ،‬وريحانةٌ تهتز‬ ‫إن الجنَّة ال خطر لها‪ ،‬هي ورب الكعبة ٌ‬ ‫َّ‬
‫مقام أبدا‪ ،‬في حبرة ونضرة‪،‬‬ ‫وفاكهةٌ كثيرةٌ نضيجةٌ‪ ،‬وزوجة حسناء جميلة‪ ،‬وحلل كثيرة في ٍ‬
‫ٌ‬
‫في دور عالية بهية‪ ،‬نُزع من قلوبهم الشحناء والبغضاء وساوس الصدر ﴿ َو َن َز ْعنَا َما فِي‬
‫ين (‪. 132﴾ )47‬‬ ‫ص ُدو ِر ِه ْم ِم ْن ِغ ٍّل ِإ ْخ َوانًا َعلَى ُس ُر ٍر ُمَت َقابِلِ َـ‬
‫ُ‬

‫وسلَّم ‪ :-‬قال اهلل‬ ‫عن أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلَّى اهلل عليه َ‬
‫ت ‪َ ،‬وال َخطََر َعلَى َقل ِ‬
‫ْب‬ ‫َأت ‪َ ،‬وال ُأذُ ٌن َس ِم َع ْ‬ ‫ين َما ال َع ْي ٌن َر ْ‬ ‫ادي َّ ِ ِ‬ ‫تعالى‪:‬ـ " أ ْع َد ْد ُ ِ ِ ِ‬
‫الصالح َ‬ ‫ت لعبَ َ‬
‫اء بِ َما َكانُوا َي ْع َملُو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ ِ‬
‫ش ٍر ‪ ،‬اق َْرءُوا ْن شْئتُ ْم ﴿ فَاَل َت ْعلَ ُم َن ْف ٌ‬
‫س َما ُأ ْخف َي لَ ُه ْم م ْن ُق َّرة َأ ْعيُ ٍن َج َز ً‬ ‫بَ َ‬
‫(‪ 133 " ﴾ )17‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫جنات ٍ‬
‫عدن غرفاتها من أصناف الجوهر كله‪ ،‬وخيامهاـ من اللؤلؤ الصافي على شواطئ‬ ‫ُـ‬
‫أنهارهاـ البهيجة‪ ،‬عرش الرحمن سقفها‪ ،‬والمسك والزعفران ُت ْر َب ُت َها‪ ،‬واللؤلؤ والياقوت‬
‫غرف مبنية تجري من تحتها‬‫غرف من فوقها ٌ‬ ‫والجوهر حصباؤها‪ ،‬والذهب والفضة لَبِنَا ُت َها‪،‬ـ ٌ‬
‫‪129‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪130‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪131‬‬
‫سورة الدخان‬
‫‪132‬‬
‫سورة الحجر‬
‫‪133‬‬
‫سورة السجدة‬
‫‪98‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الو ِجلُون الذينـ يطعمون الطعام على‬ ‫وإن أردت المزيد فاسمع ما يلقاه المؤمنون العاملون َ‬
‫َأس ًيرا (‪ِ )8‬إنَّ َما نُط ِْع ُم ُك ْم‬ ‫حبه مسكينا ويتيما‪ ﴿ ،‬ويط ِْعمو َن الطَّعام َعلَى حبِّ ِه ِمس ِكينًا ويتِيما و ِ‬
‫ُ ْ ََ ً َ‬ ‫ََ‬ ‫َُ ُ‬
‫وسا قَ ْمطَ ِر ًيرا (‬ ‫لِوج ِه اللَّ ِه اَل نُ ِري ُد ِم ْن ُكم جزاء واَل ُش ُكورا (‪ِ )9‬إنَّا نَ َخ ُ ِ‬
‫اف م ْن َرِّبنَا َي ْو ًما َعبُ ً‬ ‫ً‬ ‫ْ ََ ً َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬
‫صَب ُروا َجنَّةً‬ ‫اه ْـم بِ َما َ‬ ‫ورا (‪َ )11‬و َج َز ُ‬ ‫ض َرةً َو ُس ُر ً‬ ‫اه ْـم نَ ْ‬ ‫اه ُم اللَّهُ َش َّر ذَلِ َ‬
‫ك الَْي ْوم َولََّق ُ‬ ‫‪َ )10‬ف َوقَ ُ‬
‫سا َواَل َز ْم َه ِر ًيرا (‪َ )13‬و َدانِيَةً‬ ‫ِ‬ ‫وح ِريرا (‪ )12‬متَّكِِئين فِ َيها َعلَى ِئ ِ‬
‫اَأْلرا ك اَل َي َر ْو َن ف َيها َش ْم ً‬‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ََ ً‬
‫ت‬‫اب َكانَ ْ‬ ‫اف َعلَي ِهم بِآَنِي ٍـة ِمن فِض ٍ‬
‫َّة َوَأ ْك َو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َعلَْي ِه ْم ِظاَل لُ َها َوذُلِّلَ ْ‬
‫ت قُطُو ُف َها تَ ْذلياًل (‪َ )14‬ويُطَ ُ ْ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ٍ‬
‫اج َها‬‫ْأساـ َكا َن م َز ُ‬ ‫وها َت ْقد ًيراـ (‪َ )16‬ويُ ْس َق ْو َن ف َيها َك ً‬ ‫َق َوا ِر َير (‪َ )15‬ق َوا ِر َير م ْن فضَّة قَ َّد ُر َ‬
‫وف َعلَْي ِه ْم ِولْ َدا ٌن ُم َخلَّ ُدو َن ِإ َذا‬‫ْسبِياًل (‪َ )18‬ويَطُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س َّمى َسل َ‬ ‫َزنْ َجبياًل (‪َ )17‬ع ْينًا ف َيها تُ َ‬
‫يما َو ُم ْل ًكا َكبِ ًيرا (‪َ )20‬عالَِي ُه ْم‬ ‫ت ثَ َّم رَأي َ ِ‬
‫ت نَع ً‬ ‫ورا (‪َ )19‬وِإ َذا َرَأيْ َ َ ْ‬
‫ِ‬
‫َر َْأيَت ُه ْم َحس ْبَت ُه ْم لُْؤ لًُؤ ا َم ْنثُ ً‬
‫ِ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ورا (‪ِ )21‬إ َّن‬ ‫َأسا ِو َر م ْن فضَّة َو َس َق ُ‬
‫اه ْـم َر ُّب ُه ْم َش َرابًا طَ ُه ً‬ ‫ض ٌر َوِإ ْستَْب َر ٌق َو ُحلُّوا َ‬ ‫س ُخ ْ‬ ‫اب ُس ْن ُد ٍ‬
‫ثيَ ُ‬
‫ورا ﴾‪. 134‬‬ ‫اء َو َكا َن َس ْعيُ ُك ْـم َم ْش ُك ً‬‫َه َذا َكا َن لَ ُك ْم َج َز ً‬

‫نعيم البدن بالجنان واألنهار والثمار‪ ،‬ونعيم النفس باألزواج المطهرة‪ ،‬ونعيم القلب و ُق َّرة‬ ‫ُ‬
‫َب (‪)49‬‬ ‫ين لَ ُح ْس َن َمآ ٍ‬ ‫العين بالخلود والدوام‪ ،‬عيش ونعيم أبد اآلباد‪ ﴿ ،‬ه َذا ِذ ْكر وِإ َّن لِل ِ‬
‫ْمتَّق َ‬
‫ُ‬ ‫ٌ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫اب (‬ ‫ين فِ َيها يَ ْدعُو َن فِ َيها بَِفاكِ َه ٍـة َكثِ َير ٍة َو َش َر ٍـ‬ ‫ِِئ‬
‫اب (‪ُ )50‬متَّك َ‬ ‫اَأْلب َو ُ‬
‫َّحةً لَ ُه ُم ْ‬ ‫ِ ٍ‬
‫َجنَّات َع ْدن ُم َفت َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ )51‬و ِع ْن َد ُهم قَ ِ‬
‫اب (‪ِ )53‬إ َّن‬ ‫ْحس ِ‬
‫وع ُدو َن لَي ْوم ال َ‬ ‫اب (‪َ )52‬ه َذا َما تُ َ‬ ‫ات الطَّْرف َأْت َر ٌ‬ ‫اص َر ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫‪135‬‬
‫اد (‪. ﴾ )54‬‬ ‫َه َذا لَ ِر ْز ُقنَا ما لَهُ ِمن َن َف ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬

‫ور‬
‫خيرات حسان جمعن جمال الباطن والظاهر‪،‬ـ ﴿ ُح ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وإن سألت عن األزواج فالحور العين‬
‫س‬ ‫ن‬ ‫ات فِي ال ِ‬
‫ْخيَ ِام (‪ 136﴾ )72‬عُربًا متحببات ألزواجهنـ أبكارا‪ ﴿ ،‬لَ ْم يَط ِْم ْث ُه َّن ِإ‬ ‫ور ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ص َ‬
‫َم ْق ُ‬

‫‪134‬‬
‫سورة اإلنسان‬
‫‪135‬‬
‫سورة ص‬
‫‪136‬‬
‫سورة الرحمن‬
‫‪99‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫لو اطَّلعت إحداهنـ على الدنيا لمألت ما بين السماء واألرض‬ ‫‪137‬‬
‫ان (‪﴾ )74‬‬ ‫َق ْبلَ ُه ْم َواَل َج ٌّ‬
‫خير من الدنيا‬ ‫وعطرا‪ ،‬ولطمس نورها وضياؤهاـ ضياء الشمس‪ ،‬ولنصيفها على رأسهاـ ٌ‬ ‫ً‬ ‫ريحا‬
‫ً‬
‫اء (‪)35‬‬ ‫شً‬ ‫اه َّن ِإنْ َ‬ ‫وما فيها‪ ،‬ويجزي اهلل المؤمنات بإنشائهن على أجمل خلقة‪ِ ﴿ ،‬إنَّا َأنْ َ‬
‫شْأنَ ُ‬
‫اب الْيَ ِمي ِن (‪ 138﴾ )38‬يجمع اهلل‬ ‫َأِلص َح ِ‬
‫اه َّن َأبْ َك ًارا (‪ )36‬عُ ُربًا َأْت َرابًا (‪ْ )37‬‬ ‫فَ َج َعلْنَ ُ‬
‫َّات َع ْد ٍن ي ْد ُخلُو َن َها ومن صلَح ِمن آَباِئ ِه ـم وَأ ْزو ِ‬
‫اج ِه ْم‬ ‫شملهم ويؤانسهم بأهليهمـ ﴿ َجن ُ‬
‫ََ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫صَب ْرتُ ْم فَنِ ْع َم عُ ْقبَى‬
‫اب (‪َ )23‬ساَل ٌم َعلَْي ُك ْم بِ َما َ‬ ‫َوذُ ِّريَّاتِ ِه ْـم َوال َْماَل ِئ َكةُ يَ ْد ُخلُو َن َعلَْي ِه ْم ِم ْن ُك ِّل بَ ٍ‬
‫اج ُه ْم فِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْجنَّة الَْي ْو َم في ُشغُ ٍل فَاك ُهو َن (‪ُ )55‬ه ْم َوَأ ْز َو ُ‬
‫الدا ِر(‪ِ ﴿ ، 139﴾ )24‬إ َّن َأصحاب ال ِ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َّ‬
‫َّكُئو َن (‪ )56‬لَ ُه ْم فِ َيها فَاكِ َهةٌ َولَ ُه ْم َما يَ َّدعُو َن (‪َ )57‬ساَل ٌم َق ْواًل ِم ْن‬ ‫ك مت ِ‬ ‫ِظاَل ٍل َعلَى ِئ ِ‬
‫اَأْلرا ُ‬ ‫َ‬
‫ب َر ِح ٍيم (‪. ﴾ )58‬‬
‫‪140‬‬
‫َر ٍّ‬

‫اَأْلراِئ ِـ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك َي ْنظُُرو َن‬ ‫اَأْلب َر َار لَفي نَع ٍيم (‪َ )22‬علَى َ‬ ‫سرور دائمـ وبقاءٌ أبدي ونظرةٌ وسعادة ﴿ ِإ َّن ْ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ض َرةَ الن َِّع ِيم (‪ )24‬يُ ْس َق ْو َن ِم ْن َر ِح ٍ‬ ‫ف فِي وج ِ‬
‫يق َم ْختُوم (‪ )25‬ختَ ُامهُ‬ ‫وه ِه ْم نَ ْ‬ ‫(‪َ )23‬ت ْع ِر ُ ُ ُ‬
‫ب بِ َها‬ ‫ِ‬ ‫س الْمتنافِسو َن (‪ )26‬و ِمز ِ‬ ‫ِم ْس ٌ‬
‫ك َوفِي ذَلِ َ‬
‫اجهُ م ْن تَ ْسن ٍيم (‪َ )27‬ع ْينًا يَ ْش َر ُ‬
‫َ َ ُ‬ ‫ك َفلْيََتنَافَ ِ ُ َ َ ُ‬
‫ال ُْم َق َّربُو َن (‪. 141﴾ )29‬‬

‫المنزه عن التمثيل‬
‫هذا وإن سألت عن يوم المزيدـ وزيارة العزيزـ الحميد ورؤية وجهه َّ‬
‫تواتر عن الصادق المصدوق‬
‫والقمر ليلة البدر‪ ،‬كما َ‬
‫ُ‬ ‫والتشبيه كما تُرى الشمس في الظهيرة‬
‫النقل فيه‪ ،‬وذلكـ موجود في الصحاح والسنن والمسانيد من رواية جرير وصهيب وأنس‬
‫ُ‬
‫وأبي هريرة وأبي موسى وأبي سعيد ‪ -‬رضي اهلل عنهم أجمعين ‪.-‬‬

‫فاستمع يوم ينادي المنادي‪" :‬يا أهل الجنة َّ‬


‫إن ربكم تبارك وتعالى يَ ْستَ ِز َير ُكم‪،‬ـ َّ‬
‫فحي على‬
‫‪137‬‬
‫سورة الرحمن‬
‫‪138‬‬
‫سورة الواقعة‬
‫‪139‬‬
‫سورة الرعد‬
‫‪140‬‬
‫سورة يس‬
‫‪141‬‬
‫سورة المطففين‬
‫‪100‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ُأعدت لهم‪،‬‬ ‫ِ‬


‫بالنجائب قد َّ‬ ‫زيارته‪ ،‬فيقولون سمعا وطاعةً‪ ،‬وينهضون إلى الزيارة مب ِ‬
‫اد ِرين‪ ،‬فإذا‬‫َُ‬ ‫ً‬
‫فيستوون على ظهورها ُم ْس ِر ِعين‪ ،‬حتى إذا انتهوا إلى الوادي اَأل ْفيَ ِح الذي ُج ِع َل لهم َم ْو ِع ًدا‬
‫وجمعوا هناك‪ ،‬فلم ُيغَادر الداعي منهم أح ًدا‪.‬ـ‬ ‫ُ‬
‫الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنُصب هناك‪ ،‬ثم نصبت له منابر من نور‪ ،‬ومنابر من لؤلؤ‪،‬‬ ‫ََأمر ُّ‬
‫ومنابر من زبرجد‪ ،‬ومنابر من ذهب‪ ،‬ومنابر من فضة‪ ،‬وجلس أدناهمـ على كثبان المسك‪،‬‬
‫وليس فيهم دني‪ ،‬ما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا‪ ،‬حتى إذا استقرت بهم‬
‫مجالسهمـ واطمأنت بهم أماكنهم‪،‬ـ نادى المنادي‪ :‬يا أهل الجنة َّ‬
‫إن لكمـ عند اهلل موع ًدا يريد‬
‫أن ينجزكموه‪ ،‬فيقولون‪ :‬ما هو؟! ألم يبيض وجوهنا؟! ِّ‬
‫ويثقل موازيننا؟! ويدخلنا الجنة‬
‫نور أشرقت له الجنة‪ ،‬فرفعوا رؤوسهم‬
‫ويزحزحنا عن النار؟! فبينما هم كذلك إذ سطع لهم ٌ‬
‫جل جالله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم‪ ،‬وقال‪ :‬يا أهل الجنة‬
‫فإذا الجبَّار َّ‬
‫"اللهم أنت السالم ومنك السالم تبارك يا ذا‬
‫َّ‬ ‫سالم عليكم‪ ،‬فال تُ ُّ‬
‫رد التحية بأحسن من قولهم‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫الجالل واإلكرام"‪ ،‬فيتجلَّى لهم ُّ‬
‫الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول‪ :‬يا أهل الجنة‪،‬‬
‫فيكون أول ما يسمعون منه‪ :‬أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؟! فهذا يوم‬
‫فارض عنَّا‪ ،‬فيقول‪ :‬يا أهل الجنة‪ ،‬إني‬
‫َ‬ ‫المزيد‪،‬ـ فيجتمعون على كلمة واحدة أن‪ :‬قد رضينا‪،‬‬
‫أرض عنكم لم أسكنكمـ جنتي‪ ،‬هذا يوم المزيد فاسألوني‪،‬ـ فيجتمعون على كلمة‬
‫لو لم َ‬
‫واحدة‪ :‬أرنا وجهك ننظر إليك‪ ،‬فيكشف الرب جل وعال الحجب‪ ،‬ويتجلى لهم‪ ،‬فيغشاهمـ‬
‫من نوره وينسون كل نعيم عاينوه‪ ،‬ولوال أن اهلل سبحانه قضى أال يحترقوا الحترقوا‪ ،‬وال‬
‫يبقى في هذا المجلس أح ٌد إال حاضره ربه محاضرة‪ ،‬حتى إنه ليقول‪ :‬يا فالن أتذكر يوم‬
‫رب ألم تغفر لي‪ ،‬فيقول‪ :‬بلى‬
‫فعلت كذا وكذا‪ ،‬يذكره ببعض غدراته بالدنيا‪،‬ـ فيقول‪ :‬يا ِّ‬
‫بمغفرتيـ بلغت منزلتك هذه"‪.‬‬

‫لذةَ النظ ِر إلى وجهك الكريم‪ ،‬والشوق إلى لقائكـ في غير َّ‬
‫ضراء مضرة وال‬ ‫اللهم إنَّا نسألك َّ‬
‫َّ‬
‫فتنة مضلَّة‪َّ ،‬‬
‫اللهم بارك لنا في القرآن والسنة‪ ،‬وانفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة‪ ،‬أقول‬
‫قولي هذا وأستغفرـ اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫ونوع لهم األعمال الصالحات؛ـ‬


‫الحمد هلل جعل جنَّات الفردوس لعبادهـ المؤمنين نزالً‪َّ ،‬‬
‫ليتخذوا منها إلى تلك الجنات سبالً‪ ،‬وجعل ميعاد دخولها يوم القدوم عليه‪ ،‬وضرب مدة‬
‫الحياة الفانيةـ دونها أجالً‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ال غنى لنا طرفة عين‬
‫عن فضله ورحمته‪ ،‬وال مطمع لنا في الجنة إال بعفوه ومغفرته‪،‬ـ وأشهدـ أن محم ًدا عبداهلل‬
‫وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫ورسوله‪ ،‬وخليله ومصطفاه‪ ،‬صلَّى اهلل َ‬

‫أما بعد‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬


‫فتلك عبارات ليست إال إشارات‪ ،‬وإال فإن الحقائق أعظم واهلل تعالى أكرم‪ ،‬فهل من مشم ٍر‬
‫فبؤسا لمن آثر الحياة‬ ‫المشمرون َّ‬
‫إن شاء اهلل‪ ،‬فهي واهلل الحياة! أال ً‬ ‫ِّ‬ ‫إلى الجنَّة؟! قولوا‪ :‬نحن‬
‫يوما أحزن‬ ‫سر ً‬ ‫كثيرا‪ ،‬وإن َّ‬ ‫إن أضحك قليال أبكىـ ً‬ ‫بعيش زائل‪َّ ،‬‬‫الدنيا عليها‪َ ،‬فبَاع جنَّة الخلد ٍ‬
‫نعيم في الدنياـ كأنَّما ُخلقوا لها! وسلكوا في‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بؤسا لقوم ٌ‬‫شهورا‪ََّ ،‬أولُه مخاوف وآخ ُره َمتَالف‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫لقوم نسوا اآلخرةـ وأهملوها‪،‬‬ ‫تحصيلها كل طريق من حالل أو حرام كأنَّما خلِّدوا لها! بؤسا ٍ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫اء َي ْو ِم ُك ْم َه َذا ِإنَّا‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وتركوا أوامر اهلل وأضاعوها‪ ،‬غ ًدا يُقالـ لهم‪ ﴿:‬فَ ُذوقُوا ب َما نَسيتُ ْم ل َق َ‬
‫نَ ِسينَا ُك ْم (‪. 142﴾ )14‬‬

‫فيا عجبًا ممن آثر الفانيـ على الباقي! وإنما يظهر الغبن الفاحشـ يوم القيامةـ حين تظهر‬
‫الحسرة والندامةـ إذا ُحشر المتقون إلىـ الرحمنـ وفدا‪ ،‬وسيق المجرمون إلى جهنم وردا‪،‬‬
‫ونادى المنادي على رؤوس األشهاد‪ ،‬ليعلمن أهل الموقف من أولىـ باإلكرام من بين العباد‪،‬‬
‫يق‬ ‫وف َعلَْي ِه ْم ِولْ َدا ٌن ُم َخلَّ ُدو َن (‪ )17‬بَِأ ْك َو ٍ‬
‫اب َوَأبَا ِر َ‬ ‫فلو رأيت المؤمنين المكرمين‪،‬ـ ﴿ يَطُ ُ‬
‫ص َّدعُو َن َع ْن َها َواَل ُي ْن ِزفُو َن (‪َ )19‬وفَاكِ َه ٍة ِم َّما َيتَ َخَّي ُرو َن (‪)20‬‬ ‫و َك ٍ ِ ِ‬
‫ْأس م ْن َمعي ٍن (‪ )18‬اَل يُ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ُّ‬ ‫ولَح ِم طَي ٍر ِم َّما ي ْشتهو َن (‪ )21‬وح ِ‬
‫ين (‪َ )22‬ك َْأمثَال اللْؤ لُِؤ ال َْم ْكنُون (‪َ )23‬ج َز ً‬
‫اء‬ ‫ور ع ٌ‬
‫َُ ٌ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ ْ ْ‬

‫‪142‬‬
‫سورة السجدة‬
‫‪102‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪.‬‬ ‫‪143‬‬
‫بِ َما َكانُوا َي ْع َملُو َن (‪﴾ )24‬‬

‫وبعد‪ ،‬يا عباد اهلل‪:‬‬


‫فها أنتم في زمن الحرث والعمل والكنزـ واألمل‪ ،‬وإنما الدنيا صبر ساعة ثم إلى اهلل المنقلب‪،‬‬
‫ات‬
‫الس َم َو ُ‬
‫ض َها َّ‬ ‫َأنفس ُكمـ خيرا‪َ ﴿ ،‬و َسا ِرعُوا ِإلَى َمغْ ِف َر ٍة ِم ْن َربِّ ُك ْـم َو َجن ٍَّة َع ْر ُ‬
‫فَأروا اهلل من ِ‬
‫ُ‬
‫الساَل ِم (‪2‬‬‫ين (‪ ﴾ )133‬فاهلل تعالى يناديكم‪َ ﴿ :‬واللَّهُ يَ ْدعُو ِإلَى َدا ِر َّ‬ ‫ت لِل ِ‬ ‫واَأْلر ِ‬
‫ض ُأع َّد ْ ُ‬
‫‪144‬‬
‫ْمتَّق َ‬ ‫َ ْ ُ‬
‫فهلُ ُّموا إلى الجنَّة والرضوان‪ ،‬وكونوا كمن وصف الرحمن‪:‬ـ ﴿ َكانُوا قَلِياًل ِم َن‬ ‫َ‬
‫‪145‬‬
‫‪﴾ )5‬‬
‫اَأْلس َحا ِر ُه ْم يَ ْسَت ْغ ِف ُرو َن (‪َ )18‬وفِي َْأم َوالِ ِه ْم َح ٌّق لِ َّ‬
‫لساِئ ِل‬ ‫اللَّْي ِل َما َي ْه َجعُو َن (‪َ )17‬وبِ ْ‬
‫وم (‪. 146﴾ )19‬‬ ‫والْمحر ِ‬
‫َ َ ُْ‬

‫َّ‬
‫وإن في الجنة غرفًا يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها‪َّ ،‬‬
‫أعدها اهلل لمن أطاب‬
‫الكالم‪ ،‬وأطعم الطعام‪ ،‬وصلَّى بالليل والناس نيام‪.‬‬

‫وها هو شهر رمضان موسم التوبة واإلنابة‪،‬ـ وموطن الدعاء واإلجابة‪ ،‬شهر الصالة والصيام‬
‫والصدقة وصلة األرحام‪ ،‬تزودوا من الصالحاتـ واستكثرواـ من الحسنات إلى أن يُقالـ لكم‬
‫َأسلَ ْفتُ ْم فِي اَأْليَّ ِام الْ َخالِيَ ِة (‪. 147﴾ )24‬‬
‫غ ًدا في الدار اآلخرة‪:‬ـ ﴿ ُكلُوا َوا ْش َربُوا َهنِيًئا بِ َما ْ‬

‫قدِّموا ألنفسكم‪،‬ـ فإن في الناس الفقراءـ والمساكين‪ ،‬وأصحاب الديون العاجزينـ والغارمين‪،‬ـ‬
‫وُأس ِـر السجناء ومن يتكففون العيش ومن يتعففون‪،‬‬
‫تهم السجون‪َ ،‬‬ ‫واليتامىـ واأليامى‪ ،‬ومن غيَّبَ ُ‬
‫كلهم بحاجة إلى صدقاتكم وزكواتكم‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫سورة الواقعة‬
‫‪144‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪145‬‬

‫‪146‬‬
‫سورة الذاريات‬
‫‪147‬‬
‫سورة الحاقة‬
‫‪103‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ُأس ِر ِهم‪،‬ـ تقوم بحاجاتهم‪،‬‬ ‫والم ْف َرج عنهم‪ ،‬ورعاية َ‬ ‫وفي البالد لجا ٌن وطنيةٌ لرعاية السجناء ُ‬
‫وص َد َرت الفتوى بصرف الزكاة لهم فأعينوهم‪ ﴿ ،‬فَ ََّأما َم ْن َأ ْعطَى َو َّات َقى (‪َ )5‬و َ‬
‫ص َّد َق‬ ‫َ‬
‫فاللهم اجعلنا من أهل الجنَّة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫س ُرهُ لِلْيُ ْس َرى (‪. 148﴾ )7‬‬
‫سُنيَ ِّ‬ ‫بِال ُ‬
‫ْح ْسنَى (‪ )6‬فَ َ‬

‫صل‬ ‫هذا وصلُّوا وسلموا على خير البريَّةـ وأزكى البشريةـ رسول اهلل محمد بن عبداهلل‪َّ ،‬‬
‫اللهم ِّ‬
‫اللهم أوردنا حوضه‪،‬‬
‫وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه‪َّ ،‬‬
‫واحشرناـ في زمرته‪ ،‬وارزقنا مرافقته في الجنَّة‪.‬‬

‫ودمر أعداء الدين‪ ،‬واجعلـ هذا‬


‫أعز اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين‪ِّ ،‬‬
‫اللهم َّ‬
‫َّ‬
‫البلد آمنا مطمئنا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫اللهم وفقه‬
‫اللهم آمنَّا في أوطاننا‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ وولي أمرنا‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫اللهم أصلح بطانته واصرف عنه بطانة السوء يا رب‬
‫لهداك واجعل عمله في رضاك‪َّ ،‬‬
‫اللهم وفقه ونائبهـ وأعوانهم لما فيه صالح العبادـ والبالد‪.‬‬
‫العالمين‪.‬ـ َّ‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك‬


‫اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫اللهم آمنهم وأرخص أسعارهم واجمع‬
‫اللهم أصلح أحوال المسلمين‪َّ ،‬‬
‫وعبادك المؤمنين‪َّ ،‬‬
‫كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين‪.‬ـ‬

‫هم المهمومين من المسلمين‪ِّ ،‬‬


‫ونفث كرب المكروبين‪،‬ـ وفك أسر المأسورين‪،‬‬ ‫فرج َّ‬
‫اللهم ِّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫واشف برحمتكـ مرضانا ومرضى المسلمين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واقض الدينـ عن المدينين‪،‬‬

‫اللهم إنَّا نسألك رضاك والجنَّة‪ ،‬ونعوذ بك من سخطك والنار‪َّ ،‬‬


‫اللهم اغفر ذنوبنا‪ ،‬واستر‬ ‫َّ‬
‫عيوبنا‪ ،‬ويسر أمورنا‪ ،‬وبلغنا فيما يرضيك آمالنا‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫سورة الليل‬
‫‪104‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫سنَا َوِإ ْن لَ ْم َت ْغف ْر لَنَا َوَت ْر َح ْمنَا لَنَ ُكونَ َّن م َن الْ َخاس ِر َ‬
‫ين (‪. 149﴾ )23‬‬ ‫﴿ َر َّبنَا ظَلَ ْمنَا َأْن ُف َ‬

‫اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا وصالح أعمالنا‪.‬‬


‫َّ‬

‫اب النَّا ِر (‪.150﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آَتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل َخ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬

‫اللهم ما سألناكـ في هذا الشهر الكريم من مسألة صالحة فاجعل أوفر الحظ والنصيب منها‬
‫َّ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وأزواجنا وذرياتنا‪،‬ـ ومن أوصانا بالدعاء ومن أحبنا فيك وأحببناه فيك‪،‬‬
‫ومن له ح ٌق علينا‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‪ ،‬وتب علينا إنك أن التواب الرحيم‪،‬ـ وآخر دعوانا أن‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫َّح ِل‬ ‫اهلل فِي س ِ‬


‫عنوان الخطبة ‪ :‬نِعم ِ‬
‫ورة الن ْ‬
‫ُ َ‬ ‫َُ‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬العاشر من شوال من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫َّح ِل –‬ ‫اهلل فِي س ِ‬


‫‪ -‬نِعم ِ‬
‫ورة الن ْ‬
‫ُ َ‬ ‫َُ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬


‫‪149‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪150‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪105‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الحمد هلل‪ ،‬الحمد هلل على ما أنعم علينا من صيام شهر رمضان وقيامه‪،‬ـ والحمد هلل‬
‫الذي تفضل علينا بالشهر الكريم وتمامه‪ ،‬والحمد هلل يجزي باإلحسان إحسانا وبالصبر‬
‫عاقبة حسنى ورضوانا ‪.‬‬

‫وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له‪ ،‬هو ثقتنا حين تسوء الظنون وهو الملجأ‬
‫حين تنقطع الحيل‪.‬‬

‫وأشهدـ أن محمداً عبد اهلل ورسوله وخليله ومصطفاه‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه‬
‫وعلى آله وصحبه والتابعينـ وعلينا وعلى عباد اهلل الصالحين‪.‬‬

‫أما بعد ‪ :‬فإن أحسن الحديث كتاب اهلل وخير الهديـ هدي محمد صلى اهلل عليه‬
‫آمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ َح َّق ُت َقاتِِه‬ ‫وسلم وشر األمور محدثاتها وكل بدعة ضاللة ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬
‫َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوَأنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن (‪ 151﴾ )102‬اتقوا اهلل وأصلحوا العمل‪ ،‬فمن اتقى وأصلح‬
‫فال خوف عليهم وال هم يحزنون ‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬أسعدـ اهلل أيامكم سروراً‪ ،‬وألبسكم من تقوى زهوره‪ ،‬إن كتاب اهلل‬
‫تعالىـ بينة بصائره‪ ،‬نفيسة جواهره‪ ،‬فيه الحجج الظاهرة‪ ،‬والعظاتـ الزاخره‪ ،‬حوى من الحكم‬
‫أعجبها‪ ،‬ومن األحاديث أصدقها وأعذبها‪،‬ـ وحيث المقام مقام شكر وحمد‪ ،‬فلنرتحل مع‬
‫سورة من سور القرآن ونتأملها ونتدبرها‪،‬ـ سورة سميت سورة النعمـ لكثرة ما عدد اهلل فيها‬
‫من النعمـ على عباده‪ ،‬سورة النحل فيها من دالئل وحدانيةـ اهلل تعالى وألوهيته الشيء الكثير‪،‬‬
‫نزلت في أخرياتـ مقام النبي صلى اهلل عليه وسلم في مكة بعد ما احتدم الصراع بين‬
‫المؤمنين والمشركين‪ ،‬ولم يكتمل للمسلمين نصراً يشد أزرهم‪ ،‬ولم ينزل بالشرك حدث‬
‫يقصم ظهره‪ ،‬وكأن المشركون يقولون أين ما تعدونناـ به من العقابـ األليم‪ ،‬فكان الجواب‬
‫‪151‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪106‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫حاسما في أول السورة ‪َ ﴿ :‬أتَى َْأم ُر اللّ ِه فَالَ تَ ْسَت ْع ِجلُوهُ ُس ْب َحانَهُ َوَت َعالَىـ َع َّما يُ ْش ِر ُكو َن (‬
‫‪. 152﴾ )1‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬ذكر اهلل تعالى في هذه السورة العظيمة سورة النحل أصنافا من‬
‫النعم حيث ذكر أصولها ومكمالتها‪ ،‬ففي أول السورة نعمة الوحي وإرسال الرسل داعية‬
‫شاء ِمن ِعب ِ‬
‫اد ِه‬ ‫ِ‬ ‫إلى التوحيد وأعظم به من نعمة ‪ ﴿ :‬ين ِّز ُل الْمآلِئ َكةَـ بِال ُّْر ِ ِ‬
‫وح م ْن َْأم ِره َعلَى َمن يَ َ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫ون (‪ 153﴾ )2‬فسمى الوحيـ روحاً ‪ ،‬كما أن جبريل يسمى‬ ‫ِ‬
‫َأنذرواْـ َأنَّهُ الَ ِإلَـهَ ِإالَّ َأنَاْ فَ َّات ُق ِ‬
‫َأ ْن ُ‬
‫روحا ألن اإلنسانـ بغير الوحيـ جسد بال روح مثله كمثل الميت‪.‬‬

‫ثم ذكر اهلل تعالىـ نعمته بخلق السموات واألرض‪ ،‬وخلقه اإلنسانـ من نطفة‪ ،‬ونعمته‬
‫بخلق األنعام ‪ ،‬ونعمة إنزالـ الماء ‪ ،‬ونعمة إرساء الجبال ‪ ،‬وشق األنهار‪،‬ـ وتمديد الطرق‪،‬‬
‫وتزيين السماء بالنجوم واهتداء الخلق بها‪ ،‬في نظم عجيب وآيات باهرةـ ختمها اهلل تعالى‬
‫يم (‪. 154﴾ )18‬‬ ‫بقوله ‪ ﴿ :‬وِإن َتع ُّدواْـ نِعمةَ اللّ ِه الَ تُحصوها ِإ َّن اللّه لَغَ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬
‫َ ٌ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ ُ َْ‬
‫إنه ال موعظة أعظم من القرآن وال بيان أبلغ من آيات اهلل ‪ .‬أعوذ باهلل من الشيطان‬
‫الرجيم ‪َ ﴿ :‬أتَى َْأم ُر اللّ ِه فَالَ تَ ْسَت ْع ِجلُوهُ ُس ْب َحانَهُ َوَت َعالَى َع َّما يُ ْش ِر ُكو َن (‪ُ )1‬يَن ِّز ُل ال َْمآلِئ َكةَ‬
‫ِ‬
‫َأنذرواْـ َأنَّهُ الَ ِإلَـهَ ِإالَّ َأنَاْ فَ َّات ُق ِ‬ ‫وح ِمن َأم ِر ِه َعلَى من ي َ ِ ِ ِ ِ‬
‫ون (‪َ )2‬خلَ َق‬ ‫شاءُ م ْن عبَاده َأ ْن ُ‬ ‫َ َ‬ ‫بِال ُّْر ِ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الس َم َاو ِـ‬
‫نسا َن من نُّطْ َفة فَِإ َذا ُه َو َخص ٌ‬
‫يم‬ ‫ْح ِّق َت َعالَىـ َع َّما يُ ْش ِر ُكو َن (‪َ )3‬خلَ َق اِإل َ‬ ‫ض بِال َ‬
‫اَألر َ‬
‫ات َو ْ‬ ‫َّ‬
‫فء ومنافِع و ِم ْنها تَْأ ُكلُو َن (‪ )5‬ولَ ُكم فِيها جم ٌ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين‬
‫ال ح َ‬ ‫َ ْ َ ََ‬ ‫ام َخلَ َق َهاـ لَ ُك ْم ف َيها د ْ ٌ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫ين (‪َ )4‬واَألْن َع َ‬ ‫ُّمبِ ٌ‬
‫س ِإ َّن‬ ‫ين تَ ْس َر ُحو َن (‪َ )6‬وتَ ْح ِم ُل َأْث َقالَ ُك ْم ِإلَى َبلَ ٍد لَّ ْم تَ ُكونُواْ بَالِ ِغ ِيه ِإالَّ بِ ِش ِّق اَألن ُف ِ‬ ‫ِ‬
‫يحو َن َوح َ‬ ‫تُ ِر ُ‬
‫ِ‬ ‫ربَّ ُكم لَرُؤ ٌ ِ‬
‫وها َو ِزينَةً َويَ ْخلُ ُق َما الَ َت ْعلَ ُمو َن (‬ ‫ْح ِم َير لَت ْر َكبُ َ‬
‫ال َوال َ‬‫يم (‪َ )7‬والْ َخ ْي َل َوالْبِغَ َـ‬ ‫وف َّرح ٌ‬ ‫َ ْ َ‬

‫‪152‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪153‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪154‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪107‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫َأنز َل ِم َن‬ ‫ِ‬


‫ين (‪ُ )9‬ه َو الَّذي َ‬
‫يل و ِم ْنها جآِئر ولَو َشاء لَه َدا ُكم ِ‬
‫َأج َمع َ‬
‫َ ْ ْ‬ ‫السبِ ِ َ َ َ ٌ َ ْ‬ ‫ص ُد َّ‬ ‫ِ‬
‫‪َ )8‬و َعلَى اللّه قَ ْ‬
‫الز ْيتُو َن‬
‫ع َو َّ‬ ‫ت لَ ُكم بِ ِه َّ‬ ‫يمو َن (‪ )10‬يُنبِ ُ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫السم ِاء ماء لَّ ُكم ِّم ْنه َشر ـ ِ‬
‫الز ْر َ‬ ‫اب َوم ْنهُ َش َج ٌر فيه تُس ُ‬ ‫ُ َ ٌ‬ ‫َّ َ َ ً‬
‫ِّ ٍ‬ ‫اب َو ِمن ُك ِّل الث ََّم َر ِـ‬
‫َّر لَ ُك ُـم‬‫ك آليَةً ل َق ْوم َيَت َف َّك ُرو َن (‪َ )11‬و َسخ َ‬ ‫ات ِإ َّن ِفي ذَلِ َ‬ ‫يل َواَأل ْعنَ َ‬
‫ِ‬
‫َوالنَّخ َ‬
‫ات لَِّق ْوٍم َي ْع ِقلُو َن (‬ ‫ات بِ َْأم ِر ِه ِإ َّن فِي ذَلِ َ‬
‫ك آَل يَ ٍـ‬ ‫َّر ٌ‬‫سخ َ‬‫وم ُم َ‬ ‫ُّج ُ‬
‫س َوالْ َق َم َر َوالْن ُ‬ ‫َّه َار َو َّ‬
‫الش ْم َ‬ ‫اللَّْي َل َوالْن َ‬
‫ك آليَةً لَِّق ْوٍم يَ َّذ َّك ُرو َن (‪َ )13‬و ُه َو‬ ‫ض ُم ْختَلِفاً َأل َْوانُهُ ِإ َّن فِي ذَلِ َ‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ )12‬و َما ذَ َرَأ لَ ُك ْم في ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْك‬ ‫َّر الْبَ ْح َر لتَْأ ُكلُواْ م ْنهُ لَ ْحماً طَ ِريّاً َوتَ ْستَ ْخ ِر ُجواْ م ْنهُ حلْيَةً َتلْبَ ُ‬
‫سو َن َها َوَت َرى الْ ُفل َـ‬ ‫الذي َسخ َ‬
‫اس َي َأن تَ ِمي َد‬‫ض رو ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخر فِ ِيه ولِتَبَتغُواْ ِمن فَ ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضله َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن (‪َ )14‬وَألْ َقىـ في ْ‬
‫اَألر ِ َ َ‬ ‫َم َو َ َ ْ‬
‫َّج ِم ُه ْم َي ْهتَ ُدو َن (‪َ )16‬أفَ َمن يَ ْخلُ ُق‬ ‫ات َوبِالن ْ‬ ‫بِ ُكم وَأْن َهاراً وسبالً لَّعلَّ ُكم َت ْهتَ ُدو َن (‪ )15‬و َعالم ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َ ُُ َ ْ‬ ‫َْ‬
‫يم (‬ ‫َكمن الَّ ي ْخلُ ُق َأفَال تَ َذ َّكرو َن (‪ )17‬وِإن َتع ُّدواْ نِعمةَ اللّ ِه الَ تُحصوها ِإ َّن اللّه لَغَ ُف ِ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َ ُ َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪155‬‬
‫ثم ذكر اهلل تعالىـ أدلةـ التوحيد وأمر به‪ ،‬وبين أنه دعوة الرسل من نوح عليه‬ ‫‪﴾ )18‬‬
‫السالم إلى محمد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وذكر حال السعداءـ واألشقياء ‪ ،‬ثم عاد فقال ‪" :‬‬
‫وما بكمـ من نعمة فمن اهلل " ‪ ،‬فال تصرفوا العبادة إال هلل سبحانه فهو المنعم على الحقيقة ‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬وتمضي السورة في تعدادـ أصناف أخرى من النعم ‪ ،‬وألوان من‬
‫المنن‪ ،‬فذكر من األشربة اللبن ‪َ ﴿ :‬وِإ َّن لَ ُك ْم فِي اَألْن َع ِام لَ ِع ْب َرةً نُّ ْس ِقي ُكمـ ِّم َّما فِي بُطُونِِه ِمن‬
‫ين (‪ 156﴾ )66‬كما ذكر العسل في معجزة النحل ‪:‬‬ ‫ث َو َدٍم لَّبَناً َخالِصاً َسآِئغاًـ لِ َّ‬
‫لشا ِربِ َ‬
‫ب ْي ِن َفر ٍ‬
‫َ ْ‬
‫اب ُّم ْختَلِ ٌ‬ ‫ك ذُلُالً ي ْخر ِ‬ ‫اسلُ ِكي سبل ربِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ف َأل َْوانُهُ‬ ‫ج من بُطُونِ َها َش َر ٌ‬ ‫َ ُُ‬ ‫ُُ َ َ‬ ‫﴿ ثُ َّم ُكلي من ُك ِّل الث ََّم َرات فَ ْ‬
‫ك آليَةًـ لَِّق ْوٍم َيَت َف َّك ُرو َن (‪ 157﴾ )69‬ثم ذكر اهلل تعالى نعمته بأن‬ ‫َّاس ِإ َّن فِي َذلِ َـ‬
‫فِ ِيه ِش َفاء لِلن ِ‬
‫جعل لكم من أنفسكمـ أزواجاً لتسكنوا إليها ورزقكم األوالدـ واألحفادـ ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪156‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪157‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪108‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ويمضي تعداد النعم فذكر نعمة العلم والتعليم وتهيئة أسباب ذلك ‪َ ﴿ :‬واللّهُ‬
‫ار َواَألفِْئ َدةَ لَ َعلَّ ُك ْم‬
‫ص َـ‬ ‫َأ ْخرج ُكمـ ِّمن بطُ ِ‬
‫ون َُّأم َهاتِ ُك ْم الَ َت ْعلَ ُمو َن َش ْيئاً َو َج َع َل لَ ُك ُـم ال َّ‬
‫ْس ْم َع َواَألبْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫تَ ْش ُك ُرو َن (‪. 158﴾ )78‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬إن نعم اهلل تعالىـ فوق الحصر‪ ،‬وبين كل نفس ونفس تتنزل نعم‬
‫وتترادف أفضال ‪ ،‬ويذكر اهلل تعالى نعمة المساكن والبيوت ‪َ ﴿ :‬واللّهُ َج َع َل لَ ُكم ِّم َّما َخلَ َق‬
‫ْأس ُك ْم‬ ‫يل تَِقي ُك ـم الْح َّر وسرابِ ـ ِ‬
‫ال َأ ْكنَاناً َو َج َع َل لَ ُك ْم َس َرابِ َـ‬ ‫ْجبَ ِ‬ ‫ِظالَالً وجعل لَ ُكمـ ِّمن ال ِ‬
‫يل تَقي ُكم بَ َ‬ ‫ُ َ َ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ََ َ‬
‫ك يُتِ ُّم نِ ْع َمتَهُ َعلَْي ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْسلِ ُمو َن (‪. 159﴾ )81‬‬‫َك َذلِ َ‬

‫أال فاشكروا نعمة اهلل فإن الشكر مع المزيد أبداًـ ﴿ َوِإ ْذ تََأذَّ َن َربُّ ُك ْم لَِئن َش َك ْرتُ ْم‬
‫ش ِدي ٌد (‪ 160 ﴾ )7‬ومن لم يشكرـ النعم فقد تعرض‬ ‫َأل ِزي َدنَّ ُك ْم َولَِئن َك َف ْرتُ ْم ِإ َّن َع َذابِي لَ َ‬
‫لزوالها ‪ ،‬ومن شكرهاـ فقد قيدها بعقالهاـ ‪ ،‬ربنا أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا‬
‫وعلى والديناـ وأن نعمل صالحاً ترضاه وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين‪.‬ـ‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم‪ ،‬ونفعنيـ وإياكم بما فيه من اآليات والذكر‬
‫الحكيم‪ ،‬أقول قولي هذا وأستغفر اهلل تعالى لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪158‬‬

‫‪159‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪160‬‬
‫سورة إبراهيم‬
‫‪109‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الحمد هلل‪ ،‬الحمد هلل المحمود بكل حال‪ ،‬والشكرـ له شكراً في كل مقام ومقال ‪،‬‬
‫وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له‪ ،‬فسبحانه هو ذو الفضل والنوال‪ ،‬وإليه المرجع‬
‫والمآل ‪.‬‬

‫وأشهد أن محمد عبد اهلل ورسوله صلى اهلل وسلم وبارك عليه‪ ،‬وعلى الصحب واآلل‬
‫والتابعينـ ومن تبعهم بإحسانـ إلىـ يوم الدينـ ‪.‬‬

‫أما بعد‪ :‬ففي ختام هذه السورة العظيمة سورة النحل‪ ،‬وبعد التذكير بالنعمـ ‪ ،‬ذكر اهلل‬
‫ِإ ِإ ِ‬
‫تعالىـ مثلين ‪ :‬مثالً لمن شكر نعمة اهلل وهو إبراهيم الخليل عليه السالم ﴿ َّن ْب َراه َ‬
‫يم َكا َن‬
‫صر ٍ‬ ‫ِإ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َُّأمةً قَانِتاً لِلّ ِه حنِيفاً ولَم ي ُ ِ‬
‫اط‬ ‫ين (‪َ )121‬شاكراً َأِّلْنعُ ِمه ْ‬
‫اجتَبَاهُ َو َه َداهُ لَىـ َ‬ ‫ك م َن ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫َ َ َْ‬
‫ُّم ْستَ ِق ٍيم (‪. ﴾ )122‬‬
‫‪161‬‬

‫ت ِ‬
‫آمنَةً‬ ‫ب اللّهُ َمثَالً َق ْريَةً َكانَ ْ‬ ‫ض َر َ‬ ‫أما المثل الثانيـ ‪ ،‬فهو لم كفر نعمة اهلل ‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّمطْمِئنَّةً يْأتِ َيها ِر ْز ُق َها رغَداً ِّمن ُك ِّل م َك ٍ‬
‫ان فَ َك َفر ْـ ِ‬
‫وع‬
‫ْج ِ‬ ‫اس ال ُ‬ ‫ت بَأْنعُ ِم اللّه فََأذَا َق َها اللّهُ لبَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬
‫اب‬ ‫ول ِّم ْن ُه ْم فَ َك َّذبُوهُ فَ َ‬
‫َأخ َذ ُه ُم ال َْع َذ ُ‬ ‫اءه ْم َر ُس ٌ‬
‫صَنعُو َن (‪َ )112‬ولََق ْد َج ُ‬ ‫َوالْ َخ ْوف بِ َما َكانُواْ يَ ْ‬
‫َو ُه ْم ظَالِ ُمو َن (‪. 162﴾ )113‬‬

‫إنهاـ سنة اهلل تجري في كل زمان ومكان ‪ ،‬واهلل تعالىـ يمهل وال يهمل ‪ ،‬وسنن اهلل ال‬
‫تحابي أحداً ‪ ،‬واهلل تعالى يظل الخلق بإنعامه وإفضاله‪ ،‬ويمهلهم ويملي لهم‪ ،‬حتى إذا لجوا‬
‫في طغيناهم واستكبرواـ وعميت أبصارهمـ ‪ ،‬وقالوا من أشد منا قوة أتاهم اهلل من حيث لم‬
‫يحتسبوا‪ ،‬يأتيهمـ أمره من السماء أو من األرض أو من فوقهم أو من تحت أرجلهمـ من بينهم‬
‫أو من تحتهم‪ ،‬تاتيـ الكوارث في طوفان أو زلزال أو حروب أو وباء أو انهيارات اقتصادية‬

‫‪161‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪162‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪110‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وزعزات سياسيةـ ‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى في هذه السورة ‪ ،‬سورة النحل ‪َ ﴿ :‬أفَ َِأم َن الَّ ِذ َـ‬
‫ين‬
‫ث الَ يَ ْشعُ ُرو َن (‪َْ )45‬أو‬ ‫اب ِم ْن َح ْي ُ‬ ‫ض َْأو يَْأتَِي ُه ُـم ال َْع َذ ُـ‬ ‫ف اللّهُ بِ ِه ُم ْ‬
‫اَألر َ‬ ‫ات َأن يَ ْخ ِس َ‬ ‫السيَِّئ ِ‬
‫َم َك ُرواْـ َّ‬
‫ف فَِإ َّن ربَّ ُكم لَرُؤ ٌ ِ‬ ‫ْأخ َذهم َعلَى تَ َخ ُّو ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬
‫وف َّرح ٌ‬ ‫َ ْ‬ ‫ين (‪َْ )46‬أو يَ ُ ُ ْ‬ ‫ْأخ َذ ُه ْـم في َت َقلُّب ِه ْم فَ َما ُهم ب ُم ْعج ِز َ‬
‫يَ ُ‬
‫(‪. 163﴾ )47‬‬

‫وإن من العجيب في البشر أن يد اهلل تعمل من حولهم‪،‬ـ وتأخذـ بعضهم أخذ عزيز‬
‫مقتدر‪ ،‬فال يغني عنهم مكرهمـ وتدبيرهمـ ‪ ،‬وال تدفع عنهم قوتهم وال علمهم ومالهم ‪.‬‬

‫ويظل الناجون آمنون ال يتوقعون أن يأخذوا كما أخذ غيرهم‪ ،‬وال يخشون أن تمتد‬
‫إليهم عقوبة اهلل في صحوهم أو منامهم‪ ،‬في غفلتهم أو في استيقاظهمـ ‪ ،‬وهذا هو األمن‬
‫المذموم ‪.‬‬

‫إن ما يحدث من كوارث ونوازل تهدد العالم وتؤثر فيه‪ ،‬هي واهلل آية كيف تتالشى‬
‫أسطورة المال وتندك قالع الرباـ وتنهار القوى وينتهي كل شيء في دقائق معدوداتـ ‪،‬‬
‫ويصبح الناس على ذهول مهول‪ ،‬أين القوة والجبروت أين الهيمنة االقتصادية ‪ ،‬في لحظات‬
‫وبال مقدمات ينتهي كل شيء ‪ ،‬إنها واهلل آية وعظة ‪ ،‬وإنها لنذر ليراجع الناس ربهم ويعودوا‬
‫لخالقهم‪ ،‬وليعلموا أن القوة هلل جميعا ‪.‬‬

‫هذا وصلوا وسلموا على رسول اهلل محمد بن عبد اهلل ‪ ،‬اللهم صلى وسلم على‬
‫محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ‪ ،‬وبارك على محمد‬
‫وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيمـ وعلى آل إبراهيمـ في العالمين إنك حميد مجيد ‪،‬‬
‫وسلم عليه يارب تسليماً كثيراً ‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪111‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اهلل أعز اإلسالم والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدينـ واجعل هذا‬
‫رخاء وسائرـ بالد المسلمين ‪.‬‬
‫سخاء ً‬
‫ً‬ ‫البلد آمناً مطمئناً‬

‫اللهم آمنننا في أوطاننا ‪ ،‬اللهم آمننا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬اللهم‬
‫اجعل واليتنا فيمن خافك واتقاك ‪ ،‬واتبع رضاك يارب العالمينـ ‪ ،‬اللهم ادفع عنا الغال والوبا‬
‫والربا والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ‪ ،‬اللهم وفق ولي أمرناـ لهداك ‪،‬‬
‫واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬اللهمـ وفقه ونائبه وإخوانهمـ وأعوانهم لما فيه صالح العباد والبالد‬
‫‪.‬‬

‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم كن لهم مؤيداً‬


‫ونصيراً ‪ ،‬ومعينا وظهيراً ‪ ،‬اللهم أصلح أحوالـ المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلح أحوالـ المسلمين ‪،‬‬
‫اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬واجمعهمـ على الحق يارب العالمين ‪ ،‬اللهمـ‬
‫انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر المجاهدينـ في سبيلك في‬
‫كل مكان يارب العالمينـ ‪ ،‬اللهم انصرهم في فلسطين ‪ ،‬وفي كل مكان ياحي ياقيوم ‪ ،‬اللهمـ‬
‫اجعلناـ شاكرين لنعمك مثنين عليك بها قابليها وأتمها علينا يا حي يا قيوم ‪ ،‬اللهم فرج هم‬
‫المهمومين ‪ ،‬ونفث كرب المكروبينـ ‪ ،‬وفك أسر المأسورين واقض الدينـ عن المدينين ‪،‬‬
‫واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين‪،‬‬

‫اللهم تقبل صيامنا وقيامنا ودعاءنا وصالح أعمالنا ‪ ،‬اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا‬
‫ويسر أمورنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا آتنا في الدنياـ حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا‬
‫عذاب النار‪ ،‬اللهم اغفر لنا ووالديناـ ووالديهمـ وذرياتهم ولجميع المسلمين ‪ ،‬ربنا ظلمنا‬
‫أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‪.‬ـ‬

‫نستغفر اهلل نستغفر اهلل ‪ ،‬نستغفرـ اهلل الذي ال إله إال هو الحي القيوم ونتوب إليه ‪.‬‬
‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغني ونحن الفقراءـ أنزل علينا الغيث وال تجعلنا من‬
‫‪112‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫القانطينـ ‪ .‬اللهم أغثنا‪ ،‬اللهم أغثنا‪ ،‬اللهمـ أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً مجلالً ‪ ،‬عاماً نافعاً‬
‫غير ضار تحيى به البالد وتسقي به العباد وتجعله بالغاً للحاضر والبادـ ‪ ،‬اللهم سقيا رحمة ‪،‬‬
‫اللهم سقيا رحمة ‪ ،‬اللهم سقيا رحمة ‪ ،‬ال سقيا عذاب وال بالء ‪.‬‬

‫اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرراً ‪ .‬ربنا تقبل منا إنك‬
‫أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيمـ ‪ ،‬سبحان ربك رب العزة عما‬
‫يصفون وسالم على المرسلين والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬العلم وأثره في الحضارات‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬التاسع من ذي القعدة من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫‪ -‬العلم وأثره في الحضارات ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل الحمد هلل أحاط علمه جميع الكائنات وحوى سلطانهـ األرض والسموات‪،‬‬
‫يحي القلوب بنور الوحي كما يبعث األرض بالقطرـ بعد الموات‪ ،‬أعلى للعلم شأناًـ ورفع‬
‫ات‪1(..‬‬ ‫ْم َدرج ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪..‬ي ْرفَ ِع اللَّهُ الَّ ِذ َـ‬
‫ين ُأوتُوا الْعل َـ َ َ‬
‫آمنُوا من ُك ْـم َوالذ َ‬
‫ين َ‬ ‫للعلماء قدراً ومكاناً ﴿ َ‬
‫‪164‬‬
‫‪﴾ )1‬‬

‫‪164‬‬
‫سورة المجادلة‬
‫‪113‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمد عبد اهلل ورسوله‪ ،‬بلغ‬
‫الرسالةـ وأدى األمانة ونصح األمةـ وجاهد في اهلل حق جاهدهـ حتى آتاه اليقين‪ ،‬صلى اهلل‬
‫وسلم وبارك عليه وعلى آله وعلى آله الطيبين الطاهرين‪،‬ـ وصحابته الغر الميامين‪ ،‬والتابعينـ‬
‫ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬

‫أما بعد‪ :‬فاتقوا اهلل تعالى حق التقوى واستمسكوا من اإلسالم بالعروةـ الوثقى ﴿ يَا‬
‫آمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ َح َّق ُت َقاتِِـه َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوَأنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن (‪. 165﴾ )102‬‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫َُّأي َها الذ َ‬

‫عباد اهلل‪ :‬خصلة هي معيار تفاوتـ األمم في الميزان‪ ،‬وفضيلة تتفاضل بها الدولـ‬
‫واألوطان‪ ،‬ومكتسب به ‪ ...‬كل يدعيها وإن كان منها خلياً‪ ،‬كل ينفي عن نفسه ضدها وإن‬
‫كان منها ‪ ...‬فضيلة دعت إليها الشرائع والعقول‪،‬ـ وتنافس فيها أهل الشرف واألصول‪ ،‬هي‬
‫أول ما أكرم به اإلنسانـ يوم خلق‪ ،‬وزود به يوم وجود‪ ،‬تلكم أيها المسلمون فضيلة العلمـ‬
‫ض ُه ْم َعلَى ال َْمالَِئ َك ِة ‪.166﴾ )31( ..‬‬
‫اَألس َماء ُكلَّ َها ثُ َّم َع َر َ‬ ‫واقرءا إن شئتم ﴿ َو َعلَّ َم َ‬
‫آد َم ْ‬

‫أيها المسلمون‪ :‬منذ ذلك اليوم األول الذي أصاب فيه آدم علماً استمر العلم‬
‫واإلنسانـ مصطحبان‪ ،‬يؤثر أحدهما في اآلخر ومتى وجد العلم النافع في أمة هداها‪ ،‬فقوم‬
‫منها السلوك ورقاها في مدارج الحضارة‪ ،‬وليس القصدـ بيان أهمية العلم وفضله‪ ،‬فإن هذا‬
‫مما استقر في النفوس وأصبح من بدائه العقول‪،‬ـ فمنذ اليوم األول لوجود اإلنسانـ وعلى مر‬
‫األزمان‪،‬ـ تفرع العلم وتشعب وانقسم وتعدد‪ ،‬إال أنه يمكن إدراج العلم تحت قسمين‬
‫رئيسين هما‪ :‬علم الشريعة والدينـ وعلم الطبيعة والتجريب‪ ،‬وتجاذب هذان العلمان البشر‬
‫على مر العصور‪ ،‬فيأخذون من هذا ويأخذون من ذاك‪ ،‬ويشتغلون بهما أو بأحدهما‪،‬ـ وفي‬
‫العصور الماضيات كانت علوم الشرائع واألديان هي المقدمات لدى األمم‪ ،‬وأهلها من‬

‫‪165‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪166‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪114‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫األحبار والعلماء هم خواص الملوك وجلساءهم‪ ،‬وهم أهل الرأي والمشورة فيهم‪ ،‬وبقدر‬
‫قرب الوالة والعلماء يكون قرب األمة من شريعتها‪،‬ـ وبقدر تباعدهمـ يكون بعد األمة عن‬
‫شريعتها‪ ،‬وقد تجلى هذا التقارب والتمازج في القرونـ األولى من عمر أمة اإلسالم‪ ،‬فهديت‬
‫ورشدت وتبعت تلك النهضة الدينية نهضة دنيوية‪ ،‬تطورت على إثر ذلك علوم تجريبية‬
‫كثيرة‪ ،‬ويكاد يكون هذا األمرـ مضطردا‪ ،‬إذ كل نهضة دينية راشدة في تاريخ‬

‫اإلسالم تعقبنها نهضة دنيوية‪ ،‬وقد نتلمس ذلك في إشارات من القرآن العزيز ﴿ َولَ ْو َّ‬
‫َأن َْأه َل‬
‫ض ‪. 167﴾ )96( ...‬‬ ‫اَألر ِ‬ ‫الْ ُقرى آمنُواْ و َّات َقواْ لََفتَ ْحنَا َعلَْي ِهم بر َك ٍ‬
‫الس َماء َو ْ‬
‫ات ِّم َن َّ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ‬

‫أيها المسلمون‪ :‬في القرن الماضي وفي أواخر الذي قبله فتح على البشر من علوم‬
‫الدنياـ ما لم يعهد في أسالفهم‪ ،‬وتفجرت المعرفة واالكتشافات‪،‬ـ وأورثت تلك العلوم‬
‫والمعارف تفوقاً سياسياً وصناعياً رافقه نتاج فكري وأدبيـ غزير‪ ،‬نقلت البشر إلى حالـ من‬
‫الرفاهية جديد وسيدتـ تلك العلوم أربابها‪ ،‬ومكنتهم من بسط نفوذهم على كثير من البالد‬
‫احتالالً واستعماراً‪ ،‬وأدرك المغلوبين ما يدرك المهزوم عادة مما قرره أهل التاريخ‬
‫واالجتماع‪ ،‬من أن المغلوب مولع أبداً بتقليد الغالب في شعاره وزيه ونحلته وعوائده‪،‬‬
‫وسائر أحواله‪،‬ـ وكان الظهور هذه المرة لغير المسلمين في زمن ضعفهم في أمور دينهمـ‬
‫ودنياهم‪،‬ـ وأصيب كثير من المسلمين هذه المرة ليس في أجسادهمـ وأبشارهمـ وإنما في‬
‫قناعاتهم وذواتهم‪ ،‬وعندما تصاب أمة من األممـ بهذا المرض المدمر وهو فقدان الذات‪،‬ـ فإن‬
‫أبرز أعراضه يتمثل في االنبهارـ القاتلـ باألمم األخرى‪،‬ـ واالستمدادـ غير الواعي من منهاجهم‬
‫ونظمها وقيمها‪.‬‬
‫ولما كان الغالب قد نح الدينـ والتدين وهمش علوم الشرائع واألديان‪،‬ـ وهو من شأن‬
‫رجالهـ وعلماءه‪ ،‬سرت هذه العدوى إلى كثير من بالد المسلمين‪ ،‬والتي كانت ترزح تحت‬
‫نيل المستعمر‪- ،‬ونج اهلل هذه البالد المقدسة فلم تطلها يد االستعمار‪-‬ـ وعندما قررت كثير‬
‫‪167‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪115‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫من البالد اإلسالميةـ ذلك الحين مناهجها الدراسية‪،‬ـ وأنشأتـ معاهدهاـ وأقسامها الجامعية‪،‬ـ‬
‫كان نصيب علوم الشريعة اإلسالميةـ منها ضئيالً‪ ،‬وحظ شبابـ المسلمين منها قليالً‪ ،‬ومع‬
‫هذه القلة فإن تلك العلوم اإلسالمية في كثير من تلك المدارس لم يكن يشترط فيها النجاح‬
‫لتجاوز المرحلة الدراسية‪،‬ـ فنشأت أجيال من المسلمين مبتوتة الصلة بتاريخها‪ ،‬قليلة العلم‬
‫بأحكام دينها‪ ،‬يعرفون من تاريخ الغربـ أكثر مما يعرفون من تاريخ بالدهم‪ ،‬ويعلمون من‬
‫سير قادة المستعمر وعلماءه ما ال يعرفونه عن عظماء قومهم‪ ،‬أما علمهم بأمور دينهم فإن‬
‫هذا مما يشكىـ إلىـ اهلل ‪.‬‬

‫إال أنه لم تخل بالد اإلسالم من معاقل لعلم الشريعة جاهدت ذك الحين جهاداـ عم‬
‫أثره‪ ،‬وحفظ اهلل به علم الشريعةـ وعلماءه‪ ،‬منها أزهر مصر ومحاضن للعلم في هذه البالد‬
‫الطاهرة‪ ،‬كانت نواة لجامعاتـ إسالمية نفع اهلل بها عموم المسلمين‪ ،‬تمحضت لتدريس علوم‬
‫الشريعة‪ ،‬وأمهاـ طلبة العلم من أقطار شتى‪ ،‬مع حلق العلمـ في المساجد ومعاهد في بالد‬
‫أخرى للمسلمين‪.‬‬

‫وبعد أيها المسلمين‪ :‬ما سبق من عرض ال يعني أبدا التهوين من علوم الطبيعة‬
‫والتجريب‪ ،‬وال الغض من فنون تخدم أغراضاً دنيوية بحتة‪ ،‬فإن العلوم التي تصلح بها دينا‬
‫الناس ومعاشهم قد يدخلـ تعلم بعضهاـ وتعليمه في الواجب الكفائي‪،‬ـ ولكن المؤسف المحزن‬
‫أن تجلي طرفك في عموم بالد المسلمين فترى انحساراً وضعفاً في االهتمام بعلم الشريعة‪،‬ـ‬
‫وأن ترى تعليق القبول في معاهدهاـ وجامعتهاـ بحاجة سوق العمل أو الوفرة الوظيفية‪ ،‬كأن‬
‫علم الشريعةـ لبناء الدنيا‪ ،‬كما تأسىـ أن تزاحمـ أروقة الجامعاتـ اإلسالمية الرائدة في العالم‬
‫اإلسالميـ بتخصصات علمية‪ ،‬كأن اضطالعها بتدريس علوم الشريعة ليست مهمة كافية‬
‫تحشد لها الطاقاتـ وتوفر لها كل االهتمامات‪ ،‬أو كأن الجامعات الشرعية ال توصف بأنهاـ‬
‫متطورة أو متقدمةـ إال بتبنيها لعلوم تزاحم علوم‬

‫‪116‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الشريعة‪ ،‬ومع حسن ظننا بالقائمينـ على ذلكـ الداعينـ إليه إال أنه يجب تذكير الجميع بعظمة‬
‫علوم الشريعةـ اإلسالمية‪ ،‬وعظمة استمداها وثمرتها‪ ،‬وأنهاـ تصلح أمور الدينـ والدنيا ومدى‬
‫حاجةـ العالمـ كافة إليها وضرورة األمة إليها‪،‬ـ وأننا يجب أال نهن أمام ولع الناس وشدة‬
‫اهتمامهم بعلوم أخرى‪ ،‬ونفقد الثقةـ في أنفسنا وفي مكانة علومنا الشرعية‪ ،‬فإن استمدادهاـ‬
‫من السماء وأول معلميها هم الرسلـ واألنبياء‪،‬ـ وثمرتها إسعاد البشر في الدنيا وفي الحياة‬
‫اآلخرة‪،‬ـ والعلمـ الشرعي يكسب صاحبه خيرية قال فيها النبي صلى اهلل عليه وسلم‪َ " :‬م ْن يُ ِر ْد‬
‫اللَّهُ بِ ِه َخ ْي ًرا ُي َف ِّق ْههُـ فِي الدِّي ِـن " فتفقه مسلم هو كسب لمجتمعه إذا أصبح أحد أفراده خيراً‬
‫حتى ولو انكفأـ على نفسه‪ ،‬فكيف إذا عمل به وبلغه إنه ميراث األنبياء وقد قال النبي صلى‬
‫اء لَ ْم ُي َو ِّرثُوا ِدينَ ًارا َوالَ ِد ْر َه ًما‪ِ ،‬إنَّ َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اء ُه ْم َو َرثَةُ اَألنْبيَاء‪ِ ،‬إ َّن اَألنْبيَ َ‬
‫اهلل عليه وسلم " ِإ َّن الْعُلَ َم َ‬
‫ظ َوافِ ٍر" إن العلم الشرعي وأصحابه هم المقدمون في الدنياـ‬ ‫َأخ َذ بِ َح ٍّ‬
‫َأخ َذهُ َ‬ ‫ْم‪ ،‬فَ َم ْن َ‬ ‫ِ‬
‫َو َّرثُوا الْعل َ‬
‫واآلخرة‪ ،‬وقد أخبر النبي صلى اهلل عليه وسلم أن معاذـ بن جبل رضي اهلل عنه يأتي يوم‬
‫القيامة يقدم العلماء‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪ :‬أدركوا علما الشريعةـ فالعلماء الربانيون يموتون‪ ،‬واالهتمام بهذا‬
‫العلمـ يتضائلـ ويتقلص‪ ،‬والعالمـ يضطرب في ظلمات الجهل باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬وتنعدم‬
‫األخالق والقيم في لجج السياسةـ واإلعالم‪ ،‬واالقتصاد والتشريع ثم إنك ترى من يتقحم في‬
‫مسائلـ الدين بالجهل والهوى‪ ،‬ومن يتطرف في أحكامهـ بالغلو والتعصب‪ ،‬كل ذلك نتائج‬
‫انحسار العلمـ الشرعيـ المؤصل‪ ،‬وقد قال النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :‬إ َّن اللَّهَ اَل َي ْقبِ ُ‬
‫ض‬
‫ض الْعُلَ َم ِاء ‪َ ،‬حتَّى ِإ َذا لَ ْم ُي ْب ِق َعالِ ًما‬
‫ْم بَِق ْب ِ‬ ‫ِ‬
‫ض الْعل َ‬
‫ِ‬ ‫اعاـ َي ْنتَ ِزعُهُ ِم َن ال ِْعبَ ِـ‬
‫اد ‪َ ،‬ولَك ْن َي ْقبِ ُ‬ ‫ال ِْعل َـ‬
‫ْم انْتِ َز ً‬
‫ضلُّوا " متفق عليه‬ ‫ضلُّوا َوَأ َ‬‫سِئلُوا فََأ ْفَت ْوا بِغَْي ِر ِعل ٍْم فَ َ‬
‫وسا ُج َّهااًل ‪ ،‬فَ ُ‬‫َّاس ُرءُ ً‬ ‫اتَّ َخ َذ الن ُ‬

‫إن حاجة الناس إلى العلماء وإلى علم الشريعةـ كحاجة الظمأن إلى الماء‪ ،‬والغريقـ إلىـ‬
‫الهواء‪ ،‬خاصة في زمن اضطراب األهواء‪ ،‬إنك ترى بوادر الغربةـ بذبول معاقل علم الشريعة‪،‬ـ‬
‫يعود غريبًا َك َما بَ َدَأ فطوبَى‬
‫سالم غريبًا ثم ُ‬ ‫وقد قال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬بَ َدَأ اإِل ُ‬
‫ود غَ ِريباً "‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْم غَ ِريبَاً َو َسيعُ ُ‬
‫ل ْلغَُربَاء " رواه مسلم وفي رواية بسند حسن ‪ " :‬بَ َدَأ العل ُ‬
‫‪117‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المهتمون إننا إن رمنا إصالحاً وتطويرا لمحاضن علم الشريعة‪،‬ـ فإن لهذا األمر‬
‫مجاالتهـ ومنها التزكية الروحيةـ لطالب العلم‪،‬ـ واالهتمام بنوازل العلم ومستجداته‪ ،‬وتطوير‬
‫آليات التعليم وطرائقه‪ ،‬وإعادة ترتيب مناهجه وسبله‪ ،‬ودعم مراكز البحث العلمي وغير‬
‫ذلك مما ال يعجز عنها األكفاء المخلصون‪.‬‬

‫علينا أن ندرك ونعي أن العلوم المقتحمة على الجامعات الشرعية المتخصصة لها‬
‫جامعاتهاـ التيـ تدرسها بكفاءة وخبرة في طول البالد وعرضها‪ ،‬أما ما يعني بتدريس الشريعة‬
‫فإنه في العالمـ قليل‪ ،‬والمستقيم على النهج السليم أقل من القليل‪ ،‬فليت شعري ما الذي‬
‫سيبقى بعد ذلك من هذا القليل ‪.‬‬

‫ومرة أخرىـ فإنه ال مساومة على أهمية علوم الطبيعة والتجريب فذلك أمر مسلم‪،‬‬
‫ووجود جامعاتهـ المختصة أمر محمود ومطلوب‪ ،‬لكن هذا ال يقتضي مزاحمةـ علم الشريعة‬
‫والتقليص من مخرجاته‪،‬ـ أعوذ باهلل من الشيطان ﴿ َو َما َكا َن ال ُْمْؤ ِمنُو َن لِيَ ِنف ُرواْ َكآفَّةً َفلَ ْوالَ َن َف َر‬
‫ِمن ُك ِّل فِرقَ ٍة ِّم ْنهم طَآِئَفةٌ لِّيَت َف َّقهواْ فِي الدِّي ِـن ولِي ِ‬
‫نذ ُرواْ َق ْو َم ُه ْم ِإذَا َر َجعُواْ ِإلَْي ِه ْم لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْح َذ ُرو َن‬‫َُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬
‫‪168‬‬
‫(‪. ﴾ )122‬‬
‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا وإياكم بما فيه من اآلياتـ والذكر‬
‫الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر اهلل تعالى لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور‬
‫الرحيمـ ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪168‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪118‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الحمد هلل جعل العلم مربحاً ومغنماً‪ ،‬وصيره إلى الجنة طريقاً وسلماً‪ ،‬وأشهد أال إله‬
‫إال هلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمد عبد اهلل ورسوله‪ ،‬بعثه اهلل هادياً ومعلماً‪،‬‬
‫فصلوات ربي وسالمه عليه وعلى اآلل والصحب الكرام‪ ،‬نقلوا إلينا دين اهلل فكانوا نعم‬
‫األمناء‪،‬ـ واستودعونا ميراث الرسولـ واألنبياء فرضي اهلل عنهم وأرضاهم ورضي عمن سار‬
‫على نهجهم واقتفى أثرهم‪.‬ـ‬
‫أما بعد أيها المسلمون‪ :‬ففي زمن انتشار المعلومة وكثرة مصادر التلقي‪،‬ـ وإعجاب‬
‫كل ذي رأي برأيه‪ ،‬تبرز الحاجة الملحة إلى العلم الشرعي المؤصل‪ ،‬فليس العلم مجرد‬
‫معلومات تحصل إنما هو فقه ودربة ودين وإيمان وقواعد وأصول‪ ،‬وإحاطة بأصول‬
‫االستمدادـ وطرائقهـ وأدلته والموازنة بينها وطرق االستنباطـ والترجيح‪ ،‬ومعرفة األحوال‬
‫والوقائع والمقاصد وغير ذلك‪ ،‬مع بذل األعمار ومواصلة الليل والنهار في تحصيل ذلك‬
‫والتروي منه‪ ،‬قال اإلمام مالك‪" :‬ما أفتيت أحدا حتى شهد لي سبعون أني ذلك " فكيف لو‬
‫رأى تصدر من ال خالق له ممن يجول ويصول بلقمه ولسانه في كل فن وعلى كل منبر‪ ،‬لم‬
‫يطلب العلم يوماً لكنه عرف شيئاً أو أعجبه رأيه فطار به ‪.‬‬

‫إن العلماء شيء آخر فوق الوعاظ وفوق المفكرين‪،‬ـ وقد قال النبي صلى اهلل عليه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ج‪ ‬‬
‫ْم ‪َ ،‬ويَ ْك ُث ُر ال َْه ْر ُ‬ ‫وسلم‪َ " :‬سيَْأتِي َعلَى َُّأمتِي َز َما ٌن يَ ْك ُث ُر الْ ُق َّراءُـ ‪َ ،‬ويَق ُّل الْ ُف َق َهاءُ ‪َ ،‬و ُي ْقبَ ُ‬
‫ض الْعل ُ‬
‫" أخرجهـ الحاكم وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬

‫يجب أن يعرف للعالم الحق قدره‪ ،‬وأن يوقر هلل ولما يحمله من دين اهلل‪ ،‬والحذر كل‬
‫الحذر من التهوين من شأنهمـ لدى العامة‪ ،‬أو محاولة إسقاطهم وما يقدح فيهم إال زائغ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫ض‬ ‫العلماء أمان األرض من النقص وفي قول اهلل عز وجل ﴿ ََأولَ ْم َي َر ْواْ َأنَّا نَْأتي ْ‬
‫اَألر َ‬
‫ص َها ِم ْن َأط َْرافِ َها ‪ 169﴾ )41( ...‬قال ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪-‬في أحد تفسيره‪: -‬‬ ‫نَن ُق ُ‬
‫"خرابهاـ بموت علماءه وفقهاءها" وكذا قال مجاهد ‪-‬أيضا‪" -‬خرابهاـ بموت العلماء"‪.‬‬

‫إنه ال تكهن في اإلسالم وال عصمة إال لألنبياء‪ ،‬ولكن صدراً حوى علم الشريعة‪،‬‬
‫وقلبا ملئ خشية وإيماناً‪،‬ـ وكهالً أفنى عمره في العلمـ باهلل وآياته وأحكامه لهو حقيق بالتوقير‬
‫واإلجالل‬

‫أيها المسلمون‪ :‬لقد صاح المنصفون من جهةـ الغرب قدمنا لكم الصناعات‬
‫والمخترعات فقدموا ما لديكم من نور اإليمان‪،‬ـ حيث شقوا بهذه الحضارة‪ ،‬ثم أصبح العالمـ‬
‫وقد انهارت نظم الرأس المالية وقبلها الشيوعية‪ ،‬فصاح المنصفون مرة أخرى بأهل اإلسالم‬
‫قدموا ما لديكم من نظم تستمد نورها من السماء‪ ،‬فهل يقدر على ذلك غير العلماء‬
‫المؤصلين‪ ،‬وهل تقوى أمة اإلسالم على تقديمـ مشروع اقتصادي إسالمي عالمي إال إذا كان‬
‫لها مراكز البحث العلمي المتخصص‪ ،‬والجامعاتـ العريقةـ المتخصصة‪ ،‬والباحثون‬
‫المتخصصون‪ ،‬وإنها لوقفة إشادةـ بمبادرة خادم الحرمين الشريفينـ بتقديم النظام اإلسالميـ‬
‫االقتصادي للعالم‪ ،‬عبر مؤتمر الحوار فبارك اهلل في الجهود وسدد الخطى‪.‬‬

‫هذا وصلوا وسلموا على خير البريةـ وأزكى البشرية‪،‬ـ محمد بن عبد اهلل‪ ،‬رسول اهلل‬
‫ومصطفاه‪ ،‬اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيمـ وعلى آل‬
‫إبراهيمـ في العالمين إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على‬
‫إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمينـ إنك حميد مجيد‬

‫‪169‬‬
‫سورة الرعد‬
‫‪120‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم أعز اإلسالم والمسلمين‪ ،‬اللهم أعز اإلسالم‬
‫وانصر المسلمين وأذل الشرك والمشركين‪ ،‬ودمر أعداء الدين‪،‬ـ واجعل هذا البلد آمنا مطئناً‬
‫وسائر بالد المسلمين ‪.‬‬

‫اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا‪ ،‬اهلل اللهم وفق ولي أمرنا‬
‫لهداك واجعلـ عمله في رضاك‪ ،‬اللهم وفقه ونائبهـ لما فيه صالح اإلسالم والمسلمين‪ ،‬اللهمـ‬
‫أصلح بطانتهم واصرف عنهم بطانة السوء يا رب العالمين‪،‬ـ اللهمـ وفق والة أمور المسلمين‬
‫لما تحب وترضى‪ ،‬وخذ بهم للبر والتقوى‪ ،‬اللهم أصلح أحوالـ المسلمين في كل مكان يا‬
‫رب العالمين‪،‬ـ اللهم ردهم إليك رداً جميالً ‪ ،‬واجمعهمـ على الحق والهدى والكتاب والسنة‪،‬‬
‫يا حي يا قيوم يا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر المجاهدين في‬
‫سبيلك في كل مكان يا رب العالمين‪،‬ـ اللهمـ عليك بأعداء الدينـ فإنهم ال يعجزونك‪ ،‬اللهمـ‬
‫أنزل بهم بأسكـ ورجسكـ إله الحق‪ ،‬ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرةـ‬

‫حسنة وقنا عذاب النار‪ ،‬اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ‪ ،‬ونفس كرب المكروبين‪،‬ـ‬
‫وفك أسر المأسورين‪ ،‬واقض دين المدينين‪،‬ـ واشف برحمتك مرضاناـ ومرضى المسلمين‪،‬‬
‫ربنا اغفر لنا ولوالديهمـ وذرياتهمـ ولجميع المسلمين ‪ ،‬اللهم اغفر ذنبونا واستر عيوبنا‪ ،‬ويسر‬
‫أمورنا‪ ،‬وبلغنا فيما يرضيك آمالنا‪.‬‬

‫اللهم لك الحمد على ما أنعمت علينا به من الغيث والمطر‪ ،‬اللهمـ بارك لنا في‬
‫عطائك وزد لنا من نعمائك‪،‬ـ واجعل ما أنزلته لنا قوة على طاعتك وبالغاً إلى حين‪ ،‬اللهم‬
‫زدنا وال تنقصنا‪ ،‬وآثرنا وال تؤثر علينا‪ ،‬اللهمـ اجعلنا شاكرين لنعمك قابليها مثنين بها عليك‪،‬‬
‫ربنا تقبل منا إنكـ أنت السميع العليم‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪،‬ـ سبحان ربك‬
‫رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسالم على المرسلين‪،‬ـ والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬تقوى اهلل ومحاسبة النفس‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الحادي والعشرون من ذي الحجة من عام ‪ 1429‬هـ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره‪،‬ـ ونعوذ باهلل من شرور أنفسناـ ومن سيئات أعمالنا‪،‬‬
‫من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ‪ ..‬وأشهدـ أال إله إال اهلل وحده ال شريك‬
‫له‪ ،‬وأشهد أن محمد عبده ورسوله‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين‪،‬‬
‫وصحابته الغر الميامين‪ ،‬والتابعينـ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬

‫أما بعد‪ ..‬فإن أصدق الحديث كتاب اهلل وخير الهديـ هدي محمد صلى اهلل عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وشر األمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضاللة‪ ،‬وعليكم بجامعة‬

‫‪122‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫المسلمين‪ ،‬فإن يد اهلل على الجامعة ومن شذ شذ في النار‪ ..‬ثم أوصيكم أيهاـ المسلمون‬
‫ونفسيـ بتقوى اهلل في السر والعلن‪ ،‬فهو العالمـ سبحانه بما ظهر وما بطن ﴿ يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين‬
‫آمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوَأنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن (‪. 170﴾ )102‬‬
‫َ‬

‫عباد اهلل مرتـ أيام الحج ومناسكهـ كسحائب ديم برقت ورعدت ثم أمطرت‬
‫وأغاثت‪ ،‬أمطرت الرحمات وأغاثت بتكفير السيئات‪ ،‬ومثل هذا ينبت ويثمر‪ ،‬نعم يثمر‬
‫صالحاً وتقى واستقامةـ وهدى‪ ،‬ذلكم أيها المسلمون أن من فضل اهلل على من اكتسب‬
‫واه ْم (‬ ‫َّ ِ‬
‫اه ْم َت ْق ُ‬
‫اد ُه ْـم ُه ًدى َوآتَ ُ‬
‫ين ْاهتَ َد ْواـ َز َ‬
‫الحسنات أن يزداد إيمانهـ وتصلح أعماله‪َ ﴿ ،‬والذ َ‬
‫‪171‬‬
‫‪ ﴾ )17‬أن يزداد من نور اهلل نوراً ولألعمال الصالحة قربة وحبوراً‪ ،‬وإن للحسنة لنوراً‬
‫وضياء في الوجه‪ ،‬وسعة في الرزق‪ ،‬ومحبة في قلوب الخلق ‪ ..‬ولقد كانت‬ ‫ً‬ ‫في القلب‪،‬‬
‫األيام السالفةـ موسماً للحجاج والمقيمين‪ ،‬وأياماًـ من أعظم أيام اهلل تبارك وتعالىـ ‪ ..‬أعمال‬
‫صالحة متنوعة‪ ،‬وتقرب إلى اهلل وازدالفاً لمرضاته‪ ،‬وقد ورد أن العتق من النار في يوم عرفة‬
‫يشمل الحاج وغير الحاج‪ ،‬فهنيئاً لمن قبل اهلل طاعته وإن كان قاعداً في بيته‪ ،‬هنيئاً لمن‬
‫أعتق من النار‪ ،‬وهنيئاً لمن عاد من حجه كيوم ولدته أمه ليس عليه ذنب وال خطيئة‪ ،‬حين‬
‫ينقلب الحاج إلى أهله في إيهابـ طاهر وباطن أحلى من الظاهرـ ‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ ..‬ختام الحج كختام العام‪ ،‬وقفة للعاقل للمحاسبة والمراجعات‪ ،‬كما يفعل‬
‫أصحاب األموال والتجارات في كل عام يراجعون ويدققون‪ ،‬يحاسبون ويسائلون‪ ،‬تصحيحاً‬
‫للخطأ واستثماراً للصواب‪ ،‬وسعياً حثيثاً للربح وتجنب الخسار ‪ ..‬والمؤمن في سيره إلى اهلل‬
‫أولى بهذه المحاسبة وهذا التدقيق‪ ،‬سيما وهو في أعقاب موسم عظيم من أيام اهلل المباركة‪،‬‬
‫ضيتُم َّمنَ ِ‬
‫اس َك ُك ْم فَاذْ ُك ُرواْ اللّهَ ‪ 172﴾ )200( ...‬إن‬ ‫والذي قال اهلل فيه سبحانه ﴿ فَِإ َذا قَ َ ْ‬
‫الذكر المتبادر هو الذكر باللسان بجميع أنواعه‪ ،‬سواء المطلق العام أو الخاص باألوقاتـ‬

‫‪170‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪171‬‬
‫سورة محمد‬
‫‪172‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪123‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫واألحوال‪،‬ـ وهذا مقصود وال شك لكن الذكر الذي ال يجوز نسيانه هو ذكر اهلل تعالى‬
‫بالقلب‪ ،‬واستحضار مراقبته الدائمة للعبد‪ ،‬وتذكر إطالعه وعلمه‪ ،‬وأنه يراك ويعلم منقلبك‬
‫ومثواك‪ ،‬وأنه الرقيب الذي ال يغفل‪،‬ـ والشهيد الذي يعلم ‪.‬‬
‫إذا استحضر المسلم ذلك وتذكر ربه في كل حال فقد حاز المرتبة العالية والدرجةـ السامية‪،‬ـ‬
‫ال َأ ْن َت ْعبُ َد اللَّهَ َكَأنَّ َ‬
‫ك َت َراهُ فَِإ ْن لَ ْم تَ ُك ْن َت َراهُ‬ ‫وهي المشار إليها في الحديث المتفق عليه " قَ َ‬
‫اك " إن الذي يتذكر ربه دائماً فإنه ينبعث للطاعة بكل همة ونشاط‪ ،‬بل وفرح‬ ‫فَِإ نَّهُ َي َر َ‬
‫وسرور‪ ،‬وإذا عرضت له الفتن والشهواتـ فهو أبعد الناس عن الحرمات‪،‬ـ ألنه يتذكر اهلل‬
‫الذي يعلم خائنة األعين وما تخفي الصدور‪ ،‬إن ذكر اهلل تعالىـ ومراقبته باعث لكل خير‬
‫حاجزـ عن كل شر ‪ ..‬واستدامة المراقبة هي ثمرة العلمـ بأن اهلل ناظر إليكـ سامع قولك مطلع‬
‫على عملك في كل حين وحال ﴿ ‪َ ...‬و َكا َن اللَّهُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء َّرقِيبًا‪ 173﴾ )52( ..‬ومن‬
‫علم ذلك وتيقنه واستذكره واستحضره دعاه ذلك إلى محاسبة نفسه ومسائلتها‪،‬ـ والتفتيش‬
‫في أحواله وأعماله‪ ،‬وموقفه أمام اهلل العظيمـ الذيـ ال يغادر صغيرة وال كبيرة إال أحصاهاـ ‪..‬‬
‫وتتأكد المحاسبة بعد مواسم الطاعة وفي أعقاب انقضاء الليالي واأليام وفي انقضاء الشهور‬
‫َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللهَ َولْتَنظُْر َن ْف ٌ‬
‫س‬ ‫ين َ‬
‫واألعوام‪ ،‬وقد دل على ذلك قول اهلل عز وجل ﴿ يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ت لِغَ ٍد (‪ 174﴾ )18‬أمر اهلل العبد أن ينظر ما قدم لغده وذلك يتضمن محاسبة نفسه‬ ‫َّما قَ َّد َم ْ‬
‫والنظر هل يصلح ما قدمه أن يلقى اهلل به أو ال يصلح‪ ،‬والمقصود من هذا النظر ما يوجبه‬
‫ويقتضيه من كمال االستعدادـ ليوم المعاد‪ ،‬وتقديمـ ما ينجيه من عذاب اهلل‪ ،‬ويبيض وجهه عند‬
‫مواله‪ ،‬نظراً يدقق في الصغير والكبيرـ والسر والعالنية‪ ،‬وقد قال الحق سبحانه ﴿‪َ ...‬وا ْعلَ ُمواْ‬
‫اح َذ ُروهُ ‪ 175﴾ )235( ...‬وفي صفة الصفوة "من راقب اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َأن اللّهَ َي ْعلَ ُم َما في َأن ُفس ُك ْم فَ ْ‬
‫في خواطره عصمه في حركات جوارحه"ـ وقيل ‪" :‬المراقبة خلوص السر والعالنية هلل عز‬
‫وجل"‪ ،‬ويأتيـ ذلك من تعظيم اهلل تعالىـ وتعظيم حرماته‪ ،‬فيمتلئ القلب من عظمة اهلل عز‬
‫وجل وهيبته وخشيته مع كمال محبته وتوقيره‪ ،‬وذلك يستدعي القيام بأمره والوقوف عند‬

‫‪173‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪174‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪175‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪124‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ات اللَّ ِه َف ُه َو َخ ْي ٌر لَّهُ ِعن َد‬ ‫نهيه‪ ،‬وفي آيات الحج قال اهلل عز وجل ﴿ َذلِ َ‬
‫ك َو َمن ُي َعظِّ ْم ُح ُر َم ِـ‬
‫َربِِّه ‪ 176﴾ )30( ...‬قال جماعة من المفسرين‪" :‬حرماتـ اهلل هاهنا مغاضبه وما نهى عنه‬
‫وتعظيمها ترك مالبستها"‪ ،‬وقال الليث‪" :‬حرمات اهلل ا ال يحل انتهاكه"ـ وقيل‪" :‬الحرمات هي‬
‫األمر والنهي"‪،‬ـ وقيل‪" :‬المناسك وشعائرـ الحج"‪ ،‬والصواب أن الحرمات تعم هذا كله‪ ،‬حيث‬
‫إن الحرماتـ جمع حرمةـ وهي ما يجب احترامه وصونه ومراعاتهـ وحفظه‪ ،‬وتعظيمها بتوفيتها‬
‫حقها وحفظها من اإلضاعة‪ ،‬والتحرج من المخالفةـ فيها‪ ،‬وهذه هي حقيقةـ التقوى التي وصى‬
‫ات ‪ ﴾...‬إلى أن قال ﴿ َوَت َز َّو ُدواْ فَِإ َّن‬ ‫ْح ُّج َأ ْش ُه ٌـر َّم ْعلُ َ‬
‫وم ٌ‬ ‫اهلل بها في الحج فقال سبحانه‪ ﴿ :‬ال َ‬
‫الت ْق َوى‪ 177﴾ )197( ..‬وقد فسرت التقوى بأنهاـ الخوف من الجليل‪ ،‬والعمل‬ ‫الز ِـاد َّ‬
‫َخ ْي َر َّ‬
‫بالتنزيل‪،‬ـ واالستعدادـ ليوم الرحيلـ ‪ ..‬إنها كلمات توقف العاقل عند توديع عامه والعامل بعد‬
‫نسكهـ وتمامه‪ ،‬ألن يحاسب نفسه على ضوء هذه اإلشارات‪ ،‬والتي احتوتهاـ اآليات منبثة بين‬
‫آيات الحج‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ ..‬وإذا أنعمـ اهلل تعالى على عبده بهذه النعمة وهي نعمة التقوى‬
‫والمراقبة والتعظيم والمحاسبة‪ ،‬أورثه اهلل لذة وسروراً وغبطة وفرحاً وحبوراً‪ ،‬يجد ذلك‬
‫سعادةـ في قلبه وانشراحاً في صدره وأنساً ال يدركه إال من ذاق حالوته ‪ ..‬فإن سرور القلب‬
‫مع اهلل وفرحه به وقرة العين به ال يشبهه شيء من نعيم الدنيا‪،‬ـ وليس له نظير يقاس به‪ ،‬بل‬
‫هي حال من أحوال الجنة‪ ،‬حتى قال بعض الصالحين‪:‬ـ "إنهـ لتمر بي أوقات أقول فيها إن كان‬
‫أهل الجنة في مثل هذا إنهمـ لفيـ نعيم" ‪ ..‬وال ريب أن هذا السرور باعث على دوام السير‬
‫إلى مرضاة اهلل‪ ،‬وبذل الجهد في طلب جنته والهربـ من سخطه‪ ،‬ومن لم يجد هذا السرور‬
‫وال في أمن فليتهم إيمانه وأعماله‪ ،‬فإن لإليمان حالوة من لم يذقها فليرجع وليقتبس نوراً‬
‫يجد به حالوة اإليمان‪ ،‬وقد ذكر النبي صلى اهلل عليه وسلم ذوق طعم اإليمان ووجد‬
‫ِ‬
‫اإليمان ‪َ :‬م ْن‬ ‫حالوته‪ ،‬ففي صحيح مسلم أن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال‪ " :‬ذَا َق طَ ْع َم‬
‫وبمحم ٍد َر ُسوالً " وفي الصحيحين أن النبي صلى اهلل عليه‬ ‫َّ‬ ‫رِ‬
‫ض َي باهلل ربًّا‪ ،‬وباإلسالم دينًا‪،‬‬ ‫َ‬

‫‪ 176‬سورة الحج‬
‫‪177‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪125‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ب ِإلَْي ِه ِم َّما‬ ‫يمان ‪َ ،‬أ ْن يَ ُكو َن اللَّهُ َو َر ُسولُهُ َ‬


‫َأح َّ‬ ‫ث من ُك َّن فِ ِيه وج َد حاَل و َة اِإْل ِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫وسلم قال " ثَاَل ٌ َ ْ‬
‫ب ال َْم ْر َء اَل يُ ِحبُّهُ ِإاَّل لِلَّ ِه ‪َ ،‬وَأ ْن يَ ْك َر َه َأ ْن َيعُ َ‬
‫ود فِي الْ ُك ْف ِـر َك َما يَ ْك َرهُـ َأ ْن‬ ‫اه َما‪َ ،‬وَأ ْن يُ ِح َّ‬ ‫ِ‬
‫س َو ُ‬
‫ف فِي النَّا ِر " فهل راجعنا أنفسنا ونحن في أفول عام وانقضاء موسم‪ ،‬وهل أدركنا أننا‬ ‫ُي ْق َذ َ‬
‫نغذ السير حثيثاً إلى الدار اآلخرةـ شئنا أم أبينا‪ ،‬فهذه المراحل تطوى واألعمار تقضى‪،‬‬
‫اط ُّم ْستَ ِق ٍيم (‪2‬‬ ‫صر ٍ‬ ‫السالَِم وي ْه ِدي من ي َ ِإ ِ‬
‫شاء لَى َ‬ ‫َ َ‬ ‫والطريق بين‪َ ﴿ ،‬واللّهُ يَ ْدعُو ِإلَى َدا ِر َّ َ َ‬
‫‪. 178﴾ )5‬‬

‫نجي ُكم‬ ‫َأدلُّ ُك ـم َعلَى تِجار ٍة تُ ِ‬ ‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيمـ ﴿ يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ََ‬ ‫ين آ ََمنُوا َه ْل ُ ْ‬
‫يل اللَّ ِه بِ َْأم َوالِ ُك ْـم َوَأن ُف ِس ُك ْـم‬
‫اه ُدو َن فِي َسبِ ِ‬ ‫اب َألِ ٍيم (‪ )11‬تُْؤ ِمنُو َن بِاللَّ ِه ورسولِ ِه وتُج ِ‬ ‫ِّم ْن َع َذ ٍـ‬
‫ََ ُ َ َ‬
‫َّات تَ ْج ِري ِمن‬ ‫َذلِ ُك ـم َخ ْير لَّ ُكم ِإن ُكنتُم َت ْعلَمو َن (‪ )12‬ي ْغ ِفر لَ ُكم ذُنُوب ُكم وي ْد ِخ ْل ُك ـم جن ٍ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ْ ْ َ ْ َُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ ٌ ْ‬
‫يم (‪َ )13‬وُأ ْخ َرى تُ ِحبُّو َن َها‬ ‫ك الْ َف ْو ُز ال َْع ِظ ُـ‬‫َّات َع ْد ٍن َذلِ َ‬
‫ار ومساكِن طَيِّبةً فِي جن ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫تَ ْحت َها اَأْلْن َه ُـ َ َ َ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪. 179﴾ )14‬‬ ‫ش ِر ال ُْمْؤ من َ‬ ‫يب َوبَ ِّ‬ ‫ص ٌر ِّم َن اللَّه َو َف ْت ٌح قَ ِر ٌ‬
‫نَ ْ‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم‪ ،‬ونفعني بما فيه من اآلياتـ والذكر الحكيم‪ ،‬أقول قولي‬
‫هذا وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكمـ ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل بنعمته تتم الصالحات‪ ،‬وبرحمته تردك الرحمات‪،‬ـ وبعفوه تغفر الزالت‪،‬‬
‫وبلطفه تقضى الحاجاتـ ‪ ..‬اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا‪ ،‬ويسر أمورنا وبلغنا فيما‬
‫يرضيك آمالنا‪ ،‬واختم لنا بخير‪ ،‬واجعلـ عواقبنا إلى خير ‪ ..‬وأشهد أال إله إال اهلل وحده ال‬
‫شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين ‪.‬‬
‫‪178‬‬
‫سورة يونس‬
‫‪179‬‬
‫سورة الصف‬
‫‪126‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أما بعد ‪ ..‬أيها المسلمون ‪ ..‬عن أبي ذر ومعاذ بن جبل رضي اهلل عنهما عن رسول‬
‫سنَةَ تَ ْم ُح َها ‪،‬‬
‫ْح َ‬ ‫ت ‪َ ،‬وَأتْبِ ِع َّ‬
‫السيَِّئةَ ال َ‬ ‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪ " :‬اتَّ ِق اللَّهَ َح ْيثُ َما ُك ْن َ‬
‫و َخالِ ِق الن ِ‬
‫س ٍن " رواها الترمذي بإسنادـ صحيح ‪ ،‬فالتقوى وصية اهلل المكررة في‬ ‫َّاس ب ُخلُ ٍق َح َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫األولين واآلخرين ‪ ..‬وإتباع السيئة الحسنة هي المراجعة الدائمةـ واستغفار وإنابة‪..‬ـ وأحسن‬
‫الحسنات كلمة التوحيد كما في الحديث الذي رواه أحمد في المسند بإسناد صحيح أن‬
‫ات ‪ " .‬وهي‬‫َأحسن الْحسنَ ِ‬ ‫النبي صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬اَل ِإلَه ِإاَّل اللَّه ؟ قَ َ ِ‬
‫ال ‪ :‬ه َي ْ َ ُ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫تقتضي إخالص العبادةـ هلل وحده ال شريك له ‪ ..‬وأعظم المراجعاتـ الواجبة على األمة أفراداًـ‬
‫وجماعات مراجعةـ التوحيد‪ ،‬وتنقية العباداتـ من شوائب الشرك بكل صوره وأشكاله‪،‬ـ‬
‫ورفض المراجعة هو موقف المشركين األوائل الذينـ قالوا ﴿ ‪ِ...‬إنَّا َو َج ْدنَاـ آبَاءنَا َعلَى َُّأم ٍة‬
‫َوِإنَّا َعلَى آثَا ِر ِهم ُّم ْقتَ ُدو َن (‪ ..180﴾ )23‬وما علموا أن الشرك أخطر عوامل الهدم والضاللة‬
‫ك َولَتَ ُكونَ َّن ِم َن‬
‫ت لَيَ ْحبَطَ َّن َع َملُ َ‬ ‫ين ِم ْن َق ْبلِ َ‬
‫ك لَِئ ْن َأ ْش َر ْك َ‬ ‫ك َوِإلَى الَّ ِذ َـ‬ ‫والبوار‪ ﴿ ،‬ولََق ْد ِ‬
‫ُأوح َي ِإلَْي َ‬ ‫َ‬
‫ين (‪ )65‬بَ ِل اللَّهَ فَا ْعبُ ْد ‪ .. 181﴾ )66(...‬وتتمة الشهادتين ال إله إال اهلل محمد‬ ‫الْ َخ ِ‬
‫اس ِر َـ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬طاعة الرسول صلى اهلل عليه وسلم في أوامره واجتنابـ نواهيه‪ ،‬واإلقرار بأن حق‬
‫التشريع في العقائد والعبادات تفردـ به رب العالمين‪،‬ـ فال مجال لالبتداع في الدين‪ ،‬بل إن‬
‫البدعة طريق للشرك‪ ،‬قال اهلل عز وجل ‪َْ ﴿ :‬أم لَ ُه ْم ُش َر َكاء َش َرعُوا لَ ُهم ِّم َن الدِّي ِـن َما لَ ْم يَْأذَن‬
‫بِ ِه اللَّهُ ‪. 182﴾ )21( ...‬‬

‫ويأتي بعد كلمة التوحيد الصلوات المفروضة‪ ،‬خمس صلوات في اليوم والليلة‪ ،‬ال‬
‫يسع المكلف تركها ‪ ..‬وإذا أرادت األمة النصر والظفر فلتراجع صلتها بربهاـ عبر المحافظة‬
‫على الصلوات المكتوبات‪،‬ـ وهي مع أنهاـ عماد الدينـ فإنها كفارة للذنوب ماحية للخطايا‪﴿ ،‬‬

‫‪180‬‬
‫سورة الزخرف‬
‫‪181‬‬
‫سورة الزمر‬
‫‪ 182‬سورة الشورى‬
‫‪127‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ات يُ ْذ ِه ْب َـن َّ‬


‫السيَِّئ ِـ‬ ‫َّها ِر و ُزلًَفا ِّمن اللَّْي ِل ِإ َّن الْحسنَ ِ‬ ‫َوَأقِ ِم َّ‬
‫‪183‬‬
‫‪،‬‬ ‫ات ‪﴾ )114( ...‬‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫الصالَ َة طََرفَ ِي الن َ َ‬
‫ص َدقَةً تُطَ ِّه ُر ُه ْم َو ُت َز ِّكي ِهم بِ َها ‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والزكاة ركن من أركان اإلسالم وطهارة ﴿ ُخ ْذ م ْن َْأم َوال ِه ْـم َ‬
‫ام‬
‫صَ‬ ‫(‪ .. ﴾ )103‬يلي ذلك صوم رمضان وقد قال النبي صلى اهلل عليه وسلم " َم ْن َ‬
‫‪184‬‬

‫سابًا غُِف َر لَهُ َما َت َق َّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِه " متفق عليه‪ ..‬أما الحج فيعود منه الحاج‬ ‫ضا َن ِإيمانًا و ْ ِ‬
‫احت َ‬ ‫َر َم َ َ َ‬
‫خارج من الذنوب كاليوم الذي ولدته أمه كما في الصحيحين‪.‬‬

‫أرأيتم عباد اهلل كيف أن أركان اإلسالم العظام ماحيةـ للخطايا مكفرةـ للسيئات‪ ،‬وهي‬
‫على عظمها وخطرهاـ من أهم ما يجب على المسلم أن يحاسب نفسه عليه وأن يراجعه‪،‬ـ‬
‫ليستقيم حالهـ ويتدارك النقص والتقصير ويصلح الخلل‪ ،‬ويتوب من الزلل‪ ،‬فإنه ال يدري متى‬
‫يحل األجل‪،‬ـ وكم غيب الموت في هذا العام وكم تغيرتـ في الدنيا األحوال‪ ،‬ومصير‬
‫ت َو ُه ْم الَ‬
‫سبَ ْ‬ ‫الجميع إلى زوال ﴿ َو َّات ُقواْ َي ْو ًما ُت ْر َجعُو َن فِ ِيه ِإلَى اللّ ِه ثُ َّم ُت َوفَّى ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫س َّما َك َ‬
‫يُظْلَ ُمو َن (‪. ﴾ (281‬‬

‫هذا وصلوا وسلموا على الرحمةـ المهداةـ والنعمة المسداة‪ ،‬محمد بن عبد اهلل رسول‬
‫اهلل ومصطفاه‪ ،‬اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيمـ وعلى آل‬
‫إبراهيمـ إنك حميد مجيد‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيمـ‬
‫وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين‪ ،‬اللهم أعز اإلسالم والمسلمين‪ ،‬اللهم أعز اإلسالم‬
‫وانصر المسلمين‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدينـ واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً‬
‫وسائرـ بالد المسلمين‪.‬‬

‫‪ 183‬سورة هود‬
‫‪184‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪128‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا‪ ،‬واجعل واليتنا ووالية المسلمين‬
‫فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين‪.‬‬

‫اللهم انصر من نصر الدين واخذلـ الطغاة والمالحدة والمفسدين‪ ،‬اللهم انصر دينك‬
‫وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ..‬اللهم انصر المجاهدينـ في سبيلك في فلسطين‬
‫وفي كل مكان يا رب العالمين‪،‬ـ اللهم فك حصارهم واحقنـ دمائهمـ وآمنهم وأرغد عيشهم‪،‬‬
‫وانصرهم على عدوك وعدوهم ‪..‬اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم ال يعجزونكـ اللهم أنزل‬
‫بهم بأسك ورجزك إله الحق‪.‬‬

‫اللهم وفق والة أمور المسلمين لما تحب وترضى‪ ،‬اللهم وفق والة المسلمين لما‬
‫تحب وترضى واجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين‪ ..‬اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين‬
‫اللهم وفقه لهداك واجعلـ عمله في رضاك‪ ،‬وارزقه البطانة الصالحة‪،‬ـ اللهمـ وفقه وولي عهده‬
‫وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صالح العبادـ والبالد‪ ..‬ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرة‬
‫حسنة وقنا عذاب النار ‪ ..‬ربنا اغفر لنا ولوالدينا وولديهمـ وأزواجنا وذريتنا وجميع‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين‪ ،‬ونفس كرب المكروبين‪ ،‬وفك أسرى‬


‫المأسورين‪ ،‬واقض الدينـ عن المدينين‪ ،‬واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين‪.‬‬

‫ربنا ظلمنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين‪..‬ـ اللهم أنت اهلل ال إله إال‬
‫أنت‪ ،‬أنت الغني ونحن الفقراء‪ ،‬أنزلـ علينا الغيث وال تجعلنا من القانطين‪،‬ـ اللهم أغثنا‪ ،‬اللهم‬
‫أغثنا ‪ ،‬اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً مجلالً عاماً نافعاً غير ضار تحي به البالد وتسقيـ‬
‫به العباد وتجعله بالغاً للحاضر والباد‪ ،‬اللهم سقيا رحمة اللهم سقيا رحمة‪ ،‬اللهمـ سقيا رحمة‬
‫ال سقيا عذاب وال‬

‫‪129‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫بالء وال هدم وال غرق ‪ ،‬اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً فأرسل السماء علينا مدراراً‪،‬‬
‫اللهم إنا خلق من خلقك فال تمنع عنا بذنوبنا فضلك‪.‬‬

‫اللهم أحفظ الحجاج والمعتمرين والزوار اللهمـ ردهم إلى بالدهم سالمين غانمين‬
‫وتقبل منا ومنهم يا حي يا قيوم يا ذا الجالل واإلكرام‪ ،‬ربنا تقبل منا إنكـ أنت السميع العليم‬
‫وتب علينا إنك أنت التواب الرحيمـ سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالم على‬
‫المرسلين والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ــثاني‬

‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1430‬هـ‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬دروس وعبر من أحداثـ غزة‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬اليوم السادس والعشرون من محرم من عام ‪1430‬هـ‬

‫‪131‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪ -‬دروس وعبر من أحداث غزة ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل الذي عز وقهر وجعل العاقبة الحسنى ألوليائهـ والظفر ‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محم ًدا عبد اهلل ورسوله وخيرته من‬
‫كل البشر ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الميامين الغرر ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ..‬فاتقوا اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬حق التقوى ‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعروةـ‬
‫آمنُواْ َإن َتَّت ُقواْ اللّهَ يَ ْج َعل لَّ ُك ْم ُف ْرقَاناًـ َويُ َك ِّف ْـر َعن ُك ْم َسيَِّئاتِ ُك ْـم َو َي ْغ ِف ْر‬
‫ين َ‬ ‫الوثقىـ ‪ ﴿ :‬يِا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫يم (‪.185 ﴾ )29‬‬ ‫ض ِـل ال َْع ِظ ِـ‬
‫لَ ُك ْم َواللّهُ ذُو الْ َف ْ‬

‫حرب قضَّت‬
‫وشهر مر مثقاًل باآلالم ‪ٌ ..‬‬
‫أيام مرت كأنها أعوام ٌ‬‫أيها المسلمون ‪ٌ ..‬‬
‫المضاجع وأثخنت في المستضعفين المواجع وألهبت فينا اآلالم ‪..‬الحرب على غزة لم تكن‬
‫كسائر الحروب ‪ ،‬بل كانت خرقاً صارخاً لكل معانيـ اإلنسانيةـ ومصادرةً للقيم‬
‫واألخالق ‪ ..‬وليس المقام مقام توصيف ‪ ،‬وقد رأى العالمـ أبشع معانيـ الفتك والتدميرـ‬
‫جماعي ي ُد ُّك المدن ويهلك‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫وأسلحة محرمة وتدمي ٍـر‬ ‫ٍ‬
‫حربية هائلة‬ ‫ٍـ‬
‫ترسانة‬ ‫والقتل واإلبادة من‬
‫الحرث والنسل ‪ ..‬ال يفرق بين األم والطفل والمدرسة والمسجد والبيوت والمستشفياتـ ‪..‬‬
‫حرب مجنونة تبرأت من كل معانيـ الرحمةـ والعقل ‪..‬ولقد رأى الجميع ما تقشعرـ له األبدان‬
‫دمار هائلـ‬
‫محبوس محاصر ‪ ،‬والنتيجة ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫من آثار القتل والعدوان كله على ٍ‬
‫شعب أعزل‬
‫حادثة أحرجت منظمات‬ ‫ٍـ‬ ‫وآالف القتلى والجرحى ‪ ..‬كل ذلك تحت سمع العالمـ وبصره في‬
‫العالم الدوليةـ وأسقطت األقنعةـ وكشفت زيف الشعاراتـ ‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪132‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ثمن يجب أال يضيع ‪..‬‬


‫أيها المسلمون ‪ ..‬الدماء واألشالء والنفوس واألرواح لها ٌ‬
‫التضحيات الجسيمة التي قدمتها وتقدمها غزة لم تكن بدون ثمن ويجب أال تذهب هدراً‪..‬‬
‫ومحاسبة ومراجعة ال موقف بكاء وتالوم ‪ ..‬إن في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قطاف واستثما ٍر‬ ‫والموقف اليوم موقف‬
‫سى َأن تَ ْك َر ُهواْ َش ْيًئا َو ُه َو َخ ْي ٌر لَّ ُك ْم (‪َ ﴿ . 186 ﴾ )216‬ولَ ْو‬
‫أعطاف المحن منحاً ‪َ ﴿ :‬و َع َ‬
‫َشاء اللّهُ َما اقْتََتلُواْ َولَ ِك َّن اللّهَ َي ْف َع ُلـ َما يُ ِري ُد (‪. 187 ﴾ )253‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬بالرغم من كل هذه الجراحاتـ فإن فيما أجراهـ اهلل وقدره حكماً‬
‫ٍـ‬
‫وإخفاقات ونجاحات ‪ ،‬وإيقاظاً للمسلمين ووعيًّا‬ ‫ٍ‬
‫وعظات‬ ‫ودروسا‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫وآيات باهرة‬ ‫بالغةً‬
‫بحقائق يجب أن يكون لوعي المسلمين بها أبلغ األثر في حياتهم الحاضرة والمستقبلة‪.‬‬

‫ومن هذه الحقائقـ أيهاـ المسلمون‪ :‬أن اإليمان أقوى من كل قوى البشر ‪ ،‬وأن‬
‫الميزان ليس بكثرة العدد وقوة العُدد‪َ ﴿ :‬كم ِّمن ِفَئ ٍة قَلِيلَ ٍة غَلَبَ ْ‬
‫ت ِفَئةً َكثِ َيرةً بِِإ ْذ ِن اللّ ِه (‬
‫ِ‬
‫ب لَ ُك ْم (‪. 189﴾ )100‬‬ ‫‪ ..‬الميزان ‪ِ ﴿ :‬إن يَ ُ‬
‫‪188‬‬
‫نص ْر ُك ُم اللّهُ فَالَ غَال َ‬ ‫‪﴾ )249‬‬

‫شعب غزة المحاصر ظل مدة طويلة يتعرض ألقصى العقوباتـ االقتصادية والحصار‬
‫مدجج بأحدث ما وصلت إليه‬
‫ٍ‬ ‫الخانق حتى في رغيف الخبز ‪ ،‬استطاع أن يصمد أمام ٍ‬
‫جيش‬
‫آلة الحرب من تكنولوجيا القتل والتدميرـ ‪ ..‬مع تجاوز أخالقيات الحروب ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫ينتصر اإليمان ويعجز البادي عن تحقيق األهداف ويتقهقر الغاصبون‪َ ﴿ :‬و َر َّد اللَّهُ الَّ ِذ َـ‬
‫ين‬
‫َك َف ُروا بِغَْي ِظ ِه ْم لَ ْم َينَالُوا َخ ْي ًرا (‪. 190 ﴾ )25‬‬

‫‪186‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪187‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪188‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪189‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪190‬‬
‫سورة االحزاب‬
‫‪133‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن آلة الحرب ال تصمد أمام قوة اإليمان ‪ ،‬وال يمكن هزيمة الشعوب ‪ ،‬وإذا‬
‫تذكر المسلم ‪ِ ﴿ :‬إ َّن اللّهَ ا ْشَت َرى ‪ .. 191﴾ )11( ..‬استطاع أن يقاوم كل قوى‬
‫العدوان ‪ ،‬إنه اإليمان ‪ ..‬وباإليمان وحده تنتصر األمةـ ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪ ..‬لقد تجلت في أحداثـ غزة مظاهر النصر والعزةـ والصبر والثباتـ ‪..‬‬
‫صفات األنبياء وأتباع الرسلـ األصفياء ال يقوى عليها األدعياء ‪ ..‬منذ احتالل فلسطين‬
‫ومذابح دير ياسين والمرابطون في أكناف بيت المقدس صابرون صامدون ما هانوا وال مانوا‬
‫يل اللّ ِه َو َما َ‬ ‫َأص َاب ُه ْم فِي َسبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضعُ ُفواْ‬ ‫‪َ ﴿ :‬و َكَأيِّن ِّمن نَّبِ ٍّي قَاتَ َل َم َعهُ ِر ِّبيُّو َن َكث ٌير فَ َما َو َهنُواْ ل َما َ‬
‫ربنَا ا ْغ ِف ْر لَنَا‬
‫ين (‪َ )146‬و َما َكا َن َق ْولَ ُه ْم ِإالَّ َأن قَالُواْ َّ‬ ‫ب َّ ِ‬
‫الصاب ِر َ‬ ‫استَ َكانُواْـ َواللّهُ يُ ِح ُّ‬ ‫َو َما ْ‬
‫ِ‬ ‫ت َأقْ َدامنَا وانصرنَاـ َعلَى الْ َقوِم الْ َكافِ‬ ‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَاـ ِفي َْأم ِرنَا َو َثبِّ ْ‬
‫اه ُم اللّهُ‬ ‫ين (‪ )147‬فَآتَ ُ‬ ‫َ‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬ ‫ذُنُ َ‬
‫ين (‪. 192 ﴾ )148‬‬ ‫ِِ‬ ‫اب ِ‬
‫اآلخ َر ِة َواللّهُ يُ ِح ُّ‬ ‫الد ْنيَا َو ُح ْس َن َث َو ِ‬ ‫اب ُّ‬
‫ب ال ُْم ْحسن َ‬ ‫َث َو َ‬

‫وفي هذه األحداث أيها المسلمون إعالن هوية األمة ‪ ..‬حين يستنصر باهلل ويقاتل‬
‫باسم اهلل ويلفظ الشهيدـ أنفاسهـ بتوحيد اهلل ويصرخ الجميع (حسبنا اهلل) ‪ ..‬الصبر والصمود‬
‫ُأحد قال اهلل ‪ -‬عز وجل‬
‫واإليمان والثباتـ هو حقيقةـ النصر ‪ ،‬وحين انكسر المسلمون في ُ‬
‫‪ -‬لهم ‪ " :‬وال تهنوا وال تحزنوا وأنتم األعلون إن كنتم مؤمنين " فما هذا العلو ؟ إنه‬
‫االستعالء بالثبات على المبادئ وإن كثرت الجراحاتـ ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪ ..‬لقد أظهرت أحداثـ غزة ما كان مكنوناً في الصدور من تالحم المسلمين‬
‫وترابطهمـ وتداعيهم لنصرة إخوانهم في الدينـ ‪ ..‬لقد استجاشت والءات المسلمين لبعضهم‬
‫وأجمعوا على كلمة واحدة ‪ ،‬وبقدر ما قرحت العيون من بكاء آالمنا بقدر ما قرت من‬
‫تالحم صفنا ‪ ..‬لقد وصلت الشعوبـ المسلمة إلى مرحلة من الوعي واإلدراك يجب أن‬
‫نتعاطى معه بقدر من المسئولية ‪ ،‬بل إن من المبشرات أن تعي األمةـ وتدرك حقيقة ما‬

‫‪191‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪192‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪134‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يجري وما يدبر لها من مؤامرات ‪ ،‬وأن قضية فلسطين هي قضية كل المسلمين ‪ ..‬ليس‬
‫حزب وال منظمة ‪.‬‬ ‫شعب وال ٍ‬
‫عرق وال ٍـ‬ ‫قضية ٍ‬

‫لقد مرت على أمة اإلسالم خالل القرنين الماضيين خطوب وكروب وصراعات‬
‫وجراحات ومصادرة وتغييب ‪ ..‬لكنها أمة تمرض وال تموت ‪ ..‬ال تستسلم وال تذوب ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬إن عمق المأساة وضخامة الحدث يدعونا الستثماره واإلفادةـ منه ؛‬
‫وإخاء رصاً للصفوف وتوحيداً للجموع وتوثيقاً لإلخاء ‪..‬‬
‫ً‬ ‫أن نزدادـ تالحماً واتحاداً وتوافقاً‬
‫إن الحدث أضخم من كل الخالفات ‪ ..‬كيف يسوغ الخالف والدم يقطر من أنياب العدو‬
‫ب ِر ُ‬
‫يح ُك ْم‬ ‫شلُواْ َوتَ ْذ َه َ‬
‫الذي ال نختلف على عداوته ‪ ،‬وقضيتنا واحدة ‪َ ﴿ :‬والَ َتنَ َازعُواْ َفَت ْف َ‬
‫ين ‪ .. 193﴾ )46‬وإن نداء خادم الحرمين الشريفين للوحدة‬ ‫الصابِ ِر َـ‬
‫اصبِ ُرواْ ِإ َّن اللّهَ َم َع َّ‬
‫َو ْ‬
‫واالئتالف ونبذ الفرقة واالختالف نداء الشرع والعقل ‪ ،‬وهو الواجب واألمل ‪.‬‬

‫لقد تحققت ‪ -‬بحمد اهلل ‪ -‬انتصاراتـ ونجاحات يجب أال تغيب في مشهد األلمـ‬
‫عدو وانتصار مظلوم‪ ..‬وتالحم وتناصر ‪ ..‬ومقاومةـ وصمود ‪،‬‬
‫والجراحات ‪ ،‬هزيمة ٍّ‬
‫وإشارات وبشاراتـ تثبت أن األمةـ قادرة ‪ -‬بإذن اهلل ‪ -‬قادرة ‪ ،‬وأن لديها من ضمانات‬
‫العزـ والمنعة وأسبابـ النصر والغلبةـ ما يحقق آمالهاـ ويكشف آالمها ‪ ..‬لقد أثمر التمسك‬
‫بغرس الدينـ واالستنصار باهلل رب العالمين‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬ومن الحقائقـ التي ينبغي الوقوف عندها ‪ :‬توعية المسلمين ‪ ،‬بل‬
‫كل البشر بالفارق العظيم بين منهج اإلسالم في العالقات الدوليةـ ومنهج الحضارة المعاصرة‬
‫‪ ..‬فحين تقوم العالقات في اإلسالم على أساسـ العدل فإن الحضارة المعاصرة تقوم عالقاتهاـ‬
‫على المصلحة وتفرض رغبتها بالقوة ‪ ..‬وهذا المنهج األخيرـ هو سبب ما عانته اإلنسانيةـ في‬

‫‪193‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪135‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫القرنينـ األخيرينـ من مآسيـ الحروب والسياساتـ ‪ ،‬وهو ما تجره اآلن وتهدد به من مصي ٍر‬
‫ٍ‬
‫مظلم للبشرية إن لم يتداركهاـ اهلل برحمته ‪.‬‬

‫إن توالي األحداث يزيدـ بصيرة المتأمل بطبيعة الحضارة المعاصرة حين تتخلى عن‬
‫عبادة اهلل والسير على منهاجه إلى عبادة التقدم المادي والركون إلى نظم البشر ‪ ،‬والذينـ‬
‫لم يتخلوا عن طبيعتهم في االستيالء واالستحواذ والظلم والتجاوز ‪ ..‬ولك أن تتأملـ في‬
‫سياسة بعض الحكومات والنظم المؤثرة في العالمـ ‪ ،‬ثم تأمل العدلـ في مقابرـ العراق‬
‫وتحت ركام الدور في غزة ‪ ،‬وفتش عن الحرياتـ في أقبية السجون ‪ ،‬واسأل المشردينـ‬
‫من أبناء فلسطين ‪ ،‬ابحث عن البسمة على شفاه ٍ‬
‫طفل مزقت وجهه الصواريخ ‪ ..‬وابحث‬
‫عن الرصاص في صدور النساء والشيوخ ‪ ،‬راقب المواقف والقراراتـ التي ال تدفع إال إلى‬
‫اإلحباطـ وفقدان الثقةـ ‪ -‬المفقودة أصالً ‪ -‬في المجتمع الدوليـ بنظمه ومنظماته ‪ ..‬فأي‬
‫عاقل متجرد يرى المناظر الدامية ثم يرى أصحاب القرار يدافعون عن المعتدي ويتلمسون له‬ ‫ٍ‬
‫األعذار ‪ ..‬ويحرمون صاحب الحق من المقاومةـ ودفع العدوان ‪ ،‬وفي أعدل األحوال‬
‫يسوون بين الضحية والجالد !!‬

‫إن الذي يحدث اليوم في فلسطين بأيديـ الصهاينة المحتلين ومن يظاهرهمـ من‬
‫الظالمين ليس حرباً وال مجرد صراع ‪ ..‬إنه إبادة شعب واستئصالـ عرق وطمس هوية ‪ ..‬إنه‬
‫ٍـ‬
‫جهات تملك اتخاذ‬ ‫إرهاب الدولةـ الذي يمارس تحت سمع العالم وبصره ‪ ،‬بل وبدعم من‬
‫قرارات ‪ ..‬إن مثل هذا التصرف ال يزيد الوضع إال تأزماً ‪ ،‬وال يمأل النفوس إال حقداً‬
‫أمل للسالم ‪ ..‬أي سالم هذا الذي يدعون إليه وقد ولغوا في‬‫وكراهية ‪ ،‬ويقضي على كل ٍ‬
‫ٍ‬
‫لطرف على حساب‬ ‫الدماءـ ومزقوا األشالء ؟! أي سالم هذا الذي ينسجم بالتفوق العسكريـ‬
‫آخر ؟! أهو سالم الغلبةـ والتسلط ونهب األراضي وإذاللـ الشعوبـ ؟ أهو سالم القهر‬
‫والعدوانـ وهدم البيوت وتدميرـ القرى ‪ ..‬ويسمى ذلكـ حقاًـ مشروعاً ‪ ،‬ويسمى رده‬
‫إرهاباًـ ؟ أم هو االستسالم غير المشروط لعدو ال يعرف الرحمة ؟ إنه سالم قطاع الطريق‬

‫‪136‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ولصوص العالمـ وقراصنة األممـ ‪ ..‬هذه أعمالهم شاهدةٌـ عليهم ‪ ..‬من الذي يصنع الحروب‬
‫والدمار ؟ من يبدؤهاـ ومن يوقفها ؟ من يحركها ويزكيها؟‬

‫نموذج ٌ‬
‫ومثال‬ ‫ٌ‬ ‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬لقد قدمت الحضارة الغربية إسرائيل على أنها‬
‫للحرية والديمقراطيةـ ‪ ..‬والتي يجب نشرهاـ في الشرق األوسط ‪ ،‬وها هو العالمـ اليوم يرى‬
‫سقوط مثال الحضارة الغربيةـ سقوطاً ذريعاً بكل ما تحمله المعاني ‪ ..‬ال عدل وال رحمة وال‬
‫حقوق وال إنسانيةـ وال احترام لقراراتـ أو قوانين وال وفاء لعهود أو مواثيق ‪ ،‬بل قدمت‬
‫أبشع صورة لما يمكن أن يكون اإلنسان حين يتجرد من العدلـ والرحمة ‪ ،‬وصدق اهلل ‪﴿ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّى َي ُردُّو ُك ْم َعن دينِ ُك ْم ِإن ْ‬
‫استَطَاعُواْ (‪. 194 ﴾ )217‬‬ ‫ِ‬
‫َوالَ َي َزالُو َن ُي َقاتلُونَ ُك ْم َحت َ‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬وبالرغم مما تبذلهـ بالد الحرمين الشريفين من جهود إلرساء‬
‫السالم وما ينادي به خادم الحرمين الشريفين من نداءات تطالب بالعدلـ والسالم لكل‬
‫شعوب األرض ‪ ..‬إال أن الحروب ال زالت تُفتعلـ والجحيم يصب على بالد المسلمين صباً‬
‫تغذيه أحقاد الماضي وأطماع المستقبل ‪ ..‬أال فليعلم أننا ال نستكثر من عدونا الذي استوطن‬
‫بالدنا المسلمة كل غد ٍر وأذية ؛ إذ هو يكرر تاريخه منذ أن نشأ ويمارس جبلته التي عرف‬
‫بها منذ أن ُو ِجد ‪ ،‬ولكن الذي يجب أن يعلم أننا لم ننس من أوجده ومن رعاه ومن برر له‬
‫وحماه ‪ ،‬وها هو اليوم يذبح غزة من الوريد إلىـ الوريد ‪ ..‬يقتل الشيخ والمرأة والطفل‬
‫الوليد ‪.‬‬

‫أال فليعلم الغرب أن في رجالنا جند وفي قرآننا وعد ‪ ،‬ولم تمت أمة اإلسالم ولم‬
‫مفتوح لكل مفاجئة‪..‬ـ ال يملك أحد فطامه وال قوة الجامه ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫تعقم ‪ ،‬وأن المستقبل‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫وطوفان الشعوبـ تتقاصر دونه السدودـ وتمحى على وقع خطواتها الحدود‪َ ﴿ :‬واللّهُ غَال ٌ‬
‫َعلَى َْأم ِر ِه َولَ ِك َّن َأ ْك َث َر الن ِ‬
‫َّاس الَ َي ْعلَ ُمو َن (‪. 195 ﴾)21‬‬

‫‪194‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪195‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪137‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيها المسلمون ‪ ..‬لقد زادت حرب غزة المسلمين قناعةً بأن المنظمات الدوليةـ لم‬
‫تنشأ لنصرتهم ولم توجد لحل قضاياهم ‪ ..‬وبرغم تمسك العربـ والمسلمين بتلك الهيئات‬
‫والمنظمات وانخراطهم في عضويتها والتزامهمـ بقوانينها ومقرراتها في الوقت الذي تضرب‬
‫فيه إسرائيل عرض الحائط ما يصدر من تلك الهيئاتـ ‪ ..‬برغم ذلك كله فإن حصاد تلك‬
‫المنظمات ونتائجها تحاك لصالح إسرائيلـ على حسابـ المسلمين والعربـ ‪ ..‬ألم يأن لنا بعد‬
‫ذلك كله أن نجرد فاتورة نصف قرن أو يزيد من عمر تلك المؤسسات لنعيد النظر ونصحح‬
‫المسار ؛ خصوصاً وأنه قد ضرب صمود غزة لنا المثال ‪ ..‬فبرغم ضعف الحال وتمالئ‬
‫العالم وقلة الناصر فقد صمدت غزة ‪ ،‬أال يمكن للعرب والمسلمين وهم أقوى حاال من‬
‫غزة أن يتجاوزوا مجرد الصمود إلى االنتصار ‪ ..‬أي انتصار ولو كان انتصاراً سياسياً أو‬
‫اقتصادياًـ ؟‬

‫إلى متى والعربـ والمسلمون في الساحة الدوليةـ في محل المفعول به ال الفاعل ؟‬


‫هذا إذا كان لهم محلٌّ من اإلعرابـ أصالً مع ما يملكون من ثروات العالمـ وكنوزه وكون‬
‫ديارهم على ممرات العالم الرئيسةـ ومضايقه المائية ‪ ..‬فضالً عن عددهم وتاريخهم‬
‫وشجاعتهم وإرثهم الحضاري ؟ فكيف إذا انضاف إلى ذلك اإليمان الذي جربته األمة في‬
‫تاريخها الطويل فكان أمضى سالحاً وأقواه ولم يخذل أهله يوماً ؟‬

‫أال وإن من حسن البشائرـ وومضات الفأل ما خلص إليه قادة العرب في (قمة‬
‫الكويت) األخيرة مما ابتدأهـ خادم الحرمين الشريفين ودعا إليه من تناسي الخالف العربيـ‬
‫وتجاوزه واإلعداد لمرحلة جديدةـ في التعاملـ مع القضايا والشجاعة في المصارحة والكرم‬
‫في العطاء ‪.‬‬

‫إن شعور األمةـ حكاماً ومحكومين بواجب التغير والتغيير وطي صفحة طويلة من‬
‫ديني وفريضةٌ شرعية ال يجوز‬
‫واجب ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫التاريخ مدادهاـ األسىـ ومضمونها الضعف والتقصير هو‬
‫‪138‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫لألمة أن تبقى على وضعها الراهن ‪ ..‬كيف وهي األمة الكريمةـ التي أرادها اهلل أن تكون‬
‫متبوعةً ال تابعةـ وعزيزةً ال ذليلة وهاديةًـ ال بسواها مهتديةـ ؟‬

‫خير من أن ال‬
‫لقد آن لألمة أن تنهض بالفأل وتبدأ بالعمل ؛ فلئن تحاول وتخطىء ٌ‬
‫سَي َرى اللّهُ َع َملَ ُك ْم َو َر ُسولُهُ َوال ُْمْؤ ِمنُو َن (‪. 196﴾ )105‬‬
‫تعمل أصالً ‪َ ﴿ :‬وقُ ِل ا ْع َملُواْ فَ َ‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪ ،‬ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة ‪..‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفرـ اهلل العظيم لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬بارك األرض المقدسة ونص على فضلها نصاً ‪ ،‬وأسرى بعبده ليالً من‬
‫المسجد الحرام إلى المسجد األقصى ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له وأشهدـ‬
‫أن محمداً عبد اهلل ورسوله ‪ََّ ..‬أم األنبياء وصلى بهم في المسجد اٌألقصى ‪ ،‬صلى اهلل‬
‫وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ..‬أيها المسلمون ‪ ..‬لم يسجل التاريخ قضيةً تجمعت فيها األحقادـ العالمية‬
‫وبرزت فيها المتناقضات الدولية وتجلى فيها التالعب والعبث كما سجل في قضية فلسطين‬
‫وقدسها المقدسةـ ‪ ،‬وجاءت قضايا المسلمين بعدها على شاكلتها ‪ ..‬ولم يسجل التاريخ‬
‫خطيئةً أسوأ من االنخداع بخطة األعداء في دحرجةـ قضية القدس وفلسطين من دائرتها‬
‫ٍ‬
‫متاهات وحف ٍر من الوطنية والقوميةـ والمذهبية والحزبية‬ ‫اإلسالمية الواسعةـ المتينة إلى‬
‫واإلقليمية والشرق أوسطية في نعراتـ جاهليةـ وشعاراتـ مستوردة ومبادئ دخيلة ‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪139‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن فصل القضية وبترها عن قوتها المؤثرة وطاقتها الدافعةـ هو الذيـ أضاعها ‪..‬‬
‫فتاهت في غبار النكساتـ والمساوماتـ ‪.‬‬
‫البد من رد القضيةـ إلىـ خطها األصيل لتصبح قضيةً سامقةً تتأبىـ على الوأد واالحتواء ‪،‬‬
‫البد أن تعود إلىـ امتدادهاـ اإلسالمي بكل أفاقه وأعماقه ‪ ،‬ولقد كانت أحداثـ غزة إيقاظًا‬
‫لهذاـ الشعور لدى كافة المسلمين ‪ ..‬إنه صراع عقائد ومعركة مع أشد الناس عداوةً للذين‬
‫آمنوا ‪ ،‬إنه نزاع هوية ومصير ‪ ،‬وإن حقوق األمة لن تُنال بالخور‬

‫ٍ‬
‫حقيقية ال يردعها شيء ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫غضبة‬ ‫ومن مكر األعداء تخاذلهم بعد عدوانهم خشية‬
‫وهم يعلمون أن المسلمين على ضعفهم وتشتتهم ال يزال جمرهم يتلظى تحت الرماد ‪،‬‬
‫وفيهم رجال يتأبون على الهزائمـ والخنوع ‪ ..‬لقد أثبت اإلباء والصمود أن القوة واالستعالء‬
‫حتى مع الدماء واألشالء هو السد الرادع للمعتدين ‪ ،‬وإذا ارتفعت راية الدين تصاغرت‬
‫أمامهاـ كل راية ‪ ،‬واأليام حبلى والتاريخ له ألف عودة ‪ ،‬والصبر من أبواب الظفر ‪،‬‬
‫طويل مبناه على اإليمان‬
‫وإزالة أسبابـ الخذالن طريق إلزالة العدوانـ ‪ ،‬وأمام األمةـ طري ٌق ٌ‬
‫ص ُمواْ بِ َح ْب ِل اللّ ِه َج ِم ًيعا َوالَ َت َف َّرقُواْ (‪. 197 ﴾ )103‬‬
‫وقوامه ‪ ﴿ :‬وا ْعتَ ِ‬
‫َ‬

‫وأخيراًـ ‪ ..‬فإنه ال يمكن لمتاب ٍع لحال العالم في مجال السياسةـ واالجتماع أن يغفل‬
‫تحوالت كبرى طرأت على العالم لها ما بعدها ‪ ..‬منها إدراك كثير من الغربيينـ حقيقةـ‬
‫مواقف حكوماتهمـ المنحازة للظالم والمتحيزة ضد العربـ والمسلمين ؛ مما أورث تأجيجاً‬
‫للصراعاتـ ومزيداً من الفتنـ واالنتهاكاتـ ورغبة بعض الشعوب في التغيير ‪ ،‬وال أدل على‬
‫ذلك من اختيار شعب دولة من الدول الكبرىـ لزعيم كان شعاره التغيير ‪.‬‬

‫نسأل اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬أن يقدر لألمة المسلمة في ذلك خيرا ‪ ،‬وأن يؤيد من في‬
‫تأييدهـ صالح لإلسالم والمسلمين ‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪140‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إنا لنتطلع أن يكون في ذلك تغيير حقيقي للمواقف وإعادة للنظر في القضاياـ‬
‫والسياساتـ بمنظار العدل الصادق ؛ فإن المسلمين اليوم أكثر وعياً وأقوى حاالًـ وأكثر‬
‫تصميماً ‪ ،‬وهم أقرب الشعوبـ نشاداً للحق والسالم والحق والتسامح ‪ ..‬وإال فإن األمة‬
‫ِ ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ‬
‫ين (‪.198 ﴾ )8‬‬ ‫قادرةٌ على إدارة ظهرها لمن ال يحترمهاـ ‪َ ﴿ :‬وللَّه الْع َّزةُ َول َر ُسول ـه َولل ُْمْؤ من َ‬

‫هذا ‪ ،‬وصلوا وسلموا على الرحمةـ المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد اهلل ‪،‬‬
‫اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين‬
‫وصحابته الغر الميامين والتابعينـ ومن تبعهم بإحسانـ إلى يوم الدينـ ‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬وأذل الشرك‬
‫والمشركين ودمر أعداء الدين ‪ ،‬واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بالد المسلمين ‪،‬‬
‫وانصر عبادك الموحدين ‪ ،‬اللهم انصر عبادك الموحدين في كل مكان ‪ ،‬اللهم أصلح‬
‫أحوالـ المسلمين في فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين ‪ ،‬اللهم احقن دماءهمـ وأظهر‬
‫أمنهم وأرغد عيشهم ‪ ،‬وامأل قلوبهم باإليمان والسنة ‪ ..‬اللهم انصر دينك وكتبك وسنة‬
‫نبيك وعبادك المؤمنين ‪.‬‬

‫ال إله إال اهلل العظيمـ الحليم ‪ .‬ال إله إال اهلل رب العرشـ العظيمـ ‪ .‬ال إله إال اهلل رب‬
‫السموات ورب األرض ورب العرشـ العظيم ‪ ،‬يا حي يا قيوم عز جارك وجل ثناؤك‬
‫وتقدستـ أسماؤك ‪ ..‬يا من ال يهزم جندك وال يخلف وعدك سبحانك وبحمدك يا ناصر‬
‫المستضعفين ويا مجير الخائفين ‪ ..‬اللهمـ انصر إخوانناـ المستضعفينـ في فلسطين ‪ ،‬اللهمـ‬
‫أنج المستضعفين في غزة ‪ ،‬اللهم فك حصارهمـ وآمنهم في ديارهمـ وارحم موتاهمـ واشف‬
‫مرضاهم واجبر كسرهم وسد خلتهم واجبر مصابهمـ وانتصر لهم ممن ظلمهم ‪ ..‬يا راحم‬

‫‪198‬‬
‫سورة المنافقون‬
‫‪141‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫المساكين ويناصر المستضعفينـ اللهم انصرهم على عدوك وعدوهمـ يا حي يا قيوم يا ذا‬
‫الجالل واإلكرام ‪.‬‬

‫اللهم منزل الكتاب ومجري السحابـ وهازم األحزابـ اهزم الصهاينة المحتلين ‪،‬‬
‫اهزم الصهاينة المحتلين وانصرنا عليهم يا قوي يا عزيز ‪ ،‬اللهم إنهم قد طغوا وبغوا‬
‫وأسرفوا في الطغيان ‪ .‬اللهم أنزلـ بهم بأسك الذي ال يرد عن القوم المجرمين ‪ ،‬اللهمـ هيأ‬
‫لهم ي ًدا من الحق حاصدة ‪ ،‬وألق الرعب في قلوبهم ‪ ،‬اللهمـ ألق الرعب في قلوبهم ‪،‬‬
‫واجعلهمـ غنيمة للمسلمين ‪ ،‬اللهم ال تقم لهم في األرض راية ‪ ،‬واجعلهمـ لمن خلفهم‬
‫قوم مؤمنين ‪ ،‬اللهم اشف صدور ٍ‬
‫قوم مؤمنين ‪ ،‬وأذهب‬ ‫عبر ًة وآية ‪ ،‬اللهم اشف صدور ٍ‬
‫غيظ قلوبهم ‪.‬‬

‫اللهم اجبر كسر المصابينـ في غزة ‪ ،‬ولم شعث المنكوبين وكن لهم يا أرحم‬
‫الراحمين ‪ ،‬اللهم أبرم لهذه األمةـ أمر رشد ‪ .‬يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك‬
‫ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر يا سميع الدعاء ‪ ..‬اللهم من أرادنا وأراد المسلمين‬
‫بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل دائرة السوء عليه يا رب العالمينـ ‪.‬‬

‫اللهم وفق والة أمور المسلمين لما تحب وترضى واجمعهم على البر ولتقوى ‪،‬‬
‫اللهم وفق ولي أمرناـ خادم الحرمين الشريفين ‪ ،‬اللهم وفقه في هداك واجعلـ عمله في‬
‫رضاك ‪ ،‬وأصلح بطانته واصرف عنه بطانة السوء يا رب العالمينـ ‪ ،‬اللهم وفقه ونائبه‬
‫وإخوانهمـ وأعوانهمـ ‪ ،‬اللهمـ انصر بهم دينك وأعل بهم كلمتك وجازهم على ما يبذلونه‬
‫لخدمة قضايا المسلمين ‪ ،‬اللهم وفقهم لما فيه صالح العباد والعبادـ يا حي يا قيوم يا ذا‬
‫الجالل واإلكرام ‪ ،‬اللهم إنا نسألكـ العفو والعافية والمعافاة الدائمةـ في الدين والدنياـ‬
‫واآلخرة ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرةـ حسنة وقنا عذاب النار ‪ ،‬ربنا اغفر لنا‬
‫ولوالدينا ولوالديهم وذرياتهمـ وأزواجنا ولجميع المسلمين ‪ ،‬ربنا ظلمن أنفسناـ وإن لم تغفرـ‬
‫لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ‪.‬‬

‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغنيـ ونحن الفقراءـ ‪ .‬أنزلـ علينا الغيث وال‬
‫تجعلنا من القانطينـ ‪ .‬اللهم أغثنا ‪ .‬اللهم أغثنا ‪ .‬اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاًـ سحاً طبقاً مجلالً‬
‫عاماً نافعاًـ غير ضار تحيى به البالد وتسقي به العباد ‪ ،‬واجعلهـ بالغاً للحاضر والبادـ ‪،‬‬
‫اللهم أسقناـ الغيث وآمنا من الخوف ‪ ،‬وانصرناـ على األعداء يا حي يا قيوم يا ذا الجالل‬
‫واإلكرام ‪ ،‬اللهم سقيا رحمة ال سقيا عذاب وال هدم وال غرق ‪ ،‬يا حي يا قيوم يا ذا‬
‫الجالل واإلكرام يا حي يا قيوم يا ذا الجالل واإلكرام يا حي يا قيوم يا ذا الجالل‬
‫واإلكرام ‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيمـ ‪ .‬سبحان‬
‫ربك رب العزة عما يصفون وسالم على المرسلين والحمد هلل رب العالمينـ ‪.‬‬

‫عنوان الخطبة‪ :‬اإليمان بالقضاءـ والقدر حقيقته وآثاره‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬اليوم الثانيـ من ربيع االول من عام ‪1430‬هـ‬

‫‪ -‬اإليمان بالقضاء والقدر ‪..‬حقيقته وآثاره ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬


‫‪143‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الحمد هلل الذي قدر األمور وأمضاها وعلم أحوال الخالئق قبل خلقهمـ وقضاهاـ وجازى‬
‫كل نفس بعد ذلك على سخطها بما قدر أو رضاهاـ ‪ ..‬كل شيء خلقه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بقد ٍر‬
‫وقدر ‪ ،‬وال يقع شيءٌ في كونه إال ٍ‬
‫بعلم منه ونظر ‪ ،‬علم األجلـ وقدر العمل وجعل األمور‬
‫دول ‪ ،‬كل ذلك منه في األزل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬كم أحاط علمه وكم وسع حلمه وكم مضى‬
‫حكمه !‬
‫وأشهدـ أال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ‪ ..‬له لطائف الحكمة وخفيات القدر ‪،‬‬
‫وأشهدـ أن محم ًدا عبد اهلل ورسوله وخيرتهـ من كل البشر ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه‬
‫وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته الميامين الغرر والتابعينـ ومن تبعهمـ بإحسان إلى‬
‫يوم الدينـ ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ..‬فاتقوا اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬أيها المسلمون ‪ ،‬واعلموا أنكمـ إليه راجعون وعلى‬
‫خيرا فخيرا وإن شراً فشرا ‪... ﴿ :‬‬
‫أعمالكم مجزيون ‪ ،‬ومن عمل كساه اهلل رداءه ‪ ..‬إن ً‬
‫ِِ‬
‫ين (‪. 199 ﴾ )223‬‬ ‫ش ِر ال ُْمْؤ من َ‬
‫َو َّات ُقواْ اللّهَ َوا ْعلَ ُمواْ َأنَّ ُكمـ ُّمالَقُوهُ َوبَ ِّ‬

‫وعلم يورث المؤمن إراد ًة‬


‫ٌ‬ ‫مضاء ورضاء ‪،‬‬
‫أيها المسلمون ‪ :‬عقيدةٌ تمأل قلب المسلم ً‬
‫وتصور يسل من‬
‫ٌ‬ ‫وارتقاء ‪ ،‬وإيما ٌن يدفعه للعمل ويحثه على طلب معالي األمور ‪،‬‬
‫ً‬ ‫وعزما‬
‫ً‬
‫نفسه الخوف مع عوائق الطريقـ وبنيانه مسائل من عرفها وأدرك ح ْكمها ِ‬
‫وح َك َمها سهلت‬ ‫ُ‬
‫أمامه مصاعب الحياة وتخففت نفسه من أثقال المعاناة فاستلذ الصبر واستحلى المر ‪،‬‬
‫وانتظر من اهلل األمل والفرج وعمل لتحقيق ذلك ولم يتواكل ‪ ..‬إنها ‪ -‬أيهاـ المسلمون ‪-‬‬
‫عقيدة اإليمان بالقضاء والقدر ‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪144‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عباد اهلل ‪ ..‬اإليمان باهلل العظيم قضية كبرى ومسألةـ عظمى ‪ ،‬وهي من أولىـ المسائل التي‬
‫دوما ‪ ،‬واإليمان بنيا ٌن له أركان ‪..‬‬
‫يجب على المسلم أن يستحضرها وينطوي عليها قلبه ً‬
‫دليل عليه وعنوانه ‪ ،‬وفي الحديث الصحيح الذي رواه‬ ‫التصديقـ بها والعمل بمقتضاهاـ ٌ‬
‫مسلم عن عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن جبريل ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬سألـ النبي ‪-‬‬
‫ال‪َ " :‬أ ْن‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عن اإليمان فقال ‪ :‬النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ : -‬قَ َ‬
‫ْت " ‪.‬‬‫ص َدق َ‬ ‫تُْؤ ِمن بِاللَّ ِه ومالِئ َكتِ ِه و ُكتبِ ِه ورسلِ ِه والْيوِم ِ‬
‫اآلخ ِر َوتُْؤ ِم َن بِالْ َق َد ِـر َخ ْي ِر ِه َو َش ِّر ِه‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫َ ُ َ ُ ُ َ َْ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬

‫ركن من أركان اإليمان وقاعدة أساس‬


‫أيها المسلمون ‪ :‬اإليمان بالقضاءـ والقدر ٌ‬
‫اإلحسان كما ورد في أعظم حديث في اإلسالم ‪ :‬القدر هو تقديرـ اهلل للكائناتـ حسب ما‬
‫كائن إلى‬
‫سبق به علم اهلل واقتضته حكمته ‪ ،‬وهو ما سبق به العمل وجرى به القلم مما هو ٌ‬
‫األبد ‪ ،‬واإليمان به هو أن تؤمن أن اهلل ‪ -‬جل جالله ‪ -‬قدر مقاديرـ الخالئق وما يكون من‬
‫ٍ‬
‫معلومة على‬ ‫ٍ‬
‫أوقات‬ ‫األشياءـ والحوادث قبل أن تكون وعلم ‪ -‬سبحانه ‪ -‬أنها ستقع في‬
‫ٍ‬
‫صفات مخصوصة ؛ فعلمها ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وكتبها بكل تفاصيلها ودقائقهاـ وشاءها وخلقها ؛‬
‫فهي كائنةٌ ال محالة على التفصيل والدقة كما شاء – سبحانه ‪ -‬وما لم يشأه فإنه ال يكون ‪،‬‬
‫وهو قادر على كل شيء ‪ ..‬فإن شاءه وقع وإن لم يشأه لم يقع مع قدرته على إيقاعه ‪.‬‬

‫غيب مبناه على التسليم ‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪... ﴿ : -‬‬ ‫أيهاـ المؤمنون ‪ ..‬القدر ٌ‬
‫ورا (‪ ، 200 ﴾ )38‬وقال سبحانه ﴿ ِإنَّا ُك َّل َش ْي ٍء َخلَ ْقنَاهُ بَِق َد ٍر (‪4‬‬ ‫ِ‬
‫َو َكا َن َْأم ُر اللَّه قَ َد ًرا َّم ْق ُد ً‬
‫ِ‬
‫ص ِر (‪ ، 201 ﴾ )50‬وقال جل في عاله ‪َ ﴿ :‬وِإن ِّمن‬ ‫‪َ )9‬و َما َْأم ُرنَا ِإاَّل َواح َدةٌ َكلَ ْم ٍح بِالْبَ َ‬
‫وم (‪. 202 ﴾ )21‬‬ ‫شي ٍء ِإالَّ ِعندنا خزاِئنهـ وما نن ِّزلُه ِإالَّ بَِقد ٍر َّمعلُ ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫َ َ َ َ ُ ُ َ َ َُ ُ‬ ‫َْ‬

‫‪200‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪201‬‬
‫سورة القمر‬
‫‪202‬‬
‫سورة الحجر‬
‫‪145‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ك َش ْيءٌ فَاَل‬ ‫َأصابَ َ‬‫وفي صحيح مسلم ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪َ " :‬وِإ ْن َ‬
‫اء َف َع َل ; فَِإ َّن لَ ْو َت ْفتَ ُح‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َت ُق ْل ‪ :‬لَ ْو َأنِّي َف َعل ُ‬
‫ْت َكا َن َك َذا َو َك َذا ‪َ ،‬ولَك ْن قُ ْل ‪ :‬قَ َد ُر اللهُ ‪َ ،‬و َما َش َ‬
‫شيء بقد ٍر حتى وضعك‬ ‫ان " قال ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ ( : -‬كل ٍ‬ ‫الش ْيطَ ِ‬
‫َع َم َل َّ‬
‫يدك على خدك ) ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬مذهب أهل السنة والجماعة هو ما دل عليه الكتابـ والسنةـ وكان‬
‫عليه السابقون األولون من المهاجرين واألنصارـ والتابعين لهم بإحسانـ ‪ ،‬وهو أن اهلل ‪-‬‬
‫شيء وربه ومليكه ‪ ،‬وأنه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن‬‫تعالى ‪ -‬خالقـ كل ٍ‬
‫‪ ،‬وال يكون في الوجود شيءٌ إال بعلمه ومشيئته وقدرته ‪ ..‬ال يمتنع عليه شيء ‪ ،‬بل هو‬
‫شيء ويعلم ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ما كان وما يكون ‪ ،‬وقد قدر مقادير الخالئق قبل‬ ‫قادر على كل ٍ‬
‫ٌ‬
‫أن يخلقهم ‪ ..‬قدر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم ‪ ،‬وكتب ذلك وكتب ما يصيرون إليه من‬
‫ٍ‬
‫سعادة وشقاوة ‪ ،‬والعبادـ مأمورون بما أمرهمـ اهلل به منهيون عما نهاهم عنه ‪ ،‬ونؤمن بوعد‬
‫ألحد على اهلل في واجب تركه أو محرم فعله ‪ ،‬بل هلل الحجة‬ ‫اهلل ووعيده ‪ ،‬وال حجة ٍ‬
‫وم (‪)22‬‬‫البالغةـ ‪ ...﴿ :‬وخلَق ُكل شي ٍء َف َق َّدره ت ْق ِديراـ (‪ِ ﴿ ، 203﴾ )2‬إلَى قَد ٍر َّمعلُ ٍ‬
‫َ ْ‬ ‫َُ َ ً‬ ‫َ َ َ َّ َ ْ‬
‫‪204‬‬ ‫َف َق َدرنَاـ فَنِ ْعم الْ َق ِ‬
‫اد ُرو َن (‪﴾ )23‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫عباد اهلل ‪ :‬اإليمان بالقضاءـ والقدر يقوم على أربعةـ أركان مرتبطة ببعضها ال يقوم‬
‫اإليمان إال بتحقيقها ‪ ،‬وهي ‪ :‬العلم والكتابةـ والمشيئة والخلق ‪..‬‬
‫شيء جملةً وتفصيال أزاًل وأبدا ف؛‬ ‫فالعلم هو ‪ :‬اإليمان بأن اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬عالم بكلـ ٍ‬
‫ٌ‬
‫يعلم الموجود والمعدوم والممكن والمستحيل ‪ ،‬ال يعزب عن علمه مثقالـ ذرة ٍفي‬
‫اد ِة ُه َو َّ‬
‫الر ْح َم ُن‬ ‫السموات وال في األرض ‪ُ ﴿ :‬ه َو اللَّهُ الَّ ِذي اَل ِإلَهَ ِإاَّل ُه َو َعالِ ُم الْغَْي ِ‬
‫ب َو َّ‬
‫الش َه َ‬

‫‪203‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪204‬‬
‫سورة المرسالت‬
‫‪146‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يم (‪َ ... ﴿ 205 ﴾ )22‬ي ْعلَ ُم َما َب ْي َن َأيْ ِدي ِه ْـم َو َما َخ ْل َف ُه ْم ‪ ، 206 ﴾ )255( ...‬وقال‬ ‫َّ ِ‬
‫الرح ُ‬
‫‪ -‬جل في عاله ‪ -‬عن ذاتهـ العليةـ ‪َ ﴿ :‬و ِعن َدهُ َم َفاتِ ُح الْغَْي ِ‬
‫ب الَ َي ْعلَ ُم َها ِإالَّ ُه َو َو َي ْعلَ ُم َما فِي‬
‫ْب َوالَ يَابِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ٍ‬ ‫الْب ِّر والْبح ِر وما تَس ُق ُ ِ‬
‫س‬ ‫ض َوالَ َرط ٍ‬ ‫ط من َو َرقَة ِإالَّ َي ْعلَ ُم َها َوالَ َحبَّة في ظُلُ َمات ْ‬
‫اَألر ِ‬ ‫َ َ َ ْ ََ ْ‬
‫اب ُّمبِي ٍن (‪. 207 ﴾ )59‬‬ ‫ِإالَّ فِي كِتَ ٍ‬

‫الثاني مما يشتمل عليه اإليمان بالقدرـ ‪ :‬الكتابةـ ؛ وهي اإليمان بأن اهلل كتب ما سبق به‬
‫مكتوب في اللوح‬
‫ٌ‬ ‫كائن‬
‫علمه من مقادير الخالئق إلىـ يوم القيامةـ ‪ ..‬فكل ما كان وما هو ٌ‬
‫َأن اللَّهَ َي ْعلَ ُم َما فِي َّ‬
‫الس َماء‬ ‫المحفوظ في أم الكتابـ ‪ ،‬قال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ : -‬ألَ ْم َت ْعلَ ْم َّ‬
‫ك َعلَى اللَّ ِه يَ ِس ٌير (‪ ، 208 ﴾)70‬وقال ‪ -‬عز وجل‬ ‫اب ِإ َّن َذلِ َ‬ ‫ض ِإ َّن َذلِ َ‬
‫ك فِي كِتَ ٍ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫َو ْ‬
‫ص ْينَاهُ فِي ِإ َم ٍام ُمبِي ٍن (‪.. 209﴾ )12‬‬ ‫ٍ‬
‫أح َ‬
‫‪َ ... ﴿ : -‬و ُك َّل َش ْيء ْ‬
‫عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪-‬‬
‫اَألر ِ‬
‫ض‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم – يقول ‪َ " :‬كتَ َّ ِ‬
‫اد ـير الْ َخالِئ ِق َق ْبل َأ ْن ي ْخلُ َق َّ ِ‬
‫الس َم َوات َو ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ب اللهُ َم َق َ‬ ‫َ‬
‫ف َسنَ ٍة " رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ين َألِ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َخ ْمس َ‬

‫األمر الثالث ‪ -‬أيهاـ المسلمون ‪ -‬مما يشتمل عليه اإليمان بالقدرـ ‪ :‬المشيئة ؛ وهي‬
‫اإليمان بمشيئة اهلل النافذة وقدرته الشاملةـ ‪ ..‬فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬وأنه ال‬
‫حركة وال سكون وال هدايةـ وال إضالل إال بمشيته ‪ -‬جل في عاله ‪ -‬وال يمكن أن يقع في‬

‫‪205‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪206‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪207‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪208‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪209‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪147‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ار ‪...‬‬
‫شاء َويَ ْختَ ُ‬
‫ك يَ ْخلُ ُق َما يَ َ‬ ‫كبير إال بمشيئته ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ : -‬و َربُّ َ‬ ‫صغير وال ٌ‬ ‫حادث ٌ‬‫ٌ‬ ‫الكون‬
‫ين (‪.. 211 ﴾ )29‬‬ ‫ب ال َْعالَ ِم َـ‬
‫شاء اللَّهُ َر ُّ‬
‫شاُؤ و َن ِإاَّل َأن يَ َ‬
‫‪َ ﴿ ،‬و َما تَ َ‬
‫‪210‬‬
‫(‪﴾ )68‬‬
‫صَب َع ْي ِن ِم ْن‬ ‫وب بَنِي َ‬
‫آد َم ُكلَّ َها َب ْي َن ِإ ْ‬ ‫قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " : -‬إ َّن ُقلُ َ‬
‫‪...‬ولَ ْو َشاء اللّهُ َما‬ ‫الرحم ِـن َك َقل ٍ ِ ٍ‬ ‫َِ‬
‫شاءُ " رواه مسلم ‪َ ﴿ ،‬‬ ‫ث يَ َ‬
‫ص ِّرفُهُ َح ْي ُ‬
‫ْب َواح ـد يُ َ‬ ‫َأصاب ِع َّ ْ َ‬
‫اقْتََتلُواْ َولَ ِك َّن اللّهَ َي ْف َع ُل َما يُ ِري ُد (‪. 212 ﴾ )253‬‬

‫الركن الرابع ‪ -‬أيها المسلمون ‪ : -‬الخلق ؛ وذلك يقتضي اإليمان بأن جميع الكائناتـ‬
‫مخلوقةٌ هلل بذواتها وصفاتهاـ وحركاتها ‪ ،‬وبأن كل من سوى اهلل فهو مخلوق موجد من‬
‫العدم ‪ ..‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ : -‬اللَّهُ َخالِ ُق ُك ِّل َش ْي ٍء ‪ 213 ﴾ ...‬وعن حذيفةـ ‪ -‬رضي‬
‫صانِ ٍع‬ ‫اهلل عنه – قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " : -‬إ َّن اللَّهَ يَ ْ‬
‫صنَ ُع ُك َّل َ‬
‫ص ْن َعتَهُ " أخرجه البخاري في (خلق أفعالـ العباد) ‪.‬‬
‫َو َ‬

‫ثمرات تعود على المؤمن بالنفع العاجلـ‬


‫ٌ‬ ‫أيها المسلمون ‪ ..‬في اإليمان بالقضاء والقدر‬
‫واآلجل والعبوديات والنفحات والمنازل التي تبلغه رضا اهلل وجنته ‪..‬‬
‫فأول ذلك ‪ :‬أن المؤمن يؤدي عبادة هلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬بإيمانه بالقضاءـ والقدر وباإلذعان‬
‫باعث على اإلخالصـ ‪ ..‬فإذا علم العبد أن كل ٍ‬
‫شيء بقدر اهلل‬ ‫هلل والتسليم له ‪ ،‬كما أنه ٌ‬
‫وأن الملك ملكه والخلق خلقه وكل ٍ‬
‫شيء مقاليدهـ بيده وأن األمور ال تُنال إال بتقدير اهلل وأن‬
‫الناس ال يملكون شيًئا ‪ ..‬لم يعد يبالي بذم الناس ومدحهم في الحق ولم يسخط اهلل برضا‬
‫إخالصا وقص ًدا هلل ال تأخذهـ في اهلل لومة الئمة ‪ ،‬ويعلم‬
‫ً‬ ‫الناس ولم يتزين لهم ‪ ،‬بل يزداد‬
‫محكوم بقدره ‪ ،‬وفي حديث ابن عباس ‪ -‬رضي‬ ‫واقع تحت قهر اهلل وسلطانه‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫أن كل شيء ٌ‬

‫‪210‬‬
‫سورة القصص‬
‫‪211‬‬
‫سورة التكوير‬
‫‪212‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪213‬‬
‫سورة الزمر‬
‫‪148‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫َأل اللَّهَ‪َ ،‬وِإ َذا‬


‫اس ْـ‬
‫ْت فَ ْ‬ ‫اهلل عنهما ‪ : -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪ِ " :‬إ َذا َسَأل َ‬
‫ش ْي ٍء لَ ْم َي ْن َفعُ َ‬
‫وك ِإاَّل‬ ‫وك بِ َ‬
‫ت َعلَى َأ ْن َي ْن َفعُ َ‬
‫اجتَ َم َع ْ‬
‫اُأْلمةَـ لَ ْو ْ‬
‫َأن َّ‬ ‫استَ ِع ْن بِاللَّ ِه‪َ ،‬وا ْعلَ ْم َّ‬
‫ت فَ ْ‬
‫اسَت َع ْن َ‬
‫ْ‬
‫وك ِإاَّل بِ َ ٍ‬ ‫ش ْي ٍء لَ ْم يَ ُ‬
‫وك بِ َ‬ ‫ش ْي ٍء قَ ْد َكتَبَهُ اللَّهُ لَ َ‬‫بِ َ‬
‫ش ْيء قَ ْد َكتَبَهُ‬ ‫ض ُّر َ‬ ‫ض ُّر َ‬ ‫ك ‪َ ،‬ولَ ِو ْ‬
‫اجتَ َمعُوا َعلَى َأ ْن يَ ُ‬
‫ت اَأْلقْاَل ُم وج َّف ِ‬‫ك ‪ ،‬رفِ َع ِ‬
‫ف " ‪ ..‬رواه الترمذيـ بإسناد صحيح ‪.‬‬ ‫الص ُح ُ‬
‫ت ُّ‬ ‫ََ‬ ‫اللَّهُ َعلَْي َ ُ‬

‫وهذا يزيد إيمان المؤمن ‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ : -‬ما َأصاب ِمن ُّم ِ‬
‫صيبَ ٍة ِإاَّل بِِإ ْذ ِن‬ ‫َ َ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ﴾‪ .. 214‬وفي قراءة ‪{ :‬يهدأ قلبه} ‪..‬‬ ‫اللَّه َو َمن ُيْؤ من باللَّه َي ْهد َقلْبَهُ َواللَّهُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫قال علقمة ‪ ( :‬هو الرجلـ تصيبه المصيبة فيعلم أنها من قِبل اهلل فيسلم ويرضى ‪ ،‬ومن‬
‫رضي عن اهلل رضي اهلل عنه ‪ ،‬والرضا باب اهلل األعظم وجنة الدنياـ ومستراح العابدينـ وقرة‬
‫عيون المشتاقين ‪..‬‬
‫إنه ال خروج للعبد عما قدر له ‪ ،‬فلو رضي باختيارـ اهلل أصابه القدر وهو ٍ‬
‫راض‬
‫مذموم مسخوط ‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫ملطوف به ‪ ..‬وإال جرى عليه القدر وهو‬
‫ٌ‬ ‫ومشكور‬
‫ٌ‬ ‫محمو ٌد‬
‫وهذا يفسر لك سكون القلب وطمأنينة النفس وراحةـ البال وبرد اليقين ؛ فترى المؤمن‬
‫ٍ‬
‫وسكينة عجيبة ‪ ،‬إن اإليمان بالقدرـ‬ ‫ٍ‬
‫مطمئنة‬ ‫ٍ‬
‫ونفس‬ ‫بنفس ٍ‬
‫رضية‬ ‫يستقبل المصائب واآلالم ٍ‬
‫يفلح في تهدئةـ األعصاب أكثر مما تفلح كل المسكنات والعقاقيرـ الطبية ‪.‬‬

‫والسكينة من مواهب الرحمن ال من كسب اإلنسان ‪ ،‬وهي الطمأنينة والوقار‬


‫والسكون واألمن الذي ينزله اهلل في قلب المؤمن خاصةً في مواقف القلق واالضطراب ‪،‬‬
‫روح‬
‫أما الطمأنينة فهي سكينةٌ معها أنس ؛ فيااهلل ! كم في اإليمان بالقضاءـ والقدرـ من ٍ‬
‫ٍ‬
‫وراحة وطمأنينة !‬ ‫ٍ‬
‫وسكينة‬

‫‪214‬‬
‫سورة التغابن‬
‫‪149‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وإقداما‬
‫ً‬ ‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬ومن ثمراتـ اإليمان بالقضاءـ والقدر أن يمتلئ القلب شجاعةً‬
‫نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها ‪ ،‬ولن يصيب اإلنسانـ إال ما ُكتب له ‪..‬‬ ‫؛ فلن تموت ٌ‬
‫َأن َما َأ ْخطَ َ‬
‫َأك لَ ْم يَ ُك ْن‬ ‫ك لَ ْم يَ ُك ْن لِيُ ْخ ِطَئ َ‬
‫ك ‪َ ،‬و َّ‬ ‫َأصابَ َ‬ ‫فعالم الخوف والقلق ؟ " َوا ْعلَ ْم َّ‬
‫َأن َما َ‬
‫ك " ‪..‬‬ ‫لِي ِ‬
‫صيبَ َ‬ ‫ُ‬
‫وكذلك القناعة وعزة النفس ؛ فالرزق ال يجلبه حرص حريص وال يمنعه حسد‬
‫حاسد ‪ ،‬وهذا يؤدي إلىـ القناعةـ واإلجمال في الطلب وإلى التحرر من رق الخلق ومنتهم‬
‫والحاجة إليهم واالكتفاء من الدنيا بالبالغ ؛ فتعلو همة المؤمن وتزكو نفسه وال يحسد أح ًداـ‬
‫على عطاء أعطاه اهلل إياه لعلمهم أن اهلل يعطي ويمنع ويخفض ويرفع ‪ ،‬ومن حسد غيره‬
‫اه ُم اللّهُ ِمن‬
‫َّاس َعلَى َما آتَ ُ‬
‫س ُدو َن الن َ‬
‫فإنه معترض على قضاء اهلل وقسمه ‪َْ ﴿ :‬أم يَ ْح ُ‬
‫ضلِ ِه ‪. 215﴾ ...‬‬ ‫فَ ْ‬

‫اإليمان بالقضاء والقدر يدعو للتفاؤل واإليمان بالنصر القادم والفرج العاجل ‪" : ،‬‬
‫َأسواْ‬
‫واعلم أن النصر مع الصبر ‪ ..‬وأن مع العسرـ يسرا " ؛ فال يأس وال قنوط ‪َ ... ﴿ :‬والَ َت ْي ُ‬
‫َأس ِمن َّر ْو ِح اللّ ِه ِإالَّ الْ َق ْو ُم الْ َكافِ ُرو َن ﴾‪. 216‬‬ ‫ِ ِإ‬ ‫ِ‬
‫من َّر ْو ِح اللّه نَّهُ الَ َي ْي ُ‬

‫صابرا قوي االحتمال ‪ ،‬وكل أحد ال بد له من الصبر ‪..‬‬


‫اإليمان بالقدرـ يجعل المؤمن ً‬
‫فهو من جميل الخالل ومحمود الخصال ومن سمات الرجال ‪ ،‬ومن لم يصبر صبر الكرامـ‬
‫سال سلو البهائم ‪ ..‬قال عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ( : -‬وجدناـ خير عيشنا بالصبر )؛ لذا تجد‬
‫صبورا متجل ًدا يتحمل المشاق ويتجاوز المصاعب واآلالم ‪ ..‬بخالف ضعيف‬
‫ً‬ ‫المؤمن بالقدرـ‬
‫اإليمان الذي ال يقو ى على االحتمال وال يصبر على ما يعترضه فيجزع ألتفهـ األسبابـ ‪،‬‬
‫بل ربما أدى به الجزع إلى الوساوس واألمراضـ النفسية والهربـ إلىـ المخدرات‬
‫واالنتحار ‪ ،‬ولو آمن بالقضاءـ والقدر لرأيت قوة الرجاء وإحسانـ الظن باهلل ‪ ..‬فإن اهلل‬

‫‪215‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪216‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪150‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫قضاء إال وفيه تمام العدل وكمال الرحمةـ والحكمة ؛ فال يتهم ربه فيما‬
‫تعالىـ ال يقضي ً‬
‫يجري عليه من أقضيته وأقداره ؛ وذلك يوجب له استواء الحاالت عنده ورضاه بما يختاره‬
‫له سيده وينتظر الفرج ويترقبه ‪ ،‬بل يخفف ذلك من حمل المشقة ‪ ..‬ال سيما مع قوة‬
‫الرجاء فإن في حشو البالء من روح الفرجـ ونسيمه وراحته ما هو خفي األلطاف ‪ ،‬بل هو‬
‫فرج معجل ‪..‬‬
‫ٌ‬
‫والتأمل في قدر اهلل يكشف لإلنسان حكمة اهلل فيما يقدره من خي ٍر أو شر ‪... ﴿ :‬‬
‫سى َأن تُ ِحبُّواْ َش ْيًئا َو ُه َو َش ٌّر لَّ ُك ْم َواللّهُ َي ْعلَ ُم َوَأنتُ ْم‬ ‫َّ‬
‫سى َأن تَ ْك َر ُهواْ َش ْيًئا َو ُه َو َخ ْي ٌر ل ُك ْم َو َع َ‬
‫َو َع َ‬
‫الَ َت ْعلَ ُمو َن ﴾‪ 217‬؛ فيفوض العبد أمره إلى من يعلم عواقب األمور ‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ ..‬ومن آثار اإليمان بالقضاء والقدر ‪ :‬التوكل على اهلل ‪ ،‬وهو نصف‬
‫الدينـ ولب العبادة والتوكل ‪ ..‬هو توجه القلب إلى اهلل واستمداد المعونة منه واالعتماد عليه‬
‫وحده بعد بذل السبب ‪..‬‬
‫التوكل يعني الثقة باهلل والطمأنينة به والسكون إليه ‪ ،‬وهو التعلق باهلل في كل حال ‪:‬‬
‫وت ‪َ ﴿ ، 218 ﴾ ...‬و َمن َيَت َو َّك ْل َعلَى اللَّ ِه َف ُه َو‬
‫ْح ِّي الَّ ِذي اَل يَ ُم ُ‬
‫﴿ َوَت َو َّك ْل َعلَى ال َ‬
‫‪219‬‬
‫‪.‬‬ ‫َح ْسبُهُ ‪﴾...‬‬

‫التوكل ال يعني ترك األسباب ‪ ،‬بل يعنيـ عدم تعلق القلب بها ‪ ..‬فإذا عزمت فتوكل‬
‫على اهلل ‪ ،‬والشريعة أمرتـ العامل بأن يكون قلبه منطويًا على انفرادـ التوكل ‪ ،‬فإذا‬
‫استضاء به أمده اهلل بالقوة والعزيمةـ والفهم والبصيرة والصبر والتوفيق وصرف عنه اآلفات‬
‫وأراه من حسن العواقب ما لم يكن ليصل إليه اإلنسان لوال توفيق اهلل ‪ ،‬وهذا يريح‬
‫اإلنسان من األفكار والوساوس ويفرغ قلبه من التقديراتـ والتدبيراتـ التي يصعد منها في‬

‫‪217‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪218‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪219‬‬
‫سورة الطالق‬
‫‪151‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عقبة وينزل في أخرى ‪ ،‬وعلى قدر تجريد التوحيد تكون صحة التوكل ‪ ،‬ومن التفت إلى‬
‫غير اهلل نقص توكله ‪ ..‬قال ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪ ( : -‬الثقة باهلل تنافي الركود والعجز ؛‬
‫فإن الواثق باهلل يفعل ما أمره اهلل ويثق باهلل في طلوع ثمرته وبركتها كغارس الشجرة وباذر‬
‫األرض ‪ ،‬والثقةـ إنما تصح بعد بذل المجهود " ‪.‬‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ونفعنا بما فيه من اآلياتـ والذكر الحكيم ‪..‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفرـ اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل الذي استأثرـ بالخلق والتدبيرـ ‪ ..‬له ملك السموات وهو اللطيف‬
‫الخبير ‪ ،‬وأشهد أال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له وأشهد أن محم ًدا عبد اهلل ورسوله‬
‫البشير النذير والسراج المنير ‪ ..‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعينـ ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ..‬أيها المسلمون ‪ :‬يقول الحق ‪ -‬تبارك وتعالى ‪ -‬عن ذاته العلية ‪َ ﴿ :‬ولَهُ َما‬
‫الس ِميع الْعلِيم ﴾‪ ، 220‬ويقول ‪ -‬سبحانه ‪ ﴿ : -‬وهو الْ َق ِ‬ ‫ِ‬
‫اه ُـر‬ ‫َ َُ‬ ‫َس َك َـن في اللَّْي ِل َوالن َ‬
‫َّها ِر َو ُه َو َّ ُ َ ُ‬
‫يم الْ َخبِ ُير ﴾‪ ، 221‬ومن هنا كان كمال توحيد المؤمنين فأخبتت‬ ‫اد ِه وهو ال ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْحك ُ‬ ‫َف ْو َق عبَ َ ُ َ َ‬
‫قلوبهم ألحكام القضاء وهان عليهم الصبر على البالء والشكرـ على السراء ‪ ،‬وفوضوا‬
‫أمرهمـ إلى اهلل وسألوه المغفرة والرحمة ‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪221‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪152‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عباد اهلل ‪ ..‬اإليمان بالقدر ال ينافي أن يكون لإلنسان مشيئةٌ يحاسب عليها في أفعاله‬
‫ٍ‬
‫إنسان له قدرةٌ وإرادةٌ ومشيئةٌ واختيار ‪ ..‬ال يجبره أح ٌـد على فعل خي ٍر أو‬ ‫االختياريةـ ؛ فكل‬
‫‪،‬‬ ‫‪222‬‬
‫ور َها َوَت ْق َو َاها (‪﴾ )8‬‬ ‫(‪ )7‬فََأل َْه َم َها فُ ُج َ‬‫س َو َما َس َّو َاها‬ ‫فعل شر ‪ ،‬قال تعالىـ ‪َ ﴿ :‬و َن ْف ٍ‬
‫شاء اللَّهُ َر ُّ‬
‫ب‬ ‫شاُؤ و َن ِإاَّل َأن يَ َ‬
‫(‪َ )28‬و َما تَ َ‬ ‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقال سبحانه ﴿ ل َمن َشاء من ُك ْـم َأن يَ ْستَق َ‬
‫ين (‪. 223﴾ )29‬‬ ‫ِ‬
‫ال َْعالَم َ‬

‫وإيجاداـ وتقديرا وهي من العباد فعاًل وكسبًا واختيارا ؛‬ ‫ً‬ ‫وأفعالـ العباد هي من اهلل خل ًقا‬
‫فاهلل هو الخالق ‪ ..‬فأفعالهمـ وهم الفاعلون لها ‪ ..‬قال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ : -‬واللَّهُ َخلَ َق ُك ْـم َو َما‬
‫‪224‬‬
‫‪..‬‬ ‫َت ْع َملُو َن ﴾‬
‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪ ( : -‬هاهنا أمران ‪ :‬قضاء ومقضي ؛ فالقضاء هو فعل‬
‫ٌ‬
‫وعدل‬ ‫خير‬
‫الرب ‪ -‬سبحانه ‪ -‬والمقضي هو المفعولـ المنفصل عنه ‪ ،‬فالقضاء كله ٌ‬
‫مرضي ومنه ما هو غير مرضي ‪ ،‬مثالـ ذلكـ قتل النفس ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وحكمة ‪ ،‬والمقضي منه ما هو‬
‫فهما اعتباران ؛ فمن حيث إنه قدر اهلل وعلمه وقضاؤه وكتبه ‪ ،‬وشاءه وجعله أجاًل‬
‫للمقتول ونهايةًـ لعمره فهو كذلك ‪ ،‬ومن حيث إنه صدر من القاتل وباشره وكسبه وأقدم‬
‫ط غير مرضي ولم يجبره أحد على هذه‬
‫عليه باختياره وعصى اهلل بفعلهـ فهو مسخو ٌ‬
‫المعصية ‪ ،‬وال وجه لالحتجاج بالقدر هنا ‪ ..‬فإنه ال يدري أصاًل ما الذي كتبه اهلل وقدره ؛‬
‫محاسب على فعله ال على ما قدره اهلل مما ال يعلم العبد عنه ) ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فهو‬
‫ول اللَّ ِه‬‫ال ‪ :‬يَا َر ُس َ‬‫ش ٍم ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ك بْ ِن َج ْع َ‬‫عن جابرـ رضي اهلل عنه قال ‪ " :‬جاء سراقَةُـ بْن مالِ ِ‬
‫َ َ َُ ُ َ‬
‫ت عُ ْم َرَتنَا َه ِذ ِه ؟ َألِ َع ِامنَا َه َذا َْأم لَِألبَ ِد ؟ قَ َ‬
‫ال ‪ " :‬بَ ْل لَِألبَ ِد‬ ‫‪َ ،‬بيَّ ْن لَنَا ِد َيننَا َكَأنَّا ُخلِ ْقنَا اآل َن ‪ََ ،‬أرَأيْ َ‬
‫ت بِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫يما َج َّف ْ‬ ‫ول اللَّه ‪َ ،‬بيِّ ْن لَنَا د َيننَا َك ََّأننَا ُخل ْقنَا اآل َن ‪ ،‬ف َ‬
‫يما ال َْع َم ُل الَْي ْو َم ؟ ف َ‬ ‫" ‪ .‬قَ َ َ َ ُ‬
‫ال ‪ " :‬ال ‪ ،‬بل فِيما ج َّف ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَألقْالم وجر ْ ِ ِ‬
‫ت بِه اَألق ُ‬
‫ْالم ‪،‬‬ ‫َْ َ َ‬ ‫يما نَ ْسَت ْقبِ ُل ؟ قَ َ‬
‫ت به ال َْم َقاد ُـير ‪َْ ،‬أو ف َ‬ ‫ُ َ ََ‬

‫‪222‬‬
‫الشمس‬
‫‪223‬‬
‫التكوير‬
‫‪224‬‬
‫سورة الصافات‬
‫‪153‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ْت‬
‫سَأل ُ‬ ‫ال ‪َ :‬كلِ َمةً َخ ِفيَ ْ‬
‫ت َعلَ َّي ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ال ُز َه ْي ٌر ‪َ :‬ف َق َ‬
‫يم ال َْع َم ُل ؟ َف َق َ‬ ‫ادير " ‪ .‬قَ َ ِ‬
‫ال ‪ :‬فَف َ‬
‫ِ‬ ‫وجر ْ ِ ِ‬
‫ت به ال َْم َق ُ‬ ‫َ ََ‬
‫س ٌر لِ َما ُخلِ َق لَهُ " وفي رواية‬ ‫ال ‪ " :‬ا ْع َملُوا فَ ُكلٌّ ُميَ َّ‬‫سبَتِي َب ْع ُد ‪ ،‬فَ َذ َك َر َأنَّهُ َس ِم َع َها ‪َ ،‬ف َق َـ‬
‫َع ْن َها نَ َ‬
‫ميسر لعمله " رواه مسلم ‪.‬‬ ‫عامل ٌ‬ ‫‪ " :‬كل ٍ‬

‫هذا ‪ ،‬وصلوا وسلموا على الرحمة المهداةـ والنعمة المسداهـ محمد بن عبد اهلل رسول اهلل‬
‫ومصطفاه ‪ ،‬اللهمـ صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك سيدناـ محمد وعلى آل بيته‬
‫الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهمـ أعز اإلسالم والمسلمين وأذل الشرك‬
‫والمشركين ‪ ،‬اللهم انصر من نصر الدينـ واخذل الطغاة والمالحدة والمفسدينـ ‪.‬‬
‫اللهم آمنا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬واجعل واليتنا فيمن خافكـ‬
‫واتقاك واتبع رضاك ‪.‬‬
‫اللهم ِّ‬
‫ول على المسلمين خيارهمـ واصرف عنهم شرارهم ‪ ،‬اللهم وفق ولي أمرناـ لما‬
‫تحب وترضى وخذ به للبر والتقوى ‪ ،‬اللهم أصلح بطانته واصرف عنه بطانة السوء ياحيـ‬
‫ياقيوم ‪ ،‬اللهم وفقه ونائبه وإخوانهمـ وأعوانهمـ لما فيه صالح العباد والبالد ‪ ،‬اللهمـ انصر‬
‫دينك وكتابكـ وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر المسلمين المستضعفين في كل‬
‫مكان يارب العالمينـ ‪.‬‬

‫اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهمـ ال يعجزونك ‪ ،‬اللهم فرج هم المهمومين من‬
‫المسلمين ونفس كرب المكروبين وفك أسر المأسورين واقض الدين عن المدينين واشف‬
‫برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين ‪.‬‬

‫اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر أمورنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪.‬‬
‫‪154‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ربنا آتنا في الدنياـ حسنة وفي اآلخرة وقنا عذاب النار ‪ ،‬ربنا اغفر لنا ولوالدينا‬
‫ووالديهمـ ولجميع المسلمين ‪ ،‬ربنا ظلنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من‬
‫الخاسرينـ ‪.‬‬
‫نستغفر اهلل ‪ .‬نستغفر اهلل ‪ ،‬نستغفرـ اهلل الذي ال إله إال هو الحي القيوم ونتوب إليه ‪،‬‬
‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ..‬أنت الغني ونحن الفقراءـ ؛ أنزل علينا الغيث وال تجعلنا من‬
‫عاما‬
‫سحا طب ًقا مجلال ًّ‬
‫القانطين ‪ ،‬اللهم أغثنا ‪ .‬اللهمـ أغثنا ‪ ،‬اللهمـ أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬
‫نافعا غير ضار ‪ ..‬تحي به البالد وتسقيـ به العبادـ وتجعله بالغًا للحاضر والباد ‪ ،‬اللهم سقيا‬
‫ً‬
‫هدم وال غرق ‪،‬‬ ‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رحمة ‪ .‬اللهم سقيا رحمة ‪ .‬اللهمـ سقياـ رحمة ال سقيا‬
‫اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً‬

‫ربنا تقبل منا إنكـ أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ‪،‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫عنوان الخطبة‪ :‬الورع وأثره على دين المسلم‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬اليوم الثالثون من شهر ربيع األولـ من عام ‪ 1430‬هـ‬

‫‪ -‬الورع وأثره على دين المسلم ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫‪155‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ‬
‫أعمالنا ‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ‪ ،‬وأشهد أال إله إال اهلل وحده‬
‫ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته‬
‫الطيبين الطاهرينـ وعلى أصحابه والتابعينـ ومن تبعهمـ بإحسان إلى يوم الدينـ ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ،‬فتقوى اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬أعظم وصية ‪ ،‬وهي النجاة من كل كرب وبلية ‪:‬‬
‫‪225‬‬
‫ين آ ََمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َواَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن ( ‪﴾ )120‬‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿ يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ال َواَل َبنُو َن (‪ِ )88‬إاَّل َم ْن َأتَى اللَّهَ‬
‫وتأهبوا للعرض األكبر على اهلل ﴿ َي ْو َم اَل يَن َف ُع َم ٌ‬
‫‪226‬‬
‫ْب َسلِ ٍيم (‪﴾ )89‬‬ ‫بَِقل ٍ‬

‫عباد اهلل ‪ :‬حين تخبو جذوة اإليمان في القلوب ويطغى حب الدنياـ على النفوس‬
‫تضمحل التقوى ويتالشى الورع وتبرز األنانيةـ ويظهر الطمع ويولع الناس بالدنيا فيتهافتون‬
‫عليها ويتنافسون ‪ ،‬وبها يتمايزون ويتطايسون وعليها يوالون ويعادون ‪ ،‬وذلك حين‬
‫ينسى الناس أو يتناسون أمر الحساب والوقوف بين يدي رب األربابـ تراهم في هذه الدنياـ‬
‫يركضون بغير عنان يعبون من حاللها وحرامها دون كيل وال ميزان ‪ ..‬يتسابقون في لذائذـ‬
‫النفوس من غير حدود وال حواجز ‪ ،‬ويتكالبون على حطام الدنيا تكالب من نسي‬
‫اآلخرة ‪ ،‬شعار أحدهم ‪ :‬الحالل ما حل في يدك والدنياـ لمن غلب وخذ كل ما تستطيع‬
‫أخذهـ ‪ ..‬ال يبالي من أتى الدنيا وبأي طريق وصلت لقمته وعلى أي حالـ كانت متعته وعلى‬
‫مشين تنحط‬ ‫وحال ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وتكاثر وتفاخر وتقلي ٌد وزهو ‪،‬‬ ‫ٌـ‬ ‫لعب ولهو‬ ‫أي محرم كانت شهوته ‪ٌ ..‬‬
‫إلى دركه المجتمعات حين تغفل عن مراقبة اهلل وخشيته وتنشغل بجمع الدنياـ وكسب‬
‫َّ ِ‬
‫ين الَ‬‫المال ؛ فتفسد الديانةـ وتنحرف األخالق ويعوج السلوك والمصير األخيرـ ﴿ َإ َّن الذ َ‬
‫ين ُه ْم َع ْن آيَاتِنَا غَافِلُو َن (‪ُْ )7‬أولَـِئ َ‬
‫ك‬ ‫الد ْنيَا َواط َْمَأنُّواْ بِ َها َوالَّ ِذ َـ‬ ‫ضواْ بِالْح ِ‬
‫ياة ُّ‬ ‫َي ْر ُجو َن لَِقاءنَا َو َر ُ‬
‫َ‬

‫‪ 225‬سورة آل عمران‬
‫‪226‬‬
‫سورة الشعراء‬
‫‪156‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪ ..‬ومن المخيف المفزع أن ترى بوادر ذلك‬ ‫‪227‬‬


‫ُّار بِ َما َكانُواْ يَ ْك ِسبُو َن (‪﴾ )8‬‬
‫اه ُـم الن ُ‬
‫َم َْأو ُ‬
‫السلوك ومظاهر هذا االنحراف ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬وفي دياجيرـ هذه الظلمات وتالطم طوفان المدلهماتـ ثمة مركب‬
‫آمن يتهادىـ بين أمواج الفتن يحمي المؤمن ويوصله ويؤويه ويؤمنه ؛ إنه مركب الورع ‪..‬‬
‫صفات أصبحت غريبة في زمن التكاثر والتفاخر‬
‫ٌ‬ ‫الورع والعفة والتقوى والخوف من اهلل‬
‫سراج وضيء في حنايا القلوب‬
‫ٌ‬ ‫ومعان أضحت عزيزة في صراعات الحياة ‪..‬الخوف من اهلل‬
‫ومشعل نو ٍر نتلمس به سالمة الدروس ‪َ ،‬م ْن ِم َن الناس اليوم يتوقف عند مشتبهات ويقول‬
‫إني أخاف اهلل ‪َ ..‬م ْن ِم َن الناس مثل ِّ‬
‫الصدِّيق جاءه غالمه بشيء فأكل منه فقال له الغالم ‪( :‬‬
‫أتدري ما هذا ؟ قال أبو بكرـ ‪ :‬وما هو ؟ قال ‪ :‬كنت تكهنت إلنسان في الجاهليةـ وما أحسن‬
‫الكهانةـ ‪ ..‬إال أنيـ خدعته فلقيني فأعطاني بذلكـ ‪ ..‬فهذا الذيـ أكلت منه ؛ فأدخل أبو بكر‬
‫يده فقاء كل شيء في بطنه ) رواه البخاري ‪ .. -‬رضي اهلل عن الصديقـ ‪ ..‬لقد كانت فيه‬
‫اع ِة‬
‫الس َ‬ ‫ش ْو َن َر َّب ُهم بِالْغَْي ِ‬
‫ب َو ُهم ِّم َن َّ‬ ‫ين يَ ْخ َ‬ ‫َّ ِ‬
‫خصلة األتقياء المذكورة في سورة ‪ ﴿ :‬الذ َ‬
‫ُم ْش ِف ُقو َن﴾‪. 228‬‬

‫عباد اهلل ‪ ..‬الورع من أعلى مراتب اإليمان وأفضل درجات اإلحسانـ يحقق للمؤمن‬
‫هدأ البالـ وطمأنينة النفس وراحة الضمير ‪ ..‬الورع ترك ما يريبك ونفي ما يعيبك هو تجنب‬
‫الشبهات ومراقبة الخطرات ‪ ،‬وال يكون المرء و ِر ًعا حتى يجتنب الشبهاتـ خشية الوقوع‬
‫في المحرمات ويترك كل ما يخشى ضرره في اآلخرة ‪..‬عن النعمان بن بشير ‪ -‬رضي اهلل‬
‫الح َر َام َبيِّ ٌن‬‫الل َبيِّ ٌن َوِإ َّن َ‬ ‫عنه – قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " : -‬إ َّن َ‬
‫الح َ‬
‫استَْبرَأ لِ ِديْنِ ِـه‬ ‫وبيَنهما ُأمور م ْشتَبِهاتـ الَ يعلَمه َّن َكثِير ِمن النَّاس‪ ِ،‬فَم ِن َّات َقىـ ُّ ِ ِ‬
‫الش ُب َهات َف َقد ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُُ ٌْ َ‬ ‫َ َْ ُ َ ُ ْ ٌ ُ َ‬
‫ك َأ ْن َي َق َع‬ ‫وش ُ‬ ‫الحمى ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات وقَع فِي الحر ِام َك َّ ِ‬ ‫ضه‪ ،‬ومن وقَع ِفي ُّ ِ‬ ‫وعر ِ‬ ‫ِ‬
‫الراعيـ َي ْر َعى َح ْو َل َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫الش ُب َه َ َ‬ ‫ََ ْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ضغَةً ِإذَا‬ ‫س ِد ُم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ف ْيه‪َ .‬أال َوِإ َّن ل ُك ِّل َملك ح َم ًى ‪َ .‬أال َوِإ َّن ح َمى اهلل َم َحا ِر ُمهُ‪َ ،‬أال وِإ َّن في َ‬
‫الج َ‬
‫‪227‬‬
‫سورة يونس‬
‫‪228‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪157‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ْب " ‪ ..‬رواه البخاري‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬


‫هي ال َقل ُ‬
‫س ُد ُكلهُ َأال َو َ‬
‫الج َ‬
‫س َد َ‬
‫س َدت فَ َ‬
‫س ُد ُكلهُ وإ َذا فَ َ‬
‫الج َ‬
‫صلَ َح َ‬
‫ت َ‬
‫صلَ َح ْ‬
‫َ‬
‫ومسلم ‪ ،‬وهذا من جوامع الكلم ‪ ..‬فإن من اقترب من الحرام وحام حول الفتن قرب منه‬
‫البالء وبعدتـ عنه السالمة ‪ ..‬وربما زال عنه اللطف اإللهي ووكل إلى نفسه ؛ فمهما بلغ‬
‫اإلنسانـ من التحرز والعلمـ فال ينبغي أن يغرر بنفسه وال يفرط بالثقة فيما هو عليه ‪ ..‬فإن أبى‬
‫جرف ها ٍر يوشك أن ينهار به ‪ ،‬فمن أعظم ما‬‫إال الحوم حول الحمى فليعلم أنه على شفا ٍ‬
‫يعين على السالمة البعد عن المثيرات ودواعي المعصية ونوازع الشر ومحركات الشهوة ‪.‬‬

‫أيهاـ المؤمنون التوقي من المزالق والحذر من المحارم سجية المؤمنين وعنوان‬


‫المتقين ‪ ..‬قال سفيان الثوري ‪ ( :‬عليك بالورع يخفف اهلل حسابكـ ‪ ،‬ودع ما يريبك‬
‫إلى ما ال يريبك ‪ ،‬وأتبع الشك باليقينـ يسلم لك دينك ) ؛ لذا قال قتيبة ‪ ( :‬لوال الثوري‬
‫لمات الورع ) ‪ ..‬قال الضحاك ‪ ( :‬أدركت الناس وهم يتعلمون الورع ‪ ،‬وهم اليوم‬
‫يتعلمون الكالم والجدل ) ‪ ،‬وقال النخعي ‪ ( :‬إنما أهلك الناس فضول الكالم وفضول‬
‫النظر ) ‪.‬‬

‫وصدقوا واهلل ‪ ..‬فإن كثيرا من المخالفات أتت من هذه األبوابـ ؛ فتأمل موقف‬
‫الناس حيال قضايا في حياتهم في جانب تحصيل المالـ وحل المطعم والملبس والكالم في‬
‫األعراض وغير ذلك ‪ ..‬أين الورع في تحصيل المكاسب وأنت ترى االحتيالـ والغش والغرر‬
‫‪ ..‬فضال عن الرباـ ‪ ..‬والذي لم يعد شبهةً وال غبارا ‪ ،‬بل جبال متراكمة من الرباـ‬
‫حرب هلل ورسوله ومح ٌق للمال والحال ‪..‬‬
‫رأسا مع أنه ٌ‬
‫المحض ‪ ،‬ولم يعد يرفع إلنكاره ً‬
‫هل فكرناـ فيما نأكله من أطعمة مستوردة ولحوم مثلجة ال يدرى على أي جنب كان‬
‫مصرعها مع توفر الحالل الطيب ؟ وفي الصحيحين ‪ " :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫ب‪َ ،‬و َمط َْع ُمهُ‬
‫ب يَا َر ِّ‬ ‫ث َأ ْغَب َر‪ ،‬يَ ُم ُّد يَ َديْ ِه ِإلَى َّ‬
‫الس َماء‪ ِ،‬يَا َر ِّ‬ ‫الر ُج َل يُ ِط ْي ُل َّ‬
‫الس َف َـر َأ ْش َع َ‬ ‫ذَ َك َر َّ‬
‫ِ‬
‫اب لذلكـ " ‪ .‬نعم ‪ ..‬الحرام يمنع إجابة‬ ‫الح َر ِام فََأنَّىـ يُ ْستَ َج ُ‬ ‫ي بِ َ‬ ‫‪،‬و َم ْش َربُهُ َح َر ٌام‪َ ،‬وغُذ َ‬‫َح َر ٌام َ‬
‫الدعاء ويبعد اإلنسانـ عن اهلل ويطفئ البصيرة ويوجب الخذالن ‪..‬‬

‫‪158‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أين الورع في أداء األماناتـ ‪ ..‬أمانة العمل وأمانةـ أداء الحقوق ؟ أين الورع في الفتيا‬
‫والقول على اهلل ؟ وأين الورع عند الحديث عن األعراض والولوغ في لحوم المسلمين فريا‬
‫ونهشا ‪ ..‬ناهيك عن الكذب وإلصاق التهمـ والتشهير وتشويه السمعة ؛ سيما مع وسائل‬
‫االتصال وسرعة نقل المعلومة ونشرهاـ ؟ قال إسحاق‪ ( :‬الورع في المنطق أشد منه في‬
‫الذهب والفضة)‪..‬أين الورع في النظر ؟ وأين غض البصر في زمن االنفتاح الفضائي والتعري‬
‫األخالقي ؟ وأين الورع في الكتاب والتأليف والرأي والفكر والخطب العابثةـ بكل ما تهواه‬
‫ك ََّأن ُهم َّم ْبعُوثُو َن (‪ )4‬لَِي ْوٍم‬
‫النفس وإن تجرأ على حدودـ اهلل ومحارمه ‪َ ﴿ :‬أاَل يَظُ ُّن ُأولَِئ َ‬
‫ِ‬ ‫َّاس لَِر ِّ‬ ‫ِ‬
‫َعظ ٍيم (‪َ )5‬ي ْو َم َي ُق ُ‬
‫‪229‬‬
‫ين (‪﴾ )6‬‬ ‫ب ال َْعالَم َ‬ ‫وم الن ُ‬

‫أين الورع وأنت ترى الرجال يلبسون الذهب والحرير وهما محرمان على الذكور ؟‬
‫بل أين ورع النساء في الحشمة وفي ستر العورات في المحافل والمناسباتـ ‪ ،‬بل في‬
‫األسواق واألماكن العامة ؟‬

‫غريب غربة الزمانـ ‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫حديث‬
‫ٌ‬ ‫إن الحديث عن الورع مع انتشار هذه المظاهر لهو‬
‫والحال أننا بحاجة إلى تجنب الظواهر وما يفضي للكبائر مما ال جدالـ في تحريمه ‪ ..‬ولكن‬
‫الوقوع في الشبهاتـ هو الذي أوصل إلى المحرمات ‪ ،‬والتساهل في المكروهاتـ هو‬
‫الذي أقحم الناس في المحرمات ‪ ،‬والتفريط في المندوباتـ جرهم إلى ترك الواجبات ‪..‬‬
‫لقد صدق النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في كل كلمة قالها ‪َ " :‬و َم ْن َوقَ َع ِفي ُّ‬
‫الش ُب َه ِـ‬
‫ات‬
‫ك َأ ْن َي َق َع فِ ْي ِه‪ .. " .‬لقد رتعوا حتى‬ ‫الحمى ي ِ‬
‫وش ُ‬ ‫ِ‬ ‫وقَع فِي الحر ِام َك َّ ِ‬
‫الراعي َي ْر َعى َح ْو َل َ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫بشموا ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬التقوى والورع والتعفف والتحرج حياةٌ في الضمير ونباهةٌ في‬
‫ونور يجنبك الوقوع في الحرام ‪ ..‬ال تخادع نفسك حينما تقتحم الريب وتخوض في‬
‫القلب ٌ‬
‫المشتبه ؛ فإن على الحق نورا ‪..‬قال الحسن بن علي ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ " : -‬حفظت من‬
‫‪229‬‬
‫سورة المطففين‬
‫‪159‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ك ‪ ،‬فَِإ َّن ِّ‬


‫الص ْد َق‬ ‫ك ِإلَى َما اَل يَ ِريبُ َـ‬ ‫ع َما يَ ِريبُ َ‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ : -‬د ْ‬
‫ب ِريبَةٌ " رواه الترمذي والنسائيـ بسند صحيح ‪ ..‬الريبةـ واضحة فال‬ ‫طُ َمْأنِينَةٌ ‪َ ،‬وِإ َّن الْ َك ِذ َـ‬
‫ص ْد ِر َك ‪َ ،‬و َك ِر ْه َ‬
‫ت َأ ْن‬ ‫تحرج نفسك ‪ ..‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬واِإل ثْم ما ح َ ِ‬
‫اك في َ‬ ‫َ َُ َ‬
‫َّاس " رواه مسلم ‪ .‬وماذا ينفعك الناس ما دمت تتوجس منه المأثمـ ‪ ..‬قال ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫َِّ‬
‫يَطل َع َعلَْيه الن َ‬
‫َّاس " رواه اإلمام‬ ‫ص ْد ِر َك ‪َ ،‬وِإ ْن َأ ْفتَ َ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬واِإْل ثْم ما ح َ ِ‬
‫اك َع ْنهُ الن ُ‬ ‫اك في َ‬ ‫َ َُ َ‬
‫أحمد بإسناد صحيح ‪.‬‬

‫حشرا ثم كتابًا ال يغادر صغير ًة وال كبير ًة إال‬


‫نشراـ ثم ً‬
‫قبرا ثم ً‬
‫عباد اهلل ‪ ..‬إن أمامناـ ً‬
‫زاد قل أن يسلم ‪ ،‬ومن لم يتدبر‬ ‫أحصاها ‪ ..‬ثم المصير إلى ٍ‬
‫جنة أو نار ؛ فمن سافر بغير ٍ‬
‫عواقب األمور فال بد أن يندم ‪ ،‬ومن لم يكثر من محاسبة نفسه كثرت عليه الديون ‪،‬‬
‫وعما قليل هو في القبرـ مرهون ‪ ،‬ومن سكنت الدنيا قلبه قلبته ومن استمرأ المخالفةـ‬
‫وتهاون في الحدود ُختِم على قلبه حتى يصبح كالكوز مجخيا ال يعرف معروفًا وال ينكر‬
‫منكراـ إال ما أشرب من هواه ‪.‬‬
‫ً‬

‫أيها المسلمون ‪ ..‬الخوف من اهلل والتوقي من محارمه والوقوف عند حدوده والبعدـ‬
‫محتوم حتى يسلم للمسلم دينه ؛ فما للدنياـ‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫عن المشتبهات ليس نفاًل ‪ ،‬بل هو ٌ‬
‫خلِقنا ‪ ..‬روي عن ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أنه قال ‪ ( :‬إني ألحب أن بيني وبين‬
‫الحرام سترة من الحالل ال أخرمها ) ‪ ..‬وصدق النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حين قال ‪:‬‬
‫الريبةَ ي ِ‬ ‫ِِ‬
‫ك َأ ْن يَ ْج ُ‬
‫س َر " متفق عليه‬ ‫وش ْ‬‫َم ْن يُ َخالط ِّ َ ُ‬

‫عظيما من أبوابـ الفقه والديانة ؛ فهل يعقل ذلك الذين‬


‫لذا كان سد الذرائع بابًاـ ً‬
‫يهزأون بهذا المبدأ الشرعي حتى انتهكـ الذرائعـ ما وراء الذرائع ‪ ..‬فأين هم من صفات‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المؤمنين في سورة ( المؤمنون) ‪ِ ﴿ :‬إ َّن الَّ ِذ َـ‬
‫ين ُهم ِّم ْن َخ ْشيَة َربِّ ِهم ُّم ْشف ُقو َن (‪َ )57‬والذ َ‬
‫ين‬
‫ين ُهم بَِربِّ ِه ْـم اَل يُ ْش ِر ُكو َن (‪َ )59‬والَّ ِذ َـ‬
‫ين ُيْؤ تُو َن َما آتَوا‬ ‫ات َربِّ ِه ْم ُيْؤ ِمنُو َن (‪َ )58‬والَّ ِذ َـ‬
‫ُهم بِآي ِ‬
‫َ‬
‫ك يسا ِرعُو َن فِي الْ َخ ْير ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ‬
‫ات َو ُه ْم لَ َها‬ ‫َ‬ ‫وب ُه ْم َوجلَةٌ ََّأن ُه ْم لَى َربِّ ِه ْم َراجعُو َن (‪ُْ )60‬أولَ َ ُ َ‬ ‫َّو ُقلُ ُ‬
‫‪160‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫سألت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫ُ‬ ‫َسابِ ُقو َن (‪ 230﴾ )61‬قالت عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها – "‬
‫َأه ُم الَّ ِذ َـ‬
‫ين يَ ْش َربُو َن‬ ‫وب ُه ْم َو ِجلَةٌ ﴾ ‪ُ :‬‬
‫‪231‬‬
‫ين ُيْؤ تُو َن َما آتَوا َّو ُقلُ ُ‬
‫َّ ِ‬
‫وسلم ‪ -‬عن هذه اآليةـ ‪َ ﴿ :‬والذ َ‬
‫ص َّدقُو َن‬‫صلُّو َن َو َيتَ َ‬
‫ومو َن َويُ َ‬
‫ص ُ‬ ‫َّه ُم الَّ ِذ َـ‬
‫ين يَ ُ‬
‫الصد ِ ِ‬
‫ِّيق َولَكن ُ‬ ‫ت ِّ‬ ‫ال ‪ :‬اَل يَا بِْن َ‬
‫الْ َخ ْم َر َويَ ْس ِرقُو َن ؟ قَ َ‬
‫ات َو ُه ْم لَ َها َسابِ ُقو َن ﴾‪..232‬‬ ‫ك يسا ِرعُو َن فِي الْ َخ ْير ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َو ُه ْم يَ َخافُو َن َأاَّل ُي ْقبَ َل م ْن ُه ْم‪ُْ ﴿ ..‬أولَ َ ُ َ‬
‫حديث صحيح رواه أحمد والترمذيـ وابن ماجة ‪.‬‬

‫اللهم امأل قلوبنا بتقواك ‪ ،‬واجعلناـ نخشاك كأنا نراك ‪ ،‬وبارك لنا في القرآن‬
‫والسنة وانفعنا بما فيهما من اآلياتـ والحكمة ‪ ..‬أقول قولي هذا وأستغفرـ اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬لي‬
‫ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ .‬الرحمن الرحيمـ ‪ .‬مالك يوم الدين ‪ ،‬وأشهد أال إال إله إال‬
‫اهلل وحده ال شريك له الملك الحق المبين ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله الصادق‬
‫األمين ‪ ..‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرينـ وصحابته أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ..‬أيها المسلمون ‪ :‬إن من عرف ربه وقدره حق قدره وعظم حرماته وشعائره‬
‫وصل به التعظيم إلى الحيطة والحذر من كل ما يكون مظنة غضب الربـ ‪ -‬جل جالله ‪ -‬في‬
‫الحال أو في المآل والبعد عن كل ما يمكن أن يوصل إلى الحرام أو يجر إليه ‪ ..‬ورحلة‬
‫االنحدار تبدأ ٍ‬
‫بزلة واحدة ‪ ،‬والحريص على آخرته يجعل بينه وبين االنزالقات وقاية تستره‬
‫وتحميه ‪ ،‬والمكروه عقبة بين العبد والحرام ‪ ..‬فمن أتى المكروه تطرق إلى الحرام ‪،‬‬
‫ومن استكثرـ من المباح تطرق إلىـ المكروهـ ‪ ..‬وربما جره إلىـ الحرام ‪ ،‬وقد جمع النبي ‪-‬‬

‫‪230‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪231‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪232‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪161‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الورع في كلمة واحدة فقال ‪ِ " :‬م ْن ُح ْس ِن ِإ ْساَل ِم ال َْم ْر ِء َت ْر ُكهُ َما اَل‬
‫َي ْعنِ ِيه " ‪ ..‬رواه مالك والترمذيـ وابن ماجهـ بإسناد صحيح ‪ ..‬فهذا يعم الترك لما ال يعني من‬
‫الكالم والنظر واالستماع والحركة والفكرـ وسائر الحركات الظاهرةـ والباطنة ‪ ،‬وفي‬
‫َّاس " لذا جاء ‪ :‬خير دينكم الورع‬ ‫الترمذيـ مرفوعا ‪ " :‬يَا َأبَا ُه َر ْي َرةَ " ُك ْن َو ِر ًعا تَ ُك ْن َأ ْعبَ َد الن ِ‬
‫َأج ٌر َكبِ ٌير ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ش ْو َن َر َّب ُهم بِالْغَْي ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫‪ ..‬وفي الوعد الصادق ‪ِ ﴿ :‬إ َّن الذ َ‬
‫‪233‬‬
‫ب لَ ُهم َّمغْف َرةٌ َو ْ‬ ‫ين يَ ْخ َ‬

‫إن وصل القلب باهلل في السر والخفاء الذي ال تطلع عليه العيون هو ميزان‬
‫الحساسيةـ في القلب البشري وعالمة الحياة في الضمير ‪ ،‬ومتى انعقدت الصلة باهلل في‬
‫مؤمن صاد ٌق موصول ‪ ..‬وإن استقرار هذه الحقيقة في النفس ينشئ لها إدراكا‬
‫القلب فهو ٌ‬
‫صحيحا لألمور ما يودعه من ٍ‬
‫يقظة وتقوى تناط بها األمانةـ التي يحملها المؤمن في هذه‬
‫األرض أمانة التوحيد وأمانةـ العمل ‪ ،‬وذلك ال يتحقق إال حين يستيقن القلب أنه هو وما‬
‫يكمن فيه هو من خلق الذي يعلمه ‪َ ﴿ :‬أاَل َي ْعلَ ُم َم ْن َخلَ َق َو ُه َو اللَّ ِط ُ‬
‫يف الْ َخبِ ُير﴾‪.. 234‬‬
‫عندئذ يتقي المؤمن النية المكنونة والهاجس الدفين كما يتقي الحركة المنظورة والصوت‬
‫‪235‬‬
‫ور ﴾‬ ‫الجهير ألنه يدرك أن اهلل يعلم السر وأخفىـ ‪َ ﴿ :‬ي ْعلَ ُم َخاِئنَةَـ اَأْل ْعيُ ِن َو َما تُ ْخ ِفي ُّ‬
‫الص ُد ُ‬
‫‪.‬‬

‫هذا ‪ ،‬وصلوا وسلموا على خير البريةـ وأزكى البشريةـ رسول اهلل محمد بن عبد‬
‫ٍ‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬ ‫صل وزد وبارك على عبدك ورسولك‬ ‫اهلل ‪ ..‬اللهم ِّ‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدينـ ‪،‬‬
‫واجعلـ هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائرـ بالد المسلمين ‪ ،‬اللهم أمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا‬
‫ووالة أمورنا ‪ ،‬اللهم اجعل واليتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمينـ ‪..‬‬

‫‪233‬‬
‫سورة الملك‬
‫‪234‬‬
‫سورة الملك‬
‫‪235‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪162‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر من نصر الدين‬
‫واخذل الطغاةـ والمالحدة والمفسدين ‪.‬‬

‫اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ‪ ،‬ونفس كرب المكروبينـ ‪ ،‬وفك أسر‬


‫المأسورين ‪ ،‬واشف برحمتكـ مرضانا ومرضى المسلمين ‪.‬‬

‫اللهم وفق ولي أمرناـ لما تحب وترضى وخذ به للبر والتقوى ‪ ،‬اللهم أصلح‬
‫بطانته ‪ ،‬اللهم وفقه ونائبه وإخوانهمـ وأعوانهمـ لما فيه صالح العباد والبالد ‪ ..‬اللهم انصر‬
‫المجاهدينـ في سبيلك في فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين ‪ ،‬اللهم انصر‬
‫المجاهدين في سبيلك في فلسطين وفي كل مكان يا حي يا قيوم يا ذا الجالل واإلكرام ‪.‬‬

‫اللهم أصلح أحوالـ المسلمين ‪ ،‬اللهمـ أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا رب‬
‫العالمينـ ‪ ،‬وردهم إليك ردًّا جميال ‪ ..‬اللهم آتنا في الدنيا حسنةً وفي اآلخرةـ حسنةً وقنا‬
‫عذاب النار ‪ ..‬ربنا اغفرا لنا ولوالديناـ ووالديهمـ ولجميع المسلمين ‪ ..‬ربنا ظلمنا أنفسها‬
‫وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرينـ ‪.‬‬

‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ..‬أنت الغني ونحن الفقراءـ أنزل علينا الغيث وال تجعلنا‬
‫سحا غدقًا طب ًقا‬
‫من القانطينـ ‪ ،‬اللهم أغثنا ‪ .‬اللهم أغثنا ‪ ،‬اللهم أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬
‫نافعا غير ضار تحي به البالد وتسقي به العبادـ وتجعله بالغا للحاضر والباد ‪،‬‬
‫عاما ً‬
‫مجلّال ً‬
‫هدم‬ ‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم سقيا رحمة ‪ .‬اللهم سقيا رحمة ‪ ،‬اللهم سقيا رحمة ال سقيا‬
‫وال غرق ‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيمـ ‪،‬‬
‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون وسالم على المرسلين والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة‪ :‬الوضوء وفضله وآثاره‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس من جمادى األولى من عام ‪ 1430‬هـ‬

‫‪ -‬الوض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوءـ وفض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلهـ ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫شرع الشرائع وأحكم األحكام وجعلها بالغةـ الحسن‬


‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل الذي ّ‬
‫وغاية في اإلحكام ‪ ،‬أحمده ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬وأشكره وهو أهل الحمد واإلنعام ‪ ،‬وأشهدـ أن ال‬
‫إله إال اهلل وحده ال شريك له هو الحكيم العليم ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ذو‬
‫الوجه المضيء الوضيء والفعل الجميل الرضي ‪ ..‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله‬
‫وصحبه والتابعينـ ومن تبعهمـ بإحسان إلى يوم الدينـ ‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أما بعد ‪ ،‬فأوصيكم بالتقوى ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬فهي خير ٍ‬


‫زاد وخير لباس ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها‬
‫آمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوَأنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن ﴾‪ .. 236‬ثم اعلموا ‪-‬‬ ‫الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬
‫رحمكم اهلل ‪ -‬أن أعمالكمـ تُحصى وأن أعماركم تنقص وأن يد الموت عاملة واألجل مغيب‬
‫‪ ،‬وليس بينك وبين اآلخرة إال قبض روحكمـ ؛ فمن حاسب نفسهـ ربح ومن نظر إلى‬
‫العواقب نجا ‪ ،‬ومن خاف سلم ومن أطاع هواه ضل؛ فهنيئا لمن استعدـ للقاء اهلل وتخفف‬
‫صالحا ثم اهتدى ‪.‬‬
‫ً‬ ‫من الدنيا وتاب وآمن وعمل‬

‫خفيف وفيه تخفيف جعله ربنا شرطًا بين‬


‫ٌ‬ ‫إلهي‬
‫وأمر ٌّ‬
‫لطيف ٌ‬
‫تكليف ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أيهاـ المسلمون ‪:‬‬
‫يدي الصالة ومطفًئا لغضب النفس حين تضيق بالنفس الحياة وتكتنفها المعاناةـ ‪ ..‬هو للمؤمن‬
‫ارتياح وللصدر انشراحـ ‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫سالح ويعقبه للنفس‬
‫ٌ‬

‫عباد اهلل ‪ ..‬من أجمل األحكام والحكم ما يتعلق بالطهارة والوضوء ؛ ذلكم أن اإلسالم‬
‫دين الطهارة والنقاء والنظافة والصفاء ‪ ..‬جمع بين تطهير الباطن والظاهر ‪ ،‬وفي أوائلـ‬
‫ك فَطَ ِّه ْر (‬ ‫ك فَ َكِّب ْر (‪َ )3‬وثِيَابَ َ‬ ‫َأنذ ْر (‪َ )2‬و َربَّ َ‬ ‫آيات التنزيل ‪ ﴿ :‬يا َُّأيها الْم َّد ِّثر (‪ )1‬قُم فَ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫وحكم جميلة تتبين‬ ‫ٌ‬ ‫أحكام جليلة‬‫ٌ‬ ‫الر ْج َز فَ ْاه ُج ْر (‪ .. 237﴾ )5‬وعند التأمل تتبدى لك‬ ‫‪َ )4‬و ُّ‬
‫فيها عظمة اإلسالم ورقي أحكامهـ وسمو شريعته ‪ ،‬فما أجمل أن يكون المسلم متوضًئا ‪..‬‬
‫ين ﴾‪، 238‬‬ ‫ين َويُ ِح ُّ‬
‫ب ال ُْمتَطَ ِّه ِر َ‬
‫ب الت َّ ِ‬
‫َّواب َ‬ ‫فضائل وأجور ونظافة وطهور ‪ِ ...﴿ :‬إ َّن اللّهَ يُ ِح ُّ‬
‫‪...‬ما يُ ِري ُد اللّهُ لِيَ ْج َع َل َعلَْي ُكم ِّم ْن َح َر ٍج‬
‫وأجر كبير ‪ ،‬وفي آخر آية الوضوء ﴿ َ‬ ‫يسير ٌ‬
‫عمل ٌ‬‫ٌ‬
‫‪239‬‬
‫َّر ُك ْم َولِيُتِ َّم نِ ْع َمتَهُ َعلَْي ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْـم تَ ْش ُك ُرو َن ﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َولَكن يُ ِري ُـد ليُطَه َ‬

‫‪236‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪237‬‬
‫سورة المدثر‬
‫‪238‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪239‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪165‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الوضوء مأخوذ من الوضاءة ‪ ..‬وهي اإلشراقة والضياء والنور والصفاء والحسن‬


‫والنظافة ‪ ،‬وهي الحالة التي يكون عليها باطن المتوضئ وظاهره حينما يتوضأ ؛ فهو عالمة‬
‫ض ِ‬
‫وء ِإال ال ُْمْؤ ِم ُن " رواه‬ ‫اإليمان ‪ ..‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " : -‬ولَ ْن يُ َحافِ َ‬
‫ظ َعلَى ال ُْو ُ‬
‫ابن ماجةـ ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬منزلة الوضوء في اإلسالم منزلةٌ عالية ؛ فهو نصف اإليمان كما في‬
‫صحيح مسلم ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ " :‬الطُّ ُهور َشطْر اِإل يم ِ‬
‫ان " ‪..‬‬ ‫ُ ُ َ‬
‫الوضوء عبادةٌ مستقلةٌ وقربةٌ كاملة حتى ولو لم تعقبه صالة ‪ ..‬إن األمر ليس مجرد ٍ‬
‫غسل‬
‫محو للذنوب وكفارةٌ‬ ‫ٍ‬
‫لألطراف وإزالة لألقذار ‪ ..‬إنه أعلى وأجل ؛ فالوضوء عبادة والوضوء ٌ‬
‫ظ من الشرور ومنافع‬
‫وسبب لدخول الجنة وحر ٌز من الشيطان وحف ٌ‬
‫ٌ‬ ‫للخطايا ورفعةٌ للدرجاتـ‬
‫للقلوب واألبدان ‪..‬‬

‫وهاكم أيها المتوضئون طائفةٌ من أقوال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فيها البشارة‬
‫والتحريض ‪ :‬فعن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫ت ِم ْن َو ْج ِه ِه ُك ُّل َخ ِطيَئ ٍة نَظََر‬‫س َل َو ْج َههُ ‪َ ،‬خ َر َج ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال ‪ِ " :‬إذَا َت َو َّ‬
‫ضَأ ال َْع ْب ُـد ال ُْم ْسل ُم َأ ِو ال ُْمْؤ م ُن َفغَ َ‬
‫ت ِم ْن‬ ‫س َل يَ َديْ ِه َخ َر َج ْ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ ِ ِ‬
‫لَْي َها ب َع ْيَن ْيه َم َع ال َْماء ‪َْ ،‬أو َم َع آخ ِر قَطْ ِر ال َْماء ‪َْ ،‬أو نَ ْح َو َه َذا ‪ ،‬فَ َذا غَ َ‬
‫آخ ِر قَطْ ِر ال َْم ِاء ‪َ ،‬حتَّى يَ ْخ ُر َج نَِقيًّا ِم َن‬
‫ش ْتهما ي َداه مع الْم ِاء ‪َ ،‬أو مع ِ‬
‫ْ ََ‬
‫ِ ٍ‬
‫يَ َديْه ُك ُّل َخطيَئة بَطَ َ ُ َ َ ُ َ َ َ‬
‫ِ‬
‫وب ‪ " .‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫الذنُ ِـ‬
‫ُّ‬

‫وعن عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪ ( :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫ت َخطَاياهُ ِمن جس ِد ِه حتَّى تَ ْخرج ِمن تَ ْح ِ‬
‫ت‬ ‫وء َخ َر َج ْ‬ ‫وسلم ‪َ " : -‬م ْن َت َو َّ‬
‫َُ ْ‬ ‫َ ْ ََ َ‬ ‫ض َ‬‫س َـن ال ُْو ُ‬
‫َأح َ‬
‫ضَأ ‪ ،‬فَ ْ‬
‫َأظْ َفا ِر ِه " رواه مسلم ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وعنه ‪ -‬رضي اهلل عنه – قال ‪ ( :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " : -‬ما ِم ِن‬
‫ت َك َّف َار ًة‬‫وع َها ِإال َكانَ ْ‬
‫وع َها َو ُر ُك َ‬
‫ش َ‬‫وء َها َو ُخ ُ‬‫ض َ‬‫صالةٌ َم ْكتُوبَةٌ َفيُ ْح ِس ُن ُو ُ‬ ‫ْام ِرٍئ ُم ْسلِ ٍم تَ ْح ُ‬
‫ض ُرهُ َ‬
‫الد ْه َر ُكلَّهُ " ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬ ‫ك َّ‬ ‫ت َكبِ َير ًة ‪َ ،‬و َذلِ َـ‬
‫وب ما لَم يْؤ ِ‬
‫الذنُ ِ َ ْ ُ‬ ‫لِ َما َق ْبلَ َها ِم َن ُّ‬

‫َأدلُّ ُك ْـم َعلَى‬


‫وفي صحيح مسلم أيضا ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪َ " :‬أال ُ‬
‫ال ‪" :‬‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ،‬قَ َ‬
‫ات ؟ " ‪ ،‬قَالَوا ‪َ :‬بلَى يَا َر ُس َ‬ ‫َما يَ ْم ُحو اللَّهُ بِ ِه الْ َخطَايَا ‪َ ،‬و َي ْرفَ ُع بِ ِه َّ‬
‫الد َر َج ِـ‬
‫الص ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫وء َعلَى الْم َكا ِر ِه ‪ ،‬و َك ْثرةُ الْ ُخطَا ِإلَى الْم ِ ِ‬ ‫ض ِ‬
‫الة ‪،‬‬ ‫الة َب ْع َد َّ‬ ‫ار َّ‬ ‫ساجد ‪َ ،‬وانْتظَ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِإ ْسبَاغُ ال ُْو ُ‬
‫ط"‪.‬‬ ‫فَ َذلِ ُك ُم ِّ‬
‫الربَا ُـ‬

‫ضَأ ِمثْ َل‬


‫وفي الصحيحين ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬توضأ ثم قال ‪َ " :‬م ْن َت َو َّ‬
‫ام َف َر َك َع َر ْك َعَت ْي ِن ‪ ،‬غُِف َر لَهُ َما َت َق َّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِه " ‪.‬‬ ‫و ُ ِئ‬
‫ضو ي َه َذا ‪ ،‬ثُ َّم قَ َ‬ ‫ُ‬

‫أيها المسلمون ‪ ..‬أيهاـ المتوضئون ‪ ..‬الوضوء سيماء المؤمنين وشعار هذه األمة بين‬
‫إن َُّأمتِي يُ ْد َع ْو َن َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِـة‬
‫العالمينـ ‪ ،‬وقد قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َّ " : -‬‬
‫ض ِ‬
‫وء " رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫ين ِم ْن آثَا ِر ال ُْو ُ‬ ‫ِ‬
‫غًُّرا ُم َح َّجل َ‬

‫وفي الصحيحين أيضا ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪َ " :‬أْنتُ ُم الْغُُّر‬
‫اع ِم ْن ُك ْـم َفلْيُ ِط ْل غَُّرتَهُ َوتَ ْح ِجيلَهُ " ‪.‬‬ ‫اغ الْو ُ ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ضوء ‪ ،‬فَ َم ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫ال ُْم َح َّجلُو َن َي ْو َم الْقيَ َامة م ْن ِإ ْسبَ ِ ُ‬

‫‪167‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ض ِ‬
‫وء‬ ‫ين ِم ْن آثَا ِر ال ُْو ُ‬ ‫ِ‬ ‫وفي صحيح مسلم ‪ " :‬لَيس ٍ‬
‫َألح ـد غَْي ِر ُك ْم ‪ ،‬تَ ِر ُدو َن َعلَ َّي غًُّرا ُم َح َّجل َ‬
‫ْ َ َ‬
‫" ‪ ..‬وكان أبو هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يمد يديهـ ويقول ‪ ( :‬سمعت خليلي ‪ -‬صلى اهلل‬
‫ضوءُ " ) ‪.‬‬ ‫ْحلْيَةُ ِم َن ال ُْمْؤ ِم ِن ‪َ ،‬ح ْي ُ‬
‫ث َي ْبلُ ُغ ال َْو ُ‬ ‫عليه وسلم – يقول ‪َ " :‬تبلُ ُغ ال ِ‬
‫ْ‬

‫عباد اهلل ‪ ..‬الوضوء ينشط الجوارح ويزيد حركة الدم في البدن ويعيد فيه قوته‬
‫ٍ‬
‫بطهارة وروح عالية ‪ ،‬ويجلب محبة اهلل للعبد ‪:‬‬ ‫ونشاطه وحيويته ‪ ،‬ويوقف العبدـ أمام ربه‬
‫ين ﴾‪ . 240‬وفي سورة التوبة ‪ ...﴿ :‬فِ ِيه فِ ِيه‬ ‫ين َويُ ِح ُّ‬
‫ب ال ُْمتَطَ ِّه ِر َ‬ ‫﴿‪ِ ...‬إ َّن اللّهَ يُ ِح ُّ‬
‫ب الت َّ ِ‬
‫َّواب َ‬
‫ين ﴾ ‪. 241‬‬ ‫َّرواْ َواللّهُ يُ ِح ُّ‬
‫ب ال ُْمطَّ ِّه ِر َ‬
‫ِرج ٌ ِ‬
‫ال يُحبُّو َن َأن َيتَطَه ُ‬ ‫َ‬

‫وأعظم ما يُشترط له الوضوء الصالة ‪ ،‬وهي أعظم أركان اإلسالم بعد الشهادتينـ ‪..‬‬
‫والوضوء مفتاحهاـ ‪ ،‬وال يقف المتعبد في محراب الصالة إال متوضئا ؛ ففي الصحيحين ‪:‬‬
‫أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪ " :‬ال ُت ْقبل صالةُ ِ‬
‫ضَأ‬‫ث َحتَّى َيَت َو َّ‬ ‫َأحد ُك ْم ِإذَا ْ‬
‫َأح َد َ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬
‫صاَل ةٌ بِغَْي ِر‬
‫" ‪ ..‬وفي صحيح مسلم ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪ " :‬اَل ُت ْقبَ ُل َ‬
‫ص َدقَةٌ ِم ْن غُلُ ٍ‬
‫ول "‪.‬‬ ‫طُ ُهو ٍر َواَل َ‬

‫آمنُواْ ِإذَا قُ ْمتُ ْم‬


‫ين َ‬ ‫وفي األمر بالوضوء وصفته يقول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ : : -‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫وس ُك ْـم َو َْأر ُجلَ ُك ْم ِإلَى‬ ‫الص ِ‬
‫الة فا ْغ ِسلُواْ وجوه ُك ـم وَأي ِدي ُك ـم ِإلَى الْمرافِ ِق وامسحواْ بِرُؤ ِ‬ ‫ِإلَى َّ‬
‫ََ َ ْ َ ُ ُ‬ ‫ُُ َ َْْ َ ْ‬
‫الْ َك ْعبَي ِن‪....‬ـ ﴾‪ ، 242‬وهذه من أعظم آيات األحكام كما قال ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪-‬‬
‫وقال ابن العربي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ ( : -‬فيها ألف مسألة ) ‪ ،‬وصدقوا ‪ ..‬فإن فيها من األحكام‬
‫والحكم ما ال ينقضي منه العجب ‪ ..‬ومنه صفة الوضوء ‪ ،‬وهو ‪ :‬غسل الوجه مع‬
‫المضمضمة واالستنشاق ‪ ،‬ثم غسل اليدين إلى المرفقين ‪ ،‬ثم مسح الرأسـ واألذنين ‪،‬‬

‫‪240‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪241‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪242‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪168‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ثم غسل الرجلين إلى الكعبينـ كما توضا النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فعن حمران مولى‬
‫عثمان ‪ :‬أن عثمان بن عفان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬دعا بوضوء فتوضأ ؛ فغسل كفيه ثالث‬
‫مرات ‪ ،‬ثم مضمض واستنثر ‪ ،‬ثم غسل وجههـ ثالث مرات ‪ ،‬ثم غسل يده اليمنى ثالث‬
‫مرات ‪ ،‬ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك ‪ ،‬ثم مسح برأسهـ ‪ ،‬ثم غسل رجله اليمنى إلى‬
‫الكعبين‬

‫ثالث مرات ‪ ،‬ثم غسل اليسرى مثل ذلك ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬رأيت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬توضأ نحو وضوئي هذاـ ‪ ،‬ثم قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " : -‬م ْن‬
‫سهُ ‪ ،‬غُِف َر لَهُ َما َت َق َّد َم‬ ‫ضوِئي ه َذا ‪ ،‬ثُ َّم قَام َفر َكع ر ْكعَتي ِن ‪ ،‬اَل يحد ُ ِ‬
‫ِّث في ِه َما َن ْف َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ ََ َْ‬ ‫َت َو َّ‬
‫ضَأ نَ ْح َو ُو ُ َ‬
‫ِم ْن َذنْبِ ِه " رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬

‫هذه هي صفة الوضوء الكاملة ‪ ،‬والتي ينبغي على المسلم العنايةـ بها وأن يستوعب‬
‫جميع أجزاءـ أعضاء الوضوء بال إهمالـ وال وسواس ‪ ..‬وقد رأى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫عقبِه شيءٌ لم يصله الماء فقال ‪َ " :‬ويْل لَِأل ْع َق ِ‬
‫اب‬ ‫وسلم ‪ -‬من تعجل في الوضوء فبقي في ِ‬
‫ٌ‬
‫يب ِم َن النَّا ِر‬
‫وء " مخرج في الصحيحين ‪ ،‬وفيه أيضا ‪َ " :‬ويْ ٌل لِل َْع َراقِ ِ‬
‫ض َ‬‫َأسبِغُوا ال ُْو ُ‬ ‫ِ‬
‫م َن النَّا ِر ‪ْ ،‬‬
‫"‪.‬‬

‫وثبت أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬توضأ وغسل أعضاءه مرة مرة ‪ ،‬وتوضأ‬
‫أخرى فغسلها مرتين مرتين ‪ ،‬وتوضأ أخرى فغسل أعقابهـ ثالثًا ثالثًا ‪ ،‬وقال ‪َ " :‬ه َك َذاـ‬
‫اء َوَت َع َّدى َوظَلَ َم " حديث صحيح رواه النسائي وابن‬
‫َأس َ‬
‫اد َعلَى َه َذا َف َق ْد َ‬
‫ضوءُ ‪ ،‬فَ َم ْن َز َ‬
‫ال ُْو ُ‬
‫منهي‬
‫وإسراف ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫وتنطع‬
‫ٌ‬ ‫وغلو‬
‫ماجةـ ‪ . .‬ومنه يُعلم أن الزيادة على الثالث وسوسةٌ من الشيطان ٌّ‬

‫‪169‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫حريص على إفساد عبادة اإلنسان بالغلو والوسوسة ‪ ..‬قال الحسن‬


‫ٌ‬ ‫عنه ‪ ،‬والشيطان‬
‫البصري ‪ -‬رحمه اهلل ‪ ( : -‬إن شيطانًاـ يضحك بالناس في الوضوء يقالـ له الولهان ) ‪.‬‬

‫وإن مما تقطع به الوسوسة ‪ :‬االستعاذة باهلل من الشيطان الرجيم ‪ ،‬وكذلك نضح‬
‫الفرج بالماء بعد الوضوء ‪ -‬كما ثبت في الصحيح ‪ -‬حتى يعلم أن البلل من الماء ال من‬
‫البول فيقطع طريق الوسواس ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬أيها المتوضئون ‪ ..‬وإذا ختم المسلم وضوءه بالشهادتينـ فُتِحت له‬
‫أبواب الجنة ‪ ..‬عن عقبة بن عامر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪ ( :‬كانت علينا رعاية اإلبل ‪،‬‬
‫فجاءت نوبتي فروحتها بعشيـ ‪ ،‬فأدركت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قائما‬
‫وم‬
‫وءهُ ‪ ،‬ثُ َّم َي ُق ُ‬ ‫ض َ‬‫ضُأ ‪َ ،‬فيُ ْح ِس ُن ُو ُ‬ ‫يحدِّث الناس ‪ ،‬فأدركت من قوله ‪َ " :‬ما ِم ْن ُم ْسلِ ٍم َيَت َو َّ‬
‫ْجنَّةُ " ‪ ..‬قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬ما‬ ‫ت لَهُ ال َ‬ ‫صلِّي َر ْك َعَت ْي ِن ‪ُ ،‬م ْقبِ ٌل َعلَْي ِه َما بَِق ْلبِ ِه َو َو ْج ِه ِه ‪ِ ،‬إاَّل َو َجبَ ْ‬‫َفيُ َ‬
‫قائم بين يدي يقول ‪ :‬التي قبلها أجود ‪ ،‬فنظرت فإذا عمر ‪ ،‬فقال ‪:‬‬ ‫أجود هذا ‪ ،‬فإذا ٌ‬
‫ضوء‪ َ،‬ثُ َّم‬ ‫ضُأ َفيُْبلِ ُغ ‪َْ -‬أو َفيُ ْسبِ ُغ – ال ُْو ُ‬ ‫َأح ٍد َيَت َو َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫إني رأيتك جئت آنفا قال ‪َ " :‬ما م ْن ُك ْم م ْن َ‬
‫ْجن َِّة‬
‫اب ال َ‬ ‫َأن ُم َح َّم ًدا َع ْب ُد اللَّ ِه َو َر ُسولُهُ‪ِ ،‬إالَّ فُتِ َح ْ‬
‫ت لَهُ َْأب َو ُ‬ ‫ول‪َ :‬أ ْش َه ُد َأ ْن الَ ِإلَهَ ِإالَّ اللَّهُ َو َّ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫اء " رواه مسلم ‪ .‬وفي رواية صحيحة عند أبيـ داود ‪ " :‬اللَّ ُه َّم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الث ََّمانيَةُ‪،‬ـ يَ ْد ُخ ُلـ م ْن َِّأي َها َش َ‬
‫َّوابِين و ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين " ‪.‬‬ ‫اج َعلْني م ْن ال ُْمتَطَ ِّه ِر َ‬ ‫اج َعلْنِيـ م ْن الت َّ َ َ ْ‬ ‫ْ‬

‫الص ِ‬
‫الة فا ْغ ِسلُواْ‬ ‫آمنُواْ ِإذَا قُ ْمتُ ْم ِإلَى َّ‬ ‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ﴿ يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬
‫وس ُك ْـم َو َْأر ُجلَ ُك ْم ِإلَى الْ َك ْعبَي ِـن َوِإن ُكنتُ ْم ُجنُبًا‬‫وجوه ُك ـم وَأي ِدي ُك ـم ِإلَى الْمرافِ ِق وامسحواْ بِرُؤ ِ‬
‫ََ َ ْ َ ُ ُ‬ ‫ُُ َ َْْ َ ْ‬
‫ِئ ِ‬ ‫َّرواْ َوِإن ُكنتُم َّم ْر َ‬ ‫َّ‬
‫ِّساء َفلَ ْم‬‫َأح ٌـد َّمن ُكم ِّم َن الْغَا ط َْأو الَ َم ْستُ ُـم الن َ‬ ‫ضى َْأو َعلَى َس َف ٍر َْأو َجاء َ‬ ‫فَاطه ُ‬

‫‪170‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وه ُك ْـم َوَأيْ ِدي ُكمـ ِّم ْنهُ َما يُ ِري ُد اللّهُ لِيَ ْج َع َل َعلَْي ُكم‬
‫تَ ِج ُدواْ ماء َفتي َّممواْ ص ِعي ًدا طَيِّبا فَامسحواْ بِوج ِ‬
‫ً َُْ ُُ‬ ‫َ ََ ُ َ‬
‫‪243‬‬
‫َّر ُك ْم َولِيُتِ َّم نِ ْع َمتَهُ َعلَْي ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْـم تَ ْش ُك ُرو َن (‪﴾ )6‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّم ْن َح َر ٍج َولَكن يُ ِري ُـد ليُطَه َ‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪ ،‬ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة ‪،‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫كثيرا وقد تََأذّ َن بالزيادةـ لمن‬


‫كثيرا كما أمر ‪ ،‬والشكرـ ً‬
‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل حم ًدا ً‬
‫شكر ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ..‬خير‬
‫من توضأ وتطهر ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الميامين الغرر‪.‬ـ‬

‫أما بعد ‪ ،‬أيهاـ المسلمون ‪ ..‬فإن الوضوء ليس مرتبطًا بالصالة وحسب ‪ ،‬بل هو‬
‫مندوب إليه في كل حالـ ؛ فهو مشروعٌ عند النوم كما في حديث‬ ‫ٌ‬ ‫مشروعٌ في مواطن كثيرة‬
‫ت‬‫البراء بن عازب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال له‪ِ " :‬إ َذا َأَت ْي َ‬
‫لصاَل ِة‪ " ....‬الحديث متفق عليه ‪ ..‬وعن ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل‬ ‫وء َك لِ َّ‬ ‫ض َ‬ ‫ك َفَت َوضَّْأ ُو ُ‬ ‫ض َج َع َ‬
‫َم ْ‬
‫ات فِي ِش َعا ِر ِه‬ ‫ات طَ ِ‬
‫اه ًرا بَ َ‬ ‫عنهما ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪َ :‬م ْن بَ َ‬
‫اه ًراـ " أخرجهـ‬ ‫ات طَ ِ‬
‫ك ‪ :‬اللَّ ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِ َع ْب ِد َك َك َما بَ َ‬ ‫ظ ِم ْن لَْي ٍل ِإاَّل قَ َ‬
‫ال ال َْملَ ُ‬ ‫ك ‪ ،‬فَاَل يَ ْسَت ْي ِق ُ‬ ‫َملَ ٌ‬
‫أحمد والطبرانيـ في (الكبير) ‪..‬‬

‫كما أنه مشروعٌ عند االستيقاظ من النوم ‪ ،‬كما في حديث ‪َ " :‬ي ْع ِق ُد َّ‬
‫الش ْيطَا ُن َعلَى‬
‫ث عُ َق ٍد ‪ "...‬الحديث ‪.‬‬ ‫س ِ‬
‫َأحد ُك ْم ِإذَا ُه َو نَ َ‬
‫ام ثَاَل َ‬ ‫ِِ‬
‫قَافيَة َرْأ ِ َ‬

‫‪243‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪171‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ومشروعٌ عند الغضب إلخمادـ ثوران النفس وإطفاء حرارتها ودحر الشيطان ‪ ،‬وفي‬
‫ِ‬
‫الحديث الذي رواه اإلمام أحمد ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪ " :‬فَِإ ذَا غَض َ‬
‫ب‬
‫َأح ُد ُك ْـم َفلْيََت َوضَّْأ " ‪..‬‬
‫َ‬

‫خير له‬
‫كما يشرع للجنب إذا أراد أن يجامع أهله مرة أخرىـ أن يتوضأ ؛ فإن ذلك ٌ‬
‫وأنشط لبدنه ونفسه ‪ ،‬كما قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " : -‬إ َذا َأتَى َ‬
‫َأح ُد ُك ْم َْأهلَهُ‪،‬‬
‫وءا " رواه مسلم ‪ ..‬بل حتى إذا أراد الجنب أن يأكل‬
‫ض ً‬‫ود َفلْيََت َوضَّْأ َب ْيَن ُه َما ُو ُ‬
‫اد َأ ْن َيعُ َ‬
‫ثُ َّم ََأر َ‬
‫أو ينام قبل االغتسال فيسن له أن يتوضأ ‪ ،‬كما قالت عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪" : -‬كان‬
‫وءهُ‬
‫ض َ‬‫ضَأ ُو ُ‬ ‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ -‬إذَا َكا َن ُجنُبًا فَ ََأر َ‬
‫اد َأ ْن يَْأ ُكل َْأو َينَام َت َو َّ‬
‫لصاَل ِة " رواه مسلم ‪.‬‬ ‫لِ َّ‬

‫اللهم اجعلناـ من التوابين واجعلنا من المتطهرين ‪.‬‬

‫ثم اعلموا ‪ -‬رحمكم اهلل ‪ -‬أن اهلل قد أمركم بأم ٍـر بدأ فيه بنفسهـ فقال ‪ -‬سبحانه ‪: -‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫صلُّوا َعلَْيه َو َسلِّ ُموا تَ ْسل ً‬
‫يما (‪)56‬‬ ‫آمنُوا َ‬ ‫صلُّو َن َعلَى النَّب ِّي يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ين َ‬ ‫﴿ ِإ َّن اللَّهَ َو َماَل َكتَهُ يُ َ‬
‫محمد وعلى آل بيته الطيبين‬ ‫ٍ‬ ‫صل وسلِّ ْم وبا ِر ْك على عبدك ورسولك‬ ‫‪..‬اللهم ِّ‬
‫‪244‬‬
‫﴾‬
‫الطاهرينـ ‪ ،‬وارض اللهمـ عن األربعة الخلفاء األئمةـ الحنفاء ‪ -‬أبي بكر وعمر وعثمان‬
‫وعلي ‪ -‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪172‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهمـ أعز اإلسالم وانصر المسلمين ‪ ،‬وأذل‬
‫الشرك والمشركين ‪ ،‬وانصر عبادك الموحدين ‪ ،‬اللهم انصر من نصر الدينـ واخذل‬
‫الطغاة والمالحدة والمفسدين ‪.‬‬

‫اللهم ارفع عنا الغال والوبا والربا والزناـ والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بطن ‪ ..‬اللهم آمنا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ..‬اللهم وفق ولي أمرنا لما‬
‫تحب وترضى ‪ ،‬وخذ به للبر والتقوى ‪ ،‬اللهمـ وفقه ونائبه وإخوانه وأعوانهم إلى ما فيه‬
‫صالح العباد والبالد ‪ ..‬اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪.‬‬

‫اللهم أصلح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلح أحوالـ المسلمين في كل مكان يارب‬
‫العالمينـ ‪ ،‬اللهم اجمعهم على الكتابـ والسنة ‪ ،‬وانصرهم على عدوك وعدوهمـ يارب‬
‫العالمينـ ‪..‬‬

‫اللهم انصر المجاهدينـ في سبيلك في فلسطين وفي كل مكان يارب العالمين ‪ ..‬اللهم‬
‫فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين ‪ ،‬وفك أسر المأسروين ‪،‬‬
‫ِ‬
‫واشف مرضانا ومرضى المسلمين ‪.‬‬ ‫واقض الدينـ عن المدينين ‪،‬‬

‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرةـ حسنة وقنا عذاب النار ‪ ..‬ربنا اغفر لنا ولوالديناـ‬
‫ووالديهم وذرياتهمـ ولجميع المسلمين‪ ..‬اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ ،‬ويسر أمورنا‬
‫‪ ،‬وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنكـ أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا أنك أنت التواب الرحيم ‪..‬‬
‫وسالم على المرسلين ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون ‪،‬‬
‫‪173‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة‪ :‬التربية والتعليم أهميتهما وفضلهما‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثاني عشر من جمادى اآلخرةـ من عام ‪ 1430‬هـ‬

‫‪ -‬التربية والتعليم أهميتهما وفضلهما ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل الذي اتصف بالعلمـ وتسمى به وأفاض على نبيه ما شاء منه‬
‫فسما به ‪ ،‬والحمد هلل ‪ ..‬كم أحاط علمه بالكائنات وأنار العقول بمحكم اآلياتـ وفتق‬
‫أذهان البشر بشتى العلوم على مر العصور الماضيات ‪.‬‬

‫ك اللَ ُه َّم َخ َير ُم َعلِّ ٍم‬


‫ُسبحانَ َ‬
‫مت بِال َقلَ ِـم ال ُقرو َن األولى‬ ‫َعلَّ َ‬

‫قل ِمن ظُلُماتِِه‬


‫الع َـ‬
‫جت َهذا َ‬
‫َأخر َ‬
‫َ‬
‫بين َسبيال‬
‫الم َ‬
‫النور ُ‬
‫َو َه َديتَهُ َ‬

‫ِِ‬
‫الم َعلِّ ِم َ‬
‫تارةً‬ ‫َوطَبَعتَهُ بيَد ُ‬
‫تارةً َمصقوال‬ ‫ِ‬
‫الحدي ُـد َو َ‬
‫صدَئ َ‬ ‫َ‬

‫لت بِالت ِ‬
‫وراة موسى م ِ‬
‫رشداً‬ ‫ُ‬ ‫َأرس َ َ‬
‫َ‬

‫‪174‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫واِبن البَ ِ‬
‫تول َف َعلِّ ِم اِإل نجيال‬ ‫َ َ‬

‫نبوع الب ِ‬
‫يان ُم َح َّمداً‬‫رت يَ َ َ‬‫َوفَ َج َ‬
‫ناو َل التَنزيال‬
‫ديث َو َ‬
‫الح َ‬‫سقى َ‬ ‫فَ َ‬

‫وأشهدـ أن ال إله إال هلل وحده ال شريك له ‪ ..‬جعل التقوى سببًا للعلم فقال ‪ -‬سبحانه‬
‫‪َ ...﴿ : -‬و َّات ُقواْ اللّهَ َو ُي َعلِّ ُم ُك ُم اللّهُ ‪ .. 245 ﴾ ...‬وأشهدـ أن محمدا عبده ورسوله ‪ ..‬صلى‬
‫اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ..‬أيها المسلمون ‪ :‬لئن تجاذبت الهموم المصلحين ونازعت قضايا األمةـ‬
‫اهتمام الناصحين وتلونت اآلمال في عيون الطامحين فإنها تتفق في قضية كبرى وأطروحة‬
‫جلى تؤول أكثر الهموم إليهاـ وتنتهي اآلمال إليها وعليها ؛ تلك ‪ -‬أيها المسلمون ‪ -‬قضية‬
‫التربية والتعليم ‪.‬‬

‫التربية والتعليم وظيفة األنبياء والرسلـ ‪ ،‬وهي معيار حضارة الشعوب وسبق‬
‫اَألس َماء ُكلَّ َها‪ ، 246﴾ ...‬وأول‬ ‫الدولـ ‪ ..‬أول ما صدر للبشرية هو التعليم‪َ ﴿ :‬و َعلَّ َم َ‬
‫آد َم ْ‬
‫ٍ‬
‫مدرسة في اإلسالم كانت في‬ ‫معلم في هذه األمة هو محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأول‬ ‫ٍ‬
‫ناحيةـ هذا المسجد الحرام عند جبل الصفا (مدرسة دار األرقم) ‪ ..‬ومن ذلك المعلم وفي‬
‫تلك المدرسة ومن أولئك التالميذ صاغ العربـ نواة حضارتهم ‪ ،‬وحينها فقط سمع العالم‬
‫يومئذ بالعربـ وأدخلوهم ضمن حساباتهم ‪ ..‬إذ كانوا قبل ذلك على هامش األحداث وفي‬
‫ساقة األمم ‪ ..‬والتاريخ يعيد نفسه ‪ ،‬وما أشبه الليلة بالبارحةـ ‪ ،‬ولم يرفع شأن هذه األمةـ‬
‫ولن ينهض بها إال ما نهض بها في سابقهاـ ‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪246‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪175‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬ال يخفى على ٍ‬


‫عاقل فضل العلمـ المقرون بالتربيةـ الصالحة ؛ فبه يعبد‬
‫المسلم ربه على بصيرة ‪ ،‬وبه يعامل الناس بالحسنى ‪ ،‬وبه يسعى في مناكب األرض‬
‫يبتغي عند اهلل الرزق ‪ ..‬وبالعلم تبنى الحضارات وتبلغ األمجادـ ويحسن البناء والنماء ‪..‬‬
‫العلمـ يجلس صاحبه مجالس المملوك ‪ ،‬وإذا اقترن باإليمان فتلك رفعة الدنيا واآلخرةـ ‪:‬‬
‫ين آمنُوا ِمن ُكم والَّ ِذين ُأوتُوا ال ِْعلْم َدرج ٍ‬ ‫ِ‬
‫ات‪.. 247﴾ ...‬أما المعلمون‬ ‫َ ََ‬ ‫َْ َ‬ ‫﴿‪َ ...‬ي ْرفَ ِع اللَّهُ الَّذ َـ َ‬
‫والمعلمات فإنهم يجلسون من كراسيـ التعليمـ على عروش ممالكـ رعاياهاـ أوالد المسلمين ؛‬
‫فهم الذين يصوغون الفكرـ ويفتقون األذهانـ ويطلقون اللسان ويربون الجنان ؛ حقهم‬
‫اإلعزاز واإلكرام واإلجالل وفائق االحترام ‪ ..‬حقهمـ أن ينزلوا منازلهمـ العاليةـ ويوفوا‬
‫حقوقهم الكاملةـ ‪ ،‬وأن يعرف قدرهم وتبقى هيبتهم‪:‬‬

‫أجل من الذي‬
‫أشرف أو ّ‬
‫َ‬ ‫َأعلِ َ‬
‫مت‬
‫أنفسا وعقوال‬
‫يبني وينشىء ً‬

‫الوصية لهم بعد الوصية بالتقوى والصدق واإلخالصـ ‪ ،‬وأن يكونوا قدوةً صالحةً‬
‫لمن يتأسى بهم ‪.‬‬

‫أيهاـ المعلمون ‪ :‬إن أوالد المسلمين أمانةـ اهلل في أعناقكم وودائع األمةـ بين أيديكم ‪..‬‬
‫إن المعلم ال يستطيع أن يربيـ تالميذه على الفضائل إال إذا كان فاضاًل ‪ ،‬وال يستطيع‬
‫صالحا ألنهمـ يأخذون عنه بالقدوةـ أكثر مما يأخذون عنه‬
‫ً‬ ‫إصالحهم إال إذا كان في نفسه‬
‫بالتلقينـ ‪ ،‬وإن الناشئ الصغير مرهف الحس قوي اإلدراك للمعارف والكماالتـ ‪ ..‬فإن‬
‫زينتم لهم الصدق فكونوا صادقين ‪ ،‬وإن حسنتم لهم الصبر فكونوا من الصابرين ‪ ﴿ :‬لََق ْد‬
‫َكا َن لَ ُكم فِي رس ِ ِ‬
‫سنَةٌ ‪. 248﴾ ...‬‬ ‫ول اللَّه ْ‬
‫ُأس َوةٌ َح َ‬ ‫ْ َُ‬
‫‪247‬‬
‫سورة المجادلة‬
‫‪248‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪176‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن االستثمار في اإلنسانـ هو االستثمار الناجح الباقي المسلسل أجره ومنفعته في‬
‫الدنيا وبعد الممات ‪ ،‬وفي الحديث الصحيح ‪ :‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " : -‬إذَا َم َ‬
‫ات‬
‫الث‪ ، " ...‬وذكر منها ‪َْ " :‬أو ِعل ٍْم ُي ْنَت َف ُع بِ ِه " رواه مسلم ‪.‬‬
‫آدم ا ْن َقطَع َعملُهُ ِإال ِمن ثَ ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ابْ ُن َ َ‬

‫وإذا كانت هذه منزلة المعلم العالية فإن العناية باختيار المعلمين والمعلماتـ وانتقائهمـ‬
‫متحتم لنجاح العمل التربوي ‪ ..‬المعلم هو الركيزة األساسـ‬
‫ٌ‬ ‫أمر‬
‫واالرتقاءـ بأدائهمـ وتطويرهمـ ٌ‬
‫وعليه تدور رحى التعليم ؛ ال بد من استقراره نفسيًّا وماديًّاـ وإكرامه من عامة المجتمع ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬أيها المربون ‪ :‬إن خير القلوب وأوعاها وأرجاهاـ للخير ما لم يسند‬
‫إليه الشر ‪ ،‬وأول ما عني به الناصحون ورغب في أجره الراغبون إيصال الخير إلى قلوب‬
‫أوالد المسلمين لكي يرسخ فيها ‪ ،‬وتنبيههم على حدود الشريعةـ ومعالم الديانةـ ‪ ..‬وهذه ‪-‬‬
‫واهلل ‪ -‬وظيفة األنبياء ‪ ،‬وقد أخبر النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " : -‬إ َّن اللَّهَ َو َمالِئ َكتَهُ‬
‫صلُّو َن َعلَى ُم َعلِّ ِم الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َْأهل َّ ِ‬
‫َّاس الْ َخ ْي َر " رواه‬ ‫ض َحتَّى الن َّْملَةَ في ُج ْح ِر َها يُ َ‬
‫اَألر ِ‬
‫الس َم َوات َو ْ‬ ‫َ َ‬
‫الترمذيـ ‪ ..‬فهنيئا لمن أخلص نيته وأصلح العمل ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬لقد تعلقت الحضارة اإلسالميةـ قرونًا من الزمان محتفظةً بأصالتهاـ ومبادئهاـ‬
‫متفننةً في علومها وتجاربها ‪ ،‬والشريعة اإلسالمية بكمالها وشمولها أمرت بتعليم جميع‬
‫العلوم النافعةـ ‪ :‬من العلم بالتوحيدـ وأصول الدين والعلوم االجتماعية واالقتصاديةـ والسياسيةـ‬
‫والحربية والتجريبية ‪ ..‬وغيرها من العلوم التي يكون بها قوام األمة وصالح األفرادـ‬
‫والمجتمعات ‪ ،‬ويكون به االستغناءـ عن غيرها وعدم تبعيتها ألحدـ ‪ ،‬وفي مبادئنا اإلسالمية‬
‫ان ‪ .. 249﴾ ...‬لنحول‬ ‫الت ْقوى والَ َتعاونُواْ َعلَى اِإل ثْ ِـم والْع ْدو ِ‬
‫َ ُ َ‬ ‫ْبر َو َّ َ َ َ َ‬ ‫‪َ ...﴿ :‬وَت َع َاونُواْ َعلَى ال ِّ‬
‫عمل ونهج ليسير على هداه رجال التربية والتعليم ورجال‬ ‫هذا التوجيه الرباني إلى سياسيةـ ٍ‬
‫اإلعالم والمال وكل أفراد المجتمع ‪ ..‬إنه العمل المشترك والعمل بروح الفريق الواحد ‪.‬‬
‫‪249‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪177‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ينبغي استثمار التقنية الحديثة في مجاالت اإلبداعـ ‪ ،‬وإن الثورة العلمية والتقنية‬
‫المتسارعة ال تنتظر أحدا ‪ ..‬ال بد من المبادرة باإلسهام في النافع ووضع الضوابط األخالقية‬
‫والسلوكية لإلنسان ‪ ،‬وإذا تخلف المسلمون عن الركب فسيصعب أن يسمع لهم أحد‬
‫وهم حملة رسالةـ هي خاتمـ الرساالتـ وأكملها ‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ ..‬أيهاـ المربون ‪ :‬أنتم مؤتمنون على صياغة الجيل وتوجيه المستقبل‬
‫ٍ‬
‫ومواكبة للحضارة ‪ ..‬مع األصالة والثبات المستمدة من شريعة اإلسالم ‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫وتجديد‬ ‫في تطوي ٍر‬
‫نعم األصالةـ والتميز المستمدة منهجها من الكتاب والسنة ‪ ..‬الهادفة إلى تعريف الناس برب‬
‫العالمينـ والوالء لهذا الدينـ ‪ ،‬وتنشئة المواطن الصالح المنتج الواعي السالم من شطط‬
‫التفكير ومسالكـ االنحراف‪ ..‬إن مبادئ اإلسالم الراسخة والمرنة كانت االنطالقة الصحيحة‬
‫للحضارة اإلسالميةـ التي باركها اهلل على أهل األرض ‪ ،‬وما ضعفت إال حين كانت‬
‫المنطلقات غير شرعية في تنك ٍر للدين أو تحج ٍر ال يتحمله اإلسالم ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬كل أمة تنشئ أفرادها وتربيهمـ على ما تريدـ أن يكونوا عليه ؛ فالتربية‬
‫والتعليم في حقيقته هو صياغة المجتمع وصناعة الجيل وتأهيله وتوجيهه ‪ ..‬وكل األممـ‬
‫والدول تدرك هذا الجانب وتسعى بكل ما تستطيع لترسيخ مبادئهاـ وأهدافها عن طريق‬
‫التربية والتعليم ‪ ،‬وتعتبر ذلك من خصوصياتها وسماتها التي ال تساوم عليها التربية والتعليم‬
‫سيادي وشأ ٌن داخليـ ال ترضى الدول بالتدخل فيها وال تسلمه‬
‫ٌّ‬ ‫‪ ..‬والمناهج الدراسية ٌّ‬
‫حق‬
‫األممـ إلى غيرها ‪ ،‬ومنه ندرك أن استيراد التربيةـ من أمم أخرى بكل عجرها وبجرها خطيئةٌ‬
‫كبيرةٌ وتبعيةٌ خطيرة تعنيـ نشأة جيل مغيب عن تراثهـ وتاريخه ‪ ..‬مقطوع الصلة بعقيدته‬
‫ومبادئهـ ‪ ..‬مسخا بال هوية يسهل قياده واستعباده ‪.‬‬

‫إن التربيةـ ليست بضاعة تستورد ‪ ..‬إنهاـ لباس يفصل على قامة الشعوب وتقاليدها‬
‫ومبادئها وأهدافهاـ التي يعيشون لها ويموتون في سبيلها ‪ ..‬وهذا ال يعني هدر اإلفادة من‬
‫‪178‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫تجارب األمم ؛ فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها ‪ ،‬إال أنه من الخلط‬
‫والتضليل فرض علمنة بحجة التطوير أو إقصاء الدينـ من مواكبة العلمـ ‪ ..‬وفي قول اهلل ‪-‬‬
‫شى اللَّهَ ِمن ِعب ِ‬
‫اد ِه الْعُلَ َماء ‪ 250﴾ ...‬دليل على أن العلوم النافعةـ‬ ‫عز وجل ‪ِ ...﴿ : -‬إنَّ َما يَ ْخ َ‬
‫ْ َ‬
‫هي المقربة من اهلل ولو كانت من علوم الدنيا ؛ وذلك باصطباغها بصبغة اإليمان والتقرب‬
‫ٍ‬
‫وشمول‬ ‫بها إلى اهلل وخدمة دينه ونفع المسلمين وعمارة األرض كما أراد اهلل في ٍ‬
‫توازن‬
‫ٍ‬
‫ووسطية واعتدال ‪ ..‬أما إذا تجرد التعليمـ وأهدافه من اإليمان فأضحت الوسائل والمقاصد‬
‫ماديةً بحتةً فهو الوبال والشقاءـ ‪ ..‬وهذه الحضارة اليوم شاه ٌـد ٌّ‬
‫حي على هذا النتاج حتى‬
‫أمم بصناعاتهاـ حين ذهلت عن خالقها ‪ ،‬وأصبح التسابق في وسائلـ الدمار ال في‬
‫شقيت ٌ‬
‫العمار وفقد االستقرار ‪ ،‬وأصبحت القوة معياراـ بداًل من الحق والعدل في السياسة‬
‫واالقتصاد وغيرها من المجاالتـ ‪ ..‬وما الفخر في بناياتـ تعانق السحابـ إذا كانت القيمـ‬
‫مدفونةً تحت التراب ! وما الربح إذا ُش ِغل الناس بالشهوات واللهاثـ وراء المادة في ٍ‬
‫غفلة‬
‫ْحيَ ِاة ُّ‬
‫الد ْنيَا َو ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫عن اآلخرةـ ‪َ ...﴿ :‬ولَ ِك َّن َأ ْك َث َر الن ِ‬
‫َّاس اَل َي ْعلَ ُمون (‪َ )6‬ي ْعلَ ُمو َن ظَاه ًرا ِّم َن ال َ‬
‫َع ِن اآْل ِخ َر ِةـ ُه ْم غَافِلُو َن (‪. 251﴾ )7‬‬

‫ترسخ معالم الهويةـ اإلسالميةـ‬


‫عباد اهلل ‪ :‬إن من الضرورة للمقررات الدراسية أن ِّ‬
‫والثقافةـ الوطنية وجوانب التميز الحضاري لها ومكانتها العالمية واإلسالمية دينيًّا واقتصاديًّا‬
‫ٍ‬
‫بحاجة‬ ‫يرسخ لدى المتلقي هويته اإلسالميةـ وانتماءه الصحيح ؛ فهو‬ ‫وسياسيًّاـ وصناعيًّا مما ِّ‬
‫ٍ‬
‫ماسة أمام التحديات الفكريةـ والحضارية أن يكون أكثر وعيًا وأكثر مقاومةًـ لالنحرافات التي‬
‫تشككـ في الثوابت الدينيةـ والقيم النبيلة المتأصلة في مجتمعنا المسلم ‪ ،‬ولئال ينصهر‬
‫الجيل ويذوب حتى يصبح مجرد ٍ‬
‫رقم من بين المخلوقات ‪..‬‬
‫إن لنا رسالةً وإن لنا تميزا ‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫سورة فاطر‬
‫‪251‬‬
‫سورة الروم‬
‫‪179‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وشرعا‬
‫ً‬ ‫مسلم عقاًل‬
‫أمر ٌ‬‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬إن وجود الفروق بين جنس الذكر واألنثى ٌ‬
‫وحسا ‪ ..‬ولقد كانت في المملكة تجربةٌ فريدةٌ في هذا المجال حتى شهدتـ الهيئات‬
‫ٍّ‬
‫والمنظمات الدوليةـ بذلك ‪ ،‬وجاء في تقرير (هيئة اليونسكو) ‪ :‬إن تجربة تعليم البنات‬
‫لديكم نموذجيةٌ وفريدة ‪ ،‬ولوال الحرج من االختالف ونمط الحياة األوروبية لقلنا إن هذه‬
‫الصيغة األنسب لتعليم وتربية الفتاة حتى في أوروبا ‪ ..‬وإذا كان هذا هو قول المنصفين فال‬
‫يلتفت إلى إرجاف المغرضين ‪.‬‬

‫إن لدينا في تعليمنا اإلسالمي وفي مسيرة التعليم في هذه البالد خاصةً مكاسبـ‬
‫ومزاياـ وتجارب ونجاحاتـ يجب المحافظة عليها ‪ ..‬من أبرزهاـ ‪ :‬صياغة التعليم ‪ ،‬ومنهجية‬
‫الوسط واالعتدال ‪ ،‬ومقررات العلوم الشرعية ‪ ،‬وإحاطة الفتاة المتعلمة بنور الفضيلة‬
‫واآلدابـ ‪.‬‬

‫إن الحق والعدل أن نفخر أن التعليم في بالد الحرمين الشريفينـ ومناهجه الدراسية‬
‫‪ -‬والتي تحظى بأضخم ميزانيةـ ‪ -‬لهو في حالـ ٍ‬
‫زكاء ونماء ‪ ،‬ويفضل على كثير من الدولـ‬
‫رغم وجهات النظر الغريبة التي تطرح أحيانا لتغيير المسار اآلمنـ ‪ ..‬إال أن التميز واألصالة ال‬
‫زالت سمةً يجب المحافظة عليها ‪ ،‬مع التطوير المثمر والسعيـ لألفضل واإلفادةـ من‬
‫التجارب ؛ فأرجاء الفضاء فسيحة للتحليق لكن يجب أن تكون القواعد والمنطلقات ثابتةً‬
‫حضاري وعقائديـ‬
‫ٍّ‬ ‫صراع‬
‫ٍ‬ ‫راسخة ‪ ..‬وفي نفس الوقت آمنة ‪ ..‬وإذا كان هذا الزمن زمن‬
‫وضغوطات لعولمة الفكرـ والتعليم ‪ ..‬فإن من عالمة إخالص ووعي القائمين على التربيةـ‬
‫والتعليم مواجهة هذا التحدي وأن يكونوا على قدر المسئولية في القيام بهذا الواجب العظيم‬
‫ٍ‬
‫مضيء ‪ -‬بإذن اهلل ‪ -‬بالعلمـ والهدىـ والعطاء والبناء في ظل دوحة اإليمان‬ ‫ٍ‬
‫مستقبل‬ ‫ألجلـ‬
‫الوارفة ‪.‬‬

‫حفظ اهلل بالدنا وبالد المسلمين عزيزةً آمنةً سابقةًـ لكلـ خير سالمةً من كل شر ‪..‬‬
‫نت تَ ْد ِري َما‬
‫وحا ِّم ْن َْأم ِرنَا َما ُك َ‬
‫ك ُر ً‬ ‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ‪َ ﴿ :‬و َك َذلِ َ‬
‫ك َْأو َح ْينَا ِإلَْي َ‬
‫‪180‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫صر ٍ‬
‫اط‬ ‫ْكتَاب واَل اِإْل يما ُن ولَ ِكنـ جعلْنَاهُـ نُورا َّن ْه ِدي بِ ِه من نَّ َ ِ ِ ِ‬
‫ادنَا وِإنَّ َ ِ ِإ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك لََت ْهدي لَى َ‬ ‫شاء م ْن عبَ َ‬ ‫َْ‬ ‫ً‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬ ‫ال ُ َ‬
‫ُّم ْستَ ِق ٍيم (‪. 252﴾ )52‬‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪ ،‬ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة ‪..‬‬
‫أقول قولي هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ .‬الرحمن الرحيمـ ‪ .‬مالك يوم الدين ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وحده ال شريك له الملك الحق المبين ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل‬
‫وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ،‬أيهاـ المسلمون ‪ ..‬يقول المنظرون ‪ :‬إن التربية والتعليم عملية تكاملية ‪،‬‬
‫ولنا أن نتساءل عن دور اآلباء واألمهات في هذا التكامل ودور وسائلـ اإلعالم في التربيةـ‬
‫والتوجيه والنصح والتعليم وعن برامج المجتمع المسلم في هذا المشروع ‪ ..‬إن اضطرابًاـ‬
‫وازدواجا وحير ًة يعيشها الناشئ حين يعيش التناقض بين ما تربىـ عليه في المدرسة وما تفرزه‬
‫ً‬
‫وسائل اإلعالم المقروء منها والمرئي ‪ ..‬إن المدرسة لتجاهد في إرساء قواعد التربيـ وبنائها‬
‫‪ ،‬ومع االنفتاح المذهل في وسائل اإلعالم واالتصال أصبحنا في ٍـ‬
‫حال ينازعنا غيرنا في تربيةـ‬
‫أجيالنا ‪ ..‬خاصةً إذا كان واقع كثي ٍر من هذه الوسائل إثمه أكبر من نفعه ‪.‬‬

‫إن ذلك يستدعي وقفةً من أصحاب القرار والغيورين والمعنيين بالتربيةـ أن تتكاثف‬
‫الجهود بالدراساتـ وإيجاد الحلول ‪ ،‬ثم المبادراتـ والقراراتـ حمايةً للجيل وصيانةً‬
‫لألمة ‪ ..‬إن لكلـ مجتم ٍع معالم يقف عند حدودها وشعائرـ يكلف بتوقيرها ‪ ..‬حتى في‬
‫األقطار التي سادها اإللحاد تواطأ القوم على أمور يترابطون بها ويتالقون على مطالبها‬
‫‪252‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪181‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وينظمون حياتهم بمنطقها ‪ ..‬ونحن المسلمون ال نبني حياتنا إال على يقيننا باهلل الواحدـ ‪،‬‬
‫وال نرسم خطوط مجتمعنا وآفاق مستقبلنا إال وفق هداياتـ اهلل العظيم كما بلغها رسوله‬
‫الكريم ‪ ..‬ومن ثم فال يقبل أب ًدا إشاعة الفاحشة واإللحاد في حياة المجتمع المسلم وال يقبل‬
‫إهدارـ أحكام اهلل في سائر الشئون ‪ ،‬وال أن يختل مظهر اإليمان في أرجاء الحياة العامةـ ‪..‬‬
‫وليس استرضاء اهلل نافلة يزهد فيها الزاهدون أو يتخير فيه المرددون ‪ ،‬ويستحيل أن ندع‬
‫خيرا في عاجل أمرنا أو آجله ‪.‬‬
‫مواريث الحق التي تلقينها ثم نرتقب ً‬

‫عال للتربية المنشودة يجب أن نصون العقائد أواًل ونستبقي‬‫ولكيـ نصل إلى مستوى ٍ‬
‫لها قداستها ؛ فإن اإليمان باهلل واليوم اآلخرـ والطمأنينة المطلقة إلى ما جاء عن اهلل ورسوله‬
‫أسس مكينةٌ للتربية الكاملة ‪ ،‬بل إن أنواع السلوك ترتبط بالعقيدةـ كما ترتبط العربات‬
‫ٌ‬
‫بالقاطرةـ ‪ ..‬فإن لم يكن هنالكـ إيمان يربط حركات المرء وسكناته فإن المكان سيخلوا‬
‫لسائر الموجهاتـ والمحركات األخرىـ ‪ ،‬وسينفتح المجال للشهواتـ واألهواء والرغباتـ‬
‫والحاجات والغرائز والمنافساتـ ‪ ،‬ويتهارج الناس لتحقيق ذلك من غير وازع وال رادع ‪..‬‬
‫وإنك لترى بوادر ذلك في بعض المجتمعاتـ حين رقت الديانةـ وتراخت قبضة اإليمان على‬
‫ٍ‬
‫امرىء يتصرف مع غيره وفي حياته الخاصة‬ ‫زمام السلوك ومبادىء التربية ؛ فشرع كل‬
‫انحدارا مخي ًفا في المستوى‬
‫ً‬ ‫بدافع من رغباته وأهوائهـ والظروف المحيطة به ؛ مما أنشأ‬
‫األخالقيـ للجماعة ‪ ..‬فأصبحت ترى اَألثَرة المقيتة والسلبية واألنانيةـ والكدح للدنيا‬
‫والذهولـ عن اآلخرة ‪.‬‬

‫إن العقائدـ اإلسالمية هي التي صنعت أجيااًل أوتيت القدرة على تغير الحياة اإلنسانيةـ‬
‫وتربيتهاـ ‪ ،‬وهذه العقائد هي التي تصنع األخالق المتينة وتبني الرجوالت المحكمة وتقهرـ‬
‫األزمات العاتيةـ ‪ ..‬إن التربية الناجحةـ تعتمد على حقائقـ مقررة ومسلمات ال تقبل جدال ‪،‬‬
‫وإذا ساءت البيئة وسادت فيها الشكوك وعلقت التهم بما نزل من السماء فهيهات أن تنشأ‬
‫أجيالـ يوثق بأدبها وعفافها وعدالتهاـ ‪ ..‬يجب أن ال يسمح لمرضى القلوب أن ينشطوا بين‬
‫الحين والحين لينشروا بين المسلمين رباً مفتعلة وشكو ًكا مصطنعة ال يجوز الخروج على‬
‫‪182‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الرأيـ العام بأفكارـ تثير في جوانبه الفوضى وتغري بالتحرر من كل قيد واالنفالت من كل‬
‫ربقة ‪ ..‬إن األجيالـ الناشئة والشبابـ المراهق وعامة المسلمين قد تفسد قلوبهم مع نفث‬
‫َّاس‬ ‫س ُك ْـم َو َْأهلِي ُك ْم نَ ًارا َوقُ ُ‬
‫ود َها الن ُ‬ ‫آمنُوا قُوا َأن ُف َ‬ ‫هذه السموم ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬
‫ْح َج َارةُ ‪ 253﴾ ...‬ومن لم يق يسأل ‪ ..‬كان اهلل في عون العاملينـ المخلصين ‪.‬‬ ‫وال ِ‬
‫َ‬

‫هذا ‪ ،‬وصلوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد اهلل ‪ ..‬اللهم‬
‫محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واستن‬ ‫ٍ‬ ‫صل وسلِّ ْم وبا ِر ْك على عبدك ورسولك‬
‫ِّ‬
‫بسنته ‪ ،‬وارض اللهم عن خلفائه األربعةـ ‪ -‬أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ‪ -‬وعن سائر‬
‫صحابة نبيك أجمعين والتابعين ‪ ،‬ومن تبعهمـ بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ‪ ،‬اللهم انصر من نصر‬
‫الدين واخذلـ الطغاة والمالحدة والمفسدينـ ‪ ،‬اللهمـ انصر دينك وكتابك وسنة نبيك‬
‫وعبادك المؤمنين ‪..‬اللهم انصر المستضعفين من المسلمين ‪ ،‬اللهمـ انصرهم في فلسطين‬
‫ونصيرا ومعيًنا ونصيرا ‪ ..‬اللهم آمنا في‬
‫ً‬ ‫وفي كل مكان يارب العالمين ‪ ،‬اللهم كن لهم وليًّا‬
‫أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪.‬‬

‫اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬اللهم هيئ له البطانة‬
‫الصالحة واصرف عنه بطانة السوء يارب العالمينـ ‪ ،‬اللهمـ وفقه وولي عهده ونائبه الثانيـ‬
‫وإخوانهـ وأعوانه لما فيه صالح العبادـ والبالد ‪.‬‬

‫اللهم ادفع عنا الغالء والوباء والربا والزناـ والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بطن ‪ ،‬اللهم الطف بالمسلمين وادفع عنهم البالء ياحي ياقيوم ياذاـ الجالل واإلكرام ‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫سورة التحريم‬
‫‪183‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبينـ ‪ ،‬وفك أسر‬


‫المأسورين ‪ ،‬واقض الدين عن المدينين ‪ ،‬واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين ‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرةـ حسنة وقنا عذاب النار ‪ ..‬ربنا اغفر لنا‬
‫ولوالديناـ ووالديهمـ وذرياتهم ولجميع المسلمين ‪ ..‬اللهمـ اهدـ شبابـ المسلمين وشيبهم‬
‫ونساءهمـ وعامتهم ‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنكـ أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أن التواب الرحيم ‪..‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون ‪ ،‬وسالم على المرسلين ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫عنوان الخطبة‪ :‬االنتماء إلى األوطان في ظل اإلسالم‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادسـ عشر من شعبان من عام ‪ 1430‬هـ‬

‫‪ -‬االنتماء إلى األوطان في ظل اإلسالم ‪-‬‬

‫‪184‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫ِ‬ ‫الحمد هلل ﴿ الْحم ُد لِلَّ ِه الَّ ِذي َخلَ َق َّ ِ‬


‫ض َو َج َع َل الظُّلُ َمات َوالن َ‬
‫ُّور ثُ َّم‬ ‫اَأْلر َ‬
‫الس َم َوات َو ْ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ين َك َف ُروا بَِربِّ ِه ْـم َي ْع ِدلُو َن (‪ُ )1‬ه َو الَّ ِذي َخلَ َق ُك ْـم ِم ْن ِطي ٍن ثُ َّم قَ َ‬
‫الَّ ِذ َـ‬
‫س ًّمى ع ْن َدهُ‬ ‫َأج ٌل ُم َ‬ ‫َأجاًل َو َ‬ ‫ضى َ‬
‫ض َي ْعلَ ُم ِس َّر ُك ْم َو َج ْه َر ُك ْـم َو َي ْعلَ ُم َما‬
‫األر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الس َم َاوات َوفي ْ‬ ‫ثُ َّم َأْنتُ ْم تَ ْمَت ُرو َن (‪َ )2‬و ُه َو اللَّهُ فِي َّ‬
‫تَ ْك ِسبُو َن (‪ .. 254﴾ )3‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له وأشهدـ أن محم ًدا عبد اهلل‬
‫ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وعلى صحابته‬
‫أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫أما بعد فاتقوا اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬أيها المسلمون وخافوه وأطيعوا أمره وال تعصوه ‪﴿ .. :‬‬
‫ين (‪ .. 255﴾ )223‬سارعوا‬ ‫ِِ‬ ‫‪َ ....‬و َّات ُقوا اللَّهَ َوا ْعلَ ُموا َأنَّ ُك ْـم ُمالقُوهُ َوبَ ِّ‬
‫ش ْر ال ُْمْؤ من َ‬
‫لمرضاة ربكم واعلموا أن قد حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره ‪ ،‬وال مفر من‬
‫المصير ‪ ،‬ومن استطالـ الطريق ضعف مشيه ومن تعلق بالشهواتـ لم تصح له عزيمة ‪.‬‬

‫شعور كم خفقت به القلوب وشو ٌق كم كلفت به‬


‫عباد اهلل ‪ ..‬أيها المسلمون ‪ٌ :‬‬
‫حب أطلق قرائح الشعراءـ وهوى ُسكبت له محابر‬
‫وحنين يزلزلـ مكامنـ الوجدانـ ‪ٌّ ..‬‬
‫ٌ‬ ‫األفئدة‬
‫حب لم‬
‫وإلف يأوي إليه كرام النفوس وسليم الفطر ‪ٌّ ،‬‬
‫أمض شغاف القلوب ٌ‬
‫وحنين ّ‬
‫ُ‬ ‫األدباء‬
‫يتخل منه مشاعر األنبياء وود وجد في قلوب الصحابة واألصفياء ‪ ،‬بل هو شعور تغلغل في‬
‫دواخل الحيتان تحت الماء ورفرفت ألجله أجنحة الطير في السماء ‪ ..‬إنه أيها المسلمون‬
‫حب األوطان ‪ ..‬قال أهل األدب ‪ ( :‬إذا أردت أن تعرف الرجلـ فانظر كيف تحنته إلى‬
‫أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وبكاؤه على ما مضى من زمانه ‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫األنعام‬
‫‪255‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪185‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫المحبة لألوطان واالنتماء لألمة والبلدان أمر غريزي وطبيعة طبع اهلل النفوس عليها ‪،‬‬
‫وحين يولد اإلنسان في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءهاـ ويتنفس هواءها ويحيا بين أهلها فإن‬
‫فطرته تربطه بها فيحبها ويواليها ‪ ،‬ويكفيـ لجرح مشاعر إنسان أن تشير بأنه ال وطن له ‪..‬‬
‫وقد اقترن حب األرض بحب النفس في القرآن الكريم ‪ ..‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ : -‬ولَ ْو‬
‫َأنَّا َكتَْبنَا َعلَْي ِه ْم َأ ْن اُق ُْتلُوا َأْن ُفس ُك ْم َْأو اُ ْخ ُر ُجوا ِم ْن ِديَار ُك ْم َما َف َعلُوهُ ِإاَّل قَلِيل ِم ْن ُه ْم‪( ...‬‬
‫‪ .. 256﴾ )66‬بل ارتبط في موضع آخر بالدينـ ‪ ..‬قال ‪ -‬تعالى ‪ ﴿ : -‬اَل َي ْن َها ُك ْم اللَّه َع ْن‬
‫وه ْم َو ُت ْق ِسطُوا ِإلَْي ِه ْـم ِإ َّن اللَّه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الَّ ِذ َـ‬
‫ين لَ ْم ُي َقاتِلُو ُك ْم في الدِّينـ َولَ ْم يُ ْخ ِر ُجو ُك ْم م ْن ِديَار ُك ْم َأ ْن َتَب ُّر ُ‬
‫ين (‪. 257﴾ )8‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ب ال ُْم ْقسط َ‬ ‫يُح ّ‬
‫ولما كان الخروج من الوطن قاسيًا على النفس فقد كان من فضائل المهاجرين أنهمـ‬
‫ضحوا بأوطانهم هجر ًة في سبيل اهلل ‪ ..‬وفي سنن الترمذيـ بإسناد صحيح ‪ :‬عن عبد اهلل بن‬
‫عدي بن حراء قال ‪ :‬رأيت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬واقفا على الحزورة فقال ‪:‬‬
‫ت ِم ْن ِ‬
‫ض اللَّ ِه ِإلَى اللَّ ِه َولَ ْواَل َأنِّي ُأ ْخ ِر ْج ُـ‬ ‫ك لَ َخير َأر ِ ِ‬
‫" ِإنَّ ِ‬
‫ت " قال‬ ‫ك َما َخ َر ْج ُ‬ ‫ب َْأر ِ‬ ‫ض اللَّه َو َ‬
‫َأح ُّ‬ ‫ُْ ْ‬
‫العيني رحمه اهلل ‪ " :‬ابتلى اهلل نبيه بفراق الوطن " ‪ ..‬ولما علم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫مهاجرا دعا بتحبيب المدينةـ إليه كما في الصحيحين وفي صحيح البخاري ‪ :‬أن‬
‫ً‬ ‫‪ -‬أنه سيبقى‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان إذا قدم من سفر فأبصر درجاتـ المدينة أوضع ناقته‬
‫(أي أسرع بها) ‪ ..‬قال ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬فيها داللة على فضل المدينة ‪ ،‬وعلى‬
‫حب الوطن والحنين إليه " ‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬البشر يألفون أرضهم على ما بها حتى ولو كان قبرا مستوحشا ‪،‬‬
‫وحب األوطان غريزةٌ مستوطنةٌ في النفوس تجعل اإلنسان يستريح للبقاء فيه ويحن إليه إذا‬
‫أمر‬
‫غاب عنه ويدفع عنه إذا هوجم ويغضب له إذا انتقص ‪ ..‬والوطنية بهذا المفهوم الطبيعي ٌ‬
‫غير مستغرب ‪ ،‬وهذا السعادةـ به وتلك الكآبةـ لفراقه وهذا الوالء له مشاعر إنسانيةـ ال غبار‬
‫مفهوما مشوهًّا يعارض به الوالء للدينـ ؛ فاإلسالم‬
‫ً‬ ‫عليها وال اعتراض ‪ ،‬وال يجوز أن تكون‬

‫‪256‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪257‬‬
‫سورة الممتحنة‬
‫‪186‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ال يغير انتماء الناس إلى أرضهم وال شعوبهمـ وال قبائلهم ‪ ..‬فقد بقيـ بالل حبشيًّا وصهيب‬
‫روميًّا وسلمان فارسيًّا ولم يتضارب ذلك مع انتمائهم العظيم لإلسالم ‪ ..‬وعندما يفكرـ‬
‫وانتماء ألسرتهـ وعشيرته وأهل قريته ‪ ،‬كما‬
‫ً‬ ‫ووالء‬
‫ً‬ ‫اإلنسانـ في طبيعته فسيجد أن له محبةً‬
‫يحس بانتمائه الكبير لألمة المسلمة باتساعهاـ وتلون أعراقها ولسانهاـ ‪ ..‬إنه ال تعارض بين‬
‫هذه االنتماءاتـ وال مساومةـ عليها ‪ ،‬بل هي دوائر يحوي بعضها بعضا ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬إن من المغالطةـ اإليهام بالتعارض بين الوطينة بمفهومها الطبيعي‬
‫وبين اإلسالم ‪ ..‬إن تصوير هذا التعارض ليس إال حيلةً للنيل من اإلسالم واستغالاًل للمحبة‬
‫الغريزية للوطن إليهام الناس بأن التمسك بتفاصيل الشريعةـ يعطل بعض مصالح الوطن ‪..‬‬
‫غلوا بغلو ‪..‬‬
‫وذلك عبر مصادمة أحكام الشريعة لمطالب الوطنية ‪ ..‬إننا ال نريد أن نقابل ًّ‬
‫يجب أال نستفز من قِبل من غالى في الوطنية ورفع شعارها ًّ‬
‫ندا لإلسالم ليجعلنا نتجاهل‬
‫حقوق الوطن ونتساهلـ فيه ‪ ..‬يجب أال نسير بغفلة خلف الشعارات المستوردة‬
‫مفهوم يرفضه اإلسالم ‪ ،‬وهو‬
‫ٌ‬ ‫والمصطلحات الدخيلة ‪ ،‬وإن المفهوم المستورد للوطنية‬
‫مستحدث في ثقافتنا وحضارتنا ‪ ،‬وهو معنى فاسد حين يجعله وثنًا تُسخَّر له كل المبادئ‬
‫ولو عارضت اإلسالم ‪ ،‬ويؤدي إلى إقصاء شريعةـ اهلل وتقسيم الناس إلى أحزابـ وطوائف‬
‫واسعاـ أمام العدوـ لتحقيق أهدافه‬
‫تتباغض وتتناحرـ ويكيدـ بعضهاـ لبعض ‪ ..‬وتفتح البابـ ً‬
‫ون (‪. 258﴾ )52‬‬ ‫ومراميه ‪ ﴿ ) :‬وِإ َّن ه ِذ ِه َُّأمت ُكم َُّأمةً و ِ‬
‫اح َدةً وَأنَا ربُّ ُكم فَ َّات ُق ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ َ‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬من مقتضياتـ االنتماء للوطن ‪ :‬محبته واالفتخار به وصيانته‬


‫والدفاع عنه والنصيحة له والحرص على سالمته واحترام أفراده وتقدير علمائه وطاعة والة‬
‫أمره ‪ ..‬ومن مقتضيات الوطنية ‪ :‬القيام بالواجباتـ والمسئوليات كلٌّ في موضعه مع األمانة‬
‫والصدق ‪..‬ومن مقتضيات حب الوطن ‪ :‬احترام نظمه وثقافته والمحافظة على مرافقهـ‬
‫وموارد االقتصاد فيه ‪ ،‬والحرص على مكتسباته وعوامل بنائهـ ورخائهـ ‪ ،‬والحذر من كل‬
‫واجب شرعي ‪ ،‬وإن الموت في سبيل ذلك‬
‫ٌ‬ ‫ما يؤدي إلى نقصه ‪ ..‬إن الدفاع عن الوطن‬
‫‪258‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪187‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫شهامةٌـ وشهادةـ ‪ ..‬وفي قصة المأل من بني إسرائيل ‪ :‬غافر ﴿‪ ...‬قَاَ ُلوا َو َماَ لَنَا َأال ُن َقاتِ َـل فِي‬
‫يل اللَّ ِه َوقَ ْد ُأ ْخ ِر ْجنَا ِم ْن ِديَا ِرنَاـ َو َْأبنَاِئنَا‪. 259﴾ )246(...‬‬
‫َسبِ ِ‬

‫عباد اهلل ‪ :‬وحتى تتبين مظاهر الوطنية الصادقة ويسقط زيف الشعاراتـ فإن المتأمل‬
‫في الواقع يميز بين المواطن الصالح الناصح لوطنه وبين الكاذبـ بالعشارات ‪ ..‬فإن لخيانة‬
‫مر على بالدنا فحسم أمره وكبت شره ‪ ،‬وبعضها لم يزل‬
‫الوطن مظاهر ‪ ..‬وظواهر بعضها ّ‬
‫قائما يتشكل ويتلون ويخف ويشتد ويبين ويتوارى ‪ ،‬وبعضهاـ يظهر باسمـ الغيرة على‬
‫أغرار رفعوا شعار نصرة‬
‫شباب ٌ‬‫الوطن وفي حقيقته غيرة منه ‪ ..‬ومن ذلك ما تورط به ٌ‬
‫صدورا يُفرغون فيها رصاصهم إال صدور‬ ‫ً‬ ‫اإلسالم وراية اإلصالح فأخطأوا سبيله ولم يجدوا‬
‫ٍـ‬
‫بنايات تهدم على َم ْن فيها إال بنايات وطنهم ‪..‬‬ ‫أهليهم وال أمنًا يُزعزع إال أمن بالدهم وال‬
‫ماء سقاهم ‪ ..‬يزعمون أن عملهم هلل وباسمـ اهلل ‪ ..‬وهم في‬ ‫يقطعون شجرا أظلهم ويعكرون ً‬
‫ٍ‬
‫أدوات لهم يصرفونهم في اإلساءةـ‬ ‫حقيقة حالهمـ قد ارتهنوا ألعدائهم وحسادهم وصاروا‬
‫ألوطانهمـ كيف شاءوا ومن ورائهمـ من يبرر ويحرض ‪ ..‬لقد تجللوا بعار الخيانةـ وتلبّسوا‬
‫بجرم الجنايةـ ‪ ..‬ناهيك عن تعرضهم لإلثم والمقت واستحقاق الوعيد الشديد ‪.‬‬

‫سوءا عن األولـ‬
‫مظهر آخر من مظاهر خيانة الوطن ال يقل ً‬
‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬وثمت ٌ‬
‫ظاهرا فإن الثانيـ متلو ٌن خفيـ ‪ ،‬ولئن كان األول‬
‫شاهرا ً‬
‫إن لم يزد عليه ‪ ..‬فلئن كان األولـ ً‬
‫سريع الفعل حاضر األثر فإن الثاني بطيء التشكلـ متحقق التأثير ‪..‬‬
‫أناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألستنا ُسبيت قلوبهم وغزيت عقولهم وانبهرواـ بعدوهم‬
‫إنهمـ ٌـ‬
‫ففقدوا ذواتهمـ ‪ُ ..‬أش ِرب في قلوبهم حب الغربـ وسباهم سلوكه فآمنوا بحسنه وسيئه‬
‫انتقاصا ألهلهم وتثريبًا على أوطانهم‬
‫ً‬ ‫واستحسنوا حلوه ومره ‪ ،‬ثم أورثهم ذلك كله‬
‫ولمزا لتقاليدهـ المرعية ‪ ،‬وصارت فضائله المتوارثة محل‬
‫وسخريةً بأعرافهم المعتبرة ً‬
‫انتقاداتهمـ وأخالقياتهـ المتسلسلة غرض رميهم فصارت فنونهم وأدابهمـ ومقاالتهم ال غرض‬
‫لها إال التشهير بهذا المجتمع وإظهار معايبهـ وتشويه سمعته في الداخلـ والخارج ‪ ..‬هل من‬
‫‪259‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪188‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫النصيحة القدح واالتهام والتنقص بالبلد ومقدراتهـ ونظمه وسياسته عبر وسائلـ المتنوعة أمام‬
‫العالمين ‪ ..‬أين المواطنة عن من يستعديـ العدو المتربص على الوطن بوسائلـ شتى حتى‬
‫صارت محاضن العدو مست َق ًّراـ لشكياتهمـ وتذمراتهم مما ال يوافق أهواءهم ؟ أليس هذا خيانةً‬
‫للوطن ‪ :‬الفكر المضاد لعقيدة الوطن وعقيدة والته وأفراده الترغيب بكلـ صوره وأشكالهـ‬
‫كفرا بالوطن وعالمةً على زيف الشعاراتـ ترى التشويه في صو ٍر شتى ‪ ..‬فهذه‬ ‫أليس هذا ً‬
‫ٍ‬
‫شخوصا‬ ‫رواية مسرح أحداثها شوارعنا وأحياء بلدنا بأسمائها المعروفة ‪ ..‬لم يجد كاتبها‬
‫عصر أو مصر ‪ ..‬يختصر المجتمع‬
‫يخل منهم ٌ‬
‫لرواية إال ساقط الناس وأراذل المجتمع مما لم ُ‬
‫يصور في بيوتنا‬
‫محلي َّ‬
‫ٌّ‬ ‫مسلسل‬
‫ٌ‬ ‫فيهم ويخون البلد بهم ويؤرخ للزمن بحكايتهم ‪..‬وذلكـ‬
‫وأزقتنا يظهر م ِ‬
‫واطن هذا البلد إما َّ‬
‫مغفاًل أو شهوانيًّاـ أو فاس ًدا أو بذيء اللسان ‪ ..‬وذلك‬ ‫ُ‬
‫مجلة اتخذ له أعداء من أفراد هذا البلد أو مؤسساته تباينت معهم‬‫صحيفة أو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫كاتب في‬
‫ٌ‬
‫توجهاتهـ واختلفت وإياهم أراؤه فجعلهم مضمون مقاالته وموضوع كتاباته ‪ ..‬يضخم‬
‫أخطاءهم ويهول أفعالهمـ ويطعن في مقاصدهم ‪ ..‬وربما شبههم بمنظمة إرهابيةـ أو ربطهم‬
‫تنظيم دولي محظور ‪ ..‬يستعدي السلطات عليهم ولم‬‫أعضاء في ٍ‬
‫ً‬ ‫بشكبة إجراميةـ أو جعلهم‬
‫يدر أو هو يدري أنه يستعدي الدول والطامعينـ على بلده ‪ ..‬وربما كانت بعض تلك‬
‫المؤسساتـ التي يستهدفها تابعةًـ للدولة أو هي ضمن أجهزتهاـ ولكنـ عداءه أعماه عن عاقبة‬
‫فعله وصنيعه ‪ ..‬وربما طعن في مؤسسات البلد الشرعية أو األمنية أو طال مناهج التربيةـ‬
‫والتعليم ووصفها بأنها تخرج أعداء ومقاتلين للعالم ‪ ،‬وال يدري ذلك المغفل أو هو يدري‬
‫أن من ورائه مراكز رصد وبحوث أجنبية وهيئات ومؤسساتـ دولية ترصد وتتابع وتترجم‬
‫وتترقب ‪ ..‬مطامعهاـ في بالدنا ظاهرة ونوياهم في أوطاننا مكشوفة ‪ ..‬يتلمسون العذرـ‬
‫للتضييق والمساومة ‪ ،‬ويتبغون الحجة للنيل واالستغاللـ ‪ ..‬يحركون المنظمات والهيئات‬
‫تجاه بالدنا في دعاوى شهودهمـ فيها كتابنا وبيناتهمـ كتاباتنا وذرائعهمـ تصرفات من‬
‫بدول وألجئت من أوطان ودفع المواطنون ضريبة الحصار ‪..‬‬ ‫داخلناـ ‪ ..‬كم ضاقت الحال ٍ‬
‫ٍ‬
‫أشخاص أو مؤسساتـ في بالدهم فكان‬ ‫كل ذلك بسبب خونة لألوطان ‪ ،‬راموا االنتقام من‬
‫الضرر عاما والخسارة شاملة ‪ ،‬ولنا في غيرنا عبرة وعظة ‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إنه ال عذر ألولئكـ المشهرين بمجتمعم الناشرين لنقائص وطنهم وعيوب مواطنيهم‬
‫سواء ما كان منها واقعا أو مبالغًا فيه أو ما كان فريةً عليه ‪ ..‬ال نجني من ذلك إال إيغار‬
‫صدور المواطنين على وطنهم ومؤسساته والتشويه لوطنهم ‪ ..‬ال عذر لهم في ذلك أب ًدا ‪..‬‬
‫إنهمـ إن راموا اإلصالح فليس هذا طريقه وإن أرادوا النقد فليس هذا سبيله ‪ ،‬أما إن شاءوا‬
‫االنتقام من أفراد ومؤسسات وجعلوا ما مكنوا فيه أذية وتصفية حسابات فهذا هو الداء‬
‫الذي ال عالج له إال الكي ‪.‬‬

‫إن الشريعة اإلسالميةـ ‪ -‬وهي التي لم تغفلـ أقل األمور ‪ -‬لم تترك سبيل النصيحة‬
‫ملتبسا ولم تدع أسلوب اإلصالح غائبًا ‪ ..‬وإن أهم المعالم في طريق اإلصالح والنصيحة‬
‫ً‬
‫التثبت من الحال والعدلـ واإلنصاف في إطالق األحكام واطراح الهوى ‪ ..‬وقبل ذلك وبعده‬
‫ِ‬
‫اَأْلمنـ َْأو الْ َخ ْوف َأ َذاعُوا بِه َولَ ْو َردُّوهُ‬ ‫اء ُه ْم َْأمر م ْن ْ‬ ‫﴿‪...‬وِإ َذا َج َ‬‫َ‬ ‫عدم التشهير وإذاعة السوء ‪:‬‬
‫ين يَ ْسَت ْنبِطُونَهُ ِم ْن ُه ْم ِ‪ 260﴾ )83(...‬وفي‬ ‫اَأْلمر ِم ْن ُه ْم لَ َعلِ َمهُ الَّ ِذ َـ‬ ‫ِ‬
‫الر ُسولـ َوِإلَى ُأولي ْ‬ ‫ِإلَى َّ‬
‫آمنُوا لَ ُه ْم َع َذاب َألِيم فِي‬ ‫شة فِي الَّ ِذ َـ‬ ‫ين ي ِحبُّو َن َأ ْن تَ ِشيع الْ َف ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َ‬ ‫اح َ‬ ‫سورة النور ‪ِ ﴿ :‬إ َّن الَّذ َـ ُ‬
‫الد ْنيَا َواآْل ِخ َرةـ َواَللَّه َي ْعلَم اَل َت ْعلَ ُمو َن (‪ .. 261﴾ )19‬وإشاعةـ الفاحشةـ تكون بالتحدث بها‬ ‫ُّ‬
‫وتردادها في المجالس والمنتدياتـ ‪ ..‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيمـ ‪ ﴿ :‬قُ ْل ِإ ْن َكا َن‬
‫وها َوتِ َج َارةٌ تَ ْخ َ‬
‫ش ْو َن‬ ‫ال اقَْت َر ْفتُ ُم َ‬‫اج ُك ْـم َو َع ِش َيرتُ ُك ْـم َو َْأم َو ٌ‬ ‫آبَاُؤ ُك ْم َو َْأبنَاُؤ ُك ْم َوِإ ْخ َوانُ ُك ْـم َوَأ ْز َو ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ ِ ٍ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ساكِ ُن َت ْر َ‬
‫صوا َحتَّى‬ ‫ب ِإلَْي ُك ْم م ْن اللَّه َو َر ُسوله َوج َهاد في َسبِيله َفَت َربَّ ُ‬ ‫َأح َّ‬‫ض ْو َن َها َ‬ ‫اد َها َو َم َ‬ ‫سَ‬ ‫َك َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪. 262﴾ )24‬‬ ‫يَْأت َـي اللَّهُ ب َْأم ِره َواللَّهُ اَل َي ْهدي الْ َق ْو َم الْ َفاسق َ‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪ ،‬ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة ‪..‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفرـ اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬لي ولكم ‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪261‬‬
‫سورة النور‬
‫‪262‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪190‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل المحمود بكل ٍ‬


‫حال ‪ ..‬منه المبتدا وإليه المنتهى وإليه المرجع والمآل ‪،‬‬
‫وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له الكبير المتعالـ ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبد اهلل‬
‫ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى الصحب واآلل ‪.‬‬

‫كبير على من أشغلهـ المال عن القيام بحق الوطن‬


‫عتب ٌ‬‫أما بعد ‪ ،‬ففي النفس ٌ‬
‫والمواطن ؛ فإنك ترى جانب ضعف المواطن عند َم ْن يسعى للربح المضاعف على حساب‬
‫العامة واحتكارـ البضائع والتالعب في األسعارـ والتضييق على الناس في معاشهم واستغاللـ‬
‫األحداثـ والظروف دون النظر إلى حال الناس ‪ ..‬ناهيكـ عن الغش والتدليس ‪ ،‬ويزداد‬
‫العتب على المراكز المؤثرة ‪ -‬كالبنوك والمصارف والشركاتـ المالية الكبرى ‪ -‬والتي‬
‫أوقعت شريحة كبيرة من الناس في عقود وقروض ال تبني حضارةً وال تغني فقيرا ‪ ..‬وإنما‬
‫كثيرا من هذه البنوك تثتثمر أموالها وودائع‬
‫تنهك المجتمع في ديون متراكمة؛ ال سيما وأن ً‬
‫عمالئها في الخارج في صورة تضعف فيها المواطنة مما يحرم البلد من االستفادة من هذه‬
‫األموال وتشغيلهاـ في الداخلـ وإيجاد المشاريع وتوفير الوظائف وتنمية الحضارة وخدمة‬
‫المجتمع ‪.‬‬

‫ليس من العدلـ االستفادةـ من خيراتـ الوطن والتنعم بموارده ثم التخلي عن أي‬


‫مسئولية تجاهه ؛ خصوصا وقد مرت على كثير من المواطنين كوارث مالية ذهبت بأرزاقهم‬
‫وتالشت معهاـ مدخراتهم وقام الضعيف من الناس يساعد من هو أضعف منه ‪ ،‬أما تلك‬
‫ٍ‬
‫مسغبة جائع تشجئ مصرف‬ ‫المصارف فلم تزدهاـ تلك األحوال إال جشعا ‪ ،‬بل مع كل‬
‫جزءا من المواساة ‪.‬‬
‫اَألولَىـ أن تحمل ً‬
‫وكان ْ‬

‫‪191‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ٍ‬
‫خدمات جليلة وأعمال ٍّبر خيِّرة ومشاريع مثمرة‬ ‫إن بعض األغنياء يقدمون للمجتمع‬
‫وهم ال يملكون عُشر ما تملكه البنوك ‪ ،‬ومن حق المجتمع أن يتساءل عن دور المصارف‬
‫ربح لخدمة وطنهم ورفعته ‪ ..‬كان اهلل في‬
‫في هذا المجال وأمام األخيارـ والصادقين ميدان ٍ‬
‫عون المخلصين ‪.‬‬

‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريةـ وأزكى البشريةـ رسول اهلل محمد بن عبد اهلل ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬ ‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك‬ ‫اللهم ِّ‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدينـ ‪،‬‬
‫واجعلـ هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائرـ بالد المسلمين ‪ ..‬اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا‬
‫ووالة أمورنا ‪ ،‬اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا ٍ‬
‫بسوء فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره ‪..‬‬
‫اللهم ادفع عن الغال والوبا والربا والزناـ والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن‬
‫‪.‬‬

‫اللهم وفق ولي أمرناـ لهداك واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬اللهم انصر به دينك وأعل به‬
‫كلمتك ‪ ،‬اللهم أصلح بطانته ‪ ،‬اللهم أصلح بطانته واصرف عنه بطانةـ السوء يارب‬
‫العالمينـ ‪ ،‬اللهم ووفقه ولي عهده ونائبه الثانيـ لما تحبه وترضاه ياسيمع الدعاء ‪.‬‬

‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين ‪ ،‬اللهم انصرهمـ في فلسطين وفي كل‬


‫مكان يارب العالمين ‪ ،‬اللهم انصر دينك وكتابكـ وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم‬
‫انصر من نصر الدين واخذلـ الطغاة والمفسدين ‪.‬‬

‫وفر ْج كرب المكروبين ‪ ،‬وفك أسر‬


‫هم المهمومين من المسلمين ِّ‬
‫فرج َّ‬
‫اللهم ِّ‬
‫المأسورين ‪ ،‬واقض الدينـ عن المدينين ‪ ،‬واشف برحمتكمـ مرضاناـ ومرضى المسلمين ‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ربنا آتنا في الدينا حسنةً وفي اآلخرةـ حسنةً وقنا عذاب النار ‪ ،‬ربنا اغفر لنا‬
‫ويس ْر أمورنا‬
‫ولوالديناـ ولوالديهمـ وذرياتهم يارب العالمين ‪ ..‬اللهمـ اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ِّ‬
‫وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪ ..‬ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أن‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد‬
‫ٌ‬ ‫التواب الرحيم ‪ ..‬سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬
‫هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫عنوان الخطبة‪ :‬التحذير من النار‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالث والعشرون من شعبان من عام ‪ 1430‬هـ‬

‫‪ -‬التحذير من النار ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل ذي الحول والطول والملكوت ‪ ..‬له الكبرياء في السموات‬
‫حي ال‬
‫دائم ٌّ‬
‫واألرض وله العزةـ فيهما والقهرـ والجبروت ‪ ،‬أليم العذاب شديدـ العقابـ وهو ٌ‬

‫‪193‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يموت ‪ ..‬سبحانكـ اللهمـ َمن الذي ِأمن مكرك فما خسر ؟! ومن الذي استهان بحرماتك فما‬
‫ندم ؟! ومن الذي تعرض لوعيدك فسلم ؟!‬

‫وأشهد أن ال إله إال أنت سبحانك وأشهد أن محمداً عبدك ورسولك ‪ ،‬صلى اهلل‬
‫عليه فما كان أخشاه هلل وأخشعه ! وصلى اهلل عليه ما كان أتقاه وأورعه ! وصلى اهلل عليه‬
‫فكم سح هلل أدمعه ! وصلى على اآلل والصحب الكرامـ وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدينـ ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ..‬فاتقوا اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬حق التقوى واستمسكوا من اإلسالم بالعروةـ‬
‫الوثقى ‪ ،‬وتأهبوا للقاء اهلل واحذرواـ عقابه؛ فإن أجسادكم على حر النار ال تقدر وال‬
‫ت لِغَ ٍد َو َّات ُقوا اللَّهَ ِإ َّن اللَّهَ َخبِ ٌير‬ ‫َّ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللهَ َولَْت ْنظُْر َن ْف ٌ‬
‫س َما قَ َّد َم ْ‬ ‫تقوى ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬
‫‪263‬‬
‫بِ َما َت ْع َملُو َن (‪﴾ )18‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬لقد كان من سنة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬تعاهد أصحابه بالموعظة‬
‫وربط أحوالهم باآلخرةـ ‪ ،‬وفي الصحيحين ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪" :‬‬
‫س ِفي‬ ‫س ْي ِن ‪َ ،‬ن َف ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضا ‪ ،‬فََأذ َن لَ َها بَن َف َ‬‫ضي َب ْع ً‬ ‫ب َأ َكل ب ْع ِ‬
‫َأي َر ِّ َ َ‬ ‫ت‪ْ :‬‬ ‫َّار ِإلَىـ َر ِّب َها ‪َ ،‬ف َقالَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ا ْشتَ َكت الن ُ‬
‫ْح ِّر ‪َ ،‬وَأ َش ُّد َما تَ ِج ُدو َن ِم َن َّ‬
‫الز ْم َه ِري ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الشتَ ِاء ‪ ،‬و َن ْفس فِي َّ ِ‬ ‫ِّ‬
‫الص ْيف ‪َ ،‬و ُه َو َأ َش ُّد َما تَج ُدو َن م َن ال َ‬ ‫َ ٌ‬
‫" ‪ ..‬وفي الصحيحين أيضاً ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال ‪ِ " :‬إذَا ا ْشتَ َّد ال َ‬
‫ْح ُّر‬
‫َّم " ‪.‬‬ ‫الة فَِإ َّن ِش َّد َة ال ِ‬
‫الص ِ‬
‫فََأبْ ِر ُدواـ بِ َّ‬
‫ْح ِّر م ْن َف ْي ِح َج َهن َ‬
‫َ‬

‫ومنقلب أوجف قلوب المتقين ونهايةٌـ‬


‫ٌ‬ ‫مصير أرق عيون الصالحين‬ ‫أيهاـ المسلمون ‪ٌ :‬‬
‫أظمأ توقيها نهار العابدينـ وأطال في الليل قيام المتألهين وخاتمةٌ أدامت الحزن في محيا‬
‫ضِ‬
‫اج ِع يَ ْدعُون ََر َّب ُه ْم َخ ْوفًا َوطَ َم ًعا (‪ .. 264﴾ )16‬إنها‬ ‫وب ُه ْم َع ِن ال َْم َ‬
‫المتأوهين ﴿ َتتَ َجافَى ُجنُ ُ‬
‫أيهاـ المسلمون النار ‪ ..‬النار خل ٌق عظيم من خلق اهلل ‪ ،‬وهي الدارـ التيـ أعدهاـ اهلل‬

‫‪263‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪264‬‬
‫سورة السجدة‬
‫‪194‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫للكافرين ؛ فهي مأوى الظالمين وسجن الكافرين وعقوبة العصاة والمخالفين ‪ ،‬وهي‬
‫الخزي األكبر والخسران المبين ‪ ..‬هي الشر الذي ال خير فيه والورد الذي ال بد منه ‪،‬‬
‫ُأع َد ْ ِ ِ‬‫قديمة النشأة سالفة الوجود ﴿ وا ْت َقوا النَّار الت ِي ِ‬
‫ين (‪ 265﴾ )131‬؛ فهي‬ ‫ت ل ْل َكاف ِر َ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫معدةٌ ومخلوقة ‪ ،‬وقد رآها النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كما في الحديث المخرج في‬
‫الصحيحين في صالة الكسوف ‪.‬‬

‫وأنهر‬ ‫صدق وحق ‪ ..‬فيها ٌـ‬ ‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬الحديث عن النار حديث ٍ‬
‫جبال وأوديةٌـ ٌ‬
‫صوت يسمع‬ ‫ٌ‬ ‫دركات ومنازل ‪ ،‬وهي سوداء مظلمة ‪ ..‬قاتمةٌ معتمة ‪ ..‬لها‬ ‫ٌ‬ ‫وشعابـ ‪ ..‬فيها‬
‫ِ‬ ‫من بعيد ‪ ..‬تشهق وتزبر تمور موراً ‪ ،‬و ‪ً ﴿ :‬ت ْر ِمي بِ َ‬
‫ش َر ٍر َكال َق ْ‬
‫ص ِر َكَأنَّهُ ج َماَلَةٌ ُ‬
‫ص ْف ُر َويْ ٌل‬
‫صياح وضوضاء‬ ‫دائم وطويل ‪ ،‬وللناس فيها‬ ‫فيها‬ ‫الحزن‬ ‫‪..‬‬ ‫‪266‬‬
‫ْم َك ِذبِين (‪﴾ )32‬‬ ‫ِئ ٍ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َي َو َم ذ لل ُ‬
‫وعويل ‪ ..‬قلوب أهلهاـ ملئت قنوطًا ويأساً ‪ ،‬وال تزيدهم األيام فيها إال شد ًة وبؤساً ‪ ،‬فيها‬
‫من العذاب واآلالم ما تعجز عن وصفه األلسنـ واألقالم ‪ ،‬وفيها من األهوالـ واألحزان ما‬
‫ت ُم ْسَت َق ّراً َو ُم َقاماً (‪ ، 267﴾ )66‬خوف اهلل بها‬ ‫تتقاصر دون تصوره األذهان ‪ِ ﴿ :‬إَّن َها َس َ‬
‫اء ْ‬
‫ك نَ ْج ِزي‬ ‫َّم َك َذلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫مالئكته المقربين ‪َ ﴿ :‬و َم ْن َي ُق ْل ِم ْن ُه ْم ِإنِّي ِإلَهٌ ِم ْن ُدونِِه فَ َذلِ َ‬
‫ك نَ ْج ِزيه َج َهن َ‬
‫َخ َر َفُت ْل َقى فِ ْي‬ ‫الظَّالِ ِمين (‪ .. 268﴾ )29‬وقال لرسوله الكريم ‪ ﴿ :‬الَ تَ ْجعل مع ِ‬
‫اهلل ِإلَهً آ َ‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫َ‬
‫َج َهنَ َم ‪. 269﴾ )39( ...‬‬

‫َّار ‪َ ،‬أنْ َذ ْرتُ ُك ْم‬


‫وخوف الرسولـ بها صحابته وأمته فأنذرهمـ النار وقال ‪َ " :‬أنْ َذ ْرتُ ُك ْـم الن َ‬
‫َّار "‪ ..‬أفبعد هذاـ يأمنـ بقية العالمين ‪ ،‬بلها المقصرينـ ؟! ‪ ..‬يقول الحسن‬ ‫َّار ‪َ ،‬أنْ َذ ْرتُ ُك ْـم الن َ‬
‫الن َ‬
‫البصري – رحمه اهلل ‪ " : -‬واهلل ما صدق عبد بالنار إال ضاقت عليه األرض بما رحبت ‪،‬‬
‫وإن المنافق لو كانت النار خلف ظهره ما صدق بها حتى يتجهم في دركها ‪ ،‬واهلل ما ُأنذر‬
‫‪265‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪266‬‬
‫سورة المرسالت‬
‫‪267‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪268‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪269‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪195‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫صالَ َها ِإالَّ اَأل ْش َقىـ (‪ )15‬الَّ ِذي‬ ‫العباد بشيء أدهى منها ﴿ فََأنْ َذ ْرتُ ُك ْـم نَ ًارا َتلَظَّى (‪ )14‬الَ يَ ْ‬
‫‪ ..‬وفي التنزيلـ العزيزـ ‪َ ﴿ :‬وِإ ْن ِم ْن ُك ْم ِإاَّل َوا ِر ُد َها َكا َن َعلَى َربِّ َ‬ ‫ب َوَت َولَّى (‪﴾ )15‬‬ ‫َك َّذ َ‬
‫‪270‬‬
‫ك‬
‫ضيّاً (‪ .. 271﴾ )71‬فأين الخوف من ذلك المورد ‪ ..‬إن من خاف أدلج ومن أدلج‬ ‫ح ْتماً م ْق ِ‬
‫َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين (‪ )26‬فَ َم َّن‬ ‫بلغ المنزل ‪ ،‬وتاهلل ما نجا إال المؤمنون ‪ ﴿ :‬قَالُوا ِإنَّا ُكنَّا َق ْب ُل في َْأهلنَا ُم ْشفق َ‬
‫الر ِح ُـ‬ ‫ِ‬
‫يم (‪2‬‬ ‫الس ُموم (‪ِ )27‬إنَّا ُكنَّا ِم ْن َق ْب ُل نَ ْدعُوهُ ِإنَّهُ ُه َو الَْب ُّر َّ‬ ‫اب َّ‬ ‫اللَّهُ َعلَْينَا َو َوقَانَا َع َذ َ‬
‫‪ .. 272﴾ )8‬عن عبد اهلل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ك يَ ُج ُّرو َن َها‬ ‫ْف ملَ ٍ‬
‫ْف ِز َم ٍام ‪َ ،‬م َع ُك ِّل ِز َم ٍام َس ْبعُو َن َأل َ َ‬ ‫َّم َي ْو َمِئ ٍذ لَ َها َس ْبعُو َن َأل َ‬ ‫ِ‬
‫‪ُ " : : -‬يْؤ تَى ب َج َهن َ‬
‫يد َس ِمعُوا لَ َها‬ ‫ان ب ِع ٍ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وتحطم ووجيج ‪ِ ﴿ :‬إ َذا َرَأْت ُه ْم م ْن َم َك َ‬ ‫ٌ‬ ‫صوت رهيب‬ ‫ٌ‬ ‫" رواه مسلم ‪ ،‬لها‬
‫اد تَميز ِم َن الغَْي ِظ (‪.. 274﴾ )8‬‬ ‫‪ ..‬وفي سورة الملك ‪ ﴿ :‬تَ َك ُ‬
‫‪273‬‬
‫َتغَيُّظًا َو َزفِ ًيرا (‪﴾ )12‬‬
‫وعن أبي هريرةـ – رضي اهلل عنه – قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪" :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬‫َّم " ‪ ،‬قَالُوا ‪َ :‬واللَّ ِه ِإ ْن َكانَ ْ‬ ‫ين ُج ْز ًءا م ْن َح ِّر َج َهن َ‬
‫ِ‬
‫آد َم ُج ْزءٌ م ْن َس ْبع َ‬ ‫ار ُك ْم َه ِذ ِه الَّتِي يُوقِ ُد ابْ ُن َ‬ ‫نَ ُ‬
‫ِّين ُج ْز ًءا ُكلُّ َها ِمثْ ُل َح ِّر َهاـ "‬ ‫ِِ ٍ ِ‬
‫ت َعلَْي َها بت ْس َعة َوست َ‬ ‫ضلَ ْ‬ ‫ال ‪ " :‬فَِإ َّن َها فُ ِّ‬‫ول اللَّ ِه ‪ ،‬قَ َ‬ ‫لَ َكافِيَةً يَا َر ُس َ‬
‫ب بِ َها ال ُْم ْج ِر ُمو َن (‪ 275﴾ )43‬يدخلونهاـ‬ ‫ِِ‬
‫َّم الّتي يُ َك ِّذ ُ‬ ‫رواه البخاري ومسلم ‪ ﴿ ..‬هذه َج َهن ُ‬
‫ار اللَّ ِه ال ُْموقَ َدةُ (‪ )5‬الَّتِي تَطَّلِ ُع َعلَى اَأْلفِْئ َد ِة (‪)6‬‬ ‫بأشدـ خطاب ثم توصد عليهم األبوابـ ‪ ﴿ :‬نَ ُ‬
‫ص َدةٌ (‪ )7‬فِي َع َم ٍد ُّم َم َّد َد ٍة (‪ .. 276﴾ )8‬وقودها الناس والحجارة ‪ ..‬ال‬ ‫ِإَّن َها َعلَْي ِهم ُّمْؤ َ‬
‫اه ْـم َس ِع ًيرا (‬‫ت ِز ْدنَ ُ‬ ‫تنطفي نارها مع تطاول الزمان وال يخبو أوارها مع مر األيام ﴿‪ُ ...‬كلَّ َما َخبَ ْ‬
‫ين َساَل ِساَل َوَأ ْغاَل الً َو َس ِعيراً‬ ‫‪ .. 277 ﴾ )97‬وهم مع ذلك مقيدون ‪ِ ﴿ :‬إنَّا َأ ْعتَ ْدنَا لِ ْل َكافِ ِر َـ‬
‫ْح ِم ِيم ثُ َّم فِي‬‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫الساَل ِسل يسحبو َن (‪ )71‬فِ‬
‫ُ ُ ْ َُ‬ ‫َّ‬ ‫و‬
‫َْ‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ِ‬ ‫(‪ِ ... ﴿ .278﴾ )4‬إ ِذ اَأْل ْغاَل ُل فِي َأ ْعنَاقِ‬
‫‪270‬‬
‫سورة الليل‬
‫‪271‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪272‬‬
‫سورة الطور‬
‫‪273‬‬
‫سورة الملك‬
‫‪274‬‬
‫سورة الملك‬
‫‪275‬‬
‫سورة الرحمن‬
‫‪276‬‬
‫سورة الهمزة‬
‫‪277‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪278‬‬
‫سورة اإلنسان‬
‫‪196‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يد (‪2‬‬ ‫النَّا ِر يسجرو َن (‪ ، 279﴾ )72‬وفوق ذلك يضربون ويهانون ﴿ ولَهم َّم َق ِامع ِمن ح ِد ٍ‬
‫ُ ْ َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ ْ َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْح ِر ِيق (‪﴾ )22‬‬ ‫‪ُ )1‬كلَّ َما ََأر ُ‬
‫‪280‬‬
‫اب ال َ‬
‫ادوا َأن يَ ْخ ُر ُجوا م ْن َها م ْن غَ ٍّم ُأعي ُدوا ف َيها َوذُوقُوا َع َذ َ‬
‫اد (‪)49‬‬ ‫اَأْلص َف ِـ‬ ‫‪ ..‬يلبسون من النار ويصهرون ‪ ﴿ :‬وَترى الْمج ِر ِمين يومِئ ٍذ م َق َّرنِ ِ‬
‫ين في ْ‬ ‫َ َ ُ ْ َ َْ َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ت لَ ُه ْم‬ ‫ين َك َف ُروا قُطِّ َع ْ‬ ‫َّ ِ‬ ‫‪281‬‬ ‫سرابِيلُ ُهم ِمن قَ ِطر ٍ‬
‫‪ ﴿ :.‬فَالذ َ‬ ‫َّار (‪﴾ )50‬‬ ‫وه ُه ُم الن ُ‬ ‫شى ُو ُج َ‬ ‫ان َوَتغْ َ‬ ‫ََ ْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وس ِه ـم ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثِياب ِمن نَا ٍر يص ُّ ِ‬
‫ود (‪)20‬‬ ‫ْجلُ ُ‬ ‫ص َه ُر بِه َما في بُطُون ِه ْم َوال ُ‬ ‫يم (‪ )19‬يُ ْ‬ ‫ْحم ُ‬ ‫ب م ْن َف ْوق ُرءُ ُ َ‬ ‫َ ٌ ْ َُ‬
‫شوى اللحم على النار ‪ ..‬فهكذا في‬ ‫‪ ..‬أرأيت كيف يُ َ‬
‫‪282‬‬
‫يد (‪﴾ )21‬‬ ‫َولَ ُه ْم َم َق ِام ُع ِم ْن َح ِد ٍـ‬
‫الر ُسوال‬ ‫وه ُه ْم فِي النَّا ِر َي ُقولُو َن يَا لَْيَتنَا َأطَ ْعنَا اللَّهَ َوَأطَ ْعنَا َّ‬
‫ب ُو ُج ُ‬ ‫جهنم حالـ الكفار ﴿ َي ْو َم ُت َقلَّ ُ‬
‫َّار َو ُه ْم فِ َيها َكالِ ُحو َن (‪ .. 284﴾ )104‬أما طعامهم‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ُ ُ ُ ُُ ُ‬ ‫ه‬ ‫وه‬
‫َ‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫﴿‬ ‫‪،‬‬ ‫‪283‬‬
‫(‪﴾ )66‬‬
‫ض ِري ٍع (‪6 ( 285﴾ )6‬سورة الغاشية)ـ ‪،‬‬ ‫ام ِإاَّل ِم ْن َ‬ ‫س لَ ُه ْم طَ َع ٌ‬‫فعذابـ وشرابهمـ فعذابـ ‪ ﴿ :‬لَْي َ‬
‫شوك يخرج بأرض الحجاز الئط باألرض ‪ِ ﴿ :‬إ َّن شجرت َّ ِ‬
‫الزقُّوم (‪ )43‬طَ َع ُ‬
‫ام‬ ‫َ ََ َ‬ ‫والضريع ‪ٌ :‬‬
‫ْح ِم ِيم (‪ 46-43( 286﴾ )46‬سورة‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اَأْلثِ ِـ‬
‫يم (‪َ )44‬كال ُْم ْه ِل َي ْغلي في الْبُطُون (‪َ )45‬كغَ ْل ِي ال َ‬
‫الدخان)ـ والزقوم ‪ :‬شجرة تخرج في أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين‪ ..‬أما‬
‫شرابهمـ فالغسلين والغساق ‪ ،‬وهو عصارة أهل النار ‪َ ﴿ :‬وِإ ْن يَ ْستَ ِغيثُوا ُيغَاثُوا بِ َم ٍاء َكال ُْم ْه ِل‬
‫اءه ْم (‪15 ( 288 ﴾ )15‬‬ ‫يما َف َقطَّ َع َْأم َع ُ‬ ‫ِ‬ ‫‪287‬‬
‫يَ ْش ِوي ال ُْو ُج َ‬
‫وه (‪َ ﴿ ، ﴾ )29‬و ُس ُقوا َماء َحم ً‬
‫اد يُ ِسيغُهُـ‬‫ص ِديد َيتَ َج َّرعُهُ َواَل يَ َك ُـ‬ ‫ِ‬
‫سورة محمد) ‪ ،‬وفي اآليةـ األخرى ‪َ ...﴿ :‬ويُ ْس َقىـ م ْن َماء َ‬

‫‪279‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪280‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪281‬‬
‫سورة إبراهيم‬
‫‪282‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪283‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪284‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪285‬‬
‫سورة الغاشية‬
‫‪286‬‬
‫سورة الدخان‬
‫‪287‬‬
‫سورة الكهف‬
‫‪288‬‬
‫سورة محمد‬
‫‪197‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اب غَلِي ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ان وما هو بِميِّ ٍ ِ‬


‫ٍ‬ ‫ويْأتِ ِيه الْمو ُ ِ‬
‫ت َوم ْن َو َراِئه َع َذ ٌ‬
‫‪289‬‬
‫‪ ..‬هذه‬ ‫ظ (‪﴾ )17‬‬ ‫ت م ْن ُك ِّل َم َك َ َ ُ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ََ‬
‫بعض صور العذاب ‪ ..‬فهل تساوي شهوة ساعة من الدنياـ ؟‬

‫عن أنس بن مالكـ – رضي اهلل عنه – قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪ " : -‬يْؤ تَى بَِأْنع ِـم َْأه ِل ُّ ِ‬
‫ال يَا‬ ‫صبَ ُغ في النَّا ِر َ‬
‫ص ْبغَةً ‪ ،‬ثُ َّم ُي َق ُـ‬ ‫الد ْنيَاـ م ْن َْأه ِل النَّا ِر َي ْو َم الْقيَ َام ـة ‪َ ،‬فيُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب " رواه‬ ‫ول ‪ :‬اَل َواللَّ ِه يَا َر ِّ‬
‫ط ؟ ‪َ ،‬فَي ُق ُ‬ ‫يم قَ ُّ‬ ‫ط ؟ َهل م َّر بِ َ ِ‬
‫ك نَع ٌ‬ ‫َْ‬ ‫ت َخ ْيرا قَ ُّ‬
‫آد َم ‪َ :‬ه ْل َرَأيْ َ ً‬
‫ابْ َن َ‬
‫مسلم ‪ ..‬إنها غمسةٌ واحدةٌ وينسى اإلنسان كل نعيم الدنياـ ولذائذها وشهواتهاـ ‪َ ﴿ :‬ي َو ُّد‬
‫صيلَتِ ِه الَّتِيـ تُْؤ ِو ِيه‬ ‫َأخ ِيه (‪ )12‬وفَ ِ‬ ‫احبتِ ِه و ِ‬
‫اب يو ِمِئ ٍذ بِبنِ ِيه (‪ )11‬و ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ص َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ال ُْم ْج ِر ُم لَ ْو َي ْفتَدي م ْن َع َذ ِ َ ْ‬
‫لش َوى (‪)16‬‬ ‫اعةً لِ َّ‬‫ض َج ِم ًيعا ثُ َّم ُي ْن ِج ِيه (‪َ )14‬كاَّل ِإَّن َها لَظَى (‪َ )15‬ن َّز َ‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪َ )13‬و َم ْن في ْ‬
‫‪290‬‬
‫تَ ْدعُو َم ْن َأ ْد َب َر َوَت َولَّى (‪﴾ )17‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬وإذا طال البالء على أهل النار وبلغ منهم العذابـ كل مبلغ وكثرت‬
‫صطَ ِر ُخو َن فِ َيها َر َّبنَا َأ ْخ ِر ْجنَاـ َن ْع َم ْل‬
‫حسراتهم وندامتهم طلبوا الخروج والمثاب ‪َ ﴿ :‬و ُه ْم يَ ْ‬
‫ت َعلَْينَا‬ ‫ويعترفون بذنوبهم ‪ ﴿ :‬قَالُوا َر َّبنَا غَلَبَ ْ‬
‫‪291‬‬
‫صالِ ًحا غَْي َر الَّ ِذي ُكنَّا َن ْع َم ُل (‪﴾ )37‬‬ ‫َ‬
‫‪292‬‬
‫ين َر َّبنَا َأ ْخ ِر ْجنَاـ ِم ْن َها فَِإ ْن عُ ْدنَا فَِإ نَّا ظَالِ ُمو َن (‪﴾ ) 106‬‬ ‫ِش ْق َو ُتنَا َو ُكنَّا َق ْو ًما َ‬
‫ضالِّ َ‬
‫ون (‪ 293﴾ )108‬ثم يطلبون من خازن‬ ‫ال ا ْخسُؤ وا فِ َيها واَل تُ َكلِّم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فيجابون بعد زمان ‪ ﴿ :‬قَ َ َ‬
‫ك‬ ‫اد ْوا يَ َامالِ ُـ‬
‫النار أن يشفع عند اهلل ليهلكهمـ وليميتهم حتى يتخلصوا من العذابـ ‪َ ﴿ :‬ونَ َ‬
‫ال ِإنَّ ُك ْـم َماكِثُو َن (‪ .. 294﴾ )77‬إنه الرفض لكل ما يطلبون ‪ ..‬ويؤتى‬ ‫ك قَ َ‬ ‫ض َعلَْينَا َربُّ َ‬ ‫لَِي ْق ِ‬
‫بالموت ليذبح ‪ ،‬ويقالـ ألهل الجنة ‪ :‬خلود فال موت ‪ ،‬ويقال ألهل النار ‪ :‬خلود فال‬
‫موت ‪ ..‬الحديث في صحيح البخاري ؛ هنالكـ يشتد نحيب أهل النار ويعظم حزنهمـ ويطول‬
‫‪289‬‬
‫سورة إبراهيم‬
‫‪290‬‬
‫سورة المعارج‬
‫‪291‬‬
‫سورة فاطر‬
‫‪292‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪293‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪294‬‬
‫سورة الزخرف‬
‫‪198‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫بكاؤهم ؛ فيبكون حتى تنقطع الدموع ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة‬
‫األخدود من البكاء ‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬إن من كمال عدل اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أن ال يساوي بين المطيع‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ف‬‫ين (‪ )35‬ما لَ ُك ْـم َك ْي َ‬ ‫ين َكال ُْم ْج ِرم َ‬ ‫والعاصيـ والمصلح والمفسدـ ‪َ ﴿ :‬أ َفنَ ْج َع ُل ال ُْم ْسلم َ‬
‫تَ ْح ُك ُمو َن (‪ .. 295﴾ )36‬وإن اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬وصف لنا عقابه ؛ فليس للعاصي على اهلل‬
‫ين َوال ُْمنَافِ َق ِـ‬
‫ات َوالْ ُك َّف َار‬ ‫ِِ‬
‫حجة ‪ ..‬فالكفرـ والنفاق سبب للخلود في النار ‪َ ﴿ :‬و َع َد اللَّهُ ال ُْمنَافق َ‬
‫يم (‪ 296﴾ )68‬ومن انتصر‬ ‫نَار جهنَّم َخالِ ِدين فِيها ِهي حسبهم ولَعَنهم اللَّهُ ولَهم َع َذ ـ ِ‬
‫اب ُمق ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ َ َ َ ُْ ُ ْ َ َ ُ ُ‬ ‫َ ََ َ‬
‫اد ِد‬
‫برأيهـ معارضا أمر اهلل وشرعه فليسمع قول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ : -‬ألم ي ْعلَموا أنه من يح ِ‬
‫َُ‬ ‫َ‬
‫‪297‬‬
‫الع ِظيِم (‪﴾ )63‬‬ ‫ك الخ ْز ِي َ‬
‫اهلل ورسولَه فأن له نار جهنم خال ًدا فِيِها َذلِ َ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬

‫ك ِم َن‬ ‫ويل لتارك الصالة حين يسأل ‪َ ﴿ :‬ما َسلَ َك ُك ْـم فِي َس َق َر (‪ )42‬قَالُوا لَ ْم نَ ُ‬ ‫وويل ثم ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ين (‪َ )45‬و ُكنَّا‬ ‫ِئ ِ‬ ‫الْمصلِّين (‪ )43‬ولَم نَ ُ ِ ِ ِ‬
‫وض َم َع الْ َخا ض َ‬ ‫ين (‪َ )44‬و ُكنَّا نَ ُخ ُ‬ ‫ك نُطْع ُم الْم ْسك َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ين (‪4‬‬ ‫الشافِ ِع َـ‬
‫اعةُ َّ‬ ‫الدي ِن (‪َ )46‬حتَى َآتَانَا اليَ ِقين (‪ )47‬فَ َما َت ْن َفعُ ُه ْم َش َف َ‬ ‫نُ َك ِذب بِيوِم ِ‬
‫ُ َْ‬
‫َّ ِ‬
‫ظلما ‪ِ ﴿ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين‬ ‫موجب لدخول النار ‪ ،‬وأكل أموال اليتامى ً‬ ‫ٌ‬ ‫‪ .. 298﴾ )8‬وأكل الرباـ‬
‫صلَ ْو َن َس ِع ًيرا (‪، 299﴾ )10‬‬ ‫ِ‬
‫ال الْيَتَ َامى ظُل ًْما ِإنَّ َما يَْأ ُكلُو َن في بُطُونِ ِه ْم نَ ًارا َو َسيَ ْ‬
‫يَْأ ُكلُو َن َْأم َو َ‬
‫وفي صحيح مسلم ‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪ :‬يقول اهلل ‪ -‬تعالى ‪" : -‬‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫َّار " ‪ ..‬وفي القرآن‬ ‫الْك ْب ِريَاءُـ ِر َدا يـ ‪َ ،‬وال َْعظَ َمةُ ِإ َزا ِري ‪ ،‬فَ َم ْن نَ َاز َعني َواح ًدا م ْن ُه َما َأ ْد َخلْتُهُ الن َ‬
‫ب اللَّهُ َعلَْي ِه َولَ َعنَهُ َو َ‬
‫َأع َّد‬ ‫ِ‬ ‫العظيم ‪ ﴿ :‬ومن ي ْقتُل مْؤ ِمنًا مَتع ِّم ًدا فَجزاُؤ هُ جهن ِ ِ‬
‫َّم َخال ًدا ف َيها َوغَض َ‬ ‫ََ ََ ُ‬ ‫ََ ْ َ ْ ُ ُ َ‬
‫لَهُ َع َذابا َع ِظيما (‪ .. 300﴾ )93‬وأكل أموالـ الناس بالباطل واالنتحار مقرونانـ في ٍ‬
‫آية‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫‪295‬‬
‫سورة القلم‬
‫‪296‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪297‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪298‬‬
‫سورة المدثر‬
‫‪299‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪300‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪199‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫س ُك ْم ًإ َّن اللّهَ َكا َن بً ُك ْم َر ًحيماً َو َمن َي ْف َع ْل‬ ‫واحدةـ ‪ ..‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ -‬والَ َت ْق ُتلُواْ َأن ُف َ‬
‫سيراً (‪ .. 301﴾ )29‬واليمين‬ ‫ك َعلَى اللّهً يَ ً‬ ‫صلًيهً نَاراً َو َكا َن ذَلً َ‬ ‫ف نُ ْ‬
‫س ْو َ‬ ‫ك عُ ْد َواناً َوظُلْماً فَ َ‬ ‫ذَلً َ‬
‫الكاذبة تغمس صاحبها في النار ؛ لذا سميت يمينًا غموسا ‪ ،‬والركون إلىـ الظَّلَمة والميل‬
‫َّ ِ‬
‫َّار‪ .. 302﴾ )113( ...‬وعن أبي‬ ‫س ُك ُم الن ُ‬‫ين ظَلَ ُمواْ َفتَ َم َّ‬‫معهمـ ‪َ ﴿ :‬والَ َت ْر َكنُواْ ِإلَىـ الذ َ‬
‫ان ِم ْن‬ ‫ص ْن َف ِ‬
‫هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " : -‬‬
‫ض ِربو َن بِها النَّاس ‪ ،‬ونِساء َك ِ‬ ‫ط َكَأ ْذنَ ِ‬ ‫َْأه ِل النَّا ِر ‪ ،‬لَ ْم ََأر ُه َما َق ْو ٌم َم َع ُه ْم ِسيَا ٌ‬
‫ات‬
‫اسيَ ٌـ‬ ‫َ َ ٌَ‬ ‫اب الَْب َق ِر يَ ْ ُ َ‬
‫ْجنَّةَ َواَل يَ ِج ْد َن‬ ‫ِ ِئ ِ‬ ‫ت ‪ ،‬رءوسه َّن َك ِ ِ‬
‫ْن ال َ‬
‫َأسن َمة الْبُ ْخت ال َْما لَ ـة ‪ ،‬اَل يَ ْد ُخل َ‬ ‫ْ‬ ‫ت َماِئاَل ٌ ُ ُ ُ ُ‬ ‫ات ُم ِمياَل ٌ‬
‫َعا ِريَ ٌـ‬
‫وج ُد ِم ْن َم ِس َير ِة َك َذا َو َك َذا " رواه مسلم ‪ ..‬وعند عبد اهلل بن عمر ‪-‬‬ ‫يح َها لَيُ َ‬ ‫يح َها ‪َ ،‬وِإ َّن ِر َ‬ ‫ِر َ‬
‫شر الن ِ‬
‫ْن ‪،‬‬‫ص َّدق َ‬‫ِّساء تَ َ‬
‫رضي اهلل عنهما ‪ : -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪ " :‬يَا َم ْع َ َ َ‬
‫ت ْام َرَأةٌـ ِم ْن ُه َّن َج ْزلَةٌ ‪َ :‬و َما لَنَا يَا‬‫وَأ ْكثِر َن ِمن ااِل ْستِ ْغ َفا ِر ‪ ،‬فَِإ نِّي ر َْأيتُ ُك َّن َأ ْك َثر َْأه ِل النَّا ِر " ‪َ ،‬ف َقالَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫ال ‪ " :‬تُ ْكثِ ْر َن اللَّ ْع َـن ‪َ ،‬وتَ ْك ُف ْر َن ال َْع ِش َير" رواه البخاري‬ ‫ول اللَّ ِه َأ ْك َث َر َْأه ِل النَّا ِر ‪ ،‬قَ َ‬‫َر ُس َ‬
‫سعر بهم النار يوم القيامةـ كما في الصحيحين ‪،،‬‬ ‫ومسلم ‪ ..‬وأما المراءون فهم أول من تُ َّ‬
‫وزن وال حساب ‪ ..‬يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫وقل للذين يطلقون ألسنتهم وأقالمهم بال ٍ‬
‫صاِئ ُد‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب النَّاس فِي النَّا ِر َعلَى وج ِ‬
‫ال َعلَى َمنَاخ ِره ْم ِإاَّل َح َ‬
‫وه ِه ْم ‪َْ ،‬أو قَ َ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫وسلم ‪َ " : -‬و َه ْل يَ ُك ُّ‬
‫ْسنَتِ ِه ْـم " ‪ ..‬النار موعو ٌد بهم مدمن خمر وقاطع رحم والمصدِّق بالسحر والنمام ومن اقتطع‬ ‫َأل ِ‬
‫مال أخيه بيمي ٍن فاجرة فليتبوأ مقعدهـ من النار ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬وقد رأى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬صورا من عذاب أهل‬
‫النار ‪ ..‬كما في حديث سمرة بن جندبـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ : -‬فقد رأى النبي ‪ -‬صلى اهلل‬
‫ٍ‬
‫بصخرة على رأسه فيثلغ صدره ويتدحرج‬ ‫قائما يهوي‬
‫مضجعا وآخر ً‬
‫ً‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬رجاًل‬
‫الحجر ‪ ،‬ثم يصح رأسه فيثلغه بالحجر على رأسه مرة أخرى ‪ ..‬وقال في الحديث ‪ :‬هذاـ‬
‫هو الرجل الذي يأخذـ الرجل فيأخذه وينام عن الصالة المكتوبة ‪ ..‬كما رأى النبي ‪ -‬صلى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬رجال مستقليا لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ‪ ،‬وإذا هو يأتي‬

‫‪301‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪302‬‬
‫سورة هود‬
‫‪200‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ‪ ،‬ثم يتحول إلى‬
‫الجانب اآلخرـ فيفعل به مثل ما فعل بالجانب األولـ ويكرر ذلك ‪ ..‬وقال في الحديث ‪" :‬‬
‫ب الْ َك ْذبَةَ َت ْبلُ ُغ اآْل فَا َق‪ " ..‬ورأى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫الر ُج ُلـ َي ْغ ُدو م ْن َب ْيته َفيَ ْكذ ُ‬
‫َه َذا َّ‬
‫لهب من أسفل منهم‬
‫رجال ونساءٌ عراةٌ يأتيهم ٌ‬ ‫ط وأصوات وفيه ٌ‬ ‫وسلم ‪ -‬مثل التنور فيه لغ ٌ‬
‫فيصيحون ‪ ..‬وقال ‪ :‬هؤالء هم الزناة والزواني ‪ ..‬ورأى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫رجل معه حجارةٌ كبيرة ؛ فيفرغ‬ ‫رجل يسبح ‪ ،‬وعلى شط النهر ٌ‬ ‫نهرا أحمر كالدم وفيه ٌ‬
‫حجرا في فيه ويكرر ذلك ‪ ..‬وقال ‪ :‬هذا آكل الربا ‪ ..‬ورأى‬ ‫السابح فاه ثم يلقمه الرجلـ ً‬
‫َّم ‪ ،‬الحديث رواه‬ ‫رجاًل كريه المنظر كأكره ما أنت راء ‪ ،‬وقال ‪ِ :‬إنَّهُ َمالِ ٌ‬
‫ك َخا ِز ُن َج َهن َ‬
‫ْب َْأو‬ ‫ِ‬ ‫البخاري ‪ ..‬فهل بعد هذا الوعيد من وعيد ‪ِ ﴿ ..‬إ َّن فِي َذلِ َ ِ‬
‫ك لَذ ْك َرى ل َم ْن َكا َن لَهُ َقل ٌ‬
‫الس ْم َع َو ُه َو َش ِهي ٌد (‪. 303﴾ )37‬‬
‫َألْ َقىـ َّ‬

‫اللهم أجرناـ من عذاب النار ‪ .‬اللهمـ أجرنا من عذاب النار ‪ .‬اللهم أجرناـ من عذاب‬
‫النار ‪ ..‬ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنبونا وقنا عذاب النار ‪ ..‬نفعناـ اهلل بهدي كتابه وأجرناـ من‬
‫خزيهـ وعذابهـ ‪ ..‬أقول قولي هذا وأستغفرـ اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل معز من أعطاه ومذل من عصاه ‪ ..‬مجير من استجاره ومجيب‬
‫من ناداهـ ‪ ،‬أحمده ‪ -‬تعالى ‪ -‬وأشكره وأثني عليه وأستغفرهـ ‪ ،‬وأسأله النجاة لي ولكم ‪..‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل‬
‫وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫‪303‬‬
‫سورة ق‬
‫‪201‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫ِح َع ِن النَّا ِر َوُأ ْدخ َل ال َ‬
‫ْجنَّةَ َف َق ْد فَ َاز (‬ ‫أما بعد ‪ ..‬فكالم اهلل الحق ‪ ﴿ :‬فَ َمن ُز ْحز َ‬
‫‪304‬‬
‫‪..‬واإليمان والعمل الصالح هو ‪ -‬واهلل ‪ -‬طريق الفوز والفالح ‪ ،‬ووعد اهلل‬ ‫‪﴾ )185‬‬
‫رجل بكى من خشية اهلل حتى يعود اللبن في الضرع ‪،‬‬
‫ووعد رسوله صدق ‪ ..‬فلن يلج النار ٌ‬
‫وعين باتت تحرس في سيبيل اهلل ‪..‬‬ ‫عين بكت من خشية اهلل ٌ‬ ‫وعينان لن تمسهما النار ‪ٌ /‬‬
‫ان (‪ .. 305﴾ )46‬والدعاء واالستعاذةـ‬ ‫اف م َقام ربِِّه جنَّتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫وللتقوى منزلةـ عظيمة ‪َ ﴿ :‬ول َم ْن َخ َ َ َ َ َ‬
‫عظيم للنجاة ‪ ..‬عن أنس بن مالك ‪ -‬رضي اهلل عنه – قال ‪ :‬قال رسول اهلل –‬ ‫باب ٌ‬ ‫باهلل ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجنَّةُ ‪ :‬اللَّ ُه َّم َأ ْدخلْهُ‬
‫الجنَّةَ ثَالَثاً ِإالَّ قالَت َ‬‫َأل َر ُج ٌل ُم ْسل ٌم اهلل َ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " : -‬ما َس َ‬
‫َأج ْرهُ ِمنِّي " رواه‬ ‫ت النَّار ‪ :‬اللَّ ُه َّم ِ‬
‫ُ‬
‫استَجار رجل مسلِم اهلل ِمن النَّا ِر ثَالَثاً ِإالَّ قالَ ِ‬
‫َ‬ ‫الجنَّةَ َوالَ ْ َ َ َ ُ ٌ ُ ْ ٌ‬
‫َ‬
‫أحمد وابن ماجةـ بإسناد صحيح ‪.‬‬

‫ونحن في إقبال شه ٍر عظيم ‪ ..‬شهر العتق من النار ؛ فمن صام ً‬


‫يوما في سبيل اهلل باعد‬
‫اهلل بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ‪ ،‬وفي رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق‬
‫أبواب النار ‪ ،‬وهلل في كل ليلة عتقاء من النار ‪.‬‬

‫اللهم ياحي ياقيوم ياذاـ الجالل ‪ ..‬اللهم إنا نسألكـ بأنا نشهد أنك أنت اهلل ال إله إال‬
‫أنت وال حول وال قوة إال بك ‪ ..‬نسألكـ اللهم أن تدخلنا الجنة وأن تجيرنا من عذاب‬
‫النار ‪ ،‬اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار ‪ .‬اللهم إنا نسألكـ الجنة ونعوذ بك من‬
‫ٍ‬
‫محمد وعلى آل محمد‬ ‫صل على‬
‫النار ‪ .‬اللهم إنا نسألكـ الجنة ونعوذ بك من النار ‪ ..‬اللهمـ ِّ‬
‫ٍ‬
‫محمد وعلى آل‬ ‫كما صليت على إبراهيمـ وعلى آل إبراهيم إنكـ حمي ٌد مجيد ‪ ،‬وبارك على‬
‫محمد كما باركت على إيراهيمـ وعلى آل إبراهيمـ إنك حمي ٌد مجيد ‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدينـ ‪،‬‬
‫واجعلـ هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائرـ بالد المسلمين ‪ ..‬اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا‬

‫‪304‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪305‬‬
‫سورة الرحمن‬
‫‪202‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ووالة أمورنا ‪..‬اللهمـ من أرادناـ وأراد بالدنا ٍ‬
‫بسوء فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره ‪ ..‬اللهمـ‬
‫ادفع عن الغال والوبا والربا والزناـ والزالزلـ والمحن وسوء الفتنـ ما ظهر منها وما بطن ‪.‬‬

‫اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬اللهم انصر به دينك‬
‫وأعل به كلمتك ‪ ،‬اللهم أصلح بطانته ‪ ،‬اللهم أصلح بطانتهـ واصرف عنه بطانة السوء‬
‫يارب العالمين ‪ ،‬اللهم ووفقه ولي عهده ونائبهـ الثاني لما تحبه وترضاه ياسميع الدعاء ‪.‬‬

‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين ‪ ،‬اللهم انصرهمـ في فلسطين وفي كل‬


‫مكان يارب العالمين ‪ ،‬اللهم انصر دينك وكتابكـ وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم‬
‫انصر من نصر الدينـ واخذل الطغاة والمالحدة والمفسدينـ ‪.‬‬

‫وفر ْج كرب المكروبين ‪ ،‬وفك أسر‬


‫هم المهمومين من المسلمين ِّ‬
‫فرج َّ‬
‫اللهم ِّ‬
‫المأسورين ‪ ،‬واقض الدينـ عن المدينين ‪ ،‬واشف برحمتكمـ مرضاناـ ومرضى المسلمين ‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدينا حسنةً وفي اآلخرةـ حسنةً وقنا عذاب النار ‪ ،‬ربنا اغفر لنا‬
‫ويس ْر أمورنا‬
‫ولوالديناـ ووالديهمـ وذرياتهم يارب العالمينـ ‪ ..‬اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ِّ‬
‫وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪..‬‬

‫اللهم بلغنا رمضان ‪ ،‬اللهم بلغنا رمضان ووفقنا فيه لما يرضيك من العمل‬
‫الصالح ‪ ،‬وتقبل منا ياحي ياقيوم ياذا الجالل واإلكرام ‪ ..‬ربنا تقبل منا إنك أنت السميع‬
‫العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيمـ ‪..‬سبحان ربك رب العزة عما يصفون ‪،‬‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬
‫ٌ‬

‫‪203‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬تعظيم اهلل في القلوب‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن والعشرون من رمضان من عام ‪1430‬هـ‬

‫‪ -‬تعظيم اهلل في القلوب ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل الذي ال يحيط بحمده حامدـ وال توفي قدره بليغ المحامد ‪،‬‬
‫راكع أو ساجد ‪..‬‬
‫سبحانه فال يعبده حق عبادته عابد ولو قضى عمره قانتاً هلل وهو ٌ‬
‫الحمد هلل عظيم الشان واسع السلطان مدبر األكوان ‪ ..‬في ملكه تسبح األفالك وحول‬
‫سبِّ ُح بِ َح ْم َد ِه (‪ ..306﴾ )44‬لوجهه‬ ‫ٍ ِإ‬ ‫ِإ‬
‫عرشه تسبح األمالك ‪َ ﴿ :‬و ن ِّمن َش ْيء الَّ يُ َ‬
‫سبحات الجالل ‪ ،‬وهو الجميل الذي له كل الجمال ‪..‬‬
‫واهلل لو كان البحر محابر والسموات السبع واألرضون دفاتر فلن تفي في تدوين‬
‫فضله وأفضاله ولن تبلغ في بيان عظمته وبديع فعاله ‪..‬‬

‫علي الوصف ‪ ..‬سبحت له السموات واألرض ومن فيهن ‪..‬‬


‫اهلل ‪ ..‬كريم االسمـ ُّ‬
‫وصف ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والطير قابضاتـ‬

‫‪306‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪204‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ‪ ..‬أصدق كلمة فاهت بها الشفاه وخير‬
‫ٍ‬
‫جملة نطقت بها األفواه ‪..‬‬
‫وأشهدـ أن محمداً عبده ورسوله العارف باهلل حقاً والمتوكل عليه صدقاً ‪ ..‬المتذللـ له‬
‫تعبداًـ ورقاً ‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله األطهار وصحابته األخيار ‪ ،‬وسلم تسليماً كثيراً ‪.‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬


‫وصية وخير ٍ‬
‫لباس وأكرم سجية ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها‬ ‫ٍ‬ ‫أيها المسلمون ‪ :‬فتقوى اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬خير‬
‫آمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ َح َّق ُت َقاتِِـه َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوَأنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن (‪. 307﴾ )102‬‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫عظيم‬
‫من اتقىـ اهلل وقاه ‪ ..‬ومن خانه هتك ستره وابتاله ‪ ..‬الواقف بغير باب اهلل ٌ‬
‫هوانه ‪ ..‬والمؤمل غير فضل اهلل خائبةٌـ آماله ‪ ..‬والعاملـ لغير اهلل ضائعةٌ أعماله ‪.‬‬
‫األسباب منقطعةٌ إال أسبابهـ ‪ ،‬هو اهلل الذي يُخشى وهو اهلل الذي يُرجىـ ‪ ..‬وأهل األرض كل‬
‫األرض ‪ -‬ال واهلل ‪ -‬ما ضروا وال نفعوا وال خفضوا وال رفعوا ‪ ﴿ :‬فَا ْعلَ ْم َأنَّهُ اَل ِإلَهَ ِإاَّل اللَّهُ‬
‫ك ولِلْمْؤ ِمنِين والْمْؤ ِمنَ ِ‬
‫ات َواللَّهُ َي ْعلَ ُم ُمَت َقلَّبَ ُك ْم َو َم ْث َوا ُك ْم (‪. 308﴾ )19‬‬ ‫و ْ ِ ِ ِ‬
‫اسَت ْغف ْر ل َذنب َـ َ ُ َ َ ُ‬ ‫َ‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬أيها المتعبدون ‪ ..‬أيها الصائمون القائمون ‪ :‬وأنتم في ختام شهر‬
‫رمضان قد كلت منكم األجساد وتطاول ليل العبادـ وظمأت في النهار حلوق الصوام‬
‫وتطلعتم إلىـ الختام ‪ ..‬فإن خلقاًـ من خلق اهلل امتألت قلوبهم بمعرفته وفاضت نفوسهمـ‬
‫بتعظيمه ‪ ..‬بذلوا صالحاً أضعاف ما بذلتم وعبدوا اهلل فوق ما عبدتم ورأوا أنهم لم يفعلوا‬
‫شيئاً ‪..‬‬
‫وقد أخبر النبي – صلى اهلل عليه وسلم – أن ما في السموات السبع موضع ٍ‬
‫قدم وال‬
‫ملك ساجد ‪ ،‬فإذا كان يوم القيامة قالوا‬
‫راكع أو ٌ‬
‫ملك ٌ‬‫قائم أو ٌ‬ ‫شب ٍر وال فت ٍر إال وفيه ٌ‬
‫ملك ٌ‬
‫جميعاً ‪ :‬سبحانكـ ما عبدناك حق عبادتك إال أننا ال نشرك بك شيئاً ‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪308‬‬
‫سورة محمد‬
‫‪205‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬تعظيم اهلل في القلوب وإجالله في النفوس والتعرف على آالئه‬
‫وأفضاله وقدره حق قدره هو ‪ -‬واهلل ‪ -‬زاد العابدين وقوة المؤمنين وسلوى الصابرين ‪..‬‬
‫وهو سياج المتقين ‪.‬‬
‫من الذي عرف اهلل فاستهان بأمرهـ أو تهاون بنهيه ‪ ،‬ومن ذا الذي عظمه فقدم عليه‬
‫أهل لذلكـ‬
‫هواه وما قدره ما غدا عنه اله ؛ فاهلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يُعبد ويُحمد ويُحب ألنهـ ٌ‬
‫ومستحقه ‪ ،‬بل ما يستحقه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ال تناله قدرة العبادـ وال تتصوره عقولهم ؛ لذلكـ‬
‫ُأح ِ‬
‫صي‬ ‫قال أعرف الخلق بربه – صلى اهلل عليه وسلم – كما في الحديث الصحيح ‪ " :‬اَل ْ‬
‫ك " وفي الصحيحين ‪ " :‬ما َأح ٌد َأح َّ ِ‬ ‫ت َعلَى َن ْف ِس َ‬
‫ب ِإلَْيه ال َْم ْد ُ‬
‫ح‬ ‫َ َ َ‬ ‫ت َك َما َأْثَن ْي َ‬
‫ك َأنْ َ‬
‫اء َعلَْي َ‬
‫َثنَ ً‬
‫ِم َن اللَّ ِه " ولذلكـ مدح نفسه ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬ربكم الذي تعبدون وله تصلون وتصومون وإليه تسعون وتحفدون‬
‫ْح ْم ُد لِلّ ِه‬
‫رب عظيم ‪ ..‬له من صفات الكمالـ والجالل ما يفوق الوصف والخيال ‪َ ﴿ :‬وقُ ِل ال َ‬ ‫ٌّ‬
‫ْك َولَ ْم يَ ُكن لَّهُ َولِ ٌّي ِّم َن ُّ‬
‫الذ َّل َو َكِّب ْرهُ تَ ْكبِيراً (‬ ‫يك فِي الْمل ِ‬
‫ُ‬
‫الَّ ِذي لَم يت ِ‬
‫َّخ ْذ َولَداً َولَم يَ ُكن لَّهُ َش ِر ٌ‬ ‫َْ‬
‫‪. 309﴾ )111‬‬
‫ال إله إال اهلل العظيمـ سبحت له األفالك وخضعت له األمالك ‪َ ﴿ :‬سبَّ َح لِلَّ ِه َما فِي‬
‫ض يُ ْحيِي َويُ ِم ُ‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫الس َم َاو ِـ‬ ‫ض وهو الْع ِز ـيز ال ِ‬ ‫الس َم َاو ِـ‬
‫يت َو ُه َو‬ ‫ات َو ْ‬ ‫ْك َّ‬ ‫يم (‪ )1‬لَهُ ُمل ُ‬
‫ْحك ُ‬ ‫اَأْلر ِ َ ُ َ َ ُ َ‬ ‫ات َو ْ‬ ‫َّ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير (‪ُ )2‬ه َو َّ‬
‫يم (‪)3‬‬ ‫اَأْلو ُل َواآْل خ ُـر َوالظَّاه ُر َوالْبَاط ُن َو ُه َو ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫﴾‪. 310‬‬

‫سبحانه وبحمده ‪ ..‬كيف ال يستولي حبه على القلوب وكل خي ٍر منه نازل وكل ٍ‬
‫فضل‬
‫إليه ؛ فمنه سبحانه العطاء والمنع ‪ ..‬واالبتالء والمعافاة ‪ ..‬والقبض والبسط ‪ ..‬والعدل‬
‫والرحمةـ ‪ ..‬واللطف والبر ‪ ..‬والفضل واإلحسانـ ‪ ..‬والستر والعفو ‪ ..‬والحلم والصبر ‪..‬‬
‫وإجابةـ الدعاء وكشف الكربة وإغاثة اللهفةـ ‪ ،‬بل مصارف الخلق كلهم جميعاً لديه ‪..‬‬

‫‪309‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪310‬‬
‫سورة الحديد‬
‫‪206‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وهو أكرم األكرمين ‪ ..‬وقد أعطى عبده فوق ما يؤمله قبل أن يسألهـ ‪ ..‬يشكر قليالً‬
‫من العمل وينميه ويغفر الكثيرـ من الزللـ ويمحوه ؛ فكيف ال تحب القلوب من ال يأتي‬
‫بالحسناتـ إال هو وال يذهب بالسيئات إال هو ؟‬
‫يجيب الدعوات ويقيل العثراتـ ويغفرـ الخطيئات ويستر العورات ويكشف‬
‫وحمد وأوفر من ُابتُغي وأرأف‬
‫الكربات ؛ فهو أحق من ذُكر وأحق من ُشكر وأحق من ُعبد ُ‬
‫من ملك وأجود من ُسئل وأوسع من أعطى وأرحم من استرحمـ وأكرم من قصد وأعز من‬
‫الُتجأ إليه وأكفى من تُوكل عليه ‪..‬‬
‫أرحم بعبده من الوالدة بولدها وأشد فرحاً بتوبة التائب من فرح من وجد ناقته بعد‬
‫فقدها وعليه طعامه وشرابه في أرض مهلكةـ ‪..‬‬

‫فسبحان اهلل وبحمده ‪ ..‬هو الملك ال شريكـ له والفردـ ال ند له ‪َ ﴿ :‬واَل تَ ْدعُ َم َع اللَّ ِه ِإلَهاً‬
‫‪311‬‬
‫ْح ْك ُم َوِإلَْي ِه ُت ْر َجعُو َن (‪﴾ )88‬‬ ‫آخ َر اَل ِإلَهَ ِإاَّل ُه َو ُك ُّل َش ْي ٍء َهالِ ٌـ‬
‫ك ِإاَّل َو ْج َههُـ لَهُ ال ُ‬ ‫َ‬

‫يطاع إال بإذنه ‪ ..‬ولن يعصى إال بإذنهـ ‪ ..‬يطاع فيشكر ويعصى فيعفو ويغفرـ ؛ فهو‬
‫لن َ‬
‫قائم بالقسط ‪ ،‬حال دون النفوس وأخذ‬‫أقرب شهيد وأجل حفيظ وأوفى بالعهدـ وأعدل ٍ‬
‫بالنواصي وكتب اآلثار ونسخ اآلجال ؛ فالقلوب له مفضية والسر عنده عالنية ‪ ،‬والغيب‬
‫لديه مكشوف وكل ٍ‬
‫أحد إليه ملهوف ‪..‬‬
‫عنت الوجوه لنور وجهه وعجزت العقول عن إدراك كنهه ‪ ..‬أشرقت لنور وجهه‬
‫الظلمات واستنارت له األرض والسماواتـ وصلحت عليه جميع المخلوقات ‪..‬‬
‫ومرادُّهاـ إليه ‪ ،‬مست ٍو على سريرـ ملكه ال تخفى عليه خافيةٌ‬
‫أزمة األمور كلها بيده َ‬
‫في أقطار مملكته ‪ ..‬تصعد إليه شئون العباد وحاجاتهمـ وأعمالهمـ فيأمر ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بما شاء‬
‫ض ُك َّل يوٍم ُهو فِي َش ٍ‬
‫ْأن (‪)29‬‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫فينفذ أمره ويغلب قهره ﴿ يسَألُهُـ من فِي َّ ِ‬
‫َْ َ‬ ‫الس َم َوات َو ْ‬ ‫َْ َْ‬
‫﴾‪.312‬‬

‫‪311‬‬
‫سورة القصص‬
‫‪312‬‬
‫سورة الرحمن‬
‫‪207‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يغفرـ ذنباً ويكشف كرباً ويفك عانياً ويجبر كسيراً وينصر ضعيفاً ويغني فقيراً ‪ ،‬يحيي‬
‫ويميت ‪ ..‬ويُسعدـ ويشقي ‪ ،‬ويُضل ويهدي ‪ ..‬ويُنعم على قوم ويسلب نعمته عن‬
‫ب‬‫أقواما ويذل آخرين ‪ُ ﴿ :‬ه َو اللَّهُ الَّ ِذي اَل ِإلَهَ ِإاَّل ُه َو َعالِ ُم الْغَْي ِ‬ ‫آخرين ‪ ..‬ويعز ً‬
‫الساَل ُم‬
‫وس َّ‬ ‫ك الْ ُق ُّد ُـ‬ ‫يم (‪ُ )22‬ه َو اللَّهُ الَّ ِذي اَل ِإلَهَ ِإاَّل ُه َو ال َْملِ ُ‬ ‫الر ِح ُـ‬ ‫اد ِة ُه َو َّ‬
‫الر ْح َم ُن َّ‬ ‫َو َّ‬
‫الش َه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ُْمْؤ م ُن ال ُْم َه ْيم ُن ال َْع ِز ُيز ال َ‬
‫‪313‬‬
‫ار ال ُْمتَ َكِّب ُر (‪﴾ )23‬‬ ‫ْجبَّ ُ‬

‫له القدرةـ المطلقة واإلرادةـ التامة ‪ ..‬كلم موسى تكليماً وتجلى للجبل فجعله دكاً‬
‫هشيماً ‪ ،‬وهو سبحانه فوق سمواته ال تخفى عليه خافية ‪ ..‬يسمع ويرى دبيب النملة‬
‫السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء ‪ ..‬ال تشتبه عليه األصوات مع اختالف‬
‫ب الَ‬‫اللغاتـ وتنوع الحاجاتـ ‪ ،‬وال تتحرك ذرة في كونه إال بإذنه ﴿ َو ِعن َدهُ َم َفاتِ ُح الْغَْي ِ‬
‫ط ِمن َو َرقَ ٍة ِإالَّ َي ْعلَ ُم َها َوالَ َحبَّ ٍة ِفي‬
‫َي ْعلَ ُم َها ِإالَّ ُه َو َو َي ْعلَ ُم َما فِي الَْب ِّر َوالْبَ ْح ِر َو َما تَ ْس ُق ُ‬
‫‪314‬‬
‫اب ُّمبِي ٍن (‪﴾ )59‬‬ ‫س ِإالَّ فِي كِتَ ٍ‬‫ْب َوالَ يَابِ ٍ‬ ‫ض َوالَ َرط ٍ‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ِ‬
‫ظُلُ َمات ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْأخ ُذهُ ِسنَةٌ َوالَ َن ْو ٌم لَّهُ َما ِفي َّ‬
‫ض‬‫اَألر ِ‬
‫الس َم َاوات َو َما في ْ‬ ‫وم الَ تَ ُ‬ ‫﴿ اللّهُ الَ ِإلَـهَ ِإالَّ ُه َو ال َ‬
‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫‪315‬‬
‫(‪﴾ )255‬‬
‫حجابه النور ‪ ..‬لو كشف وجهه ألحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره ‪ ،‬فإذا‬
‫كانت سبحات وجهه األعلى ال يقوم لها شيءٌ من خلقه فما الظن بجالل ذلك الوجه الكريمـ‬
‫وجماله وبهائه وعظمته وكبريائه ؛ لذا كان أعظم نعيم أهل الجنة التلذذ بالنظر إلى وجهه‬
‫موقف عظيم يتجلى فيه كبرياء اهلل وعظمته وجماله وجالله ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الكريمـ ‪ -‬جل جالله ‪ -‬وهو‬

‫وأحاديث من‬
‫ٌ‬ ‫آيات من القرآن‬ ‫ٍ‬
‫موقف آخر دلت على بعضه ٌ‬ ‫أيها المسلمون ‪ :‬وفي‬
‫السنة ‪ ..‬أورد ابن كثير – رحمه اهلل – ‪ :‬أنه " حين ينفخ إسرافيل في الصور نفخة الصعق‬

‫‪313‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪314‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪315‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪208‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫فيموت أهل السموات واألرض ويجيء ملك الموت فيسأله ربه ‪ -‬وهو أعلم ‪ -‬من بقي ؟‬
‫فيقول ‪ :‬بقيت أنت الحي الذي ال يموت وبقي حملة العرش وبقي جبريلـ وميكائيل‬
‫وإسرافيل وبقيت أنا ‪ ،‬فيأمره ربه بقبض أرواحهم ‪ ،‬ثم يقول – وهو أعلم – من بقي ؟‬
‫فيقول ملك الموت ‪ :‬يارب بقيت أنت الحي الذي ال يموت ‪ ..‬وبقيت أنا ‪ ،‬فيقول اهلل –‬
‫ت فيموت ‪..‬‬
‫فم ْ‬
‫عز وجل ‪ : -‬أنت خل ٌق من خلقي ُ‬
‫فإذا لم يبق إال اهلل الواحد القهارـ ‪ -‬كان آخراً كما كان أوالً ‪ -‬طوى السموات‬
‫واألرض طي السجل للكتب ثم دحاهاـ ‪ ،‬ثم يقول ‪ :‬أنا الجبار ‪ ..‬أنا الجبار ‪ ..‬أنا الجبار‬
‫(ثالثاً) ‪ ،‬ثم هتف بصوته ‪ :‬لمن الملك اليوم ؟ لمن الملك اليوم ؟ لمن الملك اليوم ؟ ثم‬
‫يجيب نفسه بنفسه ‪ :‬هلل الواحدـ القهار ‪..‬‬
‫ثم يبدل اهلل األرض غير األرض والسموات فيبسطهما ويسطحهما ثم يمدهما ‪ ،‬ثم‬
‫يزجر اهلل الخلق كلهم زجرة فإذا هم في هذه األرض المبدلة ؛ فيحي الخلق ‪ ..‬فيقف الناس‬
‫موقفاً واحداًـ مقداره سبعون عاماً ال ينظر إليهم وال يقضي بينهم حتى يشفع فيهم محم ٌد –‬
‫صلى اهلل عليه وسلم – " ‪.‬‬
‫وروى ابن كثير بسنده ‪ :‬أن رسول اهلل محمداً – صلى اهلل عليه وسلم – يقول ‪" :‬‬
‫سا َش ِدي ًداـ َف َهالَنَا ‪َ ،‬فَي ْن ِز ُل‬ ‫الس َم ِاء ِح ًّ‬ ‫وف ِإ ْذ َس ِم ْعنَا ِم َن َّ‬ ‫ف َم َع الن ِ‬
‫َّاس َفَب ْينَ َما نَ ْح ُن ُوقُ ٌ‬ ‫فَ َْأر ِج ُع فََأقِ ُ‬
‫ض َأ ْشرقَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض ِمن ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫السم ِاء ُّ ِ‬
‫ت‬ ‫اَأْلر ِ َ‬ ‫س َحتَّى ِإذَا َد َن ْوا م َن ْ‬ ‫ْج ِّن َواِإْل نْ ِ‬ ‫اَأْلر ِ َ‬ ‫الد ْنيَا بِم ْثلَ ْي َم ْن في ْ‬ ‫َْأه ُل َّ َ‬
‫آت ‪ .‬ثُ َّم َي ْن ِز ُل‬‫اف ُهم و ُقلْنَا لَ ُهم ‪َ :‬أفِي ُكم ر ُّبنَا ؟ قَالُوا ‪ :‬اَل ‪ ،‬و ُهو ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ص َّ ْ َ‬ ‫َأخ ُذوا َم َ‬ ‫ض بِنُو ِر ِه ْم َو َ‬ ‫اَأْلر ُ‬
‫ْ‬
‫س َحتَّى ِإ َذا‬ ‫السم ِاء الثَّانِي ِـة بِ ِم ْثلَي من َنز َل ِمن الْماَل ِئ َك ِـة وبِ ِم ْثلَي من فِ َيها ِمن ال ِ‬
‫ْج ِّن َواِإْل نْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫ْ َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َْأه ُل َّ َ‬
‫اف ُه ْم َو ُقلْنَا لَ ُه ْم ‪َ :‬أفِي ُك ْم َر ُّبنَا ؟ َفَي ُقولُو َن‬ ‫ص َّ‬ ‫ض بِنُو ِر ِه ْم َو َ‬ ‫ِ‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬
‫َأخ ُذوا َم َ‬ ‫ض َأ ْش َرقَت ْ‬
‫اَأْلر ُ‬ ‫َد َن ْوا م َن ْ‬
‫ار َع َّز َو َج َّل فِي‬ ‫ك ِمن التَّ ْ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ضعيف َحتَّى َي ْن ِز َل ال َ‬
‫ْجبَّ ُ‬ ‫‪ :‬اَل ‪َ ،‬و ُه َو آت ‪ .‬ثُ َّم َي ْن ِزلُو َن َعلَى قَ ْد ِر َذل َ َ‬
‫ظُلَ ٍل ِم َن الْغَ َم ِام َوال َْماَل ِئ َكةُـ ‪َ ،‬فيَ ْح ِم ُل َع ْر َشهُ َي ْو َمِئ ٍذ ثَ َمانِيَةٌ ‪َ ،‬و ُه ُم الَْي ْو َم َْأر َب َعةٌ ‪َ ،‬أقْ َد ُام ُه ْم فِي‬
‫ش َعلَى َمنَاكِبِ ِه ْم ‪ ،‬لَ ُه ْم َز َج ٌل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات ِإلَى ُح َج ِزه ْم َوال َْع ْر ُ‬ ‫الس َم َاو ُـ‬
‫ض َو َّ‬ ‫اَأْلر ُ‬
‫الس ْفلَىـ ‪َ ،‬و ْ‬ ‫ض ُّ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫تُ ُخوم ْ‬
‫ْك والْملَ ُك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وت ‪،‬‬ ‫ْجَب ُروت ‪ُ ،‬س ْب َحا َن ذي ال ُْمل َ َ‬ ‫في تَ ْسبِيح ِه ْم َي ُقولُو َن ‪ُ :‬س ْب َحا َن ذي الْع َّزة َوال َ‬
‫وح قُ ُّد ٌ‬
‫وس‬ ‫وت ‪ُ .‬سبُّ ٌ‬ ‫يت الْ َخاَل ِئ َق َواَل يَ ُم ُ‬ ‫وت ‪ُ ،‬س ْب َحا َن الَّ ِذي يُ ِم ُ‬ ‫ْح ِّي الَّ ِذي اَل يَ ُم ُ‬ ‫ُس ْب َحا َن ال َ‬

‫‪209‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وح ‪ُ .‬س ْب َحا َن َر ِّبنَا اَأْل ْعلَى الَّ ِذي يُ ِم ُ‬


‫يت‬ ‫الر ِ‬‫ب ال َْماَل ِئ َك ِـة َو ُّ‬ ‫وس قُ ُّد ٌ‬
‫وس ‪ُ .‬س ْب َحا َن َر ِّبنَا اَأْل ْعلَى َر ِّ‬ ‫قُ ُّد ٌ‬
‫وح " ‪.‬‬ ‫الر ِ‬ ‫ب ال َْماَل ِئ َك ِة َو ُّ‬ ‫وح قُ ُّد ٌ‬
‫وس َر ِّ‬ ‫وت‪ُ ..‬سبُّ ٌ‬‫الْ َخاَل ِئ َق َواَل يَ ُم ُ‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬واهلل أعظم شاناًـ وأعز سلطاناً ‪ ،‬ولكن الذنوب التي رانت على‬
‫القلوب حجبت تعظيم الرب في النفوس وأضعفت وطره في القلوب ‪ ،‬ولو تمكن وطر اهلل‬
‫وعظمته في قلب العبدـ لما تجرأ على معاصيه أبداً ‪ ..‬فإن عظمة اهلل – تعالى – وجالله في‬
‫القلب تقتضي تعظيم حرماته واالستسالم لحكمه وأمره ونهيه ‪ ،‬وهذا التعظيم يحول بينك‬
‫وبين الذنوب ‪.‬‬

‫والمتجرئون على معاصي اهلل ما قدروا اهلل حق قدره ‪ ،‬وكفى من عقوبات الذنوب‬
‫أن تضعف هذا التعظيم في القلب حتى يستمرئ المخذول المعاصيـ فيهون على اهلل فيرفع‬
‫َّ‬
‫استخف بأمر اهلل ‪..‬‬ ‫ُّ‬
‫ويستخفون به كما‬ ‫اهلل مهابتهـ من قلوب الخلق‬
‫المصرين على الذنوبـ وطبع عليها ‪ ..‬وأنه‬
‫ِّ‬ ‫وقد ذكر اهلل – تعالىـ – أنه غطى على قلوب‬
‫نسيهم كما نسوه وأهانهمـ وضيعهم كما ضيعوا أمره ؛ لهذاـ قال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬في آية‬
‫‪316‬‬
‫سجود المخلوقات له ‪َ ﴿ :‬و َمن يُِه ِن اللَّهُ فَ َما لَهُ ِمن ُّم ْك ِرٍم (‪﴾ )18‬‬

‫فعلى قدر خوفك من اهلل يهابكـ الخلق ‪ ..‬وعلى قدر تعظيمك هلل يعظمك الخلق ‪ ..‬وعلى‬
‫قدر محبتك هلل يحبك الخلق ‪ ،‬وإنما يستدفع البالء بالتوبة واالستغفارـ واالستسالم‬
‫ألمر اهلل الواحد القهارـ ‪َ ﴿ :‬وتُوبُوا ِإلَى اللَّ ِه َج ِميعاً َُّأي َهاـ ال ُْمْؤ ِمنُو َن لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َن (‪)31‬‬
‫﴾‪.317‬‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ونفعنا بما فيه من اآليات والذكر الحكيم ‪..‬‬

‫‪316‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪317‬‬
‫سورة النور‬
‫‪210‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أقول قولي هذا وأستغفرـ اهلل العظيم لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل الذي باسمه تُبتدأ الصالحاتـ وبحمده تُختتم ‪ ،‬والحمد هلل‬
‫العفو الكريم األكرم ‪..‬‬
‫ُّ‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‬
‫وخيرتهـ من خلقه ومصطفاه من سائرـ األمم ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه‬
‫والتابعين ومن اقتفى أثرهمـ والتزم ‪.‬‬

‫أما بعد ‪..‬‬


‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬أيام شهركمـ كسفائ ٍـن أبحرت واحتواها األفق وغيبها الغسق وما ظل‬
‫مركب أو مركبان يجافيها الساحل وتستدنيهاـ األمواج وهي موشكةٌ أن يبتلعها اليم ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫إال‬
‫فمن استدرك نفسه في هذين المركبين فإن الرحلة لم تفت ‪ ..‬ومن تأخر عنها فقد حرمتهـ‬
‫همته وأضاعته غفلته ‪..‬‬
‫وركعات معدوداتـ وسجدات ومواطن قليلة تتحرى‬
‫ٌ‬ ‫وريقات‬
‫ٌ‬ ‫وما ثمة في شهركم إال‬
‫فيها الدعوات ‪ ،‬ثم إلىـ اهلل المورد وعند عتبات بابه الموعد ‪ ،‬واهلل أعلم هل نلتقي في‬
‫القادم أو ال نلتقي ‪.‬‬

‫أيها الصائمون ‪ :‬إن من سنن الهدىـ ومعالم البر واإلحسانـ في ختام هذا الشهر‬
‫الكريمـ ما شرعه اهلل – تعالىـ – على لسان رسوله – صلى اهلل عليه وسلم – من إخراج زكاة‬
‫الفطر ؛ فهي طهرةٌ للصائمـ وطعمةٌ للمساكين ووجهٌ مشرق في محاسن هذا اإلسالم‬
‫العظيم ‪ ..‬حيث العيد للغني والفقيرـ والواجدـ والمعدم ‪ ،‬وحتى يكون العي َد فالبد أن يفرح‬
‫الجميع ‪..‬ص‬

‫‪211‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وصدقة الفطر واجبةٌ باإلجماع كما حكاه ابن المنذر والبيهقيـ وغيرهما ‪.‬‬
‫وفي حديث ابن عمر – رضي اهلل عنهما – ‪ " :‬أن النبي – صلى اهلل عليه وسلم –‬
‫اعا ِم ْن َش ِعي ٍر َعلَى ُك ِّل ُح ٍّر َْأو َع ْب ٍد ذَ َك ٍر َْأو ُأْنثَى ِم ْن‬
‫صً‬
‫َفرض َز َكاةَ ال ِْفطْ ِر ص ِ‬
‫اعا م ْن تَ ْم ٍر َْأو َ‬
‫َ ً‬ ‫َ َ‬
‫ين " رواه البخاري ومسلم ‪..‬‬ ‫ِِ‬
‫ال ُْم ْسلم َ‬
‫أما الجنين فال يجب اإلخراج عنه ‪ ..‬لكن يستحب ذلك لفعل الخليفة الراشدـ عثمان‬
‫بن عفان – رضي اهلل عنه – ‪..‬‬
‫والب ُّر والشعير واألقظ‬
‫والمنصوص عليه في األحاديث الصحيحة هو التمر ُ‬
‫والزبيب ‪ ،‬ويجزئ أن يخرج من غالب قوت البلد ‪ ..‬كاألرز ونحوه من الطعام ‪.‬‬
‫ووقت إخراجـ زكاة الفطرـ وأفضله يوم العيد قبل الصالة ‪ ،‬ويجوز تقديمها قبل‬
‫العيد بيوم أو يومين وال يجوز تأخيرهاـ إلى ما بعد صالة العيدـ ؛ فأخرجوها ‪ -‬رحمكم اهلل –‬
‫طيبة بها نفوسكمـ ‪ ،‬ثم ابتهجوا بعيدكمـ واشكروا اهلل – تعالى – على التمام ‪ ،‬واسألوه‬
‫القبول وحسن الختام ‪..‬‬

‫وإن من سنن الهدىـ التي شرعها اهلل – عز وجل – وسنها رسوله – صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – ‪ :‬التكبير ليلة العيدـ وصبيحة العيد ‪..‬‬
‫قال اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬في آيات الصيام ‪َ ﴿ :‬ولِتُ ْك ِملُواْ ال ِْع َّدةَ َولِتُ َكِّب ُرواْ اللّهَ َعلَى َما‬
‫‪318‬‬
‫َه َدا ُك ْم َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن (‪﴾ )185‬‬
‫وصفته أن يقول المسلم ‪ ( :‬اهلل أكبر ‪ .‬اهلل أكبر ‪ .‬ال إله إال اهلل ‪ .‬اهلل أكبر ‪ .‬اهلل‬
‫أكبر وهلل الحمد ) أو نحو ذلك ‪ ..‬كأن يقول ‪ ( :‬اهلل أكبر كبيرا والحمد هلل كثيرا ) ‪.‬‬
‫ويسن جهر الرجال به في البيوت والمساجد والطرقات واألسواق ‪..‬‬
‫ومن السنة أن يأكل المسلم تمرات قبل الخروج إلى صالة العيد ثالثاً أو خمساً أو‬
‫سبعاً أو أكثر من ذلك يقطعها على وتر ‪ ،‬كما في صحيح البخاري ‪.‬‬
‫وقد كان النبي – صلى اهلل عليه وسلم – يأمر بإخراجـ الجميع إلى صالة العيدـ حتى‬
‫العواتقـ والحيض وذوات الخدور ‪ .‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫‪318‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪212‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أال فاهنأوا أيها المسلمون بصومكم وافرحوا بعيدكم ‪ ،‬واشكرواـ ربكم واستقيموا‬
‫وأبشرواـ ‪ .‬تقبل اهلل منا ومنكم ‪ ،‬وأعاد رمضان علينا وعليكم في أحسن حال ‪.‬‬

‫ثم صلوا وسلموا على الهاديـ البشير والسراج المنير عبد اهلل ورسوله محمد ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته‬ ‫صل وسلِّم على عبدك ورسولك‬
‫اللهم ِّ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين ‪.‬‬ ‫أجمعين ‪ ،‬لتابعين ومن تبعهم‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم أعز اإلسالم والمسلمين وأذل الشرك‬
‫والمشركين ‪ ،‬وانصر عبادك المؤمنين ‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بالد‬
‫المسلمين ‪..‬‬
‫اللهم آمنا في أوطاننا ‪ .‬اللهم آمنا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪،‬‬
‫اللهم وفق والة أمور المسلمين لهداك واجعل عملهم في رضاك ‪ ،‬واجعلهم رحمةً على‬
‫عبادك المؤمنين ‪.‬‬

‫اللهم وفق ولي أمرناـ – خادم الحرمين الشريفينـ – لما تحب وترضى ‪ ،‬وخذ به‬
‫للبر والتقوى ‪ ،‬اللهمـ هيئ له البطانة الصالحة واصرف عنه بطانة السوء ‪ ،‬واجمع به كلمة‬
‫المسلمين على الحق والهدىـ يارب العالمين ‪ ،‬اللهم كن له على الحق معيناً ونصيراً‬
‫ومؤيداً وظهيراً ‪..‬‬
‫اللهم وفقه وولي عهده ونائبه الثانيـ وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صالح العبادـ والبالد‬
‫‪ ،‬اللهم جازهمـ بالخيرات على ما يبذلون لخدمة الحرمين الشريفينـ والزوار والمعتمرين ‪.‬‬

‫اللهم من أرادناـ وأراد ديننا وبالدنا وقادتنا ٍ‬


‫بسوء فأشغلهـ بنفسه ورد كيده في نحره ‪..‬‬
‫بفتنة أو فُرقة ‪ ..‬اللهم عليك بمن أرادنا ٍ‬
‫بفتنة أو فُرقة ‪،‬‬ ‫اللهم عليك بمن أرادنا ٍ‬
‫اللهم إنا ندرأ بك في نحره ونعوذ بك من شره ‪.‬‬
‫‪213‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫َّاب (‪)8‬‬
‫َأنت ال َْوه ُ‬
‫ك َ‬ ‫ب لَنَا ِمن لَّ ُد َ‬
‫نك َر ْح َمةً ِإنَّ َ‬ ‫وبنَا َب ْع َد ِإ ْذ َه َد ْيَتنَا َو َه ْ‬
‫غ ُقلُ َ‬
‫﴿ َر َّبنَا الَ تُ ِز ْ‬
‫﴾‪. 319‬‬

‫اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ‪ .‬اللهمـ يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا‬
‫على دينك‪.‬‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا والربا والزناـ والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بطن ‪ ..‬عن بلدنا وعن سائر بالد المسلمين ياحيـ ياقيوم ياذاـ الجالل واإلكرام ‪.‬‬
‫اللهم أصلح أحوال المسلمين ‪ .‬اللهم أصلح أحوال المسلمين ‪..‬‬
‫اللهم أصلح أحوال المسلمين في فلسطين وفي كل مكان يارب العالمينـ ‪ ،‬اللهم‬
‫اجمعهمـ على الكتابـ والسنةـ وانصرهم على عدوك وعدوهم ‪..‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪..‬‬
‫اللهم ِ‬
‫أنقذ المسجد األقصىـ من براثن الغاصبين وعدوان المعتدينـ ‪ ،‬واجعله شامخاً‬
‫عزيزاً إلى يوم الدينـ ‪.‬‬
‫اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهمـ ال يعجزونك ‪..‬‬

‫اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ‪ ،‬ونفث كرب المكروبين ‪ ،‬وفك أسر‬


‫المأسورين ‪ ،‬واقض الدين عن المدينين ‪ ،‬واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين ‪.‬‬
‫‪320‬‬
‫اب النَّا ِر (‪﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآلخ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة وأزمنةً مديدةـ ‪..‬‬
‫اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك ومن النار ‪..‬‬
‫اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر أمورنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪..‬‬
‫اللهم اختم لنا بخير واجعل عواقبنا إلى خير ‪..‬‬

‫‪319‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪320‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪214‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم تقبل صيامنا وقيامنا وصالح أعمالنا ‪ ،‬اللهم ما سألناكـ في هذا الشهر الكريم‬
‫ٍ‬
‫صالحة فاجعلـ أوفر الحظ والنصيب منها لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ‬ ‫ٍ‬
‫مسألة‬ ‫من‬
‫وأزواجناـ وذرياتناـ ‪ ،‬ومن له حق علينا ومن أوصانا بالدعاء ولمن أحبنا فيك وأحببناه لك‬
‫ياسميع الدعاء ‪.‬‬
‫صل على محمد ‪.‬‬
‫اللهم ِّ‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيمـ ‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون ‪ ،‬وسالم على المرسلين ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬األمنـ وأثره في حياة الناس‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السابع والعشرون من شوال من عام ‪1430‬هـ‬

‫‪215‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪ -‬األمن وأثره في حياة الناس ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل الجليل ثناؤه الجميل بالؤه الجزيلـ عطاؤه ‪ ..‬الحمد هلل نحمده‬
‫ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ أعمالنا ‪ ..‬من يهده اهلل فال‬
‫هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ..‬يغفر‬ ‫ِ‬
‫مضل له ومن يضل ْل فال َ‬ ‫ّ‬
‫الذنوبـ ويستر العيوب ‪ ،‬أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ‪..‬‬
‫وأشهدـ أن محمداً عبد اهلل ورسوله وخليله ومصطفاه ‪ ..‬بلَّ َغ الرسالةـ وأدَّى األمانة ونصح‬
‫األمة وجاهدـ في اهلل حق جهاده حتى أتاه اليقين ‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلم‬
‫تسليماً كثيراً ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ..‬فاتقوا اهلل عباد اهلل ‪ ،‬اتقوا اهلل وراقبوه وأطيعوا أمره وال تعصوه ؛ فمن‬
‫اتقى اهلل وقاه ومن كل ما أهمه كفاه ‪ ،‬من نظر إلىـ العواقب نجا ومن أطاع هواه ضل ‪:‬‬
‫َأض ُّل ِم َّم ِن َّاتبَ َع َه َواهُ بِغَْي ِر ُه ًدى ِّم َن اللَّ ِه ‪. 321﴾ )50(...‬‬
‫﴿‪َ ...‬و َم ْن َ‬

‫وبعد معاشرـ المسلمين ‪ :‬إن مما جاء في مشكاةـ النبوة قول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫ت ْيو ِمه فكأنما ِح ْي َز ْ‬
‫ت‬ ‫وسلم ‪ " : -‬من أصبح منكم آمنًا في سربِ ِه معافاًـ في ِ‬
‫جسده عن َدهُ ُق ْو ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫بسند حسن ‪..‬‬ ‫الدنياـ " رواه الترمذي وابن ماجةـ ٍ‬ ‫لهُ ُّ‬
‫لقد جعل النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أصول حيازة الدنيا ثالثة أشياء ‪ :‬األمنـ في‬
‫األوطان ‪ ،‬والمعافاة في األبدان والرزق والكفاف ؛ ففقد األمن فق ٌد لثلث الحياة ‪..‬‬
‫والثلث كثير ‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫سورة القصص‬
‫‪216‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ب‬
‫ولما كان األمن ثلث العيش امتن اهلل به على األسالف من قريش ‪َ ﴿ :‬فلَْي ْعبُ ُدوا َر َّ‬
‫وع وآمَنهم ِّمن َخو ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف (‪. 322﴾ )4‬‬ ‫َه َذا الَْب ْيت (‪ )3‬الَّذي َأط َْع َم ُهم ِّمن ُج ٍ َ َ ُ ْ ْ‬

‫ضروري من مطالب اإلنسانـ ؛‬


‫ٌ‬ ‫مطلب‬
‫ٌ‬ ‫أيها المسلمون ‪ :‬األمنـ واألمان والطمأنينة واالستقرار‬
‫ففي ظل األمنـ يرغد العيش وينتشر العلم ويتفرغ الناس لعبادة ربهم ومصالح دنياهم ؛ لذا‬
‫ِ‬
‫اج َع ْل َهـَ َذا َبلَداً آمناً َو ْار ُز ْق َْأهلَهُ‬
‫ب ْ‬‫كانت دعوة إبراهيم الخليل – عليه السالم – ‪َ ...﴿ :‬ر ِّ‬
‫ات‪.. 323﴾ )126( ...‬‬ ‫ِمن الثَّمر ِ‬
‫َ ََ‬
‫عيش بال أمان ‪..‬‬
‫انظر كيف ق ّد َم األمن على طلب الرزق ألنه ال يهنأ ٌ‬

‫وقد امتن اهلل – تعالى ‪ -‬على عباده باألمنـ في مواضع كثيرة ‪ ..‬منها قوله ‪ -‬سبحانه ‪﴿ : -‬‬
‫آوا ُك ْم َوَأيَّ َد ُكم‬ ‫َّ‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫َّاس فَ َ‬
‫ض تَ َخافُو َن َأن َيتَ َخط َف ُك ُم الن ُ‬ ‫ض َع ُفو َن في ْ‬ ‫يل ُّم ْستَ ْ‬
‫َواذْ ُك ُرواْ ْذ َأنتُ ْم قَل ٌ‬
‫ات لَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن (‪.. 324﴾ )26‬‬ ‫ص ِر ِه ور َزقَ ُكم ِّمن الطَّيِّب ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫بنَ ْ َ َ‬
‫قال قتادة بن دعامة السدوسي – رحمه اهلل – في هذه اآليةـ ‪ " :‬كان هذا الحي من العربـ‬
‫جلودا وأبينه ضالال ‪ ،‬من عاش منهم‬
‫شا وأجوعهم بطونا وأعراه ً‬
‫أذل الناس ذال وأشقاهمـ عي ً‬
‫عاش شقيا ومن مات منهم ردي في النار ‪ ..‬يؤكلون وال يْأكلون ‪..‬‬
‫أشر منزالً منهم ‪ ..‬حتى جاء اهلل‬ ‫ٍ‬
‫واهلل ما نعلم قبياًل من حاضر أهل األرض يومئذ كانوا ّ‬
‫ووسع به في الرزق وجعلهمـ به ملوكاً على رقاب الناس ‪..‬‬ ‫باإلسالم َّ‬
‫فمكن به في البالد َّ‬
‫منعم يحب الشكرـ ‪ ،‬وأهل‬
‫وباإلسالم أعطى اهلل ما رأيتم ؛ فاشكروا اهلل على نعمه فإن ربكم ٌ‬
‫الشكر في مزيد من اهلل " انتهىـ كالمه – رحمه اهلل ‪. -‬‬

‫‪322‬‬
‫سورة قريش‬
‫‪323‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪324‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪217‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬والزالت هذه النعمة متواليةً من اهلل – تعالى – وما اُنتقصت إال حين‬
‫انتُقص الناس من دينهم فب ّدلوا وغيّروا ‪ ،‬وما ضاقت األرزاق ووقعت القالقل والفتن‬
‫ضعف المسلمون إال حين خبط الشرك والمعاصي في بعض نواحي بالد المسلمين ‪..‬‬ ‫واستُ ِ‬
‫عهد ٍ‬
‫قريب كانت مرتعاً للسلب‬ ‫ولم تكن جزيرةـ العرب بمنأى عن ذلكـ ؛ ففي ٍ‬
‫من اهلل عليها بدعوة التوحيد واتباع سنة سيد المرسلين –‬
‫والنهب والقتل والخوف حتى ّ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم – فعادت آمنةً مطمئنة تُجبى إليها الثمرات من كل مكان ‪ ،‬وتفجرت‬
‫كنوز األرض وعم الخير حتى صارت مهوى األفئدة ديناً ودنيا ‪ ..‬وما ذاك – واهلل – إال‬
‫ببركة دعوة التوحيد واتباع السنة وطاعة اهلل ورسوله واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛‬
‫فلله الحمد كثيراً ‪.‬‬

‫أيهاـ المؤمنون ‪ :‬إال أنه ليس بين اهلل وبين ٍ‬


‫أحد نسب ؛ فبقدر اإليمان والتقوى تكون النعم‬
‫والخيراتـ ‪ ..‬نعم اإليمان والتقوى بهما تفتح بركاتـ األرض والسماء ‪ ..‬بهما يتحقق األمنـ‬
‫َأن َْأهل الْ ُقرى آمنُواْ و َّات َقواْ لََفتَ ْحنَا َعلَْي ِهم بر َك ٍ‬
‫ات ِّم َن‬ ‫ََ‬ ‫والرخاء ‪ ،‬وصدق اهلل ‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َّ َ َ َ َ‬
‫ض‪. 325﴾ )96(...‬‬ ‫اَألر ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الس َماء َو ْ‬

‫اَألم ُـن َو ُهم‬ ‫يما َن ُهم بِظُل ٍْم ُْأولَـِئ َ‬


‫ك لَ ُه ُم ْ‬ ‫سواْ ِإ َ‬
‫ِ‬
‫آمنُواْ َولَ ْم َي ْلب ُ‬ ‫ط باإليمان ‪﴿ :‬الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬ ‫األمنـ مربو ٌ‬
‫ب اللّهُ‬ ‫﴿‪...‬ض َر َ‬
‫َ‬ ‫ُّم ْهتَ ُدو َن ﴾‪.. 326‬أما إن ب ّدل العبادـ وغيروا فإن سنن اهلل ال تحابي ‪ ،‬وقد‬
‫ت ِ‬
‫ت بَِأْنعُ ِـم اللّ ِه فََأ َذا َق َهاـ اللّهُ‬ ‫آمنَةً ُّمطْمِئنَّةً يْأتِ َيهاـ ِر ْز ُق َها رغَداً ِّمن ُك ِّل م َك ٍ‬
‫ان فَ َك َف َر ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َمثَالً َق ْريَةً َكانَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صَنعُو َن (‪. 327﴾ )112‬‬ ‫وع َوالْ َخ ْوف بِ َما َكانُواْ يَ ْ‬ ‫ْج ِ‬ ‫اس ال ُ‬ ‫لبَ َ‬

‫‪325‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪326‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪327‬‬
‫سورة إبراهيم‬
‫‪218‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إننا ‪ -‬وهلل الحمد ‪ -‬الزلنا في خي ٍر من اهلل بديننا وفضل اهلل علينا ‪ ،‬لكن النذر‬
‫قلب أو ألقىـ السمع وهو شهيد ‪َ ﴿ :‬وِإ ْذ تََأذَّ َن َربُّ ُك ْم لَِئن َش َك ْرتُ ْـم‬ ‫اإللهية مذكرة لمن كان له ٌ‬
‫ش ِدي ٌـد (‪.. 328﴾ )7‬‬ ‫َأل ِزي َدنَّ ُك ْـم َولَِئن َك َف ْرتُ ْم ِإ َّن َع َذابِيـ لَ َ‬
‫فحفظ النعم وتفادي النقمـ ال يكون إال بطاعة اهلل ورسوله ‪ ،‬ومن خالف جرتـ عليه‬
‫نذر إلهية لئال ينسى الناس ربهم ليعود الشارد‬
‫سنة اهلل ‪ ،‬وإن ما يصيب المسلمين اليوم لهي ٌ‬
‫ويتنبه الغافلـ ويستغفرـ المذنب ‪.‬‬

‫رئيس للخوف والقلق والمصائب والفتنـ واألمراض والباليا ‪..‬‬ ‫سبب ٌ‬ ‫إن المعاصيـ والذنوبـ ٌ‬
‫قال اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬محذراً من مخالفة رسوله – صلى اهلل عليه وسلم ‪َ ﴿ : -‬فلْيَ ْح َذ ِر‬
‫صيبهم َع َذ ـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الَّ ِذ ـ ِ‬
‫يم (‪ .. 329 ﴾ )63‬ولما أمر‬ ‫اب َأل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ين يُ َخال ُفو َن َع ْن َْأم ِره َأن تُص َيب ُه ْم ف ْتنَةٌ َْأو يُ َ ُ ْ‬‫َ‬
‫ين آمنُواْ ِ‬ ‫ِ‬
‫َأطيعُواْ‬ ‫اهلل – تعالى – بطاعته وطاعة رسوله في قوله – سبحانه ‪ ﴿ : -‬يَا َُّأي َها الَّذ َـ َ‬
‫‪ ،‬قال فيما بعد ‪َ ﴿ :‬و َّات ُقواْ فِ ْتنَةً‬ ‫اللّهَ َو َر ُسولَهُ َوالَ َت َولَّ ْوا َع ْنهُ َوَأنتُ ْم تَ ْس َمعُو َن (‪﴾ )20‬‬
‫‪330‬‬

‫آصةً‪.. 331﴾ )25( ...‬‬ ‫ين ظَلَ ُمواْ ِمن ُك ْم َخ َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬


‫الَّ تُصيبَ َّن الذ َ‬
‫قال ابن عباس – رضي اهلل عنهما – ‪ " :‬أمر اهلل المؤمنين أال يُِق ُّروا المنكر بين أظهرهم‬
‫خوف ثم‬ ‫امتن اهلل على المؤمنين بتذكيرهمـ بما كانوا عليه من ٍ‬ ‫فيعُ َّمهم العذاب ‪ ،‬ثم بعدها َّ‬
‫آمنهم ‪ ..‬في إشارةـ إلىـ أن مخالفة أمر اهلل ورسوله مؤذنةٌ بالفتن والخوف وانعدام األمن ‪:‬‬
‫آوا ُك ْم‬ ‫َّ‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫َّاس فَ َ‬‫ض تَ َخافُو َن َأن َيتَ َخط َف ُك ُم الن ُ‬ ‫ض َع ُفو َن في ْ‬ ‫يل ُّم ْستَ ْ‬
‫﴿ َواذْ ُك ُرواْ ْذ َأنتُ ْم قَل ٌ‬
‫ص ِر ِه ‪. 332 ﴾ )26( ...‬‬ ‫َوَأيَّ َد ُكم بِنَ ْ‬

‫‪328‬‬
‫سورة النور‬
‫‪329‬‬
‫سورة‬
‫‪330‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪331‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪332‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪219‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫سبيل للثبات والنجاة من األزمات ‪َ ﴿ :‬ولَ ْو ََّأن ُه ْم‬ ‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬طاعة اهلل ورسوله ٌ‬
‫َأجراً َع ِظيماً (‬ ‫اهم ِّمن لَّ ُدنَّـا ْ‬
‫ِ‬
‫وعظُو َن بِه لَ َكا َن َخ ْيراً لَّ ُه ْم َوَأ َش َّد َتثْبِيتا (‪َ )66‬وِإذاً آَّل َت ْينَ ُ‬
‫َف َعلُواْ َما يُ َ‬
‫ص َراطاً ُّم ْستَ ِقيماً (‪. 333﴾ )68‬‬ ‫اهم ِ‬
‫‪َ )67‬ولَ َه َد ْينَ ُ ْ‬

‫بحاجة ٍ‬
‫ماسة إلى مراجعة نفسهاـ والعودة إلىـ ربها وترك المنكرات والتعاون‬ ‫ٍ‬ ‫إن األمةـ‬
‫على البر والتقوى ؛ خصوصاً في هذه الظروف الحرجةـ التي تسلط فيها األعداء على‬
‫اإلسالم والمسلمين وعلى ديارهمـ ‪.‬‬

‫إن المفترض في هذه األزمات هو الفرار إلىـ اهلل والتوبة النصوح والتنادي بالرجوع‬
‫إلى اهلل وااللتجاء إليه ‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬وإسكات دعاة الرذيلةـ‬
‫وعداة الصالح ‪..‬‬
‫أما الغفلةـ والتمادي والنوم عن المنادي واإلصرار على مخالفة أوامر اهلل فإنها مجلبة‬
‫النقم مزيلة النعم ‪ ،‬وتعظم المصيبة إذا كانت الذنوبـ تُ ْش َهر و ُت ْع َرض وال ُت ْن َكر ‪..‬‬
‫وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل – صلى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل عليه وسلم – " ُك ُّل ََّأمتى ُم َعافًى ِإالَّ ال ُْم َجاه ِر َ‬
‫ين " ‪.‬‬

‫يجب علينا التمسك بالسنةـ ولو تركها الناس وأن نغليهاـ ولو أرخصوها ‪ ،‬وندافع‬
‫عنها ونصبر على األذى في ذلك ؛ فهذا هو سبيل النبيين والصديقين والشهداء‬
‫والصالحين ‪ ،‬وهذا هو طريق األمنـ في الدنيا واآلخرة ‪..‬‬
‫وإذا كثرت الفتن تأكد التمسك بالسننـ ‪ ..‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيمـ ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها‬
‫ول َب ْي َن ال َْم ْر ِء‬ ‫ول ِإ َذا َد َعا ُكم لِ َما يُ ْحيِي ُك ْم َوا ْعلَ ُمواْ َّ‬
‫َأن اللّهَ يَ ُح ُ‬ ‫لر ُس ِـ‬ ‫استَ ِجيبُواْ لِلّ ِه َولِ َّ‬
‫آمنُواْ ْ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫ش ُرو َن (‪. 334﴾ )24‬‬ ‫َو َق ْلبِ ِه َوَأنَّهُ ِإلَْي ِه تُ ْح َ‬

‫‪333‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪334‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪220‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ونفعنا بسنة سيد المرسلين ‪..‬أقول قولي‬
‫َ‬
‫هذا وأستغفرـ اهلل – تعالىـ – لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫ْح ْم ُد فِي‬
‫وه َو اللَّهُ اَل ِإلَهَ ِإاَّل ُه َو لَهُ ال َ‬
‫حمد بنعمته و ُتنَال كرامته برحمته ‪ُ ﴿ :‬‬ ‫الحمد هلل يُ َ‬
‫ْح ْك ُم َوِإلَْي ِه ُت ْر َجعُو َن (‪ ، 335﴾ )70‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده‬ ‫ِ ِ‬
‫اُأْلولَى َواآْل خ َرة َولَهُ ال ُ‬
‫ال شريكـ له وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله‬
‫وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلىـ يوم اليوم ‪.‬‬

‫حاسب ‪ ،‬وال تنظر إلى الهالكـ كيف هلك ‪..‬‬ ‫ِ‬


‫ب نفسك قبل أن تُ َ‬
‫وبعد ‪ :‬أيا عبد اهلل حاس ْ‬
‫ولكن انظر إلى الناجيـ كيف نجا ‪ ،‬وال تمتد بك حبال األماني والغرور ؛ فالعمر قصير‬
‫واألجلـ محدود والناقد بصير ‪ ،‬وموقف العرض على اهلل عسير إال على من يسره اهلل‬
‫ْف َسنَ ٍة ِّم َّما‬ ‫ف اللَّهُ َو ْع َدهُ َوِإ َّن َي ْوماً ِعن َد َربِّ َ‬
‫ك َكَأل ِ‬ ‫اب َولَن يُ ْخلِ َ‬ ‫عليه ‪َ ﴿ :‬ويَ ْسَت ْع ِجلُونَ َ‬
‫ك بِال َْع َذ ِ‬
‫َتعُ ُّدو َن (‪. 336﴾ )47‬‬

‫تأملـ في مطعمك ومشربكـ وانظر ماذاـ ترى وتسمع وتقول ؟ وماذا تسر وتعلن ؟ ولئن‬
‫شف الغطاء وتتكلم الجوارح ‪ ..‬لقد‬ ‫خفيت منك اليوم خافية فهناك في أرض المحشر يُك َ‬
‫جاءتك من ربك النذر ‪ ..‬فمن تذكر فإنما يتذكر لنفسه ‪ ،‬وصدق اهلل‪ ﴿ :‬لِي ِ‬
‫نذ َر َمن َكا َن‬‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪ 337﴾ )70‬والتائب من الذنب كمن ال ذنب له ‪،‬‬ ‫َحيّاً َويَح َّق الْ َق ْو ُل َعلَى الْ َكاف ِر َ‬
‫واهلل يعفو ويصفح ‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫سورة القصص‬
‫‪336‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪337‬‬
‫سورة يس‬
‫‪221‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬والتفاتة أخرى إلى األمنـ واألمان ‪ ..‬فإذا كان األمن من اهلل منّةً‬
‫أخل‬
‫واالستقرار رحمة ونعمة والرزق لهما تابع وللناس فيهما منافع ‪ ..‬فكيف يكون ُجرم من ّ‬
‫بهما وحمل السالح بين ظهراني المسلمين وتربص الشر باآلمنينـ ؟! ‪..‬‬
‫لقد أنكر النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على من أخفى سوط أخيه يريد ممازحته‬
‫حمايةً لصاحب السوط أن يقلق أو يهتم أو يصيبه الغمـ ‪ ،‬فأين العابثون باألمنـ عن هذا‬
‫اإلحساسـ النبوي واإلرشاد المحمدي ‪ ..‬وهم قد حملوا السالح وحصدوا األرواح ؟ وقد‬
‫بانت معالمـ الرشادـ واتضح الحق والصواب ‪..‬‬
‫لقد اتضح الصبح لكل ذي عينين وعلِ َم القاصيـ والداني أن ما يحدث في بالد‬
‫ٍ‬
‫واستهداف لرجال األمن ورموزه أنه ليس من اإلسالم في شيء‬ ‫ٍ‬
‫وتخريب‬ ‫اإلسالم من ٍ‬
‫قتل‬
‫وليس من الجهاد في شيء ‪ ،‬وأن الذين يفسدون في داخلـ بالد اإلسالم ليسوا مجرد‬
‫ٍ‬
‫مخططات تخريبية‬ ‫مغرر بهم ‪ ..‬إنهم قتلةٌ متربصون ومجرمون متعمدون ‪ِّ ..‬‬
‫ينف ُذون‬ ‫ٍ‬
‫أشخاص َّ‬
‫وتخريب إلحداثـ‬
‫ٌ‬ ‫قتل لمجرد القتل‬
‫ليس لها مشروع إصالحي وال هدف طبيعي ‪ ،‬بل هو ٌ‬
‫واستخبارات معاديةـ‬
‫ٌ‬ ‫جهات مغرضة‬
‫ٌ‬ ‫الفوضى وزعزعة األمنـ في بالد المسلمين تقف وراءه‬
‫وحرب موجهة ضد مواطن هذا البالد ودينه وقيادته واقتصاده ومقدراته ‪..‬‬
‫ٌ‬
‫ومن النصيحة أن توضع النقاط على الحروف وأن يزدادـ الحذر والصد لهذا المنهج‬
‫يحمل اإلسالم أو المسلمون تبعة هذا النهج وهم‬
‫التخريبي ‪ ،‬كما أنه من الظلم والغش أن َّ‬
‫غ‬
‫المستهدفون به أصال ‪ ،‬وهم الذين اكتووا بناره وتضرروا به أكبر الضرر ‪َ ﴿ :‬ر َّبنَا الَ تُ ِز ْ‬
‫َّاب (‪. 338﴾ )8‬‬ ‫َأنت ال َْوه ُـ‬
‫ك َ‬ ‫ب لَنَا ِمن لَّ ُد َ‬
‫نك َر ْح َمةً ِإنَّ َ‬ ‫وبنَا َب ْع َد ِإ ْذ َه َد ْيَتنَا َو َه ْ‬
‫ُقلُ َ‬

‫هذا ‪ ،‬وصلُّوا وسلِّ ُموا على الرحمة المهداةـ والنعمة المسداةـ رسول اهلل محمد بن‬
‫ٍ‬
‫محمد وعلى آله الطيبين الطاهرينـ‬ ‫صل وسلِّ ْم وبارك على عبدك ورسولك‬ ‫عبد اهلل ‪ ..‬اللهم ِّ‬
‫ٍـ‬
‫بإحسان إلى يوم الدينـ ‪.‬‬ ‫وصحابته الغرـ الميامين وأزواجه أمهاتـ المؤمنين ‪ ،‬ومن تبعهم‬

‫‪338‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪222‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين ‪ ،‬ودمر أعداء الدينـ ‪،‬‬
‫واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائر بالد المسلمين ‪ ..‬اللهم انشر األمن واالستقرار في‬
‫بالدنا بالد المسلمين ‪ ،‬اللهم ادفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ‪ ،‬اللهم انصر من نصر‬
‫الدينـ واخذل الطغاةـ والمالحدة والمفسدين ‪ ،‬اللهم من أرادناـ ٍ‬
‫بسوء فأشغلهـ بنفسه ورد‬
‫كيده في نحره واجعل دائرة السوء عليه يارب العالمينـ ‪.‬‬

‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم انصر المجاهدين في‬


‫سبيلك في فلسطين وفي كل مكان ‪ ،‬اللهم انصر المجاهدين المرابطينـ في أكناف بيت‬
‫المقدس ‪ ،‬اللهم كن لهم وليًّا ونصيرا ومؤي ًدا وظهيرا ‪..‬اللهمـ عليك بأعداء الدينـ فإنهم ال‬
‫يعجزونكـ ‪.‬‬

‫اللهم وفق والة أمور المسلمين لما تحب وترضى ‪ ،‬وخذ بهم للبر والتقوى ‪..‬‬
‫اللهم وفق ولي أمرنا لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬اللهم وفقه ونائبه ونائبه‬
‫الثانيـ وإخوانهم وأعوانهم لما فيه صالح العبادـ والبالد ‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي اآلخرةـ حسنةً وقنا عذاب النار ‪ ،‬ربنا ظلمنا أنفسناـ‬
‫وإن لم تغفرـ لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ‪ ،‬اللهم ال تؤاخذنا بذنوبنا وال بما فعل‬
‫السفهاء منّا ‪.‬‬

‫اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ‪ِّ ،‬‬


‫ونفس كرب المكروبينـ ‪ ،‬وفك أسر‬
‫ِ‬
‫واقض الدين عن المدينين ‪ ،‬واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين ‪.‬‬ ‫المأسورين ‪،‬‬

‫اللهم إنا نسألكـ رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك ومن النار ‪ ،‬اللهم يامقلب‬
‫ت قلوبنا على دينك ‪ .‬اللهمـ‬
‫ت قلوبنا على دينك ‪ .‬اللهم يامقلب القلوب ثبِّ ْ‬
‫القلوب ثبِّ ْ‬
‫ت قلوبنا على دينك ‪.‬‬‫يامقلِّب القلوب ثبِّ ْ‬
‫‪223‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا والزناـ والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ‪ ..‬عن‬
‫بلدناـ وعن سائرـ بالد المسلمين عامةً يارب العالمين ‪.‬‬

‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ..‬أنت الغني ونحن الفقراءـ ؛ أنزل علينا الغيث وال‬
‫تجعلنا من القانطين ‪ ،‬اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا ‪ ..‬فأرسل السماء علينا مدرار ‪،‬‬
‫نافعا غير ضار‬
‫عاما ً‬
‫سحا طب ًقا مجلال ًّ‬
‫اللهم أغثنا ‪ .‬اللهم أغثنا ‪ ،‬اللهم أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬
‫تحيي به البالد وتسقي به العباد وتجعله بالغًا للحاضر والبادـ ‪ ،‬اللهمـ سقياـ رحمة ‪ .‬اللهم‬
‫سقيا رحمة ‪ .‬اللهم سقيا رحمة ‪ .‬ال سقيا عذاب وال بالء وال هدم وال غرق ‪.‬‬

‫ربنا تقبّ ْل منّا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيمـ ‪..‬‬
‫وسالم على المرسلين والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬مكة المكرمة تاريخ وذكرياتـ‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن عشر من ذي القعدةـ من عام ‪1430‬هـ‬

‫‪ -‬مكة المكرمةـ تاريخ وذكريات ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫‪224‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل رفع شعائر اإلسالم وأبانها لخلقه واضحة المناهج واألعالم ‪ ..‬فاضل‬
‫بين الشهور واأليام وجعل الحج من أركان الدين العظام ‪..‬‬
‫أحمده – سبحانه ‪ -‬وأشكرهـ وأستوجب منه عفوه الجميل وأستغفره من الخطايا واآلثام ‪،‬‬
‫وأسأله الهداية والتوفيق والدخولـ في زمرة من قال ربي اهلل ثم استقام ‪..‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ..‬هو الحي القيوم الذي ال ينام ‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمداً عبده ورسوله المفضل على سائرـ الخلق واألنام ‪ ..‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى‬
‫آله وصحابته الكرام ‪.‬‬

‫أما بعد ‪..‬‬


‫ت لِغَ ٍد َو َّات ُقوا اللَّهَ ِإ َّن اللَّهَ َخبِ ٌير بِ َما‬ ‫َّ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللهَ َولْتَنظُْر َن ْف ٌ‬
‫س َّما قَ َّد َم ْ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫﴿ يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫‪340‬‬
‫اح َذ ُروهُ (‪﴾ )235‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َت ْع َملُو َن (‪َ ﴿ ، 339﴾ )18‬وا ْعلَ ُمواْ َّ‬
‫َأن اللّهَ َي ْعلَ ُم َما في َأن ُفس ُك ْم فَ ْ‬
‫‪.‬‬
‫احفظوا على أنفسكم األوقاتـ فإنه ال قيمة لها ‪ ،‬وطيبوا ألنفسكم األقوات وال تنالوا إال‬
‫أحلها ‪ ،‬وزنوا األعمال بميزان الشرع ‪ ،‬وصححوا المقاصد والنيات وخذوا باإلخالص‬
‫فضلها ‪ ،‬وراقبوا في السر والجهر عالم الخفيات ‪ ..‬فما أحسن المراقبة وأجلها ! واغتنموا‬
‫أيامكم الفاضلةـ قبل الفواتـ ‪ ..‬أياماًـ شرفهاـ اهلل وفضلها ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬في هذه األيام المباركة تستقبل مكة وفود الحجيج ويحتضن المسجد‬
‫فج ٍ‬
‫عميق‬ ‫الحرام ضيوف الرحمن في مواكب مهيبة تجللهم عناية اهلل ‪ ..‬جاءوا من كل ٍّ‬
‫وك ِر َجاالً َو َعلَى‬
‫ْح ِّج يَْأتُ َ‬ ‫َأذن فِي الن ِ‬
‫َّاس بِال َ‬ ‫يلبُّون نداء ربهم ويجيبون أذان خليله ‪َ ﴿ :‬و ِّ‬
‫يق ( ‪ )27‬لِيَ ْش َه ُدوا َمنَافِ َع لَ ُه ْم (‪. 341﴾ )28‬‬ ‫ين ِمن ُك ِّل فَ ٍّج َع ِم ٍ‬‫ُك ِّل َ ِ ِ‬
‫ضام ٍر يَْأت َ‬

‫‪339‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪340‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪341‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪225‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫جاء الحجاج ُّ‬
‫يحفون المطايا يسابقهمـ الشوق ويحدوهم األمل ‪ ..‬يغمرهم الفرح وهم في‬
‫مسيرهمـ إلى بيت اهلل المعظم طامعين في تكفيرـ الخطايا وبلوغ الجنان يؤدون الركن‬
‫الخامس من أركان دينهم في أقدس ٍـ‬
‫بقعة على وجه األرض ‪..‬‬

‫ض َع لِلن ِ‬
‫َّاس لَلَّ ِذي بِبَ َّكةَ‬ ‫توِ‬‫ٍ‬
‫مكة المكرمة تاري ٌخ وذكرياتـ سيرةٌ ومسيرة ‪ِ ﴿ :‬إ َّن ََّأو َل َب ْي ُ‬
‫ات َّم َقام ِإبر ِاهيم ومن د َخلَه َكا َن ِ‬ ‫ين (‪ )96‬فِ ِيه آيَ ٌ‬ ‫ِ‬
‫آمناً (‬ ‫ات َبيِّـنَ ٌ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫ُمبَ َاركاً َو ُه ًدى لِّل َْعالَم َ‬
‫‪342‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪﴾ )97‬‬

‫إليه َح َّج األنبياء وصلَّى إمام الحنفاء ‪ ..‬من مكة َّ‬


‫شع نور الهدى وانطلقت رسالة التوحيد‬
‫عمت أرجاء األرض وغيرت العالمـ وأرست أجمل وأعظم حضارة عرفها التاريخ ‪..‬‬
‫حتى َّ‬
‫مكة مركز العالم ورمز وحدة المسلمين ومصدر النور للعالمين ‪ ..‬أفضل البقاع عند اهلل‬
‫وأحب البقاع عند رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪. -‬‬
‫مكة المكرمة (أم القرى) بها ميالد أشرف الورى ‪ ..‬على رباها نشأ وترعرع وفي أرجائها‬
‫مشى وما تضعضع ‪ ..‬نصف ٍ‬
‫قرن من الزمان شهدتـ حياة النبي – صلى اهلل عليه وسلم – في‬
‫شرف يعلو هذا الشرف ‪ ،‬ولو نطقت هذي الربى فأي سيرة ستذكر وأي تاريخ‬ ‫فأي ٍ‬‫مكة ؛ ُّ‬
‫ستسرد ‪..‬‬
‫في هذه البقاع نزل جبريل – عليه السالم ‪ -‬بالوحيـ ‪ ،‬وصدع النبي – صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – بالتوحيدـ من (جبل الصفا) ‪..‬‬
‫لو حدثتكمـ الكعبة أو حكىـ زمزم والمقام لقالوا ‪ :‬كان هنا أبو بك ٍر وعمر ‪ ،‬وكان عثمان‬
‫وعلي وغيرهم من الصحب الكرام – رضوان اهلل عليهم أجمعين ‪ -‬أضاءوا الدنيا وطهروا‬
‫األرض ‪ ،‬واعترك التوحيد مع الوثنية حتى أظهر اهلل الدينـ ‪..‬‬
‫هنا وقف النبي – صلى اهلل عليه وسلم أمام الكعبة ليقرر مبادئ الدين العظمى ويرسم نهج‬
‫اإلنسانية األرقى ‪ ..‬والذي عجزت عن تحقيقه كل حضاراتـ البشر إلى يومنا هذا ‪.‬‬
‫‪342‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪226‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫حجاج بيت اهلل الحرام ‪ :‬هنيئاً لكم بلوغ بيت اهلل المعظم ‪ ..‬هنيئاً لكم هذه الشعائرـ‬
‫والمشاعر ‪ ..‬شرف الزمان وشرف المكان مع عظيم األعمال ؛ فاحمدوا اهلل على ما حباكم‬
‫من هذه النعم واشكروه ؛ فقد تأذَّن بالزيادةـ لمن شكر ‪.‬‬
‫ِ‬
‫قدمتُم أهال ووطئتم سهال ‪ ..‬أنتم ضيف اهلل ووفده الواجب إكرامه و ِرفده ‪..‬‬
‫يسر اهلل حجكم ‪ ،‬وحفظكم من كل مكروه ‪ ،‬وجعل حجكم مبروراً وسعيكمـ مشكوراً ‪،‬‬
‫َّ‬
‫تقبل اهلل منَّا ومنكم ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬إن قصد هذه البقاع الطاهرة ِّ‬


‫يكفر الذنوبـ ويمحو اآلثام ويحط األوزار ‪،‬‬
‫بل ليس للحج المبرور جزاءٌ إال الجنة ‪ ..‬قول نبيكم – صلى اهلل عليه وسلم ‪. -‬‬
‫كم اشتاقت لبطحاء مكة النفوس وهفت لرباها القلوب ‪ ،‬وكم ٍ‬
‫باك شوقا وتوقا ‪ ،‬وكم‬
‫متحس ٍر يتمنى رؤية (وادي محسر) ‪ ..‬يتمنى المبيت ليلةً بمنى أو الوقوف ساعةً بعرفة أو‬
‫ِّ‬
‫المشاركة في ليلة مزدلفة والمزاحمة عند الجمرات ‪ ..‬أو الطواف بالبيت وسكب‬
‫ال العثرات‬
‫العَب َرات وتنزل الرحمات و ُت َق ُ‬
‫العَب َرات ‪ ،‬يتمنى هذه المواطن حيث تسيل َ‬
‫َ‬
‫ستجاب الدعوات ‪..‬‬
‫وتُ َ‬
‫سقىـ اهلل تلك الربى والبطاح ‪.‬‬

‫ـك ِمنَى‬ ‫َه ِذ ِه ال َخ ْي ُ‬


‫ـف وهاتِي َـ‬
‫ادي بِنَـا‬‫َفَترفَّ ْق ُّأيهـا الح ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬

‫اعةً‬
‫ب َعلَْينَا َس َ‬
‫الر ْك َ‬
‫س َّ‬ ‫واحبِ ِ‬
‫ْ‬
‫الد ِمنَا‬
‫ونب ِكي َّ‬
‫الربْ َـع ْ‬
‫دب َّ‬
‫َن ْن ُ‬

‫فلِ َذا المو ِ‬


‫قف أ ْع َد ْدنَاـ الْبُ َكـاـ‬ ‫ْ‬
‫‪227‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ولِ َذا الَْي ْوِم ُّ‬
‫الدمـوعُ ُت ْقتَـَنى‬

‫فج عميق ‪..‬‬


‫وال زالت المواكب تتدفق بالحجيج من كل ٍّ‬
‫تعج بها الطائرات في األجواء والمواخر في عُباب البحار والمراكب‬ ‫ما أجمل أصوات التلبية ُّ‬
‫ك الَّ ُ‬
‫له َّم لبيك ‪ .‬لبيك ال شريك لك‬ ‫آم ْي َن البيت الحرام ‪َّ :‬لب ْي َ‬
‫التي تلتهم الطريق وتغذ السير ِّ‬
‫لبيك ‪ .‬إن الحمد والنعمة لك والملك ‪ .‬ال شريكـ لك ‪.‬‬
‫وهدف واحد ‪ ..‬كلهم مستجيبون ثم في حرم اهلل يلتقون ‪ ..‬إنها قوافل اإليمان‬
‫ٌ‬ ‫وجهةٌ واحدةـ‬
‫ورحلة الحياة إلى مهوى األفئدة ورمز اإلسالم وقبلة المسلمين ‪.‬‬

‫عباد اهلل حجاج بيت اهلل الحرام ‪ :‬إن منزلة الحج عند اهلل عظيمة ومكانتهـ من الدينـ كبيرة ‪..‬‬
‫اع ِإلَْي ِه َسبِيالً َو َمن َك َف َر فَِإ َّن اهلل‬ ‫ت َم ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫َ‬ ‫أوجبه اهلل بقوله ‪َ ﴿ :‬ولِلّ ِه َعلَى الن ِ‬
‫َّاس ِح ُّج الْب ْي ِ‬
‫ين (‪. 343﴾ )97‬‬ ‫غَنِ ٌّي َع ِن ال َْعالَ ِم َـ‬

‫أما فضله ‪ :‬فقد روى أبو هريرة – رضي اهلل عنه – أن النبي – صلى اهلل عليه وسلم – قال‬
‫‪ " :‬الْعمرةُ ِإلَى الْعمر ِة َك َّفارةٌ لِ‬
‫ْجنَّةُ " ‪ .‬رواه‬ ‫س لَهُ َج َزاءٌ ِإالَّ ال َ‬
‫َ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫ور‬
‫ُ‬ ‫ر‬‫ُ‬ ‫ب‬
‫ْ‬ ‫ْم‬
‫َ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ج‬
‫ُّ‬ ‫ْح‬
‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ا‪،‬‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ب‬
‫َ‬ ‫ا‬‫م‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُْ‬ ‫َُْ‬
‫البخاري ومسلم ‪..‬‬
‫َأي اَأل ْعم ِ‬ ‫ِئ‬
‫ض ُل ؟‬ ‫ال َأفْ َ‬ ‫وفي الصحيحين أيضاً ‪ :‬أن النبي – صلى اهلل عليه وسلم – َأنَّهُ ُس َل " ُّ َ‬
‫يل ‪ :‬ثُ َّم‬ ‫اد فِي سبِ ِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ال ‪ِ :‬إ ِ َّ ِ‬
‫يل الله ‪ .‬ق َ‬ ‫ال ‪ :‬ثُ َّم الْج َه ُ َ‬ ‫يل ‪ :‬ثُ َّم َما َذا ؟ قَ َ‬ ‫يما ٌن بالله َو َر ُسوله ‪ .‬ق َ‬ ‫قَ َ َ‬
‫ور " ‪.‬‬ ‫ج َم ْب ُر ٌ‬ ‫ال ‪ :‬ثُ َّم ِح ٌّ‬‫َما َذا ؟ قَ َ‬
‫إنه تجارة الدنياـ واآلخرة وربح الدارينـ ‪..‬‬
‫عن ابن مسعود – رضي اهلل عنه – أنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪" : -‬‬
‫ث الْح ِد ِ‬
‫يد "‬ ‫ِ ِ‬ ‫نَابِعواـ ب ْين الْح ِّج والْعمر ِة فَِإ َّن ُهما ي ْن ِفي ِ‬
‫ان الْ َف ْق َـر َو ُّ‬
‫وب َك َما َي ْنفي الْك ُير َخبَ َ َ‬
‫الذنُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ َ َ َ َ َُْ‬
‫بسند صحيح ‪.‬‬ ‫رواه اإلمامـ أحمد والترمذيـ ٍ‬

‫‪343‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪228‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫فلم‬
‫البيت ْ‬
‫حج هذا َ‬ ‫وفي الصحيحين ‪ :‬أن النبي – صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪َ " :‬م ْن َّ‬
‫رج َع كما ولَدتْهُ ّأمه " أي ‪ :‬نقيًّا من الذنوب والخطايا ‪ ..‬هذا مع‬
‫س ْـق َ‬
‫ث ولم ي ْف ُ‬
‫يرفُ ْ‬
‫مضاعفة الحسنات ورفعة الدرجاتـ ‪.‬‬

‫صاَل ةٌ فِي‬‫عن جابر – رضي اهلل عنه – أن النبي – صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪َ " :‬‬
‫صاَل ةٌ ِفي ال َْم ْس ِج ِد‬ ‫ِ‬ ‫ْف صاَل ٍة فِ ِ‬ ‫مس ِج ِدي َأفْ َ ِ‬
‫يما س َواهُ ِإاَّل ال َْم ْسج َد ال َ‬
‫ْح َر َام ‪َ ،‬و َ‬ ‫َ‬ ‫ض ُل م ْن َأل ِ َ‬ ‫َْ‬
‫ْف صاَل ٍة ِفيما ِسواهُ " رواه اإلمام أحمد وابن ماجةـ ٍ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫بسند‬ ‫َ َ‬ ‫ْح َر ِام َخ ْي ٌر م ْن ماَئة َأل ِ َ‬
‫ال َ‬
‫صحيح ‪ ،‬وأصله في الصحيحين ‪ ( ..‬أي صالة أرب ٍع وخمسين سنة ) ‪.‬‬

‫الم في هوى الحرم بعد ذاك أحدـ ‪ ،‬ناهيكـ عن مواقف الرحمة في عرفات‬ ‫فهل يُ ُ‬
‫واالزدالف عن المشعر الحرام والتقلُّب في فجاج ِمنى والطواف بالبيت وبين الصفاـ‬
‫والمروة ورمي الجمرات ‪ ،‬وكل ذلك من مواطن الرحمةـ وإجابة الدعاء ‪.‬‬

‫أما عرفات ‪ ..‬وما أدراك ما عرفات ! يقول النبي – صلى اهلل عليه وسلم – ‪َ " :‬ما ِم ْن َي ْوٍم‬
‫َأ ْك َثر ِمن َأ ْن يعتِ َق اللَّه فِ ِيه َعب ًدا ِمن النَّا ِر ِمن يوِم َعرفَةَ وِإنَّه لَي ْدنُو ثُ َّم يب ِ‬
‫اهيـ بِ ِه ُم ال َْماَل ِئ َكةَـ‬‫َُ‬ ‫ْ َْ َ َ ُ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ُْ‬
‫اد َهُؤ اَل ِء ؟ " رواه مسلم من حديث عائشة – رضي اهلل عنها ‪. -‬‬ ‫ول ‪َ :‬ما ََأر َ‬‫َفَي ُق ُ‬
‫إنهم يريدون رحمة ربهم وجنته ‪ ..‬يريدون مغفرة ذنوبهم والعتق من النار ‪ ،‬جاءوا من‬
‫أقاصي الدنياـ وأطراف األرض ‪ ..‬تركوا أهلهم وأوطانهم وأنفقوا كل ما يستطيعون‬ ‫ِ‬
‫للوصول إلى هذه األماكن الشريفة ‪ ..‬في وقت ترى فيه بعض الموسرين القادرين‬
‫يتكاسلون عن أداء فريضة اإلسالم ‪ ..‬ينفقون أموالهم ويضيعون أوقاتهمـ في السفر‬
‫والنزهة واللهو والغفلة ‪ ..‬لم يحجوا مرةً واحدة ‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ليعلم هؤالء أنهم تركوا ركناً من أركان اإلسالم ‪ ..‬يقول عمر بن الخطاب – رضي اهلل عنه‬
‫ور ِوي‬ ‫ٍ‬
‫شاء ُيهوديًّا أو نصرانيًّاـ " ‪ُ ،‬‬
‫ت إ ْن َ‬
‫ْيم ْ‬
‫ميسرة فمات ولم يحج فل ُ‬
‫‪ " :‬من كان ذا َ‬
‫مثله عن علي بن أبي طالب – رضي اهلل عنه ‪. -‬‬
‫األجل فلَ ْم ينفعه االعتذار‬
‫ُ‬ ‫العج ُز أو‬
‫المستطيع قبل الفوات ‪ ،‬ولو فاجأه ْ‬
‫ُ‬ ‫فليت َِّق اهلل ولْيُبادر‬
‫بالتهاون والكسلـ ‪.‬‬
‫اع ِإلَْي ِه َسبِيالً َو َمن‬ ‫ت َم ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫َ‬ ‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ‪َ ﴿ :‬ولِلّ ِه َعلَى الن ِ‬
‫َّاس ِح ُّج الْب ْي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪. 344﴾ )97‬‬ ‫َك َف َر فَِإ َّن اهلل غَن ٌّي َع ِن ال َْعالَم َ‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ونفعنا بسنة سيد المرسلين ‪.‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفرـ اهلل – تعالىـ ‪ -‬لي ولكمـ ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل على إحسانهـ ‪ ..‬والشكر له على توفيقه وامتنانهـ ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شريك له تعظيماً لشانه ‪ ،‬وأشهدـ أن محمداً عبده ورسوله الداعيـ إلى رضوانه‬
‫‪ ،‬صلَّى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه ‪.‬‬

‫أما بعد ‪..‬‬


‫فياأيها المؤمنون حجاج بيت اهلل العتيق ‪ :‬أما وقد أوصلكم اهلل بيته فعظِّ ُموا شعائره يز ْد ُكم‬
‫وب (‪. 345﴾ )32‬‬ ‫ك َو َمن ُي َعظِّ ْم َش َعاِئر اللَّ ِه فَِإ َّن َها ِمن َت ْق َوى الْ ُقلُ ِ‬
‫إيماناًـ وتقوى ‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫َ‬

‫‪344‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪345‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪230‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪ -‬ومن تعظيم الشعائر ‪ :‬إحسان العمل وإتمامه والحرص على كماله ‪ ،‬واتباع هدي النبي‬
‫صغيرة وكبيرة ‪ ،‬وقد قال ‪ُ " :‬خ ُذوا َعنِّي م ِ‬
‫ناس َك ُك ْم‬ ‫ٍ‬ ‫– صلى اهلل عليه وسلم – في كل‬
‫َ‬
‫" ‪ .‬كما أن تتبع الرخصـ والتهاون في المناسك خذال ٌن ونقص ‪ ..‬واهلل ‪ -‬تعالىـ –‬
‫ْح َّج َوالْعُ ْم َرةَ لِلّ ِه (‪.. 346﴾ )196‬‬ ‫ِ‬
‫يقول ‪َ ﴿ :‬وَأت ُّمواْ ال َ‬
‫‪ -‬كما أن من تعظيم شعائرـ اهلل ‪ :‬البعد عما ينقص الحج واحترام وتوقير الزمانـ والمكان‬
‫الذي عظَّمه الحق – سبحانه – ‪.‬‬
‫‪ -‬تجنب المراء والجدل والخصام والتشويش ؛ فالقبول والمغفرة مشروطة بترك ذلك ‪..‬‬
‫ات فَمن َفر ِ‬
‫ث َوالَ‬ ‫ض في ِه َّن ال َ‬
‫ْح َّج فَالَ َرفَ َ‬ ‫وم ٌ َ َ َ‬ ‫ْح ُّج َأ ْش ُه ٌـر َّم ْعلُ َ‬
‫قال اهلل – عز وجل ‪ ﴿ : -‬ال َ‬
‫ْح ِّج (‪. 347﴾ )197‬‬ ‫فُسو َق والَ ِج َد َ ِ‬
‫ال في ال َ‬ ‫ُ َ‬
‫فلم‬
‫حج ْ‬ ‫المخرج في الصحيحين ‪َ " :‬م ْن َّ‬ ‫َّ‬ ‫وقد سبق قول النبي – صلى اهلل عليه وسلم –‬
‫رجع كيوم ولدتْهُ ُّأمه "‪.‬‬
‫يفس ْق َ‬ ‫ولم ُ‬ ‫ث ْ‬ ‫يَرفُ ْ‬

‫إن زكاء النفس وزيادة اإليمان وحصول التقوى يكون حين يقبل المسلم على عبادته ٍـ‬
‫بأدب‬
‫وخشوع ويتقرب لما جاءه له وقصده حافظاً وقته مخلصاً لربه ‪..‬‬
‫حاج يعبد اهلل‬
‫فكم ٍّ‬
‫كما ينبغي السؤال عن األحكام الشرعية قبل الشروع في العمل ‪ْ ..‬‬ ‫‪-‬‬
‫ٍ‬
‫مستفت لو سأل قبل العمل لم يقع في‬ ‫على جهل ال يتعلم وال يسأل ‪ ،‬وكم من‬
‫الحرج ‪..‬‬
‫ٌ‬
‫مسئول‬ ‫راع وكلٌّ‬
‫وعلى القائمين على الحجاج مسئوليةٌ عظيمة ؛ فليتقوا اهلل ‪ ..‬فكلكم ٍ‬ ‫‪-‬‬
‫عن رعيته ‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪347‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪231‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المؤمنون ‪ :‬إن األصل الذي بُنِي عليه هذا البيت العظيم هو توحيد رب العالمينـ القائل‬
‫‪348‬‬ ‫في محكم التنزيلـ ‪ ﴿ :‬وِإ ْذ ب َّوْأنَا ِإِل ْبر ِاهيم م َكا َن الْب ْي ِ‬
‫ت َأن اَّل تُ ْش ِر ْك بِي َش ْيئاً (‪﴾ )26‬‬ ‫َ‬ ‫َ ََ‬ ‫َ َ‬
‫‪.‬‬
‫اجتَنِبُوا َق ْو َل‬ ‫اَأْلوثَ ِـ‬ ‫الرج ِ‬ ‫وفي ثنايا آيات الحج قال ‪ -‬سبحانه ‪ ﴿ : -‬فَ ْ ِ‬
‫ان َو ْ‬ ‫س م َن ْ‬‫اجتَنبُوا ِّ ْ َ‬
‫ين بِ ِه (‪. 349﴾ )31‬‬‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫)حَن َفاء للَّه غَْي َر ُم ْش ِرك َ‬
‫الزو ِر (‪ُ 30‬‬
‫ُّ‬
‫السنَّة في أعمالكم وفي جميع حياتكم ‪ ..‬فإن‬
‫ْزموا ُّ‬
‫فطه ُروا أعمالكم – رحمكم اهلل – وال ُ‬
‫ِّ‬
‫ط للعمل ‪ ،‬وال َْزموا ذكر اهلل – تعالىـ – فهو سمةٌ بارزةٌ في الحج ‪ ،‬وهو‬
‫الشرك محب ٌ‬
‫إعال ٌن للتوحيد الذي هو شعار الحج كما في التلبية ‪ ..‬وقد قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪: -‬‬
‫ضتُم ِّمن َعرفَ ٍ‬ ‫ِإ‬ ‫ود ٍ‬‫﴿ َواذْ ُك ُرواْ اللّهَ فِي َأيَّ ٍام َّم ْع ُد َ‬
‫‪350‬‬
‫ات‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫َأ‬ ‫ا‬‫ذ‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫﴿‬ ‫‪:‬‬ ‫وقال‬ ‫‪،‬‬ ‫ات (‪﴾ )203‬‬
‫ْح َر ِام (‪﴾ )198‬‬ ‫ِ‬
‫فَاذْ ُك ُرواْ اللّهَ عن َد ال َْم ْش َع ِر ال َ‬
‫‪351‬‬

‫ضيتُم َّمنَ ِ‬
‫اس َك ُك ْم فَاذْ ُك ُرواْ اللّهَ (‪ ، 352﴾ )200‬وقال ‪:‬‬ ‫وقال – عز من قائل ‪ ﴿ : -‬فَِإ َذا قَ َ ْ‬
‫ات (‪. 353﴾ )28‬‬ ‫﴿ لِي ْش َه ُدوا منَافِع لَ ُهم وي ْذ ُكروا اسم اللَّ ِه فِي َأيَّ ٍام َّم ْعلُوم ٍ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ ََ ُ ْ َ‬ ‫َ‬

‫ٍ‬
‫محمد بن عبد اهلل ‪..‬‬ ‫هذا ‪ ،‬وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية وأزكى البشرية رسول اهلل‬

‫صل وسلِّ ْم وبا ِر ْك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرينـ وصحابته‬
‫اللهم ِّ‬
‫ض عن األئمة المهديين الخلفاء المرضيين ‪ -‬أبي بك ٍر وعمر‬ ‫ِ‬
‫الغر الميامين ‪ ،‬اللهم ْار َ‬
‫ِّ‬
‫وعثمان وعلي ‪ -‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتَّبع سنتهم‬
‫يارب العالمينـ ‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪349‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪350‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪351‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪352‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪353‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪232‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ويسر نسكهمـ ‪ ،‬وأتم حجهم ‪ ،‬وتقبل منا ومنهم‬


‫اللهم احفظ الحجاج والمعتمرين ‪ِّ ،‬‬
‫يارب العالمينـ ‪.‬‬

‫وأذل الشرك والمشركين ‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمنا مطمئناً‬ ‫أعز اإلسالم والمسلمين ِ‬ ‫اللهم ِ‬
‫وسائرـ بالد المسلمين ‪ ،‬اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا وديننا ٍ‬
‫بسوء فأشغلهـ بنفسه ورد‬
‫كيده في نحره ‪ ،‬واجعلـ دائرةـ السوء عليه يارب العالمين ‪.‬‬
‫اللهم احفظ رجالـ األمن ‪ ،‬اللهم احفظ رجالـ األمنـ وحراس الثغور وانصرهمـ على من‬
‫بغى عليهم يارب العالمينـ ‪.‬‬

‫اللهم ِ‬
‫آمنّا في أوطاننا وأصلِ ْح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ وولي أمرناـ ‪،‬‬
‫اللهم وفقه لهداك واجعلـ عمله في رضاك ‪ ،‬وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة ‪..‬‬
‫اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى ‪ ،‬وأسبغ عليه لباس الصحة والعافيةـ ‪ ،‬اللهمـ‬
‫وفق النائب الثاني لما فيه خير البالد والعباد ‪ ،‬واسلك به سبيل الرشاد ‪ ،‬اللهم كن‬
‫لهم جميعاً موفقاً مسدداً لكل خير وصالح ‪.‬‬

‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا والربا والزناـ والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما‬
‫بطن ‪.‬‬
‫اللهم أصلح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلح أحوالـ المسلمين في كل مكان يارب‬
‫دماءهم‬ ‫العالمينـ ‪ ،‬اللهم اجمعهم على الحق والهدىـ والكتابـ والسنةـ ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫احق ْـن َ‬
‫ْ‬
‫ت عدوهم ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأرغد عيشهم وأصلح أحوالهم ‪ ،‬وا ْكبِ ْ‬ ‫وآمنهم في ديارهمـ ‪،‬‬

‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهمـ انصرهم في فلسطين ‪،‬‬


‫اللهم انصر المرابطين في أكناف بيت المقدس ‪ ،‬اللهم اجمعهم على الحق يارب‬
‫العالمين ‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪..‬‬
‫‪233‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫طه ْرها من االعتداءات‬


‫اللهم احفظ المسجد األقصى وكل األرض المقدسة ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫النجسة ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهم ال يعجزونكـ ‪.‬‬
‫وجل ثناؤك وتقدستـ‬
‫جارك َّ‬
‫عز ُ‬‫اللهم ياحيـ ياقيوم ‪ .‬ياحيـ ياقيوم ‪ .‬ياحيـ ياقيوم ‪َّ ..‬‬
‫أسماؤك ‪ .‬يا من ال يُهزم جن ُده وال يُخلف وعده سبحانك وبحمدك ‪ ،‬اللهم قد طال ليل‬
‫الظالمين ‪ ..‬اللهم إن الصهاينةـ قد طغوا وبغوا وأسرفوا في الطغيان ‪ ..‬اللهم هيِّئ لهم يداً‬
‫من الحق حاصدة تكسر شوكتهم وتستأصل شأفتهم ‪ ،‬اللهم أنزل بهم بأسك ورجزك‬
‫إله الحق ‪ ،‬اللهمـ ال تُِقم لهم راية وال ِّ‬
‫تحق ْق لهم غاية واجعلهم لمن خلفهمـ عبرةً‬
‫وآية ‪ ،‬اللهم زلزلهمـ واهزمهمـ وانصرناـ عليهم يارب العالمين ‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرةـ حسنة وقنا عذاب النار ‪ ،‬اللهم اغفر ذنوبنا واستر‬
‫ويس ْر أمورنا وبلِّ ْغنا فيما يرضيك آمالنا ‪.‬‬
‫عيوبنا ِّ‬
‫ربنا اغفر لنا ولوالديناـ ولوالديهم وذرياتهمـ إنك سميع الدعاء ‪.‬‬

‫اللهم لك الحمد على ما أنعمت به علينا من المطر والرحمةـ ‪ ،‬اللهمـ إنا نسألك المزيد‬
‫من فضلك ‪ ..‬اللهمـ ال غنى لنا عن رحمتك ‪ ..‬اللهم عم بالخير واألمطارـ سائرـ بالدنا ‪.‬‬
‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ..‬أنت الغنيـ ونحن الفقراء ‪ ..‬أنزلـ علينا الغيث وال تجعلنا‬
‫من القانطينـ ‪ ،‬اللهم إن بالعبادـ والبالد من الحاجةـ والألواء ما ال يكشفهـ إال أنت ‪..‬‬
‫اللهم فأعطنا وال تحرمنا وزدنا وال تنقصنا ‪ ،‬اللهم أن ِز ْل علينا الغيث واجعل ما أنزلتهـ‬
‫قو ًة على طاعتك وبالغاً إلىـ حين ‪.‬‬

‫شاء‬ ‫ان َوِإيتَاء ِذي الْ ُق ْربَىـ َو َي ْن َهى َع ِن الْ َف ْح َ‬


‫عباد اهلل ‪ِ ﴿ :‬إ َّن اللّهَ يْأمر بِالْع ْد ِل واِإل ْحس ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُُ َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫َوال ُْمن َك ِر َوالَْب ْغ ِي يَِعظُ ُك ْـم لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن (‪َ )90‬و َْأوفُواْ بِ َع ْه ـد اللّه ِإذَا َع َ‬
‫اهدتُّ ْـم َوالَ تَن ُق ُ‬
‫ضواْ‬

‫‪234‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يد َهاـ َوقَ ْد َج َعلْتُ ُم اللّهَ َعلَْي ُك ْم َك ِفيالً ِإ َّن اللّهَ َي ْعلَ ُم َما َت ْف َعلُو َن (‪﴾ )91‬‬
‫‪354‬‬ ‫اَأليما َن بع َد َتوكِ ِ‬
‫َْ َْ ْ‬
‫‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪235‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ــثالث‬

‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1431‬هـ‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬بداية العام الجديد وما يجب تجاهه‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬األول من محرم من عام ‪1431‬هـ‬

‫‪236‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪ -‬بداية العام الجديدـ وما يجب تجاهه ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫وفاء على خلقه بتقليب الزمان ما‬


‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل الذي أحاط علمه بكل شيء ً‬
‫وظل وفيء ‪ ،‬وجعلهاـ مستودعاً لألعمال ما بين ٍ‬
‫رشد وغي ثم تبلغ الدنيا بعد‬ ‫بين ٍ‬
‫ليل ونهار ٍّ‬
‫ٍ‬
‫مخلوق وحي إال اهلل ربنا – سبحانه – فيبسط السموات‬ ‫ذلك منتهى ‪ ..‬يموت فيها كل‬
‫واألرض ثم يطويهن أحسن طي ‪..‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ‪ ..‬كريم‬
‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك‬
‫األصل من نسل كعب بن قصي ‪ ،‬اللهمـ ِّ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان ما تعاقب الليل والنهار ‪.‬‬ ‫وعلى آله الطيبين األطهار وصحابته األخيار ‪ ،‬ومن تبعهمـ‬

‫ين‬ ‫أما بعد ‪ :‬فوصية اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬لألولين واآلخرينـ تقواه ‪...﴿ :‬ولََق ْد و َّ َّ ِ‬
‫ص ْينَا الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫اب ِمن َق ْبلِ ُكم وِإيَّا ُك ـم ِ‬
‫َأن َّات ُقواْ اللّهَ ‪.. 355﴾ ...‬‬ ‫ُأوتُواْ ال ِ‬
‫ْكتَ َـ‬
‫َْ ْ‬
‫ٍ‬
‫خطوة تقربـ‬ ‫بتصرم اللياليـ واأليام وانسالخ السنين وتجدد األعوام ‪ ..‬فكل‬ ‫اعتبروا ُّ‬
‫يوم يدنيـ من الختام ‪.‬‬ ‫إلى النهاية ‪ ،‬وكل ٍ‬

‫عباد اهلل ‪ ..‬أيها المسلمون ‪ :‬اليوم ‪ -‬الجمعة ‪ -‬هو أول يوم في هذه السنة الهجريةـ الجديدة‬
‫‪ ،‬وقبل ساعات ودعنا عاماً بما أودعناه وصحائفنا فيه مختومة محفوظة إلىـ أن نلقى اهلل –‬
‫تعالىـ ‪ -‬في ٍ‬
‫الس َماء ُك ِشطَ ْ‬
‫ت (‪َ )11‬وِإ َذا‬ ‫ت (‪َ )10‬وِإ َذا َّ‬ ‫ف نُ ِش َر ْـ‬ ‫يوم قال عنه ‪َ ﴿ :‬وِإ َذا ُّ‬
‫الص ُح ُ‬
‫ت (‪.. 356﴾ )14‬‬ ‫ض َر ْ‬
‫َأح َ‬
‫س َّما ْ‬ ‫ت (‪َ )13‬علِ َم ْ‬
‫ت َن ْف ٌ‬ ‫ْجنَّةُ ُأ ْزلَِف ْ‬
‫ت (‪َ )12‬وِإ َذا ال َ‬‫يم ُس ِّع َر ْ‬ ‫ال ِ‬
‫ْجح ُ‬
‫َ‬

‫‪355‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪356‬‬
‫سورة التكوير‬
‫‪237‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِِ ِ‬
‫صيرةٌ (‪ )13‬ولَو َألْ َقى مع ِ‬ ‫ٍ‬
‫اذ َيرهُـ (‪)14‬‬ ‫ََ‬ ‫َْ‬ ‫وكل واحد منا أعلم بحاله ‪ ﴿ :‬بَ ِل اِإْل َ‬
‫نسا ُـن َعلَى َن ْفسه بَ َ‬
‫‪357‬‬
‫‪ ..‬لقد مضى العام كما مضى العام الذي قبله وكما مضت كل القرونـ ‪ ،‬وما مضى‬ ‫﴾‬
‫ال يمكن أبدا أن يعود ‪.‬‬

‫أيها المؤمنون ‪ :‬في الحديث عن السنة يقول اهلل – عز جل ‪ِ ﴿ : -‬إ َّن ِع َّدةَ ُّ‬
‫الش ُهو ِر‬
‫ك‬‫ض ِم ْن َها َْأر َب َعةٌ ُح ُر ٌم ذَلِ َـ‬
‫اَألر َ‬
‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫اب اللّ ِه َي ْو َم َخلَ َق َّ‬ ‫شر َش ْهرا فِي كِتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫عن َد اللّه ا ْثنَا َع َ َ ً‬
‫ِ‬
‫ين َكآفَّةً َك َما ُي َقاتِلُونَ ُك ْـم َكآفَّةً َوا ْعلَ ُمواْ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫س ُك ْم َوقَاتلُواْ ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫ِّين الْ َقيِّ ُم فَالَ تَظْل ُمواْ في ِه َّن َأن ُف َ‬
‫الد ُـ‬
‫ين (‪. 358﴾ )36‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫َأن اللّهَ َم َع ال ُْمتَّق َ‬

‫إنها األشهرـ القمرية عدتها اثنى عشر شهرا منها أربعة أشهر حرم حذر اهلل أن نظلم‬
‫فيها أنفسنا ‪ ،‬وكل مخالفة يغشاهاـ ابن آدم فإنه يظلم نفسه بها ‪ ..‬يفسره ما رواه أبو بكرة‬
‫استَ َد َار‬ ‫ِ‬ ‫– رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال ‪ِ " :‬إ َّن َّ‬
‫الز َما َن قَد ْ‬
‫ش َر َش ْه ًرا ‪ِ ،‬م ْن َها َْأر َب َعةٌ ُح ُر ٌم ‪ ،‬ثَ ٌ‬
‫الث‬ ‫السنَةَـ ا ْثنَا َع َ‬
‫ض ‪َّ ،‬‬ ‫اَألر َ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫َك َه ْيَئتِ ِه َي ْو َم َخلَ َق اللَّهُ َّ‬
‫ادى َو َش ْعبَا َن " ‪ .‬ثُ َّم‬ ‫ض َر َب ْي َن ُج َم َ‬
‫ب َش ْه ُر ُم َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُمَت َوالِيَ ٌ‬
‫ات ؛ ذُو الْ َق ْع َدة َوذُو الْح َّجة َوال ُْم َح َّر ُم ‪َ ،‬و َر َج ٌ‬
‫س ِّم ِيه بِغَْي ِر‬
‫ت َحتَّى ظََننَّا َأنَّهُ َسيُ َ‬ ‫س َك َ‬ ‫َّ‬
‫َأي َش ْه ٍر َه َذاـ ؟ " ُقلْنَا ‪ :‬اللهُ َو َر ُسولُهُ َأ ْعلَ ُم ‪ .‬فَ َ‬ ‫ال ‪ " :‬فَ ُّ‬ ‫قَ َ‬
‫ِإ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس ِم ِه ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫اء ُك ْم‬‫َّح ِر ؟ " َف ُقلْنَا ‪َ :‬بلَى ‪ .‬فَ َّن د َم َ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْيه َو َسلَّ َم ‪َ " :‬ألَْيس َي ْو َم الن ْ‬ ‫ال النَّبِ ُّي َ‬ ‫ْ‬
‫اض ُك ْم َعلَْي ُك ْم َح َر ٌام َك ُح ْر َم ِة َي ْو ِم ُك ْـم َه َذا ِفي‬
‫ال ‪َ :‬وَأ ْع َر َ‬ ‫سبُهُ قَ َ‬‫َأح َ‬
‫ال ُم َح َّم ٌد ‪َ ،‬و ْ‬‫َو َْأم َوالَ ُك ْـم قَ َ‬
‫سَت ْل َق ْو َن َربَّ ُك ْم َفيَ ْسَألُ ُك ْـم َع ْن َأ ْع َمالِ ُك ْـم ‪ ،‬فَال َت ْر ِجعُوا َب ْع ِدي‬ ‫ِ‬
‫َبلَد ُك ْم َه َذا في َش ْه ِر ُك ْم َه َذا ‪ ،‬فَ َ‬
‫ِ‬
‫ض َم ْن ُيَبلِّغُهُ يَ ُكو ُن‬ ‫ِئ‬ ‫ض ‪َ ،‬فلْيبلِّ ِغ َّ ِ‬
‫ب ‪َ ،‬ولَ َع َّل َب ْع َ‬ ‫الشاه ُـد الْغَا َ‬ ‫َُ‬ ‫ض ُك ْـم ِرقَ َ‬
‫اب َب ْع ٍ‬ ‫ب َب ْع ُ‬‫ض ِر ُ‬‫ضالال يَ ْ‬ ‫ُ‬
‫ت " ‪ .‬رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬ ‫ال ‪َ :‬أال َه ْل َبلَّ ْغ ُ‬ ‫ض َم ْن َس ِم َعهُ ‪ ،‬ثُ َّم قَ َ‬‫َْأو َعى لَهُ ِم ْن َب ْع ِ‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬لقد كان نداء النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في هذا الحديث‬
‫العظيم في حجة الوداع ‪ ..‬والتي كان يودع بها العام كما يودع بها الناس ‪..‬‬

‫‪357‬‬
‫سورة القيامة‬
‫‪358‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪238‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ونحن اليوم قد ودعنا عاماً وموسم حج ‪ ،‬وقبل أيام أيضاً نتابع احتفالـ العالمـ بـ‬
‫(يوم لحقوق اإلنسان) ‪..‬‬
‫لقد وقف النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – ها هنا قرب الكعبة قبل ألف وأربعمائةـ عام‬
‫وتزيدـ ليؤسس لحقوق اإلنسان وليرسيـ مبادئ العدالةـ وميزان الحق ويلغي كل أشكالـ الظلم‬
‫والجور في العقيدةـ والسلوك والفكر والقيمـ والعبادة والمعامالت ‪ ..‬حرس الدماـ وحرم الرباـ‬
‫خطاب لم تسمع الدنياـ بمثله وال زال صداه يتردد عبر القرون‬
‫ٌ‬ ‫وأثبت حقوق النساء ‪..‬‬
‫وتتشبث بأذياله النظم والقوانين ولما تلحق به أو تجاريه ‪.‬‬

‫لقد كان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يعرف أنه قارب النهايةـ وأن األمة التي‬
‫أنشأهاـ قد رسخت على األرض وفرضت نفسها على التاريخ وانتقل األذان مع الرياح األربع‬
‫‪ ،‬ووزعت جماعات الصالة على أطراف الزمانـ تلتقي على طاعة اهلل قبل طلوع الشمس‬
‫وبعد غروبها وعند الزوال وقبل األصيل ‪ ،‬وهؤالء الذين رباهم سيمدون النور إلى ما بقي‬
‫جزءا من الرسالةـ‬
‫من أرض اهلل ‪ ..‬هذا الجيل الذي رباه النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان ً‬
‫التي أداها ‪ ،‬ونشهد ‪ -‬واهلل ‪ -‬أنه أداها ‪..‬‬
‫فمن أجلـ ذلكـ كان يحدِّث وفي الوقت نفسه كان يودع ‪ ،‬وفي تضاعيف حديثه‬
‫كان يفرغ كل ما في فؤاده من نصح وحب وإخالص ‪ ..‬فما أغلى هذه الوصية وما أبعد‬
‫الش ِ‬
‫اه ُد‬ ‫مداها في التاريخ لقوم يعقلون ! لذلك جاء في آخر الخطاب النبوي ‪َ " :‬أاَل لِيَُبلِّغ َّ‬
‫ب " ‪..‬‬‫ِم ْن ُك ْم الْغَاِئ َـ‬
‫وقد قام أصحاب النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – بهذه األمانةـ خير قيام ؛ فرضي اهلل‬
‫عنهم أجمعين ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬إن الوصايا التي أودعها النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ضمائر‬
‫الناس ال تتضمن قضايا فلسفية وال نظرات خياليةـ ‪ ..‬إنها مبادئ سيقت في كلمات سهلة‬
‫واستوعبت جملة الحقائق التي يحتاج إليها العالم ليسعد ويرشد ‪ ،‬وهي على وجازتهاـ‬
‫أهدى وأجدى من مواثيق عالمية طنانة ‪ ..‬ذلكم أن قائلها ‪ -‬صلى اهلل عليه و سلم ‪ -‬كان‬
‫‪239‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عامر الفؤاد بحب الناس والعطف عليهم شديد الحرص على ربطهم باهلل وإعدادهم للقائهـ ‪..‬‬
‫موقنا أن الحياة الصحيحة يستحيل أن تتم بعيداـ عن اهلل ووحيه ‪.‬‬
‫عباد اهلل ‪ :‬في اآليةـ الكريمة والحديث اآلنف حذر اهلل – تعالى ‪ -‬من الظلم بأبلغ وأوجز‬
‫عبارة ‪ ،‬وأشار النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إلى أصول المسائل ألنه يقرر مبادئ خالدة‬
‫وقواعد باقية ‪..‬‬
‫الفطَر والنصوص على مقته وذم فاعله ‪ ..‬إال أن االنحراف قد يلحق بعض‬ ‫والظلم مما اتفقت ِ‬
‫شاء‬ ‫الناس فيخالفون في صوره ‪َ ﴿ :‬أفَمن ُزيِّن لَهُ سوء َعملِ ِه َفرآهُ حسنًا فَِإ َّن اللَّهَ ي ِ‬
‫ض ُّل َمن يَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ ُ َ َ ََ‬
‫شاء ‪. 359﴾ ...‬‬ ‫َو َي ْه ِدي َمن يَ َ‬

‫ْم‬ ‫أيها المسلمون ‪ :‬وأبشع الظلم هو الشرك باهلل ‪ ...﴿ :‬يَا ُبنَ َّي اَل تُ ْش ِر ْك بِاللَّ ِه ِإ َّن ِّ‬
‫الش ْر َك لَظُل ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وفي سور المائدةـ ‪ِ....﴿ :‬إنَّهُ َمن يُ ْش ِر ْك بِاللّه َف َق ْد َح َّر َم اللّهُ َعلَيه ال َ‬
‫‪360‬‬
‫ْجنَّةَ‬ ‫يم (‪﴾ )13‬‬ ‫َعظ ٌ‬
‫َأنصا ٍر (‪ 361﴾ )72‬؛ ذلكم أن اهلل ‪ -‬تعالى – هو الخالق‬ ‫ومْأواه النَّار وما لِلظَّالِ ِم ِ‬
‫ين م ْن َ‬
‫َ‬ ‫ََ َ ُ ُ ََ‬
‫فضل إليه‬‫الرازق أوجدناـ من العدم وأمدناـ بالنعم ‪ ،‬وكل ما في الكون له خاضع ‪ ،‬وكل ٍ‬
‫راجع ‪ ..‬هو الربـ ونحن العبيد ‪ ،‬وهو الفعالـ لما يريد ‪ ..‬خلقنا لعبادته وحده فكيف يعبد‬
‫سواه ! وأمرناـ بطاعته فكيف يتمرد العبد على سيده ومواله !‬

‫إن التقصير في جنب اهلل ظلم ‪ ..‬وال يقع أثر هذاـ الظلم إال على الظالم نفسه ؛‬
‫ِ ِ‬
‫ولذلكـ قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ : -‬فَالَ تَظْل ُمواْ في ِه َّن َأن ُف َ‬
‫س ُك ْـم ‪.. 362﴾ ...‬‬
‫إن تجدد المواسم وكر السنين منبه إلى مراجعةـ اإلنسان حالهـ مع ربه وتفقد إيمانه‬
‫وعقيدتهـ وأعماله ومواقفه الفكرية والعملية ؛ فهو سائر إلى اهلل سيرا حاثا ‪ ،‬وسيلقى رباً‬

‫‪359‬‬
‫سورة فاطر‬
‫‪360‬‬
‫سورة لقمان‬
‫‪361‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪362‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪240‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫نسا ُن ِإنَّ َ‬
‫ك‬ ‫عليما محاسبا ‪ ،‬وكتاباً ال يغادر صغير ًة وال كبير ًة إال أحصاها ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها اِإْل َ‬
‫ك َك ْد ًحا فَ ُماَل قِ ِيه (‪. 363﴾ )6‬‬
‫ح ِإلَىـ َربِّ َ‬ ‫ِ‬
‫َكاد ٌ‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬إن من ظلم العبد لنفسه تقحم المعاصي والتفريط في الواجباتـ ‪،‬‬
‫ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ألنه يجرها إلى النار ويعرضها لغضب الجبار ‪ ،‬وإذا فشت‬
‫المعاصي من غير نكير وال إصالح عم البالء وطم العقاب والعذاب ‪ ،‬وذلك معلوم في سنن‬
‫ك ِإذَا َأ َخ َذ الْ ُق َرى َو ِه َي‬ ‫اهلل في األممـ والدول ‪ ..‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ : -‬و َك َذلِ َـ‬
‫ك َأ ْخ ُـذ َربِّ َ‬
‫يم َش ِدي ٌد (‪. 364﴾ )102‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظَال َمةٌ ِإ َّن َأ ْخ َذهُ َأل ٌ‬

‫ومن الظلم المنهي عنه في اآليةـ الكريمةـ والمفصل في الحديث الشريفـ ظلم الناس في‬
‫قبحا إذا كان تجاه‬
‫التعديـ عليهم في دمائهمـ وأعراضهم وأموالهمـ ‪ ،‬ويزداد الظلم ً‬
‫ظلما للضعفاء من الخدم‬
‫ظلما للزوجاتـ والبنات أو ً‬
‫األقاربـ واألرحام أو كان ً‬
‫والعمالـ ‪ ..‬صور من الظلم يندى لها الجبين وقصص من الحيف يدمى لها القلب وتدمع‬
‫العين ‪ ..‬ما إن يشعر البعض ٍ‬
‫بقوة أو سلطة حتى يحاول تسخير اآلخرين لرغباته فيمنعهم‬
‫اسَتغْنَىـ (‪ِ )7‬إ َّن‬ ‫ِإ‬
‫حقوقهم وال يقوم هو بواجباته ‪َ ﴿ :‬كاَّل َّن اِإْل َ‬
‫نسا َن لَيَطْغَى (‪َ )6‬أن َّرآهُ ْ‬
‫الر ْج َعى (‪.. 365﴾ )8‬‬ ‫ك ُّ‬ ‫ِإلَى َربِّ َ‬
‫وكفى بهذه اآليةـ سلوانًا للمظلوم وموعظةً للظالم ‪ :‬إن إلى ربك الرجعى ‪.‬‬

‫الظلم ظلمات يوم القيامةـ ‪ ،‬ودعوة المظلوم تُرفع فوق الغمام وتُفتح لها أبواب‬
‫السماء وليس بينها وبين اهلل حجاب ‪ ،‬ويقول اهلل عز وجل ‪ " :‬ألنصرنكـ ولو بعد حين " ‪،‬‬

‫‪363‬‬
‫سورة اإلنشقاق‬
‫‪364‬‬
‫سورة هود‬
‫‪365‬‬
‫سورة النجم‬
‫‪241‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ب يَن َقلِبُو َن (‬
‫َأي ُمن َقلَ ٍ‬
‫ين ظَلَ ُموا َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫﴿‪...‬و َسَي ْعلَ ُم الذ َ‬
‫َ‬ ‫واهلل يملي للظالم حتى إذا أخذهـ لم يفلته ‪:‬‬
‫‪366‬‬
‫‪..‬‬ ‫‪﴾ )227‬‬
‫ومن نظر في عواقب الظالمين رأى من آيات اهلل عجبا ‪ ،‬وقد يكون القصاصـ في‬
‫سبَ َّن اللّهَ غَافِالً‬
‫الدنيا وقد يكون في اآلخرة ‪ ،‬وإذا وقع القصاصـ كان مهوال ‪َ ﴿ :‬والَ تَ ْح َ‬
‫ار (‪. 367﴾ )42‬‬ ‫َع َّما يعمل الظَّالِمو َن ِإنَّما يَؤ خِّره ـم لِيوٍم تَ ْش َخ ِ ِ‬
‫صُ‬‫ص فيه اَألبْ َ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ ُ ُ ْ َْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ ُ‬

‫ومسعر الفتن ‪ ،‬وإن الظلم إذا‬


‫ِّ‬ ‫مبعث للشقاء‬
‫إن الحيف وسلب الحقوق وإهدار الكراماتـ ٌ‬
‫ٍـ‬
‫بانقراض لفساد أو تسلط أمم‬ ‫فشى فسدت الذمم وخرب العمران وحصل الهالك ‪ ..‬إما‬
‫على أخرى فيحصل من الخراب والدمارـ ما ال يعلمه إال اهلل ‪.‬‬

‫بارك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنةـ ‪ ،‬ونفعناـ بما فيهما من اآليات والحكمة ‪.‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل أجزل في عطائه وأغدق في نعمائه وعافى من بالئه ؛ فلله الحمد كثيراً كما ينعم‬
‫كثيراً ‪..‬‬
‫وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ..‬صلى اهلل‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬ ‫وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم‬

‫‪366‬‬
‫سورة الشعراء‬
‫‪367‬‬
‫سورة إبراهيم‬
‫‪242‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أما بعد أيها المسلمون ‪ :‬فإن من الظلم التقصير في شكرـ اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬ونسيانه عند‬
‫النعم ‪َ ﴿ :‬و َما بِ ُكم ِّمن ِّن ْع َم ٍة فَ ِم َن اللّ ِه‪ ، 368﴾ ...‬وقد أمر اهلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بالتحدث‬
‫بنعمه وإظهار شكره وبيان فضله ‪..‬‬
‫وإن مما يجب التذكير به وإعالنه والتحدث به وإشهاره إذعانا وعرفانا وإيمانا‬
‫وشكراناـ ‪ :‬ما أنعم اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬به على المسلمين كافة وعلى حجاج بيته خاصة في هذا‬
‫الموسم العظيم ‪ -‬والذي ودعناه قبل أيام ‪ -‬حيث كثر التخويف من األوبئة واألمراض‬
‫والتحذير من السيول واألمطار والخشية من اإلحداثـ والتشويش ‪..‬‬
‫وترقب الناس هذا الموسم بارتيابـ وقلق ‪ ..‬ولكنـ اهلل لطف وعافى وستر وأحسنـ‬
‫على عباده وحماهمـ وأحاطهم رعايته ‪ ،‬وبالرغم من الماليين الذينـ شهدوا موسم الحج إال‬
‫أن مكةـ والمدينةـ والمشاعر المقدسة كانت أنقىـ األماكن من األوبئة واألمراض على‬
‫ٍ‬
‫ظاهرة كان يجب أن تبرز وتظهر وتحمد وتشكرـ ‪ ،‬بل‬ ‫مستوى العالم في تلك الفترة في‬
‫انخفاضا في معدلـ اإلصاباتـ‬
‫ً‬ ‫سجلت اإلحصائياتـ الدقيقة أن هذا الموسم هو أميز السنوات‬
‫الصحية ‪ ،‬وسجلت المستشفياتـ أدنى مستويات في المراجعاتـ حتى في األمراض الطبيعة‬
‫المعتادة ‪..‬‬
‫وخيب اهلل ظنون المتربصين ‪ ..‬فمن الذي عافى ؟ ومن الذي كفى ؟ ومن الذي شفىـ‬
‫؟ ومن الذي لطف وستر ؟ إنه اهلل الرحيم ‪..‬‬
‫وبالرغم من موسم األمطار وما أصاب مدينة جدة من ٍ‬
‫سيول جارفة وأضرار ‪ -‬جبر‬
‫اهلل مصابهمـ ‪ -‬إال أن مكة المكرمةـ ومشاعرها المقدسةـ لم يلحقها أي أذى ولم يسجل أدنى‬
‫وفرحا‬
‫ماء مريئا ‪ ..‬فكان رحمةً ً‬
‫مطرا هنيئا وسقياها ً‬
‫إصابة أو خسارة ‪ ،‬بل كان نصيبها ً‬
‫وسرورا ‪..‬‬

‫فمن الذيـ أنعمـ ؟ ومن الذي أعطى وقسم ؟ من الذي لطف وستر ؟ إنه اهلل الكريم‬
‫بل إن هذا الموسم كان مثاال متكامال للسكينة واألمنـ واألمان ‪ ،‬وأطفأ اهلل الفتنةـ عن‬
‫المسلمين وكفى شر كل ذي شر ؛ فلله الحمد أوال وأخرا ‪ ،‬وله المنة والفضل ‪..‬‬
‫‪368‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪243‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫نسألهـ ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬أن يوزعنا شكر نعمه ‪ ،‬وأن يثيب كل من عمل لخدمة بيته الحرام‬
‫وحجاجهـ الكرام ‪.‬‬

‫كما نحمد اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬أبلغ الحمد على شفاء ولي العهدـ ورجوعه إلىـ وطنه وأهله‬
‫ومحبيه ‪ ،‬ونسأل اهلل الكريمـ أن يتم عليه عافيته وأن يمد في عمره على طاعته ‪ ..‬ال بأس‬
‫طهور إن شاء اهلل ‪.‬‬
‫عليه ٌ‬

‫ثم صلوا وسلموا على َمن أمركم اهلل بالصالة والسالم عليه فقال ‪ -‬سبحانه ‪ِ ﴿ : -‬إ َّن اللَّهَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صلُّو َن َعلَى النَّبِ ِّي يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬ ‫ِئ‬
‫يما (‪. 369﴾ )56‬‬ ‫صلُّوا َعلَْيه َو َسلِّ ُموا تَ ْسل ً‬
‫آمنُوا َ‬
‫ين َ‬ ‫َو َماَل َكتَهُ يُ َ‬

‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيمـ وعلى آل إبراهيمـ إنكـ‬
‫حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيمـ في العالمين‬
‫إنك حميد مجيد‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمنا مطمئنا‬
‫وسائرـ بالد المسلمين ‪ ،‬اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا وديننا ٍ‬
‫بسوء فأشغلهـ بنفسه ورد كيده‬
‫في نحره واجعلـ دائرة السوء عليه يا رب العالمين ‪.‬‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر من نصر الدينـ‬
‫واخذلـ الطغاة والمالحدة والمفسدينـ ‪..‬‬
‫اللهم انصر المجاهدينـ في سبيلك في كل مكان يا رب العالمين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء‬
‫الدينـ فإنهم ال يعجزونكـ ‪ .‬اللهمـ عليك بأعداء الدينـ فإنهم ال يعجزونك ‪..‬‬
‫اللهم رد عنا كيد الكائدين وعدوان المعتدينـ وفتنة الضالين ‪ ،‬اللهم إنا ندرأ بك في‬
‫نحورهم ونعوذ بك من شرورهمـ ‪..‬‬
‫‪369‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪244‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم انشر األمنـ واإليمان والرخاء في بالدنا وبالد المسلمين ‪.‬‬

‫اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفينـ لما تحب وترضى وخذ به للبر والتقوى ‪،‬‬
‫اللهم وفقه وولي عهده ونائبهـ الثاني لما فيه صالح العبادـ والبالد ‪ ،‬اللهم احفظهمـ ووفقهم‬
‫للصالحاتـ وهيئ لهم البطانة الصالحةـ يا رب العالمينـ ‪.‬‬

‫اللهم وكما حفظت حجاج بيتك الحرام اللهم وكما حفظت حجاج بيتك الحرام اللهم‬
‫فتقبل منهم وأشركنا في أجرهمـ ‪ ،‬وأوصلهم إلى ديارهمـ سالمين ‪.‬‬

‫فرج هم المهمومين من المسلمين ‪ِّ ،‬‬


‫ونفس كرب المكروبين ‪ ،‬وفك أسر‬ ‫اللهم ِّ‬
‫المأسورين ‪ ،‬واقض الدينـ عن المدينين ‪ ،‬واشف برحمتك مرضانا ومرضى المسلمين ‪.‬‬
‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ ،‬ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلغنا فيما يرضيك آمالنا يا حي يا‬
‫قيوم يا ذا الجالل واإلكرام ‪.‬‬

‫اللهم اجعل هذا العام فاتحة خير على المسلمين ‪ ،‬اللهم اجعله عام خصب ورخاء وخير‬
‫ونماء وبركة على اإلسالم والمسلمين يا حي يا قيوم يا ذا الجالل واإلكرام ‪..‬‬
‫اللهم أصلح فيه أحوال المسلمين ‪ ،‬وأرغد عيشهم ‪ ،‬وارفع بالءهم ‪ ،‬وأصلح قادتهمـ ‪،‬‬
‫واجمعهمـ على الكتابـ والسنةـ يا رب العالمينـ ‪.‬‬

‫ربنا اغفر لنا ولوالديناـ ووالديهم وذرياتهم ولجميع المسلمين ‪.‬‬

‫اللهم لك الحمد على ما أنعمت به من الخيراتـ واألمطارـ ‪..‬‬

‫‪245‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم زدنا وال تنقصنا ‪ ،‬اللهمـ إنا نسألك المزيد من فضلك ورحمتك وبركتك ‪ ،‬اللهم‬
‫أغثنا واجعلـ ما أنزلتهـ قوة لنا على طاعتك وبالغًا إلىـ حين ‪ ،‬اللهم أغثنا ‪ ،‬اللهم أغثنا‬
‫واجعلـ ما أنزلتهـ قوة لنا على طاعتك وبالغًا إلى حين ‪..‬‬
‫اللهم اجبر مصاب المصابين في جدة ‪ ،‬وارحم موتاهم ‪ ،‬واشف مريضهم ‪ ،‬وأغن‬
‫فقيرهم ‪ ،‬واخلف عليهم بخير ‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنكـ أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ‪.‬‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬فضيلة الصدق‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬التاسع والعشرونـ من محرم من عام ‪1431‬هـ‬

‫‪ -‬فضيلة الصدق ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫‪246‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ْح ْم ُد فِي‬
‫ض َولَهُ ال َ‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َو َما في ْ‬ ‫ْح ْم ُد لِلَّ ِه الَّ ِذي لَهُ َما فِي َّ‬‫الحمد هلل ‪ ﴿ ..‬ال َ‬
‫ج ِم ْن َها َو َما يَن ِز ُل ِم َن‬
‫ض َو َما يَ ْخ ُر ُ‬‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم الْ َخبِ ُير (‪َ )1‬ي ْعلَ ُم َما يَل ُج في ْ‬
‫اآْل ِخر ِة وهو ال ِ‬
‫ْحك ُ‬‫َ َ َُ َ‬
‫ور (‪.. 370﴾ )2‬‬ ‫الر ِح ُـ‬
‫ج فِ َيها َو ُه َو َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫يم الْغَ ُف ُ‬ ‫الس َماء َو َما َي ْع ُر ُ‬
‫سبحانه وبحمده يعلم خبايا النفوس وإسرارهاـ ‪ ،‬ويكشف خفايا القلوب وأسرارها ‪:‬‬
‫ور (‪ 371﴾ )19‬ويحصي حصائدـ األلسن فينشرها يوم‬ ‫﴿ َي ْعلَ ُم َخاِئنَةَـ اَأْل ْعيُ ِن َو َما تُ ْخ ِفي ُّ‬
‫الص ُد ُ‬
‫النشور ‪ ..‬يثبت ويكتب ثم يحاسب فيغفر أو يعذبـ ‪.‬‬
‫أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ‪،‬‬
‫صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله األطهار وصحابته األخيار ‪ ،‬وسلم تسليماً كثيرا ‪.‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬


‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ‬
‫ين َ‬‫فإن التقوى خير وصية وخير لباس وأكرم سجية ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ِ‬ ‫وقُولُوا َقوالً س ِديداً (‪ )70‬ي ِ‬
‫صل ْح لَ ُك ْم َأ ْع َمالَ ُك ْم َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْـم َو َمن يُط ْع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ‬
‫ُْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫َف َق ْد فَ َاز َف ْوزاً َع ِظيماً (‪. 372﴾ )71‬‬

‫قو َده ‪ ،‬ولم‬ ‫رحم اهلل امرًأ أصلح من لسانهـ وأبصر من عنانه ‪ ،‬وألزم طريق ِّ ِ‬
‫الحق م َ‬
‫عود ال َخطَل ِمفصله ‪.‬‬
‫يُ َّ‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬حديث اليوم حديث عن خلَّة هي سيدة األخالق وجامعةـ الفضائل‬
‫َأص َد ُق ِم َن اللّ ِه َح ِديثاًـ‬ ‫ورأس الشمائلـ َّ‬
‫تمدح اهلل بها في كتابه فقال – سبحانه ‪َ ...﴿ : -‬و َم ْن ْ‬

‫‪370‬‬
‫سورة سبأ‬
‫‪371‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪372‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪247‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ص َد َق‬
‫‪ ،‬وقال ‪ ﴿ :‬قُ ْل َ‬
‫‪374‬‬
‫َأص َد ُق ِم َن اللّ ِه ِقيالً (‪﴾ )122‬‬
‫‪َ ...﴿ ،‬و َم ْن ْ‬
‫‪373‬‬
‫(‪﴾ )87‬‬
‫‪375‬‬
‫‪..‬‬ ‫اللّهُ ‪﴾ )95( ..‬‬
‫وصف اهلل بالصدق رسله وأنبياءه وأصفياءه وأولياءه فقال – سبحانه ‪َ ﴿ :‬واذْ ُك ْر فِي‬
‫اد َق ال َْو ْع ِد َو َكا َن َر ُسوالً نَّبِيّاً (‪ ، 376﴾ )54‬وقال لعباده‬ ‫ْكت ِـ ِإ ِ‬
‫اعيل ِإنَّهُ َكا َن ص ِ‬
‫َ‬ ‫اب ْس َم َ‬ ‫ال ِ َ‬
‫ين آمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ و ُكونُواْ مع َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪. 377﴾ )119‬‬ ‫الصادق َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫أجمعين ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّذ َـ َ‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬صفة الصدق ليست نفالً وال خيارا ‪ ..‬إنها فريضةٌ على المسلم‬
‫وسجيةٌ للمؤمن ‪ ،‬والذي يجب أن يكون باطنه وظاهره سواء في الصدق والوضوح‬
‫والطهارة والصفاء ‪..‬‬
‫ومع بساطة هذه الصفة وإجماع الخلق عليها إال أننا اليوم أحوج ما نكون إلى‬
‫ٍ‬
‫ألسباب يأتيـ في مقدمهاـ‬ ‫التواصي بااللتزام بها في خضم أزمة األخالق التي يعانيـ منها الكثيرـ‬
‫‪ :‬ضعف اإليمان ‪ ،‬وضعف التربية ‪ ،‬والتهافت على الدنيا ‪.‬‬

‫وسبب لتكفير‬ ‫ٌ‬ ‫الصدق ‪ -‬أيها المؤمنون ‪ -‬محمدةٌ في الدنياـ واآلخرة وعالمة التقوى‬
‫السيئاتـ ورفعة الدرجات ‪ ،‬وكل ذلك مجموعٌ في قول اهلل – عز وجل ‪َ ﴿ : -‬والَّ ِذي‬
‫ك َج َزاء‬ ‫شاءُو َن ِعن َد َربِّ ِه ْم ذَلِ َ‬
‫ك ُه ُم ال ُْمَّت ُقو َن (‪ )33‬لَ ُهم َّما يَ َ‬ ‫ص َّد َق بِ ِه ُْأولَِئ َ‬ ‫الص ْد ِق َو َ‬
‫َجاء بِ ِّ‬
‫س ِـن الَّ ِذي َكانُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َأح َ‬ ‫َأس َوَأ الَّذي َع ِملُوا َويَ ْج ِز َي ُه ْم ْ‬
‫َأج َر ُهم بِ ْ‬ ‫ين (‪ )34‬ليُ َك ِّف َر اللَّهُ َع ْن ُه ْم ْ‬ ‫ال ُْم ْحسن َ‬
‫َي ْع َملُو َن (‪ 378﴾ )35‬أما في يوم الجزاء فاسمع قول اهلل – تعالى ‪ ﴿ : -‬قَ َ‬
‫ال اللّهُ َه َذا َي ْو ُم‬

‫‪373‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪374‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪375‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪376‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪377‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪378‬‬
‫سورة الزمر‬
‫‪248‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫َّات تَ ْج ِري ِمن تَ ْحتِ َها اَألْن َهار َخالِ ِدين فِ َيها َأبداًـ َّر ِ‬
‫ض َي اللّهُ َع ْن ُه ْم‬ ‫ادقِ َـ‬
‫ين ِ‬
‫ص ْد ُق ُه ْم لَ ُه ْم َجن ٌـ‬ ‫الص ِ‬
‫يَن َف ُع َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يم (‪. 379﴾ )119‬‬ ‫ِ‬ ‫ضواْ َع ْنهُ ذَلِ َـ‬
‫ك الْ َف ْو ُز ال َْعظ ُ‬ ‫َو َر ُ‬

‫ونفس ساميةـ ‪ ،‬وصاحبه موفَّ ٌق أبداً لكل خير ‪،‬‬


‫ٌ‬ ‫ودرب مضيء‬
‫ٌ‬ ‫ونبل‬
‫فضل ٌ‬‫الصدق ٌ‬
‫وتأملوا أيها المسلمون لهذا الحديث ‪ :‬عن عبد اهلل بن مسعود – رضي اهلل عنه – عن النبي‬
‫ْجن َِّة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫– صلى اهلل عليه وسلم – أنه قال ‪ِ " :‬إ َّن الصـِّ ْد َق يَهـْدي ِإلَـى الْبِ ِّر ‪َ ،‬وِإ َّن الْبِ َّر َي ْهدي ِإلَى ال َ‬
‫صدِّي ًقا ‪ ،‬وِإ َّن الْكـ ـ ِذ ـ ِ‬ ‫ص ُد ُق حتَّى ي ُكو َن ِ‬
‫ب َي ْهدي ِإلَى الْ ُف ُجو ِر ‪َ ،‬وِإ َّن الْ ُف ُج َ‬
‫ور‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫الر ُج َـل لَيَ ْ َ َ‬ ‫‪َ ،‬وِإ َّن َّ‬
‫ب ِع ْن َد اللَّ ِه َك َّذابًا " رواه البخاري ومسلم ‪،‬‬ ‫ب َحتَّى يُ ْكتَ َ‬
‫ِ‬ ‫َي ْه ِدي ِإلَى النَّا ِر ‪َ ،‬وِإ َّن َّ‬
‫الر ُج َـل لَيَ ْكذ ُ‬
‫ويتحرى الصد َق حتى يكتب ع ْن َد ِ‬
‫اهلل‬ ‫جل يص ُد ُق‬
‫ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫الر ُ‬ ‫يزال َّ‬
‫وفي رواية لمسلم ‪ " :‬وال ُـ‬
‫كذابَا " ‪.‬‬ ‫ويتحرى ال َك ِذب حتى ي ْكتب عن َد ِ‬
‫اهلل َّ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫جل يكذ ُ‬ ‫الر َ‬ ‫يزال َّ‬
‫صدِّيقا ‪ ،‬وال ُـ‬

‫إن الصدق ٍ‬
‫هاد لكل بر قائ ٌد لكل خير ‪ ..‬آخ ٌذ بصاحبه في مسالك الهدى حتى يدخلهـ‬
‫متحر‬
‫الجنة ‪ ،‬كيف ال وهو صادق اللهجة ؟ كيف ال وهو صادق اللهجة صادق الحال ٍّ‬
‫للحق في كل األقوال واألفعال ؟‬
‫إنه يصدق ويتحرى الصدق ويلتزمه ويحتاط له ويزن كلماته ويتباعد عن الخطأ ويتحرج من‬
‫الزللـ ‪ ..‬فال تنطوي نفسه على خبيئة أو خيانة حتى يُكتب عند اهلل صديقا ‪..‬‬
‫ك َم َع الَّ ِذ َـ‬
‫ين‬ ‫منزلة يرجوهاـ المسلم بعد هذا ؟ إنهم رفاق األنبياء والشهداء ﴿‪ ...‬فَ ُْأولَـِئ َ‬ ‫وأي ٍ‬
‫ك َرفِيقاً (‪6‬‬ ‫س َن ُأولَـِئ َ‬ ‫الشه َداء و َّ ِ ِ‬ ‫َأْنعم اللّهُ َعلَي ِهم ِّمن النَّبِيِّين و ِّ ِ‬
‫ين َو َح ُ‬
‫الصالح َ‬ ‫ين َو ُّ َ َ‬ ‫الصدِّيق َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫‪380‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪﴾ )9‬‬

‫أيهاـ المسلم ‪ :‬وحتى يتبين لك أثر الصدق في القلب وبأي شيء استحق الصادقون‬
‫مرافقة األنبياء فتأمل أيضاً هذا الحديث الصحيح ‪ ،‬عن أبيـ هريرةـ – رضي اهلل عنه – أن‬
‫ب‪،‬‬ ‫الز َما ُن لَ ْم تَ َك ْد ُرْؤ يَا ال ُْم ْسلِ ِم تَ ْك ِذ ُـ‬
‫ب َّ‬‫النبي – صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪ِ " :‬إذَا اقَْت َر َ‬
‫‪379‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪380‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪249‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ين ُج ْز ًءا ِم َن الن ُُّب َّو ِة "‬ ‫ِ‬ ‫َأص َدقُ ُك ْم َح ِديثًا ‪َ ،‬و ُرْؤ يَا ال ُْم ْسلِ ِم ُج ْزءٌ ِم ْن َخ ْم ٍ‬
‫س َو َْأربَع َ‬ ‫َأص َدقُ ُك ْم ُرْؤ يَا ْ‬
‫َو ْ‬
‫الحديث رواه البخاري ومسلم ‪..‬‬
‫تأمل ‪ ..‬الرؤياـ الصادقة جزءٌ من النبوة ‪ ،‬وتكون في القلب الصادق الذي سما‬
‫لمهُ اهللُ بما َشاء ‪.‬‬
‫دف الغيب وأ ْع َ‬ ‫وتطهر فاستضاء واستنار بنور اهلل ف ُفتِ ْ‬
‫حت له ُس ُ‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬من لزم الصدق في صغره كان له في الكبر أل َْزم ‪ ،‬ومن اعتصم به‬
‫في حق نفسه كان في حق اهلل أعصم ‪ ،‬ومن تحرى الصدق ُهدي إليه وطابت نفسه‬
‫وطهرت سريرته وأضاء قلبه ‪.‬‬
‫ْ‬

‫أساس في ديننا ‪ ،‬وقد كان‬


‫عباد اهلل ‪ :‬إنه ال يصح التهاون في هذا المبدأ ‪ ..‬فهو ٌ‬
‫مثال‬ ‫ٍ‬
‫محمد – صلى اهلل عليه وسلم – والذيـ كانت حياته أفضل ٍ‬ ‫عنوانًا لقدوتنا وأسوتنا‬
‫لإلنسان الكامل الذي اتخذ من الصدق في القول واألمانة في المعاملةـ خطاً ثابتاًـ ال يحيد عنه‬
‫قيد أنملة ‪ ،‬وقد كان ذلك فيه بمثابة السجية والطبع فعُ ِرف به حتى قبل البعثةـ ولُِّقب‬
‫بالصادق األمينـ ‪ ..‬وا ُشتُ ِهر بهذا وعُ ِرف به بين الناس ‪ ،‬ولما ُِأمر بالجهر بالدعوة وتبليغ‬
‫الرسالةـ جمع الناس وسألهمـ عن مدى تصديقهم له إذا أخبرهم بأمر ‪ ..‬فأجابواـ بما عرفوا عنه‬
‫جربنا عليك إال صدقاً ‪.‬‬
‫قائلين ‪ :‬ما َّ‬

‫ونبل ووفاء ‪َ ..‬ع ْن َع ْب ِد اللَّ ِه بْ ِن َأبِيـ‬ ‫ٍ‬


‫وانظر إلىـ هذا الموقف من حياة كلها صد ٌق ٌ‬
‫ت لَهُ بَِقيَّةٌ‬
‫ث ‪َ ،‬وبَِقيَ ْ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم بَِب ْي ٍع َق ْب َل َأ ْن ُي ْب َع َ‬
‫ت النَّبِ َّي َ‬ ‫س ِاء ‪ ،‬قَ َ‬
‫ال ‪ " :‬بَ َاي ْع ُ‬ ‫ْح ْم َ‬‫ال َ‬
‫ت فَِإ َذا ُه َو فِي َم َكانِِـه ‪،‬‬ ‫ث ‪ ،‬فَ ِجْئ ُ‬ ‫ت ب ْع َد ثَاَل ٍ‬
‫يت ثُ َّم ذَ َك ْر ُ َ‬ ‫َف َو َع ْدتُهُ َأ ْن آتِيَهُ بِ َها فِي َم َكانِِه ‪َ ،‬فنَ ِس ُ‬
‫ث َأْنتَ ِظ ُر َك " رواه أبو داود ‪..‬‬ ‫اهنَا م ْن ُذ ثَاَل ٍ‬
‫ت َعلَ َّي َأنَا َه ُ ُ‬ ‫ال ‪ :‬يَا َفتًى ‪ ،‬لََق ْد َش َق ْق َ‬‫َف َق َـ‬
‫وفاء وصدقاً ‪.‬‬ ‫ثالثة أيام وهو يأتيـ في نفس الموعد إلى المكان المتفق عليه ً‬

‫واستمر هذا المبدأ الراسخـ معه منذ طفولته حتى توفي – صلى اهلل عليه وسلم – لم‬
‫خلق إليه ‪ ..‬قالت َعاِئ َ‬
‫شةُ ‪َ " :‬ما َكا َن ُخلُ ٌق‬ ‫يكذبـ كذبةً واحدة ‪ ،‬بل كان الكذب أبغض ٍ‬

‫‪250‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ب ‪ ،‬ولََق ْد َكا َن َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأبغَض ِإلَىـ رس ِ ِ‬
‫َأصح ِ‬
‫اب‬ ‫الر ُج ُلـ م ْن َ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْيه َو َسلَّ َم م َن الْ َكذ ِ َ‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬
‫ب ِع ْن َدهُ الْ َك ْذبَةَ ‪ ،‬فَ َما َي َز ُ‬
‫ال فِي َن ْف ِس ِه َحتَّى َي ْعلَ َم َأ ْن قَ ْد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْيه َو َسلَّ َم يَ ْكذ ُ‬
‫رس ِ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬
‫ث ِم ْن َها َت ْوبَةً " أخرجه اإلمام أحمد وابن حبان ‪.‬‬ ‫َأح َد َ‬
‫ْ‬

‫ذلكمـ أن الكذبـ – يا عباد اهلل – صفةٌ دنيئة وخل ٌق لئيم ‪ ،‬وقد يكون للبخيل أو الجبان ما‬
‫يعذره ‪ ..‬لكن ليس للكذابـ عذر ‪َ ،‬عن ص ْفوا َن ب ِن سلَي ٍم ‪َ ،‬أنَّهُ ِقيل لِرس ِ ِ‬
‫صلَّى اللَّهُ‬
‫ول اللَّه ‪َ -‬‬ ‫َ َُ‬ ‫ْ ََ ْ ُْ‬
‫ال ‪:‬‬ ‫يل لَهُ ‪َ :‬أيَ ُكو ُن ال ُْمْؤ ِم ُن بَ ِخياًل ؟ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪َ :‬ن َع ْم ‪ ،‬فَق َ‬ ‫َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪َ : -‬أيَ ُكو ُن ال ُْمْؤ ِم ُن َجبَانًاـ ؟ قَ َ‬
‫ال ‪ :‬اَل ‪.‬‬ ‫يل لَهُ ‪َ :‬أيَ ُكو ُن ال ُْمْؤ ِم ُن َك َّذابًا ؟ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫َن َع ْم ‪ ،‬فَق َ‬
‫رواه اإلمام مالك في الموطأ ‪ ،‬وفي سنده مقالـ ‪..‬‬
‫ويعضده ويبينه الحديث اآلخرـ في مسند اإلمام أحمد ‪ :‬عن أبي أمامةـ – رضي اهلل عنه‬
‫– قال ‪ :‬قال رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم – ‪ " " :‬يطْبع الْمْؤ ِمن َعلَى ال ِ‬
‫ْخاَل ِل ُكلِّ َها ِإاَّل‬ ‫ُ َُ ُ ُ‬
‫والكذب) " ‪.‬‬‫ِ‬ ‫ب " (إال الخيانةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الْخيَانَةَ َوالْ َكذ َ‬
‫قال النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬قد تظاهرتـ نصوص الكتابـ والسنةـ على تحريم‬
‫الكذبـ فيالجملة ‪ ،‬وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب ‪ ،‬وإجماع األمةـ منعق ٌد على‬
‫تحريمه مع النصوص المتظاهرةـ " ‪ ،‬ثم قال – رحمه اهلل ‪ " :‬ويكفي في التنفير منه الحديث‬
‫المتفق على صحته ‪ :‬عن أبي هريرة – رضي اهلل عنه – قال ‪ :‬قال رسول اهلل – صلى اهلل‬
‫ف ‪َ ،‬وِإذَا اْؤ تُ ِم َن َخا َن‬
‫ب ‪َ ،‬وِإذَا َو َع َد َأ ْخلَ َ‬ ‫عليه وسلم – ‪ " :‬آيَةُ ال ُْمنَافِ ِق ثَ ٌ‬
‫الث ‪ِ :‬إذَا َح َّد َ‬
‫ث َك َذ َ‬
‫"‪..‬‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬
‫ال‬ ‫‪َ :‬ع ْن َع ْب ِد اللَّ ِه بْ ِن َع ْم ٍرو َّ‬
‫َأن النَّبِ َّي َ‬

‫صلَةٌ "‬ ‫ت فِ ِيه َخصلَةٌ ِم ْنه َّن َكانَ ْ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬


‫ت فيه َخ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫صاـ ‪َ ،‬و َم ْن َكانَ ْ‬
‫َْأربَ ٌع َم ْن ُك َّن فيه َكا َن ُمنَاف ًقا َخال ً‬
‫اه َد غَ َد َر ‪َ ،‬وِإذَا َخ َ‬
‫اص َم‬ ‫ب ‪َ ،‬وِإذَا َع َ‬ ‫اق َحتَّى يَ َد َع َها ‪ِ :‬إذَا اْؤ تُ ِم َن َخا َن ‪َ ،‬وِإذَا َح َّد َـ‬
‫ث َك َذ َ‬ ‫ِم ْن ِّ‬
‫الن َف ِ‬
‫‪ .‬فَ َج َر " رواه البخاري ومسلم‬

‫‪251‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ين الَ‬ ‫ب الَّ ِذ َـ‬ ‫ِ‬


‫الكذبـ يُنقص اإليمان ‪ ..‬قال اهلل – عز وجل ‪ِ ﴿ : -‬إنَّ َما َي ْفتَ ِري الْ َكذ َ‬
‫ض للَّعن ‪ ...﴿ :‬ثُ َّم َن ْبتَ ِه ْل َفنَ ْج َعل لَّ ْعنَةَ‬
‫معر ٌ‬
‫بل إن الكاذبـ َّ‬
‫‪381‬‬ ‫يْؤ ِمنُو َن بِآي ِ‬
‫ات اللّ ِه ‪﴾ ...‬‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫ين (‪. 382﴾ )61‬‬ ‫اللّ ِه َعلَى الْ َك ِ‬
‫اذبِ َـ‬

‫خير من الكذب وصدق اللسان أول السعادة ‪ ،‬وما من شيء إذا فكرت فيه‬
‫ال َخ َرس ٌ‬
‫بأذهب للمروءة والجمال وأبعدـ بالبهاء من الرجالـ من الكذبـ ‪ ..‬فالكذبـ جماع كل شر‬
‫وأصل كل ذنب وصغيره يجر إلى كبيره ‪..‬‬
‫فطامه " ؛ لذلك كان النبي‬ ‫عسر ُ‬ ‫ِ‬
‫رضاع الكذب ُ‬ ‫َ‬ ‫وقد قالت الحكماء ‪َ " :‬م ْن استحلى‬
‫– صلى اهلل عليه وسلم – يذمه مهما كان يسيرا ‪ ،‬ويُ ِّنفر من الكذب حتى على الصغار‬
‫ألجلـ أن يشبوا على الصدق ويألفوه ويتباعدوا عن الكذبـ ويأنفوه ‪َ ..‬ع ْن َع ْب ِد اللَّ ِه بْ ِن َع ِامـ ـ ٍر‬
‫ال‬
‫ت‪َ :‬ها َت َع َ‬ ‫ول اللَّ ِه صلى اهلل عليه وسلم قَ ِ‬
‫اع ٌد فِي َب ْيتِنَا‪َ ،‬ف َقالَ ْ‬ ‫ال‪َ :‬د َع ْتنِي ُِّأمي َي ْو ًما َو َر ُس ُ‬ ‫َأنَّهُ قَ َ‬
‫ت َأ ْن ُت ْع ِط ِيه ؟»‪.‬‬ ‫ـول اللَّ ِه صلى اهلل عليه وسلم ‪ « :‬وما َأر ْد ِ‬
‫ََ َ‬ ‫ال لَ َها َر ُسـ ـ ُ‬ ‫يك‪َ ،‬ف َق َ‬‫ُأ ْع ِط َ‬
‫ك لَ ْو لَ ْم ُت ْع ِط ِه‬ ‫ول اللَّ ِه صلى اهلل عليه وسلم ‪َ « :‬أما ِإنَّ ِ‬
‫َ‬ ‫ال لَ َها َر ُس ُ‬ ‫ت‪ُ :‬أ ْع ِط ِيه تَ ْم ًرا‪َ ،‬ف َق َ‬‫قَالَ ْ‬
‫ك كِ ْذبَةٌ »‪.‬‬ ‫َش ْيًئا ُكتِبَ ْ‬
‫ت َعلَْي ِ‬
‫رواه اإلمام أحمد بإسناد صحيح ‪.‬‬

‫فانظر (فانظر) كيف يعلِّم الرسول – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬اآلباء واألمهات أن‬
‫يُنشئوا أوالدهمـ تنشئةً يقدسون فيها الصدق ويتنزهون عن الكذبـ ‪ ،‬ولو أنه تجاوز عن‬
‫هذه األمور وحسبها من التوافه الهينة لخشي أن يكبر األطفالـ وهم يعتبرون الكذبـ ذنبا‬
‫صغيرا وهو عند اهلل عظيم ‪.‬‬

‫تحري الحق ورعاية الصدق حتى تناولت الشئون‬ ‫وقد صارت هذه الصرامةـ في ِّ‬
‫شةَ الَّتِي َهيََّأْت َها‬ ‫تص ِ‬
‫احبَةَ َعاِئ َ‬ ‫َأسماء بِْن ِ‬
‫ت ُع َم ْي ٍ‬
‫ت ‪ُ :‬ك ْن ُ َ‬
‫س ‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫المنزلية الصغيرة ‪َ ..‬ع ْن ْ َ َ‬
‫‪381‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪382‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪252‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫ت ‪َ :‬ف َواللَّ ِه َما َو َج ْدنَاـ ع ْن َدهُ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َو َم ِعيـ نِ ْس َوةٌ ‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫وَأ ْد َخلَْتها َعلَى رس ِ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْجا ِريَةُ ‪َ ،‬ف ُقلْنَا ‪:‬‬ ‫ت ال َ‬ ‫استَ ْحيَ ْ‬ ‫شةَ ‪ ،‬فَ ْ‬ ‫ب ِم ْنهُ ‪ ،‬ثُ َّم نَ َاولَهُ َعاِئ َ‬ ‫ش ِر َ‬
‫ت ‪ :‬فَ َ‬ ‫قِ ًرى ِإاَّل قَ َد ًحا ِم ْن لَبَ ٍن ‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫ت‬ ‫ش ِربَ ْ‬‫َأخ َذتْهُ َعلَى َحيَ ٍاء ‪ ،‬فَ َ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪ُ ،‬خ ِذي ِم ْنهُ ‪ ،‬فَ َ‬ ‫اَل َتردِّي ي َد رس ِ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ُ َ َُ‬
‫وعا َو َك ِذبًا " ‪،‬‬ ‫ك " ‪َ ،‬ف ُقلْنَا ‪ :‬اَل نَ ْشتَ ِه ِه ‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫احب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْنهُ ‪ ،‬ثُ َّم قَ َ‬
‫ال ‪ " :‬اَل تَ ْج َم ْع َن ُج ً‬ ‫ص َو َ‬ ‫ال ‪ :‬نَا ِولي َ‬
‫ك َك ِذبًا ؟‬ ‫ش ْي ٍء تَ ْشتَ ِه ِيه اَل َأ ْشتَ ِه ِيه ‪ُ ،‬ي َع ُّد ذَلِ َـ‬
‫ت ِإ ْح َدانَاـ لِ َ‬‫ول اللَّ ِه ‪ِ ،‬إ ْن قَالَ ْ‬
‫ْت ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ت ‪َ :‬ف ُقل ُ‬ ‫قَالَ ْ‬
‫ب الْ ُك َذ ْيبَةُ ُك َذ ْيبَةً " أخرجهـ اإلمام أحمد والطبراني‬ ‫ِ‬ ‫ال ‪ِ " :‬إ َّن الْ َك ِذ َـ‬
‫ب َكذبًا َحتَّى تُ ْكتَ َ‬ ‫ب يُ ْكتَ ُ‬ ‫قَ َ‬
‫في الكبير ‪.‬‬

‫إنه ال تهاون في مبدأ الكذب حتى ولو كان للتسلية أو المزاح ‪ ..‬عن بهز بن حكيمـ‬
‫عن أبيه عن جده ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬قال ‪ :‬سمعت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫ويل له " رواه‬ ‫ِ‬ ‫ضح َ ِ‬
‫بالحديث لي ِ‬
‫ِ‬ ‫يقول ‪ " :‬ويل ِ‬
‫ويل له ‪ٌ ..‬‬
‫ك به القوم في ْكذبـ ‪ٌ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫ِّث‬
‫للذي يحد ُ‬ ‫ٌ‬
‫حسن صحيح ‪..‬‬
‫أحمد وأبو داود والترمذي والنسائيـ ‪ ،‬وقال الترمذيـ ‪ٌ :‬‬
‫ويل له‬
‫ويل له ‪ٌ ..‬‬ ‫ض ِح َ‬
‫ك القوم ‪ٌ ..‬‬
‫ِّث ِ‬
‫فيكذبـ ليُ ْ‬ ‫ويل للَّذي يحد ُ‬
‫ولفظ أبي داود ‪ٌ " :‬‬
‫"‪.‬‬
‫فإذا كان هذا فيما يستسهل فما ظنك بأشنع الكذب ‪ ..‬وهو الكذب على اهلل أو على‬
‫ِ‬ ‫رسوله ! قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ : -‬و َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِـة َت َرى الَّ ِذ َـ‬
‫ين َك َذبُوا َعلَى اللَّه ُو ُج ُ‬
‫وه ُه ْم‬
‫ب َعلَ َّي ُمَت َع ِّم ًدا َفلْيَتََب َّوْأ َم ْق َع َدهُـ ِم َن‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :‬م ْن َك َذ َ‬
‫‪383‬‬
‫ُم ْس َو َّدةٌ ‪﴾ ...‬‬
‫النَّا ِر " متفق عليه ‪.‬‬

‫يلي ذلك ما كان ضرره عاما (يلي ذلكـ ما كان ضرره عاما) كالكذب الذي يطال‬
‫مصالح األمة وقضاياهاـ الكبار أو يحدث بلبلة في صفوف المجتمع وينشر الفوضى ويعدم‬
‫الثقة ويلبس الحق بالباطل ؛ سيما مع وجود وسائل النشر العامةـ وسرعة انتشار المعلومة ‪..‬‬
‫فتجد شبكةـ معلومات تطلق اإلشاعات ‪ ،‬وترى إعالما يكذب وصحفا تحرض فيعز الصدق‬
‫وسط هذا الركام (فيعز الصدق وسط هذا الركام) ‪ ،‬وإذا اختلطت الحقائق سار الناس‬
‫‪383‬‬
‫سورة الزمر‬
‫‪253‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫على غير هدى ‪ ،‬وقد رأى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عذاب من ينشر كذبته فقال ‪" :‬‬
‫ش ْر َش ُر ِش ْدقُهُ ِإلَى َق َفاهُ ‪َ ،‬و َم ْن ِخ ُرهُ ِإلَىـ َق َفاهُ ‪َ ،‬و َع ْينُهُ ِإلَىـ َق َفاهُ ‪،‬‬ ‫ت َعلَْي ِه يُ َ‬
‫الر ُج ُلـ الَّ ِذي َأَت ْي َ‬
‫َو ََّأما َّ‬
‫ب الْ َك ْذبَةَـ َت ْبلُ ُغ اآْل فَا َق ‪ " .‬رواه البخاري ‪.‬‬ ‫الر ُج ُلـ َي ْغ ُدو ِإلَىـ َب ْيتِ ِه َفيَ ْك ِذ ُـ‬
‫فَِإ نَّهُ َّ‬

‫وربما يأتيـ الكذبـ من مصدر يعتقد السامع صدقه فيبني عليه مواقفه فيحصل من‬
‫البالء والضرر ما ال يعلمه إال اهلل ‪ ،‬وربما هدمت بيوت وشتت أسر أو أريقت دماء ألجل‬
‫اك َح ِديثًا ُه َو‬ ‫ت ِخيَانَةً َأ ْن تُ َحد َ‬
‫ِّث َأ َخ َ‬ ‫نقل كاذب أو وشاية غادرة ‪ ،‬وفي الحديث ‪َ " :‬كُب َر ْ‬
‫ب " رواه أبو داود ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ص ِّد ٌق ‪َ ،‬وَأنْ َ‬
‫ت لَهُ َكاذ ٌ‬ ‫ك ُم َ‬
‫لَ َ‬

‫عباد اهلل الصدق بركة والكذبـ محق ‪ ،‬وعند البيع والشراء يحضر الطمع ويقل‬
‫ال‬
‫ال ‪ :‬قَ َ‬ ‫الورع ؛ لذا كان التوجيه الكريم واعظا في هذا المقام ‪َ ..‬ع ْن َح ِك ِيم بْ ِن ِح َز ٍام ‪ ،‬قَ َ‬
‫ِئ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْيه َو َسلَّ َم ‪ " :‬الْبَا َعان بِالْخيَا ِر َما لَ ْم َيَت َف َّرقَا فَِإ ْن َ‬
‫ص َدقَا َو َبَّينَا بُو ِر َك لَ ُه َما‬ ‫ول اللَّه َ‬ ‫َُ‬
‫ت َب َر َكةُ َب ْي ِع ِه َما " رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫فِي َب ْي ِع ِه َما ‪َ ،‬وِإ ْن َك َذبَا َو َكتَ َما ُم ِح َق ْ‬
‫وقد بوب البخاري في صححيه لهذا الحديث بقوله (بابـ ما يمحق الكذبـ‬
‫والكتمان في البيع) ‪.‬‬
‫وعن رفاعة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ : -‬أنه خرج مع النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إلى‬
‫المصلى فرأى الناس يتبايعون ‪ ،‬فقال ‪ " :‬يا معشر التُّجار ‪ ،‬فاستجابوا لرسول اهلل ‪ -‬صلى‬
‫ِـ‬
‫القيامة‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬رفعوا أعناقهم وأبصارهمـ إليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن التجار يُبعثون يوم‬
‫وبر وصدق " رواه الترمذي وابن ماجةـ ‪ ،‬وقال الترمذيـ ‪ :‬هذا‬ ‫فجارا إال َمن اتقىـ اهلل َّ‬
‫َّ‬
‫حديث حسن صحيح ‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫أال فاجعلوا الصدق لكم شعارا ودثارا ‪ ،‬والزموه إعالنًا وإسرارا يجعل اهلل التقوى‬
‫آمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ َو ُكونُواْ َم َع‬ ‫في قلوبكمـ والتوفيق والنور في دروبكم ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬
‫ين (‪. 384﴾ )119‬‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬
‫‪384‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪254‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ونفعنا بهدي سيد المرسلين ‪.‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر اهلل – تعالى ‪ -‬لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل على إحسانهـ ‪ ..‬والشكر له على توفيقه وامتنانهـ ‪ ،‬وأشهدـ أال إله إال اهلل وحده ال‬
‫شريكـ له تعظيماً لشانه ‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلىـ رضوانه ‪ ،‬صلَّى اهلل‬
‫وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫أما بعد ‪..‬‬


‫أيها المسلمون فأطْر النفس على الصدق وإلزامهاـ به ومراقبة اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬في السر والعلن‬
‫والتزام التقوى دوافع لإلنسان أن يكون الصدق له سجية ‪..‬‬
‫إشاعة الصدق في المجتمع ونبذ الكذابين ‪ -‬خاصة في وسائل النشر العامةـ ومصادر التلقيـ‬
‫‪ -‬واجب على المجتمع ‪..‬‬
‫إنه من السيء أن يعتاد الناس على من يكذبـ ويبقى حاضرا مؤثرا بقلمه أو لسانهـ أو وسيلته‬
‫اإلعالمية ‪..‬إنه قد يوجد في أي مكان من يكذب ‪ ..‬لكن ال يجوز أن يبقى الكذب أو يعتاد‬
‫على وجوده ‪.‬‬
‫لقد كانت الشريعةـ حاسمة في هذا الجانب ‪ ،‬وكان من عقوبة القاذفـ في القرآن العظيمـ‬
‫‪385‬‬
‫‪..‬‬ ‫ادةً َأبَداً ‪﴾ ...‬‬
‫الجلد والتشهير بالفسق ‪ ،‬وقال اهلل أيضا ‪َ ﴿ :‬واَل َت ْقَبلُوا لَ ُه ْم َش َه َ‬
‫تأثيرا كبيرا في هذاـ الجانب ‪ ،‬وكم‬ ‫حجر على وباء وإقصاءٌ لداء ‪ ،‬كما أن للقدوة ً‬ ‫إنه ٌ‬
‫يغفل األب أو األم أو المعلم حين يتساهلـ في الصدق وال يشعر أن الناشئـ يلتقط منه بوعي‬
‫أو بدون وعي ويتربى على هذا الخلق أو ذاك ‪.‬‬

‫‪385‬‬
‫سورة النور‬
‫‪255‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ِ‬
‫وجوه ِهم إال‬ ‫الناس في النّا ِر على‬
‫يكب ُ‬ ‫وه ْل ُّ‬‫الصدق ثقافة مجتمع ومسئولية كل فرد ‪َ " ..‬‬
‫هم " ‪.‬‬‫ِ‬
‫حصائ ُد ألسنت ْ‬

‫ٍ‬
‫محمد بن عبد اهلل الهاشمي القرشي‬ ‫هذا ‪ ،‬وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية وأزكى البشرية‬
‫صل وسلِّ ْم وبا ِر ْك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرينـ وصحابته‬‫‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫ض اللهم عن األئمةـ المهديين والخلفاء المرضيين ‪ -‬أبي بك ٍر وعمر‬ ‫ِ‬
‫وار َ‬
‫الغر الميامين ‪ْ ،‬‬‫ِّ‬
‫وعثمان وعلي ‪ -‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتَّبع سنتهم‬
‫يارب العالمينـ ‪.‬‬

‫اللهم ِ‬
‫أعز اإلسالم والمسلمين ‪ .‬اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫وأذل الشرك والمشركين‬
‫‪ ،‬ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعل هذا البلد آمنًا مطمئناً وسائر بالد المسلمين ‪..‬‬

‫اللهم آمنا في أوطاننا ‪ .‬اللهمـ آمنا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِ ْح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق‬
‫إمامنا وولي أمرناـ ‪..‬‬
‫اللهم وفق ولي أمرناـ خادم الحرمين الشريفين لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيئ له‬
‫البطانةـ الصالحة واصرف عنه بطانةـ السوء يارب العالمين ‪..‬‬
‫اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى ‪ ،‬اللهم وأتم عليه لباس الصحة والعافيةـ ‪ ،‬اللهم‬
‫وفق النائب الثانيـ لما فيه الخير للعبادـ والبالد ‪ ،‬واسلك بهم سبيل الرشاد ‪ ،‬اللهم كن‬
‫لهم جميعاً موفقاً مسدداً لكل خير وصالح ‪.‬‬

‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا والربا والزناـ والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن‬
‫‪.‬‬
‫اللهم احفظ ديارناـ وآمن حدودناـ ‪ ،‬وانصر المرابطين على ثغورنا ‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم أصلح أحوالـ المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم اجمعهم على الحق والهدىـ ‪ ،‬اللهم‬
‫ت عدوهم ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأرغد عيشهم وأصلح أحوالهمـ ‪ ،‬وا ْكبِ ْ‬ ‫دماءهمـ وآمنهم في ديارهمـ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احق ْن َ‬
‫ْ‬
‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ..‬اللهم انصرهم في فلسطين ‪،‬‬
‫اللهم انصر المرابطين في أكناف بيت المقدس ‪ ،‬اللهم اجمعهم على الحق يارب‬
‫العالمين ‪.‬‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدين‬
‫فإنهم ال يعجزونك ‪.‬‬
‫وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك ‪ ..‬يا من ال يُهزم جن ُدك وال‬
‫جارك َّ‬
‫عز ُ‬‫اللهم يارب العالمينـ َّ‬
‫يُخلف وعدك سبحانك وبحمدك ‪ ..‬اللهمـ قد طال ليل الظالمين ‪ ..‬اللهمـ إن الصهاينة قد‬
‫بغوا وطغوا وأسرفوا في الطغيان ‪ ..‬اللهمـ هيِّئ لهم يداً من الحق حاصدة تكسر شوكتهم‬
‫وتستأصل شأفتهمـ ‪ ،‬اللهم أنزلـ بهم بأسك ورجزك إله الحق ‪ ،‬اللهم ال تُِقم لهم راية‬
‫وال ِّ‬
‫تحق ْق لهم غاية واجعلهمـ لمن خلفهم آية ‪ ،‬اللهم اهزمهم وزلزلهم وانصرناـ عليهم‬
‫يارب العالمينـ ‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرةـ حسنة وقنا عذاب النار ‪ ،‬اللهم اغفر ذنوبنا واستر‬
‫ويس ْر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغْنا فيما يرضيك آمالنا ‪.‬‬
‫عيوبنا ِّ‬
‫ربنا اغفر لنا ولوالديناـ ووالديهم وذرياتهم إنك سميع الدعاء ‪.‬‬

‫نستغفرـ اهلل ‪ .‬نستغفر اهلل ‪ .‬نستغفر اهلل الذي ال إله إال هو الحي القيوم ونتوب إليه ‪..‬‬
‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ..‬أنت الغنيـ ونحن الفقراء ‪ ..‬أنزلـ علينا الغيث وال تجعلنا من‬
‫عاما‬
‫سحا طب ًقا مجلال ًّ‬
‫القانطينـ ‪ ،‬اللهم أغثنا ‪ .‬اللهم أغثنا ‪ ،‬اللهم أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬
‫نافعا غير ضار ‪ ..‬تحي به البالد وتسقي به العباد وتجعله بالغًا للحاضر والباد ‪ ،‬اللهم سقيا‬
‫ً‬
‫رحمة ‪ .‬اللهم سقيا رحمة ‪ ،‬اللهم سقيا رحمة ال سقياـ عذاب وال بالد وال هدم وال غرق ‪..‬‬

‫‪257‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم إن بالعبادـ والبالد من الحاجة والألواء ما ال يكشفهـ إال أنت ‪ ..‬اللهم فأعطنا وال‬
‫تحرمنا وزدنا وال تنقصنا ‪ ،‬اللهم أن ِز ْـل علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوةً على طاعتك‬
‫وبالغاً إلى حين ‪.‬‬

‫شاء َوال ُْمن َك ِر‬ ‫ان َوِإيتَاء ِذي الْ ُق ْربَى َو َي ْن َهى َع ِن الْ َف ْح َ‬ ‫عباد اهلل ‪ِ ﴿ :‬إ َّن اللّهَ يْأم ـر بِالْع ْد ِـل واِإل ْحس ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُُ َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫اهدتُّ ْـم َوالَ تَن ُق ُ‬
‫ضواْ اَأليْ َما َن َب ْع َد‬ ‫َوالَْبغْ ِي يَِعظُ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْـم تَ َذ َّك ُرو َن (‪َ )90‬و َْأوفُواْ بِ َع ْه ـد اللّه ِإذَا َع َ‬
‫يد َها َوقَ ْد َج َعلْتُ ُم اللّهَ َعلَْي ُك ْم َك ِفيالً ِإ َّن اللّهَ َي ْعلَ ُم َما َت ْف َعلُو َن (‪. 386﴾ )91‬‬ ‫َتوكِ ِ‬
‫ْ‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬الفتنة واالبتالء سنة جارية في األولينـ واآلخرينـ‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس من ربيع األول من عام ‪1431‬هـ‬

‫‪ -‬الفتنة واالبتالء سنة جارية في األولين واآلخرين ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل الذي له الجالل والجمال والكمالـ ‪ ،‬له األسماء الحسنى والصفاتـ‬
‫العال وهو الكبير المتعالـ ‪ ،‬أنعم على خلقه بشرعه ‪ ،‬وجعل القلوب مخاطبات بوحيه ‪،‬‬
‫فمنها ما اطمأنت ومنها التيـ ولت فواَّل ها – سبحانه – ما تولت ‪ ،‬ومنها التي دلت ثم زلت‬
‫الثبات في الحياة وعند النزع وفي القبرـ بعد الممات ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فمنه – سبحانه ‪ -‬يُرجى‬

‫‪386‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪258‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أهل ‪ ،‬وأسألهـ العفو والصفح وهو ذو المنة والفضلـ ‪،‬‬


‫أحمده – سبحانه – وهو للحمد ٌ‬
‫وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهدـ أن محمداً عبده ورسوله ‪ ،‬صلَّى اهلل‬
‫وسلَّم َ‬
‫وبار َك عليه – وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ..‬فاتقوا اهلل – تعالىـ – حق التقوى ‪ ،‬وأخلصوا له في السر والنجوى ‪ ﴿ ..‬يَا َُّأي َها‬
‫آمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوَأنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن (‪. 387﴾ )132‬‬ ‫الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬
‫نسف فيه الجبال‬
‫حقي ٌق بمن اتقىـ اهلل أن يعلم أن يعلم أن هلل يوما تُ َك ُّع فيه الرجالـ وتُ َ‬
‫كشف ما في الضمائر ؛‬
‫السرائر ويُ ُ‬
‫ُـ‬ ‫شهد الجوارح واألوصال ‪ ،‬وتُبلى‬
‫وتترادف األهوال وتَ َ‬
‫فرحم اهلل من عمل آلخرته ولم ُتلْهه الدنياـ عن اآلخرة الباقية ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬لما خلق اهلل األرض ودحاهاـ ووضع فيها زينتها َّ‬
‫وقدر فيها أقواتها أسكنهاـ‬
‫ِ‬
‫النبوات وأنزل فيهم‬ ‫فيهم‬
‫ويقيم حجته والىـ ُ‬
‫خلقه من الجن واإلنس ‪ ،‬وحتى يتم نعمته َ‬
‫تاج نعمه‬
‫الشرائع وبعث إليهم الرساالتـ ‪ ،‬وجعلـ الهدىـ والنور الذي جاء به األنبياء هو ُ‬
‫عدل‬‫كنوزها تَ ِ‬
‫خيرات الحياة وال ُ‬
‫ُ‬ ‫ممالك األرض وال‬
‫ُ‬ ‫وذروةَ َس ِ‬
‫نام فضله ‪ ،‬فال زينةُ الدنياـ وال‬
‫نعمةَ الهدى والنور الذي جاء به رسل اهلل من لَ ُدنْهـ ؛ إذ كيف تساوي هداية السماء بمتاع‬
‫األرض ؟! وكيف يقايسـ ما َعاقِبتُه الحسنى وجنةُ الخلد بما مآله الفناءُ والزوالـ ؟!‬

‫وجعل اهلل حملةَ ميراث األنبياء ومعتنقي ِش ْرعة السماء هم خيار أهل األرض في األرض ؛‬
‫شغاف قلوبهم ‪ ،‬واستضاءوا بنور اهلل في دروبهم ‪ ،‬وهم الذين‬
‫َ‬ ‫وحي اهلل‬
‫فهم الذين خالط ُ‬
‫ذلت جوارحهم وانقادت نفوسهمـ لشرع اهلل ‪.‬‬

‫خيار من‬
‫دين اهلل عزيزاً وشريعته غالية ‪ ،‬فإنه ال يستحق حملَها إال ٌ‬
‫عباد اهلل ‪ :‬ولما كان ُ‬
‫االبتالءات والمحن تعرض للمؤمنين واألذيةُـ والفتن تحيط بالمصدقين حتى‬
‫ُـ‬ ‫خيار ‪ ،‬فكانت‬
‫ال يبقى على الدينـ إال من يستحقه وليعلم اهلل الذينـ صدقوا ‪..‬‬
‫‪387‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪259‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الفتنة واالبتالء سنة جاريةـ في األولين واآلخرين ‪.‬‬


‫آمنَّا َو ُه ْم اَل‬ ‫بسم اهلل الرحمن الرحيمـ ‪ ﴿ :‬الم (‪ِ )1‬‬
‫َّاس َأن ُي ْت َر ُكوا َأن َي ُقولُوا َ‬
‫ب الن ُ‬ ‫َأحس َ‬ ‫َ‬
‫ين ص َدقُوا ولَي ْعلَم َّن الْ َك ِ‬
‫اذبِ َـ‬ ‫ِ‬ ‫ي ْفتنُو َن (‪ )2‬ولََق ْد َفتنَّا الَّ ِذ ِ ِ‬
‫ين (‬ ‫ََ َ‬ ‫ين من َق ْبل ِه ْم َفلََي ْعلَ َم َّن اللَّهُ الَّذ َـ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫‪. 388﴾ )3‬‬

‫تكاليف وأمانةٌـ ذات أعباء وجها ٌد‬


‫َ‬ ‫إن اإليمان ليس مجرد كلمة تقال ‪ ،‬بل هو حقيقةـ ذات‬
‫االبتالء‬
‫َ‬ ‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫يحتاج إلى صبر ‪ ،‬واهلل – تعالى–ـ يعلم حقيقةـ القلوب قبل االبتالء ‪،‬‬
‫معلوم هلل – تعالىـ – فيحاسب الناس على ما يقع من عملهم ؛‬
‫ٌ‬ ‫يكشف في عالم الواقع ما هو‬
‫فهو فضل من اهلل وعدل وتربيةٌ للمؤمنين وصقل ‪.‬‬

‫‪ ،‬فمنها‬ ‫‪389‬‬
‫الش ِّر َوالْ َخ ْي ِر فِ ْتنَةً ‪﴾ ...‬‬
‫والفتن واالبتالءات أنواعٌ وصور ‪َ ...﴿ :‬و َن ْبلُو ُكم بِ َّ‬
‫السراء والضراء ‪ ،‬ومنها الفتنة بانتشارـ المنكرات وغلبة األهواء ‪ ،‬وكثرة الدعاة على‬
‫أبواب جهنم وكثرة االختالف ‪ ،‬وخلط الحق والباطل ‪ ،‬ومن الفتنة أن يتعرض المؤمن‬
‫لألذى من الباطل وأهله ثم ال يملك النصر لنفسه وال المنعة ‪ ،‬ومن الفتنة أن يعيش المؤمن‬
‫الم غ ِريبًا‬ ‫بدينه كالغريب بين الناس ‪ ..‬قال رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬بَ َدَأ ْ‬
‫اإلس ُ‬
‫ود غ ِريباً َك َما بَ َدأ ؛ فَطُْوبَى لِ ْلغُربَاء " ‪ ..‬رواه مسلم ‪.‬‬
‫وسَيعُ ُ‬
‫‪َ ،‬‬

‫حديث موجه‬
‫ٌ‬ ‫أيها المسلمون ‪ :‬الحديث عن الثبات وقت المحن والصبر في البالء والفتنـ‬
‫إلى عموم المؤمنين من األخيار والصالحين والدعاة وطلبة العلمـ والمحتسبين حين يتسرب‬
‫الوهن واإلحباطـ إلى بعض المسلمين ‪ ،‬ويرون تسلط األعداء والمرجفينـ ‪ ،‬ومن يُشعل‬
‫فتيل الخالفات ويثير النزاعات ويطرحون األفكارـ الغريبة المشتتة ‪..‬‬
‫أثر العلماء والمصلحين ظاهراً في تسكين الناس وتثبيتهم على الحق حين الشدائدـ‬
‫وإذا كان ُ‬
‫وكثرة الفتن ‪ ..‬فإن ثمة مرجفينـ يجدون في أوقات ضعف األمة وتكالب األعداء عليها‬

‫‪388‬‬
‫سورة العنكبوت‬
‫‪389‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪260‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫فرصاً لترويج باطلهم وتشكيك الناس في عقائدهم ؛ يسخرون من الدين ويلمزون المطوعين‬
‫من المؤمنين ‪ ،‬ويُسهمون في إحباط األمة وتخاذلهاـ وتمييع مبادئهاـ لتضييع هويتها ‪..‬‬

‫ٍ‬
‫مفتونة‬ ‫ال تح ُذوا ح َذو عص ٍ‬
‫ـابة‬ ‫ْ‬
‫يجـدون كل ٍ‬
‫قديم أمراً منكـرا‬

‫المج ِام ِع أنْ َك ُروا‬


‫استَطَاعُوا في َ‬ ‫ولَ ِو ْ‬
‫ـات ِم ْن آبَاِئ ِهم ْأو ُع ِّم َرا‬
‫َم ْن َم َ‬

‫وهـ ْد ِم ِه‬ ‫ِ‬


‫اض في القد ِيم َ‬ ‫ـل َم ٍ‬ ‫من ك ِّ‬
‫ْ‬
‫ص َـرا‬ ‫وِإ َذا ت َق َّدم لِ ْلبِنَ ِ‬
‫ـاية قَ َّ‬ ‫َ‬

‫أيها المسلمون ‪ ،‬أيها األخيارـ والصالحون ‪ :‬لقد قص اهلل علينا في كتابه ‪ ،‬وروى لنا‬
‫رسوله في سنته من ِسيَر األمم السابقة وأتباع الديانات السالفةـ ‪ ،‬وقوة اطمئنان القلب لما‬
‫جاء عن المرسلين على كثرة الصوارف وشدة بأس المخالف ما يبين معه أن إيمانهمـ لو ُو ِز َن‬
‫ش ُر بالِمنشار من رأسه إلى قدميه ما يتزحزح عن دينه ‪،‬‬ ‫بالجبال لرجح بها ‪ ،‬فهذا يُن َ‬
‫سجر بالنار ثم يقذفون فيها ‪..‬‬
‫خدد لهم األخادي ُـد فتُ َ‬‫وأولئك تُ َّ‬
‫أروع األمثلة في‬
‫كما ضرب لنا نبينا محم ٌد – صلى اهلل عليه وسلم – وصحابتُه الكرام َ‬
‫الثباتـ على الدين ؛ مما أوصل لنا الدينـ كاملا والعقيدةـ نقية صافية حتى اعتنقها ماليين‬
‫السهل والوعر ‪.‬‬
‫َـ‬ ‫وعم ِ‬
‫ت‬ ‫البشر َّ‬

‫الدين ويبقى الخير ‪ ،‬وفي زماننا هذا ‪-‬‬


‫فتن وابتالءات ‪ ،‬ومع ذلك يبقى ُـ‬ ‫وفي كل زمان ٌ‬
‫ِ‬
‫وتقلب اآلراء وانتكاس المبادئ ‪ ..‬زم ِن‬ ‫ِ‬
‫وخلخلة الثوابت‬ ‫ويالزماننا !! زم ِن زلزلة المفاهيم‬
‫عقدي ‪ ..‬زم ِن السخرية من الدين وأهله وانتقاصـ‬ ‫ث‬‫ديني وِإر ٍ‬
‫ٍّ‬ ‫إعادة النظر في كل شيء ٍّ ْ‬
‫‪261‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وحملتِها ‪ ،‬حتى كثر المتساقطون على الطريق واستحكمـ اليأس في بعض‬ ‫الشريعة َ‬
‫الباعث على إعادة‬
‫ُ‬ ‫النفوس ؛ فصار‬
‫النظر في بعض أحكام الشريعةـ المستقرة ليس دليال راجحا أو مأخذاً واضحاً ‪ ،‬إنما الباعث‬
‫ضغط الواقع أو اتباع الهوى ومسايرةُ الناس ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ ..‬أيها المؤمنون ‪ ..‬أيها األخيار والصالحون ‪ :‬المؤمن ال يهن وال يحبط وال‬
‫يستكين وال ييأس وال يستوحش من الطريق لقلة السالكين ‪ ،‬وال ينظر إلى الهالكـ كيف‬
‫هلك ‪ ،‬بل ينظر إلى الناجي كيف نجا ‪.‬‬
‫أحوج ما نكون إلى الفألـ والعمل والبشارة وتحفيز الهمم ومعرفةـ السنن ‪ ..‬سنن‬
‫ُ‬ ‫إننا اليوم‬
‫اهلل في أوليائه وأعدائهـ ‪ ،‬سنن اإلدالة والنصر والمد والجزر ؛ حتى يطمئن مؤمن وال يغتر‬
‫فاجر ‪ ،‬ولئال يكون كثرة الباطل مدعا ًة لليأس والقنوط ‪ ،‬وقد قال اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬لنبيه –‬
‫ين (‪ 390﴾ )103‬وقال ‪:‬‬ ‫ص َ ِ ِِ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪َ ﴿ : -‬و َما َأ ْك َث ُر الن ِ‬
‫ت ب ُمْؤ من َ‬ ‫َّاس َولَ ْو َح َر ْ‬
‫ور (‪ 391﴾ )13‬وقال – سبحانه ‪َ ﴿ : -‬وِإن تُ ِط ْع َأ ْك َث َر‬ ‫ي َّ‬ ‫﴿ ‪ ...‬وقَلِ ِ ِ ِ‬
‫الش ُك ُ‬ ‫يل م ْن عبَاد َ‬
‫َ ٌ‬
‫يل اللّ ِه ‪. 392﴾ ...‬‬‫وك َعن َسبِ ِ‬ ‫ضي ِ‬
‫ضلُّ َ‬ ‫اَألر ِ ُ‬
‫ِ‬
‫َمن في ْ‬

‫ال يجوز أن يضعف صاحب الحق أو يهين ؛ فإن لهذا الدينـ إقباال وإدباراـ وامتداداًـ وانحسارا‬
‫ضعف وقوة وفرقة واجتماع وغربة وظهور وابتالء وتمكين ‪ ..‬ينطق بذلك وحي السماء‬
‫ٌ‬ ‫‪..‬‬
‫ويؤيده تاري ُخ البشر ‪..‬‬
‫وفي الخبر المتفق عليه ‪ ..‬قال هرقل ألبيـ سفيان ‪ " :‬هل قاتلتموه ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ال ِ‬
‫عليه أخرى ‪ ،‬قال ‪ :‬كذلك‬ ‫فكيف الحرب بينكم ؟ قال ‪ :‬سجال ‪ ..‬يُدال علينا مر ًة ونُ َد ُـ‬
‫لهم العاقِبة " ‪.‬‬ ‫الرسلـ تُ َبتلَى ثم تكو ُن ُ‬
‫ُ‬

‫‪390‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪391‬‬
‫سورة سبأ‬
‫‪392‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪262‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫سن َِّة اللَّ ِه تَ ْح ِوياًل (‬ ‫ِ ِ‬ ‫حكمةٌ بالغة وسنةٌ ماضية ‪َ ... ﴿ :‬فلَن تَ ِج َد لِ ِ َّ ِ ِ‬
‫سنَّة الله َت ْبدياًل َولَ ْن تَج َد ل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫َّاس ‪. 394﴾ ...‬‬ ‫ام نُ َدا ِولُ َها َب ْي َن الن ِ‬ ‫‪َ ...﴿ ،‬وتِل َ‬
‫‪393‬‬
‫ْك األيَّ ُ‬ ‫‪﴾ )43‬‬

‫أخرج الترمذي بإسنادـ صحيح ‪ :‬أن النبي – صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪ " :‬يَْأتِيـ َعلَى الن ِ‬
‫َّاس‬
‫ْج ْم ِر " ‪ ،‬وعن أبي هريرة – رضي اهلل عنه –‬ ‫ض َعلَى ال َ‬ ‫الصابُِـر فِي ِه ْم َعلَى ِدينِ ِه َكالْ َقابِ ِـ‬ ‫َز َما ٌن َّ‬
‫ب ‪ ،‬فَِتنًا َك ِقطَ ِع اللَّْي ِل‬ ‫أن النبي – صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ " :‬ويل لِلْعر ِـ ِ‬
‫ب م ْن َش ٍّر قَ ْد اقَْت َر َ‬ ‫َ ْ ٌ ََ‬
‫يل ‪,‬‬ ‫ض ِم َن ُّ‬
‫الد ْنيَاـ قَلِ ٍ‬ ‫يع َق ْو ٌم ِد َين ُه ْم بِ َع َر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل ُمْؤ منًا َويُ ْمسي َكاف ًرا ‪ ،‬يَبِ ُ‬ ‫صبِ ُح َّ‬ ‫ِ‬
‫ال ُْمظْل ِم ‪ ،‬يُ ْ‬
‫الشوك " حديث صحيح رواه‬ ‫ْج ْم ِر " أو قال ‪ " :‬على َّ‬ ‫ض َعلَى ال َ‬ ‫ك َي ْو َمِئ ٍذ بِ ِدينِ ِه َكالْ َقابِ ِ‬ ‫سُ‬‫ال ُْمتَ َم ِّ‬
‫اإلمام أحمد ‪.‬‬

‫ابتالءات وإداالتـ ‪ ،‬والشدائد كاشفات ألصحاب النفوس كبيرة ‪ ..‬والذينـ ال تزيدهم‬


‫ٌ‬ ‫إنها‬
‫إال صبراً ويقينا وحزماًـ وعزما ‪.‬‬

‫إخوة اإلسالم ‪ ..‬إخوة اإليمان ‪ :‬إننا بحاجة إلى تجديد اإليمان في قلوبنا وفي أعمالنا ؛ سيَّما‬
‫في وقت الشدائد والفتن ‪ :‬معاني اإليمان واليقين وحسن الظن باهلل والتسليم ‪ ،‬والصبر ‪،‬‬
‫وصدق الوالء ‪ ،‬والتضرع هلل والدعاء ‪ ،‬وحسن المجاهدة وتهذيب النفوس وإصالحها ‪،‬‬
‫والعبوديةـ هلل واالستعانةـ به وحسن التوكل عليه ‪ ،‬والعمل ٍّ‬
‫بجد وفأل ‪ ،‬وتوحيد الصف‬
‫وجمع الكلمةـ ‪ ،‬ومدافعةـ الباطل بال يأس ‪.‬‬

‫وكل هذه المعاني حققها المؤمنون السابقون في ُمثُ ٍل تُ ِّ‬


‫قوي العزائمـ وتشحذ الهمم ‪،‬‬
‫واقرأوا ما قص اهلل في القرآن من سيرة الرسل الكرامـ حتى قال اهلل – تعالىـ – في الختام ‪:‬‬

‫‪393‬‬
‫سورة فاطر‬
‫‪394‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪263‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ْح ُّق َو َم ْو ِعظَةٌ‬ ‫اد َك وج َ ِ ِ ِ‬


‫اءك في َهـذه ال َ‬
‫الرس ِـل ما ُنثَبِّ ُ ِ‬
‫ت بِه ُفَؤ َ َ َ‬
‫ص علَي َ ِ‬
‫ك م ْن َأنبَاء ُّ ُ َ‬ ‫﴿ َو ُكـالًّ َّن ُق ُّ َ ْ‬
‫ين (‪. 395﴾ )120‬‬ ‫و ِذ ْكرى لِل ِ ِ‬
‫ْمْؤ من َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫قال الماوردي – رحمه اهلل – ‪ ":‬أي نقوي به قلبك وتسكن إليه نفسك ؛ ألنهمـ بُلوا فصبروا‬
‫‪ ،‬وجاهدوا فظفروا " ‪..‬انتهى كالمه ‪-‬رحمه اهلل ‪. -‬‬

‫واقرأ في سيرة الرسول الكريم – صلى اهلل عليه وسلم – وكيف كان الفأل والعمل في‬
‫أحلكـ الظروف والمواقف ‪:‬‬
‫فيبشر بظهور الدين وهو طري ٌد بين مكة والطائف ‪ -‬كما أخرجهـ ابن سعد في (الطبقات)ـ ‪-‬‬
‫بسواري كِسرى وهو ُمطار ٌد في الهجرة ‪ ،‬وتحاصر المدينة بعشرةـ آالف‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫ويعد ُسراقةَ‬
‫مقاتلـ وتنقض اليهود عهدها ؛ فيبشر ببشارته الثالث عند ضربه الصخرة التي عرضت –‬
‫كما في صحيح البخاري ‪. -‬‬

‫وترب ْوا على هذه المثل ‪ ،‬فهذا أبو بك ٍر الصديقـ –‬


‫ودرج الصحابة – رضي اهلل عنهم – َّ‬
‫العرب ووقف جيش أسامةـ بين خطر‬ ‫ِ‬
‫ارتدت‬ ‫رضي اهلل عنه – يقف في ِـ‬
‫أحلك المواقف حين‬
‫ُ‬
‫الروم وبالء المرتدين ‪ ،‬فيثبت أبو بك ٍر وحده حتى يثبِّت اهلل المؤمنين ‪ِ ،‬‬
‫وينفد للروم‬
‫جيش أسامةَ ‪ ،‬ويقاتلـ المرتدين في اليمامة ‪ ،‬ويحفظ اهلل الدينـ بمواقف المؤمنين ‪..‬‬
‫ٍ‬
‫وإيمان ويقين ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عزيمة وجد‬ ‫إن الثباتـ يحتاج إلى‬

‫أثر عظيم في الثباتـ والنصر ‪ ،‬واالستعاذة من الفتن واردة في‬ ‫أيها المؤمنون ‪ :‬وللدعاء ٌ‬
‫ك ِمن فِ ْتنَ ِة الم ْحيا والمم ِ‬
‫ات " ‪..‬‬ ‫َ َ َ ََ‬ ‫الصحيحين ‪ ،‬وفي الحديث المتفق عليه ‪" :‬وأعُوذُ بِ َ ْ‬
‫دعاء‬
‫وما انتصر النبي – صلى اهلل عليه وسلم – في بدر حتى سقط رداؤه من على منكبه ً‬
‫وتضرعا ‪.‬‬
‫المسلم بين الحق والباطل حين تلتبس األهواء ‪ ،‬والسير في ركاب‬
‫ُ‬ ‫والعلمـ النافع يميِّز به‬
‫خرج في الصحيحين ‪.‬‬
‫الم َّ‬
‫أمن من الفتنة ‪ ،‬كما في حديث حذيفةـ ُ‬
‫جماعة المسلمين ٌ‬
‫‪395‬‬
‫سورة هود‬
‫‪264‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫التثبت من األخبارـ ‪ ..‬خاصة فيما يتعلق بالدينـ وحملته ‪ ،‬أما‬


‫ُ‬ ‫ومن سيماء المؤمنين ‪:‬‬
‫َّخوض في الباطل واعتماد أخبار الفساق واالتكاء على الحكايات والقصص الغريبةـ فذلك‬
‫الت ُّ‬
‫شأن الجهلة والغوغاء ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬إن مرحلة الضعف واالنحسار تدعو إلى إعادة بناء األمة وتسهم في مراجعةـ حالها‬
‫مع ربها ‪ ،‬وكلما اشتدتـ الفتن وتالحقت كلما اشتدتـ الحاجة للعبادة حيث ينشرح صدر‬
‫المؤمن ويطمئن قلبه ‪ ،‬ويحرسه اهلل من وسوسة الشياطين وإغوائهم ‪.‬‬

‫والعبادةـ وقت الفتن هي وصية النبي – صلى اهلل عليه وسلم – ألمته حيث قال ‪ " :‬ب ِ‬
‫اد ُروا‬‫َ‬
‫الر ُج ُلـ ُمْؤ ِمنًا َويُ ْم ِسي َكافِ ًرا " رواه مسلم ‪ ،‬وقال‬
‫صبِ ُح َّ‬ ‫ِ‬ ‫بِاَأْل ْعم ِ ِ ِ‬
‫ال فَتنًا َكقطَ ِع اللَّْي ِل ال ُْمظْل ِم يُ ْ‬ ‫َ‬
‫اله ْر ِج َك ِه ْج َر ٍة َّ‬
‫ٍإلي " رواه مسلم ‪.‬‬ ‫– صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬الِع َ ِ‬
‫بادةُـ في َ‬ ‫َ‬

‫فر ٌق بين من يتخوض في لُ َّجة الفتن وبين من يركن إلىـ اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬ويهاجر بقلبه إليه ‪،‬‬
‫ويتملق بين يديه ويدعو إلى سبيله ويسعىـ إلى اإلصالح وتسكين الفتن وتثبيت الناس على‬
‫الحق وداللتهم عليه ‪ ،‬فرق بين من ينشر الخير ويزكيه وبين من ينشر العيوب واإلحباطـ‬
‫والتثبيط ‪..‬‬
‫إنهاـ سلبية ال تليق بالمسلم ‪ ،‬ومن قال ‪ " :‬هلك الناس فهو أهلكهمـ " ‪ ،‬والمؤمن ‪ -‬أبداً‬
‫ك‬
‫السعي ‪َ ﴿ :‬و َما َكا َن َربُّ َ‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬قائم على سفينة المجتمع أال تكثر خروقها ‪ ،‬وليس عليه إال‬
‫صلِ ُحو َن (‪.. 396﴾ )117‬‬ ‫لُِي ْهلِ َ‬
‫ك الْ ُق َرىـ بِظُل ٍْم َو َْأهلُ َها ُم ْ‬
‫ك ِإاَّل الْبَاَل غُ ‪.. 397﴾ ...‬‬
‫خير منا ‪ِ ... ﴿ :‬إ ْن َعلَْي َ‬ ‫لقد قيل لمن هو ٌ‬

‫‪396‬‬
‫سورة هود‬
‫‪397‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪265‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ت َو َما َت ْوفِ ِيقي ِإالَّ بِاللّ ِه َعلَْي ِه‬


‫استَطَ ْع ُ‬ ‫خير منا ‪ِ.... ﴿ " :‬إ ْن ُأ ِري ُد ِإالَّ اِإل ْ‬
‫صالَ َح َما ْ‬ ‫وقال من هو ٌ‬
‫ْت ‪. 398﴾ ...‬‬ ‫َت َو َّكل ُ‬

‫ك‬
‫سَ‬ ‫والمسلم يلزم نفسهـ بمجالس الصالح ويهربـ من مواطن الريَب والفسادـ ‪ ﴿ :‬و ْ ِ‬
‫اصب ْر َن ْف َ‬ ‫َ‬
‫ين يَ ْدعُو َن َر َّب ُهم بِالْغَ َد ِاة َوال َْع ِش ِّي يُ ِري ُدو َن َو ْج َههُ ‪. 399﴾ ...‬‬ ‫َّ ِ‬
‫َم َع الذ َ‬

‫وجماع كل الوصايا ‪ ..‬وجماع كل الوصايا ما وصى اهلل – تعالى – به رسوله محمداً –‬


‫صلى اهلل عليه وسلم – في آخر سورة الحجر ‪ ..‬حيث قال اهلل – سبحانه ‪َ ﴿ : -‬ولََق ْد‬
‫َّعنَا بِ ِه َأ ْز َواجاً ِّم ْن ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ِإلَى َما َمت ْ‬ ‫يم (‪ )87‬الَ تَ ُم َّد َّن َع ْيَن ْي َ‬ ‫اك َس ْبعاً ِّم َن ال َْمثَانيـ َوالْ ُق ْرآ َن ال َْعظ َ‬‫آَت ْينَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك لِل ِ ِ‬ ‫َوالَ تَ ْح َز ْن َعلَْي ِه ْم َوا ْخ ِف ْ‬
‫ين (‪َ )89‬ك َما‬ ‫ين (‪َ )88‬وقُ ْل ِإنِّي َأنَا النَّذ ُـير ال ُْمب ُ‬ ‫ْمْؤ من َ‬ ‫اح َ ُ‬ ‫ض َجنَ َ‬
‫َأج َم ِع ْي َن (‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّه ْـم ْ‬‫ك لَنَ ْسَألَن ُ‬‫ين (‪َ )91‬ف َو َربِّ َ‬ ‫ين َج َعلُوا الْ ُق ْرآ َن عض َ‬ ‫ين (‪ )90‬الذ َ‬ ‫الم ْقتَسم َ‬ ‫َأنزلْنَا َعلَى ُ‬ ‫َ‬
‫ين (‪ِ )94‬إنَّا َك َف ْينَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ع بِ َما تُْؤ َم ُر َوَأ ْع ِر ْ‬
‫اك‬ ‫ض َع ِن ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫اص َد ْ‬
‫‪َ )92‬ع َّما َكانُوا َي ْع َملُو َن (‪ )93‬فَ ْ‬
‫ين يَ ْج َعلُو َن َم َع اللّ ِه ِإ‬ ‫ين (‪ )95‬الَّ ِ‬ ‫الْمسته ِزِئ‬
‫ك‬‫ف َي ْعلَ ُمو َن (‪َ )96‬ولََق ْد َن ْعلَ ُم َأنَّ َ‬ ‫س ْو َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ر‬‫َ‬ ‫خ‬‫َ‬ ‫آ‬ ‫ـ‬
‫ً‬‫ا‬‫ـه‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ـ‬
‫َ‬ ‫ُ َْ ْ‬
‫ك‬‫ين (‪َ )98‬وا ْعبُ ْد َربَّ َ‬ ‫ك و ُكن ِّمن َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يِ‬
‫الساجد َ‬ ‫َ‬ ‫سبِّ ْح ب َح ْمد َربِّ َ َ‬ ‫ص ْد ُر َك ب َما َي ُقولُو َن (‪ )97‬فَ َ‬ ‫يق َ‬ ‫ض ُ‬ ‫َ‬
‫ين (‪. 400﴾ )99‬‬ ‫حتَّى يْأتِي َ ِ‬
‫ك الْيَق ُ‬ ‫َ ََ‬

‫بشر ال يملك أن يضيق صدره وهو يسمع الشرك باهلل‬


‫إن النبي – صلى اهلل عليه وسلم – ٌ‬
‫واالستهزاءـ بدعوة الحق فيغار ويضيق بالشركـ واالنحرافـ ؛ لذلكـ يؤمر بالتسبيح والحمد‬
‫والعبادةـ والثبات حتى يأتيه األجلـ ‪ ،‬فيُع ِرض عن الكافرين ويلوذ بجوار الرب الكريم ؛‬
‫ويؤمر بالصدع والبيان ألن الصدع بالحق والجهر به ضرورةٌ في الدين لتتنبهَ الفطرةـ الغافلة‬
‫ك َعن َبِّينَ ٍة َويَ ْحيَى َم ْن َح َّي َعن َبِّينَ ٍة ‪. 401﴾ ...‬‬ ‫وتتعلم األممـ الالهية ‪ ...﴿ :‬لَِّي ْهلِ َ‬
‫ك َم ْن َهلَ َ‬ ‫َ‬

‫‪398‬‬
‫سورة هود‬
‫‪399‬‬
‫سورة الكهف‬
‫‪400‬‬
‫سورة الحجر‬
‫‪401‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪266‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫جعل العقيدة والشريعة عضين ‪ ..‬يُعرض جانب ويُوارى جانب مراعا ًة للجماهير وأهواء‬
‫أما ُ‬
‫الناس فهذا خالف ما ُأمر به الرسولـ – صلى اهلل عليه وسلم ‪. -‬‬

‫والصدع بالحق ال يعني الغلظة المنفرة وال الخشونة والتعالي ‪ ،‬كما أن الدعوة بالحسنى ال‬
‫ٍ‬
‫حكمة ولطف ‪ ،‬ولي ٍن ويسر ‪...﴿ :‬‬ ‫تعني إخفاء الحق وكتمانه ‪ ..‬إنه البيان الكامل في‬
‫ين (‪. 402﴾ )88‬‬ ‫ك لِل ِ ِ‬ ‫َوا ْخ ِف ْ‬
‫ْمْؤ من َ‬
‫اح َ ُ‬
‫ض َجنَ َ‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ونفعنا بسنة سيد المرسلين ‪..‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد أول كتابه وآخر دعوى أحبابه ساكني دار ثوابه ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال‬
‫اهلل وحده ال شريكـ له توحيداً وتقديساًـ لجنابه ‪ ،‬وأشهدـ أن محمداً عبده ورسوله ‪ ،‬صلى‬
‫اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ‪.‬‬

‫أما بعد أيها المسلمون ‪ :‬فإن الصبر وصية اهلل للرسل واألنبياء والصلحاء واألولياء ‪ ﴿ :‬يَا‬
‫الصالَ ِة ِإ َّن اللّهَ َم َع َّ ِ‬ ‫استَ ِعينُواْ بِ َّ‬ ‫َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين (‪. 403﴾ )45‬‬ ‫الصاب ِر َ‬ ‫الص ْب ِر َو َّ‬ ‫آمنُواْ ْ‬
‫ين َ‬
‫الصبر رفيق الدرب حين تظلم الدنيا ‪ ،‬والصبر منحةٌ من اهلل للثبات على الحق ‪ ،‬وحين‬
‫يغتر الدهماء بالباطل إذا تكاثر واستشرفت له النفوس وتطاولت له األعناق ‪ِ ... ﴿ :‬إنَّهُ َمن‬

‫‪402‬‬
‫سورة الحجر‬
‫‪403‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪267‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪َ ﴿ ،‬و َج َعلْنَا ِم ْن ُه ْم َأِئ َّمةً‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬


‫صبِ ْر فَِإ َّن اللّهَ الَ يُض ُ‬ ‫َيت َِّق َويِ ْ‬
‫‪404‬‬
‫ين (‪﴾ )90‬‬ ‫َأج َر ال ُْم ْحسن َ‬
‫يع ْ‬
‫صَب ُروا َو َكانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُو َن (‪. 405﴾ )24‬‬
‫َي ْه ُدو َن بِ َْأم ِرنَاـ لَ َّما َ‬
‫الصبر هو الواحة الخضراء لمن فقد الظل في الصحراء ‪ ،‬وفي خطاب اهلل لرسوله الكريم ‪:‬‬
‫ِّل‬
‫ص ُرنَا َوالَ ُمبَد َ‬ ‫صَب ُرواْ َعلَى َما ُك ِّذبُواْ َوُأوذُواْ َحتَّى َأتَ ُ‬
‫اه ْم نَ ْ‬ ‫ت ُر ُس ٌل ِّمن َق ْبلِ َ‬
‫ك فَ َ‬ ‫﴿ َولََق ْد ُك ِّذبَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ات اللّ ِه ولَق ْد ج َ ِ‬‫لِ َكلِ َم ِـ‬
‫ين (‪.. 406﴾ )34‬‬ ‫اءك من َّنبَِإ ال ُْم ْر َسل َ‬ ‫َ َ‬
‫نوح – عليه السالم – والذي دعا قومه عشرة قرون حتى نصره اهلل‬ ‫وبعد أن ذكر اهلل قصة ٍ‬
‫ين (‪.. 407﴾ )49‬‬ ‫قال اهلل – تعالى – لنبيه ‪ ... ﴿ :‬فَاصبِر ِإ َّن الْعاقِبةَـ لِل ِ‬
‫ْمتَّق َ‬‫َ َ ُ‬ ‫ْْ‬
‫وبعد المعارك الطاحنة في سورة (آل عمران) ونزالـ المشركين وجدالـ الكتابيينـ وذكر‬
‫صابُِرواْـ َو َرابِطُواْ‬
‫اصبِ ُرواْ َو َ‬
‫آمنُواْ ْ‬ ‫ين َ‬ ‫أحوال المنافقين ‪ ..‬ختم اهلل السورة بقوله ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫َو َّات ُقواْ اللّهَ لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َن (‪. 408﴾ )200‬‬

‫وإذا علم اهلل صدق النوايا وتميز الصابرون الصادقون وانقطعت العالئق بأسباب األرض‬
‫الر ُس ُلـ َوظَنُّواْ ََّأن ُه ْم قَ ْد ُك ِذبُواْ‬
‫َأس ُّ‬ ‫وتعلقت باهلل القلوب تحققت سنة اهلل ‪َ ﴿ :‬حتَّى ِإذَا ْ‬
‫اسَت ْي َ‬
‫ص ُرنَا ‪.. 409﴾ ...‬‬ ‫اءه ْـم نَ ْ‬
‫َج ُ‬
‫اط ُّم ْستَ ِق ٍيم (‪. 410﴾ )43‬‬ ‫صر ٍ‬‫ِ‬ ‫ك ِإنَّ َـ‬ ‫ك بِالَّ ِذي ِ‬
‫ُأوح َـي ِإلَْي َـ‬ ‫استَ ْم ِس ْ‬
‫ك َعلَى َ‬ ‫وأخيراً ‪ ﴿ :‬فَ ْ‬

‫اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ‪ ،‬ثم صلوا وسلموا على من أمركم اهلل‬
‫بالصالة والسالم عليه ‪..‬‬

‫‪404‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪405‬‬
‫سورة السجدة‬
‫‪406‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪407‬‬
‫سورة هود‬
‫‪408‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪409‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪410‬‬
‫سورة الزخرف‬
‫‪268‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ٍ‬
‫محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيمـ وعلى آل إبراهيمـ إنكـ‬ ‫صل على‬
‫اللهم ِّ‬
‫حميد مجيد ‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل‬
‫إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ‪ ،‬وارض اللهم عن األئمة الخلفاء ‪ -‬أبي بك ٍر وعمر‬
‫وعثمان وعلي ‪ -‬وعن صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم أعز اإلسالم وانصر المسلمين ‪ ،‬وأذل الشرك‬
‫والمشركين ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمنا مطمئناً وسائرـ بالد المسلمين ‪.‬‬
‫اللهم آمنا في أوطاننا ‪ ،‬اللهم آمنا في دورنا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬اللهم هيئ‬
‫لهم البطانة الصالحة الناصحة ‪.‬‬
‫اللهم من أرادناـ بسوء فأشغلهـ في نفسه ورد كيده في نحره ‪ ،‬واجعلـ دائرة السوء عليه‬
‫يارب العالمينـ ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محمد – صلى اهلل عليه وسلم – من‬ ‫ِج أمة نبيك‬
‫اللهم أهلكـ الظالمين بالظالمينـ ‪ ،‬وأ ْخر ْ‬
‫بينهم سالمين ‪.‬‬
‫اللهم ادفع عنا شر األشرارـ وكيد الفجار وشر طوارق الليل والنهار ‪ ،‬اللهم ادفع عنا الغال‬
‫والوبا والربا والزناـ والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ‪.‬‬

‫اللهم أصلح أحوالـ المسلمين ‪ .‬اللهم أصلح أحوال المسلمين ‪ .‬اللهمـ احقن دماءهم وآمنهم‬
‫في أوطانهمـ ‪ ،‬وأرغد عيشهم ‪ ،‬واجمعهم على الحق والهدىـ يارب العالمين ‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر المستضعفين من‬
‫المسلمين ‪ ،‬اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل مكان يارب العالمين ‪ ،‬اللهم عليك‬
‫بأعداء الدين فإنهم ال يعجزونكـ ‪.‬‬

‫اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ‪ ،‬وأرنا الباطل باطالً وارزقنا اجتنابه ‪ ،‬اللهم أبرم لهذه‬
‫األمةـ أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك ‪ ،‬ويُأمرـ فيه بالمعروف ويُ َنهى‬
‫فيه عن المنكر ياسميع الدعاء ‪.‬‬
‫‪269‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ثناء عليك‬
‫اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك ال نحصي ً‬
‫أنت كما أثنيت على نفسك ‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدنياـ حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار ‪.‬‬

‫ربنا اغفر لنا ولولدينا ووالديهمـ وذرياتهم ولجميع المسلمين ‪ ،‬اللهم اغفر ذنوبنا ‪ .‬اللهمـ‬
‫اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ ،‬ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪.‬‬

‫ربنا ظلمنا أنفسناـ وإن لم تغفرـ لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ‪.‬‬

‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ..‬أنت الغنيـ ونحن الفقراء ‪ ..‬أنزلـ علينا الغيث وال تجعلنا من‬
‫القانطين ‪.‬‬
‫عاما غير‬
‫نافعاـ ًّ‬
‫سحا غدقًا طب ًقا مجلال ً‬
‫اللهم أغثنا ‪ .‬اللهم أغثنا ‪ .‬اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاًـ ًّ‬
‫ضار ياحي ياقيوم ياذا الجالل واإلكرام ‪ ،‬اللهم تسقي به العباد وتحيي به البالد وتجعله‬
‫بالغاً للحاضر والباد ‪.‬‬
‫هدم وال غرق ياحيـ‬ ‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم سقيا رحمة ‪ ،‬اللهم سقيا رحمة ال سقيا‬
‫ياقيوم ياذا الجالل واإلكرام ‪ .‬ياحيـ يا قيوم ياذا الجالل واإلكرام ‪ .‬ياحيـ ياقيوم ياذا الجالل‬
‫واإلكرام ‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنكـ أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ‪ ،‬وآخر‬
‫دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬المسجد األقصى فضله ومكانته‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالث من ربيع اآلخر من عام ‪1431‬هـ‬

‫‪ -‬المسجد األقصى فضله ومكانته ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل الذي في السماء تعالى وتقدس واصطفى من البقاع الحرمين‬
‫الشريفينـ والبيت المقدس ‪ ،‬الحمد هلل وال يبلغ حمده حامدـ ‪ ،‬وأشكره على نعمه التي ال‬
‫يعدها عاد وال يحيط بها راصد ‪ ..‬اهلل الذي جعل األيام دوال واألمم بعضها لبعض آيات‬
‫ومثال ‪..‬‬
‫وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له وأشهدـ أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل‬
‫وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعينـ ومن تبعهم بإحسانـ إلى يوم الدينـ ‪.‬‬

‫أما بعد فاتقوا اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬وراقبوه وأطيعوا أمره وال تعصوه ‪ ،‬وما استجلبت الخيرات‬
‫إال بالطاعة وما محقت األحوال إال بالمعاصيـ والذنوبـ ‪ ،‬وإن العبد ليُُحرم الرزق بالذنب‬

‫‪271‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫صلِ ْح لَ ُك ْـم َأ ْع َمالَ ُك ْـم‬ ‫ِ‬


‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َوقُولُوا َق ْوالً َسديداًـ (‪ )70‬يُ ْ‬ ‫يصيبه ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬
‫َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َمن يُ ِط ْع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْوزاً َع ِظيماً (‪. 411﴾ )71‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬لقد أحب اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬من خلقه واصطفى ما شاء من الرسل واألنبياء والبالد‬
‫والبقاع ‪..‬‬
‫وشرفه وعظَّمه َّ‬
‫وكرمه ‪ ..‬إنه (المسجد األقصى) وقدسه‬ ‫وهذه حكايةـ مكان َّ‬
‫قدسه اهلل َّ‬
‫المقدس وإرث األمةـ الخاتمة الذي يسكن قلب كل مسلم ‪ ..‬ذكره اهلل في القرآن العظيم‬
‫بلفظ التقديس واألرض المقدسة والمسجد األقصى ‪ ،‬وباركه اهلل وبارك ما حوله ففاضت‬
‫بركته الدينيةـ والدنيوية حتى بورك الذيـ حوله لبركته ‪..‬‬
‫ون (‪ 412﴾ )1‬إشارة إلى (المسجد‬ ‫الز ْيتُ ِ‬
‫أقسم اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬بثمرته فقال ‪َ ﴿ :‬والتِّي ِن َو َّ‬
‫األقصى) ‪ ،‬ثم أقسم بـ (طور سينين) الذي كلم فيه رسوله موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬ثم‬
‫أقسم بـ (هذا البلد األمين) مكة المكرمةـ ‪ ..‬مبعث الرسولـ محمد الخاتمـ وأمته الوراثة ‪.‬‬

‫وجاءت شريعة اإلسالم بأعظم فروضها بعد التوحيد وهي (الصالة) متوجهاً بها إلى بيت‬
‫المقدس ؛ فصلى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إلى بيت المقدس بمكة ثالثة عشر‬
‫عاما ‪ .‬وبعد الهجرة إلى المدينة أيضا سبعة عشر شهرا حتى نزل القرآن آمرا بالتوجه إلى‬
‫المسجد الحرام ‪ ،‬والذي ارتبط ارتباطا أزليا بالمسجد األقصى ‪..‬‬
‫ِ‬
‫وهاكم في ذلك آية وحديثا ‪ ..‬أما اآليةـ فقول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ُ ﴿ : -‬س ْب َحا َن الَّذي ْ‬
‫َأس َرى‬
‫ْصى الَّ ِذي بَ َار ْكنَا َح ْولَهُ ‪. 413﴾ ...‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫بِ َع ْبده لَْيالً ِّم َن ال َْم ْسجد ال َ‬
‫ْح َر ِام ِإلَى ال َْم ْسجد اَألق َ‬

‫‪411‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪412‬‬
‫سورة التين‬
‫‪413‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪272‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫َأي مس ِج ٍد و ِ‬ ‫ْت يا رس َ ِ‬
‫ض َع‬ ‫ول اللَّه ُّ َ ْ ُ‬ ‫وأما الحديث ‪ :‬فعن أبي ذر ‪ -‬رضي اهلل عنه – قال ‪ُ " :‬قل ُ َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬
‫ال َأبُو‬ ‫ال ثُ َّم ال َْم ْسج ُد اَأْلق َ‬
‫ْصى قَ َ‬ ‫َأي قَ َ‬
‫ْت ثُ َّم ُّ‬
‫ال ُقل ُ‬ ‫ْح َر ُام قَ َ‬
‫ال ال َْم ْسج ُد ال َ‬
‫ض ََّأو ُل قَ َ‬ ‫في ْ‬
‫ال َْأر َبعُو َن َسنَةً‪ "  ‬الحديث متفق عليه ‪..‬‬ ‫ْت َك ْم َب ْيَن ُه َما قَ َ‬
‫ال ُقل ُ‬ ‫ت ال َْم ْق ِد ِ‬
‫س قَ َ‬ ‫ُم َعا ِويَةَ َي ْعنِي َب ْي َ‬
‫ش ُّد‬
‫وعن أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ : -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪ " :‬ال تُ َ‬
‫وم ْس ِج ِدي َه َذا "‬
‫األقصى ‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫الم ْس ِج ِد‬
‫ْح َر ِام ‪َ ،‬و َ‬
‫ِِ‬
‫ساج َـد ‪ :‬ال َْم ْسجد ال َ‬
‫ال ِإال ِإلَى ثَالثَِة م ِ‬
‫ََ‬ ‫الر َح ُ‬‫ِّ‬
‫الحديث أخرجهـ البخاري ومسلم ‪.‬‬

‫قال ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل – ‪ " :‬بدأ الخلق واألمر من مكةـ المكرمة ‪ ،‬وجعل اهلل بيت‬
‫المقدس وما حوله محشر خلقه ؛ فإلى بيت المقدس يعود جميع الخلق وهناك يحشر‬
‫الخلق ؛ ولذا جاء في الحديث أنها (أرض المحشر والمنشر) ‪ ..‬فهو البيت الذي عظمته‬
‫الملل وأكرمته الرسل وتليت فيه الكتب األربعة المنزلةـ من اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ : -‬الزبور‬
‫والتوراة واإلنجيل والقرآن " ‪.‬‬

‫اسم لجميع ما دار عليه السور من المباني والساحاتـ‬


‫عباد اهلل ‪ :‬و (المسجد األقصى) هو ٌ‬
‫واآلثارـ ‪ ،‬وفي داخله المسجد الذي في صدره و (مسجد قبة الصخرة) ‪ ،‬ولقد كان‬
‫ٍ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫المسجد األقصى كله مزارا لألنبياء ومسرى لخاتمهم‬
‫وكلهم عظموه وأكرموه ‪.‬‬

‫وقد ثبت ثبوتا قطعيا أن بين بناء البيت الحرام والمسجد األقصى أربعين عاما ‪ ،‬ومن‬
‫المعلوم أن بين إبراهيمـ ‪ -‬عليه السالم باني الكعبةـ ‪ -‬وبين سليمان ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬ما‬
‫يقاربـ األلف عام ؛ مما يؤكد قطعا أن المسجد األقصى بُنِي قبل سليمان بمئات السنين ‪..‬‬
‫وإنما كان له شرف إعادة البناء والتجديدـ كما فعل ذلك أولياء اهلل من رسله وأنبيائهـ‬
‫بمساجد اهلل ومواضع عبادته ‪ ،‬وكما فعل عمر بن الخطاب ومن بعده من خلفاء اإلسالم ‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ومن المقطوع به أن دين األنبياء واحد وإن اختلفت تفاصيل الشريعةـ ؛ فكلهم يدعو إلىـ‬
‫التوحيد وإلى إفراد اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬بالعبادة وطاعته في شرعه وأحكامه ‪..‬‬
‫ٍ‬
‫ورسول إلى رسول ؛ لذا فإن كل نبي يرث أرض اهلل‬ ‫وهذه األحكام تتنوع من ٍ‬
‫أمة إلىـ أمة‬
‫بكلمته ورسالته ‪ ..‬فهذا إبراهيمـ ولوط ‪ -‬عليهما السالم ‪ -‬وهما قبل يعقوب وإسحاق‬
‫ين (‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫وسليمان ‪ ..‬يقول اهلل عنهما ‪ ﴿ :‬ونَ َّج ْينَاهُ ولُوطاً ِإلَى اَأْلر ِ َِّ‬
‫ض التي بَ َار ْكنَا ف َيها لل َْعالَم َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪.. 414﴾ )71‬‬
‫قال الحسن ‪ " :‬هي الشام " ‪..‬‬
‫وقال قتادة ‪ " :‬كانا بأرض العراق فأنجيا إلىـ الشام ‪ ،‬وما نقص من األرض ِزيد في‬
‫الشام ‪ ،‬وما نقص من الشام ِزيد في فلسطين ‪ ،‬وكان يقال هي (أرض المحشر والمنشر)‬
‫وبها مجمع الناس " ‪..‬‬
‫ومثل هذا قاله ابن جريرـ وابن تيمية وابن كثير ‪ -‬رحمهم اهلل ‪ -‬ونص ابن كثير ‪ " :‬إن اهلل‬
‫سلم إبراهيم منةً لقومه ‪ ،‬وأخرجه مهاجرا إلى بالد الشام إلى األرض المقدسة منها " انتهى‬
‫‪.‬‬

‫وهكذاـ تبقى فلسطين ‪ -‬والمسجد األقصى خاصة ‪ -‬مآلهاـ لعباد اهلل المؤمنين قبل أن يولد‬
‫يعقوب وإسحاق ‪ ،‬ثم إنه بعد مئات من السنين أنجى اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬بني إسرائيل من ظلم‬
‫فرعون مصر ‪ ،‬وهاجرـ بهم موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬من مصر إلى سيناء ‪..‬‬
‫ك َف َقاتِال ِإنَّا َه ُ‬
‫اهنَا‬ ‫َأنت َو َربُّ َ‬
‫ب َ‬ ‫وأمرهم بدخولـ األرض المقدسةـ لكنهم أبوا وقالوا ‪ ﴿ :‬فَا ْذ َه ْ‬
‫‪415‬‬ ‫قَ ِ‬
‫اع ُدو َن (‪﴾ )24‬‬
‫ولم يجب موسى منهم إال رجالن فقط ‪ ،‬وكتب اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬عليهم التيه في األرض‬
‫جيل آخر أكثر صدقا من‬
‫أربعين عاما ‪ ..‬توفي فيها موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬حتى خرج ٌ‬
‫آبائهم فدخلوا األرض المقدسة ‪..‬‬

‫‪414‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪415‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪274‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وكتب اهلل عليهم اإلخراج إذا أفسدوا في األرض وطغوا ‪ ..‬فكان ما كتبه اهلل ‪ ،‬وتوالى‬
‫منهم الكفران والطغيان حتى ُأخ ِر ُجوا وتشرذموا في األرض بعد ثالثة قرون فقط ‪..‬‬
‫ثم إنه بعد سنين أورث اهلل األرض المؤمنين أتباع عيسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬ألن األرض هلل‬
‫يورثها من يشاء ‪ ..‬فكما كانت للمؤمنين قبل بني إسرائيلـ فقد كانت للمؤمنين بعدهمـ ‪:‬‬
‫الصالِ ُحو َن (‪. 416﴾ )105‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫الزبُو ِر ِمن َب ْع ِد ِّ‬
‫الذ ْك ِر َّ‬ ‫﴿ َولََق ْد َكتَْبنَا فِي َّ‬
‫ي َّ‬‫ض يَ ِر ُث َها عبَاد َ‬
‫اَأْلر َ‬
‫َأن ْ‬

‫حتى أذن اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬ببعثة سيد الثقلين وخاتمـ النبيين وبشارتهمـ محمد بن عبد اهلل‬
‫الهاشميـ القرشيـ ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وكان فتح بيت المقدس إحدى بشارته ‪ -‬كما‬
‫في صحيح البخاري ‪ -‬وكانت وراثته ووراثة أمته لألرض المباركة هي سنة اهلل الممتدة على‬
‫مر العصور ومنذ عهد إبراهيمـ ‪ -‬عليه السالم ‪.. -‬‬
‫وإن صالة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬باألنبياء في (بيت المقدس) ليلة اإلسراء كانت‬
‫ٍ‬
‫محمد ‪ -‬صلى‬ ‫إعالنا بأن اإلسالم هو كلمة اهلل األخيرةـ إلىـ البشر ‪ ..‬أخذت تمامها على يد‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأن آخر صبغة لـ (المسجد األقصى) هي الصبغة اإلسالمية ‪ ..‬فالتصق‬
‫نسب المسجد األقصى بهذه األمة الوارثة ‪.‬‬

‫وفي السنة الخامسة عشر للهجرة تحققت النبوية ودخل المسلمون (بيت المقدس) ‪،‬‬
‫وقال البطارقة ال نُسلِّم مفاتيح بيت المقدس إال للخليفة عمر بن الخطاب ؛ فإنا نجد صفته‬
‫في الكتب المقدسةـ ‪..‬‬
‫وجاء عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه – من المدينة المنورة إلى فلسطين وتسلم مفاتيح (بيت‬
‫المقدس) تسلما شريفا في قصة تكتب تفاصيلها بمداد النور ‪ ،‬وأشرف على مدينةـ القدس‬
‫من (جبل المكبِّر) حيث كبَّر وكبر معه المسلمون ‪..‬‬
‫جاء على ٍ‬
‫جمل أحمر يتعاقبه هو وغالمه ‪ ،‬وأقبل وغالمه هو الراكب وعمر آخ ٌذ بخطام‬
‫مخاضة من ٍ‬
‫ماء وطين فخلع موقيه ‪ -‬أي ُخ َّفيه ‪ -‬فأمسكهماـ بيد وأمسكـ‬ ‫ٍ‬ ‫البعير ‪ ،‬ومر على‬
‫خطام البعير باليد األخرىـ ‪..‬‬
‫‪416‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪275‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫فاستقبله أبو عبيدة معاتباـ يقول ‪ " :‬لقد فعلت شيئا عظيما أمام أهل األرض " ‪ ،‬فدفعه عمر‬
‫بيده في صدره وقال ‪ " :‬لو غيرك قالها ياأبا عبيدة ! فقد كنتم أذل الناس فأعزكم اهلل‬
‫باإلسالم ‪ ..‬فمهما ابتغينا العزةـ في غيره أذلنا اهلل " ‪.‬‬

‫هذا هو الطريقـ إلىـ فلسطين ‪ ..‬دخل عمر بعزة اإلسالم في ٍ‬


‫يوم من أيام اهلل ‪ ،‬وصلى في‬
‫صدر المسجد مما يلي القبلة ‪ ،‬وسأل عن (الصخرة) وكانت مدفونة تحت القمامة والزبلـ‬
‫‪ ..‬فأزال عنها القذر بعباءتهـ وتبعه الناس حتى طهر المكان ‪.‬‬
‫ولقد كتب التاريخ ‪ -‬بما ال مراء فيه ‪ : -‬أنه لم يهدم صومعةً وال كنيسةً وال معب ًداـ وال دارا‬
‫‪ ،‬بل ترك للناس دور عبادتهم ‪ ،‬وكتب ألهل البلد عهدا وأمانا وأشهدـ عليه ‪..‬‬
‫وعلى هذا النهج سار المسلمون إلى يومنا هذا ‪ ،‬وشهد التاريخ أن اليهود والنصارى‬
‫عاشوا أسعدـ فترة في ظل حكم المسلمين لفلسطين ‪ ،‬ومارسوا عبادتهم بحرية لم يجدوها‬
‫في ظل أي حكم قبله أو بعده ؛ ألنه ال تفاضل في اإلسالم إال بالتقوى ‪ ،‬وليس ألحد أن‬
‫يد ِعي أنه ِع ْر ٌق مفضل وأن يحتقر اآلخرين أو يظلمهم حتى ولو خالفوه في الدين ‪.‬‬
‫َّ‬

‫ومنذ تلك اللحظة اجتمع التاريخ واتحد الهم واتفق المصير منذ فجر اإلسالم وإلى قيام‬
‫الساعة ‪ ،‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والترمذيـ‬
‫خير في ُكم " ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أهل الشام فَال َ‬
‫س َد ُ‬ ‫‪ " :‬إذا فَ َ‬
‫ض ُّرهمـ‬
‫الحق ‪ ..‬ال ي ُ‬
‫ين على ِّ‬ ‫تزال طائفةٌ من َّأمتيـ ِ‬
‫ظاه ِر َـ‬ ‫وقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬ال ُ‬
‫بيت‬ ‫ِ‬
‫بأكناف ِ‬ ‫ببيت ِ‬
‫المقد ِ‬
‫س ‪ ..‬أو‬ ‫من خالََف ُهم ‪ ،‬قيل ‪ :‬فأين ُهم يارسول اهلل ؟ قال ‪ِ :‬‬
‫الم ْق ِدس " رواه الطبراني ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬إن فلسطين لم تكنـ مجرد أرض دخلت تحت سلطان المسلمين يوما من األيام‬
‫ويمكنها في يوم آخر أن تكون خارجه ‪ ،‬فلسطين مهد األنبياء ‪ ..‬وفي الحجاز بعث إمامهم‬
‫وخاتمهم ‪ ،‬فلسطين موطن الشرائع والرساالت ‪ ..‬وفي جزيرة العربـ ُأن ِزلت خاتمة هذه‬

‫‪276‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫صدِّقاً لِّ َما َب ْي َن يَ َديْ ِـه ِم َن‬ ‫اب بِال َ‬


‫ْح ِّق ُم َ‬
‫الشرائع وناسختها والمهيمنة عليها ‪ ﴿ :‬وأنزلْنَاـ ِإلَي َـ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ ْ‬
‫اب َو ُم َه ْي ِمناً َعلَْي ِه ‪.. 417﴾ ...‬‬ ‫ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫إن المسلمين هم الوارثون الحقيقيون لكل شريعةـ سماوية سابقة ‪ ،‬وهم األولىـ بكلـ نبي‬
‫آم َن بِاللّ ِـه َو َمآلِئ َكتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ول بِ َما ُأن ِز َل ِإلَْيه من َّربِّه َوال ُْمْؤ منُو َن ُكلٌّ َ‬
‫الر ُس ُـ‬
‫آم َن َّ‬‫ورسول غابر ‪َ ﴿ :‬‬
‫َأح ٍد ِّمن ُّر ُسلِ ِه (‪.. 418﴾ )285‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُكتُبِه َو ُر ُسله الَ ُن َف ِّر ُق َب ْي َن َ‬
‫ولما قدم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬المدينة وجد اليهود يصومون (يوم عاشوراء)‬
‫نجى اهلل فيه موسى وقومه وأهلكـ فرعون وقومه ‪ ،‬فقال ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫ويقولون ‪ :‬هذا يوم َّ‬
‫صيَ ِام ِه " ‪.‬‬
‫عليه وسلم ‪ " : -‬نَ ْحن َأح ُّق بِموسى ِم ْن ُكم " ‪ .‬فَصامهُ وَأمر بِ ِ‬
‫َ َ َ ََ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ُ َ‬

‫إرث واجب‬
‫إن فلسطين ‪ -‬تاريخا وأرضا ومقدساتـ ومعالم ‪ -‬هي إرث المسلمين ‪ٌ ..‬‬
‫القبول متحتم الرعايةـ الزم الصون ‪ ،‬إنه ليس خيارا يتردد فيه المترددون أو شأنا يتحير فيه‬
‫المتحيرون ؛ لهذا وذاك كان أكثر ما ُس ِفك من دماء المسلمين وأضرى ما وقع من حروبهمـ‬
‫على مر التاريخ حول تلك البقعةـ وعلى ذلك الثرى والدم الذي سكبه المسلمون أيام‬
‫الحروب الماضية لم يكن لينضب وفي المسلمين أوردة تنبض ‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬يساق هذا الحديث في الوقت الذي يعتقدـ فيه رواد الحضارة المعاصرة‬
‫أنهمـ وصلوا بها ‪ -‬في الصناعة والمكتشفات والمواثيق للحقوق والمنظمات ‪ -‬أنهم وصلوا‬
‫بها ذرا ترغد عيشهم وتكفلـ رفاهيتهم ‪ ،‬ولم يبق إال سالم يعم هذاـ الكوكب ليتوج هذه‬
‫المنجزات ويسعد بها البشر ‪..‬‬
‫ومن الذي يكره السالم وال يريد السالم ؟ بل من الذي اعترض في الماضي أن يعيش اليهود‬
‫والنصارى مع المسلمين في أرض الشام وفلسطين ومارسوا عبادتهم وبقيت كنائسهمـ‬
‫ومعابدهمـ واختلطوا بالمسلمين وتبادلواـ المصالح والمنافع ‪ ،‬بل وتصاهرواـ كما شهد‬
‫التاريخ البعيدـ والقريب ؟‬

‫‪417‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪418‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪277‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫من الذي يكره السالم وال يريد السالم ‪ ..‬وقد قدم العرب مبادراتهم في ذلك وما زالوا ؟‬
‫زور تاريخ وتُغير معالم‬
‫هجر أسر ويُنفى شعب ويُعبث بمقدسات ويُ َّ‬
‫ولكن أن تُغتصب أرض وتُ َّ‬
‫ويقع ظلم شديد بشعب ما زال يُسقى المر منذ سبعين عاما ‪ ..‬فإن ذلكـ كله عبث ببرميل‬
‫بارود ال يدرى متى يبلغ مداه ‪.‬‬

‫إنك لتعجب من أن حماة حقوق اإلنسانـ هم الراعون لمنتهكيـ اإلنسانيةـ والمتحدثون باسم‬
‫احترام مقدساتـ األمم وأديانهم هم المبررون للعابثين بقدسية األقصى ومسجده ومعالمهـ ‪..‬‬
‫وأن رافعي راية العدلـ والمساواة هم الراعون لمغتصبي األوطان ومهجري الشعوب وسارقي‬
‫التاريخ ‪ ،‬واألسوأ من ذلك أن يمارس باسمـ الدين وباسمـ الربـ وباسم التوراة !‬

‫س اليوم من قِبَ ِل الصهاينة هو إحداث صراع ثقافة وحضارة ودين ‪ ،‬وتصرف‬


‫إن الذي يُ َم َار ُ‬
‫يوقع العالمـ في حرج وخطر وينذر بشر ال يعلم مداه إال اهلل ‪..‬‬
‫وعلى المخلصين من أمة اإلسالم وعلى العقالء من قادة العالمـ أن يتداركوا ما يجري من‬
‫مسلسل التجاوزات واالعتداءات على األرض واإلنسان وممتلكاته التراثيةـ والدينية والمعالمـ‬
‫وقدسهـ رب السماء ‪:‬‬ ‫اإلسالمية والحفريات األرضية التي تنخر أساس مسجد عظَّمه األنبياء َّ‬
‫اس ُمهُ َو َس َعى فِي َخ َرابِ َها ُْأولَـِئ َ‬
‫ك َما َكا َن لَ ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫﴿ ومن َأظْلَم ِم َّمن َّمنَع مس ِ ِ‬
‫اج َد اللّه َأن يُ ْذ َك َر ف َيها ْ‬ ‫َََ‬ ‫ََ ْ ُ‬
‫يم (‪. 419﴾ )114‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأن ي ْد ُخلُوهاـ ِإالَّ َخآِئِفين لهم فِي ُّ ِ‬
‫اب َعظ ٌ‬ ‫ي َولَ ُه ْم في اآلخ َرةـ َع َذ ٌ‬
‫الد ْنيَاـ خ ْز ٌ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ونفعنا بسنة سيد المرسلين ‪.‬‬
‫أقول قولي هذا وأستغفر اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪419‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪278‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ .‬الرحمنـ الرحيم ‪ .‬مالكـ يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬
‫وحده ال شريك له الملك الحق المبين ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل‬
‫وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعينـ ومن تبعهم بإحسانـ إلى يوم الدينـ ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون الواجب المتحتم في زمن الجد والصراع هو اليقظة واالجتماع والعمل‬
‫الجاد واالئتالف وترك الخالف ‪..‬‬
‫ال يليق بأمة اإلسالم أن تغرق في خالفات جانبية ونظرات إقليمية أو أنانيةـ ‪ ..‬يجب أن تقدم‬
‫مصالح األمة الكبرىـ على كل مصلحة فرعية ‪ ،‬وأن تسمع نداءاتـ الحق والعدلـ‬
‫ومبادرات الحزم والعقلـ بأن تطرح الخالفات وتتوحد األمةـ في وجه األزماتـ ‪:‬‬
‫ص ُمواْ بِ َح ْب ِل اللّ ِه َج ِميعاً َوالَ َت َف َّرقُواْ‪. 420﴾ ...‬‬
‫﴿ وا ْعتَ ِ‬
‫َ‬

‫على أهل العلم والثقافةـ والفكر أن يعنوا بما يحفظ لألمة بقاءهاـ وتراثهاـ ‪ ،‬بل وحياتها ‪..‬‬
‫إن من العار أن ينطلي على األمةـ تزوير التاريخ وطمس المعالم وسرقة المقدسات ونحن‬
‫غافلون في ثقافة الروايات وتصفيف العبارات أو تراشق االتهامات والطعن في‬
‫الموروثات ‪..‬‬
‫والطريقـ إلى فلسطين ال يمر عبر إشاعة الفوضى في ببالد المسلمين وال بزعزعة األمة أو‬
‫التخريب والتفجير واالعتداء على مصالح األمة المسلمة ‪..‬‬
‫لن ننجح ما دمنا مختلفين ‪ ،‬ولن ننتصر إن كنا متفرقين ‪َ ﴿ :‬وقُ ِل ا ْع َملُواْ فَ َ‬
‫سَي َرى اللّهُ‬
‫َع َملَ ُك ْم َو َر ُسولُهُ َوال ُْمْؤ ِمنُو َن ‪. 421﴾ ...‬‬
‫واعلموا ‪ -‬رعاكم اهلل ‪ -‬أن الجد منجح والعمل منتج ‪ ،‬وسيحصد كل زارع ما زرع ‪.‬‬

‫هذا ‪ ،‬وصلوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشرية رسول اهلل محمد بن عبد اهلل ‪..‬‬

‫‪420‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪421‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪279‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيمـ وعلى آل إبراهيمـ في‬
‫العالمينـ إنك حميد مجيد ‪ ،‬وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيمـ‬
‫وعلى آل إبراهيمـ في العالمين إنك حميد مجيد ‪.‬‬

‫اللهم ارض عن األئمة الخلفاء ‪ .‬اللهم ارض عن األئمة المهدين والخلفاء الراشدينـ ‪ -‬أبي‬
‫بك ٍر وعمر وعثمان وعلي ‪ -‬وعن سائرـ صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم‬
‫واتبع سنتهم يارب العالمين ‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهمـ أعز اإلسالم والمسلمين وأذل الشرك‬
‫والمشركين ‪ ،‬ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بالد المسلمين ‪.‬‬

‫اللهم آمنا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيد بالحق إمامنا وولي أمرناـ ‪،‬‬
‫اللهم وفقه لهداك ‪ ،‬واجعلـ عمله في رضاك ‪ ،‬وهيئ له البطانة الصالحة ‪ ،‬واجمع به‬
‫كلمة المسلمين ياحي ياقيوم ياذا الجالل واإلكرام‪.‬‬
‫اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى ‪ ،‬وأتم عليه الصحة والعافية ‪..‬‬
‫اللهم وفق النائب الثاني لما فيه الخير للعباد والبالد ‪ ،‬واسلك بهم سبيل الرشاد ‪ ،‬اللهم‬
‫كن لهم جميعا موفقا مسدداـ لكلـ خي ِر وصالح ‪.‬‬

‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا والربا والزناـ والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن‬
‫‪.‬‬
‫اللهم احفظ ديارناـ وآمن حدودناـ وانصر المرابطينـ على ثغورنا ‪..‬‬

‫اللهم أصلح أحوالـ المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم اجمعهم على الحق والهدىـ ‪ ،‬اللهم‬
‫أحقن دماءهمـ وآمنهم في ديارهمـ وأرغد عيشهم وأصلح أحوالهمـ واكبت عدوهم ‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان يارب العالمين ‪ ،‬اللهم انصرهمـ في‬
‫فلسطين ‪ ،‬اللهم انصر المرابطين في أكناف بيت المقدس ‪ ،‬اللهم اجمعهمـ على الحق‬
‫يارب العالمينـ ‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم‬
‫ال يعجزونك ‪.‬‬

‫اللهم يارب العالمينـ عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك ‪ ..‬يامن ال يهزم جندك وال‬
‫يخلف وعدك سبحانك وبحمدك ‪ ..‬اللهم إن الصهاينةـ قد بغوا وطغوا وأسرفوا في‬
‫الطغيان ‪ ..‬اللهم هيئ لهم يدا من الحق حاصدة تكسر شكوتهمـ وتستأصل شأفتهم ‪ ،‬اللهم‬
‫أنزلـ بهم بأسك ورجزك إله الحق ‪..‬‬
‫اللهم ال تقم لهم راية ‪ ،‬وال تحقق لهم غاية ‪ ،‬واجعلهم لمن خلفهمـ آية ‪ ،‬اللهم اهزمهمـ‬
‫وزلزلهم وانصرناـ عليهم يارب العالمين ‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدنياـ حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار ‪.‬‬

‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ ،‬ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪.‬‬
‫ربنا اغفر لنا ولوالديناـ ووالديهم وذرياتهم إنك سميع الدعاء ‪.‬‬

‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ..‬أنت الغنيـ ونحن الفقراء ‪ ..‬أنزلـ علينا الغيث وال تجعلنا من‬
‫القانطين ‪ ،‬اللهم إن بالعباد والبالد من الحاجة والألواء ما ال يكشفه إال أنت ‪ ..‬اللهم‬
‫فأعطنا وال تحرمنا ‪ ،‬وزدنا وال تنقصنا ‪ ،‬اللهم أنزلـ علينا الغيث واجعل ما أنزلته قوة على‬
‫طاعتك وبالغا إلى حين ‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫شاء َوال ُْمن َك ِر‬ ‫ان َوِإيتَاء ِذي الْ ُق ْربَى َو َي ْن َهى َع ِن الْ َف ْح َ‬ ‫عباد اهلل ‪ِ ﴿ :‬إ َّن اللّهَ يْأم ـر بِالْع ْد ِـل واِإل ْحس ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُُ َ َ‬
‫ِ ِ‬
‫اهدتُّ ْـم َوالَ تَن ُق ُ‬
‫ضواْ اَأليْ َما َن َب ْع َد‬ ‫َوالَْب ْغ ِي يَِعظُ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْـم تَ َذ َّك ُرو َن (‪َ )90‬و َْأوفُواْ بِ َع ْه ـد اللّه ِإذَا َع َ‬
‫يد َها َوقَ ْد َج َعلْتُ ُم اللّهَ َعلَْي ُك ْم َك ِفيالً ِإ َّن اللّهَ َي ْعلَ ُم َما َت ْف َعلُو َن (‪. 422﴾ )91‬‬ ‫َتوكِ ِ‬
‫ْ‬

‫عنوان الخطبة‪ :‬خطورة أذية المسلم‬


‫‪422‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪282‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادسـ عشر من جمادى األولىـ من عام ‪1431‬هـ‬

‫‪ -‬خطورة أذية المسلم ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره‪،‬ـ ونعوذ باهلل من شرور أنفسناـ ومن سيئات أعمالنا‪،‬‬
‫من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ‬
‫له‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعينـ‬
‫ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فاتقوا اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬حق التقوى‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعروة الوثقى‪ ،‬واعلموا أنكم‬
‫حاسبون‪ ،‬وأن المصير إلى‬ ‫غ ًدا بين يدي اهلل موقوفون‪ ،‬وبأعمالكمـ َمجزيُّون‪ ،‬وعلى كسبكم ُم َ‬
‫ين آمنُوا َّات ُقوا اهلل ولْتَنظُر َن ْفس َّما قَ َّدم ْ ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت لغَد َو َّات ُقوا اهللَ ِإ َّن اهللَ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ ٌ‬ ‫جنة أو نار‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّذ َـ َ‬
‫َخبِ ٌير بِ َما َت ْع َملُو َن (‪. 423﴾ )18‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫وخطرا‪ ،‬وقد قال النبي ‪ -‬صلى‬
‫ً‬ ‫احتراما وحمايةًـ‬
‫ً‬ ‫درا‪ ،‬ولجنابه‬
‫إن للمسلم عند اهلل حرمةٌ وقَ ً‬
‫مسلِم " حديث صحيح أخرجه‬ ‫اهلل ِمن ِإ ِ‬
‫راقة ِ‬ ‫الدنيا أهو ُن عن َد ِ‬
‫دم ْ‬ ‫ْ‬ ‫وال ُّ َ‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬لََز ُـ‬
‫ظ البيهقي‪.‬‬ ‫الترمذي‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجة‪،‬ـ وهذا لف ُ‬
‫ولقد جاءت الشريعة باآلداب والتوجيهات واألحكام والحدود التي تُعظِّم الحرماتـ وتحمي‬
‫اُألخ َّوة مبدًأ‬
‫وقرر اإلسالم ُ‬
‫مس بأدنى أذى ولو كان لمشاعره وأحاسيسه‪َّ ،‬‬ ‫جناب المسلم أن يُ ّ‬
‫ب اإلحسانـ وينفي األذى مهما كانت صوره وأشكاله‪،‬ـ قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪:-‬‬ ‫ِ‬
‫يستوج ُ‬
‫﴿ ِإنَّ َما ال ُْمْؤ ِمنُو َن ِإ ْخ َوةٌ (‪. 424﴾ )10‬‬
‫‪423‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪424‬‬
‫سورة الحجرات‬
‫‪283‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫شوا وال تباغَضوا‪ ،‬وال يبِ ْع‬ ‫تناج ُ‬


‫حاس ُدواـ وال َ‬
‫وقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ال تَ َ‬
‫عباد اهلل إخوانَا‪ ،‬المسلم أخو المسلم ال يظلمهُ وال ِ‬
‫يحق ْره‬ ‫ض ُك ْـم على بي ِع ْبعض‪ ،‬و ُكونوا َ‬ ‫بع ُ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يحقر‬
‫الشر أ ْن َ‬ ‫من ِّ‬‫ب امرٍئ َ‬ ‫حس ِ‬‫وأشار بيده إلى صد ِره ثالثًا ‪ -‬ب ْ‬
‫َ‬ ‫وال يَ ْخ ُذله‪ ،‬التقوى َها ُهنا ‪-‬‬
‫ضهُ " رواه مسلم‪.‬‬ ‫كل المسلِ ِم على المسلِ ِم حرام دمه ومالُه ِ‬
‫وع ْر ُ‬ ‫أخاهُـ المسلِم‪ُّ ،‬‬
‫َ ٌ ُُ ُ‬
‫ب لَِن ْف ِسه " متفق‬ ‫يحب ِ‬
‫ألخ ِيه َما يُ ِح ُّ‬ ‫وقال صلى اهلل عليه وسلم‪ " :‬ال ي ِ‬
‫ؤم ُن أح ُد ُك ْم حتَّى َّ‬ ‫ُ‬
‫عليه‪.‬‬
‫وإشهاراـ لمبدأ كرامته وتعظيم حرمته وقدره‬
‫ً‬ ‫بل كانت حجة الوداع إعالنًا لحقوق المسلم‬
‫ودي به في أعظم محفل‪.‬‬‫تاريخي نُ ِ‬
‫ٍّ‬ ‫ميثاق‬ ‫عند اهلل وتحريم أذيته بأي ٍ‬
‫وجه من الوجوه في ٍ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫لمن أعظم الذنوبـ‬ ‫إن انتهاك هذه الحرمة التي عظَّمها اهلل‪ ،‬والتعدِّي على المسلمين بأذيَّتهم ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َوال ُْمْؤ منَات بغَْي ِر َما ا ْكتَ َ‬
‫سبُوا‬ ‫ين ُيْؤ ذُو َن ال ُْمْؤ من َ‬
‫واآلثام‪ ،‬وقد قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬والذ َ‬
‫احتَ َملُوا ُب ْهتَاناًـ َوِإثْماً ُّمبِينًا (‪. 425﴾ )58‬‬ ‫ِ‬
‫َف َقد ْ‬
‫إثما إن كانت األذيَّةـ للصالحين واألخيارـ من المؤمنين‪ ،‬وفي الحديث‬ ‫وتزدادـ الجريمة ً‬
‫بالحرب " رواه البخاري‪.‬‬ ‫ادى لي وليًّا فق ْد آذنتُهُ ْ‬
‫القدسيـ يقول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ " :-‬م ْن َع َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫يتصدى لحرب اهلل‪ ،‬وقد قال ‪ -‬سبحانه ‪ِ ﴿ :-‬إ َّن اهللَ يُ َداف ُع َع ِن الذ َ‬
‫ين‬ ‫فمن المخذول الذي َّ‬ ‫َ‬
‫آمنُوا (‪ 426﴾ )38‬وعلى قدر إيمان العبد يكون دفاع اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬عنه‪ ،‬وإذا ارتقىـ العبدـ‬ ‫َ‬
‫في اإليمان إلى مقام الوالية تأذَّن اهلل بالحرب لمن عاداه‪ ،‬وقد يكون المسلم الضعيف‬
‫المغمور وليًّا هلل وأنت ال تدري؛ فاحذر من أذيَّة من تولَّى اهللُ الدفاع عنهم‪.‬‬
‫ين َوال ُْمْؤ ِمنَ ِـ‬
‫ات بِغَْي ِر َما‬ ‫ِِ‬ ‫قال ابن كثير ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬وقوله‪َ ﴿ :‬والَّ ِذ َـ‬
‫ين ُيْؤ ذُو َن ال ُْمْؤ من َ‬
‫نسبون إليهم ما هم بُرآءُ منه لم يعملوه ولم يفعلوه – ﴿ َف َق ِد‬ ‫ا ْكتَسبوا (‪ - 427﴾ )58‬أي‪ :‬ي ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬

‫‪425‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪426‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪427‬‬
‫سورة األحزاب‬

‫‪284‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫تاـلـبـيـِّن أن يـحـكي أو يـنـقل عن اـلـمؤـمـنـين‬


‫وهذا هو اـل ُـب ْـه ُ‬
‫‪428‬‬
‫احتَ َملُوا ُب ْهتَاناً َوِإثْ ًما ُّمبِينًا (‪﴾ )58‬‬
‫ْ‬
‫وـاـلمؤـمـناتما لـم ـ يـفـعـلـوـه ـ على سـبـيل اـلـعـيبوـاـلـتـنقص لـهـمـ "‪.‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫حرمت ما يؤدي إلىـ مضايقة المسلم في مشاعره‪ ،‬فقال النبي ‪ -‬صلى‬ ‫لقد َبلَغَت الشريعةـ أن َّ‬
‫ذلك يُ ْح ِزنُه " ‪ ،‬وفي‬
‫فإن َ‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬إذا ُك ْنتم ثالثَة فَال يتنَاجىـ ِ‬
‫اثنان دو َن صاحبِ ِه َما َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫المؤمن " أخرجه الترمذيـ ‪ ،‬وقال‪ :‬حديث‬ ‫المؤمن‪ ،‬واهلل ي ْكره أذَى ِ‬
‫ؤذي ِ‬ ‫ذلك ي ِ‬ ‫رواية‪َّ " :‬‬
‫َُ‬ ‫فإن َ ُ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫بل وصل األمرـ إلىـ الجزاء بالجنة لمن أزال شوكة عن طريق المسلمين‪ ،‬قال ‪ -‬صلى اهلل‬
‫ال‪ :‬و ِ‬ ‫ٍ‬
‫اهلل ُأَلنحيَ َّن َه َذا َع ِن‬ ‫ص ِن َش َج َرة َعلَى ظَ ْه ِر طَ ِر ٍيق ‪َ ،‬ف َق َ َ‬ ‫عليه سلم ‪َ " :-‬م َّر َر ُج ٌل بِغُ ْ‬
‫فُأدخ َل الجنَّة " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ؤذي ِهم؛ ِ‬ ‫المسلِ ِمين اَل ي ِ‬
‫ُْ َ ُ‬
‫يسيرا وإن لم يتسبب فيه؟‬ ‫كف عن المسلمين أذى وإن كان ً‬ ‫فانظر ثواب من َّ‬
‫ثاب عليه المسلم‪ ،‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫معروف وإحسان يُ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫كف األذى لَ ُهو‬ ‫إن مجرد ّ‬
‫ك " رواه مسلم‪.‬‬ ‫ك َعلَى َن ْف ِس َ‬ ‫ص َدقَةٌ ِم ْن َ‬
‫َّاس فَِإ َّن َها َ‬
‫شر َك َع ِن الن ِ‬ ‫ف َّ‬ ‫‪ " :-‬تَ ُك ُّ‬
‫أي المسلمين َخير؟ قال‪َ " :‬م ْن َسلِ َم المسلِ ُمو َن‬ ‫ولما ُسِئل النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ُّ :-‬‬
‫ويده " ‪.‬‬ ‫ويده " متفق عليه‪ ،‬وفي رواية‪ " :‬المسلم من سلِم المسلمو َن من لسانِه ِ‬ ‫ِمن لسانِِـه ِ‬
‫ُ َْ َ‬ ‫ْ‬
‫قال ابن حجر ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬قتضي حصر المسلم فيمن َسلِ َم المسلمون من لسانه ويده‪،‬‬
‫والمراد بذلك‪:‬ـ المسلم الكاملـ اإلسالم‪ ،‬فمن لم يسلَم المسلمون من لسانه ويده فإنه ينتفي‬
‫عنه كمال اإلسالم الواجب؛ إذ سالمة المسلمين من لسان العبد ويده واجبةٌ‪،‬ـ وأذى المسلم‬
‫حرام باللسانـ واليد " ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪" :‬‬
‫نتحدث فيها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بد في مجالِ ِسنا‬‫رسول اهلل! ما لنا ٌّ‬
‫َ‬ ‫والجلوس في الطُّ ِـ‬
‫رقات " ‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬ ‫ُ‬ ‫إياكم‬
‫ْ‬
‫وما‬ ‫الطريق َّ‬
‫حقه "‪ ،‬قالُوا‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫فقال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ " :-‬إذا أبيتُ ْم إال المجلِس فأعطُوا‬
‫واألم ُر‬
‫السالم‪ْ ،‬‬‫ورد َّ‬‫وكف األذَى‪،‬ـ ُّ‬‫غض البصر‪ُّ ،‬‬ ‫رسول اهلل؟ قال‪ُّ " :‬‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫الطريق يا‬ ‫ُّ‬
‫حق‬
‫وف‪ ،‬والنَّهي عن المنكر " متفق عليه‪.‬‬ ‫بالمعر ِ‬
‫ُ‬
‫‪428‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪285‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫فمن صور األذى‪:‬ـ ُمضايَقة المسلمين في طرقاتهم وأماكنهمـ العامة‪،‬ـ ورمي النفاياتـ فيها بال‬
‫اللعانَين " قالوا‪ :‬وما‬
‫مباالة وال احترام‪ ،‬يقول النبي‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ات ُقوا َّ‬
‫الناس أو في ظلِّ ِهم " رواه مسلم‪ ،‬ولفظ‬ ‫رسول اهلل؟ قال‪« :‬الذيـ يتخلَّى في ِ‬
‫طريق ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اللعانان يا‬
‫رواية أبو داود‪ " :‬ات ُقوا الالعنَين "‪.‬‬
‫وقد أخبر ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬بأن إماطة األذى عن الطريق صدقة وأنها من ُش َعب‬
‫صحيح أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬‬
‫ٍ‬ ‫اإليمان‪ ،‬كما أخرج الطبراني وغيره ٍ‬
‫بسند‬
‫ت عليه ْلعنتهم " ومن قواعد اإلسالم ِ‬ ‫ِ‬
‫العظام قول النبي ‪-‬‬ ‫َم ْن آذَى المسلمين في طرق ِه ْم َ‬
‫وجبَ ْ‬
‫ضرر وال ِ‬
‫ض َرار" أخرجه اإلمام أحمد‪ ،‬وابن ماجة‪.‬‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ال َ َ َ‬
‫صحيح فإنه ال يجوز له إن كان سيؤذي المسلمين‪ ،‬وقد جاء رجل‬ ‫ٌ‬ ‫بل حتى من كان له قص ٌد‬
‫يتخطَّى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يخطب‪ ،‬فقال ‪ -‬عليه‬
‫اجلس فقد آ َذيْت " رواه أبو داود‪ ،‬وصححه ابن خزيمة‪ ،‬وابن‬
‫ْ‬ ‫الصالة والسالم ‪ -‬له‪" :‬‬
‫حبان‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبد اهلل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬م ْن‬
‫فإن المالئكةَ تتأذَّى مما يتأذَّى منه بنُو آدم‬
‫يقربن مسج َدنا؛ـ َّ‬
‫والثوم وال ُكراثـ فال َّ‬
‫َ‬ ‫البصل‬
‫َ‬ ‫أكل‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫لغرض‬ ‫متعمدة ولو كانت‬ ‫" أخرجهـ مسلم‪َّ .‬‬
‫فدل على منع أذيَّة المؤمنين ولو لم تكنـ َّ‬
‫تعمد في موافقة هوى النفس وشهوتها‪.‬‬
‫الم َّ‬
‫مشروع‪ ،‬فيكف باألذىـ ُ‬
‫ٍ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫جميعا؛ خاصةً ما ورد النص عليه‬ ‫تتناهى‪،‬ـ وعلى المسلم أن يتجنَّبها ً‬ ‫صورا ال تكاد َ‬‫إن لألذيَّة ً‬
‫الغ ْيبةـ والنميمة وأذيَّة الجيران والخدم والضعفاء‪،‬ـ‬‫تنبيها لخطره وتعظيما ألثره‪ ،‬كما ورد في ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫انتقصه أو كلَّفهُ فو َق طاقتِه أو أخ َذ منه‬
‫معاه ًدا أو َ‬
‫ظلم َ‬ ‫قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن َ‬
‫صحيح‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بإسناد‬ ‫يوم القيامةـ " رواه أبو داود‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫يجهُ َ‬‫شيًئا بغير ط ْيب نفسه فَأنا حج ُ‬
‫المعاه ِدين فكيف بمن ظلم إخوانهـ المؤمنين؟!‬ ‫َ‬ ‫فإذا كان هذا في ظلم‬
‫وتصوم‬ ‫الليل‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫رسول اهلل! إ ّن فالنةَ تصلي َ‬
‫َ‬ ‫يل‪ :‬يا‬
‫عن أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬ق َ‬
‫ِ‬
‫خي َر فيها‪ ،‬هي في النَّار " أخرجهـ اإلمام أحمد‪،‬‬ ‫َّهار وتؤذي جيرانَها بلسانِها‪،‬ـ فقال‪ " :‬ال ْ‬
‫الن َ‬

‫‪286‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وصححه الحاكم‪ ،‬وابن حبان‪ ،‬وقال صلى اهلل عليه وسلم‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫والبخاري في «األدبـ المفرد»‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫جاره " متفق عليه‪.‬‬ ‫يؤمن باهلل واليوم اآلخ ِـر فال يؤذ َ‬ ‫" َم ْن كا َن ُ‬
‫فمن اإليذاء‪ :‬السبابـ والشتام والغيبة والنميمة والقدح في األعراض‪ ،‬واهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬يقول‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ْسنَتِ ُكم وَت ُقولُو َن بَِأ ْفو ِاه ُكمـ َّما لَْيس لَ ُكم بِ ِه ِعلْم وتَ ْحسبونَهُ َهيِّناً و ُهو ِعن َد ِ‬
‫اهلل‬ ‫﴿ ِإ ْذ َتلَ َّقونَهُ بَِأل ِ‬
‫َ َ‬ ‫ٌ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫يم (‪. 429﴾ )15‬‬ ‫ِ‬
‫َعظ ٌ‬
‫فنادى‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬المنبر َ‬ ‫صع َد ُّ‬‫عن ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪ِ :‬‬
‫فض اإليما ُن إلى قلبِه؛ ال تُؤذُوا‬ ‫ولم يُ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫معشر َم ْن أسلَ َم بلسانه ْ‬ ‫بصوت رفيع‪ ،‬فقال‪ " :‬يا َ‬
‫فإن من تتبَّع عور َة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫المسلم تتبَّ َع اهللُ‬ ‫أخيه‬ ‫عورات ِهم؛ـ َّ َ ْ َ‬ ‫وه ْم‪ ،‬وال تتَّبعُوا َ‬ ‫عي ُر ُ‬
‫ين‪ ،‬وال تُ ِّ‬ ‫المسلم َ‬
‫جوف َرحلِه " ‪.‬‬‫عورتَه‪ ،‬ومن تتبَّع اهلل عورتَه يفضحه ولو في ِ‬
‫ُْ‬ ‫ْ َ‬
‫يوما إلى البيت أو إلى الكعبة‪ ،‬فقال‪ " :‬ما أعظمك وما أعظم حرمتك‪،‬ـ‬ ‫قال‪ :‬ونظر ابن عمر ً‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بإسناد‬ ‫والمؤمن أعظم حرمةً منك " رواه الترمذي‬
‫ب‬
‫ضَ‬‫بل ورد في «صحيح مسلم» من حديث عامر بن عمرو ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن من أغ َ‬
‫مسلما فقد أغضب ربه‪ ،‬وأنه على خطر من عقوبته وانتقامهـ حتى وإن كان ِ‬
‫المؤذي من‬ ‫ً‬
‫أفاضل الناس وخيارهم‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫بحق ظاه ٍر قام عليه الدليلـ البيِّن‬
‫احذرواـ أذيَّة المؤمنين واإلساءة إلىـ الناس أجمعين إال ٍّ‬
‫السالمـ من المعارض من الكتابـ والسنة والمأثور عن السلف الصالح من هذه األمة ليكون‬
‫وح َّجةً دافعةًـ حين تختصمون إلى ربكم فتؤدَّى الحقوق إلى أهلها‪.‬‬
‫قاطعا ُ‬
‫لكم برهانًاـ ً‬
‫ظلم‪ ،‬ودعوة المظلوم ليس بينها وبين اهلل حجاب‪ ،‬والصبر على أذى الخلق‬ ‫إن أذيَّة المؤمن ٌ‬
‫رين (‪. 430﴾ )126‬‬ ‫صَب ْرتُ ْم لَ ُهو َخ ْير لِّ َّ ِ‬ ‫ِئ‬
‫لصاب َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫أفضل من الدعاء عليهم‪َ ﴿ :‬ولَ ن َ‬
‫تكفره الصالة وال الصدقة وال الصوم؛ بل ال يغ َفر للظالم حتى ي ِ‬
‫غفر له‬ ‫وإن من األذى ما ال ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫المظلوم‪ ،‬وهيهات أن يعفو المظلوم يوم تتطايَر الصحف وتعز الحسنات‪،‬ـ قال رسول اهلل ‪-‬‬

‫‪429‬‬
‫سورة النور‬
‫‪430‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪287‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫درهم لهُ وال‬


‫المفلس فينا َم ْن ال َ‬
‫ُ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬أتدرو َن َم ْن المفلِس؟ " قالوا‪:‬‬
‫شتم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِـ‬ ‫ِ‬ ‫متاع‪ ،‬فقال‪:‬ـ " َّ‬
‫القيامة بصالة وصيام وزكاة ويأتي وقد َ‬ ‫يوم‬
‫المفلس م ْن أمتي َم ْن يأتي َ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫دم هذا‪ ،‬وضرب هذا؛ فيُعطَى هذا من حسناتِِه‪،‬ـ‬ ‫وسفك َ‬‫َ‬ ‫مال هذا‪،‬‬
‫وأكل َ‬
‫َ‬ ‫وقذف هذا‪،‬‬
‫َ‬ ‫هذا‪،‬‬
‫ت عليه‬ ‫خطاياهم فطُ ِر َح ْ‬ ‫من‬ ‫ِ‬ ‫وهذا من حسناته‪ ،‬فإن فنِيَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ضى ما عليه ُأخ َـذ ْ‬ ‫قبل أ ْن يُق َ‬
‫ت حسناتُهُ َ‬
‫ِح في النار " رواه مسلم‪.‬‬
‫ثُ َّم طُر َ‬
‫ويعظُ ُم اإليذاءـ ويتضاعف اإلثم وتشتد العقوبة كلما عظُمت حرمة الشخص أو الزمان أو‬
‫المكان أو المناسبة‪،‬ـ ولئن كان االستهزاء بالناس أذيَّة وبليَّة فإن االستهزاء بالصالحينـ والعُبَّاد‬
‫سالح ُأش ِهرـ أمام األنبياء‬
‫خطرا‪ ،‬وهذا الهمز واللمز هو أول ٍ‬ ‫إثما وأكثر ً‬‫والمحتسبين أشد ً‬
‫األسف ويشتد حين يكون‬
‫ُـ‬ ‫من هذه الخطيئة فإنه يعظُم‬
‫مصر ْ‬
‫عصر أو ٌ‬
‫والرسل‪ ،‬ولئن لم ي ْخ ُل ٌ‬
‫ظاهرا ُمعلَنًا غير من َكر؛ إذ استباحة حرم َح َملَة العلم والدين وجعل انتقاصهمـ ديدنًا هو‬
‫شاهراـ ً‬
‫ً‬
‫محترما ما دام أهله محترمون‪ ،‬وإذا‬
‫ً‬ ‫أخيرا‪ ،‬وسيبقى الدينـ‬
‫أمر لم يحدث في بالد اإلسالم إال ً‬
‫ٌ‬
‫تسلَّط عليهم َمن دونَهم في العلم والديانة فإن ذلك ُـ‬
‫نذير ٍ‬
‫نقص وفتنة‪.‬‬
‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫وظلم ذوي القربى ُّ‬
‫أشد َمضاضة‪ ،‬وقد أوصى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بالنساءـ في‬
‫فويل لمن آذى وصية النبي ‪ -‬صلى‬
‫خطبة الوداع كما أوصى بهن وهو على فراش الموت‪ٌ ،‬‬
‫تلعنها‪ ،‬إن أذيَّةـ أحد‬
‫وويل لمن آذَت زوجها فإن المالئكة َ‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬وظَلَ َم النساء‪ٌ ،‬‬
‫الزوجينـ لآلخر من أقبح صور األذى‪،‬ـ كما أن تسلُّط الرؤساءـ باألذى على مرؤوسيهمـ‬
‫داخلـ في الوعيد الشديدـ بقول‬ ‫ٍ‬
‫وهضم حقوق العمالـ وتأخير مصالح الناس في أي مجال هو ٌ‬
‫ِ‬ ‫ين ُيْؤ ذُو َن الْمْؤ ِمنِين والْمْؤ ِمنَ ِـ ِ‬
‫العزيز المجيد‪َ ﴿ :‬والَّ ِذ َـ‬
‫احتَ َملُوا ُب ْهتَانًاـ‬ ‫ات بغَْي ِر َما ا ْكتَ َ‬
‫سبُوا َف َقد ْ‬ ‫ُ ََ ُ‬
‫َوِإثْ ًما ُّمبِينًا (‪. 431﴾ )58‬‬
‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة‪ ،‬ونفعنا بما فيهما من اآلياتـ والحكمة‪ ،‬أقول قولي هذا‬
‫وأستغفرـ اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬


‫‪431‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪288‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪.‬الرحمنـ الرحيم‪.‬مالك يوم الدين‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫شريكـ له الملك الحق المبين‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله الصادق األمين‪ ،‬صلى اهلل‬
‫وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أما بعد‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬
‫ضت ُي َع ّد كبيرةً من الكبائر وجريمة من‬
‫فإذا كان إيذاء المسلمين ببعض األمثلة التي َم َ‬
‫يتضرر منه ماليين المسلمين ويقع بالؤه على‬
‫المحرمات‪ ،‬فما بالُكمـ بألوان من األذى َّ‬
‫مجموع األمة؟!‬
‫وتوس َعت كان إثم مرتكبهاـ أعظم وعقوبته أشد‪ ،‬وإذا كانت‬
‫فإن األذيَّة كلما انتشرتـ دائرتهاـ َّ‬
‫تحق على من يتخلَّى في طرق المسلمين وظلِّهم ويؤذيهم في طرقاتهمـ وهو ال َّ‬
‫يتعدى‬ ‫اللعنة ُّ‬
‫أفرادا معدودينـ فكيف بالذينـ يُؤذُون المؤمنين في دينهم وعقيدتهم وتصوراتهم ويؤذون‬
‫ً‬
‫ألوف المسلمين؟!‬
‫ابن‬
‫إنه أذى هلل ورسوله كما قال اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬في الحديث القدسي المتفق عليه‪« :‬يؤذيني ُ‬
‫الد ْنيَا َواآْل ِخ َر ِةـ‬
‫ين ُيْؤ ذُو َن اهللَ َو َر ُسولَهُ لَ َعَن ُه ُم اهللُ فِي ُّ‬ ‫َّ ِ‬
‫آدم»‪ ،‬وفي القرآن المجيد‪ِ ﴿ :‬إ َّن الذ َ‬
‫َأع َّد لَ ُه ْم َع َذابًا ُّم ِهينًا (‪. 432﴾ )57‬‬ ‫َو َ‬
‫كما أن من أذيَّة المسلمين‪ :‬خلط الحقائق‪،‬ـ وتلبيس الوقائع‪ ،‬وتسميم الثقافةـ والوعي‪ ،‬وقل‬
‫مثل ذلك في مجال القيم واألخالق والسلوك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫شاهد مما يصادم الذوق العام كما يصادم‬
‫وم َ‬‫عرض من مقروء ُ‬ ‫كم يتأذَّى عموم الناس بما يُ َ‬
‫الفضيلة والفطرة فضاًل عن أصول الشريعة ومبادئها‪،‬ـ أليس كل هذا أذيَّة للمسلمين ٍّ‬
‫وتحد‬
‫ظاهر لدينهم ومشاعرهمـ حتى أصبح من يريدـ الحفاظ على نفسهـ وأسرته من الوقوع في‬
‫االنحراف يعانيـ الكثير والكثير؟‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫صورةٌ أخرى من صور األذى‪:‬ـ وهو استغالل حاجة الناس وفقرهم والتحايُل على الرباـ الذي‬
‫غطَّى بسحابته السوداء بالد المسلمين وضرب بأطنابهـ في تعامالتهمـ ً‬
‫ظلما وعدوانًا حتى‬
‫‪432‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪289‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وانتهاء‬
‫ً‬ ‫ابتداء من المصارف والبنوك‬
‫ً‬ ‫دخل على من ال يريده في ُع ْقر داره ولو أن يصله غباره‬
‫بتجار التقسيط‪ ،‬حتى تكا َثرت الديون وتضاعف ِ‬
‫الع َوز مع قلة استفادةـ المدين وانعدام بركة‬ ‫َ‬
‫المال‪.‬ـ‬
‫إن على أصحاب المال واالقتصاد أن يتَّقوا اهلل فيما بين أيديهم فغ ًدا ‪ -‬واهلل ‪ -‬سوف‬
‫توسعت الدولةـ في بنوك التسليف الرفيقة باإلقراض‬
‫واستطراداـ في ذلك حبذا لو َّ‬
‫ً‬ ‫يُسألون‪،‬‬
‫يقل في المجتمعاتـ المسلمة‪ ،‬ونعود لنُكثر بركة المال‪.‬‬
‫الحسن لعل الربا وأشباه الرباـ ّ‬
‫وثمة جانب من جوانب اإليذاء العام في مجال المال واالقتصاد والذي يمارسه بعض التجار‬
‫َّ‬
‫وأصحاب المصالح من االحتكار ورفع األسعار والتضييق على المسلمين في أرزاقهم‬
‫ومعاشهمـ حتى أعمى الجشع بصائرهم‪،‬ـ وخ ّدر الطمع مشاعرهم‪.‬‬
‫إن التجارة باب كريم للرزق‪ ،‬لكن ذلك ال يعني االتكاء على الضعيف الستنزاف آخر ٍ‬
‫قطرة‬ ‫ٌ ٌ‬
‫دوما قول اهلل‬ ‫من دمه‪ ،‬وأسوأ من ذلك استدراجه بالديون وتحميله ما ال يحتمل؛ فلنستحضر ً‬
‫احتَ َملُوا ُب ْهتَانًاـ َوِإثْ ًما‬ ‫ِ‬ ‫ين ُيْؤ ذُو َن الْمْؤ ِمنِين والْمْؤ ِمنَ ِـ ِ‬
‫‪ -‬تعالىـ ‪َ ﴿ :-‬والَّ ِذ َـ‬
‫ات بغَْي ِر َما ا ْكتَ َ‬
‫سبُوا َف َقد ْ‬ ‫ُ ََ ُ‬
‫ُّمبِينًا (‪. 433﴾ )58‬‬
‫هذا‪ ،‬وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية وأزكى البشرية‪ :‬محمد بن عبد اهلل الهاشمي القرشي‪،‬ـ‬
‫صل وسلِّ ْم وبا ِر ْك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته‬ ‫اللهم ِّ‬
‫وارض اللهمـ عن األئمة المهديينـ والخلفاء الراشدينـ المرضيين‪ :‬أبي بك ٍر‪،‬‬
‫َ‬ ‫الغُِّر الميامين‪،‬ـ‬
‫وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيِّك أجمعين‪ ،‬ومن َس َار على نهجهم واتبع سنتهم‬
‫يا رب العالمين‪.‬‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين‪ِّ ،‬‬
‫ودمر أعداء الدين‪ ،‬واجعلـ هذا‬ ‫أع َّز اإلسالم والمسلمين‪ِ ،‬‬‫اللهم ِ‬
‫البلد آمنا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪ ،‬اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا‪ ،‬وأصلِح َّ‬
‫أئمتنا ووالة أمورنا‪،‬‬ ‫ً‬
‫وولي أمرنا‪.‬‬
‫وأيِّد بالحق إمامنا َّ‬
‫اللهم وفّق خادم الحرمين الشريفين لهداك‪ ،‬واجعلـ عمله في رضاك‪ ،‬وهيِّئ له البطانةـ‬
‫ولي عهده لما تحب وترضى‪ ،‬اللهم أتِ َّم عليه الصحة‬
‫الصالحة يا رب العالمين‪ ،‬اللهم وفِّق َّ‬

‫‪433‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪290‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫والعافية‪ ،‬اللهم وفِّق النائب الثانيـ لما فيه الخير للعبادـ والبالد‪ ،‬واسلك بهم ً‬
‫جميعا سبيل‬
‫سد ًدا لكل خير وصالح‪.‬‬ ‫جميعا ُم َّ‬
‫وف ًقا ُم َّ‬ ‫الرشاد‪ ،‬اللهم كن لهم ً‬
‫اللهم ادفع عنَّا الغال والوبا والرباـ والزنا والزالزلـ والمحن وسوء الفتنـ ما ظهر منها وما‬
‫بطن‪.‬‬
‫اللهم أصلح أحوالـ المسلمين في كل مكان‪ ،‬اللهم اجمعهم على الحق والهدى‪ ،‬اللهم احقنـ‬
‫دماءهم‪،‬ـ وآمنهم في ديارهم‪،‬ـ وأرغد عيشهم‪ ،‬وأصلح أحوالهم‪ ،‬واكبت عدوهم‪.‬‬
‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان‪ ،‬اللهم انصرهمـ في فلسطين‪ ،‬اللهم‬
‫انصر المرابطين في أكناف بين المقدس‪،‬ـ اللهم اجمعهم على الحق يا رب العالمين‪.‬ـ‬
‫اللهم انصر دينك وكتاب وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدين فإن ال‬
‫ي ِ‬
‫عجزونك‪.‬ـ‬ ‫ُ‬
‫ربنا آتنا في الدنيا حسنةً‪ ،‬وفي اآلخرةـ حسنةً‪ ،‬وقِنَا عذاب النار‪.‬‬
‫رضيك آمالنا‪.‬‬ ‫ويسر أمورنا‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫اللهم اغفر ذنوبنا‪ ،‬واستر عيوبنا‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫ك أسر المأسورين‪،‬‬ ‫ونفس كرب المكروبين‪ ،‬وفُ َّ‬ ‫هم المهمومين من المسلمين‪ِّ ،‬‬‫فرج َّ‬‫اللهم ِّ‬
‫ِ‬
‫واقض الدينـ عن المدينين‪ ،‬واشف برحمتكـ مرضانا ومرضى المسلمين‪.‬‬
‫ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهمـ وذرياتهمـ إنكـ سميع الدعاء‪.‬‬
‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت‪ ،‬أنت الغني ونحن الفقراء‪،‬ـ أن ِزل علينا الغيث وال تجعلنا من‬
‫أغثْنا‪ ،‬اللهمـ إن بالعباد والبالد من الحاجةـ والْألواء ما ال ِ‬
‫يكش ُفه‬ ‫أغثْنا‪ ،‬اللهم ِ‬
‫القانطين‪ ،‬اللهم ِ‬
‫َ‬
‫إال أنت‪ ،‬اللهم ِ‬
‫فأعطنا وال تح ِرمنا‪ ،‬و ِزدنا وال تُ ِنقصنا‪ ،‬اللهم أن ِزل علينا الغيث واجعل ما‬
‫أنزلتَهـ قو ًة على طاعتك وبالغًا إلى حين‪.‬‬
‫ب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬ ‫ربنا تقبَّل منَّا إنكـ أنت السميع العليم‪ ،‬وتُ ْ‬
‫وسالم على المرسلين‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬ـ‬ ‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون‪،‬‬

‫‪291‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬مصدر التشريع‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الحادي والعشرون من جمادى اآلخرةـ من عام ‪1431‬هـ‬

‫‪ -‬مصدر التشريع ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل ‪ .‬الحمد هلل الذي تقدس وتنزه وتعالىـ ‪ ،‬حسنت أسماؤه وكملت صفاته‬
‫فبلغت الغايةـ حسنا وكماال ‪ ،‬أنزل على خلقه الشرائع وبعث فيهم الرسلـ ووالى ‪ ،‬فمن‬
‫أعرض عما جاء عن اهلل فبسئت حالهـ حاال ‪ ،‬ومن اهتدى واقتفى فياحسن الجنة مستقراـ له‬
‫ومآال ‪ ..‬فهل الدين إال اتباع ؟ وما ُج ِعلـ األمرـ إال ليُطَاع وال النهي إال لالمتناع ‪ ،‬والشرع‬
‫كل الشرع مطاق ومستطاع ‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ..‬عظم ربنا خلقا وأمرا وجالال ‪ ..‬أبان لنا‬
‫الدين حراما وحالال ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك على رسوله وعبده محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين ‪..‬‬
‫أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلى‬
‫اهلل وسلم وبارك عليه وعلى أمته أتباعا وصحابة وآال ‪.‬‬

‫أما بعد ‪..‬‬


‫فاتقوا اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬حق التقوى ‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعروة الوثقىـ ‪ ﴿ :‬يَا‬
‫آمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ َح َّق ُت َقاتِِـه َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوَأنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن (‪. 434﴾ )102‬‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫َُّأي َها الذ َ‬
‫واعلموا ‪ -‬رحمكم اهلل ‪ -‬أن الدنيا دول قد دالت على عاد وثمود وأهل القرون‬
‫األولـ ‪ ،‬وأن المالـ عارية والنفس عائدة إلى خالقها إما راضية مرضية أو ساخطة شقية ‪،‬‬
‫ولنا بمن قبلنا أسوة ولمن بعدناـ عبرة ؛ فطوبى لمن عمر آخرته وقصد رضا ربه ‪.‬‬

‫اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيلـ ‪ ..‬فاطر السموات واألرض عالم الغيب‬


‫والشهادة ‪ ،‬أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ‪ ..‬اهدنا لما اختُلِف فيه من‬
‫الحق بإذنكـ إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ‪..‬‬
‫اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ‪.‬‬
‫عباد اهلل ‪ ..‬أيها المسلمون ‪ :‬كلنا سائرون إلى اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬مسافرون إلى الدار‬
‫ْحيَا َة‬
‫اآلخرةـ ‪ ،‬وهناك تنشر الصحف وتوضع الموازين ‪ ﴿:‬فَ ََّأما َمن طَغَى (‪َ )37‬وآ َث َر ال َ‬
‫س َع ِن ال َْه َوى‬ ‫ام َربِِّه َو َن َهى َّ‬
‫الن ْف َ‬ ‫يم ِه َي ال َْم َْأوى (‪َ )39‬و ََّأما َم ْن َخ َ‬
‫اف َم َق َ‬
‫الد ْنيا (‪ )38‬فَِإ َّن ال ِ‬
‫ْجح َ‬
‫َ‬ ‫ُّ َ‬
‫ْجنَّةَ ِه َي ال َْم َْأوى (‪.. 435﴾ )41‬‬ ‫(‪ )40‬فَِإ َّن ال َ‬
‫ولقد جاءت شريعة اهلل في هذه الدنيا إلخراج الناس من داعية أهوائهمـ حتى يكونوا‬
‫هلل عبادا ‪ ،‬وهذه هي حقيقةـ العبودية هلل ‪ ..‬أن نستسلم له في شرعه وقدره وأن نتحقق من‬

‫‪434‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪435‬‬
‫سورة النازعات‬
‫‪293‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫مراد اهلل لنأخذ به ال لنتحيَّل عليه أو نتهربـ منه ؛ إذ مقصد وجودنا هو تحقيق هذه العبوديةـ‬
‫ون (‪. 436﴾ )56‬‬‫ْج َّن واِإْل نس ِإاَّل لِي ْعب ُد ِ‬
‫هلل ‪ ﴿ :‬وما َخلَ ْق ُ ِ‬
‫ت ال َ َ َ ُ‬ ‫ََ‬
‫وعبادة اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬تتمثل في توحيده وطاعته وامتثال حكمه في أمره ونهيه ‪..‬‬
‫وهل الطاعة إال في الحالل والحرام ؟‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬الحاكم بالحالل والحرام هو اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬ونعرف حكم اهلل من‬
‫كتابه وسنة رسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بفهم الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬ال بالهوى‬
‫والتشفي ‪ ،‬وإن اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬اصطفى من هذه األمةـ من حمل الشريعةـ خالصة نقية كما‬
‫وترسم‬
‫جاء بها المصطفى المعصوم ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وجعل اتباعهم سنة وهدى ُّ‬
‫آثارهم سالمة ورشدا ‪ ،‬وأول أولئك وأوالهم هم صحابة رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فهم الذينـ شهدوا التنزيل وعلموا التأويلـ ‪ ،‬وهم أعلم بمراد اهلل ومراد رسوله ‪..‬‬

‫يليهم علماء راسخون وأعالم بالسنةـ قائمون ‪ ..‬أذابوا عمر الشباب وشطرا من سن‬
‫الكهولة في ِحلَق العلم والتعلمـ ‪ ..‬ثنيا للركب في النهار ومجافاة للنوم في الليل ‪ ،‬يقطعونه‬
‫بحثا واطالعا وحفظا وتفقهاـ ‪ ..‬يصاحب ذلك خشية تجلل األفئدة وتقوى تعمر القلوب ‪،‬‬
‫ناهيك عن رحالتهم لفجاج األرض تحصيال للعلم واستقصاءـ في الطلب ‪ ،‬ثم بعد ذلك كله‬
‫ال يتصدى أحدهم للفتيا في مسألة من دين اهلل إال بعد أن يشهدـ مائةـ من أهل العلم أنه بذلكـ‬
‫أهل ‪..‬‬
‫وبهؤالء ُح ِفظَت الشريعة واستقامت الملة ‪ ،‬واجتازوا بها قرونا من الكيد والعداءـ‬
‫كما يجتاز المركب لجج البحر وعواصفه حتى وصلت إلينا الشريعة بعد خمسة عشر قرنا‬
‫بيضاء نقية ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬وفي هذه السنوات المتأخرة ظهرت بادرة تنبىء بالشر وتفتح بابـ السوء‬
‫بكثرة المتسولين على حمى الشريعةـ بالخوض والتخوض في دين اهلل بال ورع وازع وال‬
‫‪436‬‬
‫سورة الذاريات‬
‫‪294‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫خوف من اهلل رادع ‪ ،‬تطير بذلك وسائلـ إعالم وشبكات اتصالـ تروج الشاذ من األقوال‬
‫وتفتي بالرخص حتى أحدثت عند الناس االضطرابـ وأودتـ بهم في مسالك االنحراف ‪..‬‬
‫ومن يفسد على الناس دينهم أولى بالعقوبةـ والمنع ممن يفسد دنياهم ‪ ،‬ولو كان‬
‫كل قول معتبرا ما استقام للناس دين وال عقيدة ؛ فإن إلبليس قوال ولفرعون مقاال ‪ ،‬ولكل‬
‫إنسان رأي وفهم إذا لم يضبط بالشرع فال حد لضالله ‪..‬‬
‫وقد قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬إن الناس ال يفصل بينهم إال‬
‫كتاب منزل أو وحي من السماء ‪ ،‬ولو ُردُّوا ألهوائهم فلكل واحدـ عقل " ‪..‬‬
‫وكم من معجب برأيهـ ال يدري أنه إمام في ضاللة ‪ ..‬عليه وزره ووزر من عمل بها‬
‫اه ْم َأِئ َّمةً يَ ْدعُو َن ِإلَىـ‬
‫إلى يوم القيامة ‪ ،‬وقد قال اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬في فرعون وملئه ‪َ ﴿ :‬و َج َعلْنَ ُ‬
‫‪.‬‬ ‫‪437‬‬
‫النَّا ِر ‪﴾ ...‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬وفي خضم هذا التخوض وكثرة من يبدي في الشريعة حكما وفي الدينـ‬
‫رأيا ؛ فإنا نقول كما قال األولون ‪ :‬إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكمـ ‪ " ،‬إن‬
‫هذا العلمـ دين فانظروا عمن تأخذون دينكم " ‪.‬‬
‫وإذا وقفت غدا أمام اهلل فلن تُعذر باتباعكـ لمن تبرأ الذمة باتباعهـ وال يوثق بعلمه وال‬
‫دينه وال فقهه وورعه ‪ ..‬لم تأخذـ عنه إال ما وافق هواك واطرحت قول العالم الرباني الذي‬
‫يخاف اهلل ويخشاه ويعلم كيف يتقيه ويعبده وكيف يصل إلى مرضاته وجنته ‪.‬‬

‫إن الدين هلل ‪ ..‬منه نزل وإلى جالله يعود ‪ ،‬واهلل الذي له الخلق واألمر يقضي ما‬
‫يشاء ويحكم ما يريد ‪ ،‬والحق في المسائل المختلف فيها واحد ‪ ..‬والحكم عند اهلل ثابت‬
‫مهما اختلفت أقوال المفتين ‪ ،‬وليست تبرأ الذمةـ بمجرد أن تجعل بينك وبين النار مفتيا ‪..‬‬
‫ولكن الواجب على المكلف أن يتحرى وأن يعرف َم ْن يسأل ليخرج من التبعة ويصيب حكم‬
‫اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ويحقق مرادهـ ‪ -‬سبحانه ‪.. -‬‬

‫‪437‬‬
‫سورة القصص‬
‫‪295‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫والبلية كل البلية في القصدـ إلى األخذ بأخف األقوال في مسائل الخالف وسؤال من‬
‫‪438‬‬
‫الذ ْك ِر ِإن ُكنتُ ْم الَ َت ْعلَ ُمو َن (‪﴾ )43‬‬
‫اسَألُواْـ َْأهل ِّ‬
‫َ‬ ‫ليس أهال للفتيا ‪ ،‬واهلل يقول ‪ ...﴿ :‬فَ ْ‬
‫فبسؤال غيرهم ال تبرأ الذمةـ وال يخرج المكلف من التبعة‪.‬ـ‬
‫إن حدود اهلل ال تستباح بزلةـ عالم وال فتوى متعالم ‪ ،‬ومن تتبع الرخصـ فسق‬
‫بإجماع العلماء وتحلل من ربقة التكليف ‪ ،‬ومن أخذـ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر‬
‫كله ‪ ،‬والبر ما سكنت إليه النفس واطمئن إليه القلب ‪ ..‬واإلثمـ ما حاك في النفس وتردد‬
‫في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك ‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬إن الالفت للنظر في المشهد العلمي اليوم ورغم وجود بقية من‬
‫أهل العلم تترسم خطى األسالف وتعي ثقل التركة ‪ ..‬إال أن حمى علم الشريعة غدا مستباحاـ‬
‫في كثير من األحيان حتى دهمه الدهماء واغتاله الغوغاء وتسارع للخوض فيه أنصاف‬
‫المتعلمين وأرباعهم ‪ ،‬واجترأ عليه من لم تمس يده مختصرا فقهيا أو شرحا حديثيا ومن لم‬
‫يسمع في حياتهـ عن األحكام التكليفيةـ والوضعية ودالالتـ األلفاظ على األحكام ومقاصد‬
‫الشريعة وموارد األحكام ومصادرهاـ ‪ ..‬حتى إنكـ لترى أحدهمـ يعتمد على حديث منسوخ‬
‫ويستدلـ بأثرـ ضعيف ويتكئـ على شبهة أجاب عنها العلماء ‪..‬‬
‫وأصبحت المسألةـ الشرعية التي لو عرضت على أبي بكر لجمع لها أهل بدر ولو‬
‫سئل عنها أئمة العلم لتدافعوها ‪ ..‬أصبحت كثير من المسائل العلمية فريسة لصحفي أو‬
‫عنوانا جاذباـ لحوار فضائي أو فكرة لرسام هزلي ‪ ،‬وأصبح عرض كثير من أهل العلم‬
‫وطلبته كًأل مباحاـ ومرتعا خصبا للهمز واللمز ‪ ،‬واستمرأتـ هذا األمر صحف ووسائلـ‬
‫إعالم حتى أصبح ال ينكر ‪ ،‬وصار يتصدى للعلماء وفتاواهمـ من ال حظ له في العلمـ ‪ ،‬بل‬
‫وال حتى في الديانةـ ‪..‬‬
‫ومع قناعتنا بأنه ال كهنونية في اإلسالم وال معصوم إال سيد األنام ‪ ..‬فإننا نعتقد في‬
‫الوقت نفسه أن هذه سابقة خطيرة ال نعلم أن لها مثيال في عصور اإلسالم السالفة ‪.‬‬

‫‪438‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪296‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن مسائلـ العلوم الشرعية يجب أن تبحث حسب في أصولها وبين أهلها الفاقهينـ بها‬
‫‪..‬‬
‫إن المتطفل على مسألةـ شرعية ليس لها أهل كالمقحم نفسه في مسألة طبية بجهل ‪،‬‬
‫بل إن علم الشريعة أشد خطرا وأعظم أثرا من علم الطب ؛ إذ تصلح بهذا األبدان وذاك‬
‫تصلح به األديانـ ‪ ،‬وإذا تعين منع من ال يحسن التطبب من مداواةـ المرضى فكيف بمن لم‬
‫يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدينـ ؟!‬
‫قال اإلمام ابن حزم ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬وال آفة على العلوم وأهلهاـ أضر من الدخالء‬
‫فيها وهم من غير أهلهاـ ؛ فإنهم يجهلون ويظنون أنهمـ يعلمون ويفسدون ويقدرون أنهم‬
‫يصلحون "‬

‫إننا في الوقت الذي نحتاج فيه إلى خالص ديننا ويموت فيه كبار علمائنا ويتفلت‬
‫بعض أبناء المسلمين من أصول الدين فضال عن فروعه ‪ ..‬إال أننا نرى علماء الشريعةـ في‬
‫أكثر ديار اإلسالم قد تناوب على الحط من أقدارهم األقزام وأصبح التنافس في التنقص‬
‫منهم مهنة انتقام ‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ ..‬ياأيها المسلمون في كل بالد اإلسالم ‪ :‬إن الوقوف إلى علماء‬
‫الشريعة في هذا الوقت ‪-‬وفي هذا الوقت بالذاتـ ‪ -‬لو لم يكن اإلسالم يستدعيه لكانتـ‬
‫السياسة توجبه وتقتضيه ومصلحة الدنياـ قبل اآلخرة تومئ إليه وتستدعيه ‪.‬‬
‫نعم ‪ ..‬أخطاء العلماء واردة وزالتهم متصورة وشذوذاتهم مردودة وأخطاء العامةـ في‬
‫فهم كالمهم أكثر ورودا وقصور فهم غير المختصين أكثر شيوعا ‪ ..‬إال أنه على كل‬
‫األحوالـ تبقىـ للعالم حرمته وللعلم حرمه ؛ فالعلماء هم نجوم األرض يهتدى بهم في ظلمات‬
‫الجهل ‪ ..‬إن ظهروا اهتدى وإن غابوا تحيروا ‪ ،‬خير من وطئ الثرى وأحسن المكلفين‬
‫عاقبة إن قاموا بأمر اهلل ومن أسوئهمـ إن فرطوا وخالفواـ ‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن العالمـ يجتهد فيخطئ ويصيب ويوفق وقد ال يحالفه التوفيق ‪ ..‬ولكن صواب‬
‫العلماء أكثر من خطئهم وتوفيقهم أضعاف زللهم ‪ ،‬وهم في ذلك بين األجر واألجرين ‪،‬‬
‫والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه ‪..‬‬
‫أما غير العالمـ فهو آثم وإن اجتهد مخطئ ولو أصاب ألنه ليس من أهل الفتوى ‪،‬‬
‫فما له وللتكلم فيما ال يدريه ‪ ..‬والدخول فيما ال يعنيه ؟ وحق مثل هذا أن يلزم السكوت ‪.‬‬

‫ويا أيهاـ الناس ‪ :‬ال تشمتوا فيكم عدوا وال حاسداـ وال تتقحموا أمرا ال يزيدكم‬
‫الخوض فيه إال فرقة وال يزيد أفهامكم إال بلبلة وال نفوسكم إال تنافرا ‪ ،‬كفوا فقد ُك ِفيتم‬
‫وانتهوا عن االختالف فقد نُِهيتم ‪ ،‬وترسموا خطى من عز عليه دينه وغلت عنده ذمته فلم‬
‫يسلمها إال لمن يعتقد أنه يقوده إلىـ رضا اهلل وجنته ‪..‬‬

‫إن فتاوى العلماء ال تموت بموتهم ‪ ،‬ارضوا ألنفسكم ما رضي به القوم ألنفسهم‬
‫محسر‬
‫فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ‪ ،‬ولقد تكلموا فما دونهم مقصر وما فوقهم ِّ‬
‫‪ ،‬وإنهم مع ذلك لعلى صراط مستقيم ‪..‬‬
‫واحذرواـ من حذركم منهم نبيكم ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بقوله ‪ " :‬سيكون في‬
‫آخر أمتي أناسا يحدثونكمـ ما لم تسمعوا أنتم وال آباؤكم ؛ فإياكم وإياهم " أخرجه مسلم ‪..‬‬
‫قال اإلمام النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬وال ُيتَعلَّم إال ممن ُ‬
‫كملت أهليته وظهرت‬
‫ديانتهـ وتحققت معرفته واشتُ ِهرتـ صيانته"‪..‬‬
‫وفي األثر ‪ " :‬دينك دينك ‪ ..‬إنما هو لحمك ودمك ؛ فانظر عمن تأخذ ‪ ،‬خذ عن‬
‫الذين استقاموا وال تأخذـ عن الذين مالوا " ‪..‬‬
‫قال النخعي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " : -‬كان الرجل إذا أراد أن يأخذ عن الرجلـ نظر في‬
‫صالته وفي حاله وفي سمته ثم يأخذـ عنه"‪.‬‬

‫وياأهل العلمـ ‪ :‬استقيموا فقد ُسبِقتم سبقا بعيداـ ‪ ..‬فإن أخذتم يمنيا وشماال لقد ضللتم‬
‫ضالال بعيدا ‪ ،‬وال تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ‪..‬‬
‫‪298‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ك الَ َخالَ َق لَ ُه ْم‬ ‫ين يَ ْشَت ُرو َن بِ َع ْه ِد اللّ ِه َوَأيْ َمانِ ِه ْم ثَ َمناً قَلِيالً ُْأولَـِئ َ‬ ‫أين الورع ؟ ﴿ ِإ َّن الَّ ِذ َـ‬
‫يم (‬ ‫اآلخر ِةـ والَ ي َكلِّمهم اللّه والَ ينظُر ِإلَي ِه ـم يوم ال ِْقيام ِـة والَ ي َز ِّكي ِهم ولَهم َع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َأل ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ْ َ ُْ‬ ‫في َ َ ُ ُ ُ ُ ُ َ َ ُ ْ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ‬
‫اب لِتَحسبوهُ ِمن ال ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْكتَ ِـ‬ ‫‪َ ﴿ ،‬وِإ َّن م ْن ُه ْم لََف ِريقاًـ َيل ُْوو َن َألْسنََت ُهم بالْكتَ ِ ْ َ ُ َ‬
‫‪439‬‬
‫اب َو َما ُه َو‬ ‫‪﴾ )77‬‬
‫ب َو ُه ْم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫ْكتَ ِ‬‫ِمن ال ِ‬
‫اب َو َي ُقولُو َن ُه َو م ْن عند اللّه َو َما ُه َو م ْن عند اللّه َو َي ُقولُو َن َعلَى اللّه الْ َكذ َ‬ ‫َ‬
‫اب بَِأي ِدي ِهم ثُ َّم ي ُقولُو َن هـ َذا ِمن ِع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪َ ﴿ ،‬ف َويْ ٌل لِّلَّذ َ‬
‫‪440‬‬
‫ند‬ ‫َ ْ‬ ‫ين يَ ْكتُبُو َن الْكتَ َـ ْ ْ َ‬ ‫َي ْعلَ ُمو َن (‪﴾ )78‬‬
‫ت َأيْ ِدي ِه ْـم َو َويْ ٌل لَّ ُه ْم ِّم َّما يَ ْك ِسبُو َن (‪﴾ )79‬‬ ‫اللّ ِه لِيَ ْشَت ُرواْ بِ ِه ثَ َمناً قَلِيالً َف َويْ ٌل لَّ ُهم ِّم َّما َكتَبَ ْ‬
‫‪441‬‬

‫‪..‬‬
‫ِ‬ ‫واخشوا يوما قال اهلل فيه ‪َ ﴿ :‬و َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِـة َت َرى الَّ ِذ َـ‬
‫وه ُهم‬‫ين َك َذبُواْ َعلَى اللَّه ُو ُج ُ‬
‫س ُه ُم‬ ‫ين َّات َقوا بِ َم َف َازتِ ِه ْـم اَل يَ َم ُّ‬
‫ين (‪َ )60‬و ُينَ ِّجي اللَّهُ الَّ ِذ َـ‬ ‫َّم َم ْث ًوى لِّل ُ‬
‫ْمتَ َكبِّ ِر َ‬
‫ُّمسو َّدةٌ َألَي ِ‬
‫س في َج َهن َ‬ ‫َْ ْ َ‬
‫السوءُ َواَل ُه ْم يَ ْح َزنُو َن (‪. 442 ﴾ )61‬‬ ‫ُّ‬

‫وليس كل ما يُعلَم يقالـ وال كل حق يذاع ‪ ..‬روى اإلمام مسلم بسنده عن ابن‬
‫مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه قال ‪" :‬ما أنت بمحدِّث قوما حديثا ال تبلغه عقولهم إال كان‬
‫لبعضهم فتنة " ‪..‬‬
‫فهذا أثر من معين حكمة أحدـ مبلغي الشريعةـ الكبارـ وفقهائها العظام وأحد أساطين‬
‫علوم اإلسالم ‪ ..‬فيه درس لكل عالم وحكمة لكل داع ؛ خصوصا عندما يضعف الدين في‬
‫كثير من النفوس وتتأبى بعض العقولـ على التسليم للنصوص ‪..‬‬

‫إن العالمـ ال يعين الناس على االفتنان ‪ ،‬فكم ممن هو على شفا جرف هار ‪ ،‬واألمة‬
‫اليوم في حاجةـ إلى التثبيت ال التشتيت وإال االجتماع ال الفرقةـ ‪..‬‬

‫‪439‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪440‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪441‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪442‬‬
‫سورة الزمر‬
‫‪299‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وقبل ذلك وبعده فإن قلوبنا مألى بالرضا عما جاء عن اهلل والتسليم بما صح عن‬
‫رسول اهلل ‪ ،‬ال نطأطئ بذلك رأسا وال نتمحل له عذرا ‪ ..‬فكم طوت األيام من ساخط وما‬
‫زال الدينـ منتشرا وظاهرا ‪..‬‬
‫والبالء مكتوب على الخلق ‪ ،‬والسعيدـ من ثبت ‪ ،‬واهلل الموعد ‪ ،‬و ﴿ يَا َق ْوِم‬
‫الد ْنيَا َمتَاعٌ َوِإ َّن اآْل ِخ َرةَـ ِه َي َد ُار الْ َق َرا ِر (‪. 443﴾ )39‬‬ ‫ِِ‬
‫ِإنَّ َما َهذه ال َ‬
‫ْحيَاةُ ُّ‬

‫اللهم ألن قلوبنا لوحيك ‪ ،‬وذلل جوارحنا لشرعك ‪ ،‬وأفِض على نفوسنا من برد‬
‫اليقين ما يجعل حياتنا مطمئنة وعن عواج الشكوك مستكنة ‪ ،‬واجعل مثوانا ومنقلبنا إلى‬
‫الجنة ‪..‬‬
‫اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرناـ ‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ‪،‬‬
‫وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ‪ ،‬واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا‬
‫من كل شر ‪.‬‬
‫أقول قولي هذا واستغفرـ اهلل ‪ -‬تعالىـ ‪ -‬لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل ‪ .‬الحمد هلل ولي الصالحين ‪ ،‬والعاقبة للمتقين وال عدوان إال على‬
‫الظالمين ‪..‬‬
‫وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ‪ ..‬الملك الحق المبين ‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمدا عبده ورسوله الصادق األمين ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين ‪.‬‬

‫أما بعد ‪..‬‬

‫‪443‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪300‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المسلمون ‪ :‬وفي معرض قضايا األمةـ الكبرى فإنه ال يمكن ألحد أن يغفلـ عن‬
‫مشهد الحصار في فلسطين واالحتالل المستمر والتحدي السافر للمبادئ والقوانين ‪،‬‬
‫ويأبىـ القتلة إال أن يستمروا في القتلـ ‪ ،‬ويوما بعد يوم يؤكدون على أرض الواقع ما‬
‫وصفهم به القرآن وأنهم أشد الناس عداوة للذينـ آمنوا ‪.‬‬

‫فها هي سفائنـ الحرية المتجهة إلى غزة تقاد لألسر وحاملوا أمل الحياة ألهل غزة‬
‫تسلب حياتهمـ ‪ ..‬ترى األدويةـ في المراكب متناثرةـ وألعاب األطفالـ مبعثرة كأنما هو حرام‬
‫على أهل غزة أن يتداووا وجريمة أن يلعب أطفال غزة كما يلعب الصغار‪..‬‬
‫ولسنا بصدد الوصف ‪ ،‬فقد رأى العالم كله ما جرى وأبصر ‪..‬‬

‫إن على العربـ والمسلمين أن يعوا أن الحصار المفروض على غزة ليس حصارا على‬
‫أهل غزة فحسب ‪ ..‬وإنما هو حصار على كرامة األمة وإرادتها ‪ ،‬هو تحد لكل حر في‬
‫العالمـ ‪ ..‬هو اختبار لدعاة الحقوق وحماتها ‪ ..‬هو فضح لكل الهيئاتـ والمؤسسات الدوليةـ‬
‫المعنية باإلنسان وكرامته ‪ ..‬هو صفعة لكل دولة حامية لذلك الكيانـ أو راعية لتلك الشراذم‬
‫أو حتى مبررة لجرائمهم ومعتذرة العتداءاتهمـ ‪ " ،‬ومن أمن العقوبة أساء األدبـ " ‪.‬‬

‫إن فك الحصار عن أهل غزة فرض كفائي على األمةـ وأمانة في عنق كل حر شريف‬
‫في هذا العالم ‪ ،‬يجب أال تدخرـ األمةـ وسعا في ذلك وأن تستنفذ كل قواها السياسية‬
‫واالقتصاديةـ لرفع الظلم وفك الحصار وإنهاء االحتاللـ ‪..‬‬
‫إن الرضا بهذه الحال مؤذن بعقوبة معجلة من اهلل ‪ ،‬وإنه لمؤشر على ضعف اإليمان‬
‫اهلل اَل ُيْؤ ِم ُن َم ْن بَ َ‬
‫ات َش ْب َعان‬ ‫؛ فقد قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فيما رواه أحمد ‪ " :‬و ِ‬
‫َ‬
‫ارهُ ِإلَىـ َج ْنبِ ِه َجاِئ ٌع َو ُه َو َي ْعلَ ُم " ‪.‬‬
‫َو َج ُ‬

‫إن قهر الشعوب واضطهاد األممـ وتوالي المظالم من أقصر األحوال عمرا وأسرعها‬
‫رجوعا على الظالمـ ‪ ،‬وقد خلت من قبل المثالت ‪ ،‬ولنا في التاريخ عبر وآيات ‪..‬‬
‫‪301‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن استمرار هذه الحال مذكية للعداء بين الشعوبـ مميتة لكل دعوة للسلم والتقريب‬
‫مفسدةـ لكلـ نشاط يبشر بحسن النوايا بين األمم ‪..‬‬
‫ال يمكن الهناء بمنتجات الحضارة أو التنعمـ برفاهيتها وطبول الحرب تدق ودماء‬
‫األبرياء تسفك وأرضهم تسلب وتنتهك ‪ ،‬وشعوب األرض تشعر بالتمييز والعنصريةـ‬
‫والقادرونـ من دول العالمـ يعينون الظالمـ على ظلمه ويدينون الذبيح وهو يتشحط في دمه‪.‬‬

‫ومع هذا فال بد من وقفة هنا نسجل فيها الشكر والتقدير لكل أحرار العالم وشرفاء‬
‫الشعوبـ من كل عرق ممن انعتق من أسر اإلعالم الصهيوني والتغليل العالميـ ليعلن رفضه‬
‫للظلم وشجبه لالعتداء ومطالبته بفك الحصار عن أهلنا في غزة ‪..‬‬
‫إن ذلك مما يبشر بالخير ‪ ،‬ولعلها بدايةـ لصحوة الشعوبـ المغيبة عن الظلم الذي‬
‫طال ليله وطال ويله واشتدتـ ظلمته ‪ ،‬وعند اشتداد الظالم ينبثق الصباح ‪..‬‬
‫وعلى اإلخوة في فلسطين أن يستزيدواـ من وسيلة نصرهم وكسب ثقة العالم في‬
‫اجتماع كلمتهم واتحاد صفهم بعد الصدق مع اهلل ربهم وترسم منهاج النصر الحق ‪..‬‬
‫وح ُدوا الصف وأجمعُوا األمر ‪ ،‬واتقوا اهلل وأصلحوا ذاتـ بينكم ‪.‬‬
‫ِّ‬

‫هذا ‪ ،‬وصلوا وسلموا على خير البريةـ وأزكى البشريةـ محمد بن عبد اهلل ‪..‬‬
‫صل وسلِّ ْم وبا ِر ْك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرينـ‬
‫اللهم ِّ‬
‫وصحابته الغرـ الميامين ‪ ،‬وارض اللهم عن األئمة المهديينـ والخلفاء المرضيين ‪ -‬أبي بك ٍر‬
‫وعمر وعثمان وعلي ‪ -‬وعن سائرـ صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع‬
‫سنتهم يارب العالمينـ ‪.‬‬
‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ‪ ،‬ودمر أعداء الدين ‪،‬‬
‫واحم حوزة الدينـ ‪ ،‬واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بالد المسلمين ‪.‬‬
‫اللهم آمنا في أوطاننا ‪ .‬اللهم آمنا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيد‬
‫بالحق إمامناـ وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم وفقه لهداك ‪ ..‬اللهم وفقه لهداك ‪ ،‬واجعلـ عمله في‬
‫رضاك ‪ ،‬وهيء له البطانة الصالحة يارب العالمينـ ‪..‬‬
‫‪302‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى ‪ ،‬اللهم أتم عليه الصحة والعافيةـ ‪ ،‬اللهم‬
‫وفق النائب الثاني لما فيه الخير للبالد والعباد ‪ ،‬واسلك بهم جميعا سبيل الرشاد ‪ ،‬اللهم‬
‫كن لهم موفقا مسددا لكل خير وصالح ‪.‬‬

‫اللهم ادفع عن الغال والوبا والرباـ والزنا والزالزلـ والمحن وسوء الفتنـ ما ظهر منها‬
‫وما بطن ‪ ،‬اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهمـ اجمعهمـ على الحق‬
‫والهدى ‪ ،‬اللهم احقن دماءهمـ وآمنهم في ديارهمـ وأرغد عيشهم وأصلح أحوالهم واكبت‬
‫عدوهم ‪.‬‬
‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين ‪ ،‬اللهم انصرهم في فلسطين ‪ ،‬اللهم‬
‫انصر المرابطين في أكناف بيت المقدسـ ‪ ،‬اللهم ارفع الحصار عن المحاصرين والضر عن‬
‫المتضررين ‪ ،‬واجمع المسلمين على الحق يارب العالمين ‪ ،‬اللهم انصر دينك وكتابك‬
‫وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪.‬‬

‫اللهم عليك بأعداء الدينـ في كل مكان ‪ ،‬اللهمـ عليك بهم فإنهم ال يعجزونك ‪،‬‬
‫اللهم عليك بالصهاينةـ المحتلين ‪ ..‬اللهم أنزل بهم بأسكـ ورجسكـ إله الحق ‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرةـ حسنة وقنا عذب النار ‪ ،‬اللهمـ اغفر ذنوبنا‬
‫واستر عيوبنا ويسر أمورنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪.‬‬
‫ربنا اغفر لنا ووالديناـ ووالديهمـ وذرياتهم إنك سميع الدعاء ‪ ،‬ربنا تقبل منا إنك‬
‫أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون ‪ ،‬وسالم على المرسلين ‪ ،‬والحمد هلل رب‬
‫العالمينـ ‪.‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬خطورة الشهواتـ‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السابع والعشرون من رجب من عام ‪1431‬هـ‬

‫‪303‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪ -‬خطورة الشهوات ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل ‪ .‬الحمد هلل الذي هدانا لإلسالم وما كانا لنهتدي لوال أن هدانا اهلل الجواد الجليل‬
‫‪ ،‬له الشكرـ على ما أعطى وله الحمد على ما قضى وله الثناء الحسن الجميل ‪..‬‬
‫وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له وال ند وال مثيل ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده‬
‫ورسوله صاحب الغرة والتحجيل المذكور في التوراة واإلنجيل ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك‬
‫عليه وعلى آله وأصحابه أكرم صحب وأعظم جيل ‪ ،‬وعلى من سار على نهجهم واتبع‬
‫السبيل ‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ..‬فياعباد اهلل احذرواـ لجة بحر الشهوات وال تغتروا بسكونه ‪ ،‬وعليكم‬
‫بالساحل ‪ ..‬الزموا حصن التقوى فإن العقوبة مرة ‪ ،‬واعلموا أن الدنياـ كلها بما لها من‬
‫شرف ومجد ال تعدو أن تكون حاجةـ الجسم حاجةـ البطن حاجة ما دون البطن حاجةـ أي‬
‫حيوان أعجم في هذاـ الوجود ؛ فاتقوا اهلل ‪ -‬رحمكم اهلل ‪ -‬وال تغرنكمـ الحياة الدنياـ وال‬
‫يغرنكمـ باهلل الغرور ‪ ،‬ثم اعلموا أنه لن يضر عبدا صار إلى رضوان اهلل وإلى الجنة ما أصابه‬
‫في هذه الدنيا من بالء ‪ ،‬وأنه لن ينفع عبدا سار إلىـ سخط اهلل وإلى النار ما أصابه في هذا‬
‫ِح َع ِن النَّا ِر َوُأ ْد ِخ َـل‬
‫الدنيا من رخاء ‪ ..‬كل شيء من ذلك كأن لم يكن ‪ ... ﴿ :‬فَ َمن ُز ْحز َ‬
‫الد ْنيَا ِإالَّ َمتَاعُ الْغُُرو ِر (‪. 444﴾ )185‬‬
‫ْحيَاةُ ُّ‬
‫ْجنَّةَ َف َق ْد فَ َاز َوما ال َ‬
‫ال َ‬

‫أيها المؤمنون ‪ :‬زين للناس حب الشهواتـ يحدوهم إليها حادي الفطرة ويسوقهم سائقـ‬
‫الطبع ‪ ،‬وجاء اإلسالم فلم يحرم أتباعه شيئا من طيبات الحياة ولكنه هذبها وباركها‬

‫‪444‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪304‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وزكاها ‪ ،‬وجاء ليمنع من المستنقع اآلسنـ وما يضر اإلنسان في دينه أو دنياه ‪ ،‬وما منع‬
‫اإلسالم أتباعه شيئا إال وقد أباح لهم ما يحقق مصلحتهم وينأى بهم عن المفسدةـ ‪.‬‬

‫تقحم‬
‫عباد اهلل ‪ :‬ومع تعددـ أبوابـ المباح واتساع آفاق الجائز إال أن فئة من الناس تأبىـ إال ُّ‬
‫حمى الملك ‪ -‬جل جالله ‪ -‬والتفلت من سياج الطهر والفضيلة ‪ ..‬يتهافتون على الشهواتـ‬
‫تهافت الفراش على النار ‪ ..‬فكأنهمـ المعنيون بقول الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فيما‬
‫عل‬
‫أضاءت ما حولها َج َ‬‫ْ‬ ‫فلما‬
‫نارا ‪َّ ،‬‬ ‫أخرجه البخاري ومسلم ‪َ " :‬مثَلِي َك َمثَ ِل ٍ‬
‫رجل استوقَ َد ً‬
‫فيها ‪،‬‬
‫فيتقحمن َ‬‫واب التي في النار يقعنـ فيها ‪ ،‬وجعل يَ ْح ِج ْز ُه َّن وي ْغلِ ْبنَهُ َّ‬ ‫الد ُّ‬ ‫الفراش ِ‬
‫وهذه َّ‬ ‫ُـ‬
‫قال ‪ :‬فذلِ ُكم مثلِي ومثلكم ‪ ..‬أنَا ِ‬
‫آخ ٌذ بِ ُح ُج ِز ُكم عن النا ِر ‪ :‬هلُ َّم ع ِن النَّار ‪ ..‬هلُ َّم عن النار‬
‫َفت ْغلِبُوني تقحمون فيها " ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪ ..‬أيها المؤمنون ‪ :‬وفي معرض الحديث عن الشهوة يقول ربكم ‪ -‬تبارك وتعالى ‪-‬‬
‫ات َأن تَ ِميلُواْ َم ْيالً َع ِظيماً (‪)26‬‬
‫الش َهو ِ‬ ‫وب َعلَْي ُك ْم ويُ ِري ُـد الَّ ِذ ِ‬
‫ين َيتَّبعُو َن َّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪َ ﴿ :‬واللّهُ يُ ِري ُد َأن َيتُ َ‬
‫ض ِعيفاً (‪. 445﴾ )27‬‬ ‫ِ‬
‫ف َعن ُك ْم َو ُخل َق اِإل َ‬
‫نسا ُن َ‬ ‫يُ ِري ُـد اللّهُ َأن يُ َخ ِّف َ‬

‫أراد اهلل التخفيف عن عباده وهم يعانون عنت الشهوة وسطوة الهوى ؛ فجاءت شريعة‬
‫اإلسالم بتضييق فرص الغواية وإبعادـ عوامل الفتنة وقطع أسبابـ التهييج واإلثارة ‪ ،‬وإزالة‬
‫العوائقـ دون اإلشباع الطبيعي بوسائله المشروعة ‪ ..‬مع شغل الطاقة البشرية بهموم أخرى‬
‫في الحياة حتى ال تكون تلبية نداء الشهوة هي المنفذ الوحيد ‪..‬‬
‫ودعا اإلسالم أتباعه إلى المشرع الطاهر ؛ فأمر من استطاع الباءة أن يتزوج ‪ ،‬وأباح‬
‫للمتزوج أن يعدد ‪ ،‬ونهى عن المغاالة في المهور ‪ ،‬وأمر الذين ال يجدون نكاحاـ‬
‫باالستعفافـ حتى يغنيهم اهلل من فضله ‪ ،‬ووعد من استعف أن يعفهـ اهلل ومن أراد الزواج أن‬
‫يعينه ‪ ،‬وندبـ إلىـ ما يخفف الشهوة من الصيام وتقليل الطعام ‪..‬‬

‫‪445‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪305‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وحرم داعية الزناـ وبريدهـ ‪ -‬الخمر والمعازف ‪ -‬ونهى عن االطالع في البيوت ‪ ،‬وأمر‬
‫باالستئذان عن عند الدخول وأوجب غض البصر ‪ ،‬ونهى المرأة عن إبداء الزينة لألجنبي‬
‫وعن الخضوع بالقولـ فيطمع الذيـ في قلبه مرض ‪ ،‬وحرم اهلل التبرج والسفور فقال –‬
‫﴿‪...‬وِإذَا‬
‫َ‬ ‫اهلِيَّ ِة اُأْلولَىـ ‪ 446﴾ ...‬وقال ‪:‬‬ ‫سبحانه ‪ ...﴿ : -‬واَل َتب َّرجن َتب ُّرج الْج ِ‬
‫َ َ َْ َ َ َ‬
‫وه َّن ِمن َو َراء ِح َج ٍ‬
‫اب ذَلِ ُك ْـم َأط َْه ُر لِ ُقلُوبِ ُك ْم َو ُقلُوبِ ِه َّن ‪. 447﴾ ...‬‬ ‫اسَألُ ُ‬
‫وه َّن َمتَاعاً فَ ْ‬
‫َسَألْتُ ُم ُ‬

‫فال يقل أحد غير ما قال اهلل ‪ ..‬ال يقل أحدـ إن فتح باب الشهوات واالختالط بين الجنسين‬
‫والترخُّص في الحديث واللقاء والجلوس والعمل والتعليم أطهر للقلوب وأعف للضمائر‬
‫وأعون على تصريف الغريزة المكبوتة وعلى ترقيق المشاعر والسلوك ‪ ،‬وحين يقول اهلل‬
‫قوال ويقول خلق من خلقه قوال فالقول هلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وكل قول آخر هراء ‪ ،‬واهلل يقول‬
‫الحق وهو يهدي السبيل ‪.‬‬

‫تحل له َّ‬
‫فإن ثالثهما َّ‬
‫الشيطان "‬ ‫ٍ‬
‫بامرأة ال ُّ‬ ‫رجل‬ ‫ومنع اإلسالم الخلوة باألجنبية ‪ " :‬ال يَ ْخلُ َّ‬
‫ون ٌ‬
‫واشترط على النساء المحرم في السفرـ ‪ ،‬وندبهن إلى القرارـ في البيوت ونهاهنـ عن‬
‫ريحها‬ ‫ٍ‬
‫ت على قوم ليج ُدوا َ‬‫فمر ْ‬
‫خرجت َّ‬
‫ْ‬ ‫رت ثم‬
‫استعطَ ْـ‬ ‫االستعطار عند الخروج ‪ " :‬أيُّما امرأةٌ ْ‬
‫ف ِهي َزانِيَة " ‪..‬‬
‫ونهى أن تباشرـ المرأة المرأة فتنعتها لزوجهاـ كأنه ينظر إليهاـ ‪ ،‬ونهى عن إشاعة الفاحشةـ في‬
‫المؤمنين ‪ ،‬وتوعد من فعل ذلك في الديناـ واآلخرة بالعذابـ األليم ‪..‬‬

‫ونهى اهلل عن مقاربةـ الزنا وبيَّن عقوبة فاعله ‪ :‬إن كان محصنا فالرجم بالحجارة حتى يموت‬
‫ْأخ ْذ ُكم بِ ِه َما َرْأفَةٌ فِي‬
‫‪ ،‬وإن كان غير محصن فجلد مائة وتغريب عام ‪ ،‬وقال ‪َ ...﴿ :‬واَل تَ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دي ِن اللَّه ِإن ُكنتُ ْم تُْؤ منُو َن باللَّه َوالَْي ْوم اآْل خ ِـر َولْيَ ْش َه ْد َع َذ َاب ُه َماـ طَا َفةٌ ِّم َن ال ُْمْؤ من َ‬
‫‪448‬‬
‫ين (‪﴾ )2‬‬

‫‪446‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪447‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪448‬‬
‫سورة النور‬
‫‪306‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫حين يزنِيـ ُ‬
‫وهو مؤمن " ‪ ،‬وقال ‪ " :‬إذا َزنَا‬ ‫الزانيـ َ‬ ‫وقال عليه الصالة والسالم ‪ " :‬ال يزنيـ َّ‬
‫خرج م ْنهُ اإليْ َمان فكان عليه كالظُّلَّة ‪ ،‬فإذا أ ْقلَ َع (أي تاب من الزنا) َ‬
‫رجع إليه‬ ‫الرج ُل َ‬
‫ُ‬
‫اإليْ َمان " وأخبر عن الزناةـ أنهم في البرزخ وأنهمـ في ثقب مثل التنور أعاله ضيق وأسفله‬
‫واسع ‪ ..‬يوقَد تحته نار وهم فيه عراة ‪ ،‬فإذا أوقدت ارتفعوا حتى يكادوا يخرجوا ‪ ،‬فإذا‬
‫خمدت رجعوا فيها ‪ ..‬يفعل بهم ذلك إلى يوم القيامةـ ثم ينتقلون إلى عذاب أشد كما قال‬
‫س الَّتِي َح َّر َم اللَّهُ‬ ‫الن ْف َ‬ ‫ين اَل يَ ْدعُو َن َم َع اللَّ ِه ِإلَهاً َ‬
‫آخ َر َواَل َي ْق ُتلُو َن َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ : -‬والذ َ‬
‫اب َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة‬
‫ف لَهُ ال َْع َذ ُ‬
‫اع ْ‬ ‫ْق َأثَاماً (‪ )67‬يُ َ‬
‫ضَ‬ ‫ك َيل َ‬ ‫ْح ِّق َواَل َي ْزنُو َن َو َمن َي ْف َع ْل ذَلِ َ‬
‫ِإاَّل بِال َ‬
‫َويَ ْخلُ ْد فِ ِيه ُم َهاناً (‪. 449﴾ )68‬‬
‫فهل يقدم بعد ذلك مؤمن باهلل واليوم اآلخر على الزناـ وقد علم وعيد الجبار ‪ -‬جل جالله ‪-‬‬
‫؟ وهل يتقدم خطوة واحدة في طريق الفاحشةـ وقد سمع ما أعد اهلل لمرتكبهاـ في اآلخرةـ ؟!‬

‫يعرض أتباعه للفتنة ثم يكلف‬


‫عباد اهلل ‪ ..‬أيها المسلمون ‪ :‬إن هذا الدين العظيم ال يريد أن ِّ‬
‫أعصابهم عنتا في المقاومة ‪ ..‬إنه دين وقاية قبل أن يقيم الحدود ويوقع العقوباتـ ‪ ،‬وهو‬
‫دين حماية للضمائر والمشاعر والحواس والجوارح ‪ ..‬وربك أعلم بما خلق وهو اللطيف‬
‫الخبير ‪.‬‬

‫وفي ظل هذه التوجيهاتـ الربانيةـ تحيا البشرية في جو آمن عفيف طاهر نظيف ترف عليهم‬
‫فيه أجنحة السلم والطهر واألمان ‪ ،‬وتأمن الزوجةـ على زوجها ويأمن الزوج على زوجته ‪،‬‬
‫ويأمنـ األولياءـ على حرماتهمـ وأعراضهم ‪ ،‬ويأمنـ الجميع على أعصابهم وقلوبهم ‪ ..‬حيث‬
‫ال فاحشة تشيع وال إغراء يتبجح وال فتنة تظهر وال تبرج ينتشر وال تقع األعين على المفاتنـ‬
‫وال تطغى الشهوات على الحرماتـ ‪.‬‬

‫إنه ال يمكن قيام أسرة وال استقامة مجتمع في وحل الفواحشـ ما ظهر منها وما بطن ‪ ،‬وإن‬
‫الغرائز متى أثيرت فلن يقر معها قلب ولن يسكن عصب ولن يطمئن بيت ولن يسلم عرض‬
‫‪449‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪307‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ولن تقوم أسرة ‪ ..‬فإما الخيانة المتبادلة حينئذ وإما الرغائب المكبوتة وأمراض النفوس وقلق‬
‫األعصاب ‪ ،‬وهذا هو الميل العظيم الذي حذر اهلل عباده منه ‪..‬‬
‫وهو يحذرهم ما يريده الذين يتبعون الشهواتـ ومن يطلقون الغرائزـ من عقالهاـ بالكلمة‬
‫والصورة والقصةـ والفيلمـ وبسائر أدوات التوجيه واإلعالم ‪..‬‬
‫إن إشاعة الفواحش واستثارة الغرائز هو أصل كل بلية وشر ‪ ،‬وهو من أعظم أسباب نزول‬
‫العقوبات العامة ‪ ،‬كما أنه من أعظم أسبابـ فساد أمور العامة والخاصة ‪ ،‬وماذا تجني‬
‫األممـ واألفراد من ذلك سوى خراب النفوس وانهيار األخالق وتحقير االهتماماتـ وتلويث‬
‫المجتمع وزعزعة قوائم األسرة وتحطيم اإلنسانـ وتدميره بما ال تبلغه أفظع الحروب ؟!‬
‫ومتى ما دمر اإلنسان فلن تقوم الحضارة على المصانع وحدها وال على اإلنتاج ‪.‬‬

‫فياأيها الناس ياعقالء األمة ياعلماءها يادعاتهاـ وياوالة أمرهاـ ‪ :‬هذه نذر السوء تتوالى ولغة‬
‫األرقام تخيف وترعب ‪ ،‬الفضيلة تشتكيـ ‪ ..‬العفاف يئن ‪ ..‬ارتفعت نسب الخيانات‬
‫الزوجية وحاالت االغتصاب والشذوذـ ‪ ..‬اغتيلت براءة األطفال وارتد بعض الشيوخ إلى‬
‫سني المراهقةـ ‪..‬‬
‫كانت االنحرافاتـ الخلقية تتم في خفاء ثم صارت تبدو على استحياء ثم تسللت تبدو في‬
‫البيوت عن طريق الشبكاتـ والقنواتـ ثم صارت قانونا في بعض البالد ‪ ،‬ثم انعقدتـ‬
‫ينادى إلى الصالة ‪ ..‬عجت األرض إلىـ ربها والسموات ‪،‬‬
‫مؤتمرات عالمية تنادي إليها كما َ‬
‫وفزعت المالئكة إلى اهلل من هول ما رأت من ظلم الناس وفجورهم ‪ ،‬وإلىـ اهلل‬
‫الشكوى ‪ ،‬وال حول وال قوة إال باهلل‪.‬‬

‫فمن للفضيلة ؟ من للعفة ؟ من للحياء ؟ من للشبابـ وهم عدة األمةـ وأمل المجتمع ؟‬
‫إن اهلل يغار ‪ ،‬وغيرة اهلل أن يزني عبده أو تزني أمته ‪ ،‬وإن سنن اهلل ال تحابي أحداـ ‪،‬‬
‫ومتى ظهر الزناـ في قوم أذن اهلل بهالكها ‪ ،‬ومتى ظهرت الفاحشةـ في قوم حتى أعلنوا بها‬
‫إال ابتلوا بالطواعين واألوجاع التي لم تكن في أسالفهم الذينـ مضوا ‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ولقد أحاط اهلل الفضيلة بسياج عظيم وحمى حماها ‪ ،‬فلو أن األمةـ اإلسالميةـ أخذتـ بتوجيه‬
‫وب َعلَْي ُك ْم َويُ ِري ُد‬ ‫القرآن لما اشتكىـ شبابها العنت ولما كان ما كان ‪َ ﴿ :‬واللّهُ يُ ِري ُـد َأن َيتُ َ‬
‫ف َعن ُك ْم َو ُخلِ َق‬ ‫ات َأن تَ ِميلُواْ َم ْيالً َع ِظيماً (‪ )27‬يُ ِري ُد اللّهُ َأن يُ َخ ِّف َ‬ ‫الش َه َو ِـ‬
‫ين َيتَّبِعُو َن َّ‬ ‫الَّ ِذ َـ‬
‫ض ِعيفاً (‪.. 450﴾ )28‬‬ ‫نسا ُـن َ‬ ‫اِإل َ‬
‫قال طاووس ‪ " :‬إذا نظر إلىـ النساء لم يصبر " ‪..‬‬
‫ول ِإذَا َد َعا ُكم لِ َما‬ ‫لر ُس ِ‬‫استَ ِجيبُواْ لِلّ ِه َولِ َّ‬‫آمنُواْ ْ‬ ‫ين َ‬ ‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيمـ ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ش ُرو َن (‪َ )24‬و َّات ُقواْ فِ ْتنَةً الَّ‬ ‫ول َب ْي َن ال َْم ْر ِء َو َق ْلبِ ِه َوَأنَّهُ ِإلَْي ِه تُ ْح َ‬ ‫يُ ْحيِي ُك ْم َوا ْعلَ ُمواْ َّ‬
‫َأن اللّهَ يَ ُح ُ‬
‫اب (‪. 451﴾ )25‬‬ ‫َأن اللّهَ َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ‬ ‫آصةً َوا ْعلَ ُمواْ َّ‬ ‫ين ظَلَ ُمواْ ِمن ُك ْم َخ َّ‬‫صيبَ َّن الَّ ِذ َـ‬
‫تُ ِ‬

‫اللهم بارك لنا في القرآن العظيم ‪ ،‬وانفعناـ بما فيه من اآليات والذكر الحكيم ‪.‬‬
‫أقول ما سمعتم ‪ ،‬وأستغفر اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل ‪ ..‬الحمد هلل حق الحمد وأوفاه ‪ ،‬والصالة والسالم على عبده ومصطفاه وعلى‬
‫آله وصحبه ومن وااله ‪.‬‬

‫أما بعد أيها المؤمنون ‪ :‬إننا نحتاج إلى مبشرين بالفضيلةـ في زمن تفتحت فيه أبواب‬
‫الشهواتـ وتسهلت الطرق إلى المعاصيـ وجاءتـ الفتنـ من كل جانب ودخلت على الناس‬
‫في كل مكان ‪ ..‬دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ‪ ..‬أفالم ورواياتـ‬
‫وصور وإعالنات ومواقع في الشبكاتـ ‪ ..‬تهييج للغرائزـ وإثارة للشهوات وإيقاع في‬
‫المحرماتـ ‪..‬‬

‫‪450‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪451‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪309‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أصبح المؤمن الصابر على دينه كالقابض على الجمر خائفا يكبح جماح الشهوة وينهى‬
‫النفس عن الهوى ‪ ..‬يقاوم ضعفه الفطريـ وشهوته الطبيعية ويجاهد نفسه األمارةـ بالسوء ؛‬
‫الشيطان يعدهـ ويمنيه ويسول له ويزين ‪ ،‬ويريد الذين يتبعون الشهواتـ أن يميلوا به ميال‬
‫عظيما ‪ ،‬فكيف يسلم ؟ كيف يسلم من له عدو ال ينام عن معاداته ونفس أمارة بالسوء‬
‫ٍ‬
‫مستول عليه ؛ فإن تواله اهلل نجا وسلم وإن‬ ‫وهوى ٍ‬
‫مرد وشهوة غالبة وشيطان مزينـ وضعف‬
‫تخلى عنه ووكله إلى نفسه ‪ ..‬اجتمعت عليه هذه القوى فكانت الهلكة‪.‬‬

‫ومع كل ذلك فإن اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬حين خلق اإلنسانـ وركب فيه الشهوة وابتاله بمخالفةـ‬
‫الهوى وسلط عليه الشيطان لم يتركه همال ‪ ،‬بل رزقه من القوة ما يستطيع به الصمود‬
‫وزوده من العدةـ ما يملك معه المقاومة ‪ ،‬وما أمر اهلل بشيء إال أعان عليه وما نهى عن‬
‫شيء إال أغنى عنه ‪.‬‬
‫إن طريق الجنة طريق طويل تتناثر فيه األشواك والعقبات وتحفه المخاطر والمكاره ‪ ،‬وإنه‬
‫ال بديل لسالكهـ عن الصبر البتة ‪ ،‬وهل التدينـ إال في الصبر على نداء الشهوة ؟ وفي‬
‫صَب ُروا ََّأن ُه ْم ُه ُم الْ َفاِئُزو َن (‪، 452﴾ )111‬‬
‫الذكر الحكيم ‪ِ ﴿ :‬إنِّي َج َز ْي ُت ُه ُم الَْي ْو َم بِ َما َ‬
‫صَب ُروا َجنَّةً َو َح ِريراً (‪. 453﴾ )12‬‬ ‫اهمـ بِ َما َ‬ ‫﴿ َو َج َز ُ‬

‫أيهاـ المسلم ‪ :‬إن الدنياـ مفازة ‪ ..‬فينبغي أن يكون السابقـ فيها العقلـ ‪ ،‬وإنما فضِّل العاقل‬
‫تفوت خيرا كثيرا ‪ ،‬واعلم أن في مالزمة التقوى مرارات من‬
‫بتأمل العواقب فال تؤثر لذة ِّ‬
‫فقد األغراض والمشتهيات ‪ ..‬إال أن العاقبةـ حميدة ‪..‬‬
‫في قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة وكل مغلوب بالهوى ذليل ‪ ،‬والصبر عن الشهوة‬
‫أسهل من الصبر على توجبه الشهوة ‪ ،‬والصبر عن محارم اهلل أيسرـ من الصبر على عذاب‬

‫‪452‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪453‬‬
‫سورة اإلنسان‬
‫‪310‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اهلل ‪ ،‬ما من عبد أطلق نفسه في شيء ينافي التقوى ‪ -‬وإن قل ‪ -‬إال وجد عقوبة عاجلة أو‬
‫اب َمن َي ْع َم ْل ُسوءاً يُ ْج َز بِ ِه ‪. 454﴾ ...‬‬ ‫آجلة ‪ ﴿ :‬لَّيس بَِأمانِيِّ ُكم وال َأمانِ ِّي َْأه ِل ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬ ‫ْ َ َ َْ َ‬

‫تذوق حالوة الكف عن المعاصيـ فإنها شجرة تورث عز الدنيا وشرف اآلخرة ‪ ،‬وابتعد عن‬
‫كل ما يوقظ الشهوة فإنه ال أعظم فتنة من مقاربة الفتنة ‪ ،‬وقل أن يقاربها إال من يقع‬
‫ك اَل‬
‫فيها ‪ ،‬ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ‪ ،‬وفي الحديث الصحيح ‪َ " :‬ويْ َح َ‬
‫ك ِإ ْن َت ْفتَ َحهُ تَلِ ْجهُ " ‪ ،‬ومن قارب الفتنة بعدت عنه السالمة ‪ ،‬ومن ادعى الصبر‬ ‫َت ْفتَ ْحهُ فَِإ نَّ َـ‬
‫وكِل إلى نفسه ‪ ،‬ومن ُوكل إلى نفسهـ هلك ‪ ..‬ألم تسمع قول الكريمـ ابن الكريمـ ابن‬
‫ف َعنِّي َكي َده َّن َأصب ِإلَي ِه َّن وَأ ُكن ِّمن ال ِ ِ‬
‫ين (‪. 455﴾ )33‬‬ ‫ْجاهل َ‬
‫َ َ‬ ‫ْ ُ ْ ُ ْ َ‬ ‫الكريم ‪َ ...﴿ :‬وِإالَّ تَ ْ‬
‫ص ِر ْ‬

‫إن القلوب المتعلقة بالشهواتـ محجوبة عن اهلل ‪ -‬تعالى ‪ -‬بقدر تعلقهاـ بها ‪ ،‬وإن الرجل‬
‫‪ -‬واهلل ‪ -‬من إذا خلى بما يحب من المحرم وقدر عليه واشتد عطشه إليه تذكر نظر الحق‬
‫َأن اللَّهَ‬
‫‪ -‬عز وجل ‪ -‬فاستحيا من إجالة همه فيما يكرهه ربه فذهب العطش ‪َ ﴿ :‬ألَ ْم َت َر َّ‬
‫س ٍة ِإاَّل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِإ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َي ْعلَ ُم َما ِفي َّ‬
‫ض َما يَ ُكو ُن من نَّ ْج َوى ثَاَل ثَة اَّل ُه َو َرابعُ ُه ْـم َواَل َخ ْم َ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫الس َم َاوات َو َما في ْ‬
‫اد ُس ُه ْـم َواَل َأ ْدنَىـ ِمن ذَلِ َ‬
‫ك َواَل َأ ْك َث َر ِإاَّل ُه َو َم َع ُه ْم َأيْ َن َما َكانُوا ثُ َّم ُينَبُِّئ ُهم بِ َما َع ِملُوا َي ْو َم‬ ‫ُهو س ِ‬
‫َ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم (‪. 456﴾ )7‬‬ ‫الْقيَ َامة ِإ َّن اللَّهَ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬

‫وإذا خلوت بريبة فاستحي من نظر الحي القيوم ‪ ،‬واعلم أن من خان اهلل في السر هتك اهلل‬
‫ستره في العالنية ‪:‬‬
‫‪457‬‬
‫ْجنَّةَ ِه َي ال َْم َْأوى (‪﴾ )41‬‬
‫س َع ِن ال َْه َوى (‪ )40‬فَِإ َّن ال َ‬ ‫ام َربِِّه َو َن َهى َّ‬
‫الن ْف َ‬ ‫اف َم َق َ‬
‫﴿ َو ََّأما َم ْن َخ َ‬
‫‪.‬‬

‫‪454‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪455‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪456‬‬
‫سورة المجادلة‬
‫‪457‬‬
‫سورة النازعات‬
‫‪311‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ال تتبع النظرة النظرة فإن لك األولى وليست لك اآلخرة ‪ ،‬وإن النظر سهم من سهام إبليس‬
‫مسموم ‪ ،‬ورب سهم أصاب مقتال ومعظم المصائب مبداهاـ من النظر ‪ ،‬ورب نظرة لم‬
‫ِ‬
‫تناظر ‪ ،‬ومن أطلق لحظاته دامت حسراته ‪ ،‬ومتى غض العبد بصره غض القلب شهوته ‪،‬‬
‫ومن ترك شيئا هلل عوضه اهلل خيرا منه ‪..‬‬
‫وما من عبد يكف بصره عن محاسن امرأة ‪ -‬ولو شاء أن ينظر إليها لنظر ‪ -‬إال أثابهـ اهلل‬
‫إيمانا يجد حالوته في قلبه ‪ ،‬وكل من حدثتهـ نفسه بذنبه فكرهه ونفاه عن نفسه وتركه هلل‬
‫ازداد صالحا وبرا وتقوى ‪ ،‬ومن صدق اهلل في ترك شهوة ذهب اهلل بها من قلبه ‪ ،‬ومن‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫أخلص نجا ‪َ ...﴿ :‬ك َذلِ َ ِ‬
‫شاء ِإنَّهُ م ْن عبَادنَاـ ال ُْم ْخلَص َ‬
‫ين (‪2‬‬ ‫وء َوالْ َف ْح َ‬
‫الس َ‬ ‫ص ِر َ‬
‫ف َع ْنهُ ُّ‬ ‫ك لنَ ْ‬
‫‪. 458﴾ )4‬‬

‫وكلما قوي الداعي إلى الشهوة قويت مجاهدةـ النفس على الصبر فزاد أجر العبدـ عند اهلل ‪،‬‬
‫إن الذي تشتهي نفسه المعاصي ويتركها هلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬من الذينـ امتحن اهلل قلوبهم‬
‫للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم ‪ ،‬وإذا اشتد عطشك إلىـ ما تهوى فابسط أناملـ الرجاـ إلىـ‬
‫من عنده الري الكاملـ ‪ ،‬وسله الهدى والتقىـ والعفاف والغنى ‪.‬‬

‫اللهم إنا نعوذ بك من شهوة إلى حرام ‪ .‬اللهمـ إنا نعوذ بك من شهوة إلىـ حرام ‪ ،‬اللهم‬
‫اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ‪.‬‬

‫هذا ‪ ،‬وصلوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد اهلل الهاشمي القرشي‬
‫‪ ،‬اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرينـ وصحابته‬
‫الغر الميامين ‪ ،‬وارض اللهم عن األئمة المهديين والخلفاء المرضيين ‪ -‬أبي بك ٍر وعمر‬
‫وعثمان وعلي ‪ -‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم‬
‫يارب العالمينـ ‪.‬‬

‫‪458‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪312‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬وأذلـ الشرك والمشركين ‪ ،‬ودمر أعداء الدين ‪،‬‬
‫واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بالد المسلمين ‪.‬‬

‫اللهم آمنا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيد بالحق إمامنا وولي أمرناـ ‪.‬‬
‫اللهم وفقه لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيئ له البطانةـ الصالحة ‪..‬‬
‫اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى ‪ ،‬اللهم أتم عليه الصحة والعافية ‪ ،‬اللهم وفق‬
‫النائب الثانيـ لما فيه الخير للعبادـ والبالد ‪ ،‬واسلك بهم جميعا سبيل الرشادـ ‪ ،‬وكن لهم‬
‫موفقا لكل خير وصالح ‪.‬‬

‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا والربا والزناـ والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن‬
‫‪ ،‬اللهم أصلح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلح أحوالـ المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم‬
‫اجمعهم على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم احقن دماءهم وآمنهم في ديارهم وأرغد عيشهم‬
‫وأصلح أحوالهم واكبت عدوهم ‪.‬‬
‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهمـ انصرهم في فلسطين ‪،‬‬
‫اللهم انصر المرابطين في أكناف بيت المقدس واجمعهم على الحق يا رب العالمينـ ‪.‬‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم‬
‫ال يعجزونك ‪.‬‬

‫ربنا آتنا في الدنياـ حسنة وفي اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار ‪..‬‬
‫اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ويسر أمورنا وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر لنا‬
‫ولوالديناـ وولديهم وذرياتهمـ إنك سميع الدعاء ‪..‬‬

‫ربنا تقبل منا إنكـ أنت السميع العليم وتب علينا إنكـ أنت التواب الرحيم ‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون ‪ ،‬وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬
‫‪313‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬سالمة األسرةـ‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامنـ عشر من شعبان من عام ‪1431‬هـ‬

‫‪ -‬سالمة األسرة ‪-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫‪314‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن الحمد هلل ‪ ..‬نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن‬
‫سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال‬
‫اهلل وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه‬
‫وعلى آله وصحبه والتابعينـ ومن تبعهم بإحسانـ إلى يوم الدينـ ‪.‬‬

‫أما بعد ‪:‬‬


‫َّاس َّات ُقواْ‬
‫فاتقوا اهلل – تعالىـ – وأطيعوه ‪ ،‬وعظموا أمره وال تعصوه ‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الن ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫اح َد ٍةـ و َخلَ َق ِم ْنها َزوجها وب َّ ِ‬
‫سو ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ساء‬ ‫ث م ْن ُه َما ِر َجاالً َكثيراً َون َ‬ ‫َ ْ ََ ََ‬ ‫َ‬ ‫َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُكمـ ِّمن َّن ْف ٍ َ‬
‫ام ِإ َّن اللّهَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيباً (‪. 459﴾ )1‬‬ ‫ِ‬
‫ساءلُو َن بِه َو ْ‬
‫اَألر َح َ‬
‫َّ ِ‬
‫َو َّات ُقواْ اللّهَ الذي تَ َ‬

‫عباد اهلل ‪ :‬في رحاب األسرة الهادئةـ والعائلة المتماسكةـ تنمو الخالل الطيبة‬
‫وتستحكم التقاليد الشريفة ويتكون الرجالـ الذين يؤتمنون على أعظم األماناتـ وتتربى‬
‫النساء الالئي يقمن على أعرق البيوت ‪ ،‬وال غرو أن يهتم اإلسالم بأحوالـ األسرة وأن‬
‫يتعاهد نماءها بالوصايا التي تجعل امتدادهاـ خيراً ونعمة ‪.‬‬
‫وفي كتاب اهلل – تعالىـ – وفي سنة رسوله – صلى اهلل عليه وسلم – أوامرـ مؤكدة‬
‫بين أفراد األسرة كلهم من والد ووالدة وذي رحم قريب أو بعيد تزجي مسيرة األسرةـ نحو‬
‫البناء والسعادةـ ؛ إذ أن العناية بسالمة األسرة هي وحدهاـ طريق األمان للجماعة كلها ‪،‬‬
‫وهيهاتـ أن يصلح مجتمع رثت فيه حبال األسرة أو وهت روابطها ‪.‬‬
‫وقد نوه القرآن الكريم بجالل النعمة الساريةـ في أوصال هذه القطعةـ من المجتمع الكبيرـ ‪،‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فقال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ : -‬واللّهُ َج َع َل لَ ُكم ِّم ْن َأن ُفس ُك ْـم َأ ْز َواجاً َو َج َع َل لَ ُكم ِّم ْن َأ ْز َواج ُكم بَن َ‬
‫ين‬
‫ت اللّ ِه ُه ْم يَ ْك ُف ُرو َن (‪. 460﴾ )72‬‬ ‫اط ِل يْؤ ِمنُو َن وبِنِ ْعم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ‬ ‫َو َح َف َد ًةـ َو َر َزقَ ُكم ِّم َن الطَّيِّبَات َأفَبِالْبَ ُ‬
‫إن الزوجينـ وما بينهما من عالقة أو الوالدينـ وما يترعرع في أحضانهما من بنين‬
‫وبنات ال يمثالن أنفسهماـ فحسب ‪ ،‬بل يمثالن حاضر أمة ومستقبلها ؛ ومن ثم فإن‬

‫‪459‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪460‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪315‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الشيطان حين يفلح في فك روابط األسرة ال يهدم بيتاً واحداًـ وال يصنع شراً محدودا ‪ ..‬إنما‬
‫يوقع األمةـ جمعاء في شر بعيد المدى ‪..‬‬
‫وتأملـ هذاـ الحديث لتعرف أن فساد األسرةـ قرة عين الشيطان ‪ ..‬عن جابرـ – رضي‬
‫ض ُع َع ْر َشهُ َعلَى ال َْم ِاء ‪،‬‬ ‫يس يَ َ‬ ‫ِإ َّ ِإ ِ‬
‫اهلل عنه – عن النبي – صلى اهلل عليه وسلم – أنه قال ‪ " :‬ن بْل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ث سراياهـ فََأ ْدنَ ِ‬
‫ْت َك َذا‬ ‫ول ‪َ :‬ف َعل ُ‬ ‫اه ْم م ْنهُ َم ْن ِزلَةً َأ ْعظَ ُم ُه ْم ف ْتنَةً ‪ ،‬يَجيءُ َ‬
‫َأح ُد ُه ْـم ‪َ ،‬فَي ُق ُ‬ ‫ُ‬ ‫ثُ َّم َي ْب َع ُ َ َ َ ُ‬
‫ْت‬
‫ول ‪َ :‬ما َت َر ْكتُهُ َحتَّى َف َّرق ُ‬ ‫َأح ُد ُه ْم ‪َ ،‬فَي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪ :‬ثُ َّم يَجيءُ َ‬ ‫ت َش ْيًئا ‪ ،‬قَ َ‬ ‫صَن ْع َ‬
‫ول ‪َ :‬ما َ‬ ‫َو َك َذا ‪َ ،‬فَي ُق ُ‬
‫ال َفَيلْتَ ِز ُمهُ‬
‫ش ‪َُ :‬أراهُ قَ َ‬‫ال اَأْل ْع َم ُ‬ ‫ت " ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال ‪َ :‬فيُ ْدنِ ِيه ِم ْنهُ ‪َ ،‬و َي ُق ُ‬
‫ول ‪ :‬نِ ْع َم َأنْ َ‬ ‫َب ْينَهُ َو َب ْي َن ْام َرَأتِِـه ‪ ،‬قَ َ‬
‫" رواه مسلم ‪.‬‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬السكنـ والطمأنينة في البيوت نعمة ال يقدرها حق قدرها إال‬


‫المشردون الذين ال بيوت لهم وال سكن وال طمأنينة ‪ ،‬والتذكير بالسكن يمس المشاعر‬
‫الغافلةـ عن قيمة هذه النعمة ‪..‬‬
‫نظرة اإلسالم إلى البيت ﴿ َواللّهُ َج َع َل لَ ُكم ِّمن ُبيُوتِ ُك ْم َس َكناً ‪ 461﴾ ...‬هكذا يريد‬
‫اإلسالم البيت مكاناـ للسكينة القلبية واالطمئنان النفسي ‪ ،‬هكذاـ يريدهـ مريحاً تطمئن إليه‬
‫النفس وتسكن وتأمن ‪ ..‬سواء بكفايتهـ المادية للسكنى والراحة أو باطمئنان من فيه بعضهم‬
‫ببعض وبسكن من فيه كل إلىـ اآلخر ‪ ،‬فليس البيت مكانا للنزاع والشقاق والخصام ‪..‬‬
‫إنما هو مبيت وسكن وأمن واطمئنان وسالم ؛ ومن ثم يضمن اإلسالم للبيت حرمته ليضمن‬
‫له أمنه وسالمه واطمئنانه ؛ فال يدخله داخل إال بعد استئذان ‪ ،‬وال يقتحمه أحد بغير حق ‪،‬‬
‫وال يتطلع أحد على من فيه لسبب من األسباب ‪ ،‬وال يتجسس أحدـ على أهله في غفلة‬
‫منهم أو غيبة ؛ فيروع أمنهم ويخل بالسكن الذي يريده اإلسالم للبيوت ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬األسرةـ هي المأوى الطبيعي لكال الجنسين والمستقر الوحيد الزكي‬
‫لعالقتهما ‪ ،‬والحاجةـ الجسدية عامل فطري وعاطفة مساعدة في تكوين األسرة ‪ ،‬أما‬
‫األساس الكريم الراقيـ فهو الصحبة القائمة على الود واإليناسـ والتآلف ‪ ،‬وهذا األساسـ هو‬
‫‪461‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪316‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫سو ِ‬
‫اح َد ٍة‬ ‫َّ ِ‬
‫الذي نوه القرآن الكريم به عندما ذكر قصة الخليقة ‪ُ ﴿ :‬ه َو الذي َخلَ َق ُكمـ ِّمن َّن ْف ٍ َ‬
‫َو َج َع َل ِم ْن َها َز ْو َج َها لِيَ ْس ُك َن ِإلَْي َها ‪. 462﴾ ...‬‬
‫وهذا السكن معناه االستقرار واطمئنان المرء إلى أنه مع شخص يزيد به ويستريح معه‬
‫ويهدأ في كنفه عند القلقـ ويلتمس البشاشةـ معه عند الضيق ‪.‬‬
‫وفهم الزواج على أنه رباط جسدي وحسب سقوط في التفكيرـ وسقوط في‬
‫الشعور ‪.‬‬
‫إن األمرـ أعلى من ذلك وأكبر ‪ ،‬وتدبر معي قول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ : -‬و ِم ْن آيَاتِِه‬
‫ك‬ ‫َأ ْن َخلَ َق لَ ُكم ِّم ْن َأن ُف ِس ُك ْـم َأ ْز َواجاًـ لِّتَ ْس ُكنُوا ِإلَْي َها َو َج َع َل َب ْينَ ُكم َّم َو َّد ًة َو َر ْح َمةً ِإ َّن فِي َذلِ َ‬
‫ات لَِّق ْوٍم َيَت َف َّك ُرو َن (‪. 463﴾ )21‬‬ ‫آَل يَ ٍـ‬

‫إن الناس قد تشغلهمـ تلك الصلة بين الرجل والمرأة ‪ ،‬ولكنهم قلما يتذكرون يد اهلل‬
‫التي خلقت لهم من أنفسهمـ أزواجا وأودعت نفوسهم هذه العواطف والمشاعر ‪ ،‬وجعلت‬
‫في تلك الصلة سكناًـ للنفس وراحة للجسم والقلب واستقراراً للحياة والمعاشـ وأنساًـ‬
‫لألرواح والضمائر واطمئناناً للرجل والمرأة على السواء ‪ ... ﴿ :‬لِّتَ ْس ُكنُوا ِإلَْي َها َو َج َع َل‬
‫ات لَِّق ْوٍم َيَت َف َّك ُرو َن (‪ 464﴾ )21‬فيدركون حكمة الخالق‬ ‫ك آَل ي ٍ‬‫ِ ِ‬
‫َب ْينَ ُكم َّم َو َّدةً َو َر ْح َمةً ِإ َّن في ذَل َ َ‬
‫كل من الجنسين على نحو يجعله موافقا لآلخرـ ملبياً لحاجاتهـ الفطرية‬ ‫– سبحانه – في خلق ٍّ‬
‫يجد عنده الراحةـ والطمأنينة واالستقرارـ ‪ ،‬ويجدان في اجتماعهما السكن واالكتفاء‬
‫والمودة والرحمةـ حتى يحققا الغاية العظمى ‪ :‬أن يتعاوناـ على طاعة اهلل حتى يصال إلىـ‬
‫الجنة ‪.‬‬

‫لكن بناء البيوت على هذه الحقيقة الروحية يحتاج إلى كثير من التثقيف والتأديب ‪..‬‬
‫أو بالتعبير الصحيح يحتاج إلى الخلق والدين ‪ ..‬يحتاج إلى الخلق والدين ‪.‬‬

‫‪462‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪463‬‬
‫سورة الروم‬
‫‪464‬‬
‫سورة الروم‬
‫‪317‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن العالقات بين الزوجين عميقة الجذور بعيدة اآلمادـ ‪ ..‬إنها تشبه من القوة صلة‬
‫المرء بنفسه ؛ ومن ثم عني اإلسالم بالمحافظة عليها واالرتفاع بجوهرهاـ وصيانة ظاهرها‬
‫اس لَّ ُه َّن ‪. 465﴾ ...‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس لَّ ُك ْـم َوَأنتُ ْم لبَ ٌ‬
‫وباطنها ‪ُ ...﴿ :‬ه َّن لبَ ٌ‬
‫عن أبي سعيد الخدري – رضي اهلل عنه – قال ‪ :‬قال رسول اهلل – صلى اهلل عليه‬
‫ضي ِإلَى ْامرَأتِِـه و ُت ْف ِ‬ ‫الرج ـل ي ْف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وسلم ‪ِ " : -‬إ َّن ِمن َأ َش ِّر الن ِ ِ‬
‫ضي‬ ‫َ َ‬ ‫َّاس ع ْن َد اللَّه َم ْن ِزلَةً َي ْو َم الْقيَ َامة َّ ُ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ش ُر ِس َّر َها " رواه مسلم ‪..‬‬ ‫ِإلَْي ِه ثُ َّم َي ْن ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫وقال – صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ " : -‬ك ُّل َما َيل ُْهو بِ ِه َّ‬
‫الر ُج ُل ال ُْم ْسل ُم بَاط ٌل ِإاَّل َر ْميَهُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ْح ِّق " أخرجهـ الترمذي وابن ماجة ‪..‬‬ ‫بَِق ْوسه َوتَْأديبَهُـ َف َر َسهُ َو ُماَل َعبَتَهُ َْأهلَهُ فَِإ َّن ُه َّن م ْن ال َ‬
‫فانظر كيف عد من الحق هذه الصلة اإلنسانية الخاصة بين الزوجين ‪.‬‬
‫الصالِ َحةُـ "‬ ‫اع ُّ‬
‫الد ْنيَاـ ال َْم ْرَأةُ َّ‬ ‫وقال – صلى اهلل عليه وسلم ‪ُّ " : -‬‬
‫الد ْنيَاـ َمتَاعٌ َو َخ ْي ُر َمتَ ِ‬
‫رواه مسلم ‪.‬‬
‫وبهذاـ النصح ُأفهم الرجلـ أن من أفضل ما يستصحبه في حياتهـ ويستعين به على‬
‫واجباته الزوجةـ اللطيفة العشرة القويمة الخلق ‪ ..‬أو التيـ وصفها في حديث آخر بقوله ‪" :‬‬
‫يما يَ ْك َرهُ فِي َن ْف ِس َها َو َمالِ ِه " رواه الترمذيـ ‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫س ُّرهُ ِإذَا نَظََر َوتُطيعُهُ ِإذَا ََأم َر َواَل تُ َخال ُفهُـ ف َ‬
‫َِّ‬
‫التي تَ ُ‬

‫إن هذه الزوجةـ هي دعامة البيت السعيد وركنه العتيد ‪ ،‬وإن رابطة هذه األسرةـ تعلو‬
‫في البقاء ‪ ..‬فإذا انتهت هذه الدنياـ وتركها أهلهاـ فرادى أو جماعات التأم شملهم مرة أخرى‬
‫َّات َع ْد ٍن ي ْد ُخلُو َن َها ومن صلَح ِمن آباِئ ِهم وَأ ْزو ِ‬
‫اج ِه ْـم‬ ‫هناك في الدار اآلخرةـ ‪َ ﴿:‬جن ُ‬
‫ََ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫َوذُ ِّريَّاتِ ِه ْـم ‪. 466﴾ )23( ...‬‬
‫آمنُوا‬
‫ين َ‬ ‫وفي سبيل جمع الشمل يلتحق األبناء المقصرون بآبائهمـ المجدين ‪َ ﴿ :‬والَّ ِذ َـ‬
‫اهم ِّم ْن َع َملِ ِهم ِّمن َش ْي ٍء ‪. 467﴾ ...‬‬
‫ْح ْقنَا بِ ِه ْم ذُ ِّر َّيَت ُه ْم َو َما َألَْتنَ ُ‬ ‫و َّاتبع ْت ُهم ذُ ِّر َّي ُت ُهم بِِإ ٍ‬
‫يمان َأل َ‬
‫َ‬ ‫َ ََ ْ‬

‫‪465‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪466‬‬
‫سورة الرعد‬
‫‪467‬‬
‫سورة الطور‬
‫‪318‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬ولن توجد بيئة أزكى وال أجدى من األسرة في تربية األوالدـ ‪،‬‬
‫ففي ظل األمة الحالية واألبوة الكادحة ‪ -‬وهما من أوثق وأعمق المشاعر اإلنسانية ‪ -‬تتم‬
‫كفالتهمـ وتتفتق براعمهم وتستوي أعوادهم وترتقب ثمارهم ؛ لذلك كانت حماية األسرةـ من‬
‫أعظم الواجباتـ ‪ ،‬وكان تمهيد الطريق أمامهاـ من أفضل القربات ‪ ،‬وما اشتكت‬
‫المجتمعات من أفراد سوء إال لنباتهم في أسرةـ متهالكة أو مشتتة في الغالب ‪ ..‬أو ال أسرةـ ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬لقد جاءت توجيهاتـ اإلسالم لبناء األسرـ البناء الصحيح منذ البداية ؛ فأمر‬
‫اهلل بالزواج وحث عليه وجعله من سنن المرسلين وهدي الصالحين ‪ ،‬وأمر بتزويج البنات‬
‫والبنين ‪ ،‬وإعانة من ال يقدر على الزواج ‪ ،‬وحث على تيسيره وتسهيل طريقه ‪ ،‬ونهى‬
‫عن كل ما يعوق تمامه ويعكر صفوه ‪..‬‬
‫وفي االختيار وجه بما فيه المصلحة التامةـ الخلق والدينـ ‪ ،‬وفي حرية االختيار‬
‫االستئذان واالستئمار ؛ فال الرجل يُكره على أخذ من يكره وال الفتاةـ ترغم على قبول من‬
‫تبغض ‪ ،‬وقرر اإلسالم مبادئ وتعاليم تفصل حق الرجل على المرأة وحق المرأة على‬
‫وف ‪َ ...﴿ ، 468﴾ ...‬ولَ ُه َّن ِمثْ ُل الَّ ِذي‬ ‫اشروه َّن بِالْمعر ِ‬ ‫ِ‬
‫الرجلـ ‪ ..‬قاعدتها ‪َ ... ﴿ :‬و َع ُ ُ َ ْ ُ‬
‫ال َعلَْي ِه َّن َد َر َجةٌ ‪. 469﴾ ...‬‬‫وف ولِ ِّلر َج ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َعلَْي ِه َّن بال َْم ْع ُر َ‬

‫وهي تعاليمـ وفرت من الخير لألسر ما يمأل أرجاءها براً وتقوى ووداً وتعاوناً ‪،‬‬
‫وفيها ضمانات موثقة للحياة الزوجيةـ واستقرارها وضماناتـ أعظم لتسعد الحياة وينبت‬
‫األوالدـ نباتاً حسناً وينالوا من حظوظ الصحة النفسيةـ ما يجعلهم أصلح باال وأسعدـ حاالً ‪،‬‬
‫وجعلت على كل واحد من الزوجينـ تكاليف تناسبه ومسئوليات توائمه ‪..‬‬
‫عن ابن عمر – رضي اهلل عنه – أن النبي – صلى اهلل عليه وسلم – قال ‪َ " :‬أال‬
‫اَألم ُير الَّ ِذي َعلَى الن ِ‬ ‫ول عن ر ِعيَّتِ ِه ‪ ،‬فَ ِ‬
‫اع َو ُه َو َم ْسُئ ٌ‬
‫ول َع ْن‬ ‫َّاس َر ٍ‬ ‫اع ‪َ ،‬و ُكلُّ ُك ْم َم ْسُئ ٌ َ ْ َ‬ ‫ُكلُّ ُك ْم َر ٍ‬
‫ت َب ْعلِ َها‬
‫اعيةٌ َعلَى ب ْي ِ‬‫ِ‬ ‫اع َعلَى َْأه ِل َب ْيتِ ِه َو ُه َو َم ْسُئ ٌ‬ ‫َر ِعيَّتِ ِه ‪َ ،‬و َّ‬
‫َ‬ ‫الر ُج ِـل َر َ‬
‫ول َع ْن ُه ْم ‪َ ،‬و ْام َرَأةُ َّ‬ ‫الر ُج ُل َر ٍ‬

‫‪468‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪469‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪319‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ول َع ْنهُ ‪َ ،‬أال َو ُكلُّ ُك ْم‬‫ال َسيِّ ِد ِه َو ُه َو َم ْسُئ ٌ‬


‫ول َعلَى َم ِ‬‫َو َولَ ِد ِه َو ِه َي َم ْسُئولَةٌ َع ْن ُه ْم ‪َ ،‬وال َْع ْب ُـد َم ْسُئ ٌ‬
‫ول َع ْن َر ِعيَّتِ ِه" رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬وهذا لفظ مسلم ‪..‬‬ ‫اع َو ُكلُّ ُك ْم َم ْسُئ ٌ‬ ‫َر ٍ‬
‫وعن أبي هريرة – رضي اهلل عنه – قال ‪ :‬قال رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪: -‬‬
‫ت ِم ْن ِّ‬
‫َأي‬ ‫ت َب ْعلَ َها َد َخلَ ْ‬ ‫ت َف ْر َج َهاـ َوَأطَ َ‬
‫اع ْ‬ ‫صنَ ْ‬
‫ت َش ْه َر َهاـ َو َح َّ‬
‫ص َام ْ‬ ‫س َها َو َ‬ ‫صلَّ ْ‬
‫ت ال َْم ْرَأةُ َخ ْم َ‬ ‫" إذَا َ‬
‫اب ال ِ‬
‫ت " رواه اإلمام أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه ‪.‬‬ ‫اء ْ‬‫ْجنَّة َش َ‬ ‫َْأب َو ِ َ‬

‫وحسن الخلق في األسرة من أمارات اإليمان ‪ ،‬عن عائشة – رضي اهلل عنها ‪-‬‬
‫ِِ‬
‫س ُن ُه ْم ُخلًُقا‬ ‫َأح َ‬
‫يمانًا ْ‬‫ين ِإ َ‬
‫قالت ‪ :‬قال رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " : -‬إ َّن َأ ْك َم َل ال ُْمْؤ من َ‬
‫‪َ ،‬وَألْطَُف ُه ْـم بِ َْأهلِ ِه " رواه الترمذي ‪..‬‬
‫َألهلِي "‬‫َألهلِ ِه‪َ ،‬وَأنَا َخ ْي ُر ُك ْم ْ‬
‫وقال – صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " : -‬خ ْي ُر ُك ْم َخ ْي ُر ُك ْم ْ‬
‫رواه الترمذي وابن ماجة بإسنادـ صحيح‪..‬‬
‫ول اللَّ ِه َما َح ُّق َز ْو َج ِة‬
‫ْت ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫وعن حكيم بن معاويةـ القشيري عن أبيه قال ‪ُ " :‬قل ُ‬
‫ض ِر ِ‬
‫ب ال َْو ْجهَ َواَل‬ ‫ت َواَل تَ ْ‬
‫س ْي َ‬ ‫ِإ‬
‫س َو َها ذَا ا ْكتَ َ‬ ‫ت َوتَ ْك ُ‬ ‫َأح ِدنَا َعلَْي ِه ؟ قَ َ‬
‫ال ‪َ :‬أ ْن تُط ِْع َم َها ِإذَا طَ ِع ْم َ‬ ‫َ‬
‫ت " رواه أبو داود ‪.‬‬ ‫ُت َقبِّح واَل َت ْهجر ِإاَّل ِفي الْب ْي ِ‬
‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َْ‬

‫أيها المسلمون ‪ :‬معرفة كل من الزوجين بما له من حقوق وما عليه من واجبات‬


‫والقيام بذلك واحترام الطرف اآلخرـ واحترام المواقع والمسئوليات باب التفاهم والرضا‬
‫وسبب لالستقرار والنجاح ‪..‬‬
‫فالرجل في شريعة اهلل رب البيت وقيِّم األسرة ‪ ،‬وهذه ميزة تكليف أكثر مما هي‬
‫تشريف ‪ ،‬والغرض منها أن يسير البيت وفق نظام سائدـ ال وفق مآرب متدافعة ورغبات‬
‫متنازعة ‪ ،‬ومن العبث أن تكون أي شركة من غير رئاسة مسئولة ‪..‬‬
‫َ‬
‫وترك زمام البيت في يد المرأة وضع لألمور في غير نصابها أو هو تحميل العبء‬
‫للكاهلـ الضعيف ‪ ،‬والرجلـ أجدر من امرأتهـ بحق إدارة البيت ورئاسة األسرةـ ؛ فإن ما برأه‬
‫اهلل عليه من احتمال وصالبة ومقدرة واسعة على الكسب والنفقةـ ومدافعة أمواج الحياة ‪..‬‬

‫‪320‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ض ُه ْم َعلَى‬
‫َّل اللّهُ َب ْع َ‬ ‫ال َق َّو ُامو َن َعلَى الن ِ‬
‫ِّساء ب َما فَض َ‬
‫َ‬ ‫الر َج ُ‬
‫كل ذلك يجعله أولى بالترجيح ‪ِّ ﴿ :‬‬
‫ض َوبِ َما َأن َف ُقواْ ِم ْن َْأم َوالِ ِه ْم ‪. 470﴾ ...‬‬
‫َب ْع ٍ‬

‫والقوامةـ ليست تسلطاً وال تعسفاً وال ظلماً أو ترفعا ‪ ،‬بل هي الرعاية والحفظ‬
‫والقيام بالمصالح وتحمل المسئولية ‪ ،‬وإن الدعوة إلى عكس ذلك بدعوى المساواة أو‬
‫الحرية هو قلب للفطرة ومعاكسة للطبيعة ‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪ :‬ولما كانت نفقات البيت من أهم ما يواجه الزوجان ومن أشدـ ما يعنت‬
‫الرجلـ ألنه هو الذي يحمل العبء وربما كان الختالف اآلراء فيما يجلب ويترك أثر سيء‬
‫في نفسه وفي أهله ‪ ..‬بين النبي – صلى اهلل عليه وسلم – أن النفقة التي البد منها للبيت‬
‫والتي يسعد البيت ببذلهاـ ليست من المستهلكاتـ الضائعةـ ‪ ،‬بل هي من الصدقاتـ الباقية ‪،‬‬
‫يل اللَّ ِه ‪ ،‬و ِدينَار َأْن َف ْقتَهُ فِي ر َقب ٍة ‪ ،‬و ِدينَار تَص َّدق َ ِ ِ‬‫ار َأْن َف ْقتَهُـ فِي َسبِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْت بِه ‪َ ،‬ودينَ ٌ‬
‫ار‬ ‫َ َ َ ٌ َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫فقال ‪ " :‬دينَ ٌ‬
‫ار الَّ ِذي َأْن َف ْقتَهُ َعلَى َْأهلِ َـ‬
‫ك " رواه مسلم ‪.‬‬ ‫َأْن َف ْقتَهُ َعلَى َْأهلِ َ‬
‫ك ‪َ ،‬أفْ َ‬
‫ضلُ َها الدِّينَ ُ‬

‫وهذا توجيه يستحق التأمل ؛ فإن من الناس من يضيع مصالح أهله أو يسيء تقديرها‬
‫أو يمتنع عن سد ثغورها ‪ ،‬ومن النساء من تبالغ في إرهاق زوجها ‪ ،‬والجدل حول نفقاتـ‬
‫البيوت يكادـ ال ينقطع ‪ ،‬والمطالب التي تعرض وترفض كثيرة ‪..‬‬
‫وفي بيت النبي – صلى اهلل عليه وسلم – وهو أشرف البيوت ‪ -‬حصل نقاش وجدالـ‬
‫حول هذا ‪ ،‬واإلسالم يكره أن تكون أمور النفقةـ سبباً في تعريض األسرة كلها للمتاعب‬
‫وتهديد مستقبلها ‪ ،‬يقول اهلل – عز وجل ‪ ﴿ : -‬لِيُ ِنف ْق ذُو َس َع ٍة ِّمن َس َعتِ ِه َو َمن قُ ِد َر َعلَْي ِه‬
‫اها َسيَ ْج َع ُل اللَّهُ َب ْع َد عُ ْس ٍر يُ ْسراً‬ ‫ِر ْزقُهُ َفلْيُ ِنف ْق ِم َّما آتَاهُ اللَّهُ اَل يُ َكلِّ ُ‬
‫ف اللَّهُ َن ْفساً ِإاَّل َما آتَ َ‬
‫‪471‬‬
‫(‪﴾ )7‬‬
‫‪.‬‬

‫‪470‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪471‬‬
‫سورة الطالق‬
‫‪321‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫مسك‬
‫وهذا األمرـ اآللهيـ جاء بعد جملة من األوامر التي توصي بحسن الخلق وتُ ِّ‬
‫بعروة التقوى ‪ ،‬وهي أوامر عرضت في سياق ما يمر بالبيوت من منازعات وما يُخاف على‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وه َّن بِ َم ْع ُروف َْأو فَا ِرقُ ُ‬
‫وه َّن‬ ‫حبالها من انقطاع ؛ فبعد أن قال ‪ -‬سبحانه ‪ ...﴿ : -‬فَ َْأمس ُك ُ‬
‫ادةَ لِلَّ ِه ﴾‪ .. 472‬قال – سبحانه ‪: -‬‬ ‫يموا َّ‬
‫الش َه َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ب َم ْع ُروف َوَأ ْش ِه ُدوا ذَ َو ْي َع ْدل ِّمن ُك ْم َوَأق ُ‬
‫ِ‬
‫ظ بِ ِه َمن َكا َن ُيْؤ ِم ُن بِاللَّ ِه َوالَْي ْوِم اآْل ِخ ِـر َو َمن َيت َِّق اللَّهَ يَ ْج َعل لَّهُ َم ْخ َرجاً (‪)2‬‬ ‫﴿ ذَلِ ُك ْم يُ َ‬
‫وع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َو َمن َيَت َو َّك ْل َعلَى اللَّ ِه َف ُه َو َح ْسبُهُ ِإ َّن اللَّهَ بَال ُغ َْأم ِره قَ ْد َج َع َل اللَّهُ‬ ‫ِ‬
‫ث اَل يَ ْحتَس ُ‬‫َو َي ْر ُزقْهُ ِم ْن َح ْي ُ‬
‫‪474‬‬
‫لِ ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ْدراً (‪ 473﴾ )3‬وقال ‪َ ... ﴿ :‬و َمن َيت َِّق اللَّهَ يَ ْج َعل لَّهُ ِم ْن َْأم ِر ِه يُ ْسرا ﴾‬
‫ِ ِ‬
‫َأجراًـ ﴾‪. 475‬‬ ‫وقال ‪َ ... ﴿ :‬و َمن َيت َِّق اللَّهَ يُ َك ِّف ْر َع ْنهُ َسيَِّئاتِه َو ُي ْعظ ْم لَهُ ْ‬

‫إذن عماد سعادةـ البيوت التقوى ثم التقوى ثم التقوى ؛ وهذا يفسر لك أيضا سر‬
‫افتتاح سورة النساء باألمرـ بالتقوى ‪.‬‬

‫بارك اهلل لي ولك في القرآن العظيم ‪ ،‬ونفعنا بما فيه من اآلياتـ والذكر الحكيم ‪.‬‬
‫أقول قولي هذا واستغفرـ اهلل العظيم لي ولكم ‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ .‬الرحمن الرحيمـ ‪ .‬مالك يوم الدين ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال‬
‫اهلل وحده ال شريك له الملك الحق المبين ‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل‬
‫وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫‪472‬‬
‫سورة‬
‫‪473‬‬
‫سورة‬
‫‪474‬‬
‫سورة‬
‫‪475‬‬
‫سورة‬
‫‪322‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أما بعد ‪:‬‬


‫فليعلم أنه لن يهب النسيم عليالً داخل البيت على الدوام ‪ ..‬إن طبائع البشر تأبىـ هذاـ‬
‫؛ فقد يعتكرـ الجو وقد تثور الزوابع ‪ ،‬وارتقاب الراحة الكاملة وهم ‪ ،‬وانتظار اللذة‬
‫الخالصة في الدنياـ عجز ‪ ،‬وقلما عاش إنسان على حالةـ ثابتة من الرضا وانعدام العتاب ‪،‬‬
‫ومن العقل توطين النفس على تحمل بعض المضايقاتـ وترك التعليق المرير عليها أو ترتيب‬
‫النتائج الكبيرةـ لوقوعها ‪.‬‬

‫ولما كان الرجلـ في نظر اإلسالم هو رب البيت ومالك زمامه فإنه مطالب بتصبير‬
‫نفسه على ما ال يحب أحيانا ‪ ،‬نعم ‪ ..‬مطالب بإساغةـ بعض التصرفاتـ الساذجةـ ؛ فإن‬
‫نشدانه المثل األعلى في بيته متعذر ومجيء امرأتهـ وفق آماله كلها بعيد ؛ لذلكـ قال رسول‬
‫ضلَ ٍع ‪َ ،‬وِإ َّن‬ ‫اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬اسَتوصوا بِالنِّس ِـاء َخ ْيرا ‪ ،‬فَِإ َّن ُه َّن ُخلِ ْقن ِمن ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ ْ ُ‬
‫يمهُ َك ْس َرتَهُ ‪َ ،‬وِإ ْن َت َر ْكتَهُ لَ ْم َي َز ْل َأ ْع َو َج‬
‫ت تُق ُ‬ ‫َْ‬ ‫َأ ْع َو َج َش ْي ٍء فِي ِّ‬
‫الضلَ ِع َأ ْعاَل هُ ‪ ،‬فَِإ ْن ذَهب َ ِ‬
‫ِّس ِاء " رواه البخاري ومسلم ‪..‬‬ ‫اسَت ْو ُ ِ‬
‫صوا بالن َ‬ ‫فَ ْ‬
‫ك َعلَى طَ ِري َق ٍة فَِإ ِن‬ ‫يم لَ َ‬ ‫ِ‬ ‫وفي رواية عند مسلم ‪ِ " :‬إ َّن الْمرَأةَ ُخلِ َق ْ ِ ِ‬
‫ت م ْن ضلَ ٍع لَ ْن تَ ْستَق َ‬ ‫َْ‬
‫ت وبِها ِعوج ‪ ،‬وِإ ْن ذَهب َ ِ‬
‫س ْرَت َها َو َك ْس ُر َها طَال ُق َها " وهذاـ‬ ‫يم َها َك َ‬‫ت تُق ُ‬ ‫استَ ْمَت ْع َ َ َ َ ٌ َ َ ْ‬ ‫ت بِ َها ْ‬ ‫استَ ْمَت ْع َ‬
‫ْ‬
‫ما يكرهه اإلسالم ‪.‬‬

‫ومن الرذائلـ النفسية تحقير نعمة الزوج وتقليل شكرها أو نسيان الرجلـ فضل المرأة‬
‫وتضحيتها ‪ ،‬إن المرأة التي تبني سلوكها على جحد زوجها وكفر نعمته تخط لنفسها طريقاً‬
‫إلى النار ‪ ،‬ونسيان الجميل شائع في خالئق الناس رجاالً وإناثاً ‪.‬‬
‫وقد عد النبي – صلى اهلل عليه وسلم – الجحود ذريعة الستحقاق عذاب اهلل ‪ ..‬عن‬
‫ابن عباس – رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال ‪ :‬قال رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ " : -‬أ ِر ُ‬
‫يت‬
‫ال ‪ :‬يَ ْك ُف ْر َـن ال َْع ِش َير ‪َ ،‬ويَ ْك ُف ْر َن‬
‫يل ‪َ :‬أيَ ْك ُف ْر َـن بِاللَّ ِه ‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الن َ ِإ‬
‫َّار فَ ذَا َأ ْك َث ُر َْأهل َها الن َ‬
‫ِّساءُ يَ ْك ُف ْر َن ‪ ،‬ق َ‬

‫‪323‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ت ِم ْن َ‬
‫ك َخ ْي ًرا‬ ‫ت ‪َ :‬ما َرَأيْ ُ‬
‫ك َش ْيًئا ‪ ،‬قَالَ ْ‬‫َأت ِم ْن َ‬
‫الد ْه َر ‪ ،‬ثُ َّم َر ْ‬ ‫ت ِإلَى ِإ ْح َد ُ‬
‫اه َّن َّ‬ ‫س ْن َ‬
‫َأح َ‬ ‫اِإْل ْح َ‬
‫سا َن لَ ْو ْ‬
‫ط " رواه البخاري ‪.‬‬ ‫قَ ُّ‬

‫وعلى الرجلـ أال يسترسل مع مشاعر الضيق وأال يحبس نفسهـ مع الجانب الذي‬
‫يسوؤه من زوجته ‪ ،‬بل يجب أن يذكر جوانب الخير األخرىـ ‪ ،‬ولن يُعدم ما تطيب به‬
‫نفسه من سيرتها ومعاملتها ‪ ..‬قال رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪ " : -‬ال َي ْف َر ْك ُمْؤ ِم ٌن‬
‫ض َي ِم ْن َها آ َخ َر ‪ ( ،‬أو قال غيره ) " رواه مسلم ‪.‬‬ ‫مْؤ ِمنَةً ِإ ْن َك ِرهَ ِم ْن َها ُخلًُقا ر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فإن غلبته مشاعر التشاؤم وظن من نفسه أنه يكره فليعلم أن هذه المشاعر كثيراً ما‬
‫تكذب وأن المرء قد يفرط في أسبابـ خيره ومصادر نفعه ؛ لذلك قال – تعالىـ ‪... ﴿ : -‬‬
‫سى َأن تَ ْك َر ُهواْـ َش ْيئاً َويَ ْج َع َل اللّهُ ِف ِيه َخ ْيراً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وه َّن بِال َْم ْع ُروف فَِإ ن َك ِر ْهتُ ُم ُ‬
‫وه َّن َف َع َ‬ ‫َو َعاش ُر ُ‬
‫َكثِيراً ﴾‪. 476‬‬
‫وتقصير أحدـ الشريكينـ ليس مبرراً لآلخرـ أن يقصر في حق شريكه أو يقابلهـ باإلساءةـ‬
‫والعقوق ‪ ..‬على الزوجينـ أن يستحضرا المقاصد الساميةـ في الحياة األسريةـ من اإلعفاف‬
‫والسكنـ والتعاون على البر والتقوى وتربية النشء الصالح ‪ ،‬وال يلتفتا إلى القشور ‪..﴿ :‬‬
‫‪477‬‬
‫‪.‬‬ ‫ض َـل َب ْينَ ُك ْم ‪﴾ ...‬‬
‫نس ُواْ الْ َف ْ‬
‫َوالَ تَ َ‬

‫وإن هذه المعاني أولىـ بالعنايةـ والبالغ بدالً من إشغالـ الناس بما يهدم وال يبني من‬
‫شئون األسرة والمجتمع ‪..‬‬
‫على المصلحين والناصحين وأرباب األقالم واإلعالم أن يعنوا أشد العنايةـ بصالح‬
‫األسرـ واستقرارها وقيام البيوت وشد بنيانها ‪ ،‬واهلل المسئول أن يحفظ على المسلمين‬
‫دينهم وأمنهم وأن يصلح أحوالهم ويسعد أعمارهم ‪.‬‬

‫‪476‬‬
‫سورة‬
‫‪477‬‬
‫سورة‬
‫‪324‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫هذا ‪ ،‬وصلوا وسلموا على خير البريةـ وأزكى البشريةـ محمد بن عبد اهلل الهاشميـ‬
‫صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرينـ‬ ‫القرشيـ ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫وصحابته الغرـ الميامين ‪ ،‬وارض اللهم عن األئمة المهديينـ والخلفاء المرضيين ‪ -‬أبي بك ٍر‬
‫وعمر وعثمان وعلي ‪ -‬وعن سائرـ صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع‬
‫سنتهم يارب العالمينـ ‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين ‪،‬‬
‫واجعل هذا البلد مطمئنا وسائر بالد المسلمين ‪.‬‬
‫اللهم آمنا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيد بالحق إمامناـ وولي‬
‫أمرناـ ‪..‬‬
‫اللهم وفق خادم الحرمين الشريفينـ لهداك ‪ ،‬واجعلـ عمله في رضاك ‪ ،‬وهيء له‬
‫البطانة الصالحة ‪..‬‬
‫اللهم وفق ولي عهده لما تحب وترضى ‪ ،‬اللهم أتم عليه الصحة والعافيةـ ‪ ،‬اللهم‬
‫وفق النائب الثانيـ لما فيه الخير للبالد والعبادـ ‪ ،‬واسلك به سبيل الرشادـ ‪ ،‬وكن لهم‬
‫جميعاً موفقاً مسدداًـ لكل خير وصالح ‪.‬‬

‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا والربا والزناـ والزالزل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بطن ‪.‬‬

‫اللهم أصلح أحوال المسلمين ‪ .‬اللهم أصلح أحوال المسلمين ‪ .‬اللهم اجمعهم على‬
‫الحق والهدى ‪ ،‬واحقن دماءهمـ ‪ ،‬وأرغد عيشهم ‪ ،‬وآمنهم في ديارهمـ ‪ ،‬وأصلح‬
‫أحوالهمـ ‪ ،‬واكبت عدوهم ‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم انصر المستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم انصرهمـ في فلسطين‬


‫‪ ،‬اللهم انصر المرابطين في أكناف بيت المقدسـ ‪ ،‬اللهم اجمعهمـ على الحق يارب‬
‫العالمينـ ‪.‬‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدينـ‬
‫فإنهم ال يعجزونكـ ‪.‬‬
‫ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي اآلخرةـ حسنة وقنا عذاب النار ‪.‬‬
‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ ،‬ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلغنا فيما يرضيك آمالنا ‪.‬‬
‫ربنا اغفر لنا ولوالدينا ووالديهمـ وذرياتهمـ إنكـ سميع الدعاء ‪.‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيمـ ‪،‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمينـ ‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬عمل اليوم والليلة‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ : :‬السابع من ذي القعدةـ من عام ‪1431‬هـ‬

‫‪ -‬عمل اليوم والليلة ‪-‬‬

‫نبذة مختصرة عن الخطبة‪:‬‬


‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬عمل‬
‫اليوم والليلة" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن أهمية السنةـ واتباعهاـ ‪ ،‬وبيان فضل األذكار اليومية‬
‫َّ‬
‫وحث على تأديةـ السنن المهجورة‬ ‫الموظَّفة ‪،‬‬
‫التي تُقال من الصباح إلى المساء ‪ ،‬واألذكار ُ‬
‫للتقرب إلى اهلل ‪ -‬جل وعال ‪ ، -‬ومرافقةـ النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫والمتروكة ُّ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفرهـ ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ أعمالنا ‪،‬‬
‫ض َل له ‪ ،‬ومن يُضلِل فال هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫من يهده اهلل فال م ِ‬
‫ُ‬
‫شريكـ له ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك عليه وعلى آله‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫وصحبه والتابعينـ ‪ ،‬ومن تبعهم‬

‫‪327‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫اب ِم ْن َق ْبلِ ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫ين ُأوتُوا الْكتَ َ‬
‫فوصية اهلل تعالى لألولين واآلخرينـ تقواه‪ ﴿ :‬ولََق ْد و َّ َّ ِ‬
‫ص ْينَا الذ َ‬ ‫َ َ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َوقُولُوا َق ْواًل َس ِدي ًدا (‪)70‬‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوِإيَّا ُك ْم َأن َّات ُقوا اللَّهَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ي ِ‬
‫يما ﴾‪. 478‬‬ ‫صل ْح لَ ُك ْـم َأ ْع َمالَ ُك ْـم َو َي ْغف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َم ْن يُط ِع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا َعظ ً‬
‫ُْ‬
‫ويسر أموره ‪ ،‬وحبَّبه إلىـ الخلق ‪ ،‬فاهللَ اهللَ في‬
‫من أصلح سريرته أصلح اهلل عالنيته ‪َّ ،‬‬
‫صالح الظاهر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إصالح السرائر ‪ ،‬فإنه ما ينفع مع فسادهاـ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫إن أهم ما يعتني به المسلم في حياتهـ اليومية‪ :‬هو العمل بسنة الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫‪ -‬في أقواله وأفعاله ‪ ،‬وحركاتهـ وسكناتهـ ‪ ،‬حتى ُينِّم حياته كلها على سنة الرسول ‪ -‬صلى‬
‫الم َّدعون لمحبة النبي ‪-‬‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬من الصباح إلى المساء ‪ ،‬وفي زم ٍن كثُر فيه ُ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ﴿ -‬قُ ْل ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّو َن اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُ ْحبِْب ُك ُم اللَّهُ َو َي ْغ ِف ْـر لَ ُك ْـم ذُنُوبَ ُك ْم‬
‫يم ﴾‪. 479‬‬ ‫واللَّه غَ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫َ ُ ٌ‬
‫وإن منزلة المؤمن تُقاس باتباعهـ للرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬فكلما كان تطبيقه‬
‫تحصين للفرائضـ والواجبات ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫التمسك بالسنن‬
‫ُّ‬ ‫للسنة أكثر كان عند اهلل أعلى وأكرم ‪،‬‬
‫وجنوح إلى األجمل واألكمل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وباب لزيادة األجور والحسنات ‪،‬‬
‫ٌ‬
‫إنه شرف االتباع ‪ ،‬وحالوة االقتداء ‪ ،‬وحياة الوعي ‪ ،‬فال تزيغ به األهواء ‪ ،‬وفوق ذلك‪:‬‬
‫ال عب ِدي يت َق َّرب ِإلَ َّي بِالنَّوافِ ِل حتَّى ِ‬
‫ُأحبَّهُ " ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫محبة اهلل الجليل ‪َ " ،‬ما َي َز ُـ َ ْ َ َ ُ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫قتطفات من سنن اليوم والليلة ‪ ،‬من التزمها كان في حفظ اهلل ِ‬
‫وكنفه ‪ ،‬وترقَّى في‬ ‫ٌـ‬ ‫وهذه ُم‬
‫سنن ينبغي علينا تعلُّمها وتعليمها ‪،‬‬
‫مراتب الصالح والهدى حتى يكون ُمنتهاه الجنة ‪ٌ ،‬‬
‫والتذكير والتواصي بها ‪ ،‬وتزكية من تحت أيدينا بها من األهلـ واألقربين‪.‬‬

‫‪478‬‬
‫سورة‬
‫‪479‬‬
‫سورة‬
‫‪328‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫بالسنَن المحمدي منذ أن يأوي إلى فراشه ‪،‬‬ ‫والمسلم يقتفيـ الهدي النبوي ‪ ،‬ويعمل َّ‬
‫كما كان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يفعلـ ‪ ،‬فيتوضَّأ قبل النوم ‪ ،‬ويجمع َّ‬
‫كف ْيه ثم‬
‫َأح ٌد ﴾‪ ، 480‬و﴿ قُ ْل َأعُوذُ بَِر ِّ‬
‫ب الْ َفلَ ِق ﴾‪ ، 481‬و﴿ قُ ْل‬ ‫ث فيهما فيقرأ‪ ﴿ :‬قُ ْل ُه َو اللَّهُ َ‬ ‫ين ُف ُ‬
‫َّاس ﴾‪ 482‬ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده ‪ ،‬يبدأ بهما على رأسه‬ ‫َأعُوذُ بَِر ِّ‬
‫ب الن ِ‬
‫ووجهه وما أقبل من جسده ‪ ،‬يفعل ذلك ثالث مرات ‪ ،‬كما في "صحيح البخاري"‪.‬‬
‫ويقرأ آية الكرسي؛ فمن قرأها " لَم يز ْل َعلَْي ِه ِمن ِ‬
‫اهلل َحافِظاً ‪َ ،‬واَل َي ْق َربهُ َش ْيطَان " رواه‬ ‫َ‬ ‫ْ ََ‬
‫ضا‪.‬‬
‫البخاري أي ً‬
‫ت َن ْفسـي‬
‫سـ ْك َ‬ ‫ِإ‬ ‫ـت َج ْنـبي ‪َ ،‬وبِ َ‬
‫ك َْأر َفعُـه‪ ،‬فَ ن َْأم َ‬ ‫ض ْع ُ‬ ‫اس ِم َ‬
‫ك َربِّـي َو َ‬ ‫ويقول‪ " :‬باسمكـ ربي بِ ْ‬
‫الصـالِحـين " رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫فارحـمها ‪ ،‬وِإ ْن َأرسلْتـها فاح َفظْـها بِمـا تَح َفـ ُ ِ‬
‫ـاد َك ّ‬‫ظ بِه عب َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َْْ َ ََْ‬
‫عبادك» ثالث مرات؛ـ رواه أبو داود والترمذي‪ .‬يقوله‬ ‫تبعث َ‬‫ك يوم ُ‬ ‫ويقول‪« :‬اللهمـ قِنِي عذابَ َ‬
‫إذا وضع يده اليمنى تحت خدِّه ‪ ،‬كما كان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يفعل‪.‬ـ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْح ْم ُد للَّه ثَاَل ثًا َوثَاَل ث َ‬
‫ين‬ ‫ضا‪ُ " :‬س ْب َحا َن اللَّه ثَاَل ثًا َوثَاَل ث َ‬
‫ين َم َّر ًة َوال َ‬ ‫وينام على جنبه األيمن ويقو أي ً‬
‫ِ‬
‫ين " ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َم َّر ًة َواللَّهُ َأ ْكَب ُر َْأر َب ًعا َوثَاَل ث َ‬
‫ول بِ َما ُأنْ ِز َل ِإلَْي ِه ِم ْن َربِِّه‬
‫الر ُس ُـ‬
‫آم َن َّ‬
‫ويقرأ آخر آيتين من سورة البقرة من قوله تعالى‪َ ﴿ :‬‬
‫َوال ُْمْؤ ِمنُو َن ‪ 483﴾ ..‬إلخ اآليتينـ ‪َ " ،‬م ْن َق َرَأ بِ ِه َما فِي لَْيلَ ٍة َك َفتَاهُ " ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫نص على استحبابهـ النووي‬


‫ظ من النوم مسح أثر النوم عن الوجه باليد ‪ ،‬وقد َّ‬
‫وإذا استيق َ‬
‫وابن حجر ‪ ،‬لحديث‪ :‬فاستيقظ رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فجلس يمسح النوم‬
‫ُ‬
‫عن وجهه بيده؛ رواه مسلم‪.‬‬

‫‪480‬‬
‫سورة‬
‫‪481‬‬
‫سورة‬
‫‪482‬‬
‫سورة‬
‫‪483‬‬
‫سورة‬
‫‪329‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫َأحيَانًا َب ْع َد َما ََأماَتنَاـ َوِإلَْي ِه النُّ ُ‬ ‫ِِ ِ‬


‫ور " ؛ رواه البخاري‪.‬‬
‫ش ُ‬ ‫ْح ْم ُد للَّه الَّذيـ ْ‬
‫ويدعو بقوله‪ " :‬ال َ‬
‫شوص‬
‫وفي "الصحيحين"‪ :‬كان رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا استيقظ من الليل ي ُ‬
‫فاه بالسواك‪.‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ولدخولـ الخالء سنن‪:‬‬
‫منها‪ :‬الدخولـ بالرجلـ اليسرى ‪ ،‬والخروج بالرجلـ اليُمنى ‪ ،‬ودعاء الدخول‪:‬ـ " اللَّ ُه َّم ِإنِّي‬
‫ك " ؛ أخرجهـ‬ ‫ث والْ َخباِئ ِ‬
‫ث " ؛ متفق عليه‪ .‬ودعاء الخروج ‪ " :‬غُ ْف َرانَ َـ‬ ‫ِ‬ ‫َأعوذُ بِ َ ِ‬
‫ك م َن الْ ُخ ْب َ َ‬ ‫ُ‬
‫أصحاب السنن إل النسائي‪.‬ـ‬
‫والحرص على تطبيقها‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ضا ينبغي تعلُّمها‬
‫سنن أي ً‬
‫وللوضوء ٌ‬
‫بالم ّد؛ متفق عليه‪.‬‬
‫ومن السنة‪ :‬االقتصاد في الماء؛ كان ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يتوضَّأ ُ‬
‫وصالةُ ركعتين بعد الوضوء ‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن َت َو َّ‬
‫ضَأ‬
‫سهُ غُِف َر لَهُ َما َت َق َّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِه " ؛ رواه‬ ‫ضوِئي ه َذا ‪ ،‬ثُ َّم صلَّى ر ْكعَتي ِن ال يحد ُ ِ‬
‫ِّث في ِه َما َن ْف َ‬ ‫َ َ َ ْ َُ‬ ‫ُو ُ َ‬
‫الجنَّةُ " ‪.‬‬
‫ت لَهُ َ‬ ‫البخاري ومسلم‪ .‬وعند مسلم من حديث عقبة ابن عامر‪ِ " :‬إالَّ َو َجبَ ْ‬
‫ومن السنن العظيمة‪ :‬السواك ‪ ،‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬لَ ْواَل َأ ْن َأ ُش َّق َعلَى َُّأمتِي‬
‫صاَل ٍة " ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اك ِع ْن َد ُك ِّل و ُ ٍ‬
‫السو ِ‬ ‫ِ‬
‫ضوء " ؛ رواه البخاري‪ .‬وفي "السنن"‪ " :‬ع ْن َد ُك ِّل َ‬ ‫ُ‬ ‫َأَلم ْر ُت ُه ْـم ب ِّ َ‬
‫َ‬
‫سن للصلوات الخمس ‪ ،‬وللسنن الرواتبـ ‪ ،‬ولصالة الضحى ‪ ،‬والوتر ‪ ،‬وعند‬
‫والسواك يُ ُّ‬
‫دخول البيت ‪ ،‬وأول ما يبدأ به الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عند دخوله البيت هو‬
‫ت بذلك عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪-‬؛ أخرجه مسلم‪.‬‬
‫أخب َر ْـ‬
‫السواك ‪ ،‬كما َ‬
‫وكذلك عند قراءة القرآن ‪ ،‬وعند تغيُّر رائحة الفم ‪ ،‬وعند االستيقاظـ من النوم ‪ ،‬وعند‬
‫طه َرةٌ لل َف ِم َمرضاةٌ ّ‬
‫للرب "‬ ‫واك َم َ‬ ‫الوضوء ‪ ،‬وقد قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِّ " :-‬‬
‫الس ُ‬
‫رواه اإلمام أحمد‪.‬‬
‫سنن‪:‬‬
‫وفي اللباس ٌ‬

‫‪330‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫سواء عند اللُّْبس أو عند الخلع ‪ ،‬قال النووي ‪ -‬رحمه اهلل ‪:-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منها‪ :‬أن يقول‪ " :‬ب ْس ِم اهلل " ً‬
‫"وهي مستحبَّةٌ في جميع األعمال ‪ -‬أي‪ :‬قول‪ :‬بسم اهلل ‪ ، "-‬وكان ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫ك ِم ْن َخ ْي ِر ِه َو َخ ْي ِر َما ُه َو‬ ‫رداء أو عمامة يقول‪ " :‬اللَّ ُه َّم ِإنِّي ْ‬
‫َأسَألُ َـ‬ ‫ِ‬
‫قميصا أو ً‬ ‫س ثوبًا أو ً‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬إذا لب َ‬
‫ك ِم ْن َش ِّر ِه َو َش ِّر َما ُه َو لَهُ " رواه أبو داود والترمذي‪.‬‬ ‫لَهُ ‪َ ،‬وَأعُوذُ بِ َ‬
‫ثم البدء باليمين عند اللُّبس ‪ ،‬لحديث النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إ َذا لَبِ ْستُ ْم َوِإ َذا‬
‫بإسناد صحيح‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫َت َوضَّْأتُ ْم فَابْ َدءُواـ بِ َميَ ِامنِ ُك ْـم " رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجةـ‬
‫َأح ُد ُك ْـم َفلْيَْب َدْأ بِالْيُ ْمنَى ‪َ ،‬وإذَا َخلَ َع َفلْيَْب َدْأ‬
‫وقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬إذَا ا ْنَت َع َل َ‬
‫ال‪ ... .‬لُِي ْن ِعل ُْه َما َج ِميعاً‪َْ ،‬أو لِيَ ْخلَ ْع ُه َما َج ِميعاً " رواه مسلم‪.‬‬ ‫الشم ِ‬
‫ب ِّ َ‬
‫ِ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫سنن‪:‬‬
‫ضا ٌ‬‫ولدخولـ المنزل أي ً‬
‫ستحب أن يقول‪ :‬بسم اهلل ‪ ،‬وأن يُكثِر من ذكر اهلل تعالىـ ‪ ،‬وأن يُسلِّم" ‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫قال النووي‪" :‬يُ‬
‫الر ُج ُلـ َب ْيتَهُ فَ َذ َك َر اللَّهَ ِع ْن َد ُد ُخولِ ِه َو ِع ْن َد‬
‫لحديث النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إذَا َد َخ َل َّ‬
‫اء ‪ "..‬رواه مسلم‪.‬‬ ‫شَ‬ ‫يت لَ ُك ْم َوال َع َ‬ ‫الش ْيطَا ُن ‪ :‬ال َمبِ َ‬ ‫ال َّ‬ ‫طَ َع ِام ِـه ‪ ،‬قَ َ‬
‫ك َخ ْي َر‬ ‫ويذكر دعاء الدخولـ ‪ ،‬لحديث النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬اللَّ ُه َّم ِإنِّيـ ْ‬
‫َأسَألُ َ‬
‫ال َْم ْولَ ِج َو َخ ْي َر ال َْم ْخ َر ِج‪ ،‬بِ ْس ِم اللَّ ِه َولَ ْجنَا‪َ ،‬وبِ ْس ِم اللَّ ِه َخ َر ْجنَا‪،‬ـ َو َعلَى اللَّ ِه َرِّبنَا َت َو َّكلْنَا‪ ،‬ثُ َّم‬
‫سلِّ ْم َعلَى َْأهلِ ِه " رواه أبو داود‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ليُ َ‬
‫دائم الصلة باهلل‪.‬‬ ‫التوكل على اهلل في دخوله وخروجه من البيت ‪ ،‬فيكون َـ‬ ‫فيستشع ُر ُّ‬ ‫ِ‬

‫ومن سنن دخول المنزل‪ :‬السواك ‪ ،‬كما مضى في "صحيح مسلم"‪.‬‬


‫سلِّ ُموا َعلَى َأْن ُف ِس ُك ْـم تَ ِحيَّةً ِم ْن ِع ْن ِد‬ ‫ِإ‬
‫وكذلك‪ :‬السالم ‪ ،‬لقول اهلل تعالى‪:‬ـ ﴿ فَ ذَا َد َخلْتُ ْم ُبيُوتًا فَ َ‬
‫اللَّ ِه ُمبَ َار َكةً طَيِّبَةً ﴾‪. 484‬‬
‫حو َل وال قُو َة إالَّ بِاللَّ ِه ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ْت َعلَى اللَّه ‪ ،‬وال ْ‬ ‫توكل ُ‬ ‫أما الخروج من البيت فيقول‪ " :‬بِ ْسم اللَّ ِه َّ‬
‫الش ْيطَا ُن " رواه الترمذي وأبو داود‪.‬‬ ‫وتنحى عنه َّ‬ ‫يت ‪َّ ،‬‬ ‫ووقِ َ‬ ‫يقال لهُ ه َ ِ‬
‫ديت َو ُكفيت ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫‪484‬‬
‫سورة‬
‫‪331‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫سنن‪:‬‬
‫وللذهابـ إلى المسجد ٌ‬
‫َّاس ما‬
‫منها‪ :‬التبكير في الذهابـ ‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬لَ ْو َي ْعلَ ُم الن ُ‬
‫في الن ِ‬
‫األو ِل‪ ،‬ثُ َّم لَ ْم يَ ِج ُدوا إال أ ْن يَ ْستَ ِه ُموا عليه ْ‬
‫السَت َه ُموا‪َ .‬ولَ ْو َي ْعلَ ُمو َن ما في‬ ‫ف َّ‬ ‫والص ِ‬
‫ِّداء َّ‬
‫العتَ َم ِة ُّ‬
‫والص ْب ِح ألَت ْو ُه َما َولَ ْو َح ْبوا " متفق عليه‪.‬‬ ‫الستََب ُقوا إليه‪ .‬ولَ ْو يعلمون ما في َ‬ ‫َّه ِجي ِر ْ‬
‫الت ْ‬
‫ٍ‬
‫بسكينة ووقار ‪،‬‬ ‫ومن السنن‪ :‬دعاء الذهابـ إلى المسجد بالدعاء المعروف ‪ ،‬وكذا المشي‬
‫الصاَل ِة َو َعلَْي ُك ْم بِ َّ‬
‫الس ِكينَ ِة‬ ‫قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إذَا َس ِم ْعتُ ْم اِإْل قَ َامةَ فَ ْام ُ‬
‫شوا ِإلَى َّ‬
‫َوال َْوقَا ِر َواَل تُ ْس ِرعُوا‪ " .. ‬رواه البخاري‪.‬‬
‫ومن السنة‪ :‬الدعاء عند الدخول إلىـ المسجد ‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪:-‬‬
‫اب َر ْح َمتِك ‪َ ،‬وِإ َذا َخ َر َج َفلَْي ُق ْل ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأح ُد ُك ْم ال َْم ْسج َد َفلَْي ُق ْل ‪ :‬اللَّ ُه َّم ا ْفتَ ْح لي َْأب َو َ‬
‫" إ َذا َد َخ َل َ‬
‫ضلِك " رواه مسلم‪.‬‬ ‫َأسَألُك ِم ْن فَ ْ‬ ‫اللَّ ُه َّم إنِّيـ ْ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه‬ ‫سلِّ ْم َعلَى النَّبِ ِّي َ‬
‫ِ‬
‫وعند أبي داود وابن ماجة‪:‬ـ " ِإذَا َد َخ َل َ‬
‫َأح ُد ُك ُم ال َْم ْسج َد َفلْيُ َ‬
‫َو َسلَّ َم ‪ ،‬ثُ َّم لَِي ُق ِل‪ " .. :‬الحديث‪.‬‬
‫دخلت المسجد أن تبدأ ب ِرجلِك‬ ‫َ‬ ‫قال أنس بن مالك ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪" :-‬من السنة إذا‬
‫خرجت أن تبدأ ب ِرجلِكـ اليُسرى"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫اليُمنى ‪ ،‬وإذا‬
‫صلِّ َي َر ْك َعَت ْي ِن "‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س َحتَّى يُ َ‬ ‫َأح ُد ُك ْم ال َْم ْسج َد فَاَل يَ ْجل ْ‬‫ثم تحية المسجد ‪ ،‬لحديث‪ " :‬إ َذا َد َخ َل َ‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫ابن القيم في "زاد المعاد"‪:‬‬
‫أما سنن األذان فهي خمس ُسنن ‪ ،‬كما ذكر ذلك ُ‬
‫األولى‪:‬ـ أن يقول السامع كما يقول المؤذِّن إال في لفظ‪( :‬حي على الصالة ‪ ،‬حي على‬
‫الفالح) ‪ ،‬فإنه يقول‪ " :‬اَل َح ْو َل َوال ُق َّوةَ ِإال بِاللَّ ِه » رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ضا في "صحيح مسلم"‪.‬‬
‫ب لك الجنة ‪ ،‬كما ثبت أي ً‬ ‫ِ‬
‫وهذه السنة تُوج ُ‬

‫‪332‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫يك لَهُ ‪َ ،‬و َّ‬
‫َأن‬ ‫والسنة الثانية‪ :‬أن يقول السامع‪َ " :‬وَأنَا َأ ْش َه ُـد َأ ْن ال ِإلَهَ ِإال اللَّهُ َو ْح َدهُ ال َش ِر َ‬
‫الم ِدينًا ‪ ،‬غُِف َر لَهُ ذُنُوبُهُ "‬
‫يت بِاللَّ ِـه َربًّا َوبِ ُم َح َّم ٍد َر ُسوال ‪َ ،‬وبِاِإل ْس ِ‬
‫ض ُ‬‫مح َّم ًدا َع ْب ُدهُ ورسولُهُ ‪ ،‬ر ِ‬
‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َُ‬
‫رواه مسلم‪.‬‬
‫والسنة الثالثةـ من سنن األذان‪ :‬أن يُصلِّي على النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بعد فراغه من‬
‫ول ‪،‬‬‫ؤذن ‪ ،‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إ َذا َس ِم ْعتُ ِم ال ُْمَؤ ِّذ َن َف ُقولُوا ِمثْ َل َما َي ُق ُ‬ ‫الم ِّ‬
‫إجابةـ ُ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه بِ َها َع ْش ًرا " رواه مسلم‪.‬‬ ‫صاَل ًة َ‬ ‫صلَّى َعلَ َّي َ‬ ‫صلُّوا َعلَ َّي فَِإ نَّهُ َم ْن َ‬
‫ثُ َّم َ‬
‫الصاَل ِة الْ َقاِئ َم ِة ‪،‬‬ ‫الد ْع َو ِة الت َّ‬
‫َّام ِـة ‪َ ،‬و َّ‬ ‫ب َه ِذ ِه َّ‬ ‫والسنة الرابعة‪:‬ـ أن يقول بعد صالته عليه‪ " :‬اللَّ ُه َّم َر َّ‬
‫ود الَّ ِذي َو َع ْدتَهُ " رواه البخاري‪.‬‬ ‫ام ال َْم ْح ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آت ُم َح َّم ًدا ال َْوسيلَةَ َوالْ َفضيلَةَ ‪َ ،‬و ْاب َعثْهُ ال َْم َق َ‬
‫ِ‬

‫وثمرة هذا الدعاء‪ :‬أن من قاله حلَّت له شفاعةُ النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫والسنة الخامسة‪ :‬أن يدعو لنفسه بعد ذلك ‪ ،‬ويسأل اهلل من فضله ‪ ،‬فإنه يُستجاب له ‪،‬‬
‫ؤذنين ‪ -‬فَِإ َذا‬
‫الم ِّ‬
‫لقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬قُ ْل َك َما َي ُقولُو َن ‪ -‬يعني‪ُ :‬‬
‫وصححه ابن حبان‪.‬‬
‫َّ‬ ‫وحسنه الحافظ ابن حجر ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ط " رواه أبو داود ‪،‬‬
‫س ْل ُت ْع َ‬
‫ت ‪ ،‬فَ َ‬
‫ا ْنَت َه ْي َ‬
‫فاللهم وفِّقنا التباع السنة ‪ ،‬واجعلنا من أتباع نبيك محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫وارزقنا‬
‫شرناـ في ُزمرته ‪ُ ،‬‬ ‫أثره ‪ ،‬اللهم أو ِر ْدنا َ‬
‫حوضه ‪ ،‬واح ُ‬ ‫المقتفين َ‬
‫ترسمين هديَه ‪ُ ،‬‬
‫الم ِّ‬
‫ُ‬
‫شفاعتَه ‪ ،‬اللهم آمين ‪ ،‬اللهم آمين‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيمـ ‪ ،‬مالك يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم‬ ‫الملك ُّ‬
‫الحق ُ‬ ‫ُ‬ ‫وحده ال شريكـ له‬
‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫َ‬
‫أما بعد ‪ ،‬فيا أيها المسلم‪:‬‬

‫‪333‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫هل تريد بيتًا في الجنة؟ استمع لهذا الحديث؛ قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صلِّي لِلَّ ِه ُك َّل َي ْوم ْثنَتَ ْي َع ْش َرةَ َر ْك َعةً تَطَُّو ًعا غَْي َر فَ ِري َ‬
‫ض ٍة ; ِإاَّل َبنَى اللَّهُ لَهُ‬
‫ٍ ِ‬
‫َما م ْن َع ْبد ُم ْسل ٍم يُ َ‬
‫ْجن َِّة " رواه مسلم‪.‬‬ ‫ت في ال َ‬
‫بيتًا فِي الْجن َِّة َأو ِإاَّل بنِي لَهُ بي ٌ ِ‬
‫َ ْ ُ َ َْ‬ ‫َْ‬
‫أربع قبل الظهر ‪ ،‬وركعتان بعدهاـ ‪ ،‬وركعتان بعد المغربـ ‪ ،‬وركعتان بعد العشاء ‪،‬‬ ‫وهي‪ٌ :‬‬
‫وركعتان قبل الفجر‪.‬‬
‫صانِي‬‫ومن فضائل السنن‪ :‬صالة الضُّحى ‪ ،‬عن أبيـ هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه قال‪َْ " :‬أو َ‬
‫ُّحى َوَأ ْن ُأوتَِر‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫َخليلي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بِصيَ ِام ثَاَل ثَة َأيَّ ٍام م ْن ُك ِّل َش ْه ٍر َو َر ْك َعتَ ِي الض َ‬
‫َق ْب َل َأ ْن َْأرقُ َد " متفق عليه‪.‬‬
‫وأقلها ركعتان ‪ ،‬وأكثرها ثمان ركعات ‪ ،‬وقيل‪ :‬ال َّ‬
‫حد ألكثرها‪.‬ـ‬
‫الصيَ ِام َب ْع َد‬ ‫ولصالة الليل شأ ٌن عظيم ‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬أفْ َ‬
‫ض ُل ِّ‬
‫صاَل ةُ اللَّْي ِل " رواه مسلم‪.‬‬ ‫الصاَل ِة بع َد الْ َف ِري َ ِ‬ ‫ضا َن َش ْه ُر اللَّ ِه ال ُْم َح َّر ُم ‪َ ،‬وَأفْ َ‬
‫ضة َ‬ ‫ض ُل َّ َ ْ‬ ‫َر َم َ‬
‫سنن قبلها ‪ ،‬وفيها ‪ ،‬وبعدها ‪ ،‬وكذلك أذكار الصالة التي تُقال بعدهاـ ‪ ،‬وأذكار‬
‫وللصالة ٌ‬
‫اليوم والليلة ‪ ،‬والصباح والمساء‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ومن السنن التي علينا إشاعتُها‪ :‬السالم ‪ُ ،‬سِئل الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ُّ :-‬‬
‫أي‬
‫ِ‬
‫ت َو َم ْن لَ ْم َت ْع ِر ْ‬
‫ف " رواه‬ ‫الم َعلَى َم ْن َع َرفْ َ‬
‫الس َ‬ ‫خير؟ قال‪ " :‬تُطْع ُم الطَّ َع َ‬
‫ام‪َ ،‬وَت ْق َرأ َّ‬ ‫اإلسالم ٌ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ومن السنة لمن أراد أن يُفا ِرق أح ًدا من الناس‪:‬ـ أن يأتي بالسالم كامالً ‪ ،‬لحديث‪ِ " :‬إ َذا‬
‫َأح ّـق ِم َن‬ ‫وم َفلْيسلّم فلَْي ِ‬
‫ست األولَىـ بِ َ‬ ‫سلّ ْم‪ ،‬فِإ ذَا ََأر َ‬
‫اد َأ ْن َي ُق َ ُ َ ْ َ‬ ‫الم ْجلِ ِ‬
‫س َفلْيُ َ‬ ‫َأح ُد ُك ْم ِإلَى َ‬
‫ا ْنَت َهى َ‬
‫اآلخرةـ " رواه أبو داود والترمذي‪.‬‬
‫واالبتسامةـ سنة ‪ ،‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬اَل تَح ِقر َّن ِمن الْمعر ِ‬
‫وف َش ْيًئا َولَ ْو َأ ْن‬ ‫ْ َ ْ َ ُْ‬
‫اك بَِو ْج ٍه طَل ٍْق " رواه مسلم‪.‬‬
‫َأخ َ‬
‫َت ْل َقى َ‬
‫‪334‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ان ِإاَّل غُِف َر‬ ‫ِ ِ‬


‫ان َفيتَصافَح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والمصافحة ‪ ،‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬ما م ْن ُم ْسل َم ْي ِن َيلْتَقيَ َ َ َ‬
‫لَ ُه َما َق ْب َل َأ ْن َيَت َف َّرقَا " رواه أصحاب السنن إال النسائي‪.‬ـ‬
‫ِ‬
‫ص َدقَةٌ " رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫وقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬الْ َكل َمةُ الطَّيِّبَةُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫الش ْيطَا َن َي ْن َزغُ َب ْيَن ُه ْم ِإ َّن‬
‫س ُن ِإ َّن َّ‬ ‫واهلل تعالى يقول‪َ ﴿ :‬وقُ ْل لعبَادي َي ُقولُوا الَّتِي ه َي ْ‬
‫َأح َ‬
‫الش ْيطَا َن َكا َن لِِإْل نْس ِ‬
‫ان َع ُد ًّوا ُمبِينًا ﴾‪. 485‬‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬

‫ك ‪َ ،‬و ُك ْل ِم َّما يَلِ َ‬


‫يك " رواه‬ ‫الم َس ِّم اللَّهَ ‪َ ،‬و ُك ْل بِيَ ِمينِ َ‬
‫سنن يجمعها حديث‪ " :‬يَا غُ ُ‬
‫وللطعام ٌ‬
‫مسلم‪.‬‬

‫ضى َع ْن ال َْع ْب ِـد َأ ْن يَْأ ُك َل اَأْل ْكلَةَ َفيَ ْح َم َدهُ‬ ‫ضا‪ :‬حم ُد اهلل تعالىـ بعد األكل " ِإ َّن اللَّهَ لََي ْر َ‬
‫وأي ً‬
‫الش ْربَةَـ َفيَ ْح َم َدهُ َعلَْي َها " رواه مسلم‪.‬‬ ‫ب َّ‬
‫َعلَْي َها َْأو يَ ْش َر َ‬
‫ْح ْم ُد لِلَّ ِه الَّ ِذيـ َأط َْع َمنِي َه َذا ‪،‬‬‫وكان من دعاء النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بعد الطعام‪ " :‬ال َ‬
‫َو َر َزقَنِ ِيه ِم ْن غَْي ِر َح ْو ٍل ِمنِّي ‪َ ،‬والَ ُق َّو ٍة " وثمرة هذا الدعاء‪ " :‬غُِف َر لَهُ َما َت َق َّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِه "‬
‫وحسنه الحافظ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫رواه أبو داود والترمذي وابن ماجةـ ‪،‬‬
‫وكذلك‪ُّ :‬‬
‫التنفس أثناء الشرب خارج اإلناء؛ـ أي‪ :‬على ثالث مراتـ ‪ ،‬وال يشربه مر ًة‬
‫واحدة ‪ ،‬وكان ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َّ -‬‬
‫يتنفس في الشراب ثالثًا؛ رواه مسلم‪.‬‬
‫أال فال َْزموا سنة نبيكم ‪ ،‬وا ْتبَعوا هديَه تفوزوا وتُفلِحوا‪.‬‬
‫ثم صلُّوا وسلِّموا على خير البريَّة ‪ ،‬وأزكى البشرية‪ :‬محمد بن عبد اهلل الهاشمي القرشيـ ‪،‬‬
‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪،‬‬ ‫اللهم ِّ‬
‫وارض اللهمـ عن األئمة المهديينـ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأزواجهـ أمهات المؤمنين ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪،‬‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك‬‫ٍّ‬ ‫والخلفاء المرضيين‪ :‬أبي بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬
‫أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يا رب العالمين‪.‬ـ‬

‫‪485‬‬
‫سورة‬
‫‪335‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬


‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬ ‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ َّ‬
‫وفِّقه لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانة الصالحة ‪ ،‬اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي عهده‬
‫وأتم عليه الصحة والعافية ‪ ،‬اللهم وفِّق النائب الثانيـ لما فيه الخير‬
‫لما تحب وترضى ‪َّ ،‬‬
‫ِّدا لكل خي ٍر‬ ‫جميعا سبيل الرشاد ‪ ،‬وكن لهم ُم ِّ‬
‫وف ًقا ُمسد ً‬ ‫للعباد والبالد ‪ ،‬واسلُك بهم ً‬
‫وصالح‪.‬‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬
‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم اجمعهمـ على الحق والهدى ‪ ،‬وأصلِح‬
‫ستضعفينـ من المسلمين ‪ ،‬اللهم انصر‬
‫الم َ‬ ‫أحوالهم ‪ ،‬واكبِت َّ‬
‫عدوهم ‪ ،‬اللهم وانصر ُ‬
‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم انصرهم في فلسطين ‪ ،‬اللهم اجمعهمـ‬
‫الم َ‬ ‫ُ‬
‫على الحق يا رب العالمين‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪.‬‬
‫اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهمـ ال ي ِ‬
‫عجزونك‪.‬‬‫ُ‬
‫اب النَّا ِر ﴾‪. 486‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬

‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغنيـ ونحن الفقراءـ ‪ ،‬أن ِزلـ علينا َ‬
‫الغيث وال تجعلنا من‬
‫أغثْنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫أغثْنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫أعطنا وال تح ِرمنا ‪ ،‬و ِزدنا وال‬ ‫أغثْنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫القانطين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫تن ُقصنا ‪ ،‬اللهم أن ِزل علينا َ‬
‫الغيث ‪ ،‬واجعلـ ما أنزلتَهـ قو ًة على طاعتك ‪ ،‬وبالغًا إلى حين‪.‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫‪486‬‬
‫سورة‬
‫‪336‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬ـ‬

‫عنوان الخطبة‪ :‬وقفة تأمل في ِختام موسم الحج‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالث عشر من ذي الحجة من عام ‪1431‬هـ‬

‫‪ -‬وقفة تأمل في ِختام موسم الحج ‪-‬‬


‫‪337‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫نبذة مختصرة عن الخطبة‪:‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬وقفة‬
‫الح َّجاج‬ ‫َّ‬
‫وحث ُ‬ ‫تأمل في ِختام موسم الحج" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن عالمات قبول الحج ‪،‬‬
‫وسائر المسلمين على ضرورة المحافظة على األعمال الصالحة ‪ ،‬وإتباع الحسنة الحسنة ‪،‬‬
‫َّ‬
‫وحذر من االبتداع في الدين‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫وخضع كل‬
‫َ‬ ‫ص ُّم الجبال ‪،‬‬
‫ش َعت لعظمته ُ‬
‫وملَك ‪ ،‬خ َ‬
‫وعز َ‬
‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي خلق َّ‬
‫دحا وأحسن ما َس َمك ‪،‬‬
‫وس َمك السماء ‪ ،‬فما أجمل ما َ‬ ‫وملَك ‪َ ،‬د َحا األرض َ‬ ‫إنسان ٍّ‬
‫وجان َ‬
‫دار‬
‫لك وما َ‬‫أحمده ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وأشكره ‪ ،‬وُأثني عليه وأستغفرهـ ‪ ،‬ما َم َخر في الماء ال ُف ُ‬
‫شريك‬
‫َ‬ ‫لبيك ال‬
‫مليك كل من َملَك ‪َ ،‬‬ ‫ال َفلَك ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ُ‬
‫خاب عب ٌد َّأملَك ‪ ،‬أنت له حيث َسلَك ‪ ،‬لوالك يا رب‬ ‫لك ‪ ،‬إن الحمد والنعمةَ لك ‪ ،‬ما َـ‬
‫هلَك‪.‬‬

‫ونسك ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم‬


‫وصام َ‬
‫َ‬ ‫خير من صلَّى َّ‬
‫وزكى‬ ‫وأشهد أن محم ًدا عبد اهلل ورسوله ‪ُ ،‬‬
‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫َ‬

‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬

‫ُح َّجاج بيت اهلل الحرام‪ :‬اتقوا اهلل تعالىـ وأطيعوه ‪ ،‬وعظِّموا أمره وال تعصوه ‪َّ ،‬‬
‫فعما قليل‬
‫يُقال‪:‬ـ فال ٌن هلَك ‪ ،‬فيا حسرته على ما َّ‬
‫قدم من شر ‪ ،‬ويا ندامتهـ على الخير الذي َترك‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ت لِغَ ٍد َو َّات ُقوا اللَّهَ ِإ َّن اللَّهَ َخبِ ٌير بِ َما‬ ‫َّ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللهَ َولَْت ْنظُْر َن ْف ٌ‬
‫س َما قَ َّد َم ْ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫﴿ يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫‪487‬‬
‫‪.‬‬ ‫َت ْع َملُو َن ﴾‬

‫عباد اهلل ‪ُ ،‬ح َّجاج بيت اهلل الحرام‪:‬‬

‫المزدلِفة من عرفات ‪ ،‬وبِتُّم في ِمنى ورميتم الجمراتـ ‪ ،‬يا من ُسحتم بين‬


‫يا من أفضتم إلى ُ‬
‫تنزل آي الكتاب ‪ ،‬وتلك معالم التوحيد ‪ ،‬وها هنا ُختِمت‬ ‫زمزم والمقام ‪ ،‬هذه هي ُم َّ‬
‫وسحتم بين تلك‬ ‫الشرائع ‪ ،‬وارتضى اهلل لنا الدين ‪ ،‬لقد أفضتم بين هاتيك الربوع ‪ُ ،‬‬
‫المشاعر وتيك الجموع ‪ ،‬إنها آثار األنبياء ‪ ،‬وذكريات المرسلين ‪ ،‬وهذه ِ‬
‫رح ُم األمةـ التي‬
‫أنجبَت الصحابة والفاتحين‪.‬‬
‫َ‬
‫معقلـ التوحيد ‪ ،‬وحول الكعبةـ نُ ِشر الشرك ِ‬
‫وُأبطل التنديد‪.‬‬ ‫هنا ِ‬

‫يا معشر الحجيج‪:‬‬

‫أنتم اآلن وفي هذه الساعة ِتقفون على األرض التي هي مركز نشأة األمةـ ‪ ،‬نشأتها جماعةٌ‬
‫وتكونهاـ شريعةً وسلو ًكا ‪ ،‬فآلَت عاقبتُها إلىـ كل خير ‪ ،‬وانتهى مج ُدها فوق كل‬
‫ُّ‬ ‫ومعتق ًدا ‪،‬‬
‫ُ‬
‫الكرةـ ‪،‬‬
‫وأعصارا ‪ ،‬إن أردتم إعادة َّ‬
‫ً‬ ‫مجد ‪ ،‬فإن أردتم وأنتم بينكم وبين تلك النشأة قرونًا‬
‫وتلمس الطريقـ ‪ ،‬فهنا اآلثار وهذا السبيل‪.‬‬
‫ُّ‬

‫فتزودوا من هذا المشعر الدروس ‪ ،‬والتمسوا من هذه الشعيرة أسبابـ النهوض ‪ ،‬فهذه‬
‫َّ‬
‫تأمل في ِختام أيام الحج‪.‬‬
‫وقفة ُّ‬

‫أيها المؤمنون‪:‬‬

‫‪487‬‬
‫سورة‬
‫‪339‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫قرن من الزمان حين تقه َق َرت في شؤون الحياة ‪،‬‬ ‫إن أمتنا المسلمة ومنذ ما يزيد على ٍ‬
‫وتفك َكتـ أجزاؤهاـ في عالم الدول ‪ ،‬لم َيزلـ أفرادها يحلُمون بالوحدة الجغرافيةـ الكبرى ‪،‬‬‫َّ‬
‫مجد غابر ‪ ،‬واستعادة ِع ٍّز آثِر ‪ ،‬ونُ ِظ َمت في هذا‬
‫ويعتقدون أنهاـ السبيل الوحيد السترداد ٍ‬
‫ص َفت المقاالتـ ‪ ،‬وأصبح ال ُكتَّاب‬ ‫الجياد ‪ ،‬وُألِّفت الكتب ‪ ،‬ور ِ‬
‫السبيل القصائدـ ِ‬
‫ُ‬
‫ويصحون‪.‬‬ ‫َ‬ ‫فكرون ينامون على هذا الحلم‬‫والم ِّ‬
‫ُ‬

‫وما في طبِّهم ُرقية إمام دار الهجرة‪" :‬لن يصلح آخر هذه األمةـ إال بما صلح به أولها"‪.‬ـ‬

‫وما في دوائهم‪ :‬أن الذي ابتدأ مجد العرب ‪ ،‬ورسم سبيل رفعتهم‪ - :‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫وحد عقائدهم ‪ ،‬وكانت وحدة الشعوبـ نتيجةً لوحدة‬
‫‪ -‬لم يبدأ بتوحيد العرب حتى َّ‬
‫المعت َقد‪.‬‬
‫ُ‬

‫مزقَتهم‬
‫وحدهمـ عبادة الرحمن َّ‬
‫شعبَهم الباطل ‪ ،‬وإذا لم تُ ِّ‬
‫إن المسلمين إن لم يجمعهم الحق َّ‬
‫ِ‬
‫عبادةُ الشيطان ‪ ،‬وإذا لم يأتلفواـ على كلمة التوحيد فسيظلُّون في أم ٍر مريج ‪ ،‬فأين ٌ‬
‫كثير‬
‫الفياح ‪ ،‬وما زالت معالمها قائمة في‬‫من المسلمين وأين عقيدتهم التي امتح َدت في هذه ِ‬
‫َ‬
‫هذه الربوع ‪ ،‬وشواهدهاـ تُرى في هذه المشاعر‪.‬‬

‫اج َـد لِلَّ ِه فَاَل تَ ْدعُوا َم َع‬


‫َأن الْمس ِ‬
‫يم ُّر على قول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬و َّ َ َ‬ ‫لقد كان المسلم األول ُ‬
‫ِ‬
‫وتس ُّد عليه طريق الرغبة في العبادـ‬ ‫اللَّه َ‬
‫‪488‬‬
‫ُ‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬ ‫جميع‬
‫ً‬ ‫الخلق‬ ‫وبين‬ ‫بينه‬ ‫فتحول‬ ‫َأح ًداـ ﴾‬
‫يكشف لغير‬ ‫كافة ‪ ،‬فتم ُّر به مصائب الناس جميعا ‪ ،‬فال يدل مخلوقًا على مكان ألمه ‪ ،‬وال ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫اهلل عن موضع علَّته ‪ ،‬لقد كان يسمع قول اهلل‪ ﴿ :‬وِإذَا سَألَ َـ ِ ِ‬
‫ك عبَادي َعنِّي فَِإ نِّيـ قَ ِر ٌ‬
‫يب‬ ‫َ َ‬
‫ان َفلْيَ ْستَ ِجيبُوا لِي َول ُْيْؤ ِمنُوا بِي لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ُش ُدو َن ﴾‪ 489‬فينفي كل‬
‫اع ِإذَا َد َع ِ‬ ‫يب َد ْع َوةَ َّ‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأج ُ‬
‫وساطة بينه وبين ربه ‪ ،‬ويجعل الصلة مباشرةًـ مع اهلل‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫أيها المسلم‪:‬‬

‫‪488‬‬
‫سورة‬
‫‪489‬‬
‫سورة‬
‫‪340‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫مسلما هلل مع المسلمين ‪،‬‬ ‫ِ‬


‫لم يُنعم اهلل عليك نعمةً هي أوفَى وال َأم َّن وال أسب َغ من كونك ً‬
‫تاه‬
‫غيرك ‪ ،‬وأر َش َدك حين َ‬
‫ضل ُ‬‫وانعم بإيمانك ‪ ،‬فقد هداك اهلل يوم َّ‬
‫إسالمك ‪َ ،‬‬‫ُ‬ ‫هنيًئا لك‬
‫وإمامكـ نبي ‪ ،‬وشريعتُك وحي ‪ ،‬وموعودك الجنة ‪ ،‬والدين يُسر ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إلهك اهلل ‪،‬‬
‫سواك ‪ُ ،‬‬
‫وصومك هلل‬
‫ُ‬ ‫وحجك مغفرة ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫فصلواتك أجور ‪ ،‬وقراءتك القرآن نور ‪ ،‬زكاتُك مطهرة ‪،‬‬
‫ال َّ‬
‫حد لجزائه‪.‬‬

‫وتبسمك في وجه أخيك صدقة ‪ ،‬حسنتُك بعشر ‪ ،‬وسيئتُك‬ ‫ُّ‬ ‫وضوؤك ُم ِّ‬
‫كف ٌـر للخطايا ‪،‬‬
‫ذهبن السيئاتـ ‪ ،‬أعمالُك يسيرة ‪ ،‬وأجورك كثيرة ‪ ،‬فاعرف قدر‬ ‫بواحدة ‪ ،‬والحسنات ي ِ‬
‫ُ‬
‫ص منه‬ ‫ِ‬
‫ُأناس ‪ ،‬وانت َق َ‬
‫تمسكين ‪ ،‬فقد زهد في بعض أحكامهـ ٌ‬ ‫الم ِّ‬‫وتمسك به مع ُ‬‫َّ‬ ‫هذا الدين ‪،‬‬
‫ص منه شيًئا بعد ما أكملَه‬
‫وامتن بذلكـ بآية المائدةـ ‪ ،‬فمن انت َق َ‬
‫َّ‬ ‫أكملَه ‪،‬‬
‫آخرون ‪ ،‬مع أن اهلل َ‬
‫رد على اهلل إكماله ‪ ،‬ولم يقبل منه امتنانهـ بذلك وإفضاله‪.‬‬ ‫اهلل فقد َّ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫بحر له ساحل ‪،‬‬


‫شريعةُـ اهلل رحمة ‪ ،‬أوامرهاـ يسيرة وإن كانت كثيرة ‪ ،‬والمشروع فيها ٌ‬
‫فالزموا السنة واكتفوا بها ‪ ،‬وعليكم بالمشروع فقد ُك ِفيتم ‪ ،‬إياكم والبدعة؛ فإن كل ٍ‬
‫بدعة‬ ‫َ‬
‫تشرعوا في الدينـ ما لم يأ َذن به اهلل ‪ ،‬إياكم والرأي في‬ ‫ٍ‬
‫ضاللة ‪ ،‬وكل ضاللة في النار ‪ ،‬ال َ‬
‫خير منكم في سالِفـ األزمانـ ‪ ،‬فلم يزيدوا فيه ولم‬ ‫الدين ‪ ،‬وقد تديَّنـ بهذاـ الدين من هو ٌ‬
‫يُضيفوا إليه‪.‬‬

‫إن خطر االبتداع في الدين يتمثَّل في تغيير وجه اإلسالم الذيـ جاء به محم ٌد ‪ -‬صلى اهلل‬
‫بدلوها فنُ ِس َخت ‪ ،‬فيتغيَّر‬
‫عليه وسلم ‪ -‬حتى يحول على مر الزمانـ كأديان أهل الكتاب التي َّ‬
‫يأت به محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪، -‬‬ ‫وجه الدين يوما بعد يوم ‪ ،‬ويتديَّن الناس بدي ٍن لم ِ‬
‫ً‬
‫ضيف‬
‫أمرا ‪ ،‬وذاك يُ ُ‬ ‫يستحب ً‬
‫ُّ‬ ‫ولم يعرفه أبو بكر وال عمر وال الصحابة المهديُّون ‪ ،‬فهذا‬

‫‪341‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫شعيرة ‪ ،‬واآلخر يرتضيـ سلو ًكا ‪ ،‬وغيره يزيدـ عبادة ‪ ،‬فإذا نحن أمام ٍ‬
‫إسالم باالسمـ ال‬ ‫ُ‬
‫استمدادهـ من السماء؛ بل من العقول واألهواء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بالرسمـ ‪ ،‬ودي ٍن ليس‬

‫وُأسه ورأسه‪ :‬شهادةـ أن ال إله إال‬


‫تمسكوا بأصل دينكم وأوله وآخره ‪ِّ ،‬‬‫فاهللَ اهللَ يا عباد اهلل؛ َّ‬
‫وأحبُّوها ‪ِ ،‬‬
‫وأحبُّوا أهلهاـ ‪ ،‬واجعلوهمـ‬ ‫اهلل ‪ ،‬وأن محم ًدا رسول اهلل ‪ ،‬واعرفوا معناهاـ ‪ِ ،‬‬
‫إخوانكم ولو كانوا بعيدين‪.‬ـ‬

‫فاتَّ ِحدوا ‪ -‬أيها المسلمون ‪ -‬على التوحيد والسنة؛ فإنها الوحدة التي تغيظ الشيطان ‪،‬‬
‫وتهدم خطط أوليائهـ من اإلنس والجان ‪ ،‬وال يزال الذين كفروا يقاتلونكم حتى يردوكم عن‬ ‫ِ‬
‫دينكمـ إن استطاعوا‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫والضراء لمن أهم‬ ‫َّ‬ ‫السراء‬


‫ألما وأمالً ‪ ،‬وفي َّ‬ ‫إن وحدة الشعور بين المسلمين ‪ ،‬ومشاركتهم ً‬
‫اح ِم ِه ْـم‬ ‫ِ‬ ‫معالم الوحدةـ ‪ ،‬وقد قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬مثَل الْمْؤ ِمنِ ِ‬
‫ين في َت َوادِّه ْم َوَت َر ُ‬‫َ ُ ُ َ‬
‫ْح َّمى " رواه‬ ‫س ِد بِ َّ‬
‫الس َه ِر َوال ُ‬ ‫ْج َ‬
‫ِئ‬
‫اعى لَهُ َسا ُـر ال َ‬ ‫س ِد ِإ َذا ا ْشتَ َكى ِم ْنهُ ُع ْ‬
‫ض ٌو تَ َد َ‬ ‫ْج َ‬
‫ِ‬
‫َوَت َعاطُف ِه ْـم ‪َ ،‬مثَ ُل ال َ‬
‫مسلم‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫وعجزا ‪ ،‬وتعلُّ ًما وجهالً ‪ ،‬فال يكونن ذا‬ ‫وفقرا ‪ ،‬وقدرةً‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫تتفاوتـ غنى ً‬ ‫إن الشعوب المسلمة َ‬
‫سن الضعيف ‪ ،‬ليكن إحسان الظن ُم َّ‬
‫قد ًماـ عند‬ ‫لح َ‬
‫الفرق مدعاةً لبَطَر القوي ‪ ،‬وال جانبًاـ َ‬
‫َّل اللَّهُ بِ ِه َب ْع َ‬
‫ض ُك ْم َعلَى َب ْع ٍ‬
‫ض‬ ‫ِ‬
‫الجميع ‪ ،‬وليعطف القوي على الضعيف ‪َ ﴿ ،‬واَل َتتَ َمن َّْوا َما فَض َ‬
‫والتعاون في سبيل‬ ‫(‪ 490﴾ )32‬ليكن التكاملـ بين الشعوب المسلمة ِ‬
‫هاجسـ ُح َّكامهاـ ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫دَأب عُقالئها‪.‬‬ ‫هم ُحكمائها ‪ ،‬والتصافي بين النفوس َ‬ ‫الرفعةـ َّ‬
‫ِّ‬

‫‪490‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪342‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫واختلَ َفت بهم األعراق ‪ ،‬وكانت بينهم‬


‫َ‬ ‫تباينَت بهم اللغات ‪،‬‬
‫أمما َ‬ ‫وح َدتـ المصالح ً‬
‫لقد َّ‬
‫يطووا تلك‬ ‫قبل ٍ‬
‫منعهم ذلك أن ُ‬
‫وإبادات كبرى ‪ ،‬فما َ‬
‫ٌ‬ ‫حروب عُظمى ‪،‬‬
‫ٌـ‬ ‫عقود قليلة‬
‫وينسوا تلك الضغائنـ واألحقادـ ‪ ،‬في سبيل المصلحة األعم ‪ ،‬والمستقبل‬
‫َ‬ ‫الصحائف ‪،‬‬
‫األفضل‪.‬‬

‫واتهاما؛ـ‬
‫ً‬ ‫تناب ًزاـ واختالفًا ‪ ،‬وحسبُنا فُرقةً‬
‫أ َفلَسنا نحن العربـ والمسلمين ْأولَى بذلك؟! كفانا ُ‬
‫فإن المرحلة ال تحتمل ‪ ،‬وقد بلغ غيرنا في شؤون الحياة شْأوا بعي ًدا ‪ ،‬وغ َدونا في ٍ‬
‫مرتبة ال‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫يؤبه بها بين األممـ ‪ ،‬وليس لها مدى في سباق الحضاراتـ ‪ ،‬غاب منا التأثيرـ حين ِ‬
‫عجزنا‬ ‫َُ‬
‫عن التغيير ‪ ،‬واهلل ال يغيِّر ما ٍ‬
‫بقوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهمـ ‪ ،‬فإن هذه الحال ال يرضاها اهلل‬ ‫ُ‬
‫تليق بنا ونحن ملَّتنا أكرم ملَّة‪.‬‬
‫وص َفنا بأنا خير أمة ‪ ،‬وال ُ‬
‫لنا ‪ ،‬وقد َ‬

‫حسن صلَتنا باهلل أوالً ‪،‬‬ ‫فالنهوض بهذه األمة واجب على أفرادها ‪ ،‬وال نستطيع ذلك حتى نُ ِ‬
‫ٌ‬
‫ثم نعمل ُمخلصين جادِّينـ ثانيًا ‪ ،‬وأن تتكاملـ القدراتـ بين الشعوب المسلمة ثالثًاـ ‪َ ﴿ ،‬وِإ َّن‬
‫ب‬ ‫ه‬ ‫ذ‬
‫ْ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫وا‬‫ُ‬‫ل‬ ‫ش‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫ْ‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫وا‬ ‫ع‬ ‫از‬
‫َ‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫اَل‬‫و‬ ‫﴿‬ ‫‪،‬‬ ‫‪491‬‬
‫ون (‪﴾ )52‬‬ ‫ه ِذ ِه َُّأمت ُكم َُّأمةً و ِ‬
‫اح َد ًةـ وَأنَا ربُّ ُكم فَ َّات ُق ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ين (‪. 492﴾ )46‬‬ ‫الصابِ ِر َـ‬
‫اصبِ ُروا ِإ َّن اللَّهَ َم َع َّ‬
‫يح ُك ْم َو ْ‬‫ِر ُ‬

‫بارك اهلل ولكم في الكتابـ والسنة ‪ ،‬ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬
‫هذا وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪491‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪492‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪343‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وملء‬
‫َ‬ ‫ملء األرض‬
‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي بنعمته تتم الصالحات ‪ ،‬له الحمد َ‬
‫غت من‬
‫الحج وكماله ‪ ،‬وما أسبَ َ‬
‫رت من تمام ِّ‬ ‫يس َ‬
‫السماوات ‪ ،‬اللهم لك الحمد على ما َّ‬
‫النعمة والتوفيق ‪ ،‬والتيسير والتسديدـ ‪ ،‬واألمنـ واألمان‪.‬‬

‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلَّى اهلل‬
‫وسلَّم َ‬
‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬

‫طوى صفحةُ أيام‬


‫في هذا اليوم يرميـ الحج الجمرات ‪ ،‬وبمغيب شمس هذا اليوم تُ َ‬
‫وقت نحر األضاحي‪.‬‬
‫التشريقـ ‪ ،‬وينقضي ُ‬

‫فيجب عليه أن يطوف بهذا البيت طواف الوداع ‪ ،‬وال‬


‫ُ‬ ‫وإذا أراد الحاج أن يرجع إلى بلده‬
‫ضت هذه األيام الفاضلةـ فإن عمر المؤمن كله خير ‪ ،‬هو‬ ‫سعي له وال حلق ‪ ،‬ولئن ان َق َ‬
‫يلزمه ٌ‬
‫خيرا ‪ ،‬وعبادة اهلل ال‬ ‫مزرعة الحسنات ‪ ،‬ومغ ِرس الطاعات ‪ ،‬والمؤمن ال يزي ُده عمره إال ً‬
‫السند هو أقرب إلى اهلل من ُمتعبِّ ٍد عند‬ ‫ب ٍ‬
‫عابد في ذُ َرى جبال ِّ‬ ‫يح ُّدها زما ٌن وال مكان ‪ُ ،‬‬
‫فر َّ‬ ‫ُ‬
‫صل في الروضة‬ ‫صل عند جبل طارق تبل ُغ صالتُه ما لم تبلُغه صالةُ ُم ٍّ‬ ‫ب ُم ٍّ‬
‫ور َّ‬
‫الكعبة ‪ُ ،‬‬
‫وفضل اهلل واسع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ومتابعته رسول اهلل ‪،‬‬
‫الشريفة؛ فإن معيار القبول هو إخالص العامل هلل ‪ُ ،‬‬

‫خيرا مما‬
‫ومن عالمة قبول الحسنة‪ :‬الحسنة بعدهاـ ‪ ،‬وعالمة الحج المبرور‪ :‬أن تعود ً‬
‫طه َرت صحيفة عمله بالغفران فليح َذر العودة إلى َدنَس اآلثامـ ‪ ،‬فالنَّكثَةـ أشدـ‬
‫كنت ‪ ،‬ومن ُ‬
‫الجرح‪.‬‬
‫من ُ‬

‫وليكن من الخير في ازدياد؛ فإن ذلك من عالمة القبول‪.‬‬

‫ثم الصلوات الزاكيات ‪ ،‬والتسليمات الدائمات على أشرف خلق اهلل‪ :‬محمد رسول اهلل ‪،‬‬
‫ارض عن األئمة المهديينـ ‪،‬‬
‫وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬اللهمـ َ‬

‫‪344‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك‬‫ٍّ‬ ‫والخلفاء المرضيين‪ :‬أبي بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬
‫أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يا رب العالمين‪.‬ـ‬

‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬


‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ َّ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬
‫وفِّقه لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانة الصالحة ‪ ،‬اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي عهده‬
‫أتم عليهم الصحة والعافية ‪ ،‬اللهم وفِّق النائب الثانيـ لما فيه‬
‫لما تحب وترضى ‪ ،‬اللهم َّ‬
‫ِّدا لكل خي ٍر‬ ‫جميعا سبيل الرشاد ‪ ،‬وكن لهم ُم ِّ‬
‫وف ًقا ُمسد ً‬ ‫الخير للعباد والبالد ‪ ،‬واسلُك بهم ً‬
‫عتمرين‪.‬‬‫وتول ثوابهمـ على ما يب ُذلونه لخدمة الحرمين الشريفينـ ‪ ،‬وللح َّجاج والم ِ‬
‫َّ‬ ‫وصالح ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫اللهم جا ِز بالخيرات والحسنات من سعى في خدمةـ الحجيج‪.‬‬

‫مبرورا ‪،‬‬ ‫حجهم‬


‫واستجب دعاءهم ‪ ،‬اللهم اجعلـ َّ‬ ‫ِ‬ ‫حجهم ‪،‬‬
‫الح َّجاج َّ‬
‫ً‬ ‫اللهم اقبل من ُ‬
‫وسعيهم مشكورا ‪ ،‬وذنبهم مغفورا ‪ِ ،‬‬
‫وأعدهم إلى ديارهمـ سالمين ‪ ،‬اللهم تقبَّل منا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ومنهم ‪ ،‬وثبِّتنا على الحق والهدىـ ‪ ،‬واختم لنا بخي ٍر يا أرحم الراحمين‪.‬‬

‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬


‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬

‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم اجمعهمـ على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم‬
‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم انصرهمـ في فلسطين ‪ ،‬واجمعهمـ‬
‫الم َ‬‫وانصر ُ‬
‫على الحق يا رب العالمين‪.‬‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪.‬‬

‫اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهمـ ال ي ِ‬


‫عجزونك‪.‬‬‫ُ‬

‫‪345‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اب النَّا ِر (‪. 493﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬

‫غت علينا من نزول‬


‫اللهم لك الحمد ‪ ،‬اللهم لك الحمد ‪ ،‬اللهم لك الحمد على ما أسبَ َ‬
‫األمطار ‪ ،‬اللهم اجعلـ ما أنزلتَهـ قوةً على طاعتك ‪ ،‬وبالغًا إلى حين‪.‬‬

‫اللهم عُ َّم برحمتك جميع أرجاء بالد المسلمين ‪ ،‬يا حي يا قيوم يا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬

‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪493‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪346‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ال ـ ـ ـ ــرابـع‬

‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1432‬هـ‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬مكانةـ الطفل في اإلسالم‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن عشر من محرم من عام ‪1432‬هـ‬

‫‪347‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪ -‬مكانة الطفل في اإلسالم ‪-‬‬

‫نبذة مختصرة عن الخطبة‪:‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬مكانة‬
‫الطفل في اإلسالم" ‪ ،‬والتيـ َّ‬
‫تحدث فيها عن األطفالـ واهتمام اإلسالم وعنايته بهم ‪ ،‬وذكر‬
‫نماذج من سيرة نبينا محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬تُدلِّل على رحمته وتواضعه ُ‬
‫ومداعبته‬
‫ومالعبته وأخالقه السامية ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مع األطفالـ ‪ ،‬وفي ذلك أعظم القدوة‬
‫ُ‬
‫واألسوة لجميع أتباعه ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪.-‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫حص ‪ ،‬وال‬ ‫حصي نعماءه ُم ٍ‬‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي ال يحيط بحمده حامد ‪ ،‬وال ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مولود ووالد ‪ ،‬وهو الغني بذاتهـ فلم‬ ‫أنعم على خلقه فجعلهم ما بين‬
‫راصد ‪َ ،‬ـ‬ ‫يحيط بها ِ‬
‫ُ‬
‫يتخذ صاحبةً وال ول ًدا ولم يكنـ له فيما مضى والد ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫وأكرم عابد ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك‬ ‫ُ‬ ‫نبي‬
‫أكرم ٌّ‬
‫شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ُ‬
‫عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬

‫سرا ونجوى؛ يكن اهلل لكم في كل حال ‪،‬‬


‫فإن الوصية المبذولة هي التقوى ‪ ،‬فالزموهاـ ًّ‬
‫دوما خير مآل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ويُعقبُكمـ ً‬
‫‪348‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ث ِم ْن ُه َما‬
‫اح َد ٍةـ َو َخلَ َق ِم ْن َها َز ْو َج َها َوبَ َّ‬
‫سو ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُك ْـم م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫﴿ يَا َُّأي َها الن ُ‬
‫ام ِإ َّن اللَّهَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا (‪)1‬‬ ‫اَأْلر َح َ‬
‫ِ‬
‫اءلُو َن بِه َو ْ‬‫سَ‬
‫َّ َّ ِ‬
‫اء َو َّات ُقوا اللهَ الذي تَ َ‬‫سً‬
‫ِ ِ‬
‫ِر َجااًل َكث ًيرا َون َ‬
‫﴾‪. 494‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫غضةٌ وأجنحةٌ كثيرة ‪ ،‬وفي أغصان د ِ‬


‫وحنا أعوا ٌد‬ ‫َ‬ ‫في ُدو ِرنا وتحت سقوف منازلنا ٌ‬
‫أبشار َّ‬
‫ثمر؛ أولئك هم األطفالـ ‪،‬‬‫زهر ‪ ،‬وزهور بع ُد لم تُ ِ‬ ‫طريَّةٌ ِ‬
‫وبراعم ناشئة ‪ ،‬إنهاـ براعم لم تُ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫عجز تحت قُدرتنا ‪ ،‬ومسكنةٌ تتفيَُّأ قوتنا ‪ ،‬وهم‬ ‫ثمرات القلوب ‪ ،‬وقِطع األكباد ‪ ،‬أطفالُنا ٌ‬‫ُ‬
‫مستقبل مرهو ٌن بحاضرنا ‪ ،‬وحياةٌ َّ‬
‫تتشكل بتربيتنا وتُصاغ بها ‪ ،‬وهم بعد ذلك كله هم‬ ‫ٌ‬
‫بعض الحاضر وكل المستقبل‪.‬‬
‫ُ‬

‫فيغسلوا همومهم في براءة أطفالهم ‪،‬‬ ‫الكبار ِ‬‫ُـ‬ ‫كهف يأوي إليه‬
‫الطفولة ‪ -‬أيها المسلمون ‪ٌ -‬‬
‫ِ‬
‫يستمطر الحنان تأتأةُـ طفل ‪،‬‬ ‫أفصح تعبي ٍر‬ ‫سمات صبيانهمـ ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ويجتلوا جمال الحياة في بَ َ‬
‫ْحيَ ِاة ُّ‬ ‫وأبل ُغ ٍ‬
‫الد ْنيَا (‪. 495﴾ )46‬‬ ‫ال َوالَْبنُو َن ِزينَةُ ال َ‬
‫يستجيش الحب لثغةُ صغير ‪ ﴿ ،‬ال َْم ُ‬
‫ُ‬ ‫نداء‬

‫وهم نعم بين أيديناـ سانِحة ‪ِ ،‬‬


‫ومنَ ٌن غاديةٌ علينا وراِئحة ‪ ،‬ولقد جاءت شريعةـ اهلل راعيةً‬ ‫ٌ‬
‫سيَّة ‪ ،‬من حين كونه جنينًا إلى أن يبلغ‬ ‫حقها ‪ ،‬محيطةً بحقوق الطفل المعنوية ِ‬
‫والح ِّ‬ ‫للطفولة َّ‬
‫ُ‬
‫مبلغ الرجال‪.‬ـ الراشيـ‬

‫وبرزت العناية بالجانب النفسي والمعنوي بالطفل في سيرة نبينا محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬وتوجيهاته؛ فقد كان يُمازِح الصبيان ‪ ،‬ويُؤاكِل األيتام ‪ ،‬ويمسح على رؤوسهم ‪،‬‬
‫ْجن َِّة َك َهاَت ْي ِن " وقال‪َ " :‬م ْن َع َ‬
‫ال َجا ِر َيَت ْي ِن َد َخلْت َأنَا َو ُه َو‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫وقال‪َ " :‬أنَا َو َكاف ُل الْيَت ِيم في ال َ‬
‫ص ِغ َيرنَا " وأمر ِّ‬
‫بكف‬ ‫الْجنَّةَ َكهاَتي ِن " ‪ -‬وَأ َشار بُِأصبعي ِه ‪ -‬وقال‪ " :‬لَي ِ‬
‫س منَّا َم ْن لَ ْم َي ْر َح ْـم َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ ْ ُ َْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫‪494‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪495‬‬
‫سورة الكهف‬
‫‪349‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫الصبيان عن اللعب حين انتشار الشياطين ‪ ،‬واستعجل في صالته حين ِ‬
‫سمع بكاء طفل ‪،‬‬ ‫َ‬
‫اَألمة وولدهاـ في البيع‪.‬‬
‫فرق بين َ‬
‫ونهى أن يُ َّ‬

‫فأمر من أخذ فرا َخ طائ ٍر أن‬ ‫ِ‬


‫بل وس َعت شريعته ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حتى أوالد البهائم؛ َ‬
‫ُيردَّها ‪ ،‬وقال‪َ " :‬م ْن فَ َج َع َه ِذ ِه بَِولَ ِد َها ؟ " كما ورد النهيـ عن التفريق بين الشاةـ وولدها‪.‬‬

‫حراما ‪ ،‬فأمر المرأة‬ ‫ِ‬


‫حتى إنه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حفظ حق الجنين وإن كان نطفةً ً‬
‫ت‬
‫وض َع ْ‬
‫الحد حفظًا لحق الوليد حين َ‬ ‫تضع طفلَها ‪ ،‬وأخَّر إقامة ِّ‬
‫التي َزنَت أن تذهب حتى َ‬
‫ِ‬
‫تستكمل سنتَ ْي رضاعته‪.‬‬ ‫فأمرهاـ أن تعود حتى‬
‫ول َدها؛ َ‬

‫تعظيما كان ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬يُصلِّي وهو ٌ‬


‫حامل‬ ‫ً‬ ‫بل وفي أهم فروض الدينـ وأشدهاـ‬
‫حامل الحسن ابن ابنته فاطمة ‪-‬‬ ‫ُأمامةـ ابنة بنته زينب ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ ، -‬ويُصلِّي وهو ٌ‬
‫ب الحسن على ظهره‬ ‫ِ‬
‫رضي اهلل عنهما ‪ ، -‬وحين سجد ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬فرك َ‬
‫أطال ألجلهـ السجود ‪ ،‬وحين ُسِئل عن ذلك قال‪ِ " :‬إ َّن ابْنِي َه َذا ْارتَ َحلَنِي ‪ ،‬فَ َك ِر ْه ُ‬
‫ت َأ ْن‬
‫اجتَهُ " ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُأع ِّجلَهُ َحتَّى َي ْقض َي َح َ‬
‫َ‬

‫فلم تمنعه خشيتُه لربه وال وقوفه بين يديه من مالطفة الصغار ومراعاة مشاعرهم‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫وهل الطفولة واألطفالـ في ٍـ‬


‫حاجة للتذكير بحقهم واستثارة المشاعر نحوهم؛ رغم أن الفطرةـ‬
‫داعية لذلك ‪ ،‬والطبع ُمنسا ٌق وميَّ ٌ‬
‫ال كذلك؟!‬

‫يقال ‪ -‬بكلـ أسىـ ‪ :-‬نعم؛ فرغم كثرة ما أنتَ َج ْته المدنيَّةُ الحديثة من خي ٍر ‪ ،‬إال أن َّ‬
‫ثمةَ‬
‫نتبينُها في مجتمعاتنا ‪ ،‬وما كانت فيها من‬ ‫أنماطًا سلوكية ‪ ،‬وظواهر لم تعُد خفيَّة أصبَحنا َّ‬
‫قبل‪.‬‬

‫المؤثِّراتـ‬
‫فتحت ضغوط الحياة اليومية ‪ ،‬وكثرة األمراض النفسيةـ ‪ ،‬والجرأة على تعاطي ُ‬
‫خريف القسوة‬
‫ُ‬ ‫ط‬
‫نبع الحب في قلوبهم ‪ ،‬وأسق َ‬ ‫العقلية؛ـ ُو ِجد فئةٌ من اآلباء واألمهات َ‬
‫غاض ُ‬
‫‪350‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أوراق الحنان من نفوسهم ‪ ،‬فاستُلِبَت من بين جوانحهم إنسانيتهم ‪ ،‬وكانت أول ضحايا‬
‫ذلك االستالبـ هم األطفال‪.‬ـ‬

‫ض‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫يتعر ُ‬
‫وبراءة ُمغتالةـ ‪َّ ،‬‬ ‫طفولة ُم َنت َهكةـ ‪،‬‬ ‫فكم بين ُجدران البيوت وأسوار المدارس من‬
‫األطفال في صورها للضغط النفسيـ ‪ ،‬والعنف البدني ‪ ،‬والتعذيب الجسدي ‪ ،‬ترى ذا‬
‫الخمسة أعوام يُقلِّب عينين ماؤهما الطُّ ْهر ‪ ،‬وبري ُقهما البراءة ‪ ،‬يُقلِّبُها في أبيه القادم إليه ‪،‬‬
‫يفج ُره ‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫لسع النار َ‬
‫ضمةً أو قُبلة ‪ ،‬فإذا ُ‬ ‫نتظرا منه َّ‬
‫الغض لمرأى أبيه ‪ُ ،‬م ً‬ ‫فؤاده ُّ‬
‫ويخف ُق ُ‬
‫رات‬
‫وزفَ ٌ‬‫ات متقطِّعة ‪َ ،‬‬ ‫وسالح الطفل ‪ -‬ويا لسالحه ‪ -‬أنَّ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الضرب العنيف َّ‬
‫يتلق ُفه ‪،‬‬
‫المعين والناصر‪.‬‬ ‫ُمتحش ِرجة ‪ ،‬وقد َ‬
‫غاب ُ‬

‫حسه ذلك الطفل‬


‫لتتصور ما الذي يُ ُّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫واستعنـ ‪ -‬أيها السامع ‪ -‬بخيال شاع ٍر أو ُسبُحات أديب‬
‫ويغيض في ُمخيِّلته كل ٍ‬
‫جميل يبلُغه‬ ‫وأد في نفسه كل ِ‬
‫مباهج الحياة ‪،‬‬ ‫ويشعُر به ‪ ،‬وكيف تُ ُ‬
‫ُ‬
‫خيالُهـ الحالِم‪.‬‬

‫المضطربة نفسيًّا ما تُف ِرغُ فيه اضطرابها إال جسد طفلها ‪ ،‬وكم‬
‫وثمة طفل لم تجد ُّأمه ُ‬
‫َّ‬
‫س هذه الوحشيةـ داخل البيوتات‬
‫مار ُ‬
‫يحدث في المجتمع من أمثالـ هذه االنتهاكاتـ ‪ ،‬وكم تُ َ‬
‫أوالد‬
‫زوجات َـ‬
‫ٌـ‬ ‫‪ ،‬وال يشعر بها جيرا ٌن وال أهل؛ فقد أساء آباء ألطفالهمـ ‪ ،‬وأدَّبَت‬
‫شوه‬
‫أزواجهن ‪ ،‬ولم يسلَم األطفالـ حتى من أذيَّة عامالت المنازل ‪ ،‬وعاش من عاش منهم ُم َّ‬
‫مستقبل قاتِم ‪ ،‬وربما احترف الجريمة واالنحراف‬ ‫اإلنسانية ‪ ،‬مت ِ‬
‫َّش ًحا بالعدوانيةـ ‪ ،‬له‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫فخسر نفسه ثم ِ‬
‫خس َره المجتمع‪.‬‬ ‫ِ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫إن هذه المظاهر ليست ‪ -‬بحمد اهلل ‪ -‬عامةً وال شائعةـ ‪ ،‬ولكنهاـ توجد بقد ٍر غير قليل ‪،‬‬
‫يحتسب المجتمع في رفع الظلم عن هذه ِ‬
‫الفئة؛ـ‬ ‫وإن من أعظم أنواع االحتساب‪:‬ـ أن ِ‬
‫واقعا من ذوي ال ُقربى‪.‬‬
‫خصوصا إذا كان الظلم ً‬
‫ً‬

‫‪351‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫وظلم ذوي ال ُقربى ُّ‬
‫أشد مضاضةً‬ ‫ُ‬
‫على النفس من وق ِع الحسام المهن ِ‬
‫َّد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫خصوصا وأن الطفل‬


‫ً‬ ‫عقلي؛‬
‫بمؤثر ّ‬
‫تورطوا ُ ِّ‬
‫نفسي ‪ ،‬أو َّ‬
‫بمرض ّ‬ ‫ٍ‬ ‫يجب التفطُّن لصغا ِر من ُ‬
‫ابتلُوا‬
‫عذبـ حين تص ُدفُه قد ال تسمع منه تعبيرا ِ‬
‫يكشف ما أصابه ‪ ،‬وقد ح َف َرتـ تلك‬ ‫والم َّ‬
‫ً‬ ‫المعنَّف ُ‬
‫ُ‬
‫عذبـ وإن ِ‬
‫عجز لسا ُن مقالهـ عن الشكوى‬ ‫الم َّ‬
‫االعتداءات في نفسه أخاديدهاـ ‪ ،‬وإن الطفلـ ُ‬
‫ُ‬
‫سينط ُق بالكثير ‪ ،‬والصغير ال ينسى ‪ ،‬وجراح الطفولة ال ِ‬
‫تندملـ ‪ ،‬وإن لم‬ ‫فإن لسان حاله ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وشك أن تنتهي إلى مقتل‪.‬‬ ‫يتداركها الوساة في ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وإنهاـ لظاهرةٌـ حسنةٌ تلك المراكز ُّ‬
‫والدور التي تُعنى بحماية الطفل ‪ ،‬وتوعية اآلباء واألمهات‬
‫والتواصل معهمـ واإلشادةـ بهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ ،‬والقائمون عليها على خي ٍر عظيم ‪ ،‬ينبغي ُ‬
‫دعمهم‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫وثمة صفحةٌ أخرىـ من كتاب مآسي الطفل ‪ ،‬عنوانها‪ :‬الخالفات الزوجية؛ـ فعندماـ يحضر‬
‫َّ‬
‫ويتقص ُد كلٌّ منهما اإلساءة إلى اآلخرـ ‪ ،‬وعيون األطفال تُشاهدـ‬
‫َّ‬ ‫الشيطان بين زوجين ‪،‬‬
‫وتترقَّب ‪ ،‬ونفوسهم َّ‬
‫تتوجد وتن ِزف ‪َ ،‬‬
‫ويرون إساءةً لفظيةً من األب ألمهمـ ‪ ،‬أو إهانةًـ‬
‫معنويةً من األم ألبيهمـ ‪ ،‬أو اعتداء جسديًّاـ من أحدهماـ على اآلخر؛ فإن الطفولة ‪ٍ -‬‬
‫حينئذ ‪-‬‬ ‫ً‬
‫وه ُج الحياة لدى الطفل ‪،‬‬‫وثمةَ ساعتها عُق ٌد نفسية تنمو في خفاء ‪ ،‬ويخبُو َ‬
‫في هباء ‪َّ ،‬‬
‫ناظريْه؛ـ فال ُحلم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ذلك على عدم ُمباالته بالتعليمـ فال يعنيه ‪ ،‬ويُعتم المستقبل في َ‬ ‫وينسح ُ‬
‫يُداعبُه وال أمل يُالغيه‪.‬‬

‫غير ُمبالَِي ْين‬


‫ناظريْهـ ‪ ،‬والوالدان ُ‬
‫واُألب َّوة في َ‬
‫شاهت األيام في عينيه ‪ ،‬وساءت معاني األمومةـ ُ‬
‫َ‬
‫‪ ،‬يتنافسان أيهما األسوأ ‪ ،‬وأيهما الذي ينتُأ ُجرح طفلهما فال يبرأ‪.‬‬

‫يا أيهاـ األزواج الم ِ‬


‫تخاصمون‪:‬‬ ‫ُ‬

‫‪352‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫إن اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َّ -‬‬
‫حددـ أوقاتًاـ ال يدخل فيها األوالد على والديهمـ حتى ال تقع أعيُنهم‬
‫شيح بأبصار الصغار ونص ِرف‬‫المباح؛ أفليس من باب َْأولَى أن نُ َ‬‫على ما ال يُد ِركون من ُ‬
‫ٍـ‬
‫ونفسية رضيَّة‪.‬‬ ‫علمهم عن العالقة السلبية بين والديهم ‪ ،‬فيعيشوا في ٍ‬
‫بيئة نقية ‪،‬‬

‫للتجاوز إال المتجا ِوز نفسهـ‬


‫ُ‬ ‫إن الخالف له آداب ‪ ،‬والخصومة لها حدود ‪ ،‬وال ضحية هنا‬
‫جميعا‪.‬‬
‫وأسرته ومستقبلهم ً‬

‫أما بعد الطالق واالنفصالـ فتثور مسألة نفقةـ األطفال ‪ ،‬وزيارتهم ألحد الوالدين ‪ ،‬وكم في‬
‫ِ‬
‫ار‬
‫ض َّ‬
‫دادهاـ األسىـ ‪ ،‬وألوانها العناء؛ مع أن اهلل تعالىـ يقول‪ ﴿ :‬اَل تُ َ‬ ‫هذه المسألةـ من صو ٍر م ُ‬
‫َوالِ َدةٌ بَِولَ ِد َها َواَل َم ْولُو ٌد لَهُ بَِولَ ِد ِه (‪. 496﴾ )233‬‬

‫خالف لم يكن طرفًا فيه ‪ ،‬ولكنه عُوقِب به ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫طفل غُيِّب عن أمه وال ذنب له إال‬ ‫وكم ٍ‬
‫والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يقول‪َ " :‬م ْن َف َّر َق َب ْي َن َوالِ َد ٍة َو َولَ ِد َها َف َّر َق اللَّهُ َب ْينَهُ َو َب ْي َن‬
‫وصححه الحاكم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫َأحبَّتِ ِه َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة " أخرجه أحمد ‪،‬‬

‫حرم الطفل حنان أمه أو لقاء أبيه وهو بَضعةٌ منهما ‪ ،‬وال ِغنى له بأحدهما عن‬ ‫فبأي ٍ‬
‫ذنب يُ َ‬ ‫ِّ‬
‫اآلخر مهما فعل األول ‪ ،‬يجب أن يُ َّ‬
‫مكن الطفل من رؤية وال َديْه ‪ ،‬ومن االتصال بهما متى‬
‫االنفصال بين الوالدينـ داعيًا ألن‬
‫ُ‬ ‫بحال أن يكون‬ ‫ٍ‬
‫حاسبة أو ُمضايقةـ ‪ ،‬وال يجوز ٍ‬ ‫أراد دون ُم‬
‫يُربَّى الطفل على عقوق أحدهماـ أو عدم اإلحسان إلى اآلخر‪.‬ـ‬

‫يا من وقع الطالق بينهم من اآلباء واألمهات! ال تنسوا الفضل بينكم ‪ ،‬واتقوا اهلل في‬
‫حبل ممدود طرفاه بأيديكمـ ‪ ،‬وفي وسطه عقدةٌ ُم َّ‬
‫لتفةٌ على عنق‬ ‫أوالدكم ‪ ،‬إن خالفاتكم ٌ‬
‫األب َويْن في الجذب استح َك َمت العُقدة على عنق الطفل ‪ ،‬مع أن‬ ‫الطفل ‪ ،‬فكلما َّ‬
‫اشتد أح ُد َ‬
‫خيرا من الغالب‪.‬‬
‫خالفات األبوينـ في الغالب يكون المغلوب فيها ً‬
‫يتحايل في تقليل نفقةـ أوالدهـ ‪ ،‬أو الهروب منها ‪ ،‬ال لشيء إال ليغيظ أمهم؛‬ ‫كم من ٍ‬
‫أب‬
‫ُ‬
‫ويتأمل دعاءهم وصدقتهم عنه حين يكبرون؟!‬
‫َّ‬ ‫فكيف يرجو َّبر أوالده بعد ذلك ‪،‬‬
‫‪496‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪353‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫والصراخ في وجه الطفل ‪ ،‬وتهديدهـ وتخويفه ‪،‬‬


‫ُ‬ ‫الصياح‬
‫ُ‬ ‫ومن صور اإلساءة المنتشرة‪:‬‬
‫والمربِّيات ‪،‬‬
‫والمربُّون ُ‬
‫يتساهل فيه اآلباءـ واألمهاتـ ‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وكثرةُ ُمعاتبتهـ وتعني ُفه ‪ ،‬وهذا مما‬
‫دمرة لنفسية الطفل‪.‬‬
‫الم ِّ‬ ‫ٍ‬
‫ويتصرفون بمشاعرهم الغاضبة دون إدراك للعواقب ُ‬ ‫َّ‬

‫والتخويف يُو ِرث شخصيةً مهزوزة ‪ ،‬ونفسيةً ُمضطربة ‪ ،‬أال فاتقوا اهلل في وصيته‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫والتعنيف‬
‫ُ‬
‫ٌ‬
‫مسؤول‬ ‫وليتق اهلل كلٌّ في رعيَّته؛ فكلٌّ‬
‫‪497‬‬
‫وصي ُك ُم اللَّهُ ِفي َْأواَل ِد ُك ْم (‪﴾ )11‬‬
‫﴿ي ِ‬
‫ُ‬
‫حاسب‪.‬‬
‫وم َ‬‫ُ‬

‫اللهم با ِرك لنا في الكتابـ والسنة ‪ ،‬وانفعنا بما فيهما من اآلياتـ والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫ومصطفاه ‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬ ‫الحمد هلل حق الحمد وأوفاه ‪ ،‬والصالة والسالم على رسوله ُ‬
‫إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك‬
‫عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن وااله‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫معفو عنه ‪ ،‬اهلل قد رفع عنهم قلم التكليف ‪ ،‬فارفعوا أنتم‬


‫خطأ األطفال مغفور ‪ ،‬وذنبهم ٌّ‬
‫عنهم أساليبـ التعنيف ‪ ،‬قِ ُفوا بين العنف والضعف في موقف الحزم ‪ ،‬واق ُد ُروا لحداثةـ‬
‫ب على الصالة وهي عمود الدين إال‬ ‫ضر ُ‬
‫قدرها ‪ ،‬وإذا كان الطفل ال يُ َ‬
‫السن ومحبة اللهو َ‬

‫‪497‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪354‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ابن سنتين وثالث‬


‫ضرب ُ‬
‫ؤمر بها مئات المرات؛ـ فكيف يُ ُ‬ ‫وهو في العاشرة من عمره وبعد أن يُ َ‬
‫ٍ‬
‫شقاوة فطرية ‪ ،‬أو له ٍو بريء؟!‬ ‫ٍ‬
‫خمس وسبع على‬ ‫وابن‬
‫‪ُ ،‬‬

‫ولكم في هدي النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قدوةٌ وُأسوة؛ عن أس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬
‫لم‬
‫ُأف ‪ ،‬وال َ‬
‫خدمت النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عشر سنين ‪ ،‬فما قال لي ّ‬
‫ُ‬ ‫قال‪" :‬‬
‫خدمت النبي‬
‫ُ‬ ‫صنعت " ؛ رواه البخاري‪ .‬ولفظ أبي داود عن أنس قال‪" :‬‬
‫َ‬ ‫صنعت ‪ ،‬وال أال‬
‫َ‬
‫غالم ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عشر سنين بالمدينة وأنا ٌ‬
‫فعلت هذا‬
‫فعلت هذا ‪ ،‬أو أال َ‬
‫لم َ‬ ‫أن أكون عليه ‪ ،‬ما قال لي فيها ٍّ‬
‫ُأف قط ‪ ،‬وما قال لي‪َ :‬‬
‫"‪.‬‬

‫ترك ِ‬
‫العتابـ على ما فات؛ ألن هناك مندوحةً عنه‬ ‫تفاد من هذا‪ُ :‬‬
‫"ويس ُ‬
‫قال الحافظ ابن حجر‪ُ :‬‬
‫احتيج إليه ‪ ،‬وفائدة تنزيه اللسان عن الزجر والذم ‪ ،‬واستئالف خاطر‬
‫َ‬ ‫باستئناف األمرـ به إذا‬
‫الخادم بترك ُمعاتبته ‪ ،‬وكل ذلك في األمور التي تتعلَّق ِّ‬
‫بحظ اإلنسان ‪ ،‬أما في األمور‬
‫تسامح فيها؛ ألنهاـ من باب األمرـ بالمعروف والنهي عن المنكر"‪.‬‬
‫شرعا فال يُ َ‬
‫الالزمة ً‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫إنه ال خالف في مبدأ تصحيح خطأ الطفل إذا أخطأ ‪ ،‬ولكنـ يجب أن يكون التصحيح‬
‫ِّب وال يُ ِّثرب ‪ ،‬ولنا في رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بأسلوب يبني وال يهدم ‪ ،‬ويؤد ُ‬
‫غالما في َحجر رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫"كنت ً‬
‫ُ‬ ‫ُأسوة؛ عن عمر بن أبي سلمة قال‪:‬‬
‫تطيش في الصحفة ‪ ،‬فقال لي رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬يَا‬ ‫ُ‬ ‫‪ ، -‬وكانت يدي‬
‫يك " قال‪ :‬فما زالت تلك ِطعمتي بعد"؛ متفق‬‫ك ‪َ ،‬و ُك ْل ِم َّما يَلِ َ‬
‫الم َس ِّم اللَّهَ ‪َ ،‬و ُك ْل بِيَ ِمينِ َ‬
‫غُ ُ‬
‫عليه‪.‬‬

‫وعن أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن الحسن بن علي ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أخذ تمر ًة من‬
‫تمر الصدقةـ فجعلها في فِ ْيه ‪ ،‬فقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬كِ ْخ كِ ْخ ‪ْ ،‬ارِم بِ َها‬
‫ََأما َعلِ ْم َ‬
‫ت َأنَّا اَل نَْأ ُك ُل َّ‬
‫الص َدقَةَ ؟! " رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وقوله‪ " :‬كِ ْخ " بفتح الكافـ أو كسرها‪.‬‬

‫وروى الطبرانيـ عن زينب بنت أبيـ سلمة أنها دخلَت على رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬
‫َأي‬ ‫‪ -‬وهو ِ‬
‫اء َك ْ‬
‫فضرب بها في وجهيـ وقال‪َ " :‬و َر َ‬
‫َ‬ ‫يغتسل ‪ ،‬قالت‪" :‬فأخذ حفنةً من ماء‬
‫اع " ‪.‬‬
‫لَ َك ِ‬

‫الحسن الورع ‪ ،‬وعلَّم زينب‬


‫َ‬ ‫عمر بن أبي سلمة آداب الطعام ‪ ،‬وعلَّم‬ ‫َّ‬
‫فانظر كيف عل َم َ‬
‫ٍ‬
‫بأسلوب‬ ‫التعليم‬ ‫األدب في االستئذان وعدم االطِّالع على العورات ‪َّ ،‬‬
‫وتأمل كيف كان‬
‫ُ‬
‫وفهمها ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بكلمة واحدة ‪ ،‬أو ُج ٍ‬
‫يسه ُل حفظُهاـ ُ‬
‫مل صغيرة مختصرة واضحة ُ‬ ‫يفهمه الصغار ‪،‬‬
‫ُ‬
‫تقطيب وال تثريب؛ فضالً عن ضرب‬ ‫ٍ‬ ‫إهانة وال تجريح ‪ ،‬وال ٍ‬
‫لوم وال توبيخ ‪ ،‬وال‬ ‫بال ٍ‬
‫فيندم الداعيـ حين‬
‫توافق الدعوةُ ساعة إجابةـ ُ‬
‫أمر خطير؛ فقد ُ‬ ‫الصغير أو الدعاء عليه ‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫ال ينفع الندم‪.‬‬

‫والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يقول‪ " :‬اَل تَ ْدعُوا َعلَى َأْن ُف ِس ُك ْم َواَل تَ ْدعُوا َعلَى َْأواَل ِد ُك ْم‬
‫ِ‬ ‫اعةً يس ُ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يب لَ ُك ْـم " أخرجهـ‬ ‫َأل ف َيها َعطَاءٌ َفيَ ْستَج ُ‬ ‫َواَل تَ ْدعُوا َعلَى َْأم َوال ُك ْم اَل ُت َواف ُقوا م ْن اللَّه َس َ ُ ْ‬
‫مسلم‪.‬‬

‫وهذا أدبُه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حتى مع الكبار؛ قال معاوية بن الحكم ‪ -‬رضي اهلل عنه‬
‫أحسن‬
‫َ‬ ‫رأيت ُمعلِّ ًما قبله وال بعده‬ ‫وأمي؛ ما ُ‬ ‫‪ -‬وكان قد تكلَّم في الصالة ‪" :-‬فبأبي هو ِّ‬
‫صلُ ُح‬ ‫كهرني وال ضربني وال شتَ َمني ‪ ،‬قال‪ِ " :‬إ َّن َه ِذ ِه َّ‬
‫الصاَل ةَ ‪ ،‬اَل يَ ْ‬ ‫تعليما منه ‪ ،‬فواهلل ما َ‬
‫ً‬
‫َّاس ‪ِ ،‬إنَّما ُهو التَّسبِيح والتَّ ْكبِير وقِراءةُ الْ ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن " أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫ُ َ َ َ ْ‬ ‫ف َيها َش ْيءٌ م ْن كَاَل ِم الن ِ َ َ ْ ُ َ‬

‫خرجت مع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫وعن أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫طائفة من النهار ال يُكلِّمني وال ُأكلِّمه ‪ ،‬حتى جاء سوق بني قينُقاع ‪ ،‬ثم انصرف حتى‬ ‫في ٍ‬
‫سه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أتى خباء فاطمة ‪ ،‬فقال‪ " :‬أثَ َّم لُ َكع؟ أثَ َّم لُ َكع؟ " ‪ -‬يعني‪:‬ـ حسنًا ‪ ، -‬فظننا أنه إنما تحب ُ‬
‫كل ٍـ‬
‫واحد منهما‬ ‫سه ِسخابًا ‪ ،‬فلم يلبث أن جاء يسعىـ ‪ ،‬حتى اعتنق ُّ‬ ‫ِ‬
‫غسلهـ وتُلب َ‬
‫ُّأمه ألن تُ ِّ‬
‫َأحبَّه ‪ ،‬و ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب َم ْن‬‫َأح َّ‬ ‫صاحبه ‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬اللَّ ُه َّم ِإنِّيـ ُأحبُّهُـ فَ ُ َ‬

‫‪356‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يُ ِحبُّهُ " َّ‬


‫مخرج في "الصحيحين" ‪ ،‬وهذا لفظ مسلم‪ .‬ولفظ البخاري‪ :‬فجاء يشتد حتى عا َن َقه‬
‫وقبَّله‪.‬‬

‫ع اللَّهُ ِم ْن‬
‫ك َأ ْن َن َز َ‬ ‫ََأملِ ُ‬
‫ك لَ َ‬ ‫وقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ٍ -‬ـ‬
‫لرجل كان ال يُقبِّل أوالده‪َ " :‬أو ْ‬
‫الر ْح َمةَـ " رواه البخاري‪.‬‬
‫ك َّ‬‫َق ْلبِ َ‬

‫رأيت أح ًدا كا أرحم بالعيال من رسول اهلل‬


‫وعن أنس بن مالك ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ " :‬ما ُ‬
‫سترض ًعا له في عوالي المدينة ‪ ،‬فكان‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، "-‬قال‪ " :‬كان إبراهيمـ ُم َ‬
‫ينطلق ونحن معه فيدخل البيت فيأخذه فيُقبِّله ‪ ،‬ثم يرجع " ؛ رواه مسلم ‪.‬‬
‫ُ‬

‫وأخرج ابن حبان في "صحيحه" عن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ " :‬كان النبي ‪ -‬صلى‬
‫ش إليه "؛‬
‫فيبه ُ‬
‫الصبي ُحمرة لسانه َ‬
‫ُّ‬ ‫علي ‪ ،‬فيرى‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬ليدلَ ُع لسانَهـ للحسن بن ٍّ‬
‫أي‪ :‬يُسراع إليه‪.‬‬

‫مجها في‬
‫مجةً َّ‬
‫عقلت من النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َّ -‬‬ ‫ُ‬ ‫وعن محمود بن الربيع قال‪" :‬‬
‫ابن خمس سنين من دل ٍو في دا ِرنا " ؛ متفق عليه‪.‬‬
‫وجهي وأنا ُ‬

‫هذا هو الهدي فاستنُّوا به ‪ ،‬وهذا هو الرسول فاقتدوا به‪.‬‬

‫ثم صلُّوا وسلِّموا على خير البرية ‪ ،‬وأزكى البشرية ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك‬
‫وارض اللهم‬
‫َ‬ ‫ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪،‬‬
‫ضيِّين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬ ‫عن األئمة المهديينـ ‪ ،‬والخلفاء الراشدينـ المر ِ‬
‫َْ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم يا رب‬
‫ٍّ‬
‫العالمين‪.‬ـ‬

‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم ِ‬


‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين‬ ‫اللهم ِ‬
‫ودمر أعداء الدين ‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائرـ بالد المسلمين‪.‬‬
‫‪ِّ ،‬‬

‫‪357‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ َّ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬
‫وفِّقه لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةـ الصالحة‪.‬‬

‫أنعمت به من شفاء ِ‬
‫خادم الحرمين الشريفينـ‬ ‫َ‬ ‫اللهم إنا نحمدك ونشكرك ونُثني عليك لما‬
‫وسالمته وإسعادنا برؤيته ‪ ،‬اللهم قد أحببناه لك ‪ ،‬وأطعناه فيك ‪ ،‬فاجمعنا به في أحسن‬
‫سليما ُمعافى ‪ ،‬وأتِ َّم عليه الصحة والشفاء ‪ ،‬وادفع وارفع عنه‬
‫حال ‪ ،‬وسلِّمه لوطنه وأحبابهـ ً‬
‫وأطل عمره في طاعتك‪.‬‬ ‫كل بالء ‪ِ ،‬‬

‫اللهم أسبِغ عليه لباس الصحة والعافيةـ ‪ ،‬وامنُن عليه بالسالمةـ والشفاءـ العاجل‪.‬ـ‬

‫اللهم وفِّقه َ‬
‫ونائب ْيه لما فيه صالح العبادـ والبالد ‪ ،‬واسلُك بهم سبيل الرشاد‪.‬ـ‬

‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬


‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬

‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم‬
‫ِ‬
‫وأرغد عيشهم ‪،‬‬ ‫احقنـ دماءهم ‪ِ ،‬‬
‫وآمنهم في ديارهمـ ‪،‬‬ ‫اجمعهمـ على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫ستضعفينـ من المسلمين ‪ ،‬اللهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َ‬‫وأصلح أحوالهم ‪ ،‬واكبت عدوهم ‪ ،‬اللهم وانصر ُ‬
‫انصرهمـ في فلسطين ‪ ،‬اللهم انصرهم في فلسطين وفي كل ٍ‬
‫مكان يا رب العالمين ‪،‬‬
‫واجمعهم على الحق والهدى يا رب العالمين‪.‬‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪.‬‬

‫اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهمـ ال ي ِ‬


‫عجزونك‪.‬‬‫ُ‬

‫اب النَّا ِر (‪. 498﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬

‫‪498‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪358‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬

‫إماما‪.‬ـ‬
‫هب لنا من أزواجنا وذرياتناـ ُق َّرة أعين واجعلنا للمتقين ً‬
‫ربنا ْ‬

‫نستغفر اهلل ‪ ،‬نستغفر اهلل ‪ ،‬نستغفرـ اهلل الذي ال إله إال هو الحي القيوم ونتوب إليه‪.‬‬

‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغنيـ ونحن الفقراءـ ‪ ،‬أن ِزلـ علينا الغيث وال تجعلنا من‬
‫سحا طب ًقا ُمجلِّالً ًّ‬
‫عاما‬ ‫أغثْنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫أغثْنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬ ‫أغثْنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫القانطين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫نافعا غير ضار تُحيي به البالد ‪ ،‬وتسقي به العباد ‪ ،‬وتجعله بالغًا للحاضر والباد‪.‬ـ‬
‫ً‬
‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬ال ُسقياـ‬
‫ٍ‬
‫هدم وال غرق‪.‬‬

‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬

‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬حرمةـ دم المسلم‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السابع عشر من صفر من عام ‪1432‬هـ‬

‫‪ -‬حرمة دم المسلم ‪-‬‬

‫نبذة مختصرة عن الخطبة‪:‬‬


‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬حرمة‬
‫تحدث فيها عن حرمة دماء المسلمين ِ‬
‫وعظَم أمرها ‪ ،‬وذكر األدلة من‬ ‫دم المسلم" ‪ ،‬والتي َّ‬

‫‪359‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫شيرا بذلك لمسألةـ االنتحار وأن عقابهاـ يوم القيامةـ عظيم ‪،‬‬
‫الكتاب والسنة على ذلك ‪ُ ،‬م ً‬
‫حذ ًرا شباب المسلمين من الولوغ في دماء المسلمين أو غير المسلمين بغير حقٍّ‪.‬‬‫ُم ِّ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ‬
‫ض َّل له ‪ ،‬ومن يُضلِل فال هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬ ‫أعمالنا ‪ ،‬من ِ‬
‫يهده اهلل فال م ِ‬
‫ُ‬
‫وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك عليه ‪،‬‬
‫ٍـ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫وعلى آله وصحبه والتابعينـ ‪ ،‬ومن تبعهم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫الوثقى‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫فاتقوا اهلل تعالىـ حق التقوى ‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعُروة ُ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َواَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن (‪. 499﴾ )102‬‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫﴿ يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫حصي عملك ‪ ،‬فاتقوا اهلل‬ ‫شعرك أن اهلل يراك ويراقِبك وي ِ‬ ‫حي في داخلِكـ ي ِ‬ ‫شعور ٌّ‬
‫ُ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫التقوى ٌ‬
‫واعلموا أنكم ُمالقوه‪.‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ارها ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تكوين ُمذه ٌل وتقديرـ ‪ ،‬السماوات وعُ َّم ُ‬
‫ٌ‬ ‫هلل في خلقه إبداعٌ وتصوير ‪ ،‬وله في ملكوته‬
‫وس َّكانُهاـ ‪ ،‬والبحار وأعماقُها ‪ ،‬وكل ما جرى عليه قدر النشأة وإرادة‬
‫واألراضون ُ‬
‫الحسن أعاله ‪ ،‬ومن الجمال ذُراه ‪ ،‬ومن اإلبداع غايته‬
‫بالغات من ُ‬
‫ٌـ‬ ‫التكوينـ ‪ ،‬كل أولئك‬
‫ومنتهاه‪.‬‬
‫ُ‬
‫محل الجوهرة من‬
‫وقدره من ذلك اإلبداع هو ُّ‬
‫َ‬ ‫محل اإلنسانـ من ذلك ال َخلق ‪،‬‬
‫أال وإن َّ‬
‫تقويما ‪ ،‬وأعدلُه تسويةً‬ ‫أحسن خلق اهلل ً‬ ‫ُ‬ ‫التاج ‪ ،‬ومكان الغَُّرةـ من الجبين ‪ ،‬اإلنسانـ‬
‫آد َم (‪، 500﴾ )70‬‬ ‫تكريما ‪َ ﴿ ،‬ولََق ْد َك َّر ْمنَا بَنِي َ‬ ‫ً‬ ‫وأكثره‬
‫ُ‬ ‫وأعظمه ُحرمةًـ‬ ‫ُ‬ ‫وأحكمه تركيبًا ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ك (‪ )7‬فِي ِّ‬
‫َأي‬ ‫اك َف َع َدلَ َ‬
‫س َّو َ‬
‫ك فَ َ‬ ‫ك الْ َك ِر ِيم (‪ )6‬الَّ ِذي َخلَ َق َـ‬
‫سا ُـن َما غَ َّر َك بَِربِّ َ‬
‫﴿ يَا َُّأي َها اِإْل نْ َ‬
‫‪499‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪500‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪360‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ين (‪َ )2‬و َه َذا الَْبلَ ِد‬ ‫ون (‪ )1‬وطُو ِر ِسينِ‬‫الز ْيتُ ِ‬‫و‬ ‫ِ‬
‫ن‬ ‫ِّي‬
‫ت‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫﴿‬ ‫‪،‬‬ ‫‪501‬‬
‫ك (‪﴾ )8‬‬ ‫اء َر َّكبَ َ‬ ‫ص ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ورة َما َش َ‬
‫ُ َ‬
‫س ِن َت ْق ِو ٍيم (‪. 502﴾ )4‬‬ ‫ِ‬
‫اَأْلمي ِن (‪ )3‬لََق ْد َخلَ ْقنَا اِإْل نْ ِ‬
‫َأح َ‬
‫سا َـن في ْ‬ ‫َ‬
‫ودمه أمانةٌ‬ ‫محل التكليف من الخلق ‪ُ ،‬روحه وديعةُ اهلل فيه ‪ُ ،‬‬ ‫اإلنسان بُنيان اهلل ‪ ،‬وهو ُّ‬
‫فأعظم اإلثم ُّ‬
‫وأشد‬ ‫ُ‬ ‫ونفخ فيه من روحه ‪،‬‬ ‫وسواه َ‬ ‫تنساب في أو ِر َدته ومجاريه ‪ ،‬خل َقه َّ‬ ‫ُـ‬
‫هدر ذلك الدم ‪،‬‬ ‫فيهدم ذلك البنيان ‪ ،‬ويستلِب تلك الروح ‪ ،‬وي ِ‬ ‫عتد ِ‬ ‫الحوب‪ :‬أن يعتدي م ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫المعت َدى عليه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المعتدي وكائنًا من كان ُ‬ ‫كائنًا من كان ُ‬
‫بالوحي ْين ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫واطمأن قلبُه‬ ‫سلما قد َله َج لسانُهـ بالشهادتين ‪،‬‬ ‫المعت َدى عليه ُم ً‬ ‫أما إذا كان ُ‬
‫زرا ‪ ،‬لذا كانت‬ ‫وأعظم ِو ً‬‫ُ‬ ‫خطرا ‪،‬‬‫ت جوا ِر ُحه ألحكام الدين؛ فإن العُدوان عليه أشد ً‬ ‫وذلَّ ْ‬
‫مسلم؛ رواه‬ ‫رجل ٍ‬ ‫زوال الدينـ أهون عند اهلل من قتل ٍ‬ ‫أشد من ُحرمة الكعبةـ ‪ ،‬وكان ُ‬ ‫ُحرمتُه َّ‬
‫الترمذي ‪ ،‬والنسائي‪.‬‬
‫تنزلت من رب العالمين‪:‬ـ ﴿ َو َم ْن َي ْقتُ ْل ُمْؤ ِمنًا‬ ‫قدسةٌـ َّ‬ ‫إن مكانةـ الفرد في اإلسالم رسالةٌ ُم َّ‬
‫ِ‬ ‫ب اللَّهُ َعلَْي ِه َولَ َعنَهُ َو َ‬ ‫ِ‬ ‫مَتع ِّم ًدا فَجزاُؤ هُ جهن ِ ِ‬
‫َأع َّد لَهُ َع َذابًا َعظ ً‬
‫‪503‬‬
‫يما (‪﴾ )93‬‬ ‫َّم َخال ًداـ ف َيها َوغَض َ‬
‫ََ ََ ُ‬ ‫َُ‬
‫شرح أو تعقيب‪.‬‬ ‫وعي ٌد شديد ال يحتاج إلىـ ٍ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وحرمتُه ‪،‬‬
‫األم ُـد على الناس بعد األنبياء ‪ ،‬وخبَت في نفوسهم قيمةُ اإلنسان ُ‬
‫لقد طال َ‬
‫واستسهلوا االعتداء ‪ ،‬واحت َقروا اإلنسان؛ـ إما لطم ٍع دنيوي ‪ ،‬أو‬‫َ‬ ‫فاسترخصوا الدماء ‪،‬‬
‫َ‬
‫ضعف الدين‬
‫ُ‬ ‫وجماعُ ذلك كله‪:‬‬ ‫راك سياسيـ ‪ِ ،‬‬ ‫تأو ٍل ديني ‪ ،‬أو داف ٍع عنصري وقبلي ‪ ،‬أو ِح ٍ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫جاهلية في العقول‪.‬ـ‬ ‫في النفوس وبقاياـ‬
‫ثياب من الجهل ‪ُ ،‬حرمةـ البهيمة عند بعضهم‬ ‫والعرب ترفُل في ٍ‬ ‫لقد جاء اإلسالم يوم جاء‬
‫ُ ُ‬
‫وذهبَت‬
‫حرب بين العرب لعقود ‪َ ،‬‬ ‫امتدت ٌ‬ ‫سوس َّ‬ ‫أشد من ُحرمة اإلنسانـ ‪ ،‬فألجل ناقة البَ ُ‬
‫الحرب بين‬ ‫عاب من الدماء ‪ ،‬وكانت‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫جراح وسالَت ش ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ضت‬ ‫كثير من األرواح ‪ ،‬وانت َق َ‬
‫فيها ٌ‬

‫‪501‬‬
‫سورة اإلنفطار‬
‫‪502‬‬
‫سورة التين‬
‫‪503‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪361‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأمر الحرب مبدُأه‬ ‫ٍ‬


‫تقوم بسبب بيت من الشعرـ أو كلمة ‪ ،‬وقال قائلُهم‪ُ :‬‬
‫الحي ْين من العرب ُ‬
‫َّ‬
‫كالم‪.‬‬
‫عدد من ِ‬
‫قوم القاتل أو أشرافهم‬ ‫بالقصاص من ٍ‬ ‫وكان إذا قُتِل الشريف في ٍ‬
‫قوم لم يبرد دمه إال ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫التساهلـ في الدماء ‪ ،‬واسترخاص ِ‬
‫الجناية واالعتداء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ ،‬إلى هذا القدر كان‬
‫ُ‬
‫الدين في نفوس أفرادها؛ـ كلما اقتبَسوا من تلك‬
‫وتضاءل ُ‬‫َ‬ ‫وكلما خبَت أنوار العلم في أمة ‪،‬‬
‫فكرم اإلنسانـ ‪ ،‬وجعلـ‬ ‫ُّ‬
‫واستمدوا من جهلها جهالً ‪ ،‬إلى أن جاء اإلسالم َّ‬ ‫الجاهلية ُش َعالً ‪،‬‬
‫أسس وعظَّم مسألة‬‫معبوده اهلل ‪ ،‬وخلَّصه من عبادة الشجر والحجر ‪ ،‬ثم َّ‬
‫َ‬ ‫أول ما جعل‬
‫الكريم شريعةً غابر ًة من شرائع بني إسرائيلـ ‪ ،‬فقال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪:-‬‬ ‫ُـ‬ ‫فأكد القرآ ُن‬ ‫الدماء؛ـ َّ‬
‫س َأو فَ ٍ ِ‬ ‫ك َكتَْبنَا َعلَى بَنِي ِإ ْسراِئيل َأنَّهُ َم ْن َقتَل َن ْف ِ‬ ‫َأج ِل َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫ض‬‫اَأْلر ِ‬
‫ساد في ْ‬ ‫سا بغَْي ِر َن ْف ٍ ْ َ‬
‫َ ً‬ ‫َ َ‬ ‫﴿ م ْن ْ‬
‫َّاس َج ِم ًيعا (‪. 504﴾ )32‬‬ ‫اها فَ َكَأنَّ َما ْ‬
‫َأحيَا الن َ‬ ‫َّاس َج ِم ًيعا َو َم ْن ْ‬
‫َأحيَ َ‬ ‫فَ َكَأنَّ َما َقتَ َل الن َ‬
‫وقتل النفس الواحدةـ هو بمثابة‬ ‫واحد هي استهانةٌـ بحياة الناس كلهم ‪،‬‬ ‫ألن االستهانةـ بحياة ٍ‬
‫ُ‬
‫قتل اإلنسانية جمعاء ‪ ،‬فجعل الواح َد يُساوي أمةً في ُحرمة دمه ‪ ،‬بعكس الجاهلية التي‬
‫إحياء الواحدـ‬
‫جعلت األمةَـ من الناس تُساوي واح ًدا ‪ ،‬إال إنه عند اإلحياء جعل القرآ ُن َ‬
‫إحياء أمة‪.‬‬
‫يُساوي َ‬
‫دمه ‪ ،‬وتح ِر ُم ُروحه َّ‬
‫وحقه في الحياة‬ ‫ظ لإلنسان َ‬
‫وتتاب َعت التشريعاتـ تحف ُ‬
‫وتوالَت النصوص َ‬
‫اقترفَه‬
‫أجمعت األمةـ على أن لمن َ‬
‫ذنب ‪ -‬وهو الشرك ‪َ -‬‬ ‫كافرا؛ بل إن أعظم ٍ‬ ‫سلما كان أو ً‬
‫ُم ً‬
‫أهل العلم فيه هل له توبةٌ‬ ‫توبة منه ‪ -‬وهو اإلسالم والتوحيد ‪ ، -‬في حين أن القاتل اختلف ُ‬
‫جرحا ‪ ،‬قال رسول اهلل ‪-‬‬ ‫التعرض لإلنسان قتالً كان أو ً‬ ‫الخطر في ُّ‬‫ُ‬ ‫أو ال؟ إلى هذا الحد بلغ‬
‫الر ُج ُل َي ْقتُ ُل ال ُْمْؤ ِم َن ُمَت َع ِّم ًدا ‪َْ ،‬أو‬
‫سى اللَّهُ َأ ْن َي ْغ ِف َرهُ ِإاَّل َّ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ " :-‬ك ُّل َذنْ ٍ‬
‫ب َع َ‬
‫صحيح اإلسناد ‪ ،‬وأخرجهـ‬ ‫ٌ‬ ‫وت َكافِ ًرا‪ " .‬أخرجهـ أبو داود ‪ ،‬وقال الحاكم‪:‬‬ ‫الر ُج ُلـ يَ ُم ُ‬
‫َّ‬
‫ضا‪.‬‬ ‫النسائي أي ً‬
‫وجمع من الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬يرون أنه ال توبة لقاتلـ المؤمن‬ ‫ٌ‬ ‫وقد كان ابن عباس‬
‫عم ًدا‪.‬‬

‫‪504‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪362‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وعن ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ال‬
‫ب َد ًما َح َر ًاماـ " رواه البخاري‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال ال ُْمْؤ م ُن في فُ ْس َحة من دينه َما لَ ْم يُص ْ‬ ‫َي َز ُـ‬
‫وعن عبد اهلل بن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪" :‬إن من ورطات األمور التي ال مخرج لمن‬
‫سفك الدم الحرام بغير ِحلِّه"؛ رواه البخاري‪.‬‬ ‫نفسه فيها‪َ :‬ـ‬ ‫أوقع َ‬
‫س الَّتِي َح َّر َم اللَّهُ‬ ‫الن ْف َ‬ ‫ين اَل يَ ْدعُو َن َم َع اللَّ ِه ِإلَ ًها َ‬
‫آخ َر َواَل َي ْق ُتلُو َن َّ‬ ‫َّ ِ‬
‫وفي التنزيل العزيز‪:‬ـ ﴿ َوالذ َ‬
‫اب َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة َويَ ْخلُ ْد‬
‫ف لَهُ ال َْع َذ ُ‬
‫اع ْ‬‫ضَ‬ ‫ْق َأثَ ًاما (‪ )68‬يُ َ‬ ‫ك َيل َ‬ ‫ْح ِّق َواَل َي ْزنُو َن َو َم ْن َي ْف َع ْل ذَلِ َ‬
‫ِإاَّل بِال َ‬
‫فِ ِيه ُم َهانًا (‪. 505﴾ )69‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬‬
‫ِّم ِاء " ؛ أخرجهـ البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َّاس بِالد َ‬
‫ضى َب ْي َن الن ِ‬ ‫ََّأو ُل َما ُي ْق َ‬
‫الش ْر ُك بِاللَّ ِه َو َق ْت ُل‬
‫وفي "الصحيحين" قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬أ ْكَب ُر ال َكبَاِئ ِر‪ِّ :‬‬
‫س‪ "..‬الحديث‪.‬‬ ‫الن ْف ِ‬
‫َّ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫يعتدي على نفسه ‪ ،‬أو‬ ‫اختص بشأن هذه النفس وبأمر الروح فال يملِك اإلنسا ُن أن ِ‬ ‫َّ‬ ‫وألن اهلل‬
‫ومل ُكه ‪ ،‬ليس لصاحبهاـ إال حراستُها حتى تُستوفَى منه ‪ ،‬فمن‬ ‫ِ‬
‫روحه ‪ ،‬فهي وديعةُ اهلل ُ‬ ‫يُزه َق َ‬
‫فوعي ُده في اآلخرةـ شديد ‪َ ﴿ ،‬واَل‬ ‫حاولـ االعتداء على نفسه ولم يمت عوقِب ‪ ،‬وإن ماتـ ِ‬
‫ُ ُ َ‬
‫صلِ ِيه‬ ‫يما (‪َ )29‬و َم ْن َي ْف َع ْل ذَلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف نُ ْ‬
‫س ْو َ‬
‫ك عُ ْد َوانًاـ َوظُل ًْما فَ َ‬ ‫س ُك ْم ِإ َّن اللَّهَ َكا َن ب ُك ْم َرح ً‬
‫َت ْق ُتلُوا َأْن ُف َ‬
‫نَ ًارا (‪. 506﴾ )30‬‬
‫إن االنتحار واإللقاءـ بالنفس للهالك جريمةٌ واعتداء تجاه الفطرة واإلنسانية والدينـ ‪ ،‬عن‬
‫ِ‬
‫ُجندبـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬كا َن بَِر ُج ٍـل ج َر ٌ‬
‫اح‬
‫ْجنَّة " رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ال اللَّهُ‪ :‬ب َدرنِي َعب ِدي بَِن ْف ِس ِه ح َّرم ُ ِ‬
‫ت َعلَْيه ال َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫سهُ َف َق َ‬
‫َف َقتَ َل َن ْف َ‬
‫ضا‪ :‬ش ِه َد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لقاتل نفسه بالنار مع أنه كان‬ ‫وفي "الصحيحين" أي ً‬
‫ع من ِجراحه‪.‬ـ‬ ‫جاهد مع المسلمين ‪ ،‬لكنه ج ِز َ‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫‪505‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪506‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪363‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيها المكروبون‪:‬‬
‫من خاف شيًئا أو أصابه بالء ‪ ،‬أو نزلت به محنةٌ أو َّ‬
‫اشتدت عليه ُكربة ‪ ،‬فال يجوز له أب ًدا‬
‫نفسه ‪ ،‬فإن فعل فإن مصيره إلى النار‪.‬‬
‫أن يقتُل َ‬
‫جادةً تجاه مالحظة‬‫والمصلِحين وقفةً َّ‬ ‫إن بروز ظاهرة االنتحار تستل ِزم من أرباب التربيةـ ُ‬
‫ِ‬
‫وتعاطي‬ ‫ؤججاتها؛ من ضعف الدين ‪ ،‬واالنحراف ‪ ،‬والبَطَالة ‪،‬‬ ‫وم ِّ‬
‫أصحابها وأسبابها ُ‬
‫يجب أن يُعالَج كل ما‬ ‫ومثيرات الضغوط النفسية في الحياة ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫والمخدِّرات ‪ُ ،‬‬
‫المسكرات ُ‬ ‫ُ‬
‫يؤدِّي إلىـ اليأس واإلحباط ‪ ،‬وأن تُربَّى النفوس على اإليمان باهلل ‪ ،‬واالعتصام به ‪ ،‬واللَّ َجأ‬
‫إليه ‪ ،‬وما يؤدِّي إلى الطمأنينة باهلل ‪ ،‬وال يكون ذلك إال بالتزكية باإليمان‪.‬ـ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ضت سنة اهلل في الكون أن يتعاظَم الشر في بعض النفوس فال تنتهي عن شرهاـ إال‬
‫ولما اقت َ‬
‫بالقتل ‪ ،‬وأن يصطرع الهدى والضالل فال يحكم بينهم إال السيف؛ كانت ِشرعة اهلل‬
‫‪507‬‬
‫اب لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُقو َن (‪﴾ )179‬‬ ‫اص َحيَاةٌ يَا ُأولِي اَأْللْبَ ِـ‬‫ص ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫العادلة‪:‬ـ ﴿ َولَ ُك ْم في الْق َ‬
‫األمر بالتقوى؛ ألنه بغير التقوى ال تقوم شريعة ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ط َ‬ ‫القصاص إبقاءٌ على الحياة كلها ‪ ،‬ورب َ‬
‫تحرج‪.‬‬ ‫يتحرج ُم ِّ‬ ‫وال يُفلِح قانون ‪ ،‬وال َّ‬
‫وما أكثر األمراض النفسية والفكريةـ التي تظهر أو تخفى في سلوك األفرادـ ‪ ،‬وقد ُش ِرعت‬
‫شدون العافيةـ ‪ ،‬والذين يُؤثِرون حياة الشرف‬ ‫وعبادات منوعة يستشفي بها الذينـ ين ُ‬ ‫ٌ‬ ‫سير‬
‫ٌ‬
‫رض أو مال؛ فهل ِ‬
‫نعتذر‬ ‫دم أو ِع ٍ‬ ‫والسلم ‪ ،‬فال يبسطون أيديهمـ باألذىـ ‪ ،‬وال يلَغون في ٍ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫ص الدماء؛ ألنهـ‬ ‫نعتذر َّ ٍ ِ‬ ‫لشخص يهتِك الحرمات؛ ألنه مستطار الشهوة ‪ ،‬أو ِ‬ ‫ٍ‬
‫لسفاك يُرخ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المغتالة‪.‬ـ‬ ‫والذئاب ُ‬
‫ُ‬ ‫الكالب المسعورة‬ ‫ُ‬ ‫ُمنح ِرف المزاج ‪ ،‬وإال فلماذا إ ًذا تُقتل‬
‫القصاصـ في النفس واألطراف شريعةٌـ قديمة‬ ‫إن القاتلـ يقتل وال مساغ للجدال عنه ‪ ،‬وإن ِ‬
‫ُ‬
‫ف َواُأْلذُ َن‬ ‫ف بِاَأْلنْ ِـ‬
‫س َوال َْع ْي َن بِال َْع ْي ِن َواَأْلنْ َـ‬ ‫س بِ َّ‬
‫الن ْف ِ‬ ‫عادلةٌ حكيمة‪َ ﴿ :‬و َكتَْبنَا َعلَْي ِه ْم فِ َيها َّ‬
‫الن ْف َ‬
‫َأن َّ‬

‫‪507‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪364‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وكانت الشريعةُ حاسمةًـ في صيانة‬ ‫‪508‬‬


‫اص (‪﴾ )45‬‬ ‫الس ِّن والْجر ِ‬‫بِاُأْلذُ ِـن و ِّ ِ‬
‫ص ٌ‬‫وح ق َ‬
‫الس َّن ب ِّ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫تساهل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫تهاون وال ُ‬ ‫النفس بال‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫أمرهاـ‬ ‫أحكامـ ِ‬
‫القصاص والمغازي والحروب من أدق األحكام وأكثرها تفصيالً ‪ِ ،‬‬
‫وجعل ُ‬
‫ُ‬
‫ط في أمرهاـ أشد االحتياط ‪ ،‬وكم غضب النبي ‪ -‬صلى‬
‫ألمراء المسلمين وقضاتهم ‪ ،‬واحتي َ‬
‫وتبرأ من فعل بعض أصحابه حين اجتهدوا وتجاوزوا في مقاتلة‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪َّ -‬‬
‫ال ‪ :‬اَل ِإلَهَ ِإاَّل اللَّهُ ؟‬
‫ب أسامةـ بن زيد عتابًا ُم ًّرا ‪ ،‬وقال‪َ " :‬أ َقَتلْتَهُ َب ْع َد َما قَ َ‬
‫المشركين ‪ ،‬وعاتَ َ‬
‫ُ‬
‫حينئذ؛ متفق عليه‪.‬‬ ‫دت أني لم ُأسلِم إال ٍ‬ ‫ود ُ‬ ‫" حتى قال أسامة‪ِ :‬‬
‫ض ِرب ب َّر َها وفَ ِ‬
‫اج َر َها‪َ ،‬واَل‬ ‫ِ‬
‫وقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن َخ َر َج َعلَى َُّأمتي‪ ،‬يَ ْ ُ َ َ‬
‫ت ِم ْنهُ " أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫س ِمنِّي َولَ ْس ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫َيتَ َحا َشىـ م ْن ُمْؤ من َها‪َ ،‬واَل يَفيـ لذي َع ْهد َع ْه َدهُ‪َ ،‬فلَْي َ‬
‫والمستأمنين مسألةً خاضعةً لنقاش‬ ‫ِ‬
‫شباب أغرار جعلوا دماء المسلمين ُ‬ ‫أال فليسمع ذلك وليعه ٌ‬
‫وتنفجر عبوةٌ‬‫ِ‬ ‫وجهالء لم يتجاوزوا ربيع العشرين من أعمارهم ‪ ،‬فتنطلق رصاصةٌ هنا‬ ‫ُسفهاء ُ‬
‫األجر من اهلل ‪ ،‬وربما ُكتِبوا‬ ‫راحا ‪ ،‬ويأملون بعد ذلك َـ‬ ‫ِ ِ‬
‫ومحدثةً ج ً‬ ‫أرواحا ُ‬
‫ً‬ ‫هناك ‪ ،‬سالبةً معها‬
‫في ِعداد األشقياء وهم ال يعلمون‪.‬‬
‫أال فاتقوا اهلل تعالى في الدماءـ ‪ ،‬واحذروا التهاون في إزهاق األنفسـ واألرواح ‪ ،‬أعوذ باهلل‬
‫من الشيطان الرجيم‪:‬ـ ﴿ قُ ْل َت َعالَ ْوا َأتْ ُل َما َح َّر َم َربُّ ُك ْم َعلَْي ُك ْم َأاَّل تُ ْش ِر ُكوا بِ ِه َش ْيًئا َوبِال َْوالِ َديْ ِـن‬
‫ش َما ظَ َه َر‬ ‫ِإحسانًاـ واَل َت ْقتلُوا َأواَل َد ُكم ِمن ِإماَل ٍق نَحن َنر ُزقُ ُكم وِإيَّاهم واَل َت ْقربوا الْ َفو ِ‬
‫اح َـ‬ ‫ْ ُ ْ ْ َ ُ ْ َ َُ َ‬ ‫ْ ْ ْ‬ ‫َْ َ ُ ْ‬
‫صا ُك ْم بِ ِه لَ َعلَّ ُك ْـم َت ْع ِقلُو َن (‬‫ْح ِّق َذلِ ُك ْـم َو َّ‬ ‫الن ْف ِ‬ ‫ِ‬
‫س الَّتي َح َّر َم اللَّهُ ِإاَّل بِال َ‬ ‫م ْن َها َو َما بَطَ َن َواَل َت ْق ُتلُوا َّ َ‬
‫‪. 509﴾ )151‬‬
‫بارك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنةـ ‪ ،‬ونفعناـ بما فيهما من اآليات والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬
‫وأستغفر اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫‪508‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪509‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪365‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمنـ الرحيم ‪ ،‬مالكـ يوم الدين ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إال اهلل الملك‬
‫الحق المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك عليه وعلى آله‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫الطيبين الطاهرين ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬والتابعين ومن تبعهمـ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫كثيرا‬
‫وجرحا وضربًا ‪ ،‬حتى إن ً‬ ‫ً‬ ‫كثير من وسائل اإلعالم تُربِّيـ على العُنف قتالً‬ ‫ولما كانت ٌ‬
‫صنَّاعُها‬
‫غصت بتلك المشاهدـ والمظاهر وتفنَّن ُ‬ ‫من ألعاب األطفالـ عبر األجهزة والشاشاتـ َّ‬
‫كثير من المجالس والقنوات تُثير‬ ‫وأجواءها ‪ ،‬ولما كانت ٌ‬ ‫َ‬ ‫في جعل األطفالـ يعيشون اللُّعبة‬
‫َّعرات الجاهلية والعنصريةـ القبَلية ‪ ،‬وتحشن الشبابـ بتمايُ ٍز موهوم ‪ ،‬وتواريخ من‬ ‫الن َ‬
‫صراعات عشائرية طرفَاها الجهل ‪ ،‬والمنتصرة فيها الجاهلية ‪ ،‬وقد قال النبي ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫ٍ‬
‫ص ُر‬ ‫ضب لِعصب ٍة‪َ ،‬أو ي ْدعُو ِإلَى َع ٍ‬ ‫عليه وسلم ‪ " :-‬من قَاتَل تَح َ ٍ ِ ٍ‬
‫صبَة‪َْ ،‬أو َي ْن ُ‬
‫َ‬ ‫ت َرايَة ع ِّميَّة َيغْ َ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫َْ َ ْ‬
‫اهلِيَّةٌ " أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫َعصبةً‪َ ،‬ف ُقتِل‪ ،‬فَِق ْتلَةٌ ج ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫سو ٌق َوقِتَالُهُ ُك ْف ٌر " رواه البخاري‬ ‫ِ‬ ‫وقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬سبَ ِـ‬
‫اب ال ُْم ْسل ِم فُ ُ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫ول فِي‬‫س ْي َف ْي ِه َما ‪ ،‬فَالْ َقاتِ ُلـ َوال َْم ْقتُ ُ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِإ‬
‫وقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬ذا الَْت َقى ال ُْم ْسل َمان ب َ‬
‫بال المقتول؟ قال‪ِ " :‬إنَّهُ َكا َن َح ِر ً‬
‫يصا َعلَى‬ ‫قلت‪ :‬يا رسول اهلل! هذا القاتلـ ‪ ،‬فما ُـ‬ ‫النَّا ِر " ‪ُ .‬‬
‫احبِ ِه " رواه البخاري‪.‬‬ ‫َق ْت ِل ص ِ‬
‫َ‬
‫والحلم هوانًا ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫التسامح ضع ًفا ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كثير من قِيَم الجمال في النفوس ‪ ،‬فأصبح‬ ‫ولما َخبَت ٌ‬
‫خفت؛ قام سوق‬ ‫وكتم الغيظ ذُالًّ ‪ ،‬ولما ُِأمنَت العقوبات في بعض قضايا االعتداءات أو َّ‬ ‫ُ‬
‫باهظة ‪ ،‬كان‬ ‫المتاجرة بالدماء ‪ ،‬ودخل سماسرة العفو والصلح بأموال طائلة ومبالغ ِ‬
‫للمشاحنات ‪ ،‬واجتُ ِرئ فيه‬ ‫ِ‬
‫المجتمع بسبب ذلك كله بيئةً خصبةً لالعتداءات ‪ ،‬وميدانًاـ ُ‬
‫على الدم ِ‬
‫والجراحات‪.‬ـ‬
‫بعض النفوس على العُدوانيةـ والتربُّص باآلخرين ‪ ،‬وأن ِ‬
‫يحمل‬ ‫ِ‬
‫المؤسف أن تتربَّىـ ُ‬‫إنه لمن ُ‬
‫العصي والسكاكينـ ‪ ،‬وعدوهم كل من ال ي ِ‬
‫عجبُهم ‪ ،‬فما إن‬ ‫َّ‬ ‫الشباب معهمـ أو في سياراتهمـ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪366‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫شب المعا ِرك ‪ ،‬وتُسال الدماءـ ‪ ،‬وتُوقَع جراحات ‪ ،‬والمالئكةُ ُ‬
‫تلعن‬ ‫يختلفوا مع أحد حتى تن َ‬
‫س ِمنَّا "‬
‫الح َفلَْي َ‬
‫الس َ‬
‫من أشار إلى أخيه بحديدة ‪ ،‬وفي " الصحيحين"‪َ " :‬م ْن َح َم َل َعلَْينَا ِّ‬
‫وربما وصل األمرـ إلى القتل‪.‬‬
‫مبعث هذه الظاهرةـ وأسبابُها؟ وما هو‬ ‫ومراكز األمن تِئ ُّن من مثل هذاـ ‪ ،‬فما ُ‬
‫ُ‬ ‫وأر ِوقة المحاكم‬
‫طبُّها ودواؤها؟‬
‫مسؤول عن هذه الظاهرةـ ومعنِ ٌّي بها ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫إن المجتمع بأفرادهـ ومؤسساته الحكومية والشعبية‬
‫غرس معانيـ اُأل ُخ َّوة‬ ‫ٌ ِ‬ ‫مظهر متخلِّ ٌ‬
‫يجب أن تُب َذل الجهود لمحوه ‪ ،‬وتُ َ‬
‫وواقع ُمخجل ُ‬ ‫ف‬ ‫وهي ٌ‬
‫والفضيلة ‪ ،‬والحب والتآلُف ‪ ،‬واإلحساسـ باالنتماء للمجتمع المسلم كالبيت الواحد ‪﴿ ،‬‬
‫وِإ َّن ه ِذ ِه َُّأمت ُكم َُّأمةً و ِ‬
‫اح َد ًة (‪. 510﴾ )52‬‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ َ‬
‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريةـ ‪ ،‬وأزكى البشرية‪:‬ـ محمد بن عبد اهلل ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل‬
‫وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر‬
‫وارض اللهم عن األئمةـ المهديين ‪ ،‬والخلفاء المر ِ‬
‫ضيِّين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الميامين ‪،‬‬
‫َْ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم‬
‫ٍّ‬ ‫وعثمان ‪،‬‬
‫يا رب العالمين‪.‬‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬
‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬
‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ َّ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬
‫وفِّقه لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانة الصالحة ‪ ،‬وأتِ َّم عليه الصحة‬
‫والعافية والشفاء ‪ ،‬وأسبِغ عليه لباس العافية‪.‬‬
‫والنائب الثانيـ لما فيه الخير العبادـ والبالد ‪ ،‬واسلُك بهم سبيل الرشاد‬
‫َ‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي عهده‬
‫ِّداـ لكل خير‪.‬‬ ‫جميعا ُم ِّ‬
‫وف ًقا ُمسد ً‬ ‫‪ ،‬اللهم كن لهم ً‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬

‫‪510‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪367‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬واجمعهم‬
‫احقن دماءهم ‪ِ ،‬‬
‫وآمنهم في ديارهم ‪،‬‬ ‫احقن دماءهمـ ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫ستضعفين من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َ‬‫وأرغد عيشهم ‪ ،‬وأصلح أحوالهمـ ‪ ،‬واكبت عدوهم ‪ ،‬اللهم وانصر ُ‬
‫المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم انصرهم في فلسطين ‪ ،‬وتحت كل سماء وفوق كل ٍ‬
‫أرض‬
‫يا رب العالمين ‪ ،‬اللهم اجمعهم على الحق يا رب العالمين‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪.‬‬
‫عجزونك‪.‬‬‫اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهمـ ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫اب النَّا ِر (‪. ﴾ )201‬‬
‫‪511‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬
‫أنعمت به علينا من نزولـ الغيث واألمطار ‪ ،‬اللهم ِزدنا وال‬ ‫َ‬ ‫اللهم لك الحمد على ما‬
‫تن ُقصنا ‪ ،‬اللهمـ ِزدنا وال تن ُقصنا ‪ ،‬وبا ِرك لنا فيما رزقتَنا ‪ ،‬واجعل ما أنزلتَه قوةً لنا على‬
‫طاعتك وبالغًا إلى حين‪.‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪511‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪368‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬صفات العلماء الربانيين‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثاني والعشرون من ربيع األولـ من عام ‪1432‬هـ‬

‫‪ -‬صفات العلماء الربانيين ‪-‬‬

‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬صفاتـ‬
‫العلماء الربانيين" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن العلماء والدعاة الربانيينـ ‪ ،‬وأنهمـ أتباعُ الرسلـ ‪،‬‬
‫فال بُ َّد أن يأخذوا نصيبَهم من االبتالء ويصبِروا ويُصابِرواـ على نشر الحق وقمع الباطل ‪،‬‬
‫للتأسي بهم ‪ُ ،‬مستخ ِر ًجا ذلك من كتاب اهلل تعالى‪.‬ـ‬ ‫َّ‬
‫وعدد صفاتهمـ ِّ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ‬
‫ض َّل له ‪ ،‬ومن يُضلِل فال هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬ ‫أعمالنا ‪ ،‬من ِ‬
‫يهده اهلل فال م ِ‬
‫ُ‬
‫وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك عليه ‪،‬‬

‫‪369‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى‬ ‫وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬والتابعين ومن تبعهم‬
‫يوم الدين‪.‬ـ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫رز المكين ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين‬ ‫الحصن الحصين ‪ِ ،‬‬
‫والح ُ‬ ‫ُ‬
‫فأوصيكم ونفسيـ بتقوى اهلل؛ فهي ِ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َواَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن (‪. 512﴾ )102‬‬
‫َ‬
‫تزودوا من الصالحات ‪ ،‬واستكثِرواـ‬ ‫وزجر ‪َّ ،‬‬ ‫اتقوا اهلل بفعل ما أمر ‪ ،‬واجتناب ما نهى عنه َ‬
‫قليل من‬ ‫قليل من الخي ِر أن يأتيَه ‪ ،‬وال في ٍ‬ ‫يزهد في ٍ‬ ‫من الحسنات ‪ ،‬وال ينبغي لمؤم ٍن أن َ‬
‫ط عليه‬ ‫يرحمه اهلل بها ‪ ،‬وال السيئةَ التي يسخ ُ‬ ‫ِ‬
‫الشر أن يجتنبَه؛ فإنه ال يعلم الحسنةَ التي ُ‬ ‫ِّ‬
‫ال حبَّ ٍة ِمن َخر َد ٍـل َأَتينَا بِها و َك َفى بِنَا ح ِ‬
‫اسبِ َـ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪. 513﴾ )47‬‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫بها ‪َ ﴿ ،‬وِإ ْن َكا َن م ْث َق َ َ ْ ْ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ساق ‪ ،‬قد يتسلَّل‬ ‫في زمن الفتنـ واالضطرابـ ‪ ،‬وكثرة المخالفات والمعاصيـ ‪ ،‬وتسلُّط ال ُف َّ‬
‫وتتخاذل وتلين ‪ ،‬ناسيةً أن الدنياـ‬ ‫ُ‬ ‫اليأس وال ُقنوط إلى بعض النفوس ‪ ،‬فتضعُف وتستكين ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫شاق ‪ ،‬مملوءٌ باإليذاء‬ ‫طويل ٌّ‬ ‫ٍ‬
‫دار ابتالء وامتحان ‪ ،‬وأن طريق الدعوة واإلصالح طري ٌق ٌ‬
‫ور ِمي‬ ‫ناح ألجله نوح ‪ُ ،‬‬ ‫والمحبطات ‪ ،‬والصوا ِرف والعقباتـ ‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫حافل بالعوائق ُ‬
‫ٌ‬ ‫واالبتالء ‪،‬‬
‫بخس ولبِ َ‬ ‫ِ‬
‫ث في السجن‬ ‫يع يوسف بثم ٍن ٍ‬ ‫في النار الخليل ‪ ،‬وُأضج َع للذبح إسماعيل ‪ ،‬وبِ َ‬
‫وقاسىـ الض َُّّر أيوب ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الحصور يحيى ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بِضع سنين ‪ ،‬ونُ ِشر بالمنشار زكريا ‪ ،‬وذُبِح السي ُد‬
‫ي و ُك ِّذب ‪ ،‬وطُ ِر َد‬ ‫ِ‬
‫والقَى محم ٌد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من ألوان األذى ما القَى؛ أوذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحزن‪.‬‬‫وقُوتل ‪ ،‬ومات من يُناصره ويُؤا ِز ُره ‪ ،‬حتى ُس ِّمي ذلكـ العام‪ :‬عام ُ‬
‫تصف له الحياة من ال َك ْدر والتعب ‪،‬‬ ‫ضه ‪ ،‬لم ُ‬ ‫بل ر ِمي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في ِعر ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫حتسب ‪ِ ،‬‬
‫وبق َي‬ ‫يتجدد نشاطُه في نشر رسالة ربه ‪ ،‬والتبشير بها ‪ ،‬وهو صابر م ِ‬ ‫ومع ذلك َّ‬
‫ٌ ُ‬
‫الرحيم ‪ ﴿ ،‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم فِي‬
‫َـ‬ ‫والمعلِّ َم‬
‫المبلِّغ ‪ُ ،‬‬ ‫والرسول ُ‬
‫َـ‬ ‫الناصح ‪،‬‬
‫َ‬ ‫النبي‬
‫في كل األحوال َّ‬
‫رس ِ ِ‬
‫سنَةٌ (‪. 514﴾ )21‬‬ ‫ول اللَّه ْ‬
‫ُأس َوةٌ َح َ‬ ‫َُ‬

‫‪512‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪513‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪514‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪370‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫والصعاب‪.‬‬
‫مر األنبياءُ بالشدائدـ ِّ‬ ‫عظيم ‪ ،‬ومن قبلكم َّ‬ ‫أمر ٌ‬ ‫فاألمرـ الذيـ تُن َدبون له ٌ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫والعلماء هم ورثةُ األنبياءـ ‪ ،‬فال بُ َّد أن يأخذوا نصيبَهم من هذا الميراثـ ‪ ،‬وال بُ َّد أن يُصيبَه‬
‫المطَّ ِر ُد في كل دعوة ‪ ،‬ومع أتباع‬ ‫األمر ُ‬
‫ورثيهم من ألوان األذى ‪ ،‬هذا هو ُ‬ ‫أصاب ُم ِّ‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫األنبياء في كل ِش ْرعة‪.‬‬
‫المثل بالربانيين من أتباع األنبياء قبلَنا ليربطنا نحن المؤمنين بموكِب‬ ‫ضرب اهلل لنا َ‬ ‫َ‬ ‫ولقد‬
‫قرر قرابةَ المؤمنين للمؤمنين ‪ ،‬ويُِق َّر في أخالدهمـ أن أمر العقيدة كله واحد ‪،‬‬ ‫اإليمان ‪ ،‬ويُ ِّ‬
‫أدب الربانيين مع اهلل وهم يُعانون في سبيله ما يُعانون ‪ ،‬فقال ‪ -‬عز وجل ‪:-‬‬ ‫ويُعلِّمنا َ‬
‫يل اللَّ ِه َو َما َ‬
‫َأص َاب ُه ْم فِي َسبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضعُ ُفوا َو َما‬ ‫﴿ َو َكَأيِّ ْن م ْن نَبِ ٍّي قَاتَ َل َم َعهُ ِر ِّبيُّو َن َكث ٌير فَ َما َو َهنُوا ل َما َ‬
‫استَ َكانُوا (‪ 515﴾ )146‬ما ضعُ َفت نفوسهم لما أصابَهم من البالء والكربـ والشدةـ‬ ‫ْ‬
‫والجراح ‪ ،‬وما ضعُفت قواهم عن االستمرار في الكفاحـ ‪ ،‬وما استسلموا للجزع وال‬ ‫ِ‬
‫لألعداء‪.‬‬
‫المنافِحين عن العقيدةـ والدين ‪ ،‬واهلل ُّ‬
‫يحب الصابرينـ ‪ ،‬هنيًئا‬ ‫هذا هو شأن المؤمنين ُ‬
‫ض ُع قواهم ‪،‬‬ ‫للصابرين في ميادين الدعوة واإلصالح الذينـ ال تضعُف نفوسهمـ ‪ ،‬وال تتضع َ‬
‫يتهربون من الميدان ‪ ،‬وال يتخلَّون‬
‫عزائمهم ‪ ،‬وال يستكينون أو يستسلمون ‪ ،‬وال َّ‬ ‫تلين ُ‬‫وال ُ‬
‫الجراح ‪ ،‬وتمسح على‬ ‫عن المهمة ‪ ،‬هنيًئا لهم محبة ربهم ‪ ،‬إنهاـ المحبة التي تأسو ِ‬
‫ض عن كل ما يُصيبهم في هذا الطريق‪.‬‬
‫عو ُ‬
‫ال َق ْرح ‪ ،‬وتُ ِّ‬
‫ثراء؛‬
‫إن الربانيينـ من أتباع الرسل قبلنا لم يطلبوا مقابل دعوتهم وجهادهم وصبرهم نعمةً وال ً‬
‫جزاء ‪ ،‬لم يطلبوا ثواب الدنيا ‪ ،‬لقد كانوا أكثر أدبًا مع اهلل وهم‬ ‫بل لم يطلبوا ثوابًا وال ً‬
‫يتوجهون إليه بينما هم يجاهدون في سبيله ‪َ ﴿ ،‬و َما َكا َن َق ْولَ ُه ْم ِإاَّل َأ ْن قَالُوا َر َّبنَا ا ْغ ِف ْر لَنَا‬ ‫َّ‬
‫ين (‪. 516﴾ )147‬‬ ‫ص ْرنَا َعلَى الْ َق ْوِم الْ َكافِ ِر َـ‬ ‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَا فِي َْأم ِرنَاـ َو َثبِّ ْ‬
‫ت َأقْ َد َامنَا َوانْ ُ‬ ‫ذُنُ َ‬
‫فلم يطلبوا منه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬إال غُفران الذنوب ‪ ،‬وتثبيت األقدام ‪ ،‬والنصر على الكافرين ‪،‬‬
‫حتى النصر ال يطلبونه ألنفسهم إنما يطلبونه هزيمةً للكفر وعقوبةً للكافرين‪.‬‬

‫‪515‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪516‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪371‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وهؤالء الذينـ لم يطلبوا ألنفسهمـ شيًئا أعطاهم اهلل من عنده كل شيء ‪ ،‬أعطاهم كل ما‬
‫ب اآلخرة ويرجونهـ ‪،‬‬‫ب الدنيا وزيادة ‪ ،‬وأعطاهم كذلك كل ما يتمنَّاه طالَّ ُ‬ ‫يتمنَّاه طالَّ ُ‬
‫ِِ‬ ‫اب اآْل ِخ َر ِةـ َواللَّهُ يُ ِح ُّ‬
‫الد ْنيَاـ َو ُح ْس َن َث َو ِ‬ ‫اه ُم اللَّهُ َث َو َ‬
‫اب ُّ‬
‫‪517‬‬
‫ين (‪﴾ )148‬‬ ‫ب ال ُْم ْحسن َ‬ ‫﴿ فَآتَ ُ‬
‫وأعلن حبَّه لهم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأحسنوا الجهاد ‪،‬‬‫َ‬ ‫أحسنوا األدب‬ ‫ش ِهد لهم ‪ -‬سبحانه ‪ -‬باإلحسان؛ـ فقد َ‬
‫نعمة وأكثر ثواب‪.‬‬ ‫وهو أكبر ٍ‬

‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫نفسه ‪ ،‬ونسبَهم‬
‫هؤالء هم الربانيون ‪ ،‬وهذه أخالقُهم أمام االبتالء ‪ ،‬لذلكـ أضافهم اهلل إلى َ‬
‫ِ‬
‫وأعظم بها من إضافة‪.‬‬ ‫إلى ربوبيته ‪ ،‬فأك ِرم بها من ٍ‬
‫نسبة ‪،‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫بهدي من سبقكمـ من الربانيين ‪ ،‬وأن تسيروا على‬ ‫ولقد دعاكم ربُّكم إلىـ أن تهتدوا ِ‬
‫ين (‪ 518﴾ )79‬كل مؤم ٍن على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُخطاهمـ ‪ ،‬فقال ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬ولَك ْن ُكونُوا َربَّانيِّ َ‬
‫ويحمده على كل حالـ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫طيع ربَّه ف كل أم ٍر ‪،‬‬ ‫مأمور بأن يكون ربَّانيًّا ‪ ،‬بأتن يُ َ‬ ‫وجه األرض ٌ‬
‫اي‬ ‫ويذ ُكره في كل حين ‪ ،‬وأن يكون لسا ُن حاله ومقاله‪:‬ـ ﴿ ِإ َّن صاَل تِي ونُ ِ‬
‫سكي َو َم ْحيَ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫يك لَهُ (‪. 519﴾ )162‬‬ ‫ين (‪ )162‬اَل َش ِر َـ‬ ‫َو َم َماتِي لِلَّ ِه َر ِّ‬
‫ب ال َْعالَ ِم َـ‬
‫ٍ‬
‫ِّره عليه ‪ ،‬أو‬ ‫المؤمن الرباني مع ربه ‪ -‬جل جالله ‪ -‬في كل أم ٍر يأمرهـ به ‪ ،‬أو قضاء يُقد ُ‬
‫بإخالص واتباع ‪ ،‬وإذا نهاه عن ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫ٍ‬ ‫نعمة يمنحه إياها ‪ ،‬إن أمره اهلل بأم ٍـر َ‬
‫امتثل أمر ربه‬
‫أصاب ْته مصيبة فهو الصابر الشاكرـ لربه ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ب ما نُِه َي عنه‬
‫بخضوع ومحبة وتسليم ‪ ،‬وإذا َ‬ ‫ٍ‬ ‫اجتنَ َ‬
‫خير من اختياره لنفسه ‪ ،‬وأن رحمته به أعظم من‬ ‫يعلم أن اختيار ربه له ٌ‬ ‫الراضيـ عن مواله ‪ُ ،‬‬
‫رحمة أمه ‪ ،‬فيرضى ويُسلِّم‪.‬‬

‫‪517‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪518‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪519‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪372‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫بادر إلى اهلل تائبًا ُمنيبًا ‪ ،‬ووقف في مقام االعتذار‬


‫نفسه َ‬ ‫ظلم َ‬ ‫وإذا فعل فاحشةً أو َ‬
‫يغف ُر الذنوب إال اهلل ‪ ،‬وال يقيه من السيئات أح ٌد سواه ‪ ،‬يعوذُ‬ ‫واالنكسارـ ‪ ،‬عالما بأنه ال ِ‬
‫ً‬
‫ينسب‬
‫ُ‬ ‫برضاه من س َخطه ‪ ،‬وبعفوه من عقوبته ‪ ،‬وإذا أنعمـ ربُّه عليه فهو الحام ُـد الشاكر‬
‫النعم إال محبةً‬
‫ب إليه ‪ ،‬وال تزي ُده ُـ‬ ‫نعمةَ اهلل إلى اهلل ‪ ،‬ويُثنِي بها عليه ‪ ،‬ويستعملها فيما يُ ِّ‬
‫قر ُ‬
‫وخضوعا وذُالًّ ‪ ،‬وكلما وقع في‬
‫ً‬ ‫ث له عبوديةً ومحبةً‬‫جدد له نعمةً أح َد َـ‬‫للم ِنعم ‪ ،‬وكلما َّ‬
‫ُ‬
‫وانكساراـ ‪ ،‬وإذا منعه ربُّه شيًئا قابَ َل ذلك بالرضا عنه ‪-‬‬
‫ً‬ ‫واعتذارا‬
‫ً‬ ‫ث لذلكـ توبًا‬ ‫ٍ‬
‫ذنب أح َد َ‬
‫سبحانه ‪ ، -‬والثقةـ برحمته وحكمته؛ فهذا هو المؤمن الربانيـ ‪ ،‬وهذه هي حياتُه‪.‬ـ‬

‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫لقد وصف اهلل الربانيينـ بالثبات في الجهاد ‪ ،‬والصبر على البالء‪َ ﴿ :‬و َكَأيِّ ْن ِم ْن نَبِ ٍّي قَاتَ َل‬
‫استَ َكانُواـ َواللَّهُ يُ ِح ُّ‬ ‫يل اللَّ ِه َو َما َ‬ ‫َأص َاب ُه ْم فِي َسبِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫ضعُ ُفوا َو َما ْ‬ ‫َم َعهُ ِر ِّبيُّو َن َكث ٌير فَ َما َو َهنُوا ل َما َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصابِ ِر َـ‬
‫ووصفوا بتحكيم الشرعية‪ِ ﴿ :‬إنَّا َأْن َزلْنَاـ الت َّْو َراةَ ف َيها ُه ًدى َونُ ٌ‬
‫‪520‬‬
‫ور‬ ‫ُ‬ ‫ين (‪﴾ )146‬‬ ‫َّ‬
‫اب‬ ‫استُ ْح ِفظُوا ِم ْن كِتَ ِ‬ ‫ار بِ َما ْ‬ ‫الربَّانِيُّو َن َو ْ‬
‫اَأْلحبَ ُـ‬ ‫ادوا َو َّ‬ ‫ِِ‬
‫َأسلَ ُموا للَّذ َ‬
‫ين َه ُ‬ ‫ين ْ‬ ‫يَ ْح ُك ُم بِ َها النَّبِيُّو َن الَّ ِذ َـ‬
‫صفوا باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪:‬‬ ‫اللَّ ِه و َكانُوا َعلَْي ِه ُش َه َداء (‪ 521﴾ )44‬وو ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ار َع ْن َق ْولِ ِه ُم اِإْل ثْ َم َوَأ ْكلِ ِه ُم ُّ‬ ‫الربَّانِيُّو َن َو ْ‬
‫‪522‬‬
‫ت (‪﴾ )63‬‬ ‫الس ْح َ‬ ‫اَأْلحبَ ُ‬ ‫اه ُـم َّ‬ ‫﴿ لَ ْواَل َي ْن َه ُ‬
‫صفوا بتعليم الكتابـ والسنة وداللة الخلق على ما دلَّهم عليه األنبياء‪َ ﴿ :‬ولَ ِك ْن ُكونُوا‬ ‫وو ِ‬
‫ُ‬
‫اب َوبِ َما ُك ْنتُ ْم تَ ْد ُر ُسو َن (‪. 523﴾ )79‬‬ ‫ربَّانِيِّين بِما ُك ْنتُم ُتعلِّمو َن ال ِ‬
‫ْكتَ َـ‬ ‫ْ َُ‬ ‫َ َ َ‬
‫قال البخاري ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في باب‪:‬ـ "العلمـ قبل القول والعمل"‪" :‬وقال ابن عباس ‪ -‬رضي‬
‫ين (‪ 524﴾ )79‬أي‪ :‬حكماء فقهاء ‪ ،‬ويُقال‪ :‬الرباني‪:‬ـ الذي‬ ‫اهلل عنهما ‪ُ ﴿ :-‬كونُوا َربَّانِيِّ َـ‬
‫العلم قبل كِباره ‪ ،‬وقال ابن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬حكماء علماء ‪،‬‬ ‫بصغار ِ‬ ‫يربِّيـ الناس ِ‬
‫ُ‬
‫وقال ابن ُجبير‪ :‬حكماء أتقياء"‪.‬‬
‫‪520‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪521‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪522‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪523‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪524‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪373‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫َّجه للمؤمنين عامة ‪ ،‬وللعلماء والصالحين خاصة ‪ ،‬والذينـ يتبوأون‬ ‫إن هذا الخطاب يت ِ‬
‫ويتصدرون ساحاتـ الجهاد في الحياة ال بُ َّد أن يأخذوا أنفسهمـ بالعزيمةـ‬ ‫َّ‬ ‫مراكز التوجيه ‪،‬‬
‫عزم ‪ ،‬وهو نداءٌ لدعاة الخير و ُشداة اإلصالح‪ :‬أن‬ ‫حسنوا أداء دور الرسل ‪ ،‬فالرسلـ أولو ٍ‬ ‫لي ِ‬
‫ُ‬
‫تحملوا‬‫صراط مستقيم ‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ُأوحي إليكمـ فأنتم على‬ ‫استمسكوا بالذي ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكتاب بقوة ‪،‬‬
‫َـ‬ ‫ُخذوا‬
‫تراج ٍع عن تكاليفـ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ ٍ‬ ‫ِ‬
‫تهاون ‪ ،‬وال ُ‬ ‫وانهضوا باألمانة في قوة وعزم بال ضعف وال ُ‬ ‫بء ‪َ ،‬‬ ‫الع َ‬
‫مشاق الطريق ‪ ،‬حتى تكونوا ربانيين‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الدعوة ‪ ،‬وال ٍ‬
‫انهزام أمام‬
‫ين ِإ َم ًاماـ (‪ 525﴾ )74‬أي‪ :‬قدوةً في الخير‬ ‫ومن دعاء عباد الرحمن‪:‬ـ ﴿ واجعلْنَا لِل ِ‬
‫ْمتَّق َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫ويأتم بنا َمن بع َدنا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫نأتم بمن قبلنا ‪،‬‬ ‫والصالح واالستقامة والتقوى ‪ ،‬أئمةً في التقوى ‪ُّ ،‬‬
‫وقد أمر اهللُ رسولَه محم ًدا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬باالقتداء باألنبياءـ قبله ‪ ،‬فقال ‪-‬‬
‫اه ُـم اقْتَ ِد ْه (‪ 526﴾ )90‬وإن لم يكن المؤمنون‬ ‫ك الَّ ِذ َـ‬
‫ين َه َدى اللَّهُ فَبِ ُه َد ُ‬ ‫سبحانه ‪ُ ﴿ :-‬أولَِئ َ‬
‫على هذا المستوى من اُألسوة ُح ِرموا االستخالف في األرض ‪ ،‬قال إبراهيمـ ‪ -‬عليه السالم‬
‫ِِ‬ ‫‪ ﴿ :-‬و ِمن ذُ ِّريَّتِي ﴾‪ 527‬قال اهلل‪ ﴿ :‬اَل ينَ ُ ِ‬
‫ين (‪. 528﴾ )124‬‬ ‫ال َع ْهدي الظَّالم َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫الملذات لن يرقَى في ُسلَّم الطاعات ‪ ،‬فلم نُخلَق للخلود في الدنيا وال‬ ‫وإن الذي يُسابِ ُـق في َّ‬
‫لإلخالد إلى األرض ‪ ،‬وإنما ُخلِقنا ‪ -‬واهلل ‪ -‬ألم ٍر عظيم ‪ ،‬فال تغَُّرنَّكم الحياة الدنيا ‪ ،‬وال‬
‫زاحمون على طلب المتاع والتعلُّق بالدنيا‪.‬ـ‬ ‫تُلهينَّكم عن اآلخرة؛ فأتباع األنبياءـ ال ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُّ‬
‫ض َّل‬ ‫ض ُّر ُك ْم َم ْن َ‬ ‫وال تيأسوا من كثرة الهالكينـ أو تسلط الفاسقين ‪َ ﴿ ،‬علَْي ُك ْم َأْن ُف َ‬
‫س ُك ْم اَل يَ ُ‬
‫ِإذَا ْاهتَ َد ْيتُ ْم ِإلَى اللَّ ِه َم ْر ِجعُ ُك ْم َج ِم ًيعا (‪. 529﴾ )33‬‬
‫يصف لهم الجو وال خال لهم الطريق ‪ ،‬واالبتالء سنةٌ‬ ‫إن المسلمين منذ فجر الرسالةـ لم ُ‬
‫سيستغلُّه شياطين الجن واإلنس للن َّْيل من الحق‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫استرخاء أو تخاذُل‬ ‫ماضية ‪ ،‬وكل‬
‫واالنحراف بالخلق‪.‬‬

‫‪525‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪526‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪527‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪528‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪529‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪374‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫إن الصالح هو تزكية النفس ‪ ،‬واإلصالح هو تزكية المجتمع ‪ ،‬والمسلم الحقيقيـ هو الذيـ‬
‫يتعهَّد نفسهـ بالتقوى ‪ ،‬ويقبِل في الوقت ِ‬
‫نفسه على المجتمع ليُؤا ِزر الحق ويعو َق الباطل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الك َّفةـ في كل ٍ‬
‫ميدان من‬ ‫راجحة ِ‬
‫ِ‬ ‫خاتم األنبياء هو صنع ٍ‬
‫أمة‬ ‫والجهاد الهائل الذي قام به ُـ‬
‫ُ‬
‫وشرفه هذا القرآن ‪ ،‬ثم كلَّفه أن يفتح بهذاـ القرآن‬
‫ميادين الحياة ‪ ،‬إن اهلل أنزل عليه الوحي َّ‬
‫ورص صفوفهم‬
‫َّ‬ ‫الناس باهلل ‪،‬‬
‫ط َ‬ ‫أقفاالً ‪ ،‬وأن يُنير به آفاقًا ‪ ،‬وعن طريق المسجد ربَ َ‬
‫وكلمات اهلل ال يُعليها‬ ‫ُ‬ ‫لتتماسك بع ُد في ميادين الحرب والسالم ‪ُ ،‬معليَةً كلمات اهلل ‪،‬‬
‫رجال كبار ‪ ،‬وإن رفع الناس إلى مستوى الوحي ‪ -‬أعني‪:‬‬ ‫رجال صغار ‪ ،‬إنما يُعليها ٌ‬ ‫ٌ‬
‫يقدر عليه إال األقلُّون ‪ ،‬وهم الربانيون أتباع األنبياء‪.‬‬ ‫هائل ال ُ‬ ‫مستوى الفهمـ والتنفيذ ‪ -‬جه ٌد ٌ‬
‫عن أبي سعيد الخدري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ِ " :‬إ َّن‬
‫ي الْغَابَِـر ِم َن اُأْلفُ ِق‬ ‫ب ُّ‬
‫الد ِّر َّ‬ ‫اء ْو َن الْ َك ْو َك َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اء ْو َن َْأه َل الْغَُرف م ْن َف ْوق ِه ْم ‪َ ،‬ك َما َتَت َر َ‬
‫َْأهل ال ِ‬
‫ْجنَّة لَيََت َر َ‬
‫َ َ‬
‫ْك َمنَا ِز ُل اَأْلنْبِيَ ِاء اَل‬‫ول اللَّ ِه ‪ ،‬تِل َ‬ ‫ض ِل َما َب ْيَن ُه ْم " ‪ ،‬قَالُوا ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ِم َن ال َْم ْش ِر ِق َأ ِو ال َْم ْغ ِر ِـ‬
‫ب لَِت َفا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ‪َ " :‬بلَى ‪َ ،‬والَّ ِذي َن ْف ِسي بِيَ ِد ِه ِر َج ٌـ‬
‫ين " ؛‬ ‫ص َّدقُوا ال ُْم ْر َسل َ‬ ‫آمنُوا بِاللَّ ـه َو َ‬
‫ال َ‬ ‫َي ْبلُغُ َها غَْي ُر ُه ْم ‪ ،‬قَ َ‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫غمى عليها ‪،‬‬ ‫والم َّ‬ ‫ٍ‬
‫غمى ُ‬ ‫الم َ‬
‫وفي عصرنا هذا توجد ألف طريقة لخدمة اإلسالم وإنعاشـ األمة ُ‬
‫مراكب السلف ‪ ،‬وال تصح هذه الطرق إال بعد‬ ‫ُ‬ ‫مرت به‬ ‫وتثبيت أقدامهاـ على الطريق التي َّ‬
‫المغلَقة كي تمشي على‬ ‫رفع أمتنا إلى مستوى الوحيـ ‪ ،‬وتصحيح إنسانيتهاـ ‪ ،‬وفتح عينها ُ‬
‫ك َواَل تُ ِط ْع ِم ْن ُه ْم آثِ ًما‬
‫اصبِ ْر لِ ُح ْك ِم َربِّ َ‬ ‫َسناه ‪ِ ﴿ ،‬إنَّا نَ ْح ُن َن َّزلْنَا َعلَْي َ‬
‫ك الْ ُق ْرآ َن َت ْن ِزياًل (‪ )23‬فَ ْ‬
‫ورا (‪. 530﴾ )24‬‬ ‫َْأو َك ُف ً‬
‫بارك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنةـ ‪ ،‬ونفعناـ بما فيهما من اآليات والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬
‫هذا وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪530‬‬
‫سورة اإلنسان‬
‫‪375‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيمـ ‪ ،‬مالك يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إال اهلل وحده‬
‫الملك الحق المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله الصادق األمين ‪ ،‬صلَّى‬ ‫ُ‬ ‫ال شريك له‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ‪ ،‬ومن تبعهم‬ ‫اهلل وسلَّم َ‬
‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬
‫بحاجة إلىـ أن تُسيِّر حياتهاـ على اإليمان باهلل‬ ‫ٍـ‬ ‫المصلِحون الربانيون‪ :‬إن األمةـ اليوم‬ ‫أيها ُ‬
‫جميع الرساالتـ السماويةـ ‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬و َما‬ ‫ُ‬ ‫تواصت به‬‫وحده ‪ ،‬وهو ما َ‬
‫ون (‪. 531﴾ )25‬‬ ‫ول ِإاَّل نُ ِ‬
‫وحي ِإلَْي ِه َأنَّهُ اَل ِإلَهَ ِإاَّل َأنَا فَا ْعب ُد ِ‬ ‫ك ِم ْن ر ُس ٍ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َْأر َسلْنَا م ْن َق ْبل َ َ‬
‫شرعه اهلل لكل األمم‬ ‫وثانيًا‪ :‬على إقامة الصالة وإيتاء الزكاة واإلخالص في ذلك ‪ ،‬وهو ما َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين لَهُ‬‫على اختالف األزمنةـ ‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬و َما ُأم ُروا ِإاَّل لَي ْعبُ ُدوا اللَّهَ ُم ْخلص َ‬
‫ين الْ َقيِّ َم ِة (‪. 532﴾ )5‬‬ ‫الز َكا َة و َذلِ َ ِ‬ ‫ِّين حَن َف ِ‬
‫كد ُ‬ ‫الصاَل َة َو ُيْؤ تُوا َّ َ‬ ‫يموا َّ‬ ‫اء َويُق ُ‬
‫الد َـ ُ َ‬
‫ومما ال شك فيه أن الصالة شعيرةٌ عظيمة لتصفية النفس اإلنسانية ‪ ،‬ووصلها بالسماء ‪،‬‬
‫اُألخ َّوة‪.‬‬
‫وأن الزكاةـ فريضةٌ لدعم التكافُل االجتماعي ‪ ،‬وإقرار ُ‬
‫وثالثًا‪ :‬حراسةـ الفضيلة وإشاعتها ‪ ،‬و ُكره الرذيلةـ ومحو براثينهاـ ‪ ،‬وهذه هي حقيقةـ األمر‬
‫شاعت في كل دين ‪ ،‬و ُكلِّف بها جمهور المؤمنين ‪،‬‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر التي َ‬
‫ِ‬
‫س َما َكانُوا َي ْف َعلُو َن‬ ‫اه ْو َن َع ْن ُم ْن َك ٍر َف َعلُوهُ لَبْئ َ‬
‫أقواما قبلنا بقوله‪َ ﴿ :‬كانُوا اَل َيَتنَ َ‬
‫لعن اهلل ً‬ ‫وقد َ‬
‫(‪. 533﴾ )79‬‬
‫اك ِإاَّل‬
‫وخلُق فاضل ‪َ ﴿ ،‬و َما َْأر َسلْنَ َ‬ ‫ضا إلى معاملةـ البشر كافةً بضمي ٍر رحيم ُ‬ ‫ثم نحتاج أي ً‬
‫ين (‪ 534﴾ )107‬يتلو ذلك‪ :‬إشاعةُ العدالة والرحمةـ والسالم في األرض ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َر ْح َمةً لل َْعالَم َ‬
‫وتروت بها‬ ‫تلق َف ْتهاـ القلوب الحية من البشر ‪َّ ،‬‬ ‫شاعت في الكتب السماوية كلها َّ‬ ‫وهذه تعاليمـ َ‬
‫النفوس النبيلة من ُكبَراء الناس وأمرائهم؛ لذا فقد كان الحكم والسلطان في منطق البشر‬
‫الهجير ظمأهم ‪ ،‬فالحكم‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫واحةً للناس في مهامه بيدائهمـ ‪ ،‬ومنهالً رقراقًا يُطفُئ في َ‬

‫‪531‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪532‬‬
‫سورة البينة‬
‫‪533‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪534‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪376‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ويل لهم إن جاءهمـ البالء من تلك‬


‫وويل للناس ثم ٌ‬
‫ٌ‬ ‫والسلطان مرحمةٌ للناس وعافيةٌ لهم ‪،‬‬
‫العذاب من تلك المرحمة‪.‬‬
‫ُـ‬ ‫العافية ‪ ،‬وانفجر عليهم‬
‫وإن من واجب العلماء الربانيين‪ :‬داللة األمةـ على الحق في زمن الفتن ‪ ،‬وطمأنتَها حالةـ‬
‫آمنُوا‬
‫ين َ‬‫الخوف ‪ ،‬وتسكينها عند االضطراب ‪ ،‬وتصبيرها عند البالء ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫صابُِرواـ َو َرابِطُوا َو َّات ُقوا اللَّهَ لَ َعلَّ ُك ْـم ُت ْفلِ ُحو َن (‪. 535﴾ )200‬‬
‫اصبِ ُروا َو َ‬
‫ْ‬
‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريةـ ‪ ،‬وأزكى البشرية‪:‬ـ محمد بن عبد اهلل ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل‬
‫وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر‬
‫ضيِّين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪،‬‬ ‫وارض اللهم عن األئمةـ المهديين ‪ ،‬والخلفاء المر ِ‬ ‫َ‬ ‫الميامين ‪،‬‬
‫َْ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم‬ ‫ٍّ‬ ‫وعثمان ‪،‬‬
‫يا رب العالمين‪.‬‬

‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬


‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬ ‫اللهم ِ‬
‫فر َّد‬ ‫ٍ‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪ .‬اللهم من أرادنا وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫دمارا عليه‪.‬‬
‫تدبيره ً‬‫كي َده في نحره ‪ ،‬واجعل َ‬

‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ َّ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬
‫وفِّقه لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانة الصالحة ‪ ،‬اللهم لك الحمد على‬
‫ومحبِّيه ‪ ،‬اللهم با ِرك‬
‫أنعمت به من شفاء خادم الحرمين الشريفين وعودته ألهله ووطنه ُ‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫خطوه ‪ ،‬وأتِ َّم عليه الصحةَ والشفاء ‪ ،‬وأسبِغ عليه‬
‫في عمره وعمله ‪ ،‬وسدِّد رأيَه ‪ ،‬وبا ِرك َ‬
‫ووحد به كلمة المسلمين‪.‬‬
‫لباس العافيةـ ‪ ،‬اللهم ارفع به لواء الدين ‪ِّ ،‬‬
‫َ‬

‫والنائب الثاني لما فيه الخير للعباد والبالد ‪ ،‬واسلُك بهم سبيل الرشاد‬
‫َ‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي عهده‬
‫ِّداـ لكل خي ٍر وصالح‪.‬‬ ‫جميعا ُم ِّ‬
‫وف ًقا ُمسد ً‬ ‫‪ ،‬وكن لهم ً‬

‫‪535‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪377‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬

‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالـ‬
‫المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم اجمعهمـ على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫احقنـ دماءهمـ ‪،‬‬
‫ِ‬
‫وآمن روعاتهمـ ‪ ،‬واحفظ ديارهمـ ‪ ،‬واكبِت عدوهم ‪ ،‬وانصرهم على من تسلَّط عليهم‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهم‬
‫ال ي ِ‬
‫عجزونك‪.‬ـ‬ ‫ُ‬

‫اب النَّا ِر (‪. 536﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالِ ِدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬نعمة األمن في ظل توحيد اهلل‬


‫‪536‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪378‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬عشرون من ربيع اآلخرـ من عام ‪1432‬هـ‬

‫‪ -‬نعمة األمن في ظل توحيد اهلل ‪-‬‬

‫نبذة مختصرة عن الخطبة‪:‬‬


‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬نعمة‬
‫األمن في ظل توحيد اهلل" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن األمن واألمان الذي أنعم اهلل به على بالد‬
‫َّ‬
‫وحث المسلمين للحفاظ عليه وعدم ترك الفرصـ لألعداء الستغاللـ هذه الفتنـ‬ ‫الحرمين ‪،‬‬
‫بالتمسك‬
‫ُّ‬ ‫النصح للمسلمين عامة‬
‫َ‬ ‫ووجه‬
‫التي تمر بالبالد لزعزعة األمن وإزالة االستقرار ‪َّ ،‬‬
‫بكتاب اهلل وسنة رسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وهدي العلماء وطلبة العلم ‪ ،‬فإن في‬
‫الداريْن‪.‬‬
‫ذلك النجاة والفالح في َ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫فالفضل كل‬
‫ُ‬ ‫والشكر له‬
‫ُـ‬ ‫ط بحمده ‪،‬‬‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي له المحام ُد فمن ذا يُحي ُ‬
‫وتقدس اهلل‬ ‫وعز اهلل َّ‬ ‫فأعظم باهلل ِ‬
‫وأعظم بمجده ‪ ،‬وتبارك اهلل َّ‬ ‫وتمج َد اهلل ِ‬
‫َّ‬ ‫الفضل من عنده ‪،‬‬
‫يض ُّل منهم إال من ي ِ‬
‫شقه اهلل وي ِ‬
‫رده‬ ‫وتعالىـ اهلل ‪ ،‬ال يهتدي من الخلق أح ٌد إال من ِ‬
‫يهده ‪ ،‬وال ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله سقاناـ اهلل‬
‫ِ‬
‫وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪ ،‬وصحابته‬ ‫من حوضه و ِورده ‪ ،‬وصلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫الغُِّر الميامينـ ‪ ،‬والتابعين ومن تبعهم‬
‫جت عنَّا ‪ ،‬لك الحم ُد‬
‫وفر َ‬
‫اللهم لك الحمد ‪ ،‬اللهم لك الحم ُد بما رزقتنا وهديتَنا وأنقذتَناـ َّ‬
‫سر أو عالنية ‪ ،‬أو ٍ‬
‫عامة أو خاصة ‪ ،‬اللهم لك‬ ‫ٍ‬
‫حديث ‪ ،‬أو ٍّ‬ ‫أنعمت به علينا في ٍ‬
‫قديم أو‬ ‫َ‬ ‫بما‬
‫وأحسنت‬
‫َ‬ ‫وجمعت فُرقتنا ‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأظهرت أمنَنا ‪،‬‬
‫َ‬ ‫وبسطت رزقنا ‪،‬‬
‫َ‬ ‫عدونا ‪،‬‬
‫ت َّ‬‫الحم ُد كبَ َّ‬
‫كثيرا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كثيرا كما تُنع ُم ً‬
‫ُمعافاتناـ ‪ ،‬ومن ك ما سألناك ربنا أعطيتنا ‪ ،‬فلك الحم ُد ً‬
‫‪379‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم لك الحم ُد حتى ترضى ‪ ،‬ولك الحم ُد إذا رضيت ‪ ،‬ولك الحم ُد بعد الرضى ‪ ،‬ولك‬
‫الحم ُد بالمحامد كلها‪.‬‬
‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫فأوصيكم ونفسيـ بتقوى اهلل تعالى؛ـ فهي ِ‬
‫والحبل المتين ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ُ‬ ‫رز المكين ‪،‬‬ ‫الح ُ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َواَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن (‪. 537﴾ )102‬‬
‫َ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ونحن في ُمنسلَخ الثُّلث األول من القرن الخامس عشر من الهجرة ‪ ،‬وفي وسط جزيرةـ‬
‫مرت‬ ‫العربـ وقصبة بالد المسلمين على هذه األرض؛ حيث انزلََقت من ها هنا ِ‬
‫أزمنةٌ وقرون َّ‬
‫لح َقت بالماضي البعيدـ ‪ ،‬طَوت تلك األزمنةُ أمما ودوالً ‪ ،‬وأحداثًا وحروبا ‪ٍ ،‬‬
‫وغنًى‬ ‫ثم ِ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫وفقرا ‪ ،‬وأمنًا وخوفًا‪.‬‬
‫ً‬
‫عارهاـ‬ ‫ِ‬
‫وانطوت تلك القرون لتُولَد هنا على هذه األرض بال ٌد ش ُ‬
‫َ‬ ‫ثم انتهت تلك األزمنة ‪،‬‬
‫وتحم ُل اسم المملكة العربيةـ السعودية ‪ ،‬قامت في زمن غُربة‬‫ِ‬ ‫ظامها الشريعة ‪،‬‬‫ِ‬
‫التوحيد ‪ ،‬ون ُ‬
‫الدينـ ‪ ،‬وتقهقر شأن المسلمين ‪ ،‬في زم ٍن كانت ُ‬
‫أكثر دول اإلسالم تحت َن ْير االستعمار ‪،‬‬
‫هم‬
‫وحملَت على عاقتها َّ‬ ‫وسيطرة فكر الم ِ‬
‫والتز َمت بشرع اهلل ‪َ ،‬‬
‫ستعمر ‪ ،‬قامت باسم اهلل ‪َ ،‬‬ ‫ُ‬
‫الدعوة إلى اهلل واألمرـ بالمعروف والنهيـ عن المنكر‪.‬‬
‫والغرب بكيده على مدى ثالثة قرون ‪ ،‬وفي‬
‫ُـ‬ ‫تنس نصيبَها من الدنياـ ‪ ،‬ورماهاـ الشر ُق‬
‫ولم َ‬
‫تمسكها‬
‫وإصرارا على ُّ‬ ‫مرة أقوى مما كانت ‪ ،‬وأكثر عزيمةً‬ ‫مراحلها الثالث فتعود في كل ٍ‬
‫ً‬
‫بمبادئهاـ التي قامت عليها‪.‬‬
‫راهن على‬
‫وراهن من َ‬
‫أرجف ‪َ ،‬‬
‫ف من َ‬ ‫وأرج َ‬
‫َ‬ ‫كتب ‪،‬‬
‫كتب من َ‬ ‫وخالل فترة حكمها الطويل َ‬
‫قوماتـ البقاء‪.‬‬
‫عدم امتالكها على ُم ِّ‬
‫قوماتـ البقاء؟!‬ ‫وما ُم ِّ‬
‫المتجاوزةُ حدود‬ ‫تنحية الدين ‪ُّ ،‬‬‫مات البقاء عندهم‪ِ :‬‬
‫والحريات ُ‬
‫ُ‬ ‫وتعدد األحزابـ ‪،‬‬ ‫قو ُ‬‫ُم ِّ‬
‫وصف بالحرية ليس إال‪.‬‬
‫الشريعة ‪ ،‬وحقيقتُها‪:‬ـ فوضى دينية وأخالقية تُ َ‬

‫‪537‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪380‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وتميل بمن تميل ‪ ،‬ولما‬ ‫ف على بالد العربـ‬ ‫ِ‬


‫العواص ُ‬ ‫تهب‬
‫ويشاء اهلل في هذه األيام أن َّ‬
‫ُ‬
‫أهل هذه البالد ُّ‬
‫أشد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نسيم رقرا ٌق رخ ّي ‪ ،‬وإذا ُ‬
‫اقتربت العاصفةُـ من ح َمى هذه البالد إذا هي ٌ‬
‫الشعب بحاكمه ‪ ،‬وفي "صحيح‬‫ُ‬ ‫ط‬‫حاكمها بشعبه ‪ ،‬ويغتبِ ُ‬
‫ُ‬ ‫ويفخر‬
‫ُ‬ ‫تماس ًكاـ ‪،‬‬
‫لُحمةً وأقوى ُ‬
‫يار أئمتكم الذينـ تُحبُّونهم ويُحبُّونكم ‪ ،‬ويُصلُّون عليكم وتُصلُّون عليهم ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مسلم"‪« :‬خ ُ‬
‫وشرار أئمتكم الذينـ تُ ِبغضونهم ويُ ِبغضونكم ‪ ،‬وتلعنونهم ويلعنونكم»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الملك ‪ ،‬ويبتدُئ بعد شكر اهلل بشكرـ العلماء وطلبة العلم ‪ ،‬العلماء وطلبة العلم‬
‫ُ‬ ‫ويخطب‬
‫ُ‬
‫تلك الحلقة التي وصلَت دوام الدولة بابتدائهاـ ‪ ،‬وثباتهاـ بنشأتها؛ـ حيث قامت هذه الدولة‬
‫والح َّكام فيما بين ذلك يقومون بدورهم‬
‫ُ‬ ‫أول ما قامت بقيام ٍ‬
‫عالم ‪ ،‬وثبَتَت بثبات علماء ‪،‬‬
‫هدي من كتابه‪.‬‬ ‫بصيرة من اهلل ‪ ،‬وعلى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫على‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫قرون من قيام الدولة السعودية؛ـ هلُ َّم لنتساءل‪ :‬لماذا ِبقيَت هذه ُ‬
‫البالد آمنةً في‬ ‫وبعد ثالثة ٍ‬
‫الناس فيها‬ ‫ٍ‬
‫وأرض فقر ‪ ،‬ولماذا اجتمع ُ‬ ‫زمن الخوف ‪ ،‬ولماذا اغتنَت وهي في صحراء َق ْفر‬
‫التفرق والخالف؟!‬ ‫وائتلفوا في زمن ُّ‬
‫يما َن ُه ْـم بِظُل ٍْم ُأولَِئ َ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ك‬ ‫سوا ِإ َ‬
‫آمنُوا َولَ ْم َي ْلب ُ‬
‫ين َ‬
‫تردفها أخرى دنيوية‪ ﴿ :‬الذ َ‬ ‫إن لذلك أسبابًا شرعية ُ‬
‫ين ِإ ْن م َّكن ِ‬ ‫ِ‬
‫اَأْلر ِ‬ ‫اَأْلم ُن َو ُه ْم ُم ْهتَ ُدو َن (‪ ﴿ ، ﴾ )82‬الَّذ َـ َ ُ‬
‫‪538‬‬
‫ض َأقَ ُاموا َّ‬
‫الصاَل ةَ‬ ‫َّاه ْم في ْ‬ ‫لَ ُه ُم ْ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اُأْلمورِ (‪. 539﴾ )41‬‬ ‫الز َكاةَ َو ََأم ُروا بِال َْم ْع ُروف َو َن َه ْوا َع ِن ال ُْم ْن َك ِر َوللَّه َعاقبَةُ ُ‬
‫َوآَت ُوا َّ‬
‫لقد وفَّق اهلل هذه البالد ‪ ،‬ومنذ أن قامت في دورها األول بلزوم جماعة المسلمين‬
‫والتمسك باإلسالم الذي جاء به نبيُّنا محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عن رب العالمين ‪،‬‬
‫ُّ‬
‫بقاء‬
‫وقَفو أثر آل البيت وعموم الصحابةـ والتابعين ‪ ،‬مما جعل لإلسالم في هذه الديار ً‬
‫نصرت‬
‫بنَقاء ‪ ،‬وهيمنةً بصفاء ‪ ،‬وستبقىـ هذه البالد قائمةً ما أقامت التوحيد ‪ ،‬منصور ًة ما َ‬
‫صت من ُع َرى‬ ‫نخاف عليها من ٍ‬
‫نقص إال إذا ن َق َ‬ ‫َ‬ ‫السنة ‪ ،‬عاليةً ما أعلنَت العدل ‪ ،‬ولن‬
‫الدين ‪ ،‬ولن نخشى إال ذنوبنا وتقصيرنا مع ربنا‪.‬‬

‫‪538‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪539‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪381‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫مر القرون ‪،‬‬ ‫إن اإلسالم الذي قامت عليه هذه البالد هو اإلسالم الذي قبِلَته ُ‬
‫أجيال األمة على ِّ‬
‫تحريف الغالينـ ‪ ،‬وانتِحال‬
‫َ‬ ‫يسلِمه سل ُفهم إلى ِ‬
‫خلفهم ‪ ،‬وعلماؤهم إلىـ ُمتعلِّ ِمهم ‪ ،‬نافين عنه‬ ‫ُ ُ‬
‫ِ‬
‫المتربِّصين ‪،‬‬ ‫بح َّكامهاـ وعلمائها في َ‬
‫مرمىـ سهام ُ‬ ‫المبطلين ‪ ،‬وألجل هذا كانت هذه البالد ُ‬‫ُ‬
‫وإفك الكاذبين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صنوف من اللَّمز‬
‫ٌ‬ ‫نال ُح َّك َامه‬
‫الكثير من الطعن والتكفير ‪ ،‬كما َ‬ ‫ُ‬ ‫علماء هذه البالد‬
‫َ‬ ‫نال‬
‫لقد َ‬
‫للحد من تأثيرهاـ‬ ‫ٍ‬
‫محاولة ِّ‬ ‫والمبادرات والقرارات في‬ ‫والتشكيكـ في المواقف السياسيةـ ‪ُ ،‬‬
‫األمر‬
‫الريادةـ في أمور الدينـ وفضاء السياسة ‪ ،‬وهو ُ‬ ‫اإليجابيـ في العالمـ ‪ ،‬وإلقصائها عن ِّ‬
‫قلوب المستضعفينـ‬ ‫ُ‬ ‫الذي هو ق ْد ُرها وق َد ُرها ‪ ،‬ويُملِيه عليها مكانُهاـ ومكانتُهاـ ‪ ،‬وتتطلَّ ُع إليه‬
‫لمداواة ُجرح ‪ ،‬ورغبةً في سد حاجة ‪،‬‬ ‫قبل عيونهم أمالً في لملَمة شمل ‪ ،‬وتطلُّ ًعا ُ‬
‫ومواق ُفها وسيرتها شاهد ًةـ على الجمع ال على التفريق ‪ ،‬ورْأب الصدع ال شق الصفوف‪.‬‬
‫وتفكيك‬
‫ٌ‬ ‫خلل ديني فهو خيانةٌ وطنية ‪،‬‬
‫زحزحة لها عن هذا النهج هو إضافةً إلى أنه ٌ‬ ‫ٍـ‬ ‫وإن أي‬
‫للعُقدة التي ربطَت الراعي بالرعية ‪ ،‬وهو توهيةٌ للحبل الممدود إلى السماء ‪ ،‬وإلىـ اهلل في‬
‫ِ‬
‫عواص ُفه‬ ‫ظ والعون في زم ٍن ُ‬
‫كث َرت‬ ‫الصبر والنصر ‪ ،‬والحف َ‬ ‫عليائه؛ حيث نستل ِه ُم منه‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫اده وأعاديه؛ فهل ِيعيـ ذلكـ من يُريد‬
‫تحريك مركب الوطن ليُجافي شاطَئ‬ ‫َ‬ ‫سُ‬‫وح َّ‬
‫وعواديه ‪ُ ،‬‬
‫االهتداء؟!‬
‫ِ‬
‫حفظَها اهلل قائمةً باإلسالم منافحةً عنه‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وعودا على العلماء وطلبة العلمـ ‪ ،‬وعلى ما وفَّق اهلل إليه خادم الحرمين الشريفين من ِ‬
‫حفظ‬ ‫ً‬
‫وضعيفي البصيرة؛ فإن دورهم َّ‬
‫يتأك ُد‬ ‫ِ‬ ‫السفهاءـ‬‫جنابهمـ ‪ ،‬وإجالل مكانتهمـ ‪ ،‬وحمايتهمـ من ُّ‬
‫غ من فت ٍن داخلية على مدى‬ ‫في استمرارهم في ِحراسة الدينـ والدولة؛ ذلك أن أكثر ما َبز َ‬
‫يج ُد‬‫ط مشبوهٌ بالخارج ‪ ،‬ثم ِ‬‫المعت َقدـ ‪ ،‬تبِ َعه ارتبا ٌ‬
‫انحراف في ُ‬
‫ٌ‬ ‫القرن الماضي كان سببُه‬
‫ويستخدمه في زعزعة األمن ‪ ،‬واالستنجاد‬ ‫ضعاف نفوس أولئك من يمتطيه‬ ‫العدوـ في بعض ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫كارهة للعروبة‪.‬ـ‬ ‫ٍ‬
‫طامعة ببالد العرب‬ ‫ٍـ‬
‫مرجعيات‬ ‫بقوى أجنبية ‪ ،‬ويُزيِّ ُن له االستمداد من‬
‫ً‬

‫‪382‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫فعلى العلماء وطلبة العلم أن يقوموا بدورهم على الوجه الصحيح ‪ ،‬ليس في مناظرة أولئك‬
‫والرد عليهم فحسب؛ بل بدعوتهم وتألُّفهم ‪ ،‬وتبصيرهم بالهدىـ ‪ ،‬وكسبهم ُمواطنين‬
‫يتخصص علماء شرعيون في ُمحاورتهم ودعوتهم‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫صالحين ‪ ،‬والصبر على ذلك ‪ ،‬وأن‬
‫إن دعوة أولئك وهدايتهمـ للحق لو لم يكن اإلسالم ي ِ‬
‫وجبُه ويقتضيه لكانت السياسةُـ تطلبُه‬‫ُُ‬
‫وتستدعيه‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وم َزع ‪ ،‬واهلل تعالى‬ ‫وفرق ِ‬ ‫أشياع وأحزابـ ٍ‬ ‫تمزيق المجتمع إلىـ‬ ‫للم َّ‬
‫غفلين‬
‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ويُزيِّ ُن الباطل ُ‬
‫ت ِم ْن ُه ْم فِي َش ْي ٍء (‪ 540﴾ )159‬ويقول‬ ‫ين َف َّرقُوا ِد َين ُه ْم َو َكانُوا ِشَي ًعا لَ ْس َ‬ ‫َّ ِ‬
‫يقول‪ِ ﴿ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين (‪ِ )31‬م َن الَّ ِذ َـ‬
‫ين َف َّرقُوا ِد َين ُه ْم َو َكانُوا ِشَي ًعا ُك ُّل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ :-‬واَل تَ ُكونُوا م َن ال ُْم ْش ِرك َ‬
‫ب بِ َما لَ َديْ ِه ْم فَ ِر ُحو َن (‪. 541﴾ )32‬‬ ‫ِح ْز ٍـ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ونحن في بالد الحرمين الشريفينـ في المملكة العربية السعوديةـ لسنا في ٍ‬
‫معزل عن العالمـ ‪،‬‬
‫ساد واألعادي ‪ ،‬وليست األحوالـ واحدة ‪ ،‬وال المواطن ُمتماثلة ‪ ،‬وإن‬ ‫الح َّ‬ ‫ٍ‬
‫وال بُعد عن ُ‬
‫والحزم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫العزم‬
‫ستغل؛ فإن هذه الظروف تستدعي َ‬ ‫كان في العامةـ من قد يجهل أو يُ ّ‬
‫والتصريح دون التلميح أن جناب األمنـ والدولة والدينـ والوطن واالجتماع ووحدة الصف‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫خطوط حمراء؛ بل هي‬ ‫للمناقشة ‪ ،‬إنها ليست مجرد‬ ‫للمساومةـ ‪ ،‬وال عُرضةً ُ‬ ‫ليست مجاالً ُ‬
‫فيجب أن يحترق ‪ ،‬فما دون الحناجر إال األيادي ‪ ،‬ولنا فيمن حولنا‬ ‫ُ‬ ‫تعرض لها‬‫خناد ُق من َّ‬
‫والعاقل من َّات َعظ بغيره‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِعبرة ‪،‬‬
‫ٍـ‬
‫وشريعة من كتاب اهلل ‪ ،‬وسنة رسول اهلل‬ ‫ست على تقوى من اهلل ‪،‬‬ ‫ُأس َ‬
‫بالدنا ‪ -‬بحمد اهلل ‪ِّ -‬‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مناسبة‬ ‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬فهما دستورنا المستور ‪ ،‬ومنهاجناـ المأثور ‪ ،‬وفي كل‬
‫التمسك بهما وااللتزام بمنهاجهما‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫يُ ِّ‬
‫ؤك ُد والةُ أمرنا على‬

‫‪540‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪541‬‬
‫سورة الروم‬
‫‪383‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫زال‬
‫والمنكر ال يُ ُـ‬
‫وال شك أن الخطأ وار ٌد والتقصير حاصل ‪ ،‬لكن الخطأ ال يُعالَج بالخطأ ‪ُ ،‬‬
‫واإلصالح‬
‫ُ‬ ‫تيقنة أولى من ِ‬
‫جلب مصالح مظنونة ‪،‬‬ ‫الم َّ‬
‫بما هو أشد منه نُ ْك ًرا ‪ ،‬ودرءُ المفاسد ُ‬
‫المفسدين‪.‬‬
‫ال يكون بسلوك سبيل ُ‬
‫وفجر كنوز‬ ‫من اهلل علينا َبرغَد العيش ‪ ،‬واألمن في األوطان ‪ ،‬والسالمة في األديانـ ‪َّ ،‬‬ ‫وقد َّ‬
‫األرض ‪ ،‬وأسبغ علينا نَِعمه الظاهرة والباطنة بما ال يكادـ يُشبِ ُهه شيءٌ على وجه األرض ‪﴿ ،‬‬
‫اب (‪. 542﴾ )211‬‬ ‫اءتْهُ فَِإ َّن اللَّهَ َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ‬ ‫َّ ِ ِ ِ‬ ‫ومن يبد ْ ِ‬
‫ِّل ن ْع َمةَ الله م ْن َب ْعد َما َج َ‬ ‫َ َ ْ َُ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ام هذا البلد‬ ‫وتأسيسا على ما سبق؛ فقد جاءت أوامر الملك األخيرة تأكي ًدا لما سار عليه ُح َّك ُ‬ ‫ً‬
‫وجه ال يُعرف له اليوم مثيل ‪،‬‬ ‫من نُشدان رغَد العيش للناس ‪ ،‬وحفظ أديانهم وحراستها على ٍ‬
‫الم ِنعم ‪ ،‬ثم الشكرـ والدعاء لوالة أمر هذه البالد؛‬ ‫مما يستدعي تكرارـ الحمد والشكر هلل ُ‬
‫وأعل بالحق‬ ‫ِ‬ ‫خادم الحرمين منكم الدعاء له ‪ ،‬فاللهم ارفع درجتَه ‪،‬‬ ‫كيف وقد طلب ُ‬
‫وأطل في طاعتك ُعمره ‪ ،‬وسدِّد رأيَه وعملَه ‪ ،‬وأتِ َّم عليه نعمتك ‪ ،‬وأسبِغ عليه‬ ‫كلمته ‪ِ ،‬‬
‫َ‬
‫وصل اللهم على محمد‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫عافيتك ‪ ،‬وأج ِري الخير على يديهـ ‪،‬‬
‫َّاس ِم ْن َح ْولِ ِه ْم‬‫ف الن ُ‬
‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪َ ﴿ :‬أولَم يروا َأنَّا جعلْنا حرماـ ِ‬
‫آمنًا َو ُيتَ َخطَّ ُ‬ ‫ََ َ ََ ً‬ ‫َ ْ ََ ْ‬
‫اط ِل ُيْؤ ِمنُو َن َوبِنِ ْع َم ِة اللَّ ِه يَ ْك ُف ُرو َن (‪ 543﴾ )67‬وقال ‪ -‬سبحانه ‪ََ ﴿ :-‬أولَ ْم نُ َم ِّك ْن‬ ‫َأفَبِالْب ِ‬
‫َ‬
‫ات ُك ِّل َش ْي ٍء ِر ْزقًا ِم ْن لَ ُدنَّا َولَ ِك َّن َأ ْك َث َر ُه ْم اَل َي ْعلَ ُمو َن (‪)57‬‬ ‫لَهم حرماـ ِ‬
‫آمنًا يُ ْجبَى ِإلَْي ِه ثَ َم َر ُ‬ ‫ُ ْ ََ ً‬
‫﴾‪. 544‬‬
‫بارك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنةـ ‪ ،‬ونفعناـ بما فيهما من اآليات والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪542‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪543‬‬
‫سورة العنكبوت‬
‫‪544‬‬
‫سورة القصص‬
‫‪384‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫حادث إال بعلمه وتقديرهـ‬


‫ٌ‬ ‫الحمد هلل عزيز الشان ‪ ،‬عظيم السلطان ‪ ،‬ال يقع في الكون‬
‫األسباب‬
‫ُـ‬ ‫وصنع وتدبيره ‪ ،‬وال يخرج عن ق َدر اهلل شيءٌ في السماواتـ وال في األرض ‪،‬‬
‫ُ‬
‫والنتائج من صنعه وتقديره ‪ ،‬والوسائلـ والحوادث من خلقه وتدبيره ‪ ﴿ ،‬وهو الْ َق ِ‬
‫اه ُـر َف ْو َق‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يم الْ َخبِ ُير (‪ 545﴾ )18‬وأشهد أن ال إله إال اهلل ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا‬ ‫ِ ِ‬
‫اد ِه وهو ال ِ‬
‫ْحك ُ‬
‫عبَ َ ُ َ َ‬
‫رسول اهلل‪.‬‬
‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬
‫ٍـ‬
‫حراكات سياسية ‪،‬‬ ‫وبالدنا اإلسالميةـ خاصةً؛ من‬
‫ُ‬ ‫العالم اليوم ‪،‬‬
‫يم ُّر به ُ‬
‫ال يخفى ما ُ‬
‫وتختلف أسبابُهاـ وأهدافُها ‪ ،‬تتدافَع‬
‫ُ‬ ‫ٍـ‬
‫واضطرابات شعبية ‪ ،‬وفت ٍن ُمتالطمة تتشابه صورها ‪،‬‬
‫أمراـ كان مفعوالً‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫الحوادث وتتسابق حتى يقض َي اهلل ً‬
‫تتسارعُ‬
‫ظروف وأحوال َ‬ ‫ٌ‬ ‫يعلم مآالت األمور ومصائر األمم وخباياـ الدهور ‪،‬‬ ‫واهلل وحده ُ‬
‫فتن ال‬
‫والمعافَىـ من عافاه اهلل ‪ٌ ،‬‬ ‫الحليم حيرانًا ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫أخبارها ‪ ،‬وتدعُ‬
‫وتتسابق ُ‬
‫ُ‬ ‫أحداثُهاـ ‪،‬‬
‫وخوف وقلق ‪ ،‬يستدعي‬ ‫ومرج ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ج ْ‬ ‫فيم قُتل ‪َ ،‬ه ْر ٌ‬
‫المقتول َ‬
‫ُ‬ ‫لم قتَل ‪ ،‬وال‬
‫القاتل فيها َ‬
‫ُ‬ ‫يدري‬
‫ومتكلِّ ٍم بال فهم ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫خائض بال علم ‪ُ ،‬‬ ‫وفهما ‪ ،‬وكم من‬‫حزماـ ‪ ،‬ومن العامة فطنةً ً‬ ‫من العقالء ً‬
‫قد يُذكِي نار الفتنة وهو ال يشعر‪.‬‬
‫الفتن ‪ -‬أيها المسلمون ‪ -‬تُقبِ ُل أول ما تُقبِل ثائرةَ الغُبار ‪ ،‬كثيرة الضجيج ‪ُ ،‬مشتبهةَ‬ ‫ُ‬
‫بصيرته ‪ ،‬وأصلَح‬ ‫نور اهللُ َ‬‫الطريق إال من َّ‬
‫َ‬ ‫يتبين فيها‬
‫الحقائقـ ‪ُ ،‬مختلطة الوقائع ‪ ،‬ال ُ‬
‫البصر الناف َذ عند‬
‫يحب َ‬ ‫والتز َم منهاج النبوة في التعاطيـ مع األحداثـ ‪ ،‬واهلل ُّ‬
‫سريرته ‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫الكامل عند ورود الشهوات‪.‬ـ‬
‫َـ‬ ‫والعقل‬
‫َـ‬ ‫ورود ُّ‬
‫الشبهات ‪،‬‬
‫جر ٍة ِإلَ َّي " رواه‬
‫رج َك ِه َ‬
‫اله ِ‬
‫ادةُـ في َ‬
‫وفي الفتن قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬‬
‫العبَ َ‬
‫مسلم‪.‬‬
‫مطلب ُملِ ّح؛ قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬ت َع َّوذُوا بِاللَّ ِـه ِم َن ال ِْفتَ ِن َما ظَ َه َر ِم ْن َها‬ ‫ٌ‬ ‫والدعاءُ‬
‫ك‬‫قوما قال‪ " :‬اللَّ ُه َّم!ـ ِإنَّا نَ ْج َعلُ َ‬ ‫خاف ً‬ ‫َو َما بَطَ َن " وكان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا َ‬
‫بإسناد صحيح‪.‬‬ ‫ٍـ‬ ‫ك ِم ْن ُش ُرو ِر ِهم " رواه أبو داود‬‫فِي نُ ُحو ِر ِه ْم ‪َ ،‬و َنعُوذُ بِ َ‬

‫‪545‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪385‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫برد األمور إلى الشريعة والعلماء ‪ ،‬فقال ‪ -‬سبحانه‬ ‫وقد نهى اهلل عن نشر الشائعات ‪ ،‬وأمر ِّ‬
‫ول َوِإلَى ُأولِي‬
‫الر ُس ِ‬ ‫‪ ﴿ :-‬وِإذَا جاءهم َأمر ِمن اَأْلم ِـن َأ ِو الْ َخو ِ‬
‫ف َأذَاعُوا بِ ِه َولَ ْو َردُّوهُ ِإلَىـ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ ْ ٌْ َ ْ‬
‫ين يَ ْسَت ْنبِطُونَهُ ِم ْن ُه ْم (‪. 546﴾ )83‬‬ ‫اَأْلم ِر ِم ْن ُه ْم لَ َعلِ َمهُ الَّ ِذ َـ‬
‫ْ‬
‫والحلم والعلم والخبرة والدراية من تبيَّن‬ ‫ِ‬ ‫الحل والعقدـ من أهل الرأي‬ ‫أهل ِّ‬ ‫يجب أن َّ‬
‫يتدخلـ ُ‬ ‫ُ‬
‫لهم وجه الصواب في هذه الفتن والنوازل ‪ ،‬ليقولوا كلمتهم ‪ ،‬ويص َدعوا برأيهم ‪ ،‬وال‬
‫ومنع‬ ‫يجب تالفي األضرار واألخطار ‪،‬‬ ‫رهبهمـ َسطوة السالطين ‪ ،‬وال ضغط الجماهير ‪،‬‬ ‫تُ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شر‬
‫والسعي إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسدـ ‪ ،‬وتقدير ِّ‬ ‫ُ‬ ‫استشراءـ هذه الفتن واستمرارهاـ ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫الخيريْن ‪ ،‬وعلماء كل بلد أدرى بحالهمـ ‪ ،‬أما حين يعت ِز ُل العلماءُ والعقالءُ‬ ‫الشرينـ وخير َ‬
‫َّ‬
‫صحيح أن من اعتزل الفتن سلِ َم بيقين ‪ ،‬ولكن لمن يُ َتر ُك‬ ‫ٌ‬ ‫أمور الناس ‪،‬‬ ‫تستقيم ُ‬ ‫َ‬ ‫الفتنة فلن‬
‫مستقبل مجهول؟!‬ ‫ٍ‬ ‫الناس ووسائل اإلعالم تقود األمةَـ إلىـ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫والمصابرة ‪ ،‬ولزوم جماعة المسلمين ‪ ،‬والمحافظة على أمن بالد المسلمين‬ ‫الواجب الصبر ُ‬
‫ُ‬
‫عول ٍ ِ‬
‫هدم يُوق ُع الفتنةَ من حيث يشعُ ُر أو ال يشعُر ‪ ،‬واهللَ‬ ‫ووحدتها ‪ ،‬وأال يكون المسلم ِم َ‬
‫وتخويف باهلل وتذكير ‪ ،‬من جوار الكعبةـ‬
‫ٌ‬ ‫اهللَ في الدماء ‪ ،‬إنها صيحةُ استنكا ٍـر ونكير ‪،‬‬
‫ماح لصدور‬ ‫الر ُـ‬ ‫الشريفة وزمزم والمقام ‪ ،‬أال يس َفكـ دم ‪ ،‬وال تُثار فتنة ‪ ،‬واحذروا أن ِ‬
‫تتجهَ ِّ‬ ‫ُ‬
‫أهليكمـ ومواطنيكم‪.‬‬
‫يزال‬
‫نداءٌ إليكمـ من أمام الكعبةـ الشريفة؛ـ حيث إهرا ُق دم المسلم أعظم من هدمها ‪ ،‬وال ُـ‬
‫حراما‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دما ً‬ ‫المسلم في فُسحة من دينه ما لم يُصب ً‬
‫ُ‬
‫ثم اعلموا ‪ -‬رحمكم اهلل ‪ -‬أن أمةً نزل البالءُ في نواحيها ‪ ،‬واسته َدفَها العدو في دينهاـ‬
‫جهودها وطاقاتها‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫والترف ‪ ،‬وأن تص ِر َ‬ ‫يجب أن تكون أبع َد الناس عن اللهو َ‬‫وأراضيها ُ‬
‫ص هلل الدينـ ‪ ،‬وتُقلِ َع عن المعاصي والشهوات ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للتقربـ إلىـ خالقهاـ وباريها ‪ ،‬وأن تُخل َ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وتهجر الذنوبـ والمنكرات ‪ ،‬وأن تأخذـ على يد السفهاءـ ‪ ﴿ ،‬فَِف ُّروا ِإلَى اللَّ ِه ِإنِّي لَ ُك ْم م ْنهُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ين (‪. 547﴾ )50‬‬ ‫نَذ ٌير ُمبِ ٌ‬
‫‪546‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪547‬‬
‫سورة الذاريات‬
‫‪386‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريةـ ‪ ،‬وأزكى البشرية‪:‬ـ محمد بن عبد اهلل ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل‬
‫وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر‬
‫ارض عن األئمةـ المهديين ‪ ،‬والخلفاء المر ِ‬
‫ضيِّين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪،‬‬ ‫الميامين ‪ ،‬اللهم َ‬
‫َْ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم‬ ‫ٍّ‬ ‫وعثمان ‪،‬‬
‫يا رب العالمين‪.‬‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين‬ ‫اللهم ِ‬
‫ودمر أعداء الدين ‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائرـ بالد المسلمين‪.‬‬
‫‪ِّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نحره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ َّ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬
‫وفِّقه لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةـ الصالحة‪.‬‬
‫أنعمت به من شفاء خادم الحرمين الشريفين ‪ ،‬وعودته ألهله‬ ‫َ‬ ‫اللهم لك الحم ُد على ما‬
‫خطوه ‪ ،‬وأتِ َّم عليه‬
‫وسددـ رأيَه ‪ ،‬وبا ِرك َ‬
‫ومحبِّيه ‪ ،‬اللهم با ِرك في عُمره وعمله ‪ِّ ،‬‬‫ووطنه ُ‬
‫لباس العافية‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫الصحةَ والعافيةـ والشفاء ‪ ،‬وأسبغ عليه َ‬
‫والنائب‬
‫َ‬ ‫وحد به كلمةَ المسلمين ‪ ،‬وارفع به لواء الدينـ ‪ ،‬اللهمـ وفِّق َّ‬
‫ولي عهده‬ ‫اللهم ِّ‬
‫الثاني وإخوانهمـ وأعوانهم لما فيه الخير للعباد والبالد ‪ ،‬واسلُك بهم سبيل الرشادـ ‪ ،‬اللهمـ‬
‫ِّدا لكل خير وصالح‪.‬‬ ‫جميعا ُم ِّ‬
‫وف ًقا ُمسد ً‬ ‫كن لهم ً‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬
‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم‬
‫اجمعهم على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال إخوانناـ في ليبيا وفي اليمن وفي تونس‬
‫وبالد الشام وفي مملكة البحرين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالـ إخوانناـ في مملكة البحرين ‪ ،‬وفي‬
‫كل مكان‪.‬‬
‫احقن دماءهمـ ‪ِ ،‬‬
‫وآمن روعاتهم ‪ ،‬واحفظ ديارهم ‪ ،‬واجمعهم على الحق والهدى‪.‬‬ ‫اللهم ِ‬
‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم انصرهمـ في فلسطين ‪،‬‬
‫الم َ‬‫اللهم انصر ُ‬
‫واجمعهم على الحق يا رب العالمين‪.‬‬
‫‪387‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪.‬‬


‫عجزونك‪.‬‬ ‫اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهمـ ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫وشر طوا ِرق الليل والنهار‪.‬‬
‫شر األشرار ‪ ،‬وكي َد ال ُف َّجار ‪َّ ،‬‬ ‫اكفنا َّ‬ ‫اللهم ِ‬
‫اب النَّا ِر (‪. 548﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬آداب النوم واالستيقاظ‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن عشر من جمادى األولى من عام ‪1432‬هـ‬

‫‪ -‬آداب النوم واالستيقاظ ‪-‬‬

‫‪548‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪388‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫نبذة مختصرة عن الخطبة ‪:‬‬


‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬آداب‬
‫النوم واالستيقاظ"ـ ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن اآلداب الشرعية القولية والعملية في النوم‬
‫صح عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫واالستيقاظ مما َّ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل ‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفرهـ ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ‬
‫ض َّل له ‪ ،‬ومن يُضلِل فال هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬ ‫أعمالنا ‪ ،‬من ِ‬
‫يهده اهلل فال م ِ‬
‫ُ‬
‫ِ ِِ‬ ‫عز عن الشبيه وعن الن ِّ‬
‫س َكمثْله َش ْيءٌ‬ ‫ِّد وعن المثيل وعن النظير ‪ ﴿ ،‬لَْي َ‬ ‫وحده ال شريك له َّ‬
‫ص ُير (‪ 549﴾ )11‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬وصفيُّه من خلقه ‪،‬‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬
‫َو ُه َو َّ ُ َ‬
‫ٍـ‬
‫بإحسان إلى يوم‬ ‫وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعينـ ‪ ،‬ومن تبعهم‬ ‫صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫الدين‪.‬ـ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫يرحم إال أهلَها ‪،‬‬ ‫غيرها ‪ ،‬وال ُ‬ ‫فُأوصيكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬ونفسيـ بتقوى اهلل التي ال يقبَ ُل َ‬
‫ثيب إال عليها؛ فإن الواعظين بها كثير ‪ ،‬والعاملين بها قليل ‪َ ﴿ ،‬وَت َز َّو ُدوا فَِإ َّن َخ ْي َر‬ ‫وال يُ ُ‬
‫واستمسكوا من اإلسالم بالعُروة‬ ‫ِ‬ ‫‪550‬‬
‫اب (‪﴾ )197‬‬ ‫ون يَا ُأولِي اَأْللْبَ ِـ‬‫الت ْقوى و َّات ُق ِ‬
‫الز ـاد َّ َ َ‬
‫َّ ِ‬
‫حاسبون ‪ ،‬وبأعمالكمـ َمجزيُّون ‪ ،‬وأن أجسادكم ال تصبر‬ ‫الوثقى ‪ ،‬واعلموا أنكمـ غ ًدا ُم َ‬ ‫ُ‬
‫تقوى‪.‬‬
‫حر النار وال َ‬ ‫على ِّ‬
‫ت لِغَ ٍد َو َّات ُقوا اللَّهَ ِإ َّن اللَّهَ َخبِ ٌير بِ َما‬ ‫َّ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللهَ َولَْت ْنظُْر َن ْف ٌ‬
‫س َما قَ َّد َم ْ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫﴿ يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫َت ْع َملُو َن (‪. 551﴾ )18‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫‪549‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪550‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪551‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪389‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫خيرا إال دلَّنا عليه ‪ ،‬وال بابًاـ للجنة إال َّ‬


‫عرفنا‬ ‫يترك النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ً -‬‬
‫لم ُ‬
‫طري َقه ‪ ،‬وال سببًا للسعادةـ والهناء إال أرش َدنا له وحثَّنا عليه ‪ ،‬وفي ذات الوقت ربَّانا على‬
‫السنن ‪ ،‬وعلَّ َمنا اآلدابـ ‪ ،‬وأرادناـ أن نكون على ُمراد اهلل في كل األحوال؛ في منامناـ‬ ‫لزوم ُّ‬
‫ومنقلبُنا هلل ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ويقظَتنا ‪ ،‬في محراب التعبُّد أو في ميدان السعيـ للدنيا ‪ ،‬أن يكون حالُنا ُ‬
‫ين (‪ 552﴾ )162‬وهذه هي‬ ‫ِ‬ ‫اي َو َم َماتِي لِلَّ ِه َر ِّ‬
‫ب ال َْعالَم َ‬
‫﴿ قُل ِإ َّن صاَل تِي ونُ ِ‬
‫سكيـ َو َم ْحيَ َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫غاية العبوديةـ ‪ ،‬والعبودية هي الغاية‪.‬ـ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ب الليل‬ ‫ب بينهما كما يتقلَّ ُ‬ ‫ال يخلو اإلنسانـ أن يكون في حال يقظة أو حالـ نوم ‪ ،‬يتقلَّ ُ‬
‫العظام ‪َ ﴿ ،‬و ِم ْن‬ ‫حال عجيب من أحوالـ اإلنسان ‪ ،‬وآيةٌ من آيات اهلل ِ‬
‫ٌ‬ ‫والنوم ٌ‬‫ُ‬ ‫والنهار ‪،‬‬
‫ات لَِق ْوٍم يَ ْس َمعُو َن (‪)23‬‬
‫ك آَل يَ ٍـ‬ ‫َّها ِر َوابْتِغَاُؤ ُك ْم ِم ْن فَ ْ‬
‫ضلِ ِه ِإ َّن فِي َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫آيَاتِه َمنَ ُام ُك ْم بِاللَّْي ِل َوالن َ‬
‫﴾‪. 553‬‬
‫شكل النوم جزءا كبيرا من اهتمام الناس ‪ِ ،‬‬
‫فيتخذون له ال ُفرش واألثاث ‪ ،‬ويتهيَّأون له‬ ‫ويُ ِّ ُ ُ ً ً‬
‫نقص أثَّر على‬ ‫ٍ‬
‫بزيادةـ أو ٍ‬ ‫ومعاشهم ‪ ،‬وإذا اختلف‬ ‫ِ‬ ‫ويتحكم في أوقاتهم‬ ‫َّ‬ ‫بالوسائل واألحوالـ ‪،‬‬
‫ث‬ ‫صحة اإلنسانـ بدنيًّا ونفسيًّا ‪ ،‬وب َذ َل للعالج الكثير من األموال ‪ ،‬واإلنسا ُن ي ِ‬
‫مضي ُثلُ َ‬‫ُ‬ ‫َ‬
‫حياته في النوم‪.‬‬
‫منامنا‬
‫ومن هنا جاءت اآلدابـ النبوية والسنن المحمدية باإلرشادـ والتوجيه ‪ ،‬حتى يكون ُ‬
‫عين على القيام لصالة الفجر ‪،‬‬
‫وم ٌ‬‫سبب لألجر ‪ُ ،‬‬
‫والتزام هذه السنن ٌ‬
‫ُ‬ ‫ونومنا عبادة ‪،‬‬
‫طاعة ُ‬
‫والنشاط في سائر اليوم ‪ ،‬والبعد عن الوساوس واألحالم الم ِ‬
‫زعجة ‪ ،‬واألمراضـ النفسية‪.‬ـ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كثير من المسلمين‬
‫وهذه السنن واآلدابـ ‪ -‬على أهميتها وعظيم أجرـ فاعلها ‪ -‬قد أعرض ٌ‬
‫تكاسالً ‪ ،‬أو ُزه ًدا فيما عند اهلل من ثواب‪.‬‬
‫عنها جهالً أو ُ‬
‫صح عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من ُسنن‬ ‫وإليكمـ ‪ -‬أيها المسلمون ‪ -‬طائفةً مما َّ‬
‫النوم وآدابه ‪ ،‬فيها الخير والسعادةُـ في الدنيا واآلخرة‪:‬ـ‬

‫‪552‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪553‬‬
‫سورة الروم‬
‫‪390‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫فأول ذلك‪:‬ـ ما ورد عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من التبكير في النوم ؛ فعن أبي بَرز َة‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم " َكا َن النَّبِ ُّي ‪ -‬صلى اهلل عليه و‬
‫ْح ِد َ‬
‫يث َب ْع َد َهاـ " ؛ أخرجهـ البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫سلم ‪ -‬ي ْكره النَّوم َقبل ال ِْع َ ِ‬
‫شاء َوال َ‬ ‫َ َُ َْ ْ َ‬
‫ِ‬
‫يقوم آخر الليل؛ فعن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪" :‬‬ ‫ثم ال ِوتر قبل النوم لمن خش َي أال َ‬
‫أيام من كل شهر ‪ ،‬وركعتَ ْي‬ ‫بصيام ِ‬
‫ثالثة ٍ‬ ‫أوصاني خليل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بثالث‪ِ :‬‬
‫ُّحى ‪ ،‬وأن ُأوتِر قبل أن أرقُد" ؛ أخرجهـ مسلم‪.‬‬ ‫الض َ‬
‫وتخمير اإلناء ‪ ،‬وإغال ُق األبواب؛ـ عن جابرـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫ومن اآلداب‪ :‬إطفاءُ النار ‪،‬‬
‫يح بِاللَّْي ِل ِإ َذا َرقَ ْدتُ ْم ‪َ ،‬وغَلِّ ُقوا‬ ‫أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬أط ِْفُئوا الْم َ ِ‬
‫صاب َ‬ ‫َ‬
‫وأحسبهـ قال‪ :‬ولَو بِع ٍ‬ ‫الشراب ‪ِ -‬‬ ‫اَأْلبواب ‪ ،‬وَأو ُكوا ِ‬
‫ضهُ‬‫ود َت ْع ُر ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ام َو َّ َ َ‬ ‫اَأْلسقيَةَ ‪َ ،‬و َخ ِّم ُروا الطَّ َع َ‬
‫ْ‬ ‫َْ َ َ ْ‬
‫َعلَْي ِه " ؛ أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وعن ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬ال َت ْت ُر ُكوا‬
‫ين َتنَ ُامو َن " ؛ أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫الن ِ‬
‫َّار في ُبيُوت ُك ْـم ح َ‬ ‫َ‬
‫فحدِّث‬ ‫بيت بالمدينة على أهله من الليل ‪ُ ،‬‬ ‫وعن أبي موسى ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬احترق ٌ‬
‫َّار ِإنَّ َما ِه َي َع ُد ٌّو لَ ُك ْم ‪ ،‬فَِإ ذَا‬ ‫ِِ‬
‫بشأنهم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬قال‪ِ " :‬إ َّن َهذه الن َ‬
‫ِ‬
‫وها َع ْن ُك ْم " ؛ أخرجهـ البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫نِ ْمتُ ْم فََأطْفُئ َ‬
‫مكان ُمرتف ٍع بال حواجز؛ـ عن علي بن شيبان ‪ -‬رضي اهلل عنه‬ ‫ومن اآلداب‪:‬ـ عدم النوم على ٍ‬
‫ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ات َعلَى ظَ ْه ِر ْبيت لَهُ َعلَْيه ح َج ٌ‬
‫ار‬ ‫‪ -‬عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬م ْن بَ َ‬
‫الذ َّمةُ " ؛ أخرجه أبو داود ‪ ،‬وله عدةُ شواهد‪.‬‬ ‫ت ِم ْنهُ ِّ‬‫ف َق ْد بَ ِرَئ ْ‬
‫والد َسم ونحوه؛ عن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه‬ ‫غسل اليد والفم من أثر األكل َّ‬ ‫ومن اآلداب‪ُ :‬‬
‫ِ‬
‫ام َوفِي يَ ِده غَ َم ٌر َولَ ْم َي ْغ ِسلْهُ‬
‫‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن نَ َ‬
‫سهُ " ؛ أخرجه أبو داود‪.‬‬ ‫وم َّن إاَّل َن ْف َ‬
‫َأصابَهُ َش ْيءٌ فَاَل َيلُ َ‬
‫فَ َ‬
‫عازب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال النبي ‪-‬‬ ‫ومن السنن‪ :‬الوضوء قبل النوم؛ عن البراء بن ٍ‬
‫الة " ؛ أخرجه البخاري‬ ‫لص ِ‬ ‫وء َك لِ َّ‬ ‫ك َفَت َوضَّْأ ُو ُ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إذَا َأَت ْي َ‬
‫ض َ‬ ‫ض َج َع َ‬ ‫ت َم ْ‬
‫ومسلم‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ضا حتى ولو كان اإلنسان ُجنُبًا؛ عن ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن عمر‬
‫سن الوضوء أي ً‬
‫ويُ ُّ‬
‫ول‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬يَا َر ُس َ‬ ‫َ‬ ‫بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬سألـ‬
‫ِ‬
‫ب " ؛ أخرجه‬ ‫َأح ُد ُك ْم َفلَْي ْرقُ ْد َو ُه َو ُجنُ ٌ‬ ‫ال ‪َ :‬ن َع ْم ‪ ،‬إذَا َت َو َّ‬
‫ضَأ َ‬ ‫ب ؟ قَ َ‬ ‫اللَّه ‪ََ ،‬أي ْرقُ ُد َ‬
‫َأح ُدنَاـ َو ُه َو ُجنُ ٌ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫نفض الفراشـ والتسمية؛ فعن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال النبي‬ ‫ومن آداب النوم‪ُ :‬‬
‫اش ِه َفلْي ُ ِ‬
‫ض بِ َها‬‫ْأخ ْـذ َداخلَةَ ِإ َزا ِر ِه ‪َ ،‬فلَْي ْن ُف ْ‬‫َ‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إذَا َأوى َأح ُد ُك ـم ِإلَى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫اش ِه " ؛ أخرجه البخاري‬ ‫فِرا َشهُ ‪ ،‬ولْيس ِّم اللَّهَ َتعالَى ‪ ،‬فَِإ نَّهُ اَل يعلَم ما َخلَ َفهُـ بع ُد َعلَى فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ََُ‬ ‫َ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫نائم؛ـ عن جابر بن عبد اهلل ‪-‬‬ ‫ويح ِرص المسلم على التستُّر حتى ال ِ‬
‫ف عورتُه وهو ٌ‬ ‫تنكش َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ض ُع‬
‫َأح ُد ُك ْـم ثُ َّم يَ َ‬ ‫ِ‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬اَل يَ ْسَتلْقيَ َّن َ‬
‫ِإ ْح َدى ِر ْجلَْي ِه َعلَى اُأْل ْخ َرى " ؛ أخرجه مسلم‪.‬‬
‫ومن اآلداب‪:‬ـ تباعُد النائمين عن بعضهم؛ فعن عمرو بن ُشعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جدِّه قال‪:‬‬
‫ين‬ ‫ِِ‬ ‫قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬مروا َأوال َد ُكم بِ َّ ِ‬
‫الصالة َو ُه ْم َْأبنَاءُ َس ْب ِع سن َ‬ ‫ْ‬ ‫ُُ ْ‬
‫اج ِع " ؛ أخرجه أحمد وأبو داود‪.‬‬ ‫وه ْم َعلَْي َها َو ُه ْم َْأبنَاءُ َع ْش ٍر َو َف ِّرقُوا َب ْيَن ُه ْم فِي ال َْم َ‬
‫ضِ‬ ‫ض ِربُ ُ‬
‫َوا ْ‬
‫ومن السنن‪ :‬كتابةُ الوصية؛ فعن عبد اهلل بن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أن رسول اهلل ‪-‬‬
‫وصي فِ ِيه ‪ ،‬يَبِ ُ‬
‫يت لَْيلََت ْي ِن إاَّل‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬ما ح ُّق ْام ِرٍئ مسلِ ٍم ‪ ،‬لَهُ َشيء ي ِ‬
‫ٌْ ُ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َ‬
‫صيَّتُهُ َم ْكتُوبَةٌ ِع ْن َدهُ " ؛ أخرجهـ البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫وو ِ‬
‫ََ‬
‫ض ْج َعةُ َْأه ِل‬ ‫وقد نهى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬عن النوم على البطن ‪ ،‬وقال‪ِ " :‬إَّن َها َ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍـ‬
‫بإسناد‬ ‫ض َها اهللُ ‪ -‬عز وجل – " ؛ رواه أبو داود‬ ‫ض ْج َعةٌ يُ ِبغ ُ‬ ‫النَّا ِر " ‪ ،‬وقال‪ِ " :‬إَّن َها َ‬
‫وعن أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬رأى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬رجالً‬
‫ض َهاـ اهللُ َو َر ُسولُهُ " ؛ أخرجه الترمذي‪.‬ـ‬ ‫ضطج ًعا على بطنه ‪ ،‬فقال‪ِ " :‬إ َّن َه ِذ ِه َ‬
‫ض ْج َعةٌ يُ ِبغ ُ‬ ‫م ِ‬
‫ُ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫عازب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال النبي‬ ‫الش ِّق األيمن؛ فعن البراء بن ٍ‬ ‫ومن السنة‪ :‬النوم على ِّ‬
‫ضطَ ِج ْع َعلَى‬ ‫لصاَل ِة ‪ ،‬ثُ َّم ا ْ‬
‫وء َك لِ َّ‬
‫ض َ‬‫ك َفَت َوضَّْأ ُو ُ‬ ‫ض َج َع َ‬
‫ت َم ْ‬ ‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إذَا َأَت ْي َ‬
‫ك اَأْليْ َم ِن " ؛ أخرجهـ البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ِش ِّق َـ‬
‫‪392‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وضع اليد تحت الخدِّ؛ فعن حذيفةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان ‪ -‬صلى اهلل‬
‫ومن السنة‪ُ :‬‬
‫عليه وسلم ‪ -‬إذا أخذ ِ‬
‫مضج َعه من الليل وضع ي َده تحت خدِّه؛ أخرجهـ البخاري‪.‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫صحت عن النبي‬ ‫بعض السنن العملية ‪ ،‬وإليكمـ طائفةً أخرى من األدعية واألذكار التي َّ‬ ‫هذه ُ‬
‫رده وطمأنينة‬ ‫مسلم أن يح َفظَها ويتلُوها ويجعلها ِو َ‬ ‫ي بكل ٍ‬ ‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬وح ِر ٌّ‬
‫مطلوب عند النوم؛ فعن أبيـ هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن رسول اهلل ‪-‬‬ ‫كر اهلل‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫قلبه ‪ ،‬وذ ُ‬
‫ت َعلَْي ِه ِم َن اللَّ ِه‬ ‫ض َج ًعا اَل يَ ْذ ُك ُر اللَّهَ ِف ِيه َكانَ ْ‬
‫ضطَ َج َع َم ْ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪َ " :‬و َم ِن ا ْ‬
‫تَِرةٌ " أخرجهـ أبو داود‪.‬‬
‫ومن هذه األذكار‪ :‬قراءةُ آية الكرسي؛ـ ففي حديث أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬الطويل ‪،‬‬
‫ك‬
‫ظ َواَل َي ْق َربُ َـ‬‫ك ِم َن اللَّ ِه َحافِ ٌ‬ ‫ال َعلَْي َ‬‫ك فَاق َْرْأ آيَةَ الْ ُك ْر ِس ِّي لَ ْن َي َز َ‬ ‫ت ِإلَىـ فِر ِ‬
‫اش َـ‬ ‫َ‬ ‫قال‪ِ " :‬إ َذا ََأويْ َ‬
‫اك‬
‫وب ‪َ ،‬ذ َ‬ ‫ك َو ُه َو َك ُذ ٌ‬ ‫ص َدقَ َ‬‫صبِ َح‪ .‬فقال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬‬ ‫َش ْيطَا ٌن َحتَّى تُ ْ‬
‫َش ْيطَا ُن " أخرجهـ البخاري ومسلم‪.‬‬
‫أربعا‬
‫والتكبير ً‬ ‫التسبيح ثالثًا وثالثين ‪ ،‬والحم ُد ثالثًا وثالثين ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الذكر قبل النوم‪:‬‬ ‫ومن ِّ‬
‫ُ‬
‫حديث علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وشكوى فاطمة ‪ -‬رضي اهلل‬
‫ُ‬ ‫وثالثين ‪ ،‬وفيه‬
‫خادماـ ‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫تطحن ‪ ،‬وطلبَت ً‬ ‫الر َحى مما َ‬ ‫عنها ‪ -‬ما تلقى من َّ‬
‫ِ‬ ‫َأدلُّ ُكما َعلَى َخ ْي ٍر ِم َّما سَألْتُماهُ ِإذَا َأ َخ ْذتُما م َ ِ‬
‫ضاج َع ُك َماـ فَ َكِّب َرا اللَّهَ َْأر َب ًعا َوثَاَل ث َ‬
‫ين‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫وسلم ‪َ " :-‬أاَل ُ َ‬
‫ك َخ ْي ٌر لَ ُك َما ِم َّما َسَألْتُ َماهُ " أخرجهـ‬ ‫ين ‪ ،‬فَِإ َّن ذَلِ َ‬ ‫ِ‬
‫ين ‪َ ،‬و َسبِّ َحا ثَاَل ثًا َوثَاَل ث َ‬
‫ِ‬
‫اح َم َدا ثَاَل ثًا َوثَاَل ث َ‬
‫‪َ ،‬و ْ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ومن الدعاء الذيـ كان يقوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬ما رواه حذيفةـ بن اليمان ‪ -‬رضي‬
‫اس ِم َـ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا أوى إلى فراشه قال‪ " :‬بِ ْ‬
‫َأحيَانًا َب ْع َد َما ََأماَتنَاـ ‪َ ،‬وِإلَْي ِه النُّ ُ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ور "‬
‫ش ُ‬ ‫ْح ْم ُد للَّه الَّذيـ ْ‬ ‫َأحيَا " وإذا قام قال‪ " :‬ال َ‬ ‫اللَّ ُه َّم َُأم ُ‬
‫وت َو ْ‬
‫أخرجهـ البخاري‪.‬‬
‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إذَا ََأوى‬
‫اش ِـه َفلْي ْن ُفض فِرا َشه بِ َد ِ‬
‫اخلَ ِـة ِإ َزا ِر ِه ‪ ،‬فَِإ نَّهُ اَل يَ ْد ِري َما َخلََّفهُـ َعلَْي ِه َب ْع َدهُ ‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫َأح ُد ُك ْـم ِإلَى ِف َر ِ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬
‫‪393‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ت‬
‫س ْك َ‬ ‫ِإ‬ ‫ت َج ْنبِي َوبِ َ‬
‫ك َْأر َفعُهُ ‪ْ ،‬ن َْأم َ‬ ‫ض ْع ُ‬
‫ك َربِّي َو َ‬‫اس ِم َ‬
‫ول ‪ :‬بِ ْ‬ ‫لِيَ ْ‬
‫ضطَ ِج ْع َعلَى ِش ِّق ِـه اَأْليْ َم ِـن ‪ ،‬ثُ َّم َي ُق ُ‬
‫اد َك َّ ِ ِ‬ ‫َن ْف ِسي فَارحمها ‪ ،‬وِإ ْن َأرسلْتها فَاح َفظْهاـ بِما تَح َف ُ ِ‬
‫ين " أخرجه البخاري‬ ‫الصالح َ‬ ‫ظ بِ ِه عبَ َ‬ ‫ْ َ َْ َ ْ َ ََ ْ َ َ ْ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫وعن ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يقول إذا‬
‫آوانِي َوَأط َْع َمنِي َو َس َقانِيـ ‪َ ،‬والَّ ِذي َم َّن َعلَ َّي فََأفْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َل ‪،‬‬ ‫ْح ْم ُد للَّه الذيـ َك َفانيـ َو َ‬ ‫أخذ مضج َعه‪ " :‬ال َ‬
‫ب ُك ِّل َش ْي ٍء َو َملِي َكهُ َوِإلَهَ ُك ِّل‬ ‫ْح ْم ُد لِلَّ ِه َعلَى ُك ِّل َح ٍ‬
‫ال ‪ ،‬اللَّ ُه َّم َر َّ‬ ‫ِ‬
‫َوالَّذي َأ ْعطَانِي فَ ْ‬
‫َأج َز َل ‪ ،‬ال َ‬
‫وصححه ابن حبان والنووي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ك ِم َن النَّا ِر " أخرجهـ أبو داود ‪،‬‬ ‫َش ْي ٍء َأعُوذُ بِ َ‬

‫الصدِّيقـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬يا رسول‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن أبا بك ٍر ِّ‬
‫السمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل! مرنِيـ بِ َكلِم ٍ‬
‫ات‬ ‫ال ‪ " :‬قُ ِل ‪ :‬اللَّ ُه َّم فَاط َر َّ َ َ‬ ‫ت ‪ .‬قَ َ‬ ‫س ْي ُ‬ ‫َأصبَ ْح ُ ِإ‬
‫ت َو َذا َْأم َ‬ ‫ات َأقُولُ ُه َّن ِإ َذا ْ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬
‫ٍ‬
‫ت ‪َ ،‬أعُوذُ‬ ‫ب ُك ِّل َش ْيء َو َملِي َكهُ ‪َ ،‬أ ْش َه ُد َأ ْن ال ِإلَهَ ِإال َأنْ َ‬ ‫اد ِة ‪َ ،‬ر َّ‬ ‫ب َو َّ‬
‫الش َه َ‬ ‫ض ‪َ ،‬عالِ َم الْغَْي ِ‬‫اَألر ِ‬
‫َو ْ‬
‫ت ‪َ ،‬وِإذَا‬ ‫ال ‪ُ " :‬قل َْها ِإذَا ْ‬
‫َأصبَ ْح َ‬ ‫الر ِج ِيم َو ِش ْركِ ِه " ‪ .‬قَ َ‬ ‫ان َّ‬ ‫ك ِم ْن َش ِّر َن ْف ِسي ‪َ ،‬و ِم ْن َش ِّر َّ‬
‫الش ْيطَ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ك " ؛ أخرجه أبو داود‪.‬‬ ‫ض َج َع َ‬‫ت َم ْ‬ ‫ت ‪َ ،‬وِإذَا َأ َخ ْذ َـ‬ ‫س ْي َ‬
‫َْأم َ‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬تسألُه‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬أتَت فاطمةُ َّ‬
‫ش ال َْع ِظ ِيم ‪َ ،‬ر َّبنَا‬‫ب ال َْع ْر ِ‬
‫ض ‪َ ،‬و َر َّ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫ب ْ‬ ‫ات َو َر َّ‬ ‫السماو ِ‬
‫ب َّ َ َ‬ ‫خادما ‪ ،‬فقال لها‪ " :‬قولي‪ :‬اللَّ ُه َّم َر َّ‬ ‫ً‬
‫ك ِم ْن َش ِّر‬ ‫ان ‪َ ،‬أعُوذُ بِ َ‬ ‫يل والْ ُفرقَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫َّوى َو ُم ْن ِز َل الت َّْو َراة َواِإْل نْج ِ َ ْ‬ ‫ب َوالن َ‬ ‫ْح ِّ‬‫ب ُك ِّل َش ْيء ‪ ،‬فَال َق ال َ‬ ‫َو َر َّ‬
‫ك َشيء ‪ ،‬وَأنْ َ ِ‬ ‫ت ِ‬ ‫ٍ‬
‫س‬‫ت اآْل خ ُـر َفلَْي َ‬ ‫س َق ْبلَ َ ْ ٌ َ‬ ‫اَأْلو ُل َفلَْي َ‬
‫ت َّ‬ ‫اصيَتِ ِه ‪ ،‬اللَّ ُه َّم َأنْ َ‬ ‫آخ ٌذ بِنَ ِ‬ ‫ُك ِّل َش ْيء َأنْ َ‬
‫ْض َعنَّا‬ ‫ك َش ْيءٌ ‪ ،‬اق ِ‬ ‫س ُدونَ َ‬ ‫ك َشيء ‪ ،‬وَأنْ َ ِ‬ ‫بع َد َك َشيء ‪ ،‬وَأنْ َ َّ ِ‬
‫ت الْبَاط ُن َفلَْي َ‬ ‫س َف ْوقَ َ ْ ٌ َ‬ ‫ت الظاه ُـر َفلَْي َ‬ ‫ٌْ َ‬ ‫َْ‬
‫الديْ َن َوَأ ْغنِنَا ِم َن الْ َف ْق ِر " ؛ أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫عازب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا‬ ‫وعن البراء بن ٍ‬
‫اد َك " ؛ أخرجهـ أحمد‬ ‫ِ‬ ‫توسد يمينَه ويقول‪ " :‬اللَّ ُه َّم قِنِي َع َذابَ َـ‬
‫ك َي ْو َم تَ ْج َم ُع عبَ َ‬ ‫أراد أن ينام َّ‬
‫ضا‪.‬‬
‫والترمذي ‪ ،‬وعندهما عن حفصة أي ً‬
‫أنس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان إذا أوى إلى‬ ‫وعن ٍ‬
‫آوانَا ‪ ،‬فَ َك ْم ِم َّم ْن ال َكافِ َي لَهُ َوال‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫ْح ْم ُد للَّه الذيـ َأط َْع َمنَا َو َس َقانَا َو َك َفانَا َو َ‬
‫ِ‬
‫فراشه قال‪ " :‬ال َ‬
‫ُمْؤ ِوي " ؛ أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪394‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وعن علي بن أبي طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه‬
‫ت‬‫ات ِم ْن َش ِّر َما َأنْ َ‬
‫َّام ِ‬ ‫ك الْ َك ِر ِـيم َو َكلِ َماتِ َ‬
‫ك الت َّ‬ ‫كان يقول عند مضجعه‪ " :‬اللَّ ُه َّم ِإنِّي َأعُوذُ بَِو ْج ِه َ‬
‫ف َو ْع ُد َك ‪َ ،‬وال‬ ‫ك تَ َك ِش ُ‬
‫ف ال َْم ْغ َر َم َوال َْمْأثَ َـم ‪ ،‬اللَّ ُه َّم ال ُي ْه َز ُم ُج ْن ُد َك ‪َ ،‬وال يُ ْخلَ ُ‬ ‫اصيَتِ ِه ‪ِ ،‬إنَّ َ‬ ‫ِ‬
‫آخ ٌذ بِنَ ِ‬
‫ك َوبِ َح ْم ِد َك " ؛ أخرجه أبو داود‪.‬‬ ‫ْج ِّد ‪ُ ،‬س ْب َحانَ َ‬ ‫ك ال َ‬ ‫ْج ِّد ِم ْن َ‬
‫َي ْن َف ُع ذَا ال َ‬

‫‪395‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عازب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إ َذا‬ ‫وعن البراء بن ٍ‬
‫ك اَأْليْ َم ِن ‪ ،‬ثُ َّم قُ ْل ‪ :‬اللَّ ُه َّم‬ ‫ضطَ ِج ْع َعلَى ِش ِّق َ‬ ‫لصاَل ِة ‪ ،‬ثُ َّم ا ْ‬
‫وء َك لِ َّ‬ ‫ض َ‬‫ك َفَت َوضَّْأ ُو ُ‬ ‫ض َج َع َ‬
‫ت َم ْ‬ ‫َأَت ْي َ‬
‫ك ‪ ،‬اَل‬ ‫ك َر ْغبَةً َو َر ْهبَةً ِإلَْي َ‬ ‫ْأت ظَ ْه ِري ِإلَْي َ‬
‫ْج ُ‬ ‫ك ‪َ ،‬وَأل َ‬ ‫ت َْأم ِري ِإلَْي َ‬ ‫ض ُ‬‫ك ‪َ ،‬و َف َّو ْ‬ ‫ت َو ْج ِهي ِإلَْي َ‬ ‫َأسلَ ْم ُ‬
‫ْ‬
‫ْت ‪ ،‬فَِإ ْن‬ ‫ك الَّ ِذيـ َْأر َسل َ‬ ‫ْت َوبِنَبِيِّ َ‬‫ك الَّ ِذي َأْن َزل َ‬‫ت بِ ِكتَابِ َ‬ ‫ك ‪ ،‬اللَّ ُه َّم َ‬
‫آم ْن ُ‬ ‫ْجَأ َواَل َم ْن َجا ِم ْن َ‬
‫ك ِإاَّل ِإلَْي َ‬ ‫َمل َ‬
‫آخ َر َما َتتَ َكلَّ ُم بِ ِه " ؛ أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ت علَى ال ِْفطْر ِة ‪ ،‬واجعلْه َّن ِ‬ ‫ت ِم ْن لَْيلَتِ َ‬‫ُم َّ‬
‫َ َ َْ ُ‬ ‫ك فََأنْ َ َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ض للمسلم ما يُخي ُفه ويُف ِزعُه ‪ ،‬فإذا وج َد ذلك‬
‫فليستعذ باهلل ‪ ،‬قال رسول اهلل ‪-‬‬ ‫وقد يع ِر ُ‬
‫ع أح ُدكم من النوم ‪ ،‬فلي ُقل‪ :‬أعوذ بكلمات اهلل التامات من‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬إذا ف ِز َ‬
‫ض َّره»؛ أخرجهـ‬ ‫ضرون؛ فإنها لن ت ُ‬ ‫وشر عباده ‪ ،‬ومن َه َمزات الشياطين وأن يح ُ‬ ‫وعقابهـ ِّ‬ ‫غضبِه ِ‬
‫وحسنه الترمذيـ وابن حجر‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أبو داود ‪،‬‬
‫سمعت رسول اهلل ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫وسنن؛ عن أبي قتادة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫آداب ُ‬ ‫وللرؤيا واألحالم ٌ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يقول‪ " :‬الرُّْؤ ياـ ِمن اللَّ ِه ‪ ،‬والْحلْم ِمن َّ ِ‬
‫الش ْيطَان ‪ ،‬فَِإ ذَا َحلَ َم َ‬
‫َأح ُد ُك ْم‬ ‫َ ُ ُ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ض َّرهُ " ؛ أخرجهـ‬ ‫سا ِر ِه ثَاَل ثًا ‪َ ،‬ولْيََت َع َّو ْذ بِاللَّ ِه ِم ْن َش ِّر َهاـ ‪ ،‬فَِإ َّن َهاـ لَ ْن تَ ُ‬
‫ث َع ْن يَ َ‬
‫ُحل ًْما يَ ْك َر ُههُ َفلَْي ْن ُف ْ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وعن جابرـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪ِ " :‬إذَا َرَأى‬
‫سا ِر ِه ثَالثًا ‪َ ،‬ولْيَ ْستَ ِع ْذ بِاللَّ ِه ِم َن َّ‬
‫الش ْيطَ ِ‬
‫ان ثَالثًا ‪،‬‬ ‫ص ْق َع ْن يَ َ‬
‫َأح ُد ُك ُم الرُّْؤ يَاـ يَ ْك َر ُه َهاـ ‪َ ،‬فلْيَْب ُ‬
‫َ‬
‫َو َيتَ َح َّو ُل َع ْن َج ْنبِ ِه الَّ ِذي َكا َن َعلَْي ِه " ؛ أخرجه مسلم‪.‬‬
‫اهلل با ِرك لنا في القرآن والسنة ‪ ،‬وانفعنا بما فيهما من اآلياتـ والحكمة ‪ ،‬أقول قولي هذا ‪،‬‬
‫وأستغفر اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫‪396‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫ولي المؤمنين ‪ ،‬والعاقبةُـ للمتقين ‪ ،‬وال عُدوان إال على الظالمين ‪ ،‬وأشهد أن ال‬
‫الحمد هلل ِّ‬
‫الملك الحق المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله‬
‫ُ‬ ‫إله إال اهلل وحده ال شريك له‬
‫وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬‫الصاد ُق األمين ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ي باإلجابة؛ـ عن‬ ‫ويدعوه ‪ ،‬فإنه ح ِر ٌّ‬ ‫َ‬ ‫سن له أن يذ ُكر اهللَ تعالىـ‬ ‫وإذا انتبَه المسلم من الليل فيُ ُّ‬
‫ار‬
‫عبادة بن الصامت ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬م ْن َت َع َّ‬
‫ْح ْم ُد َو ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء‬ ‫ْك َولَهُ ال َ‬
‫يك لَهُ لَهُ ال ُْمل ُ‬ ‫ال اَل ِإلَهَ ِإاَّل اللَّهُ َو ْح َدهُ اَل َش ِر َ‬ ‫ِم َن اللَّْي ِل َف َق َ‬
‫ْح ْم ُد لِلَّ ِه َو ُس ْب َحا َن اللَّ ِه َواَل ِإلَهَ ِإاَّل اللَّهُ َواللَّهُ َأ ْكَب ُر َواَل َح ْو َل َواَل ُق َّوةَ ِإاَّل بِاللَّ ِه ثُ َّم قَ َ‬
‫ال‬ ‫ِ‬
‫قَد ٌير ال َ‬
‫صاَل تُهُ " ؛ أخرجهـ البخاري‪.‬‬ ‫صلَّى قُبِلَ ْ‬ ‫يب لَهُ فَِإ ْن َت َو َّ‬ ‫اللَّ ُه َّم ا ْغ ِفر لِي َأو َد َعا ْ ِ‬
‫ت َ‬ ‫ضَأ َو َ‬ ‫استُج َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وعن ُمعاذ بن جبل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬ما ِم ْن‬
‫َأل اللَّهُ َخ ْي ًرا ِإاَّل َأ ْعطَاهُ اللَّهُ ِإيَّاهُ " ؛ أخرجهـ‬ ‫ار ِم َن اللَّْي ِل ‪ ،‬يَ ْس ُـ‬ ‫يت َعلَى ِذ ْك ٍر طَ ِ‬
‫اه ًرا َفيََت َع َّ‬ ‫ُم ْسلِ ٍم يَبِ ُ‬
‫أحمد وأبو داود وابن ماجه‪.‬‬
‫ومن السنة‪ :‬قراءةُ آخر سورة آل عمران إذا قام ليالً؛ عن عبد اهلل بن عباس ‪ -‬رضي اهلل‬
‫ف الليل أو‬
‫انتص َ‬
‫عنهما ‪ -‬قال في حديثه‪ :‬فنام رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬حتى َ‬
‫فمسح‬
‫َ‬ ‫فجلس‬
‫َ‬ ‫ظ رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫قبله بقيل أو بعده بقليل ‪ ،‬ثم استيق َ‬
‫النوم عن وجهه بيده ‪ ،‬ثم قرأ العشرـ ٍ‬
‫آيات خواتيم سورة آل عمران؛ أخرجهـ البخاري‬ ‫َ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫السواك بعد النوم؛ عن حذيفة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان النبي ‪ -‬صلى اهلل‬
‫ُ‬ ‫ومن السنة‪:‬‬
‫وص فاهُ بالسواك؛ أخرجهـ البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ش ُ‬‫عليه وسلم ‪ -‬إذا قام من الليل ي ُ‬
‫وضع له َوضوؤه‬
‫وعن عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يُ َ‬
‫ِ‬
‫وسوا ُكه ‪ ،‬فإذا قام من الليل تخلَّى ثم َ‬
‫استاك؛ أخرجهـ أبو داود‪.‬‬
‫ينام إال‬
‫وعن ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان ال ُ‬
‫بالسواك؛ أخرجه أحمد‪.‬‬
‫ظ بدأ ِّ‬
‫والسواك عنده ‪ ،‬فإذا استيق َ‬
‫‪397‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫كر بعد االستيقاظ؛ عن حذيفةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان رسول اهلل ‪-‬‬ ‫ومن السنة‪ِّ :‬‬
‫الذ ُ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا أخذ ِ‬
‫مضجعه من الليل وضع ي َده تحت خدِّه ثم يقول‪ " :‬اللَّ ُه َّم‬
‫ظ قال‪ :‬؛ أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫َأحيَا " وإذا استيق َ‬ ‫وت َو ْ‬ ‫ك َُأم ُ‬ ‫اس ِم َـ‬‫بِ ْ‬
‫غسل اليد ثالثًا قبل استعمالها؛ عن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن‬ ‫ضا‪ُ :‬‬ ‫ومن السنة أي ً‬
‫َأح ُد ُك ْم ِم ْن َن ْو ِم ِه َفلَْيغْ ِس ْل يَ َدهُ َق ْب َل‬
‫ظ َ‬ ‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ِ " :‬إذَا ْ‬
‫اسَت ْي َق َ‬
‫َأ ْن ي ْد ِخلَها فِي و ُ ِئِ‬
‫ت يَ ُدهُ " ؛ أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫ضو ه ‪ ،‬فَِإ َّن َ‬
‫َأح َد ُك ْم اَل يَ ْد ِري َأيْ َن بَاتَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫بادر إلى ذكر‬ ‫وطيب النفس بعد االستيقاظ من النوم؛ فلي ِ‬ ‫ط وانشراح الصدر ِ‬ ‫ومن أراد النشا َـ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلل ‪ ،‬ثم إلىـ الوضوء والصالة؛ عن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫الث عُ َق ٍد ‪ُ ،‬ك ُّل‬
‫ام ثَ َ‬ ‫س ِ‬
‫َأحد ُك ْـم ِإ َذا ُه َو نَ َ‬
‫ِِ‬
‫الش ْيطَا ُن َعلَى قَافيَة َرْأ ِ َ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬ي ْع ِق ُد َّ‬
‫ت ُع ْق َدةٌ ‪ ،‬فَِإ َذا‬‫ظ فَ َذ َك َر اللَّهَ انْ َحلَّ ْ‬ ‫يل فَ ْارقُ ْد ‪ ،‬فَِإ َذا ْ‬
‫اسَت ْي َق َ‬ ‫ك لَْي ٌل طَ ِو ٌ‬
‫ب َم َكا َن َهاـ َعلَْي َ‬‫ض ِر ُ‬‫ُع ْق َد ٍة يَ ْ‬
‫س نَ ِشيطًا ‪َ ،‬وإال‬ ‫الن ْف ِ‬
‫ب َّ‬ ‫ت الْعُ َق ُد ُكلُّ َها ‪َ ،‬و ْ‬
‫َأصبَ َح طَيِّ َ‬
‫صلَّى انْحلَّ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ت عُ ْق َدتَان ‪ ،‬فَِإ ذَا َ‬ ‫ضَأ انْ َحلَّ ْ‬
‫َت َو َّ‬
‫س َك ْسال َن " ؛ أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫الن ْف ِ‬
‫يث َّ‬ ‫َأصبَ َح َخبِ َ‬‫ْ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫غيرها‬
‫كثير ُ‬
‫هذه أربعون حديثًاـ مما ثبت عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬وفي الصحيح ٌ‬
‫‪ ،‬أسألـ اهلل تعالىـ أن ينفع بها قائلَها ِ‬
‫وسام َعهاـ ‪ ،‬وأن يُعينَنا على تطبيقها والتزامها‪.‬‬
‫اللهم وفِّقنا ُلهداك ‪ ،‬واجعلنا نخشاك كأنا نراك ‪ ،‬واجعلنا ُمتَّبعين لسنة نبيك محمد ‪ -‬صلى‬
‫شرنا تحت لوائه‪.‬‬ ‫وارزقنا شفاعتَهـ ‪ ،‬واح ُ‬
‫حوضه ‪ُ ،‬‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬اللهمـ أو ِردنا َ‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬
‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬ ‫اللهم ِ‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نحره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ َّ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬
‫وفِّقه لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانة الصالحة ‪ ،‬وأتِ َّم عليه الصحةَ‬
‫ولي عهده‬‫لواء الدين ‪ ،‬اللهم وفِّق َّ‬
‫وحد به كلمةَ المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬ ‫والعافيةَـ ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫‪398‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫جميعا سبيل الرشاد ‪،‬‬


‫الخير للعباد ‪ ،‬واسلُك بهم ً‬
‫والنائب الثاني وإخوانهم وأعوانهم لما فيه ُ‬
‫َ‬
‫ِّدا لكل خير وصالح‪.‬‬ ‫جميعا ُم ِّ‬
‫وف ًقا ُمسد ً‬ ‫وكن لهم ً‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬
‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم اجمعهمـ على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم‬
‫أصلِح أحوال إخوانناـ في ليبيا واليمن وبالد الشام وفي كل مكان ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫احقن دماءهم ‪،‬‬
‫وآمن روعاتهمـ ‪ ،‬واحفظ ديارهمـ ‪ ،‬واجمعهمـ على الحق والهدى‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم انصرهمـ في فلسطين ‪،‬‬
‫الم َ‬‫اللهم انصر ُ‬
‫واجمعهم على الحق يا رب العالمين‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪.‬‬
‫شر األشرارـ ‪ ،‬وكي َد ال ُف َّجار ‪،‬‬
‫اكفنا َّ‬‫عجزونكـ ‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫وشر طوا ِرق الليل والنهار‪.‬‬ ‫َّ‬
‫اب النَّا ِر (‪. 554﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬ـ‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬شرف االنتساب للسلف الصالح‬

‫‪554‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪399‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابع والعشرون من جمادى اآلخرـ من عام ‪1432‬هـ‬

‫‪ -‬شرف االنتساب للسلف الصالح ‪-‬‬

‫نبذة مختصرة عن الخطبة‪:‬‬


‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬شرف‬
‫االنتسابـ للسلف الصالح" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن تعريف المنهج السلفي ‪ ،‬وأنه‪ :‬منهج‬
‫وأتباعهم ومن سار‬
‫َ‬ ‫المفضَّلة‬
‫الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وصحابته الكرام والقرون ُ‬
‫وصل إلى مرضاة اهلل هو األخذ‬ ‫على نهجهم ‪ ،‬وذكر شيًئا من مزاياهمـ ‪ ،‬وبيَّن أن الطريق الم ِ‬
‫ُ‬
‫بالكتاب والسنة على نهج سلف األمة‪.‬ـ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل ‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفرهـ ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ‬
‫ض َّل له ‪ ،‬ومن يُضلِل فال هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬ ‫أعمالنا ‪ ،‬من ِ‬
‫يهده اهلل فال م ِ‬
‫ُ‬
‫ِ ِِ‬ ‫عز عن الشبيه وعن الن ِّ‬
‫س َكمثْله َش ْيءٌ‬‫المثيل وعن النَّظير ‪ ﴿ ،‬لَْي َ‬
‫ِّد وعن َ‬ ‫وحده ال شريك له َّ‬
‫ص ُير (‪ 555 ﴾ )11‬وأشهدـ أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬
‫َو ُه َو َّ ُ َ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه والتابعين ‪ ،‬ومن تبعهم‬ ‫َ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫هدي محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪، -‬‬
‫الهديـ ُ‬
‫وخير َ‬
‫َ‬ ‫كتاب اهلل ‪،‬‬
‫فإن أصدق الحديث ُ‬
‫ٍ‬
‫ضاللة في النار‪.‬‬ ‫وكل‬
‫َّ‬ ‫وكل ٍ‬
‫بدعة ضاللة ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وكل م ٍ‬
‫حدثة بدعة ‪،‬‬ ‫وشر األمور ُمحدثاتُها ‪،‬‬
‫َّ‬
‫َّ ُ‬

‫‪555‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪400‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫آمنُوا‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬


‫ين َ‬
‫أال وإن خير الوصايا بعد المحامد والتحايا‪ :‬الوصيةُ بتقوى اهلل العظيم‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َواَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن (‪. 556﴾ )102‬‬
‫ين ُه ْم ُم ْح ِسنُو َن (‬ ‫َّ ِ‬ ‫من اتقىـ اهللَ كان معه ‪ ،‬وأحبَّه وتوالَّه ‪ِ ﴿ ،‬إ َّن اللَّهَ َم َع الَّ ِذ َـ‬
‫ين َّات َق ْوا َوالذ َ‬
‫ب الْمت َِّقين (‪ ﴿ ، 558﴾ )76‬فَِإ َّن اللَّهَ ي ِح ُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ ﴿ ، ﴾ )128‬فَِإ َّن اللَّهَ يُح ُّ ُ َ‬
‫‪557‬‬
‫ين (‪7‬‬‫ب ال ُْمتَّق َ‬ ‫ُ‬
‫‪. 559﴾ )6‬‬
‫المخاوف في حقه أمنًا ‪ ،‬فباهلل‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫المشاق ‪ ،‬وانقلَبَت‬ ‫فإذا ِ‬
‫حظ َي العب ُد بمعيَّة اهلل هانَت عليه‬
‫ويقرب كل بعيد ‪ ،‬وباهلل تزول الهموم والغموم ‪،‬‬ ‫ويسه ُل كل عسي ٍر ‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُيهون كل ٍ‬
‫صعب ‪،‬‬
‫غم وال حزن‪.‬‬
‫هم مع اهلل ‪ ،‬وال َّ‬
‫وتنزاح األكدارـ واألحزان؛ فال َّ‬
‫ُ‬
‫وإذا كان اهلل معك فمن تخاف؟! وإذا كان عليك؛ فمن ترجو؟!‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫خيرا من أولهاـ بخالف‬
‫آخرها ً‬ ‫ومخترعاتها غالبًا ما يكون ُ‬‫بمكتشفاتهاـ ُ‬ ‫الحضارةُ اإلنسانيةـ ُ‬
‫خيرا من آخرهم ‪،‬‬ ‫صحيح يكون أولهم ً‬‫ٍ‬ ‫ومعتقداتهم؛ فإن ُمتديِّني كل دي ٍن‬
‫أديان الناس ُ‬
‫وسلَ ُفهم أهدى من آخرهم ‪ ،‬ذلك أن الحضارة بدأت تحبو ‪ ،‬في حين أن األديان ُولِدت‬
‫وهدي ُمح َكم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وحي ُم َّنزل‬
‫تراكم معرفيـ ‪ ،‬أما الدينـ فهو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫واقفة ‪ ،‬والحضارةُ‬
‫والفر ُق بين األتباع األوائل لكل دي ٍن صحيح وبين ُمتأخِّريهم كمثل الفرق بين الماء عند‬
‫ط من الشوائب‪.‬‬
‫ط ما خال َ‬
‫منبعه والماء عند مصبِّه بعدماـ جرى وخال َ‬
‫وخير النصارى‪ :‬عيسى ابن مريمـ وحواريُّوه‬
‫َ‬ ‫وأحبارهمـ األولون ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫لذا فإن خير يهود‪ :‬أنبياؤهم‬
‫وخير المسلمين‪ :‬محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وصحابتُه المرضيُّون ثم الذينـ يلُونهم‬‫َ‬ ‫‪،‬‬
‫ثم الذينـ يلُونَهم‪.‬‬
‫ورفِع معهمـ فضل ‪ِ ،‬مصدا ُق ذلك ما‬ ‫وكلما غبَرت أمةٌ أو قر ٌن من الناس طُ ِوي معهمـ ٌ‬
‫علم ُ‬
‫ورد في وصية الرسولـ الكريمـ ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ألصحابه قبل الرحيل‪َ " :‬م ْن يَِع ْ‬
‫ش‬

‫‪556‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪557‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪558‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪559‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪401‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ين ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫اش ِد َـ‬


‫ين ال َْم ْهديِّ َ‬ ‫سنَّتِي َو ُسن َِّة الْ ُخلَ َف ِاء َّ‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سَي َرى ا ْختاَل فًا َكث ًيرا ‪َ ،‬ف َعلَْي ُك ْم ب ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن ُك ْم َب ْعدي فَ َ‬
‫اُأْلمو ِر ‪ ،‬فَِإ َّن ُك َّل ُم ْح َدثٍَة بِ ْد َعةٌ ‪َ ،‬و ُك َّل‬ ‫ِ‬ ‫بع ِدي ‪َ ،‬عضُّوا َعلَيها بِالن ِ ِ‬
‫َّواج ـذ ‪َ ،‬وِإيَّا ُك ْم َو ُم ْح َدثَات ُ‬ ‫ً َْ َ‬ ‫َْ‬
‫بِ ْد َع ٍة َ‬
‫ضاَل لَةٌ " ‪.‬‬
‫رب أهل دي ٍن من دينهم فانظر إلى قُربهمـ من سلَفهم ‪ ،‬فكلما اقتربوا‬ ‫شئت أن تعرف قُ َ‬ ‫وإذا َ‬
‫خلف ٍ‬
‫أمة سلَ َفهمـ فإنه ال خير فيهم؛ فهم دسيسةُ‬ ‫لعن ُ‬ ‫اهت َدواـ ‪ ،‬وكلما ج َفوا ضلُّوا ‪ ،‬أما إن َ‬
‫عدو ‪ ،‬وصنيعةُ كائد‪.‬‬
‫ٍّ‬
‫قال اإلمام أحمد ‪ -‬رحمه اهلل ‪" :-‬إذا رأيت الرجل يذكر أح ًدا من الصحابة ٍ‬
‫بسوء فاتَّهمه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫على اإلسالم"‪.‬‬
‫بح َج ِج السلف عند االتباع ِ‬
‫وفهم‬ ‫التمسك ُ‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫بالحث على‬ ‫َّفات األئمة‬
‫زخرت ُمصن ُ‬
‫وألجل هذا َ‬
‫الوحي ْين؛ فهو َأمنةٌ من االنحرافـ ‪ ،‬وضمانةٌ من الضالل‪.‬‬
‫نصوص َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫تعددت فيه المرجعيَّات ‪ ،‬وتبايَن االستمداد ‪،‬‬ ‫الحديث عن المنهج الحق في ٍ‬
‫وقت َّ‬ ‫ُ‬ ‫يتأك ُد‬
‫ول‬
‫ويح ُ‬‫س الحق على أهله ‪ُ ،‬‬ ‫وقل العلماء ‪ ،‬ون َدر الناصحون ‪ ،‬حين تكثُر ُّ‬
‫الشبَه ‪ ،‬ويُلبَّ ُ‬ ‫َّ‬
‫أقرب إلى الضالل وإن تبا َكوا‬ ‫ِ‬
‫بينهم وبينه دعاةُ الضاللة وعداةُ الهداية وأدعياءُ العلم ‪ ،‬وهم ُ‬
‫على اإلسالم ورسوله واآلل‪.‬‬
‫العدو هذه الحقيقة سعى لفصل خلف هذه األمةـ عن سلفهاـ ‪ ،‬وإيغار قلوب‬ ‫وحين أدرك ُّ‬
‫ُمتأخِّريها على ُمتقدِّميهاـ ‪ ،‬وتشويه ِسيَرهمـ وتواريخهم‪.‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫الظن من‬ ‫وألن األممـ تُؤتَى ‪ -‬في الغالب ‪ -‬من جهل أبنائها؛ـ فقد أكمل بعض من نُ ِ‬
‫حس ُن بهم َّ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫جماعات‬ ‫وتسموا باسمهم ‪ ،‬وأنشأوا‬
‫فانتسبوا للسلف َّ‬ ‫مشروع عدوهم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫جهلة األمة‬
‫َ‬
‫واستأثرت به ‪ ،‬ثم ارت َكبَت باسمه انحرافاتـ ‪،‬‬ ‫مات اختط َفت ذلك االسم الشريف‬ ‫ومنظَّ ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫وافتعلَت ُخصومات‪.‬‬
‫َ‬
‫اله َّوة‬
‫وسعوا ُ‬
‫الموجة ‪ ،‬ويُ ِّ‬
‫عدوهم تلك الفرصة فدفع بعمالئه لير َكبوا معهم َ‬‫فوت ُّ‬ ‫ولم يُ ِّ‬
‫فح ِمل خطؤهم على‬ ‫أنفسهمـ ُممثِّلين للسلفية ‪ُ ،‬‬
‫ونصبوا َ‬‫باالنتساب للسلف الصالحين ‪َّ ،‬‬
‫عادىـ باسم ُمحاربة‬
‫صوابها ‪ ،‬وغُلُ ُّوهم على وسطيَّتها واعتدالهاـ ‪ ،‬حتى صار اإلسالم يُ َ‬
‫‪402‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫تطرفين واإلرهابيين بأنهمـ سلفيُّون ‪ ،‬وو ِ‬
‫صفت عودةُ األمة‬ ‫الم ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫اإلعالم يصف ُ‬
‫ُ‬ ‫السلفيةـ ‪ ،‬وصار‬
‫وتشويها للتديُّن ‪ ،‬وأصبحت السلفيَّةُـ ُسبَّةً وجريمةً‬ ‫ً‬ ‫تنفيرا‬
‫تطرفة ً‬ ‫الم ِّ‬‫لدينهاـ الصحيح بالسلفيةـ ُ‬
‫َأح َّق بِ َها َو َْأهلَ َها َو َكا َن‬
‫تبرأ منها أصحابُها الذينـ هم أصحابُها ‪َ ﴿ ،‬و َكانُوا َ‬ ‫الح ُق أربابُها ‪ ،‬ويَ َّ‬
‫يُ َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫يما (‪. 560﴾ )26‬‬ ‫اللَّهُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ً‬
‫يا أيها المسلمون‪:‬‬
‫فبأي ٍ‬
‫كتاب‬ ‫المفضَّلة؛ ِّ‬ ‫سل ُفكمـ هو محم ٌد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وصحابتُه والقرون ُ‬
‫ستأمنين ‪ ،‬أو يدعون من دون اهلل األئمةَ‬‫الم َ‬
‫وجدتموهم يقتلون المسلمين ‪ ،‬أو يخونون ُ‬
‫يتبركون باألضرحة وقبور السالفين ‪ ،‬أو يُثيرون الفتن بين المسلمين؟!‬ ‫والصالحين ‪ ،‬أو َّ‬
‫ِّ‬
‫الصف ‪ ،‬وتنقية الدين‬ ‫سل ُفكم ‪ -‬يا أيها المسلمون ‪ -‬حريصون على جمع الكلمة ‪ ،‬ووحدة‬
‫بطلين ‪ ،‬وتأويلـ الجاهلينـ ‪ ،‬سل ُفكمـ كانوا أهدى طري ًقا ‪،‬‬‫من تحريف الغالينـ ‪ ،‬وانتحال الم ِ‬
‫ُ‬
‫حقا مسلمين‪.‬‬‫وأعلم بالوحي؛ـ فكانوا ًّ‬
‫َ‬ ‫وأتبع للكتاب والسنة ‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأقوم مسل ًكا ‪،‬‬
‫حزب أو ُمنظَّمة؛ بل‬
‫شخص أو جماعة ‪ ،‬أو يتبنَّاها ٌ‬
‫ٌ‬ ‫االنتساب للسلف ليس دعوى َّ‬
‫يدعيها‬ ‫ُ‬
‫هي طاعةٌ واتباع ‪ ،‬ووحدةٌ واجتماع ‪ ،‬ونب ٌذ لل ُفرقة واالجتماع‪.‬‬
‫منهج السلف الصالح هو اإلسالم األول الذي عرفه أبو بك ٍـر وعمر وعثما ُن وعلي ‪ ،‬هو‬
‫ومصعب ‪ ،‬هو الجادَّة‬ ‫قاتل ألجلهـ خال ٌـد وسعد ‪ ،‬واستُش ِهد في سبيله حمزة ُ‬
‫َّهج الذي َ‬ ‫الن ُ‬
‫َّخعي‬
‫الحسن البصري والن ُّ‬ ‫ترسمه‬
‫السبيل الذي َّ‬ ‫وابن عباس ‪ ،‬وهو‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ابن مسعود ُ‬‫الذي سلَكهاـ ُ‬
‫والشافعي وأحمد ‪ ،‬هو الطريق الذي‬ ‫طرقَها أبو حنيفة ومالكـ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫جاج التي َ‬
‫والشعبي ‪ ،‬وهو الف ُ‬
‫ُّ‬
‫وكثير غيرهم على‬
‫ٌ‬ ‫خطا فيه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ‪ ،‬وأولئك كل أولئك‬
‫وآثارهمـ معلومة ‪ ،‬وكتبُهم ُمسطَّرةٌ ومخطوطة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫منهجهم ‪ِ ،‬سيَرهم محفوظة ‪،‬‬
‫واجتنب ما أحدثَهـ الخلف ‪ ،‬وما أسهلـ االتباع‬
‫َ‬ ‫تمسك بما كان عليه السلف ‪،‬‬
‫فالسعي ُـد من َّ‬
‫وأيسر االهتداء إن عافَى اهلل من دعاة الضاللة‪.‬‬

‫‪560‬‬
‫سورة الفتح‬
‫‪403‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ين َّاتَبعُ ُ‬‫صا ِر َوالَّ ِذ َـ‬ ‫اَأْلولُو َن ِمن الْم َه ِ‬


‫اج ِر َـ‬ ‫السابِ ُقو َن َّ‬ ‫وقد ش ِهد اهلل تعالىـ بقوله‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫وه ْم‬ ‫ين َواَأْلنْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ار َخالِ ِد َـ‬
‫ين فِ َيها َأبَ ًدا‬ ‫َأع َّد لَ ُهم جن ٍ‬
‫َّات تَ ْج ِري تَ ْحَت َها اَأْلْن َه ُـ‬ ‫ضوا َع ْنهُ َو َ ْ َ‬
‫ان ر ِ‬
‫ض َي اللَّهُ َع ْن ُه ْم َو َر ُ‬ ‫بِِإ ْح ٍ‬
‫س ـ َ‬‫َ‬
‫‪561‬‬
‫يم (‪. ﴾ )100‬‬ ‫ِ‬ ‫ذَلِ َ‬
‫ك الْ َف ْو ُز ال َْعظ ُ‬
‫عن عمران بن ُحصين ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬‬
‫ين َيلُو َن ُه ْم‪ "..‬الحديث؛ أخرجهـ البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ين َيلُو َن ُه ْم ‪ ،‬ثُ َّم الَّ ِذ َـ‬ ‫َّ ِ‬ ‫َخ ْير الن ِ ِ‬
‫َّاس َق ْرني ثُ َّم الذ َ‬ ‫ُ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫المنهج الذي يُمثِّل هذا الدينـ العظيم في ُشموله وصفائه كما‬
‫ُ‬ ‫إن منهج السلف الصالح هو‬
‫جميع‬ ‫ينتظم اإلسالم كلَّه كما ِ‬
‫ينتظ ُم‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اسم ُ‬ ‫يُمثِّل المسلمين في اجتماعهم وائتالفهم ‪ ،‬إنه ٌ‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأصحابُه ‪،‬‬
‫المسلمين الثابتين على اإلسالم الذي كان عليه ُّ‬
‫فرد أن‬ ‫ٍ‬
‫لجماعة أو ٍ‬ ‫فهو شريعةُـ اهلل في صفائها ‪ ،‬وهو عقيدةُ الحق في نقائهاـ ‪ ،‬ال ُّ‬
‫يحق‬
‫ِ‬
‫تحتق َره‪.‬‬
‫معالمهـ سنةُ النبي‬
‫ِّد َ‬ ‫حدود هذاـ المنهج هو القرآ ُن الكريم ‪ ،‬والذي يُحد ُ‬
‫َـ‬ ‫يرسم‬
‫فالذي ُـ‬
‫عرف الحادثات من الدين‬ ‫ٍ‬
‫خالف واختالف ‪ ،‬بذلكـ المنهج تُ ُ‬ ‫األمنةُ من كل‬
‫الخاتم ‪ ،‬وهو َ‬
‫عرف األدعياء في علم الشريعة فيُح َذرون ‪ ،‬ويُعرف الشاقُّون لصف األمةـ‬ ‫فتُتَّقى ‪ ،‬ويُ ُ‬
‫المهتَدون فيُتَّبعون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المخلصون ُ‬
‫ووحدتهاـ فيُجتنَبون ‪ ،‬ويُعرف ُ‬
‫العملي األول لإلسالم ‪ ،‬تحت سمع‬
‫َّ‬ ‫التطبيق‬
‫َ‬ ‫تكمن أهميةُ نهج السلف الصالح في كونه‬
‫ُ‬
‫وبصر رسول السالم ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ ، -‬وتمثَّله التابعون بعد ذلك تحت سمع‬
‫وبصر الصحابة المشهود لهم بالخيريَّة واالصطفاء ‪ ،‬وكذلكـ تابِعوهم؛ فمن الذين يُزايِ ُـد على‬
‫عي أن الحق خالفَه؟!‬ ‫يد َ‬‫ذلك النهج ‪ ،‬ومن يجرُؤ أن َّ‬
‫ول َوُأولِي‬ ‫الر ُس َ‬ ‫َأطيعُوا َّ‬ ‫َأطيعوا اللَّه و ِ‬
‫ََ‬
‫ِ‬
‫آمنُوا ُ‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ول ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُْؤ ِمنُو َن بِاللَّ ِه َوالَْي ْوِم‬ ‫اَأْلم ِر ِم ْن ُك ْم فَِإ ْن َتنَ َاز ْعتُ ْم فِي َش ْي ٍء َف ُردُّوهُ ِإلَى اللَّ ِه َو َّ‬
‫الر ُس ِـ‬ ‫ْ‬
‫س ُن تَْأ ِوياًل (‪. 562﴾ )59‬‬ ‫َأح َ‬
‫ك َخ ْي ٌر َو ْ‬ ‫اآْل ِخ ِر ذَلِ َ‬

‫‪561‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪562‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪404‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫بارك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنةـ ‪ ،‬ونفعناـ بما فيهما من اآليات والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫خلق خل َقه واصط َفى منهم من اصط َفى ‪ ،‬وجعل خيرتَهم أنبياءهم ومن‬ ‫الحمد هلل وكفى ‪َ ،‬‬
‫خالف منهم إن شاء َّ‬
‫عذب‬ ‫َ‬ ‫ترسم سبيلَهم واقت َفى ‪ ،‬وتبارك اهلل ُمثيب الطائعين ألمره ‪ ،‬ومن‬‫َّ‬
‫أو عفا ‪ ،‬وأشهد أن إله إال اهلل وحده ال شريكـ له وال َمثيل وال شبيه وال كِ َفا ‪ ،‬وأشهد أن‬
‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وأصحابه ومن‬ ‫المصطفى ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬ ‫محم ًدا عب ُده ورسولُه ُ‬
‫لمنهجهم اقت َفى‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫شاملـ في النظر واالستدالل ‪ ،‬في ِّ‬
‫التلقيـ واالستمداد ‪ ،‬واالرتباطـ‬ ‫منهج ٌ‬
‫منهج السلف ٌ‬
‫ُ‬
‫يكاد يخلو أح ٌد من‬
‫المحدثات في السلوك والتعبُّدـ ‪ ،‬وال ُ‬
‫بالنص الشرعي ‪ ،‬وفي نبذ ُ‬
‫ِّ‬
‫المنتسبين إليه في كل ٍ‬
‫مكان من ٍ‬
‫خلل في الفهمـ أو في التطبيق ‪ ،‬إال أن الخالف في امتثال‬ ‫ُ‬
‫المخالِف ‪ ،‬أو‬‫وجزئياتـ ال يجوز أن يكون داعيًا إلى تصنيف ُ‬‫هذا المنهج في بعض الفروع ُ‬
‫بشيء من األصول‬ ‫ٍ‬ ‫يقطع نسبتَه إلىـ السلف؛ فإن األصل في كل ٍ‬
‫مسلم لم يتلبَّس‬ ‫نبذه ٍـ‬
‫باسم ُ‬
‫ٍـ‬
‫مسألة اجتهاديةـ ‪،‬‬ ‫خالف في‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫معصية أو‬ ‫المحدثة أنه على نهج السلف وإن وقع في‬
‫البدعية ُ‬
‫المخالف‪:‬‬ ‫ِ‬
‫عار ُ‬‫ومن قال بالكتاب والسنة واإلجماع كان من أهل السنة والجماعة ‪ ،‬وش ُ‬
‫ُمفارقة الكتاب والسنة وإجماع المسلمين‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫والمحدثاتـ ‪ ،‬واالنحرافـ عن‬


‫تسرب إليها من البدع ُ‬
‫الوهن لألمة بقدر ما َّ‬
‫ُ‬ ‫تسرب‬
‫لقد َّ‬
‫اليوم طري ًقا‬ ‫الوحيين ‪ ،‬وإذا كان المسلمون ِ‬
‫يلتمسون َ‬ ‫ْ‬ ‫الطريقـ الحق ‪ ،‬وضعف االستمدادـ من‬
‫‪405‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫للنهوض فليس لهم من ٍ‬
‫سبيل إال وحدة جماعتهم ‪ ،‬وال سبيل إلى وحدة الجماعة إال على‬
‫مصدره القرآن والسنة ‪ ،‬وهذه ُخالصة االتجاهـ‬
‫ُ‬ ‫واإلسالم الصحيح‬
‫ُ‬ ‫اإلسالم الصحيح ‪،‬‬
‫السلفي‪.‬ـ‬
‫عودةٌ باإلسالم إلى معينه الصافيـ من كتاب اهلل وسنة رسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬فال‬
‫تلتبِس عليكم ُّ‬
‫السبُل ‪ ،‬وال تُضلَّنكم األهواء ‪ ،‬وال ُ‬
‫يص َّدنكمـ كثرةُ األعداء أو َسطوة‬
‫األدعياء‪.‬‬
‫الباطل باطالً وارزقنا اجتنابَه‪.‬‬
‫َ‬ ‫اتباعه ‪ ،‬وأ ِرنا‬ ‫اللهم أ ِرنا الحق ًّ‬
‫حقا وارزقنا َ‬
‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريةـ ‪ ،‬وأزكى البشرية‪:‬ـ محمد بن عبد اهلل ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل‬
‫وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر‬
‫وارض اللهم عن األئمةـ المهديين ‪ ،‬والخلفاء المر ِ‬
‫ضيِّين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الميامين ‪،‬‬
‫َْ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم‬ ‫ٍّ‬ ‫وعثمان ‪،‬‬
‫يا رب العالمين‪.‬‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين‬ ‫اللهم ِ‬
‫ودمر أعداء الدين ‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائرـ بالد المسلمين‪.‬‬ ‫‪ِّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫دمارا‬ ‫فر َّد كي َده في نحره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيره ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا ودينَنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫عليه‪.‬‬
‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ َّ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬
‫وفِّقه لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانة الصالحة ‪ ،‬وأتِ َّم عليه الصحة‬
‫والعافية والشفاء ‪ ،‬وأسبِغ عليه لباس العافية‪.‬‬
‫والنائب‬
‫َ‬ ‫وحد به كلمةَ المسلمين ‪ ،‬وارفع به لواء الدينـ ‪ ،‬اللهمـ وفِّق َّ‬
‫ولي عهده‬ ‫اللهم ِّ‬
‫جميعا ُم ِّ‬
‫وف ًقا‬ ‫الثانيـ لما فيه الخير للعباد والبالد ‪ ،‬واسلُكـ بهم سبيل الرشادـ ‪ ،‬وكن لهم ً‬
‫ِّدا لكل خير وصالح‪.‬‬
‫ُمسد ً‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬

‫‪406‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم اجمعهمـ على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم‬
‫احقنـ دماءهم ‪ِ ،‬‬
‫وآمن روعاتهمـ ‪ ،‬واحفظ ديارهم‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم انصرهمـ في فلسطين ‪،‬‬
‫الم َ‬‫اللهم انصر ُ‬
‫واجمعهم على الحق يا رب العالمين‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهم‬
‫عجزونك‪.‬ـ‬ ‫ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫اب النَّا ِر (‪. 563﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫خطبة الجمعة ‪ :‬تأمالت في معنى التشهد‬

‫من المسجد الحرام‪ :‬التاسع والعشرونـ من رجب من عام ‪1432‬هـ‬

‫‪ -‬تأمالت في معنى التشهدـ ‪-‬‬

‫‪563‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪407‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬تأمالت‬
‫في معنى التشهد" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن شرح وتفسير معاني التشهدـ في الصالة ‪ ،‬وبيان‬
‫السنن الواردة واألدعية المأثورة في آخر الصالة قبل السالم‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫غيره يُرتَجى عند‬


‫إن الحمد هلل وله بعد الحمد التحاياـ الزاكيات ‪ ،‬وهو المستعان فمن ُ‬
‫حسب الكائنات ‪ ،‬وأشهدـ أن ال‬
‫ُ‬ ‫الملِ َّمات ‪ ،‬وعليه التُّكالن فحسبُنا اهلل وهو‬
‫ودهم ُ‬ ‫الكروب َ‬
‫المجبول على أكرم سجيَّة‬
‫ُ‬ ‫زجىـ كل تحية ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله‬ ‫إله إال اهلل وله تُ َ‬
‫وبارك عليه وعلى آله وذريته أكرم ذرية ‪ ،‬وعلى صحابته ذوي النفوس‬ ‫‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫ٍـ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫الرضيَّة ‪ ،‬ومن تبِعهم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫َّ ِ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ‬
‫ين َ‬
‫فأوصيكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬ونفسي بتقوى اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ -‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫َح َّق ُت َقاتِِه َواَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن (‪. 564﴾ )102‬‬
‫خرا ‪ ،‬وعند اهلل ألتقىـ‬
‫خير الزاد ذُ ً‬
‫من اتقىـ اهلل وقاه ‪ ،‬وكفاه وأسع َدهـ وآواه ‪ ،‬وتقوى اهلل ُ‬
‫مزيد‪.‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ومالقاتهمـ‬
‫وكالمهم عند مخاطبة العظماء ُ‬
‫َ‬ ‫يكسون به فِعالَهم‬
‫والناس ُ‬
‫ُ‬ ‫األدب في الناس‬
‫ُـ‬ ‫ُمذ كان‬
‫ودين اإلسالم يُعلِّمنا في الصالة التي هي عمود الدين‬‫ُ‬ ‫وخير الناس ُخلًُقا أحسنُهمـ أدبًا ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫‪،‬‬
‫تله َج ألسنتُنا‬
‫نتوسل إلى اهلل بأجمل التحايا ‪ ،‬وأن َ‬
‫وشرف العبادات هلل رب العالمين أن َّ‬ ‫ُ‬
‫جل في عُاله‬ ‫أكرم منه ‪َّ -‬‬
‫أعظم من اهلل ‪ ،‬ومن ُ‬ ‫بأطيب العبارات وأزكى الكلماتـ ‪ ،‬ومن ُ‬
‫‪-‬؟!‬

‫‪564‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪408‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وخضوعا‬
‫ً‬ ‫خشوعا‬
‫ً‬ ‫وجوارحهـ في الصالة عبوديةً هلل‬
‫ُ‬ ‫المصلِّي‬
‫جميع أعضاء ُ‬‫ُ‬ ‫وتأمل كيف تتحرك‬‫َّ‬
‫وختمها بالجلوس بين‬
‫َ‬ ‫المصلِّي هذه العبادة وقبل أن يُسلِّم انتهت حركاتُهـ ‪،‬‬
‫أكمل ُ‬
‫َ‬ ‫‪ ،‬فإذا‬
‫يجلس العب ُـد‬
‫ُ‬ ‫وخضوع لعظمته ‪ -‬عز وجل ‪ -‬كما‬ ‫ٍ‬ ‫جلوس تذلُّل وانكسار‬
‫َ‬ ‫يدي الربـ تعالىـ‬
‫الذليل بين يدي سيده‪.‬‬
‫ُ‬
‫فُأذن للعبد في هذه‬‫خضوعا وتذلُّالً ‪ِ ،‬‬
‫ً‬ ‫وأعظمه‬ ‫وجلوس الصالة أخشع ما يكون من الجلوس‬
‫ُ‬
‫الحال بالثناء على اهلل ‪ -‬تبارك وتعالى ‪ -‬بأبلغ أنواع الثناء ‪ ،‬وهو‪ :‬التحيات هلل والصلوات‬
‫والطيبات‪.‬ـ‬
‫عن عبد اهلل بن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬كنا إذا جلسنا مع النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫السالم على فالن وفالن ‪ ،‬فقال‬ ‫ُ‬ ‫السالم على اهلل من عباده ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وسلم ‪ -‬في الصالة قُلنا‪:‬‬
‫الم ‪َ ،‬ولَ ِك ْن‬ ‫الس ُ‬ ‫الم َعلَى اللَّ ِه ؛ فَِإ َّن اللَّهَ ُه َو َّ‬ ‫الس ُ‬‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ال َت ُقولُوا َّ‬
‫ك َُّأي َها النَّبِ ُّي َو َر ْح َمةُ اللَّ ِه َو َب َر َكاتُهُ ‪،‬‬
‫الم َعلَْي َ‬
‫الس ُ‬‫ات ‪َّ ،‬‬ ‫ات َوالطَّيِّبَ ُ‬ ‫ات لِلَّ ِه َو َّ‬
‫الصلَ َو ُ‬ ‫قُولُوا ‪ :‬الت ِ‬
‫َّحيَّ ُ‬
‫الس َم ِاء َْأو َب ْي َن‬
‫اب ُك َّل َع ْب ٍد فِي َّ‬ ‫ين‪ ،‬فَِإ نَّ ُك ْـم ِإذَا ُقلْتُ ْم َ‬
‫َأص َ‬
‫اد اللَّ ِه َّ ِ ِ‬
‫الصالح َ‬
‫السالَم َعلَينَا و َعلَى ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ُ ْ َ‬
‫الد َع ِاء‬
‫َأن ُم َح َّم ًدا َع ْب ُدهُ َو َر ُسولُهُ ثُ َّم َيتَ َخَّي ُر ِم ْن ُّ‬
‫ض َأ ْش َه ُد َأ ْن اَل ِإلَهَ ِإاَّل اللَّهُ َوَأ ْش َه ُد َّ‬
‫اَأْلر ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الس َماء َو ْ‬
‫َأ ْع َجبَهُ ِإلَْي ِه َفيَ ْدعُو بِ ِه " ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وثناء عليهم ‪،‬‬
‫تعظيما لهم ً‬ ‫ً‬ ‫يليق بهم‬
‫من عادة الناس إذا دخلوا على ملوكهم أن يُحيُّوهم بما ُ‬
‫أنواع الثناء على‬
‫َ‬ ‫يجمع العب ُد‬ ‫أحق بالتعظيم والثناء من كل ٍ‬
‫أحد من خلقه ‪ ،‬وفي التشهُّد‬ ‫واهللُ ُّ‬
‫ُ‬
‫اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وأجمل عبارات األدب والتحية ‪ ،‬والتحيات جمع تحية ‪ ،‬والتحية هي‬
‫والتحيات على سبيل العموم‬
‫ُ‬ ‫نوع من أنواع التحيات الطيبة فهو هلل ‪،‬‬
‫التعظيم ‪ ،‬فكل ٍ‬
‫المطلق‬
‫أهل للتعظيم ُ‬
‫والكمال واإلطالق ال تكون إال هلل ‪ -‬عز وجل ‪ ، -‬وهو ‪ -‬سبحانه ‪ٌ -‬‬
‫والملك والبقاءُ هلل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ ،‬فالعظمة‬
‫شرعا من‬
‫شامل لكل ما يُطلَق عليه صالةٌ لغةً أو ً‬
‫والصلوات؛ أي‪ :‬والصلوات هلل ‪ ،‬وهو ٌ‬
‫ُ‬
‫ضا‬ ‫ُّ‬
‫يستحقها سواه ‪ ،‬والدعاءُ أي ً‬ ‫فالصلوات كلها هلل ‪ ،‬ال أحدـ‬
‫ُ‬ ‫والتضرع والرحمةـ ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الدعاء‬

‫‪409‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ب لَ ُك ْم ِإ َّن‬ ‫ال ربُّ ُك ـم ا ْدعُونِي ْ ِ‬ ‫ٌّ‬


‫َأستَج ْ‬ ‫حق هلل ‪ -‬عز وجل ‪ ، -‬كما قال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ :-‬وقَ َ َ ُ‬
‫الَّ ِذين يست ْكبِرو َن عن ِعبادتِي سي ْد ُخلُو َن جهن ِ‬
‫ين (‪. 565﴾ )60‬‬ ‫َّم َداخ ِر َ‬
‫ََ َ‬ ‫َ َ َْ ُ َ ْ َ َ ََ‬
‫فرضها ونفلُهاـ هلل ‪ ،‬وكل األدعية هلل‪.‬‬ ‫فكل الصلوات ُ‬
‫والطيبات‪:‬ـ هي األعمال الزكية ‪ ،‬ما يتعلَّ ُق باهلل وما يتعلَّ ُق بأفعالـ العباد؛ فما يتعلَّق باهلل فإن له‬
‫من األوصاف أطيبَها ‪ ،‬ومن األفعالـ أطيبَها ‪ ،‬ومن األقوال أطيبَها ‪ ،‬قال النبي ‪ -‬صلى اهلل‬
‫ب الَ َي ْقبَ ُل ِإالَّ طَيِّبَاً " ؛ أخرجه مسلم‪.‬‬
‫عليه وسلم ‪ِ " :-‬إ َّن اهللَ َت َعالَىـ طَيِّ ٌ‬
‫طيب في كل شيء ‪ ،‬في ذاته وصفاتهـ وأفعاله‪.‬‬
‫فهو ‪ -‬سبحانه ‪ٌ -‬‬
‫يليق به إال الطيب ‪ ،‬وال‬ ‫ضا من أعمال العبادـ القولية والفعلية الطيب؛ فإن الطيب ال ُ‬ ‫وله أي ً‬
‫ات (‬‫ات لِلطَّيِّبِين والطَّيِّبو َن لِلطَّيِّب ِ‬
‫اسمه ‪َ ﴿ :-‬والطَّيِّبَ ُ‬ ‫يُ َّ‬
‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫عز ُ‬ ‫قد ُم له إال الطيب ‪ ،‬وقد قال ‪َّ -‬‬
‫‪566‬‬
‫الطيب من األقوال واألفعالـ من‬ ‫ُ‬ ‫إال‬ ‫به‬ ‫يليق‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫‪،‬‬ ‫‪-‬‬ ‫وجل‬ ‫عز‬ ‫‪-‬‬ ‫اهلل‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫سن‬ ‫فهذه‬ ‫‪﴾ )26‬‬
‫الصالِ ُح َي ْر َفعُهُ (‪. 567﴾ )10‬‬ ‫ب َوال َْع َم ُل َّ‬ ‫ِ‬
‫ص َع ُد الْ َكل ُـم الطَّيِّ ُ‬
‫ِ‬
‫الخلق ‪ِ ﴿ ،‬إلَْيه يَ ْ‬
‫فكانت الطيباتـ كلها له ومنه وإليه ‪ ،‬له ُمل ًكا ووص ًفا ‪ ،‬ومنه مجيُئها وابتداؤها ‪ ،‬وإليه‬
‫ومنتهاها‪.‬‬
‫مصعدهاـ ُ‬
‫َ‬
‫الخير على يديه‬ ‫ولما أتى بهذا الثناء على اهلل تعالى الت َفت إلى شأن الرسولـ الذي حصل هذا ُ‬
‫ك َُّأي َها النَّبِ ُّي‬‫الم َعلَْي َ‬
‫الس ُ‬
‫تشهد‪َّ " :‬‬
‫الم ِّ‬
‫سالم مقرونًا بالرحمةـ والبركة ‪ ،‬فيقول ُ‬ ‫أتم ٍ‬ ‫فسلَّم عليه َّ‬
‫والسالم اسم اهلل ‪ -‬عز وجل ‪-‬؛ ألن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ُ‬ ‫َو َر ْح َمةُ اللَّ ِه َو َب َر َكاتُهُـ "‬
‫الساَل ُم " ؛ رواه البخاري‪ .‬وقال ‪ -‬عز وجل ‪ُ ﴿ :-‬ه َو اللَّهُ الَّ ِذي اَل ِإلَهَ‬ ‫‪ -‬قال‪ِ " :‬إ َّن اللَّهَ ُه َو َّ‬
‫الساَل ُم (‪. 568﴾ )23‬‬
‫وس َّ‬ ‫ِإاَّل ُه َو ال َْملِ ُ‬
‫ك الْ ُق ُّد ُـ‬
‫بالحفظ والكالءة‬ ‫ِ‬ ‫فيكون المعنى‪ :‬أن اهلل تعالىـ يتولَّى رسولَه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫والعناية‪.‬ـ‬

‫‪565‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪566‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪567‬‬
‫سورة فاطر‬
‫‪568‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪410‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫صلُّوا َعلَْي ِه‬‫آمنُوا َ‬


‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫ضا بمعنى‪ :‬التسليم ‪ ،‬كما قال ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ :-‬يَا َُّأي َها الذ َ‬ ‫والسالم أي ً‬
‫ِ‬
‫يما (‪ 569﴾ )56‬فهو دعاءٌ وتحية‪.‬‬ ‫َو َسلِّ ُموا تَ ْسل ً‬
‫ِ‬ ‫المصلِّين‬
‫والمالئكة الحاضرين ‪ ،‬وقيل‪ :‬بل‬ ‫تشهد على نفسه وعلى من معه من ُ‬ ‫ثم يُسلِّ ُم ُ‬
‫الم ِّ‬
‫السالم َعلَينَا و َعلَى ِعب ِ‬
‫اد اللَّ ِه‬ ‫َ‬ ‫جميع أمة محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬وذلك بقوله‪َ ْ ُ َّ " :‬‬ ‫ُ‬
‫صالح في السماء واألرض من اآلدميينـ‬ ‫عبد ٍ‬ ‫وعباد اهلل الصالحون‪ :‬هم كل ٍ‬ ‫ين "‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫الصالح َ‬
‫وعباد اهلل‪ :‬هم الذينـ تعبَّدوا اهلل؛ أي‪ :‬تذلَّلوا له‬ ‫ُ‬ ‫والمالئكة والجن من األحياء واألمواتـ ‪،‬‬
‫وصف لإلنسان أن يكون عب ًدا لإلنسان ال‬ ‫ٍ‬ ‫وأشرف‬
‫ُ‬ ‫بالطاعة امتثاالًـ ألمره واجتنابًا لنهيه ‪،‬‬
‫سمعنا وأطعنا‪.‬‬ ‫سمع أمر ربه قال‪ِ :‬‬‫عب ًدا لهواه ‪ ،‬فإذا ِ‬
‫ومتابعة‬ ‫ِ‬
‫سرائرهمـ وظواهرهم بإخالص العبادةـ هلل ُ‬ ‫ُ‬ ‫وعباد اهلل الصالحون هم الذين صلُحت‬ ‫ُ‬
‫رسوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫ختم هذا المقام بعقد اإلسالم ‪ ،‬وهو‪ :‬التشهُّد بشهادةـ الحق والتوحيد‪« :‬أشهد أن ال إله‬
‫ثم َ‬
‫جميع الرسل ‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬‬ ‫َ‬ ‫بعث اهلل بها‬ ‫إال اهلل» ‪ ،‬وال إله إال اهلل كلمةُ التوحيد التي َ‬
‫ون (‪. 570﴾ )25‬‬ ‫ول ِإاَّل نُ ِ‬
‫وحي ِإلَْي ِه َأنَّهُ اَل ِإلَهَ ِإاَّل َأنَا فَا ْعب ُد ِ‬ ‫ك ِم ْن ر ُس ٍ‬‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫َو َما َْأر َسلْنَا م ْن َق ْبل َ َ‬
‫حق إال اهلل‪.‬‬ ‫ومعناها‪ :‬ال معبود ٌّ‬
‫فرسول اهلل الخاتَم هو محمد بن‬
‫ُ‬ ‫تشهد‪« :‬وأشهد أن ُمحم ًدا عبده ورسوله» ‪،‬‬
‫الم ِّ‬
‫ثم يقول ُ‬
‫عبد اهلل بن عبد المطلب القرشيـ الهاشمي ‪ ،‬بعثَه اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬بمكة أم القرى وأحب‬
‫البالد إلى اهلل ‪ ،‬وهاجرـ إلى المدينة ‪ ،‬وتُوفِّي فيها ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫فهو عب ٌد هلل ‪ ،‬ليس له في العبادةـ شرك ‪ ،‬وقد أمره اهلل تعالىـ أن يقول‪ ﴿ :‬اَل َأقُ ُ‬
‫ول لَ ُك ْم‬
‫ِئ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وحى ِإلَ َّي (‪)50‬‬ ‫ك ِإ ْن َأتَّبِ ُع ِإاَّل َما يُ َ‬
‫ول لَ ُك ْـم ِإنِّيـ َملَ ٌ‬ ‫ع ْندي َخ َزا ُـن اللَّه َواَل َأ ْعلَ ُم الْغَْي َ‬
‫ب َواَل َأقُ ُ‬
‫ض ًّرا َواَل َر َش ًدا (‪ )21‬قُ ْل ِإنِّي لَ ْن‬ ‫وقال له في آية أخرى‪ ﴿ :‬قُ ْل ِإنِّي اَل َْأملِ ُ‬
‫‪571‬‬
‫ك لَ ُك ْم َ‬ ‫﴾‬

‫‪569‬‬
‫سورة االحزاب‬
‫‪570‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪571‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪411‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫َأج َد ِم ْن ُدونِِه ُملْتَ َح ًدا (‪ِ )22‬إاَّل بَاَل غًا ِم َن اللَّ ِه َو ِر َسااَل تِِـه (‪)23‬‬
‫ي ِجيرنِي ِمن اللَّ ِه َأح ٌـد ولَن ِ‬
‫َ َ ْ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ورسول من الرسلـ ‪ ،‬لكنه أشرفُهم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫﴾‪ 572‬فهو عب ٌد من العبادـ ‪ ،‬لكنه أفضلُهم ‪،‬‬
‫وهو ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أشد الناس خشيةً هلل وأقومهم تعبُّ ًدا هلل ‪ ،‬حتى إنهم كان‬
‫يقوم ُمصلِّيًا حتى َّ‬
‫تتورم قدماه ‪ ،‬فيُقال له‪ :‬لقد غفر اهلل من ذنبك ما َّ‬
‫تقدم وما تأخَّر ‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫" َأفَال َأ ُكو ُن َع ْب ًدا َش ُك ً‬
‫ورا " ؛ رواه مسلم‪.‬‬
‫رسله ‪ ،‬أرسله اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وجعله واسطةً بينه وبين الخلق في‬ ‫ومعنى‪ :‬ورسوله؛ أي‪ُ :‬م َ‬
‫عرفنا كيف نعبد اهلل ‪ -‬عز‬
‫تبليغ شرعه؛ إذ لوال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ما َ‬
‫وجل ‪ ، -‬فكان ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬رسوالً من اهلل إلى الخلق ‪ ،‬ونِعم الرسولـ ‪،‬‬
‫رسل من‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ونِعم ِ‬
‫رسول ُم ٌ‬ ‫رسل به ‪ ،‬فالنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬هو‬ ‫الم َ‬‫المرسل ‪ ،‬ونعم ُ‬ ‫ُ‬
‫إماماـ مع أنه‬ ‫المعراج َّ‬ ‫اهلل ‪ ،‬وهو أفضل الرسلـ خاتمهم وإمامهمـ ‪ ،‬لما ج ِمعوا له ليلة ِ‬
‫تقدمهم ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫آخرهم مبعثًا ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ ، -‬كما روى ذلك اإلمام أحمد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫التشهدـ في الركعة الثانيةـ من صالة الظهر والعصر‬ ‫يجلس في ُّ‬ ‫ُ‬ ‫المصلِّي حين‬ ‫هذا ما يقوله ُ‬
‫ضا ‪،‬‬ ‫التشهدـ أي ً‬
‫والمغربـ والعشاء ‪ ،‬وأما الجلوس للتشهُّد األخيرـ قبل السالم فيأتي بهذاـ ُّ‬
‫ويزي ُد عليه الصالةَ على النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬فيقول بعد الشهادتين‪:‬ـ " اللَّ ُه َّم‬
‫ك َح ِمي ٌد‬ ‫يم ِإنَّ َ‬ ‫ِ ِإ ِ‬ ‫ِإ ِ‬ ‫صلَّْي َ‬ ‫ٍ‬ ‫ص ِّل َعلَى ُم َح َّم ٍد ‪ ،‬و َعلَى ِ‬
‫يم َو َعلَى آل ْب َراه َ‬ ‫ت َعلَى ْب َراه َ‬ ‫آل ُم َح َّمد َك َما َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يم و َعلَى ِ‬ ‫ِ‬ ‫آل ُم َح َّم ٍد َك َما بَ َار ْك َ‬ ‫َم ِجي ٌد ‪ ،‬اللَّ ُه َّم بَا ِر ْك َعلَى ُم َح َّم ٍد ‪ ،‬و َعلَى ِ‬
‫آل‬ ‫ت َعلَى ِإ ْب َراه َـ َ‬ ‫َ‬
‫ك َح ِمي ٌد َم ِجي ٌد " ‪.‬‬ ‫يم ِإنَّ َ‬ ‫ِإ ِ‬
‫ْب َراه َ‬
‫وفي "الصحيحين" عن كعب بن ُعذرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬خرج علينا رسول اهلل ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ف ُقلنا‪ :‬قد عرفنا كيف نُسلِّم عليك ‪ ،‬فكيف نُصلِّي عليك؟ قال‪" :‬‬
‫ك َح ِمي ٌد َم ِجي ٌد‬ ‫ِإ ِ‬ ‫صلَّْي َ‬ ‫ٍ‬ ‫ص ِّل َعلَى ُم َح َّم ٍد و َعلَى ِ‬
‫يم‪ِ ،‬إنَّ َ‬
‫ت َعلَى ْب َراه َ‬ ‫آل ُم َح َّمد‪َ ،‬ك َما َ‬ ‫َ‬ ‫قولوا‪ :‬اللَّ ُه َّم َ‬
‫"‪.‬‬
‫حميد الساعدي أنهم قالوا‪ :‬يا رسول اهلل! كيف نُصلِّي‬ ‫ضا عن أبي ٍ‬ ‫وفي "الصحيحين" أي ً‬
‫ت َعلَى ِ‬‫صلَّْي َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫آل‬ ‫عليك؟ قال‪ " :‬قولوا‪ :‬اللَّ ُه َّم َ‬
‫ص ِّل َعلَى ُم َح َّمد ‪َ ،‬و َعلَى َأ ْز َواجه َوذُ ِّريَّته ‪َ ،‬ك َما َ‬
‫‪572‬‬
‫سورة الجن‬
‫‪412‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يم ‪ِ ،‬إنَّ َ‬
‫ك‬ ‫ِ ِإ ِ‬ ‫ِإ ْبر ِاهيم ‪ ،‬وبا ِر ْك َعلَى مح َّم ٍد و َعلَى َأ ْزو ِ‬
‫اج ِه َوذُ ِّريَّتِ ِه ‪َ ،‬ك َما بَ َار ْك َ‬
‫ت َعلَى آل ْب َراه َ‬ ‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ َ ََ‬
‫يم فِي‬ ‫ِ ِإ ِ‬ ‫ت َعلَى ِإ ْب َر ِاه َـ‬ ‫َح ِمي ٌد َم ِجي ٌد " ‪ .‬وفي رواية عند مسلم‪َ " :‬ك َما بَ َار ْك َ‬
‫يم َو َعلَى آل ْب َراه َ‬
‫الم َك َما قَ ْد َعلِ ْمتُ ْم " ‪.‬‬ ‫ك َح ِمي ٌد َم ِجي ٌد ‪َ .‬و َّ‬
‫الس ُ‬ ‫ال َْعالَ ِم َـ‬
‫ين ‪ِ ،‬إنَّ َ‬
‫صل على محمد؛ قيل‪ :‬إن الصالة من اهلل‪ :‬الرحمة ‪ ،‬وقيل‪ :‬ثناؤه عليه في المأل‬ ‫ومعنى‪ِّ :‬‬
‫األعلى ‪ ،‬كما أخرجه البخاري ُمعلَّ ًقاـ بصيغة الجزم ‪ ،‬ولفظُه‪ :‬صالة اهلل‪ :‬ثناؤه عليه عند‬
‫المالئكة‪.‬‬
‫تفرع منهم ‪ ،‬وقيل‪ :‬المقصود‪ :‬أتباعُه‬ ‫وآل محمد‪ :‬هم قرابتُه المؤمنون من بني هاشمـ ومن َّ‬
‫على دينه‪.‬‬
‫الفضل منك على آل‬
‫ُ‬ ‫سبق‬
‫يت على آل إبراهيم؛ أي‪ :‬كما أنك ‪ -‬سبحانك ‪َ -‬‬ ‫كما صلَّ َ‬
‫ٍ‬
‫محمد وآله‪.‬‬ ‫الفضل منك على‬
‫َـ‬ ‫إبراهيم ِ‬
‫فألحق‬
‫ودوامها‬ ‫محمد وعلى آل محمد؛ أي‪ :‬أن ِزل عليه البركة ‪ ،‬وهي‪ :‬كثرةُ الخيراتـ‬ ‫ٍ‬ ‫وبا ِرك على‬
‫ُ‬
‫ويشمل البركةَ في العمل والبركةَ في األثر‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫واستمرارهاـ ‪،‬‬
‫ُ‬
‫حمد ‪-‬‬
‫إنك حمي ٌد مجيد‪ :‬حمي ٌد؛ أي‪ :‬حام ٌـد لعباده وأوليائه الذينـ قاموا بأمره ‪ ،‬ومحمو ٌد يُ َ‬
‫ِ‬
‫وجزيل اإلنعام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صفات الكمالـ‬ ‫عز وجل ‪ -‬على ما له من‬
‫جمال هذه‬
‫فتأمل َ‬
‫وأما المجيد‪ :‬فهو ذو المجد ‪ ،‬والمج ُد هو العظمةُ وكمال السلطان ‪َّ ،‬‬
‫وحسنَها وجمالَهاـ ‪ ،‬وتدبَّر معانيهاـ حين تزدلِ ُ‬
‫ف بها إلى ربك في جلوس‬ ‫التحيات وكمالها ُ‬
‫خاشع ُمتأدِّب‪.‬ـ‬
‫ٌ‬ ‫التشهُّد وأنت‬
‫وأنعم بها علينا‪.‬‬
‫َ‬ ‫فالحم ُد هلل الذي هداناـ إليها ‪،‬‬
‫اللهم با ِرك لنا في الكتابـ والسنة ‪ ،‬وانفعنا بما فيهما من اآلياتـ والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪413‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمنـ الرحيم ‪ ،‬مالكـ يوم الدين ‪ ،‬وأشهدـ أن إله إال اهلل وحده‬
‫ال شريك له الملك الحق المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه الصادق األمين ‪ ،‬صلَّى‬
‫اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬ـ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وقد جاءت السنةُ بالترغيب في الدعاء بعد التشهُّد وقبل السالم ‪ ،‬قال النبي ‪ -‬صلى اهلل‬
‫اء " ‪ .‬وفي‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬البنـ مسعود بعد ما علَّمه التشهُّد‪ " :‬ثُ َّم يت َخَّير ِمن ُّ ِ‬
‫الد َعاء َما َش َ‬ ‫ََ ُ َ‬
‫الد َع ِاء َأ ْع َجبَهُ ‪َ ،‬فيَ ْدعُو بِ ِه " ‪.‬‬
‫َأح ُد ُك ْم ِم َن ُّ‬
‫"الصحيحين"‪ " :‬ثُ َّم َيتَ َخَّي ُر َ‬
‫خيري الدنيا‬
‫تحب من َ‬ ‫واألفضل أن تأتيـ أوالً بالدعاء الوارد في السنة ثم تدعو بعد ذلكـ بما ُّ‬ ‫ُ‬
‫بأدعية تُقالـ في هذا الموضع؛ منها‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫واآلخرة ‪ ،‬وقد جاءت السنةُ‬
‫ما جاء في "الصحيحين" عن أبيـ هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل‬
‫َّم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫َأح ُد ُك ْم ِم َن التَّ َ‬
‫شه ِـ‬ ‫عليه وسلم ‪ِ " :-‬إ َذا َف َر َ‬
‫ُّد َفلْيََت َع َّو ْذ بالله م ْن َْأربَ ٍع‪ :‬م ْن َع َذاب َج َهن َ‬ ‫غ َ‬
‫ال " ‪.‬‬ ‫الد َّج ِـ‬ ‫ات ‪َ ،‬و ِم ْن َش ِّر فِ ْتنَ ِة ال َْم ِس ِ‬
‫يح َّ‬ ‫اب الْ َق ْب ِر ‪ ،‬و ِمن فِ ْتنَ ِة الْم ْحيا والْمم ِ‬
‫َ َ َ ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫َو ِم ْن َع َذ ِـ‬
‫وقد كان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يُعلِّ ُم أصحابَه هذا الدعاء كما يُعلِّ ُمهم السورةَ من‬
‫ستحب استحبابًاـ شدي ًدا؛ بل إن من‬ ‫ٌّ‬ ‫القرآن ‪ ،‬ولذلكـ فإن هذا الدعاء في هذا الموضع ُم‬
‫العلماء من قال بوجوبه‪.‬‬
‫وعن عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان يدعو في‬
‫ال َوَأعُوذُ‬ ‫الد َّج ِـ‬
‫يح َّ‬ ‫ك ِم ْن فِ ْتنَ ِة ال َْم ِس ِ‬ ‫اب الْ َق ْب ِر ‪َ ،‬وَأعُوذُ بِ َ‬‫ك ِم ْن َع َذ ِ‬ ‫الصالة‪ " :‬اللَّ ُه َّم ِإنِّي َأعُوذُ بِ َ‬
‫ال لَهُ‬‫ك ِم َن ال َْمْأثَ ِم َو ِم َن ال َْم ْغ َرِم " ‪َ ،‬ف َق َـ‬ ‫ك ِمن فِ ْتنَ ِة الْم ْحيا وفِ ْتنَ ِة الْمم ِ‬
‫ات ‪ ،‬اللَّ ُه َّم ِإنِّيـ َأعُوذُ بِ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ َ‬ ‫بِ َ ْ‬
‫ب ‪َ ،‬و َو َع َد‬ ‫ث فَ َك َذ َـ‬‫الر ُج َـل ِإ َذا غَ ِر َم ‪َ :‬ح َّد َ‬
‫ال ‪ِ " :‬إ َّن َّ‬ ‫قَاِئ ٌل ‪َ :‬ما َأ ْك َث َر تَ ْستَ ِعي ُذ ِم َن ال َْم ْغ َرِم ! َف َق َ‬
‫ف " ؛ متفق عليه‪.‬‬ ‫فََأ ْخلَ َ‬
‫اختبار للمرء في دينه؛ كفتنة‬ ‫ٌ‬ ‫جميع الفتنـ الواقعةـ في الحياة مما فيها‬ ‫ُ‬ ‫والمراد بفتنة المحيا‪:‬‬
‫الشبُهات والشهوات‪.‬ـ‬ ‫المال ‪ ،‬وفتنة النساء ‪ ،‬وفتنة األوالد والجاه ‪ ،‬وجميع فتن ُّ‬
‫وأما فتنة الممات‪ :‬فهي سؤال الملَ َكين للميت في قبره عن ربه ودينه ونبيِّه ‪ ،‬لقول النبي ‪-‬‬
‫يب ِم ْن فِ ْتنَ ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إنَّهُ قَ ْد ُأوح َي ِإلَ َّي َأنَّ ُك ْـم ُت ْفَتنُو َن في الْ ُقبُو ِر مثْ َل َْأو قَ ِر َ‬
‫ال " ؛ رواه البخاري‪.‬‬ ‫الد َّج ِـ‬ ‫ال َْم ِس ِ‬
‫يح َّ‬

‫‪414‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يحدث عند االحتضار من سوء الخاتمة وإغواء الشيطان لإلنسان ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ومن فتنة الممات‪ :‬ما‬
‫ْجن َِّة َحتَّى َما يَ ُكو ُن‬
‫َأح َد ُك ْم لََي ْع َم ُل بِ َع َم ِل َْأه ِل ال َ‬
‫قال الرسولـ ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إ َّن َ‬
‫اب ‪َ ،‬فَي ْع َم ُل بِ َع َم ِل َْأه ِل النَّا ِر " ‪.‬‬ ‫ْكتَ ُـ‬‫بينَهُ وبيَنها ِإاَّل ِذراعٌ ‪َ ،‬فيسبِ ُق َعلَي ِه ال ِ‬
‫ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ َْ َ‬
‫رصا على إغواء بني آدم في تلك اللحظات ‪ ،‬والمعصوم من‬ ‫ِ‬
‫وأشد ما يكون الشيطان ح ً‬
‫عصمه اهلل‪.‬‬‫َ‬
‫يحصل به من اإلضالل واإلغواء بما معه من الشبهاتـ ‪،‬‬‫الدجال‪:‬ـ ما ُ‬‫والمراد بفتنة المسيح َّ‬
‫ُ‬
‫وخصه بالذكرـ مع أنه من فتنة المحيا؛ ِلعظم فتنته‪.‬‬
‫َّ‬
‫نية يأثَ ُـم بها اإلنسان‪.‬ـ‬ ‫فعل أو ٍ‬ ‫قول أو ٍ‬ ‫والمأثم‪ :‬هو كل ٍ‬
‫ُ‬
‫عاملة ‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫جناية أو م ٍ‬ ‫والمغرم‪ :‬هو كل ما يغرمهـ اإلنسان بسبب َدي ٍن أو ٍ‬
‫ـ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت َو َما‬
‫َأس َر ْر ُ‬
‫ت ‪َ ،‬و َما ْ‬ ‫ضا‪ " :‬اللَّ ُه َّم ا ْغ ِف ْر لِي َما قَ َّد ْم ُ‬
‫ت َو َما َأخ َّْر ُ‬ ‫ومما ورد من الدعاء أي ً‬
‫ت َأ ْعلَ ُم بِ ِه ِمنِّي " ؛ أخرجهـ مسلم‪.‬‬ ‫ت ‪َ ،‬و َما َأنْ َ‬ ‫َأ ْعلَْن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النبي ‪ -‬صلى‬ ‫ك " ‪ .‬أوصى ُّ‬ ‫ضا‪ " :‬اللَّ ُه َّم َأعنِّي َعلَى ِذ ْك ِر َك َو ُش ْك ِر ِك َو ُح ْس ِن عبَ َ‬
‫ادتِ ِ‬ ‫ومما ورد أي ً‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ُ -‬معاذًاـ أن يقولَه في ُدبر كل صالة‪.‬‬
‫ت‪،‬‬ ‫وب ِإال َأنْ َ‬ ‫ت َن ْف ِسي ظُل ًْما َكثِ ًيرا ‪َ ،‬وال َيغْ ِف ُر ُّ‬
‫الذنُ َـ‬ ‫ومما ورد من الدعاء‪ " :‬اللَّ ُه َّم ِإنِّيـ ظَلَ ْم ُ‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫ت الْغَ ُفور َّ ِ‬ ‫فَا ْغ ِف ْر لِي َمغْ ِف َرةًـ ِم ْن ِع ْن ِد َك ‪َ ،‬و ْار َح ْمنِي ‪ِ ،‬إنَّ َـ‬
‫ك َأنْ َ‬
‫يم "‪ .‬أوصى ُّ‬ ‫الرح ُ‬ ‫ُ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬أبا بك ٍر أن يقولَه في الصالة ‪ ،‬كما في "صحيح البخاري"‪.‬‬
‫موض َع ْي إجابة ادعاء في الصالة ‪ ،‬وهما‪ :‬السجود ‪ ،‬أو بعد‬ ‫واألولَى أن يقالـ في أحد ِ‬
‫ُ‬
‫التشهُّد وقبل السالم‪.‬‬
‫خيري الدنيا واآلخرة‪.‬ـ‬
‫وبعد ذلك يدعو المسلم بما شاء من َ‬
‫اللهم ِّ‬
‫فقهنا في الدينـ ‪ ،‬واجعلنا من أتباع سيد المرسلين‪.‬ـ‬
‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريةـ ‪ ،‬وأزكى البشرية‪:‬ـ محمد بن عبد اهلل ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل‬
‫وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر‬
‫وارض اللهم عن األئمةـ المهديين ‪ ،‬والخلفاء المر ِ‬
‫ضيِّين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الميامين ‪،‬‬
‫َْ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم‬ ‫ٍّ‬ ‫وعثمان ‪،‬‬
‫يا رب العالمين‪.‬‬
‫‪415‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬


‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نحره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ َّ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬
‫وفِّقه لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةـ الصالحة‪.‬‬
‫وحد به كلمةَ المسلمين ‪ ،‬وارفع به لواء الدينـ ‪ ،‬اللهمـ وفِّقه ونائبَيه لما فيه الخير‬ ‫اللهم ِّ‬
‫ِّدا لكل خير‬ ‫جميعا ُم ِّ‬
‫وف ًقا ُمسد ً‬ ‫للعباد والبالد ‪ ،‬واسلُك بهم سبيل الرشادـ ‪ ،‬وكن لهم ً‬
‫وصالح‪.‬‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬
‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالـ‬
‫المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم اجمعهمـ على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫احقنـ دماءهمـ ‪،‬‬
‫خيرا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شهم ‪ ،‬واجعلـ كل قضاء قضيتَه لهم ً‬ ‫وأرغد عي َ‬ ‫وآمن روعاتهم ‪ ،‬واحفظ ديارهم ‪،‬‬
‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم انصرهمـ في فلسطين ‪،‬‬
‫الم َ‬‫اللهم انصر ُ‬
‫واجمعهم على الحق يا رب العالمين‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهم‬
‫عجزونك‪.‬ـ‬ ‫ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫اب النَّا ِر (‪. ﴾ )201‬‬
‫‪573‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪573‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪416‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬تقوى اهلل بصيام رمضان‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس من رمضان من عام ‪1432‬هـ‬

‫‪ -‬تقوى اهلل بصيام رمضان ‪-‬‬

‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪ " :‬تقوى‬
‫تحدث فيها عن شهر رمضان وما فيه من ِعظات ِ‬
‫وعبر ‪ ،‬وذكر‬ ‫اهلل بصيام رمضان" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫المسلم فراغَه ووقته في هذاـ الشهرـ المبارك ‪ ،‬وأشار إلى أهمية‬
‫ُ‬ ‫أبرز األعمال التي يمُأل بها‬
‫َ‬
‫االلتفات إلى إخواننا المنكوبين والعطف عليهم‪.‬‬

‫‪417‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫سحاء الليل والنهار‬


‫أفاض علينا من خيره ولم َيزل يُفيض ‪ ،‬ي ُده َّ‬‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي َ‬
‫نثر وال قَريض ‪،‬‬ ‫‪ ،‬ال تُ ِ‬
‫ط بحمده ٌ‬ ‫عجزها نفقةٌ وال تغيض ‪ ،‬له المحام ُد والمكارم فال يُحي ُ‬
‫ويسر لنا فيه ما‬
‫أحمده تعالى أشكره ‪ ،‬وُأثني عليه وأستغفره ‪ ،‬تفضَّل علينا بسيد الشهور ‪َّ ،‬‬
‫عظيم األجور ‪ ،‬أشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا‬‫نحوز به َ‬‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى‬ ‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه والتابعين لهم‬ ‫عبده ورسوله ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫يوم البعث والنشور‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫تكفير الذنوبـ ‪ ،‬والنجاةُ من ال ُخطوب ‪،‬‬ ‫فالوصيةُ المبذولةُ الكبرى هي الوصيةُ بالتقوى؛ بها ُ‬
‫آمنُوا ِإ ْن َتَّت ُقوا اللَّهَ يَ ْج َع ْل لَ ُك ْم ُف ْرقَانًاـ‬
‫ين َ‬ ‫الدروب ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬ ‫ِ‬
‫التباس ُّ‬ ‫ومعرفةُ الحق حين‬
‫ض ِل ال َْع ِظ ِيم (‪. 574﴾ )29‬‬ ‫َويُ َك ِّف ْر َع ْن ُك ْم َسيَِّئاتِ ُك ْم َو َيغْ ِف ْر لَ ُك ْم َواللَّهُ ذُو الْ َف ْ‬
‫الزاد لنُ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ترفَّعوا عن هذه الدنياـ كما ِ‬
‫قلة ال بد لها أن تكون ‪،‬‬ ‫زهد فيها الصالحون ‪ ،‬وأع ُّدوا َ‬
‫والفتن عاصفةٌ قد‬ ‫ُ‬ ‫تناهت ‪،‬‬ ‫األيام والسنون ‪ ،‬وتنبَّهوا فالغفلةُـ قد َ‬ ‫واعتبِروا بما تدور به ُ‬
‫وخالف أمره وبين من قطع‬ ‫تدانَت ‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫عصى اهللَ‬
‫نفسه ‪ ،‬فشتَّان بين من َ‬ ‫تدارك َ‬ ‫ورحم اهلل من َ‬
‫خده على أعتابِه ‪ ،‬فيا خجلةَ‬ ‫ومرغ َّ‬ ‫عمره في معاملةـ ربه وذكره ‪ ،‬ول ِز َم الوقوف ببابه ‪َّ ،‬‬
‫فرطين‪.‬‬ ‫الخطَّائين ‪ ،‬ويا ندامةَ ُ‬
‫الم ِّ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫التزودـ حانَت ‪ ،‬والعب ُد في هذا الشهر إما ُموفَّ ٌق أو‬
‫حل ‪ ،‬وفرصتُكم في ُّ‬ ‫المعظَّم قد َّ‬
‫شهركم ُ‬
‫ُ‬
‫باعا ‪ ،‬وسيكون‬ ‫ِ‬
‫وتمضي تِ ً‬ ‫فستمر أيامه ِس ً‬
‫راعا ‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫مخذول ‪ ،‬أما وقد مضى من شهرناـ ليالي ‪،‬‬
‫تحصيل وافِر األجور ‪ ،‬والسعادةـ في الدنيا وفي يوم النُّشور‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الموفَّقين‬
‫من شأن ُ‬
‫والت ساعة ٍ‬
‫ندم وال بكاء ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وفوات األوقات ‪،‬‬ ‫ضياع اللياليـ‬
‫وندماـ على ِ‬
‫َ‬ ‫أسى ً‬ ‫أقوام ً‬
‫وسيبكيـ ٌ‬
‫األخبار عن النبي‬
‫ُـ‬ ‫صحت‬
‫وتداركوا األيام بالباقياتـ الصالحات ‪ ،‬وقد َّ‬
‫َ‬ ‫فاستبِقوا الخيراتـ ‪،‬‬
‫‪574‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪418‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫سابًا غُِف َر‬ ‫ضا َن ِإيمانًا و ْ ِ‬


‫احت َ‬ ‫ام َر َم َ َ َ‬ ‫صَ‬ ‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فيما رواه الشيخان ‪ -‬أن " َم ْن َ‬
‫سابًاـ غُِف َر لَهُ َما َت َق َّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِه " ‪،‬‬ ‫ضا َن ِإيمانًا و ْ ِ‬
‫احت َ‬ ‫ام َر َم َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَهُ َما َت َق َّد َم م ْن ذَنْبِه " ‪ ،‬وأن " َم ْن قَ َ‬
‫سابًاـ غُِف َر لَهُ َما َت َق َّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِه " ‪.‬‬ ‫وأن " من قَام لَْيلَةَ الْ َق ْد ِر ِإيمانًا و ْ ِ‬
‫احت َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ضا َن‬ ‫ف ْام ِرٍئ َأ ْد َر َك َر َم َ‬ ‫وصح عن المصطفى ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪َ " :‬ر ِغ َم َأنْ ُ‬ ‫َّ‬
‫َفلَ ْم ُيغْ َف ْر لَهُ " ‪.‬‬
‫ألهتهاـ شهواتُها واألهواء ‪ ،‬ويا أيهاـ الراكبون خلف سرابـ الدنيا قد‬ ‫فكم ِ‬
‫أنوف َ‬‫رغمت ٌ‬
‫الالهثون وراء متابعةـ األخبار ‪ ،‬الباحثون عن كل‬ ‫األشغال أنفاسهمـ ‪ ،‬ويا أيهاـ ِ‬
‫ُـ َ‬ ‫حبست‬ ‫َ‬
‫تفاصيل األنباء وإشاعاتهاـ ‪ ،‬وإلى الالهين بالمسلسالت والقنواتـ السادرين في غفلة‬
‫شهركم‬ ‫َّ‬
‫أبصارهم؛ إنهاـ فرصتُكم لتتوقفوا قليالً ‪ ،‬وإنه ُ‬ ‫َ‬ ‫الشاشات‬
‫ُـ‬ ‫شت‬ ‫الموبِقاتـ ‪ ،‬قد أع َ‬ ‫ُ‬
‫تبحث عن السعادةـ في‬ ‫ُ‬ ‫الروح إلى باريهاـ ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتؤوب‬
‫َ‬ ‫القلب ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ويطمئن‬
‫َّ‬ ‫لتهدأ فيه األنفاسـ ‪،‬‬
‫وتأنس بالجلوس لألسرة واألوالد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫جنَبات المسجد ‪ ،‬ومن خالل آي القرآن ‪،‬‬
‫ليكن شأنُكمـ التقلُّل من أعراض الدنياـ ‪ ،‬واإلحسا َن إلىـ األقربينـ ‪ ،‬وإدامةَ ذكر اهلل ‪،‬‬
‫ب َعلَى الَّ ِذ َـ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫ام َك َما ُكت َ‬ ‫الصيَ ُ‬
‫ب َعلَْي ُك ُم ِّ‬ ‫ِ‬
‫الصيام ألجلها‪ُ ﴿ :‬كت َ‬ ‫َ‬ ‫شرع اهلل‬‫وتحقيق التقوى التي َ‬ ‫َ‬
‫ِم ْن َق ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُقو َن (‪. 575﴾ )183‬‬
‫ب‪،‬‬ ‫َأح ِد ُك ْم فَاَل َي ْرفُ ْ‬ ‫يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إذَا َكان يوم ِ‬
‫ص َخ ْ‬ ‫ث َواَل يَ ْ‬ ‫ص ْوم َ‬ ‫َ َْ ُ َ‬
‫صاِئ ٌم " ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫َأح ٌد َْأو قَاَتلَهُ ‪َ ،‬فلَْي ُق ْل ‪ِ :‬إنِّي ْام ُرٌؤ َ‬
‫فَِإ ْن َسابَّهُ َ‬
‫وطيب الروح ‪ ،‬وتأثير‬ ‫فهذا توجيهٌ لما يجب أن يكون عليه الصائمـ من كمال النفس ‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫يصل النفوس باهلل فيُش ِر ُق عليها من ل ُدنه النور حتى تذو َق حالو َة‬ ‫التقوى؛ ألن رمضان ِ‬
‫يعرف البغضاء وال الشر وال العُدوان‪.‬ـ‬ ‫اإليمان ‪ ،‬ومن ذا َق حالو َة اإليمان لم ِ‬
‫خوف‬
‫ُ‬ ‫محوا ‪ ،‬ويملؤها‬ ‫الغش من نفوس أهلها ً‬ ‫تمحو َّ‬ ‫تحققت التقوى في القلوب فإنه ُ‬ ‫وإذا َّ‬
‫وتقف ألسنتُهم عن‬ ‫وتغض أبصارهم عن المحارم ‪ِ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ف نفوسهم عن الحرام ‪،‬‬ ‫اهلل ورجاؤه ِ‬
‫فتع ُّ‬
‫جرت بذكر اهلل واستغفاره ‪ ،‬وهانَت عليهم الدنيا حين أرادوا اهللَ والدار‬
‫الكذب؛ ألنهاـ َ‬
‫فاجر‪.‬‬ ‫يغشهمـ تاجر ‪ ،‬أو ِ‬
‫يعتدي عليهم ِ‬ ‫الناس آمنين أن َّ‬
‫اآلخرةـ ‪ ،‬فغ َدا ُ‬
‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫‪575‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪419‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫المؤمن إلىـ تقوى اهلل سوقًا ‪ ،‬ويح ُدوه إلى العمل الصالح ‪ ،‬والسعي‬
‫َ‬ ‫الصوم ُّ‬
‫الحق يسو ُق‬ ‫ُ‬
‫شاهدـ في‬
‫الم َ‬
‫ومبادرةً قبل الفوات؛ـ بَي َد أن ُ‬
‫تدار ًكا للزمنـ الفاضلـ ‪ُ ،‬‬
‫والمسارعة إلىـ الحسناتـ ُ‬
‫توق ًفا عن الطعام والشراب فحسب من‬ ‫الحال أن رمضان ال يع ُدو عند الكثيرينـ أن يكون ُّ‬
‫غير زيادة عمل ‪ ،‬وال مزيد ورع ‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪ ﴿ :‬لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُقو َن (‪.576﴾ )183‬‬
‫نفسك لئال تكون من‬ ‫ِ‬
‫يزدد إيمانُكـ ‪ ،‬وتكثُر أعمالُك ‪ ،‬وينتهي عصيانُك ‪ ،‬فراجع َ‬ ‫فإن لم َ‬
‫فرطين‪.‬‬
‫الم ِّ‬
‫ُ‬
‫دفعه ذلكـ إلىـ‬ ‫وأيقن باليوم اآلخر والحساب والجزاء َ‬ ‫َـ‬ ‫آمن اإلنسا ُن باهلل العظيم ‪،‬‬ ‫وإذا َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا ُكت َ‬ ‫ين َ‬ ‫استرضاء ربه واالستعدادـ للقائه واالستقامةـ على صراطه ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين ِم ْن َق ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْـم َتَّت ُقو َن (‪ 577﴾ )183‬بدأ باإليمان‬ ‫ب َعلَى الَّ ِذ َـ‬ ‫ِ‬
‫ام َك َما ُكت َ‬
‫الصيَ ُ‬
‫َعلَْي ُك ُم ِّ‬
‫وختم بالتقوى‪.‬‬
‫َ‬
‫تكاليف لها ‪،‬‬
‫َ‬ ‫اإلسالم كلمةً ال‬ ‫َ‬ ‫فيجعل‬
‫ُ‬ ‫ومن الضالل أن يهبِط اإلنسا ُن بحقيقة الدينـ ‪،‬‬
‫وأماني ال عمل معها ‪ ،‬فال يقوم إلى واجب ‪ ،‬وال ينتهي عن محرم ‪ ،‬فيكون من الذينـ‬ ‫َّ‬
‫وغرتهم الحياةُ الدنيا‪.‬ـ‬
‫لهوا ولعبًا َّ‬ ‫اتخذوا دينَهم ً‬
‫عمل الصالحاتـ أو تقوى‬ ‫وما من ٍ‬
‫مجردا؛ بل عطََفت عليه َ‬ ‫ً‬ ‫آية في كتاب اهلل ذكرت اإليما َن‬
‫وكثيرا ما‬
‫ً‬ ‫اإلسالم له؛ بحيث أصبحت صلةُ العمل باإليمان آصرةٌ ال فَكاك عنها ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫اهلل أو‬
‫عملية محدودة ‪ ﴿ ،‬فَاَل اقْتَ َح َم ال َْع َقبَةَ (‪)11‬‬ ‫ٍ‬ ‫يُشار إلى اإلسالم وحقيقتهـ الشاملة بمظاهر‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ك ر َقب ٍة (‪َ )13‬أو ِإطْع ِ ٍ ِ‬
‫يما ذَا‬‫ام في َي ْوم ذي َم ْسغَبَة (‪ )14‬يَت ً‬ ‫ْ ٌَ‬ ‫اك َما ال َْع َقبَةُـ (‪ )12‬فَ ُّ َ َ‬ ‫َو َما َأ ْد َر َ‬
‫َم ْق َربٍَـة (‪َْ )15‬أو ِم ْس ِكينًا َذا َم ْت َربٍَة (‪. 578﴾ )16‬‬
‫ينصبُها القرآ ُن دليالً على فراغ النفس من العقيدةـ ‪ ،‬وخراب القلب من‬ ‫بل إن العالمة التي ِ‬
‫ب بِالدِّي ِن‬ ‫اإليمان هي في النُّكوص عن القيام ببعض األعمال الصالحة ‪َ ﴿ ،‬أرَأي َ ِ‬
‫ت الَّذي يُ َك ِّذ ُ‬ ‫َْ‬
‫ض َعلَى طَ َع ِام ال ِْم ْس ِكي ِن (‪. 579﴾ )3‬‬ ‫يم (‪َ )2‬واَل يَ ُح ُّ‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )1‬فَ َذلِ َ َّ ِ‬
‫ك الذي يَ ُدعُّ الْيَت َ‬

‫‪576‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪577‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪578‬‬
‫سورة البلد‬
‫‪579‬‬
‫سورة الماعون‬
‫‪420‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أناس‬ ‫ِ‬
‫يتقرر هذا ‪ -‬أيها المسلمون ‪ -‬في مشهد الضعف العام والتوانيـ عن األعمال ‪ ،‬وهناك ٌ‬ ‫َّ‬
‫مزقَت المعاصيـ ِ‬
‫مزق ‪ ،‬وظلَّت أهواؤهمـ ُ‬
‫تجنح بهم بعي ًدا عن اهلل حتى‬ ‫شر ُم َّ‬‫صلَتهم باهلل َّ‬ ‫َّ‬
‫أتم نسيان ‪ ،‬ولم يع ِرفوا َ‬
‫قدر رمضان‪.‬‬ ‫نسوا اهللَ َّ‬
‫تاريخ ٍ‬
‫أمم هلَكت بسوء عملها ‪ ،‬وتعرفون أن اهلل نقم‬ ‫وإنكمـ ‪ -‬أيها المسلمون ‪ -‬تعرفون َ‬
‫على قوم لوط الرتكابهمـ الفاحشةـ ‪ ،‬وعلى قوم ُشعيب ِ‬
‫لبخسهم المكيال والميزان ‪ ،‬وقد‬
‫مصائر أولئك الفاسقين؛ـ فهل أمتُنا وحدها هي التي تريد أن ترتكب السيئاتـ دون‬ ‫َ‬ ‫عرفتُم‬
‫ِ‬ ‫وجل ‪ ،‬إن اإلسالم ليس بِ ً‬
‫ب اإليمان دون العمل؛ بل‬ ‫دعا من الشرائع السابقةـ فيُوج ُ‬ ‫حذ ٍر أو َ‬
‫قول اهلل بعد ذلك‪﴿ :‬‬ ‫لنسمع َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص علينا عبَر السابقين لنتَّعظ منها ‪ ،‬ثم َ‬ ‫إن القرآن الكريمـ لي ُق ُّ‬
‫ات َو َما َكانُوا لُِيْؤ ِمنُوا‬ ‫ولََق ْد َْأهلَ ْكنَاـ الْ ُقرو َن ِمن َق ْبلِ ُكم لَ َّما ظَلَموا وجاء ْت ُهم رسلُ ُهم بِالْبِّينَ ِ‬
‫ُ ََ َ ْ ُُ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ض ِم ْن َب ْع ِد ِه ْم لَِن ْنظَُر‬
‫اَأْلر ِ‬
‫ف في ْ‬
‫ك نَج ِزي الْ َقوم الْمج ِر ِمين (‪ )13‬ثُ َّم جعلْنَا ُك ـم َخاَل ِئ َ ِ‬
‫ََ ْ‬ ‫َْ ُ ْ َ‬ ‫َك َذل َ ْ‬
‫ِ‬
‫تصرفاتنا ‪ ،‬ويُكلِّ ُفنا اهلل باإليمان‬ ‫هكذاـ نُمتَحن ‪ ،‬وتُراقَب ُّ‬
‫‪580‬‬
‫ف َت ْع َملُو َن (‪﴾ )14‬‬ ‫َك ْي َ‬
‫وفاءنا بما ُح ِّملنا من أعباء‪.‬‬ ‫جميعا ‪ ،‬ثم ينظر َ‬ ‫والعمل ً‬
‫وأفهمهم أن نجاتَهمـ في الصالح والتقوى ال‬ ‫ب اهلل بني آدم بهذه الحقيقةـ الجليَّة ‪َ ،‬‬ ‫وقد خاطَ َ‬
‫آد َم ِإ َّما يَْأتَِينَّ ُك ْم ُر ُس ٌل ِم ْن ُك ْـم َي ُق ُّ‬
‫صو َن َعلَْي ُك ْم آيَاتِيـ فَ َم ِن َّات َقى‬ ‫في النفاق والدعوى‪ ﴿ :‬يَا بَنِي َ‬
‫استَ ْكَب ُرواـ َع ْن َها‬ ‫ف َعلَْي ِه ْم َواَل ُه ْم يَ ْح َزنُو َن (‪َ )35‬والَّ ِذ َـ‬
‫ين َك َّذبُوا بِآيَاتِنَا َو ْ‬ ‫َأصلَ َح فَاَل َخ ْو ٌ‬
‫َو ْ‬
‫اب النَّا ِر ُه ْم فِ َيها َخالِ ُدو َـن (‪. 581﴾ )36‬‬ ‫َأص َح ُ‬
‫ك ْ‬ ‫ُأولَِئ َ‬
‫مجرد اإلمساك عن األكل والشرب ‪ ،‬و«من‬ ‫والعمل الصالح ال َّ‬ ‫ثمر التقوى‬ ‫فرمضان شهر ي ِ‬
‫َ‬ ‫ٌُ‬
‫طعامه وشرابَه»ـ ‪ ،‬ومن كان‬
‫والجهل فليس هلل حاجةٌ أن ي َدع َ‬ ‫َ‬ ‫والعمل به‬
‫َ‬ ‫قول الزور‬
‫لم ي َدع َ‬
‫وتوبة ٍ‬
‫وإنابة ‪ ،‬يلت ِزم فيه األدب ‪ ،‬ويترفَع عن‬ ‫وخشوع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صادقًا فليجعل رمضان شهر ٍ‬
‫عبادة‬ ‫َ‬
‫ويعمر وقتَه بال ُقربات ‪ ،‬ويستزي ُد من‬ ‫ِ‬
‫والريَب ‪ ،‬ويستحضر العبوديةـ بصيامه ‪ُ ،‬‬ ‫الدناياـ ِّ‬
‫وبر ‪ ،‬وذك ٍر‬ ‫ٍ‬
‫وإحسان ٍّ‬ ‫صدقة وصلة ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الطاعات ‪ ،‬ما بين ٍ‬
‫تالوة للقرآن ‪ ،‬وتدبُّر آلياتهـ ‪ ،‬أو‬
‫هلل تعالى بأنواع الذكر مع الخشوع والسكينة‪.‬ـ‬

‫‪580‬‬
‫سورة يونس‬
‫‪581‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪421‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫األصيل ودنا الغروب تجلَّى رمضان على الكون‬ ‫النهار كلُّه على ذلك ‪ ،‬فإذا كان‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ويمضي ُ‬
‫الشفاهـ ‪ ،‬وانظر إلى رمضان وقد َّ‬
‫سكنـ‬ ‫بوجهه ‪َّ ،‬‬
‫فهشت له وجوهُ الناس ‪ ،‬وهت َفت باسمه ِّ‬
‫وأراح أهلَهاـ من التكالُب على الدنياـ واالزدحام على الشهواتـ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫الدنياـ ساعة اإلفطار ‪،‬‬
‫مائدةـ وأجمل مجلس ‪ ،‬وأنفع مدرسة‪.‬ـ‬ ‫الرجل إلى أهله ‪ ،‬وجمع األسرةَ على أطيب ٍ‬ ‫َـ‬ ‫وضم‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫والتضرع واإلنابةـ واالستغفار ‪ ،‬فيا ِ‬
‫باغي‬ ‫قيام الليل وتالوة القرآن والدعاء‬
‫ُّ‬ ‫ثم يتلو ذلك ُ‬
‫باغي الشر ِ‬
‫أقصر‪.‬‬ ‫الخير أقبِل ‪ ،‬ويا ِ‬
‫تقبَّل اهلل منا ومنكم‪.‬‬
‫ب َعلَى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ام َك َما ُكت َ‬ ‫الصيَ ُ‬ ‫ب َعلَْي ُك ُم ِّ‬ ‫آمنُوا ُكت َ‬ ‫ين َ‬ ‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ضا َْأو َعلَى َس َف ٍر‬ ‫ات فَ َم ْن َكا َن ِم ْن ُك ْم َم ِري ً‬ ‫ود ٍ‬ ‫ين م ْن َق ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُقو َن (‪َ )183‬أيَّ ًاما َم ْع ُد َ‬
‫الَّ ِذ ِ‬
‫َ‬
‫ُأخر وعلَى الَّ ِذين ي ِطي ُقونَه فِ ْديةٌ طَع ِ‬ ‫ِ‬
‫ع َخ ْي ًرا َف ُه َو َخ ْي ٌر لَهُ َوَأ ْن‬ ‫ام م ْس ِكي ٍـن فَ َم ْن تَطََّو َ‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫َُ‬ ‫فَ ِع َّدةٌ م ْن َأيَّ ٍام َ َ َ َ‬
‫ضا َن الَّ ِذي ُأنْ ِز َل فِ ِيه الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى لِلن ِ‬
‫َّاس‬ ‫وموا َخ ْي ٌر لَ ُك ْم ِإ ْن ُك ْنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن (‪َ )184‬ش ْه ُر َر َم َ‬ ‫ص ُ‬ ‫تَ ُ‬
‫ضاـ َْأو َعلَى َس َف ٍر‬ ‫ص ْمهُ َو َم ْن َكا َن َم ِري ً‬ ‫ان فَ َم ْن َش ِه َـد ِم ْن ُك ُـم َّ‬
‫الش ْه َـر َفلْيَ ُ‬
‫ات ِمن ال ُْه َدىـ والْ ُفرقَ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫وبِّينَ ٍ‬
‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فَ ِع َّدةٌ م ْن َأيَّ ٍام ُأ َخ َر يُ ِري ُد اللَّهُ بِ ُك ُم الْيُ ْس َر َواَل يُ ِري ُد بِ ُك ُـم الْعُ ْس َـر َولتُ ْك ِملُوا ال ِْع َّدةَ َولتُ َكِّب ُروا اللَّهَ‬
‫ادي َعنِّي فَِإ نِّي قَ ِر ِ‬ ‫ك ِعب ِ‬
‫يب َد ْع َوةَ‬‫يب ُأج ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َعلَى َما َه َدا ُك ْـم َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْش ُك ُرو َن (‪َ )185‬وِإذَا َسَألَ َ َ‬
‫ان َفلْيَ ْستَ ِجيبُوا لِي َول ُْيْؤ ِمنُوا بِي لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ُش ُدون (‪. 582﴾ )186‬‬ ‫اع ِإذَا َد َع ِ‬ ‫الد ِ‬ ‫َّ‬
‫بارك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنةـ ‪ ،‬ونفعناـ بما فيهما من اآليات والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيمـ ‪ ،‬مالك يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهد أن إله إال اهلل الملك‬
‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله‬ ‫الحق المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪582‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪422‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬


‫لنستريح من وعثاء الدنياـ وص َخبها ‪ ،‬ولتستر ِوح قلوبُنا َّ‬
‫وتبتل‬ ‫َ‬ ‫في كل ٍ‬
‫عام نترقَّب هذا الشهر‬
‫لتتصافح‬
‫َ‬ ‫شهر الخير‬
‫عصف الحياة ‪ ،‬يعود ُ‬‫ُ‬ ‫جفاف السنين ‪ ،‬وأره َقهاـ‬
‫ُ‬ ‫نفوسنا وقد ألح َفها‬
‫ُ‬
‫غصت بها‬ ‫حكايات من ِّ‬
‫الشقاق َّ‬ ‫ٌ‬ ‫بال المقطوعة ‪ ،‬وتنتهي‬ ‫تباعدة ‪ ،‬وتتصل ِ‬
‫الح ُ‬ ‫األياديـ الم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫دوائر األسرـ واألحياء والمجتمعاتـ ‪ ،‬ويؤذِّن حادي الصفح‬ ‫ِ‬
‫أر ِوقةُ المحاكم ‪ ،‬وشقيَت بها ُ‬
‫اُألخوة اإلسالمية بأعظم رابطة ‪،‬‬
‫المتباينة وتجلو َّ‬ ‫القلوب ُ‬
‫ُ‬ ‫حي على الصفاء ‪ ،‬فتأتلِف‬ ‫أن َّ‬
‫صورها‪.‬‬
‫اُألخوة في أكمل ُ‬‫فتبدو َّ‬
‫أبواب الفألـ في حياة األمة وقد‬
‫َ‬ ‫ويفتح‬
‫ُ‬ ‫لتعود معه الذكريات الجميالت ‪،‬‬
‫شهر رمضان َ‬
‫يعد ُ‬
‫الجراح الدامياتـ ‪ ،‬والنفوس‬
‫ِ‬ ‫صةٌ من‬
‫والمشكالت ‪ ،‬وفي القلب غُ َّ‬
‫غصت من الضياع ُ‬
‫َّ‬
‫يهتم بأمر المسلمين فليس منهم‪.‬‬ ‫المزه َقاتـ ‪ ،‬ومن لم َّ‬
‫ُ‬
‫جهارا شعير ًة من شعائر هذا الشهرـ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫تتعلَّق فيه‬
‫القلوب بشأن الدعاء ‪ ،‬وتُعلنه في كل ليلة ً‬ ‫ُ‬
‫الغيب بيد اهلل ‪ ،‬وأن‬
‫َ‬ ‫سجداتهم وصلواتهم وهم يؤمنون أن‬ ‫العظيم ‪ ،‬ويُ ِس ُّر به ُ‬
‫عباد اهلل في َ‬
‫يم الْ َخبِ ُير‬ ‫ِ ِ‬
‫اد ِه وهو ال ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫األمرـ كلَّه بيده ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير ‪َ ﴿ ،‬و ُه َو الْ َقاه ُـر َف ْو َق عبَ َ ُ َ َ‬
‫ْحك ُ‬
‫‪583‬‬
‫تأثيراـ ‪ ،‬وقد قال‬
‫ويكون مشه ُد الدعاء من أبل ِغ مشاهدـ هذا الشهر وأكثرها ً‬ ‫(‪﴾ )18‬‬
‫ب لَ ُك ْم (‪)60‬‬ ‫ال ربُّ ُكم ا ْدعُونِي ْ ِ‬
‫َأستَج ْ‬ ‫‪ -‬تبارك في اسمه ‪ -‬في ثنايا آيات الصيام‪َ ﴿ :‬وقَ َ َ ُ‬
‫‪584‬‬
‫عتصم ‪،‬‬
‫الم َ‬
‫لتجأ وبه ُ‬‫الم َ‬
‫المستعان وإليه ُ‬ ‫غالب في هذه األزماتـ إال اهلل ‪ ،‬فهو ُ‬ ‫وال َ‬ ‫﴾‬
‫‪585‬‬
‫َّص ُير (‪﴾ )78‬‬‫صموا بِاللَّ ِه ُهو مواَل ُكم فَنِ ْعم الْمولَى ونِ ْعم الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َْ ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫ففروا إلىـ اهلل ‪َ ﴿ ،‬وا ْعتَ ُ‬
‫ُّ‬
‫صابُِروا َو َرابِطُوا َو َّات ُقوا اللَّهَ لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َن (‪. 586﴾ )200‬‬
‫اصبِ ُروا َو َ‬
‫و﴿ ْ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫‪583‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪584‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪585‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪586‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪423‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫دراهم ‪ ،‬ومنن‬ ‫يعود شهر الصيام ويذ ُكر المسلم لجوعه به جوعةَ إخوانه ‪ ،‬فيقتطع من ماله ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫نمي بها فضيلةَ اإلحسان إلى عبيد اهلل ‪،‬‬ ‫الجوعى والمحرومين ‪ ،‬ويُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫طعامه لُ ٍ‬
‫قيمات يُشا ِرك بها‬
‫بعض الناس بقسوة ‪،‬‬ ‫ويشكر ِ‬
‫يضرب َ‬ ‫ُ‬ ‫الجوع‬
‫َ‬ ‫المتفضِّل ‪ -‬سبحانه ‪ ، -‬وأنت ترى‬ ‫المنعم ُ‬ ‫ُ‬
‫أرض الصومال عنا ببعيد‪.‬‬ ‫وما ُ‬
‫عمل وال‬ ‫وتبوؤوا من الجنة الدرجات ‪ ،‬فاليوم ٌ‬ ‫فاستبِقوا الخيرات ‪ -‬أيهاـ المؤمنون ‪َّ ، -‬‬
‫ويس َّد خلَّة ‪،‬‬ ‫خاف يوم الحساب فلي ِ‬
‫جوعة ‪ُ ،‬‬ ‫طعم َ‬ ‫ُ‬ ‫حساب وال عمل ‪ ،‬ومن َ‬ ‫ٌ‬ ‫حسابـ ‪ ،‬وغ ًدا‬
‫َأس ًيرا (‪ِ )8‬إنَّ َما‬ ‫وفي صفات أهل الجنة‪ ﴿ :‬ويط ِْعمو َن الطَّعام َعلَى حبِّ ِه ِمس ِكينًا ويتِيما و ِ‬
‫ُ ْ ََ ً َ‬ ‫ََ‬ ‫َُ ُ‬
‫وسا‬ ‫نُط ِْعم ُكم لِوج ِه اللَّ ِه اَل نُ ِري ُد ِم ْن ُكم جزاء واَل ُش ُكورا (‪ِ )9‬إنَّا نَ َخ ُ ِ‬
‫اف م ْن َر ِّبنَا َي ْو ًما َعبُ ً‬ ‫ً‬ ‫ْ ََ ً َ‬ ‫ُ ْ َْ‬
‫ِ‬
‫اه ْـم بِ َما‬
‫ورا (‪َ )11‬و َج َز ُ‬ ‫ض َر ًة َو ُس ُر ً‬
‫اه ْـم نَ ْ‬ ‫اه ُم اللَّهُ َش َّر َذلِ َ‬
‫ك الَْي ْوم َولََّق ُ‬ ‫قَ ْمطَ ِر ًيرا (‪َ )10‬ف َوقَ ُ‬
‫الحق ‪ -‬سبحانه‬ ‫صَب ُروا َجنَّةً َو َح ِر ًيرا (‪ 587﴾ )12‬وفي األمن من يوم الفزع األكبر يقول ُّ‬ ‫َ‬
‫ف‬‫َأج ُر ُه ْم ِع ْن َد َربِّ ِه ْم َواَل َخ ْو ٌ‬ ‫ين ي ْن ِف ُقو َن َأموالَهم بِاللَّي ِل والن ِ‬
‫َّها ِر س ًّرا َو َعاَل نِيَةً َفلَ ُه ْم ْ‬
‫َْ ُ ْ ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫‪ ﴿ :-‬الَّذ َـ ُ‬
‫َعلَْي ِه ْم َواَل ُه ْم يَ ْح َزنُو َن (‪. 588﴾ )274‬‬
‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريةـ ‪ ،‬وأزكى البشرية‪:‬ـ محمد بن عبد اهلل ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل‬
‫وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر‬
‫وارض اللهم عن األئمةـ المهديين ‪ ،‬والخلفاء المر ِ‬
‫ضيِّين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الميامين ‪،‬‬
‫َْ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم‬
‫ٍّ‬ ‫وعثمان ‪،‬‬
‫يا رب العالمين‪.‬‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬
‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬
‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬
‫تدبيرهـ ً‬‫فر َّد كي َده في نحره ‪ ،‬واجعل َ‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫اللهم ِ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق إمامناـ َّ‬
‫وفِّقه لهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةـ الصالحة ‪ ،‬اللهم وفِّقه ونائبَيه لما‬
‫فيه الخير للعباد والبالد ‪ ،‬واسلُك بهم سبيل الرشاد‪.‬‬

‫‪587‬‬
‫سورة اإلنسان‬
‫‪588‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪424‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬
‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم‬
‫احقنـ دماءهم ‪ِ ،‬‬
‫وآمن روعاتهم‬ ‫احقن دماءهمـ ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫اجمعهم على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫وأعراضهم وديارهمـ وأموالهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪ ،‬واحفظ دينَهم‬
‫ستضعفين من‬
‫الم َ‬‫والمضطهدين واُألسارىـ والمنكوبين ‪ ،‬اللهمـ انصر ُ‬
‫اللهم كن للمظلومين ُ‬
‫المرابِطين في أكناف‬
‫المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم انصرهم في فلسطين ‪ ،‬اللهم انص ُ‬
‫بيت المقدس ‪ ،‬اللهم اجمعهمـ على الحق يا رب العالمين‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهم‬
‫عجزونك‪.‬ـ‬ ‫عجزونك ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم ال ي ِ‬ ‫ال ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اب النَّا ِر (‪. ﴾ )201‬‬
‫‪589‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬
‫زكاها ‪ ،‬أنت وليُّها وموالها‪.‬‬ ‫خير من َّ‬ ‫نفوسنا تقواها ‪ِّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وزكها أنت ُ‬ ‫اللهم آت َ‬
‫والمعافاة الدائمة في الدين والدنياـ واآلخرة‪.‬‬
‫العفو والعافيةَـ ُ‬
‫اللهم إنا نسألك َ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬
‫وصالح‬
‫َ‬ ‫وصيامنا ودعاءنا ‪،‬‬
‫َ‬ ‫اللهم وفِّقنا للصالحات ‪ِّ ،‬‬
‫وكفر عنا السيئات ‪ ،‬وتقبَّل صالتَنا‬
‫أعمالنا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪589‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪425‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ ﴿ :‬ا ْد ُخلُوا فِي ِّ‬


‫السل ِْم َكافَّةً ﴾‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الحادي عشر من شوال من عام ‪1432‬هـ‬

‫‪ -‬معنى قوله تعالى‪ ﴿ :‬ا ْد ُخلُوا فِي ِّ‬


‫السل ِْم َكافَّةً (‪- 590﴾ )208‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬معنى‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬ا ْد ُخلُوا فِي ِّ‬
‫السل ِْم َكافَّةً (‪ 591﴾ )208‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن الدين‬
‫اإلسالميـ ومعناه ومزاياه ‪ ،‬وأهمية اإليمان باهلل وأسمائه وصفاته واليوم اآلخر ومدى تأثير‬
‫حذر من سلوك سبيل األمةـ المغضوب عليها لئال يحدث ما حدثـ‬ ‫ذلك على القلوب ‪ ،‬ثم َّ‬
‫لهم‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ‬
‫ض َّل له ‪ ،‬ومن يُضلِل فال هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬ ‫أعمالنا ‪ ،‬من ِ‬
‫يهده اهلل فال م ِ‬
‫ُ‬
‫وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك عليه ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫وعلى آله وأصحابه والتابعين ‪ ،‬ومن تبِعهم‬
‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬
‫تنز ُل‬
‫وم َّ‬ ‫السر والعالنية؛ فهي العُ َّدةـ ‪ ،‬وهي مهبَ ُ‬
‫ط الفضائل ُ‬ ‫فُأوصيكم ونفسي بتقوى اهلل في ِّ‬
‫الوثيق على القلوب عند الفتن ‪﴿ ،‬‬ ‫ط‬
‫السم ّو ‪ ،‬والراب ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫عراج ُ‬ ‫مبعث القوة وم ُ‬ ‫المحامد ‪ ،‬وهي ُ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِـه َواَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن (‪. 592﴾ )102‬‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫‪590‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪591‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪592‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪426‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫بحاجة إلىـ ٍ‬
‫ضوء‬ ‫ٍـ‬ ‫لفح هجير الحياة وعند متاهاتـ الدروب وفقد االتجاه ‪ ،‬فإن الساريـ‬ ‫في ِ‬
‫الوحي‬ ‫رش ُده ويهديهـ ‪ ،‬ذلكم ‪ -‬أيها المسلمون ‪ :-‬هو‬ ‫وماء يسقيه ‪ ،‬ومنا ٍر ي ِ‬ ‫يؤ ِويه ‪ٍ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والنور التالِد ‪ ،‬والذي قال فيه ربُّنا‪ِ ﴿ :‬إ َّن َه َذا الْ ُق ْرآ َن َي ْه ِدي لِلَّتِي ِه َي َأق َْو ُم (‪)9‬‬ ‫ُ‬ ‫الخالد ‪،‬‬
‫كتاب اهلل ‪،‬‬
‫فليلزم َ‬ ‫الهدى َ‬ ‫وأفضل؛ فمن أراد ُ‬ ‫ُ‬ ‫وأجمل‬
‫ُ‬ ‫وأكمل‬
‫ُ‬ ‫أحسن‬
‫ُـ‬ ‫﴾‪ 593‬؛ أي‪ :‬للتي هي‬
‫اب (‪)29‬‬ ‫ك ُمبَ َار ٌك لِيَ َّد َّب ُروا آيَاتِِه َولِيَتَ َذ َّك َر ُأولُو اَأْللْبَ ِـ‬
‫اب َأْن َزلْنَاهُ ِإلَْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وليتدبَّر عظاته ‪ ﴿ ،‬كتَ ٌ‬
‫﴾‪. 594‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ومن جميل الهدايات ‪ ،‬وعظيم اآليات‪:‬ـ ما خاطَبَكمـ به ربُّكم في كتابه العزيزـ بقوله ‪-‬‬
‫الش ْيطَ ِ‬
‫ان ِإنَّهُ‬ ‫ات َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫آمنُوا ا ْد ُخلُوا ِفي ِّ‬
‫السل ِْم َكافَّةً واَل َتتَّبِعوا ُخطُو ِ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫سبحانه ‪ ﴿ :-‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ين (‪. 595﴾ )208‬‬ ‫لَ ُك ْم َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ‬
‫المصدِّقين برسولهـ أن‬
‫عباده المؤمنين ُ‬
‫"أمر اهللُ َ‬‫قال ابن كثي ٍر ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في "تفسيره"‪َ :‬‬
‫وشرائعه ‪ ،‬والعمل بجميع أوامره ‪ ،‬وترك جميع ِ‬
‫زواجره‪ .‬وعن‬ ‫ِ‬ ‫يأخذوا بجميع عُرى اإلسالم‬
‫ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬في قوله‪ ﴿ :‬ا ْد ُخلُوا فِي ِّ‬
‫السل ِْم (‪ : 596﴾ )208‬يعني‪:‬‬
‫اإلسالم ‪ ،‬وقوله‪َ ﴿ :‬كافَّةً ﴾‪ :‬أي‪ :‬اعملوا بجميع األعمال ووجوه ِّ‬
‫البر"‪.‬‬
‫وغيرهما ‪ -‬رحمهما اهلل ‪ -‬عن ابن عباس ‪-‬‬
‫والقرطبي ُ‬
‫ُّ‬ ‫التفسير الذي نقلَه ابن كثي ٍر‬
‫ُ‬ ‫هذا هو‬
‫رضي اهلل عنهما ‪.-‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫هذه الدعوةُ الكريمةُـ من اهلل تعالىـ للمؤمنين تُ ِش ُير إلى حاجةـ النفوس إلىـ التذكير والتأكيد أن‬
‫تلت ِز َم بجميع شرائع اإلسالم ‪ ،‬ومع وجود أصل اإليمان في المجتمع المسلم إال أنه قد‬
‫وتتوافق خطََراتُهم واتجاهاتُهم ‪ ،‬مع ما‬
‫َ‬ ‫ليتجرد ويستسلِم هلل ‪،‬‬
‫يحتاج لهذه الدعوة َّ‬ ‫ُ‬ ‫يوجد من‬

‫‪593‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪594‬‬
‫سورة ص‬
‫‪595‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪596‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪427‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫يقودهم إليه نبيُّهم من غير ترد ٍ‬
‫ُّد وال تفلُّت ‪ ،‬وهذاـ هو معنى اإلسالم؛‬ ‫يُري ُدهـ اهلل منهم وما ُ‬
‫واالنقياد له بالطاعة‪.‬‬
‫ُـ‬ ‫االستسالم هلل‬
‫ِـ‬
‫والثقة‬ ‫ِ‬
‫والسلم والسالم ‪،‬‬ ‫عالم السعادةـ ‪،‬‬
‫يدخل َ‬
‫ُ‬ ‫المسلم لهذا النداء فإنه‬
‫ُ‬ ‫يستجيب‬
‫ُ‬ ‫وحين‬
‫نزاع وال ضالل‪.‬‬
‫والرضا واالستقرارـ ‪ ،‬فال حيرةَ وال قلق ‪ ،‬وال َ‬
‫واالطمئنان ‪ِّ ،‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫صحة توحيده هلل وإيمانه به ويقينه عليه وإفراده‬ ‫وأول ما يفيض السالم على القلب من ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫بالعبادةـ ومعرفة أسمائه وصفاته ‪ ،‬يعلم أن اهلل إلهٌ واح ٌد يت ِ‬
‫َّجهُ إليه بكلِّيَّته ‪ ،‬وجهةٌ واحدةٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وتتكاثر عليه اآللهةـ ‪،‬‬ ‫س به األهواء ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫السبُل ‪ ،‬وتلتب ُ‬ ‫تتفر ُق به ُّ‬
‫يستقر عليها قلبُه ‪ ،‬فال َّ‬
‫ُّ‬
‫دعى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫فيعبد ربًّا ونبيًّا ‪ ،‬أو يدعو كل ٍ‬
‫رب يُ َ‬
‫ضريح ٌّ‬
‫ٍ‬ ‫مشهد كعبة ‪ ،‬وكل‬ ‫كل‬
‫فكأن َّ‬ ‫يوم وليًّا ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُُ‬
‫فهل هذا من اإلسالم؟!‬
‫ستقرة ‪ ،‬ويعلم‬
‫وفكرا نقيًّا ‪ ،‬وحياةً ُم َّ‬
‫ً‬ ‫يعيش عقيدةً صافية ‪،‬‬
‫المؤمن بإسالمهـ هلل وحده ُ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫القوي القادر ‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫نفسه ‪ ،‬ويس ُك ُن به قلبُه ‪ ،‬فاهلل تعالىـ هو‬ ‫تطمئن به ُ‬‫ُّ‬ ‫من صفات اهلل ما‬
‫والولي ِ‬
‫الناصر‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫والعزيز ِ‬
‫القاهرـ ‪،‬‬ ‫ُـ‬
‫فإذا التجَأ إليه المؤمن فقد التجَأ إلىـ القوة الحقيقية في هذا العالَم ‪ ،‬وقد ِأمن من كل ٍ‬
‫خوف‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ج‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫فر ُ‬
‫السوء ‪ ،‬ويُ ِّ‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫ويكش ُ‬ ‫ضطر إذا دعاه ‪،‬‬ ‫الم َّ‬
‫جيب ُ‬ ‫ويعلم أن اهلل يُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫واستراح ‪،‬‬
‫َـ‬ ‫واطمأن باهلل‬
‫وادع ‪،‬‬ ‫ف اهلل آمن ِ‬ ‫اآلالم واألحزان؛ـ فالمؤمن في كنَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ال ُك ُرباتـ ‪ ،‬ويشفي األسقامـ ‪ ،‬ويُذه ُ‬
‫وسالما‪.‬‬
‫ً‬ ‫بردا‬
‫فيض اإليما ُن باألسماء والصفاتـ على قلبه ً‬ ‫ب في الطمأنينة والرضا ‪ ،‬يُ ُ‬ ‫يتقلَّ ُ‬
‫اإلحساس‬ ‫القلق واإلحبا َط ‪ ،‬أو‬ ‫وينفيـ َـ‬ ‫واإليما ُن باليوم اآلخر يجلِب الطمأنينةَ والسالم ‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ذلكـ أن لجميع‬ ‫‪597‬‬
‫َأس ِم ْن َر ْو ِح اللَّ ِه ِإاَّل الْ َق ْو ُم الْ َكافِ ُرو َن (‪﴾ )87‬‬ ‫ِإ‬
‫باليأسـ ‪ ﴿ ،‬نَّهُ اَل َي ْي ُ‬
‫ض ِإاَّل آتِي‬
‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫كل العالمينـ ‪ِ ﴿ ،‬إ ْن ُك ُّل َم ْن فِي َّ‬ ‫يوما يجتمعون فيه ‪ُّ ،‬‬ ‫العالمينـ ً‬
‫اه ْم َو َع َّد ُه ْم َع ًّدا (‪َ )94‬و ُكلُّ ُه ْم آتِ ِيه َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة َف ْر ًدا (‪)95‬‬
‫صُ‬ ‫الر ْح َم ِن َع ْب ًدا (‪ )93‬لََق ْد ْ‬
‫َأح َ‬ ‫َّ‬

‫‪597‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪428‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ال َذ َّر ٍة َخ ْي ًرا َي َرهُ (‪َ )7‬و َم ْن َي ْع َم ْل ِم ْث َق َ‬


‫ال َذ َّر ٍة‬ ‫﴾‪ 598‬وهنالك الحسابـ ‪ ﴿ ،‬فَ َم ْن َي ْع َم ْل ِم ْث َق َ‬
‫َش ًّرا َي َرهُ (‪. 599﴾ )8‬‬
‫ويقتص للمظلوم ‪ ،‬وإذا‬ ‫المسيئين ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ب ُ‬ ‫المحسنين ‪ ،‬ويُحاس َ‬ ‫ثيب ُ‬
‫ومن كمال عدل اهلل أن يُ َ‬
‫ويحتسب ‪،‬‬‫ِ‬ ‫يضيع ‪ ،‬فعند ذلك يصبِ ُر‬ ‫المسلم أن الدنيا ليست النهاية ‪ ،‬وأن ال شيء ُ‬ ‫ُ‬ ‫علِ َم‬
‫أحسن‬
‫َ‬ ‫أجر من‬ ‫ضيع َ‬ ‫كراـ ‪ ،‬فإن اهلل ال يُ ُ‬ ‫يلق من الناس ُش ً‬ ‫ويعمل ويجت ِهد ‪ ،‬حتى ولو لم َ‬‫ُ‬
‫عمالً‪.‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫حاجز دون الصراع المحموم بين البشر على ُحطام الدنياـ ومتاعها ‪،‬‬ ‫ضا ٌـ‬ ‫واإليما ُن باآلخرة أي ً‬
‫لهاث خلف الشهواتـ‬ ‫ك الحرماتـ ‪ ،‬في ٍ‬ ‫ِ‬
‫نته ُ ُ‬‫نسى فيه القيَم ‪ ،‬وتُ َ‬
‫هذا التنافُس الذي تُ َ‬
‫السباق ‪،‬‬
‫التجمل في هذا ِّ‬ ‫رداء ُّ‬ ‫ِ‬
‫المؤمن َ‬
‫َ‬ ‫س‬
‫والرغَباتـ ‪ ،‬إن اإليمان بالحساب والجزاء يُلب ُ‬
‫والسلم في هذا‬
‫َ‬ ‫أجمل الطمأنينةَ‬
‫َ‬ ‫ويُوقِ ُفه عند األدب والحياء ‪ ،‬والحدود والحقوق‪ .‬فما‬
‫اإلسالم!‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫السلم كافة دخوله في كل شرائع اإلسالم ‪ ،‬كما قال ابن عباس ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ودخول المؤمن في‬
‫والتزامهـ بها ‪ ،‬ويربِطُه بالحقيقةـ التي من أجلها ُخلِق الناس ‪َ ﴿ ،‬و َما‬ ‫ُ‬ ‫رضي اهلل عنهما ‪، -‬‬
‫ون (‪. 600﴾ )56‬‬ ‫ْج َّن واِإْل نْس ِإاَّل لِي ْعب ُد ِ‬ ‫َخلَ ْق ُ ِ‬
‫ت ال َ َ َ ُ‬
‫منهج حياة ‪ ﴿ ،‬قُ ْل ِإ َّن‬
‫فرض يُؤدَّى في المسجد فحسب؛ بل إنها ُ‬ ‫والعبادةُـ ليست مجرد ٍ‬
‫ين (‪ )162‬اَل َش ِر َـ‬ ‫ب ال َْعالَ ِم َـ‬ ‫اي َو َم َماتِيـ لِلَّ ِه َر ِّ‬ ‫صاَل تِي ونُ ِ‬
‫‪601‬‬
‫يك لَهُ (‪﴾ )163‬‬ ‫سكي َو َم ْحيَ َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫عبادةٌ بأداء الواجباتـ ‪ ،‬واجتناب المنهيات ‪ ،‬عبادةٌ في كسبك وإنفاقك ‪ ،‬وفي عملك‬
‫تتقحم في‬ ‫ٍ‬
‫واجب ‪ ،‬وال َّ‬ ‫قصر في‬‫وتعامالتكـ ‪ ،‬ال تُ ِّ‬ ‫تصرفاتك ُ‬ ‫ونشاطك؛ فاتق اهللَ في كل ُّ‬
‫حرم‪.‬‬
‫ُم َّ‬

‫‪598‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪599‬‬
‫سورة الزلزلة‬
‫‪600‬‬
‫سورة الذاريات‬
‫‪601‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪429‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫تتجاهل‬ ‫تتجاوز طاقةَ اإلنسان ‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫الفطرة ‪ ،‬وال‬ ‫ضهاـ اإلسالم كلها من ِ‬ ‫والتكاليف التي يف ِر ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫سر وسماحة ‪َ ﴿ ،‬و َما َج َع َل َعلَْي ُك ْم فِي الدِّي ِـن ِم ْن َح َر ٍج (‪ 602﴾ )78‬إن‬
‫طبيعتَه ‪ ،‬وهي يُ ٌ‬
‫ظ الضروراتـ‬
‫ومحارمه جاءت منظومةً ُمتكاملةـ لتح َف َ‬
‫َ‬ ‫أحكامـ اهلل تعالى وشريعتَهـ وحدوده‬
‫اإلسالم بكل ما‬ ‫ٍ‬
‫بضمانات تُو ِرثُه الطمأنينةَ والسالم ‪ ،‬لقد جاء‬ ‫ط اإلنسان‬‫الخمس ‪ ،‬ولتُحي َ‬
‫ُ‬
‫والمال‪.‬‬ ‫رض‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫والعقل والع َ‬
‫َ‬ ‫والنفس‬
‫َ‬ ‫ظ الدين‬
‫يحف ُ‬
‫والتعاون ‪ ،‬ودعا‬ ‫ُ‬ ‫وشرع ما يُؤدِّي إلى التكافُلـ‬ ‫َ‬ ‫وتماسكه ‪،‬‬‫ُ‬ ‫ظ ترابُط المجتمع‬ ‫ضا ما يحف ُ‬
‫وأي ً‬
‫آصرة‬ ‫وأذاب الحواجزـ األرضية ليجمع الناس على ِ‬ ‫َـ‬ ‫إلطعام الطعام ‪ ،‬وإفشاء السالم ‪،‬‬
‫َ َ‬
‫وُأخ َّوة اإليمان ‪ِ ﴿ ،‬إنَّ َما ال ُْمْؤ ِمنُو َن ِإ ْخ َوةٌ (‪. 603﴾ )10‬‬ ‫العقيدة ُ‬
‫سى َأ ْن يَ ُكونُوا‬ ‫ع‬ ‫م‬‫وفي آداب هذا المجتمع‪ ﴿ :‬يا َُّأيها الَّ ِذين آمنوا اَل يسخر َقوم ِمن َقوٍ‬
‫َ ْ َْ ْ ٌ ْ ْ َ‬
‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬
‫سى َأ ْن يَ ُك َّن َخ ْي ًرا ِم ْن ُه َّن (‪. 604﴾ )11‬‬ ‫َخيرا ِم ْنهم واَل نِساء ِمن نِ ٍ‬
‫ساء َع َ‬ ‫ًْ ُ ْ َ َ ٌ ْ َ‬
‫وفي "الصحيحين" يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ " :-‬ك ُّل ال ُْم ْسلِ ِم َعلَى ال ُْم ْسلِ ِم َح َر ٌام ‪:‬‬
‫َد ُمهُ َو َمالُهُ َو ِع ْر ُ‬
‫ضهُ " ‪.‬‬
‫الدخول في شرائع اإلسالم كافَّة؟!‬ ‫ُ‬ ‫أرأيتُم كيف يكون‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫تشيع فيه‬
‫طاهرا عفي ًفا ال ُ‬ ‫مجتمعا ً‬ ‫ً‬ ‫إن هذا النداء بالدخول في شرائع اإلسالم كافَّة يصنَ ُع‬
‫األعين على العوراتـ ‪ ،‬وال تطغَى فيه‬ ‫ُ‬ ‫ت فيه‬ ‫تروج فيه الفتنة ‪ ،‬وال َّ‬
‫تتلف ُ‬ ‫الفاحشةُـ ‪ ،‬وال ُ‬
‫ِ‬ ‫قول اهلل تعالى‪:‬ـ ﴿ ِإ َّن الَّ ِذ ِ‬
‫ين يُحبُّو َن َأ ْن تَش َ‬
‫يع‬ ‫َ‬ ‫يسمع َ‬ ‫ُ‬ ‫توجيهات ربانية ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫تحكمه‬
‫ُ‬ ‫الشهواتـ ‪،‬‬
‫الد ْنيَا َواآْل ِخ َر ِةـ َواللَّهُ َي ْعلَ ُم َوَأْنتُ ْم اَل َت ْعلَ ُمو َن (‬
‫يم فِي ُّ‬ ‫شةُـ ِفي الَّ ِذين آمنُوا لَهم َع َذ ـ ِ‬
‫اب َأل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫َ َ ُْ‬
‫الْ َف ِ‬
‫اح َ‬
‫ف العفيفات‬ ‫يرمي المؤمنات ‪ِ ،‬‬
‫ويقذ ُ‬ ‫‪ 605﴾ )19‬ويسمع التشديدـ والوعي َد الشديدـ لمن ِ‬
‫ُ‬
‫التهاون فيه وال الترفُّق بلصوصه ‪،‬‬ ‫يجوز ُ‬ ‫باب ُمحترم ال ُ‬ ‫باب األعراض ٌ‬ ‫المحصنات ‪ ،‬إن َ‬ ‫ُ‬

‫‪602‬‬
‫سورة سورة الحج‬
‫‪603‬‬
‫سورة الحجرات‬
‫‪604‬‬
‫سورة الحجرات‬
‫‪605‬‬
‫سورة النور‬
‫‪430‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ْأخ ْذ ُك ْم بِ ِه َما َرْأفَةٌ فِي ِدي ِن اللَّ ِه ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُْؤ ِمنُو َن بِاللَّ ِه‬
‫وفي حكم القرآن على الزانَِي ْين‪َ ﴿ :‬واَل تَ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِئ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين (‪. 606﴾ )2‬‬ ‫َوالَْي ْوم اآْل خ ِر َولْيَ ْش َه ْد َع َذ َاب ُه َما طَا َفةٌـ م َن ال ُْمْؤ من َ‬
‫ين َيغُضُّوا‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ولحماية هذا البابـ ِّ‬
‫عز وجل ‪ ﴿ :-‬قُ ْل لل ُْمْؤ من َ‬ ‫وسد مداخل الشيطان يقول اهلل ‪َّ -‬‬
‫وج ُه ْم ذَلِ َ‬ ‫ِمن َأب ِ‬
‫صَنعُو َن (‪َ )30‬وقُ ْل‬ ‫ك َأ ْز َكى لَ ُه ْم ِإ َّن اللَّهَ َخبِ ٌير بِ َما يَ ْ‬ ‫صا ِره ْم َويَ ْح َفظُوا ُف ُر َ‬‫ْ َْ‬
‫ين ِزينََت ُه َّن ِإاَّل َما ظَ َه َر ِم ْن َها‬ ‫ِ‬
‫وج ُه َّن َواَل ُي ْبد َ‬‫ْن ُف ُر َ‬
‫ضن ِمن َأب ِ‬
‫صا ِره َّن َويَ ْح َفظ َ‬ ‫ض َْ ْ ْ َ‬
‫لِلْمْؤ ِمنَ ِ‬
‫ات َيغْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ض ِربْ َن بِ ُخ ُم ِر ِه َّن َعلَى ُجيُوبِ ِه َّن (‪. 607﴾ )31‬‬ ‫َولْيَ ْ‬
‫تقع‬
‫الناس على ُحرماتهم وأعراضهم ‪ ،‬وتسلَ ُم قلوبُهم ‪ ،‬فال ُ‬ ‫يأمن ُ‬ ‫ظل هذه التوجيهات ُ‬ ‫ففي ِّ‬
‫ِ‬
‫وفواحش ‪ ،‬وإما‬ ‫القلوب إلىـ المحارم ‪ ،‬فإما خيانةٌ‬
‫َ‬ ‫األبصار على المفاتِنـ ‪ ،‬وال ُ‬
‫تقود العيو ُن‬ ‫ُ‬
‫العفيف ِ‬
‫آم ٌن‬ ‫ُـ‬ ‫المسلم‬ ‫المجتمع‬ ‫وفساد قلوب ‪ ،‬بينما‬ ‫وأمراض نفوس ‪،‬‬ ‫رغبات مكبوتة ‪،‬‬‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أمر اهللُ بتزويج‬ ‫ُّ‬
‫السلم والط ْهر واألمانـ ‪ ،‬وفي التوجيه الكريمـ َ‬ ‫أهداب ِّ‬
‫ُ‬ ‫ف عليه‬‫ساكِن ‪ ،‬ت ِر ُّ‬
‫واألمر للوجوب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الشباب والفتياتـ ‪،‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫واألموال والحقو ُق‬
‫ُـ‬ ‫الحريات والكرامات ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫المستسلِ ُم هلل تُك َف ُلـ فيه‬ ‫المجتمع ُ‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫صاص‬ ‫ِ‬
‫دم والق ُ‬ ‫المطاع؛ فال يُرا ُق ٌ‬ ‫والحرماتـ بحكم التشريع بعد كفالتهاـ بالتوجيه الربَّاني ُ‬ ‫ُ‬
‫الحدود‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حق أو ٌ‬ ‫يضيع ٌّ‬
‫زج َرته ُ‬
‫تزجرهُـ المواعظ َ‬ ‫دود قائمة ‪ ،‬ومن لم ُ‬ ‫والح ُ‬ ‫مال ُ‬ ‫حاضر ‪ ،‬وال ُ‬
‫دعت اآليةُـ‬ ‫وبعض معانيـ السلم الذي َ‬ ‫ُ‬ ‫المستسلِم هلل ‪،‬‬ ‫المطمئن ُ‬ ‫بعض معالم المجتمع ُ‬ ‫هذه ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫آمنُوا ا ْد ُخلُوا ِفي ِّ‬
‫السل ِْم َكافَّةً واَل َتتَّبِعوا ُخطُو ِ‬
‫ات‬ ‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫إلى الدخولـ فيه كافة‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫َّ ِ‬
‫ين (‪. 608﴾ )208‬‬ ‫الش ْيطَان ِإنَّهُ لَ ُك ْـم َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ‬
‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ونفعنا بما فيه من اآلياتـ والذكرـ الحكيم ‪ ،‬أقول‬
‫قولي هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪606‬‬
‫سورة النور‬
‫‪607‬‬
‫سورة النور‬
‫‪608‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪431‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ْأساـ َش ِدي ًداـ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬


‫ْح ْم ُد للَّه الَّذي َأْن َز َل َعلَى َع ْبده الْكتَ َ‬
‫اب َولَ ْم يَ ْج َع ْل لَهُ ع َو ًجا (‪َ )1‬قيِّ ًما ل ُي ْنذ َر بَ ً‬ ‫﴿ ال َ‬
‫الصالِح ِ‬
‫ات َّ‬ ‫شر الْمْؤ ِمنِ َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫سنًا (‪ ﴾609 )2‬وأشهدـ‬ ‫َأج ًراـ َح َ‬
‫َأن لَ ُه ْم ْ‬ ‫ين َي ْع َملُو َن َّ َ‬ ‫م ْن لَ ُدنْهُ َو ُيبَ ِّ َ ُ َ‬
‫ين الذ َ‬
‫أن إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم‬
‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫َ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫السلم كافةً َّ‬
‫حذ َرنا من اتباع خطوات الشيطان؛ إذ ليس‬ ‫ِـ‬ ‫فإن اهلل تعالى لما دعانا للدخول في‬
‫إال طريقان‪ :‬إما الدخول في السلم ‪ ،‬وإما اتباع الشيطان ‪ ،‬إما ُه ًدى ‪ ،‬وإما ضالل ‪ ،‬ليس‬
‫ِ ِ‬ ‫للمسلم أن يخلِ َ‬
‫عدو مبين ‪ ﴿ ،‬فَِإ ْن َزلَلْتُ ْم م ْن َب ْعد َما َج َ‬
‫اءتْ ُك ُـم‬ ‫ط أو يتخيَّر ‪ ،‬والشيطا ُن ٌّ‬
‫ِ‬
‫يم (‪ 610﴾ )209‬له القوةُ والغلَبَة ‪ ،‬والقدرة والقهرـ ‪﴿ ،‬‬ ‫َأن اللَّهَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬ ‫ات فَا ْعلَ ُموا َّ‬ ‫الَْبِّينَ ُ‬
‫صيبهم َع َذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َفلْيح َذ ِر الَّ ِذ ـ ِ‬
‫يم (‪. 611﴾ )63‬‬ ‫اب َأل ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ين يُ َخال ُفو َن َع ْن َْأم ِره َأ ْن تُص َيب ُه ْم ف ْتنَةٌ َْأو يُ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِّل نِ ْع َمةَ اللَّ ِه ِم ْن َب ْع ِد َما‬
‫اه ْم ِم ْن آيٍَة َبِّينَ ٍة َو َم ْن ُيبَد ْ‬ ‫ثم قال تعالى‪:‬ـ ﴿ َس ْل بَنِي ِإ ْس َراِئ َـ‬
‫يل َك ْم آَت ْينَ ُ‬
‫أسلوب من أساليب البيان في القرآن ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫اب (‪ 612﴾ )211‬إنه‬ ‫اءتْهُـ فَِإ َّن اللَّهَ َش ِدي ُـد ال ِْع َق ِـ‬
‫َج َ‬
‫نسلك ما سلَكوا من‬ ‫َ‬ ‫حذ ًرا ما صنعوا ‪ ،‬أو‬ ‫ضرب اهلل مثالً باألمة المغضوب عليهم ُم ِّ‬ ‫َ‬ ‫فقد‬
‫ورد بعض أحكامهاـ ‪ ،‬مع‬ ‫جادلةـ فيها ‪ِّ ،‬‬ ‫والم َ‬ ‫التبديلـ والتغيير ‪ ،‬والتحايُلـ على الشريعةـ ‪ُ ،‬‬
‫بدلَت البشريةُ هذه‬ ‫وضوح اآلياتـ والبراهين ‪ ،‬وقد كانوا في نعمة ما جاء به األنبياء ‪ ،‬وما َّ‬
‫كال اآلخرةـ ‪ ،‬ولك أن تقرأ‬ ‫بشقوة الدنياـ قبل نَ ِ‬ ‫بد َـل اهلل حالَها سقاما ‪ ،‬وعاجلَها ِ‬ ‫النعمةَ إال َّ‬
‫َ‬ ‫َ ً‬
‫والحروب ‪ ،‬والقهرـ‬
‫العالم اليوم من القلق والحيرة ‪ ،‬والنزاعاتـ ُ‬
‫في هذا التبديل ما يُعانيهـ ُ‬
‫أسباب السعادة لو كانوا يعلمون‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والتظالُم ‪ ،‬ولهم في كتاب اهلل‬
‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريةـ ‪ ،‬وأزكى البشرية‪:‬ـ محمد بن عبد اهلل ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل‬
‫وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر‬

‫‪609‬‬
‫سورة الكهف‬
‫‪610‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪611‬‬
‫سورة النور‬
‫‪612‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪432‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫وارض اللهم عن األئمةـ المهديين ‪ ،‬والخلفاء المر ِ‬
‫ضيِّين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الميامين ‪،‬‬
‫َْ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنتهم‬
‫ٍّ‬ ‫وعثمان ‪،‬‬
‫يا رب العالمين‪.‬‬

‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬


‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫ٍ‬
‫تدميرا عليه‪.‬‬
‫تدبيره ً‬‫فر َّد كي َده في نحره ‪ ،‬واجعلـ َ‬ ‫اللهم من أرادنا وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إمامناـ َّ‬
‫اللهم آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫وفِّقه ُلهداك ‪ ،‬واجعل عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةـ الصالحة ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫وحد به كلمةَ‬
‫لواء الدينـ ‪ ،‬اللهم جا ِزه بالخيرات والحسنات على خدمةـ الحرمين‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬
‫ِ‬ ‫المطاف وتهيِئته للطائفين ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والتوسعة والتيسير‬ ‫وعزمه على توسعة َ‬ ‫الشريفينـ ‪ ،‬وبا ِرك ُجه َده َ‬
‫به على المسلمين ‪ ،‬اللهمـ وفِّقه ونائبَيه لما فيه ُ‬
‫الخير للعباد والبالد ‪ ،‬واسلُك بهم سبيل‬
‫الرشاد‪.‬ـ‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬

‫اللهم أصلِح أحوالـ المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل‬
‫احقن دماءهم ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫احقنـ دماءهم ‪،‬‬ ‫مكان ‪ ،‬اللهم اجمعهم على الحق والهدىـ ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس َّد ُخلَّتهم ‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهم‪.‬ـ‬ ‫وآمن روعاتهمـ ‪ُ ،‬‬
‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬واجمعهمـ على الحق يا رب‬
‫الم َ‬‫اللهم انصر ُ‬
‫العالمين‪.‬ـ‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهم‬
‫ال ي ِ‬
‫عجزونك‪.‬ـ‬ ‫ُ‬

‫‪433‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اب النَّا ِر (‪. 613﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬
‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا‬
‫ُ‬ ‫وصالح أعمالنا ‪ ،‬إنك أنت‬
‫َ‬ ‫ودعاءنا‬
‫َ‬ ‫وقيامنا‬
‫صيامنا َ‬
‫ربَّنا تقبَّل منا َ‬
‫التواب الرحيم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬فضائل وأحكام البلد الحرام‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادسـ عشر من ذي القعدة من عام ‪1432‬هـ‬

‫‪613‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪434‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪-‬ـ فـضـاـئـلـ وـأحـكـاـمـ اـلـبـلـدـ اـلـحـرـاـمـ ‪-‬ـ‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬فضائل‬
‫وأحكامـ البلد الحرام" والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن بعض فضائل وأحكام البلد الحرام وبيت اهلل‬
‫الحرم‪ ،‬وعذكر‬
‫األشهرـ ُ‬
‫فاضل وهو ُ‬‫الحرام‪ ،‬وما ميَّزه على غيره من األماكن‪ ،‬وما فضَّله بزم ٍن ٍ‬
‫ووجه‬
‫ؤخرا في المملكة‪َّ ،‬‬
‫وأشار إلى الفتن التي وقعت ُم ً‬
‫َ‬ ‫ِعظَم ُحرمة الدماء المعصومة‪،‬‬
‫النداءات إلى العُقالء إلى ضرورة االنتباه على العواقِب الوخيمة لهذه الفتن‪ ،‬ووجوب‬
‫والم ِّنفذين‪.‬‬
‫المدبِّرينـ لها ُ‬
‫الضرب على أيدي ُ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫أفضل الشراِئ َع‬ ‫َ‬ ‫وشرع لنا‬


‫َ‬ ‫السبُل‬‫الحرام مثابةً للناس وأمنًا‪ ،‬هدانا ألقوم ُّ‬ ‫َ‬ ‫الحمد هلل جعل بيتَه‬
‫وأشهراـ‬
‫ً‬ ‫أنفسا‬
‫الح ُرماتـ ً‬ ‫حرم ُ‬ ‫وأستغفرهـ َّ‬
‫ُ‬ ‫وأشكره‪ ،‬وُأثنِي عليه‬‫ُ‬ ‫فضالً منه ومنًّا‪ ،‬أحمده تعالىـ‬
‫وأشدهمـ لنبيِّه تأسيًّا‬ ‫صهم هلل َّ‬ ‫الناس أخلَ َ‬ ‫خير ِ‬ ‫وجعل َ‬‫َ‬ ‫مواسم الخيرات علينا تِ ً‬
‫باعا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وتابع‬
‫وبقاعا‪َ ،‬‬ ‫ً‬
‫ابتداعا‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬ ‫ً‬ ‫وأكثرهم‬
‫ُ‬ ‫واتباعا‪ ،‬وجعل أبع َدهم عنه أجفاهم لهديِهـ‬ ‫ً‬
‫وإسراراـ‬ ‫الشكر إعالنًا‬ ‫وقدرا‪ ،‬وله‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وقهرا ً‬ ‫رب عال ذاتًا ً‬ ‫الحمد ٌّ‬ ‫شريكـ له‪ ،‬له الحم ُد كل‬
‫المناسك‪،‬ـ ودلَّهمـ‬ ‫ِ‬ ‫وأوضح لهم‬ ‫وجهرا‪،‬ـ وأشهد أن محم ًدا عب ُد اهلل ورسولُه علَّم َّأمتَه العباداتـ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫بشر به األنبياءُ قبلَه‪،‬‬ ‫على طُرق الخير وأبا َن لهم المسالِك‪،‬ـ له ُح َّجةٌ ال يزي ُغ عنها إال هالِك‪،‬ـ َّ‬
‫الس َم ِاء َفلَُن َولَِّين َ‬
‫َّك‬ ‫ك فِي َّ‬ ‫ب َو ْج ِه َ‬ ‫وهداه ربُّه لخير قبلة‪ ،‬فقال ‪ -‬سبحانه ‪ ﴿ :-‬قَ ْد َن َرى َت َقلُّ َ‬
‫ِ‬
‫ِِ‬ ‫قِ ْبلَةً َت ْر َ‬
‫وه ُك ْم َشط َْرهُ (‬ ‫ث َما ُك ْنتُ ْم َف َولُّوا ُو ُج َ‬ ‫ْح َر ِام َو َح ْي ُ‬
‫ك َشط َْر ال َْم ْسجد ال َ‬ ‫اها َف َو ِّل َو ْج َه َ‬
‫ضَ‬

‫‪435‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد‪ ،‬وعلى آله الطيبين‬ ‫‪614‬‬
‫‪ ﴾ )144‬اللهم ِّ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫الطاهرين‪،‬ـ وصحابته الغُِّر الميامين‪ ،‬والتابعينـ ومن تبِ َعهمـ‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومهلة‪،‬‬ ‫عمل ُ‬ ‫اليوم ٌ‬ ‫حق تقواه‪ ،‬وسا ِرعوا إلى مرضاتهـ واستع ُّدوا ليوم لقاه؛ فإن َ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالىـ َّ‬
‫ش ْوا َي ْو ًما‬ ‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ْم َوا ْخ َ‬ ‫ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫عامل ما عم َل‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الن ُ‬ ‫حساب وجزاء‪ ،‬وسيل َقى ُ‬ ‫ٌـ‬ ‫وغ ًدا‬
‫اَل يَ ْج ِزي َوالِ ٌد َع ْن َولَ ِد ِه َواَل َم ْولُو ٌد ُه َو َجا ٍز َع ْن َوالِ ِد ِه َش ْيًئا ِإ َّن َو ْع َد اللَّ ِه َح ٌّق فَاَل َتغَُّرنَّ ُك ُـم‬
‫ِ ِ‬
‫ور (‪. 615﴾ )33‬‬ ‫الد ْنيَا َواَل َيغَُّرنَّ ُك ْم باللَّ ـه الْغَ ُر ُ‬
‫ْحيَاةُ ُّ‬
‫ال َ‬

‫أيها المؤمنون‪:‬‬

‫موسم تُغ َف ُـر‬ ‫تستقبِل األمةُـ موسما عظيما من أيام اهلل تعالى‪ ،‬وركنًا من أركان اإلسالم ِ‬
‫العظام‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫الحج إلى بيت اهلل العتيق‪،‬ـ‬
‫موسم ِّ‬
‫ُ‬ ‫قال فيه العثَرات وتُقبَ ُل الدعوات‪،‬‬
‫الذنوب والخطايا‪ ،‬وتُ ُ‬
‫ُـ‬ ‫فيه‬
‫وحفظ الحقوق والكرامات‪،‬ـ وحق ِن‬ ‫ِ‬ ‫وموسم إعالن العهود والمواثيق‬ ‫عار الوحدة والتوحيد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ش ُ‬
‫ضت به الوصايا في ُخطبة الوداع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النفوس واألموال‪،‬ـ وما فا َ‬ ‫ِ‬
‫وعصمة‬ ‫الدماء‬

‫وينتظ ُم ِعق ُدهم في ِرحابِهـ الطاهرة‪،‬‬


‫أباريق الحرم‪ِ ،‬‬
‫ُـ‬ ‫الح َّجاج تُضيءُ ُمحيَّاهمـ‬
‫طالئع ُ‬
‫ُ‬ ‫وها هي‬
‫البيت الحرام يبتغون فضالً من ربهم و ِرضوانًا‪ ،‬يحطُّون ِرحالَهمـ عند بيت اهلل العتيق‪﴿ ،‬‬
‫آمين َ‬ ‫ِّ‬

‫‪614‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪615‬‬
‫سورة لقمان‬
‫‪436‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ين (‪ِ )96‬ف ِيه آيَ ٌ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ض َع لِلن ِ ِ ِ‬‫تو ِ‬


‫ٍ‬
‫ام‬
‫ات َم َق ُ‬
‫ات َبِّينَ ٌ‬ ‫َّاس لَلَّذي ببَ َّكةَ ُمبَ َار ًكا َو ُه ًدى لل َْعالَم َ‬ ‫ِإ َّن ََّأو َل َب ْي ُ‬
‫يم ومن د َخلَه َكا َن ِ‬ ‫ِ‬
‫آمنًا (‪. 616﴾ )97‬‬ ‫ِإ ْب َراه َـ َ َ ْ َ ُ‬

‫وك ِرجااًل و َعلَى ُك ِّل َ ِ ِ‬ ‫المتجدِّد‪َ ﴿ :‬وَأذِّ ْن فِي الن ِ‬


‫ضام ٍر يَْأت َ‬
‫ين‬ ‫َّاس بِال َ‬
‫ْح ِّج يَْأتُ َ َ َ‬ ‫القديم ُ‬
‫َ‬ ‫النداء‬
‫َ‬ ‫ُملبِّين‬
‫الخامس‪،‬‬
‫َ‬ ‫ركن اإلسالم‬ ‫‪617‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يق (‪ )26‬ليَ ْش َه ُدواـ َمنَاف َع لَ ُه ْم (‪ ﴾ )27‬ويُؤدُّون َ‬ ‫ِم ْن ُك ِّل فَ ٍّج َع ِم ٍ‬
‫اع ِإلَْي ِه َسبِياًل (‪ ﴾ )97‬ويُلبُّون بالتوحيد‪:‬ـ لبَّ َ‬
‫يك‬ ‫‪618‬‬
‫ت َم ِن ْ‬
‫استَطَ َ‬ ‫َ‬ ‫﴿ َولِلَّ ِه َعلَى الن ِ‬
‫َّاس ِح ُّج الْب ْي ِ‬
‫شريك لك‪،‬‬
‫َ‬ ‫والملك‪ ،‬ال‬
‫اللهم لبَّيك‪ ،‬لبَّيك ال شريك لك لبَّيك‪ ،‬إن الحم َد والنعمةَ لك ُ‬
‫ويرجون رحمتَه ويخافُون عذابَه‪.‬‬
‫يأملون من اهلل ال َقبول‪ُ ،‬‬
‫َ‬

‫س لَهُ َج َزاءٌ ِإال ال َ‬


‫ْجنَّةُ ‪َ ،‬والْعُ ْم َرةُ‬ ‫ور لَْي َ‬
‫ْح ُّج ال َْم ْب ُر ُ‬
‫يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ال َ‬
‫ِإلَى الْعُ ْم َر ِة َك َّف َارةٌ لِ َما َب ْيَن ُه َما " ؛ متفق عليه‪.‬‬

‫ضا يقول الصاد ُق المصدوق ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن َح َّج‬ ‫وفي "الصحيحين" أي ً‬
‫س ْق ‪َ ،‬ر َج َع َكَي ْوِم َولَ َدتْهُـ ُُّأمهُ " ‪ -‬أي‪ :‬نقيًّا من الذنوبـ‬
‫ث َولَ ْم َي ْف ُ‬
‫ت َفلَ ْم َي ْرفُ ْ‬
‫َه َذا الَْب ْي َ‬
‫والخطايا ‪.-‬‬

‫‪616‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪617‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪618‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪437‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأخرج ابن حبان في "صحيحه" عن ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬‬
‫ِ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬الْغَا ِزي فِي سبِ ِ ِ‬
‫اج ‪َ ،‬وال ُْم ْعتَ ِم ُر َوفْ ُد اللَّه َد َع ُ‬
‫اه ْم‬ ‫يل اللَّه ‪َ ،‬وال َ‬
‫ْح ُّ‬ ‫َ‬
‫اه ْم "‪.‬‬
‫َأجابُوهُ ‪َ ،‬و َسَألُوهُ فََأ ْعطَ ُ‬
‫فَ َ‬

‫ومواقف‬
‫ُ‬ ‫وفي رحلة اإليمان الخالدةـ ُمضاعفةُ الصلوات‪ ،‬وتكثير الحسنات‪،‬ـ وإجابةُ الدعوات‪،‬‬
‫ومزدلِفةـ وعرفات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الرحامات في منَى ُ‬

‫بح َجاج بيته مالئكةَـ السماوات‪ ،‬ويقول‬ ‫ِ‬


‫ذكرت تلك الصعُودات فاذ ُكر حين يُباهيـ اهللُ ُ‬ ‫َ‬ ‫وإذا‬
‫يق ‪ ،‬ا ْش َه ُدواـ َأنِّي قَ ْد غَ َف ْر ُ‬
‫ت‬ ‫‪ -‬سبحانه ‪َ " :-‬هُؤ اَل ِء ِعب ِ‬
‫ادي َجاءُونِي ُش ْعثًا غُْب ًرا ِم ْن ُك ِّل فَ ٍّج َع ِم ٍ‬‫َ‬
‫ويكتب لهم السعادةَ األبديَّة‪.‬ـ‬ ‫ُ‬ ‫وب ُه ْم " فيُعتِ ُقهم من النار‪،‬‬
‫لَ ُه ْم ذُنُ َ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫لحج بيت‬ ‫ويبعث األشوا َق إلجابةـ نداء الرحمنـ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫األرواح‪،‬‬
‫َ‬ ‫الحج وفضله يح ُدو‬
‫الحديث عن ِّ‬
‫ُ‬
‫بركب اإليمان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫يلحق‬
‫همتُه واستولَى عليه كسلُه‪ ،‬فلم َ‬ ‫اهلل الحرام‪ ،‬فيا خسارةَ من قع َدت به َّ‬
‫َأح َد ُك ْم ال يَ ْد ِري‬ ‫ْح ِّج ‪َ ،‬ي ْعنِي الْ َف ِري َ‬
‫ضةَ ‪ ،‬فَِإ َّن َ‬ ‫قال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪َ " :-‬ت َع َّجلُوا ِإلَى ال َ‬
‫َما َي ْع ِر ُ‬
‫ض لَهُ " ؛ أخرجهـ اإلمام أحمد‪.‬‬

‫فينظروا‬
‫أبعث إلى األنصار ُ‬
‫هممت أن َ‬
‫ُ‬ ‫وعن عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ " :‬لقد‬
‫من كانت له ِج َدةٌ فلم يح َّج فليض ِربوا عليهم ِ‬
‫الجزية‪،‬ـ ما هم بمسلمين‪ ،‬ما هم بمسلمين " ؛‬ ‫ُ‬
‫المنذري‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬
‫قال ُ‬

‫‪438‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫حال بينكم وبين ما تشتَهون‬


‫أعماركم قبل أن يُ َ‬ ‫بالحج ‪ -‬أيها المسلمون ‪ ،-‬واغتنِموا‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫فبادروا‬
‫َ‬
‫فتعجزون أو تموتون‪.‬‬
‫َ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫عشر ُمعظَّمةٌ في أشه ٍـر‬ ‫شرف الزمانـ والمكان؛ فالمكان‪ :‬بل ُد اهلل الحرام‪ ،‬والزمان‪:‬ـ ٌ‬ ‫الحج ُ‬ ‫وفي ِّ‬
‫ال فِي‬ ‫سو َق َواَل ِج َد َ‬
‫ث َواَل فُ ُ‬ ‫ض في ِه َّن ال َ‬
‫ْح َّج فَاَل َرفَ َ‬ ‫ات فَمن َفر ِ‬
‫وم ٌ َ ْ َ َ‬ ‫ْح ُّج َأ ْش ُه ٌـر َم ْعلُ َ‬
‫حرمة‪ ﴿ :‬ال َ‬
‫ُم َّ‬
‫ْح ِّج (‪ 619﴾ )197‬وهذه البُقعةـ عظَّم اهلل ُحمرتهاـ غايةَ التعظيم‪ ،‬وجعل إجاللَها من التقوى‬ ‫ال َ‬
‫وحرم‬
‫َّ‬
‫‪620‬‬
‫وب (‪﴾ )32‬‬ ‫ك َو َم ْن ُي َعظِّ ْم َش َعاِئ ـر اللَّ ِه فَِإ َّن َهاـ ِم ْن َت ْق َوى الْ ُقلُ ِ‬
‫وسببًا للتقوى‪ ﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫َ‬
‫المسلم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحمرة ُ‬ ‫تنفير صيدها وعض َد شوكها فضالً عن قطع شجرها وقتل صيدها؛ فكيف ُ‬ ‫َ‬
‫فيها؟‬

‫ب للعذاب؛ـ قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ِ ﴿ :-‬إ َّن ِع َّد َة‬ ‫ِ‬
‫الحرم ُموج ٌ‬ ‫حتى إن مجر رادة الشر في َ‬
‫ض ِم ْن َها َْأر َب َعةٌ‬
‫اَأْلر َ‬ ‫ِ‬ ‫اب اللَّ ِه َي ْو َم َخلَ َق َّ‬
‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫شر َش ْهرا فِي كِتَ ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫الش ُهو ِر ع ْن َد الله ا ْثنَا َع َ َ ً‬
‫ُّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ُح ُر ٌم َذلِ َ‬
‫س ُك ْـم (‪. 621﴾ )36‬‬‫ِّين الْ َقيِّ ُم فَاَل تَظْل ُموا في ِه َّن َأْن ُف َ‬
‫ك الد ُـ‬

‫‪619‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪620‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪621‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪439‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الش ُهو ِر ِع ْن َد اللَّ ِه ا ْثنَا َع َ‬


‫ش َر‬ ‫أشهركمـ هذه يقول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ِ ﴿ :-‬إ َّن ِع َّد َة ُّ‬ ‫وفي وصف ُ‬
‫ِّين الْ َقيِّ ُم فَاَل‬
‫ك الد ُ‬ ‫ض ِم ْن َها َْأر َب َعةٌ ُح ُر ٌم ذَلِ َ‬
‫اَأْلر َ‬
‫ات َو ْ‬ ‫الس َم َاو ِـ‬‫اب اللَّ ِه َي ْو َم َخلَ َق َّ‬
‫َش ْهراـ ِفي كِتَ ِ‬
‫ً‬
‫ِ ِ‬
‫تَظْل ُموا في ِه َّن َأْن ُف َ‬
‫‪622‬‬
‫س ُك ْم (‪. ﴾ )36‬‬

‫يم ُّد إليه‬


‫األشهرـ الحرم فال ُ‬
‫قاتل أبيه في ُ‬ ‫الرجل يل َقى َ‬
‫ُ‬ ‫قال ابن كثي ٍر ‪ -‬رحمه اهلل ‪" :-‬كان‬
‫زرا من الظلم فيما سواها"‪.‬‬ ‫أعظم خطيئةً و ِو ً‬
‫الحرم ُ‬ ‫األشهرـ ُ‬
‫الظلم في ُ‬
‫ضا‪" :‬إن َ‬ ‫ي َده"‪ .‬وقال أي ً‬

‫أعظم من قتل النفس المؤمنة‪ ،‬وسفك الدم‬


‫ذنب بعد الشرك ُ‬
‫األمر كذلك؛ فإنه ال َ‬
‫إذا كان ُ‬
‫ظلما وعُدوانًا‪.‬‬
‫الحرام في الشهرـ الحرام ً‬

‫شئت فقل‪:‬‬
‫آمن‪ ،‬وإن َ‬ ‫آمنة وزم ٍن ِ‬
‫منطقة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫المحاوالت البشرة إليجاد‬‫اإلسالم كل ُ‬
‫ُ‬ ‫سبق‬
‫لقد َ‬
‫منزوع السالح يأمن الناس فيه وينعمون بالسالم‪ ،‬وهذا من أعظم ِ‬
‫مقاصد‬ ‫َ‬ ‫حر ًما‬
‫زمانًا ومكانًاـ ُم َّ‬
‫َ‬ ‫َُ ُ‬
‫ِ‬
‫يستشعرواـ هذه‬ ‫فالواجب على المسلمين أن‬ ‫اإلسالم الذي قص َد إلى إشاعة األمن والسالم‪،‬‬
‫ُ‬
‫األحوال‪،‬‬
‫ُ‬ ‫واضطربَت‬ ‫الفتن‬
‫عص َفت فيه ُ‬ ‫خصوصا بعد ٍ‬
‫عام َ‬ ‫ً‬ ‫الحرم‪،‬‬ ‫الحرمة‪،‬ـ ويُعظِّموا ُ‬
‫األشهر ُ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫أنفس واختلطَت أمور‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وُأزه َقت ٌ‬

‫الح ُرم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫األشهرـ ُ‬
‫ومن الناس من تشابَهت عليهم األزمنة‪،‬ـ واختل َفت في أفهامهم األمكنة؛ فكأنما ُ‬
‫نعيش‬ ‫ِ‬
‫البالد في بعث الفتنة بها سواء‪ ،‬وكأننا ُ‬
‫حرمات ‪ -‬وهي الدماء ‪ ،-‬وكأنما ُ‬ ‫الم َّ‬ ‫ِحلٌّ ِّ‬
‫ألشد ُ‬
‫الهرج ‪ -‬وهو القتل ‪ ،-‬وال يدري‬
‫تحقق في آخر الزمانـ ‪( :-‬يكثُر َ‬ ‫الم ِّ‬
‫زمن الخبر النبوي ُ‬
‫َ‬

‫‪622‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪440‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫خير من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫خير من القاعد‪ ،‬والقاع ُد ٌ‬
‫فتن الراق ُد فيها ٌ‬
‫فيم قُتل‪ ،‬وهي ٌ‬
‫المقتول َ‬
‫ُ‬ ‫فيم قتَل‪ ،‬وال‬
‫القاتل َ‬
‫ُ‬
‫الماشيـ ‪.‬‬

‫َّم‬ ‫ِ‬
‫المخذول عن قول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬و َم ْن َي ْقتُ ْل ُمْؤ منًا ُمَت َع ِّم ًدا فَ َج َزاُؤ هُ َج َهن ُ‬ ‫ُ‬ ‫وغفل‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ب اللَّهُ َعلَْي ِه َولَ َعنَهُ َو َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َأع َّد لَهُ َع َذابًاـ َعظ ً‬
‫‪623‬‬
‫يما (‪﴾ )93‬‬ ‫َخال ًدا ف َيها َوغَض َ‬

‫أيها الناس‪:‬‬

‫وصى النبي‬ ‫ِ‬


‫واالستجابة ألصول الحقوق التي َّ‬ ‫الوقت إللقاء السالح‪ ،‬وحق ِن الدماء‪،‬‬
‫ُ‬ ‫لقد حا َن‬
‫دماءكم‬
‫وأرسى قواع َدها بقوله‪( :‬إن َ‬
‫حجة الوداع‪َ ،‬‬ ‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بها في َّ‬
‫كحرمة يومكمـ هذا‪ ،‬في بلدكم هذا‪ ،‬في شه ِركم هذا ‪.‬‬
‫حرام ُ‬
‫ضكمـ عليكم ٌ‬ ‫وأموالكمـ وأعرا َ‬

‫الحرم‪ ،‬وأن تتغلَّب‬ ‫ِ‬ ‫آ َن األوان َألن ي ِ‬


‫المصالح‬
‫ُ‬ ‫راج َع المعنيُّون واق َعهم‪ ،‬وأن يحت ِرموا ُ‬
‫األشهر ُ‬ ‫ُ‬
‫ب األمة على مصالح األفراد؛ صيانةً للنفوس والحقوق‪ ،‬وحال العباد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على المفاسد‪،‬ـ ومكاس ُ‬
‫يحب الفساد‪.‬ـ‬
‫والبالد‪ ،‬واهلل ال ُّ‬

‫النزيف ِ‬
‫الهادرـ من دماء المسلمين‬ ‫ِ‬ ‫القيام بما يستطيعون ِ‬
‫لوقف‬ ‫الواجب على القادة والعلماء ُ‬
‫ُ‬
‫واجب بين المسلمين‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫والتناصر‬
‫ُ‬ ‫والمواالة‪،‬‬‫اُألخوة ُ‬ ‫ضيات َّ‬ ‫وأرواحهم؛ـ فهي من أولَى ُمقتَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُرو ُك ْم في الدِّي ِن َف َعلَْي ُك ُم الن ْ‬
‫َّص ُر (‪. 624﴾ )72‬‬ ‫﴿ َوِإن ْ‬
‫اسَت ْن َ‬

‫‪623‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪624‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪441‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ول اللَّ ِه‬


‫ال َر ُج ٌل ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫وما "‪َ .‬ف َق َ‬ ‫َأخ َ ِ‬
‫اك ظَال ًما َْأو َمظْلُ ً‬ ‫ص ْر َ‬
‫وفي الحديث المتفق عليه‪ " :‬انْ ُ‬
‫ال ‪ :‬تَ ْح ِج ُزهُ َع ِن الظُّل ِْم فَِإ َّن‬ ‫ت ِإ َذا َكا َن ظَالِ ًما َك ْي َ‬
‫ف َأنْ ُ‬
‫ص ُرهُ ؟ قَ َ‬ ‫ص ُرهُ ِإ َذا َكا َن َمظْلُ ً‬
‫وما ‪َ ،‬أ َف َرَأيْ َ‬ ‫َأنْ ُ‬
‫ص ُرهُ ‪.‬‬
‫ك نَ ْ‬ ‫َذلِ َ‬

‫أمما ُمتناكِرة‪ ،‬ولن نستعي َد‬ ‫أوصال المسلمين‪ ،‬وجعلَت األمةَ الواح َدة ً‬ ‫َ‬ ‫إن النزاعاتـ قطَ َعت‬
‫انتماءنا‪ ،‬وأصغَينا إلى قول اهلل تعالى‪ِ ﴿ :‬إ َّن َه ِذ ِه‬
‫َ‬ ‫صححنا‬ ‫مكانتناـ ونصو َن رسالتَناـ إال إذا َّ‬
‫ون (‪. 625﴾ )92‬‬ ‫َُّأمت ُكم َُّأمةً و ِ‬
‫اح َدةً وَأنَا ربُّ ُكم فَا ْعب ُد ِ‬
‫َ َ ْ ُ‬ ‫ُ ْ َ‬

‫فرق تسد‪ِ ،‬‬


‫وأشغلهمـ‬ ‫المتجدِّدة‪ُ ِّ :‬‬
‫واليوم نرى في أنحاء بالدنا اإلسالميةـ لعبة العدو القديمة ُ‬
‫ِ‬
‫العزف عليه من وتَ ِر الطائفية؛‬ ‫بأنفسهم كي ال يشغَلوك‪ ،‬وليس هناك وَتر أكثر حساسيةًـ ِ‬
‫لبدء‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫والمتساقطين‪.‬‬‫المتسا ِرعين فيها‪ُ ،‬‬
‫كوتَر الطائفية والمذهبيَّةـ والحزبيَّة ‪ ،‬وما أكثر ُ‬

‫أشد الخائضين فيها‪ :‬كيف بدَأت تلك الفتنة؟ ولمصلحة من؟ لم ِ‬


‫تجد جوابًا‪،‬‬ ‫سألت َّ‬
‫ولو َ‬
‫ؤامرة‪.‬‬
‫يعلم الساعُو َن فيها أنها ُم َ‬
‫أنجح المؤامراتـ هي التيـ ال ُ‬
‫وقديما قيل‪ :‬إن َ‬
‫ً‬

‫ظل اإلسالم‪ ،‬يُولَد أح ُدهمـ في بالد المسلمين على ملَّته‬‫ف قرونًا في ِّ‬ ‫شت الطواِئ ُ‬‫لقد تعايَ َ‬
‫رات في هذا‬‫َّع ُـ‬
‫ثارت هذه الن َ‬ ‫ويموت عليها‪ ،‬لم يُجبِره أح ٌد أن يُغيِّر دينَه ُ‬
‫ومعت َق َده؛ فلماذا َ‬ ‫ُ‬
‫تجار الفت ِن من حيث ال يشعُرون؟‬
‫يخد ُم دهماءُ الناس وبُسطاُؤ همـ َّ‬ ‫التوقيت بالذات؟ ولماذا ِ‬

‫‪625‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪442‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ظهر منها وما بطَن‪.‬‬


‫شر الفتن ما َ‬
‫اللهم جنِّبنا والمسلمين َّ‬
‫اللهم با ِرك لنا في الكتاب والسنة‪ ،‬وان َفعناـ بما فيهما من اآليات ِ‬
‫والحكمة‪ ،‬أقول قولي هذا‪،‬‬
‫وأستغفر اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫طريق اإليمان‪ ،‬وأشهد أن إله إال اهلل وحده ال شريكـ‬


‫الحمد هلل الذي هداناـ لإلسالم‪ ،‬وأبا َن َ‬
‫وبارك عليه‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن‬‫له‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان‪.‬‬ ‫تبِ َعهم‬

‫أما بعد‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬

‫ومكاسبِهـ هو أمر تنسا ُق له ِ‬


‫الفطَُر‬ ‫ِ‬ ‫تماسكهـ‬ ‫االعتزاز بالوطن ِ‬
‫ٌ‬ ‫والحرص على ُ‬‫ُ‬ ‫ظ أمنه‬
‫وحف ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشريعة وأول الدين‪،‬ـ‬ ‫تقر ٌر في أحكام‬
‫الراشدة؛ـ فضالً عما هو ُم ِّ‬‫العقول ِ‬
‫ُ‬ ‫السليمة‪ ،‬وتُ ِ‬
‫وجبُه‬
‫أخل بأمن الوطن‬
‫ب العقوبةَ من َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫ب ويستوج ُ‬ ‫العتَ ُ‬
‫ويشتد َ‬ ‫خصوصا في أوقات الفتنـ واألزمات‪،‬‬
‫ً‬
‫وطلب الكسب الشخصي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الصلحة الذاتيةـ‬ ‫إذا كان ِ‬
‫باعثُه على ذلك نُشدا ُن‬
‫ُ‬

‫‪443‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫صدر ًة من الخارج‪ ،‬ورغبةً من الرغبات العابِرة للحدود؛ فإنه‬ ‫ث مصحةً ُم َّ‬ ‫أما إذا كان ِ‬
‫الباع ُ‬
‫نساق لها ‪ -‬إضافةً لما سبق ‪ -‬خيانةٌ للوطن‪ ،‬ونُكرا ٌن لألهل‪ ،‬فهو ِ‬
‫بمثابة من‬ ‫يجتمع في الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الماء الذي سقاه‪.‬‬
‫عك ُر َ‬‫يقطَ ُع الشجرةَ التي أظلَّته‪ ،‬ويُ ِّ‬

‫وقود فتنتهم ٌ‬
‫رجال‬ ‫قوم تميَّز تاري ُخهم في الفتنـ بأن َ‬
‫المحرك لتلك الفتنة ٌ‬
‫ِّ‬ ‫فكيف إذا ُعلم أن‬
‫ينتمي ِلعرقِهم‪،‬ـ ثم ُسرعان ما‬
‫رق ال ِ‬ ‫نسهم‪ِ ،‬‬
‫وع ٍ‬ ‫جنس سوى ِج ِ‬
‫أرضهم‪ ،‬ومن ٍ‬‫أرض غير ِ‬ ‫من ٍ‬
‫واسوهم باللسان‪ ،‬وليس وراء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يتخلَّون َّ‬
‫بمفردهم‪،‬ـ وربما َ‬
‫مصيرهم ُ‬
‫غرروا بهم‪ ،‬ليُواجهوا َ‬
‫عمن َّ‬
‫اللسان شيءٌ‪.‬‬

‫فيا أيها اإلخوة‪ ،‬ويا ُمواطنينا في المملكة وفي بالد العرب والمسلمين‪:‬‬

‫ضب‪ ،‬إنه لم يعُد من‬


‫ب الرحمةُـ فيه الغ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العتَب‪ ،‬وتُغال ُ‬
‫ب الشفقةُـ فيه َ‬
‫نداء تغل ُ‬
‫أسو ُق إليكم ً‬
‫ؤمنون بعُنصرهم أكثر من إيمانهم بالدين‪ ،‬وأن‬ ‫الخافِي أن موقِدي تلك الفتنـ هم قوم ي ِ‬
‫ٌُ‬ ‫ُ‬
‫لجنسهم وشعبِهم وتاريخهم ِ‬
‫الذاهب‪،‬ـ ال هلل وال لفلسطين‪.‬‬ ‫وجهادهمـ هو ِ‬
‫َ‬ ‫نُصرتَهمـ‬

‫مواقفهم ِ‬
‫المشينة في إيقاد الفتن في بالد العرب‬ ‫وتاري ُخهم في السنوات األخيرةـ شاه ٌد على ِ‬
‫ِ‬
‫العراق عنا ببعيد‪.‬‬ ‫أمر‬
‫وشق الصفوف‪ ،‬وما ُ‬
‫ِّ‬

‫فيا ُمواطنينا‪:‬‬

‫ٍ‬
‫أناس‬
‫ب بها ٌ‬ ‫ليتشر َـ‬
‫الحدود َّ‬
‫خارج ُ‬
‫َ‬ ‫ب‬‫المعت َقدات التي تُصنَع وتُعلَّ ُ‬
‫إن كان من ثورة فلت ُكن على ُ‬
‫انتفاضة‬
‫َ‬ ‫ٍـ‬
‫أدوات في أيدي أعدائهم‪ ،‬إن كان من‬ ‫ب بها أيانُهم وأموالُهمـ ووالؤهم‪،‬ـ ليكونوا‬
‫تُسلَ َ‬
‫‪444‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫نور‬
‫نور اهلل الذي يمأل الكو َن‪ُ ،‬‬ ‫ليتحرر من ِر ِّق التبَعيَّة َ‬
‫وإسار الشعوبية‪،‬ـ ويرى َ‬ ‫فلت ُكن للعقل َّ‬
‫اهلل الذي انبثَ َق من الحجاز‪ ،‬وأشر َق به محم ٌد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬وحمل ِ‬
‫مشاعلَه‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫األخيار‪ ،‬والتابعون لهم بإحسان‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫الصحابةُ‬

‫وأنعم اهلل على المملكة العربية السعوديةـ فو ِرثَت ذلك النور‪ ،‬وحملَت تلك الم ِ‬
‫شاعل‪ُ ،‬مقتفيةً‬ ‫َـ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫للسلم‬
‫أثر الكابـ والسنة‪ ،‬راعيةً للحرمين الشريفين‪ ،‬جامعةًـ لرابطة المسلمين‪ ،‬ساعيةً ِّ‬ ‫َ‬
‫للش ِ‬
‫قاق وال ُفرقةـ ُمحترمةً الحقوق مهما اختل َفت المشا ِرب؛ فال طائفيةَ وال‬ ‫والوحدة‪،‬ـ نابِذ ًةـ ِّ‬
‫عُنصريَّة‪ ،‬وكلٌّ له حقو ٌق وعليه ِ‬
‫واجبات‪.‬ـ‬

‫غرر بهم‪:‬‬
‫الم َّ‬
‫ويا أيها ُ‬
‫مصدرا‬ ‫نحوهم من أن يكونوا‬ ‫ِ‬
‫بسلف األمة ويُ ُّ‬ ‫صلَتكم‬ ‫إنه ما فتِ األغراب يحا ِولو َن قطع ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َئ‬
‫وغر صدوركم على سلَفكم وأهلِكمـ ِ‬
‫وبلدكم‪ ،‬وبما‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫لتلقي الهدايةـ ليملؤوا ذلك الفراغ بما يُ ُ‬
‫شعركم بالبُعدـ عن ُمواطنيكم وما أنتم‬ ‫شعركم بالغُربة في ديا ِركم وما أنتم بالغُرباء‪،‬ـ وبما ي ِ‬
‫ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحدود‪ ،‬وليس لكم من ذلك كلِّه شيء‪.‬‬ ‫ف من وراء ُ‬ ‫بالبعيدين‪،‬ـ وثمرةُ ذلك كلِّه تُقطَ ُ‬

‫وممتلكاتِه‪ ،‬وين ُ‬
‫شر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دمر خيراتهـ ُ‬
‫ويبيع وطنَه‪ ،‬ويُ ِّ‬
‫ب أهلَه؛ فكيف يبيعُهم ُ‬
‫إن الرائ َد ال يكذ ُ‬
‫األول واألخير؟!‬ ‫الفوضى بين أهلِه‪ ،‬وهو ِ‬
‫الخاس ُر ُ‬ ‫َ‬

‫والرغَ ُد ال يأتي بإخالل األمن‪.‬ـ‬


‫بالهدم‪َّ ،‬‬
‫يستقيم َ‬
‫ُ‬ ‫اإلصالح ال يكون بالفساد‪ ،‬والبناءُ ال‬
‫َ‬ ‫إن‬

‫‪445‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫النيات‪ ،‬وُأغل َقت األفواهُ التي تستم ِرُئ‬
‫ُ‬ ‫الجو بالشحناء‪ ،‬ولو ص َدقَت‬
‫وأوهاما تمأل َّ‬
‫ً‬ ‫أهواء‬
‫إن ً‬
‫الوقيعةَ واإلفك؛ـ لتال َشت أنواعٌ من ال ُفرقةـ ال مساغًا لوجودها‪.‬‬

‫ومصطادي المصالِح في‬


‫تجار الفتن ولُصوص اإلثارةـ ُ‬‫الطريق على َّ‬
‫َ‬ ‫نُ ِ‬
‫ناش ُـد العُقالء أن يقطَعوا‬
‫وح ِ‬ ‫ِ‬
‫الناصح!‬ ‫س ِ‬ ‫المشف ِق ُ‬
‫وم ُ‬ ‫وس ُ‬ ‫المذابِح‪ ،‬وإن َ‬
‫ظهروا بلَبُ ِ‬

‫فكم من فت ٍن لم يتبيَّن خاِئ ُ‬


‫ضها إال عند إدبا ِرهاـ وقد نالَه منها ما نالَه؟!‬

‫ِ‬
‫الحاجة ثقة‪ ،‬واهلل‬ ‫بادرة العُقالء من الناس أمل‪ ،‬ولدينا في َحزم رجال األمنـ عند‬
‫ولنا في ُم َ‬
‫ونعم النصير‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫موالنا وعليه ُّ‬
‫عم المولَى َ‬
‫توكلُنا‪ ،‬فن َ‬

‫ين (‪. 626﴾ )64‬‬ ‫اعتمادنا‪ ﴿ ،‬فَاللَّهُ َخ ْير حافِظًا و ُهو َأرحم َّ ِ ِ‬
‫الراحم َ‬ ‫َ َ َُْ‬ ‫ٌ َ‬ ‫ُ‬ ‫ومن اهلل أمنُنا‪ ،‬وعليه‬

‫اللهم جنِّبنا الفتنـ ما ظهر منها وما بطَن‪.‬‬

‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البرية‪،‬ـ وأزكى البشرية‪:‬ـ محمد بن عبد اهلل‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل وسلِّم‬
‫وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين‪،‬ـ وصحابته الغُِّر الميامين‪،‬‬
‫ارض اللهم عن األئمة المهديين‪،‬ـ والخلفاء الراشدين‪:‬ـ أبي بك ٍر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪،‬‬
‫اللهم َ‬
‫وعلي‪ ،‬وعن سائرـ صحابة نبيك أجمعين‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين‪.‬‬
‫ٍّ‬

‫‪626‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪446‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأذ َّل الشرك والمشركين‪ِّ ،‬‬


‫ودمر أعداء الدين‪ ،‬واجعلـ هذا‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين‪ِ ،‬‬
‫البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫ٍ‬
‫دمارا عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نحره‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيره ً‬ ‫وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫اللهم من أرادنا َ‬

‫وولي أمرنا‪ ،‬اللهم وفِّقه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫إمامناـ َّ‬‫اللهم آمنَّا في أوطاننا‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫ُلهداك‪ ،‬واجعلـ عمله في رضاك‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةـ الصالحة‪ ،‬وأتِ َّم عليه الصحةَ والعافيةَ‬
‫والشفاء‪.‬‬

‫لواء الدين‪ ،‬اللهم جا ِزه بالخيراتـ والحسناتـ على‬


‫وحد به كلمةَ المسلمين‪ ،‬وارفع به َ‬
‫اللهم ِّ‬
‫ِ‬
‫والمعتمرين‪ ،‬اللهم وفِّقه ونائبَيه لما فيه ُ‬
‫الخير‬ ‫بالح َّجاج ُ‬
‫خدمةـ الحرمين الشريفينـ والعناية ُ‬
‫للعباد والبالد‪ ،‬واسلُك بهم سبيل الرشاد‪.‬‬

‫اللهم ادفع عنَّا الغال والوبا‪ ،‬والرباـ والزنا‪ ،‬والزالزلـ ِ‬


‫والم َحن‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها وما‬
‫بَطَن‪.‬‬

‫اللهم أصلِح أحوالـ المسلمين‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال المسلمين‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال المسلمين‬
‫وس َّد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫في كل مكان‪ ،‬واجمعهم على الحق والهدى‪،‬ـ اللهم احقن دماءهم‪،‬ـ وآمن روعاتهم‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫ُخلَّتهم‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهم‪.‬‬

‫انصرهم على من ظلَ َمهم يا حي‬


‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان‪ ،‬اللهم ُ‬
‫الم َ‬‫اللهم انصر ُ‬
‫يا قيُّوم يا ذا الجالل واإلكرام‪ ،‬اللهم اجمعهم على الحق يا رب العالمين‪.‬‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم ال‬
‫ي ِ‬
‫عجزونك‪.‬ـ‬ ‫ُ‬

‫‪447‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اب النَّا ِر (‪. 627﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬

‫ويسر أمورنا‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬


‫رضيك آمالنا‪ ،‬ربنا اغفر لنا‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا‪ ،‬واستر عيوبنا‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫ولوالديناـ ووالديهمـ وذرياتهم‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬

‫حي يا قيُوم يا ذا‬ ‫مناسكهم ِ‬


‫ويسر لهم أداء ِ‬ ‫اللهم اح َفظ الح َّجاج والم ِ‬
‫آمنين‪ ،‬يا ُّ‬ ‫عتمرين‪ِّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الجالل واإلكرام‪.‬‬

‫ونتوب إليه‪.‬‬ ‫الحي القيُّوم‬ ‫ِ‬


‫نستغف ُر اهلل الذي ال إله إال هو َّ‬ ‫ِ‬
‫نستغف ُـر اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نستغف ُر اهلل‪،‬‬
‫ُ‬

‫الغيث وال تجعلنا من‬‫َ‬ ‫ونحن الفقراء‪،‬ـ أن ِزل علينا‬


‫ُ‬ ‫الغني‬
‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت‪ ،‬أنت ُّ‬
‫طب ًقا ُمجلِّالً ًّ‬
‫عاما‬ ‫أغثْنا‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫أغثْنا‪ ،‬اللهم ِ‬
‫القانِطين‪ ،‬اللهم ِ‬
‫سحا غ َدقًا َ‬
‫أغثْنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬
‫للحاض ِر ِ‬
‫والباد‪.‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫وتسقي به العباد‪ ،‬وتجعلُه بالغًا‬ ‫نافعا غير ضار‪ ،‬تُحيِي به البالد‪ِ ،‬‬
‫ً َ‬

‫هدم وال‬ ‫عذاب وال ٍ‬


‫بالء وال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم ُسقيَا رحمة‪ ،‬اللهم ُسقيَا رحمة‪ ،‬اللهم ُسقيَا رحمة ال ُسقيا‬
‫غرق‪.‬‬
‫َ‬

‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منَّا إنكـ أنت‬

‫‪627‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪448‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وسالم على المرسلين‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬ـ‬


‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون‪،‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬وصية اهلل لحجاج بيته الحرام‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامنـ من ذي الحجة من عام ‪ 1432‬هـ‬

‫‪ -‬وصية اهلل لحجاج بيته الحرام ‪-‬‬


‫‪449‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬وصية‬
‫اهلل لحجاج بيته الحرام" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن بعض الوصايا اإللهية والتوجيهات النبوية‬
‫عتمريه وزائريه ‪ ،‬وقد أرشد فيها إلى بعض التعليمات الواجب‬‫لح َّجاج بيت اهلل الحرام وم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والمعتمرين‪.‬‬
‫الح َّجاج ُ‬
‫التنبُّه لها من ُ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الر َواح ‪،‬‬‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل فالق اإلصباح ‪ ،‬والحمد هلل بُكر ًة وعشيًّا وفي الغُ ُد ِّو وفي َّ‬
‫ِ‬
‫والمشاع َر مزاد ًةـ‬ ‫الحج‬
‫وساح ‪ ،‬وجعل َّ‬ ‫جيج من كل ٍـ‬
‫ناحية‬
‫ٍ‬ ‫الح ُ‬ ‫الحمد هلل الذي وف َد له َ‬
‫المعظَّم ً‬
‫حرماـ ال يُستباح ‪،‬‬ ‫ومهوى للنفوس ‪ ،‬ومنهالً لألرواح ‪ ،‬وجعل بيتَه ُ‬ ‫ً‬ ‫للتقوى ‪،‬‬
‫ِ‬
‫شه ُر به سالح ‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل‬ ‫ض ُد شو ُكه ‪ ،‬وال يُ َّنف ُر صي ُده ‪ ،‬وال يُ َ‬
‫وح ًمى ال يُع َ‬
‫وحده األح ُد الحميد ال شريك له وال َشبيه وال نَديدـ ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُد اهلل ورسوله‬
‫وطاف ‪ ،‬صلَّى اهلل عليه وعلى آله وعلى صحابته األسالف ‪ ،‬ومن‬ ‫َ‬ ‫البيت‬
‫حج َ‬ ‫سي ُد من َّ‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫واستن بهديِهم من التابعين واألخالف ‪ ،‬وسلِّم يا رب‬
‫َّ‬ ‫َّاتبَعهمـ‬

‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬

‫اب ِم ْن َق ْبلِ ُك ْم َوِإيَّا ُك ْـم‬ ‫صينَا الَّ ِذين ُأوتُوا ال ِ‬


‫ْكتَ َـ‬ ‫َ‬ ‫وصيةُ اهلل لألولين واآلخرينـ تقوى اهلل‪َ ﴿ :‬ولََق ْد َو َّ ْ‬
‫لح َّجاج بيته تقوى اهلل‪َ ﴿ :‬وَت َز َّو ُدوا فَِإ َّن َخ ْي َر‬ ‫اهلل‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫ووصي‬ ‫‪628‬‬ ‫ِ‬
‫َأن َّات ُقوا اللَّهَ (‪﴾ )131‬‬
‫ُ‬
‫اب (‪. 629﴾ )197‬‬ ‫ون يَا ُأولِي اَأْللْبَ ِـ‬
‫الت ْقوى و َّات ُق ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫الز ـاد َّ َ َ‬

‫‪628‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪629‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪450‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫ح َّجاج بيت اهلل الحرام! شكر اهلل سعيكمـ ‪ ،‬وبار َك خطوكم ‪ ،‬وأدام سع َدكم ‪ ،‬قد ِ‬
‫وطئتُم‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬
‫شرفة ‪،‬‬
‫الم َّ‬ ‫ِ‬
‫ُّسك األعظم ‪ ،‬واكتحلَت عيونُكم بمرأى الكعبة ُ‬ ‫الحرم ‪ ،‬وتلبَّستُم بالن ُ‬
‫أرض َ‬‫َ‬
‫لوغ هذه‬ ‫الحج ‪ ،‬فلكم تُ ُّ‬
‫زف التهاني ببُ ِ‬ ‫ك ِّ‬ ‫البيت العتيق ‪ ،‬وشرعتُم في ِ‬
‫مناس ِ‬ ‫وبلغتُم هذا َ‬
‫أمركم وأن يتقبَّل منكم‪.‬‬
‫يسر َ‬ ‫حجم ويُ ِّ‬‫األمانيـ ‪ ،‬واهلل المسؤول أن يُتِ َّم َّ‬

‫ث‬
‫ت َفلَ ْم َي ْرفُ ْ‬
‫فلله ما أهناكم!ـ والنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يقول‪َ " :‬م ْن َح َّج َه َذا الَْب ْي َ‬
‫س ْق ‪َ ،‬ر َج َع َكَي ْوِم َولَ َدتْهُ ُُّأمهُ " ‪ -‬أي‪ :‬نقيًّا من الذنوب والخطايا ‪-‬؛ رواه البخاري‬
‫َولَ ْم َي ْف ُ‬
‫ومسلم‪.‬‬

‫س لَهُ َج َزاءٌ‬
‫ور لَْي َ‬
‫ْح ُّج ال َْم ْب ُر ُ‬
‫وفي "الصحيحين" أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬ال َ‬
‫ْجنَّةُ ‪َ ،‬والْعُ ْم َرةُ ِإلَىـ الْعُ ْم َر ِة َك َّف َارةٌ لِ َما َب ْيَن ُه َما " ‪.‬‬
‫ِإال ال َ‬

‫والصعاب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المتاعب ِّ‬ ‫كل‬
‫وتهو ُن في سبيلها ُّ‬ ‫ٍ‬
‫النفوس المؤمنةُ ‪ُ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ب لها‬
‫تطر ُ‬
‫فيا لها من منحة َ‬
‫أيها المسلمون في كل مكان‪:‬‬

‫وأقسم بها في‬ ‫قدرها ‪،‬‬


‫ف َ‬ ‫وشر َ‬
‫أمرهاـ ‪َّ ،‬‬ ‫أيامكم هذه ٌ َّ‬
‫َ‬ ‫أيام عظم اهللُ َ‬ ‫ُح َّجاج بيت اهلل الحرام! ُ‬
‫جل شأنُهـ ‪ ﴿ :-‬والْ َف ْج ِر (‪ )1‬ولَيَ ٍ‬
‫ال َع ْش ٍر (‪. 630﴾ )2‬‬ ‫كتابه العزيزـ ‪ ،‬فقال ‪َّ -‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ِإلَى اللَّ ِه ‪-‬‬
‫َأح ُّ‬ ‫وقال عنها النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ما ِمن َأيَّ ٍام الْعمل َّ ِ ِ‬
‫الصال ُح ف َيها َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫ال ‪َ « :‬واَل‬ ‫يل اللَّ ِه ‪ ،‬قَ َ‬
‫اد فِي َسبِ ِ‬ ‫َتعالَى ‪ِ -‬من َه ِذ ِه اَأْليَّ ِام " ي ْعنِي َأيَّام الْع ْش ِـر ‪ ،‬قَالُوا ‪ :‬واَل ال ِ‬
‫ْج َه ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ش ْي ٍء " ؛ أخرجهـ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫يل اللَّ ِه ‪ِ ،‬إاَّل َر ُج ٌل َخ َر َج بَِن ْف ِس ِه َو َمالِ ِه َفلَ ْم َي ْر ِج ْع ِم ْن ذَلِ َ‬
‫اد فِي َسبِ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫ْج َه ُ‬
‫البخاري‪.‬‬

‫يل ‪ ،‬والتَّ ْكبِي ِر ‪ ،‬والتَّح ِم ِ‬ ‫وعند اإلمام أحمد‪ " :‬فََأ ْكثِروا فِيها ِمن الت ْ ِ‬
‫يد " ‪.‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َّهل ِ َ‬ ‫ُ َ َ‬

‫‪630‬‬
‫سورة الفجر‬
‫‪451‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اهلل أكبر ‪ ،‬اهلل أكبر ‪ ،‬اهلل أكبر ‪ ،‬ال إله إال اهلل ‪ ،‬اهلل أكبر ‪ ،‬اهلل أكبر ‪ ،‬وهلل الحمد‪.‬‬

‫يستحق الثناء ‪ ،‬أكثِروا من‬


‫ُّ‬ ‫عظيم‬
‫تكبيركم َعنا َن السماء ‪ ،‬كبِّروا فإن اهللَ ٌ‬
‫كبِّروا ليبلُغ ُ‬
‫وتزودوا من ساعاتـ هذه األيام ولياليهاـ ‪ ،‬فهي التجارة الرابحةـ ‪،‬‬ ‫األعمال الصالحة ‪َّ ،‬‬
‫واعلموا أن هلل تعالىـ ن َف َحات فاستكثِروا من الصالحات ‪ ،‬وتطهَّروا من َدنَس المعاصي‬
‫الز ِاد َّ‬
‫الت ْق َوى‬ ‫وس َم ال ي ُدوم ‪َ ﴿ ،‬وَت َز َّو ُدوا فَِإ َّن َخ ْي َر َّ‬‫والسيئاتـ ‪ ،‬إن العمر ال يعود ‪ ،‬والم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اب (‪.631﴾ )197‬‬ ‫ون يَا ُأولِي اَأْللْبَ ِ‬
‫و َّات ُق ِ‬
‫َ‬
‫عباد اهلل ‪ُ ،‬ح َّجاج بيت اهلل الحرام‪:‬‬

‫ويذهب إلى ِمنَى‬


‫ُ‬ ‫ضحاهُ يُح ِر ُم من يُري ُد َّ‬
‫الحج‬ ‫الحجة ‪ ،‬وفي ُ‬
‫الثامن من ذي َّ‬ ‫ُ‬ ‫اليوم‬
‫هذا هو ُ‬
‫والمغرب في وقتها والعشاءـ في‬
‫َ‬ ‫قصرا‬
‫والعصر في وقتها ً‬‫َ‬ ‫قصرا‬
‫الظهر في وقتها ً‬ ‫فيُصلِّي بها َ‬
‫شمس اليوم التاسع‬ ‫الفجر وطلَ َعت‬ ‫ويبيت ِ‬
‫بمنَى هذه الليلة ‪ ،‬فإذا صلَّى بها‬ ‫قصرا ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وقتها ً‬
‫ف على صعيد عرفات ُمكثِ ًرا من‬ ‫وقصرا ‪ ،‬ثم ِيق ُ‬
‫ً‬ ‫توجه إلى عرفات وصلَّى بها الظهر ً‬
‫جمعا‬ ‫َّ‬
‫خيري الدنيا واآلخرةـ ‪ ،‬ويُلِ ُّح في الدعاء والرجاءـ في‬ ‫ِّ‬
‫ذكر اهلل تعالى ‪ُ ،‬متذلالً بين يديه يسألُهـ َ‬
‫الحج عرفة ‪ ،‬كما قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫ذلك الموقف العظيم؛ـ فإن َّ‬

‫ْت َأنَا َوالنَّبِيُّو َن ِم ْن َق ْبلِي ‪ :‬ال ِإلَهَ ِإال‬ ‫ِ‬ ‫ضا‪َ " :‬خير ُّ ِ‬
‫الد َعاء ُد َعاءُ َي ْوم َع َرفَةَ ‪َ ،‬و َخ ْي ُر َما ُقل ُ‬ ‫ُْ‬ ‫وقال أي ً‬
‫ْح ْم ُد ‪َ ،‬و ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير " ؛ رواه الترمذي‪.‬ـ‬ ‫ك َولَهُ ال َ‬ ‫يك لَهُ ال َْملِ ُ‬
‫اللَّهُ َو ْح َدهُ ال َش ِر َ‬

‫قال‬
‫العبَراتـ ‪ ،‬تُ ُ‬ ‫القلوب ‪ ،‬وتَذ ِر ُ‬ ‫وفي ِ‬
‫ساحة الغُ ِ‬
‫ب َ‬ ‫ف العيون ‪ ،‬تُس َك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ش ُع‬‫فران في عرفات تخ َ‬
‫بح َّجاجه مالئكةَ السماوات ‪ ،‬ويقول ‪ -‬سبحانه‬ ‫ِ‬
‫العثَراتـ ‪ ،‬وتُرفَ ُع الدرجاتـ ‪ ،‬ويُباهي اهللُ ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ادي ‪َ ،‬جاءُونِي ُش ْعثًا غُْب ًرا ِم ْن ُك ِّل فَ ٍّج َع ِم ٍ‬
‫يق ‪ُ ،‬أ ْش ِه ُد ُك ْم َأنِّي قَ ْد غَ َف ْر ُ‬ ‫‪ " :-‬انْظُروا ِإلَى ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫لَ ُه ْم " ‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫‪631‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪452‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ستحب له صيام يوم عرفة م ِ‬
‫حتسبًا أن يُ ِّ‬
‫كف َـر اهللُ عنه السنةَـ الماضيةَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫حاجاـ فيُ‬
‫ومن لم يكن ًّ‬
‫والباقيةَ ‪ ،‬كما قال ذلك النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في الحديث الذي رواه مسلم‪.‬‬

‫وعن عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬ما ِم ْن َي ْوٍم‬
‫َأ ْك َثر ِمن َأ ْن يعتِ َق اللَّه فِ ِيه َعب ًدا ِمن النَّا ِر ِمن يوِم َعرفَةَ ‪ ،‬وِإنَّه لَي ْدنُو ثُ َّم يب ِ‬
‫اهيـ بِ ِه ُم ال َْماَل ِئ َكةَـ ‪،‬‬‫َُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ ُْ‬
‫اد َهُؤ اَل ِء " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ول ‪َ :‬ما ََأر َ‬‫َفَي ُق ُ‬

‫المغرب والعشاءـ‬
‫َـ‬ ‫ٍـ‬
‫بسكينة ووقا ٍر ‪ ،‬وصلَّى بها‬ ‫ف إلى ُمزدلَِفة‬‫انصر َ‬
‫َ‬ ‫الشمس ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فإذا غربَت‬
‫الفجر ‪ ،‬ويُكثِ ُر من ذكر‬
‫َ‬ ‫بمزدلِفةَ تلك الليلة ‪ ،‬ويُصلِّي بها‬‫ويبيت ُ‬
‫ُ‬ ‫ويقص ُر العشاء ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫جمعا ‪،‬‬
‫ً‬
‫ويجوز‬ ‫بيل طُلوع الشمس ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جدا ‪ ،‬ثم ينص ِر ُ‬ ‫اهلل ومن الدعاء حتى ي ِ‬
‫سف َر ًّ‬
‫ُ‬ ‫ف إلى منَى قُ َ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫ويتحق ُق ذلك‬ ‫االنصراف من ُمزدلِفةـ بعد نصف الليل ‪،‬‬
‫ُـ‬ ‫َّعفة من النساء والصبيان ونح ِوهم‬‫للض َ‬
‫بغروب القمر‪.‬‬

‫كب ُر مع كل َحصاة ‪،‬‬ ‫ٍـ‬


‫تعاقبات يُ ِّ‬ ‫ات ُم‬‫الحاج إلى ِمنَى رمى جمرة العقبة بسبع حصي ٍ‬
‫ُّ‬ ‫فإذا وصل‬
‫ََ‬
‫يتوجه‬
‫والحلق أفضل ‪ ،‬ثم َّ‬ ‫قص ُره ‪،‬‬
‫رأسه أو يُ ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الهدي إن كان عليه َهدي ‪ ،‬ثم يحل ُق َ‬
‫َـ‬ ‫ينح ُر‬
‫ثم َ‬
‫يسعى بين‬
‫طواف اإلفاضة ‪ ،‬ثم َ‬ ‫َ‬ ‫فيطوف‬
‫ُ‬ ‫تيسر له يوم العيد وإال بعدهـ ‪،‬‬
‫للبيت الحرام إن َّ‬
‫ِ‬
‫طواف ال ُق ُدوم فيكفيه‬ ‫الصفا والمروة ‪ ،‬فإن كان قا ِرنًا أو ُمف ِر ًداـ وقد سعى قبل ِّ‬
‫الحج بعد‬
‫قد َم شيًئا أو أخَّر شيًئا من أعمال يوم النحر ‪ ،‬فال حرج عليه‪.‬‬ ‫سعيُه ذلك ‪ ،‬ومن َّ‬

‫يوم بعد‬‫الجمار الثالث في كل ٍ‬‫ويرمي ِ‬‫ويبيت بها ليالي أيام التشريق ‪ِ ،‬‬ ‫يعود إلى ِمنَى ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ثم ُ‬
‫تعجل في يومين ‪ ،‬وإن شاء تأخَّر لليوم الثالث عشر ‪ -‬والتأخُّر‬
‫شاء َّ‬
‫زوال الشمس ‪ ،‬ثم إن َ‬
‫السفر من مكة‪.‬‬
‫َ‬ ‫الوداع عندما يُري ُد‬
‫ِ‬ ‫طواف‬
‫ُ‬ ‫أفضل ‪ ، -‬ثم ال يب َقى عليه إال‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫بالم ِ‬
‫سلم أن‬ ‫مواطن يُكثِ ُر فيها من الدعاء ٌّ‬
‫حري ُ‬ ‫ُ‬ ‫ولقد كان للنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫وباألخص آخر النهار ‪ ، -‬وبعد صالة‬
‫ِّ‬ ‫يتحراها ‪ ،‬وأن يح ِر َ‬
‫ص عليها؛ منها‪ :‬يوم عرفة ‪-‬‬ ‫َّ‬

‫‪453‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫الفجر بمزدلِفةـ حتى ي ِ‬
‫سفر ًّ‬
‫جدا ‪ ،‬وبعد رمي الجمرة األولىـ ‪ ،‬وبعد رمي الجمرة الثانيةـ من‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أيام التشريقـ ‪ ،‬وكذا الدعاء فوق الصفا والمروة‪.‬‬

‫حجكم ‪ ،‬واتقوا اهلل فيما تأتون وت َذ ُرون ‪ ،‬وأخلِصوا هلل في عملكم‬ ‫فاجت ِهدوا في تمام ِّ‬
‫ِ‬ ‫الهدى والسنَّة ‪ ،‬واجتنِبوا ما يخ ِر ُم َّ‬ ‫ِ‬
‫بالر ِ‬
‫فق‬ ‫صه ‪ ،‬وعليكم ِّ‬‫حجكم أو يُنق ُ‬ ‫وقصدكم ‪ ،‬واتَّبِعوا ُ‬
‫المسلمين ‪ -‬سيَّما في مواطن االزدحام ‪،‬‬ ‫والش َف َقة والرحمةـ بإخوانكمـ ُ‬ ‫ِـ‬
‫والسكينة والطُّمأنينة َّ‬
‫ِ‬
‫أبواب المسجد الحرام ‪.-‬‬ ‫الجمار ‪ ،‬وعند‬‫وأثناء الطواف ‪ ،‬ورم ِي ِ‬

‫مشكورا ‪،‬‬
‫ً‬ ‫مبرورا ‪ ،‬وسعيَكمـ‬
‫ً‬ ‫واستشعروا ِعظَ َم العبادة وجاللة الموقف ‪ ،‬جعل اهلل َّ‬
‫حجكم‬ ‫ِ‬
‫مغفورا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وذنبَكم‬

‫أقول قولي هذا ‪ ،‬وأستغفر اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫مربحا ومغنَ ًما ‪ ،‬وأيام البركات إلى‬ ‫ِ‬


‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي جعل مواس َم الخيرات ً‬
‫وسلَّ ًما ‪ ،‬وأشهدـ أن إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده‬
‫جناته طري ًقا ُ‬
‫ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬

‫سا على التوحيد وألجل التوحيد‪َ ﴿ :‬وِإ ْذ َب َّوْأنَا ِإِل ْب َر ِاه َـ‬
‫يم َم َكا َن‬ ‫ؤس ً‬‫العتيق ُم َّ‬
‫ُ‬ ‫لقد بُنِي هذا ُ‬
‫البيت‬
‫ت َأ ْن اَل تُ ْش ِر ْك بِي َش ْيًئا (‪. 632﴾ )26‬‬ ‫الْب ْي ِ‬
‫َ‬

‫‪632‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪454‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ُّسك وأنت ُمعلِ ٌن للتوحيد‪" :‬لبَّيك اللهم لبَّيك ‪ ،‬لبَّيك ال شريك لك‬
‫دخلت الن ُ‬
‫َ‬ ‫ومنذ أن‬
‫لبَّيك ‪ ،‬إن الحم َد والنعمةَ لك والملك ‪ ،‬ال شريكـ لك"‪.‬‬

‫الزو ِر (‬‫اجتَنِبُوا َق ْو َل ُّ‬ ‫الر ْجس ِمن اَأْلوثَ ِ‬ ‫وفي ثنايا آيات الحج يقول اهلل تعالى‪:‬ـ ﴿ فَ ْ ِ‬
‫ان َو ْ‬ ‫اجتَنبُوا ِّ َ َ ْ‬
‫الس َم ِاء َفتَ ْخطَُفهُ الطَّْي ُر َْأو‬
‫ين بِ ِه َو َم ْن يُ ْش ِر ْك بِاللَّ ِه فَ َكَأنَّ َما َخ َّر ِم َن َّ‬‫ِ‬ ‫‪ )30‬حَن َف ِ ِ‬
‫اء للَّه غَْي َر ُم ْش ِرك َ‬
‫ُ َ‬
‫‪633‬‬
‫يق (‪. ﴾ )31‬‬ ‫ان َس ِح ٍ‬ ‫الريح فِي م َك ٍ‬
‫َت ْه ِوي بِه ِّ ُ َ‬
‫ِ‬

‫وفي حديث جاب ٍر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬في صفة ِّ‬


‫حج النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬‬
‫أهل رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بالتوحيد‪ :‬لبَّيك اللهم لبَّيك ‪ ،‬لبَّيك ال شريكـ‬
‫ثم َّ‬
‫لك لبَّيك "؛ رواه أبو داود‪.‬‬

‫ِ‬
‫ومقاص َدكم‪.‬‬ ‫فأخلِصوا دينَكم هلل ‪َّ ،‬‬
‫وتفقدواـ أعمالَكمـ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫التوكل عليه‬ ‫الحج تربيةٌ على إفراد اهلل بالدعاء والسؤالـ والطلب ‪ ،‬مع ُّ‬ ‫مناسكـ ِّ‬ ‫وفي ِ‬
‫اج َـد لِلَّ ِه فَاَل تَ ْدعُوا‬
‫َأن الْمس ِ‬ ‫ِ‬
‫واللجوء إليه ‪ ،‬واالستغناء عن الخلق واالعتماد على الخالق‪َ ﴿ :‬و َّ َ َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫َم َع اللَّه َ‬
‫‪634‬‬
‫رسما‪.‬‬
‫ال نبيًّا وال وليًّا ‪ ،‬وال مكانًاـ وال ً‬ ‫َأح ًدا (‪﴾ )18‬‬

‫الحج إلىـ ما ينافِي ِ‬


‫مقاص َده ‪ ،‬فال دعوةَ إال إلىـ اهلل وحده ‪ ،‬وال‬ ‫حو َل ُّ‬
‫يجوز أن يُ َّ‬
‫كما ال ُ‬
‫ُ‬
‫عار التوحيد والسنة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عار إال ش ُ‬
‫ش َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫لدنياهم‬
‫ُ‬ ‫سكـ شوقًا ‪ ،‬التاركين‬ ‫المتدفِّقين ألداء النُ ُ‬
‫تجمع ماليين البشر ُ‬
‫ُ‬ ‫والحج عبادةٌ فريدةٌ‬
‫ُّ‬
‫التجمع اإليمانيـ العظيم ‪ ،‬فيه اجتماعُ األمة وائتالفُها ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مشهد أبهى من هذاـ ُّ‬ ‫فأي‬
‫طوعا؛ ُّ‬‫ً‬

‫‪633‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪634‬‬
‫سورة الجن‬
‫‪455‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ال ِفي‬
‫سو َق َواَل ِج َد َـ‬
‫ث َواَل فُ ُ‬
‫ْح َّج فَاَل َرفَ َ‬ ‫وتظهر قِيمها وأخالقُها ‪ ﴿ ،‬فَمن َفر ِ‬
‫ض في ِه َّن ال َ‬
‫َْ َ َ‬ ‫َُ َُ‬
‫ْح ِّج (‪. 635﴾ )197‬‬ ‫ال َ‬

‫واُألخ َّوة‬ ‫المساواة والعدل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قِيَم‬


‫ُ‬ ‫التسامح واإلخاء والبُعد عن الخالف والمراء ‪ ،‬قيَ ُم ُ‬
‫ُ‬
‫باسهـ ومسكنهـ ومنامه ‪،‬‬‫الحاج من متاع الدنياـ في لِ ِ‬
‫ِّ‬ ‫والمحبة ‪ ،‬قِيَ ُم القناعة والبَساطة في ُّ‬
‫تجرد‬
‫َّ‬
‫المشقة والتضحية‪.‬‬ ‫ويتحم ُل‬
‫َّ‬ ‫يتربَّىـ على ترك الترفُّه ‪،‬‬

‫السلُوكية لكثي ٍر من ِ‬
‫القيَم واألخالق‪.‬‬ ‫الحج نستل ِه ُم ُ‬
‫المراجعاتـ ُّ‬ ‫من ِّ‬

‫ُح َّجاج بيت اهلل العتيق‪:‬‬

‫الحاج أن يصبِ َر‬


‫ِّ‬ ‫وترك الترفُّه مقصو ٌد ‪ ،‬وعلى‬
‫ُ‬ ‫بد في الجهادـ من َّ‬
‫مشقة ‪،‬‬ ‫الحج جها ٌد ‪ ،‬وال َّ‬
‫ُّ‬
‫س َكه من رسول اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حجه كما أمر اهلل آخ ًذا نُ ُ‬
‫ب في إتمام ِّ‬
‫ويحتس َ‬
‫ويتنازل‬
‫َ‬ ‫شوه ‪،‬‬
‫بحج ُم َّ‬ ‫ِ‬
‫ويرج َع ٍّ‬ ‫ويزه َد في السنن ‪،‬‬
‫الر َخص َ‬
‫ومن ال ُخذالن أن يتتَبَّ َع اإلنسا ُـن ُّ‬
‫والس َكنـ ‪ ،‬واهلل‬
‫يتناز ُل عن نقص الخدماتـ في الطعام والشراب َ‬ ‫ُّسكـ ‪ ،‬وال َ‬ ‫عن كمال الن ُ‬
‫عاركم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اجعلوا هذه اآليةَ ش َ‬
‫‪636‬‬
‫ْح َّج َوالْعُ ْم َرةَ لِلَّ ِه (‪﴾ )196‬‬ ‫ِ‬
‫تعالى يقول‪َ ﴿ :‬وَأت ُّموا ال َ‬

‫ُح َّجاج بيت اهلل الحرام‪:‬‬

‫وتحروا صحةَ أعمالكمـ قبل إتيانِها ‪،‬‬


‫َّ‬ ‫مناس ِككمـ ‪ ،‬واسألوا عن عباداتكمـ ‪،‬‬
‫تعلَّموا أحكام ِ‬
‫َ‬
‫نال بالتفريط‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واشتغلوا بالعبادةـ والطاعات؛ فإن ما عند اهلل ال يُ ُ‬ ‫تفرغوا لما ِجئتُم ألجله ‪،‬‬
‫َّ‬

‫والهجوا بذكر اهلل في كل أحوالكم؛ فنبيُّكم ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫والتضرع ‪َ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫أكثِروا من الدعاء‬
‫الص َفا والْمرو ِة ور ْمي ال ِ‬
‫ْج َما ِر ِإِل قَ َام ِـة ِذ ْك ِر‬ ‫وسلم ‪ -‬يقول‪ِ " :‬إنَّما ج ِعل الطَّو ُ ِ ِ‬
‫اف بالَْب ْيت َو َب ْي َن َّ َ َ ْ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫اللَّ ِه " ؛ رواه أبو داود ‪ ،‬والترمذي‪.‬ـ‬

‫‪635‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪636‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪456‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وربُّكم تعالىـ يقول‪ ﴿ :‬فَِإ َذا َأفَ ْ ِ‬
‫ْح َر ِام َواذْ ُك ُروهُ‬‫ضتُ ْم م ْن َع َرفَات فَاذْ ُك ُروا اللَّهَ ع ْن َد ال َْم ْش َع ِر ال َ‬
‫َّاس‬
‫اض الن ُ‬ ‫ث َأفَ َ‬ ‫ضوا ِم ْن َح ْي ُ‬ ‫ين (‪ )198‬ثُ َّم َأفِي ُ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫َك َما َه َدا ُك ْم َوِإ ْن ُك ْنتُ ْم م ْن َق ْبله لَم َن الضَّالِّ َ‬
‫اس َك ُك ْـم فَاذْ ُك ُروا اللَّهَ َك ِذ ْك ِر ُك ْم‬ ‫ضيتُم منَ ِ‬ ‫واست ْغ ِفروا اللَّه ِإ َّن اللَّه غَ ُف ِ‬
‫يم (‪ )199‬فَِإ ذَا قَ َ ْ ْ َ‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫اء ُك ْم َْأو َأ َش َّد ِذ ْك ًرا (‪. 637﴾ )200‬‬ ‫آبَ َ‬

‫ُح َّجاج بيت اهلل الحرام‪:‬‬

‫جهودا هائلةًـ‬
‫ً‬ ‫الح ُكومية‬
‫الحكومية وغير ُ‬ ‫ؤسساتها ُ‬‫وم َّ‬‫تب ُذ ُل الدولةُ برجاالتها وأجهزتها ُ‬
‫والجهود كلُّها ألجلكمـ ‪ ،‬فالت ِزموا‬
‫ُ‬ ‫ض َع لمصلحتكم ‪،‬‬ ‫حجكم ‪ ،‬والنظام و ِ‬‫لخدمتكم وتيسير ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُُ‬
‫وتعاونوا مع رجال األمن‬ ‫ِ‬
‫وابتعدواـ عن مواطن الزحام ‪،‬‬ ‫التوجيهات ‪ ،‬واتَّبِعوا التعليمات ‪،‬‬
‫َ‬
‫واألجهزةـ الحكومية‪.‬‬

‫واستشعروا ما أنتم فيه ‪ ،‬وكونوا على‬‫ِ‬ ‫ال تُغلِقوا الطرقات ‪ ،‬وال تجلِسوا في الممرات ‪،‬‬
‫والوقار ‪ ،‬واجت ِهدوا وسدِّدواـ وقا ِربوا ‪،‬‬
‫والزموا السكينةَـ َ‬
‫السلُوك واألخالق ‪َ ،‬‬ ‫خير ٍـ‬
‫حال في ُ‬
‫رب ٍ‬
‫كريم‪.‬‬ ‫وأملوا؛ فإنكم تق ُدمون غ ًدا على ٍّ‬ ‫ِ‬
‫وأبشروا ِّ‬

‫شئت إنه‬ ‫ِ‬


‫العرش ما َ‬ ‫تمن على ذي‬
‫َّ‬

‫ب سائالً‬
‫كريم ال يُخيِّ ُ‬
‫جوا ٌد ٌ‬
‫حجكم ‪ ،‬وأعانكم على تمام النُّسك ‪ ،‬وأحاطكمـ ِ‬
‫بحفظه ورعايته‪.‬‬ ‫تقبَّ َل اهلل َّ‬
‫ُ‬

‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريةـ ‪ ،‬وأزكى البشرية‪:‬ـ محمد بن عبد اهلل ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صل‬
‫وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر‬

‫‪637‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪457‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وارض اللهم عن األئمةـ المهديين ‪ ،‬والخلفاء الراشدين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪،‬‬


‫َ‬ ‫الميامين ‪،‬‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنَّتهم‬
‫ٍّ‬ ‫وعثمان ‪،‬‬
‫يا رب العالمين‪.‬‬

‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم ِ‬


‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين‬ ‫اللهم ِ‬
‫ودمر أعداء الدين ‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائرـ بالد المسلمين‪.‬‬
‫‪ِّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نحره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫خادم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وولي أمرنا َ‬ ‫إمامنا َّ‬ ‫اللهم آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫الحرمين الشريفين ‪ ،‬اللهم وفِّقه ُلهداك ‪ ،‬واجعلـ عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةـ‬
‫لواء الدين ‪ ،‬اللهم جا ِزه بالخيرات‬ ‫وحد به كلمةَ المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬ ‫الصالحة ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫عتمرين ‪ ،‬وأتِ َّم عليه الصحة‬ ‫والحسنات على خدمة الحرمين الشريفين والعنايةـ بالح َّجاج والم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ولي عهده وسدِّده ِ‬
‫وأعنه على ما ُح ِّمل ‪ ،‬واجعلهـ مبار ًكا ُم َّ‬
‫وف ًقا لكل‬ ‫َ‬ ‫والعافية ‪ ،‬اللهم وفِّق َّ‬
‫خي ٍر وصالح‪.‬‬

‫فسيح جناتك‪.‬‬ ‫ِ‬


‫وأسكنه‬ ‫اللهم اغفر لألمير سلطان بن عبد العزيزـ ‪ ،‬وارحمه ‪ ،‬وتجاوز عنه ‪،‬‬
‫َ‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬

‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالـ‬
‫المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم اجمعهمـ على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫احقنـ دماءهمـ ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس َّد َخلَّتهم ‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهم ‪ ،‬اللهم انصرهمـ‬ ‫اللهم احقن دماءهمـ ‪ ،‬وآمن روعاتهم ‪ُ ،‬‬
‫ظلمهم‪.‬‬
‫على من َ‬
‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬واجمعهم على الحق يا رب العالمين‬‫الم َ‬ ‫اللهم انصر ُ‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫‪ ،‬اللهم انصر المسلمين في فلسطين على الصهاينةـ ُ‬

‫‪458‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهم‬
‫ال ي ِ‬
‫عجزونك‪.‬ـ‬ ‫ُ‬

‫اب النَّا ِر (‪. 638﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬

‫عتمرين ‪ ،‬اللهم احفظ‬‫عتمرين ‪ ،‬اللهم احفظ الح َّجاج والم ِ‬


‫اللهم احفظ الح َّجاج والم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مناسكهمـ ِ‬
‫آمنين ‪ ،‬وتقبَّل منَّا ومنهم أجمعين‪.‬‬ ‫ويسر لهم أداء ِ‬
‫عتمرين ‪ِّ ،‬‬‫الح َّجاج والم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫الح َّجاج ‪ ،‬وجا ِزهم بالخيراتـ والحسناتـ يا رب‬ ‫اللهم وفِّق َ‬


‫رجال األمن والعاملين لخدمة ُ‬
‫العالمين‪.‬ـ‬

‫الغيث وال تجعلنا من‬‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغنيـ ونحن الفقراءـ ‪ ،‬أن ِزلـ علينا َ‬
‫سحا طب ًقا ُمجلِّالً ًّ‬
‫عاما‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫أغثنا ‪ ،‬غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫القانِطين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫وتسقي به العباد ‪ ،‬وتجعله بالغًا للحاض ِر ِ‬
‫والباد‪.‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫ضار ‪ ،‬تُحيِي به البالد ‪،‬‬
‫غير ٍّ‬
‫نافعا َ‬
‫ً‬
‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬ال ُسقياـ‬
‫ٍ‬
‫هدم وال غرق‪.‬‬

‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬

‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪638‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪459‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬ثبات اإلسالم واستقراره‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثاني والعشرون من ذي الحجة من عام ‪ 1432‬هـ‬

‫‪ -‬ثبات اإلسالم واستقراره ‪-‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬ثبات‬
‫ورسوخ‬ ‫تحدث فيها عن دين اإلسالم ومدى ثبات مبادئهـ ُ‬‫اإلسالم واستقراره"ـ ‪ ،‬والتي َّ‬
‫يتمسك به ولم ينت ِهج مناهجه ‪َّ ،‬‬
‫وذكر في ثناياـ خطبته بما‬ ‫معالمهـ ‪ُ ،‬مقارنةًـ بواقع من لم َّ‬
‫والتطرف ‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫أفس َد دين اإلسالم؛ من السحر والكهانةـ ‪ ،‬والغلو‬

‫‪460‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫ربوع‬
‫السعي في ٍ‬ ‫َـ‬ ‫ويسر لهم‬
‫حج بيته الحرام ‪َّ ،‬‬ ‫أتم على عباده َّ‬ ‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي َّ‬
‫زمزم وذاك المقام ‪،‬‬ ‫ُ ِ‬
‫عرفات ومنَى وهذا ُ‬ ‫در َج فيها األنبياءُ ‪ -‬عليهم السالم ‪ ، -‬فتلك‬ ‫َ‬
‫معالم تُ ِّ‬
‫ذك ُر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫غب َرت بها السنُو ُن واأليام ‪ ،‬وبقيَت ُ‬‫سوم ألنبياء وأديان َ‬
‫ور ٌ‬ ‫معالم لإلسالم ‪ُ ،‬‬‫ُـ‬
‫مر على َث َراهاـ من‬ ‫ِ‬
‫لألمكنة بما َّ‬ ‫بالسابق من األنام ‪ ،‬استحضار ِ‬
‫لألزمنة ‪ ،‬واستِنطا ٌق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الالح َق‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫وُأرسيَت عقائد ‪ ،‬و ُش ِرع على ُس ُفوحهاـ من‬ ‫أنبياء ‪ ،‬وبما ُأن ِزلَت على جبالهاـ من ُس َور ‪،‬‬
‫ختم‬
‫شرائع ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسوله َ‬
‫وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬ ‫الختام ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬‫النبوات فنِعم ِ‬‫اهلل به َّ‬
‫َ‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫الوثقى ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬


‫ين‬ ‫ِ‬
‫حق التقوى ‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعُروةـ ُ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالى َّ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َواَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمونَ (‪. 639﴾ )102‬‬
‫َ‬

‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬

‫وبنايات ِ‬
‫سامقةٌـ تراهاـ كأعالي‬ ‫ٌ‬ ‫ومناهج وأفكار ‪،‬‬ ‫حجاج بيت اهلل الحرام! في هذه الحياة نُظُ ٌم‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫الصور الزائفةـ ‪،‬‬ ‫تنهار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الزالزل القواصف ُ‬ ‫ُـ‬ ‫وتثور‬
‫الرياح العواصف ُ‬ ‫ُ‬ ‫تهب‬
‫األشجار ‪ ،‬وحين ُّ‬
‫ف عيبُها وخلَلُها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وينكش ُ‬ ‫المشيَّدة‬‫البنايات ُ‬
‫ُـ‬ ‫ط‬
‫وتس ُق ُ‬

‫ٍـ‬
‫انهيارات ُمتعدِّدة؛ في المال واالقتصاد ‪ ،‬والحكم‬ ‫تسار ًعا في‬
‫تأم ُل اليوم يرى ُ‬
‫والم ِّ‬
‫ُ‬
‫والسياسة ‪ ،‬واألفكار والمناهج ‪ ،‬ويرى حير ًة ُكبرى ألرباب المالـ ‪ ،‬ودهاقِنة السياساتـ ‪،‬‬
‫ثابت وفرعُه في السماء‪.‬‬
‫ستقرا ‪ ،‬أصلُه ٌ‬
‫بناء اإلسالم ثابتًا ُم ًّ‬ ‫ِ‬
‫ثم يلتفت فيرى َ‬

‫‪639‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪461‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الذوبان؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫تتأمل مبادئ اإلسالم في كل الجوانب ترى قيَ ًما راس َخة البُنيان ‪ ،‬عصيَّةً على َ‬
‫حين َّ‬
‫واألخالق والسلوك ‪ ،‬صالحةً لكل ٍ‬
‫زمان ومكان‬ ‫ِ‬ ‫في العقيدةـ ِ‬
‫والفكر ‪ ،‬والعبادةـ والتشريع ‪،‬‬
‫وإنعام‬ ‫ِ‬
‫ويستشع َـر قيمةَ دينه‬ ‫فضل اهلل عليه ‪،‬‬ ‫يجب على المسلم أن َّ‬
‫َ‬ ‫يتذكر فيه َ‬ ‫تأم ٌل ُ‬
‫‪ ،‬وهو ُّ‬
‫اهلل به عليه‪.‬‬

‫أيها المسلم‪:‬‬

‫سلما هلل مع المسلمين ‪ ،‬ال‬ ‫أمن وال أسب َغ من كونك ُم ً‬ ‫لم يُ ِنعم اهللُ عليه نعمةً هي أوفَى وال َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ُّ‬
‫غير اهلل ‪ ،‬فاهنأ‬ ‫تسجد لشج ٍر أو حجر ‪ ،‬وال تذل لحيوان أو جماد أو بشر ‪ ،‬وال تعب ُد َ‬ ‫ُ‬
‫تاه ِسواك ‪،‬‬ ‫غيرك ‪ ،‬وأرش َدك حين َ‬ ‫ضل ُ‬ ‫وانعم بإيمانك؛ـ فقد هداك اهلل يوم َّ‬ ‫بإسالمكـ ‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فضل إسالمك‬ ‫والمراجعةـ ُمستمس ًكاـ بأساس دينك وقاعدة إيمانكـ ‪ ،‬عا ِرفًا َ‬ ‫َ‬ ‫التأملـ‬
‫وأعد ُّ‬
‫عاذ ‪ -‬رضي اهلل عنه‬ ‫ستبشرا بقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لم ٍ‬ ‫وعاقبةَ توحيدك ‪ ،‬م ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ص ْدقًا ِم ْن َق ْلبِ ِه ‪ِ ،‬إاَّل َح َّر َمهُـ‬
‫ول اللَّ ِه ِ‬ ‫َأح ٍد يَ ْش َه ُد َأ ْن اَل ِإلَهَ ِإاَّل اللَّهُ َو َّ‬
‫َأن ُم َح َّم ًدا َر ُس ُ‬ ‫ِ‬
‫‪َ " :-‬ما م ْن َ‬
‫اللَّهُ َعلَى النَّا ِر " ؛ رواه البخاري‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعنه‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬م ْن لَق َي اللَّهَ ال يُ ْش ِر ُك بِه َش ْيًئا َد َخ َل ال َ‬
‫ْجنَّةَ "‬
‫؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫أعالمها ‪ ،‬ولهذه‬
‫وأوضح َ‬ ‫َ‬ ‫رسمها النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬‫معالم َ‬
‫ولهذا التوحيد ُ‬
‫ك بغَر ِزهاـ ‪ ،‬وأن يح َذ َر‬ ‫ِ‬
‫يستمس َ‬ ‫بالمسلمـ أن‬ ‫ِ‬
‫حري ُ‬
‫ٌّ‬ ‫وأرسى أركانَها ‪،‬‬
‫البُشرى شواه ُد بيَّنها َ‬
‫تائه وهو ال يدري ‪ ،‬وكم من ٍّ‬
‫ضال‬ ‫يض َّل سعيُه؛ فكم من ٍـ‬
‫ط عملُه ‪ ،‬أو ِ‬ ‫التفريقـ حتى ال يحبَ َ‬
‫يظن أنه م ِ‬
‫هتدي؟!‬ ‫ُّ ُ‬

‫‪462‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫رسول اهلل ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫عن ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أن معا ًذا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪َ :‬بعثَني‬
‫اب فَا ْدعُ ُه ْم ِإلَىـ‬ ‫ك تَْأتِيـ َقوما ِمن َْأه ِل ال ِ‬
‫ْكتَ ِـ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إلى اليمن ‪ ،‬فقال‪:‬ـ " ِإنَّ َ‬
‫ًْ ْ‬
‫َأن اللَّهَ َت َعالَى‬‫ك فََأ ْعلِ ْم ُه ْم َّ‬‫ول اللَّ ِه ‪ .‬فَِإ ْن ُه ْم َأطَاعُوا لِ َذلِ َـ‬ ‫اد ِةـ َأ ْن اَل ِإلَهَ ِإاَّل اللَّهُ ‪َ ،‬وَأنِّي َر ُس ُ‬‫َش َه َ‬
‫ك فََأ ْعلِ ْم ُه ْم َّ‬ ‫ٍ‬
‫َأن اللَّهَ‬ ‫ات فِي ُك ِّل َي ْوم َولَْيلَ ٍة ‪ .‬فَِإ ْن ُه ْم َأطَاعُوا لِ َذلِ َ‬ ‫ض َعلَْي ِهم َخمس صلَو ٍ‬
‫ْ ْ َ ََ‬ ‫ا ْفَت َر َ‬
‫اك َو َك َراِئ َم‬ ‫ك فَِإ يَّ َ‬‫ص َدقَةً تُْؤ َخ ُذ ِم ْن َأ ْغنِيَاِئ ِه ْم َفُت َر ُّد فِي ُف َق َراِئ ِه ْـم ‪ .‬فَِإ ْن َأطَاعُوا لِ َذلِ َـ‬
‫ض َعلَْي ِه ْم َ‬ ‫ا ْفَت َر َ‬
‫ِ ِ‬
‫س َب ْي َنها َو َب ْي َن اللَّه ح َج ٌ‬ ‫ِ ِإ‬ ‫ِِ‬
‫اب " ؛ أخرجهـ البخاري‬ ‫َْأم َواله ْم ‪َ ،‬واتَّ ِق َد ْع َوةَ ال َْمظْلُوم ‪ ،‬فَ نَّهُ لَْي َ‬
‫ومسلم‪.‬‬

‫أصول اإليمان‪ :‬التوحي َد ‪ ،‬ثم الصالةَ ‪ ،‬ثم الزكاةَ ‪ ،‬ثم ِحف َ‬


‫ظ الحقوق ومبدأ‬ ‫َ‬ ‫جعل‬
‫لقد َ‬
‫المطلق‪.‬‬
‫العدلـ ُ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫وشرع له ما يربَُأ به عن ال ُخرافات أو التعلُّق باألوهام ‪ ،‬وجعله ُح ًّرا‬‫َ‬ ‫كرم اهلل اإلنسان ‪،‬‬ ‫لقد َّ‬
‫اعتقادا وعمالً؛ فعن علي بن‬
‫ً‬ ‫ال يتعلَّ ُق إال باهلل خالِِقه ‪ ،‬وجعل التعلُّق بغير اهلل يُنافِي التوحي َد‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يقول‪" :‬‬ ‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫أبي طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آوى ُم ْح ِدثًا ‪َ ،‬ولَ َع َن اللَّهُ‬ ‫ِ‬
‫لَ َع َن اللَّهُ َم ْن لَ َع َن َوال َدهُ ‪َ ،‬ولَ َع َن اللَّهُ َم ْن َذبَ َح لغَْي ِر اللَّه ‪َ ،‬ولَ َع َن اللَّهُ َم ْن َ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫ض " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫َم ْن غََّي َر َمنَ َار ْ‬

‫المبين‪:‬‬ ‫المش ِركين؛ قال اهلل تعالىـ في كتابه ُ‬ ‫حذ َر من النذر لغير اهلل ‪ ،‬وجعله من عمل ُ‬ ‫كما َّ‬
‫صيبًا َف َقالُوا َه َذا لِلَّ ِه بَِز ْع ِم ِه ْم َو َه َذا لِ ُ‬
‫ش َر َكاِئنَاـ فَ َما‬ ‫﴿ وجعلُوا لِلَّ ِه ِم َّما ذَرَأ ِمن ال ِ‬
‫ث واَأْلْنع ِام نَ ِ‬
‫ْح ْر َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ ََ‬
‫ِئ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َكا َن لِ ُ ِئ‬
‫اء َما يَ ْح ُك ُمو َن (‬ ‫ش َر َكا ِه ْـم فَاَل يَص ُل ِإلَى الله َو َما َكا َن لله َف ُه َو يَص ُل ِإلَى ُش َر َكا ِه ْـم َس َ‬
‫‪. 640﴾ )136‬‬

‫‪640‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪463‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ومن معالمـ هذا التوحيد‪ :‬االستعاذةُ واالستجارةُ باهلل وحده دون ِسواه؛ قال ‪ -‬سبحانه ‪﴿ :-‬‬
‫ال ِمن ال ِ‬
‫ِ ٍ‬ ‫ال ِم َن اِإْل نْ ِ‬
‫َوَأنَّهُ َكا َن ِر َج ٌ‬
‫وه ْـم َر َه ًقاـ (‪. 641﴾ )6‬‬
‫اد ُ‬
‫ْج ِّن َف َز ُ‬ ‫س َيعُوذُو َن ب ِر َج ـ َ‬
‫يرجو إال اهلل ‪ ،‬فليس بين المسلم وبين‬
‫المسلم ال يدعو وال ُ‬
‫َ‬ ‫ومن محاسن الدين ال َقويم‪:‬ـ أن‬
‫ض ُّر ًعا َو ُخ ْفيَةً (‪َ ﴿ ، 642﴾ )55‬وقَ َ‬
‫ال َربُّ ُك ُم‬ ‫ربِّه وسائط؛ قال اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ا ْدعُوا َربَّ ُك ْم تَ َ‬
‫‪643‬‬
‫ين (‪﴾ )60‬‬ ‫ا ْدعونِي َأست ِجب لَ ُك ـم ِإ َّن الَّ ِذين يست ْكبِرو َن عن ِعبادتِيـ سي ْد ُخلُو َن جهنَّم د ِ‬
‫اخ ِر َـ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ َ َْ ُ َ ْ َ َ ََ‬ ‫َْ ْ ْ‬ ‫ُ‬

‫صا لَهُ ِدينِي (‬ ‫ِ‬


‫وأمر رسولَه بإخالصه له ‪ ،‬فقال‪ ﴿ :‬قُ ِل اللَّهَ َأ ْعبُ ُد ُم ْخل ً‬ ‫الدعاء عبادة ‪َ ،‬‬‫َ‬ ‫فسمى‬‫َّ‬
‫ك ِإذًا‬ ‫ْت فَِإ نَّ َ‬
‫ض ُّر َك فَِإ ْن َف َعل َ‬‫ك َواَل يَ ُ‬ ‫‪ 644﴾ )14‬وقال‪ ﴿ :‬واَل تَ ْدعُ ِمن ُد ِ‬
‫ون اللَّ ِه َما اَل َي ْن َفعُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف لَهُ ِإاَّل ُه َو َوِإ ْن يُ ِر ْد َك بِ َخ ْي ٍر فَاَل َر َّ‬ ‫ض ٍّر فَاَل َك ِ‬ ‫ك اللَّهُ بِ ُ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اد‬ ‫اش َ‬ ‫س ْس َ‬ ‫ِإ‬
‫ين (‪َ )106‬و ْن يَ ْم َ‬ ‫م َن الظَّالم َ‬
‫يم (‪ 645﴾ )107‬وقال ‪ -‬سبحانه‬ ‫الر ِح ُـ‬
‫ور َّ‬ ‫صيب بِ ِه من ي َ ِ ِ ِ ِ‬
‫شاءُ م ْن عبَاده َو ُه َو الْغَ ُف ُ‬
‫لَِف ْ ِ ِ ِ‬
‫ضله يُ ُ َ ْ َ‬
‫ون اللَّ ِه اَل يَ ْملِ ُكو َن لَ ُك ْـم ِر ْزقًا فَ ْابَتغُوا ِع ْن َد اللَّ ِه‬
‫‪ -‬لمن دعا غيره‪ِ ﴿ :‬إ َّن الَّ ِذين َت ْعب ُدو َن ِمن ُد ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ض ُّل‬ ‫وقال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ :-‬و َم ْن َأ َ‬
‫‪646‬‬
‫الر ْز َق َوا ْعبُ ُدوهُ َوا ْش ُك ُروا لَهُ ِإلَْي ِه ُت ْر َجعُو َن (‪﴾ )17‬‬
‫ِّ‬
‫يب لَهُ ِإلَى َي ْوِم ال ِْقيَ َام ِة َو ُه ْم َع ْن ُد َعاِئ ِه ْم غَافِلُو َن (‪)5‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫م َّم ْن يَ ْدعُو م ْن ُدون اللَّه َم ْن اَل يَ ْستَج ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫وِإذَا ح ِشر النَّاس َكانُوا لَ ُهم َأ ْع َداء و َكانُوا بِ ِعب َ ِ‬
‫ين (‪. 647﴾ )6‬‬ ‫ادت ِه ْم َكاف ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ًَ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ين تَ ْدعُو َن ِم ْن ُدونِِه َما يَ ْملِ ُكو َن ِم ْن‬ ‫َّ ِ‬
‫دعاء غيره شر ًكا؛ قال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ :-‬والذ َ‬
‫ِ‬
‫سمى اهللُ َ‬
‫بل َّ‬
‫استَ َجابُوا لَ ُك ْـم َو َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِـة‬
‫اء ُك ْم َولَ ْو َس ِمعُوا َما ْ‬
‫وه ْم اَل يَ ْس َمعُوا ُد َع َ‬
‫ِ‬
‫قط ِْمي ٍر (‪ِ )13‬إ ْن تَ ْدعُ ُ‬
‫ك ِمثْ ُل َخبِي ٍر (‪. 648﴾ )14‬‬ ‫يَ ْك ُف ُرو َن بِ ِش ْركِ ُك ْم َواَل ُينَبُِّئ َ‬

‫‪641‬‬
‫سورة الجن‬
‫‪642‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪643‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪644‬‬
‫سورة الزمر‬
‫‪645‬‬
‫سورة االنعام‬
‫‪646‬‬
‫سورة العنكبوت‬
‫‪647‬‬
‫سورة األحقاف‬
‫‪648‬‬
‫سورة فاطر‬
‫‪464‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫والمبالغةُ بغير علم ‪ ،‬وقد قال النبي ‪-‬‬ ‫الغلو والتنطُّع ‪ُ ،‬‬ ‫وحرف التديُّن‪:‬ـ ُّ‬ ‫َ‬ ‫إن مما أفس َد الدينـ‬
‫ك َم ْن َكا َن َق ْبلَ ُك ُم الْغُلُ ُّو فِي‬‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إيَّا ُك ْم َوالْغُلُ َّو فِي الدِّي ِن ‪ ،‬فَِإ نَّ َما َْأهلَ َـ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍـ‬
‫بإسناد‬ ‫الدِّي ِن " ؛ أخرجه اإلمام أحمد ‪ ،‬والترمذي ‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬وابن ماجة‬
‫ك ال ُْمَتنَطِّعُو َن " ‪ .‬قالها ثالثًا‪.‬‬ ‫سلم‪َ " :‬هلَ َ‬ ‫ولم ٍ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫واهلل تعالىـ يقول‪ ﴿ :‬يا َْأهل ال ِ‬
‫اب اَل َتغْلُوا في دين ُك ْم َواَل َت ُقولُوا َعلَى اللَّه ِإاَّل ال َ‬
‫ْح َّق (‬ ‫ْكتَ ِـ‬ ‫َ َ‬
‫‪. 649﴾ )171‬‬

‫النبي ‪ -‬صلى‬ ‫حذ َر ُّ‬ ‫الغلو في تعظيم األولياء والصالحين أو تعظيم آثارهم ‪ ،‬وقد َّ‬ ‫الغلو‪ُّ :‬‬
‫ومن ِّ‬
‫َّص َارى ابْ َن َم ْريَ َم ‪ ،‬فَِإ نَّ َما َأنَا‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬من ذلك ‪ ،‬فقال‪ " :‬اَل تُط ُْرونِي َك َما َأط َْر ْ‬
‫ت الن َ‬
‫اهلل َو َر ُسولُهُ " ؛ رواه البخاري‪.‬‬ ‫َع ْب ُدهُ ‪َ ،‬ف ُقولُوا َع ْب ُد ِ‬

‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫َ‬ ‫سمعت‬


‫ُ‬ ‫شقيق عن عبد اهلل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫وعن ٍ‬
‫اج َـد‬ ‫ُ َََ‬
‫اعةُ وهم َأحياء ‪ ،‬ومن يت ِ‬
‫َّخ ُذ الْ ُقبور مس ِ‬ ‫‪ -‬يقول‪ِ " :‬إ َّن ِم ْن ِش َرا ِر الن ِ‬
‫َّاس َم ْن تُ ْد ِر ُك ُه ُم َّ‬
‫الس َ َ ُ ٌ ْ َ ٌ َ َ ْ َ‬
‫اإلمام أحمد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫" ؛ رواه‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫ٍ‬
‫والمجتمعات مما‬ ‫حسن ‪ ،‬وما نهى اهللُ عن شيء إال لضرره على األفراد ُ‬ ‫دين اإلسالم كلُّه ٌ‬
‫ُ‬
‫اح ُر‬‫الس ِ‬‫بط ُل اإليما َن ويُوبِ ُق اإلنسان؛ كالسحر وإتيان ال ُكهَّان؛ـ قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬واَل ُي ْفلِ ُح َّ‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫َأح ٍد َحتَّى َي ُقواَل ِإنَّ َما نَ ْح ُن فِ ْتنَةٌ فَاَل تَ ْك ُف ْـر‬ ‫ِِ‬
‫وقال‪َ ﴿ :‬و َما ُي َعلِّ َمان م ْن َ‬
‫‪650‬‬
‫ث َأتَى (‪﴾ )69‬‬
‫َح ْي ُ‬

‫‪649‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪650‬‬
‫سورة طه‬

‫‪465‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وقـال ‪ -‬سـبـحـاـنـه ـ ‪َ ﴿ :-‬ـولَـ َقـ ْد َعـلِ ُموا لَـ َمـ ِن اـ ْشـَتَراـهُـ َما لَـ هُــ فِــيـ اآْل ِـخـ َرـةِـ ِمـ ْن َخـاَل ٍق‬ ‫‪651‬‬
‫(‪﴾ )102‬‬
‫(‪. 652﴾ )102‬‬

‫در ٍك من‬
‫ودنياهم ‪ ،‬وانح َد َرت عقولُهم إلى َ‬ ‫وكم تعلَّق بهذه األوهام ٌ‬
‫ُأناس أضاعوا دينَهمـ ُ‬
‫كر َمنا باإلسالم‪.‬‬
‫ومنهجا‪ .‬فالحم ُد هلل الذي َّ‬
‫ً‬ ‫ال ُخرافات جعلوها دينًا‬

‫اجتَنِبُوا َّ‬
‫الس ْب َع‬ ‫عن أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ْ " :‬‬
‫س الَّتِي‬
‫الن ْف ِ‬ ‫الش ْر ُك بِاَللَّ ِه ‪َ ،‬و ِّ‬
‫الس ْح ُر ‪َ ،‬و َق ْت ُل َّ‬ ‫ال ِّ‬ ‫ول اللَّ ِه َو َما ُه َّن ؟ قَ َ‬
‫يل يَا َر ُس َ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ال ُْموب َقات ‪ ،‬ق َ‬
‫ف‬‫ف ‪َ ،‬وقَ ْذ ُ‬‫الز ْح ِ‬ ‫َّولِّي َي ْو َم َّ‬
‫الربَاـ ‪َ ،‬والت َ‬‫ال الْيَتِ ِيم ‪َ ،‬وَأ ْك ُل ِّ‬
‫ْح ِّق ‪ ،‬وَأ ْكل َم ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َح َّر َم اللهُ إاَّل بال َ َ ُ‬
‫ات " ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ت الْمْؤ ِمنَ ِ‬ ‫الْم ْح ِ ِ ِ‬
‫صنَات الْغَافاَل ـ ُ‬ ‫ُ َ‬

‫سَألهُ َع ْن َشٍئ لم ت ْقبَل‬ ‫مسلم‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬م ْن أتى َع َّرافًا فَ َ‬ ‫وعند ٍ‬
‫ول ‪َ ،‬ف َق ْد بَ ِرَئ ِم َّما‬
‫ص َّدقَهُ بِ َما َي ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫أربعين ليلةً »‪ .‬وعند أبي داود‪َ « :‬م ْن َأتَى َكاهنًا فَ َ‬
‫َ‬ ‫صالةُ‬
‫لَهُ َ‬
‫ُأنْ ِز َل َعلَى ُم َح َّم ٍد " ‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫وقت س ُفلَت‬ ‫والتناصر في ٍ‬ ‫ِ‬


‫والعواطف والوالء‬ ‫ومن معالم الدينـ ِ‬
‫الحسان‪ :‬االرتقاءُ بالمحبة‬
‫ُ‬
‫والمواالةُ ألجلـ الدنيا ومصالحها؛ عن أنس ‪ -‬رضي‬ ‫فأصبحت المحبَّةُ ُ‬
‫َ‬ ‫مبادئهمـ ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بأهلـ الدنيا‬
‫ث من ُك َّن فِ ِيه وج َد حاَل وةَ اِإْل يم ِ‬
‫ان‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬ثَاَل ٌ َ ْ‬
‫‪،‬‬

‫‪651‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪652‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪466‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ب ال َْم ْر َء اَل يُ ِحبُّهُ ِإاَّل لِلَّ ِه‪َ ،‬وَأ ْن يَ ْك َر َه‬


‫اه َما ‪َ ،‬وَأ ْن يُ ِح َّ‬ ‫َأ ْن ي ُكو َن اللَّهُ ورسولُهُ َأح َّ ِ ِ ِ‬
‫ب ِإلَْيه م َّما س َو ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ‬
‫ف فِي النَّا ِر " ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ود فِي الْ ُك ْف ِر َك َما يَ ْك َرهُ َأ ْن ُي ْق َذ َ‬
‫َأ ْن َيعُ َ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫كالم اهلل وسنةُ رسوله ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫والواجب على من بلغَه ُ‬ ‫ُ‬ ‫دين اهلل والشرعُ شرعُه ‪،‬‬
‫الدين ُ‬
‫ُ‬
‫أحد مهما كان‬ ‫يترك القرآ َن والسنةَ لقول ٍ‬ ‫ويطر َح ما ِسواه ‪ ،‬وال َ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬أن يتبَ َع َّ‬
‫الحق َ‬
‫صيب ُهم فِ ْتنَةٌ َأو ي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪َ ﴿ :‬فلْيح َذ ِر الَّ ِذ ـ ِ‬
‫اب‬
‫ص َيب ُه ْم َع َذ ٌ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ين يُ َخال ُفو َن َع ْن َْأم ِره َأ ْن تُ َ ْ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫يم (‪. 653﴾ )63‬‬ ‫ِ‬
‫َأل ٌ‬
‫أشياخهمـ في ُمخالفة أمر اهلل ورسوله ‪ ،‬فقال اهلل تعالى‪ ﴿ :‬اتَّ َخ ُذوا‬ ‫َ‬ ‫ذم اهلل الذينـ أطاعوا‬
‫وقد َّ‬
‫َأحبار ُه ـم ور ْهبا َن ُهم َأرباباـ ِمن ُد ِ‬
‫ون اللَّ ِه (‪. 654﴾ )31‬‬ ‫َْ َ ْ َ ُ َ ْ َْ ً ْ‬

‫سمعت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬


‫ُ‬ ‫عدي بن حاتم ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ :-‬لما‬
‫قال ُّ‬
‫َأح َّل اهللُ‬ ‫رسول اهلل! إنا لسنا نعبُدهم‪ .‬قال‪َ " :‬ألَْي َ‬
‫س يُ َح ِّر ُمو َن َما َ‬ ‫َ‬ ‫قلت‪ :‬يا‬
‫يقرأ هذه اآليةـ ‪ُ ،‬‬
‫فقلت‪ :‬بلَى‪ .‬قال‪ " :‬فَتِل َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اد ُت ُه ْم " ؛‬
‫ْك عبَ َ‬ ‫َفتُ َح ِّر ُمونَهُ‪َ ،‬ويُحلُّو َن َما َح َّر َم اهللُ َفتُحلُّونَهُ؟ "‪َ ُ .‬‬
‫أخرجهـ اإلمام أحمد ‪ ،‬والترمذي‪.‬ـ‬

‫اللهم با ِرك لنا في الكتابـ والسنة ‪ ،‬وانفعنا بما فيهما من اآلياتـ ِ‬


‫والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪653‬‬
‫سورة النور‬
‫‪654‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪467‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫بالحسنات ويع ُفو عن السيئات ‪ ،‬وأشهد أن‬ ‫تتم الصالحات ‪ ،‬يُ ِنع ُم‬
‫الحمد هلل الذي بنعمته ُّ‬
‫صل وسلِّم‬
‫رسول اهلل شهادةً عليها المحيا والممات ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫ُ‬ ‫إله إال اهلل ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا‬
‫ٍـ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله وصحابته ومن تبِ َعهم‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫ص له‬ ‫ِ‬ ‫وتوحي ُد االعتقادـ يستتبِ ُع توحي َد العمل ‪،‬‬


‫حب ربَّه ويُخل َ‬
‫فيجب على المسلم أن يُ َّ‬ ‫ُ‬
‫َّجهةً إليه ال تع ُدوه إلى ِسواه ‪،‬‬
‫ات قلبه مت ِ‬
‫ُ‬ ‫مشاعر نفسه وخلَ َج ُ‬
‫ُ‬ ‫عو َل عليه ‪ ،‬وأن تكون‬ ‫ويُ ِّ‬
‫كمه ‪ ،‬يُ ِح ُّل‬ ‫ِ‬
‫أمره ‪ ،‬وال يُنف ُذ إال ُح َ‬
‫طيع إال َ‬‫غيره ‪ ،‬وال يُ ُ‬
‫المسلم ال يدعو إال اهلل ‪ ،‬وال يعبُد َ‬‫ُ‬
‫فق ما طلَب‪.‬‬ ‫ويتحر ُك ِو َ‬
‫َّ‬ ‫ف عند ما َّ‬
‫حد ‪،‬‬ ‫حرم ‪ِ ،‬‬
‫ويق ُ‬ ‫حر ُم ما َّ‬
‫أحل ‪ ،‬ويُ ِّ‬
‫ما َّ‬

‫ظهره إال هلل ‪ ،‬ومعرفتُه لعظمة الخالق‬ ‫ِ‬ ‫نتصب ِ‬ ‫ِ‬


‫حي ‪ ،‬فال يحني َ‬ ‫كل ٍّ‬
‫القامة أمام ِّ‬ ‫سلم ُم ُ‬‫الم ُ‬
‫ُ‬
‫الناس والكون تجعل ِ‬
‫مشاع َر الرغبَة والرهبَة ُمستقيمةً في‬ ‫التام ِة على ِ‬
‫األحد ولهيمنَة اهلل َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ف وال تضطرب‪.‬‬ ‫نفسه ‪ ،‬فال تنح ِر ُ‬

‫والع َّزة ال ُّ‬


‫ينفك عنها‬ ‫ومن أجل ذلك كان امتالء القلب بعقيدة التوحيد أساساـ ِ‬
‫لخالل القوة ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫ؤمن صادق‪.‬‬
‫ُم ٌ‬

‫عباد اهلل ‪ُ ،‬ح َّجاج بيت اهلل الحرام‪:‬‬

‫ومتابعتُهـ رسول اهلل‬ ‫ِـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل ِخ ٍ‬


‫العامل هلل ‪ُ ،‬‬ ‫إخالص‬
‫ُ‬ ‫القبول هو‬ ‫عيار‬
‫المسلم أن م َ‬
‫ُ‬ ‫يستحض ُر‬ ‫تام‬ ‫وفي ِّ‬
‫الحج المبرور‪ :‬أن‬ ‫ِ‬
‫الحسنة الحسنةُ بعدها ‪ ،‬وعالمةُ ِّ‬ ‫وفضل اهلل واسع ‪ ،‬ومن عالمة قَبول‬ ‫‪،‬‬
‫ُ‬
‫العود إلى دنَس اآلثام؛ـ‬
‫طه َرت صحيفةُ عمله بالغُفران فليح َذر َ‬‫خيرا مما كنت ‪ ،‬ومن ُ‬ ‫تعود ً‬‫َ‬
‫الجرح ‪ ،‬وليكن من الخير في ازدياد ‪ ،‬فإن ذلك من عالمة القبول‪.‬‬ ‫فالنَّكثةُ ُّ‬
‫أشد من ُ‬
‫ِ‬
‫أشرف خلق اهلل‪ :‬محمد بن عبد اهلل ‪،‬‬ ‫الدائمات على‬
‫ُـ‬ ‫والتسليمات‬
‫ُ‬ ‫الزاكيات ‪،‬‬
‫ُـ‬ ‫الصلوات‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى‬
‫وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫‪468‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وارض اللهم عن األئمة المهديينـ ‪،‬‬


‫َ‬ ‫آله الطيبين الطاهرين ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪،‬‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابة نبيك‬ ‫ٍّ‬ ‫والخلفاء المرضيِّين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬
‫أجمعين ‪ ،‬ومن سار على نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين‪.‬ـ‬

‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم ِ‬


‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين‬ ‫اللهم ِ‬
‫ودمر أعداء الدين ‪ ،‬واجعلـ هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائرـ بالد المسلمين‪.‬‬
‫‪ِّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نحره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫خادم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وولي أمرنا َ‬ ‫إمامنا َّ‬ ‫اللهم آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلح أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫الحرمين الشريفين ‪ ،‬اللهم وفِّقه ُلهداك ‪ ،‬واجعلـ عمله في رضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةـ‬
‫لواء الدين ‪ ،‬اللهم جا ِزه بالخيرات‬ ‫وحد به كلمةَ المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬ ‫الصالحة ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫عتمرين ‪ ،‬وأتِ َّم عليه الصحة‬ ‫والحسنات على خدمة الحرمين الشريفين والعنايةـ بالح َّجاج والم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ولي عهده وسدِّده ِ‬
‫وأعنه على ما ُح ِّمل ‪ ،‬واجعلهـ مبار ًكا ُم َّ‬
‫وف ًقا لكل‬ ‫َ‬ ‫والعافية ‪ ،‬اللهم وفِّق َّ‬
‫خي ٍر وصالح‪.‬‬

‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬


‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬

‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم‬
‫احقنـ دماءهم ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫احقنـ‬ ‫احقن دماءهمـ ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫اجمعهم على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫ِ‬
‫وأطعم‬ ‫وانصرهم على من ظلَ َمهم ‪ ،‬اللهم ُس َّد َخلَّتهم ‪،‬‬ ‫دماءهم ‪ِ ،‬‬
‫وآمن روعاتهم ‪،‬‬
‫ُ‬
‫جائعهم‪.‬ـ‬
‫َ‬

‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬واجمعهم على الحق يا رب العالمين‬


‫الم َ‬
‫اللهم انصر ُ‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫‪ ،‬اللهم انصرهم في فلسطين على الصهاينة ُ‬

‫‪469‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهم‬
‫ال ي ِ‬
‫عجزونك‪.‬ـ‬ ‫ُ‬

‫اب النَّا ِر (‪. 655﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستر عيوبنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك سميع الدعاء‪.‬‬

‫مبرورا ‪ ،‬وسعيَهم‬ ‫حجهم‬‫دعاءهم ‪ ،‬اللهم اجعل َّ‬ ‫ِ‬


‫ً‬ ‫حجهم ‪ ،‬وأجب َ‬ ‫الح َّجاج َّ‬
‫اللهم اقبل من ُ‬
‫مشكورا ‪ ،‬وذنبهم مغفورا ‪ِ ،‬‬
‫وأعدهمـ إلىـ ديا ِرهم سالمين ‪ ،‬اللهم تقبَّل منَّا ومنهم ‪ ،‬وثبِّتنا‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫والهدى ‪ ،‬واختِم لنا بخي ٍر يا أرحم الراحمين‪.‬ـ‬ ‫وإياهمـ على الحق ُ‬

‫ونتوب إليه ‪ ،‬اللهم‬


‫َ‬ ‫الحي القيوم‬
‫نستغفر اهلل الذي ال إله إال هو َّ‬
‫ُـ‬ ‫نستغفر اهلل ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫نستغفر اهلل ‪،‬‬
‫ُ‬
‫أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغني ونحن الفقراء ‪ ،‬أن ِزل علينا َ‬
‫الغيث وال تجعلنا من‬
‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫القانِطينـ ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫سحا طب ًقا ُمجلِّالً ً‬
‫نافعا‬ ‫أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬
‫وتسقي به العباد ‪ ،‬وتجعله بالغًا‬ ‫ِ‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫أغثنا ‪ ،‬اللهم تُحيِي به البالد ‪،‬‬ ‫عاما ‪ ،‬اللهم ِ‬‫ًّ‬
‫للحاض ِر ِ‬
‫والباد‪.‬ـ‬

‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬ال ُسقياـ‬
‫ٍ‬
‫هدم وال غرق‪.‬‬

‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬

‫‪655‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪470‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪471‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ــخام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس‬

‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1433‬هـ‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬صيانة األخالق ِ‬


‫والقيَم‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامنـ والعشرينـ من محرم من عام ‪ 1433‬هـ‬

‫‪472‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪ -‬صيانة األخالق ِ‬
‫والقيَم ‪-‬‬

‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬صيانة‬
‫سبب قيام‬ ‫األخالق ِ‬
‫والقيَم"ـ ‪ ،‬والتي َّ‬
‫التمسك بها ‪ ،‬وأنها ُ‬‫ُّ‬ ‫تحدث فيها عن األخالق ووجوب‬
‫ِ‬
‫الشعوب ودما ِرهاـ وحصول ال ُخسران في‬ ‫سبب في انهيا ِر‬ ‫وانهيارها ٌ‬
‫ُ‬ ‫الدول والشعوب ‪،‬‬
‫والحشمة ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للحياء ِ‬ ‫شره من ٍ‬
‫هتك‬ ‫ِ‬
‫لإلعالم وما ين ُ‬ ‫ِ‬
‫ضرورة التنبُّه‬ ‫الدنيا واآلخرةـ ‪َّ ،‬‬
‫وشدد على‬
‫نكرات قوالً وفعالً ‪ ،‬مقروء ًة ومسموعةً ومرئيةً ‪ ،‬ولم ينس في ِخ ِ‬
‫تام‬ ‫ٍ‬ ‫والم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وإشاعة للفواحش ُ‬
‫َ‬
‫التعاون بين دول‬
‫بث روح ُ‬ ‫لخادم الحرمين الشريفينـ في ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الفعال‬
‫خطبته أن يُشيد بالدور َّ‬
‫المنطقة‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫أوامر‬ ‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي أنزل على ِ‬


‫وجعل مشمولَه َ‬ ‫َ‬ ‫الكتاب وجعله قيِّ ًما ‪،‬‬
‫َـ‬ ‫عبده‬
‫ُأمما ‪ ،‬وأشهد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خير أهل األرض ً‬ ‫وأخباراـ وقيَ ًما؛ تزكيةً لعباده ولتكون األمةُـ الخاتمةُ َ‬
‫ً‬ ‫ونواه َي‬
‫أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسوله ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعينـ ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬ ‫َ‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫وشر‬ ‫ٍ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َّ ، -‬‬ ‫هدي‬ ‫ِـ‬ ‫ِ‬
‫الهدي ُ‬ ‫وخير‬
‫َ‬ ‫كتاب اهلل ‪،‬‬
‫خير الحديث ُ‬
‫فإن َ‬
‫وكل ٍ‬
‫بدعة ضاللة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫األمور ُمحدثاتُها ‪،‬‬

‫‪473‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ص ْينَا الَّ ِذ َـ‬


‫ين‬ ‫كتابه فقال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ :-‬ولََق ْد َو َّ‬‫وصى اهلل به في ِ‬ ‫خير الوصايا‪:‬ـ ما َّ‬
‫ثم إن َ‬
‫ْكتَاب ِمن َق ْبلِ ُكم وِإيَّا ُكم ِ‬
‫َأن َّات ُقوا اللَّهَ (‪. 656﴾ )131‬‬ ‫ِ‬
‫َْ ْ‬ ‫ُأوتُوا ال َ ْ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫عوب تكون في ِظ ِ‬
‫الل قِيَمها‬ ‫والش ِـ‬ ‫ِ‬
‫العاقبة للدول ُّ‬ ‫وكريم‬ ‫ِ‬
‫واألفراد ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الحياة لدى ِ‬
‫اُألمم‬ ‫ات‬
‫هنَ ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وتساميـ‬ ‫صالح دينِهاـ ُس ُم ُّو قِيَمها‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫جماعة بعد‬ ‫كل ٍ‬
‫أمة أو‬ ‫وفخر ِّ‬ ‫ف أخالقِها ‪،‬‬ ‫وتحت وا ِر ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األخالق‬ ‫ِ‬
‫مكارم‬ ‫حصر بعثتَه في ِ‬
‫تتميم‬ ‫النبي محم ًدا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ -‬‬ ‫فضائلها؛ بل إن َّ‬
‫صالِح اَأل ْخ ِ‬ ‫‪ ،‬فقال‪ِ " :‬إنَّ َما بُِعثْ ُ‬
‫الق " ؛ رواه اإلمام أحمد‪.‬‬ ‫ت ُألتَ ِّم َم َ َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫روح بال‬ ‫لئن كانت األديا ُن روح األمم فإن ِ‬


‫روح ‪ ،‬وال َ‬‫أجسادهاـ ‪ ،‬فال جس َد بال ٍ‬ ‫ُ‬ ‫القيَمـ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السماء‬ ‫فيض‬ ‫ت ِ‬ ‫غيث السماء فإن ِ‬
‫الت َقى ُ‬
‫الفطَر ‪ ،‬فإذا َ‬ ‫القيَم ْنب ُ‬ ‫جسد ‪ ،‬ولئن كانت األديا ُن َ‬
‫ار ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫الفطَر كملَت ِ‬
‫بكريم ِ‬
‫ِ‬
‫الل وحصلَت الخيريَّةُ؛ قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬خيَ ُ‬ ‫الخ ُ‬ ‫ُ‬
‫اهلِيَّ ِة ِخيَار ُك ْم فِي اِإل ْس ِ‬
‫الم ِإ َذا فَِق ُهوا " ؛ رواه البخاري‪.‬‬ ‫فِي الْج ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫نبع‬ ‫رويها الديانة ‪ ،‬فإذا فس َدت ِ‬ ‫تحتضنُها ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغاض ُ‬
‫َ‬ ‫الفطرةُ‬ ‫الفطرةُ ‪ ،‬وتُ ِّ‬ ‫فالقيَ ُم نبتةٌ في اإلسالم‬
‫زهرها شو ًكا ‪ ،‬وغُصنُها حطَبًا‪.‬‬
‫واستحال ُ‬
‫َ‬ ‫النبتَة ‪،‬‬
‫ذبلَت تلك ْ‬ ‫الدي ِن لدى الب َ‬
‫شر ُ‬

‫تغتال بقيَّةَ نو ٍر في‬


‫تقو ظُلْمةُ الجهل في ُمجتمعهم أن َ‬ ‫ولقد كان في الجاهليةـ أفرا ٌد لم َ‬
‫يكذبـ ‪ ،‬ولم يُخلِف‬ ‫يزن ‪ ،‬ولم ِ‬ ‫يشرب الخمر أب ًدا ‪ ،‬ومنهم من لم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫نُفوسهم؛ فمن من لم‬
‫ِِ‬
‫ض طرفَه عن جارته حتى يُوا ِر َ‬
‫ي جارتَهُ مثواها‪.‬‬ ‫الوع َد ‪ ،‬ومنهم من يغُ ُّ‬

‫‪656‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪474‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫شمس‬ ‫أشرقَت‬ ‫تحتضر في ُدجى الليل ِ‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫المعتم حتى َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫موع‬
‫المكارم أشبهَ ببقايا ُش ٍ‬
‫ُ‬ ‫وكانت تلك‬
‫وتدف َقت ِ‬
‫القيَ ُم بين ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫آيات‬
‫الناس تدفعُها إليهم ٌ‬ ‫وضياء ‪،‬‬
‫ً‬ ‫الرسالةـ ‪ ،‬فامتَأل ما بين الخاف َق ْين ً‬
‫نورا‬
‫النبو ِة‪.‬‬
‫من الوح ِـي وتوجيهٌ من َّ‬
‫رذيلة تّ ِذيب ِ‬
‫القيَم في‬ ‫سورة نزلَت من القرآن إشار ًة إلى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أول‬
‫تتضمن ُ‬
‫ولم يكن عجبًا أن َّ‬
‫ُ‬
‫ِإ‬ ‫ُّ‬
‫والمجتمعات ‪ ،‬أال وهي‪ :‬الطغيان ‪َ ﴿ ،‬كاَّل َّن اِإْل نْ َ‬
‫سا َن لَيَطْغَى (‪َ )6‬أ ْن َرآهُ‬ ‫النفوس ُ‬
‫اسَت ْغنَىـ (‪. 657﴾ )7‬‬
‫ْ‬

‫وكريم‬ ‫والشرف‬
‫ُ‬ ‫العدل‬
‫وغاض ُ‬ ‫تجاوز َّ‬
‫حده‬ ‫َ‬ ‫بماله أو ِ‬
‫جاه ِـه أو ُسلطانِِه‬ ‫فإذا استغنَى اإلنسا ُن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض ما أغناهُ اهللُ‬
‫المسلمين إال ووسيلتُهُ هي ُ‬ ‫الخالل ‪ ،‬ولن ترى ُمحا ِربًا للقيَم في ُمجتمعات ُ‬
‫المال أو ِ‬
‫الجاه‪.‬‬ ‫به من ِ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫شر ‪،‬‬ ‫نفوس ِ‬


‫الناس ٌّ‬ ‫إرث جميل فيجب أن تكون ِ‬
‫حاض ًرا ُمصانًا ‪ ،‬فتهوينُها في ِ‬ ‫ِ‬
‫القيَ ُم كما أنها ٌ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫القي ـم م ِ‬
‫وغلَةً في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإحالل غيرها مكانَها خيانةـ ‪ ،‬وكلما كانت َ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫والتقليل من شأنهاـ ُخذالن ‪،‬‬
‫ُ‬
‫ديني َّ‬
‫تمثلَتها قرو ٌن‬ ‫إرث ٌّ‬ ‫ِـ‬
‫الغالب ٌ‬ ‫التاريخ كانت أن َقى وأب َقى؛ـ ألنها في‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الق َدم ‪ ،‬مسطورةً في‬
‫شر منه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فاضلة؛ إذ ال يأتي زما ٌن إال والذي بعده ٌّ‬
‫ولئن درج بعض المخذولين على التهوي ِن من ِ‬
‫القيَم باعتبارها من الرجعيَّةـ ‪ ،‬ويدعون َألن‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫العرب‪.‬ـ‬ ‫ومش ِركو‬
‫قريش ُ‬ ‫يحل محلَّها قيَ ُم العالَم الجديد؛ فإن هذه دعوةٌ ترفَّ َع عنها ُ‬
‫كفار ٍ‬ ‫َّ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫بنهضة األخالق ‪ ،‬وتنهار بانهيا ِرها؛ كم من ٍ‬


‫أمة كانت قويةً ‪ ،‬فدبَّت‬ ‫ِ‬ ‫تنهض‬ ‫حضارات اُألمم‬
‫ُـ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الضعف‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فدب فيها‬ ‫ِ‬
‫األخالق بين أفرادها َّ‬ ‫مسا ِوُئ‬

‫‪657‬‬
‫سورة العلق‬
‫‪475‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اُألمم األخال ُق ما ِبقيَت‬


‫وإنما ُـ‬

‫فإن ذهبَت أخالقُهم ذهبُوا‬

‫والقيَمـ ‪ ،‬وال تحيا أمةٌ بال قِيَم‪.‬‬


‫المبادِئ ِ‬
‫ِ‬ ‫األخالق المبنيَّ ِة على‬
‫ِ‬ ‫وصالح أمر اُألمم ِ‬
‫مرجعُهـ إلى‬ ‫ُ‬
‫القوم في أخالقِهم‬
‫ُأصيب ُ‬
‫َ‬ ‫وإذا‬

‫مأتما وعويالً‬ ‫ِ‬


‫فأقم عليهم ً‬

‫لوك الجماعة ‪ ،‬وهي‬


‫وجه ُس َ‬ ‫ِ‬
‫عقيدة األمةـ ‪ ،‬والتي تُ ِ‬ ‫والصفات النابعةُـ من‬
‫ُـ‬ ‫الخصائص‬ ‫ِ‬
‫القيَ ُـم هي‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للح ِ‬
‫فاظ على ِ‬ ‫أساس ِ‬
‫والحرام ‪،‬‬ ‫الحالل‬ ‫النظام واالستقرا ِـر في ُ‬
‫المجتمع ‪ ،‬ووا ِزعٌ بين‬ ‫ٌ‬
‫والخطأ والصواب‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ضج ِه وإدراكِه‬


‫ؤشرا على نُ ِ‬ ‫ِ‬
‫لدوره في الحياة ‪ ،‬وطري ًقا‬ ‫عد ُم ِّ ً‬
‫أي ُمجتم ٍع تُ ُّ‬‫ود َّ‬
‫تس ُ‬
‫وإن القيَمـ التي ُ‬
‫اإلسالمي‬ ‫ِ‬
‫والمبادئ ‪ ،‬ودينُنا‬ ‫والنجاح يم ُّر على ِ‬
‫القيَمـ‬ ‫اإلبداع‬ ‫الطريق إلىـ‬
‫َـ‬ ‫إلى اإلبداع ‪ ،‬وإن‬
‫ُّ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫رسول السماء‪.‬‬ ‫المستقاة من السماء ‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬
‫دين القيَم الساميةـ ُ‬ ‫هو ُ‬
‫راسخةٌ في ِ‬
‫القلب‬ ‫النفس ‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫والخوف من اهلل ‪ ،‬فهي ثابتةٌ في‬ ‫ِ‬ ‫القيم اإلسالميةُ ِ‬
‫ناشئةٌـ من الدينـ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ات‬
‫الس َم َاو ُـ‬
‫ت َّ‬ ‫ِ‬
‫واألهواء ‪ ﴿ ،‬ولَ ِو َّاتبع الْح ُّق َْأهواء ُه ـم لََفس َد ِ‬ ‫المصالح‬
‫ِ‬ ‫تتبد ُل ُّ‬
‫بتبدل‬ ‫‪ ،‬ال َّ‬
‫َ ََ َ َ َ ْ َ‬
‫والشعور بالمسؤولية‬ ‫‪،‬‬ ‫ـ‬
‫ة‬ ‫واألمان‬ ‫‪،‬‬ ‫اإلخالص‬ ‫ذلك‬ ‫ج‬‫ض ومن ِفي ِه َّن (‪ 658﴾ )71‬فينتِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫اَأْلر ُ َ َ ْ‬
‫َو ْ‬
‫ِ‬
‫المجاالت‪.‬ـ‬ ‫األحوال في كل‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫خشية الناس ‪ ،‬وعندها تصلُ ُح‬ ‫‪ ،‬وخشيةَ اهلل قبل‬

‫ِ‬
‫المصلحة العامة ‪،‬‬ ‫وتقدير‬
‫ُـ‬ ‫والتعاون ‪ ،‬ومعرفةُ قيمة الوقت ‪،‬‬ ‫واإلخالص ‪،‬‬ ‫الصد ُق ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النهضة‬ ‫واحترام األنظمة والقوانين ‪ ،‬واإلصغاءُ إلى صوت الضمي ِر ‪ ،‬هذه القيَمـ هي ُ‬
‫روح‬ ‫ُ‬
‫‪658‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪476‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫روح‬
‫جسما ال َ‬
‫والمربُّون كانت النهضةُ ً‬
‫س ُ‬ ‫الحكومات والمدا ِر ُ‬
‫ُـ‬ ‫وامها ‪ ،‬فإذا لم تعتَ ِن بها‬
‫وقَ ُ‬
‫فيه‪.‬‬

‫ِ‬
‫والشجاعة ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والثقة بنص ِر ِ‬
‫اهلل ‪،‬‬ ‫تبر َز قيمةُ الصب ِر ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يجب أن ُ‬
‫المسلم ُ‬ ‫المجتمع ُ‬
‫في ُ‬
‫والتعاون ‪،‬‬ ‫المجتمع قِيَ ُم العدل واإلحسانـ ‪ ،‬والتكافُلـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ود في ُ‬
‫تس َ‬
‫والثبات ‪ ،‬والنُّصرة ‪ ،‬وأن ُ‬
‫فق واللِّين ‪ ،‬واألمانةُـ‬ ‫ِ‬
‫والر ُ‬
‫والكرم والسماحةُ ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الظن ‪،‬‬
‫وحسن ِّ‬ ‫ب والتآخي ‪ ،‬والتثبُّت ُ‬ ‫والح ِّ‬
‫ُ‬
‫حرماتـ ‪ ،‬والتعلُّق باآلخرة‪.‬‬‫الم َّ‬ ‫ِ‬
‫والع َّفة ‪،‬‬
‫واإلنصاف ‪ ،‬وأداءُ الفرائضـ ‪ ،‬واالمتناعُ عن ُ‬
‫ُ‬

‫نص ُر اُألمم ‪ ،‬وبالمحبَّ ِة‬ ‫ِـ‬


‫فبالعدل تُ َ‬ ‫سبب في ان ِهيا ِرها؛‬ ‫ِ‬
‫أثر في نهضة اُألممـ ‪ ،‬وفَق ُده ٌ‬‫ولكل ُخلُ ٍق ٌ‬
‫ِّ‬
‫والورع وبال ِه َّم ِة‬
‫ِ‬ ‫المجتمعات ‪ ،‬وبالتقوى‬ ‫تقوى ُ‬‫والتآز ِر واإلحسان َ‬
‫ُ‬ ‫ف‬ ‫ِـ‬
‫واإلخاء والتكاتُ ِ‬
‫ود‪.‬‬
‫وتس ُ‬ ‫حق ِ‬ ‫وم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والج ِّد ‪ ،‬والبُعد عن‬
‫تنهض اُألممـ ُ‬
‫ُ‬ ‫رات األعمال‬ ‫أسافل األمور ُ‬

‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أصحابَه على قِيَم القرآن ‪ ،‬فارَت َقوا في ُسلَّم‬
‫ولقد ربَّى ُّ‬
‫ناص ِية الشمس‪.‬‬
‫األخالق ‪ ،‬وأشرفوا على الدنيا حتى نالَت أيديهمـ النجم ‪ ،‬وجلسوا على ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫وإذا كانت هذه األخال ُق ُمستحبَّةً عند جمي ِع اُألممـ ‪ ،‬فإنها واجبةٌ عند أهل اإلسالم؛ بل هي‬
‫ومصنَّفاتهم‪.‬ـ‬
‫يتواصى بها العلماءُ في ُكتبهم ُ‬
‫َ‬ ‫أساس في عقيدتهم ‪،‬‬
‫ٌـ‬
‫ِ‬
‫مكارم‬ ‫ف‪" :‬ويدعُون إلى‬ ‫منهج السلَ ِ‬ ‫بيان ِ‬ ‫قال أبو العباس ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في ِ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س ُن ُه ْـم ُخلًُقا "‬
‫َأح َ‬ ‫ين ِإ َ‬
‫يمانًا ْ‬ ‫األخالق ومحاس ِن األعمال ‪ ،‬ويعتقدونـ معنىـ قوله‪َ " :‬أ ْك َم ُل ال ُْمْؤ من َ‬
‫ببر‬
‫ويأمرون ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظلمك ‪ُ ،‬‬ ‫عمن َ‬ ‫حر َمك ‪ ،‬وتع ُفو َّ‬ ‫قطعك ‪ ،‬وتُعطي من َ‬ ‫وين ُدبُون إلى‪ :‬أن تص َل من َ‬
‫اليتامى والمساكين واب ِن‬ ‫ِـ‬ ‫وصلة األرحام ‪ ،‬وحسن ِ‬
‫الجوا ِر ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واإلحسان إلىـ َ‬ ‫ُ‬ ‫الوالدينـ ‪،‬‬
‫حق ‪،‬‬‫بحق أو بغي ِر ٍّ‬ ‫واالستطالة على ِ‬
‫الخلق ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫وينهون عن الفخ ِر وال ُخيَالء والبغْ ِي‬ ‫ِ‬
‫السبيل ‪َ ،‬‬
‫اس ِفها"‪.‬‬
‫األخالق ‪ ،‬وينهون عن س َف ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ويأمرون بمعالِيـ‬
‫ُ‬

‫‪477‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫َ‬

‫ش َرته أخال ُق المسلمين ‪،‬‬ ‫سالح ‪ ،‬وإنما ن َ‬


‫بسيف وال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ينتشر في كثي ٍر من ِ‬
‫البالد‬ ‫إن اإلسالم لم ِ‬
‫َ‬
‫ونجحوا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سها منا اآلخرون فأنتَجوا بها َ‬ ‫وقيَ ُم التجار الصالحين ‪ ،‬إنهاـ قيَ ُمنا اإلسالميةـ التي قبَ َ‬
‫السلوكي ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫والفساد‬
‫َـ‬ ‫األخالقي ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ِع الغابرين وج َد أن االنحالل‬ ‫وتأم َل مصار َ‬
‫التاريخ َّ‬
‫َ‬ ‫ومن قرأ‬
‫الس ُّم الذي‬
‫والتلهي بالنعيم ‪ ،‬واألثَرةـ واألنانيةـ هي ُّ‬ ‫والرخاوةـ‬ ‫ف‬‫والتر َ‬ ‫والغ َّ ِ‬
‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ش والخيانةَ ‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫الطريق‪.‬ـ‬ ‫يصرعها في نهاية‬ ‫ِ‬
‫يسري في كيان األمم حتى َ‬
‫وعامتِهم ليتقطَّ ُع قلبُه‬
‫وألئمة المسلمين َّ‬‫ِ‬ ‫الناصح هلل ولرسوله‬ ‫وإن الغَيور على دينه وأمته ‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ ٍ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ثوب‬
‫س َ‬ ‫ويتحر ُق خوفًا ووجالً حين يرى قيَم األمة تتحط ُم على يد إعالم هابط يُدنِّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫أس ًفاـ ‪،‬‬
‫َ‬
‫الج ِّد وال ِه َّمة بنشر ِ‬
‫ثقافة الله ِو‬ ‫ويهدم صرح ِ‬ ‫ِ‬ ‫التعري وال ُفجور ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بمشاهد ِّ‬ ‫الحياء ِ‬
‫والحشمة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِـ‬
‫والتفاهة والعبَث‪.‬‬ ‫ب‪،‬‬ ‫والطَّر ِ‬
‫َ‬
‫ودنيا ُمؤثَرة‬
‫طاعا ‪ُ ،‬‬ ‫َّبعا ‪ ،‬و ُش ًّحا ُم ً‬
‫هوى ُمت ً‬ ‫الم ِ‬
‫سلم ً‬ ‫المجتم ِع ُ‬
‫ور أن يرى بين أفراد ُ‬ ‫ويُح ِز ُن الغَيُ َ‬
‫تح ُّل محلَّها؛ فالفرديَّةُـ واألنانيةُـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫القيم َّ ِ‬‫ِ‬
‫الدخيلةـ التي ال تنسج ُم مع فطرتنا وعقيدتنا ُ‬ ‫وأصبحت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫‪،‬‬
‫أصبح لها‬ ‫كض وراء الشهوات ‪ ،‬والتخلِّي عن معانِي اإلنسانية‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫والر ُ‬‫المادة ‪َّ ،‬‬ ‫وحب‬
‫ُّ‬ ‫‪،‬‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫ضور في ُ‬
‫ُح ٌ‬

‫المجتمع وأن ينساهاـ‬ ‫ِ‬


‫الخوف أن تتحلَّ َل‬
‫وتذوب في ُ‬
‫َ‬ ‫الفضائل والسلوكيات‬‫ُ‬ ‫كل‬
‫والخوف ُّ‬
‫ُ‬
‫قابل المادياتـ والمدنيةـ المزعومة ‪ ،‬وهي قِيَ ٌم وثوابِت؛ بل هي‬
‫يتنازل عنها ُم َـ‬
‫ُ‬ ‫يل ‪ ،‬وربما‬ ‫ِ‬
‫الج ُ‬
‫هويَّةُ األمة‪.‬‬

‫رات‬ ‫ِ‬
‫األخالق والسلوك ‪ ،‬وهي ُم ِّ‬
‫ؤش ٌـ‬ ‫تأمل يرى ِ‬
‫ظواهر سلبيَّةً ُمخيفةً في‬ ‫ِ‬
‫والم ِّ َ‬
‫إن الراص َد ُ‬
‫التدارك‪.‬‬ ‫األوان؛ـ حيث ال ي ِ‬
‫مك ُن‬ ‫ِ‬ ‫ينبغي تدار ُكه قبل ِ‬
‫فوات‬ ‫ِ‬
‫لوجود خلَ ٍل ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والقيم ِ‬
‫القيَمـ ‪ ،‬أد ِركوا‬ ‫ََ‬
‫التربية والتعليم! األخال َق األخال َق ‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫المصلِحون ‪ ،‬ويا أهل‬
‫فيا أيهاـ ُ‬
‫خرقَها وحده ‪ ،‬وإنما‬ ‫يغر ُق من َ‬
‫تغرق؛ فإن السفينةَ إن مألها الماءُ ال َ‬
‫المجتمع قبل أن َ‬ ‫سفينةَ ُ‬
‫أضر َمها وحده ‪ ،‬وإنما تُح ِر ُق‬ ‫ِ‬
‫والنار إن شبَّت في البيت ال تُح ِر ُق من َ‬
‫ُ‬ ‫الجميع ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يغر ُق‬
‫َ‬
‫‪478‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ت ق َد ُم‬
‫الجميع ‪ ،‬وال تثبُ ُ‬ ‫ك‬ ‫ك ِ‬
‫الفاج ُـر ‪ ،‬وإنما يهلَ ُ‬ ‫انتشر ال يهلَ ُ‬
‫ُ‬ ‫الجميع ‪ ،‬وال ُفجور إن َ‬
‫والقيمـ ‪ ،‬فإذا انهارتـ ِ‬
‫القيَم زلَّت الق َدم ‪ ،‬وس َقطَت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫حضارة اُألممـ إال على ظه ِر المبادئ َ‬
‫اُألمم‪.‬ـ‬

‫إزاء الكوا ِر ِـ‬


‫ث ال ُخلُقيَّة التي‬ ‫ِ‬ ‫الحفا َظ على قِيَم الحياء‬
‫إن ِ‬
‫للمجتمع َ‬
‫ام األمانـ ُ‬‫صم ُ‬‫والعفاف هو َّ‬
‫أصابَت العالَم في مقتَ ٍل‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫الظروف‬ ‫ظرف؛ بل إن‬ ‫تنازل عنها ألي ٍ‬ ‫ساومةَـ عليها ‪ ،‬وال ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫القيَ ُـم والمبادُئ قيَ ٌم ُمطلقة ال ُم َ‬
‫وتتحم ُل‬
‫َّ‬ ‫أمم لتب َقى قِيَ ُمها ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِِئ‬ ‫ِ‬
‫عوب وهي تُكاف ُح عن مباد هاـ ‪ ،‬وتُناف ُح ٌ‬
‫وتموت ُش ٌ‬
‫ُ‬ ‫طوعُ لها ‪،‬‬ ‫تُ َّ‬
‫وهدم الديار‪.‬‬
‫َ‬ ‫وهدر المال ‪،‬‬
‫َ‬ ‫نسف األرواح ‪،‬‬
‫في سبيل ذلك َ‬

‫ِـ‬
‫الشهوات ‪،‬‬ ‫االنج ِ‬
‫راف في ُمستن َق ِع‬ ‫للشباب لحمايتهمـ من ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األخالقية‬ ‫ِـ‬
‫بالتربية‬ ‫تجب العنايةُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫األخالق ‪،‬‬ ‫سخ ِر ِ‬
‫لهدم‬ ‫والم َّ‬ ‫ِ‬
‫المستهتر ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلعالم ُ‬ ‫الغرق في َح ْمَئ ِة الرذيلةـ ‪ ،‬والتنبُّه إلىـ‬
‫ومن ِ‬
‫ينال‬
‫شر من الصور واألفكار ‪ ،‬وبما ُ‬ ‫ِ‬
‫الشهوات بما ين ُ‬ ‫شرع‬ ‫ِ‬
‫والدعوة إلى ِ‬ ‫ِ‬
‫ونسف الفضائلـ ‪،‬‬
‫ِ‬
‫الشرف والفضيلة‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫أصحاب‬ ‫من‬

‫ِ‬
‫سلسالت ووسائل‬ ‫والم‬
‫عرض في األفالم ُ‬
‫كث َرت ُمالمستُهم له مما يُ ُ‬ ‫الناس بما ُ‬
‫حتى تطبَّ ُع ُ‬
‫االنفالتـ تحت ِشعارات الحرية‬
‫ط في قضايا المرأة ودعاوى ِ‬ ‫المختلِفة ‪ ،‬ومنها‪ :‬الخل ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلعالم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتحرر ‪ ،‬وليست إال انقالبًا على المبادِئ والقيَم ‪ ،‬وإغراقًا ُ‬
‫للمجتمع في ُمستن َق ِع‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫األوحال‪.‬ـ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫وسرعان ما‬ ‫ِ‬ ‫المنفتِ ِح َّ‬


‫األفكار الواف َد َة الغريبةَـ ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫العقول‬
‫ُ‬ ‫ف‬
‫تتلق ُ‬ ‫المعرفي ُ‬
‫ِّ‬ ‫التواصل‬
‫ُ‬ ‫ظل‬
‫وفي ِّ‬
‫التعجب من و ِ‬
‫رود األفكا ِـر إلىـ ِ‬
‫عقول‬ ‫والرَؤ ى ‪ ،‬وليس ُّ‬‫العقول مع هذه األفكارـ ُّ‬ ‫ش هذه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تَتعايَ ُ‬
‫‪479‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫جرد‬
‫بم َّ‬ ‫ِـ‬
‫الغريبة الشاذَّة ‪ ،‬واعتناقُها ُ‬ ‫الناس لهذه األفكا ِر‬
‫بول ِ‬ ‫العجب هو قَ ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الناس ‪ ،‬ولكن‬
‫ِ‬ ‫تلقيها ‪ ،‬وهذا ُّ‬
‫ِّ‬
‫يجب أن‬
‫ُ‬ ‫يدل على خلَ ٍل كبي ٍر في ال َقنَاعات ‪ ،‬وانف ٌ‬
‫صام بين التلقين والتربيةـ ‪،‬‬
‫ِـ‬
‫والتربية عليها‪.‬‬ ‫غرس المبادِئ‬ ‫ِـ‬
‫مرحلة ِ‬ ‫نتجاو َز مرحلةَـ التلقي ِن إلىـ‬
‫َ‬
‫الد ِخ ِـ‬ ‫واجههـ كل ٍ‬
‫يل على هذه‬ ‫والقيَمـ وبين َّ‬‫قوي بين المبادِئ ِ‬ ‫يوم ‪ ،‬صراعٌ ٌّ‬ ‫خطر ُمقلِ ٌق نُ ِ ُ ُ َّ‬ ‫إنه ٌ‬
‫ِ‬
‫وبسيطرته‬ ‫يملك من ٍ‬
‫قوة تأثيريٍَّة ‪،‬‬ ‫المبادِئ بما ُ‬ ‫ِ‬ ‫قناعات ِ‬
‫الناس بهذه‬ ‫ِ‬ ‫يكاد يُزع ِزعُ‬
‫القيَمـ ‪ُ ،‬ـ‬ ‫ِ‬
‫ث فيها كيف‬ ‫الناس فيعبَ ُ‬‫وأحاسيس ِ‬‫ِ‬ ‫على كثي ٍر من المنافِ ِذ اإلعالميَّ ِة ‪ ،‬وبها يتسلَّ ُل إلى مشاع ِر‬
‫ِ‬
‫وجهلهمـ بحقيقة األمور ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ولع الناس بالدنياـ ‪،‬‬ ‫أراد ‪ُ ،‬مستغالًّ َ‬
‫ويقودها حيثُما َ‬ ‫ُ‬ ‫يشاءُ ‪،‬‬
‫ين أن األكثريَّةَـ‬ ‫ِ‬ ‫فال ِ‬ ‫داعهم ِ‬
‫بانج ِـ‬ ‫ف الحضارة المادية ‪ِ ،‬‬ ‫وانبِهارهمـ َبزيْ ِ‬
‫الناس إليها ‪ ،‬ناس َ‬ ‫وانخ َ‬ ‫َ‬
‫ين (‪)103‬‬ ‫ص َ ِ ِِ‬ ‫ليست ِمعيارا للحكم على ِ‬
‫صحة المبدأ ‪َ ﴿ ،‬و َما َأ ْك َث ُر الن ِ‬
‫ت ب ُمْؤ من َ‬ ‫َّاس َولَ ْو َح َر ْ‬ ‫ً ُ‬
‫يل اللَّ ِه (‪. 660﴾ )116‬‬ ‫وك َع ْن َسبِ ِ‬ ‫ضلُّ َ‬‫ضي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴾ ‪َ ﴿ ،‬وِإ ْن تُط ْع َأ ْك َث َر َم ْن في ْ‬
‫اَأْلر ِ ُ‬
‫‪659‬‬

‫القبيح حسنًا ‪ ،‬والمبادُئ إنما‬


‫َ‬ ‫صي ُر‬ ‫ِـ‬
‫حقائق األمور ‪ ،‬وال تُ ِّ‬ ‫غي ُر من‬
‫فالجمهرةُ والغَوغائيَّة ال تُ ِّ‬
‫وعدم‬ ‫الف ِ‬
‫طرة ‪،‬‬ ‫وانسجامها مع ِ‬ ‫فتوازنُها وتكاملُهاـ وتناس ُقهاـ ِ‬‫ُ‬ ‫صحتَها من ذاتِهاـ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تستم ُّد َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫األساس‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫شريعة ربِّها يمنَ ُحها القيمةَ واالعتِبا ِر؛ فهي مبدٌأ بهذا‬ ‫تصاد ِمهاـ مع‬
‫اعتراضها أو ُ‬ ‫ِ‬

‫ف ها ٍر؛ إذ ِ‬
‫تستم ُّد قيمتَها من ٍ‬
‫عقول‬ ‫والمباد الزاِئفةُـ ليس لها قيمةٌ حيث بنِيت على جر ٍ‬
‫َ‬ ‫ُُ‬ ‫َُ‬ ‫ُئ‬
‫قاد‪.‬ـ‬ ‫شو ٍ‬
‫هة في االعتِ ِ‬ ‫لو ٍثة باألهواء ‪ُ ،‬م َّ‬ ‫ِ‬
‫والمكان ‪ُ ،‬م َّ‬ ‫ِ‬
‫الزمان‬ ‫ِ‬
‫محصورة‬

‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪:‬ـ ﴿ َأفَ َم ْن يَ ْم ِشي ُم ِكبًّا َعلَى َو ْج ِه ِه َْأه َدىـ ََّأم ْن يَ ْم ِشي َس ِويًّا َعلَى‬
‫اط ُم ْستَ ِق ٍيم (‪. 661﴾ )22‬‬ ‫صر ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫بارك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنةـ ‪ ،‬ونفعناـ بما فيهما من اآليات ِ‬
‫والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬ ‫َ‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫‪659‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪660‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪661‬‬
‫سورة الملك‬
‫‪480‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫مالك يوم الدين ‪ ،‬وأشهدـ أن إله إال اهلل وحده‬ ‫ِـ‬ ‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمنـ الرحيم ‪،‬‬
‫األمين ‪ ،‬صلَّى‬
‫ُ‬ ‫المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه الصاد ُق‬
‫الملك الحق ُ‬
‫ُ‬ ‫ال شريك له‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبِ ِه والتابعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬
‫اهلل وسلَّم َ‬
‫وبعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬

‫ِ‬
‫واالتحاد؛‬ ‫المكاسب ‪ ،‬وهي‪ :‬الوحدةُ‬ ‫ِ‬ ‫كثيرا من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كثيرا من القيَمـ ‪ ،‬وتُنت ُج ً‬‫قيمةٌ نبيلةٌ تحتض ُن ً‬
‫وبالقيَ ِم والدينـ لئال تبتلِ َع ُمتغيِّ ُـ‬
‫رات‬ ‫بالنفس ِ‬ ‫ِ‬ ‫عز ُز الثقةَ‬ ‫ِ‬
‫والجماعة تُ ِّ‬ ‫إذ هي قوةٌ إضافيةٌ ِ‬
‫للفرد‬
‫سياسي ‪ ،‬وقوةٌ‬ ‫ب‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌّ‬ ‫ومكس ٌ‬
‫َ‬ ‫شرعي ‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫مطلب‬
‫ٌ‬ ‫تفرقة ‪ ،‬فالوحدةُ‬ ‫الم ِّ‬
‫السياسة واألخالق الكيانات ُ‬
‫اقتصاديةٌـ ‪ ،‬وحصانةٌـ أمنيَّة‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للدعوة إليه ‪ ،‬ووفَّ َق قاد َة الدولـ‬
‫ِ‬
‫للترحيب‬ ‫الخليجية‬ ‫وقد وفَّق اهلل َ‬
‫خادم الحرمين الشريفين‬
‫يامه؛ إذ هي رغبةٌ لشعُ ِ‬
‫وب تلك الدولـ‬ ‫ِ‬
‫تمامه وق َ‬
‫يسر َ‬‫به ‪ ،‬سائلينـ اهللَ ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أن يُ ِّ‬
‫كل‬ ‫صةٌ في ِ‬
‫حلق ِّ‬ ‫ِ‬
‫الطويل ‪ ،‬وغُ َّ‬ ‫ِ‬
‫المجد‬ ‫وأمنيةٌ من أمانيهم ‪ ،‬وهي ُخطوةٌ مهمةٌ في ِ‬
‫درب‬
‫ص وشانٍِئ ‪.‬‬
‫ُمتربِّ ٍ‬

‫مسؤول بحسبِه أن ي ِ‬
‫ساه َم‬ ‫ٍ‬ ‫وإنهاـ لدعوةٌ مباركة ‪ ،‬ونداء مخلِص ‪ِ ،‬‬
‫وبادرةٌ ُموفَّقة ينبغي لكل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌُ ٌ‬ ‫ُ َ‬
‫تحقيقهاـ ‪ ،‬ويذلِّ ـل من ع َقباتها ‪ ،‬ويبني ما استطاع من ص ِ‬
‫رحها؛ فمن رأى فرحةَ تلك‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫تحقيقه‪.‬‬ ‫بمشروع االتحادـ لم ُيه ْن عليه التخاذُ ُل في‬
‫ِ‬ ‫الش ِـ‬
‫عوب‬ ‫ُّ‬

‫ِ‬
‫الترحيب ‪،‬‬ ‫الخليج ذلك‬
‫ِ‬ ‫لخادم الحرمين الشريفين تلك الدعوةَ ‪ ،‬وشكر ِ‬
‫لقادةـ‬ ‫فشكر اهللُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫واألوطان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والنفوس‬ ‫شعوبهم ‪ ،‬وجعلَهم ح َّراساـ ِ‬
‫للقيَ ِم‬ ‫الخير على أيديهمـ ل ُ‬
‫ُ ً‬ ‫وأجرى اهللُ َ‬

‫‪481‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫ِ‬
‫أشرف خلق اهلل‪:‬‬ ‫الدائمات على‬
‫ُ‬ ‫والتسليمات‬
‫ُ‬ ‫الزاكيات ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الصلوات‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ارض عن األئمة المهديينـ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬اللهمـ َ‬
‫ِ‬
‫صحابة نبيِّك‬ ‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر‬
‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫الراشدين‪:‬ـ أبيـ بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬ ‫والخلفاء‬
‫أجمعين ‪ ،‬ومن سار على ِ‬
‫نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين‪.‬ـ‬ ‫َ‬

‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬


‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نح ِره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬ ‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح َّ‬
‫إمامناـ َّ‬
‫أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫وحد به كلمةَ‬ ‫وفِّقه ُلهداك ‪ ،‬واجعل عملَه في ِرضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةَـ الصالحةَ ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫ولي عهده وسدِّده ِ‬
‫وأع ْنه على ما ُح ِّمل ‪،‬‬ ‫لواء الدينـ ‪ ،‬اللهم وفِّق َّ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬
‫وف ًقا لكل خي ٍر وصالح‪.‬‬ ‫واجعله ُمبار ًكا ُم َّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬

‫الحق والهدى ‪ ،‬اللهم‬


‫اجمعهمـ على ِّ‬ ‫ِ‬
‫اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضهم‪.‬‬ ‫وس َّد َخلَّتهم ‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهم ‪ ،‬واح َفظ أعرا َ‬ ‫احقن دماءهمـ ‪ ،‬وآمن روعاتهم ‪ُ ،‬‬

‫ك‪.‬‬ ‫اللهم عليك بالطُّغاةـ الظالمين ‪ ،‬اللهم عليك بهم فإنهمـ ال ي ِ‬


‫عجزونَ َ‬‫ُ‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪.‬‬

‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬واجمعهم على الحق يا رب العالمين‬ ‫الم َ‬ ‫اللهم انصر ُ‬
‫ِ‬
‫بأعداء الدينـ فإنهمـ ال‬ ‫المحتلِّين ‪ ،‬اللهم عليك‬
‫‪ ،‬اللهم انصرهمـ في فلسطين على الصهاينةـ ُ‬
‫عجزونَك‪.‬ـ‬‫ي ِ‬
‫ُ‬

‫‪482‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اب النَّا ِر (‪. 662﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لنا ولوالدينا وولديهمـ وذرياتهم ‪ ،‬إنك‬

‫الغيث وال تجعلنا من‬ ‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغنيـ ونحن الفقراءـ ‪ ،‬أن ِزلـ علينا َ‬
‫سحا غ َدقًا طب ًقا ُمجلِّالً‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫القانِطين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫وتسقي به العبادـ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ضار ‪ ،‬تُحيِي به البالد ‪،‬‬‫غير ٍّ‬
‫نافعا َ‬
‫عاما ‪ً ،‬‬‫نافعاـ ًّ‬
‫عاما ‪ ،‬اللهمـ ً‬
‫نافعا ًّ‬
‫ً‬
‫وتجعلُه بالغًا للحاض ِر ِ‬
‫والباد‪.‬‬

‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬ال ُسقياـ‬
‫ٍ‬
‫هدم وال غرق‪.‬‬

‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬

‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬أسبابـ العقوباتـ العامةـ‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابع من ربيع األول من عام ‪ 1433‬هـ‬

‫‪ -‬أسباب العقوبات العامة –‬

‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬أسباب‬
‫تحدث فيها عن أسبابـ العقوباتـ العامة التي يُن ِزلُهاـ اهلل على‬
‫العقوبات العامة" ‪ ،‬والتي َّ‬

‫‪662‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪483‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫الفواحشـ ‪ ،‬وترك األمر‬ ‫األمم ‪ ،‬وذكر من أعظمها‪ :‬الشرك باهلل ‪ ،‬والظلم ‪ ،‬وانتشار‬
‫بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬وغير ذلك من األسبابـ ‪ ،‬ودلَّل على ذلك باألدلةـ من‬
‫الكتابـ والسنة‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫ِ‬
‫ونستغف ُرهـ ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ‬ ‫إن الحمد هلل ‪ ،‬نحمده ونستعينُه‬
‫ض َّل له ‪ ،‬ومن يُضلِل ال هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬ ‫أعمالنا ‪ ،‬من ِ‬
‫يهده اهلل فال م ِ‬
‫ُ ُ‬
‫وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسوله ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك عليه وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫وشر‬ ‫ٍ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َّ ، -‬‬ ‫هدي‬ ‫ِـ‬ ‫ِ‬
‫الهدي ُ‬ ‫وخير‬
‫َ‬ ‫كتاب اهلل ‪،‬‬
‫خير الحديث ُ‬
‫فإن َ‬
‫وكل ٍ‬
‫بدعة ضاللة‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وكل م ٍ‬
‫حدثة بدعة ‪،‬‬ ‫األمور ُمحدثاتُها ‪،‬‬
‫َّ ُ‬

‫جاو َرت قلبًا إال سلِم ‪ ،‬وال خالطَت‬ ‫خير الوصايا‪:‬ـ الوصية بتقوى اهلل تعالىـ ‪ ،‬فما َ‬ ‫ثم إن َ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َوقُولُوا َق ْوالً‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َ‬ ‫عقالً إال رجح ‪ ،‬وما تلبَّس بها أح ٌد إال صلح ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫صلِ ْح لَ ُك ْـم َأ ْع َمالَ ُك ْـم َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َمن يُ ِط ْع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا‬ ‫ِ‬
‫َسدي ًداـ (‪ )70‬يُ ْ‬
‫يما (‪. 663﴾ )71‬‬ ‫ِ‬
‫َعظ ً‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫‪663‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪484‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫الحياة الهانِئة السعيدةـ ‪ ،‬ويُسخِّرون كل إمكاناتهمـ وطاقاتهمـ لتجنُّب‬ ‫يسعون إلى‬
‫كل البشر َ‬
‫خير حافَظوا عليه بكل‬ ‫ِ‬
‫والهالك ‪ ،‬فإذا َّ‬ ‫أسبابـ الشقاء والعذاب؛ فضالً عن ِ‬
‫تحقق لهم ٌ‬ ‫الفناء‬
‫الوسائلـ وخافوا من فواته أو ِ‬
‫نقصه‪.‬‬

‫شيء ‪ ،‬ويأتيها رزقُها رغ ًدا من كل‬‫كل ٍ‬ ‫ثمرات ِّ‬


‫ُ‬ ‫وكم من ٍ‬
‫أمة كانت آمنةً ُمطمئنَّةً تُجبَى إليها‬
‫جوع ‪ ،‬فانقلبَت أحوالُهاـ في‬‫نفس من ٍ‬ ‫يخفق فيها قلب من ٍ‬ ‫مكان ‪ ،‬لم ِ‬
‫ٍ‬
‫تتضور ٌ‬
‫خوف ‪ ،‬ولم َّ‬ ‫ٌ‬
‫ِّقمة ِ‬
‫تح ُّل‪.‬‬ ‫تتحول ‪ ،‬وإذا بالن ِ‬ ‫ِ‬
‫بالعافية َّ‬ ‫ِ‬
‫بالنعمة تزول ‪ ،‬وإذا‬ ‫ِ‬
‫طرفة عي ٍن ‪ ،‬فإذا‬

‫ِ‬
‫تستأص ُل شأفتَهمـ ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عقوبات‬ ‫وأفراد وجماعات أتَت عليهم‬ ‫ٍ‬ ‫دول ٍ‬
‫وأمم‬ ‫وكم ح َكى الزما ُـن عن ٍ‬
‫مدفع ومنه‬ ‫ُّ ٍ‬
‫وكل أحد من البشر له ٌ‬ ‫قوةٌ ‪،‬‬
‫سالح وال تُغني معها َّ‬
‫ٌ‬ ‫ينفع معهاـ‬
‫أثرهم ‪ ،‬ال ُ‬ ‫وتمحو َ‬
‫ُ‬
‫القوي ِ‬
‫القاهرـ ‪ ،‬والعزيز ِ‬
‫القادرـ ‪ ،‬وهو‬ ‫منجا منه إال إليه ‪ ،‬فهو‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫حيلة ‪ ،‬وال ملجَأ من ربِّنا وال َ‬
‫أعظم منه‪.‬‬
‫العظيم الذي ال َ‬‫ُ‬
‫األرض‬ ‫قدوا‬ ‫داد؟ أين من ُّ‬ ‫ِ‬
‫الفراعنةُ ِّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الش ُ‬ ‫وسنن؛ فأين ثمود وعاد؟ وأين‬ ‫أيام ُ‬
‫وهلل مع خلقه ٌ‬
‫بأسه ‪،‬‬ ‫ِئ‬
‫أوقع بهم َ‬ ‫نسوا اهللَ َ‬ ‫ونحتوا الجبال ‪ ،‬وحازوا أسبابـ القوة واحتاطوا للنوا ب؟ لما ُ‬ ‫َ‬
‫وع ًبرا ‪ ﴿ ،‬فَ ُكالًّ َأ َخ ْذنَا بِ َذنبِ ِـه فَ ِم ْن ُهم‬ ‫الوجود أثراـ ‪ ،‬وأصبحوا للتاريخ قصصا ِ‬ ‫ِ‬ ‫فصاروا بعد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ض َو ِم ْن ُهم َّم ْن‬ ‫ِ‬
‫س ْفنَا بِه ْ‬
‫اَألر َ‬
‫ِ‬
‫الص ْي َحةُ َوم ْن ُهم َّم ْن َخ َ‬ ‫اصبًا َو ِم ْن ُهم َّم ْن َ‬
‫َأخ َذتْهُـ َّ‬ ‫َّمن َأرسلْنَا َعلَْي ِه ح ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َْ‬
‫س ُه ْم يَظْلِ ُمون (‪. ﴾ )40‬‬
‫‪664‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ ِ‬
‫َأ ْغ َرقْنَا َو َما َكا َن اللهُ ليَظْل َم ُه ْم َولَكن َكانُوا َأن ُف َ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬

‫قص ُر أمةٌ في‬‫لمجتم ٍع حصانةٌ ذاتيةٌـ ‪ ،‬وحين تُ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫إن سنةَ اهلل ال تُحابيـ أح ًدا ‪ ،‬وليس لفرد وال ُ‬
‫ظ بغيره ‪،‬‬ ‫توقِّي أسباب المصائب العامةـ فإن عليها أن تتقبَّل نتيجةَ التقصير ‪ ،‬والسعي ُد من َّات َع َ‬
‫العقاب إن سلَ َكت‬ ‫ِـ‬ ‫ِ‬
‫العذاب إذا ع َق َدت أسبابَه ‪ ،‬وال في مأم ٍن من‬ ‫وليست أمةٌ بمنَأى عن‬
‫وعظ هذه ِـ‬ ‫للذنب أبوابهـ ‪ ،‬ولذلكـ أكثر اهلل تعالى من ِ‬
‫بمصارع األممـ‬
‫ِ‬ ‫األمة‬ ‫َ‬ ‫ِ َ‬ ‫وفتحت‬
‫سبيلَه َ‬
‫حق قدره ‪ ،‬وال ِيقفون عند نهيِه‬ ‫الغابِرةـ ‪َّ ،‬‬
‫وحذر اآلمنين من مك ِره الذينـ ال يُقدِّرون اهللَ َّ‬

‫‪664‬‬
‫سورة العنكبوت‬
‫‪485‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ض َْأو‬ ‫ف اللّهُ بِ ِه ُم ْ‬
‫اَألر َ‬ ‫ات َأن يَ ْخ ِس َ‬ ‫السيَِّئ ِـ‬
‫ين َم َك ُرواْ َّ‬ ‫وأم ِره ‪ ،‬فقال ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬أفَ َِأم َن الَّ ِذ َـ‬
‫ث الَ يَ ْشعُ ُرون (‪َْ )45‬أو يَْأ ُخ َذ ُه ْـم فِي َت َقلُّبِ ِه ْم فَ َما ُهم بِ ُم ْع ِج ِزين (‪)46‬‬ ‫اب ِم ْن َح ْي ُ‬‫يَْأتَِي ُه ُـم ال َْع َذ ُـ‬
‫وف َّر ِحيم (‪ 665﴾ )47‬وقال ‪ -‬عز وجل ‪﴿ :-‬‬ ‫ف فَِإ َّن َربَّ ُك ْم لَرُؤ ٌ‬ ‫ْأخ َذهم َعلَى تَ َخ ُّو ٍ‬
‫َْأو يَ ُ ُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْأسنَا‬
‫ْأسنَاـ َبيَاتاً َو ُه ْم نَا ُمون (‪ََ )97‬أو َأم َن َْأه ُل الْ ُق َرىـ َأن يَْأتَي ُه ْم بَ ُ‬ ‫َأفََأم َن َْأه ُل الْ ُق َرى َأن يَْأتَي ُه ْم بَ ُ‬
‫اس ُرونـ (‪)99‬‬ ‫ضحى وهم يلْعبون (‪َ )98‬أفَ َِأمنُواْ م ْكر اللّ ِه فَالَ يْأمن م ْكر اللّ ِه ِإالَّ الْ َقوم الْ َخ ِ‬
‫ُْ‬ ‫ََُ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ً َ ُ ْ َ َُ‬
‫اهم بِ ُذنُوبِ ِه ْـم َونَطْبَ ُع َعلَى‬
‫َأص ْبنَ ُ‬
‫شاء َ‬ ‫ض ِمن َب ْع ِد َْأهلِ َها َأن لَّ ْو نَ َ‬ ‫ين يَ ِرثُو َن ْ‬
‫اَألر َ‬
‫ِِِ‬
‫ََأولَ ْم َي ْهد للَّذ َ‬
‫ُقلُوبِ ِه ْم َف ُه ْم الَ يَ ْس َمعُون (‪. 666﴾ )100‬‬

‫ٍ‬
‫مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪" :‬الكباِئُر‪:‬ـ‬ ‫اهلل كبيرةٌ من الكباِئر؛ عن ابن‬
‫إن األمن من مكر ِ‬
‫َ‬
‫روح اهلل"؛ رواه‬‫واليأس من ِ‬
‫ُ‬ ‫واألمن من مك ِر اهلل ‪ ،‬والقنو ُ‬
‫ط من رحمة اهلل ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اإلشراك باهلل ‪،‬‬
‫ُ‬
‫الطبرانيـ والبيهقي‪.‬‬

‫الخلق بربِّه وأخشاهم له ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم – " إِ َذا َرَأى غَْي ًما َو ِر ً‬
‫يحا‬ ‫ِ‬ ‫أعرف‬
‫ُ‬ ‫ولهذا كان‬
‫ِِ‬ ‫ْت ‪ :‬يا رس َ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف ذَلِ َ ِ‬
‫َّاس ِإذَا َر َُأوا الْغَْي َم فَ ِر ُحوا به َر َج َ‬
‫اء َأ ْن‬ ‫ول الله ‪ ،‬الن ُ‬ ‫ك في َو ْج ِهه ‪َ ،‬ف ُقل ُ َ َ ُ‬ ‫عُ ِر َ‬
‫شةُ ! َما‬ ‫ال ‪ " :‬يَا َعاِئ َ‬‫ك الْ َك َر ِاهيَةَ ؟ ‪َ ،‬ف َق َـ‬‫ت ِفي َو ْج ِه َ‬ ‫يَ ُكو َن فِ ِيه ال َْمطَُر ‪ ،‬فَ ََأر َ‬
‫اك ِإذَا َر َْأيتَهُ َع َرفْ ُ‬
‫ِِ‬
‫اب َف َقالُوا‪َ ﴿ :‬ه َذا‬ ‫يح ‪َ ،‬وقَ ْد َرَأى َق ْو ٌم ال َْع َذ َـ‬ ‫ب َق ْو ٌم بِ ِّ‬
‫الر ِ‬ ‫اب ‪ ،‬عُ ِّذ َ‬ ‫ُيَؤ ِّمنُنِي َأ ْن يَ ُكو َن فيه َع َذ ٌ‬
‫ض ُّم ْم ِط ُرنَا (‪ " 667﴾ )24‬؛ متفق عليه‪.‬‬ ‫َعا ِر ٌ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫بأمتهـ ‪،‬‬
‫شى أن تنزل َّ‬ ‫أخبر ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬عن أنواع المصائب التي كان يخ َ‬ ‫لقد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س ِإذَا ْابتُليتُ ْم بِ ِه َّن ‪َ ،‬وَأعُوذُ بِاللَّ ـه َأ ْن تُ ْد ِر ُك ُ‬
‫وه َّن ‪،‬‬ ‫ِـ‬
‫أسباب نزولها ‪ ،‬فقال‪َ " :‬خ ْم ٌ‬ ‫وحذ َرهمـ من‬ ‫َّ‬
‫اح ِ ٍ‬
‫اَأْلو َجاعُ ‪ ،‬الَّتِي لَ ْم‬
‫شا في ِه ُم الطَّاعُو ُن َو ْ‬
‫ط ‪ ،‬حتَّى يعلِنُوا ‪ ،‬بِها ِإاَّل فَ َ ِ‬
‫َ‬ ‫لَ ْم تَظ َْه ِر الْ َف ِ َ‬
‫شةُ في َق ْوم قَ ُّ َ ُ ْ‬
‫‪665‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪666‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪667‬‬
‫سورة األحقاف‬
‫‪486‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ُأخ ُذوا بِ ِّ ِ‬ ‫ال وال ِْميزا َن ‪ِ ،‬إاَّل ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ض ْ ِ‬
‫ين ‪،‬‬ ‫السن َ‬ ‫صوا ال ِْم ْكيَ َ َ َ‬ ‫ض ْوا ‪َ ،‬ولَ ْم َي ْن ُق ُ‬ ‫ين َم َ‬ ‫َأساَل ف ِه ُم الذ َ‬‫ت في ْ‬ ‫تَ ُك ْن َم َ‬
‫الس َم ِاء‬
‫ان َعلَْي ِه ْم ‪َ ،‬ولَ ْم يَ ْمَنعُوا َز َكاةَ َْأم َوالِ ِه ْم ِإاَّل ُمنِعُوا الْ َقط َْر ِم َن َّ‬ ‫َو ِش َّد ِة ال َْمُئونَِة ‪َ ،‬و َج ْو ِر ُّ‬
‫الس ْلطَ ِ‬
‫ضوا َع ْه َد اللَّ ِه ‪َ ،‬و َع ْه َد َر ُسولِ ِه ِإاَّل َسلَّ َ‬
‫ط اللَّهُ َعلَْي ِه ْم َع ُد ًّوا‬ ‫‪َ ،‬ولَ ْواَل الَْب َهاِئ ُم لَ ْم يُ ْمطَُروا َولَ ْم َي ْن ُق ُ‬
‫اب اللَّ ِه ‪َ ،‬و َيتَ َخَّي ُروا ِم َّما‬‫ض َما فِي َأيْ ِدي ِه ْم َو َما لَ ْم تَ ْح ُك ْم َأِئ َّم ُت ُه ْم بِ ِكتَ ِ‬ ‫َأخ ُذوا َب ْع َ‬‫ِم ْن غَْي ِر ِه ْم ‪ ،‬فَ َ‬
‫وصححه ‪ ،‬وواف َقه‬ ‫َّ‬ ‫والحاكم‬
‫ُ‬ ‫ْأس ُه ْم َب ْيَن ُه ْم " ؛ أخرجه ابن ماجه ‪،‬‬ ‫َأْن َز َل اللَّهُ ِإاَّل َج َع َل اللَّهُ بَ َ‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫ُّ‬

‫المعامالتـ ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫والتطفيف في ُ‬
‫ُ‬ ‫المسلمين وفي وسائل اإلعالم ‪،‬‬
‫فظهور الفاحشة في واق ِع ُ‬
‫ُ‬
‫وتحكيم الهوى ونب ُذ الشريعة؛ تلك هي‬ ‫ونقض العهود ‪،‬‬ ‫الزكاة ‪ِ ،‬‬
‫وخيانةُ األمانة ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ومنع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أكبر أسبابـ المصائب العامة التي إذا نزلَت ٍ‬
‫بقوم لم يسلَم من وطَأتها أح ٌد‪.‬‬ ‫ُ‬
‫المصطفى ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بقوله‪" :‬‬ ‫أخبر عنه ُ‬ ‫ومن أسبابـ العقوباتـ العامة‪:‬ـ ما َ‬
‫ال ‪" :‬‬ ‫ول اللَّ ِه ‪َ ،‬و َمتَى َذ َ‬
‫اك ؟ قَ َ‬ ‫ف َو َم ْس ٌخ " ‪ ،‬قَالُوا ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ف َوقَ ْذ ٌ‬ ‫يَ ُكو ُن فِي َه ِذ ِه َّ‬
‫اُألم ِـة َخ ْس ٌ‬
‫ب الْ ُخ ُمو ِر " ؛ رواه الترمذي‪.‬ـ‬ ‫ت ال ِْقيَا ُن ‪َ ،‬و ُش ْر ُـ‬‫ف ‪ ،‬و َك ُثر ِ‬ ‫ِ‬
‫ذَا ظَ َه َرت ال َْم َعا ِز ُ َ َ‬
‫ِإ‬

‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪" :-‬المس ُخ واقع في هذه ِ‬


‫األمة وال بُ ّد ‪ ،‬وهو في طائفتين‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫فقلب اهلل تعالى‬
‫َ‬ ‫وشرعه ‪،‬‬
‫َ‬ ‫دين اهلل‬
‫علماء السوء الكاذبينـ على اهلل ورسوله ‪ ،‬الذينـ قلَبوا َ‬
‫ِ‬
‫مسخ منهم‬‫بالفسق والمحا ِرم ‪ ،‬ومن لم يُ َ‬
‫ِ‬ ‫المتهتِّكين‬
‫والمجاهرين ُ‬
‫ورهم كما قلَبوا دينَه ‪ُ ،‬‬
‫ص َ‬
‫ُ‬
‫في الدنيا ُم ِسخ في قبره أو يوم القيامة"‪.‬‬

‫أيها المؤمنون‪:‬‬

‫وج ًها إلى‬


‫باتقاء المصائب العامة ُم َّ‬ ‫األمر ِـ‬ ‫إن المسؤولية في المجتمع على ِّ ٍ‬
‫كل فرد فيه ‪ ،‬وجاء ُ‬ ‫ُ‬
‫صيبَ َّن الَّ ِذ َـ‬
‫ين ظَلَ ُمواْ‬ ‫أحد ‪ ،‬كلٌّ بحسبِه ‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ :-‬و َّات ُقواْ فِ ْتنَةً الَّ تُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كل ٍ‬
‫اصةً (‪. 668﴾ )25‬‬ ‫ِمن ُك ْم َخ َّ‬
‫‪668‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪487‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫المنكر بين ظهرانَيهمـ ‪،‬‬


‫َ‬ ‫"أمر اهللُ المؤمنين أال يُِق ُّروا‬
‫قال ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪َ :-‬‬
‫بالعذاب ‪ ،‬يصيب الصالحين منهم ما أصاب الناس ‪ ،‬يهلِكون مهل ًكاـ ِ‬
‫واح ًدا ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِـ ُ ُ‬ ‫فيعُ َّمهم اهللُ‬
‫ويص ُدرون مصادر شتَّى ‪ ،‬يبعثُهم اهلل على نيَّاتهم"‪.‬ـ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫والظلم من أعظم أسباب العذاب‬


‫ُ‬ ‫اتقاء هذه المصائب العامة ال يكو ُن إال بتوقِّي أسبابهاـ ‪،‬‬ ‫إن َ‬
‫الدول ‪ ،‬وتهلَك‬
‫ُ‬ ‫األمم السالِفة والقرو ُن الخالية ‪ ،‬وبسببه تس ُقط‬ ‫العام ‪ ،‬فبسببه هلَ َكت ُ‬
‫اه ْـم لَ َّما ظَلَ ُموا َو َج َعلْنَا لِ َم ْهلِ ِك ِهم َّم ْو ِع ًدا (‪﴿ ، 669﴾ )59‬‬ ‫ال ُقرى ‪َ ﴿ ،‬وتِل َ‬
‫ْك الْ ُق َرىـ َْأهلَ ْكنَ ُ‬
‫آخ ِرين (‪. 670﴾ )11‬‬ ‫شْأنَا َب ْع َد َهاـ َق ْو ًما َ‬ ‫ت ظَالِ َمةً َوَأن َ‬ ‫ص ْمنَا ِمن َق ْريٍَة َكانَ ْ‬‫َو َك ْم قَ َ‬

‫هم ُل ‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ « :-‬إ َّن اللَّهَ‬ ‫واهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يم ِهل وال ي ِ‬
‫ُ ُ ُ‬
‫ك ِإ َذا َأ َخ َذ الْ ُق َرىـ َو ِه َي‬ ‫لَيُ ْملِي لِلظَّالِ ِم َحتَّى ِإ َذا َأ َخ َذهُ لَ ْم ُي ْفلِ ْتهُ ‪ ،‬ثم قرأ‪َ ﴿ :‬و َك َذلِ َ‬
‫ك َأ ْخ ُذ َربِّ َ‬
‫يم َش ِديدـ (‪» 671﴾ )102‬؛ أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ظَال َمةٌ ِإ َّن َأ ْخ َذهُ َأل ٌ‬
‫يطال‬ ‫ِ‬
‫المظالم العامةـ التي ُ‬ ‫وهضم حقوق العُ َّمالـ والضعفاء ‪ ،‬فضالً عن‬
‫َ‬ ‫ظلم العبادـ‬
‫فاح َذروا َ‬
‫ضررها الكثيرين‪.‬‬
‫ُ‬
‫ؤذ ٌن بالعقوبة ‪ ،‬قال رسول اهلل‬ ‫الظلم‪ُ :‬خذالن المظلوم والتخلِّي عن نُصرته؛ فإن ذلك م ِ‬ ‫ومن ِ‬
‫ُ‬
‫ك َأ ْن‬ ‫َّاس ِإذَا َر َُأوا الظَّالِ َـم َفلَ ْم يَ ُ‬
‫ْأخ ُذوا َعلَى يَ َديْ ِه َْأو َش َـ‬ ‫ِإ‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َّ " :-‬ن الن َ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حديث‬
‫ٌ‬ ‫اب " ؛ أخرجهـ الترمذي ‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫َيعُ َّم ُه ُم اللَّهُ بِ ِع َق ٍـ‬

‫العرض أو ِ‬
‫المال‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النفس أو‬ ‫فوات الدينـ أو‬
‫ب َ‬ ‫وأشد ِ‬‫ُّ‬
‫الظلم ما يُسبِّ ُ‬

‫‪669‬‬
‫سورة الكهف‬
‫‪670‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪671‬‬
‫سورة هود‬
‫‪488‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيها المؤمنون‪:‬‬

‫ك لُِي ْهلِ َ‬
‫ك الْ ُق َرى‬ ‫ِـ‬
‫العذاب ‪َ ﴿ ،‬و َما َكا َن َربُّ َ‬ ‫المنكر َأمنَةٌ من‬
‫والنهي عن ُ‬
‫ُ‬ ‫واألمر بالمعروف‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫صلِ ُحون (‪﴾ )117‬‬
‫أثر ِ‬ ‫بِظُل ٍْم َو َْأهلُ َها ُم ْ‬
‫‪672‬‬
‫الناس‬ ‫أقبح َ‬
‫المصلحين ‪ ،‬وما َ‬ ‫أعظم بركةَ ُ‬
‫فما َ‬
‫عليهم!‬

‫والعذاب‬
‫َـ‬ ‫شا فيهم ولم يُغيِّروه فإن العقوبةَ تشملُهم‬ ‫المن َكر إذا ف َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ومن ُسنَّة اهلل في عباده‪ :‬أن ُ‬
‫اص ِة‬
‫ب ال َْع َّامةَـ بِ َع َم ِل الْ َخ َّ‬
‫يعُ ُّمهم ‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إ َّن اللَّهَ اَل ُي َع ِّذ ُ‬
‫ك‬‫اد ُرو َن َعلَى َأ ْن ُي ْن ِك ُروهُ‪ ،‬فَاَل ُي ْن ِك ُرونَهُ‪ ،‬فَِإ ْن َف َعلُوا ذَلِ َ‬
‫حتَّى يروا الْم ْن َكر بين ظَ ْهرا َني ِه ـم وهم قَ ِ‬
‫َ ََ ُ ُ َ َْ َ َ ْ ْ َ ُ ْ‬
‫ظ ابن حجر‪.‬‬ ‫وحسنه الحاف ُ‬ ‫َّ‬ ‫اصةَ " ؛ أخرجهـ اإلمام حمد ‪،‬‬ ‫ب اللَّهُ ال َْع َّامةَـ َوالْ َخ َّ‬
‫َع َّذ َ‬

‫وعن النعمان بن بشي ٍر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ، -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬مثَ ُل‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ض ُه ْم َأ ْع َ‬
‫الها ‪،‬‬ ‫اب َب ْع ُ‬ ‫َأص َ‬ ‫الْ َقاِئ ِم َعلَى ُح ُدود اللَّه َوال َْواق ِع ف َيها َك َمثَ ِل َق ْوم ْ‬
‫اسَت َه ُموا َسفينَةً ‪ ،‬فَ َ‬
‫اسَت َق ْينَا ِم ْنهُ َولَ ْم نُْؤ ِذ َم ْن‬ ‫ِ ِ‬
‫َأس َفلَ َها ‪َ ،‬ف َقالُوا ‪ :‬لَ ْو َأنَّا َخ َرقْنَا في نَصيبِنَا َخ ْرقًا فَ ْ‬
‫ض ُه ْم ْ‬
‫اب َب ْع ُ‬ ‫َأص َ‬
‫َو َ‬
‫ادوا َهلَ ُكوا َج ِم ًيعا ‪َ ،‬وِإ ْن َأ َخ ُذوا َعلَى َأيْ ِدي ِه ْم نَ َجوا َونَ َج ْوا َج ِم ًيعا‬ ‫َف ْو َقنَا ‪ ،‬فَِإ ْن َت َر ُك ُ‬
‫وه ْم َو َما ََأر ُ‬
‫" ؛ أخرجهـ البخاري‪.‬‬

‫جحش ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬الَ‬ ‫ٍ‬ ‫وعن زينب بنت‬
‫وج ِمثْ ُل َه ِذ ِه"‬
‫ْأج َ‬
‫وج َو َم ُ‬
‫ْأج َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪ .‬فُت َح الَْي ْو َم م ْن َر ْدِم يَ ُ‬
‫ِ‬
‫ب م ْن َش َر قَد اقَْت َر َ‬
‫ِإلَه ِإالّ اللّه‪ .‬ويل لِلْعر ِ ِ‬
‫ُ َ ْ ٌ ََ‬ ‫َ‬
‫صبَ ِع ِه اِإل ْب َه ِام‪َ ،‬والّتِي تَلِ َيها‪.‬‬
‫َو َحلّ َق بِِإ ْ‬

‫الصالِ ُحو َن؟ قَ َ‬


‫ال‪َ :‬ن َع ْم‪ِ .‬إ َذا َك ُث َر الْ َخبَ ُ‬
‫ث " ؛ متفق‬ ‫ول اللّ ِه َأَن ْهلِ ُـ ِ‬
‫ك َوفينَا ّ‬ ‫ْت‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫ت َف ُقل ُ‬
‫قَالَ ْ‬
‫للبخاري‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ظ‬
‫عليه ‪ ،‬واللف ُ‬

‫‪672‬‬
‫سورة هود‬
‫‪489‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫حديث ُحذيفةَـ بن اليمان أن النبي ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫ِ‬ ‫وحسنه من‬ ‫اإلمام أحمد ‪ ،‬والترمذيـ َّ‬ ‫وأخرج‬
‫ُ‬
‫عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬واَلَّ ِذي َن ْف ِسي بِي ِد ِه لَتْأمر َّن بِالْمعر ِ‬
‫وف ‪َ ،‬ولََت ْن َه ُو َّن َع ْن ال ُْم ْن َك ِر ‪َْ ،‬أو‬ ‫َ َ ُُ َ ُْ‬ ‫َ‬
‫اب لَ ُك ْـم " ‪.‬‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫لَي ِ‬
‫وش َك َّن اللَّهُ َع َّز َو َج َّل َأ ْن َي ْب َع َ‬
‫ث َعلَْي ُك ْم َع َذابًا م ْن ع ْنده ‪ ،‬ثُ َّم تَ ْدعُونَهُ فَاَل يُ ْستَ َج ُ‬ ‫ُ‬
‫وقال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ " :-‬ما ِمن َقوٍم ي ْعمل فِي ِهم بِالْمع ِ‬
‫اصي ثُ َّم َي ْق ِد ُرو َن َعلَى َأ ْن‬ ‫َ ْ ْ ُ َ ُ ْ ََ‬
‫اب " ؛ أخرجه اإلمام أبو داود‪.‬‬ ‫ك َأ ْن َيعُ َّم ُهم اللَّهُ ِم ْنهُ بِ ِع َق ٍ‬ ‫يغَِّيروا ثُ َّم اَل يغَِّيروا ِإاَّل ي ِ‬
‫وش ُ‬‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ُ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫ت ِ‬
‫آمنَةً ُّمط َْمِئنَّةً‬ ‫ب اللّهُ َمثَالً َق ْريَةً َكانَ ْ‬
‫ض َر َ‬ ‫ومن أسباب العقوبات العامة‪ُ :‬كفران النِّعم ‪َ ﴿ ،‬و َ‬
‫ف بِ َما‬ ‫وع والْ َخو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يْأتِ َيها ِر ْز ُق َها رغَ ًدا ِّمن ُك ِّل م َك ٍ‬
‫ان فَ َك َفر ْـ ِ‬
‫ْج ِ َ ْ‬ ‫اس ال ُ‬‫ت بَأْنعُ ِم اللّه فََأ َذا َق َها اللّهُ لبَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كل األحياءـ ‪ ،‬ولقد قال‪﴿ :‬‬ ‫ب َّ‬ ‫ِ‬ ‫‪673‬‬
‫والخوف شبَ ٌح يُرع ُ‬
‫ُ‬ ‫الجوعُ‬ ‫صَنعُون (‪﴾ )112‬‬ ‫َكانُواْ يَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت بَِأْنعُ ِم اللّه (‪ ﴾ )112‬ولم ي ُقل‪ :‬ك َف َرت باهلل؛ ذلك أن ُكفران الن َ‬
‫‪674‬‬
‫الجوع‬ ‫ِّعم سبب ُ‬ ‫فَ َك َف َر ْـ‬
‫شكر‬ ‫واالضطراب في األمن والمعايِش ‪ ،‬وإنما تثبُت النعمةُ ب ُ‬ ‫ِـ‬ ‫وسبب الفتن‬
‫ُ‬ ‫والخوف ‪،‬‬
‫الم ِنعم‪.‬‬
‫ُ‬

‫وأنعم فتفضَّل ‪َ ﴿ ،‬وآتَا ُكم ِّمن ُك ِّل َما َسَألْتُ ُموهُ َوِإن َتعُ ُّدواْ‬ ‫َ‬ ‫فأجزلـ ‪،‬‬
‫وإن اهللَ تعالى أعطَى َ‬
‫وها (‪ 675﴾ )34‬وقد وع َد ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وأوع َد ‪ ،‬فقال ‪ -‬وهو ِ‬
‫القادر‬ ‫نِعم َ ِ‬
‫ص َ‬ ‫ت اللّه الَ تُ ْح ُ‬ ‫َْ‬
‫ش ِديد (‪. 676﴾ )7‬‬ ‫‪َ ﴿ :-‬وِإ ْذ تََأذَّ َن َربُّ ُك ْم لَِئن َش َك ْرتُ ْم َأل ِزي َدنَّ ُك ْم َولَِئن َك َف ْرتُ ْـم ِإ َّن َع َذابِيـ لَ َ‬

‫‪673‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪674‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪675‬‬
‫سورة إبراهيم‬
‫‪676‬‬
‫سورة إبراهيم‬
‫‪490‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫والتبذير ‪ ،‬وإهانةُ الطعام ‪ ،‬والطغيان ‪ ،‬والتباهي بما يجل ُ‬
‫ُـ‬ ‫اإلسراف‬
‫ُـ‬ ‫ِّعم‪:‬‬
‫ومن ُكفران الن َ‬
‫ط ِ‬
‫اهلل ومقتَه‪.‬‬ ‫سخ َ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫"المسند" عن عقبة‬ ‫ومن أسبابـ العقوباتـ العامة‪:‬ـ الغفلةُ واإلغرا ُق في اللهو والعبَث؛ جاء في ُ‬
‫ت اللَّهَ َت َعالى‬‫بن عامر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ِ " :‬إ َذا َرَأيْ َ‬
‫اج " ‪ .‬ثم تال‬ ‫ك ِم ْنهُ ْ ِ‬ ‫اص ِيه فَِإ نَّ َما ذَلِ َ‬
‫ب و ُهو م ِقيم َعلَى مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُي ْع ِطي ال َْع ْب َد ِم َن ُّ‬
‫است ْد َر ٌ‬ ‫ََ‬ ‫الد ْنيَاـ َما يُح ُّ َ َ ُ ٌ‬
‫ِ‬
‫سواْ َما ذُ ِّك ُرواْ بِه َفتَ ْحنَا َعلَْي ِه ْم َْأب َو َ‬
‫اب ُك ِّل‬ ‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ ﴿ :-‬فلَ َّما نَ ُ‬ ‫ُ‬
‫سون (‪.» 677﴾ )44‬‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫اهمـ َبغْتَةً فَ ذَا ُهم ُّم ْبل ُ‬ ‫َش ْي ٍء َحتَّى ِإذَا فَ ِر ُحواْ بِ َما ُأوتُواْ َ‬
‫َأخ ْذنَ ُ‬
‫ورب الكعبةـ ‪ُ ، -‬أعطُوا حاجتهم ثم ِ‬
‫ُأخذوا"‪.‬‬ ‫"مكر ِ‬
‫بالقوم ‪ِّ -‬‬ ‫قال الحسن ‪ -‬رحمه اهلل ‪ِ :-‬‬
‫ُ‬
‫قط إال عند سكرتهم ِ‬
‫وغ َّرتهم‬ ‫قوما ُّ‬
‫َ‬ ‫أمر اهلل ‪ ،‬وما أخ َذ اهللُ ً‬
‫القوم ُ‬
‫ت َ‬ ‫وقال قتادة‪" :‬بغَ َ‬
‫ونِعمتهم"‪.‬‬

‫والركو َن إلى الدنيا‬ ‫ف ‪ُّ ،‬‬ ‫التر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تغتروا ِ‬


‫القوم الفاسقون ‪ ،‬وحاذروا َ‬ ‫يغتر إال ُ‬ ‫باهلل ‪ ،‬إنه ال ُّ‬ ‫فال ُّ‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫األمم السابقةـ ‪ ،‬وهو ما َّ‬
‫حذ َر ُّ‬ ‫أهلك َـ‬ ‫والتسابُ َـق فيها؛ فإنه الداءُ الذي َ‬
‫فتنة الدنيا والتسابُقـ فيها ‪ ،‬فقال‪َ " :‬ف َواللَّ ِه َما الْ َف ْق َـر‬ ‫حذرها من ِ‬
‫وسلم ‪ -‬أمتَه منه ‪ ،‬حين َّ َ‬
‫ت َعلَى َم ْن َكا َن َق ْبلَ ُك ْم ‪،‬‬ ‫الد ْنيَاـ َعلَْي ُك ْم َك َما بُ ِسطَ ْ‬
‫ط ُّ‬ ‫سَ‬ ‫شىـ َأ ْن ُت ْب َ‬‫شىـ َعلَْي ُك ْم ‪َ ،‬ولَ ِكنِّي َأ ْخ َ‬
‫َأ ْخ َ‬
‫وها َفُت ْهلِ َك ُك ْـم َك َما َْأهلَ َك ْت ُه ْـم " ؛ متفق عليه‪.‬‬
‫س َ‬ ‫وها َك َما َتنَافَ ُ‬
‫س َ‬ ‫َفَتنَافَ ُ‬
‫اف َعلَْي ُك ْم َب ْع ِدي َما ُي ْفتَ ُح َعلَْي ُك ْم ِم ْن َز ْه َر ِة ُّ‬
‫الد ْنيَاـ َو ِزينَتِ َها " ؛ متفق عليه‪.‬‬ ‫وقال‪ِ " :‬إ َّن ِم َّما َ‬
‫َأخ ُ‬

‫المؤدِّية إليها‬ ‫ِ‬ ‫ومن ِ‬


‫انتشار الفواحش والزنا ‪ ،‬وأسبابـ ال ُفسوق ُ‬ ‫ُ‬ ‫أعظم أسبابـ العقوباتـ العامة‪:‬ـ‬
‫س ُقواْ فِ َيها فَ َح َّق‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬وِإ َذا ََأر ْدنَا َأن ُّن ْهلِ َ‬
‫ك َق ْريَةً ََأم ْرنَا ُم ْت َرف َيها َف َف َ‬
‫‪677‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪491‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬لَ ْم تَظ َْه ِر‬ ‫اهاـ تَ ْد ِم ًيرا (‪﴾ )16‬‬
‫‪678‬‬
‫َعلَْي َها الْ َق ْو ُل فَ َد َّم ْرنَ َ‬
‫اح ِ ٍ‬
‫ت‬
‫ض ْ‬ ‫اَأْلو َجاعُ الَّتِي لَ ْم تَ ُك ْن َم َ‬ ‫ط‪ ،‬حتَّى يعلِنُوا بِها‪ِ ،‬إاَّل فَ َ ِ‬
‫شا في ِه ُم الطَّاعُو ُن‪َ ،‬و ْ‬ ‫َ‬ ‫شةُـ في َق ْوم قَ ُّ َ ُ ْ‬ ‫الْ َف ِ َ‬
‫وصححه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫والحاكم‬ ‫ضوا " ؛ أخرجهـ ابن ماجهـ ‪،‬‬ ‫ين َم َ‬ ‫فِي َأساَل فِ ِهم ِ‬
‫الذ َـ‬
‫ُ‬ ‫ْ ْ‬

‫أسباب غضبه‬
‫َ‬ ‫غضب الجبَّار ‪ ،‬وتوقَّوا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وحاذرواـ‬ ‫فحافِظوا على أمنِكم ‪ -‬أيها المؤمنون ‪، -‬‬
‫لعلكمـ تت ُقون‪.‬‬

‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ونفعنا بما فيه من اآلياتـ والذك ِـر الحكيم ‪ ،‬أقول‬
‫َ‬
‫قولي هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫والشكر له على توفيقه وامتِنانهـ ‪ ،‬وأشهد أن إله إال اهلل وحده ال‬
‫ُـ‬ ‫الحمد هلل على إحسانه ‪،‬‬
‫شريك له تعظيما لشأنهـ ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ِ‬
‫الداعي إلى ِرضوانه ‪ ،‬صلَّى اهلل‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫بإحسان‪.‬‬ ‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وأصحابِ ِه ومن تبِ َعهمـ‬
‫وسلَّم َ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫الذنوب‬ ‫ِ‬
‫الشرك باهلل‪ :‬هو‬ ‫كل أسبابـ العقوباتـ العامةـ بعد‬ ‫ترج ُع إليه ُّ‬ ‫والسبب الذي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أنواعا من الفسادـ في‬ ‫األرض ً‬ ‫ِ‬ ‫ث في‬ ‫الن َقم ‪ ،‬وتُ ِ‬
‫حد ُ‬ ‫ِّعم ‪ ،‬وتُ ِح ُّل ِّ‬ ‫ِ‬
‫زيل الن َ‬
‫والمعاصي؛ـ فهي التي تُ ُ‬
‫والزروع والثِّما ِر ‪ ،‬والمساكِن واألرزاق ‪ ،‬واألم ِـن وسائ ِـر األحوالـ ‪ ،‬قال‬ ‫ِ‬ ‫الماء والهواء ‪،‬‬
‫ض الَّ ِذيـ َع ِملُوا‬ ‫ت َأي ِديـ الن ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعالى‪:‬ـ ﴿ ظَهر الْ َفس ُـ ِ‬
‫َّاس ليُذي َق ُهم َب ْع َ‬ ‫سبَ ْ ْ‬‫اد في الَْب ِّر َوالْبَ ْح ِر ب َما َك َ‬ ‫ََ َ‬

‫‪678‬‬
‫سورة اإلسرائ‬
‫‪492‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ِجعُون (‪ ، 679﴾ )41‬وقال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ :-‬ألَ ْم َي َر ْواْ َك ْم َْأهلَ ْكنَا ِمن َق ْبلِ ِهم ِّمن‬
‫ض َما لَ ْم نُ َم ِّكن لَّ ُك ْم َو َْأر َسلْنَا َّ‬
‫الس َماء َعلَْي ِهم ِّم ْد َر ًارا َو َج َعلْنَا اَألْن َه َار‬ ‫اَألر ِ‬ ‫َقر ٍن َّم َّكن ِ‬
‫َّاه ْم في ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫آخ ِرين (‪ 680﴾ )6‬وقال ‪-‬‬ ‫شْأنَاـ ِمن َب ْع ِد ِه ْـم َق ْرنًا َ‬ ‫ِ‬
‫تَ ْج ِري من تَ ْحتِ ِه ْم فَ َْأهلَ ْكنَ ُ‬
‫اهمـ بِ ُذنُوبِ ِه ْم َوَأنْ َ‬
‫َأصابَ ُكم ِّمن‬ ‫قائل ‪َ ﴿ :-‬و َما َ‬ ‫عز من ٍ‬ ‫َأخ ْذنَاـ بِ َذنبِ ِه (‪ 681﴾ )40‬وقال ‪َّ -‬‬ ‫سبحانه ‪ ﴿ :-‬فَ ُكالًّ َ‬
‫ت َأيْ ِدي ُك ْـم َو َي ْع ُفو َعن َكثِير (‪. 682﴾ )30‬‬ ‫سبَ ْ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫ُّمصيبَة فَب َما َك َ‬
‫ِ‬
‫بالتوبة‬ ‫والباطنة ‪ِ ،‬‬
‫فبادروا‬ ‫ِ‬ ‫العامرة ‪ ،‬وسلب للنِّعم ِ‬
‫الظاهرة‬ ‫وما المعاصي إال خراب للديا ِر ِ‬
‫ٌ َ‬ ‫ٌ‬
‫العذاب ‪َ ﴿ ،‬و َما َكا َن اللّهُ لُِي َع ِّذ َب ُه ْـم َو َ‬
‫َأنت فِي ِه ْم َو َما َكا َن اللّهُ‬ ‫ِـ‬ ‫واالستِغفار؛ فذلك أما ٌن من‬
‫لرحمة اهلل ولُطفه ﴿ لَ ْوالَ‬ ‫ِ‬ ‫سبب‬ ‫ِ‬ ‫‪683‬‬
‫ُم َع ِّذ َب ُه ْـم َو ُه ْم يَ ْسَت ْغ ِف ُرون (‪﴾ )33‬‬
‫غفار ٌ‬ ‫االست ُ‬
‫تَ ْسَتغْ ِف ُرو َن اللَّهَ لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمون (‪. 684﴾ )46‬‬

‫َأن َْأهل الْ ُقرى آمنُواْ و َّات َقواْ لََفتَ ْحنَا َعلَْي ِهم بر َك ٍ‬
‫ات ِّم َن‬ ‫ََ‬ ‫وكذا اإليما ُن والتقوى ‪َ ﴿ ،‬ولَ ْو َّ َ َ َ َ‬
‫سنن اهلل ال تُحابِي‪.‬ـ‬
‫َ‬ ‫فإن‬ ‫لوا‬ ‫َّ‬
‫بد‬ ‫أو‬ ‫العباد‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ي‬
‫َّ‬ ‫غ‬ ‫إذا‬ ‫أما‬ ‫‪685‬‬
‫اَألر ِ‬
‫ض (‪﴾ )96‬‬ ‫الس َماء َو ْ‬
‫َّ‬

‫وتحول عافيتِك ‪ ،‬وفُجاءة نِقمتك ‪ ،‬وجمي ِع‬


‫ُّ‬ ‫اللهم إنا نعوذُ بك من ِ‬
‫زوال نعمتك ‪،‬‬
‫س َخطك‪.‬‬

‫صل وسلِّم وبا ِرك على‬


‫المجتبى ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على النبي ُ‬
‫المصطفى والرسولـ ُ‬
‫ارض‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬اللهم َ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن‬
‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫الراشدين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬ ‫عن األئمة المهديين ‪ ،‬والخلفاء‬
‫نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫صحابة نبيِّك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على ِ‬ ‫سائر‬
‫َ‬
‫‪679‬‬
‫سورة الروم‬
‫‪680‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪681‬‬
‫سورة العنكبوت‬
‫‪682‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪683‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪684‬‬
‫سورة النمل‬
‫‪685‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪493‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬


‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نح ِره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬ ‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح َّ‬
‫إمامناـ َّ‬
‫أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫وحد به كلمةَ‬ ‫وفِّقه ُلهداك ‪ ،‬واجعل عملَه في ِرضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةَـ الصالحةَ ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫ولي عهده وسدِّده ِ‬
‫وأع ْنه على ما ُح ِّمل ‪،‬‬ ‫لواء الدينـ ‪ ،‬اللهم وفِّق َّ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬
‫وصالح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫واجعله ُمبار ًكا ُم َّ‬
‫وف ًقا لكل خي ٍر‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫اللهم ادفع عنا الغال والوبا ‪ ،‬والرباـ والزنا ‪ ،‬والزالزل ِ‬
‫والم َحن ‪ ،‬وسوء الفتن ما ظهر منها‬
‫وما بَطَن‪.‬‬

‫الحق والهدى ‪ ،‬اللهم‬


‫اجمعهمـ على ِّ‬ ‫ِ‬
‫اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضهم‪.‬‬ ‫وس َّد َخلَّتهم ‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهم ‪ ،‬واح َفظ أعرا َ‬ ‫احقن دماءهمـ ‪ ،‬وآمن روعاتهم ‪ُ ،‬‬

‫ك‪.‬‬ ‫اللهم عليك بالطُّغاةـ الظالمين ‪ ،‬اللهم عليك بهم فإنهمـ ال ي ِ‬


‫عجزونَ َ‬‫ُ‬
‫واحقنـ دماءهم ‪ِ ،‬‬
‫وآمن روعاتهم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اللهم ُكن إلخوانناـ في ُسورية ‪ ،‬اللهمـ أصلِح أحوالَهمـ ‪،‬‬
‫حي يا قيُّوم ‪ ،‬يا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬
‫يا ُّ‬

‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪.‬‬

‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬واجمعهم على الحق يا رب العالمين‬ ‫الم َ‬ ‫اللهم انصر ُ‬
‫ِ‬
‫بأعداء الدينـ فإنهمـ ال‬ ‫المحتلِّين ‪ ،‬اللهم عليك‬
‫‪ ،‬اللهم انصرهمـ في فلسطين على الصهاينةـ ُ‬
‫ك‪.‬‬ ‫عجزونَكـ ‪ ،‬اللهمـ عليك بالطُّغاة والظالمين ‪ ،‬اللهم عليك بهم فإنهم ال ي ِ‬
‫عجزونَ َ‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫‪494‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اب النَّا ِر (‪. 686﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬

‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬


‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك‬

‫ونتوب إليه ‪ ،‬اللهم‬ ‫وم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫الحي القيُّ َ‬
‫نستغف ُـر اهللَ الذي ال إله إال هو َّ‬ ‫نستغفر اهلل ‪،‬‬ ‫نستغف ُر اهلل ‪،‬‬
‫الغيث وال تجعلنا من‬‫أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغني ونحن الفقراء ‪ ،‬أن ِزل علينا َ‬
‫سحا طب ًقا ُمجلِّالً ًّ‬
‫عاما‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬ ‫القانِطين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫وتسقي به العباد ‪ ،‬وتجعلُه بالغًا للحاض ِر ِ‬
‫والباد‪.‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫ضار ‪ ،‬تُحيِي به البالد ‪،‬‬
‫غير ٍّ‬
‫نافعا َ‬‫ً‬
‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬ال ُسقياـ‬
‫ٍ‬
‫هدم وال غرق‪.‬‬

‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬

‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪686‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪495‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬الشام ‪ ..‬فضلها وتاريخها‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثاني من ربيع اآلخرـ من عام ‪ 1433‬هـ‬

‫‪ -‬الشام ‪ ..‬فضلها وتاريخها ‪-‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪:‬‬
‫تحدث فيها عن الشام وفضلها من الكتابـ والسنة ‪،‬‬ ‫"الشام ‪ ..‬فضلها وتاريخها" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫أشاد بصب ِر وجلَد أهلِها على ِّ‬
‫مر العصور ‪ ،‬ونبَّه إلىـ‬ ‫بعض الدالئلـ النبوية عنها ‪ ،‬ثم َ‬
‫وذكر َ‬
‫َ‬
‫بعض فضائل الصبر‪.‬‬
‫ِّداـ َ‬‫ضرورة التحلِّي بالصبر على هذا االبتالء ُمعد ً‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫أدل عليها ثم‬‫ول َّ‬ ‫ول بأمره األحوالـ ‪ ،‬يُداِ ُل األيام فكم من ُد ٍ‬ ‫تح ُ‬
‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي ُ‬
‫أدال ‪ ،‬وكم من ُز ٍ‬
‫ومل ُكهاـ زال ‪ ،‬أحم ُد‬ ‫لود ُسلطانهاـ فزلَّت ثم زالَت ُ‬
‫مرة تسلطَنَت وظنَّت ُخ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وأستغف ُرهـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬ ‫وأتوب إليه‬ ‫ربي ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وُأثنِي عليه وأش ُك ُرهـ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المتعالـ ‪ ،‬يُم ِه ُل من غي ِر إهمالـ ‪ ،‬وهو شدي ُـد المحال ُ‬
‫عظيم النَّ َكال ‪ ،‬وأشهد أن‬ ‫الكبير ُ‬
‫ُـ‬

‫‪496‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وبارك عليه وصلَّى على‬


‫وأتم الرجال ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬ ‫ِ‬
‫الرسل ُّ‬ ‫أكرم‬
‫ُ‬ ‫محم ًدا عب ُده ورسوله ‪،‬‬
‫ِ‬
‫الصحب واآلل‪.‬ـ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫وشر‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َّ ، -‬‬ ‫ٍ‬ ‫هدي‬ ‫ِـ‬ ‫ِ‬
‫الهدي ُ‬ ‫وخير‬
‫َ‬ ‫كتاب اهلل ‪،‬‬ ‫خير الحديث ُ‬ ‫فإن َ‬
‫بدعة ضاللة‪.‬‬ ‫وكل ٍ‬ ‫َّ‬ ‫حدثة بدعة ‪،‬‬ ‫وكل م ٍ‬ ‫األمور ُمحدثاتُها ‪،‬‬
‫َّ ُ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َوقُولُوا َق ْوالً‬ ‫ين َ‬ ‫خير الوصايا‪ :‬الوصيةُ بتقوى اهلل تعالى ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬ ‫ثم إن َ‬
‫صلِ ْح لَ ُك ْـم َأ ْع َمالَ ُك ْـم َو َيغْ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َمن يُ ِط ْع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا‬ ‫ِ‬
‫َسدي ًداـ (‪ )70‬يُ ْ‬
‫يما (‪. 687﴾ )71‬‬ ‫ِ‬
‫َعظ ً‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫بشرا ‪ ،‬ثم‬ ‫بالدا وذرَأ فيها ً‬ ‫الخلق على الخليقة ‪ ،‬جعل فيها ً‬ ‫ِ‬ ‫األرض وأجرى ي َد‬
‫َ‬ ‫حين دحا اهلل‬
‫ار (‬ ‫شاءُ َويَ ْختَ ُ‬
‫ك يَ ْخلُ ُق َما يَ َ‬ ‫بشرا ‪َ ﴿ ،‬و َربُّ َ‬
‫بالدا ‪ ،‬ومن البشر ً‬ ‫اصطفى اهلل من هذه البالد ً‬
‫بالد الشام‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪688‬‬
‫شاماـ منها ُ‬ ‫فكانت مكةُ والمشاع ُر وطَيبةُ الطيبة ‪ ،‬وكان ً‬ ‫‪﴾ )68‬‬
‫أرضها‬
‫وافرا منهم ‪ ،‬فجعل َ‬ ‫ًّ‬
‫ور ُسله ‪ ،‬وقضى لبالد الشام حظا ً‬ ‫أنبياءه ُ‬
‫واصطفى اهلل من البشر َ‬
‫يبعث اهللُ‬
‫شر ‪ ،‬وحين ُ‬ ‫ش ِر والن َ‬ ‫أرض المح َ‬ ‫تنز َل الوح ِـي من السماء ‪ ،‬هي ُ‬ ‫وم َّ‬
‫مدرج األنبياء ‪ُ ،‬‬‫َ‬
‫ينزل إال فيها ‪ ،‬عند المنارة البيضاء شرقِ ّي دمشق؛ رواه‬ ‫ابن مريم في آخر الزمان ال ُ‬ ‫المسيح َ‬
‫َ‬
‫مسلم‪.‬‬
‫بنص الكتابـ‬ ‫بار َكها اهلل ِّ‬ ‫ِ‬
‫طُوبَى للشام! مالئكةُـ الرحمن باسطةٌ أجنحتَها عليها ‪ ،‬إنها بال ٌد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والسنة؛ فهي ظ ُئر اإلسالم وحاضنَتُه ‪ ،‬وعاصمتُه حينًا من الدهرـ ‪ُ ،‬سطَِّرت على أرضها ٌ‬
‫كثير‬
‫المسلمين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫من دواوين اإلسالم ‪ِ ُ ،‬‬
‫ودفن فيها جموعٌ من الصحابة ومن ُعلماء ُ‬
‫وسال على دفاتِ ِرها‬ ‫َـ‬ ‫ذرفَت على ثراها عيو ُن العُبَّاد ‪ ،‬وعُ ِق َدت في أفياِئهاـ أل ِويَةُ الجهاد ‪،‬‬ ‫كم َ‬
‫كم‬
‫الح َـ‬ ‫ِ‬
‫وتداو َـل ُ‬‫َ‬ ‫وأخيارا وأصفياء ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وجرت على ثراهاـ دماءُ الشهداء‪:‬ـ صحابةً‬ ‫بالعلوم مداد ‪َ ،‬‬
‫وللع ِّز ِع ًّزا‪.‬‬
‫للمجد مج ًدا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ملوك وسالطين ‪ ،‬أضافوا‬ ‫فيها ٌ‬

‫‪687‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪688‬‬
‫سورة القصص‬
‫‪497‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الجند فيها‬
‫أعداد ُ‬
‫ُ‬ ‫ب‬
‫قار َ‬
‫حمالت صليبيةٌ تقاطََرتـ عليها مائتي عام ‪َ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُك ِس َرت على ُرباهاـ‬
‫ُس َّكا َن بالد الشام كلِّها‪.‬‬
‫والفتوح ذُكِ َرت الشام‬
‫ُ‬ ‫والفضل‬
‫ُ‬ ‫العلم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حضارات اإلسالم ذُك َرت الشام ‪ ،‬وإذا ذُكر ُ‬
‫ُ‬ ‫إذا عُ َّدت‬
‫بالدا‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ً -‬‬ ‫زار ُّ‬ ‫ِئ‬
‫أرض األنبياء ‪ ،‬ومو ُل األصفياء ‪ ،‬وما َ‬
‫‪ ،‬هي ُ‬
‫خارج الجزيرة إال بالد الشام‪.‬‬ ‫َ‬
‫ومجمع راياتهم‬
‫ُ‬ ‫المسلمين‬
‫الملح َمةُ ال ُكبرى يكو ُن فُسطاط ُ‬
‫َ‬ ‫وفي آخر الزمان عندما تكون‬
‫الناس ٍ‬
‫يومئذ؛ كما أخرجه‬ ‫خير مساكن ِ‬ ‫ِ‬
‫بأرض الغُوطَة فيها مدينةٌ يُقال لها‪ :‬دمشق ‪ ،‬هي ُ‬
‫الطبرانيـ من قول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫دعاء النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬اللَّ ُه َّم‬ ‫أدرك الصحابةُ ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪َ -‬‬ ‫ولقد َ‬
‫بَا ِر ْك لَنَا فِي َش ِامنَا ‪ ،‬اللَّ ُه َّم بَا ِر ْك لَنَا فِي َش ِامنَا " ؛ رواه البخاري‪.‬‬
‫ال طَاِئَفةٌـ ِم ْن‬
‫الش ِام فَال َخ ْي َر فِي ُك ْم ‪ ،‬ال َت َز ُ‬
‫س َد َْأه ُل َّ‬ ‫ِإ‬
‫وقوله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬ذا فَ َ‬
‫اعةُـ " ؛ رواه الترمذي‪.‬ـ‬ ‫الس َ‬
‫وم َّ‬ ‫ورةً َعلَى الن ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ُّر ُه ْم َم ْن َخ َذلَ ُه ْم َحتَّى َت ُق َ‬
‫َّاس ‪ ،‬ال يَ ُ‬ ‫ص َ‬‫َُّأمتي َم ْن ُ‬
‫توج َهت قلوبُهم إلى األرض‬ ‫فلم يلبَثُوا بعد رحيله ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إال قليالً ‪ ،‬حتى َّ‬
‫ورفرفَت في‬ ‫َ‬ ‫رسول اهلل ‪ ،‬فخ َف َقت إليها بيا ِر ُق النصر ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ووصى بها‬
‫َّ‬ ‫بار َكها اهلل ‪،‬‬
‫التي َ‬
‫روابيها أل ِويةُ الجهاد ‪ ،‬وسطِّرت ِ‬
‫داءه على الشام ‪ ،‬تُزجيه‬ ‫اإلسالم ِر َ‬
‫ُ‬ ‫ونشر‬
‫َ‬ ‫مالم ُح من نو ٍر ‪،‬‬ ‫ُ َ‬
‫وشرحبيلـ بن حسنة ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الجراح ‪،‬‬ ‫طالئع اإليمان ‪َّ ،‬‬
‫يتقد ُمهمـ خال ُد بن الوليد ‪ ،‬وأبو ُعبيدة بن َّ‬ ‫ُ‬
‫اَألزور ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫رار بن َ‬ ‫وعمرو بن العاصـ ‪ ،‬ويزي ُد بن أبيـ سفيان ‪ ،‬وال َقعقاعُ بن عمرو ‪ ،‬وض ُ‬
‫ِ‬
‫رام‪.‬ـ‬
‫الصحب الك ُ‬
‫ُ‬ ‫صحابي منهم مائةٌـ ممن ش ِه َد ً‬
‫بدرا ‪ ،‬وتوالَى عليها‬ ‫ٍّ‬ ‫ألف‬
‫وفيهم ُ‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫َ‬ ‫قال الولي ُد بن مسلم‪" :‬دخلت الشام عشرةُ ِ‬
‫آالف عي ٍن رَأت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وسلم ‪."-‬‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫اختارها ُّ‬ ‫رو؛ فقد َ‬ ‫عيو ٌن بعد طُهر المدينة ترى نظر َة الشام ‪ ،‬وال غَ َ‬
‫ص من أصحابه؛ قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬‬ ‫ووصى بها ال ُخلَّ َ‬ ‫َّ‬ ‫وسلم ‪ -‬ألصحابه ‪،‬‬
‫الش ِام ‪ ،‬وج ْن ٌد بِالْيم ِن ‪ ،‬وج ْن ٌد بِال ِْعر ِ‬ ‫سي ِ‬
‫اق " ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ََ َ ُ‬ ‫اَأْلم ُر ِإلَى َأ ْن تَ ُكونوا ُجنُو ٌد ُم َجنَّ َدةٌ ‪ُ ،‬ج ْن ٌد بِ َّ َ ُ‬‫ص ُير ْ‬ ‫ََ‬
‫الش ِام ‪ ،‬فَِإ نَّهُ ِخ َيرةُ‬
‫ك بِ َّ‬ ‫ال‪َ « :‬علَْي َ‬‫اك ‪ ،‬قَ َ‬
‫ت ذَ َ‬ ‫ال ابْ ُن َح َوالَةَ ‪ِ :‬خ ْر لِي يَا َر ُس َ‬
‫ول اللَّ ِه ِإ ْن َأ ْد َر ْك ُ‬ ‫َف َق َـ‬

‫‪498‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اس ُقوا ِم ْن غُ ُد ِر ُك ْم‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِِ‬


‫اللَّه م ْن َْأرضه ‪ ،‬يَ ْجتَبِي ِإلَْيه خ َيرتَهُ م ْن عبَاده ‪ ،‬فَِإ ْن ََأب ْيتُ ْم َف َعلَْي ُك ْم بِيَ َمنِ ُك ْم ‪َ ،‬و ْ‬
‫ِِ‬
‫الش ِام َو َْأهلِ ِه " ؛ أخرجه اإلمام أحمد ‪ ،‬وأبو داود‪.‬‬ ‫‪ ،‬فَِإ َّن اللَّهَ َع َّز َو َج َّل قَ ْد َت َو َّك َل لِي بِ َّ‬
‫وأعدل ملوك اإلسالم ‪،‬‬ ‫ممالك اإلسالم‬ ‫ِ‬ ‫أول‬
‫قامت فيها ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الشام عاصمةَ اإلسالم ‪َ ،‬‬ ‫وصارت ُ‬ ‫َ‬
‫نور العلم ‪ ،‬وبُ ِسط فيها ِرداءُ العدلـ ‪ ،‬ونُ ِش َرت فيها قِيَ ُم الحق والحرية ‪ ،‬وسطَّر‬ ‫شع منها ُ‬ ‫َّ‬
‫التعامل مع اآلخرين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المسلمون هنالك َ ِ‬
‫أروع األمثلة في ُحسن الجوار ‪ ،‬وكرم ُ‬ ‫ُ‬
‫الناس في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المسلمون ألهلـ األديان ذ َممهم ‪ ،‬وتر ُكوا لهم مذاهبَهمـ ومعاب َدهم ‪ ،‬فعاش ُ‬ ‫ظ ُ‬ ‫وحف َ‬
‫شها ‪،‬‬ ‫الشام بركةُ العدلـ ‪ ،‬فرغَ َد عي ُ‬ ‫تسالُ ٍم ٍ‬
‫ومعت َقدهمـ ‪ ،‬ونالَت َ‬ ‫أحرارا في أرضهم ُ‬ ‫ً‬ ‫وأمان ‪،‬‬
‫الحب على‬ ‫َّ‬ ‫بن عبد العزيز وهو ُمتربِّ ٌع على عرشها‪ " :‬انثُروا‬ ‫مر ُ‬ ‫وو َف َر ِرزقُها ‪ ،‬حتى قال عُ ُ‬
‫المسلمين "‪.‬‬ ‫رؤوس ِ‬
‫طير في بالد ُ‬ ‫جاع ٌ‬ ‫الجبال حتى ال يُقال‪َ :‬‬
‫السائلـ‬
‫ُ‬ ‫صار‬
‫وانتصر ‪ ،‬حتى َ‬ ‫َ‬ ‫نور اإلسالم‬ ‫يوش التَّتَر ‪ ،‬وعال فيها ُ‬ ‫وتكس َرتـ على ُرباهاـ ُج ُ‬ ‫َّ‬
‫قام بالشام لظهور اإلسالم بها أفضل أم َّ‬
‫بمكة‬ ‫الم ُ‬ ‫ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪" :-‬هل ُ‬ ‫يسأل َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫والمدينة؟"‪.‬‬
‫وظهر على األمر فيها َمن بظهو ِره َ‬
‫استحالَت حالُها؛ فما‬ ‫َ‬ ‫هر ‪ ،‬ودالَت األيام ‪،‬‬ ‫ضى َّ‬
‫الد ُـ‬ ‫ثم م َ‬
‫وترح َل‬
‫َّ‬ ‫العيش ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫زهرها ‪ ،‬وضا َق بأهلها‬
‫صو َح نبتُها ‪ ،‬وذَبَ َل ُ‬
‫تعهدـ ‪َّ ،‬‬ ‫ِـ‬
‫بالشام التيـ َ‬ ‫الشام‬
‫ُ‬
‫ِِ‬
‫زءا من أراضيها ‪ ،‬وما زال في أرض الشام العُلماءُ‬ ‫األمن من مرابعهاـ ‪ ،‬واقتطَ َع األعادي ُج ً‬
‫ُ‬
‫تفرقوا عن أوطانهم مطرودينـ ‪ ،‬تُ ِ‬
‫الح ُقهمـ ي ُد‬ ‫تفر َق في الديار؛ـ َّ‬‫والصالِحون ‪ ،‬ومنهم من َّ‬
‫أكثر ما يكونون شفقةً على أهلهم وديا ِرهمـ‬
‫تفيض بالدم ِع ‪ ،‬والغُرباءُ ُ‬ ‫ِ‬
‫الظلم والبَغ ِـي ‪ ،‬عيُونُهم ُ‬
‫ذكريات و ُشجو ٌن ‪،‬‬
‫ٌـ‬ ‫‪ ،‬وهم َيرون في الشاشاتـ أماكن يع ِرفونها من بالدهم ‪ ،‬لهم فيها‬
‫وتدكها المدافِع‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫تقص ُفها الطاِئرات ‪،‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫للمتأخِّرينـ ‪،‬‬
‫المسلمين ُ‬ ‫الشام ت ِركةُ الفاتحين من الصحابةـ والتابعين ‪ ،‬ووديعةُ ُ‬
‫المتقدِّمينـ من ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صبرهم إلىـ‬
‫عسى ُ‬‫تاري ُخها ُمل ِهم ‪ ،‬وحاض ُرها ُمؤلم ‪ ،‬وأهلُها لهم في الصبر حكاياـ تطُول َ‬
‫خي ٍر يَؤول‪.‬‬
‫رح ْينـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لنقف على ُج َ‬
‫التاريخ القديمـ ُ‬
‫ُ‬ ‫نستحض ُر فيه ذلك المجد وذلك‬ ‫الوقت الذي‬ ‫وإننا في‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫طب ‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫رح ْين َر ٌ‬ ‫غا َريْن في بالد الشام ‪ ،‬دميَا فاعتلَّت بنزفهما األمةُـ ‪ ،‬كال ُ‬
‫الج َ‬
‫‪499‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫دوب هنا وهناك ‪،‬‬


‫رح ُسوريا ‪ ،‬وبينهما نُ ٌ‬ ‫ِ‬
‫وج ُ‬
‫رح فلسطين ‪ُ ،‬‬
‫تعمل المناج ُل فيهما عملَها‪ُ :‬ج ُ‬
‫ُ‬
‫تمحيص وابتِ ٍ‬
‫الء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أيام‬
‫وهي ُ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫غدر‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يتجاو َز مذاب َح القيَم في شامناـ الحبيب وهو يرى َ‬ ‫يستطيع إنسا ٌن في هذه األيام أن َ‬
‫ُ‬ ‫كيف‬
‫ومكتسباتُه تُوظَّ ُ‬
‫ف‬ ‫القريب ‪ ،‬و ُخذالن البعيد ‪ِ ،‬‬
‫وخيانةَ الراعيـ للرعيَّة ‪ُ ،‬م َّ‬
‫رات الشعب ُ‬‫قد ُـ‬
‫ذبحا‬ ‫ِ‬ ‫يدفع به غاِئلَةَ الع ُد ِّو عاد على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشعب ً‬ ‫أوداج‬
‫ِ‬ ‫الحه الذي ُ‬
‫لسحقه وإذالله ‪ ،‬وس ُ‬
‫المستور ‪ ،‬وترنَّ َحت‬
‫ُ‬ ‫يوما ‪ ،‬لقد ُك ِشف‬ ‫ِ ٍ‬
‫سح ُق األمةُـ لمصلحة أفراد ما بالَوا بها ً‬
‫وتقطيعا ‪ ،‬تُ َ‬
‫ً‬
‫أرحم أحيانًاـ من العدو الذي في داخل‬
‫الحدود ُ‬
‫العدو الذيـ وراء ُ‬
‫الشعاراتـ ‪ ،‬وتبيَّن أن َّ‬
‫الحدود‪.‬‬
‫ُ‬
‫صواريخ الغدرـ حجارةَ منازلهم ‪ ،‬وتشظَّت‬ ‫الحجر ‪َ ،‬نث َرت‬ ‫وأطفال لم ِ‬
‫يحملوا حتى‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫نساءٌ‬
‫كام المنازل مقبور ‪ ،‬في‬ ‫واألجسام تحت ر ِ‬
‫َ‬ ‫األذرع مبتورة ‪،‬‬
‫أجسادهم ‪ ،‬ترى ُ‬‫ُ‬ ‫الركام‬
‫تحت ُّ‬
‫ُ‬
‫يم ِة‬ ‫وتجر ِد أفعالهمـ من ِّ‬ ‫خواء ِ‬‫صو ٍر تُنبِ عن مقدار ِ‬
‫الش َ‬ ‫ُّ‬ ‫والمثُل ‪،‬‬
‫نفوس ُمرتكبيهاـ من اإلنسانيةـ ُ‬ ‫ُئ‬ ‫ُ‬
‫عدو ظاه ٍر؛ بل على ِ‬
‫يد‬ ‫جريَان دجلة وال ُفرات ‪ ،‬ليس على ٍّ‬ ‫جرت دماءُ الشاميين َ‬‫والن ُّْب ِل ‪َ ،‬‬
‫الم ِّبررات‪.‬‬ ‫راسة العرب على ٍ‬ ‫وح ِـ‬‫بعث العروبةـ ِ‬
‫م َّد ِعي ِ‬
‫تست ُره ُ‬
‫يحتمل العُذر وال ُ‬
‫ُ‬ ‫وجه ال‬ ‫ُ‬
‫أيهاـ الشاميُّون الكرام‪:‬ـ‬
‫تتقووا‬
‫خر للعربـ ‪ ،‬فال َّ‬ ‫سالحكمـ له كرامةٌ ‪ ،‬فال يدنَّس بالن ِ ِ‬
‫َّيل به من إخوانكم ‪ ،‬وقوتُكمـ ذُ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذر لكم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بها على أهلِيكم ‪،‬‬
‫سالحكم ألهلكمـ حاميًا ‪ ،‬وعن أرضكم ُمداف ًعاـ ‪ ،‬ال عُ َ‬ ‫واجعلوا َ‬ ‫َ‬
‫بعض ‪﴿ ،‬‬ ‫بأس ٍ‬ ‫ِ‬
‫ذيق بعضكم َ‬ ‫صدروكم ‪ ،‬ويُ َـ‬ ‫والتاريخ أن تعود فَوهات البنادق على ُ‬ ‫ِ‬ ‫أمام اهلل‬
‫ب اللَّهُ َعلَْي ِه َولَ َعنَهُ َو َ‬
‫َأع َّد لَهُ َع َذابًا‬ ‫ِ‬ ‫ومن ي ْقتُل مْؤ ِمنًا مَتع ِّم ًدا فَجزاُؤ هُ جهن ِ ِ‬
‫َّم َخال ًدا ف َيها َوغَض َ‬
‫ََ ََ ُ‬ ‫ََ ْ َ ْ ُ ُ َ‬
‫واستعينوا باهلل واصبِروا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واجمعوا الكلمةـ ‪،‬‬ ‫وحدوا الصفوف ‪،‬‬ ‫‪689‬‬
‫يما (‪﴾ )93‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َعظ ً‬
‫عباد اهلل‪:‬‬

‫‪689‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪500‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫التنادي لنُصرة أهلها ودف ِع البَغ ِـي‬ ‫إن فضل الشام وكونَها ثغر اإلسالم يحتِّم على المسلمين ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صالح الشام‬
‫َ‬ ‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫عنهم ‪ ،‬ورف ِع الض َّْي ِم عنهم ‪ ،‬ولقد جعل ُّ‬
‫المسلمين ‪ -‬أن يدفَعوا بما‬ ‫عيارا لصالح ِـ‬ ‫ِ‬
‫كل ُ‬ ‫المسلمين ‪ِّ -‬‬ ‫ِّم على ُ‬ ‫األمة كلها ‪ ،‬مما يُحت ُ‬ ‫م ً‬
‫وعلم‬ ‫ِ‬
‫غي َر ي ُد الفساد وجهَ الشام الجميل ‪ ،‬وتبقى كما تاري ُخها إيما ٌن ٌ‬ ‫استَطاعوا لكي ال تُ ِّ‬
‫وفاء للصحابة‬ ‫بشر؛ ً‬ ‫روعُ فيها ٌ‬ ‫طير كما أراد عُمر ‪ ،‬وال يُ َّ‬ ‫يجوعُ فيها ٌ‬ ‫ونور ‪ ،‬ال ُ‬ ‫وحضارةٌ ٌ‬
‫ياما‬ ‫ِ‬ ‫توسدوا َثرى ِ‬ ‫ِ‬
‫الشام في َرقدة الدنيا األخيرةـ ‪ ،‬وق ً‬ ‫َ‬ ‫األماجدـ الذين َّ‬ ‫الفاتحين ‪ ،‬والعُلماء‬
‫والمسلمين‪.‬‬ ‫ِّ ِ‬
‫العرب ُ‬‫َ‬ ‫فاء ما وهبَْته‬
‫بحقها ك َ‬
‫خادم الحرمين الشريفين من‬ ‫صوت ِ‬ ‫ُ‬ ‫وارتفع‬
‫َ‬ ‫ولقد نادى العُقالءُ الغيورون على مصالِ ِح األمة ‪،‬‬
‫المصالح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتقديم‬ ‫والحكمة والعقلـ ‪،‬‬ ‫والمنطق ِ‬
‫ِ‬ ‫الحق والعدل ‪،‬‬ ‫نادي بتحكيم ِّ‬ ‫أول ٍ‬
‫ساعة ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫لدماء المسلمين ‪ِ ،‬‬ ‫الشخصية حقنا ِ‬
‫صفهم‬ ‫وحفظًا َلوحدة ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ً‬ ‫المصالح‬
‫ِ‬ ‫العامة العُليا على‬
‫مواقف الدينـ واألخالق ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ودفعا للخالفات الطائفية والمذهبية ‪ ،‬وثباتًا على‬ ‫ً‬ ‫وأراضيهم ‪،‬‬
‫والعدل مع إخوانهـ وأصدقاِئِه الغَيورين‪.‬‬ ‫ِـ‬ ‫الحق‬
‫بكلمة ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ووقف ‪ -‬حفظه اهلل ‪ِ -‬‬
‫صاد ًعا‬ ‫َ‬
‫ب إلىـ خي ٍر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫وجعل العواق َ‬ ‫َ‬ ‫وأصلح الشأن ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫المساعي ‪،‬‬ ‫فسد َد اهللُ‬
‫األزهار ‪ ،‬وتُش ِر ُق به‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫شمس‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫س له‬‫الليل الخان َق ‪ ،‬وتتنف ُ‬ ‫ص ْب ٍح يَط ِوي َ‬ ‫ؤم ُل في ُ‬ ‫وإنَّا لنُ ِّ‬
‫ب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رجى حين تحتج ُ‬ ‫ود إلىـ بُشراها األيام ‪ ،‬والسماءُ تُ َّ‬ ‫واألملـ باهلل كبير أن تعُ َ‬ ‫ُ‬ ‫الخالص ‪،‬‬
‫والءكم عافيةً ‪ ،‬وأن يُولِّي عليكم‬ ‫بحا ‪ ،‬وخوفَكم أمنًا ‪َ ،‬‬ ‫ص ً‬‫ِّل ليلَكم ُ‬ ‫عسى اهللُ أن يُبد َ‬
‫ب َعلَى َْأم ِر ِه َولَ ِك َّن َأ ْك َث َر الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويكفيكم َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس اَل َي ْعلَ ُمو َن‬ ‫شر شرا ِركم ‪َ ﴿ ،‬واللَّهُ غَال ٌ‬ ‫َ‬ ‫ياركم ‪،‬‬‫خ َ‬
‫(‪. 690﴾ )21‬‬
‫اآليات والذك ِـر الحكيم ‪ ،‬أقول‬ ‫ِـ‬ ‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ون َف َعنا بما فيه من‬ ‫َ‬
‫قولي هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪690‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪501‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يفعلـ ما يشاءُ‬ ‫العدل ُ‬ ‫الولي الحميد ‪ ،‬يخلُ ُق ما يشاءُ ويح ُك ُم ما يُريد ‪ ،‬وهو ُ‬ ‫الحمد هلل ِّ‬
‫س‪-‬‬ ‫والمعافاة ‪ - ،‬سبحانه وتعالى َّ‬ ‫ِ‬
‫وتقد َ‬ ‫والمنع ‪ ،‬واالبتالءُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ويح ُك ُم ما يُريد ‪ ،‬بيده العطاءُ‬
‫عبيده بنو‬ ‫والرحمة والمصلحة ‪ ،‬ونحن عبي ُده بنو ِ‬ ‫ِ‬ ‫الح ِ‬
‫كمة‬ ‫ال تخرج أفعالُه وأوامره عن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫أحكم الحاكمين ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫عدل فينا قضاُؤ ه ‪ ،‬وهو ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬ ‫كمه ‪ٌ ،‬‬ ‫ماض فينا ُح ُ‬ ‫إماِئِـه ‪ٍ ،‬‬
‫ساءهم ذلك القضاءُ أو‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫خيرا لهم ‪َ ،‬‬ ‫قضاء إال كان ً‬ ‫وأرحم الراحمينـ ‪ ،‬ال يقضي ألوليا هـ ً‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المؤمنين حتى وإن كان‬ ‫سرهمـ ‪ ،‬وله الحكمةُ البالغةُـ المحمودةُ في كل ما يج ِري على ُ‬ ‫َّ‬
‫حص ِيه إال اهللُ ‪،‬‬ ‫الح َكم والمصالِ ِح ما ال ي ِ‬ ‫وشرا ‪ ،‬فإن في طيَّاته من ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫بالء ًّ‬ ‫القضاءُ في ظاه ِره ً‬
‫سى َأ ْن تُ ِحبُّوا َش ْيًئا َو ُه َو َش ٌّر لَ ُك ْم َواللَّهُ َي ْعلَ ُم‬ ‫سى َأ ْن تَ ْك َر ُهواـ َش ْيًئا َو ُه َو َخ ْي ٌر لَ ُك ْـم َو َع َ‬ ‫﴿ َو َع َ‬
‫َوَأْنتُ ْم اَل َت ْعلَ ُمو َن (‪. 691﴾ )216‬‬
‫والرحمة فيما يُصيبُهم؛ امتَألت‬ ‫ِـ‬ ‫أوجهَ الخير‬ ‫وتعرفوا ُ‬ ‫الحقيقة ‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫أيقن المؤمنون بهذه‬ ‫وإذا َ‬
‫ئنان إلى ُحسن تدبي ِره‬ ‫واالطم ِ‬‫ِ‬ ‫والثقة ِ‬
‫بوعد اهلل ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِـ‬
‫واألمل‬ ‫ِ‬
‫وبالرجاء‬ ‫بالثبات والصب ِر ‪،‬‬‫ِ‬ ‫قلوبُهم‬
‫سى َأ ْن تَ ْك َر ُهواـ َش ْيًئا َويَ ْج َع َل اللَّهُ ِف ِيه َخ ْي ًرا َكثِ ًيرا (‪. 692﴾ )19‬‬ ‫واختيا ِره ‪َ ﴿ ،‬ف َع َ‬
‫ِ‬
‫الدمار‬ ‫الوعي الذي أح َدثَهـ هذاـ‬ ‫ولكن‬ ‫واأللم شديدـ ‪،‬‬ ‫صاب عظيم ‪،‬‬ ‫ِئ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫والم َ‬ ‫رح غا ر ‪ُ ،‬‬ ‫الج َ‬ ‫إن ُ‬
‫والس َهر ‪ ،‬وظهر‬ ‫بالح َّمى َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تداعى لها جس ُد األمة ُ‬ ‫الشام؛ فلقد َ‬ ‫في األمة كبير ‪ ،‬ولئن اشتَ َكت ُ‬
‫المساج ُد بالدعاء ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وضجت‬ ‫َّ‬ ‫التالحم بين المسلمين ‪ ،‬وسرت الحياةُ في جسدهم ِ‬
‫الواحدـ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫تقض َي عليها‬ ‫وكادت أن ِ‬ ‫تنطمس ‪،‬‬ ‫كادت أن ِ‬ ‫ِ‬ ‫واستي َقظَت في ِـ ِ‬
‫َ‬ ‫األمة مشاع ُر دفينة ‪ ،‬مشاع ُر َ‬
‫ِ‬
‫الترفيه ‪-‬‬ ‫بالمل ِهياتـ ووسائل‬ ‫تخديرها ُ‬ ‫َ‬ ‫حاول أعداءُ اإلسالم‬ ‫شهوات الحياة ‪ ،‬ولطالَما َ‬ ‫ُ‬
‫زعموا ‪.-‬‬
‫َ‬
‫أرض‬ ‫وتتأجج في القلوب ‪ ،‬وهي ترى دماء ِ‬
‫األحبَّ ِـة تجري على ِ‬ ‫ظ من ٍـ‬
‫جديد ‪،‬‬ ‫وإذ بها تستيق ُ‬
‫َ‬ ‫َّ ُ‬
‫صد ُق الصادقين ‪ ،‬وظهر‬ ‫وعاد الناس عود ًة صادقةً إلى الدين ‪ ،‬وبا َن ِ‬ ‫باركة ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫الم َ‬
‫الشام ُ‬
‫بمنظَّمته الدوليةـ ‪ ،‬وتبيَّن أنها ال َّ‬ ‫ُخذالن ِ‬
‫وفق‬
‫تتحر ُك إال َ‬ ‫واهتزت ثقةُ العالَ ِـم ُ‬
‫َّ‬ ‫الخاذلينـ ‪،‬‬
‫والم َّ‬ ‫قلوب أربابِها‬
‫ؤثر في ِ‬ ‫ِ‬
‫عذبين‪.‬ـ‬ ‫الجرحى ُ‬
‫َ‬ ‫وأنين‬
‫ُ‬ ‫صريخ األطفال ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫مصالحها األنانيةـ ‪ ،‬ال يُ ِّ ُ‬

‫‪691‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪692‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪502‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬ ‫قلوب المؤمنين ِ‬
‫ص ْر ُك ُم اللَّهُ فَاَل غَال َ‬
‫ب لَ ُك ْم َوِإ ْن‬ ‫الحق ‪ -‬سبحانه ‪ِ ﴿ :-‬إ ْن َي ْن ُ‬ ‫بقول ِّ‬ ‫ُ‬ ‫واستي َقنَت‬
‫ص ُر ُك ْم ِم ْن َب ْع ِد ِه َو َعلَى اللَّ ِه َفلْيََت َو َّك ِل ال ُْمْؤ ِمنُو َن (‪. 693﴾ )160‬‬ ‫ِ‬
‫يَ ْخ ُذلْ ُك ْـم فَ َم ْن ذَا الَّذي َي ْن ُ‬
‫ش َد‪:‬‬ ‫طالب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه أن َ‬ ‫علي بن أبيـ ٍ‬ ‫ُر ِوي عن ِّ‬

‫ْب‬
‫ناب َخط ٌ‬
‫تجزع إذا ما َ‬
‫وال َ‬
‫طف ِ‬
‫خف ِّي‬ ‫ف َكم هلل من لُ ٍ‬

‫وكم يُ ْس ٍر أتَى من بعد ُع ْس ٍر‬


‫الش ِج ِّي‬ ‫ففر َج ُكربةَ ِ‬
‫القلب َّ‬ ‫َّ‬

‫وكم أم ٍر تُساءُ به ً‬
‫صباحا‬
‫بالع ِش ِّي‬
‫المس َّرةُ َ‬
‫وتأتيك َ‬
‫َ‬

‫يوما‬
‫األحوال ً‬
‫ُ‬ ‫إذا ضاقَت بك‬
‫الفرد العلِ ِّي‬ ‫ِ‬
‫بالواحد ِـ‬ ‫فثِق‬

‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫نمسح األحزان ‪،‬‬ ‫العبَراتـ ‪ ،‬وأن‬ ‫صيبة أو نا ِز ٍلة أن نُ ِ‬ ‫إن اهلل تعالىـ يريد منَّا عند كل م ٍ‬
‫َ‬ ‫ف َ‬‫كفك َـ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القدر بالقدر ‪َ ﴿ ،‬واَل تَ ِهنُوا َواَل تَ ْح َزنُوا‬ ‫ِ‬
‫ِّد التوبة ‪ ،‬وأال ن ِه َن وال نيَأس ‪ ،‬وأن نُداف َع َ‬ ‫وأن نُجد َ‬
‫ِِ‬
‫ين (‪. 694﴾ )139‬‬ ‫َوَأْنتُ ُم اَأْل ْعلَ ْو َن ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُمْؤ من َ‬
‫المسلمين‪:‬‬‫معاشر ُ‬
‫والرحمة في هذه األحداث ‪ ،‬والرضا بقضاء اهلل –عز وجل ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫أوجه الخي ِر‬ ‫التعرف على ِ‬
‫إن ُّ‬
‫ِـ‬
‫األخذ‬ ‫وترك‬
‫َ‬ ‫والذلَّةـ والمهانة ‪،‬‬
‫والرضا بالفسادـ ِّ‬
‫والعجز ‪ِّ ،‬‬ ‫والتسليم لقدره ال يعني التوا ُكل َ‬ ‫ِ‬

‫‪693‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪694‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪503‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اليقين بوعد اهلل ‪ -‬سبحانه ‪ ، -‬والثقةَ بنصره‬ ‫قوي‬ ‫والكرامة ‪ ،‬ولكنَّه يُ ِّ‬ ‫بأسباب النص ِر ِ‬
‫والع َّز َة‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬واالطمئنا َن إلى قضاِئِه وتدبي ِره‪.‬‬
‫واصطفاءٌ ‪َ ﴿ ،‬و َما ِع ْن َد اللَّ ِه َخ ْي ٌر َو َْأب َقىـ‬ ‫ِ‬ ‫اختيار‬
‫ٌ‬ ‫وتمحيص ‪ ،‬والشهادةُـ‬ ‫ٌ‬ ‫وتطهير‬
‫ٌ‬ ‫االبتِالءُ رفعةٌ‬
‫(‪. 695﴾ )36‬‬
‫النصر‬
‫الفرج ‪ ،‬واعلَم أن َ‬ ‫اليقين ب ُقرب َ‬‫ُ‬ ‫يحص ُل‬
‫الكرب ُ‬ ‫ُـ‬ ‫األلم يُولِّ ُد األمل ‪ ،‬وبقدر ما ُّ‬
‫يشتد‬ ‫ُ‬
‫سرا‪.‬‬‫الفرج مع ال َكربـ ‪ ،‬وأن مع العُس ِـر يُ ً‬ ‫َ‬ ‫مع الصبر ‪ ،‬وأن‬
‫صبِ ُروا َوَتَّت ُقوا َويَْأتُو ُك ْم ِم ْن َف ْو ِر ِه ْم َه َذا‬
‫الم َد ُد من السماء ‪َ ﴿ ،‬بلَى ِإ ْن تَ ْ‬ ‫بالصب ِر يكو ُن َ‬
‫ين (‪. 696﴾ )125‬‬ ‫ف ِمن الْماَل ِئ َك ِة م ِ‬ ‫يم ِد ْد ُكم ربُّ ُكم بِ َخمس ِة آاَل ٍ‬
‫س ِّوم َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُْ ْ َ ْ ْ َ‬
‫ض ُّر ُك ْم َك ْي ُد ُه ْم َش ْيًئا (‪)120‬‬ ‫صبِ ُروا َوَتَّت ُقوا اَل يَ ُ‬‫يذهب أذى األعداء ‪َ ﴿ ،‬وِإ ْن تَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫وبالصب ِر‬
‫﴾‪. 697‬‬
‫والضراء وحين البأس ‪ ،‬فقال ‪ -‬سبحانه ‪﴿ :-‬‬ ‫َّ‬ ‫ولقد أثنَى اهللُ على الصابرين في البأساء‬
‫ك ُه ُم ال ُْمَّت ُقو َن (‪. 698﴾ )177‬‬ ‫ص َدقُوا َوُأولَِئ َ‬ ‫ُأولَِئ َ َّ ِ‬
‫ين َ‬ ‫ك الذ َ‬
‫األحداث من ِـ‬
‫األلم‬ ‫ُـ‬ ‫بد من الصب ِر على ما تُ ُ‬
‫ثيره‬ ‫ديل عنه ‪ ،‬ال َّ‬ ‫إنه ال بُ َّد من الصبر وال بَ َـ‬
‫المصابَرة ‪ُ ،‬مصابَرة الظالمين‬ ‫اليأس أحيانًاـ وال ُقنوط ‪ ،‬ال بُ َّد من الصب ِر ومن ُ‬ ‫والغَيظ ‪ ،‬ومن ِ‬
‫جاهدينـ أن ي ُفلُّوا من صبر المؤمنين‪.‬‬ ‫الذينـ يحا ِولون ِ‬
‫ُ‬
‫الحق أن يكونوا َّ‬
‫أشد‬ ‫أهل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ص ُّر ويصبِ ُر‬‫وإذا كان الباطل ي ِ‬
‫أجدر َ‬ ‫الطريق ‪ ،‬فما َ‬ ‫ويمضي في‬ ‫ُُ‬
‫صبرا ‪ِ ﴿ ،‬إ ْن تَ ُكونُوا تَْألَ ُمو َن فَِإ َّن ُه ْم يَْألَ ُمو َن َك َما تَْألَ ُمو َن َوَت ْر ُجو َن ِم َن اللَّ ِه‬ ‫وأعظم ً‬
‫َ‬ ‫إصرارا ‪،‬‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َما اَل َي ْر ُجو َن َو َكا َن اللَّهُ َعل ً‬
‫‪699‬‬
‫يما (‪. ﴾ )104‬‬ ‫يما َحك ً‬
‫شاء ِمن ِعب ِ‬
‫اد ِه َوال َْعاقِبَةُـ‬ ‫فيا أهل الشام! ﴿ استَ ِعينُوا بِاللَّ ِه واصبِروا ِإ َّن اَأْلر ِ ِ‬
‫ض للَّه يُو ِر ُث َها َم ْن يَ َ ُ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫ْ‬
‫ين (‪. 700﴾ )128‬‬ ‫لِل ِ‬
‫ْمتَّق َ‬
‫ُ‬
‫‪695‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪696‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪697‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪698‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪699‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪700‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪504‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ضيعةَ عليه ‪ ،‬وإن‬


‫تكفل اهلل به فال َ‬ ‫تكف َل لنبيِّه بالشام وأهله ‪ ،‬من َّ‬ ‫إن اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬قد َّ‬
‫ول فيها أم ُد ِ‬
‫الفتنة والطُّغيان؛ ألنها‬ ‫لم ِّ‬
‫بش ٌر بأنه لن يطُ َ‬
‫َ‬ ‫وصف الشام في الكتاب والسنة بالبركة ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫وإيمان‬ ‫كة وأم ٍن‬ ‫ِ‬
‫موطن بر ٍ‬
‫ُ َ‬
‫ب‬ ‫ألعداء ِـ ِ‬‫ِ‬
‫انكس َـر الصليبيُّون والتتار ‪ ،‬وفيا يُغلَ ُ‬
‫األمة والكبار؛ ففيها َ‬ ‫الشام مقبرةً‬
‫ولقد كان ُ‬
‫الدجال ومن تبِ َعه من اليهود ‪،‬‬‫ك َّ‬ ‫لحمة ال ُكبرى ‪ ، -‬وفيها يُهلَ ُ‬ ‫ِ‬
‫الم َ‬‫الروم ‪ -‬كما في حديث َ‬
‫ِـ‬
‫بذهاب الخير من األمةـ ‪،‬‬ ‫فساد الشام م ِ‬
‫ؤذنًا‬ ‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ -‬‬ ‫وقد جعل ُّ‬
‫ُ‬
‫األمة كلها ‪ ،‬وها هي اليوم ِ‬ ‫بشرا بصالح أم ِر ِ‬
‫تجيءُ البُشرياتـ والليالي‬ ‫صالحها ُم ِّ ً‬
‫َ‬ ‫وجعل‬
‫باألماني حافِالت‪.‬‬
‫عو َدنا ربُّنا من نُصرة أولياِئِه والدفاع‬ ‫قس ُم باهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬جا ِزمين ُموقِنين بما َّ‬ ‫وإننا لنُ ِ‬
‫أنزلوا حاجتَهم باهلل‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫والشد َة لن تطُول على قوم َ‬ ‫الكرب‬
‫َـ‬ ‫بأسباب النصر ‪ ،‬بأن‬ ‫أخذوا‬ ‫عنهم إذا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫غيرك يا اهللَ! واهلل تعالى يقول‪َ ﴿ :‬و َم ْن َي ْعتَص ْم باللَّه َف َق ْد ُهد َ‬
‫ي ِإلَى‬ ‫‪ ،‬وهتَفوا‪ :‬يا اهللَ ‪ ،‬ما لنا ُ‬
‫ين (‪﴿ ، 702﴾ )47‬‬ ‫ِِ‬ ‫ص َراط ُم ْستَق ٍيم (‪َ ﴿ ، ﴾ )101‬و َكا َن َح ًّقا َعلَْينَا نَ ْ‬
‫‪701‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ص ُر ال ُْمْؤ من َ‬
‫ِ‬
‫ص ُرهُ (‪، 704﴾ )40‬‬ ‫ص َر َّن اللَّهُ َم ْن َي ْن ُ‬
‫َوِإ َّن ُج ْن َدنَاـ لَ ُه ُم الْغَالبُو َن (‪َ ﴿ ، ﴾ )173‬ولََي ْن ُ‬
‫‪703‬‬

‫اد (‪. 705﴾ )51‬‬ ‫وم اَأْل ْش َه ُـ‬ ‫ْحيَ ِاة ُّ‬
‫الد ْنيَا َو َي ْو َم َي ُق ُ‬
‫ِ‬
‫آمنُوا في ال َ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫﴿ ِإنَّا لََن ْن ُ‬
‫ص ُر ُر ُسلَنَا َوالذ َ‬

‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫الذنوب ‪ ،‬وعلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رحمة اهلل من كبائ ِر‬ ‫اليأس من‬
‫الفر ِج من أعظم العباداتـ ‪ ،‬وإن َ‬ ‫إن انتظار َ‬
‫رب الفر ِج واليقين ِ‬
‫بنهاية الظالمين ‪ ﴿ ،‬فَاَل َت ْع َج ْل َعلَْي ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫المؤمنين ن يمَأل قلوبَهم ُ‬
‫ُ‬ ‫الفأل ب ُق ـ َ‬
‫ِإنَّ َما َنعُ ُّد لَ ُه ْم َع ًّدا (‪. 706﴾ )84‬‬

‫‪701‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪702‬‬
‫سورة الروم‬
‫‪703‬‬
‫سورة الصافات‬
‫‪704‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪705‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪706‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪505‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ينتظرون ‪َ ﴿ ،‬و َم ْن‬‫ولقد يريد اهلل لعباده نصرا وفرجا أعظم مما يظُنُّون ‪ ،‬وتمكينًا أدوم مما ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ً ًَ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َيَت َو َّك ْل َعلَى اللَّ ِه َف ُه َو َح ْسبُهُ ِإ َّن اللَّهَ بَالِ ُغ َْأم ِر ِه قَ ْد َج َع َل اللَّهُ لِ ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ْد ًرا (‪. 707﴾ )3‬‬
‫صل وسلِّم وبا ِرك على‬ ‫المجتبى ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫المصطفى والرسولـ ُ‬ ‫هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على النبي ُ‬
‫ارض‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬اللهم َ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن‬ ‫ٍّ‬ ‫الراشدين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عن األئمة المهديين ‪ ،‬والخلفاء‬
‫نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين‪.‬ـ‬ ‫صحابة نبيِّك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على ِ‬ ‫ِ‬ ‫سائر‬
‫َ‬
‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬ ‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬ ‫اللهم ِ‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‬ ‫فر َّد كي َده في نح ِره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫عزيز‪.‬‬
‫قوي يا ُ‬
‫يا ُّ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬ ‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح َّ‬ ‫اللهم ِ‬
‫إمامناـ َّ‬ ‫أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫خادم الحرمين الشريفينـ ُلهداك ‪ ،‬واجعلـ عملَه في ِرضاك ‪،‬‬ ‫وفِّقه ُلهداك ‪ ،‬اللهم وفِّق َ‬
‫لواء الدين ‪ ،‬اللهم‬‫وحد به كلمةَ المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬ ‫وهيِّئ له البِطانةَـ الصالحةَـ ‪ ،‬اللهمـ ِّ‬
‫باركِين ُموفَِّقين لكل خي ٍر‬ ‫وولي عهده وسدِّدهمـ ِ‬
‫وصالح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫واجعله ُم َ‬
‫َ‬ ‫وأع ْنهم ‪،‬‬ ‫وفِّقه َّ‬
‫رب‬ ‫ِ‬
‫العرش العظيم ‪ ،‬ال إله إال اهلل ُّ‬ ‫رب‬
‫الحليم ‪ ،‬ال إله إال اهلل ُّ‬
‫ُ‬ ‫العظيم‬
‫ُـ‬ ‫ال إله إال اهلل‬
‫وجل ثناُؤ ك ‪َّ ،‬‬
‫وتقد َست‬ ‫َّ‬ ‫جارك ‪،‬‬
‫عز ُ‬ ‫العرش الكريم ‪ ،‬ال إله إال أنت ‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ورب‬
‫السماواتـ ُّ‬
‫أمرك ‪ُ ،‬سبحانكـ‬ ‫ف وع ُدك ‪ ،‬وال يُ ُّ‬
‫رد ُ‬ ‫هزم ُجن ُدك ‪ ،‬وال يُخلَ ُ‬
‫أسماُؤ ك ‪ ،‬اللهم يا َمن ال يُ َ‬
‫ِ‬
‫وبحمدك‪.‬‬
‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا ‪ ،‬اللهم‬
‫وس َّد َخلَّتهم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحق والهدى ‪ ،‬اللهم احقنـ دماءهم ‪ ،‬وآمن روعاتهمـ ‪ُ ،‬‬ ‫اجمعهمـ على ِّ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫وانصرهم‬
‫ُ‬ ‫أعراضهم ‪ ،‬واربِط على قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهمـ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جائعهمـ ‪ ،‬واح َفظ‬
‫وأطعم َ‬
‫فر َجك القريب‪.‬‬ ‫على من بغَى عليهم ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫فر َجك القريبـ ‪ ،‬اللهم َ‬‫صارهم ‪ ،‬اللهم َ‬
‫كح َ‬
‫ِ‬
‫ونستودعُك‬ ‫دماءهم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللهم إنا نستودعُك إخواننا في سوريا ‪ ،‬اللهم إنا نستودعُك َ‬
‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫نصرك على‬‫تضيع ودا عُهـ ‪ ،‬اللهم إنا نستن ِز ُل َ‬
‫أعراضهم يا َمن ال ُ‬
‫َ‬ ‫ونستودعُك‬ ‫أعراضهم ‪،‬‬
‫َ‬
‫‪707‬‬
‫سورة الطالق‬
‫‪506‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫لليتامىـ والثَّ َكالَىـ والمظلومين ‪ ،‬اللهم‬ ‫ِ‬


‫المستضعفين المظلومين ‪ ،‬اللهم انتصر َ‬ ‫عبادك ُ‬
‫حماك بهم رحماك يا أرحم الراحمينـ ‪ ،‬ويا ِ‬
‫ناصر المظلومين‪.‬‬ ‫ُر َ‬
‫ُ‬
‫ك ‪ ،‬اللهم إنا نستن ِز ُل‬ ‫اللهم عليك بالطُّغاةـ الظالمين ‪ ،‬اللهم عليك بهم فإنهمـ ال ي ِ‬
‫عجزونَ َ‬ ‫ُ‬
‫المجرمين‪.‬‬‫شك على القوم ُ‬
‫بط َ‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين‪.‬‬
‫ستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪ ،‬واجمعهمـ على الحق يا رب‬
‫الم َ‬‫اللهم انصر ُ‬
‫العالمين‪.‬ـ‬
‫اب النَّا ِر (‪. 708﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهمـ ‪ ،‬إنك‬
‫ونتوب إليه‪.‬‬ ‫وم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الحي القيُّ َ‬
‫نستغف ُـر اهللَ الذي ال إله إال هو َّ‬ ‫نستغفر اهلل ‪،‬‬ ‫نستغف ُر اهلل ‪،‬‬
‫الغيث وال تجعلنا من‬ ‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغنيـ ونحن الفقراءـ ‪ ،‬أن ِزلـ علينا َ‬
‫سحا غ َدقًا طب ًقا ُمجلِّالً‬‫أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬ ‫القانِطين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫تسقيـ به العبادـ ‪ ،‬وتُحيِي به البالد ‪ ،‬وتجعلُه بالغًا للحاض ِر ِ‬
‫والباد‪.‬‬ ‫ضار ‪ِ ،‬‬ ‫غير ٍّ‬‫نافعا َ‬ ‫عاما ً‬ ‫ًّ‬
‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬ال ُسقياـ‬
‫هدم وال ٍ‬
‫غرق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪708‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪507‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬لماذا الخوف من اإلسالم؟‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابعـ عشر من جمادى األولى من عام ‪ 1433‬هـ‬

‫‪ -‬لماذا الخوف من اإلسالم؟ ‪-‬‬

‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬لماذا‬
‫تحدث فيها عن اإلسالم وفضله في نشر الخير والعدل للناس‬ ‫الخوف من اإلسالم؟" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫اإلسالمي قراءةً صحيحةً ِحياديَّة‬
‫ِّ‬ ‫التاريخ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعقول بقراءة‬ ‫ِـ‬
‫األرباب‬ ‫ظ لذوي‬ ‫جميعا ‪ ،‬وفيها إيقا ٌـ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫رجى من‬ ‫للتعرف على عظَ ِم اإلسالم وشأن أهله منذ خمسة عشر قرنًا ‪ ،‬وقد َ‬
‫أثار ُسؤااًل يُ َ‬
‫الجواب عليه ‪ ،‬أال وهو‪ :‬لماذا الخوف من اإلسالم؟‪.‬‬‫ُ‬ ‫السياسيين واإلعالميين وغي ِرهم‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫ض َوى تحت‬ ‫وأتمه ‪ ،‬وجعل من ان َ‬


‫دين اإلسالم خاتمةَ األديان َّ‬
‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل جعل َ‬
‫ِ‬
‫لوائه من خي ِر َُّأمة ‪ ،‬الحم ُد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‬
‫هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أن ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهد اهلل فال ُمض َّل له ‪ ،‬ومن يُضلل فال َ‬
‫لحكمه ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسوله ‪ ،‬صلَّى‬ ‫عقب ُ‬‫إله إال اهلل وحده ال شريكـ له وال ُم ِّ‬
‫وبارك عليه وعلى آله وصحبِه أجمعين‪.‬‬
‫اهلل وسلَّم َ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالى َّ‬
‫الوثقى ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫حق التقوى ‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعُروةـ ُ‬
‫آمنُواْ َّات ُقواْ اللّهَ َح َّق ُت َقاتِِه َوالَ تَ ُموتُ َّن ِإالَّ َوَأنتُم ُّم ْسلِ ُمون (‪. 709﴾ )102‬‬
‫َ‬

‫‪709‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪508‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫الخائف من اهلل من ِ‬
‫يعص ُر عينيه ‪،‬‬ ‫حق خشيته؛ فليس‬ ‫شوه َّ‬‫وارجوه ‪ ،‬وخافوه واخ َ‬
‫ُ‬ ‫اتقوا اهلل ُ‬
‫اف م َقام ربِِّه جنَّتَ ِ‬
‫ان (‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ترك شهوتَه من الحرام وهو يقد ُر عليه ‪َ ﴿ ،‬ول َم ْن َخ َ َ َ َ َ‬
‫الخائف من َ‬
‫ُ‬ ‫إنما‬
‫‪. 710﴾ )46‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫اجتمع النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ -‬س ًّرا باألنصارـ‬ ‫َ‬ ‫العقبة ‪ ،‬لما‬ ‫بيعة ِ‬ ‫قصة ِ‬ ‫في حديث ِ‬
‫مالك ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان أول من‬ ‫كعب بن ٍـ‬ ‫ليُبايعوه على النُّصرة ‪ ،‬روى لنا ُ‬
‫ِ‬
‫القوم ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تتابع ُ‬ ‫ضرب على يد رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬البراءُ بن معرور ‪ ،‬ثم َ‬ ‫َ‬
‫س الْع َقب ِة بَِأْن َف ِـذ صو ٍ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َْ‬ ‫الش ْيطَا ُن م ْن َرْأ ِ َ َ‬ ‫ص َر َخ َّ‬ ‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ -‬‬ ‫ُ‬ ‫بايعنَاـ‬
‫فلما َ‬
‫ب ‪ :‬ال َْمنَا ِز ُل ‪َ -‬ه ْل لَ ُك ْم فِي ُم َذ َّم ٍـم َو ُّ‬
‫الصبَاةُ َم َعهُ ‪،‬‬ ‫ب ‪ -‬وال ِ‬
‫ْجبَاج ِ َ ُ‬
‫ْجبَاج ُ‬
‫ط ‪ :‬يا َْأهل ال ِ‬
‫َسم ْعتُهُ قَ ُّ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫اجتَ َمعُوا َعلَى َح ْربِ ُك ْم ؟!‬ ‫قَ ْد ْ‬
‫ِ‬
‫َأي‬
‫اس َم ْع ْ‬ ‫ب‪ْ ،‬‬ ‫ب ال َْع َقبَة ‪َ ،‬ه َذا ابْ ُن َأ ْزيَ َ‬‫فقال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬ه َذا ََأز ُّ‬
‫ك ‪ "..‬الحديث؛ رواه اإلمام أحمد ‪ ،‬وغيره‪.‬‬ ‫َع ُد َّو اللَّ ِه ‪ََ ،‬أما َواَللَّ ِه َأَل ْف ُرغَ َّن لَ َ‬
‫أيها الناس‪:‬‬
‫وصو َر في شائعتِ ِـه‬ ‫َّ‬ ‫الجن ‪،‬‬
‫تخويف من اإلسالم ‪ ،‬ابتدَأها شيطا ٌن من شياطين ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صيحة‬ ‫أول‬
‫هذه ُ‬
‫لحرب ِ‬
‫الناس‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يان اإلسالم إنما هي اجتماعٌ‬ ‫بكرةَ ِ‬
‫لك ِ‬ ‫الم ِّ‬ ‫وذائعتِ ِه تلك َّ‬
‫أن هذه الوالدةَ ُ‬ ‫َ‬
‫الدعوى ويُذيعُهاـ إما عن ٍ‬
‫جهل‬ ‫ث تلك َ‬ ‫اإلنس من ي ِر ُ‬ ‫ِ‬ ‫رون التالِياتـ لم َيز ْل في‬ ‫داد ال ُق ِ‬ ‫وعلى امتِ ِـ‬
‫ِـ‬
‫القرارات العالمية‬ ‫حاض ًرا في‬ ‫والتخويف منه ِ‬ ‫ُ‬ ‫الخوف من اإلسالم‬ ‫ُ‬ ‫تجاه ٍل ‪ ،‬ولم َيزل‬ ‫أو ُ‬
‫والمحافِ ِل الدولية؛ فضالً عن وسائلـ اإلعالم‪.‬‬
‫تثبيت ص ِ‬ ‫ِ‬
‫ورة اإلسالم أنه ثقافةُ عُداونية ‪ ،‬وأن‬ ‫وما زال السياسيُّون واإلعالميُّون يُص ُّرون على ِ ُ‬
‫أكمل‬ ‫ٍ‬
‫وإنصاف لرَأواـ في ُأصول اإلسالم ومبادِئِـه‬ ‫الغرب ‪ ،‬ولو نظَروا ٍـ‬
‫بعدل‬ ‫ِ‬ ‫التسام َح ثقافةُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫والمثُ ِل في ِـ‬ ‫ِ‬
‫والتسام ِح‪.‬‬
‫ُ‬ ‫العدل‬ ‫القيَ ِـم ُ‬
‫المسلمين وعلى غي ِرهم؛‬ ‫آثارا سلبيَّةً على ُ‬
‫الخوف من اإلسالم ‪ً -‬‬‫ُ‬ ‫الفريَِـة ‪ -‬التي هي‬ ‫إن لهذه ِ‬
‫المصالح بين بني البش ِر ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وقيام‬ ‫ِ‬
‫والتعاون ‪ ،‬وتُحطِّ ُم العالقات الدوليةَ َ‬
‫ُ‬ ‫الث َق ِة‬
‫ور ِّ‬
‫س َ‬
‫ِ‬
‫فهي تهد ُم ُج ُ‬
‫‪710‬‬
‫سورة الرحمن‬
‫‪509‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ِـ‬
‫والتفرقة على‬ ‫المتساويةـ ‪،‬‬ ‫وإنكاراـ للحقوق ُ‬ ‫ً‬ ‫ِّل تهدي ًدا‬ ‫ذور العداء واإلهرابـ ‪ ،‬وتُمث ُ‬ ‫غذي ُج َ‬ ‫وتُ ِّ‬
‫ِ‬
‫الشخصية ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الحرية‬ ‫ود على‬ ‫نف ‪ ،‬وال ُقي ِ‬ ‫س دينيَّ ٍة وعُنصريَّة ‪ ،‬إضافةً إلى المضايقات والعُ ِ‬ ‫ُأس ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫عند ِ‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫كما أنه تشويهٌ للحق الذي جاء من ِ‬
‫َ‬
‫ِـ‬
‫األحقاد الدينيَّة ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وإثارة‬ ‫ِ‬
‫التحريض‬ ‫التخويف من اإلسالم إلى‬ ‫ِ‬ ‫بسبب ِفريَِة‬
‫ِ‬ ‫األمر‬
‫ووصل ُـ‬ ‫َ‬
‫بتطاو ٍل‬ ‫الح ُر ِـ‬ ‫ِ‬ ‫الم َّ‬ ‫ِـ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫مات الدينيَّة؛ ُ‬ ‫قدساتـ اإلسالمية ‪ ،‬وانتهاك ُ‬ ‫وإهانة ُ‬ ‫تدنيس‬ ‫البعض إلى‬ ‫ُ‬ ‫وتعدى‬
‫وسن القوانين َّ‬
‫ضد‬ ‫ِّ‬ ‫رآن الكريم ‪،‬‬ ‫هان لل ُق ِ‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬أو امتِ ٍ‬ ‫رمة ِّ‬ ‫على ح ِ‬
‫ُ‬
‫ف ووسائل اإلعالم تُسيءُ إلى‬ ‫بالصح ِ‬ ‫ٍـ ِ ٍ‬ ‫حجاب المرأة ونقابِها ‪ ،‬ونش ِر ُر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مظاه ِر‬
‫سومات ساخرة ُّ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث عن اإلرهاب‪.‬ـ‬ ‫بموضوعات َّ‬
‫تتحد ُ‬ ‫ومظاه ِرهم‬ ‫المسلمين‬ ‫صو ِر ُ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وربط ُ‬ ‫ُ‬
‫ورد‬
‫قوقه ‪ِّ ،‬‬ ‫وضياع ح ِ‬ ‫فشل قضاياه ‪،‬‬ ‫شعب إلى اإلسالم سببًا في ِ‬ ‫فرد أو ٍ‬ ‫انتماء ٍ‬‫يزال ِ‬ ‫وال ُ‬
‫ِ ُ‬
‫مطالبِ ِه‪.‬‬
‫عاما ‪ ،‬وتبري ِر‬ ‫فالخوف من اإلسالم وراء مظلَمة فلسطين ودفاع ال ُقوى عن ِ‬
‫الغاص ِ‬
‫ب ستِّين ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫صادرة أراضيهم‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وم َ‬ ‫واسترخاص دماء الفلسطينيين ‪ُ ،‬‬ ‫المستمر ‪،‬‬ ‫الظلم ُ‬
‫عوب الختيا ِر قرارها‬ ‫الش ِـ‬ ‫ِـ‬
‫حاوالت ُّ‬ ‫لكل ُم‬
‫داء ِّ‬ ‫والع ِ‬ ‫الريب ِة ِ‬ ‫ِ‬
‫وراء مواقف ِّ َ‬ ‫والخوف من اإلسالم َ‬ ‫ُ‬
‫تج ُد الكثيرينـ ينظرون بتسام ٍح كبي ٍر إلى ِد ٍ‬
‫يانات وثنِيَّة ‪،‬‬ ‫التي تعيش به ‪ ،‬وإنك لتْأسى حين ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جاهه ال يكو ُن عادةً عقالنيًّا ‪ ،‬وإنما يكو ُن عاطفةً‬ ‫الفعل تِ َ‬ ‫رد ِ‬ ‫حالة اإلسالم فإن َّ‬ ‫ولكن في ِـ‬
‫سلبيَّةً عا ِرمةً‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لشيء‬ ‫ظلمهم ال‬‫ُّد في إنقاذـ المظلومين ممن َ‬ ‫ُّر في نُصرة المكروبينـ ‪ ،‬والترد ُ‬ ‫يتم التأخ ُـ‬ ‫وقد ُّ‬
‫الثقافية أ َث ًرا في تكوي ِن هذا‬ ‫ِـ‬ ‫شك أن للموروثات‬ ‫قائمة لإلسالم ‪ ،‬وال َّ‬ ‫قيام ٍ‬ ‫إال الخوف من ِ‬
‫والسياسات الجاِئَرةُ ‪ ،‬حتى‬ ‫ضد اإلسالم ‪ ،‬يُ ِّ‬ ‫االتِّ ِ‬
‫ُـ‬ ‫ض‪،‬‬‫المغ ِر ُ‬
‫اإلعالم ُ‬
‫ُ‬ ‫غذيهـ‬ ‫جاه لدى اآلخرينـ َّ‬
‫اإلسالم ترقَى‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التخويف من‬ ‫نص ًفا ‪ -‬بقوله‪" :‬إن موجةَ‬ ‫َّحدة ‪ -‬م ِ‬ ‫الحالي لألمم المت ِ‬‫ُّ‬ ‫األمين‬ ‫َّ‬
‫حذ َر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قبل سلَ ُفه على منبَ ِر اُألممـ‬ ‫نصرية لهذاـ الدي ِن"‪ .‬ولقد َ‬ ‫ض ِـة الع ِ‬ ‫إلى ِـ‬
‫قال مثلُها من ُ‬ ‫ناه َ ُ‬ ‫الم َ‬ ‫مرتبة ُ‬
‫َّحدة‪.‬‬ ‫المت ِ‬
‫ُ‬
‫جدي‬ ‫الخطيرة ‪ ،‬والتي ال تُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القضية‬ ‫وعدل أمام هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بإنصاف‬ ‫إن على عُقالء العالَمـ أن ِيقفوا‬
‫رئيس‬ ‫والخ ِ‬
‫راعات ِ‬
‫الص ِ‬ ‫سوى ٍ‬
‫سبب ٌ‬‫الجهل باإلسالم وتعاليمه وأخالقيَّاته ٌ‬
‫َ‬ ‫الف ‪ ،‬وإن‬ ‫مزيد من ِّ‬ ‫َ‬
‫يخاف ما يجهلُهُ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫للخوف منه ‪ ،‬واإلنسا ُن‬
‫‪510‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيها الناس‪:‬‬
‫الكثير‬ ‫راح ‪ ،‬وإنما ليعلَ َم‬ ‫التجييش أو نتِئ ِ‬
‫الج ِ‬ ‫ِ‬ ‫قرره في ِس ِ‬
‫ياق‬
‫ُ‬ ‫سبق فإننا ال نُ ِّ ُ‬
‫قر ُر ما َ‬ ‫إننا حين نُ ِّ‬
‫ِ‬
‫الحواد ِ‬ ‫التاريخ ِ‬
‫وس ِ‬ ‫تغييب وعيِهم عن‬
‫قدار ِ‬ ‫من ب ِ‬
‫ث ‪ ،‬وأنهم‬ ‫ياق‬ ‫ِ‬ ‫ِـ‬
‫حقائق‬ ‫سطاء العالَ ِم واألحرا ِـر ُم َ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِأ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومثُ ٍل َ‬
‫وص َل لها‬ ‫كثيرا ما يقفون في الموقف الخط الذي ال يتَّس ُق مع ما يُفاخرونـ به من قيَ ٍم ُ‬ ‫ً‬
‫ألفيَّتهـ الثالِثَة‪.‬‬
‫اإلنسا ُن في ِ‬
‫الخوف من اإلسالم؟‬ ‫ُ‬ ‫لماذا‬
‫حرب ْين عالميَّتين قُتِل في األولى سبعةَ عشر‬ ‫عال َ‬ ‫المسلِمون مسؤولين أب ًدا عن اشتِ ِـ‬ ‫فلم يكن ُ‬
‫مليونًا من البشر ‪ ،‬وفي الثانيةـ خمسين مليونًا َعدا المصابين ‪ ،‬والدمار الهائلـ في ِ‬
‫البيئة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رات البشرية‪.‬ـ‬ ‫قد ِـ‬ ‫والم َّ‬
‫ُ‬
‫الش ِ‬
‫عوب‬ ‫خيرات تلك ُّ‬ ‫ِ‬ ‫يستعم ِر المسلِمون العالَ ـم ‪ ،‬ولم يسخِّروا ُشعوبه الستن ِز ِ‬
‫اف‬ ‫ِ‬ ‫ولم‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫تفتيش إلجبا ِر ِ‬
‫الناس‬ ‫ٍ‬ ‫محاكم‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الطويل‬ ‫اإلسالم في تاريخه‬ ‫ُ‬ ‫ستعم ُر ‪ ،‬ولم يُِق ِم‬ ‫ليستمتِع بها الم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سط اإلسالم ُسلطانَه لم َيز ْل في‬ ‫داد خمسةَ عشر قرنًا من ب ِ‬ ‫على تغيير دينِهم؛ بل إنه على امتِ ِـ‬
‫َ‬
‫ِئ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يتعرض لها أح ٌد ‪ ،‬وال زالت تلك‬ ‫س لم َّ‬ ‫أصحاب ملَ ٍل ون َح ٍل لهم فيه معاب ُـد وكنا ُ‬ ‫ُ‬ ‫بالد‬
‫ِ‬
‫اإلسالم حتى اليوم‪.‬‬ ‫المسلمين على ِ‬
‫أرض‬ ‫شةً مع ُ‬ ‫ات ُمتعايِ َ‬ ‫األقلِّيَّ ُـ‬
‫اليوم لترى كيف تُغلَّب المصالِ ُح الضيقةُ على المبادِئ‬ ‫المواقف العالميةـ َ‬ ‫ِ‬ ‫ولك أن تنظَُر في‬
‫ُ‬
‫يحص َل‬ ‫ِ‬ ‫سوغُ القضاءُ على ُش ٍ‬ ‫والقيَ ِـم ‪ ،‬وكيف يُ َّ‬ ‫ِ‬
‫عوب ألنهمـ ُمسلمون ‪ ،‬أو خشيةَ أن ُ‬
‫المسلِمون على ُحقوقهم اإلنسانيةـ في بلدهم وليس خا ِر َجه!ـ‬ ‫ُ‬
‫واألخالقي؛ ألنهم‬
‫ِّ‬ ‫الدولي‬
‫ِّ‬ ‫القيام بواجبِ ِه‬
‫شعب ويمتنِ َع العالَم عن ِ‬
‫ُ‬ ‫باد ٌ‬ ‫خج ٌل أن يُ َ‬ ‫لموقف م ِ‬
‫ٌ ُ‬ ‫إنه‬
‫ُمسلِمون أو ُسنَّةٌ!‬
‫نصري ‪ ،‬وهذا ُيه ُّز ثقةَ‬ ‫اإلسالم بعد ذلك بالتمييز العُ ِّ‬ ‫َّهم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫هل هذه قيَم؟ هل هذه مبادئ؟ ثم ُيت ُ‬
‫ِ‬
‫األخالق والمبادِئ‬ ‫عاص َرة قائمةٌ على المصالِ ِح القومية ال على‬ ‫العالَ ِـم أن العالقات الدوليةـ الم ِ‬
‫ُ‬
‫ون إذا لم يت َِّفق مع المصالِح‪.‬‬ ‫والقانُ ِ‬
‫باإلنسان وحقوقِ ِه ‪ ،‬وتحت ِر ُم ثرواتِِـه‬‫ِ‬ ‫مات تُعنَى‬ ‫عام السالِفة ‪ ،‬والتي نشَأت بها ُمنظَّ ٌ‬ ‫وفي ِ‬
‫المئة ٍ‬
‫سلم ‪ ،‬في حين أن العكس ِ‬
‫حاض ٌر‬ ‫غير ُم ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫غزا بل ًدا َ‬ ‫التاريخ أن بل ًدا ُمسل ًما َ‬ ‫ُ‬ ‫سج ُل‬
‫وأراضيه لم يُ ِّ‬
‫سلم ِ‬
‫وقتل‬ ‫بلد ُم ٍ‬ ‫كاف لغز ِو ٍ‬ ‫جر َد التُّهمة ٍ‬ ‫الشبهةَ أو ُم َّ‬ ‫العالمي ‪ ،‬حتى إن ُّ‬ ‫المشه ِد‬ ‫بكل ألَ ٍم في‬
‫ِّ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫‪511‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫تاريخ ِه وحضارتِِه ‪ ،‬ثم‬ ‫واالعتداء على ِ‬ ‫ِ‬ ‫قدراتهـ ‪،‬‬ ‫ونهب ثرواتِِه ‪ ،‬وتدمي ِر ُم َّ‬ ‫ِ‬ ‫مليون من أبنائه ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫تعويض‪.‬‬ ‫الحال بغي ِر اعتذا ٍر وال‬ ‫ويم ُّر ُ‬ ‫ٍ‬ ‫يتبيَّ ُن أن ُّ‬
‫غير صحيحة ‪ُ ،‬‬ ‫الشبهةَ ُ‬
‫الذبيح بأنها هم ِجيَّة ‪ ،‬فانشغل الناس بلَ ِ‬ ‫فاض ِة‬
‫وم‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫العالمي في تصوي ِر انتِ َ‬ ‫ُّ‬ ‫اإلعالم‬
‫ُ‬ ‫نجح‬
‫لقد َ‬
‫ونسوا الذابِ َح!‬ ‫بيح ُ‬ ‫الذ ِ‬‫َّ‬
‫الخوف من اإلسالم؟‬ ‫ُ‬ ‫لماذا‬
‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي َخلَ َق ُك ْـم ِم ْن‬ ‫يتراحموا فيما بينهم ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الن ُ‬ ‫البشر أن َ‬ ‫وهو يدعُو َ‬
‫اءلُو َن بِ ِه‬ ‫َّ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اح َد ٍة و َخلَ َق ِم ْنها َزوجها وب َّ ِ‬ ‫سو ِ‬
‫سَ‬ ‫اء َو َّات ُقوا اللهَ الذي تَ َ‬ ‫سً‬ ‫ث م ْن ُه َما ِر َجااًل َكث ًيرا َون َ‬ ‫َ ْ ََ ََ‬ ‫َ‬ ‫َن ْف ٍ َ‬
‫ام ِإ َّن اللَّهَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا (‪. 711﴾ )1‬‬ ‫اَأْلر َح َ‬
‫َو ْ‬
‫غربية في‬ ‫دولة ٍ‬ ‫الطبقيَّةَ والعنصريَّةَ في المجتمع ‪ ،‬في حين أن أقوى وأكبر ٍ‬ ‫لقد ألغَى اإلسالم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َّاس ِإنَّا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عاما ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الن ُ‬ ‫مر إلغاء الطبقيَّة والعُنصريَّةـ فيها خمسين ً‬ ‫الحاض ِر لم يصل ُع ُ‬
‫َخلَ ْقنَا ُك ْم ِم ْن ذَ َك ٍر َوُأْنثَى َو َج َعلْنَا ُك ْـم ُشعُوبًا َو َقبَاِئ َل لَِت َع َارفُوا ِإ َّن َأ ْك َر َم ُك ْـم ِع ْن َد اللَّ ِه َأْت َقا ُك ْـم (‬
‫‪. 712﴾ )13‬‬
‫الخوف من اإلسالم؟‬‫ُ‬ ‫لماذا‬
‫ضوحا‬ ‫ُّ‬
‫األشد ُو ً‬ ‫المنهج‬
‫ُ‬ ‫اإلسالم هو‬
‫َ‬ ‫تحت رايتِ ِه ‪ ،‬إن‬
‫ُأرسيَت كانت َ‬ ‫حقوق لإلنسان ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وأول‬
‫ُ‬
‫ِـ‬
‫السياسية فحسب؛ بل ألنه‬ ‫ِ‬
‫الناحية‬ ‫بداد والتجبُّر والطغيان ‪ ،‬ليس من‬ ‫نقض االستِ ِ‬ ‫وصراحةً في ِ‬
‫الحق ‪ ،‬وهو توحي ُد اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ، -‬وفي‬ ‫ضةً لجوه ِر الدي ِن ِّ‬ ‫يعُ ُّد هذه الجراِئ َـم ُمناقِ َ‬
‫لنقض التجبُّر والطغيان وإبطالِهما‪.‬‬ ‫تكاملـ ِ‬ ‫منهج ُم ٌ‬
‫ال ُقرآن ٌ‬
‫الخوف من اإلسالم؟‬‫ُ‬ ‫لماذا‬
‫فر ُق بين ٍ‬
‫شاة‬ ‫ف فو َق طاقته وال يُجاعُ ‪ ،‬وال يُ َّ‬ ‫حقه ‪ ،‬فال يُكلَّ ُ‬
‫ظ حتى للحيوان َّ‬ ‫وقد ِ‬
‫حف َ‬
‫شه‪.‬‬ ‫وولدها ‪ ،‬وال تُؤ َخ ُذ فِرا ُ‬
‫خ طائ ٍر من عُ ِّ‬ ‫ِ‬
‫حر ُم عليهم ُمتَ َع الحياة وزينتها وجمالَها؟!‬
‫الناس من اإلسالم؟ أيخافُونَه ألنه يُ ِّ‬
‫يخاف ُ‬‫ُ‬ ‫لماذا‬

‫‪711‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪712‬‬
‫سورة الحجرات‬
‫‪512‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫حرمو َن زينةَ اهلل التي خل َقهاـ للناس ‪ ﴿ ،‬قُ ْل َم ْن‬ ‫َّكير على الذين يُ ِّ‬ ‫شد َد الن َـ‬ ‫فاإلسالم َّ‬
‫ُ‬ ‫كال ‪،‬‬
‫اإلسالم قد ك َف َل‬
‫َ‬ ‫الر ْز ِق (‪ 713﴾ )32‬إن‬ ‫ات ِم َن ِّ‬ ‫اد ِه والطَّيِّب ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َح َّر َم ِزينَةَ اللَّه الَّتي َأ ْخ َر َج لعبَ َ َ‬
‫خوف من اإلسالم وال َج ْزع‪.‬‬ ‫أحد ‪ ،‬فال َ‬ ‫ومباهجها لكل ٍ‬ ‫الحياة ومتعها ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫حق‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫الخوف من اإلسالم؟‬ ‫ُ‬ ‫لماذا‬
‫ُأمم بعدهاـ‬ ‫بالحضارة في َفتر ٍة من التاريخ ق َفز ٍ‬ ‫ِ‬
‫وأكملَت ٌ‬ ‫َ‬ ‫ات كان لها ما بع َدهاـ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقد ق َف َز‬
‫المسير‪.‬‬
‫َ‬
‫التسام ُح وال ُخلُ ُق الكريم‬ ‫ب ‪ ،‬بينما‬ ‫والتعص ِ‬
‫ُّ‬ ‫يحمل ب ُذور العُ ِ‬
‫نف‬ ‫اإلسالم على أنه ِ‬ ‫صو ُر‬‫لماذا يُ َّ‬
‫ُ‬ ‫ُُ َ‬ ‫ُ‬
‫والصفح‬
‫ِ‬ ‫الرحمة والرأفَ ِـة والعف ِو‬‫ِ‬ ‫كر‬ ‫ِ‬
‫ورد في القرآن الكريمـ ذ ُ‬ ‫يل؛ بل َ‬ ‫ٌّ ِ‬
‫إسالمي أص ٌ‬ ‫مبدٌأ‬
‫مرة ‪ ،‬عدا ما ُأثِر عن النبي محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫ِـ‬
‫تسعمائة َّ‬ ‫والمغفرة والصب ِر أكثر من‬ ‫ِ‬
‫التسام ِح؟!‬ ‫ِ‬
‫التربية على‬ ‫دين ‪ ،‬أو ثقافةٌ أعطَى عنايةً كهذه في‬
‫ُ‬ ‫وسلم ‪-‬؛ فهل يُوجد ٌ‬
‫للظلم ‪ ،‬واالستِكانةَـ للظالمين؛ بل إنه‬ ‫نوع ِ‬ ‫الذل والهوا َن ‪ ،‬أو ال ُخ َ‬ ‫التسامح ال يعنِي َّ‬
‫َُ‬ ‫على أن‬
‫ص ُرو َن (‪)39‬‬ ‫ين ِإذَا َأصاب ُهم الْب ْغي ُهم ي ْنتَ ِ‬
‫ََ ُ َ ُ َْ‬ ‫الكريم بقوله‪َ ﴿ :‬والَّ ِذ َـ‬ ‫ُ‬ ‫عب ُر عنه القرآ ُن‬ ‫تواز ٌن يُ ِّ‬
‫َأجرهُ َعلَى اللَّ ِه ِإنَّهُ اَل ي ِح ُّ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ين (‪َ )40‬ولَ َم ِن‬ ‫ب الظَّالم َ‬ ‫ُ‬ ‫َأصلَ َح فَ ْ ُ‬ ‫َو َج َزاءُ َسيَِّئة َسيَِّئةٌ م ْثلُ َها فَ َم ْن َع َفا َو ْ‬
‫َّاس‬ ‫ِ‬
‫ين يَظْل ُمو َن الن َ‬
‫َّ ِ‬
‫يل َعلَى الذ َ‬
‫يل (‪ِ )41‬إنَّما َّ ِ‬
‫السب ُ‬ ‫َ‬ ‫ك َما َعلَْي ِه ْم ِم ْن َسبِ ٍ‬ ‫ص َر َب ْع َد ظُل ِْم ِه فَُأولَِئ َ‬‫ا ْنتَ َ‬
‫ك لَ ِم ْن‬ ‫صَب َر َوغَ َف َر ِإ َّن ذَلِ َ‬‫يم (‪َ )42‬ولَ َم ْن َ‬
‫ك لَهم َع َذ ِ‬
‫اب َأل ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ِئ‬
‫ْح ِّق ُأولَ َ ُ ْ‬ ‫ض بِغَْي ِر ال َ‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َي ْبغُو َن في ْ‬
‫اُأْلمو ِر (‪. 714﴾ )43‬‬ ‫ِ‬
‫َع ْزم ُ‬
‫ومرغوب ما لم يترتَّب عليه إعانةٌ‬ ‫مطلوب‬ ‫أمر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ومقابلَة السيئة بالحسنة ٌ‬ ‫البر ُ‬ ‫والتسام ُح بمعنى‪ِّ :‬‬ ‫ُ‬
‫الع َّزةـ هلل ولرسولهـ وللمؤمنين‪.‬‬ ‫هاك لمبدأ ِ‬ ‫الظلم ‪ ،‬أو ُخذال ٌن للمظلوم ‪ ،‬أو انتِ ٌ‬ ‫على ِ‬
‫جاه اإلنسان والبيئة ‪،‬‬ ‫السلوك الحس ِن تِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تفاصيل‬ ‫بحسن ال ُخلُق ‪ ،‬وبكل‬ ‫اإلسالم ُ‬
‫ُ‬ ‫لقد جاء‬
‫ِ‬
‫وجانب المادَّة‪.‬‬ ‫وحي‬
‫الر ِّ‬ ‫الجانب ُّ‬‫ِ‬ ‫نسج ًما بين‬ ‫كما جاء م ِ‬
‫ُ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫الناس عن‬‫لصد ِ‬ ‫عمدوا ِّ‬ ‫أقوام َ‬
‫اصطن َعها ٌ‬ ‫التخويف من اإلسالم صناعةٌ َ‬ ‫َ‬ ‫إن حقيقةَ األم ِـر أن‬
‫سياسية وعُنصريٍَّة ‪،‬‬ ‫ٍـ‬ ‫ٍ‬
‫ألغراض‬ ‫وشرائع ِه؛‬
‫ِ‬ ‫حقائق ِـه وقِيَ ِمه ‪ ،‬وشعائ ِر ِه‬ ‫اإلسالم ‪ ،‬أو الل ْغ ِو في ِ‬

‫‪713‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪714‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪513‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الناس وشأنهم لو تُ ِركوا ِلفطَرهمـ وضمائ ِرهمـ وعُقولهم‬ ‫ٍ‬


‫وأهواء شهوانيَّة ‪ ،‬وإال لو تُ ِر َك ُ‬
‫ضد اإلسالم لَ َما خافُوا منه ُّ‬
‫قط‪.‬‬ ‫تعبئة َّ‬‫تحريض أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫المستقلَّة ‪ ،‬لو تُ ِركوا دون‬‫ُ‬
‫المسلمين وح َدهم؛ بل هو‬ ‫ِ‬ ‫ِـ‬
‫كرا على ُ‬ ‫وخيره ليس ح ً‬ ‫ُ‬ ‫العرب وح َدهم ‪،‬‬ ‫دين‬
‫اإلسالم ليس َ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫ِ ِ‬
‫ين (‪. 715﴾ )107‬‬ ‫اك ِإاَّل َر ْح َمةً لل َْعالَم َ‬ ‫الناس ‪َ ﴿ ،‬و َما َْأر َسلْنَ َ‬ ‫رحمةٌ لكل ِ‬
‫يتمسكوا بمبادِِئه وقِيَ ِمه ‪ ،‬وأن يُبيِّنوا ِ‬
‫للناس حقيقتَهُ تمثُّاًل‬ ‫المسلمين أن َّ‬ ‫والواجب على ُ‬
‫ُ‬
‫ُّعا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ِّعاء وتصن ً‬
‫وتطبي ًقا ‪ ،‬ودعوةً ُمخلصةً ‪ ،‬وليس اد ً‬
‫تهاو َن ‪ ،‬أو‬ ‫فر َط فيه أو َ‬ ‫الخوف على من َّ‬ ‫َ‬ ‫لكن‬
‫ظ دينَه ‪َّ ،‬‬ ‫اإلسالم؛ فاهللُ حافِ ٌ‬
‫ِ‬ ‫خوف على‬
‫َ‬ ‫وال‬
‫‪716‬‬
‫اط ُم ْستَ ِق ٍيم (‪﴾ )43‬‬ ‫صر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ك ِإنَّ َ‬ ‫ك بِالَّ ِذيـ ِ‬
‫ُأوح َـي ِإلَْي َ‬ ‫استَ ْم ِس ْ‬ ‫َّ‬
‫ك َعلَى َ‬ ‫وأعرض ‪ ﴿ ،‬فَ ْ‬
‫َ‬ ‫صد عنه‬
‫‪.‬‬
‫ِـ‬
‫اآليات والذك ِـر الحكيم ‪ ،‬أقول‬ ‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪ ،‬ون َف َعنا بما فيه من‬
‫َ‬
‫قولي هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيمـ ‪ ،‬مالك يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫المبين ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسولُه الصاد ُق األمينـ ‪ ،‬صلَّى‬ ‫وحده ال شريكـ له ُّ‬
‫الحق ُ‬
‫اهلل وسلَّم َ‬
‫وبار َك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬ـ‬
‫أما بعد ‪ ،‬أيها الناس‪:‬‬
‫القتل والتروي ِع ‪ ،‬والتي تجري على ِ‬
‫شامنا‬ ‫ِ‬
‫بمشاهد ِ‬ ‫مط ُرنا‬ ‫ِ‬
‫الفضاء تُ ِ‬ ‫وقنوات‬ ‫سبق ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يُسا ُق ما َ‬
‫صوصا الغربيـ والشرقي منه ‪، -‬‬ ‫هاض اُألممـ ‪ُ -‬خ ً‬ ‫احهاـ من انتِ ِ‬‫سف ُ‬ ‫"سوريا" ‪ ،‬وقد ِأم َن َّ‬ ‫ِ‬
‫الحبيب ُ‬
‫إلرهاب شعبِ ِه ‪ ،‬لم يعُ ْد ُّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫احتسبَهاـ ِدعايةً‬ ‫ِ‬
‫نشر تلك المشاهدـ تُزع ُجه؛ بل ربما َ‬ ‫ولم تعُ ْد ُ‬
‫ُأمم‬ ‫الح ِ‬ ‫ِ‬ ‫زع ُجه ما دام أن طاغيةَ ِ‬
‫الشام َّ‬ ‫ذلك ي ِ‬
‫واقتنعت ٌ‬
‫َ‬ ‫كم ‪،‬‬ ‫المسلمون في ُ‬ ‫حذ َر أن يخلَُفه ُ‬ ‫ُ‬

‫‪715‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪716‬‬
‫سورة الزخرف‬
‫‪514‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫صوصا‬
‫المسلمين ‪ -‬والسنةُ منهم ُخ ً‬ ‫ِ‬
‫األرض أن ُ‬ ‫غر ُر بهم من ُأمم‬ ‫بذلك التحذي ِر ‪ ،‬ولم ي ْد ِر ُ‬
‫الم َّ‬
‫ف حزبِ ِـه ل ُق ٍ‬
‫رون‪.‬‬ ‫فحسب؛ بل كانوا ُهم سلَ َ‬ ‫‪ -‬لن يكونوا َخلَ َفه‬
‫ُ‬
‫المسلمين ‪،‬‬‫وآمن وأرقَى حينما كانت تحت ُحكم ُ‬ ‫َ‬ ‫الشام وأرغَد ‪،‬‬
‫أعز ما كانت ُ‬ ‫وكانت َّ‬
‫بظهور الطُّغاة‪.‬‬
‫ؤم إال ُ‬ ‫وما عرفَت ُّ‬
‫الش َ‬
‫أبواب السماء ‪ ،‬وإن كل‬ ‫ُ‬ ‫الم َد ُد من األرض فُتِ َحت‬
‫كبير ‪ ،‬وإذا انقطَ َع َ‬
‫ِ‬
‫األمل في اهلل ٌ‬
‫وإن َ‬
‫البالد؛‬
‫تقوم به هذه ُ‬ ‫ٍ‬
‫ومشكور ‪ ،‬ومنه ما ُ‬
‫ٌ‬ ‫ش لمحمو ٌد‬ ‫فكري يجلُو ذلك الغَبَ َ‬
‫ٍّ‬ ‫سياسي أو‬
‫ٍّ‬ ‫نشاط‬
‫عوب والدول ‪،‬‬‫الش ِـ‬ ‫ِ‬
‫المظاليم من ُّ‬ ‫فقد ارتفع صوتُها في كل مح َف ٍل يع َق ُـد للنظر في ِ‬
‫قضية‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِـ‬
‫والفْأل حين النظ ِر في‬ ‫ِ‬
‫الظالم ‪،‬‬ ‫األخذ على ِ‬
‫يد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والحزم في‬ ‫بالجديَّة في رف ِع ِ‬
‫الظلم ‪،‬‬ ‫نادي ِّ‬‫تُ ِ‬
‫ِ‬
‫الخوف‪.‬‬ ‫ب ‪ ،‬والطمأنَِة من‬ ‫العواقِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غشاو َة‬
‫المخلصة ‪ ،‬ويجلَُو َ‬ ‫هود ُ‬ ‫الج َ‬ ‫عسى اهلل أن يُنج َح المساعي الصادقةـ ‪ ،‬ويُوفِّ َق ُ‬
‫ض ِع ُفوا فِي‬
‫استُ ْ‬ ‫األيام على كل ُمتكبِّ ٍر جبَّا ٍر ‪َ ﴿ ،‬ونُ ِري ُد َأ ْن نَ ُم َّن َعلَى الَّ ِذ َـ‬
‫ين ْ‬ ‫ديل َ‬ ‫األبصارـ ‪ ،‬ويُ َـ‬
‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫ين (‪. 717﴾ )5‬‬ ‫ض َونَ ْج َعلَ ُه ْم َأ َّمةً َونَ ْج َعلَ ُه ُم ال َْوا ِرث َ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫ْ‬
‫صل وسلِّم وبا ِرك على‬ ‫المجتبى ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫المصطفى والرسولـ ُ‬ ‫هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على النبي ُ‬
‫ارض‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬اللهم َ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن‬ ‫ٍّ‬ ‫الراشدين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عن األئمة المهديين ‪ ،‬والخلفاء‬
‫نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين‪.‬ـ‬ ‫صحابة نبيِّك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على ِ‬ ‫ِ‬ ‫سائر‬
‫َ‬
‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬ ‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬ ‫اللهم ِ‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نح ِره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬ ‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح َّ‬
‫إمامناـ َّ‬
‫أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫وحد به كلمةَ‬ ‫وفِّقه ُلهداك ‪ ،‬واجعل عملَه في ِرضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةَـ الصالحةَ ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫ِ‬
‫الجزاء على نُصرته للمظلومين ‪ ،‬وثباتِِه على‬ ‫ِ‬
‫لواء الدين ‪ ،‬وجا ِزه َ‬
‫خير‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬
‫باركِين‬ ‫وولي عهده وسدِّدهمـ ِ‬ ‫مواقف ِ‬‫ِ‬
‫واجعله ُم َ‬
‫َ‬ ‫وأع ْنهم ‪،‬‬ ‫والحق ‪ ،‬اللهمـ وفِّقه َّ‬
‫ِّ‬ ‫العدل‬
‫وصالح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ُموفَِّقين لكلـ خي ٍر‬
‫‪717‬‬
‫سورة القصص‬
‫‪515‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اللهم أصلِح أحوالـ المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالَهمـ في سوريا وفلسطين ‪،‬‬
‫وس َّد َخلَّتهم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحق والهدى ‪ ،‬اللهم احقن دماءهمـ ‪ ،‬وآمن روعاتهم ‪ُ ،‬‬ ‫اجمعهم على ِّ‬ ‫اللهم َ‬
‫ِ‬
‫وانصرهم‬ ‫ُ‬ ‫أعراضهم ‪ ،‬واربِط على قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهمـ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جائعهمـ ‪ ،‬واح َفظ‬ ‫وأطعم َ‬
‫فر َجك‬ ‫على من بغَى عليهم ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫فر َجك القريب ‪ ،‬اللهم َ‬ ‫صارهم ‪ ،‬اللهم َ‬ ‫كح َ‬
‫فر َجك القريب‪.‬‬ ‫القريبـ ‪ ،‬اللهمـ َ‬
‫ِ‬
‫لليتامى والثَّ َكالَى‬
‫المستضعفين المظلومين ‪ ،‬اللهم انتصر َ‬ ‫نصرك على عبادك ُ‬ ‫اللهم إنا نستن ِز ُل َ‬
‫ناصر المظلومين‪.‬‬ ‫حماك بهم يا أرحم الراحمينـ ‪ ،‬ويا ِ‬ ‫والمظلومين ‪ ،‬اللهم ُر َ‬
‫ك ‪ ،‬اللهم هيِّئ لهم ي ًدا‬ ‫عجزونَ َ‬‫اللهم عليك بالطُّغاةـ الظالمين ‪ ،‬اللهم عليك بهم فإنهمـ ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫عجزونَك‪.‬‬ ‫تستأصل شأ َفتَهم ‪ ،‬اللهمـ عليك بهم فإنهم ال ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫حاصد ًة‬‫الحق ِ‬
‫من ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ستضعفينـ من‬ ‫الم َ‬ ‫وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر ُ‬ ‫َ‬ ‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫انصرهم في فلسطين على الصهاينةـ ُ‬ ‫المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم ُ‬
‫اب النَّا ِر (‪. 718﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫رضيك آمالنا‪.‬‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫أنعمت به علينا من‬ ‫َ‬ ‫بار ًكا فيه ‪ ،‬اللهم لك الحم ُد على ما‬ ‫كثيرا طيبًا ُم َ‬
‫اللهم لك الحم ُد حم ًدا ً‬
‫المطر اللهم فبا ِرك لنا فيما رزقتَنا و ِزدنا يا ُّ‬
‫حي يا‬ ‫ِ‬
‫أنزلت علينا َ‬ ‫َ‬ ‫نزول األمطار ‪ ،‬اللهم كما‬
‫المسلمين ‪ ،‬اللهم اجعلـ ما أنزلتَهـ ُق َّوةً‬ ‫بالد ُ‬
‫قيُّوم يا ذا الجالل واإلكرام ‪ ،‬اللهم ُع َّم باألمطار َ‬
‫كثيرا ‪ ،‬اللهم ِزدنا‬ ‫ِ‬
‫كثيرا كما تُنع ُم ً‬‫لنا على طاعتك وبالغًا إلى حين ‪ ،‬اللهم لك الحم ُد ً‬
‫وبا ِرك لنا ‪ ،‬اللهم ِزدنا وبا ِرك لنا ‪ ،‬اللهم ِزدنا وبا ِرك لنا‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪718‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪516‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬عظات وعبر من قصة يوسف عليه السالم‬

‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬عشرون من جمادى اآلخر من عام ‪ 1433‬هـ‬

‫‪ -‬عظات وعبر من قصة يوسف عليه السالم ‪-‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬عظات‬
‫صيب‬ ‫ِ‬ ‫وعبر من قصة يوسف عليه السالم"‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن االبتالءاتـ والم َحن التي تُ ُ‬
‫ربة وغير‬ ‫ٍ‬
‫وخوف وغُ ٍ‬ ‫مح ٍن وفت ٍن‬
‫وتذكير الناس بقصة يوسف وما استملَت عليه من َ‬
‫َ‬ ‫المؤمنين‪،‬‬

‫‪517‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وجهُ بذلكـ رسالةً إلى كل ُم َبتلَى بوجوب الصبر‬


‫ونصر‪ ،‬وهو يُ ِّ‬
‫تمكين في األرض ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ذلك‪ ،‬ثم‬
‫على االبتالء‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفره‪،‬ـ ونعوذ باهلل من شرور أنفسناـ ومن سيئات أعمالنا‪،‬‬
‫هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من يهده اهلل فال ُمض َّل له‪ ،‬ومن يُضلل فال َ‬
‫له‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسوله‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك عليه وعلى آله الطيبين‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫الطاهرين‪،‬ـ وصحابته الغُِّر الميامين‪ ،‬والتابعينـ ومن تبِ َعهمـ‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫الحاجز عند‬
‫ُـ‬ ‫فأوصيكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬ونفسيـ بتقوى اهلل؛ فالتقوى طو ُق النجاة‪ ،‬وهي‬
‫اء اللَّ ِه اَل َخ ْو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َواَل ُه ْم‬ ‫النصر عند الشدائدـ والم َحن‪َ ﴿ ،‬أاَل ِإ َّن َْأوليَ َ‬ ‫ُ‬ ‫الفتن‪ ،‬وبها يكون‬
‫الد ْنيَا َوفِي اآْل ِخ َر ِة اَل‬
‫ْحيَ ِاة ُّ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا َو َكانُوا َيَّت ُقو َن (‪ )63‬لَ ُه ُم الْبُ ْش َرى في ال َ‬ ‫ين َ‬ ‫يَ ْح َزنُو َن (‪ )62‬الَّ ِذ َـ‬
‫‪719‬‬
‫يم ﴾‬‫ك ُه َو الْ َف ْو ُز ال َْع ِظ ُـ‬
‫ات اللَّ ِه ذَلِ َ‬
‫َت ْب ِديل لِ َكلِم ِ‬
‫َ َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫يجم ُل‬ ‫طول ِ‬ ‫أيها الصابِرون ِ‬


‫الصامدون‪،‬ـ ويا أيها الم َبتلَون! إنه ومع ِ‬
‫الليل وتفاقُم الجراح ُ‬ ‫ُ‬
‫السلْوان‪ ،‬وفي ثنايا اآلالم تُولَ ُد اآلمال‪ ،‬وإذا‬
‫التفاُؤ ل‪ ،‬وفي غَمرة األحزانـ تحلُو حكاياـ ُّ‬
‫وعز ِ‬
‫الناص ُر؛ فسنَّةُ اهلل في قُرآنه قبل‬ ‫ط ِ‬
‫الفاج ُر َّ‬ ‫وأطب َقت ال ُخطوب‪ ،‬وتسلَّ َ‬ ‫َّ‬
‫اشتدتـ ال ُكروب‪،‬ـ َ‬
‫النفوس ويز ُكو بها اإليمان‪.‬‬‫ُ‬ ‫األمل‪،‬ـ وتحيا بها‬
‫تبعث َ‬
‫قصص ُ‬ ‫ٌ‬ ‫النصر‬

‫‪719‬‬
‫سورة يونس‬
‫‪518‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وابتالءات ليس إال سنةً قد خلَت في األصفياء قبله‪ ،‬تُرفَع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍـ‬
‫جراحات‬ ‫المؤمن من‬ ‫صيب‬
‫َ‬ ‫وما يُ ُ‬
‫القلوب‪ ،‬وتص ُفو بها األمةُـ المؤمنة‪َ ﴿ ،‬وتِل َ‬
‫ْك‬ ‫ُ‬ ‫ص بها‬ ‫مح ُ‬‫حط السيئات‪ ،‬وتُ َّ‬ ‫بها الدرجات‪ ،‬وتُ ُّ‬
‫َّخ َذ ِم ْن ُكم ُش َه َداء واللَّهُ اَل ي ِح ُّ ِ ِ‬
‫ين آمنُوا ويت ِ‬ ‫ِ‬ ‫اَأْليَّام نُ َدا ِولُهاـ بين الن ِ ِ‬
‫ب الظَّالم َ‬
‫ين‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َّاس َولَي ْعلَ َم اللَّهُ الَّذ َـ َ َ َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ُ‬
‫آمنُوا َويَ ْم َح َق الْ َكافِ ِر َـ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ص اللَّهُ الذ َ‬
‫‪720‬‬
‫ين (‪﴾ )141‬‬ ‫ين َ‬ ‫(‪َ )140‬وليُ َم ِّح َ‬

‫أحرج الفتراتـ وأشدِّهاـ‬ ‫وفي سيرة نبيِّنا محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ ٌ -‬‬
‫آيات وعبَر‪ ،‬وفي َ‬
‫في مكة‪ ،‬وقبل ال ِهجرة بثالث سنين ماتَت خديجةُ ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬وكانت وزير ٍ‬
‫صدق‬ ‫َ‬
‫من َعةً له‬
‫عمه أبو طالب‪ ،‬وكان َ‬‫الحبيب إليها‪ ،‬ويستنِ ُد عليها‪ ،‬ومات ُّ‬
‫ُ‬ ‫النبي‬
‫على اإلسالم‪ ،‬يش ُكو ُّ‬
‫بعض من أسلَ َم‪ ،‬وانك َفَأتـ‬ ‫الناس حادثةَـ اإلسراء َّ‬
‫فكذبوه‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وارتد ُ‬ ‫واستغرب ُ‬
‫َ‬ ‫وناص ًرا على قومه‪،‬‬
‫يدخل في اإلسالم أحد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الدعوةُ حتى ما كاد‬

‫قريش على النبي ‪-‬‬


‫ٌ‬ ‫وتجرَأت‬
‫عام الحزن‪َّ ،‬‬
‫العام‪َ :‬‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ذلك َ‬
‫وسمى ُّ‬
‫َّ‬
‫ورسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬
‫ُ‬ ‫أقصى مداها‪،‬ـ‬
‫الحرب عليه َ‬
‫ُ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬وبلغَت‬
‫المسلِمةُ هذه َّ‬
‫الشدة‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫شةـ والغُربة‪،‬ـ وتُعاني معه الجماعةُ ُ‬
‫الوح َ‬ ‫ِ‬
‫وسلم ‪ -‬يُعاني من َ‬
‫فأنزل اهلل تعالى سورة اإلسراء وال ُفرقان‪ ،‬ثم نزلَت سورةُ يونس‪ ،‬ثم سورة هود‪ ،‬وكان فيها‬‫َـ‬
‫من التثبيت والتسرية وقصص األنبياء وأخبا ِرهمـ مع أقوامهم وأيام اهلل فيهم‪ ،‬وإدالَةـ الحق‬
‫عزم النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وعُصبَته المؤمنة‪ ،‬وفي خاتمةـ سورة هود‬ ‫قوى َ‬
‫وأهله ما َّ‬
‫ت بِ ِه ُفَؤ َ‬ ‫ك ِم ْن َأْنبَ ِاء ُّ‬
‫الر ُس ِل َما ُنثَبِّ ُ‬ ‫﴿ َو ُكاًّل َن ُق ُّ‬
‫‪721‬‬
‫اد َك ﴾‬ ‫ص َعلَْي َ‬

‫بلسما وحنانًاـ‬
‫وبعد هذه السور وفي تلك المرحلة الحزينة نزلت سورةُ يوسف؛ فكانت ً‬
‫وسلوانًا‪ ،‬وكانت خاتمةَ القصص الجميلة‪.‬‬
‫ورحمةً من اهلل ُ‬

‫‪720‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪721‬‬
‫سورة هود‬
‫‪519‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الفراق وحالوة اللقاء‪ ،‬فيها ِحكايةُ اليأس‬ ‫سورةُ يوسف فيها ِ‬


‫مشاه ُد األلمـ واألمل‪ ،‬ومرارة ِ‬
‫ُ‬
‫والصفح‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والعفو‬
‫ُ‬ ‫االنتقام‬
‫ُ‬ ‫والنصر‪ .‬فيها‬
‫ُ‬ ‫النجاح‬
‫ُ‬ ‫واليقين‪ ،‬والظلم وال َقهر‪،‬ـ واالبتالء والصبر‪ ،‬ثم‬
‫الحسنى للمتقين والصابرين‪.‬ـ‬
‫والتمكين بعد االبتالء‪ ،‬والعاقبةُـ ُ‬
‫ُ‬ ‫فيها الرجاءُـ والدعاءُ‪،‬‬

‫تسمع‬
‫قصصي لم َ‬ ‫ٍّ‬ ‫وأسراره في ٍ‬
‫نظم‬ ‫ُ‬ ‫وتدبيره‬
‫ُ‬ ‫ُسورةُ يوسف تتجلَّى فيها ِحكمةُ اهلل وأقداره‪،‬‬
‫اب ال ُْمبِي ِن (‪ِ )1‬إنَّا َأْن َزلْنَاهُـ ُق ْرآنًا َع َربِيًّا لَ َعلَّ ُك ْم َت ْع ِقلُو َن (‪)2‬‬ ‫ات ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬ ‫ْك آيَ ُ‬ ‫بمثلِه ﴿ الر تِل َ‬ ‫الدنيا ِ‬
‫أخ له كريم‪:‬‬ ‫الكريم قصةَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يقص اهلل على نبيِّه‬ ‫ُّ‬
‫‪722‬‬
‫ص (‪﴾ )3‬‬ ‫ص ِ‬‫س َن الْ َق َ‬
‫َأح َ‬
‫ك ْ‬ ‫ص َعلَْي َ‬
‫نَ ْح ُن َن ُق ُّ‬
‫يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيمـ ‪ -‬عليهم صلوات اهلل وسالمه أجمعين ‪ ،-‬وهو‬
‫ب والخوف والتروي ِع‬
‫الج ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يُعاني صنوفًا من الم َحن واالبتالءات‪ :‬محنةُ كيد اإلخوة‪ ،‬ومحنةُ ُ‬
‫حماية وال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يد على غير ٍ‬ ‫يد إلى ٍ‬
‫كالسلعة من ٍ‬
‫ِ‬ ‫فيه‪ِ ،‬‬
‫رعاية‬ ‫إرادة منه وال‬ ‫الر ِّق وهو ُ‬
‫ينتقل‬ ‫ومحنةُ ِّ‬
‫من َأب َويه وال من أهله‪.‬‬

‫ومحنةُ السجن بعد‬‫ومحنةُ كيد امرأةـ العزيز والنِّسوة‪ ،‬وقبلَها ابتالء اإلغراء والفتنة والشهوة‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫المطلَق في يديه وهو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رغَ ِد‬
‫العيش وطََر َاوتهـ في قصر العزيز‪،‬ـ ثم محنةُ الرخاءـ والسلطان ُ‬
‫ِ‬ ‫يتحكم في أقوات الناس وفي ِرقابِهم‪ ،‬وفي يديهـ لُقمة ال ُخبز التي ت ُقوتُهم‪ِ ،‬‬
‫المشاعر‬ ‫ومحنةُ‬ ‫َّ ُ‬
‫ب وكانوا السبب الظاهر لهذه ِ‬
‫الم َحن‬ ‫الج ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫البشريةـ وهو يل َقى بعد ذلك إخوتَه الذين أل َقوه في ُ‬
‫واالبتالءاتـ كلِّها‪.‬‬
‫َ‬
‫ِـ‬
‫التعقيبات عليها‬ ‫ِ‬
‫الكريم‪ ،‬ومن‬ ‫النبي‬ ‫احتوته من ِ‬
‫قصة هذا ِّ‬ ‫عجب أن تكون هذه السورة بما َ َ‬
‫َ‬ ‫فال‬
‫يتنزل على رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬والمسلمين معه في مكة في‬ ‫بعد ذلك مما َّ‬
‫المغت ِربين‪.‬‬
‫طاردين ُ‬
‫للم َ‬
‫هذه الفترة بالذات‪،‬ـ تسليةً وتسريةً‪،‬ـ وتطمينًا وتثبيتًا ُ‬
‫والتمكين مهما‬
‫ُ‬ ‫النصر‬
‫ُ‬ ‫تلميحا باإلخراجـ من مكة إلى دا ٍر أخرى يكون فيها‬
‫ً‬ ‫بل َّ‬
‫كأن في هذا‬
‫إكراهاـ تحت التهديد‪ ،‬كما ُأخرِج يوسف من ِحض ِن أبيه لي ِ‬
‫واجهَ هذه‬ ‫ً‬ ‫بدا أن الخروج كان‬
‫ُ‬
‫ف فِي‬ ‫ِ‬ ‫االبتالءاتـ كلها‪ ،‬ثم ينتهي بعد ذلك إلى النصر والتمكين‪َ ﴿ ،‬و َك َذلِ َـ‬
‫ك َم َّكنَّاـ ليُ ُ‬
‫وس َ‬

‫‪722‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪520‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ب َعلَى َْأم ِر ِه َولَ ِك َّن َأ ْك َث َر الن ِ‬
‫َّاس اَل َي ْعلَ ُمو َن (‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اَأْلحاديث َواللَّهُ غَال ٌ‬
‫يل َ‬ ‫ض َولُِن َعلِّ َمهُ ِم ْن تَْأ ِو ِ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫ْ‬
‫‪723‬‬
‫‪﴾ )21‬‬

‫ِ‬
‫الرقيق‪ ،‬وجاءت السورةُ وفي كل‬ ‫لقد جاءت آيةُ التمكين في ثناياـ ذك ِر يوسف وهو يُباعُ َ‬
‫بيع َّ‬
‫للمتَّقين‪.‬‬
‫الحسنى ُ‬ ‫ِـ‬
‫والعاقبة ُ‬ ‫برب العالمين‪،‬‬
‫قصتها تأكي ٌد لإليمان واليقين والثقة ِّ‬ ‫ِـ‬
‫مراحل َّ‬

‫ب َعلَى َْأم ِر ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ب وبيعه وإرادة الكيد له قال اهلل تعالى﴿ َواللَّهُ غَال ٌ‬
‫وعند إلقاء يوسف في الج ِّ ِ‬
‫ُ‬
‫أمرا‪،‬‬‫أمرا وأراد اهلل له ً‬ ‫َّاس اَل َي ْعلَ ُمو َن (‪ ﴾ )21‬؛ فقد أراد إخوةُ يوسف له ً‬ ‫َولَ ِك َّن َأ ْك َث َر الن ِ‬
‫أمرهم‪،‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمره‪ ،‬أما إخوةُ يوسف فال يملكون َ‬ ‫ومسيط ًرا فقد ن َف َد ُ‬ ‫ولما كان اهلل غالبًا على أمره ُ‬
‫َّاس اَل َي ْعلَ ُمو َن ﴾ ال يعلمون أن سنةَ‬ ‫وخرج عما أرادوا ﴿ َولَ ِك َّن َأ ْك َث َر الن ِ‬
‫َ‬ ‫ت من أيديهم‬ ‫فأفلَ َ‬
‫ماضية وأن أمره هو الذي يكون‪.‬‬ ‫اهلل ِ‬

‫ث في‬ ‫مظلمتَه عند الملِك كان جزاُؤ ه أن لبِ َ‬‫يوسف أن ير َك َن إلى بش ٍر يذ ُك ُر َ‬


‫ُ‬ ‫كاد‬
‫وعندما َ‬
‫ِ‬
‫ك بسببه‬ ‫ويستمس َ‬ ‫األسباب كلَّها‪،‬‬
‫َ‬ ‫شاء ربُّه أن يُعلِّ َمه كيف يقطَ ُع‬ ‫السج ِن بِ َ‬
‫ضع سنين‪ ،‬قد َ‬
‫بعبد‪ ،‬وهذاـ من اصطفاِئه‬‫ط ٍ‬ ‫سبب يرتبِ ُ‬
‫عبد‪ ،‬وال ٍ‬ ‫يد ٍ‬‫وحده فلم يجعل قضاء حاجته على ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وكرمه‪.‬‬

‫ادهم‪،‬‬ ‫صوا له ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وأن ي َدعُوا له وحده قِيَ َ‬ ‫ِ‬


‫المخلَصين ينبغي أن يُخل ُ‬
‫عباد اهلل ُ‬
‫إن َ‬
‫البشري في أول األم ِـر عن‬ ‫ضعفهم‬‫يعجزون ب َ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫طاهم‪ ،‬وحين َ‬‫يل ُخ ُ‬‫وي َدعُوا له ‪ -‬سبحانه ‪ -‬تنق َ‬
‫ويتذوقوه ويلت ِزموه‬
‫فيقه ُرهم عليه حتى يع ِرفُوه َّ‬ ‫َّل اهلل ‪ -‬سبحانه ‪َ -‬‬ ‫السلوك يتفض ُ‬
‫اختيار هذا ُّ‬
‫وحبًّا وشوقًا‪ ،‬فيُتِ ُّم عليهم فضلَه بهذا كلِّه‪.‬‬ ‫بعد ذلك طاعةً و ِر ً‬
‫ضا ُ‬

‫والتعري من كل قِيَم‬
‫ِّ‬ ‫والتجر ُد له‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫االعتزاز باهلل‪ ،‬واالطمئنا ُن إليه‪ ،‬والثقةُـ به‪،‬‬
‫ُ‬ ‫اليقين هو‪:‬‬
‫ُ‬
‫الم ِّ‬
‫تحكمة فيها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتحرر من كل أوهاقها‪ ،‬واستصغارـ شأن القوى ُ‬ ‫ُّ‬ ‫األرض‪،‬‬

‫‪ 723‬سورة يوسف‬
‫‪521‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫النبي فكان المؤمن الموقِن والصابِر الواثِ َق‪،‬ـ وفي كل ِ‬
‫وداع يقول﴿ فَاللَّهُ‬ ‫لحظة ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫يعقوب ُّ‬ ‫ُ‬ ‫أما‬
‫ين (‪َ ﴿ 724﴾ )64‬و َما ُأ ْغنِي َع ْن ُك ْم ِم َن اللَّ ِه ِم ْن َش ْي ٍء ِإ ِن‬ ‫َخ ْير حافِظًا و ُهو َأرحم َّ ِ ِ‬
‫الراحم َ‬ ‫َ َ َُْ‬ ‫ٌ َ‬
‫ْح ْك ُم ِإاَّل لِلَّ ِه َعلَْي ِه َت َو َّكل ُ‬
‫ْت َو َعلَْي ِه َفلْيََت َو َّك ِل ال ُْمَت َو ِّكلُو َن (‪﴾ )67‬‬
‫‪725‬‬
‫ال ُ‬

‫سى اللَّهُ َأ ْن يَْأتِيَنِي بِ ِه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬


‫يل َع َ‬ ‫ص ْب ٌر َجم ٌ‬‫األلم ُمنتهاه يقول﴿ فَ َ‬ ‫وعند فقد أوالده الثالثة ويبلُ ُغ ُ‬
‫يم (‪ِ ﴿ 726﴾ )83‬إنَّ َما َأ ْش ُكو َبثِّي َو ُح ْزنِيـ ِإلَىـ اللَّ ِه َوَأ ْعلَ ُم ِم َن اللَّ ِه‬ ‫ج ِميعا ِإنَّهُ هو الْعلِيم ال ِ‬
‫ْحك ُ‬ ‫َ ً َُ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫سسوا ِمن يوس َ ِ ِ‬
‫َأسوا م ْن َر ْو ِح اللَّ ِه ِإنَّهُ‬ ‫ف َوَأخ ـيه َواَل َت ْي ُ‬
‫ِ‬
‫َما اَل َت ْعلَ ُمو َن (‪ )86‬يَا بَن َّي ا ْذ َهبُوا َفتَ َح َّ ُ ْ ُ ُ‬
‫‪727‬‬
‫َأس ِم ْن َر ْو ِح اللَّ ِه ِإاَّل الْ َق ْو ُم الْ َكافِ ُرو َن (‪﴾ )87‬‬
‫اَل َي ْي ُ‬
‫تيَأسوا‬
‫المكلُومون ‪ ،-‬وال ُ‬ ‫وح اهلل ‪ -‬أيها َ‬
‫تيأسوا من َر ِ‬
‫الحنفاء‪ ،‬فال ُ‬ ‫ويقين ُ‬
‫ُ‬ ‫إنه إيما ُن األنبياء‬
‫ف ‪ ،-‬المؤمنون الموصولةُ قلوبُهم‬ ‫ِ‬
‫العواص ِ‬ ‫الصامدون في ِ‬
‫وجه‬ ‫من نص ِر اهلل ‪ -‬أيها المرابِطون ِ‬
‫ُ‬
‫وح اهلل ولو أحا َط‬
‫ييَأسون من َر ِ‬ ‫الشاعرون بن َفحاته َّ ِ‬
‫ِ‬ ‫َّديَّةُـ أرواحهم بر ِ‬
‫باهلل‪ ،‬الن ِ‬
‫الرخيَّة‪ ،‬ال ُ‬ ‫َ‬ ‫وحه‪،‬ـ‬ ‫ُ َ‬
‫ُأنس من ِ‬
‫صلَته‬ ‫الل إيمانه‪،‬ـ وفي ٍ‬ ‫وح من ِظ ِ‬ ‫فالمؤمن في َر ٍ‬ ‫ِّيق؛‬
‫واشتد بهم الض ُ‬‫َّ‬ ‫رب‪،‬ـ‬
‫بهم ال َك ُ‬
‫ُ‬
‫مضايق الشدة ومخانِ ِق ال ُك ِ‬
‫روب‪.‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫بربِّه‪،‬ـ وفي طُ ٍ‬
‫مأنينة من ثقتِه بمواله‪ ،‬وإن كان في‬

‫أيها المؤمنون‪:‬‬

‫مك َن اهلل‬ ‫وعلمه ورحمتِه‪ ،‬حتى َّ‬ ‫طفه ِ‬ ‫المحن واالبتالءات من تدبي ِر اهلل ولُ ِ‬ ‫ِ‬
‫لقد كانت تلك َ ُ‬
‫ف فِي‬ ‫وس َ‬ ‫ِ‬ ‫خزائن ِمصر‪َ ﴿ ،‬و َك َذلِ َ‬
‫ك َم َّكنَّا ليُ ُ‬ ‫ُـ‬ ‫عزيزا بيده‬ ‫ِ‬
‫ليوسف ‪ -‬عليه السالم ‪ ،-‬فصار مل ًكا ً‬
‫المنزل الذي يُريد‪ ،‬والمكا َن الذي‬ ‫َ‬ ‫شاء (‪ 728﴾ )56‬يت ِ‬
‫َّخ ُذ منها‬ ‫ث يَ َ ُ‬ ‫ض َيتََب َّوُأ ِم ْن َها َح ْي ُ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫ْ‬
‫يب بَِر ْح َمتِنَا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ب وما فيه من مخا ِوف‪ ،‬والسج ِن وما فيه من ُقيُود‪ ﴿ ،‬نُص ُ‬ ‫الج ِّ‬‫يُريد‪،‬ـ في ُمقابِل ُ‬
‫الخوف أمنًا‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫فر ًجا‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬
‫ِّيق‬
‫الض‬ ‫ومن‬ ‫ا‪،‬‬ ‫سر‬‫ي‬ ‫سر‬ ‫الع‬ ‫من‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫شاء (‪ 729﴾ )56‬فنُ ِ‬
‫بد‬
‫َ‬ ‫ُ ُ ً‬ ‫ُ‬ ‫َم ْن نَ َ ُ‬
‫‪724‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪ 725‬سورة يوسف‬
‫‪726‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪727‬‬

‫‪728‬‬

‫‪729‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪522‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ين(‪5‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫وان على ِ ِ‬ ‫اله ِ‬ ‫ِـ‬


‫َأج َر ال ُْم ْحسن َ‬
‫يع ْ‬‫ومقاماـ عليًّا‪َ ﴿ ،‬واَل نُض ُ‬
‫الناس ع ًّزا ً‬ ‫القيد ُح ِّريَّةً‪،‬ـ ومن َ‬
‫لوك‬
‫الس َ‬
‫حسنون ُّ‬ ‫واالتجاه إليه‪ ،‬وي ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫والتوكل عليه‬ ‫حسنون اإليما َن باهلل‬ ‫‪ 730﴾ )6‬الذينـ ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َأَلج ُر اآْل خ َرة َخ ْي ٌر للَّذ َ‬
‫‪731‬‬
‫آمنُوا َو َكانُوا َيَّت ُقو َن (‪﴾ )57‬‬
‫ين َ‬ ‫والعمل‪َ ﴿ ،‬و ْ‬
‫َ‬
‫ض اهلل يوسف عن ِ‬
‫المحنَة تلك المكانةَـ في األرض‪ ،‬وهذه البُشرى في اآلخرةـ‬ ‫عو َ‬
‫وهكذاـ َّ‬
‫العلي لذاتِِـه بأنه‬ ‫ِ‬
‫وصف اهلل ِّ‬ ‫جزاءا ِوفاقًا على اإليمان والصبر واإلحسان‪ ،‬وهذا من ِّ‬
‫سر تَكرار‬ ‫ً‬
‫بكل أم ٍر‬
‫وراء هذه األحداثـ واالبتالءات‪ ،‬ويأتي ِّ‬ ‫ويعلم ما َ‬ ‫ُ‬ ‫األحوال‪،‬‬
‫َ‬ ‫يعلم‬
‫الحكيم ُ‬
‫ُ‬ ‫العليم‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫سى َأ ْن تَ ْك َر ُهوا‬ ‫ناسب عندما َّ ِ‬ ‫في وقته الم ِ‬
‫تتحق ُق حكمتُه في ترتيب األسبابـ والنتائج ﴿ َف َع َ‬ ‫ُ‬
‫‪732‬‬
‫َش ْيًئا َويَ ْج َع َل اللَّهُ ِف ِيه َخ ْي ًرا َكثِ ًيرا (‪﴾ )19‬‬

‫وحي ِإلَْي ِه ْم ِم ْن َْأه ِل الْ ُق َرىـ َأ َفلَ ْم يَ ِس ُيروا‬ ‫ك ِإاَّل ِرجااًل نُ ِ‬


‫َ‬ ‫وفي ِختام السورة ﴿ َو َما َْأر َسلْنَا ِم ْن َق ْبلِ َ‬
‫ين ِم ْن َق ْبلِ ِه ْم َولَ َد ُار اآْل ِخ َر ِة َخ ْي ٌر لِلَّ ِذ َـ‬
‫ين َّات َق ْوا َأفَاَل‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫ف َكا َن َعاقبَةُ الذ َ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫ض َفَي ْنظُُروا َك ْي َ‬ ‫في ْ‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شاءُ‬‫ص ُرنَا َفنُ ِّج َي َم ْن نَ َ‬ ‫اء ُه ْم نَ ْ‬‫الر ُس ُلـ َوظَنُّوا ََّأن ُه ْم قَ ْد ُكذبُوا َج َ‬ ‫َأس ُّ‬ ‫َت ْعقلُو َن (‪َ )109‬حتَّى ِإ َذا ْ‬
‫اسَت ْي َ‬
‫اب َما َكا َن‬ ‫ص ِه ْم ِع ْب َرةٌ ُأِلولِي اَأْللْبَ ِـ‬ ‫واَل ير ُّد بْأسنَا َع ِن الْ َقوِم الْم ْج ِر ِمين (‪ )110‬لََق ْد َكا َن ِفي قَص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َُ َ ُ‬
‫يل ُك ِّل َش ْي ٍء َو ُه ًدى َو َر ْح َمةً لَِق ْوٍم ُيْؤ ِمنُو َن (‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح ِديثًاـ ي ْفَترى ولَ ِكن تَص ِد َ َّ ِ‬
‫يق الذي َب ْي َن يَ َديْ ـه َوَت ْفص َ‬ ‫َ ُ َ َ ْ ْ‬
‫‪733‬‬
‫‪﴾ )111‬‬

‫بالمخرج المكروه الذي يلِ ِيه‬ ‫والتلميح‬ ‫الر ُس ُل‪،‬‬


‫س ُّ‬ ‫ِأ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫التثبيت بمجرى ُسنَّة اهلل عندما يستي ُ‬
‫ُ‬ ‫إنه‬
‫وب‪.‬‬
‫ج المرغُ ُ‬
‫ال َف َر ُ‬
‫والصبر والثبات‪ ،‬تلك سنةُ اهلل ال بُ َّد‬ ‫فيغم ُرها اإليما ُن واليقين‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫معان تُد ِر ُكها‬
‫ُ‬ ‫المؤمنة ُ‬
‫القلوب ُ‬
‫ُ‬
‫اليأس من كل أسبابِه ِ‬‫َّصر بعد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الظاهرةـ التي‬ ‫من الشدائد‪،‬ـ وال بُ َّد من ال ُك ُروب‪،‬ـ ثم يجيءُ الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫الهالك‬ ‫ينجون من‬‫فينجو الذينـ يستح ُّقون النجاة‪ُ ،‬‬
‫النصر من عند اهلل ُ‬ ‫الناس‪ ،‬يجيءُ ُ‬ ‫يتعل ُق بها ُ‬

‫‪730‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪ 731‬سورة يوسف‬
‫‪732‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪733‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪523‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫طش والعسف الذي يسلِّطُه عليهم المتجبِّرون‪ِ ،‬‬
‫ويح ُّل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وينجون من البَ ِ َ‬ ‫يأخ ُذ الظالمين‪ُ ،‬‬ ‫الذي ُ‬
‫نصير ﴿ لََق ْد َكا َن فِي‬ ‫ِ‬ ‫بأس اهلل بالمجرمين م ِّ ِ‬
‫ولي وال ٌ‬ ‫يص ُّده عنهم ٌّ‬ ‫دم ًراـ ماح ًقا ال يق ُفون له‪ ،‬وال ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ما َكا َن ح ِديثًا ي ْفَترى ولَ ِكن تَص ِد َ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قَ ِ ِ‬
‫يل‬
‫يق الذي َب ْي َن يَ َديْه َوَت ْفص َ‬ ‫َ ُ َ َ ْ ْ‬ ‫صص ِه ْم ع ْب َرةٌ ُأِلولي اَأْللْبَ ِ َ‬
‫َ‬
‫ُك ِّل َش ْي ٍء َو ُه ًدى َو َر ْح َمةً لَِق ْوٍم ُيْؤ ِمنُو َن (‪. 734﴾ )111‬‬

‫ِ‬
‫اآليات والحكمة‪ ،‬أقول قولي‬ ‫بارك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنة‪،‬ـ ون َف َعنا بما فيهما من‬
‫َ‬
‫هذا‪ ،‬وأستغفر اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪،‬ـ الرحمنـ الرحيم‪ ،‬مالكـ يوم الدين‪،‬ـ وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫المبين‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسولُه الصاد ُق األمين‪،‬ـ صلَّى اهلل وسلَّم‬ ‫شريك له ُّ‬
‫الحق ُ‬
‫وبار َك عليه‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫َ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬

‫جرى من‬ ‫ِ‬ ‫قال‪،‬ـ وإنكارا للبغي بال م ٍ‬ ‫ِـ‬


‫والعدل كلمةٌ ال بُ َّد أن تُ َ‬
‫داه ـنة أو اعتذار؛ فإن ما َ‬‫ُ َ‬ ‫ً‬ ‫وللحق‬
‫ِّ‬
‫رف‪،‬‬‫دين وال ُع ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وظلم وجريمةٌ ال يُق ُّرهاـ ٌ‬
‫بغي ٌ‬‫السعودي في اليمن ُلهو ٌ‬
‫ِّ‬ ‫للدبلوماسي‬
‫ِّ‬ ‫خطف‬
‫فحسب؛ بل هو ُعدوا ٌن‬ ‫ٍ‬ ‫ليست من الدين وال من الجهاد‪ ،‬وهو ليس عُدوانًا على ُم ٍ‬
‫سلم واحد َ‬
‫بالدنا‬
‫تستجيب ُ‬
‫َ‬ ‫حاربَة لهم‪ ،‬ولن‬ ‫والم َ‬
‫مثلُهم من هذه البالد‪ ،‬وإعال ٌن للعداء ُ‬ ‫على كل من يُ ِّ‬
‫راجعةـ مطروح‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َ‬
‫باب التوبة مفتوح‪ ،‬ومبدأ ُ‬ ‫تتراجع عن حقوقها‪ ،‬إال أن َ‬ ‫لالبتزاز‪ ،‬ولن َ‬

‫‪734‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪524‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫شوهة واألفكارـ‬
‫الم َّ‬ ‫التصر ِـ‬ ‫فاتقوا اهلل في اإلسالم والمسلمين؛ فكم ِ‬
‫فات ُ‬ ‫لح َقت به َرزايا بسبب ُّ‬ ‫ُ‬
‫حرفة‪.‬‬
‫الم َّ‬
‫ُ‬
‫وجعل كي َد الباغين عليهم ي ُدور‪.‬‬
‫َ‬ ‫المأسور‪،‬‬
‫أسر ُ‬ ‫َّ‬
‫فك اهلل َ‬
‫صل وسلِّم وبا ِرك على‬
‫المجتبى‪ ،‬اللهم ِّ‬‫المصطفى والرسولـ ُ‬ ‫هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على النبي ُ‬
‫ارض عن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫عبدك ورسولك محمد‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين‪،‬ـ اللهمـ َ‬
‫ِ‬
‫صحابة‬ ‫وعلي‪ ،‬وعن سائر‬ ‫ِ‬
‫الراشدين‪:‬ـ أبيـ بك ٍر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ٍّ ،‬‬ ‫األئمة المهديين‪ ،‬والخلفاء‬
‫نبيِّك أجمعين‪ ،‬ومن سار على ِ‬
‫نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين‪.‬‬ ‫َ‬

‫وأذ َّل الشرك والمشركين‪ِّ ،‬‬


‫ودمر أعداء الدين‪ ،‬واجعلـ هذا‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين‪ِ ،‬‬
‫البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دمارا عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نح ِره‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيره ً‬ ‫اللهم من أرادنا وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫وولي أمرنا‪ ،‬اللهم وفِّقه‬ ‫آمنَّا في أوطاننا‪ ،‬وأصلِح َّ‬‫اللهم ِ‬
‫إمامناـ َّ‬ ‫أئمتنا ووالة أمورنا‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫وحد به كلمةَ المسلمين‪،‬‬ ‫ُلهداك‪ ،‬واجعلـ عملَه في ِرضاك‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةَـ الصالحةَ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجمعه كلمة‬ ‫الجزاء على نُصرته للمظلومين‪،‬‬ ‫لواء الدين‪،‬ـ اللهم جا ِزه َ‬
‫خير‬ ‫وارفع به َ‬
‫أشقاِئناـ المصريين‪ ،‬اللهم وفِّقه َّ‬
‫وولي عهده‬ ‫ِ‬
‫الموقف مع َّ‬ ‫المسلمين‪ ،‬وما وفَّقتَه إليه من ُحسن‬
‫ُ‬
‫وصالح‪.‬‬ ‫باركِين ُموفَِّقين لكل خي ٍر‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫واجعلهم ُم َ‬
‫وسدِّدهم وأع ْنهم‪َ ،‬‬

‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان‪ ،‬اللهمـ أصلِح أحوالَهمـ في سوريا وفلسطين‪،‬‬
‫الحق والهدى‪ ،‬اللهم ِ‬
‫احقنـ‬ ‫اجمعهمـ على ِّ‬ ‫ِ‬
‫اللهم أصلح أحوالَهم في سوريا وفلسطين‪ ،‬اللهم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعراضهم‪ ،‬واربِط على‬
‫َ‬ ‫وس َّد َخلَّتهم‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهم‪ ،‬واح َفظ‬ ‫دماءهم‪ ،‬وآمن روعاتهم‪ُ ،‬‬
‫فر َجك‬ ‫قلوبهم‪ ،‬وثبِّت أقدامهم‪ ،‬وانصرهمـ على من بغَى عليهم‪ ،‬اللهمـ فُ َّ ِ‬
‫صارهم‪ ،‬اللهم َ‬
‫كح َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فر َجك القريب‪.‬ـ‬
‫القريب‪ ،‬اللهم َ‬

‫‪525‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأعراضهم وأموالَهم يا‬ ‫دماءهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫اللهم إنا نستودعُك إخواننا في ُسوريا‪ ،‬اللهم إنا نستودعُك َ‬
‫تضيع وداِئعُه‪.‬‬
‫من ال ُ‬
‫ِ‬
‫لليتامى والثَّ َكالَى‬
‫المستضعفين المظلومين‪ ،‬اللهم انتصر َ‬ ‫اللهم إنا نستن ِز ُل َ‬
‫نصرك على عبادك ُ‬
‫حماك بهم يا أرحم الراحمين‪ ،‬ويا ِ‬
‫ناصر المظلومين‪.‬‬ ‫والمظلومين‪ ،‬اللهم ُر َ‬

‫اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين‪ ،‬اللهم عليك بهم فإنهم ال ي ِ‬


‫ك‪ ،‬اللهم أن ِزل بهم َ‬
‫بأسكـ‬ ‫عجزونَ َ‬‫ُ‬
‫و ِر َ‬
‫جزك إله الحق‪.‬‬

‫ستضعفين من‬
‫الم َ‬ ‫وعبادك المؤمنين‪ ،‬اللهم انصر ُ‬
‫َ‬ ‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫انصرهمـ في فلسطين على الصهاينةـ ُ‬
‫المسلمين في كل مكان‪ ،‬اللهم ُ‬
‫‪735‬‬
‫اب النَّا ِر(‪﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬
‫ويسر أمورنا‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا‪ .‬اللهم اغفر لنا‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا‪ ،‬واستُر عيوبَنا‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫السميع العليم‪،‬‬ ‫المسلمين‪ .‬ربَّنا تقبَّل منا إنكـ أنت‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ولوالدينا ووالديهم وذُريَّاتهمـ ولجميع ُ‬
‫التواب الرحيم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وتُب علينا إنك أنت‬

‫‪ 735‬سورة البقرة‬
‫‪526‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬السعادة الزوجيةـ‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس والعشرون من رجب من عام ‪ 1433‬هـ‬

‫‪ -‬السعادة الزوجية ‪-‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪:‬‬
‫ٍ‬
‫سعادةـ في الدنيا ‪ ،‬وهي‪ :‬السعادةُـ‬ ‫تحدث فيها عن ِ‬
‫أعظم‬ ‫"السعادةـ الزوجية" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫الزوجيةـ ‪ ،‬وبيَّن أسبابَها ‪ ،‬وأدلَّتها من اآلياتـ القرآنية والتوجيهاتـ النبوية ‪ ،‬ثم َّ‬
‫عر َج في‬
‫وجرحها النا ِزف ‪ ،‬وأن عالمات النصر باديةٌـ في ِ‬
‫اُألفق ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نهاية ُخطبته إلى الحديث عن ُسوريا ُ‬ ‫ِـ‬
‫بزوال الم ِ‬
‫لك‪.‬‬ ‫وأن الظلم ُمؤذ ٌن ِ‬
‫ـ ُ‬ ‫َ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫‪527‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وبرا ‪ ،‬وأنشَأ و َذ َرى ‪ ،‬والحم ُد هلل حم ًدا يطغَى ‪﴿ ،‬‬ ‫خلق َ‬‫عدد ما َ‬ ‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل َ‬
‫ص ْه ًرا (‪ 736﴾ )54‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬ ‫شرا فَجعلَهُ نَسبا و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخلَ َق م َن ال َْماء بَ َ ً َ َ َ ً َ‬
‫الخليقة طًُّرا ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك‬ ‫ِ‬ ‫خير‬
‫شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسوله ‪ُ ،‬‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عليه وعلى آله وصحبِه والتابعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي‬
‫تعصوه ﴿ يَا َُّأي َها الن ُ‬ ‫أمره وال ُ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالى وأطيعوه ‪ ،‬وعظِّموا َ‬
‫اء َو َّات ُقوا اللَّهَ الَّ ِذي‬ ‫ِ ِ‬ ‫اح َد ٍة و َخلَ َق ِم ْنها َزوجها وب َّ ِ‬ ‫سوِ‬ ‫ِ‬
‫سً‬ ‫ث م ْن ُه َما ِر َجااًل َكث ًيرا َون َ‬ ‫َ ْ ََ ََ‬ ‫َ‬ ‫َخلَ َق ُك ْـم م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫حصي‬‫تَساءلُو َن بِ ِه واَأْلرحام ِإ َّن اللَّهَ َكا َن َعلَْي ُكم رقِيبا (‪ 737﴾ )1‬يراقِب أعمالَكم ‪ ،‬وي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َْ ً‬ ‫َ ََْ‬ ‫ََ‬
‫أنفاسكمـ ‪ ،‬ويعُ ُّد َ‬
‫أيامكم‪.‬ـ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سأل عن ُعمره فيما أفناه ‪ ،‬وشبابهـ فيما أباله؛ ل ِز َم الج َّد َ‬
‫دهره ‪،‬‬ ‫فإذا علِ َم اإلنسا ُـن أنه سيُ ُ‬
‫ب (‪. 738﴾ )8‬‬ ‫ك فَ ْارغَ ْ‬‫ب (‪َ )7‬وِإلَى َربِّ َ‬ ‫ص ْ‬‫ت فَانْ َ‬‫مره ‪ ﴿ ،‬فَِإ َذا َف َر ْغ َ‬ ‫اللهو عُ َ‬
‫وترك َ‬ ‫َ‬
‫صالح‬ ‫المسلم ونواتُه ‪ ،‬ومنه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫المجتمع ُ‬ ‫أساس منظومة ُ‬ ‫ُ‬ ‫الزوجي‬
‫ُّ‬ ‫والبيت‬
‫ُ‬ ‫األسرةُ والعائلةُ ‪،‬‬
‫الزواج فِطرةٌ وضرورةٌ وحاجةٌ إنسانيَّةٌـ طبيعيَّةٌ ‪ ،‬إال أنه في‬ ‫َ‬ ‫الفردـ وفيه نباتُه ‪ ،‬ومع أن‬
‫كل اإلمكاناتـ ‪،‬‬ ‫َّر لقيامهـ وتمامه وصالحه ُّ‬ ‫ِ‬
‫هر ‪ ،‬وكيا ٌن تُسخ ُ‬ ‫اإلسالم شريعةٌـ وأمر ‪ ،‬وسنَّةٌ وطُ ٌ‬
‫والمنغِّصات‪.‬‬ ‫قات ُ‬ ‫عو ُ‬ ‫الم ِّ‬
‫ذاد عنه ُ‬ ‫وتُ ُ‬
‫َّ‬
‫المودةُ‬ ‫ف في جوانِحها‬ ‫زوجين ‪ ،‬تُرف ِر ُ‬ ‫ومساعيه‪ :‬قِيام ٍ‬
‫أسرة م َّ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كونة من َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أهداف اإلسالم‬ ‫ومن‬
‫أفرادها للقيام‬
‫ويتكام ُلـ ُ‬
‫َ‬ ‫التشريعات والتوجيهات ‪،‬‬
‫ُـ‬ ‫والس َكن ‪ ،‬وتُه َدى إليها‬
‫والرحمةُـ َّ‬
‫أفرادها‬
‫ويتباد ُـل ُ‬
‫َ‬ ‫الذ ِّريَّةُ الصالِحةُ ‪ ،‬وتنشُأ في كنَ ِفها األجيالـ ‪،‬‬
‫وتنسل منها ُّ‬
‫ُُ‬
‫ِ‬
‫بالواجبات ‪،‬‬
‫ِ‬
‫األهداف واآلمالـ في‬ ‫والتكامل والتكافُلـ في تحقيق‬ ‫البر والتقوى ‪،‬‬ ‫التعاون على ِّ‬
‫ُ‬ ‫األدوار في ُ‬
‫الدنياـ وفي اآلخرة‪.‬ـ وتلك فلسفلةُ اُألسرة في اإلسالم‬

‫‪736‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪737‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪738‬‬
‫سورة الشرح‬
‫‪528‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬ ‫ِّد معالِ َم السعادةـ الزوجية ‪،‬‬ ‫وفَهم هذه الحقيقةـ ِ‬
‫ومالم َح بناء‬ ‫الفطريَّة بصيغتِها الشرعيَّة يُحد ُ‬ ‫ُ‬
‫بناء ِ‬
‫أفراده‬ ‫ِ‬
‫بناء حضارته بعد ِ‬ ‫تماسك القاد ِـر على ِ‬ ‫اُألسرةـ الصالحة ‪ ،‬ومن ثَ َّم المجتمع الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وكِيانه‪.‬‬
‫والحث عليه ‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬وَأنْ ِك ُحوا‬ ‫ِّ‬ ‫االهتمام باألمرـ بالزواج‬ ‫ُ‬ ‫ومن ُهنا أتىـ‬
‫ضلِ ِه (‪)32‬‬ ‫اء ُيغْنِ ِه ُم اللَّهُ ِم ْن فَ ْ‬ ‫ِئ‬ ‫الصالِ ِح ِ ِ ِ‬
‫ين م ْن عبَاد ُك ْم َوِإ َما ُك ْـم ِإ ْن يَ ُكونُوا ُف َق َر َ‬
‫ِ‬
‫اَأْليَ َامى م ْن ُك ْم َو َّ َ‬
‫﴾‪. 739‬‬
‫اع‬
‫استَطَ َ‬ ‫اب َم ِن ْ‬ ‫الشبَ ِـ‬
‫ش َر َّ‬ ‫المطهَّرة يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬يَا َم ْع َ‬ ‫وفي السنَّة ُ‬
‫اء َة َفلْيََت َز َّو ْج ‪ "..‬الحديث؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫م ْن ُك ُم البَ َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ملة من األوامرـ والنواهيـ ‪،‬‬ ‫وحمايته جاءت الشريعةُـ بج ٍ‬ ‫وإصالحه ِ‬
‫ِ‬ ‫اُألسري‬
‫ِّ‬ ‫ولبناء هذاـ ِ‬
‫الكيانـ‬
‫ُ‬
‫طريق بهجتِها ‪ ،‬على‬ ‫ط لُألسرة َ‬ ‫للبيوت معالِم سعادتهاـ ‪ ،‬وت ُخ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ترس ُـم‬
‫واآلداب والوصايا ‪ُ ،‬‬ ‫ِـ‬
‫َ‬
‫ومجتمعهم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المسلمين التنادي لألخذ بها وانتهاجهاـ قُربةً هلل تعالىـ ‪ ،‬وحفظًا لبيوتهم ُ‬ ‫ُ‬
‫وصالحا ألحوالهم‪.‬ـ‬ ‫ً‬
‫وتصدع بُنيان‬ ‫ُّ‬ ‫الجراحاتـ في البيوت ‪،‬‬ ‫التفريط ‪ ،‬وتفاقُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتعظُ ُم الحاجةُ عند كثرة‬
‫الطالق في عالَ ِمنا‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سَ‬ ‫شير الدراساتـ واإلحصاءاتـ إلى أن ن َ‬ ‫الزوجيةـ ‪ ،‬ومما يُؤل ُم أن تُ َ‬
‫تجاو َزت األربعينـ في المائة في ِ‬
‫بعض‬ ‫ِّ ِ‬
‫واإلسالمي ال تق ُّل عن ثالثين بالمائةـ ‪ ،‬وأنهاـ َ‬ ‫العربي‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫لمزيد من‬ ‫ؤسساته وأفراده‬ ‫بم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جتمع ُ‬ ‫الم َ‬ ‫ب َمهولةٌ تستدعي ُمبادرةَ ُ‬ ‫سٌ‬ ‫بالدنا ‪ ،‬وهذه ن َ‬
‫ؤسسات‬ ‫الم َّ‬ ‫والخطَط والبرامج ‪ ،‬مع ُّ‬ ‫الدراساتـ والحلُول ِ‬
‫الشكرـ واإلشادةـ بما تب ُذلُه ُ‬ ‫ُ‬
‫بجوانب اُألسرة وقضاياها‪.‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫والجهات التي تُعنَى‬‫ُ‬ ‫والمواقع‬
‫ُ‬ ‫والجمعيَّات ‪،‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫والدين‬
‫ُ‬ ‫رار؛ـ فال ُخلُ ُق‬
‫االختيار وال َق ُ‬
‫ُ‬ ‫جاءت معالِ ُـم السعادةـ والنجاح لُألسرة من أول بناء ‪ ،‬وهو‬
‫ث الشقاء ‪ ،‬وفي حريَّة االختيارـ‬ ‫مبع ُ‬ ‫ِ‬
‫ط في ُمراعاة ذلك َ‬ ‫وسر السعادة ‪ ،‬والتفري ُ‬
‫البحث ُّ‬ ‫مدار‬
‫ُ‬
‫االستِئذا ُن واالستِئمار ‪ ،‬فال الرجل يُكره على أخذ من يكره ‪ ،‬وال الفتاةُـ تُرغم على ِ‬
‫قبول‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫من تُ ِبغض‪.‬‬
‫‪739‬‬
‫سورة النور‬
‫‪529‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫الهدي ما‬ ‫نورا ‪ ،‬ومن‬ ‫س منه ً‬
‫ِ‬
‫اآليات القرآنيةـ والتوجيهات النبوية من نور التوجيه ما نقتب ُ‬ ‫ِـ‬ ‫وفي‬
‫سات‪:‬‬
‫رات و َقبَ ٌ‬ ‫موقف ‪ ،‬وحسبُنا َش َذ ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ط به في‬
‫ال نُحي ُ‬
‫وف َولِ ِّلر َج ِـ‬
‫ال َعلَْي ِه َّن َد َر َجةٌ (‬ ‫والواجبات‪:‬ـ ﴿ ولَه َّن ِمثْل الَّ ِذي َعلَي ِه َّن بِالْمعر ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحقوق‬ ‫ففي‬
‫ومحاسبةً ‪ ،‬وإنما في‬ ‫‪ ، 740﴾ )228‬ومع بيان الحقوق والواجباتـ فإنها ليست ُم َّ‬
‫شاحةً ُ‬
‫ض َل َب ْينَ ُك ْم (‪. 741﴾ )237‬‬ ‫س ُوا الْ َف ْ‬
‫التوجيه الكريم‪َ ﴿ :‬واَل َت ْن َ‬
‫ِ‬
‫ص َدقَةٌ " ؛ متفق عليه‪.‬‬ ‫التعامل يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ال َكل َمةُ الطَّيِّبَةُ َ‬ ‫وفي ُ‬
‫ص َدقَةٌ " ؛ رواه الترمذي‪.‬ـ‬ ‫ك ِفي وج ِه ِ‬
‫ك َ‬ ‫يك لَ َ‬
‫َأخ َ‬ ‫س ُم َ َ ْ‬ ‫ويقول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬تبَ ُّ‬
‫وعن عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ِ " :‬إ َّن ِّ‬
‫الرفْ َق الَ‬
‫يَ ُكو ُن فِي َشيء ِإالَّ َزانَهُ َوالَ ُي ْن َزعُ ِم ْن َش ْى ٍء ِإالَّ َشانَهُـ " ؛ رواه مسلم‪.‬‬
‫التعامل ‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خير من العطاء مع المنَّة وسوء ُ‬ ‫والصفح ٌ‬ ‫َ‬ ‫والعفو‬
‫َ‬ ‫فق والكلمةَ الطيبةَ ‪،‬‬
‫الر َ‬
‫إن ِّ‬
‫ص َدقَ ٍة َي ْتَبعُ َها َأ ًذى (‪. 742﴾ )263‬‬ ‫ِ‬ ‫التنزيل العزيز‪:‬ـ ﴿ َقو ٌل معر ٌ ِ‬ ‫ِ‬
‫وف َو َم ْغف َرةٌ َخ ْي ٌر م ْن َ‬ ‫ْ َ ُْ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫قال ‪ -‬صلى‬ ‫الواجبات؛ فإن الذي َ‬ ‫التفريط في أداء ِ‬ ‫ِ‬ ‫المطالبَةُ بالحقوق مع‬ ‫ِ‬
‫وليس من العدل‪:‬ـ ُ‬
‫َأَلم ْرت ال َْم ْرَأةَ َأ ْن تَ ْس ُج َد لَِز ْو ِج َها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأح ًداـ َأ ْن يَ ْس ُج َد لغَْي ِر اللَّه َ‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬لَ ْو ُك ْنت آم ًرا َ‬
‫والمر َِأة " وهو الذي قال‪" :‬‬ ‫ِ‬
‫ج َح َّق الضَّعيفي ِـن الْيَت ِيم ْ‬ ‫قال‪ " :‬اللَّ ُه َّم ِإنِّى َ‬
‫ُأح ِّر ُ‬ ‫" هو الذي َ‬
‫ِّس ِاء َخ ْي ًرا " ‪.‬‬ ‫اسَت ْو ُ ِ‬
‫صوا بالن َ‬ ‫ْ‬
‫َأِلهلِ ِه " هو ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الذي قال‪ِ " :‬إذَا‬ ‫وإن الذي قال‪َ " :‬خ ْي ُر ُك ْم َخ ْي ُر ُك ْم ْ‬
‫ِ‬ ‫ت َف ْر َج َهاـ ‪َ ،‬وَأطَ َ‬‫ت َش ْه َر َهاـ ‪َ ،‬و َح ِفظَ ْ‬ ‫صلَّ ْ‬
‫يل لَ َها‬
‫ت َز ْو َج َها ‪ ،‬ق َ‬ ‫اع ْ‬ ‫ص َام ْ‬
‫س َها ‪َ ،‬و َ‬ ‫ت ال َْم ْرَأةُ َخ ْم َ‬ ‫َ‬
‫ت"‪.‬‬ ‫اب الْجن َِّة ِشْئ ِ‬
‫َأي َْأب َو ِ َ‬ ‫ْجنَّةَ ِم ْن ِّ‬ ‫ِ‬
‫ا ْد ُخليـ ال َ‬
‫ِ‬
‫الموازنة يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ال‬ ‫وحسن‬ ‫وفي َسعة الصد ِر وبُعد النظر ُ‬
‫غيره – " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫آخ َر ‪ -‬أو قال‪َ :‬‬ ‫ض َي ِم ْن َها َ‬
‫ي ْفر ْك مْؤ ِمن مْؤ ِمنَةً ِإ ْن َك ِر َه ِم ْن َها ُخلًُقا ر ِ‬
‫َ‬ ‫ََ ُ ٌُ‬

‫‪740‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪741‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪742‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪530‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سى َأ ْن تَ ْك َر ُهواـ‬ ‫وه َّن َف َع َ‬ ‫وه َّن بِال َْم ْع ُروف فَِإ ْن َك ِر ْهتُ ُم ُ‬ ‫ولذلكـ قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬و َعاش ُر ُ‬
‫َش ْيًئا َويَ ْج َع َل اللَّهُ فِ ِيه َخ ْي ًرا َكثِ ًيرا (‪. 743﴾ )19‬‬
‫ض َوبِ َما َأْن َف ُقواـ‬ ‫ض ُه ْم َعلَى َب ْع ٍ‬ ‫َّل اللَّهُ َب ْع َ‬ ‫ال َق َّو ُامو َن َعلَى الن ِ ِ‬
‫ِّساء ب َما فَض َ‬ ‫َ‬ ‫الر َج ُ‬
‫وفي اإلدارة‪ِّ ﴿ :‬‬
‫ترف ًعا؛ بل هي‬ ‫لما أو ُّ‬ ‫تعس ًفا ‪ ،‬وال ظُ ً‬ ‫والقوامةُ ليست تسلُّطًا وال ُّ‬ ‫ِ‬ ‫‪744‬‬
‫ِم ْن َْأم َوالِ ِه ْـم (‪﴾ )34‬‬
‫المساواة أو‬ ‫الرعايةُ ِ‬
‫والقيام بالمصالح ‪ ،‬وإن الدعوةَ إلى عكس ذلك بدعوى ُ‬ ‫ُ‬ ‫ظ‪،‬‬‫والحف ُ‬
‫ومعاكسةٌ للطبيعة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قلب للفطرة ‪ُ ،‬‬ ‫الحرية هو ٌ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ربيع‬ ‫ِ‬
‫خير ما بُنيَت عليه العالقات ‪ ،‬وهذه األخالق النبيلة هي ُ‬ ‫التقوى والصد ُق واألمانةُـ ُ‬
‫المروءة ‪ ،‬و ُشعاع الضمير ‪ ،‬وقد قال النبي ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫ِ‬
‫القلب ‪ ،‬وزكاةُ الخلقة ‪ ،‬وثمرةُ ُ‬
‫ْجن َِّة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الص ْد َق َي ْهدي ِإلَى الْبِ ِّر‪َ ،‬وِإ َّن الْبِ َّر َي ْهدي ِإلَىـ ال َ‬ ‫الص ْد ِق‪ ،‬فَِإ َّن ِّ‬‫عليه وسلم ‪َ " :-‬علَْي ُك ْم بِ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الص ْد َق حتَّى ي ْكت ِ‬
‫ب‪ ،‬فَِإ َّن‬ ‫ب ع ْن َد اللَّه صدِّي ًقا‪َ ،‬وِإيَّا ُك ْم َوالْ َكذ َ‬ ‫ص ُد ُق َو َيتَ َح َّرى ِّ َ ُ َ َ‬ ‫الر ُج ُلـ يَ ْ‬
‫ال َّ‬
‫َو َما َي َز ُ‬
‫ِ‬ ‫ور َي ْه ِدي ِإلَى النَّا ِر‪َ ،‬و َما َي َز ُ‬ ‫الْ َك ِذ ـ ِ‬
‫ب‪َ ،‬و َيتَ َح َّرى‬ ‫الر ُج ُلـ يَ ْكذ ُ‬ ‫ال َّ‬ ‫ب َي ْهدي ِإلَىـ الْ ُف ُجو ِر‪َ ،‬وِإ َّن الْ ُف ُج َ‬ ‫َ‬
‫ب ِع ْن َد اللَّ ِه َك َّذابًا " ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫ب َحتَّى يُ ْكتَ َ‬
‫ِ‬
‫الْ َكذ َ‬
‫اُألسر؛ـ عن‬ ‫ِ‬
‫ظ البيوت ‪ ،‬ويحمي َ‬ ‫فواجب يحف ُ‬ ‫ٌ‬ ‫والمحافظةُ على األسرارـ الزوجية؛‬ ‫أما األمانةُـ ُ‬
‫أبي سعيد ال ُخدري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إ َّن‬
‫ش ُر ِس َّرهاـ‬ ‫ضي ِإلَْي ِه ثُ َّم َي ْن ُ‬ ‫ضي ِإلَىـ ْامرَأتِِه و ُت ْف ِ‬ ‫الرج ـل ي ْف ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن َأ َش ِّر الن ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫َّاس ع ْن َد اللَّه َم ْن ِزلَةً َي ْو َم الْقيَ َامة َّ ُ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫َّاس ِع ْن َد اللَّ ِه َم ْن ِزلَةً َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة‪:‬‬
‫ضا‪ِ " :‬إ َّن ِم ْن َش ِّر الن ِ‬ ‫رواية عند ٍ‬
‫مسلم أي ً‬ ‫" ؛ رواه مسلم‪ .‬وفي ٍ‬
‫ش ُر ِس َّر َها " ‪.‬‬ ‫ضي ِإلَْي ِه ‪ ،‬ثُ َّم َي ْن ُ‬‫ضي ِإلَى ْامرَأتِِه و ُت ْف ِ‬
‫َ َ‬
‫الرجل ي ْف ِ‬
‫َّ ُ َ ُ‬
‫ِ‬
‫السواء‪.‬‬ ‫والمرأة على‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرجل‬ ‫والوعي ُد وار ٌد على‬
‫أيهاـ الرجالـ والنساء‪:‬‬

‫‪743‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪744‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪531‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الباحثون عن السعادة في الدنيا واآلخرة!ـ ِجماعُ السعادة في قول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪﴿ :-‬‬ ‫أيها ِ‬
‫ِ‬ ‫من ع ِمل ِ ِ‬
‫س ِن‬ ‫َأج َر ُه ْـم بِ ْ‬
‫َأح َ‬ ‫صال ًحا م ْن ذَ َك ٍر َْأو ُأْنثَى َو ُه َو ُمْؤ م ٌن َفلَنُ ْحيَِينَّهُ َحيَاةً طَيِّبَةً َولَنَ ْج ِز َين ُ‬
‫َّه ْم ْ‬ ‫َْ َ َ َ‬
‫َما َكانُوا َي ْع َملُو َن (‪. 745﴾ )97‬‬
‫يهدم وال يبنِي من ُش ِ‬
‫ؤون‬ ‫ِ‬ ‫والبالغ بداًل من إشغال ِ‬ ‫ِ‬
‫الناس بما ُ‬ ‫ِ‬ ‫بالعناية‬ ‫إن هذه المعانيـ َأولَى‬
‫أشد‬ ‫ِـ‬
‫وأرباب األقالم واإلعالم أن يُعنَوا َّ‬ ‫ِ‬
‫والناصحين ‪،‬‬ ‫المصلِحين‬ ‫والمجتمع ‪ ،‬على ُ‬ ‫اُألسرة ُ‬
‫وكف كل ما يُ ِّ‬
‫ؤث ُر عليها‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫وقيام البُيوت ِّ‬
‫وشد بُنيانها ‪،‬‬ ‫اُألسرـ واستِقرا ِرهاـ ‪،‬‬
‫بصالح َ‬‫ِ‬ ‫ِـ‬
‫العناية‬
‫ظ على المسلمين دينَهم وأمنَهم ‪ ،‬وأن يصلِح أحوالَهم ‪ ،‬وي ِ‬
‫سعد‬ ‫المسؤول أن يحف َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫واهللُ‬
‫أعمارهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اآليات والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬ ‫بارك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنةـ ‪ ،‬ون َف َعناـ بما فيهما من‬
‫َ‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الناص ُر ‪ ،‬وأشهد أن ال إله‬ ‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل القوي القادر ‪ ،‬وهو ‪ -‬سبحانه ‪ -‬العزيز ِ‬
‫ُ‬
‫وبار َك عليه‬‫القاهر ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬ ‫ُ‬ ‫الملك ُّ‬
‫الحق‬ ‫ُ‬ ‫إال اهلل‬
‫ٍـ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫‪ ،‬وعلى آله وصحبه ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ب أمام سم ِع العالَ ِـم وبصره ‪،‬‬ ‫لما على َث َرى ُسوريا ‪ ،‬والمجا ِز ُر تُرت َك ُ‬ ‫تزال الدماءُ تجري ظُ ً‬ ‫فال ُ‬
‫دين وال أخال ٌق ‪ ،‬وقد ِأذ َن اهلل لمن يُقاتَلون ويُظلَمون بأن لهم َّ‬
‫حق‬ ‫ِ‬
‫يردعُ ُمرتكبيهاـ ٌ‬ ‫وال َ‬
‫ُّصح‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المواط ِن ال ي ِ‬ ‫الدفاع عن أنفسهمـ ‪ ،‬وفي ِ‬
‫ظ وال الن ُ‬ ‫جدي الوع ُ‬ ‫ُ‬ ‫بعض‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ساسها‬
‫الشام ‪َ ،‬‬‫عدوه كما ش ِه َدتـ ُ‬ ‫العصر شعبًا يح ُك ُمه ُّ‬
‫ُ‬ ‫يشهد هذا‬
‫لك اهللُ يا شام! فلم َ‬
‫مجازر‬
‫ُ‬ ‫جزا ٍر؟! ُـ‬
‫تكاد‬ ‫وأي َّ‬
‫الجزار ُّ‬‫وعاملَها ُمعاملةَـ َّ‬
‫َ‬ ‫وأدار ُشؤونَها كجاَّل د ‪،‬‬
‫َ‬ ‫حاكِ ُمها كع ُد ٍّو ‪،‬‬
‫صدورهم ‪ ،‬وتال َشت اإلنسانيَّةُـ‬ ‫نسي مجا ِزر ِ‬
‫القرام ِ‬ ‫ِ‬
‫طاغيتها تُ ِ‬
‫غاضت الرحمةُـ من ُ‬ ‫طة والتَّتَر ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫وتدمير البالد من أمانِيهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫واألطفال من تسالِيهمـ ‪،‬‬
‫ِـ‬ ‫ذبح النساء‬
‫وأصبح ُ‬‫َ‬ ‫من أفعالهم ‪،‬‬
‫‪745‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪532‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫وعجل عل طُغاتها ٍ‬
‫أيام‬ ‫َّ‬ ‫عاد وثمود ‪ ،‬وقتلَهم قِتلةَ أصحاب اُألخدودـ ‪،‬‬
‫لعنَهم اهلل لعنةَ ٍ‬
‫وأوردهم ِ‬
‫عاجاًل ظُلمةَ اللُّحود‪.‬‬ ‫وسود ‪،‬‬ ‫ِ ٍ‬
‫َ‬ ‫نحسات ُ‬
‫ألمها‬ ‫الواجب على العالَ ِم أن يقوم بمسؤوليَّته أمام هذه الكا ِرثة التي َ‬
‫طال َأم ُدها ‪ ،‬وتتابَ َع ُ‬ ‫َ‬ ‫وإن‬
‫ِّ‬
‫وكف‬ ‫فليتنادوا لنُصرة المظلوم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫خاصةً ‪،‬‬
‫والمسلمين َّ‬ ‫العرب ُ‬‫ِ‬ ‫‪ ،‬وتعظُ ُم المسؤوليَّةُ على‬
‫عاراـ ‪ ،‬وال ترى منه إال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الظالِم ‪ ،‬وليكن ُّ‬
‫الحل عمليًّا وعاجاًل ؛ فإن األيام ال تزي ُـد الباغيـ إال ُس ً‬
‫ونارا‪.‬‬
‫جحيما ً‬
‫ً‬

‫أيهاـ السوريون‪:‬‬
‫ص ِر ِه ْم لََق ِد ٌير (‪ 746﴾ )39‬لقد بالَغَت‬ ‫ِ‬
‫ين ُي َقاَتلُو َن بِ ََّأن ُه ْـم ظُل ُموا َوِإ َّن اللَّهَ َعلَى نَ ْ‬
‫ِ ِِ‬
‫﴿ ُأذ َن للَّذ َ‬
‫لك ‪،‬‬ ‫بزوال الم ِ‬
‫ؤذ ٌن ِ‬ ‫ؤذ ٌن ب َفر ٍج قريب ‪ ،‬والظلم م ِ‬ ‫الظلم ‪ ،‬وهذا م ِ‬ ‫العصابةُـ الحاكمةُ في ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫فأبشروا‪:‬ـ ﴿ نَ ِ ِ‬ ‫العقوبة؛ ِ‬
‫ِ‬
‫يب (‪. 747﴾ )13‬‬ ‫ص ٌر م َن اللَّه َو َف ْت ٌح قَ ِر ٌ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫وتعجيل‬
‫فاجتمعت لكم أمارتان على النصر ‪ ،‬دافِعوا بكل ما‬ ‫َ‬ ‫تكفل اهلل باليُسرـ مع العُسرـ ‪،‬‬ ‫وقد َّ‬
‫توك َل عليه ‪ ،‬وقد رأيتُم ُخذالن األمم‬ ‫خاب من َّ‬ ‫وتوكلوا على اهلل؛ فما َـ‬ ‫َّ‬ ‫تقدرون عليه ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وعُصبتها‪.‬‬
‫وأكذبوا‬‫ِ‬ ‫البديل لطُغيانِهمـ ‪ ،‬فأخلِفوا فألَهم ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الفوضى هي‬ ‫َ‬ ‫كثيرا على أن‬ ‫لقد َ ُّ‬
‫راهن الطغاةُ ً‬
‫صفكم ‪ ،‬وات ُقوا اهللَ في أن ُف ِسكمـ وأهلِيكم ‪ ﴿ ،‬فَ َّات ُقوا‬ ‫ووحدوا َّ‬ ‫أمركم ‪ِّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ظنَّهم ‪ ،‬وأجمعوا َ‬
‫ْأس الَّ ِذ َـ‬
‫ين َك َف ُروا َواللَّهُ َأ َش ُّد‬ ‫سى اللَّهُ َأ ْن يَ ُك َّ‬ ‫َأصلِحوا ذَ َ ِ‬
‫اللَّهَ َو ْ ُ‬
‫‪748‬‬
‫ف بَ َ‬ ‫ات َب ْين ُك ْم (‪َ ﴿ ، ﴾ )1‬ع َ‬
‫ْأساـ َوَأ َش ُّد َت ْن ِكياًل (‪. 749﴾ )84‬‬ ‫بَ ً‬

‫الشر عنكم‪.‬‬
‫ويدفع َّ‬
‫َ‬ ‫البأس عنكم ‪،‬‬
‫ف َ‬ ‫عسى اهلل أن ي ُك َّ‬

‫‪746‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪747‬‬
‫سورة الصف‬
‫‪748‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪749‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪533‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫صل وسلِّم وبا ِرك على‬


‫المجتبى ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫المصطفى والرسولـ ُ‬ ‫هذا؛ وصلُّوا وسلِّموا على النبي ُ‬
‫ِ‬
‫وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬اللهم‬ ‫ٍ‬
‫محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪،‬‬ ‫عبدك ورسولِك‬
‫وعلي ‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫الراشدين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬ ‫ارض عن األئمةـ المهديين ‪ ،‬والخلفاء‬
‫َ‬
‫نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صحابة نبيِّك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على ِ‬ ‫وعن سائرـ‬
‫َ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬
‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫اللهم ِ‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نح ِره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬ ‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح َّ‬
‫إمامناـ َّ‬
‫أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫وحد به كلمةَ‬‫وفِّقه ُلهداك ‪ ،‬واجعل عملَه في ِرضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةَـ الصالحةَ ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫وولي عهده وسدِّدهم ِ‬
‫واجعلهم‬
‫َ‬ ‫وأع ْنهم ‪،‬‬ ‫لواء الدينـ ‪ ،‬اللهم وفِّقه َّ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬
‫وصالح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫باركِين ُموفَِّقين لكل خي ٍر‬
‫ُم َ‬
‫رب‬
‫رب العرش العظيم ‪ ،‬ال إله إال اهلل ُّ‬
‫الحليم ‪ ،‬ال إله إال اهلل ُّ‬
‫ُ‬ ‫العظيم‬
‫ُـ‬ ‫ال إله إال اهلل‬
‫جارك ‪،‬‬
‫عز ُ‬‫ورب العرش الكريم ‪ ،‬ال إله إال أنت ُسبحانك ‪َّ ،‬‬ ‫ورب األرض ُّ‬
‫السماواتـ ُّ‬
‫وجل ثناُؤ ك ‪َّ ،‬‬
‫وتقد َست أسماُؤ ك‪.‬‬ ‫َّ‬
‫أمرك ‪ُ ،‬سبحانك وبحمدك ‪،‬‬ ‫ف وع ُدك ‪ ،‬وال يُ ُّ‬
‫رد ُ‬ ‫هز ُم ُجن ُدك ‪ ،‬وال يُخلَ ُ‬
‫اللهم يا َمن ال يُ َ‬
‫اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا ‪ ،‬اللهم‬
‫وس َّد َخلَّتهم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحق والهدى ‪ ،‬اللهم احقنـ دماءهم ‪ ،‬وآمن روعاتهمـ ‪ُ ،‬‬ ‫اجمعهمـ على ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وانصرهم‬
‫ُ‬ ‫أعراضهم ‪ ،‬واربِط على قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهمـ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جائعهمـ ‪ ،‬واح َفظ‬ ‫وأطعم َ‬
‫فر َجك القريب‪.‬‬ ‫على من بغَى عليهم ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫صارهم ‪ ،‬اللهم َ‬‫كح َ‬
‫حماك بهم يا أرحم الراحمين ‪ ،‬ويا‬‫لليتامى والثَّ َكالَىـ والمظلومين ‪ ،‬اللهم ُر َ‬ ‫ِ‬
‫اللهم انتصر َ‬
‫ِ‬
‫ناصر المظلومين‪.‬‬
‫اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ‪ ،‬اللهم عليك بالطُّغاةـ الظالمين ‪ ،‬اللهمـ عليك بهم فإنهم ال‬
‫ي ِ‬
‫بأسكـ و ِر َ‬
‫جزك إلهَ الحق‪.‬‬ ‫ك ‪ ،‬اللهم أن ِزل بهم َ‬‫عجزونَ َ‬ ‫ُ‬

‫‪534‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ستضعفينـ من‬
‫الم َ‬‫وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر ُ‬
‫َ‬ ‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك‬
‫انصرهمـ في‬
‫الحق يا رب العالمين ‪ ،‬اللهم ُ‬ ‫واجمعهم على ِّ‬ ‫َ‬ ‫المسلمين في كل مكان ‪،‬‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫فلسطين على الصهاينةـ ُ‬
‫اب النَّا ِر (‪. 750﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫السميع العليمـ ‪،‬‬ ‫سميع الدعاء‪ .‬ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬ ‫ووالديهمـ وذُريَّاتهم إنك‬‫ِ‬ ‫لنا ولوالديناـ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫التواب الرحيم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وتُب علينا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬رمضان أقبل‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬األول من رمضان من عام ‪1433‬هـ‬

‫‪ -‬رمضان أقبل ‪-‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬رمضان‬
‫ووجه‬ ‫ٍ‬
‫ورحمات ‪َّ ،‬‬ ‫ٍـ‬
‫وبركات‬ ‫ٍ‬
‫خيرات‬ ‫أقبل" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن شهر رمضان وما فيه من‬
‫قربُنا إلى اهلل تعالى؛ من‬ ‫ِ‬
‫اقتناص هذا الشهرـ والعمل فيه بما يُ ِّ‬ ‫النصح لعموم المسلمين بضرورة‬
‫َ‬
‫وذكر بأن هذا الشهر هو‬ ‫وصدق في الصوم والصالة والقيام واألعمال الصالحة ‪َّ ،‬‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إخالص‬
‫شهر النصر والتمكين على أمة اإلسالم‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫‪750‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪535‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫األنفس وتعلو الدرجات‬


‫ُ‬ ‫مواسم الخيرات ‪ ،‬ويُهيُِّئ لهم ما تز ُكو به‬
‫َ‬ ‫الحمد هلل يُعيد على عباده‬
‫البريات ‪ ،‬فمنهم من لربه يدنُو فيعلُو ‪ ،‬ومنهم من ي ِه ُن ُ‬
‫ويلهو‬ ‫لرب ِّ‬
‫قربُهم ِّ‬ ‫سهل لهم ما يُ ِّ‬
‫‪ ،‬ويُ ِّ‬
‫الدركاتـ ‪ ،‬أحمد ربي تعالىـ وأشكره ‪ ،‬وُأثنِي عليه‬ ‫تحط بهم أهواُؤ همـ في أدنى َّ‬ ‫‪ ،‬وآخرين ُّ‬
‫وأستغفره ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له يج ِزي بالجليل على القليل ِ‬
‫ويغف ُر‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫جل عن‬ ‫القبيح ويُظ ِه ُر الحسن ‪َّ ،‬‬ ‫ويستر‬ ‫الح َزن ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ب عن المؤمنين َ‬ ‫الذنب العظيم ‪ ،‬يُذه ُ‬ ‫َ‬
‫‪751‬‬
‫ص ُير (‪﴾ )11‬‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫الشبيه وعن ِّ‬
‫س َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ‬ ‫الند وعن النَّظير ‪ ﴿ ،‬لَْي َ‬
‫وضل من‬ ‫َّ‬ ‫أفلح من اهت َدى ُبهداه ‪،‬‬
‫ومصطفاه ‪ ،‬قد َ‬ ‫وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسوله وخليلُه ُ‬
‫بإحسان إلى يوم‬ ‫ٍ‬ ‫جافاه عنه هواه ‪ ،‬صلَّى اهلل عليه وصلَّى على اآللـ واألصحاب ومن تبِ َعهم‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫الدين ‪ ،‬وسلَّم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ِ‬
‫الوث َقىـ ‪َ ﴿ ،‬و َّات ُقوا اللَّهَ‬ ‫حق التقوى ‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعُروة ُ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالىـ َّ‬
‫ِِ‬
‫ين (‪. 752﴾ )223‬‬ ‫ش ِر ال ُْمْؤ من َ‬
‫َوا ْعلَ ُموا َأنَّ ُك ْم ُماَل قُوهُ َوبَ ِّ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫الهثون ‪ ،‬وتُنت َقص أعمارنا ونحن غافِلون ‪ ،‬وتُ ِ‬
‫شغلُنا‬ ‫تسير بنا األيام عجلَى ونحن فيها ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عروش ودالَت دول ‪،‬‬ ‫ف سقطَت فيه‬ ‫عام ِ‬
‫عاص ٌ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫مر بنا ٌ‬
‫الشواغ ُل عما نحن به ُمطالَبون ‪ ،‬وقد َّ‬
‫يكاد يُد ِر ُك‬
‫المتسارعة ال ُ‬ ‫دوامةٌ من األحداث ُ‬ ‫ٌـ‬
‫أحوال وتغيَّر وجهٌ من التاريخ ‪َّ ،‬‬ ‫واضطربَت‬
‫وذات اإلحسان‪.‬‬‫ُ‬ ‫ذات ِ‬
‫العبَر‬ ‫غورها اإلنسا ُـن ‪ ،‬منها ُ‬
‫َ‬
‫صبح يوم من رمضان بفضله وبركته‬ ‫ِ‬
‫ومن رحمة اهلل ولُطفه أن نستيقظ هذا اليوم على ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغفلة‬ ‫عواصف األحداثـ‬ ‫وبِشاراتهـ وانتصاراتهـ ‪ ،‬رمضان شاطٌئ ُ‬
‫ترفع فيه سفينةُ القلوب بعد‬
‫ِ‬
‫وانشغالناـ وتفريطنا‪.‬‬ ‫ضى بتقلُّباتـ أحواله ‪،‬‬‫عام م َ‬
‫األيام ‪ٌ ،‬‬

‫‪751‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪752‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪536‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أنف من‬ ‫تبتل أرواحنا بعد الجفاف ‪ ،‬وتترطَّب أفئدتُنا بعد القسوة ‪ِ ،‬‬
‫ورغ َم ُ‬ ‫وقد آ َن اليوم أن َّ‬
‫ُ‬
‫أدر َكه رمضان فلم يُغ َفر له‪.‬‬
‫اللهم ِأهلَّه علينا باألمنـ واإليمان والسالمة واإلسالم‪.‬‬
‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫فرص سوانِح ‪ ،‬بينما‬ ‫ِ‬
‫الموسم ُمقبِ ٌل إذ هو ٌ‬
‫رائح ‪ ،‬والغنيمةُ فيها ومنها‬ ‫ُ‬ ‫إن مواسم الخيرات ٌ‬
‫قربين‪.‬‬
‫الم َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫إنما هي صبر ٍ‬
‫المسلم بعد قَبول عمله من الفائزين ‪ ،‬ولخالقه من ُ‬
‫ُ‬ ‫ساعة ‪ ،‬فيكون‬ ‫ُ‬
‫المواسمـ من أجور ‪ ،‬وكم ُّ‬
‫تخف فيها من األوزار الظهور ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ستودعُ في هذه‬
‫فيا هلل! كم تُ َ‬
‫المسارعين ‪ ،‬ولرضوانك من الحائزين ‪،‬‬ ‫تعرضين ‪ ،‬ولمغفرتك من ُ‬ ‫لنفحاتك ُم ِّ‬
‫فاجعلنا اللهم َ‬
‫لصالح العمل ‪ ،‬واقبلنا اللهمـ فيمن قُبِل ‪ ،‬واختِم لنا بخي ٍر عند حضور األجل‪.‬ـ‬
‫ِ‬ ‫ووفِّقنا‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ين ِم ْن‬ ‫َّ ِ‬
‫ب َعلَى الذ َ‬
‫ِ‬
‫ام َك َما ُكت َ‬
‫الصيَ ُ‬
‫ب َعلَْي ُك ُم ِّ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا ُكت َ‬
‫ين َ‬‫قديم‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫الصوم شرعٌ ٌ‬
‫ُ‬
‫شهر الرحماتـ والبركاتـ ‪ ،‬والحسنات والخيرات ‪،‬‬ ‫ورمضان ُ‬
‫‪753‬‬
‫َق ْبلِ ُك ْم (‪﴾ )183‬‬
‫خير من ألف شهر ‪ ،‬وهلل‬ ‫أبواب النار ‪ ،‬فيه ليلةُ القدر هي ٌ‬ ‫ُ‬ ‫أبواب الجنة ‪ ،‬وتُغلَق‬ ‫ُ‬ ‫فتح فيه‬‫تُ ُ‬
‫ثبت في "الصحيحين" عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن "‬ ‫تعالى عُتقاءُ من النار ‪ ،‬وقد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضا َن ِإيمانًا و ْ ِ‬
‫يمانًا‬ ‫ضا َن ِإ َ‬
‫ام َر َم َ‬‫سابًا غُف َر لَهُ َما َت َق َّد َم م ْن ذَنْبِه " ‪ ،‬وأن " َم ْن قَ َ‬ ‫احت َ‬ ‫ام َر َم َ َ َ‬
‫صَ‬‫َم ْن َ‬
‫سابًاـ غُِف َر لَهُ َما َت َق َّد َم‬ ‫احتِسابا غُِفر لَهُ ما َت َق َّدم ِمن َذنْبِ ِه " وأن " من قَام لَْيلَةَ الْ َق ْد ِر ِإيمانًا و ْ ِ‬
‫احت َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َو ْ َ ً َ َ‬
‫ِم ْن َذنْبِ ِه " ‪.‬‬
‫أفطر فرِح‬ ‫لوف فم الصائم أطيب عند اهلل من ِ ِ‬
‫ريح المسك ‪ ،‬وللصائمـ فرحتان‪ :‬إذا َ‬ ‫ُ‬ ‫َخ ُ‬
‫ِبفطره ‪ ،‬وإذا ِلق َي ربَّه فرِح بصومه‪.‬‬
‫ضا َن‬ ‫ضا ُن ِإلَى َر َم َ‬ ‫وفي "صحيح مسلم" أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ .." :‬و َر َم َ‬
‫ب الْ َكبَاِئَـر " ‪.‬‬
‫اجَتنَ َ‬ ‫ات َما َب ْيَن ُه َّن ِإذَا ْ‬
‫ُم َك ِّف َر ٌ‬

‫‪753‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪537‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ات ِمن ال ُْه َدى والْ ُفرقَ ِ‬
‫َّاس وبِّينَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫﴿ َش ْهر رم َ ِ‬
‫ان (‪)185‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ضا َن الَّذي ُأنْ ِز َـل فيه الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى للن ِ َ َ‬ ‫ُ ََ‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فيه القرآن ‪،‬‬ ‫س َّ‬ ‫ُ‬ ‫ر‬‫ِ‬ ‫دا‬‫ُ‬‫ي‬ ‫‪-‬‬ ‫السالم‬ ‫عليه‬ ‫‪-‬‬ ‫جبريل‬
‫ُ‬ ‫كان‬ ‫‪754‬‬
‫﴾‬
‫وتفرغوا لقراءة القرآن ‪،‬‬
‫الحديث َّ‬
‫َ‬ ‫السلف ‪ -‬رحمهم اهلل ‪ -‬إذا جاء رمضان تر ُكوا‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫والصيام والقرآن يش َفعانـ لصاحبهماـ يوم القيامة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫سكب‬ ‫شهر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والناس نيام ‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫التهجد‬
‫محاريب ُّ‬ ‫شهر التراويح والقيام ‪ ،‬واالصطفاف في‬ ‫هو ُ‬
‫رد ‪ ﴿ ،‬وِإذَا سَألَ َـ ِ ِ‬
‫ك عبَادي َعنِّي فَِإ نِّي قَ ِر ٌ‬
‫يب‬ ‫َ َ‬ ‫العبراتـ وإقالة العثَراتـ ‪ ،‬للصائم دعوةٌ ال تُ ُّ‬
‫ان َفلْيَ ْستَ ِجيبُوا لِي َول ُْيْؤ ِمنُوا بِي لَ َعلَّ ُه ْـم َي ْر ُش ُدو َن (‪. 755﴾ )186‬‬
‫اع ِإذَا َد َع ِ‬ ‫يب َد ْع َوةَ َّ‬
‫الد ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأج ُ‬
‫ب األخالق ‪ ،‬وفي الصوم تربيةٌ على كسر الشهوة ‪ ،‬وقطع‬ ‫في رمضان تص ُفو النفوس َّ‬
‫وتتهذ ُـ‬
‫شهر‬
‫واسىـ ال ُفقراءُ والبُؤساء ‪ ،‬فهو ُ‬ ‫أسباب العبوديةـ لألهواء والشهوات ‪ ،‬في رمضان يُ َ‬
‫الصدقة والمواساة‪.‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واغسلوها بالتوبة‬ ‫صوا من أدران الذنوبـ والمعاصي ‪،‬‬ ‫أخلصوا دينَكم هلل ‪ ،‬وتخلَّ ُ‬
‫وحائل عن ال ُق ُربات‪.‬ـ‬ ‫قعدةٌ عن الطاعات ‪،‬‬ ‫الذنوب م ِ‬ ‫واالستِغفار؛ فإن‬
‫ٌ‬ ‫َـ ُ‬
‫تابعةـ في كل عبادتكم ‪،‬‬ ‫صه أو يُحبِطُه ‪ِّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫والم َ‬
‫اإلخالص ُ‬
‫َ‬ ‫حق ُقوا‬ ‫صومكم عما يُنق ُ‬
‫صونوا َ‬ ‫ثم ُ‬
‫وابتعدوا عن كل م ٍ‬
‫حدثة في‬ ‫ِ‬ ‫أشد مان ٍع لقبول العمل؛ بل هو ُمحبِ ٌ‬
‫ط له ‪،‬‬ ‫الشرك فهو ُّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وحاذروا‬
‫ُ‬
‫شرع‪.‬‬ ‫الدينـ فال يقبَ ُل اهلل عماًل لم يُ َ‬
‫يجر ُحه؛ فعن أبيـ هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬‬ ‫صومكم عما َ‬
‫صونوا َ‬ ‫ُ‬
‫الزو ِر والْعمل بِ ِه والْج ْهل َفلَي ِ ِ‬
‫س للَّه َح َ‬
‫اجةٌـ َأ ْن‬ ‫ع َق ْو َل ُّ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن لَ ْم يَ َد ْ‬
‫ع طَ َع َامهُ َو َش َرابَهُ " ؛ رواه البخاري‪.‬‬ ‫يَ َد َ‬
‫َأح ِد ُك ْم فَال‬ ‫وفي "الصحيحين" أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ِ " :‬إ َذا َكان يوم ِ‬
‫ص ْوم َ‬‫َ َْ ُ َ‬ ‫َّ‬
‫صاِئ ٌم " ‪.‬‬
‫َأح ٌد َْأو قَاَتلَهُ‪َ ،‬فلَْي ُق ْل‪ِ :‬إنِّي ْام ُرٌؤ َ‬
‫ب‪ ،‬فَِإ ْن َسابَّهُ َ‬‫ص َخ ْ‬ ‫ث‪َ ،‬وال يَ ْ‬
‫َي ْرفُ ْ‬
‫أيها الصائمون‪:‬‬

‫‪754‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪755‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪538‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫مقصود الصيام‪ :‬تربيةُ النفس على طاعة اهلل وتزكيتُها بالصب ِر ‪ ،‬واستِعالُؤ ها على‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫منع‬
‫باب أولَى ُ‬ ‫المباحاتـ حال الصيام؛ فمن ِ‬ ‫الشهواتـ ‪ ،‬وكما يُمنَ ُع الجس ُد عن بعض ُ‬
‫مشاهدـ هابِطة لو لم يكن فيها‬ ‫الجوارح عن الحرام‪ .‬إن وقت رمضان أثمن من أن يضيع أمام ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫محموم مع‬ ‫ٍ‬ ‫ذمها؛ كيف وقنواتُهاـ في ٍ‬
‫سباق‬ ‫إال إضاعةُ الوقت الثمين لكان ذلك كافِيًا في ِّ‬
‫والصد عن ذكر اهلل وعن الصالة ‪ ،‬فهل أنتم ُمنتهون؟!‬ ‫ِّ‬ ‫الشيطان في نشر الفساد والفتنة ‪،‬‬
‫وتفقد مواضع الخلل ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها‬ ‫لمراجعة حساباتهاـ وعالقتها بدينهاـ ‪ُّ ،‬‬ ‫رمضان تذكرةٌ لألمة ُ‬
‫ين ِم ْن َق ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُقو َن (‪)183‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ب َعلَى الذ َ‬
‫ِ‬
‫ام َك َما ُكت َ‬
‫الصيَ ُ‬
‫ب َعلَْي ُك ُم ِّ‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا ُكت َ‬ ‫ين َ‬ ‫الَّ ِذ َـ‬
‫‪756‬‬
‫شهر تزكية النفوس وتربيتها‪.‬ـ‬ ‫ُ‬ ‫فهو‬ ‫﴾‬
‫النداء‪:‬ـ ﴿ َوتُوبُوا ِإلَىـ اللَّ ِه‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫فأج ِ‬‫يا مسلم يا عب َد اهلل! ُدونَك دعوةُ الجبَّار لك بالتوبة ‪ِ ،‬‬
‫ُ‬
‫بادر بالتوبة ‪ -‬غفر اهلل لي ولك ‪، -‬‬ ‫ِ‬ ‫‪757‬‬
‫َج ِم ًيعا َأيُّهَ ال ُْمْؤ ِمنُو َن لَ َعلَّ ُك ْـم ُت ْفلِ ُحو َن (‪﴾ )31‬‬
‫تستحي من ذك ِره غ ًدا ‪ ،‬وإنما الراحةُـ ال ُكبرى لمن‬ ‫وإياك أن تضع في صحيفتِك اليوم ما ِ‬
‫َ‬
‫ِتعبوا‪.‬‬
‫أيها الصائمون‪:‬‬
‫ب لك بها‬ ‫ٍ‬
‫ب دعوة يُكتَ ُ‬ ‫ور َّ‬
‫اإللهي ‪ُ ،‬‬‫ُّ‬ ‫التنزلـ‬
‫ورحمات حين ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫نفحات‬
‫ٌ‬ ‫وفي األسحار أسرار ‪،‬‬
‫الفط ِر دعوةٌ ال تُردُّ‪.‬‬ ‫األبدي ‪ ،‬وعند ِ‬
‫ُّ‬ ‫الفوز‬
‫ُ‬
‫وأودعوا فيه من الصالِحاتـ ما تستطيعون ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فاسعدوا بشهركمـ ‪ -‬أيها المسلمون ‪، -‬‬
‫َ‬
‫الساَل ِم َو َي ْه ِدي َم ْن يَ َ‬
‫شاءُ‬ ‫وتقربُوا فيه لموالكم ‪ ،‬فللجنة قد ناداكم‪َ ﴿ :‬واللَّهُ يَ ْدعُو ِإلَى َدا ِر َّ‬
‫َّ‬
‫اط ُم ْستَ ِق ٍيم (‪. 758﴾ )25‬‬ ‫صر ٍ‬ ‫ِإ ِ‬
‫لَى َ‬
‫اآليات والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬ ‫ِ‬ ‫بارك اهلل لي ولكم في الكتابـ والسنةـ ‪ ،‬ون َف َعناـ بما فيهما من‬
‫َ‬
‫فاستغفروا اهلل إنه كان َّ‬
‫غف ًارا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫هذا ‪ ،‬وأستغفر اهلل تعالى لي ولكم ولسائر المسلمين ‪،‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪756‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪757‬‬
‫سورة النور‬
‫‪758‬‬
‫سورة يونس‬
‫‪539‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأشكرهـ‬ ‫وصاًل إلى الجنة ‪ ،‬أحم ُده ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬ ‫الحمد هلل الذي جعل الصيام جنَّة ‪ ،‬وسببا م ِ‬
‫ُ‬ ‫ً ُ‬ ‫ُ‬
‫ويسر فضاًل منه ومنَّة ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن‬ ‫ه َدى َّ‬
‫طريق وأقوم ُسنَّة ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبار َك عليه ‪،‬‬ ‫أوضح ٍ‬
‫ِ‬ ‫محم ًدا عب ُده ورسولُه دلَّنا على‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫وعلى آله وأصحابه ‪ ،‬ومن تبِ َعهمـ‬

‫أيها المؤمنون الصائمون‪:‬‬


‫نستبشر بحلوله بقدر ما ِ‬
‫نعق ُد‬ ‫ِ‬ ‫شهر الذكريات وال ُفتوحاتـ واالنتِصاراتـ ‪ ،‬وبقد ِر ما‬
‫ُ ُ‬ ‫رمضان ُ‬
‫عز ونص ٍر وتمكي ٍن ‪ ،‬وأن ُيردَّهاـ إليه ردًّا جمياًل ‪ ،‬وإال‬ ‫حال األمة إلى ٍّ‬‫ِّل اهللُ َـ‬
‫اآلمال أن يُبد َ‬
‫َ‬
‫بالجراح ‪ُ ،‬مثقلةٌ باآلالم‪.‬‬ ‫فإن رمضان ِ‬
‫يح ُّل بنا واألمةُـ مثخنةٌ ِ‬
‫ُ‬
‫ومسرى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ -‬محتلٌّ يِئ ُّن تحت وطأة الظالمين‪.‬‬ ‫يح ُّل رمضان‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫شردون ‪ ،‬وتُه َد ُم‬ ‫ِ‬
‫المقدس من المؤمنين يُقتَلون ويُ َّ‬ ‫ِ‬
‫أكناف بيت‬ ‫والمرابِطون في‬ ‫ِ‬
‫يح ُّل رمضان ُ‬
‫باد جماعتُهم‪.‬‬ ‫ف أراضيهم ‪ ،‬وتُ ُ‬ ‫منا ِزلُهم وتُ َ‬
‫جر ُ‬
‫رار أهل األرض ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دمرون ‪ ،‬ويتواطَؤ عليهم ش ُ‬ ‫يح ُّل رمضان وإخوانُنا في سوريا يُذبَحون ويُ َّ‬
‫يظن الظانُّون ‪ ،‬نصرا يشاد إلىـ ِ‬
‫سواعد الصابرينـ ‪،‬‬ ‫أقرب مما ُّ‬
‫ً ُ ُ‬ ‫الفرج لهم َ‬ ‫َ‬ ‫وإن كنا نرى‬
‫دعوات الصائمين الضا ِرعين ‪ ،‬وليس على اهلل بعزي ٍز أن يكون العي ُـد في الشام‬ ‫ُ‬ ‫وتستجلِبُه‬
‫الفطر وعي ُد النصر‪.‬‬‫ِعيدان‪ :‬عي ُد ِ‬
‫هب‬
‫رب! ْ‬ ‫المصائب تَ َترى ‪ ،‬فيا ِّ‬
‫ُ‬ ‫أدرى ‪ ،‬وقد جاءتهمـ‬
‫عبادك ‪ ،‬أنت بهم َ‬‫عبادك َ‬‫رب! َ‬ ‫فيا ِّ‬
‫وعداك‪.‬‬ ‫لهم من ل ُدنكـ نصرا ‪ ،‬نصرا ال يش ُكرون به ِسواك ‪ ،‬ويستغنون به عن ِعداهم ِ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولِك‬ ‫رب وسلِّم على خير َ‬
‫الورى ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫صل يا ِّ‬
‫ثم ِّ‬
‫ارض عن األئمة‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬اللهم َ‬
‫ِ‬
‫صحابة‬ ‫وعلي ‪ ،‬وعن سائرـ‬‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫الراشدين‪:‬ـ أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬ ‫المهديينـ ‪ ،‬والخلفاء‬
‫نبيِّك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على ِ‬
‫نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين‪.‬ـ‬ ‫َ‬

‫‪540‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬


‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نح ِره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬ ‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح َّ‬
‫إمامناـ َّ‬
‫أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫وحد به كلمةَ‬‫وفِّقه ُلهداك ‪ ،‬واجعل عملَه في ِرضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةَـ الصالحةَ ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫وولي عهده وسدِّدهم ِ‬
‫واجعلهم‬
‫َ‬ ‫وأع ْنهم ‪،‬‬ ‫لواء الدينـ ‪ ،‬اللهم وفِّقه َّ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬
‫وصالح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫باركِين ُموفَِّقين لكل خي ٍر‬
‫ُم َ‬
‫مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا ‪ ،‬اللهم‬ ‫أحوال المسلمين في كل ٍ‬ ‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫وس َّد َخلَّتهم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحق والهدى ‪ ،‬اللهم احقنـ دماءهم ‪ ،‬وآمن روعاتهمـ ‪ُ ،‬‬ ‫اجمعهمـ على ِّ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫وانصرهم‬
‫ُ‬ ‫ضهم ‪ ،‬واربِط على قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهمـ ‪،‬‬ ‫جائعهمـ ‪ ،‬واح َفظ أعرا َ‬
‫وأطعم َ‬
‫فر َجك القريب ‪ ،‬اللهم أتِ َّم عليهم ‪،‬‬ ‫على من بغَى عليهم ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫صارهم ‪ ،‬اللهم َ‬ ‫كح َ‬
‫اللهم أتِ َّم عليهم‪.‬‬
‫حماك بهم يا أرحم الراحمين ‪ ،‬ويا‬ ‫لليتامى والثَّ َكالَىـ والمظلومين ‪ ،‬اللهم ُر َ‬ ‫ِ‬
‫اللهم انتصر َ‬
‫ناصر المظلومين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ك ‪ ،‬اللهم أن ِزل بهم‬ ‫اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ‪ ،‬اللهم عليك بهم فإنهم ال ي ِ‬
‫عجزونَ َـ‬‫ُ‬
‫بأسك و ِر َ‬
‫جزك إلهَ الحق‪.‬‬ ‫َ‬
‫ستضعفينـ من‬
‫الم َ‬‫وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر ُ‬
‫َ‬ ‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك‬
‫انصرهمـ في‬
‫الحق يا رب العالمين ‪ ،‬اللهم ُ‬ ‫واجمعهم على ِّ‬ ‫َ‬ ‫المسلمين في كل مكان ‪،‬‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫فلسطين على الصهاينةـ ُ‬
‫اب النَّا ِر (‪. 759﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ووالديهم وذُريَّاتهمـ إنك‬ ‫ِ‬ ‫لنا ولوالدينا‬
‫ُ‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫‪759‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪541‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬عباداتـ يسيرة بأجور كبيرة‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس من شوال من عام ‪1433‬هـ‬

‫‪ -‬عبادات يسيرة بأجور كبيرة ‪-‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪:‬‬
‫"عبادات يسيرة بأجور كبيرة" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن اإلكثار من النوافل بعد شهر‬
‫وذكر العدي َـد من األحاديث‬
‫َ‬ ‫رمضان؛ من الصيام ‪ ،‬والقيام ‪ ،‬وقراءة القرآن ‪ ،‬وغير ذلك ‪،‬‬
‫الدالَّةـ على ِعظَم أجور الكثير من العباداتـ اليسيرة؛ كالذكر ‪ ،‬والوضوء ‪ ،‬والصالة ‪،‬‬
‫وإماطة األذى عن الطريق ‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫يسر طرق الخير ليستكثِر العب ُـد من‬ ‫وم ِّ‬


‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل ُمعيد المواسم واألعياد ‪ُ ،‬‬
‫والفضلـ له على ما‬
‫ُ‬ ‫والشكر له على ما وفَّق ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫شرع ‪،‬‬
‫الخير ويزدادـ ‪ ،‬فالحم ُد هلل على ما َ‬
‫المرجع وإليه المعاد ‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شركاء له وال أندادـ ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫هدى ‪ ،‬إليه‬

‫‪542‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وخير العبادـ ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬


‫وبارك عليه وعلى آله وأصحابه‬ ‫رسول اهلل ُ‬
‫ُ‬ ‫وأشهد أن محم ًدا‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم التناد‪.‬ـ‬ ‫الهدى والرشاد ‪ ،‬والتابعينـ لهم‬ ‫ِ‬
‫ُأولي ُ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫وخير عُ َّد ٍة ليوم‬‫ُ‬ ‫فالتقوى ‪ -‬أيها المسلمون ‪ -‬التقوى؛ وصيةُ األنبياء ‪ ،‬وحليةُ األولياء ‪،‬‬
‫ت لِغَ ٍد َو َّات ُقوا اللَّهَ ِإ َّن اللَّهَ َخبِ ٌير‬ ‫َّ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللهَ َولَْت ْنظُْر َن ْف ٌ‬
‫س َما قَ َّد َم ْ‬ ‫اللقاء ﴿ يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬
‫بِ َما َت ْع َملُو َن (‪. 760﴾ )18‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫يخف ‪ ،‬ولم يزل في ِ‬
‫نفوسنا طراوةٌ من تراتيل‬ ‫لم يزل في ثيابنا عب ٌق من َش َذى شهرناـ لم ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تجف ‪،‬‬ ‫وداع رمضان ‪ ،‬ومن ذا يلومها أن ِ‬ ‫نديَّةً على ِ‬‫تجف ‪ ،‬ولم تزل عيونُنا ِ‬ ‫القرآن لم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫قربات ‪ ،‬وما جافانا عنه‬ ‫الم ِّ‬
‫لذة الطاعات ‪ ،‬وحالوة ال ُق ُربات ُ‬ ‫وما ذاك إال لما افتقدناهـ من َّ‬
‫ِ‬
‫القلوب‪.‬‬ ‫مركب الزمان من العبادات الجالِية لصدى النفوس ِ‬
‫وران‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اعتادهاـ في شهر‬
‫وواصل نوافل العباداتـ التيـ َ‬ ‫َ‬ ‫وغالب هواه ‪،‬‬
‫َ‬ ‫نفسه ‪،‬‬‫صابر اإلنسا ُـن َ‬
‫ولو َ‬
‫وصدقة ‪ ،‬وخي ٍر النقلَبَت حياتُه إلى‬ ‫ٍ‬ ‫وقراءة للقرآن ‪،‬‬‫ٍ‬ ‫صيام ‪ ،‬وقيام ٍ‬
‫ليل ‪،‬‬ ‫رمضان؛ من ٍ‬
‫قول اهلل ‪ -‬عز‬
‫رياض من ال ُق ُربات ُمتصل ‪ ،‬وتمثَّل َ‬ ‫نفسه في ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫موسم للخير دائمـ ‪ ،‬وتقلبَت ُ‬
‫ين (‪. 761﴾ )162‬‬ ‫اي َو َم َماتِيـ لِلَّ ِه َر ِّ‬
‫ب ال َْعالَ ِم َـ‬ ‫وجل ‪ ﴿ :-‬قُل ِإ َّن صاَل تِي ونُ ِ‬
‫سكي َو َم ْحيَ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ميراث اهلل لعباده يختارون منا ِزلَهم من الجنة بقد ِر حرثهم لآلخرةـ ‪َ ﴿ ،‬وقَالُوا ال َ‬
‫ْح ْم ُد‬ ‫ُ‬ ‫األرض‬
‫ُ‬
‫ْجن َِّة َح ْي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫للَّه الَّذي َ‬
‫‪762‬‬
‫والمؤمن‬
‫ُ‬ ‫شاءُ (‪﴾ )74‬‬
‫ث نَ َ‬ ‫ض َنتََب َّوُأ م َن ال َ‬
‫اَأْلر َ‬
‫ص َد َقنَا َو ْع َدهُ َو َْأو َر َثنَا ْ‬

‫‪760‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪761‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪762‬‬
‫سورة الزمر‬
‫‪543‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ف حتى يُد ِر َكه‬ ‫ويحفد ‪ ،‬ال ينِي حتى يكون ُمنتهاه الجنة ‪ ،‬وال ِيق ُ‬ ‫سائر إلى ربه يسعى ِ‬ ‫الحق ٌـ‬ ‫ُّ‬
‫ين (‪. 763﴾ )99‬‬ ‫ك حتَّى يْأتِي َـ ِ‬
‫ك الْيَق ُ‬ ‫الموت ‪َ ﴿ ،‬وا ْعبُ ْد َربَّ َ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫رب كل الشهور‬ ‫شهر ُمضاع َفة األجور ‪ -‬فإن اهللَ تعالىـ هو ُّ‬ ‫شهر رمضان ‪ -‬وهو ُ‬ ‫ضى ُ‬ ‫ولئن انق َ‬
‫المتج ُر الرابح ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ف هي ‪ -‬واهلل ‪َ -‬‬ ‫ضاع ُ‬ ‫وأجور تُ َ‬‫ٌ‬ ‫‪ ،‬وفي الحياة آفا ٌق واسعةٌـ للعمل الصالح ‪،‬‬
‫روب‬
‫ود ٌ‬ ‫وص ُل إلىـ اهلل ‪ُ ،‬‬ ‫وهدي رسولِه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فِجاج تُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وفي شرع اهلل‬
‫ٌ‬
‫مراض َي اهلل ورحماته ‪ ،‬ويُكافُِئ عليها بجنَّته‪.‬‬ ‫وأعمال تستجلِب ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وتهدي لمرضاته ‪،‬‬ ‫تُؤدِّي ِ‬
‫ُ‬
‫شمرون؟!‬ ‫الم ِّ‬
‫ولكن أين ُ‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫قال عبد اهلل بن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ :-‬أخذ‬
‫ابن عمر يقول‪ " :‬إذا‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َْأو َعاب ُر َسب ْي ٍل " ‪ .‬وكان ُ‬ ‫ك غَ ِريْ ٌ‬ ‫بمنكبِي فقال‪ُ " :‬ك ْن فِي ُّ‬
‫الد ْنيَا َكَأنَّ َ‬
‫صحتك لمرضك ‪،‬‬ ‫وخذ من َّ‬ ‫تنتظر المساء ‪ُ ،‬‬ ‫أصبحت فال ِ‬ ‫َ‬ ‫الصباح ‪ ،‬وإذا‬ ‫أمسيت فال ِ‬
‫تنتظر‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ومن حياتك لموتك "؛ رواه البخاري‪.‬‬
‫ٍ‬
‫أجورا كثيرة ‪،‬‬ ‫وقد داَّل النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على أعمال يسيرة ‪ ،‬ورتَّب عليها ً‬
‫وند ِخ ُرهاـ عند لقاء اهلل‬ ‫الحسابـ ‪َّ ،‬‬ ‫نتزو ُد بها ليوم ِ‬ ‫وفتح لنا أبوابًا واسعةً من األعمال الصالحة َّ‬ ‫َ‬
‫ك َكا َن َس ْع ُي ُه ْم‬ ‫اد اآْل ِخ َرةَ َو َس َعى لَ َها َس ْعَي َها َو ُه َو ُمْؤ ِم ٌن فَُأولَِئ َ‬ ‫رب األرباب ‪َ ﴿ ،‬و َم ْن ََأر َ‬ ‫ِّ‬
‫ورا (‪. 764﴾ )19‬‬ ‫َم ْش ُك ً‬
‫صبِ ُح َعلَى‬ ‫ذر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬يُ ْ‬ ‫عن أبي ٍّ‬
‫ص َدقَةٌ ‪َ ،‬و ُك ُّل َت ْهلِيلَ ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ُك ِّل ساَل مى ِمن َأح ِد ُكم ص َدقَةٌ ‪ ،‬فَ ُك ُّل تَسبِ ٍ‬
‫ص َدقَةٌ ‪َ ،‬و ُك ُّل تَ ْح ِمي َدة َ‬ ‫يحة َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ َ ْ َ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ص َدقَةٌ ‪َ ،‬ويُ ْج ِزُئ‬ ‫ص َدقَةٌ ‪َ ،‬و َن ْه ٌي َع ِن ال ُْم ْن َك ِر َ‬ ‫ص َدقَةٌ ‪َ ،‬و َْأم ٌر بِال َْم ْع ُروف َ‬ ‫ص َدقَةٌ ‪َ ،‬و ُك ُّل تَ ْكبِ َيرة َ‬ ‫َ‬
‫ُّحى " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن َذلِ َ‬
‫ك َر ْك َعتَان َي ْر َكعُ ُه َما م َن الض َ‬
‫فص ُل‪.‬‬ ‫والسالمى‪:‬ـ هي ِ‬
‫الم َ‬ ‫ُّ َ‬
‫الدثور باألجور ‪ ،‬يُصلُّون‬ ‫أهل ُّ‬
‫ذهب ُ‬ ‫ناساـ قالوا‪ :‬يا رسول اهلل! َ‬ ‫وعنه ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن ً‬
‫ِ‬
‫س قَ ْد َج َع َل‬ ‫ويتصدقون ب ُفضول أموالهم‪ .‬قال‪ََ " :‬أولَيَ َ‬ ‫َّ‬ ‫نصوم ‪،‬‬ ‫كما نُصلِّي ‪ ،‬ويصومون كما ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ص َّدقُو َن ؟ ِإ َّن بِ ُك ِّل تَسبِ ٍ‬
‫ص َدقَةً ‪،‬‬ ‫ص َدقَةً ‪َ ،‬و ُك ِّل تَ ْح ِمي َدة َ‬ ‫ص َدقَةً ‪َ ،‬و ُك ِّل تَ ْكبِ َيرة َ‬ ‫يحة َ‬ ‫ْ َ‬ ‫اللَّهُ لَ ُك ْم َما تَ َّ‬

‫‪763‬‬
‫سورة الحجر‬
‫‪764‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪544‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫َأح ِد ُك ْـم‬ ‫ص َدقَةٌ ‪َ ،‬وفِي بُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬


‫ض ِع َ‬ ‫ص َدقَةً ‪َ ،‬و َْأم ٌر بِال َْم ْع ُروف َ‬
‫ص َدقَةٌ ‪َ ،‬و َن ْه ٌي َع ْن ُم ْن َك ٍر َ‬ ‫َو ُك ِّل َت ْهليلَة َ‬
‫ِ‬ ‫ص َدقَةٌ قَالُوا ‪ :‬يا رس َ ِ ِ‬
‫ض َع َها‬‫ال ‪ََ :‬أر َْأيتُ ْم لَ ْو َو َ‬ ‫َأج ٌر ؟ قَ َ‬
‫َأح ُدنَا َش ْه َوتَهُ َويَ ُكو ُن لَهُ ف َيها ْ‬‫ول اللَّه َأيَْأتي َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫ك ِإذَا و َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأج ٌر " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ْحاَل ِل َكا َن لَهُ ْ‬ ‫ض َع َها في ال َ‬ ‫في َح َر ٍام ‪َ ،‬أ َكا َن َعلَْيه ِو ْز ٌر ؟ فَ َك َذل َـ َ‬
‫يظن أن يبلُ َغ به ما بل َغ؛ فعن أبي هريرة ‪ -‬رضي‬ ‫بعمل يسي ٍر ال ُّ‬ ‫المؤمن أعلى المنا ِزل ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وقد يبل ُغ‬
‫ْجن َِّة ‪،‬‬ ‫ت رجال يَت َقلَّ ِ‬
‫ب في ال َ‬ ‫اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬لََق ْد َرَأيْ ُ َ ُ َ ُ‬
‫َّاس " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫فِي َشجر ٍة قَطَعها ِمن ظَ ْه ِر طَ ِر ٍيق ‪َ ،‬كانَ ْ ِ‬
‫ت تُْؤ ذي الن َ‬ ‫ََ ََ ْ‬
‫طريق ‪ ،‬فقال‪َ " :‬واللَّ ِه ُأَلنَ ِّحيَ َّن َه َذاـ َع ْن‬ ‫شجرة على ظهر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫رجل بغُص ِن‬ ‫وفي ٍ‬
‫مر ٌ‬ ‫رواية له‪َّ « :‬‬
‫رواية لهما‪َ " :‬ب ْينَ َما َر ُج ٌل يَ ْم ِشي بِطَ ِر ٍيق ‪َ ,‬و َج َد‬ ‫الْمسلِ ِمين اَل يْؤ ِذي ِهم ‪ ،‬فَُأ ْد ِخل الْجنَّةَ " ‪ .‬وفي ٍ‬
‫َ َ‬ ‫ُْ َ ُ ْ‬
‫ش َك َر اللَّهَ لَهُ َفغََف َر لَهُ " ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫ص َن َش ْوك َعلَى الط ِر ِيق ‪ ،‬فََأخ َ‬
‫َّرهُ فَ َ‬ ‫غُ ْ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫أنس ‪-‬‬ ‫العميم؛ عن ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب العب ُـد بها رضا ربِّه الكريمـ ‪ ،‬ويش ُك ُـر فضلَه َ‬ ‫وكلمةٌ يسيرةٌ قد يستجل ُ‬
‫ضى َع ْن ال َْع ْب ِـد‬ ‫رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إ َّن اللَّهَ لََي ْر َ‬
‫الش ْربَةَ َفيَ ْح َم َدهُ َعلَْي َها " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ب َّ‬ ‫َأ ْن يَْأ ُك َل اَأْل ْكلَةَ َفيَ ْح َم َدهُ َعلَْي َها َْأو يَ ْش َر َ‬
‫فاستمع إلى ما رواه أبو هريرة‬ ‫ِ‬ ‫عدة ٍ‬
‫مرات ‪،‬‬ ‫تكررة في اليوم َّ‬ ‫الم ِّ‬ ‫الوضوءُ والصالةُ ‪ ،‬وهي ُ‬ ‫أما ُ‬
‫ضَأ ال َْع ْب ُد ال ُْم ْسلِ ُم‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ِ " :‬إذَا َت َو َّ‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن‬
‫س َل َو ْج َههُ َخ َر َج ِم ْن َو ْج ِه ِه ُك ُّل َخ ِطيَئ ٍة نَظََر ِإلَْي َها بِ َع ْيَن ْي ِه َم َع ال َْم ِاء َْأو َم َع‬ ‫ِ‬
‫‪َ -‬أ ِو ال ُْمْؤ م ُن ‪َ -‬فغَ َ‬
‫ش ْت َها يَ َداهُ َم َع ال َْم ِاء َْأو َم َع‬ ‫س َل يَ َديْ ِه َخ َر َج ِم ْن يَ َديْ ِه ُك ُّل َخ ِطيَئ ٍة َكا َن بَطَ َ‬ ‫ِ ِإ‬
‫آخ ِر قَطْ ِر ال َْماء ‪ ،‬فَ َذا غَ َ‬
‫ِ‬
‫ش ْتها ِرجاَل ه مع الْم ِاء ‪َ ،‬أو مع ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِإ‬ ‫ِ‬
‫آخ ِر‬ ‫ْ ََ‬ ‫س َل ِر ْجلَْيه ‪َ ،‬خ َر َج ُك ُّل َخطيَئة َم َ َ ْ ُ َ َ َ‬ ‫آخ ِر قَطْ ِر ال َْماء ‪ ،‬فَ َذا غَ َ‬
‫وب " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫الذنُ ِ‬ ‫قَطْ ِر ال َْم ِاء ‪َ ،‬حتَّى يَ ْخ ُر َج نَِقيًّا ِم َن ُّ‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬اَل‬ ‫ُ‬ ‫وعن أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫ض ِ‬
‫وء َعلَى ال َْم َكا ِر ِه ‪،‬‬ ‫ُأ ْخبِ ُر ُك ْم بِ َما يَ ْم ُحو اللَّهُ بِ ِه الْ َخطَايَا َو َي ْرفَ ُع بِ ِه َّ‬
‫الد َر َج ِـ‬
‫ات ؟ ِإ ْسبَاغُ ال ُْو ُ‬
‫ط‪،‬‬ ‫ط ‪ ،‬فَ َذلِ ُك ُم ِّ‬
‫الربَا ُـ‬ ‫الصاَل ِة ‪ ،‬فَ َذلِ ُك ُـم ِّ‬
‫الربَا ُ‬ ‫الصاَل ِة َب ْع َد َّ‬
‫ار َّ‬ ‫ِ‬ ‫و َك ْثرةُ الْ ُخطَا ِإلَى الْم ِ ِ‬
‫ساج ـد ‪َ ،‬وانْتظَ ُ‬ ‫ََ‬ ‫َ َ‬
‫ط ‪ " .‬؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫فَ َذلِ ُك ُم ِّ‬
‫الربَا ُـ‬

‫‪545‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬‬
‫ب‬‫اجَتنَ َ‬ ‫ات َما َب ْيَن ُه َّن ِإذَا ْ‬ ‫ضا ُن ِإلَى َر َم َ‬
‫ضا َن ُم َك ِّف َر ٌـ‬ ‫ْج ْم َع ِة َو َر َم َ‬
‫ْج ْم َعةُ ِإلَى ال ُ‬
‫س َوال ُ‬ ‫ات الْ َخ ْم ُ‬
‫الصلَ َو ُ‬
‫َّ‬
‫الْ َكبَاِئَر " ؛ رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬لَ ْو َي ْعلَ ُم‬
‫اَأْلو ِل ثُ َّم لَ ْم يَ ِج ُدوا ِإاَّل َأ ْن يَ ْستَ ِه ُموا َعلَْي ِه اَل ْسَت َه ُموا ‪َ ،‬ولَ ْو‬
‫ف َّ‬ ‫َّاس َما فِي النِّ َد ِاء َو َّ‬
‫الص ِّ‬ ‫الن ُ‬
‫َّه ِجي ِر اَل ْستََب ُقوا ِإلَْي ِه ‪َ ،‬ولَ ْو َي ْعلَ ُمو َن َما فِي ال َْعتَ َم ِة َو ُّ‬
‫الص ْب ِح َأَلَت ْو ُه َما َولَ ْو َح ْب ًوا‬ ‫َي ْعلَ ُمو َن َما فِي الت ْ‬
‫" ؛ متفق عليه‪.‬‬
‫ِ‬
‫الصالة‪.‬‬ ‫التبكير إلى‬ ‫والتهجير‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وعن أبي عبد اهلل ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ويُقال‪:‬ـ أبو عبد الرحمنـ ‪ -‬ثوبان مولى رسول اهلل ‪-‬‬
‫عت رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫سم ُ‬ ‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ورضي اهلل عن ثوبان ‪ -‬قال‪ِ :‬‬
‫ك اللَّهُ بِ َها‬‫ود ‪ ،‬فَِإ نَّك لَ ْن تَ ْس ُج َد لِلَّ ِه َس ْج َد ًة إاَّل َر َف َع َ‬ ‫السج ِ‬ ‫ِ‬
‫ك بِ َك ْث َرة ُّ ُ‬ ‫وسلم ‪ -‬يقول‪َ " :‬علَْي َ‬
‫ك َخ ِطيَئةً " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ط بِ َها َع ْن َ‬ ‫َد َر َجةً ‪َ ،‬و َح َّ‬
‫كر اهلل تعالى عنوا ُن الفالح ‪ ،‬وشارةُ التوفيق والصالح؛ عن عبد اهلل بن بُ ْس ٍر ‪ -‬رضي اهلل‬ ‫ِ‬
‫وذ ُ‬
‫ول اللَّ ِه ِإ َّن َش َراِئ َع‬
‫ال ‪ " :‬يَا َر ُس َ‬ ‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ‪َ -‬ف َق َ‬ ‫عنه ‪ -‬أن رجالً َأتَى النَّبِ َّي ‪َ -‬‬
‫ك َرطْبًا ِم ْن ِذ ْك ِر اللَّ ِه‬ ‫سانُ َـ‬ ‫ال ‪ :‬اَل يز ُ ِ‬
‫ال ل َ‬ ‫ََ‬ ‫ك بِ ِه َج ِام ٌع ؟ قَ َ‬ ‫سُ‬ ‫اب َنتَ َم َّ‬‫ت َعلَْينَا ‪َ ،‬فبَ ٌ‬ ‫اِإْل ْساَل ِم قَ ْد َك ُث َر ْ‬
‫َع َّز َو َج َّل " ؛ رواه الترمذي‪.‬ـ‬
‫وعن أبي الدرداء ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬أاَل‬
‫يك ُكم ‪ ،‬وَأرفَ ِع َها فِي َدرجاتِ ُكم ‪ ،‬و َخ ْير لَ ُكم ِمن ِإ ْن َف ِ‬
‫اق‬ ‫ُأَنبُِّئ ُكم بِ َخي ِر َأ ْعمالِ ُكم ‪ ،‬وَأ ْز َك ِ ِ ِ‬
‫ََ ْ َ ٌ ْ ْ‬ ‫اها ع ْن َد َمل ْ َ ْ‬ ‫ْ ْ َ ْ َ َ‬
‫ض ِربُوا َأ ْعنَاقَ ُك ْم ‪،‬‬ ‫ض ِربُوا َأ ْعنَا َق ُه ْم َويَ ْ‬‫ب َوال َْو ِر ِق ‪َ ،‬و َخ ْي ٌر لَ ُك ْم ِم ْن َأ ْن َت ْل َق ْوا َع ُد َّو ُك ْم َفتَ ْ‬ ‫الذ َه ِ‬‫َّ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إسنادهـ‬
‫الحاكم‪ُ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ال « ِذ ْك ُر اللَّ ِه َت َعالَى " ؛ رواه الترمذي ‪ ،‬وقال‬ ‫قَالُوا ‪َ :‬بلَى قَ َ‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن‬ ‫ُ‬ ‫عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪ :‬قال‬ ‫وعن ابن ٍ‬
‫ث اَل‬ ‫يق َم ْخ َر ًجاـ ‪َ ،‬و ِم ْن ُك ِّل َه ٍّم َف َر ًجا ‪َ ،‬و َر َزقَهُ ِم ْن َح ْي ُ‬ ‫ضٍ‬ ‫لَ ِزم ااِل ستِ ْغ َفار ‪ ،‬جعل اللَّهُ لَهُ ِمن ُك ِّل ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ ََ َ‬
‫ب " ؛ رواه أبو داود‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يَ ْحتَس ُ‬
‫أوس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬سيِّ ُد‬ ‫شدادـ بن ٍ‬ ‫وعن َّ‬
‫ت َخلَ ْقتَنِي َوَأنَا َع ْب ُد َك َوَأنَا َعلَى َع ْه ِد َك‬ ‫ت َربِّي ال ِإلَهَ ِإال َأنْ َ‬ ‫االستِغْ َفا ِر َأ ْن َي ُق ُ‬
‫ول ال َْع ْب ُـد ‪ :‬اللَّ ُه َّم َأنْ َ‬ ‫ْ‬
‫‪546‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وب ِإال‬ ‫ك بِ َذنْبِيـ فَا ْغ ِف ْر لِي ِإنَّهُ ال َي ْغ ِف ُر ُّ‬


‫الذنُ َـ‬ ‫ِّع َم ِة َوَأبُوءُ لَ َ‬ ‫ك بِالن ْ‬‫ت َأبُوءُ لَ َ‬ ‫استَطَ ْع ُ‬ ‫ِ‬
‫َو َو ْعد َك َما ْ‬
‫ْجن َِّة ‪َ ,‬وِإ ْن قَالَ َها َب ْع َد َما يُ ْم ِسي‬ ‫ِ‬ ‫صبِ ُح ُموقِنًا بِ َها َو َم َـ‬
‫ات َكا َن م ْن َْأه ِل ال َ‬ ‫ت ‪ِ .‬إ ْن قَالَ َها َب ْع َد َما يُ ْ‬ ‫َأنْ َ‬
‫ْجن َِّة " ؛ رواه البخاري‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُموقِنًا بِ َها َو َم َ‬
‫ات َكا َن م ْن َْأه ِل ال َ‬
‫قل؛ يقول‬ ‫خيرا تُقدِّمهـ مهما َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وفي اإلحسانـ إلى الخلق؛ ال تتردَّد في معروف ‪ ،‬وال تحتقر ً‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يقول‪َّ " :‬ات ُقوا‬ ‫سمعت َّ‬ ‫ُ‬ ‫حاتم ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪:-‬‬ ‫عدي بن ٍ‬ ‫ُّ‬
‫َّار َولَ ْو بِ ِش ِّق تَ ْم َر ٍة‪ "  ‬؛ متفق عليه‪.‬‬ ‫الن َ‬
‫َأح ٍد ِإاَّل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬
‫وفي رواية لهما عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬ما م ْن ُك ْم م ْن َ‬
‫اب يَ ْح ُجبُهُ ‪َ ،‬فَي ْنظُُر َأيْ َم َن ِم ْنهُ ‪ ،‬فَاَل َي َرى ِإاَّل‬ ‫ِ‬
‫س َب ْينَهُ َو َب ْينَهُ ُت ْر ُج َما ٌن َواَل ح َج ٌ‬ ‫ِّ‬
‫َسيُ َكل ُمهُ َربُّهُ ‪ ،‬لَْي َ‬
‫ِ‬ ‫ما قَ َّدم ِمن عملِ ِه ‪ ،‬وي ْنظُر َأ ْش ِ‬
‫َأم م ْنهُ فَاَل َي َرى ِإاَّل َما قَ َّد َم ‪َ ،‬و َي ْنظُُر َب ْي َن يَ َديْه فَاَل َي َرى ِإاَّل الن َ‬
‫َّار‬ ‫َ َ ْ ََ ََ ُ َ‬
‫َّار َولَ ْو بِ ِش ِّق تَ ْم َر ٍة ‪ ،‬فَ َم ْن لَ ْم يَ ِج ْد فَبِ َكلِ َم ٍة طَيِّ ٍبة " ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اء َو ْج ِهه ‪ ،‬فَ َّات ُقوا الن َ‬
‫ِ‬
‫ت ْل َق َ‬
‫وعن أبي موسى ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬علَى ُك ِّل‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫يل ‪ََ :‬أرَأيْت إ ْن لَ ْم يَ ِج ْد ؟ قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪:‬‬ ‫ص َّد ُق قَ َ‬ ‫سهُ َو َيتَ َ‬
‫ال ‪َ :‬ي ْعتَم ُل بيَ َديْه َفَي ْن َف ُع َن ْف َ‬ ‫ُم ْسل ٍم َ‬
‫ص َدقَةٌ ق َ‬
‫يل لَهُ ‪ََ :‬أرَأيْت إ ْن لَ ْم يَ ْستَ ِط ْع ؟‬ ‫وف قَ َ ِ‬
‫ال ‪ :‬ق َ‬
‫ال ‪ :‬ي ِعين ذَا الْحاج ِة الْملْه ِ‬
‫َ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ََأرَأيْت إ ْن لَ ْم يَ ْستَط ْع ؟ قَ َ ُ ُ‬
‫الش ِّر فَِإ َّن َها‬
‫ك َع ْن َّ‬ ‫ال ‪ :‬يُ ْم ِس ُ‬ ‫ال ‪ :‬يْأمر بِالْمعر ِ‬
‫وف َْأو الْ َخ ْي ِر قَ َ‬
‫ال ‪ََ :‬أرَأيْت ؟ إ ْن لَ ْم َي ْف َع ْل قَ َ‬ ‫قَ َ َ ُ ُ َ ْ ُ‬
‫ص َدقَةٌ " ؛ متفق عليه‪.‬‬ ‫َ‬
‫اآليات والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬ ‫ِ‬ ‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪ ،‬ون َف َعنا بما فيهما من‬ ‫َ‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيمـ ‪ ،‬مالك يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫األمين ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه الصاد ُق‬ ‫الملك ُّ‬
‫الحق ُ‬ ‫ُ‬ ‫وحده ال شريكـ له‬
‫صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبار َك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬ـ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬

‫‪547‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫المسلِ َم بكل عالقاته من‬‫المجتمع ُ‬


‫َ‬ ‫ف‬‫أجره ‪ ،‬والسابِ ُغ ثوابُه يكتنِ ُ‬ ‫الصالح ُ َّ‬
‫المعظ ُم ُ‬ ‫ُ‬ ‫والعمل‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬ ‫واألقارب ‪ ،‬والجيران؛ عن عبد اهلل بن‬ ‫ِ‬ ‫ِـ‬
‫والزوجة ‪،‬‬ ‫الوال َديْن ‪،‬‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َف َق َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫قال‪ :‬جاء رجل ِإلَ ٰى رس ِ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫َ ٌََُ َُ‬
‫ص َحابَتِي؟ قَ َ‬ ‫يا رس َ ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫َّاس بِ ُح ْس ِن َ‬
‫َأح ُّق الن ِ‬‫ول اللَّه! َم ْن َ‬ ‫َ َُ‬
‫ال‪:‬‬
‫ك "‪ .‬قَ َ‬ ‫" ُُّأم َ‬
‫ال‪:‬‬
‫ثُ َّم َم ْن؟ قَ َ‬
‫ال‪:‬‬
‫ك "‪ .‬قَ َ‬
‫" ثُ َّم ُُّأم َ‬
‫ال‪:‬‬
‫ثُ َّم َم ْن؟ قَ َ‬
‫ال‪:‬‬
‫ك "‪ .‬قَ َ‬
‫" ثُ َّم ُُّأم َ‬
‫ال‪:‬‬
‫ثُ َّم َم ْن؟ قَ َ‬
‫وك " ؛ متفق عليه‪.‬‬
‫" ثُ َّم َأبُ َ‬
‫الصحبَ ِة؟ قال‪ُّ " :‬أمك ‪ ،‬ثم ُّأمكـ ‪ ،‬ثم ُّأمك‬
‫بحسن ُّ‬ ‫أحق الناس ُ‬
‫وفي ٍ‬
‫رواية‪ :‬يا رسول اهلل! من ُّ‬
‫ثم أباك ‪ ،‬ثم أدناك أدناك " ‪.‬‬ ‫‪ُّ ،‬‬
‫وقولُه‪ « :‬ثُ َّم أباك » أي‪ :‬ثم بَِّر أباك‪ .‬وفي ٍ‬
‫رواية‪ « :‬ثُ َّم أبوك »‪.‬‬
‫ب َأ ْن‬
‫َأح َّ‬
‫أنس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬م ْن َ‬ ‫وعن ٍ‬
‫ص ْل َر ِح َمهُ " ؛ متفق عليه‪.‬‬ ‫ط لَهُ ِفي ِر ْزقِ ِه ‪ ,‬وي ْنسُأ لَهُ ِفي َأثَ ِر ِه ‪َ ,‬فلْي ِ‬
‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫سَ‬‫ُي ْب َ‬
‫نسأ له في أثَره"؛ أي‪ :‬يُؤخَّر له في أجلِه وعُمره‪.‬‬ ‫ومعنى " يُ َ‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬أ ْك َم ُل‬ ‫ُ‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال‬
‫ساِئ ِه ْم " ؛ رواه الترمذيـ ‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ار ُك ْم لن َ‬ ‫ار ُك ْم خيَ ُ‬
‫س ُن ُه ْم ُخلًُقا ‪َ ،‬وخيَ ُ‬
‫َأح َ‬ ‫ين ِإ َ‬
‫يمانًا ْ‬ ‫ال ُْمْؤ من َ‬
‫صحيح"‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حسن‬
‫"حديث ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وعن ابن عمر وعائشة ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قاال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪:-‬‬
‫ِِ‬ ‫" ما َز َ ِ‬
‫ت َأنَّهُ َس ُي َو ِّرثُهُ " ؛ متفق عليه‪.‬‬ ‫يل يُوصيني بِال َ‬
‫ْجا ِر َحتَّى ظََن ْن ُ‬ ‫ال ج ْب ِر ُ‬ ‫َ‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬‬ ‫َ‬ ‫وعن عبد اهلل بن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن‬
‫ت ‪َ ،‬و َم ْن َكا َن ُيْؤ ِم ُن بِاللَّ ِه َوالَْي ْوِم‬ ‫ص ُم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْن َكا َن ُيْؤ م ُن بِاللَّه َوالَْي ْوم اآْل خ ِر ‪َ ،‬فلَْي ُق ْل َخ ْي ًرا َْأو ليَ ْ‬
‫ِ‬
‫ض ْي َفهُ " ؛ متفق عليه‪.‬‬ ‫اآْل ِخ ِـر ‪َ ،‬فلْيُ ْك ِر ْم َج َارهُ ‪َ ،‬و َم ْن َكا َن ُيْؤ ِم ُن بِاللَّ ِه َوالَْي ْوم اآْل ِخ ِر ‪َ ،‬فلْيُ ْك ِر ْم َ‬
‫‪548‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ال يَ ْس ُت ُر َع ْب ٌد َع ْب ًدا ِفي‬ ‫ُ‬ ‫الست ِر على الناس قال‬ ‫وفي ِّ‬
‫الد ْنيَا ِإال َسَت َرهُ اللَّهُ َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِة " ؛ رواه مسلم‪.‬‬
‫ُّ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم َع ْن َأ ْكثَ ِر َما‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬سِئل رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ُ ََُ‬
‫ِ‬ ‫ِئ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪َ " :‬ت ْق َوى الله َو ُح ْس ُن الْ ُخلُ ِق " ‪َ ،‬و ُس َل َع ْن َأ ْكثَ ِر َما يُ ْدخ ُل الن َ‬
‫َّاس‬ ‫ْجنَّةَ ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫َّاس ال َ‬
‫يُ ْدخ ُل الن َ‬
‫ج‬ ‫ِ‬ ‫ال ‪ " :‬الْ َفم والْ َفرج " ‪ِ .‬ئ‬
‫والفر ُ‬
‫الفم ْ‬ ‫الناس النار‪ .‬فقال‪ُ " :‬ـ‬ ‫وس ل عن أكثر ما يُدخ ُلـ َ‬ ‫ُ‬ ‫َُ ْ ُ‬ ‫َّار ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫الن َ‬
‫صحيح"‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫"حديث‬
‫ٌ‬ ‫" ؛ رواه الترمذيـ ‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫أيام من شهر شوال؛ فقد‬ ‫وم ستَّة ٍ‬ ‫تص َ‬ ‫السنة أن ُ‬ ‫أكرمه اهلل بصيام شهر رمضان! إن من ُّ‬ ‫يا َمن َ‬
‫ضا َن ثُ َّم َأْتبعهُ ِستًّا ِمن َش َّو ٍال َكا َن َك ِ‬
‫صيَ ِام‬ ‫ام َر َم َ‬
‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫صَ‬‫قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن َ‬
‫الد ْه ِر " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫َّ‬
‫تفرقةً‪.‬‬
‫ومها ُمتَّصلةً أو ُم ِّ‬ ‫ِ‬
‫تص َ‬
‫ويص ُّح أن ُ‬
‫وحاذروا السيئاتـ ‪َ ﴿ ،‬واَل تَ ُكونُوا َكالَّتِي‬ ‫ِ‬ ‫فاستكثِروا من الصالحات ‪ ،‬وأديموا الطاعات ‪،‬‬
‫عن إلى‬ ‫ت غَ ْزلَ َها ِمن ب ْع ِد ُق َّو ٍة َأنْ َكاثًاـ (‪ 765﴾ )92‬ومن أعت َقه ربُّه من النار فال ِ‬
‫يرج َّ‬ ‫ض ْ‬
‫َن َق َ‬
‫َْ‬
‫الذنب وإلى اإلسار‪.‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫المعاصي ‪ ،‬فيعُود إلى ِّ‬
‫رق‬
‫صل وسلِّم وبا ِرك على‬ ‫ضى ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫المرت َ‬
‫المجتَبى ‪ ،‬والرسول ُ‬ ‫ثم صلُّوا وسلِّموا على النبي ُ‬
‫وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬اللهم‬ ‫ِ‬ ‫محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫عبدك ورسولِك‬
‫وعلي ‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫الراشدين‪ :‬أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬ ‫ارض عن األئمةـ المهديين ‪ ،‬والخلفاء‬
‫َ‬
‫نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫صحابة نبيِّك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على ِ‬ ‫وعن سائرـ‬
‫َ‬
‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬
‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫اللهم ِ‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نح ِره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬

‫‪765‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪549‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬ ‫اللهم ِ‬


‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح َّ‬
‫إمامناـ َّ‬
‫أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫وفِّقه ُلهداك ‪ ،‬واجعل عملَه في ِرضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةَـ الصالحةَ ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫وحد به كلمةَ‬
‫المسلمين ‪ ،‬وسعيِه‬ ‫لواء الدينـ ‪ ،‬وجا ِزه بالخير على نُصرة قضايا ُ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬
‫وولي عهده وسدِّدهمـ ِ‬
‫واجعلهم‬
‫َ‬ ‫وأع ْنهم ‪،‬‬ ‫صفهم وجمع كلمتِهم ‪ ،‬اللهم وفِّقه َّ‬ ‫لتوحيد ِّ‬
‫وصالح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫باركِين ُموفَِّقين لكل خي ٍر‬
‫ُم َ‬
‫مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا ‪ ،‬اللهم‬ ‫أحوال المسلمين في كل ٍ‬ ‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫وس َّد َخلَّتهم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحق والهدى ‪ ،‬اللهم احقنـ دماءهم ‪ ،‬وآمن روعاتهمـ ‪ُ ،‬‬ ‫اجمعهمـ على ِّ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫وانصرهم‬
‫ُ‬ ‫أعراضهم ‪ ،‬واربِط على قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهمـ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جائعهمـ ‪ ،‬واح َفظ‬
‫وأطعم َ‬
‫آجل يا حي يا قيوم يا ذا الجالل‬ ‫غير ٍ‬ ‫على من بغَى عليهم ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫صارهم عاجالً َ‬ ‫كح َ‬
‫واإلكرام‪.‬‬
‫انتصر لليتامى والثَّ َكالَىـ والمظلومين ‪ ،‬وارحمهم يا أرحم الراحمينـ ‪ ،‬ويا ِ‬
‫ناصر‬ ‫اللهم ِ‬
‫َ‬
‫المظلومين‪.‬‬
‫ك ‪ ،‬اللهم أن ِزل بهم‬ ‫اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ‪ ،‬اللهم عليك بهم فإنهم ال ي ِ‬
‫عجزونَ َـ‬ ‫ُ‬
‫بأسك و ِر َ‬
‫جزك إلهَ الحق‪.‬‬ ‫َ‬
‫ستضعفينـ من‬
‫الم َ‬‫وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر ُ‬
‫َ‬ ‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك‬
‫انصرهمـ في‬
‫الحق يا رب العالمين ‪ ،‬اللهم ُ‬
‫واجمعهم على ِّ‬
‫َ‬ ‫المسلمين في كل مكان ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المحتلِّين ‪ ،‬اللهم انتصر للمظلومين في بُورما ‪ ،‬اللهمـ احقن َ‬
‫دماءهم‬ ‫فلسطين على الصهاينةـ ُ‬
‫أرحم الراحمين‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫‪ ،‬وأصلح أحوالَهمـ ‪ ،‬و ُكن لهم يا َ‬
‫ٍ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫عافية ِ‬
‫ألمة‬ ‫اللهم ِ‬
‫أع َّز دينَك ‪ ،‬وأظ ِهر أولياءك ‪ ،‬وأخ ِز أعداءك ‪ ،‬في ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وسلم ‪.-‬‬
‫اب النَّا ِر (‪. 766﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ووالديهم وذُريَّاتهمـ وأزواجنا وذُ ِّرياتنا ‪ ،‬إنك‬ ‫ِ‬ ‫لنا ولوالدينا‬
‫ُ‬
‫وصالح أعمالنا‪.‬‬
‫َ‬ ‫ودعاءنا ‪،‬‬
‫َ‬ ‫وقيامنا ‪،‬‬
‫َ‬ ‫صيامنا ‪،‬‬
‫اللهم تقبَّل َ‬
‫‪766‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪550‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬نصرة الرسولـ صلى اهلل عليه وسلم‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس من ذي القعدة من عام ‪1433‬هـ‬

‫‪ -‬نصرة الرسول صلى اهلل عليه وسلم ‪ ..‬كيف تكون؟ ‪-‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬نصرة‬
‫الرسولـ صلى اهلل عليه وسلم ‪ ..‬كيف تكون؟" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن عظمة أنبياء اهلل‬
‫تعرض أعداء‬ ‫وذكر ما َّ‬
‫َ‬ ‫ورسله ‪ ،‬وأعظمهم خاتمهم محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪، -‬‬
‫الواجب على كل ُم ٍ‬
‫سلم‬ ‫َ‬ ‫اإلسالم باإلساءة لمقام النبي ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ ، -‬وبيَّن‬
‫الرعناء بضرورة استِغاللها وعدم تشويه صورة اإلسالم ونبيِّه‬
‫تجاه مثل تلك األفعالـ َّ‬
‫والمسلمين‪.‬‬
‫ُ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫األحمى ‪ ،‬ليس دونه ُمنتهى وال‬ ‫األعز‬


‫لك ِّ‬ ‫ختص بالم ِ‬ ‫تفرد ِ‬
‫َ‬ ‫الم ِّ ُ‬ ‫األسمىـ ‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫باسمه‬ ‫الم ِّ‬
‫الحمد هلل ُ‬
‫وبعث فيهم‬ ‫عما ُع َّمى ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وسع َّ ٍ‬ ‫وراءه مرمىـ ‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫وعلما ‪ ،‬وأسب َغ على عباده ن ً‬ ‫كل شيء رحمةً ً‬ ‫َ َ‬
‫كثيرا ‪ ،‬وأشهد أن ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كثيرا كما يُنع ُم ً‬‫جما ‪ ،‬والحم ُد هلل ً‬ ‫سهمـ عُ ْربًا وعُ ً‬‫رسوالً من أن ُفسهمـ أن َف ُ‬
‫ِ‬
‫الخالئق عقالً‬ ‫أرجح‬
‫ُ‬ ‫إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُد اهلل ورسولُه‬
‫ووصما ‪،‬‬
‫ً‬ ‫وجسما ‪ ،‬وحاشاه عيبًا‬ ‫ً‬ ‫روحا‬
‫زكاه ربُّه ً‬ ‫وفهما ‪َّ ،‬‬
‫نفسا ً‬ ‫وأزكاهم ً‬
‫ُ‬ ‫وحلما ‪،‬‬
‫وعلما ً‬ ‫ً‬
‫وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬ومن‬ ‫صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫تبِ َعهم‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫‪551‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫العرض‬ ‫نجيكم يوم‬ ‫سرا وجهراـ ‪ِ ،‬‬
‫وأع ُّدوا لما ي ِ‬ ‫فالتقوى ‪ -‬أيهاـ الناس ‪ -‬التقوى؛ ال ِزموها ًّ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫حضرة النعيم ‪ ،‬أو عذاب الجحيم ‪،‬‬ ‫على اهلل ‪ ،‬فكلُّنا إليه صاِئرون ‪ ،‬وليس ثَ َّم ِسوى‬
‫وغفر‬
‫َ‬ ‫صدع قلوبنا ‪،‬‬
‫َ‬ ‫وأعد لألمر العظيم عُ َّدتَه ‪َ ،‬‬
‫جب َر اهلل‬ ‫َّ‬ ‫والموفَّق من استن َق َـذ ُم َ‬
‫هجتَه ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫قربُنا ُزل َفى إلى رحمته وبابِه‪.‬ـ‬ ‫عظيم ذنوبنا ‪ ،‬وهدانا لما ي ِ‬
‫نجينا من عقابه ‪ ،‬ويُ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫أيها الناس‪:‬‬
‫جرد ‪ ،‬فإذا ِ‬
‫ُأضي َفت فإنها‬ ‫الم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تتساوى في أصلها ُ‬
‫البقاعُ والبشر ‪ ،‬والكتب والكلم قد َ‬
‫ٍ‬
‫إضافة هي اإلضافةُ إلى اهلل‬ ‫وأخطر‬ ‫وأجل‬ ‫وأعظم‬ ‫ب قيمتَها من قيمة ما ُأضي َفت إليه ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫تكتس ُ‬
‫أعظم الكلِم ‪،‬‬
‫وكالم اهلل ُ‬
‫ُ‬ ‫أطهر البيوت ‪،‬‬
‫وبيوت اهلل ُ‬
‫ُ‬ ‫تاج الكتب ‪،‬‬‫فكتب اهلل ُ‬
‫ُ‬ ‫األعظم؛‬
‫ورسلُه هم غَُّرة البشر وزينةُ الدنيا‪.‬‬
‫ُ‬
‫وتمثلَت كماالتـ البشر في‬‫النبوة وبعدهاـ ‪َّ ،‬‬
‫وعص َمهم قبل َّ‬ ‫َ‬ ‫خيارا من ِخيا ٍر ‪،‬‬
‫اصطفاهمـ اهلل ً‬
‫السبُل في هداياتهم‪.‬ـ‬
‫وأقوم ُّ‬ ‫وس ُم ُّو اإلنسانية في أرواحهمـ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ذواتهم ‪ُ ،‬‬
‫سبيل للجنة إال‬ ‫رسل اهلل وأنبياُؤ ه هم خير من ِ‬
‫الورى ‪ ،‬ال َ‬ ‫وأبر َ‬‫وأكرم ُّ‬
‫ُ‬ ‫وطَئ الثَّرى ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫األجل األكرم إال‬
‫ِّ‬ ‫وصول إلى اهلل‬
‫َ‬ ‫بطاعتهم ‪ ،‬وال نجاةَ من النار إال بتصديقهم ‪ ،‬وال‬
‫ومقامهم‬ ‫ِ‬
‫تكريم من بعثَه ‪،‬‬ ‫وتكريمه من‬ ‫ِ‬
‫عظمة من أرسلَه ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بإرشادهم‪.‬ـ عظمةُ الرسولـ من‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عظيم‪.‬‬
‫عند اهلل ٌ‬
‫ِ‬
‫بدعوات أنبياِئهاـ عليها ‪ ،‬وكم‬ ‫يغار على أنبيائه ويُدافِ ُع عنهم ‪ ،‬كم من ُأمم ُأبي َدت‬ ‫وإن اهللَ ُ‬
‫ور ِج َفت بسبب تكذيبهم ُلر ُسلهمـ واستِهزائهم بهم ‪َ ﴿ ،‬ولََق ِد‬ ‫من ديا ٍر قُلِبت ِ‬
‫وصع َقت ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ين َس ِخ ُروا ِم ْن ُه ْم َما َكانُوا بِ ِه يَ ْسَت ْه ِزُئو َن (‪. ﴾ )10‬‬
‫‪767‬‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫اس ُت ْه ِزَئ بُِر ُس ٍـل ِم ْن َق ْبلِ َ‬
‫ك فَ َحا َق بالذ َ‬ ‫ْ‬
‫ٌ‬
‫رسول‬ ‫والر ُسلـ لهم المكانةُ العُظمى في الشرائع والرساالت ‪ ،‬كلما جاء‬ ‫زال األنبياءُ ُّ‬ ‫وما َ‬
‫الر ُسل ألقوامهم‬ ‫بشارات ُّ‬
‫ُـ‬ ‫واجتمعت‬
‫َ‬ ‫برسول بعده ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الرسول الذي قبلَه ‪َّ ،‬‬
‫وبشر‬ ‫َ‬ ‫صدق‬‫َّ‬
‫قد ُمهم ‪ ،‬وإن‬ ‫وإمامهمـ ‪ ،‬وفي الخير ُم َّ‬
‫خاتمهمـ ُ‬ ‫ٍ‬
‫اسمه‪( :‬أحمد) ‪ ،‬هو ُ‬ ‫برسول يأتيـ من بعدهم ُ‬
‫ور ُسله وأتباعهم أجمعين ‪.-‬‬ ‫آخرهم في الزمان ‪ -‬صلى اهلل عليه وصلَّى على أنبيائهـ ُ‬ ‫كان َ‬
‫‪767‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪552‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وتغيض المعاني والقراِئح أمام عظمة النبي الكريمـ والرسول‬
‫ُ‬ ‫والمدائح ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫العبارات‬
‫ُ‬ ‫تقصر‬
‫ُ‬
‫شأوه‬
‫العربي ‪ ،‬ولن تبلُغ َ‬
‫ِّ‬ ‫رشي‬
‫الهاشمي ال ُق ِّ‬
‫ِّ‬ ‫العظيم محمد بن عبد اهلل بن عبد المطلب‬
‫عال‬ ‫ٍ‬
‫تعريف؛ فالقدر ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إلى‬ ‫قدره المحابِر‪ .‬وليست السيرةُ الشريفةُـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫المنابر ‪ ،‬ولن تُوف َي َ‬
‫نيف‪.‬‬
‫والشْأو ُم ٌ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫كيف ترقَى ُرقيَّك األنبياءُ‬
‫طاولَتها سماءُ‬
‫سماء ما َ‬‫يا ً‬

‫أيها الناس‪:‬‬
‫المعدن ‪ ،‬زكِ َّي السيرة ‪ ،‬ب ِه َّي الخالئق ‪،‬‬
‫صفى ِ‬ ‫بشرا ُم َّ‬
‫إن العالَمـ من َأزله إلى أبَده لم يع ِرف ً‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬ ‫ٍ‬ ‫ف في النبي‬
‫عر َ‬ ‫ُّ‬
‫مثل ما َ‬
‫صلب الجهاد ‪ ،‬شدي َد التعلق بربِّهـ َ‬ ‫َ‬
‫أحر ٍ‬
‫دعوة‬ ‫ودعاهم إليه َّ‬ ‫ومهده للناس تمهي ًدا ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ولم يع ِرف العالَ ُـم إنسانًاـ َّ‬
‫ُ‬ ‫الكمال ‪َ ،‬‬ ‫طريق‬
‫شق َ‬
‫ف عن‬‫عر َ‬‫مثل ما َ‬ ‫وشرح معالِ َمهـ لهم َّ‬
‫يتحمل أح ٌد َ‬
‫وتحم َل في ذات اهلل ما لم َّ‬‫َّ‬ ‫شرح ‪،‬‬‫أرق ٍ‬ ‫َ‬ ‫‪،‬‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬ ‫ٍ‬ ‫النبي‬
‫ف طرفًا من عظمة هذا الرسول العظيم من درس ِ‬
‫فالسفة األخالق واالجتماع ‪،‬‬ ‫وقد يع ِر ُ‬
‫َ َ‬
‫غ من هذا‬
‫ؤسسيـ الحضارات والدول ‪ ،‬فإذا فر َ‬ ‫وم ِّ‬
‫وساسةَ الشعوبـ ‪ ،‬وقاد َة الجيوش ‪ُ ،‬‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫الدرس الم ِ‬
‫ستوع ِ‬
‫وقف‬
‫قادة البشر َ‬‫لم ِّبرزين من َ‬
‫ب لعُظماء األرض ‪ ،‬وانتهى من استعراضه ُ‬ ‫ِ ُ‬
‫محمد بن عبد اهلل ‪ ،‬ليرى أن عباقِرة األرض‬
‫ِ‬ ‫بكل ما لديهـ أمام أمجاد اإلنسان ِ‬
‫الكامل‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫صفرا‬ ‫امتيازهم على أقرانِهمـ َّ‬
‫تحول ً‬ ‫تضاءلَت أمام ُهداه ‪ ،‬وأن َ‬ ‫آثارهم َ‬
‫تال َشوا في َسناه ‪ ،‬وأن َ‬
‫النبوة الطالِعةـ وهالتِها الراِئعة‪.‬‬
‫أمام شمس َّ‬
‫الواصفون ‪ ،‬واأليادي التي‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫إن حقيقةَـ الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فوق ما ِ‬
‫يص ُ‬
‫ك لََت ْه ِدي‬
‫وزكاها ‪َ ﴿ ،‬وِإنَّ َ‬
‫نفسه َّ‬ ‫كل ُمؤم ٍن مدينًا له بنو ِر اإليمان الذي َ‬
‫أضاء َ‬ ‫تجعل َّ‬
‫ُ‬ ‫أس َداها‬

‫‪553‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ض َأاَل ِإلَى اللَّ ِه‬ ‫ِ‬ ‫الس َم َاو ِـ‬ ‫اط اللَّ ِه الَّ ِذي لَهُ َما فِي َّ‬ ‫صر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ ِ ٍ‬
‫اَأْلر ِ‬
‫ات َو َما في ْ‬ ‫لَى ص َراط ُم ْستَق ٍيم (‪َ )52‬‬
‫ور (‪. 768﴾ )53‬‬ ‫ِ‬
‫اُأْلم ُ‬
‫تَص ُير ُ‬
‫ثمارها ‪،‬‬ ‫أعقاب نُ َّبو ٍ‬
‫ِ‬
‫أعقب الشيطا ُن َ‬ ‫َ‬ ‫ات‬ ‫إن محم ًدا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬جاء في‬
‫ويقيـ من االنحراف ‪،‬‬ ‫العوج ‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫يمنع َ‬ ‫وكانت بعثتُه كلمةَ السماء األخيرةـ ‪ ،‬فكانت ضمانًا ُ‬
‫لتصو َن ُمستقبَ َل اإلنسانيَّة الطويل ‪ ،‬وفي القرآن الكريم‪:‬ـ ﴿ تَاللَّ ِه لََق ْد َْأر َسلْنَا ِإلَى َُأم ٍم ِم ْن‬ ‫ُ‬
‫الشيطَا ُن َأ ْعمالَه ـم َفهو ولُِّيهم الْيوم ولَهم َع َذ ـ ِ‬ ‫َق ْبلِ َ‬
‫يم (‪َ )63‬و َما َأْن َزلْنَا‬ ‫اب َأل ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫َ ُ ْ َُ َ ُ ُ َْ َ َ ُ ْ‬ ‫ك َف َزيَّ َن لَ ُه ُم َّ ْ‬
‫اب ِإاَّل لِتَُبيِّ َن لَ ُه ُم الَّ ِذي ا ْخَتلَ ُفوا فِ ِيه َو ُه ًدى َو َر ْح َمةً لَِق ْوٍم ُيْؤ ِمنُو َن (‪. 769﴾ )64‬‬ ‫َعلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫ْ‬
‫وقولَته ما لم ي ُقل ‪،‬‬ ‫يليق ‪َّ ،‬‬ ‫دات نسبَت إلى اهلل ما ال ُ‬ ‫ومعت َق ٌـ‬ ‫ديانات ُمفتعلَةـ ‪ُ ،‬‬ ‫ٌـ‬ ‫لقد ُو ِجدتـ‬
‫يكس ِ‬‫قاومة لما جاءهاـ ‪ ،‬ولم ِ‬ ‫أشد م ٍ‬
‫ب العالَ ُـم‬ ‫َ‬ ‫الحق َّ ُ‬ ‫قاو َمت َّ‬ ‫وبل َغ من ُرسوخ هذه وتلك انها َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ب َعلَى اللَّه َو َك َّذ َ‬ ‫منها إال الشقاءُ ‪ ،‬لذلك قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ :-‬فَ َم ْن َأظْلَ ُم م َّم ْن َك َذ َ‬
‫ص َّد َق بِ ِه‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫الص ْد ِق ِإ ْذ جاءهُ َألَي ِ‬
‫الص ْد ِق َو َ‬ ‫اء بِ ِّ‬ ‫ين (‪َ )32‬والذي َج َ‬ ‫َّم َم ْث ًوى ل ْل َكاف ِر َ‬ ‫س في َج َهن َ‬ ‫ََ ْ َ‬ ‫بِ ِّ‬
‫ين (‪. 770﴾ )34‬‬ ‫ِِ‬
‫ك َج َزاءُ ال ُْم ْحسن َ‬ ‫شاءُو َن ِع ْن َد َربِّ ِه ْم ذَلِ َ‬‫ك ُه ُم ال ُْمَّت ُقو َن (‪ )33‬لَ ُه ْم َما يَ َ‬ ‫ُأولَِئ َ‬
‫أشعتهـ ‪،‬‬ ‫صوره وأزهى َّ‬ ‫ٍ‬
‫أبهى ُ‬ ‫ميالدا للحق في َ‬ ‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كانت ً‬ ‫إن بعثةَ‬
‫المخيِّم‪.‬‬ ‫ِئ‬ ‫الحق إيذانًا ِـ‬
‫الحيرة السا دةـ والشقاء ُ‬ ‫بزوال َ‬ ‫وكان ُش ُرو ُق هذا ِّ‬
‫شيء ‪﴿ ،‬‬ ‫وتنزه عن مشابهة كل ٍ‬ ‫شيء ‪َّ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫خلق َّ‬ ‫إله ٍ‬ ‫لقد جاء اإلسالم ليعلِن عن ٍ‬
‫ُ‬ ‫واحد َ‬ ‫ُ َ‬
‫الر ْز َق‬‫ط ِّ‬ ‫سُ‬ ‫ض َي ْب ُ‬‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫ص ُير (‪ )11‬لَهُ َم َقالِي ُد َّ‬ ‫الس ِميع الْب ِ‬
‫س َكمثْله َش ْيءٌ َو ُه َو َّ ُ َ‬
‫ِ ِِ‬
‫لَْي َ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِ َم ْن يَ َ‬
‫يم (‪. 771﴾ )12‬‬ ‫شاءُ َو َي ْقد ُر ِإنَّهُ ب ُك ِّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫ط آياته في كل ُأفُق ‪ ،‬لقد كانت‬ ‫وبس َ‬
‫الحق الذي غالَى به اإلسالم ‪َ ،‬‬ ‫طلق هو ُّ‬ ‫الم ُ‬ ‫والتوحي ُد ُ‬
‫ودفعا‬
‫ورفعا ً‬ ‫ً‬ ‫بعثةُ النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إنقا ًذا من هذا اإللحاد وعواقِبِه الشائنة ‪،‬‬
‫صاحب‬
‫ُ‬ ‫ث بها‬ ‫العامة التي بُِع َ‬‫للظلم واستِعبادـ اإلنسان لإلنسان ‪ ،‬وتلك أولَى آيات الرحمة َّ‬
‫وك؛ فإن محم ًدا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬جاء إلى‬ ‫العمل والسلُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الرسالة العُظمى ‪ ،‬يلِي ذلك‬

‫‪768‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪769‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪770‬‬
‫سورة الزمر‬
‫‪771‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪554‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫المن َكر ‪ ،‬ويُ ِح ُّل لهم الطيبات ‪،‬‬


‫وينهاهمـ عن ُ‬
‫ُ‬ ‫االجناس كافَّةً بدي ٍن ُ‬
‫يأم ُرهم بالمعروف ‪،‬‬ ‫ِـ‬
‫تتكرر ‪،‬‬
‫حر ُم عليهم الخبائث‪ .‬إن محم ًدا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬صناعةٌ إلهيَّةٌ لم َّ‬
‫ويُ ِّ‬
‫أبدع محم ًدا‪.‬‬
‫فسبحا َن من َ‬
‫ُ‬
‫أيها الناس‪:‬‬
‫وفضل خاتمهم ‪ -‬صلى اهلل وسلم عليهم‬ ‫ِ‬ ‫الرسل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مقام إحاطة بمكانة ُ‬ ‫المقام اليوم َ‬‫ُ‬ ‫وليس‬
‫وصحة رسالتِه؛ فهذا‬ ‫َّ‬ ‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫دق ُن ُب ِّوة‬‫لص ِ‬‫أجمعين ‪ ، -‬وال إثباتًاـ ِ‬
‫بطرق هاِئ ٍ‬
‫لة‪.‬‬ ‫أسباب المعرفة ٍ‬ ‫ُـ‬ ‫جاد ُل فيه إنسا ٌن يحت ِر ُم عقلَه ‪ ،‬وقد توا َف َرت اليوم‬ ‫مما ال ي ِ‬
‫ٌ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫لج ِ‬
‫ناب نبيِّنا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍـ‬
‫الناس من إساءة َ‬ ‫شغل َ‬ ‫وقفات وإشارات حول ما َ‬ ‫ثمةَ‬
‫ولكن َّ‬
‫القلوب كما‬ ‫جاش في الصدور ‪ ،‬وغلَت منه‬ ‫ِ‬ ‫وم ٍ‬
‫ُ‬ ‫ساس بديننا الخاتم مما َ‬ ‫عليه وسلم ‪َ ، -‬‬
‫غضبة لرسول اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫خير في‬ ‫تغلِي القدور ‪ ،‬وال خير في ٍ‬
‫ضب ‪ ،‬وال َ‬ ‫أمة تُؤ َذى في نبيِّها فال تغ َ‬ ‫َ‬
‫غضب من اهلل ورسوله‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تُؤدِّي إلىـ‬
‫يحق ُد عليه؟! أأِل َّن‬ ‫محمد رجل له ثقافةٌـ محترمةٌ أو عقل بصير‪ .‬لماذا ِ‬
‫ٌ ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬ ‫يحق َد على‬ ‫ويستحيل أن ِ‬
‫ُ‬
‫وم اَل تَْأ ُخ ُذهُ ِسنَةٌ َواَل َن ْو ٌم لَهُ‬ ‫الخالق األعلى فيقول‪ ﴿ :‬اللَّهُ اَل ِإلَهَ ِإاَّل ُه َو ال َ‬
‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫يص ُ‬ ‫كتابه ِ‬
‫َ‬
‫ض (‪. 772﴾ )22‬‬ ‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس َم َاو ِـ‬‫َما فِي َّ‬
‫ات َو َما في ْ‬
‫مليار‬
‫يتبعُه اليوم ٌ‬‫وبارك ‪ -‬بأبي هو وأمي ونفسي ‪َ -‬‬ ‫محم ٌد رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم َ‬
‫أحب إليهم من أن ُفسهمـ وأموالهمـ وأوالدهمـ‬
‫وخمسمائة مليون من البشر أو يزيدون ‪ ،‬هو ُّ‬
‫رضه ِوقاء ‪ ،‬كلُّهم يقول ِ‬
‫بقول‬ ‫وأعراضهم ِلع ِ‬
‫ُ‬ ‫لنفسه فِداء ‪،‬‬
‫والناس أجمعين ‪ ،‬أن ُفسهم َ‬
‫حسان‪:‬‬
‫َّ‬

‫وع ِ‬
‫رضي‬ ‫فإن أبي ووال َده ِ‬
‫َّ‬
‫حم ٍد منكم ِوقاء‬ ‫ِلع ِ‬
‫رض ُم َّ‬

‫حة من تُثار هه النَّزغات؟! ولمصلَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الحضارات‬
‫ُ‬ ‫صاد ُم‬
‫حة َمن تُ َ‬ ‫َ‬ ‫الح ِّريات‪ :‬لمصلَ َ ُ‬ ‫لم َّدعي ُ‬ ‫وس ٌ‬
‫ؤال ُ‬ ‫ُ‬
‫حدود أو ٍ‬
‫قيود؟!‬ ‫ٍ‬ ‫والثقافات؟! ومتى كانت ُحريةَـ التعبير تعنِي العُدوا َن بال‬
‫‪772‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪555‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أكثر من‬
‫ضتها السياسةُ َ‬ ‫فر َ‬
‫أال فأين ُحرية التعبير عند إنكار مذبَحة اليهود قبل عقود والتي َ‬
‫نظمات‬
‫ُ‬ ‫شككـ فيها حتى تُ ِ‬
‫الح َقه ُم‬ ‫حقائق التاريخ؟! لن يجرؤ فر ٌد في العالم أن ي ِ‬
‫نك َرها أو يُ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العظيم محم ٌد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫الرسول‬
‫ُ‬ ‫وساستُه ‪ ،‬اما‬
‫َ‬ ‫وحكوماتُهـ ومحاكِ ُمه‬ ‫العالَمـ ُ‬
‫باح ‪ ،‬وحريةٌـ يك َفلُها القانون! ما لكم كيف تح ُكمون؟!‬ ‫فالحديث عنه ُم ٌ‬
‫ُ‬
‫مكن ضبطُه ‪،‬‬ ‫الشعوب طوفا ٌن ال ي ِ‬ ‫دود أفعال ُّ‬ ‫وصنَّاع القرار أن يُد ِركوا أن ُر َ‬
‫ُ‬ ‫الساسة ُ‬ ‫إن على َّ‬
‫سمع ‪ ،‬وال ِحكمةٌ تن َفع ‪،‬‬ ‫مام ‪ ،‬فال كلمةٌ تُ َ‬ ‫الز ُ‬ ‫مكن توقِّيه ‪ ،‬وربما أفلَت ِّ‬ ‫تفجر ال ي ِ‬
‫وجحيم ُم ِّ ٌ ُ‬‫ٌ‬
‫َّ ٍ‬
‫قدس‪.‬‬ ‫وبخاصة إذا اُهينَت األمةُـ في رم ِزها ُ‬
‫الم َّ‬
‫شعلون الحراِئقـ ‪ ،‬ولن يقبَ َل‬ ‫الساسة منع الذين ي ِ‬ ‫السفهاء ‪ ،‬وعلى َّ‬ ‫منع ُّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الحكماء ُ‬ ‫لذا على ُ‬
‫ذرا‪.‬‬
‫أح ٌد في دينه عُ ً‬
‫الناس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ولكن هذا كله ال يُجدي إذا بق َـي أولئك ُ‬ ‫َّ‬ ‫والتسامح ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والتفاهم‬
‫ُ‬ ‫إننا نُنادي بالحوار‬
‫قرار لها نحو اإلسالم ورسوله‬ ‫ِئ‬
‫ويطوو َن أف َدتهم على بغضاء ال َ‬ ‫ُ‬ ‫إح َـن ال ُقرونـ ‪،‬‬
‫يتوارثون َ‬
‫َ‬
‫وأمته‪.‬‬
‫َّ‬
‫نصري ‪،‬‬
‫جر ُم الدعوةَ إلى الكراهية والتمييز العُ ِّ‬ ‫والمعاهدات الدوليةـ التي تُ ِّ‬ ‫أين القانون الدوليـ ُ‬
‫ضا م ِ‬
‫باش ًراـ على العُنف؟!‬ ‫وبخاص ٍة حين تُ ِّ‬
‫شك ُل تحري ً ُ‬ ‫َّ‬
‫يد ِعي بمجموعه وضع الضوابِط لحماية الجميع أن ي ِ‬
‫صد َر ميثا َق‬ ‫ب العالَ َم الذي َّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫إننا نُطال ُ‬
‫والر ُسلـ ‪ ،‬ورساالتهم السماوية‪.‬ـ‬‫اإلساءة لألنبياء ُّ‬ ‫جر ُم‬ ‫ويس َّن قانونًا ُمل ِز ًما يُ ِّ‬
‫حر ُم ويُ ِّ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫شرف ‪ُ ،‬‬
‫مد جسو ِر الحوا ِر بين‬‫محفل ‪ ،‬وسعى إلىـ ِّ‬ ‫خادم الحرمين الشريفينـ في كل ٍ‬ ‫وقد نادى بذلك ُ‬
‫أتباع الديانات السماوية ‪ ،‬والثقافات اإلنسانية ‪ ،‬حتى تكون العالقةُ بين ُأمم األرض مبنيَّةٌ‬
‫صدام الحضارات إلى حوا ِر‬ ‫العالم من ِ‬
‫ويتحول ُـ‬ ‫التعارف والعدالَةـ والمرحمة ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫على ُأسس ُ‬
‫ٍ‬
‫تشويه ‪ ،‬فهذا مبدُؤ ناـ مبدُأ اإلسالم ‪ ،‬فيه‬ ‫الحق بال ٍّ‬
‫صد وال‬ ‫ِ‬
‫والدعوة إلى ِّ‬ ‫الحضارات ‪،‬‬
‫ونشر الخير واألمن والسالم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫احترام األنبياء كلِّهم ‪ ،‬واإليما ُن بهم كلِّهم ‪ ،‬واتباعُهم ‪،‬‬
‫ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اك ِإاَّل َر ْح َمةً لل َْعالَم َ‬
‫ين (‬ ‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ ﴿ :-‬و َما َْأر َسلْنَ َ‬ ‫وصف اهلل لنبيِّه‬ ‫وفي‬
‫‪. 773﴾ )107‬‬

‫‪773‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪556‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫قلت ما‬ ‫ِـ‬


‫اآليات والحكمة ‪ ،‬قد ُ‬ ‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪ ،‬ون َف َعنا بما فيهما من‬
‫َ‬
‫فت ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬
‫أسلَ ُ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيمـ ‪ ،‬مالك يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم‬ ‫الملك ُّ‬
‫الحق ُ‬ ‫ُ‬ ‫وحده ال شريكـ له‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫وبار َك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه والتابعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬
‫َ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫هم لم ي ِ‬
‫جئت أنت‬ ‫صبني ‪ ،‬حتى َ‬ ‫بس ٍ ُ‬ ‫السلَف‪ :‬إن فالنًا اغتابَك‪ .‬قال‪ " :‬لقد رماني َ‬
‫قيل ألحدـ َّ‬
‫إلي "‪.‬‬
‫وحملتَه َّ‬
‫ويحدث هذا في‬ ‫ُ‬ ‫ستهزُأ بهم وبأتباعهمـ ‪،‬‬ ‫فأنبياءُ اهلل ‪ -‬عليهم السالم ‪ -‬لم َيزالوا يُؤذَون ويُ َ‬
‫ول ِإاَّل َكانُوا بِ ِه يَ ْسَت ْه ِزُئو َن (‪. 774﴾ )11‬‬ ‫كل عص ٍر ومص ٍر ‪ ﴿ ،‬و َما يَْأتِي ِهم ِم ْن ر ُس ٍ‬ ‫ِّ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫الدارين فإن الواجب على من ِ‬
‫سم َع‬ ‫َ‬ ‫درا وأسوأهمـ حظًّا في َّ َ‬ ‫ولئن ب َدا ذلك من أدنىـ البشرية قَ ً‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫شره وال ِ‬ ‫ٍ‬
‫المتجا ِو َز‪.‬‬‫ث به إال لذي ُسلطة قاد ٍر يمنَ ُع ُ‬ ‫يحد َ‬ ‫بشيء من ذلك أال بن ُ َ‬
‫القيان به ‪ ،‬وماتَت‬ ‫ضاع ِشعر المشركين في ِهجاء سيد المرسلين مع كثرته وتغنِّي ٍ‬
‫ُ َ‬ ‫ولقد َ ُ ُ‬
‫يتداولُوها بينَهم ‪ ،‬ولم يعُد‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫المسلمون ولم َ‬ ‫تلك القصا ُد في حينها حين لم يح َفل بها ُ‬
‫الشعر وأخبار العرب‪.‬‬ ‫كر في دواوين ِّ‬ ‫ِ‬
‫ألكثرهاـ ذ ٌ‬
‫ومنصور ‪ُ ﴿ ،‬ه َو الَّ ِذي َْأر َس َل َر ُسولَهُ بِال ُْه َدىـ‬
‫ٌ‬ ‫مكفي‬
‫ٌّ‬ ‫ظاهر ‪ ،‬ونبيُّكم‬ ‫دينُكمـ ‪ -‬يا عباد اهلل ‪ٌ -‬‬
‫ِ‬ ‫و ِدي ِن ال ِ‬
‫ْح ِّق ليُظْ ِه َرهُ َعلَى الدِّي ِن ُكلِّه َولَ ْو َك ِر َه ال ُْم ْش ِر ُكو َن (‪ ﴾ )33‬ولن َ‬
‫‪775‬‬
‫مقام‬
‫يلح َق َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اك‬‫مخذول ‪ ،‬واهلل تعالىـ يقول‪ِ ﴿ :‬إنَّا َك َف ْينَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫سفيه أو كاف ٍر‬ ‫لح ٍد ٍ‬ ‫األنبياء شيء لتطاول م ِ‬
‫ٌ ُ ُ‬
‫ين (‪. 776﴾ )95‬‬ ‫ال ُْم ْسَت ْه ِزِئ َـ‬

‫‪774‬‬
‫سورة الحجر‬
‫‪775‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪776‬‬
‫سورة الحجر‬
‫‪557‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫المسكين‬
‫ُ‬ ‫تطاول هو‬
‫الم ُ‬ ‫مصونةٌ ‪ ،‬وإنما ُ‬
‫وأقدارهم عزيزةٌ ُ‬‫ُ‬ ‫فمقامات األنبياء محفوظةٌ ‪،‬‬
‫ُ‬
‫اَأْلبَت ُر (‪. 777﴾ )3‬‬ ‫ِ‬
‫الخاسر ‪ِ ﴿ ،‬إ َّن َشانَِئ َ‬
‫ك ُه َو ْ‬
‫المؤمنين الغَيورين ‪ ،‬ترشي ًدا‬
‫مرهما لنفوس المكلومين ‪ ،‬وترطيبًا لقلوب ُ‬
‫ولعل في هذا ً‬
‫َّ‬
‫لغيرتهم المشكورة ‪ ،‬ونُصرتهمـ المأجورة‪.‬‬
‫المسلِمون‪:‬‬
‫أيهاـ ُ‬
‫سبُوهُ َش ًّرا لَ ُك ْم بَ ْل ُه َو َخ ْي ٌر لَ ُك ْم‬ ‫ِ‬
‫في حادثة اإلفك المشهورة قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ :-‬اَل تَ ْح َ‬
‫مشاع ُر طالَما كانت با ِردةً في نفوس ِ‬
‫بعض‬ ‫حادثة هذه األيام هاجت ِ‬ ‫(‪ 778﴾ )11‬وفي ِ‬
‫َ‬
‫ماءا راكِ ًدا لدى‬ ‫المسلِمين ‪ ،‬الت َفتَت أنظار غير مسلِ ٍ‬
‫وحر َكت ً‬ ‫مة لهذا الدين ونبيِّه الكريمـ ‪َّ ،‬‬ ‫ٌ ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫المسلمين وغيرهم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫التعامل معها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المسلِمون استِ َ‬
‫فتح وع ٌّز ‪ ،‬وإن أساُؤ وا ُ‬ ‫غالل هذه الحادثة لكان بها ٌ‬ ‫أحسن ُ‬
‫َ‬ ‫ولو‬
‫وتنفيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫صارت نكسةً‬
‫َ‬
‫إظهار‬
‫ُ‬ ‫المسلمين‬ ‫فيجب على ُ‬ ‫ُ‬ ‫تتجزأ ‪،‬‬
‫إن الخيريَّةَ الموصوفة بها هذه األمة خيريةٌ مطلقةٌ ال َّ‬
‫الممتلكات ‪ ،‬وال‬ ‫وتدمير ُ‬
‫ُ‬ ‫قتل األبرياء ‪،‬‬
‫خيريَّتهم في ُردود األفعال؛ـ فليس من الخيريَّةـ ُ‬
‫التعاطي مع األحداث‪.‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫الغوغائية في‬
‫ِ‬
‫والتعريف‬ ‫فاء أثره ‪ ،‬ونش ِر ِسيرتِه‬ ‫دي نبيِّهم واقتِ ِ‬‫التمسك َبه ِ‬
‫ُّ‬ ‫المسلِمون زيادةً في‬ ‫أظهر ُ‬
‫ولو َ‬
‫المسلمين مشكورين ‪-‬‬ ‫كثير من ُ‬‫فعل ٌ‬ ‫للتواصل ‪ -‬كما َ‬ ‫ُ‬ ‫به؛ ُمستَفيدينـ من المواقع العالمية‬
‫شاهدونَهـ من‬ ‫ولبادر ُخصومهم لمن ِع تكرا ِر اإلساءةـ لما ي ِ‬ ‫المتطاولين ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫رد على ُ‬
‫لكان هذا أبل َغ ٍّ‬
‫بنقيض القصد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الرد هو األن َكىـ لمن أساء ‪ ،‬وهو ُمعاملةٌـ‬ ‫دعوي ُمضادٍّ؛ فإن هذا َّ‬‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫نشاط‬
‫شرا إما بإشغالِها عن حالِهاـ الذي ابتُلِيَت به في هذا‬ ‫رار وراء كل من يُري ُد بهذه ِـ‬
‫األمة ًّ‬ ‫ِ‬
‫أما االنج ُ‬
‫ٍ‬
‫مسؤولة ليُ ِّبرؤوا بها‬ ‫الغرب إلى ٍ‬
‫أفعال غير‬ ‫ِـ‬ ‫المسلِمة في بالد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزمان ‪ ،‬أو الستفزاز الجالياتـ ُ‬
‫األفعال ُم ِّبر ًرا لمنع‬
‫ُـ‬ ‫األحزاب اليمينيةُ في تلك البالد ‪ ،‬أو لتكون تلك‬ ‫طردهم ‪ ،‬كما تُ ِ‬
‫نادي‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫حاض ٌر في كل‬ ‫أحسوا بأن اإلسالم ِ‬ ‫دعوي في بالد الغربـ ‪ ،‬بعدما ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ومحاصرة كل ٍ‬
‫نشاط‬ ‫ُ َ‬
‫المستقبَل له‪.‬‬ ‫ِ‬
‫زوايا بالدهم ‪ ،‬وأن ُ‬
‫‪777‬‬
‫سورة الكوثر‬
‫‪778‬‬
‫سورة النور‬
‫‪558‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ينحس ُر بها ُّ‬
‫مد‬ ‫جديدة ِ‬ ‫ٍ‬ ‫حوادث‬ ‫المسلمين أن يُد ِركوا أنهمـ ليسوا في ٍـ‬
‫حاجة إلى ِ‬
‫إن على ُ‬
‫المسلمين أن يكونوا على ُمستوى من الوعي والنُّضج ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وتضيع مكاسبُه‪ .‬إن على ُ‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالم‬
‫أوقع على ُخصومه أحيانًا من الموت له‪.‬‬ ‫تتكرر األخطاءُـ ‪ ،‬وإن الحياةَ لإلسالم ُ‬ ‫وأال َّ‬
‫ف‬‫الخروج عن ُسنَّته ‪ ،‬وال عمالً يُخالِ ُ‬ ‫َ‬ ‫إن نُصرةَ النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ال تعنِي‬
‫وحميَةً لنبيِّها ‪ ،‬وعودةً‬ ‫تمس ًكا بدينهاـ ‪ِ ،‬‬ ‫يجب ان تزي َد األمةَـ ُّ‬ ‫هديَه ‪ ،‬إن حادثةَـ اإلساءة ُ‬
‫اصبِ ْر ِإ َّن َو ْع َد اللَّ ِه َح ٌّق َواَل‬
‫التباع ُسنَّته في الرضا والغضب ‪ ،‬والضعف والقوة ‪ ﴿ ،‬فَ ْ‬
‫ين اَل يُوقِنُو َن (‪. 779﴾ )60‬‬ ‫َّك الَّ ِذ َـ‬
‫يَ ْستَ ِخ َّفن َ‬
‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك‬ ‫المسداة ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫ِ‬
‫المهداة ‪ ،‬والنعمة ُ‬ ‫صل على الرحمةـ ُ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫ارض عن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامينـ ‪ ،‬اللهمـ َ‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائرـ‬ ‫ٍّ‬ ‫الراشدين‪:‬ـ أبي بك ٍر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫األئمة المهديينـ ‪ ،‬والخلفاء‬
‫نهجهم واتبع سنَّتهم يا رب العالمين‪.‬‬ ‫صحابة نبيِّك أجمعين ‪ ،‬ومن سار على ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ودمر أعداء الدينـ ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫وأذ َّل الشرك والمشركين ‪ِّ ،‬‬ ‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬ ‫اللهم ِ‬
‫هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بالد المسلمين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫دماراـ عليه‪.‬‬ ‫فر َّد كي َده في نح ِره ‪ ،‬واجعل َ‬
‫تدبيرهـ ً‬ ‫اللهم من أرادناـ وأراد بالدنا بسوء أو فُرقة ُ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬ ‫اللهم ِ‬
‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح َّ‬
‫إمامناـ َّ‬
‫أئمتنا ووالة أمورنا ‪ ،‬وأيِّد بالحق َ‬
‫خادم الحرمين الشريفينـ ُلهداك ‪ ،‬واجعلـ عملَه في ِرضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةَـ‬ ‫وفِّق َ‬
‫لواء الدينـ ‪ ،‬وجا ِزه بالخير على‬ ‫وحد به كلمةَ المسلمين ‪ ،‬وارفع به َ‬ ‫الصالحةَ ‪ ،‬اللهم ِّ‬
‫صفهم وجمع كلمتِهم ‪ ،‬وموقفه الحا ِزم لمنع كل‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وسعيِه لتوحيد ِّ‬ ‫نُصرة قضايا ُ‬
‫وولي عهده وسدِّدهمـ ِ‬ ‫الروابط والمواقع الم ِ‬
‫وأع ْنهم ‪،‬‬ ‫وصلة إلى نبيِّنا الكريمـ ‪ ،‬اللهمـ وفِّقه َّ‬ ‫ُ‬
‫وصالح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫باركِين ُموفَِّقين لكل خي ٍر‬
‫واجعلهم ُم َ‬
‫َ‬
‫مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالَهم في سوريا ‪ ،‬اللهم‬ ‫أحوال المسلمين في كل ٍ‬ ‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫وس َّد َخلَّتهم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحق والهدى ‪ ،‬اللهم احقنـ دماءهم ‪ ،‬وآمن روعاتهمـ ‪ُ ،‬‬ ‫اجمعهمـ على ِّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وانصرهم‬‫ُ‬ ‫أعراضهم ‪ ،‬واربِط على قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهمـ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫جائعهمـ ‪ ،‬واح َفظ‬
‫وأطعم َ‬

‫‪779‬‬
‫سورة الروم‬
‫‪559‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وفرج عنهم‬
‫وفرج عنهم كربَهم ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫صارهم ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫على من بغَى عليهم ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬
‫كربَهم‪.‬‬
‫لليتامى والثَّ َكالَىـ والمظلومين ‪ ،‬اللهم ُرحماك بهم يا أرحم الراحمين ‪ ،‬ويا‬ ‫ِ‬
‫اللهم انتصر َ‬
‫ِ‬
‫ناصر المظلومين‪.‬‬
‫ك ‪ ،‬اللهم أن ِزل بهم‬ ‫اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ‪ ،‬اللهم عليك بهم فإنهم ال ي ِ‬
‫عجزونَ َـ‬‫ُ‬
‫بأسك و ِر َ‬
‫جزك إلهَ الحق‪.‬‬ ‫َ‬
‫ستضعفينـ من‬
‫الم َ‬‫وعبادك المؤمنين ‪ ،‬اللهم انصر ُ‬
‫َ‬ ‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك‬
‫انصرهمـ في‬
‫الحق يا رب العالمين ‪ ،‬اللهم ُ‬ ‫واجمعهم على ِّ‬ ‫َ‬ ‫المسلمين في كل مكان ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المحتلِّين ‪ ،‬اللهم انتصر للمظلومين في بُورما ‪ ،‬اللهمـ احقن َ‬
‫دماءهم‬ ‫فلسطين على الصهاينةـ ُ‬
‫أرحم الراحمين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ ،‬وأصلح أحوالَهم ‪ ،‬و ُكن لهم يا رب العالمين ‪ ،‬ويا َ‬
‫اب النَّا ِر (‪. 780﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ووالديهم وذُريَّاتهمـ وأزواجنا وذُ ِّرياتنا ‪ ،‬إنك‬ ‫ِ‬ ‫لنا ولوالدينا‬
‫ُ‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬ ‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫ِ‬
‫وشواه ُدهـ‬ ‫عنوان الخطبة ‪ِ :‬‬
‫مقاصد الحج‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السابع عشر من ذي الحجة من عام ‪1433‬هـ‬

‫ِ‬
‫وشواه ُده ‪-‬‬ ‫‪ِ -‬‬
‫مقاصد الحج‬

‫‪780‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪560‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫"مقاصد‬ ‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪:‬‬
‫ِ‬
‫وشواهده ‪ ،‬وبيَّن أن من أعظم‬ ‫ِ‬
‫ومقاصده‬ ‫الحج‬
‫تحدث فيها عن ِّ‬ ‫ِ‬
‫وشواه ُده" ‪ ،‬والتي َّ‬ ‫الحج‬
‫وإخالص العمل له ‪ -‬سبحانه ‪ ، -‬واتباعُ‬ ‫باركة تقوى اهلل تعالى ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الم َ‬
‫مقاصد هذه الشعيرةـ ُ‬
‫ختم ُخطبتَه‬
‫الحج ‪ ،‬ثم َ‬ ‫بعض روحانيَّات ِّ‬ ‫وذكر َ‬‫َ‬ ‫سنة نبيِّه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪، -‬‬
‫بضرورة االستِغفا ِر بعد األعمال؛ ِحفاظًا عليها ورعايةً لها من البُطالن‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونسنغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ‬
‫ض َّل له ‪ ،‬ومن يُضلِل فال هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬ ‫أعمالنا ‪ ،‬من ِ‬
‫يهده اهلل فال م ِ‬
‫ُ‬
‫وبارك عليه وعلى‬‫وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫آله وأصحابه والتابعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪، -‬‬ ‫ٍ‬ ‫هدي‬
‫وخير الهديـ ُ‬ ‫َ‬ ‫كتاب اهلل ‪،‬‬
‫فإن أصد َق الحديث ُ‬
‫ضاللة في النار‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وكل‬
‫َّ‬ ‫بدعة ضاللة ‪،‬‬ ‫وكل ٍ‬ ‫َّ‬ ‫وكل م ٍ‬
‫حدثة بدعة ‪،‬‬ ‫وشر األمور ُمحدثاتها ‪،‬‬‫َّ‬
‫َّ ُ‬
‫المحامد والتحايا‪:‬ـ الوصيةُ بتقوى اهلل العظيم ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫خير الوصايا بعد‬‫أال وإن َ‬
‫صلِ ْح لَ ُك ْـم َأ ْع َمالَ ُك ْـم َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َم ْن‬ ‫ِ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َوقُولُوا َق ْواًل َسدي ًدا (‪ )70‬يُ ْ‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يُط ِع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا َعظ ً‬
‫‪781‬‬
‫يما (‪. ﴾ )71‬‬
‫ٍ‬
‫إنسان‬ ‫السر واإلعالن؛ فكم من‬ ‫وأع ُّدوا ليوم المعاد ‪ ،‬وأخلِصوا هلل في ِّ‬ ‫القيادـ ‪ِ ،‬‬
‫أسلِموا هلل ِ‬
‫كثي ِر الثياب ‪ ،‬عا ِري الثواب ‪ ،‬مذكو ٍر في األرض ‪ ،‬مهجو ٍر في السماء‪.‬‬
‫ناحية وساح ‪ ،‬ها هنا المو ِر ُد فعُلُّوا ‪،‬‬ ‫أيها الح َّجاج في هذي البِطاح! يا من وفَدتم من كل ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫جليل من‬ ‫وموقف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عظيم من أيام اإلسالم ‪،‬‬ ‫يوم ٍ‬ ‫وهنا الرواء فانهلوا ‪ ،‬أكرمكم اهلل بإدراك ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫الصعُداتـ‬ ‫حجكم ‪ ،‬وقضيتُم ت َفثَكم ‪ ،‬وقد سب َقكمـ إلى هذه ُّ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬فأتممتُم َّ‬ ‫ِ‬
‫مواقف ُ‬

‫‪781‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪561‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫آدم ونوح وإبراهيمـ وموسى وعيسى ‪ ،‬وأنبياءٌ ُكثُر ‪ ،‬ومحم ٌد النبي الكريمـ ‪ ،‬وصحبُه أبو‬ ‫ُ‬
‫المسلمين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بكر وعمر وعثمان وعلي ‪ ،‬والصحابةُ ِ‬
‫وصلَحاءُ ُ‬
‫المذاهب ُ‬ ‫العظام ‪ ،‬وأئمةُ‬ ‫ّ‬
‫والهدف‬ ‫نفسها ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الرب واح ٌد ‪ ،‬والمشاع ُر هي ُ‬ ‫ُّ‬ ‫الربُوع ‪،‬‬
‫وها أنتم تخلُفونهم على هذه ُّ‬
‫الرجال؟!‬
‫والرجال دون ِّ‬ ‫غير الحال ‪،‬‬ ‫مت ِ‬
‫ُ‬ ‫الحال ُ‬
‫ُ‬ ‫َّحد ‪ ،‬فلماذا‬ ‫ُ‬
‫الحي َدة؟‬ ‫ِ‬
‫ور ُسله؛ فل َم َ‬
‫تسلسل إلى أنبياء اهلل ُ‬
‫َ‬ ‫المعت َقد‬
‫المسلمون ‪ -‬في ُ‬ ‫نسبُكمـ ‪ -‬أيها ُ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫وشواه ُد التوحيد ما زالَت قائمةً من عهد‬ ‫وديوا ُن اإلسالم ‪ -‬قُرآ ٌن وسنَّةٌ ‪ -‬ال زالَت حيَّةً ‪،‬‬
‫ط؟‬
‫إبراهيم؛ فلماذا الخ ْل ُ‬
‫رعة نزلَت من السماء إلىـ األرض؛ فلِ َم ِّ‬
‫الذلَّة؟‬ ‫ودينُكم أعظم ِش ٍ‬
‫ُ‬
‫عاركم حتى تل َقوا ربَّكم ‪ ،‬وقد قال النبي ‪ -‬صلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاجعلوه ش َ‬ ‫َ‬ ‫عاره التوحيد ‪،‬‬
‫س ًكا ش ُ‬
‫قضيتُم نُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْجنَّةَ " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن لَق َي اللَّهَ ال يُ ْش ِر ُك بِه َش ْيًئا َد َخ َل ال َ‬
‫وأجلُّوا رسولَه ‪ ،‬وعظِّموا ما جاء من عندهما وأسلِموا له ‪ ،‬أخلِصوا هلل القص َد‬ ‫عظِّموا اهلل ِ‬
‫ُ َ‬
‫رضي اهلل عنهم‬ ‫والعمل ‪ ،‬واقتَفوا هدي النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وصحبِه الذين ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول فَ ُخ ُذوهُ َو َما‬
‫الر ُس ُ‬‫ضوا عنه ‪ ،‬واع ِرضوا العبادةَـ على الكتابـ والسنةـ ‪َ ﴿ ،‬و َما آتَا ُك ُم َّ‬ ‫ور ُ‬
‫َن َها ُك ْم َع ْنهُ فَا ْنَت ُهوا (‪ 782﴾ )7‬وما لم ي ِرد في السنَّة فاطَّ ِرحوه‪.‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ب إليه ُزل َفى‬‫وتقر َ‬
‫ازداد من اهلل قُربًا ‪َّ ،‬‬
‫واعتم َر فقد َ‬ ‫َ‬ ‫البيت‬
‫حج َ‬ ‫ُح َّجاج بيت اهلل العتيق!ـ إن من َّ‬
‫ُّب مع اهلل ‪ -‬جل في عاله ‪ -‬يح ُدوهم الرجاءُ في‬ ‫قربُون ُهم أولَىـ الناس بالتأد ِ‬ ‫والم َّ‬
‫‪ُ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫االزدياد من الطاعة ‪ ،‬ويمنعُهم الحياءُ من التلطُّخ بشيء من المعاصي بعد أن َ‬
‫أكرم اهلل‬
‫وأتم ِ‬
‫مناس َكهم‪.‬ـ‬ ‫وغفر ذنوبَهم ‪َّ ،‬‬ ‫وسادتَهمـ ‪،‬‬
‫َ‬
‫َ‬
‫التعرض لنفحاته؛ـ ِ‬
‫فاستقيموا على أمره ‪َ ﴿ ،‬واَل‬ ‫أما وقد َّ‬
‫ويسر لكم ُّ َ‬ ‫وف َقكم اهلل لمرضاته ‪َّ ،‬‬
‫ت غَ ْزلَ َها ِم ْن َب ْع ِد ُق َّو ٍة َأنْ َكاثًاـ (‪. 783﴾ )92‬‬‫ض ْ‬‫تَ ُكونُوا َكالَّتِي َن َق َ‬

‫‪782‬‬
‫سورة الحشر‬
‫‪783‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪562‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫أوصى به ُّ‬ ‫ِ‬


‫المسل ُم بعد التقوى‪ :‬ما َ‬ ‫وصى به ُ‬ ‫وإن من أولَىـ ما يُ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫سفيا َن ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حينما قال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫َأل َع ْنهُ‬ ‫َأس ُ‬ ‫ول اللَّه ‪ ،‬قُ ْل لي في اِإْل ْساَل ِم َق ْواًل اَل ْ‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ‬
‫استَ ِق ْم " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ال ‪ " :‬قُل آم ْن ُ ِ‬
‫ت بِاللَّه ‪ ،‬ثُ َّم ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َأح ًدا غَْي َر َك ‪ ،‬قَ َ‬ ‫َ‬
‫عمود‬
‫ُ‬ ‫المحافظةُ على الصالة؛ فهي‬ ‫ؤمن بعد التوحيد‪ُ :‬‬ ‫الم ُ‬ ‫استقام عليه ُ‬ ‫َ‬ ‫أال وإن من أولَى ما‬
‫الدين ‪ ،‬وفا ِر ُق المؤمنين عن الكافرينـ ‪ ،‬وقد قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ :-‬قَ ْد َأ ْفلَ َح ال ُْمْؤ ِمنُو َن‬
‫اشعُو َن (‪. 784﴾ )2‬‬ ‫(‪ )1‬الَّ ِذين هم فِي صاَل تِ ِهم َخ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ ُْ‬
‫روى الترمذي والنسائي والحاكم‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ُ " :‬أنْ ِز َـل َعلَ َّي‬
‫ْجنَّةَ‪ ،‬ثم قرَأ‪ ﴿ :‬قَ ْد َأ ْفلَ َح ال ُْمْؤ ِمنُو َن (‪َ 785﴾ )1‬حتَّى َختَ َم‬ ‫ٍ‬
‫َع ْش ُر آيَات َم ْن َأقَ َام ُه َّن َد َخ َل ال َ‬
‫ات " ‪.‬‬ ‫َع ْشر آَي ٍ‬
‫َ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ُهم فِي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ُه ْم َع ِن اللَّ ْغ ِو‬‫صاَل ت ِه ْم َخاشعُو َن (‪َ )2‬والذ َ‬ ‫َ‬ ‫﴿ قَ ْد َأ ْفلَ َح ال ُْمْؤ منُو َن (‪ )1‬الَّذ َـ ْ‬
‫وج ِه ْم َحافِظُو َن (‪ِ )5‬إاَّل َعلَى‬ ‫ين ُهم لِ ُفر ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ين هم لِ َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫لز َكاة فَاعلُو َن (‪َ )4‬والذ َـ ْ ُ‬ ‫ضو َن (‪َ )3‬والَّذ َـ ُ ْ‬ ‫ُم ْع ِر ُ‬
‫ك فَُأولَِئ َ‬ ‫اء ذَلِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْزو ِ‬
‫ك ُه ُم‬ ‫ين (‪ )6‬فَ َم ِن ْابَتغَىـ َو َر َ‬ ‫ت َأيْ َما ُن ُه ْم فَِإ َّن ُه ْم غَْي ُر َملُوم َ‬
‫اج ِه ْم َْأو َما َملَ َك ْ‬ ‫َ‬
‫صلَ َواتِ ِه ْم يُ َحافِظُو َن‬ ‫ين ُه ْم َعلَى َ‬ ‫َأِلمانَاتِ ِه ْم َو َع ْه ِد ِه ْم َراعُو َن (‪َ )8‬والَّ ِذ َـ‬ ‫ين ُه ْم َ‬ ‫ادو َن (‪َ )7‬والَّ ِذ َـ‬ ‫ال َْع ُ‬
‫س ُه ْم فِ َيها َخالِ ُدو َـن (‪ 786﴾ )11‬هذه‬ ‫ين يَ ِرثُو َن ال ِْف ْر َد ْو َـ‬
‫ك ُه ُم ال َْوا ِرثُو َن (‪ )10‬الَّ ِذ َـ‬ ‫(‪ُ )9‬أولَِئ َ‬
‫نفع فيه من‬ ‫ِ‬
‫ناب ما ال َ‬ ‫وأسباب دخول الجنة؛ الصالةُ ‪ ،‬والزكاةُ ‪ ،‬واجت ُ‬ ‫ُـ‬ ‫الفالح‬
‫ِ‬ ‫أسباب‬
‫ُـ‬ ‫هي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫األقوال واألعمال ‪ِ ،‬‬
‫والمحافظةُ على‬ ‫ناب الفواحش ‪ُ ،‬‬ ‫ظ العورات والمحا ِرم ‪ ،‬واجت ُ‬ ‫وحف ُ‬
‫األمانة والعهد‪.‬‬

‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫الشرك وأهلِه ‪،‬‬
‫ياد له بالطاعة ‪ ،‬وال ُخلُوص من ِّ‬ ‫ِ‬
‫واالنق ُ‬ ‫سالم هلل ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اإلسالم هو االست ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المشاع ُر ‪َّ ،‬‬
‫ومثلَته سيرةُ نبي اهلل‬ ‫جس َدتهـ‬
‫الحج كما َّ‬
‫أحكام ِّ‬ ‫عب َرت عنه‬
‫سالم هلل َّ‬‫ِ‬
‫ُ‬ ‫واالست ُ‬
‫إبراهيم ألمر اهلل بترك زوجته‬
‫ُ‬ ‫إبراهيمـ وآله ‪ ،‬تلك اُألسرةُ الصالحةُ التي استسلَ َم فيها‬

‫‪784‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪785‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪786‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪563‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أمر َك بهذا؟ "‪ .‬قال‪:‬‬
‫هاجر‪ " :‬آهللُ َ‬
‫زوجه َ‬ ‫ورضيعها في واد َق ْف ٍر؛ ألن اهللَ َ‬
‫أمره بذلك ‪ ،‬وقالت ُ‬
‫ضي َعنا "‪.‬‬
‫" نعم "‪ .‬قالت‪ " :‬إذًا ‪ ،‬لن يُ ِّ‬
‫وعم َر الوادي بالبشر ‪،‬‬ ‫وبارك فيها ‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫األرض بعين زمزم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫وفج َر‬
‫فلم يُضيِّعهم ربُّهم ‪َّ ،‬‬
‫وجعل بل َدهمـ آمنًا ُمطمئنًّا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الناس إليهم ‪ ،‬ورزقَهم اهلل من الطيبات ‪،‬‬ ‫فهوت أفئ َدةُ ِ‬ ‫َ‬
‫ضا لهذا األمرـ ‪ ،‬وقال اهلل‬ ‫إسماعيل أي ً‬
‫ُ‬ ‫بذبح ابنِه ‪ ،‬واستسلَم‬ ‫إبراهيم ألمر اهلل ِ‬ ‫ُ‬ ‫واستسلَم‬
‫ْجبِي ِن (‪﴾ )103‬‬ ‫ِ‬
‫َأسلَ َما َوَتلَّهُ لل َ‬
‫‪787‬‬
‫ف‪.‬‬ ‫الرحيم لطَ َ‬‫َـ‬ ‫لكن اهللَ‬‫أي‪ :‬استسلَما ‪َّ ،‬‬ ‫عنهما‪َ ﴿ :‬فلَ َّما ْ‬
‫ودرس لألمة بكل تفاصيل الح َدث ‪ ،‬وكان الجزاءُ‬ ‫ٌ‬ ‫المستسلِمة ‪،‬‬ ‫ِـ‬
‫الصالحة ُ‬ ‫مثال لُألسرة‬‫إنه ٌ‬
‫النب َّو َة فيهما وفي ذريَّتهما ‪،‬‬ ‫وجعل ُ‬
‫َ‬ ‫ورفع درجتَهم ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫في الموقِ َفين‪ :‬أن اهللَ كان لهم ‪،‬‬
‫للمؤمنين إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫وجعل آثارهما ِ‬
‫ك ُ‬ ‫مناس َ‬ ‫َ َ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫الحج‪َ ﴿ :‬وَت َز َّو ُدوا فَِإ َّن َخ ْي َر‬
‫الحج‪ :‬التربيةُـ على التقوى ‪ ،‬وفي ثناياـ آيات ِّ‬ ‫ومن روحانياتـ ِّ‬
‫الحاج في ِ‬
‫تمامها‬ ‫يجه ُد‬ ‫ٍ‬ ‫الت ْق َوى (‪ 788﴾ )197‬إنها عبادةٌ محدودةٌ في ٍ‬ ‫الز ِـاد َّ‬
‫ُّ‬ ‫أيام معدودة ‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫الخالص‬ ‫القبول راجيًا رحمتَه ‪ ،‬طالبًا‬ ‫س من ربِّه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ ،‬ويح َذ ُر من نُقصانهاـ أو بُطالنها ‪ ،‬ويلتم ُ‬
‫َّصها‪.‬‬
‫وملخ ُ‬ ‫ختصر الحياة ُ‬ ‫من ناره‪ .‬وهذا ُم ُ‬
‫خوف اهلل ‪،‬‬ ‫زجيهـ‬‫وفق مرادـ اهلل ‪ ،‬ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫المسل َم خالل ذلك للسير َ ُ‬ ‫قلبي يح ُدو ُ‬ ‫شعور ٌّ‬‫والتقوى ٌ‬
‫أفلح ونجا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رضاء ربِّه َ‬ ‫المسل ُم قص َده است َ‬ ‫جعل ُ‬ ‫ورجاءُ ما عند اهلل ال ما عند الناس ‪ ،‬وإذا َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫قدسة؛ـ طاعةٌ واستِجابةٌـ لنداء‬ ‫الم َّ‬
‫المسلمين حقيقةَ العبادةـ ُ‬ ‫نشر بين ُ‬ ‫روحاني َ‬‫ٌّ‬ ‫موسم‬
‫ٌ‬ ‫الحج‬
‫ُّ‬
‫َّرف فلن‬ ‫نفسهـ بمظاهر الت َ‬ ‫سالم لشرعه وأحكامه ‪ ،‬ومهما أحا َط اإلنسا ُن َ‬ ‫الرحمنـ ‪ ،‬واستِ ٌ‬
‫ِ‬
‫فقير إلى اهلل كبقيَّة‬ ‫الشعو ِر بالحقيقةـ حقيقة أنه فر ٌد من بين ماليين البشر ‪ ،‬وأنه ٌ‬ ‫ينفك عن ُّ‬ ‫َّ‬
‫والرضوا َن‪.‬‬‫ستجدين منه الرحمةَ والمغفر َة ِّ‬ ‫السائرينـ إليه ‪ ،‬الم ِ‬
‫ُ‬

‫‪787‬‬
‫سورة الصافات‬
‫‪788‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪564‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫َّ‬
‫المشاق؛‬ ‫مشق ٍة يلقاها من لم َّ‬
‫يتعود‬ ‫التذم ُر من َّ‬ ‫حج ُمرفَّ ٍه ‪ ،‬أو ُّ‬ ‫ب ٍّ‬ ‫لذا ‪ ،‬فإنه من الخطأ تطلُّ ُ‬
‫‪789‬‬
‫س (‪﴾ )7‬‬ ‫فإن اهللَ تعالىـ قال‪َ ﴿ :‬وتَ ْح ِم ُل َأْث َقالَ ُك ْم ِإلَى َبلَ ٍد لَ ْم تَ ُكونُوا بَالِ ِغ ِيه ِإاَّل بِ ِش ِّق اَأْلْن ُف ِ‬
‫والتواضع ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الحج ‪ ،‬فيها التربيَةُـ والعبوديَّةُ‬ ‫مقاصد ِّ‬ ‫فالبساطةُ والتخلِّي عن الرفاهية من ِ‬
‫َ‬
‫والمساواةُ عند الضَّراعة بين ي َدي اهلل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫تواضعي لهم ‪ِ ،‬‬
‫قائمين‬ ‫ضا‪ :‬تربيةٌ للمسلِمين بأن يكونوا رحمةً على إخوانِهمـ م ِ‬ ‫وفي ذلك أي ً‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِـ‬
‫اإلخالل‬ ‫حقهم ‪ ،‬أو‬ ‫عد عن األنانيَّة واأل َث َرةـ ‪ ،‬فضالً عن التقصير في ِّ‬ ‫على مصالِ ِحهم ‪ ،‬في ب ٍ‬
‫ُ‬
‫بما ُأنيطُوا به من واجبِهم‪.‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫األمن‬ ‫ِ‬
‫والحفظ ‪ ،‬وأسب َغ على ُح َّجاج بيته َـ‬ ‫الحج‪ :‬أن اهلل تعالىـ أحاطَه بالرعاية‬ ‫ومن ِ‬
‫مشاهدـ ِّ‬
‫الحروب في بِ ٍ‬
‫قاع شتَّى ‪ ،‬ولسنا‬ ‫ِ‬ ‫يضطرب فيها العالَ ُـم كما تضط ِر ُم ُ‬
‫نار‬ ‫ُ‬ ‫والطُّمأنينة ‪ ،‬في ٍ‬
‫أيام‬
‫وست َر وعافَى ‪،‬‬
‫وآمن ‪َ ،‬‬ ‫ف َ‬ ‫ولكن اهلل تعالى هو الذي لطَ َ‬‫َّ‬ ‫والمعتدين ‪،‬‬ ‫ساد ُ‬‫الح َّ‬
‫بمنأى عن ُ‬ ‫َ‬
‫العباد‬
‫ظ اهلل بهم َـ‬ ‫وأسب َغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً ‪ ،‬وسخَّر لهذاـ البلد حماةً صادقين ‪ِ ،‬‬
‫حف َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬
‫والبالد‪.‬‬
‫َ‬
‫والشكر ‪ ،‬وله الثناء الحسن ‪ ،‬وصدق اهلل‪َ ﴿ :‬أولَم يروا َأنَّا جعلْنا حرما ِ‬
‫آمنًا‬ ‫ََ َ ََ ً‬ ‫َ ْ ََ ْ‬ ‫ُ‬ ‫فلله الحم ُد ُّ ُ‬
‫َّاس ِم ْن َح ْولِ ِه ْم (‪. 790﴾ )67‬‬
‫ف الن ُ‬ ‫َو ُيتَ َخطَّ ُ‬
‫كرا له وحم ًدا‪.‬‬ ‫كر والتنبيهَ؛ ُّ‬ ‫كر ُّ‬ ‫ب ِّ‬ ‫ِ‬
‫تحدثًا بنعمة اهلل تعالىـ ‪ ،‬و ُش ً‬ ‫والش َـ‬ ‫الذ َ‬ ‫إنهاـ نعمةٌ تستوج ُ‬
‫اآليات والحكمة ‪ ،‬أقول قولي‬ ‫ِ‬ ‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪ ،‬ون َف َعنا بما فيهما من‬ ‫َ‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫‪789‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪790‬‬
‫سورة العنكبوت‬
‫‪565‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫تتم الصالحات ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له شهاد ًة‬ ‫الحمد هلل الذي بنمعته ُّ‬
‫عليها المحيا والممات ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبار َك عليه ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫وعلى آله وصحابته ‪ ،‬ومن تبِ َعهمـ‬
‫أما بعد ‪ ،‬أيها المؤمنون‪:‬‬
‫كثيرا ‪ ،‬وإن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غفارا ً‬
‫باالستغفارـ تُختَ ُم األعمال الكبار ‪ ،‬وطُوبَى لمن وج َد في صحيفته است ً‬
‫مارها‪.‬‬‫ِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تحتاج إلى ِس ٍـ‬
‫تنمو وتثبُت ‪ ،‬وتُؤتي ث َ‬‫قاية ورعاية حتى ُ‬ ‫ُ‬ ‫الصالح شجرةٌ طيبةٌ‬
‫َ‬ ‫العمل‬
‫َ‬
‫وقربَه َّ‬
‫وف َقه للصالحاتـ ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الحسنة‪ :‬إتباعُها بالحسنة؛ ألن من قبِلَه اهلل َّ‬ ‫وإن من عالمة قَبول‬
‫ووقاه السيئات‪.‬ـ‬
‫نفسكـ ‪ ،‬وسدِّدوا وقا ِربوا ‪ِ ،‬‬
‫وأبشروا‬ ‫وصيانة ِ‬
‫ِ‬ ‫حفظ عملِك ‪،‬‬
‫فاح ِرص ‪ -‬رعاك اهلل ‪ -‬على ِ‬
‫مدار ال َقبول‪.‬ـ‬
‫والصواب عليها ُ‬ ‫ُ‬ ‫واإلخالص‬
‫ُ‬ ‫وأملُوا ‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫وإياك ممن تدعُو لهم المالئكةُ‬ ‫فائزا ‪ ،‬وألعلى الدرجات حاِئًزا ‪ ،‬وجعلَنا َ‬ ‫ِ‬
‫جعلك اهلل بالجنة ً‬ ‫َ‬
‫سبِّ ُحو َن بِ َح ْم ِد َربِّ ِه ْم َو ُيْؤ ِمنُو َن‬
‫ش َو َم ْن َح ْولَهُ يُ َ‬ ‫ين يَ ْح ِملُو َن ال َْع ْر َ‬
‫َّ ِ‬
‫بقول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ :-‬الذ َ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ين تَابُوا َو َّاتَبعُوا‬‫ت ُك َّل َش ْيء َر ْح َمةً َوعل ًْما فَا ْغف ْر للَّذ َ‬ ‫آمنُوا َر َّبنَا َو ِس ْع َ‬ ‫ين َ‬
‫ِِ‬
‫به َويَ ْسَت ْغف ُرو َن للَّذ َ‬
‫صلَ َح ِم ْن‬ ‫اب الْج ِح ِيم (‪ )7‬ر َّبنَا وَأ ْد ِخل ُْه ـم جن ِـ ٍ ِ‬
‫َّات َع ْدن الَّتي َو َع ْدَت ُه ْم َو َم ْن َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ك َوق ِه ْم َع َذ َـ َ‬
‫سبِيلَ َ ِ‬
‫َ‬
‫ات‬‫السيَِّئ ِـ‬
‫ات َو َم ْن تَ ِق َّ‬ ‫يم (‪َ )8‬وقِ ِه ُم َّ‬
‫السيَِّئ ِ‬
‫ْحك ُ‬
‫ت الْع ِزيز ال ِ‬
‫ك َأنْ َ َ ُ َ‬ ‫اج ِه ْم َوذُ ِّريَّاتِ ِه ْم ِإنَّ َ‬
‫آباِئ ِهم وَأ ْزو ِ‬
‫َ َْ َ‬
‫يم (‪. 791﴾ )9‬‬ ‫ِ‬
‫ك ُه َو الْ َف ْو ُز ال َْعظ ُ‬ ‫َي ْو َمِئ ٍذ َف َق ْد َر ِح ْمتَهُ َوذَلِ َـ‬
‫محمد بن عبد‬ ‫ِ‬ ‫الر ُسل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وأفضل ُّ‬ ‫هذا ‪ ،‬وصلُّوا وسلِّموا على خير البريَّةـ ‪ ،‬وأزكى البشريَّةـ ‪،‬‬
‫عشرا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اهلل؛ فمن صلى عليه صال ًة صلى اهلل عليه بها ً‬
‫محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صل وسلِّم و ِزد وبا ِرك على عبدك ورسولِك‬ ‫اللهم ِّ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وصحابته الغُِّر الميامين ‪ ،‬ومن تبِ َعهمـ‬
‫وانصر المسلمين ‪ ،‬واخ ُذلـ الطغا َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللهم أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم أع َّز اإلسالم ُ‬
‫وعبادك المؤمنين‪.‬‬ ‫فسدينـ ‪ ،‬اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيك‬ ‫ِ‬
‫والمالحدةَ والم ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫األمة أمر ر ٍ‬
‫ِ‬
‫ؤم ُر‬
‫أهل معصيتك ‪ ،‬ويُ َ‬ ‫أهل طاعتك ‪ ،‬ويُه َدى فيه ُ‬ ‫عز فيه ُ‬
‫شد يُ ُّ‬ ‫اللهم أب ِرم لهذه ـ َ ُ‬
‫المن َكر‪.‬‬
‫فيه بالمعروف ‪ ،‬ويُ َنهى عن ُ‬
‫‪791‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪566‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ور َّد كي َده في نح ِر ِه ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬


‫اللهم من أراد اإلسالم والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه ‪ُ ،‬‬
‫الس ِ‬
‫وء عليه يا رب العالمين‪.‬‬ ‫دائرةَ َّ‬
‫جاهدينـ في سبيلك في فلسطين ‪ ،‬وفي‬ ‫جاهدينـ في سبيلك ‪ ،‬اللهمـ انصر الم ِ‬ ‫اللهم انصر الم ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫بالد الشام ‪ ،‬وفي كل ٍ‬
‫مكان يا رب العالمين‪.‬ـ‬
‫صارهم ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهمـ ‪ ،‬واكبِت َّ‬
‫عدوهم‪.‬‬ ‫اللهم فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫حرر المسج َد األقصى من ظُلم الظالمين ‪ ،‬وعُدوان ُ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫أحوال المسلمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالَهمـ في سوريا ‪ ،‬وفي فلسطين ‪ ،‬وفي‬ ‫َـ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫احقن دماءهم ‪ِ ،‬‬
‫وآمن روعاتهم ‪،‬‬ ‫الحق والهدىـ ‪ ،‬اللهم ِ‬‫اجمعهم على ِّ‬ ‫ٍ‬
‫كل مكان ‪ ،‬اللهم َ‬
‫ِ‬
‫أعراضهم ‪ ،‬واربِط على قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت‬‫َ‬ ‫وس َّد َخلَّتهم ‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهم ‪ ،‬واح َفظ‬ ‫ُ‬
‫صارهمـ يا حي يا قيُّوم يا ذا الجالل‬ ‫أقدامهم ‪ ،‬وانصرهم على من بغَى عليهم ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫واإلكرام‪.‬‬
‫للبر والتقوى ‪،‬‬
‫وخذ به ِّ‬ ‫تحب وترضى ‪ُ ،‬‬ ‫خادم الحرمين الشريفين لما ُّ‬‫ولي أمرناـ َ‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬
‫صالح العبادـ والبالد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اللهم وفِّقه ونائبَهـ وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه‬
‫اللهم جا ِزهمـ بالخيرات والحسنات على ما يب ُذلونَه من خدمةـ ُ‬
‫الح َّجاج وخدمة الحرمين‬
‫جيج ‪ ،‬اللهم كافِئ َّ‬
‫كل من خ َد َم‬ ‫الح َ‬ ‫وقاص ِديهما ‪ ،‬اللهم كافِئ َّ‬
‫كل من خ َد َم َ‬
‫الشريفينـ ِ‬
‫ضيُوفك ‪ ،‬اللهم ِّثقل موازينَهم بالحسنات ‪،‬‬ ‫قام على ِرعاية ُ‬ ‫جيج ‪ ،‬واج ِز ً‬
‫خيرا من َ‬ ‫الح َ‬
‫َ‬
‫وبا ِرك لهم في أعمالهم وأعمارهم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫اللهم وفِّق وال َة أمور المسلمين لتحكيم ِ‬
‫شرعك ‪ ،‬واتِّباع ُسنَّة نبيِّك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫واجعلهمـ رحمةً على عبادك ُ‬‫َ‬ ‫وسلم ‪، -‬‬
‫شر األشرار ‪ ،‬وكي َد ال ُف َّجار ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واكفنا َّ‬ ‫عامة ‪،‬‬
‫المسلمين َّ‬‫الخير في بالدنا وبالد ُ‬
‫شر َ‬ ‫اللهم ان ُ‬
‫وشر طوا ِرق الليل والنهار‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪567‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اب النَّا ِر (‪َ ﴿ ، 792﴾ )201‬ر َّبنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬ ‫سنَةً َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬ ‫الد ْنيَا َح َ‬
‫ِ ِ‬ ‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَاـ ِفي َْأم ِرنَا َو َثبِّ ْ‬ ‫ِ‬
‫ص ْرنَاـ َعلَى الْ َق ْوم الْ َكاف ِر َ‬
‫‪793‬‬
‫ين (‪﴾ )147‬‬ ‫ت َأقْ َد َامنَا َوانْ ُ‬ ‫ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫‪.‬‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬ربنا اغفر‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪ .‬اللهمـ إنا نسألُك‬ ‫ِ‬
‫ووالديهم وذُريَّاتهمـ وأزواجنا وذُ ِّرياتنا ‪ ،‬إنك‬ ‫لنا ولوالدينا‬
‫ُ‬
‫ضاك والجنةَ ‪ ،‬ونعوذُ بك من س َخطك والنار‪.‬‬ ‫ِر َ‬
‫الغيث وال تجعلنا من‬‫الغني ونحن ال ُفقراء ‪ ،‬أن ِزل علين َ‬ ‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت ُّ‬
‫طب ًقا ُمجلِّالً ًّ‬
‫عاما‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫القانِطينـ ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫سحا َ‬
‫أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬
‫للحاضر ِ‬
‫والباد‪.‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫العباد ‪ ،‬وتجعلُه بالغًا‬
‫وتسقي به َ‬ ‫ِ‬ ‫ضار ‪ ،‬تُحيِي به َ‬
‫البالد ‪،‬‬ ‫غير ٍّ‬‫نافعا َ‬
‫ً‬
‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رحمة ‪ ،‬ال ُسقياـ‬ ‫ٍ‬
‫رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا‬ ‫ٍ‬
‫رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا‬ ‫اللهم ُسقيا‬
‫أغثنا يا حي يا قيُّوم ‪ ،‬يا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬ ‫غرق ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫هدم وال ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وأعدهم إلى ديا ِرهم سالمين غانِمين ‪ ،‬وتقبَّل منَّا ومنهم‬ ‫عتمرين ‪ِ ،‬‬ ‫اللهم اح َفظ الح َّجاج والم ِ‬
‫ُ َ ُ‬
‫المسلمين‪.‬‬ ‫ومن جميع ُ‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪792‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪793‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪568‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الفصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل الـ ـ ـ ـ ــسادس‬

‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1434‬هـ‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬وقفة مع معنى البركة‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪:‬الثالث والعشرونـ من محرم من عام ‪1434‬هـ‬

‫‪569‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪ -‬وقفةٌ مع معنى البركة ‪-‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬وقفةٌ‬
‫بعض اآلياتـ واألخبار‬
‫وذكر َ‬
‫َ‬ ‫تحدث فيها عن البركة ومعناها ‪،‬‬ ‫مع معنى البركة" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫والمعاصي سبب ِ‬
‫محقها‬ ‫ِ‬ ‫الذنوب‬ ‫ونفعها ‪ ،‬وبيَّن أن‬ ‫واآلثار التي ورد فيها فضلُها ِ‬
‫وعظَم أثرهاـ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وذهابِها‪.‬ـ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫العلي األكرم ‪ ،‬ال يُوفِي‬


‫شاء من خلقه ‪ ،‬الحم ُد هلل ِّ‬ ‫وبارك من َ‬
‫تبارك في ذاتهـ َ‬ ‫َ‬ ‫الحمد هلل ‪،‬‬
‫ينفك مخلو ٌق من ِرقِّه ‪ ،‬وال يستغنِي بشر عن ج ِ‬
‫وده‬ ‫يقوم ِّ‬
‫بحقه ‪ ،‬وال ُّ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫بشر وال ُ‬ ‫قدره ٌ‬ ‫َ‬
‫وجوده ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ال‬‫ُ‬ ‫والسجود ‪،‬‬
‫القيام ُّ‬
‫األول في هذا الوجود وله وحده ُ‬ ‫و ِرزقِه ‪ ،‬هو ُ‬
‫المع ِرضين وهم في‬‫ت ُ‬ ‫وده ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ال يُشبِ ُهه ُجود ‪ ،‬وبط ُ‬
‫شه يبغَ ُ‬ ‫وج ُ‬‫يُشبِ ُهه وجود ‪ُ ،‬‬
‫صح ِوهم أو هم ُهجود ‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا‬
‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه والتابعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهمـ‬ ‫عب ُده ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫ٍـ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫الملِ َّمات‬
‫فُأوصيكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬ونفسي بتقوى اهلل؛ فهي العُ َّدةُ في الشدائدـ ‪ ،‬والعو ُن في ُ‬
‫ومبعث ِ‬
‫القوة واليقي ِن ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫والسكينة ‪،‬‬
‫تنز ُل الصبر َّ‬ ‫ُأنس الروح والطُّمأنينة ‪ُ ،‬‬
‫وم َّ‬ ‫‪ ،‬وهي ُ‬
‫ِ‬
‫القلوب‬ ‫ط على‬‫األقدام عند المزالِقـ ‪ ،‬وتربِ ُ‬ ‫ت‬
‫السمو إلى السماء ‪ ،‬وهي التي تُثبِّ ُ‬ ‫عراج‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫وم ُ‬

‫‪570‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫صلِ ْح لَ ُك ْم‬ ‫ِ‬


‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َوقُولُوا َق ْواًل َسدي ًدا (‪ )70‬يُ ْ‬ ‫ين َ‬ ‫عند الفتن ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يما (‪. 794﴾ )71‬‬ ‫َأ ْع َمالَ ُك ْـم َو َي ْغف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو َم ْن يُط ِع اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو ًزا َعظ ً‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫التأم ـل ‪ ،‬كلمات نردِّدهاـ كل ٍ‬
‫يوم بيننا ‪ ،‬وفي‬ ‫ُّ‬
‫ٌ ُ ُ‬ ‫تستحق ُّ َ‬ ‫عبارات‬
‫ٌ‬ ‫في تحايانا وفي دعواتنا‬
‫خيري الدنياـ واآلخرة ‪ ،‬وسعادةَـ الحال والمآل ‪ ،‬إنها الدعاءُ بالبركة‪.‬ـ‬ ‫جمعت َ‬ ‫صلواتنا ‪ ،‬قد َ‬
‫تأملنا معنى الدعاء‬
‫السالم عليكم ورحمةُ اهلل وبركاته؛ـ فهل َّ‬ ‫ُ‬ ‫سلم أخاه فيقول له‪:‬‬ ‫الم ُ‬ ‫يل َقى ُ‬
‫بالبركة؟‬
‫يم " ‪،‬‬ ‫ِ ِإ ِ‬ ‫وفي صالتنا ندعُو‪ " :‬وبَا ِر ْك َعلَى ُم َح َّم ٍد و َعلَى ِ‬
‫ت َعلَى آل ْب َراه َ‬
‫آل ُم َح َّمد‪َ ،‬ك َما بَ َار ْك َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬
‫بارك اهلل لكما ‪،‬‬
‫للزوجين‪َ " :‬‬
‫َ‬ ‫ت " ‪ ،‬ونقول‬ ‫وفي ُدعاء قيام الليل‪َ " :‬وبَا ِر ْك لي ف َ‬
‫يما َأ ْعطَْي َ‬
‫وبارك عليكما " ‪.‬‬ ‫َ‬

‫فما حقيقةُ هذه البركات؟‬


‫عباد اهلل‪:‬‬
‫والدوام واالستِ ُـ‬
‫قرار ‪ ،‬والبركةُ‪ :‬النَّماءُ والزيادةُـ وكثرةُ الخير‪ .‬يُقال‪:‬ـ‬ ‫ُ‬ ‫ُّبوت‬
‫أصل البركة‪:‬ـ الث ُ‬
‫ُ‬
‫بارك‪ :‬الذي قد بار َكه اهلل تعالى ‪ ،‬قال ‪-‬‬ ‫والم َ‬
‫وبارك له ‪ُ ،‬‬
‫وبارك عليه َ‬
‫وبارك فيه َ‬‫بار َكه اهلل َ‬
‫سبحانه ‪ ﴿ :-‬و َه َذا ِذ ْكر مبار ٌك َأْنزلْنَاهُ (‪ 795﴾ )50‬وذلك لكثرة خي ِره ِ‬
‫ونفعهـ ووجوه‬ ‫ٌ َُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫البركة فيه‪.‬‬
‫بار ٌك ‪،‬‬ ‫ُّ ِ‬ ‫البركةُ كلُّها من اهلل؛ فإن َّ‬
‫ب إليه ُم َ‬
‫وكل ما نُس َ‬ ‫تبارك وح َده ‪،‬‬
‫الرب تعالى هو الذي َ‬
‫النافع لخلقه ُمبارك ‪ ،‬وبيتُه الحرام‬
‫ُ‬ ‫ؤمن‬
‫الم ُ‬
‫بارك ‪ ،‬وعب ُده ُ‬
‫بارك ‪ ،‬ورسولُه ُم َ‬
‫فكالمه ُم َ‬
‫ُ‬
‫أرض البركة ‪ ،‬وص َفها بالبركة في ٍ‬
‫آيات من‬ ‫ِ‬
‫بارك ‪ ،‬وكنانتُه من أرضه ‪ -‬وهي الشام ‪ُ -‬‬ ‫ُم َ‬
‫وبارك المسج َد األقصى وما حولَه‪.‬‬
‫َ‬ ‫كتابه ‪،‬‬

‫‪794‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪795‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪571‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وتمجد ‪ ،‬وال يُقال‪:‬ـ تبارك في‬


‫وتقدس َّ‬ ‫واهلل تعالىـ يُقال في ِّ‬
‫حقه‪:‬ـ تبارك؛ أي‪ :‬تعالىـ وارتفع َّ‬
‫تعاظم‬ ‫شاء من خلقه ‪ ،‬كما يُقال‪:‬ـ‬ ‫حق ٍ‬
‫َ‬ ‫وبارك من َ‬
‫َ‬ ‫تبارك في ذاته ‪،‬‬
‫َ‬ ‫أحد غير اهلل تعالىـ ‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ودوامه واجتِماع صفات الكمال فيه ‪ ،‬وأن‬ ‫دليل على عظمته وكثرة خيره‬ ‫وتعالى ‪ ،‬فهو ٌ‬
‫وعلو‬
‫نفعهـ ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ومن إحسانه ‪ ،‬فهو ذو العظمة والجالل ِّ‬ ‫كل نف ٍع في العالَمـ فمن ِ‬
‫َّ‬
‫الشان‪.‬‬
‫وكبرياءه ‪ ،‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬تبَ َار َك الَّ ِذي َن َّز َل‬ ‫َ‬ ‫كالمه وعظمتَه‬ ‫ِ‬
‫ولهذاـ إنما يذ ُكره غالبًا ُمفتت ًحا به َ‬
‫وقال ‪ -‬سبحانه ‪ِ ﴿ :-‬إ َّن َربَّ ُك ُم اللَّهُ‬
‫‪796‬‬
‫ين نَ ِذ ًيرا (‪﴾ )1‬‬ ‫الْ ُف ْرقَا َـن َعلَى َع ْب ِد ِه لِيَ ُكو َن لِل َْعالَ ِم َـ‬
‫ات واَأْلرض فِي ِست َِّة َأيَّ ٍام ثُ َّم اسَتوى َعلَى الْعر ِ ِ‬ ‫الَّ ِذي َخلَ َق َّ‬
‫ش ُي ْغشي اللَّْي َل الن َ‬
‫َّه َار يَطْلُبُهُ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ‬ ‫الس َم َاو ِـ َ ْ َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬
‫ب ال َْعالَم َ‬ ‫اَأْلم ُر َتبَ َار َك اللَّهُ َر ُّ‬
‫ْق َو ْ‬ ‫ات بِ َْأم ِر ِه َأاَل لَهُ الْ َخل ُ‬
‫الشمس والْ َقمر والنُّجوم مسخَّر ٍ‬
‫َحثيثًا َو َّ ْ َ َ َ َ َ ُ َ ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫(‪. 797﴾ )54‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫أسباب الخير فيه ‪،‬‬ ‫ُـ‬ ‫ِ‬
‫وتتص ُل‬ ‫أثره ‪،‬‬
‫خيره ‪ ،‬ويعظُم ُ‬
‫بار ًكا ‪ ،‬فيكثُر ُ‬
‫بعض خلقه ُم َ‬
‫يجعل اهللُ َ‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫المسيح عيسى ‪ -‬عليه السالم ‪َ ﴿ :-‬و َج َعلَنِي ُمبَ َار ًكا َأيْ َن َما‬ ‫ُ‬ ‫الناس منه ‪ ،‬كما قال‬
‫وينتفع ُ‬
‫ُ‬
‫ت (‪. 798﴾ )31‬‬ ‫ُك ْن ُ‬
‫س وال ِ‬ ‫فضل اهلل يأتيـ لإلنسان من حيث ال يُ ِح ُّ‬
‫شاه ُـد فيه زيادةٌ‬ ‫فكل أم ٍر تُ َ‬ ‫يحتسب ‪ُّ ،‬‬ ‫البركةُ ُ‬
‫بارك ‪ ،‬وفيه بركةٌ‪.‬‬
‫غير محسوسة يُقال‪ُ :‬م ٌ‬
‫بارك اهلل في العُمر أطالَه‬
‫البشر ‪ ،‬وإذا َ‬ ‫ِ‬
‫البركةُ هبةٌ من اهلل فوق األسبابـ الماديَّة التي يتعاطاهاـ ُ‬
‫حفظَهاـ لصاحبِها ‪ ،‬وإذا َ‬
‫بارك‬ ‫بارك اهلل الصحةَ ِ‬
‫الكثير ‪ ،‬وإذا َ‬ ‫الخير‬
‫َ‬ ‫على طاعته أو جمع فيه َ‬
‫وثمره ‪ ،‬ووفَّق صاحبَه لصرفه في أمور الخير وأبواب‬ ‫وأصلحه َّ‬
‫َ‬ ‫نماه وكث ََّره ‪،‬‬
‫في المال َّ‬
‫بارك اهلل في األوالدـ رز َق بَِّرهم وهداهم وأصلَ َحهم ‪ ،‬وإذا َ‬
‫بارك اهلل في‬ ‫الطاعة ‪ ،‬وإذا َ‬
‫سرتْه ‪ ،‬وإن غاب عنها ِ‬
‫حفظَْته‪.‬‬ ‫نظر إليهاـ َّ‬
‫َ‬ ‫عين زوجا؛ إن َ‬ ‫أقر بها َ‬
‫الزوجةـ َّ‬

‫‪796‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫‪797‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪798‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪572‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫األعمال ِ‬
‫بمثل‬ ‫َ‬ ‫أثره ‪ ،‬وعظُم نفعُه وبُِّره ‪ ،‬وما َ‬
‫بارك اهلل‬ ‫بارك اهلل في العمل َّ‬
‫امتد ُ‬ ‫وإذا َ‬
‫ومتابعةـ النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬ ‫ِـ‬
‫اإلخالص هلل ُ‬
‫شيء ال يكو ُن هلل فبركتُه منزوعةٌ؛ فإن اهلل تعالى هو‬ ‫"وكل ٍ‬
‫ُّ‬ ‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫تبارك وحده ‪ ،‬والبركةُ كلُّها منه"‪.‬‬ ‫الذي َ‬
‫يت‬
‫ض ُ‬‫يت ‪ ،‬وِإذَا ر ِ‬ ‫الرب ‪ -‬تبارك وتعالىـ ‪ " :-‬إِنِّي ِإذَا ِ‬
‫ُأط ْع ُ ِ‬
‫ت َرض ُ َ َ‬ ‫وفي األثر اإللهي‪ « :‬يقول ُّ‬
‫صحيح إلى وهب‬ ‫ت ‪ ،‬ولَيس لِبر َكتِي نِهايةٌـ " ؛ أخرجهـ اإلمام أحمد في "الزهد" ٍ‬
‫بسند‬
‫ٍ‬ ‫ََ‬ ‫بَ َار ْك ُ َ ْ َ َ َ‬
‫بن ُمنبِّه‪.‬‬
‫الناس من بركة اهلل في األشياء واألوقاتـ ‪ ،‬واألقوال واألعمال واألشخاص ‪،‬‬ ‫وكم رأى ُ‬
‫وتطيب‬ ‫الرضا ‪،‬‬ ‫وتتم الكفايةُ ‪ ،‬ويعلُو ِّ‬ ‫الخير ‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫النفع ‪ ،‬ويتَّص ُل ُ‬
‫ويعم ُ‬
‫ُّ‬ ‫القليل ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فيكثُر‬
‫النفوس‪.‬‬
‫بارك في‬
‫ولكن اهلل َ‬ ‫بشرا من الناس ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫في سيَر العُظماء عَب ٌر من البركاتـ ‪ ،‬وقد كانوا ً‬
‫يوما‬
‫يومه ً‬
‫وأشرف الخلق محم ٌد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كا ُ‬ ‫ُ‬ ‫أعمالهمـ وأعمارهم ‪،‬‬
‫األرض ومن‬
‫َ‬ ‫ث اهللُ‬ ‫عم نفعُه ‪ ،‬وتوالَت بركتُه ‪ ،‬وال زالت ت ْت َرى إلى أن ي ِر َ‬
‫ُمبار ًكا ‪ ،‬وقد َّ‬
‫عاما‪.‬‬
‫تتجاوز ثالثًا وعشرين ً‬
‫عليها ‪ ،‬مع أن دعوتَه لم َ‬
‫وأشه ًرا ‪ ،‬ومع ذلك َّ‬ ‫ِ‬
‫يحتاج‬
‫ُ‬ ‫حق َق فيها ما‬ ‫وكانت خالفةُ أبي بك ٍر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬سنتين ُ‬
‫إلى عُ ٍ‬
‫قود‪.‬‬
‫الشافعي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬تُوفِّي وهو في ِّ‬
‫سن‬ ‫ُّ‬ ‫اإلمام‬
‫ُ‬ ‫وفي ِ‬
‫العلم ترى من العُلماء عجبًا؛ فهذا‬
‫والنووي وابن تيمية وغيرهم تر ُكوا لنا إرثًا من العلمـ‬
‫ُّ‬ ‫الطبري‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫الرابعة والخمسين ‪ ،‬وهذا‬
‫ئام من الرجال ‪ ،‬وليس ذلك‬ ‫ِ‬ ‫والتواليف والكتب ما ِ‬
‫ويعجز عنه الف ُ‬
‫ُ‬ ‫تنقضي دونَه األعمار ‪،‬‬
‫إال إعانةً من اهلل وبركةً جعلَهاـ في أوقاتهم وفي آثارهم‪.‬‬
‫يوم ِ‬ ‫يكفيهمـ القليل ِرز ُق كل ٍ‬ ‫وأما البركةُ في حياة الناس؛ فقد كان ِ‬
‫بيومه ‪ ،‬يُؤ ِوي ُ‬
‫البيت‬ ‫ُ‬
‫كفيـ االثنينـ ‪ ،‬تُظلِّلُهم القناعة ‪ ،‬ويعلُوهم ِّ‬
‫الرضا ‪،‬‬ ‫الواحد ي ِ‬
‫ِ‬ ‫وطعام‬ ‫اُألسرـ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جمعا من َ‬
‫الواح ُد ً‬
‫ف عليهم السعادة‪.‬ـ‬ ‫وتُرف ِر ُ‬
‫قص َرت‬
‫قص َرت أوقاتُهم أم ُ‬ ‫نفوسهم؟! ُ‬‫بال الناس اليوم؟! ضاقَت أرزاقُهم أم ضاقَت ُ‬ ‫فما ُ‬
‫ِه َم ُمهم؟!‬
‫‪573‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫كنوز‬ ‫خاء ما لم يفتَح على ٍ‬ ‫الر ِ‬ ‫لقد فُتِح على الناس من أسبابـ َّ‬
‫وتفج َرت ُ‬ ‫َّ‬ ‫أحد قبلَهم ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫المخترعات‬ ‫ِ‬ ‫األموال والتجارات ‪َّ ،‬‬
‫وتعددت طُر ُق الكسب تُذكيها ُ‬ ‫ُـ‬ ‫األرض ‪ ،‬وتوا َف َرت‬
‫وقهرا؟!‬ ‫ِ‬
‫كسبوا إال شقوةً ً‬ ‫فقرا ‪ ،‬وهل َ‬ ‫الناس إال ً‬ ‫ازداد ُ‬ ‫والمكتشفات والصناعات؛ـ فهل َ‬ ‫ُ‬
‫وضيق العيش ‪ ،‬و ُش ِّح الوقت ‪ ،‬والخوف‬ ‫ِ‬ ‫غلَب على العالَم الشكوى من الفقرـ ‪ِ ،‬‬
‫والقلَّة ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫محق البركة‪.‬‬ ‫كل أسباب َّ ِ‬
‫الرخاء؛ـ فأين الخلل؟! إنه ُ‬ ‫المستقبَل ‪ ،‬مع توافُر ِّ‬ ‫من ُ‬
‫ولكن الكثرةَـ من البركة"‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫نفيس الكلِم‪:‬ـ "ليست البركةُ من الكثرةـ ‪،‬‬ ‫ومن ِ‬
‫السنَةُ‬
‫ت َّ‬ ‫عن أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬لَْيس ِ‬
‫َ‬
‫السنَةُـ َأ ْن تُ ْمطَُروا َوتُ ْمطَُروا ثُ َّم اَل يُبا ِر ُك لَ ُك ْم فِ ِيه " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫بَِأ ْن الَ تُ ْمطَُروا ‪َ ،‬ولَ ِك ِـن َّ‬
‫الس َم ِاء‬
‫ات ِم َن َّ‬ ‫َأن َْأهل الْ ُقرى آمنُوا و َّات َقوا لََفتَ ْحنَا َعلَْي ِهم بر َك ٍ‬
‫ْ ََ‬ ‫وفي كتاب ربِّنا‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َّ َ َ َ َ ْ‬
‫اه ْـم بِ َما َكانُوا يَ ْك ِسبُو َن (‪. 799﴾ )96‬‬ ‫ض َولَ ِك ْن َك َّذبُوا فَ َ‬
‫َأخ ْذنَ ُ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫َو ْ‬
‫والرضا ‪َ ﴿ ،‬و َم ْن‬ ‫والرزق ‪ ،‬والطُّمأنينة ِّ‬ ‫سبب البركة ِّ‬ ‫الصالح ُ‬ ‫ُ‬ ‫والعمل‬
‫ُ‬ ‫اإليما ُن والتقوى‬
‫ض ْن ًكا (‪. 800﴾ )124‬‬ ‫شةً َ‬ ‫ض َع ْن ِذ ْك ِري فَِإ َّن لَهُ َم ِعي َ‬‫َأ ْع َر َ‬
‫سبب الشقاءـ الذي يش ُكو منه األفراد ‪ ،‬كما تش ُكو منه اُألمم‪.‬‬ ‫اإلعراض عن اهلل ُ‬ ‫ُ‬ ‫نعم ‪،‬‬
‫أقدرهم اهلل عليه من العلم‬ ‫ِ‬ ‫أال َّ‬
‫التجمعات االقتصاديَّةـ مع ما َ‬
‫ضع أكبر ُّ‬ ‫نتفك ُر في أسباب تضع ُ‬
‫نتفكر في غلَبة الخوف ِ‬
‫وانعدامـ األمنـ في أقوى دول العالم وأشدِّها جبروتًاـ‬ ‫َ‬ ‫والتدبير؟! أال َّ ُ‬
‫عاهداتـ‬ ‫ِ‬
‫والم َ‬‫شا ‪ ،‬وانتشار الحروب والقتل واالضطرابـ ‪ ،‬مع ازدحام القوانين ُ‬ ‫وبط ً‬
‫والمنظَّمات‪.‬‬
‫ُ‬
‫وفق ُسننه ‪ ،‬وال‬ ‫األمور إال َ‬
‫ُ‬ ‫تسير‬
‫جل في ُعاله ‪ ، -‬وال ُ‬ ‫حقاـ هو اهلل ‪َّ -‬‬ ‫دير العالَ َـم ًّ‬
‫إن الذي يُ ُـ‬
‫القائل‪ ﴿ :‬يَ ْم َح ُق اللَّهُ ِّ‬
‫الربَا‬ ‫ُ‬ ‫وفق توجيهاتهـ ‪ ،‬وهو ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬ ‫يحص ُل الرخاءُ والسع ُـد إال َ‬ ‫ُ‬
‫سوا‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫‪801‬‬
‫الص َدقَ ِـ‬
‫َو ُي ْربِي َّ‬
‫آمنُوا َولَ ْم َي ْلب ُ‬
‫ين َ‬
‫القائل‪:‬ـ ﴿ الذ َ‬
‫ُ‬ ‫وهو ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬ ‫ات (‪﴾ )276‬‬
‫يما َن ُه ْـم بِظُل ٍْم ُأولَِئ َ‬
‫ِإ َ‬
‫‪802‬‬
‫القائل‪﴿ :‬‬
‫ُ‬ ‫‪-‬‬ ‫سبحانه‬ ‫‪-‬‬ ‫وهو‬ ‫اَأْلم ُن َو ُه ْم ُم ْهتَ ُدو َن (‪﴾ )82‬‬
‫ك لَ ُه ُم ْ‬

‫‪799‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪800‬‬
‫سورة طه‬
‫‪801‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪802‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪574‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬ ‫من ع ِمل ِ ِ‬
‫س ِن‬ ‫َأج َر ُه ْـم بِ ْ‬
‫َأح َ‬ ‫صال ًحا م ْن ذَ َك ٍر َْأو ُأْنثَى َو ُه َو ُمْؤ م ٌن َفلَنُ ْحيَِينَّهُ َحيَا ًة طَيِّبَةً َولَنَ ْج ِز َين ُ‬
‫َّه ْم ْ‬ ‫َْ َ َ َ‬
‫َما َكانُوا َي ْع َملُو َن (‪. 803﴾ )97‬‬
‫والذنوب والمعاصي‬ ‫ُ‬ ‫والرضا ‪،‬‬‫سبب البركة والسعادة ِّ‬ ‫الصالح ُ‬ ‫ُ‬ ‫والعمل‬
‫ُ‬ ‫اإليما ُن والتقوى‬
‫ت ِ‬
‫آمنَةً‬ ‫ب اللَّهُ َمثَاًل َق ْريَةً َكانَ ْ‬
‫ض َر َ‬ ‫العيش ‪ ،‬وتُضيِّ ُق األرزاق ﴿ َو َ‬ ‫َ‬ ‫ِّص‬
‫تمح ُق البركةَ ‪ ،‬وتُنغ ُ‬ ‫َ‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫مطْمِئنَّةً يْأتِ َيها ِر ْز ُق َها رغَ ًدا ِمن ُك ِّل م َك ٍ‬
‫ان فَ َك َفر ْـ ِ‬
‫وع‬
‫ْج ِ‬ ‫اس ال ُ‬ ‫ت بَأْنعُ ِم الله فََأذَا َق َها اللهُ لبَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫ِ‬
‫صَنعُو َن (‪. 804﴾ )112‬‬ ‫َوالْ َخ ْوف بِ َما َكانُوا يَ ْ‬
‫كل األحياء‪.‬‬ ‫ب َّ‬ ‫ِ‬
‫شبح يُرع ُ‬
‫والخوف ٌ‬‫ُ‬ ‫الجوعُ‬
‫اد ا ْثنَ ِ‬
‫ان‬ ‫بال؛ ففي الحديث‪َ " :‬ما َت َو َّ‬ ‫والمعاصي ما ال يخطُر على ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذنوب‬ ‫بل إن من آثار‬
‫َأح ُد ُه َما " ؛ رواه البخاري في "األدبـ المفرد"‪.‬‬ ‫فَي ُف ِّر َق بيَنهما ِإالَّ بِ َذنْ ٍ ِ‬
‫ب يُ ْحدثُهُ َ‬ ‫َْ ُ َ‬
‫التعقيب بقول‬ ‫َ‬ ‫وآثارها في ُسورة الطالق ‪ ،‬ثم‬ ‫تأملـ تكرار التقوى َ‬ ‫وفي العالقات الزوجية‪َّ :‬‬
‫ِ‬ ‫ت عن َأم ِر ر ِّبها ورسلِ ِه فَحاسبن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫سابًاـ َشدي ًداـ َو َع َّذ ْبنَ َ‬
‫اهاـ‬ ‫اها ح َ‬ ‫اهلل تعالى‪:‬ـ ﴿ َو َكَأيِّ ْن م ْن َق ْريَة َعتَ ْ َ ْ ْ َ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ‬
‫َأع َّد اللَّهُ لَ ُه ْم َع َذابًا َش ِدي ًداـ‬
‫ال َْأم ِر َهاـ َو َكا َن َعاقِبَةُ َْأم ِر َها ُخ ْس ًرا (‪َ )9‬‬ ‫ت َوبَ َ‬
‫َع َذابًا نُ ْك ًراـ (‪ )8‬فَ َذاقَ ْ‬
‫اب (‪. 805﴾ )10‬‬ ‫فَ َّات ُقوا اللَّهَ يَا ُأولِي اَأْللْبَ ِـ‬
‫نفسها تجري على البيوت واألفراد ‪ ،‬كما تجري على اُألممـ وال ُقرى‪.‬‬ ‫نن ُ‬ ‫الس ُ‬
‫إنها ُّ‬
‫زام ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬الْبِّيع ِ‬
‫ان‬ ‫َ َ‬ ‫عن حكيم بن ِح ٍ‬
‫ص َدقَا َو َبَّينَا بُو ِر َك لَ ُه َما ِفي َب ْي ِع ِه َما ‪َ ،‬وِإ ْن َك َذبَا َو َكتَ َما ُم ِح َق َب َر َكةُ‬ ‫ِ‬
‫بِالْخيَا ِر َما لَ ْم َيَت َف َّرقَا ‪ ،‬فَِإ ْن َ‬
‫َب ْي ِع ِه َما " ؛ رواه مسلم‪.‬‬
‫ُأصول‬
‫َ‬ ‫ذكر النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫وفي حديث اب ِن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪َ -‬‬
‫الفواحش ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫انتشار‬ ‫والض ْنك ‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫الماحقةـ للبركة والجالِبة للفقر والبالء َّ‬ ‫المعاصي ِ‬
‫ُ‬
‫وتحكيم‬
‫ُ‬ ‫ونقض العهود ‪ ،‬وخيانةُ األمانة ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ومنع الزكاة ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ونقص المكاييلـ والموازين ‪،‬‬
‫ُ‬
‫غير شرع اهلل‪.‬‬

‫‪803‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪804‬‬
‫سورة النحل‬
‫‪805‬‬
‫سورة الطالق‬
‫‪575‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الرشوة‬
‫الغش وأخذ ِّ‬ ‫والمتبايِعون؟! هل ِيعي ذلك من ال َّ‬
‫يتورعُ عن ِّ‬ ‫التجار ُ‬
‫ُ‬ ‫فهل ِيعي ذلك‬
‫ِ‬
‫واالنحالل ممن يُشيعون‬ ‫ونقض العهود والتالعُب بالعقود؟! هل ِيعي ذلك ُدعاةُ َّ‬
‫الرذيلة‬ ‫ِ‬
‫الفاحشةَـ في الذين آمنوا؟!‬
‫‪806‬‬
‫ت َأيْ ِدي ُك ْـم َو َي ْع ُفو َع ْن َكثِي ٍر (‪﴾ )30‬‬ ‫سبَ ْ‬ ‫ِ ِ ٍ ِ‬
‫َأصابَ ُك ْم م ْن ُمصيبَة فَب َما َك َ‬ ‫لقد صد َق اهلل‪َ ﴿ :‬و َما َ‬
‫َأص ْبتُ ْم ِم ْثلَْي َها ُقلْتُ ْم َأنَّى َه َذا قُ ْل ُه َو ِم ْن ِع ْن ِد َأْن ُف ِس ُك ْم (‪)165‬‬ ‫ِ‬
‫َأص َاب ْت ُك ْـم ُمصيبَةٌ قَ ْد َ‬
‫‪ََ ﴿ ،‬أولَ َّما َ‬
‫﴾‪. 807‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫صحة أبدانِكم ‪ ،‬وطُمأنينة نُفوسكمـ ‪ ،‬ورغَد‬ ‫وتأملُوا أثر ذلك في ِ‬ ‫والصالح ‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ال ِزموا ُّ‬
‫الت َقىـ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وخذوا بأسبابها ‪َ ﴿ ،‬وَأطيعُوا اللَّهَ‬
‫عيشكم ‪ ،‬وتمام سعادتكم ‪ ،‬اطلُبُوا البركةَ من اهلل ‪ُ ،‬‬
‫ول لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْر َح ُمو َن (‪. 808﴾ )132‬‬
‫الر ُس َـ‬
‫َو َّ‬
‫ِ‬
‫أقول قولي هذا ‪ ،‬وأستغفرـ‬ ‫المستقيم ‪ُ ،‬‬ ‫اللهم با ِرك لنا في القرآن العظيم ‪ ،‬واهدنا صراطَك ُ‬
‫اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيمـ ‪ ،‬مالك يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه الصاد ُق األمين ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم‬ ‫الملك ُّ‬
‫الحق ُ‬ ‫ُ‬
‫وبار َك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫َ‬
‫أما بعد ‪ ،‬عباد اهلل‪:‬‬
‫كعب بن عُجرة ‪ -‬رضي اهلل عنه‬ ‫ِ‬
‫في "الصحيحين" عن عبد الرحمن بن أبيـ ليلى قال‪ :‬لقيَني ُ‬
‫فقلت‪ :‬بلى ‪،‬‬
‫ُأهدي لك هديَّةً سمعتُها من النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬؟ ُ‬‫‪ -‬فقال‪ :‬أال ِ‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ف ُقلنا‪ :‬يا رسول اهلل! كيف‬
‫َ‬ ‫إلي‪.‬ـ فقال‪ :‬سألْنا‬ ‫ِ‬
‫فأهدها َّ‬

‫‪806‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪807‬‬
‫سورة ىل عمران‬
‫‪808‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪576‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ص ِّل َعلَى‬‫أهل البيت؟ فإن اهللَ علَّ َمنا كيف نُسلِّم‪ .‬قال‪ " :‬قُولوا‪ :‬اللَّ ُه َّم َ‬ ‫الصالةُ عليكم َ‬
‫ك َح ِمي ٌد َم ِجي ٌد ‪،‬‬ ‫آل ِإ ْب َر ِاه َـ‬
‫يم ِإنَّ َ‬ ‫ت َعلَى ِإ ْبر ِاهيم و َعلَى ِ‬
‫َ ََ‬ ‫صلَّْي َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُم َح َّم ٍد ‪ ،‬و َعلَى ِ‬
‫آل ُم َح َّمد َك َما َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫يم ِإنَّ َ‬ ‫ِ ِإ ِ‬ ‫ت َعلَى ِإ ْب َر ِاه َـ‬ ‫آل ُم َح َّم ٍد َك َما بَ َار ْك َ‬ ‫اللَّ ُه َّم بَا ِر ْك َعلَى ُم َح َّم ٍد ‪ ،‬و َعلَى ِ‬
‫يم َو َعلَى آل ْب َراه َ‬ ‫َ‬
‫َح ِمي ٌد َم ِجي ٌد " ‪.‬‬
‫آل ُم َح َّمد‪َ ،‬ك َما‬ ‫فالدعاء للنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بقولِنا‪ " :‬وبَا ِر ْك َعلَى ُم َح َّم ٍد و َعلَى ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫إعطاءه من الخير ما أعطاه آلل إبراهيمـ ‪ ،‬وإدامتَهـ وثبوتَه‬ ‫يتضم ُن‬
‫يم " َّ‬ ‫ِ ِإ ِ‬
‫َ‬ ‫ت َعلَى آل ْب َراه َ‬ ‫بَ َار ْك َ‬
‫ومضاعفتَه له وزيادتَه ‪ ،‬وقد قال تعالى في إبراهيم وآله‪َ ﴿ :‬وبَ َار ْكنَا َعلَْي ِه َو َعلَى‬ ‫له ‪ُ ،‬‬
‫ت اللَّ ِه َو َب َر َكاتُهُ َعلَْي ُك ْم‬ ‫ِإ ْس َحا َق (‪ ، ﴾ )113‬وقال تعالىـ في إبراهيم وأهل بيته‪َ ﴿ :‬ر ْح َم ُ‬
‫‪809‬‬

‫ت ِإنَّهُ َح ِمي ٌد َم ِجي ٌد (‪. 810﴾ )73‬‬ ‫َْأهل الْب ْي ِ‬


‫َ َ‬
‫محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولِك‬ ‫فاللهم ِّ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫صحابة رسولِك أجمعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬ ‫ِ‬ ‫وارض اللهم عن‬‫َ‬
‫وانصر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللهم أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم أع َّز اإلسالم ُ‬
‫دينك وكتابكـ وسنةَ نبيك‬ ‫انصر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والمفسدين ‪ ،‬اللهم ُ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬واخ ُذلـ الطغاةَـ والمالحدةَ ُ‬
‫المؤمنين‪.‬‬ ‫وعبادك ُ‬
‫َ‬
‫ؤم ُر‬ ‫ِ‬ ‫اللهم أب ِرم لهذه األمةـ أمر ر ٍ‬
‫أهل معصيتك ‪ ،‬ويُ َ‬ ‫أهل طاعتك ‪ ،‬ويُه َدى فيه ُ‬ ‫عز فيه ُ‬ ‫شد يُ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫المنكر يا رب العالمين‪.‬‬ ‫فيه بالمعروف ‪ ،‬ويُ َنهى عن ُ‬
‫ور َّد كي َده في نح ِر ِه ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫ٍ ِ‬
‫اإلسالم والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫أراد‬
‫اللهم من َ‬
‫الس ِ‬
‫وء عليه يا رب العالمين‪.‬‬ ‫دائر َة َّ‬
‫جاهدين في سبيلك في فلسطين ‪ ،‬وفي بالد الشام ‪ ،‬وفي كل ٍ‬
‫مكان يا رب‬ ‫اللهم انصر الم ِ‬
‫ُ ُ‬
‫عدوهم‪.‬‬ ‫صارهم ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهم ‪ ،‬واكبِت َّ‬ ‫العالمينـ ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫حرر المسج َد األقصى من ظُلم الظالمين ‪ ،‬وعُدوان ُ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫أحوال المسلمين في كل‬
‫َ‬ ‫أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح‬ ‫َـ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫الحق والهدى ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫احقن‬ ‫اجمعهم على ِّ‬ ‫ِ‬
‫مكان ‪ ،‬اللهم أصلح أحوالَهم في سوريا ‪ ،‬اللهم َ‬
‫‪809‬‬
‫سورة الصافات‬
‫‪810‬‬
‫سورة هود‬
‫‪577‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعراضهم ‪ ،‬واربِط‬
‫َ‬ ‫وس َّد َخلَّتهم ‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهم ‪ ،‬واح َفظ‬ ‫دماءهمـ ‪ ،‬وآمن روعاتهم ‪ُ ،‬‬
‫صارهم ‪،‬‬ ‫على قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت أقدامهمـ ‪ ،‬وانصرهمـ على من بغَىـ عليهم ‪ ،‬اللهمـ فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فرجك القريب‪.‬ـ‬‫اللهم َ‬
‫للبر والتقوى ‪،‬‬
‫وخذ به ِّ‬ ‫تحب وترضى ‪ُ ،‬‬ ‫خادم الحرمين الشريفين لما ُّ‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي أمرناـ َ‬
‫صالح العبادـ والبالد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اللهم وفِّقه ونائبَهـ وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه‬
‫أنعمت به من شفاء خادم الحرمين الشريفينـ ‪ ،‬اللهمـ أتِ َّم عليه‬
‫َ‬ ‫اللهم لك الحم ُد على ما‬
‫ِ‬
‫المسلمين لتحكيم‬ ‫لباس الصحة وتمام الشفاء ‪ ،‬اللهم وفِّق ُوالةَ أمور ُ‬
‫عافيتك ‪ ،‬وألبسه َ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬اللهمـ اجعلهم رحمةً على‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫شرعك ‪ ،‬واتباع سنة نبيِّك‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫عبادك ُ‬
‫شر األشرار ‪ ،‬وكي َد‬ ‫ِ‬
‫واكفنا َّ‬ ‫المسلمين ‪،‬‬ ‫والرخاء في بالدنا وبالد ُ‬ ‫َ‬ ‫األمن‬
‫شر َـ‬ ‫اللهم ان ُ‬
‫وشر طوا ِرق الليل والنهار‪.‬‬ ‫ال ُف َّجار ‪َّ ،‬‬
‫اب النَّا ِر (‪َ ﴿ ، 811 ﴾ )201‬ر َّبنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬ ‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬ ‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ِ ِ‬ ‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَاـ ِفي َْأم ِرنَا َو َثبِّ ْ‬ ‫ِ‬
‫ص ْرنَاـ َعلَى الْ َق ْوم الْ َكاف ِر َ‬
‫‪812‬‬
‫ين (‪﴾ )147‬‬ ‫ت َأقْ َد َامنَا َوانْ ُ‬ ‫ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫‪.‬‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬اللهم اغفر‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪ .‬اللهم إنا نسألُك ِرضاك‬ ‫ِ‬
‫ووالديهم وأزواجنا وذُ ِّرياتناـ ‪ ،‬إنكـ‬ ‫لنا ولوالدينا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫نستغف ُر اهلل‬ ‫والجنةَ ‪ ،‬ونعوذُ بك من س َخطك ومن النار ‪ ،‬اللهم اجعلنا من عُتقاِئكـ من النار‪.‬‬
‫ونتوب إليه‪.‬‬ ‫القيوم‬ ‫الحي‬
‫نستغف ُـر اهلل الذي ال إله إال هو َّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نستغف ُـر اهلل ‪،‬‬ ‫‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الغيث وال تجعلنا من‬ ‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغنيـ ونحن الفقراءـ ‪ ،‬أن ِزلـ علينا َ‬
‫طب ًقا ُمجلِّالً ‪ًّ ،‬‬
‫عاما‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫القانِطينـ ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫سحا َ‬‫أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬
‫للحاضر والب ِ‬
‫اد‪.‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫وتسقي به العباد ‪ ،‬وتجعلُه بالغًا‬‫ِ‬ ‫ضار ‪ ،‬تُحيِي به البالد ‪،‬‬ ‫غير ٍّ‬
‫َ‬ ‫نافعا َ‬
‫ً‬
‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬ال ُسقياـ‬
‫ٍ‬
‫هدم وال غرق‪.‬‬

‫‪811‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪812‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪578‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫ُأحد وبشائر النصر‬


‫عنوان الخطبة ‪ :‬غزوة ُ‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬التاسع والعشرون من صفر من عام ‪1434‬هـ‬

‫ُأحد وبشائر النصر ‪-‬‬


‫‪ -‬غزوة ُ‬

‫‪579‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬غزوة‬
‫والتأمالتـ ‪،‬‬ ‫تحدث فيها عن غزوة ُأحد وبعض الوقفات ِ‬
‫والعبَر ُّ‬ ‫ُأحد وبشائر النصر" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تتكرر في زماننا هذا وفي‬
‫ضى زمانُها؛ـ بل إن أحداثَهاـ َّ‬ ‫مجرد ٍ‬
‫قصة ذهبَت وانق َ‬ ‫وبيَّن أنها ليست َّ‬
‫المخالفاتـ ألوامر النبي ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫المسلمين التنبُّه ألحداثهاـ وترك ُ‬
‫كل زمان ‪ ،‬وينبغي على ُ‬
‫وقع فيه سلَ ُفهم‪.‬‬
‫عليه وسلم ‪ -‬لئال ي َقعوا فيما َ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل ‪ ،‬نحمده ونستعينه ونستغفرهـ ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ‬
‫ض َّل له ‪ ،‬ومن يُضلِل فال هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬ ‫أعمالنا ‪ ،‬من ِ‬
‫يهده اهلل فال م ِ‬
‫ُ‬
‫وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عبده ورسوله ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم وبارك عليه وعلى‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫آله وأصحابه والتابعين ‪ ،‬ومن تبِعهم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالى َّ‬
‫الوث َقى ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الذ َ‬ ‫حق التقوى ‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعُروةـ ُ‬
‫شو َن بِ ِه َو َي ْغ ِف ْر‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِِ ِ ِ ِ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َوآمنُوا ب َر ُسوله ُيْؤ ت ُك ْم ك ْفلَْي ِن م ْن َر ْح َمته َويَ ْج َع ْل لَ ُك ْـم نُ ً‬
‫ورا تَ ْم ُ‬ ‫َ‬
‫‪813‬‬
‫يم (‪. ﴾ )28‬‬ ‫لَ ُكم واللَّه غَ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫َْ ُ ٌ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫النفوس ‪،‬‬ ‫تضيق بها‬
‫وآالماـ ُ‬ ‫الت تاريخيَّة هائلة ‪،‬‬ ‫وتحو ٍ‬ ‫العالم اليوم أحداثًاـ ُكبرى ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫يعيش ُ‬ ‫ُ‬
‫الحليم‬
‫َ‬ ‫تسار ٍع ي َدعُ‬
‫المعت َقداتـ ‪ ،‬في ُ‬ ‫والتحوالت في النُّظم وفي ُ‬ ‫ُّ‬ ‫األرض بالفتنـ‬
‫ُ‬ ‫تموج‬
‫ُ‬
‫رحم‪ .‬ونحن أمةُ دي ٍن‬ ‫عاصم اليوم من أمر اهلل إال من ِ‬ ‫حيرانًا‪.‬ـ فتن كقطع الليل المظلِم ‪ ،‬وال ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫كتاب وسنةٌ‪.‬‬ ‫وأتباعُ رسالةـ ‪ ،‬وفي أيدينا ٌ‬
‫وخاض بهذه األمة معركةً ُكبرى‬ ‫َ‬ ‫ومعجزةُ القرآن الخالِدة‪:‬ـ أنه نزل قبل أربعة عشر قرنًا ‪،‬‬
‫ِ‬
‫الحاضرة وكأنَّما‬ ‫ش الحياة‬ ‫وتاريخ البشريَّةـ كلَّه معها ‪ ،‬ومع ذلك فهو يُعايِ ُ‬ ‫َ‬ ‫حولت تاري َخها‬ ‫َّ‬
‫صراعهم مع األحداث حولَهم‪.‬‬ ‫الراهنة ‪ ،‬وفي ِ‬ ‫يتنز ُل اليوم لتوجيه المسلمين في أحداثِهمـ ِ‬ ‫هو َّ‬
‫ُ‬
‫‪813‬‬
‫سورة الحديد‬
‫‪580‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ين (‪)137‬‬ ‫ف َكا َن َعاقِبَةُ ال ُْم َك ِّذبِ َـ‬ ‫اَأْلر ِ‬
‫ض فَانْظُُروا َك ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ قَ ْد َخلَ ْ ِ ِ‬
‫ت م ْن َق ْبل ُك ْم ُسنَ ٌن فَس ُيروا في ْ‬
‫ط ِ‬ ‫ين (‪ 814﴾ )138‬إن القرآن ليربِ ُ‬ ‫َّاس وه ًدى ومو ِعظَةٌ لِل ِ‬ ‫ِ‬
‫حاضر األمة‬ ‫ْمتَّق َ‬
‫ُ‬ ‫َه َذا َبيَا ٌن للن ِ َ ُ َ َ ْ‬
‫فيرس ُم بذلكـ ُمستقبلَها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بماضيها ‪،‬‬
‫ُ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫وقعت في شهر شوال من السنة‬ ‫ِ‬
‫ُأحد ‪ ،‬والتي َ‬ ‫تلكم اآلياتـ الماضيات نزلَت في معركة ُ‬
‫شهم‬ ‫المشركين أرادوا االنتقام لهزيمتِهم في بد ٍر ‪ ،‬فح َ‬
‫شدوا جي َ‬ ‫الثالثة من ال ِهجرة؛ وذلك أن ُ‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ثالثة آالف ُم ٍ‬
‫قاتل على أطراف المدينة ‪ ،‬واستشار ُّ‬
‫ألحوا على الخروج ‪ ،‬فخرج‬ ‫لكن كثيرين ُّ‬ ‫التحصن في المدينةـ ‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫أصحابَه ‪ ،‬وكان يُريد‬
‫المنافِقين بتخذيل‬‫رأس ُ‬ ‫سبعمائة من أصحابه بعد أن قام ُ‬ ‫ٍـ‬ ‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في‬
‫الناس والرجوع ُبثلُث الجيش ‪ ،‬فنزل النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬بمن ِبق َي معه عند‬
‫يبرحوا مواقِ َعهم‪.‬‬ ‫وأمرهمـ أال َ‬
‫الرماةَـ على ُمرتف ٍع َ‬
‫ُأحد ‪ ،‬وجعل ُّ‬ ‫جبل ُ‬
‫المش ِركون وس َقط‬ ‫ودارت رحا المعركة ‪ ،‬وانتصر المسلمون في ِ‬
‫فر ُ‬ ‫بادئ األمرـ ‪ ،‬حتى َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫المش ِركون‬ ‫األمر انتهى ‪ ،‬ثم َّ‬
‫التف ُ‬ ‫فنزلوا من الجبل يظنُّون َـ‬ ‫الرماة َ‬‫بعض ُّ‬‫واستعجل ُ‬
‫َ‬ ‫لواُؤ هم ‪،‬‬
‫وشجوا‬
‫ُّ‬ ‫خلفهمـ ‪ ،‬فقتلُوا سبعين من ِخيار الصحابة المؤمنين ‪،‬‬ ‫وكروا على المسلمين من ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫وكسروا رباعيَّته ‪ ،‬وأشاعُوا أنهم قتَلوا النبي ‪ -‬صلى‬ ‫رأس النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ -‬‬ ‫َ‬
‫وألما شدي ًداـ ‪ ،‬وهزيمةً‬ ‫فأوقع ذلك في قلوب المؤمنين ُحزنًاـ عمي ًقا ‪ً ،‬‬ ‫َ‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪، -‬‬
‫سارا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وانك ً‬
‫فنادى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫سيقصدون المدينةَ ‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫المش ِركون أنهم‬ ‫أشاع ُ‬
‫ثم َ‬
‫الجراحاتـ ‪ ،‬ون َفروا‬ ‫الجرحىـ والم َنهكين المصابِين ‪ ،‬فاستجابوا للنداء على ما بِهم من ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خذلين‪.‬‬ ‫للم ِّ‬
‫العدو ولم يأبَهواـ ُ‬
‫ناجذة العدو ‪ ،‬وص َدقوا مع ِّ‬ ‫لم َ‬ ‫ُ‬
‫وانكسارات ‪،‬‬ ‫كاسات ِ‬ ‫ف وبطوالت ‪ ،‬وانتِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫مقاالت وعبارات ‪ ،‬ومواق ُ ُ‬ ‫ٌـ‬ ‫وص َد َرت خالل ذلك‬
‫ونزل في هذه الواقِعة قرآ ٌن يُتلَى إلى يوم القيامةـ ‪ ،‬ستون آيةً من سورة آل عمران ليست‬
‫ٍ‬
‫المسلمين‬ ‫يعيش قا ِرَئها تلك األحداثـ ‪ ،‬ويرى ُ‬ ‫وانتهت ‪ ،‬وإنما ُ‬‫ضت َ‬ ‫لواقعة م َ‬ ‫تأريخ‬
‫مجرد ٍ‬
‫‪814‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪581‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫بالفرية ُّ‬
‫والشبهةـ ‪،‬‬ ‫ومن حولهم أعداُؤ همـ يتربَّصون بهم ‪ ،‬ويبيِّتون لهم ‪ ،‬ويلقون بينهم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أمامهم ‪ ،‬ثم‬ ‫ويجمعون لهم ‪ ،‬ويل َقونهم في الميدان ‪ ،‬وينه ِزمون َ‬ ‫َ‬ ‫ويتحاقَدون عليهم ‪،‬‬
‫يك ُّرون عليهم فيُوقِعون بهم‪ .‬فما أشبهَ الليلة بالبا ِرحة‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫ْك اَأْليَّام نُ َدا ِولُهاـ بين الن ِ ِ‬ ‫ح ِم ْثلُهُ َوتِل َ‬
‫َّاس َولَي ْعلَ َم اللَّهُ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ُ‬ ‫س الْ َق ْو َم َق ْر ٌ‬‫ح َف َق ْد َم َّ‬‫س ْس ُك ْم َق ْر ٌ‬ ‫ِإ‬
‫﴿ ْن يَ ْم َ‬
‫ص اللَّهُ الَّ ِذ َـ‬ ‫ِ‬ ‫َّخ َذ ِم ْن ُكم ُش َه َداء واللَّهُ اَل ي ِح ُّ ِ ِ‬ ‫الَّ ِذين آمنُوا ويت ِ‬
‫آمنُوا‬ ‫ين َ‬ ‫ين (‪َ )140‬وليُ َم ِّح َ‬ ‫ب الظَّالم َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ََ‬
‫معادن النفوس وطباِئع‬ ‫ف ِ‬ ‫الشدة والر َخاء ِ‬ ‫ِ‬
‫تكش ُ‬ ‫ين (‪ . 815﴾ )141‬إن تعاقُب َّ‬ ‫َويَ ْم َح َق الْ َكاف ِر َ‬
‫الث َقة فيها باهلل أو ال ُقنوط‪.‬‬ ‫القلوب ‪ ،‬ودرجة الهلَع فيها والصبر ‪ ،‬وم َدى ِّ‬
‫ضت حكمةُ اهلل‬ ‫ث عنها ‪ ،‬وقد اقت َ‬ ‫عنيفة تع ِز ُل الخبَ َ‬ ‫ات ٍ‬ ‫برج ٍـ‬
‫صاب َّ‬ ‫وإن من مصلَحة األمةـ أن تُ َ‬
‫ين َعلَى َما َأْنتُ ْم َعلَْي ِه َحتَّى يَ ِم َيز‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُأحدـ ‪َ ﴿ ،‬ما َكا َن اللَّهُ ليَ َذ َر ال ُْمْؤ من َ‬ ‫التمحيص في ُ‬ ‫ُ‬ ‫يقع هذا‬ ‫أن َ‬
‫ب (‪. 816﴾ )179‬‬ ‫ب َو َما َكا َن اللَّهُ لِيُطْلِ َع ُك ْـم َعلَى الْغَْي ِ‬ ‫يث ِم َن الطَّيِّ ِ‬
‫الْ َخبِ َ‬
‫خطُئ ‪ ،‬وميزا ٌن ال يظلِم ‪.‬‬ ‫محك ال ي ِ‬
‫الشدةـ والرخاء ٌّ ُ‬ ‫ب َّ‬ ‫ومداولةُـ األيام ‪ ،‬وتعاقُ ُ‬ ‫ُ‬
‫يستغلُّون‬‫ِ‬ ‫ش َفتـ عورةُ المنافِقين ‪ ،‬وظهر أثرهمـ كما هو في كل ٍ‬
‫زمان ‪،‬‬ ‫ُأحد انك َ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وفي معركة ُ‬
‫الصفوف ‪ ،‬وإشاعة ال َخ َور ‪ ،‬مع إثارة الفتنـ‬ ‫لبلبلَة القلوب ‪ ،‬وخلخلَة ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أوقات الضعف َ‬
‫بدءا بعقيدتهـ وقِيَمه ‪ ،‬حتى يستسلِم لألقوياء‬ ‫المسلم ‪ً ،‬‬ ‫المجتمع ُ‬
‫ِ‬
‫والشبُهاتـ َلهدم كيان ُ‬ ‫ُّ‬
‫الغالِبين‪.‬‬
‫وتحررا من تمييع ِ‬
‫القيَم‬ ‫وتمييزا للصفوف ‪،‬‬ ‫تمحيصا للنفوس ‪،‬‬ ‫آثار المعركةـ‬
‫ُّ ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وكانت ُ‬
‫ووضوح ِسماتِهم‪.‬‬ ‫المنافِقين‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫وتأرجح المشاعر؛ وذلك بتميُّز ُ‬
‫ُ‬
‫رجعوا إلى المدينة وتخلَّوا عن نُصرة‬ ‫ِئ‬
‫ُأبي في التأثير على ُثلُث الناس حتى َ‬‫ابن ٍّ‬
‫نجح ُ‬
‫ول ن َ‬
‫أعباء الدينـ ‪،‬‬ ‫حملَت َ‬ ‫صم َدت صفوةٌ نقيَّةٌ ‪َ ،‬‬ ‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬فلقد َ‬
‫اه ُدوا اللَّهَ َعلَْي ِه فَ ِم ْن ُه ْم َم ْن‬
‫ص َدقُوا َما َع َ‬ ‫وصاب َرت ‪ِ ﴿ ،‬ر َج ٌ‬
‫ال َ‬ ‫وصب َرت َ‬ ‫وأنف َقت وقاَتلَت ‪َ ،‬‬
‫ضى نَ ْحبَهُ َو ِم ْن ُه ْم َم ْن َي ْنتَ ِظ ُر َو َما بَ َّدلُوا َت ْب ِدياًل (‪. 817﴾ )23‬‬
‫قَ َ‬

‫‪815‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪816‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪817‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪582‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وبمثل بُطولتهم وثباتِهمـ‬


‫ِ‬ ‫مصير اإلسالم في أول الزمانـ ‪،‬‬ ‫هادهم وتضحياتِهم ِ‬
‫بج ِ‬‫ِ‬
‫ظ اهلل َ‬ ‫حف َ‬
‫وجود اإلسالم في آخر الزمان‪.‬ـ‬
‫َ‬ ‫وصب ِرهم يحف ُ‬
‫ظ اهلل‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ينصر نبيَّه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ودينَه‬ ‫قادرا على أن ُ‬ ‫لقد كان اهلل ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ً -‬‬
‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫كد من المؤمنين وال ٍ‬
‫عناء ‪،‬‬ ‫أعداءهم بال ٍّ‬ ‫اللحظة األولى ‪ ،‬وأن يُهلِك‬ ‫ِ‬ ‫وأولياءه منذ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫راشدةً على ما ِ‬
‫تحملُه‬ ‫اهلل تعالى أراد تربيةَ المسلمين ليبتلَوا ‪ ،‬ولي ُقودوا البشريَّةَ قيادةً ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وانحراف‪.‬‬ ‫ونز ٍـ‬
‫وات‬ ‫ٍـ‬
‫شهوات َ‬ ‫البشريةُـ من‬
‫وصبرا على الشدائد ‪َ ﴿ ،‬ذلِ َ‬
‫ك‬ ‫ً‬ ‫تقتضي صالبةً في الدينـ ‪ ،‬وثباتًاـ على الحق ‪،‬‬ ‫وهذه القيادةُ ِ‬
‫ص َر ِم ْن ُه ْم َولَ ِك ْن لِيَْبلَُو َب ْع َ‬
‫ض ُك ْم بَِب ْع ٍ‬ ‫شاءُ اللَّهُ اَل ْنتَ َ‬
‫‪818‬‬
‫االبتالء‬
‫ُ‬ ‫اهلل؛‬ ‫ة‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫س‬
‫ُ‬ ‫هذه‬ ‫ض (‪﴾ )4‬‬ ‫َولَ ْو يَ َ‬
‫قبل التمكين‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫انتهت‬ ‫ذك ُر اهلل بالمعركة التي َ‬ ‫ُأحد؛ يُ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫اآليات في ِ‬ ‫وقبل أن ِ‬
‫عرض المواقف في معركة ُ‬ ‫ُـ‬ ‫تمضي‬
‫وتحمل أسبابـ‬ ‫وازنة ُّ‬ ‫للم َ‬ ‫بالنصر ‪ ،‬وهي معركةُ بد ٍر ال ُكبرىـ ‪ ،‬لتكون هذه أمام تلك مجاالً ُ‬
‫صبِ ُروا َوَتَّت ُقوا َويَْأتُو ُك ْم ِم ْن َف ْو ِر ِه ْم َه َذا يُ ْم ِد ْد ُك ْم َربُّ ُك ْم‬
‫الهزيمةـ ‪َ ﴿ ،‬بلَى ِإ ْن تَ ْ‬ ‫النصر وأسبابـ َ‬
‫ين (‪. 819﴾ )125‬‬ ‫ف ِمن الْماَل ِئ َك ِـة م ِ‬ ‫بِ َخمس ِة آاَل ٍ‬
‫س ِّوم َ‬
‫َُ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫الصبر والتقوى بكل معانيهاـ ومعالِ ِمها ‪ ،‬وذلكم‬ ‫ُ‬ ‫صبِ ُروا َوَتَّت ُقوا (‪ ﴾ )125‬إنه‬
‫‪820‬‬
‫﴿ َبلَى ِإ ْن تَ ْ‬
‫سر النصر‪.‬‬ ‫هو ُّ‬
‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫س أهل الكتاب ‪،‬‬ ‫حذ ُر اهلل من دساِئ ِ‬
‫وفي ُسورة آل عمران وفي غمرة التوجيهات واللََّفتاتـ يُ ِّ‬
‫الركون إلى الكافِرين أو‬
‫حذ ُر اهلل من ُّ‬‫اليهود ‪ ،‬ويُ ِّ‬
‫ُ‬ ‫ولم يكن يُجا ِو ُرهم في المدينة إال‬

‫‪818‬‬
‫سورة محمد‬
‫‪819‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪820‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪583‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الصراع بين العقيدةـ اإلسالمية‬ ‫ب ِّ‬ ‫صو ُر جانِبًا من جوانِ ِ‬ ‫ونصف السورة األول يُ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫طاعتِهم ‪،‬‬
‫ناظ ُرهم ‪ ،‬ويُحا ِو ُرهم ُّ‬ ‫حاج أهل الكتابـ وي ِ‬ ‫ِئ‬
‫ويرد ُشبُهاتهم‪ .‬وهو ليس‬ ‫ُ‬ ‫المنح ِرفة ‪ ،‬ويُ ُّ َ‬ ‫والعقا د ُ‬
‫المسلمين وأعداِئهمـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِجدالًـ نظريًّا‬
‫ب من المعركة الكبيرة الشاملةـ بين ُ‬ ‫فحسب؛ إنما هو جان ٌ‬ ‫ُ‬
‫كل األسلِحة َّ‬
‫وكل‬ ‫ويستخدمون في حربِهم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ويتحفزون من حولهم ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫صون بهم ‪،‬‬ ‫الذينـ يتربَّ ُ‬
‫ناشبةً‬‫تزال ِ‬ ‫الدساِئس والوسائلـ ‪ ،‬وفي أولِها‪ :‬زعزعةُ العقيدةـ ‪ ،‬وهي ذاتُهاـ المعركةُ التي ما ُـ‬
‫المسلمين وأعداِئهم‪.‬ـ‬ ‫إلى هذه اللحظة بين ُ‬
‫سارعة إلى الجنة ‪ ،‬وتطهير النفوس‬ ‫والم َ‬‫ويأم ُر بالتقوى ُ‬ ‫الربا ُ‬ ‫حذ ُر اهللُ من ِّ‬ ‫وفي ثنايا اآليات يُ ِّ‬
‫ث على الصدقة والعفو ‪،‬‬ ‫ويح ُّ‬
‫والشهوات ‪ُ ،‬‬ ‫وتقوية القلوب ‪ ،‬والسيطرة على األهواء َّ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ين ي ْن ِف ُقو َن فِي َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ظ‬‫ين الْغَْي َ‬ ‫الس َّراء َوالض ََّّراء َوالْ َكاظم َ‬ ‫والتسامح واإلحسان ‪ ﴿ ،‬الَّذ َـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الو ِّد‬
‫وإشاعة ُ‬
‫ين (‪. 821﴾ )134‬‬ ‫ِِ‬ ‫َّاس َواللَّهُ يُ ِح ُّ‬
‫ين َع ِن الن ِ‬ ‫َوال َْعافِ َـ‬
‫ب ال ُْم ْحسن َ‬
‫والمبادئ ‪ ،‬والذين تولَّوا يوم الت َقى‬ ‫ِ‬ ‫تنتصر في ِ‬
‫القيَم‬ ‫الحروب إال حين ِ‬ ‫ِ‬ ‫تنتص ُر في‬‫فالنفس ال ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫انتصروا في‬ ‫ُأحدـ إنما استزلَّهمـ الشيطا ُن ِ‬ ‫ِ‬
‫كسبُوا من الذنوب ‪ ،‬والذينـ َ‬ ‫ببعض ما َ‬ ‫الجمعان في ُ‬ ‫َ‬
‫معا ِرك العقيدةـ وراء أنبياِئهم هم الذينـ بدُؤ وا المعركةَـ باالستِغفار من الذنوبـ ‪ ،‬وااللتِجاء إلى‬
‫ِ‬
‫المعاصي‪.‬‬ ‫اهلل ‪ ،‬والتطهُّر من‬
‫درس عمي ٌق يتعلَّ ُم منه‬ ‫ِئ ِ‬ ‫ولعل ما ترتَّب على ِعصيان ُّ ِ‬
‫ُأحد ٌ‬ ‫الرماةـ ألمرـ الرسولـ القا ـد في معركة ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ٍـ‬
‫أمر واح ٌد ويغل ُ‬ ‫مواجهة قيمةَ الطاعة ‪ ،‬وأن الجماعةَ التي ال يح ُك ُمها ٌ‬ ‫كل‬
‫المسلمون في ِّ‬ ‫ُ‬
‫واجهة ‪ ،‬ما‬ ‫معركة ‪ ،‬ولن تُفلِح في م ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تنجح في‬ ‫أفرادهاـ وطواِئِفها‬ ‫على ِ‬
‫َ ُ‬ ‫النزاعات الفرديةـ لن َ‬ ‫ُـ‬
‫ص ُفوفِها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫دةـ ‪ ،‬وما لم تُ ِ‬ ‫واح ٍ‬ ‫جهة ِ‬ ‫دةـ و ِو ٍـ‬ ‫واح ٍ‬ ‫رغبة ِ‬ ‫لم تت َِّفق على ٍ‬
‫يحص ُل في ُ‬ ‫كل ُشذوذ ُ‬ ‫خم ْد َّ‬
‫َأص َاب ْت ُك ْم‬
‫األمور قال اهلل لهم‪ََ ﴿ :‬أولَ َّما َ‬ ‫ُ‬ ‫المسلِمون للكا ِرثةـ التي قلَبَت عليهم‬ ‫ش ُ‬
‫ِ‬
‫ولما ُده َ‬
‫َأص ْبتُ ْم ِم ْثلَْي َها ُقلْتُ ْم َأنَّى َه َذا قُ ْل ُه َو ِم ْن ِع ْن ِد َأْن ُف ِس ُك ْـم ِإ َّن اللَّهَ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير (‬
‫ُمصيبَةٌ قَ ْد َ‬
‫ِ‬
‫‪. 822﴾ )165‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬

‫‪821‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪822‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪584‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫صلتَهم بربِّهمـ ‪ ،‬وثَِقتَهمـ ِ‬
‫بوعده‬ ‫يفقدون ِ‬‫سبيل اهلل فإنهم ال ِ‬‫المؤمنين مهما أصابَهم في ِ‬ ‫إن ُ‬
‫ينص ُرهم ويُؤيِّ ُدهم ويُعلِيهم‬
‫لجنده بأنهم هم الغالبون ‪ ،‬وأن لن يخ ُذلَهم؛ بل سوف ُ‬
‫ِ‬ ‫الصادق ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ظف ُرهمـ بأعداِئهمـ ‪ ،‬ويُظ ِه ُرهمـ عليهم‪.‬‬ ‫وي ِ‬
‫ُ‬
‫ُأصيب في‬ ‫آثارا غاِئرةً في نفس النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬؛‬ ‫ولقد تر َكت معركةُ ٍ‬
‫َ‬ ‫ُأحد ً‬ ‫ُ‬
‫تسيل على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رأسه ‪ ،‬فلم َتزل دماُؤ ه الزكيَّةُ ُ‬ ‫وجهه ‪ ،‬و ُش َّج ُ‬ ‫ِح ُ‬ ‫وجر َ‬ ‫بدنه إذ ُكس َرت سنُّه ‪ُ ،‬‬
‫يقع‬ ‫الطاهرـ حتى ُأح ِرقَت قطعةٌ من حصي ٍر ِ‬ ‫وجهه ِ‬
‫جعل ُ‬ ‫العطش حتى َ‬ ‫ُ‬ ‫فُألص َقت به ‪ ،‬وأجه َدهـ‬
‫أعز الناس عليه‬ ‫أودع في س ْف ِح الجبل سبعين رجالً من ِّ‬ ‫ِ‬
‫وُأصيب في أتباعه؛ إذ َ‬ ‫َ‬ ‫كبت ْيه ‪،‬‬
‫على ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ددت أني غُ ِ‬ ‫وأقربِهم إلى قلبِه ‪ ،‬وهو يقول‪ " :‬أما ِ‬
‫َأص َحابِي بِحض ِن َ‬
‫الجبَ ِل "‬ ‫رت مَ َع ْ‬ ‫ود ُ‬ ‫واهلل ل ِو ُ‬
‫‪.‬‬
‫ِّل‬
‫ومث َ‬ ‫وج ِد َ‬
‫ع أن ُفهـ ُ‬
‫ِ‬
‫فوقف عليه وقد بُقر بطنُه ُ‬ ‫َ‬ ‫عمه حمزة ‪،‬‬ ‫وُأصيب في أهلِه؛ حين ُأخبِ َر بمقتل ِّ‬ ‫َ‬
‫إلي من هذا " ‪.‬‬‫أغي َّ‬ ‫ُ ُّ ِ‬ ‫به ‪ ،‬فك ِر َه أن ينظَُر إليه وقال‪ " :‬ما‬
‫وقفت قط موق ًفا َ‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫ُ‬ ‫وعاد‬
‫َ‬ ‫مسح األحزا َن العا ِرضة ‪،‬‬
‫ث أن َ‬ ‫التسليم هلل لم يلبَ ْ‬
‫َ‬ ‫َب ْي َد أن‬
‫نفوسهم ما يملؤها‬ ‫نزل بهم ‪ ،‬ويس ُكب من إيمانِهـ على ِ‬ ‫ف ما َ‬ ‫خف ُ‬‫يتفق ُد أصحابَه ‪ ،‬ويُ ِّ‬ ‫وسلم ‪َّ -‬‬
‫ُ‬
‫ضا عن اهلل ‪ ،‬واستِكانةً لقضاِئه‪.‬ـ‬ ‫عزاء و ِر ً‬
‫ً‬
‫المش ِركون ‪ ،‬قال‬ ‫ُأحد وانك َفأـ ُ‬ ‫يوم ُ‬ ‫رقي ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬لما كان ُ‬ ‫الز ِّ‬ ‫عن ِرفاعة ُّ‬
‫اسَت ُووا َحتَّى ُأثْنِ َي َعلَى َربِّي َع َّز َو َج َّل " ‪،‬‬ ‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ألصحابِه‪ْ " :‬‬
‫ك الْحم ُد ُكلُّه ‪ ،‬اللَّه َّم اَل قَابِ ِ‬
‫ْت ‪َ ،‬واَل‬
‫سط َ‬ ‫ض ل َما بَ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ص ُفوفًا ‪ ،‬فقال‪ " :‬للَّ ُه َّم لَ َ َ ْ‬ ‫فصاروا خل َفه ُ‬ ‫ُ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ت ‪َ ،‬واَل ُم ْع ِط َي لِ َما َمَن ْع َ‬ ‫ض َّل لِ َم ْن َه َديْ َ‬ ‫ْت ‪ ،‬واَل م ِ‬
‫ضلَل َ َ ُ‬ ‫ي لِ َم ْن َأ ْ‬ ‫ِ‬
‫ت ‪َ ،‬واَل َهاد َ‬ ‫ضَ‬ ‫ط لِ َما َقبَ ْ‬ ‫اس َ‬ ‫بِ‬
‫َ‬
‫س ْط َعلَْينَا ِم ْن‬ ‫اع َد لِ َما َق َّربْ َ َّ‬
‫ت ‪ ،‬الل ُه ُم ابْ ُ‬
‫ت ‪ ،‬واَل مب ِ‬
‫ب ل َما َب َّع ْد َ َ ُ َ‬
‫ت ‪ ،‬واَل م َق ِّر ـ ِ‬
‫َواَل َمان َع ل َما َأ ْعطَْي َ َ ُ َ‬
‫ِ ِ‬
‫يم الَّ ِذيـ اَل يَ ُح ُ‬
‫ول َواَل‬ ‫ِ‬
‫يم ال ُْمق َ‬
‫ك ‪ ،‬اللَّه َّم ِإنِّي َأسَألُ ُـ ِ‬
‫ك النَّع َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك َو ِر ْزقِ َ‬ ‫ضلِ َ‬ ‫ك َوفَ ْ‬ ‫ك َو َر ْح َمتِ َ‬ ‫َب َر َكاتِ َ‬
‫ف ‪ ،‬اللَّ ُه َّم َعاِئ ٌذ ِم ْن َش ِّر َما َأ ْعطَْيَتنَا ‪َ ،‬و َش ِّر َما َمَن ْعَتنَا‬ ‫ك اَأْلم ـن يوم الْ َخو ِ‬
‫َأسَألُ َ ْ َ َ ْ َ ْ‬ ‫ول ‪ ،‬اللَّ ُه َّم ِإنِّي ْ‬ ‫َي ُز ُ‬
‫ِ‬
‫اج َعلْنَا‬ ‫صيَا َن َو ْ‬‫سو َق َوال ِْع ْ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ‬
‫يما َن َو َز ِّي ْنهُ في ُقلُوبنَا ‪َ ،‬و َك ِّر ْه لَْينَا الْ ُك ْف َر َوالْ ُف ُ‬ ‫ب ِإلَْينَا اِإْل َ‬ ‫‪ ،‬اللَّ ُه َّم َحبِّ ْ‬
‫ين غَْي َر َخ َزايَا َواَل‬ ‫ْح ْقنَا بِ َّ ِ ِ‬
‫الصالح َ‬
‫ين ‪ ،‬اللَّه َّم َتو َّفنَا مسلِ ِمين ‪ ،‬وَأحيِنَا مسلِ ِمين ‪ ،‬وَأل ِ‬
‫ُ َ ُْ َ َ ْ ُْ َ َ‬ ‫اش ِد َـ‬ ‫ِم َن َّ‬
‫الر ِ‬
‫اج َع ْل َعلَْي ِه ْم‬
‫ك ‪َ ،‬و ْ‬ ‫ص ُّدو َن َع ْن َسبِيلِ َ‬ ‫ك ‪َ ،‬ويَ ُ‬ ‫ين يُ َك ِّذبُو َن ُر ُسلَ َ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ‪ ،‬اللَّ ُه َّم قَات ِل الْ َك َف َرةَـ الذ َ‬
‫ِ‬
‫َم ْفتُون َ‬
‫ِ‬
‫وغيره‪.‬‬‫ين " ؛ أخرجهـ اإلمام أحمد ُ‬ ‫ْح ِّق آم َ‬ ‫ك ِإلَهَ ال َ‬ ‫ِر ْج َز َك َو َع َذابَ َـ‬
‫‪585‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫يتحول‬‫ُأح ٍد؛ـ لكي ال َّ‬ ‫المؤمنين بعد ما أصابَهم في ُ‬ ‫طاب ُ‬ ‫الكريم في ِخ ِ‬ ‫ُـ‬ ‫لقد ترفَّ َق القرآ ُن‬
‫إنتاجهمـ ‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل‬ ‫ٍ‬ ‫انكسارهمـ في الميدان إلىـ قُ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ش ُّل َ‬ ‫وحسرة ت ُ‬ ‫نوط ي ُف ُّل قُواهم ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ِإ‬ ‫ِِ‬
‫ح َف َق ْد‬ ‫س ْس ُك ْم َق ْر ٌ‬ ‫ين (‪ْ )139‬ن يَ ْم َ‬ ‫‪َ ﴿ :-‬واَل تَ ِهنُوا َواَل تَ ْح َزنُوا َوَأْنتُ ُم اَأْل ْعلَ ْو َن ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُمْؤ من َ‬
‫َّاس ولِيعلَم اللَّهُ الَّ ِذين آمنُوا ويت ِ‬
‫َّخ َذ ِم ْن ُك ْم‬ ‫ح ِم ْثلُهُ َوتِل َ‬
‫َ َ ََ‬ ‫ام نُ َدا ِولُ َهاـ َب ْي َن الن ِ َ َ ْ َ‬ ‫ْك اَأْليَّ ُ‬ ‫س الْ َق ْو َم َق ْر ٌ‬‫َم َّ‬
‫ُش َه َداء واللَّهُ اَل ي ِح ُّ ِ ِ‬
‫ين (‪. 823﴾ )140‬‬ ‫ب الظَّالم َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫وإحياء عزاِئ ِمهم‬ ‫فوسهمـ ‪،‬‬ ‫وتقوية نُ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تشجيعهم‬ ‫فجمع ‪ -‬سبحانه ‪ -‬في ِخطابِه لهم بين‬ ‫َ‬
‫ضت إدالَةَ الكفارـ عليهم ‪،‬‬ ‫الح َكم ِ‬
‫الباه َرةـ التي اقتَ َ‬ ‫وذكر ِ‬ ‫وهممهم ‪ ،‬وبين حسن التع ِزية ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الرضا‬ ‫أحسن تع ِز ٍـية وألطََفهاـ ‪ ،‬وأدعاها إلى ِّ‬ ‫َ‬ ‫عمن قُتِ َل منهم في سبيلِه‬ ‫وأولياءه َّ‬
‫َ‬ ‫وعزى اهللُ نبيَّه‬ ‫َّ‬
‫يحزنوا عليهم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وأخبرهم بما نالُوه من ثوابِه‬
‫سوهم فيه ‪ ،‬وال َ‬ ‫وكرامته؛ ليُناف ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫بما قضاهُ لهم ‪،‬‬
‫وح ُدوا‬ ‫صيبة من عند أن ُف ِسهمـ ليح َذروا ‪ ،‬وأنها بقضاِئهـ وق َد ِره ليُ ِّ‬ ‫وأعلَمهم أن سبب الم ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫وأعظم خطًَرا مما‬ ‫قدرا‬ ‫غيره ‪ ،‬وسالَّهم بما أعطاهم مما هو ُّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫أجل ً‬ ‫ويتَّكلوا ‪ ،‬وال يخافُوا َ‬
‫ِ‬
‫والغنيمة‪.‬‬ ‫فاتَهم من النصر‬
‫أكبر من‬ ‫فلقد كانت حصيلةُ معركة ٍ‬
‫ُأحد ومن بعدهاـ التوجيهات ال ُقرآنيةـ بعد األحداثـ َ‬ ‫ُ‬
‫المؤمنون أن الهزيمةَ حين ت َقع؛ فإنها جا ِريةٌـ على ُسنَّة اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حصيلة النصر والغَنيمة ‪ ،‬ولقد عل َم ُ‬
‫ِ‬
‫لتمحيص‬ ‫بحكمته ِ‬
‫وعلمه‬ ‫غايات يقدِّرها اهلل ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وتفريط ‪ ،‬وأنها تُ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫يقع من تقصي ٍر‬
‫ـ ُ ُ‬ ‫حق ُق‬ ‫وفق ما ُ‬ ‫َ‬
‫وإقامة الموازين ‪ ،‬وجالء‬ ‫النفوس ‪ ،‬وتمييز الصفوف ‪ ،‬وتجلِية الحقاِئق ‪ ،‬وإقرار ِ‬
‫القيَم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ستبصرين‪.‬‬‫السنن للم ِ‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬
‫ب له‬ ‫ِ‬ ‫النصر ال يتوقَّ ُ‬
‫نصره اهللُ ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فال غال َ‬ ‫رب العالمين؛ فمن َ‬ ‫ف إال على نُصرة ِّ‬ ‫إن َ‬
‫ض َّره ُخذال ُن ِ‬
‫الخاذلين‪.‬‬ ‫من الناس ‪ ،‬ولن ي ُ‬
‫ِ‬
‫ب لَ ُك ْـم َوِإ ْن يَ ْخ ُذلْ ُك ْـم فَ َم ْن َذا‬‫ص ْر ُك ُم اللَّهُ فَاَل غَال َ‬ ‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪:‬ـ ﴿ ِإ ْن َي ْن ُ‬
‫دروس‬
‫ٌ‬ ‫ص ُر ُك ْم ِم ْن َب ْع ِد ِه َو َعلَى اللَّ ِه َفلْيََت َو َّك ِل ال ُْمْؤ ِمنُو َن (‪ . 824﴾ )160‬وفي كل هذا‬ ‫الَّذي َي ْن ُ‬
‫ِ‬
‫كل ٍ‬
‫سماء‪.‬‬ ‫أرض وتحت ِّ‬ ‫للمسلمين هذا اليوم في كل ٍ‬ ‫ِ‬
‫وعَب ٌر ُ‬
‫‪823‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪824‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪586‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أقول قولي‬ ‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪ ،‬ونفعنا بما فيهما من اآليات ِ‬
‫والحكمة ‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمنـ الرحيم ‪ ،‬ملِ ِ‬


‫ك يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه الصاد ُق األمين ‪،‬‬ ‫الملك ُّ‬
‫الحق ُ‬ ‫ُ‬ ‫شريك له‬
‫َـ‬ ‫وحده ال‬
‫صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبار َك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬ـ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ٍ‬
‫قوتَهم‬
‫وأشهرا من الزمان ‪ ،‬ليستعيدوا َّ‬ ‫ً‬ ‫الرجالـ‬
‫عشرات من ِّ‬ ‫المسلمون األوائل‬ ‫لئن تكلَّف ُ‬
‫الالحقة؛ـ فإن المسلمين في هذا الزمان استنزفوا الماليين من ِ‬
‫أرواحهم‬ ‫ويتفوقُوا في الوقائع ِ‬
‫َّ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬
‫وعقودا من أعمارهم ‪ ،‬ولم يتغيَّر حالُهم ‪ ،‬وكان الفا ِر ُق بينهم وبين سلَ ِفهم هو الفر ُق في‬ ‫ً‬
‫لهامهمـ ِ‬
‫العبَر‪.‬ـ‬ ‫تعلُّمهم الدروس واستِ ِ‬
‫خسارة يثُوبون لدينِهم ‪ ،‬ويلجُؤ ون لربِّهمـ ‪ ،‬ويُ ِحيطُون‬ ‫ٍ‬ ‫األوائلـ بعد كل‬ ‫المسلِمون‬ ‫ِئ‬
‫ُ‬ ‫ل ن كان ُ‬
‫قصون عن‬ ‫ذادون عن دينهم ‪ ،‬ويُ َ‬ ‫المسلمين اليوم يُ ُ‬ ‫بنبيِّهم ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬؛ فإن ُ‬
‫وم َدده‪.‬‬
‫حال بينهم وبين وسائل النصر َ‬ ‫شريعتِهم ‪ ،‬ويُ ُ‬
‫المسلمين خالل القرن الماضي بعد استِعمارهمـ‬ ‫بصر َك في كثي ٍر من بالد ُ‬ ‫جيل َ‬
‫ولك أن تُ َ‬
‫وأخذواـ من‬‫باب ‪َ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫وطرقُوا َّ‬‫طريق ‪َ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫جربُوا َّ‬ ‫وذهابـ شوكتِهم وحتى اليوم ‪ ،‬لقد َّ‬
‫ونبع‬
‫نوز العالَمـ ‪ُ ،‬‬ ‫والعتاد ‪ ،‬وسالَت تحت أيديهمـ ُك ُ‬ ‫َ‬ ‫وحازوا األسلِحةَ‬
‫ُ‬ ‫العلوم العصريَّة ‪،‬‬
‫أراضيهم ‪ ،‬وال‬‫وقوده‪ .‬ومع ذلك أصبحوا وال يسيل من الدماء إال دماُؤ هم ‪ ،‬وال تُجتاح إال ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ات الطواِئف في مصاِئ ِرهم‪.‬‬ ‫تتحك ُم أقلِّيَّ ُ‬
‫بالدهم َّ‬ ‫يقهر إال ِرجالُهم‪.‬ـ بل حتى في ِ‬
‫ُ َُ‬
‫يا أيها المسلمون‪:‬‬
‫لجُئكم لخالِِقكمـ ‪ ،‬وفجاِئ ُع الدهرـ‬ ‫ِ‬
‫المقاديرـ تُ ِ‬ ‫ط‬ ‫لهيب األحداثـ يسوقُكم لدينِكم ‪ِ ،‬‬
‫وسيا ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واستقوى به أوائلُكم‪.‬‬ ‫عز به سلَ ُفكم ‪،‬‬ ‫تُ ِ‬
‫ناديكم‪ :‬أن هلُ ُّموا لما َّ‬
‫َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫‪587‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫لماض ُمحافِ ٍظ ‪ ،‬وال تُبالِيـ بواق ٍع ُم ٍ‬
‫ؤلم‬ ‫تنتمي ٍ‬ ‫وقنوات ال ِ‬
‫ٌ‬ ‫إعالم‬
‫سكم؛ ففي الفضاء ٌ‬ ‫راجعوا أن ُف َ‬
‫ِ‬
‫تسيل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ،‬وفي الناس غفلةٌ ‪ِ ،‬‬
‫راحات في كل واد ُ‬ ‫ُـ‬ ‫والج‬
‫المسلمين أوجاعٌ ‪ ،‬وبهم ِجياعٌ؟! ألم َتروا أن األيام ُد َو ٌل‬ ‫ف وفي ُ‬ ‫َّر ُ‬ ‫ف والت َ‬ ‫الس َر ُ‬
‫كيف يكو ُن َّ‬
‫والدهر ُقلَّب؟!‬
‫ُ‬ ‫‪،‬‬
‫ليقوى باهلل تعلُّ ُقكمـ ‪،‬‬ ‫أسلمكم العالَ ُم َ‬ ‫غير اهلل ‪ ،‬لقد َ‬ ‫ويا أهلَنا في الشام! ل ُكم اهلل ‪ ،‬وما لكمـ ُ‬
‫الم َدد من اهلل ﴿‬ ‫صوا في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ودا َن َّ‬
‫طلب َ‬ ‫الم َدد لتُخل ُ‬ ‫ومنعُوكم َ‬ ‫ليقوى دينُكمـ ‪َ ،‬‬ ‫تحر َركم َ‬ ‫الش ْر ُق ُّ‬
‫ين (‪)128‬‬ ‫اد ِه والْعاقِبةُـ لِل ِ‬ ‫اصبِروا ِإ َّن اَأْلرض لِلَّ ِه يو ِر ُثها من ي َ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬
‫ْمتَّق َ‬‫شاءُ م ْن عبَ َ َ َ ُ‬ ‫ْ َ ُ َ َْ َ‬ ‫استَعينُوا بالله َو ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫‪825‬‬
‫﴾ ‪.‬‬
‫عدو ‪ ،‬وهو مقطوعُ‬ ‫أكثر من أي ٍّ‬ ‫أسرف طاغيةُ الشام في ِ‬
‫وأظهر عداوتَه لبلده َ‬ ‫َ‬ ‫الدم ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫لقد‬
‫السبب بالمخ ُذولين من أهل األرض ‪ ،‬وما أظهره أخيراـ من استِ ٍ‬
‫عالء‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫موصول َّ َ‬‫ُ‬ ‫السبَب باهلل‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ولكأن البِ‬ ‫ث في ِ‬ ‫وعدم م ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫شارات بنصر‬ ‫َّ‬ ‫صحوةُ الموت ‪،‬‬ ‫الشام ل ِه َي َ‬ ‫باالةـ لما يح ُد ُ‬ ‫واستقواء ِ ُ‬
‫الطيور التي طالَت‬
‫ُ‬ ‫وتعود‬
‫ُ‬ ‫الخالص تُش ِر ُق ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وشمس‬ ‫قريب في الشام ستعلُو ‪،‬‬ ‫عما ٍ‬ ‫اهلل َّ‬
‫ُ‬
‫ِهجرتُها ‪ ،‬وسيفرح المؤمنون بنصر اهلل‪ .‬وإنما الشجاعةُ صبر ٍ‬
‫ساعة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ ُ‬
‫عجل بمصارِع القوم‬ ‫عجل بمصارِع القوم الظالِمين ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫نتقم ‪ ،‬اللهم ِّ‬ ‫اللهم يا جبَّار يا م ِ‬
‫ُ ُ‬
‫قوم ُمؤمنين‪.‬‬‫واشف صدور ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ستضعفين من المظلومين ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫الم َ‬ ‫الظالمين ‪ ،‬والطُف بعبادك ُ‬
‫لغوث إخوانِهم في ُسوريا ‪ ،‬وقد َ‬
‫زاد بالُؤ هم‬ ‫بادروا ِ‬ ‫أحد أن ي ِ‬‫كل ٍ‬ ‫المسلمين قبل ِّ‬
‫ُ‬ ‫إن على ُ‬
‫السيُول ‪ ،‬كان اهلل في عونِهم‪.‬‬ ‫ف ُّ‬ ‫الثلُوج ‪ ،‬وجر ِ‬ ‫ِ‬
‫وقسوة ُّ‬ ‫ِـ‬
‫الشديد‬ ‫ِ‬
‫بالبرد‬
‫َْ‬
‫محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صل وسلِّم و ِزد وبا ِرك على عبدك ورسولِك‬ ‫اللهم ِّ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫صحابة رسولِك أجمعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬ ‫ِ‬ ‫وارض اللهم عن‬ ‫َ‬
‫دينك‬
‫انصر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والمفسدينـ ‪ ،‬اللهم ُ‬ ‫اللهم أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬واخ ُذل الطغا َة والمالحد َة ُ‬
‫المؤمنين‪.‬‬ ‫وعبادك ُ‬
‫َ‬ ‫وكتابَك وسنةَ نبيك‬
‫ؤم ُر‬ ‫ِ‬ ‫اللهم أب ِرم لهذه األمةـ أمر ر ٍ‬
‫أهل معصيتك ‪ ،‬ويُ َ‬ ‫أهل طاعتك ‪ ،‬ويُه َدى فيه ُ‬ ‫عز فيه ُ‬ ‫شد يُ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫المنكر يا رب العالمين‪.‬‬
‫فيه بالمعروف ‪ ،‬ويُ َنهى عن ُ‬

‫‪825‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪588‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ور َّد كي َده في نح ِر ِه ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫ٍ ِ‬


‫اإلسالم والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫أراد‬
‫اللهم من َ‬
‫الس ِ‬
‫وء عليه يا رب العالمين‪.‬‬ ‫دائرةَ َّ‬
‫جاهدين في سبيلك في فلسطين ‪ ،‬وفي بالد الشام ‪ ،‬وفي كل ٍ‬
‫مكان يا رب‬ ‫اللهم انصر الم ِ‬
‫ُ ُ‬
‫صارهم ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهم ‪ ،‬واكبِت َّ‬
‫عدوهم‪.‬‬ ‫العالمينـ ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫حرر المسج َد األقصى من ظُلم الظالمين ‪ ،‬وعُدوان ُ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫الحق‬
‫واجمعهمـ على ِّ‬‫َ‬ ‫أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالَهم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس َّد َخلَّتهم ‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهم ‪،‬‬ ‫والهدى ‪ ،‬اللهم احقن دماءهمـ ‪ ،‬وآمن روعاتهم ‪ُ ،‬‬
‫وانصرهم على من بغَى عليهم‪.‬‬‫ُ‬ ‫أعراضهم ‪ ،‬واربِط على قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهمـ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫واح َفظ‬
‫للبر والتقوى ‪،‬‬‫وخذ به ِّ‬ ‫تحب وترضى ‪ُ ،‬‬ ‫خادم الحرمين الشريفين لما ُّ‬ ‫ولي أمرناـ َ‬‫اللهم وفِّق َّ‬
‫ِ‬
‫الصحة وأتِ َّم‬ ‫لباس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لباس الصحة والعافية ‪ ،‬اللهم أسبغ عليه عافيَتك وألبسه َ‬ ‫اللهم أسبغ عليه َ‬
‫صالح العبادـ والبالد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الشفاء ‪ ،‬اللهم وفِّقه ونائبَه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه‬
‫َ‬ ‫عليه‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم وفِّق والةَ أمور المسلمين لتحكيم ِ‬
‫شرعك ‪ ،‬واتباع سنة نبيِّك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المؤمنين‪.‬‬ ‫وسلم ‪ ، -‬واجعلهمـ رحمةً على عبادك ُ‬
‫شر األشرار ‪ ،‬وكي َد ال ُف َّجار‪.‬‬ ‫واكفنا َّ‬ ‫ِ‬ ‫المسلمين ‪،‬‬ ‫والرخاء في بالدنا وبالد ُ‬ ‫َ‬ ‫األمن‬
‫شر َـ‬ ‫اللهم ان ُ‬
‫اب النَّا ِر (‪َ ﴿ ، 826﴾ )201‬ر َّبنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬ ‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬ ‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ِ ِ‬ ‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَاـ ِفي َْأم ِرنَا َو َثبِّ ْ‬ ‫ِ‬
‫ص ْرنَاـ َعلَى الْ َق ْوم الْ َكاف ِر َ‬
‫‪827‬‬
‫ين (‪﴾ )147‬‬ ‫ت َأقْ َد َامنَا َوانْ ُ‬ ‫ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫‪.‬‬
‫رضيك آمالنا ‪ ،‬اللهم اغفر‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ووالديهم وأزواجنا وذُ ِّرياتناـ ‪ ،‬إنكـ‬ ‫ِ‬
‫ولوالدينا‬ ‫لنا‬
‫ُ‬
‫اللهم إنا نسألُك ِرضاك والجنةَ ‪ ،‬ونعوذُ بك من س َخطك ومن النار‪.‬‬
‫اللهم أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغنيـ ونحن الفقراءـ ‪ ،‬أن ِزلـ علينا َ‬
‫الغيث وال تجعلنا من‬
‫طب ًقا ُمجلِّالً ‪ًّ ،‬‬
‫عاما‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫القانِطينـ ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫سحا َ‬‫أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬
‫للحاضر والب ِ‬
‫اد‪.‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫وتسقي به العباد ‪ ،‬وتجعلُه بالغًا‬ ‫ِ‬ ‫ضار ‪ ،‬تُحيِي به البالد ‪،‬‬
‫غير ٍّ‬
‫َ‬ ‫نافعا َ‬
‫ً‬
‫‪826‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪827‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪589‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫هدم وال غرق‪.‬‬ ‫عذاب وال ٍ‬


‫بالء وال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬ال ُسقيا‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬اإليمان واليقين والثباتـ على الدين‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس من ربيع اآلخرـ من عام ‪1434‬هـ‬

‫‪ -‬اإليمان واليقين والثبات على الدين ‪-‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬اإليمان‬
‫واليقين والثباتـ على الدين" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن اإليمان واليقين ‪ ،‬وبيَّن أنهما أعظم‬
‫ووجه برسائل مهمة لجميع العلماء‬
‫أسباب النصر والتمكين والثبات على دين اهلل تعالىـ ‪َّ ،‬‬
‫بمحاربة البدع‬ ‫للمالحدة وأصحاب الدعوات واألفكار َّ‬‫ِ‬
‫الهدامةـ ُ‬ ‫والدعاة بضرورة التصدِّي‬
‫والضالالت ‪ ،‬ونشر اإليمان بين الناس ‪ ،‬وبيان فضلِه لهم‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫‪590‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬
‫نسترش ُد‬ ‫نهتدي ‪ ،‬وبك يا ُمعين‬ ‫نبتدي وبهديِكـ ِ‬ ‫باسمكـ ِ‬
‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫تجعل إلىـ ِرضاك مصاِئَرناـ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫بصائرنا ‪ ،‬وأن‬
‫تكح َل بنور الحق َ‬ ‫ونستعين ‪ ،‬نسألُكـ أن َ‬
‫أقدامناـ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جادةـ الدين ُخطواتنا ‪ ،‬وثبَّ َّ‬
‫دت على َّ‬ ‫نحم ُدك على أن َّ‬
‫ت على صراط الحق َ‬ ‫سد َـ‬
‫ونصيره ‪،‬‬ ‫فكنت وليَّه‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بصيرة ‪ ،‬وتواَّل ك‬ ‫ونُصلِّي ونُسلِّم على نبيِّك الذي دعا إليك على‬
‫َ‬
‫المبيِّنين لشريعته‪.‬‬
‫لسنَّته ‪ ،‬وأصحابه ُ‬‫المتَّبعين ُ‬
‫وعلى آله ُ‬
‫ٍ‬
‫غاشية من الفتنة‬ ‫بنواصينا إلىـ الحق ‪ ،‬واجعل لنا في كل‬‫ِ‬ ‫ولي المؤمنين تولَّنا ‪ُ ،‬‬
‫وخذ‬ ‫اللهم يا َّ‬
‫داج ٍية من‬ ‫ِ‬ ‫السكينةـ ‪ ،‬وفي كل ِ‬
‫داه ٍ‬
‫ِّ‬
‫الشك‬ ‫الصبر ‪ ،‬وفي كل ِ‬ ‫رعا من َّ‬‫مة من البالء ِد ً‬ ‫داء من َّ‬‫ِر ً‬
‫مة من الضَّالل‬‫ناج ٍ‬
‫علما من اليقين ‪ ،‬وفي كل نا ِز ٍـلة من ال َفزع واقِيةً من الثَّبات ‪ ،‬وفي كل ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ض من‬‫راد ًعا من التقوى ‪ ،‬وفي كل عا ِر ٍ‬ ‫طائف من الهوى ِ‬ ‫نورا من الهدايةـ ‪ ،‬ومع كل ٍ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫الباطل معالِ َـم من الحق واليقين‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الشبهة الِئحا من البرهانـ ‪ ،‬وفي كل مجه ٍ‬
‫لة من‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬
‫شأ‬‫شاء كا َن وما لم ي َ‬
‫والحكم ‪ ،‬ما َ‬ ‫تفرد بالخلق ُ‬ ‫أشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ‪َّ ،‬‬
‫قلب إال وهو‬‫ضته ‪ ،‬ما من ٍ‬ ‫والخلق مقهورون تحت قب َ‬ ‫ُ‬ ‫ذرةٌ إال بإذنه ‪،‬‬
‫تتحرك َّ‬‫لم ي ُكن ‪ ،‬ال َّ‬
‫تقواها‬
‫نفوس المؤمنين َ‬ ‫ِ‬
‫شاء أزاغَه ‪ ،‬فهو الذي آتى َ‬ ‫أقامهـ وإن َ‬‫شاء َ‬
‫بين ُأصبعين من أصابعه إن َ‬
‫وأشقاها‪.‬‬ ‫جورها‬ ‫ِئ‬ ‫‪ ،‬وهو الذي هداهاـ َّ‬
‫َ‬ ‫نفوس الزا غين فُ َ‬ ‫وأله َم َ‬ ‫وزكها ‪َ ،‬‬
‫وحكمته ‪ ،‬هذا فضلُه وعطاُؤ ه ‪،‬‬ ‫ض ُّل من يشاء بعدلِهـ ِ‬‫يهدي من يشاء بفضلِه ورحمتِه ‪ ،‬وي ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يفعل وهم يُسألُون‪.‬‬
‫سأل عما ُ‬ ‫الكريم بممنون ‪ ،‬وهذا عدلُه وقضاُؤ ه ال يُ ُ‬ ‫ِـ‬ ‫فضل‬
‫وما ُ‬
‫ونصح األمةـ ‪ ،‬وتر َكنا‬
‫َ‬ ‫وأشهد أن محم ًدا عب ُد اهلل ورسولُه ‪ ،‬بلَّغ الرسالةَـ ‪ ،‬وأدَّى األمانَة ‪،‬‬
‫ِ‬
‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى‬ ‫على البيضاء ليلُها كنها ِرها ‪ ،‬ال يزي ُغ عنها إال هالك ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫ٍـ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫آله وصحبِه والتابعينـ ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ‬ ‫تعصوه ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬ ‫أمره وال ُ‬
‫ِ‬
‫فاتقوا اهلل تعالىـ وراقبُوه ‪ ،‬وأطيعُوا َ‬
‫ين (‪. 828﴾ )119‬‬ ‫و ُكونُوا مع َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫‪828‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪591‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأنزل عليه‬
‫َـ‬ ‫بعث فيها النبي محم ًدا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪، -‬‬
‫الخير َ‬
‫أراد اهلل بالبشريةـ َ‬
‫حين َ‬
‫الناس من الظلمات إلى النور‬
‫وأخرج َ‬
‫َ‬ ‫الع َمى ‪،‬‬
‫وبصر به من َ‬
‫القرآن؛ فه َدى به من الضاللة ‪َّ ،‬‬
‫تم ذلك ‪ -‬بعد توفيق اهلل ‪ -‬إال‬
‫ضت ُشعوب ‪ ،‬وما َّ‬ ‫ونه َ‬
‫وسادت ُأمم ‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫فقامت حضارةٌ ‪،‬‬ ‫‪َ ،‬‬
‫شح ُذ به الطاقاتـ ‪ ،‬وداف ٍع َّ‬ ‫ٍ‬
‫قود اإليمان ‪،‬‬ ‫تتغذى به ال ِه َم ُم َ‬
‫وتقوى اإلرادات؛ إنه َو ُ‬ ‫َبوقود تُ َ‬
‫ودافع العقيدة‪.‬‬
‫ُ‬
‫وج ٌّد وبِناء ‪،‬‬ ‫تعرف الدنياـ مثلَه ‪ ،‬وحضارةٌ لم يهنَأ العالَم بمثلِها ‪ ،‬عمل ِ‬ ‫إيما ٌن صنَع جيالً لم ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫وسع الدنياـ ‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫وعدل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وفتح للقلوب والبصائرـ ‪،‬‬ ‫و ُخلُ ٌق ِ‬
‫ومرح َمةـ ‪ ،‬وجها ٌـد ٌ‬ ‫ورق ٌّي َ‬ ‫ُ‬
‫واسيـ ‪ ،‬ونصر ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫عزم ي ُد ُّك الجبال ‪،‬‬
‫وع َّزةٌ وكرامةٌ‪ .‬إنه اإليما ُن الذي‬ ‫ٌ‬ ‫وثبات يُوا ِزي َّ‬ ‫ٌ‬ ‫كلِّه ٌ‬
‫عجزات‪.‬ـ‬ ‫يصنع الم ِ‬
‫ُ ُ‬
‫وعتا ٌد ال طاقةَ‬ ‫والتصورات ‪ ،‬واإليما ُن واليقين أسلحةٌ ال قِبَ َل لجيُوش األرض بها ‪َ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫العقاِئ ُـد‬
‫صابُِرو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جاء في ُمح َكم التنزيل‪ِ ﴿ :‬إ ْن يَ ُك ْن م ْن ُك ْم ع ْش ُرو َن َ‬ ‫واج َهته ‪ ،‬وقد َ‬ ‫بم َ‬ ‫للمحا ِربين ُ‬ ‫ُ‬
‫القلب ال تُقا ِو ُمهـ العُ َد ُد وال‬ ‫بشيء و َق َر في ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ومعلوم أن غلبَتَهم‬ ‫‪829‬‬
‫َي ْغلِبُوا ِماَئ َت ْي ِن (‪﴾ )65‬‬
‫ٌ‬
‫الع َد ُد‪.‬ـ‬
‫َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫جرد ٍ‬
‫كلمة‬ ‫أظهر ‪ ،‬واإليما ُن ليس ُم َّ‬ ‫وأفضل ما َ‬ ‫ُ‬ ‫أضمر اإلنسا ُن ‪،‬‬ ‫خير ما َ‬ ‫اإليما ُن الصاد ُق ُ‬
‫وانقيا ٌد ألمره ‪ِ ﴿ ،‬إنَّ َما‬ ‫بجالل اهلل ‪ ،‬و ُخشوعٌ لعظَمته ‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫إحساس‬
‫ٌـ‬ ‫تُقالـ ‪ ،‬ولكنَّه مع ذلكـ‬
‫يمانًاـ (‪)2‬‬ ‫اد ْت ُه ْم ِإ َ‬
‫ت َعلَْي ِه ْم آيَاتُهُ َز َ‬ ‫وب ُه ْم َوِإذَا تُلِيَ ْ‬
‫ت ُقلُ ُ‬ ‫ين ِإذَا ذُكِ َر اللَّهُ َو ِجلَ ْ‬ ‫ال ُْمْؤ ِمنُو َن الَّ ِذ َـ‬
‫﴾‪. 830‬‬
‫وشفاءٌ من كل‬ ‫حي ‪ِ ،‬‬ ‫اإليما ُن ِ‬
‫وضمير ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫ستقيم ‪،‬‬
‫وعقل ُم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وصفات كريمةٌ ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مشاع ُر نبيلة ‪،‬‬
‫ب ِإلَْي ُك ُـم اِإْل َ‬
‫يما َن َو َز َّينَهُ‬ ‫ِ‬
‫وعمل ‪َ ﴿ ،‬ولَك َّن اللَّهَ َحبَّ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِعلَل النفوس وأدواِئهاـ ‪ ،‬اإليما ُن تصدي ٌق‬
‫ِ‬
‫صيَا َن (‪. 831﴾ )7‬‬ ‫سو َق َوال ِْع ْ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ‬
‫في ُقلُوب ُك ْم َو َك َّر َه لَْي ُك ُـم الْ ُك ْف َر َوالْ ُف ُ‬

‫‪829‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪830‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪831‬‬
‫سورة الحجرات‬
‫‪592‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫النفوس على الن ُّْب ِل‬


‫َ‬ ‫يطبع‬
‫لو ُ‬ ‫يقين يس ُك ُن األعما َق ‪ ،‬ومعرفةُ اهلل لها ذو ٌق ُح ٌ‬ ‫اإليما ُن ٌ‬
‫ومسارعةٌ إلى مرضاتِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والتسامي ‪ ،‬ويُ ِّ‬
‫النفوس من َك َدرها ‪ ،‬إنه شو ٌق إلى اهلل ‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫صفي‬
‫والركون‬ ‫إيمان فوق الطُّمأنينة باهلل ُّ‬ ‫وأي ٍ‬ ‫رورا ‪ُّ ،‬‬ ‫نورا ‪ ،‬ويمُأل‬
‫الصدور ُس ً‬
‫َ‬ ‫القلب ً‬
‫َ‬ ‫اإليما ُن ين َف ُح‬
‫وامتالء القلب به وحده دون ِسواه؟‬ ‫ِ‬ ‫إليه ‪،‬‬
‫وألينُها من اتَّ َخذ اهللَ وح َده‬ ‫وأقومها وأرقُّها ‪ ،‬وأص َفاها وأقواها َ‬ ‫ُ‬ ‫وأسلمها ‪،‬‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القلوب‬ ‫أصح‬
‫ُّ‬
‫َأسلَ َم َو ْج َههُ لِلَّ ِه‬ ‫إلهاـ ومعبودا ‪ ،‬وأخلص القلب له دون ِسواه ‪ ﴿ ،‬ومن َأح ِ ِ‬
‫س ُـن دينًا م َّم ْن ْ‬ ‫ََ ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ً‬ ‫ً‬
‫َو ُه َو ُم ْح ِس ٌن (‪. 832﴾ )125‬‬
‫عمن ِسواه ‪ ،‬وال ُخضوع إلرادتِه ‪،‬‬ ‫وإعراضه َّ‬
‫ُ‬ ‫إقبال ِ‬
‫العبد بكلِّيَّته على اهلل‬ ‫الوجه هلل هو ُ‬ ‫ِ‬ ‫وإسالم‬
‫ُ‬
‫وتمامه‪.‬‬ ‫ِئ‬ ‫ُّ‬
‫لعظمته وكبريا ه ‪ ،‬واإليما ُن بوحدانيَّتهـ وشريعته ‪ ،‬وبه يكو ُن كمال اإليمان ُ‬ ‫والتذللـ َ‬
‫ون (‪ِ )55‬إنِّي‬ ‫نبي اهلل هودا يقول ِ‬
‫لقومه‪ ﴿ :‬فَ ِكي ُدونِيـ ج ِميعا ثُ َّم اَل ُت ْن ِظر ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ً‬ ‫جعل َّ ُ ً‬ ‫اإليما ُن َ‬
‫ْت َعلَى اللَّ ِه َربِّي َو َربِّ ُك ْم (‪. 833﴾ )56‬‬ ‫َت َو َّكل ُ‬
‫وتراءى‬
‫َ‬ ‫شه ‪،‬‬‫وقف موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬أمام البحر ‪ ،‬وخل َفه فرعون وجي ُ‬ ‫وحين َ‬
‫ال َكاَّل ِإ َّن َم ِع َي َربِّي َسَي ْه ِدي ِـن (‬ ‫وسى ِإنَّا لَ ُم ْد َر ُكو َن (‪ )61‬قَ َ‬
‫اب ُم َ‬ ‫َأص َح ُ‬ ‫ال ْ‬ ‫الجمعان ‪ ﴿ ،‬قَ َ‬ ‫َ‬
‫‪. 834﴾ )62‬‬
‫المش ِركين‪ " :‬يَا َأبَا‬
‫مرمىـ بصر ُ‬
‫جعل النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يقول وهو في َ‬ ‫اإليما ُن َ‬
‫ُّك بِا ْثنَي ِن اهللُ ثَالُِث ُه َما " ‪.‬‬
‫بَ ْك ٍر! َما ظن َ‬
‫نورا وإشراقًاـ ‪ ،‬وانت َفى‬ ‫اليقين إلىـ ِ‬
‫القلب امتَأل ً‬ ‫وصل‬
‫ُ‬ ‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪" :-‬ومتى َ‬
‫ضا به ‪،‬‬ ‫وغم ‪ ،‬فامتَأل محبَّةً هلل ‪ ،‬وخوفًا منه ‪ ،‬و ِر ً‬ ‫وهم ٍّ‬‫خط ٍّ‬ ‫وشك ‪ ،‬وس ٍ‬ ‫كل ٍ‬
‫ريب ٍّ‬ ‫عنه ُّ‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫وتوكالً عليه ‪ ،‬وإنابةً إليه"‪.‬‬ ‫كرا له ‪،‬‬ ‫و ُش ً‬
‫يما َش َج َر َب ْيَن ُه ْم ثُ َّم اَل يَ ِج ُدوا‬ ‫ك اَل يْؤ ِمنُو َن حتَّى يح ِّكم َ ِ‬
‫وك ف َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫وفي قول اهلل تعالى‪ ﴿ :‬فَاَل َو َربِّ َ ُ‬
‫ِ‬
‫سلِّ ُموا تَ ْسل ً‬ ‫فِي َأْن ُف ِس ِه ْـم َح َر ًجا ِم َّما قَ َ‬
‫‪835‬‬
‫التسليم‬
‫ُ‬ ‫"‬ ‫‪:-‬‬ ‫اهلل‬ ‫رحمه‬ ‫‪-‬‬ ‫قال‬ ‫يما (‪﴾ )65‬‬ ‫ت َويُ َ‬
‫ض ْي َ‬

‫‪832‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪833‬‬
‫سورة هود‬
‫‪834‬‬
‫سورة الشعراء‬
‫‪835‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪593‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ض‬‫أمر اهلل ‪ ،‬أو ُسخط يُعا ِر ُ‬ ‫ض َ‬ ‫ض اإليما َن بالخبر ‪ ،‬أو َشهوة تُعا ِر ُ‬ ‫الخالص من ُشبهة تُعا ِر ُ‬ ‫ُ‬ ‫هو‬
‫القضاء والق َدر"‪.‬‬ ‫َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وح اُألممـ ‪ ،‬وبه‬ ‫قود ال ِه َمم كما هو ُر ُ‬ ‫الرجال ‪ ،‬اإليما ُن َو ُ‬ ‫يصنع ِّ‬‫ف كما ُ‬ ‫يصنع المواقِ َ‬ ‫اإليما ُن ُ‬
‫ذرات‬ ‫بل َغ الصحابةُ ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬باإلسالم ما بلَغوا ‪ ،‬وعطََّرت سيرتُهمـ ومسيرتُهم َّ‬
‫َّاس قَ ْد‬ ‫ال لَ ُهم الن ِإ‬
‫َّاس َّن الن َ‬
‫ين قَ َ ُ ُ‬ ‫الم َحن فقال‪ ﴿ :‬الَّ ِذ َـ‬ ‫وقت ِ‬ ‫ثبات المؤمنين َ‬ ‫وصف اهللُ َ‬ ‫َ‬ ‫الكون ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يل (‪. 836﴾ )173‬‬ ‫يمانًا َوقَالُوا َح ْس ُبنَا اللهُ َون ْع َم ال َْوك ُ‬ ‫اد ُه ْم ِإ َ‬
‫ش ْو ُه ْم َف َز َ‬
‫َج َمعُوا لَ ُك ْم فَا ْخ َ‬
‫ين ِإ َذا ُدعُوا ِإلَى اللَّ ِه‬‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫سالمهمـ ألحكام الشريعة فقال‪ِ ﴿ :‬إنَّ َما َكا َن َق ْو َل ال ُْمْؤ من َ‬ ‫ووصف است َ‬
‫ك ُه ُم ال ُْم ْفلِ ُحو َن (‪. 837﴾ )51‬‬ ‫َو َر ُسولِ ِه لِيَ ْح ُك َم َب ْيَن ُه ْم َأ ْن َي ُقولُوا َس ِم ْعنَا َوَأطَ ْعنَا َوُأولَِئ َ‬
‫وجهادهم‬‫ِ‬ ‫علمهم وفق ِههم ‪،‬‬ ‫التاريخ ‪ ،‬في ِ‬ ‫َ‬ ‫صنع‬
‫بالصحابة مبلغًا َ‬ ‫ِـ‬ ‫واليقين‬
‫ُ‬ ‫لقد بل َغ اإليما ُن‬
‫قول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪﴿ :-‬‬ ‫ستيقنين َ‬ ‫وعبادتِهم ‪ ،‬وحبِّهم وتعاملهمـ ‪ ،‬وبذل مهجهم هلل ‪ ،‬م ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫س ُه ْـم َو َْأم َوالَ ُه ْم بِ َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ْجنَّةَ (‪. 838﴾ )111‬‬ ‫َأن لَ ُه ُم ال َ‬ ‫ين َأْن ُف َ‬‫ِإ َّن اللَّهَ ا ْشَت َرى م َن ال ُْمْؤ من َ‬
‫بل َغ بهم اإليمان أن أنس بن النَّضر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يقول‪" :‬والذي نفسي بيده؛ إني ِ‬
‫ألج ُد‬ ‫َ‬
‫مالك ‪ -‬راوي الحديث ‪ :-‬ونزلَت هذه اآلية‪ِ ﴿ :‬م َن‬ ‫الجنة دو َن ُأحد"‪ .‬قال أنس بن ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ريح ِ‬
‫َ‬
‫نقول‪ُ :‬أن ِزلَت هذه‬ ‫اه ُدوا اللَّهَ َعلَْي ِه (‪ 839﴾ )23‬قال‪ " :‬وكنا ُ‬ ‫ص َدقُوا َما َع َ‬ ‫ين ِر َج ٌـ‬ ‫ِِ‬
‫ال َ‬ ‫ال ُْمْؤ من َ‬
‫اآليةـ فيه وفي أصحابِه "؛ رواه مسلم‪.‬‬
‫يقول‪ " :‬بَ ٍخ بَ ٍخ؛ ليس بيني وبين الجنة إال أن‬ ‫الحمام ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ُ -‬‬ ‫وهذا عُمير بن ِ‬
‫ُ‬
‫يده‬‫بقيت حتى آ ُكل هذه التَّمراتـ إنها لحياةٌ طويلةٌ"‪ .‬ثم رمى ما في ِ‬ ‫يقتلَني هؤالء ‪ ،‬لِئن ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقاتَ َل حتى قُتِل‪.‬‬
‫عالم الشهادة‪.‬ـ‬ ‫أمامهمـ كأنَّه ُ‬ ‫عالم الغيب َ‬ ‫يقين الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ ، -‬فهم َيرون َ‬ ‫هذا ُ‬

‫‪836‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪837‬‬
‫سورة النور‬
‫‪838‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪839‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪594‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫سخ ُروا من النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪، -‬‬ ‫والمعراج ِ‬ ‫ولما علِم المش ِركون بخبر اإلسراء ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫قريش إلىـ أبي بك ٍر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪، -‬‬ ‫ِ‬
‫ناس من ٍ‬ ‫َّز ٌ‬ ‫سخروا من أم ٍر لم تبلُغه عقولُهم ‪ ،‬فتجه َ‬
‫مكة في ٍ‬
‫ليلة‬ ‫رجع إلى َّ‬ ‫ِـ‬ ‫لك في صاحبِك؟ يزعُ ُم أنه جاء إلىـ بيت‬
‫المقدس ثم َ‬ ‫فقالوا‪ :‬هل َ‬
‫قال ذلك لقد‬ ‫واحدة!ـ فقال أبو بكر‪َ :‬أوقال ذلك؟ قالوا‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فأنا أشه ُد لئن كان َ‬‫ٍ‬
‫مكةـ قبل أن يُصبِح؟‬
‫يرج ُع إلى َّ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة ثم ِ‬ ‫صدقُه في أن يأتيـ الشام في ٍ‬
‫ليلة‬ ‫صد َق‪ .‬قالوا‪ :‬فتُ ِّ‬
‫َ‬
‫بأبع َد من ذلك ‪ِّ ،‬‬
‫ُأصدقُه بخبَر السماء‪.‬‬ ‫قال‪ :‬نعم ‪ ،‬أنا ِّ‬
‫ُأصدقُه َ‬
‫قال أبو سلَمة‪ :‬فبِها ُس ِّمي "أبو بكر الصدِّيق "‪.‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫للعرب مج ٌد إال بدينِهم ‪ ،‬ولم ي ُكنـ لهم ِع ٌّز إال‬
‫ِـ‬ ‫السالِفةـ لم يُ َّ‬
‫سجل‬ ‫وعلى م َدى ال ُقرونـ َّ‬
‫الروحيَّةُـ للبشرية لهم ‪ ،‬وحين تخلَّوا عن هذه‬ ‫أراد أن تكون القيادةُ ُّ‬ ‫َّ‬
‫وكأن اهللَ َ‬ ‫بإيمانِهمـ ‪،‬‬
‫تتم لهم نهضةٌ بعد عُصور‬ ‫ست حالُهمـ ‪ ،‬ولم َّ‬ ‫الروح ‪ ،‬وتخلَّوا عن هذا َّ‬
‫الدور انت َك َ‬ ‫ُّ‬
‫كسبُوا الدنياـ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫نحوا اإليما َن ِّ ِ‬ ‫ِ‬
‫تأسيًاـ بباقي اُألممـ ‪ ،‬فال حفظوا الدين ‪ ،‬وال َ‬ ‫االنحطاط؛ ألنهمـ َّ‬
‫والشيوعيَّة والعلمانيَّة ‪ ،‬فإذا ُد ُروبُهم يَباب ‪ ،‬ومج ُدهم َس َراب‪.‬‬‫ك القوميةـ ُّ‬ ‫طرقُوا مسالِ َ‬‫َ‬
‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫صنع بأوائلِهم ‪،‬‬
‫المسلمين ‪ ،‬وماذاـ َ‬
‫وأثره في حياة ُ‬
‫أدرك أعداءُ اإلسالم حقيقةَ اإليمان َ‬
‫لقد َ‬
‫قوتها ‪ ،‬فاستَه َدفوا عقيدةَ األمة في‬ ‫وسر َّ‬‫وأدركوا أنه روح األمة ُّ‬ ‫صنع أوائلُهمـ به ‪َ ،‬‬
‫وكيف َ‬
‫والشهواتـ ‪ ،‬عبر ِ‬ ‫ٍ‬
‫الكتاباتـ وال َقنَوات ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الشبُهات َّ َ‬ ‫كل وسائلـ ُّ‬
‫حرب َشعواء ‪ ،‬واستخ َدموا َّ‬
‫وظهر‬ ‫ونج َم النفاق ‪،‬‬ ‫منهجة ‪ ،‬حتى نبَتَت نابِتةٌ َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫الزيغ واإللحاد ‪َ ،‬‬ ‫الم َ‬
‫والبرامج وال ُخطَط ُ‬
‫القلوب إلى ٍ‬
‫هشيم‬ ‫حيل‬ ‫َّشكيك رؤوس ومدا ِرس ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ف التوحيد ‪ ،‬وتُزع ِزعُ اليقين ‪ ،‬وتُ ُ‬ ‫تنس ُ‬ ‫ُ ٌ‬ ‫للت‬
‫تلت ِهمه النار من أول َش ٍ‬
‫رارة‪.‬‬ ‫ُ ُ‬
‫كرة شيطانيَّة ‪ ،‬في َرتابٍَة تُد ِر ُك معها أن‬ ‫وفي كل ٍ‬
‫يوم ترى أو تسمع باقِعةًـ إلحاديَّة ‪ ،‬أو فِ ٍ‬
‫ُ‬
‫الزيغ‬
‫تسمع هذا َّ‬
‫َ‬ ‫يستحيل باألمس أن‬
‫ُ‬ ‫مقصودا ‪ ،‬ولقد كان‬
‫ً‬ ‫األمر ليس خطًأ فرديًّا؛ بل عدوانًا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالمالهي‬ ‫ضود ‪ ،‬وشغَلُوها‬‫الع ُ‬ ‫ِ‬
‫للسنين العجاف ‪ ،‬واألزمات َ‬ ‫ضوا األمةَ ِّ‬
‫عر ُ‬
‫‪َ ،‬ب ْيد أن األعداء َّ‬
‫هزيل زهي ٌد في دينِه ‪،‬‬ ‫هاث خلف لُقمة العيش وحطام الدنيا‪.‬ـ ُ ِ‬ ‫والتسالِيـ ‪ ،‬واللَّ ِ‬
‫جيل ٌ‬‫وخلق ٌ‬ ‫ُ‬
‫اب من عقيدتِه‪.‬‬‫كل األديان وال َيه ُ‬
‫هاب َّ‬‫يَ ُـ‬
‫‪595‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يأمر بأن تكون العقيدةُـ هي رابِطةَ‬ ‫اإللحاد آفةٌ نفسيَّةٌ ‪ ،‬وليس ُشبهةً علميةً ‪ ،‬إن اهلل ُ‬ ‫َ‬ ‫إن‬
‫يأمر‬
‫َّزعات القوميَّة والعُنصريَّة ‪ ،‬وإن اهلل ُ‬ ‫وإحالل الن َ‬
‫َ‬ ‫قوما يُريدون استِ َ‬
‫بعادها‬ ‫ولكن ً‬‫َّ‬ ‫التجمع ‪،‬‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالمساواةـ‬ ‫ولكن الذينـ يُحبُّون ُشيُوع الفاحشة يستنجدون ُ‬ ‫َّ‬ ‫شمة وال َفضيلة ‪،‬‬ ‫بالع َّفةـ والح َ‬
‫صار‬ ‫اإلنتاجيَّة ولو على حسابـ الفضيلة ‪ ،‬ودخل الدين في ِم ٍ‬
‫حنة هاِئ ٍـ‬ ‫ِ‬
‫لة ‪ ،‬حتى َ‬ ‫َ ُ‬ ‫والرغبة في‬ ‫َّ‬
‫ُحماةُ اإلسالم ِيق ُفون عند آخر ُخطوط الدِّفاع‪.‬‬
‫واختارت ما تُصلِ ُح به دينَها‬ ‫َ‬ ‫بعض ما تصبُو إليه من اإليمان ‪،‬‬ ‫قت طائفةٌ من األمةـ َ‬ ‫حق ْ‬ ‫وإذا َّ‬
‫قوتها‬ ‫سر َّ‬ ‫الفتَن واالضطراباتـ ‪ ،‬ومنع األمةـ من العودة إلى ِّ‬ ‫بادر شانُِئوهاـ لزرع ِ‬
‫ودنياهاـ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ٍـ‬
‫سريعة‬ ‫ٍـ‬
‫بادرات‬ ‫وسيلة ولو بالتدخُّالتـ العسكريَّة ‪ ،‬في ُم‬ ‫ٍ‬ ‫الحق بكل‬ ‫ضتها ‪ ،‬وقمع ِّ‬ ‫وروح نه َ‬
‫عرض الحاِئط‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َ‬ ‫عاهدات واألعراف‬ ‫الفتة للنظر ‪ ،‬ضا ِربين بالعُهود والمواثيق ‪ ،‬والقوانين ُ‬
‫والم َ‬
‫عجيب في المواقِف‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ض‬‫صادرين للحريات واختِيار اإلنسان ‪ ،‬في تناقُ ٍ‬ ‫‪ ،‬م ِ‬
‫ُ‬
‫ب‬ ‫ِئ‬
‫عامين تحت الظلم والقهرـ والقتل ‪ ،‬وال يرغَ ُ‬ ‫شعب ُسوريا المظلوم ي ُّن منذ َ‬ ‫وها أنت َترى َ‬
‫ومقاص َده اللَِّئيمة ‪ ،‬وليس‬ ‫ِ‬ ‫العالَ ُـم في إنهاء هذه المظالِم وال يُريد؛ ألن له ِحساباتِهـ األنانيَّةـ ‪،‬‬
‫الرماد في العُيون‪.‬‬ ‫وذر َّ‬ ‫والقيَمـ عنده ميزا ٌن إال للتزيُّن والدِّعاية ِّ‬ ‫لألخالق ِ‬
‫التدخلـ في غيرها ُله َو ُعنصريَّةٌ‬ ‫ستضعفين في ُسوريا مع ُسرعة ُّ‬ ‫الم َ‬ ‫إن التخاذُ َـل عن نصر ُ‬
‫ف‬ ‫والعداءـ ‪ِ ،‬‬
‫وينس ُ‬ ‫نمي الكراهية ِ‬ ‫دولي وتواطٌُؤ مكشوف ‪ ،‬وهذاـ يُ ِّ‬ ‫يف ٌّ‬ ‫وح ٌ‬ ‫ضوحةٌ ‪َ ،‬‬ ‫مف ُ‬
‫ش والسالم‪.‬‬ ‫ب والتعايُ ِـ‬ ‫التقار ِ‬
‫هود ُ‬ ‫ُج َ‬
‫الجاد لكل ما يُحيِي‬ ‫راعا للعمل ِّ‬ ‫يتحركوا ِس ً‬ ‫نار الفتن ‪ ،‬وأن َّ‬ ‫ِ‬
‫إن على الصادقينـ أن يُطفئوا َ‬
‫ِ‬
‫جملُها ‪ ،‬ويُعي ُد لألمة ِع َّزتَها وكرامتَها‪.‬ـ‬ ‫النفوس ويُ ِّ‬
‫َ‬ ‫زكي‬‫طه ُرها ‪ ،‬ويُ ِّ‬ ‫القلوب ويُ ِّ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ين َك َفروا ِمن َْأه ِل ال ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َأ ْن‬ ‫اب َواَل ال ُْم ْش ِرك َ‬ ‫ْكتَ ِـ‬ ‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪:‬ـ ﴿ َما َي َو ُّد الَّذ َـ ُ ْ‬
‫ض ِل ال َْع ِظ ِيم (‬ ‫شاءُ َواللَّهُ ذُو الْ َف ْ‬ ‫ص بَِر ْح َمتِ ِه َم ْن يَ َ‬‫ُيَن َّز َل َعلَْي ُك ْم ِم ْن َخ ْي ٍر ِم ْن َربِّ ُك ْم َواللَّهُ يَ ْختَ ُّ‬
‫‪. 840﴾ )105‬‬
‫أقول قولي‬ ‫والحكمة ‪ُ ،‬‬ ‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪ ،‬ونفعنا بما فيهما من اآليات ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫‪840‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪596‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيمـ ‪ ،‬مالِ ِ‬


‫ك يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه الصاد ُق األمين ‪،‬‬ ‫الحق ُ‬ ‫الملك ُّ‬ ‫ُ‬ ‫شريك له‬
‫َـ‬ ‫وحده ال‬
‫ِ‬
‫الميامين ‪ ،‬ومن‬‫وبار َك عليه ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪ ،‬وصحابته الغُِّر َ‬ ‫صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫تبِ َعهم‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫قلب خاتم األنبياء ‪ -‬صلى‬ ‫حكيم خبي ٍر على ِ‬
‫ٍ‬ ‫ضت به َّأمتُنا ُم َّنز ٌل من ل ُدن‬
‫الدواء الذي نه َ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫حل ِسواه‪.‬‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬فال تِريا َق بع َده وال َّ‬
‫الدين ليس ضمانًا لآلخرة فحسب؛‬ ‫النفوس من اإليمان كا ِرثةٌ دينيَّةٌ ودنيويَّةٌ ‪ ،‬وإن َ‬
‫ِ‬ ‫إن َخواء‬
‫واء من الدين ُله َو‬
‫وترك القلوب َخ ً‬
‫الل اإليمان من النفوس َ‬ ‫بل هو ضما ٌن للبقاء ‪ ،‬وإن استِ َ‬
‫ولرسولِه وألمته‪.‬‬ ‫ِئ‬
‫عدوه في تحقيق ذلك فهو خا ٌن هلل ُ‬ ‫عين َّ‬ ‫القاضيةُ ِ‬
‫المهلكةـ ‪ ،‬ومن يُ ُ‬
‫َ ُ‬
‫الضربةُ ِ‬
‫ضعف وع ٍي‬‫ِ‬ ‫المسلمين في تحقيق بعض َرغَبات العدو؛ إما جهالً ‪ ،‬أو من‬ ‫بعض ُ‬
‫تور َط ُ‬ ‫وقد َّ‬
‫ٍ‬
‫وإعالم في‬ ‫مال ٍ‬
‫وقلم‬ ‫ضهم سخَّر ما رزقَه اهلل من ٍ‬ ‫ِ‬
‫وتغليب الدنياـ على اآلخرة‪ .‬وبع ُ‬ ‫وقلَّة دين ‪،‬‬
‫شى‬ ‫والشبُهاتـ ‪ ،‬حتى بِْتنا نخ َ‬
‫الشهوات ُّ‬ ‫وفتح ِ‬
‫أبواب َّ‬ ‫ِ‬ ‫تَهوي ِن الدِّيانةـ في نفوس ُ‬
‫المسلمين ‪،‬‬
‫على أن ُفسنا قبل أجيالِنا‪.‬ـ‬
‫واإلعجاب‬
‫َ‬ ‫الهوى ‪،‬‬ ‫واتباع َ‬
‫َ‬ ‫وتقديس العقل‬
‫َـ‬ ‫أال فاتقوا اهلل ‪ -‬أيها المسلمون ‪ ، -‬وإيا ُكم‬
‫بالرأي‪.‬‬
‫يستق ُّر في‬‫ضة الشرع بالرأيـ ال ِ‬ ‫تعود ُمعار َ‬ ‫قال شي ُخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬من َّ‬
‫قلبِه اإليمان "‪.‬‬
‫كل‬
‫فالح َذ َر َّ‬ ‫أدمنوا َّ‬ ‫ِ‬ ‫اضط ِـ‬ ‫شاه ٌـد ‪ ،‬كما في ِ‬‫والواقع ِ‬
‫ب على الشريعة‪َ .‬‬ ‫الشغَ َ‬ ‫المعاصرينـ ‪َ ،‬‬ ‫راب ُ‬ ‫ُ‬
‫الع ِكرة أو ُمجالَسة أصحابها ‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعريض النفس ُّ‬
‫للشبُهات ‪ ،‬وورود المناهل َ‬ ‫الح َذر من‬‫َ‬
‫القلوب ضعيفة‬ ‫اآلسنات؛ فإن‬ ‫التعرض لمراتِِعها؛ من القنواتـ والكتب والرواياتـ ‪ ،‬والمواقِع ِ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫ض َع ْن ُه ْم‬ ‫ضو َن فِي آيَاتِنَا فََأ ْع ِر ْ‬ ‫ين يَ ُخو ُ‬ ‫ت الَّ ِذ َـ‬‫والشبَهَ خطَّافة ‪ ،‬واهللُ تعالىـ يقول‪َ ﴿ :‬وِإذَا َرَأيْ َ‬ ‫ُّ‬ ‫‪،‬‬
‫الذ ْك َرى َم َع الْ َق ْوِم‬‫الش ْيطَا ُن فَاَل َت ْقعُ ْد َب ْع َد ِّ‬
‫َّك َّ‬ ‫يث غَْي ِر ِه َوِإ َّما ُي ْن ِسَين َ‬
‫وضوا فِي ح ِد ٍ‬
‫َ‬ ‫َحتَّى يَ ُخ ُ‬
‫‪597‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اب َأ ْن ِإ َذا َس ِم ْعتُ ْم‬ ‫الظَّالِ ِمين (‪ 841﴾ )68‬وقال ‪ -‬سبحانه ‪ ﴿ :-‬وقَ ْد َن َّز َل َعلَي ُكم فِي ال ِ‬
‫ْكتَ ِـ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يث غَْي ِر ِه ِإنَّ ُك ْـم ِإذًا‬‫ضوا ِفي ح ِد ٍ‬
‫َ‬ ‫ات اللَّ ِه يُ ْك َف ُر بِ َها َويُ ْسَت ْه َزُأ بِ َها فَاَل َت ْقعُ ُدواـ َم َع ُه ْم َحتَّى يَ ُخو ُ‬
‫آي ِ‬
‫َ‬
‫َّم َج ِم ًيعا (‪. 842﴾ )140‬‬ ‫ِم ْثلُهم ِإ َّن اللَّهَ ج ِامع الْمنَافِ ِقين والْ َكافِ ِر ـ ِ‬
‫ين في َج َهن َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ُ ََ‬ ‫ُْ‬
‫ض واآلفاتـ ‪ ،‬كم ُسلِبَه علماء ‪ ،‬واستُ َّل من عُبَّاد ‪،‬‬ ‫ْأي به عن العوا ِر ِ‬ ‫يجب النَّ ُ‬‫كنز ُ‬ ‫اإليما ُن ٌ‬
‫ِ‬ ‫سلَ َخ ِم ْن َها فََأْتَب َعهُ َّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين (‪)175‬‬ ‫الش ْيطَا ُن فَ َكا َن م َن الْغَا ِو َ‬ ‫﴿ َواتْ ُل َعلَْي ِه ْم َنبََأ الذي آَت ْينَاهُ آيَاتنَا فَانْ َ‬
‫﴾‪. 843‬‬
‫خاف الفتنةَ على الفاروق ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪-‬‬ ‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قد َ‬ ‫وإذا كان ُّ‬
‫ب النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بكتاب أصابَه من بعض ِ‬ ‫ٍ‬
‫الكتاب فقرَأه عليه ‪ ،‬فغض َ‬ ‫أهل‬ ‫حين أتاه‬
‫تحي ُرون في اإلسالم‬ ‫اب ؟! " ‪ -‬أي‪ :‬هل أنتم ُم ِّ‬ ‫وسلم ‪ -‬وقال‪َُ " :‬أمَت َه ِّو ُكو َن فِ َيها يَا ابْ َن الْ َخطَّ ِ‬
‫‪ ،‬ال تع ِرفون دينَكم حتى تأخذوه من اليهود والنصارى؟! – " َوالَّ ِذي َن ْف ِسي بِيَ ِد ِه لََق ْد ِجْئتُ ُك ْـم‬
‫اء نَِقيَّةً " ‪.‬‬
‫ضَ‬ ‫بِ َها َب ْي َ‬
‫العظاتـ ‪،‬‬ ‫وسي َقت لنا ِ‬ ‫نفسه الفتنةَ بعد ُعمر؟! ولقد خلَت من قبلِنا المثُالت ‪ِ ،‬‬ ‫فمن يأم ـن على ِ‬
‫َُ‬
‫تقح ِمها بداف ِع‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُّب ُّ‬
‫فرطُون في ُّ‬ ‫الم ِّ‬
‫يتهاو ُن ُ‬
‫الشبُهاتـ ومواطن الفتَنـ ‪ ،‬وكم َ‬ ‫المؤم ِن تجن ُ‬‫فعلى ُ‬
‫تيس َرت ُسبُل الوصول إليها ‪ ،‬فزلَّت أقدام ‪،‬‬ ‫خصوصا وقد َّ‬ ‫ً‬ ‫ب المع ِرفة ‪،‬‬ ‫ال ُف ِ‬
‫ضول أو تطلُّ ِ‬
‫لبعضهم ُسوءُ عملِه فرآهُ حسنًا‪.‬‬ ‫وزيِّن ِ‬ ‫ست أفهام ‪ُ ،‬‬ ‫وانت َك َ‬
‫ت‬‫وب َثبِّ ْ‬‫ب الْ ُقلُ ِ‬ ‫كثيرا ما يدعُو‪ " :‬يَا ُم َقلِّ َ‬
‫رسول اإليمان ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ً -‬‬ ‫ُ‬ ‫وقد كان‬
‫ك"‪.‬‬ ‫َق ْلبِي َعلَى ِدينِ َ‬
‫سة األخيارـ من األبرارـ ‪ ،‬والتِزام‬ ‫ومجالَ َ‬
‫الصالح ‪ ،‬وتالوة القرآن ‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وفي اإلكثار من العمل‬
‫والشبُهات‪.‬‬‫الدعاء عصمةٌ ‪ -‬بإذن اهلل ‪ -‬من األهواء ُّ‬

‫‪841‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪842‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪843‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪598‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫سدا منيعا دون ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عوادي اإللحاد ‪ ،‬ورياح‬ ‫والمصلحين ليق ُفوا ًّ َ ً‬ ‫يجب استِ ُ‬
‫نهاض ه َمم العُلماء ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالواجبـ ‪،‬‬ ‫ياما‬‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التَّشكيك؛ـ حراسةً للدين ‪ ،‬وحمايةً له من العاديات عليه وعلى أهله ‪ ،‬ق ً‬
‫الصف ‪ ،‬وجمع الكلِمة ‪ِّ ،‬‬
‫ومد بَشا َشة اإليمان‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫وحفاظًا على وحدة‬ ‫ورحمةً باإلنسانيَّة ‪ِ ،‬‬
‫حق اهلل على‬‫ونقض ُشبَههم وكشف فُتونِهم وتع ِريَتهمـ هو من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫لحدين‬ ‫أال إن النَّفير لردع الم ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ض ٍّل وضاللته ‪،‬‬ ‫ف ومخال َفته ‪ ،‬وم ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫المسلمين على ُعلماِئهم في ٍّ‬
‫ُ‬ ‫رد كل ُمخال ُ‬ ‫وحق ُ‬‫ِّ‬ ‫عباده ‪،‬‬
‫المسلمين ‪ ،‬تعثُو‬ ‫تتداعى األهواءُ على ُ‬ ‫خطٍئ وخطِئه ‪ ،‬وزلَّة عالِ ٍم و ُش ُذوذهـ ‪ ،‬حتى ال َ‬ ‫وم ِ‬
‫ُ‬
‫حرف ‪،‬‬ ‫وشرع ُم َّ‬
‫ٍ‬ ‫وتؤول بدينِهمـ إلى دي ٍن ُم َّ‬
‫بدل ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وتقس ُـم وحدتَهم ‪،‬‬ ‫فسادا في فِطَرهم ‪،‬‬
‫ً‬
‫ِّحل واألهواء‪.‬‬ ‫ور ٍ‬
‫كام من الن َ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫القلوب ثبِّت قلوبَنا على‬ ‫القلوب ثبِّت قلوبَنا على دينك ‪ ،‬اللهم يا ُمقلِّ َ‬
‫ب‬ ‫ب‬‫اللهم يا ُمقلِّ َ‬
‫دينِك‪.‬‬
‫وارض‬
‫َ‬ ‫محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولِك‬ ‫اللهم ِّ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫صحابة رسولِك أجمعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬
‫ِ‬ ‫اللهم عن‬
‫وانصر المسلمين ‪ ،‬واخ ُذلـ الطغاةَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللهم أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم أع َّز اإلسالم ُ‬
‫المؤمنين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعبادك ُ‬
‫َ‬ ‫دينك وكتابَك وسنةَ نبيك‬ ‫انصر َ‬‫والمفسدينـ ‪ ،‬اللهم ُ‬ ‫والمالحدةَ ُ‬
‫ؤم ُر‬ ‫ِ‬ ‫اللهم أب ِرم لهذه األمةـ أمر ر ٍ‬
‫أهل معصيتك ‪ ،‬ويُ َ‬ ‫أهل طاعتك ‪ ،‬ويُه َدى فيه ُ‬ ‫عز فيه ُ‬
‫شد يُ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫المنكر يا رب العالمين‪.‬‬ ‫فيه بالمعروف ‪ ،‬ويُ َنهى عن ُ‬
‫ور َّد كي َده في نح ِر ِه ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫اإلسالم والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫أراد‬
‫اللهم من َ‬
‫الس ِ‬
‫وء عليه يا رب العالمين‪.‬‬ ‫دائر َة َّ‬
‫جاهدين في سبيلك في فلسطين ‪ ،‬وفي بالد الشام ‪ ،‬وفي كل ٍ‬
‫مكان يا رب‬ ‫اللهم انصر الم ِ‬
‫ُ ُ‬
‫عدوهم‪.‬‬‫صارهم ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهم ‪ ،‬واكبِت َّ‬ ‫العالمينـ ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫حرر المسج َد األقصى من ظُلم الظالمين ‪ ،‬وعُدوان ُ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫أحوال إخواننا في مصر وفي‬‫َ‬ ‫أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح‬ ‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫رارهمـ ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهم‪.‬ـ‬ ‫ِ ِ‬
‫اجمعهم على الهدى ‪ ،‬واكفهم ش َ‬ ‫كل مكان ‪ ،‬اللهم َ‬

‫‪599‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اجمعهمـ على الحق‬ ‫اللهم ُكن إلخواننا في ُسوريا ‪ ،‬اللهم ُكن إلخوانناـ في ُسوريا ‪ ،‬اللهم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وس َّد َخلَّتهم ‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهم ‪،‬‬ ‫والهدى ‪ ،‬اللهم احقن دماءهمـ ‪ ،‬وآمن روعاتهم ‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬
‫وانصرهم على من بغَى عليهم‬ ‫ُ‬ ‫أعراضهم ‪ ،‬واربِط على قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهمـ ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫واح َفظ‬
‫يا حي يا قيوم ‪ ،‬يا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬
‫للبر والتقوى ‪،‬‬
‫وخذ به ِّ‬ ‫تحب وترضى ‪ُ ،‬‬ ‫خادم الحرمين الشريفين لما ُّ‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي أمرناـ َ‬
‫ِـ‬
‫الشفاء ‪ ،‬اللهمـ وفِّقه َ‬
‫ونائب ْيه وإخوانَهمـ‬ ‫وتمام‬ ‫ِ‬
‫لباس الصحة َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأت َّم عليه عافيَتك وألبسه َ‬
‫صالح العباد والبالد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وأعوانَهمـ لما فيه‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫ٍ‬ ‫شرعك ‪ ،‬واتباع سنة نبيِّك‬ ‫اللهم وفِّق وال َة أمور المسلمين لتحكيم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والرخاءـ في بالدنا وبالد‬ ‫َ‬ ‫األمن‬
‫شر َ‬ ‫المؤمنين‪ .‬اللهم ان ُ‬ ‫وسلم ‪ ، -‬واجعلهم رحمةً على عبادك ُ‬
‫سنَةً َوفِي اآْل ِخ َر ِةـ‬ ‫الد ْنيَا َح َ‬‫شر األشرار ‪ ،‬وكي َد ال ُف َّجار‪َ ﴿ .‬ر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬ ‫واكفنا َّ‬ ‫ِ‬ ‫المسلمين ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَا فِي َْأم ِرنَا َو َثبِّ ْ‬ ‫ِ‬
‫اب النَّا ِر (‪َ ﴿ ، ﴾ )201‬ر َّبنَا ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫ِ‬
‫‪844‬‬
‫ت‬ ‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬‫َح َ‬
‫ِ ِ‬
‫ين (‪. 845﴾ )147‬‬ ‫ص ْرنَا َعلَى الْ َق ْوم الْ َكاف ِر َ‬
‫َأقْ َد َامنَاـ َوانْ ُ‬
‫رضيك آمالَنا ‪ ،‬اللهم اغفر‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبَنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ووالديهم وأزواجنا وذُ ِّرياتناـ ‪ ،‬إنكـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولوالدينا‬ ‫لنا‬
‫ُ‬
‫اللهم إنا نسألُكـ ِرضاك والجنةَ ‪ ،‬ونعوذُ بك من س َخ ِطك والنار‪.‬‬
‫ونتوب إليه ‪ ،‬اللهم‬ ‫القيوم‬ ‫الحي‬
‫نستغف ُـر اهلل الذي ال إله إال هو َّ‬ ‫ِ‬ ‫نستغف ُر اهلل ‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نستغف ُر اهلل ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫الغيث وال تجعلنا من‬ ‫أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغني ونحن الفقراء ‪ ،‬أن ِزل علينا َ‬
‫طب ًقا‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬ ‫القانِ ِطين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫سحا َ‬ ‫أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬
‫ِ‬
‫للحاضر‬ ‫وتسقي به العباد ‪ ،‬وتجعلُه بالغًا‬ ‫ِ‬ ‫ضار ‪ ،‬تُحيِي به البالد ‪،‬‬ ‫غير ٍّ‬ ‫ُمجلِّالً ‪ًّ ،‬‬
‫نافعا َ‬ ‫عاما ً‬
‫غرق‪.‬‬ ‫هدم وال ٍ‬ ‫بالء وال ٍ‬ ‫عذاب وال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اد‪.‬ـ اللهمـ ُسقيا رحمة ‪ ،‬ال ُسقيا‬ ‫والب ِ‬
‫َ‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪844‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪845‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪600‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عوذتان ‪ ..‬فضائل وآدابـ‬


‫الم ِّ‬
‫عنوان الخطبة ‪ُ :‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالث من جمادى األولىـ من عام ‪1434‬هـ‬

‫عوذتان ‪ ..‬فضائل وآداب ‪-‬‬


‫الم ِّ‬
‫‪ُ -‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪:‬‬
‫عوذتين (سورة الفلق وسورة‬
‫الم ِّ‬
‫تحدث فيها عن ُ‬ ‫عوذتان ‪ ..‬فضائل وآداب" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫"الم ِّ‬
‫ُ‬
‫فضل ‪ ،‬وبعض اآلدابـ المتعلِّقة بهما ‪ ،‬مع ذك ِر ٍ‬
‫شيء من‬ ‫ورد فيهما من ٍ‬
‫ُ‬ ‫الناس) ‪ ،‬وما َ‬
‫اللطاِئف التي َ‬
‫وردت فيهما‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫إن الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئاتـ‬
‫هادي له ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل‬ ‫أعمالنا ‪ ،‬من ِ‬
‫ضل له ‪ ،‬ومن يُضلل فال َ‬ ‫يهده اهلل فال ُم َّ‬
‫وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُد اهلل ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبارك عليه ‪،‬‬
‫ٍـ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫وعلى آله وصحبِه والتابعينـ ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ِ‬
‫الحاضرة‪﴿ :‬‬ ‫اُألمم الغابِرةـ ‪ ،‬كما َّ‬
‫وصى األمةَـ‬ ‫وصى اهلل به َـ‬ ‫فُأوصيكم ‪ -‬أيها الناس ‪ -‬بما َّ‬
‫ْكتَاب ِمن َق ْبلِ ُكم وِإيَّا ُكم ِ‬
‫َأن َّات ُقوا اللَّهَ (‪. 846﴾ )131‬‬ ‫ِ‬ ‫ص ْينَا الَّ ِذ َـ‬
‫َْ ْ‬ ‫ين ُأوتُوا ال َ ْ‬ ‫َولََق ْد َو َّ‬

‫‪846‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪601‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ندم ‪ ،‬وسوف يبعث الناس ‪ ،‬وتُنصب الموازين ‪ِ ،‬‬
‫فأع ُّدوا لذلكـ‬ ‫من تنبَّه سلِم ‪ ،‬ومن غ َفل ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫اليوم عُ َّدته ‪َ ﴿ ،‬و َّات ُقوا َي ْو ًما ُت ْر َجعُو َن فِ ِيه ِإلَىـ اللَّ ِه (‪. 847﴾ )281‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫النار هي‬
‫شر فيه ‪ ،‬كما أن َ‬
‫الخير الذي ال َّ‬
‫موطن اإلنسانـ األولـ ‪ ،‬والجنةُ هي ُ‬
‫َ‬ ‫كانت الجنةُ‬
‫والشر‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الخير‬
‫خير فيه ‪ ،‬أما الدنيا ففيها ُ‬ ‫الشر الذي ال َ‬ ‫ُّ‬
‫يحتسب؛ فقد تعلَّق اإلنسا ُـن‬ ‫الشرور تع ِرض لإلنسان في مسيرة حياته من حيث ال ِ‬ ‫ولما كانت ُّ‬
‫ُ‬
‫إشارةـ من أنبياء ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الشرور من غير خب ٍر من السماء ‪ ،‬وال‬ ‫يدفع تلك ُّ‬ ‫ِ‬
‫الجاهلـ بما يعتق ُد أنه ُ‬ ‫ُ‬
‫س‬‫ال ِم َن اِإْل نْ ِ‬
‫الشر وفس َدت األديانـ ‪ ،‬كما قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬وَأنَّهُ َكا َن ِر َج ٌ‬ ‫فزاد ُّ‬
‫َ‬
‫ال ِمن ال ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫وه ْـم َر َه ًقا (‪. 848﴾ )6‬‬ ‫اد ُ‬ ‫ْج ِّن َف َز ُ‬ ‫َيعُوذُو َن ب ِر َج ـ َ‬
‫وأخبرهم بمن يلوذون ‪ ،‬وكيف يستعي ُذون؛‬ ‫َ‬ ‫شرع لخلقه‬ ‫ثم إن اهلل تعالى برحمته ولُطفه َ‬
‫وتسلم أبدانُهم‪.‬ـ‬
‫َ‬ ‫لتصلُ َح أديانُهم‬
‫روى عقبةُ بن عامر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬‬
‫ب الْ َفلَ ِق (‪ ، 849﴾ )1‬و﴿ قُ ْل‬ ‫ط؟ ﴿ قُ ْل َأعُوذُ بَِر ِّ‬ ‫ت اللَّْيلَةَ‪ ،‬لَ ْم ُير ِم ْثلُ ُه َّن قَ ُّ‬ ‫َألَم َتر آي ٍ‬
‫ات ُأنْ ِزلَ ِ‬
‫ْ َ َ‬
‫َ‬
‫َّاس (‪ " 850﴾ )1‬؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ب الن ِ‬ ‫َأعُوذُ بَِر ِّ‬
‫العظيمتَين‪ .‬وإذ قال النبي ‪ -‬صلى‬ ‫َ‬ ‫وصف النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬السورتَين‬ ‫َ‬ ‫هكذاـ‬
‫سرا إلهيًّا كبيرا ‪ِ ،‬‬
‫وحصنًا من اهلل‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬هذه الكلمات ‪ ،‬فإنه يعني أنها تح ِوي ًّ‬
‫ً‬
‫رور الحياة‬ ‫ِ‬
‫الجن واإلنس ‪ ،‬ويُواجهُـ بها ُش َ‬ ‫شياطين ِّ‬‫َ‬ ‫المؤمن‬
‫ُ‬ ‫يدفع به‬
‫وسالحا ُ‬
‫ً‬ ‫عظيما ‪،‬‬
‫ً‬
‫والمشع ِوذين ‪ ،‬وما يعت ِر ُ‬
‫ضه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومصاعبها وشدائ َدهاـ ‪ ،‬والكائدين فيها والحاسدين ‪ ،‬والسحر َة ُ‬
‫وتضره وتُ ِ‬
‫ؤذيه‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ؤث ُر في حياتِه ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أخطاء تُ ِّ‬ ‫من‬
‫نات تذ ُكر الداء والدواء ‪ ،‬وكان النبي ‪ -‬صلى‬ ‫آيات بيِّ ٌ‬
‫وسورةُ الفلق وأختُها سورةُ الناس ٌ‬
‫أمره ربُّه ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬ ‫ويتعوذُ بهما كما َ‬ ‫َّ‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪ -‬يُولِيهما عنايةً َّ‬
‫خاصةً ‪،‬‬

‫‪847‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪848‬‬
‫سورة الجن‬
‫‪849‬‬
‫سورة الفلق‬
‫‪850‬‬
‫سورة الناس‬
‫‪602‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِّ‬
‫الجان وعين‬ ‫يتعوذ من‬
‫عن أبي سعيد قال‪" :‬كان رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َّ -‬‬
‫وترك ما ِسواهما"؛ رواه الترمذيـ‬
‫عوذتان ‪ ،‬فلما نزلَتا أخ َذ بهما َ‬
‫الم ِّ‬
‫اإلنسانـ ‪ ،‬حتى نزلَت ُ‬
‫"حديث حسن"‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫والنسائيـ وابن ماجهـ ‪ ،‬وقال الترمذي‪:‬‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وللمؤمنين من بعده‬ ‫ِ‬
‫داء ‪ُ ،‬‬ ‫هاتانـ السورتان توجيهٌ من اهلل تعالى لنبيِّه ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬ابت ً‬
‫ٍ‬
‫ومعلوم ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مجهول‬ ‫خاف وظاه ٍر ‪،‬‬ ‫وف ٍ‬ ‫بحماه من كل م ُخ ٍ‬ ‫للعياذ بكنَ ِفه ‪ ،‬واللِّياذ ِ‬ ‫جميعا؛ ِ‬
‫ً‬
‫على وجه اإلجمال وعلى وجه التفصيل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ورحمة‪:‬‬ ‫ويبسط لهم كن َفه ‪ ،‬ويقول لهم في مود ٍَّة‬ ‫ُ‬ ‫للمؤمنين ِحماه ‪،‬‬ ‫يفتح اهللُ تعالىـ ُ‬‫وكأنما ُ‬
‫بضعفكمـ وما‬ ‫الحمى ‪ ،‬تعالَواـ إلىـ مأمنِكم الذي تطمِئنُّون فيه ‪ ،‬تعالَوا فأنا أعلم ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫تعالَوا إلى َ‬
‫األمن والطمأنينةُ والسالم‪.‬‬ ‫ف اهلل ُـ‬ ‫عدوكم‪ .‬وفي كنَ ِ‬ ‫وأقدر على ِّ‬ ‫حولَكمـ من مخاوف ‪،‬‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صيب اإلنسا َن دون‬ ‫صن من ُشرو ٍر خفيَّة غير ظاهرة ‪ ،‬وتُ ُ‬ ‫تأم ُل في السورتَين يج ُد أنها ح ٌ‬ ‫والم ِّ‬
‫ُ‬
‫رور‬
‫الش َ‬ ‫يخص هذه ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫اني‬ ‫قام بها في كثي ٍر من األحيان ‪ ،‬ولذلكـ جاء ُـ‬
‫األمر الربَّ ُّ‬ ‫عرف من َ‬ ‫أن يُ َ‬
‫ِ‬
‫الغوث‬ ‫ب‬‫اني بطلَ ِ‬ ‫األمر الربَّ ُّ‬ ‫بالذكرـ من بين األخطار واآلفات الم ِ‬
‫وجاء ُ‬ ‫َ‬ ‫حدقة باإلنسان ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫عام ‪ ،‬ومن هذه‬ ‫بشكل ٍّ‬‫ٍ‬ ‫الشرور‬ ‫جارة واالستِعاذَةـ باهلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬من كل ُّ‬ ‫والمعونة واالستِ ِ‬
‫خاص‪.‬‬
‫بشكل ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫المذكورة‬ ‫ُّ‬
‫الشرور‬
‫أنواع‬
‫َ‬ ‫ويدفع عنها‬‫ُ‬ ‫تعميق التوحيد في النفوس ‪ ،‬وذلك لحاجتِهاـ لمن يح َفظُها‬ ‫ُ‬ ‫والقص ُد‪:‬ـ هو‬
‫السورتَان‬
‫فتضمنَت هاتانـ ُّ‬ ‫الشر‪َّ .‬‬ ‫ويدفع عنها َّ‬ ‫الشرور واأل َذى ‪ ،‬وتعلُّ ُقها بمن ِ‬
‫يحميها‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬
‫وأعمه استِعاذة‪.‬ـ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫المراد ‪،‬‬‫بأوج ِـز لفظ وأجمعه ‪ ،‬وأدلِّه على ُ‬ ‫الشرور كلِّها َ‬ ‫االستعا َذةُ من هذه ُّ‬
‫وأطلب منه الحماية‪.‬ـ‬ ‫‪،‬‬ ‫باهلل‬ ‫م‬ ‫ِ‬
‫وأعتص‬ ‫ومعنى ﴿ َأعُوذُ (‪ 851﴾ )1‬أي‪ :‬ألُوذُ ِ‬
‫وألتج‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُئ‬
‫القادر‬ ‫نسترضي بها من نستعي ُذ به ‪ -‬سبحانه ‪ ، -‬وهي الثقةُ بأنهـ وحده‬ ‫ِ‬ ‫فاالستِعاذةُ عبادةٌ‬
‫ُ‬
‫على دفع الخطَر ِ‬
‫ورفعه‪.‬‬
‫برب الفلق ‪ ،‬وهو اهلل ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬ ‫ويحتمي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫أمر اهلل نبيَّه أن يستعي َذ‬
‫عوذة األولىـ َ‬ ‫الم ِّ‬
‫ففي ُ‬
‫الكاشفـ لظالمه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫المنفلِق عن الليل ‪،‬‬ ‫رب الصباح ُ‬ ‫ُّ‬
‫‪851‬‬
‫سورة الفلق‬
‫‪603‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫الفرجـ‬ ‫ِ‬ ‫الصبح بعد َّ ُّ‬ ‫بالتعوذ هو أن انبِثاق نور ُّ‬


‫شدة الظلمة كالمثَل لمجيء َ‬ ‫الصبح ُّ‬
‫وتخصيص ُّ‬
‫ُ‬
‫نتظ ًرا لطلُوع الصباح ‪ ،‬فكذلكـ الخاِئ ُ‬ ‫الشدة ‪ ،‬فكما أن اإلنسا َن يكو ُن م ِ‬
‫ب‬‫ف يترقَّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫بعد َّ‬
‫الفرج واألمانـ ‪ ،‬فقال ‪ -‬عز وجل ‪ -‬لنبيِّه ولكل مؤم ٍن به‪ ﴿ :‬قُ ْل َأعُوذُ بَِر ِّ‬
‫ب الْ َفلَ ِق (‬ ‫مجيء َ‬
‫َ‬
‫شر ِ‬ ‫‪ِ )1‬م ْن َش ِّر َما َخلَ َق (‪ ﴾ )2‬أي‪ :‬من ِّ‬
‫‪852‬‬
‫شر في‬ ‫خلقه إطالقًا وإجماالً ‪ ،‬وهو عامٌّ لكلـ ٍّ‬
‫وشر النار ‪،‬‬ ‫والهوام ‪ِّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫السباع‬
‫وشر ِّ‬‫والجن والشياطين ‪ِّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وشر اإلنس‬
‫الدنياـ واآلخرة ‪ِّ ،‬‬
‫شر‪.‬‬
‫وشر كل ذي ٍّ‬ ‫وشر العمل ‪ِّ ،‬‬ ‫وشر النفس ‪ِّ ،‬‬ ‫والهوى ‪ِّ ،‬‬ ‫وشر الذنوب َ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغسق َّ‬ ‫﴿ َوم ْن َش ِّر غَاس ٍق ِإذَا َوقَ َ‬
‫‪853‬‬
‫الليل أو من‬
‫شدةُ الظالم ‪ ،‬والغاسق هو ُ‬ ‫ُ‬ ‫ب (‪﴾ )3‬‬
‫ب (‪ 854﴾ )3‬أي‪ :‬دخل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يتحر ُك في جوفه ‪ ،‬ومعنى ﴿ َوقَ َ‬ ‫َّ‬
‫قال ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪" :-‬هو الليل إذا أقبل ِ‬
‫بظالمه"‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وقت غروب الشمس"‪.‬‬ ‫والزهري‪:‬ـ "هو ُ‬
‫ُّ‬ ‫قال ُمجاهد‬
‫وف‬ ‫والمقصود‪ :‬االستِعاذةُ من الليل وما فيه ‪ ،‬والليل إذا غمر األرض بجالله فهو ٍ‬
‫حينئذ م ُخ ٌ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُّ‬
‫وتشتد‬ ‫المج ِرمون والكاِئدونـ ‪،‬‬ ‫ويتحر ُك في ج ِ‬ ‫بذاتِه ‪،‬‬
‫ط ُ‬ ‫حوش ‪ ،‬وينش ُ‬ ‫والو ُ‬ ‫الهوام ُ‬‫ُّ‬ ‫نحه‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ب في الليل‬ ‫ِ‬
‫تتسر ُ‬
‫والهموم واألشجا ُن التي َّ‬ ‫ُ‬ ‫س‬
‫الوساوس والهواج ُ‬
‫ُ‬ ‫وتهيج‬
‫ُ‬ ‫والشهوات ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الغرائز‬
‫ُـ‬
‫المشاعر وال ِوجدان‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وتخلق‬
‫ُ‬ ‫‪،‬‬
‫أمر اهلل تعالى نبيَّه باالستِعاذةـ من‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫والشيطا ُن تُساع ُده الظلمةُ على االنطالق واإليحاء ‪ ،‬لذلك َ‬
‫‪855‬‬
‫ات ِفي الْعُ َق ِـد (‪﴾ )4‬‬ ‫الليل وما فيه من ُشرو ٍر ‪ ،‬فقال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ :-‬و ِم ْن َش ِّر الن َّ‬
‫َّفاثَ ِـ‬
‫ٍ‬
‫خيوط ونح ِوها‬ ‫يعقدنَها في‬ ‫َّفث على عُ َق ٍد ِ‬ ‫يات باألذَىـ بالن ِ‬‫الساع ُ‬‫ِ‬ ‫رات ‪،‬‬
‫الساح ُـ‬‫ِ‬
‫وهن النساءُ‬
‫َّ‬
‫َأح ٍد ِإاَّل بِِإ ْذ ِن اللَّ ِه (‪)102‬‬ ‫ض ِّار ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين بِه م ْن َ‬ ‫ِ‬
‫اسم المسحور ‪ ،‬فيُؤذي بذلك ‪َ ﴿ ،‬و َما ُه ْم ب َ َ‬ ‫على ِ‬
‫﴾‪. 856‬‬
‫ك‬‫الموبِقاتـ التي تُهلِ ُ‬‫الذنوب ُ‬ ‫ِ‬ ‫السحر من كبائر‬ ‫َ‬ ‫عد النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫وقد َّ‬
‫رضي أصحابَها في الدنياـ قبل اآلخرة‪.‬‬ ‫واألفراد ‪ ،‬وتُ ِ‬
‫َـ‬ ‫اُألمم‬
‫َ‬
‫‪852‬‬
‫سورة الفلق‬
‫‪853‬‬
‫سورة الفلق‬
‫‪854‬‬
‫سورة الفلق‬
‫‪855‬‬
‫سورة الفلق‬
‫‪856‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪604‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫والمشع ِوذين ‪ ،‬وقد ب ِرَئ النبي‬ ‫الس َحرة ُ‬ ‫يلجَأ إلىـ َّ‬ ‫يجوز له أن َ‬‫بمرض أو سح ٍر فال ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ومن ابتُلِي‬
‫وشرع اهلل لنا االستِعاذةَـ به ‪ -‬سبحانه ‪، -‬‬ ‫َ‬ ‫يفعلـ ذلك ‪،‬‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ممن ُ‬
‫والركو َن إليه ‪ ،‬واالستِعانةَـ به‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫وشرعا ‪ ،‬وهو تمنِّي‬ ‫طبعا‬ ‫س َد (‪ 857﴾ )5‬الحس ُد ُخلُ ٌق‬ ‫ِ ٍ ِإ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫مذموم ً‬
‫ٌ‬ ‫﴿ َوم ْن َش ِّر َحاسد ذَا َح َ‬
‫ضى‬ ‫تقع إذا أم َ‬
‫ومضرتُه إنما ُ‬ ‫َّ‬ ‫الحاس ِـد‬
‫وشر ِ‬ ‫المحسود ‪ُّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫أنعم اهلل بها على‬ ‫زوال النعمة التي َ‬
‫شره‬‫أمر اهلل تعالى باالستِعاذةـ من ِّ‬ ‫سعى لإلضرار بالمحسود ‪ ،‬لذلكـ َ‬ ‫فأصاب بالعينـ أو َ‬ ‫َ‬ ‫حس َده‬
‫س َد (‪. 858﴾ )5‬‬ ‫ِ ٍ ِإ‬ ‫ِ‬
‫فقال‪َ ﴿ :‬وم ْن َش ِّر َحاس ـد ذَا َح َ‬
‫أنفسهم بهؤالء اآليات؛ لكانُواـ في مأم ٍن من‬ ‫وحصنُوا َ‬ ‫َّ‬ ‫توكلُوا على اهلل ‪،‬‬ ‫الناس َّ‬‫ولو أن َ‬
‫المحسود؛ فإنها‬ ‫اإلصابة بالعين ‪ ،‬كما أن ُسور َة الفلق من أكبر أد ِوية‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وسالمة من‬ ‫الحسد ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫حاس ِـد‬
‫شر ِ‬ ‫ومولِيها من ِّ‬ ‫بولي النعم ُ‬ ‫جاء إليه ‪ ،‬واالستِعا َذ َةـ ِّ‬ ‫ِ‬
‫التوك َل على اهلل ‪ ،‬وااللت َ‬ ‫تتضم ُن ُّ‬
‫َّ‬
‫توكل عليه ‪ ،‬وكافِي من لجَأ إليه‪.‬‬ ‫حسب من َّ‬ ‫ُ‬ ‫ومولِي النعم ‪ -‬سبحانه ‪ -‬هو‬ ‫النعمة ‪ُ ،‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫أمرهم‬ ‫ِِ‬
‫يصونُهم ‪ ،‬وبملكهم الذي َ‬ ‫أمر اهلل الناس أن يستعي ُذواـ بربِّهم الذي ُ‬ ‫عوذة الثانيةـ َ‬ ‫الم ِّ‬
‫وفي ُ‬
‫ول بينهم وبين عبادتِه؛ فإن‬ ‫تح ُ‬‫شر الشياطين التي ُ‬ ‫ونهاهم ‪ ،‬وبإلههم الذي يعبُدونَهـ ‪ ،‬من ِّ‬
‫الشر الذي يص ُد ُر منهم والذي ي ِر ُد عليهم‪.‬‬ ‫أصل ِّ‬ ‫الشيطا َن هو ُ‬
‫فذكر أنه‬ ‫َّاس (‪ 859﴾ )3‬؛ ألن في ِ‬ ‫َّاس (‪ِ )2‬إلَ ِه الن ِ‬ ‫ك الن ِ‬ ‫وإنما قال‪ ﴿ :‬ملِ ِ‬
‫الناس ُملو ًكا َ‬ ‫َ‬
‫يجب أن‬‫ومعبودهم ‪ ،‬وأنه هو الذي ُ‬ ‫ُ‬ ‫إلههمـ‬
‫فذكر أنه ُ‬ ‫غيره َ‬ ‫الناس من يعبُ ُد َ‬ ‫ملِ ُكهم ‪ ،‬وفي ِ‬
‫والملك‬
‫ُ‬ ‫لوك والعُظماء ‪ ،‬فهو ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ربُّهم ُّ‬
‫الحق ‪،‬‬ ‫يستعا َذـ به ويلجَأ إليه دون الم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ضرا‬
‫لنفسه ًّ‬ ‫ك ِ‬ ‫مربوب ال ِ‬
‫يلم ُ‬ ‫ستحق للعبادة وح َده ‪ ،‬وما دونَه فهو‬ ‫ُّ‬ ‫الم‬ ‫ُّ‬
‫ٌ‬ ‫الحق ‪ ،‬واإللهُـ الواح ُد ُ‬
‫شورا‪.‬‬
‫نفعاـ ‪ ،‬وال موتًا وال حيا ًة وال نُ ً‬ ‫وال ً‬
‫ف بأخطَر‬ ‫ص َ‬ ‫شره ‪ ،‬لكنَّهـ و ِ‬ ‫كل ِّ‬ ‫تعم َّ‬ ‫شر الوسواس الخنَّاس ‪ -‬وهو الشيطان ‪ُّ -‬‬ ‫واالستِعاذةُـ من ِّ‬
‫ُ‬
‫فسادا ‪ ،‬وهي‪ :‬الوسوسةُ التي هي بدايةُ‬ ‫وأعمها ً‬ ‫تأثيرا ‪،‬‬ ‫صفاتِه ‪ ،‬وأشدِّها ًّ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫شرا ‪ ،‬وأقواها ً‬

‫‪857‬‬
‫سورة الفلق‬
‫‪858‬‬
‫سورة الفلق‬
‫‪859‬‬
‫سورة الناس‬
‫‪605‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬ ‫القلب يكون فا ِرغًا من ِّ‬
‫الشر ‪،‬‬
‫حس ُن له ُّ‬ ‫الشر والمعصية ‪ ،‬فيُوس ِو ُ‬
‫س إليه ويُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫اإلرادة؛ فإن‬
‫الخير ويُثبِّطُه عنه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حسنة ‪ ،‬ويُ ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ويُ ِريهـ إيَّاهـ في‬
‫ط إرادتَهـ لفعله ‪ ،‬ويُقبِّ ُح له َ‬ ‫نش ُ‬ ‫صورة‬
‫الدِم ‪ ،‬كما َ‬ ‫ِ‬
‫ثبت في‬ ‫س ‪ ،‬يَ ْج ِري م ْن ابْ ِن َ‬
‫آد َم َم ْج َرى َّ‬ ‫س ويخنَ ُ‬‫دائما بهذه الحالـ يُوس ِو ُ‬‫وهو ً‬
‫"الصحيحين"‪.‬‬
‫وغفل‬ ‫سها‬ ‫قلب اب ِن آدم؛ فإذا َ‬ ‫قال ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ " :-‬الشيطا ُن جاثِ ٌم على ِ‬
‫َ‬
‫وتراجع‪.‬‬
‫َ‬ ‫هرب‬
‫ذكر اهللَ خنَس"؛ أي‪َ :‬‬ ‫وسوس ‪ ،‬وإذا َ‬ ‫َ‬
‫َّاس‬ ‫الجن ‪ ،‬يكو ُن من اإلنس ‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪:‬ـ ﴿ ِمن ال ِ‬
‫ْجن َِّة َوالن ِ‬ ‫والوسواس كما يكو ُن من ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أمر‬
‫وقل من يتنبَّهُ ل ُخطورتهم ‪ ،‬مع أن اهلل تعالى َ‬
‫تذكير ب ُخطورة شياطين اإلنس ‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫﴾ ‪ ،‬وفيه‬
‫والجن‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫نوعي الشياطين‪ :‬شياطين اإلنس‬ ‫شر َ‬ ‫ِ‬
‫السورة باالستِعاذة من ِّ‬ ‫نبيَّه في هذه‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫وردت عن النبي‬
‫وتتأك ُد قراءتُهما في المواطن التي َ‬‫َّ‬ ‫عوذتين تُشرعُ في كل ٍ‬
‫وقت ‪،‬‬ ‫الم ِّ‬
‫قراءةُ ُ‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬ومنها‪ :‬ما رواه عقبةُ بن عامر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ " :‬أمرنيـ‬
‫كل صالة "؛ أخرجهـ اإلمامـ‬
‫عوذاتـ ُدبُر ِّ‬ ‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن أقرَأ ُ‬
‫بالم ِّ‬ ‫ُ‬
‫وغيره‪.‬‬
‫وصححه الحاكم ُ‬
‫َّ‬ ‫أحمد وأبو داود والنسائيـ ‪،‬‬
‫روته عائشةُ ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬كان إذا‬ ‫ومنها‪ :‬ما َ‬
‫راشه َّ ٍ‬ ‫أوى إلى فِ ِ‬
‫َأح ٌد (‪)1‬‬‫نفث فيهما فقرَأ فيهما‪ ﴿ :‬قُ ْل ُه َو اللَّهُ َ‬ ‫كفيه ‪ ،‬ثم َ‬‫جمع َّ‬
‫كل ليلة َ‬ ‫َ‬
‫َّاس (‪ ، 862﴾ )1‬ثم‬ ‫ب الن ِ‬ ‫ب الْ َفلَ ِق (‪ ﴿ ، ﴾ )1‬قُ ْل َأعُوذُ بَِر ِّ‬
‫﴾ ‪ ﴿ ،‬قُ ْل َأعُوذُ بَِر ِّ‬
‫‪861‬‬ ‫‪860‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جسدهـ ‪،‬‬
‫أقبل من َ‬ ‫جسده ‪ ،‬يبدُأ بهما على رأسه ووجهه وما َ‬ ‫استطاع من َ‬
‫َ‬ ‫يمسح بهما ما‬‫ُ‬
‫ات"؛ أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫مر ٍ‬
‫ثالث َّ‬
‫يفعلـ ذلكـ َ‬
‫ُ‬
‫عوذتين ثالثًا في أذكار الصباح والمساء ‪ ،‬كما قال النبي ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫الم ِّ‬
‫سن قراءةُ ُ‬ ‫كما تُ ُّ‬
‫ال ‪:‬‬ ‫ْت ‪َ :‬ما َأقُ ُ‬
‫ول ؟ قَ َ‬ ‫بيب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " :-‬قُ ْل " َف ُقل ُ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬لعبد اهلل بن ُخ ٍ‬

‫‪860‬‬
‫سورة اإلخالص‬
‫‪861‬‬
‫سورة الفلق‬
‫‪862‬‬
‫سورة الناس‬
‫‪606‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يك ِم ْن‬
‫ات تَ ْك ِف َ‬
‫ث م َّر ٍ‬
‫صبِ ُح ثَاَل َ َ‬
‫ِ‬
‫ين تُ ْمسي َوتُ ْ‬
‫َ‬
‫" ﴿ قُل هو اللَّه َأح ٌد (‪ 863﴾ )1‬والْمع ِّو َذَتي ِن ِ‬
‫ح‬ ‫َ َُ ْ‬ ‫ْ َُ ُ َ‬
‫"حسن‬
‫ٌ‬ ‫ظ له ‪ ، -‬وقال‪:‬‬ ‫اإلمام أحمد وأبو داود والترمذي ‪ -‬واللف ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُك ِّل َش ْي ٍء " ؛ أخرجه‬
‫وغيره‪.‬‬
‫وصححه النووي ُ‬ ‫َّ‬ ‫صحيح" ‪،‬‬
‫ٌ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫غيره؛ عن عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪-‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفسهـ ‪ ،‬ويرقي بها َ‬
‫سلم َ‬‫الم ُ‬
‫عوذتان ُرقيةٌ يرقي بها ُ‬
‫والم ِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫عوذاتـ‬ ‫أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " -‬كان إذا اشت َكىـ يقرُأ على نفسه ُ‬
‫بالم ِّ‬
‫رجاء بركتِها "؛ متفق عليه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وين ُفث‪ .‬قالت‪ :‬فلما َّ‬
‫كنت أقرُأ عليه َ‬
‫وأمس ُح بيده َ‬ ‫اشتد وجعُه ُ‬
‫ض أح ٌد من أهلِه ن َف َ‬
‫ث‬ ‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا م ِر َ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫لمسلم‪ " :‬كان‬ ‫وفي ٍ‬
‫رواية‬
‫عوذاتـ "‪.‬‬‫بالم ِّ‬
‫عليه ُ‬
‫ِ‬
‫النفس قبل نُزول البالء؛ عن أبي سعيد ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪" -‬‬ ‫عوذتين تُقرُأ لتحصي ِن‬
‫الم ِّ‬
‫بل إن ُ‬
‫ِّ‬
‫الجان وعين اإلنسان ‪ ،‬فلما‬ ‫يتعوذُ من أعيُن‬
‫أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬كان َّ‬
‫واهما " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه‪.‬‬ ‫عوذتان أخ َذ بهما َ ِ‬
‫وترك ما س ُ‬ ‫الم ِّ‬
‫نزلَت ُ‬
‫الخمس ‪ ،‬وقبل النوم ‪ ،‬وفي الصباح‬ ‫ِ‬ ‫عوذتين َّ‬
‫تتأك ُد بعد الصلوات‬ ‫الم ِّ‬
‫وجملةُ ذلك‪ :‬أن قراءةَ ُ‬ ‫ُ‬
‫وللرقية وللتَّحصين‪.‬‬
‫والمساء ‪ُّ ،‬‬
‫جميعا من ُّ‬
‫الشرور واآلثامـ ‪ ،‬وأن يُعي َذنا من الفتنـ واألسقام‪.‬‬ ‫نسأل اهلل تعالىـ أن يُعي َذناـ ً‬
‫أقول قولي هذا ‪،‬‬
‫المرسلينـ ‪ُ ،‬‬
‫ونفعنا بهدي سيِّد ُ‬
‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫وأستغفر اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل حم ًدا كثيرا طيبا مبار ًكا فيه ‪ ،‬يجيب من ناداه ‪ ،‬ويجير المستجير ِ‬
‫بحماه ‪ ،‬ويُعي ُذ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ً ً ُ َ‬
‫شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا‬
‫َـ‬ ‫العاِئ َذ بكنَفهـ ِ‬
‫ويحميه ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫وبار َك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبِه أجمعين‪.‬‬
‫عب ُده ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬
‫‪863‬‬
‫سورة اإلخالص‬
‫‪607‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫برب الفلقـ ‪ ،‬والفلقـ هو‬ ‫من اللطاِئف في ُسورة الفلق‪:‬ـ أن االستِعاذ َةـ في ُمستهلِّها كانت ِّ‬
‫القادر‬
‫َـ‬ ‫بالذكر إيماءٌ بأن‬‫تخصيص الفلق ِّ‬ ‫ِ‬ ‫بح؛ بل هو كل ما ينفلِ ُق بالخير والبُشرى ‪ ،‬وفي‬
‫الص ُ‬
‫ُّ‬
‫يرفع‬
‫ظالم ‪ ،‬وأن َ‬ ‫كل ٍ‬ ‫زيل َّ‬ ‫على ِ‬
‫قادر على أن يُ َ‬ ‫بح وإزالَة ظلُمات الليل عن العالَمـ ٌ‬‫الص ِ‬
‫فلق ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِّ ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّوى‬
‫ب َوالن َ‬ ‫القوي القاد ِـر ﴿ ِإ َّن اللَّهَ فَال ُق ال َ‬
‫ْح ِّ‬ ‫يأس وال قُنو َط مع‬
‫لم عن كل مظلوم‪ .‬فال َ‬
‫ُّ‬
‫الظ َ‬
‫(‪. 864﴾ )95‬‬
‫شدة‬‫اإلصباح واإلشرا ُق بعد َّ‬ ‫والصبح يرمز لألمل الذي يولَ ُد من ِ‬
‫رح ِم المأساةـ ‪ ،‬ويأتي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ ُ ُ ُ‬
‫والفرج‪.‬‬
‫تاف لليُسر َ‬ ‫األمور وبلغَت غايتَها ‪ ،‬فهو ُه ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ج إذا ضاقَت‬ ‫الفر ُ‬
‫الظالم ‪ ،‬كما يأتي َ‬
‫أهل ُسوريا بُطغيان‬ ‫الحال على ِ‬‫ونرجوه هذه األيام ‪ ،‬ومهما ضاقَت ُ‬ ‫ؤملُه ُ‬ ‫وهذا هو الذي نُ ِّ‬
‫وتعليق أملِهم‬
‫َ‬ ‫المؤمنين‬
‫صبر ُ‬
‫أهل ملته في الخارِج ‪ ،‬إال أن َ‬
‫عدوهم ‪ ،‬وتكالُبـ إخوانِه من ِ َِّ‬ ‫ِّ‬
‫تنتص ُر إال لمصالِ ِحها‪.‬‬
‫باهلل وح َده بعد ما خ َذلَتهم ال ُقوى التي تزعُم نُصر َة الضعيف ‪ ،‬وهي ال ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫النصر مع الصب ِر ‪،‬‬ ‫الكر ِـ‬ ‫ِ‬
‫ب ‪ ،‬وإن َ‬ ‫الفر َج مع ْ‬ ‫قريب؛ فإن َ‬ ‫بفر ٍج ‪ -‬إن شاء اهلل ‪ٌ -‬‬ ‫ذلك ُمؤذ ٌن َ‬
‫سرا‪.‬‬‫وإن مع العُسرـ يُ ً‬
‫الفرج‬‫أهم مفاتيح َ‬ ‫واإلكثار من االستِغفار الذي هو من ِّ‬ ‫ُ‬ ‫والمطلوب هو صد ُق اللَّجِأ إلى اهلل ‪،‬‬
‫ُ‬
‫صبر ساعة‪.‬‬
‫‪ ،‬وتوحي ُد الكلمة ‪ ،‬ونب ُذ الخالف‪ .‬وإنما الشجاعةُ ُ‬
‫ِ‬
‫الح َّكام ‪ -‬فإن َ‬
‫الناس لهم تبَ ٌع ‪ ،‬وفي األمةـ‬ ‫نصر إخوانهم ‪ -‬سيَّما ُ‬ ‫المسلمين القادرين ُ‬ ‫وعلى ُ‬
‫األخ أخاه في‬‫إسالم ِ‬ ‫ِ‬
‫وإيقاف الفساد؛ فإن‬ ‫كف العُدوانـ ‪،‬‬ ‫كثير‪ .‬فال تألُوا ُجه ًدا في ِّ‬
‫َ‬ ‫خير ٌ‬ ‫ٌ‬
‫دفع للبالء عنَّا في‬ ‫ومماثِلة ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ساعة َّ ِ‬
‫والدفع عن إخوانناـ في ُسوريا ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الشدة ُمؤذ ٌن بعقوبة عاجلة ُ‬
‫العاجلة ِ‬
‫واآلجلة‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫محمد بن عبد اهلل‪.‬‬ ‫المسداة‪:‬‬
‫المهداة ‪ ،‬والنعمة ُ‬ ‫ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمةـ ُ‬
‫وارض‬
‫َ‬ ‫محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولِك‬ ‫اللهم ِّ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫صحابة رسولِك أجمعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬ ‫ِ‬ ‫اللهم عن‬
‫ِ‬
‫والمالحدةَ‬ ‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬واخ ُذلـ الطغاةَ‬ ‫أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫اللهم ِ‬
‫المؤمنين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعبادك ُ‬
‫َ‬ ‫دينك وكتابَك وسنةَ نبيك‬
‫انصر َ‬
‫والمفسدينـ ‪ ،‬اللهمـ ُ‬
‫ُ‬

‫‪864‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪608‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ؤم ُر‬ ‫ِ‬ ‫اللهم أب ِرم لهذه األمةـ أمر ر ٍ‬


‫أهل معصيتك ‪ ،‬ويُ َ‬‫أهل طاعتك ‪ ،‬ويُه َدى فيه ُ‬ ‫عز فيه ُ‬ ‫شد يُ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫المنكر يا رب العالمين‪.‬‬ ‫فيه بالمعروف ‪ ،‬ويُ َنهى عن ُ‬
‫ور َّد كي َده في نح ِر ِه ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫اإلسالم والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه ‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫أراد‬
‫اللهم من َ‬
‫الس ِ‬
‫وء عليه يا رب العالمين‪.‬‬ ‫دائرةَ َّ‬
‫جاهدين في سبيلك في فلسطين ‪ ،‬وفي بالد الشام ‪ ،‬وفي كل ٍ‬
‫مكان يا رب‬ ‫اللهم انصر الم ِ‬
‫ُ ُ‬
‫صارهم ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهم ‪ ،‬واكبِت َّ‬
‫عدوهم‪.‬‬ ‫العالمينـ ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫حرر المسج َد األقصى من ظُلم الظالمين ‪ ،‬وعُدوان ُ‬
‫اللهم ِّ‬
‫أحوال المسلمين في كل ٍ‬
‫مكان يا‬ ‫َـ‬ ‫أحوال إخوانناـ في كل مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح‬
‫َـ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫واجمعهم على الهدى ‪،‬‬
‫َ‬ ‫رب العالمين ‪ ،‬اللهم أصلِح أحوالَهم في مصر وفي كل مكان ‪،‬‬
‫رارهمـ ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهم‪.‬ـ‬ ‫ِ ِ‬
‫واكفهم ش َ‬
‫اللهم ُكن إلخواننا في سوريا ‪ ،‬اللهم اجمعهم على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫احقن دماءهمـ ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعراضهم ‪ ،‬واربِط على‬
‫َ‬ ‫وس َّد َخلَّتهم ‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهمـ ‪ ،‬واح َفظ‬ ‫وآمن روعاتهمـ ‪ُ ،‬‬
‫وانصرهمـ على من بغَىـ عليهم يا حي يا قيوم ‪ ،‬يا ذا الجالل‬
‫ُ‬ ‫أقدامهمـ ‪،‬‬
‫قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫واإلكرام‪.‬‬
‫للبر والتقوى ‪،‬‬
‫وخذ به ِّ‬ ‫تحب وترضى ‪ُ ،‬‬ ‫خادم الحرمين الشريفين لما ُّ‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي أمرناـ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لباس الصحة ‪ ،‬اللهمـ وفِّقه َ‬
‫ونائب ْيه وإخوانَهمـ وأعوانَهم لما‬ ‫اللهم أت َّم عليه عافيَتك ‪ ،‬وألبسه َ‬
‫صالح العبادـ والبالد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فيه‬
‫ٍ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫شرعك ‪ ،‬واتباع سنة نبيِّك‬ ‫اللهم وفِّق وال َة أمور المسلمين لتحكيم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والرخاءـ في بالدنا وبالد‬ ‫َ‬ ‫األمن‬
‫شر َ‬ ‫المؤمنين‪ .‬اللهم ان ُ‬ ‫وسلم ‪ ، -‬واجعلهم رحمةً على عبادك ُ‬
‫سنَةً َوفِي اآْل ِخ َر ِةـ‬ ‫شر األشرار ‪ ،‬وكي َد ال ُف َّجار‪َ ﴿ .‬ر َّبنَا آتِنَا ِفي ُّ‬
‫الد ْنيَا َح َ‬ ‫واكفنا َّ‬ ‫ِ‬ ‫المسلمين ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَا فِي َْأم ِرنَا َو َثبِّ ْ‬ ‫ِ‬
‫اب النَّا ِر (‪َ ﴿ ، ﴾ )201‬ر َّبنَا ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫ِ‬
‫‪865‬‬
‫ت‬ ‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫َح َ‬
‫ِ ِ‬
‫ين (‪. 866﴾ )147‬‬ ‫ص ْرنَا َعلَى الْ َق ْوم الْ َكاف ِر َ‬
‫َأقْ َد َامنَاـ َوانْ ُ‬

‫‪865‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪866‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪609‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫رضيك آمالَنا ‪ ،‬اللهم اغفر‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبَنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ووالديهم وأزواجنا وذُ ِّرياتناـ ‪ ،‬إنكـ‬ ‫ِ‬
‫ولوالدينا‬ ‫لنا‬
‫ُ‬
‫اللهم إنا نسألُكـ ِرضاك والجنةَ ‪ ،‬ونعوذُ بك من س َخ ِطك والنار‪.‬‬
‫ونتوب إليه ‪ ،‬اللهم‬ ‫القيوم‬ ‫الحي‬ ‫ِ‬
‫نستغف ُـر اهلل الذي ال إله إال هو َّ‬ ‫ِ‬
‫نستغف ُر اهلل ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نستغف ُر اهلل ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغني ونحن الفقراء ‪ ،‬أن ِزل علينا َ‬
‫الغيث وال تجعلنا من‬
‫سحا غ َدقًا‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬ ‫القانِ ِطين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫ِ‬
‫وتسقي به العباد ‪ ،‬وتجعلُه بالغًا‬ ‫ضار ‪ ،‬تُحيِي به البالد ‪،‬‬
‫غير ٍّ‬ ‫طب ًقا ُمجلِّالً ‪ًّ ،‬‬
‫نافعا َ‬
‫عاما ً‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫عذاب‬ ‫للحاضر والب ِ‬
‫اد‪.‬ـ اللهمـ ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬ال ُسقيا‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنكـ أنت‬ ‫هدم وال ٍ‬
‫غرق‪ .‬ربَّنا تقبَّل منا إنكـ أنت‬ ‫بالء وال ٍ‬‫وال ٍ‬
‫ُ‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬الهمةُ العاليةُـ‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادسـ عشر من جمادى اآلخرةـ من عام ‪1434‬هـ‬

‫‪ -‬الهمةُ العاليةُ ‪-‬‬

‫‪610‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪ " :‬الهمةُ‬
‫تحدث فيها عن ال ِه َمم العاليةـ ووجوب التحلِّي بها ‪ ،‬والترفُّع عن سوافِل‬
‫العاليةُ " ‪ ،‬والتي َّ‬
‫ِ‬
‫ضب‪ :‬كتاب اهلل‬ ‫والمعين الذي ال ين َ‬ ‫ال ِه َمم ‪ ،‬وذ ّكر بضرورة الرجوع إلى َ‬
‫المنهل الصافيـ ‪َ ،‬‬
‫ات‪.‬ـ‬‫ات ون َكب ٍ‬
‫حل بها من كبو ٍ‬
‫ض األمةُـ مما َّ‬
‫َ‬ ‫ََ‬ ‫تنه َ‬
‫وسنة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬حتى َ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الورى ‪ ،‬ليكونوا للعالمين‬ ‫ِئ‬ ‫ودرى ‪َّ ،‬‬


‫وقدر ألوليا ه الخير َة على كل َ‬ ‫الخلق َ‬
‫َ‬ ‫الحمد هلل خلق‬
‫الذ َرى ‪ ،‬ويظهروا بدينهم على كل ال ُقرىـ ‪ ،‬أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ‬ ‫في ُش ِّم ُّ‬
‫وطَئ الث ََّرى ‪ ،‬صلَّى اهلل‬ ‫شك وال امتِرا ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسولُه خير من ِ‬ ‫له وال َّ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫الش َرى ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬ ‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وأصحابِه أسود َّ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫وسلَّم َ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِـه َواَل‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫بأوثق العُرىـ ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الذ َ‬ ‫واعتصموا منه ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالى‬
‫تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمو َن (‪. 867﴾ )102‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫القمم ‪ ،‬وتُ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وص ُل إلى معاليـ‬ ‫مم تعلُو باألمم إلى أعاليـ َ‬ ‫شرف ومقص ٌد ‪ ،‬ال ِه ُ‬ ‫الهمةُ العاليةُـ ٌ‬
‫ين ُأوتُوا‬ ‫آمنُوا ِم ْن ُك ْم َوالَّ ِذ َـ‬‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫والرفعةُ منحةٌ إلهية ‪َ ﴿ ،‬ي ْرفَ ِع اللَّهُ الذ َ‬ ‫األمور ومحاسن ِّ‬
‫الشيَم ‪ِّ ،‬‬
‫ات (‪. 868﴾ )11‬‬ ‫ال ِْعل َـ‬
‫ْم َد َر َج ٍـ‬
‫وأوصى نبيَّه باالقتِداء‬ ‫َ‬ ‫رسلين ‪،‬‬ ‫أثنَى اهلل تعالى على أصحاب ال ِه َمم العالية من األنبياء ُ‬
‫والم َ‬
‫الر ُس ِـل (‪. 869﴾ )35‬‬ ‫صَب َر ُأولُو ال َْع ْزِم ِم َن ُّ‬
‫اصبِ ْر َك َما َ‬ ‫بهم ‪ ،‬فقال له‪ ﴿ :‬فَ ْ‬

‫‪867‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪868‬‬
‫سورة المجادلة‬
‫‪869‬‬
‫سورة األحقاف‬
‫‪611‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫همتُهم في مواطن البأس والجلَد ‪ ،‬والعزيمةـ والثباتـ ‪،‬‬ ‫كما أثنَى على أوليائه الذينـ كبُرت َّ‬
‫ضى‬ ‫اه ُدوا اللَّهَ َعلَْي ِه فَ ِم ْن ُه ْم َم ْن قَ َ‬ ‫ص َدقُوا َما َع َ‬ ‫ين ِر َج ٌـ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ال َ‬ ‫والقوة في دين اهلل ‪ ﴿ ،‬م َن ال ُْمْؤ من َ‬
‫نَ ْحبَهُ َو ِم ْن ُه ْم َم ْن َي ْنتَ ِظ ُر َو َما بَ َّدلُوا َت ْب ِدياًل (‪.870 ﴾ )23‬‬
‫ات (‪. 871﴾ )148‬‬ ‫استَبِ ُقوا الْ َخ ْي َر ِـ‬ ‫ِ‬
‫وأمر اهلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬بالتنافُس في المعاليـ ‪ ،‬فقال‪ ﴿ :‬فَ ْ‬ ‫َ‬
‫ْجن َِّة ِماَئةَ َد َر َج ٍة ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫علو ال ِه َّمة ‪ ،‬فقال‪ِ " :‬إ َّن في ال َ‬ ‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أمتَه َّ‬ ‫وعلَّم ُّ‬
‫ض ‪ ،‬فَِإ ذَا‬ ‫اَألر ِ‬ ‫ين فِي سبِيلِ ِه ‪ ،‬ما بين ُك ِّل درجتي ِن َكما بين َّ ِ‬ ‫اه ِد َـ‬‫َأع َّدها اللَّه َتعالَىـ لِلْمج ِ‬
‫الس َماء َو ْ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َْ َ‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫ط ال ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ْح َم ِـن َتبَ َار َك َوَت َعالَى ‪،‬‬ ‫ش َّ‬ ‫ْجنَّة ‪َ ،‬و َف ْوقَهُ َع ْر ُ‬ ‫س ‪ ،‬فَِإ نَّهُ َو َس ُ َ‬ ‫َسَألْتُ ُموا اللَّهَ فَ ْ‬
‫اسَألُوهُ الْف ْر َد ْو َ‬
‫ْجن َِّة " ؛ أخرجهـ البخاري‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ار ال َ‬‫َوم ْنهُ َت َف َّج ُر َأْن َه ُ‬
‫همتُكم؛ فإني لم َأر‬ ‫رن َّ‬ ‫وروي عن عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أنه قال‪" :‬ال تصغُ َّ‬ ‫ُ‬
‫المكرمات من صغر ال ِه َمم"‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أقع َد عن‬
‫سلَ َخ ِم ْن َها‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫المهازيل الهابطينـ إلى األهواء ‪َ ﴿ ،‬واتْ ُل َعلَْي ِه ْم َنبََأ الذي آَت ْينَاهُ آيَاتنَا فَانْ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫وذم اهلل‬‫َّ‬
‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين (‪َ )175‬ولَ ْو شْئ نَا لََر َف ْعنَاهُ بِ َها َولَكنَّهُ َأ ْخلَ َد ِإلَى ْ‬
‫اَأْلر ِ‬ ‫الش ْيطَا ُن فَ َكا َن ِم َن الْغَا ِو َـ‬‫فََأْتَب َعهُ َّ‬
‫ين‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ث ذَلِ َ‬ ‫ْب ِإ ْن تَ ْح ِم ْل َعلَْي ِه َيل َْه ْ‬ ‫َو َّاتبَ َع َه َواهُ فَ َم َثلُهُ َك َمثَ ِل الْ َكل ِ‬
‫ك َمثَ ُل الْ َق ْوم الذ َ‬ ‫ث َْأو َت ْت ُر ْكهُ َيل َْه ْ‬
‫ِ‬
‫ص لَ َعلَّ ُه ْم َيَت َف َّك ُرو َن (‪. 872﴾ )176‬‬ ‫ص َ‬ ‫ص الْ َق َ‬ ‫ْص ِ‬ ‫َك َّذبُوا بِآيَاتنَاـ فَاق ُ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫رخاء ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والعجز والسكو َن واالست َ‬ ‫َ‬ ‫مول‬
‫الكسل وال ُخ َ‬ ‫َـ‬ ‫يقبل من أتباعه‬ ‫إن دينًا هذا شأنُهـ ال ُ‬
‫ب (‪. 873﴾ )8‬‬ ‫ك فَ ْارغَ ْ‬ ‫ب (‪َ )7‬وِإلَى َربِّ َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ت فَانْ َ‬ ‫الهمة والفتور ‪ ﴿ ،‬فَِإ ذَا َف َر ْغ َ‬ ‫وضعف َّ‬ ‫َ‬
‫المروءات فقد كان من أوائل ما ُِأمر به نبيُّنا‬ ‫ِ‬
‫طلب الراحة في الدنيا ال يص ُّح ألهل ُ‬ ‫وألن َ‬
‫محم ٌد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ﴿ :-‬يَا َُّأي َها ال ُْم َّز ِّم ُل (‪ )1‬قُ ِم اللَّْي َل ِإاَّل قَلِياًل (‪. 874﴾ )2‬‬
‫وتربُوا ألجل اهلل ‪،‬‬ ‫وهجروا األوطان ‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فضحى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وأصحابُه ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫نجوا من األحزاب ‪ ،‬ون َفروا في‬ ‫انتصروا في بد ٍر ‪ ،‬وبالصبر واليقين َ‬ ‫وبالتضحيات الجسام َ‬
‫‪870‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪871‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪872‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪873‬‬
‫سورة الشرح‬
‫‪874‬‬
‫سورة الزمل‬
‫‪612‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِإ‬ ‫ِ‬
‫أحلَك الظروف إلىـ تبوك ‪ ،‬وتبعوا نبيَّهم في ساعة العُسرة ‪ ،‬ولما قيل لهم‪َّ ﴿ :‬ن الن َ‬
‫َّاس قَ ْد‬
‫زادهم ذلك إيمانًا وثباتًا ‪ ،‬وقالوا‪َ ﴿ :‬ح ْس ُبنَا اللَّهُ‬
‫‪875‬‬
‫ش ْو ُه ْم (‪َ ، ﴾ )173‬‬ ‫َج َمعُوا لَ ُك ْم فَا ْخ َ‬
‫يل (‪. 876﴾ )173‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َون ْع َم ال َْوك ُ‬
‫رام؛ بل علَت ِه َممهم حتى‬ ‫ِ‬
‫الصحب الك ُ‬
‫ُ‬ ‫يكسلـ‬
‫وبعد وفاة النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬لم َ‬
‫أعظم حضارتَين ‪ ،‬وخ َف َقت راياتُهم في روابِي المشر َق ْين ‪ ،‬وملئوا الدنيا حضارةً‬ ‫غلَبوا َ‬
‫ضرب‬ ‫التأريخ لقيل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫القلوب ‪ ،‬وتأخ ُذ باأللبابـ ‪ ،‬ولوال‬ ‫وسي ٍر ِ‬
‫تأس ُر‬ ‫وعلما وه ًدى في أخبا ٍر ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ً ُ‬
‫من األحالم‪.‬‬
‫الوحي ‪ ،‬فتعلَّ َقت بالسماء ‪ ،‬اصطفاهمـ‬ ‫ُ‬ ‫لكن قلوبَهم صاغَها‬ ‫بشرا من البشر ‪َّ ،‬‬ ‫ولقد كانوا ً‬
‫ونجحوا‪.‬‬‫وامتحنَهم ‪ ،‬فص َدقوا َ‬ ‫َ‬ ‫اهلل‬
‫وهكذاـ ربَّى النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الصحابةَ ‪ ،‬حتى صاروا قاد َة األمة في العلمـ‬
‫والجهاد والقيادة‪.‬ـ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫أصبح‬
‫َ‬ ‫قلوب أبناِئها ‪ ،‬ليُصبِحوا رجاالً ‪ ،‬فقد‬
‫ش ُّد على ِ‬ ‫ٍـ‬
‫بحاجة إلىـ من ي ُ‬ ‫إن األمةَـ اليوم‬
‫ٍ‬
‫تضحية‬ ‫ٍ‬
‫محدودة ‪ ،‬دون‬ ‫عمل يسي ٍر أو ٍ‬
‫طاعة‬ ‫بمجرد ٍ‬‫أنفسهمـ من أهل الجنة َّ‬ ‫الكثيرون ُّ‬
‫يعدون َ‬ ‫ُ‬
‫جرد سلُ ٍ‬
‫وك‬ ‫وكأن اهلل لن يت ِ‬
‫وفداء‪َّ .‬‬ ‫ٍ‬
‫أصبح اإلسالم عند البعض ُم َّ ُ‬
‫َ‬ ‫َّخ َذ منا شهداء ‪ ،‬حتى لقد‬
‫ويتفو ُق عليهم آخرون‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫غيرهم ‪،‬‬ ‫اجتماعي ربما يُشا ِر ُكهم فيه ُ‬ ‫ٍّ‬
‫ْجنَّةَ َولَ َّما يَْأتِ ُك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ألم يعلَموا أنه تكاليف شاقَّة ‪،‬‬
‫وعمل وامتحا ٌن؟! ﴿ َْأم َحس ْبتُ ْم َأ ْن تَ ْد ُخلُوا ال َ‬ ‫ٌ‬
‫آمنُوا‬
‫ين َ‬ ‫ول َوالَّ ِذ َـ‬ ‫الر ُس ُ‬
‫ول َّ‬ ‫ْأساءُ َوالض ََّّراءُ َو ُزلْ ِزلُوا َحتَّى َي ُق َ‬ ‫ين َخلَ ْوا ِم ْن َق ْبلِ ُك ْم َم َّ‬
‫س ْت ُه ُم الْبَ َ‬ ‫َمثَ ُل الَّ ِذ َـ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب (‪. 877﴾ )214‬‬ ‫ص َر اللَّه قَ ِر ٌ‬
‫ص ُر اللَّه َأاَل ِإ َّن نَ ْ‬ ‫َم َعهُ َمتَى نَ ْ‬
‫ف‬‫اشتهى ‪ ،‬ويص ِر ُ‬ ‫ط ألوا َن الطعام كلما َ‬ ‫ويبس ُ‬
‫ُ‬ ‫الفراش جنبَه ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يمل‬
‫ينام حتى َّ‬ ‫إذا كان المرءُ ُ‬
‫وغالب ساعاته في‬ ‫ِ‬ ‫صرف ج ِّل ِ‬
‫يومه‬ ‫ِ‬ ‫سامرة ‪ ،‬وال يرع ِوي عن‬
‫ُ‬ ‫والم َ‬ ‫للتسوق ُ‬ ‫األوقاتـ الطويلة ُّ‬

‫‪875‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪876‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪877‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪613‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ركض الوحوش في‬‫َ‬ ‫وراء الدنياـ‬


‫ض َ‬ ‫المل ِهيات ‪ ،‬وير ُك ُ‬ ‫ُّ‬
‫تصفح األجهزة اإللكترونيةـ ‪ ،‬أو ُمتابعة ُ‬
‫بأم ٍة؟‬ ‫ٍ‬
‫نهوض َّ‬ ‫ٍ‬
‫عدوان أو‬ ‫الب ِّريَّةـ ‪ ،‬فمتى يُنتِ ُج؟ أو يصلُح ِّ‬
‫لرد‬ ‫َ‬
‫والتعب‪.‬‬
‫بالكد َ‬ ‫إن معالِ َـي األمور والطُموحات ال ُكبرىـ ال تأتي إال ِّ‬
‫ِ‬ ‫يج ُد أنه ما من ٍ‬
‫والناظر في حالـ اُألممـ ِ‬
‫مراتب المجد وسطََّرت َ‬
‫اسمها على‬ ‫ِ‬ ‫أمة ترقَّت في‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫للجهد في كل‬ ‫ٌـ‬
‫وبذل ُ‬ ‫يات ِج ٌ‬
‫سام ‪،‬‬ ‫وتضح ٌ‬ ‫كبير‬
‫عمل ٌ‬ ‫وراء ذلك ٌ‬ ‫صفحات التاريخ إال كان َ‬
‫الميادين‪.‬ـ‬
‫ِ‬
‫والناشئة‬ ‫تحمل أبناِئها لمسؤولياتِهم ‪ ،‬واستِعداد الشبابـ‬ ‫إن اُألمم ال تكو ُن كذلك بغير ُّ‬
‫إهمال ِ‬
‫الناشئةـ ‪ ،‬وعدم تربيتهم على‬ ‫والتضح ِية والعطاء ‪ ،‬مما يجعلُنا نتبيَّن خطور َة ِ‬
‫ِ‬ ‫للبَ ِ‬
‫ذل‬
‫ُ‬
‫الج ِّد واستِشعار المسؤولية‪.‬‬
‫ِ‬
‫الطاهر جوهرةٌ نفيسةٌ؛ فإن‬
‫ُـ‬ ‫"والصبي أمانةٌ عند وال َديْهـ ‪ ،‬وقلبُه‬
‫ُّ‬ ‫الغزالي ‪ -‬رحمه اهلل ‪:-‬‬
‫ُّ‬ ‫قال‬
‫إهمال‬
‫َ‬ ‫الشر ِ‬
‫وُأهم َل‬ ‫وسع َـد في الدنيا واآلخرةـ ‪ ،‬وإن عُ ِّود َّ‬ ‫ُع ِّو َد الخير وعُلِّمه نشَأ عليه ‪ِ ،‬‬
‫َ َ‬
‫هذبه ويعلِّمه ِ‬ ‫ِئ ِ‬
‫محاس َن األخالق"‪.‬‬ ‫البها م شق َي وهلَك‪ .‬وصيانتُه بأن يُؤدِّبَه ويُ ِّ َ ُ َ‬
‫ُّ‬
‫يستحقه من العناية؛‬ ‫األمر ما‬ ‫ِ‬
‫وإذا نظرنا إلى أحوال السابقينـ من َّأمتنا نج ُد أنهم أعطَوا هذا َ‬
‫عاب دون كلَ ٍل أو ملَ ٍل ‪ ،‬وب َذلوا‬ ‫والص َـ‬ ‫َّ‬
‫المشاق ِّ‬ ‫تحملُوا‬
‫بحيث نشَأ أبناُؤ هم نشأةً سويَّةً ‪َّ ،‬‬
‫لهذاـ الدين ول ِرفعة األمة دون َم ٍّن‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫بن عن‬
‫والج ُ‬
‫ُ‬ ‫والركو ُن إليها ‪،‬‬
‫حب الدنيا ُّ‬
‫والضعف الذي تُعانيـ منه َّأمتُنا اليوم سببُه‪ُّ :‬‬
‫َ‬ ‫الوهن‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫الحظوظ‪.‬‬
‫اإلقدام خشيةَ التلَف أو فوات ُ‬
‫اُأْلم ُم‬ ‫عن ثوبان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ي ِ‬
‫ك َ‬ ‫وش ُ‬ ‫ُ‬
‫ال قَاِئ ٌل ‪َ :‬و ِم ْن قِلَّ ٍة نَ ْح ُن َي ْو َمِئ ٍذ ؟‬
‫ص َعتِ َها " ‪َ ،‬ف َق َ‬
‫اعىـ اَأْل َكلَةُ ِإلَىـ قَ ْ‬
‫اعىـ َعلَْي ُك ْم َك َما تَ َد َ‬ ‫َأ ْن تَ َد َ‬
‫ص ُدو ِر َع ُد ِّو ُك ُم‬ ‫ِ‬ ‫ال ‪ " :‬بَ ْل َأْنتُ ْم َي ْو َمِئ ٍذ َكثِ ٌير ‪َ ،‬ولَ ِكنَّ ُك ْم غُثَاءٌ َكغُثَ ِاء َّ‬
‫الس ْي ِل ‪َ ،‬ولََي ْن ِز َع َّن اللَّهُ م ْن ُ‬ ‫قَ َ‬
‫ول اللَّ ِه ! َو َما ال َْو ْه ُن ؟‬ ‫ال قَاِئ ٌل ‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ال َْم َهابَةَ ِم ْن ُك ْم ‪َ ،‬ولََي ْق ِذفَ َّن فِي ُقلُوبِ ُك ُـم ال َْو ْه َن " ‪ ،‬قَ َ‬
‫ت " ؛ رواه اإلمام أحمد وأبو داود ٍ‬ ‫الد ْنيا و َكر ِاهيةُ الْمو ِ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بسند‬ ‫ب ُّ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫"ح ُّ‬‫ال ‪ُ :‬‬ ‫قَ َ‬
‫‪614‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫اب الْب َق ِر ‪ ،‬ور ِ‬
‫ضيتُ ْم‬ ‫ََ‬ ‫وقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إ َذا َتبَ َاي ْعتُ ْم بِال ِْعينَ ِة ‪َ ،‬و َ‬
‫َأخ ْذتُ ْـم َأ ْذنَ َـ َ‬
‫ط اللَّهُ َعلَْي ُك ْم ذُاًّل اَل َي ْن ِزعُهُ َحتَّى َت ْر ِجعُوا ِإلَى ِدينِ ُك ْم " ؛ رواه‬ ‫اد ‪َ ،‬سلَّ َ‬ ‫الزر ِع ‪ ،‬وَتر ْكتُم ال ِ‬
‫ْج َه َ‬ ‫ب َّ ْ َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بإسناد‬ ‫أبو داود‬
‫الرخيص والمل ِهيات ل ِهي المخدِّرات الم ِ‬ ‫َّ‬
‫قعداتـ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ِ ُ‬ ‫والفن‬
‫والملذاتـ ِّ‬ ‫الش َهوات‬‫إن اإلغرا َق في َّ‬
‫القريب‬
‫َ‬ ‫التاريخ‬
‫َ‬ ‫العزةـ والكرامةـ ‪ ،‬واقرأوا التاريخ ‪ ،‬اقرأوا‬ ‫عيق مسيرةَ األمةـ نحو مراقِي َّ‬ ‫التي تُ ُ‬
‫وامتدتـ مأساتُها ‪،‬‬‫َّ‬ ‫شه األمةـ ‪،‬‬ ‫طال التِّيهُ الذي تعي ُ‬ ‫والبعي َد ‪ ،‬ثم اعتبِروا يا أولي األبصار‪ .‬لقد َ‬
‫قتام ليلها‪.‬‬ ‫وزاد ُ‬ ‫َ‬
‫أمم بعد كبَواتِها ‪ ،‬وتتابُع عافيتها بعد‬ ‫نهوض ٍ‬ ‫ِ‬ ‫السالِفةـ سرعةَ‬‫عام َّ‬‫ولقد رأينا في المائة ٍ‬
‫ومحنًا‪ .‬وليس هذا إعجابًا بالغرب؛ـ إنما هو‬ ‫ن َكباتهاـ ‪ ،‬وقد القَت حروبا وفتنا ‪ ،‬وطواعينا ِ‬
‫ً‬ ‫ً ً‬ ‫َ‬
‫فتن في كل شه ٍر مر ًة أو مرتين ‪ ،‬ثم ال يتوبون وال هم‬ ‫الشرق الذي يُ ُ‬ ‫ب من حال َّ‬ ‫تعج ٌ‬
‫ُّ‬
‫عام مر ًة أو مرتين ثم ال يتوبون وال هم‬ ‫قوما يُفتَنون في كل ٍ‬ ‫عاب اهلل ً‬ ‫يذ َّكرون ‪ ،‬وقد َ‬ ‫َّ‬
‫يذ َّكرون‪.‬‬ ‫َّ‬
‫جمع الدنياـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العرب َ‬
‫ُ‬ ‫يستطيع‬
‫ُ‬ ‫للعز والكرامةـ ‪ ،‬فقد‬ ‫صاـ ِّ‬ ‫جمع الدنياـ وعتادها ليس سبيالً خال ً‬ ‫إن َ‬
‫الح المشرق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫جمعوا س َ‬ ‫ظهورهم لتعاليمـ دينهم ‪ ،‬ثم َ‬ ‫من أي مكان ‪ ،‬لكنَّهمـ لو أداروا َ‬
‫والمغرب فلن يُد ِركوا به إال ذُ َّل الدهرـ وخذال َن األبَد‪.‬‬
‫ظاهرا وباطنًا ‪،‬‬
‫لعزهمـ ‪ ،‬وهو العودةُ إلى اإلسالم ً‬
‫المسلمين إال طري ٌق واح ٌد ِّ‬
‫فليس أمام ُ‬
‫الشرف والكرامةـ‬ ‫وطريق َّ‬ ‫وحسن العمل ‪،‬‬ ‫ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫السلَف األول في صدق اإليمان ُ‬ ‫وترس ُم ُخطَى َّ‬
‫ُّ‬
‫بم كانوا أمة ‪ ،‬وكيف صار لهم في التاريخ وجود‪ .‬علينا ُمراجعةـ‬ ‫المسلمون َ‬
‫ف ُ‬ ‫أساسهـ أن يع ِر َ‬
‫ُ‬
‫أن ُفسنا وحالِناـ أوالً‪.‬‬
‫سيء وننتظر‬ ‫صاب من الداخل ‪ ،‬وليس لنا أن نُ َ‬ ‫صاب من الخارج إال بعد أن تُ َ‬ ‫وإن األمةَـ ال تُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫من اهلل اإلحسانـ ‪ ﴿ ،‬تِل َ‬
‫ادا‬
‫سً‬ ‫ض َواَل فَ َ‬ ‫ين اَل يُ ِري ُدو َن ُعلُ ًّوا في ْ‬
‫اَأْلر ِ‬ ‫الد ُار اآْل خ َرةُـ نَ ْج َعلُ َها للَّذ َ‬
‫ْك َّ‬
‫ض يَ ِر ُث َهاـ‬
‫اَأْلر َ‬
‫َأن ْ‬ ‫الزبُو ِر ِم ْن َب ْع ِد ِّ‬
‫الذ ْك ِر َّ‬ ‫ين (‪َ ﴿ ، 878﴾ )83‬ولََق ْد َكتَْبنَا فِي َّ‬ ‫والْعاقِبةُ لِل ِ‬
‫ْمتَّق َ‬
‫َ َ َ ُ‬
‫الصالِ ُحو َن (‪. 879﴾ )105‬‬ ‫ي َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫عبَاد َ‬
‫‪878‬‬

‫‪879‬‬
‫سورة األنبياء‬
‫‪615‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫الذكي فحسب؛ بل أن يكون ذا ٍ‬
‫قلب‬ ‫َّ‬ ‫الصالح لعمارة األرض ووراثتِها ليس هو‬ ‫َ‬ ‫إن اإلنسا َن‬
‫نور التوحيد‬‫غذي ذلك ُ‬ ‫َّزوات ‪ ،‬يُ ِّ‬‫جماح الهوى والن َ‬
‫َ‬ ‫تكبح‬
‫وتقوى ُ‬ ‫حي ‪َ ،‬‬ ‫سليم ‪ ،‬وضمي ٍر ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫الفاضلة‪.‬ـ‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إلىـ هذه القيادةـ الروحيَّة ِ‬ ‫والعباداتـ ‪ ،‬والعالَ ُم كلُّه‬
‫ِ‬
‫واالضطرابـ ‪،‬‬ ‫الر َهق‬
‫جو من َّ‬ ‫نفسه وهو في القرن الحادي والعشرينـ في ٍّ‬ ‫لقد وج َد العالَ ُـم َ‬
‫وه ِز َمت‬ ‫كل ٍ‬
‫جانب ‪ُ ،‬‬ ‫الهوى من ِّ‬ ‫جنود َ‬
‫وهج َمت ُ‬ ‫َ‬ ‫النهار ‪،‬‬
‫الليل َ‬ ‫فحجب ُ‬ ‫َ‬ ‫والقلق واالن ِهيار ‪،‬‬
‫شع أو ال ُخيالء ‪،‬‬‫ينحر أخاه اإلنسا َـن في سبيل الج َ‬
‫وأصبح اإلنسا ُن ُ‬ ‫َ‬ ‫الفضيلةُ واألخال ُق ‪،‬‬
‫ص اإلنسا ُن‬
‫الجماد والمعادن ‪ ،‬ور ُخ َ‬
‫ُ‬ ‫نور القلب ‪ ،‬وغال‬ ‫نار الشهوات ‪ ،‬وانط َفَأ ُ‬ ‫والتهبَت ُ‬
‫َ‬
‫في سوق العالَم‪.‬ـ‬
‫ٍ‬
‫وثوان ‪،‬‬ ‫وألوف من البشر يُقتَلون في دقائق‬
‫ٌ‬ ‫سوى بها األرض ‪،‬‬ ‫فصارت المد ُن ِ‬
‫العامرةـ تُ َّ‬ ‫َ‬
‫بيت الم ِ‬
‫الجزارين ‪ ،‬وعبَثَت باإلنسانيةـ‬
‫قامرين ‪ ،‬أو سو َق َّ‬ ‫أمم على العالَم ‪ ،‬وجعلَْته َ ُ‬ ‫وتغلَّبَت ٌ‬
‫النجاء من هذا‬ ‫يرجو‬ ‫ث الوليد ِ‬
‫َ‬ ‫وتالعبَت باُألمم كال ُكرة ‪ ،‬واستصر َخ الكو ُن ُ‬
‫َ‬ ‫بالقرطاس ‪،‬‬ ‫عبَ َ‬
‫تسمعون‬ ‫ِ‬ ‫كالصبح الصادق في ظالم ِ‬
‫الليل الحالك‪ .‬فهل َ‬ ‫نور اإلسالم ُّ‬ ‫س َ‬ ‫ويتلم ُ‬
‫َّ‬ ‫الر َهق ‪،‬‬
‫َّ‬
‫النداء؟!‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫زودةٌ بدي ٍـن‬
‫ي العالَمـ ‪ ،‬وإن األمةَ اإلسالميَّةَـ ُم َّ‬ ‫سماوي ‪ ،‬وفي أيمانِكم ِر ُّ‬
‫ٍّ‬ ‫أصح ٍـ‬
‫تراث‬ ‫بأيديكمـ ُّ‬
‫الهامدة ‪ ،‬وتجديد األسمان البالِيةـ ‪ ،‬وهي ما‬ ‫عصي على الفناء له قدرةٌ على تحريك الروح ِ‬
‫ِ ٍّ‬
‫حاول أن تستعي َد قُواها ‪ ،‬وتستأنِف أداء رسالتِها األولىـ ‪،‬‬ ‫سقامها ‪ ،‬وتُ ُ‬ ‫تستشفيـ من ِ‬
‫ِ‬ ‫زالَت‬
‫تحب‪.‬‬ ‫ولعلَّها بتأييد اهلل بالغةًـ ما ُّ‬
‫ومفاتيح‬ ‫ساط من األرض الت َقت فوقَه مقالي ُـد الدنيا ‪،‬‬ ‫تنتشر فو َق بِ ٍ‬‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وإن َّأمتَنا الكبيرة ُ‬
‫سائر‬ ‫ِ‬ ‫ض ِة يدهاـ رخاءُ العالَم وشرفُه ‪ ،‬ولو أحسنَت استِ َ‬ ‫ِ‬
‫غالل ما تملك فإن َ‬ ‫العمران ‪ ،‬وفي قب َ‬
‫َأج َر‬
‫يع ْ‬ ‫ِ‬
‫صبِ ْر فَِإ َّن اللَّهَ اَل يُض ُ‬
‫أحد ‪ِ ﴿ ،‬إنَّهُ َم ْن َيت َِّق َويَ ْ‬‫تحتاج هي إلى ٍـ‬ ‫ُ‬ ‫تحتاج إليها ‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫اُألمم‬
‫ين (‪. 880﴾ )90‬‬ ‫ِِ‬
‫ال ُْم ْحسن َ‬
‫‪880‬‬
‫سورة يوسف‬
‫‪616‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وخذواـ من ِمشكاة ﴿ قَ ْد َأ ْفلَ َح َم ْن‬ ‫شطر الفالح ‪ ،‬وتسربَلوا بطُهر الصالح ‪ُ ،‬‬ ‫فتيمموا َ‬ ‫أال َّ‬
‫اها (‪ ، 881﴾ )9‬ثم أتبِعوا سببًا ‪ ،‬واست ِردُّواـ كرامتَكمـ ‪ ،‬وقولوا‪ :‬ال للشهوات‬ ‫َز َّك َ‬
‫والخالفات‪.‬‬ ‫والرهبات ‪ ،‬ال للنَّعرات ِ‬
‫َ‬ ‫والرغَبات َّ َ‬ ‫َّزوات ‪َّ ،‬‬ ‫والن َ‬
‫السمو َق إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُش ُّدوا عزاِئ َمكم ‪،‬‬
‫الق َمم‬ ‫واجتازوا المسالكـ ‪ ،‬وتخطَّوا المهالكـ ‪ ،‬وإن ُّ ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫والذرى ال يكو ُن ٍ‬
‫تدر ٍج على ُسنن اهلل في الحياة‪.‬‬ ‫واحدة؛ بل ال بُ َّد من ُّ‬ ‫بوثبة‬ ‫ُّ َ‬
‫تحصيل غايتِها ‪ ،‬وتحقيق‬ ‫ِ‬ ‫َّفيس في سبيل‬ ‫بالنفس والن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويجود‬
‫ُ‬ ‫هم ِ‬
‫أمت‬ ‫إن عالِي ال ِه َّمة ِ‬
‫يحم ُل َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫فعتها ‪ ،‬ويعلم أن المكا ِر َم منوطةٌ بالمكا ِرهـ ‪ ،‬وأن المصال َح والخيرات واللَّ َّذاتـ‬ ‫ِر َ‬
‫َّعب ‪ ،‬ومن‬ ‫عب ُر إليها إال على جس ٍر من الت َ‬ ‫المشقة ‪ ،‬وال يُ َ‬ ‫َّ‬ ‫بحظ من‬‫نال إال ٍّ‬ ‫والكماالتـ ال تُ ُ‬
‫ساعيًا ‪َ ﴿ ،‬و َم ْن‬ ‫ضى يك َدح ِ‬ ‫عذل ِ‬ ‫لوم الِئ ٍم ‪ ،‬وال ِ‬ ‫يلتفت إلى ِ‬ ‫العلو ألمته لم ِ‬
‫ُ‬ ‫عاذل ‪ ،‬وم َ‬ ‫أراد َّ‬
‫ورا (‪. 882﴾ )19‬‬ ‫ك َكا َن َس ْع ُي ُه ْم َم ْش ُك ً‬ ‫اد اآْل ِخ َر َةـ َو َس َعى لَ َها َس ْعَي َها َو ُه َو ُمْؤ ِم ٌن فَُأولَِئ َ‬‫ََأر َ‬
‫اف َأ ْدلَ َج ‪َ ،‬و َم ْن َأ ْدلَ َج َبلَ َغ ال َْم ْن ِز َل ‪َ ،‬أاَل ِإ َّن‬‫قال النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن َخ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْجنَّةُ " ‪.‬‬ ‫سل َْعةَ اللَّه غَاليَةٌ ‪َ ،‬أاَل ِإ َّن سل َْعةَـ اللَّه ال َ‬
‫ت َفَت َو َّك ْل َعلَى اللَّ ِه (‪. 883﴾ )159‬‬ ‫عزمه ‪ ﴿ ،‬فَِإ ذَا َع َز ْم َ‬ ‫ض َ‬ ‫الهمة ال ين ُق ُ‬
‫كبير َّ‬ ‫ُ‬
‫بذل إلدراكِه ‪،‬‬ ‫تعب وإلى ٍ‬ ‫ويحتاج إلى ٍ‬ ‫ُ‬ ‫والرياحينـ ‪،‬‬ ‫طريق النجاح ليس مفرو ًشا بالورود َّ‬ ‫إن َ‬
‫طريقه ‪ ،‬حتى يكون‬ ‫تعب أمضاهاـ في ِ‬ ‫لحظة ٍ‬‫كل ِ‬ ‫طعم النجاح هانَت عليه ُّ‬
‫َ‬ ‫وإذا ذا َق اإلنسا ُـن َ‬
‫والسكون‪ .‬وهذه ُسنَّةُ اهلل في الحياة ‪،‬‬ ‫الد َعة ُّ‬ ‫وألذ من طعم َّ‬ ‫أشهىـ من النفس ‪َّ ،‬‬ ‫التعب َ‬ ‫ُ‬ ‫ذلك‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َوالَّ ِذ َـ‬
‫ين (‪. 884﴾ )69‬‬ ‫َّه ْم ُس ُبلَنَا َوِإ َّن اللَّهَ لَ َم َع ال ُْم ْحسن َ‬ ‫اه ُدواـ فينَا لََن ْهد َين ُ‬
‫ين َج َ‬
‫ووسائل اإلعالم والمسؤولين ‪ ،‬أما‬ ‫ِـ‬ ‫والمربِّينـ ‪،‬‬
‫وتربيةُ األمةـ على ذلك مسؤوليةُ األولياءـ ُ‬
‫تصم ُد‬ ‫داجنةًـ ‪ ،‬ال تبنِي في َّ ِ‬ ‫الوه ِن بالمل ِهياتـ فال ينتِج إال َّأمةً ِ‬
‫الرخاء ‪ ،‬وال ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫التخدير وزرعُ ْ‬ ‫ُ‬
‫في البالء‪.‬‬

‫‪881‬‬
‫سورة الشمس‬
‫‪882‬‬
‫سورة اإلسراء‬
‫‪883‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪884‬‬
‫سورة العنكبوت‬
‫‪617‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ات تاريخها ‪ -‬أن تعلُو‬ ‫تمر بأحلَك ظروفِها ‪ ،‬وأخطَر منعط َف ِ‬ ‫إن على أمة اإلسالم ‪ -‬وهي ُّ‬
‫ُ‬
‫والشرودـ ‪ ،‬وأن تُربِّ َـي جيلَها على‬ ‫ِ‬
‫والغفلة ُّ‬ ‫والخالف ‪،‬‬ ‫ث ‪ ،‬وال ُفرقة ِ‬ ‫همتُها عن اللَّ ْه ِو والعب ِ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫اب بِ ُق َّو ٍة (‪)12‬‬ ‫الج ِّد والطُّموح وال ِهمم العالِية ‪ ،‬وقد قال اهلل لنبيِّه‪ ﴿ :‬يا يحيى ُخ ِذ ال ِ‬
‫ْكتَ َـ‬ ‫َ َ َْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫﴾‪ ، 885‬وقال لموسى عن األلواح‪ ﴿ :‬فَ ُخ ْذ َها بِ ُق َّو ٍة (‪. 886﴾ )145‬‬
‫األمور تتدافَ ُع إلى نهايتِهاـ‬ ‫لكن‬
‫واالنكسار ليست حظوظًا عمياء ‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وإن ُسنن اهلل في االنتِصار‬
‫َ‬
‫نتظمة كانتِظام النتاِئج بعد األسباب ‪ِ ﴿ ،‬إ َّن اللَّهَ اَل‬ ‫ِّمات م ٍ‬ ‫وفق سنن كونيَّة دقيقة ‪ ،‬ومقد ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫ُيغَِّي ُر َما بَِق ْوٍم َحتَّى ُيغَِّي ُروا َما بَِأْن ُف ِس ِه ْم (‪. 887﴾ )11‬‬
‫أقول قولي هذا ‪،‬‬ ‫المرسلين ‪ُ ،‬‬ ‫بسنَّة سيِّد ُ‬ ‫ونفعنا ُ‬
‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫وأستغفر اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫العبَرات ‪ ،‬ويُ ِري‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫المواعظ َّ ِ‬
‫الزاجرات ‪ ،‬ويُوالي العبَر التي تستمط ُر َ‬ ‫الحمد هلل الذي يسو ُق‬
‫الح َكم ِ‬
‫الباهرات ‪،‬‬ ‫خل َقه هوانَهم إذ هانوا ‪ ،‬ومكانَهم بعد أن كانوا فبانُوا وله ‪ -‬سبحانه ‪ِ -‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أشهدـ أن ال إله إال اهلل ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبار َك عليه ‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبِه أجمعين‪.‬‬
‫وبعد‪:‬‬
‫مسامع العالَمـ وتحت‬‫العرب وفي أرض المسلمين ‪ ،‬وفي َثرى سوريا ‪ ،‬وعلى ِ‬ ‫ِـ‬ ‫فبين أيدي‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫شموع‬ ‫المج ِر ُم‬ ‫ِ‬ ‫بص ِره تتلُو المجزرةُ المجزر َة ‪،‬‬
‫َ‬ ‫النظام ُ‬
‫ُ‬ ‫الدم على إثر الدماءـ ‪ ،‬ويُطفُئ‬‫ويسير ُ‬
‫ُ‬
‫الشعب ‪،‬‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫شر ُد الماليين ‪ ،‬ويُره ُ‬
‫السوريِّين ‪ ،‬ويُ ِّ‬
‫الحياة في أجساد عشرات األلوف من ُّ‬
‫كنوز المعا ِرف‬ ‫ِ‬
‫تستبط ُن َ‬ ‫ويتعم ُد حر َق المكتبات التي‬
‫َّ‬ ‫السالِفات ‪،‬‬
‫راث الحضارات َّ‬ ‫ف تُ َـ‬ ‫ِ‬
‫ويقص ُ‬
‫والمخطوطات‪.‬‬

‫‪885‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪886‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪887‬‬
‫سورة الرعد‬
‫‪618‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫خيط يربِطُه باإلنسانيَّة والبشر ‪ ،‬فال الدين ي ِ‬
‫عنيه ‪،‬‬ ‫النظام اآلثِمـ عن أي ٍ‬ ‫طاع ذلك ِ‬ ‫مما يعنِي ِ‬
‫انق َ‬
‫َُ‬
‫حر ُك ساكِنًا فيه‪.‬‬
‫صراخ األطفالـ يُ ِّ‬‫راث اإلنسانيَّةـ أو ُ‬‫وال الحضارةُ تسته ِويه ‪ ،‬وال تُ ُـ‬
‫ب المذابِ َح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النظام الجاثِ ُم على أرض ُسوريا ‪َّ ،‬‬ ‫لم َيز ْل‬
‫والمتسرط ُن في جسدها يرتك ُ‬ ‫خيلـ ُ‬
‫الد ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫َّن في ارتكابـ المذابح ونشر اإلرهابـ ‪ ،‬يُعا ِونُه في ذلك إخوةُ ُ‬
‫المعت َقد ‪،‬‬ ‫والقبا َح ‪ ،‬ويتفن ُ‬
‫رذمةٌ ُمتسلِّطون على َّأم ٍة ‪َ ﴿ ،‬و َم ْن‬ ‫العداء للعرب والمسلمين‪ .‬قلَّةٌ يبيدون كثرةً ‪ِ ،‬‬
‫وش ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫و ِرفا ُق ِ‬
‫يُِه ِن اللَّهُ فَ َما لَهُ ِم ْن ُم ْك ِرٍم (‪. 888﴾ )18‬‬
‫أكثرهم من األطفال في عطروز والفضل ب ِريف دمشق ‪ ،‬والعالَ ُـم لم َير بع ُد‬ ‫يُذبَ ُح خمسمائةٌ ُ‬
‫صطن َعة‪ .‬في حي ِن أن دافِ َعهـ‬ ‫ألسباب ِ‬ ‫ِ‬
‫واه ٍية وأعذا ٍر ُم َ‬ ‫ٍـ‬ ‫بالسالح‬ ‫اإلمداد ِّ‬
‫َـ‬ ‫ُّل أو‬
‫ما يستدعي التدخ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫المجا ِو ِر من وجود َّ‬
‫السالح بأيد ُمتوضِّئة ‪ ،‬فاُهد َرت دماءُ‬ ‫العدو ُ‬
‫الحقيقي هو خشيةُ َك َدر ِّ‬
‫َّ‬
‫خارجي‪.‬‬ ‫حتل‬
‫وم ٍّ‬ ‫عدوين‪ :‬م ٍ‬ ‫السوريِّين ‪ِ ُ ،‬‬
‫ٍّ‬ ‫داخلي ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫عتد‬ ‫نفوسهم بين َّ ْ ُ‬ ‫وزه َقت ُ‬
‫ناصر ًة للضعيف ‪،‬‬ ‫حاميةً لإلنسان ‪ ،‬أو ِ‬ ‫ط قِيم المنظَّمات واألممـ التي تُقدِّم نفسهاـ بأنها ِ‬
‫ُ َ‬ ‫وتتساقَ ُ ُ ُ‬
‫المف ِزعة َت ْت َرى من أرض ُسوريا ثم ال تُ ِّ‬
‫حر ُك‬ ‫ِ‬
‫واألخبار ُ‬
‫َ‬ ‫روعة ‪،‬‬‫الم ِّ‬
‫وهي ترى هذه المشاهدـ ُ‬
‫ساكِنًا‪.‬‬
‫الح‬
‫والس ِ‬
‫بالمال ِّ‬ ‫ِ‬ ‫استطاع النُّصرةَ‬
‫َ‬ ‫وكل من‬
‫ُّ‬ ‫وإيقاف هذا الظلم ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تجب نُصرةُ المظلوم‬‫ُ‬
‫واآلجلة ‪ ،‬وقد‬ ‫العاجلةـ ِ‬ ‫شى عليه من العقوبةـ ِ‬ ‫يفعل فهو آثِ ٌم ‪ ،‬ويُخ َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫والمواقف السياسيَّةـ ثم لم َ‬
‫ك َأ ْن‬ ‫َّاس ِإذَا َر َُأوا الظَّالِ َم َفلَ ْم يَْأ ُخ ُذواـ َعلَى يَ َديْ ِه َْأو َش َ‬ ‫ِإ‬
‫قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َّ " :-‬ن الن َ‬
‫اب " ‪.‬‬ ‫َيعُ َّم ُهم اللَّهُ بِ ِع َق ٍ‬
‫ُ‬
‫اللهم الطُف بإخواننا في ُسوريا ‪ ،‬اللهم الطُف بإخواننا في ُسوريا ‪ ،‬اللهم ارفَع عنهم‬
‫أمرهمـ ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫كسرهم ‪ ،‬وتول َ‬ ‫ارحم ضع َفهم ‪ ،‬واجبُر َ‬ ‫بالفرج ‪ ،‬اللهم َ‬ ‫وعجل لهم َ‬ ‫ِّ‬ ‫البالء ‪،‬‬
‫َ‬
‫ناص َر المظلومين‪.‬‬ ‫راحم المستضعفين ‪ ،‬ويا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫اللهم ارحم موتاهم ‪ ،‬وعاف جرحاهمـ ‪ ،‬يا َ ُ‬
‫صلُّو َن َعلَى النَّبِ ِّي‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫أمركمـ بأم ٍـر بدأ فيه بنفسه ‪ ،‬فقال‪:‬ـ ﴿ ِإ َّن اللَّهَ َو َماَل َكتَهُ يُ َ‬ ‫ثم اعلموا أن اهلل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يما (‪. 889﴾ )56‬‬ ‫صلُّوا َعلَْيه َو َسلِّ ُموا تَ ْسل ً‬
‫آمنُوا َ‬
‫ين َ‬
‫يَا َُّأي َها الذ َ‬

‫‪888‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪889‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪619‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وارض‬
‫َ‬ ‫محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولِك‬ ‫اللهم ِّ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫صحابة رسولِك أجمعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬ ‫ِ‬ ‫اللهم عن‬
‫دينك‬
‫انصر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والمفسدينـ ‪ ،‬اللهم ُ‬ ‫اللهم أع َّز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬واخ ُذل الطغاةَ والمالحدةَ ُ‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫وعبادك ُ‬
‫َ‬ ‫وكتابَك وسنةَ نبيك‬
‫ؤم ُر‬ ‫ِ‬ ‫اللهم أب ِرم لهذه األمةـ أمر ر ٍ‬
‫أهل معصيتك ‪ ،‬ويُ َ‬‫أهل طاعتك ‪ ،‬ويُه َدى فيه ُ‬ ‫عز فيه ُ‬ ‫شد يُ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫المنكر يا رب العالمين‪.‬‬ ‫فيه بالمعروف ‪ ،‬ويُ َنهى عن ُ‬
‫ور َّد كي َده في نح ِر ِه ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫اإلسالم والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه ‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫أراد‬
‫اللهم من َ‬
‫الس ِ‬
‫وء عليه يا رب العالمين‪.‬‬ ‫دائر َة َّ‬
‫جاهدين في سبيلك في فلسطين ‪ ،‬وفي بالد الشام ‪ ،‬وفي كل ٍ‬
‫مكان يا رب‬ ‫اللهم انصر الم ِ‬
‫ُ ُ‬
‫صارهم ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهم ‪ ،‬واكبِت َّ‬
‫عدوهم‪.‬‬ ‫العالمينـ ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫حرر المسج َد األقصى من ظُلم الظالمين ‪ ،‬وعُدوان ُ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫ِ‬
‫واكفهم‬ ‫اجمعهم على الهدى ‪،‬‬
‫أحوال إخوانناـ في مصر وفي كل مكان ‪ ،‬اللهمـ َ‬ ‫َـ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫رارهم ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهم‪.‬‬
‫ش َ‬
‫ِ‬
‫اللهم ُكن إلخواننا في سوريا ‪ ،‬اللهم اجمعهم على الحق والهدى ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫احقن دماءهمـ ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعراضهم ‪ ،‬واربِط على‬
‫َ‬ ‫وس َّد َخلَّتهم ‪ ،‬وأطعم َ‬
‫جائعهمـ ‪ ،‬واح َفظ‬ ‫وآمن روعاتهمـ ‪ُ ،‬‬
‫وانصرهمـ على من بغَىـ عليهم يا حي يا قيوم ‪ ،‬يا ذا الجالل‬
‫ُ‬ ‫أقدامهمـ ‪،‬‬
‫قلوبهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫واإلكرام‪.‬‬
‫للبر والتقوى ‪،‬‬
‫تحب وترضى ‪ ،‬و ُخذ به ِّ‬ ‫خادم الحرمين الشريفين لما ُّ‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي أمرناـ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لباس الصحة والعافية ‪ ،‬اللهم وفِّقه َ‬
‫ونائب ْيه وإخوانَهم‬ ‫اللهم أت َّم عليه عافيَتك ‪ ،‬وألبسه َ‬
‫صالح العباد والبالد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وأعوانَهمـ لما فيه‬
‫ٍ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫شرعك ‪ ،‬واتباع سنة نبيِّك‬ ‫اللهم وفِّق وال َة أمور المسلمين لتحكيم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المؤمنين‪.‬‬‫وسلم ‪ ، -‬واجعلهمـ رحمةً على عبادك ُ‬
‫شر األشرار ‪ ،‬وكي َد‬ ‫ِ‬
‫واكفنا َّ‬ ‫المسلمين ‪،‬‬ ‫والرخاء في بالدنا وبالد ُ‬
‫َ‬ ‫األمن‬
‫شر َـ‬ ‫اللهم ان ُ‬
‫وشر طوا ِرق الليل والنهار‪.‬‬
‫ال ُف َّجار ‪َّ ،‬‬

‫‪620‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اب النَّا ِر (‪َ ﴿ ، 890﴾ )201‬ر َّبنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬ ‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬ ‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ِ ِ‬ ‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَاـ ِفي َْأم ِرنَا َو َثبِّ ْ‬ ‫ِ‬
‫ص ْرنَاـ َعلَى الْ َق ْوم الْ َكاف ِر َ‬
‫‪891‬‬
‫ين (‪﴾ )147‬‬ ‫ت َأقْ َد َامنَا َوانْ ُ‬ ‫ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫‪.‬‬
‫رضيك آمالَنا ‪ ،‬اللهم اغفر‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبَنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ووالديهم وأزواجنا وذُ ِّرياتناـ ‪ ،‬إنكـ‬ ‫ِ‬
‫ولوالدينا‬ ‫لنا‬
‫ُ‬
‫اللهم إنا نسألُكـ ِرضاك والجنةَ ‪ ،‬ونعوذُ بك من س َخ ِطك والنار‪.‬‬
‫ونتوب إليه ‪ ،‬اللهم‬ ‫القيوم‬ ‫الحي‬
‫نستغف ُـر اهلل الذي ال إله إال هو َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نستغف ُر اهلل ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫نستغف ُر اهلل ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أنت اهلل ال إله إال أنت ‪ ،‬أنت الغني ونحن الفقراء ‪ ،‬أن ِزل علينا َ‬
‫الغيث وال تجعلنا من‬
‫طب ًقا‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬
‫أغثنا ‪ ،‬اللهمـ ِ‬ ‫القانِ ِطين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫سحا َ‬
‫أغثنا غيثًا هنيًئا مريًئا ًّ‬
‫ِ‬
‫للحاضر‬ ‫وتسقي به العباد ‪ ،‬وتجعلُه بالغًا‬ ‫ِ‬ ‫ضار ‪ ،‬تُحيِي به البالد ‪،‬‬
‫غير ٍّ‬ ‫ُمجلِّالً ‪ًّ ،‬‬
‫نافعا َ‬‫عاما ً‬
‫والب ِ‬
‫اد‪.‬ـ‬ ‫َ‬
‫عذاب وال ٍ‬
‫بالء وال‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬اللهم ُسقيا رحمة ‪ ،‬ال ُسقياـ‬
‫هدم وال ٍ‬
‫غرق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪890‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪891‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪621‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬الحق منصور والباطل مهزوم‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابع عشر من رجب من عام ‪1434‬هـ‬

‫‪ -‬الحق منصور والباطل مهزوم ‪-‬‬

‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬الحق‬
‫منصور والباطل مهزوم" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن المعركة األبديَّةـ بين الحق والباطل ‪ ،‬وأنها‬
‫جموع المسلمين على الرجوع‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وحث‬ ‫ال بُ َّد في نهايتها أن تكون للحق مهما َ‬
‫طال األملـ ‪،‬‬
‫الوحي ْين لألخذ منهما واتباع سبيلِهما‪.‬‬
‫إلى َ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬


‫‪622‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫تناوبَت ليهم‬ ‫الحمد هلل الذي جعل ِ‬


‫الع َّزة ألولياِئهـ وإن َّ‬
‫والعلو لعباده وإن َ‬
‫َّ‬ ‫مس ْتهم قروح ‪،‬‬ ‫َ‬
‫ِئ‬
‫صفح صبُوح ‪،‬‬ ‫ي ليلَهم ٌ‬ ‫سريْنـ بعد العُسرـ وأن يط ِو َ‬
‫واجترح ْتهم ُجروح ‪ ،‬ووع َدهم بيُ َ‬
‫َ‬ ‫ب‬‫النوا ُ‬
‫يق األمور ِ‬
‫وبيده ال ُفتوح ‪ ،‬يُدا ِو ُـل األيام‬ ‫بيده مغالِ ُ‬
‫أشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ِ‬
‫وتروح ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُد اهلل ورسولُه أندى الخالِئق‬ ‫ِ‬
‫بين عباده فمقاد ُيره تغ ُدو عليهم ُ‬
‫احوا من‬‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وأصحابِه الذين امتَ ُ‬ ‫وحا ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬ ‫وأزكاهم ُر ً‬
‫ُ‬ ‫راحةً‬
‫توحا‪.‬‬ ‫شروا َّ‬
‫الحق بعد ذلك بالغًا وفُ ً‬ ‫خير ُمتُوح ‪ ،‬ون َ‬
‫نبيِّهم َ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالى َّ‬
‫الوثقى ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الذ َ‬ ‫حق التقوى ‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعُروةـ ُ‬
‫ض ِل‬‫آمنُوا ِإ ْن َتَّت ُقوا اللَّهَ يَ ْج َع ْل لَ ُك ْم ُف ْرقَانًا َويُ َك ِّف ْر َع ْن ُك ْم َسيَِّئاتِ ُك ْم َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم َواللَّهُ ذُو الْ َف ْ‬
‫َ‬
‫ال َْع ِظ ِيم (‪. ﴾ )29‬‬
‫‪892‬‬

‫تجتمع ال ُخصوم ‪ِ ،‬‬


‫فأع ُّدوا لل َقاء عُ َّدتَه ‪،‬‬ ‫بيد اهلل ‪ ،‬ومصاِئر الخلق إليه ‪ ،‬وعند اهلل ِ‬ ‫إن األمور ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ت َو ُه ْم اَل يُظْلَ ُمو َن (‬ ‫سبَ ْ‬ ‫ك‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ٍ‬
‫س‬ ‫ف‬‫ْ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫ل‬
‫ُّ‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ِّ‬
‫ف‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫ف ِإذَا جمعنَاهم لِيوٍم اَل ريب ِف ِ‬
‫يه‬ ‫﴿ فَ َك ْي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َْ ُ ْ َْ‬
‫‪. 893﴾ )25‬‬
‫أهل تقوى ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكسوهم إال ألبسةُ التقوى إن كانوا َ‬ ‫الناس ُعراةً كما ُخلقوا ‪ ،‬ال ُ‬ ‫حشر ُ‬ ‫وسوف يُ ُ‬
‫جردةً عن‬ ‫لوحدهاـ ُمفردةً ُم َّ‬ ‫نفس ِ‬ ‫كل ٍ‬ ‫ت (‪ُّ ، ﴾ )25‬‬
‫‪894‬‬
‫سبَ ْ‬ ‫ت ُك ُّل َن ْف ٍ‬‫﴿ َو ُو ِّفيَ ْ‬
‫س َما َك َ‬
‫والشارات‪.‬ـ‬ ‫والزخا ِرف َّ‬ ‫األلقاب واإلضافاتـ ‪َّ ،‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫المؤمنين ‪،‬‬ ‫عباده ُ‬ ‫في كتاب اهلل ُسلوا ٌن لكل ُمؤم ٍن ‪ ،‬وهدايةٌ لكل ُموقِ ٍن ‪ ،‬ولن يُضيِّع اهللُ َ‬
‫أعقاب البالء قال اهلل تعالىـ ألولياِئه‪:‬ـ ﴿ َواَل تَ ِهنُوا َواَل تَ ْح َزنُوا َوَأْنتُ ُم اَأْل ْعلَ ْو َن ِإ ْن ُك ْنتُ ْم‬ ‫ِ‬ ‫وفي‬
‫ام نُ َدا ِولُ َهاـ َب ْي َن الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ْك اَأْليَّ ُ‬‫ح ِم ْثلُهُ َوتِل َ‬
‫س الْ َق ْو َم َق ْر ٌ‬
‫ح َف َق ْد َم َّ‬
‫س ْس ُك ْم َق ْر ٌ‬ ‫ِإ‬
‫ين (‪ْ )139‬ن يَ ْم َ‬
‫ِِ‬
‫ُمْؤ من َ‬

‫‪892‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪893‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪894‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪623‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬ ‫َّخ َذ ِم ْن ُكم ُش َه َداء واللَّهُ اَل ي ِح ُّ ِ ِ‬ ‫ين آمنُوا ويت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص اللَّهُ‬
‫ين (‪َ )140‬وليُ َم ِّح َ‬ ‫ب الظَّالم َ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ْ‬ ‫َولَي ْعلَ َم اللَّهُ الَّذ َـ َ َ َ‬
‫ين (‪. 895﴾ )141‬‬ ‫آمنُوا َويَ ْم َح َق الْ َكافِ ِر َـ‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫وبادت‬‫ضت ‪َ ،‬‬ ‫يخ ٍ‬
‫ُأمم هلَ َكت وم َ‬ ‫قص اهلل على ِ‬
‫عباده توا ِر َ‬ ‫ستقبل له ‪ ،‬وقد َّ‬ ‫الباطل ال ُم‬ ‫فإن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأصرت عليه‪.‬‬ ‫ضت؛ ألنها تشبَّثَت بالباطل َّ‬ ‫وانق َ‬
‫ضا ‪،‬‬‫وف أي ً‬ ‫الص ُف ِ‬ ‫ولتنقيَة ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ضت في اآلياتـ ‪،‬‬ ‫عباده للحكمة التي م َ‬ ‫وسنَّةُ اهلل تعالىـ أن يبتلِ َي َ‬ ‫ُ‬
‫يث ِم َن‬
‫ين َعلَى َما َأْنتُ ْم َعلَْي ِه َحتَّى يَ ِم َيز الْ َخبِ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫كما قال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ :-‬ما َكا َن اللَّهُ ليَ َذ َر ال ُْمْؤ من َ‬
‫ب (‪. 896﴾ )179‬‬ ‫ب َو َما َكا َن اللَّهُ لِيُطْلِ َع ُك ْم َعلَى الْغَْي ِ‬ ‫الطَّيِّ ِ‬
‫الجراح إلى عمر بن الخطاب ‪ -‬رضي اهلل عنهما‬ ‫عن زيد بن أسلم قال‪ :‬كتب أبو ُعبيدة بن َّ‬
‫نزل‬
‫مر‪ :‬أما بعد؛ فإنه مهما َ‬ ‫‪ ، -‬فذكر اهلل جموعا من الر ِ‬
‫فكتب إليه ُع ُ‬
‫َ‬ ‫ف منهم‪.‬‬ ‫يتخو ُ‬
‫وم وما َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ ُ ُ ً‬
‫سريْن ‪ ،‬وإن اهلل‬ ‫ِ‬ ‫شد ٍة‬
‫منزلة َّ‬‫بعبد مؤم ٍن من ِ‬ ‫ٍ‬
‫سر يُ َ‬ ‫ب عُ ٌ‬ ‫فر ًجا ‪ ،‬وإنه لن يغل َ‬ ‫يجعل اهلل بعدهاـ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫صابُِروا َو َرابِطُوا َو َّات ُقوا اللَّهَ لَ َعلَّ ُك ْـم ُت ْفلِ ُحو َن‬ ‫اصبِ ُروا َو َ‬‫آمنُوا ْ‬ ‫ين َ‬ ‫يقول في كتابِه‪ ﴿ :‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫(‪. 897﴾ )200‬‬
‫الصبح ِ‬
‫تبتس ُم‬ ‫النور الظالم ‪ ،‬وعند ُّ‬ ‫كبير أن تُش ِر َق‬
‫يطر َد ُ‬
‫شمس الخالص ‪ ،‬وأن ُ‬
‫ُ‬ ‫فأملُنا باهلل ٌ‬
‫األماني‪.‬ـ‬
‫أقول قولي‬
‫ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة ‪ُ ،‬‬
‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫دار في الفلَكـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال‬


‫عز وملَك ‪ ،‬ودانَت له األكوا ُن وما َ‬
‫الحمد هلل الذي َّ‬
‫أسلم له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُد‬
‫خاب عب ٌد َّأملَه ‪ ،‬وال ها َن وجهٌ َ‬
‫اهلل وح َده ال شريكـ له ما َ‬
‫وبار َك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبِه أجمعين‪.‬‬
‫اهلل ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬

‫‪895‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪896‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪897‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪624‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن يقينَنا باهلل تعالى عظيم ‪ ،‬وإيمانَنا بإنجاز وعده كبير ‪ ،‬واهلل تعالى هو الملجُأ وإن‬
‫غالب إال اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الملتجُأ وإن ضاقَت الحيَل ‪ ،‬وال َ‬ ‫السبُل ‪ ،‬وإليه ُ‬
‫انقطَ َعت ُّ‬
‫بأصدق الدعوات إلخوانِه‬ ‫ِ‬ ‫مسلم في هذه الساعاتـ أن يبت ِه َل إلىـ اهلل‬
‫حقاـ على كل ٍ‬ ‫وإن ًّ‬
‫ومين ‪ ،‬والذين تكالَبت عليهم النُّوب ‪ ،‬وال ِ‬
‫ناص َر لهم إال اهلل‪.‬‬ ‫المسلمين المظلُ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫رب العرش العظيم ‪،‬‬ ‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬ال إله إال اهلل العظيمـ الحليم ‪ ،‬ال إله إال اهلل ُّ‬
‫ورب العرش الكريم‪.‬‬
‫ورب األرض ُّ‬
‫رب السماواتـ ُّ‬
‫ال إله إال اهلل ُّ‬
‫عز‬ ‫ِ‬
‫وبحمدك ‪َّ ،‬‬ ‫أمرك ‪ ،‬سبحانكـ‬ ‫ف وع ُدك ‪ ،‬وال يُ ُّ‬
‫رد ُ‬ ‫هزم ُجن ُدك ‪ ،‬وال يُخلَ ُ‬
‫اللهم يا َمن ال يُ ُ‬
‫وتقدست أسماُؤ ك ‪ ،‬نسألُك اللهم ِ‬
‫ف‬
‫باسمك األعظم أن تلطُ َ‬ ‫وجل ثناُؤ ك ‪َ َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫جارك ‪،‬‬
‫ُ‬
‫وعجل‬
‫ِّ‬ ‫بإخواننا في ُسوريا ‪ ،‬اللهم الطُف بإخواننا في سوريا ‪ ،‬اللهم ارفَع عنهم البالء ‪،‬‬
‫وتول أمرهم ‪ ،‬يا ِ‬
‫راح َم‬ ‫َّ‬ ‫كسرهم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ارحم ضع َفهم ‪ ،‬واجبُر َ‬ ‫لهم بال َف َرج ‪ ،‬اللهم َ‬
‫ِ‬
‫المظلومين‪.‬‬ ‫المستضعفين ‪ ،‬ويا ِ‬
‫ناص َر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جاهدينـ‬ ‫اللهم يا من ِز َل المالئكة يوم بدر ‪ ،‬ومشتِّت األحزاب يوم الخندق ‪ ،‬اللهمـ انصر الم ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واحقنـ‬ ‫صارهم ‪،‬‬ ‫خاصةً ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬ ‫في سبيلِك في بالد الشام َّ‬
‫كح َ‬ ‫عامةً ‪ ،‬وفي ال ُقصير َّ‬
‫وأطعم جاِئَعهمـ ‪ ،‬واربِط‬ ‫ِ‬ ‫وس َّد خلَّتَهم ‪،‬‬ ‫دماءهمـ ‪ِ ،‬‬
‫أعراضهم ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫وآمن روعاتهم ‪ ،‬واح َفظ‬ ‫َ‬
‫وانصرهمـ على من بغَىـ عليهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫على قلوبِهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهمـ ‪،‬‬
‫عدوهم ‪،‬‬ ‫رارهم ‪ ،‬اللهم اكبِت َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الهدى ‪ ،‬واكفهم ش َ‬ ‫اللهم أصلح أحوالَهم ‪ ،‬واجمعهمـ على ُ‬
‫عدوهم ‪ ،‬اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم ‪ ،‬اللهمـ عليك بالطُّغاةـ‬ ‫اللهم اكبِت َّ‬
‫الظالمين ومن عاونَهم‪.‬‬
‫وانصر‬
‫ُ‬ ‫السحاب ‪ ،‬ها ِزم األحزاب! اه ِزمهم وزل ِزلهم ‪،‬‬ ‫ي َّ‬‫اللهم ُمن ِز َل الكتابـ ‪ُ ،‬مج ِر َ‬
‫إخوانَناـ عليهم‪.‬‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫وعبادك ُ‬
‫َ‬ ‫وسنَّة نبيك‬
‫دينك وكتابَك ُ‬
‫انصر َ‬
‫اللهم ُ‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫حرر المسج َد األقصى من ظلم الظالمين ‪ ،‬وعُدوان ُ‬
‫اللهم ِّ‬
‫والهدىـ ‪،‬‬
‫اجمعهم على الحق ُ‬
‫أحوال إخوانناـ في مصر وفي كل مكان ‪ ،‬اللهمـ َ‬
‫َـ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫رارهم‪.‬ـ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وأصلح أحوالَهم ‪ ،‬واكفهم ش َ‬
‫‪625‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ؤم ُر‬ ‫ِ‬ ‫اللهم أب ِرم لهذه األمةـ أمر ر ٍ‬


‫أهل معصيتك ‪ ،‬ويُ َ‬ ‫أهل طاعتك ‪ ،‬ويُه َدى فيه ُ‬ ‫عز فيه ُ‬
‫شد يُ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫المنكر يا رب العالمين‪.‬‬ ‫فيه بالمعروف ‪ ،‬ويُ َنهى عن ُ‬
‫فسدين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والمالحدة والم ِ‬ ‫أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬واخ ُذلـ الطُّغاةَ‬ ‫اللهم َّ‬
‫ُ‬
‫ور َّد كي َده في نح ِر ِه ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫اإلسالم والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه ‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫أراد‬
‫اللهم من َ‬
‫وء عليه يا رب العالمين‪.‬‬ ‫الس ِ‬
‫دائرةَ َّ‬
‫ٍ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫اللهم وفِّق والةَ أمور المسلمين لتحكيم ِ‬
‫شرعك ‪ ،‬واتباع سنة نبيِّك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المؤمنين‪.‬‬ ‫وسلم ‪ ، -‬واجعلهمـ رحمةً على عبادك ُ‬
‫شر األشرار ‪ ،‬وكي َد ال ُف َّجار‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واكفنا َّ‬ ‫المسلمين ‪،‬‬ ‫والرخاء في بالدنا وبالد ُ‬ ‫َ‬ ‫األمن‬
‫شر َـ‬ ‫اللهم ان ُ‬
‫اب النَّا ِر (‪َ ﴿ ، 898﴾ )201‬ر َّبنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬ ‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫‪899‬‬
‫ين (‪﴾ )147‬‬ ‫ِ‬
‫ر‬ ‫ت َأقْ َدامنَا وانْصرنَاـ َعلَى الْ َقوِم الْ َكافِ‬
‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَاـ ِفي َْأم ِرنَا َو َثبِّ ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ُْ‬ ‫ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫‪.‬‬
‫رضيك آمالَنا ‪ ،‬اللهم اغفر‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبَنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ووالديهم وأزواجنا وذُ ِّرياتناـ ‪ ،‬إنكـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولوالدينا‬ ‫لنا‬
‫ُ‬
‫اللهم إنا نسألُك ِرضاك والجنةَ ‪ ،‬ونعوذُ بك من س َخ ِطك ومن النار‪.‬‬
‫آله وصحبِه أجمعين‪.‬‬ ‫محمد ‪ ،‬وعلى ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عبدك ورسولِك‬ ‫صل وسلِّم وبا ِرك على ِ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪898‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪899‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪626‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬رمضان وأحوالـ األمة‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس والعشرون من شعبان من عام ‪1434‬هـ‬

‫‪ -‬رمضان وأحوال األمة ‪-‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪" :‬رمضان‬
‫َّ‬
‫وحث‬ ‫تحدث فيها عن شهر رمضان وما فيه من فضائل ِ‬
‫وح َكم ‪،‬‬ ‫وأحوال األمة"ـ ‪ ،‬والتي َّ‬
‫ينس التعريج على أحوال‬
‫خاصةً ‪ ،‬ولم َ‬
‫الناس على التنافُس في طاعة اهلل تعالىـ في رمضان َّ‬
‫المسلمين في كل مكان ووجوب ُّ‬
‫تذكرهم بالصدقات‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫شهر رمضان محالًّ ألعظم‬ ‫وجعل َ‬


‫َ‬ ‫فاضل بين األيام والشهور ‪،‬‬
‫َ‬ ‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي‬
‫ِ‬
‫وأستغف ُرهـ فهو‬ ‫وأتوب إليه‬ ‫وأشكرهـ ‪،‬‬ ‫ألجزلـ األجور ‪ ،‬أحم ُد ربي تعالى‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫العبادات ومربَ ًحا َ‬
‫الشكور ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال‬‫اد َّ‬
‫الجو ُ‬
‫الكريم َ‬
‫ُ‬ ‫العفو الغفور ‪ ،‬وهو‬
‫الرحيم ُّ‬
‫ُـ‬
‫خير‬
‫شريك له شهاد ًة نرجو بها النجا َة يوم النُّشور ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُد اهلل ورسولُه ُ‬

‫‪627‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وأمته ما هلَّت‬ ‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله وأصحابِه َّ‬ ‫البريةـ في كل العُصور ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫واستدارت بُدور‪.‬‬
‫َ‬ ‫ِأهلَّةٌ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫أنفسكم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالى َّ‬
‫الوثقى ‪ ،‬حاسبوا َ‬ ‫حق التقوى ‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعُروةـ ُ‬
‫وتشهد عليكم‬ ‫َ‬ ‫ضوا صحاِئَفكم قبل أن تُعلَّق في ِّ‬
‫الرقابـ ‪،‬‬ ‫قبل موقف الحساب ‪ ،‬وبيِّ ُ‬
‫الجوارِح والبِقاع؛ فإن عليكم كِراماـ كاتبين ‪ ،‬واهلل تعالىـ أسرعُ ِ‬
‫الحاسبينـ ‪َ ﴿ ،‬و َّات ُقوا َي ْو ًما‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫ت َو ُه ْم اَل يُظْلَ ُمو َن (‪. 900﴾ )281‬‬‫سبَ ْ‬ ‫ُت ْر َجعُو َن فِ ِيه ِإلَى اللَّ ِه ثُ َّم ُت َوفَّى ُك ُّل َن ْف ٍ‬
‫س َما َك َ‬

‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫ومآسيه ‪ ،‬وحسناتِهـ‬ ‫وأماسيهـ ‪ ،‬وانتِصاراته ِ‬ ‫بأيامهـ وليالِيه ‪ ،‬وإشراقاتِهـ ِ‬ ‫ف العام ِ‬ ‫يطوف بنا طاِئ ُ‬
‫ُ‬
‫كاسات ‪ ،‬تُ ِثق ُل العب َد في‬ ‫ٌ‬ ‫سارات ‪ ،‬وفُتور وانتِ‬
‫ٌـ‬ ‫ومسا ِويهـ ‪ ،‬وقد علِ َق بالنفسـ منها أوزار ِ‬
‫وانك‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ومل‬
‫الطريق َّ‬
‫َـ‬ ‫استوحش‬
‫َ‬ ‫السبيل إلى موعود اهلل؛ بل ربما‬ ‫َ‬ ‫ويستطيل ألجلهاـ‬
‫ُ‬ ‫سيره إلى اهلل ‪،‬‬
‫فيق ‪ ،‬فرتابةُ األيام تُ ِثقلُه ‪ ،‬وينُوء باآلالم واآلمالـ ِ‬
‫كاهلُه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الر َ َ‬ ‫َّ‬
‫ٍأ‬
‫ترسو عليه؛‬ ‫تتفيُؤ ه ‪ ،‬وفي هذا البحر من مرفَ ُ‬ ‫ظل َّ‬‫الهجير من ٍّ‬ ‫فكان ال بُ َّد للنفس في هذا َ‬
‫قليل ‪ ،‬والعقبةَـ كُؤ ود‪.‬‬
‫اد ٌ‬ ‫والز َ‬
‫طويل ‪َّ ،‬‬‫السفر ٌ‬ ‫َ‬ ‫وتتزود؛ فإن‬
‫النفس َّ‬
‫ُ‬ ‫لتستريح‬
‫َ‬
‫ويقوى ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المسل ُم َ‬ ‫يتزو ُد فيه ُ‬
‫عظيما ‪َّ ،‬‬ ‫وموسما ً‬‫ً‬ ‫كريما ‪،‬‬
‫شهرا ً‬ ‫عباده ً‬ ‫األكرم َ‬
‫ُ‬ ‫فمنَ َح اهلل‬
‫ِ‬
‫فيض على‬ ‫راحهاـ ‪ ،‬ويَ ُ‬ ‫عطش النفوس ويُدا ِوي ج َ‬ ‫َ‬ ‫شهر يبُ ُّل‬
‫التقوى ‪ٌ ،‬‬ ‫ويترقَّى في مدارِج َ‬
‫شهر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شهر ينتص ُر العب ُد فيه على شهوته وشيطانه ‪ُ ،‬‬ ‫الحها‪ٌ .‬‬ ‫األرواح من بركاته ما يكو ُن به فَ ُ‬ ‫ِ‬
‫العث َرات‪.‬ـ‬
‫وموسم إقالَة َ‬‫ِ‬ ‫الر َحمات ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فيض َّ‬
‫راعا أشهر العام ‪ ،‬وها هو شهر شعبان ِ‬
‫يمضي‬ ‫وجرت ِس ً‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫دارت اللياليـ واأليام ‪َ ،‬‬ ‫وقد َ‬
‫وطلعت‬
‫َ‬ ‫لم َعت بشاِئُرهـ وعالماتُه ‪،‬‬ ‫المعظَّم ‪ ،‬قد َ‬ ‫شهر رمضان ُ‬ ‫وأقبل علينا ُ‬
‫َ‬ ‫ويتصرم ‪،‬‬
‫َّ‬
‫يليق من التعظيم واإلجاللـ ‪ ،‬والعزم‬ ‫فتلقوه بما ُ‬ ‫بالرباع‪َّ .‬‬ ‫قليل ِ‬
‫يح ُّل ِّ‬ ‫وعما ٍ‬‫طوا ِرعُه وأماراتُهـ ‪َّ ،‬‬
‫على الطاعة والعبادات‪.‬‬
‫‪900‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪628‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫نفوسهم في‬ ‫َّهم شو ُق انتِظاره ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اد و ُش ِغ َ‬


‫وتسامت ُ‬ ‫َ‬ ‫ف به األتقياء؟ كم أمض ُ‬ ‫حن إليه العُبَّ ُ‬ ‫كم َّ‬
‫وأحسوا فيه ال ُقرب من ِ‬ ‫وجدوا في أسحا ِره من أسرار ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الواحد القهَّار؟‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫لياليه وأسحا ِره؟ كم َ‬
‫سماعا وتالوة؟‬ ‫وكم ذاقُوا فيه لإليمان من حالوة؟ وعا ُشوا القرآن الكريمـ ً‬
‫الذنوب‬ ‫وتنقيَتها من ُّ‬ ‫المواسم لتزكِية النفوس وطهارتِهاـ ‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وإن من َنعم اهلل‪ :‬أن َم َّن علينا بهذه‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ام‬
‫الصيَ ُ‬ ‫ب َعلَْي ُك ُم ِّ‬ ‫آمنُوا ُكت َ‬ ‫ين َ‬ ‫واآلثام ‪ ،‬وترقيَتها في ُسلَّم المعالي والفضا لـ ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ين ِم ْن َق ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم َتَّت ُقو َن (‪. 901﴾ )183‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ب َعلَى الذ َ‬
‫ِ‬
‫َك َما ُكت َ‬
‫س عليه إشراقًاـ ُلروحه ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والتَّقوى مشاع ُر من الخشية يج ُدها الصا ُـم في نفسه ‪ ،‬وتنعك ُ‬
‫لنفسهـ ‪ ،‬واستِقامةً في سلوكه‪.‬‬ ‫وزكاء ِ‬
‫ً‬
‫وُأنس المتقين ‪ ،‬وبُشرى للعابِدين‪ .‬قد‬ ‫راج الصالحين ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ربيع قلوب المؤمنين ‪ ،‬وس ُ‬ ‫رمضان ُ‬
‫ضا َن الَّ ِذي ُأنْ ِز َـل فِ ِيه‬ ‫بحلى الجمال ‪َ ﴿ ،‬ش ْه ُر َر َم َ‬ ‫أنواع الكمال ‪ ،‬وتجلَّى ُ‬ ‫َ‬ ‫الشهر‬
‫ُـ‬ ‫استكمل‬
‫َ‬
‫ص ْمهُ (‪)185‬‬ ‫ان فَ َم ْن َش ِه َد ِم ْن ُك ُم َّ‬
‫الش ْه َر َفلْيَ ُ‬
‫ات ِمن ال ُْه َدى والْ ُفرقَ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫َّاس وبِّينَ ٍ‬ ‫ِ‬
‫الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى للن ِ َ َ‬
‫﴾‪. 902‬‬
‫البر والصدقةُ واإلحسان ‪ ،‬الدعاءُ فيه‬ ‫ثاره ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عاره القرآن ‪ ،‬ود ُ‬ ‫نهاره صيام ‪ ،‬وليلُه قيام ‪ ،‬ش ُ‬ ‫ُ‬
‫التوابُون؟!‬ ‫ليلة ُعتقاءُ من النار؛ فأين َّ‬ ‫مجاب ومسموع ‪ ،‬والعمل الصالح مرفوع ‪ ،‬وفي كل ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ ٌ‬
‫مردُّه إلى الكريم؛ فعن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النبي‬ ‫ِئ‬
‫أمر َ‬ ‫ثواب الصا مين فذاك ٌ‬ ‫أما ُ‬
‫ام فَِإ نَّهُ‬ ‫آد َم لَهُ ِإال ِّ‬
‫الصيَ َ‬ ‫ال اللَّهُ َع َّز َو َج َّل ‪ُ " :‬ك ُّل َع َم ِل ابْ ِن َ‬ ‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬قَ َ‬
‫ث َي ْو َمِئ ٍذ ‪َ ،‬وال‬‫َأح ِد ُك ْم فَال َي ْرفُ ْ‬ ‫الصيام جنَّةٌ ‪ ،‬فَِإ ذَا َكان يوم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ْوم َ‬ ‫َ َْ ُ َ‬ ‫َأج ِزيـ بِه ‪َ ،‬و ِّ َ ُ ُ‬ ‫لي َوَأنَا ْ‬
‫س ُم َح َّم ٍد بِيَ ِد ِه لَ ُخلُ ُ‬
‫وف‬ ‫َّ ِ‬
‫صا ٌم ‪َ ,‬والذي َن ْف ُ‬
‫يس َخب ‪ ،‬فَِإ ْن سابَّهُ َأح ٌـد َأو قَاَتلَهُ َفلْي ُقل ‪ِ :‬إنِّي ْامرٌؤ ِئ‬
‫ُ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ك ‪ ،‬لِ َّ ِئ‬ ‫يح ال ِْمس ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الصاِئ ِـم َأطْي ِ‬
‫لصا ِم َف ْر َحتَان َي ْف َر ُح ُه َما ‪ِ :‬إ َذا َأفْطََر فَر َ‬
‫ِح‬ ‫ب ع ْن َد اللَّه م ْن ِر ِ ْ‬ ‫َُ‬ ‫فَ ِم َّ‬
‫صيَ ِام ِه " ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫بِِفطْ ِر ِه ‪ ،‬وِإ َذا لَِقي ربَّهُ فَرِح بِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫َأجلِيـ " ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وفي رواية عندهما‪ " :‬يَ َدعُ طَ َع َامهُ َو َش َرابَهُ َو َش ْه َوتَهُ م ْن ْ‬
‫ضا َن‬‫ضا ُن ِإلَى َر َم َ‬ ‫وفي "صحيح مسلم"‪ :‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬و َر َم َ‬
‫ب الْ َكبَاِئَـر " ‪.‬‬ ‫اجَتنَ َ‬‫ات َما َب ْيَن ُه َّن ِإذَا ْ‬ ‫ُم َك ِّف َر ٌ‬

‫‪901‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪902‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪629‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫والر َحماتـ التيـ‬


‫الن َفحات َّ‬
‫ضا َن َفلَ ْم ُي ْغ َف ْر لَهُ " ؛ وذلك لما فيه من َّ‬ ‫و" َر ِغ َم َأنْ ُ‬
‫ف َم ْن َأ ْد َر َك َر َم َ‬
‫نفسه؛ ففي "الصحيحين" أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪" :‬‬ ‫حر َم َ‬‫حر ُمها إال من َ‬ ‫ال يُ َ‬
‫ت َّ ِ‬ ‫ْجن َِّة َوغُلِّ َق ْ‬
‫ين " ‪.‬‬
‫الشيَاط ُ‬ ‫اب النَّا ِر َو ُ‬
‫ص ِّف َد ْ‬ ‫ت َْأب َو ُ‬ ‫اب ال َ‬
‫ت َْأب َو ُ‬
‫ِّح ْ‬
‫ضا ُن ُفت َ‬ ‫ِإذَا َج َ‬
‫اء َر َم َ‬
‫ضا عن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن‪ " :‬من قام رمضان إيماناً‬ ‫وفي "الصحيحين" أي ً‬
‫ال ‪:‬‬‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قَ َ‬ ‫َأن رس َ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫واحتساباـ غفر له ما تقدم من ذنبه‪َ .‬ع ْن َأبِي ُه َر ْي َرةَ َّ َ ُ‬
‫سابًا غُِف َر لَهُ َما َت َق َّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِه " ‪.‬‬ ‫ضا َن ِإيمانًا و ْ ِ‬
‫احت َ‬ ‫ام َر َم َ َ َ‬ ‫" َم ْن قَ َ‬
‫فة من األوزار‬ ‫تخف ٍ‬ ‫نفس ُم ِّ‬ ‫ورد على ٍ‬ ‫شهر رمضان‪ :‬التوبة؛ فإنه إن َ‬ ‫خير ما يُستقبَ ُل به ُ‬
‫أال وإن َ‬
‫خيرا‪.‬‬
‫أدعى أال َيرى اهللُ منها إال ً‬ ‫بحقه ‪ ،‬وكانت َ‬ ‫نشطَت للقيام ِّ‬
‫بعض الناس من اختالف بعض الفلكيِّينـ‬ ‫ِ‬
‫اعتاده ُ‬ ‫لفت النظر إليه ‪ ،‬وهو ما َ‬ ‫يستدعي َ‬ ‫وثمة ما‬
‫َّ‬
‫الصحف ووسائلـ‬ ‫والمتراِئينـ على أنفسهم في إثباتـ دخول الشهر ‪ ،‬ونشر اختالفهم في ُّ‬ ‫ُ‬
‫ؤسساتـ‬ ‫تشكيك المسلمين في عبادتهمـ ‪ ،‬والتهوين من قُدرة ُم َّ‬ ‫َـ‬ ‫اإلعالم مما ال ثمر َة له إال‬
‫بحسن نيَّ ٍة ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ضهم يُقد ُم على األمر ُ‬ ‫تخصصة لحسم هذا األمر‪ .‬وبع ُ‬ ‫الم ِّ‬ ‫الدولة ولجانهاـ ُ‬
‫وآخرون َيرونها فُرصةً للظهور ُّ‬
‫والشهرة‪.‬‬
‫تخصصةً‬
‫أعدت لجانًا ُم ِّ‬ ‫خصوصا في هذه البالد التي َّ‬ ‫ً‬ ‫ونقول لهؤالء وأولئك‪ :‬لقد ُك ِفيتم ‪،‬‬
‫رصا على الشعيرة واحتِياطًا للفرض ‪ ،‬وباهلل ثم بِهم كِفاية‪ .‬ومن كان له‬ ‫في مناطق َّ ِ‬
‫عدة ح ً‬
‫شه‪.‬‬ ‫ف عن المسلمين تشوي َ‬ ‫خاطب به الجهةَ المسؤولة مباشرةً ‪ ،‬ولي ُك َّ‬ ‫رأي فلي ِ‬
‫ٌ ُ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫مألت ما بين الضُّلوع ‪ ،‬إنما حكمةُ‬
‫أفطرت َ‬
‫َ‬ ‫مجرد الجوع ‪ ،‬ثم إذا‬‫مقصود الصيام ّ‬
‫ُ‬ ‫ليس‬
‫ُّ‬
‫وتذكر حال‬ ‫وتطهيرها ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وإخراجها عن مألوفاتهاـ‬
‫ُ‬ ‫بمخالفة هواها ‪،‬‬
‫قهر النفس ُ‬
‫الصيام‪ُ :‬‬
‫قه َرتها ال ُخطوب ‪ ،‬وأوهنَتهاـ الحروب ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لشعوب َ‬ ‫شردة ‪ ،‬فمن‬‫الم َّ‬
‫واُألسرـ ُ‬
‫َ‬ ‫األكباد الجاِئعة ‪،‬‬
‫أكبادا ِ‬
‫وتعجنُها‪.‬‬ ‫تقه ُر ً‬
‫والحرب َ‬
‫ُ‬
‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إخوةٌ لكم في الدين ليس لهم بعد اهلل إال أنتم ‪ ،‬وإن اهلل هو الذيـ يُعطي ويمنَع ‪ ،‬ويخف ُ‬
‫رزقَكم لينظر كيف تعملون‪.‬‬ ‫ويرفَع ‪ ،‬وهو الذي استخل َفكم فيما َ‬

‫‪630‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ظل صدقته يوم القيامة ‪ ﴿ ،‬وما َأْن َف ْقتُ ـم ِمن َشي ٍء َفهو ي ْخلِ ُفهُ وهو َخير َّ ِ‬
‫الرا ِزق َ‬
‫ين‬ ‫َ َُ ُْ‬ ‫ْ ْ ْ َُ ُ‬ ‫ََ‬ ‫والمؤمن في ِّ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫موثوقة تُعينُه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫جهات‬ ‫وسر محتاجا يع ِرفه ِ‬
‫بنفسه أو‬ ‫(‪ . ﴾ )39‬ولن يع َدم الم ِ‬
‫‪903‬‬
‫ُ ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ؤم ٍل من الخير آمالَه ‪ ،‬وقبِ َل من كل ٍ‬
‫عامل أعمالَه‪.‬‬ ‫كل ُم ِّ‬
‫أنال اهلل َّ‬
‫َـ‬
‫َّاس وبِّينَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪َ ﴿ :‬ش ْهر رم َ ِ‬
‫ات‬ ‫ضا َن الَّذي ُأنْ ِز َـل فيه الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى للن ِ َ َ‬ ‫ُ ََ‬
‫ص ْمهُ (‪. 904﴾ )185‬‬ ‫ان فَ َم ْن َش ِه َد ِم ْن ُك ُم َّ‬
‫الش ْه َر َفلْيَ ُ‬
‫ِمن ال ُْه َدى والْ ُفرقَ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫أقول قولي هذا ‪،‬‬ ‫المرسلين ‪ُ ،‬‬ ‫بسنَّة سيد ُ‬ ‫ونفعنا ُ‬
‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن العظيم ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫وأستغفر اهلل تعالى لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫ويرضى ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬


‫َ‬ ‫يحب ربُّنا‬
‫كثيرا طيبًا ُمبار ًكا فيه كما ُّ‬
‫الحمد هلل حم ًدا ً‬
‫وح َده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫وبار َك عليه ‪،‬‬
‫وعلى آله وصحبِه أجمعين‪.‬‬
‫أما بعد ‪ ،‬أيها المسلمون‪:‬‬
‫نصرهمـ اهلل على‬
‫انتصروا على شهوات نفوسهم َ‬
‫ثمة أيام فاصلة في تاريخ المسلمين ‪ ،‬لما َ‬
‫َّ‬
‫من بغَى عليهم ‪ ،‬فكانت تلك األيام فُرقانًاـ لها ما بعدها‪.‬ـ فهذه غزوة بدر ال ُكبرىـ في رمضان‬
‫كالسند وأنطاكية ‪ ،‬وصقليَّة ‪ ،‬ومعركة عين‬ ‫توح أخرى ِّ‬ ‫فتح مكة كذلك ‪ ،‬وفُ ٌ‬ ‫‪ ،‬وهذا ُ‬
‫رداد مصر ألرض سيناء كلُّها في رمضان‪.‬‬ ‫وآخرهاـ استِ ُـ‬
‫ُ‬ ‫جالُوت ‪،‬‬
‫الشر والنِّفاق‬
‫خصوصا هذه األيام ‪ ،‬والتي تكالَبَت فيها قُوى ِّ‬
‫ً‬ ‫يجب أن نستل ِه َمه‬
‫وهو معنى ُ‬
‫على كثي ٍر من المسلمين ‪ ،‬وأظهر كثير من الناس ما كانت نفسه تُ ِ‬
‫خفيه وتُدا ِريه من العداء‬ ‫ُ‬ ‫َ ٌ‬
‫لهذاـ الدين‪.‬‬

‫‪903‬‬
‫سورة سبأ‬
‫‪904‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪631‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫فرقُهم اللغةُ‬
‫أشتات تُ ِّ‬
‫ٌـ‬ ‫ف عليهم‬‫البأس على كثي ٍر من المسلمين ‪ ،‬وتحالَ َ‬
‫اشتد ُ‬‫وفي هذه األيام َّ‬
‫راد‬
‫والدين واألرض ‪ ،‬ويجمعُهم العداءُ لإلسالم ‪ ،‬ولم ي ِع المسلمون بع ُد أو ال يُ ُ‬ ‫ِ‬
‫والعرض ‪،‬‬
‫ُ‬
‫عقدي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫ديني‬
‫العداء ٌّ‬
‫َ‬ ‫لهم أن يعُوا أن‬
‫ب عليها‬ ‫ٍ‬
‫تتناو ُ‬
‫انتهت موجةُ إبادةـ بدَأت أخرى ‪ ،‬وهذه الشام َ‬ ‫فهذه أراكان وبُورما كلما َ‬
‫واد بنُو سعدـ ‪ ،‬وقد‬‫مطارِح المجرمين ‪ ،‬وتلك بال ٌد أخرى للمسلمين يعبث بها ‪ ،‬وفي كل ٍ‬
‫َُ‬ ‫ُ ُ‬
‫وعز ِ‬
‫الناصر‪.‬‬ ‫عين َّ‬‫الم ُ‬
‫قل ُ‬ ‫َّ‬
‫بمرحلة لم َنرهاـ منذ عقود من نجوم النِّفاق ‪ ،‬وارتفاع الصوت الذي‬ ‫ٍ‬ ‫نم ُّر‬
‫وإننا في هذه األيام ُ‬
‫واألعراف العالمية ‪ ،‬والحقوق‬ ‫ك القوانين الدوليةـ ‪،‬‬ ‫نته ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫يُعادي شريعةَـ اإلسالم ‪ ،‬تُ َ‬
‫ك حقوق اإلنسانـ ‪ ،‬وحقوق الطفلـ والمرأة ‪ ،‬ولم َنر من ُرعاتهاـ ما كنا‬ ‫نته ُ‬
‫السياسيةـ ‪ ،‬وتُ َ‬
‫والمعت َدى عليهم ِسواهم‪.‬‬
‫سلما أو عربيًّا ُ‬
‫ِ‬
‫المعتدي ُم ً‬ ‫نعه ُدهـ منهم لو كان ُ‬ ‫َ‬
‫خصوم‬
‫ُ‬ ‫بمنظَّماته وعُهوده ومواثِيقه ‪ ،‬لقد تحالَ َ‬
‫ف‬ ‫عار على العالَم ُ‬ ‫ث هو ٌ‬ ‫حدث ويح ُد ُ‬
‫َـ‬ ‫إن ما‬
‫الركب حماسةً‬ ‫ٍ‬
‫وصوب ‪ ،‬حتى جثَوا على ُّ‬ ‫وتداعوا من كل ح َد ٍ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫واستأسدواـ ‪،‬‬
‫َ‬ ‫الدينـ ‪،‬‬
‫وعزما لنُصرة الظالمـ ونصر الباطل ‪ ،‬وكبت الحق وقهر المظلوم‪.‬‬
‫ً‬
‫يستدعي من المسلمين ‪ -‬كل المسلمين ‪ -‬اليقظَة والوعي ‪ ،‬ومزي َـد االستمساك بحبل‬ ‫ِ‬ ‫مما‬
‫الدين بوه ٍن؛ فإنهم إن تر ُكوه ضعُفوا في الدنيا وخابُوا في اآلخرة‪.‬‬ ‫اهلل ‪ ،‬وأال يأخ ُذوا هذا َـ‬
‫يستحقوا موعود اهلل بالنصر‪ .‬وإن أخ ُذوهـ ٍ‬
‫بعزم‬ ‫ُّ‬ ‫عدوهم ولم‬‫وإن أخ ُذوه بوه ٍن تسلَّط عليهم ُّ‬
‫َ‬
‫اب بِ ُق َّو ٍة (‪. 905﴾ )12‬‬ ‫أفلَحوا في الدنياـ واآلخرة ‪ ﴿ ،‬يا يحيى ُخ ِذ ال ِ‬
‫ْكتَ َـ‬ ‫َ َ َْ‬
‫ينتصر اهلل إلخوانناـ المظلومين في سوريا ‪ ،‬وأن ِيع َي إخوانُهم المسلمون‬ ‫أمل أن ِ‬ ‫وإننا على ٍ‬
‫ويدحرـ‬ ‫صارهم ‪،‬‬ ‫أبعاد القضية ‪ ،‬فال يتأخَّرواـ عنهم بالنُّصرة بما ُّ ِ‬
‫َ‬ ‫يفك ح َ‬ ‫في أنحاء األرض َـ‬
‫عدوهم ‪ ،‬وقد تماالَ أعداءُ العرب والمسلمين على ِحار ِحمص‪.‬‬ ‫َّ‬
‫بالدهم أن من ُأولَى الوصايا في انتِصار معركة بدر‪﴿ :‬‬ ‫ضا في كل ِ‬ ‫ال بُ َّد أن ِيع َي المسلمون أي ً‬
‫ين (‪. 906﴾ )46‬‬ ‫الصابِ ِر َـ‬
‫اصبِ ُروا ِإ َّن اللَّهَ َم َع َّ‬ ‫ب ِر ُ‬
‫يح ُك ْم َو ْ‬ ‫شلُوا َوتَ ْذ َه َ‬
‫َواَل َتنَ َازعُوا َفَت ْف َ‬

‫‪905‬‬
‫سورة مريم‬
‫‪906‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪632‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫صرة لقضية أهلنا في سوريا ‪ ،‬وحمل‬ ‫لنستبشر بما تُقدِّمه المملكةُ من نُ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫وإن بعد أملِنا باهلل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والمنظمات العالمية ‪ ،‬ودفع الدولـ الكبرى للتدخُّل بما يُن ِهي‬ ‫ِ‬
‫قضيَّتهم في المحافل الدوليةـ ُ‬
‫ٍ‬
‫وقفات‬ ‫خادم الحرمين الشريفين من‬ ‫ودام نزفُها ‪ ،‬وما وق َفه ُ‬ ‫طال أم ُدها َ‬ ‫هذه المأساة التي َ‬
‫السلم للشام‪.‬‬ ‫الداميةـ في ُسوريا ‪ ،‬وعودة ِّ‬ ‫قدرة لطَي هذه الصفحة ِ‬ ‫وم َّ‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫كريمة ُ‬
‫وبارك في الجهود‪.‬‬ ‫سدد اهلل ال ُخطى َ‬ ‫َّ‬
‫صلُّو َن َعلَى النَّبِ ِّي‬ ‫ِئ‬
‫أمركمـ بأم ٍـر بدأ فيه بنفسه ‪ ،‬فقال‪:‬ـ ﴿ ِإ َّن اللَّهَ َو َماَل َكتَهُ يُ َ‬ ‫ثم اعلموا أن اهلل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يما (‪. 907﴾ )56‬‬ ‫صلُّوا َعلَْيه َو َسلِّ ُموا تَ ْسل ً‬‫آمنُوا َ‬
‫ين َ‬
‫يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫وارض‬
‫َ‬ ‫صل وسلِّم وبا ِر ك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرين ‪،‬‬ ‫اللهم ِّ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫ٍ‬ ‫اللهم عن صحابة رسولك أجمعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬
‫أعز اإلسالم وانصر المسلمين ‪ ،‬واخ ُذلـ الطغا َة‬
‫أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم َّ‬‫اللهم َّ‬
‫والمالحد َة والمفسدينـ ‪ ،‬اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيِّك وعبادك المؤمنين‪.‬‬
‫أهل معصيتك ‪ ،‬ويُؤمر فيه‬ ‫اللهم أب ِرم لهذه األمة أمر ر ٍ‬
‫عز فيه أهل طاعتك ‪ ،‬ويُه َدى في ُ‬
‫شد يُ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫فيه بالمعروف ‪ ،‬ويُ َنهى عن المنكر يا رب العالمين‪.‬‬
‫ور َّد كي َده في نح ِر ِه ‪ ،‬واجعلـ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫اإلسالم والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫أراد‬
‫اللهم من َ‬
‫الس ِ‬
‫وء عليه يا رب العالمين‪.‬‬ ‫دائرةَ َّ‬
‫اللهم انصر المجاهدينـ ‪ ،‬اللهم انصر المجاهدينـ في سبيلك في فلسطين وفي كل مكان يا‬
‫صارهمـ ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهم ‪ ،‬واكبِت َّ‬
‫عدوهم‪.‬‬ ‫رب العالمين ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬
‫اللهم إنا نسألُكـ ِ‬
‫باسمك األعظم أن تلطُف بإخواننا في سوريا ‪ ،‬اللهم الطُف بإخواننا في‬
‫بالفرجـ ‪ ،‬اللهم ارحم ضع َفهم ‪ ،‬واجبُر‬ ‫وعجل لهم َ‬ ‫ِّ‬ ‫سوريا ‪ ،‬اللهم ارفع عنهم البالء ‪،‬‬
‫المستضعفين ‪ ،‬ويا ناصر المظلومين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫أمرهمـ ‪ ،‬يا راحم ُ‬ ‫كسرهم ‪ ،‬وتول َ‬ ‫َ‬
‫عز‬ ‫ِ‬
‫وبحمدك ‪َّ ،‬‬ ‫أمرك ‪ ،‬سبحانكـ‬ ‫ف وع ُدك ‪ ،‬وال يُ ُّ‬
‫رد ُ‬ ‫هزم ُجن ُدك ‪ ،‬وال يُخلَ ُ‬
‫اللهم يا َمن ال يُ ُ‬
‫وتقدست أسماُؤ ك ‪ ،‬نسألُك اللهم ِ‬
‫ف‬‫باسمك األعظم أن تلطُ َ‬ ‫وجل ثناُؤ ك ‪َ َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫جارك ‪،‬‬
‫ُ‬
‫وعجل‬
‫ِّ‬ ‫بإخواننا في ُسوريا ‪ ،‬اللهم الطُف بإخواننا في سوريا ‪ ،‬اللهم ارفَع عنهم البالء ‪،‬‬

‫‪907‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪633‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫وتول أمرهم ‪ ،‬يا ِ‬
‫راح َم‬ ‫َّ‬ ‫كسرهم ‪،‬‬
‫َ‬ ‫ارحم ضع َفهم ‪ ،‬واجبُر َ‬ ‫لهم بال َف َرج ‪ ،‬اللهم َ‬
‫ِ‬
‫المظلومين‪.‬‬ ‫المستضعفين ‪ ،‬ويا ِ‬
‫ناص َر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫اللهم يا من ِز َل المالئكة يوم بدر ‪ ،‬ومشتِّت األحزاب يوم الخندق ‪ ،‬اللهمـ انصر الم ِ‬
‫جاهدينـ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واحقنـ‬ ‫صارهم ‪،‬‬ ‫خاصةً ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬ ‫عامةً ‪ ،‬وفي ِحمص َّ‬ ‫في سبيلِك في بالد الشام َّ‬
‫كح َ‬
‫وأطعم جاِئَعهمـ ‪ ،‬واربِط‬ ‫ِ‬ ‫وس َّد خلَّتَهم ‪،‬‬ ‫دماءهمـ ‪ِ ،‬‬
‫أعراضهم ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫وآمن روعاتهم ‪ ،‬واح َفظ‬ ‫َ‬
‫وانصرهمـ على من بغَىـ عليهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫على قلوبِهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهمـ ‪،‬‬
‫عدوهم ‪،‬‬ ‫رارهم ‪ ،‬اللهم اكبِت َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الهدى ‪ ،‬واكفهم ش َ‬ ‫اللهم أصلح أحوالَهم ‪ ،‬واجمعهمـ على ُ‬
‫عدوهم ‪ ،‬اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم ‪ ،‬اللهمـ عليك بالطُّغاةـ‬ ‫اللهم اكبِت َّ‬
‫الظالمين ومن عاونَهم‪.‬‬
‫وانصر‬
‫ُ‬ ‫السحاب ‪ ،‬ها ِزم األحزاب! اه ِزمهم وزل ِزلهم ‪،‬‬ ‫ي َّ‬‫اللهم ُمن ِز َل الكتابـ ‪ُ ،‬مج ِر َ‬
‫إخوانَناـ عليهم‪.‬‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫حرر المسج َد األقصى من ظلم الظالمين ‪ ،‬وعُدوان ُ‬
‫اللهم ِّ‬
‫أحوال إخواننا في مصر‬
‫َـ‬ ‫أحوال إخواننا في مصر وفي كل مكان ‪ ،‬اللهم أصلِح‬
‫َ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫ِ‬
‫واكفهم‬ ‫والهدىـ ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهم ‪،‬‬ ‫اجمعهمـ على الحق ُ‬
‫وفي كل مكان ‪ ،‬اللهمـ َ‬
‫رارهم ‪ ،‬يا حي يا قيوم يا ذا الجالل واإلكرام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ش َ‬
‫للبر والتقوى ‪،‬‬
‫تحب وترضى ‪ ،‬و ُخذ به ِّ‬ ‫خادم الحرمين الشريفين لما ُّ‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي أمرناـ َ‬
‫لباس الصحة والعافية ‪ ،‬اللهم وفِّقه وناِئَب ْيه وإخوانَهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللهم أت َّم عليه عافيتَك ‪ ،‬وألبسه َ‬
‫وأعوانَهمـ لما فيه صالح العباد والبالد‪.‬‬
‫ٍ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫شرعك ‪ ،‬واتباع سنة نبيِّك‬ ‫اللهم وفِّق وال َة أمور المسلمين لتحكيم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المؤمنين‪.‬‬‫وسلم ‪ ، -‬واجعلهمـ رحمةً على عبادك ُ‬
‫شر األشرار ‪ ،‬وكي َد‬ ‫ِ‬
‫واكفنا َّ‬ ‫المسلمين ‪،‬‬
‫والرخاء في بالدنا وبالد ُ‬
‫َ‬ ‫األمن‬
‫شر َـ‬ ‫اللهم ان ُ‬
‫وشر طوا ِرق الليل والنهار‪.‬‬
‫ال ُف َّجار ‪َّ ،‬‬

‫‪634‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اب النَّا ِر (‪َ ﴿ ، 908﴾ )201‬ر َّبنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬ ‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬ ‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ِ ِ‬ ‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَاـ ِفي َْأم ِرنَا َو َثبِّ ْ‬ ‫ِ‬
‫ص ْرنَاـ َعلَى الْ َق ْوم الْ َكاف ِر َ‬
‫‪909‬‬
‫ين (‪﴾ )147‬‬ ‫ت َأقْ َد َامنَا َوانْ ُ‬ ‫ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫‪.‬‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالَنا ‪ ،‬اللهم اغفر‬ ‫اللهم اغفر ذنوبَنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ووالديهم وأزواجنا وذُ ِّرياتناـ ‪ ،‬إنكـ‬ ‫ِ‬
‫ولوالدينا‬ ‫لنا‬
‫ُ‬
‫اللهم إنا نسألُك ِرضاك والجنةَ ‪ ،‬ونعوذُ بك من س َخ ِطك ومن النار‪.‬‬
‫اللهم بلِّغنا رمضان ‪ ،‬اللهم بلِّغنا رمضان ‪ ،‬ووفِّقنا فيه للعمل الصالح ‪ ،‬وتقبَّل منا يا كريم‪.‬‬
‫التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت‬
‫ُ‬ ‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫‪908‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪909‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪635‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬أد ِركوا نفحات رمضان‪..‬‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪:‬الرابع والعشرون من رمضان من عام ‪1434‬هـ‬

‫‪ -‬أد ِركوا نفحات رمضان‪- ..‬‬

‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪:‬‬
‫"أد ِركوا نفحاتـ رمضان!" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن شهر رمضان وآخر أيامه ولياليهـ ‪،‬‬
‫َّسع لتقديم ال ُقربات واإلقبالـ على‬
‫وأنه وإن كان اقترب على النهايةـ إال أن في الوقت ُمت ٌ‬
‫المباركات ‪ ،‬والتنافُس على الخيرات والبركاتـ ‪،‬‬ ‫الطاعات في هذه األيام واللياليـ ُ‬
‫اغتناما لليلة القدرـ وفضلِها ‪ ،‬وحصوالً على مرضاة اهلل والعتق من النار ‪ ،‬وبيَّن أهمية‬
‫ً‬
‫زكاة ِ‬
‫الفطر ووجوبها‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫الحمد هلل ‪ ،‬الحمد هلل الذي له الخلق واألمرـ ‪ ،‬والعزةُ والقهر ‪ ،‬تبارك ربُّنا وتفضَّل‬
‫علينا بهذا الشهر ‪ ،‬وبلَّغَنا أواخرهـ العشرـ ‪ ،‬فنحم ُد اهلل تعالىـ ونشكره ‪ ،‬ومن كل ٍ‬
‫سوء‬ ‫ُ‬
‫نرجو اهلل ونستكثِ ُره ‪ ،‬أشهد أن ال‬ ‫ٍ‬ ‫ونستغفره ‪ ،‬ومن كل خي ٍر‬ ‫ِ‬ ‫وتقصي ٍر‬
‫وفضل ُ‬ ‫ُ‬ ‫نستعفيهـ‬
‫‪636‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫حلمه ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده‬


‫اسمه ‪ ،‬وعظُم ُ‬ ‫تقدس ُ‬ ‫إله إال اهلل وحده ال شريكـ له َّ‬
‫تقرب وازدلَف ‪ ،‬صلَّى اهلل عليه وصلَّى على‬
‫صام واعت َكف ‪ ،‬ولربِّه َّ‬
‫خير من َ‬
‫ورسولُه ُ‬
‫كثيرا‪.‬‬ ‫أثرهم إلىـ يوم الدين ‪ ،‬وسلَّم‬ ‫ِ‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫آله وأصحابه ومن اقت َفى َ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫رتجى حين‬ ‫الم َ‬ ‫خير لباس ‪ ،‬وهي ُ‬ ‫لباس التقوى ُ‬ ‫فعليكم بتقوى اهلل ‪ -‬أيها الناس ‪-‬؛ فإن َ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِـه َواَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأْنتُ ْم‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫الرحيلـ وعند اإلياس ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها الذ َ‬‫َّ‬
‫ون (‪. 910﴾ )102‬‬ ‫ُم ْسلِ ُم َ‬
‫حاسبون ‪ ،‬وبأعمالكمـ‬ ‫ثم اعلموا أنكم غ ًدا أمام اهلل موقوفون ‪ ،‬ويوم العرض عليه ُم َ‬
‫مج ِزيُّون ‪ ،‬ومن أخلَ َد إلى األرض بانَت ندامتُه يوم العرض ‪ ،‬واعلَموا أن للقبور وحشةً‬
‫تدارك المواسم السانِحةـ ‪ ،‬فال تغَُّرنَّكمـ‬ ‫ِّدهاـ ُ‬ ‫األعمال الصالحة ‪ ،‬وبها ظُلمةٌ يُبد ُ‬‫ُ‬ ‫ُأنسها‬
‫ُ‬
‫الملذات لن يرقَى في‬ ‫لهينَّكم عن اآلخرة ‪ ،‬وإن الذينـ يُسابِ ُـق في َّ‬ ‫الحياة الدنيا ‪ ،‬وال تُ َ‬
‫ُسلَّم الطاعات‪.‬ـ‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫ض ُّر ُك ْم َم ْن‬ ‫تيأسوا من كثرة الهالكينـ ‪ ،‬أو تسلط الفاسقين ‪َ ﴿ ،‬علَْي ُك ْم َأْن ُف َ‬
‫س ُك ْـم اَل يَ ُ‬ ‫وال ُ‬
‫ض َّل ِإذَا ْاهتَ َد ْيتُ ْم ِإلَى اللَّ ِه َم ْر ِجعُ ُك ْم َج ِم ًيعا (‪. 911﴾ )105‬‬‫َ‬
‫غيرك؛ فإنك‬ ‫ج َ‬ ‫الزلةـ ‪ ،‬وعُد بحلمك على جهل من لم ْير ُ‬
‫ِ‬ ‫واعف عن َّ َّ‬ ‫ُ‬ ‫اللهم أقِل العثرةَ ‪،‬‬
‫مهرب إال إليك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫خطيئة من خطيئتِه‬ ‫واسع المغفرة ‪ ،‬ليس لذي‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫أيامه فلقد ِبق َـي منها ما تكو ُن‬
‫تصر َمت ُ‬‫أكثر شهرناـ فلقد ِبق َي منه أرجاه ‪ ،‬ولئن َّ‬
‫ضى ُ‬ ‫لئن م َ‬
‫ليال َّ‬
‫يتحق ُق فيها للعبد ُمنَاه‪.‬‬ ‫ترحلَت لياليه فقد ظلَّت ٍ‬‫به النجاة ‪ ،‬ولئن َّ‬
‫كل ٍ‬
‫لحظة فيه ‪،‬‬ ‫بارك اهلل َّ‬
‫عظيم َ‬ ‫كل ساعاته وثوانِيه ‪،‬‬
‫وموسم ٌ‬
‫ٌ‬ ‫تتضوع بالخير ُّ‬
‫كريم َّ‬
‫شهر ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ب‬‫شر ًعا لكل ُمستعتِ ٍ‬ ‫ِع ُ ِ‬
‫ومسابق ‪ ،‬ولم َيزل الميدا ُن ُم َ‬ ‫مضمارا لكل ُمسار ٍ‬
‫ً‬ ‫فلم َيزل فيه‬
‫ِ‬
‫والحق‪.‬‬

‫‪910‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪911‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪637‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ساعة سوف تُ ِظلُّك فيها الرحماتـ ‪ ،‬وتَطالُكـ فيها‬ ‫أي ٍ‬ ‫وإنك ال تعلم ‪ -‬يا عبد اهلل ‪َّ -‬‬
‫بركب األبرار!‬ ‫ِ‬ ‫لتلح َق‬ ‫الن َفحات!ـ َّ ٍ‬
‫وأي ليلة تُعتَ ُق فيها من النار َ‬ ‫َّ‬
‫أبواب السماوات ُمشرعةً لرفع الدعوات ‪،‬‬ ‫ُـ‬ ‫كل الشهر ‪ ،‬ولم َتزلـ‬ ‫الشهر َّ‬
‫َـ‬ ‫بارك اهلل‬
‫فقد َ‬
‫يم َّل‬
‫أقالمها لتكتُب الحسنات واألعمال الصالحاتـ ‪ ،‬ولن َ‬ ‫ولم َتزل المالئكةُ حاملةً َ‬
‫ُموفَّ ٌق من خي ٍر حتى يكون ُمنتهاهُ الجنة‪.‬‬
‫ِ‬
‫المواسم ‪،‬‬ ‫راق أمثال هذه‬ ‫اد والصالحون على الدنيا عند وفاتِهم إال على ِف ِ‬ ‫ف العُبَّ ُ‬‫لم يأس ِ‬
‫َ‬
‫الهواجرـ ‪ ،‬وعلى الجهاد‬ ‫ِ‬ ‫الدمع عند رحيلِهم إال على قيام األسحار ‪ ،‬وظمأ‬ ‫يس ُّحوا َ‬ ‫ولم ُ‬
‫في سبيل اهلل‪.‬‬
‫فاعلون؟! ولم تزالُوا في دار العمل‪ .‬فكيف تصنَعون؟!‬ ‫وأنتم بع ُد في المهلة‪ .‬فما أنتم ِ‬
‫ُ‬
‫وأملوا حتى جاءتهم السكرةُـ على حين‬ ‫فسوفُوا َّ‬ ‫ألقوام قبلَكم َّ‬ ‫ٍ‬ ‫سنحت هذه السوانِ ُح‬ ‫وقد َ‬
‫تمكنين ‪ ،‬ومن أنفسهمـ‬ ‫الماضين وقد كانوا في ُدنياهم ُم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫خبرا من أخبار‬ ‫فأمسوا ً‬ ‫َ‬ ‫ِغ َّرة ‪،‬‬
‫ْت فِي‬ ‫س يَا َح ْس َرتَاـ َعلَى َما َف َّرط ُ‬ ‫مثل أولئك‪َ ﴿ :‬أ ْن َت ُق َ‬
‫ول َن ْف ٌ‬ ‫واثِقين ‪ ،‬وقد قال اهلل في ِ‬
‫ت ِم َن‬
‫َأن اللَّهَ َه َدانِيـ لَ ُك ْن ُ‬
‫ول لَ ْو َّ‬
‫ين (‪َْ )56‬أو َت ُق َ‬ ‫ت لَ ِمن َّ ِ‬
‫الساخ ِر َ‬ ‫ب اللَّه َوِإ ْن ُك ْن ُ َ‬
‫ج ْن ِ ِ‬
‫َ‬
‫ين (‪)58‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ول ِحين َترى الْع َذاب لَو َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َأن لي َك َّرةً فََأ ُكو َن م َن ال ُْم ْحسن َ‬ ‫ين (‪َْ )57‬أو َت ُق َ َ َ َ َ ْ‬ ‫ال ُْمتَّق َ‬
‫ين (‪. 912﴾ )59‬‬ ‫ت ِم َن الْ َكافِ ِر َـ‬
‫ت َو ُك ْن َ‬ ‫ت بِ َها َو ْ‬
‫استَ ْكَب ْر َـ‬ ‫ك آيَاتِي فَ َك َّذبْ َ‬ ‫اءتْ َـ‬
‫َبلَى قَ ْد َج َ‬
‫الموفَّق‪ :‬توبتُه إلىـ اهلل وأوبتُه لمواله ‪،‬‬ ‫أال وإن من أعظم آثار شهر رمضان على العبد ُ‬
‫وفي الحديث الصحيح‪ :‬أن نبيَّنا محم ًدا ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪« :‬آمين» حينما‬
‫َّار‬
‫ضا َن ‪َ ،‬فلَ ْم ُي ْغ َف ْر لَهُ ‪ ،‬فَ َد َخ َل الن َ‬ ‫العظيم جبرائيل قائالً‪َ " :‬م ْن َأ ْد َر َك َش ْه َر َر َم َ‬
‫ُ‬ ‫ك‬
‫دعا الملَ ُ‬
‫آمين ‪ُ ،‬قل ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين " ‪.‬‬ ‫ْت ‪ :‬آم َ‬ ‫فَ َْأب َع َدهُ اللَّهُ ‪ ،‬قُ ْل ‪َ :‬‬
‫ك ُه ُم الظَّالِ ُمو َن (‬ ‫ب فَُأولَِئ َ‬ ‫خيار للعبد في التوبة؛ فقد قال اهلل تعالى‪:‬ـ ﴿ َو َم ْن لَ ْم َيتُ ْ‬ ‫وال َ‬
‫‪. 913﴾ )11‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬

‫‪912‬‬
‫سورة الزمر‬
‫‪913‬‬
‫سورة الحجرات‬
‫‪638‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫يسير ٍ‬
‫بليل‬ ‫فج ُّدوا ِّ‬ ‫ليال هي أرجى ما تكو ُن ِ‬
‫لليلة القدر؛ ِ‬ ‫ِبقيَت ٍ‬
‫عمل ٌ‬
‫وشمروا ‪ ،‬فإنه ٌ‬ ‫َ‬
‫جزيل وسعادةُـ األبد‪.‬‬
‫ثواب ٌ‬‫قصي ٍر ‪ ،‬وعُقباهُ ٌ‬

‫لفعل ‪،‬‬
‫إطالع خلقه عليها َ‬
‫َ‬ ‫أراد اهلل‬
‫والمنامات في تحديدها ‪ ،‬فلو َ‬
‫ُـ‬ ‫الرَؤ ى‬
‫ال تُثبِّطنَّكم ُّ‬
‫ولكن عليكم بالعمل‪.‬‬
‫وأرجاهن ليلةُ سب ٍع‬
‫َّ‬ ‫وأرجاهاـ ليالي ال ِوتر ‪،‬‬
‫َ‬ ‫فكل لياليـ العشر ح ِريَّةٌـ بها ‪،‬‬
‫وال تتوا َكلوا ُّ‬
‫وعشرين ‪ ،‬وفي كل ٍ‬
‫ليلة هلل عُتقاءُ من النار‪.‬‬
‫أتم‬
‫هدي نبيِّنا محم ٌد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في العشر األواخر من رمضان َّ‬ ‫وقد كان ُ‬
‫أجرها‪ " .‬كان النبي‬ ‫ِ‬ ‫ٍ َّ‬ ‫ِـ‬
‫وأجزل َ‬
‫َ‬ ‫كرها‬
‫أمرها ‪ ،‬وأعلى ذ َ‬ ‫الهدي وأكملَه؛ إذ هي ليال عظم اهلل َ‬
‫ظ أهلَه" ؛‬‫ئزره ‪ ،‬وأحيَى ليلَه ‪ ،‬وأيق َ‬ ‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا دخل العشر َّ ِ‬
‫شد م َ‬
‫رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ِ‬
‫األواخ َـر من‬ ‫العشر‬ ‫ف‬ ‫السحور ‪ ،‬وكان ِ‬
‫يعتك ُ‬ ‫فوات َّ‬ ‫شون َ‬ ‫كان يُصلِّي بالناسـ حتى يخ َ‬
‫َ‬
‫الصحب ِ‬
‫الكرام‬ ‫ويتحرى مع َّ‬ ‫َّ‬ ‫ونهاره بالعبادة ‪،‬‬
‫ويعم ُر ليلَه َ‬ ‫رمضان ‪ ،‬فيُال ِز ُم المسجد ‪ُ ،‬‬
‫ام لَْيلَةَ الْ َق ْد ِر ِإ َ‬
‫يمانًاـ‬ ‫في هذه اللياليـ ليلةَ القدر ‪ ،‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن قَ َ‬
‫سابًا غُِف َر لَهُ َما َت َق َّد َم ِم ْن ذَنْبِ ِه " ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫و ِْ‬
‫احت َ‬ ‫َ‬
‫ِّره اهلل فيها من القضاء ‪،‬‬ ‫وعلو شأنهاـ ‪ ،‬ولما يُقد ُ‬ ‫ِّ‬ ‫وإنما ُس ِّميَت ليلةَ القدر ِلعظَم قدرها ‪،‬‬
‫ويقس ُمه من األرزاق واآلجال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اب ال ُْمبِي ِن (‪)2‬‬ ‫ْكتَ ِ‬ ‫أنزل اهلل فيها القرآن وبار َكها ‪ ،‬فقال ‪ -‬سبحانه ‪ ﴿ :-‬حم (‪ )1‬وال ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ين (‪ )3‬فِ َيها ُي ْف َر ُق ُك ُّل َْأم ٍر َح ِك ٍيم (‪. 914﴾ )4‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ِإنَّا َأْن َزلْنَاهُـ في لَْيلَة ُمبَ َار َكة ِإنَّا ُكنَّا ُم ْنذ ِر َ‬
‫وأنزل في شأنهاـ سور ًة كاملة ‪ ،‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‪:‬ـ ﴿ ِإنَّا َأْن َزلْنَاهُ فِي لَْيلَ ِة الْ َق ْد ِر (‬ ‫َـ‬
‫ْف َش ْه ٍر (‪َ )3‬تَن َّز ُل ال َْماَل ِئ َكةُ‬ ‫اك ما لَْيلَةُ الْ َق ْد ِر (‪ )2‬لَْيلَةُ الْ َق ْد ِر َخ ْير ِمن َأل ِ‬
‫ٌ ْ‬ ‫‪َ )1‬و َما َأ ْد َر َ َ‬
‫وح فِ َيها بِِإ ْذ ِن َربِّ ِه ْم ِم ْن ُك ِّل َْأم ٍر (‪َ )4‬ساَل ٌم ِه َي َحتَّى َمطْلَ ِع الْ َف ْج ِر (‪. 915﴾ )5‬‬ ‫الر ُ‬ ‫َو ُّ‬

‫‪914‬‬
‫سورة الدخان‬
‫‪915‬‬
‫سورة القدر‬
‫‪639‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫تحراها ِ ِ‬
‫بقيام الليالي كلِّها ‪ ،‬واجته َد وصد َق في تطلُّبها؛ فإن اهللَ ال يُ ُ‬
‫ضيع‬ ‫والموفَّ ُق من َّ‬
‫ُ‬
‫حسنين‪ .‬عن عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أن رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫أجر الم ِ‬
‫َ ُ‬
‫ضا َن " ؛ أخرجه البخاري‬ ‫اخ ِـر ِم ْن َر َم َ‬
‫‪ -‬قال‪ " :‬تَح َّروا لَيلَةَ الْ َق ْد ِر فِي الْ ِوتْ ِر ِمن الْع ْش ِر اَأْلو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ومسلم‪.‬‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يُجا ِو ُر في العشر‬ ‫ُ‬ ‫ضا قالت‪ :‬كان‬
‫وعن عائشة أي ً‬
‫اخ ِـر ِم ْن‬
‫األواخر من رمضان ‪ ،‬ويقول‪ " :‬تَح َّروا لَيلَةَ الْ َق ْد ِر فِي الْ ِوتْ ِر ِمن الْع ْش ِر اَأْلو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ضا َن " ؛ رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫َر َم َ‬
‫الصامت ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬خرج النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫وعن عبادة بن ِ‬
‫ُ‬
‫ت ُأِل ْخبِ َر ُك ْـم‬
‫المسلمين ‪ ،‬فقال‪ِ " :‬إنِّي َخ َر ْج ُ‬ ‫رجالن من ُ‬ ‫فتالح ُ‬
‫َ‬ ‫ليُخبِ ُرنا بليلة القدر ‪،‬‬
‫وها‬
‫س َ‬ ‫ِ‬
‫سى َأ ْن يَ ُكو َن َخ ْي ًرا لَ ُك ُم ‪ ،‬الْتَم ُ‬‫ت َو َع َ‬‫بِلَْيلَ ِة الْ َق ْد ِـر ‪َ ،‬وِإنَّهُ تَاَل َحى فُاَل ٌن َوفُاَل ٌن ‪َ ،‬ف ُرفِ َع ْ‬
‫س " ؛ رواه البخاري‪.‬‬ ‫ِّس ِع َوالْ َخ ْم ِ‬ ‫فِي َّ‬
‫الس ْب ِع َوالت ْ‬
‫يمنع من الخير‪.‬‬ ‫دليل على ُشؤم الخالف والنِّزاع وال ُفرقة وما ُ‬ ‫وهذا ٌ‬
‫أيها المؤمنون الصاِئمون‪:‬‬
‫خير ْي‬ ‫وارجوه ‪ ،‬واطلُبُوا َ‬ ‫تضرعوا له ُ‬ ‫الملِ ِّحين‪َّ .‬‬ ‫حب ُ‬ ‫ألِ ُّحوا على اهلل في الدعاء؛ فإنه يُ ُّ‬
‫ِ‬
‫وللمسلمين‪.‬‬ ‫أمركم ُ‬ ‫الدنيا واآلخرةـ لكم وألهليكمـ ولقرابَتكمـ ولبالدكم ولمن والَّه اهلل َ‬
‫ِئ‬
‫صوا إخوانَكمـ في سوريا‬ ‫المن ُكوبين ‪ ،‬و ُخ ُّ‬ ‫واجعلوا حظًّا من ُدعا كم إلخوانكم َ‬ ‫َ‬
‫بدعوة من‬‫ٍ‬ ‫فرج عنهم‬ ‫لعل اهلل أن يُ ِّ‬‫للمسلمين ين ِزف ‪َّ ،‬‬ ‫رح ُ‬ ‫وفلسطين وبُورما وكل ُج ٍ‬
‫الناس له باالًـ وهو عند اهلل عظيم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫صادق ال يُلقي ُ‬
‫ببال أنها تصلُح‪.‬‬ ‫أحوال لم يخطُر ٍ‬ ‫ٌـ‬ ‫الملِ ِّحين؛ كم صلَ َحت بالدعاء‬ ‫ألِ ُّحوا فإن اهلل ُّ‬
‫يحب ُ‬
‫ِ‬
‫َّحت وكانت في‬ ‫سهم اإلجابة قبل أن يُصبِح‪ .‬وكم من مغاليق تفت َ‬ ‫ظالم وأتاهُ ُ‬ ‫نام ٌ‬ ‫وكم َ‬
‫ظُنون الناس لن تُفتَح‪.‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ال ربُّ ُكم ا ْدعُونِي ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب لَ ُك ْـم ِإ َّن الذ َ‬
‫ين‬ ‫َأستَج ْ‬ ‫المخبتين ‪َ ﴿ ،‬وقَ َ َ ُ‬ ‫نوت ُ‬‫يحب قُ َ‬‫إن اهلل ُّ‬
‫ين (‪ 916﴾ )60‬وفي ثنايا آيات الصيام‪:‬‬ ‫يست ْكبِرو َن عن ِعبادتِي سي ْد ُخلُو َن جهنَّم د ِ‬
‫اخ ِر َـ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ َْ ُ َ ْ َ َ ََ‬

‫‪916‬‬
‫سورة غافر‬
‫‪640‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ان َفلْيَ ْستَ ِجيبُوا لِي‬ ‫اع ِإ َذا َد َع ِ‬ ‫ادي َعنِّي فَِإ نِّي قَ ِر ِ‬ ‫ك ِعب ِ‬
‫يب َد ْع َو َة َّ‬
‫الد ِ‬ ‫يب ُأج ُ‬ ‫ٌ‬ ‫﴿ َوِإ َذا َسَألَ َ َ‬
‫َول ُْيْؤ ِمنُوا بِي لَ َعلَّ ُه ْم َي ْر ُش ُدو َن (‪. 917﴾ )186‬‬
‫الملِ ِّحين ‪ ،‬والت ِزموا مع اهلل األدب‪ ﴿ :‬ا ْدعُوا َربَّ ُك ْم تَ َ‬
‫ض ُّر ًعا َو ُخ ْفيَةً‬ ‫يحب ُ‬ ‫ألِ ُّحوا فإن اهلل ُّ‬
‫صاَل ِح َها َوا ْدعُوهُ َخ ْوفًا َوطَ َم ًعا‬ ‫ض َب ْع َد ِإ ْ‬‫اَأْلر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين (‪َ )55‬واَل ُت ْفس ُدواـ في ْ‬ ‫ب ال ُْم ْعتَ ِد َـ‬
‫ِإنَّهُ اَل يُ ِح ُّ‬
‫ين (‪. 918﴾ )56‬‬ ‫ِِ‬ ‫ت اللَّ ِه قَ ِر ِ‬
‫ِإ َّن َر ْح َم َ‬
‫يب م َن ال ُْم ْحسن َ‬
‫ٌ‬
‫أي ٍ‬
‫ليلة‬ ‫مت َّ‬ ‫أرأيت إن علِ ُ‬ ‫َ‬ ‫قلت‪ :‬يا رسول اهلل!‬ ‫عن عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬قالت‪ُ :‬‬
‫فاعف عنِّي " ؛‬
‫ُ‬ ‫العفو‬
‫تحب َ‬ ‫أقول فيها؟ قال‪ " :‬قُولِي‪ :‬اللهم إنكـ ع ُف ٌّو ُّ‬
‫ليلةُ القدر ما ُ‬
‫صحيح أخرجهـ اإلمام أحمد والترمذيـ وابن ماجه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫حديث‬
‫ٌ‬
‫أقول‬
‫ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة ‪ُ ،‬‬
‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫قولي هذاـ ‪ ،‬وأستغفر اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫وسرم ًدا ‪ ،‬وأشهدـ أن ال إله‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫الدوام‬ ‫والشكر له على‬ ‫تمجد ‪،‬‬
‫الحمد هلل الذي في السماء َّ‬
‫ُ‬
‫خير من صام وقام َّ‬
‫وزكى‬ ‫إال اهلل وح َده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ُ‬
‫ؤدد ‪،‬‬ ‫وبار َك عليه ‪ ،‬وعلى آله وأصحابِه ُأولِي الفضلـ ُّ‬
‫والس َ‬ ‫وتعبَّد ‪ ،‬صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫ٍـ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫والتابعينـ ومن تبِ َعهم‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫الفطر ‪ ،‬وهي واجبةٌـ باإلجماع ‪،‬‬ ‫شرع لكم في ِختام شه ِركم زكا َة ِ‬ ‫إن اهلل تعالىـ قد َ‬
‫محاسن هذا الدينـ العظيم؛ حيث العي ُد للغني والفقيرـ ‪،‬‬ ‫كما أنها وجهٌ مشر ٌق في ِ‬
‫ُ‬
‫والمع َدم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والواجدـ ُ‬

‫‪917‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪918‬‬
‫سورة األعراف‬
‫‪641‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫يفر َح الجميع؛ روى أبو داود وابن ماجهـ أن النبي ‪ -‬صلى‬ ‫وحتى يكون عي ًدا فال بُ َّد أن َ‬
‫ث َوطُ ْع َمةً‬ ‫لصاِئ ِم ِم ْن اللَّ ْغ ِو َو َّ‬
‫الرفَ ِ‬ ‫ض َز َكاةَ ال ِْفطْ ِر طُ ْه َرةً لِ َّ‬‫فر َ‬
‫اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬‬
‫ساكِي ِن " ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لل َْم َ‬
‫قدارها‪:‬ـ صاعٌ من تم ٍر ‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫لم ِّ‬ ‫ِئ‬
‫ستحقيها ‪ ،‬وم ُ‬ ‫صوا على أدا ها ‪ -‬رحمكم اهلل ‪ُ -‬‬ ‫فاح ِر ُ‬
‫ج في بلد‬ ‫خر ُ‬
‫كالب ِّر واألرز‪ .‬وتُ َ‬ ‫طعام من غالب قُوت البلد؛ ُ‬ ‫صاعٌ من شعي ٍر ‪ ،‬أو ٌ‬
‫بيوم أو يومين إلى‬ ‫لبلد أهلُه أكثر حاجة ‪ ،‬ووقتها من قبل العيد ٍ‬ ‫ويجوز نقلُه ٍ‬ ‫الصائمـ ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ما قبل صالة العيد‪.‬‬
‫ونساءكم؛ فهي شعيرةٌ‬
‫َ‬ ‫واصحبوا إليها أوال َدكم‬
‫َ‬ ‫المسلمين ‪،‬‬
‫ثم أدُّوا صال َة العيدـ مع ُ‬
‫المسلمين‪.‬‬ ‫ِئ‬
‫ظاهرةٌ من شعا ر ُ‬
‫جهر بالتكبير في‬ ‫يدخلـ الخطيب ‪ ،‬ويُ َ‬ ‫التكبير ليلة العيد ‪ ،‬وصبيحة العيدـ حتى ُ‬ ‫ُـ‬ ‫سن‬
‫ويُ ُّ‬
‫األسواق والطُُّرقات ‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬ولِتُ ْك ِملُوا ال ِْع َّد َةـ َولِتُ َكِّب ُروا اللَّهَ َعلَى َما‬
‫َه َدا ُك ْـم َولَ َعلَّ ُك ْـم تَ ْش ُك ُرو َن (‪. 919﴾ )185‬‬
‫تعظيم اهلل‬
‫ُ‬ ‫تمي َزت عن أعياد الجاهليَّة بأنهاـ قُربةٌ وطاعةٌ هلل ‪ ،‬وفيها‬ ‫المسلمين َّ‬ ‫أعياد ُ‬
‫ُ‬
‫الفطر ‪،‬‬‫وذكره بالتكبير في العي َدين ‪ ،‬وحضور الصالة في جماعة ‪ ،‬وتوزيع زكاة ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والس ُرور على نعمة الدينـ ‪ ،‬ونعمة تمام الصيام‪.‬‬ ‫الفرح ُّ‬ ‫وإظهار َ‬
‫ُ‬
‫القبول وحسن ِ‬
‫الختام‪.‬‬ ‫واشكرواـ اهلل على التمام ‪ ،‬واسألُوه‬ ‫فابت ِه ُجوا بعيدكم ‪،‬‬
‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫صلُّو َن َعلَى‬ ‫ِئ‬
‫أمركمـ بأم ٍـر بدأ فيه بنفسه ‪ ،‬فقال‪:‬ـ ﴿ ِإ َّن اللَّهَ َو َماَل َكتَهُ يُ َ‬ ‫ثم اعلموا أن اهلل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫النَّبِ ِّي يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫يما (‪. 920﴾ )56‬‬ ‫صلُّوا َعلَْيه َو َسلِّ ُموا تَ ْسل ً‬
‫آمنُوا َ‬
‫ين َ‬
‫صل وسلِّم و ِزد وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫ٍـ‬ ‫وارض اللهم عن صحابة رسولك أجمعين ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬ ‫َ‬ ‫‪،‬‬
‫أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬واخ ُذلـ الطغا َة‬
‫أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬اللهم َّ‬
‫اللهم َّ‬
‫والمالحدةَ والمفسدين ‪ ،‬اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيِّك وعبادك المؤمنين‪.‬‬

‫‪919‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪920‬‬
‫سورة األحزاب‬
‫‪642‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أهل معصيتك ‪،‬‬ ‫اللهم أب ِرم لهذه األمةـ أمر ر ٍ‬


‫عز فيه أهل طاعتك ‪ ،‬ويُه َدى في ُ‬
‫شد يُ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫ويُؤمر فيه بالمعروف ‪ ،‬ويُ َنهى عن المنكر يا رب العالمين‪.‬‬
‫ور َّد كي َده في نح ِر ِه ‪ ،‬واجعل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫اإلسالم والمسلمين بسوء فأشغلهـ بنفسه ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫أراد‬
‫اللهم من َ‬
‫الس ِ‬
‫وء عليه يا رب العالمين‪.‬ـ‬ ‫دائرةَـ َّ‬
‫صارهم ‪،‬‬ ‫اللهم انصر المجاهدينـ في سبيلك في فلسطين وفي كل مكان ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬
‫عدوهم‪.‬‬ ‫وأصلِح أحوالَهم ‪ ،‬واكبِت َّ‬
‫باسمك األعظم أن تلطُف بإخواننا في سوريا ‪ ،‬اللهم الطُف بهم ‪،‬‬ ‫اللهم إنا نسألُكـ ِ‬
‫كسرهم ‪،‬‬ ‫ارحم ضع َفهم ‪ ،‬واجبُر َ‬ ‫بالفرجـ ‪ ،‬اللهم َ‬
‫وعجل لهم َ‬ ‫ِّ‬ ‫وارفع عنهم البالء ‪،‬‬
‫صارهم ‪،‬‬ ‫راحم المستضعفين ‪ ،‬ويا ناصر المظلومين ‪ ،‬اللهم فُ َّ ِ‬ ‫وتول أمرهمـ ‪ ،‬يا ِ‬
‫َّ‬
‫كح َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وأطعم جاِئَعهمـ‬ ‫وس َّد خلَّتَهم ‪،‬‬ ‫واحقنـ دماءهم ‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫أعراضهم ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫وآمن روعاتهمـ ‪ ،‬واح َفظ‬ ‫َ‬
‫وانصرهم على من بغَى عليهم‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ ،‬واربِط على قلوبِهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهمـ ‪،‬‬
‫عدوهم ‪،‬‬ ‫رارهم ‪ ،‬واكبِت َّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الهدى ‪ ،‬واكفهم ش َ‬ ‫اللهم أصلح أحوالَهم ‪ ،‬واجمعهمـ على ُ‬
‫اللهم عليك بالطُّغاة الظالمين ومن عاونَهم ‪ ،‬اللهمـ عليك بالطُّغاة الظالمين ومن‬
‫عاونَهم‪.‬‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫حرر المسج َد األقصى من ظلم الظالمين ‪ ،‬وعُدوان ُ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫اجمعهم على الحق‬ ‫أحوال إخوانناـ في مصر وفي كل مكان ‪ ،‬اللهمـ َ‬ ‫َـ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫رارهم‪.‬ـ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫والهدى ‪ ،‬وأصلح أحوالَهم ‪ ،‬واكفهم ش َ‬ ‫ُ‬
‫للبر‬
‫تحب وترضى ‪ ،‬و ُخذ به ِّ‬ ‫خادم الحرمين الشريفين لما ُّ‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي أمرناـ َ‬
‫ووولي عهده وناِئبَه وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صالح العباد‬ ‫َّ‬ ‫والتقوى ‪ ،‬اللهم وفِّقه‬
‫وقاصديهما‪.‬‬‫والبالد ‪ ،‬وجا ِزهم بالخيراتـ على ما يب ُذلُونَهـ لخدمة الحرمين الشريفين ِ‬
‫وقاصدي الحرمين ‪ ،‬وأج ِزلـ لهم‬ ‫عتمرين ِ‬
‫رجال أمنِنا ‪ ،‬والعاملين لخدمة الم ِ‬‫اللهم وفِّق َ‬
‫ُ‬
‫األجر والثواب‪.‬‬
‫َـ‬
‫ٍ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫اللهم وفِّق والةَ أمور المسلمين لتحكيم ِ‬
‫شرعك ‪ ،‬واتباع سنة نبيِّك‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫عليه وسلم ‪ ، -‬واجعلهمـ رحمةً على عبادك ُ‬

‫‪643‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫شر األشرار ‪ ،‬وكي َد‬ ‫واكفنا َّ‬‫ِ‬ ‫المسلمين ‪،‬‬ ‫والرخاء في بالدنا وبالد ُ‬ ‫َ‬ ‫األمن‬
‫شر َـ‬ ‫اللهم ان ُ‬
‫وشر طوا ِرق الليل والنهار‪.‬‬ ‫ال ُف َّجار ‪َّ ،‬‬
‫اب النَّا ِر (‪. 921﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬ ‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬ ‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫رضيك آمالَنا‪.‬‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبَنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫ين (‬‫ص ْرنَاـ َعلَى الْ َق ْوِم الْ َكافِ ِر َـ‬
‫ت َأقْ َد َامنَا َوانْ ُ‬‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَا فِي َْأم ِرنَا َو َثبِّ ْ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َر َّبنَا ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫‪. 922﴾ )250‬‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ووالديهم وأزواجنا وذُ ِّرياتناـ ‪ ،‬إنكـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولوالدينا‬ ‫اللهم اغفر لنا‬
‫ُ‬
‫اللهم إنا نسألُك ِرضاك والجنةَ ‪ ،‬ونعوذُ بك من س َخ ِطك ومن النار‪.‬‬
‫الحظ والنصيب‬ ‫أوفر ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فاجعل َ‬ ‫اللهم ما سألناكـ في هذا الشهر الكريم من مسألة صالحة َ‬
‫فيها لنا وألحبابنا ‪ ،‬ولمن أوصانا بالدعاء ‪ ،‬ولمن له ٌّ‬
‫حق علينا‪.‬‬
‫واجعلنا من المقبولين ‪ ،‬واجعلناـ من‬
‫َ‬ ‫الموفَّقين لقيام ليلة القدر ‪،‬‬
‫اجعلناـ من ُ‬
‫اللهم َ‬
‫ُعتقاِئكـ من النار‪.‬‬
‫السميع العليم ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وصالح أعمالنا إنك أنت‬
‫َ‬ ‫ودعاءنا ‪،‬‬
‫َ‬ ‫وقيامنا ‪،‬‬
‫َ‬ ‫صيامنا ‪،‬‬
‫اللهم تقبَّل َ‬
‫التواب الرحيم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وتُب علينا إنك أنت‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬
‫العالمين‪.‬‬

‫‪921‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪922‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪644‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬معالم للمسلم في أوقات الفتن‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالثون من شوال من عام ‪1434‬هـ‬

‫‪ -‬معالم للمسلم في أوقات الفتن ‪-‬‬

‫ألقىـ فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪:‬‬
‫"معالمـ للمسلم في أوقات الفتن" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن الفتن وما ينبغي على‬
‫المسلم من اجتنابهاـ ‪ ،‬وبيّن باألدلة من الكتابـ والسنةـ ِعظَم شأن الفتن وخطورة‬
‫الوقوع فيها ‪ ،‬وإنه عند التباس األمور يجب على المسلم اللجوء للكتابـ والسنة‬
‫وأهل العلم والخبرة‪.‬‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫رتجى‬
‫غيره يُ َ‬
‫المستعان فمن ُ‬ ‫الحمد هلل ‪ ،‬وله بعد الحمد التحايا الزاكيات ‪ ،‬وهو ُ‬
‫حسب الكائناتـ ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الملِ َّمات ‪ ،‬وعليه التُّكالن فحسبُنا اهلل وهو‬
‫ودهم ُ‬
‫عند الكروبـ ْ‬
‫وأشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ‪،‬‬
‫وذريَّته أكرم ذُ ِّريَّة ‪ ،‬وعلى صحابتِه ذوي‬
‫وبارك عليه ‪ ،‬وعلى آله ِّ‬ ‫صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬ ‫النفوس ِ‬
‫الوضيَّة ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫الوث َقىـ ‪ ﴿ ،‬يَا َُّأي َها‬ ‫ِ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالىـ َّ‬
‫حق التقوى ‪ ،‬واستمسكوا من اإلسالم بالعُروة ُ‬
‫آمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق ُت َقاتِِـه َواَل تَ ُموتُ َّن ِإاَّل َوَأْنتُ ْم ُم ْسلِ ُمونَ (‪. 923﴾ )102‬‬
‫ين َ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫من اتَّقىـ اهلل وقاه ‪ ،‬وكفاه وأسع َدهـ وآواه‪.‬‬

‫‪923‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪645‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫خرا‬ ‫اهلل َخير َّ ِ‬‫وَت ْقوى ِ‬


‫الزاد ذُ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫و ِع ْن َد ِ‬
‫اهلل لِألت َقى َم ِزي ٌد‬ ‫َ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫دخلت المسجد فإذا عبد اهلل بن عمرو‬
‫ُ‬ ‫رب الكعبةـ قال‪:‬‬
‫روى عبد الرحمن بن عبد ِّ‬
‫فجلست إليه فقال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫والناس ُمجتمعون عليه‪ .‬فأتيتُهم‬
‫ُ‬ ‫ظل الكعبة‬
‫جالس في ِّ‬
‫ٌ‬ ‫بن العاص‬
‫فنزلْنا منزالً ‪ ،‬فمنا من‬ ‫ُكنَّا مع رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في س َفر ‪َ ،‬‬
‫نادي رسول اهلل‬ ‫شره؛ إذ نادى م ِ‬ ‫ينتضل ‪ ،‬ومنا من هو في ج َ‬ ‫يصلِح ِخباءه ‪ ،‬ومنا من ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ :-‬الصالة جامعة‪.‬ـ‬
‫فاجتمعنا إلى رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬فقال‪ِ " :‬إنَّهُ لَ ْم يَ ُك ْن نَبِ ٌّي َق ْبلِي ِإاَّل‬
‫َكا َن َح ًّقا َعلَْي ِه َأ ْن يَ ُد َّل َُّأمتَهُ َعلَى َخ ْي ِر َما َي ْعلَ ُمهُ لَ ُه ْم ‪َ ،‬و ُي ْن ِذ َر ُه ْم َش َّر َما َي ْعلَ ُمهُ لَ ُه ْم ‪،‬‬
‫ور ُت ْن ِك ُرو َن َهاـ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ ِ ِ‬
‫يب آخ َر َها بَاَل ءٌ َو ُُأم ٌ‬ ‫َوِإ َّن َُّأمتَ ُك ْـم َهذه ُجع َـل َعافيَُت َها في ََّأول َها ‪َ ،‬و َسيُص ُ‬
‫ول ال ُْمْؤ ِم ُن َه ِذ ِه ُم ْهلِ َكتِي ثُ َّم‬ ‫ضا ‪َ ،‬وتَ ِجيءُ ال ِْف ْتنَةُ َفَي ُق ُ‬ ‫ض َها َب ْع ً‬ ‫َوتَ ِجيءُ فِ ْتنَةٌ َفُي َرقِّ ُق َب ْع ُ‬
‫ب َأ ْن ُي َز ْح َز َح َع ِن النَّا ِر ‪،‬‬ ‫َأح َّ‬ ‫ِ ِِ ِِ‬ ‫ف ‪َ ،‬وتَ ِجيءُ ال ِْف ْتنَةُ َفَي ُق ُ‬ ‫َت ْن َك ِش ُ‬
‫ول ال ُْمْؤ م ُن َهذه َهذه فَ َم ْن َ‬
‫َّاس الَّ ِذي‬ ‫ْأت ِإلَى الن ِ‬ ‫وي ْد َخل الْجنَّةَ ‪َ ،‬فلْتَْأتِِه منِيَّتُهُ و ُهو يْؤ ِمن بِاللَّ ِـه والْيوِم اآْل ِخ ِـر ‪ ،‬ولْي ِ‬
‫ََ‬ ‫َ َْ‬ ‫َ َ َ ُ ُ‬ ‫َُ َ َ‬
‫ص ْف َقةَ يَ ِد ِه َوثَ َم َرةَ َق ْلبِ ِه ‪َ ،‬فلْيُ ِط ْعهُ ِإ ِن‬ ‫ِ‬
‫ب َأ ْن ُيْؤ تَى ِإلَْيه ‪َ ..‬و َم ْن بَايَ َع ِإ َم ًاماـ فََأ ْعطَاهُ َ‬ ‫يُ ِح ُّ‬
‫ش ُد َك‬ ‫ْت لَهُ ‪َ :‬أنْ ُ‬ ‫ت ِم ْنهُ ‪َ ،‬ف ُقل ُ‬ ‫ض ِربُوا عُنُ َق اآْل َخ ِـر فَ َد َن ْو ُ‬ ‫آخ ُر ُينَا ِزعُهُ فَا ْ‬‫اء َ‬ ‫اع ‪ ،‬فَِإ ْن َج َ‬ ‫استَطَ َ‬ ‫ْ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ؟ ‪ ،‬فَ َْأه َوى ِإلَىـ ُأذَُن ْي ِه‬ ‫ت ه َذا ِمن رس ِ ِ‬ ‫اللَّهَ آنْ َ ِ‬
‫ول اللَّه َ‬ ‫ت َسم ْع َ َ ْ َ ُ‬
‫ك ُم َعا ِويَةُـ‬ ‫ْت لَهُ ‪َ :‬ه َذا ابْ ُن َع ِّم َ‬ ‫اي َو َو َعاهُ َق ْلبِي ‪َ ،‬ف ُقل ُ‬ ‫ِ‬
‫ال ‪َ :‬سم َع ْتهُ ُأذُنَ َ‬ ‫َو َق ْلبِ ِه بِيَ َديْ ِه ‪َ ،‬وقَ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫سنَا ‪َ ،‬واللَّهُ َي ُق ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫آمنُوا ال‬ ‫ين َ‬ ‫ول ‪ :‬يَ َُّأي َهاـ الذ َ‬ ‫يَ ُْأم ُرنَاـ َأ ْن نَْأ ُك َل َْأم َوالَنَاـ َب ْيَننَا بالْبَاط ِل َو َن ْقتُ َل َأْن ُف َ‬
‫اض ِم ْن ُك ْم َوال َت ْق ُتلُوا‬ ‫اط ِل ِإال َأ ْن تَ ُكو َن تِ َج َار ًة َع ْن َت َر ٍ‬ ‫تَْأ ُكلُوا َأموالَ ُكم بينَ ُكم بِالْب ِ‬
‫ْ َ ْ َْ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعةً ‪ ،‬ثُ َّم‬ ‫ت َس َ‬ ‫س َك َ‬ ‫ال ‪ :‬فَ َ‬ ‫يما سورة النساء آية ‪ ، 29‬قَ َ‬ ‫س ُك ْم ِإ َّن اللَّهَ َكا َن ب ُك ْم َرح ً‬ ‫َأْن ُف َ‬
‫صيَ ِة اللَّ ِه " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ص ِه فِي م ْع ِ‬ ‫اع ِة اللَّ ِه وا ْع ِ‬ ‫َأط ْعهُ فِي طَ َ‬ ‫ال ‪ِ :‬‬ ‫قَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫‪646‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أيهاـ المؤمنون‪:‬‬
‫وتم ُّر األمةُـ في بعض فتراتِهاـ‬ ‫مات الم َحن ‪ُ ،‬‬
‫وتدلهم ظُلُ ُ ِ‬ ‫ُّ‬ ‫نقع غُبار الفتن ‪،‬‬ ‫ور ُ‬ ‫حين يثُ ُ‬
‫كثير من الناس وي ِز ُّل ‪ ،‬والفتنةُ تُقبِ ُل عمياءُ ُمظلِمة ‪ ،‬يشتبِهُ فيها ُّ‬
‫الحق‬ ‫بما يض ُّل فيه ٌ‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫ومنارات‬ ‫ِ‬
‫يسترش ُد بها ‪،‬‬ ‫على كثي ٍر من الخلق ‪ ،‬فهناك ال بُ َّد للمسلم من معالِ َـم‬
‫تهديهـ السبيل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ونجوم ِ‬ ‫يستدل بها ‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫ك‬‫وش ُ‬ ‫أعز ما على المؤمن سالمةُ دينِه ‪ ،‬قال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ي ِ‬ ‫ذلك أن َّ‬
‫ُ‬
‫ال َو َم َواقِ َع الْ َقطْ ِر ‪ ،‬يَِف ُّر بِ ِدينِ ِـه ِم ْن‬ ‫ال ال ُْم ْسلِ ِم غَنَ ٌم َي ْتبَ ُع بِ َها َش َع َ‬
‫ف ال ِ‬
‫ْجبَ ِ‬ ‫َأ ْن يَ ُكو َن َخ ْي َر َم ِـ‬
‫ال ِْفتَ ِن"ـ ؛ رواه البخاري‪.‬‬
‫رار من الفتن يكو ُن باللُّجوء إلى اهلل تعالى ‪ ،‬كما قال ‪ -‬سبحانه ‪ ﴿ :-‬فَِف ُّروا‬ ‫ِ‬
‫والف ُـ‬
‫اف َع ْب َدهُ (‪)36‬‬ ‫ِإلَى اللَّ ِه (‪ 924﴾ )50‬وهو ‪ -‬سبحانه ‪ -‬القائل‪َ ﴿ :‬ألَيس اللَّه بِ َك ٍ‬
‫ْ َ ُ‬
‫﴾‪. 925‬‬
‫قال ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪" :-‬الكفايةُ على قدر العبوديةـ ‪ ،‬فكلما ازدادت طاعتُك‬
‫ازدادتـ كفايةُـ اهلل لك"‪.‬‬
‫هلل َ‬
‫وجه النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إلى العبادةـ وقت الفتن ‪ ،‬فقال‪" :‬‬ ‫ومن هنا َّ‬
‫جر ٍة ِإلَ َّي " ؛ رواه مسلم‪.‬‬
‫رج َك ِه َ‬ ‫اله ِ‬ ‫ادةُـ في َ‬
‫ِ‬
‫العبَ َ‬
‫تلقف‬‫هرعون إلى ُّ‬ ‫يتهارجون ‪ ،‬ويُ َ‬
‫الناس َ‬ ‫فهنيًئا لمؤم ٍن ير َك ُن إلى الصالة والعبادة بينما ُ‬
‫القلوب‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫وتضطرب‬
‫ُ‬ ‫النفوس‬
‫ُ‬ ‫تقلق‬
‫يطمئن باهلل حين ُ‬ ‫ُّ‬ ‫األخبارـ وتتبُّع الشاِئعات‪ .‬هنيًئا لمن‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬ليلةً ف ِز ًعا يقول‪ُ " :‬س ْب َحا َن اللَّ ِه ‪َ ،‬ما‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬‫استيق َ‬
‫احب الْحجر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب‬‫ات ‪َ ،‬ف ُر َّ‬ ‫ص َو َ ُ ُ َ‬ ‫َأْن َز َـل اللَّهُ م َن الْفتَ ِن ‪َ ،‬و َما َذا فُت َح م َن الْ َخ َزا ِن ‪َ ،‬أيْقظُوا َ‬
‫الد ْنيَا َعا ِريٍَة َي ْو َم ال ِْقيَ َام ِـة " ؛ رواه البخاري‪.‬‬
‫اسيَ ٍة ِفي ُّ‬
‫َك ِ‬
‫عين على النجاة من الفتن‪.‬‬ ‫دليل على أن قيام الليل من أعظم ما يُ ُ‬ ‫ففي الحديث ٌ‬

‫‪924‬‬
‫سورة الذاريات‬
‫‪925‬‬
‫سورة الزمر‬
‫‪647‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫استَ ِعينُوا بِ َّ‬


‫الص ْب ِر‬ ‫آمنُوا ْ‬ ‫وقبل آيات االبتالء قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ :-‬يَا َُّأي َها الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬
‫الصاَل ِة ِإ َّن اللَّهَ َم َع َّ ِ‬
‫ين (‪. 926﴾ )153‬‬ ‫الصاب ِر َ‬ ‫َو َّ‬
‫ونور‬
‫ُ‬ ‫زاد الطريقـ ‪ ،‬وم َد ُد الروح ‪،‬‬
‫ذات أسرارـ ‪ ،‬ومن أسرارها‪:‬ـ أنها ُ‬
‫العبادةُ ُ‬
‫ع إلى الصالة‪.‬‬
‫أمر ف ِز َ‬
‫حزبَهـ ٌ‬
‫القلب ‪ ،‬وكان النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬إذا َ‬
‫وحث النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬على الطاعات؛ لتكون ِح ً‬
‫رزا من الفتن قبل‬ ‫َّ‬
‫وقوعها ‪ ،‬ونجاةً منها حين تقع ‪ ،‬فقال ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ب ِ‬
‫اد ُروا‬ ‫َ‬
‫الر ُج ُلـ ُمْؤ ِمنًا َويُ ْم ِسي َكافِ ًرا ‪َْ ،‬أو يُ ْم ِسي‬ ‫صبِ ُح َّ‬ ‫ِ‬ ‫بِاَأْل ْعم ِ ِ ِ‬
‫ال فَتنًا َكقطَ ِع اللَّْي ِل ال ُْمظْل ِم ‪ ،‬يُ ْ‬ ‫َ‬
‫الد ْنيَا " ؛ رواه مسلم‪.‬‬ ‫ض ِم َن ُّ‬ ‫يع ِدينَهُ بِ َع َر ٍ‬ ‫ِ‬
‫صبِ ُح َكاف ًرا ‪ ،‬يَبِ ُ‬
‫ِ‬
‫ُمْؤ منًا َويُ ْ‬
‫ب‬‫وسنَّةُ اهلل أال يُخيِّ َ‬ ‫صالح كان حريًّا بالنجاة ‪ُ ،‬‬ ‫وعمل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومن كان له زا ٌد من تقوى‬
‫أقبل إليه‪.‬‬
‫عب ًدا َ‬
‫ومصدا ُق ذلك‪ :‬قول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ :-‬يَا‬ ‫وكان يقال‪ :‬ادفعوا الفتن بالتقوى‪ِ .‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫آمنُوا ِإ ْن َتَّت ُقوا اللَّهَ يَ ْج َع ْل لَ ُك ْـم ُف ْرقَانًا (‪. 927﴾ )29‬‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َ‬‫َُّأي َها الذ َ‬
‫أيها المسلمون‪:‬‬
‫اه ْم‬
‫َأخ ْذنَ ُ‬
‫والتضرع إليه ‪ ،‬قال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ :-‬ولََق ْد َ‬ ‫ُّ‬ ‫ومن اللُّجوء إلى اهلل‪ :‬دعاُؤ ه‬
‫ض َّرعُو َن (‪ 928﴾ )76‬وقال ‪ -‬سبحانه ‪﴿ :-‬‬ ‫استَ َكانُوا لَِربِّ ِه ْـم َو َما َيتَ َ‬ ‫بِال َْع َذ ِـ‬
‫اب فَ َما ْ‬
‫ض َّرعُوا (‪. 929﴾ )43‬‬ ‫ْأسنَا تَ َ‬ ‫َفلَ ْواَل ِإ ْذ َج َ‬
‫اء ُه ْـم بَ ُ‬
‫التعوذ من الفتن ‪ ،‬كما في حديث زيد بن ثابت ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن‬ ‫ومن الدعاء‪ُّ :‬‬
‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬ت َع َّوذُوا بِاللَّ ِه ِم َن ال ِْفتَ ِن َما ظَ َه َر ِم ْن َها َو َما بَطَ َن‬
‫" ؛ رواه مسلم‪.‬‬
‫عباد اهلل‪:‬‬

‫‪926‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪927‬‬
‫سورة األنفال‬
‫‪928‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪929‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫‪648‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وسنن اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بالمح َكمات ُ‬
‫المسلم وير َك ُن إليها‪:‬ـ األخ ُذ ُ‬
‫ومن المعالم التي يهتدي بها ُ‬
‫والنظر في‬
‫ُ‬ ‫زوم الكتابـ والسنة ‪،‬‬
‫وحرمةُ الدماء ‪ ،‬ولُ ُ‬
‫الثابتات ‪ ،‬ومنها‪ :‬التثبُّت ُ‬
‫العواقب والمآالت ‪ ،‬ومعرفة المصالح والمفاسد ومراتبها على ضوء الشرع ال على‬
‫ين آمنُوا ِ‬ ‫ِ‬
‫َأطيعُوا‬ ‫األهواء والمصالح الدنيوية ‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ﴿ :-‬يَا َُّأي َها الَّذ َـ َ‬
‫اَأْلم ِـر ِم ْن ُك ْـم فَِإ ْن َتنَ َاز ْعتُ ْم فِي َش ْي ٍء َف ُردُّوهُ ِإلَى اللَّ ِه‬
‫ول َوُأولي ْ‬
‫الرس َ ِ‬ ‫ِ‬
‫اللَّهَ َوَأطيعُوا َّ ُ‬
‫ِ‬
‫س ُن تَْأ ِوياًل (‪)59‬‬ ‫َأح َ‬
‫ك َخ ْي ٌر َو ْ‬ ‫ول ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تُْؤ ِمنُو َن بِاللَّ ِه َوالَْي ْوم اآْل ِخ ِر ذَلِ َ‬
‫الر ُس ِـ‬
‫َو َّ‬
‫﴾‪. 930‬‬
‫وأمر رسوله ‪ ،‬وأن الفتنة بخالفِهما‪.‬‬ ‫أمر اهلل َ‬ ‫وافق َ‬ ‫ومنه يُعلَم أن الحق هو ما َ‬
‫ف َن ْف َع ُل يَا‬ ‫يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ " :-‬إَّن َها َستَ ُكو ُن ِف ْتنَةٌ ‪ .‬قَالُوا ‪ :‬فَ َك ْي َ‬
‫اَألو ِـل " ؛ أخرجه الطبراني‪.‬‬ ‫ال ‪َ :‬ت ْر ِجعُو َن ِإلَى َْأم ِر ُك ُم َّ‬ ‫ول اللَّ ِه ؟ قَ َ‬ ‫َر ُس َ‬
‫العرباض بن ساريةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫وفي حديث ِ‬
‫اع ِة ‪َ ،‬وِإ ْن تَ ََّأم َر َعلَْي ُك ْم َع ْب ٌد ‪ ،‬فَِإ نَّهُ َم ْن‬ ‫ُأوصي ُك ْم بَِت ْق َوى اللَّ ِه ‪َ ،‬و َّ‬
‫الس ْم ِع َوالطَّ َ‬ ‫‪ -‬قال‪ِ " :‬‬
‫ين ‪،‬‬ ‫ي ِعش ِم ْن ُكم بع ِدي فَسيرى ا ْختِاَل فًا َكثِيرا ‪َ ،‬فعلَي ُكم بِسنَّتِي وسن َِّة الْ ُخلَ َف ِاء َّ ِ ِ‬
‫الراشد َ‬ ‫ً َْ ْ ُ َُ‬ ‫ََ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ ْ‬
‫حديث‬
‫ٌ‬ ‫ضاَل لَةٌ " ؛‬‫اُأْلمو ِر ‪ ،‬فَِإ َّن ُك َّل بِ ْد َع ٍة َ‬ ‫ِ‬
‫َّواجذ ‪َ ،‬وِإيَّا ُك ْم َو ُم ْح َدثَات ُ‬
‫َعضُّوا َعلَيها بِالن ِ ِ‬
‫َْ َ‬
‫صحيح ‪ ،‬أخرجهـ أصحاب السنن‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫خطُئ تارةً‪.‬‬ ‫يأمر بالصالح ‪ ،‬وينهى عن الفساد ‪ ،‬والرأي يصيب تارةً وي ِ‬ ‫إن اهلل ُـ‬
‫ُ‬ ‫ُُ ُ‬ ‫َ‬
‫المح َكمات‪ُ :‬حرمةُ الدماء ‪ ،‬يقول النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ " :-‬م ْن‬ ‫ومن ُ‬
‫ْجن َِّة بِ ِم ْل ِء َك ِّف ِه ِم ْن َدٍم َْأه َراقَهُـ َفلَْي ْف َع ْل " ؛ رواه‬ ‫ال َب ْينَهُ َو َب ْي َن ال َ‬‫اع َأ ْن اَل يُ َح َ‬
‫استَطَ َ‬
‫ْ‬
‫البخاري‪.‬‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ط الصد ُق‬
‫األخبار والشائعات ‪ ،‬ويختل ُ‬
‫ُـ‬ ‫تتكاثر على المسلم‬
‫َـ‬ ‫وفي زمن الفتن‬
‫خاصةً مع قوة تأثيرـ وسائل اإلعالم من القنوات والمطبوعات ‪ ،‬والمواقع‬
‫َّ‬ ‫بالكذبـ ‪،‬‬

‫‪930‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪649‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وجرأةـ‬
‫وسرعة نقل الخبر ‪ ،‬وانتشار الكذبـ ‪ُ ،‬‬
‫التواصل ُ‬
‫ُ‬ ‫والشبكاتـ ‪ ،‬وسهولة‬
‫الناس عليه بال ٍ‬
‫حياء وال ورع‪.‬‬
‫عن أبي هريرةـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪" :-‬‬
‫َك َفى بِال َْم ْر ِء َك ِذبًا َأ ْن يُ َحد َ‬
‫ِّث بِ ُك ِّل َما َس ِم َع " ؛ رواه مسلم‪.‬‬
‫مثل وقع‬
‫وقع اللسان فيها ُ‬
‫قال عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪" :-‬إياكم والفتن؛ فإن َ‬
‫وقع اللسان فيها ُّ‬
‫أشد من السيف»؛‬ ‫مرفوعا بلفظ‪ « :‬تكو ُن فتنةٌ ُ‬ ‫ً‬ ‫وروي‬ ‫السيف"‪ُ .‬‬
‫أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه‪.‬‬
‫والحلم عند الفتن وتغيُّر األحوال ‪،‬‬ ‫والرفق ِ‬ ‫ُ‬ ‫الحق هو التثبُّت والتأنِّيـ ‪،‬‬ ‫المنهج َّ‬ ‫إن‬
‫َ‬
‫والمعافَى من ُك ِفي‪.‬‬ ‫وعدم االنفراد بالرأيـ ‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ومشاورة أهل العلم والعقلـ والتجربة ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫قول في كل واقِعة ‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز‬ ‫رأي في كل نازلة ‪ ،‬أو ٌ‬ ‫يلزم أن يكون لك ٌ‬ ‫فال ُ‬
‫الر ُس ِ‬
‫ول‬ ‫ف َأ َذاعُوا بِ ِه َولَ ْو َردُّوهُ ِإلَى َّ‬ ‫وجل ‪ ﴿ :-‬وِإ َذا جاءهم َأمر ِمن اَأْلم ِن َأ ِو الْ َخو ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ ُ ْ ٌْ َ ْ‬
‫ين يَ ْسَت ْنبِطُونَهُ ِم ْن ُه ْم (‪. 931﴾ )83‬‬ ‫اَأْلم ِر ِم ْن ُه ْم لَ َعلِ َمهُ الَّ ِذ َـ‬ ‫ِ‬
‫َوِإلَى ُأولي ْ‬
‫التزام العدل واإلنصاف ‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ ﴿ :-‬وِإذَا ُقلْتُ ْم فَا ْع ِدلُوا‬ ‫يجب ُ‬‫كما ُ‬
‫(‪ 932 ﴾ )152‬وقال ‪ -‬سبحانه ‪َ ﴿ :-‬واَل يَ ْج ِر َمنَّ ُك ْم َشنَآ ُن َق ْوٍم َعلَى َأاَّل َت ْع ِدلُوا‬
‫ب لِ َّلت ْق َوى (‪. 933﴾ )8‬‬ ‫ا ْعدلُوا ُه َو َأق َْر ُ‬
‫ِ‬
‫يتورعُ في الولوغ في أعراض المؤمنين ‪،‬‬ ‫النقيض ترى في زمن الفتن من ال َّ‬ ‫ِ‬ ‫وعلى‬
‫المسلمين ‪ ،‬وقَلب‬ ‫عامة ُ‬‫وس ِّن لسانهـ وقلَمه للنَّيل من الصالحين ‪ ،‬والتلبيس على َّ‬ ‫َ‬
‫وأعظمها الفتنةُ في الدين ‪ ،‬واهلل‬ ‫ُ‬ ‫الحقائقـ ‪ ،‬والتأليب بما يُوقِع الفتنةَ وال ُفرقة ‪،‬‬
‫َّم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫تعالىـ يقول‪ِ ﴿ :‬إ َّن الَّ ِذ َـ‬
‫اب َج َهن َ‬
‫ين َوال ُْمْؤ منَات ثُ َّم لَ ْم َيتُوبُوا َفلَ ُه ْم َع َذ ُ‬
‫ين َفَتنُوا ال ُْمْؤ من َ‬
‫ْح ِر ِيق (‪. 934﴾ )10‬‬ ‫اب ال َ‬
‫َولَ ُه ْم َع َذ ُ‬

‫‪931‬‬
‫سورة النساء‬
‫‪932‬‬
‫سورة األنعام‬
‫‪933‬‬
‫سورة المائدة‬
‫‪934‬‬
‫سورة البروج‬
‫‪650‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ذمهم اهلل بقوله‪ِ ﴿ :‬إ ْن َيتَّبِعُو َن ِإاَّل الظَّ َّن َو َما َت ْه َوى‬ ‫المسلم أن يكون ممن َّ‬ ‫ُ‬ ‫فليح َذر‬
‫اء ُه ْـم ِم ْن َربِّ ِه ُم ال ُْه َدى (‪ 935﴾ )23‬أو قوله‪َ ﴿ :‬و َما لَ ُه ْم بِ ِه ِم ْن ِعل ٍْم‬ ‫س َولََق ْد َج َ‬ ‫اَأْلْن ُف ُ‬
‫ض َع ْن َم ْن َت َولَّى‬ ‫ِ ِ‬
‫ْح ِّق َش ْيًئا (‪ )28‬فََأ ْع ِر ْ‬ ‫ِإ ْن َيتَّبِعُو َن ِإاَّل الظَّ َّن َوِإ َّن الظَّ َّن اَل ُي ْغني م َن ال َ‬
‫ك ُه َو َأ ْعلَ ُم‬‫ك َم ْبلَغُ ُه ْم ِم َن ال ِْعل ِْم ِإ َّن َربَّ َ‬
‫الد ْنيَا (‪ )29‬ذَلِ َ‬
‫ْحيَاةَ ُّ‬ ‫ِ‬
‫َع ْن ذ ْك ِرنَا َولَ ْم يُ ِر ْد ِإاَّل ال َ‬
‫ض َّل َع ْن َسبِيلِ ِه َو ُه َو َأ ْعلَ ُم بِ َم ِن ْاهتَ َدى (‪. 936﴾ )30‬‬ ‫بِ َم ْن َ‬
‫ب ما اشتبَهَ عليه ‪ ،‬أما إذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعند خفاء األمور والتباسهاـ فعلى المؤمن أن يجتن َ‬
‫الجهد في معرفة الحق‬ ‫بذل ُ‬ ‫يجب ُـ‬ ‫ب عليه أن يكون مع الحق؛ بل ُ‬ ‫وج َ‬
‫استبانَت له َ‬
‫بدعوى‬ ‫يجوز ُخذال ُن المظلوم صاحب ِّ ِ‬ ‫واستِبانة الصواب ‪ ،‬فال ُ‬
‫الحق المبغ ِّي عليه َ‬
‫َأصلِ ُحوا َب ْيَن ُه َما‬ ‫ِِ‬ ‫ِئ ِ ِ‬
‫اتِّقاء الفتن ‪ ،‬قال اهلل تعالى‪َ ﴿ :‬وِإ ْن طَا َفتَان م َن ال ُْمْؤ من َ‬
‫ين اقْتََتلُوا فَ ْ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َِّ ِ‬
‫ت‬ ‫يء ِإلَى َْأم ِر الله فَِإ ْن فَ َ‬
‫اء ْ‬ ‫اه َما َعلَى اُأْل ْخ َرىـ َف َقاتلُوا التي َت ْبغي َحتَّى تَف َ‬ ‫ت ِإ ْح َد ُ‬
‫فَِإ ْن َبغَ ْ‬
‫ين (‪. 937﴾ )9‬‬ ‫ِِ‬ ‫فََأصلِحوا بيَنهما بِالْع ْد ِل وَأق ِ‬
‫ْسطُوا ِإ َّن اللَّهَ يُ ِح ُّ‬
‫ب ال ُْم ْقسط َ‬ ‫ْ ُ َْ ُ َ َ َ‬
‫ونفعنا بما فيهما من اآلياتـ والحكمة ‪،‬‬ ‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫أقول قولي هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬‬
‫ُ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫ولي المؤمنين ‪ ،‬وال عُدوان إال على الظالمين ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫الحمد هلل ِّ‬
‫المبين ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُده ورسولُه ‪ ،‬صلَّى‬ ‫الملك ُّ‬
‫الحق ُ‬ ‫ُ‬ ‫وح َده ال شريك له‬
‫وبار َك عليه ‪ ،‬وعلى آله وصحبِه أجمعين‪.‬‬
‫اهلل وسلَّم َ‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ضباب شبكات‬
‫الدائرةـ في بالد المسلمين ‪ ،‬وفي َ‬ ‫ففي ِخ َ‬
‫ض ِّم الخالفات السياسيةـ َ‬
‫يغيب‬
‫يكتب فيها ال مقصوده وال حقيقتُه قد ُ‬
‫ُ‬ ‫االجتماعي التيـ ال يُعرف من‬
‫ِّ‬ ‫التواصل‬
‫ُ‬

‫‪935‬‬
‫سورة النجم‬
‫‪936‬‬
‫سورة النجم‬
‫‪937‬‬
‫سورة الحجرات‬
‫‪651‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫شرع أو قِيَم ‪ ،‬فال بُ َّد‬ ‫ضابط من ٍ‬ ‫ف الناس إلى التهارج بال ٍ‬ ‫ُسلطا ُن العدل ‪ ،‬وينج ِر ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ين آمنُوا ِإ ْن جاء ُكم فَ ِ‬
‫اس ٌق بِنَبٍَإ َفتََبَّينُوا َأ ْن‬ ‫ِ‬
‫ََ ْ‬ ‫من التثبُّت ‪ ،‬لقول اهلل تعالى‪:‬ـ ﴿ يَا َُّأي َها الَّذ َـ َ‬
‫ين (‪. 938﴾ )6‬‬ ‫ِِ‬ ‫صيبُوا َق ْو ًما بِ َج َهالَ ٍة َفتُ ْ ِ‬
‫تُ ِ‬
‫صب ُحوا َعلَى َما َف َعلْتُ ْم نَادم َ‬
‫فتن‬
‫التعرض للفتن ‪ ،‬فقال‪« :‬ستكو ُن ٌ‬ ‫حذر النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬من ُّ‬ ‫وقد َّ‬
‫خير من‬ ‫ِ‬
‫خير من الماشي ‪ ،‬والماشيـ فيها ٌ‬ ‫والقائم ٌ‬
‫ُـ‬ ‫خير من القائمـ ‪،‬‬ ‫القاع ُـد فيها ٌ‬
‫تشرف لها تستش ِرفه ‪ ،‬فمن وج َد ملجًأ أو معاذًاـ فليعُذ به»؛ رواه‬ ‫الساعي ‪ ،‬من َّ‬ ‫ِ‬
‫البخاري ومسلم‪.‬‬
‫ست القلوب"‪.‬‬ ‫الفتن عُرِج بالعقول ونُ ِّك َ‬ ‫بعض السلف‪" :‬إذا وقعت ُ‬ ‫قال ُ‬
‫تبينَت‪.‬‬
‫أدب َرت َّ‬
‫اشتب َهت ‪ ،‬وإذا َ‬
‫والفتنةُ إذا أقبلَت َ‬
‫عجز العقالءُ فيها عن دفع‬
‫قال ابن تيمية ‪ -‬رحمه اهلل ‪ " :-‬إذا وقعت الفتنةُ َ‬
‫عصمه اهلل "‪.‬‬
‫التلوث بها إال من َ‬
‫السفهاء ‪ ،‬ولم يسلَم من ُّ‬ ‫ُّ‬

‫أيها المسلمون‪:‬‬
‫والصبر عُ َّدةٌ للمؤمن من الفتنـ ‪ ،‬قال رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬فَِإ َّن‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ ِ ِ‬ ‫الص ْب ُر فِ ِيه ِمثْ ُل َق ْب ٍ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫ْج ْم ِر لل َْعام ِـل في ِه ْم مثْ ُل ْ‬
‫َأج ِر‬ ‫ض َعلَى ال َ‬ ‫الص ْب ِر َّ‬
‫ام َّ‬‫م ْن َو َرا ُك ْـم َأيَّ َ‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ال ‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اللَّه ْ‬ ‫َخم ِسين رجاًل ي ْعملُو َن ِمثْل َعملِ ِه و َز َ ِ‬
‫َأج ُر َخ ْمس َ‬ ‫ادني غَْي ُرهُ ‪ ،‬قَ َ َ َ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ْ َ َُ َ َ‬
‫ين ِم ْن ُك ْم " ؛ أخرجهـ أبو داود وابن ماجه‪.‬ـ‬ ‫ِ‬
‫َأج ُـر َخ ْمس َ‬
‫ال ‪ْ :‬‬ ‫ِم ْن ُه ْم قَ َ‬
‫الشعثاء قال‪ :‬خرجناـ مع أبي مسعود األنصاريـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فقلنا له‪:‬‬ ‫وعن أبي َّ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫ٍ‬ ‫اعهد إلينا‪ .‬فقال‪" :‬عليكم بتقوى اهلل ‪ ،‬ولُزوم جماعة‬ ‫َ‬
‫دين اهلل واحدـ ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫يجمع جماعةَ ُمحمد على ضاللة ‪ ،‬وإن َ‬ ‫َ‬ ‫‪-‬؛ فإن اهلل تعالىـ لن‬
‫يستريح ٌّبر‬
‫َ‬ ‫والتلون في دين اهلل ‪ ،‬وعليكم بتقوى اهلل ‪ ،‬واصبِروا حتى‬ ‫وإياكم ُّ‬
‫صحيح‬ ‫حديث‬
‫ٌ‬ ‫فاج ٍر"؛ أخرجهـ الحاكم في "مستدركه" ‪ ،‬وقال‪" :‬هذا‬ ‫ويستراح من ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫على شرط مسلم"‪.‬‬

‫‪938‬‬
‫سورة الحجرات‬
‫‪652‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫الصبر ال يعنِي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرضا‬ ‫َ‬ ‫قد بق َـي في الدنيا بالءٌ وفتنةٌ ‪ ،‬فأع ُّدوا للبالء ً‬
‫صبرا ‪ ،‬وإن‬
‫التمسك بالدين ‪ ،‬وعلى فعل‬ ‫ُّ‬ ‫الصبر على‬
‫َ‬ ‫بالنقص واالستسالم للضَّياع ‪ ،‬وإنما يعنِي‬
‫وجبُه الشرعُ ‪ ،‬فهذا هو المحمود‪.‬‬ ‫ما ي ِ‬
‫ُ‬
‫وعدم اليأس ‪ ،‬واإليما ُن بأن‬
‫ُ‬ ‫واألملـ‬
‫ُ‬ ‫وإن من المعالِمـ َّ‬
‫المهمة في هذا الزمن‪:‬ـ التفاُؤ ل‬
‫‪939‬‬
‫سى َأ ْن تَ ْك َر ُهوا َش ْيًئا َو ُه َو َخ ْي ٌر لَ ُك ْم (‪﴾ )216‬‬ ‫العاقبةَـ للمتقين ‪َ ﴿ ،‬و َع َ‬
‫واستحضار حكمة اهلل ورحمته في ُسنَّة االبتالء‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ط‬
‫ابتعدوا ‪ ،‬وسيا ُ‬ ‫تسو ُق المؤمنين إلى دينهم بقدر ما َ‬ ‫لهيب ُ‬ ‫ال بُ َّد من أحداث لها ٌ‬
‫عز به‬ ‫لجُئهم لخالقهمـ بقدر ما غ َفلوا ‪ ،‬وفجائع ده ٍر تُ ِ‬
‫ناديهمـ أن هلُ ُّموا لما َّ‬ ‫مقادير تُ ِ‬
‫ُ‬
‫سرا‪.‬ـ‬ ‫ِئ‬
‫واستقوى به أوا لُكم ‪ ،‬وإن بعد العُسر يُ ً‬ ‫َ‬ ‫سلَ ُفكم ‪،‬‬
‫واألمل في اهلل‬
‫ُ‬ ‫وأسباب التمكين تغ ُدو وتروح ‪،‬‬ ‫ُـ‬ ‫وبشائر النصر في اُألفق تلُوح ‪،‬‬
‫ُ‬
‫يح ُّده شيءٌ‪.‬‬ ‫عظيم ال ُ‬
‫ور ُد لالعتبار والتحذير ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يجدر التنبيهُ على أن أحاديث الفتنـ والمالحم تُ َ‬ ‫ثم إنه ُ‬
‫بانطباق أخبا ٍر ُمعيَّ ٍنة على وقائع‬
‫ِ‬ ‫جزم‬
‫كأحاديثـ الدجالـ والخسف والحروب ‪ ،‬وال يُ َ‬
‫القول على اهلل بغير ٍ‬
‫علم‪.‬‬ ‫يجوز ُ‬ ‫علم الغيب ‪ ،‬وال ُ‬ ‫حادثة؛ـ فإن ذلكـ من ِ‬ ‫ِ‬
‫أجرنا من ُمضالَّت الفتن ‪ ،‬اللهم جنِّبنا‬ ‫أجرناـ من مضالَّت الفتن ‪ ،‬اللهم ِ‬ ‫اللهم ِ‬
‫ُ‬
‫الفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الهاشمي‬
‫ِّ‬ ‫ثم صلُّوا وسلِّموا على خير البريَّةـ ‪ ،‬وأزكى البشريَّة‪:‬ـ محمد بن عبد اهلل‬
‫رشي‪.‬‬
‫ال ُق ِّ‬
‫صل وسلِّم و ِزد وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين‬ ‫اللهم ِّ‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إلىـ يوم الدين‪.‬ـ‬ ‫الطاهرين ‪ ،‬وصحابته الغُِّر الميامينـ ‪ ،‬ومن تبِ َعهم‬
‫أعز اإلسالم والمسلمين ‪ ،‬واخ ُذل الطغاةَ والمالحدةَ والمفسدين‪.‬ـ‬‫اللهم َّ‬
‫أهل معصيتك ‪،‬‬ ‫اللهم أب ِرم لهذه األمة أمر ر ٍ‬
‫عز فيه أهل طاعتك ‪ ،‬ويُه َدى في ُ‬ ‫شد يُ ُّ‬ ‫َ ُ‬
‫ويُؤمر فيه بالمعروف ‪ ،‬ويُ َنهى عن المنكر يا رب العالمين‪.‬‬
‫‪939‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪653‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ور َّد كي َده في نح ِر ِه ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬


‫اإلسالم والمسلمين بسوء فأشغلهـ بنفسه ‪ُ ،‬‬
‫َ‬ ‫أراد‬
‫اللهم من َ‬
‫الس ِ‬
‫وء عليه يا رب العالمين‪.‬ـ‬ ‫واجعل دائرةَ َّ‬
‫اللهم انصر المجاهدين في سبيلك ‪ ،‬اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في فلسطين‬
‫صارهم ‪ ،‬وأصلِح أحوالَهمـ ‪ ،‬واكبِت َّ‬
‫عدوهم‪.‬‬ ‫وفي كل مكان ‪ ،‬اللهمـ فُ َّ ِ‬
‫كح َ‬
‫بالفرجـ ‪،‬‬
‫وعجل لهم َ‬ ‫اللهم الطُف بإخوانناـ في سوريا ‪ ،‬اللهم ارفع عنهم البالء ِّ‬
‫المستضعفين ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫أمرهم ‪ ،‬يا راحم ُ‬ ‫كسرهم ‪ ،‬وتول َ‬ ‫ارحم ضع َفهم ‪ ،‬واجبُر َ‬ ‫اللهم َ‬
‫ضهم ‪،‬‬‫وآمن روعاتهم ‪ ،‬واح َفظ أعرا َ‬‫احقن دماءهمـ ‪ِ ،‬‬ ‫ويا ناصر المظلومين ‪ ،‬اللهم ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِئ‬
‫وانصرهمـ‬
‫ُ‬ ‫وس َّد خلَّتَهم ‪ ،‬وأطعم جا َعهمـ ‪ ،‬واربِط على قلوبِهم ‪ ،‬وثبِّت َ‬
‫أقدامهم ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫على من بغَى عليهم‪.‬‬
‫رارهم ‪ ،‬اللهم عليك‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الهدى ‪ ،‬واكفهم ش َ‬‫اللهم أصلح أحوالَهم ‪ ،‬واجمعهمـ على ُ‬
‫بالطُّغاةـ الظالمين ومن عاونَهم‪.‬‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيِّك وعبادك المؤمنين‪.‬‬
‫المحتلِّين‪.‬‬
‫حرر المسج َد األقصى من ظلم الظالمين ‪ ،‬وعُدوان ُ‬ ‫اللهم ِّ‬
‫اجمعهم على الحق‬ ‫أحوال إخوانناـ في مصر وفي كل مكان ‪ ،‬اللهمـ َ‬ ‫َـ‬ ‫اللهم أصلِح‬
‫رارهم‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫والهدىـ ‪ ،‬وأصلح أحوالَهمـ ‪ ،‬واكفهم ش َ‬ ‫ُ‬
‫للبر والتقوى ‪ ،‬اللهم وفِّقه وناِئبَيه‬‫تحب وترضى ‪ ،‬و ُخذ به ِّ‬ ‫اللهم وفِّق َّ‬
‫ولي أمرناـ لما ُّ‬
‫وإخوانَهم وأعوانَهم لما فيه صالح العبادـ والبالد‪.‬‬
‫محمد ‪ -‬صلى‬ ‫ٍ‬ ‫شرعك ‪ ،‬واتباع سنة نبيِّك‬ ‫اللهم وفِّق وال َة أمور المسلمين لتحكيم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المؤمنين‪.‬‬
‫اهلل عليه وسلم ‪ ، -‬واجعلهم رحمةً على عبادك ُ‬
‫شر األشرار ‪ ،‬وكي َد‬ ‫ِ‬
‫واكفنا َّ‬ ‫المسلمين ‪،‬‬
‫والرخاءـ في بالدنا وبالد ُ‬
‫َ‬ ‫األمن‬
‫شر َ‬ ‫اللهم ان ُ‬
‫ال ُف َّجار‪.‬‬

‫‪654‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪،‬‬ ‫‪940‬‬
‫اب النَّا ِر (‪﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬ ‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬ ‫الد ْنيَا َح َ‬
‫ِ ِ‬ ‫وبنَا َوِإ ْس َرا َفنَا فِي َْأم ِرنَاـ َو َثبِّ ْ‬ ‫ِ‬
‫ص ْرنَا َعلَى الْ َق ْوم الْ َكاف ِر َ‬
‫ين‬ ‫ت َأقْ َد َامنَاـ َوانْ ُ‬ ‫﴿ َر َّبنَا ا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫(‪. 941﴾ )147‬‬
‫رضيك آمالَنا‪.‬‬ ‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬ ‫اللهم اغفر ذنوبَنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ووالديهمـ وذُ ِّريَّاتهم وأزواجنا وذُ ِّرياتناـ ‪ ،‬إنك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولوالديناـ‬ ‫اللهم اغفر لنا‬
‫ُ‬
‫ربَّنا تقبَّل منا إنكـ أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنكـ أنت التواب الرحيم‪.‬‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬
‫العالمين‪.‬‬

‫عنوان الخطبة ‪ :‬توجيهاتـ إلى حجاج البيت العتيق‬


‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس من ذي الحجة من عام ‪ 1434‬هـ‬

‫‪940‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪941‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪655‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫‪ -‬توجيهات إلى حجاج البيت العتيق ‪-‬‬

‫ألقى فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب ‪ -‬حفظه اهلل ‪ -‬خطبة الجمعة بعنوان‪:‬‬
‫"توجيهات إلى حجاج البيت العتيق" ‪ ،‬والتي َّ‬
‫تحدث فيها عن الحج إلى بيت اهلل الحرام ‪،‬‬
‫ووجه بالنصاِئح والتنبيهاتـ‬ ‫ٍ‬
‫وأعمال في القلوب والجوارِح ‪َّ ،‬‬ ‫وما يكتنِ ُفه من روحانيَّات‬
‫صحة األعمال قبل اإلتيان‬ ‫ِ‬
‫المناسكـ ‪ ،‬والتنبُّه إلىـ َّ‬ ‫الح َّجاج بتعلُّم‬
‫المسلمين و ُخصوص ُ‬
‫لعُموم ُ‬
‫ُّسك العظيم ‪ ،‬مع استِشعار معانيـ ِّ‬
‫الحج في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بها ‪ ،‬وفعل األوامرـ واجتناب النواهي في هذا الن ُ‬
‫قول ٍ‬
‫وفعل‪.‬‬ ‫كل ٍ‬

‫الخطب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـأولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى‬

‫وطبا َق‬‫المحامد والتحايا الزاكيات ‪ ،‬الحمد هلل حم ًدا يمُأل فِجاج األرض ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحمد هلل ‪ ،‬وله‬
‫َ‬
‫والمزدل َفة وعرفات ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫السماواتـ ‪ ،‬سبحانه وهو أهل ِ‬
‫شرف مكةَ ومنَى ُ‬ ‫الثناء والمجد ‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫وأشكرهـ ‪،‬‬ ‫ضيفه رحمةً ومغفر ًةـ وإجابةً للدعوات ‪ ،‬أحم ُد ربي تعالىـ‬ ‫وفادة ِ‬ ‫فيهن َ‬ ‫وجعل َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بالمواسمـ السانِحة ‪ ،‬وأغد َق مكا ِر َمه عليهم غاديةً‬ ‫ِ‬ ‫وُأثنِي عليه وأستغفرهـ ‪ ،‬تفضَّل على ِ‬
‫خلقه‬
‫تاجر مع ربِّه؛ فهي ‪ -‬واهلل ‪ -‬التجارةُ الرابِحة‪.‬‬ ‫ِئ‬
‫فالموفَّ ُق من َ‬
‫ورا حةً ‪ُ ،‬‬
‫يجأرون بالتلبيَ ِة والتوحيد ‪،‬‬‫الحجيج له وهم ُ‬ ‫ُ‬ ‫حج‬
‫أشهدـ أن ال إله إال اهلل وحده ال شريكـ له َّ‬
‫شريك له وال نَديد ‪ ،‬وأنه اإلله األعظم ‪،‬‬ ‫َـ‬ ‫والبيت الحرام ِ‬
‫شواه َـد على أن ال‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫المشاع َر‬ ‫وجعل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫األخير‬
‫ُـ‬ ‫الرسول‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الخلق له َعبيد ‪ ،‬وأشهد أن محم ًدا عب ُد اهلل ونبيُّه هو‬ ‫كل‬
‫الخلق ُّ‬‫َ‬ ‫وأن‬
‫البيت‬
‫ويح َّج َ‬ ‫ينح َر ‪ُ ،‬‬ ‫وأمره أن يُصلِّي لربِّهـ وأن َ‬ ‫الحوض والكو َث َر ‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫األ ْخيَرـ ‪ ،‬وقد أعطاه ربُّه‬
‫الحرام ويذ ُكر ربَّه عند المشعر ‪ ،‬صلَّى اهلل عليه وعلى آله وصحبِه إلىـ يوم ِ‬
‫القيام‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫كثيرا‪.‬‬
‫تسليما ً‬
‫ً‬ ‫شر ‪ ،‬وسلِّم يا رب‬
‫والمح َ‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫‪656‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫كررة‬
‫الم َّ‬ ‫ٍ‬
‫وخير لباس ‪ ،‬وهي وصيةُ اهلل ُ‬ ‫خير زاد ُ‬ ‫فاتقوا اهلل تعالىـ ‪ -‬أيها الناس ‪-‬؛ فالتقوى ُ‬
‫اب (‪19‬‬ ‫ون يَا ُأولِي اَأْللْبَ ِـ‬
‫الت ْقوى و َّات ُق ِ‬ ‫لح َّجاج بيتِه العتيق‪ ﴿ :‬وَتز َّو ُدوا فَِإ َّن َخير َّ ِ‬
‫الز ـاد َّ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬
‫‪. 942﴾ )7‬‬
‫أيها المؤمنون‪:‬‬
‫موسم‬ ‫موسما عظيما من أيام اهلل تعالى ‪ ،‬وركنًا من أركان اإلسالم ِ‬
‫العظام‪.‬‬ ‫تعيش األمةُ اليوم ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫العث َراتـ ‪ ،‬وتُقبَ ُل الدعوات‪.‬‬‫قال فيه َ‬ ‫الذنوب والخطايا ‪ ،‬وتُ ُ‬
‫ُـ‬ ‫غفر فيه‬‫تُ ُـ‬
‫وموس ُم إعالن العهودـ‬‫ِ‬ ‫عار الوحدة والتوحيد ‪،‬‬ ‫الحج إلى بيت اهلل العتيق ‪َ ،‬ش ُ‬ ‫موسم ِّ‬ ‫ُ‬
‫وحفظ الحقوق والكرامات ‪ ،‬وحقن الدماء وعصمة النفوس واألموال‪ .‬إنه‬ ‫والمواثِيق ‪ِ ،‬‬
‫أيام اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الروح ‪ ،‬وإنها ُ‬ ‫موس ُم ُّ‬
‫جيف‬
‫وو ُ‬ ‫ِ‬ ‫واتحاد ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحجيج في ُد ِ‬
‫وبياض لُبسهم ‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫وصفهم ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫المشاعر ‪،‬‬ ‫روب‬ ‫وقع ُخطَى َ‬ ‫ُ‬
‫قلوبِهم وهم يُلبُّون هلل‪" :‬لبَّيك اللهم لبَّيك ‪ ،‬لبَّيك ال شريكـ لك لبَّيك ‪ ،‬إن الحم َد والنعمةَ‬
‫شريك لك"‪.‬‬‫َـ‬ ‫والملك ‪ ،‬ال‬
‫لك ُ‬
‫أقدامهمـ قد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فيا هلل! كيف تج ُد أعينُهم فُسحةً من الدمع لتُبص َر دربَها؟ وكيف تحملُهم ُ‬
‫ِ‬
‫الشوق له؟‬ ‫نفوسهمـ إال من‬
‫انقطعت قلوبُهم إال من رحمة اهلل ‪ ،‬وخلَت ُ‬ ‫َ‬
‫خرفها وخالفاتِها وراء ظُهو ِرهم وكانوا وف َد اهلل‪ .‬أتَوا َ‬
‫ليشهدواـ‬ ‫وز ُ‬
‫يجها ُ‬ ‫ض ِج ِ‬
‫تر ُكوا الدنياـ ب َ‬
‫اسم اهلل على ما رزقَهم ‪ ،‬وله يش ُكرون‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مناف َع لهم ويذ ُكروا َ‬
‫حمل ‪ ،‬وب ُقوا‬ ‫ِ‬
‫أضعاف ما َ‬
‫َ‬ ‫الشوق‬ ‫نفوسهم من‬‫وقراباتـ حملَت ُ‬ ‫أهل َ‬ ‫حاج منهم ٌ‬ ‫وراء كل ٍّ‬ ‫َ‬
‫بالركب ‪،‬‬ ‫حاق َّ‬‫ات تُسابِ ُـق العبراتـ ‪ ،‬حبستهم أعذارهمـ عن اللَّ ِ‬ ‫الحجيج واللَّه َف ُ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫أخبار َ‬‫يُتابعون َ‬
‫يردِّدون مع ِ‬
‫الحادي قولَه‪:‬‬ ‫ُ‬

‫يا ِ‬
‫راحلين إلى البيت ِ‬
‫العتيق لقد‬
‫‪942‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪657‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أرواحاـ‬ ‫صرتُم جسوما ِ‬


‫وصرنا نحن‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ ً‬

‫إنا أقَمنا على عُذ ٍر نُكابِ ُدهـ‬


‫أقام على عُذ ٍر كمن َ‬
‫راحا‬ ‫ومن َ‬

‫تمر بها وهي ِ‬


‫تبكيـ‬ ‫مال ُّ‬ ‫وقت ُخروج الح َّجاج ِ‬
‫والج ُ‬ ‫علي من مصر َ‬
‫بنت ٍّ‬
‫خرجت ُّأم أيمن ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫انقطع عن‬
‫َ‬ ‫انقطع عن الوصول إلى البيت؛ فكيف تكو ُن حسرةُ من‬
‫َ‬ ‫وتقول‪" :‬هذه حسرةُ من‬
‫رب البيت؟!"‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ك‬ ‫ُأفق في ِ‬
‫الحجا ِز مالِئ ٌ‬ ‫على كل ٍ‬
‫والب َركات‬ ‫ُتز ُّ‬
‫ف تحايا اهلل َ‬

‫جمعتَهم‬
‫الحجيج ْ‬ ‫رب َ‬ ‫الدين يا َّ‬
‫لك ُ‬
‫صات‬ ‫ٍ‬
‫لبيت طَهو ِر َّ‬
‫والع َر َ‬
‫اح َ‬ ‫الس ِ‬

‫الناس أصنافًا ومن كل بُ ٍـ‬


‫قعة‬ ‫أرى َ‬
‫إليك انتهوا من غُ ٍ‬
‫ربة وشتات‬ ‫َ‬

‫تفاوت‬
‫ٌ‬ ‫األنساب فيها‬
‫ُ‬ ‫تساووا فال‬
‫َ‬
‫األقدار ُمختلِفات‬
‫ُ‬ ‫لديك وال‬
‫َـ‬

‫ولي العف ِو فامح ِ‬


‫بناصـ ـ ـ ـ ـ ـ ٍع‬ ‫وأنت ُّ‬
‫ُ‬
‫فح ما في العُمر من ه َف َوات‬ ‫الص ِ‬
‫من َّ‬

‫عباد اهلل ‪ ،‬أيهاـ المسلمون في كل مكان‪:‬‬


‫‪658‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫وينتظ ُم ِعق ُدهم في ِرحابِهـ‬ ‫ِ‬ ‫ينعمون بالبيت الحرام ‪،‬‬ ‫الح َّجاج َ‬ ‫النفوس اليوم بمرَأى ُ‬ ‫ُ‬ ‫تبت ِه ُج‬
‫رهيب ‪ ،‬يبتَغون فضالً من اهلل و ِرضوانًا‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إيماني‬ ‫الطاهرةـ ‪ ،‬في منظ ٍر‬ ‫ِ‬
‫ٍّ‬
‫ض َع لِلن ِ‬
‫َّاس لَلَّ ِذي بِبَ َّكةَ ُمبَ َار ًكا َو ُه ًدى‬ ‫توِ‬ ‫ٍ‬
‫العتيق ‪ِ ﴿ ،‬إ َّن ََّأو َل َب ْي ُ‬ ‫حطُّوا ِرحالَهمـ عند بيت اهلل َ‬
‫يم ومن د َخلَه َكا َن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين (‪ )96‬فِ ِيه آيَ ٌ‬ ‫ِ ِ‬
‫آمنًا (‪. 943﴾ )97‬‬ ‫ام ِإ ْب َراه َـ َ َ ْ َ ُ‬ ‫ات َم َق ُ‬ ‫ات َبِّينَ ٌ‬ ‫لل َْعالَم َ‬
‫وك ِرجااًل و َعلَى ُك ِّل َ ِ ِ‬ ‫المتجدِّد‪َ ﴿ :‬وَأذِّ ْن فِي الن ِ‬
‫ضام ٍر يَْأت َ‬
‫ين‬ ‫ْح ِّج يَْأتُ َ َ َ‬ ‫َّاس بِال َ‬ ‫القديم ُ‬‫َ‬ ‫النداء‬
‫َ‬ ‫ُملبِّين‬
‫يق (‪ )27‬لِيَ ْش َه ُدواـ َمنَافِ َع لَ ُه ْم (‪. 944﴾ )28‬‬ ‫ِم ْن ُك ِّل فَ ٍّج َع ِم ٍ‬
‫اع ِإلَْي ِه َسبِياًل (‬‫استَطَ َ‬ ‫ت َم ِن ْ‬ ‫َ‬ ‫الخامس ‪َ ﴿ ،‬ولِلَّ ِه َعلَى الن ِ‬
‫َّاس ِح ُّج الْب ْي ِ‬ ‫يؤدُّون ركن اإلسالم ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫‪945‬‬
‫ويرجون رحمتَه ويخافُون عذابَه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يأملون من اهلل ال َقبول ‪،‬‬ ‫‪ . ﴾ )97‬يُلبُّون ويدعُون ‪َ ،‬‬
‫قدس ‪،‬‬ ‫الم َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الح َّجاج ‪ -‬أهالً ‪ ،‬ووطئتُم سهالً ‪ ،‬مرحبًا بكم في هذا الوادي ُ‬ ‫قدمتُم ‪ -‬أيها ُ‬
‫واستقبل أواِئ َل الوحيـ‬ ‫حج إليه األنبياء ‪،‬‬ ‫ضع للناس ‪َّ ،‬‬ ‫بيت و ِ‬ ‫وبين جنَبات البيت العتيق أول ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سامقـ ِجبالِه ‪،‬‬ ‫الكريم على ِ‬ ‫ُـ‬ ‫وتنز َل القرآ ُن‬‫يلـ بين أفياِئه ‪َّ ،‬‬ ‫ِئ‬
‫من السماء ‪ ،‬وخطََر جبرا ُ‬
‫محمد ‪ -‬صلى اهلل عليه وعلى آله ‪ ، -‬وربَّى نبيُّنا ‪ -‬عليه السالم ‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫وانطل َقت منه بِعثةُ نبيِّنا‬
‫أبر وأصد َق ِرجالِه‪.‬ـ‬ ‫َّ‬
‫ف‬‫وتراد ِ‬
‫وحجه األنبياءُ على تباعُد العُصور ُ‬
‫َّ‬ ‫إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪، -‬‬ ‫الخليل‬ ‫بيت بناه‬
‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والجبال واألوديةُـ ِّ‬
‫والشعابـ ‪،‬‬ ‫جر ‪ ،‬والصفاـ والمروة ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫األعوام ‪ ،‬زمزم والمقام ‪ ،‬والح ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعم‬
‫النور َّ‬
‫غ ُ‬ ‫الهدى والضالل ‪ ،‬حتى َبز َ‬‫ومغالَبَةـ ُ‬ ‫الحق والباطل ‪ُ ،‬‬ ‫كلُّها شواه ُد على ُ‬
‫تصار ِع ِّ‬
‫ضياهُ الخافِ َق ْين‪.‬‬
‫ِ‬
‫الحاج نقيًّا كما ول َدتْه ُّأمه ‪ ،‬وليس مكا ٌن في الدنياـ‬
‫ُّ‬ ‫ويعود‬
‫ُ‬ ‫غس ُل الخطايا ‪،‬‬
‫الربَىـ تُ َ‬
‫فعلى هذه ُّ‬
‫سوا من الزمان والمكان بر َكتَه ‪ ،‬والنبي‬ ‫وتلم ُ‬
‫له ميزةٌ كهذا المكان‪ .‬فاق ُد ُروا للبيت ُحرمتَهـ ‪َّ ،‬‬
‫س ْق َر َج َع َك َما‬
‫ث َولَ ْم َي ْف ُ‬
‫ت َفلَ ْم َي ْرفُ ْ‬
‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يقول‪َ " :‬م ْن َح َّج َه َذا الَْب ْي َ‬
‫َولَ َدتْهُ ُُّأمهُ " متفق عليه‪.‬‬

‫‪943‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪944‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪945‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪659‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ضا أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪ " :‬االْعُ ْم َرةُ ِإلَى الْعُ ْم َر ِة َك َّف َارةٌ‬ ‫وفي "الصحيحين" أي ً‬
‫ِ‬
‫ْجنَّةُ " متفق عليه‪.‬‬ ‫س لَهُ َج َزاءٌ ِإال ال َ‬
‫ور لَْي َ‬
‫ْح ُّج ال َْم ْب ُر ُ‬
‫ل َما َب ْيَن ُه َما ‪َ ،‬وال َ‬
‫ُّسك‪.‬‬ ‫وأتم لكم الن ُ‬ ‫وغفر الخطيَئات ‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫تقبَّل اهلل منكم الطاعات ‪،‬‬
‫أيها المسلمون في مشا ِرق األرض ومغا ِربِها‪:‬ـ‬
‫وأقسم بها في‬ ‫قدرها ‪،‬‬‫ف َ‬ ‫وشر َ‬
‫أمرهاـ ‪َّ ،‬‬ ‫أيامكم هذه ٌ َّ‬
‫َ‬ ‫أيام عظم اهلل َ‬ ‫ُح َّجاج بيت اهلل الحرام! ُ‬
‫ال َع ْش ٍر (‪ 946﴾ )2‬وقال عنها‬ ‫جل شأنُه ‪ ﴿ :-‬والْ َف ْج ِر (‪ )1‬ولَيَ ٍ‬ ‫كتابِه العزيز ‪ ،‬فقال ‪َّ -‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ب ِإلَى اللَّ ِه ِم ْن َه ِذ ِه‬‫َأح ُّ‬ ‫النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ " :-‬ما ِمن َأيَّ ٍام الْعمل َّ ِ ِ‬
‫الصال ُح ف َيها َ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ ْ‬
‫يل اللَّ ِه ِإال َر ُج ٌل َخ َر َج‬ ‫اد فِي َسبِ ِ‬ ‫يل اللَّ ِه ؟ قال‪ " :‬وال ال ِ‬
‫ْج َه ُ‬ ‫َ‬ ‫اد فِي َسبِ ِ‬ ‫ْج َه ُ‬‫اَأْليَّ ِام " ‪ .‬قالوا‪ :‬واَل ال ِ‬
‫َ‬
‫ش ْي ٍء " أخرجه البخاري‪.‬‬ ‫ك بِ َ‬‫بَِن ْف ِس ِه َو َمالِ ِه َفلَ ْم َي ْر ِج ْع ِم ْن َذلِ َ‬
‫يل ‪ ،‬والتَّ ْكبِي ِر ‪ ،‬والتَّح ِم ِ‬ ‫وعند اإلمام أحمد‪ " :‬فََأ ْكثِروا فِيها ِمن الت ْ ِ‬
‫يد " ‪.‬‬ ‫َ ْ‬ ‫َّهل ِ َ‬ ‫ُ َ َ‬
‫اهلل أكبر ‪ ،‬اهلل أكبر ‪ ،‬اهلل أكبر ‪ ،‬ال إله إال اهلل ‪ ،‬اهلل أكبر ‪ ،‬اهلل أكبر ‪ ،‬وهلل الحمد‪.‬‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫وإفراده بالعبادةـ ‪َ ﴿ ،‬وِإ ْذ َب َّوْأنَا ِإِل ْب َر ِاه َـ‬
‫يم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫توحيد اهلل تعالى‬ ‫العتيق ألجلـ‬ ‫ُـ‬ ‫البيت‬
‫ُأسس هذا ُ‬ ‫لقد ِّ‬
‫البناء‬ ‫‪947‬‬
‫ت َأ ْن اَل تُ ْش ِر ْك بِي َش ْيًئا (‪﴾ )26‬‬ ‫م َكا َن الْب ْي ِ‬
‫الخليل ‪ -‬عليه السالم ‪َ -‬‬ ‫ُ‬ ‫رفع‬
‫َ‬ ‫ثم‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫ك َأنْ َ‬‫يل َر َّبنَا َت َقبَّ ْل ِمنَّا ِإنَّ َ‬ ‫ِ ِإ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم الْ َق َواع َد م َن الَْب ْيت َو ْس َماع ُ‬
‫ِإ ِ‬ ‫ِإ‬
‫وهو يدعُو ‪َ ﴿ ،‬و ْذ َي ْرفَ ُع ْب َراه ُ‬
‫ك وَأ ِرنَا منَ ِ‬
‫اس َكنَاـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِميع الْعلِيم (‪ )127‬ر َّبنا واجعلْنا مسلِمي ِن لَ َ ِ‬
‫ك َوم ْن ذُ ِّريَّتنَا َُّأمةً ُم ْسل َمةً لَ َ َ َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ ُ ْ َْ‬ ‫َّ ُ َ ُ‬
‫يم (‪. 948﴾ )128‬‬ ‫َّواب َّ ِ‬ ‫ك َأنْ َ‬‫ب َعلَْينَا ِإنَّ َ‬
‫الرح ُ‬ ‫ت الت َّ ُ‬ ‫َوتُ ْ‬
‫واالنقياد بالطاعة ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫سالم هلل ‪،‬‬‫ُ‬
‫ك (‪ 949﴾ )128‬اإلسالم هو االستِ‬
‫ُ‬ ‫اج َعلْنَا ُم ْسلِ َم ْي ِن لَ َ‬
‫﴿ َر َّبنَا َو ْ‬
‫تأصيل للصواب ‪ ،‬ولُزوم‬ ‫‪950‬‬
‫اس َكنَا (‪﴾ )128‬‬ ‫الشرك وأهلِه ﴿ وَأ ِرنَا منَ ِ‬ ‫وص من ِّ‬
‫ٌ‬ ‫َ َ‬ ‫وال ُخلُ ُ‬
‫الشريعة ‪ ،‬واتِّباع ُّ‬
‫السنَّة‪.‬‬

‫‪946‬‬
‫سورة الفجر‬
‫‪947‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪948‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪949‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪950‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪660‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫اجتَنِبُوا َق ْو َل ُّ‬
‫الزو ِر‬ ‫اَأْلوثَ ِـ‬ ‫الرج ِ‬ ‫الحج يقول اهلل تعالى‪:‬ـ ﴿ فَ ْ ِ‬
‫ان َو ْ‬ ‫س م َن ْ‬‫اجتَنبُوا ِّ ْ َ‬ ‫وفي ثَنايا آيات ِّ‬
‫ين بِ ِه (‪. 951﴾ )31‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ )30‬حَن َف ِ ِ‬
‫اء للَّه غَْي َر ُم ْش ِرك َ‬
‫ُ َ‬
‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫حديث جاب ٍـر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬ثم َّ‬
‫أهل‬ ‫ِ‬ ‫وفي‬
‫ك " رواه أبو داود‪.‬‬ ‫ك لََّب ْي َ‬ ‫ك ال َش ِر َـ‬
‫يك لَ َ‬ ‫ك اللَّ ُه َّم لََّب ْي َ‬
‫ك ‪ ،‬لََّب ْي َ‬ ‫بالتوحيد‪ " :‬لََّب ْي َ‬
‫ِ‬
‫ومقاص َدكم‪.‬‬ ‫فأخلِصوا دينَكم هلل ‪َّ ،‬‬
‫وتفقدواـ أعمالَكمـ‬
‫عباد اهلل‪:‬‬
‫التوكل عليه‬ ‫إفراد اهلل بالدعاء والسؤالـ والطلَب ‪ ،‬مع ُّ‬ ‫الحج تربيةٌ على ِ‬ ‫مناسكـ ِّ‬ ‫وفي ِ‬
‫اج َد لِلَّ ِه فَاَل‬
‫َأن الْمس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والل ُجوء إليه ‪ ،‬واالستغناء عن الخلق ‪ ،‬واالعتماد على الخالق ﴿ َو َّ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫تَ ْدعُوا َم َع اللَّه َ‬
‫‪952‬‬
‫رسما‪.‬‬
‫ً‬ ‫وال‬ ‫ا‬ ‫ً‬‫ن‬ ‫مكا‬ ‫وال‬ ‫ا‬ ‫ي‬
‫ًّ‬ ‫ول‬ ‫وال‬ ‫ا‬ ‫ي‬
‫ًّ‬ ‫نب‬ ‫ال‬ ‫َأح ًدا (‪﴾ )18‬‬
‫عار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحج إال ما يُنافي مقاص َده؛ فال دعو َة إال إلى اهلل وح َده ‪ ،‬وال ش َ‬ ‫حو َل ُّ‬ ‫يجوز أن يُ َّ‬
‫كما ال ُ‬
‫كالم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب على من بلغَه ُ‬ ‫دين اهلل ‪ ،‬والشرعُ شرعُه ‪ ،‬والواج ُ‬ ‫فالدين ُ‬
‫ُـ‬ ‫والسنَّة‪.‬‬
‫عار التوحيد ُّ‬ ‫إال ش ُ‬
‫يترك‬ ‫ِ‬ ‫وسنَّةُ رسولِه ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أن يتَّبِع َّ َّ‬
‫الحق ويطرِح ما سواه ‪ ،‬وال ُ‬ ‫اهلل ُ‬
‫ين يُ َخالِ ُفو َن َع ْن َْأم ِر ِه‬
‫أحد مهما كان ‪ ،‬واهلل تعالى يقول‪َ ﴿ :‬فلْيَ ْح َذ ِر الَّ ِذ َـ‬ ‫ال ُقرآ َن والسنَّةَ لقول ٍ‬
‫يم (‪. 953 ﴾ )63‬‬ ‫صيبهم َع َذ ـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َأل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫َأ ْن تُص َيب ُه ْم ف ْتنَةٌ َْأو يُ َ ُ ْ‬
‫واالنحراف عن الطريقـ‬ ‫ِ‬ ‫والمح َدثاتـ‬ ‫ِ‬ ‫الوه ُن لألمة ب َقد ِر ما َّ‬
‫ب إليها من الب َدع ُ‬ ‫تسر َ‬ ‫تسرب ْ‬ ‫ولقد َّ‬
‫سبيل إال وحدةُ‬ ‫سون طري ًقا للنُّهوض ‪ ،‬فليس لهم من ٍ‬ ‫ِ‬
‫المسلمون اليوم يلتم ُ‬ ‫الحقِّ‪ .‬وإذا كان ُ‬
‫مصدره‬
‫ُ‬ ‫الصحيح‬
‫ُ‬ ‫واإلسالم‬
‫ُ‬ ‫سبيل إلى وح َدتهمـ إال على اإلسالم الصحيح ‪،‬‬
‫جماعتهم ‪ ،‬وال َ‬
‫األمة من الصحابَِة والتابِعين لهم‪.‬‬
‫ف ِـ‬ ‫والسنَّةُ ‪ ،‬وهو ما عليه سلَ ُ‬
‫القرآ ُن ُّ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫المتدفِّقين ألداء الن ُ‬
‫ُّسكـ شوقًا ‪ ،‬التا ِركين ل ُدنياهم‬ ‫شر ‪ُ ،‬‬ ‫تجمع ماليين الب َ‬
‫ُ‬ ‫والحج عبادةٌ فريدةٌ‬
‫ُّ‬
‫العظيم؟ فيه اجتماعُ األمةـ وائتِالفُها ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫اإليماني َ‬
‫ِّ‬ ‫التجمع‬
‫أبهىـ من هذا ُّ‬ ‫مشهد َ‬
‫فأي َ‬ ‫طوعا‪ُّ .‬‬
‫ً‬

‫‪951‬‬
‫سورة الحج‬
‫‪952‬‬
‫سورة الجن‬
‫‪953‬‬
‫سورة النور‬
‫‪661‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫ال فِي‬
‫سو َق َواَل ِج َد َـ‬
‫ث َواَل فُ ُ‬
‫ْح َّج فَاَل َرفَ َ‬ ‫وظُهور قِيمها وأخالقِها ‪ ﴿ ،‬فَمن َفر ِ‬
‫ض في ِه َّن ال َ‬
‫َْ َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫ْح ِّج (‪. 954﴾ )197‬‬ ‫ال َ‬
‫المساواةـ والعدل ‪ ،‬قِيَ ُم ال َق َ‬
‫ناعةـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫قِيَ ُم‬
‫التسامح واإلخاءـ ‪ ،‬والبُعدـ عن الخالف والمراء ‪ ،‬قيَ ُم ُ‬ ‫ُ‬
‫باسهـ ومس َكنه ِ‬
‫ومنامه‪.‬‬ ‫الحاج من متاع الدنيا في لِ ِ‬ ‫تجرد‬
‫ساطَة في ُّ‬
‫ِّ‬ ‫والبَ َ‬
‫أيهاـ المسلمون‪:‬‬
‫المسلمة؛ فهو‬ ‫الحج في اإلسالم ِ‬
‫نته ُز للتوجيهات ال ُكبرىـ لألمة ُ‬ ‫الجامع يُ َ‬
‫ُ‬ ‫وموس ُمه‬ ‫ومن ُذ بدأ ُّ‬
‫العظيم الذي ألقاهـ‬ ‫طاب‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫حجة الوداع كان الخ ُ‬ ‫ظمى ‪ ،‬ففي َّ‬ ‫ومثابتُهمـ العُ َ‬‫المسلمين َ‬ ‫ُملت َقى ُ‬
‫المسام ُع أرقَى من‬ ‫ِ‬ ‫طاب لم ت ِع‬ ‫أكرم جم ٍع ‪ ،‬هو ِخ ٌـ‬ ‫رسول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في َ‬ ‫ُ‬
‫وحريَّات اُألمم‪.‬ـ‬ ‫السجل الصاد ُق لحقوق اإلنسان ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫مقاص ِده ‪ ،‬وهو‬ ‫أشرف من ِ‬ ‫َ‬ ‫مبادِِئهـ ‪ ،‬وال‬
‫عاهدات التي عُ ِق َدت مع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم َ‬ ‫تمت في السنَة التاسعةـ من ال ِهجرة ُألن فيها بُطالن ُ‬ ‫والحجةُ التي َّ‬
‫َّ‬
‫المش ِركون‬ ‫ِ‬ ‫عاهدات كان الوفاءُ فيها من جانِ ِ‬
‫المسلمين وح َدهم ‪ ،‬أما ُ‬ ‫ب ُ‬ ‫ٌـ‬ ‫المشركين ‪ ،‬وهي ُم‬ ‫ُ‬
‫يتكر ُر كل زمان‪.‬‬ ‫مشه ٌد َّ‬ ‫ِ‬
‫داموا يقد ُرون‪ .‬وهذا َ‬ ‫وخر ُجوا عليها ما ُ‬ ‫فطالَما عبَثُوا بهذه العُ ُهود ‪َ ،‬‬
‫وبع ُد ‪ُ ،‬ح َّجاج بيت اهلل الحرام‪:‬‬
‫تفرغوا لما ِجئتُم له ‪،‬‬ ‫صحةَ أعمالكم قبل إتيانِها ‪َّ ،‬‬ ‫وتحروا َّ‬ ‫َّ‬ ‫مناس ِككم ‪،‬‬‫تعلَّموا أحكام ِ‬
‫َ‬
‫نال بالتفريط‪.‬ـ‬ ‫واشتغلوا بالعبادة والطاعات؛ فإن ما عند اهلل ال يُ ُ‬ ‫ِ‬
‫بذكر اهلل في كل أحوالِكم ‪ ،‬فنبيُّكم ‪ -‬صلى اهلل‬ ‫والتضرع ‪ ،‬والهجوا ِ‬ ‫ُّ‬ ‫الد ِ‬
‫عاء‬ ‫أكثِروا من ُّ‬
‫َ‬
‫الص َفا والْمرو ِة ور ْمي ال ِ‬
‫ْج َما ِر ِإِل قَ َام ِـة‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬يقول‪ِ " :‬إنَّما ج ِعل الطَّو ُ ِ ِ‬
‫اف بالَْب ْيت َو َب ْي َن َّ َ َ ْ َ َ َ ُ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫ِذ ْك ِر اللَّ ِه " ؛ رواه أبو داود والترمذي‪.‬ـ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫واهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يقول‪ ﴿ :‬فَِإ َذا َأفَ ْ ِ‬
‫ضتُ ْم م ْن َع َرفَات فَاذْ ُك ُروا اللَّهَ ع ْن َد ال َْم ْش َع ِر ال َ‬
‫ْح َر ِام‬
‫ث َأفَ َ‬
‫اض‬ ‫ضوا ِم ْن َح ْي ُ‬ ‫ين (‪ )198‬ثُ َّم َأفِي ُ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫َواذْ ُك ُروهُ َك َما َه َدا ُك ْم َوِإ ْن ُك ْنتُ ْم م ْن َق ْبله لَم َن الضَّالِّ َ‬
‫ضيتُم منَ ِ‬ ‫النَّاس واست ْغ ِفروا اللَّه ِإ َّن اللَّه غَ ُف ِ‬
‫اس َك ُك ْـم فَاذْ ُك ُروا اللَّهَ‬ ‫يم (‪ )199‬فَِإ َذا قَ َ ْ ْ َ‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ َْ ُ‬
‫اء ُك ْم َْأو َأ َش َّد ِذ ْك ًرا (‪. 955﴾ )200‬‬ ‫ِ‬
‫َكذ ْك ِر ُك ْم آبَ َ‬

‫‪954‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪955‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪662‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫أقول قولي‬
‫ونفعنا بما فيهما من اآليات والحكمة ‪ُ ،‬‬
‫بارك اهلل لي ولكم في القرآن والسنة ‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫هذا ‪ ،‬وأستغفرـ اهلل تعالىـ لي ولكم‪.‬ـ‬

‫الخطبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الثاني ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةـ‬

‫الحمد هلل رب العالمين ‪ ،‬الرحمن الرحيمـ ‪ ،‬مالك يوم الدينـ ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل‬
‫المبين ‪ ،‬وأشهدـ أن محم ًدا عب ُده ورسولُه الصاد ُق األمين ‪،‬‬ ‫الحق ُ‬ ‫الملك ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وح َده ال شريكـ له‬
‫وبار َك عليه ‪ ،‬وعلى آله وأصحابِه أجمعين‪.‬‬ ‫صلَّى اهلل وسلَّم َ‬
‫أما بعد ‪ ،‬عباد اهلل‪:‬‬
‫ضحاه يُح ِر ُم من يُري ُـد‬ ‫الح َّجة ‪ ،‬وفي ُ‬ ‫الثامن من ِذي ِ‬ ‫ُـ‬ ‫اليوم‬ ‫ٍ‬
‫ُح َّجاج بيت اهلل الحرام! بعد غد هو ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قصرا ‪،‬‬
‫والعصر في وقتها ً‬ ‫َـ‬ ‫قصرا ‪،‬‬
‫الظهر في وقتها ً‬ ‫ويذهب إلى منَى فيُصلِّي بها َ‬ ‫ُ‬ ‫الحج ‪،‬‬
‫َّ‬
‫بمنَى تلك الليلة‪.‬‬ ‫بيت ِ‬ ‫قصرا ‪ ،‬ويَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شاء في وقتها ً‬ ‫والمغرب في وقتها ‪ ،‬والع َ‬ ‫َ‬
‫جمعا‬ ‫َّ‬ ‫فإذا صلَّى بها الفجر وطلَعت شمس اليوم ِ‬
‫الظهر ً‬ ‫عرفَات ‪ ،‬وصلى بها َ‬ ‫توجه إلى َ‬ ‫التاس ِع َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫صعيد عرفَات ُمكثِ ًراـ من ِذكر اهلل تعالى ‪ُ ،‬متذلِّالً بين ي َديه يسألُهـ‬ ‫ف على َ‬ ‫وقصرا ‪ ،‬ثم ِيق ُ‬ ‫ً‬
‫الحج‬
‫والرجاء في ذلك الموقف العظيم؛ فإن َّ‬ ‫خير ْي الدنياـ واآلخرة ‪ ،‬ويُلِ ُّح في الدعاء َّ‬ ‫َ‬
‫عرفة ‪ ،‬كما قال ذلك النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫ْت َأنَا َوالنَّبِيُّو َن ِم ْن َق ْبلِي ‪ :‬ال ِإلَهَ ِإال‬ ‫ِ‬ ‫ضا‪َ " :‬خير ُّ ِ‬
‫الد َعاء ُد َعاءُ َي ْوم َع َرفَةَ ‪َ ،‬و َخ ْي ُر َما ُقل ُ‬ ‫ُْ‬ ‫وقال أي ً‬
‫ْح ْم ُد ‪َ ،‬و ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير " رواه الترمذي‪.‬ـ‬ ‫ك َولَهُ ال َ‬ ‫يك لَهُ ال َْملِ ُ‬
‫اللَّهُ َو ْح َدهُ ال َش ِر َ‬

‫عباد اهلل‪:‬‬
‫ِ‬
‫الماضيةَ‬ ‫كف َـر اهلل عنه السنةَـ‬ ‫حتسبًا أن يُ ِّ‬‫صيام يوم عرفة م ِ‬ ‫ُّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ستحب له ُ‬ ‫حاجاـ فيُ‬
‫ومن لم ي ُكن ًّ‬
‫والباقِية ‪ ،‬كما قال ذلكـ النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬في الحديث رواه مسلم‪.‬‬
‫وعن عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أن النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬قال‪َ " :‬ما ِم ْن َي ْوٍم َأ ْك َث َر‬
‫ول ‪:‬‬ ‫ِمن َأ ْن يعتِ َق اللَّه فِ ِيه َعب ًدا ِمن النَّا ِر ِمن يوِم َعرفَةَ ‪ ،‬وِإنَّه لَي ْدنُو ‪ ،‬ثُ َّم يب ِ‬
‫اهيـ ال َْماَل ِئ َكةَـ َفَي ُق ُ‬‫َُ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُْ‬
‫اد َهُؤ اَل ِء ؟ " رواه مسلم‪.‬‬ ‫َما ََأر َ‬
‫‪663‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫شاءـ‬ ‫ِ‬ ‫ووقار ‪ ،‬وصلَّى بها‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫المغرب والع َ‬ ‫َ‬ ‫بسكينة َ‬ ‫الحاج إلىـ ُمزدل َفة َ‬
‫ُّ‬ ‫ف‬‫انصر َ‬
‫الشمس َ‬‫ُ‬ ‫غربَت‬
‫فإذا َ‬
‫بمزدلَِفة تلك الليلة ويُصلِّي بها الفجر ‪ ،‬ويُكثِ ُر من ِذكر‬ ‫بيت ُ‬‫شاء ‪ ،‬ويَ ُ‬ ‫ِ‬
‫ويقص ُر الع َ‬
‫ُ‬ ‫جمعا ‪،‬‬
‫ً‬
‫ويجوز‬
‫ُ‬ ‫ف إلى ِمنَى ُقبَيل طلُوع الشمس ‪،‬‬ ‫اهلل تعالى ومن الدعاء حتى ي ِ‬
‫سف َر ِج ًّدا ‪ ،‬ثم ينص ِر ُ‬ ‫ُ‬
‫ويتحق ُق ذلك‬ ‫َّ‬ ‫راف من ُمزدلَِفةـ بعد نِصف الليل ‪،‬‬ ‫االنص ُـ‬ ‫والصبيان ونح ِوهم ِ‬ ‫َّع َفة من النساء ِّ‬ ‫للض َ‬
‫روب القمر‪.‬‬ ‫بغُ ِ‬
‫كب ُر مع كل‬ ‫ات ُمتعاقِبَات ‪ ،‬يُ ِّ‬
‫بسبع حصي ٍ‬ ‫ُّ ِ‬
‫ََ‬ ‫رمى جمرةَ الع َقبَةـ ْ‬ ‫الحاج إلى منَى َ‬ ‫وصل‬
‫فإذا َ‬
‫أفضل ‪-‬‬ ‫والحلق‬ ‫قص ُره ‪-‬‬
‫رأسه أو يُ ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هدي ‪ ،‬ثم يحل ُق َ‬ ‫الهدي إن كان عليه ٌ‬ ‫َ‬ ‫ينح ُر‬
‫حصاة ‪ ،‬ثم َ‬ ‫َ‬
‫طواف اإلفاضة ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فيطوف‬
‫ُ‬ ‫تيسر له يوم العيد ‪ ،‬وإال بعده‬ ‫يتوجه إلى البيت الحرام إن َّ‬ ‫‪ ،‬ثم َّ‬
‫ِ‬
‫طواف‬ ‫الحج بعد‬
‫سعى قبل ِّ‬ ‫الص َفا والمروة ‪ ،‬فإن كان قا ِرنًا أو ُمف ِر ًداـ وقد َ‬‫يسعىـ بين َّ‬ ‫ثم َ‬
‫حرج عليه‪.‬‬ ‫فيكفيه سعيُه ذلك‪ .‬ومن َّ‬ ‫ال ُق ُدوم ِ‬
‫قدم شيًئا أو أخَّر شيًئا من أعمال يوم النَّحر فال َ‬
‫يوم بعد‬ ‫الجمار الثَّالث في كل ٍ‬ ‫ويرمي ِ‬‫َّشريق ‪ِ ،‬‬ ‫ويبيت بها ليالِي أيام الت ِ‬ ‫يعود إلى ِمنَى ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ثم ُ‬
‫ُّ‬
‫والتأخرـ‬ ‫شاء تأخَّر لليوم الثالث عشر ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تعج َل في يومين ‪ ،‬وإن َ‬ ‫شاء َّ‬
‫زوال الشمس ‪ ،‬ثم إن َ‬
‫الس َفرـ من مكة‪.‬‬‫الوداع عندما يُري ُد َّ‬ ‫طواف َ‬
‫ُ‬ ‫أفضل‪ .‬ثم ال يب َقى عليه إال‬
‫بالمسلم‬ ‫مواط ُن يُكثِ ُر فيها من الدعاء ح ِر ٌّ‬ ‫ولقد كان للنبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ِ -‬‬
‫ي ُ‬ ‫ِّ‬
‫بمزدلَِفة حتى‬
‫وباألخص آخر النهار ‪ ،‬وبعد صالة ال َفجر ُ‬ ‫ِّ‬ ‫رص عليها ‪ ،‬منها‪ :‬يوم عرفة‬ ‫ِ‬
‫الح ُ‬
‫الجمرة الثانية من أيام التشريقـ ‪ ،‬وكذا‬ ‫سفر ًّ‬‫ي ِ‬
‫رم ِي َ‬ ‫الجمرة األولى ‪ ،‬وبعد ْ‬ ‫رم ِي َ‬ ‫جدا ‪ ،‬وبعد ْ‬ ‫ُ‬
‫الص َفا والمروة‪.‬‬ ‫الدعاءُ فو َق َّ‬
‫صوا هلل في عملِكم‬ ‫ِ‬
‫وات ُقوا اهلل فيما تأتُون وت َذ ُرون ‪ ،‬وأخل ُ‬ ‫حجكم ‪َّ ،‬‬ ‫فاجت ِهدواـ في تمام ِّ‬
‫ِ‬ ‫الهدى والسنَّة ‪ ،‬واجتنِبُوا ما يخ ِر ُم َّ‬ ‫ِ‬
‫بالرفق‬
‫صه ‪ ،‬وعليكم ِّ‬ ‫حجكم أو يُنق ُ‬ ‫وقصدكم ‪ ،‬واتَّبِعوا ُ‬
‫والش َف َقةـ والرحمة بإخوانِكم المسلمين ‪ ،‬سيَّما في ِ‬
‫مواطن‬ ‫َّ‬ ‫والسكينَة والطُّمأنينة ‪،‬‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واستشعروا‬ ‫المسجد الحرام‪.‬‬‫ِ‬ ‫الجمار ‪ ،‬وعند أبوابـ‬ ‫الطواف ‪ ،‬ورمْي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االزدحام ‪ ،‬وأثناء‬
‫وجاللَة الموقف‪.‬‬ ‫ِ‬
‫عظَم العبادة َ‬
‫لخدمتِكم وتيسي ِر‬ ‫جهودا هائلةًـ ِ‬ ‫ؤسساتهاـ تب ُذ ُل‬‫وم َّ‬ ‫واعلَموا أن الدولةَـ ب ِرجاالتهاـ‬
‫ً‬ ‫وأجهزتهاـ ُ‬
‫َ‬
‫والجهود كلُّها ألجلِكم‪.‬ـ‬
‫ُ‬ ‫ضع لمصلَحتكم ‪،‬‬ ‫حجكم ‪ ،‬والنظام و ِ‬
‫ُُ‬ ‫ِّ‬

‫‪664‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫حال‬ ‫ِ‬
‫واستشعرواـ ما أنتم فيه ‪ ،‬و ُكونُوا على خي ِر ٍـ‬ ‫فالت ِزموا التوجيهات ‪ ،‬واتَّبِعوا التعليمات ‪،‬‬
‫السكينةَـ والوقار ‪ ،‬واجت ِهدواـ وسدِّدوا وقا ِربوا ‪ِ ،‬‬
‫وأبشروا‬ ‫والزمواـ َّ‬
‫السلُوك واألخالق ‪َ ،‬‬ ‫في ُّ‬
‫رب ٍ‬
‫كريم‪.‬‬ ‫وأملُوا ‪ ،‬فإنكم تق ُدمون على ٍّ‬
‫ِّ‬
‫مغفورا‪.‬‬
‫ً‬ ‫مشكورا ‪ ،‬وذنبَكمـ‬
‫ً‬ ‫مبرورا ‪ ،‬وسعيَكمـ‬
‫ً‬ ‫حجكم‬
‫جعل اهلل َّ‬
‫َ‬
‫رشي‪.‬ـ‬
‫الهاشمي ال ُق ِّ‬
‫ِّ‬ ‫هذا وصلُّوا وسلِّموا على خير البريَّة ‪ ،‬وأزكى البشريَّة‪ :‬محمد بن عبد اهلل‬
‫صل وسلِّم وبا ِرك على عبدك ورسولك محمد ‪ ،‬وعلى آله الطيبين الطاهرينـ ‪،‬‬ ‫اللهم ِّ‬
‫وارض اللهم عن األئمة المهديين ‪ ،‬والخلفاء الراشدين‪ :‬أبي‬ ‫َ‬ ‫وصحابته الغُِّر الميامين ‪،‬‬
‫سار على‬
‫وعلي ‪ ،‬وعن سائر صحابَة نبيِّك أجمعين ‪ ،‬ومن َ‬ ‫ٍّ‬ ‫بك ٍر ‪ ،‬وعُمر ‪ ،‬وعُثمان ‪،‬‬
‫واتبَع ُسنَّتَهم يا رب العالمين‪.‬ـ‬ ‫نهجهم َّ‬ ‫ِ‬
‫واجعل هذا البلد آمنًا ُمطمئنًّا‬ ‫والمش ِركين ‪،‬‬ ‫أعز اإلسالم والمسلمين ‪ِ ،‬‬
‫وأذ َّل‬
‫َ‬ ‫الشرك ُ‬
‫َ‬ ‫اللهم َّ‬
‫وسائر بالد المسلمين‪.‬‬
‫َـ‬
‫وولي أمرناـ ‪ ،‬اللهم‬ ‫أئمتَنا ُووالة أمو ِرنا ‪ ،‬وأيِّد‬ ‫آمنَّا في أوطاننا ‪ ،‬وأصلِح َّ‬ ‫اللهم ِ‬
‫إمامناـ َّ‬
‫بالحق َ‬
‫ِّ‬
‫واجعل عملَه في ِرضاك ‪ ،‬وهيِّئ له البِطانةَـ الصالِحة ‪ ،‬اللهم جا ِزه بالخيرات‬ ‫َ‬ ‫وفِّقه ُلهداك ‪،‬‬
‫عتمرين ‪ ،‬اللهم وفِّقه‬ ‫دمة الحرمين الشريفين ‪ ،‬والعنايةـ بالح َّجاج والم ِ‬ ‫والحسنات على ِخ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ونائب ْيه وإخوانَهمـ وأعوانَهم‪.‬ـ‬‫َ‬
‫والهدى ‪ ،‬اللهم‬ ‫ِ‬
‫الحق ُ‬‫اجمعهمـ على ِّ‬ ‫اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان ‪ ،‬اللهم َ‬
‫ِ‬
‫وأطعم جاِئَعهم‪.‬ـ‬ ‫وس َّد خلَّتَهم ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورعاتهمـ ‪ُ ،‬‬‫دماءهم ‪ ،‬وآمن َ‬ ‫احقنـ َ‬
‫الحق يا رب‬
‫واجمعهمـ على ِّ‬
‫َ‬ ‫المستضعفين من المسلمين في كل مكان ‪،‬‬
‫انصر ُ‬
‫اللهم ُ‬
‫العالمين‪.‬ـ‬
‫اللهم انصر دينك وكتابك وسنةَ نبيِّك وعبادك المؤمنين‪.‬‬
‫عجزونك‪.‬‬ ‫اللهم عليك بأعداء الدينـ فإنهمـ ال ي ِ‬
‫ُ‬
‫اب النَّا ِر (‪. 956﴾ )201‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿ َر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫سنَةً َوفي اآْل خ َرة َح َ‬
‫الد ْنيَاـ َح َ‬
‫ويسر أمورنا ‪ ،‬وبلِّغنا فيما ي ِ‬
‫رضيك آمالَنا‪.‬‬ ‫اللهم اغفر ذنوبَنا ‪ ،‬واستُر عيوبَنا ‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬
‫سميع الدعاء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ووالديهمـ وذُ ِّريَّاتهمـ ‪ ،‬إنكـ‬ ‫ِ‬
‫ولوالدينا‬ ‫ربنا اغفر لنا‬
‫ُ‬
‫‪956‬‬
‫سورة البقرة‬
‫‪665‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫مناسكهم ِ‬
‫آمنين ‪ ،‬وتقبَّل منَّا ومنهم‬ ‫ويسر لهم أداء ِ‬ ‫اللهم اح َفظ الح َّجاج والم ِ‬
‫عتمرين ‪ِّ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫الح َّجاج ‪ ،‬وجا ِزهمـ بالخيرات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اللهم وفِّق ِ‬
‫رجال األمنـ ‪ ،‬والعاملين على خدمةـ ُ‬
‫وأعن َ‬
‫والحسنات يا رب العالمين‪.‬‬
‫َ‬
‫ربَّنا تقبَّل منا إنك أنت السميع العليم ‪ ،‬وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪.‬ـ‬
‫وسالم على المرسلينـ ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سبحان ربِّك رب العزةـ عما يصفون ‪،‬‬

‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمةُ ِ‬


‫الكتَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬
‫ـاب‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫ضان ِم ْن َعام ‪ 1435‬هـ ‪َ ،‬و‬ ‫اَألو ِل ِم ْن َر َم َ‬ ‫ْيوِم َّ‬ ‫ِ ِ‬


‫الم َوافق لل ْ‬‫َ ُ‬ ‫د‬‫ضلِ ِه فِي يوِم اَألح ِ‬
‫َْ‬
‫تَ َّم بِحم ِد ِ‬
‫اهلل َو فَ ْ‬ ‫َْ‬
‫سنَةً‬ ‫الد ْنيَا َح َ‬‫ْك ْب ِريَاءُـ ‪َ ،‬ر َّبنَا آتِنَا فِي ُّ‬ ‫شاء ‪َ ،‬فلَهُ الْحم ُد وال ِْمن َِّة ولَهُ ال ِ‬
‫َ‬ ‫َْ َ‬
‫ك فَ ْ َّ ِ ِ ِ‬
‫ض ُل الله ُيْؤ تيه َم ْن يَ َ ُ‬ ‫ذَلِ َ‬
‫وبنَا َو َك ِّف ْر َعنَّا َسيَِّئاتِنَا َوَت َو َّفنَا َم َع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب النَّا ِر ‪َ ،‬ر َّبنَا فَا ْغف ْر لَنَا ذُنُ َ‬
‫سنَةً َوقنَا َع َذ َ‬
‫َوفي اآْل خ َرةـ َح َ‬
‫يل ‪َ ،‬واَل َح ْو َل َواَل ُق َّوةَ إاَّل بِاَللَّ ِـه ال َْعلِ ِّي ال َْع ِظ ِيم ‪َ ،‬و ِإنَّا لِلّ ِه‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫اَأْلب َرا ِـر ‪َ ،‬و َح ْس ُبنَا اللهُ َون ْع َم ال َْوك ُ‬
‫ْ‬
‫ص ْحبِ ِه َو َسلَّ َم ‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَى َسيِّدنَا ُم َح َّمد َو َعلَى آله َو َ‬ ‫َوِإنَّـا ِإلَْيه َراجعو َن ‪َ ،‬و َ‬

‫‪666‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫َأل اهلل َأ ْن ي ْن َفعنِي و ي ْن َفع المسلِ ِم ِ ِ‬
‫ين به ‪ِ ،‬إنَّهُ َعلَى ُك ِّل َشيء قَد ٌير ‪ُ ،‬ه َو ن ْع َم َ‬
‫الم ْولَى ‪َ ،‬و ُه َو‬ ‫َأس ُـ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫نِ ْعم الن ِ‬
‫َّصي ِر ‪.‬‬ ‫َ‬

‫ين ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ْح ْم ُد لِلَّ ِه َر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ب ال َْعالَم َ‬ ‫َوآخ ُر َد ْع َوانَا َأن ال َ‬

‫‪667‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫س‬
‫الفِ ْهــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ِر ُ‬
‫ِّم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـةٌـ‪2...........................................................................................‬‬
‫ُم َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد َ‬
‫الفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ الـ ـ ـ ـ ــأولـ ‪9........................................................................................‬‬
‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1429‬هـ‪9................................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬بر الوالدين سبب لتفريج الكرب وإجابة الدعاء‪11........................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬األول من صفر من عام ‪ 1429‬هـ‪11..............................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬شمائل الحبيب صلى اهلل عليه و سلم ‪26..................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس من ربيع اآلخر من عام ‪ 1429‬هـ‪26.....................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬التحذير من اإلسراف‪39....................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابع من جمادى األولى من عام ‪ 1429‬هـ ‪39...................................‬‬
‫وجل‪48......................................................‬‬
‫عز َّ‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬الحذر من فجأة نقمة اهلل َّ‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن عشر من جمادى األولى من عام ‪ 1429‬هـ‪48.............................‬‬

‫عنوان الخطبة ‪َ :‬أيُّ ُك ْم ْ‬


‫َأح َس ُن َع َمالً ‪58.......................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثاني من جمادى اآلخرة من عام ‪ 1429‬هـ‪58...................................‬‬
‫ك اهلل‪67........................................................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪َ :‬حتَّى يَ ْح َفظُ َ‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالث والعشرون من جمادى اآلخرة من عام ‪ 1429‬هـ ‪67......................‬‬
‫ِّين ِعن َد الل ِّه اِإل ْسالَ ُم ﴾ ‪78........................................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ِ ﴿ :‬إ َّن الد َ‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس عشر من رجب من عام ‪ 1429‬هـ‪78....................................‬‬
‫اح َذ ُروا اللَّ ْغ َو ( اللغو جريمة في حق َّ‬
‫األمة )‪88............................................‬‬ ‫عنوان الخطبة ‪ْ :‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابع عشر من شعبان من عام ‪ 1429‬هـ ‪88......................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬نعيم الجنة ‪97...............................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثاني عشر من رمضان من عام ‪ 1429‬هـ ‪97.....................................‬‬
‫َّح ِل‪107...............................................................‬‬ ‫اهلل فِي س ِ‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬نِعم ِ‬
‫ورة الن ْ‬
‫ُ َ‬ ‫َُ‬
‫‪668‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬العاشر من شوال من عام ‪ 1429‬هـ‪107..........................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬العلم وأثره في الحضارات‪115............................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬التاسع من ذي القعدة من عام ‪ 1429‬هـ‪115.....................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬تقوى اهلل ومحاسبة النفس ‪124............................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الحادي والعشرون من ذي الحجة من عام ‪ 1429‬هـ ‪124.......................‬‬
‫الفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ الـ ـ ـ ــثاني‪133.....................................................................................‬‬
‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1430‬هـ‪133............................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬دروسـ وعبر من أحداث غزة ‪134........................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬اليوم السادس والعشرون من محرم من عام ‪1430‬هـ ‪134.......................‬‬
‫عنوان الخطبة‪ :‬اإليمان بالقضاء والقدر حقيقته وآثاره‪145.................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬اليوم الثاني من ربيع االول من عام ‪1430‬هـ ‪145................................‬‬
‫عنوان الخطبة‪ :‬الورع وأثره على دين المسلم ‪157.......................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬اليوم الثالثون من شهر ربيع األول من عام ‪ 1430‬هـ‪157.......................‬‬
‫عنوان الخطبة‪ :‬الوضوء وفضله وآثاره‪166.................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس من جمادى األولى من عام ‪ 1430‬هـ ‪166..............................‬‬
‫عنوان الخطبة‪ :‬التربية والتعليم أهميتهما وفضلهما ‪176...................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثاني عشر من جمادى اآلخرة من عام ‪ 1430‬هـ‪176...........................‬‬
‫عنوان الخطبة‪ :‬االنتماء إلى األوطان في ظل اإلسالم ‪186.................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس عشر من شعبان من عام ‪ 1430‬هـ‪186.................................‬‬
‫عنوان الخطبة‪ :‬التحذير من النار‪195.......................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالث والعشرون من شعبان من عام ‪ 1430‬هـ‪195.............................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬تعظيم اهلل في القلوب ‪206................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن والعشرون من رمضان من عام ‪1430‬هـ‪206.............................‬‬
‫‪669‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫‪ -‬تعظيم اهلل في القلوب ‪206..........................................................................-‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬األمن وأثره في حياة الناس‪217...........................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السابع والعشرون من شوال من عام ‪1430‬هـ‪217..............................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬مكة المكرمة تاريخ وذكريات ‪226.......................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن عشر من ذي القعدة من عام ‪1430‬هـ ‪226................................‬‬
‫الفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ الـ ـ ـ ـ ــثالثـ ‪238...................................................................................‬‬
‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1431‬هـ‪238............................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬بداية العام الجديد وما يجب تجاهه ‪239.................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬األول من محرم من عام ‪1431‬هـ‪239...........................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬فضيلةـ الصدق‪248........................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬التاسع والعشرون من محرم من عام ‪1431‬هـ‪248...............................‬‬
‫‪ -‬فضيلةـ الصدق ‪248..................................................................................-‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬الفتنة واالبتالء سنة جارية في األولين واآلخرين ‪260.....................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس من ربيع األول من عام ‪1431‬هـ ‪260...................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬المسجد األقصى فضله ومكانته ‪273......................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالث من ربيع اآلخر من عام ‪1431‬هـ‪273.....................................‬‬
‫عنوان الخطبة‪ :‬خطورة أذية المسلم‪284...................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس عشر من جمادى األولى من عام ‪1431‬هـ‪285.........................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬مصدرـ التشريع ‪294.......................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الحادي والعشرون من جمادى اآلخرة من عام ‪1431‬هـ‪294....................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬خطورة الشهوات‪305.....................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السابع والعشرون من رجب من عام ‪1431‬هـ‪305...............................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬سالمة األسرة‪316.........................................................................‬‬

‫‪670‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن عشر من شعبان من عام ‪1431‬هـ ‪316....................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬عمل اليوم والليلة ‪329.....................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ : :‬السابع من ذي القعدة من عام ‪1431‬هـ‪329....................................‬‬
‫عنوان الخطبة‪ :‬وقفة تأمل في ِختام موسم الحج‪340......................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالث عشر من ذي الحجة من عام ‪1431‬هـ ‪340...............................‬‬
‫الفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ال ـ ـ ـ ــرابـع ‪350....................................................................................‬‬
‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1432‬هـ‪350............................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬مكانة الطفل في اإلسالم ‪351..............................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن عشر من محرم من عام ‪1432‬هـ‪351.....................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬حرمة دم المسلم ‪362......................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السابع عشر من صفر من عام ‪1432‬هـ‪362......................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬صفات العلماء الربانيين‪372...............................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثاني والعشرون من ربيع األول من عام ‪1432‬هـ ‪372..........................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬نعمة األمن في ظل توحيد اهلل‪382.........................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬عشرون من ربيع اآلخر من عام ‪1432‬هـ‪382....................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬آداب النوم واالستيقاظ ‪392...............................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن عشر من جمادى األولى من عام ‪1432‬هـ‪392............................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬شرف االنتساب للسلف الصالح‪402.....................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابع والعشرون من جمادى اآلخر من عام ‪1432‬هـ‪403.......................‬‬
‫خطبة الجمعة ‪ :‬تأمالت في معنى التشهد‪410...............................................................‬‬
‫من المسجد الحرام‪ :‬التاسع والعشرون من رجب من عام ‪1432‬هـ‪410...............................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬تقوى اهلل بصيام رمضان‪420..............................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس من رمضان من عام ‪1432‬هـ‪420.......................................‬‬
‫‪671‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫عنوان الخطبة ‪ ﴿ :‬ا ْد ُخلُوا فِي ِّ‬


‫السل ِْم َكافَّةً ﴾‪429..........................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الحادي عشر من شوال من عام ‪1432‬هـ ‪429..................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬فضائل وأحكام البلد الحرام ‪438..........................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس عشر من ذي القعدة من عام ‪1432‬هـ‪438..............................‬‬
‫‪ -‬فضائل وأحكام البلد الحرام ‪438...................................................................-‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬وصية اهلل لحجاج بيته الحرام‪453.........................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن من ذي الحجة من عام ‪ 1432‬هـ‪453........................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬ثبات اإلسالم واستقراره ‪463..............................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثاني والعشرون من ذي الحجة من عام ‪ 1432‬هـ‪463.........................‬‬
‫الفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ الـ ـ ـ ـ ــخام ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس ‪475.............................................................................‬‬
‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1433‬هـ‪475............................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثامن والعشرين من محرم من عام ‪ 1433‬هـ ‪476...............................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬أسباب العقوبات العامة‪486................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابع من ربيع األول من عام ‪ 1433‬هـ ‪486.....................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬الشام ‪ ..‬فضلهاـ وتاريخها‪499.............................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثاني من ربيع اآلخر من عام ‪ 1433‬هـ‪499......................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬لماذا الخوف من اإلسالم؟‪511............................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابع عشر من جمادى األولى من عام ‪ 1433‬هـ‪511...........................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬عظات وعبر من قصة يوسف عليه السالم‪521............................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬عشرون من جمادى اآلخر من عام ‪ 1433‬هـ ‪521...............................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬السعادة الزوجية‪530.......................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس والعشرونـ من رجب من عام ‪ 1433‬هـ‪530............................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬رمضان أقبل ‪538...........................................................................‬‬

‫‪672‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬األول من رمضان من عام ‪1433‬هـ ‪539..........................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬عبادات يسيرة بأجور كبيرة‪545...........................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس من شوال من عام ‪1433‬هـ ‪545.........................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬نصرة الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪554...................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس من ذي القعدة من عام ‪1433‬هـ‪554....................................‬‬
‫ِ‬
‫وشواه ُده ‪564...............................................................‬‬ ‫عنوان الخطبة ‪ِ :‬‬
‫مقاصد الحج‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السابع عشر من ذي الحجة من عام ‪1433‬هـ ‪564..............................‬‬
‫الفص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ الـ ـ ـ ـ ــسادسـ‪573..................................................................................‬‬
‫منبر الجم ـ ـ ـ ـ ــعة من الحرم المكي للعام الهجري ‪ 1434‬هـ‪573............................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬وقفة مع معنى البركة‪574..................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪:‬الثالث والعشرون من محرم من عام ‪1434‬هـ‪574...............................‬‬
‫ُأحد وبشائر النصر‪583..............................................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬غزوة ُ‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬التاسع والعشرون من صفر من عام ‪1434‬هـ ‪583...............................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬اإليمان واليقين والثبات على الدين‪594...................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الخامس من ربيع اآلخر من عام ‪1434‬هـ‪594....................................‬‬
‫عوذتان ‪ ..‬فضائل وآداب‪605..........................................................‬‬
‫الم ِّ‬
‫عنوان الخطبة ‪ُ :‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالث من جمادى األولى من عام ‪1434‬هـ ‪605.................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬الهمةُ العاليةُ ‪615..........................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس عشر من جمادى اآلخرة من عام ‪1434‬هـ‪615.........................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬الحق منصور والباطل مهزومـ‪627..........................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الرابع عشر من رجب من عام ‪1434‬هـ‪627......................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬رمضان وأحوال األمة ‪632.................................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس والعشرون من شعبان من عام ‪1434‬هـ‪632.............................‬‬
‫‪673‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬أد ِركوا نفحات رمضان‪641............................................................. ..‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪:‬الرابع والعشرون من رمضان من عام ‪1434‬هـ‪641...............................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬معالم للمسلم في أوقات الفتن ‪649.......................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬الثالثون من شوال من عام ‪1434‬هـ ‪650.........................................‬‬
‫عنوان الخطبة ‪ :‬توجيهات إلى حجاج البيت العتيق‪660....................................................‬‬
‫تاريخ إلقاء الخطبة ‪ :‬السادس من ذي الحجة من عام ‪ 1434‬هـ‪660...................................‬‬
‫خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاتِـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمةُ ِ‬
‫الكتَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـ‬
‫ـاب‪671.........................................................................‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫اسم المؤلف ‪ :‬ابته ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاج حجازي بدوي سالم غبور‬

‫جمهورية مصر العربية‬

‫‪674‬‬
‫منبر الجمعـ ـ ـ ـ ــة من الحرم المكي بقلم الدكتور صالح بن محمد آل طالب‬

‫محافظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة الدقهلية‬

‫‪675‬‬

You might also like